سوريتنا العدد الواحد والخمسون - 9 أيلول 2012

Page 1

‫ســـوريتنا‬

‫«عندما يقرر العبد أن ال يبقى‬ ‫عبدا فإن قيوده تسقط»‬ ‫غاندي‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪2012/ 9 / 9 | )51‬‬

‫صفحتنا على فيس بوك‪:‬‬ ‫‪www.facebook.com/souriatna‬‬ ‫‪souriatna@gmail.com souriatna.wordpress.com‬‬

‫ ‬

‫أسبوعية‬

‫تصدر عن شباب س��وري حر‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪1‬‬ ‫صورة الغالف‪ :‬لفراس الشاطر‬


‫اجلرحى ال�سوريون يف تركيا‪ :‬برت الأطراف �أ�سهل‬ ‫أخبارنا ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪2‬‬

‫تقرير‪ :‬إبراهيم حمودة – إذاعة هولندا‬ ‫العالمية‬ ‫في الوقت الذي أبدى فيه مجلس األمن‬ ‫الدولي قلقه حول س�لامة المدنيين وس��ط‬ ‫تصاع��د وتي��رة العن��ف واس��تخدام النظ��ام‬ ‫الس��وري المتواصل للطائ��رات والمروحيات‬ ‫لقصف المناوئين والمدنيين‪ ،‬أعلنت بريطانيا‬ ‫وفرنس��ا ع��ن إمكاني��ة التدخ��ل العس��كري‬ ‫بحس��ب الظرف لخلق منطقة عازلة لحماية‬ ‫المدنيين‪ .‬من ناحية أخرى أعلنت تركيا قبل‬ ‫بضعة أيام إغالق الحدود أمام سيل الالجئين‬ ‫الس��وريين الذي يعبرون الحدود طلبا لالمان‬ ‫قائل��ة إنها ال تس��تطيع اس��تقبال إعداد أكثر‬ ‫مما هو اآلن على أراضيها‪.‬‬ ‫تحدث القس��م العربي هنا أمس��تردام‬ ‫إلى اثنين من الناشطين الذين عادا لتوهما‬ ‫من المنطقة الحدودية بين تركيا وس��وريا‪،‬‬ ‫منطق��ة كلي��س الحدودية‪ .‬عاد الناش��طان‬ ‫ري��در عبد الفتاح وأندريه عبد اهلل بعدد من‬ ‫الحكايات والمشاهدات والصور التي تعطي‬ ‫بع��ض اللمح��ات لفظاعة المعان��اة اليومية‬ ‫الت��ي يواجهه��ا الالجئ��ون الس��وريون ف��ي‬ ‫تركيا والوضع اإلنس��اني بالنس��بة للجرحى‬ ‫والمصابين تحديدا‪.‬‬

‫‪� 300‬ألف‬

‫تقول األرقام الرسمية إن عدد الالجئين‬ ‫الس��وريين في تركيا يراوح الـ ‪ 80‬ألفا ولكن‬ ‫الناش��ط أندريه عبد اهلل يقول إنه وحس��ب‬ ‫ما رآه فإن اإلحس��اس الذي يراوده بأن العدد‬ ‫يصل إلى ‪ 300‬ألف من السوريين في تركيا‬ ‫يعيش معظمهم في بيوت مستأجرة أو تتم‬ ‫اس��تضافتهم بواس��طة أفراد من أس��رهم‬ ‫متواجدي��ن في تركيا وتعتبر حالتهم أفضل‬ ‫م��ن غيرهم ف��ي دول الجوار األخ��رى مثل‬ ‫األردن ولبنان‪.‬‬ ‫تستقبل المستشفيات التركية حوالي‬ ‫‪ 100‬م��ن الضحاي��ا ل��كل مستش��فى يوميا‬ ‫معظمهم إصابات��ه خطيرة وتحتاج لعمليات‬

‫معق��دة‪ ،‬ونظ��راً لضي��ق الوق��ت المتوف��ر‬ ‫لمعالج��ة الضحاي��ا يفض��ل األطب��اء قط��ع‬ ‫األج��زاء المصاب��ة‪ .‬أما عن نق��ل المصابين‬ ‫من داخل األراضي السورية عبر الحدود إلى‬ ‫تركيا فهو يمثل المرحلة األصعب واألخطر‪.‬‬ ‫يقول الناش��ط ري��در عبد الفت��اح إن "اقرب‬ ‫مدين��ة عبر الح��دود داخل تركي��ا تبعد احد‬ ‫عشر كيلومترا تقطع عادة على ظهر دراجة‬ ‫نارية أو سيارات نقل‪ ،‬أما بالنسبة لإلصابات‬ ‫الكبيرة كإصابات الرأس مثال فيجب أن يؤخذ‬ ‫المصاب إلى أنطاكية التي تقع على مسافة‬ ‫‪ 80‬كيلومت��را م��ن الح��دود ول��ك أن تتخيل‬ ‫المعاناة في قطع مثل هذه المسافة"‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى ذل��ك هنالك العديد من‬ ‫المشافي التي تقدم خدمات صحية بسيطة‬ ‫مث��ل نظاف��ة الج��روح وتغيي��ر الضم��ادات‪.‬‬ ‫يقول ريدر إن هذه البيوت يديرها سوريون‬ ‫وتدع��م مالي��ا من قب��ل أفراد وش��خصيات‬ ‫عربية م��ن دول الخليج وليبي��ا ويعمل فيها‬ ‫الكثي��ر م��ن المتطوعي��ن ولك��ن النع��دام‬ ‫الخبرة فإن معظم جروح الذين يبقون فيها‬ ‫تتعرض لاللتهاب وتسوء حالتهم أكثر‪.‬‬

‫تركيا ال تعرتف بالالجئني‬

‫وبالس��ؤال حول وج��ود منظمات طوعية‬ ‫متخصص��ة مث��ل أطباء بال ح��دود يقول ريدر‬ ‫أن ثمة مش��كلة تتمثل في أن تركيا ال تعترف‬ ‫بالالجئي��ن الس��وريين كالجئين وبه��ذا يتعذر‬ ‫دخ��ول المنظمات األجنبي��ة والطوعية العاملة‬ ‫ف��ي الحقل اإلنس��اني إل��ى تركيا مم��ا يلقي‬ ‫بالع��بء على المستش��فيات التركية بقدراتها‬ ‫المح��دودة وعلى جه��ود الالجئين الس��وريين‬ ‫الذاتية في إنش��اء وإدارة مثل هذه المش��افي‬ ‫التي تتخذ من بيوت ومساكن عادية مقار لها‪.‬‬ ‫من أكثر األشياء التي عاد بها الناشطان‬ ‫تعبيرا ه��ي ص��ورة الطفل زكري��ا البالغ من‬ ‫العم��ر ‪ 8‬س��نوات وال��ذي أصيب أثن��اء قصف‬ ‫قريتهم بالقرب من إدلب‪ .‬والداه أيضا مصابان‬ ‫ولكنهم��ا ما يزاالن في س��وريا‪ .‬عم زكريا هو‬

‫من أس��عفه واصطحبه إلى تركيا‪ .‬زكريا لدية‬ ‫مشكلة (باإلضافة الكسور العظمية) فان جلد‬ ‫س��اعده األيمن قد توقف عن النمو والجرح ال‬ ‫يندمل‪ .‬هو يحتاج إلى عمليات جراحية معقدة‪.‬‬ ‫وطبعا اإلمكانيات غير متوفرة‪.‬‬

‫�أعداد كبرية‬

‫ن��رى في ص��ورة أخ��رى مجموعة من‬ ‫ضحاي��ا العن��ف ف��ي اح��د المش��افي‪ .‬اثنان‬ ‫م��ن الذين في الصورة ل��م يكملوا عالجهم‬ ‫بالصورة المطلوبة‪ .‬المستش��فيات التركية‬ ‫جيدة عموما ولكن العدد الكبير من الجرحى‬ ‫والمصابين يفوق طاقتها نظرا لقلة األطباء‬ ‫األخصائيين وقلة المال‪.‬‬ ‫يق��ول أندري��ه عبد اهلل احد النش��طاء‬ ‫الذي��ن عادوا م��ن الحدود التركية الس��ورية‬ ‫األس��بوع الماض��ي ب��أن مناظ��ر الجرح��ى‬ ‫والمصابي��ن والكيفي��ة الت��ي يرحل��ون بها‬ ‫ويتلق��ون به��ا الع�لاج تجربة بش��عة ولكن‬ ‫لك أن تتخيل بأن األحوال في س��وريا أس��وأ‬

‫بمائة مرة من المش��اهدات التي تراها على‬ ‫األراضي التركية عند الحدود بين البلدين‪.‬‬

‫تركيا �أف�ضل من غريها‬

‫يق��ول الناش��ط الس��وري ري��در عب��د‬ ‫الفت��اح ب��أن حال��ة الالجئي��ن ف��ي األردن‬ ‫ولبن��ان أكثر س��وءا بكثير م��ن بني وطنهم‬ ‫في تركي��ا‪ ،‬ففي األردن يعيش��ون في بيئة‬ ‫صحراوي��ة تنعدم فيها المي��اه والغذاء‪ ،‬وقد‬ ‫أدى تواجده��م لظه��ور مش��اكل اجتماعية‬ ‫حتى داخل المجتمع األردني‪.‬‬ ‫أم��ا في م��ا يخص ق��رار تركي��ا بعدم‬ ‫اس��تقبال المزيد م��ن الالجئين فيقول ريدر‬ ‫عبد الفتاح بأنه ال يس��تطيع أن يلوم سوريا‪،‬‬ ‫وأنه كغيره قد س��مع بهذا القرار الذي يرده‬ ‫لألع��داد الهائل��ة الت��ي تق��در ب��اآلالف من‬ ‫الالجئين الذين يعب��رون الحدود‪ ،‬وأن إعداد‬ ‫معس��كرات تؤويهم ليس بالمسألة السهلة‬ ‫ألن إنش��اء معس��كر واحد وتجهي��زه يحتاج‬ ‫ألسابيع أحيانا‪.‬‬

‫النظام ي�ستخدم «القنابل العنقودية» �ضد املدنيني و«�ستار النار» ملنع مغادرتهم‬ ‫وزع��ت دمش��ق قواته��ا‪ ،‬الت��ي تث��ق‬ ‫بقياداته��ا وضباطها‪ ،‬على امت��داد الجبهات‬ ‫العس��كرية وبدأت تتعامل م��ع المعارضين‪،‬‬ ‫والدول التي تس��اندها‪ ،‬بقس��وة ووحش��ية‬ ‫بعدما نشرت فيالق من الوحدات الخاصة قرب‬ ‫الحدود األردني��ة والتركية‪ ،‬ودفعت بعناصر‬ ‫من الحرس الجمهوري الشديد التدريب إلى‬ ‫حلب المس��تعصية ودير الزور‪ ،‬وس��ط قلق‬ ‫كبير من انشقاق وحدات عسكرية قد تطلب‬ ‫مس��اعدة من دول الجوار‪ .‬ولم توفر القوات‬ ‫النظامي��ة مخي��م اليرم��وك جنوب دمش��ق‬ ‫حي��ث قُتل ‪ 20‬فلس��طينياً بقص��ف مدفعي‬ ‫وبقذائ��ف اله��اون‪ .‬ونقل مراس��ل «الحياة»‬ ‫في عمان عن الجئين سوريين حديثهم عن‬ ‫«س��تار النار» الذي تطلقه القوات النظامية‬ ‫على القرى والمناط��ق الحدودية بحجة منع‬ ‫التس��لل وإدخ��ال الس�لاح‪ ،‬أو حتى الس��ماح‬ ‫بمغادرة البالد واللجوء إلى األردن أو تركيا‪.‬‬ ‫وأف��اد تلفزيون «لعربية» عن حش��ود‬ ‫عس��كرية كبي��رة في ت��ل ش��هاب المحاذية‬ ‫للحدود األردنية ونقل عن ناشطين قلقهم‬ ‫م��ن مجازر ق��د تحدث هن��اك‪ .‬ونقلت وكالة‬ ‫«اسوش��ييتد برس» عن «المرصد السوري‬ ‫لحق��وق اإلنس��ان قول��ه «أن مئ��ات الجنود‬ ‫أع��ادوا احتالل تل ش��هاب بمس��اندة من ‪20‬‬ ‫دباب��ة»‪ .‬واتهم��ت منظم��ة «هيوم��ن رايت‬ ‫ووتش» النظام الس��وري باستخدام «قنابل‬ ‫عنقودية» ضد المدنيين‪.‬‬

‫وم��ع الحش��ود العس��كرية الواس��عة‬ ‫الت��ي نُقلت م��ن منطقة دمش��ق ومرتفعات‬ ‫الج��والن إلى مقربة من الح��دود التركية تم‬ ‫دف��ع وحدات من قوات الحرس الجمهوري إلى‬ ‫حلب‪ .‬وذك��رت وكالة «فرانس برس» أن لواء‬ ‫ف��ي الجيش الس��وري كان يراق��ب‪ ،‬من غرب‬ ‫المدينة وعلى جهاز «آيباد»‪ ،‬تفاصيل خريطة‬ ‫تب��ث عبر برنامج «غوغ��ل ارث» وتظهر فيها‬ ‫كل من��ازل حي س��يف الدولة‪ .‬وعل��ى طاولة‬ ‫قريبة‪ ،‬وضعت أجهزة اتصال عائدة لمقاتلين‬ ‫م��ن المعارض��ة يس��تخدمها الل��واء للتنصت‬ ‫على محادث��ات هؤالء والبقاء على اتصال مع‬ ‫ضباطه المنتشرين على األرض‪.‬‬ ‫وق��ال اللواء ف��ي الح��رس الجمهوري‪،‬‬ ‫وال��ذي كان يتولى العمليات العس��كرية في‬ ‫أصع��ب أحياء المدينة ألح��د ضباطه «تقدم‬ ‫حت��ى المربع الرابع‪ ،‬لكن ال تطلق النار على‬ ‫يمين��ك ألنني أرس��لت فريقا آخ��ر من هذه‬ ‫الناحية حتى نحاصرهم»‪.‬‬ ‫وتتعام��ل الق��وات النظامي��ة م��ع‬ ‫المعارضي��ن في حل��ب خالفاً لم��ا جرى في‬ ‫جبهات أخرى مثل حمص (وسط) حيث كانت‬ ‫تبادر إلى القصف قبل نشر القوات الراجلة‪.‬‬ ‫وتخ��وض هذه القوات‪ ،‬للم��رة األولى‪ ،‬حرب‬ ‫ش��وارع حقيقية تفرض عليها التسلل نحو‬ ‫من��ازل وش��وارع ومفترقات ط��رق‪ ،‬على أن‬ ‫يأتي الدع��م من الدباب��ات والمروحيات في‬ ‫وق��ت الح��ق‪ .‬ويقول عقيد م��ن الحرس في‬

‫ح��ي س��يف الدول��ة‪« :‬نحن منقس��مون إلى‬ ‫مجموع��ات تضم كل منها ‪ 40‬رج ًال محملين‬ ‫بأسلحة رشاشة وصواريخ مضادة للدروع»‪.‬‬ ‫وأرس��ل الجيش الس��وري من��ذ بداية‬ ‫آب خي��رة قواته واألكثر كف��اءة في الحرس‬ ‫الجمهوري‪ ،‬الذي يتولى كذلك حماية دمشق‬ ‫لتولي العمليات في الغرب‪ ،‬والقوات الخاصة‬ ‫في الوسط‪ .‬واستولت القوات الخاصة أخيراً‬ ‫على ح��ي الجديدة المس��يحي ف��ي المدينة‬ ‫القديمة وتقدمت باتجاه حي السيد علي‪.‬‬ ‫وتتن��وع رواي��ات س��يطرة المعارض��ة‬ ‫عل��ى أحي��اء ف��ي حل��ب‪ .‬وتق��ول إحداها أن‬ ‫المعارضي��ن دخل��وا المدين��ة ف��ي البداي��ة‬ ‫م��ن هذا الح��ي‪ ،‬بعدما وصلوا مع نس��ائهم‬ ‫وأطفاله��م وأس��لحتهم بحج��ة اله��رب من‬ ‫المع��ارك في إدل��ب‪ .‬وتفيد الرواي��ة الثانية‬ ‫أن مدير اس��تخبارات حلب اللواء محمد مفلح‬ ‫«خان النظام» وس��لم مفاتي��ح المدينة إلى‬ ‫المعارضين قبل أن ينشق ويغادر إلى تركيا‬ ‫لكنه قُتل قبل أن يصل إليها‪.‬‬ ‫وأفادت «فرانس برس» أن حلب أصبحت‬ ‫مدينتي��ن متناقضتي��ن‪ .‬في الوس��ط‪ ،‬وعلى‬ ‫رغم أص��وات االنفجارات القوية أحيانًا‪ ،‬تفتح‬ ‫المح�لات أبوابها وتبق��ى المطاعم والمحالت‬ ‫الت��ي تبيع المثلج��ات تس��تقبل الزبائن حتى‬ ‫منتص��ف اللي��ل‪ ،‬وه��و الح��ال مث� ً‬ ‫لا في حي‬ ‫العزيزية المس��يحي أو الموغامبو المس��لم‪،‬‬ ‫علمًا بأن الكثير من السكان يفضلون اللجوء‬

‫إل��ى مدن أخرى ف��ي دول أخرى في المنطقة‬ ‫مث��ل بي��روت والقاه��رة‪ .‬ف��ي حي��ن تحولت‬ ‫حل��ب القديمة‪ ،‬التي تس��يطر عل��ى غالبيتها‬ ‫المعارض��ة المس��لحة‪ ،‬إل��ى مدين��ة تعان��ي‬ ‫النق��ص في المواد الغذائي��ة وإطالق النار ما‬ ‫يدفع الس��كان على الع��ودة إلى منازلهم عند‬ ‫حلول الليل وتفادي خطوط التماس‪.‬‬ ‫وأفادت مصادر في باريس أن فرنس��ا‬ ‫تدرس إم��داد المناط��ق التي بات��ت خارجة‬ ‫ع��ن س��يطرة النظ��ام الس��وري‪ ،‬والت��ي‬ ‫تعتبرها «مناطق محررة»‪ ،‬بأس��لحة مضادة‬ ‫للطائرات‪ ،‬لمواجهة االعتماد المتزايد لقوات‬ ‫النظام على القصف الجوي لهذه المناطق‪.‬‬ ‫وق��ال مصدر دبلوماس��ي فرنس��ي أن‬ ‫«المناطق المحررة ليست بمنأى عن القصف‬ ‫سواء بواسطة المدفعية أو الطائرات التابعة‬ ‫للنظ��ام لكن ه��ذا ال يعني أنها س��تعود إلى‬ ‫س��يطرة النظام الذي بات غائبًا عن بعضها‬ ‫من��ذ حوال��ى خمس��ة أش��هر‪ ..‬س��كان هذه‬ ‫المناطق يطالبون بتزويدهم أسلحة مضادة‬ ‫للطائ��رات وهو مطلب ال تهمله فرنس��ا بل‬ ‫تعمل على دراس��ته جديًا»‪ .‬لكنه تحدث عن‬ ‫«الصعوبات والتبعات المعقدة»‪ ،‬مشيراً إلى‬ ‫عمليات تسليم أسلحة «انتهت في أيدي غير‬ ‫مرغوب بها في منطقة الساحل»‪ ،‬ما يوحي‬ ‫ب��أن تأمين هذا الس�لاح المض��اد للطائرات‬ ‫ره��ن بتنقي��ة المعارضة الس��ورية ووضع‬ ‫هيكلية واضحة وتسلسل للقيادة‪.‬‬


‫عروة المقداد‬

‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫المش��هد غالبًا معك��وس‪ ،‬الكاميرا ليس��ت صادقة دائمًا‪.‬‬ ‫والتحلي��ل س��هل‪ ،‬الكلم��ات ليس��ت بثق��ل قذيف��ة تش��طر‬ ‫الذكري��ات‪ ،‬والخريطة الباردة على الجدران ال تُظهر عنفوان‬ ‫خال من المشاعر‪ ،‬ال تتدفق فيه حميمية‬ ‫الذاكرة‪ .‬واالس��تديو ٍ‬ ‫مظاه��رة؛ إنه يفتقر للحقيقة‪ .‬ألن الحقيقة يمتلكها من كان‬ ‫ينظ��ر من نافذته وهو يش��اهد س��رب طائرات تس��لي نزق‬ ‫االنتظ��ار المري��ر‪ ،‬وتختفي ف��ي اليوميات الق��ادرة على قهر‬ ‫أعنف قذيفة‪ ،‬عندما تتحول إلى مجرد عادة‪.‬‬ ‫نتسابق كل يوم المتالك حقيقة ما يجري على األرض‪،‬‬ ‫أخبار تتلقفها المحطات اإلخبارية‪ .‬تقارير ومقاالت‪ ،‬سياسيون‬ ‫يجتمعون وينفضون بابتس��امات أو بس��حنات كدرة‪ .‬سهرات‬ ‫طويل��ة من التحليل والتفنيد‪ ،‬اتهام��ات وانتقادات‪ .‬ثمة عنف‬ ‫والثورة تنحرف عن مس��ارها‪ .‬جيوش من الصحفيين تتسلل‬ ‫عبر الح��دود‪ ،‬تعد بعض التقارير والصور وتترك ابتس��امات‬ ‫عاب��رة لتأفل‪ .‬وفي آخر النه��ار يخرج أبو عمر ويلقي ملخص‬ ‫األحداث باعتيادية الموت المتواصل‪.‬‬ ‫وف��ي الكادر الضيق الذي يطل منه ال يحفل باالنتقادات‬ ‫الت��ي توجه للصورة الت��ي التقطها والتي تحت��وي على كثير‬ ‫من العنف أو المش��اهد القاس��ية‪ .‬ال يهتم بالجدال الدائر بين‬ ‫المثقفي��ن حول الثورة وأوصافها‪ ،‬ال يوّصفها هل هي حربٌ‬ ‫أهلية أم معركة‪ .‬إنه هناك يمارس المهمة التي وجد نفس��ه‬ ‫أمامه��ا وه��و وحيد يواج��ه أرتا ًال م��ن األمن يمط��روه بالغاز‬ ‫والرصاص والقنابل‪ .‬أمسك كاميراته ليدافع عن القيمة التي‬ ‫أحسها وتذوقها‪ .‬أبو عمر هو ذاته المتظاهر في بداية الثورة‬ ‫وهو من حمل الس�لاح عندما تآم��ر الجميع على ثورته‪ .‬وهو‬ ‫من يصدر النكت ويس��خر من واقعه وهو المثقف والحرامي‬ ‫واألزع��ر إنه وح��ده؛ وهو وحده من نطالب��ه جميعًا بلعب كل‬ ‫األدوار‪ .‬القيمة األخالقية بالنسبة له هي الشيء الوحيد الثابت‬ ‫في الثورة‪ ،‬لكنه ال يس��تطيع أن يجع��ل من القيمة األخالقية‬ ‫التي خ��رج للدفاع عنها نموذج��اً وقدوة‪ .‬ليس��ت مهمته‪ ،‬إنها‬ ‫مهم��ة الصحفي الذي ينقل دفاعه ع��ن القيمة وإثباتها‪ ،‬إنها‬ ‫مهمة المثقف الذي من واجبه أن يبلورها وأن يقدمها كقدوة‪.‬‬ ‫لم يفهم المثقفون س��بب تحول مسار الثورة‪ ،‬لم يفهموا أن‬ ‫اإلنس��ان البسيط ال تعني له المصطلحات‪ ،‬وأنه في كثير من‬ ‫األحيان يجهلها وأنه بحاجة إلى من يكون بجانبه ليعلمه تارة‬ ‫وليتعلم منه تارة أخرى‪.‬‬ ‫الس��لمية أو الس�لاح هي مجرد خيار أم�لاه الواقع عليه‪.‬‬ ‫وأن الوس��يلة بالنس��بة له ال تغير من عدالة القضية وال من‬ ‫القيمة األخالقية‪ .‬ولكن الصورة كانت معكوس��ة من البداية‪،‬‬ ‫فمنظ��رو الس��لمية ل��م يوع��زوا ألهل درع��ا بالتح��رك‪ ،‬لم‬ ‫يتواجدوا هناك عندما انطلقت الثورة‪ ،‬وعندما تحول مسارها‬ ‫هل تواج��د المثقفون على األرض بي��ن الناس لينصحوهم‬ ‫ويقدموا المش��ورة لهم‪ .‬إن التنظير ليس كافيًا في الثورات‪،‬‬ ‫الكلم��ة يج��ب أن تتح��ول إلى فع��ل وممارس��ة‪ .‬والمثقف إذا‬ ‫تواج��د بين الناس ق��دم لهم النموذج والممارس��ة والنظرية‬ ‫ليستطيعوا السير عليها‪.‬‬ ‫لقد وجد اإلنس��ان البسيط نفسه على األرض الصحفي‬ ‫والمنظ��ر والخبير في التحليل‪ .‬هل ذنبه عندما يقع في خطأ‬ ‫إعالم��ي أو عندم��ا يبالغ أو ينقل صورة غي��ر حقيقة‪ ،‬بالطبع‬ ‫ال إن��ه خطأ الصحفي ال��ذي تخلى عن مس��ؤوليته األخالقية‬ ‫واخت��ار الصمت أو أن يكون مجرد وس��يط أو ناقل‪ .‬هل ذنبه‬ ‫أن��ه ارتكب فع��ل يبدو مش��روعًا من وجهة نظره البس��يطة‬ ‫والت��ي ه��ي االنتقام أم��ام القس��وة الهائل��ة والعن��ف الغير‬ ‫مسبوق؟ إنه ليس ذنبه‪ ،‬ذنب المثقف الذي لم يتواجد بجانبه‬ ‫أثناء تلك المعركة ليقول له أن ذلك ال يجوز أخالقيًا وإنسانيًا‬ ‫وأن مثل تلك التصرفات قد تس��يء إل��ى عدالة القضية التي‬ ‫يدافع عنها‪.‬‬ ‫لق��د تعلمنا يومًا ما في المدارس والجامعات لنعلم أبناء‬ ‫شعبنا ونقدم له المشورة والنصيحة ولنكون إلى جانبهم في‬ ‫الموقف الصعب‪ .‬وذات يوم سوف نسائل أين كنا عندما كانت‬ ‫تقصف سورية بالطائرات؟ لماذا لم نكن هناك معهم لنقول‬ ‫جنبًا إلى جنب‪ ،‬في المظاهرة وفي المعركة وتحت القصف؟!‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫فتحت الشرطة باب مقرها الرئيسي في دمشق‬ ‫السبت ليعبر من خالله العشرات نحو حرية مستعادة‪،‬‬ ‫اس��تقبلها بعضهم بالس��روال الداخل��ي‪ ،‬وآخرون من‬ ‫دون حذاء أو ش��عر‪ ،‬بينهم من تظهر عالمات المعاناة‬ ‫على ظهره‪ ،‬أو س��اقيه‪ ،‬ومنهم م��ن تحمل وجوههم‬ ‫ندبات‪.‬‬ ‫باسل (‪ 31‬عاما)‪ ،‬الموظف الحكومي‪ ،‬اعتقل في‬ ‫زمل��كا في ريف دمش��ق بعدما أوقفته االس��تخبارات‬ ‫لدى عودته‬ ‫إل��ى منزل��ه ف��ي الضاحي��ة المعارض��ة للنظام‬ ‫برفقة زوجته وابنه‪ ،‬والس��بب المعل��ن‪ :‬بطاقة هوية‬ ‫ممزقة‪.‬‬ ‫وفيم��ا ينظ��ر إلى ه��ذا التفصيل عل��ى انه أمر‬ ‫ع��ادي ف��ي بلد آخ��ر‪ ،‬إال أن عقوبته هي الس��جن في‬ ‫س��وريا‪ ،‬فقط الن الش��يخ الس��وري عدن��ان العرعور‬ ‫المع��ارض للنظام والمقيم في الس��عودية طلب في‬ ‫إحدى خطبه من مناصريه تمزيق هوياتهم‪.‬‬ ‫ويق��ول باس��ل الذي خرج م��ن الس��جن مرتديا‬ ‫قميصا داخليا "لم أكن حتى على دراية بهذه الخطبة‪،‬‬ ‫وق��د علمت به��ا عن طري��ق الذين حقق��وا معي في‬ ‫السجن"‪.‬‬ ‫ويضي��ف "أمضي��ت ‪ 32‬يوما في زنزان��ة لجهاز‬ ‫استخبارات س�لاح الجو‪ ،‬ونقلوني إلى هنا اليوم حيث‬ ‫علمت انه س��يتم إطالق سراحي استنادا إلى مرسوم‬ ‫لبشار األسد"‪.‬‬ ‫وباس��ل ليس الوحيد الذي عاش معاناة مماثلة‪.‬‬ ‫فعم��اد (‪ 25‬عاما) ال��ذي اعتقل داخل ب��اص يؤكد أن‬ ‫عناصر االستخبارات "طلبوا مني اللحاق بهم من اجل‬ ‫إج��راء تحقيق قصي��ر معي يمتد لعش��ر دقائق‪ ،‬لكن‬ ‫هذه الدقائق العش��ر امتدت عش��رة أي��ام‪ .‬لقد قاموا‬ ‫بضربي حتى اعترف بأنني اتبع تعليمات شيخ ال اعلم‬ ‫بوجوده حتى"‪.‬‬ ‫في مقر الش��رطة‪ ،‬يق��وم عناصر األمن بتجهيز‬ ‫أوراق الخ��روج‪ ،‬وس��ط رائح��ة ال تحتم��ل مصدره��ا‬ ‫الس��جناء الذين لم يس��تحموا منذ أن وطأت إقدامهم‬ ‫أقبية السجون‪.‬‬ ‫ويضع هؤالء بصماتهم على األوراق حين تجهز‬ ‫وتحديدا تحت عبارة "اقر بأنه أطلق سراحي في األول‬ ‫من أيلول ‪ /‬س��بتمبر من قبل قيادة ش��رطة محافظة‬ ‫دمش��ق‪ ،‬وأنن��ي ن��ادم عل��ى تصرفاتي وأتعه��د باال‬ ‫أشارك في تظاهرة غير مرخصة بعد اليوم"‪.‬‬ ‫وبينما ينشغل السجناء بأوراق خروجهم‪ ،‬يقول‬ ‫مس��ؤول في حزب البعث يدعى موفق الباش��ا بصوت‬

‫عال "رئي��س الدولة يري��د أن يق��وم بإصالحات لكن‬ ‫أعداء س��وريا يريدون تدمير س��وريا يجب أن نساهم‬ ‫في الدفاع عن البالد"‪.‬‬ ‫عندها يصفق الس��جناء وعددهم ‪ 158‬من بين‬ ‫‪ 267‬اس��تعادوا حريته��م الي��وم في أنح��اء البالد‪ ،‬ثم‬ ‫يهتفون "بالروح بالدم نفديك يا بشار"‪.‬‬ ‫وخ��ارج المقر‪ ،‬يبرز رج��ل مرتديا مالبس النوم‬ ‫وقد رفض كشف اسمه‪ ،‬ساقيه المنتفختين‪.‬‬ ‫ويقول الرجل الثالثيني المتحدر من حرستا في‬ ‫ري��ف دمش��ق والذي لم ير الش��مس ط��وال ‪ 32‬يوما‬ ‫"قاموا بضربي حتى اقر بمشاركتي في تظاهرات لم‬ ‫أشارك بها‪ .‬لست مع هذا الطرف أو ذاك"‪.‬‬ ‫من جهت��ه‪ ،‬يروي عام��ر (‪ 26‬عام��ا) بتأثر "بكت‬ ‫والدتي عندما س��معت صوتي بعدم��ا كانت تجهل ما‬ ‫إذا كنا أنا وش��قيقي على قيد الحي��اة"‪ ،‬واعتقل عامر‬ ‫وش��قيقاه في منطقة المزة الراقية في غرب دمشق‬ ‫ف��ي الثامن من آب ‪ /‬أغس��طس‪ .‬وف��ي حين أفرج عن‬ ‫ش��قيقه األصغر (‪ 17‬عاما) بعد أربع��ة أيام‪ ،‬بقي هو‬ ‫وشقيقه عماد (‪ 25‬عاما) في السجن‪.‬‬ ‫ويق��ول "ل��م نفعل أي ش��يء ولم يجدوا ش��يئا‬ ‫عندن��ا‪ .‬اس��تطيع أن أق��ول أن أول ما س��أقوم به لدى‬ ‫عودت��ي إل��ى منزلي ه��و أن اقب��ل أهلي‪ ،‬واس��تحم‪،‬‬ ‫وأتن��اول الطع��ام‪ ،‬وابدأ بالبحث ع��ن طريقة لمغادرة‬ ‫هذه البالد بأس��رع وقت حتى اس��تقر ف��ي ابعد مكان‬ ‫ممكن من هنا"‪.‬‬ ‫ويروي عامر الذي يملك شركة لألدوات الصحية‬ ‫"كن��ا نح��و ‪ 60‬ش��خصا في غرف��ة صغيرة مس��احتها‬ ‫س��تة أمت��ار بأربعة أمتار‪ ،‬وكان على عش��رين منا أن‬ ‫يظلوا واقفين‪ .‬ثالثون ثانية كانت المدة الممنوحة لنا‬ ‫لقض��اء حاجتنا‪ ،‬وعند النوم كان على كل واحد منا أن‬ ‫يطوي ساقيه وينام ورأسه بين ركبتيه"‪.‬‬ ‫عل��ى رصي��ف قريب‪ ،‬يتمش��ى احم��د (‪ 36‬عاما)‬ ‫حافي القدمين‪ ،‬مرتديا سرواال ممزقا‪ ،‬وهو يبحث عن‬ ‫طريقة لبلوغ منزله في القلمون في ريف العاصمة‪.‬‬ ‫وبحس��ب قوله‪ ،‬فقد خطفه عناصر من الجيش‬ ‫الس��وري الحر بعدما ق��ام باإلبالغ ع��ن مقاتلين في‬ ‫صفوفهم‪ ،‬فأطلقوا رصاصتين في س��اقيه عقابا له‪،‬‬ ‫ثم أفرجوا عنه‪.‬‬ ‫ويتاب��ع احم��د "عث��ر عل��ي عناصر م��ن الجيش‬ ‫ونقلوني إلى مستشفى حتى أتلقى العالج‪.‬‬ ‫وهن��اك‪ ،‬اعتقلن��ي عناص��ر م��ن االس��تخبارات‬ ‫وسجنوني لمدة شهرين‪ .‬واآلن ال املك أي مال للعودة‬ ‫إلى منزلي"‪.‬‬

‫�أين كنتم حني كنا بحاجتكم؟‬

‫أخبارنا ‪. .‬‬

‫معتقلون �سوريون ي�ستعيدون حريتهم‬ ‫حفاة عراة بال�سروال الداخلي‪،‬‬ ‫وهكذا ع�شنا فرتة ال�سجن؟‬

‫�أوجـاع وطـن‬

‫‪3‬‬


‫الجئو «الزعرتي» ي�صارعون ال�صحراء‬

‫أخبارنا ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪4‬‬

‫مخيم الزعتري | جمال عبد الهادي‬ ‫يعيش الالجئون السوريون في مخيم‬ ‫الزعتري في األردن أوضاعاً إنسانية صعبة‪.‬‬ ‫وبين شكاوى الالجئين ومطالبتهم بمغادرة‬ ‫المخي��م ومخ��اوف األردن من االنعكاس��ات‬ ‫األمني��ة والسياس��ية واالجتماعي��ة لخط��وة‬ ‫كهذه‪ ،‬يمضي الالجئ��ون أيامهم يصارعون‬ ‫غضب الصحراء وظروفها القاسية‬ ‫تجلس الالجئة الس��ورية‪ ،‬فادية‪ ،‬أمام‬ ‫خيم��ة ف��ي مخي��م الزعت��ري (‪ 75‬كيلومتراً‬ ‫ش��مال ش��رق األردن) تبرع��ت به��ا منظمة‬ ‫اليونيس��يف‪ ،‬تق ّل��ب ناظريه��ا في الس��ماء‬ ‫كأنما تنتظ��ر هبوط الف��رج‪ .‬تنهمر الدموع‬ ‫م��ن عينيه��ا بصمت وه��ي تهده��د رضيعًا‬ ‫ش��احبًا يس��عل بش��دة ويبكي ب�لا انقطاع‪.‬‬ ‫تتنهد والحس��رة تلف صوته��ا قبل أن تقول‬ ‫«يا ليتني مت قبل أن أفر إلى هذه الصحراء‪،‬‬ ‫الموت أفضل من حياة بال كرامة»‪.‬‬ ‫وبينما تح ّل��ق حولها أطفاله��ا الثالثة‪،‬‬ ‫معن ويزن وسمية‪ ،‬بثيابهم الرثة المتسخة‬ ‫وقد حفر البؤس على محياهم كآبة عميقة‪،‬‬ ‫تش��كو فادي��ة معاناتها قائل��ةً‪« :‬ولدي مراد‬ ‫كلما تعافى مرض ثانية بس��بب حساس��يته‬ ‫م��ن الغب��ار الكثي��ف»‪ .‬وتضي��ف «حت��ى‬ ‫الحيوانات ال تستطيع أن تعيش هنا»‪.‬‬ ‫حال فادية يعكس صورة لواقع معاناة‬ ‫مأس��اوية يكابدها قرابة ‪ 23‬ألف سوري في‬ ‫مخيم الزعتري‪ ،‬دخل��وا إلى األردن بطريقة‬ ‫غي��ر مش��روعة‪ ،‬بعدم��ا هرب��وا م��ن س��وء‬ ‫األوض��اع في بالدهم‪ ،‬وفقًا لما يؤكده مدير‬ ‫التع��اون والعالقات الدولية ف��ي المفوضية‬ ‫السامية لالجئين‪ ،‬علي بيبي‪ ،‬لـ«األخبار»‪.‬‬ ‫ويعان��ي الالجئ��ون أوضاع��اً صعب��ة‬ ‫ف��ي المخي��م الذي بات أش��به بس��جن كبير‬ ‫تلت��ف حوله األس�لاك الش��ائكة‪ ،‬وتحيط به‬ ‫الحراس��ات‪ ،‬فيمنع الدخول أو الخروج منه إال‬ ‫بإذن من الس��لطات األمني��ة‪ .‬الغبار يتطاير‬ ‫من كل صوب وحدب‪ ،‬يسفع وجوه الالجئين‬ ‫ف��ي ظهيرة الهب��ة‪ ،‬ويقتح��م خيمهم التي‬ ‫تعصف بها الرياح كأنها مارد متوحش يريد‬ ‫اقتالعها‪.‬‬ ‫غي��ر أن ت��ردي الواق��ع المعيش��ي في‬ ‫«الزعت��ري» ال يقتص��ر عل��ى درج��ة حرارة‬ ‫عالية ف��ي مخيم صح��راوي‪ ،‬غب��اره يعمي‬ ‫العي��ون‪ ،‬بل يمت��د إلى االصطف��اف ألوقات‬ ‫طويلة عل��ى طوابير المياه‪ ،‬وجبات الطعام‪،‬‬ ‫واللي��ل الحالك‪ ،‬ال��ذي تغيب عن��ه الكهرباء‬ ‫واألغطية في برد قارس‪.‬‬

‫ال�ضغط يولد االنفجار»‬ ‫نتيج��ة ظروف المعيش��ة الس��يئة في‬ ‫المخي��م يطال��ب الالجئ��ون مغادرت��ه إل��ى‬ ‫مناط��ق مؤهل��ة أو إعادته��م إل��ى أربع��ة‬ ‫مخيمات كان��وا يقطنونها قبل افتتاح مخيم‬ ‫الزعتري أخيراً‪ ،‬ثالثة منها في الرمثا (شمال‬ ‫الب�لاد) وواحد في محافظة المفرق (ش��مال‬ ‫شرقي البالد)‪.‬‬ ‫ويجد مطلب الالجئين بمغادرة المخيم‬ ‫مس��اندة من متضامني��ن‪ ،‬أبرزه��م الهيئة‬ ‫األردني��ة لنص��رة الش��عب الس��وري وحملة‬ ‫«وتعاونوا» الشبابية‪ ،‬التي طالبت مفوضية‬ ‫األم��م المتحدة في غير اعتص��ام احتجاجي‬ ‫«بإغ�لاق مخيم الزعت��ري‪ ،‬ونقله إلى مكان‬ ‫أكثر مالئمة للظروف اإلنسانية»‪.‬‬ ‫وبالرغ��م م��ن أن رئي��س المفوضي��ة‬ ‫الس��امية لالجئي��ن‪ ،‬أن��درو هارب��ر‪ ،‬أب��دى‬ ‫اس��تياءه من وضع المخيم‪ ،‬إال أنه طلب من‬ ‫المتضامنين أن «ال يتفاءلوا بإغالق المخيم‬ ‫قريب��اً‪ ،‬ف�لا بديل آخ��ر»‪ .‬وهو م��ا دفع ‪200‬‬

‫ش��خص إلى الع��ودة إلى بالده��م «طوعًا»‬ ‫وفقًا لوزير الدولة لشؤون اإلعالم واالتصال‬ ‫الناطق باسم الحكومة سميح المعايطة‪.‬‬

‫ا�ست�ضافة بالإكراه‬ ‫ترف��ض الحكوم��ة األردني��ة نق��ل‬ ‫المخي��م للكثير من األس��باب‪ .‬وقد لمّح إليه‬ ‫وزير الخارجية‪ ،‬ناص��ر جودة‪ ،‬يوم الخميس‬ ‫الماضي‪ .‬وأش��ار أمام مجلس األمن الدولي‬ ‫إلى إمكان «اتخاذ» إجراءات تقييدية لدخول‬ ‫الالجئي��ن الس��وريين‪ ،‬لم��ا يترت��ب «عل��ى‬ ‫دخوله��م م��ن آث��ار اجتماعية وأم��ور تمس‬ ‫النظام واألمن العام»‪.‬‬ ‫م��ن جهته‪ ،‬أك��د وزير اإلعالم‪ ،‬س��ميح‬ ‫المعايط��ة‪ ،‬أن «األردن متض��رر من اللجوء‪،‬‬ ‫فهو يؤثر فيه اجتماعيًا واقتصادياً وسياسياً‪،‬‬ ‫لكنن��ا مجبرون عليه»‪ ،‬منبه��ًا إلى أن األردن‬ ‫ب��ات «عاج��زاً ع��ن اس��تيعاب المزي��د م��ن‬ ‫الالجئين‪ ،‬فقد تجاوز عددهم ألف الجئ»‪.‬‬ ‫وبحس��ب وزي��ر أردن��ي‪ ،‬رف��ض ذك��ر‬ ‫اس��مه‪ ،‬فإن «األوضاع اآلن قد تحس��نت في‬ ‫المخي��م‪ ،‬ونحن نعمل على تحس��ينها أكثر‪،‬‬ ‫لك��ن التدفق المفاج��ئ لالجئين ب��دأ يزداد‬ ‫وقد تجاوز في األيام األخيرة ألفي الجئ في‬ ‫الليلة الواحدة»‪.‬‬ ‫وال يخف��ي المس��ؤول الحكومي وجود‬ ‫معلومات مؤكدة لديه بأن «كثيراً من قاطني‬ ‫المخي��م يرغبون ف��ي العمل مث��ل أقرانهم‬ ‫الذي��ن دخل��وا البالد وفق نظ��ام الكفاالت»‪.‬‬ ‫ولف��ت إل��ى أن «الجئي المخي��م يعرفون أن‬ ‫الالجئين السوريين في بعض المدن تسللوا‬ ‫إلى سوق العمل‪ ،‬وباتوا يحصلون على أجور‬ ‫عالي��ة»‪ ،‬في بلد محدود الموارد واإلمكانات‪،‬‬ ‫وبلغت نسبة البطالة فيه العام الماضي ‪،12‬‬ ‫‪ 9‬في المئة‪.‬‬ ‫الالجئ السوري‪ ،‬حمدان المصري‪ ،‬أكد‬ ‫أنه وأقرانه من السوريين «م ّلوا من السكن‬ ‫ف��ي العراء ومن مس��اعدات ال��ذل»‪ ،‬مطالبًا‬ ‫الحكوم��ة بالعودة عن قراره��ا وقف العمل‬ ‫بنظام الكفالة لالجئين الس��وريين‪ ،‬الصادر‬ ‫في تموز الماضي‪ .‬ويضيف المصري «هناك‬ ‫تمييز واضح‪ ،‬فكثير من السوريين يقطنون‬ ‫مدينة المفرق (ش��مال شرق عمان) والرمثا‬ ‫(ش��مال عم��ان) ويحصلون على مس��اعدات‬ ‫مالية وعينية‪ ،‬ويس��تطيعون العمل وال أحد‬

‫يحتج على ذلك»‪.‬‬ ‫وب��ات باإلم��كان مش��اهدة عش��رات‬ ‫الس��وريين العاملي��ن ليس فق��ط في مدن‬ ‫مث��ل الرمثا المفرق وارب��د‪ ،‬بل في المدينة‬ ‫عمان‪ .‬فالعمالة الس��ورية أصبح��ت مألوفة‬ ‫ّ‬ ‫ومحال‬ ‫الظهور أمام األردنيين في المطاعم‬ ‫األلبس��ة ومراك��ز التس��وق وورش العم��ل‪،‬‬ ‫لك��ن وزارة العم��ل تعج��ز ع��ن تحديد عدد‬ ‫هؤالء باعتبارهم عمالة دون تصاريح وغير‬ ‫مسجلين وهم موزعون في مناطق عديدة‪.‬‬ ‫ويقول س��عيد زق��زوق‪ ،‬وه��و صاحب‬ ‫متجر كبير‪« ،‬غادرت درعا واس��تأجرت مكانًا‬ ‫واسعًا وأنشأت فيه سوبر ماركت»‪ .‬ويضيف‬ ‫«هنا األوضاع مس��تقرة ودخلي يتجاوز ألف‬ ‫دوالر ش��هرياً ومعظ��م بضاعت��ي س��ورية‬ ‫وبخاصة الحلويات والسكاكر والمكسرات»‪.‬‬ ‫ه��ذا التح��ول أث��ار س��خط العمال��ة‬ ‫األردنية‪ ،‬التي باتت تشكو من إحالل العمالة‬ ‫السورية مكانها «فهم يتقاضون أجوراً أقل‬ ‫والتزاماتهم المالية محدودة»‪ .‬وبينما تشير‬ ‫اإلحصاءات الرسمية إلى أن العمالة السورية‬ ‫الحاصل��ة على تصاريح عمل حتى نهاية آب‬ ‫الماض��ي‪ ،‬ال تزي��د عل��ى ألفي عام��ل‪ ،‬تقر‬ ‫الحكومة بأن هذا الرقم غير صحيح‪ .‬ويؤكد‬ ‫مس��ؤول ف��ي وزارة العمل أن ه��ذه األرقام‬ ‫وأن مفتشي‬ ‫«ال تعكس النس��ب الحقيقية‪ّ ،‬‬ ‫وزارة العمل يضبط��ون يوميًا المئات منهم‬ ‫ف��ي مختلف مناط��ق المملك��ة‪ ،‬يعملون بال‬ ‫تصاريح»‪.‬‬

‫موجة تدفق جديدة‬ ‫تش��ير تقدي��رات خب��راء ف��ي ش��أن‬ ‫الالجئي��ن أنه دخل إل��ى البالد ما ال يقل عن‬ ‫‪ 80‬أل��ف الجئ بط��رق غير مش��روعة‪ ،‬غير‬ ‫أن وزي��ر اإلعالم يؤك��د أن الداخلين بطرق‬ ‫غير ش��رعية «لم يتجاوز عددهم ‪ 30‬ألفًا»‪.‬‬ ‫ويوضح أن «األردن يتوقع دخول المزيد في‬ ‫حال تصاعد الحدث األمني»‪.‬‬ ‫ب��دوره‪ ،‬توقع رئيس بعث��ة المفوضية‬ ‫الس��امية لألمم المتحدة لش��ؤون الالجئين‪،‬‬ ‫أن��درو هاربر‪ ،‬تدف��ق المزيد م��ن الالجئين‬ ‫م��ع تصاع��د عمليات العنف داخ��ل األراضي‬ ‫الس��ورية‪ .‬وبحس��ب تصريح��ات المفوضية‬ ‫الس��امية لالجئي��ن فإنه «يوج��د اآلن قرابة‬ ‫سبعين ألف الجئ س��وري سجلوا أسماؤهم‬

‫ل��دى المفوضي��ة‪ ،‬فيم��ا ل��م يس��جَّل آالف‬ ‫آخرون»‪.‬‬ ‫ومن المؤشرات الرئيسية على الزيادة‬ ‫المتوقع��ة‪ ،‬أن المفوضي��ة صمم��ت مخي��م‬ ‫الزعتري ليتس��ع لقرابة ‪ 80‬ألف الجئ وسط‬ ‫توقعات بأن يمتلئ المخي��م مع نهاية العام‬ ‫الحالي‪.‬‬ ‫وأوضح بيب��ي أن زيادة التدف��ق أخيراً‬ ‫عب��ر الحدود الس��ورية دف��ع المنظم��ة إلى‬ ‫التفكير في مخيمات جديدة يقدر استيعابها‬ ‫بأربعمائة ألف‪ ،‬وهو ما يدعمه تصريح رئيس‬ ‫الحكومة قبل أيام عندما قال «س��نبحث عن‬ ‫مواقع جديدة إلقام��ة مخيمات عليها ألننا ال‬ ‫نعرف الح��د الزمني له��ذه العملية»‪ .‬كذلك‬ ‫ل��م يبتعد وزي��ر الخارجية ناص��ر جودة عن‬ ‫هذا السياق‪ ،‬بإعالنه الثالثاء الماضي افتتاح‬ ‫مخيم جديد لالجئين الس��وريين في األردن‬ ‫خ�لال األي��ام المقبل��ة‪ ،‬بدع��م وتمويل من‬ ‫دول��ة اإلم��ارات العربية المتح��دة‪ .‬وقال في‬ ‫حينه إن «المخيم س��يفتتح في منطقة رباع‬ ‫السرحان (شرقي ش��مال األردن) ليستوعب‬ ‫ما بين ‪ 20 – 15‬ألف الجئ سوري»‪.‬‬

‫متويل �أردين وعربي‬ ‫وج��د الالجئ��ون الس��وريون مس��اندة‬ ‫ش��عبية ورس��مية ف��ي الجان��ب اإلنس��اني‬ ‫االغاثي‪ .‬وعملت جمعيات أردنية عديدة على‬ ‫دعمه��م مالياً وعينيًا‪ ،‬أبرزها جمعية المركز‬ ‫اإلس�لامي التابع��ة لإلخ��وان المس��لمين‪،‬‬ ‫جميعه الكتاب والس��نّة الس��لفية‪ ،‬الجمعية‬ ‫المس��يحية «كاريت��س»‪ ،‬جمعي��ة الع��ون‬ ‫الطبي‪ ،‬مؤسس��ة جل��دون‪ ،‬الهيئ��ة الخيرية‬ ‫الهاشمية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عربي��ا‪ ،‬قدم��ت دول الخيج مس��اعدات‬ ‫عينية كثيرة‪ .‬وكانت السعودية األبرز دوراً‪،‬‬ ‫فتبرعت بمئتين وخمسين «كرفان» ستصل‬ ‫خالل أسبوع‪ ،‬وبقافلتين مزودتين باألغذية‪،‬‬ ‫فيما تبرعت اإلمارات بمئتي «كرفان»‪.‬‬ ‫لك��ن ه��ذه التبرع��ات ال ت��زال عاجزة‬ ‫عن تلبي��ة حاجات الالجئين‪ .‬وبحس��ب مدير‬ ‫التع��اون الدولي‪ ،‬فإن المنظمة ناش��دت في‬ ‫آذار الماض��ي ال��دول المانح��ة التب��رع بـ‪84‬‬ ‫ملي��ون دوالر‪ ،‬لكنه��ا تبرع��ت فق��ط ب��ـ‪30‬‬ ‫مليون دوالر‪.‬‬


‫ال�سوريون بني حواجز التفتي�ش النظامية واحلرة‬

‫حواجز للعاطلني‬

‫اللجان ال�شعبية‬

‫اللجان الش��عبية ه��ي التس��مية التي‬ ‫تطلق عل��ى العناصر األهلي��ة التي تتعاون‬ ‫مع األمن السوري‪ ،‬وهي عناصر تختلف عن‬

‫على الهوية الطائفية‬ ‫بعض الحواج��ز التي يقيمه��ا الجيش‬ ‫الح��ر ه��ي حواجز متنقل��ة‪ ،‬ف��ي مناطق ال‬ ‫يس��يطرون عليه��ا بش��كل كام��ل‪ ،‬إذ يعمد‬ ‫الثوار إلى قطع طري��ق من الطرق وتوقيف‬ ‫الس��يارات والنظر في البطاقات الش��خصية‬ ‫للراكبي��ن‪ ،‬وفي ه��ذه الحالة يك��ون اعتماد‬ ‫الثوار في اعتقاالتهم ه��و الهوية الطائفية‬ ‫للراكب‪ ،‬ومن خالل التحقيق معه يظهر لهم‬ ‫موقفه من الثورة والثوار‪.‬‬ ‫يق��ول الناش��ط "مه��دي العم��ر "على‬ ‫طريق حلب الرئيس��ي‪ ،‬أوقف حاجز للجيش‬ ‫الح��ر س��يارة كان��ت تق��ل مجموع��ة م��ن‬ ‫المس��افرين‪ ،‬كان بي��ن هؤالء المس��افرين‬ ‫ش��اب ثوري لكنه من الطائفة اإلسماعيلية‪،‬‬ ‫استطاع الشاب إثبات موقفه عبر الكثير من‬

‫األدلة‪ ،‬لكن انتماءه الطائفي كان المشكلة‪:‬‬ ‫"كان صديق��ي م��ن الطائفة اإلس��ماعيلية‪،‬‬ ‫وتلقى من اإلهانات م��ا يكفي‪ ،‬ترى لو كان‬ ‫من الطائف��ة العلوية‪ ،‬م��اذا يمكن في تلك‬ ‫اللحظة أن يحدث؟"‬

‫الدبابات منازل م�ؤقتة‬ ‫تنشر الناشطة والكاتبة السورية خولة‬ ‫دني��ا مق��ا ًال لها عل��ى صفحتها ف��ي الفيس‬ ‫ب��وك‪ ،‬موضحة تفاصي��ل بع��ض الحواجز‪:‬‬ ‫"الحواج��ز تبدأ كبيرة على الط��رق الكبيرة‪،‬‬ ‫وتتض��اءل كلما اقتربت م��ن األحياء‪ ،‬ثمانية‬ ‫حواج��ز على الطريق ال��ذي ال يتجاوز طوله‬ ‫‪ 30‬كيلو متراً بينها حاجزان كبيران"‪.‬‬ ‫وتضيف الناش��طة‪" :‬في ش��ارع ضمن‬ ‫ح��ي من األحي��اء يقف رجل بعت��اده الكامل‬ ‫أم��ام منزل��ه‪ ،‬ويش��ير للن��اس أن يتوقف��وا‬

‫باعتب��اره "حاج��ز"‪ ،‬ويمارس بقوة س�لاحه‪،‬‬ ‫س��لطة كس��بها صدفة‪ ،‬ومن كثرة الجرائم‬ ‫الت��ي تحص��ل ومن ش��دة خوف الن��اس من‬ ‫المجهولي��ن ومم��ن يعرف��ون‪ ،‬يقف��ون أما‬ ‫قس��اوة الرج��ل المحم��ي م��ن رج��ال األمن‬ ‫وينفذون أوامره‪" .‬‬ ‫وتق��ول الكاتبة "الحواج��ز األمنية في‬ ‫الش��وارع الكبي��رة والت��ي تخض��ع لس��لطة‬ ‫النظ��ام محمي��ة بالدباب��ات‪ ،‬وبس��بب مبيت‬ ‫عناص��ر الجي��ش في تل��ك الدباب��ات لفترة‬ ‫طويلة ف��ي دباباتهم‪ ،‬فإنه��م يحولون تلك‬ ‫الدبابات إلى أشباه منازل لهم‪ ،‬فرش للنوم‪،‬‬ ‫مناشر غسيل‪ ،‬وأشياء أخرى"‪.‬‬ ‫س��وريا اآلن بين ضفتين من الحواجز‪،‬‬ ‫حواجز لألمن السوري ولكتائب الجيش الذي‬ ‫خرج م��ن ثكناته‪ ،‬وحواج��ز متنقلة للجيش‬ ‫الح��ر‪ ،‬وبين الضفتين أيضاً حواجز متناوبة‪،‬‬ ‫تجري فيها مشاعر الشعب السوري‪.‬‬

‫يا�سني احلاج �صالح يف��وز بجائزة الأمري كالو�س‬

‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫كتب عبده وازن في الحياة‪:‬‬ ‫ف��از الكات��ب والمناضل السياس��ي‬ ‫الس��وري ياس��ين الح��اج صال��ح بجائزة‬ ‫األمي��ر كالوس‪ ،‬إح��دى أه��م الجوائ��ز‬ ‫ّ‬ ‫المفكري��ن‬ ‫األوروبي��ة الت��ي تكاف��ئ‬ ‫والكتّاب في البلدان التي تعاني «نقصًا‬ ‫ف��ي فرص الحرية» وف��ق نظامها‪ .‬وفي‬ ‫مخبئه الس��رّي‪ ،‬في المنفى المفروض‬ ‫علي��ه داخلي��اً‪ ،‬هرب��ًا من قمع الس��لطة‬ ‫وخوفًا من التعرّض للخطف أو الس��جن‬ ‫والقتل‪ّ ،‬‬ ‫تلقى الكاتب المعارض خبرَ هذا‬ ‫الفوز بالجائ��زة الهولندي��ة التي مُنحت‬ ‫س��ابقًا للش��اعر محمود درويش وأسماء‬ ‫ومنظمات أخ��رى‪ ،‬عربية وعالمية‪ .‬جاءت‬ ‫هذه الجائزة لترفع كثيراً من الغبن الذي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والمفك��ر‪ ،‬بعدما عانى‬ ‫ح��ل بهذا الكاتب‬ ‫ُ‬ ‫واضطهد‬ ‫طوي ًال داخل السجون السورية‪،‬‬ ‫ولوحق وعُذّب‪ ،‬مثله مثل س��جناء الرأي‪،‬‬ ‫وما أكثرَهم في ظل نظام حزب البعث‪.‬‬ ‫وأصاب��ت «ب��راءة» الجائ��زة عندما‬ ‫وصف��ت صالح ب��ـ «الصوت ال��ذي يمثل‬

‫التحليل الحكيم والهادئ للثورة السورية‪،‬‬ ‫وال��ذي يقدّم اس��تبصارات واس��عة في‬ ‫شتى المجاالت‪ ،‬السياس��ية واالجتماعية‬ ‫والثقافية‪ ،‬سوريًا وعربيًا»‪.‬‬ ‫فه��ذا الكات��ب الذي سُ��جن نحو ‪16‬‬ ‫عامًا في أقسى الزنزانات السورية‪ ،‬عرف‬ ‫كيف يحافظ على وعيه السياس��ي‪ ،‬الذي‬ ‫راح يعمّقه ط��وال تلك األعوام الحالكة‪،‬‬ ‫مكبّ��ًا على القراءة بنهم ش��ديد‪َّ .‬‬ ‫تمكنَ‬ ‫صال��ح في س��جنه م��ن مواجه��ة بطش‬ ‫النظ��ام البعث��ي‪ ،‬وعوض أن يستس��لم‬ ‫آللته الجهنمية‪ ،‬راح يقاومه فكراً وثقافة‪،‬‬ ‫قارئًا ّ‬ ‫كل ما أتيح له من كتب في السجن‪.‬‬ ‫جع��ل صالح من تجربة األس��ر القاس��ية‬ ‫تجربة ثقافية‪ ،‬وعندما خرج اكتش��ف أن‬ ‫الش��اب الذي دخل الس��جن في العشرين‬ ‫من عم��ره الع��ام ‪ ،1980‬أصبح ش��خصًا‬ ‫ناضجًا بعدما بلغ السادسة والثالثين‪.‬‬ ‫كان طالب��اً ف��ي ك ّلية الط��ب عندما‬ ‫قب��ض عليه جه��از االس��تخبارات بتهمة‬ ‫االنتماء إلى الحزب الشيوعي‪ ،‬لكنّه وجد‬

‫نفس��ه يخرج من الس��جن حاص� ً‬ ‫لا على‬ ‫شهادة شخصية في الفكر السياسي‪.‬‬ ‫لم تكرّم جائزة كالوس هذه السنة‬ ‫ياس��ين الح��اج صالح وحده‪ ،‬ب��ل كرّمت‬ ‫جميع س��جناء الرأي في س��ورية‪ ،‬الذين‬ ‫ماتوا داخل السجن تحت وطأة التعذيب‪،‬‬ ‫والذي��ن ماتوا خارجه بعدم��ا أمضوا فيه‬ ‫ردحًا من ش��يخوختهم‪ ،‬وكذلك الذين ما‬ ‫زالوا داخ��ل الس��جون‪ ،‬منتظرين لحظة‬ ‫الحرية التي تعدهم بها الثورة‪.‬‬ ‫ياس��ين الحاج صال��ح‪ ،‬كاتب ومفكر‬ ‫ذو منه��ج فريد ف��ي التحليل السياس��ي‬ ‫واالجتماع��ي‪ ،‬تن��اول أب��رز القضايا التي‬ ‫تشهدها الساحة الس��ورية والعربية في‬ ‫فت��رة م��ا قبل الث��ورة وخالله��ا‪ ،‬وتعمّق‬ ‫ف��ي ق��راءة الكي��ان والهوية‪ ،‬وف��ي نقد‬ ‫النظام السياس��ي األمني‪ ،‬الذي وصفه بـ‬ ‫«النظام الذي يس��ير على ق��دم واحدة»‪،‬‬ ‫كما يش��ي عنوان أحد كتبه‪ ،‬وتطرّق إلى‬ ‫واقع االقتص��اد والمجتمع‪ ،‬واأليديولوجيا‬ ‫«الرس��مية» والثقاف��ة والحي��اة اليومية‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ولع��ل مقاالته‪ ،‬التي ما ب��رح يكتبها في‬ ‫مخبئ��ه الس��رّي‪ ،‬تمث��ل فس��حة للتأمل‬ ‫والتحليل والق��راءة الهادئة ألبعاد الثورة‬ ‫ووقائعها‪ّ .‬‬ ‫ولعل هذه المقاالت‪ ،‬التي يطل‬ ‫بها عبر االنترنت سالحًا وحيداً في عزلته‪،‬‬ ‫بات ينتظرها كثيرون من القراء‪ ،‬تبعًا لما‬ ‫تتميز ب��ه من عمق وج��رأة‪ .‬وفي ملجئه‬ ‫الس��ريّ‪ ،‬وصف صالح فوزه بالجائزة في‬ ‫تصريح عبر االنترنت إلى وكالة «فرانس‬ ‫برس» قائ ًال‪« :‬أظن أنها تكريم للش��عب‬ ‫السوري والثورة السورية‪ ،‬وبهذه الصفة‬ ‫هي جائزة عظيمة‪ ،‬ويسعدني أن فيها ما‬ ‫يهين النظام القاتل»‪.‬‬ ‫وم��ن الفائزي��ن ف��ي هذه ال��دورة‬ ‫بالجائزة في أقسامها األخرى‪ :‬سامي بن‬ ‫غريبة الناشط التونسي على االنترنت‪،‬‬ ‫والمخرج��ة الجزائري��ة حبيب��ة جيهاني‪،‬‬ ‫واألردني��ة وداد ك��وار العامل��ة في حقل‬ ‫اآلث��ار والت��راث‪ ...‬وأس��ماء أخ��رى م��ن‬ ‫األرجنتين والمكس��يك وكينيا وكمبوديا‬ ‫والصومال‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫رهف اسم مستعار لصبية تسكن في‬ ‫إح��دى الق��رى "الموالية" للنظام الس��وري‪،‬‬ ‫وتعتب��ر رهف أن س��وريا تخ��وض معركتها‬ ‫ضد اإلرهاب‪ ،‬وهي تؤكد أن "الرئيس" بشار‬ ‫األس��د ال يعرف ما يفعله ه��ؤالء "القذرون"‬ ‫بلب��اس الجيش‪ ،‬والذين يفتش��ون ناس��هم‬ ‫وأقرباءهم وجيرانهم عند كل دخول للقرية‬ ‫أو خروج منها‪.‬‬ ‫وعند س��ؤالنا لها عما إذا كانت الحواجز‬ ‫كلها متشابهة؟‬ ‫فتقول‪ :‬ال أبداً‪ ،‬هناك حواجز فيها رجال‬ ‫أم��ن يعرف��ون عمله��م‪ ،‬وهم يس��تهدفون‬ ‫اإلرهابيي��ن فق��ط‪ ،‬لك��ن ف��ي كل األحوال‬ ‫عملية التفتيش تأخذ وقتًا كبيراً‪.‬‬ ‫لك��ن لم��اذا توج��د ه��ذه الحواجز في‬ ‫المناط��ق الت��ي ال وج��ود فيه��ا للمعارضة‪،‬‬ ‫والتي توصف أحيانًا بأنها "موالية" للنظام؟‬ ‫تجيب رهف "ألن اإلرهابيين يتواجدون‬ ‫في كل مكان‪ ،‬لقد تم اعتقال العشرات على‬ ‫الحواج��ز األمنية‪ ،‬وتم تحويله��م إلى فروع‬ ‫األمن في مناطق بعيدة"‪.‬‬

‫أخبارنا ‪. .‬‬

‫طالب ك إبراهيم – إذاعة هولندا العالمية‬ ‫"الذين كانوا يالحقوننا في الش��وارع‪،‬‬ ‫ويمرغون ش��رفنا ببذاءات الكلمات‪ ،‬والذين‬ ‫كانوا يس��رقون المحالت والبي��وت‪ ،‬يقفون‬ ‫اآلن على الحواجز األمنية بصفتهم حافظي‬ ‫األمن‪ ،‬يطلبون البطاقات الشخصية للناس‪،‬‬ ‫ويفتش��ونهم‪ ،‬ويمرغون ش��رفنا من جديد‬ ‫وبنفس الكلمات البذيئة‪ ،‬ولكن بثياب األمن‬ ‫والجيش وبسالحهم الوطني"‪.‬‬ ‫هك��ذا تب��دأ "ره��ف" حديثه��ا إلذاع��ة‬ ‫هولندا العالمية‪ ،‬مس��تاءة من الحالة بشكل‬ ‫ع��ام ومن حالة الحواجز الت��ي فرضها وضع‬ ‫أمني غير مس��تقر‪ ،‬وجعل ه��ؤالء العاطلين‬ ‫عن العمل واألخالق متنفذين‪.‬‬

‫الشبيحة وعن رجال األمن‪ ،‬وهي تقوم مقام‬ ‫األمن في المناطق التي تسيطر عليها‪.‬‬ ‫يوضح الناش��ط المعارض مهدي العمر‬ ‫في حديث إلذاعة هولندا العالمية "على تلك‬ ‫الحواج��ز‪ ،‬اعتقلت اللجان الش��عبية صديقي‬ ‫وزوجته وكان معهما طفلهما الذي لم يتجاوز‬ ‫الثالثة‪ ،‬وفي ما بعد تم إطالق سراح الزوجة‬ ‫مع طفلها ولم يظهر صديقي حتى اآلن‪" .‬‬ ‫ال تقتصر المعاناة على الحواجز األمنية‬ ‫التابعة للنظ��ام أو المؤيدة ل��ه‪ .‬ففي الجانب‬ ‫المقاب��ل يقي��م "الجي��ش الس��وري الح��ر"‪،‬‬ ‫وفصائ��ل المعارض��ة الس��ورية المس��لحة‪،‬‬ ‫حواجزه��م األمني��ة ف��ي المناط��ق الت��ي‬ ‫يس��يطرون عليها‪ .‬يق��ول العم��ر‪" :‬ال تختلف‬ ‫المس��ألة عنه��ا ف��ي األحي��اء الت��ي يس��يطر‬ ‫عليه��ا الجي��ش الحر كم��ا نقل ل��ي صديقي‬ ‫الذي يس��كن في حل��ب‪ ،‬إذ أن عناصر الجيش‬ ‫الحر يتبادلون س��لوك اللجان الش��عبية على‬ ‫حواجزهم‪ ،‬وتهديداتهم‪ ،‬وقساوتهم"‪ ،‬ويكرر‬ ‫الناش��ط مهدي العمر أيضًا أنه "قد يبدو ذاك‬ ‫السلوك مفهومًا إذا كان الشخص الذي تحقق‬ ‫مع��ه عناصر الجي��ش الحر قد ق��ام بعمليات‬ ‫تعذيب أو قتل للمتظاهرين‪ ،‬لكنه يبدو غريبًا‬ ‫ج��داً‪ ،‬وال يمك��ن تبري��ره إذا كان االتهام بحد‬ ‫ذاته هو انتماؤه لطائفة معينة"‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫الملف ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪6‬‬

‫�آثــار �ســــوريا‪:‬‬ ‫تاريخنا‪ ..‬حتت رحمة النريان‬

‫ياسر مرزوق‬

‫عن العالمة السوري "شاكر مصطفى"‬ ‫وم��ن كتاب��ه "التاريخ الش��امي" أنقل‪" :‬هل‬ ‫ج��رب أحدك��م أن يس��تمع إل��ى وسوس��ة‬ ‫األحجار القديمة في هذا البلد‪ ،‬ش��ي ٌء يشبه‬ ‫الش��عر يتصاع��د منه��ا‪ ...‬جوعٌ موس��يقي‬ ‫يل��وب عل��ى الج��دران‪ ،‬إنها إن ش��ئت طفلة‬ ‫بعي��ون من ذهب‪ ،‬وإن ش��ئت مجنونة تمزق‬ ‫البنفس��ج وزرقة الس��ماء‪ ،‬وإن شئت عجوزٌ‬ ‫ته��در بالحكمة والثرثرة معًا‪ ...‬وبش��يء من‬ ‫المرارة‪ ..‬غير قليل"‪..‬‬ ‫هي حجارة سوريتنا‪ ،‬وقد يبدو الحديث‬ ‫ع��ن الحجر واألثر ترفًا‪ ،‬بينما تس��يل الدماء‬ ‫أنه��اراً‪ ،‬لك��ن عندم��ا يتعلق األم��ر بتاريخنا‬ ‫وذاكرتن��ا‪ ،‬ذاك��رة العال��م‪ ،‬ال يغ��دو ملفن��ا‬ ‫اليوم م��ن قبيل الترف بل ه��و واجبٌ على‬ ‫الس��وريين رغ��م الج��راح‪ ،‬وواج��بٌ عل��ى‬ ‫اإلنس��انية جمع��اء رغ��م الخ��ذالن‪ ،‬كيف ال‬ ‫وسورية التي تباهي األمم بحضارتها قائلة‪:‬‬ ‫"أن��ا ابنة الجغرافيا‪ ،‬ولكنني س��يدة التاريخ"‬ ‫تقصف بالطيران الحرب��ي من أقصاها إلى‬ ‫أقصاها‪ ،‬وكما قلنا سابقاً فالقذائف ال تفرق‬ ‫كنز أو خربة‬ ‫بي��ن ٍ‬ ‫موال ومعارض‪ ،‬وال بي��ن ٍ‬ ‫إنها ديمقراطية الدمار يختبرها الس��وريون‬ ‫كل يوم‪...‬‬ ‫وكلم��ا ضعفت س��يطرة النظ��ام على‬ ‫األرض‪ ،‬حتى بات يصح فيه قول الشاعر‪:‬‬ ‫ويخ��اف فق��د إم��ارةٍ يجتازه��ا‬ ‫الهرم الكس��يح ف��ي ليل��ةٍ ونهار‬ ‫كلما التهبت نيرانه من السماء لتحرق‬ ‫تاريخن��ا وذاكرتن��ا وتراثن��ا حري��قٌ يمك��ن‬ ‫إخماده‪ ،‬ويستحيل جبر ضرره‪ ،‬ذكر"باتريك‬ ‫سيل" في كتابه "األسد الصراع على الشرق‬ ‫األوس��ط" أن نس��بة ‪ 80%‬م��ن مدين��ة حلب‬ ‫العثماني��ة وحل��ب العصور الوس��طى ظلت‬ ‫صامدة‪ ،‬بينما لم يبقَ من دمش��ق القديمة‬ ‫إال ‪.20%‬‬ ‫كما يص��ف ف��ي الصفح��ة "‪ "538‬من‬ ‫الكتاب نفس��ه س��لوك النظام أثن��اء اقتحام‬ ‫مدين��ة حم��اه ع��ام ‪ ،1982‬فبع��د قص��فٍ‬ ‫عنيف بدأت من��ازل عائلة الكيالني القديمة‬ ‫الفخمة على ضفاف العاصي تتحطم بنيران‬ ‫القص��ف‪ ،‬وبعد اقتحام الجيش لحقت أعمال‬ ‫العنف والنهب بعش��رات المساجد والكنائس‬ ‫واألماك��ن التذكارية واألثري��ة العريقة‪ ،‬بما‬ ‫فيه��ا "قص��ر العظ��م" الش��هير ال��ذي يعود‬ ‫تاريخه إلى القرن الثامن عشر‪ ،‬وخالل شهر‬ ‫من القتال تقريبًا دمر ثلث المدينة الداخلية‬ ‫التاريخية‪.‬‬ ‫نخصص ملفن��ا اليوم لنس��رد الجراح‬ ‫الت��ي أصاب��ت تاريخن��ا‪ ،‬ج��راحٌ ل��ن تندمل‬ ‫بأفض��ل الحاالت س��تبقى ندوب��ًا‪ ،‬ندوب في‬ ‫وج��ه البش��رية التي تعثرت‪ ،‬ول��م تفلح في‬ ‫الحفاظ على البش��ر أو الحجر‪ ،‬وبهذا الصدد‬ ‫فقد نش��رت منظمة "غلوبال هيرتش فاند"‬ ‫قب��ل أي��ام أول تقري��ر عن وض��ع اآلثار في‬ ‫سورية‪ ،‬أ ّكدت فيه تعرّض ‪ 3‬مواقع مدرجة‬ ‫على الئحة التراث العالمي في ش��مال البالد‬ ‫إلى التدمير‪ ،‬كما دُمّرت معالم مدينة حماه‬ ‫األثرية وأحياؤها القديمة‪.‬‬ ‫مع بدايات الثورة قامت رئاسة مجلس‬

‫الوزراء في سورية بتوجيه كتاب إلى الوزارات‬ ‫والمديريات التابعة لها والمتضمن وحس��ب‬ ‫زع��م الس��لطة الحاكمة بأن ثم��ة عصابات‬ ‫س��وف تق��وم بالدخول إل��ى البلد وتس��رق‬ ‫اآلثار والمتاحف والمخطوطات‪ .‬الكتاب مؤرخ‬ ‫في السابع من شهر حزيران للعام ‪2011‬م‪.‬‬ ‫علمًا أن المخطوطات السورية القديمة ذات‬ ‫القيمة التاريخية الكبي��رة والنادرة موجودة‬ ‫في مركز الوثائق التاريخية بدمش��ق‪ ،‬وفي‬ ‫مكتبة "األس��د"‪ ،‬وفي مكتبة الجامع األموي‬ ‫الكبير بدمش��ق وبعض المكتب��ات الوطنية‬ ‫ف��ي مدينة حلب‪ .‬هذا الكتاب يش��كل وثيقة‬ ‫خطي��رة م��ن قب��ل الحكومة‪ ،‬فهي تس��تبق‬ ‫األح��داث لتبرير ما س��تقوم بفعله‪ ،‬ففي ما‬ ‫مضى لم يكونوا بحاجة لوثيقة كهذه لتبرير‬ ‫أفعاله��م وتمريره��ا‪ ،‬فاآلثار كانت تُس��رق‬ ‫على مرأى الس��لطات المعنية من قبل رجال‬ ‫النظام‪ ،‬وخاصة رفعت األسد‪ ،‬وكانت تُهرب‬ ‫ال��ى خارج البلد في وض��ح النهار عن طريق‬ ‫مرفأه الخاص في مدينة الالذقية‪ ،‬أما اليوم‬ ‫وم��ع تكاثر العصابات المس��لحة المزعومة‪،‬‬ ‫والت��ي ال يتورع النظام عل��ى أن يلصق بها‬ ‫كل جرائم البش��رية‪ ،‬بات��ت المواقع األثرية‬ ‫مرتعاً للسرقة والتخريب‪.‬‬

‫القالع الأثرية‬ ‫الق�لاع األثري��ة وعل��ى رأس��ها "قلعة‬ ‫المضيق" التي تم تدمي��ر أجزاء كبيرة منها‬ ‫من خ�لال عمليات القصف المباش��ر‪ ،‬والذي‬ ‫رك��ز على أب��راج المراقبة ف��ي القلعة‪ ،‬كما‬ ‫أح��دث القصف فتح��ات في الج��دران‪ ،‬وقال‬ ‫نش��طاء محلي��ون إن ق��وات النظ��ام نف َذت‬ ‫الهج��وم‪ ،‬ثم نقلت الدبابات إلى القلعة على‬ ‫قمة التل‪ .‬وأظهرت المش��اهد التي تناقلتها‬ ‫مواق��ع التواصل االلكترون��ي الحقًا جرافات‬ ‫تحفر ج��زءاً م��ن الج��دران إلنش��اء مدخل‪.‬‬ ‫و"قلع��ة الك��رك" والت��ي تع��ود أصولها إلى‬ ‫العام ‪ ،1106‬قصفت أيضًا من قِبل الجيش‬ ‫الس��وري وكم��ا حُط��م المصل��ى الصليبي‬

‫القائم في داخله��ا‪ .‬و"قلعة الحصن"‪ ،‬إحدى‬ ‫أفضل الق�لاع الصليبية المحافظ عليها في‬ ‫العالم‪ ،‬والتي كانت إحدى نفائس الس��ياحة‬ ‫في س��ورية‪ ،‬لم تس��لم أيضًا م��ن القصف‬ ‫والحصار‪ ،‬كما احتلت القوات الس��ورية قلعة‬ ‫"ابن معان" فوق مدينة "تدمر"حيث تمركزت‬ ‫الدبابات واآلليات العسكرية في وادي القبور‬ ‫غرب��ي المدينة القديم��ة‪ .‬ونقلت مصادر أن‬ ‫الجيش النظامي قام بحفر خندق بين اآلثار‬ ‫الرومانية هناك‪.‬‬ ‫م��ن جهة أخ��رى تم تحوي��ل العديد من‬ ‫القالع األثرية إلى مناطق عسكرية‪ ،‬ومتاريس‬ ‫للقناص��ة والدباب��ات وتم تش��ويه العديد من‬ ‫خصائصها المعمارية بسبب دخول المجنزرات‬ ‫العس��كرية إلى قلبها كقلع��ة المرقب‪ ،‬وقلعة‬ ‫حمص‪ ،‬وقلعة حماة‪ ،‬وسواها‪.‬‬

‫املدن املن�سية‬ ‫المدن الميتة "أو المنس��ية مثل البارة‪،‬‬ ‫س��رجيال‪ ،‬دي��ر س��نبل‪ ،‬وعي��ن الروس" في‬ ‫ش��مال سورية في محافظة إدلب والمسجلة‬ ‫على الئحة التراث العالمي ‪ -‬اليونس��كو في‬ ‫الع��ام‪ 2011‬تعرضت ألش��كال مختلفة من‬ ‫التدمير يكاد أخطرها القصف المباشر على‬ ‫القب��ور والمغاور‪ ،‬كما اش��تبك المنش��قون‬ ‫مع كتائب الجيش النظام��ي داخل آثار إيبال‬ ‫وحولها‪ ،‬وه��ي مدينة من العصر البرونزي‪،‬‬ ‫حيث اكتشف علماء اآلثار في الستينيات كنزاً‬ ‫هائ ًال م��ن الرقم المس��مارية الت��ي أحدثت‬ ‫ثورة في فهمهم للش��رق األوس��ط القديم‪،‬‬ ‫كم��ا قامت قوات الجيش النظامي الس��وري‬ ‫بحمل��ة تمش��يط بالذخي��رة الحي��ة للمغاور‬ ‫األثرية في مدين��ة "كفر نُبُّل" القريبة من‬ ‫بلدة معرة النعمان في محافظة إدلب‪.‬‬

‫مدينة تدمر‬ ‫مدين��ة تدم��ر األثري��ة‪ ،‬والمس��جلة‬ ‫عل��ى الئح��ة الت��راث العالمي ‪ -‬اليونس��كو‬

‫في الع��ام ‪ .1980‬وه��ي المدين��ة الضاربة‬ ‫ف��ي التاري��خ والتي تع��د من أكب��ر المعالم‬ ‫الس��ياحية بأروقته��ا الروماني��ة الش��اهقة‬ ‫ومعب��د اإلل��ه بع��ل الموجود فيه��ا‪ .‬طوقتها‬ ‫الق��وات الحكومية مع بلدة مج��اورة وأقامت‬ ‫قاعدة عسكرية في قلعة تاريخية على قمة‬ ‫ت��ل يطل عل��ى الموقع في عم��ق الصحراء‬ ‫المركزي��ة الس��ورية‪ .‬إضاف��ة إل��ى تمرك��ز‬ ‫الدباب��ات وناق�لات الجند في قل��ب المدينة‬ ‫األثري��ة‪ ،‬وبخاص��ة ف��ي منطق��ة المقاب��ر‬ ‫البرجية وحول أسوار المدينة‪.‬‬

‫التالل الأثرية‬ ‫الت�لال األثرية‪ ،‬وعلى رأس��ها‪ :‬تل خان‬ ‫ش��يخون‪ ،‬تل قرقور‪ ،‬تل آفس‪ ،‬تل الش��يخ‬ ‫حم��د‪ ،‬ت��ل األش��عري‪ ،‬وت��ل حم��و كار‪ ،‬تم‬ ‫الحف��ر العميق ف��ي بعض الت�لال األثرية‪،‬‬ ‫وذلك لصن��ع مالجئ للدباب��ات والمجنزرات‬ ‫العس��كرية‪ ،‬ورُص��دت ه��ذه الحفريات في‬ ‫ت��ل قرق��ور األثري وت��ل خان ش��يخون في‬ ‫محافظ��ة حم��اة‪ ،‬كم��ا تمرك��زت الدباب��ات‬ ‫والمجنزرات العس��كرية ف��ي حرم تل آفس‬ ‫األث��ري التاب��ع لمحافظ��ة إدل��ب‪ ،‬أم��ا ف��ي‬ ‫المحافظ��ات الش��رقية‪ ،‬فل��م تك��ن الت�لال‬ ‫األثرية أحس��ن حا ًال ونذكر منها‪ :‬الحس��كة‪:‬‬ ‫تل حم��و كار‪ ،‬والكثير من الت�لال المتاخمة‬ ‫للح��دود الس��ورية العراقية؛ دي��ر الزور‪ :‬تل‬ ‫العش��ارة‪ ،‬تل الش��يخ حم��د‪ ،‬حلبي��ة وزلبيا‪،‬‬ ‫والعدي��د م��ن المواقع األثري��ة على ضفاف‬ ‫الفرات العائدة للفترات الكالس��يكية؛ الرقة‪:‬‬ ‫موقع س��ورا األثري‪ ،‬موقع الرصافة‪ ،‬الشيخ‬ ‫حسن‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫الأحياء القدمية يف مدينتي‬ ‫حم�ص وحماة‬ ‫حي��ث تعرض قس��م كبير م��ن البيوت‬ ‫واألس��واق والجوام��ع والكنائ��س التاريخية‬

‫كنيسة أم الزنار في حمص‬


‫الملف ‪. .‬‬

‫مدينة �أفاميا‬ ‫يتع��رض محيط مدين��ة أفاميا األثرية‬ ‫لعمليات حفر س��ري أس��فر عن سرقة لوحة‬ ‫فسيفس��اء نادرة وبعض التيجان في ساحة‬ ‫األعم��دة ف��ي قل��ب المدينة األثري��ة‪ .‬وهذه‬ ‫المنطقة األثرية التي تتعرض لعمليات نهب‬ ‫منظم مس��جلة على الئحة الت��راث العالمي‬ ‫في العام ‪ - 1999‬اليونسكو‪.‬‬

‫املتاحف‬

‫ال تزال المعارك في حلب على أشدها‪،‬‬ ‫والقصف يحص��د األرواح والكنوز الثقافية‪،‬‬ ‫م��ع تع��ذر إحصاءه��ا وق��د أُدرج��ت مدين��ة‬ ‫حل��ب القديم��ة في قائم��ة الت��راث العالمي‬ ‫ع��ام ‪ .1986‬وترج��ع أس��باب دم��ار بع��ض‬ ‫المبان��ي األثرية في حلب إل��ى اختباء أفراد‬ ‫م��ن الجي��ش الس��وري الحر خل��ف الجدران‬ ‫الس��ميكة للمبان��ي األثرية وم��ن جانبها لم‬ ‫تتردد القوات الس��ورية في ض��رب المباني‬ ‫التاريخي��ة حي��ث تنتش��ر المئات م��ن بقايا‬ ‫المدن الرومانية‪.‬‬

‫مدينة درعا‬

‫مدينة القنيطرة‬ ‫تعرض��ت المواق��ع األثرية ف��ي محافظة‬ ‫القنيط��رة‪ ،‬إل��ى تدمي��ر وطمس واس��ع وذلك‬ ‫م��ن خ�لال تمري��ر مش��اريع بن��اء وغيرها من‬ ‫قب��ل بعض العاملي��ن في اآلث��ار والبلدية في‬ ‫المحافظة‪ ،‬وذلك بهدف الكسب غير المشروع‪،‬‬ ‫الخط��ر الكام��ن هن��ا يتمث��ل في نق��ل بعض‬ ‫الحجارة األثرية إلعادة اس��تخدامها في عمليات‬ ‫البناء‪ ،‬وبخاصة تلك المناطق التي تكون غالبية‬ ‫آثارها من الحجارة المشغولة والمصقولة‪.‬‬

‫اجلهود الدولية املبذولة‬ ‫حلماية الآثار‬ ‫لعل الجهود الدولية لحماية الحجر في‬ ‫س��ورية‪ ،‬توازي الجهود الدولي��ة في حماية‬ ‫البش��ر‪ ،‬والت��ي ال تتع��دى الدع��م المعنوي‬ ‫واللفظ��ي‪ ،‬كم��ا أن م��ا يح��دث الي��وم ف��ي‬ ‫س��ورية‪ ،‬رس��الة واضحة ل��كل دول العالم‪،‬‬ ‫بع��دم جدوى الجه��ود المبذولة إلضافة هذا‬ ‫الموقع أو ذاك لالئح��ة التراث العالمي‪ ،‬هذه‬ ‫الالئحة التي ال تضفي على الموقع أي شكل‬

‫أسبوعية‬

‫المدينة الصغيرة الموجودة داخل بقايا‬ ‫الحضارة الرومانية "بصرى"‪ ،‬لم يش��فع لها‬ ‫احتواؤها عل��ى أفضل مس��رح روماني في‬ ‫العالم لتبقى منطقت��ه بعيدة عن التدمير‪..‬‬ ‫كذل��ك جام��ع األم أي��اد ف��ي درة ه��و واحد‬ ‫من أقدم المس��اجد اإلس�لامية في سورية‪،‬‬ ‫وال��ذي بن��اه الخليف��ة عمر ب��ن الخطاب قد‬ ‫أصابه الدمار أيضاً‪ .‬كما استهدفت الحكومة‬ ‫المس��جد العمري في درعا‪ ،‬ال��ذي بني أثناء‬ ‫الفتح اإلس�لامي لس��ورية في أيام الخليفة‬ ‫عمر بن الخطاب‪ .‬ويقول نش��طاء إن القوات‬ ‫الحكومي��ة خرب��ت المس��جد عم��داً وأخفت‬ ‫أس��لحة ف��ي داخل��ه إلثب��ات أن العصاب��ات‬ ‫المسلحة كانت مختبئة هناك‪.‬‬ ‫إضاف�� ًة لتل األش��عري وت��ل أم حوران‬ ‫في ن��وى‪ ،‬وترحيل حجارة م��ن مواقع أثرية‬ ‫في قري��ة المتاعية‪ ،‬وهدم مب��ان أثرية في‬ ‫كل من طفس وداعل وف��ي البلدة القديمة‬ ‫في سحم الجوالن وغيرها الكثير‪.‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫تصف "ج��وان فارتش��اك" الخبيرة في‬ ‫اآلث��ار اللبناني��ة وض��ع اآلث��ار في س��ورية‬ ‫بـ"الكارث��ي"‪ .‬وكان��ت فارتش��اك ق��د قامت‬ ‫بالتحقي��ق ف��ي عملي��ات تدمي��ر وس��رقة‬ ‫اآلث��ار العراقي��ة بعد عام ‪ ،2003‬وس��اعدت‬ ‫متح��ف بغداد في اإلبالغ ع��ن بعض القطع‬ ‫األثرية المفقودة‪ .‬وتضيف فارتشاك "إحدى‬ ‫المش��اكل أنه لمدة عشر سنوات قبل الحرب‬ ‫أس��س النظام الس��وري خمس��ة وعشرين‬ ‫متحفًا أثريًا في مختلف أنحاء البالد لتشجيع‬ ‫الس��ياحة ولضمان س�لامة القط��ع األثرية‪،‬‬ ‫والكثي��ر من ه��ذه القطع كان ف��ي الحدائق‬ ‫الخارجي��ة للمتاحف بهدف إثب��ات مدى قدرة‬ ‫النظام على حماية ه��ذه اآلثار النادرة حتى‬ ‫وإن كانت غير محاطة بجدران‪ ،‬واآلن متحف‬ ‫حمص قد سُ��رق وال نعرف قد يكون سُرق‬ ‫م��ن جان��ب كال الطرفي��ن الث��وار والجيش‬ ‫النظامي‪ .‬وتج��ار القطع األثرية يقولون لي‬ ‫أن أس��واق األردن وتركي��ا ممتلئ��ة بالقطع‬ ‫األثرية من سورية"‪.‬‬ ‫وقب��ل أش��هر قليل��ة أعلنت الس��لطات‬ ‫الس��ورية عن س��رقة التمثال الذهبي الذي‬ ‫يعود إل��ى العام الثامن قب��ل الميالد ويمثل‬ ‫اإلل��ه اآلرام��ي‪ ،‬وحت��ى اآلن لم يس��تطيعوا‬ ‫اس��ترجاعه بالرغم من أنهم أبلغوا عنه في‬ ‫االنتربول‪ ،‬كما تم التبليغ عن سرقات لقطع‬ ‫أثرية من دير ال��زور والرقة ومعرة النعمان‬ ‫وقلعة جابر‪.‬‬

‫مدينة حلب‬

‫م��ن المتع��ذر اآلن ضب��ط الخروق��ات‬ ‫والجرائ��م المرتكبة بحق التراث اإلنس��اني‬ ‫الم��وزع‪ ،‬ف��ي متاح��ف دمش��ق‪ ،‬والمدين��ة‬ ‫القديم��ة الزال��ت بعي��د ًة عن الني��ران حتى‬ ‫كتابة ملفنا هذا‪ ،‬أما محافظة ريف دمش��ق‪،‬‬ ‫فهي محافظة ش��ديدة التنوع‪ ،‬تتوزع مدنها‬ ‫وبلداتها بين آرامية‪ ،‬ورومانية‪ ،‬وإس�لامية‪،‬‬ ‫ويرج��ع تاري��خ بعضه��ا إلى عهود اإلنس��ان‬ ‫األول‪ ،‬ونتيج ًة لإلهمال والتوس��ع العمراني‬ ‫غير الم��دروس‪ ،‬تعرضت نس��بة كبيرة من‬ ‫آثاره��ا للطم��س‪ ،‬أما ما بقي منه��ا وبالذات‬ ‫في الريف الدمش��قي األق��رب للمدينة‪ ،‬فهو‬ ‫اآلن تحت وطأة القصف باألسلحة الثقيلة‪.‬‬ ‫وال ب��د م��ن اإلش��ارة إلى قي��ام بعض‬ ‫المسلحين باقتحام دير مار موسى الحبشي‪،‬‬ ‫بحث��اً ع��ن األب "باولو" المس��ؤول عن الدير‬ ‫ومن المعلوم أن دير مار موس��ى الحبش��ي‪،‬‬ ‫يعود تاريخ بنائه وبحس��ب وثيقة س��ريانية‬ ‫إلى العام ‪ 575‬مي�لادي‪ ،‬حيث تذكر الوثيقة‬ ‫ب��أن الدير تم إنش��اؤه عل��ى أنقاض حصن‬ ‫روماني‪ ،‬تم تحويله الحقاً لكنيس��ة‪ ،‬أما آثار‬ ‫الدير الحالي��ة فيعود تاريخها إل��ى القرنين‬ ‫الحادي عش��ر والثاني عشر الميالديين‪ ،‬كما‬ ‫اخترق��ت قذيفة ج��دار دير س��يدة صيدنايا‪،‬‬ ‫ونعلم بأن أساس��ات هذا الدي��ر يعود تاريخ‬ ‫بنائه��ا إل��ى فت��رة جوس��تينيان‪ ،‬الفت��رة‬ ‫البيزنطية المبكرة أي حوالي العام ‪ 547‬بعد‬ ‫الميالد‪.‬‬ ‫على أية حال‪ ،‬لس��نا هنا بصدد تحميل‬ ‫طرف كامل المس��ؤولية عم��ا يحدث لتراثنا‪،‬‬ ‫وتبرئة الطرف اآلخر‪ ،‬لكن الدولة مس��ؤولة‬ ‫مس��ؤولية تقصيري��ة عل��ى حماي��ة كل أثر‬ ‫ف��ي س��وريا مهما قل ش��أنه‪ ،‬وال يج��وز لها‬ ‫التذرع بالظرف األمني وغيره من األعذار‪ ،‬إذ‬ ‫يفترض أننا دول��ة مواجهة‪ ،‬يجب أن تتوافر‬ ‫لديه��ا كل الخطط لحماية إرثن��ا الحضاري‪،‬‬ ‫كم��ا أن الجي��ش الس��وري هو ال��ذي يمتلك‬ ‫الدَّباب��ات َّ‬ ‫والطائرات‪ ،‬أم��ا خصمه فال يملك‬ ‫م��ا يهدم قلع��ة أو قصراً أو كنيس��ة قديمة‪،‬‬ ‫وف��ي هذا الصدد‪ ،‬يق��ول "رودريجو مارتن"‬ ‫وهو عالم آثار إسباني قاد بعثات بحوث في‬ ‫الماضي في س��وريا‪" :‬لدينا حقائق تبين أن‬ ‫الحكومة تعمل مباشرة ضد التراث التاريخي‬ ‫للب�لاد"‪ .‬ويضي��ف "إن كل حادثة تدمير تعد‬ ‫كحرق صفحة في كتاب تاريخ البشرية"‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫للقص��ف المباش��ر م��ن قبل ق��وات الجيش‬ ‫الس��وري النظام��ي‪ .‬فف��ي حم��ص قصفت‬ ‫المئذن��ة التاريخي��ة لجام��ع كع��ب األحب��ار‪،‬‬ ‫ف��ي حي باب دري��ب‪ ،‬وقصِف أيض��اً الجامع‬ ‫التاريخ��ي ورم��ز مدينة حم��ص جامع خالد‬ ‫ب��ن الوليد‪ ،‬باإلضاف��ة جامع النخل��ة وجامع‬ ‫مصطفى الحسيني ومسجد قاسم األتاسي‬ ‫ومس��جد كام��ل باش��ا وجامع القصي��ر كما‬ ‫تم قص��ف الجامع الكبير ف��ي قلعة الحصن‬ ‫الس��رايا‪ ،‬وقص��ف دي��ر القدي��س إلي��ان‬ ‫الحمص��ي ف��ي مدين��ة القصي��ر‪ .‬كم��ا ت��م‬ ‫تخريب كاتدرائية الس��يدة العذراء "كنيس��ة‬ ‫أم الزن��ار" في قل��ب مدينة حم��ص‪ ،‬والتي‬ ‫يع��ود تاريخ بنائها األول للفت��رة البيزنطية‬ ‫المبك��رة حي��ث بنيت تح��ت األرض في عام‬ ‫‪ 59‬ميالدي‪ .‬كما جرى قصف مباش��ر للسوق‬ ‫المس��قوف القدي��م‪ ،‬أم��ا في "حم��اه" فكان‬ ‫القصف مباشراً على حي األربعين في حماة‬ ‫وبقايا المدينة التاريخية‪.‬‬

‫كم��ا يعان��ي ت��راث س��وريا وآثاره��ا‬ ‫المحفوظ��ة ف��ي المتاحف من خط��ر النهب‬ ‫المنظ��م وذلك بس��بب ضع��ف الرقابة التي‬ ‫أدت إلى س��رقة عدد م��ن القطع األثرية من‬ ‫داخ��ل المتاح��ف األثري��ة في وض��ح النهار‪،‬‬ ‫إضاف��ة إل��ى عملي��ات الحف��ر الس��ري ف��ي‬ ‫المواقع والتالل األثرية وتهريب كنوز سوريا‬ ‫التاريخي��ة‪ .‬كم��ا تعان��ي المقتني��ات األثرية‬ ‫في المتاحف الس��ورية غي��اب عمليات الجرد‬ ‫والتوثيق المُتحف��ي لكافة القطع‪ ،‬وبالتالي‬ ‫فإنه س��يكون من المس��تحيل تتبع أثر هذه‬ ‫المقتنيات في حال تعرضت للسرقة‪.‬‬

‫دم�شق وريفها‬

‫من أشكال الحصانة‪.‬‬ ‫وعل��ى صعي��د الجه��ود اللفظي��ة‬ ‫المبذولة‪ ،‬وجهت المديرة العامة لليونس��كو‬ ‫"أرين��ا بوكوفا" ن��دا ًء جدي��داً لحماية مدينة‬ ‫حل��ب القديمة المدرج��ة في قائم��ة التراث‬ ‫العالم��ي‪ ،‬بع��د تصاعد وتيرة أعم��ال العنف‬ ‫ق��رب المناط��ق الحضري��ة التاريخي��ة ف��ي‬ ‫الجمهوري��ة العربي��ة الس��ورية‪ ،‬وطالب��ت‬ ‫المدي��رة العام��ة لليونس��كو جمي��ع أطراف‬ ‫النزاع لحماية مواقع التراث الثقافي السوري‬ ‫بأشكالها المختلفة‪.‬‬ ‫وقال��ت مدي��رة اليونس��كو ف��ي بيان‪:‬‬ ‫"تش��عر اليونس��كو بقلق بالغ إزاء التقارير‬ ‫الت��ي تفي��د بوق��وع مواجه��ات عنيف��ة في‬ ‫حل��ب‪ ،‬الت��ي تمث��ل مدينته��ا القديم��ة أحد‬ ‫المواق��ع المدرجة في قائمة التراث العالمي‪.‬‬ ‫وحافظت هذه المدينة القديمة – التي احتلت‬ ‫موقعاً استراتيجيًا على تقاطع طرق التجارة‬ ‫التاريخية بين الش��رق والغرب – على تراث‬ ‫تاريخي اس��تثنائي يب��رز الثقافات المتنوعة‬ ‫للشعوب التي استقرت فيها على مدى اآلالف‬ ‫من الس��نين‪ ،‬ومنه��ا الحثيون واآلش��وريون‬ ‫واإلغريق والرومان واألموي��ون واأليوبيون‪‎‬‬ ‫والمغول والمماليك والعثمانيون‪.‬‬ ‫وقد قامت اليونس��كو في إطار الجهود‬ ‫الت��ي تبذله��ا لتعبئ��ة المجتم��ع الدولي من‬ ‫أجل حماية التراث الثقافي الس��وري بتنبيه‬ ‫المنظم��ة العالمي��ة للجم��ارك والمنظم��ة‬ ‫الدولي��ة للش��رطة الجنائي��ة "اإلنترب��ول"‬ ‫والبل��دان المج��اورة للجمهوري��ة العربي��ة‬ ‫الس��ورية إلى خط��ر االتجار غير المش��روع‬ ‫بالممتلكات الثقافية السورية‪.‬‬ ‫واتصل��ت المديرة العامة أيضًا باألمين‬ ‫العام لألم��م المتحدة ورئيس مجلس األمن‬ ‫للفت انتباه المبعوث الخاص لألمم المتحدة‬ ‫وجامع��ة ال��دول العربي��ة كوفي عن��ان إلى‬ ‫أهمي��ة ضمان االلت��زام بأح��كام االتفاقيات‬ ‫الدولي��ة المتعلق��ة بحماي��ة الممتل��كات‬ ‫الثقافي��ة‪ ،‬وبخاص��ة اتفاقي��ة اله��اي لعام‬ ‫‪ 1954‬بش��أن حماية الممتلكات الثقافية في‬ ‫حالة نزاع مسلح واتفاقية عام ‪ 1970‬بشأن‬ ‫التدابير الواجب اتخاذها لحظر ومنع استيراد‬ ‫وتصدي��ر ونقل ملكية الممتل��كات الثقافية‬ ‫بطرق غير مشروعة‪.‬‬ ‫وتجري اليونس��كو اتصاالت وثيقة مع‬ ‫المنس��ق المقيم لألمم المتحدة في دمشق‬ ‫بش��أن األوضاع الراهنة‪ ،‬كم��ا دعت المديرة‬ ‫العامة جمي��ع األطراف إلى احت��رام وحماية‬ ‫التراث الثقافي العظيم للجمهورية العربية‬ ‫الس��ورية‪ ،‬الذي يكس��ب الش��عب الس��وري‬ ‫هويت��ه وقدرته على االزده��ار‪ ،‬وإلى الوفاء‬ ‫بما يقع على عاتقها من التزامات دولية في‬ ‫مجال الثقافة‪.‬‬ ‫ف��ي الختام‪ ،‬نزل الت��راث والتاريخ بنداً‬ ‫في الفاتورة التي يدفعها الش��عب الس��وري‬ ‫لني��ل خالص��ه‪ ،‬وبن��داً ف��ي الئح��ة االتهام‬ ‫للجاني‪..‬‬

‫‪7‬‬


‫كلمة في الثورة ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪8‬‬

‫ال�شـــــعب اخلــــالق‬ ‫عرض��ت إح��دى القن��وات الفضائي��ة‬ ‫برنامج��اً خاص��اً من��ذ فترة ع��ن التحضيرات‬ ‫التي جرت إلعداد مسلسل تاريخي ضخم هو‬ ‫"عمر بن الخطاب" وال��ذي تم عرضه مؤخراً‬ ‫ف��ي رمض��ان‪ .‬وقد كان��ت المفاج��أة الكبرى‬ ‫أن ‪ 90‬بالمائ��ة م��ن التحضيرات س��واء منها‬ ‫المكانية أو اللوجس��تية (من مالبس وأدوات‬ ‫قتالية ومبان وغيرها) تم في سوريا وبأيدي‬ ‫عمال سوريين‪ .‬حتى أن البرنامج يعرض أن‬ ‫عمليات بناء البي��وت والكعبة وغيرها والتي‬ ‫تمت في منطقة قريبة من مراكش بالمغرب‬ ‫قد تم معظمها بأيدي سورية‪.‬‬ ‫نس��وق ه��ذه المقدم��ة ونحن نش��عر‬ ‫باألسى لما تعرض ويتعرض له هذا الشعب‬ ‫العظي��م‪ .‬كن��ت أنظر إل��ى عيون وقس��مات‬ ‫الش��بان والش��ابات الذين كانوا يعملون ليل‬ ‫نهار في تل��ك األعمال وهم يبذلون قصارى‬ ‫جهدهم بكل إتقان لتحقيق البرنامج الزمني‬ ‫الش��ديد الذي وضعه مخ��رج العمل‪ .‬لم يكن‬ ‫ي��دور في خل��د ه��ؤالء أن ثورة ما س��تقوم‬ ‫في هذا البلد‪ ،‬فالكثيرون منهم كان يرس��م‬ ‫لنفسه مستقب ًال وخططًا للحياة كانت بعيدة‬ ‫كل البع��د عن السياس��ة ومتغيراته��ا‪ ،‬كانوا‬ ‫منهمكين في أعمالهم يريد الواحد منهم أن‬ ‫يثبت لنفس��ه ولآلخرين مقدرته الالمحدودة‬ ‫على العطاء والعمل المتواصل‪.‬‬ ‫وعل��ى ما يبدو ف��إن قدر ه��ذا البلد أن‬ ‫يتع��رض للنكبة تلو األخرى وه��ا هو نظام‬ ‫ديكتات��وري طائش مجن��ون يعبث بكل هذا‬ ‫اإلبداع العظيم ليقضي على كل آمال الحياة‬ ‫والتق��دم والتط��ور‪ .‬ورغ��م أن��ه ج��اء حام ًال‬ ‫ش��عارات التطوي��ر والتحدي��ث إال أن النتيجة‬ ‫النهائي��ة كانت دماراً وقت ًال وتش��ريداً لما بلغ‬ ‫اآلن ماليي��ن الناس ولم يع��د مقتصراً على‬ ‫اآلالف‪ .‬ل��م يبذل أدنى جهد "ليفهمهم"‪ ،‬كان‬ ‫كالفيل يل��وح بخرطومه يمنة ويس��رة دون‬ ‫اعتبار ألي ش��يء‪ .‬لم يكن أهل درعا راغبين‬ ‫ف��ي جلب الم��وت والدم��ار لمدينته��م ولكن‬ ‫الس��كوت على المهانة عقوداً لم يعد يجدي‬ ‫ولذلك رضوا "بالموت وال المذلة"‪ .‬كان الفيل‬ ‫الهائج يحطم كل شيء بينما الناس واألشياء‬ ‫تتطاير هنا وهناك وكأنه إعصار ال يهدأ‪.‬‬ ‫أثبت لنا ه��ذا النظام بم��ا ال يدع مجا ًال‬ ‫للشك أنه بعيد كل البعد عن السياسة بعده‬ ‫عن اإلنس��انية‪ .‬ال يخف��ى على أحد أن كل ما‬ ‫ح��دث في درع��ا كان من الممكن اس��تيعابه‬ ‫بالقليل جداً من السياسة‪ ،‬ولكن الفيل الهائج‬ ‫الذي اعتاد أن ال يحس بلدغات الحشرات من‬ ‫حول��ه وال أن يرى ما هو أبع��د من خرطومه‬ ‫اختار أن يدوس على كل شيء‪ .‬كان بإمكانه‬ ‫التضحية بش��خصين أو ثالثة من المقربين‬ ‫لدي��ه لتهدئ��ة النف��وس ولكس��ب ماليي��ن‬ ‫األشخاص في مقابل خسارة اثنين أو ثالثة‪،‬‬ ‫ولكنه اخت��ار العكس تمامًا‪ ،‬خس��ر الماليين‬ ‫من أجل ه��ؤالء االثنين أو الثالثة‪ ،‬وقلب كل‬ ‫الحقائق ليجعل في األم��ر مؤامرات خارجية‬ ‫ودسائس من األعداء الذين كانوا حتى وقت‬ ‫قريب جداً أقرب األصدقاء‪.‬‬ ‫أحاط نفس��ه من��ذ البداي��ات بمجموعة‬ ‫من المستش��ارين الدمويين والقتلة والذين‬ ‫ال يس��تطيبون سوى طعم الدم وال يطربون‬ ‫إال لص��وت الرصاص‪ .‬وهذا ليس تبرئة له أو‬ ‫لغي��ره وال تبريراً لكل ما جرى أو يجري‪ ،‬ألنه‬ ‫ما من تبرير لكل هذه الجرائم المتسلس��لة‬ ‫مهما كانت المقدمات أو الدوافع‪ .‬ولكنه نظام‬ ‫االستبداد بأكمله وهو مؤسسة كاملة قائمة‬ ‫على القتل والكراهية ووس��ائلها أسلحة كان‬ ‫يفت��رض بها حماية الوطن‪ .‬ولكننا وجدنا أن‬

‫الوطن يحميه من اعتقدنا أنهم أعداؤه بينما‬ ‫كانت أسلحة الجيش جاهزة لحماية النظام‪.‬‬ ‫ن��كاد نج��زم أن غالبية الس��وريين لم‬ ‫تكن معنية بالسياس��ة ق��در اعتنائها بنتائج‬ ‫هذه السياس��ة‪ .‬ولهذا كان تقييم السوريين‬ ‫ألي��ة حكومة ف��ي بلدهم قائم��ًا على مقدار‬ ‫م��ا تحققه هذه الحكومة من مصالح الناس‪،‬‬ ‫وهي طبيع��ة العقد االجتماع��ي القائم بين‬ ‫أي��ة حكوم��ة وش��عبها‪ .‬أما مس��ائل األحزاب‬ ‫واالنتخاب��ات والحم�لات واالعتصام��ات فقد‬ ‫كان��ت ضمن مج��ال اهتمام أقل من عش��رة‬ ‫في المائة من الش��عب السوري‪ ،‬وهذا ليس‬ ‫تعيي��راً وال انتقاص��ًا‪ ،‬إن��ه حقيق��ة واقع��ة‬ ‫ال تعي��ب الس��وريين‪ .‬وه��ذا األم��ر ينطب��ق‬ ‫بالمناس��بة على كل ش��عوب العال��م التي ال‬ ‫تهتم بالسياس��ة قدر اهتمامها بما ستحققه‬ ‫هذه السياس��ة في أمور معاشهم وحياتهم‪.‬‬ ‫ولهذا نجد في كثير م��ن الحمالت االنتخابية‬ ‫للرؤس��اء في دول الغرب تركيزاً على قضايا‬ ‫البطال��ة والتأمين��ات االجتماعي��ة والصحية‬ ‫واألنم��اط االقتصادي��ة في الدول��ة أكثر من‬ ‫التركي��ز عل��ى قضايا السياس��ة الخارجية أو‬ ‫الدفاع الوطني أو غيرها‪.‬‬ ‫لم يس��تطع النظ��ام أن يفهم ولم يرد‬ ‫أن يفه��م ما يح��دث ألن أحداً م��ن رموزه لم‬ ‫يق��رأ التاري��خ وال حركة التاري��خ‪ .‬كان يكرر‬ ‫نف��س خط��أ س��ابقيه‪ ،‬أن الموج��ة العالي��ة‬ ‫س��تتجاوزه وتقضي على اآلخرين‪ ،‬وأنه باق‬ ‫بينما يرحل غيره‪ .‬لم يقرأ حركة التاريخ وال‬ ‫حركة السياس��ة اللتين كانتا تبشران بعهود‬ ‫جدي��دة ومعادالت إقليمية ودولية جديدة‪ .‬لم‬ ‫يش��أ أن يفه��م كيف أطاح الش��عب المصري‬ ‫بنظام مبارك وتخلت عن��ه الواليات المتحدة‬ ‫رغ��م أنه بق��ي للحظة األخي��رة يكرر نفس‬ ‫المقوالت الت��ي اعتادها ط��وال ثالثين عامًا‬ ‫وهي التخويف من المتطرفين واإلسالميين‬ ‫والس��لفيين وغيره��م‪ .‬لم يس��تطع النظام‬ ‫في س��وريا أن يقرأ هذه اإلش��ارات فوجدناه‬ ‫يك��رر نفس المق��والت بحذافيرها حتى في‬ ‫خضم االنتخابات التي كانت تأتي بالحركات‬ ‫اإلس�لامية إل��ى الحك��م في مص��ر وتونس‬ ‫والمغ��رب وغيرها‪ .‬وحيث أنه ل��م يرد قراءة‬ ‫التاري��خ بل وق��رر إح��راق كل عل��وم الدنيا‬ ‫فإنه بذلك فتح بوابته الخاصة خارج التاريخ‬ ‫وخارج الجغرافيا‪.‬‬

‫يقول أفالطون‪ " :‬أن الطاغية الحقيقي‬ ‫ه��و في واقع األم��ر عبد بلغ أقص��ى درجات‬ ‫العبودي��ة م��ا دام��ت دوافع��ه الحيوانية هي‬ ‫التي تسيطر عليه وتدفعه إلى تم ّلق الناس‪.‬‬ ‫وهو يقضي حياته في خوف مستمر ويعاني‬ ‫عل��ى الدوام آالماً مرهقة‪ ،‬ويبدو أكثر الناس‬ ‫بؤس��اً‪ ،‬كما أن الس��لطة تنمي كل مس��اوئه‬ ‫وتجعل��ه أش��د حس��داً وغ��دراً وظلم��ًا‪ ،‬وأقل‬ ‫أصدقاء وأشد فجوراً وأمعن في احتضان كل‬ ‫الرذائ��ل‪ " .‬وهذا غالبًا ما نالحظه على وجوه‬ ‫المس��تبدين من الحكام والذين وإن أظهروا‬ ‫بع��ض رباط��ة الجأش أمام الشاش��ات إال أن‬ ‫المتعم��ق ف��ي مالمحهم ي��رى رعب��اً وخوفًا‬ ‫ألنهم يعلمون أنهم بنوا عالقتهم باآلخرين‬ ‫عل��ى مب��دأ الس��يد والعبي��د ال عل��ى مب��دأ‬ ‫الشراكة‪ .‬إنه يعلم حق المعرفة أن من حوله‬ ‫ال يطيقونه إال رعباً وال يحمونه إال خوفاً منه‬ ‫ال خوفًا عليه‪.‬‬ ‫إن كل الش��عوب العربي��ة الي��وم‬ ‫تق��وم بنقض كاف��ة النظري��ات االقتصادية‬ ‫واالجتماعي��ة الت��ي بناها مفكرو وفالس��فة‬ ‫العال��م عل��ى م��دى ق��رون طويل��ة‪ ،‬وأه��م‬ ‫تل��ك النظريات ه��ي القابلي��ة للعبودية وأن‬ ‫الش��عوب الشرقية تمتهن العبودية‪ ،‬حتى أن‬ ‫أرس��طو وجّه نصيحة إلى تلميذه االسكندر‬ ‫األكب��ر ب��أن يعام��ل اليونانيي��ن كقائد وأن‬ ‫يعام��ل الش��رقيين كس��يّد‪ .‬كم��ا أن كارل‬ ‫مارك��س بن��ى نظريت��ه الش��يوعية على ما‬ ‫رآه وقرأه عن ش��عوب الش��رق ونمط اإلنتاج‬ ‫الزراع��ي القائ��م عل��ى االس��تعباد والخنوع‬ ‫الش��رقيين‪ .‬إن الشعوب العربية اليوم تقول‬ ‫لألوروبيي��ن أن كل نظريات االس��تعالء التي‬ ‫درّس��وها في جامعاتهم ومدارسهم لقرون‬ ‫س��يتم بناؤها من جديد على أسس مختلفة‬ ‫يتم تش��كيلها وصياغتها على أيدي الشعوب‬ ‫نفسها‪ .‬ويكفيهم أن ثوراتهم وللمرة األولى‬ ‫ف��ي التاري��خ كان��ت بال قائ��د وال رم��ز حيث‬ ‫انطلق اآلالف والماليي��ن بصوت واحد وقلب‬ ‫واحد ال يمثلهم أحد وال يدعي قيادتهم أحد‪.‬‬ ‫عندم��ا قرر النظام قتل كل ش��يء في‬ ‫سوريا نسي أن البشر يموتون ولكن أرواحهم‬ ‫خالدة‪ .‬وما يبث الدم في عروق أبنائهم ليس‬ ‫آباؤهم وحس��ب وإنما أكثر من عش��رة آالف‬ ‫س��نة م��ن الحض��ارة والتاريخ اللذي��ن طبعا‬ ‫هذا الش��عب بطابعهما الخاص‪ .‬ونحن اليوم‬

‫خالد كنفاني‬

‫ورغ��م كل الظواه��ر الس��لبية المجتمعي��ة‬ ‫لدى الس��وريين فإننا نقول ب��أن كيانًا جديداً‬ ‫يتش��كل الي��وم وولي��داً جدي��داً على وش��ك‬ ‫القدوم إلى الدنيا ولكن مخاضه عس��ير جداً‬ ‫وإذا س�� ّلمنا لمرة واحدة بأن الثواب على قدر‬ ‫المش��قة فمن حقنا أن نحلم بوليدنا الجديد‬ ‫وأن نب��دأ بتحضير ثياب��ه وحاجياته وهداياه‬ ‫وغرفت��ه وكل م��ا يلزم��ه ألن س��يكون أول‬ ‫وليد في أس��رة عربية يعي��ش هذا المخاض‬ ‫العسير وال يأتي إال بعملية قيصرية‪.‬‬ ‫لن نعيد الكالم عن المؤامرة الحقيقية‬ ‫التي يتم بموجبها تدمير الش��عب في سوريا‬ ‫وتدمير مقدراته العسكرية والمدنية على حد‬ ‫س��واء‪ ،‬فنحن ال نريد التأسيس لشيزوفرينيا‬ ‫س��ورية قد ال يك��ون لها وجود أص� ً‬ ‫لا‪ ،‬ولكن‬ ‫اإلبقاء على الحبل الس��ري مم��دوداً إلى كل‬ ‫من النظام والمعارضة على حد سواء يطيل‬ ‫أمد المأساة ويزهق أرواح اآلالف بينما يضيع‬ ‫مئ��ات اآلالف ف��ي المعتق�لات‪ .‬يغضب وزير‬ ‫الخارجي��ة األلمان��ي من عج��ز مجلس األمن‬ ‫عن حل األزمة في س��وريا بينما يهاجم بان‬ ‫كي مون األم��م المتحدة لعجزها أيضًا (وهو‬ ‫أمينه��ا الع��ام!) ويدرس الرئيس الفرنس��ي‬ ‫تزوي��د المعارضة الس��ورية ببضع��ة مدافع‬ ‫ثقيلة بينما يعيش الس��لطان أردوغان األول‬ ‫حلم��ه العثمان��ي الخاص ويبش��ر المؤمنين‬ ‫بق��رب صالته في الجام��ع األموي على رأس‬ ‫الفاتحي��ن‪ ،‬رغ��م أنه لم يحس��م أم��ره بعد‬ ‫بالنس��بة للمناط��ق العازل��ة أو اآلمن��ة أو أيًا‬ ‫كانت تسميتها‪.‬‬ ‫إن الشعب السوري فجّر كل طاقاته في‬ ‫هذه الثورة‪ ،‬وبعيداً عن العس��كرة والتسليح‬ ‫فقد تجاوزت إبداعات السوريين كل الممكن‪،‬‬ ‫وظهرت آالف المواقع االلكترونية والمبادرات‬ ‫الثقافية والتطوعية الرائعة والتي تعبق بكل‬ ‫نفحات الحضارات الس��ابقة لنقول أن جينات‬ ‫المجتمع ال تموت بموت البش��ر وأن عقوداً أو‬ ‫قرونًا من العبودية والذل والتهميش ستزهر‬ ‫حرية وربيعاً وحضارة من جديد‪.‬‬ ‫آخ��ر ال��كالم‪ :‬يق��ول الش��اعر‪:‬‬ ‫دم الش��هداء ينب��ت ف��ي ربان��ا‬ ‫قنادي�لا يض��يء به��ا النض��ال‏‬ ‫نم��وت لتزه��ر األجي��ال فين��ا‬ ‫ويضح��ك ف��ي مرابعن��ا الجم��ال‏‬


‫ياسر مرزوق‬

‫أسبوعية‬

‫للمكت��ب منح رخص بناء الس��تكمال بناء‬ ‫الطوابق المس��موح بها في نظام ضابطة‬ ‫البناء شريطة‪:‬‬ ‫أ‪ -‬أال يزي��د التج��اوز عل��ى الوجائ��ب‬ ‫للطواب��ق القائم��ة والطواب��ق الم��راد أو‬ ‫المطل��وب اس��تكمال بنائه��ا على نس��بة‬ ‫‪ 30‬بالمئ��ة من وجائب الرج��وع اإلجبارية‬ ‫المفروضة في نظام ضابطة البناء‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬التقي��د بباق��ي ش��روط نظ��ام‬ ‫ضابط��ة البن��اء الناف��ذ وإال تقل مس��احة‬ ‫العق��ار ع��ن ‪ 75‬بالمئ��ة من الح��د األدنى‬ ‫لمس��احة العقار المنصوص عليها بنظام‬ ‫ضابطة البناء‪.‬‬ ‫ج‪ -‬أال تك��ون كتل��ة البن��اء مش��وهة‬ ‫للمنظر العام‪.‬‬ ‫د‪ -‬أن تك��ون كتل��ة البن��اء س��ليمة‬ ‫ومترابط��ة إنش��ائياً فيم��ا بينه��ا بموجب‬ ‫تقرير مصدق من نقابة المهندسين‪.‬‬ ‫ه‪ -‬تقدي��م تقري��ر فن��ي معتمد من‬ ‫نقاب��ة المهندس��ين يثب��ت تحم��ل البن��اء‬ ‫لحم��والت الطواب��ق المطل��وب ترخيصها‬ ‫وفق نظام ضابطة البناء‪.‬‬ ‫و‪ -‬تف��رض رس��وم ضع��ف المنفعة‬ ‫على المس��احات المتج��اوزة على الوجائب‬ ‫اإلجباري��ة للطواب��ق القائم��ة والطوابق‬ ‫الم��راد أو المطل��وب اس��تكمال ترخيصها‬ ‫وتوضح في التعليمات التنفيذية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬يمك��ن للمجال��س المحلي��ة‬ ‫تعديل نظام ضابط��ة البناء وفقاً إلحكام‬ ‫المرسوم التشريعي رقم "‪ "5‬لعام ‪1982‬‬

‫وتعديالته‪.‬‬ ‫وتضمنت الم��ادة (‪ )7‬من المرس��وم‬ ‫أنه لتسوية المخالفة تفرض رسوم مالية‬ ‫على المخال��ف بقرار يصدر ع��ن المكتب‬ ‫تعادل ضعف المنفعة التي جناها المخالف‬ ‫أو يتوق��ع أن يجنيها بالزي��ادة التي طرأت‬ ‫على قيمة العقار أرضًا وبناء ويعفى منها‬ ‫في ح��ال قيامه بإزالة المخالفة خالل مدة‬ ‫ال تتج��اوز ثالثة أش��هر من تاري��خ تبلغه‬ ‫اإلشعار المتضمن فرضها‪.‬‬ ‫كم��ا يعف��ى المخال��ف من الرس��وم‬ ‫المالي��ة في ح��ال قيامه بإزال��ة المخالفة‬ ‫خالل مدة ال تتجاوز ثالثة أشهر من تاريخ‬ ‫تبلغه اإلش��عار المتضمن فرض الرسوم‪،‬‬ ‫ويتم حس��اب الرس��وم المالية للمخالفات‬ ‫القابل��ة للتس��وية وفق أح��كام المادة (‪)9‬‬ ‫من هذا المرسوم التشريعي‪.‬‬ ‫ويح��ق للمخال��ف ح��ق االعت��راض‬ ‫على الرس��وم المالية خالل خمس��ة عشر‬ ‫يوم��اً من تاريخ تبلغه اإلش��عار المتضمن‬ ‫فرضه��ا بعد دفع تأمين دراس��ة اعتراض‬ ‫بنس��بة ‪ 30%‬من الرس��وم‪ ،‬وعلى الوحدة‬ ‫اإلدارية دراسة االعتراض والبت به خالل‬ ‫خمسة عشر يوماً من تاريخ تسجيله لديها‬ ‫ويحتس��ب مبلغ التأمين من أصل الرسوم‬ ‫المفروضة‪ ،‬و يستوفى من المخالف الذي‬ ‫يطلب تس��وية مخالفة بناء في عقاره لم‬ ‫ينظم بها ضبط من الوحدة اإلدارية مبلغ‬ ‫مقط��وع قدره عش��رة آالف ليرة س��ورية‬ ‫ويعتب��ر المبلغ س��لفة تحتس��ب من أصل‬ ‫رسوم التسوية‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫فندق أمية في ساحة الحرية بدير الزور‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫أص��در رئيس الجمهورية المرس��وم‬ ‫التش��ريعي رقم ‪ 40‬الخاص بإزالة األبنية‬ ‫المخالف��ة مهما كان نوعه��ا‪ ،‬حيث تضمن‬ ‫المرس��وم إزال��ة مخالفات البن��اء وفرض‬ ‫الغرام��ات عل��ى مرتكبيه��ا إضاف��ة إل��ى‬ ‫عقوب��ة الحبس بم��دد مختلفة في حاالت‬ ‫من هذه المخالفات‪ ،‬كما ش��مل المخالفات‬ ‫قبل صدور المرسوم التي يجوز للوحدات‬ ‫اإلدارية تسويتها وفق ضوابط معينة‪.‬‬ ‫وتن��ص المادة الثانية من المرس��وم‬ ‫عل��ى إزال��ة األبني��ة المخالفة بع��د تاريخ‬ ‫صدور هذا المرسوم التشريعي مهما كان‬ ‫نوعه��ا وموقعها وف��رض غرام��ات مالية‬ ‫والحب��س بح��ق كل من تثبت مس��ؤوليته‬ ‫ع��ن المخالفة وكذلك العاملون في الجهة‬ ‫اإلدارية المقصرون ف��ي أداء واجبهم في‬ ‫قمع المخالفة‪.‬‬ ‫كما أوضح��ت المادة إزال��ة المخالفة‬ ‫وفرض غرام��ة على المخالفي��ن‪ ،‬إضافة‬ ‫إل��ى فرض عقوبة بالحبس بمدد مختلفة‬ ‫بحس��ب المخالفة المرتكبة‪ ،‬وفصلت هذه‬ ‫العقوب��ات ب��دءاً من ش��هر إلى ‪ 3‬أش��هر‪،‬‬ ‫وصو ًال إلى ‪ 10‬سنوات من األشغال الشاقة‬ ‫وثالث��ة أضع��اف الغرامة في ح��ال انهيار‬ ‫المبنى ووفاة شخص‪ ،‬ومضاعفة العقوبة‬ ‫والغرامة في حال تكرار المخالفة‪.‬‬ ‫وج��اء ف��ي الم��ادة ‪ 5‬من المرس��وم‬ ‫التش��ريعي رق��م ‪ 40‬أن��ه ت��زال مخالفات‬ ‫األبني��ة المنصوص عليها ف��ي المادة "‪"2‬‬ ‫من القرار بالقان��ون رقم ‪ 44‬لعام ‪1960‬‬ ‫والمادة ‪ 2‬م��ن القانون رقم ‪ 1‬لعام ‪2003‬‬ ‫والمادة ‪ 3‬من المرس��وم التش��ريعي رقم‬ ‫‪ 59‬لع��ام ‪ 2008‬المرتكب��ة قب��ل تاري��خ‬ ‫صدور هذا المرس��وم التش��ريعي وتطبق‬ ‫عليه��ا النص��وص التش��ريعية الناف��ذة‬ ‫بتاريخ ارتكابها‪.‬‬ ‫وح��دد المرس��وم ‪ 59‬ن��وع العقوبات‬ ‫على من تثبت مس��ؤوليته بالبناء المخالف‬ ‫س��واء كان متج��اوزاً عل��ى التخطي��ط‬ ‫المص��دق أو واقعا ضمن األم�لاك العامة‬ ‫أو أم�لاك الدول��ة الخاصة ضم��ن الحدود‬ ‫اإلداري��ة أو متجاوزاً عليه��ا أو واقعًا ضمن‬ ‫المناط��ق الص��ادر بها صك اس��تمالك أو‬ ‫ضم��ن مناط��ق التنظيم أو ممن��وع البناء‬ ‫عليها أو عندما يك��ون البناء المخالف غير‬ ‫حائز عل��ى المتانة الكافية أو متعارضاً مع‬ ‫نظام البناء‪.‬‬ ‫فيما نص��ت الم��ادة "‪ "6‬على أنه في‬ ‫غي��ر المخالفات المش��مولة بأحكام المادة‬ ‫"‪ "5‬الس��ابقة يج��وز للوح��دات اإلداري��ة‬ ‫تس��وية المخالفات المرتكب��ة قبل صدور‬ ‫هذا المرسوم التشريعي وفق اآلتي‪:‬‬ ‫‪ - 1‬إثب��ات ق��دم المخالف��ة وتاري��خ‬ ‫وقوعها قبل تاريخ صدور هذا المرس��وم‬ ‫التش��ريعي وتحدد وثائق اثبات القدم في‬ ‫التعليمات التنفيذية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬تقدي��م تقري��ر فن��ي معتمد من‬ ‫نقاب��ة المهندس��ين يثب��ت تحم��ل البن��اء‬ ‫وسالمته اإلنشائية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬ف��ي ح��ال وج��ود أبني��ة قائم��ة‬ ‫ومتج��اوزة على الوجائ��ب اإلجبارية يجوز‬

‫باإلضافة إل��ى أنه يعاق��ب بالغرامة‬ ‫من ‪ 25‬ألف ليرة س��ورية إلى ‪ 50‬ألف ليرة‬ ‫س��ورية كل من مالك العق��ار أو حائزه أو‬ ‫ش��اغله‪ ،‬والمتعه��د أو القائ��م بالتنفيذ أو‬ ‫المهن��دس أو ال��دارس أو المش��رف الذين‬ ‫قاموا بإنشاءات دون الحصول على رخصة‬ ‫بناء نظامي��ة أو قاموا بمخالفة الترخيص‬ ‫الممن��وح‪ ،‬العاملي��ن ف��ي الجه��ة اإلدارية‬ ‫الذين يثب��ت تقصيره��م أو إهمالهم في‬ ‫أداء واجبهم في الرقابة أو قمع المخالفة‪.‬‬ ‫وتحدد المادة "‪ "9‬من المرسوم "‪"40‬‬ ‫أسس حساب عامل المنفعة في التعليمات‬ ‫التنفيذية لهذا المرسوم التشريعي بقرار‬ ‫م��ن الوزير‪ .‬وج��اء في الم��ادة "‪ "12‬أنه ال‬ ‫تأثير لتس��وية المخالف��ة في حقوق الغير‬ ‫ويحق لهؤالء التقدم إلى المحاكم لمطالبة‬ ‫المخال��ف بالتعوي��ض عن األض��رار التي‬ ‫أصابته��م جراء المخالف��ة أو إزالتها‪ .‬وفي‬ ‫ح��ال الحك��م بإزال��ة المخالف��ة التي تمت‬ ‫تس��ويتها‪ ،‬واقتران الحك��م بالتنفيذ تعاد‬ ‫إلى المخالف الرسوم المستوفاة منه‪.‬‬ ‫كم��ا جاء ف��ي الم��ادة "‪ "15‬أنه ينهى‬ ‫العمل بالمرس��وم التش��ريعي رقم "‪"59‬‬ ‫تاري��خ ‪ 2008-9-24‬والقاض��ي بإزال��ة‬ ‫األبني��ة المخالف��ة ومخالفات البن��اء كافة‬ ‫ومهم��ا كان نوعه��ا باله��دم م��ع مراع��اة‬ ‫المخالفات القابلة للتسوية‪.‬‬ ‫كم��ا أص��درت وزارة اإلدارة المحلية‬ ‫بموجب القرار رق��م ‪/189/‬ن لعام ‪2012‬‬ ‫التعليم��ات التنفيذية الخاصة بالمرس��وم‬ ‫المذكور والهادفة إلى إتاحة الفرصة أمام‬ ‫المواطنين للتصريح عن مخالفاتهم حتى‬ ‫‪ 2012/12/31‬وإبراز إح��دى وثائق القدم‬ ‫الخاص��ة بالمخالف��ة والبال��غ عدده��ا ‪26‬‬ ‫وثيق��ة والت��ي تؤكد أن مخالف��ة البناء قد‬ ‫ارتكب��ت قبل تاريخ صدور هذا المرس��وم‬ ‫وكل من يسدد غرامة مخالفته خالل عام‬ ‫س��يتم إعفائه م��ن ‪ % 25‬من قيمة غرامة‬ ‫المخالفة وقد أدرجت الوزارة آلية احتساب‬ ‫غرامة المخالفة ضمن التعليمات التنفيذية‬ ‫الم��ادة ‪ /13/‬منه��ا وراعت ف��ي ذلك واقع‬ ‫الوحدة اإلدارية وصفة البناء واستعماالته‬ ‫واس��تثماره وموقع البن��اء المخالف ضمن‬ ‫الوح��دة اإلدارية نفس��ها‪ ،‬كم��ا تم الطلب‬ ‫من الوح��دات اإلداري��ة تكلي��ف مجموعة‬ ‫عمل أو أكثر م��ن العاملين لديها إلحصاء‬ ‫مخالفات األبني��ة ومواف��اة األمانة العامة‬ ‫ف��ي كل محافظ��ة لتوحيدها ف��ي جدول‬ ‫واح��د وموافاة ال��وزارة بها خالل خمس��ة‬ ‫عش��ر يومًا م��ن تاريخه ووجه��ت الوزارة‬ ‫المكت��ب التنفي��ذي لمجل��س المحافظ��ة‬ ‫بالتنس��يق مع المختصي��ن والمعنيين في‬ ‫الوح��دات اإلدارية والجهات العامة المعنية‬ ‫على اتخاذ القرار الالزم بتقسيم الوحدات‬ ‫اإلداري��ة حس��ب المجموعات ف��ي الجدول‬ ‫المنص��وص عليه في البند ‪ /2/‬من المادة‬ ‫‪ /13/‬وتحدي��د عامل تثقيل لكل مجموعة‬ ‫حسب صفة االس��تعمال واالستثمار للبناء‬ ‫المخالف ووفق الج��دول المنصوص عليه‬ ‫ف��ي البند ‪ /4/‬من المادة المذكورة وضمن‬ ‫الحدود المنصوص عليها في البند ‪./3/‬‬

‫الصفحة القانونية ‪. .‬‬

‫املر�سوم الت�شريعي رقم ‪ 40‬اخلا�ص‬ ‫ب�إزالة الأبنية املخالفة‬

‫‪9‬‬


‫الثــــورة ال�ســـورية‪:‬‬ ‫أعمدة الصحافة‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪10‬‬

‫«اخلري وال�ش ّر» �أم «املع وال�ضد»؟‬ ‫سامر فرنجية‬

‫بين تحرير فرنسا من االحتالل النازي‬ ‫وصع��ود محاكم رس��مية لمقاض��اة عمالء‬ ‫نظام فيش��ي‪ ،‬م��رّت فترة زمني��ة قصيرة‬ ‫قُت��ل خالله��ا آالف العم�لاء وت��مّ االعتداء‬ ‫على حوالى عش��رين ألف ام��رأة من جانب‬ ‫مقاومي��ن ومنتقمي��ن‪ .‬هذا القت��ل والقمع‬ ‫الش��عبي والعشوائي لم يتوقف إ ّال مع بروز‬ ‫محاكم رس��مية أخذت عل��ى عاتقها عملية‬ ‫التطهير اإلداري والسياس��ي‪ّ ،‬‬ ‫وشكل نقطة‬ ‫ّ‬ ‫س��جل المقاوم��ة الفرنس��ية‬ ‫س��وداء ف��ي‬ ‫وأس��اطيرها‪ .‬والح��ال أن تلك الممارس��ات‬ ‫كان��ت بربري��ة وغي��ر أخالقي��ة‪ ،‬س��قط‬ ‫ضحاياها باآلالف‪ ،‬بعضهم لمجردّ االشتباه‬ ‫بعمالته��م‪ .‬غي��ر أنه��ا م��ع كل قذارتها‪ ،‬لم‬ ‫تُس��قط تل��ك المرحل��ة الس��وداء أخالقية‬ ‫المقاومة الفرنس��ية‪ .‬فه��ذه «الفوضى من‬ ‫الشجاعة» كما سمّاها أندريه مالرو‪ ،‬وهي‬ ‫أحقّي��ة معرك��ة التحري��ر م��ن النازيي��ن أو‬ ‫ش��رعية الدولة الجديدة المنبثقة جزئيًا من‬ ‫تلك الممارسات واألساطير‪.‬‬ ‫تُظه��ر التجرب��ة الفرنس��ية التب��اس‬ ‫عالقة األخالق بالسياس��ة وتعقيدها‪ .‬وتلك‬ ‫التجربة ليس��ت معزولة‪ .‬ف��وراء كل أمّة أو‬ ‫دولة أو مؤسسة أو هوية‪ ،‬ممارسات تفتقر‬ ‫إلى الحد األدن��ى من األخالق‪ ،‬تجعل ميزان‬ ‫«الخي��ر والش��رّ» غي��ر ق��ادر عل��ى التقاط‬ ‫دالالت الح��دث التاريخي‪ .‬ه��ذا ال يعني نفيًا‬ ‫ألية عالقة بين السياس��ة واألخالق‪ ،‬ولكنه‬ ‫يعارض مب��دأ اس��تنتاج الواحد م��ن اآلخر‪،‬‬ ‫وكأن التاري��خ مج��رّد ثنائي��ات أخالقي��ة‬ ‫تتصارع‪.‬‬ ‫الكالم عن عالقة األخالق بالسياس��ة‬ ‫فرضته الحمل��ة «األخالقوية» التي أُطلقت‬ ‫من��ذ فت��رة ض��د الث��ورة الس��ورية‪ .‬فم��ع‬ ‫ازدي��اد األخبار ع��ن انتهاكات بع��ض الثوار‬ ‫وجرائمه��م‪ ،‬قام��ت حمل��ة نق��د للح��راك‬ ‫الس��وري‪ ،‬أرادت أن تتح��رر م��ن ثنائي��ة‬ ‫«المع والض��د» القامعة للنقد‪ ،‬الس��تبدالها‬ ‫بثنائي��ات أخالقي��ة‪ ،‬كتل��ك القائم��ة عل��ى‬ ‫«الخي��ر والش��رّ»‪ .‬ومف��اد تل��ك الحملة أنه‬ ‫مع كل س��قوط أخالق��ي للث��ورة‪ ،‬يتضاءل‬ ‫الفارق بين النظام والمعارضة‪ ،‬ليصبح من‬ ‫المستحيل التمييز بينهما‪ .‬هكذا بدأ يتحجج‬ ‫بعض المحرجين من الثورة (وبعض فاقدي‬ ‫الشجاعة في موقفهم الداعم لبشار األسد)‬ ‫بهذا التراجع األخالقي إلطالق شعار الضد‪،‬‬ ‫أي ضد النظام والمعارضة سويةً‪.‬‬ ‫لكن تل��ك المقولة‪ ،‬المريحة سياس��ياً‬ ‫للمحرَجي��ن‪ ،‬غي��ر دقيق��ة‪ .‬فلم��ن تهمّ��ه‬ ‫األخ�لاق‪ ،‬ال بد م��ن إتباع معي��ار واضح (إن‬ ‫وُج��د)‪ ،‬يمكن من خالله معايرة الواقع‪ .‬فإذا‬ ‫لم يعد ممكن��ًا إنكار جرائم بع��ض الثوار‪،‬‬ ‫فه��ذا ال يب��رر إطالق��ًا معاملته��م كمرادف‬ ‫أخالق��ي للنظ��ام ال��ذي يتب��ع عملي��ة إبادة‬ ‫منهجية لش��عبه‪ .‬كما أن من يريد إتباع هذا‬ ‫المنطق األخالقي‪ ،‬ال بد من أن يعيد معاينة‬ ‫أكثري��ة التج��ارب التاريخية‪ ،‬لكي يس��تنتج‬ ‫أن ال ف��ارق بي��ن مقاوم ومحت��ل‪ ،‬معارض‬ ‫وسلطة‪ ،‬ضحية وجالد‪ .‬فمن هذا المنطلق‪،‬‬ ‫ل��ن تنجو أي��ة حرك��ة تحرر وطن��ي‪ ،‬أكانت‬ ‫فلسطينية أم عربية أو عالمثالثية‪ ،‬من هذا‬ ‫النقد‪ .‬والغريب هن��ا‪ ،‬أن جماعة المحرجين‬

‫الممانعي��ن‪ ،‬أيت��ام فرانز فان��ون ومقدمات‬ ‫س��ارتر العنفي��ة‪ ،‬ل��م يطبّق��وا معاييرهم‬ ‫األخالقي��ة إ ّال عل��ى خصومه��م‪ ،‬وكأنه��م‬ ‫يعترف��ون بقصوره��م األخالق��ي وتفوّق‬ ‫الخصم على هذا الصعيد‪ ،‬أكان إس��رائيليًا‬ ‫أم أميركياً أم غربيًا‪.‬‬ ‫استثناء األخالقويين الجدد من النقاش‬ ‫لن يلغي المعضلة األخالقي��ة التي أبرزتها‬ ‫الممارسات الش��نيعة لبعض الثوار‪ .‬غير أن‬ ‫طرح تلك المعضلة يحتاج إلى تحديد هوية‬ ‫الفاعل الذي يمكن تحميله مس��ؤولية تلك‬ ‫االرتكابات األخالقية‪ .‬فالثورة ليس��ت فاعال‬ ‫موحَّداً يمكن شجبه أو إدانته‪ ،‬بل هي عنوان‬ ‫فضفاض أعطي لتحرك واسع ال توحِّده إ ّال‬ ‫معارضت��ه للطاغي��ة‪ .‬ذاك أن��ه ف��ي مقابل‬ ‫كل تجاوز طائفي أو جريمة ش��نيعة‪ ،‬هناك‬ ‫آالف صرخ��ات «س��لمية» تُطلق ومقاومات‬ ‫س��لمية تُمارس وغرائ��ز تُقم��ع‪ .‬فاللجوء‬ ‫إلى التحليل الكمّي لن يفيد هنا‪ ...‬فالثورة‬ ‫سلمية وعنفية‪ ،‬ش��جاعة ومجرمة‪ ،‬طامحة‬ ‫للحرية وللقم��ع المذهبي‪ .‬الثورة‪ ،‬كما كتب‬ ‫ياس��ين الحاج الصالح‪« ،‬عملي��ة حية»‪ ،‬وما‬ ‫ال يُحتمل هو «نقل أخ�لاق جاهزة (ووعي‬ ‫جاه��ز) إل��ى ث��ورة يفت��رض أنه��ا مج��ردة‬ ‫منهم��ا» أو «االكتف��اء الفك��ري واألخالق��ي‬ ‫للثورة‪ ،‬والموقفان أقرب إلى بعضهما بعضًا‬ ‫مما يب��دو»‪ .‬ه��ذا لي��س للق��ول إن حيوية‬ ‫الثورة تعفيها من المحاس��بة األخالقية‪ ،‬بل‬ ‫العكس تمامًا‪ ،‬وهو أن المحاسبة األخالقية‬ ‫هي في االنخراط في الثورة والعمل لنحتها‬ ‫وتصحيحه��ا وتجديدها‪ .‬فإذا لم تكن الثورة‬ ‫فاع ًال تمكن محاس��بته بتج��رّد‪ ،‬كذلك فإن‬

‫ما يس��مّى «الجيش الس��وري الح��ر» فاقد‬ ‫لصف��ة الفاع��ل‪ ،‬كما كت��ب ح��ازم األمين‪.‬‬ ‫فالكالم عن مسؤولية الجيش الحر «نقاش‬ ‫من خارج س��ورية‪ ،‬يُخترع فيه هذا الجيش‬ ‫وتُرسم صور له وتُحدد وظائف افتراضية‬ ‫ل��ـ «كتائب��ه»‪ .‬يُقال مث� ً‬ ‫لا إن «الجيش الحر‬ ‫فع��ل ذلك»‪ ،‬فيتص��ور المرء جيش��ًا وقيادة‬ ‫وقراراً‪ ،‬وهذا ليس حقيقة ما يجري‪.‬‬ ‫والح��ال أن أول ما أص��اب هذا الجيش‬ ‫هو اسمه!»‪ .‬وهذا التوضيح لحقيقة الجيش‬ ‫الح��ر ال يعني إعفاءه من مس��ؤولياته تجاه‬ ‫ارتكاب��ات بع��ض عناصره‪ ،‬ب��ل بالعكس‪،‬‬ ‫دفع��ه لتحمّل عبء أفعاله ولتحوله جيش��ًا‬ ‫يمكن أن يحاسب أخالقيًا‪.‬‬ ‫م��ن خ�لال س��حب صف��ة الفاعل عن‬ ‫الث��ورة أو الجي��ش الس��وري الح��ر‪ ،‬أع��اد‬ ‫الكاتبان موضعة النقاش من مجرّد معاينة‬ ‫أخالقية باردة إلى مس��ألة سياس��ية تواجه‬ ‫الث��وار قبل خصومه��م المحرجي��ن‪ .‬فبدل‬ ‫الس��ؤال المبتذل ع��ن أخالق الث��ورة‪ ،‬وهو‬ ‫س��ؤال مجرّد ل��ن ينج��و من تش��كيكه أي‬ ‫عمل سياس��ي مهما كان نبي� ً‬ ‫لا‪ ،‬يجب طرح‬ ‫الس��ؤال ع��ن منطل��ق المعاين��ة األخالقية‬ ‫هذه‪ .‬فلتلك المحاسبة األخالقية منطلقان‪،‬‬ ‫يعي��دان توكيد أولوية «الم��ع والضد» على‬ ‫«الخير والش��ر»‪ .‬المنطلق األول هو حاضر‬ ‫الثورة‪ ،‬وينطلق همّ��ه األخالقي من داخل‬ ‫المعت��رك‪ ،‬ليواج��ه معضالت��ه كتحدّي��ات‬ ‫سياس��ية ّ‬ ‫تُحل بالممارسة وليس من خالل‬ ‫التنظير‪ .‬بلغة أخرى‪ ،‬ثنائية «الخير والشرّ»‬ ‫ليس��ت بديلة عن تلك القائم��ة على «المع‬ ‫والضد»‪ ،‬ب��ل مضمونها‪ .‬فاألخالق هي في‬

‫الممارس��ة السياسية‪ ،‬وليس في المحاكمة‬ ‫المجرّدة من أي انتماء‪.‬‬ ‫أم��ا المنطل��ق الثاني لمعاين��ة الثورة‪،‬‬ ‫فهو في المس��تقبل‪ .‬بهذا المعنى‪ ،‬مستقبل‬ ‫سورية هو ما سيقرر ما إذا كان سقوط هذا‬ ‫الكمّ من الضحايا من جميع األطراف‪ ،‬مدخ ًال‬ ‫الى س��ورية ديموقراطية ومستقرة أو قت ًال‬ ‫عبثي��ًا ال يو ّلد إ ّال قت ًال إضافي��ًا‪ .‬قد يبدو هذا‬ ‫الكالم ماكيافيلي��ًا في برودته‪ ،‬وتلوينًا على‬ ‫المقول��ة المبتذلة من أن ال صوت يعلو فوق‬ ‫ص��وت المعركة‪ .‬غير أنه عك��س ذلك‪ ،‬فهو‬ ‫تراجي��دي في اعتراف��ه بالواقع الذي لم تعد‬ ‫توجد أس��اطير لستره‪ .‬فالحراك الحالي واقع‬ ‫بين أسطورة الثورة‪ ،‬التي سقطت مع مرور‬ ‫الزمان‪ ،‬وأسطورة الدولة التي تبرّر ماضيها‬ ‫بمس��تقبلها‪ ،‬والتي لم تولد بعد‪ .‬الثورة «ما‬ ‫وراء الخير والشر» تنتظر مستقبلها لتحديد‬ ‫أخالقيته��ا‪ .‬فال معن��ى للكالم ع��ن أخالقية‬ ‫الثورة الس��ورية من جانب من ال يش��اركها‬ ‫المصير واليوميات والمآسي‪.‬‬ ‫إن أخالقية الثورة هي نوع المستقبل‬ ‫الذي يُبنى اليوم ف��ي المعترك الثوري من‬ ‫جانب مناضلين يضحّون بحياتهم من أجل‬ ‫غ��د ّ‬ ‫أقل بؤس��ًا‪ .‬ومعاين��ة الث��ورة المجردّة‬ ‫كالم ف��ارغ‪ ،‬يش��به من يناط��ح التاريخ من‬ ‫م��كان بعيد‪ ،‬وب��دل ثنائية «الخير والش��ر»‬ ‫األخالقية‪ ،‬يجب التمسّك بالثنائية النضالية‬ ‫والنقدية القائمة على «المع والضد»‪ .‬وهذا‬ ‫ليس منعًا للنقد‪ ،‬بل تس��ييس له إلعطائه‬ ‫بعض المعنى وتحريره م��ن جيوش النقاد‬ ‫األخالقويين‪.‬‬ ‫دار الحياة اللندنية ‪2012 / 9 / 7‬‬


‫جنيب الأرمنازي ‪1968 - 1897‬‬

‫أسبوعية‬

‫كان��ت له انتم��اءات وطنية وسياس��ية‬ ‫إل��ى ح��زب الش��باب العرب��ي وح��زب‬ ‫العهد واالس��تقالل‪ ،‬وحزب الفتاة‪ ،‬وقد‬ ‫اختي��ر في ع��ام ‪ 1920‬ليكون رئيس��ًا‬ ‫لديوان المؤتمر السنوي‪ ،‬ومع استمرار‬ ‫التضيي��ق عل��ى الصحافة س��افر إلى‬ ‫فرنس��ا ليتاب��ع علم��ه وين��ال ش��هادة‬ ‫الدكت��وراه ف��ي القان��ون بأطروح��ة‬ ‫موضوعها واسمها "الشرع الدولي في‬ ‫اإلسالم"‪.‬‬ ‫ع��اد إلى دمش��ق مديراً مس��ؤو ًال‬ ‫في جريدة "األي��ام" التي كانت تصدر‬ ‫ف��ي دمش��ق ف��ي ‪ 1931/5/10‬والتي‬ ‫أصدرته��ا الكتل��ة الوطني��ة وكان‬ ‫مدي��ر سياس��ة الجري��دة الصحف��ي‬ ‫ع��ارف النكدي وذلك قبل أن يش��تري‬ ‫امتيازها نص��وح بابيل ويصدرها في‬ ‫‪.1932/8/15‬‬ ‫ف��ي ع��ام ‪ 1932‬عي��ن نجي��ب‬ ‫األرمن��ازي مدي��راً لمكت��ب رئاس��ة‬ ‫الجمهوري��ة‪ ،‬وف��ي ع��ام ‪ 1942‬كان‬ ‫س��كرتيراً عام��ًا لرئاس��ة الجمهورية‪.‬‬ ‫و ف��ي عام ‪ 1945‬عمل ف��ي الخارجية‬ ‫والس��لك الدبلوماس��ي ف��كان وزي��راً‬ ‫مفوضاً في بريطانيا والهند وتركيا ثم‬ ‫س��فيراً في مص��ر‪ ،‬وكان أحد مندوبي‬ ‫سورية في مفاوضات الجامعة العربية‬ ‫لعامي ‪ 1943‬و‪ ،1944‬حيث ش��ارك مع‬ ‫الوفد السوري في المؤتمر التأسيسي‬ ‫لجامع��ة الدول العربية والذي ترأس��ه‬ ‫الس��يد س��عد اهلل الجاب��ري رئي��س‬ ‫مجل��س وزراء س��وريا والس��يد جميل‬ ‫مردم بك وزير الخارجية ونائب دمشق‬ ‫السيد صبري العسلي ومن ثمّ سمّي‬ ‫وزيراً مفوّضًا للحكومة الس��ورية في‬ ‫لندن عام ‪ ،1945‬و كان مندوب سورية‬ ‫الدائم في المؤتمر الثقافي في لندن‪،‬‬ ‫وعضو اللجنة التحضيرية لهيئة األمم‬ ‫المتحدة‪ ،‬وكان في الوقت نفسه واحداً‬

‫من أعضاء الوفد الس��وري في اجتماع‬ ‫الهيئة العامة ومندوب��ًا في مفاوضات‬ ‫الحكوم��ة الس��ورية في لن��دن ألمور‬ ‫"فلس��طين" عام��ي ‪ 1946‬و‪ 1947‬أي‬ ‫قبي��ل النكبة بس��نة واح��دة‪ .‬وبعدها‬ ‫س��فيراً ف��ي القاه��رة ثم لن��دن حتى‬ ‫أواخر عام ‪ 1956‬حين تقاعد وظيفياً‪،‬‬ ‫لكنه لم يترك العمل الصحفي والشأن‬ ‫العام‪.‬‬ ‫عايش األرمن��ازي تجربة الوحدة‬ ‫م��ع مص��ر‪ ،‬والت��ي ش��هدت تضييق��ًا‬ ‫عل��ى الصح��ف والحري��ات العام��ة لم‬ ‫تعرفه س��وريا من قبل‪ .‬وف��ي الثامن‬ ‫والعش��رين م��ن أيل��ول ع��ام ‪1961‬‬ ‫صبيحة االنفصال ولدعم موقف قائد‬ ‫االنق�لاب اجتمع نفر من السياس��يين‬ ‫الس��وريين وق��ادة األح��زاب القوميّة‬ ‫والوطنيّ��ة ف��ي دار الس��يد أحم��د‬ ‫الش��رباتي إلصدار بيان بإنهاء الوحدة‬ ‫لخروجها عن أهدافه��ا وتأييد حكومة‬ ‫االنفص��ال‪ ،‬ووصف��وا حرك��ة الجيش‬ ‫بالثورة المبارك��ة‪ ،‬ووصفوا حكم عبد‬ ‫الناصر بالتس ّلط والطغيان واالنحراف‪،‬‬ ‫وخنق الحياة السياسيّة‪ ،‬ووأد الحريّات‬ ‫العامّ��ة وتش��ويه فك��رة القوميّ��ة‬ ‫العربيّ��ة‪ ،‬وكان م��ن أب��رز الموقّعين‬ ‫عل��ى البيان‪ :‬زعيما ح��زب البعث أكرم‬ ‫الحوران��ي وص�لاح الدي��ن البيط��ار‪،‬‬ ‫والدكتور بش��ير العظمة أح��د الرموز‬ ‫اليس��اريّة‪ ،‬والنائب السابق للرئيس‪،‬‬ ‫والضابطي��ن أمي��ن النف��وري‪ ،‬وأحمد‬ ‫عب��د الكريم‪ ،‬ومن حزب رش��اد جبري‬ ‫وأحم��د قنب��ر‪ ،‬وم��ن الح��زب الوطني‬ ‫أس��عد ه��ارون وحس��ن م��راد‪ ،‬وم��ن‬ ‫الدمش��قيين أحمد الش��رباتي‪ ،‬وخالد‬ ‫العظم‪ ،‬ومن حمص هاني الس��باعي‪.‬‬ ‫وتقول الس��يدة نزيهة الحمصي زوجة‬ ‫الحوراني في مذكراتها إن البيطار هو‬ ‫الذي كتب وثيق��ة االنفصال بخط يده‬

‫مع نجيب األرمنازي‪.‬‬ ‫وق��د ع��اش الدكت��ور نجي��ب‬ ‫األرمنازي حياة حافلة بالعمل الوطني‪،‬‬ ‫وكان يتمتّع بالثقافة العالية الرفيعة‪،‬‬ ‫ويتق��ن ث�لاث لغ��ات‪ ،‬ق��راءة وكتابة‪.‬‬ ‫وق��د أضاف للمكتب��ة العربي��ة العديد‬ ‫من المؤلفات والتي كتبها بلغة آس��رة‬ ‫فصيح��ة‪ ،‬وأس��لوب مش��رق‪ ،‬وس��رد‬ ‫ش��فيف يجمع بي��ن التوثي��ق واألدب‪،‬‬ ‫نذكر منها "الشرع الدولي في اإلسالم‪،‬‬ ‫مذكرات دبلوماسي‪ ،‬السياسة الدولية‬ ‫وأش��هر رجالها‪ ،‬س��ورية من االحتالل‬ ‫وحتى الجالء الحملة المصرية ـ ترجمة‬ ‫عن التركية العثمانية "‪.‬‬ ‫توفي نجيب بيك في دمشق عام‬ ‫‪1968‬ودفن فيها‪.‬‬ ‫أم��ا م��ا أورده عن��ه الزركلي في‬ ‫كتاب��ه "األع�لام"‪ :‬نجي��ب ب��ن محم��د‬ ‫األرمنازي‪ ،‬الدكتور‪ ،‬صحفي‪ ،‬من رجال‬ ‫السياسة في سورية‪ ،‬مولده في حماة‪،‬‬ ‫ووفاته في دمشق‪ ،‬درس الحقوق في‬ ‫باريس‪ ،‬وأحرز الدكت��وراه في العلوم‬ ‫الدولي��ة‪ ،‬وأحس��ن اللغ��ات التركي��ة‬ ‫والفرنس��ية واإلنكليزي��ة‪ ،‬وأص��در‬ ‫جري��دة األي��ام (‪ )1931‬ف��ي دمش��ق‪،‬‬ ‫ودخل الس��لك السياس��ي سنة ‪،1945‬‬ ‫فكان وزيراً مفوضاً لسورية في لندن‬ ‫وفي الهند وتركية‪ ،‬ثم س��فيراً لها في‬ ‫مص��ر‪ ،‬ففي لندن إل��ى أواخر(‪،)1956‬‬ ‫له كتب مطبوعة منها (الش��رع الدولي‬ ‫في اإلس�لام)‪ ،‬و(مذكرات دبلوماسي)‪،‬‬ ‫و(عش��ر س��نوات ف��ي الدبلوماس��ية)‪،‬‬ ‫و(السياسة الدولية) مجلدان‪ ،‬و(سورية‬ ‫م��ن االحت�لال حت��ى الج�لاء)‪ .‬وترجم‬ ‫عن التركية (الحمل��ة المصرية أو من‬ ‫باري��س إلى صحراء التي��ه ـ ط)‪ .‬وهو‬ ‫شقيق الشهيد علي األرمنازي‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫من اليمين‪ :‬صبري العسلي ‪ -‬صادق غراوي ‪ -‬شكري القوتلي ‪ -‬نجيب األرمنازي‪.‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫ولد نجي��ب محم��د األرمنازي في‬ ‫حماة ع��ام ‪ ،1897‬لعائلة " األرمنازي "‬ ‫المعروفة في حماه‪ .‬و األرمنازي لقبٌ‬ ‫ع��رف ب��ه الكثي��رون مم��ن هاجر من‬ ‫أرمناز وأقام في سواها‪ ،‬فنسبه الناس‬ ‫إلى مدينته "أرمناز" التي هي مسقط‬ ‫رأسه ونسيت نسبته إلى عائلته‪ ،‬وهم‬ ‫في األصل من عائلة حمادة المعروفة‬ ‫بـ "كبتولة"‪ ،‬الذين عين جدّهم قاضيًا‬ ‫في مدينة حماة زمن حكم العثمانيين‬ ‫وأقام فيها‪ .‬ولبعد المس��افة وصعوبة‬ ‫وس��ائط االتص��ال آن��ذاك انقطع��ت‬ ‫عالقت��ه بعائلت��ه وت��زوج ف��ي حم��اة‬ ‫وأسس العائلة التي ينتمي إليها نجيب‬ ‫بيك‪ .‬وهو الشقيق األصغر للصحافي‬ ‫علي األرمنازي الذي أعدمه أحمد جمال‬ ‫باش��ا في بي��روت عام ‪ .1915‬واس��م‬ ‫ً‬ ‫نسبة‬ ‫األرمنازي معروفٌ للدمشقيين‬ ‫إلى قص��ر العائلة الواق��ع في منطقة‬ ‫العفي��ف وال��ذي اس��تأجره الرئي��س‬ ‫القوتلي من صديق��ه "الدكتور نجيب‬ ‫األرمنازي" الموفد إلى جمهورية مصر‬ ‫العربية كس��فير للدول��ة هناك وبقي‬ ‫بي��ت األرمن��ازي س��كنًا للقوتل��ي في‬ ‫فترة حكمه الثانية للجمهورية العربية‬ ‫السورية حتى عام ‪ ،1956‬ويعتبر هذا‬ ‫القصر الذي حافظ على حاله ومعالمه‬ ‫الرئيس��ية منذ أن تركه القوتلي حتى‬ ‫يومنا هذا من أه��م األوابد المعمارية‬ ‫الدمش��قية في العصر الحديث ومازال‬ ‫حتى اآلن مسكنًا لألسرة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تلقى األرمنازي علومه االبتدائية‬ ‫والثانوية في المدرس��ة العثمانية‪ ،‬ثم‬ ‫درس العل��وم العالية ف��ي اختصاص‬ ‫الحق��وق ف��ي باري��س‪ ،‬واس��تطاع‬ ‫الحصول على ش��هادة العلوم الدولية‬ ‫العليا م��ن جامعة باريس‪ ،‬وهي أعلى‬ ‫شهادة نالها شاب خرج من مدينة حماة‬ ‫في ذلك الوقت‪.‬‬ ‫ع��اد إل��ى س��وريا ليم��ارس‬ ‫الصحاف��ة‪ ،‬ف��كان عضواً ف��ي جمعية‬ ‫أدبي��ة يرعاها "الملك فيصل" اس��مها‬ ‫"الجامعة األدبية" وكـان من أعضـائها‪:‬‬ ‫"خي��ر الدي��ن الزركل��ي والش��يخ فؤاد‬ ‫الخطيب ويوس��ف حيدر والش��يخ رضا‬ ‫الش��بيبي" كم��ا تول��ى إدارة تحري��ر‬ ‫جري��دة "الراي��ة" الحلبي��ة لصاحبه��ا‬ ‫مني��ب الناطور التي ص��درت في حلب‬ ‫ف��ي ‪ ،1919/4/29‬والت��ي م��ا لبث��ت‬ ‫أن أغلق��ت مع ع��دد آخر م��ن الصحف‬ ‫ف��ي بداية االنت��داب الفرنس��ي‪ .‬ومن‬ ‫خالل العم��ل الصحفي أقام األرمنازي‬ ‫عالقاتٍ مع الساس��ة السوريين‪ ،‬حتى‬ ‫أنه قام بكتابة بيان اس��تقالة الرئيس‬ ‫"صبح��ي بركات" الذي لم يكن متمكنًا‬ ‫من العربي��ة عام ‪ .1925‬وقد اعتمدته‬ ‫جريدة األهرام في القاهرة محرّراً له‬ ‫شأنه في السياسة الدولية‪ ،‬والعالقات‬ ‫الخارجية‪ ،‬حتى أنه كان يترجم ترجمة‬ ‫مباش��رة ع��ن الفرنس��ية والتركي��ة‬ ‫واالنكليزية‪ .‬وينشر في سائر المجلاّ ت‬ ‫والدوري��ات العربي��ة‪ ،‬وف��ي البداي��ات‬

‫وجوه من وطني ‪. .‬‬

‫ياسر مرزوق‬

‫‪11‬‬


‫�أن تكون هناك‪..‬‬ ‫نبض الروح ‪. .‬‬

‫خيمياء الثورة من الداخل‬ ‫جمال خليل صبح‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪12‬‬

‫ش��اءت لي األق��دار أن أدخل إلى بعض‬ ‫المناط��ق المحررة في س��وريا‪ .‬كانت تجربة‬ ‫روحي��ة و فكري��ة م�لأى بالكثير‪ ،‬ق��ررت أن‬ ‫أرصدها بكلمات و س��طور‪ .‬من نافلة القول‬ ‫التأكي��د على أن هذه التجرب��ة "ذاتية" بحتة‬ ‫وال يس��تقيم معه��ا التعمي��م عل��ى جمي��ع‬ ‫المناط��ق وعل��ى كل الح��االت‪ ،‬كم��ا أنه��ا ال‬ ‫تعكس إال جانباً واحداً من واقع متعدد وثري‪،‬‬ ‫ال يمكن رصده من زاوية محددة أو حادّة‪ .‬إن‬ ‫زي��ارة المناطق الثائرة تعكس جوانب الثورة‬ ‫نفس��ها من تنوع فائق يطال كل ش��يء‪ .‬إنه‬ ‫الزم��ن الس��وري الجديد بكل م��ا يحمل من‬ ‫تحدي��ات وفضائل‪ ،‬ب��كل ما يحم��ل من ألم‬ ‫ومعان��اة‪ ،‬بكل م��ا يحمل م��ن وقائع صادمة‬ ‫وآم��ال رس��ت عل��ى ش��واطئ ال تخصّها‪ .‬ال‬ ‫تكفي بضع��ة أيام للتعرّف على بقعة ثائرة‬ ‫عل��ى التراب الس��وري‪ ،‬إال أنها كافي��ة تمامًا‬ ‫حتى يعرف الم��رء أن عقارب الزمن ال يمكن‬ ‫إعادتها إلى الوراء‪.‬‬ ‫أتحف��ظ عل��ى ذكر بع��ض المناطق أو‬ ‫األس��ماء الخاص��ة باألش��خاص أو الكتائ��ب‪،‬‬ ‫وذل��ك لضرورات أمنية وأخ��رى أخالقية‪ .‬كل‬ ‫خط��أ أو "خطيئ��ة" وردت بي��ن كلم��ات ه��ذا‬ ‫النص ال يتحمّل مسؤوليتها إال كاتب المقال‬ ‫نفسه‪ .‬فـ"هكذا بدا لي العالم"…!؟‬

‫عن "اجلي�ش احلر" ّ‬ ‫بق�ضه وق�ضي�ضه‬

‫ليس هناك من ظاهرة تس��تحق النظر‬ ‫كتل��ك الت��ي تتعلق بالش��ق العس��كري من‬ ‫الثورة‪ ،‬أو كم��ا يدعى "اصطالح��ا اعتباطيا"‬ ‫بالجيش الح��ر‪ .‬تحركات الرجال المس��لحين‬ ‫ف��ي المناطق المحررة ال تخطئها عين الزائر‬ ‫وال تحيد عنها تساؤالت عدّة تمتزج بمشاعر‬ ‫مختلفة يمكن أن تذهب حدّ التناقض أحيانا‪.‬‬ ‫خلي��ط ومزيج ذو مالم��ح مختلفة يندرج من‬ ‫طبيعة النظ��ام العنيف إلى تط��ورات طرأت‬ ‫عل��ى حال الث��ورة‪ ،‬م��رورا بتاري��خ المناطق‬ ‫الثائ��رة وطباع س��اكنيها أخرج��ت جانبا على‬ ‫ق��در كبير من التعقيد البني��وي والعملياتي‪،‬‬ ‫حم��ل عل��ى عاتق��ه التص��دي لق��وة النظام‬ ‫الضاربة بالسالح‪ ،‬ال بل والشروع في عملية‬ ‫تحري��ر طويل��ة األم��د‪ ،‬دامي��ة وقاس��ية‪ .‬لم‬ ‫يعد س��را أن غالبي��ة الثائرين الذين يحملون‬ ‫السالح لم يعودوا من المنشقين العسكريين‬ ‫في الجيش النظامي‪ ،‬إذا ال يش��كل هؤالء إال‬ ‫ثل��ث المك��ون العام عل��ى أبع��د تقدير‪ .‬في‬ ‫المناطق المح��ررة التي اس��تطعت الوصول‬ ‫إليها يش��كل أبنائها العمود الفقري لمكونات‬ ‫الهي��اكل والتنظيمات المس��لحة‪ ،‬مع إمكانية‬ ‫مالحظة وجود أش��خاص م��ن مناطق بعيدة‬ ‫من الوطن السوري ألسباب مختلفة‪ ،‬منها ما‬ ‫هو شخصي ومنها ما ينبع من ظروف حتّمت‬ ‫على أصحابها العم��ل في مناطق بعيدة عن‬ ‫منبعه��م األصل��ي‪ .‬فأحد ق��ادة الكتائب التي‬ ‫كان لها ش��أن كبير ف��ي عملية تحرير مدينة‬ ‫أع��زاز ينح��در م��ن درع��ا مث�لا‪ ،‬بينم��ا ترى‬ ‫مقاتلين من مناط��ق حمص وحماه يعملون‬ ‫ضمن كتائب تنشط في ريف إدلب الملتهب‪،‬‬ ‫وخاص��ة فيما يش��به مثلث الرعب س��راقب‪،‬‬

‫بن��شّ وتفتناز‪ .‬ضمن هذه الصورة‪ ،‬يش��عر‬ ‫المرء وكأن أبناء سوريا أصبحوا "معجونين"‬ ‫بالث��ورة بكل م��ا تعنيه الكلمة م��ن "معان"‪،‬‬ ‫ف��ي حالة تذ ّكر بنوع م��ن الوحدة "الوطنية‪-‬‬ ‫الثورية"‪ ،‬تختلف عن وحدة البعث "الوطنية"‬ ‫القائمة على أركان االستبداد والعنف المشاع‬ ‫وتقديس القائد "الرمز"‪.‬‬ ‫تختل��ف ه��ذه التنظيم��ات والجماع��ات‬ ‫المس��لحة ليس بتس��مياتها فحس��ب‪ ،‬ولكن‬ ‫ببنيته��ا وتوجهاته��ا أيض��ا‪ .‬فهن��اك بع��ض‬ ‫الكتائ��ب الت��ي تتكون من أفراد عس��كريين‬ ‫منش��قين وبذل��ك تقت��رب م��ن الص��ورة‬ ‫الكالسيكية للجيش الحر‪ .‬هم أشخاص تتنوع‬ ‫انتماءاتهم الفكرية والمجتمعية والسلوكية‬ ‫أيض��ا‪ .‬يربط أعضائه��ا إحس��اس ديني هو‬ ‫أقرب للش��عبي منه للمؤطر واإليديولوجي‪.‬‬ ‫بينم��ا تتش��ارك كتائ��ب ع��دّة ف��ي بع��ض‬ ‫العملي��ات القتالي��ة الهجومي��ة ض��د مواق��ع‬ ‫ألجهزة النظام األمنية والعس��كرية‪ ،‬تتكفل‬ ‫بع��ض الكتائ��ب بعملي��ات أخرى ه��ي أقرب‬ ‫إلى اللوجس��تية والمدنية‪ ،‬خاصة في بعض‬ ‫البقاع المحررة وس��ط وشمال البالد‪ .‬يالحظ‬ ‫الزائ��ر وجود مس��لحين تبدو عليه��م أمارات‬ ‫إس�لاموية تتخذ م��ن الس��لفية "التقليدية"‬ ‫جذورها وعناوينها وحت��ى أعالمها وراياتها‪،‬‬ ‫وتجاهر بهويتها المذهبية المرتبط بالسنّة‬ ‫والجماعة‪ ،‬الهوية العابرة للتاريخ والجغرافيا‬ ‫بكل دقائقه��ا وأوهامها‪ .‬حت��ى أن بعضها ال‬ ‫يخف��ي تعاطفا م��ا مع تنظي��م القاعدة ذائع‬ ‫الصيت‪ ،‬مع عدم وجود مؤشرات على ارتباط‬ ‫تنظيم��ي معي��ن م��ع التنظي��م األم الذاهب‬ ‫لالنق��راض‪ ،‬يكمّل��ه جه��ل فاض��ح بتاري��خ‬ ‫التنظي��م وقيمه‪ ،‬باإلضافة إل��ى مصير أبرز‬ ‫رجاالته عدا اب��ن الدن وزرقاوي العراق‪ ،‬كما‬ ‫الحظت من دردش��ة عابرة مع بعض األفراد‬ ‫الذي��ن التقيته��م وكانوا مس��تعدين لحديث‬

‫جانب��ي عاب��ر‪ .‬يحدّث��ك أمث��ال ه��ؤالء عن‬ ‫حلمه��م في تطبيق ش��رع اهلل الذي "لم يدع‬ ‫لنا ش��يئا إال وأعطانا هدى في��ه لتدبير أمور‬ ‫الن��اس" ف��ي المجتم��ع اإلس�لامي الفاضل‪،‬‬ ‫المجتمع الذي "تذوب فيه الفوارق بين الغني‬ ‫والفقي��ر"‪ ،‬المجتم��ع الذي "تس��ود فيه قيم‬ ‫العدل بين عباد اهلل أيا كانت درجاتهم"‪ .‬فيما‬ ‫يبحر آخرون في الشرح حول درجات "الجهاد"‬ ‫وأنواعه إلى درجة ال يعود المتابع قادرا على‬ ‫التمييز بينها‪!! ..‬‬ ‫م��ن المرج��ح أن يك��ون أف��راد ه��ذه‬ ‫التنظيم��ات غي��ر حاصلين عل��ى تعليم عال‬ ‫ع��دا بعض األفراد أو الق��ادة الذين كان لهم‬ ‫نصي��ب ما من التعليم الش��رعي الديني من‬ ‫معاه��د وكليات س��ورية في أغل��ب الحاالت‪.‬‬ ‫هذه الجماعات المميّ��زة ال يؤكدون صراحة‬ ‫على انتمائهم للجيش الس��وري الحر‪ ،‬ال بل‬ ‫ويجاهرون بتمايزهم عنه فكرا و سلوكا‪ .‬إال‬ ‫أن جزءا مهما ممن امتش��ق الس�لاح والتحق‬ ‫بكتائب عسكرية حسنة التنظيم هم أولئك‬ ‫المدنيين من أبن��اء المناطق الذين انخرطوا‬ ‫ف��ي نش��اطات الث��ورة س��لمية الطاب��ع منذ‬ ‫البداي��ة‪ ،‬ووجدوا أنفس��هم مضطرين لحمل‬ ‫الس�لاح للدفاع عن أمالكهم وحياتهم وحياة‬ ‫عائالته��م وأطفاله��م بع��د ش��يوع وتك��رار‬ ‫المجازر الطائفي��ة المتنقلة‪ ،‬كما يحاجج من‬ ‫التقيت به منهم‪ .‬في هذه التنظيمات يمكنك‬ ‫أن تجد تش��كيلة متباينة من األشخاص مثل‬ ‫ذل��ك المهن��دس المدن��ي الذي أصب��ح قائد‬ ‫كتيب��ة مس��لحة أو منس��قا عام��ا لع��دد من‬ ‫الكتائ��ب المقاتلة‪ ،‬أو ذلك الصحفي النش��ط‬ ‫ال��ذي يغط��ي نش��اطات الكتائ��ب اإلعالمية‬ ‫وبياناته��ا بحرفي��ة عالية‪ ،‬أو ذل��ك المغترب‬ ‫ال��ذي قف��ل راجع��ا إل��ى منبت��ه األصل��ي‪،‬‬ ‫مس��تفيدا من عالقاته التي بناها في الخارج‬ ‫مح��اوال التأمين اللوجس��تي لكتائب مختلفة‬

‫يجمعه��ا حسّ��ها المناطقي العال��ي‪ .‬يحدثك‬ ‫المتطوعون المدنيون في الكتائب المسلحة‬ ‫عن أهمية تواجد أمثالهم في "الجيش الحر"‬ ‫حتى ال تبقى الغلبة لإلسالميين الجهاديين‪،‬‬ ‫"الغلبة" التي لم أراها بادية على ذلك النحو‬ ‫ف��ي المناطق الت��ي زرتها عل��ى األقل‪ .‬هذه‬ ‫الفئ��ات م��ن األش��خاص ال يضره��ا إلحاقها‬ ‫ووس��مها بكتائ��ب "الجي��ش الح��ر"‪ ،‬حت��ى‬ ‫وإن كان��ت مرجعيته��ا ال تم��ت إل��ى الذهنية‬ ‫العسكرية بصلة‪.‬‬ ‫يخيل للمرء وبس��بب التف��اوت الواضح‬ ‫في مالم��ح وهيكليات‪ ،‬ب��ل وتجهيز الكتائب‬ ‫المس�� ّلحة‪ ،‬أن صراع��ا دموي��ا بينه��ا قائم أو‬ ‫ق��ادم ال محال��ة‪ .‬ليس هناك م��ا يدعم هذه‬ ‫الفك��رة ف��ي الوق��ت الحالي حتى م��ع وجود‬ ‫إش��كاالت أو أزمات قد تتطور إلى اش��تباكات‬ ‫محدودة تظهر بين الحي��ن واآلخر‪ .‬العالقات‬ ‫بين الكتائب المسيطرة على مناطق محددة‬ ‫ليست دائما على ما يرام‪ ،‬ولكن هناك درجة‬ ‫عالية م��ن االحترام المتب��ادل‪ ،‬بغض النظر‬ ‫عن التفاوتات والتمايزات الظاهرة والكامنة‪.‬‬ ‫م��ع اإلش��ارة إل��ى بع��ض العوام��ل العائلية‬ ‫والعش��ائرية والمناطقي��ة الت��ي يمك��ن أن‬ ‫تسهم في وأد أي صراع أو إشكال على درجة‬ ‫من الخطورة‪ ،‬حالة من "التوازن االجتماعي"‬ ‫إن ص��ح التعبير‪ ،‬مدعّم ب��دور إيجابي كبير‬ ‫لم��ا بات يع��رف بـ"اللجان الش��رعية" التابعة‬ ‫ل��كل منطقة أو مج��ال حيوي م��ن الكتائب‪،‬‬ ‫والتي يتكون أعضائها من ش��خصيات دينية‬ ‫وعس��كرية ومدني��ة تحظ��ى باحت��رام كبير‬ ‫ف��ي مجتمعاته��ا المحلي��ة‪ ،‬وتتدخّ��ل لفض‬ ‫النزاع��ات ح��ول قضاي��ا معينة م��ن ضمنها‬ ‫كيفي��ة معاقبة بعض األفراد الذين يقومون‬ ‫بتجاوزات ال يمكن السكوت عليها مثل أعمال‬ ‫السرقة والتش��بيح والتعرّض ألمالك الغير‪،‬‬ ‫كما حدث و يح��دث في بعض األحيان نتيجة‬


‫طف��ل احلديقة الدم�شقية‪ ..‬حيث ال مكان‬ ‫حسان عباس‬

‫نبض الروح ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫غي��اب الس��لطة المركزي��ة أو الهيكلية‬ ‫التنظيمي��ة الت��ي تنصه��ر م��ن خاللها‬ ‫الوحدات المقاتلة‪.‬‬ ‫تتباي��ن الكتائ��ب والتش��كيالت‬ ‫المس��لحة ف��ي مهامه��ا أيض��ا‪ .‬فكتائب‬ ‫الجيش الحر التقليدي من العس��كريين‬ ‫والمنش��قين تح��اول جاه��دة القي��ام‬ ‫بعمليات التأمين اللوجيس��تي (الس�لاح‬ ‫خاص��ة) باإلضافة إل��ى التخطيط العام‬ ‫والتكتي��ك المرحلي للعملي��ات القتالية‬ ‫على األرض حسب ما تقتضيه المرحلة‪.‬‬ ‫بينم��ا تتش��ارك كتائ��ب اإلس�لاميين‬ ‫"الس��لفيين" م��ع الكتائب األخ��رى ذات‬ ‫الصبغ��ة "المدنية" بمهام ال تقل أهمية‬ ‫عن العمليات القتالية من أبرزها تأمين‬ ‫ط��رق الالجئين وتوصي��ل الجرحى من‬ ‫المدنيي��ن والمقاتلي��ن إل��ى المش��افي‬ ‫الميداني��ة أو إل��ى المناط��ق الحدودي��ة‬ ‫التركي��ة ف��ي الح��االت الت��ي ال يمك��ن‬ ‫عالجه��ا ف��ي الداخ��ل الس��وري‪ ،‬كذلك‬ ‫تأمين وصول الصحفيين والش��خصيات‬ ‫الزائ��رة القادمة م��ن الخ��ارج‪ ،‬وضمان‬ ‫سالمتهم وتنقالتهم مع ضلوع الكتائب‬ ‫المدنية المس��لحة بشكل أكبر في هذه‬ ‫المه��ام نوعا ما‪ .‬وال داع��ي للتذكير بأن‬ ‫ّ‬ ‫جل ه��ذه المهام يعني التعرّض الدائم‬ ‫لخطر القصف الجوي من طائرات النظام‬ ‫تكل وال ّ‬ ‫التي ال ّ‬ ‫تم��ل من التحليق فوق‬ ‫المناط��ق المح��ررة‪ .‬فالمجموع��ة التي‬ ‫تكف ّل��ت بإيصال��ي إلى الح��دود التركية‬ ‫مث�لا تأخ��رت حوال��ي الث�لاث س��اعات‬ ‫وذل��ك نتيج��ة التع��رّض إل��ى القصف‬ ‫م��ن طائرة قريبة في وقت كانت تحاول‬ ‫فيه إدخال مس��اعدات غذائية (مئات من‬ ‫ربط��ات الخبز) إل��ى مدينة أريح��ا التي‬ ‫كانت واقعة تح��ت حصار خانق وقصف‬ ‫عني��ف طيلة أيام عدّة‪ .‬ورغم اش��تراك‬ ‫الكتائ��ب جميعها في العملي��ات القتالية‬ ‫المعق��دة ذات التحضي��ر الجي��د (مث��ل‬ ‫محاوالت اقتحام مط��ار منّغ قرب أعزاز‬ ‫أو مط��ار تفتن��از جن��وب إدل��ب) أو تلك‬ ‫العملي��ات االضطرارية أثناء االقتحامات‬ ‫المفاجئ��ة لق��وات النظ��ام‪ ،‬إال أن أب��رز‬ ‫العملي��ات ضد ق��وات النظ��ام و أكثرها‬ ‫شجاعة ونوعية هي تلك العمليات التي‬ ‫تقوم بها الكتائب ذات الهوى الس��لفي‪،‬‬ ‫كم��ا يتهامس كثير م��ن األعضاء الذين‬ ‫ينتمون إلى مشارب واتجاهات شتى‪.‬‬ ‫على غي��ر ما يش��اع‪ ،‬هناك نقص‬ ‫حاد في تسليح الكتائب المقاتلة بأنواعها‬

‫المختلفة‪ ،‬وذلك يع��ود إلى عوامل عدّة‬ ‫منها ما يتعلق بوالءات مناطقية أو أخرى‬ ‫عل��ى عالقة ببيروقراطي��ة قادة الجيش‬ ‫الحر المتواجدين في تركيا‪ ،‬وحتى بآلية‬ ‫عم��ل المجلس الوطني في هذا الجانب‪،‬‬ ‫والتي ال تحسن إال االرتجال والتوزيع غير‬ ‫العادل والش��حيح لما تيسّ��ر من أسلحة‬ ‫(بالقطارة‪ ،‬كما أش��ار أحد قادة الكتائب)‪.‬‬ ‫النق��ص ال يخت��ص بأن��واع األس��لحة‬ ‫الخفيف��ة عل��ى األغلب‪ ،‬وإنم��ا بالذخيرة‬ ‫أيضا‪ .‬أحد الثوار المس��لحين كان أكثر ما‬ ‫يزعج��ه هو عدم قدرة المش��يعين على‬ ‫"االحتفال" بالش��هداء ببع��ض الطلقات‬ ‫ف��ي الهواء‪ ،‬وذلك منع��ا للهدر من جهة‪،‬‬ ‫وتجنبا الستجرار طيران النظام من جهة‬ ‫أخرى‪ .‬ال يمكن تع��داد األفراد المقاتلين‬ ‫الذي��ن اضط��روا إل��ى بي��ع مقتنياته��م‬ ‫الرخيصة والنفيسة في سبيل الحصول‬ ‫على قطعة سالح (كالشينكوف أو قاذف‬ ‫أر بي جي) في أوقات وصلت فيه األسعار‬ ‫إلى أرق��ام فلكي��ة كما تفي��د أحاديثهم‬ ‫اليومي��ة‪ .‬فهذا باع مص��اغ زوجته وأمه‪،‬‬ ‫وذاك تخ ّلى عن ميراثه‪ ،‬وآخر باع قطعة‬ ‫من أرضه لقاء الحصول على ثمن يؤمن‬ ‫من خالله س�لاحا فردي��ا وذخيرة تصمد‬ ‫بضع��ة س��اعات أو أي��ام‪ .‬ه��ذه الحال ما‬ ‫زالت مس��تمرة حتى وقتن��ا الحاضر من‬ ‫عمر الثورة‪.‬‬ ‫كأي تنظي��م اجتماع��ي‪ ،‬تض��مّ‬ ‫الكتائب المس��لحة المنضوية تحت لواء‬ ‫الث��ورة أف��رادا له��م طباع وش��خصيات‬ ‫متباين��ة ومتف��رّدة‪ .‬منه��م الطي��ب‬ ‫والخبيث‪ ،‬منهم عسر المزاج ومنهم دمث‬ ‫األخالق وطيّب الكالم‪ .‬تشعر بتناقض‬ ‫غريب‪ ،‬فاختالفهم يزيد من ارتباطهم‪،‬‬ ‫وتفرّده��م يكمّل هويته��م الجمعية‪.‬‬ ‫رغم أجواء التوت��ر "المزمن" إال أن روح‬ ‫النكت��ة والم��رح تظل حاض��رة‪ ،‬وهو ما‬ ‫يذ ّكر بخصال الش��خصية السورية التي‬ ‫تبتع��د ع��ن التجهّ��م والصرام��ة‪ .‬قبل‬ ‫رحيلن��ا بقلي��ل دخل أحد الش��باب وكان‬ ‫باديا عليه االنهماك بشي نجهله‪ ،‬سألت‬ ‫الحاضرين إن كان من أحد أفراد الجيش‬ ‫الحر‪ ،‬فقفز "أبو صطيف" الثائر المسلح‬ ‫من مدينة الجس��ر وق��ال هازئا‪ :‬ال هادا‬ ‫م��ن الجي��ش "الك��ر"! زل��زت الضحكات‬ ‫المتعالية أرج��اء الغرفة‪ ،‬قاطعها صوت‬ ‫قذيفة يبدو أنها سقطت بالقرب‪ ،‬بعدها‬ ‫ساد صمت عميق ومطبق…!‬ ‫عنموقعالجمهوريةلدراساتالثورةالسورية‬

‫الساعة السادسة صباحاً من آخر يوم جمعة من شهر آب عام ‪ .2012‬حديقة من حدائق مركز‬ ‫مدينة دمش��ق‪ .‬بقايا مرج أخضر‪ ،‬ومساحات ترابية ضّيقة تتداخل لترسم ثوبا مبرقعا يخفي وجه‬ ‫األرض‪.‬‬ ‫عل��ى هذه األرض‪ ،‬وبين كثير م��ن أكياس النايلون التي لم تصل هنا لتلوين المش��هد‪ ،‬كتل‬ ‫بش��رية مس��تلقية‪ ،‬ال تفاصيل لها‪ ،‬كأنها ضربات ريشة خش��نة وزّعها‪ ،‬فوق لوحة الحديقة‪ ،‬رسام‬ ‫فوضوي‪ .‬فجأة‪ ،‬وفي طرف المش��هد‪ ،‬ينتصب جس��د صغير‪ ،‬كل ما فيه يوحي من بعيد بأنه جس��د‬ ‫طفل خطا نحو المراهقة‪ .‬تس��ع س��نوات أو عش��ر‪ ،‬ليس مهماً أن نعرف‪ ،‬بل ربما لم يعد ممكناً أن‬ ‫نع��رف ألن الوثائ��ق الت��ي تثبت ميالده راحت في جمل��ة ما راح في ذاك ال��ذي كان بيتًا في مكان ما‬ ‫من ضواحي دمش��ق المدمرة‪ .‬أدار الطفل النائم ‪ -‬الواقف رأس��ه بحركة كس��ولة‪ .‬لم يكن يستطلع‬ ‫المكان‪ ،‬كان يبحث عن نقطة ارتكاز‪ ،‬عن معلم ما يطابق صورة مختزنة في ذاكرته‪ .‬لم يوفّق في‬ ‫المحاولة األولى‪ ،‬فألحقها بأخرى تحمل قدراً أكبر من اإلرادة‪ ،‬إرادة الكشف عن معلم أليف‪ .‬يبدو أنها‬ ‫أيضًا لم تنفعه‪ ،‬فأجهش ببكاء كامد ال صوت له لكن ارتعاش الجس��د وبعض الش��هقات فضحته‪.‬‬ ‫رفع إلى وجهه رسغين عاجزتين وضغط بهما على عينيه‪ ،‬وحين رآني أشاح بوجهه‪ ،‬ثم تهاوى إلى‬ ‫مكانه السابق‪ ،‬كتل ًة ضئيلة من بين تلك الكتل المستلقية على أرض الحديقة‪.‬‬ ‫يحكي هوميروس في الملحمة اليونانية الشهيرة «األوذيسة» قصة «إيلبينور‪ ،»Elpinor‬وهو‬ ‫ش��اب من رفاق «أوليس» في طريق عودته إلى موطنه بعد انتصار طروادة‪ .‬وذات صباح‪ ،‬وبعد أن‬ ‫خمر الجمع احتفاال بالخالص من مفاعيل الس��احرة «سيرس��يه»‪ ،‬اس��تيقظ «إيلبينور» النائم فوق‬ ‫مصطب��ة ثم� ً‬ ‫لا‪ ،‬وبما أنه لم يك��ن قد ألف معالم الم��كان الذي كان ينام فيه س��قط عن المصطبة‬ ‫ودقت عنقه‪ .‬وقد اس��تثمر علم النفس هذه الحكاية األس��طورية لتوصيف مجموعة من األعراض‬ ‫أطل��ق عليها اس��م «تن��اذر إيلبينور» تعب��ر عن اضطراب نفس��ي يتجلى بحالة تغيّ��م وعي تمحي‬ ‫خاللها الذاكرة المَع َلمية للمريض‪ ،‬فيفقد توازنه ويهوي‪ ،‬ويمكن أن يقدم أحيانا على ارتكاب فعل‬ ‫جرمي‪.‬‬ ‫أغلب الظن أن طفل الحديقة الدمش��قية س��قط عند إفاقته غير المكتملة ألنه لم يتعرف إلى‬ ‫الم��كان الذي وجد نفس��ه فيه‪ ،‬إذ ال ش��يء مما يحيط به في فضائه المؤق��ت هذا يجد له في ذهنه‬ ‫صورة راس��خة يتطابق معها‪ .‬فضاؤه المؤقت هو الخواء ذاته‪ .‬ال جدار يحمل صورة األب الش��هيد أو‬ ‫إيقونة أو آية الكرس��ي‪ .‬ال نافذة تتسلل عبرها أشعة الش��مس‪ ،‬ورياح الشتاء‪ ،‬ووعود العصافير‪ .‬ال‬ ‫س��قف يمنحه الش��عور باألمان‪ ...‬أما األثاث فإما «نُقِلت» قطعه لتمأل زوايا وغرفا فارغة في بيوت‬ ‫أخ��رى‪ ،‬ف��ي مناطق أخ��رى‪ ،‬وإما اختلط ركامه��ا مع ركام البي��ت المدمّر أو احترقت ف��ي النار التي‬ ‫عصفت بالبيوت‪.‬‬ ‫ف��ي المكان الذي جاء منه الطفل‪ ،‬كانت كل هذه األمور (الجدار والنافذة والس��قف واألثاث‪)...‬‬ ‫حاضرة‪ ،‬ماثلة‪ ،‬ولد الطفل وكبر بينها‪ .‬وتشكلت ذاكرته البصرية والمع َلمية اعتماداً عليها‪ .‬لو أفاق‬ ‫الطف��ل ف��ي عتمة الليل لم��ا احتاج هناك إلى ضوء ليع��رف طريقه في زحمة األش��ياء‪ ،‬أما هنا في‬ ‫الفضاء الخاوي فهو ال يعرف كيف يتجه فيسقط حيث يقوم‪.‬‬ ‫ف��ي الم��كان الذي جاء منه الطفل كان ثمة مكان‪ ،‬وكان ثمة وجود‪ ،‬وكان ثمة ذاكرة‪ .‬كان ذلك‬ ‫قبل أن يقرر عقل ش��يطاني يس��تخفّ بالذاكرة ويهزأ بالوجود (ما عدا وجوده هو)‪ ،‬أن يدمر المكان‬ ‫ويشرد أهله ويقذف بهم إلى حيث ال مكان‪.‬‬ ‫ك��م هي مس��احة الدم��ار في س��ورية اآلن؟ وكم س��تصبح غ��داً؟ ك��م يبلغ ع��دد المواطنين‬ ‫المهجري��ن من بيوتهم؟ كم عدد البيوت التي لم تعد قابلة للس��كن؟ ك��م عدد األحياء التي لم يبق‬ ‫منها س��وى اس��مها؟ كم عدد العائالت التي أصبحت ب�لا مأوى؟ مجرّد التفكير بهذه األس��ئلة يبعث‬ ‫الي��أس واألل��م‪ ،‬فما بالك إن عرفنا األجوبة ! لك��ن أين المهرب من التفكير في هذا الواقع الناش��ئ‬ ‫بفعل العقل الشيطاني؟ بل أين المهرب من تجاوز األعداد المجردة والباردة‪ ،‬رغم كل ما تبعثه من‬ ‫حزن‪ ،‬للوصول إلى اإلنسان‪ ،‬إلى الحقيقي في ذاك الواقع‪ ،‬إلى طفل الحديقة وعائلته‪ ،‬أو من تبقى‬ ‫منها‪ .‬كيف يمكن له‪ ،‬لهم‪ ،‬أن يعيدوا بناء ذاكرتهم البش��رية بش��كل سويّ؟ «أن نكون بشراً يعني‬ ‫أن يكون لنا مسكن» يقول «باشالر»‪ .‬والمسكن‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬هو الجدار والسقف والنافذة واألثاث‪،..‬‬ ‫إضافة إلى «التاريخ» الذي نما في كنفها وبين تالفيفها‪ ،‬المسكن هو الذاكرة التي نسكن إليها‪ .‬أما‬ ‫في الحديقة‪ ،‬حيث ال مكان‪ ،‬فال يمكن ألحد أن يبني ذاكرة‪ .‬الذاكرة ال تبنى على خواء‪.‬‬ ‫المواطنون الس��وريون المهجّرون إلى األبنية المدرسية ليسوا بحال أفضل من أولئك الباقين‬ ‫بال مأوى‪ ،‬سكان الحديقة‪ .‬ألنهم سكنوا إلى مكان وهمي‪ ،‬أرخوا روحهم على جدران ونوافذ وسقوف‬ ‫متهالكة‪ ،‬وهم يعرفون أنه ال يعوّل عليه‪ .‬زد على ذلك أن هذا المكان ال يمكنه أن يحتضنهم‪ ،‬فهو‬ ‫مرصود لحنان من نوع آخر‪ .‬حنان عليه أن يغمر أطفا ًال سيأتون ليتعلموا‪ ،‬في أمل أن يساهموا في‬ ‫بناء وطنهم‪.‬‬ ‫لك��ن الخوف كل الخوف أال يجدوا هذا الوط��ن‪ .‬وأن يصبح الجميع‪ ،‬أهلهم وهم ونحن‪ ،‬حيث ال‬ ‫مكان‪.‬‬ ‫ملحق السفير الثقافي ‪2012 / 9 / 7‬‬

‫‪13‬‬


‫نبض الروح ‪. .‬‬

‫�ســــوري‪ ..‬فل�ســـطيني‪..‬‬ ‫والقــاتل واحــــــد‬ ‫سعاد يوسف‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪14‬‬

‫لذاكرت��ي م��ع فلس��طين فص��ول‬ ‫عديدة‪ ...‬أذكر أنن��ي عندما كنت صغيرة‬ ‫بكيت أليام عدة لما شاهدته على التلفاز‬ ‫من صور وأخبار عن فلس��طين‪ ...‬لسنين‬ ‫طويلة حملت في مخيلتي أس��ماء وصور‬ ‫الكثير من األطفال الذين قتلوا على أيدي‬ ‫اإلسرائيليين‪ ...‬وفي مرحلة من المراحل‬ ‫أصبت بعشق اللهجة الفلسطينية‪...‬‬ ‫أدمن��ت عل��ى س��ماع األغان��ي‬ ‫الشعبية الفلس��طينية‪ ،‬وأخذت أركز في‬ ‫كلماته��ا‪ ،‬وأق��ارن بين الكلم��ات باللهجة‬ ‫الفلس��طينية‪ ،‬والكلم��ات ذاته��ا باللهجة‬ ‫ع��ال وأطرب‬ ‫الس��ورية‪ ،‬ألفظه��ا بصوت ٍ‬ ‫لس��ماعها‪ ...‬كبرت على فكرة "الممانعة"‬ ‫ونظامن��ا "المق��اوم" ال��ذي تح��دى العدو‬ ‫اإلس��رائيلي لس��نين طوال وال يزال هذا‬ ‫التحدي قائمًا‪ ،‬وغضبت بسبب الكثير من‬ ‫المج��ازر التي ارتكبه��ا "العدو" في صبرا‬ ‫وشاتيال والخيام وبنت جبيل وقانا‪...‬‬ ‫ثم كانت اللحظ��ة التي التقيت فيها‬ ‫ذلك الصديق في أحد المقاهي منذ عدة‬ ‫س��نوات‪ ...‬كانت تفوح منه رائحة الكعك‬ ‫الفلس��طيني ال��ذي عجنت��ه وخبزته يدا‬ ‫عمته العجوز ذات السبعين عامًا‪ ،‬ووقعت‬ ‫ف��وراً في س��حر كلماته و"الضم��ة" التي‬ ‫يضعها في أول بعض الكلمات "سُ��كر‪..‬‬ ‫خُب��ز‪ " ..‬ليتحول في غض��ون أيام قليلة‬ ‫إل��ى واحد من أعز أصدقائ��ي‪ ...‬وليحكي‬ ‫لي الكثير الكثير عن ذلك "العدو"‪...‬‬ ‫حك��ى ل��ي الكثي��ر عن فلس��طين‪،‬‬ ‫عن مدينت��ه وجبالها المزروعة بأش��جار‬ ‫الزيتون والعنب‪ ...‬ع��ن جوامعها وآثارها‬ ‫وتاريخه��ا ال��ذي يحفظ��ه حرف��اً بح��رف‬ ‫وكأن��ه خل��ق وع��اش فيه��ا كل حياته‪...‬‬ ‫حكى ل��ي كي��ف ب��اع الجميع فلس��طين‬ ‫لتتحول إل��ى مجرد ك��رة تتقاذفها الدول‬ ‫والمنظمات والهيئات وليتحول شعبها إلى‬ ‫مجرد ذريعة وش��ماعة تعلق عليها الدول‬ ‫حروبها وهزائمه��ا‪ ...‬وحدثني كثيراً عن‬ ‫نظامنا الممانع والمقاوم والذي لم يفعل‬ ‫س��وى المتاج��رة بالقضية الفلس��طينية‬ ‫وفق��ًا لمصالح��ه وتحالفات��ه‪ ،‬وم��ن ث��م‬ ‫التغن��ي بممانعته ف��ي المحافل والمنابر‬ ‫واتخاذه��ا ذريع��ة ليس��حق به��ا ش��عبه‬ ‫المنتف��ض المطال��ب بالحري��ة‪ ...‬حك��ى‬ ‫لي صديق��ي الكثير‪ ،‬وأحبب��ت من خالله‬ ‫فلسطين أكثر وأكثر‪..‬‬ ‫من��ذ ع��دة أي��ام اتص��ل ب��ي ذل��ك‬ ‫الصدي��ق وق��ام بدعوت��ي لزي��ارة إحدى‬ ‫الم��دارس المليئة بالنازحي��ن في مخيم‬ ‫اليرم��وك‪" ...‬أن��ت مدع��وة لت��ذوق أكلة‬ ‫فلس��طينية "على كيفك" في المدرس��ة‬ ‫سيقوم المتطوعون بإعدادها"‪...‬‬ ‫وكان��ت تل��ك الم��رة األول��ى الت��ي‬ ‫س��أدخل فيه��ا ش��ارع مخي��م اليرم��وك‬ ‫ألق��ع ف��ي حب��ه م��ن النظ��رة األول��ى‪...‬‬

‫س��وق طويل مكت��ظ بالمح��ال التجارية‬ ‫والمطاع��م والباعة الجوالي��ن‪ ...‬في أوله‬ ‫حاجز ل��م يك��ن يس��توقف القادمين بل‬ ‫اكتف��ى بوض��ع بعض األكي��اس الرملية‬ ‫والجل��وس بجانبه��ا‪ ...‬ورغ��م أص��وات‬ ‫القذائ��ف الت��ي كان��ت تنهال من ش��ارع‬ ‫ال‪ 30‬عل��ى التضامن والحجر األس��ود إال‬ ‫أن الس��وق كان مزدحمًا والحياة في ذلك‬ ‫الش��ارع تبعث فيك طاقة غريبة‪ ...‬إنه ال‬ ‫يش��به ازدحاماً نراه في وس��ط دمش��ق‪،‬‬ ‫ف��ي أس��واقها التجاري��ة‪ ...‬ه��و ازدح��ام‬ ‫غير متكل��ف‪ ،‬يضج بالرغبة ف��ي الحياة‪،‬‬ ‫تلك الرغب��ة التي لم نعرفه��ا يومًا نحن‬ ‫السوريون لكننا اآلن نختبرها‪ ،‬هي رغبة‬ ‫تولد م��ن رحم الم��وت اليومي‪ ،‬فتجعلك‬ ‫متمس��كًا بالحي��اة وبتفاصيله��ا أكثر في‬ ‫كل لحظة‪ ...‬وفي نفس الوقت ال تش��عر‬ ‫بنفس��ك غريب��اً عن هذا الم��كان‪ ،‬ال أحد‬ ‫ينظ��ر إليك ليق��ول لك "م��اذا تفعل أنت‬ ‫هنا" ب��ل على العكس‪ ،‬تح��س باالنتماء‬ ‫إليه منذ اللحظة األولى‪...‬‬ ‫وتذك��رت م��ا قرأته منذ فت��رة على‬ ‫إح��دى صفح��ات الفيس��بوك‪" :‬يعتب��ر‬ ‫المخي��م م��ن أكث��ر األماكن نش��اطًا في‬ ‫الوطن السوري ‪ 7/24‬ومن أكثر األماكن‬ ‫التي ال يش��عر فيها أي إنس��ان على وجه‬ ‫األرض بالغرب��ة ألن��ه يحت��وي الجمي��ع‬ ‫ويعطي جنس��يته ألي إنس��ان ين��ام فيه‬ ‫ليلة واحدة فقط‪" .‬‬ ‫وصلن��ا المدرس��ة التي تق��ع في ما‬ ‫يسمى "شارع المدارس"‪ ...‬فيها ما يقارب‬ ‫األلف ن��ازح من مختلف المناطق القريبة‬ ‫"الحجر األس��ود‪ ،‬التضامن‪ ،‬نهر عيش��ة‪،‬‬

‫حجي��رة‪ ،‬الق��دم" لكنه��ا منظمة بش��كل‬ ‫جميل وملفت للنظر‪ ...‬الكثير من ش��باب‬ ‫المخيم تطوعوا للعمل فيها ونذروا أغلب‬ ‫وقته��م لخدم��ة النازحين رغ��م عددهم‬ ‫الكبي��ر‪ ...‬النازح��ون يحتل��ون الصفوف‪،‬‬ ‫األدراج والممرات واألطف��ال يتراكضون‬ ‫ويلعب��ون في كل م��كان‪ ،‬بعضهم حافي‬ ‫القدمين والبعض اآلخر بش��عر مش��عث‬ ‫إال أن عيونه��م جميع��ًا كان��ت حزين��ة‪،‬‬ ‫تحم��ل همًا ال يلي��ق به��م وبطفولتهم‪.‬‬ ‫أم��ا أهاليهم فالكثير منه��م كان صامتاً‪،‬‬ ‫ينتظرون "األزل" ربما‪ ،‬فعقارب الس��اعة‬ ‫عل��ى ما يبدو ل��م تعد لديه��ا القدرة كي‬ ‫تتحرك نحو األمام ك��ي يأتي اليوم الذي‬ ‫س��يعودون فيه إل��ى منازله��م أو إلى ما‬ ‫تبقى منها‪ .‬بعضهم اختار أن يلعب الورق‬ ‫كي يمضي الوقت‪ ،‬البعض اآلخر يساعد‬ ‫في تنظي��ف الغرف والممرات ومنهم من‬ ‫يهتم بالصغار ويح��رص أال يصيبهم أي‬ ‫مكروه‪.‬‬ ‫أمضين��ا ف��ي المدرس��ة أكث��ر م��ن‬ ‫ساعتين‪ .‬س��اعدنا المتطوعين في إعداد‬ ‫"المس��خن الفلسطيني" وهو كما وصفه‬ ‫صديق��ي عب��ارة عن "عراي��س الجاج مع‬ ‫السماق وزيت الزيتون"‪.‬‬ ‫"العروس��ة" كلمة أعادتني عش��رات‬ ‫الس��نين إلى ال��وراء ألرى نفس��ي طفلة‬ ‫ترك��ض م��ع األطف��ال هن��ا وهن��اك وال‬ ‫حزن يرتس��م على وجهه��ا‪ .‬قمنا بتوزيع‬ ‫"العراي��س" على الجميع ثم جلس��نا معًا‬ ‫وتناولنا طعامنا وشربنا الشاي واستمعنا‬ ‫إل��ى الكثي��ر م��ن قص��ص المتطوعي��ن‬ ‫الممتع��ة قبل أن ن��ودع كل من كان في‬

‫المدرسة لنخرج من المخيم‪.‬‬ ‫ل��دى عودتنا وعندما كنا نس��ير في‬ ‫ش��ارع اليرموك‪" ،‬اصطدمن��ا" بمظاهرة‬ ‫مفاجئة‪ .‬كانوا حوالي خمسين شاباً لكن‬ ‫أصواتهم وهتافاتهم جعلتني أعتقد أنهم‬ ‫أكثر من ذلك بكثير‪ ...‬كان عرسًا بكل ما‬ ‫تحمله الكلمة من معنى ولم أس��تطع أن‬ ‫أص��دق ما أراه أمامي‪ :‬كم من الش��جاعة‬ ‫يملك��ون وهم يتح��دون الم��وت الكامن‬ ‫أمامه��م‪ ،‬وورائهم‪ ،‬وال��ذي يتربص بهم‬ ‫في كل زاوية؟ كم من اإلصرار لديهم كي‬ ‫يس��تمروا بالخ��روج والمطالبة بحريتهم‬ ‫تح��ت وابل القذائف التي لم تنفك تنهال‬ ‫عليهم منذ ما يقارب الش��هرين‪ ...‬ليست‬ ‫قذائ��ف العدو االس��رائيلي وإنم��ا قذائف‬ ‫ذلك النظام الممانع المقاوم الذي يدعي‬ ‫محارب��ة العدو منذ عش��رات الس��نين‪...‬‬ ‫(تذكرت رس��الة وصلتني من وكالة سانا‬ ‫لألنب��اء قب��ل يومي��ن‪" :‬استش��هاد ثالثة‬ ‫فلس��طينيين نتيج��ة القص��ف المدفعي‬ ‫االس��رائيلي عل��ى غ��زة"‪ ،‬وف��ي نف��س‬ ‫الي��وم كت��ب الصدي��ق إي��اد حياتلة على‬ ‫الفيس��بوك‪" :‬ثالثة ش��هداء فلسطينيين‬ ‫برص��اص إس��رائيلي‪ ،‬وثالثة‬ ‫في غ��زّة‬ ‫ٍ‬ ‫ش��هداء فلسطينيين في مخيّم اليرموك‬ ‫برصاص إسرائيلي أيضًا")‬ ‫ٍ‬ ‫وقف��ت مذهول��ة أح��دق به��م فيما‬ ‫ه��م يبتع��دون ف��ي االتج��اه المعاك��س‬ ‫ل��ي‪ ،‬رافقتني أصواتهم حت��ى غابوا عن‬ ‫ناظ��ري وال زالت حتى اللحظ��ة ترن في‬ ‫أذني‪" :‬وجايين��ك جايينك‪ ...‬يلعن روحك‬ ‫جايينك"‪..‬‬


‫جمال داوود‬

‫حلم للجثة ال�صغرية‬

‫أحلم بالطائرة‪..‬‬ ‫طائرة ترفعني فوق الحرب والضغينة‬ ‫طائ��رة من الش��وكوال ربما والقش��دة تذوب في‬ ‫فمي‬ ‫طائرة من الحب والقبالت وألعاب الكومبيوتر‬ ‫طائرة تفتح لي عالمًا جدي��دًا‪ ..‬غير هذا العالم‬ ‫الذي يستهدفني‬ ‫ال‪ ..‬بالتأكيد ليست تلك الطائرة التي فوقنا‬ ‫لقد أخطأ القدر مجددًا في فهمي‪..‬‬ ‫كوني طف��ل طموح‪ ..‬ال يعني أني أريد أن أموت‬ ‫ميتة مختلفة‬ ‫عش أيّها الطيار‪ ..‬واتركني ألعيش‪..‬‬ ‫لربما حلقنا سوية‬ ‫"كتب الطفل الذي تتعقبه قذيفة "‬

‫دندنات إندساسية ‪. .‬‬

‫طائـرة دون طيــار‬ ‫در�س يف الطائرات والوطن‬

‫هويّة الطيار‬

‫أولئك الذي��ن قتلته��م‪ ..‬كانت أحالمه��م تتدلى‬ ‫فوق أحالمك‬ ‫وأطفالهم قد ولدوا من رحم الغيم‪ ..‬وأعلى‬ ‫وكانت لديهم قصص‪ ..‬تروى‬ ‫فيما أنت مجرد قاتل مأجور‪ ،‬برتبة ضابط طيار‬ ‫وبعقل مسطح‬ ‫***‬ ‫يا لحجم الفراغ الذي في رأسك‬ ‫نحتاج لطائرة لنبلغ آخره‬ ‫نحن‪ ..‬قتالك‬ ‫أيّها الطيار‬

‫بو�صلة‬

‫نح��ن م��ن نصنع ل��ك الخب��ز‪ ،‬وم��ن نطحن لك‬ ‫الطحين‪ ،‬ومن نعلم ابنك بالمدارس‬ ‫ومن نبن��ي لك غرفتك‪ ،‬لتضاجع امرأتك بعنف‪..‬‬ ‫حين ترجع من قصفنا‪ ،‬ثم لتنام وينام أطفالك‪..‬‬ ‫بطمأنينة‬ ‫نح��ن نأكل مثلك الجبن مع الش��اي‪ ،‬ونقف على‬ ‫طابور المازوت‪ ،‬ونحتفل بجرة الغاز‬ ‫ونعجن مشاكلنا اليومية بخبر التنور‬ ‫نحن‪ ..‬أنت أيّها الطيار‪ ..‬وقد ضاقت بنا األحوال‬ ‫فاسمح لنا أن نثور‪..‬‬

‫هوية الكاتب‬

‫وإن سألت عن هويتي أيّها الطيار‬ ‫أن��ا واحد م��ن الذي��ن يصف��ون آالم الموتى من‬ ‫األسفل‬ ‫أحاول تصحيح خطأ الطيارين‬ ‫والمس��ؤولين والرؤس��اء الموهومي��ن بأنه��م‬ ‫رؤساء‬ ‫أحاول تحقيق الموازنة‬ ‫بين اإلنسان والمعدن الذي تصنع منه الطائرات‬ ‫بين الكافر ورجل الدين‬ ‫بين الثائر والديكتاتور‬ ‫أح��اول إص�لاح خط��أ الجين��ات‪ ..‬أو المنص��ب أو‬ ‫الموت‬ ‫أحاول أال أكون زرًا بيد من يظنون أنهم فوق‬ ‫أحاول أال أكون أنت أيّها الطيار‪..‬‬

‫جثث ف�ضولية ‪"2‬‬

‫قل لنا أيها الطيار‪..‬‬ ‫قبل أن تصعد للسماء‬ ‫هل كنت تنوي قصف نهدي دمشق؟ التي سقتك‬ ‫الحليب‬ ‫***‬ ‫أيّها الطيار‬ ‫ماذا كنت تتدندن وأنت تكبس الزناد‬ ‫للموت يا أهل الشام؟ يا أهل الراية والشهامة؟‬ ‫إل��ى الجحيم ي��ا حلب الش��هباء؟ يا بل��د المتنبي‬ ‫والقالع المتينة؟‬ ‫وداعًا يا حمص يا بلد الوليد؟ يا بلد الش��هيد؟ يا‬

‫"جمرد �أثر للقذيفة"‬

‫كانت تهمس لخطيبها‪ ..‬في الس��ر عند س��قوط‬ ‫القذيفة المدوية‪..‬‬ ‫طفل تعلم المشي‪ ..‬والقفز من فوق سرير من‬ ‫الشوك‪..‬‬ ‫رجل فش��ل في مصارعة الق��در والذل‪ ،‬لكنه لم‬ ‫ييأس وأصر على البقاء‪..‬‬ ‫تحت هدير الفقر والطائرات التي دفع ثمنها‪..‬‬ ‫طبيب يداوي جراح رجل ال يعرفه‪ ،‬قبل أن يداوي‬ ‫جراحه المميتة‪..‬‬ ‫مهندس بناء مشرد‪ ،‬ليس لديه بيت‪..‬‬ ‫عج��وز ال تتوق��ف ع��ن التك��رار‪ ..‬إن��ه ذنب��ا أننا‬ ‫سكتنا‪..‬‬ ‫حانوت��ي طماع من أصل روس��ي‪ ..‬يبيع األكفان‬ ‫والقذائف بالسوق السوداء‪..‬‬ ‫ف�لاح يقول لزوجت��ه‪ :‬انتظرنا المط��ر‪ ..‬أمطرت‬ ‫قنابل‪..‬‬ ‫أب يعاتب ولده‪ :‬شو كان بدكن بهل شغلة؟‬ ‫أم توص��ي ولدها‪ :‬ال تاخد ش��ي م��ن حدا غريب‬ ‫ماما‪..‬‬ ‫ش��يخ يوص��ي أتباع��ه بالص�لاة وتجن��ب دخول‬ ‫الحمام بالرجل اليمين‪..‬‬ ‫ثائر يش��عر بالذنب ال لموته‪ ،‬بل لموت من حوله‬ ‫من ضعفاء ومكبلين وخائفين‪..‬‬ ‫عانس تق��ول لو أنها تمطر عرس��انا‪ ،‬ثم تتمدد‬ ‫على شكل هدف محتمل‪..‬‬ ‫موظ��ف نال ع�لاوة أو ترقي��ة أو رش��وة‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫عجبكن هيك؟‬ ‫ربم��ا كان هن��اك أح��د الموالين لك أيه��ا الطيار‬ ‫فالقذيق��ة ال تس��تطيع التفريق بي��ن المواليين‬ ‫للموت أو المعارضين‪..‬‬ ‫ش��اب يفتح الفيس��بوك‪ ..‬باسم مس��تعار‪ ..‬عله‬ ‫يخادع الخوف‪ ،‬أو الموت‪..‬‬

‫"هوية الطيار ‪"2‬‬

‫أجسادهم كانت ضخمة‬ ‫واألرض لم تكن لتتحمل خفة دمهم‬ ‫أولئك الصغار‬ ‫من قتلتهم‬ ‫ل��م يكفيه��م رص��اص المرتزق��ة وال خطاب��ات‬ ‫الرئيس وال تجاهل العالمين لوجودهم‬ ‫كانوا بحاجة لقنبلة ضخمة‬ ‫لتسكت ضحكاتهم العمالقة‬ ‫وتثير دهش��ة الق��راء‪ ،‬وترب��ح كل الجرائد التي‬ ‫نشرت الخبر‬ ‫"طيار سوري يقصف أطفاله بالطائرة"‬ ‫***‬ ‫لقد غشك الزجاج‬ ‫وذلك الوحش األجنبي الذي يطير‬ ‫الذي تسكن جوفه‬ ‫الذي يقذف النار كالتنين‬ ‫الذي دمر قريتنا‬ ‫الذي قطع آخر حبل يصل دماءنا ببعضها‬ ‫***‬ ‫ال تنظر لنا في األسفل ونحن نعاني منك‬ ‫فل��و أنك لم تكن تعاني من الداخل لما قررت أن‬ ‫تتحول دروبنا وأخاديدنا وذكرياتك معنا‬ ‫إلى أثر قذيفة‬ ‫***‬ ‫فإن باغتني الموت وأنا أكتب رسالة للطيار الذي‬ ‫يقصفنا‬ ‫نحن الصغار‪..‬‬ ‫***‬ ‫فاعلموا أنه لم يكن أبدًا فوق‬ ‫فوقنا‪..‬‬ ‫***‬ ‫وأن��ي الزل��ت أح��ب الطائ��رات التي تحل��ق نحو‬ ‫األعلى‬ ‫والزلت أحلم بأن أسمو‪ ..‬أن أطير‬ ‫***‬ ‫لكن استخدامي لكلمة طيار‪..‬‬ ‫هو مجرد خطأ بالتعبير‪..‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫نحن قتالك المحليون‪ ..‬الوحيدون‬ ‫نحن الشجرة والنهر والبيت المسكين‬ ‫وبعض المتظاهرين‬ ‫وربما المسلحين‪ ..‬بالصبر‬ ‫نحن قت�لاك الصغار‪ ..‬ل��م نقصد يومً��ا تعكير‬ ‫مزاجك‬ ‫نأس��ف على إزعاجك‪ ..‬إن كنا دبكنا على س��قف‬ ‫داركم يومًا‬ ‫أو كسرنا زجاج بيتك يومًا‪ ..‬بأحالمنا الحادة‬ ‫أو حطمنا لكم مزهرية لألزهار الميتة‬ ‫أو دعسنا بالطين على بالط سطحكم المخالف‬ ‫أو إن كن��ا قضينا تلك الليلة نبكي متألمين‪ ..‬من‬ ‫الرشح أو الجوع أو القذائف‬ ‫هك��ذا نحن أيها الطيار‪ ..‬نعب��ث نمرح نثور على‬ ‫الحياة‪ ..‬نعترض‬ ‫نريد تغيير الرئيس‬ ‫لكننا ال نستحق منك القتل‪..‬‬ ‫نح��ن بالحقيق��ة أطفال��ك أيّه��ا الطي��ار‪ ..‬وق��د‬ ‫طالهم الذل‬ ‫وقد صرخوا‪..‬‬

‫"جثث ف�ضولية"‬

‫وتتساءل تلك الجثة التي أشرقت عند الفجر‬ ‫كيف ترانا من هناك؟ بشرًا نمشي‪ ،‬أم أوبئة؟ أم‬ ‫حشرات خطيرة صغيرة‪ ،‬تستحق الدعس؟‬ ‫ألست مثلنا؟ جثة تأجل قرار إعدامها‪ ..‬إلى إشعار‬ ‫آخر أو ثورة أخرى أو انشقاق آخر؟‬ ‫وهل تملك قرارك أيها المستعبد؟ أيها المجند؟‬ ‫ألم تك��ن يومًا عل��ى األرض أيّه��ا الطيار؟ ألن‬ ‫تع��ود ل�لأرض الت��ي أنجبتك؟ أل��ن تجلس معنا‬ ‫غ��دًا على قه��وة أب��و درويش‪ ،‬لت��روي لنا كيف‬ ‫تبدو بلدنا من فوق؟‬ ‫"نحن الدراوي��ش‪ ..‬جمهورك أيها الطيار العربي‬ ‫السوري‪ ..‬ومشجعينك"‬ ‫من نفخر بك‪ ..‬أمام دول العالم اآلخر‪..‬‬ ‫***‬ ‫"أليس لديك أقارب يقصفهم طيار آخر؟ "‬ ‫"تتساءل جثة محتملة"‬

‫بلد الطيبة والنخوة‬ ‫وداع��ا ي��ا بائ��ع الف��ول والتم��اري والش��عيبيات‬ ‫والفالف��ل والصفيحة والكب��اب؟ ومن أين لتأكل‬ ‫بعدهم يا أيها الطيار؟‬ ‫ومن أي األسواق ستشري ألطفالك المالبس‪ ،‬إن‬ ‫أنت حطمت كل األسواق وقتلت كل الشغيلة؟‬ ‫هل تدري كم عاشق قتلت أيها الطيار؟‬ ‫كم صبية؟‬ ‫كم طفل يحلم ببناء سورية؟‬ ‫ك��م طفل يحلم أن يكون طي��ارًا لينجو ربما مع‬ ‫أهله من جحيمك؟‬ ‫قل لنا أيها الطيار‪ ..‬هل بدلتك العسكرية غالية‬ ‫الثمن؟‬ ‫أغلى من طاولة عشاء؟ ألسرة تناولت القذيفة‬

‫فالموت كان هناك معهم‪ ..‬يلعب بلعب الصغار‪..‬‬ ‫وأنت أيها الطيار‪ ..‬وأنا‪..‬‬ ‫كنا بينهم‪..‬‬ ‫لكن قذيفتنا بالذات‪ ..‬تأجلت أو أخطأت مسيرها‪..‬‬ ‫نحن قصص تروى‪ ..‬نحن الحياة تخنق‪..‬‬ ‫لسنا أثرًا لقذيفة واحدة‪..‬‬

‫أسبوعية‬

‫خط�أ قاتل‬

‫من حيطان سراقب المحررة | منقولة من لوحة للفنان وسام الجزايرلي‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫يكتب الطفل رسالته األولى للطيار‬ ‫بعد أن تعلم الكتابة‬ ‫وقد ظن أن العسكري يحمي الحدود‬ ‫وأهدافه خارج الورقة البيضاء النقية‬ ‫التي تدعى وطن‬ ‫وقد أخطأ الطفل‪ ..‬وأصابت القذيفة‬

‫‪15‬‬


‫�شمع��ة من جرمانا ت�ضامن�� ًا مع الثورة‬ ‫نبض الروح ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪16‬‬

‫بين مؤيد ومع��ارض‪ ،‬متخوف من الثورة‬ ‫وواثق بها‪ ،‬تنام مدينة جرمانا بحذر شديد على‬ ‫أصوات قصف على جيرانها ال يتوقف‪.‬‬ ‫لن تجد أحداً في الش��وارع‪ ،‬ولن يفتح لك‬ ‫أبواب��ه أي مطعم أو محل تجاري بعد العاش��رة‬ ‫مس��ا ًء في المدينة التي اعتادت أال تنام‪ ..‬ترقب‬ ‫حذر بعد سلس��لة م��ن التفجي��رات أودت بحياة‬ ‫مدنيين أبرياء‪.‬‬ ‫أس��ئلة جديرة بالطرح فيم��ا يخص هذه‬ ‫المدينة ذات النس��يج الغن��ي أكثر من أي مكان‬ ‫آخر في سوريا‪ ،‬درزي ومسيحي‪ ،‬علوي وسني‪،‬‬ ‫ك��ردي وأرمن��ي‪ .‬كما يقول أبناؤه��ا دائمًا هي‬ ‫صورة مصغرة عن سوريا‪.‬‬ ‫أو ًال ل��م نأت جرمانا بنفس��ها عن الحراك‬ ‫الش��عبي في س��وريا؟؟ ما س��ر ح��وادث القتل‬ ‫والتفجي��ر الت��ي ش��هدتها مؤخ��راً؟ ه��ل نج��ح‬ ‫النظ��ام بتخويف أهلها عن طريق بث األكاذيب‬ ‫وتغذية الطائفية؟؟ كيف أفش��ل أهالي جرمانا‬ ‫خط��ط النظام إلش��عال فتيل الن��زاع لطائفي‬ ‫مراراً وتكراراً؟‪..‬‬ ‫ولي��س آخر هذه التس��اؤالت م��ا هو رأي‬ ‫أبنائها في كل ما يحص��ل؟ وكيف تم تغييبهم‬ ‫بترك الدور لمجموعة من الش��بيحة المس��لحة‬ ‫بغطاء اللجان الشعبية لتصول وتجول؟‪..‬‬ ‫جواب جميل وراقي اتضح دون حاجة ألي‬ ‫شرح بحملة عنوانها شمعة من جرمانا تضامنًا‬ ‫مع الثورة‪.‬‬ ‫ق��ام به��ذه الحملة مجموعة من الش��باب‬ ‫والش��ابات الذي��ن رفضوا االس��تمرار بالصمت‬ ‫رغ��م كل القي��ود الخانق��ة‪ .‬يعمل��ون بصم��ت‬ ‫وبس��رية تام��ة‪ .‬التقيت بهم ف��ي محاولة لفك‬ ‫غموض ظروف هذه المدينة ذات الوضع الحرج‬ ‫والمعقد ولتبيان حقيقة موقف أبنائها‪..‬‬ ‫لم��ى مهندس��ة م��ن جرمان��ا (‪ ٣٢‬عامًا)‬ ‫أص��رت على عدم ذك��ر اس��مها الحقيقي خوفًا‬ ‫عل��ى أهلها‪ ،‬أب��دت غضبها من تحكم ش��بيحة‬ ‫مس��لحين بمس��تقبل مدينتها‪ ..‬تقول‪ :‬نعيش‬ ‫ف��ي حالة ابت��زاز دائم��ة‪ ،‬يحملوننا مس��ؤولية‬ ‫أي��ة قط��رة دم قد ت��راق ف��ي األي��ام القادمة‪.‬‬ ‫عل��ى الرغ��م م��ن أن نش��اطي يقتص��ر على‬ ‫الفيسبوك لم يتوان بعض الناس ذوي الصالت‬ ‫بالمخابرات بزيارة أهلي وتهديدهم باعتقالي‬ ‫إن لم أتوقف‪ ..‬ما س��بب تضيي��ق عائلي خانق‬ ‫عل��ي‪ .‬لكنني قلبًا وقالبًا مع الثورة ولن أس��امح‬ ‫م��ن منعن��ا عن المش��اركة فيه��ا أب��داً‪ .‬وأقول‬ ‫ألهال��ي الش��هداء س��امحونا ولن نس��كت بعد‬ ‫اليوم سنحاول التعويض بأي شكل‪.‬‬ ‫وعند س��ؤال إحدى الس��يدات المعارضات‬ ‫عن س��بب تأخر الحراك ف��ي جرمانا أجابت‪ :‬هو‬ ‫لم يتأخر‪ ،‬هناك مش��اركات من��ذ البداية ولكن‬ ‫بش��كل س��ري مثل اعتصام الشموع واعتصام‬ ‫الس��يدات وع��دة مظاه��رات طيارة لك��ن كلنا‬ ‫يعلم أث��ر أربعين عام��اً من الترعي��ب والكذب‬ ‫والشحن الطائفي‪ .‬والخوف على ذوي المشارك‬ ‫ه��و أكثر ما حد من هذه المش��اركات بفعالية‪.‬‬

‫ريما القاق‬

‫وبصراحة مطلقة ولألس��ف هن��اك مقولة تنم‬ ‫ع��ن انخف��اض ش��ديد ف��ي الوعي‪ :‬أن الس��نة‬ ‫س��يبيدوننا إن حكموا وهنا يأت��ي خبث النظام‬ ‫ف��ي ب��ث وتغذية ه��ذه األكاذي��ب واللعب على‬ ‫ورقة حمايتنا كأقلية‪.‬‬ ‫كثرت هذه األحاديث في جمعيات النس��اء‬ ‫التي تتبادل األحاديث بأش��كالها البسيطة غير‬ ‫المعالج��ة وهنا يأت��ي دور العق�لاء وأذ ّكر هنا‬ ‫بقائد الثورة الس��ورية الكبرى بس��لطان باشا‬ ‫األطرش‪.‬‬ ‫وعن��د س��ؤالها ع��ن اقتراح��ات لحل هذه‬ ‫المش��كلة الخطيرة أجابت‪ :‬تذكير الناس بثوار‬ ‫منطقته��م وتعاونه��م م��ع غيره��م م��ن ثوار‬ ‫الغوطة وتذكيره��م بأصدقائهم الفعليين من‬ ‫المسلمين وعالقاتهم العائلية مع أسر مسلمة‬ ‫ودحض كذب وافتراءات النظام‪.‬‬ ‫يؤكد أحد شباب المدينة الثائرة (‪ ٢٨‬عامًا)‬ ‫من جهت��ه‪ :‬أن جرمانا لم تك��ن صامتة أو على‬ ‫الحياد بل شهدت مجموعة من النشاطات التي ال‬ ‫ينكر أنها خجولة مقارن ًة مع ما يحدث في باقي‬ ‫المحافظ��ات‪ .‬أما عن الس��بب فيق��ول تهديدات‬ ‫الش��بيحة لنا م��ع علمنا برعونته��م وحيازتهم‬ ‫للسالح واألخطر تغطيتهم وحمايتهم من قبل‬ ‫األمن‪ .‬أضف إلى ذلك تدخل المش��ايخ للحفاظ‬ ‫على الس��لم األهلي فقد جمعونا مع المؤيدين‬ ‫وطلب��وا من الجهتين عدم القي��ام بأي مظاهر‬ ‫أو مس��يرة ولتب��ق جرمان��ا عل��ى الحي��اد حقنًا‬ ‫للدم��اء‪ .‬وه��ذا م��ا حصل ون��ال رض��ا األهالي‬ ‫الذي��ن تملكه��م الرع��ب عل��ى أبنائه��م‪ .‬قبل‬ ‫أن تهت��ز المدين��ة بالقتل والتفجي��رات وعودة‬ ‫نش��اط الش��بيحة وف��ي ه��ذه المرة ل��م تفلح‬ ‫محاوالت المش��ايخ لردعهم ع تس��ليهم الكثير‬ ‫من األس��لحة وقيامهم بالتضييق األمني على‬ ‫الناش��طين الذين اضطروا إلى التخفي والعمل‬ ‫بسرية تامة‪.‬‬ ‫بحم��اس ش��ديد ونف��س ثائر يص��ر أحد‬ ‫فنان��ي جرمان��ا المقيمي��ن ف��ي دب��ي أن وقت‬ ‫الخ��وف ق��د زال إلى األب��د وال وقت بع��د اليوم‬ ‫للصمت والوقوف عل��ى الحياد‪ ،‬ومن الضروري‬

‫إظه��ار الحقيق��ة ألبن��اء جرمان��ا أن الش��بيحة‬ ‫سيجروا المدينة إلى النزاع المسلح‪ ،‬وسيكونوا‬ ‫أداة النظام لمحاربة أبناء الغوطة‪.‬‬ ‫وع��ن دوره يق��ول ش��اركت بالعديد من‬ ‫الفعاليات منذ بداية الثورة إال أن اعتقال بعض‬ ‫أصدقائي والضغط العائلي إليقاف نش��اطاتي‬ ‫والتهديدات األمنية هما ما دفعني إلى السفر‪.‬‬ ‫تل��ح س��يدة عامل��ة وخريج��ة جامعي��ة‬ ‫مش��اركة ف��ي الحمل��ة عل��ى التعتي��م الكامل‬ ‫عل��ى هويته��ا‪ ،‬كم��ا تق��ول‪ ،‬ليس خوف��ًا على‬ ‫نفس��ي وإنما على أوالدي الصغار‪ ..‬وتخبرنا أن‬ ‫المش��كلة األساس��ية من وجهة نظرها انتشار‬ ‫الش��بيحة‪ ،‬ليأتي الضغ��ط االجتماع��ي الهائل‬ ‫بالدرج��ة الثانية‪ .‬وال ترى هذا األمل الكبير في‬ ‫أي نش��اط على األرض بس��بب الحملة األمنية‬ ‫الشرسة في جرمانا واعتقال أي شخص يتجرأ‬ ‫لو بكلمة والتضييق الشديد على الشباب الذي‬ ‫ال تسعها الكلمات لوصفه‪ .‬وتقول خوفي األكبر‬ ‫عل��ى عائلت��ي وأطفالي في ظل ه��ذه األجواء‬ ‫المرعب��ة لق��د اس��تطاع النظ��ام مع الش��بيحة‬ ‫قمعنا وإدخال الرعب إلى حياتنا كما فعل خالل‬ ‫أربعين عام وأكثر‪.‬‬ ‫تختلف م��ع اآلخرين المؤمني��ن بضرورة‬ ‫التح��رك الميدان��ي فتقول‪ :‬ل��ن يرحم��وا أحداً‬ ‫وخصوص��ًا في جرمانا فهم عاد ًة ما يس��لطون‬ ‫الشبيحة على النشطاء‪ .‬وهنا أؤكد على أهمية‬ ‫عمل نشطاء الخارج ومن جهتي أنا راضية عما‬ ‫قدمته لألخ��وة الالجئين‪ ،‬فقد أعطيتهم الكثير‬ ‫من أغراض بيتي وما استطعت توفيره من مال‬ ‫ولي��س لي منة عليهم فهذا أقل ما يجب القيام‬ ‫به لمن فقد بيته ودفء عائلته‪ .‬وأقول لهم‪" :‬يا‬ ‫خجلتنا منكم بس واهلل مو قادرين نعمل شي‬ ‫ندعيلكون ومنساعدكون ع قد ما اهلل بيقدرنا"‬ ‫أحبب��ت أن أنقل الكلم��ات بلهجتها لصدقها في‬ ‫نقل مشاعرها مع بكائها بحرقة‪.‬‬ ‫بالحديث مع مؤسسي المجموعة يؤكدون‬ ‫أن أشياء كثيرة تجمع هؤالء الشباب الغاضبين‪،‬‬ ‫أولها حرصهم على التضامن مع الثوار ودعمهم‬

‫بكل الطرق الممكن��ة‪ .‬ومن جهة أخرى قلقهم‬ ‫عل��ى عائالتهم من بط��ش الش��بيحة وأفخاخ‬ ‫المتفج��رات المتتالية التي يعون أن النظام من‬ ‫يق��ف خلفها في محالة لتجيي��ش أبناء المدينة‬ ‫ضد جيرانهم من الغوطة‪.‬‬ ‫عند سؤال معظمهم عما يقولونه ألمهات‬ ‫الشهداء يأتي لجواب دون تردد‪ :‬أم الشهيد نحنا‬ ‫والدك‪ .‬كما جمعتهم كلهم دون استثناء حمالت‬ ‫التبرع واإلغاثة لكل من طرق أبوب جرمانا‪.‬‬ ‫ناش��طة ش��ابة تصر على متابعة عملها‬ ‫الثوري رغم ما تعرضت له من مضايقات أمنية‬ ‫واجتماعية‪ ،‬وتؤكد على ورق��ة حماية األقليات‬ ‫الت��ي يعلب عليها النظام ع��ن طريق التخويف‬ ‫والتهوي��ل‪ ،‬وتقول‪ :‬برأيي الش��خصي من أول‬ ‫أي��ام الثورة عملن��ا على التس��ويق االجتماعي‬ ‫لث��ورة الكرام��ة‪ ،‬وكنا نس��تذكر ح��االت القتل‬ ‫والتعذي��ب واالعتق��ال‪ ،‬وغالب��ًا ما كان��ت تأتي‬ ‫الردود على الش��كل اآلت��ي (أي صحيح النظام‬ ‫عبيقتل ويسجن بس معو حق‪ ،‬هدول إرهابيين‬ ‫وإس�لاميين‪ ،‬وبده��ن يدبحونا وم��ا يخلوا مننا‬ ‫المخب��ر نحنا بالذات «ال��دروز»)‪ .‬وأنا أعتذر عن‬ ‫هذه الطريقة بالكالم وذكر الطوائف لكن هذا‬ ‫بعض ما سمعناه وال داعي لإلنكار‪ ،‬وأنا ال ألوم‬ ‫أشخاص ش��بعوا من الخوف من اآلخر ألربعين‬ ‫عامًا‪ .‬وعن م��ا قدمته للثورة تقول‪ :‬قمنا بعمل‬ ‫إكسسوارات الثورة‪( ،‬مسابح‪ ،‬عالقات‪ ،‬ركايات‪،‬‬ ‫أطواق‪ ،‬أساور‪ ،‬فناجين) ونقوم ببيعهم ويعود‬ ‫ريعهم للث��ورة‪ ،‬وقدمن��ا أغنية للث��ورة كلمات‬ ‫أخت��ي وغنائي أنا وصديقتي باس��م الش��عوب‬ ‫العربي��ة بدا حرية‪ ..‬عملنا على توزيع مناش��ير‬ ‫وأغص��ان الزيتون‪ ..‬وباإلضاف��ة لحمالت البخ‪..‬‬ ‫ونظ��را لع��دم توف��ر البخ��اخ دائما اس��تخدمنا‬ ‫فحم األركيل��ة بالكتاب��ة‪ ..‬بالنس��بة للنازحين‬ ‫نس��اعدهم حس��ب قدرتن��ا وأخت��ي ممرض��ة‬ ‫تساعد بعض عائالت الالجئين‪ ،‬أي نشاط قمنا‬ ‫ونقوم به هو أق��ل ما يمكن أن نقدمه للثورة‪،‬‬ ‫وه��ي أعم��ال متواضع��ة نس��بة له��ذه الثورة‬ ‫العظيم��ة ولما قدمته باق��ي المدن نحن صغار‬ ‫أمام ما قدمه الش��هداء‪ ،‬ونح��ن جاهزون دائما‬ ‫ألي نشاط يخدم الثورة‪..‬‬ ‫وتوجه رس��الة ألهالي الشهداء «الشهداء‬ ‫نب��ض الثورة وه��م أس��مى م��ن أي كالم‪ ،‬أنا‬ ‫أم كل طفل ش��هيد‪ ،‬أن��ا ابنة كل والد ش��هيد‪،‬‬ ‫وعه��دا علين��ا أن نكمل طريقهم إم��ا الموت أو‬ ‫الحرية»‪..‬‬ ‫تؤك��د صاحبة فكرة الحمل��ة أنها الخطوة‬ ‫األولى وس��يتبعها الكثير م��ن العمل والحب إن‬ ‫كان بحرص ش��ديد خوفاً على نش��طاء الداخل‬ ‫وعائالته��م وتتمنى من الجمي��ع أن يقدر هذه‬ ‫الظروف الت��ي نمر بها المدين��ة وتضيف لكننا‬ ‫اجتمعنا وقررن��ا أن نتحداها ولن نس��مح ألحد‬ ‫أن يغيبن��ا بع��د اليوم‪ ،‬نحن في وقت ال يس��مح‬ ‫لن��ا بإعط��اء أي مب��رر فس��ورية لن تس��امحنا‬ ‫بعد اليوم و ش��كر خاص للدكتور صادق جالل‬ ‫العظم الذي أبدى دعمه لمجموعتنا ونشاطنا‪.‬‬

‫جرمانا أيضًا‬ ‫تنزف مع الثورة‬


‫حازم �صاغية‪ :‬نان�سي لي�ست كارل مارك�س‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬

‫باألرقام المفصّلة والمجملة‪.‬‬ ‫وعل��ى رغ��م أن صاغي��ة تن��اول ف��ي‬ ‫كتاب��ه ثماني��ة وثالثي��ن نص��اً متفاوتًا في‬ ‫حجم��ه وتاري��خ كتابته‪ ،‬إال أن ه��ذا التفاوت‬ ‫ف��ي الزم��ان والم��كان‪ ،‬ل��م ينتق��ص م��ن‬ ‫خلفيت��ه الفكري��ة الواحدة الت��ي تؤالف بين‬ ‫عديده��ا‪ ،‬وتدور حول المعان��ي التي تنضح‬ ‫به��ا‪ ،‬أو تكتمها الحياة العربي��ة الواقفة عند‬ ‫الهوامش الخطرة‪.‬‬ ‫أيضاً كان للفضائيات العربية نصيبها‬ ‫تح��ت عنوان "فضائيات الع��رب" مركزاً على‬ ‫"فضائي��ة الجزيرة" ألن معظم أجزاء المقال‬ ‫عنه��ا‪ ،‬باعتبارها الح��زب السياس��ي األكثر‬ ‫ش��عبية اآلن في العال��م العربي‪ ،‬ويس��هب‬ ‫صاغي��ة في ال��كالم عن الطف��رة الفضائية‬ ‫وإيجابياتها وس��لبياتها‪ ،‬فهي وس��عت األفق‬ ‫وأفادت من زميالتها الغربية‪ ،‬لكن السلبيات‬ ‫أكث��ر ـ في رأيه ـ حيث‪ :‬التس��ييس العصبي‬ ‫المبال��غ في��ه‪ ،‬إث��ارة حالة حربي��ة أكثر منها‬ ‫إعالمية‪ ،‬وحرية التعبير تحمل دائماً بصمات‬ ‫االنفج��ار الفضائح��ي‪ ،‬االرتب��اط بس��لوك‬ ‫الحكومة‪ ،‬العنصري��ة المضمرة التي تصف‬ ‫م��ن يس��قط منا بلق��ب ش��هيد مقابل عدم‬ ‫الترح��م عل��ى القتي��ل المدني م��ن الطرف‬ ‫اآلخر وغير ذلك‪.‬‬ ‫ومن ثمّ ختم صاغية كتابه بمقالة عن‬ ‫كارل ماركس بعدم��ا عرض مقاالت عديدة‬ ‫ع��ن عبد الحليم حافظ وعم��رو دياب وإديث‬ ‫بياف ومحمد عل��ي كالي وهيالري كلينتون‬ ‫وماكدونالدز والس��يجارة وأحم��د فؤاد نجم‬ ‫وفضائي��ات العرب‪ ،‬الس��يجارة‪ ،‬ماكدونالدز‪،‬‬ ‫بارب��ى‪ ،‬جيفارا‪ ،‬محمود دروي��ش‪ ،‬وأمريكا‪،‬‬

‫كلينت��ون‪ ،‬العدو‪ ،‬والمافي��ا‪ .‬وغيرها‪ ...‬هكذا‬ ‫كان الربط بين نانسي عجرم بطلة المقالة‬ ‫األولى وكارل ماركس بطل المقالة األخيرة‬ ‫من الكت��اب لعب��ة ذكية تقصدّه��ا صاغية‬ ‫ف��ي عنوان��ه إلضف��اء المزيد م��ن الجاذبية‬ ‫ّ‬ ‫والتهكم ربما‪...‬‬ ‫والدهشة‬ ‫بتخريج ب��ارع وذكي كهذا‪ ،‬يجد صاغية‪،‬‬ ‫لنفس��ه ولقارئه‪ ،‬تأوي ًال مش��وِّقًا لفكرة جمع‬ ‫مق��االت متنوعة ف��ي كتابه‪ ،‬وه��ي "تتفاوت‬ ‫حجم��ًا وزمنًا‪ ،‬لكنها ت��رواح كلها ف��ي الرقعة‬ ‫الممت��دة بي��ن السياس��ي والثقاف��ي‪ ..‬وتعلن‬ ‫بطريقته��ا أن المقدم��ات على رأس��نا‪ ،‬وعلى‬ ‫رأسنا المؤخرات كذلك"‪ ،‬بحسب التمهيد ذاته‪.‬‬ ‫الفكرة الجوهرية هي أن القارئ مدعوٌّ‬ ‫إلى تذوق الطريقة التي يعرض فيها صاغية‬ ‫موضوعاته‪ ،‬وليس الموضوعات فقط‪ .‬كيف‬ ‫يعلق عليها ويناقشها‪ ،‬وبأي نبرة‪ .‬ثمة متعة‬ ‫يستشعرها القارئ وهو يراقب كيفية تقليب‬ ‫األفكار والظواهر عل��ى وجوهها المختلفة‪.‬‬ ‫كت��اب صاغية‪ ،‬بهذا المعنى‪ ،‬هو ابن لحظته‬ ‫الثقافية والسياس��ية‪ ،‬وصاحبه يُظهر قدرة‬ ‫ومهارات فريدة على اس��تقبال ما يحدث في‬ ‫العال��م والتفاعل معه‪ .‬و الكتاب إجما ًال يفتح‬ ‫أفق��ًا للح��وار بين هن��ا وهناك‪ ،‬بي��ن العرب‬ ‫والغ��رب‪ ،‬بي��ن القي��م التقليدي��ة والحداثة‪،‬‬ ‫ويعي��د النظر ف��ي بديهي��ات كثي��رة تحكم‬ ‫تفكيرن��ا ومواقفنا‪ .‬وإن تفاوتت مقاالته في‬ ‫الكثافة‪ ،‬األرشفة‪ ،‬الومضات التحليلية‪ ،‬عدم‬ ‫االنضب��اط المنهجي‪ ،‬وتحي��زات الكاتب غير‬ ‫الخفية ف��ي المعالجة‪ ،‬يبق��ى صاغية قادراً‬ ‫على إثارة االهتمام ثم اإلعجاب‪ ،‬س��واء من‬ ‫خالل زاويته الصحفية‪ ،‬أو من خالل مؤلفاته‬ ‫المتعاقبة‪.‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫أول م��ا يعتري المش��اهد لغالف كتاب‬ ‫"ح��ازم صاغي��ة" الجدي��د "نانس��ي ليس��ت‬ ‫كارل مارك��س" الص��ادر عن "دار الس��اقي"‬ ‫هو ش��عور الصدمة‪ .‬هذا الجمع بين الفنانة‬ ‫اللبناني��ة‪ ،‬والفيلس��وف األلمان��ي‪ ،‬والمو َقع‬ ‫من الكاتب والصحفي الممتاز حازم صاغية‬ ‫يبع��ث على الدهش��ة‪ .‬يجذب العن��وان حتى‬ ‫اولئك الذين يزدرون الثقافة‪ .‬أو حتى اولئك‬ ‫الذين يزدرون الفنّ "الهابط" على ما يسميه‬ ‫النق��اد الفنيون‪ .‬فخليط نانس��ي‪ -‬ماركس‪،‬‬ ‫يضعنا أمام جدال الثقافتين النقيضتين‪ ،‬إذ‬ ‫يفتتح في مقدم��ة كتابه "كتب أحدهم ذات‬ ‫م��رة ناعيًا "الزم��ن العربي ال��رديء"‪ ،‬فكان‬ ‫مَ َثل��ه المُفح��م أن "مؤخرة نانس��ي عجرم‬ ‫أصبح��ت أهم م��ن مقدّم��ة ابن خل��دون"‪.‬‬ ‫والح��ال أن المقارنة الس��اخرة والمرّة هذه‬ ‫ال تخلو من وجاهة تحمل على االس��تفظاع‪:‬‬ ‫في��ا للهول حي��ن تصير تل��ك المؤخرة أهم‬ ‫م��ن تل��ك المقدّمة‪ ..‬لكن‪ ،‬ف��ي المقابل‪ ،‬يا‬ ‫لله��ول حين تصبح مقدّمة اب��ن خلدون‪ ،‬أو‬ ‫مقدّم��ة كارل مارك��س في نق��د االقتصاد‬ ‫السياس��ي‪ ،‬أهم من مؤخّرة نانسي عجرم‪،‬‬ ‫ومن مؤخرات مماثلة"‪.‬‬ ‫صاغي��ة هن��ا ال ي��زدري أي��اً منهما‪ ،‬بل‬ ‫يضعهم��ا في مص��اف متص��ل‪ .‬ف�لا مؤخرة‬ ‫نانس��ي عجرم أهم م��ن مقدمة ابن خلدون‪،‬‬ ‫وال مقدم��ة اب��ن خل��دون أه��م م��ن مؤخرة‬ ‫نانس��ي أو س��واها من المؤخرات‪" ،‬فيا للهول‬ ‫حي��ن تصي��ر تل��ك المؤخ��رة أهم م��ن تلك‬ ‫المقدّمة‪ .‬لكن‪ ،‬ف��ي المقابل‪ ،‬يا للهول حين‬ ‫تصبح مقدّمة اب��ن خلدون‪ ،‬أو مقدّمة كارل‬ ‫ماركس ف��ي نقد االقتصاد السياس��ي‪ ،‬أهم‬ ‫م��ن مؤخّرة نانس��ي عجرم‪ ،‬وم��ن مؤخرات‬ ‫مماثلة"‪ ،‬على قول ح��ازم صاغية في كتابه‪،‬‬ ‫ه��و ج��دال المقدم��ات والمؤخ��رات‪ ،‬يطرحه‬ ‫حازم صاغية في عنوان موف��ق جداً‪ .‬يذ ّكرنا‬ ‫هذا الج��دال بقول أحده��م إن اإلبداع يحتاج‬ ‫إلى مؤخرة‪ ،‬أي إلى الجلوس مطو ًال للكتابة‪.‬‬ ‫بداي�� ًة أه��دى صاغية كتاب��ه إلى "مي‬ ‫وجوزيف وصالح"‪ ،‬دون إسنادهم إلى أسماء‬ ‫العائلة‪ ،‬ربم��ا للتحبب والحميمي��ة‪ ،‬ولمن ال‬ ‫يعرفهم س��يطالع في الكت��اب ثالثة رثاءات‬ ‫مؤث��رة معنون��ة بأس��مائهم‪ :‬م��ي غصوب‪،‬‬ ‫جوزي��ف س��ماحة‪ ،‬وصال��ح بش��ير‪ ،‬وه��ي‬ ‫رث��اءات تمزج ما بين المعرف��ي والعاطفي‪،‬‬ ‫العام والخ��اص‪ ،‬دون أن تتورط في الرتابة‬ ‫التقليدية للرثاء أو األرش��فة التاريخية لمن‬ ‫يرثيه��م‪ .‬فاألولى هي زوجة الكاتب نفس��ه‬ ‫وهي كاتبة لبنانية ومؤسس��ة "دار الساقي"‬ ‫ناش��ر الكتاب‪ ،‬والتي رحل��ت في عمر الـ ‪،54‬‬ ‫والثاني صحفي لبنان��ي المع رحل في عمر‬ ‫الـ ‪ 58‬والثالث صحفي وكاتب تونس��ي رحل‬ ‫ف��ي عمر الـ ‪ ،57‬وتلك المعلومات ال يوفرها‬ ‫الكت��اب‪ ،‬ربم��ا ألن المقاالت نش��رت مؤرخة‬ ‫في الجريدة وفي أجواء التعزية لكنها ليست‬ ‫كذلك في الكتاب‪.‬‬ ‫الكت��اب عب��ارة ع��ن سلس��لة مق��االت‬ ‫منفصل��ة – متصلة بتيم��ة فكرية متعمّقة‬ ‫في اليوميات‪ .‬تتناول الهوامش المش��تركة‪،‬‬ ‫والكثي��رة‪ ،‬بي��ن السياس��ي والثقافي‪ ،‬حيث‬ ‫"تتش��كل الحي��اة وتُح��رز معناه��ا"‪ .‬م��ن‬ ‫نانس��ي عج��رم‪ ،‬إلى عب��د الحلي��م حافظ‪،‬‬ ‫عم��رو دي��اب‪ ،‬ومحم��د عل��ي كالي‪ ،‬ينتق��ل‬ ‫إلى بي��روت والكاميرا و"ثقاف��ة" المعارضة‬ ‫اللبنانية‪ .‬يحضر أيض��اً األصدقاء واألحبّاء‪،‬‬ ‫األحي��اء منه��م وم��ن غ��ادر‪ ،‬كل منهم في‬ ‫مقال أو نص‪ .‬أش��خاص عرفهم الكاتب عن‬ ‫كثب‪ ،‬رفاق حي��اة وأف��كار‪ ..‬وأحيانًا اختالف‪.‬‬ ‫وثمة أش��خاص عامّ��ون‪ ،‬كالقضايا العامة‪،‬‬

‫تتناولهم النصوص بخاصيّة ش��خصياتهم‬ ‫وانتماءاته��م وأدائه��م‪ .‬هي�لاري كلينتون‪،‬‬ ‫وتش��ي غيف��ارا‪ ..‬وحت��ى "ماكدونال��دز"‬ ‫و"بارب��ي"‪ ،‬كأنه��م أف��راد بحي��وات‪ ،‬تتأث��ر‪،‬‬ ‫وتؤثر في من حولها‪.‬‬ ‫يض��يء صاغي��ة ف��ي كتاب��ه ال��ذي‬ ‫يط��وّف فيه خالل أعوام عديدة‪ ،‬على وقائع‬ ‫الثقافة والسياس��ة والفن‪ .‬عاق��داً أواصر ال‬ ‫تراه��ا العين‪ ،‬بين أح��داث وعالمات وصور‪،‬‬ ‫تب��دو لوهلة أولى غير متآلفة أو متجانس��ة‬ ‫وظيفي��ًا وداللي��اً‪ ،‬أو غي��ر ذات مكان��ة أو‬ ‫ج��دوى‪ .‬وينتق��ل م��ن الش��رق إل��ى الغرب‪،‬‬ ‫وإن كان��ت حص��ة الش��رق والع��رب حص��ة‬ ‫األسد‪ .‬ويرصد خطوط التواصل التي تربط‬ ‫بي��ن التغري��ب والتعري��ب‪ ،‬وبي��ن الذك��ورة‬ ‫واألنوث��ة‪ ،‬وبي��ن المحلي��ة واألممي��ة‪ّ .‬‬ ‫ولعل‬ ‫صاغية أحد المثقفي��ن العرب األكثر صالبة‬ ‫ف��ي إص��راره على ض��رورة عق��د التواصل‬ ‫الكوني بين الثقاف��ات‪ .‬ومنذ كتابه "ثقافات‬ ‫الخميني��ة" عام ‪ ،1995‬أو م��ا قبل ذلك‪ ،‬دعا‬ ‫إلى تمتين ه��ذا التواصل‪ ،‬حيث كلما تطوّر‬ ‫الزمن تآزرت ه��ذه العناصر وصلب عودها‪،‬‬ ‫وتعاظم التقارب الثقافي بين الشعوب‪ .‬ولم‬ ‫يعد للعالم الثالث وللعرب‪ ،‬على وجه أخص‪،‬‬ ‫أي مهرب م��ن التعايش مع األفكار واألدوات‬ ‫الغريب��ة المصدر وحضّ العقل العربي إلى‬ ‫االنتقال من الواقع المحلي الضيق‪ ،‬إلى واقع‬ ‫أوسع منه‪ ،‬يستطيع أن يتأثر به ويؤ ّثر فيه‪.‬‬ ‫مث��ل ه��ذه العولم��ة الفكري��ة الت��ي‬ ‫يطرحها صاغية تتطل��ب تبنّيًا لقيم جديدة‬ ‫وثقافة متطورة‪ ،‬ونظرة واس��عة لما يُحدق‬ ‫بن��ا واحت��كاكًا حتمي��اً م��ع تط��ورات تقنية‬ ‫واقتصادية‪ ،‬والخضوع لمواصفات مفروضة‬ ‫تت�لاءم مع تحوالت ال يمك��ن اإلغضاء عنها‪.‬‬ ‫وعل��ى رغ��م أن��ه لم يف��رد لموض��وع هذه‬ ‫العولم��ة في كتابه الجدي��د إ ّال مقالة واحدة‬ ‫م��ن خم��س صفح��ات‪ ،‬إ ّال أن موضوعات��ه‬ ‫جميعاً ال تعدم صلة بحبلها السُ��ري‪ .‬عولمة‬ ‫يس��تهين به��ا بع��ض المثقفين الع��رب‪ ،‬أو‬ ‫يتص��دّون له��ا بما ت��آكل من ش��عاراتهم‪،‬‬ ‫وتهاف��ت م��ن مقوالتهم‪ .‬وه��ي التي بلغت‬ ‫شأنًا عظيماً‪..‬‬ ‫ول��و قرأن��ا لصاغي��ة مقارنت��ه عم��رو‬ ‫دي��اب بعب��د الحليم حافظ‪ ،‬الكتش��فنا كيف‬ ‫أن التط��ور التقن��ي‪ ،‬ومفاعي��ل العولم��ة‪،‬‬ ‫وتطور الس��وق‪ ،‬واالنتقال من الطبيعي إلى‬ ‫الصناعي‪ ،‬ومن الصًورة األصلية إلى النسخ‬ ‫المتك��ررة‪ ،‬وف��ر لعم��رو دياب ما ل��م يوفره‬ ‫لعب��د الحلي��م حاف��ظ‪ ،‬م��ن رواج عالمي أو‬ ‫ش��به عالمي‪ ،‬من خالل اتساع مساحة اللغة‬ ‫البصري��ة التي غطاه��ا الفيديو كليب‪ ،‬ومن‬ ‫خ�لال تس��ليع الف��ن‪ ،‬أو تصنيع��ه لمصلحة‬ ‫منظمي الحفالت والممولين والمراهنين‪.‬‬ ‫وعندما يتناول ظاهرة نانس��ي عجرم‬ ‫وطريقة غنائه��ا وحركاتها‪ ،‬فإنه يلتفت إلى‬ ‫صورته��ا الملتبس��ة بين طفولة مترسّ��بة‬ ‫في نظراتها‪ ،‬وفتنة حس��ية‪ ،‬صنعتها أدوات‬ ‫التجميل الحديثة الت��ي أضفت عليها أنوثة‪،‬‬ ‫تتناس��ب مع صورة الم��رأة الحديث��ة‪ ،‬لكنها‬ ‫تظل عُرضة للتجاذب بين مالمح الشهوانية‬ ‫المكتسبة‪ ،‬والبراءة الطفولية الموروثة‪.‬‬ ‫وم��ا يمكن التنوي��ه به هن��ا‪ ،‬أن حازم‬ ‫صاغي��ة ف��ي كل ما كتبه‪ ،‬تحاش��ى التنظير‬ ‫والتجريد والتعميم‪ ،‬فأغنى مقاالته بتقصي‬ ‫سير الش��خصيات‪ ،‬وح ّلل ظروفها ودوافعها‬ ‫وطباعه��ا‪ .‬وح��دد لبعض الظاه��رات الفنية‬ ‫أو االجتماعية أو السياس��ية أزمنة نش��وئها‪،‬‬ ‫ومراح��ل تطوره��ا‪ ،‬وأحيان��ًا حرك��ة دورتها‬ ‫االقتصادية‪ ،‬ومردودها من العائدات المالية‬

‫قراءة في كتاب ‪. .‬‬

‫ياسر مرزوق‬

‫‪17‬‬


‫�إنهم ال�سوريون وه��م يح�صون جمازرهم‬ ‫حكايا الثورة ‪. .‬‬

‫«جديدة عرطوز»‪..‬‬ ‫جميع اجلثث كانت بالبيجامات‬

‫روزا ياسين حسن‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪18‬‬

‫رغ��م الدخ��ان القات��م ورائح��ة‬ ‫الحرائق التي تعمّ الجو فوقنا‪ ،‬قال لي‬ ‫ابن عمي‪« :‬انزل لنرى ما حدث»‪ .‬كانت‬ ‫قد مرّت س��اعات ونح��ن مختبئون في‬ ‫بيوتن��ا‪ ،‬فئ��ران مذع��ورة ال نجرؤ على‬ ‫الخ��روج‪ .‬قال��وا إنهم يقتل��ون كل من‬ ‫يخرج من الح��ارة القديمة في «جديدة‬ ‫عرط��وز»‪ !1‬وكانت ثمة بي��وت تحترق‬ ‫حولن��ا منذ صباح الي��وم الجمعة‪ .‬رأيت‬ ‫سحب الدخان وشممت رائحتها‪.‬‬ ‫باتج��اه بس��اتين الزيت��ون كان��ت‬ ‫مجموع��ات م��ن النس��اء واألطف��ال‬ ‫ته��رول‪ ،‬القلي��ل م��ن الرج��ال معهم‪،‬‬ ‫ولحقناه��م‪ .‬كان يب��دو أنه��م يلهثون‬ ‫باتج��اه مح��دد‪ ..‬هن��اك قريب��اً م��ن‬ ‫البس��اتين كانت وجهته��م‪ ،‬فقد وقفت‬ ‫س��يارات الس��وزوكي ق��رب بعضه��ا‪.‬‬ ‫كانت س��يارات مليئة بالجث��ث المغطاة‬ ‫بحرام��ات وشراش��ف ملونة‪ ،‬عش��رات‬ ‫الحرام��ات الملون��ة الهاجع��ة‪ .‬صع��دت‬ ‫امرأة م��ن الراكضات إلى الس��وزوكي‪،‬‬ ‫رفعت ثوبها الطويل األس��ود واندسّت‬ ‫بي��ن الجثث‪ ،‬وص��ارت ترف��ع الحرامات‬ ‫عن وج��وه القتل��ى‪ :‬ح��رام وراء حرام‪،‬‬ ‫تعي��ده لترفع اآلخ��ر‪ .‬الجثة الخامس��ة‪،‬‬ ‫الت��ي كانت تفتح عينيها على س��عتهما‬ ‫باتجاه الس��ماء‪ ،‬كانت جثة زوجها على‬ ‫ما يبدو‪ ..‬لم أعرف المرأة‪ ،‬قالوا لي إنها‬ ‫م��ن عائلة «مربي��ة»‪ ،‬ولكنه��ا طوّقت‬ ‫الوجه الش��احب وراحت تشتم وتصرخ‬ ‫م��ن دون بكاء‪ ..‬كان ل��ون وجهها قريبًا‬ ‫من لون وجهه!‬ ‫أح��د ش��باب عائل��ة «ب�لال» كان‬ ‫يرك��ض بي��ن الس��وزوكيات‪ ،‬رأيت��ه‬ ‫قادمًا من بعي��د مرتديًا بيجاما‪ .‬ثم راح‬ ‫يرفع الح��رام هذا ويرف��ع الحرام ذاك‪،‬‬ ‫وخ��ال تمامًا‬ ‫وجهه كان ش��احبًا كش��بح‬ ‫ٍ‬ ‫م��ن التعابي��ر‪ .‬أردت أن أنادي��ه أللق��ي‬ ‫التحية عليه‪ ،‬رغم أن��ه ال مكان للتحية‬ ‫اآلن‪ ،‬لكن��ه كان قد رف��ع حرامًا آخر ثم‬ ‫جلس على األرض‪ ،‬وراح يبكي بصوت‬ ‫عال‪ ،‬ممس��كاً برأس��ه بي��ن يديه‪ .‬حين‬ ‫ٍ‬ ‫اقترب��ت من��ه كان «عبد الق��ادر بالل»‬ ‫ممدداً هناك‪ .‬ال يش��به من أعرفه أبداً‪،‬‬ ‫يش��به دمية محزوزة العن��ق‪ ،‬متفاجئة‬ ‫ومخيفة‪.‬‬ ‫األق��دام ش��احبة وجاف��ة تبدو من‬ ‫تح��ت الحرام��ات! ورأيت اب��ن جيراننا‪،‬‬ ‫ذاك الش��اب األس��مر‪ ،‬نس��يت اس��مه‪،‬‬ ‫وعين��اه تنظ��ران بثب��ات إل��ى ف��وق‪.‬‬ ‫قربه «فاروق البقاعي» ممدداً‪ ،‬رأس��ه‬ ‫مفتوحة‪ ،‬ودماغه خارج منها على أرض‬

‫الس��وزوكي‪ .‬يبدو أنهم ضرب��وه كثيراً‬ ‫منذ اعتقال��ه يوم األربعاء قبل يومين‪،‬‬ ‫فقد كانت أقدام��ه حافية ومتورمة من‬ ‫تحت الشرش��ف األبيض الذي ّ‬ ‫يغطيه‪،‬‬ ‫والبيجاما التي يرتديها ملوثة بالدم‪.‬‬ ‫كان ثم��ة حرام أحمر يضمّ ش��ابًا‬ ‫من عائلة «الس��ماوي» يرت��دي بيجاما‬ ‫أيضاً‪ ،‬وح��رام آخر كان مزين��اً بالورود‬ ‫مليئ��اً بنث��رات الفح��م‪ .‬حينم��ا رفع��ه‬ ‫أحدهم رأيت أكتاف ش��اب وفوقها كتلة‬ ‫م��ن الفحم «المكرنش��ة»‪ ،‬كان ينبغي‬ ‫أن تكون رأس��ه! دماغ��ه كان متفحّماً‪،‬‬ ‫ومازالت رائحة الش��واء تعبق في الجو‬ ‫حولها‪ .‬قالوا إن��ه «طارق بالل» أو ربما‬ ‫«خالد البقاعي» ألن االثنين تم حرقهما‬ ‫كما ش��اع‪ ،‬وكان ثمة س��بعة عشر شابًا‬ ‫قتل��وا خ�لال اليومي��ن الس��ابقين من‬ ‫عائلة «البقاعي» وحدها‪ .‬ثم أتى رجل‬ ‫ال أعرفه‪ ،‬وتعرّف على الجثة المحترقة‬ ‫من ش��حّاطتها وبيجامته��ا‪ ..‬كان ابنه‪،‬‬ ‫هذا ما كان يهذي به وهو يلطم قربه‪.‬‬ ‫«من بيت مين يا عمي؟»‪..‬‬ ‫صاحوا وهو ال يردّ‪ ..‬من بيت مين‬ ‫يا حج؟!!»‪ .‬ولم يردّ أيضًا‪.‬‬ ‫جمي��ع الجث��ث كان��ت ترت��دي‬ ‫بيجامات! فقد كانت في بيوتها س��اعة‬ ‫اعتقاله��ا أو موتها‪ .‬أنا أيضاً كنت أرتدي‬ ‫بيجام��ا وابن عمي كذل��ك‪ .‬وكنا مازلنا‬ ‫ف��ي البيجام��ات حين وقفن��ا مذهولين‬ ‫بجانب المقب��رة الجماعية‪ ،‬تلك الحفرة‬ ‫الطولية التي تم استحداثها بين أشجار‬ ‫الزيتون لتستوعب كامل الضحايا الذين‬ ‫فقدته��م «الجديدة» خالل يومين‪ .‬كان‬ ‫ثمة شيخ عجوز يقول لسائل‪:‬‬ ‫«ل��م ندفنهم في مقب��رة الضيعة‬ ‫حت��ى ال يعدّوا لنا كميناً ويقتلوا المزيد‬ ‫منا‪ ..‬س��ندفنهم هنا من دون تش��ييع‪..‬‬ ‫شبعنا موت‪ ..‬حاج بيكفي‪» ..‬‬ ‫ونحن هناك نش��هد تنزيل الجثث‬ ‫بجانب الجثث ص��رخ أحدهم من بعيد‪:‬‬ ‫«جث��ة أخرى مرمية قرب الخزان‪ ..‬ياهلل‬ ‫ي��ا ش��باب» فانطلق��ت س��وزوكي م��ع‬ ‫شابين إليها‪.‬‬ ‫المج��زرة أم��ر س��هل ج��داً‪ ..‬ه��ذا‬ ‫ما اكتش��فته‪ .‬م��ن الس��هل أن ترتكب‬ ‫المج��ازر في بالدن��ا‪ .‬حاص��ر المنطقة‬ ‫وادخ��ل لتقت��ل الن��اس‪ .‬رصاص��ة‬ ‫رصاصة‪ ..‬طق ط��ق‪ ..‬وينتهي األمر‪ .‬ال‬ ‫يوج��د ع��زاء‪ ،‬ال يوجد تش��ييع‪ ،‬ال يوجد‬ ‫أحد في الشوارع‪ ..‬هكذا تكون المجازر‪،‬‬ ‫وكل م��ا تترك��ه للباقي��ن رائحة خوف‬

‫حامضة تمأل الفضاء‪.‬‬ ‫ه��ذا ج��زء م��ن رواي��ة (ن) عم��ا‬ ‫حصل في «جدي��دة عرطوز» وهو من‬ ‫س��كانها‪ .‬لك��ن حينما ستس��أل عنصراً‬ ‫من النظام عن س��بب مج��زرة «جديدة‬ ‫عرطوز» س��يقول إنها بس��بب ما فعله‬ ‫«اإلرهابي��ون» م��ن ض��رب لمخف��ر‬ ‫الش��رطة هن��اك‪ .‬وكي��ف أخ��رج الثوار‬ ‫المسلحون بعض العناصر من المخفر‬ ‫وقتلوه��م‪ ،‬ثم دخلوا وفج��روا المخفر‪.‬‬ ‫كم��ا أنهم وفي يوم األح��د ‪ 7/29‬قتلوا‬ ‫عمي��داً وعنصرين من عناصره‪ ،‬وظلت‬ ‫جثته حوالي الساعتين في السيارة من‬ ‫دون أن يأتي أحد ليأخذها‪.‬‬ ‫لكن المجزرتي��ن اللتين وقعتا في‬ ‫«الجدي��دة» ي��وم األربع��اء ‪ 8 / 1‬ويوم‬ ‫الجمع��ة ال��ذي يلي��ه‪ ،‬لم تحص�لا بين‬ ‫صف��وف الث��وار المس��لحين‪ ،‬كانوا قد‬ ‫انس��حبوا من كامل المنطقة‪ .‬المجزرة‬ ‫طالت الش��باب الذين ف��ي بيوتهم‪ ،‬فلو‬ ‫كانوا مس��لحين لما حدث��ت المجزرتان‬ ‫هكذا بمنتهى البس��اطة‪ .‬قب��ل حوالي‬ ‫األس��بوعين‪ ،‬مث� ً‬ ‫لا‪ ،‬ف��ي أول ي��وم في‬ ‫رمضان بدأت مداهمة «جديدة عرطوز»‬ ‫بف��وج ‪ 100‬م��ع عناصر «المس��اكن»‪،‬‬ ‫ومعهم ثالث دبابات تمركزت في شارع‬ ‫الج�لاء وش��ارع غالب مربي��ة ومنطقة‬ ‫البساتين‪ .‬فحصلت اشتباكات قتل على‬ ‫إثرها اثنا عشر عنصراً من أمن النظام‪،‬‬ ‫كم��ا اس��تولى الث��وار عل��ى س��يارتين‬ ‫عسكريتين ورشاش «دوشكا»‪.‬‬ ‫األمن السوري أخذ عناصره الذين‬ ‫قتل��وا في ذل��ك اليوم‪ ،‬عم��ل على نزع‬

‫ثيابهم العسكرية‪ ،‬وتركهم بالمالبس‬ ‫الداخلي��ة‪ .‬وخ�لال لحظ��ات خرج��ت‬ ‫الكامي��را من الدبابة‪ ،‬ثم صورت الجثث‬ ‫المتراكم��ة وذهبت مع الدباب��ات‪ .‬فيما‬ ‫بع��د عُرضت تلك الص��ور في اإلعالم‬ ‫الس��وري عل��ى أنه��ا لمجموع��ة م��ن‬ ‫اإلرهابيين قام النظام بتصفيتهم!‬ ‫بع��د س��اعتين م��ن االش��تباكات‬ ‫ت��م اعتق��ال الطبي��ب زي��اد البقاع��ي‪،‬‬ ‫والش��اب يوس��ف غنيم‪ ،‬وهو نجار من‬ ‫س��كان الجديدة عمره ال يتجاوز الثانية‬ ‫والعش��رين‪ .‬يوس��ف غني��م كان ش��ابًا‬ ‫فاتح اللون بش��عر أصه��ب‪ ،‬بعد مقتله‬ ‫عُرض��ت ص��وره في اإلعالم الس��وري‬ ‫على أس��اس أن��ه مجاه��د أفغاني أتى‬ ‫للجهاد في سوريا!‬ ‫األربع��اء ‪ 8/1‬صباحًا ب��دأت بوادر‬ ‫المجزرة األولى‪.‬‬ ‫س��اد هدوء ش��ديد ف��ي المنطقة‪،‬‬ ‫ل��م تُقط��ع الكهرب��اء كالع��ادة ذل��ك‬ ‫الي��وم‪ ،‬وبقيت طائ��رة هليكوبتر تدور‬ ‫في الس��ماء فوق «الجديدة» ألكثر من‬ ‫خمس س��اعات‪ ،‬بع��د أن أطل��ق الفوج‬ ‫‪ 100‬خم��س قذائ��ف عل��ى مش��ارف‬ ‫الجديدة باتجاه البس��اتين عند س��اعات‬ ‫الفجر األولى‪.‬‬ ‫الس��اعة الثالثة بع��د الظهر دخلوا‬ ‫«جدي��دة عرط��وز»‪ :‬آالف العناص��ر‬ ‫وعش��رات الدبابات‪ .‬كان��ت عناصر من‬ ‫الفرق��ة الرابع��ة تؤازره��م‪ ،‬يضع��ون‬ ‫ش��ارات بيضاء على أيديهم وخوذهم‪.‬‬ ‫وص��ار الن��اس ي��دورون عل��ى البيوت‬


‫حكايا الثورة ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫ق��دّرت‪ ،‬كوّموهم وه��م مقيدو األيدي‬ ‫إلى خل��ف ظهورهم‪ ،‬وراحوا يدعس��ون‬ ‫عليه��م‪ ،‬ويزعق��ون صائحي��ن‪« :‬بدكن‬ ‫حري��ة؟«‪ ...‬ويش��تمون ويش��تمون‪.‬‬ ‫أصواتهم الزاعقة والصمت المحيط ظ ّال‬ ‫يالحقانني وأنا أهرب باتجاه المجهول‪.‬‬ ‫فيم��ا بع��د عرف��ت ب��أن س��بعة‬ ‫عش��ر ش��اباً ت��مّ اختياره��م ليذهبوا‬ ‫إلى مدرس��ة «غالب مربي��ة الجديدة»‪.‬‬ ‫أخذوه��م مع الدبابات والعناصر‪ .‬وحين‬ ‫لم يس��تطيع عناصر النظ��ام فتح باب‬ ‫المدرس��ة‪ ،‬اقتحموه��ا بالدبابة وفتحوا‬ ‫ثغ��رة فيه��ا‪ .‬م��ا زال��ت الثغرة ش��اهدة‬ ‫حتى اليوم‪ .‬هناك ّ‬ ‫صفوا الش��باب على‬ ‫حائ��ط المدرس��ة الداخل��ي‪ ،‬وضع��وا‬ ‫كنزاتهم على رؤوسهم‪ ،‬فأضحوا أشبه‬ ‫بالمكبّلين «المطمّشين»‪ .‬خرج مصور‬ ‫م��ن بينه��م ومع��ه كامي��را محمول��ة‪،‬‬ ‫صوّرهم بس��رعة وانس��حب‪ ،‬لتنطلق‬ ‫نار الرشاش��ات وتدرز أجس��اد الش��باب‬ ‫السبعة عشر‪ .‬فقتلوا جميعًا‪.‬‬ ‫ل��م يكتش��ف أهال��ي «جدي��دة‬ ‫عرط��وز» مج��زرة المدرس��ة إال بع��د‬ ‫انس��حاب الجيش م��ن المنطق��ة‪ .‬ولم‬ ‫يكتش��فوا القص��ة إال بع��د أن ع��رض‬ ‫اإلعالم الرس��مي ص��ور أوالدهم أحياء‬ ‫مصطفين على حائط المدرس��ة‪ ،‬على‬ ‫أس��اس أنه��م إرهابيون مس��لحون تم‬ ‫أسرهم بجهود الجيش (الباسل)‪.‬‬

‫ع��دت إل��ى البي��ت ولبث��ت انتظ��ر‬ ‫الم��وت‪ .‬لكنهم ل��م يأتوا‪ .‬بعد س��اعات‬ ‫طويل��ة‪ ،‬أطول من دهر‪ ،‬صرت أس��مع‬ ‫أصوات��ًا ت��دور عل��ى البي��وت‪« :‬يا ناس‬ ‫اطلعوا تعرّفوا على شبابكم‪ ..‬عاملين‬ ‫مجزرة‪ ..‬يا ناس»‪.‬‬ ‫خ��رج األهال��ي إل��ى البس��اتين‬ ‫ليبحث��وا ع��ن أوالده��م‪ ،‬وكن��ت أهمّ‬ ‫بالخ��روج ألطمئن عل��ى رفاقي‪ ،‬ولكن‬ ‫إط�لاق الرص��اص راح يلعل��ع‪ ،‬فق��د‬ ‫كانت حواج��ز الجيش ما تزال منصوبة‬ ‫تطل��ق الن��ار علينا مباش��رة‪ ،‬فمات منا‬ ‫من م��ات‪ .‬على بع��د أمت��ار قليلة مني‬ ‫كان ثمة رج��ل بنصف رأس‪ ،‬وقد خرج‬ ‫دماغه قانيًا على اإلس��فلت‪ .‬كنت أشعر‬ ‫بأن جس��دي خارج ع��ن إرادت��ي‪ ،‬وفي‬ ‫الوقت الذي كنت أظن فيه أنني س��أقع‬ ‫فور رؤيتي لمش��اهد مش��ابهة‪ ،‬تحرك‬ ‫جس��دي مبتعداً على قدمين مهرولتين‬ ‫ال تأتم��ران بأمري‪ ..‬اآلن وأنا أتذكر كل‬ ‫ما رأيته أشعر بأني لم أعشه! إنه أشبه‬ ‫بكابوس فظيع‪.‬‬ ‫بجانب جامع العم��ري القديم كان‬ ‫ثمة عسكري لم يستطع أن يطلق النار‬ ‫عل��ى الناس هك��ذا ببس��اطة‪ .‬فقتلوه‪.‬‬ ‫رُمي��ت جثته في قبو بناية مجاورة‪ ،‬ثم‬ ‫رم��ي فوقه أربعة مدنيي��ن تم قتلهم‪،‬‬ ‫وأشعلت النار في الجثث الخمس‪ .‬كانت‬ ‫رائح��ة الحرق تفوح في المنطقة كلها‪.‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫ول��م يت��م اكتش��افهم حت��ى المغرب‪،‬‬ ‫فق��د ص��ارت أخب��ار المج��زرة تتناهى‬ ‫إلينا‪ .‬حينم��ا تأكدنا بأن الجيش واألمن‬ ‫انس��حبوا‪ ،‬خرجنا من بيوتنا‪ ..‬وكنت مع‬ ‫الخارجين‪.‬‬ ‫ف��ي تلك الليلة عث��ر األهالي على‬ ‫عش��رات الش��باب مقتولين في األقبية‬ ‫المهج��ورة‪ .‬كان��ت «جدي��دة عرط��وز»‬ ‫مفعمة برائح��ة حرائق وب��ارود وموت‬ ‫وخوف يهيمن على الوجوه واألرواح‪.‬‬ ‫ف��ي نهاية يوم األربع��اء كان ثمة‬ ‫خمس وأربعون جثة تم اكتشافها قبل‬ ‫أن يأتي المساء‪ .‬تكوّمت بجانب بعضها‬ ‫أرت��ا ًال في جام��ع خديج��ة‪ .‬وهناك كان‬ ‫صديقي ممدداً ورأسه بجانبه‪ ..‬ال أعلم‬ ‫إن كانت قد قطعته ش��ظية أو س��كين‬ ‫أو‪ ..‬ال أعل��م‪ .‬ما أعرف��ه أني لمحته من‬ ‫بعيد وهربت‪.‬‬ ‫قب��ل أن ينتهي الليل تم اكتش��اف‬ ‫ثماني جث��ث أخرى‪ ،‬لتصب��ح الحصيلة‬ ‫اثنين وخمس��ين شابًا‪ .‬مكبرات الصوت‬ ‫تنادي عل��ى الناس أن تذه��ب لتتعرف‬ ‫عل��ى أوالده��ا ف��ي الجام��ع‪ ،‬فالكثي��ر‬ ‫م��ن الجثث غي��ر معروفة أو مش��وّهة‬ ‫فليتع��رف أهله��ا عليه��ا م��ن ثيابها أو‬ ‫أحذيتها!‬ ‫الي��وم ال أع��رف إن كان ينبغي أن‬ ‫أفرح ألني نجوت وغيري قتل‪ ،‬أم أحزن‬ ‫ألن غيري قتل وأنا بقيت ش��اهداً على‬ ‫كل م��ا حدث! ال أع��رف إن كان علي أن‬ ‫أف��رح أم أح��زن ألني حدت ع��ن الموت‬ ‫اآلتي بلمح البصر إلينا‪.‬‬ ‫خ�لال األي��ام القليل��ة الماضي��ة‬ ‫«هجّ» معظم أهالي «جديدة عرطوز»‬ ‫م��ن بيوته��م‪ ،‬وكأن المدين��ة القديمة‬ ‫خلت من ساكنيها‪ .‬الخوف هو من سكن‬ ‫في أمكنتنا‪ ،‬الخوف من كل شيء حتى‬ ‫م��ن الحديث عما حصل ف��ي المجزرة‪..‬‬ ‫وكأن ش��باب الجدي��دة الذين س��قطوا‬ ‫صرعى الطغاة يس��قطون م��رة أخرى‬ ‫بصمتنا‪.‬‬ ‫غ��صّ (ع) بكلمات��ه وصم��ت‪ .‬ثم‬ ‫أشاح بوجهه بعيداً عنّا‪.‬‬ ‫جدي��دة عرطوز هي بلدة في ريف‬ ‫دمشق‪ ،‬تقع جنوب العاصمة السورية‪،‬‬ ‫تحدها شما ًال معضمية الشام‪.‬‬

‫أسبوعية‬

‫ويقول��ون للش��باب إن الجي��ش يداهم‬ ‫المنطق��ة‪ :‬كل من هو تح��ت األربعين‬ ‫ليه��رب‪ ..‬لكن الكثير من الش��باب بقوا‬ ‫ف��ي بيوته��م‪ ،‬فهم ل��م يفعلوا ش��يئاً‪،‬‬ ‫باس��تثناء مظاه��رة م��ن هنا ونش��اط‬ ‫طفيف من هن��اك‪ .‬وهذا ما فكرتُ فيه‬ ‫أيض��اً‪« :‬أن��ا لم أفعل ش��يئاً يس��توجب‬ ‫الخوف‪ ..‬س��أبقى ف��ي بيت��ي»‪ .‬لكنهم‬ ‫عادوا وقالوا لي هناك خمسة وسبعون‬ ‫شاباً تم اعتقالهم من الحارات المجاورة‬ ‫ولي��س له��م عالق��ة بش��يء‪ ..‬أهرب‪.‬‬ ‫فهربت‪.‬‬ ‫كان��ت أص��وات تكس��ير إقف��ال‬ ‫المح�لات تصمّنا‪ :‬طلقة عل��ى القفل‪،‬‬ ‫ثم تُكسّ��ر الواجهات وتُنهب المحالت‪.‬‬ ‫ج��اء صديق��ي وأقنعن��ي باله��رب إلى‬ ‫البس��اتين‪ .‬رأيت الشباب يركضون إلى‬ ‫الس��هل‪ ،‬حيث أش��جار الزيتون توارينا‪.‬‬ ‫وكان هن��اك حاج��ز لرج��ال النظام في‬ ‫نهاي��ة ش��ارع الدي��ر‪ ،‬وحاج��ز آخر في‬ ‫االتج��اه المقابل‪ .‬كان يب��دو جليًا أنهم‬ ‫يري��دون حص��ر الش��باب في الس��هل‪،‬‬ ‫ولك��ن ما من مف��رّ أمامن��ا‪ .‬قعدنا في‬ ‫الس��هل تح��ت األش��جار‪ ،‬ثم مرّ ش��اب‬ ‫مل ّث��م بكوفي��ة مرقّط��ة عل��ى دراجة‬ ‫ناري��ة‪ ،‬نظر إلينا ملي��اً وذهب‪ .‬بعد أقل‬ ‫من عش��ر دقائ��ق نزلت قذيف��ة علينا‪،‬‬ ‫وقف��ز الت��راب والحجارة ف��ي وجوهنا‪.‬‬ ‫هربن��ا بالعش��رات إل��ى االتج��اه اآلخر‬ ‫رغ��م أن��ي ل��م أع��د أرى بعين��ي‪ ،‬كان‬ ‫الغبار يعميني‪ ،‬وس��معت صوت إطالق‬ ‫رصاص‪ ،‬كان ي��زداد س��رعة واقتراباً‪،‬‬ ‫وأحسس��ت برفيقي يأخذن��ي من يدي‬ ‫إل��ى اليمي��ن ث��م نع��ود أدراجن��ا إل��ى‬ ‫الزيتون‪ ،‬فقد كان ثمة حاجز آخر أمامنا‬ ‫يطلق الرصاص علينا‪.‬‬ ‫عين��اي تحترق��ان فأغمضهم��ا‪،‬‬ ‫وأس��مع أص��وات م��رور الدباب��ات على‬ ‫الزف��ت‪ ،‬أصوات قذائ��ف بعيدة‪ ،‬أصوات‬ ‫إطالق رصاص م��ن هنا وهناك‪ .‬كانت‬ ‫الس��يارات المصفح��ة والدباب��ات ق��د‬ ‫حاصرت البس��اتين‪ ،‬ولكني اس��تطعت‬ ‫اله��رب‪ .‬حاولت إقن��اع صديقي بالهرب‬ ‫معي لكنه ل��م يقبل‪ .‬قلت له‪« :‬إذا متنا‬ ‫فليع��رف أهلنا بأننا متنا‪ ..‬على األقل»‪.‬‬ ‫لكنه أصرّ على البقاء في البساتين‪.‬‬ ‫كل م��ن بقي هن��اك قت��ل‪ ،‬الكثير‬ ‫منه��م ذبح��اً بالس��كاكين‪« .‬محم��د‬ ‫الخطي��ب» و»عب��د الرزاق ب�لال» وجدا‬ ‫مش��نوقين بأس�لاك الهات��ف عل��ى أحد‬ ‫أش��جار الزيت��ون‪ .‬في هذه األثن��اء‪ ،‬وأنا‬ ‫أمر قرب الس��احة مهرو ًال‪ ،‬كانت عناصر‬ ‫النظ��ام تأتي بالش��باب م��ن بيوتها إلى‬ ‫الس��احة‪ .‬غالبيته��م بالبيجام��ات‪ .‬كانوا‬ ‫حوال��ي المائ��ة والخمس��ين ش��اباً‪ ،‬كما‬

‫‪19‬‬


‫حوار العدد ‪. .‬‬

‫حوار مع‪ :‬ال�شعب ال�سوري‬ ‫عارف طريقه‬ ‫حوار مع حس��ين خزام (ناش��ط‬ ‫من مصياف)‪ ،‬وعالء خنجر (ناشط من‬ ‫الجوالن الس��وري المحتل) من فريق‬ ‫"الشعب السوري عارف طريقه"‪ ،‬وهي‬ ‫أجوبتنا على األس��ئلة طرحتها علينا‬ ‫جري��دة الس��فير‪ ،‬في مع��رض مقال‬ ‫يرصد الفن في الثورة السورية‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪20‬‬

‫| هل تتظاهرون في الشارع أيضا؟‬ ‫وان لم يكن كذلك‪ ،‬لماذا اخترتم أن‬ ‫تعبروا بالفن وليس بالنزول إلى‬ ‫الشارع ؟‬ ‫| | عالء خنجر‪ :‬حس��نا‪ ،‬أنا ال أعيش‬ ‫داخل س��وريا وي��ا ريتني كن��ت فلم أكن‬ ‫ألس��أل هذا الس��ؤال‪ ،‬فمن البديهي أنني‬ ‫سأنزل للتظاهر هذا كوني ال أرى ما هو‬ ‫أجدى في هذه المرحلة من ملئ الشوارع‬ ‫متظاهرين في المس��توى األول‪ ،‬بنفس‬ ‫الوقت التظاهر ال يمنعني من إنتاج الفن‬ ‫ب��ل بالعكس س��تكون مظاه��رة واحدة‬ ‫ضمن ش��كل التظاهر الحال��ي في جميع‬ ‫مناطق سوريا كافية كي تستخلص عدة‬ ‫أعم��ال فنية ل��ذا فال أجد للس��ؤال الثاني‬ ‫مكانا كون النزول للشارع والتعبير بالفن‬ ‫ال يتناقض��ان بل العك��س فالعمل الفني‬ ‫النابع من تماس مباش��ر بالحدث اليومي‬ ‫في الش��ارع ال بد أن يكون أصدق وأقوى‬ ‫في تعبي��ره عن الحدث فك��م بالحري لو‬ ‫كان��ت هذه التجربة عل��ي تماس بالموت‬ ‫والحري��ة‪ ،‬وكون��ي أعي��ش ف��ي الج��زء‬ ‫المحتل من س��وريا فأنا أح��اول االقتراب‬ ‫قدر المستطاع من الحدث طبعا مع فارق‬ ‫بالغ األهمية وهو رصاصة الش��بيح التي‬ ‫ال يمكنها أن تطالني عبر شاشة االنترنت‬ ‫ل��ذا فالتجربة الش��عورية مختلفة تماما‪،‬‬ ‫هن��ا أش��عر بصغر حجم��ي أم��ام هؤالء‬ ‫األبطال‪ .‬من جهة ثانية وبشكل شخصي‬ ‫أج��د أن اإلنتاج الفني في ه��ذه المرحلة‬ ‫أي ف��ي مرحل��ة حرك��ة تاريخي��ة ح��ادة‬ ‫كالثورات أو كحرب أو تغيير اجتماعي حاد‬ ‫يكون اإلنت��اج الفني مختلف��ا بالضرورة‬ ‫أو ألعب��ر ع��ن وجهة نظري بش��كل أدق‬ ‫أج��د أن عليه أن يك��ون مختلفا ‪ -‬وأقصد‬ ‫بـ"عليه" أن يكون قرارا واعيا ‪ -‬بالتعاطي‬ ‫م��ع مواضيعه فالمرحل��ة تحتم تكريس‬ ‫الفن لخدمه الهدف الذي يؤمن به الفنان‬ ‫ال��ذي هو جزء من ه��ذا الحراك ومن هنا‬ ‫وجدت نفس��ي أقترب أكث��ر إلى الملصق‬ ‫والغرافي��ك كتعويض ع��ن العمل الفني‬ ‫لس��بب س��رعة وصول الملصق وقدرته‬ ‫عل��ى القول الس��ريع باإلضافة لس��هولة‬ ‫التحري��ض وط��رح المقول��ة م��ن خالل‬ ‫التصميم‪ .‬هذا ال يتناف��ى طبعا مع إنتاج‬ ‫عم��ل فني لك��ن ال بد ل��ه أن يكون على‬ ‫عالقة مباشرة بالهدف‪.‬‬ ‫| | حس��ين خ��زام‪ :‬ال ق��درة ل��ي‬ ‫للتظاه��ر ف��ي الش��ارع بس��بب وج��ودي‬ ‫خ��ارج س��وريا لكني على يقي��ن أنني لو‬

‫كنت في س��وريا لكنت اآلن إما ش��هيدا أو‬ ‫معتقال أعتقد أن ال شيء يعادل التظاهر‬ ‫"فيزيائي��ا" ف��ي الش��وارع واألمكنة التي‬ ‫طالم��ا كان��ت رم��وزا للقم��ع واإلس��كات‬ ‫وتكمي��م األف��واه ال ب��ل حت��ى العي��ون‪،‬‬ ‫ألن التحدي يكون مباش��را وحس��يا‪ ،‬لكن‬ ‫التظاه��ر عموما كفعل إظه��ار ونقيض‬ ‫ألي إخف��اء أو انخف��اء فأش��كاله عدي��دة‬ ‫(الوجود نفس��ه هو "كش��ف إلخفاء" كما‬ ‫كان يق��ول هايدج��ر)‪ ،‬ان��ه ف��ي الجوهر‬ ‫عملي��ة "تعبير حر" وفعل "إخ��راج" وهنا‬ ‫يلتقي مع األشكال الفنية كافة‪.‬‬ ‫| ما الفرق بينهم‪ ،‬وأيهما أقوى؟‬ ‫وكيف يؤثر الفن على الشارع ويتفاعل‬ ‫معه ؟ ومن يؤثر باآلخر أوال؟‬ ‫| | عالء خنجر‪ :‬بالطبع الفرق شاسع‬ ‫بين التظاهر في هذه الظروف وتصميم‬ ‫ملصق أو فيدي��و نحن هنا ال نتحدث عن‬ ‫تظاهرة م��ن أجل توجيه رس��الة أو رفع‬ ‫شعار أو احتجاج على ممارسة ما بل هي‬ ‫انتفاض��ة ش��عب يعيش تحت وط��أة آلة‬ ‫قمع مخيف��ة تواجهه بالم��وت فال يمكن‬ ‫مقارنته��ا بإنتاج عمل فن��ي مهما ارتقى‬ ‫الفن في مس��توياته فمن الصعب لو لم‬ ‫نقل مس��تحيال أن يصل مس��توى هؤالء‬ ‫الذي��ن يرفع��ون صوته��م أم��ام البنادق‬ ‫"الم��وت وال المذل��ة"‪ .‬مرس��مي محم��ي‬ ‫بأربعة جدران أما هذا المتظاهر فمحمي‬ ‫فقط بش��جاعته‪ ،‬بقدرته على مصارحة‬ ‫الم��وت ألجل حرية غيره‪ ،‬ه��ذه المعادلة‬ ‫يمكن أن يعبر عنها الفن بش��كل ما لكن‬ ‫من المح��ال أن يصلها‪ ،‬بالنهاية المعادلة‬ ‫بين التعبير الفني والتظاهر ليست على‬ ‫ح��د مقارنة بل ه��ي متكافل��ة فالفن ال‬ ‫يمك��ن أن يحي��ى بعي��دا عن الش��ارع أو‬ ‫ربم��ا ق��د يحيى ويك��ون مش��هورا أيضا‬ ‫ه��ذا صحي��ح لك��ن ال أج��دة فن��ا حقيقيا‬ ‫هو ش��يء من البص��ري مم��زوج بالمال‬ ‫والموضة‪ ،‬هذا رأيي طبعا الذي يخالفني‬ ‫عليه الكثي��رون لكن العالق��ة المتكافلة‬ ‫بين الش��ارع والش��كل الفني ه��ي التي‬ ‫تق��ود لتأث��ر كل ط��رف باآلخ��ر بالتال��ي‬ ‫تقود لتط��ور المجتمع بكليته‪ .‬يمكن هنا‬ ‫ط��رح مثال مهم في عالقة الفن والفنان‬ ‫بالمجتم��ع هذا المثال لي��س بالبعيد وقد‬ ‫كان ف��ي الثورة الفلس��طينية‪ ،‬وال يمكن‬ ‫أال نتذكر هاني جوهرية المصور الشهيد‬ ‫وغي��ره طبعا كس�لافة ج��اد اهلل ومطيع‬ ‫عم��ر وغيره��م‪ .‬كان صن��اع الس��ينما‬ ‫ف��ي "وح��دة أف�لام فلس��طين" (‪)١٩٦٨‬‬ ‫مقاتلي��ن حقيقيين كان الطاق��م فدائيا‬ ‫بالمعنى الحرف��ي للكلمة كانوا يخرجون‬ ‫للعملية الفدائية الكاميرا والبندقية جنبا‬ ‫إل��ى جنب‪ ،‬طبع��ا الفارق م��ع االنتفاضة‬ ‫الس��ورية ه��و البندقية‪ .‬ه��ذا النوع من‬ ‫اإلنت��اج الفن��ي ال��ذي ه��و عل��ى تماس‬ ‫مباش��ر بالش��ارع وبالعم��ل الث��وري هو‬ ‫الق��ادر على بلورة ش��كل فني متناس��ب‬

‫شيرين الحايك‬

‫م��ع المجتم��ع‪ .‬الكلم��ة اآلن لالنتفاض��ة‬ ‫وكما كان ش��عار الثورة الفلسطينية في‬ ‫س��تينات وس��بعينيات الق��رن الماض��ي‪:‬‬ ‫ال ص��وت يعل��و ص��وت البندقي��ة فاليوم‬ ‫ف��ي االنتفاضة الس��ورية ال ص��وت يعلو‬ ‫ص��وت االنتفاض��ة‪ .‬ودور الف��ن يأت��ي‬ ‫إلذكاء حم��اس الجماهي��ر وتش��جيعها‬ ‫عل��ى المضي والصم��ود والكفاح ومدها‬ ‫بثقافة سياس��ية لمواصلة الكفاح كذلك‬ ‫تحري��ض المترددي��ن ومده��م بالثق��ة‬ ‫لاللتح��اق باالنتفاض��ة‪ .‬االنتفاض��ة هي‬ ‫م��ن تعط��ي الف��ن مقاييس��ه الصحيحة‬ ‫مثلما نفخت في��ه النفس القوي للظهور‬ ‫والوقوف على مضامينه الحقيقية والتي‬ ‫ستتضح أكثر مستقبال وكما أن التظاهر‬ ‫في الش��ارع بكافة أش��كاله السلمية إلى‬ ‫حد العصيان المدني هو أقوى من جيش‬ ‫مدجج بالسالح‪ .‬كذلك العمل الفني عليه‬ ‫أن يكون س�لاحا في يد المتظاهرين وال‬ ‫أج��د عبارة أدق من الت��ي صاغها المخرج‬ ‫الفرنس��ي جان لوك غودار عن السينما‪:‬‬ ‫"الكامي��را الت��ي تطل��ق ‪ 24‬لقط��ة (أو‬

‫ربما طلق��ة) في الثاني��ة" معتبرا الفيلم‬ ‫الس��ينمائي يمك��ن ل��ه أن يكون س�لاحا‬ ‫فاع�لا وأنا ب��دوري أجد أن عل��ى الفن أن‬ ‫يك��ون طلق��ة ف��ي ي��د المنتفضين في‬ ‫الشارع يستخدمونها ليعلو صوتهم أكثر‬ ‫ويستخدمونها ليسمعوا صوتهم كذلك‪.‬‬ ‫| | حس��ين خ��زام‪ :‬لن أح��دد بداية‬ ‫التأثي��ر كما اختار أرس��طو أن يفعل مثال‬ ‫ف��ي س��ؤال الدجاج��ة والبيض��ة‪ ،‬ألنن��ي‬ ‫ببس��اطة أعتق��د أنها عملي��ة ديالكتيك‪،‬‬ ‫فه��ي فاعلة ومنفعلة في الوقت نفس��ه‪.‬‬ ‫س��ؤالي الكبير منذ أن ب��دأت الثورة كان‬ ‫ع��ن "الحتمية"‪ ،‬فهل هن��اك هدف ما (ما‬ ‫يج��ب أن يكون) ه��و من يق��وم بالتأثير‬ ‫عل��ى اختياراتي وأعمالي‪ ،‬أم أنه انطالق‬ ‫ح��ر‪ ،‬من مبدأ م��ا‪ ،‬ومفت��وح االحتماالت؟‬ ‫شغلني الس��ؤال كثيرا وما زال يشغلني‪،‬‬ ‫ولم أرد في أي لحظة أن أش��به الواقعية‬ ‫الس��تالينية الت��ي كانت تفت��رض وجود‬ ‫نظرية ناج��زة وتامة لما يج��ب أن يكون‬ ‫عليه المجتمع‪ ،‬وسخرت الفن الذي أصبح‬ ‫"مج��رد أداة" للتعبي��ر ع��ن ه��ذا اله��دف‬


‫حوار العدد ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫بع��ض األف��كار النمطي��ة كالزعام��ات‬ ‫والنخبوية حتى بات الشارع أخيرا مصدر‬ ‫الش��رعية والمحرك األساس بما فيه من‬ ‫كافة شرائح الشعب‪.‬‬ ‫| | حس��ين خزام‪ :‬من ناحية أنا أعد‬ ‫نفس��ي طارئ على "الف��ن"‪ ،‬أقصد الفن‬ ‫األكاديم��ي‪ ،‬وال أمي��ل إل��ى العمل بالفن‬ ‫مقاب��ل أج��ر‪ ،‬وطبعا ال يهمن��ي أن يكون‬ ‫لي اس��م فيه‪ ،‬فإذا كان الفن كما أسلفت‬ ‫تعبير حر فأنا ضد كل من يقيم حدودا له‬

‫أسبوعية‬

‫(مثال في الش��ركات أو الورش��ات الخاصة‬ ‫عندما يك��ون عليك أن تقوم بتصميم أو‬ ‫عمل فني لخدمة حملة إعالنية ما‪.)..‬‬ ‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬لدي مش��كلة مع‬ ‫مفهوم الشهرة‪ ،‬فإذا كانت األعمال القت‬ ‫نجاحا ف��ي الثورة وتفاعل��ت معها وأثرت‬ ‫وتأثرت بها وستس��تمر بذلك بعد سقوط‬ ‫النظ��ام (ألن الث��ورة الحقيقة س��تبدأ مع‬ ‫س��قوطه)‪ ،‬ف��أي معن��ى لش��هرة صاحب‬ ‫األعم��ال ؟ إن كان المب��دأ ه��و الحري��ة‬ ‫نفس��ها فأن��ا ال أري��د أن تتقي��د األعمال‬ ‫بمعرف��ة وش��هرة صاحبه��ا‪ ،‬فليتكل��م‬ ‫العم��ل عن نفس��ه بحرية وليس باس��م‬ ‫صاحبه المشهور أو المغمور‪ ..‬أقدر دائما‬ ‫نم��وذج "الجن��دي المجه��ول" ألن��ه أوال‪:‬‬ ‫األكث��ر حضورا ولو أن ال اس��م له‪ ،‬وألنه‬ ‫ثانيا‪" :‬كل" جندي و"أي" جندي في نفس‬ ‫الوق��ت‪ .‬أعمال��ي كله��ا موقعة وس��توقع‬ ‫باس��م "الشعب الس��وري عارف طريقه"‬ ‫ه��ذا الش��عب‪ ،‬ه��و "أي" س��وري و"كل"‬ ‫س��وري اآلن وف��ي المس��تقبل‪ .‬معركتي‬ ‫أيضا‪ ،‬هي ض��د جماعة "جمي��ع الحقوق‬ ‫محفوظ��ة"‪ ،‬فنح��ن لي��س عندن��ا ثقافة‬ ‫الكوبي ليفت‪ ،‬والتي تسمح لك باالقتباس‬ ‫واالس��تلهام من أعمال الفنانين اآلخرين‬ ‫والتعدي��ل عليها مع ذك��ر المصدر‪ ،‬وكأن‬ ‫العمل الفني ليس عمل موجه لإلنسانية‬ ‫كله��ا وملك للجميع (تخيلوا كل مرة نريد‬ ‫أن نقرأ محمود درويش علينا أن تشتري‬ ‫ديوان محمود درويش ألن جميع الحقوق‬ ‫محفوظ��ة لمؤسس��ة محم��ود دروي��ش‬ ‫أو لمحم��ود دروي��ش نفس��ه)‪ .‬ف��ي هذا‬ ‫الس��ياق أدعو الجميع إلى أخذ كل أعمالنا‬ ‫والتعدي��ل والتبدي��ل والخل��ق إذا أمكن‪..‬‬ ‫لنغذي ه��ذا الديالكتي��ك المتواصل بين‬ ‫الذوات الفنية الخالقة‪.‬‬ ‫معرض األعمال على فليكر ‪http://‬‬ ‫‪/www. flickr. com/photos/3aref‬‬ ‫المصدر‪ :‬مدونةالشعبالسوري عارفطريقه‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫الحتمي‪ ،‬أي أن الفن أصبح يقسر الواقع‪.‬‬ ‫إن كان��ت هذه الثورة ه��ي ألجل الحرية‪،‬‬ ‫فإن ميكانيزماته��ا وأدواتها هي بالدرجة‬ ‫األول��ى "الحري��ة نفس��ها"‪ .‬مب��دأي ف��ي‬ ‫الف��ن‪ ،‬تحديده نفي‪ :‬ضد االس��تبداد‪ ،‬أي‬ ‫اس��تبداد‪ .‬الفن بالنس��بة لي ال يمكن إال‬ ‫أن يكون حرا وتحرريا ينحاز إلى الجمهور‬ ‫والمج��ال الع��ام كتعبير عنه��م وكتعبير‬ ‫عن المس��تقبل‪ ،‬الفن نب��وءة‪ .‬الفن بهذا‬ ‫ضد االس��تبداد مرتين‪ ،‬ألن االستبداد هو‬ ‫ضد كل تعبير بالمطلق‪ ،‬وألن االس��تبداد‬ ‫ضد المجال العام أي تبادل التعبير داخل‬ ‫الجماع��ات البش��رية‪ .‬ال أخف��ي تأث��ري‬ ‫بالرومانس��ية ونظرته��ا لل��ذات صانع��ة‬ ‫العال��م والفن ألج��ل الفن‪ ،‬لك��ن الثورة‬ ‫قلبت كثيرا من مفاهيمي وجعلتني أدرك‬ ‫أن "الحرية" هي مطلب الذات والموضوع‬ ‫معا وال تنفصالن‪.‬‬ ‫| ما هي األشياء التي تهمكم‬ ‫أن تصل للناس ؟ وهل فنكم موجه‬ ‫للناس في الداخل أم أن همكم‬ ‫يتركز على نظرة العالم ككل ؟ وهل‬ ‫تستطيعون التأثير على الرأي العام‬ ‫العالمي بالفن ؟ هل خلقت الثورة‬ ‫فيكم شيئا جديداً وكيف ساهمت‬ ‫باإلبداع وتطور الحركة الفنية‬ ‫برأيكم؟‬ ‫| | ع�لاء خنج��ر‪ :‬ش��خصيا أج��د‬ ‫أنن��ي في ه��ذه المرحلة مهتم بالش��ارع‬ ‫السوري أكثر من الرأي العالمي‪ ،‬القضية‬ ‫الس��ورية هي قضية السوريين بالدرجة‬ ‫األول��ى‪ ،‬همي في أن يكون العمل الفني‬ ‫داعما بقدر المستطاع للشارع معبرا عنه‬ ‫ومقدما له ما يحتاج من وس��ائل للنضال‬ ‫وهذا بالضرورة س��يصل الرأي العالمي‪.‬‬ ‫الف��ن هو لغة بصرية يفهما أي ش��خص‬ ‫ولو تح��دث العمل الفني ع��ن االنتفاضة‬ ‫ببس��اطة وعم��ق فس��يفهمه األجنب��ي‪.‬‬ ‫قد يك��ون هنالك فرق ف��ي التعاطي مع‬ ‫نوعي��ة الجمهور الذي أود أن أطرح أمامه‬ ‫عملي الفني وهذا تفصيل صغير إذا كنا‬ ‫نتحدث عن عملية إنتاج فن أعم في هذه‬ ‫المرحل��ة‪ ،‬غير أنني ال أج��د أن من مهمة‬ ‫الفن الخوض في هذا السؤال بل إن هذا‬ ‫الس��ؤال قد يكون معيقا للعم��ل الفني‪.‬‬ ‫أعتقد ب��أن الفن يمكن��ه أن يؤثر بالرأي‬ ‫العالمي‪ ،‬لكن دعينا نعيد صياغة السؤال‬ ‫بش��كل أدق‪ :‬م��ا ال��ذي نريده م��ن الرأي‬ ‫العالم��ي حتى نؤثر ب��ه؟ بالدرجة األولى‬ ‫حالي��ا نح��ن نري��د م��ن العال��م االلتفات‬ ‫النتفاضة الش��عب السوري‪ ،‬وهل يا ترى‬ ‫باستطاعة عمل فني أيا كان حجمه لفت‬ ‫االنتب��اه أكثر م��ن لقطات فيدي��و لثالثة‬ ‫شبان يحاولون تحت زخ الرصاص سحب‬ ‫جثة صديقهم من منتصف الطريق عبر‬ ‫م��د قضيب حديد وس��حبه نحوهم وهم‬ ‫يصرخ��ون "عميتنف��س بع��دو عاي��ش"‬ ‫فيقتل الذي يحاول سحب الجثة وتستقر‬ ‫رصاصة أخرى في المصور ليستشهد هو‬ ‫أيضا‪ .‬ال أعتق��د أن عم ًال فنياً أيا كان أبلغ‬ ‫وأكثر قدرة على التأثير مما نشاهده في‬ ‫اللقط��ات المصورة الت��ي تصلنا بكميات‬ ‫على اليوتيوب‪.‬‬ ‫| | حس��ين خ��زام‪ :‬كان م��ن المهم‬ ‫دائم��ا كم��ا أس��لفت س��ابقًا‪ ،‬التعبير عن‬ ‫الجمه��ور واألف��ق‪ ،‬لذلك كان��ت األعمال‬ ‫تت��وزع بي��ن تعبي��ر مباش��ر ع��ن أحداث‬ ‫ووقائ��ع يومي��ة وبي��ن رس��م آف��اق‪ .‬من‬ ‫جمالي��ة األف��ق ه��و أن��ك ت��راه لكنك ال‬ ‫تس��تطيع أبدا الوص��ول إليه‪ ،‬فهو بهذا ال‬ ‫يعتبر ح��دودا بل انفتاحا‪ ،‬كم��ا أن األفق‬ ‫هو فصل بين عالمي��ن األول هو أرضي‬ ‫طبيعي واآلخر هو سمائي ميتافيزيقي‪،‬‬ ‫ولذلك أحيانا كنت أصرف يومين كاملين‬

‫في تصمي��م كلمة حرية أو ث��ورة ألنني‬ ‫أردت التعبي��ر به��ا ع��ن "المطل��ق" الذي‬ ‫هو بالمفهوم الهيجلي نقطة الجمع بين‬ ‫العالمي��ن‪ .‬تلك النقط��ة الجامعة وجدتها‬ ‫ف��ي الث��ورة الس��ورية والمتظاهري��ن‬ ‫األس��طوريين‪ ،‬الذين خرج��وا في العالم‬ ‫الطبيعي غي��ر آبهين بالم��وت الذي كان‬ ‫اس��تمرارية وليس قطعا‪ .‬إذاً فجأة وجدت‬ ‫نفس��ي أم��ام "المطل��ق" يدعوني ألعبر‬ ‫عن��ه‪ .‬وألن الحري��ة هي قضية إنس��انية‬ ‫بامتي��از‪ ،‬كان طبيعيا جدا اإلس��تفادة من‬ ‫كل التراث العالمي وثورات اإلنس��ان في‬ ‫كل مكان حتى في األس��طورة‪ ،‬فتجدون‬ ‫تصاميم ه��ي عبارة ع��ن تعديالت على‬ ‫لوح��ات م��ن عص��ر النهض��ة‪ ،‬لوح��ات‬ ‫أخ��رى متأث��رة بفن��ون الخ��ط اإليرانية‪،‬‬ ‫لوح��ات أخرى تقتب��س من أعم��ال كبار‬ ‫التجريديي��ن واالنطباعيي��ن والواقعيين‬ ‫وأخ��رى تس��تلهم أس��اليب مصمم��ي‬ ‫الغرافيك الكبار‪.‬‬ ‫| نالحظ عدم وجود إمضاء واضح‬ ‫ألسماكم‪ ،‬وكل إنسان يحب أن يرى‬ ‫إمضائه تحت أعماله‪ ،‬أليس لديكم‬ ‫حلم شهرة ؟ خصوصا أن أعمالكم‬ ‫تنتشر بكثرة !‬ ‫| | ع�لاء خنج��ر‪ :‬ال أعتقد أن أحد ال‬ ‫يح��ب الش��هرة فضال عن أهمية انتش��ار‬ ‫العمل واتس��اع رقعة مشاهدته بالنسبة‬ ‫للفنان‪ ،‬لكن بربك هل هذا وقت الشهرة‬ ‫أو البح��ث عنه��ا‪ ،‬من يبحث عن الش��هرة‬ ‫ف��ي هذه الفت��رة ال يمكن وصفه س��وى‬ ‫بالمتاج��ر ف��ي تضحي��ات الش��عب‪ .‬نحن‬ ‫ننت��ج للثورة باس��م الثورة‪ .‬ه��ذا غير أن‬ ‫عملي��ة اإلنت��اج مختلف��ة جدا فه��ي تتم‬ ‫غالب��ا بش��كل جماع��ي وهنال��ك م��ن ال‬ ‫عالقة له��م بالف��ن يش��تركون باإلنتاج‬ ‫م��ن وضع الفكرة حت��ى إخراجها النهائي‬ ‫وهذه الطريقة بغاية األهمية وبالنس��بة‬ ‫لي ش��خصيا أجد في طريقة العمل هذه‬ ‫متع��ة تغنيني عن زيف الش��هرة‪ .‬إن من‬ ‫أهم إفرازات الث��ورات العربية أو ما نرى‬ ‫منه��ا على األقل هي الق��درة على تغيير‬

‫‪21‬‬


‫�شام داود‬

‫حيطان فيس بوك ‪. .‬‬

‫منذ عام كان أمل الحرية ينمو في صدر غياث‪ ..‬كان حلم‬ ‫اإلنسان يكبر في عينيه‪ ..‬كانت وردة داريا تعيش‪..‬‬ ‫من��ذ عام‪ ،‬كان غي��اث حراً يضحك ويترق��ب عمراً بأكمله‬ ‫من الحرية‪ ..‬عاد أيلول الحزين مرة أخرى‪ ..‬يحيى لم يعد‬ ‫بعد‪ ..‬غياث رحل بقيود وعاد في كفن‪..‬‬ ‫غ��داً ‪ 6‬أيلول‪ ..‬اعتقال يحيي الش��ربجي معن الش��ربجي‬ ‫ووردة غياث مطر‪ ..‬عاشت الوردة‪ ..‬ومات غياث‪..‬‬ ‫حلمي بس��وريا الحرة‪ ..‬حديقة عامة مليانة ورود‪ ..‬مليانة‬ ‫ياسمين‪ ..‬وعلى بابها "حديقة الشهيد غياث مطر"‬ ‫ك��ون بخي��ر مطرح ما أنت��ه‪ ..‬وصليلنا‪ ..‬صلي لس��وريا يا‬ ‫غياث‪ ..‬الوردة بعدها‪ ..‬والثورة مستمرة‬

‫أنا بعتبر حالي مؤمن بالمسيح‪ ..‬وحسب ما فهمت من اإلنجيل انو يسوع ما كان بدو ايانا نعمل (اهلل) قضيتنا‪..‬‬ ‫لكن كان بدو ايانا نعمل قضية الرب قضيتنا‪ ..‬وقضية الرب هي بوضوح‪ :‬اإلنسان‪..‬‬ ‫الحرية اللي بدي اياها‪ ،‬هي إني اقدر عيش كرمال هاي القضية أنا وغيري (من المؤمنين بأفكار أخرى) بدون ما‬ ‫نكون مهددين بعشرين فرع أمن وبوجوه عم تتوعدلنا وبواريد جاهزة تودينا لعند الرب ببالش‪..‬‬ ‫أنا بدي الحرية‪..‬‬ ‫وبدي اياها رغم انو بعرف انو حرية اإلنسان ممكن ينتج عنها كثير أشيا ما بوافق عليها‪..‬‬ ‫بس بدي اياها ألنو بؤمن انو اإلنسان مخلوق حر‪ ..‬ومن حقه يختار اللي بدو يعيشه‪ ..‬حتى لو كان جهنم الحمرا!!‬ ‫شاب يعمل في لبنان‬

‫عبد �سلية‬ ‫الش��عب الس��وري عندما بدأ يش��عر بتمام رجولت��ه‪ ..‬وجد‬ ‫أمام��ه نظاماً قد بلغ س��ن الي��أس ومعارضة لم تبلغ س��ن‬ ‫البلوغ‪ ..‬وكان عليه أن يتحمل جنون األول وحماقة الثاني!!‬

‫�إياد عما�شة‬ ‫حسن نصر اهلل ع الميادين‪" ..‬ال يستطيع أقوى سالح جو‬ ‫في العالم تدمير أي مقاومة شعبية"‪..‬‬ ‫بتمنى صاحبك يكون عم يسمعك‪..‬‬

‫و�ضاح جارة‬ ‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫لنتخلص منك ستكفيك رصاصة‪ ،‬لنتخلص من رواسب حكمك‬ ‫وحكم أبوك س��نكون بحاج��ة إلى الكثير من ال��ورود والصبر‪..‬‬ ‫نهايت��ك بداي��ة لمرحلة طويلة‪ ،‬س��نحتاج طاق��ات الجميع دون‬ ‫استثناء حتى من كانوا عبيدك بعد أن يرضى أهل الشهداء‪.‬‬

‫عال مل�ص‬ ‫البعض يحتفظ (بشراس��ة) بأخالقيات النظام‬ ‫الذي يسقطه!!‬

‫�أيهم باري�ش‬ ‫إذا فع ًال القنوات الس��ورية رح تبث على الهوت بيرد؟ شلون‬ ‫منا نميز بين يلي عبشوفا ويلي عبيتفرج على السكس؟؟‬

‫جمال داوود‬ ‫وف��ي مب��اراة ودي��ة‪ ..‬تغلب فري��ق البحرين عل��ى فريق‬ ‫البحري��ن ليتأهل فري��ق البحرين إل��ى دور الثاني ويودع‬ ‫فريق البحرين البطولة‪« ..‬نشرة أخبار رياضية إيرانية»‬

‫�سعد حاجو‬ ‫ال ّث��ورة الس��ـّـوريّة فيه��ا ّ‬ ‫كل األمَ��ل والكثي��ر الكثي��ر من‬ ‫الشُّــهداء ومئات اآلالف من الالجئين والجرحى والمُعتقلين‬ ‫والمُهجَّري��ن وقليل من األس��ى‪ ،‬وأيضًا وحتم��ًا ّ‬ ‫ككل ثورة‬ ‫فيه��ا ث ّلة م��ن االنتهازييّ��ن والوصوليّي��ن والمُتعصّبين‬ ‫واليائسين والمُتَعربشين‪ .‬أمّا النّظام فكُّله قتَلة!‪..‬‬

‫�إياد حياتلة‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪22‬‬

‫�شو هي احلرية اللي بدكن ياها؟ (‪)12‬‬

‫برصاص إس��رائيلي‪ ..‬وثالثة‬ ‫ثالثة ش��هداء فلس��طينيين في غزّة ٍ‬ ‫برصاص إسرائيلي أيضاً‪..‬‬ ‫شهداء فلسطينيين في مخيّم اليرموك ٍ‬

‫علي من�صور‬ ‫كرامة للشهيد‪ ..‬الزم نضل نحب نعيش‪..‬‬

‫كوليت بهنا‬ ‫القص��ف على يميني‪ ..‬باب الدار على يس��اري‪ ..‬أما الريح‬ ‫الت��ي تغويني بالرحيل‪ ..‬أحبس��ها كل ليل في حقيبة من‬ ‫تنك‪ ..‬وأسكن إلى قلبي‪ ..‬أبكي على وطن ينزف وطن‪..‬‬

‫زينة �شهال‬ ‫حديث مسائي على أنغام القذائف‪:‬‬ ‫أنا‪ :‬مبارح كل الليل‪ ..‬أسمع صوتا وقت تطلع وعد للعشرين‪ ،‬شي‬ ‫خاف وشي أتمنى تجي عليي‪ ..‬وبعدين أسمع صوتا عم تنزل‬ ‫هو‪ :‬ال مو للعشرين للعشرة وبتنزل فوراً‪..‬‬ ‫أنا‪ :‬عندي للعشرين‪ ..‬من هون للغوطة‪..‬‬ ‫هو‪ :‬أنتي سريعة بالعد‪..‬‬

‫منهل باري�ش‬ ‫غياث مطر شمعة لم تطفئها ريح القاتل؛ السالم لروحك‬ ‫حيًا فينا وخالداً‪..‬‬

‫زكية �سرد�ست‬ ‫التس��تر أو غض الطرف أو إهم��ال أو الخوف من مواجهة‬ ‫واق��ع أن هن��اك أم��راض جس��دية واجتماعية ونفس��ية‬ ‫تس��توجب المعالجة‪ ..‬لن يزيد إال من اس��تفحالها وركوب‬ ‫البع��ض ألمواجه��ا الم��درة لألرب��اح‪ ،‬مجابه��ة واق��ع أن‬ ‫المجتمع الس��وري س��يخرج من أزمته بأم��راض عدة أمر‬ ‫الش��ك فيه‪ ..‬وأول هذه األمراض ه��ي الحقد الطائفي‪..‬‬ ‫جرائم االغتصاب التي مس��ت الذكور واإلناث واألطفال‪..‬‬ ‫التش��وهات الجس��دية واإلعاق��ات‪ ..‬األيتام‪ ..‬كبار الس��ن‬ ‫دون معيل خصوصا من النس��اء‪ ..‬انعدام المأوى للعائالت‬ ‫واألفراد‪ ..‬التشرد والتسول وكل واحده مما ذكر تحتاج إلى‬ ‫انقالب في مفاهيمنا عن الحياة واإلنسان والمجتمع‪..‬‬

‫عبد البا�سط فهد‬ ‫األمس‪ ..‬إن تختل��ف معي في الرأي فهذا أمر طبيعي‪..‬‬ ‫أن ترف��ض ما أفعل فهذا حقك‪ ..‬ولكن أن ال يؤثر فيك‬ ‫موتى بمنتهى الظلم والوحش��ية فع��ذراً البد أن تنتبه‬ ‫ألنك تفقد إنسانيتك‬

‫يا�سني حاج �صالح‬ ‫أحترم النظام السوري أكثر من المبرراتية تبعو‪ ،‬وأحترم‬ ‫المبرراتي��ة الس��افرين أكثر م��ن المبرراتي��ة المحجبين‪،‬‬ ‫واألكثر ج��دراة باالحتقار برأيي هم اللي يخجلوا يدافعوا‬ ‫عن النظام صراحة‪ ،‬فيفضلوا يطعنوا بالثورة‪ .‬في عينات‬ ‫س��ورية وعربية لهالس��لوك‪ ،‬ش��ي بنكهة ممانعة‪ ،‬وشي‬ ‫بنكهة إنسانية‪ ،‬وشي بنكهة يسارية‪ ،‬وشي سَلطة‪..‬‬

‫مهند دبا‬ ‫يعني وآخرتها!!! يا رح تخلص الذخيره شيتك‪ ..‬يا رح يخلص‬ ‫الشعب‪ ..‬والشعب ما رح يخلص‪ ..‬شوف شو بدك تعمل‬

‫كرمي الأفنان‬ ‫ي��ا حرام يا س��وريا‪ ،‬فع� ًلا الث��ورة تأخرت ‪40‬ع��ام‪ ،‬زمان‬ ‫كان س��فيرنا باألمم المتحدة فارس بي��ك الخوري‪ ،‬وهال‬ ‫بشار الجعفري‪ ..‬وزمان كان سفراؤنا الشاعر نزار قباني‬ ‫والشاعر عمر أبو ريشة‪ ،‬وهأل الشبيحة علي عبد الكريم‬ ‫وس��امي الخيمي ويوسف األحمد‪ ..‬وزمان كانت السفارات‬ ‫الس��ورية تمثل كل البلد‪ ،‬لكنها اليوم تمثل األس��د‪ ..‬هل‬ ‫من شتيمة للزمان وللتاريخ أكبر من هؤالء الشبيحة؟‪..‬‬

‫خلود زغري‬ ‫هناك ش��هداء من عهد األب‪ ..‬من قمع وعسف الثمانينات‬ ‫والتس��عينات تأجّل استش��هادهم لليوم‪ ..‬عباس عباس‬ ‫واحد منهم‪ ..‬س��رق معتقل تدمر من جس��ده وروحه ‪15‬‬ ‫عامًا‪ ،‬وبعدها المرض ليغ��ادر صباح هذا اليوم الخريفي‬ ‫قبل أن نهديه خبر تحرير سوريا‪..‬‬

‫عهد زرزور‬ ‫ثورتن��ا كانت حل��م يومًا م��ا‪ ..‬ال تسّ��خفوا أي حلم يأتي‬ ‫بعده‪ ،‬ألنه سيتحقق!‬

‫روال الركبي‬ ‫تغيرات س��يكولوجية مرافقة للثورة‪ :‬كن��ا نلتفت بإعجاب عند‬ ‫مرور ش��اب مفت��ول العضالت أو صبية مغندرة وتوب فاش��ن‪،‬‬ ‫اليوم بحس ضغطي عم يرتفع وقت بش��وفهم! هناك صورة‬ ‫نمطية للشبيح والشبيحة باتت ملتصقة بهم رغم أن التعميم‬ ‫ال يجوز وسطحي على األغلب لكنه جزء من واقع حالنا!‬

‫مش��ان اهلل يا أم��ي‪ ..‬حاج تس��أليني‬ ‫كيفك‪ ..‬منيحة‪ ..‬ب��س مافيني قلك أنو‬ ‫ما ح��دا بدق باب بيت��ي‪ ..‬وأنو كل وين‬ ‫ووين ليرن ج��رس الباب‪ ..‬ما فيني قلك‬ ‫أنو بفرح لما بش��وف س��طل الزبالة تبع‬ ‫جارتي‪ ..‬هيك بس بعرف أنها موجودة‪..‬‬ ‫عايشة بس مضيعة ريحتك‪ ..‬بتتذكري‬ ‫المره��م الل��ي كن��ت أدهنل��ك ضهرك‬ ‫وتعلق ريحت��و عإيديي؟؟ هأل كل مابدي‬ ‫أستحضر ريحتك بفتحو وبصير شمو‪ ..‬آخ‬ ‫يا أمي‪ ..‬من وقت بطلتي تحطي راس��ك‬ ‫عرجليي وعد الش��يبات براس��ك‪ ..‬صرت‬ ‫خربط بالعد‪..‬‬ ‫عم يقولو العيد يا إمي صار عالبواب‪..‬‬ ‫طيب كيف؟ وال ضل في بواب وال ضل في‬ ‫بيوت‪ ..‬وإذا دق مين بدو يفتحلو؟؟‪..‬‬ ‫عم بتش��قف يا أمي‪ ..‬مش��تهية شم‬ ‫ريح��ة معم��ول العيد‪ ..‬مش��تهية يرجع‬ ‫الزم��ن ل��ورا‪ ..‬وأصحى عص�لاة الصبح‬ ‫القيكي ش��اطفة البيت ومجهزة القهوة‬ ‫الم��رة وطاولة الحلو‪ ..‬وم��ا تخلينا نمد‬ ‫إيدن��ا لحتى يرج��ع البابا م��ن الصالة‪..‬‬ ‫ب��دي قلك س��ر‪ ..‬كن��ت أنا اللي أس��رق‬ ‫ملب��س بي��ض الحم��ام وآكل��و!! وبدي‬ ‫أعترفلك كمان أنو كنت أستصعب بوسة‬ ‫إي��د البابا لما عاي��دو‪ ..‬أنت علمتيني ما‬ ‫وطي راسي مهما كان السبب‪ ..‬مشتاقة‬ ‫يا أمي أسمع األدان‪ :‬لبيك اللهم لبيك‪..‬‬ ‫طال��ع م��ن ك��ذا جام��ع‪ .‬جام��ع األنوار‬ ‫وجامع الج��وري وجامع الفرقان‪ ..‬وصوت‬ ‫الفتي��ش اللي كن��ت أنزعج من��و‪ ..‬هأل‬ ‫صارت الفتيش��ة كبيرة كتي��ر‪ ..‬وصارت‬ ‫تم��وت بدال ما تض��وي وتفرح‪ ..‬وصوت‬ ‫المرجوح��ة‪ ..‬وهن��ي الوالد مكوش��ين‬ ‫حواليا وعم يغنو‪ :‬ياح��ج محمد‪ ..‬يويا‪..‬‬ ‫عيرني حصانك‪ ..‬يويا‪ ..‬تا شدو وأركب‪..‬‬ ‫يويا‪ ..‬وألحق اس��كندر‪ ..‬يويا‪ ..‬بس هأل‬ ‫المراجيح صارت مشانق‪..‬‬ ‫مش��تاقة ألب��و كرم��و‪ ..‬وعربايت��و‬ ‫الخض��را‪ ..‬ي��ا ترى وين��و وب��أي أرض‪..‬‬ ‫ش��باك غرفتن��ا أن��ا والبن��ات اللي كنت‬ ‫كاتبة عليه‪ :‬بقولو الحب بيقتل الوقت‪..‬‬ ‫كان يمرر كل األص��وات واأللوان‪ ..‬بس‬ ‫ه�لأ علبة الكبري��ت اللي عايش��ة فيها‬ ‫مابتس��معني إال ص��وت المكيف‪ ..‬بضل‬ ‫يط��ن بإدني ليل ونه��ار‪ ..‬وألني بعلبة‬ ‫كبري��ت‪ ..‬بصير ش��عل ع��ود ورا عود‪..‬‬ ‫عود برجعن��ي لعندك‪ ..‬وع��ود برجعني‬ ‫عالحارة‪ ..‬عود برجعني صغيرة عم تبكي‬ ‫بده��ا تياب جديدة للعي��د‪ ..‬وعود برجع‬ ‫الحياة وال��والد والزحم��ة‪ ..‬وعود بعبي‬ ‫الطاولة حلويات العيد‪ ..‬وهيك لحى آخر‬ ‫عود يرجعني عالعلب��ة‪ ..‬ومع أنو بقولو‬ ‫الوقت بيقتل الح��ب‪ ..‬بس عم حس أنو‬ ‫عم يقتلني‪ ..‬ويحيي الحب فيني‪.‬‬ ‫ايمان جانسيز‬


‫عن ال�شعب ال ُكردي يف �سوريا‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫أحداث القامشلي ‪2004‬‬

‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫يعيش الش��عب ُ‬ ‫الك��ردي ف��ي المنطقة‬ ‫المحاذي��ة لجب��ال زاكروس وجب��ال طوروس‬ ‫في شمال الشرق األوسط على أرض أطلقوا‬ ‫عليها اسم كردس��تان‪ ،‬وهي عبارة عن أجزاء‬ ‫من ش��مال ش��رق العراق وش��مال غرب إيران‬ ‫وش��مال ش��رق س��وريا وجنوب ش��رق تركيا‪.‬‬ ‫قدرت اإلحصاءات ع��ام ‪ 2011‬أن عدد األكراد‬ ‫ه��و ‪ 000 ،712 ،26‬نس��مة‪ ،‬تت��وزع كاآلتي‪:‬‬ ‫‪ 56%‬ف��ي تركي��ا‪ ،‬و‪ %16‬ف��ي إي��ران‪ ،‬و‪%15‬‬ ‫في الع��راق‪ ،‬و‪ 6%‬في س��وريا‪ ،‬والباقون (‪)7%‬‬ ‫يتوزعون في أنحاء العالم المختلفة‪.‬‬ ‫أم��ا بالنس��بة لتس��مية األك��راد فهناك‬ ‫خ�لاف ف��ي اللفظ ال��ذي يطلق على الش��عب‬ ‫الك��ردي في اللغة العربي��ة‪ :‬فنجده في الكتب‬ ‫العربي��ة القديمة ُ‬ ‫(الك��رد)‪ ،‬ثم تفادي��اً للفظ‬ ‫الكلمة بشكل خاطئ أي بكسر الكاف أضيفت‬ ‫إليه��ا الواو فأصبح��ت تكتب حديث��ًا (الكورد)‪،‬‬ ‫أم��ا كلمة (أك��راد) فجاءت قياس��اً على [أتراك‬ ‫جم��ع تركي]‪ ،‬ولكن بع��ض القوميين األكراد‬ ‫يعترضون على هذا المصطلح حيث يرون أن‬ ‫من يس��تخدم هذا المصطل��ح وهو على وزن‬ ‫الكرد وذلك اس��تناداً‬ ‫"أفع��ال" يقصد انتقاص ُ‬ ‫على بيت من ألفية اب��ن مالك‪" :‬أفعِلة أفعُل‬ ‫ثمَ فِعلة ثمّة ٌ‬ ‫أفعَال جُموع قِ ّلة"‪.‬‬ ‫معظ��م ُ‬ ‫الكرد يتحدث��ون إضافة للغتهم‬ ‫األم بلغ��ات األق��وام المجاورة له��م كالعربية‬ ‫والفارسية والتركية‪ ،‬أما بالنسبة للغة الكردية‬ ‫فهي من اللغ��ات الغنية باللهج��ات المختلفة‪،‬‬ ‫وتنتم��ي هذه اللغة إلى ف��رع اللغات اإليرانية‬ ‫والت��ي تنتم��ي بدوره��ا إل��ى اللغ��ات الهندو‬ ‫أوروبي��ة‪ .‬تنقس��م اللغة الكردي��ة إلى لهجات‬ ‫أربع��ة ه��ي اللهج��ة (الكرمانجية الش��مالية)‬ ‫ومنه��ا البهدياني��ة والبوتاني��ة والهكاري��ة‬ ‫واألركزية والش��كاكية‪ ،‬واللهجة (الكرمانجية‬ ‫الجنوبي��ة) ومنه��ا الس��ورانية واألردالني��ة‬ ‫والهوراماني��ة والكوراني��ة واالموكرياني��ة‪،‬‬ ‫واللهج��ة (اللورية) ومنه��ا الكلهورية واللكية‬ ‫والبختيارية‪ ،‬وأخيراً اللهجة (الزازكية)‪.‬‬ ‫يشكل ُكرد سوريا ‪ 6%‬من مجموع ُ‬ ‫الكرد‬ ‫في العالم‪ ،‬وتتراوح التقديرات غير الرس��مية‬ ‫ألعدادهم في سوريا ما بين مليون ومليوني‬ ‫نس��مة‪ ،‬وبعض المصادر الكردي��ة ترفع تلك‬ ‫التقديرات إلى ثالثة ماليين نس��مة من أصل‬ ‫أكثر من ‪ 23‬مليون هم عدد س��كان سوريا أي‬ ‫لتصل إل��ى حوالي ‪ 13%‬من مجموع الس��كان‬ ‫ف��ي س��وريا‪ ،‬وغالبه��م مس��لمون‪ .‬يعي��ش‬ ‫معظمهم في ش��مال شرق البالد في منطقة‬ ‫الجزيرة بمحافظة الحسكة‪ ،‬ومنطقة عفرين‬ ‫ش��مال حلب‪ ،‬ومنطقة كوبان��ي (عين العرب)‪.‬‬ ‫وق��د هاجر العديد من أبناء هذه المناطق إلى‬ ‫دمشق وريفها بحثًا عن فرص أفضل للحياة‪.‬‬ ‫كان ي��وم الخام��س من تش��رين األول‬ ‫ع��ام ‪ 1962‬يوم��اً فاص� ً‬ ‫لا في تاريخ الش��عب‬ ‫الك��ردي في س��وريا‪ ،‬حي��ث تق��رر يومها في‬ ‫عهد الرئيس ناظم القدسي تنظيم اإلحصاء‬ ‫االس��تثنائي الذي س��مي بـ"إحصاء الحسكة"‪،‬‬ ‫وكان ه��دف الحكوم��ة المعلن من��ه "التعرف‬ ‫عل��ى المهاجرين الغي��ر قانونيين م��ن تركيا‬ ‫إل��ى ش��مال ش��رق س��وريا"‪ ،‬ونجم ع��ن هذا‬ ‫اإلحصاء انقس��ام الش��عب الك��ردي إلى ثالثة‬ ‫أقس��ام‪ :‬أكراد يتمتعون بالجنس��ية السورية‪،‬‬ ‫وأكراد مجردون من الجنس��ية ويسجلون في‬ ‫القيود الرس��مية على أنهم أجانب‪ ،‬أما القسم‬ ‫الثال��ث فهم األكراد المجّردون من الجنس��ية‬ ‫الغي��ر مقيدين في س��جالت األح��وال المدنية‬ ‫الرسمية‪ ،‬وهم من أطلق عليهم اسم (مكتوم‬ ‫القيد)‪ ،‬ويش��ير هذا االصطالح إلى عدم وجود‬ ‫الش��خص المعن��ي في الس��جالت الرس��مية‪،‬‬

‫وهذا في حال لم يستطيعوا إبراز بيانات تدل‬ ‫على أن أجدادهم كانوا مس��جلين في سجالت‬ ‫النفوس العثمانية قبيل عام ‪.1920‬‬ ‫أدى ه��ذا اإلحص��اء لتجري��د م��ا يقارب‬ ‫المليون كردي من جنسيته السورية ليظل بال‬ ‫هوية ممنوع من ممارسة أي حق من حقوقه‬ ‫المدنية كالزواج من مواطن س��وري أو السفر‬ ‫خارج ح��دود البلد لعدم تملكهم لجواز س��فر‬ ‫أو العمل في أي من دوائر ومؤسس��ات الدولة‬ ‫الحكومي��ة أو التملك لألراض��ي والعقارات أو‬ ‫الدراس��ة ف��ي كليات الط��ب أو الهندس��ة في‬ ‫س��وريا وغيرها من أبسط الحقوق التي يجب‬ ‫أن يتمتع بها أي إنسان‪.‬‬ ‫بع��د حوال��ي الثالثة أع��وام أي في عام‬ ‫‪ 1965‬ق��ررت الحكوم��ة الس��ورية إنش��اء ما‬ ‫يس��مى بالحزام العربي ف��ي منطقة الجزيرة‬ ‫وذل��ك عل��ى امت��داد الحدود م��ا بين س��وريا‬ ‫وتركيا‪ .‬امتد هذا الحزام بطول ثالثمائة كيلو‬ ‫متر وبعرض عش��رة كيلو مترات‪ ،‬امتداداً من‬ ‫الح��دود العراقية في الش��رق إلى رأس العين‬ ‫ف��ي الغ��رب‪ .‬ج��رى بموج��ب ه��ذا المش��روع‬ ‫مص��ادرة األراض��ي الت��ي كان يعي��ش فيه��ا‬ ‫األك��راد من��ذ الق��دم ووزعته��ا الحكومة على‬ ‫العائالت الس��ورية بعدما اغتنمت فرصة بناء‬ ‫س��د الفرات لتس��تولي على أراضيهم وتقيم‬ ‫م��زارع م��زودة بالم��اء والكهرب��اء والمدارس‬ ‫وتوزعه��ا على الفالحين الع��رب الذين ُغمرت‬ ‫أراضيهم بمياه السد‪ .‬كان هذا المشروع سببًا‬ ‫ف��ي تفري��غ المنطق��ة الحدودية بين س��وريا‬ ‫وتركيا من سكانه األصليين األكراد‪ ،‬وتوطين‬ ‫أس��ر عربية فيه (تم توطين أربعة آالف أسرة‬ ‫عربية في الشريط الحدودي وتوزيع أكثر من‬ ‫س��بعمائة ألف دونم من األراض��ي المصادرة‬ ‫عليه��م) لقط��ع أواص��ر االرتب��اط الجغرافي‬ ‫بين أكراد س��وريا وأكراد تركيا وفصلهم عن‬ ‫امتدادهم القومي خارج الحدود السورية‪.‬‬ ‫كان��ت ه��ذه سياس��ة واضح��ة لتعريب‬ ‫المنطقة وطم��س الهوية الكردية فيها‪ ،‬حيث‬ ‫ح��ذت س��وريا ح��ذو تركي��ا وامتدت بأس��لوب‬ ‫التعريب ليشمل أسماء القرى والمدن والمواقع‬ ‫المعروفة بأسماء كردية منذ القدم لتستبدلها‬ ‫بأس��ماء عربي��ة‪ .‬يق��ول ف��ي ه��ذا المنص��ف‬ ‫العربي في مجلة الحوار "س��مي جبل األكراد‬

‫باس��م جبل حلب بينم��ا كان األجدر أن يطلق‬ ‫على جبل سمعان اسم جبل حلب ألنه ال يبعد‬ ‫أكثر م��ن ثالثين كيل��و متراً من حل��ب‪ ،‬بينما‬ ‫يبع��د جبل األك��راد عن حلب حوالي تس��عين‬ ‫كيلومت��راً خاصة وإن��ه يمتد داخ��ل األراضي‬ ‫التركية لمسافة أربعين كيلو متراً أيضاً"‪.‬‬ ‫كم��ا ترافق��ت عملية الطم��س هذه مع‬ ‫قم��ع الحكومة الس��ورية للحركة السياس��ية‬ ‫الكردية واعتقال نش��طائها واغتي��ال قادتها‪.‬‬ ‫يقول فيصل يوسف (عضو المكتب السياسي‬ ‫ف��ي الح��زب الديمقراط��ي التقدم��ي الكردي‬ ‫وعض��و اللجنة العلي��ا للتحال��ف الديمقراطي‬ ‫الكردي في سوريا) أن "حزبه يمارس نشاطه‬ ‫من��ذ ‪ 14‬حزي��ران ‪ 1957‬وعل��ى الرغ��م م��ن‬ ‫ظروف��ه الصعبة في العقود الس��ابقة‪ ،‬إال أن‬ ‫الح��زب يعمل حاليًا بش��يء من العلنية ش��أن‬ ‫غي��ره من األحزاب الكردية وحس��ب الظروف‪،‬‬ ‫وق��د تغ��ض الس��لطة النظ��ر عن نش��اطاته‬ ‫أحيان��ًا وتح��اول منعها ت��ارة أخ��رى"‪ .‬وكمثال‬ ‫بس��يط على قمع الحكومة السورية للحركات‬ ‫السياسية والحزبية الكردية قيام محكمة أمن‬ ‫الدولة في ‪ 9‬تشرين األول عام ‪ 2005‬بإصدار‬ ‫حكم بالسجن لمدة سنتين ونصف على أربعة‬ ‫أكراد من حزب االتحاد الديمقراطي المحظور‬ ‫في س��وريا‪ ،‬وكان��ت تهمته��م "االنتم��اء إلى‬ ‫تنظيم س��ري واقتطاع جزء من أراضي البالد‬ ‫وضمه��ا إلى دول��ة أجنبية"‪ .‬علم��اً أن األحزاب‬ ‫والمجموع��ات الكردي��ة في الوق��ت الحالي ال‬ ‫تطالب باالنفصال عن س��وريا‪ ،‬بل أقصى ما‬ ‫تصل إلي��ه مطالبها هو الحص��ول على حكم‬ ‫ذاتي لألقاليم التي يش��كلون أغلبية الس��كان‬ ‫فيه��ا‪ ،‬كم��ا تطال��ب تل��ك الق��وى بالمس��اواة‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫وكذل��ك حرم��ت الحكوم��ة الس��ورية‬ ‫األكراد م��ن التحدث بلغته��م الخاصة ومنعت‬ ‫الموس��يقى واألغاني الكردي��ة‪ .‬ومما زاد في‬ ‫معاناتهم اس��تقدام الدول��ة آلالف الموظفين‬ ‫العرب ليش��غلوا الوظائف المختلفة في دوائر‬ ‫الدولة ومؤسساتها ومدارسها وتقديمها الكثير‬ ‫من التس��هيالت لهم للسكن في الجزيرة‪ ،‬في‬ ‫ذات الوق��ت الذي منع فيه العنصر الكردي من‬ ‫شغل هذه الوظائف‪.‬‬ ‫حدث��ت ف��ي ‪ 12‬آذار ‪ 2004‬أس��وء‬

‫اضطراب��ات عرفته��ا المنطق��ة الكردي��ة في‬ ‫س��وريا وذلك أثناء مباراة كرة قدم في ملعب‬ ‫القامشلي (التابعة للحسكة) حين نشب صراع‬ ‫كبير بين مش��جعي األكراد (فريق القامشلي)‬ ‫ومش��جعي العرب (فريق دير الزور)‪ ،‬وسرعان‬ ‫ما تدخلت ق��وات األمن وامت��دت لبقية المدن‬ ‫الكردية واس��تمرت س��تة أيام انتش��رت فيها‬ ‫أعم��ال العنف إلى مناطق مجاورة لتصل حتى‬ ‫حلب والعاصمة دمشق‪ ،‬وكانت نتيجتها مقتل‬ ‫أربعين ش��خصًا حس��ب المصادر الكردية‪ ،‬أما‬ ‫حس��ب الحصيلة الس��ورية الرس��مية فكانت‬ ‫النتيجة مقتل خمس وعش��رين شخصًا‪ ،‬هذا‬ ‫إضاف��ة إل��ى مئ��ات الجرحى‪ .‬كما تم��ت حملة‬ ‫اعتق��االت في المنطقة واس��تناداً إلى منظمة‬ ‫العفو الدولي��ة فإنه قد تم اعتق��ال ما يقارب‬ ‫األلفي ش��خص من األك��راد وكان من بينهم‬ ‫نس��اء وأطفال بعمر ‪ 12‬س��نة‪ ،‬كما تم فصل‬ ‫العديد من الطالب األكراد من الجامعات‪.‬‬ ‫إن كل ه��ذه اإلج��راءات االس��تثنائية‬ ‫وسياس��ات التميي��ز العنصري التي مارس��تها‬ ‫الحكومة السورية اتجاه ُ‬ ‫الكرد كان لها فاعليتها‬ ‫وتأثيراته��ا الالإنس��انية عل��ى كاف��ة أف��راد‬ ‫الش��عب الكردي في سوريا س��واء من الناحية‬ ‫االقتصادية كندرة العم��ل‪ ،‬أو االجتماعية من‬ ‫حي��ث الفقر والحاجة والتخل��ف أو التعليمية أو‬ ‫السياس��ية‪ .‬وكذلك منع األكراد من ممارس��ة‬ ‫حقوقه��م الثقافي��ة الكردي��ة وتقاليده��م‬ ‫الش��عبية‪ ،‬إضاف��ة إلى معان��اة المجردين من‬ ‫الجنس��ية وحرمانه��م من حقوقه��م المدنية‬ ‫كالس��فر والتمل��ك‪ ،‬مم��ا جعله��م بالتال��ي‬ ‫محرومين من اللحاق بركب الحضارة البشرية‬ ‫التي تتطور بسرعة ال يمكن مجاراتها في جو‬ ‫كالذي يعيش فيه األكراد السوريون من قيود‬ ‫ونبذ وقمع وطمس للهوية‪.‬‬ ‫إن عل��ى أي��ة جه��ة تتص��دى للمرحل��ة‬ ‫القادم��ة ف��ي س��وريا أن تول��ي ه��ذا المل��ف‬ ‫العناي��ة الفائق��ة وذل��ك منع��ًا التجاه��ه نحو‬ ‫منزلقات خطي��رة ال تحمد عقباها‪ ،‬كما ويجب‬ ‫إحاطة هذا الملف بالدراس��ة العميقة للتاريخ‬ ‫والجغرافي��ا وق��راءة الواق��ع ق��راءة صحيح��ة‬ ‫ليك��ون ملفاً وطنيًا وج��زءاً ال يتجزأ من الملف‬ ‫الوطني األكبر‪ :‬سوريا الحرة الموحدة‪.‬‬

‫حبر ناشف‪. .‬‬

‫بالل سالمة‬

‫‪23‬‬


‫رصيف ‪. .‬‬

‫�أنا اجل�سد‬ ‫�أعلن‬ ‫ان�شقاقي‬ ‫وهذه‬ ‫هويتي!‬ ‫نبراس شحيّد‬

‫يف الذكورة امل�ش ّوهة‬

‫سوريتنا | السنة األولى | العدد (‪ / 9 | )51‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪24‬‬

‫حي��ن كن��ا طالبًا ف��ي الجامع��ة‪ ،‬كنا‬ ‫مجبري��ن عل��ى تخصي��ص نه��ار كام��ل‬ ‫أسبوعيّاً لـ"التدريب العسكري الجامعي"‪.‬‬ ‫في اإلطار ذاته‪ ،‬كن��ا مرغمين أيضًا على‬ ‫المشاركة في معس��كرات صيفية‪ ،‬كانت‬ ‫أشبه بمعس��كرات االعتقال‪" .‬يا حيوانات‬ ‫يا والدين ال��ـ‪ ...‬منك إلو"‪ ،‬يحيّينا َّ‬ ‫المقدم‬ ‫المس��ؤول عن��ا ف��ي الصب��اح‪ .‬نه��رول‬ ‫كاأليت��ام‪ ،‬نتداف��ع‪ ،‬نه��رب إل��ى خيمن��ا‬ ‫الممزق��ة‪ ،‬فيتعقبن��ا الضب��اط‪ .‬يعاقبن��ا‬ ‫المقدم‪ ،‬عرا َة الصدر تحت ش��مس مدينة‬ ‫الضمي��ر الحارق��ة‪ ،‬ألنن��ا لم نس��تمع إلى‬ ‫حديثه الش��يق! اللغة السائدة في األجواء‬ ‫هذه هي لغة شتائم "الزنار وما دونه"‪ ،‬أما‬ ‫الثقافة المهيمنة فهي ثقافة هدر الوقت‬ ‫بامتياز‪ :‬ثقافة تتكفل تشويه ما بقي من‬ ‫حياتن��ا الجامعية‪ .‬هي ثقاف��ة اللهو بكل‬ ‫ش��يء يمكنه أن ّ‬ ‫يخفف م��ن وطأة الزمن‬ ‫الخاوي ("لعب الش��دة"‪ ،‬صي��د العقارب‪)...‬‬ ‫ف��ي ظ��روفٍ كنا نُمن��ع فيها م��ن ادخال‬ ‫الكت��ب إلى المعس��كر! ه��ي ثقافة إذالل‬ ‫الط�لاب الت��ي تتي��ح لبعض المش��رفين‬ ‫عليه��م أن يفرغ��وا م��ا ف��ي جعبهم من‬ ‫عق��د النقص وم��رارة الحياة‪ .‬ه��ي نوعٌ‬ ‫م��ن الثقافة العبثية الممنهجة التي كانت‬ ‫كفيل��ة إغراقنا في ف��راغ وجوديّ عميق‪،‬‬ ‫نشعر فيه بانعدام قيمتنا‪ ،‬وبرتابة الزمن‬ ‫الذي يحكمنا‪ ،‬ال بل بحقارة أجسادنا! كان‬ ‫يكفي مث� ً‬ ‫لا أن نض��ع البدلة العس��كرية‬ ‫علينا حتى نصير "زعرانًا"‪ ،‬بحس��ب تعبير‬ ‫إح��دى صديقات��ي ف��ي الجامع��ة‪" ،‬نلهث‬ ‫كضوار جائعة ال‬ ‫وراء زميالتنا في الكلية‬ ‫ٍ‬ ‫ترى في الجس��د إال أدا ًة تثير الش��هوة"‪ ،‬ال‬ ‫ش��خصًا ينضح بالحياة! كان ارتداء البدلة‬ ‫كفي� ً‬ ‫لا لك��ي "تتبه��دل" لغتن��ا الجامعية‪،‬‬ ‫وتخت��زل في قام��وس الس��باب والجنس‬ ‫العصابي الذي يُس��قط الح��ب والكرامة‬ ‫م��ن مفردات��ه‪ .‬باختص��ار‪ ،‬كان ارت��داء‬ ‫الب��زة العس��كرية‪ ،‬وما تمثله من تش��وّه‬ ‫ثقاف��ي‪ ،‬كافي��ًا لكي ّ‬ ‫ينحط ش��يء عميق‬ ‫ّ‬ ‫فتُس��طح اللغة والزمن‪،‬‬ ‫من إنس��انيتنا‪،‬‬ ‫ويُختزَل الجس��د في جسم مشيّأ ال همّ‬ ‫ٍ‬ ‫له إال البحث عن متعة مفقودة‪.‬‬

‫شهداء‬ ‫سوريا‬

‫يف الثقافة العدمية‬

‫ّ‬ ‫تش��كل الثقاف��ة المس��طحة ه��ذه‪،‬‬ ‫حين تصيب جس��د المؤسس��ة الجامعية‪،‬‬ ‫تجلي��ًا فاضحاً لح��ال الثقافة الت��ي بناها‬ ‫النظام في مجتمعنا‪ ،‬فتُوسّ��ع بما تو ّلده‬ ‫من اس��راف ف��ي الالمعنى‪ ،‬وبم��ا تحمله‬ ‫من تتفي��ه للجس��د والزم��ن واللغة‪ ،‬من‬ ‫اله��وة التي تحك��م ثقافتن��ا العربية بين‬ ‫جس��م وظيفيّ ْ‬ ‫ونَفس مفكرة متعالية‪،‬‬ ‫ال ش��اغل لها إال إخضاعه! يغرق اإلنسان‬ ‫هك��ذا في فصام "المادي" عن "الروحي"‪،‬‬ ‫و"الدين��ي" ع��ن "الدني��وي"‪ ،‬ألن تحويل‬ ‫الجسد محض أداةٍ‪ ،‬أو كتلة من الوظائف‬ ‫البيولوجي��ة‪ ،‬قد يدفع اإلنس��ان‪ ،‬من جهة‬ ‫أولى‪ ،‬إل��ى العيش على مس��توى الحاجة‬ ‫الخ��ام‪ ،‬فتنحصر حيات��ه في هموم األكل‬ ‫والشرب والجنس‪ .‬تالياً‪ّ ،‬‬ ‫تحط الحال هذه‬ ‫من مكانة المرأة‪ ،‬لتتحوّل جس��داً يسهل‬ ‫امتالك��ه‪ ،‬فتصير األنث��ى محض "جنس‬ ‫لطي��ف"‪ّ ،‬‬ ‫يتوط��د مع��ه تحجّ��ر الثقاف��ة‬ ‫الذكورية العاملة في عقليتنا‪ .‬لكن ثقافة‬ ‫اختزال الجس��د ه��ذه ال تكتفي بتقليص‬ ‫الوجود إلى الحاجات المباش��رة‪ ،‬بل نراها‬ ‫تعزّز‪ ،‬م��ن جهة ثانية‪ ،‬ظه��ور أنواع من‬ ‫التدين المنفصلة عن الواقع‪ ،‬ألنها ال ترى‬ ‫في الجس��د إال س��جنًا وغرب��ة‪ ،‬فتلجأ إلى‬ ‫واح��ات "التقوي��ات" هربًا م��ن وجود صار‬ ‫هب��ا ًء‪ ،‬فتضي��ع ف��ي الماورائي��ات‪ .‬ثقافة‬ ‫اختزال الجس��د هذه عدمي��ة‪ ،‬ألنها تُفلت‬ ‫م��ن كثاف��ة الوج��ود لتلتجئ إل��ى عوالم‬ ‫ً‬ ‫متناس��ية الحاض��ر‪ ،‬أو تنحصر في‬ ‫الغيب‬ ‫مباش��ريته البيولوجية المحضة‪ .‬الثقافة‬ ‫هذه عدمية‪ ،‬ألنها تقس��م اإلنس��ان على‬ ‫ذات��ه‪ ،‬فيتغ��رّب بي��ن "جس��د" و"نفس"‬ ‫نحو ّ‬ ‫يحط من مس��ارات‬ ‫متحاربي��ن‪ ،‬على ٍ‬ ‫الفك��ر وم��ن ابداع��ات الجس��د‪ .‬الثقاف��ة‬ ‫هذه عدمي��ة‪ ،‬ألنها تُلحق المرأة بالرجل‪،‬‬ ‫لتصير ملكاً له ومصبًّا ألهوائه‪.‬‬

‫يف الأنوثة احلية‬

‫الص��ورة النمطي��ة هذه ع��ن األنثى‬ ‫هي اليوم في ص��دد التفكك‪ .‬يذكر معن‬ ‫العاقل في مقاله عن الفنانة هبة العقاد‪،‬‬ ‫ابنة حي الميدان الدمشقي‪ ،‬ما يأتي‪" :‬مع‬ ‫انطالقة الثورة السورية‪ ،‬كانت هبة الحرة‬

‫جمموع ال�شهداء (‪)24431‬‬ ‫دمشق‪1340 :‬‬ ‫ريف دمشق‪4203 :‬‬ ‫حمص‪6250 :‬‬ ‫حلب‪2089 :‬‬ ‫حماه‪2305 :‬‬ ‫الالذقية‪462 :‬‬

‫في المقدمة‪ ...‬كانت تمتلك حرية الفنان‬ ‫وفرديته‪ ،‬وحرية األنثى الش��خصية‪ ،‬لكن‬ ‫هذه الحري��ات مقيدة بسالس��ل المجتمع‬ ‫المعنوي��ة‪ ،‬وأكث��ر م��ن ذل��ك بسالس��ل‬ ‫االضطه��اد والقم��ع السياس��ي والفكري‬ ‫والحضاري لسلطة أوغلت في االستبداد‪.‬‬ ‫فج��أة‪ ،‬ص��ار أه��ل المي��دان يس��ألون أبا‬ ‫هب��ة عن ابنت��ه ويطمئنون عليه��ا‪ ،‬وراح‬ ‫الش��باب الذين س��بق لهم أن افترس��وها‬ ‫بنظراته��م غيظ��ًا م��ن تجروئه��ا عل��ى‬ ‫قيوده��م‪ ،‬وربما نعتوها بأبش��ع النعوت‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يش��كلون بأجس��ادهم درعًا للدفاع‬ ‫راحوا‬ ‫عنه��ا وع��ن زميالته��ا ف��ي التظاه��رات‪،‬‬ ‫وكان الع��ار ذاته‪ ،‬عار الحري��ة‪ ،‬الذي دفع‬ ‫والده��ا لطأط��أة رأس��ه‪ ،‬هو ال��ذي جعله‬ ‫يرفع��ه م��ن جديد تفاخ��راً بابنت��ه" (كلنا‬ ‫ش��ركاء‪ .)2012/6/13 ،‬نساء اليوم يقدن‬ ‫تظاهرات كبيرة‪ ،‬يرس��من على الجدران‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يصفقن‪ ،‬يغنّين في أزقة الثورة‪ ،‬يكسرن‬ ‫س��جون الماضي‪ ،‬يعبّرن بأجسادهن عن‬ ‫شوق الى وطن‪ ،‬فيحيا الجسد على اتساع‬ ‫ٍ‬ ‫الرغب��ة ف��ي الحري��ة‪ .‬تعمل الناش��طات‬ ‫مع الناش��طين لي ًال م��ن دون حضور األب‬ ‫أو األخ الرقي��ب‪ ،‬ليطغ��ى عص��ر التح��رّر‬ ‫عل��ى م��ا كان يُس��مى س��ابقاً "عص��ر‬ ‫تحرير الم��رأة"‪ .‬يق��ول الصدي��ق العزيز‬ ‫بطرس الحالق‪ :‬إن "تح��رر المرأة ذاتيا ال‬ ‫بنعم��ة يس��بغها الرجل المنفت��ح‪ ،‬وتحرر‬ ‫الرج��ل من فحولته وم��ن وهمه بأنه هو‬ ‫القادر على تحرير الم��رأة‪ .‬وهل نرضى‪،‬‬ ‫بالعودة إلى نقاش فلسفي عن العلمانية‬ ‫ووجوهها‪ ،‬أو فقهي ‪ -‬الهوتي عن الصيغ‬ ‫المناس��بة للمس��اواة بين المرأة والرجل؟‬ ‫حراك الشبيبة يدعونا إلى موقف صريح‪،‬‬ ‫يق��ول بالمس��اواة المطلق��ة بي��ن الرجل‬ ‫والمرأة‪ ،‬بدون تسويغ أو وأوأة فلسفية أو‬ ‫دينية" (الس��فير‪ّ .)2012/3/16 ،‬‬ ‫تذكرني‬ ‫كلمات بط��رس بما قالته يومًا الناش��طة‬ ‫"أم قتيب��ة"‪ ،‬الخارجة م��ن صلب المجتمع‬ ‫التقلي��دي‪" :‬لم أع��د أخاف الرج��ل ألنني‬ ‫ببس��اطة لم أعد أخاف وحشية النظام!"‪.‬‬ ‫كلم��ات "أم قتيبة" بيّنة‪ ،‬فس��لطة الرجل‬ ‫الش��رقي على المرأة من سلطوية ثقافة‬ ‫النظ��ام الديكتاتوري‪ ،‬وتح��رر المرأة هو‬ ‫قبل كل ش��يء تحرر الوطن من تهشّ��م‬ ‫ثقافة الجسد الذي أصابته!‬ ‫طرطوس‪45 :‬‬ ‫درعا‪2418 :‬‬ ‫دير الزور‪1628 :‬‬ ‫الحسكة‪133 :‬‬ ‫القنيطرة‪46 :‬‬ ‫الرقة‪94 :‬‬ ‫ادلب‪3401 :‬‬ ‫السويداء‪17 :‬‬

‫يف �أزقة الرغبة‬

‫ل��م تع��د األنث��ى ع��ورة‪ ،‬ب��ل صارت‬ ‫ث��ورة‪ ،‬ولذا تُغتصَب‪" :‬لقد اغتصبوكِ ألن‬ ‫الثورة أنثى"‪ ،‬تكتب نس��اء الجوالن المحتل‬ ‫على ثياب بيضاء مع ّلقة على حبل غس��يل‬ ‫ً‬ ‫مس��احة‬ ‫(‪ !)2012/8/24‬أوج��دت الث��ورة‬ ‫جدي��د ًة لألنثى‪ ،‬ألنها أوج��دت زمناً جديداً‪،‬‬ ‫فالزم��ن الماض��ي كان رتيباً‪ ،‬ال ب��ل خاويًا‬ ‫نبح��ث عن ملئه وكأنه ثق��ب في جدار! أما‬ ‫زمن الي��وم‪ ،‬فيحمل حض��وراً جديداً حين‬ ‫يخرج ع��ن أط��ره التقليدي��ة‪ ،‬ليرفض أن‬ ‫يبقى محض تتاب��ع أعمى للحظات تتكرّر‬ ‫بال جدوى‪ ،‬بل تصير كل لحظة اس��تثنائية‬ ‫تتع��ارك فيها الحياة م��ع الموت‪ ،‬ويولد من‬ ‫رحمها شي ٌء جديد‪ ،‬فتنقلب اللحظة مدىً!‬ ‫في مدى اللحظة المتجدّدة‪ ،‬يكتسب وجود‬ ‫األنث��ى معن��ىً جدي��داً من خ�لال النضال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ممرضة‪،‬‬ ‫صحافيّة‪،‬‬ ‫ناش��طة‪،‬‬ ‫الذي تلتزمه‬ ‫ّ‬ ‫منظرةً‪ً ،‬‬ ‫فنانة‪ ،‬ش��هيدةً‪ ،‬أمّاً وأختًا لشهيدٍ‬ ‫ً‬ ‫مش��روطة‬ ‫وحبيب��ة‪" .‬إن كان��ت رجولت��ك‬ ‫بغش��اء بكارتي‪ ،‬فهي حتماً زائلة بزواله"‪،‬‬ ‫تق��ول الفت��ة أنثوية أخ��رى‪ ،‬فأن��ا لم أعد‬ ‫جسمًا هزي ًال تمتلكه‪ ،‬ألنني أشتري حريتي‪،‬‬ ‫مثلك‪ ،‬بجس��دي بدمي! في مدى اللحظة‪،‬‬ ‫يُسقط الجس��د صورته القديمة‪ ،‬ألنه لم‬ ‫يع��د أدا ًة نمتلكه��ا نس��تعملها‪ ،‬أو مح��ض‬ ‫حاجات نشبعها‪ ،‬أو سجنًا نفر منه‪ ،‬بل نراه‬ ‫يخرج من قمقمه ليحتل بديناميكيته فضاء‬ ‫المش��هد‪ ،‬لتتدفق األجس��اد إلى الش��وارع‬ ‫ً‬ ‫غاضب��ة‪ ،‬وإلى القب��ور حكاي��اتٍ ال ننتهي‬ ‫م��ن س��ردها‪ .‬الجس��د يحض��ر اآلن وهنا‪،‬‬ ‫باألنوثة‪ ،‬بالذك��ورة‪ ،‬بالكلم��ات‪ ،‬بالهتاف‪،‬‬ ‫بالرقص‪ ،‬بالجراح‪ ،‬باآلالم‪ ،‬ليصير الجسد‬ ‫نفس��ه ً‬ ‫رغبة في الحرية متجس��دة‪ .‬تالياً‪،‬‬ ‫تدفع المس��احة الجس��ديّة الجديدة الفكرَ‬ ‫إل��ى أن يثور عل��ى ذاته ليول��د جديداً من‬ ‫رح��م الرغب��ة المتجس��دة هذه‪ ،‬متج��اوزاً‬ ‫القوال��ب القديم��ة التي حجّمت "الجس��د"‬ ‫وجعلت من "الروح" صنماً‪ .‬يدفع انش��قاق‬ ‫الجس��د عن ماضيه الفكرَ إلى التخلي عن‬ ‫حلل��ه القديم��ة المتعالية‪ ،‬لينب��ع من حياة‬ ‫الجس��د‪ ،‬بتطلعاته ومعانات��ه‪ ،‬متجذّراً في‬ ‫في��ض المعنى الذي توج��ده اللحظة حين‬ ‫تكسر ايقاعها القديم‪.‬‬ ‫النهار اللبنانية ‪2012 / 9 / 8‬‬ ‫‪ 2602‬عدد العسكريين‬ ‫‪ 21829‬عدد المدنيين‬ ‫‪ 1396‬عدد اإلناث‬ ‫‪ 670‬عدد األطفال اإلناث‬ ‫‪ 1623‬عدد األطفال الذكور‬ ‫المصدر‪ :‬مركز توثيق االنتهاكات‬ ‫في سوريا ‪2012 / 9 / 8‬‬ ‫‪http://vdc-sy.or‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.