Souriatna Issue 36

Page 1

‫ســـوريتنا‬

‫«عندما يقرر العبد أن ال يبقى‬ ‫عبدا فإن قيوده تسقط»‬ ‫غاندي‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪2012/ 5 / 27 | )36‬‬

‫صفحتنا على فيس بوك‪:‬‬ ‫‪www.facebook.com/souriatna‬‬ ‫‪souriatna@gmail.com souriatna.wordpress.com‬‬

‫ ‬

‫أسبوعية‬

‫تصدر عن شباب س��وري حر‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 27 | )36‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪1‬‬


‫أخبارنا ‪. .‬‬

‫‪� 14‬شهرا على اندالع الثورة ال�سورية‬ ‫وقتل الأطفال مازال م�ستمر ًا‬ ‫فـي ذكـــرى حمـــزة اخلطــــيب‪..‬‬

‫جمزرة جديدة فـي احلولة حت�صد ع�شرات الأطفال‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 27 | )36‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 14‬ش��هرا على اندالع الثورة السورية‬ ‫لك��ن ش��رارتها األول��ى الت��ي أش��علت أتون‬ ‫غضب الس��وريين جاءت بعد ان قتلت قوات‬ ‫األمن الس��وري الطفل حمزة الخطيب‪ ،‬الذي‬ ‫خرج من بلدته ف��ي درعا ليجلب القليل من‬ ‫الم��اء وال��زاد ألهال��ي مدينت��ه المحاصرين‬ ‫فعاد جثة ممزقة‪.‬‬ ‫حمزة طفل من مدينة درعا السورية‪،‬‬ ‫لم تمهل��ه قوات األمن الن يستنش��ق هواء‬ ‫الحري��ة‪ ،‬ولم ينتظ��ره الموت لك��ي يعيش‬ ‫ربيع بالده الذي لم يحل بعد‪.‬‬ ‫في مثل هذا اليوم من العام المنصرم‪،‬‬ ‫تسلمت أسرة حمزة جثته ممزقة وقد ظهرت‬ ‫عليه��ا عالم��ات التعذي��ب والتمثي��ل‪ ،‬وثالث‬ ‫رصاص��ات اخترق��ت جس��ده الغ��ض‪ ،‬كان‬ ‫في الثالثة عش��ر م��ن عمره‪ ،‬يح��دوه األمل‬ ‫ب��أن يك��ون يوم��ا ش��رطيا يتباه��ى ببدلته‬ ‫العس��كرية‪ ،‬لكنه أدرك مبكرا أن الحلم كان‬ ‫وردي��ا‪ ،‬فيما كان��ت الحقيق��ة ملطخة بدماء‬ ‫اآلالف ممن نادوا بالحرية‪.‬‬ ‫كم��ا ه��و البوعزي��زي ف��ي تون��س‪،‬‬ ‫وخال��د س��عيد ف��ي مص��ر‪ ،‬تحول��ت ذك��رى‬ ‫حم��زة الخطيب إلى رم��ز انتفضت من أجله‬ ‫درع��ا وباقي المدن الس��ورية‪ ،‬واهتز العالم‬ ‫للطريق��ة التي قتل فيه��ا ومثل بجثته‪ ،‬كما‬ ‫تأثرت شوارع وحارات سوريا‪.‬‬ ‫كس��رة خبز وما تيس��ر من ال��زاد حملها‬ ‫حم��زة من بلدته الجيزة في محافظة درعا مع‬ ‫آخرين في التاسع والعشرين من أبريل العام‬ ‫الماضي‪ ،‬لسد جوع أهالي مدينته التي أنهكها‬

‫الحصار من جيش النظام وقواته‪ ،‬فخرج ولم‬ ‫يعد سوى جثة بتوقيع من أيدي النظام‪.‬‬ ‫رق��د حم��زة تح��ت الت��راب واس��تمرت‬ ‫دماء القتلى تس��يل فوق��ه‪ ،‬فحمزة لم يكن‬ ‫أول األطفال وال آخره��م ممن يدفع فاتورة‬ ‫الحري��ة‪ ،‬فات��ورة ل��م ت��درس ف��ي مقاع��د‬ ‫الدراس��ة‪ ،‬لكنها بات��ت ضمن منه��ج الموت‬ ‫الذي تعتمده قوات النظام‪.‬‬ ‫في ذكرى حمزة الخطيب ارتكب النظام‬ ‫مجزرة جديدة ف��ي الحولة في ريف حمص‪،‬‬ ‫انضمت إلى سلس��لة المجازر السابقة‪ ،‬لكن‬ ‫المفارق��ة هذه المرة أنه��ا وقعت تحت أعين‬ ‫المراقبي��ن المنتش��رين في الب�لاد‪ .‬ووصل‬ ‫عدد الضحايا إلى ‪ 106‬قتي ًال و‪ 50‬طف ًال‪.‬‬ ‫وأظه��رت الص��ور فظاعة المش��هد‪ ،‬ال‬ ‫س��يما وأن معظ��م الضحاي��ا م��ن األطفال‬ ‫والنس��اء‪ ،‬كما قضى بعض الضحايا ش��نقاً‪،‬‬ ‫والبع��ض اآلخ��ر ج��راء القص��ف المدفع��ي‬ ‫العنيف‪.‬‬ ‫وتعليق��ًا عل��ى ه��ذه المج��زرة‪ ،‬أك��د‬ ‫الدكتور برهان غليون المستقيل من رئاسة‬ ‫المجلس الوطني السوري‪ ،‬أنه "أمام الهزائم‬ ‫المتكررة التي يعيشها النظام مقابل الجيش‬ ‫الح��ر البطل‪ ،‬تقوم ش��بيحة النظام بعمليات‬ ‫انتقامي��ة كان آخرها هذه المذبحة‪ .‬وناش��د‬ ‫المجتم��ع الدول��ي واألم��م المتح��دة تنظيم‬ ‫حملة دولية كبرى لوقف هذه المجازر ووضع‬ ‫حد لجرائ��م النظ��ام وعقد جلس��ة لمجلس‬ ‫األمن التخ��اذ اإلج��راءات الالزم��ة والفورية‬ ‫و"اس��تخدام القوة الرادعة ألن هذا النظام ال‬

‫يفهم س��وى لهجة العنف والقوة"‪ .‬كما أش��ار‬ ‫إل��ى أن��ه ال يمكن لعن��ان زيارة دمش��ق غداً‬ ‫وكأن شيئاً لم يكن ودون أن يرف له جفن‪.‬‬ ‫من جهته‪ ،‬قال هادي العبد اهلل الناطق‬ ‫باس��م الهيئة العامة للثورة السورية‪ ،‬إن ما‬ ‫يحص��ل لي��س مج��زرة واحدة‪ ،‬بل سلس��لة‬ ‫مج��ازر مس��تمرة‪ ،‬إذ في كل حين تكتش��ف‬ ‫عائلة جدي��دة تم ذبحها بالس��كاكين‪ ،‬وأكد‬ ‫أن القص��ف المدفع��ي العنيف مس��تمر منذ‬

‫الس��اعة الواحدة ظهراً وحتى الس��اعة‪ ،‬دون‬ ‫أن يه��دأ‪ .‬ولفت إل��ى أن القذائ��ف المدفعية‬ ‫تتس��اقط على المنطقة كالمطر‪ ،‬مؤكداً أن‬ ‫عدد الضحايا مرشح إلى االرتفاع‪.‬‬ ‫وروى في التفاصيل أن مجموعة من شبيحة‬ ‫األس��د‪ ،‬معظمهم م��ن القرى الموالي��ة لنظامه‪،‬‬ ‫قاموا بذبح األطفال والنس��اء‪ ،‬إال أن الناش��طين‬ ‫اس��تطاعوا إنقاذ وتهريب بع��ض العائالت‪ ،‬فيما‬ ‫البعض اآلخر اليزال مصيره مجهو ًال‪.‬‬

‫م�ؤرخ بلجيكي يتحدث عن جرائم النظام بال�سجون‬ ‫على الرغم من وجود مئات الشهادات‬ ‫م��ن بع��ض المؤرخي��ن واإلعالميي��ن‬ ‫والباحثي��ن الذي��ن ينحدرون م��ن أصول‬ ‫أجنبي��ة على م��ا ارتكبه النظام الس��وري‬ ‫م��ن جرائ��م بح��ق الش��عب المنتفض ما‬ ‫زال الغرب ومعه كافة مؤسساته الدولية‬ ‫والحقوقي��ة يفكر بمدى صح��ة ما يرويه‬ ‫هؤالء الشهود‪.‬‬ ‫وآخر تلك الشهادات جاءت عبر موقع‬ ‫صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية التي نشرت‬ ‫قص��ة الم��ؤرخ البلجيكي بيار بيس��ينان‬ ‫المتخص��ص ف��ي قضايا العال��م العربي‬ ‫ال��ذي ل��م يصدق بأن��ه س��يخرج حيا من‬ ‫معتقالت النظام السوري بعد أن اعتقلته‬ ‫أجهزة األمن الس��بت الماض��ي وبات قاب‬ ‫قوس��ين أو أدنى من الموت المحتم‪ ،‬لكن‬ ‫يبدو العناية اإللهية كتبت له عمراً جديداً‬ ‫فت��م احتج��ازه في س��جنين ف��ي حمص‬ ‫ودمش��ق لعدة أيام قبل ترحيله إلى بالده‬ ‫األربع��اء الماضي بتدخل بلجيكي‪ ،‬ليروي‬ ‫حكاي��ة اعتقال��ه التي تؤكد عل��ى جرائم‬

‫النظ��ام بح��ق معتقلين ضرب��وا وعذبوا‬ ‫بالكهرباء حتى الموت‪.‬‬ ‫الم��ؤرخ البلجيك��ي حس��ب روايت��ه‬ ‫أعتقل وه��و يحاول دخ��ول مدينة تلكلخ‬ ‫لالش��تباه بانتمائه للمخابرات الفرنسية‪،‬‬ ‫وزج به بسجن في حمص‪.‬‬ ‫يق��ول الم��ؤرخ‪« :‬كان��وا يجلب��ون‬ ‫المعتقلي��ن يربطونه��م ف��ي المم��رات‬ ‫يعذبونهم بالكهرب��اء ويضربونهم حتى‬ ‫الم��وت‪ ،‬لق��د رأي��ت كثيرين عذب��وا حتى‬ ‫الم��وت ف��ي المم��رات‪ ،‬في البداي��ة كانوا‬ ‫يغلق��ون األبواب بعد ذلك تناس��وا األمر‪،‬‬ ‫فظنن��ت بعد أن تركوني أش��اهد طريقة‬ ‫القت��ل والتعذي��ب حت��ى الم��وت أن أمري‬ ‫قد انته��ى‪ ،‬ولن يتركوني أخ��رج حيا من‬ ‫هنا»‪.‬‬ ‫وع��ن طريق��ة اس��تجوابه يوض��ح‬ ‫المؤرخ‪« :‬رجال األمن كانوا يس��تجوبوني‬ ‫ف��ي حجرة فيه��ا طاولة عليها أب��ر وبقايا‬ ‫أظاف��ر وبقع م��ن الدم‪ ،‬وف��ي الليل كنت‬

‫أتعرض للضرب والتعذيب»‪.‬‬ ‫بعد أيام من اعتقاله في حمص نقل‬ ‫إلى س��جن في دمش��ق‪ ،‬ومن هناك نجح‬ ‫بمس��اعدة أح��د المعتقلين ف��ي االتصال‬ ‫عب��ر هاتف ج��وال بالس��لطات البلجيكية‬ ‫التي نجحت في التفاوض مع النظام على‬ ‫إطالق سراحه‪.‬‬ ‫يؤكد المؤرخ الذي زار س��ورية أكثر‬ ‫م��ن م��رة‪« :‬أن نظ��ام األس��د يعمل على‬ ‫س��حق المعارض��ة بالعنف‪ ،‬وف��ي الظرف‬ ‫الحال��ي لن يتغير ش��يء في س��ورية مع‬ ‫نظام الرعب الحاكم ما لم نتدخل»‪ .‬طبعا‬ ‫هنا يقص��د الم��ؤرخ الغرب ال��ذي ما زال‬ ‫يفك��ر بصحة م��ا يجري في س��ورية من‬ ‫جرائم فظيعة بحق المتظاهرين؟؟!‪.‬‬ ‫الملف��ت ف��ي رواي��ة الم��ؤرخ بي��ار‬ ‫بيس��ينان اعترافه أنه كان في األصل من‬ ‫مؤيدي نظام األسد‪ ،‬وأنه كان يدعو دائما‬ ‫ف��ي مدونته من الحذر م��ن الدعاية التي‬ ‫تنشرها المعارضة السورية حول ارتكاب‬

‫النظ��ام جرائم ضد ش��عبه‪ ،‬ولكن إقامته‬ ‫األخي��رة جعلت��ه يب��دل موقف��ه إذ يقول‬ ‫معترف��اً‪« :‬لقد أخط��أت وعلينا خاصة في‬ ‫حالة كهذه أن نعترف بأخطائنا»‪.‬‬ ‫والس��ؤال ال��ذي يتب��ادر للذهن من‬ ‫خ�لال رواي��ة الم��ؤرخ البلجيك��ي هو‪ :‬إن‬ ‫كانت منظمة العفو الدولية تتهم بش��كل‬ ‫مباش��ر عبر تقريرها األخير نظام األسد‬ ‫بتعذيب معتقلين ومتظاهرين س��لميين‬ ‫حتى الموت وهي أعمال قد تكون بمثابة‬ ‫جرائم ض��د اإلنس��انية حس��ب المنظمة‬ ‫المذك��ورة ذاته��ا‪ ،‬وإن كان تقري��ر بعث��ة‬ ‫المراقبي��ن التابعة لألم��م المتحدة تؤكد‬ ‫أن ق��وات نظ��ام األس��د ترتك��ب أغلبي��ة‬ ‫االعتداءات على حقوق اإلنسان وتمارس‬ ‫التعذي��ب حتى بحق األطف��ال‪ ،‬وإن جميع‬ ‫التقارير التي كتبها الباحثون واإلعالميون‬ ‫والمؤرخ��ون أك��دت عل��ى ارتكاب��ه تل��ك‬ ‫الجرائ��م فإل��ى مت��ى س��ينتظر الش��عب‬ ‫الس��وري هذه الهيئات لكي تحدد موقفها‬ ‫الصحيح من النظام وجرائمه؟؟؟!‪.‬‬


‫الكامريا فـي مواجهة القاتل‬

‫�أوجـــاع وطــن‬ ‫بكر صدقي‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 27 | )36‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫ضجت شبكة اإلنترنت بمقاطع الفيديو التوثيقية منذ بداية الثورة السورية‪ ،‬محاربة بذلك التعتيم‬ ‫اإلعالمي الذي فرضه النظام على وس��ائل اإلعالم كافة‪ .‬فكانت هذه الفيديوهات الش��اهد الرئيس��ي‬ ‫عل��ى جرائم النظ��ام‪ ،‬والمادة الخبرية األهم للمحطات التليفزيونية ووس��ائل اإلعالم األخرى‪ ،‬والراوي‬ ‫األمثل لقصص التعذيب التي يقوم بها األمن الس��وري وأتباعه تجاه الش��عب السوري األعزل‪ .‬استخدم‬ ‫الناش��طون في تصوير المقاطع التوثيقية كل الوس��ائل المتاحة بين أيديهم من الهاتف المحمول إلى‬ ‫الكامي��رات الصغيرة‪ ،‬متحدي��ن بذلك نظامًا قمعيًا اعتبر ما يقومون به أخطر من المقاومة المس��لحة‪،‬‬ ‫فقام بمالحقتهم واعتقالهم والتنكيل بهم‪.‬‬ ‫أن مهمتهم الرئيس��ية لمواجهة النظام الس��وري‬ ‫يث��ن عزيمة الثوار الذي��ن اعتبروا ّ‬ ‫لك��ن هذا لم ِ‬ ‫هي وضع مرآة أمام وجهه‪ ،‬ليعكس��وا عبرها للعالم أجمع هذا الكم الكبير من الوحش��ية واالس��تبداد‪،‬‬ ‫ال��ذي تم ّثل في عملي��ات االعتقال والمداهمات والقت��ل والقصف وحوادث التعذي��ب بحق المتظاهرين‬ ‫السلميين‪.‬‬ ‫وألن اإلعالم الس��وري الرسمي حاول بكل الطرق خلق صورة أخرى لألحداث وواقعًا مختلفاً ضمن‬ ‫أطروح��ة المؤامرة التي اخترعتها الحكومة‪ ،‬فقد قام العديد من المخرجين‪ ،‬ورغم المالحقة الشرس��ة‪،‬‬ ‫بتصوير أفالم تس��جيلية عن المناطق الساخنة في س��وريا‪ ،‬روت حكايات المناطق والبلدات المنكوبة‪،‬‬ ‫قصص أش��خاص عاش��وا الحراك الش��عبي فيها‪ ،‬وكيف تعرضوا لكافة أنواع التعذيب‪ .‬وإن كانت بعض‬ ‫هذه األفالم ال ترتقي إلى قواعد الس��ينما الوثائقية االحترافية إال أنها كانت بداية جديدة لخلق قواعد‬ ‫ً‬ ‫محكومة بالظروف المحيطة والمعدات البسيطة‪.‬‬ ‫أكثر مرونة للفيلم الوثائقي‪،‬‬ ‫من هذه األفالم “نش��يد البقاء – الوعر” الذي صورته مخرجة س��ورية بش��كل س��ري في منطقة‬ ‫الوعر في حمص وذلك في ش��هر رمضان ‪ .2011‬ويروي الفيلم ش��هادات من أهل المدينة ولقا ًء خاصًا‬ ‫مع حارس مرمى منتخب الش��باب الس��وري عبد الباسط الس��اروت الذي قاد مظاهرات مطالبة بإسقاط‬ ‫النظام‪ ،‬مؤلفًا أغانٍ وألحان أصبحت هتاف المتظاهرين في كافة المناطق السورية‪.‬‬ ‫أما في حماة‪ ،‬فقد قام أحد الناش��طين بتصوير فيلم “‪ 23‬دقيقة تهريب” الذي أخذ ش��كل برنامج‬ ‫عن الثورة الس��ورية‪ ،‬تم تصويره قبيل اقتحام الجيش للمدينة‪ .‬ودخل صانع الفيلم إلى حماة مس��لحًا‬ ‫بكاميراته‪ ،‬متحديًا عيون القناصة‪ ،‬ليحكي قصص الناشطين هناك‪.‬‬ ‫وف��ي األش��هر الماضي��ة أخ��ذت صناع��ة الفيل��م الوثائقي اإلبداع��ي منحى آخ��ر أكث��ر احترافية‬ ‫وخصوصي��ة‪ ،‬وذلك ألن صانعي هذه األفالم أدركوا أن م��ا يقومون به ليس مجرد مادة خبرية تعرض‬ ‫في المحطات اإلخبارية‪ ،‬بل وثيقة سيحتفظ بها التاريخ في ذاكرته‪.‬‬ ‫مثال على ذلك فيلم “دوار الش��مس – الرس��تن” الذي قامت بتصويره إحدى المخرجات السوريات‬ ‫متحدي��ة الحص��ار والقصف ال��ذي تعرضت له المنطقة من قبل الجيش الس��وري بالدبابات واألس��لحة‬ ‫الثقيلة‪ .‬ويحكي الفيلم قصص استهداف واغتيال الناشطين وتعذيب المرضى في السجون والمشافي‪،‬‬ ‫كما يس��لط الضوء على شهادات لجنود انش��قوا عن الجيش السوري‪ .‬يصور "دوار الشمس – الرستن"‬ ‫جنازة لمالزم أول انش��ق في اليوم الس��ابق الستش��هاده‪ ،‬ومظاهرة مس��ائية تحية له وألهله‪ ،‬ونصرة‬ ‫لحماة المحاصرة‪.‬‬ ‫وقد لفتت الثورة السورية منذ يومها األول اهتمام الصحفيين والمخرجين األجانب‪ ،‬الذين توجهوا‬ ‫إلى سورية ليكونوا جزءاً من الحراك‪ ،‬وليقفوا مع الشعب السوري في ثورته من أجل الحرية والكرامة‪.‬‬ ‫فدخل الكثير منهم س��راً‪ ،‬ليس��اعدوا في نقل صوت الناش��طين إلى وس��ائل اإلعالم التي يعملون بها‪.‬‬ ‫ورغ��م الخط��ر الذي تعرضوا له‪ ،‬والذي وصل إلى درجة القتل أحيان��ًا‪ ،‬فقد قاموا بتصوير أفالم عديدة‬ ‫ضجّت بها وس��ائل إعالم أجنبية‪ ،‬واس��تخدمتها منظمات تدافع عن حقوق اإلنسان كوثائق ضد النظام‬ ‫السوري‪.‬‬ ‫وكان فيلم “سورية في جحيم القمع” للصحفية الفرنسية صوفيا عمارة‪ ،‬والذي صورته في الشهر‬ ‫األول للث��ورة‪ ،‬مث��ال على ذل��ك‪ .‬يتنقل الفيلم بي��ن المحافظات ليروي قصص أهالي المدن الس��ورية‬ ‫المحاصرة‪ .‬فقد تسللت صوفيا عمارة إلى سوريا واتجهت إلى حمص وصورت فيها المظاهرات وأساليب‬ ‫التحضير لها‪ ،‬كما التقت في الرستن بالضباط الذين أعلنوا تشكيلهم الجيش الحر‪ ،‬وذهبت بعدها إلى‬ ‫حم��اة ورصدت هناك وحش��ية النظام في قصفه للمدنيين‪ ،‬والتقت بعائ�لات ضحايا ‪ 1982‬الذين جرى‬ ‫دفنهم في الحدائق العامة‪ .‬أصبح هذا الفيلم والكثير غيره جزءاً من منظومة الحراك الثوري‪ ،‬تتراكض‬ ‫لعرضها المحطات اإلخبارية‪ ،‬والشبكات االجتماعية على اإلنترنت‪.‬‬ ‫إن ه��ذه التجارب غيرت مفهوم الس��ينما الوثائقية‪ .‬فالمخرجون الس��وريون اليوم يبتكرون طرقًا‬ ‫ّ‬ ‫وأس��اليب جديدة لتواكب نضال الش��عب ضد نظام قمعي حكمهم طوال أربعين عاماً‪ .‬إنها بداية جديدة‬ ‫للمخرجين والمصورين ليخرجوا من قوقعة الترهيب التي قبعت على عدس��اتهم سنين طويلة‪ ،‬ونبضًا‬ ‫جديداً لسينما تسجيلية غيبت طوي ًال بين رفوف مكاتب الرقابة‪.‬‬ ‫عن موقع‪The Damascus Bureau :‬‬

‫اس��تعصاء الوضع في س��وريا‪ ،‬بع��د انقضاء ع��ام على بداية‬ ‫ثورته��ا الش��عبية‪ ،‬ه��و العالمة الب��ارزة الي��وم في ربي��ع الثورات‬ ‫العربي��ة‪ .‬يبدو المش��هد قاتمًا لم��ن يراقب المج��زرة الكبرى التي‬ ‫يرتكبه��ا النظ��ام العائل��ي الحاك��م كل ي��وم‪ ،‬من غي��ر أن يردعه‬ ‫رادع‪ .‬كأن ه��ذه الطغم��ة المجرمة‪ ،‬في دفاعها ع��ن بقائها‪ ،‬تدافع‬ ‫ف��ي الوقت نفس��ه عن كل أع��داء الحرية‪ .‬بل كأنه��ا ّ‬ ‫تنكبت مهمة‬ ‫وأد ث��ورات الحري��ة في بالد العرب‪ً ،‬‬ ‫نيابة ع��ن جميع األنظمة التي‬ ‫ارتع��دت خوف��ًا مذ رأت ش��بح الحرية المقلق الذي ظه��ر ً‬ ‫بداية في‬ ‫تونس وأخذ يتنقل من بلد إلى آخر‪.‬‬ ‫قالوا إن الحالة الس��ورية تختلف عن حالة الثورات في البلدان‬ ‫العربي��ة األخرى‪ .‬هذا صحيح في نقطة واحدة على األقل‪ :‬تفوّقت‬ ‫الطغمة الحاكمة في همجيتها على جميع قريناتها‪ .‬كذا في كذبها‪،‬‬ ‫وف��ي المباالة العال��م أم��ام فظاعاته��ا‪ .‬الحالة الس��ورية مختلفة‬ ‫أيض��ًا في هذه الملحم��ة البطولية لصمود ثورته��ا برغم كل هذا‬ ‫التنكيل‪.‬‬ ‫إذا كان م��ا يجم��ع الثورات الخم��س الكبرى ه��و اندالعها في‬ ‫جمهوريات تحكمها طغم عائلية فاس��دة‪ ،‬فسوريا هي البلد الوحيد‬ ‫الذي تحقق فيه التوريث فع ً‬ ‫ال‪ ،‬مقابل مشاريع التوريث التي طوتها‬ ‫ثورات ش��عوبها ف��ي الجمهوريات األخرى‪ .‬لذل��ك ال أغامر كثيراً إذا‬ ‫قل��تُ إن مصير ث��ورات الحرية في بالد الع��رب يتوقف اليوم على‬ ‫نج��اح الث��ورة الس��ورية أو إجهاضها‪ .‬في ه��ذا المعنى‪ ،‬فالش��عب‬ ‫السوري الثائر من أجل حريته وكرامته‪ ،‬يخوض‪ ،‬في الوقت نفسه‪،‬‬ ‫معركة الحرية األفدح ثمناً عن كل الشعوب العربية‪ .‬انتصار الثورة‬ ‫السورية سوف يعني استئناف موجة الثورات التي تلكأت عند أبواب‬ ‫دمش��ق‪ ،‬وإخمادها س��وف يعن��ي ضياع فرصة تاريخي��ة لن تتكرر‬ ‫ليمسك العرب بمصيرهم مر ًة واحدة وأخيرة‪.‬‬ ‫اس��تفادت النزعات النكوصية في البلدان العربية التي نجحت‬ ‫فيه��ا الثورة ف��ي إطاحة طغمه��ا العائلية الحاكمة‪ ،‬من اس��تعصاء‬ ‫الثورة الس��ورية المديد‪ ،‬فأخذت تعمل على استعادة زمام المبادرة‬ ‫م��ن جدي��د‪ .‬هذا م��ا نتابع��ه في تون��س ومص��ر وليبي��ا واليمن‪.‬‬ ‫ف��ي المقابل‪ ،‬الخط المتع��رج الذي تمضي فيه األح��داث في هذه‬ ‫البل��دان‪ ،‬يمنح الطغم��ة العائلي��ة المجرمة في س��وريا مزيداً من‬ ‫أسباب الصمود‪ .‬فتعثر الثورات السابقة يقوِّي نزعات التشاؤم لدى‬ ‫الش��عب الثائر في س��وريا‪ .‬وهي نزعات تتغ��ذى أص ً‬ ‫ال على عوامل‬ ‫س��ورية ال يس��تهان بقوته��ا‪ ،‬أهمّه��ا الخ��وف من الفتن��ة األهلية‬ ‫المتعددة الطرف‪ ،‬انتشار السالح بصورة عشوائية‪ ،‬كثرة الالعبين‬ ‫العرب والدوليين على الس��احة الس��ورية المفتوح��ة إلى أقصاها‪،‬‬ ‫والخ��وف من انهيار الدولة التي س�� ّلمت الطغمة الحاكمة مصيرها‬ ‫لعصابات الشبّيحة‪.‬‬ ‫لك��ن عوامل التف��اؤل ال تقل عن عوامل التش��اؤم قوةً‪ .‬ليس‬ ‫فق��ط أن ما يس��مّى بمنطق التاريخ هو مع انتص��ار ثورة الحرية‪،‬‬ ‫وأن نظام��اً بمواصف��ات العائلة الحاكمة هذه تج��اوزه التاريخ‪ ،‬بل‬ ‫هن��اك ما هو أهم‪ ،‬أو ما هو التجس��يد العمل��ي للمنطق المذكور‪:‬‬ ‫إرادة الق��وة ل��دى ش��عب انتصر على الخ��وف مر ًة واح��دة وأخيرة‪.‬‬ ‫ذل��ك البريق الغريب الذي تراه في عيون الس��وريين‪ ،‬يخبرك أنهم‬ ‫أس��قطوا النظ��ام منذ تل��ك التظاه��رة األولى في س��وق الحريقة‬ ‫وس��ط دمش��ق‪ ،‬ف��ي ‪ 17‬ش��باط ‪ ،2011‬وهتفوا م��لء حناجرهم‪:‬‬ ‫الشعب السوري ما بينذل!‬ ‫لقد ثأر التاريخ للشعب السوري ممن داسوا على كرامته مدى‬ ‫نص��ف قرن‪ .‬لم يتهزأ ديكتاتور عربي كما تهزّأ بش��ار األس��د‪ .‬لم‬ ‫يواجَ��ه أي يدكتات��ور عربي غيره بش��عار يلعن فيه الش��عب روح‬ ‫أبي��ه في قبره‪ .‬لم تت��م معاقبة أي ديكتاتور غي��ره في أمه وأخته‬ ‫وأخ��ت زوجته وزوج��ة أخيه وأختها‪ ،‬كما فع��ل االتحاد األوروبي مع‬ ‫هذه العائلة‪ .‬لم تنكش��ف فضائح البريد اإللكتروني ألي ديكتاتور‬ ‫غيره‪.‬‬ ‫أمام كل هذه البهدلة‪ ،‬ال يزال ج ّ‬ ‫الدوه يرغمون أس��راهم على‬ ‫الهتاف بألوهية بشار وأخيه‪ .‬فإذا بلغ إله أزالم النظام هذه الدرجة‬ ‫م��ن الضعة واله��وان‪ ،‬فاعرف أنه س��اقط وأن الث��ورة ماضية نحو‬ ‫نصرها األكيد‪.‬‬ ‫ملحق جريدة النهار ‪2012 / 5 / 5‬‬

‫أخبارنا ‪. .‬‬

‫ّ‬ ‫بينذل‬ ‫ال�شعب ال�سوري ما‬

‫‪3‬‬


‫من قال �أننا مل ننت�صر‪..‬‬

‫الملف ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 27 | )36‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪4‬‬

‫قراءة يف االنتخاب��ات الرئا�سية امل�صرية‬ ‫ياسر مرزوق‬ ‫في ملفن��ا الي��وم نح��ط رحالنا في‬ ‫مص��ر الحبيب��ة‪ ،‬لي��س لق��راءة العالق��ة‬ ‫العضوية التي تربطنا بالشقيقة الكبرى‪،‬‬ ‫ولكن الس��تقراء المعركة الرئاس��ية التي‬ ‫تش��هدها مص��ر والت��ي يتزام��ن صدور‬ ‫نتيجتها األولية عش��ية ص��دور هذا العدد‬ ‫من س��وريتنا‪ ،‬مصر التي ش��هدت ظهور‬ ‫الدول��ة منذ ما يق��ارب الس��تة آالف عام‪،‬‬ ‫ول��م تحظى بحاك��م منتخب حت��ى يومنا‬ ‫ه��ذا‪ ،‬عن "نجي��ب ٍمحفوظ" وال��ذي آثرت‬ ‫ذكر اس��مه ب�لا لقب فمن في س��وريا لم‬ ‫يدمن قراءته وع��ن روايته "أمام العرش‬ ‫" ننقل‪ " :‬انعقدت المحكمة بكامل هيئتها‬ ‫المقدس��ة ف��ي قاع��ة الع��دل بجدرانه��ا‬ ‫العالي��ة المنقوش��ة بالرم��وز اإللهي��ة‬ ‫وس��قفها المذه��ب تس��بح ف��ي س��مائه‬ ‫أحالم البش��ر‪ ،‬أوزوريس في الصدر على‬ ‫عرش��ه الذهبي‪ ،‬إل��ى يمينه أيزيس على‬ ‫عرش��ها وإلى يساره حورس على عرشه‪،‬‬ ‫وعل��ى مبع��دةٍ يس��يرة من قدمي��ه تربع‬ ‫تح��وت كات��ب اآللهة مس��نداً إلى س��اقيه‬ ‫المش��تبكتين الكت��اب الجام��ع‪ ،‬وعل��ى‬ ‫جانبي القاعة صفت الكراس��ي المكسوة‬ ‫بقش��رةٍ من الذهب الخال��ص تنتظر من‬ ‫س��يكتب لهم الخالص م��ن القادمين‪....‬‬ ‫بأمر م��ن أوزوريس‬ ‫ث��م تعق��د المحكمة ٍ‬ ‫والذي ارت��أى أنها الس��اعة الفاصلة‪ ،‬وها‬ ‫ه��ي المحكم��ة تنعق��د من أجل س��ياحة‬ ‫طويل��ة في الزمن"‪ ...‬لتب��دأ بالملك "مينا‬ ‫" موح��د القطري��ن وتنته��ي بالرئي��س "‬ ‫أنور السادات " يلقي كلٌ من حكام مصر‬ ‫بدفوعه على مس��امع اآلله��ة ولها القرار‬ ‫ليدخل س��جل الخالدي��ن‪ ،‬أو باب التافهين‬ ‫أو جهنم‪....‬‬ ‫عاش��ت مصر تاريخها في ظل أبناء‬ ‫الش��مس ت��ارة وأبناء اهلل ت��ار ًة أخرى ثم‬ ‫توال��ى عليها خلف��اء رس��ول اهلل وأحفاد‬ ‫الممالي��ك والت��رك والح��كام بأم��ر اهلل‬ ‫وأحفاد محم��د علي لينته��ي بها المطاف‬ ‫تحت حك��م العس��كر‪ ،‬ولم تع��رف حاكمًا‬ ‫منتخب��اً يومًا‪ ،‬حتى ت��رك المصريون أمر‬ ‫محاس��بة حكامه��م لآلله��ة‪ ،‬وال نعن��ي‬ ‫هنا اس��تكانة الش��عب المص��ري وقبوله‬ ‫العبودي��ة‪ ،‬فليس من أمةٍ ث��ارت كما ثار‬ ‫المصريون‪ ،‬مس��جلين في سجل التاريخ‬ ‫تج��ارب أق��رب للديمقراطي��ة ل��م يكن "‬ ‫س��عد زغل��ول‪ ،‬وعرابي والنحاس باش��ا "‬ ‫الوحيدي��ن في هذا الس��جل‪ ،‬كم��ا تأقلم‬ ‫المصريون مع حكامهم واس��تطاعوا عبر‬ ‫هام��ش من‬ ‫تاريخه��م الطوي��ل انت��زاع‬ ‫ٍ‬ ‫الحرية يضيق ويتسع‪ ،‬دون أن يجف أبداً‪.‬‬ ‫ع��ن الدكت��ور " ج�لال أمي��ن " ومن‬ ‫كتاب��ه الث��ري "وصف مص��ر " ننقل‪ " :‬إن‬ ‫المصري ب��ات ينظر إلى اعتالء الس��لطة‬ ‫والخروج منها نظ��ر ًة قد تختلف ً‬ ‫كلية عن‬ ‫نظرة الش��عوب األخ��رى‪ ،‬فاألمر في نظر‬ ‫المص��ري ال يختلف كثي��راً عن أي ظاهرة‬ ‫طبيعي��ة‪ ،‬كهب��وب العاصف��ة أو ح��دوث‬ ‫فيض��ان أو زل��زال‪ ،‬الرج��ل يحص��ل على‬ ‫الس��لطة ألس��باب غير مفهوم��ة ويخرج‬ ‫منها ألسباب غير مفهومة أيضًا‪ ....‬واألمر‬ ‫يجب أن يعالج بنفس الحكمة التي تعامل‬

‫به��ا الظواه��ر الطبيعية التي ال س��يطرة‬ ‫لإلنسان عليها‪ ...‬المس��ألة كلها في نظر‬ ‫المصري من س��نن الكون الطبيعية التي‬ ‫ال يمك��ن التحكم فيها أو تغيير مس��ارها‬ ‫له��ذا نج��د المصريين كثيراً م��ا ينظرون‬ ‫إل��ى رج��ال المعارض��ة نظ��ر ًة فيه��ا من‬ ‫االستغراب واإلش��فاق‪ ،‬أكثر مما فيها من‬ ‫التأييد أو االعتراض‪ ،‬وكأن لس��ان حالهم‬ ‫يقول "انظر إلى هذا الرجل الغريب‪ ،‬الذي‬ ‫يظن أن باإلمكان تغيير األمور‪." ! ....‬‬ ‫إال أن هنال��ك دائم��ًا أكث��ر مما يبدو‬ ‫عل��ى الس��طح‪ ،‬فخالل حكم مب��ارك فقد‬ ‫الش��عب المصري قدرته على التأقلم مع‬ ‫الطاغي��ة ألن التأقل��م والحالة هذه يعني‬ ‫الموت المعن��وي‪ ،‬بالحد األدنى فالفس��اد‬ ‫وضي��اع الهوي��ة والكرام��ة‪ ،‬وص��ل مداه‪،‬‬ ‫وص��رخ الش��عب المص��ري "كفاي��ة" عام‬ ‫‪ 2005‬ليرج��ع الص��دى في المي��دان عام‬ ‫‪ ،2011‬عن "محمد حس��نين هيكل" ومن‬ ‫كتاب��ه "زم��ن مب��ارك م��ن المنص��ة إلى‬ ‫الميدان "ننقل‪" :‬يتبقى أن هناك سؤا ًال ال‬ ‫بد أن يصل إلى آذان الجميع‪ :‬كيف استطاع‬ ‫هذا الرجل أن يجلس على رئاس��ة مصر‬ ‫ثالثي��ن س��نة‪ ،‬ثم كيف اس��تطاع ش��عب‬ ‫مصر أن يصبر ثالثين س��نة ؟ وبالنس��بة‬ ‫"لكيف" األولى فالجواب عن س��ؤالها‪ :‬إنه‬ ‫حظه طالما اس��تطاع البق��اء‪ ،‬وأما "كيف"‬ ‫الثاني��ة فج��واب س��ؤالها‪ :‬إنها مس��ئولية‬ ‫الش��عب المص��ري كل��ه ألن��ه ه��و اآلخر‬ ‫اس��تطاع بالصبر والصمت وإظهار السأم‬ ‫والملل أحيان��ًا‪ ،‬حتى جاءت ثورة ‪ 25‬يناير‬ ‫‪ 2011‬عنده��ا ل��م يعد الصبر ق��ادراً‪ ،‬وال‬ ‫الصمت ممكنًا‪ ،‬وال الملل كافيًا‪"...‬‬ ‫أتت الث��ورة المصرية لتس��قط آخر‬

‫الفراعن��ة‪ ،‬ع��ن الكاتب "صال��ح إبراهيم‬ ‫الحس��ن" وم��ن مقالت��ه األخي��رة "أنت ال‬ ‫تع��رف مص��ر" ننق��ل‪" :‬عندم��ا الحت في‬ ‫األفق بوادر الثورة الشعبية المباركة‪ :‬قال‬ ‫لي زميل بش��ماتة‪ :‬ظن المصريون أنهم‬ ‫قادرون على إس��قاط نظ��ام جبار‪ ،‬وهم‬ ‫أضعف كثيراً من ذل��ك‪ٍ ،‬‬ ‫فقلت له بالحرف‬ ‫الواح��د‪ :‬س��وف ترى‪ ،‬أن��ت ال تعرف مصر‬ ‫وأهلها وتاريخها‪ :‬فرد علي س��اخراً‪ :‬دعك‬ ‫م��ن أوهامك‪ ،‬وبعد ظهور بش��ائر النصر‬ ‫جاء إل��ي معتذراً "وقد أوردت هذا المقطع‬ ‫ل��كل الجاحدي��ن بفك��رة إرادة الش��عوب‬ ‫وقدرته��ا على التغيير‪ ،‬حتى لو وقفت في‬ ‫وجهها اآللهة‪.‬‬ ‫ولنا الي��وم أن نتكلم بما كان يدعيه‬ ‫اإلع�لام المص��ري زم��ن الث��ورة‪ ،‬ع��ن‬ ‫مؤامرةٍ خارجية ومسلحين مندسين بين‬ ‫الجماهير والت��ي أثبت الزمن والتحقيقات‬ ‫كذبها فالمؤامرة تكون ضد الشعوب التي‬ ‫تطلب الحرية‪ ،‬ف��إذا تأملنا بعمق تاريخنا‬ ‫العربي ومساراته والتحديات التي مر بها‬ ‫اكتش��فنا كم حاولت الق��وى اإلقليمية أن‬ ‫تعرقل مس��ار حضارتن��ا‪ ،‬والحقيقة التي‬ ‫سجلها التاريخ وأكدتها األحداث عبر رحلة‬ ‫االنتص��ارات واالنكس��ارات أن المؤام��رة‬ ‫هي ضد الشعب المصري‪ ،‬والتي اتضحت‬ ‫بعد نج��اح الث��ورة المصرية بم��ا أحدثت‬ ‫ً‬ ‫بداي��ة ناصعة‬ ‫م��ن متغيرات س��طرت بها‬ ‫لتاري��خ يؤكد عزم الش��عب على المضي‬ ‫مس��تقبل جدي��د‪ ....‬فاألحداث‬ ‫قدم��ًا نحو‬ ‫ٍ‬ ‫األمنية والتفجيرات المفتعلة ظهرت على‬ ‫الس��طح‪ ،‬والس��باق على الرئاسة انحصر‬ ‫ص��راع بي��ن اإلخ��وان "م��ن وراءهم‬ ‫في‬ ‫ٍ‬ ‫قط��ر" وتي��ار الس��لفيين "وم��ن وراءهم‬

‫السعودية"‪ ،‬وبين القوات المسلحة‪ ،‬وبين‬ ‫عدد من الشخصيات والتنظيمات الحزبية‬ ‫المس��تقلة‪ ،‬حتى بدا مصي��ر مصر الثورة‬ ‫ش��بحًا معلقاً عل��ى أفق مس��تقبل الربيع‬ ‫العربي بأسره‪ ،‬هذه هي اللحظة الخطرة‬ ‫في التاريخ‪.‬‬ ‫إن اس��تعراض القوائ��م المبدئي��ة‬ ‫للمرش��حين لمنصب الرئاس��ة كان مثيراً‬ ‫للدهش��ة واالس��تغراب‪ ،‬فل��م يك��ن فوز‬ ‫اإلس�لاميين في انتخابات مجلس الشعب‬ ‫باألمر المس��تغرب‪ ،‬وال ترش��ح قياداتهم‬ ‫للرئاس��ة بالمس��تغرب أيض��ًا فنح��ن‬ ‫أم��ا حتمي��ةٍ أق��ر به��ا الجم��ع األكبر من‬ ‫المفكرين والساسة وهي حتمية الصعود‬ ‫الس��ريع لإلس�لاميين وأفولهم الس��ريع‬ ‫أيضًا‪ ،‬إال أن الداعي للدهش��ة والسخرية‬ ‫أحيانًا‪ ،‬هو أننا أمام ثورةٍ أس��قطت نظام‬ ‫مبارك‪ ،‬وانتخابات مصر الجديدة يتنافس‬ ‫فيها "عمر سليمان" نائب مبارك‪ ،‬و"أحمد‬ ‫ش��فيق" رئيس وزرائه و "عمر موس��ى"‬ ‫وزي��ر خارجيته‪ ،‬ويش��رف عليها المش��ير‬ ‫"طنطاوي" وزير دفاعه‪ ،‬إال أن المصريين‬ ‫والحال��ة ه��ذه لم يرض��وا بنص��ف ثورة‬ ‫واحتكم��وا للمي��دان ً‬ ‫ثانية‪ ،‬وق��ال القضاء‬ ‫المص��ري كلمت��ه وأُقص��ى بع��ض رموز‬ ‫نظام مبارك‪ ،‬إال أن القول الفصل سيكون‬ ‫لصناديق االقتراع‪.‬‬ ‫وتجرى الجولة األولى من االنتخابات‬ ‫يومي ‪ 23‬و‪ 24‬أيار وهناك نحو ‪ 50‬مليون‬ ‫مصري م��ن بين ‪ 82‬مليون نس��مة يحق‬ ‫له��م التصوي��ت‪ .‬وطبقًا لما أعلن رس��ميًا‬ ‫فإن الفرز سينتهي يوم ‪ 26‬أيار ثم تعقبه‬ ‫فت��رة تق��دم فيه��ا الش��كاوى‪ .‬وس��تعلن‬ ‫النتيجة الرس��مية للجولة األولى يوم ‪29‬‬


‫الملف ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 27 | )36‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫أيار‪ ،‬وف��ي حالة حصول أي مرش��ح على‬ ‫أكث��ر من ‪ 50‬في المئة م��ن األصوات في‬ ‫الجولة األولى فإنه يفوز دون جولة إعادة‪.‬‬ ‫وهذا تصور غير مرجح فيما يبدو في ظل‬ ‫كثرة عدد المرشحين لذلك ستجرى جولة‬ ‫إع��ادة بين المرش��حين اللذي��ن يحصالن‬ ‫عل��ى أكبر نس��بة م��ن األص��وات في ‪16‬‬ ‫و‪ 17‬حزيران وم��ن المقرر إعالن النتيجة‬ ‫ي��وم ‪ 21‬حزيران‪ .‬وف��ي انتخابات مجلس‬ ‫الش��عب بلغت نس��بة اإلقبال نحو ‪ 60‬في‬ ‫المئ��ة‪ .‬ويتوقع بع��ض المحللين أن تزيد‬ ‫النسبة في هذه االنتخابات‪.‬‬ ‫يخوض الس��باق ‪ 13‬مرشحا بعد أن‬ ‫استبعدت اللجنة العليا النتخابات الرئاسة‬ ‫عشرة مرش��حين لعدم استيفاء الشروط‬ ‫المطلوب��ة‪ .‬ومن بين المس��تبعدين عمر‬ ‫س��ليمان المدير السابق لجهاز المخابرات‬ ‫العام��ة المصري��ة وال��ذي تول��ى منصب‬ ‫نائب مبارك لعدة أيام فقط وكذلك خيرت‬ ‫الش��اطر نائ��ب المرش��د الع��ام لجماع��ة‬ ‫اإلخ��وان المس��لمين الت��ي رش��حت بد ًال‬ ‫من��ه محمد مرس��ي رئيس ح��زب الحرية‬ ‫والعدال��ة ال��ذراع السياس��ية للجماع��ة‪.‬‬ ‫وأصبح هناك حاليًا ‪ 12‬مرش��حاً فعلياً بعد‬ ‫انسحاب أحدهم‪.‬‬ ‫ومن المنافسين الرئيسيين المرشح‬ ‫الليبرالي وزير الخارجية األسبق في عهد‬ ‫مب��ارك واألمي��ن الع��ام الس��ابق لجامعة‬ ‫ال��دول العربية "عمرو موس��ى" وهو من‬ ‫أشهر األس��ماء في سباق الرئاسة وكذلك‬ ‫المرشح اإلسالمي عبد المنعم أبو الفتوح‬ ‫ال��ذي تمك��ن م��ن اجت��ذاب أص��وات م��ن‬ ‫توجهات مختلفة من الليبراليين إلى التيار‬ ‫الس��لفي و"أحمد شفيق" وهو قائد سابق‬ ‫للق��وات الجوي��ة ووزي��ر س��ابق للطيران‬ ‫المدني وأصبح في األي��ام األخيرة لحكم‬ ‫مب��ارك رئيس��ًا لل��وزراء‪ .‬وينظ��ر ألغلب‬ ‫المرشحين اآلخرين على أن فرصهم أقل‬ ‫لكن ش��عبية المرشح اليس��اري "حمدين‬ ‫صباح��ي" تتزاي��د بس��بب بس��اطته ف��ي‬ ‫التواصل مع المواطنين العاديين‪ ،‬وتظهر‬ ‫المؤش��رات العامة أن موسى وأبو الفتوح‬ ‫وشفيق يتصدرون السباق‪ .‬وكان مرسي‬ ‫متأخرا في استطالعات الرأي لكن ماكينة‬ ‫الدعاية القوية التي تس��تعين بها جماعة‬ ‫اإلخ��وان المس��لمين ج��رى تكثيفه��ا في‬ ‫األيام القليلة الماضية بتجمعات حاش��دة‬ ‫وإعالن��ات مكثف��ة به��دف إقن��اع ماليين‬ ‫الناخبين الذين ربما ال يحس��مون أمرهم‬ ‫إلى أن تحين اللحظة األخيرة‪.‬‬ ‫فبع��د ثورة ‪ 25‬يناير وقيام المجلس‬ ‫األعل��ى للقوات المس��لحة بإدارة ش��ئون‬ ‫البالد لفترة انتقالية حددت بس��تة أشهر‪،‬‬ ‫تأجل��ت انتخابات الرئاس��ة المصرية التي‬ ‫كان م��ن المفت��رض إجراؤها ف��ي أيلول‬ ‫‪ ،2011‬لتب��دأ انتخابات مصر رس��ميًا في‬ ‫نيس��ان ‪ .2012‬وب��دأ المجل��س األعل��ى‬ ‫للق��وات المس��لحة بتعديل بع��ض مواد‬ ‫الدس��تور تمهي��داً إلج��راء أول انتخاب��ات‬

‫تعددي��ة فعلية في تاريخ مص��ر‪ ،‬بعد أن‬ ‫كانت انتخابات مصر الس��ابقة التي جرت‬ ‫ع��ام ‪ 2005‬مج��رد إج��راء ش��كلي أنتهى‬ ‫بفوز كاس��ح للرئي��س المخلوع حس��ني‬ ‫مبارك‪.‬‬ ‫وج��رى اس��تفتاء ش��عبي عل��ى‬ ‫التعديالت الدس��تورية في التاس��ع عشر‬ ‫م��ن آذار‪ ،2011‬بالبطاق��ة الش��خصية‬ ‫"الرق��م القوم��ي" ألول م��رة كبديل عن‬ ‫بطاق��ات االنتخاب��ات الت��ي تس��ببت ف��ي‬ ‫لغط كبير بعد عمليات التزوير والتدليس‬ ‫التي جرت في انتخابات مجلس��ي الشعب‬ ‫والش��وري ‪ 2010‬واللذي��ن ت��م حلهم��ا‬ ‫بمعرف��ة القوات المس��لحة بع��د تصاعد‬ ‫االحتجاجات الشعبية‪.‬‬ ‫وبع��د مد الفت��رة االنتقالي��ة إلى ما‬ ‫يتجاوز العام الكامل‪ ،‬شهدت خاللها البالد‬ ‫عش��رات الح��وادث المفتعل��ة والمدب��رة‬ ‫التي تس��ببت في إزهاق عش��رات األرواح‬ ‫البريئة ً‬ ‫بداية من محمد محمود وماسيبرو‬ ‫ومجلس ال��وزراء وانتهاء بمذبحة اس��تاد‬ ‫بورسعيد الرياضي‪ ،‬وبعد انتهاء انتخابات‬ ‫مجل��س الش��عب والش��ورى‪ ،‬والب��دء في‬ ‫اختي��ار أعضاء اللجن��ة التأسيس��ية التي‬ ‫س��تكتب الدس��تور الجدي��د لمص��ر يأتي‬ ‫اس��تحقاق الرئاس��ة‪ ...‬وكان األولى إعداد‬ ‫دس��تور للبالد وتحديد صالحيات الرئيس‬ ‫قب��ل االنتخاب��ات الرئاس��ية‪ .‬فالناخ��ب‬ ‫المص��ري اليوم يطرح تس��اؤ ًال مش��روعًا‬ ‫كيف س��أختار رئيس جمهوري��ة ال أعرف‬ ‫صالحياته وما هي مهامه الذي سينفذها‬ ‫للش��عب وكيف س��يقوم بخدمة الش��عب‬ ‫طالما أنه ال يعل��م اختصاصاته‪ ،‬في ظل‬ ‫عدم وجود دستور يوضح له مهامه‪.‬‬ ‫ه��ذا وق��د أعلن��ت لجن��ة االنتخابات‬ ‫الرئاس��ية القائم��ة النهائي��ة لمرش��حي‬ ‫رئاس��ة جمهوري��ة مص��ر العربي��ة لعام‬ ‫‪ ،2012‬وه��م‪" :‬عب��د المنعم أب��و الفتوح‬ ‫عبد الهادي أبو س��عد‪ ،‬محمد سليم العوا‪،‬‬ ‫محمد مرس��ي عيس��ى‪ ،‬حمدين صباحي‪،‬‬ ‫عمرو موسى أحمد شفيق‪ ،‬أبو العز حسن‬ ‫على الحريري‪ ،‬حس��ام خير اهلل‪ ،‬هش��ام‬ ‫البسطويس��ي‪ ،‬عب��د اهلل حس��ن عل��ى‬ ‫األش��عل‪ ،‬خالد علي عمر علي المحالوي‪،‬‬ ‫محم��ود حس��ام الدي��ن محم��ود ج�لال‪،‬‬ ‫وشهرته محمد فوزي عيسى"‪.‬‬ ‫وتنص المادة ‪ 14‬م��ن القانون رقم‬ ‫‪ 174‬لس��نة ‪ 2005‬بتنظي��م االنتخاب��ات‬ ‫الرئاس��ية على أنه "لكل من تقدم بطلب‬ ‫للترش��يح أن يعت��رض ل��دى اللجنة على‬ ‫أي طال��ب ترش��يح أخ��ر‪ ،‬مع بيان أس��باب‬ ‫اعتراض��ه‪ ،‬وذلك خالل اليومي��ن التاليين‬ ‫من تاريخ اإلعالن "‪ 10‬و‪ 11‬نيسان ‪"2012‬‬ ‫وفقًا لإلجراءات التي تحددها اللجنة"‪.‬‬ ‫وفي تقييم للقوى المتنافس��ة على‬ ‫رئاس��ة مص��ر ننق��ل ع��ن الدكت��ور عبد‬ ‫المنعم عم��ارة "هناك ثالث قوى موجودة‬ ‫أولها تيار إس�لامي منقس��م على نفسه‪،‬‬

‫ويمثل��ه دكتور عب��د المنعم أب��و الفتوح‬ ‫ودكت��ور محم��د مرس��ي ودكت��ور محمد‬ ‫س��ليم العوا‪ .‬وهناك تي��ار ليبرالي يمثله‬ ‫هش��ام البسطويس��ي وحمدين صباحي‬ ‫وخالد علي‪ ،‬وهم أيضا منقس��مون على‬ ‫أنفسهم‪ .‬وهناك من يطلق عليهم رجال‬ ‫النظام السابق وهم عمرو موسى وأحمد‬ ‫ش��فيق"‪ .‬ورتب عم��ارة الـخمس��ة األوفر‬ ‫حظاً في الفوز م��ن وجهة نظره كالتالي‪:‬‬ ‫"موس��ى أو ش��فيق ثم أبو الفتوح يليهم‬ ‫صباح��ي وف��ي النهاي��ة مرس��ي"‪ .‬وقال‪:‬‬ ‫"غالبًا س��ينتهي الوضع بصعود واحد من‬ ‫التيار اإلس�لامي أمام مرش��ح عن النظام‬ ‫السابق للجولة الثانية "‪.‬‬ ‫وبس��ؤاله عن س��بب وضعه مرش��ح‬ ‫اإلخوان في ذي��ل قائمة األوفر حظا‪ ،‬قال‬ ‫"مرس��ي ميزته أن وراءه تنظيم محترف‪.‬‬ ‫لكن أخطاء الجماعة في مجلس الش��عب‬ ‫ث��م تخبطهم في طرح مرش��ح رئاس��ي‬ ‫أحدث هز ًة عميقة داخل التنظيم‪ .‬كما أن‬ ‫رغبتهم في الهيمنة على مقاليد السلطة‬ ‫من برلمان ولجنة تأسيس��ية ورئاسة بدا‬ ‫ظاه��راً للجميع خ�لال األش��هر الماضية‪.‬‬ ‫أرى أن هن��اك كثيرين فق��دوا ثقتهم في‬ ‫اإلخوان "‪.‬‬ ‫وكانت استطالعات الرأي قد وضعت‬ ‫ش��فيق ف��ي المقدم��ة‪ ،‬مما أث��ار غضب‬ ‫الكثيري��ن مم��ن يرون��ه أحد أب��رز رموز‬ ‫النظ��ام الس��ابق‪ ،‬ويدلل��ون عل��ى ذل��ك‬ ‫بأن��ه كان آخ��ر رؤس��اء الحكوم��ة الذين‬ ‫لج��أ إليهم مب��ارك أثن��اء الث��ورة لتهدئة‬ ‫الغض��ب الجماهي��ري وعل��ى األرض‪ ،‬لم‬ ‫يحقق ش��فيق نتائج تذكر ف��ي انتخابات‬ ‫المصريي��ن بالخ��ارج‪ ،‬والت��ي ج��رت في‬ ‫الفترة من ‪ 17 – 11‬أيار الجاري‪ ،‬ووضعت‬ ‫المرشح المستقل أبو الفتوح في المقدمة‬ ‫عل��ى مس��توى أمري��كا وغالبي��ة دول‬ ‫أوروب��ا‪ ،‬في حين احتل مرش��ح "اإلخوان"‬ ‫الصدارة في دول الخليج‪ ،‬السيما المملكة‬ ‫السعودية‪ ،‬صاحبة أضخم كتلة تصويتية‬ ‫للمصريين في الخارج‪.‬‬ ‫إال أن اإلع�لان المبك��ر لنتائ��ج‬ ‫المصريي��ن ف��ي الخ��ارج كان خاطئ��اً‪،‬‬ ‫فالمؤشرات قد تحفز الناس أو تحبطهم‪،‬‬ ‫وه��ذا إجراء غير قانون��ي‪ .‬فالناخب داخل‬ ‫مصر حائر‪ ،‬وبه��ذه النتائج‪ ،‬زادت حيرته‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إضاف��ة إل��ى خل��ل التركيبة المش��اركة‪،‬‬ ‫والتوزي��ع غي��ر المتكاف��ئ للمصريي��ن‬ ‫بالخارج‪ ،‬مما أس��هم‪ ،‬على سبيل المثال‪،‬‬ ‫في اس��تحواذ المملك��ة الس��عودية على‬ ‫أعلى أصوات للمصريين من ذوي الميول‬ ‫الديني��ة‪ ،‬والتي صب��ت معظمها في اتجاه‬ ‫تيار واحد‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫صخ��ب وضجي��ج وبرام��ج انتخابية‪،‬‬ ‫ووس��ط الزح��ام يظهر "عمرو موس��ى و‬ ‫عب��د المنع��م أبو الفت��وح" ف��ي مناظرةٍ‬ ‫تلفزيونية لع��رض برنامجهم االنتخابي‬ ‫أمام الش��عب‪ ،‬الثورة المصرية نجحت إذاً‬

‫بالرغ��م م��ن الش��وائب‪ ،‬في ع��ام ‪3098‬‬ ‫قب��ل المي�لاد وبحس��ب صاح��ب "قص��ة‬ ‫الحض��ارة "ق��ام المل��ك" مين��ا" بتوحي��د‬ ‫القطرين‪ ،‬والملك المذكور ينتمي لألسرة‬ ‫الفرعوني��ة الرابع��ة أي أن مفهوم الدولة‬ ‫ظه��ر في مصر قبل ذل��ك بكثير‪ ،‬وتوالى‬ ‫على حكم مصر الفراعنة‪ ،‬واليوم يحتكم‬ ‫المصريون للش��ارع والميدان ولصناديق‬ ‫االقتراع‪ ،‬وألقتبس عن هيكل "إن السنين‬ ‫ف��ي عم��ر التاري��خ لحظ��ة"‪ ،‬نح��ن اليوم‬ ‫أم��ام ديمقراطيةٍ متأخ��رة‪ ،‬ديمقراطيةٍ‬ ‫عبقري��ة وألقتب��س ع��ن جم��ال حم��دان‬ ‫"مص��ر عبقري��ة الم��كان" ه��ي عبقرية‬ ‫المصريي��ن إذاً‪ ،‬ولنرجع معاً إلى افتتاحية‬ ‫الزميل��ة ليلى الس��مان "من ق��ال أننا لم‬ ‫ننتص��ر"‪ ...‬إن مجرد ظهور هذه المناظرة‬ ‫هو انتصارٌ بحد ذاته‪.‬‬ ‫كن��ت ق��د عق��دت الع��زم عل��ى أن‬ ‫أخت��م الملف الي��وم بأبياتٍ م��ن قصيدة‬ ‫"مخطوط��ة ف��ي ح��ب مص��ر" للراح��ل‬ ‫الكبير "غازي القصيب��ي"‪ ،‬إال أنني عدلت‬ ‫ع��ن إدراج هذه األبيات‪ ،‬علم��ًا أن قصيدة‬ ‫القصيب��ي تعبر عن مش��اعر كل العرب‪،‬‬ ‫فم��ن من��ا ال يح��ب مص��ر‪ ،‬إال أن قصيد ًة‬ ‫للثائ��ر دائم��اً "أحم��د ف��ؤاد نج��م "أول��ى‬ ‫لالحتفال بعرس الديمقراطية‪ ،‬فالتجربة‬ ‫المصرية ليس��ت بالنقاء الذي نرجوه‪ ،‬إال‬ ‫أن نجاح الش��باب الثائر في الوصول‪ ،‬إلى‬ ‫انتخاب��اتٍ تعددي��ة‪ ،‬بعد س��تة آالف عام‬ ‫تقريب��اً من حك��م الرجل اإلل��ه‪ ،‬لهو أمرٌ‬ ‫جدي��رٌ باالحت��رام واالحتف��ال‪ ،‬ولننه��ي‬ ‫ملفنا اليوم مع الورد اللي فتح في جناين‬ ‫مص��ر‪ ،‬وكلن��ا أمل ب��أن تزه��ر كل بقاع‬ ‫العالم العربي‪ ...‬نحن نعيش زمن الربيع‬ ‫العربي‪...‬‬ ‫صباح الخير علي الورد اللي فتح في جناين مصر‬ ‫صباح العندليب يشــــدي بألحان السبوع يا مصر‬ ‫صــبـاح الداية واللفة ورش الملح في الزفة‬ ‫صباح يطلع بأعالمنا من القلعة لباب النصر‬ ‫سالمتك يامة يا مهرة‬ ‫يا حبالة يا والدة يا سـت الكل يا طاهرة‬ ‫سالمتكمنآالمالحيضمنالحرمانمنالقهرة‬ ‫سالمة نهدك المرضع سالمة بطنك الخضرا‬ ‫هناكي وفرحة الوالدة تضمي الولد يا والدة‬ ‫يصونهم لك ويحميهم يكترهم يخليهم‬ ‫يجمع شــملهم بيكي يتمم فرحتك بيهم‬ ‫صباح الخير علي والدك صباح الياسمين والفل‬ ‫تعيشي ويفنوا حسادك ويسقوهم كاسات الذل‬ ‫وبلغ يا سـمير غطاس يا ضيف المعتقل سنوي‬ ‫بصوتكداالليكلهحماسصباحالخيرعلىالثانوي‬ ‫وأهال بيكو في القلعة وباللي في الطريق جايين‬ ‫ما دامت مصر والدة‬ ‫وفيها الطلق والعادة‬ ‫حتفضل شمسها طالعة برغم القلعة والزنازين‬

‫‪5‬‬


‫كلمة في الثورة ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 27 | )36‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪6‬‬

‫�أوراق مبعثـــــرة‬ ‫يع��د بل��وغ الث��ورة ش��هرها الخامس‬ ‫عشر دلي ًال قاطعًا على إرادة شعبية صامدة‪،‬‬ ‫إال أنه ورغم كل هذا الزخم الش��عبي الذي‬ ‫تعيش��ه ه��ذه الث��ورة‪ ،‬ف��إن ط��ول أمده��ا‬ ‫س��تكون له انعكاس��ات عديدة على الداخل‬ ‫والخارج السوري ال يمكن إخفاؤها‪.‬‬ ‫لنع��د بالذاك��رة قلي� ً‬ ‫لا إل��ى نكب��ة‬ ‫فلس��طين‪ .‬إن من يقرأ الي��وم آراء الصحف‬ ‫في ذلك الحين وكذلك مذكرات من عاش��وا‬ ‫تل��ك المرحل��ة ي��رى جلي��ًا ضخام��ة الحدث‬ ‫وهول��ه ف��ي عي��ون وأق�لام م��ن عاش��وه‪،‬‬ ‫غي��ر أن المتتبع لمس��يرة الكتاب��ات وحجم‬ ‫االهتم��ام بالقضي��ة الفلس��طينية عل��ى‬ ‫عدد من المس��تويات ي��رى كيف كان العرب‬ ‫يغرقون في مش��اكلهم يوماً بعد يوم حتى‬ ‫أضح��ت األح��داث في فلس��طين ج��زءاً من‬ ‫روتين حياتهم اليوم��ي‪ ،‬وهكذا اعتاد حتى‬ ‫الفلس��طينيون أنفس��هم وخصوص��ًا ف��ي‬ ‫الخارج على تعليق بعض الصور والخرائط‬ ‫في منازلهم كدليل على االنتماء األساس��ي‬ ‫م��ع التصفي��ق الح��ار لم��ن يلق��ي قصيدة‬ ‫فلس��طينية أو يعرض فيلماً عن فلسطين‪،‬‬ ‫ث��م يع��ود الجميع إل��ى أعماله��م وحياتهم‬ ‫ويس��تمرون فيه��ا بينم��ا تس��تمر القضية‬ ‫كجزء ال بد منه في ديكور حياتنا‪.‬‬ ‫عندم��ا س��قط الع��راق ع��ام ‪2003‬‬ ‫تعرض الوجدان العرب��ي لهزة عنيفة على‬ ‫كل المس��تويات‪ .‬ورغم وج��ود عدد ال بأس‬ ‫به من المعجبين بالرئيس العراقي السابق‬ ‫صدام حس��ين وخاصة خارج العراق ووجود‬ ‫الكثيرين من أعدائ��ه داخل وخارج العراق‪،‬‬ ‫إال أن سقوط بغداد ودخول األمريكان إليها‬ ‫كان بالفعل زلزا ًال عنيفًا ولم يعد مهماً كثيراً‬ ‫سقوط النظام من عدمه فقد سقط الوطن‬ ‫كله وغرق��ت البالد في فوضى عارمة‪ .‬وبدأ‬ ‫مسلس��ل التفجيرات والقت��ل الجماعي في‬ ‫كل المناطق العراقية تقريباً بش��كل صدم‬ ‫الجمي��ع‪ .‬إال أن المالح��ظ أن��ه وم��ع م��رور‬ ‫الوق��ت أصب��ح مش��هد التفجي��رات الدامية‬ ‫بش��كل يومي مش��هداً عادي��ًا ويمر في كل‬ ‫نش��رة إخبارية مرور الكرام‪ ،‬وهكذا ال يزال‬ ‫مسلس��ل العنف مس��تمراً وتحولت المسألة‬ ‫إلى روتين يومي في حياتنا الرتيبة‪.‬‬ ‫نس��وق هذا الكالم ال م��ن باب إحباط‬ ‫الثورة في س��وريا وال من ب��اب التقليل من‬ ‫ش��أنها‪ ،‬ولكنه من المؤس��ف فع� ً‬ ‫لا أن تبدأ‬ ‫أح��داث ه��ذه الث��ورة بالتح��ول إل��ى جزء ال‬ ‫يتج��زأ من روتي��ن حي��اة الكثيري��ن وعلى‬ ‫رأس��هم الس��وريين خارج س��وريا‪ .‬فهؤالء‬ ‫باتوا يرون راحة ضميرهم في تعليق علم‬ ‫االستقالل في سياراتهم أو الترنم بأناشيد‬ ‫الث��ورة ف��ي منازلهم مع الكثي��ر من الكالم‬

‫ال��ذي ال معن��ى ل��ه عل��ى مواق��ع االنترنت‬ ‫لني��ل صيحات االستحس��ان والتبريك‪ .‬ومن‬ ‫ه��ذا المنطل��ق كن��ت وال أزال أتج��رأ عل��ى‬ ‫القول ب��أن ال مصلحة ألح��د بانتهاء األزمة‬ ‫في س��وريا وعلى رأس��هم المعارضون في‬ ‫الخ��ارج والذي��ن أصبح��ت الث��ورة من أهم‬ ‫مصادر رزقهم وشعبيتهم االفتراضية‪ .‬من‬ ‫المؤس��ف ج��داً أن يطلع علين��ا البعض كل‬ ‫ي��وم بالحديث عن فنجان قه��وة ثورية في‬ ‫منتص��ف النه��ار بينما الن��اس على األرض‬ ‫يتقاتل��ون أو يتظاه��رون تح��ت الرصاص‪.‬‬ ‫حت��ى تاري��خ الي��وم ل��م يس��تطع أي م��ن‬ ‫أدباء أو ش��عراء س��وريا أن يخدموا القضية‬ ‫السورية بعمل أدبي واحد‪ ،‬وإنما هي عبارة‬ ‫عن الكثير من الخط��ب الرنانة والكثير من‬ ‫الصياح والتباكي ولكنن��ا لم نجد إلى اليوم‬ ‫رواي��ة أو قصي��دة أو عم� ً‬ ‫لا مس��رحيًا ينقل‬ ‫شيئاً من األحداث التي تجري داخل الوطن‪.‬‬ ‫إن األزمة في سوريا أصبحت أيضًا من‬ ‫روتين الساس��ة في الغرب والش��رق‪ .‬ورغم‬ ‫كل الزوابع التي اعتاد المسؤولون الغربيون‬ ‫إثارته��ا من حين آلخ��ر‪ ،‬فإنها تبق��ى زوابع‬ ‫في فنجان‪ .‬وهكذا أصبح مشهد أي مسؤول‬ ‫غربي وهو ينتقد النظام في س��وريا ويؤكد‬ ‫على أنه ال بد أن يرحل‪ ،‬أقول أصبح كل ذلك‬ ‫مش��هداً عادياً في كل المؤتمرات الصحفية‬ ‫وفي النشرات اإلخبارية‪ .‬وهكذا فوجئت مث ًال‬ ‫قناة بي بي س��ي العربية باختفاء أخبار كل‬ ‫الشرق األوسط في كل الصحف البريطانية‬ ‫لمعظ��م أيام األس��بوع الماضي ع��دا تقرير‬ ‫لجري��دة الغاردي��ان عن األحداث ف��ي إدلب‪.‬‬ ‫إن كل ذل��ك يعك��س حالة من الب��رود تجاه‬ ‫الث��ورة ف��ي س��وريا وإن كان ه��ذا البرود ال‬ ‫يتم اإلعالن عنه بش��كل صريح‪ ،‬ولكنه بات‬ ‫جزءاً من كافة البيان��ات الصحفية ومحاضر‬ ‫االجتماع��ات ف��ي أغلب المج��االت حتى منها‬ ‫تلك التي ال تمت للثورة بأية عالقة‪.‬‬ ‫صار م��ن حقنا بعد كل هذه الش��هور‬ ‫الطويلة م��ن التضحيات الكبي��رة وبعد كل‬ ‫ه��ذه الس��نين الضائع��ة م��ن عمرن��ا تحت‬ ‫حك��م نظام مس��تبد أن نخ��اف على مصير‬ ‫هذه الثورة وعلى مصير أبنائها‪ .‬وهنا يبدو‬ ‫واضحاً حجم الفجوة بين المعارضة والناس‬ ‫في الشارع‪ ،‬حتى أن الكثير من المظاهرات‬ ‫الي��وم ل��م يع��د يأتي عل��ى ذك��ر المجلس‬ ‫الوطن��ي أو هيئ��ة التنس��يق أو غيره��ا من‬ ‫التنظيمات الكثيرة والمتعددة بتعدد الشعب‬ ‫الس��وري نفس��ه‪ .‬ووصل الناس إلى قناعة‬ ‫ش��به تام��ة ب��أن كل المجال��س والهيئ��ات‬ ‫والجمعي��ات المعارض��ة وغيره��ا أصبح��ت‬ ‫بالفعل عبئ��اً على المعارض��ة والثورة كما‬ ‫أنها أساءت لصورة الثورة في الخارج بشكل‬

‫كبير بسبب خالفاتها وتنافسها على مناصب‬ ‫وهمي��ة كم��ن يتناف��س عل��ى ف��راء الدب‬ ‫قبل صي��ده (بتعبير ميش��يل كيلو) وتاهت‬ ‫المعارض��ة في زحمة التكتالت والش��عارات‬ ‫والتجاذب��ات الدولي��ة واألجن��دات الخارجية‬ ‫إضاف��ة ل�لإرث الثقي��ل ال��ذي يحمل��ه كل‬ ‫معارض وفقاً لتجربته الش��خصية السابقة‬ ‫س��واء في المعتقالت أو المنفى أو حتى من‬ ‫داخل األجهزة الحكومية السورية‪.‬‬ ‫وجاءت مسألة التسلح لتزيد من الفرقة‬ ‫والتخب��ط بين أطي��اف المعارضة وكذلك في‬ ‫أوس��اط الجماهي��ر الغاضب��ة والت��ي لم تعد‬ ‫ترى أن الس��لمية وسيلة ناجعة لصد وحشية‬ ‫األجهزة األمني��ة‪ .‬ولكن ذلك لم يكن رأي كل‬ ‫الناس س��واء في الداخل السوري أم خارجه‪،‬‬ ‫فهن��اك كثي��رون ي��رون أن التس��لح س��يضر‬ ‫–وه��و قد أض��رّ فع ًال‪ -‬بالح��راك الجماهيري‬ ‫الس��لمي نظراً ألنه يثب��ت وجهة نظر النظام‬ ‫بوجود مسلحين يتلقون دعمًا خارجياً وهو ما‬ ‫يح��دث تماماً اليوم باالنش��قاقات التي تحدث‬ ‫بش��كل يومي وبوجود دع��م واضح من قبل‬ ‫بعض ال��دول الخليجية التي أعلنت ذلك بكل‬ ‫صراحة‪ ،‬بينم��ا يرى آخرون أن التس��لح على‬ ‫العكس ل��م يش��جع األغلبي��ة الصامتة على‬ ‫االنخراط في المس��يرة الشعبية ضد النظام‬ ‫ب��ل على العكس زاد من مخاوفها من انزالق‬ ‫أكب��ر نح��و ح��رب أهلي��ة مفتوح��ة األطراف‬ ‫واألبعاد‪ .‬إن التنكيل الذي يتعرض له أصحاب‬ ‫األقالم والشعارات السلمية اليوم في سوريا‬ ‫أكب��ر بكثير مم��ا يتعرض له حمل��ة البنادق‪،‬‬ ‫وه��و م��ا قلناه في أكث��ر من مناس��بة‪ .‬ولهذا‬ ‫كان دخ��ول الرص��اص على خ��ط المعارضة‬ ‫أمراً محفوفًا بالمخاطر وهو إن حقق بالفعل‬ ‫بع��ض المكاس��ب عل��ى األرض إال أنه يقوم‬ ‫بع��زل كل المناط��ق الس��ورية ع��ن بعضها‬ ‫بحيث تتحول كل منها إلى بؤر مستقلة ولكن‬ ‫متباعدة األطراف وب��دون إمدادات أو معونات‬ ‫حقيقي��ة ناهيك عن انعدام الضمانات بعودة‬ ‫الجزء إلى الكل بعد نهاية كل شيء‪.‬‬ ‫يزي��د م��ن تبعث��ر أوراق األزم��ة ف��ي‬ ‫س��وريا تمدد الح��وادث األمني��ة باتجاه بالد‬ ‫أخ��رى ولعل أولها لبنان ول��ن يكون آخرها‪.‬‬ ‫ورغ��م كل اللغ��ط ال��ذي دار ح��ول تل��ك‬ ‫األح��داث خالل الفترة االخي��رة والذي وصل‬ ‫إلى درج��ة اته��ام الجيش اللبناني نفس��ه‬ ‫بقتل الش��يخ عبد الواح��د لمجرد معارضته‬ ‫للنظام الس��وري وه��و أمر مس��تبعد نظراً‬ ‫إلي��واء لبن��ان الكثيري��ن م��ن الالجئي��ن‬ ‫والمعارضين عل��ى أراضيه ناهيك أساس��ًا‬ ‫عن المشاعر المضطربة تجاه سوريا داخل‬ ‫لبنان‪ ،‬نقول أنه ورغم كل هذا اللغط فإننا‬ ‫يجب أن نفه��م أن المرحل��ة العصيبة التي‬

‫خالد كنفاني‬

‫تمر بها س��وريا بش��كل خ��اص والمنطقة‬ ‫العربي��ة بش��كل عام من��ذ احت�لال العراق‬ ‫‪ 2003‬ولغاي��ة الي��وم فرض��ت حال��ة م��ن‬ ‫العصبي��ة والتط��رف الطائف��ي بلغ��ت حداً‬ ‫غي��ر مس��بوق‪ ،‬وله��ذا فنحن نق��ول إن كل‬ ‫األم��ور كان يجري تفس��يرها على أس��س‬ ‫طائفية أو قبلية أو عش��ائرية طوال الفترة‬ ‫الماضي��ة والتي حدث فيها انحس��ار للدولة‬ ‫الوطني��ة لصال��ح الطوائف والعش��ائر بعد‬ ‫أن س��بقه انحس��ار للدول��ة القومي��ة التي‬ ‫كان يتن��ادى به��ا القوميون في الس��تينات‪.‬‬ ‫وله��ذا فإن هبوب ري��اح الربيع العربي على‬ ‫المنطقة ستحمل معها الكثير من التوترات‬ ‫ألن كل مش��اكل المجتمع السوري لم تكن‬ ‫تتم مناقش��تها إال بالخفاء وبط��رق بدائية‬ ‫إما يائس��ة محطم��ة أو مفرطة في التفاؤل‬ ‫دون أدنى موضوعي��ة أو واقعية‪ .‬ومن هذا‬ ‫المنطل��ق كن��ا ن��رى عل��ى ال��دوام ضرورة‬ ‫إج��راء بح��ث مجتمعي تحليل��ي معمق لكل‬ ‫مكون��ات المجتم��ع الس��وري ومحركات��ه‬ ‫الداخلي��ة والخارجية بد ًال من التعامي عنها‪.‬‬ ‫إن من أكبر المآخذ على النظام كانت قمعه‬ ‫ألي نقاش اجتماعي وثقافي داخل س��وريا‬ ‫وإظه��ار األم��ور بمظهر "الوح��دة الوطنية"‬ ‫و"انعدام الطائفية" و"السلم األهلي"‪ ،‬وهنا‬ ‫تك��رر المعارضة اليوم نف��س الخطأ تمامًا‬ ‫بالتعام��ي –ع��ن قصد أو ب��دون قصد‪ -‬عن‬ ‫الحقائق المجتمعية الراس��خة في المجتمع‬ ‫الس��وري وعلى رأس��ها المس��ألة الطائفية‬ ‫والعش��ائرية لمصلح��ة خط��اب طوب��اوي‬ ‫رومانسي حالم يتحدث عن سوريا أخرى لم‬ ‫نعرفها مؤكدي��ن بذلك إما جهلهم بحقيقة‬ ‫العالق��ات االجتماعية داخل ه��ذا الوطن أو‬ ‫تعاميهم ع��ن كل ذلك لمصلحة الثورة كما‬ ‫يحلو للبعض أن يتشدق اليوم‪.‬‬ ‫هناك مئ��ات اآلالف من األس��ئلة التي‬ ‫يطرحه��ا وس��يطرحها الس��وريون عل��ى‬ ‫أنفس��هم وعلى غيرهم م��ن ما قبل الثورة‬ ‫وللس��نوات القادمة‪ ،‬وعلى كل المعارضين‬ ‫أو من يتصدون للمسؤولية أن يعلموا أنهم‬ ‫مطالبون باإلجابات وإال فإنهم لن يستحقوا‬ ‫ثقة الجماهير‪ .‬إن همّنا األساسي اليوم هو‬ ‫الحفاظ على نقاء الثورة من كل الش��وائب‬ ‫التي تعترضها وكذلك –وهو األهم‪ -‬تجاوز‬ ‫كل أخط��اء الماضي والترك��ة الثقيلة التي‬ ‫حملها المجتمع الس��وري ليس لعقود فقط‬ ‫وإنما لقرون س��ابقة‪ .‬إن لم نصل بس��وريا‬ ‫إلى بر األمان فلن يك��ون للثورة من معنى‬ ‫س��وى الفوضى ولم يكن من نية للثائرين‬ ‫س��وى التخري��ب وهما أبعد م��ا يكون عمن‬ ‫يطلب الكرامة وال يفكر بمصالح ش��خصية‬ ‫أو يعمل برؤية محدودة األفق والمصير‪.‬‬


‫�آ�صف �شوكت‪ :‬احتماالت غياب ال يق�صم ظهر النظام‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 27 | )36‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬

‫وليست إعادته من المخابرات العسكرية‪،‬‬ ‫إلى نيابة رئي��س األركان‪ ،‬ثمّ إلى نيابة‬ ‫أن شوكت‬ ‫وزير الدفاع‪ ،‬إال المؤش��ر على ّ‬ ‫ظ��ل دخي ًال عل��ى البيت األس��دي‪ ،‬صهراً‬ ‫ّ‬ ‫فحس��ب ولي��س عض��واً كام��ل الحقوق‬ ‫والمزايا‪.‬‬ ‫وقب��ل االنتفاض��ة بس��نوات‪ ،‬من��ذ‬ ‫اغتي��ال عم��اد مغنية ف��ي ربي��ع ‪،2008‬‬ ‫تحدث��ت تقارير جدّية ع��ن توتر أقصى‬ ‫بين األس��دَين‪ ،‬بش��ار وماه��ر‪ ،‬والصهر‬ ‫أن األخير قرّر بس��ببها‬ ‫ش��وكت‪ ،‬ت��ردّد ّ‬ ‫ت��رك العاصم��ة دمش��ق و'الح��رد' ف��ي‬ ‫ضيعته البعيدة‪' ،‬المدحلة'‪ ،‬طيلة أش��هر‪،‬‬ ‫حت��ى نجحت المصالحة في رأب 'الصدع'‪.‬‬ ‫أن اتف��اق ش��وكت واألس��د ح��ول‬ ‫بي��د ّ‬ ‫الض��رورات العلي��ا ألم��ن النظ��ام (وكان‬ ‫ذاك ه��و جوه��ر المصالحة‪ ،‬ألن��ه انقلب‬ ‫إل��ى تواف��ق جماع��ي حي��ن تن��درج فيه‬ ‫أدوار ماه��ر األس��د‪ ،‬األق��وى في صفوف‬ ‫الجيش الكالسيكي والوحدات العسكرية‬ ‫ذات المه��امّ األمني��ة الخاص��ة؛ والخ��ال‬ ‫محمد مخل��وف وأوالده‪ ،‬بارونات اقتصاد‬ ‫العائل��ة‪ ،‬وبالتال��ي اقتص��اد االس��تبداد؛‬ ‫وحفن��ة محدودة للغاية من العس��كريين‬ ‫ّ‬ ‫األق��ل رتب��ة ومرتبة فقط‪،‬‬ ‫والمدنيي��ن‪،‬‬ ‫ولكن ليسوا أبداً ّ‬ ‫أقل ضرورة في تشغيل‬ ‫آلة السلطة)؛ لم ينقلب إلى انطباق تام‪،‬‬ ‫أو تطابق ش��امل‪ ،‬حول وس��ائل الحفاظ‬ ‫على ذلك األمن‪.‬‬ ‫ظل��ت المؤش��رات تتكاث��ر عل��ى‬ ‫'افتراقات' في مس��ائل سياسية حاسمة‪،‬‬ ‫مثل تدهور عالقات النظام مع السعودية‬ ‫ومصر‪ ،‬وما إذا كان الحفاظ على المقدار‬ ‫الراه��ن من النفوذ الس��وري ف��ي لبنان‬ ‫يس��تحق ّ‬ ‫كل ذل��ك التده��ور م��ن جهة‪،‬‬ ‫أن ف��ي وس��ع النظام الصم��ود طوي ًال‬ ‫أو ّ‬ ‫ف��ي المواجه��ة الحالي��ة‪ ،‬ب��ل المواجهات‬ ‫القادم��ة‪ ،‬العربية أو اإلقليمية أو الدولية‪.‬‬ ‫هن��ا‪ ،‬بالطب��ع‪ ،‬دخلت األش��غال واألعمال‬ ‫عل��ى ّ‬ ‫خط الخالف السياس��ي‪ ،‬إ ْذ هل من‬ ‫مصلح��ة القيّمين على النهب والفس��اد‬ ‫واالس��تثمار أن تُغلق األبواب السعودية‪،‬‬ ‫وبعده��ا بع��ض أبواب الخلي��ج‪ ،‬في وجه‬ ‫رس��اميلهم وش��راكاتهم وش��ركاتهم؟‬ ‫ملفّ افتراق آخر دار حول حدود العالقات‬ ‫م��ع إي��ران‪ ،‬أمني��ًا وسياس��يًا وعس��كريًا‬ ‫واقتصاديًا‪ ،‬وهل م��ن الحكمة أن تنتهي‬ ‫تلك الحدود إلى تحالف‪ ،‬بال حدود؟‬ ‫وق��د يس�� ّلم الم��رء (بم��ا يس��هل‬ ‫بأن ش��وكت‬ ‫التس��ليم به‪ ،‬ف��ي الواق��ع) ّ‬ ‫كانت لديه أجندة طبيعية ش��خصية‪ ،‬في‬ ‫إدامة النفوذ والسلطة والحلفاء وشبكات‬ ‫الوالء‪ ،‬مثله في ذلك مثل تس��عة أعشار‬

‫كب��ار رج��االت 'الحرك��ة التصحيحي��ة'‪.‬‬ ‫أن هذه‬ ‫التال��ي‪ ،‬م��ن حي��ث المب��دأ‪ ،‬ه��و ّ‬ ‫األجن��دة تصطدم موضوعيًا بالمش��روع‬ ‫اإليراني في س��ورية‪ :‬كلما تزايد الرهان‬ ‫اإليراني على بش��ار األس��د‪ ،‬بما ينطوي‬ ‫عليه ذلك من إحاطته أكثر فأكثر بأنصار‬ ‫إيران (ثمة تقارير ذهبت‪ ،‬آنذاك‪ ،‬إلى حدّ‬ ‫ترجيح نج��اح طهران في تش��كيل 'نواة'‬ ‫عسكرية ـ أمنية سورية من هذا الطراز‪،‬‬ ‫كفيل��ة ب��أن ّ‬ ‫تنف��ذ انقالباً عس��كرياً في‬ ‫التوقيت المالئم)‪ ،‬تناقصت فرص آصف‬ ‫شوكت في تشكيل مركز قوّة ‪ /‬طوارئ‪،‬‬ ‫نظير على ّ‬ ‫األقل‪ ،‬إذا لم يطمح إلى موقع‬ ‫البديل‪ ،‬مالئ الفراغ إذا وقع‪.‬‬ ‫صحيح أنه لم يكن في الوسع رصد‬ ‫أن‬ ‫ه��ذه الخالفات عالني��ة‪ ،‬بالنظ��ر إلى ّ‬ ‫شوكت لم يس��بق له أن خاض في غمار‬ ‫أن تط��وّرات كثيرة ال‬ ‫السياس��ة علناً؛ إال ّ‬ ‫ّ‬ ‫تظ��ل حبيس��ة ج��دران بيوت‬ ‫يمك��ن أن‬ ‫السلطة‪ ،‬وثمة دائمًا معلومات بالغة الدقة‬ ‫تأخ��ذ نادراً صفة التس��رّب‪ ،‬ولكنها غالبًا‬ ‫تسير مسرى التس��ريب عن سابق قصد‬ ‫وتصمي��م (صداقات اللواء م��ع نخبة من‬ ‫الدبلوماس��يين وضباط األمن في بعض‬ ‫الدول الغربية‪ ،‬فرنسا وإسبانيا خصوصاً‪،‬‬ ‫كانت كفيل��ة بتأمين معين ال ينضب من‬ ‫المعلومات)‪ .‬كنّا نعرف‪ ،‬وبتنا اليوم على‬ ‫معرفة أوس��ع‪ ،‬وامتلكن��ا معلومات أدقّ‪،‬‬ ‫حول العالقة الوثيقة التي جمعت شوكت‬ ‫مع كلود غيان (س��كرتير قص��ر اإلليزيه‬ ‫ف��ي تلك الحقبة‪ ،‬وكاتم أس��رار الرئيس‬ ‫الفرنس��ي نيك��وال س��اركوزي‪ ،‬وناصحه‬ ‫األبرز)‪ ،‬على س��بيل المثال؛ حول مسائل‬ ‫جي��و ـ سياس��ية بالغة الحساس��ية‪ ،‬على‬ ‫رأسها أمن إسرائيل‪ ،‬وما يُسمّى 'الحرب‬ ‫ضدّ اإلرهاب'‪ ،‬و'القاعدة' بصفة خاصة‪.‬‬ ‫بهذه المعاني‪ ،‬مترابطة ومتكاملة‪،‬‬ ‫إن عملية 'كتائب الصحابة'‪،‬‬ ‫يمكن القول ّ‬ ‫إذا كانت قد قضت على ش��وكت بالفعل‪،‬‬ ‫فقد أس��دت لالنتفاضة خدم��ة ثمينة‪ ،‬إ ْذ‬ ‫أبعدت عن دائرة النظام األمنية أحد كبار‬ ‫وحوشها؛ ولكنها‪ ،‬في المقابل‪ ،‬لم تسدد‬ ‫للنظام ضربة قاصمة للظهر‪ ،‬إذا لم تكن‬ ‫ـ للمفارق��ة‪ ،‬ودون أن تقصد بالطبع ـ قد‬ ‫أراح��ت البيت األس��دي من طائ��ر وقواق‬ ‫غي��ر مرغ��وب ب��ه‪ .‬أمّ��ا ف��ي المحصل��ة‬ ‫الجدلية‪ ،‬التي تذه��ب أبعد من أثر الفرد‬ ‫فإن حضور‬ ‫في ظواهر التاري��خ الكبرى‪ّ ،‬‬ ‫ش��وكت كان متس��اويًا مع غيابه في مآل‬ ‫ّ‬ ‫األق��ل‪ :‬ه��ذا نظام‬ ‫عظي��م‪ ،‬واح��د على‬ ‫إلى زوال‪ ،‬وش��يك ومحت��وم‪ ،‬مثل 'عظام‬ ‫الرقبة' فيه‪ ...‬أجمعين!‬ ‫القدس العربي ‪2012 / 5 / 24‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫ما ي��زال الغموض يكتن��ف العملية‬ ‫التي أعلنت عنه��ا 'كتائب الصحابة'‪ ،‬قبل‬ ‫أيام‪ ،‬وما تزال األس��ئلة تكتنف مصداقية‬ ‫ما تضمنته من إبالغ عن مقتل جميع (ثمّ‬ ‫الحقًا‪ :‬بعض) أف��راد 'خلية إدارة األزمة'‪،‬‬ ‫وفق التس��مية التي ش��اعت منذ أش��هر‪،‬‬ ‫واس��تقرّت في أذهان الكثيرين بوصفها‬ ‫اسمًا على مسمّى فعلي‪ ،‬وليس توصيفًا‬ ‫مجازيًا مث ًال‪ .‬ومنذ آذار (مارس الماضي)‪،‬‬ ‫بعد انش��قاق عب��د المجيد ب��ركات‪ ،‬الذي‬ ‫ت��ردد أن��ه كان أمي��ن 'الخلية'‪ ،‬تكدس��ت‬ ‫معلومات ش��تى حول طبيع��ة عمل هذه‬ ‫المجموع��ة األمني��ة‪ ،‬والمه��امّ المناطة‬ ‫به��ا‪ ،‬وصالحياته��ا‪ ،‬وتقاريره��ا اليومية‬ ‫التي قيل إنها تُرفع مباش��رة إلى بش��ار‬ ‫األسد‪...‬‬ ‫كذلك ش��اع‪ ،‬أو بات من المس ّلم به‪،‬‬ ‫أن 'الخلي��ة' تتألف من هذه الش��خصيات‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ماهر األس��د‪ ،‬الش��قيق والقائ��د الفعلي‬ ‫للفرق��ة الرابعة‪ ،‬والرج��ل الثاني األقوى‬ ‫ف��ي ه��رم النظ��ام العس��كري؛ آص��ف‬ ‫ش��وكت‪ ،‬صه��ر العائل��ة األس��دية‪ ،‬الذي‬ ‫تق ّل��ب ف��ي مناص��ب عديدة من��ذ توريث‬ ‫بش��ار األس��د‪ ،‬أبرزه��ا إدارة المخاب��رات‬ ‫العس��كرية؛ اللواء جميل حس��ن‪ ،‬رئيس‬ ‫مخاب��رات الق��وى الجوي��ة؛ الل��واء عل��ي‬ ‫ممل��وك‪ ،‬مدير المخاب��رات العامة؛ اللواء‬ ‫عب��د الفت��اح قدس��ية‪ ،‬مدي��ر المخابرات‬ ‫العس��كرية؛ الل��واء محم��د دي��ب زيتون‪،‬‬ ‫رئيس ش��عبة األم��ن السياس��ي؛ العماد‬ ‫المتقاعد حس��ن توركماني‪ ،‬وزير الدفاع‬ ‫األس��بق‪ ،‬والنج��م الالم��ع أثناء س��نوات‬ ‫الوف��اق الس��وري ـ الترك��ي؛ العماد علي‬ ‫حبيب‪ ،‬وزير الدفاع الس��ابق؛ العماد داود‬ ‫راجحة‪ ،‬وزير الدفاع الحالي‪ ،‬اللواء صالح‬ ‫النعيم��ي‪ ،‬رئيس هيئة العملي��ات؛ اللواء‬ ‫محمد الش��عار‪ ،‬وزي��ر الداخلية؛ هش��ام‬ ‫بختيار‪ ،‬رئي��س مكتب األمن القومي في‬ ‫القيادة القطرية؛ ومحمد س��عيد بخيتان‪،‬‬ ‫األمين القطري المساعد لحزب البعث‪.‬‬ ‫هي 'عظ��ام رقبة' النظ��ام‪ ،‬كما قد‬ ‫يق��ول المنطق البس��يط‪ ،‬وال ينقصها إال‬ ‫عضوي��ة رئي��س إدارة األم��ن الجنائ��ي‪،‬‬ ‫أو إدارة ش��رطة الس��ير‪ ،‬أو الضابط��ة‬ ‫الجمركية‪ ،‬أو الشرطة العسكرية‪ ...‬حتى‬ ‫يكتمل المطبخ األمني للنظام‪ ،‬فتسقط‬ ‫صف��ة 'الخلي��ة' ع��ن ه��ذه االجتماعات‪،‬‬ ‫لتصبح في منزلة ما‪ ،‬عجيبة غريبة‪ ،‬بين‬ ‫'المحف��ل' العمومي و'المجمع' الس��رّي!‬ ‫أن‬ ‫وش��خصيًا‪ ،‬لس��ت أخفي ارتياب��ي في ّ‬ ‫ه��ذه 'الخلية'‪ ،‬ف��ي توصيفها ه��ذا على‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫فعلي��ا على أرض الواقع‪،‬‬ ‫األقل‪ ،‬ال توجد‬ ‫أو ال تعم��ل ضمن هذه األوالية المحكمة‪،‬‬ ‫بأن النظام ليس متماس��كًا‬ ‫التي توح��ي ّ‬ ‫ومنسجمًا ومتكام ًال‪ ،‬على صعيد مراكزه‬ ‫األمني��ة العلي��ا‪ ،‬فحس��ب؛ ب��ل توح��ي‬ ‫أيض��اً‪ ،‬أنه نظ��ام 'عقالن��ي'‪ ،‬و'ائتالفي'‬ ‫و'مؤسس��اتي'‪ ،‬يعطي ّ‬ ‫لكل مسؤول ّ‬ ‫حقه‬ ‫في اإلدارة‪ ،‬ويوكل له صالحياته‪.‬‬ ‫أن نظام 'الحركة التصحيحية'‬ ‫والحال ّ‬ ‫ل��م يعمل وفق هذا المنطق في أي يوم‪،‬‬ ‫وم��ا كان ممكنًا له أن يعم��ل ـ أمنيًا‪ ،‬في‬ ‫المق��ام األوّل‪ ،‬ثمّ عس��كرياً وسياس��يًا‬ ‫بعدئ��ذ ـ اس��تناداً إل��ى أية صيغ��ة تجعل‬ ‫القائد الفرد األوح��د مجبراً على الرجوع‪،‬‬ ‫فما بالك بالخضوع‪ ،‬إلى اجتهادات هذا أو‬ ‫ذاك م��ن 'قيادات' النظ��ام األدنى مرتبة‪.‬‬ ‫تاريخ العش��رات من رفاق حافظ األسد‪،‬‬ ‫ث��مّ وريثه بش��ار األس��د‪ ،‬ممّن س��ادوا‬ ‫ذات حقب��ة‪ ،‬وبدا أنهم أس��اطين وأعمدة‬ ‫وركائز في معمار النظام؛ قبل أن يتضح‬

‫أنه��م ب��ادوا في غمض��ة عي��ن‪ ،‬وانتهوا‬ ‫إلى س�لال مهمالت التاريخ‪ ،‬غير مأسوف‬ ‫عليه��م‪ ،‬وال أثر ي��كاد يبقيهم حتى على‬ ‫األلسن (حكمت الش��هابي‪ ،‬ناجي جميل‪،‬‬ ‫عل��ي دوب��ا‪ ،‬علي حي��در‪ ،‬رفعت األس��د‪،‬‬ ‫محم��د الخولي‪ ...‬أيام األس��د األب؛ وعبد‬ ‫الحلي��م خ��دام‪ ،‬غ��ازي كنع��ان‪ ،‬بهج��ت‬ ‫س��ليمان‪ ،‬محمد منصورة‪ ...‬أيام األس��د‬ ‫االبن؛ محض أمثلة على هذه الس��يرورة‬ ‫المتصلة)‪.‬‬ ‫أن 'خلية‬ ‫ذل��ك يجعلني أرت��اب ف��ي ّ‬ ‫إدارة األزم��ة' هذه ليس��ت س��وى خرافة‪،‬‬ ‫غذّته��ا مخيّلة تلقائية‪ ،‬بس��يطة بقدر ما‬ ‫هي مشروعة في الواقع‪ ،‬شاءت أن تجمع‬ ‫ّ‬ ‫كل ه��ذه اإلدارات والدوائ��ر والشُ��عَب‬ ‫والمؤسس��ات األمني��ة في حلق��ة واحدة‪،‬‬ ‫وحيدة؛ يُعزى إليها التخطيط لسياس��ات‬ ‫النظ��ام األمني��ة العلي��ا‪ ،‬واإلش��راف على‬ ‫تنفيذه��ا‪ ،‬وتنظيم مختل��ف التدابير في‬ ‫س��ياق ّ‬ ‫الحل األمني ال��ذي اعتمده النظام‬ ‫من��ذ بدء االنتفاضة‪ .‬وبص��رف النظر عن‬ ‫احتماالت نجاح عملي��ة 'كتائب الصحابة'‪،‬‬ ‫كم��ا وُصف��ت تفاصيله��ا بعدئ��ذ؛ وما إذا‬ ‫كان ظهور الش��عار وتوركماني على قيد‬ ‫الحياة‪ ،‬دلي ًال على فش��ل العملية؛ أو كانت‬ ‫المعلومات المتفرقة ع��ن موت اآلخرين‪،‬‬ ‫فإن الحلقة‬ ‫وغيابه��م‪ ،‬دلي ًال على نجاحها؛ ّ‬ ‫األمنية الفعلية التي تدير سياسات النظام‬ ‫ليست هذه‪ ،‬وليس هذا منطق عملها‪.‬‬ ‫ب��أن مقت��ل أي من‬ ‫وم��ع التس��ليم ّ‬ ‫أعض��اء 'خلية إدارة األزم��ة'‪ ،‬االفتراضية‬ ‫ّ‬ ‫يش��كل ضرب��ة للنظام‪،‬‬ ‫تل��ك‪ ،‬يمكن أن‬ ‫ويمك��ن لبع��ض الضرب��ات أن تك��ون‬ ‫موجعة؛ إال أنها ل��ن تكون قاصمة لظهر‬ ‫النظام‪ ،‬من جهة أولى؛ كما أنها‪ ،‬من جهة‬ ‫ّ‬ ‫تش��ل عمل مؤسساته األمنية‪،‬‬ ‫ثانية‪ ،‬لن‬ ‫غير المرتبطة دائمًا بقياداتها المباش��رة‪.‬‬ ‫أن غياب أعضاء‬ ‫وقد ال يبالغ امرؤ يفترض ّ‬ ‫'الخلي��ة'‪ ،‬مجتمعي��ن‪ ،‬ال يس��اوي غي��اب‬ ‫فإن‬ ‫ف��رد واحد مث��ل ماهر األس��د؛ ولهذا ّ‬ ‫األخي��ر كان غائبًا ع��ن االجتماع المذكور‬ ‫ف��ي القي��ادة القطري��ة‪ ،‬ه��ذا بافتراض‬ ‫أنه ش��ارك في أي م��ن اجتماعاتها تلك‪،‬‬ ‫ذات ي��وم! موجع��ة‪ ،‬إل��ى ه��ذا‪ ،‬أن تكون‬ ‫العملي��ة ق��د نجحت في اس��تهداف آصف‬ ‫شوكت‪ ،‬ألسباب أخرى ال تتصل بأنه ركن‬ ‫أساسي في معمار النظام األمني‪ ،‬وتعود‬ ‫ف��ي جوهره��ا إل��ى موقعه داخ��ل البيت‬ ‫األس��دي‪ ،‬ومطامحه السياسية (بالتكافل‬ ‫والتضام��ن مع عقيلته‪ ،‬بش��رى األس��د)‪،‬‬ ‫وش��بكات الوالء التي نس��جها في جيوب‬ ‫محددة داخل الطائف��ة العلوية (عالقاته‬ ‫بممثل��ي المجموعات المرش��دية‪ ،‬بصفة‬ ‫خاصة)‪.‬‬ ‫أن شوكت‬ ‫الصدد‪،‬‬ ‫هذا‬ ‫في‬ ‫يُنسى‪،‬‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫هبط‪ ،‬مثل طائر الوق��واق‪ ،‬على العائلة‬ ‫األس��دية حين ارتبطت به بشرى ـ االبنة‬ ‫البك��ر‪ ،‬والوحي��دة في العائل��ة ـ ورضيت‬ ‫أن تك��ون زوجت��ه الثاني��ة‪ ،‬س��رّاً ودون‬ ‫موافقة العائلة‪ ،‬وعاش��ت معه بعيداً عن‬ ‫القصر الرئاس��ي‪ ،‬حتى حسم األسد األب‬ ‫األمر فأعادها وضمّ شوكت إلى األسرة‪.‬‬ ‫وش��اع أنه ما ي��زال منبوذاً م��ن العائلة‪،‬‬ ‫ولم يتردد ماهر األس��د ف��ي إطالق النار‬ ‫علي��ه ذات مرّة‪ ،‬إثر ش��جار ح��ول مكانة‬ ‫العمّ رفعت األسد‪ .‬وطيلة خمس سنوات‬ ‫رف��ض األس��د طل��ب ش��قيقته بش��رى‬ ‫تسليم زوجها رئاس��ة جهاز االستخبارات‬ ‫العس��كرية‪ ،‬وكان أعل��ى منصب اقترحه‬ ‫عليه هو استخبارات القوى الجوية‪ ،‬الذي‬ ‫رفضه شوكت واعتبرته بشرى إهانة لها‪.‬‬

‫من أعمدة الصحافة ‪. .‬‬

‫صبحي حديدي‬

‫‪7‬‬


‫نبض الروح ‪. .‬‬

‫(حم�ص) ميـّــه يا بهية‬

‫رحل��ة متخيل��ة ب�صحب��ة حممد عل��ي الأتا�سي‬ ‫عبداهلل أمين الحالق‬

‫هذه الرحل��ة كان من الممكن لها أال‬ ‫تكون متخيلة إلى هذا الحد‪ ،‬لو أن حمص‬ ‫اليوم طبيعية بالقدر الذي يسوّقه إعالم‬ ‫م��ن دمّرها وأح��ال ليلها نه��اراً ونهارها‬ ‫لا‪ .‬كان م��ن الممك��ن فع� ً‬ ‫لي� ً‬ ‫لا أن أتجول‬ ‫م��ع محم��د علي األتاس��ي في ش��وارعها‬ ‫ونجل��س لنق��رأ الصح��ف البيروتي��ة في‬ ‫مقاهي رصيفها‪ ،‬كما الزلت أستطيع ذلك‬ ‫في دمش��ق‪ .‬لكن‪ ،‬وبالمقابل‪ ،‬هل كانت‬ ‫حمص عادية وطبيعي��ة فع ًال قبل الثورة‬ ‫وقبل أن تمسي عاصمة لها؟‬

‫***‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 27 | )36‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪8‬‬

‫نسأل واحداً من األهالي هناك‪ :‬هل‬ ‫نس��تطيع أن نتجول بحرية ونذهب لنزور‬ ‫ونصور من��زل الرئيس الراحل نور الدين‬ ‫األتاس��ي وعائلت��ه؟ هل نس��تطيع زيارة‬ ‫المش��فى الوحي��د ال��ذي ال يزال يس��عف‬ ‫الجرح��ى والمصابين م��ن المتظاهرين‪،‬‬ ‫مش��فى " الحكم��ة " وصاحبت��ه ش��قيقة‬ ‫الدكتور بره��ان غليون‪ ،‬وإج��راء تحقيق‬ ‫ميداني عنه؟‬ ‫يجي��ب‪" :‬القناص��ة س��يكونون لكم‬ ‫بالمرص��اد‪ ،‬كأن النظ��ام يق��ول‪ :‬إياك��م‬ ‫والتج��ول بحري��ة‪ ،‬وبتعبي��ر أدق‪:‬إياك��م‬ ‫والحرية"‪.‬‬ ‫يتح��دث معن��ا أب��و أحم��د بخب��رة‬ ‫المج��رّب ال��ذي خب��ر معن��ى القناص��ة‬ ‫والم��وت والمع��ارك الت��ي ش��نها النظام‬ ‫على دير بعلبة وس��قط فيه��ا من أقاربه‬ ‫شهداء كثر‪ ،‬يتحدث معي على اعتبار أني‬ ‫لم أعرف في مدينتي " س�� ًلمية " معترك‬ ‫المع��ارك الحربي��ة التي خاضه��ا وال يزال‬ ‫يخوضه��ا نظ��ام رزم��ة اإلصالح��ات ضد‬ ‫عاصمة الثورة‪.‬‬ ‫"نح��ن هن��ا خبرن��ا الم��وت وعرفناه‬ ‫وش��يعنا قوافل الش��هداء منذ اليوم األول‬ ‫الذي خرج فيه حي دير بعلبة في تظاهرة‬ ‫مطالبة بإسقاط النظام"‪ .‬يقول أبو أحمد‪،‬‬ ‫ثم يستطرد‪:‬‬ ‫"كلية الهندسة البتروكيماوية صارت‬ ‫مقراً رسميًا للقناصة‪ ،‬لدرجة صار التجول‬ ‫الطبيعي في الحي عملي��ة انتحارية بحد‬ ‫ذاته��ا‪ ،‬تخ��رج لتش��تري الخبز وما ش��ابه‬ ‫لتعود جثة إلى أهلك وأحبابك"‪.‬‬ ‫دي��ر بعلب��ة متصل��ة بالبياض��ة وما‬ ‫بعده��ا م��ن أحي��اء‪ ،‬كل حم��ص ص��ارت‬ ‫صف��اً مرصوصًا رغم أنف حواجز النظام‪،‬‬ ‫إيص��ال الجرح��ى والش��هداء ص��ار بح��د‬ ‫ذاته حالة إبداعية ل��دى األهالي مرتبطة‬ ‫بالق��درة عل��ى المن��اورة خ��ارج الحواجز‬ ‫والطرقات الرئيسية في المدينة‪ .‬النظام‬ ‫يبدع في تكريس الموت والقتل‪ ،‬وأهالي‬ ‫دير بعلبة والبياضة وكل حمص يبدعون‬ ‫في اختراع األمل والتمسك بخيوط الحياة‬ ‫الغاربة والتأقلم مع ما صار طبيعيًا وحالة‬ ‫اعتيادية في حمص المنكوبة‪.‬‬ ‫قذائف ثقيلة على البيوت والمحالت‬ ‫التجارية في دير بعلبة‪ .‬هلاّ شرحت لي يا‬ ‫محمد علي األتاسي قلي ًال عن ماهية تلك‬ ‫العصابات المس��لحة التي تمتلك كل تلك‬ ‫األسلحة الثقيلة‪ ،‬والتي خرجت للعلن في‬ ‫اللحظة التي بدأ النظام الس��وري يسوق‬

‫الحج��ج لض��رب حم��ص وحم��اه وإدلب‪...‬‬ ‫! نظ��ام أمني بوليس��ي يراق��ب ويحصي‬ ‫على الناس أنفاس��هم وحركاتهم‪ ،‬يكذب‬ ‫ويق��ول أن ثمة أس��لحة ثقيلة بي��د الثوار‬ ‫والعصابات اإلرهابية المزعومة‪ ،‬أس��لحة‬ ‫ال يمتلكها إال جيشه كما تعرف‪ .‬إن نظامًا‬ ‫حديديًا ومصمتًا يشاركك اآلن قراءة هذا‬ ‫النص وإن بردود فعل وألسباب مختلفة‪،‬‬ ‫ال يمك��ن أن تنطل��ي أكذوب��ة العصابات‬ ‫وتس��لل المس��لحين من الخ��ارج إال على‬ ‫الحمقى من مؤيديه‪ ،‬أو بتعبير أدق‪ :‬على‬ ‫الحمقى مؤيديه‪.‬‬ ‫ف��ي منتص��ف اللي��ل ي��دوي ص��وت‬ ‫الرصاص م��ن ناحية القناص��ة في كلية‬ ‫الهندس��ة البتروكيماوي��ة‪ ،‬نتس��اءل‪:‬‬ ‫كالش��ينكوف؟ تجيب أم أحمد‪" :‬ال‪ ،‬إنها إم‬ ‫‪ ،" ..16‬ويجي��ب طف��ل في السادس��ة من‬ ‫عمره‪" :‬ال‪ ،‬هاد رش��اس ‪ -‬بي كي سي ‪."-‬‬ ‫النس��اء صرن يعرفن أسلحة النظام التي‬ ‫تتدف��ق نيرانها على دي��ر بعلبة وغيرها‬ ‫لكث��رة م��ا خ ِبرنه��ا وم��ا بَكي��ن أبناءهن‬ ‫من ضحاياها‪ .‬األطف��ال كذلك! لم يعرف‬ ‫أطفال حمص على طول العام المنصرم‬ ‫حدائ��ق ه��ذه المدينة ومالعبه��ا ومدينة‬ ‫الماله��ي فيه��ا‪ ،‬بق��در م��ا خب��روا جي��داً‬ ‫الرص��اص والقناصة والدم��وع والمقابر‬ ‫وش��عارات الحرية المرفوعة والتي جعلها‬ ‫النظ��ام متالزمة مع قتله لش��باب حمص‬ ‫ونساءها وشيوخها وأطفالها‪.‬‬

‫***‬

‫الخالدية‪ ..‬وما أدراك ما هي يا محمد‬ ‫علي األتاسي‪ ! ..‬ساحة حي الخالدية كانت‬ ‫تشهد تظاهرات يومية يشارك فيها مئات‬ ‫م��ن م��دن س��ورية مختلف��ة‪ ،‬م��ن حماه‬ ‫ودمشق و‪ ...‬قال لي "حسن"‪:‬‬ ‫"هن��ا وفي هذه الس��احة التي تراها‬ ‫وق��ف ش��اب م��ن مدينة س�� َلمية‪ ،‬اس��مه‬ ‫حميد‪ ،‬وهت��ف للحرية جنب��اً إلى جنب مع‬ ‫عبد الباس��ط الس��اروت‪ ،‬وق��ال حميد‪ :‬أنا‬ ‫أب��واي م��ن طائفتي��ن مختلفتي��ن‪ ،‬ه��ل‬ ‫أنقس��م إل��ى ش��طرين لكي أؤك��د رواية‬ ‫النظ��ام ع��ن طائفي��ة الث��ورة الس��ورية‬ ‫وسلفية رجالها؟"‪.‬‬ ‫نس��مع ص��وت إطالق نار ق��رب جامع‬ ‫س��يدي خالد‪ ،‬ثم تكبيرات وهتافات تش��ير‬ ‫إلى س��قوط ش��هداء برص��اص القناصة‪،‬‬ ‫خالل دقائق معدودة يتم التجهيز لمراسم‬ ‫التش��ييع والدف��ن الذي يتحول ب��دوره إلى‬ ‫مظاهرة حاشدة‪ .‬هكذا‪ ،‬يكون أحد الرجال‬ ‫المتجولين في الحي قد أمسى‪ ،‬وبضغطة‬ ‫زن��اد‪ ،‬ف��ي عالم الغي��ب‪ .‬ه��ذا الرجل كان‬ ‫ً‬ ‫بداي��ة بالحري��ة لس��وريا‪ ،‬قب��ل أن‬ ‫يحل��م‬ ‫يصب��ح ه��مّ الن��اس األول ف��ي الخالدية‬ ‫ودير بعلبة وحمص وكل سوريا هو تأمين‬ ‫المعونات واإلغاث��ات للمنكوبين والجرحى‬ ‫وعائ�لات الش��هداء‪ ،‬دون أن يعني ذلك أن‬ ‫اإلص��رار على المض��ي في ثورة الش��عب‬ ‫السوري حتى النهاية قد أُصيب بالفتور‪.‬‬ ‫وف��ي التش��ييع يفت��ح الث��وار الن��ار‬ ‫ف��ي اله��واء م��ن بن��ادق آلي��ة م��ن ن��وع‬

‫"كالشينكوف"‪.‬‬ ‫"نح��ن لم نحم��ل الس�لاح إال عندما‬ ‫ص��ارت الحي��اة والمظاه��رات الس��لمية‬ ‫مس��تحيلة بسبب هذا النظام‪ ،‬بعدين هو‬ ‫عندو دبابات وإحنا كالشينكوف‪ ،‬ويقلولك‬ ‫عصابات إرهابية مس��لحة؟"‪ .‬يقول واحد‬ ‫من الثوار‪.‬‬ ‫"الثورة بدأت سِلمية في درعا وحماه‬ ‫وإدلب وحمص وكل س��وريا‪ ،‬بس الناش‬ ‫مش قادرة تكمل بهالشكل وتتفرج على‬ ‫حاله��ا عم تموت يومي��اً من دون ما تدافع‬ ‫عن نفسها"‪ .‬يضيف آخر‪.‬‬

‫***‬

‫ج��دران كنيس��ة أم الزن��ار ف��ي حي‬ ‫الحميدية أصبحت اآلن ش��فافة‪ ،‬تستطيع‬ ‫أن ترى ما وراءها لكثرة الثقوب والقذائف‬ ‫الت��ي اخترقته��ا وثقبته��ا‪ .‬يق��ول ش��اب‬ ‫متخيَّ��ل يرافقن��ا ف��ي رحلتن��ا المتخيَّلة‬ ‫هذه‪:‬‬ ‫"أي��ن ه��ي العصاب��ات الس��لفية‬ ‫اإلرهابية‪ ،‬هل لدى المسيحيين سلفيون‬ ‫وإرهابيون إس�لاميون حتى يُقصف حي‬ ‫الحميدية بالقذائف الثقيلة والهاون؟"‪.‬‬ ‫حي الحميدية حي يج��اور الخالدية‪،‬‬ ‫يالصقه تمامًا‪ ،‬لكن عليك أن تعبر الشارع‬ ‫الضيق بس��يارة تنطلق بسرعة جنونية‪،‬‬ ‫هربًا وخوفًا من رصد القناصة لك‪ .‬وهو‪،‬‬ ‫أي الحميدية‪ ،‬ذو أغلبية مسيحية طاغية‪،‬‬ ‫كما ال بد أنك تعرف يا علي‪..‬‬


‫***‬

‫ياسين الحاج صالح‬

‫أسبوعية‬

‫أف�لام أميركية‪ ،‬وليس أب��دا على أخبار‬ ‫أو برام��ج سياس��ية‪ .‬كان جهلي بكيفية‬ ‫تش��غيل التلفزيون أو البحث عن أقنية‬ ‫رياضية أو سينمائية‪ ،‬أو بخاصة كيفية‬ ‫إطف��اء الجه��از‪ ،‬موضع تن��در إلخوتي‪،‬‬ ‫وال يوفر ف��راس بخاصة فرصة التهكم‬ ‫من تخ ّلفي‪ ،‬واس��تعراض سهولة األمر‪.‬‬ ‫يكبس أزرار جه��از التحكم‪ ،‬وهو يقول‬ ‫باستهانة‪ :‬أهاااا أهه‪ ...‬وعامل لي حالك‬ ‫مثقف!‬ ‫مس��اء ي��وم العاش��ر م��ن ش��باط‬ ‫‪ ،2011‬دعان��ا صدي��ق وزوجته لنحتفل‬ ‫قبالة شاش��ة التلفزي��ون العريضة في‬ ‫منزلهم��ا بالتنح��ي المتوق��ع لحس��ني‬ ‫مبارك‪ .‬ش��ربنا ليترين ونصف ليتر من‬ ‫النبي��ذ‪ ،‬ولم تخرج الجمل��ة الذهبية من‬ ‫ف��م الطاغي��ة العجوز‪ .‬عدنا إل��ى البيت‬ ‫منتص��ف اللي��ل‪ ،‬بعد مقاوم��ة بطولية‬ ‫من جهت��ي لمحاولة الصديقين تحميلنا‬ ‫جهاز تلفزيون فائضا لديهما‪.‬‬ ‫لك��ن تتاب��ع الث��ورات‪ ،‬ومش��اهد‬ ‫مي��دان التحرر بخاصة‪ ،‬ثم تفجر الثورة‬ ‫الس��ورية بع��د ش��هر وأي��ام‪ ،‬أضعف��ت‬ ‫مقاومت��ي‪ .‬وكانت س��ميرة تش��عر أنها‬ ‫ف��ي ٍّ‬ ‫حِ��ل م��ن الت��زام متق��ادم‪ ،‬يعود‬ ‫إل��ى األزمنة ما قبل الثوري��ة‪ .‬بعد نحو‬ ‫أس��بوعين م��ن الث��ورة كان ف��ي بيتنا‬ ‫تلفزي��ون‪ ،‬الجهاز نفس��ه ال��ذي مانعت‬ ‫مجيئه قبل سبعة أسابيع‪.‬‬ ‫وف��ي الي��وم التال��ي كان يتملكني‬ ‫شعور بخيانة النفس وأنا أرافق العامل‬ ‫الذي جل��ب لنا الصحن الالق��ط‪ّ ،‬‬ ‫وركبه‬ ‫على س��طح البناء‪ .‬لم أكن راضيا‪ ،‬لكن‬ ‫لم أعد ق��ادرا على المقاوم��ة أكثر مما‬ ‫فعلت‪ .‬لقد أصبح��ت مقاومة التلفزيون‬ ‫فعال رجعيا واس��تبداديا ال يمكن الدفاع‬ ‫عنه‪.‬‬ ‫م��ع ذل��ك‪ ،‬لس��ت عل��ى اس��تعداد‬ ‫العتب��ار مجيء التلفزي��ون حدثا ثوريا‪،‬‬ ‫وإن تك��ن الث��ورة ه��ي من ش��فعت له‬ ‫بالمجيء‪ .‬س��نرى بعد الثورة‪ :‬أنا أم هو‬

‫في البيت!‬ ‫لك��ن ل��م أك��د أرى ش��يئا عل��ى‬ ‫تلفزيونـ"ن��ا"‪ .‬ف��ي اليوم نفس��ه أو في‬ ‫اليوم التالي تركت البيت‪.‬‬ ‫في كل المن��ازل الت��ي أقمت فيها‬ ‫خالل أربعة عش��ر شهرا من الثورة كان‬ ‫هن��اك جهاز تلفزيون طبعاً‪ ،‬وفي اثنين‬ ‫منها بشاشة كبيرة‪ .‬وكان علي أن أتعلم‬ ‫تدبير أموري بالتي هي أسهل للوصول‬ ‫إلى األقنية التي أريدها‪.‬‬ ‫الي��وم التلفزي��ون ش��غال ما دمت‬ ‫مستيقظا‪ .‬أثناء عملي على الكمبيوتر‪،‬‬ ‫أو حتى أثناء الق��راءة‪ .‬لكن وقت العمل‬ ‫يك��ون عل��ى محط��ات إخباري��ة‪ ،‬ووقت‬ ‫الق��راءة عل��ى أقني��ة س��ينمائية أو‪،‬‬ ‫الي��وم‪ ،‬رياضي��ة‪ .‬في منزل��ي الحالي ال‬ ‫يلتق��ط الصحن الالقط أقني��ة إال على‬ ‫الهوتبيرد فقط‪ .‬وه��ذا لم تبرمج عليه‬ ‫أي��ة أقني��ة س��ينمائية‪ .‬لكن ل��دي أكثر‬ ‫م��ن قن��اة إيطالية لع��رض األزي��اء‪ ،‬أو‬ ‫باألحرى لعرض أجس��اد نس��اء ش��ابات‬ ‫طويالت القامة‪ ،‬يرتدي��ن من الثياب ما‬ ‫قل ودل‪ .‬وألسفي الشديد انقلبت القناة‬ ‫اإليطالية المتخصصة بالتنس إلى قناة‬ ‫إسالمية باللغة االنكليزية!‬ ‫الث��ورة الس��ورية ل��م تضعني في‬ ‫م��دار ح��ول التلفزي��ون فق��ط‪ ،‬وإنم��ا‬ ‫جعل��ت مني لبع��ض الوق��ت معلقا عبر‬ ‫الهاتف على مس��تجدات الش��أن السوري‬ ‫عل��ى بع��ض األقني��ة الفضائي��ة‪ .‬قلما‬ ‫كنت مرتاح��ا لتلك الظه��ورات الصوتية‬ ‫الس��ريعة الت��ي ال يتج��اوز أكثرها ثالث‬ ‫دقائ��ق‪ .‬وف��وق ذل��ك كان كالم��ي غير‬ ‫مفهوم حس��ب أصدقاء كثيري��ن‪ :‬أتكلم‬ ‫بس��رعة وبصوت خاف��ت‪ ،‬وأقرط بعض‬ ‫الحروف‪ ،‬وأتكلم مثلما أكتب! وهذا أوهن‬ ‫نفس��يتي القلقة أصال‪ ،‬فكان أن تخليت‬ ‫منذ الصيف الماضي عن الهاتف نفس��ه‪،‬‬ ‫وتوقفت عن أداء دور المعلق‪ .‬ال أرى أني‬ ‫خسرت شيئا‪ ،‬وال أظن أن أحدا خسر‪.‬‬ ‫ملحق الس��فير الثقافي ‪2012 / 5 / 25‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫لم أعرف ما هو الش��يء الذي كان‬ ‫الطفل الواقف بالباب يريد اس��تعارته‪،‬‬ ‫لكنن��ي فهمت أنه من لوازم التلفزيون‪.‬‬ ‫ لي��س لدين��ا تلفزيون‪ ،‬قلت ل��ه‪ - .‬ما‬‫عندك��م! على ش��و تتفرجوا؟ تس��اءل‪،‬‬ ‫وهو ينظر إلي بذهول‪.‬‬ ‫وج��ود تلفزيون في البيت هو جزء‬ ‫م��ن نظ��ام الطبيع��ة في عي��ن الطفل‬ ‫ذي الثمان��ي س��نوات‪ ،‬وفي عي��ن أكثر‬ ‫الس��وريين‪ .‬وهو من القطع الثابتة في‬ ‫جميع المنازل‪ ،‬بما فيها األشد فقرا‪ .‬يوفر‬ ‫للمتعبين فرصة استرخاء وتسلية‪ ،‬وأداة‬ ‫مس��اعدة في ضب��ط األطف��ال‪ ،‬ونافذة‬ ‫يطلون منها على أحوال الدنيا‪ .‬ال أعرف‬ ‫بيت��ا واحدا ليس فيه جه��از تلفزيون أو‬ ‫أكثر‪ .‬لكن أصدق��اء عارفين يقولون إن‬ ‫بي��ت الدكتور صادق ج�لال العظم خال‬ ‫دوما من هذا الصندوق السحري‪.‬‬ ‫ط��وال أكث��ر م��ن عش��ر س��نوات‬ ‫عش��نا‪ ،‬زوجتي وأنا‪ ،‬في بيت ليس فيه‬ ‫تلفزي��ون‪ .‬كن��ا اتفقن��ا عل��ى ذلك قبل‬ ‫زواجن��ا‪ ،‬لك��ن بإص��رار مني أكث��ر مما‬ ‫بحماس��ة منها‪ .‬قلما نتاب��ع األخبار نحن‬ ‫االثنين‪ ،‬ونعتمد في القليل الذي نتابعه‬ ‫على اإلنترنت‪.‬‬ ‫كان دافع��ي لحظ��ر التلفزيون هو‬ ‫توفي��ر الوقت طبعا‪ .‬بدا ل��ي التلفزيون‬ ‫سجنا آخر‪ ،‬يستهلك العمر مثل السجن‪.‬‬ ‫وعميل للس��لطة أيض��ا‪ .‬البث الفضائي‬ ‫وس��ع مروحة خيارات المتفرجين وأتاح‬ ‫لهم م��د البص��ر إل��ى خ��ارج بلدانهم‪،‬‬ ‫لك��ن التلفزي��ون بق��ي جهازا سياس��يا‬ ‫ج��دا‪ ،‬وش��ديد التمرك��ز حول الس��لطة‬ ‫وقضاياه��ا‪ ،‬ف��ي العال��م العرب��ي على‬ ‫األقل‪.‬‬ ‫لك��ن في األس��اس كان تطور لدي‬ ‫احتق��ار للتلفزيون وإج�لال للكتب‪ .‬في‬ ‫الس��جن كان التلفزيون‪ ،‬وقد أتيح خالل‬ ‫نح��و نص��ف الس��نوات الت��ي قضيته��ا‬ ‫فيه‪ ،‬والكتاب ال��ذي أتيح خالل أكثر من‬ ‫أربعة أخماس��ها‪ ،‬قطبي الحياة اليومية‪.‬‬ ‫لك��ن خل��ف احتق��ار للتلفزي��ون تمتزج‬ ‫فيه الب��داوة والنخبوية هناك غير قليل‬ ‫من االنس��حار به‪ ،‬ولعل خل��ف اإلجالل‬ ‫الظاهر للكتب قدر من نفور‪.‬‬ ‫وأظن أن شاش��ة الكمبيوتر سهلت‬ ‫علي االس��تغناء عن شاش��ة التلفزيون‪.‬‬ ‫وفي غيب��ة التلفزي��ون‪ ،‬وتعويضا عنه‬ ‫بقدر ما‪ ،‬كنا نس��تخدم الشاشة الكبيرة‬ ‫لكمبيوت��ر س��ميرة لنتف��رج عل��ى م��ا‬ ‫يفترض أنها أفالم مميزة‪.‬‬ ‫كان أصدقاؤنا ينك��رون عليّ هذا‬ ‫المس��لك المتط��رف‪ .‬الص��ورة مهم��ة‪،‬‬ ‫يقول��ون‪ .‬وكان��ت س��ميرة مزدوج��ة‬ ‫العاطف��ة حي��ال األمر‪ .‬تح��ب أكثر مني‬ ‫متابع��ة األخب��ار واألف�لام‪ ،‬وال تريد أن‬ ‫يتعط��ل زوجه��ا ع��ن أش��غاله المهمة‪.‬‬ ‫كان��ت تعرف م��ن التجربة إن��ه إذا وجد‬ ‫تلفزيون في البيت فربما ال أفعل ش��يئا‬ ‫آخر غير التفرج عليه‪ .‬حين كنا نس��افر‬ ‫إل��ى الرق��ة‪ ،‬كن��ت أقضي وقت��ا طويال‬ ‫مس��مرا أمام هذا القفص‪ ،‬أتفرج على‬ ‫مباري��ات كرة الق��دم أو التنس‪ ،‬أو على‬

‫دندنات إندساسية ‪. .‬‬

‫***‬

‫تع��رف‪ ،‬ي��ا محم��د عل��ي األتاس��ي‪،‬‬ ‫أنني لس��ت من أنصار المشاعر الظافرية‬ ‫واالحتف��ال بالموت وإن س��ميناه ش��هادةً‪،‬‬ ‫لكنن��ي ال أمل��ك إال االنحناء أم��ام صمود‬ ‫الش��عب الس��وري ال��ذي ال نمل��ك نح��ن‬ ‫الكتّ��اب إال نصوصن��ا ومقاالتن��ا الداعمة‬ ‫لثورت��ه نقدمها ل��ه‪ ..‬الم��وت يخيم على‬ ‫س��وريا كش��بح خراف��ي م��ن العص��ور‬ ‫الغاب��رة‪ ،‬غي��ر أن إرادة الحي��اة واالنتصار‬ ‫عل��ى النظ��ام مهم��ا بلغ��ت التضحي��ات‬ ‫كفيل��ة بأن تعطي جرعة تفاؤل بس��وريا‬ ‫طبيعي��ة‪ ،‬عادية‪ ،‬ح��رة‪ ،‬وإن بعد مصاعب‬ ‫جم��ة وفت��رات انتقالية صعب��ة‪ ،‬ومخاطر‬ ‫أمني��ة مرعب��ة بعدم��ا نجح النظ��ام في‬ ‫ج��ر المنتفضين إل��ى التس��لح دفاعاً عن‬ ‫النف��س‪ ،‬وإرهاصات االقتتال األهلي عبر‬ ‫جنون العظمة لدى ه��ذا النظام وإجرامه‬ ‫ال��ذي فاق كل التصورات‪ .‬كل هذا س��وف‬ ‫ل��ن يجعل دمش��ق بعي��دة ع��ن كل تلك‬ ‫التداعي��ات يا صديقي‪ ،‬وربما س��تنعكس‬ ‫اآلي��ة الت��ي ب��دأتُ به��ا نص��ي ورحلتي‬ ‫المتخيلة معك‪ ،‬أي ربما س��تكون دمش��ق‬ ‫وحل��ب وطرط��وس و‪ ..‬حت��ى مدينت��ي‬ ‫س�� َلمية‪ ..‬حم��ص أخ��رى‪ ،‬أوإدل��ب أخرى‪،‬‬ ‫أو حم��اه أخرى‪ .‬هكذا لن نس��تطيع قراءة‬ ‫الصح��ف البيروتي��ة في مقاهي دمش��ق‬ ‫فقط‪ ،‬بل س��نتجول معًا‪ ،‬بعد النصر‪ ،‬في‬ ‫رحل��ة ربما ل��ن تكون متخيل��ة كهذه‪ ،‬بل‬ ‫حقيقية ألبعد الح��دود‪ .‬عندها‪ ،‬وبد ًال من‬ ‫أن نلمح الفتة تحيي سميراً في دير بعلبة‬ ‫الصامدة والصابرة‪ ،‬سيكون باستطاعتنا‬ ‫أن نتجول في ش��ارعين يحمالن اس��مَي‬ ‫عمر أميراالي أو سمير قصير‪ ،‬باعتبارهما‬ ‫ش��اهدا عيان على الثورة الس��ورية‪ ،‬وإن‬ ‫ف��ي حضرة غيابهما عن كل ما يجري من‬ ‫خراب‪ .‬خراب ال بد أن تتلوه قيامة وإن بعد‬ ‫حين‪.‬‬ ‫موقع صباح سوريا ‪2012 / 5 / 25‬‬

‫�أنا والتلفزيون والثورة‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 27 | )36‬أيار ‪2012 /‬‬

‫قطعاً‪ ،‬لن تعجب هذه الفقرة كثيرين‬ ‫يا محمد علي األتاسي‪ .‬فأنصار العلمانية‬ ‫الس��ورية ممثل��ة بـ��ـ "س��وريا األس��د"‪،‬‬ ‫والمدافعي��ن عن نظ��ام القتل الس��وري‬ ‫علن��ًا أو بتقية تتلطى باحتماالت أس��لمة‬ ‫الح��راك‪ ،‬لن يكون��وا معجبين أو فخورين‬ ‫مثلن��ا بالفتة رُفعت في دي��ر بعلبة‪ ،‬وقد‬ ‫كتب عليها "إن ربيع العرب حين يزهر في‬ ‫بيروت إنما يعلن أوان الورد في دمش��ق‪..‬‬ ‫تحية إلى روح الشهيد سمير قصير"‪.‬‬ ‫أغل��ب الظ��ن أن أهال��ي دي��ر بعلبة‬ ‫ل��م يقرأوا س��مير قصي��ر وكتب��ه‪ ،‬وتلك‬ ‫مس��ألة يُس��أل عنها‪ ،‬قبل توجيه االتهام‬ ‫لهم بـ"الجهل والتخل��ف"‪ ،‬تهميش الريف‬ ‫وأط��راف المدن‪ ،‬وسياس��ة النظام التي ال‬ ‫تزال تمنع كتب شهيد ربيع دمشق وغيره‬ ‫من المفكرين والكت��اب من أن تكون في‬ ‫ّ‬ ‫ومتلقي األف��كار‪ ،‬وحالة‬ ‫متن��اول الق��ارئ‬ ‫الموات السياس��ي والثقافي واالس��تنزاف‬ ‫االقتص��ادي وغيره من صنائع االس��تبداد‬ ‫ف��ي س��وريا‪ ،‬ما جع��ل الثقاف��ة واالطالع‬ ‫على تجارب اآلخرين كماليات ال حاجة لها‬ ‫أمام مطل��ب تحقيق الضروري��ات حفاظًا‬ ‫عل��ى البق��اء‪ .‬للمزي��د‪ ،‬لنق��ارن بين من‬ ‫قرأ س��مير قصير من أزالم النظام الذين‬ ‫كت��ب أحده��م ذات م��رة "أخي��راً تذكرت‬ ‫الس��لطة أن له��ا ش��عبًا" ومن ل��م يقرأه‬ ‫من المحتجّين المطالبين بربيع س��وري‪،‬‬ ‫لنعرف أن تلك الالفتة والجندي المجهول‬ ‫الذي صنعها وكتب عليها كلمات الش��هيد‬ ‫لترف��ع في دير بعلبة‪ ،‬لن تُس��عد مدمني‬ ‫النظ��ر بفوقية إلى الش��عوب المنتفضة‪،‬‬ ‫من الجالس��ين عل��ى مقاعده��م األثيرة‬ ‫صحيفة‬ ‫في طقوس أريستوقراطية‪ ،‬مع ِ‬ ‫س��ورية رس��مية أو قناة فضائية ممانعة‬ ‫ال تمل من التقيؤ على مش��اهديها صبح‬ ‫مساء‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫الصفحة القانونية‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 27 | )36‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪10‬‬

‫�إ�ساءة الأمانة يف القانون ال�سوري‬ ‫ياسر مرزوق‬ ‫إن جريمة إس��اءة األمانة تستهدف‬ ‫االعت��داء عل��ى ح��ق الملكي��ة إض��راراً‬ ‫بالمال��ك وطمعاً ف��ي أمواله وتتم بكل‬ ‫فعل ي��دل على أن األمي��ن اعتبر المال‬ ‫الذي اؤتمن عليه مملوكاً له يتصرف به‬ ‫تصرف المالك في ملكه ويتم اختالس‬ ‫األمان��ة مت��ى أضاف األمي��ن إلى ملكه‬ ‫الش��يء ال��ذي س��لم إليه وتص��رف به‬ ‫عل��ى أنه ملكه أو أنك��ره على صاحبه‪،‬‬ ‫و غالب��ًا ما يتم توثيق ذل��ك بعقد بين‬ ‫الطرفين يسمى س��ند أمانة‪ ،‬أو يجري‬ ‫توثيق��ه أحيانا لدى الكات��ب بالعدل‪ ،‬أو‬ ‫في مكتب محام‪ ،‬وذلك ضمانًا لصاحب‬ ‫المال باس��تعادة ماله في المدة المتفق‬ ‫عليها أو حين الطلب‪.‬‬ ‫هذا وقد درجت العادة أن الشخص‬ ‫الذي يريد أن يس��تأجر س��يارة‪ ،‬أو مح ً‬ ‫ال‬ ‫تجاريً��ا‪ ،‬أو يش��تري من��ز ًال أو س��يارة‬ ‫أو أي ش��يء آخ��ر وال يس��تطيع تكمل��ة‬ ‫ثمن��ه‪ ،‬أو يري��د أن يقت��رض مبلغاً من‬ ‫المال بفائدة‪ ،‬فإن��ه يضطر في الغالب‬ ‫إلى تنظيم س��ندات لصال��ح المؤجر أو‬ ‫المق��رض بقيم��ة الس��يارة أو المح��ل‬ ‫أو قيم��ة المبل��غ المقت��رض أو قيم��ة‬ ‫المبلغ المتبقي‪ ،‬وتنظم تلك الس��ندات‬ ‫على أس��اس أنه��ا س��ندات أمانة لحين‬ ‫الطل��ب‪ ،‬ف��إذا أخل مس��تأجر الس��يارة‬ ‫أو المح��ل بالش��روط المتف��ق عليه��ا‬ ‫كأن يلح��ق أض��راراً بالس��يارة ويمتنع‬ ‫ع��ن إصالحها‪ ،‬أو يمتنع ع��ن دفع أجرة‬ ‫المحل أو تسليمه في الوقت المحدد‪ ،‬أو‬ ‫يتوقف عن دفع فوائد المبلغ المقترض‬ ‫أو يرف��ض إع��ادة المبلغ إل��ى صاحبه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫المنظم س��ند األمانة‬ ‫فيلجأ الش��خص‬ ‫لمصلحت��ه بمالحق��ة ذل��ك الش��خص‬ ‫بجرم إساءة األمانة أمام محكمة بداية‬ ‫الج��زاء‪ ،‬وفق��ًا ألحكام الم��ادة ‪ 656‬من‬ ‫قانون العقوبات الس��وري التي عاقبت‬ ‫مس��يء األمانة بالحبس من ش��هرين‬ ‫إلى س��نتين وبغرامة تت��راوح بين ربع‬ ‫قيم��ة ال��ردود والعطل والض��رر وبين‬ ‫نصفه��ا عل��ى أن ال تنقص ع��ن مائة‬ ‫ليرة سورية‪ .‬ويبدأ سريان مدة التقادم‬ ‫في جرم إس��اءة األمانة من تاريخ إنكار‬ ‫األمانة أو االمتناع عن تس��ليمها ال من‬ ‫تاريخ تسليم األمانة‪.‬‏‬

‫تعريف �إ�ساءة الأمانة قانون ًا‬ ‫عرفه��ا الفقه��اء بأنه��ا اس��تيالء‬ ‫الشخص على منقول يحوزه بنا ًء على‬ ‫س��ند مم��ا ح��دده القانون ع��ن طريق‬ ‫خيانة الثقة التي أودعت فيه بمقتضى‬ ‫هذا الس��ند وذل��ك عن طري��ق تحويل‬ ‫صفته من حائز حيازة ناقصة لحس��اب‬ ‫مالكه إلى مدعي بملكية هذا الش��يء‪.‬‬ ‫تتمي��ز جريمة إس��اءة األمان��ة بطبيعة‬ ‫خاصة حي��ث أنها من الجرائ��م الوقتية‬ ‫التي تقع بمجرد وق��وع الفعل الجرمي‬ ‫وتحقق نتيجته‪.‬‬ ‫وتبدأ مدة التقادم على هذا الجرم‬ ‫والت��ي حددها المش��رع بثالث س��نوات‬ ‫كما في الجرائم الجنحوية الوصف من‬ ‫تاري��خ إنكاره أو االمتناع عن تس��ليمها‬ ‫أو م��ن تاري��خ وج��ود دالئل ت��دل على‬

‫وق��وع الجريمة في وقت معين حس��ب‬ ‫نص الم��ادة ‪ /438/‬من قانون األصول‬ ‫الجزائية‪" :‬تس��قط دع��وى الحق العام‬ ‫ودع��وى الحق الش��خصي ف��ي الجنحة‬ ‫بانقض��اء ث�لاث س��نوات عل��ى الوج��ه‬ ‫المبي��ن في الحالتي��ن المذكورتين في‬ ‫المادة السابقة"‪.‬‬ ‫وقد اس��تقر االجتهاد عل��ى ذلك "‬ ‫إن التق��ادم في جريمة إس��اءة االئتمان‬ ‫يبدأ م��ن تاريخ اإلن��كار أو االمتناع عن‬ ‫تس��ليم األمانة ال من تاريخ تس��ليمها"‬ ‫نقض سوري أساس ‪ 4830‬قرار ‪1994‬‬ ‫قاعدة ‪ 1878‬استانبولي ج‪.1‬‬

‫�أركان جرمية �إ�ساءة الأمانة‪:‬‬ ‫‪ - 1‬الرك��ن الم��ادي‪ - 2 .‬الرك��ن‬ ‫المعنوي‪ - 3 .‬الركن القانوني‪.‬‬ ‫أو ًال‪ :‬الركن المادي‪:‬‬ ‫هو حيازة الش��يء بقص��د تملكه‬ ‫ويج��ب تواف��ر ع��دة ش��روط لحص��ول‬ ‫الفعل الجرمي‪:‬‬ ‫‪ - 1‬وجود عقد األمانة‬ ‫‪ - 2‬إن يكون موضوع إساءة األمانة‬ ‫ما ًال مادياً منقو ًال‬ ‫‪ - 3‬إن يكون المال مملوكاً للغير‬ ‫‪ - 4‬إن يك��ون التس��ليم ناق� ً‬ ‫لا‬ ‫للحيازة‬ ‫الفعل الجرمي‪:‬‬ ‫ه��ي إرادة الفاعل ال��ذي يعرف أن‬ ‫ي��ده عل��ى الش��يء المؤتم��ن عليه يد‬ ‫حي��ازة ناقصة وقصد تغيي��ر نوع هذه‬ ‫الحي��ازة وجعله��ا كاملة جاح��دا حقوق‬ ‫المجن��ي علي��ه ومنكراً لس��لطاته على‬ ‫الش��يء وإرادة التغيي��ر للحي��ازة م��ن‬ ‫ناقصة إل��ى كاملة هي جوه��ر الفعل‬ ‫الجرم��ي وتظه��ر ه��ذه اإلرادة للعل��ن‬ ‫من خ�لال األفعال المادية المدللة على‬ ‫تغيير ن��وع الحيازة وهي كتم الش��يء‬ ‫بإخفائ��ه وإنكار وجوده بش��كل يجعله‬ ‫عدي��م القيم��ة أو بالتمزي��ق والتبديد‬ ‫واالختالس أو التصرف بالشيء‪.‬‬ ‫فالنشاط الجرمي يبدأ في اللحظة‬ ‫الت��ي يقوم المدعى علي��ه بنقل حيازة‬ ‫وملكي��ة األموال المثلية من لمالك إليه‬ ‫حيازة كاملة‪.‬‬ ‫النتيجة الجرمية‪:‬‬ ‫ه��ي الض��رر ال��ذي يترت��ب على‬ ‫الفعل الجرمي والمشرع لم يعتمد في‬ ‫تحديد مدلول الضرر في جريمة إساءة‬ ‫االئتمان على التوس��ع في تحديده فلم‬ ‫يف��رق بين ضرر مادي وض��رر معنوي‬ ‫وضرر حال وض��رر محتمل وبين ضرر‬ ‫جس��يم وضرر يس��ير وال أهمية لكون‬ ‫المدع��ى عليه قد كس��ب م��ن فعله أم‬ ‫ال كم��ا أنه ال أهمية ف��ي قيام الجريمة‬ ‫لك��ون الم��ال ممل��وكا للمجن��ي علي��ه‬ ‫المتعاقد أم ال‪.‬‬ ‫عناصر الجريمة‪:‬‬ ‫‪ - 1‬توجيه إن��ذار من قبل المجني‬

‫علي��ه قب��ل إقام��ة الدع��وى الجزائي��ة‬ ‫لكش��ف ني��ة الفاع��ل بوض��وح ويعتبر‬ ‫بذل��ك اإلن��ذار ركنًا م��ن أركان جريمة‬ ‫إس��اءة االئتم��ان ولي��س وس��يلة م��ن‬ ‫وس��ائل إثبات��ه حس��ب ن��ص االجتهاد‬ ‫المستقر‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ع��دم إبراء المدعى عليه ذمته‬ ‫بعد توجيه اإلنذار له‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬الركن المعنوي‪:‬‬ ‫ال ب��د م��ن توافر القص��د الجرمي‬ ‫في جريمة إس��اءة االئتمان والتي نص‬ ‫عليه في المادة ‪ /656/‬بالقول " كل من‬ ‫أقدم قصداً على كتم أو اختالس‪." ...‬‬ ‫لذل��ك فجريمة إس��اءة األمانة من‬ ‫الجرائ��م القصدي��ة وال يكف��ي الخط��أ‬ ‫لتحقق النتيجة الجرمية‪.‬‬ ‫تتطلب ه��ذه المادة قص��داً خاصًا‬ ‫وه��و ني��ة تمل��ك الش��يء وه��و علم‬ ‫المدع��ى علي��ه بفعل��ه بك��ون الم��ال‬ ‫مملوكاً لغيره وأن يكون الضرر محتمال‬ ‫بفع��ل المدع��ى علي��ه وتواف��ر إرادة‬ ‫ارتكاب الفعل وتحق��ق النتيجة وتوافر‬ ‫القص��د الخاص م��ن خالل ني��ة تملك‬ ‫الشيء‪.‬‬ ‫أم��ا الم��ادة ‪ /657/‬تضمنت تعبيراً‬ ‫يفهم منه أن مج��رد الخطأ كاف لتوفر‬ ‫الرك��ن المعنوي فق��د اكتفى الش��ارع‬ ‫لتحقي��ق ه��ذه الجريمة ك��ون المدعى‬ ‫علي��ه "يعل��م أو كان من واجب��ه أنه ال‬ ‫يمكنه إعادة مثل المال الذي تسلمه"‪.‬‬ ‫يتحقق الركن المعنوي وفقًا لهذه‬ ‫المادة بالقصد والخطأ على السواء‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬الركن القانوني‪:‬‬ ‫إن جريم��ة إس��اءة األمان��ة م��ن‬ ‫الجرائ��م الواقع��ة على األموال حس��ب‬ ‫نص المادتين ‪ /657 – 656/‬من قانون‬ ‫العقوبات‪:‬‬ ‫المادة ‪:/656/‬‬ ‫كل م��ن أق��دم قص��داً عل��ى كتم‬ ‫أو اخت�لاس أو إت�لاف أو تمزي��ق س��ند‬ ‫يتضمن تعهداً أو إبراء‪ ،‬أو شيء منقول‬ ‫آخ��ر س��لم إليه عل��ى وج��ه الوديعة أو‬ ‫الوكالة أو اإلجارة أو على سبيل العارية‬

‫أو الرهن‪ ،‬أو إلج��راء عمل لقاء أجرة أو‬ ‫بدون أجرة ش��رط أن يعي��ده أو يقدمه‬ ‫أو يس��تعمله ف��ي أم��ر معي��ن يعاق��ب‬ ‫بالحب��س م��ن س��تة أش��هر إل��ى ثالث‬ ‫س��نوات وبغرامة تتراوح بين ربع قيمة‬ ‫الردود والعطل والض��رر وبين نصفها‬ ‫على أن ال تنقص عن ألفي ليرة‪.‬‬ ‫المادة ‪:/657/‬‬ ‫كل من تصرف بمبلغ من المال أو‬ ‫بأش��ياء أخرى من المثليات سلمت إليه‬ ‫لعم��ل معين وهو يعلم أو كان يجب أن‬ ‫يعلم أنه ال يمكنه إعادة مثلها ولم يبرئ‬ ‫ذمته رغم اإلنذار‪ ،‬يعاقب بالحبس من‬ ‫ثالث أشهر إلى سنتين وبالغرامة حتى‬ ‫ربع قيمة الردود والعطل والضرر على‬ ‫أن ال تنقص الغرامة عن ألفي ليرة‪.‬‬ ‫ يتوق��ف تحريك الدع��وى العامة‬‫بجرم إس��اءة األمانة على ورود شكوى‬ ‫من المجني عليه بحق الفاعل وال عبرة‬ ‫لجه��ل مرتك��ب الجريم��ة ف��ي تحريك‬ ‫الدعوى العامة بحقه‪.‬‬ ‫ف��ي ح��ال تع��دد المجن��ي عليهم‬ ‫يكف��ي أن يتق��دم أحده��م بالش��كوى‬ ‫لتحرك النيابة العامة الدعوى بالنس��بة‬ ‫لكامل المال الذي نالته الجريمة‪.‬‬ ‫ف��ي النهاية البد من اإلش��ارة إلى‬ ‫أن��ه بالرغم من أن المش��رع قد حرص‬ ‫عل��ى تعزيز الثق��ة باألمان��ة ومعاقبة‬ ‫مرتكبيها حفاظ��اً على الحقوق وصونًا‬ ‫للمب��ادئ اإلنس��انية‪ ،‬إال أنه ومن خالل‬ ‫التطبي��ق العمل��ي نج��د أن معظ��م‬ ‫الدع��اوى المتعلق��ة بإس��اءة األمانة ال‬ ‫تنطوي في الحقيق��ة على اقتراف هذا‬ ‫الج��رم‪ ،‬ب��ل يتخذ البعض عقد وس��ند‬ ‫األمان��ة كوس��يلة ضم��ان الغاي��ة منه‬ ‫التغطي��ة عل��ى معام�لات أخ��رى تمت‬ ‫بي��ن الطرفين كالق��رض والدين وفي‬ ‫األعم��ال التجارية وغيره��ا‪ ..‬مما أخرج‬ ‫الن��ص والعق��اب ف��ي جريم��ة إس��اءة‬ ‫األمانة ع��ن روحه ومضمون��ه وهدفه‬ ‫الحقيقي وش��غل المحاك��م بكم كبير‬ ‫م��ن الدع��اوى التي ي��رد أغلبه��ا لكون‬ ‫العالقة بين الطرفين هي عالقة تخرج‬ ‫عن مفهوم األمانة‪.‬‬


‫عروة المقداد‬

‫***‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 27 | )36‬أيار ‪2012 /‬‬

‫كوم��وا الجث��ث ف��وق بعضه��ا‪.‬‬ ‫كان ثم��ة ثق��وب تتيح لنس��مات الهواء‬ ‫الوصول إلى صف��وان لتبقيه على قيد‬ ‫الحياة تح��ت الكتلة الهائل��ة من اللحم‬ ‫وال��دم والب��راز والب��ول‪ ،‬إذ ل��م تص��ل‬ ‫الطعن��ات النافذة التي تلقاها والده في‬ ‫ظهره إليه‪ .‬وكانت يديه قد أطبقتا على‬ ‫فم��ه فلم يش��عروا بوج��وده‪ .‬أكثر من‬ ‫خم��س س��اعات مضت والعش��رات من‬ ‫الجثث مكومة فوقه‪ .‬أخرجه أحد سكان‬ ‫الح��ي صدفة ف��ي محاول��ة البحث عن‬ ‫ناجين‪ .‬وكان ثمة س��يارة تستعد لنقل‬ ‫م��ا تبقى منهم خارج الحي قبل وصول‬ ‫قوات األم��ن العازمة تطهي��ره‪ .‬وما أن‬ ‫وضع يدي��ه على كتفه حتى ف��ر عائداً‬ ‫إل��ى الح��ي ول��م تعي��ده كل الصرخات‬ ‫المتوسلة بالرجوع‪.‬‬ ‫ابتع��دت الس��يارة وكان صف��وان‬ ‫ينظر نح��و الغب��ار الذي أخ��ذت تخلفه‬ ‫وراءها‪ ،‬وما أن خم��د الغبار حتى تبدت‬ ‫مالمح الخراب والدمار وبدا أن الحي قد‬ ‫أصبح خاويًا‪ .‬أج��ال ناظريه في المكان‬ ‫وس��رعان ما رس��م الضوء طريق لعبه‬ ‫ف��ي األزقة‪ ،‬حي��ث صحا ص��وت الهتاف‬ ‫من األعم��دة المتهاوية ومن الس��قوف‬ ‫المحترقة ومن األشالء المهروسة على‬ ‫اإلسفلت‪ ...‬يا محالها الحرية‬ ‫ورك��ض دون أن ي��دري ه��ل كان‬ ‫ذلك حقيقة أم حلم وارتسمت ابتسامة‬ ‫على وجهه‪ ،‬ومن ثم نظر نحو الشمس‬ ‫الت��ي أرس��لت أش��عتها الدافئ��ة وملئت‬ ‫األزقة الموش��حة بنور أخمد كل الخوف‬ ‫الذي انفجر في صدره‪.‬‬

‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫ضغط براحة كف��ه الضخمة على‬ ‫عين��ي صف��وان‪ ،‬وبالكف اآلخ��ر كمّم‬ ‫فم��ه قب��ل أن تفل��ت ش��هقة مكتومة‬ ‫نف��ذت م��ن بي��ن اصابع��ه المتراص��ة‬ ‫مثل فكي كماش��ة‪ .‬في ذلك الوقت من‬ ‫الليل وعل��ى دوي االنفج��ارات أيقضه‬ ‫وال��ده من النوم‪ .‬أثق��ل النعاس جفنيه‬ ‫وبصعوبة فتحهما فخلل ضوء ش��معة‬ ‫مرتجف��ة رموش��ه الملتصقة بس��ائل‬ ‫الن��وم اللزج‪ ،‬وبالكاد رأى والدته مكللة‬ ‫بالبي��اض‪ ،‬حيث انس��دل ث��وب صالتها‬ ‫على كامل جسدها فارتسمت ابتسامة‬ ‫خفيف��ة عل��ى وجهه‪ .‬وم��ن ورائها كان‬ ‫والده ملتصقاً بط��رف النافذة وقد أخذ‬ ‫رأس��ه يميل يمين��اً ويس��اراً مثل رأس‬ ‫مه��رج‪ .‬أراد الضح��ك لك��ن الزعق��ات‬ ‫البعي��دة لجم��ت ضحكت��ه‪ .‬وش��عر أن‬ ‫طي��رواً ب��رؤوس مفلطح��ة وأجنح��ة‬ ‫مخاطية تطير في الفضاء وتفوح منها‬ ‫راحة خوف نتنة‪.‬‬ ‫قبل س��اعات غفى على حجر أمه‪،‬‬ ‫ومن طرف الناف��ذة لمح كرات النار في‬ ‫العتم تولد وتتوهج وتحرق سواد الليل‬ ‫وم��ن ث��م تنطف��ئ‪ .‬نظر إلى ش��فتيها‬ ‫وهي تبتلع الدوي الهائل ليحل الصمت‪.‬‬ ‫صمت كل شيء حوله‪ ،‬وشعر أنها تعيد‬ ‫ابت��كار الضجيج على ش��كل قصة‪ .‬لم‬ ‫يعد يش��عر بالفزع‪ .‬واستس��لم إليقاع‬ ‫كلماته��ا الت��ي فتح��ت له ج��وف الحي‬ ‫بأزقته التي تشبه الدهليز‪ ،‬حيث المتعة‬ ‫الهائل��ة ف��ي اله��روب م��ن األمن عقب‬ ‫مداهمة المظاهرة‪ ،‬والركض المجنون‬ ‫ومناك��دة األمن بهتافه المفضل‪ :‬يلعن‬ ‫روحك يا حافظ‪.‬‬ ‫ألبس��ته معطف��ًا مهت��رأ األطراف‪.‬‬ ‫عدة شهور مضت لم تشتري له أي ثياب‬ ‫جدي��دة‪ ،‬لكن ذلك لم يع��د يغيظه‪ .‬أراد‬ ‫أن يرتدي ثوباً أبيض لكثرة ما ش��اهده‬ ‫في مئات الجنائز المتكررة في المدينة‪،‬‬ ‫وذات م��رة عندن��ا خرج في تش��ييع أحد‬ ‫الش��هداء هم��س ألمه‪ :‬أري��د أن أرتدي‬ ‫ذات الث��وب ال��ذي يرتده! أعجب��ه اللون‬ ‫األبيض‪ ،‬وش��عر أن الشهيد كالشرنقة‪،‬‬ ‫وأن��ه سيس��تحيل تح��ت األرض إل��ى‬ ‫فراش��ة‪ .‬س��أل أم��ه حينه��ا‪ ،‬ه��ل ثمة‬ ‫فراشات في جوف األرض يا أمي؟‬ ‫نظرت ف��ي عينه وأطالت التحديق‬ ‫بهم��ا‪ .‬منذ ان��دالع الث��ورة درجت على‬ ‫تلك العادة‪ .‬قبل خروجها إلى المظاهرة‬ ‫كان��ت تض��ع كلتا يديه��ا عل��ى كتفيه‬ ‫وتطيل التحديق بمالمح وجهه‪ ،‬وتقول‬ ‫له‪:‬‬ ‫س��نخرج للمظاه��رة بع��د قلي��ل‪.‬‬ ‫أريدك حراً‪ .‬صبرنا على الظلم س��نوات‬ ‫طويل��ة‪ .‬ال أريد أن تعي��ش ذات الخوف‬ ‫ال��ذي عش��ناه‪ .‬وال أري��دك أن تصب��ح‬ ‫ظالم��اً‪ .‬يا ول��دي أن تكون ضحية أرحم‬ ‫مئة مرة من أن تكون الجاني‪ .‬س��تكبر‬ ‫ذات يوم‪ ،‬وتذكر أن هذه األرض واحدة‪،‬‬ ‫وأنه مهم��ا اختلفت أنت وأقرانك فأنتم‬ ‫أبناء بل��د واحد‪ ،‬حرمة دم��ه من حرمة‬ ‫دمنا‪.‬‬ ‫وبعد ذلك كانت ترس��م ابتس��امة‬ ‫عريضة ومن ثم تمس��ك بيده وتخرج‪،‬‬ ‫وم��ا أن تصل إلى الس��احة حيث يجتمع‬ ‫الن��اس صغ��اراً وكباراً حت��ى يفلت من‬ ‫يدها ويضيع في الكرنفال المهيب‪ .‬لم‬

‫تع��د تركض ورائ��ه كعادتها كلما خرج‬ ‫ليلع��ب في األزق��ة‪ ،‬بل كان��ت تكتفي‬ ‫بمراقبته م��ن بعيد وهو يهتف ويحرك‬ ‫يديه في الفضاء عل��ى كلمات األغاني‬ ‫التي يرددها شاب اسمه الساروت‪.‬‬ ‫وكان أب��و صف��وان مازال يس��تند‬ ‫عل��ى ط��رف الناف��ذة وق��د س��هى عن‬ ‫المراقبة‪ .‬شعر بالتعب‪ .‬وانقبض صدره‬ ‫وشعر بوخزات حادة أسفل صدره‪ .‬ولم‬ ‫يعرف ماذا يفع��ل‪ .‬ودوى انفجار هائل‬ ‫أعاده إلى وعيه فاقترب من أم صفوان‬ ‫وهزها قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫لم يعد لدينا متسع من الوقت!‬ ‫وم��ن ث��م رك��ض نح��و الحقيب��ة‬ ‫الصغي��رة الت��ي جم��ع فيهم��ا بع��ض‬ ‫الحاجات الضرورية للرحيل‪ .‬وما أن هم‬ ‫بإمس��اكها حتى انطلقت زعقة أجفلته‬ ‫ف��ي مكان��ه‪ .‬كان��ت ح��ادة ومكتوم��ة‬ ‫واس��تباحت اله��واء مث��ل مبض��ع جراح‬ ‫فس��ال الرعب وملئ زوايا البيت‪ .‬توالت‬ ‫الزعق��ات وتقطر األلم ف��ي كل مكان‪.‬‬ ‫وكان ثمة أالف األش��باح تتوالد وتخفق‬ ‫ف��ي أنح��اء البيت‪ .‬انهم��رت الدموع من‬ ‫مقلتيه��ا‪ .‬ش��عر أن وجه أمه ق��د تغير‪.‬‬ ‫كب��رت ربما‪ .‬جميلة ما زالت لكن مالمح‬ ‫وجهه��ا أكث��ر تعباً‪ .‬م��د يده الراعش��ة‬ ‫فس��قطت الدم��وع بين بيده‪ .‬ش��عر أن‬ ‫المس��افة طويلة بينهما‪ ،‬لم يدري كم‬ ‫لبث��ت يده ف��ي الهواء‪ .‬وانقل��ب الزمن‪.‬‬ ‫وتداخل��ت الوجوه‪ .‬ولم يعد كل ش��يء‬ ‫كم��ا كان يبدو‪ .‬تحركت ش��فاهه وكان‬ ‫ثمة ضجيج هائل وأمه تبتسم وتغني‪.‬‬ ‫ووالده يرقص بجانبها‪:‬‬ ‫الحج��ارة صغي��رة‪ ،‬وقلب��ي قنفذ‪،‬‬ ‫أمي فراشة‬ ‫والزق��اق يغن��ي‪ .‬أب��ي ش��جرة‪،‬‬ ‫والمدينة سمائي‪.‬‬ ‫قلبي طلقة‪ .‬طلقة صغيرة‬ ‫قلبي حجر‪ .‬حجر ينبض‪.‬‬ ‫كان صفوان يبتسم وأمه ممسكة‬ ‫بكتفيه تتأمل��ه‪ .‬وأبو صفوان يراقبهما‬ ‫أراد أن يفعل ش��يئًا ما لكنه همس في‬ ‫سره‪ :‬لن نستطيع الهروب!‬ ‫ربم��ا أدرك تل��ك الحقيق��ة‪ ،‬ولكن‬

‫م��اذا س��يفعل؟ هل يودعهم��ا؟ بدت له‬ ‫أم صف��وان ف��ي غاية الجم��ال؟ أراد أن‬ ‫يعانقها‪ ..‬ولو كان األمر بيده لمات بين‬ ‫ذراعيه��ا‪ .‬هل ينهي تلك المأس��اة على‬ ‫يدي��ه‪ ،‬هل يقتلهما؟ ي��ا رب الرحمة‪ ،‬يا‬ ‫إله العدل!‬ ‫ّ‬ ‫وج��اء الص��وت م��ن خلف��ه ليكلل‬ ‫ابتهاالته‪ :‬يا رب‪ .‬ارحمنا ياهلل‪..‬‬ ‫انس��لت تلك الكلمات كالسكاكين‬ ‫إلى جوف��ه‪ ،‬وارتدت إلى ذاكرته س��يل‬ ‫طويل م��ن الكلمات‪ .‬ضح��كات متناثرة‬ ‫في أطراف الحي تقاس��مها مع جيرانه‪.‬‬ ‫صباح��ات كثي��رة ألق��ى فيه��ا التحي��ة‬ ‫باس��تحياء عل��ى نس��اء ورج��ال ش��عر‬ ‫باالمتنان إلى اهلل ألن��ه عرفهم‪ .‬طفل‬ ‫عاب��ث كب��ر أم��ام عينه وه��و يحلم أن‬ ‫يرفع اسمه في المستقبل يوماً ما‪.‬‬ ‫ترى م��ا ال��ذي يحدث؟ وش��عر أنه‬ ‫خارج جسده الهزيل الذي احتواه طوال‬ ‫سنواته األربعين‪ .‬جالت نظراته التائهة‬ ‫ف��ي كل مكان‪ .‬تلمس أطراف جس��ده‪.‬‬ ‫ربما ش��عر أنه وه��م وأن كل ما يحيط‬ ‫ب��ه حت��ى زوجت��ه وطفله ال ب��د وأنهم‬ ‫وه��م‪ .‬ش��يء م��ا خ��ارج تلك القس��وة‬ ‫والوحش��ية‪ ،‬وفك��ر‪ ،‬كيف م��ن الممكن‬ ‫أن يجتم��ع ذلك القبح الجم��ال في ذات‬ ‫كل رجل وامرأة أنجبا طف ً‬ ‫الوق��ت‪ .‬إن ّ‬ ‫ال‬ ‫ال ب��د وأن لديه��م ق��در ما م��ن الجمال‬ ‫يجعلهم جديري��ن بذلك المخلوق الذي‬ ‫أنجباه‪ .‬كيف يمكن أن نجمع في أنفسنا‬ ‫ذلك القدر م��ن القبح والجمال في ذات‬ ‫الوق��ت؟ وكيف يمكنن��ا أن أنقوم بذلك‬ ‫الفع��ل الوحش��ي‪ ،‬القت��ل؟ وخطر على‬ ‫باله أن القت��ل في المعركة أكثر رحمة‬ ‫من الموت بتلك الطريقة‪..‬‬ ‫اقترب دبيب األق��دام‪ ،‬كان مفزعًا‬ ‫أكثر من صوت جنازير عربات الدبابات‪.‬‬ ‫كانت الخط��ى تدق مس��امير ال نهائية‬ ‫في قلبيهما‪ ،‬والتقت نظرتهما بطريقة‬ ‫غريزي��ة واتجه��ت نحو الب��اب‪ .‬وتاهت‬ ‫نظ��رات صف��وان بي��ن والدي��ه‪ .‬خُل��ع‬ ‫الباب‪ .‬وتدف��ق كراهية عمي��اء أطبقت‬ ‫على الم��كان‪ .‬وقبل أن يلمحها صفوان‬ ‫اندفع والده نحوه وشد كفه على عينيه‬ ‫والكف األخرى على فمه ورمى به على‬

‫األرض وغطاه بجس��ده ك��رداء‪ .‬أراد أن‬ ‫يس��د أذني��ه أيض��ًا لكنه لم يس��تطع‪.‬‬ ‫وسمع صفوان ذلك الصراخ الهائل الذي‬ ‫ص��در عن والدت��ه‪ .‬كان��ت كل القذائف‬ ‫واالنفج��ارات تخ��رج من فمه��ا وتصم‬ ‫أذني��ه‪ ..‬أراد أن يرك��ض نحوه��ا لك��ن‬ ‫أباه تش��بث به بكلت��ا ذراعيه‪ .‬واندفعوا‬ ‫نحو وال��ده ومزق��ت الطعنات جس��ده‪.‬‬ ‫ارتخت يديه فاس��تطاع صفوان أن يرى‬ ‫الدهش��ة على جفني أمه‪ ،‬فصمت كل‬ ‫شيء مرة أخرى‪.‬‬

‫حكايا الثورة ‪. .‬‬

‫كرم الزيتون ‪ -‬املجزرة‬

‫‪11‬‬


‫علي ر�ضا با�شا الركابي‪1942 - 1886‬‬ ‫ياسر مرزوق‬

‫وجوه من وطني ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 27 | )36‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪12‬‬

‫ول��د عل��ي رض��ا باش��ا الركابي في‬ ‫دمشق في عام ‪ ،1886‬وينتمي إلى أسرة‬ ‫دمش��قية عريقة‪ ،‬والتي تع��ود بجذورها‬ ‫إلى عش��يرة الركابي العراقية المعروفة‪،‬‬ ‫وقد تلقى الركاب��ي تعليمه االبتدائي في‬ ‫المدرس��ة الرش��يدية العس��كرية ومنه��ا‬ ‫انتقل إلى المدرس��ة اإلعدادية‪ ،‬وبس��بب‬ ‫تفوقه أرسل على حساب الدولة العثمانية‬ ‫إلى المدرسة الحربية في األستانة وتخرَّج‬ ‫منه��ا برتبة "أميراالي "رئيس أركان حرب‬ ‫وعُيِــ��ن قائ��داً للجي��ش العثمان��ي ف��ي‬ ‫ّ‬ ‫ثمَ نُـق��ل بعد أن ج��رت ترقيته‬ ‫الق��دس ّ‬ ‫إلى رتبة أمي��ر لواء إل��ى المدينة المنورة‬ ‫والياً لها وقائداً للجيش العثماني المرابط‬ ‫ثمَ نُـقل إل��ى العراق قائداً للجيش‬ ‫فيها‪ّ ،‬‬ ‫العثمان��ي المُرابط في بغ��داد والبصرة‪،‬‬ ‫وعندم��ا أعلن��ت الح��رب العالمي��ة األولى‬ ‫ع��ام ‪ 1914‬م كان رأيه عدم دخول الدولة‬ ‫العثمانية الحرب إلى جانب حليفتها الدولة‬ ‫األلمانية والبقاء على الحياد‪ ،‬فصدر األمر‬ ‫بتس��ريحه وإحالت��ه إل��ى التقاع��د بعد أن‬ ‫وجهت إليه عدة تهم بالتخاذل وعدم الوالء‬ ‫للدولة العثمانية‪ ،‬فعاد إلى مس��قط رأسه‬ ‫دمش��ق فعيَـّـنه جمال باش��ا قائد الجيش‬ ‫الراب��ع في حينه‪ ،‬رئيس��ًا لبلدية دمش��ق‪،‬‬ ‫ورئيسًا للتحكيمات وذلك ً‬ ‫رغبة من األخير‬ ‫باإلفادة من علمه وخبرته‪ ،‬و حرصه على‬ ‫وضعه تحت رقابته وقد آثر الركابي قبول‬ ‫هذي��ن المنصبين‪ ،‬كي يدفع عن نفس��ه‬ ‫الش��بهات‪ .‬فق��د كان الرجل ف��ي حقيقته‬ ‫من مؤسس��ي "جمعية العربية الفتاة " و"‬ ‫جمعي��ة العهد "‪ .‬وهات��ان الجمعيتان كانتا‬ ‫أول م��ن زرع ب��ذور القومي��ة العربية في‬ ‫العهد العثماني‪.‬‬ ‫عقب إعالن الث��ورة العربية الكبرى‪،‬‬ ‫ودخ��ول الجي��ش العرب��ي دمش��ق‪ ،‬عين‬ ‫رض��ا الركاب��ي حاكمًا عس��كريًا للمنطقة‬ ‫الش��رقية‪ .‬ومرافق��ًا عس��كرياً لألمي��ر‬ ‫فيص��ل‪ ،‬ث��م عه��د إلي��ه بتش��كيل أول‬ ‫وزارة عربي��ة‪ ،‬فتس��لم الركاب��ي زم��ام‬ ‫األمور‪ ،‬وش��كل ال��وزارة ع��ام ‪ 1918‬التي‬ ‫ضم��ت ك ًال م��ن " عادل أرس�لان‪ ،‬ياس��ين‬ ‫الهاش��مي‪ ،‬بدي��ع المؤيد العظ��م‪ ،‬فارس‬ ‫الخ��وري‪ ،‬عط��ا األيوبي " ولق��ب بالحاكم‬ ‫العس��كري‪ .‬واستمرت وزارته سنة وأربعة‬ ‫أش��هر تقريباً وعلى إثر االضطرابات التي‬ ‫افتعل��ت في جبل لبن��ان ومناطق متعددة‬ ‫من سوريا‪ ،‬تقدم الركابي باستقالته‪ .‬عن‬ ‫"أحمد قدري باش��ا "ع��ن كتابه "مذكراتي‬ ‫عن الثورة العربية" ننقل‬ ‫زار رضا باش��ا الركابي األمير فيصل‬ ‫ف��ي صب��اح ‪ 23‬كان��ون الثان��ي ‪1920‬م‪،‬‬ ‫وش��كا إلي��ه كثيراً م��ن ت��ردي الحالة في‬ ‫البالد‪ ،‬وقدم الركابي لفيصل كتابًا مؤرخًا‬ ‫ف��ي ‪ 18‬كانون الثاني‪ ،‬ش��رح فيه أس��باب‬ ‫استقالته‪ ،‬وهذا نصه‪:‬‬ ‫"ف��ي صب��اح ‪ 10‬كان��ون األول ‪1919‬‬ ‫اس��تدعاني س��مو أخيكم " زي��د" إلى داره‬ ‫فتش��رفت بحض��وره‪ ،‬فس��ألني عم��ا جرى‬ ‫فتكلمت بما عرفته فأجاب بأن عادل أرسالن‬ ‫ونوري الس��عيد أخبراه بما جرى في الليلة‬ ‫الماضية ثم سأله –أي األمير زيد‪ -‬عن رأيه‬ ‫فأجابه بأن هؤالء األشخاص جماعة الفتاة‬ ‫واالستقالليين‪ ،‬ال صفة لهم وال يمثلون إال‬ ‫أنفسهم‪ ،‬ال يهمهم الوطن‪ ،‬وال دفاعه‪ ،‬ول‬ ‫اتهمهم سوى غايات مكنونة في صدورهم‬ ‫وربما تكون ضد اإلمارة مبدئياً وأرى ش��دة‬ ‫المس��ؤولية في هذا الب��اب‪ .‬وعليه فإني ال‬ ‫أس��تطيع أن أتبع سياس��ة األش��خاص غير‬ ‫المسؤولة تحت أي اس��م كان‪ ،‬الداعية إلى‬ ‫الفرقة وإمات��ة الحركة الوطنية في الوقت‬

‫الذي تحت��اج فيه لجمع القوة‪ ،‬والكلمة‪ ،‬كما‬ ‫أن��ي ال أقدر أن أرى حكومة غير مس��ؤولة‪،‬‬ ‫تس��يطر عل��ى حكوم��ة مس��ؤولة‪ ،‬تمثي ًال‬ ‫لل��دور االتحادي البائد‪ ،‬وأعتقد أن الحكومة‬ ‫الت��ي تس��ير عل��ى رغائ��ب األش��خاص أو‬ ‫األح��زاب غي��ر المس��ؤولة‪ ،‬فمصيره��ا‬ ‫ومصير الوط��ن معها إلى الخ��راب‪ ،‬وعليه‬ ‫فإم��ا أن يعتمد عل��ي ويعاضدني‪ ،‬ألتمكن‬ ‫م��ن قمع ه��ذه الفوض��ى قبل اس��تفحالها‬ ‫أكث��ر مما هي عليه وإم��ا أن يظهر ارتياحه‬ ‫لسياس��ة المذكوري��ن فأنس��حب‪ .‬فأجابني‬ ‫ب��أن أك��ون مطمئنًا عل��ى حف��ظ حقوقي‬ ‫فش��كرته وانس��حبت ل��داري‪ .‬وبعد مضي‬ ‫س��اعة من عودتي شرف س��موه وبرفقته‬ ‫نوري الس��عيد رافضاً قبول انس��حابي لما‬ ‫انس��حبت‪ ،‬واآلن أقرر ما قلته أو ًال فإن رأى‬ ‫لزومًا لوج��ودي في الحكومة فليعتمد علي‬ ‫ويعاضدن��ي وعنده��ا أعود وإال ف�لا عودة‬ ‫لي‪ ،‬وفي النتيجة أمرني ب��أن أكون مأذونًا‬ ‫بينما تتش��رف البالد بعودة سموكم وأوكل‬ ‫عبد الحميد باش��ا القلطقج��ي فوكلته من‬ ‫قبلي ثم بعد يومين عين سموه مصطفى‬ ‫نعم��ة للوكال��ة حس��ب رغائب األش��خاص‬ ‫المذكوري��ن وبه��ذه الصورة تم��ت الرواية‬ ‫التمثيلية العائدة لش��خص عبدكم‪ ،‬وعلى‬ ‫ذل��ك قام��وا وش��كلوا الحكوم��ة الحاضرة‬ ‫وس��موها الحكومة الدفاعية ولس��ت أعلم‬ ‫ش��كل الدفاع الذي أح��رزوه والثمرات التي‬ ‫اقتطفوها‪.‬‬ ‫سيدي المعظم‪:‬‬ ‫إن��ه كان م��ن الواجب عل��ى أن أتمم‬ ‫كل ش��يء وأثبت في مكان��ي‪ ،‬وأقاوم كل‬ ‫مش��اغبة وفوضى لحين تشريف سموكم‬ ‫ولك��ن خط��ة ن��وري الس��عيد وتماي��ل‬ ‫س��مو أخيكم المعظم إليه وإلى سياس��ة‬ ‫األشخاص المذكورين وارتياحه النسحابي‬ ‫أم ًال بما هو أرجح وأنجح‪ ،‬وحراجة الموقف‬ ‫وع��دم مس��اعدة الوق��ت اضطرن��ي ألن‬ ‫انسحب لكي تتش��كل بعدي حكومة تأتي‬ ‫بالخ��وارق لحفظ الوط��ن‪ ،‬وتحفظ خطة‬ ‫أق��وم وأع��دل م��ن خطت��ي المدون��ة في‬ ‫مطاوي عريضتي‪ .‬وإذا أراد أن يس��توضح‬ ‫س��يدي أكثر من ذلك فإني رهن اإلش��ارة‬ ‫وأرج��و اهلل أن يكل��ل بالتوفي��ق والنج��اح‬

‫أعمال��ه ويس��عد األم��ة على ي��ده ويؤيده‬ ‫بنص��ر من عنده أنه س��ميع مجي��ب‪18 " .‬‬ ‫كانون الثاني ‪1920‬م"‪.‬‬ ‫ث��م تس��لم الركاب��ي وزارة الحربية‬ ‫في حكوم��ة األمير زيد بن الحس��ين عام‬ ‫‪ ،1920‬والتي س��ميت بحكومة المديرين‪،‬‬ ‫وعندما أعلن المؤتمر الس��وري اس��تقالل‬ ‫س��ورية في الثام��ن من آذار ع��ام ‪1920‬‬ ‫وس��مي فيص��ل مل��كاً على س��وريا‪ ،‬عهد‬ ‫للركابي بتش��كيل الوزارة للم��رة الثانية‪،‬‬ ‫وقد جاء في نص التكليف من قبل الملك‬ ‫مايل��ي‪ " :‬وزي��ري الس��يد رض��ا الركابي‪،‬‬ ‫نظراً لما عرفناه من إخالصكم وأهليتكم‬ ‫فقد عهدنا إليكم بمنصب رئاس��ة الوزارة‬ ‫لتش��كلوا هيئتها‪ ،‬توص ًال للغاية المقدسة‬ ‫التي ينتظرها كل وطني بفارغ الصبر من‬ ‫إسعاد الوطن ورقيه سياسيًا وعمرانيًا"‪.‬‬ ‫بعد معركة ميسلون غير المتكافئة‪،‬‬ ‫ودخ��ول القوات الفرنس��ية إلى دمش��ق‪،‬‬ ‫وانتهاء العهد الفيصلي‪ ،‬رحل رضا الركابي‬ ‫إل��ى مص��ر‪ .‬وانتق��ل منه��ا إل��ى الحجاز‪.‬‬ ‫وهن��اك كلفه الش��ريف حس��ين بالذهاب‬ ‫إلى األردن‪ ،‬لمساعدة ولده األمير عبد اهلل‬ ‫بتأسيس وإدارة دولة شرقي األردن‪ .‬حيث‬ ‫عهد إليه في الثاني عش��ر من آذار ‪1922‬‬ ‫بتشكيل الحكومة األردنية األولى‪ .‬وعمل‬ ‫على وض��ع القوانين واألنظمة المناس��بة‬ ‫للدول��ة األردني��ة الجدي��دة‪ ،‬والس��يما في‬ ‫نطاق األنظم��ة المالية والجه��از اإلداري‪.‬‬ ‫وف��ي الثال��ث م��ن تش��رين األول ‪1922‬‬ ‫دع��اه األمي��ر عب��د اهلل إل��ى مرافقته في‬ ‫رحلة إلى لندن‪ ،‬لعقد معاهدة بين األردن‬ ‫وبريطانيا‪ ،‬وبحث الشؤون العربية هناك‪.‬‬ ‫ومك��ث الركابي مع األمي��ر عبد اهلل‬ ‫بع��ض الوق��ت‪ .‬ث��م غ��ادر األمي��ر لن��دن‬ ‫واستبقى رئيس وزرائه لالتفاق مع وزارة‬ ‫المس��تعمرات البريطاني��ة عل��ى الش��كل‬ ‫النهائ��ي لحكومة األردن‪ .‬وق��د وفق رضا‬ ‫الركابي بالحصول على موافقة بريطانيا‬ ‫على اس��تقالل المنطقة اس��تقال ًال نيابياً‪،‬‬ ‫على أن ال يش��ملها وعد بلفور المش��ؤوم‬ ‫بإنش��اء الدول��ة الصهيوني��ة على األرض‬ ‫الفلس��طينية‪ .‬ع��اد الركاب��ي بعده��ا إلى‬

‫األردن‪ .‬ثم نشأ بين األمير عبد اهلل وبينه‬ ‫خالف ح��ول بنود ه��ذا االتف��اق‪ ،‬أدى إلى‬ ‫تقديم اس��تقالته من رئاس��ة ال��وزراء‪ ،‬إذ‬ ‫أن الركابي كان ينتمي لمدرس��ة الواقعية‬ ‫السياسية‪ ،‬ويدرك موازين القوى بعكس‬ ‫الملك عب��د اهلل الذي كان الي��زال يعيش‬ ‫حلم والده الشريف حسين بمملكة عربية‬ ‫موحدة‪.‬‬ ‫وف��ي أوائل ع��ام ‪ 1924‬دع��ي رضا‬ ‫الركاب��ي ثانية إلى تش��كيل ال��وزارة في‬ ‫األردن‪ .‬فاس��تجاب له��ذه الدعوة‪ ،‬وش��كل‬ ‫الوزارة ثانية‪ .‬وظل ف��ي منصبه هذا إلى‬ ‫حزي��ران من ع��ام ‪ ،1926‬حيث اس��تقال‪،‬‬ ‫وانتق��ل لإلقامة بين حيفا والقدس طوال‬ ‫س��نتين ونص��ف الس��نة‪ .‬وكان الركاب��ي‬ ‫يوم ش��كل وزارته‪ ،‬قد أعلن في برنامجه‬ ‫ال��وزاري‪ ،‬العمل بالص��دق واإلخالص في‬ ‫الق��ول والعمل‪ ،‬وتوزيع العدالة بين جميع‬ ‫أف��راد الش��عب‪ ،‬والمراعاة التامة لش��ؤون‬ ‫االقتص��اد‪ ،‬واالعتم��اد عل��ى الكفاءات في‬ ‫التوظي��ف‪ ،‬وقمع ب��ذور الفس��اد‪ ،‬وكل ما‬ ‫يس��يء إلى الس��معة‪ .‬ودعا إل��ى التعاضد‬ ‫والتكاتف في جميع أمور اإلصالح‪ ،‬وصيانة‬ ‫المنطقة من األحوال المخلة باألمن‪.‬‬ ‫كان الركاب��ي وه��و رئي��س للوزراء‬ ‫ف��ي األردن‪ ،‬يدعم الثورة الس��ورية بكل‬ ‫إمكانات��ه س��راً‪ ،‬ويذك��ي روح المقاوم��ة‬ ‫بين صف��وف الث��وار‪ .‬ومن أجل ه��ذا‪ ،‬لم‬ ‫يستطع عقب استقالته من رئاسة الوزارة‬ ‫الع��ودة إلى أرض الوط��ن‪ ،‬بل آثر اإلقامة‬ ‫ف��ي فلس��طين إل��ى أن انته��ت الث��ورة‪،‬‬ ‫وص��در العف��و العام على كل من ش��ارك‬ ‫بالث��ورة‪ .‬وكان خ�لال إقامت��ه في األرض‬ ‫الفلس��طينية‪ ،‬يعي��ش عي��ش الكف��اف‪،‬‬ ‫بس��بب فقره وضيق ذات يده‪ .‬بعد عودته‬ ‫إلى دمشق‪ ،‬ووفاة الملك الهاشمي فيصل‬ ‫األول‪ ،‬اعتزل الرجل‪ ،‬النزيه‪ ،‬المس��تقيم‪،‬‬ ‫العمل السياس��ي ولزم بيته‪ ،‬وانقطع عن‬ ‫الناس‪.‬‬ ‫رح��ل رض��ا الركابي إلى ج��وار ربه‪،‬‬ ‫في يوم االثنين الخامس والعش��رين من‬ ‫أيار عام ‪ ،1942‬بعد أن عانى من المرض‬ ‫طويال‪ ،‬وأصيب بالشلل‪.‬‬


‫�شذرات من تاريخ مدينة حم�ص‬ ‫خالد كنفاني‬

‫حبر ناشف‪. .‬‬

‫جامع خالد بن الوليد‬ ‫أثناء قيادته حمل��ة لمالقاة المغول‬ ‫وأثناء سيره من مصر لبالد األناضول مر‬ ‫الظاه��ر بيبرس بحم��ص وألقى خطبة‬ ‫عند ضريح س��يف اهلل المس��لول و أمر‪،‬‬ ‫كونه الس��لطان و أمير المؤمنين‪ ،‬ببناء‬ ‫المس��جد و يق��وم بتعين أح��د مرافقيه‬ ‫وهو فلس��طيني من صفد مسؤوال عن‬ ‫المش��روع ثم يتابع حملت��ه‪ .‬و كان ذلك‬ ‫في يوم العاش��ر من رمض��ان عام ‪664‬‬ ‫للهج��ره المواف��ق ليوم الثالث��اء في ‪15‬‬ ‫تموز عام ‪.1266‬‬ ‫تم بناء المس��جد عل��ى عجل حتى‬ ‫يكون جاهزا لدى عودة السلطان الظاهر‬ ‫بيبرس من حملته التي اس��تغرقت نحو‬ ‫ثالثة أش��هر و تكللت بنصر س��احق في‬ ‫معرك��ة عرف��ت بمعرك��ة "س��يس" او"‬ ‫سيلس��يا" في بالد االناضول فعاد مكلال‬ ‫بالغ��ار بعد أن دحر المغ��ول إلى ما وراء‬ ‫جب��ال ط��وروس معلن��ا بذل��ك النهاي��ة‬ ‫الفعلي��ه المبرطورية المغ��ول‪ .‬و يدخل‬ ‫المس��جد المبن��ي حديث��ا و يلقي خطبة‬ ‫تظل ماثلة في األذهان‪.‬‬

‫�أو�صاف اجلامع‬ ‫جام��ع خالد ب��ن الولي��د درة جوامع‬ ‫حمص ل��ه بناء أني��ق يتص��ف بالجمال‬ ‫والزخ��ارف الكثير‪ ،‬للجامع تس��عة قباب‬ ‫بيض��اء متباين��ة الحج��م‪ ،‬وبناء متس��ع‬ ‫وحديقة خارجي��ة تحيط بالجامع ويمتاز‬ ‫بمئذنتي��ه الرش��يقتين العاليتي��ن التي‬ ‫تج��اور القب��اب التس��ع‪ .‬يتألف المس��جد‬ ‫م��ن صحن واس��ع (‪)47X36‬م وفيه أربع‬ ‫قاع��ات ف��ي جانب��ه الش��رقي‪ .‬إحداهما‬ ‫أعدت للوضوء‪.‬‬ ‫وأخ��رى أع��دت كمتح��ف للف��ن‬ ‫اإلسالمي والغرفتان الباقيتان خصصتا‬ ‫حص��ص لطالب العلم‪ .‬أم��ا بيت الصالة‬ ‫فأبع��اده (‪)5X23. 5 .30‬م‪ .‬تعلوه القباب‬ ‫التس��ع أعالها القبة الوس��طى قطرها‬ ‫‪ 12‬وترتف��ع ‪ 30‬مت��رًا‪ .‬يتص��در بي��ت‬ ‫الص�لاة محاريب ثالثة زخرف األوس��ط‬ ‫منها بالرخام المجزع بأش��كال هندسية‬ ‫غاية في الجمال بألوان س��وداء وحمراء‬ ‫وبيض��اء ويق��وم عامودان م��ن الرخام‬ ‫األبيض الجميل على جانبي كل محراب‪.‬‬ ‫أم��ا المنب��ر فه��و م��ن الرخ��ام األبيض‬ ‫المنق��وش والمخ��رم وباح��ة صح��ن‬ ‫خارج��ي متس��ع‪ ،‬وقد عني أش��د العناية‬ ‫بنموذج البناء للجام��ع باألحجار الملونة‬ ‫والزخارف والنقوش البديعة‪.‬‬ ‫مدينة لها هذا التاريخ لن يستطيع‬ ‫أي كان القض��اء عليه��ا أو إذاللها‪ ،‬كائنًا‬ ‫من كان‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 27 | )36‬أيار ‪2012 /‬‬

‫ب��دأت قص��ة تول��ي الحمصيي��ن‬ ‫مقاليد الحكم في روما مع األمبراطورة‬ ‫الحمصي��ة جولي��ا دومنا عندم��ا تزوجها‬ ‫القائ��د العس��كري الرومان��ي الليب��ي‬ ‫األصل سيبتموس سيفيروس‪ ..‬فعندما‬ ‫ش��اءت األق��دار ع��ام ‪ 193‬م أن يصب��ح‬

‫كان لمدين��ة حم��ص عن��د الفت��ح‬ ‫االس�لامي أربعة أبواب) باب الرس��تن ‪-‬‬ ‫باب الش��ام ‪ -‬باب الجبل ‪ -‬باب الصغير)‬ ‫وف��ي فت��رة المنص��ور إبراهي��م جع��ل‬ ‫لحمص سبعة أبواب وهي‪:‬‬ ‫‪ .1‬ب��اب الس��وق‪ :‬وهو الب��اب الذي‬ ‫يعتق��د أن��ه ب��اب الرس��تن وكان يق��ع‬ ‫ف��ي الزاوي��ة الجنوبية الغربي��ة للجامع‬ ‫النوري‪.‬‬ ‫‪ .2‬ب��اب تدم��ر‪ :‬بقي��ت م��ن آث��اره‬ ‫بع��ض الحج��ارة المنحوت��ة ويعتقد أن‬ ‫موضعه يعود لقبل العصر االسالمي اذ‬ ‫أن الطريق من حم��ص إلى تدمر كانت‬ ‫تم��ر عبره ويق��ع من الناحية الش��مالية‬ ‫الشرقية‪.‬‬ ‫‪ .3‬ب��اب الدري��ب‪ :‬وق��د ورد ل��دى‬ ‫بعض المؤرخين باس��م باب الدير ومن‬ ‫الممكن أنه باب الشام ويقع من الناحية‬ ‫الشرقية‪.‬‬ ‫‪ .4‬باب الس��باع‪ :‬ويقع إلى الش��رق‬ ‫من القلعة ويفضي إلى المدينة القديمة‬ ‫من الجهة الجنوبية‪.‬‬ ‫‪ .5‬باب التركمان‪ :‬يق��ع في الزاوية‬ ‫الش��مالية الغربية للقلعة وحيث تلتقي‬ ‫القلعة م��ع س��ور المدينة والت��زال من‬ ‫آثاره بعض الحجارة ويعتقد أن الس��مه‬ ‫عالقة بس��كن القبائ��ل التركمانية في‬ ‫حم��ص حوال��ي الق��رن الح��ادي عش��ر‬ ‫الميالدي‪.‬‬ ‫‪ .6‬باب المس��دود‪ :‬يقع إلى الشمال‬ ‫مباش��رة من ب��اب التركم��ان وقد نقش‬

‫أسبوعية‬

‫االمرباطورة احلم�صية التي‬ ‫حكمت روما‬

‫�أبواب حم�ص ال�سبعة‬

‫علي��ه أن بانيه منص��ور ابراهيم (‪637‬‬ ‫‪ )-644‬ويقع في شمال القلعة‪.‬‬ ‫‪ .7‬ب��اب هود‪ :‬لم تبقى من آثاره إال‬ ‫بعض الحجارة ولربما ارتبطت تس��ميته‬ ‫بمق��ام النبي ه��ود ال��ذي كان يقع إلى‬ ‫الزاوي��ة الجنوبية من��ه ويؤكد موضعه‬ ‫عل��ى أنه كان دائمًا بواب��ة عبر العصور‬ ‫القديمة لمدينة حمص ويعتقد أنه باب‬ ‫الجبل‪.‬‬ ‫وهناك حي اسمه باب عمرو أو بابا‬ ‫عمرو ومن غير المؤكد أنه الباب الثامن‬ ‫لمدينة حمص وس��مي باب عمرو نسبة‬ ‫إلى عمرو بن معد يكرب‪.‬‬

‫المسجد من ناحيته المعماريه كان‬ ‫متواضعا جدا ربما للسرعة التي تم فيها‬ ‫بناؤه‪ .‬فقد كان صغيرا تعلوه قبة واحده‬ ‫و كان يضم الحرم بدون فناء خارجي‪ .‬و‬ ‫لكن الظاهر بيبرس رممه ووسعه فيما‬ ‫بعد‪ .‬فتم إنشاء سور خارجي صغير بني‬ ‫علي��ه مئذنة مربعة الش��كل اما الزاوية‬ ‫فكانت عبارة ع��ن غرفة صغيرة ملحقة‬ ‫بحرم المسجد وتقع شرقه‪.‬‬ ‫ت��م بن��اء القبر بش��كل مرتفع من‬ ‫الحج��ر الكلس��ي االبي��ض و تغطيت��ه‬ ‫بقطعة قماشية سوداء‪.‬‬ ‫أما البناء الحالي فيعود تاريخه إلى‬ ‫العه��د العثماني في القرن ‪ 19‬الميالدي‬ ‫أيام الس��لطان عبد الحمي��د الثاني حيث‬ ‫أقي��م المس��جد الجام��ع عل��ى أنق��اض‬ ‫المسجد القديم‪.‬‬ ‫ويتمي��ز الجامع الحال��ي ببناء على‬ ‫الطراز العثماني المتصف بالتناوب بين‬ ‫اللوني��ن األبيض واألس��ود في حجارته‬ ‫ممزوجًا بطراز سوري جميل‪.‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫حم��ص مدينة عريقة ف��ي القدم‪،‬‬ ‫يعود تاريخ بنائها إلى س��نة ‪ 2300‬ق‪ .‬م‬ ‫وهي مدينة داخلية في سورية‪ ،‬وتعتبر‬ ‫المدين��ة الثالث��ة بع��د دمش��ق وحل��ب‪،‬‬ ‫واس��مها القدي��م (ايميس��ا) والمدين��ة‬ ‫القديمة مدفونة تح��ت انقاض المدينة‬ ‫الحالية‪ .‬قيل أن اس��مها مأخوذ من لفظ‬ ‫(حمث ‪ )HMOTH‬وهو اسم القبيلة التي‬ ‫س��كنتها قديمًا‪ ،‬وقيل أن لفظة (حمص‬ ‫(‪ HOMS‬آرامية ومعناها (األرض اللينة‬ ‫ال��وطء) س��ميت بذل��ك لوقوعه��ا ف��ي‬ ‫السهل‪ ،‬وقيل أن معنى حمص باآلرامية‬ ‫(اشتد‪ ،‬وسخن‪ ،‬وتخمر) وكان أو ًال معنى‬ ‫حمص باآلرامي��ة وصفاً للش��مس‪ ،‬ثم‬ ‫صارت اسمًا خاصًا باآلله شمس‪.‬‬ ‫روى المؤرخ يوس��يفوس أن (حمث‬ ‫ب��ن كنع��ان) بن��ى مدينتين وس��ماهما‬ ‫باس��مه‪ ،‬ومي��ز القدم��اء بي��ن االثنتين‬ ‫باللق��ب فقال��وا (حمث الكب��رى) حمص‬ ‫و(حم��ث الصغرى) حماة‪ .‬ث��م بدلت التاء‬ ‫صاداً على عادة اآلراميين‪ ،‬وقيل أن آرام‬ ‫بن سام أسسها بنفسه كما روى صاحب‬ ‫معالم وأعالم ص ‪.340‬‬ ‫وحم��ص بلد مش��هور قدي��م كبير‬ ‫مسور‪ ،‬وفي طرفه القبلي قلعة حصينة‬ ‫على ت��ل عال كبي��رة (ياق��وت الحموي‪:‬‬ ‫معجم البلدان مج‪ 2‬وص‪)30‬‬ ‫ورد اس��م حمص (ايميس��ا) ضمن‬ ‫م��ا دوّن على رقم مملك��ة إيبال إضافة‬ ‫إلى المش��رفة (قطنة) وأس��ماء دمش��ق‬ ‫ديماش��كي وأيماه(حم��اه) (إيبال حاضرة‬ ‫زاهرة من األلف الثالث قبل الميالد)‪ .‬كما‬ ‫ّ‬ ‫تدل ألواح إيبال الت��ي تعود إلى (‪ 2400‬ـ‬ ‫‪ 2250‬ق‪ .‬م) إن تجارته��ا كانت تمر عبر‬ ‫حم��ص إل��ى فلس��طين‪ ،‬وأن ملكه��ا آر‬ ‫ـ اني��وم ع��ام ‪ 2340‬ق‪ .‬م‪ .‬كان يعيّ��ن‬ ‫حاكم بيبلوس (جبيل) من أهاليها‪.‬‬ ‫ث��م م��رت حم��ص وغيره��ا م��ن‬ ‫المناطق تحت حك��م الرومان والعمالقة‬ ‫واألموريي��ن ف��ي العص��ر البرون��زي‬ ‫القديم عام ‪ 2300‬ـ ‪ 1900‬ق‪ .‬م والعصر‬ ‫البرونزي األوسط حيث قدم الحثيون من‬ ‫آسيا الصغرى‪ ،‬وخالل القرنين الخامس‬ ‫عش��ر والرابع عش��ر انتش��ر الحوريون‬ ‫في س��وريا ومنطقة حم��ص مما جعل‬ ‫المصريين يطلقون اس��م (خورو) على‬ ‫قس��م من سوريا (الموس��وعة األلمانية‬ ‫‪)1966‬‬ ‫بلغ��ت حم��ص أوج ازدهارها خالل‬ ‫الحكم الروماني‪ ،‬ولمع نجم إله الشمس‬ ‫الذي كان يعبد به الحجر األس��ود‪ ،‬وكان‬ ‫كاهن هذا المعبد باس��يان وقوراً حكيمًا‬ ‫وابنت��ه جوليا دومنا الحمصي��ة اآلرامية‬ ‫الجمال‪ ،‬وافرة ال��ذكاء والفطنة‪ ،‬وزوجة‬ ‫القائد الروماني سبتموس سيسفروس‬ ‫ويقال أنه نقل الحجر األسود من حمص‬ ‫إل��ى روما تيمنًا وأضح��ى إمبراطوراً من‬ ‫عام ‪ 193‬ـ ‪ 211‬م‪.‬‬

‫س��يبتيموس أمبراط��وراً س��اعدته هذه‬ ‫الس��يدة المبجلة (وهذا هو معنى جوليا‬ ‫دومنا) في إدارة شؤون البالد‪.‬‬ ‫وبش��هادة الكثي��ر م��ن المؤرخي��ن‬ ‫كان لجولي��ا دومن��ا دور هام ف��ي الحياة‬ ‫الثقافي��ة ف��ي روم��ا والمقاطع��ات‪ ..‬إذ‬ ‫ش��كلت ما يش��به ن��دوة ثقافي��ة ضمت‬ ‫نخب��ة م��ن الفالس��فة والعلم��اء الكبار‬ ‫ف��ي تلك الفترة‪ ..‬ث��م توفي زوجها عام‬ ‫‪ 211‬م فتس��لم ولداه��ا كاراكاال وغيت��ا‬ ‫مقالي��د الحك��م وقي��ل إنها كان��ت وراء‬ ‫تعديل قانون الجنسية وإصدار القانون‬ ‫التاريخي ال��ذي يعتبرمفصل في تاريخ‬ ‫األمبراطوري��ة والذي قضى باعتبار كل‬ ‫رعاي��ا األمبراطوري��ة مواطني��ن رومان‬ ‫كامل��ي الحق��وق إال أن قي��ام كاراكاال‬ ‫بقتل أخي��ة غيتا في حضرته��ا وتفرده‬ ‫بالحكم كان س��ببًا ف��ي اعتكافها وزوال‬ ‫دورها في الحياة العامة‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫�شام داود‬

‫حيطان فيس بوك ‪. .‬‬

‫اصمت��وا اآلن‪ ...‬فإن أطفال الحول��ة لم تنم بعد‪ ..‬ما تزال‬ ‫عيونها مفتوحة على وسعها من دهشة الموت‪..‬‬ ‫اصمتوا اآلن ف��إن دموعهم لم تصل إلى وجناتهم‪ ..‬فهم‬ ‫يهمسون "اهلل يخليك عمو"‪..‬‬ ‫اصمت��وا اآلن فإن األلم قد زال وتحل االبتس��امة الواحدة‬ ‫تلو األخرى فإنهم في حضرة المالئكة‪...‬‬ ‫اصمتوا اآلن فإنهم س��يوارون الث��رى قريبا‪ ..‬ضعوا وردة‬ ‫وقبلة على جبين كل برعم قبل أن تهيلوا التراب‪..‬‬ ‫اصمتوا اآلن ودعوا الدمع المالح يرافقهم في رحلة األبدية‪.‬‬ ‫اصمتوا اآلن فإن أرواح موتى ليالنا ملونة كقوس قزح‪..‬‬ ‫اصمتوا اآلن‪..‬‬ ‫بعد أن تنتهوا من التش��ييع وبعد أن تدفنوهم وتقفلوا أبواب‬ ‫الجنة ورائهم‪ ..‬غنوا لهم قليال فالطفل يضحك للموسيقى‪.‬‬ ‫وبعد الغناء والصمت والدمع والصالة‪...‬‬ ‫اذهبوا‪ ...‬عندها يمكن لكم أن تقتتلوا بسالم‪..‬‬

‫فادي عزام‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 27 | )36‬أيار ‪2012 /‬‬

‫حتى الجنة س��تحتاج إلى إغاث��ة‪ ..‬ماذا يفعل المالئكة مع‬ ‫هذا الحشد من األرواح الراكضة على حواف الكواثر؟‬ ‫ماذا يفعل المالئكة ليخفضوا صخب األطفال في حدائق اهلل؟‬ ‫ماذا يفعل المالئكة سوى أن يؤسسوا لهم تنسيقية‪.‬‬ ‫ويصطف��وا جانبهم‪ ..‬وهم يرفعون الفت��ات ألصدقائهم‬ ‫ويتصورون معهم‬ ‫أصدقائنا اش��تقنا لك��م‪ ..‬ولكن ال تأتوا إلين��ا اآلن‪ ..‬الجنة‬ ‫جميلة وكل شيء رائع لكن ال شيء يعادل سوريا‪..‬‬ ‫أيها اهلل العظيم‪ ..‬دع أحبابك قليال بيننا‪ ..‬اكتفي بمن لديك‬ ‫عصافير تمأل جنتك ضجيجا وتمنع سكانها من النوم‪.‬‬ ‫أيه��ا اهلل العظي��م‪ ..‬خذه��م إنهم هناك يدي��رون األزمة‬ ‫ويلقّم��ون المدافع ويظهرون على الشاش��ات إنهم هناك‬ ‫في القصور الجمهورية التي تحولت لقالع اإلبادة‪..‬‬ ‫أيها اهلل العظيم‪ ..‬نس��تحق العقاب ألننا سكتنا أربعين عاما‬ ‫وكنا بحلف الشيطان األخرس ‪ ..‬ال تعاقبنا بأطفالنا يا اهلل‪..‬‬

‫فدوى روحانا‬ ‫م��ن أنا ألعتذر لك��م عن كل من صمت أم��ام صريخكم‪،‬‬ ‫عن كل عربي ترككم في صقيع وحدتكم‪ ،‬من انا ألعتذر‬ ‫لكم عن كل فلس��طيني ضم صوته لسوط جالدكم؟ من‬ ‫أن��ا ألعتذر لكم‪ ...‬ولكنني أعتذر باس��م طفولة لمس��تها‬ ‫ولم تلمس��وها‪ ،‬باسم حياة عش��تها لم تعشوها‪ ،‬أطفال‬ ‫سوريا ستفتقدكم الطفولة وستفتقدكم الحياة‪...‬‬

‫حممود حممود‬ ‫يا لبؤس��نا نح��ن المس��مّرون خلف الشاش��ات‪ ...‬ال نملك‬ ‫سوى نحيب الكلمات الركيكة‪.‬‬

‫�سعد اهلل مق�صود‬ ‫نعم أنا علوي وذُبحتُ مع أطفال الحولة البارحة‪ ،‬ويدي مكسورة‬ ‫من نفس الهراوة التي كسرت يد خالد خليفة‪ ،‬وفي عنقي نفس‬ ‫الرصاصة التي اخترقت عنق ربيع الغزي‪ ،‬وأطالب مثلي مثل كل‬ ‫السوريين في شوارع سوريا بالحرية والقصاص‪.‬‬

‫را�شد عي�سى‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪14‬‬

‫ال أدري إن كان طف�لاي س��يفهمان هذا الحن��ان المباغت‬ ‫الصامت والحزين‪...‬‬

‫لينا �سنجاب‬ ‫أري��د آن أرى وجه القاتل‪ ،‬أن أع��رف مالمحه‪ ،‬كيف كانت تبدو عيناه‬ ‫وه��و يهاجم األطفال‪ ..‬لم تكف��ه البندقية‪ ،‬ماذا كان يقول األطفال‬ ‫ل��ه وهو يه��وي بس��كينه عل��ى رقابه��م‪ ..‬آل��م يس��مع صراخهم؟‬ ‫بكائهم‪ ..‬هل تالق��ت أعينهم؟ كم كان عددهم؟ هل قتل كل واحد‬ ‫طفل آم استطاع واحد أن يجهز على أكثر من جسد هش بين يديه؟‬ ‫ال أس��تطيع آن أرس��م الصورة‪ ...‬في اللحظات األخيرة‪ ..‬كيف ركض‬ ‫األطفال‪ ..‬بمن اس��تنجدوا؟ صوتهم يتردد في آذني‪ ...‬ال أستطيع آن‬ ‫ارس��م مالمح القاتل‪ ..‬عي��ون صغيرة كثيرة أمام��ي‪ ..‬يملئها الفزع‬ ‫والبكاء‪ ...‬أود أن احضنهم جميعًا‪ ...‬تيتمنا‪ ...‬سورية يتيمة‪.‬‬

‫عمر الأ�سعد‬ ‫طالما أنت صامت فدمهم في رقبتك‪ ،‬كل المؤيدين للسفاح‬ ‫بش��ار أنتم مس��ؤولون عن الجريمة‪ ...‬وهذه ث��ورة للحرية‬ ‫واألحرار أما دعاة األبد فال مكان لهم فيها‪ ...‬أخبروا أدونيس‬ ‫"الش��اعر ال��رديء‪ ،‬والمفكر الرث" وحس��نين هي��كل "دجال‬ ‫الديكتاتوريتي��ن الناصرية واألس��دية" ومثقفي النظام من‬ ‫اتحاد الصحفيين التحاد الكتاب إلى كل من يؤيد هذا النظام‬ ‫المجرم صغيراً كان أو كبيراً أنه مسؤول عن دماء أطفالنا‪.‬‬

‫ر�شا عمران‬ ‫بعضه��م يطالب القتي��ل أن يتخلى ع��ن إيمانه وال يجرؤ‬ ‫أن يطالب القاتل بالتخلي عن وحشيته‪ ..‬السالم عليك يا‬ ‫سوريا‪ ...‬عليك السالم يا سوريا‪...‬‬

‫خلود زغري‬ ‫حتى لو قررنا االنتقام‪ ..‬هل نستطيع؟‪ ..‬أي إنسان أو ثائر‬ ‫أو حر شريف يستطيع ذبح طفل أو امرأة؟‬

‫يو�سف �أبو قدور‬ ‫إنهم يقتلونكم ألنكم ش��عب ثائر و ليس ألنكم سُ��نة‪ ،‬و من‬ ‫يحاول نزع صفة الشعب عنكم و إلصاق صفة السُنة بكم هو‬ ‫ش��بيه القاتل و ال يفرق عنه قيد أنملة‪ ..‬هو يرى في المجزرة‬ ‫صندوق انتخاب‪ ،‬الش��عب ليس بحاج��ة بوصلتكم‪ ،‬هو يعرف‬ ‫عدوه و يعرف قاتله‪ ،‬و ال يعرفكم‪ ....‬لس��تُ طائفيا و لم أكن‬ ‫و ل��ن أكون في يوم من األيام‪ ،‬و ال أس��تطيع أن أُصنف الناس‬ ‫وفق طوائفهم مهما حاول��ت‪ ،‬و لن أخضع لتصنيفاتكم‪ ،‬حتى‬ ‫لو حفرتم أنتم و زبانيتكم حُفراً في رأسي‪..‬‬ ‫أن��ا مواط��ن ف��ي س��وريا المس��تقبل الت��ي ال تعت��رف‬ ‫بطائفتي‪ ،‬وفي حال أُفشلت الثورة سأعود كما كنت نكرة‬ ‫بدون انتماء‪ ،‬أو شهيدا ملفوفا بعلم سوري‬

‫عامر مطر‬ ‫ال تتقلب في سريرك اليوم‪ ،‬حولك جثث األطفال‪..‬‬

‫علي قطيفان‬ ‫فعل القتل ذبحاً ال يأتِ إال من دوافع عقائديّة‪ُ ..‬كل ما قد‬ ‫ح��دث من مجازر ارتبطت بالذبح عبر التاريخ أتت بس��بب‬ ‫العقائد‪ ..‬ال يستحق “الطائفي” إال القتل‪ ،‬و التطهير التام‬ ‫للمجتمعات منه أياً كان انتماؤه‪...‬‬

‫رميا �سويدان‬ ‫علمتنا الثورة الكثير إال الهدوء والحزن بصمت‪.‬‬ ‫تهدي��د‪ ..‬انتقام‪ ..‬س��باب‪ ..‬تحريض على األخ��ذ بالثأر‪....‬‬ ‫ه��دوء أيها األصدقاء واألعداء‪ ،‬دعوا ه��ذه األرواح تصعد‬ ‫إلى السماء بس�لام متأملة عيونكم الحزينة على فراقها‬ ‫وابتس��امتكم الواعدة بلقاء قريب بالحياة األخرى‪ .‬لتكن‬ ‫دموعنا صالتنا وحزننا تأملنا وفقط‪ ...‬قليل من الهدوء‪.‬‬

‫حممد حمدان‬ ‫م��ن يقتل أطفال س��وريا‪ ..‬مجرمٌ مخص��يّ عقيم ال ينجب‬ ‫أوالد وان كان لديه فهم أبناء رجل آخر‪ ..‬وما نراه من انتقام‬ ‫وحشي هو انتقام بائس لرجولة ضائعة أو غير مستحقة‪..‬‬

‫�صبحي حديدي‬ ‫وحوش مج��زرة الحولة قطعان ضباع متعطش��ة للدماء‪،‬‬ ‫حاقدة غريزي��اً‪ ،‬وطائفيًا؛ لكنها مذعورة‪ ،‬يائس��ة‪ ،‬الهثة‬ ‫إلى حضيض‪ ،‬مثل النظام الذي تنتمي إليه‪.‬‬

‫جمال �سعيد‬ ‫اكتب يا بني‪ :‬أنا البالد التي تنزف دمها ودموعها‪ ...‬أنا الفجيعة‬ ‫الحية الت��ي تتجول في الطرقات وعلى فضائي��ات الدنيا‪ ...‬أنا‬ ‫الت��ي مددت يدي إل��ى قاع البحر وأخرجت صباغ��ًا زينت بلونه‬ ‫األرجواني الدنيا‪ ...‬أنا التي عجنت التاريخ والشعراء والفالحين‬ ‫والرعاة واألباط��رة واألديان وخبزتها لهوائي‪ ..‬أنا س��وريا‪ :‬لم‬ ‫أعرف من هو أكثر وحشية من هؤالء المجرمين !‬ ‫اكتب يا بني‪ :‬من بين يدي خرج من قال القاتل بالس��يف‬ ‫بالس��يف يقت��ل‪ ،‬واب��ن‪ ...‬رحم��ي م��ن ق��ال‪ :‬نح��ن أهل‬ ‫الرحمة وحولي قالوا أنني الوطن الثاني ألي إنس��ان فوق‬ ‫األرض‪ ...‬س��أرمي الوحوش بعيداً‪ ...‬فقد لطخوا سمعتي‬ ‫واستباحوا اس��مي‪ ...‬وبعدها س��أفرد صدري لكم جميعًا‬ ‫لترضعوا األحالم والشعر والحرية والكرامة‪...‬‬ ‫اكت��ب يا بني‪ :‬أي طاع��ون أنجب رجمك أيته��ا األم ؟‪ ...‬ال‬ ‫تخج��ل مني‪ ..‬اكتب ي��ا بني‪ ..‬اكتب أيض��اً أن على أبنائي‬ ‫أن ال يتعامل��وا مع دم��ي كماء رخيص‪ ..‬أن��ا لكم‪ ..‬كونوا‬ ‫لي! اكتب يا بن��ي‪ ....‬وال تنس‪ ...‬اكتب أني‪ .......‬س��أعود‬ ‫انتظرن��ي ألمل��ي عليك محبت��ي ووصاي��اي كأم مغلولة‬ ‫اليدين‪ ....‬ال يزال أبناؤها يذبحون على ركبتها‪.‬‬

‫مي�شيل �شما�س‬ ‫ألول م��رة أعت��رف بحيات��ي علن��ًا أن إيمان��ي بوجود اهلل‬ ‫ضعيفًا‪ .‬لكن إيماني بانتصار الش��عب السوري هو إيمان‬ ‫عميق‪ ...‬ش��عوري بالعجز هذه الليل��ة تجاه تلك الدماء ء‬ ‫التي تس��فك دفعني ألن أقول ألول مرة في حياتي أيضًا‬ ‫وعلنًا‪" :‬حسبي اهلل ونعم الوكيل"‬

‫مها ف�ضيل‬ ‫حك��ي ألطفالن��ا حكاية قبل النوم وتبق��ى عيونن الحلوة‬ ‫تق��اوم الن��وم بده��ا تكفي الحكاي��ة اليوم ص��اروا هنن‬ ‫الحكاي��ة والعي��ون الحل��وة استس��لمت للن��وم وم��ا بقى‬ ‫تقاوم بس وحياة البراءة والطهر والخوف على وجوهكن‬ ‫الحكاية ما خلصت الحكاية هلق بديت وقس��ما قس��ما ما‬ ‫رح ننس��ى ورح نحرص أنو والدنا ما ينسوا مو حقد بس‬ ‫شوية عدالة بهل زمن الظالم‪.‬‬

‫�سعاد جرو�س‬ ‫في ذكرى صعود حمزة‪ ..‬خمسون طفال يلحقون به على‬ ‫عجل‪ ..‬وقبلهم مئات األطفال‪..‬‬ ‫كم كان المسيح مترفا حين قال‪ ..‬إن لم تعودوا كاألطفال‬ ‫لن تدخلوا ملكوت السماء‪..‬‬ ‫ي��ا مس��يح‪ ..‬طفولتنا ذبحت ل��م يعد لدينا أطف��ال لنعود‬ ‫مثلهم‪ ....‬يا مسيح هل بقي متسع في ملكوتك‪ ..‬؟‬

‫روزا يا�سني ح�سن‬ ‫ما ح��دث يدمي القلوب‪ ،‬لكني لن أجعل النظام الس��وري‬ ‫يزجن��ي يومًا ف��ي لعبته الطائفية الق��ذرة‪ .‬من يقتل هو‬ ‫أداة بي��د الطاغي��ة ال طائفة له وال دين‪ ،‬س��وى أنه قاتل‬ ‫مأج��ور لولي نعمته‪ :‬الش��بيح ال طائفة له س��وى طائفة‬ ‫الموت‪..‬‬ ‫وم��ن يذهب ضحي��ة القتل هو مع��ارض ال طائفة له وال‬ ‫دين‪ ،‬سوى أنه اختار درب الحرية وصراع الطاغية!! أو أنه‬ ‫ضحية بريئة يس��تخدمها النظام إلزكاء فتنته‪ :‬المعارض‬ ‫ال طائفة له سوى طائفة الحرية‪.‬‬ ‫م��ا يريده النظ��ام جاهداً إدخ��ال البلد في ح��رب طائفية‬ ‫لينفذ وعده‪ :‬األس��د أو نخرب البلد‪ ،‬وكم علينا أن نتس�� ّلح‬ ‫بالوعي ضده‪ .‬والخراب ال��ذي يريدونه هو تحويل الثورة‬ ‫وحرفها عن آمالنا لنصارع بعضنا البعض فننساه‪..‬‬

‫هالة جديد‬ ‫الصامتون‪ ...‬صمتوا الليلة مرة أخرى‪ ...‬أدهشتهم حرفية‬ ‫العمل الجماعي‪ ..‬خمس��ة و خمس��ون طف ًال مرة واحدة !!!‬ ‫معقول !!! و عادوا إلى أحاديث الليل و األراكيل‪...‬‬ ‫ايه سيدي و ين كنّا‪ ....‬مين بدو يشتري المشاوي بكرة !!‬ ‫ال الحفلة على الضيق‪ ..‬بتعرف األوضاع مو خرج‪...‬‬

‫ف�ضيل نوفل‬ ‫في نهاية الس��نة الدراسية ال تنسوا قراءة أسمائنا وأنتم‬ ‫توزع��ون النتائج‪ ،‬نحن أيضًا كنا طالباً متفوقين‪ .‬أطفال‬ ‫الحولة‪.‬‬

‫لينا الطيبي‬ ‫يق��ال ي��د واح��دة ال تُصف��ق‪ ..‬وتدع��م الحقيق��ة ه��ذه‬ ‫المقولة‪ ..‬الشعب السوري وحده أثبت عدم صحتها‪..‬‬ ‫هل شاهدتموه بيد وحيدة يصفق ويصفق ويصفق!!!‬

‫خولة يو�سف‬ ‫ال تفارقن��ي عيونه��م‪ ..‬مابين الخوف والخ��وف‪ ..‬كم من‬ ‫العيون ما تزال تُحدق في وجوهنا‪..‬‬


‫�إدوارد �سعيد فـي‪ :‬اال�ست�شراق‬ ‫ياسر مرزوق‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 27 | )36‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬

‫‪ ./1880 - 1819/‬ويتساءل كيف شارك‬ ‫فق��ه اللغة ووض��ع المعاج��م والتاريخ‬ ‫والبيولوجي��ا والنظري��ة السياس��ية‬ ‫واالقتصادية وكتابة الروايات والش��عر‬ ‫الغنائي ف��ي خدمة رؤية االستش��راق‬ ‫للعال��م وه��ي الرؤي��ة الت��ي تعتب��ر‬ ‫إمبريالية بصفة عامة‪...‬‬ ‫ويرى سعيد أن تاريخ االستشراق‬ ‫أدى إل��ى التعصب الش��ائع ف��ي الغرب‬ ‫ضد العرب واإلس�لام مضيف��اً أنه مما‬ ‫يزيد األمر سوءاً عدم إقدام أي شخص‬ ‫له اهتمامات أكاديمية بالشرق األدنى‬ ‫على التعاطف الكامل والصادق ثقافيًا‬ ‫وسياس��ياً مع العرب‪ .‬وال شك أن بعض‬ ‫حاالت التعاطف قد وجدت على مستوى‬ ‫من المس��تويات لكن أيا منها لم يتخذ‬ ‫في ي��وم من األيام الص��ورة المقبولة‬ ‫الت��ي يتخذه��ا التعاط��ف األمريك��ي‬ ‫الليبرالي مع الصهيونية‪.‬‬ ‫ال ش��ك أن فلس��فة االستش��راق‬ ‫كان له��ا األثر األكبر في تكوين الوعي‬ ‫الجمعي الغربي اتجاه الش��رق والعرب‬ ‫بوج��هٍ خاص لذا كان الب��د لكل مهتم‬ ‫ٍ من ق��راءة كتاب" االستش��راق"‪ ،‬الذي‬ ‫يقدم إجابات على الكثير من األس��ئلة‬ ‫لفه��م عالقتن��ا مع الغرب‪ ،‬والكتش��اف‬ ‫س��وء الفه��م التاريخ��ي ال��ذي أص��اب‬ ‫العق��ل الغرب��ي ف��ي نظرت��ه للع��رب‬ ‫وقضاياهم العادلة‪.‬‬ ‫ق��راءة "االستش��راق" إلدوارد‬ ‫ٌ‬ ‫ن��وع خ��اص‪ ،‬يحفل‬ ‫س��عيد رحل��ة من ٍ‬ ‫بمصطلح��اتٍ دخلت قام��وس العربية‬ ‫للم��رة األولى‪ ،‬وهنا ال بد من اإلش��ادة‬ ‫بالجهد الواضح للدكتور " كمال أبو ديب‬ ‫" ال��ذي نقل الكتاب للعربي��ة‪ ،‬والرحلة‬ ‫مع سعيد قد ال تحمل من المتعة بقدر‬ ‫ما تحمل من الفائدة‪ ،‬وكأن دور الكتاب‬ ‫هن��ا‪ ،‬أن يدلنا على كتب ومراجع أخرى‬ ‫لتساعدنا على اإلحاطة بالموضوع من‬ ‫كل جوانب��ه‪ ،‬كتاب " االستش��راق " من‬ ‫الكتب الت��ي تتحدى الق��ارئ‪ ،‬وال تبوح‬ ‫بأسرارها من القراءة األولى‪.‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫قب��ل البدء في اس��تعراض كتابنا‬ ‫الي��وم أعرض مقطعاً م��ن كتاب "قلب‬ ‫الظلم��ة " لجوزي��ف كون��راد‪" :‬إن فتح‬ ‫األرض‪ ،‬ال��ذي يعني غالبًا انتزاعها من‬ ‫أولئ��ك الذي��ن له��م بش��رة مختلفة أو‬ ‫أنوف أكثر تس��طيحاً من أنوفنا بقليل‪،‬‬ ‫ليس ش��يئًا جمي ً‬ ‫ال حين تتأمله بعنايةٍ‬ ‫زائدة‪ ،‬وم��ا يغفر له ه��و الفكرة ذاتها‬ ‫فق��ط‪ .‬فكرة تختف��ي وراءه‪ ،‬ال تظاهر‬ ‫عاطف��ي‪ ،‬بل فك��رة‪ ،‬وأيم��ان ال أناني‬ ‫بالفكرة‪ ،‬ش��ي ٌء يمكن ل��ك أن تقيمه‪،‬‬ ‫وتنحني أمامه‪ ،‬وتقدم له قرباناً‪" ....‬‬ ‫"االستشراق‪ ..‬المعرفة‪ ..‬السلطة‪..‬‬ ‫اإلنش��اء" كتابنا اليوم‪ ،‬وإدوارد س��عيد‬ ‫واالستشراق صنوان ال ينفصالن‪ ،‬على‬ ‫الرغم من قيمة المنتج الفكري لسعيد‬ ‫بأكمل��ه‪ ،‬إال أن اس��م س��عيد ارتب��ط‬ ‫بعن��وان "االستش��راق" وه��و الكت��اب‬ ‫الذائع الصيت حتى عند غير المهتمين‬ ‫بالق��راءة‪ ،‬وادوارد س��عيد الحائز على‬ ‫شهادة الدكتوراه من جامعة "هارفرد"‬ ‫مقدسي المولد‪ ،‬أتم دراسته االبتدائية‬ ‫والثانوي��ة في الق��دس ثم مصر‪ ،‬التي‬ ‫ً‬ ‫مش��رعة‬ ‫كان��ت نوافذه��ا ف��ي حين��ه‬ ‫للش��مس ول��كل التي��ارات الفكري��ة‬ ‫والثقافية‪ .‬ع��ن الباحث المصري" خالد‬ ‫س��عيد" ننق��ل‪" :‬ادوارد س��عيد مفك��ر‬ ‫وإنسان ومثقف وكاتب وناقد وعالمة‪...‬‬ ‫أخرج س��عيد قلم��ه من غم��ده بمجرد‬ ‫ظهور الش��عر على وجهه وأمس��ك به‬ ‫ولم يتركه حتى وافته المنية"‪.‬‬ ‫يمثل كتابن��ا اليوم جزءاً من ثورة‬ ‫جديدة في الدراسات اإلنسانية تضرب‬ ‫جذوره��ا ف��ي الماركس��ية والث��ورة‬ ‫األلس��نية والبنيوي��ة م��ا ي��كاد يك��ون‬ ‫ً‬ ‫مدرس��ة جدي��دة تنتس��ب بعم��ق إلى‬ ‫بشكل خاص‪،‬‬ ‫"‬ ‫فوكو‬ ‫"ميش��يل‬ ‫أعمال‬ ‫ٍ‬ ‫وتتكث��ف ف��ي ه��ذه الث��ورة منطلقات‬ ‫متعددة لعل أهمها أنها تكوّن مفهومًا‬ ‫جدي��داً للق��وة وللش��بكة الخفي��ة من‬ ‫عالقات الق��وة التي تنس��جها المعرفة‬ ‫متجسد ًة في اإلنشاء الكتابي‪ ،‬ومفهوم‬ ‫سياس��ية العالق��ات اإلنس��انية ب��كل‬ ‫أشكالها‪ ،‬وسياسية المعرفة‪ ،‬وسياسية‬ ‫البحث‪ ،‬إذ تسيس هذه الثورة الفكرية‬ ‫الوجود اإلنساني إلى درجة تفوق حتى‬ ‫م��ا فعلته الماركس��ية ف��ي تصورها "‬ ‫القتصادي��ة " الوجود اإلنس��اني‪ ،‬فهي‬ ‫تب��دأ بإض��اءة مناب��ع ومكام��ن للقوة‬ ‫ظلت حت��ى اآلن خارج نطاق الدراس��ة‬ ‫ً‬ ‫مضيئ��ة العالم‬ ‫السياس��ية ـ الفكرية‪،‬‬ ‫إضاء ًة جديدة‪ ،‬قادر ًة على تكوين علم‬ ‫آثار جديد للمعرفة اإلنسانية‪.‬‬ ‫واالستش��راق لي��س كتاباً ينتمي‬ ‫إلى فرع أكاديم��ي صريح‪ ،‬أو كتاباً في‬ ‫الدراسات الشرق أوسطية‪ ،‬بل هو جهد‬ ‫فك��ري يق��وم فيه كاتب��ه بفضح زيف‬ ‫تلك اآلثار والنصب العظيمة في فروع‬ ‫أكاديمية‪ ،‬أو بتفحص تورط المثقفين‬ ‫في أيديولوجيات سائدة وفي اختالقات‬

‫وتلفيقات تخدم سلطة ال شرعية لها‪.‬‬ ‫ويبق��ى أن االستش��راق كت��اب‬ ‫طليع��ي أح��دث صدم��ة هائل��ة ف��ي‬ ‫أوس��اط المثقفي��ن واألكاديميي��ن في‬ ‫كل أنحاء العال��م‪ .‬وحتى بعد ربع قرن‬ ‫على صدوره ألول مرة مازال يثير ردود‬ ‫فعل وقراءات نقدية من باب اإلعجاب‪،‬‬ ‫أو الذم‪ .‬واالستش��راق‪ ،‬كفرع نقدي‪ ،‬ال‬ ‫ي��زال يفعل فعله عبر وس��ائل اإلعالم‬ ‫الغربية‪ ،‬وأقمار التجس��س الصناعية‪،‬‬ ‫واالس��تخبارات‪ ،‬وغيره��ا‪ .‬فالدعاي��ة‬ ‫ومراك��ز األبحاث الغربية هي الش��كل‬ ‫المعاص��ر م��ن االستش��راق‪ ،‬والبديل‬ ‫التكنولوج��ي للرحال��ة أو المغامري��ن‬ ‫الغربيين‪.‬‬ ‫فمنذ ش��هور قالئل أصدر روبرت‬ ‫إيروي��ن كتاب��ه "م��ن أجل النه��م إلي‬ ‫المعرف��ة‪ :‬المستش��رقون وأعداؤهم"‬ ‫وال��ذي أثار ج��د ًال واس��عًا ف��ي الدوائر‬ ‫المهتم��ة باالستش��راق ف��ي بريطانيا‬ ‫والوط��ن العرب��ي لي��س فق��ط ألن‬ ‫إيروي��ن متخصص في تاريخ الش��رق‬ ‫األوس��ط‪ ،‬ولك��ن كذل��ك ألن��ه ق��ال‬ ‫صراح��ة إن��ه ق��رر تألي��ف كتاب��ه رداً‬ ‫على كتاب "االستش��راق" ال��ذي يعتبر‬ ‫أش��هر مؤلفات إدوارد س��عيد‪ ،‬وأكثرها‬ ‫تأثي��راً والذي اتهم فيه المستش��رقين‬ ‫بالعمالة لإلمبريالية ووصف دراساتهم‬ ‫عن الشرق بالعنصرية‪ ،‬وهو ما اعتبره‬ ‫إيروين نوعاً من الدجل الخبيث‪.‬‬ ‫ولي��س أيروي��ن الوحي��د ب��ل‬ ‫إن "االستش��راق" من��ذ ت��م نش��ره‬ ‫عل��م ‪ ،1977‬ووج��ه بمحاول��ة كب��ار‬ ‫المستش��رقين وعل��ى رأس��هم برنارد‬ ‫لويس صانع عبارة "صراع الحضارات"‬ ‫تبدي��د العاصف��ة الت��ي أثارها س��عيد‬ ‫في كتاب��ه وال��ذي اعتبر االستش��راق‬ ‫فرضية سياس��ية سلطها الغرب القوي‬ ‫على الش��رق الضعيف بهدف السيطرة‬ ‫والهيمن��ة‪ .‬ناهي��ك ع��ن االس��تعمار‬ ‫والعنصرية‪.‬‬ ‫اشتمل "االستش��راق" على وجوه‬ ‫متداخل��ة‪ ،‬م��ن العالق��ة التاريخي��ة‬ ‫الثقافية بين أوروبا وآسيا‪ ،‬والتي ترجع‬ ‫إل��ى ‪ 4000‬عام م��ن والدة ذلك الفرع‬ ‫العلمي الذي بدأ ف��ي الغرب منذ أوائل‬ ‫القرن التاس��ع عش��ر‪ ،‬وراح يتخصص‬ ‫المرء على أساسه في دراسة الثقافات‬ ‫والتراث��ات الش��رقية المختلف��ة‪ ..،‬إلى‬ ‫تل��ك االفتراض��ات األيديولوجي��ة‪،‬‬ ‫والص��ور‪ ،‬واالس��تيهامات المتعلق��ة‬ ‫بمنطق��ة من العال��م تدعى الش��رق‪.‬‬ ‫ويقول س��عيد " القاسم المشترك بين‬ ‫أوج��ه االستش��راق‪ ،‬وال��ذي ال يمث��ل‪،‬‬ ‫كما س��بق أن رأيت‪ ،‬واقع��ة من وقائع‬ ‫الطبيعة بقدر ما يمثل واقعة من نتاج‬ ‫البش��ر‪ ،‬كنت ق��د أس��ميتها بالجغرافيا‬ ‫التخيلية "‪.‬‬ ‫ق��دم لن��ا س��عيد ثالث��ة تعريفات‬

‫لالستشراق يعتمد بعضها على بعض‪:‬‬ ‫األول منها أكاديم��ي وهو قوله‪" :‬فكل‬ ‫من يدرس الش��رق أو ْ‬ ‫يَكت��بُ عنه‪ ،‬أَو‬ ‫يَبْح ُث��ه س��واء ف��ي س��ماتِه العامّةِ‬ ‫أو الخاص��ة‪ ،‬فه��و مستش��رق‪ ،‬ومَ��ا‬ ‫تفعله هي أو يفعله هو‪ ،‬استش��راق"‪.‬‬ ‫والتعري��ف الثاني‪" :‬أس��لوب من الفكر‬ ‫مس��تند على تمييز وج��ودي ومعرفي‬ ‫(الش��رق) و(معظ��م األحي��ان)‬ ‫بي��ن‬ ‫ِ‬ ‫(الغ��رب)"‪ .‬والتعري��ف الثالث‪" :‬أس��لوب‬ ‫َ‬ ‫للسّيْطرَة على الشرق‪ ،‬وإعادة‬ ‫غربي‬ ‫هيكلته‪ ،‬وامتالك السلطة عليه"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫قائم��ة مِ��نْ‬ ‫كم��ا ق��دم س��عيد‬ ‫ثالث��ة أصن��افٍ للمستش��رقين‪ .‬أولها‬ ‫الكاتب الذي ذهب إلى الش��رق لتزويد‬ ‫االستش��راق المحت��رف بم��ادة علمي��ة‬ ‫أَي "ال��ذي يَعتب��ر إقامت��ه نوع��ًا م��ن‬ ‫المالحظ��ةِ العلمي��ةِ"‪ .‬ويؤكد س��عيد‬ ‫ب��أن الرحال��ة البريطان��ي" إدوارد‬ ‫ويليام لين"‪ ،‬ف��ي كتابه "وصف عادات‬ ‫المصريي��ن المعاصري��ن وأنم��اط‬ ‫حياتهم " يعتب��ر أوضح مثال على هذا‬ ‫الصنف م��ن المستش��رقين‪ .‬والصنف‬ ‫الثان��ي لدى س��عيد‪ ،‬هو الكات��ب الذي‬ ‫يَبْ��دأُ بنفس اله��دفِ‪ ،‬لكن اهتماماته‬ ‫الفردية تُسيطرُ على عملِه‪ .‬ويَعتبرُ‬ ‫س��عيد الرحال��ة البريطاني" ريتش��ارد‬ ‫بيرتن"‪ ،‬في كتاب��ه "الحج إلى المدينة‬ ‫ومكة" مث��ا ًال جي��داً لهذا الصن��فِ‪ .‬أما‬ ‫الصنف األخير من المستش��رقين فهو‬ ‫الشرق إلرْضاء‬ ‫الكاتب الذي يرحل إلى‬ ‫ِ‬ ‫رغبتِ��ه‪" ،‬لذا ف��إن نَصّ��ه مبني على‬ ‫جماليات ش��خصية"‪ .‬ويُم ّث ُل له س��عيد‬ ‫بالرحالة الفرنسي "جيرار دي نرفال"‪،‬‬ ‫في كتابه "رحلة إلى الشرق"‪.‬‬ ‫ويرى سعيد أن الشرق شبه اختراع‬ ‫أوروب��ي وأن االستش��راق ليس مجرد‬ ‫خي��ال أوروبي متوهم عن الش��رق بل‬ ‫إنه كي��ان له وجوده النظ��ري والعملي‬ ‫وقد أنش��أه من أنشأه واس��تثمرت فيه‬ ‫استثمارات مادية كبيرة على مر أجيال‬ ‫عديدة وقد أدى استمرار االستثمار إلى‬ ‫أن أصبح االستش��راق باعتباره مذهبًا‬ ‫معرفي��ًا ع��ن الش��رق ش��بكة مقبولة‬ ‫تسمح منافذها بتسريب صورة الشرق‬ ‫إل��ى وع��ي الغربيي��ن‪ ...‬اإلمبريالي��ة‬ ‫السياس��ية تحك��م مج��ا ًال كام� ً‬ ‫لا م��ن‬ ‫الدراس��ات واإلب��داع والمؤسس��ات‬ ‫البحثية‪.‬‬ ‫كم��ا يرصد س��عيد بع��ض نجوم‬ ‫الفكر واألدب األوروبيي��ن الذين كانت‬ ‫لهم آراؤه��م المحددة بش��أن االمتياز‬ ‫العنص��ري واإلمبريالية‪ ،‬ومن اليس��ير‬ ‫إدراك تأثيرهما ف��ي كتاباتهم ومنهم‬ ‫الم��ؤرخ توم��اس كارالي��ل ‪- 1795/‬‬ ‫‪ /1881‬والفيلسوف جون ستيورات مل‬ ‫‪ /1873 - 1806/‬والشاعر ماثيو أرنولد‬ ‫‪ /1888 - 1822/‬والروائيون جوس��تاف‬ ‫فلوبي��ر ‪ /1880 - 1821/‬وتش��ارلز‬ ‫ديكن��ز ‪ /1870 - 1812/‬وجورج اليوت‬

‫قراءة في كتاب ‪. .‬‬

‫املعرفة‪ ..‬ال�سلطة‪ ...‬الإن�شاء‬

‫‪15‬‬


‫رصيف ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 27 | )36‬أيار ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪16‬‬

‫تفرجي‬ ‫علي‬ ‫ّ‬

‫أطفال الحولة‪...‬‬ ‫من يعيد للمنزل ومقاعد الدرس صخب ضحكاتكم‪..‬‬ ‫أقالم التلوين ستشتاقكم‪..‬‬ ‫ودفتر الرسم كلما إستيقظ فيه الحنين لخربشاتكم‪..‬‬ ‫والقمر المتدلي بخيط من غرة اهلل سيتعب من إنتظار أيديكم‪..‬‬ ‫لترتفع نحوه و تقطفه مثل تفاحة في المساء‪..‬‬ ‫حجارة الحي سيضنيها الضجر‪ ..‬ستشتاق لشقاوتكم وفرح التبعثر‪....‬‬

‫سمر يزبك‬ ‫وأن��تِ تبتعدين ف��ي الغابة‪ ،‬ال تنظري‬ ‫إل��ى الخل��ف‪ ،‬ثم��ة أص��وات للري��ح يفتعلها‬ ‫احتكاك أضلعكِ بحفيف الورق‪ ،‬ستصيرين‬ ‫يا بنت حجراً!‬ ‫تفرّجي عل��يَّ‪ .‬انظري وأن��ا أراقبني‪،‬‬ ‫كي��ف تتعل��م األصاب��ع أن ترتّ��ب تجويفها‬ ‫في الصدر‪ .‬تتلمس أبعد من عش��ر أضالع‪،‬‬ ‫ومسافة سنتيمترات قليلة‪.‬‬ ‫تفرّجي عليَّ‪ :‬كيف تركتِ الس��عادات‬ ‫الموقتة‪ ،‬صانعة س��جادة العيش تلك‪ ،‬كيف‬ ‫غزلتِ منها هدوءاً من بعد غضب‪ ،‬وشرعتِ‬ ‫في نس��ل خي��ط رفيع‪ ،‬عندم��ا تذكرتِ أنك‬ ‫كنت يومًا‪ ،‬امرأة!‬ ‫ربما كنت طفلة! هل كنت؟‬ ‫أين يختب��ئ األطفال عندم��ا يكبرون‪،‬‬ ‫كيف تضيع شيطنتهم في مسارب الزمن؟‬ ‫هك��ذا بقي��تِ تتفرجين‪ ،‬ونس��يتِ أن‬ ‫تكب��ري‪ .‬فج��أ ًة كنتِ في الغاب��ة‪ ،‬من حولك‬ ‫الحفي��ف والفحي��ح! ه��ل س��رقتِ الطفل��ة‬ ‫م��ن المرأة أم المرأة م��ن الطفلة؟ أيّ خداع‬ ‫توهمين به م��ن حولك‪ ،‬وأنتِ تولين الغابة‬ ‫ثق��ة الحمق��ى! لق��د صدّق��تِ تل��ك اآلالم‪،‬‬ ‫وخرّبتِ رأسك‪ .‬صارت أنتِ‪.‬‬ ‫أن��تِ تش��اكل س��ؤال ي��دقّ عنق��كِ‪،‬‬ ‫أنتِ البس��يطة كغيم��ة‪ ،‬المر ّكب��ة كمجرّة!‬ ‫هذا س��بب كافٍ لتكس��ري المرآة‪ ،‬وتصنعي‬ ‫غابة من زج��اج‪ ،‬ال تكفيكِ الحكمة في أول‬ ‫األربعي��ن‪ .‬تفرّجي كما يتأمل الثلج صقيعه‬ ‫الحارق‪ ،‬ال تندبي قطعة الفحم‪.‬‬ ‫كي��ف ع��ادت ب��كِ أنّ��ات القه��ر إل��ى‬ ‫دهشة الخوف‪ ،‬وجرت الدماء فجأة من سالم‬ ‫األرصفة؟ وكنت تتأملين مش��هداً يكبر عن‬ ‫لوحة ش��خصيات تنمو في عقلك المريض‪،‬‬ ‫بانتح��ار عل��ى طريق��ة س��اموراي فاش��ل‪،‬‬ ‫أدمن العيش في ظالل ال��ورق‪ .‬تعرفين أن‬ ‫ال ش��يء يرضي هوس��كِ الغري��ب بصناعة‬ ‫حكاي��ات أزمن��ة وتخاري��ف‪ .‬أن��تِ المتخفية‬ ‫بظالل مخاتلة عن سيرة حياة غريبة عنكِ‪،‬‬ ‫تُوش��ي بصلف! ترغبي��ن معرفة ماذا يعني‬ ‫مرور التفاصيل التي تجعلكِ تنسكبين من‬ ‫عينيك‪ ،‬وتمرّ أمام األخرين كريشة؟ ما نوع‬ ‫الحراش��ف المدوّرة على اس��تطاالت البشر؟‬ ‫ما نوع مجسّاتهم؟‬ ‫كنتِ تعرفين أن��ك ال تحلمين بصعود‬ ‫نبتة ف��ي الفض��اء‪ ،‬تصل بكِ بي��ت الغول‪.‬‬ ‫كن��تِ واثقة أن��ك أردتِ الوص��ول الى أبعد‬ ‫نقط��ة في الفراغ‪ ،‬لتتركي جس��دك للعماء‪،‬‬

‫شهداء‬ ‫سورية‬

‫وتس��بحي في بهج��ة الصعود‪ ،‬ث��م تتركي‬ ‫روحكِ ملقاة في ترف الصورة والحلول‪.‬‬ ‫تفرجي عليَّ‪ :‬قالت أمكِ‪ ،‬إنها س��تعيد‬ ‫تدوير بطنها من جديد‪ ،‬وإنك منذورة للتعب‪،‬‬ ‫وإنك تمش��ين على األرض بأل��ف قدم‪ ،‬ثم‬ ‫تطيري��ن بغمضة عين‪ .‬قال��ت قبل الرحيل؛‬ ‫إن األمه��ات يحلم��ن بتناس��ل الحي��اة‪ ،‬وإن‬ ‫روحك س��تحمل إلى س��ابع جيل في أزمانها‬ ‫اللعن��ات‪ ،‬وإن قطعة الفح��م‪ ،‬لن تتحول الى‬ ‫نث��ار‪ ،‬س��تظل ش��اهداًعلى ذع��ركِ‪ ،‬وقلق‬ ‫أصابعكِ‪ ،‬حين تصير خناجر كفيكِ‪.‬‬ ‫تفرّجي عليَّ‪ ،‬وقد صار العالم فرجة من‬ ‫صيحات الم��وت والعويل‪ ،‬وقطع��ة الفحم في‬ ‫الضل��وع‪ ،‬ال تحتمل ثقل م��ن خلفتهم وراءكِ‬ ‫للم��وت! كلم��ا ش��هقت روح‪ ،‬كنتِ ترتعش��ين‬ ‫كمصاصة دماء‪ ،‬أنت القاتلة يا شقية!‬ ‫كيف تركتِ الموتى في العراء؟‬ ‫كي��ف ترك��تِ األجس��اد المش��قوقة‬ ‫المنزوعة األحش��اء‪ ،‬بين ضجيج آالت الحديد‬ ‫وقرقعة الجنازير فوق اإلسفلت؟‬ ‫ه��ل تخيفكِ دبّابة؟ لِمَ كلما لمحتِها‬ ‫ارتجف��تِ كطي��ر ذبي��ح؟ لِمَ كلم��ا يمّمتِ‬ ‫وجه��كِ ش��طر وطن م��ن ص��ور‪ ،‬انقصفت‬ ‫ركبتاك‪ ،‬وخرّ ظه��ركِ عن جذعكِ‪ ،‬وفحّت‬ ‫بوابات الجحيم داخ��ل روحكِ المغلقة على‬ ‫متاهات الوجع؟‬ ‫تفرّج��ي واصمتي‪ ،‬فكل ما تلهثين به‬ ‫يخطفه العدم‪.‬‬ ‫تفرّجي‪ ،‬ألني أنا أيضًا‪ ،‬أتفرّج عليكِ‪،‬‬ ‫وأراكِ‪ :‬حف��رة س��وداء‪ ،‬تمش��ي بقدمي��ن‬ ‫نحيلتين‪.‬‬ ‫حفرة ال يردمها سوى الموت‪.‬‬ ‫وأن��تِ تبتعدين ف��ي الغابة‪ ،‬ال تنظري‬ ‫إل��ى الخل��ف‪ ،‬ثم��ة أص��وات للري��ح يفتعلها‬ ‫احتكاك أضلعكِ بحفيف الورق‪ ،‬ستصيرين‬ ‫يا بنت حجراً!‬ ‫تفرّجي عل��يَّ‪ .‬انظري وأن��ا أراقبني‪،‬‬

‫جمموع ال�شهداء (‪)11696‬‬ ‫دمشق‪281 :‬‬ ‫ريف دمشق‪1076 :‬‬ ‫حمص‪4536 :‬‬ ‫حلب‪395 :‬‬ ‫حماه‪1468 :‬‬ ‫الالذقية‪221 :‬‬

‫كي��ف تتعل��م األصاب��ع أن ترتّ��ب تجويفها‬ ‫في الصدر‪ .‬تتلمس أبعد من عش��ر أضالع‪،‬‬ ‫ومسافة سنتيمترات قليلة‪.‬‬ ‫تفرّجي عليَّ‪ :‬كيف تركتِ الس��عادات‬ ‫الموقتة‪ ،‬صانعة س��جادة العيش تلك‪ ،‬كيف‬ ‫غزلتِ منها هدوءاً من بعد غضب‪ ،‬وشرعتِ‬ ‫في نس��ل خي��ط رفيع‪ ،‬عندم��ا تذكرتِ أنك‬ ‫كنت يومًا‪ ،‬امرأة!‬ ‫ربما كنت طفلة! هل كنت؟‬ ‫أين يختب��ئ األطفال عندم��ا يكبرون‪،‬‬ ‫كيف تضيع شيطنتهم في مسارب الزمن؟‬ ‫هك��ذا بقي��تِ تتفرجين‪ ،‬ونس��يتِ أن‬ ‫تكب��ري‪ .‬فج��أ ًة كنتِ في الغاب��ة‪ ،‬من حولك‬ ‫الحفي��ف والفحي��ح! ه��ل س��رقتِ الطفل��ة‬ ‫م��ن المرأة أم المرأة م��ن الطفلة؟ أيّ خداع‬ ‫توهمين به م��ن حولك‪ ،‬وأنتِ تولين الغابة‬ ‫ثق��ة الحمق��ى! لق��د صدّق��تِ تل��ك اآلالم‪،‬‬ ‫وخرّبتِ رأسك‪ .‬صارت أنتِ‪.‬‬ ‫أن��تِ تش��اكل س��ؤال ي��دقّ عنق��كِ‪،‬‬ ‫أنتِ البس��يطة كغيم��ة‪ ،‬المر ّكب��ة كمجرّة!‬ ‫هذا س��بب كافٍ لتكس��ري المرآة‪ ،‬وتصنعي‬ ‫غابة من زج��اج‪ ،‬ال تكفيكِ الحكمة في أول‬ ‫األربعي��ن‪ .‬تفرّجي كما يتأمل الثلج صقيعه‬ ‫الحارق‪ ،‬ال تندبي قطعة الفحم‪.‬‬ ‫كي��ف ع��ادت ب��كِ أنّ��ات القه��ر إل��ى‬ ‫دهشة الخوف‪ ،‬وجرت الدماء فجأة من سالم‬ ‫األرصفة؟ وكنت تتأملين مش��هداً يكبر عن‬ ‫لوحة ش��خصيات تنمو في عقلك المريض‪،‬‬ ‫بانتح��ار عل��ى طريق��ة س��اموراي فاش��ل‪،‬‬ ‫أدمن العيش في ظالل ال��ورق‪ .‬تعرفين أن‬ ‫ال ش��يء يرضي هوس��كِ الغري��ب بصناعة‬ ‫حكاي��ات أزمن��ة وتخاري��ف‪ .‬أن��تِ المتخفية‬ ‫بظالل مخاتلة عن سيرة حياة غريبة عنكِ‪،‬‬ ‫تُوش��ي بصلف! ترغبي��ن معرفة ماذا يعني‬ ‫مرور التفاصيل التي تجعلكِ تنسكبين من‬ ‫عينيك‪ ،‬وتمرّ أمام األخرين كريشة؟ ما نوع‬ ‫الحراش��ف المدوّرة على اس��تطاالت البشر؟‬ ‫ما نوع مجسّاتهم؟‬ ‫طرطوس‪33 :‬‬ ‫درعا‪1195 :‬‬ ‫دير الزور‪432 :‬‬ ‫الحسكة‪76 :‬‬ ‫القنيطرة‪21 :‬‬ ‫الرقة‪49 :‬‬ ‫ادلب‪1905 :‬‬ ‫السويداء‪7 :‬‬

‫كنتِ تعرفين أن��ك ال تحلمين بصعود‬ ‫نبتة ف��ي الفض��اء‪ ،‬تصل بكِ بي��ت الغول‪.‬‬ ‫كن��تِ واثقة أن��ك أردتِ الوص��ول الى أبعد‬ ‫نقط��ة في الفراغ‪ ،‬لتتركي جس��دك للعماء‪،‬‬ ‫وتس��بحي في بهج��ة الصعود‪ ،‬ث��م تتركي‬ ‫روحكِ ملقاة في ترف الصورة والحلول‪.‬‬ ‫تفرجي عليَّ‪ :‬قالت أمكِ‪ ،‬إنها س��تعيد‬ ‫تدوير بطنها من جديد‪ ،‬وإنك منذورة للتعب‪،‬‬ ‫وإنك تمش��ين على األرض بأل��ف قدم‪ ،‬ثم‬ ‫تطيري��ن بغمضة عين‪ .‬قال��ت قبل الرحيل؛‬ ‫إن األمه��ات يحلم��ن بتناس��ل الحي��اة‪ ،‬وإن‬ ‫روحك س��تحمل إلى س��ابع جيل في أزمانها‬ ‫اللعن��ات‪ ،‬وإن قطعة الفح��م‪ ،‬لن تتحول الى‬ ‫نث��ار‪ ،‬س��تظل ش��اهداًعلى ذع��ركِ‪ ،‬وقلق‬ ‫أصابعكِ‪ ،‬حين تصير خناجر كفيكِ‪.‬‬ ‫تفرّجي عليَّ‪ ،‬وقد صار العالم فرجة من‬ ‫صيحات الم��وت والعويل‪ ،‬وقطع��ة الفحم في‬ ‫الضل��وع‪ ،‬ال تحتمل ثقل م��ن خلفتهم وراءكِ‬ ‫للم��وت! كلم��ا ش��هقت روح‪ ،‬كنتِ ترتعش��ين‬ ‫كمصاصة دماء‪ ،‬أنت القاتلة يا شقية!‬ ‫كيف تركتِ الموتى في العراء؟‬ ‫كي��ف ترك��تِ األجس��اد المش��قوقة‬ ‫المنزوعة األحش��اء‪ ،‬بين ضجيج آالت الحديد‬ ‫وقرقعة الجنازير فوق اإلسفلت؟‬ ‫ه��ل تخيفكِ دبّابة؟ لِمَ كلما لمحتِها‬ ‫ارتجف��تِ كطي��ر ذبي��ح؟ لِمَ كلم��ا يمّمتِ‬ ‫وجه��كِ ش��طر وطن م��ن ص��ور‪ ،‬انقصفت‬ ‫ركبتاك‪ ،‬وخرّ ظه��ركِ عن جذعكِ‪ ،‬وفحّت‬ ‫بوابات الجحيم داخ��ل روحكِ المغلقة على‬ ‫متاهات الوجع؟‬ ‫تفرّج��ي واصمتي‪ ،‬فكل ما تلهثين به‬ ‫يخطفه العدم‪.‬‬ ‫تفرّجي‪ ،‬ألني أنا أيضًا‪ ،‬أتفرّج عليكِ‪،‬‬ ‫وأراكِ‪ :‬حف��رة س��وداء‪ ،‬تمش��ي بقدمي��ن‬ ‫نحيلتين‪.‬‬ ‫حفرة ال يردمها سوى الموت‪.‬‬ ‫ملحق جريدة النهار ‪2012 / 5 / 5‬‬ ‫‪ 863‬عدد العسكريين‬ ‫‪ 10833‬عدد المدنيين‬ ‫‪ 468‬عدد اإلناث‬ ‫‪ 272‬عدد األطفال اإلناث‬ ‫‪ 749‬عدد األطفال الذكور‬ ‫المصدر‪ :‬مركز توثيق االنتهاكات‬ ‫في سوريا ‪2012 / 5 / 26‬‬ ‫‪http://vdc-sy.or‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.