جريدة سوريتنا العدد السادس والاربعون

Page 1

‫ســـوريتنا‬

‫«عندما يقرر العبد أن ال يبقى‬ ‫عبدا فإن قيوده تسقط»‬ ‫غاندي‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪2012/ 8 / 5 | )46‬‬

‫صفحتنا على فيس بوك‪:‬‬ ‫‪www.facebook.com/souriatna‬‬ ‫‪souriatna@gmail.com souriatna.wordpress.com‬‬

‫ ‬

‫أسبوعية‬

‫تصدر عن شباب س��وري حر‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪1‬‬


‫أخبارنا ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪2‬‬

‫اجلمعية العامة للأمم املتحدة ناق�شت م�سودة امل�شروع‬ ‫ال�سعودي لإدانة جرائم النظام‬ ‫‪ 133‬دولة ت�ؤيد امل�شروع العربي لنقل ال�سلطة يف �سوريا‬ ‫صوتت الجمعية العامة لألمم المتحدة‪،‬‬ ‫الجمع��ة‪ ،‬بالموافق��ة عل��ى مش��روع ق��رار‬ ‫عرب��ي تحت عن��وان "الموقف في س��وريا"‪،‬‬ ‫وذل��ك بدع��م ‪ 133‬دولة من بينه��ا العراق‪،‬‬ ‫ومعارض��ة ‪ 12‬دولة‪ ،‬وامتن��اع ‪ 31‬دولة عن‬ ‫التصويت‪ ،‬من بينها لبنان والجزائر‪.‬‬ ‫واعتب��ر رئي��س المجل��س الوطن��ي‬ ‫الس��وري المعارض‪ ،‬عبد الباس��ط سيدا‪ ،‬أن‬ ‫الق��رار الذي أقرت��ه الجمعي��ة العامة لألمم‬ ‫المتح��دة يؤك��د أن النظ��ام الس��وري "فقد‬ ‫شرعيته"‪.‬‬ ‫وقال س��يدا‪ ،‬في مؤتم��ر صحافي في‬ ‫أربي��ل عاصم��ة إقلي��م كردس��تان العراق‪،‬‬ ‫إن الق��رار ال��ذي يدي��ن اس��تخدام الحكومة‬ ‫الس��ورية لألس��لحة الثقيل��ة‪ ،‬وينتق��د عجز‬ ‫مجل��س األم��ن‪" ،‬يؤكد أن ه��ذا النظام فقد‬ ‫شرعيته" أمام المجتمع الدولي‪.‬‬ ‫ويطالب المش��روع الس��عودي بش��أن‬ ‫س��وريا‪ ،‬بانتق��ال س��لمي للس��لطة ورحيل‬ ‫بشار األسد‪.‬‬ ‫وف��ي افتتاح نق��اش الجمعي��ة العامة‬ ‫ح��ول األزم��ة الس��ورية‪ ،‬دعا األمي��ن العام‬ ‫لألم��م المتح��دة‪ ،‬ب��ان ك��ي م��ون‪ ،‬ال��دول‬ ‫الكبرى إل��ى تج��اوز "خالفاته��ا"‪ ،‬والتوصل‬

‫إلى "هامش توافق" إليجاد حل ينهي النزاع‬ ‫الدامي في سوريا‪.‬‬ ‫وق��ال إن��ه "ينبغ��ي تغلي��ب المصالح‬ ‫الفوري��ة للش��عب الس��وري عل��ى الخالفات‬ ‫أو الصراع��ات من أجل النف��وذ"‪ ،‬موضحًا أن‬ ‫"الفظائ��ع التي تحدثت عنه��ا األنباء الواردة‬ ‫م��ن حل��ب أكب��ر مدينة س��ورية ق��د تعادل‬ ‫جرائم في حق اإلنسانية"‪.‬‬ ‫وأكد ب��ان كي م��ون للجمعي��ة العامة‬ ‫لألم��م المتح��دة‪ ،‬المؤلفة م��ن ‪ 193‬عضواً‪،‬‬ ‫أن "حل��ب باتت مركزاً لمعرك��ة ضارية بين‬ ‫الحكومة السورية ومن يريدون إبدالها"‪.‬‬ ‫وش��دد مندوب الس��عودية ف��ي األمم‬ ‫المتحدة‪ ،‬عبد اهلل المعلمي‪ ،‬على أن "الوقت‬ ‫حان لبدء عملية انتقال س��لمي للسلطة في‬ ‫سوريا"‪.‬‬ ‫وم��ن جانب��ه‪ ،‬أع��رب من��دوب س��وريا‬ ‫في الجمعي��ة العامة لألمم المتحدة‪ ،‬بش��ار‬ ‫الجعف��ري‪ ،‬ع��ن مخاوف��ه من تقدي��م دعم‬ ‫للجماعات اإلرهابية في سوريا حال الموافقة‬ ‫على مشروع القرار‪ ،‬على حد تعبيره‪ ،‬وذلك‬ ‫في كلمة ألقاها قبل التصويت‪.‬‬ ‫وتوجهت الدول العربية بمش��روع قرار‬

‫بصياغة سعودية إلى الجمعية العامة لألمم‬ ‫المتحدة إلدانة جرائم النظام الس��وري التي‬ ‫راح ضحيتها حتى اآلن أكثر من عشرين ألف‬ ‫سوري‪ ،‬وذلك بعد ساعات من إعالن المبعوث‬ ‫األمم��ي إل��ى س��وريا‪ ،‬كوفي عن��ان‪ ،‬أنه من‬ ‫المستحيل إقناع نظام األسد بوقف القتل‪.‬‬

‫واستبقت روس��يا هذه الجلسة بالتأكيد‬ ‫على أنها س��تقف ف��ي وجه الق��رار‪ ،‬في حين‬ ‫أعلن��ت الوالي��ات المتح��دة وفرنس��ا الرئيس‬ ‫الحالي لمجلس األمن دعمهما الكامل لمشروع‬ ‫القرار العربي‪ ،‬الذي ينذر بخطورة اس��تخدام‬ ‫األسلحة الكيماوية في المدن السورية‪.‬‬

‫اجلي�ش احلر‪ :‬م�شروعنا للمرحلة االنتقالية ي�شرك اجلميع‬ ‫�أي حكومة ت�شكل هنا �أو هناك لن ترى النور �إن مل حتظ‬ ‫مبوافقتنا وكل القوى الثورية احلقيقية‬ ‫عرض��ت القي��ادة المش��تركة للجيش‬ ‫الس��وري الحر في الداخل‪ ،‬ومكتب التنسيق‬ ‫واالرتب��اط‪ ،‬وغيرها من هيئات الجيش الحر‬ ‫تصور لـ"مشروع وطني" للمرحلة االنتقالية‬ ‫يش��مل إع��ادة تش��كيل الس��لطات وضمان‬ ‫المش��اركة األوس��ع فيه��ا لكل ق��وى الثورة‬ ‫الفاعلة عل��ى األرض المدنية والعس��كرية‬ ‫والثورية وقوى وشخصيات المعارضة‪.‬‬ ‫وأت��ى ه��ذا المش��روع ليحق��ق مرحلة‬

‫انتقالي��ة آمنة ومتوازن��ة رداً على "المخاطر‬ ‫المحدق��ة" بالث��ورة الس��ورية و"المش��اريع‬ ‫الخطي��رة الت��ي تح��اك ف��ي دوائ��ر مغلقة‪،‬‬ ‫ولوضع حد للتش��رذمات ف��ي صفوف القوى‬ ‫الوطنية والمعارضة في الداخل والخارج"‪.‬‬ ‫وشددت قيادة الجيش الحر على أن "أي‬ ‫حكومة تش��كل هنا أو هناك ل��ن ترى النور‬ ‫ول��ن تحظى بأي ش��رعية وطنية وثورية إن‬ ‫كان��ت ال تتبن��ى كام��ل مطالب الث��ورة دون‬

‫نقص��ان أو موارب��ة ول��م تح��ظ بموافق��ة‬ ‫القي��ادة المش��تركة للجيش الس��وري الحر‬ ‫في الداخ��ل وكل القوى الثوري��ة الحقيقية‬ ‫الفاعلة على األرض في الداخل"‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق كش��فت القيادة أنها‬ ‫تق��ف "عل��ى مس��افة واح��دة م��ن كل قوى‬ ‫المعارض��ة ف��ي الداخ��ل والخ��ارج"‪ ،‬مؤكدة‬ ‫أن "المؤسس��ة العس��كرية للث��ورة‪ ،‬وبع��د‬ ‫تحقي��ق المرحل��ة االنتقالية بش��كل صحي‬ ‫وسليم‪ ،‬ستعود إلى ثكناتها ولن تتدخل في‬ ‫الحياة السياس��ية لس��ورية الجديدة‪ ،‬حفاظًا‬ ‫عل��ى وحدته��ا واس��تقالليتها والتركيز على‬ ‫مهمتها األساس��ية‪ ،‬وهي الدفاع عن سوريا‬ ‫وشعبها"‪.‬‬

‫�إن�شاء جمال�س وهيئات جديدة‬

‫وأوردت القيادة ف��ي بيان لها تصورها‬ ‫لمش��روعها الوطن��ي‪ ،‬متمني�� ًة عل��ى "كل‬ ‫الق��وى الثورية الفاعلة عل��ى األرض وقوى‬ ‫وهيئ��ات المعارض��ة ف��ي الداخ��ل والخارج‬ ‫مناقشة المشروع بتمعّن"‪.‬‬ ‫ويتضمن مش��روع القيادة المش��تركة‬ ‫للجي��ش الس��وري الحر للمرحل��ة االنتقالية‬ ‫تأس��يس "المجل��س األعل��ى للدف��اع" الذي‬ ‫يض��م كل ق��ادة المجال��س العس��كرية في‬ ‫المدن والمحافظات السورية وكبار الضباط‬

‫المنشقين والضباط المساهمين في الثورة‪.‬‬ ‫وتك��ون أولى مه��ام هذا المجلس تأس��يس‬ ‫مجلس رئاس��ي من ست ش��خصيات مدنية‬ ‫وعسكرية إلدارة المرحلة االنتقالية‪.‬‬ ‫ويشتمل المشروع أيضًا على تأسيس‬ ‫"المجل��س الوطن��ي األعلى لحماي��ة الثورة‬ ‫الس��ورية" ال��ذي يعتب��ر بمثاب��ة مؤسس��ة‬ ‫برلمانية لمراقبة عم��ل األجهزة التنفيذية‪.‬‬ ‫كما يتضمن إنش��اء "الهيئة الوطنية لإلدارة‬ ‫المحلي��ة ومجال��س المحافظ��ات" الت��ي‬ ‫ستش��كل من قوى الحراك الث��وري الفاعلة‬ ‫عل��ى األرض التي ّ‬ ‫تمكنت م��ن إدارة العديد‬ ‫م��ن المناط��ق وتض��م ممثلين ع��ن جميع‬ ‫المحافظات‪.‬‬ ‫وين��ص المش��روع أيض��اً على إنش��اء‬ ‫هيئات مختلفة لشؤون الالجئين والمهجرين‬ ‫ولرعاية أس��ر الش��هداء والجرحى ومصابي‬ ‫الح��رب وهيئة المصالح��ة الوطنية‪ ،‬وكذلك‬ ‫هيئ��ة للعلي��ا للعدال��ة االنتقالي��ة وحق��وق‬ ‫اإلنس��ان‪ ،‬ولجنة لصياغة الدس��تور الجديد‬ ‫تتشكل من مرجعيات قانونية ووطنية‪.‬‬ ‫واقترحت قي��ادة الجيش الح��ر تصوراً‬ ‫لحكوم��ة انتقالي��ة تتألف م��ن ‪ 31‬وزيراً و‪8‬‬ ‫ن��واب لرئيس الحكومة‪ ،‬يرأس��ها ش��خصية‬ ‫مدنية‪ ،‬على أن تعين "المؤسسة العسكرية‬ ‫للثورة" الش��خصيات المدنية التي س��تتولى‬ ‫وزارات الداخلية والدفاع وشؤون الرئاسة‪.‬‬


‫كاتبة "وردة ال�صحراء" تخرج �أوجـاع وطـن‬

‫عن �صمتها‪� :‬أ�سماء قاتلة‬

‫سالم الكواكبي‬ ‫م��ن الملف��ات الت��ي تتلقفه��ا وكاالت األنب��اء وخارجيات‬ ‫الدول «المعنية» عندما يتم التطرق إلى الشأن السوري‪ ،‬يبرز‬ ‫مل��ف األقليات الدينية إلى الواجهة كقميص عثمان يؤخّر من‬ ‫ضرورة وض��وح الموقف وتحديد السياس��ات‪ .‬فمن تصريحات‬ ‫كلينتون حول ضرورة تطمي��ن األقليات فى أية عملية تحوّل‬ ‫سياس��ى نحو الديمقراطية إل��ى تهديدات الف��روف المتعلقة‬ ‫بحماية المس��يحيين إل��ى التصريحات المتناقض��ة من جانب‬ ‫الفاتي��كان التي تش��ير حين��ا للقلق حيال مصير المس��يحيين‬ ‫بع��د تغيير النظ��ام وفى أحيان أُخر‪ ،‬تنف��ى تعرضهم إلى أية‬ ‫إساءة من قبل دعاة الحرية‪ .‬ونجد أن تصريحات بعض ممثلي‬ ‫الكنيس��ة الرس��ميين المعيني��ن بموافقات أمني��ة تغذى هذه‬ ‫المخ��اوف بل وتؤجج الش��عور بأن الخط��ر آتٍ ال محالة ويجب‬ ‫نصرة الظلم واالستبداد ألنه يحمى األقليات‪.‬‬

‫***‬

‫ربما تأخرت المعارضة السياسية بإنتاج نصوص واضحة‬ ‫عن مستقبل مشترك لجميع الس��وريين وتخصيص األقليات‬ ‫بعبارات مطمئن��ة‪ .‬ويبدو أن الخيار كان بالتوجه إلى المواطن‬ ‫الس��ورى وليس إلى المس��يحي الس��وري أو العلوي الس��وري‬ ‫إل��خ‪ .‬وقد توضّ��ح هذا الخط��اب اآلن فى األدبيات السياس��ية‬ ‫لقوى المعارضة حتى الدينى منها‪ .‬وتجدر اإلش��ارة إلى بعض‬ ‫ممارس��ات جزء من الحَراك العس��كرى المساعدة على تغذية‬ ‫آلة التخويف من مس��تقبل غير مس��تقر سيتعرض له من هو‬ ‫ليس على دين «الغالبية»‪.‬‬

‫***‬

‫***‬

‫الشروق ‪2012 / 8 / 4‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫إن تصريح��ات بع��ض رموز الكنيس��ة الرس��ميين تضع‬ ‫مس��يحى س��وريا فى خانة األجان��ب وتدعوهم إم��ا للحياد أو‬ ‫إلى دعم س��لطة تمارس العس��ف تجاه مختلف أفراد الشعب‪،‬‬ ‫وبم��رور األيام‪ ،‬تتبدى الفجوة العميق��ة بينهم وبين رعيتهم‬ ‫المعنية كما الس��وريين اآلخرين بمس��تقبل هذا الوطن‪ ،‬كما‬ ‫بينهم وبي��ن كهنتهم الذين يقومون بأعمال إنس��انية جبارة‬ ‫تدع��م بالمحصلة الحَراك الش��عبي الس��لمي‪ .‬إن الس��وريين‬ ‫المس��يحيين ليسوا بحاجة إلى شهادة وطنية من أحد‪ ،‬بل هم‬ ‫مؤهل��ون ليكونوا من مانحيه��ا في اإلطار المطلق‪ ،‬وليس��وا‬ ‫بحاج��ة إلى ممثلين عنهم يس��يئون إلى فرادة تجربتهم وإلى‬ ‫عمق اندماجهم متناس��ين رس��الة عبدالرحمن الكواكبي لهم‬ ‫ف��ي طبائع االس��تبداد «دعونا نجتم��ع على كلمات س��واء‪ ،‬أال‬ ‫وهى‪ :‬فلتحيا األمة‪ ،‬فليحيا الوطن‪ ،‬فلنحيا طلقاء أعزاء»‪.‬‬

‫أسبوعية‬

‫ول��م يعد من المفي��د اس��تعادة الماضى المجي��د والذى‬ ‫يُش��ير إلى بروز أسماء مس��يحية فى الحقل العام دون تمييز‬ ‫للدالل��ة عل��ى إدارة المجتمع الس��وري الفطري��ة للتنوع‪ .‬لقد‬ ‫أصبحت هذه االستعادة مستهلكة فى زمن معقد يحمل الكثير‬ ‫من المعطي��ات الجديدة المتعلقة بإدارة ه��ذا التنوع من قبل‬ ‫أنظمة اس��تبدادية اس��تقطبت ممثلي جميع األديان واستغلت‬ ‫االنقس��امات وعززتها وط��ورت التطرف وأصّلت��ه‪ .‬بالمقابل‪،‬‬ ‫يجب على من يراقب المش��هد الس��وري أن يتع��رف عن قرب‬ ‫عل��ى تاريخه السياس��ى الحديث ومش��اركة جمي��ع مواطنيه‬ ‫ف��ي بن��اء الدولة‪/‬األمة على قصر عمره��ا المجهض من قبل‬ ‫المستبد‪ ،‬وبالتالي بإمكانه أن يستعرض مساهمات المنتمين‬ ‫إل��ى مختل��ف األدي��ان والطوائ��ف ف��ى تحقيق االس��تقاللين‬ ‫عن االمبراطوري��ة العثمانية أو عن االنتداب الفرنس��ي وفى‬ ‫تأسيس األحزاب السياسية والصحافة والعمل المدني‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬

‫العربية نت‬ ‫خرجت كاتبة المقال الش��هير "وردة الصحراء" الذي‬ ‫نش��ر في مجلة "فوغ" قبيل االنتفاضة السورية‪ ،‬و"سوق‬ ‫لصورة الس��يدة األولى في س��وريا أس��ماء األس��د"‪ ،‬عن‬ ‫صمتها واصفة إياها بالقاتلة والمخادعة‪ ،‬والفتة إلى أنها‬ ‫خدعت إلجراء المقابلة المذكورة‪.‬‬ ‫بع��د الحمل��ة الكبيرة التي ش��نت على ه��ذا المقال‬ ‫مؤخ��راً‪ ،‬على الرغم من أنه يعود إلى العام ‪ ،2010‬قررت‬ ‫جوليت باك أن تكشف المستور أو خفايا المقال المذكور‪،‬‬ ‫والس��بب ال��ذي دفعه��ا للق��اء عائل��ة األس��د‪ ،‬والتروي��ج‬ ‫لصورة أسماء في مقال ش��بيه بالمذكرات‪ ،‬نشرته مجلة‬ ‫"نيوزوي��ك" في عددها األخير ونقل��ه موقع "‪The Daily‬‬ ‫‪."Beast‬‬ ‫هاجمت باك كل من كان له عالقة بمقالها السابق‪،‬‬ ‫وحملت مجلتها مس��ؤولية توقيت نش��ره واختيار عنوانه‪،‬‬ ‫وش��رحت كيف أل��ح عليها مس��ؤول التحرير ف��ي المجلة‬ ‫للذهاب إلى س��وريا ولقاء األس��د «بناء على طلب قس��م‬ ‫العالق��ات العام��ة الخاص بالقص��ر الجمهوري الس��وري‬ ‫ووكال��ة ‪ Brown Lloyd‬األمريكي��ة للعالق��ات العام��ة‬ ‫ومتدربة لم تكن س��وى ابنة الس��فير السوري في األمم‬ ‫المتحدة»‪.‬‬ ‫حينها‪ ،‬قدمت باك حججاً كثيرة لالمتناع عن الذهاب‬ ‫إلى دمشق‪ ،‬منها «أنهم ال يريدون لقاء صحافية يهودية»‬ ‫أو «أرس��لوا صحافيًا سياسيًا»‪ ،‬لكنها انصاعت أخيراً لقرار‬ ‫مسؤول التحرير‪.‬‬ ‫وبع��د أن تش��رح جوليت مط��و ًال عن األس��باب التي‬ ‫دفعتها ف��ي النهاية إلى قبول المهم��ة‪ ،‬مهمة لقاء عائلة‬ ‫األس��د‪ ،‬مب��ررة الدوافع الت��ي جعلتها تقبل بذل��ك‪ ،‬تعود‬ ‫لتؤكد أنه كان يجب أن ترفض في الحال‪.‬‬ ‫وف��ي هذا الس��ياق‪ ،‬تؤكد أنه��ا لم تك��ن تعلم أنها‬ ‫س��تقابل قات� ً‬ ‫لا‪ ،‬إذ "تبين له��ا أن الطبيب الش��اب الوديع‬ ‫بش��ار األس��د مجرم أكثر من والده‪ ،‬بع��د قتله اآلالف من‬ ‫ش��عبه"‪ .‬وتتابع متأس��فة على الخطأ الذي ارتكبته والذي‬ ‫كلفه��ا الفصل م��ن المجلة التي عملت فيه��ا منذ أن كان‬ ‫عمرها ‪ 23‬س��نة‪ ،‬وتقول قابلت "الشيطان وزوجته" (عن‬ ‫األسد وأسماء)‪.‬‬

‫وتضي��ف قابلت الثنائي الرئاس��ي الذي راح يتباهى‬ ‫بحياة الترف التي يعيش��ها بعيداً عن الشاش��ة‪ ،‬حياة رأت‬ ‫أنها "خيالية" تحاكي نسخة شرق أوسطية من "ذا ترومن‬ ‫شو"‪،‬‬ ‫وتتابع قائلة إن أس��ماء في ذلك الحين كانت بصدد‬ ‫توقيع اتفاقية مع متحف اللوفر الفرنس��ي الشهير بشأن‬ ‫اآلثار السورية‪ ،‬مضيفة "أردت أن أعرف المزيد عن المدن‬ ‫القديمة كحلب ودمش��ق‪ .‬فقيل لها إن المتدربة ش��هرزاد‬ ‫الجعف��ري‪ ،‬ابنة الس��فير الس��وري ل��دى األم��م المتحدة‬ ‫وهولتزمان سترافقانها في جولة بدمشق"‪.‬‬ ‫وفي س��ياق روايته��ا لتفاصيل األي��ام التي قضتها‬ ‫في س��وريا مع عائلة األسد‪ ،‬تشير إلى أنها سألت الرئيس‬ ‫لم��اذا أراد أن يصبح طبيب عيون‪ ،‬فكانت إجابته ألنه قلما‬ ‫يش��هد حالة طوارئ وليس فيه إال القليل من الدم‪ ،‬وهنا‬ ‫تكرر الصحافية العبارتين س��اخرة "ال طوارئ وقليل من‬ ‫الدم"‪.‬‬ ‫وتختت��م باك مذكراتها متس��ائلة "ما الذي يش��بهه‬ ‫اآلن مقر الزوجين الفاخر بنوافذه الضخمة‪ ،‬وهل ما زالت‬ ‫عائلة األس��د هناك؟ وهل ما زالت أس��ماء في س��وريا أم‬ ‫أنها هربت؟"‪.‬‬ ‫إلى ذلك‪ ،‬تستطرد قائلة إنها عندما رأت صور أسماء‬ ‫إلى جان��ب زوجها توزع الح��زم الخيرية قبيل االس��تفتاء‬ ‫الذي حصل‪ ،‬تساءلت أهي مخدرة‪ ،‬أم أنها فقط متواطئة‬ ‫وغير مبالية بعمليات القتل التي تحصل‪.‬‬ ‫أما األه��م من ذلك كله‪ ،‬فتؤك��د جولييت أنها كانت‬ ‫تتساءل عن مصير مشروع "مسار" الذي روجت له أسماء‬ ‫ف��ي مقابلتها‪ ،‬وال��ذي يهدف إل��ى تمكي��ن ‪ 6‬ماليين من‬ ‫الس��وريين الش��باب ليصبحوا "مواطنين فاعلين" و"جزءاً‬ ‫من التغيير"‪ ،‬بحسب ما ادعت‪.‬‬ ‫فهل كانت أس��ماء واعية أو مدركة أنها بمش��روعها‬ ‫هذا تمكن أو تحضر أطفال سوريا إلطعامهم إلى جالدي‬ ‫زوجها؟‬ ‫واألبش��ع من ذلك‪ ،‬تضيف جولييت‪ ،‬م��ا نفع الوعي‬ ‫إن كانت السيدة‪ ،‬س��يدة جهنم األولى بكل ما للكلمة من‬ ‫معنى!!‬

‫أخبارنا ‪. .‬‬

‫ت�ساءل��ت‪ :‬ه��ل ه��ي خم��درة �أم �أنه��ا فقط‬ ‫متواطئة وغري مبالية بعمليات القتل احلا�صلة‬

‫هذا وطننا‬ ‫وامل�سيح من هنا‬

‫‪3‬‬


‫الجئـــون �ســوريون يتخــذون مــن مدر�ســة‬ ‫لبنــانية �ســكن ًا م�ؤقتـــ ًا‬

‫أخبارنا ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬

‫انطلقت من مكبرات الصوت بالمساجد‬ ‫دعوات تطالب س��كان أحياء دمشق بمغادرة‬ ‫منازله��م في حين كانت طائرات الهليكوبتر‬ ‫تطل��ق الرص��اص لضمان انصياع الس��كان‬ ‫لهذه الدعوة‪.‬‬ ‫واآلن تس��كن ‪ 18‬أس��رة م��ن العاصم��ة‬ ‫السورية مبنى مدرسة في سهل البقاع اللبناني‪.‬‬ ‫لكنهم يزعمون أن الس��لطات اللبنانية‬ ‫ومنظمات المس��اعدات اإلنس��انية تركتهم‬ ‫لمصيره��م‪ .‬وال يعرف ه��ؤالء إلى أي مكان‬ ‫يذهب��ون عندما تعود المدرس��ة للعمل بعد‬ ‫انتهاء العطلة الصيفية‪.‬‬ ‫وه��ذه العائ�لات ج��زء م��ن موجة من‬ ‫الالجئي��ن الس��وريين نزح��ت إل��ى لبن��ان‬ ‫المجاور هرب��ا من الصراع ال��ذي تحول إلى‬ ‫ح��رب أهلية في بالدهم‪ .‬ودخلت االنتفاضة‬ ‫الس��ورية ش��هرها الس��ابع عش��ر واقتربت‬ ‫أحداثها من معقل الرئيس الس��وري بش��ار‬ ‫األسد في دمشق‪.‬‬ ‫وعلى مدى ش��هور يتابع سكان دمشق‬ ‫في خ��وف اقت��راب العنف م��ن ديارهم إلى‬ ‫أن اش��تبكت ق��وات المعارض��ة المس��لحة‬ ‫م��ع الق��وات الحكومي��ة في ش��وارع األحياء‬ ‫السكنية مثل حي السيدة زينب‪.‬‬ ‫وق��ال أب��و عب��د الرحم��ن وه��و اح��د‬ ‫الالجئين السوريين المقيمين في المدرسة‬ ‫التي تقع ف��ي قرية المرج «فجأة وفي جوف‬ ‫اللي��ل دعان��ا أئمة المس��اجد عب��ر مكبرات‬ ‫الص��وت‪ :‬عل��ى جميع س��كان الس��يدة زينب‬ ‫الخروج من منازلهم»‪.‬‬ ‫وفرت زوجته وابنته ذات الثالثة أعوام‬ ‫إل��ى منطقة مجاورة على أمل العودة قريبا‪.‬‬ ‫لكن بع��د يومين أطلقت طائ��رة هليكوبتر‬ ‫النار على جنازة في حي السيدة زينب‪.‬‬ ‫وقال أبو عبد الرحمن «حملت عش��رات‬ ‫الجث��ث إل��ى المس��جد‪ .‬بعض األس��ر دفنت‬ ‫قتالها في الس��ر‪ .‬ف��ي الي��وم التالي رحلت‬ ‫بمالبسي فقط»‪.‬‬ ‫ووجدت زوجته العراقية (‪ 19‬عاما) التي‬ ‫فرت من العراق إلى س��وريا بعد الغزو الذي‬ ‫قادت��ه الوالي��ات المتحدة على الع��راق عام‬ ‫‪ 2003‬نفسها مضطرة للهرب مرة ثانية‪.‬‬ ‫وقالت وهي تجلس على مقعد للدراسة‬

‫وتخف��ي وجهها بحجابها «أش��عر بأمان أكثر‬ ‫فعلى األقل تنام بنتي اآلن ليال»‪.‬‬ ‫لكنها ما زال��ت تبكي موت طفلها الذي‬ ‫كان يبل��غ عم��ره ثالث��ة أي��ام ومات بس��بب‬ ‫استنشاق الدخان بعد انفجار ضخم في أيار‬ ‫بعد والدته في مستشفى محلي‪.‬‬ ‫وتش��به قصة أبو عبد الرحمن قصص‬ ‫‪ 17‬أسرة أخرى فرت معه إلى هذه المدرسة‬ ‫في المرج التي يسكنها ‪ 12‬ألف نسمة‪.‬‬ ‫وف��ر اغلبهم من دمش��ق في منتصف‬ ‫يوليو تموز عندما سيطرت قوات المعارضة‬ ‫المس��لحة عل��ى أج��زاء م��ن العاصم��ة ورد‬ ‫الجيش بهجوم مضاد‪.‬‬ ‫ويقول البعض أن رجاال ملثمين جاءوا‬ ‫إل��ى بيوتهم ويق��ول بعضهم أنه��م تلقوا‬ ‫إن��ذارات مكتوبة من تحت أب��واب منازلهم‪.‬‬ ‫وغ��ادر الجمي��ع منازله��م ال يحملون س��وى‬ ‫أوراق هويته��م وقليال من مالبس��هم ربما‬ ‫على أمل العودة قريبا‪.‬‬ ‫وقال��ت ام��رأة ترت��دي فس��تانا اصفر‬ ‫وحجابا اس��ود وهي تنظر إلى رضيعها الذي‬ ‫يبل��غ من العمر أربعين يوم��ا وهو نائم في‬ ‫مهده «كل ش��يء في بيتي جديد كنت أقوم‬ ‫بالبناء منذ أربع س��نوات ولم يتس��ن لي أن‬ ‫أتمتع به»‪.‬‬ ‫واتخذت مدرسة المرج الثانوية بسرعة‬ ‫طابع مخيمات الالجئين‪.‬‬ ‫فق��د أخرج��ت المقاع��د والمكاتب إلى‬ ‫المم��رات إلخ�لاء األماك��ن للعائ�لات داخل‬ ‫الفص��ول‪ .‬بينما ينظف األطف��ال األرضيات‬ ‫لتظه��ر عل��ى ما يج��ب أن يك��ون عليه بيت‬ ‫عادي‪ .‬وتحولت أدراج التالميذ إلى صيدليات‬ ‫صغيرة ملئت باألدوية‪.‬‬ ‫ويقول بش��ير جراح الذي ينظم مركز‬ ‫اللجوء المؤقت أن المدرسة ممتلئة بعدد ‪67‬‬ ‫شخصا من بينهم ‪ 25‬طفال‪.‬‬ ‫وق��ال ف��ي فصل دراس��ي تح��ول إلى‬ ‫مكتب «نضط��ر كل يوم إلى رفض ثالث أو‬ ‫أربع عائالت»‪.‬‬ ‫وعرض جراح كراسة كتب فيها أسماء‬ ‫المنظم��ات التي زارت المدرس��ة ومن بينها‬ ‫المجل��س الدنمرك��ي لالجئي��ن ومفوضي��ة‬ ‫األمم المتحدة العليا لش��ؤون الالجئين وقال‬

‫«المنظمات الدولية جاءت وسألتنا عما نحتاج‬ ‫إليه ثم اختفت»‪.‬‬ ‫وق��ال «الحكوم��ة ل��م تهت��م‪ .‬يوما ما‬ ‫جاء ش��خص من الش��رطة وس��أل عن عدد‬ ‫الالجئين ثم رحل»‬ ‫وق��ال إن الالجئي��ن ف��ي المدرس��ة‬ ‫يعيش��ون تقريب��ا عل��ى التبرع��ات‪ .‬وتوقف‬ ‫س��ائحون س��عوديون عن��د المدرس��ة قب��ل‬ ‫اس��بوعين واعط��وا كل أس��رة ‪ 200‬دوالر‬ ‫وأعطوا ق��ادة الالجئين ‪ 3000‬دوالر إضافية‬ ‫إلدارة المدرسة كمخيم لالجئين‪.‬‬ ‫وتق��دم بع��ض المطاعم وجب��ات من‬ ‫اجل إفطارهم الرمضاني بينما قدم بعض‬ ‫الس��كان قدرا م��ن الم��ال‪ .‬لكن ل��م يتضح‬ ‫بع��د مصير الالجئين عندما تعود المدرس��ة‬ ‫للعمل في أيلول‪.‬‬ ‫وقال رجل يجلس في ممر وهو يحمل‬ ‫رضيعه الذي يبلغ من العمر سبعة أشهر «ال‬ ‫يمكن��ك أن تعرف م��ا إذا كان الوقت نهارا أو‬ ‫ليال في المدرسة بسبب الضوضاء الشديدة‪.‬‬ ‫إنها ليست حياة»‪.‬‬ ‫وق��ال «كل ما اس��أل عنه ه��و ما الذي‬ ‫سنفعله عندما تعود المدرسة إلى العمل؟»‪.‬‬

‫وأق��ام األردن مؤخ��را مخيم��ا لالجئين‬ ‫الذي��ن يتدفقون على حدوده لكن المس��ألة‬ ‫تمثل حساسية خاصة في لبنان حيث يهيمن‬ ‫حزب اهلل الش��يعي وحلف��اؤه على الحكومة‬ ‫التي ال تريد أن تبدو وكأنها تنحاز إلى جانب‬ ‫من جانبي الصراع‪.‬‬ ‫وس��جلت مفوضي��ة األم��م المتح��دة‬ ‫لش��ؤون الالجئين نحو ‪ 35‬ألف الجئ سوري‬ ‫ف��ي لبنان لكن عدة آالف آخرين يعتقد أنهم‬ ‫في لبنان ردا لجميل اس��تضافة الس��وريين‬ ‫لالجئي��ن لبنانيي��ن ع��ام ‪ 2006‬ف��روا م��ن‬ ‫هجوم إسرائيلي ضد حزب اهلل‪.‬‬ ‫وق��ال ج��ورج مونتان��ي رئي��س اللجن��ة‬ ‫الدولي��ة للصليب األحمر في لبنان «إذا اس��تمر‬ ‫الموقف في سوريا حتى الشتاء القادم وما بعده‬ ‫فعلين��ا كمجتمع دولي وعلى الحكومة اللبنانية‬ ‫إن نفكر في حل دائم لالجئين في لبنان»‪.‬‬ ‫وانتق��د جراح م��ا وصف��ه بالبطء في‬ ‫مواجهة الحكومة لالزمة‪.‬‬ ‫وقال «عليه��م أن يتعاملوا مع الموقف‬ ‫بش��كل إنس��اني ال سياس��ي‪ .‬اس��تضافنا‬ ‫الس��وريون ف��ي ديارهم ومدارس��هم خالل‬ ‫حرب ‪ 2006‬فلماذا نعاملهم بشكل مختلف‪.‬‬

‫النظام ال�سوري يرتك القمامة يف املدن وال�شعب يرد‬

‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪4‬‬

‫�شباب داريا و�أطفالها يطلقون حملة تنظيف متظاهرين على وقع نظافة املدينة‬ ‫يبدو ثوار س��وريا وجيش��ها الحر كاألم‬ ‫التي تخ��اف عل��ى أبنائها‪ ،‬ويب��دو خروجهم‬ ‫ف��ي حمل��ة "إذا البلدي��ة ما اش��تغلت البركة‬ ‫بالش��باب" ف��ي مدين��ة داريا بريف دمش��ق‬ ‫لتنظيف المدينة كمن يرعى بيته‪ ،‬خصوصًا‬ ‫بع��د الحالة المزرية التي وصلت لها المدينة‬ ‫بس��بب عقاب النظ��ام لها بتكدي��س أكوام‬ ‫القمامة‪ ،‬لدرجة بات من الصعب الوقوف في‬ ‫وجه األمراض التي تسببها تلك القمامة‪.‬‬ ‫وتبدو المظاهرة التي هتفت إلس��قاط‬ ‫النظام بعد االنتهاء من الحملة‪ ،‬ورفع أدوات‬ ‫لا جديداً‬ ‫التنظي��ف في تل��ك المظاهرة دلي� ً‬ ‫على أن هناك شعبا ال يقهر‪..‬‬ ‫حمل��ة التنظيف اش��ترك فيها األطفال‬ ‫والش��باب والث��وار وأفراد م��ن الجيش الحر‪،‬‬ ‫غابت عنها البنادق وحضرت الروح الواحدة‪.‬‬ ‫مظاهرة تحمل ف��ي طياتها وهتافاتها‬

‫وتالح��م أبنائها الكثي��ر من ال��روح الواحدة‬ ‫الت��ي افتقدها الش��عب الس��وري لس��نوات‬ ‫طويلة‪ ،‬وإن كانت داريا أول من أطلق هتافا‬ ‫"وهي داريا ه��ه" باللغة الس��ورية الدارجة‬ ‫والت��ي تعني أن داريا موج��ودة هنا‪ ،‬فإنها ال‬ ‫تتخلى عن هتافها هذا في كل المظاهرات‪.‬‬ ‫عرفت داري��ا بوقوفها في وجه النظام‬ ‫الس��وري مع بداية الثورة الس��ورية‪ ،‬وسمع‬ ‫العالم كله بقصف داريا واقتحامها المتكرر‪،‬‬ ‫وفقدانه��ا للكثير من أبنائها على مدة س��نة‬ ‫و‪ 8‬أشهر‪.‬‬ ‫النظام الس��وري قرر أن يعاقب شعبه‬ ‫بالقمام��ة والحش��رات واألمراض الس��ارية‬ ‫المؤكدة‪ ،‬وهي بالتأكيد ابتكار جديد يحسب‬ ‫له على اعتبار أنه اس��تنفذ األساليب األخرى‬ ‫من قتل وقصف واعتقال وتعذيب‪.‬‬


‫مظاهرة لـ"رجال من خ�شب" ترعب الأمن ال�سوري‬

‫انطلقت من �ساحة الرتبة و�أفزعت البنادق التي �أطلقت الر�صا�ص‬ ‫أخبارنا ‪. .‬‬

‫اقتحام للمدينة يتمركزون وينتشرون فيها‬ ‫ويرهبون الناس منها‪.‬‬ ‫وأع��دوا الم��كان بحي��ث يك��ون جاهزاً‬ ‫الس��تقبال الموكب األمني في صباح اليوم‬ ‫التال��ي‪ ،‬وف��ي صب��اح الي��وم التال��ي األحد‬ ‫‪ 2012/07/16‬دخ��ل موك��ب األم��ن مدينة‬ ‫داري��ا ووص��ل إل��ى س��احة الترب��ة ليتفاجأ‬ ‫بوج��ود الفزاع��ات هن��اك‪ ،‬فم��ا كان منهم‬ ‫إال أن ب��دؤوا بإط�لاق الن��ار الكثي��ف عليها‬

‫جانب من اإلفطار الجماعي الذي دعت فيه مطرانية‬ ‫يبرود مسيحيها للصيام تضامن ًا مع المسلمين في‬ ‫المدينة تأكيداً منهم على وحدة الشعب السوري ضد‬ ‫الطاغية الطائفي وأزالمه‬

‫لتخريبها وتكس��يرها‪ ،‬ثم انسحبوا عائدين‬ ‫إلى أوكارهم‪ ،‬ليقوم الش��باب بعد ذلك من‬ ‫جديد بإعادة م��ا تبقى «حيًّا» من الفزاعات‬ ‫إلى مكانها لتتابع ما س��ماه ناشط "نشاطها‬ ‫الثوري"‪.‬‬ ‫ول��م تش��هد المدين��ة ع��ودة الموكب‬ ‫األمن��ي الذي ت��وارى منذ ذل��ك الحين ولجأ‬ ‫إلى أس��لوب جديد من الوحش��ية من خالل‬ ‫قص��ف المدينة ببيوته��ا وأبنائها وفزاعاتها‬

‫بقذائ��ف اله��اون‪ ،‬الت��ي كان��ت تنطلق من‬ ‫مطار المزة العس��كري لتحط عش��وائيا في‬ ‫أرجاء المدينة‪.‬‬ ‫حكاي��ات س��ورية تختل��ف كل يوم وال‬ ‫ينتهي جديدها أبداً‪ ،‬تبتكر أساليب ستسجل‬ ‫في التاريخ على أنها ابتكارات سورية‪.‬‬ ‫فزاعات داريا ال تخاف من األمن‪ ،‬وإنما‬ ‫األمن ه��و من يخ��اف منها‪ ،‬ولن يس��تطيع‬ ‫إرهابها أو قتلها‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬

‫جفرا بهاء‬ ‫"خرجت مظاهرة من الخشب والقماش‬ ‫ف��ي مدين��ة داري��ا بري��ف دمش��ق‪ ،‬تطالب‬ ‫بإسقاط النظام ومحاسبة الرئيس األسد"‪.‬‬ ‫يب��دو الخب��ر هك��ذا أق��رب للنكت��ة أو‬ ‫السخرية‪ ،‬ولكن مدينة داريا جعلت من خبر‬ ‫كه��ذا حقيقة‪ ،‬وهذه المرة ل��م يكن الهدف‬ ‫من وراء هذا االبتكار السوري هو السخرية‬ ‫من نظام األس��د‪ ،‬وإنما العكس تمامًا‪ ،‬كان‬ ‫الهدف وبحس��ب أحد ناش��طي مدينة داريا‪:‬‬ ‫"فك��رة مظاه��رة الفزاع��ات أو األش��خاص‬ ‫الخش��بية ه��ي طريق��ة جدي��دة للتظاهر‪،‬‬ ‫توصل رس��الة أنه لو لم يبقَ رجال ونساء‬ ‫في سوريا فسوف تخرج الشخوص الخشبية‬ ‫لتتظاهر ضد النظام وترفض سياساته"‪.‬‬ ‫داريا مدينة في ريف دمش��ق‪ ،‬خرجت‬ ‫للتظاه��ر م��ع بداي��ة الث��ورة‪ ،‬لتن��ال ه��ي‬ ‫وجارتها مدينة المعضمي��ة عقاباً متواص ًال‬ ‫وقاس��ياً م��ن قبل النظ��ام الس��وري‪ ،‬وقبل‬ ‫حوال��ي ‪ 15‬يوما‪ ،‬وبعد العمليات الوحش��ية‬ ‫التي ق��ام بها عناصر األمن والش��بيحة في‬ ‫المدينة‪ ،‬قام عددٌ من شباب داريا بمواجهة‬ ‫هؤالء بطريقة جديدة مبتكرة‪.‬‬ ‫ق��ام ش��باب داري��ا بتحضير ع��دد من‬ ‫الفزاع��ات عل��ى ش��كل جس��م اإلنس��ان‬ ‫وألبسوها ثيابا متنوعة ظهرت بها الفزاعات‬ ‫كأش��خاص في أعمار مختلف��ة‪ ،‬وتم لصق‬ ‫ٍ‬ ‫ش��عارات متعددة على هذه الفزاعات فبدتْ‬ ‫ُ‬ ‫كمتظاهر في قلب المظاهرة‪.‬‬ ‫كل فزاعةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ووضعت الفزاعات في وس��ط المدينة‬ ‫ف��ي س��احة ترب��ة داري��ا بع��د أن قطع��وا‬ ‫الطرق��ات المحيطة‪ ،‬تحس��بًا لعودة الموكب‬ ‫األمن��ي فج��أ ًة لتك��ون مكان��ا للمظاه��رة‬ ‫الح��دث‪ ،‬الس��يما أن ه��ذه الس��احة ه��ي‬ ‫الم��كان المفض��ل لعناص��ر األم��ن في كل‬

‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪5‬‬


‫ع�سكرة الثورة يف امليزان‬ ‫الملف ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪6‬‬

‫ياسر مرزوق‬

‫ما دعاني لملفنا اليوم‪ ،‬هو كتابٌ قرأته‬ ‫أخي��راً لعميد الصحاف��ة الباكس��تانية "أحمد‬ ‫رش��يد" بعنوان "طالب��ان‪ :‬اإلس�لام والنفط‬ ‫والصراع الكبير في وس��ط آسيا"‪ ،‬يصف فيه‬ ‫ح��ال زعماء الجه��اد في مناطق أفغانس��تان‬ ‫المختلف��ة‪ ،‬حي��ن أدرك��وا حقيق�� ًة بالغ��ة‬ ‫األهمية‪ .‬مؤداها أن االتحاد السوفيتي سوف‬ ‫يخ��رج م��ن أفغانس��تان‪ ،‬س��واء كان خروجه‬ ‫بهم أو بغيرهم‪ ،‬وهنا فإن الشعور الذي ساد‬ ‫بينه��م وأصب��ح معياراً لتصرفاته��م هو "أن‬ ‫كل طرف س��وف يتحدد مستقبله بمقدار ما‬ ‫ادخر لنفس��ه من اإلمكانيات المتاحة له اآلن‬ ‫لكي يجاهد‪ ،‬ولي��س بكمية ما بذل من هذه‬ ‫اإلمكاني��ات حتى يبلغ الجه��اد غايته وتجيء‬ ‫س��اعة الحقيقة" االنتظار واالحتفاظ بالقوة‬ ‫حتى تكون ه��ذه القوة أدا ًة للس��لطة عندما‬ ‫تنتهي الحرب‪..‬‬ ‫عدت من أفغانس��تان‪ ،‬لحض��ن ثورتنا‬ ‫المجيدة‪ ،‬ع��روس الربيع العرب��ي وملحمته‪،‬‬ ‫هي من اعتم��دت األغنية واللوحة والش��عار‬ ‫الجام��ع والنكتة الذكية والحش��ود الش��عبية‬ ‫َ‬ ‫المج��ال العام بعد‬ ‫الضخمة‪ ،‬التي اس��تعادت‬ ‫إيم��ان بالالعنف‬ ‫عق��ود م��ن إقصائها عن��ه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وتمس��كٌ بوح��دة الش��عب ونب�� ُذ للعن��ف‬ ‫والطائفية‪ ،‬أذهل العالم‪ ،‬في حديثٍ للمفكر‬ ‫العرب��ي "عزم��ي بش��ارة" مع قن��اة الجزيرة‬ ‫صم��ت ع��ن الكالم حين س��أله مح��اوره عن‬ ‫ثورتنا في بدايتها‪ ،‬ثم قال أعراسٌ وأهازيج‪،‬‬ ‫مالحم الش��عب الس��وري ليس ل��ي الحديث‬ ‫عنها والتزم الصمت‪ ..‬كيف ال والثورة المدنية‬ ‫هي فعل أخالقي إيماني وطني‪.‬‬ ‫أمام ه��ذه الثورة الملهمة اختار النظام‬ ‫الحل األمنيّ في استعادةٍ لمناخ الثمانينات‪،‬‬ ‫وه��و خي��ارٌ يتقن��ه بالوراثة‪ٌ ،‬‬ ‫قت��ل جهنمي‬ ‫يومي وتهجيرٌ وتنكيل‪ ،‬وكل أنواع المحرمات‬ ‫في ش��رائع حقوق اإلنس��ان وأديانه‪ ،‬محرقة‬ ‫وح��رب إب��ادة ال يش��ق له��ا غبار تحت س��مع‬ ‫وبصر المجتمع الدولي‪..‬‬ ‫وعندم��ا أفكر بهذه الث��ورة أَعجَبُ من‬ ‫أمره��ا‪ :‬كيف ب��دأت وكي��ف تط��ورت وكيف‬ ‫عَبَ��رت كل العقب��ات والحواج��ز وحافظ��ت‬ ‫على قوتها وعنفوانها‪ ،‬كيف اس��تطاع الذين‬ ‫يحتك��ون لحظيًا بهذا الهدر لكرامة اإلنس��ان‬ ‫ورم��وزه ومعتقداته وأعراضه بالحفاظ على‬ ‫السلمية والمدنية طيلة سبعة أشهر باعتراف‬ ‫رأس النظام في خطابه أمام مجلس الشعب‪،‬‬ ‫متناس��يًا ما رددته أبواقه منذ اللحظة األولى‬ ‫عن مندسين وعصاباتٍ مسلحة‪ ..‬إنها عناية‬ ‫اآلله��ة ترعاها منذ البداي��ة‪ ،‬وأكاد أهتف مع‬ ‫ذل��ك ال��ذي هتف من��ذ أي��ام الث��ورة األولى‪:‬‬ ‫دعوها فإنها مأمورة‪.‬‬ ‫ه��ي اآلله��ة وحده��ا الت��ي تق��ف م��ع‬ ‫الش��عب الس��وري األعزل‪ ،‬وهي وحدها من‬ ‫ستالحق النظام وتحاسبه على جرائمه أعتى‬ ‫الحس��اب‪ ،‬جرائمٌ تبدأ بامتهان الشعب الثائر‬ ‫ووصفه بالجرثوم��ة تارةً‪ ،‬وبالمجرم واللص‬ ‫ت��ار ًة أخ��رى وال تنته��ي‪ ..‬لك��ن أم الجرائم‪،‬‬ ‫كانت عسكرة الثورة الس��ورية ودفعها دفعًا‬ ‫إلى الس�لاح‪ .‬واستخدام الس�لاح هو ما كان‬ ‫يتمناه النظام وأجهزته األمنية ليثبت صورة‬ ‫واق��ع معيّن على األرض‪ ،‬ي��راه العالم أجمع‬ ‫في اإلع�لام ومواق��ع التواص��ل‪ .‬وذروة هذا‬ ‫المس��ار كانت في وص��ول المراقبين العرب‬ ‫وتفحصه��م الواقع عل��ى األرض‪ ،‬ثم كتابة‬ ‫تقرير نهائي أش��اروا فيه إلى "وجود عنصر‬ ‫مس��لح غير َ‬ ‫مخاط��ب بالبروتوك��ول"‪ ..‬ومرة‬

‫أخ��رى تنس��خ الديكتاتوري��ات ع��ن بعضه��ا‬ ‫بعضًا إذ تستفزها حركات االحتجاج السلمي‬ ‫ألنها تكبل يدها األمنية المتوحشة وتسحب‬ ‫منها مس��وغ "الضرب بيد م��ن حديد"‪ .‬ولهذا‬ ‫فإن الممارس��ة التقليدية هي توفير السالح‬ ‫في الش��ارع وإغراء أية عناصر باس��تخدامه‬ ‫وس��ط االحتجاج��ات الس��لمية‪ ،‬وإن لم ينجح‬ ‫ه��ذا فال بأس من قت��ل بعض عناصر األمن‬ ‫هن��ا أو هناك واته��ام "العناص��ر اإلرهابية"‬ ‫و"المتس��للين" بذل��ك‪ ،‬وبه��ذا يت��م قم��ع‬ ‫الث��ورة الس��لمية بأعت��ى قدر م��ن البطش‬ ‫المس��لح‪ .‬والنظام الس��وري اتبع هذا النص‬ ‫حرف��ًا بح��رف‪ ،‬وعل��ى م��دار أش��هر طويل��ة‬ ‫م��ن االحتج��اج الس��لمي أمع��ن ف��ي القتل‬ ‫والبط��ش وفي عس��كرة االحتجاج��ات‪ ،‬حتى‬ ‫صارت الثورة مس��لحة فعلاً ‪ .‬لتعيش سورية‬ ‫مش��هدًا َّ‬ ‫مُركبً��ا ومُرعبً��ا ف��ي آنٍ‪ .‬هناك‬ ‫ثورة ش��عبية ضد نظ��ام اس��تبدادي دموي‪،‬‬ ‫وهناك صراع مس��لح بين معارضة مس��لحة‬ ‫والنظ��ام‪ ،‬وهناك صراع دول��ي على الداخل‪.‬‬ ‫والمركب��ان األخي��ران خطيران عل��ى الثورة‬ ‫الس��ورية وش��رعيتها؛ ألنهم��ا وباختص��ار‪،‬‬ ‫يقتالن الجانب المدني ف��ي التغيير‪ ،‬ليصبح‬ ‫مس��تقبل الص��راع مرتبطًا بمصي��ر قوتين‬ ‫مس��لحتين على األرض‪ ،‬تتقاتالن بالس�لاح‬ ‫الخفيف والثقيل‪ ،‬ليك��ون لهما بالتالي كامل‬ ‫الصالحية في القتل واالستهداف واألسْر ٌّ‬ ‫كل‬ ‫بحق اآلخر‪.‬‬ ‫و النظام وحده هو المسؤول عن اتجاه‬ ‫الث��ورة للعس��كرة وتنح��ي الطابع الس��لمي‬ ‫فيه��ا‪ ،‬ثنائية السّ�� ْلميّة‪ ،‬العس��كرة‪ ،‬تختزل‬ ‫في داخلها س��يرورة الثورة السورية ومآالتها‬ ‫َ‬ ‫ومستقبل س��وريا جميعًا‪ .‬وأي حدّ‬ ‫وأهدافها‬ ‫في ه��ذه الثنائية‪ ،‬عندما يغدو خياراً ال يظل‬ ‫ش��كل للثورة وعالمةٍ خارجية عليها‪،‬‬ ‫مجرد‬ ‫ٍ‬ ‫بل يصبح جوهرَها الذي يتحدد تبعًا له‪ُّ ،‬‬ ‫كل‬ ‫ش��كل وجوهر قادمين على صعيد اإلنس��ان‬ ‫والوطن وحلم الدولة المأمولة… وس��بق أن‬ ‫أش��ارت لجنة المراقبين العرب في تقريرها‬ ‫النهائي إلى أن "ظهور العنصر المس��لح في‬

‫المعارض��ة كان نتيج��ة االس��تخدام المفرط‬ ‫للقوة م��ن قبل النظام نفس��ه"‪ .‬هذا ويردّد‬ ‫البع��ض معلوم��ةً‪ ،‬ال يمك��ن التحق��قُ م��ن‬ ‫صحّته��ا عن أح��داث الثمانينيّ��ات‪ ،‬تقول ّإن‬ ‫قائد س��رايا الدفاع رفعت األس��د كان يعرف‬ ‫ّأن اإلخوان المسلمين يتس ّلحون‪ ،‬وترك لهم‬ ‫البابَ مواربًا لتحقيق ذلك‪ ،‬كي ّ‬ ‫يتمكن فيما‬ ‫بعد من إيجاد مبرّر أمام الجمهور الس��وريّ‬ ‫للبطش بهم‪ ،‬جارفًا في طريقه َّ‬ ‫كل التيّارات‬ ‫المعارض��ة بذريعة "مكافحة اإلرهاب"‪ .‬األمر‬ ‫نفسه يتكرّر اليوم‪ ،‬إذ ال يساورنا أدنى شكّ‬ ‫في ّأن الس��لطة غضّت النظر على التس�� ّلح‬ ‫وش��جّعتْه‪ ،‬وصعّ��دتْ عنفهَ��ا بغي��ة دف��ع‬ ‫الناس إليه‪ ،‬إل��ى األرض الوحيدة التي تجيد‬ ‫اللعبَ فوقها‪.‬‬ ‫لك��ن يب��دو تحمي��ل النظ��ام وح��ده‬ ‫مس��ؤولية عس��كرة الثورة‪ ،‬مجانبًا للصواب‪،‬‬ ‫فهل جرب الس��وريون خيار الثورة الس��لمية‬ ‫وفش��لوا ب��ه ليلج��أوا للس�لاح‪ ،‬أم أن خي��ار‬ ‫الس��لمية لم يج��رب والمس��ؤولية تقع على‬ ‫عاتق األغلبي��ة الصامتة التي بقيت صامتة‪،‬‬ ‫أغلبي�� ٌة اس��تطاع النظ��ام ضم��ان صمته��ا‬ ‫بحفن��ةٍ م��ن رصاص يرش��قها عل��ى جموع‬ ‫المتظاهري��ن هنا وهناك‪ ،‬أغلبي�� ٌة ارتأت أن‬ ‫تبقى في بيوتها‪ ،‬بد ًال من أن تمأل الساحات‪،‬‬ ‫نج��د ًة للم��دن المنكوب��ة‪ ،‬ولتس��قط النظام‬ ‫بحكم األمر الواقع‪..‬‬ ‫أل��م تك��ن المعارض��ة المتش��رذمة‬ ‫الت��ي تفاج��أت بالثورة ش��أنها ش��أن النظام‬ ‫مس��ؤول ًة أيضًا‪ ،‬عن إلجاء السوريين للسالح‬ ‫وه��ي الت��ي كان اختالفه��ا وارته��ان بعض‬ ‫أطيافها‪ ،‬لهذه الدولة أو تلك‪ ،‬المبرر األسهل‬ ‫للتقاعس الدولي عن إغاثة الشعب المنكوب‪،‬‬ ‫المعارض��ة التي فش��لت في أقن��اع األطراف‬ ‫اإلقليمي��ة المتحالفة مع النظام بوجود بديل‬ ‫مقبول عنه‪..‬‬ ‫بات تحميل المس��ؤولية لهذا الطرف أو‬ ‫ذاك كالم��ًا يترك للتاري��خ‪ ،‬إذ ليس باإلمكان‬ ‫أفضل مم��ا كان‪ ،‬وبات الس�لاح أم��راً واقعاً‪،‬‬

‫ٌ‬ ‫مس��ؤول كبير‬ ‫باعت��راف الجمي��ع‪ ،‬وقد أعلن‬ ‫ف��ي األم��م المتح��دة أن س��وريا بات��ت "في‬ ‫حرب أهلي��ة" وأن الحكومة الس��ورية فقدت‬ ‫الس��يطرة على أجزاء واس��عة م��ن أراضيها‬ ‫وعلى مدن س��ورية عدة لصال��ح المعارضة‬ ‫مع االرتفاع الكبير في مس��توى العنف الذي‬ ‫تشهده المدن والبلدات الس��ورية التي باتت‬ ‫تقص��ف بالطائ��رات المروحي��ة وف��ي زيادة‬ ‫أعداد الضحايا وتواصل المجازر التي أصبحت‬ ‫متنقلة في المدن السورية‪.‬‬ ‫وأضح��ى م��ن الس��ذاجة السياس��ية‬ ‫الحديث عن التزام الس��لمية‪ ،‬ورمي السالح‪،‬‬ ‫والجي��ش الح��ر ب��ات ق��اب قوس��ين أو أدنى‬ ‫من الس��يطرة عل��ى حلب بكامله��ا وبالتالي‬ ‫الش��مال الس��وري‪ ،‬وهو م��ا تنبأ ب��ه تقريرٌ‬ ‫غربي م��ن تأليف ضابط حال��ي في الجيش‬ ‫األميركي عمل في االس��تخبارات العسكرية‬ ‫خ�لال الفترة م��ن ‪ 2006‬إل��ى ‪ ،2011‬وخدم‬ ‫ف��ي العراق وأفغانس��تان‪ ،‬ويدع��ى "جوزيف‬ ‫هولي��داي"‪ .‬فهو يقول بوضوح إن المعارضة‬ ‫َّ‬ ‫تتس��لم‬ ‫الثوري��ة الس��ورية المس��لحة باتت‬ ‫كميات مس��تمرة من األس��لحة والمال‪ ،‬وإنه‬ ‫بات لها قيادات وقدرات محلية وتسيطر على‬ ‫مس��احات واسعة‪ ،‬وإنها قد َّ‬ ‫تتحكم في الجزء‬ ‫األكبر م��ن س��وريا قريبًا إذا اس��تمر وصول‬ ‫المساعدات لها‪.‬‬ ‫كم��ا أش��ار ف��ي تقري��ره إل��ى أن عنف‬ ‫النظ��ام الس��وري ف��ي مضاعف��ة المقاومة‬ ‫المسلحة له الدور األكبر فقذف المدن يؤدي‬ ‫لمزي��د م��ن العس��كرة المض��ادة‪ ،‬وحم�لات‬ ‫"الش��بيحة" والقتل الطائفي ت��ؤدي لرغبات‬ ‫انتقامية‪ ،‬وقمع المعارضة التي تحمي المدن‬ ‫يؤدي لتحولها لحرب عصابات‪.‬‬ ‫ويق��ول المؤل��ف إن اس��تمرار وص��ول‬ ‫المس��اعدات المالي��ة واألس��لحة للث��وار‬ ‫الس��وريين خاص��ة م��ن دول الخلي��ج‬ ‫كالس��عودية وقط��ر يعن��ي مواصل��ة الثوار‬ ‫في س��يطرتهم وقدراته��م‪ ،‬مما قد يمكنهم‬ ‫قريب��ًا من الس��يطرة على مس��احة أكبر من‬


‫الملف ‪. .‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫إال أنه ينبغي الوقوف طوي ًال عند معنى‬ ‫االنتص��ار وثمنه‪ ،‬فالث��ورة نوعان‪ :‬إما مدنية‬ ‫تش��ترك فيها كل فئات الش��عب باحتجاجات‬ ‫ورفض للحاكم المس��تبد‪ ،‬وتفضي بالنهاية‬ ‫إل��ى س��قوط الحاكم المس��تبد‪ ،‬واس��تبداله‬ ‫بحكم يتوافق عليه الشعب‪ ،‬بعد تقديم رؤية‬ ‫مقبولة من نخبته المثقفة ودستور يتعايش‬ ‫في��ه الجمي��ع‪ .‬أو ثورة عس��كرية ينقلب فيها‬ ‫تنظيم عسكري على الحاكم ويؤسس لنظام‬ ‫بإدارة العس��كر‪ ،‬بما يؤسس إلى إعادة إنتاج‬ ‫الديكتاتوري��ة من جديد‪ ،‬فم��ن قام بالتغيير‬ ‫ّ‬ ‫س��يفكر أو ًال‬ ‫عن طريق االنقالب العس��كري‬ ‫بتحصين نفسه من انقالب مضاد‪ ،‬وسيعتمد‬ ‫على م��ن يث��ق بهم م��ن العس��كر بتنظيم‬ ‫المجتم��ع والدول��ة‪ ،‬وبالتال��ي إع��ادة تنظيم‬ ‫المجتم��ع بما يتعاكس م��ع المفهوم المدني‬ ‫الديمقراط��ي‪ ،‬أجبر الس��وريون عل��ى النوع‬ ‫الثان��ي‪ ،‬كم��ا س��يجبرون على دف��ع الثمن‪..‬‬ ‫َ‬ ‫مش��اكل‬ ‫وأصح��ابُ خي��ار التس�� ّلح يعالجون‬ ‫الوطن بحلول س��ابقة قد تنجح في إس��قاط‬ ‫النظ��ام لكنّ نتائجَها األخ��رى كارثيّة على‬ ‫المجتم��ع وعلى بن��اء الدول��ة الديمقراطيّة‬ ‫التي ينشدها السوريون األحرار‪.‬‬ ‫ولنا أن نس��تعرض س��لبيات التس��ليح‬ ‫وعس��كرة الث��ورة‪ ،‬ه��ي خس��ائر ق��د تكون‬ ‫بس��يطة بالمقارنة مع بق��اء النظام وتغوله‬ ‫على الش��ارع الس��وري ثاني�� ًة إال أنها فادحة‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬

‫سوريا مقارنة بالمساحة التي يسيطر عليها‬ ‫النظام‪.‬‬ ‫وبات الحسمُ‪ ،‬وانتصار الثورة السورية‬ ‫بالكف��اح المس��لح واضح��اً والنظ��ام ٌ‬ ‫زائل ال‬ ‫َ‬ ‫فش��ل‪ ،‬له��ذا الحد في مواجهة‬ ‫محالة بعد أن‬ ‫مش��كلة أمني��ةٍ خطيرة ت��كاد ت��ودي البالد‬ ‫إل��ى مه��اوي التقس��يم المذهب��ي "بحس��ب‬ ‫مزاعمه" ٌ‬ ‫زائل ليس ألنه ديكتاتوري وقمعي‬ ‫وفاسد فحس��ب‪ ،‬وإنما أيضاً ألنه فاشل على‬ ‫المستوى األمني وعلى مستوى الحفاظ على‬ ‫وح��دة الدولة التي طالما ادع��ى أن المؤامرة‬ ‫ٌ‬ ‫فاش��ل حتى في اإلس��تراتيجية‬ ‫تس��تهدفها‪.‬‬ ‫الت��ي وضعها والمهمة الت��ي يقول أنه يقوم‬ ‫بها‪.‬‬ ‫زوال النظام حتمي أما توقيت االنتصار‬ ‫في هذه المعركة أو تلك فحتميته ضربٌ من‬ ‫التنجيم واالس��تعانة بالفلك لتفسير الواقع‪،‬‬ ‫وكم ذك��ر التاريخ معارك تنته��ي بهفوةٍ أو‬ ‫خط��أ أو دعم من هنا وهن��ا‪ ،‬وانتصار الثورة‬ ‫ٍ‬ ‫المس��لحة الذي حس��مته قبل بضعة أسطر‪،‬‬ ‫وخاص�� ًة معركة حلب‪ ،‬يبقى في عهدة القدر‬ ‫وهنا مكمن الخطورة‪ ،‬ال سيما أنها حربٌ بين‬ ‫الثوار وروس��يا وإيران وح��زب اهلل والنظام‪..‬‬ ‫وسواء طال األمد أو قصر فخيار التسليح هو‬ ‫وسينتصر على‬ ‫الذي انتصر على الس��لمية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫نظام أتى عل��ى الدبابات ويبدو أنه لن يزول‬ ‫إال ٍ‬ ‫بها‪..‬‬

‫بالمقارنة مع م��ا كان مؤم ًال من هذه الثورة‬ ‫إلسقاط الدكتاتور سلميًا‪:‬‬ ‫* ق��د يس��تمر العم��ل المس��لح يطول‬ ‫ويط��ول‪ ،‬ويتمدد أفقيً��ا‪ ،‬األمر ال��ذي يؤدي‬ ‫ع��ادة إل��ى انهي��ار اقتص��ادي مري��ع في كل‬ ‫المناح��ي‪ ،‬ويح��وِّل الدول��ة ومؤسس��اتها‬ ‫وبناه��ا االجتماعية إلى نموذج كس��يح وغير‬ ‫ق��ادر عل��ى النهوض‪ ،‬بع��د س��قوط النظام‬ ‫الديكتات��وري‪ .‬فه��ذا النظ��ام‪ ،‬يعتم��د ف��ي‬ ‫معركته على كل خي��رات الدولة وموازنتها‪،‬‬ ‫وبالتال��ي فه��و يتغ��ذى عمليً��ا عل��ى كل ما‬ ‫يُمك��ن أن يُؤخذ م��ن الدول��ة واألرض‪ ،‬بما‬ ‫فيه��ا صنادي��ق األجي��ال القادم��ة‪ ،‬وبالتالي‬ ‫ف��إن مفاعيل��ه الحقيقي��ة‪ ،‬ه��ي م��ن ذات‬ ‫الدول��ة المتآكلة حتمًا‪ ،‬والتي س��تكون قاعًا‬ ‫صفصفًا بع��د اندحاره‪ .‬والتقدي��رات الحالية‬ ‫لخس��ائر الص��راع في س��ورية الي��وم بلغت‬ ‫زهاء ‪ 25‬مليار دوالر‪ .‬نصف مس��اكن حمص‬ ‫مُدمَّ��رة‪ .‬تس��ريحات متتالي��ة م��ن القط��اع‬ ‫العام‪ .‬نصف مليون الجئ س��وري داخل دول‬ ‫الجوار‪ ،‬وملي��ون الجئ في هجرة داخلية من‬ ‫محافظات إلى أخرى‪ .‬مئات اآلالف من المحال‬ ‫التجاري��ة تض��ررت جزئيًا أو كليًا‪ ،‬ش��بكات‬ ‫الصرف الصح��ي والكهرباء وأبراج االتصال‪،‬‬ ‫وخطوط المواص�لات وأنابيب النفط والغاز‪،‬‬ ‫كله��ا تضرَّرت بش��كل كبي��ر‪ .‬ه��ذه األمور‬ ‫تجع��ل م��ن حكوم��ة الث��ورة الحقً��ا حكومة‬ ‫عاجزة اقتصاديًا‪ ،‬ومرتهنة للمانحين عندما‬ ‫تعق��د المؤتمرات في باريس واح��داً واثنين‬ ‫وثالثة‪ .‬وعندما يحدث ذلك‪ ،‬تصبح اإلمالءات‬ ‫السياس��ية على حكومة الثورة أسهل من أي‬ ‫وقت آخر‪.‬‬ ‫* وبد ًال من أن تكس��ب الثورة السورية‬ ‫بس��لميتها وش��عاراتها الوطني��ة‪ ،‬ج��اءت‬ ‫العس��كرة والتطييف لتضيّع فرصة تاريخية‬ ‫لقيام دول��ة ديمقراطية تمثيلي��ة‪ ،‬لقد أدّت‬ ‫الهجم��ات المُدمّرة على المنش��آت الحيويّة‬ ‫والمراك��ز األمنيّ��ة ونقاط الجي��ش وثكناته‬ ‫وأرتال مبيته‪ ،‬ووجود الجيش الحرّ كفصيل‬ ‫مس ّلح على األرض السوريّة وخارجها تضمّ‬ ‫المنش��قّين والمتطوعين دون تنظيم واضح‬ ‫فرض��ت اس��تحالته حال��ة األم��ر الواق��ع إلى‬ ‫اختالط عملياته بعمليّات إرهابيّة لجماعات‬ ‫تكفيريّة وأعمال إجراميّة لعصابات مجرمة‬ ‫ليس لها عالقة بالهدف السياس��ي الحقيقي‬ ‫للثورة أو للمعارضة‪.‬‬ ‫* تحولت قيادة الثورة من أيدي القائمين‬ ‫على فعاليات شعبية سلمية في أحياء المدن‬ ‫واألري��اف‪ ،‬إلى أي��دي القائمين عل��ى الجناح‬ ‫المس�� ّلح وتوجي��ه عملياته العس��كرية‪ ،‬وتم‬ ‫اس��تحضار لغ��ة ديني��ة متعالية ف��ي خطاب‬ ‫الثورة عل��ى أنها لحماية الس��نة من هجمةٍ‬ ‫صفوية عمادها النظ��ام وإيران وحزب اهلل‪،‬‬ ‫ليتصاعّد الخطاب الدين��ي إلى ذروة التفرّد‬

‫بالحقيق��ة المطلقة التي تبي��ح كل فعل بما‬ ‫ف��ي ذلك الكذب حتى باس��م الس��ماء‪ .‬وكتب‬ ‫يزي��د صاي��غ إن "عس��كرة جماع��ة اإلخ��وان‬ ‫المس��لمين تجعل عالقتها مع ش��ركائها غير‬ ‫المس�� ّلحين في المجلس الوطنيّ السوريّ‪،‬‬ ‫وم��ع بقية أطياف المعارضة‪ ،‬موضعَ ش��كّ‪.‬‬ ‫ألن جماع��ة اإلخوان تتصرّف من طرف‬ ‫أو ًال‪ّ ،‬‬ ‫واح��د‪ ،‬ما يبدو أنه يؤ ّكد مزاعمَ المنش��قّين‬ ‫عن المجل��س الوطن��يّ الس��وريّ‪ ..‬ويم ّثل‬ ‫ُ‬ ‫تش��كيل ألوي��ةٍ مس��تق ّلةٍ تابع��ةٍ لجماع��ة‬ ‫اإلخ��وان عقب�� ًة إضافيّ�� ًة ف��ي طري��ق بناء‬ ‫الجي��ش الس��وريّ الح��رّ كجناح عس��كريّ‬ ‫موحّدٍ للمعارضة"‪.‬‬ ‫* انتق��ال الث��ورة من الخيار الس��لميّ‬ ‫إلى الخيار المس�� ّلح فتح البابَ لجميع القوى‬ ‫وال��دول وأجه��زة االس��تخبارات للعمل على‬ ‫األرض الس��وريّة لتحقيق أجن��دات مضادّة‬ ‫ألهداف السوريين‪ .‬وهذه األجندات متداخلة‬ ‫ومتناقض��ة ف��ي أهدافه��ا‪ ،‬إل��ى درج��ة أنها‬ ‫تجع��ل مصي��ر الكي��ان الس��وريّ محفوفً��ا‬ ‫بمخاطر جمّة وفي ّ‬ ‫ظل الس�لاح‪ ،‬س��تتحوّل‬ ‫س��وريا إلى م��كان لتحقيق أجن��دة اآلخرين‬ ‫من دم الش��عب الس��وريّ النبي��ل‪ ،‬الذي لن‬ ‫يبلغ حريتَه في هذه الحالة‪ ،‬حتى لو س��قط‬ ‫ألن اإلشكاليّات التي سيفجّرها في‬ ‫النظام‪ّ ،‬‬ ‫الداخل السوريّ ستكون أكبر من أن تحتملها‬ ‫الساح ُة السوريّة‪ .‬فهل يملك أنصارُ التسلح‬ ‫أجوب ًة ّ‬ ‫لكل ما سبق‪..‬‬ ‫* ق��د يق��ول قائل إن االتجاه لعس��كرة‬ ‫الث��ورة‪ ،‬أت��ى لحماي��ة المدنيي��ن‪ ،‬أو أنه أتى‬ ‫رداً عل��ى إجرام النظ��ام‪ ،‬فقد أعل��ن العميد‬ ‫حس��ام الدي��ن الع��واك قائد عملي��ات الثورة‬ ‫الس��ورية عن فتح باب التطوع للش��باب من‬ ‫المدنيين لالنضمام للقوات العس��كرية التي‬ ‫تقاتل الجيش الس��وري النظامي أول نيسان‬ ‫الماض��ي‪ ،‬كم��ا طال��ب بتقديم المس��اعدات‬ ‫العس��كرية لتجمع الضباط األحرار والجيش‬ ‫السوري الحر اللذين يعمالن بقيادة المجلس‬ ‫العس��كري الثوري األعل��ى برئاس��ة العميد‬ ‫مصطفى الشيخ‪.‬‬ ‫وردا على سؤال "لجريدة األهرام" دافع‬ ‫الع��واك عن عس��كرة الثورة الس��ورية قائال‬ ‫إننا نتعامل مع نظ��ام دموي يرتكب المجازر‬ ‫يوميا ضد ش��عبه حتى أصبحت س��وريا بلدا‬ ‫منكوبًا‪ ،‬ب��ل إننا عثرنا عل��ى جثث لمقاتلين‬ ‫في الجي��ش النظامي تم إط�لاق الرصاص‬ ‫على رءوس��هم من الخلف‪ ،‬وهو ما يعني أن‬ ‫الجيش قتلهم لرف��ض إطاعة األوامر‪ .‬وكل‬ ‫من يرى حجم المذابح والمجازر والدماء التي‬ ‫تسيل ال يستطيع أن يقول أنه البد أن نواجه‬ ‫الدباب��ة بالوردة ألن��ه إذا فعل ذلك يكون قد‬ ‫ارتكب جريمة‪" .‬وفي هذه التصريحات شديد‬ ‫الخطورة‪ ،‬فالدعوة للتطوع وعسكرة المجتمع‬ ‫بالتال��ي‪ ،‬قد يؤدي إلى خلق عناصر ال تمتلك‬

‫انضباط الجيش النظامي أو المنشقين عنه‪،‬‬ ‫وس��يغدو التعامل معها عس��يراً بعد سقوط‬ ‫النظ��ام‪ ،‬على الرغم من نب��ل دوافعها"‪ .‬كما‬ ‫أن أع��داد الضحايا والمش��ردين بع��د اختيار‬ ‫التس��لح قد تضاعفت ثالث أضعاف بحس��ب‬ ‫اإلحصائي��ات الدولية هذا الس�لاح الذي أتى‬ ‫لحماية المدنيين أص ًال‪.‬‬ ‫واستشعاراً لخطورة التسلح من طيفٍ‬ ‫واسع من المعارضين السوريين‪ ،‬ظهرت هنا‬ ‫وهناك أصوات لدعم الشكل المدني للثورة‪،‬‬ ‫مبادرات خجولة‪ ،‬أمام ما يجري على األرض‪،‬‬ ‫ففي م��وازاة إط�لاق ذراعه��ا المالي��ة تحت‬ ‫اسم "المنتدى السوري لألعمال" الذي يضم‬ ‫رجال أعمال س��وريين تكفلوا بدعم الثورة‪،‬‬ ‫يعم��ل أعضاء المنتدى بالتع��اون مع مختلف‬ ‫أطي��اف الح��راك الث��وري عل��ى األرض على‬ ‫نش��اط أساسي ينطلق من هدف واحد‪ ،‬وهو‬ ‫"تصعيد الحراك السلمي لتتفرع منه حمالت‬ ‫متعددة ومختلفة الوسائل تدعم الثورة التي‬ ‫ال بد لها أن تسير بمسارين‪ ،‬سلمي وردعي‪،‬‬ ‫وذلك رداً على الجرائم التي يرتكبها النظام‬ ‫عل��ى مرأى ومس��مع م��ن العالم ال��ذي يقف‬ ‫صامت��ا"‪ ،‬بحس��ب وص��ف وائل م��رزا‪ ،‬عضو‬ ‫المجلس الوطني والناطق الرس��مي باس��م‬ ‫المنتدى السوري لألعمال‪.‬‬ ‫يحتدم الجدل هن��ا وهناك‪ ،‬لكن ال أحد‬ ‫يمتلك الحقيقة‪ ،‬وحده التاريخ سيمكر مكره‪،‬‬ ‫وينتقي األصلح لسطوره‪.‬‬ ‫اعتدت على أن نتعاه��د على اللقاء مع‬ ‫أبي��اتٍ م��ن العامي��ة المصرية الت��ي تنضح‬ ‫فرح��ًا وأهازي��ج‪ ،‬ومع مل��ف الي��وم آثرت أن‬ ‫اس��تودعكم م��ع أبي��اتٍ للش��اعر اللبنان��ي‬ ‫"عب��ده وازن" موغ� ً‬ ‫لا فيه��ا ف��ي تداعي��ات‬ ‫الحرب‪ ..‬عن األخيري��ن الذين لم يعودوا‪ ،‬مع‬ ‫أم��ل بأن يذهل الس��وريون العالم كعادتهم‬ ‫ٍ‬ ‫دائم��اً‪ ،‬ويزيلوا كل ش��ائبةٍ تش��وب س��وريا‬ ‫المس��تقبل‪ ،‬ويس��تفيدوا من مأس��اة لبنان‪..‬‬ ‫كي ال يعيشوها‪..‬‬ ‫المخطوف��ون‪ ..‬ليس��وا أحي��اء‪ ..‬لكنهم‬ ‫ل��م يموت��وا‪ ..‬إنهم يحي��ون‪ ..‬ف��ي جهة من‬ ‫الليل‪ ..‬في عيون أمهاتهم‪ ..‬اللواتي يحدّقن‬ ‫في الس��ماء‪ ..‬كل ليل��ة‪ ..‬إنهم الخط األخير‪..‬‬ ‫للح��رب التي عب��رت‪ ..‬بقتالها‪ ..‬وأس��مالها‪..‬‬ ‫بالصرخ��ات الت��ي م��ا‪ ..‬برحت ترتف��ع‪ ..‬كان‬ ‫عليه��م أال يع��ودوا‪ ..‬لئ�لا تدخ��ل‪ ..‬الح��رب‬ ‫كت��اب‪ ..‬الذاكرة‪ ..‬لئال يلتئم الجرح‪ ..‬الس��ري‬ ‫لألرض‪ ..‬إنهم األخي��رون الذين لم يعودوا‪..‬‬ ‫يترك��ون زهرة غيابهم‪ ..‬على حافة النافذة‪..‬‬ ‫ال أحد يقول إنهم ماتوا‪ ..‬في الحفر‪ ..‬أو وراء‬ ‫القضب��ان‪ ..‬في الغ��رف العفن��ة‪ ..‬أمهاتهم‪..‬‬ ‫يضئ��ن ش��معة كل مس��اء‪ ..‬بأصابعه��ن‬ ‫اليابس��ة‪ ..‬مثلم��ا فعل��ت‪ ..‬أمّ البحّ��ار ف��ي‬ ‫قصيدة كفافيس‪ ..‬إنهم المخطوفون‪..‬‬

‫‪7‬‬


‫كلمة في الثورة ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪8‬‬

‫احلــــرب ال�ســـــورية‬

‫خالد كنفاني‬

‫ألول م��رة من��ذ بداي��ة الث��ورة ف��ي‬ ‫س��وريا ينطق بان كي م��ون األمين العام‬ ‫لألمم المتح��دة بجملة مفيدة‪" :‬الحرب في‬ ‫س��وريا تجري بالوكالة"‪ .‬ورغم أننا يمكن‬ ‫أن نعرف مس��توى ذكائه م��ن خالل المدة‬ ‫الت��ي اس��تغرقها للتوص��ل إلى مث��ل هذا‬ ‫االس��تنتاج‪ ،‬فأن تصل أخي��راً خير من أن ال‬ ‫تصل أبداً‪.‬‬ ‫قلنا في أكثر من مقالة س��ابقة (حتى‬ ‫مللنا التكرار) أن جميع األطراف في المجتمع‬ ‫الدولي والعربي ال تس��عى إلى حل بسيط‬ ‫وس��ريع وحاسم في س��وريا‪ ،‬ومن هنا برز‬ ‫العدد المه��ول من المب��ادرات والمؤتمرات‬ ‫والمنتدي��ات واالجتماع��ات والم��داوالت‬ ‫والتجمع��ات دون أية نتيج��ة على األرض‪،‬‬ ‫بل عل��ى العكس‪ ،‬جرى تصعي��د األمر في‬ ‫س��وريا بش��كل ملف��ت للنظ��ر ودخلت كل‬ ‫دول الدنيا على خط الثورة في سوريا حتى‬ ‫بدأنا نش��عر بأن هناك من يس��حب بساط‬ ‫الثورة من السوريين أنفسهم‪.‬‬ ‫ما أش��به الي��وم بالبارحة‪ .‬من��ذ اليوم‬ ‫ال��ذي غضب فيه وزير الخارجية الس��عودي‬ ‫(وه��و أول وآخر ي��وم يغضب في��ه) وأعلن‬ ‫نية المملكة العتيدة تس��ليح المعارضة في‬ ‫س��وريا حتى رأينا مئات الفصائل المسلحة‬ ‫الت��ي يحمل كل منها اس��ماً ثوري��اً ذا داللة‬ ‫ومرجعي��ة واضح��ة ال تحتم��ل اللب��س وال‬ ‫التأويل‪ .‬كم��ا تكاثر ع��دد المظاهرات التي‬ ‫تحم��ل الفت��ات "اهلل أكب��ر" و"قائدن��ا إل��ى‬ ‫األبد س��يدنا محم��د" و"الدم الس��ني واحد"‬ ‫وه��و م��ا يحيلن��ا إل��ى التجرب��ة التاريخية‬ ‫المخجلة للس��عودية خاص��ة والخليج عامة‬ ‫في أفغانس��تان حين جرت الدعوات للجهاد‬ ‫وتحرير األفغ��ان من "الكفار" الش��يوعيين‬ ‫(رغم أن فلسطين كانت أقرب بكثير)‪ .‬وهكذا‬ ‫ج��رى تصدي��ر آالف الش��باب والمراهقي��ن‬ ‫المتحمس��ين والذي تم تزويدهم بمفاتيح‬ ‫الجنة وصور الحور العين‪.‬‬ ‫كان��ت الدع��وات "لنصرة المس��لمين‬ ‫وأهل الس��نة" في س��وريا تجري وال تزال‬ ‫في كل مساجد السعودية والكويت بشكل‬ ‫غير مس��بوق‪ ،‬ورغم أن خطباء السعودية‬ ‫ممنوع��ون م��ن الدع��اء عل��ى أمري��كا أو‬ ‫الصهيونية فإنهم وج��دوا في الدعاء على‬ ‫طاغي��ة الش��ام ضالته��م الت��ي يمكنه��م‬ ‫أن يفرغ��وا فيه��ا جام غضبه��م وكبتهم‪،‬‬ ‫مثلما وجد فيها الساس��ة الخليجيون عامل‬ ‫تفريغ ش��عبي بد ًال م��ن تفريخ المزيد من‬ ‫المتعصبين على أراضيهم‪.‬‬ ‫أم��ا آخ��ر حلق��ات مسلس��ل "أفغنة"‬ ‫س��وريا فكانت حمالت التبرع المهولة التي‬ ‫قام به��ا الس��عوديون دون توضيح مصير‬ ‫ه��ذه األم��وال علم��ًا أن هذه األم��وال في‬ ‫كل األح��وال تق��ل بكثي��ر ع��ن التقديرات‬ ‫الرس��مية حول الحاجة الفعلية للسوريين‬ ‫داخل الوطن‪ .‬بد ًال من أن تقوم السعودية‬ ‫بالمس��اهمة ف��ي الح��ل الس��وري فإنه��ا‬ ‫تس��عى اليوم إل��ى تكريس حال��ة اللجوء‬ ‫للس��وريين عب��ر اإلع�لان أن ج��زءاً م��ن‬ ‫األم��وال المجموعة س��يذهب إليهم (وهو‬ ‫م��ا ال تزال تنكره الكثير من هيئات اإلغاثة‬ ‫والمس��اعدة ف��ي بل��دان اللجوء الس��وري‬ ‫لبن��ان واألردن وتركي��ا والع��راق) وكذلك‬ ‫ف��ي تكريس حال��ة التس��ليح للمعارضين‬ ‫والمجاهدين في الداخل دون حس��م دولي‬ ‫حقيق��ي وهو م��ا سيس��اهم ف��ي تفاقم‬ ‫العنف من كل األطراف س��واء قبل سقوط‬ ‫النظام أم بعده‪.‬‬

‫ق��د ال يعج��ب ه��ذا ال��كالم كثيري��ن‬ ‫داخ��ل أروق��ة المعارضة "الس��ياحية" في‬ ‫الخ��ارج أو المقاتلين عل��ى األرض‪ ،‬ولكننا‬ ‫وبمقارن��ة بس��يطة م��ع النم��وذج اليمني‬ ‫نرى أن الخليج قطع كل الخيوط المطلوبة‬ ‫للوصول بالفعل إلى حل سلمي وسياسي‬ ‫ف��ي س��وريا في حي��ن أن��ه بق��ي للحظة‬ ‫األخي��رة عل��ى تواصل مع جمي��ع األطراف‬ ‫ف��ي اليم��ن رغم ع��دد الم��رات التي نكث‬ ‫فيها الرئيس اليمن��ي علي عبد اهلل صالح‬ ‫وعوده والتزاماته‪ ،‬ورغم تعرضه لمحاولة‬ ‫اغتي��ال حي��ث تم عالج��ه في الس��عودية‬ ‫نفس��ها و"إع��ادة" إنتاجه م��ن جديد ليعود‬ ‫م��ن جديد لنق��ض اتفاقية نقل الس��لطة‬ ‫ب��ل وقيام قوات��ه بقصف بع��ض المباني‬ ‫القريبة من مق��رات إقامة مبعوثي الخليج‬ ‫لحضور مراسم التوقيع‪.‬‬ ‫لي��س ف��ي كل ال��كالم الس��ابق أي‬ ‫ش��ك أو تردد في أن النظ��ام الديكتاتوري‬ ‫هو المس��ؤول األول واألخي��ر عما آلت إليه‬ ‫األمور في سوريا‪ ،‬كما أننا ال نشك أبداً في‬ ‫أن النظ��ام اعتمد الدموي��ة التي لم يعرف‬ ‫غيره��ا عب��ر عق��ود ح� ً‬ ‫لا مع هذا الش��عب‬ ‫معتق��داً أن ذلك س��يكون كفي ًال بإس��كات‬ ‫الن��اس والعودة إلى الحي��اة الطبيعية التي‬ ‫اصطنعها لهم‪ .‬ل��م يفهم النظام ولم يرد‬ ‫أن يفهم وال أن يس��مع ألحد سوى لصوته‪،‬‬ ‫وكانت النتيجة ثورة شعبية رافضة للفساد‬ ‫والطغيان والمهانة‪.‬‬ ‫غي��ر أن��ه لما ط��ال أم��د الث��ورة وكان‬ ‫العش��رات يس��قطون كل يوم أم��ام العالم‬ ‫ال��ذي كان وال يزال يدعي الدفاع عن حقوق‬ ‫اإلنس��ان‪ ،‬بدا واضحًا أن الالعبين في سوريا‬ ‫ل��م يع��ودوا فق��ط أهله��ا المتظاهرين في‬ ‫شوارعها والحاملين ألرواحهم على أكتافهم‪،‬‬ ‫ب��ل دخل على الخ��ط الكثي��رون والكثيرون‬ ‫ممن ل��م يكن لديهم عم��ل (المعارضة في‬ ‫الخارج) أو الطارئين على الثورة والسياس��ة‬ ‫والمعارض��ة (جعارة وطالس وصقر وحبش‬ ‫والرفاع��ي نم��اذج) وكذل��ك الق��وى الكبرى‬ ‫والصغ��رى في العالم الت��ي يبدو أنها قررت‬ ‫التوق��ف ف��ي س��وريا بع��د أن فرط��ت عقد‬ ‫الح��كام الع��رب اآلخري��ن عب��ر مطالبته��م‬ ‫"بالرحيل اآلن" أو اتخاذ قرار الهجوم عليهم‬ ‫ونزعهم بالقوة خالل أيام‪ .‬وصل الربيع إلى‬ ‫سوريا ولكن هناك من قرر أن السوريين لن‬

‫يقطفوا ثمار ربيعهم بأيديهم‪.‬‬ ‫لم تع��د للتظاهرات أو أيام الجمع أية‬ ‫قيم��ة أو معن��ى بعدما دخل العن��ف دائرة‬ ‫مغلقة نخش��ى من البقاء فيها أمداً طوي ًال‪.‬‬ ‫الثائ��رون اليوم هم حملة الس�لاح فقط‪،‬‬ ‫أم��ا الباقون فق��د ان��زووا جانب��اً أو هربوا‬ ‫من الوط��ن‪ .‬فقدت الكلم��ات كل المعاني‬ ‫بعدم��ا أصب��ح التحذير م��ن المج��ازر أمراً‬ ‫طبيعيًا مثلما ب��ات وقوع هذه المجازر أمراً‬ ‫طبيعي��ًا أيضاً‪ .‬تج��ري اإلعدامات الميدانية‬ ‫من قب��ل كل األط��راف في س��وريا اليوم‬ ‫ثم تخ��رج التصريح��ات م��ن كل األطراف‬ ‫أيض��اً لتدي��ن وتنك��ر وترفض وتش��جب‪.‬‬ ‫وما الفارق؟ تذه��ب أرواح الناس وحياتهم‬ ‫بأمر من حاك��م ميداني يعتبر نفس��ه إما‬ ‫منف��ذاً لش��رع إلهي أو لش��رع ديكتاتوري‪،‬‬ ‫وال نعتبر تصريح��ات البعض بأن األحكام‬ ‫تتم بحض��ور رجل دين وبعض الش��هود‪،‬‬ ‫مثلم��ا ال يمكن اعتبار األح��كام القضائية‬ ‫الميداني��ة الجائ��رة التي يعتبره��ا النظام‬ ‫شرعية وموثقة‪.‬‬ ‫صوت��ت ‪ 133‬دول��ة لصال��ح ق��رار‬ ‫س��عودي يقض��ي بتنح��ي األس��د‪ ،‬وبعد؟‬ ‫يخرج بان كي مون لينتقد الحرب السورية‬ ‫بالوكال��ة‪ ،‬وبينم��ا يؤك��د من��دوب فرنس��ا‬ ‫أن��ه ل��ن يت��م التجدي��د لبعث��ة المراقبين‬ ‫قي س��وريا يخرج االتح��اد األوروبي ببيان‬ ‫يطال��ب فيه بتعيي��ن بديل لكوف��ي عنان‬ ‫المس��تقيل "ف��وراً"‪ .‬التناق��ض هو س��مة‬ ‫التعامل مع س��وريا وكأن الزمان وقف هنا‬ ‫وحارت الدول والحكومات أمام هذا النظام‬ ‫"المقاوم والممانع"‪.‬‬ ‫على الطرف اآلخر يعيش المعارضون‬ ‫أزهى عصوره��م وأبهاها‪ .‬فالت��رف لديهم‬ ‫تجاوز مس��ألة الفنادق والمقابالت والندوات‬ ‫وحم�لات التب��رع ليب��دأ عص��ر الحكوم��ات‬ ‫االنتقالي��ة وحكوم��ات المنف��ى وحكوم��ات‬ ‫الظل والش��مس واليمين واليسار‪ .‬لم نفهم‬ ‫حت��ى اآلن قيام نوف��ل الدواليبي بتش��كيل‬ ‫حكوم��ة منف��ى كل أعضائها س��ريون حتى‬ ‫نفاج��ئ بالمع��ارض الكبير األس��تاذ هيثم‬ ‫المال��ح يعلن ع��ن حكومة انتقالية يرأس��ها‬ ‫هو! لماذا يس��تعجل المعارضون قطف ثمار‬ ‫هذه الثورة قبل نضوجها؟ ولماذا ال يريدون‬ ‫أن يفهموا أن األمر سياس��ة وليس إنسانية‬ ‫وال عدال��ة؟ يجن��ي علين��ا المعارضون اليوم‬

‫مثلما جن��ى علينا كل المجتمع الدولي بترك‬ ‫األمور في س��وريا تنزلق إلى مهاوي خطيرة‬ ‫دمرت كل ش��يء وباتت إعادة إعمار البش��ر‬ ‫والحجر مهمة صعب��ة وطويلة األمد وال أحد‬ ‫يعرف تكلفتها من دمائنا وأرواحنا وأطفالنا‪.‬‬ ‫"نموت ويحيا الوط��ن" كلمات لطالما‬ ‫تغن��ى بها ش��عراء االس��تقالل ف��ي عصر‬ ‫ثورات التحرير من االستعمار‪ ،‬ولكننا نموت‬ ‫الي��وم م��ع خش��ية أن يموت الوط��ن‪ .‬مات‬ ‫مليون عراقي (وال يزال��ون) ولكن النتيجة‬ ‫ال تزال وطنًا مقسماً طائفياً هشاً وخطيراً‪.‬‬ ‫ونخشى اليوم أن يموت السوريون ليصبح‬ ‫الوطن عش��رة أوطان بعدما سيتأكد خطأ‬ ‫تسليح الثورة وإنش��اء كانتونات عسكرية‬ ‫متفرقة تنشئ مستعمرات خاصة بها تنفذ‬ ‫ش��رعها وقانونها الخاص به��ا بمعزل عن‬ ‫أي مرجعية وطنية حقيقية‪ .‬نحن نخش��ى‬ ‫أن يختل��ف مفه��وم الوطن من األس��اس‪،‬‬ ‫وخشيتنا نابعة من التسميات التي ذكرناها‬ ‫ع��ن فصائل الجيش الحر أو غيره والتي ال‬ ‫يحمل أي منها ولو اسماً وطنيًا واحداً‪.‬‬ ‫من حقن��ا أن نخاف على وطننا وعلى‬ ‫ثورتنا‪ ،‬ومن ال يريد تقبل النقد عليه أن ال‬ ‫يعلن أنه يق��ود ثورة ضد طاغية‪ .‬فالتغلب‬ ‫عل��ى الطاغي��ة لي��س القضاء عل��ى رجل‬ ‫واحد أو أعوانه فقط‪ ،‬فالطغيان معش��ش‬ ‫في رؤوس��نا وتربيتنا ونحن نمارسه على‬ ‫أطفالن��ا ونس��ائنا وتالميذن��ا وموظفين��ا‬ ‫من��ذ ق��رون طويل��ة‪ ،‬ول��ن تك��ون مهم��ة‬ ‫الديمقراطي��ة مفروش��ة بال��ورود‪ ،‬بل إن‬ ‫فيها من األشواك الشيء الكثير‪ ،‬وعلينا أن‬ ‫نتحضر جيداً قبل ورود الطريق‪ ،‬وإال فإننا‬ ‫إما سننس��حب في منتص��ف الطريق أو أن‬ ‫الش��وك س��يدمينا ويجعل من��ا جماعة من‬ ‫المش��لولين الذين سيقضون ما تبقى من‬ ‫حياتهم متس��ولين بد ًال م��ن أن يقضوها‬ ‫في البناء ونشر الحرية‪.‬‬ ‫آخ��ر ال��كالم‪ :‬يق��ول الش��اعر أحم��د‬ ‫مطر‪:‬‬ ‫أس��في أن تخرج أجيال ال تفهم معنى الحرية‬ ‫ال تملك س��يفا أو قلم��ا ال تحمل فكرا وهوية‬ ‫وعلمت بموت مدرسنا في الزنزانات الفردية‬ ‫فنذرت لئن أحيان��ي اهلل وكانت بالعمر بقية‬ ‫ألجوب األرض بأكملها بحثا عن معنى الحرية‬


‫القانون رقم ‪ 22‬للعام ‪2012‬‬

‫ياسر مرزوق‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬

‫بالرغ��م م��ن عدي��د الثغ��رات‬ ‫والتحفظات‪ ،‬التي أت��ت عليها القوانين‬ ‫الث�لاث المتعلق��ة باإلره��اب "قان��ون‬ ‫مكافح��ة اإلره��اب‪ ،‬وتس��ريح العام��ل‬ ‫بالدولة في حال ارتكابه عمال إرهابيا‪،‬‬ ‫ومعاقب��ة م��ن يق��وم بفع��ل الخط��ف‬ ‫باألش��غال الش��اقة"‪ ،‬إال أن��ه كان م��ن‬ ‫الممك��ن تالفيه��ا تحت راية اس��تقالل‬ ‫ونزاهة القضاء‪ ،‬والضمانات القانونية‬ ‫التي يوفره��ا قانون أصول المحاكمات‬ ‫للمتهمين لكن صدور القانون رقم ‪22‬‬ ‫للع��ام ‪ 2012‬القاض��ي بإحداث محكمة‬ ‫تخت��ص بالنظر ف��ي قضاي��ا اإلرهاب‬ ‫مقره��ا دمش��ق وال��ذي أق��ره مجلس‬ ‫الش��عب ف��ي جلس��ته ضم��ن ال��دورة‬ ‫االس��تثنائية األولى‪ ،‬وال��ذي تحول من‬ ‫مش��روع قانون إلى قانون نافذ بسبب‬ ‫إعطائه صفة االستعجال‪ ،‬وكان التعليل‬ ‫القانون��ي مفاده أن ه��ذا القانون يأتي‬ ‫نتيجة صدور قان��ون اإلرهاب رقم ‪19‬‬ ‫لع��ام ‪ 2012‬وبس��بب الطبيعة الخاصة‬ ‫ألحكام��ه واألش��خاص الخاضعي��ن له‬ ‫وباعتب��اره لم ينص على تحديد الجهة‬ ‫القضائية المختصة للنظر في الجرائم‬ ‫المنص��وص عليها في��ه وبهدف توحيد‬ ‫االجتهاد القضائي‪.‬‬ ‫وإح��داث ه��ذه المحكم��ة يعيدن��ا‬ ‫بالذاك��رة لمحكم��ة أمن الدول��ة والتي‬ ‫كان��ت مثا ًال للقض��اء االس��تثنائي‪ ،‬بل‬ ‫هي وريث��ة إحدى تجارب��ه‪ ،‬التي ولدت‬ ‫في ظل حالة الطوارئ وإعالن األحكام‬ ‫العرفي��ة القائم��ة من��ذ الع��ام ‪،1963‬‬ ‫حي��ث صدر ف��ي العام ‪ 1968‬مرس��وم‬ ‫بإحداث محكمة أمن الدولة لتحل مكان‬ ‫المحكمة العسكرية‪ ،‬التي كانت تتولى‬

‫محاكم��ات مناهض��ي أه��داف الث��ورة‬ ‫والنظام االشتراكي حسب المرسومين‬ ‫رق��م ‪ 4‬ورق��م ‪ ،6‬وأضيف إل��ى هاتين‬ ‫المهمتين من مهام محكمة أمن الدولة‬ ‫كل ما يمك��ن أن يحال عليها من جانب‬ ‫الحاك��م العرفي أو نائب��ه تحت عنوان‬ ‫قضايا أم��ن الدولة‪ ،‬وفي تاريخها كثير‬ ‫من قضايا ال تتصل بهذا العنوان‪ ،‬لكن‬ ‫تم إدراجها تحته‪.‬‬ ‫والمحكم��ة المذك��ورة تحول��ت‬ ‫طوال عقود من تاريخ س��وريا إلى قوة‬ ‫س��احقة‪ ،‬وب��د ًال من أن يك��ون القضاء‬ ‫مكان��اً للح��ق والعدل‪ ،‬تحول��ت محكمة‬ ‫أمن الدول��ة إلى قوة مخيف��ة‪ ،‬ويكفي‬ ‫أن يح��ال أي ش��خص أمامه��ا ليتوق��ع‬ ‫أش��د األحكام قس��وة‪ .‬وه��ذه المحكمة‬ ‫أصدرت أحكامها ف��ي قضايا الجماعات‬ ‫السياس��ية المعارض��ة ومنه��ا جماع��ة‬ ‫اإلخوان المسلمين‪ ،‬كما أصدرت أحكاما‬ ‫بح��ق نش��طاء سياس��يين وحقوقيين‬ ‫وغيرهم كثير‪.‬‬ ‫وكان��ت محكم��ة أم��ن الدول��ة‬ ‫والمحاك��م االس��تثنائية والميدانية قد‬ ‫أص��درت خ�لال الثمانين��ات آالف��ًا م��ن‬ ‫األح��كام القاس��ية‪ ،‬كثي��ر منه��ا كانت‬ ‫باإلعدام‪ ،‬واستهدفت خصوصًا متهمين‬ ‫باالنتماء إلى جماعة اإلخوان المسلمين‬ ‫إضافة إلى تيارات معارضة أخرى‪.‬‬ ‫وم��ن أش��د المآخ��ذ عل��ى ه��ذه‬ ‫المحكم��ة ه��و تش��كيلها م��ن ثالث��ة‬ ‫مستش��ارين أحده��م عس��كري‪ ،‬دون‬ ‫وج��ود مب��رر حقيقي له��ذا الخلط بين‬ ‫الس��لطات‪ ،‬كما أعطت ه��ذه المحكمة‬ ‫لقاض��ي التحقي��ق اختصاصات قاضي‬

‫اإلحال��ة‪ ،‬باإلضاف��ة إل��ى ع��دم التزام‬ ‫المحكمة باألصول المتبعة قانونًا‪.‬‬ ‫وإذا كان المب��رر له��ذه المحكم��ة‬ ‫اإلحاطة باألحداث الدائرة في س��وريا‪،‬‬ ‫ف��كان أولى بالمش��رع تش��كيلها لمدة‬ ‫زمني��ة مح��ددة تتجدد عن��د الضرورة‪،‬‬ ‫ب��دل أن يدخ��ل للجس��م القضائ��ي‬ ‫ه��ذا الكيان االس��تثنائي‪ ،‬ول��م يكتفي‬ ‫المش��رع بحرمان المتهم الصادر بحقه‬ ‫حك��م غياب��ي م��ن إع��ادة المحاكم��ة‪،‬‬ ‫بل إن��ه س��عى إلح��داث دائ��رة خاصة‬ ‫في محكم��ة النقض للنظ��ر بالطعون‬ ‫المقدم��ة عل��ى األحكام الص��ادرة عن‬ ‫هذه المحكمة االس��تثنائية‪ ،‬مما جعلها‬ ‫تخ��رج ع��ن الرقاب��ة للغرف��ة الجزائية‬ ‫لمحكمة النقض‪.‬‬ ‫ه��ذا ول��م يش��ر المش��رع إل��ى‬ ‫مخاصمة قضاة هذه المحكمة بل ترك‬ ‫الن��ص مفتوحاً‪ ،‬لنكون أمام حالة األمر‬ ‫الواق��ع التي ال تجي��ز مخاصمة القضاة‬ ‫العسكريين‪ ،‬رغم غياب نص يعطيهم‬ ‫هذه الحصانة‪.‬‬ ‫ونصت المادة (ا) من القانون رقم‬ ‫‪ 22‬للع��ام ‪ 2012‬ب��أن تح��دث محكم��ة‬ ‫تخت��ص بالنظر ف��ي قضاي��ا اإلرهاب‬ ‫مقره��ا دمش��ق ويجوز عن��د الضرورة‬ ‫إحداث أكثر من غرفة بقرار من مجلس‬ ‫القضاء األعلى‪.‬‬ ‫وتؤلف المحكمة‪ ،‬بحس��ب الفقرة أ‬ ‫من المادة (‪ ،)2‬م��ن ‪ 3‬قضاة كل منهم‬ ‫بمرتب��ة مستش��ار رئي��س وعضوي��ن‬ ‫أحدهم��ا عس��كري وتت��م تس��ميتهم‬ ‫بمرس��وم بن��اء عل��ى اقت��راح مجلس‬ ‫القضاء األعلى‪.‬‬

‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫وجاء في الفقرة ب من المادة (‪،)2‬‬ ‫بأن قاضي التحقيق يس��مى بمرس��وم‬ ‫بن��اء عل��ى اقت��راح مجل��س القض��اء‬ ‫األعل��ى ويخول إضافة إل��ى صالحياته‬ ‫بصالحيات قاضي اإلحال��ة التي تنص‬ ‫عليها القوانين النافذة‪.‬‬ ‫وقض��ت الفقرة ج م��ن المادة (‪،)2‬‬ ‫ب��أن يمثل الح��ق العام ل��دى المحكمة‬ ‫نيابة عامة خاصة بها يس��مى رئيسها‬ ‫وأعضاؤها بمرس��وم بن��اء على اقتراح‬ ‫مجلس القضاء األعلى‪.‬‬ ‫وتخت��ص المحكم��ة المحدث��ة‪،‬‬ ‫بموجب الفقرة أ من المادة (‪ ،)3‬بالنظر‬ ‫ف��ي جرائم اإلرهاب وفي الجرائم التي‬ ‫تح��ال إليه��ا م��ن قب��ل النياب��ة العامة‬ ‫الخاصة بالمحكمة‪.‬‬ ‫وبحس��ب الفق��رة ب م��ن الم��ادة‬ ‫(‪ ،)3‬ف��إن المحكم��ة ال تنظ��ر بالحقوق‬ ‫والتعويض��ات المترتب��ة ع��ن األضرار‬ ‫الناتجة ع��ن الجرائم في الدعاوى التي‬ ‫تفصل بها‪.‬‬ ‫ونصت المادة (‪ )4‬على أن يش��مل‬ ‫اختص��اص المحكمة جميع األش��خاص‬ ‫من مدنيين وعسكريين‪.‬‬ ‫أم��ا المادة (‪ ،)5‬فقضت بأن تخضع‬ ‫األحكام الصادرة عن المحكمة للطعن‬ ‫أمام دائرة خاصة تش��كل بمرسوم في‬ ‫محكمة النقض‪.‬‬ ‫وال تخض��ع األح��كام الغيابي��ة‬ ‫الصادرة ع��ن المحكمة‪ ،‬بموجب المادة‬ ‫(‪ ،)6‬إلع��ادة المحاكم��ة في ح��ال إلقاء‬ ‫القبض على المحكوم عليه إال إذا كان‬ ‫قد سلم نفسه‪.‬‬ ‫وقضت المادة (‪ )7‬انه مع االحتفاظ‬ ‫بحق الدفاع ال تتقيد المحكمة باألصول‬ ‫المنص��وص عليه��ا ف��ي التش��ريعات‬ ‫النافذة وذلك في جميع ادوار وإجراءات‬ ‫المالحقة والمحاكمة‪.‬‬ ‫وتنق��ل إل��ى المحكم��ة المحدثة‪،‬‬ ‫بحسب المادة (‪ ،)8‬دعاوى اإلرهاب التي‬ ‫هي قي��د النظر أم��ام س��ائر المحاكم‬ ‫بحالتها الراهنة‪.‬‬ ‫والتخ��وف األكبر هو أن تغدو هذه‬ ‫المحكمة باباً النتهاك حقوق اإلنس��ان‪،‬‬ ‫وانتهاك سيادة القانون… عبر قانونها‬ ‫االس��تثنائي وال��ذي ق��د يجع��ل منه��ا‬ ‫نموذج��اً جديداً للمراوغة واالس��تهداف‬ ‫السياسي تحت مسميات قانونية‪ ،‬أبعد‬ ‫م��ا تك��ون ع��ن روح أي قانون بش��ري‬ ‫ينتمي لثقافة احترام حقوق اإلنس��ان‬ ‫في القرن الواحد والعشرين‪.‬‬ ‫وأن تتب��ع المحكم��ة منح��ىً‬ ‫متشدداً ضد المتهمين تبعًا للتوجيهات‬ ‫السياسية أو العسكرية الصادرة لها‪.‬‬

‫الصفحة القانونية ‪. .‬‬

‫القا�ضي ب�إحداث حمكمة تخت�ص بالنظر يف ق�ضايا‬ ‫الإرهاب مقرها دم�شق‬

‫‪9‬‬


‫ال�سويداء عرو�س اجلنوب ال�سوري‬

‫نبض الروح ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪10‬‬

‫حكاية ال�شرايني التي تنب�ض ثورة وعر�س ًا يف ال�شهادة‬ ‫بقايا رائحة عطر فهد بالن العالقة في‬ ‫ثياب الشاعر سعدو الذيب "الحافظ للمودّات‬ ‫كحب��ة القمح" عل��ى رأي حنّا مين��ا‪ ،‬ورائحة‬ ‫قصب مطرز بنيسان‪ ،‬حملها طائرُ‬ ‫شرش��ف ٍ‬ ‫حوران أمانة من س��كان البي��وت المحروقة‬ ‫هن��اك ليم��رّ من مف��رق جاس��م للصنمين‬ ‫وفوق بصرى الشام ومنزل حمزة واص ًال إلى‬ ‫الثعلة والقري��ا ولِـ عرى طارق��ًا أبواب أهل‬ ‫الجبل يروي لوليفِ روح السهل جرحاً نزفَ‬ ‫ُ‬ ‫يس��أل عن الرفقة‪ ،‬ليعود‬ ‫في شوارع درعا‪،‬‬ ‫إلى عشّ��ه محمّ ًال جواب س��كان أهل الجبل‬ ‫"عالبال بعدك يا س��هل حوران" مستحلفينه‬ ‫باهلل "لو رحت المس��ا يا طير مسّ��ي عليهم‬ ‫طالت الفرقة"‪.‬‬ ‫ما ال��ذي حصل في الجبل الغافي على‬ ‫َكتِ��ف الس��هل قب��ل أيام؟ م��ا س��ر احتفال‬ ‫بصرى الش��ام وحمص وشامة س��وريا به؟‬ ‫لماذا يردد ثوارُ سوريا "يا سويدا حنّا معاكِ‬ ‫للموت"‪.‬‬ ‫يجيب أهل الس��ويداء أنها الثورة‪ ،‬بعد‬ ‫أن كثرت األس��ئلة عن أهل الثورة السورية‬ ‫الكب��رى أصح��اب المضاف��ات المفتوح��ة‬ ‫والقه��وة الم��رّة ورائح��ة الهي��ل‪ ،‬لكن قبل‬ ‫الخوض في التفاصيل ال بد من الحديث عن‬ ‫بعض األسباب التي انزاحت عن ظهر الجبل‬ ‫وكان لها األثر األكبر في دخوله فترة‬ ‫أخي��راً َ‬ ‫معينة مرحلة كرّ وفرّ مع النظام‪.‬‬ ‫بداية القصة قديمة وما يفضّله أهل‬ ‫الجب��ل أن يكون التركي��ز على الجزء األقرب‬ ‫منها زمناً إلى الثورة السورية‪.‬‬ ‫فمح��اوالت النظ��ام المس��تميتة لعزل‬ ‫الس��ويداء عن الثورة المش��تعلة على كامل‬ ‫الخريطة الس��ورية كثيرة ج��داً وهيَ إن لم‬ ‫تكن سببًا مقنعًا لدى البعض فهي بالنسبة‬ ‫آلخرين ّ‬ ‫خطة محكمة أثقلت الحراك الثوري‬ ‫في المحافظة عبر إش��غاله بأمور عدة ومنذ‬ ‫بداي��ة األش��هر األول��ى للث��ورة‪ ،‬منه��ا مث ًال‬ ‫قضيّة عناصر الجي��ش من أبناء المحافظة‬ ‫الواصلي��ن ّ‬ ‫كل يوم إلى الس��ويداء محملين‬ ‫ف��ي توابيت الموت‪ ،‬قضية اس��تطاع النظام‬ ‫أن يحرجَ بها النشطاء وقد قاموا بإلغاء أكثر‬ ‫من تظاه��رة احتراماً لمش��اعر أهل الفقيد‬ ‫م��ن الجيش‪ ،‬تلك القضية اس��تطاع النظام‬ ‫أيض��ًا م��ن خاللها خلقَ ط��رفٍ جديد يعمل‬ ‫تلقائي��اً إلى جانبه وه��ذا الطرفُ ليسَ من‬ ‫األم��ن وال الجيش وال الرفاق الحزبيين‪ .‬هذا‬ ‫الط��رف كان بع��ضَ أهال��ي الجن��ود الذين‬ ‫يتهم��ون الث��ورة بقت��ل أبنائهم واس��تطاع‬ ‫أن ي��زج ببعضه��م نح��و مواجه��ة الث��ورة‬ ‫والث��وار في الس��ويداء إلى جانب الش��بيحة‬ ‫والمتعاملي��ن مع��ه مه��دداً الس��لم األهلي‬ ‫في المدينة وواضعاً الس��ويداء في امتحانٍ‬ ‫صعب جداً‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫النظام الذي اشتغل على السويداء عبر‬ ‫أزالم��ه صوّر أهل المناط��ق الثائرة وكثيرة‬ ‫ه��يَ المناط��ق التي ل��م يكن الس��وريون‬ ‫يعرفونه��ا قبل الثورة‪ ،‬ص��وّر أهلها للفالح‬ ‫والعام��ل العادي ف��ي الس��ويداء على أنهم‬ ‫مجموع��ة م��ن الزع��ران وقط��اع الط��رق‬ ‫والمس��لحين من خالل وس��ائل إعالمه التي‬ ‫التفت��ت إلى الس��ويداء بعد إهمالها س��نين‬ ‫طويل��ة وصارت وس��ائله تلك تب��ث تقاريرَ‬ ‫دوري��ة ع��ن المحافظة بش��كل ع��ام بهدف‬ ‫كس��ب جمهور يرى في مرور اس��م مدينته‬ ‫أو صورة منها على شاش��ات وسائل اإلعالم‬

‫أمراً مدهشًا بالنسبة إليه‪ ،‬وما بين التقارير‬ ‫الت��ي يبثها هو مس��تمر ف��ي محاربة الثورة‬ ‫إعالميًا‪.‬‬ ‫لس��بب مهم جداً دور كبي��رٌ أيضاً في‬ ‫ٍ‬ ‫معان��اة الس��ويداء‪ .‬فم��ع استش��عار األس��د‬ ‫لتحرك درع��ا الجارُ القديم للس��ويداء‪ ،‬قام‬ ‫بزي��ارة "مفاجئ��ة" لق��رى المدينة‪ ،‬س��وّق‬ ‫س��يران عفوي للزوج‬ ‫لها اإلع�لام على أنها‬ ‫ٌ‬ ‫والزوج��ة واألوالد اس��تطاع م��ن خالله��ا‬ ‫اصطياد الكثيرين من أهل الجبل الطيبين‪،‬‬ ‫تل��كَ الزي��ارة كان��ت بتاري��خ الرابع عش��ر‬ ‫م��ن آذار ‪ 2011‬أي قب��ل انط�لاق ال ّث��ورة‬ ‫ف��ي درع��ا بأربعة أي��ام‪ ،‬فترة كان��ت قصّة‬ ‫األطف��ال المعتقلي��ن ف��ي درع��ا يتناقله��ا‬ ‫الناس س��راً وبعضهم تناس��اها‪ ،‬والقول أن‬ ‫األس��د استشعر الثورة س��ببه أنه يعلم أدق‬ ‫التفاصي��ل ع��ن قصّة األطف��ال المعتقلين‬ ‫وعدد األظاف��ر المقتلعة من أصابعهم وعن‬ ‫المهل��ة التي أعطاها أهل درعا لألس��د قبل‬ ‫أن يزلزلوا األرض تحت أقدامه‪ .‬صباحَ ذلك‬ ‫اليوم فوجئ أهل السويداء بهذه الحنيّة بعد‬ ‫نس��يانهم الدائم من كل الخطط الخمسية‬ ‫الت��ي تضعه��ا الحكوم��ة‪ ،‬هم حقّ��ًا فوجئوا‬ ‫خصوصاً أن األس��د األب الذي حكم س��وريا‬ ‫ثالثي��ن عامًا زارَ الس��ويدا َء مرّة واحدة في‬ ‫حيات��ه كان��ت ف��ي اليوم ال��ذي توف��ي فيه‬ ‫س��لطان باش��ا األطرش وكانت الزيارة لمدة‬ ‫ربع س��اعة‪ ،‬حين حطت طائرة الهيلوكوبتر‬ ‫في القريا ـ مس��قط رأس سلطان األطرش‬ ‫ـ للع��زاء ولم تتكرر تلك الزي��ارة مدى حياة‬ ‫الرئي��س ال��ذي كان يحلم أن يحكم س��وريا‬ ‫إلى األبد‪.‬‬ ‫زي��ارة األس��د الول��د إل��ى الس��ويداء‬ ‫اس��تهدفت ق��رىً فقي��رة وأه��م طبقة في‬ ‫المجتم��ع يمك��ن أن تش��عل الث��ورة ف��ي‬ ‫السويداء‪ ،‬طبقة الناس المنسيين‪ ،‬الفقراء‪،‬‬ ‫الفالحين والعمال‪ ،‬هؤالء من قابلهم بش��ار‬ ‫األس��د وأكل معه��م وش��رب الش��اي وقدّم‬

‫إلحدى العائ�لات مبلغًا لش��راء ح ّالبة لبقرة‬ ‫تترزّق من إنتاجها عائلة كاملة‪.‬‬ ‫يص��ف الدكت��ور خل��دون النبواني ابن‬ ‫المدين��ة زي��ارة األس��د ف��ي إح��دى مقاالته‬ ‫بأنها "أبعد م��ن أكل الفطائر على الصاج أو‬ ‫تمضية يوم العطل��ة للعائلة الحاكمة" وهو‬ ‫واضح مع انط�لاق الثورة‬ ‫م��ا ظهرَ بش��كل ٍ‬ ‫واألبعد الذي قصده الدكتور خلدون النبواني‬ ‫كان ش��رخًا كبي��راً وص��ل ح��د تخاصم األخ‬ ‫م��ع أخيه‪ ،‬خصامٌ أضعف ش��ارعَ الس��ويداء‬ ‫وأوقع��ه ف��ي مطبات كثي��رة ورافقه نش��ر‬ ‫الفرقة في صف الثورة نفس��ها وانقسامات‬ ‫وخالفات كثيرة س��اهم النظام في تغذيتها‬ ‫بشكل غير مباشر عبر أزالمه والمدسوسين‬ ‫تحت مسميات ثورية‪.‬‬ ‫الخام��س م��ن آذار ‪ ،2011‬قوات األمن‬ ‫تعتق��ل الطال��ب الجامعي حس��ن مهنا (‪20‬‬ ‫عام��ا) من قري��ة أم الزيتون في الس��ويداء‬ ‫بتهمة كتابة الشعارات على طريق السويداء‬ ‫ـ دمشق‪ ،‬ومن ثم تطلق سراحه في ‪ 24‬آذار‬ ‫‪ 2011‬ف��ي الفت��رة ذاته��ا التي أطل��ق فيها‬ ‫س��راح األطفال في درعا‪ ،‬والزدحام األحداث‬ ‫في ربيع الثورة الس��ورية والرعب المسيطر‬ ‫في قلوب الناس تم نس��يان هذا االسم ولم‬ ‫يعلم به أحد في السويداء‪.‬‬ ‫السابع والعشرون من حزيران ‪،2012‬‬ ‫ي��وم األربعاء وف��ي مركز المدين��ة الضيق‪،‬‬ ‫ازدح��امٌ للس��يارات والم��ارة والموظفي��ن‬ ‫العائدين إلى بيوته��م‪ ،‬فجأة أحدٌ ما يصرخ‬ ‫"اهلل س��وريا حريّ��ة وبس"‪ ،‬للس��ويدائيين‬ ‫مع ه��ذا الش��عار عالق��ة حميمة فه��وَ أول‬ ‫الش��عارات التي نطقوا بها ورافقهم ألشهر‬ ‫ع��دة ل��م يس��تطيعوا خالله��ا رف��عَ س��قف‬ ‫الش��عارات والوصول إلى المطالبة بإسقاط‬ ‫النظ��ام‪ ،‬دقائ��قُ قليلة التفَّ َ‬ ‫مطلِق‬ ‫ح��ول‬ ‫ِ‬ ‫الش��عار عش��رات الش��بان وللمرة األولى لم‬ ‫يكونوا من الش��بيحة‪ ،‬دقيقة أخرى أصبحت‬ ‫األعداد ضخمة يتوس��طها علم االس��تقالل‬

‫فادي الداهوك‬

‫تحمل��ه إح��دى صبايا الثورة والفت��ات كبيرة‬ ‫ترفعُ للمرة األولى ثم انطلقت التظاهرة‪.‬‬ ‫"الم��ا بيش��ارك‪ ..‬اهلل يهديه" الش��طر‬ ‫الثان��ي م��ن هذا الش��عار ي��ردد ف��ي باقي‬ ‫المحافظ��ات هك��ذا "الم��ا بيش��ارك‪ ..‬مافيه‬ ‫ناموس" لكن الس��ويداء في حاجة لنس��خة‬ ‫فكان ش��عاراً ذكيًّا ج��دّاً جلبَ‬ ‫خاص��ة به��ا‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫وتعاط��فَ‬ ‫إل��ى التظاه��رة بع��ض الم��ارّة‬ ‫نص��فِ المتفرجي��ن وروى م��ن ش��ارك في‬ ‫تل��ك التظاه��رة أن ع��دداً م��ن الش��بيحة‬ ‫ح��اول افتعال صدام م��ع المتظاهرين‪ ،‬لكن‬ ‫التج��ار من أصحاب المح�لات منعوهم ومن‬ ‫الشعارات الجميلة أيضاً والتي كانت مكتوبة‬ ‫على الفت��ة كبيرة "بيوتُ جبل العرب منازل‬ ‫لكل الس��وريين األحرار" ف��ي دعوة واضحة‬ ‫إل��ى الذي��ن تركوا بيوتهم ف��ي باقي المدن‬ ‫الس��ورية أن يأت��وا إلى الس��ويداء ومكانهم‬ ‫عيون أهلها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫في ذلك اليوم وفي المكان المس��يطر‬ ‫علي��ه من قبل النظام فلت��ت األمور من يده‬ ‫وخرج��ت أكب��ر تظاه��رة تش��هدها المدينة‬ ‫منذ ب��دء الث��ورة وحال لس��ان المش��اركين‬ ‫فيه��ا يق��ول للنظ��ام "كيف��ك فيّ��ا؟" فتلك‬ ‫المنطق��ة ـ المؤسس��ة العس��كرية ـ تق��ع‬ ‫في قل��ب المدينة ومركزه��ا التجاري وهي‬ ‫منطقة تعجّ بالشبيحة ودوريات األمن لكن‬ ‫التظاهرة أصابتهم بالذهول والحيرة‪ ،‬فهيَ‬ ‫خرجت في م��كان ال يمكن اس��تخدام القوة‬ ‫في��ه في ظل وجود ه��ذا االزدحام وفي ظل‬ ‫عدد المتظاهرين الكبي��ر كما ال يمكن بقا ُء‬ ‫الش��بيحة واألمن متفرجين فكان القرار أن‬ ‫ينسحبوا ويخسروا هذه الجولة‪.‬‬ ‫الس��اعة الثاني��ة عش��رة والرب��ع بع��د‬ ‫منتص��ف ليل يوم الخمي��س ‪ 5‬تموز ‪،2012‬‬ ‫نصف أهل المدينة نيام ونصفٌ آخر منشغل‬ ‫في هم الث��ورة‪َ ،‬‬ ‫كان متوقعًا في‬ ‫حصل م��ا َ‬ ‫المدين��ة‪ .‬إن أحصينا التوقع��ات فهيَ كثيرة‬ ‫لكن أبعده��ا كان انفجارُ س��يارة‪ ،‬تضاربت‬


‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫يجي��ب "قاربن��ا على فكّ جمي��ع العقد‬ ‫الت��ي صنعه��ا النظام ف��ي المدين��ة وكانت‬ ‫خطتن��ا لتظاهرة أضخم قي��د التحضير ولو‬ ‫فعلناها س��يكون النظام ق��د أصبحَ ضعيفًا‬ ‫ج��داً ف��ي الس��ويداء واألمور س��تصبح في‬ ‫صالحن��ا ول��ن يهمن��ا بعده��ا ش��بيحته وال‬ ‫أجهزته األمني��ة وال كل ثكناته العس��كرية‬ ‫التي تط��وق المدينة‪ ،‬لكنّه كان يستش��عر‬ ‫األم��ور بدق��ة فلجأ إل��ى اغتيال الناش��طين‬ ‫معي��ن رضوان وصفوان ش��قير‪ .‬ه��و أص ًال‬ ‫كان يبحث عن صفوان ولهذا الس��بب اقتحم‬ ‫منزل��ه ف��ي القريا واعتقل وال��ده مقابل أن‬ ‫يسلم نفس��ه‪ .‬اإلعالم السوري كان موجوداً‬ ‫في مكان التفجير وحشد كبير من الشبيحة‬ ‫وأمن��اء الف��رق الحزبي��ة إلكمال مس��رحية‬ ‫فاشلة"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫في صباح الخامس من تموز وردا على‬ ‫عملي��ة اغتيال الناش��طين رضوان وش��قير‬ ‫خرجت تظاهرة حاشدة قمعت بشكل وحشي‬ ‫من قبل األمن والشبيحة في مركز المدينة‪،‬‬ ‫لكن للمرة االولى رصدت كاميرات الناشطين‬ ‫عمليات االعتداء التي نفذها الشبيحة واألمن‬ ‫على المتظاهرين وعدد كبير منهم كان من‬ ‫الفتية‪ ،‬وانتهت التظاهرة باعتقال ‪ 23‬شخصًا‬ ‫بينهما عقي��دان متقاعدان‪ ،‬والحقاً عُرفَ أن‬ ‫ع��دداً م��ن معتقل��ي التظاهرة أس��عفوا في‬ ‫اليوم التالي إلى المستش��فى بش��كل سري‬ ‫لعالجه��م بعدم��ا تعرض��وا للض��رب المبرح‬ ‫باله��راوات والعص��ي الكهربائي��ة واألدوات‬ ‫لكسور في األيدي‪.‬‬ ‫الحادة وتعرض بعضهم‬ ‫ٍ‬ ‫غضب‬ ‫موجة‬ ‫وبع��د‬ ‫ف��ي الي��وم التالي‬ ‫ٍ‬ ‫عارم��ة جراء اعت��داء األمن والش��بيحة على‬ ‫تظاه��رة يوم الخميس كان أهل الس��ويداء‬ ‫عل��ى موع��دٍ مع تش��ييع الش��هيدين معين‬ ‫رضوان في الس��ويداء وصفوان ش��قير في‬ ‫بلدة القريا‬

‫نبض الروح ‪. .‬‬

‫ما م�صلحته يف التفجري ويف �إ�شعالها؟‬

‫فما الذي ح�صل؟‬

‫يص��فُ أبو س��لطان مش��هد التش��ييع‬ ‫ّ‬ ‫كان يبك��ي‪ ،‬اآلالف للمرة‬ ‫كم��ا تابعه‬ ‫"ال��كل َ‬ ‫االول��ى تج��وب ش��وارع الس��ويداء مطالب��ة‬ ‫بإس��قاط النظام"‪ .‬ويتابع سرد األحداث في‬ ‫السويداء فيقول "بدأ موقف العزاء في تمام‬ ‫الساعة التاس��عة صباحاً في س��احة سمارة‬ ‫األع��داد كان��ت كبي��رة وف��ي ازدي��اد‪ .‬ذهبنا‬ ‫لجلب الش��هيد من مقام عين الزمان حوالي‬ ‫الس��اعة العاش��رة والرب��ع‪ ،‬في تل��ك الفترة‬ ‫كان��ت الوف��ود تأت��ي وتعزي أهل الش��هيد‪.‬‬ ‫األع��داد في ازدياد والحش��ود كان��ت تتوافد‬ ‫من كل الشوارع في المنطقة‪ ،‬انطلقنا نحو‬ ‫مقام عين الزمان ومش��ينا مسافة ‪ 200‬متر‬ ‫قبل أن تصل الس��يارة الت��ي تحمل النعش‪،‬‬ ‫كن��ا نس��ا ًء ورج��ا ًال وأطف��ا ًال وش��يوخا الكل‬ ‫كان يهتف "اللي بيقتل ش��عبه خاين" غنّينا‬ ‫جوفية كتب كلماتها أحد الشبان للثورة "خسا‬ ‫م��ن قال الس��ويدا ذليل��ة" عدنا نحو س��احة‬ ‫س��مارة وبعد أن انتهت الصالة على الجنازة‬ ‫توجه كل الحضور نحو منزل أهل الش��هيد‪،‬‬ ‫حملن��ا والده على األكتاف وكان الجميع يردد‬ ‫"أب��و الش��هيد‪ ..‬إرف��ع راس��ك" وهت��اف "دم‬ ‫الش��هيد رأس األسد محلو" ثم تقدم الجميع‬ ‫نحو والدة الش��هيد التي كانت تحمل بيديها‬ ‫أغصان زيتون وهتفنا لها "أم الشهيد‪ ..‬كلنا‬ ‫والدك" كانت من أقس��ى اللحظات وكثيرون‬ ‫ه��م الذي��ن بَكوا أثن��اء وقوفنا أم��ام والدة‬ ‫الش��هيد"‪ .‬لم يلح��ظ أحدٌ أثراً للش��بيحة أو‬ ‫لق��وات األمن والج��و مريح وال ش��يء يدعو‬ ‫للقل��ق مع وج��ود اآلالف م��ن المتظاهرين‪.‬‬ ‫يتابع أبوسلطان "استغربنا اختفاء الشبيحة‬ ‫واألم��ن فهتفنا له��م" وين الش��بيحة‪ ..‬وين‬ ‫الشبيحة " ثم توجه قسم كبير منّا إلى بلدة‬ ‫القريا حيث كان المشيعون للشهيد صفوان‬ ‫شقير ينتظروننا لنشارك معهم"‪.‬‬ ‫ف��ي القري��ا‪ ،‬بلد الس��لطان‪ ،‬ل��م تكن‬ ‫األجواء مش��ابهة لم��ا حصل في الس��ويداء‬ ‫حي��ث تع��رض موكب التش��ييع إل��ى إطالق‬ ‫ن��ار كثيف تفرق على إثره المش��يعون‪ .‬أحد‬ ‫المش��اركين ف��ي التش��ييع يصف م��ا حدث‬ ‫قائ� ً‬ ‫لا "توجهن��ا م��ن الس��ويداء إل��ى القريا‬ ‫وف��ي الطري��ق كان الن��اس يلق��ون علين��ا‬

‫التحية ويرفعون لنا إش��ارات النصر"‪ .‬أضاف‬ ‫"وصلن��ا إلى موق��ف العزاء ف��ي القريا حيث‬ ‫كان المش��يعيون في انتظارن��ا لبدء الصالة‬ ‫على الجنازة‪ ،‬ف��ي هذه األثناء كانت الفريق‬ ‫اإلعالم��ي يتولى مهم��ة متابع��ة التطورات‬ ‫ونقله��ا إل��ى اإلع�لام فأخبرونا ع��ن توجه‬ ‫ست سيارات زيل عس��كرية محملة بالجنود‬ ‫كان‬ ‫والعت��اد الكام��ل نح��و القريا والس��بب َ‬ ‫عددن��ا الكبير‪ .‬انتهت الص�لاة‪ ،‬وخرج موكب‬ ‫التش��ييع من موقف القريا الواقع في الجهة‬ ‫الغربي��ة للبل��دة‪ ،‬قطعن��ا الش��ارع العام ثم‬ ‫توجهنا نحو صرح ش��هداء الثورة الس��ورية‬ ‫الكب��رى‪ ،‬وصلن��ا إلى هناك‪ ،‬قمن��ا بالطواف‬ ‫بالجن��ازة ح��ول تمث��ال س��لطان األط��رش‬ ‫ثم امتأل الصرح بالمش��يعين‪ ،‬قام الش��باب‬ ‫بعده��ا برف��ع علم االس��تقالل عل��ى تمثال‬ ‫س��لطان األط��رش‪ ،‬وكان معن��ا عل��مٌ آخر‬ ‫بطول العش��رة أمتار وعلمٌ كنا قد وضعناه‬ ‫عل��ى نعش الش��هيد صف��وان ش��قير‪ .‬أثناء‬ ‫خروجن��ا من الص��رح وتوجهنا نح��و المدفن‬ ‫كان��ت ق��وات األمن والش��بيحة ق��د تجمعت‬ ‫ف��ي الجهة المقابلة للص��رح‪ .‬وللمرة االولى‬ ‫تنزل قوة عس��كرية من الجيش إلى الشارع‬ ‫وكانت تق��ف إلى جان��ب األمن والش��بيحة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ظ��ل موك��ب التش��ييع متقدماً نحو الحش��د‬ ‫األمن��ي‪ ،‬ث��م قام بع��ض الناش��طين وكبار‬ ‫الس��ن بمفاوضة أح��د الضباط للس��ماح لنا‬ ‫بالمرور دون مشاكل بعد أن حاول الشبيحة‬ ‫اس��تفزازنا‪ .‬في هذه األثناء تم سحب العلم‬ ‫عن النعش حتى ال يتم اس��تهدافه أو إلحاق‬ ‫األذى به‪ ،‬كان الضابط يهدد أحد كبار السن‬ ‫الذين يفاوضونه ورفعَ السالح بوجهه األمر‬ ‫ال��ذي َ‬ ‫جعل عدداً من الش��بان يتقدمون نحو‬ ‫الضابط فاتحي��ن عن صدوره��م وطالبين‬ ‫من��ه أن يطل��ق الن��ار عليه��م‪ ،‬ردّ الضابط‬ ‫باستهزا ٍء وتطاول بالكالم على الرجل الذي‬ ‫يفاوضه فقام أحد الش��بان بصفعه‪ ،‬قبل أن‬ ‫يحرك الضابط س�لاحه كان قد تلقى حجراً‬ ‫من شاب آخر فأمر بإطالق النار‪ .‬كان إطالق‬ ‫الن��ار يحص��ل بش��كل جنوني‪ ،‬كنت أش��عر‬ ‫بالرص��اص يم��ر ف��وق رأس��ي وم��ن جانب‬ ‫أذنَي‪ .‬إطالق النار استمر لمدة نصف ساعة‬ ‫بش��كل كثي��ف واإلصاب��ات اقتص��رت على‬ ‫حاالت اختن��اق بعد رمي قوات حفظ النظام‬

‫قنابل الغاز المسيل للدموع علينا‪ .‬استطعنا‬ ‫تهريب النعش تحت وابل من الرصاص وتم‬ ‫دفن الشهيد كما يليق به"‪.‬‬ ‫نص��رة للس��ويداء والقري��ا خرجت في‬ ‫درع��ا وتحديداً ف��ي حي الكاش��ف‪ ،‬تظاهرة‬ ‫تهتف "من الس��ويدا ه ّلت البش��اير"‪ .‬تبعتها‬ ‫تظاهرة في بصرى الشام هتفت "يا سويدا‬ ‫حن��ا معاكي للم��وت"‪ ،‬وفي وق��ت الحق من‬ ‫مس��اء يوم الجمعة بعد انتهاء التش��ييع ن ّف َذ‬ ‫أهال��ي قرية مردك في الس��ويداء اعتصامًا‬ ‫طالب��وا في��ه بالمعتقلي��ن وكذل��ك أصدرت‬ ‫تنس��يقية حي الخالدية في حمص بيانًا جاء‬ ‫فيه‪:‬‬ ‫"حاول النظام االستبدادي جعل المدن‬ ‫الس��ورية ج��زرا معزول��ة عن بعضه��ا عبر‬ ‫تخويف المجتمع الس��وري من بعضه‪ ،‬لكنه‬ ‫فش��ل في ذلك ألن الش��عب السوري عريق‬ ‫بمكونات��ه كافة ولعل خير مث��ال على ذلك‬ ‫محافظة الس��ويداء التي حاول النظام ومن‬ ‫بداية الثورة أن يعزلها عن النس��يج السوري‬ ‫ولكنها أبت إال أن تكون في قلب الثورة‪ .‬فهي‬ ‫م��ن اللحظات األول��ى انخرطت ف��ي الثورة‬ ‫وقدمت نموذجا للحمة الش��عب الس��وري إال‬ ‫أن اإلع�لام أغف��ل حراكها المميز وال س��يما‬ ‫ف��ي مجال اإلغاثة فق��د وصلت جهودها إلى‬ ‫حمص وريف دمش��ق وحماة ودرعا وغيرها‬ ‫من المدن الس��ورية المنكوبة ولكن ما زلنا‬ ‫ننتظ��ر الكثي��ر م��ن ه��ذه المحافظ��ة وفقا‬ ‫لتاريخها المش��رف واحد واحد واحد الش��عب‬ ‫السوري واحد والتحية ألحرار السويداء"‪.‬‬ ‫في السويداء‪ ،‬يقول أهل الجبل البعيد‬ ‫أن الش��رايين تنبضُ ثورة والرصاص الذي‬ ‫يطلقُ على أجسادِ السوريين اليوم خبروه‬ ‫جي��داً ف��ي أول أيام حكم الوري��ث أمّا وجوه‬ ‫الش��هدا ِء ف��ي حم��ص وحم��اه ودي��ر الزور‬ ‫وإدلب فهيَ تش��به وجوه ش��هداء السويداء‬ ‫ال��ـ ‪ 23‬الذين قتله��م النظام بع��د أن اجتاح‬ ‫المدينة بالدبابات في العام ‪ ،2000‬هم اآلن‬ ‫يطالب��ون باثني��ن وأربعين معتق� ً‬ ‫لا مضافًا‬ ‫إليه��م النص��ر والحرية كما يلي��ق بعروس‬ ‫الجنوب السوري‪.‬‬ ‫المستقبل اللبنانية ‪2012 / 7 / 11‬‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬

‫األنب��اء في بداية القصّة ثم تبيّن الحقًا أن‬ ‫االنفجار ناجمٌ عن عبوة ناس��فة زرعت في‬ ‫سيارة تعود ألحد الناش��طين ويدعى معين‬ ‫ٌ‬ ‫ناش��ط آخر مطلوبٌ‬ ‫رض��وان وكان برفقته‬ ‫لألم��ن واس��مه صف��وان ش��قير‪ .‬اس��تمرت‬ ‫اإلش��اعات طيلة س��اعات الفج��ر األولى عن‬ ‫قنبل��ة أخ��رى مزروعة ف��ي س��يارة نمرتها‬ ‫درعا‪ .‬دائمًا ما تلصقُ التهم بدرعا فالنظام‬ ‫يبث الشائعات بهذه الطريقة "القبض على‬ ‫‪ 200‬مس��لح في ظهر الجبل من درعا كانوا‬ ‫يزرعون عب��وات متفج��رة" أو "الجيش الحر‬ ‫ف��ي درعا يقوم بتس��ميم البطيخ الذي يباع‬ ‫في الس��ويداء" لِما درعا وما ذنبها فوق كل‬ ‫م��ا يحصل فيها م��ن قتل وتدمي��ر التهامها‬ ‫بعمليات ضد أهالي السويداء؟‪.‬‬ ‫يق��ول الناش��طون ف��ي الس��ويداء أن‬ ‫النظام يريد أن يخصيَ الس��ويداء والفاعل‬ ‫ال ب��د وأن يك��ون درعا‪ ،‬ألن الس��ويداء‪ ،‬كما‬ ‫يقول ناش��طوها‪ ،‬لو فزعت لدرعا تكون قد‬ ‫أغلقت عليه بوابة الجنوب السوري وحصرته‬ ‫ف��ي آخر زاوية من دمش��ق‪ ،‬فلذل��ك واظبَ‬ ‫بشكل ممتاز ال يمكن ألحد أن ينكره بحصر‬ ‫العمل الث��وري في المحافظ��ة بالتظاهرات‬ ‫الليلي��ة الطي��ارة والعمل اإلغاث��ي‪ .‬لم يكن‬ ‫خي��ار التظاهرات الطي��ارة أو العمل اإلغاثي‬ ‫من فعل الناش��طين بل هو المس��احة التي‬ ‫قدمها لهم النظام للعمل تحت سقفها وهو‬ ‫راض عنهم تمامًا مع ضرورة حصول بعض‬ ‫ٍ‬ ‫االعتقاالت بين فترة وأخرى‪.‬‬ ‫بعد التظاهرة الحاش��دة ي��وم األربعاء‬ ‫الس��ابع والعش��رين من حزي��ران ‪ 2012‬أي‬ ‫َ‬ ‫قب��ل ثمانية أيام من حصول االنفجار تبينَ‬ ‫للنظام أن الس��ويداء طوّرت طريقة عملها‬ ‫وخي��رُ دليل له كان التظاه��رة التي غافلته‬ ‫وخرجت بهذا الحش��د‪ ،‬يقول أحد الناشطين‬ ‫"الس��ويداء حيرتنا وحيرت النظ��ام فرأى أن‬ ‫يش��علها هو ع��ن طريق اغتيال الناش��طين‬ ‫معين رضوان وصفوان شقير قبل أن تفلت‬ ‫األمور من يده"‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫للفقــــر وجـــه واحــــد‬ ‫نبض الروح ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪12‬‬

‫رزق عيسى‬

‫للفقر وجه واحد‬ ‫ال أدري هل هي المصادفة؟ أم أن الحياة‬ ‫تضعني في طرق الفقر!!!‬ ‫أم أنن��ي أبح��ث أينما ذهبت ع��ن معاناة‬ ‫البشر‪ ،‬معاناتهم المادية والروحية‪.‬‬ ‫احترت باسم المقالة أو بترتيب قصصها‬ ‫أو أفكاره��ا‪ ،‬فهل أكتب ع��ن الفقر في بلدي؟‬ ‫في البالد التي زرتها؟ في الكتب التي قرأتها؟‬ ‫هل أكت��ب عنه كظاه��رة مجتمعية؟ أم‬ ‫كنتيجة اقتصادية؟‬ ‫هل أصف مش��اهداتي العيني��ة بتجرد؟‬ ‫أم أحل��ل م��ن مخزون��ي التراكمي م��ن كتب‬ ‫ومقاالت؟‬ ‫هل للفقر وجه واحد؟‬ ‫مذ نش��أت كان في رأسي تحذيرٌ قديمٌ‬ ‫عن منطقة مجاورة لمكان نشأتي (النازحون)‪،‬‬ ‫منطق��ة قطنه��ا وال ي��زال العديد من س��كان‬ ‫بل��دي ممن نزحوا من بيوته��م وديارهم في‬ ‫الجوالن المحتل‪ ،‬ممن لم يقدروا على ش��راء‬ ‫منازل تليق بإنسانيتهم‪.‬‬ ‫كان التحذي��ر م��ن عائلت��ي‪ ،‬ب��أن تل��ك‬ ‫المنطقة من المناط��ق المحرم علينا كصغار‬ ‫أن نزوره��ا‪ ،‬لِمَ؟ كان الس��ؤال وكان الجواب‬ ‫ً‬ ‫مقنع‪.‬‬ ‫دوما غير ٍ‬ ‫تلك المنطقة مليئة بالمشاكل‪ ،‬مشاكل‬ ‫أمنية‪ ،‬س��رقات‪ ،‬اعت��داءات وما إل��ى ذلك من‬ ‫رعب الطفولة وغموض المكان والتجربة‪.‬‬ ‫وعندم��ا كب��رت وج��دت أن قاطني تلك‬ ‫فقر ش��ديدٍ ونقص في‬ ‫المنطقة يعانون من ٍ‬ ‫الخدمات األساس��ية للحي��اة‪ ،‬مادي�� ًة كانت أم‬ ‫إنس��انية أم معنوية‪ .‬ولم تنجح محاوالتي في‬ ‫تبرير خوف والدتي وعزوه إلى شعور الحماية‬ ‫األمومي‪ ،‬فقد كبرت وبتّ أرى المش��اكل في‬ ‫تلك المنطقة بعيني‪ .‬بل وتسنّت لي الفرصة‬ ‫ب��أن أرى مناط��ق عدي��دة مش��ابهة‪ ،‬يحكمها‬ ‫بش��كل أساس��ي ويصبغه��ا بطابع مش��ترك‬ ‫الفقر‪.‬‬ ‫عندم��ا انتقل��ت إلى ريفٍ ف��ي محافظة‬ ‫الالذقية‪ ،‬ألقطن لمدة ‪ 9‬س��نين‪ ،‬كان التعامل‬ ‫مع الفقر يوميًا‪ ،‬فمن ش��دة وطئته‪ ،‬كان علي‬ ‫أن أحس��ب م��ع عمتي التي ال تق��رأ وال تكتب‪،‬‬ ‫مصروفنا من الخبز اليومي‪ ،‬من بداية الشهر‪،‬‬ ‫كي يتسنى لنا معرفة الفائض من المصروف‬ ‫الش��حيح أص ًال‪ ،‬والذي بدوره يتوزع على عدة‬ ‫قنوات منها الزيت ومنها المازوت للتدفئة‪ ،‬فال‬ ‫فروج واحد في الشهر يطعم‬ ‫يبقى منه سوى ٍ‬ ‫‪ 6‬أشخاص وأحيانًا أكثر لتبلغ حصة الواحد منا‬ ‫‪ 100‬غ من الدجاج أو اللحم في الشهر‪.‬‬ ‫ال أزال أذك��ر كي��ف كان ح��ذاء أي منا أنا‬ ‫وإخوت��ي وربما أعمامي الذي��ن كانت أنفتهم‬ ‫وكبرياؤهم تمنعانه��م من إظهار فقرنا أمام‬ ‫باق��ي عائ�لات القري��ة‪ ،‬ذلك الح��ذاء الذي قد‬ ‫يكون بحاجة لإلصالح بسبب كثرة التصليحات‬ ‫قاس يغمر المنطقة بأمطار أو‬ ‫به‪ ،‬خالل شتا ٍء ٍ‬ ‫ثلوج تحت��اج فيما تحتاجه إل��ى أكثر من حذاء‬ ‫جديد يدفئ قدميّ‪.‬‬ ‫كان الفق��ر مجس��داً أمامي ف��ي العديد‬ ‫م��ن تفاصيل حياتنا‪ ،‬وكن��ت أذهل من براعة‬ ‫أه��ل القري��ة ف��ي التعامل م��ع فقرهم‪ ،‬ولم‬ ‫أدرك إال مؤخ��راً كم أثر فيّ تعاون وتماس��ك‬ ‫ذل��ك المجتمع م��ع بعضه‪ ،‬كي��ف كان الجميع‬ ‫وبال استثناء تقريبًا يمدون بعضهم بإمداداتٍ‬ ‫يحتاجها الجميع‪ ،‬من حطب للتدفئة أو مخلفات‬ ‫حيواني��ة لتس��ميد األرض‪ ،‬إل��ى مش��اركة‬ ‫بالمحاصيل‪ ،‬إلى مس��اعدة في عمل األرض‪،‬‬ ‫وحتى في األعمال المنزلية‪.‬‬ ‫كيف كان جميع من في القرية ينظرون‬

‫بعي��ن االحتقار لمن يتقاعس عن أداء الواجب‬ ‫لحماي��ة ه��ذا المجتم��ع الصغير م��ن تأثيرات‬ ‫الفاقة المادي��ة‪ .‬لم يكن ذلك فقراً معنوياً بل‬ ‫كان مادي��اً بحتاً‪ ،‬ولكن اآلن عندم��ا أنظر إلى‬ ‫القري��ة‪ ،‬أجد أن الفقر المادي ق��د تراجع وزاد‬ ‫الفق��ر الروحي على حس��ابه‪ ،‬وأح��زن‪ .‬أحزن‬ ‫عندم��ا أج��د أن العديد من جي��ران بيت جدي‪،‬‬ ‫قد أصبحوا مكتفين‪ ،‬مكتفين مادياً‪ ،‬فانكفئوا‬ ‫معنويًا‪.‬‬ ‫عن��د عودتي إلى دمش��ق‪ ،‬بع��د غياب ‪9‬‬ ‫س��نوات‪ ،‬كان��ت المدينة غريبة عل��ي‪ ،‬غريبة‬ ‫كم��ن لم يس��كنها ف��ي حيات��ه‪ ،‬فموقعي في‬ ‫الحي��اة قد تغير‪ ،‬فبينما كن��ت أنظر إلى الحياة‬ ‫كما األش��خاص من علو نصف مت��ر‪ ،‬بت أرى‬ ‫األش��ياء من أعلى‪ ،‬وقد أصب��ح طولي حوالي‬ ‫المتري��ن‪ ،‬بت أرى التفاصي��ل التي كانت تبدو‬ ‫عوالم أخرى وأنا صغير‪.‬‬ ‫ب��ت أبحث ع��ن معن��ىً‪ ،‬معنى ل��كل ما‬ ‫حولي‪ ،‬لم أس��تطع منع نفس��ي من المقارنة‬ ‫بين عوالم عش��تها‪ ،‬أماكن زرتها‪ ،‬بشرٌ مروا‬ ‫في دربي أو مررت في دربهم‪.‬‬ ‫حتى المدينة أمام نفسها تغيرت‪ ،‬وباتت‬ ‫بحاجة لمن يدلها على طريقها وسط انقالبات‬ ‫عدي��دة‪ ،‬انقالب��ات مجتمعي��ة واقتصادي��ة‪،‬‬ ‫صراع��ات أجيال تب��دأ من األس��رة وال تنتهي‬ ‫فقط عن��د متغيرات محلي��ة وإقليمية ودولية‬ ‫غيرت معالم األرض ومن عليها‪.‬‬ ‫هالني اتس��اع المدينة‪ ،‬وضيق معرفتي‬ ‫به��ا‪ ،‬آلمن��ي أن مدينت��ي هي مدين��ة صغيرة‬ ‫بكل ما فيها من معتركات للحياة اليومية ولم‬ ‫أكُ أدرك بأن ما تعيشه مدينتي وأسرتي وأنا‬ ‫كبي��ر مع ما يعيش��ه ‪ 90%‬من‬ ‫مش��تركٌ لحدٍ ٍ‬ ‫سكان األرض‪.‬‬ ‫في س��نة ‪ 2001‬أتيحت لي فرصة زيارة‬ ‫الهند‪ ،‬الق��ارة الهندية كلها كان��ت أمام عيني‬ ‫وأنا أحلق في الطائرة‪ ،‬طبعًا في هذه الصورة‬ ‫مبالغ�� ٌة كبي��ر ٌة فالق��ارة الهندي��ة ال يمكن أن‬ ‫تش��اهد كلها م��ن طائرة‪ ،‬مهما كان��ت عالية‪،‬‬ ‫ه��ذا ما اكتش��فته الحق��ًا‪ .‬كان��ت إقامتي في‬ ‫العاصمة دلهي‪ ،‬وكانت العاصمة مقسمة إلى‬ ‫قس��مين‪ ،‬نيو دلهي أو دلهي الجدي��دة‪ ،‬وأولد‬ ‫دلهي أو دلهي القديمة‪ ،‬بعدد س��كان إجمالي‬ ‫يق��در في ‪ 2001‬بحوالي ‪ 100‬مليون نس��مة‪،‬‬ ‫على بقعة جغرافية بمس��احة نصف س��وريا‪،‬‬ ‫وبتوزيع ديموغرافي جائر‪ ،‬ن حيث يقطن ‪80‬‬ ‫مليون نس��مة في أولد دلهي الت��ي تأخذ ثلث‬ ‫المس��احة أو ربعه��ا‪ ،‬و‪ 20‬ملي��ون نس��مة في‬ ‫نيودلهي التي تمتلك باقي المساحة‪.‬‬ ‫كنت أسترق اللحظات كي أراقب السكان‬ ‫المحليي��ن‪ ،‬ف��ي بقع��ة م��ن وس��ط المدين��ة‬ ‫القديم��ة‪ ،‬وعندم��ا كان��ت أمي م��ع صديقتها‬ ‫تبحثان عن متجر لبيع القطع الخش��بية‪ ،‬بقعة‬ ‫أقل ما يقال عنها أنها زريبة حيوانات مع رائحة‬ ‫كريه��ة‪ ،‬كان ثالث��ة أطفال يلعب��ون ضاحكين‬ ‫والف��رح يلع��ب عل��ى وجوهه��م‪ ،‬غي��ر آبهين‬ ‫بازدح��ام الحي��اة م��ن حولهم‪ ،‬هل ه��ذا فقر؟‬ ‫أي فرص��ة ألولئ��ك األطف��ال عندم��ا ينظرون‬ ‫غلى الحي��اة من على ارتف��اع مترين بعد نحو‬ ‫عش��ر س��نين أو أكثر؟ كم أتمنى لو أس��تطيع‬ ‫مقابلتهم اآلن كي أرى ما رأيهم بفاقة العيش‬ ‫في بلد عدد سكانه تجاوز المليار‪.‬‬ ‫بع��د ذل��ك بع��ام واح��د زرت اإلم��ارات‬ ‫العربي��ة المتح��دة‪ ،‬وال أزال ال أفه��م ع��ن أي‬ ‫اتح��اد يتكلم��ون؟ زرت ذل��ك البل��د "العربي"‬ ‫محاو ًال الفوز بفرصة عمل‪ ،‬تنتش��لني وأهلي‬ ‫من الضائقة المالي��ة‪ ،‬وقد توفر لي وإلخوتي‬ ‫وأم��ي فرصة عيش أفضل مالي��اً على األقل‪،‬‬ ‫ولحس��ن حظ��ي لم أوف��ق‪ ،‬ولك��ن م��ا رأيته‬

‫ف��ي ذل��ك البل��د القائ��م حديثًا عل��ى عالقات‬ ‫عم��ل منظمة ومس��توردة بالكام��ل من بالد‬ ‫أخ��رى‪ ،‬حتى يحس المواط��ن بأنه غريب عن‬ ‫نفس��ه فكيف عن اآلخر‪" ،‬بس بتجيب سيارة‪،‬‬ ‫بتشتغل ‪ 5‬سنين وبتدفع بدل جيش‪ ،‬بتشتري‬ ‫بي��ت‪ ،‬بترتب��ط وبيصي��ر عندك عيل��ة ووالد"‬ ‫كلمات لطالما س��معتها وسمعها معظم أفراد‬ ‫جيل��ي‪ ،‬من أف��راد جيل س��بقه‪ .‬كس��ب مادي‬ ‫سرع‪ ،‬يوفره فرق العملة وفرق سعر الصرف‪،‬‬ ‫يتي��ح لحامل الفيزا الخليجي��ة فرصة االنتقال‬ ‫اقتصادي��ًا إلى مصاف المغتربين الذين يأتون‬ ‫في اإلجازة محملين بالهدايا‪ ،‬التي كانت قيمة‬ ‫الواحدة منها ال تتجاوز مصروف طفل في بلد‬ ‫خليج��ي ليوم واحد‪ .‬ولكن هل س��ألنا أحدهم‬ ‫عن ثمن هذه الهدايا التي يدفعها هو وأسرته‬ ‫م��ن روحهم؟ وهل اس��تطاعت المادة والنقود‬ ‫اس��تبدال أس��رهم هن��ا؟ اس��تبدال صحب��ة‬ ‫الجيران؟ استبدال الشعور العام في هذا البلد‬ ‫وغي��ره الكثير بأمان ال��روح؟ بطمأنينة البال؟‬ ‫براحة الضمير؟‬ ‫عندم��ا زرت مص��ر ف��ي س��نة ‪- 2007‬‬ ‫‪ ،2008‬كان ف��ي بال��ي زي��ارة ل��م تك��ن في‬ ‫حس��بان والدت��ي التي اس��تغربت ب��ل وأبدت‬ ‫تخوفه��ا من مطلبي‪ ،‬فقد طلب��ت زيارة أحياء‬ ‫الصفيح‪ ،‬ومس��اكن القب��ور‪ ،‬طبعاً لم توافق‪،‬‬ ‫ولكنن��ي فعلتها مع صديق لي يقطن القاهرة‬ ‫من��ذ فت��رة‪ ،‬ذهبنا ف��ي اللي��ل إل��ى المقطم‬ ‫وبقين��ا س��اهرين حتى ب��زوغ الفج��ر‪ ،‬أطلت‬ ‫الش��مس ملقي��ة بس��حرها على تمث��ال أبي‬ ‫الهول واألهرامات الش��هيرة من جهة‪ ،‬وملقية‬ ‫الحزن واألل��م في قلبي من جه��ة أخرى‪ ،‬فما‬ ‫ش��اهدته من أحياء الصفي��ح المتراكمة فوق‬ ‫بعضها كان ش��يئاً غي��ر قاب��ل للتصديق أو ًال‬ ‫وغير قاب��ل للوصف ثاني��اً‪ ،‬آالف بل قل مئات‬ ‫آالف من البش��ر يس��كنون أرض��ًا صنعوا فيها‬

‫بيوت��ًا من الصفيح‪ ،‬س��معت الكثي��ر عن هذه‬ ‫البي��وت ولكن المنظ��ر كان مؤذي��ًا أكثر‪ ،‬وما‬ ‫كان مؤذياً أكثر هو حالة البشر المقيمين في‬ ‫ذلك البلد "كل س��نة وأنت طي��ب يا بيه‪ ،‬حمد‬ ‫هلل على الس�لامة يا باش��ا" وعش��رات الجمل‬ ‫المزروع��ة في رأس العديدين‪ ،‬هدفها الوحيد‬ ‫هو كس��ب جنيه زيادة‪ ،‬ف��إن لم تفلح‪ ،‬فعليك‬ ‫أن تفت��ش جيوبك في كل مرة تمر فيها قرب‬ ‫أح��د المارة‪ ،‬في ذلك المس��اء وبع��د أن مألت‬ ‫عيني بصور مخزنة في الذاكرة لبشر ينامون‬ ‫ف��ي القبور‪ ،‬لعم تمكنهم م��ن الحصول على‬ ‫من��زل‪ ،‬اس��تذكرت حادث��ة في زيارت��ي للهند‬ ‫نسيت أن اذكرها سابقًا‪.‬‬ ‫عندم��ا ركب��ت الب��اص المتج��ه إلى تاج‬ ‫مح��ل‪ ،‬مع عدد م��ن األجانب ودليل س��ياحي‪،‬‬ ‫سمعت القصة التالية‪:‬‬ ‫في أولد دلهي‪ ،‬تجد البش��ر نائمين على‬ ‫أرصفة الطرقات‪ ،‬ول��كل منهم مكانه المحدد‬ ‫ال��ذي يأتيه لي� ً‬ ‫لا أو نهاراً كم��ا بيته‪ ،‬فيفترش‬ ‫األرض وين��ام‪ .‬ف��إن أتى ووج��د أحدهم نائمًا‬ ‫مكان��ه‪ ،‬فم��ن الممكن ل��ه بعرف الش��ارع أن‬ ‫يقتل��ه ويرميه للكالب في الش��ارع‪ ،‬ألن هذه‬ ‫البقع��ة من الرصي��ف هي ملك ل��ه‪ ،‬وال يحق‬ ‫ألحد أن يقطنها سواه‪.‬‬ ‫نف��س القص��ة موج��ودة في مس��اكن‬ ‫القب��ور‪ ،‬فهذا القبر لي وألس��رتي‪ ،‬وقد نموت‬ ‫دفاع��اً عنه‪ ،‬إذ ال مكان آخر لنا لنس��كنه س��وا‬ ‫هذا القبر‪.‬‬ ‫ف��ي الجزائر؟‪ ،‬وفي زيارت��ي الحالية في‬ ‫س��نة ‪ ،2011‬زرت مدينة البليدة كي أس��تقل‬ ‫التلفريك باتجاه جبل الش��ريعة‪ ،‬على ارتفاع‬ ‫‪1400‬م وف��ي الطري��ق صع��وداً وهبوط��ًا‬ ‫كان��ت صور بيوت الصفي��ح المحيطة بطريق‬ ‫التلفري��ك‪ ،‬تجتاحني كما عاصفة هوجاء‪ ،‬كل‬ ‫جمال المنطقة لم يع��د قادراً على محو صور‬


‫باكيت حمرا ق�صرية‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬

‫ه��ذه القصة خالية من الزم��ن‪ .‬لقد توقف الزم��ن وتجمد عند‬ ‫تل��ك اللحظة التي س��قط فيه��ا "باكيت الحمرا القصي��رة" من جيبه‬ ‫وس��ال ش��يء لزج على يدي التي وضعتها تحت رقبته ويدي األخرى‬ ‫عل��ى خصره في محاولة مني لحمله‪ ،‬بعد أن أقنعني الش��اب الواقف‬ ‫فوق رأسي بأن صديقه ما زال حيا‪ ،‬عندما رفعته بقوة وسحبته إلى‬ ‫ص��دري‪ ،‬تبين ل��ي أن رأس��ه كان فارغا‪ ،‬مفتوحا م��ن الجهة األخرى‬ ‫ودماغه كان يسيل على األرض‪.‬‬ ‫سقط من بين يدي وتركته مذهوال‪ ،‬مرعوبا‪..‬‬ ‫ما زلت أجهل كيف وجدت نفس��ي في بيتي وال شيء برأسي إال‬ ‫صورة باكيت الحمرا وهو يسقط من جيبه‪ ،‬لقد جرحت تلك الصورة‬ ‫ذاكرتي لألبد‪ ،‬ال أعرف لماذا علقت تلك اللقطة بذاكرتي‪ ،‬لقد نسيت‬ ‫كل شيء وارتبط كل شيء بباكيت الحمرا‪ ،‬أذكر أن الشارع كان مليئا‬ ‫باألحذية‪ ،‬أحذية كثيرة بأش��كال وأحجام مختلفة‪ ،‬لكنها جميعا كانت‬ ‫بائسة‪ ،‬غادرتها األقدام بسرعة‪ ،‬بعد أن كانت لبستها بهدوء وإصرار‬ ‫عل��ى الس��ير باتجاه درع��ا المدين��ة لمؤازرتها بعد مجزرة المس��جد‬ ‫العمري‪ .‬ما زالت أصوات االستغاثة والبكاء المجنون في رأسي‪ .‬شيء‬ ‫ما كان يخبرني أني تحدثت مع ذلك الشاب‪ ،‬كنت موقن بأنني وعدته‬ ‫بأن أخذ بثأره‪ ،‬وأصبح هذا الوعد محور حياتي‪..‬‬ ‫بع��د ذل��ك انفصلت الوجوه ع��ن األصوات‪ ،‬واألص��وات أصبحت‬ ‫كالص��دى بعيدة‪ ،‬تمر بجانبي كأنها ال تعنين��ي‪ ،‬كل األحداث لم تعد‬ ‫تعنيني‪ ،‬أصبحت كالمراقب البعيد ألحداث حياتي‪ ،‬لم يعد لدي القدرة‬ ‫على التفاعل مع الناس واألحداث‪.‬‬ ‫كنت حريصا على نبتة الحقد التي تفجرت في صدري في تلك‬ ‫اللحظ��ة‪ ،‬وأخذت أغذيها كل يوم وأنميها‪ ،‬كنت‪ ،‬حريصا أال أس��مع أو‬ ‫أش��اهد ش��يئا يعكر صفو حقدي‪ ،‬كنت أغذي��ه وكان يغذيني‪ ،‬لذلك‬ ‫ابتع��دت عن كل األصدق��اء‪ ،‬خصوصا العقالء منه��م‪ ،‬وأطفأت جهاز‬ ‫التلف��از‪ ،‬وصرت أراقب طفلت��ي الصغيرة كل يوم لس��اعات طويلة‪،‬‬ ‫ل��م أك��ن أعرف م��اذا أنتظر‪ ،‬كان��ت بندقيتي جاهزة‪ ،‬وف��ي كل يوم‬ ‫أجلس وحيدا بعد أن ينام الجميع وأحصي الطلقات وأضعها في فمي‬ ‫ف��ي كل م��رة قبل أن أعبئها في مكانها‪ ،‬كانت تلك عادتي الش��هيرة‬ ‫أثن��اء خدمتي العس��كرية‪ ،‬لم أخطئ هدفا في حيات��ي‪ ،‬كنت ألحس‬ ‫الطلق��ات قبل أن أعبئه��ا كانت تلك عادتي الت��ي تذكرتها فجأة بعد‬ ‫هذه الس��نين‪ ،‬كن��ت أخاف أن يخذلني حقدي‪ ،‬كن��ت بانتظار اللحظة‬ ‫المناس��بة‪ ،‬اشتريت باكيت حمرا قصيرة ووضعته في جيبي مع أنني‬ ‫ال أدخنه‪ ،‬كان رفيقي الدائم‪..‬‬ ‫ل��م يعرف قلب��ي وال حتى عقل��ي التردد‪ ،‬لكنني كن��ت بانتظار‬ ‫أش��ارة ما‪ ،‬وفي تل��ك الجمعة جاءتني تلك اإلش��ارة عندما أيقظتني‬ ‫ابنت��ي الصغيرة وهي تحمل باكيت الحمرا‪ ،‬ش��عرت أنها تخبرني أن‬ ‫الوق��ت قد حان‪ ،‬ش��يء م��ا أخبرني أن ه��ذه هي اللحظ��ة التي كنت‬ ‫أنتظرها‪..‬‬ ‫كن��ت متمددا هناك بوضيعة الرامي منبطحا التي أتقنها كثيرا‪،‬‬ ‫كنا خمس��ة ش��باب في هذه النقطة‪ ،‬وكنا في منطقة تكش��ف تجمع‬ ‫رجاالت األمن والش��بيحة بوضوح‪ ،‬ال أس��تطيع تمييز الوجوه من هنا‬

‫لكنني أس��تطيع تمييز حركات الجسد التي أستطيع القول أنني خبير‬ ‫به��ا‪ ،‬ال بد أن هناك ش��يئا ما في هيئتي أو ف��ي عيوني جعل رفاقي‬ ‫الذي��ن أراهم للم��رة األولى الي��وم‪ ،‬يقدمونني عليه��م ويعاملوني‬ ‫كزعي��م‪ ،‬وزعتهم ف��ي المنطقة بخب��رة واتخذت مكان��ي‪ ،‬ووضعت‬ ‫باكي��ت الحمرا أمامي وبدأت أبحث ع��ن القاتل‪ ،‬بندقيتي في وضعية‬ ‫الرمي دراكا‪ ،‬كيف س��أميزه‪ ،‬كنت واثقا أني سأعرفه فور رؤيتي له‪،‬‬ ‫لكنني لم أش��اهده في حيات��ي لقد كان إطالق النار عش��وائيا‪ ،‬كان‬ ‫المشهد يومئذ أشبه بقيامة كبرى‪ ،‬وأنا خرجت من بيتي الذي وقعت‬ ‫المج��زرة أمامه فج��أة‪ ،‬وفي لحظة كنت في وس��ط المجزرة والجثث‬ ‫والجرحى والصيحات الضائعة في الفراغ وصوت الرصاص الذي كان‬ ‫قريبا جدا‪.‬‬ ‫كن��ت أراهم كل يوم في طريقي للعمل وأتمعن في وجوههم‬ ‫وضحكاتهم وعيونهم التي ال ترحم أحدا‪ ،‬لهم عيون تشبه بنادقهم‪،‬‬ ‫يس��تطيع احده��م جرحك بنظرات��ه‪ ،‬ثم يجهز علي��ك بطلقة‪ ،‬وكأن‬ ‫ش��يئا ل��م يحدث‪ ،‬كن��ت أرى ف��ي تجمعهم قريب��ا من بيت��ي انتهاكا‬ ‫لحياتي وحياة عائلتي‪ ،‬كنت ارتجف لحظة خروجي من المنزل برفقة‬ ‫زوجتي‪ ،‬كانت المس��افة التي يجب أن اقطعه��ا من أمامهم ال تقاس‬ ‫بالزم��ن أو بالخط��وات‪ ،‬إنما بدقات القلب‪ ،‬وع��دد الوجوه التي أتخيل‬ ‫إنني أهش��مها وعدد العيون التي أتخيل إنن��ي اقتلعا من محاجرها‪،‬‬ ‫لقمت البندقية وأخذت أبحث بينهم‪..‬‬ ‫أنه ذلك الضابط الذي يعطي التعليمات ويوزع جنوده ويطبطب‬ ‫على ظهورهم‪..‬‬ ‫إن��ه ذلك الجندي الذي يمزح مع رفاقه بخبث‪ ،‬في هذه اللحظة‪،‬‬ ‫لحظة االس��تعداد للقتل‪ ،‬إنهم ليسوا هناك لتفريق المظاهرة‪ ،‬إنهم‬ ‫هناك كي يقتلوا‪ ،‬كان هذا واضحا من حركات أجسادهم‪..‬‬ ‫وصلت س��يارة مس��رعة ون��زل منه��ا أحدهم‪ ،‬ش��عرت بغروره‬ ‫يالمس وجهي‪ ،‬ش��عرت في حركاته بعدد الذين قتلهم‪ ،‬كنت أتخيل‬ ‫ضحاي��اه‪ ،‬عانق ثالثة م��ن الموجودين‪ ،‬كان واضح��ا أن لديه اعتبار‬ ‫ما‪..‬‬ ‫ذلك الش��اب الجالس وحيدا والذي حياه الجميع وتحدث بعضهم‬ ‫إليه‪ ،‬كان واضحا انه مميز بينهم‪ ،‬ذلك الجندي الذي يتفحص أسلحة‬ ‫أصدقائه ويتأكد منها‪..‬‬ ‫لقد حفظتهم جميعا‪ ،‬لن يغيبوا عن عيني‪ ،‬وبعد ساعة من اآلن‬ ‫سيكونون في الجحيم‪..‬‬ ‫خالل ساعة جلس��ت أراقبهم وأراقب المكان المحيط بهم‪ ،‬كان‬ ‫من المهم لي أن ال أضيع أحدهم‪ ،‬لقد ش��عرت أنني بينهم وحفظت‬ ‫حركاتهم‪ ،‬شعرت أن نجاة أحدهم ستقتلني‪..‬‬ ‫لقد أرديتهم جميعا‪..‬‬ ‫ال أعرف كيف انتهت اللحظة وكيف انسحبنا‪..‬‬ ‫عندم��ا كنت أداعب ابنتي في البيت‪ ،‬ش��عرت أنن��ي ما زلت في‬ ‫تلك النقطة‪ ،‬في وضعية االنبطاح والتأهب للثأر‪ ،‬شعرت إنني علقت‬ ‫هناك لألبد‪ ..‬لقد علقت هناك لألبد مع باكيت الحمرا القصيرة‪.‬‬

‫نبض الروح ‪. .‬‬

‫يوسف أبو خضور‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫تلك البيوت‪ ،‬وأولئك األطفال الذين يسكنونها‬ ‫وهم عائدين من مدارسهم‪.‬‬ ‫فقر‪....‬‬ ‫فقر بماذا؟‬ ‫ه��ل ه��و فق��ر م��ادي؟ حس��نٌ‪ ،‬ه��ذا‬ ‫الفق��ر الم��ادي لم؟ وبل��د كالهن��د أو مصر أو‬ ‫الجزائ��ر لديه م��ن الث��روات الطبيعية وطاقة‬ ‫العمل البش��رية واحتماالت التطور الصناعي‬ ‫والثقافي ما ال يتوفر لبالد كثيرة‪.‬‬ ‫ال أس��تثني بلدي س��وريا من المقارنة‪،‬‬ ‫وال بل��داً كالبرازي��ل مث� ً‬ ‫لا‪ ،‬ف��كل ه��ذه البالد‬ ‫لديها طاقات اقتصادية مهمة جداً‪ .‬ال تستثمر‬ ‫بشكل صحيح أو أن عائدات هذه االستثمارات‬ ‫تذه��ب بعيداً إلى أماكن تجمع الرأس��مال في‬ ‫البنوك المتعددة الجنسيات‪.‬‬ ‫هل هو فقر روحي؟ حس��نٌ‪ ،‬ما الس��بب‬ ‫ف��ي هذا الفق��ر الروح��ي؟ وبلد كالهن��د التي‬ ‫أخرجت أكبر مس��تعمر مر عل��ى األرض دون‬ ‫عن��ف‪ ،‬يلد يحمل في تاريخ��ه واحدة كم أهم‬ ‫ثقافات وفلس��فات الحياة والسالم والمساواة‪،‬‬ ‫مصر التي تع��رف من المدني��ة والحضارة ما‬ ‫يلزم أم��م قارة كاملة أن تجمع��ه‪ ،‬أم الجزائر‬ ‫الت��ي قدمت مليون ش��هيد ك��ي تتخلص من‬ ‫اس��تعمار جثم ‪ 140‬س��نة على قل��وب وأرواح‬ ‫الناس‪ ،‬فخرج المستعمر وماتت األرواح‪.‬‬ ‫أم أحدثك��م ع��ن بل��دي؟ عن بل��د قرأت‬ ‫تاريخ��ه ف��ي الكتب‪ ،‬وش��اهدته في ش��وارع‬ ‫وح��ارات وأزق��ة مدن��ه؟ بل��د م��ر علي��ه آالف‬ ‫السنين‪ ،‬وآالف األجيال‪ ،‬المستعمرين والطغاة‬ ‫والمفكرين واألدب��اء‪ ،‬الخلفاء واألمراء‪ ،‬اآللهة‬ ‫واألنبي��اء‪ .‬حم��ل س��فنه وقوافل��ه المدني��ة‬ ‫والحضارة وأرسلها في كل أصقاع األرض‪.‬‬ ‫إن كان ال ب��د ل��ي م��ن الس��ؤال أود أن‬ ‫أس��ألكم‪ ،‬ما الذي تغي��ر فينا حتى ب��ات همنا‬ ‫فردي��اً‪ ،‬وب��ات خالصنا فردي��ًا‪ ،‬وبات��ت حياتنا‬ ‫تملكًا‪ ،‬بات التطلع داخلنا ليس إلى حرية الذات‬ ‫ب��ل إل��ى عبودية الم��ادة‪ ،‬ليس إل��ى فردانية‬ ‫ش��خصياتنا بل إلى روح القطيع المس��اق إلى‬ ‫حتفه مطأط��ئ الرأس‪ ،‬يخاف حت��ى من ثغا ٍء‬ ‫ق��د يخرج من فم��ه فينبح عليه كل��ب الراعي‬ ‫ليسكته‪.‬‬ ‫هل بتن��ا فارغين وبائس��ين لدرجة أننا‬ ‫ن��رى م��ا حولنا م��ن تغي��ر فنقول‪ :‬م��ا لهم ال‬ ‫يرضون‪ ،‬وهل في اإلمكان أحسن مما كان؟‬ ‫هل بتن��ا جثثًا هامدة ال تق��وَ حتى نفخ‬ ‫الت��راب والغب��ار م��ن حوله��ا لت��رى أن الحياة‬ ‫س��بقتنا بمس��افةٍ لو ركضنا بأقصى سرعتنا‬ ‫فلن نلحق بها؟‬ ‫هل استس��لمنا لقدرنا وقبلن��ا أن نكون‬ ‫على هام��ش الحياة‪ ،‬حياتنا نحن‪ ،‬مس��تقبلنا‬ ‫نحن؟‬ ‫هل أصبح الهواء ثقي� ً‬ ‫لا في رئتينا حتى‬ ‫عجزنا ع��ن التنفس وتوقفنا عن اإلحس��اس‬ ‫بجدوى الحركة في الحياة؟‬ ‫ه��ل توق��ف ال��دم ع��ن الجري��ان ف��ي‬ ‫عروقنا واستبدلناه بالمحس��وبيات والرشاوى‬ ‫والواسطة؟‬ ‫ه��ل أصبحت أرواحن��ا ضيقة مضغوطة‬ ‫إلى حد أن تباع وتشترى في بورصات السوق‬ ‫وطاوالت القمار في الفنادق؟‬ ‫إن لم نكن كذلك‪ ،‬أال يحركنا من الداخل‬ ‫شعور بالحاجة للتغيير؟‬ ‫ألم يحن الوقت لتغيير؟ تغيير فينا‪ ،‬قبل‬ ‫أن يكون خارجنا؟؟؟‬ ‫الحي��اة جمعية والخ�لاص جمعي والهم‬ ‫جمع��ي والتغيير جمعي والنتيجة جمعية‪ ،‬ولنا‬ ‫أن نهرب من هذه الكلمات‪ ،‬ولكنها ستالحقنا‪،‬‬ ‫كلما هربنا وهرمنا‪ ،‬س��يبقى في قاع كل منا‪،‬‬ ‫تل��ك ال��روح التي ال تن��ام‪ ،‬ال تم��وت ال تقهر‪،‬‬ ‫س��تظل حية ش��اهدة أن هنا كان بش��ر أداروا‬ ‫ظهرهم لمس��ؤوليتهم تجاه أنفس��هم وتجاه‬ ‫جماعته��م‪ ،‬تجاه تاريخهم وتج��اه أجيال خلت‬ ‫وأجيال ستأتي‪.‬‬ ‫للفق��ر أوجه عديدة ف��ي الظاهر‪ ،‬ووجه‬ ‫واحد ف��ي الحقيق��ة‪ ،‬كلم��ا ازداد فق��ر الروح‬ ‫والحياة‪ ،‬صار اإلنسان بائسًا أكثر‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫دندنات إندساسية ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪14‬‬

‫اجليــ�ش احلــر‪..‬‬ ‫�أمانة‪ ..‬ال تخونو هاالمانة‪!..‬‬

‫روني فريدوم‬

‫تعب��ان‪ ..‬تعبان كتير‪ ..‬من حالة بلد‪..‬‬ ‫من وضع بلد‪ ..‬عم نطلبلو حريّة‪..‬‬ ‫تعب��ان الن��ي ع��م ح��س كل ش��ي‬ ‫انش��غل من قبل لوصلنا لهون عم يروح‬ ‫بهالوقت‪..‬‬ ‫ل��ح نخل��ص بالنهاية ولح يس��قوط‬ ‫النظام‪ ..‬بس ل��ح نكون انهرنا ولح يكون‬ ‫الش��غل اللي عنا ياه واللي بدنا نش��تغلو‬ ‫اضعاف مضاعفة‪..‬‬ ‫ببالدي في شباب عم يحملو سالح‪..‬‬ ‫شباب بعمر الورد‪ ..‬عم يحملو سالح‪..‬‬ ‫بزكرون��ا بايام ما كن��ا نصدق وقت‬ ‫نش��تري فرد الخ��ردق‪ ..‬ونع��د نلعب فيه‬ ‫ومبس��وطين انو في شي‪ ..‬بيشبع غريزة‬ ‫اإلنسان‪ ..‬للميل للعنف‪..‬‬ ‫ما كنا ننبس��ط بالفرودة صرنا ندور‬ ‫عالبواري��د الخ��ردق الل��ي بت��أزي أكتر‪..‬‬ ‫الس��ادية والعن��ف والحب لتحس��س األلم‬ ‫كان جوات هالعالم كال‪..‬‬ ‫عم شوف هيك بالدي هاأليام‪ ..‬عم‬ ‫تتحول لحب س��ادي عنفي وعالقة سادية‬ ‫بين الثائر وأرضو‪..‬‬ ‫الثائ��ر م��ا بينبس��ط اال لم��ا يدع��ي‬ ‫عحالو‪ ..‬أنو إن ش��ا اهلل ننقصف لنرتاح‪..‬‬ ‫إن ش��ا اهلل ننضرب لنرتاح‪ ..‬ليش ما عم‬ ‫يقصفو علينا‪ ..‬يحلو عن بابا عمرو ويجو‬ ‫يقصفو علينا‪..‬‬ ‫م��ا عم يرتاح��و لحتى يش��وفو الدم‬ ‫قدامن‪ ..‬س��اعتا بقولو ه�لا أهل حمص‬ ‫وال أهل‪ ..‬اللي اتضررو وين ما كان ما بقا‬ ‫يحكو علينا‪..‬‬ ‫كان ال��كل طال��ع ليطل��ب حرية كان‬ ‫تفكي��رو كي��ف ب��دو يخ��دم الث��ورة كيف‬ ‫بدو يقدم اكتر‪ ..‬ه�لا تفكيرو‪ ..‬كيف بدو‬ ‫يح��س باأللم الل��ي حواليه بانو يش��وف‬ ‫الدم‪ ..‬جنبو وين ما كان عم يسبح فيه‪..‬‬ ‫كي��ف بدو‪ ..‬يعي��ن الن��اس اللي عم‬ ‫تنقصف كيف بدو يأمنلها اكل‪..‬‬ ‫ع��م ش��وف‪ ..‬النظ��ام ع��م يرب��ح‪..‬‬ ‫النظ��ام زائل أكيد‪ ..‬وال��ى زوال‪ ..‬وما عم‬ ‫يط��ول هال إال ألنو نحنا ما عنا خبرة وعم‬ ‫نس��محلو يلعب فينا‪ ..‬ما عنا العقول اللي‬ ‫قدرانة تفكر وتخلينا نفكر معها‪..‬‬ ‫م��ا بع��رف لوي��ن ل��ح نوص��ل بهي‬ ‫الحال��ة‪ ..‬لك ص��ار عنا خ��وف كلياتنا من‬ ‫س��قوط النظام انو لوين لح يودينا‪ ..‬أكيد‬ ‫لح تكون نهاية احس��ن من الدم الحالي‪..‬‬ ‫بس في حدا ضامن شي؟ ما حدا‪..‬‬ ‫المش��كلة ه�لا عن��د مفت��رق طرق‬ ‫كبي��ر نحنا‪ ..‬ي��ا العالم بدا تس��توعب انو‬ ‫الحل مان��و‪ ..‬باهلل محيي الجي��ش الحر‪..‬‬ ‫اب��دا مالو الحل انو‪ ..‬نبق��ا قاعدين‪ ..‬وكل‬ ‫العال��م والح��راك وقف ش��غلو‪ ..‬كل واحد‬ ‫وعم يقول اهلل محيي الجي الحر والجيش‬ ‫الحر حرر هالمنطقة واحتل هالمنطقة‪..‬‬ ‫صار عندكم قناعة انو الجيش الحر‬ ‫إزا بدو يش��تغل ش��ي ليفيد البل��د‪ ..‬الزم‬ ‫يتحرك بتنظي��م الزم يتح��رك بعقالنية‬ ‫يكون��و ف��ي عال��م مس��ؤولين علي��ه‪..‬‬ ‫ويعرف��و يفك��رو‪ ..‬يقدرو يدب��رو عمليات‬

‫اغتي��االت‪ ..‬عمليات … عس��كرية نوعية‬ ‫يق��درو يضرب��و خط كهربا اساس��ي عن‬ ‫ش��ي فرع يعملو عمل‪ ..‬يخلينا نحسو انو‬ ‫جيش حر‪..‬‬ ‫م��ا ضلين��ا س��نة ونص ع��م نحارب‬ ‫بالكلم��ة والحق اللي بتقتل النظام لنجي‬ ‫اخ��ر ش��ي‪ ..‬ونحطها بايدين ش��باب هنن‬ ‫أرجل من��ي ومنك وم��ن ال��كل وحاملين‬ ‫رواحن عايديهم اكيد‪..‬‬ ‫بس‪ ..‬اس��تبدلو الخردق‪ ..‬اللي فوق‬ ‫برصاص حقيقي‪ ..‬هالمرة‪ ..‬والموضوع‪..‬‬ ‫بالنس��بة إلن العال��م عم تحيي��ن‪ ..‬وعم‬ ‫تقل��ن اهلل محييكم واهلل يحميكم‪ ..‬هنن‬ ‫ش��باب عاديين متلك متلو مت��ل أي واحد‬ ‫فينا بس قررو يحملو سالح‪ ..‬طيب جربتو‬ ‫تحكوهم؟ تناقش��وهم؟ تش��وفو الخطة‬ ‫الل��ي معه��م؟ م��ا الزم يكون ف��ي هدف‬ ‫واضح الي عملية عس��كرية؟ وال بس انو‬ ‫تنقلب المكان لفوضى هوة شي‪ ..‬كافي‬ ‫‪ ..‬م��و هيك لح تجي الجرية‪ ..‬النظام‬ ‫مانو فارق معو ال جندي‪ ..‬وال دبابة‪ ..‬وال‪..‬‬ ‫اي شي‪ ..‬ما فارق معو كل هاد عندو منن‬ ‫كتير ولح يبقا مبس��وط بقتل هالش��باب‬ ‫اللي عم يروحو بين الرجلين‪..‬‬ ‫ب��س تش��وف فيدي��وات الل��ي ع��م‬ ‫تقل��ك اهلل محيي الجيش الحر واهلل اكبر‬ ‫تدمير دبابة‪ ..‬كم شب من هالشباب ماتو‬ ‫مقابي��ل هالدبابة لتفج��رت‪ ..‬عندو غيرا‬ ‫ملي��ان‪ ..‬مان��و كتير س��ائل ال عنا وال عن‬ ‫اللي عم يقاتل جواتا‪..‬‬ ‫هالشباب اللي ما حدا عم ينبهن انو‬ ‫ه��اد الح��ل والرصاص الخفي��ف واالربي‬ ‫جي‪ ..‬والمدري شو مانو حل‪..‬‬ ‫ب��دي الش��باب الل��ي قاعدي��ن‬ ‫ومبس��وطين بالمتعة الزاتية‪ ..‬بالتعذيب‬

‫النفسي‪ ..‬وبالس��ادية اللي عم نعيشها‪..‬‬ ‫ان��و يوقف��و بس هت��اف مته��ور للجيش‬ ‫الحر‪..‬‬ ‫أنتو ع��م تخربو الجي��ش الحر وقت‬ ‫عم تحملوه ش��ي مالو ق��دو وال لح يكون‬ ‫قدو بيوم من االيام‪..‬‬ ‫م��ا بعرف ش��و بدي احك��ي اكتر من‬ ‫هي��ك‪ ..‬ب��س عنج��د‪ ..‬مخن��وق‪ ..‬مخنوق‬ ‫الن��و ع��م تخون��و الجي��ش الح��ر وع��م‬ ‫تخونو‪ ..‬هالشباب اللي عم يحملو سالح‪..‬‬ ‫وع��م يروحو بس عم نتش��هد عليهم إزا‬ ‫عرفناهم او ما عرفناهم‪..‬‬ ‫هال بدك��م تقلول��ي‪ ..‬ش��و البديل؟‬ ‫الس��لمية هي��ة البدي��ل؟ ل��ح قلك��م‪ ..‬مو‬ ‫الس��لمية ومو الس�لاح‪ ..‬الموض��وع مانو‬ ‫موضوع انو السالح هوة حل وانا ما معي‬ ‫العصاية السحرية وال بنجّم بالقمر‪..‬‬ ‫ب��س مت��ل ما ع��م تقل��ي ان��ت انو‬ ‫الس��لمية هية البديل انا فيني اجي وقلك‬ ‫انو الس�لاح ه��وة البديل؟ ش��فت انت انو‬ ‫السالح اللي استخدم بكل سوريا من قبل‬ ‫هوة حل ناجح كان؟‬ ‫الموض��وع م��ا بيج��ي بهالطريقة‪..‬‬ ‫الحرك��ة االخيرة بدمش��ق ش�� ّلت الحراك‬ ‫عاالخي��ر‪ ..‬فيك��م تش��وفو الش��باب اللي‬ ‫كلو التهى باالغاث��ة‪ ..‬وكلو التهى باالكل‬ ‫والش��رب وتامي��ن‪ ..‬العال��م الل��ي نزحت‬ ‫والعالم اللي انهدت بيوتا‪ ..‬ارتحنا نفس��يا‬ ‫ان��و قال الش��ام صارت مت��ل حمص‪ ..‬اي‬ ‫وبعدين؟‬ ‫ينظ��ر ّ‬ ‫الل��ي ب��دو ّ‬ ‫ينظر والل��ي بدو‬ ‫يس��معني حكي الني برات البلد يس��مّع‬ ‫والل��ي ب��دو يقول ش��رف نزي��ل ورجينا‪..‬‬ ‫ل��ح قل��و إزا انا لحالي ن��ازل ورجيك ما لح‬ ‫يكفي‪ ):‬إزا بدك تتفرج عليي ما لح يكفي‬

‫يعني كون أكيد‪ ..‬شو ما بدو يقول معكم‬ ‫حريّة‪ ..‬طرح كامل اآلراء‪ ..‬بكل أريحية‪..‬‬ ‫وحريّة‪): ..‬‬ ‫ما بعرف إزا فيني لخصها اكتر‪ ..‬بانو‬ ‫إزا االنس��ان مجروح‪ ..‬واكل ضرب‪ ..‬وعم‬ ‫ين��زل منو دم‪ ..‬وع��م يدور عال��دوا‪ ..‬وما‬ ‫لقا الدوا اللي يطيبو واللي يخليه يكون‪..‬‬ ‫بخير وأحسن‪ ..‬ويطيب هالجرح‪..‬‬ ‫بس عن��دو دوا واحد م��ا عندو غيرو‬ ‫ّ‬ ‫مس��كن‪..‬‬ ‫جرب يحط منو أول ش��ي‪ ..‬كان‬ ‫ّ‬ ‫يس��كنلو المو انو عم يرد ش��ي من‬ ‫صار‬ ‫الوحشية اللي عم يواجها‪..‬‬ ‫بس هالدوا عم يفاقم الدم بالنهاية‬ ‫م��ا ع��اد ع��م تح��س بالوجع ألن��ك تحت‬ ‫القصف وغيرو‪ ..‬عم تش��بع ه��ي الرغبة‬ ‫بس انت عم تق��دم حل دموي اكتر وعم‬ ‫يخلي جرحك يضل عم يدمى اكتر واكتر‬ ‫وانت عرفان انو ما هاد هوة الحل‪ ..‬ليش‬ ‫لتبقى‪ ..‬مكمّل باخد هالدوا …‬ ‫نحك��ي نقط��ة تاني��ة؟ ش��و ص��ار‬ ‫بالمي��دان وال القاب��ون مث�لا؟ ه��دول‬ ‫المناطق م��ا كانو محرري��ن أصال؟ يعني‬ ‫شو تغير فيهم بعد فوتة الجيش الحر اال‬ ‫انو اعلناها منطقة محررة‪..‬‬ ‫صورنا آث��ار الدمار األس��دي‪ ..‬التتار‬ ‫مر من هنا؟ اي؟ وبعدين؟ ش��و اللي تغير‬ ‫بالمي��دان؟ الميدان اوري��دي كانت محررة‬ ‫وكل يوم مظاهرات ومسائيات‪ ..‬وكلشي‬ ‫موجود فيها؟ ش��و اس��تفدنا جربنا نسال‬ ‫حالنا بس؟‬ ‫كفر سوس��ة م��اال مح��ررة؟ القابون‬ ‫ماله��ا محررة؟‪ ..‬الحريّ��ة بتفكير األهالي‬ ‫بتفكير س��اكنين الم��كان‪ ..‬الحريّة مالها‬ ‫انو نصير منطقة منكوبة وال انو نس��تلذ‬ ‫انو نحنا مالنا انقص من حمص بدرجة‪..‬‬


‫دندنات إندساسية ‪. .‬‬

‫مدح َل ْه‬ ‫جمال منصور‬ ‫تبتْ يدايَ‬

‫والموتْ‪...‬‬ ‫(مواسمُ الحصادْ)‬

‫***‬

‫الخش��ن ‪/‬‬ ‫كالرمل‬ ‫كال��ركام الـ يتكومُ‪ ،‬بعدِ زيارةٍ من قذيفةِ ‪ 155‬ملم ‪/‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كتفل القهوةِ الكثيفِ‪،‬‬ ‫كالغبا ِر‪ ،‬الـ يس��توطنُ تفاصيلنا المنس��يةِ الصغرى ‪/‬‬ ‫ِ‬ ‫فناجين القهوةِ المأفونةِ المريرةِ‬ ‫أسفل‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تسحقُ الروحَ‬

‫في هذي البالدِ‬ ‫ومجال��س العزا ِء الدائمةِ‬ ‫المزمن ‪/‬‬ ‫واألنين‬ ‫أثير المأس��اةِ ‪/‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس��ابحةِ في ِ‬ ‫بتراب‬ ‫األح��داق ‪ /‬والوجوهِ المعف��رةِ‪ ،‬حتى األب��دِ‪،‬‬ ‫والدم��ع المتجل��طِ‪ ،‬ف��ي‬ ‫‪/‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الفجيعةِ‬ ‫وحيث الثأرُ‬ ‫يلدُ الثأرَ‬ ‫تلو الثأ ِر‬ ‫تلو الثأرْ‬ ‫ُ‬ ‫حيث ال راياتَ إال السوادُ‬ ‫حيث الترتفعُ‬ ‫إال أكوامُ الجثث ‪-‬‬ ‫المنطق‬ ‫برغم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السقيم‬ ‫االعتيادِ‬ ‫برغم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫برغم الطبيعةِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫األسمال‬ ‫بين‬ ‫ِ‬ ‫وأنقاض البيوتِ الفقيرةِ‬ ‫ِ‬ ‫وشقوق األسفلتِ‬ ‫ِ‬ ‫سيبقى‬ ‫ينبتُ ْ‬ ‫األمل‪..‬‬ ‫ً‬ ‫قضمة‪ ،‬من رغيفِ الفجيعَهْ)‪..‬‬ ‫(خذ‬

‫أسبوعية‬

‫***‬

‫***‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫من شهادةِ الميالدِ‬ ‫إلى شهادةِ "المرحى" في األول االبتدائي‬ ‫إلى شهادةِ االستثما ِر‬ ‫العاشر‬ ‫إتمام معسكر صفِ‬ ‫ِ‬ ‫إلى شهادةِ ِ‬ ‫إلى شهادةِ البكالوريا‬ ‫إلى شهادةِ السواقةِ‬ ‫إلى شهادةِ الجامعةِ‬ ‫العلم‬ ‫خدمةِ‬ ‫إتمام‬ ‫ِ‬ ‫إلى شهادةِ ِ‬ ‫إلى شهادةِ الوفاةِ ‪-‬‬ ‫ندورُ‬ ‫ندورُ‬ ‫النتن المحصو ِر‬ ‫في هذا‬ ‫الجُحر ِ‬ ‫ِ‬ ‫الـ نسميهِ‬ ‫ب َلدْ‪...‬‬ ‫(شهاداتْ)‬

‫هذهِ األيامُ‪،‬‬ ‫كالمدحلةِ‬ ‫تسحقها‪،‬‬ ‫فال يبقى‬ ‫إال الفتافيتُ‬ ‫الفتافيتُ‬ ‫الفتافيتْ‪...‬‬ ‫(مدح َلهْ)‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬

‫ال��ـ رس��متا‪ ،‬بميكانيكيةٍ‪ ،‬ش��عار‬ ‫الطالئ��ع عل��ى جري��دةِ الحائطِ‪ ،‬في‬ ‫ِ‬ ‫الخامس ‪ /‬كتبتا هرا َء البعثِ‪،‬‬ ‫الصفِ‬ ‫ِ‬ ‫دفات��ر المدرس��ةِ ‪ /‬ش��دتا بحزم‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بنط��ال‬ ‫عل��ى‬ ‫العس��كري‪،‬‬ ‫النط��اقَ‬ ‫ِ‬ ‫الدميم ‪ /‬دهنت��ا وجهَ حافظِ‬ ‫الفت��وةِ‬ ‫ِ‬ ‫المستطيل القمي ِء‪،‬‬ ‫األسدِ ذا الجبين‬ ‫ِ‬ ‫عل��ى جدا ِر باحةِ المدرس��ةِ ‪ /‬صفقتا‬ ‫طوي ً‬ ‫ال لخطابهِ "التاريخي" في صالة‬ ‫الفيحا ِء‪ ،‬عام ‪ ،١٩٨٥‬في المدرجاتِ‬ ‫والـ لم تجرؤآ‬ ‫أن تحطما رأس��ي عل��ى كتفيَ‪،‬‬ ‫عمل لـ تمام عزام | بعنوان‪ :‬كنا هنالك‬ ‫وكل شي ٍء تطاالنهِ ‪-‬‬ ‫لكانت روحي‬ ‫ٍ‬ ‫محشو حتى الثمالةِ‬ ‫لم تنفجر‪ ،‬كديكٍ رومي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫السكاكين‬ ‫عار تحتَ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الصدئ‬ ‫األسدِ‬ ‫حافظِ‬ ‫صوتِ‬ ‫وتحتَ‬ ‫ِ‬ ‫الـ يفرخُ الكوابيسَ‬ ‫َ‬ ‫ورجال المخابراتِ‬

‫‪15‬‬


‫وجوه من وطني ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪16‬‬

‫الأميـــر �ســـعيد اجلــــزائـــري‬ ‫‪ 1966 – 1883‬م‬ ‫ياسر مرزوق‬ ‫يح��ل األمي��ر س��عيد الجزائري‬ ‫ضيفاً على صفحات سوريتنا واألمير‬ ‫من الش��خصيات التي نسيها التاريخ‬ ‫الس��وري‪ ،‬م��ع أن��ه كان أول حاك��م‬ ‫ٍ‬ ‫لسوريا بعد خروج األتراك منها‪.‬‬ ‫ولد األمير س��عيد الجزائري في‬ ‫دمش��ق عام ‪ 1883‬وه��و ابن األمير‬ ‫علي باش��ا نج��ل األمير عب��د القادر‬ ‫الجزائ��ري المع��روف‪ .‬وتع ّل��م فيه��ا‬ ‫بالمدرس��ة الريحانية التي أنش��أها‬ ‫الش��يخ "محم��د المبارك" و"الش��يخ‬ ‫عب��د الجلي��ل ال��درا" وبالمدرس��ة‬ ‫الس��لطانية "مكتب عنبر"‪ ،‬ثم سافر‬ ‫إلى إستانبول فدخل المدرسة العليا‬ ‫بغلط��ة س��راي‪ .‬وحصل م��ن هناك‬ ‫عل��ى إجازة مدرس��ة الحق��وق‪ ..‬عاد‬ ‫بعده��ا إل��ى س��وريا‪ ،‬وأس��س عام‬ ‫‪ 1915‬جمعي��ة مهاج��ري إفريقي��ة‪،‬‬ ‫وترأس��ها‪ ،‬وترأس جمعي��ات الخالفة‬ ‫بس��ورية ولبن��ان‪ ،‬كما ت��رأس لجنة‬ ‫الدفاع عن الخط الحديدي الحجازي‪.‬‬ ‫وترأس لجنة المقاطعة‪ ،‬ثم أس��س‬ ‫جمعية مهاجري أفريقيا الش��مالية‪،‬‬ ‫ث��م جمعي��ة الدف��اع م��ن إفريقي��ا‬ ‫الش��مالية‪ ،‬فالش��رق األوسط‪ ،‬غادر‬ ‫دمش��ق بعد إع�لان الث��ورة العربية‬ ‫س��نة ‪ 1916‬فزار ميناء العقبة زيارة‬ ‫خاطفة‪ ،‬عاد بعدها إلى دمشق‪.‬‬ ‫حين ب��دأ جالء الجي��ش التركي‬ ‫ع��ن دمش��ق وضواحيها متجه��اً إلى‬ ‫الشمال أخذ الغوغاء يلعبون دورهم‬ ‫وخشي العقالء من الفوضى وانعدام‬ ‫األمن قب��ل وصول الجي��ش العربي‬ ‫إلى دمشق‪ ،‬فقام األمير سعيد وأخيه‬ ‫عب��د القادر وأبناء عمهما‪ ،‬على رأس‬ ‫مفارز م��ن المغاربة المس��توطنين‬ ‫دمش��ق والذي��ن يدين��ون بال��والء‬ ‫لألمي��ر المذكور‪ ،‬يطوف��ون المدينة‬ ‫ً‬ ‫محافظ��ة عل��ى أمنه��ا وهدوءه��ا‬ ‫واطمئن��ان س��كانها‪ .‬والواق��ع أنهما‬ ‫أنقذا دمش��ق من النه��ب والفوضى‬ ‫عند انس��حاب األتراك منه��ا في ‪30‬‬ ‫أيلول‪ ،‬فقد وزع��ا إتباعهما المغاربة‬ ‫ف��ي مختلف إحي��اء المدين��ة‪ ،‬وصار‬ ‫ه��ؤالء األتباع يجولون على خيولهم‬ ‫ف��ي إحي��اء المدين��ة وخاص��ة أحياء‬ ‫اليهود والمس��يحيين‪ ،‬وكان لهم أثر‬ ‫فع��ال في نش��ر األم��ن والطمأنينة‬ ‫بين السكان‪.‬‬ ‫كان آخر من انسحب من األتراك‬ ‫هو وكيل الوال��ي األميراالي "بهجت‬ ‫ب��ك"‪ ،‬وق��د اجتم��ع قبيل انس��حابه‬ ‫"بشكري باشا األيوبي" وسلمه إدارة‬ ‫المدينة‪ ،‬ولكن األيوبي وجد أن األمير‬ ‫سعيد الجزائري قد تولى اإلدارة في‬

‫المدين��ة فع ً‬ ‫ال فلم يش��أ أن يتنازعه‬ ‫عليه��ا‪ .‬وكان األمي��ر س��عيد قد رفع‬ ‫العلم العربي على بناية السراي في‬ ‫ساحة المرجة وأنزل العلم العثماني‪،‬‬ ‫وأعلن قيام حكومة مؤقتة برئاسته‬ ‫باسم الشريف حسين‪ ،‬ضمت السادة‬ ‫"ش��كري األيوب��ي‪ ،‬ش��اكر الحنبلي‪،‬‬ ‫ف��ارس الخ��وري‪ ،‬جمي��ل األلش��ي‪،‬‬ ‫س��عدي كحال��ة" وعم��د إل��ى تثبيت‬ ‫ركائ��ز حكم��ه‪ ،‬فبع��د لحظ��ات م��ن‬ ‫إعالن مجلس الشورى على تسليمه‬ ‫منصب الرئاسة قام بتحرير البرقيات‬ ‫إل��ى كافة الم��دن الس��ورية األخرى‬ ‫ليزف إليه��ا الخبر من جهة وليدفعها‬ ‫إل��ى االنطواء تحت س��لطة دمش��ق‬ ‫من جهة أخ��رى‪ ،‬بالنص التالي "بنا ًء‬ ‫على انسحاب الحكومة التركية‪ ،‬فقد‬ ‫تأسست الحكومة العربية الهاشمية‬ ‫على دعائم الشرف‪ ،‬طمئنوا العموم‪،‬‬ ‫وأعلنوا أن الحكومة باس��م الحكومة‬ ‫العربي��ة" وحافظ أثناء مدة رئاس��ته‬ ‫القصي��رة عل��ى األم��وال واألرواح‬ ‫وادخ��ر أم��وا ًال تقدر بنص��ف مليون‬ ‫ليرة حفظت وس��لمت لألمير فيصل‬ ‫بع��د قدومه إلى دمش��ق بثالثة أيام‬ ‫وإعالنه استقالل سورية‪.‬‬ ‫وكان س��عيد الجزائ��ري يدّعي‬ ‫أن��ه اتفق مع األمي��ر فيصل على أن‬ ‫يعلن استقالل سورية بمجرد خروج‬ ‫األت��راك من دمش��ق دون أن ينتظر‬ ‫وصول فيصل إليها‪ .‬وذلك خوفاً من‬ ‫تدخل جيوش أخرى‪ ،‬في اليوم التالي‬ ‫األول من تشرين األول دخلت طالئع‬ ‫الق��وات العربي��ة م��ع البريطانيي��ن‬ ‫ممثلين بلورانس إلى دمشق‪.‬‬ ‫وق��د كان وقب��ل وص��ول الملك‬ ‫فيص��ل ودخوله دمش��ق ف��ي الرابع‬ ‫م��ن تش��رين األول ع��ام ‪،1918‬‬ ‫أن أص��در الجن��رال "اللنب��ي" ق��راراً‬ ‫بتعيين الفريق "رضا باشا الركابي"‬ ‫حاكم��ًا عس��كرياً للداخل الس��وري‪،‬‬ ‫وقبل وص��ول القرار دخل��ت القوات‬ ‫العربي��ة إلى دمش��ق وكان األميران‬ ‫س��عيد وعب��د الق��ادر مجتمعين مع‬ ‫ش��كري األيوب��ي والش��ريف ناص��ر‬ ‫ف��ي الس��راي‪ ،‬فدخل عليه��م آنذاك‬ ‫لورنس ومعه نوري الس��عيد‪ .‬وكان‬ ‫لورن��س ل��ه معرفة س��ابقة باألمير‬ ‫عبد الق��ادر ويحمل له حقداً ويتهمه‬ ‫بالمي��ل إلى األت��راك وخيانة العرب‪.‬‬ ‫ولم يكد األمير س��عيد يلمح لورنس‬ ‫داخ� ً‬ ‫لا حت��ى وق��ف في وجه��ه وأخذ‬ ‫يخاطب��ه بلهج��ة تن��م ع��ن التحدي‬ ‫حيث ق��ال له‪ :‬لقد ألفن��ا باألمس أنا‬ ‫وأخ��ي عبد القادر أحف��اد عبد القادر‬

‫الجزائري مع ش��كري باش��ا األيوبي‬ ‫س��ليل صالح الدي��ن حكومة وطنية‬ ‫ونادينا بالحس��ين مل��كًا على العرب‬ ‫عل��ى مس��مع وم��رأى م��ن األت��راك‬ ‫واأللمان المدحورين"‪.‬‬ ‫غضب لورنس م��ن هذا الكالم‬ ‫غضباً شديداً وأعلن على مشهد من‬ ‫الحاضرين قائ ً‬ ‫ال‪ :‬أنه بصفته مندوبًا‬ ‫ع��ن األمي��ر فيص��ل يع��زل حكومة‬ ‫دمش��ق المحلية التي ش��كلها األمير‬ ‫س��عيد الجزائري وأخ��وه ويعين بد ًال‬ ‫عنه��ا حكوم��ة جديدة برئاس��ة رضا‬ ‫باشا الركابي على أن ينوب عنه إلى‬ ‫حين حضوره ش��كري باشا األيوبي‪،‬‬ ‫ويكون ن��وري الس��عيد قائ��داً عامًا‬ ‫للقوات المس��لحة‪ .‬المس��لحة ساعيًا‬ ‫بشتى الطرق لتهميش دور األخوين‬ ‫الجزائريي��ن‪ ،‬مم��ا دف��ع األخوي��ن‬ ‫لمحاول��ة اغتياله لوال تدخل الش��يخ‬ ‫"نوري ش��عالن" أح��د حلف��اء األمير‬ ‫فيص��ل وإعالن��ه أن لورن��س تح��ت‬ ‫حمايته‪.‬‬ ‫حاول األخوان إثارة القالقل عن‬ ‫طريق تنظيم ثورة جماهيرية كبيرة‬ ‫بعد إث��ارة الجماهي��ر وإقناعهم بأن‬ ‫الحكومة الجديدة عميلة لألجانب وأن‬ ‫الهدف منها إنهاء الخالفة اإلسالمية‪،‬‬

‫فم��ا كان م��ن لورنس إال أن س��ارع‬ ‫إلى "نوري الس��عيد" الذي قام بنشر‬ ‫الف��رق العس��كرية ف��ي المناط��ق‬ ‫اإلس��تراتيجية في المدينة والقبض‬ ‫على كل م��ن يتظاهر ض��د الحاكم‬ ‫العسكري "شكري باشا األيوبي"‪.‬‬ ‫كما صم��م لورن��س على قتل‬ ‫عب��د القادر الجزائ��ري‪ ،‬وكلف نوري‬ ‫السعيد بذلك‪ ،‬وقد كلف نوري بدوره‬ ‫صبح��ي العم��ري‪ .‬يق��ول صبح��ي‬ ‫العم��ري ف��ي ذل��ك ما نص��ه‪" :‬ففي‬ ‫الي��وم األول أو الثان��ي م��ن دخ��ول‬ ‫دمش��ق‪ ،‬وكن��ت مس��ؤو ًال ع��ن أمن‬ ‫المنطق��ة الوس��طى م��ن المدين��ة‪،‬‬ ‫ومقري قرب مقر القيادة التي كانت‬ ‫في فن��دق فيكتوري��ا‪ ،‬طلبني نوري‬ ‫الس��عيد إل��ى المقر المذك��ور وكان‬ ‫لورنس جالس��اً بقربه وقال لي‪" :‬إن‬ ‫األمير عبد القادر يشتغل ضد الحكم‬ ‫العربي‪ ،‬ويعمل لحساب الفرنسيين‬ ‫وه��و يس��عى إل��ى اإلخ�لال باألمن‬ ‫فأري��دك إن تصحب ع��دداً من جنود‬ ‫س��ريتك وتقتله"‪ ،‬فدهشت من هذا‬ ‫األم��ر‪ ،‬وبع��د تفكير قلي��ل قلت له‪:‬‬ ‫"أفهم من أمرك ياسيدي أنك تطلب‬ ‫من��ي إحض��اره‪ ،‬ف��إذا عص��ى األمر‬ ‫وقاوم فإننا نجلبه حياً أو ميتًا"‪ .‬فغرق‬ ‫نوري في تفكير قصير وراح يتبادل‬


‫وجوه من وطني ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫النظ��رات مع لورنس ثم قال‪" :‬طيب‬ ‫أفع��ل"‪ .‬ثم ق��ال‪" :‬اذهب إل��ى مدير‬ ‫الش��رطة واطلب منه بصورة سرية‬ ‫شخصاً يدلك على بيت عبد القادر"‪.‬‬ ‫وذهب��ت إلى مدير الش��رطة وب ّلغته‬ ‫األم��ر فأرس��ل إل��ي الش��خص‪ ،‬وما‬ ‫ك��دت أصل إلى مق��ري حتى جاءني‬ ‫رس��ول يبلغني طلب نوري الس��عيد‬ ‫حضوري‪ .‬دخلت عليه وجدت لورنس‬ ‫ال يزال عنده‪ .‬قال لي‪" :‬صرفنا النظر‬ ‫عن األمر"‪ ،‬وخرجت‪.‬‬ ‫في التاس��ع من تش��رين الثاني‬ ‫طلب��ت القي��ادة البريطاني��ة إل��ى‬ ‫الحكوم��ة المحلي��ة تكلي��ف األمي��ر‬ ‫س��عيد وأخيه عبد القادر بالشخوص‬ ‫إلى مرك��ز القيادة ف��ي المزة‪ ،‬فلبى‬ ‫األمير س��عيد الطلب‪ ،‬أم��ا أخوه عبد‬ ‫الق��ادر فق��د ق��اوم الش��رطة وصار‬ ‫يشتم رئيس الحكومة رضا ألركابي‪،‬‬ ‫ثم أس��رع إلى فرس��ه وانطل��ق بها‬ ‫نحو طري��ق الصالحي��ة‪ ،‬ولما وصل‬ ‫إل��ى جس��ر الصالحية أطلق��ت عليه‬ ‫الش��رطة النار واردته قتيال‪ ،‬وينقل‬ ‫"يوس��ف الحكي��م" ف��ي مذكرات��ه‬ ‫روايتين الغتي��ال األمير عبد القادر‪،‬‬ ‫دون أن يرج��ح إحداهم��ا‪ ،‬األول��ى‬ ‫أن��ه قتل بإيع��از م��ن البريطانيين‪،‬‬ ‫والثانية أن رجال األمن لما استوقفوا‬ ‫األمي��ر عبد الق��ادر أثن��اء عَدوه في‬ ‫المهاجري��ن‪ ،‬أطل��ق الس�لاح إرهابًا‬ ‫وتب��ادل الفريق��ان حينئ��ذ الطلقات‬ ‫فأصابت إحداها منه مقت ً‬ ‫ال‪.‬‬ ‫أم��ا األمي��ر س��عيد فق��د أودع‬ ‫في س��جن المزة أيام��اً‪ ،‬ثم نقل إلى‬ ‫حيفا ووضع فيها تحت الرقابة‪ .‬وفي‬ ‫منتصف ع��ام ‪ 1919‬أطلق س��راحه‬ ‫وسمح له باإلقامة في بيروت‪ .‬وهناك‬ ‫انضم إلى الفريق المعادي لحكومة‬ ‫دمش��ق العربية وأخذ ينفق األموال‬ ‫ف��ي الدعاية لنفس��ه‪ ،‬وأقب��ل عليه‬ ‫الكثي��رون من اللبنانيي��ن يؤيدونه‪،‬‬ ‫وشرعت الصحف الميالة إلى فرنسا‬ ‫تكيل له الثناء وتنشر أخباره بشكل‬ ‫يلفت األنظار إليه ويرفع من ش��أنه‪،‬‬ ‫وأص��در في بي��روت مجل��ة "الوحدة‬ ‫اإلسالمية"‪ ،‬والتي صادرتها السلطة‬ ‫الفرنسية ببيروت بعد أن صدر عنها‬ ‫عددان‪ ،‬كما صدر ل��ه كتاب يتضمن‬ ‫"رحل��ة للحجاز في س��بيل تأس��يس‬ ‫جمعية مهاجري أفريقيا الش��مالية"‪،‬‬ ‫ول��ه كت��اب "وش��اح الكتائ��ب وزينة‬ ‫الجي��ش الغال��ب" والجدي��ر بالذك��ر‬ ‫أن األمي��ر س��عيد رغ��م اش��تغاله‬ ‫بالسياسة إال أنه مارس حياة الشاعر‬ ‫المتص��وف‪ ،‬وكان معجب��ًا بالطريقة‬ ‫القادرية‪ ،‬نس��بة إلى المتصوف عبد‬ ‫القادر الجيالني‪ ،‬متأثراً أيضًا بالشيخ‬ ‫األكب��ر محيى الدين بن عربي‪ ،‬الذي‬ ‫كان قد دفن ف��ي مقامه جده األمير‬ ‫عبد القادر‪‬ ..‬‬ ‫انتق��ل بعد بي��روت إلى مصر‪،‬‬ ‫ليع��ود إل��ى دمش��ق بع��د االحتالل‬ ‫الفرنس��ي عام ‪ ،1920‬وقب��ل إقرار‬ ‫النظ��ام الجمهوري في س��وريا كان‬ ‫األمي��ر س��عيد أحد أبرز المرش��حين‬ ‫للجل��وس عل��ى الع��رش الس��وري‬ ‫المرتق��ب‪ .‬وم��ع اختي��ار الس��وريين‬ ‫للجمهوري��ة ابتع��د األمي��ر ع��ن‬ ‫السياس��ة وبق��ي في دمش��ق حتى‬ ‫ع��ام ‪1966‬م وراف��ق جثم��ان ج��دّه‬

‫عبد القادر يوم نقله من دمشق إلى‬ ‫الجزائر‪ ،‬واس��تقر فيها إلى أن توفي‬ ‫عام ‪.1970‬‬ ‫س��بق أن ذكرن��ا أن األمي��ر‬ ‫س��عيد كان مولع��اً بالش��عر واألدب‪،‬‬ ‫وكان بين��ه وبين عديدٍ م��ن األدباء‬ ‫مراس�لات نش��رت بعضه��ا الصحف‬ ‫اللبناني��ة‪ ،‬فف��ي عام ‪1921‬أرس��لت‬ ‫ً‬ ‫رس��الة عن‬ ‫إلي��ه األديبة "مي زيادة"‬ ‫مزايا ج��ده األمي��ر عبد الق��ادر وقد‬ ‫نش��رتها في حين��ه جري��دة "البرق"‬ ‫البيروتي��ة والت��ي كان نصه��ا‪" :‬إلى‬ ‫حفيد عب��د القادر‪ ،‬يَا س��مو َ‬ ‫األمير‪،‬‬ ‫اس��م األمير عب��د الق��ادر الجزائري‬ ‫اسمٌ نتلقنه نحن أبناء سوريا أطفا ًال‬ ‫مع الكلمات األولى‪ ،‬ونلثغ فِي لفظه‬ ‫متمهلين كما تداعب ش��فتا الرضيع‬ ‫ح��روف األس��ماء المحبوب��ة‪ ،‬فيمثل‬ ‫ذك��ره لمخيلتن��ا جناحاً كبي��راً يخيم‬ ‫علينا بألوان قوس قزح‪ُ .‬ثمَّ نَش��ب‪،‬‬ ‫وتتسع المدارك منا باتساع المعرفة‪،‬‬ ‫فتب��دو لنا ف��روق الجن��س والعقيدة‬ ‫والدرج��ة القائم��ة بين البش��ر‪ ،‬وإذ‬ ‫يتص��ل بنا أن األمي��ر عبد القادر هو‬ ‫"حامي النص��ارى"‪ ،‬تتضح عواطفنا‬ ‫ً‬ ‫جماعة‬ ‫الموجهة إليه ونجله ألنه أجار‬ ‫وأبع��د عنه��ا األذى‪ ،‬ويصب��ح جن��اح‬ ‫ذكره مخيمًا بألوانٍ حارة من الشعر‬ ‫والخي��ال تالزم ع��اد ًة ص��ور النخوة‬ ‫والش��هامة‪ ،‬ث��م نجت��از م��ن الحياة‬ ‫أعوامًا أخرى نعرف خاللها أن التاريخ‬ ‫الحقيقي هو غير التواريخ المقبولة‬ ‫وأن األسباب المسلم بها في الثورات‬ ‫والقالقل هي غير السبب الجوهري‪،‬‬ ‫ونعرف أن الفروق بين بني اإلنسان‬ ‫س��طحية على عمقها‪ ،‬وأن األعاظم‬ ‫منه��م يقطن��ون عالم��ًا س��ما فوق‬ ‫الطوائ��ف واألح��زاب والتعصب��ات‬ ‫والدرجات "عالم الجامعة اإلنس��انية‬ ‫الش��املة"‪ ،‬يوم��ذاك نق��در األمي��ر‬ ‫عبد القادر حق ق��دره‪ ،‬ونجل خلقه‪،‬‬ ‫عرش معن��وي خالد‪،‬‬ ‫ونرفعه عل��ى‬ ‫ٍ‬ ‫هيئ ل��ه ليس ألنه حم��ى النصارى‬ ‫فع��زز برعايته كرامة اإلس�لام‪ ،‬وما‬ ‫اإلس�لام والمس��يحية س��وى أخ��وّة‬ ‫رضي��ة ف��ي حض��ن الرحم��ن‪ ،‬ب��ل‬ ‫ألن��ه بطل من أبطال تل��ك الجامعة‬ ‫اإلنس��انية العلي��ا‪ ،‬إذ ذاك يزيد نجاح‬

‫ذك��ره انبس��اطاً وروع��ة ألن��ه تلون‬ ‫بأل��وان المج��د والفخ��ار‪ ،‬فنفعل ما‬ ‫تفعل��ه األمم ألبطالها‪ ،‬أي أننا نحول‬ ‫أسمه إلى أبسطه تجرداً من األلقاب‪،‬‬ ‫ويغدو في عرفنا "الجزائري الكبير"‪.‬‬ ‫وال أخال��ك الئم��ي ي��ا صاح��ب‬ ‫السمو‪ ،‬إن أنا صرحت بأن أول ما وقع‬ ‫علي��ه نظ��ري من رس��التك هو ذلك‬ ‫االس��م العظي��م الذي ت�لا توقيعك‪،‬‬ ‫وال أراك إال باس��ماً إن أن��ا اعترف��ت‬ ‫بأني ابتسمت له‪ ،‬ثم قرأت سطورك‬ ‫الجليلة فوجدتها‪ ،‬ما يُنتظر أن تكون‬ ‫مصداقاً لذل��ك المبدأ العلمي القائل‬ ‫إن الموت��ى يَحي��ون ف��ي ذراريه��م‬ ‫بمميزاته��م وش��مائلهم الباه��رات‪،‬‬ ‫وظه��رت لي كلمات تش��جيعك آياتٍ‬ ‫ك��رام ملون��ة ه��ي األخ��رى بألوان‬ ‫قوس قزح وبألوان الش��عر والخيال‪،‬‬ ‫وبألوان المجد والفخار جميعًا‪.‬‬ ‫وكل م��ا يج��ول ف��ي نفس��ي‬ ‫ً‬ ‫بداهة ف��ي هذا‬ ‫م��ن ش��كر يتجم��ع‬ ‫الهت��اف الواح��د‪ :‬فليحي��ا الجزائ��ري‬ ‫الكبير‪ ،‬كبيراً بأحفاده كما هو كبيرٌ‬ ‫بأعماله‪.‬‬ ‫قال المؤرّخ الشهير محمد أديب‬ ‫آل تقي الدين الحصني؛ وهو معاصر‬ ‫لألمير س��عيد؛ في كتاب��ه "منتخبات‬ ‫التواريخ لدمشق" في ترجمة األمير‬ ‫محمد سعيد‪:‬‬ ‫"األمي��ر س��عيد ب��ن األمير علي‬ ‫باشا‪ ،‬وقد أحيا ذكر أبيه وجدّه األمير‬ ‫عبد القادر بالكرم واألخالق الحسنة‬ ‫وق��د ق ّل��ده األت��راك وكال��ة الحك��م‬ ‫المباش��ر لهذه البالد بعد تركهم لها‬ ‫بأن يدافع أهلها عنها وتكون مستقلة‬ ‫تحكم نفسها بنفسها ولها الحق بأن‬ ‫تختار أي دولة تسعفها على نهضتها‬ ‫وذلك قب��ل دخول الجيش اإلنكليزي‬ ‫له��ا‪ ،‬ولم��ا دخل األمي��ر فيصل على‬ ‫رأس ذل��ك الجي��ش كما أس��لفنا لك‬ ‫ذل��ك مفص� ً‬ ‫لا‪ ،‬أَ َ‬ ‫خَذ الحك��م المؤقت‬ ‫من يد األمير س��عيد وبه��ذه البرهة‬ ‫اغتال��ت يدٌ أثيم��ة أخ��اه األمير عبد‬ ‫القادر‪ ،‬وأبعدته الس��لطة اإلنكليزية‬ ‫إل��ى خ��ارج س��ورية‪ ،‬إل��ى أن دخلت‬ ‫الجيوش الفرنس��ية عندئذ رجع إلى‬ ‫دمش��ق وهو خير خ َلف لذلك السلف‬

‫ول��وال ضيق المق��ام لس��ردنا جميع‬ ‫الوقائع المبرورة التي جاهد بها"‪.‬‬ ‫ق��ال عنه خير الدي��ن الزركلي ؛‬ ‫وهو م��ؤرخ وسياس��ي كبير معاصر‬ ‫لألمير س��عيد ؛ ف��ي كتابه الش��هير‬ ‫"األعالم"‪" :‬الجزائري ‪1390 – 1300‬‬ ‫هـ ‪ 1970 – 1883 /‬م" محمد س��عيد‬ ‫ب��ن علي ب��ن عبد الق��ادر بن محيي‬ ‫الدي��ن الحس��ني الجزائ��ري‪ :‬حفي��د‬ ‫األمي��ر عب��د الق��ادر صاح��ب الثورة‬ ‫األولى على الفرنسيين في الجزائر‪.‬‬ ‫ولد وع��اش في دمش��ق وتعلم بها‪،‬‬ ‫وباألستانة‪ .‬وقام برحلة إلى المدينة‬ ‫المن��ورة س��نة ‪1332‬ه��ـ صن��ف بها‬ ‫ن��ور الدين بن عبد الكريم بن عزوز‬ ‫التونس��ي "الرحلة المدينية" وأشرف‬ ‫صاحب الترجم��ة على تصنيف كتاب‬ ‫عن والده س��مي "تاريخ األمير علي‬ ‫الجزائري" وكان له موقف كريم في‬ ‫دمش��ق‪ ،‬يوم خرج الجيش العثماني‬ ‫منها وبقي فيها جمال باشا الصغير*‬ ‫آخر ق��واد ذلك الجيش فقابله األمير‬ ‫س��عيد وأخذ منه ‪ 500‬بندقية س��لح‬ ‫به��ا بع��ض الدمش��قيين والمغاربة‬ ‫لحف��ظ األم��ن‪ .‬وأعل��ن اس��تقالل‬ ‫سورية قبل دخول الجيشين العربي‬ ‫والبريطاني‪.‬‬ ‫وأ َّل��ف حكوم��ة وطني��ة مؤقت��ة‬ ‫أقرَّه��ا أول داخ��ل م��ن الجيش��ين‬ ‫"الش��ريف ناص��ر بن علي "فعاش��ت‬ ‫يومي��ن‪ .‬وأَبْعَ��دَه ع��ن الحك��م‬ ‫مندوب��ون آخ��رون ع��ن فيص��ل بن‬ ‫الحس��ين قبل دخ��ول فيصل‪ ،‬منهم‬ ‫لورن��س‪ ،‬ونوري الس��عيد ث��م نفاه‬ ‫اإلنكليز إلى مصر‪ ،‬وعاد إلى دمشق‬ ‫بع��د االحت�لال الفرنس��ي ‪1920‬م‬ ‫فأق��ام إل��ى س��نة ‪1966‬م وراف��ق‬ ‫جثم��ان ج��دّه عبد القادر ي��وم نقله‬ ‫من دمشق إلى الجزائر‪ ،‬واستقر إلى‬ ‫أن توفي بها"‪.‬‬ ‫* جمال باش��ا الصغي��ر المذكور‬ ‫هن��ا‪ ،‬ه��و جمال باش��ا الس��رميني‪،‬‬ ‫وال��ذي لقب بالصغي��ر تمييزاً له عن‬ ‫س��لفه‪ ،‬جمال باشا الس��فاح‪ ،‬والذي‬ ‫دخل دمش��ق عام ‪ 1914‬وخرج منها‬ ‫ع��ام ‪ ،1917‬ليخلف��ه جم��ال باش��ا‬ ‫الصغير‪.‬‬

‫األمير سعيد الجزائري يخطب في الجامع األموي‬ ‫الكبير في دمشق عام ‪.1939‬‬ ‫الصورة من موقع تاريخ سوريا‬

‫‪17‬‬


‫حقوق الأق ّليات �أم جمهورية املواطنني؟‬ ‫أعمدة الصحافة‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪18‬‬

‫ياسين الحاج صالح‬

‫ت��وارد غير م��رة ف��ي ش��هور الثورة‬ ‫الس��ورية كالم عن "حق��وق األقليات" في‬ ‫س��ورية على ألس��نة مس��ؤولين غربيين‪،‬‬ ‫فرنس��يين وأميركيي��ن بخاص��ة‪ .‬س��ياق‬ ‫الكالم يحيل إلى حث المعارضة الس��ورية‬ ‫عل��ى مزيد من االهتمام به��ذه الحقوق أو‬ ‫إظهار حرص أكبر عل��ى رعايتها‪ ،‬ويبطنه‬ ‫قلق غير موضّح من إهدار هذه الحقوق‪.‬‬ ‫بي��د أن لتعبي��ر حق��وق األقلي��ات‬ ‫تاريخ��ا وتضمينات يوجبان حذرا أش��د في‬ ‫استعماله‪ ،‬إن لم يكن التخلي عنه تمامًا‪.‬‬ ‫كانت "حماية األقليات" شعاراً أساسيًا‬ ‫من ش��عارات القوى الغربية ف��ي مواجهة‬ ‫السلطنة العثمانية في القرن التاسع عشر‬ ‫وحتى س��قوطها في نهاية الحرب العالمية‬ ‫الثاني��ة‪ .‬ويضمر الش��عار أن المضطِهد أو‬ ‫من تجب الحماية منه هو "اإلس�لام"‪ ،‬الذي‬ ‫هو في آن دين المس��لمين‪ ،‬وهو السلطة‬ ‫في ديار المس��لمين‪ .‬وه��و بطبيعة الحال‬ ‫دين متعص��ب وعدواني وعنيف‪ ،‬ويفرض‬ ‫بالقوة على غير المسلمين التحول عليه‪.‬‬ ‫ليس هنا مجال النق��اش عما إذا كان‬ ‫غير المسلمين‪ ،‬وغير المسلمين السنيين‪،‬‬ ‫مضطهدي��ن على نحو نس��قي في المجال‬ ‫العربي الترك��ي‪ ،‬أم أنهم مخفضو المكانة‬ ‫عموما‪ ،‬م��ع تفاوت (ح��ال المس��لمين غير‬ ‫الس��نيين أدنى م��ن حال غير المس��لمين‪،‬‬ ‫مسيحيين ويهوداً) يتعرضون لحمالت قمعية‬ ‫حي��ن يتمردون عل��ى الس��لطة المركزية‪،‬‬ ‫عل��ى نحو م��ا كانت تفع��ل اإلمبراطوريات‬ ‫كله��ا‪ ،‬وعلى نح��و كان يصيب تمردات والة‬ ‫وقبائل س��نيي المذهب؛ ال مجال للتس��اؤل‬ ‫أيضًا عما إذا كان إفراد اإلسالم (دينًا وعالمًا‬ ‫ثقافي��ًا وسياس��ياً)‪ ،‬يعك��س خصوصي��ة‬ ‫حقيقي��ة له‪ ،‬على ما كان يصور أدب غربي‬ ‫غزير له اس��م معلوم‪ ،‬وله مستهلكون من‬ ‫العرب المعاصرين ألس��باب مقاربة‪ ،‬أم هو‬ ‫متصل باس��تراتيجيات السيطرة السياسية‬ ‫والثقافية العلمية للقوى الغربية الصاعدة‬ ‫في القرن الثامن عشر وبعده‪ ،‬ثم من جديد‬ ‫بعد نهاية الحرب الباردة‪ .‬لكننا نتشكك في‬ ‫كل عقيدة خصوصية‪ ،‬وس��نكون في أسوأ‬ ‫وض��ع معرف��ي وأخالقي وسياس��ي ممكن‬ ‫لنقد عقيدة الخصوصية اإليجابية الخاصة‬ ‫باإلس�لاميين (اإلسالم متفوق على غيره)‪،‬‬ ‫بينما نحن نتبنى عقيدة خصوصية سلبية‬ ‫تجعل من اإلسالم أس��وأ من غيره‪ ،‬عقيدة‬ ‫وتاريخا وسياسة‪.‬‬ ‫معل��وم أن الدول الغربية األساس��ية‬ ‫تقاس��مت "حماية األقليات" في المش��رق‪،‬‬ ‫ف��كان الكاثولي��ك م��ن نصي��ب فرنس��ا‪،‬‬ ‫واألرثوذكس من نصيب روس��يا‪ ،‬وخصت‬ ‫بريطاني��ا نفس��ها بحماي��ة ال��دروز‪ .‬وق��د‬ ‫عمت ب��ركات الحماية ال��دروز‪ ،‬المتحدرين‬ ‫من أرومة إس�لامية‪ ،‬إثر الصراع الماروني‬ ‫ال��درزي ع��ام ‪ 1860‬ف��ي لبن��ان‪ ،‬بع��د أن‬ ‫كان المقصود باألقليات أساس��ًا مسيحيي‬ ‫المش��رق من "اإلس�لام"‪ ،‬وما كان ألحد أن‬ ‫ينافس فرنسا على "حماية" الموارنة‪.‬‬ ‫في عصر التنظيمات العثمانية‪ ،‬وهو‬ ‫أيض��ا زمن "المس��ألة الش��رقية" و"حماية‬ ‫األقليات"‪ ،‬صار مسيحيون يحظون بحماية‬ ‫القنصلي��ات األوروبي��ة‪ ،‬وينالون أفضليات‬ ‫تجاري��ة‪ ،‬يدرجه��ا مؤرخون ف��ي خلفية ما‬ ‫تعرض له مس��يحيو دمش��ق م��ن مذبحة‬ ‫عام ‪.1860‬‬ ‫وحي��ن انطوت الس��لطنة ف��ي نهاية‬ ‫الح��رب العالمية األولى‪ ،‬ل��م يكن قد بقي‬ ‫من السيادة اإلس�لامية غير رموزها‪ .‬لكن‬

‫ما حل مكانها في س��ورية ليس جمهورية‬ ‫المواطني��ن‪ ،‬بل انت��داب فرنس��ي تمركز‬ ‫تفكيره كثي��را جدا حول الدي��ن والمذهب‬ ‫في حكمه لس��ورية ولبن��ان‪ .‬كان االنتداب‬ ‫الفرنس��ي يرى خي��ال اإلس�لام والجامعة‬ ‫اإلس�لامية وراء أي��ة مقاوم��ة تواجه��ه‪،‬‬ ‫وي��رد القومي��ة العربي��ة إلى مج��رد قناع‬ ‫جديد لإلس�لام‪ .‬وعرفت عن��ه محاباة لغير‬ ‫المسلمين وللمسلمين غير السنيين‪ ،‬حتى‬ ‫أنه قسم سورية غير مرة إلى دويالت على‬ ‫أسس مذهبية (وجهوية)‪.‬‬ ‫لي��س ه��ذا الم��آل غريبا عل��ى فكرة‬ ‫"حماي��ة األقلي��ات"‪ .‬فف��ي "برنامجه��ا‬ ‫الوراثي" تحمل هذه الفكرة ثالثة أش��ياء‪:‬‬ ‫نظ��رة ديني��ة إل��ى مجتمعاتن��ا‪ ،‬أو تعريفًا‬ ‫حصري��اً لها بالدين والمذهب؛ وحكم إدانة‬ ‫مبرم على "اإلس�لام"‪ ،‬موروث من القرون‬ ‫الوس��طى‪ ،‬ولم يضطر األوروبيون عموما‬ ‫إلى تعديله (وال تعدل الثقافات أحكامها إال‬ ‫مضطرة)؛ ثم منح القوى الغربية نفس��ها‬ ‫دور الطبيب المعالج‪.‬‬ ‫وبفظاظ��ة ممي��زة لورث��ة "س��جن‬ ‫الش��عوب"‪ ،‬تظه��ر عناص��ر ه��ذا البرنامج‬ ‫اليوم في تصريحات السياس��يين الروس‪،‬‬ ‫الت��ي تجمع بي��ن تحذير جل��ف صريح من‬ ‫حكم سني في سورية‪ ،‬وبين انتحال صفة‬ ‫حام��ي األقلي��ات‪ ،‬المس��يحيين والعلويين‬ ‫بخاصة‪ .‬يوم ‪ 7/16‬تح��دث وزير الخارجية‬ ‫الروسي الفروف عن أن بلده ال يمكن إال أن‬ ‫يهتم بمصير المسيحيين في سورية‪ ،‬قبل‬ ‫أن يضيف شيئا عن انتشار منظمة القاعدة‬ ‫في سورية‪ .‬وفي لقائه مع وفد من "المنبر‬ ‫الديمقراط��ي" الس��وري المع��ارض قب��ل‬ ‫ذلك بأسبوع‪ ،‬نس��ب أحد أعضاء الوفد إلى‬ ‫الوزي��ر المتعجرف قول��ه‪" :‬هناك اتصاالت‬ ‫بين المسيحيين في س��وريا وروسيا ومن‬ ‫مصالحن��ا الحفاظ على ه��ذه االتصاالت"‪.‬‬ ‫وه��ذا في س��ياق يتضم��ن أيض��ا التالي‪:‬‬ ‫"في حمص حرب أهلية حقيقية والبعض‬ ‫يسميها س��تالينغراد"؛ "أعلن بان كي مون‬ ‫عن الن��زاع الطائفي ويتم قتل المواطنين‬ ‫حس��ب الطائفة"؛ "يقلقن��ا أخبار عن وجود‬ ‫تنظي��م "القاع��دة" في س��وريا ومقاتلين‬ ‫من ليبيا مثل كتيب��ة الفاروق"‪ ،‬فض ًال عن‬ ‫اغتي��اب المجل��س الوطني الس��وري‪ .‬هذا‬ ‫السياق يظهر درجة تمركز مقاربة الروس‬

‫للش��أن الس��وري حول الدين وتصويرهم‬ ‫الث��ورة صراع��ا طائفيا‪ ،‬وعداءه��م الفظ‬ ‫لإلس�لام‪ .‬وأس��س الموقف الروس��ي هذه‬ ‫هي ما تجعل��ه ال يغتفر أكثر من مضمون‬ ‫الموقف نفسه‪.‬‬ ‫وهذا البرنامج مس��تبطن بكامله في‬ ‫عقيدة "حقوق األقليات" اليوم‪.‬‬ ‫وهو يغفل الواقع الجوهري المتمثل‬ ‫في أن ما نواجهه في س��ورية اليوم ليس‬ ‫االستبداد السلطاني القديم‪ ،‬وأنه بقدر ما‬ ‫نُع��رِّف األقليات تعريفا ديني��ا أو مذهبيا‪،‬‬ ‫وهذا ما تضمره سياسة األقليات‪ ،‬سواء كان‬ ‫عنوانها مبدأ "حماي��ة األقليات" القديم أم‬ ‫"حقوق األقليات" اليوم‪ ،‬فإن هذه األقليات‬ ‫كان��ت تش��غل ف��ي ظ��ل الحكم األس��دي‬ ‫موقع��ا في النظام أق��رب إلى الحظوة منه‬ ‫إل��ى التميي��ز ضدها (وه��ذا واق��ع لم تأت‬ ‫على ذكره أو تس��تنكره قوة غربية يوماً)‪،‬‬ ‫وإن م��ن الخ��رق عل��ى األقل الدف��ع بمبدأ‬ ‫"حقوق األقليات" في وجه ثورة لم تنطلق‬ ‫ألسباب دينية أو مذهبية‪ ،‬ويواجهها نظام‬ ‫امتيازي بوحشية قل نظيرها‪ ،‬وينتحل هو‬ ‫لنفس��ه عقيدة "حماية األقليات" (حمايتها‬ ‫من أكثرية معرّفة دينياً‪ ،‬وتبدو عدوانيتها‬ ‫طبيعة متأصلة)‪.‬‬ ‫النظام األسدي ليس وريثًا للسلطنة‬ ‫العثماني��ة‪ ،‬ب��ل لالنتداب الفرنس��ي‪ .‬فهو‬ ‫مثله متمرك��ز التفكير في ش��أن المجتمع‬ ‫ال��ذي يحكم��ه ح��ول الدي��ن والمذه��ب‪،‬‬ ‫وه��و مثل��ه ال يُكن عواط��ف إيجابية (كي‬ ‫نس��تخدم لغة معتدلة) حيال قطاع واس��ع‬ ‫م��ن محكومي��ه‪ ،‬األكثري��ة الديني��ة‪ ،‬وهو‬ ‫أكثر منه بارع في سياس��ة األقليات‪ ،‬محليا‬ ‫وإقليميًا‪.‬‬ ‫وغاي��ة ما تتطلع إليه هذه السياس��ة‬ ‫هو إحالل س��لطان محل سلطان‪ ،‬وتبديل‬ ‫القاع��دة االجتماعي��ة الثقافي��ة للحك��م‬ ‫السلطاني‪ ،‬مع بقاء بنى السياسة والدولة‬ ‫الس��لطانية على حالها‪ ،‬ومع تجديد تخارج‬ ‫المجموع��ات الثقافية‪ .‬لي��س مصادفة أن‬ ‫أورث حاف��ظ األس��د الحك��م في أس��رته‪.‬‬ ‫كل شيء س��لطاني في "س��ورية األسد"‪،‬‬ ‫والتوريث ال يأتي غريبا عليها‪.‬‬ ‫وق��د تكون ه��ذه الدولة الس��لطانية‬ ‫الجدي��دة دولة امتي��ازات اس��تبدادية مثل‬

‫النظ��ام األس��دي‪ ،‬أو اس��تعمارية مث��ل‬ ‫االنتداب الفرنس��ي‪ ،‬لكنها يمكن أن تكون‬ ‫ديمقراطية من نوع خاص‪" ،‬الديمقراطية‬ ‫التوافقي��ة"‪ .‬أي نظ��ام سياس��ي تتح��ول‬ ‫بموجب��ه المجموعة الثقافي��ة إلى وحدات‬ ‫سياس��ية ثابت��ة‪ ،‬وتتخذ الق��رارات المهمة‬ ‫في��ه باإلجم��اع‪ ،‬مع منح أي جماع��ة الفيتو‬ ‫على ما ال يناسبها‪ ،‬ويتميز بقدر واسع من‬ ‫الالمركزية وإدارة الجماعات لشؤونها على‬ ‫نح��و يذكر بالدولة الس��لطانية التقليدية‪.‬‬ ‫"الديمقراطي��ة التوافقية" دولة س��لطانية‬ ‫ب�لا س��لطان‪ .‬وه��ي أقصى ما ي��ؤول إليه‬ ‫كالم القوى الغربية ع��ن حقوق األقليات‪.‬‬ ‫ن��دع جانبا إن حال األقلية المس��لمة ليس‬ ‫مثالي��ا ف��ي أكثرها‪ ،‬أم��ا كان أول��ى بتلك‬ ‫القوى أن تكلمنا على المساواة والمواطنة‬ ‫والديمقراطية وسيادة القانون؟‬ ‫وبينم��ا ت��زداد الحاج��ة في س��ورية‬ ‫إل��ى نق��اش سياس��ي وحقوقي ف��ي هذه‬ ‫الش��ؤون‪ ،‬فإن م��ن المه��م أن نكون على‬ ‫بين��ة مم��ا يت��داول م��ن ش��عارات وأفكار‪.‬‬ ‫"حق��وق األقليات" التي تثاب��ر قوى غربية‬ ‫على إقحامها في النقاش حول المس��تقبل‬ ‫الس��وري تحي��ل في أحس��ن أحواله��ا إلى‬ ‫ديمقراطي��ة توافقي��ة‪ .‬وف��ي س��ياقاتنا‬ ‫المش��رقية‪ ،‬المتمي��زة بهشاش��ة ال��دول‪،‬‬ ‫كيان��ات ومؤسس��ات‪ ،‬وافتق��ار اإلقلي��م‬ ‫إل��ى نظام أمن مش��ترك فع��ال‪ ،‬والتخلف‬ ‫االقتصادي‪ ،‬تب��دو الديمقراطية التوافقية‬ ‫قرين��ة لضع��ف االس��تقرار الداخل��ي‬ ‫والخارجي معًا‪.‬‬ ‫إن كان لن��ا أن نتج��اوز البن��ى‬ ‫الس��لطانية‪ ،‬فلي��س المخ��رج إب��دال‬ ‫س��لطان بس��لطان على ما فع��ل االنتداب‬ ‫الفرنسي والنظام األسدي‪ ،‬وما قد يفضل‬ ‫اإلس�لاميون اليوم‪ ،‬وال هو دولة سلطانية‬ ‫بال س��لطان على ما هو الح��ال في لبنان‪،‬‬ ‫بل جمهورية مواطنين قائمة على أس��س‬ ‫علمانية منفتحة‪.‬‬ ‫دون هذه‪ ،‬الكثير من المش��اق‪ ،‬منها‬ ‫عقابيل السلطانية الجديدة‪ ،‬ومنها ضعف‬ ‫العنصر التجريبي في تفكيرنا السياس��ي‪،‬‬ ‫لك��ن جمهورية المواطني��ن تعيّن االتجاه‬ ‫الذي ينبغي أن نسير فيه‪.‬‬ ‫المستقبل اللبنانية ‪2012 / 7 / 29‬‬


‫حممد ح�سنني هيكل‪ :‬مبارك وزمانه من املن�صة �إىل امليدان‬ ‫ياسر مرزوق‬

‫قراءة في كتاب ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬

‫فـمب��ارك اآلن ي��ؤدى دوراً‪ ،‬وه��و يس��حب مص��ر‬ ‫وراءه ف��ي أدائه‪ ،‬ومن المهم أن يس��تمر ذلك‪ ،‬وال‬ ‫شيء يحقق ضمان اس��تمراره ألطول مدى إال أن‬ ‫يكون االبن اس��تمراراً ل�لأب‪ ،‬أو على األقل لتأكيد‬ ‫االستمرار على نفس الطريق‪."..‬‬ ‫حسين سالم‪ ،‬أشرف مروان وآخرون ونهب‬ ‫المال العام "المشكلة أن حل مشكالت مصر على‬ ‫طريقة "ماكيافيللى" لم ينجح‪ ،‬لسبب واضح وهو‬ ‫أن جماع��ات المصالح التي أحاطت باألب‪ ،‬وزحفت‬ ‫مع االبن تحولت إلى سرب جراد أتى على ما جاءت‬ ‫به السياس��ة‪ ،‬متحررة من األخ�لاق على طريقة‬ ‫ماكيافيلل��ى‪ ،‬أي أن الوع��اء االقتص��ادي ال��ذي‬ ‫امتأل بالس��يولة بعد حرب الخلي��ج‪ ،‬جرى تفريغه‬ ‫بالنهب"‪.‬‬ ‫وعن تش��بث مبارك بالس��لطة حتى اتجاه‬ ‫ابن��ه‪" ،‬م��ن المفارق��ات أن بع��ض المراقبي��ن‬ ‫أدهش��هم أن الرئي��س "مب��ارك" تراجع بس��رعة‬ ‫أكث��ر من الالزم في تقديرهم ثم استس��لم دون‬ ‫مقاوم��ة جدية لمطلب التنحي بعد ثورة ‪ 25‬يناير‬ ‫‪ 2011‬وكان بينه��م م��ن وج��دوا لذلك تفس��يرا‪،‬‬ ‫م��ؤداه أن الرئي��س "مبارك" أراح نفس��ه وتنحى‪،‬‬ ‫وهو لم يتنح لنفس��ه فقط وإنما أزاح ابنه وسط‬ ‫الزح��ام قب��ل أن يخ��رج هو م��ن الص��ورة عندما‬ ‫عيَّن السيد "عمر سليمان" نائبا للرئيس‪ ،‬وكانت‬ ‫الحوادث أسرع من الجميع"‪.‬‬ ‫ينه��ي كاتبنا مؤلف��ه بالعب��ارة التالية‪" :‬إن‬ ‫السياس��ة األمريكي��ة مض��ت تالح��ق الح��وادث‪،‬‬ ‫وتتعامل م��ع التطورات‪ ،‬وتتحرك ب��كل طاقاتها‪،‬‬ ‫واله��دف المطلوب بإلحاح «مص��ر يجب أال تضيع‬ ‫م��ن يد الواليات المتحدة م��رة أخرى» ــ وذلك هو‬ ‫الش��بح المعلق على أفق المس��تقبل في مصر ــ‬ ‫هذه اللحظة الخطرة من التاريخ"‪.‬‬ ‫اس��تمر زمن مب��ارك ثالثين س��نة بأكملها‬ ‫م��ن حي��اة وطن‪ ،‬وهى نفس��ها ثالثين س��نة من‬ ‫المتغي��رات والتح��والت في اإلقليم وف��ي العالم‪،‬‬ ‫قادن��ا رجل ال يعرف��ه المصريون إل��ى مصائر ال‬ ‫يعرفونها ‪ -‬ف��إن زمان هذا الرجل يصعب تجاوزه‬ ‫أو القف��ز عليه مهما كانت األس��باب‪ ،‬مع أن هناك‬ ‫أس��بابًا عديدة أبرزها أن التاريخ لم ينته بعد كما‬ ‫كتب بعض المتفائلين من الفالسفة الجدد‪.‬‬ ‫بقراءتن��ا ألي من أعمال هي��كل نكون في‬ ‫حض��رة الم��ؤرخ المفك��ر ال��ذي يجدد ف��ي قراءة‬ ‫التاري��خ مبدعًا ف��ي نظرته إلى كمي��ة المعطيات‬ ‫وأهميته��ا ومبتع��داً ع��ن الس��رد التاريخ��ي الذي‬ ‫ينظ��ر إلى الحوادث دون تعلي��ل أو تدقيق عميق‪،‬‬ ‫فهو الكاتب‪ ،‬بثقةٍ هي بنت المعرفة الرصينة ألن‬ ‫الثقة إذا لم تكن بنت المعرفة الواعية فس��رعان‬ ‫ما تتزعزع وتزعزع صاحبها معها‪.‬‬ ‫لكن يؤخذ على كتابنا اليوم‪ ،‬وعلى الثالثية‬ ‫بمجمله��ا‪ ،‬أن هي��كل وإن حاف��ظ عل��ى رش��اقة‬ ‫أس��لوبه في الكتابة وقدرت��ه المبدعة على الدقة‬ ‫ف��ي التعبي��ر‪ ،‬إال أنه ابتعد عن عادت��ه في أعماله‬ ‫الس��ابقة وهي رس��م خطوط اللوحة السياس��ية‬ ‫بأس��لوب أدب��ي ج��ذاب‪ ،‬وترصيعه��ا‬ ‫والتاريخي��ة‬ ‫ٍ‬ ‫بش��واهدٍ من خزائن الفلس��فة والتاريخ واآلداب‬ ‫التي يمتلك مفاتحها‪ ،‬ربما ألن األعمال كانت وليدة‬ ‫الحث المفاج��ئ‪ ،‬أو لغلبة الطابع الصحفي خاص ًة‬ ‫الج��زء الثالث الذي أت��ى جمعًا لح��واراتٍ ولقاءات‬ ‫أدلى بها األستاذ على مدار العام الفائت‪...‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫كتابنا اليوم هو الجزء األول من ثالثيةٍ كتبها‬ ‫الكبير "محمد حسنين هيكل" عن الثورة المصرية‬ ‫وم��ا بعده��ا‪" ،‬مب��ارك وزمان��ه م��ن المنص��ة إلى‬ ‫المي��دان‪ ،‬مبارك وزمانه م��اذا جرى في مصر ولها‪،‬‬ ‫مصر إلى أين ما بع��د مبارك وزمانه" ولعل الميزة‬ ‫األولى في هيكل‪ ،‬هو قدرته على التواجد في قلب‬ ‫الحدث أو مجاراته أو صنعه أحياناً‪ ،‬ومواكب ًة للثورة‬ ‫المصري��ة أت��ت ثالثية هي��كل‪ ،‬لت��ؤرخ لحقبةٍ من‬ ‫تاريخ مصر سيكتب ويقال عنها الكثير‪.‬‬ ‫يق��ول هيكل ف��ي مقدم��ة الكت��اب‪ ..‬بدأت‬ ‫التفكي��ر في هذه الصفح��ات باعتباره��ا مقدم ًة‬ ‫لكت��اب تص��ورت أن أجم��ع داخ��ل غالف��ه مجمل‬ ‫عالقت��ي بالرئي��س حس��نى مب��ارك‪ ،‬وق��د كانت‬ ‫عالق��ة محدودة وفات��رة‪ ،‬وفى كثير م��ن األحيان‬ ‫مشدودة ومتوترة‪ ،‬وربما كان أكثر ما فيها ‪ -‬طو ًال‬ ‫وعرضًا ‪ -‬لقاء واحد تواصل لس��ت ساعات كاملة‪،‬‬ ‫م��ا بي��ن الثامن��ة صباحًا إل��ى الثانية بع��د الظهر‬ ‫يوم الس��بت ‪ 5‬ديس��مبر ‪ - 1981‬أي بعد شهرين‬ ‫م��ن بداية رئاس��ته ‪ -‬وأم��ا الباقي ف��كان لقاءات‬ ‫عاب��رة‪ ،‬وأحاديث معظمها عل��ى التليفون‪ ،‬وكلها‬ ‫دون اس��تثناء بمبادرة طيبة منه‪ ،‬لك��ن الواقع أن‬ ‫الح��وار بيننا ل��م ينقطع‪ ،‬وكان صعب��اً أن ينقطع‬ ‫بطبائ��ع األم��ور طالما ظل الرجل مس��يطراً على‬ ‫مص��ر‪ ،‬وظللت من جانبي مهتمًا بالش��أن الجاري‬ ‫فيه��ا‪ ،‬وعليه فق��د كتبت وتحدثت عن سياس��اته‬ ‫وتصرفات��ه‪ ،‬كما أن��ه من جان��ب رد بالتصريح أو‬ ‫بالتلميح‪ ،‬وبلس��انه أو بلس��ان من اخت��ار للتعبير‬ ‫عنه أو تطوع دون وكالة‪.‬‬ ‫وقد تراكم من ذلك كثير مكتوب مطبوع‪ ،‬أو‬ ‫مرئي مسموع‪ ،‬وفكرت أن أجعله سج ًال وافيًا ‪ -‬بقدر‬ ‫اإلمكان ‪ -‬لحوارات وطن في زمن‪ ،‬ولعالقة صحفي‬ ‫م��ع حاك��م ومع س��لطة ف��ي الوطن وف��ى الزمن‪،‬‬ ‫لكنى رُحت أسأل نفس��ي عن الهدف من جمع هذا‬ ‫السجل‪ ،‬ثم ما هو النفع العام بعد جمعه‪.‬‬ ‫ وبداي��ة فق��د ورد على بالى أن تس��جيل‬‫م��ا جرى في ح��د ذاته قد يكون وس��يلة إلى فهم‬ ‫مرحل��ة م��ن التاريخ المص��ري المعاص��ر مازالت‬ ‫تعيش فينا‪ ،‬ومازلنا نعيش فيها!‬ ‫ ث��م ورد على بالى أن كثيراً من قضايا ما‬‫جرى مازالت مطروحة للحوار‪ ،‬وبالتالي فالتسجيل‬ ‫سند للوصل واالستمرار‪.‬‬ ‫ ث��م ورد عل��ى بال��ى أن بع��ض المالم��ح‬‫واإلش��ارات ف��ي س��ياق ذلك الح��وار ربم��ا تكون‬ ‫مفي��دة ف��ي التع��رف أكثر عل��ى لغز رج��ل حكم‬ ‫مص��ر‪ ،‬وأمس��ك بالقم��ة فيه��ا ثالثين س��نة لم‬ ‫يتزحزح‪ ،‬وتغيرت فيها الدنيا‪ ،‬وظل هو حيث هو‪،‬‬ ‫ال يتأثر‪.‬‬ ‫وذلك البد له من فحص ودرس!‬ ‫ترك��ت خواط��ري تطل عل��ى كل النواحي‪،‬‬ ‫ثم اكتش��فت أن االتجاه��ات تتفرع وتتمدد ‪ -‬لكن‬ ‫الط��رق ال تصل إلى غاية يمك��ن اعتبارها نقطة‬ ‫تصل بالسؤال إلى جواب‪.‬‬ ‫وعُ��دت إلى ملفات��ي وأوراق��ي‪ ،‬ومذكراتي‬ ‫وذكريات��ي‪ ،‬وبرغم آثار كثيرة وجدتها‪ ،‬ومش��اهد‬ ‫عادت إل��ىّ بأجوائها وتفاصيلها‪ ،‬فقد طالعني من‬ ‫وس��ط الزحام س��ؤال آخر يصعب تفاديه‪ ،‬مجمله‪:‬‬ ‫م��اذا أع��رف حقيقة وأكي��داً عن ه��ذا الرجل الذي‬ ‫لقيته قلي ًال‪ ،‬واش��تبكت معه ومع نظامه طوي ًال‪....‬‬ ‫واألهم من ذل��ك‪ :‬ماذا يعرف غيري حقيقة وأكيداً‬ ‫ع��ن الرج��ل‪ ،‬وق��د رأي��ت ‪ -‬ورأوا ‪ -‬ص��وراً له من‬ ‫مواق��ع وزوايا بال عدد‪ ،‬لكنها جميعًا لم تكن كافية‬ ‫لتؤكد لنا اقتناعًا بالرجل‪ ،‬وال حتى انطباعًا يسهل‬ ‫االطمئنان إليه والتعرف عليه‪ ،‬أو الثقة في قراره‪.‬‬ ‫بتحليل‬ ‫ف��ي مطلع كتاب اليوم يأتي هيكل‬ ‫ٍ‬ ‫قانون��ي مقنع ع��ن محاكمة مبارك قائ� ً‬ ‫لا‪ :‬مع أن‬ ‫مب��ارك وصل إل��ى قاع��ة محكمة ‪ -‬مم��دداً على‬ ‫س��رير طبي دخل ب��ه إلى زنزان��ة حديدية ‪ -‬فإن‬ ‫الته��م التي وجُهت إليه لم تك��ن هي التهم التي‬ ‫يلزم توجيهه��ا‪ ،‬بل لعلها األخي��رة فيما يمكن أن‬ ‫يوجه إلى رئيس دولة ثار ش��عبه عليه‪ ،‬وأس��قط‬ ‫حكم��ه وأزاحه‪ .‬والمنطق ف��ي محاكمة أي رئيس‬ ‫دولة أن تكون محاكمته على التصرفات التي أخل‬ ‫فيه��ا بالتزامه الوطن��ي والسياس��ي واألخالقي‪،‬‬ ‫وأس��اء بها إلى ش��عبه‪ ،‬فتلك هي التهم التي أدت‬ ‫للثورة عليه‪.‬‬ ‫أي أن محاكم��ة رئيس الدول��ة ‪ -‬أي رئيس‬ ‫وأي دول��ة ‪ -‬يجب أن تكون سياس��ية تثبت عليه ‪-‬‬

‫أو تنفى عنه ‪ -‬مس��ئولية اإلخ�لال بعهده ووعده‬ ‫وش��رعيته‪ ،‬مما اس��توجب الثورة عليه‪ ،‬أما بدون‬ ‫ذل��ك فإن اختصار التهم في التصدي للمظاهرات‬ ‫ قلب لألوضاع يس��تعجل الخاتم��ة قبل المقدمة‬‫ والنتائ��ج قبل األس��باب‪ ،‬ذلك أن��ه إذا لم يظهر‬‫خروج مبارك على العهد والوعد والش��رعية‪ ،‬إذن‬ ‫فقد كان تصديه للمظاهرات ممارس��ة لس��لطته‬ ‫في استعمال الوسائل الكفيلة بحفظ األمن العام‬ ‫للن��اس‪ ،‬والمحافظة عل��ى النظام الع��ام للدولة‪،‬‬ ‫وعليه يصبح التج��اوز فإصدار األوامر أو تنفيذها‬ ‫ رغبة في حس��م س��ريع‪ ،‬ربما تغف��ره ضرورات‬‫أكبر منه‪ ،‬أو في ٍأسوأ األحوال تزيداً في استعمال‬ ‫السلطة قد تتشفع له مشروعية مقاصده‪.‬‬ ‫وكذل��ك فإنه بع��د المحاكمة السياس��ية ‪-‬‬ ‫وليس قبلها ‪ -‬يتس��ع المجال للمحاكمة الجنائية‪،‬‬ ‫ومعها القيد والقفص‪.‬‬ ‫بمعنى أن المحاكمة السياسية هي األساس‬ ‫الض��روري للمحاكم��ة الجنائي��ة لرئي��س الدولة‪،‬‬ ‫ألنه��ا التصديق القانون��ي على موجب��ات الثورة‬ ‫ض��ده‪ ،‬وحينئ��ذ يصبح أم��ره بإطالق الن��ار على‬ ‫المتظاهري��ن جريمة يك��ون تكييفه��ا القانوني‬ ‫إصراره على اس��تمرار عدوانه عل��ى الحق العام‪،‬‬ ‫وإص��راره عل��ى اس��تمرار خرقه المس��تبد لعهده‬ ‫الدستوري مع األمة‪.‬‬ ‫ث��م يط��رح تس��اؤ َال ويجي��ب علي��ه‪ :‬كي��ف‬ ‫اس��تطاع هذا الرجل أن يجلس على رئاسة مصر‬ ‫ثالثين س��نة؟ ثم كيف اس��تطاع ش��عب مصر أن‬ ‫يصبر ثالثين سنة ؟‬ ‫وبالنس��بة لـ"كي��ف" األولى فالج��واب على‬ ‫سؤالها‪ :‬إنه حظه طالما استطاع البقاء!‬ ‫وأم��ا "كي��ف" الثانية فج��واب س��ؤالها‪ :‬أنها‬ ‫مس��ئولية الش��عب المص��ري كله ألن��ه هو اآلخر‬ ‫اس��تطاع – اس��تطاع بالصبر والصم��ت – وإظهار‬ ‫الس��أم والملل أحيانا – حتى جاءت ثورة ‪ 25‬يناير‬ ‫‪ ،2011‬وعندما لم يع��د الصبر قادرا‪ ،‬وال الصمت‬ ‫ممكنا‪ ،‬وال الملل كافيا!‬ ‫يبدأ هيكل فتح صندوق أسرار أيام مبارك‪،‬‬ ‫ليكش��ف فيها عن العديد من األلغاز واألسرار لم‬ ‫يعرفه��ا المصريون عن حاكمه��م لغز رجل حكم‬ ‫مص��ر ثالثي��ن س��نة‪" ..‬آالف الص��ور والحقيق��ة‬ ‫ضائع��ة‪ ..‬ه��ؤالء الذين يظن��ون أنه��م يعرفون‬ ‫مب��ارك ه��م ف��ي واق��ع األم��ر ال يعرف��ون عن��ه‬ ‫شيئًا‪."..‬‬ ‫كي��ف انهارت الصورة األكثر بها ًء‪ ،‬باعتباره‬ ‫قائداً لم��ا أطلق عليه وصف "الضرب��ة الجوية" –‬ ‫إذن فكي��ف نزلت "األس��طورة" إلى تل��ك الصورة‬ ‫التي رأيناها بظهوره ممدداً على سرير طبي وراء‬ ‫جدران قفص في محكمة جنايات مصرية‪ ،‬مبالغًا‬ ‫في إظهار ضعفه‪ ،‬يرخى جفنه بالوهن‪.‬‬ ‫إذا ما اعتمدن��ا وصف مبارك لعصره‪ ،‬زاعمًا‬ ‫أنه زمن اإلنجاز األعظم في التاريخ المصري منذ‬ ‫محم��د عل��ى ‪ -‬إذن فكيف يمكن تفس��ير األحوال‬ ‫الت��ي ترك مص��ر عليه��ا‪ ،‬وه��ى أح��وال تفريط‬ ‫وانفراط للموارد والرجال‪ ،‬وتجريف كامل للثقافة‬ ‫والفك��ر‪ ،‬حتى إنه حي��ن أراد أن ينفى عزمه على‬ ‫توري��ث حكمه البن��ه‪ ،‬رد بحدة على أحد س��ائليه‬ ‫وهو أمير س��عودي تواصل مع��ه من قديم‪ ،‬قائ ًال‬ ‫بالن��ص تقريبًا‪ :‬يا راجل حرام علي��ك‪ ،‬ماذا أورث‬ ‫ابني ‪ -‬أورثه خرابة؟!‬ ‫ول��م يس��أله س��امعه مت��ى وكي��ف تحولت‬ ‫مصر إلى خرابة حسب وصفه‪ ،‬وهل تولى حكمها‬ ‫وهى عل��ى هذا الح��ال؟ وإذا كان ذلك فماذا فعل‬ ‫إلع��ادة تعميرها طوال ثالثين س��نة؟ وهذه فترة‬ ‫تزي��د مرتين عما أخذته بالد مث��ل الصين والهند‬ ‫والماليو لكى تنهض وتتقدم‪.‬‬ ‫ث��م إذا كان قد حقق ما لم يس��تطعه غيره‬ ‫من��ذ عص��ر محم��د عل��ى ‪ -‬إذن فأين ذه��ب هذا‬ ‫االنج��از‪ ،‬وكيف تحول ‪ -‬تحت نظام��ه إلى خرابة‪،‬‬ ‫ث��م لماذا كان ه��ذا الجه��د كله من أج��ل توريث‬ ‫خرابة خصوصاً أن اإللحاح عليه كان حقل األلغام‬ ‫الذي تفجر في وس��طه نظام األب حطاماً وركاماً‪،‬‬ ‫مازال يتساقط حتى هذه اللحظة بعد قرابة سنة‬ ‫من بداية تصدعه وتهاويه‪.‬‬ ‫ه��ي ص��ورٌ ينقلها هي��كل لزعي��م مصر‪،‬‬ ‫ص��ورٌ ادعاه��ا ه��و أو إعالم��ه وحي��ن ال تكف��ي‬ ‫الصورة إلج�لاء الحقائق‪ ،‬ينتقل إل��ى البحث عن‬ ‫الرجل ذاته!‬

‫وعلى امتداد كتابنا حاول هيكل البحث عن‬ ‫الرجل ذاته قبل النظر في ألبوم صوره‪ ،‬وعاد إلى‬ ‫ملفاته وأوراقه‪ ،‬ومذكراته وذكرياته عن حس��نى‬ ‫مبارك‪ ،‬ليسجل ما حدث ولم يسعى إلى لقا ِء أحدً‬ ‫مم��ن عملوا م��ع "مب��ارك" عن قرب أو عايش��وه‪،‬‬ ‫مؤكداً أن الكتاب ليس س��يرة حياة مبارك‪ .‬مشيراً‬ ‫"إل��ى أن تس��جيل ما جرى في حد ذات��ه قد يكون‬ ‫وس��يلة إلى فهم مرحلة م��ن التاريخ المصري ما‬ ‫زالت تعيش فينا‪ ،‬وما زلنا نعيش فيها‪ .‬وليرس��م‬ ‫لمح��ات ومش��اهد م��ن زمن ط��ال ثالثين س��نة‪،‬‬ ‫كانت م��ن أغرب الس��نوات في التاري��خ المصري‬ ‫الحديث"‪.‬‬ ‫كما يض��يء على الح��وار الذي ج��رى بينه‬ ‫وبين الس��ادات ذات ي��وم‪ ،‬حول الش��خصية التي‬ ‫تصلح لتكون نائبًا لألخير‪ ،‬ووقتها كان الس��ادات‬ ‫متحي��زًا لمبارك‪ ،‬مؤك��دًا أن اختيار مب��ارك لهذا‬ ‫المنص��ب كان ألس��باب سياس��ية‪ ،‬لم يك��ن بينها‬ ‫سبب عسكري واحد‪.‬‬ ‫أض��اف الكاتب الكبير ف��ي محض رده على‬ ‫كالم الس��ادات بش��أن اختيار مبارك نائبا لرئيس‬ ‫الجمهوري��ة‪'' :‬حس��نى مبارك ال خبرة له بش��ئون‬ ‫الحكم في سياس��ة كل ي��وم‪ ،‬خصوصاً ما يتعلق‬ ‫بمطال��ب الناس ومش��كالتهم‪ ،‬ثم لم��اذا ال تتيح‬ ‫لمب��ارك فرص��ة التجربة وزي��رًا إلح��دى وزارات‬ ‫اإلنت��اج أو الخدمات‪ ،‬حت��ى يتفهم الرج��ل أحوال‬ ‫اإلدارة المدني��ة‪ ،‬وحت��ى يحتك به��م ولو من باب‬ ‫اإلنص��اف؟'' لكن الس��ادات أجاب علي��ه قائ ًال‪ '' :‬ال‪،‬‬ ‫لو فعلت ما تقترحه فسوف أحرق حسنى مبارك‪..‬‬ ‫اإلنجاز السريع في الوزارات التنفيذية مسألة في‬ ‫منتهى الصعوبة''‪.‬‬ ‫بعد هذه الحوار‪ ،‬خرج هيكل ‪-‬وفقاً لكالمه‬ ‫في كتابه‪ -‬بع��دة حقائق أهمها‪ ،‬أن اختيار مبارك‬ ‫ً‬ ‫بس��يطا‪،‬‬ ‫لمنص��ب نائب الرئيس لم يكن اختيارًا‬ ‫بل مركبًا‪ ،‬حكمته اعتب��ارات أخرى‪ ،‬فهو لم يكن‬ ‫اختيارًا م��ن بين الرجال الذي��ن ظهروا في حرب‬ ‫أكتوب��ر‪ ،‬على أس��اس دور متف��وق أو غيره فيها‪،‬‬ ‫وإنم��ا كان اختي��ار مبارك ش��يئًا آخر‪ ،‬إل��ى جانب‬ ‫أكتوب��ر يقدم��ه ويزكي��ه‪ ،‬وأن الرئيس الس��ادات‬ ‫اختار رج ًال يعرفه من قبل‪ ،‬وقد اختبر قدرته على‬ ‫الفعل واس��توثق من��ه‪ ،‬وأن اختي��اره للرجل وقع‬ ‫في ذهنه قضية حيوية بالنس��بة له ولسياس��اته‬ ‫ه��ي قضي��ة تأمين النظ��ام في ظ��روف تحوالت‬ ‫حساسة‪.‬‬ ‫وعن تقب��ل الش��ارع المصري لمب��ارك في‬ ‫بدايات��ه ق��ال‪ :‬بعض الناس تلقف��وه حين وجدوه‬ ‫ول��م يتوقف��وا أم��ام ش��خصيته وه��و يقف��ز من‬ ‫المنصة إلى الرئاس��ة‪ ،‬فقد أخذه��م هول ما وقع‬ ‫على المنصة‪ ،‬وتمسكوا بمن بقى بعده‪" .‬والمنصة‬ ‫هي التي اغتيل عليها الرئيس السادات"‪.‬‬ ‫وبعضهم أخذه الظاهر من الرئيس الجديد‬ ‫واس��تخف بم��ا رأى‪ ،‬واعتبره وضعاً مؤقت��ًا لعبور‬ ‫أزم��ة‪ ،‬وبالتال��ي فاإلطال��ة ف��ي تحليل��ه إضاعة‬ ‫للوقت‪.‬‬ ‫وبع��ضٌ ش��دته الوقائع التي ظه��ر الرجل‬ ‫طرفًا في معمعانها‪ ،‬واس��تطاعت الصورة العامة‬ ‫لألحداث الكبر التي دهمت المنطقة أن تس��توعب‬ ‫دوره ضم��ن األدوار‪ ،‬ومع قيمة مصر فإن الجالس‬ ‫على قمتها التحف برايتها‪ ،‬وساعده الطامعون في‬ ‫إرث ال��دور المصري على تحوي��ل هذه الراية إلى‬ ‫برقع يستر مالمح متغيرة للسياسة المصرية‪.‬‬ ‫وبعض ـ خصوصا من أجيال الشباب ـ نشأوا‬ ‫ول��م يعرفوا رئيس��اً غي��ره‪ ،‬وبالتالي ف��إن أجيا ًال‬ ‫تعودت عليه‪ ،‬وتأقلمت بالطبع على وجوده‪.‬‬ ‫وبعضه��م رغب�� ًة في راح��ة الب��ال تجاهل‬ ‫الس��ؤال عن الرجل‪ ،‬واستعاض عنه بقبول جواب‬ ‫معبأ بصنعة إعالم يأتمر بالغلبة – غلبة السلطة‬ ‫– أو غلب��ة الث��ورة ف��ي مصر‪ ،‬وكان لس��وء الحظ‬ ‫إعالمًا فقد تأثيره‪ ،‬وإن بقى هديره‪.‬‬ ‫وثائ��ق ومعلوم��ات وأحاديث عن الس��لطة‬ ‫والثروة والتوريث "والشاهد أن تلك اللحظة كانت‬ ‫نقطة تحول كبير في توجهات "مبارك"‪ ،‬فقد وجد‬ ‫أطرافًا تطلب تقوية دوره في المنطقة وتوظيفه‪،‬‬ ‫بحيث يأخذ معه وض��ع مصر في اإلقليم كله إلى‬ ‫حيث يري��د وكما يش��اء‪ ،‬وكانت تل��ك البداية في‬ ‫مطل��ب تأييد حكمه طول حياته‪ ،‬مس��نودًا بقوى‬ ‫دولي��ة وإقليمية‪ ،‬وكان وحت��ى دون أن يقصد أحد‬ ‫تمهي��داً منطقيًا لورود فك��رة التوريث على البال‪،‬‬

‫‪19‬‬


‫عهد زرزور‬

‫حيطان فيس بوك ‪. .‬‬

‫‪ ‎177‬روحْ‪ ،‬انتهى اليوم بها لتكون على الموعدْ‪ ..‬وأنا دائماً الموعد‬ ‫يخلفن��ي‪ ،‬ويحذرني‪ ،‬ال أريد من العمر بقية‪ ،‬ولي��س ذلك ترفاً ومل ًال‬ ‫وضجراً‪ ..‬بل أشعر أنني لم أرتقي شرفاً‪ ،‬كي يحتضنني تراب الطهرْ‪،‬‬ ‫وتزفني مالئكة الطريق إلى العلى‪ ..‬يا سياط الضمير إهدئي ليل ْة‪..‬‬

‫فدوى روحانا‬ ‫الس��طحية التي يتعامل بها بعض مثقفي اليس��ار الفلسطيني‪،‬‬ ‫أو أغلبه��م‪ ،‬ف��ي الداخل م��ع الثورة الس��ورية ونظرته��م إليها‬ ‫بمنظارهم اإليديولوج��ي الضيق على أنها مؤامرة إمبريالية مع‬ ‫تجريدها من أبعادها اإلنسانية والمأساوية‪ ،‬أصبحت ال تطاق!!!‪..‬‬ ‫الموقف الفلسطيني الداخلي من الدم السوري مخزي!!‬

‫الحرية يلي بدي ياها هي العدالة والمس��اواة‪ ..‬بدي يكون القانون س��يد كلش��ي قانون الحق يلي‬ ‫بينص��ف صاح��ب الحق مين ماكان وبيحاس��ب الغلطان مين ما كان‪ ..‬بدي والد البلد يكونو متس��اوين‬ ‫بالحقوق والتعامل من أفقر واحد ألكتر واحد معو مصاري وبغض النظر عن انتمائو السياسي أو الديني‪،‬‬ ‫وأنو تكون الحياة السياس��ية والدينية والتعبير عن األراء فيا مس��موحة للكل‪ ..‬بدي الحركة السياس��ية‬ ‫واالجتماعية بالبلد تروح بمنحى الكل عم يش��تغل للبلد أو ًال‪ ..‬جعبالي فيق والقي ‪ 60%‬من الشعب بس‬ ‫ما بيس��رق وال بكب زبالتو وال بيلطش مو بس ألنو القانون بحاس��بو أل أانو هوه بحب بلدو وهالشي ما‬ ‫بيجي غير لما بحس المواطن بالمواطنة الحقيقية‪..‬‬

‫ ‬

‫الخالصة بدي عيش المواطنة‪):‬‬

‫حممد ك�شكول‬ ‫شفت بمنامي الراجل اللي واقف ورا فاروق الشرع‪..‬‬

‫�إياد عما�شة‬ ‫سوريا ليست حنونة‪ ،‬سويا لئيمة‪ ،‬نعم لئيمة‪..‬‬ ‫مش��كلتي مع س��وريا أنه��ا فضيحت��ي‪ ..‬ال ش��يء يقلقني‬ ‫بقدرها‪ ،‬ال شيء يخيفني بقدرها‪..‬‬ ‫يا بلدي‪ ،‬غدا هو يوم أخر‪ ..‬يا سوريا الجريحة‪ ،‬كوني بخير‪.‬‬

‫�صوفيا م�شهدي‬ ‫يا حلب‪ ،‬ما تبقى من سوريا معاكي للموت (الشعب السوري الحر)‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪20‬‬

‫�شو هي احلرية اللي بدكن ياها؟ (‪)9‬‬

‫خولة دنيا‬ ‫سرقات على نطاق واسع آلثار سوريا ومتاحفها‪ ..‬يتم تهريبها‬ ‫للخارج‪ ..‬لصالح س��ارقي وناهبي سوريا‪ ..‬اآلثار ملف منسي ال‬ ‫ينتب��ه له أح��د‪ ..‬لن يبقوا لنا س��وى آثار القص��ف والدمار‪..‬‬ ‫ورغبة كبيرة بإعادة البناء‪ ..‬أما آثار سوريا فكيف نعيدها؟‬

‫فرج بريقدار‬ ‫أنا ط��وال عمري أث��ق بالمناضل‪ ،‬وأس��تطيع الق��ول الصديق‪،‬‬ ‫ميش��يل كيلو‪ .‬ولكني أعتقد أن ثقة الشعب السوري به هي أو ًال‬ ‫وأساساً‪ .‬أعتقد أنه في الشهور األخيرة بدأ يخسر ثقة الكثيرين‪.‬‬ ‫بالطبع الثقة ليست دائماً على حق‪ ،‬وميشيل يبحث عن الجدوى‬ ‫وليس الثقة‪ ،‬ولكني حتى في هذا المعيار أرى أنه يخسر الكثير‪،‬‬ ‫وآمل له التوفيق وطنياً‪ ،‬فإن ال‪ ،‬فش��خصياً على األقل‪ .‬نداء روما‬ ‫أدنى بكثير مما ينبغي‪ ،‬وبعض رجاالته أيضاً‪.‬‬

‫ب�شري كفاح‬ ‫ما ل��م يحاول فهمه الث��وار‪ :‬دع مخالف��ك ‪ -‬إن كنت تحب‬ ‫الح��ق ‪ -‬يصرح بما يعتقد‪ ،‬فإم��ا أن يقنعك‪ ،‬وإما أن تقنعه‪،‬‬ ‫وال تعامله بالقس��ر‪ ،‬فما انتشر فكر بالعنف‪ ،‬أو تفاهم قوم‬ ‫بالطيش والرعونة‪ ..‬جمال الدين القاسمي‬

‫ر�شا عمران‬ ‫أمس سألني صديق عزيز لم أره من مدة إن كنت نادمة اآلن على‬ ‫موقفي بعد أن زادت تحوالت الثورة نحو مظاهر األس��لمة وبعض‬ ‫العنف وازدادت األصوات المطالبة بإبادة الطائفة التي انتمي لها!‬ ‫جوابي الس��ريع كان‪ :‬نادمة على ش��يء واحد ووحيد فقط‪ :‬تجبني‬ ‫وخضوعي للضغوطات ألغادر س��وريا‪ ..‬واليوم وبدون تسرع وبعد‬ ‫تفكير أقول نادمة على خروجي من س��وريا ونادمة أنني كنت من‬ ‫المتورطين بالمراقبة والصمت طيلة السنوات الماضية‪.‬‬

‫رباب حاج ح�سني‬ ‫خس��رت في هذه الثورة أصدقاء كنت أحبهم جدا‪ ..‬لكني كسبت‬ ‫مدن��ا بكاملها لم أكن أعرفها‪ ..‬كس��بت م��ودة وأصالة لم أكن‬ ‫ألحل��م بها أبدا‪ ..‬كس��بت أحم��د زوجا ورفيق درب نحلم س��وية‬ ‫بوطن السالم والفرح‪ ..‬نرسم لعالمنا القادم صور تغمرها األلفة‬ ‫والمحبة في بلد تقدس الحرية والحب‪ ..‬كسبت معنى للحياة‬

‫روال ركبي‬ ‫بلد يحكمه مجهولون يختبئون تحت صورة شبح!‬

‫�إياد حياتلة‬ ‫أهال��ي مخيّم اليرم��وك الذيّن خ ّلدوا ذكرى دير ياس��ين‬ ‫بتس��مية أحد ش��وارع المخيّم باسمها‪ ،‬وتس��مية مجمّع‬ ‫عي��ادات الهالل األحمر الفلس��طيني باس��مها كذلك‪ ،‬كان‬ ‫لهم النظام األس��دي المج��رم بالمرصاد فأكم��ل ما بدأه‬ ‫العدو اإلسرائيلي وقام بإحراق هذه العيادة اليوم‬ ‫إنّهم يحاربون الذاكرة أيضاً‬

‫جورج �ضومط‬ ‫أنتظ��ر الثورة العميقة في وعي الس��وريين جميع��اً‪ ..‬انتبهوا‪ :‬ال‬ ‫عداوة بين األموات‪ ..‬هناك عدو واحد هو الموت وصانعه‪ ..‬أكرر‬ ‫ال عداوة بين األموات!!! الموتى في الجانبين لم يعودوا أعداء‪..‬‬

‫لينا مولال‬ ‫تب��دو الش��ام ملوث��ة بع��ار قدي��م‪ ،‬تح��اول أن تخلعه عن‬ ‫جسدها المثقل بكل أنواع الهواجس‪ ،‬تجاهد كي تعيد إلى‬ ‫الياسمين أريجه قبل أن يكمل اقتالعه الجالد‪ ،‬هو كدراكوال‬ ‫في تعطش��ه للدماء‪ ..‬يفضل أن ال يشرب من كأس الموت‬ ‫وحيداً يريد إلحاق الدمار في كل ش��بر س��وري‪ ،‬هذا طقس‬ ‫غريب لم نعشه يوماً‪ ..‬لكن األيام تدور كما الحياة لتمنحنا‬ ‫باقة من األمل والعنفوان‪ .‬وإن النصر لقريب‪ .‬قادمون‬

‫رجاء خملوف‬ ‫قرية الس��عادة‪ ..‬هي قرية كنا نمر كل ي��وم لدى توجهنا لموقع‬ ‫التصوي��ر إل��ى الجنوب الس��وري‪ ..‬بيوته��ا متداعي��ة‪ ..‬متناثرة‬ ‫بوحشة هنا وهناك‪ ..‬بضع شجيرات زيتون‪ ..‬وطريق شبه معبد‪..‬‬ ‫هو نفس��ه ملعب األطفال‪ ..‬ودكان صغير يبي��ع العلكة والحلوى‬ ‫القديمة لهم‪ ..‬والدحاحل لتنيمة المدارك‪ ..‬يكاد ال يمر بها أحد‬ ‫س��وانا‪ ..‬وكنت كل يوم أس��أل نفس��ي‪ ..‬ربما مررنا اليوم بشاب‬ ‫مب��دع أو صبية موهوب��ة‪ ..‬لكن البؤس يغمرهم‪ ..‬والنس��يان‪..‬‬ ‫مساؤك خير يا قرية السعادة‪ ..‬ولك يا منازل في القلوب منازل‪.‬‬

‫عمر عناية‬ ‫في حلب نس��اء ورجال كثيرون‪ ،‬في عقول هؤالء الكثير من الخوف‪،‬‬ ‫ف��ي أيدي ه��ؤالء الكثير من الرص��اص‪ ،‬في عيونه��م الكثير من‬ ‫الموت المرتقب والماضي‪ ،‬في قلوب هؤالء الكثير من األمل‪ ..‬على‬ ‫طريق حلب الكثير من الجنود‪ ،‬في عقول هؤالء نزع كل ش��يء‪ ،‬في‬ ‫أي��دي كل هؤالء الكثير من آالت الموت‪ ،‬في عيون هؤالء أطفأ كل‬ ‫شيء‪ ،‬في قلوب كل هؤالء شمعة صغيرة‪ ،‬لم تعد تضيء الكثير‪.‬‬

‫يو�سف �أبو خ�ضور‬ ‫ال تدخل في معادلة الداخل والخارج‪ ،‬ألنها مستحيلة الحل‪ ،‬ال‬ ‫تدع أحداً يسرق حقك في الثورة‪ ،‬أنت ضحية النظام‪ ،‬حتى لو‬ ‫لم تمت أو تجرح أو تنزح‪ ،‬حتى لو كنت عاجزاً عن حك ش��عر‬ ‫رأسك‪ ..‬ال تنتظر شهادة من أحد‪ ،‬وال تسقط في الفخ‪.‬‬

‫هاين عرق�سو�سي‬ ‫عل��ى يميني ولدي‪ ،‬وعلى يس��اري ابنتي‪ ،‬لن تس��تطيع أن‬ ‫تحرمني العيش والحياة‪ ..‬أنا أحيا وأنت تش��قى‪ ..‬أنا أعيش‬ ‫وأن��ت تتآكل وتتعفن به��دوء‪ ..‬أنا أعيش يوم��اً بعد يوم‪،‬‬ ‫وأنت تشقى يوماً بعد يوم‪ ..‬كم أنت تعيس يا دكتور‪..‬‬

‫فرا�س �أتا�سي‬ ‫نزوح الناس من مناطقهم‪ ..‬هو بس��بب وحش��ية النظام‪..‬‬ ‫لي��س بس��بب مقاوم��ة األح��رار والتطل��ع إل��ى الحري��ة!!‬ ‫تذكروها‪ ..‬وذكروا بها من كان عنها غافل‪..‬‬

‫بكري نريبية‬ ‫سالمٌ على كل ورقةٍ من أوراق الشجر نام عليها الرصاص‬ ‫أرض حفرت عليها الدبابات موتاً‬ ‫ولم تسقط‪ ..‬سالمٌ على ٍ‬ ‫أحمراً ومازالت تولد كل يوم مس��احات أكثر‪ ..‬س�لامٌ على‬ ‫من أتاه الموت وأصر قلبه على أن ينبض‪.‬‬

‫را�سيا حيدر‬ ‫حب��ك رح يس��اوي قلبي ثالث��ي األبع��اد‪ ..‬وأن��ا متعودة ع‬ ‫فلسطين سوريا‪ ..‬و‪ ..‬بس‪!!! ..‬‬

‫�أ�سامة حممد‬ ‫الدعوة للس��لم‪ ..‬بمعنى القبول المؤقت أو المستمر بدور‬ ‫القتيل‪ ..‬اعتداء على الحياة‪ ..‬ونفاق عن بعد‪ .‬القتل المؤقت‬ ‫قتل دائم‪ ..‬والموت هو الموت‪ ..‬الس��لم مش��روع متكامل‬ ‫يضمن غياب الخوف والقتل‪ ..‬الحياة‪ ..‬حلوة‪..‬‬

‫كرم ن�شار‬ ‫الث��ورة رح تنتص��ر‪ ..‬والنظام رح يس��قط‪ ..‬وبعدي��ن رح ندخل‬ ‫بدوامة التغيير‪ ،‬رح نزعل كتير ونحبط كتير‪ ،‬ألنه سوريا قدامها‬ ‫طريق طويل واالستقرار الديمقراطي أصعب بكتير من االستقرار‬ ‫القائم على القمع‪ ..‬لكن هل الثورة رح تضل أعظم فعل جماعي‬ ‫للش��عب الس��وري في تاريخه المعاصر‪ ..‬وأنا شخصيا‪ ،‬في حال‬ ‫عش��ت‪ ،‬رح ضل دندن لعمري تسعين س��نة‪" ،‬يما مويل الهوا‪..‬‬ ‫يما مويليا‪ ..‬ضرب الخناجر وال حكم األسد ليا"‪..‬‬

‫جوالن حاجي‬ ‫(األمّ في فجر الزيارة)‬ ‫ثمة بحرٌ يتق ّلبُ ويتعرّقُ تحت التراب‪ ،‬وفتى يبكي ألنه رأى‬ ‫الخبز‪ .‬إنه ابنك‪ ..‬مدّي يدك وزحزحي هذه الصخرة بلمس��ة‪.‬‬ ‫من تحت هذه الشاهدة ستسري موج ٌة عطشى‪ ..‬وتطبع على‬ ‫راحتك قبل ًة هادئ ًة كهذا العشب‪ ،‬رقيق ًة كمنديل رأسك‪.‬‬

‫رزان غزاوي‬ ‫عن األسئلة المتكررة تبع بدك سوريا إسالمية أم علمانية‪:‬‬ ‫‪ - 1‬مجرد تصنيف احتماالت مستقبل سوريا بين "علماني"‬ ‫و"إسالمي" يعزز تماما تعريف أحداهما بضدية اآلخر‪ .‬وهذا‬ ‫غير صحيح‪ ،‬هناك إسالميين علمانيين‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الطرح يبدو وكأن اإلس�لامي منغلقاً (وهاد مانو صحيح‬ ‫تاريخياً) والعلماني منفتحاً (وهاد مانو صحيح تاريخيا)‪.‬‬ ‫‪ - 3‬السؤال بخلي الواحد يفكر انو في إسالميين خير اهلل بالشارع‪.‬‬ ‫وهذا غير صحيح‪ ،‬الحراك هو شعبي‪ ،‬وشعب سوريا بمجمله وبكل‬ ‫أديانه هو ش��عب متدين محافظ‪ .‬وهذا ال ينفي وجود إسالميين‪،‬‬ ‫لكن الشارع مانو مصبوغ إسالمياً‪ .‬وهون الفرق‪.‬‬ ‫‪ - 4‬فهمنا لإلس�لامي مس��تورد‪ .‬وكذلك فهمن��ا للعلماني‪.‬‬ ‫والدليل على ذلك صيغة السؤال نفسه واختصارو التبسيطي‬ ‫للحراك أو ًال في سوريا‪ ،‬ولألفق المستقبلي للبلد‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ش��خصيا‪ ،‬الش��عب الس��وري مذه��ل‪ ،‬بلغت��و ومفرداتو‬ ‫وشعاراتو واصرارو وشجاعتو وابداعو وانفتاحو‪ .‬بالنسبة إلي‪،‬‬ ‫المرحلة الجاية المرتقبة ما رح تكون غريبة عن الحاضر‪.‬‬ ‫‪ - 6‬يُمل‬

‫ندى �صبح‬ ‫في اليرموك ش��يّعوا فائض الدم الفلس��طيني سرا‪ !!! ..‬حتى ال‬ ‫يدل ال��دم على قاتله‪ ،‬وحتى يذهب الش��هداء إل��ى موتهم بال‬ ‫وداع يليق بفائض دمهم‪ !!! ..‬أيها الفلسطينيون‪ :‬احفظوا وجوه‬ ‫جالديكم جيدا‪ ..‬فالطوفان قادم‪ ..‬قادم‪ ..‬والثورة بألف خير‪..‬‬

‫يامن ح�سني‬ ‫ألس��باب يعرفها البعض اس��تمريت بالعم��ل بتلفزيون الدنيا‬ ‫أول ش��هور الثورة وحين كان ينبغي‪ ..‬استقلت‪ ..‬استقال بعدي‬ ‫عدد من الموظفين ولم يخرجوا خارج البلد ويعلنوا انشقاقهم‬ ‫من فرنس��ا أو غيرها‪ ..‬بل بقيوا في البلد يقدمون كل ما فيهم‬ ‫للثورة‪ ..‬السؤال هل في حال قتلت وذبحت قبل استقالتي كنت‬ ‫س��أكون كلب فاطس؟ هل يحل قتل الذين استقالوا بعدي؟‪..‬‬ ‫كلفتني االس��تقالة ماال احتمل من تهجير قسري ومن تهديد‬ ‫ألهل��ي ومالحق��ات أمني��ة‪ ..‬من يمل��ك أطفا ًال تصع��ب عليه‬ ‫االس��تقالة من مكان كالتلفزي��ون إال أن توفر له مأوى خارجي‬ ‫علم��اً أن فرصة ذل��ك قليلة وأنتم تعرفون‪ ..‬ث��م إن العقاب ال‬ ‫يك��ون بالقتل فليحاس��ب إذا اخطأ‪ ..‬لكن أوقف��وا القتل أيها‬ ‫الخون��ة للثورة علماً أني أكاد أجزم أنك��م ال من الثورة‪ ،‬مجرد‬ ‫نبّاحين أ ّفاقين قتلة أجرتم عقولكم لمن يركب‪..‬‬

‫مصممة أزياء‬

‫ُمبــايعة‬

‫لم تكن تتعدى الثالثة عش��رة من عمرها‪ ،‬وكان‬ ‫يومها موعد المسيرة الكبرى لتجديد البيعة للقائد‬ ‫الخال��د‪ ..‬لم تكن س��وى واحدة من مئ��ات بل آالف‬ ‫يهتفون بروح القائد‪ ،‬رغم أن كثيرون كانوا يمشون‬ ‫بصم��ت ثقيل خاصة األس��اتذة ويترك��ون المهمة‬ ‫للـ»هاتف» في مقدمة كل مجموعة والذي ال بُد من‬ ‫تردي��د هُتافه أو على األق��ل التصفيق بكافة أنواع‬ ‫اإليقاعات الطالئعية والعقائدية من خلفه!‬ ‫ب��دأتْ تهتف بش��كل آلي كم��ا الجمي��ع مراراً‬ ‫وتكراراً‪ ،‬خَ��دِرت األقدام والحناجر‪ ،‬وبدا المش��وار‬ ‫وكأنه لن ينتهي أبداً‪ ،‬كان يشبه برتابته خلود األب‬ ‫القائد! وفجأة أخذ صوتها يعلو ش��يئًا فش��يئًا حتى‬ ‫أصبح��ت الهُتافات تخ��رج منها صُراخًا هس��تيريًا‬ ‫يكاد يشّ��ق رئتيها وينفجر من ش��رايين عُنقها‪..‬‬ ‫وكلم��ا انته��ت من هُت��اف كانت تضحك بش��كل‬ ‫هستيري‪ ،‬نظر إليها رفاقها ومَن حولها وكأن بها‬ ‫مسًّا‪ ،‬إحدى صديقاتها من المرحلة األكبر قالت لها‬ ‫بص��وت منخفض ما بين ضاحكة وقلقة وهي تنظر‬ ‫يمينًا ويساراً لتتأكد أن أحداً من الحشد ال يسمعها‪:‬‬ ‫«طولي بالك»‪ ،‬لكنها لم تأبه بتعليق صديقتها أو‬ ‫لمن حولها ونظراتهم الحيرى‪ ..‬واستمرت حتى آخر‬ ‫المس��يرة على ه��ذا المنوال‪ ،‬كانت تش��عر بحرّية‬ ‫غريبة خارج نطاق ذاك المكان وذاك الزمان‪ ،‬لكنها‬ ‫كانت واثقة تمامًا بأن أحداً لن يجرؤ على أن يطلب‬ ‫منها التوقف أو خفض صوتها‪..‬‬ ‫لما الخاير‬

‫الكـــرامــة‬

‫ال قيمة لإلنس��ان في دولة االس��تبداد ولذا‬ ‫ثرنا لنش��عر بالعزّة والكرامة ف��ي هذا الوطن‬ ‫ونتمتّع باالحترام فح ّقنا أن نكرّم في وطننا‬ ‫إن الك��رم نقيض اللؤم ويعن��ي العتق واألصل‬ ‫والصفح والفضل والعظمة والش��رف والكريم اسم‬ ‫جامع لكل ما يحمد وصفة من صفات اهلل وأس��مائه‬ ‫وه��و الكثير الخي��ر الجواد المعطى ال��ذي ال ينفذ‬ ‫عطاؤه وهو الكريم المطلق أما الكريم النسبي فهو‬ ‫الجامع ألنواع الخير والشرف والفضائل ويجتمع في‬ ‫الكرام��ة العدل والعفة والجم��ال والحكمة واألدب‬ ‫فالكرام��ة ه��ي القيم��ة الممنوحة إلى الش��خص‬ ‫اإلنساني في حد ذاته بمعزل عن طباعه الفيزيائية‬ ‫وموقع��ه االجتماع��ي اإلنس��ان فيها الغاي��ة التي‬ ‫تمنح��ه قيمة مطلقة ال ح��دود لها وليس لها ثمن‬ ‫وال تق��دّر بثمن‪ ،‬هي العدل والمس��اواة واالحترام‬ ‫لإلنس��ان وقيمت��ه المطلق��ة وتقدي��ره واالحترام‬ ‫المتب��ادل بي��ن ّ‬ ‫كل الناس وتقديس إنس��انيتهم‬ ‫بغض النظر عمّا هم عليه س��وى أنّهم إنسان فال‬ ‫كرامة لم��ن ال يكرّم غيره‪ ،‬أس��اس الكرامة العدل‬ ‫وتبدأ في احترام حقوق اإلنس��ان التي تسري عليه‬ ‫وعل��ى اآلخر ف��ي عالمه واحت��رام القواني��ن التي‬ ‫ترعاه كوفاء منه لكرامته وكرامة ش��ركاءه‪ ،‬إن وعي‬ ‫وجود ش��ريك على األرض واحترام هذا الوجود أول‬ ‫الخط��وات نحو تلمّس معن��ى الكرامة فهل ندرك‬ ‫حقًا معنى أن تكون ثورتنا ثورة كرامة‪.‬‬ ‫غيداء العودات‬


‫�صور قدمية من عادات ال�سوريني‬ ‫عادات الزواج‪:‬‬

‫عادات اجلنائز‪:‬‬

‫طقو�س ظهور �أ�سنان الأطفال‪:‬‬

‫قديم��ًا كان أه��ل الطف��ل يتناقلون‬ ‫ه��ذا الخب��ر حت��ى ينتش��ر ف��ي الح��ارة‪،‬‬ ‫وتأت��ي التهاني والمباركات م��ن الجيران‬ ‫واألصح��اب‪ .‬وهن��ا أهل الطف��ل يقومون‬ ‫بتحدي��د يوم معين للمبارك��ة‪ ،‬وتقوم أم‬ ‫الطف��ل في ه��ذا اليوم بتحضي��ر الطبق‬ ‫المشهور لهذه المناس��بة وهو (السليقة)‬ ‫المك��ون م��ن الحب��وب كالقم��ح وال��رز‪،‬‬ ‫وتوزعه بطب��ق على الجيران جرت العادة‬ ‫أال يعود إال بداخله هدية للطفل‪.‬‬

‫االحتفال يف الأعياد الدينية‪:‬‬

‫يب��دأ الناس قبل العي��د ببضعة أيام‬ ‫بشراء المالبس الجديدة وبصنع المأكوالت‬ ‫الدس��مة والحل��وى الخاص��ة بالعيد‪ ،‬وفي‬ ‫صب��اح العي��د بعد ص�لاة الصب��ح يذهب‬ ‫الن��اس إلى مقبرة البل��دة لزيارة موتاهم‬ ‫وق��راءة الق��رآن‪ ،‬وتحم��ل النس��اء بعض‬ ‫الحلوي��ات لتوزعها على األه��ل واألقارب‬ ‫الموجودي��ن بجانب القب��ور األخرى‪ .‬يقرأ‬ ‫الرجال ف��ي المقبرة ما يس��مى بالتهليلة‬ ‫(وهي تالوة بعض س��ور القرآن ثم تالوة‬

‫أسبوعية‬

‫منذ عش��رات الس��نين اعت��اد الناس‬ ‫لدى موت أحدهم أن يقوم أهله بغس��له‬ ‫وق��د يح��دث ه��ذا بحض��ور الش��يخ‪ ،‬ثم‬ ‫يصل��ى عل��ى المتوف��ى ويؤخ��ذ بعده��ا‬ ‫إل��ى المقبرة ليدفن‪ .‬يق��ف أهل المتوفى‬ ‫وأقرباؤه لألخذ بالخاطر‪ ،‬وبعدها يعودون‬ ‫إلى بيتهم ويقومون باس��تقبال المعزين‬ ‫م��دة ثالثة أيام‪ .‬يق��وم األقرباء والجيران‬

‫حفل الطهور‪:‬‬

‫يدع��ى األصح��اب واألق��ارب به��ذه‬ ‫المناس��بة وتذب��ح الذبائح وتم��د الموائد‬ ‫وتحضّر أنواع الحلويات المختلفة‪ ،‬وكانت‬ ‫العادة قديم��اً في بعض القرى أن يتناول‬ ‫المدع��وون الطع��ام باليدي��ن‪ ،‬ويتخل��ل‬ ‫هذا الحفل األناش��يد الخاصة بالمناس��بة‬ ‫وتستخدم المزاهر والدفوف‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬

‫اعت��اد الن��اس قديمًا أن يت��م اختيار‬ ‫العروس من قبل أه��ل العريس فتذهب‬ ‫والدت��ه لمش��اورة أم الفت��اة‪ ،‬وف��ي حال‬ ‫الموافق��ة المبدئية تذهب "جاهة" مؤلفة‬ ‫من والد الش��اب وإخوته وأعمامه وأخواله‬ ‫وكبار رجاالت البلدة وشيخ الجامع للتقدم‬ ‫بش��كل رس��مي لطل��ب ي��د الفت��اة م��ن‬ ‫والده��ا واالتفاق عل��ى مهرها‪ ،‬ويقرؤون‬ ‫الفاتح��ة على نية التوفي��ق‪ ،‬ويتم تحديد‬ ‫موعد العرس‪ .‬يعطي العريس لعروس��ه‬ ‫مبلغًا م��ن المال المتفق علي��ه للتحضير‬ ‫للعرس‪.‬‬ ‫يس��بق يوم الع��رس ي��وم "الحناء"‬ ‫وه��ي ع��ادة تقليدي��ة في الري��ف تصبغ‬ ‫فيه��ا يدا العروس برس��وم الحناء وتكون‬ ‫لها حفلة بي��ن أخواتها ورفيقاتها بصيغة‬ ‫الوداع لها‪.‬‬ ‫كان��ت الع��ادة أن يمت��د العرس من‬ ‫يومي��ن إلى ثالث��ة أيام‪ ،‬وأثن��اء االحتفال‬ ‫تبق��ى الع��روس في بي��ت أبيه��ا‪ .‬يجتمع‬ ‫المدعوون ويرقصون عل��ى إيقاع الطبل‬ ‫والمزم��ار وتذب��ح الذبائ��ح ويحضر أهل‬ ‫البل��دة لتناول الطعام ف��ي بيت العريس‪،‬‬ ‫في حين يتم إرس��ال اللح��م والرز واللبن‬ ‫والسمن إلى بيت العروس إلعداد الطعام‬ ‫الخاص بها وبأهلها ورفيقاتها وفي عصر‬ ‫اليوم األخير يأخذ العريس وأهله عروسه‬ ‫من بيت أبيها إلى بيته‪ .‬ويظل المدعوون‬ ‫يرقصون ويحتفلون حتى المساء‪.‬‬

‫سورة ياسين ثم التوحيد مائة مرة ويقوم‬ ‫بعدها أكبر الرجال س��ناً وأكثرهم وجاهة‬ ‫بقراءة بعض األدعية التي تذكر في هذه‬ ‫المناس��بة(ثم يغ��ادرون المقب��رة ويتج��ه‬ ‫الرج��ال إل��ى الجام��ع مصطحبي��ن معهم‬ ‫أطفالهم‪ .‬كانت الش��خصيات الرسمية في‬ ‫البلدة تش��ارك في صالة العيد حيث يكون‬ ‫المس��جد مزيناً ومن��اراً بكثير من األضواء‬ ‫لهذه المناس��بة‪ .‬يقرأ إمام المسجد خطبة‬ ‫العيد ثم تتم الصالة ويخرج الجميع بعدها‬ ‫م��ن المس��جد يتبادل��ون عب��ارات التهنئة‬ ‫بالعي��د (مثل‪ :‬كل عام وأنت��م بخير – كل‬ ‫سنة وأنت سالم – تنعادوا ألمثاله)‪.‬‬ ‫اعتاد الناس زيارة بعضهم ليتبادلوا‬ ‫التهان��ي ف��ي ه��ذه المناس��بة يتناولون‬ ‫الحل��وى والتين اليابس والج��وز والزبيب‬ ‫والقه��وة المرّة‪ ،‬وفي حال كان هناك أحد‬ ‫متوفي ف��ي ذات العام يقدم��ون التعازي‬ ‫مجدداً ويقرؤون القرآن واألدعية‪.‬‬ ‫كان ال��زوار ملزمي��ن بتناول الطعام‬ ‫ف��ي كل بيت يزورونه‪ ،‬حيث كان كل بيت‬ ‫يصنع األكل في قدر كبير ويضعه وسط‬ ‫الغرفة محاط��ًا بالمالعق ويقوم كل زائر‬ ‫بتناول ولو القليل من الطعام المعد لهذه‬ ‫المناس��بة والذي يختلف من أسرة ألخرى‬ ‫حس��ب اإلمكان��ات المادية له��ا‪ .‬وال يجوز‬ ‫االعتذار ع��ن األكل ألن ذلك يعتبر إهانة‬ ‫ألصحاب البيت‪.‬‬ ‫بعد تبادل المعاي��دات يجتمع الناس‬ ‫في إحدى الساحات ويشربون العرقسوس‬ ‫ويب��دؤون األلع��اب المختلف��ة كالس��يف‬ ‫والترس أو رقص الدبكة أو غيرها‪.‬‬ ‫وف��ي ثاني أي��ام العي��د اعت��اد كبار‬ ‫العائل��ة االجتم��اع ليختاروا بعض��اً منهم‬ ‫لمعايدة باقي العائ�لات في البلدة ممثلة‬ ‫بكبارها وزعمائه��ا‪ ،‬وعلى الطرف الثاني‬ ‫أن ي��رد ه��ذه الزي��ارات‪ .‬وكان األخ��وة‬ ‫المس��يحيون يش��اركون ف��ي التهنئ��ة‬ ‫ألخوتهم المس��لمين بهذه المناس��بة من‬ ‫خالل قيام بعضهم من كبار السن وذوي‬ ‫الجاهة بمرافقة خوري البلدة لزيارة كبار‬ ‫األشخاص من المسلمين‪.‬‬ ‫إن كل م��ا ذكرن��اه ح��ول الع��ادات‬ ‫الس��ورية يمث��ل حقبة كبيرة م��ن الزمن‬ ‫عاش��ها الس��وريون ب��كل تفاصيله��ا‬ ‫وأبعاده��ا بصورة نابض��ة بالحياة‪ ،‬وهي‬ ‫ت��روي أصال��ة س��وريا الت��ي تعتب��ر دون‬ ‫من��ازع حاضنة أقدم عواصم العالم‪ ،‬التي‬ ‫ستظل شامخة رغماً عن كل من يريد بها‬ ‫سوءاً أو أذى‪.‬‬

‫حبر ناشف‪. .‬‬

‫سوريا بلد التراث واألصالة‪ ،‬بلد يروي‬ ‫في كل ع��ادة من عادات��ه القديمة قصة‬ ‫المحب��ة والتواص��ل األخالق��ي والحياتي‬ ‫والدين��ي الذي اعت��اد أهل��ه العيش فيه‪.‬‬ ‫كثيرة هي العادات والتقاليد التي توارثها‬ ‫الس��وريون جي ًال بعد آخر‪ ،‬فبعضها وصل‬ ‫إلين��ا وبعضها اندث��ر مع مرور الس��نين‪.‬‬ ‫وأذكر هن��ا بعضًا من هذه الع��ادات التي‬ ‫توارثناها عن آبائنا‪.‬‬

‫خالله��ا بأخ��ذ الطع��ام أله��ل المتوف��ى‪،‬‬ ‫وتق��دم القه��وة الم��رة للمعزي��ن‪ .‬ف��ي‬ ‫العزاء يحاضر ش��يخ بالناس ويقرأ القرآن‬ ‫الكريم‪ .‬أما النس��اء فيذهب��ن إلى المنزل‬ ‫لتقدي��م الع��زاء لقريب��ات المتوفى‪ .‬وفي‬ ‫الي��وم الثال��ث يق��دم أهل المتوف��ى الرز‬ ‫والبرغل والس��كر وما يس��تطيعون دفعه‬ ‫من صدقات على روح الميت‪ ،‬فيوزع قسم‬ ‫منه��ا حينها ويظل القس��م اآلخ��ر ليوزع‬ ‫الحقًا في يوم األربعين‪.‬‬ ‫كت��ب العالمة عبد الق��ادر المغربي‪،‬‬ ‫نائ��ب رئي��س المجم��ع العلمي بدمش��ق‬ ‫س��ابقًا ف��ي أوراقه‪( :‬بينما كنا نس��ير في‬ ‫السوق الذي يسمونه السوق الكبير‪ ،‬وهو‬ ‫الممت��د من باب الجابية إلى باب ش��رقي‪،‬‬ ‫وكان ذل��ك ف��ي ع��ام ‪1184‬م‪ ،‬إذ صادفنا‬ ‫جن��ازة لثري م��ن أهل دمش��ق فرأينا لها‬ ‫ترتيب��ًا عجيبًا‪ :‬ذلك أنه��م يرتبون أمامها‬ ‫ق��راء يق��رؤون الق��رآن الكري��م بأصوات‬ ‫ش��جية‪ ،‬وتالحي��ن مبكية ت��كاد تنخلع لها‬ ‫النفوس شجواً وحنانًا‪ ،‬يرفعون أصواتهم‬ ‫بها‪ ،‬فتتلقاه��ا اآلذان بأدمع األجفان‪ ،‬فإذا‬ ‫وصل��ت الجن��ازة إلى ب��اب الجامع س��كت‬ ‫هؤالء الق��راء‪ .‬وقلنا بقي علينا أن نحضر‬ ‫موضع العزاء‪ ،‬فأسرعنا في الوقت المعين‬ ‫إلى الجامع األموي وأخذ الناس يتوافدون‬ ‫إل��ى الجان��ب الغربي من صح��ن الجامع‪.‬‏‬ ‫وبعد أن أخذوا مجالس��هم صفت أمامهم‬ ‫ربعات من القرآن الكريم وبدؤوا يقرؤون‬ ‫وكان ي��دور ف��ي ه��ذا الجمع رج��ال هم‬ ‫(نقباء الجنائز) وظيفتهم ترتيب االجتماع‬ ‫وتقدي��م الربع��ات وحفظ النظ��ام‪ ،‬وكنا‬ ‫من وقت إلى آخر نس��مع أصواتهم ترتفع‬ ‫فأصغين��ا إليه��م‪ ،‬وإذ هم يعلن��ون قدوم‬ ‫الواصلين إلى العزاء من محتشمي البلدة‬ ‫وأعيانه��ا وكان��وا يس��مونهم بألقابه��م‬ ‫الهائلة التي اعتادوا أن يضيفوها إلى كل‬ ‫واح��د منه��م‪ ،‬مضافاً كل لق��ب إلى كلمة‬ ‫(الدين)‪ ،‬وما أكثر هذه األلقاب فقد سمعت‬ ‫نقيب��ًا من هؤالء النقب��اء يعلن قدوم أحد‬ ‫األعي��ان بقول��ه‪ :‬ج��اء "صدر الدي��ن" ثم‬ ‫س��معنا نقيبًا آخر ينادي "ش��مس الدين"‬ ‫وثالث��اً يعلن "بدر الدي��ن" و"جمال الدين"‬ ‫الخ‪...‬‏‬ ‫وكان إذا لق��ي أح��د صاحب��ه خاطبه‬ ‫بقوله‪ :‬جاء الممل��وك أو الخادم ثم يومئ‬ ‫بعضه��م إل��ى بع��ض بالس�لام‪ ،‬فت��رى‬ ‫األعناق تتالعب بين رفع وخفض وبسط‬ ‫وقب��ض‪ .‬وم��ن عجي��ب حاله��م أنه��م ‪-‬‬ ‫صغيرهم وكبيرهم ‪ -‬يمش��ون وأيديهم‬ ‫إلى خلف‪ ،‬قابضين بالواحدة على األخرى‪،‬‬

‫وإذا اعت��رض عليه��م معت��رض اعتذروا‬ ‫بأنه��م يجدون في صنيعهم هذا نش��اطًا‬ ‫في األعضاء وراحة من اإلعياء)‪.‬‬ ‫استقبال الحجاج‪:‬‬ ‫عن��د قرب ق��دوم الحجاج بالس�لامة‬ ‫يس��بقهم (الجوخدار) الذي يبشر بمقدم‬ ‫الحج��اج‪ ،‬فتخرج المدينة ع��ن بكرة أبيها‬ ‫الس��تقبالهم وتقام االحتفاالت ورقصات‬ ‫المولوي��ة على م��دى عدة أي��ام‪ ،‬وتزيّن‬ ‫البي��وت الس��تقبالهم وتوض��ع الالفت��ات‬ ‫المكتوب��ة لهذه المناس��بة (مث��ل من زار‬ ‫قب��ري وجبت له ش��فاعتي‪ ،‬حج��ًا مبروراً‬ ‫وسعياً مشكوراً)‪ .‬يأتي األصحاب والجيران‬ ‫لتهنئ��ة الح��اج وال��ذي ب��دوره يجلب معه‬ ‫الهداي��ا كاألحج��ار الكريم��ة والمس��ابح‬ ‫والحنة وماء زمزم ليسقي منه الزوار‪.‬‬

‫بالل سالمة‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪21‬‬


‫الروائي ال�سوري فادي عزام‪:‬‬ ‫حوار ‪. .‬‬

‫م�شكلة �سورية لي�ست مع البعث ولكن مع �سرقة اال�ستقالل‬ ‫واحلرية وحتويل الب�شر �إىل عبيد‬ ‫ّ‬ ‫ميتحن التابو والتقاليد الدرزية‬ ‫الن�ساء يف روايته الأوىل "�سرمدة"‬

‫حاوره‪ :‬حسام الدين محمد‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪22‬‬

‫الدوح��ة "القدس العرب��ي"‪ :‬كانت‬ ‫صحيف��ة "الق��دس العرب��ي" أول م��ن‬ ‫احتض��ن ف��ادي ع��زام كاتب��ًا صحافيًا‬ ‫وكات��ب زاوي��ة‪ ،‬فلفت��ت كتابات��ه تلك‬ ‫األنظار إليه وأثارت الجدل في أكثر من‬ ‫مكان ووسيلة إعالم فضائية‪ ،‬وما لبثت‬ ‫روايت��ه األولى "س��رمدة" أن دفعت به‬ ‫أكثر تحت األضواء مع اختيارها للقائمة‬ ‫الطويل��ة لجائ��زة "بوك��ر" العربية‪ ،‬ثم‬ ‫جاءت الث��ورة الس��ورية لتجعله اس��مًا‬ ‫محبب��ا ل��دى آالف الس��وريين الذي��ن‬ ‫يتابعون تعليقاته الجارحة والس��اخرة‬ ‫على الوض��ع الس��وري وعل��ى األفكار‬ ‫واألماكن واألشخاص‪.‬‬ ‫ش��خصية ع��زام مث��ل كتابات��ه‪،‬‬ ‫هادئة م��ع كثير من إمكاني��ات التفجر‬ ‫الغي��ر متوق��ع‪ ،‬غاضب��ة م��ع كثير من‬ ‫المحب��ة‪ ،‬عميقة مع نت��وءات والتواءات‬ ‫ومماحكة أحيانا‪.‬‬ ‫ف��ادي عزام في روايته "س��رمدة"‬ ‫(وفي كتابه الشعري "تحتانيات) شاعر‬ ‫فذ وروائي مختلف‪.‬‬ ‫في "س��رمدة" يقدّم عزّام رصداً‬ ‫ش��غوفاً لمكان ال��والدة وأس��اطير هذا‬ ‫الم��كان وحكايات��ه المفتوح��ة عل��ى‬ ‫ش��بابيك المفاج��أة‪ .‬ألم كثي��ر يفضي‬ ‫غالب��اً إل��ى إقف��ال الدائ��رة‪ ،‬ومعاين��ة‬ ‫للتفاصي��ل تفتحه��ا عل��ى الالمتوق��ع‪،‬‬ ‫ثورة كانت أم تمرداً فرديًا‪.‬‬ ‫أجمل ما في "سرمدة" هذا التعبير‬ ‫الصوف��ي الث��ريّ ع��ن فس��احة المرأة‬ ‫وعالمها الواسع‪.‬‬ ‫يتقمص فادي عزام في "سرمدة"‬ ‫ش��خصيات نس��ائه الالت��ي اس��تلمن‪،‬‬ ‫بتكليف من الطبيعة اإلنس��انية أو من‬ ‫اهلل‪ ،‬عجين��ة المكان ليقمن بتش��كيلها‬ ‫على حس��ب أهوائهن‪ ،‬وليفش��لن (كما‬ ‫ف��ي نظرية ج��ورج لوكات��ش القديمة‬ ‫العتي��دة ع��ن فش��ل وانحط��اط الفرد‬ ‫بمواجهة الجماعة) في هذا الصراع الذي‬ ‫ال يمك��ن االنتص��ار فيه عل��ى التقاليد‬ ‫والطبيع��ة‪ ،‬ل��وال‪ ،‬أن ه��ذه الحكاي��ات‬ ‫ه��ي انتصاره��ن األكم��ل‪ ،‬أحيانا على‬ ‫طريقة جدتهن شهرزاد‪ ،‬التي نجت من‬ ‫السياف‪ ،‬وأحيانًا بوقوعهن تحت سكين‬ ‫الذب��ح‪ ،‬وأحيانا كثي��رة أخرى بتالعبهن‬ ‫بالعالم المحيط بهن دون أي حدود وال‬ ‫اهتمام بالمصير‪.‬‬ ‫يلخ��ص ع��زام أيض��ا امتح��ان‬ ‫األس��طورة لنفس��ها والنغالقه��ا على‬ ‫دائرتها ملتهم��ة الداخلين في أقدارها‬ ‫دون رحمة كما التراجيدي��ات اليونانية‬

‫من خالل الصبي��ة الدرزية التي فنتنت‬ ‫بشاب غريب عن القبيلة والديانة وحين‬ ‫انفتح الب��اب لها لله��روب األخير عادت‬ ‫إلى مذبحها بإرادتها لتقفل القصة كما‬ ‫تشتهي األسطورة أن تصير‪.‬‬ ‫إل��ى انش��غاله بالرواي��ة والش��عر‬ ‫والكتابة الصحافي��ة‪ ،‬يتواجد عزام في‬ ‫مكان��ه الطبيعي كمثق��ف عضوي وجد‬ ‫نفس��ه ف��ي خض��مّ الجماع��ة األكب��ر‬ ‫مع��اركًا الدكتاتورية بكل جوارحه‪ .‬في‬ ‫ه��ذا اللق��اء القصي��ر معه ال��ذي جرى‬ ‫بع��د مش��اجرات نظرية عل��ى هامش‬ ‫ن��دوة "وطن يتفت��ح ف��ي الحرية" في‬ ‫الدوحة‪ ،‬حاولت ح��كّ حجر عزام فكان‬ ‫هذا الحوار‪:‬‬ ‫| ف��ي أي لحظ��ة وكي��ف قل��ت في‬ ‫نفسك‪ :‬أنا مع الثورة السورية؟‬ ‫| | بدأت القصة بأمنيات مع أحداث‬ ‫تون��س وص��ارت قريب��ة م��ن الوجدان‬ ‫واإلحس��اس‪ ،‬وم��ع مظاه��رة الحريقة‬ ‫بوس��ط دمشق بدأ االس��تعداد للحدث‪،‬‬ ‫ومع سقوط أول شهيد في درعا‪ ،‬محمد‬ ‫جوابرة‪ ،‬ص��ار االنحياز الواضح‪ .‬هذا ما‬

‫حصل باختصار شديد‬ ‫| م��ا ه��و الس��ؤال ال��ذي يش��غلك‬ ‫كمثقف حاليا؟‬ ‫| | ال يش��غلني س��ؤال إس��قاط‬ ‫النظام‪ .‬هذا أهم ش��يء يجب أن أش��ير‬ ‫إليه ما يش��غلني فهم الثورة التي هي‬ ‫إع�لان غضب‪ .‬الث��ورة أس��قطت الرمز‬ ‫وذهبت إلى الالعودة‪ .‬فهمي لهذا معناه‬ ‫اآلن الفراغ بداخلي كيف سيمتلئ‪.‬‬ ‫أن��ت خلص��ت م��ن الدكتاتوري��ة‬ ‫وأعلنت غضبك وأسقطت الرمز وحققت‬ ‫معج��زة إس��قاط ما ال يس��قط وذهبت‬ ‫في طريق الالعودة وه��ذه الحالة هي‬ ‫الثورة الجمعية أم��ا في الحالة الفردية‬ ‫ف��اآلن لدي��ك طري��ق مجه��ول‪ .‬هؤالء‬ ‫فهمته��م واآلن لدين��ا ه��ذا المجه��ول‬ ‫أليس لي��س أب��دا إس��قاط النظام بل‬ ‫ماذا بعد إس��قاط النظ��ام‪ .‬الذهاب إلى‬ ‫الالع��ودة ف��ي الث��ورة الس��ورية اقرب‬ ‫نموذج له هو س��بارتاكوس‪ .‬هذه ثورة‬ ‫عبيد والعبد يع��رف تماما انه في حالة‬ ‫عودت��ه ع��ن ثورته ه��و مقت��ول حتما‬ ‫فالث��ورة الس��ورية تفه��م ذاته��ا بهذا‬

‫المنح��ى‪ .‬ف��ي الع��ادة العب��د ال يغضب‬ ‫وال يس��قط رم��زه ومس��تحيل أن يثور‬ ‫ف��إذا ثار فهذه ثورة عبيد ال رجعة فيها‪.‬‬ ‫الالعودة تعني أنن��ي ال يمكن أن ارجع‬ ‫ع��ن ثورتي ع��ن غضبي عن إس��قاط‬ ‫الرم��ز قب��ل تحقي��ق هدفي هن��ا يبدأ‬ ‫س��ؤال الثورة كيف يتحق��ق الهدف أين‬ ‫نري��د أن ن��روح ما ه��ي الطريقة؟ هنا‬ ‫توجد أسئلة وهناك واجب على الجميع‬ ‫اإلجابة عنه‪.‬‬ ‫| ما الشيء األول الذي ستفعله بعد‬ ‫سقوط النظام السوري؟‬ ‫| | النظ��ام س��قط حقيق��ة‬ ‫كتركيب‪ .‬لقد س��قط وسقطت حوامله‬ ‫األخالقي��ة والثقافية‪ ،‬وج��زء كبير من‬ ‫الحوامل السياسية س��قط أيضا‪ .‬بقي‬ ‫من النظام الش��يء الم��ادي الفيزيائي‬ ‫الخاص به واعتقد انه ال يمكن إسقاط‬ ‫النظ��ام قبل تش��كيل ما يش��به نظاما‬ ‫بديال‪ .‬األهم من س��ؤال كيف تس��قط‬ ‫النظام هو م��اذا بعد إس��قاط النظام‪.‬‬ ‫ال احد تعامل جدية مع الس��ؤال الثاني‬ ‫وهو ماذا بعد إسقاط النظام‪.‬‬ ‫أول ش��يء س��أفعله ه��و أن أعلن‬ ‫أنن��ي كاتب ومثقف معارض س��لفا لما‬ ‫ه��و ق��ادم‪ ،‬واصال أن��ا بدأت م��ن هذه‬ ‫اللحظ��ة ألنه في حال��ة كان كل الناس‬ ‫فرحين بالث��ورة وإس��قاط النظام وإذا‬ ‫لم نكن يقظين لحظة إس��قاط النظام‬ ‫سنخسر الكثير‪ .‬هي لحظة نقدية يجب‬ ‫أن يتوقف عندها الجميع‪.‬‬ ‫وبشكل إنس��اني سوف أزور داريا‬ ‫واذه��ب لتقبي��ل ابن غي��اث مطر‪ .‬هذا‬ ‫أول شيء أريد أن افعله بشكل إنساني‬ ‫تحدي��دا‪ .‬غي��اث مطر بالنس��بة لي هو‬ ‫واحد من رموز سورية الجامعة وشهيد‬ ‫سورية كلها‪.‬‬ ‫| روايتك سرمدة دخلت في القائمة‬ ‫الطويل��ة لجائ��زة بوك��ر العربي��ة كي��ف‬ ‫استقبلت هذا الخبر؟‬ ‫| | باختص��ار أحكي��ك بص��دق‪:‬‬ ‫اس��تقبلته بف��رح غام��ض ودهش��ة‬ ‫للوهلة األولى مع أمنية حقيقية داخلية‬ ‫وصادقة ويعرفها أصدقائي والقريبون‬ ‫مني أن ال تذهب إلى القائمة القصيرة‬ ‫لس��بب بس��يط ألن "س��رمدة" ستكون‬ ‫بدائ��رة ض��وء مؤذي��ة وأن��ا غي��ر مهيأ‬ ‫وغي��ر راغب ف��ي ذلك ال أري��د أن تقرأ‬ ‫س��رمدة ألنه��ا ف��ي البوك��ر أري��د أن‬ ‫تقرأ س��رمدة ألنها نفس��ها فانبسطت‬ ‫للقائم��ة الطويل��ة ألنه��ا نبه��ت إليه��ا‬ ‫ولكنني خفت م��ن إدخالها في القائمة‬


‫حوار ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬

‫عن القدس العربي‬

‫أسبوعية‬

‫للقارئ‪.‬‬ ‫| رافي بطل الرواية رجع إلى باريس‬ ‫والتق��ى بالس��يدة الت��ي أخبرت��ه بقصة‬ ‫تقمصه��ا لك��ن أنا ال عالقة ل��ي أن كان‬ ‫سيرجع ويحكي لها ما يريد‪.‬‬ ‫| | بكل بساطة هذه كانت تقنية‬ ‫قد تكون ناجحة أو تكون فاشلة‪ .‬إذا أنت‬ ‫زرت أي ضيع��ة س��ورية ليس ضروري‬ ‫أن تك��ون س��رمدا واس��تمعت ألحاديث‬ ‫الن��اس وق��ررت أن تنقب ف��ي أحاديث‬ ‫هؤالء س��تجد أن الن��اس يتحدثون عن‬ ‫المبالغ��ات كأنها حقائق‪ .‬ال��راوي نقل‬ ‫ه��ذه الحقائ��ق بلس��انه‪ .‬تخي��ل امرأة‬ ‫صارت أثداءها بهذا الحجم الضخم كما‬ ‫في الرواية‪ .‬هذا السرد الشعبي الراوي‬ ‫نقل لحظتين‪ :‬الواقع والحكي الشعبي‬ ‫األسطورة الموجودة بالداخل ألنه عنده‬ ‫مهم��ة خاصة لكنه اكتش��ف ان��ه يعيد‬ ‫اكتش��اف ذاته من هنا دخل األسطوري‬ ‫وهذا بحث كبير هائل ويسمونه واقعية‬ ‫س��حرية وأنا اس��ميه واقعية حقيقية‪.‬‬ ‫أنت يوم تسمع امرأة درزية تتكلم عن‬ ‫موالي العقل هادي المس��تجيبين كيف‬ ‫قتل المئات بسيف واحد وكيف بضربة‬ ‫أخرى قتل العش��رات‪ .‬ه��ذا يحكى عنه‬ ‫كحدث واقعي يفوق الخيال لكن الناس‬ ‫مقتنعة أنه حصل هذه واقعية‪ ،‬واقعية‬ ‫أنا تربيت في هذا الجو ولم يكن هناك‬ ‫م��كان للتش��كيك فيه مثلم��ا ليس من‬ ‫الممكن التش��كيك بالسياسي الواقعي‬ ‫األب��دي القديم وفي ق��رى تأخرت فيها‬ ‫الكهرب��اء مثل قريت��ي كان هناك واقع‬ ‫يشبه األسطورة‪.‬‬ ‫| قدمت في الرواية شخصية طريفة‬ ‫للبعثي؟‬ ‫| | أن��ا لي��س ل��دي حق��د عل��ى‬ ‫البعثيي��ن والن��اس تق��ع بخطأ إس��اءة‬ ‫فهم ه��ذه الفئة البعثية‪ .‬هناك قس��م‬ ‫كبير م��ن هؤالء امن��وا بالبعث وعندما‬ ‫كن��ا صغ��ارا كان��ت السياس��ة البعثية‬ ‫تقدم على ش��كل مقدسات بحيث كان‬

‫الكبار في األعياد ينقطوننا على شعار‬ ‫وحدة حرية اش��تراكية ثالث فرنكات أو‬ ‫ث�لاث لي��رات‪ .‬البعث دخل ف��ي األرياف‬ ‫الس��ورية وكان يتناغم مع إحساس��ها‪.‬‬ ‫األس��تاذ حمود في الرواية هو شخص‬ ‫نبيل وهو مؤمن حقيقي ليس بنفسه‪.‬‬ ‫هناك إيثار س��وري تعودناه أن س��وريا‬ ‫ه��ي جزء م��ن كل هي ج��زء من األمة‬ ‫العربي��ة وكان يتبرع بمرتبه ألش��قائه‬ ‫م��ن العرب م��ن المحي��ط إل��ى الخليج‬ ‫وصدمت��ه ف��ي س��نة ‪ 1967‬م��ا ت��زال‬ ‫حاضرة حتى اليوم‪.‬‬ ‫الث��ورات العربي��ة كان يج��ب أن‬ ‫تحصل ف��ي الس��بعة والس��تين وهي‬ ‫عمليا ال��رد المتأخر على تلك النكس��ة‬ ‫وقبله��ا عل��ى النكب��ة‪ .‬النكس��ة كانت‬ ‫اخطر من النكبة‪.‬‬ ‫مش��كلة الس��وريين ليس��ت م��ع‬ ‫البع��ث‪ .‬مش��كلتهم أن اس��تقاللهم‬ ‫سرق بش��كل منهجي ومنظم ثم تمت‬ ‫س��رقة الحرية ثم س��رقة المخيلة إلى‬ ‫أن تحول��وا إل��ى س��بارتاكويين وال��ى‬ ‫عبيد حقيقيين‪ .‬األس��تاذ حمود هو من‬ ‫األشخاص الحقيقيين الذين أحببتهم‪.‬‬ ‫| هناك حضور طاغ وأساسي للمرأة‬ ‫في روايتك؟‬ ‫| | اللج��اة أو ح��وران ه��ي مكان‬ ‫س��احر حقيقة وه��و مكان اع��ذر (من‬ ‫العذرية) عالقة اإلنسان فيه بالطبيعة‬ ‫هائل��ة‪ ،‬والم��رأة في��ه حاض��رة بق��وة‬ ‫شديدة في كل شيء‪.‬‬ ‫ه��و م��كان ق��اس ووع��ر وح��اد‬ ‫بالتفاصيل الشكلية والمرأة فيه تخلق‬ ‫التوازن ألنها جزء حقيقي من الطبيعة‬ ‫لتس��تمر الحي��اة‪ ،‬والرج��ل الفح��ل أو‬ ‫الثائ��ر والقوي ب��اإلرث العربي القديم‬ ‫هو يفتخ��ر بأنه اخو فالنة‪ ،‬فس��لطان‬ ‫األطرش كان اسمه اخو سمية‪.‬‬ ‫الم��رأة حاض��رة ألنه��ا ارس��خ في‬ ‫المكان والرواي��ة رواية مكان‪ .‬كان كل‬

‫الرج��ال يهاجرون وينزح��ون أما المرأة‬ ‫ه��ي األرس��خ ه��ي المنتظ��رة وه��ذه‬ ‫حقيق��ة تعرضت لها كثير من المناطق‬ ‫الس��ورية تحديدا المنطق��ة التي فيها‬ ‫س��رمدة هاج��ر ذكوره��ا إلى م��ا وراء‬ ‫البح��ار إل��ى فنزويال والخليج وأسس��وا‬ ‫لجي��ل الهج��رة الجدي��د فبقي��ت المرأة‬ ‫حافظة المكان‪.‬‬ ‫بطل��ة الرواي��ة ذهب��ت بالغري��زة‬ ‫الطبيعية هي مث��ل البقرة التي ذبحت‬ ‫في جملة تقال عنها تركت أمان العادة‬ ‫إل��ى فض��ول المجهول ولحق��ت غواية‬ ‫العشب الطري الذي طعمه مختلف هذه‬ ‫البنت لحق��ت العواطف خ��ارج جغرافيا‬ ‫مليئ��ة بالس��طوات فاالثنتي��ن فتحت��ا‬ ‫طريق��ا ما كانتا قادرتي��ن على تكملته‬ ‫نهاية البقرة ه��ي الموت حتى جالديها‬ ‫وكان��ت هيال منص��ور تع��رف تماما ما‬ ‫فيها تروح بأمان قب��ل أن تحرر أخوتها‬ ‫منها ألنها أثرتهم وهم انحكموا بأنهم‬ ‫ال يمكن أن يستردوا حياتهم الطبيعية‬ ‫إال برجعته��ا‪ .‬لقد رجعت ألنها محكومة‬ ‫بالمكان لقانون المكان‪.‬‬ ‫| وهل كان م��وت هيال فقط لتأكيد‬ ‫دكتاتورية األسطورة؟‬ ‫| | أس��ألك أنا أيضا‪ :‬لماذا يحب أيا‬ ‫كان أن يموت بمس��قط رأس��ه؟ البطلة‬ ‫محكوم��ة بقواني��ن الم��كان‪ .‬الحق��ا‬ ‫بعد مقت��ل هيال ب��دأت الن��اس تتحرر‬ ‫م��ن الم��كان‪ .‬دم هيال‪ ،‬به��ذا المعنى‪،‬‬ ‫فتح مج��اال ألخريات وبذل��ك زدن الحد‬ ‫المس��موح لك ال��ذي يمكن للم��رأة أن‬ ‫تمشي أو تدور فيه‪.‬‬ ‫كان صعب��ا عل��يّ كق��ارئ ع��ودة‬ ‫البطلة إلى قريتها لتذبح‪.‬‬ ‫ه��ذا أم��ر كان ال من��اص من��ه‬ ‫بالنس��بة لي‪ .‬الدائرة مغلقة‪ .‬وال يمكن‬ ‫للجماعة البش��رية المسماة بالدروز أن‬ ‫تخرج عنه‪.‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫القصيرة بالشكل المؤسساتي العربي‬ ‫ألنن��ي كنت غير مهيأ وال اعرف أن كنت‬ ‫سأصبح مهيأ الزم أضيف شغلة سرمدة‬ ‫وس��يلة تعبير طلعت بش��كل روائي أنا‬ ‫لست روائيا‪.‬‬ ‫أنا ال أحس بنفس��ي روائيا‪ .‬عندي‬ ‫ش��يء أري��د أن أقول��ه لو لقي��ت فرضا‬ ‫ل��و أتق��ن تقني��ات إخراج��ه بالس��ينما‬ ‫الشتغلت سينما واذا كان يمكن التعبير‬ ‫عنه شعريا لكتبت شعرا‪ .‬طاقة التعبير‬ ‫ل��دي طلع��ت على ش��كل رواي��ة أنا ما‬ ‫بع��رف إذا كتبت رواية ثانية فس��أتجه‬ ‫إلى المش��روع الروائي لكنني ال اعرف‬ ‫أنني س��أتجه ل��و اتجهت إل��ى القائمة‬ ‫القصيرة لتم تكريسها وربما لن اكتب‬ ‫أي رواية في حياتي‪.‬‬ ‫| في ندوة إصدار روايتك باالنكليزية‬ ‫س��ألتك إحدى القارئ��ات االنكليزيات عن‬ ‫كيفية تمثلك لمشاعر المرأة في روايتك‪،‬‬ ‫ما هو جوابك على ذلك؟‬ ‫| | أنا ال أؤم��ن انه في رجل وفي‬ ‫ام��رأة ف��ي الفيزيولوجي��ا في بش��ري‬ ‫يس��تخدم وظائف��ه الطبيعي��ة بطرق‬ ‫مختلفة ال اختالف إنس��انيا بين الرجل‬ ‫والمرأة هناك مؤنث ومذكر بكل داخل‬ ‫بش��ري‪ .‬أسوأ شيء أحس��ه بالحياة هو‬ ‫التصني��ف الحاد أدب نس��ائي أو تحرير‬ ‫الم��رأة ه��ذا الفص��ل الحاد بي��ن كيان‬ ‫واحد‪ ،‬خالل الكتابة أنت تش��عر إنسانيا‬ ‫بامرأة تقتل وتحاول أن تحتل جس��دها‬ ‫وتتلق��ى معه��ا الس��كاكين وينفص��ل‬ ‫رأسك مع رأس��ها‪ .‬ضع نفسك في هذا‬ ‫المأزق الوج��ودي االجتماعي التي هي‬ ‫فيه وات��رك لمخيلت��ك العن��ان فتظهر‬ ‫مع��ك أحاس��يس مدهش��ة‪ .‬يق��ال في‬ ‫الش��عر إذا أردت أن تكت��ب ع��ن حصاة‬ ‫يج��ب أن تكونه��ا ألن ف��ي الحص��اة‬ ‫يتلخ��ص التاري��خ الطبيع��ي فكيف إذا‬ ‫أردت أن تكتب عن جريمة شرف إضافة‬ ‫إلى أنني ل��م ادن أخوتها الذين قتلوها‬ ‫فانا وضعت نفس��ي ف��ي مكانهم‪ .‬هم‬ ‫قتلوها ألنهم خاضع��ون لقانون ديني‬ ‫وسياسي‪.‬‬ ‫| فه��م األنوث��ة ه��و إحساس��ك‬ ‫بالش��خصية نفس��ها يعني ألي��س غريبا‬ ‫على كاتب ذك��ر فيزيولوجيا أن ال يحس‬ ‫بالمرأة‪.‬‬ ‫| | فلوبي��ر كان��ت تأتي��ه األم‬ ‫الحيض عندما كان يكتب مدام بوفاري‬ ‫حت��ى انه قال أنا م��دام بوفاري‪ .‬يمكن‬ ‫م��ن ه��ذا الجان��ب ق��درت أن أصل إلى‬ ‫بعض األحاسيس التي تحسها من هي‬ ‫مختلفة عني فيزيولوجيا‪.‬‬ ‫| قم��ت بتن��اول بع��ض االعتقادات‬ ‫الدينية والطقس��ية الدرزية في الرواية‪،‬‬ ‫وهو أمر يعد خرقا لتابو معين؟‬ ‫| | الجانب الروحاني بالرواية كان‬ ‫محاولة لتفكيك البنية الروحية للمكان‬ ‫واالقتراب منها بطريقة ما‪.‬‬ ‫التقم��ص كان ش��به مصي��دة لي‬ ‫ككات��ب وبالنهاي��ة م��ا عاد مهم��ا بحد‬ ‫ذاته وصار الموضوع مختلفا بالنس��بة‬ ‫ل��ي‪ .‬الرواية كان لديه��ا نهاية مختلفة‬ ‫غيرت النهاية بعد أن أرس��لتها للناش��ر‬ ‫االنكليزي قبل العربي تم تغيير النهاية‬ ‫فيه��ا التي كان رأيي في التقمص فيها‬ ‫محس��وما لكنن��ي اكتش��فت أنني غير‬ ‫مؤه��ل إلعط��اء رأي قطعي ف��ي هذا‬ ‫الموض��وع فترك��ت النهاي��ة مفتوح��ة‬

‫‪23‬‬


‫رصيف ‪. .‬‬ ‫الصورة من إحدى جداريات مدينة سراقب بإدلب‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 5 | )46‬آب ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪24‬‬

‫عــن الثــورة وال�صــــــمود‬

‫عروة المقداد‬

‫يتحول تشييع الشهداء في الثورة‬ ‫إلى طق��س احتفالي مهي��ب‪ .‬عرس؛‬ ‫ال ب��كاء أو مراثٍ أو ن��دب‪ .‬ليس ذلك‬ ‫احتف ً‬ ‫ال بالموت‪ ،‬بل احتفال بالصمود‪.‬‬ ‫صمود الن��اس أمام القس��وة واأللم‪.‬‬ ‫ول��م يكن الدم مفج��ر الثورة‪ ،‬محرك‬ ‫الن��اس ف��ي الخ��روج إلى الش��وارع‪،‬‬ ‫لكن استش��هاد محمد جوابرة وحسام‬ ‫عي��اش ف��ي ‪ 18‬أذار كان دلي� ً‬ ‫لا على‬ ‫استعداد الشعب السوري لتقديم كل‬ ‫ما لديه في سبيل الحرية‪.‬‬ ‫والث��ورة ليس��ت بحاج��ة إل��ى‬ ‫المراث��ي‪ ،‬ألن الناس يرتفعون باأللم‬ ‫من القيمة الذاتية إلى القيمة العامة‪.‬‬ ‫ال يتعل��ق األمر بالفقد ب��ل بالعطاء‪،‬‬ ‫فالش��خصي يدخ��ل حي��ز الع��ام‪،‬‬ ‫ويتالش��ى الش��عور بالخس��ارة ليحل‬ ‫محل��ه االحس��اس بالتماس��ك ال��ذي‬ ‫يش��كل الصمود‪ .‬وأمام حالة الصمود‬ ‫االس��تثنائية ف��إن اإلع�لام العالم��ي‬ ‫يرك��ز على الحال��ة البكائي��ة للثورة‪،‬‬ ‫والكثي��ر م��ن الناش��طين يق��ع ف��ي‬ ‫ذلك الفخ‪ .‬يس��تجدي مشاعر العالم‪،‬‬ ‫ين��دب البعض في حين أن التفاصيل‬ ‫اليومية للناس مليئة بالس��خرية من‬ ‫ذل��ك الواقع‪ .‬إن اإلع�لام العالمي كما‬ ‫إعالم النظام هدفه تشويه الثورة أو‬ ‫توجيهها بحسب مصالحه‪ .‬أصبح جليًا‬ ‫أن ال أحد مهتم بنجاح الثورة السورية‬ ‫إال بالق��در ال��ذي يناس��ب مصالح��ه‪.‬‬ ‫لذل��ك يرك��ز اإلع�لام عل��ى تل��ك‬ ‫النقط��ة متجاه ً‬ ‫ال الكثير من جماليات‬

‫شهداء‬ ‫سوريا‬

‫الث��ورة التي تب��ث روح معنوية عالية‬ ‫ل��دى الناس‪ .‬وم��ا احتج الن��اس على‬ ‫تهميش��هم اعالمي��ًا ف��ي الكثير من‬ ‫المناطق إال خوف��ًا منهم على تهاوي‬ ‫الروح المعنوية ل��دى الثوار‪ ،‬فالناس‬ ‫البسطاء إنما يرون قيمة ما يفعلونه‬ ‫عل��ى شاش��ات التلف��از‪ .‬يش��عرون‬ ‫بالغبط��ة حين ي��رون بطوالتهم وأن‬ ‫ثمة من يشاركهم صمودهم‪ ،‬ويجب‬ ‫أن ال يقتصر األمر على الشاشات إنما‬ ‫يجب أن تمجد بطوالتهم في األشعار‬ ‫والقص��ص واألفالم وأن تصل إليهم‬ ‫ليروها هم ويرون جمال أنفسهم‪.‬‬ ‫تنب��ه إع�لام النظ��ام إل��ى تلك‬ ‫النقط��ة‪ ،‬فمن��ذ ان��دالع الث��ورة ركز‬ ‫على بث العزم والصمود في صفوف‬ ‫موالي��ه‪ .‬وحتى إنكاره لوج��ود الثورة‬ ‫هو شكل من أشكال بث الصمود‪ .‬وقد‬ ‫عرف كي��ف يدير المعرك��ة إعالمية‪.‬‬ ‫رك��ز من��ذ البداي��ة عل��ى مؤسس��ة‬ ‫الجيش‪ ،‬ونقل صورة الجيش المغوار‬ ‫حام��ي البالد م��ن المؤام��رة‪ .‬أبطاله‬ ‫الذي��ن يخوض��ون مع��ارك الش��رف‬ ‫والبطول��ة‪ .‬ض��د المس��لحين الخونة‬ ‫والعم�لاء المتآمري��ن م��ع الصهاينة‬ ‫والغ��رب‪ .‬كم��ا أنه اس��تخدم ما يقول‬ ‫عنه جورج أورويلف��ي‪ ،‬روايته ‪1984‬‬ ‫التفكير الم��زدوج‪ ،‬ص��دق وإن كانت‬ ‫تع��رف أن ذل��ك غي��ر صحي��ح‪ ،‬وهذا‬ ‫اإلنكار يتيح لموال��ي النظام آلية في‬ ‫التماس��ك والثب��ات حتى م��ع اقتراب‬ ‫الخطر بشكل كبير‪.‬‬

‫جمموع ال�شهداء (‪)18529‬‬ ‫دمشق‪857 :‬‬ ‫ريف دمشق‪2387 :‬‬ ‫حمص‪5754 :‬‬ ‫حلب‪1134 :‬‬ ‫حماه‪2051 :‬‬ ‫الالذقية‪366 :‬‬

‫الث��ورة ليس��ت بحاج��ة أللي��ة‬ ‫التفكي��ر تل��ك‪ ،‬وليس��ت بحاج��ة إلى‬ ‫أن تكذب الواق��ع أو أن تضخمه‪ .‬لكن‬ ‫الثورة ف��ي معركتها ضد النظام هي‬ ‫أش��د الحاجة إلى صم��ود الناس على‬ ‫األرض‪ .‬وه��م بحاج��ة إل��ى تمجي��د‬ ‫صمودهم وب��ث روح العالي��ة فيهم‪.‬‬ ‫وم��ع ن��زوح الكثير م��ن أبن��اء المدن‬ ‫والمناط��ق التي تقصف وبالرغم من‬ ‫الحاج��ة الش��ديدة إلى الم��اء والغذاء‬ ‫والمأوى‪ ،‬فإنهم بأمس الحاجة إلعادة‬ ‫ترميم ما انكس��ر من ه��ذا الصمود‪.‬‬ ‫ليس منّة أن يس��تقبل نازح في بيت‬ ‫أو مدرس��ة‪ .‬إن ن��زوح أي عائل��ة إنما‬ ‫هو س��بب بقاء الكثير ف��ي منازلهم‪.‬‬ ‫والتعام��ل م��ع النازحي��ن عل��ى أنهم‬ ‫ضحايا من الممكن أن يؤثر سلبًا على‬ ‫روح الصمود والتماس��ك‪ .‬أنها قضية‬ ‫في غاية الحساسية‪ ،‬وكلمة نازح بحد‬ ‫ذاتها من الممكن أن تشعر باالنكسار‪.‬‬ ‫إن ال��دول المج��اورة تفت��ح لالجئين‬ ‫مدارس وتس��تقبلهم فيه��ا‪ .‬ولكن ما‬ ‫معنى أن تفتتح مدرس��ة ألخ لك كان‬ ‫صام��داً في الث��ورة‪ ،‬م��ن المفترض‬ ‫أن تفتح له��ؤالء األبطال البيوت لكي‬ ‫يس��تريحوا فيها ويع��ودا إلى بيوتهم‬ ‫لتستمر معركة الصمود‪.‬‬ ‫وف��ي كثي��ر م��ن األحي��ان يت��م‬ ‫تجاهل الصامدي��ن في بيوتهم‪ .‬ثمة‬ ‫من ل��م يس��تطيع حم��ل الس�لاح أو‬ ‫المش��اركة ف��ي مظاه��رة‪ ،‬لكنه أبى‬ ‫الخ��روج من منزله‪ .‬وبق��ي فيه تحت‬ ‫طرطوس‪37 :‬‬ ‫درعا‪1838 :‬‬ ‫دير الزور‪1170 :‬‬ ‫الحسكة‪123 :‬‬ ‫القنيطرة‪33 :‬‬ ‫الرقة‪72 :‬‬ ‫ادلب‪2691 :‬‬ ‫السويداء‪16 :‬‬

‫القصف متحمال ش��تى أن��واع القهر‪.‬‬ ‫ولي��س صح��ح أن الجي��ش الح��ر هو‬ ‫السبب الوحيد في أن النظام يقصف‬ ‫المدن‪ .‬صحي��ح أنه وجوده في بعض‬ ‫المناط��ق س��رع عملي��ة القص��ف إال‬ ‫أن��ه كان قادمًا ال محال��ة‪ ،‬ثمة الكثير‬ ‫م��ن المناطق والم��دن التي تتعرض‬ ‫للقص��ف ول��م يكن فيه��ا جيش حر‪.‬‬ ‫القص��ف يس��تهدف عزيم��ة الن��اس‪،‬‬ ‫وكسر صمودهم‪ ،‬تهجيرهم بالكامل‪،‬‬ ‫وزعزع��ة الص��ورة الصلب��ة عنه��م‪،‬‬ ‫تحويله��م إل��ى مش��ردين طريدي��ن‬ ‫في مختلف أنحاء الب�لاد والدول‪ .‬في‬ ‫انتظاراً الصدقة واإلحس��ان‪ ،‬لتنكسر‬ ‫صورته��م الداخلي��ة بينه��م وبي��ن‬ ‫أنفس��هم‪ ،‬البطل يتحول إلى متسول‬ ‫ال ح��ول وال ق��وة ل��ه‪ ،‬يفق��د حت��ى‬ ‫احترامه الداخلي‪.‬‬ ‫نج��اح الث��ورة مرتب��ط بصم��ود‬ ‫الن��اس‪ ،‬الصمود المعن��وي لهم‪ .‬أنها‬ ‫تش��به قضي��ة االعتق��ال‪ .‬إن الضرب‬ ‫ل��م يكن أس��وء م��ا يالقي��ه المعتقل‬ ‫كم��ا بين��ت ش��هادات الكثي��ر منهم‪،‬‬ ‫ب��ل إن أكث��ر ما قاس��وه ه��و اإلذالل‬ ‫النفس��ي لكسر صمودهم‪ ،‬وكما قال‬ ‫أح��د الس��جانين في ش��هادة ل��ه‪ :‬كنا‬ ‫نتمن��ى أن يك��ون هنال��ك روح أخرى‬ ‫للس��جين الذي يتحدانا لنحطمها مرة‬ ‫أخرى‪ ،‬وفي النهاية المعتقلين الذين‬ ‫كسر صمودهم الداخلي‪ ،‬خرجوا من‬ ‫المعتقل وقد تخلوا عن الثورة‪.‬‬ ‫‪ 1846‬عدد العسكريين‬ ‫‪ 16683‬عدد المدنيين‬ ‫‪ 923‬عدد اإلناث‬ ‫‪ 480‬عدد األطفال اإلناث‬ ‫‪ 1221‬عدد األطفال الذكور‬ ‫المصدر‪ :‬مركز توثيق االنتهاكات‬ ‫في سوريا ‪2012 / 8 / 4‬‬ ‫‪http://vdc-sy.or‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.