سوريتنا العدد 53 الأحد 23 أيلول 2012

Page 1

‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫أسبوعية‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫‪1‬‬

‫غالف العدد‬ ‫تصميم الفنانة يارا النجم‬


‫العفو الدولية‪ :‬قوات النظام ت�ستهدف املدنيني ب�سوريا‬

‫الهجمات �شملت ‪ 36‬بلدة وقرية يف �إدلب وجبل الزاوية و�شمال حماه‬ ‫أخبارنا ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪2‬‬

‫أعلن��ت منظم��ة العف��و الدولي��ة في‬ ‫بي��ان لها‪ ،‬اليوم األربعاء‪ ،‬أن المدنيين ومن‬ ‫بينهم عدد كبير من األطفال‪ ،‬هم الضحايا‬ ‫الرئيس��يون للهجم��ات التي يش��نها جيش‬ ‫النظام السوري بشكل متواصل وأعمى‪.‬‬ ‫وقالت المنظمة في تقريرها الحديث‬ ‫إن مش��اهدات باحثيها داخل س��وريا خالل‬ ‫النصف األول م��ن س��بتمبر‪/‬أيلول رصدت‬ ‫هجمات أس��فرت عن مقتل ‪ 166‬ش��خصًا‪،‬‬ ‫بينه��م ‪ 48‬طف� ً‬ ‫لا و‪ 20‬ام��رأة‪ ،‬كم��ا ج��رح‬ ‫المئات جراءها‪.‬‬ ‫وأوضح البيان أن الهجمات ش��ملت ‪36‬‬ ‫بلدة وقرية في إدلب وجبل الزاوية وشمال‬ ‫حماه‪.‬‬ ‫وتقول المنظمة "تواف��رت لديها أدلة‬ ‫موثقة بش��أن نهج اتبعته القوات السورية‬ ‫خالل األس��ابيع األخيرة ف��ي المناطق التي‬ ‫انس��حبت منها أمام قوات المعارضة‪ ،‬فهي‬ ‫تقصفها اآلن بشكل مستمر‪ ،‬ما يؤدي إلى‬ ‫عواقب كارثية على السكان المدنيين"‪.‬‬ ‫وقالت مستشارة األزمات في منظمة‬ ‫العف��و الدولية دوناتال روفي��را‪ ،‬التي عادت‬ ‫لتوه��ا م��ن ش��مالي س��وريا‪ ،‬إن "الق��وات‬ ‫النظامية تقصف بش��كل منظم المدنيين‬ ‫والق��رى باألس��لحة الثقيلة الت��ي ال يمكن‬

‫اس��تعمالها الس��تهداف أماك��ن مح��ددة مع‬ ‫العل��م أن ضحاي��ا مث��ل ه��ذه االعت��داءات‬ ‫العمياء هم تقريبًا ودائماً المدنيون"‪.‬‬ ‫وأضافت "ال يجوز أبداً اس��تعمال مثل‬ ‫ه��ذه األس��لحة ض��د المناطق الس��كنية"‪.‬‬ ‫وكانت روفيرا قد توجهت مؤخراً إلى شمال‬ ‫سوريا‪.‬‬ ‫وأش��ار بيان المنظمة إل��ى أنه "خالل‬ ‫األسابيع الماضية وفي المناطق التي دحرت‬ ‫فيه��ا ق��وات المعارض��ة الق��وات النظامية‬ ‫حص��ل قصف أعم��ى على األراض��ي التي‬ ‫انس��حب منه��ا الجيش النظامي م��ع نتائج‬ ‫تدميرية بالنسبة للسكان"‪.‬‬ ‫وأوض��ح البي��ان أن "هجم��ات بالقرب‬ ‫من المستش��فيات بعيد تدفق الجرحى‪ ،‬أو‬ ‫على تجمع أش��خاص كانوا يشترون الخبز‪،‬‬ ‫تشير إلى أن مثل هذه االعتداءات تستهدف‬ ‫بش��كل عش��وائي التجمع��ات الكب��رى‬ ‫للمدنيي��ن"‪ ،‬متحدث��ًا ع��ن "انته��اك خطير‬ ‫للقانون اإلنس��اني الدولي" كما تحدث عن‬ ‫"جريمة حرب"‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬في ‪ 22‬آب‪/‬أغسطس "حصل‬ ‫قص��ف بالقرب من محل س��مانة وأدى إلى‬ ‫مقت��ل ‪ 13‬مدنياً" في كف��ر نبيل بمنطقة‬ ‫إدلب‪ ،‬حسب البيان‪.‬‬

‫ال�سوريون يبحثون عن �أحبتهم‬ ‫املفقودين على «في�سبوك»‬ ‫ألف��ا ش��خص عل��ى األقل فق��دوا في‬ ‫مناطق العنف بينهم أطفال ونساء وشيوخ‬ ‫ل��م يج��د الس��وريون س��وى صفحات‬ ‫اإلنترن��ت للبح��ث ع��ن المئات م��ن أحبتهم‬ ‫الذين فُقدوا ف��ي ظروف غامضة منذ تفجر‬ ‫الث��ورة‪ ،‬بحس��ب تقري��ر لقن��اة «العربية»‪،‬‬ ‫اليوم الخميس‪.‬‬ ‫وف��ي ه��ذا الس��ياق‪ ،‬أنش��أ ع��دد من‬ ‫الناش��طين صفح��ة خاص��ة عل��ى موق��ع‬ ‫التواص��ل االجتماع��ي «فيس��بوك» لعرض‬ ‫ص��ور المفقودي��ن ف��ي محاولة لمس��اعدة‬ ‫ذويهم على العثور عليهم‪.‬‬ ‫ومع مرور أيام المواجهات المسلحة في‬ ‫سوريا‪ ،‬تتكش��ف مظاهر جديدة من عذابات‬ ‫المواطني��ن الس��وريين‪ ،‬إل��ى جان��ب ارتفاع‬ ‫مع��دالت القتلى الذين يس��قطون كل يوم‪،‬‬ ‫يوزاي ذل��ك الموت‪ ،‬موت آخ��ر بطيء يحمل‬ ‫عنوان «مفقود»‪ ،‬تتقط��ع له أوصال عائالت‬ ‫في انتظار األمل في عودة أحبتهم سالمين‪.‬‬ ‫وتع��رض صفح��ة عل��ى موق��ع‬ ‫«فيس��بوك»‪ ،‬تحم��ل عن��وان «مفقودين»‪،‬‬ ‫صوراً ألطفال ونس��اء وشبان وشيوخ فقدوا‬ ‫ألسباب مجهولة‪ ،‬منهم من خرج من المنزل‬ ‫بغ��رض ش��راء حاج��ة‪ ،‬ومنه��م م��ن توجه‬ ‫إلى عمل��ه ولم يع��د‪ ،‬لكن الجميع يش��ترك‬ ‫ف��ي نهاية مأس��اوية‪ ،‬بأنهم وقع��وا ضحية‬ ‫الخطف‪ ،‬س��واء لخصومة شخصية أو أسباب‬ ‫أمني��ة أو طلبًا لفدي��ة‪ ،‬وأحياناً أخرى دون أن‬ ‫يكون هناك سبب‪.‬‬ ‫ووفقًا للمرصد السوري لحقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫تعرض ما يتراوح بين ألفين و‪ 3‬آالف ش��خص‬ ‫للخط��ف في مختل��ف المناطق الس��ورية منذ‬ ‫ان��دالع االحتجاجات ضد نظام الرئيس بش��ار‬ ‫األسد قبل نحو ‪ 18‬شهراً‪ ،‬تتركز معظمها في‬ ‫المناطق التي تشهد أحداث عنف‪.‬‬ ‫ال أحد يع��رف مصير هؤالء‪ ،‬وما الجهة‬ ‫الت��ي اختطفته��م ولصالح م��ن‪ ،‬لكن يبقى‬

‫الس��ؤال األهم في س��لم أولويات عائالتهم‬ ‫وأحبائه��م‪ :‬ه��ل مازال��وا أحي��اء أم غيبه��م‬ ‫الم��وت كما غاب األمن ف��ي بلد تعصف فيه‬ ‫المواجهات؟‬ ‫وف��ي انتظ��ار بصيص أم��ل‪ ،‬يعرض‬ ‫موق��ع التواصل االجتماعي ص��وراً لعدد من‬ ‫المفقودي��ن‪ ،‬مقرونة بمعلومات بس��يطة‪،‬‬ ‫منه��ا تاري��خ اختفائه��م وأرق��ام هوات��ف‬ ‫عائالتهم‪.‬‬ ‫وف��ي انتظ��ار رني��ن الهات��ف‪ ،‬يبق��ى‬ ‫االنتظار صعب��اً في مواجهة الخب��ر القادم‪،‬‬ ‫فإما الموت أو طلب فدية‪.‬‬

‫اجلوع يهدد ال�سوريني جراء‬ ‫الق�صف واحل�صار‬ ‫حذرت منظمات دولي��ة وهيئات إغاثية‬ ‫م��ن أن الهجمات العس��كرية والحصار الذي‬ ‫تتع��رض ل��ه ع��دة بل��دات س��ورية تح��رم‬ ‫عش��رات اآلالف م��ن الس��كان م��ن الم��واد‬ ‫الغذائي��ة واالحتياج��ات األساس��ية‪ ،‬فض�لا‬ ‫عن توثيق عدة ناش��طين استهداف النظام‬ ‫خطوط إمداد وأفرانا‪.‬‬ ‫وتعان��ي آالف العائالت في مدينة حلب‬ ‫تحدي��دا من نقص حاد في الم��واد الغذائية‬ ‫نتيجة الحصار المفروض عليها من الجيش‬ ‫النظامي منذ أكثر من شهرين‪ ،‬وهو ما دفع‬ ‫عشرات المتطوعين إلى إنشاء ما بات يعرف‬

‫بـ"المطابخ الميداني��ة" التي تؤمن للعائالت‬ ‫والمقاتلين وجبات غذائية‪.‬‬ ‫وكان��ت اللجن��ة الدولية للصلي��ب األحمر‬ ‫دعت روسيا إلى الضغط على الحكومة السورية‬ ‫للس��ماح للصليب األحمر والمنظمات اإلنسانية‬ ‫األخرى بالعمل بحرية أكبر داخل البالد‪.‬‬ ‫وقال��ت اللجن��ة إن اهتم��ام الصلي��ب‬ ‫األحم��ر منص��بّ على كيفية توس��يع مجال‬ ‫اإلغاثة اإلنسانية في سوريا‪.‬‬ ‫ومن جانبه وجه برنام��ج األغذية العالمي‬ ‫التاب��ع لألم��م المتح��دة الخميس نداء لتس��هيل‬ ‫وصول��ه بش��كل أكب��ر إل��ى مناطق الن��زاع في‬ ‫سوريا‪ ،‬موضحا أنه غير قادر على تقييم الحاجات‬ ‫في المناطق التي تشهد معارك عنيفة‪.‬‬

‫مليونا نازح‬

‫وقال��ت المتحدث��ة باس��م البرنام��ج عبي��ر‬ ‫عطيف��ة إنها غي��ر قادرة عل��ى تقيي��م الحاجات‬ ‫ف��ي المناط��ق الت��ي تش��هد مع��ارك عنيفة ألن‬ ‫المساعدات اإلنس��انية ال تصل إليها‪ ،‬ولفتت إلى‬ ‫أن عدد النازحين السوريين اقترب من مليونين‪.‬‬ ‫وفي س��ياق متصل‪ ،‬ذكر أمس تقرير‬ ‫للمفوضي��ة العلي��ا لش��ؤون لالجئي��ن ف��ي‬ ‫جنيف أن الس��وريين المشردين في الداخل‬ ‫يحتاج��ون ق��درا متزاي��دا م��ن المس��اعدة‬ ‫النفسية‪ ،‬إضافة إلى األغذية والمال‪.‬‬ ‫وأوضح أن عدد الالجئين السوريين في الدول‬ ‫المجاورة يزداد بمعدل نحو ‪ 2900‬الجئ يوميًا‪.‬‬ ‫وأض��اف أن ‪ 27800‬س��وري هرب��وا إلى‬ ‫األردن ولبن��ان والع��راق وتركي��ا ف��ي نص��ف‬ ‫األس��بوع الجاري‪ ،‬مقارنة بنحو ‪ 253‬ألف الجئ‬ ‫سوري تم حصرهم حتى العاشر من الجاري‪.‬‬ ‫كما أعلنت المفوضية عبور نحو أربعة‬ ‫آالف الجئ س��وري إل��ى األراض��ي األردنية‬ ‫خ�لال األس��بوع الماض��ي عب��ر المنافذ غير‬ ‫الشرعية‪ ،‬معظمهم من محافظة درعا‪.‬‬


‫�شوارع �سوريا تخلد‬ ‫�أ�سماء �شهداء الثورة‬

‫�أوجـاع وطـن‬ ‫كي ال جند �أنف�سن��ا يف امل�ستقبل �أمام جيل معطوب‬ ‫آكاسيا العاصي‬

‫�أخوان يقاتالن �إىل جانب قوات‬ ‫النظام‪ ..‬بينما الثالث مع الثوار‬

‫معاناة عائلة �سورية يقاتل �أبنا�ؤها على اجلبهتني‬

‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫ترفع أم ياس��ر منديلها الوردي لتمس��ح دموعا تنهمر بال انقطاع‪ ،‬مستعيدة في‬ ‫ذهنه��ا ص��ور أوالدها الثالثة الذي��ن يقاتل اثنان منهم إلى جان��ب القوات النظامية‪،‬‬ ‫بينما يقاتل الثالث إلى جانب المعارضة المسلحة‪.‬‬ ‫ويقول زوجها تيس��ير إنه لديهما «ابن ف��ي الجيش النظامي‪ ،‬وآخر في الجيش‬ ‫السوري الحر»‪ .‬ولم ير تيسير ابنه الثالث محمد (‪ 26‬سنة)‪ ،‬الطالب الذي كان يدرس‬ ‫األدب العرب��ي قبل أن يلتحق بالخدمة العس��كرية في درعا (جنوب) ثم في محافظة‬ ‫دير الزور (شرق)‪ ،‬منذ ما بعد بدء الحركة االحتجاجية ضد النظام السوري في مارس‬ ‫(آذار) ‪ 2011‬بأسابيع قليلة‪.‬‬ ‫وأتم تيسير وجميع رجال هذه األسرة واجبهم الوطني‪ ،‬إال أنه منذ أن بدأ النزاع‬ ‫المس��لح‪ ،‬وجد الكثير من المجندين أنفسهم محاصرين‪ ،‬خاصة أن مدة هذه الخدمة‬ ‫التي تمتد عادة ‪ 18‬شهرا يمكن أن تطول إلى أجل غير مسمى‪.‬‬ ‫وأوضح تيس��ير أن ابنه محمد‪ ،‬الذي س��حبت منه الس��لطات هويته الشخصية‪،‬‬ ‫اضطر للبقاء في الجيش ألنه «لو انشق فسيموت»‪ ،‬مشيرا إلى وجود «مئات الحواجز‬ ‫على الطريق»‪ ،‬حس��ب وكالة الصحافة الفرنس��ية‪ .‬وحيال ه��ذا الوضع‪ ،‬رحلت زوجة‬ ‫محمد بعد أن انتابها اليأس إثر إجهاضها الناجم عن التوتر‪ ،‬وعادت إلى أسرتها‪.‬‬ ‫ون��ادرا ما تتلقى ه��ذه العائلة أنباء ع��ن ولديها لصعوبة االتص��االت الهاتفية‬ ‫في هذه القرية الواقعة ش��مال حلب‪ .‬وتعود آخر مكالمة لش��هر ونصف الشهر إال أن‬ ‫الخ��وف من التنصت أجبر محمد على الكالم مع وال��ده فقط حول األمطار والطقس‬ ‫فيما انهار باكيا عندما تكلم مع والدته التي تأثرت أيضا بمحادثته‪.‬‬ ‫وتخش��ى أم ياس��ر األخب��ار الس��يئة‪ ،‬وتتخي��ل مقت��ل ابنه��ا في كمي��ن نصبه‬ ‫المقاتل��ون المناهض��ون للنظام‪ ،‬أو تعذيبه حتى الموت عل��ى أيدي الموالين للنظام‬ ‫لو حاول االنشقاق‪.‬‬ ‫كما يخنقها القلق كذلك عندما تفكر بابنها اآلخر‪ ،‬أنيس‪ ،‬وهو طالب (‪ 23‬عاما)‬ ‫انضم إلى الجيش الحر قبل ثالثة أش��هر‪ ،‬وتقول‪« :‬أخش��ى حق��ا أن يقتال‪ ،‬فكالهما‬ ‫على الخط األمامي»‪ .‬وتطلق أم ياسر تنهيدة عميقة قائلة‪« :‬إنه أمر صعب»‪.‬‬ ‫ويرى تيس��ير أن قرار ولده أنيس هو النتيجة المنطقية «للمجازر التي ترتكب‬ ‫بحق الش��عب الس��وري» ويضيف أن أنيس قرر «الدفاع عن أرضنا وش��رفنا قبل أن‬ ‫يأتوا لقتلنا»‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫ف��ي محاولة رمزي��ة لتخليد ذكرى بعض القتلى الس��وريين نظمت تنس��يقية‬ ‫الحسكة الموحدة‪ ،‬حملة لتغيير أسماء عدد من الشوارع في المحافظة‪ ،‬لتحمل أسماء‬ ‫أبرز أبطال الثورة السورية‪ ،‬الذين قضوا في مسيرتهم المطالبة بالتغيير واإلصالح‬ ‫في سوريا‪.‬‬ ‫وج��اءت ه��ذه الخطوة ف��ي محاول��ة رمزية لتخليد ذك��رى بعض قتل��ى الثورة‬ ‫السورية‪ ،‬حيث نظمت تنسيقية الحسكة الموحدة حملة لتغيير بعض أسماء الشوارع‬ ‫والميادين في المحافظة‪ ،‬لتحمل أسماء عدد من رموز الثورة الذين ضحوا بأنفسهم‬ ‫من أجل نيل الحرية والكرامة‪.‬‬ ‫فبعد طمس األسماء القديمة للشوارع خطت على ذات اللوحات القديمة األسماء‬ ‫الجديدة للش��وارع‪ ،‬ليحمل أحدها اس��م الطفل حمزة الخطيب‪ ،‬وآخر اسم المعارض‬ ‫مش��عل تم��و‪ ،‬كما أطلق على أحد الميادين اس��م "آزادي" الذي يعن��ي الحرية باللغة‬ ‫الكردية في المدينة‪ ،‬تيمنًا بجمعة "آزادي" التي انطلقت أوائل الثورة السورية‪.‬‬ ‫ونف��ذت تنس��يقية الس��حكة حملتها وغي��رت أس��ماء العديد من الش��وارع في‬ ‫المحافظ��ة‪ ،‬ربما تماش��يًا مع اإلرادة الش��عبية الراغبة في إحداث التغيير المنش��ود‪،‬‬ ‫بجهودهم الرمزية وبما يتوافر لديهم من إمكانات‪.‬‬

‫ف��ي أول ي��وم بالعام الدراس��ي جلس��ت غادة مقابل عش��رين تلمي��ذاً بالصف‬ ‫الخام��س‪ ،‬كان��ت قد تطوعت لتعليمه��م‪ .‬حاولت قدر اإلمكان تخفي��ف وطأة الرعب‬ ‫المخيم على أجواء مدرستهم التي اخترقت جدرانها القذائف وأحدثت فجوات كبيرة‬ ‫بالج��دران‪ .‬مازح��ت تالميذها الصغار باعتب��ار فجوات الموت تل��ك فتحات للتهوية‪،‬‬ ‫تسمح باإلطالل على الفناء الخارجي‪.‬‬ ‫كل ش��ي في المدرس��ة بدا خارجاً للتو من معركة شرس��ة مع الموت‪ ،‬الذي ما‬ ‫ي��زال جاثمًا بثقله الهائل على ص��در البلدة الصغيرة‪ ،‬ويترصد حركة أهلها في كل‬ ‫م��كان حت��ى في فراش الن��وم‪ .‬عام كامل مض��ى والموت لم يمل م��ن حصادهم‪،‬‬ ‫بينم��ا يتناه��ش أعصابهم القلق والس��أم‪ .‬أخيرا وجدوا أن الس��بيل الوحيد للتغلب‬ ‫عل��ى ه��ذا الموت العبث��ي تجاهل وج��وده وتحديه باإلقب��ال على الحي��اة ومحاولة‬ ‫إطالق س��راح يومياتهم المعتقلة خلف جدرانه‪ .‬وهكذا عادوا إلى المدرسة ومعهم‬ ‫مدرس��ون ومدرس��ات ش��باب هم أيضا مل��وا اإلقام��ة الجبرية في بي��وت المناطق‬ ‫المحاص��رة بالقصف والقن��ص‪ ،‬اس��تودعوا اهلل أرواحهم‪ ،‬وحمل��وا الكتب واألقالم‬ ‫والدفات��ر وتوجه��وا إل��ى ما تبقى من مدرس��تهم ف��ي إحدى مناط��ق ريف حمص‬ ‫الملتهب‪ ،‬هناك حيث يقضي ما تبقى من األهالي أيامهم تحت حصار خانق تنقطع‬ ‫خالله وفي معظم األوقات المي��اه والكهرباء واالتصاالت‪ ،‬لتمر اللحظات بطيئة في‬ ‫تع��داد القذائ��ف المنهمرة على مدار الس��اعة فوق المنازل‪ ،‬وتميي��ز أصوات الهاون‬ ‫م��ن البرامي��ل‪ ،‬وتقدير موقع س��قوطها وحجم أضراره��ا‪ .‬لحظات تحي��ل حياتهم‬ ‫إلى س��ريالية مرعب��ة‪ ،‬يتغلبون عليها بالصالة والدعاء لل��رب الواحد القهار‪ ،‬تُعمق‬ ‫إيمانه��م ب��ان ال احد «يموت ناقص عمر» وان «كل ش��يء بي��د اهلل»‪ .‬هذه القناعة‬ ‫دفعت األهالي واألوالد والمعلمين للعودة إلى المدرسة التي سبق وقاطعوها العام‬ ‫الماض��ي‪ ،‬بعد احتاللها من قبل قناصة النظام‪ ،‬م��ع أنها هذا العام ورغم تحريرها‬ ‫م��ا تزال تحت مرمى ني��ران قوات الجي��ش النظامي‪ .‬ويحصل دائم��ا خالل الحصة‬ ‫الدراس��ية أن تس��مع أصوات القص��ف وإطالق الن��ار‪ ،‬كما يحصل أيضا أن يس��تمر‬ ‫ال��درس دون انقطاع‪ ،‬وكأن ش��يئا لم يكن‪ ،‬الله��م إال إذا كانت األصوات قريبة جدا‪،‬‬ ‫أو تس��تهدف المدرسة مباش��رة‪ ،‬حينها يهرع الجميع إلى القبو وسط صراخ وعويل‬ ‫الصغ��ار‪ ،‬دقائق قد تمتد لتصبح س��اعات خ��وف متواصل‪ ،‬إلى أن يهدأ كل ش��يء‪،‬‬ ‫فيس��ارع الجميع إلى منازلهم‪ ،‬ليعودوا في اليوم التالي إلى يوم جديد من مقارعة‬ ‫الرعب‪.‬‬ ‫غادة تحدثت عن أسبوعها األول بالمدرسة بتلقائية وببساطة يشوبها الضحك‬ ‫والس��خرية حين��ًا والبكاء المر حينًا آخر‪ ،‬خاصة حين ت��رد على ذكر أوضاع التالميذ‪،‬‬ ‫فم��ا من واحد منهم لم يفقد ش��خصا على األقل من عائلت��ه أم أو أب أو أخ أو عم‪،‬‬ ‫وم��ن لم يفقد فإن ل��ه قريباً أو أخًا في الجيش الحر أو أب��اً في المعتقل‪ ،‬معظمهم‬ ‫مثق��ل بالحزن واألل��م باإلضافة لعاهة جس��دية‪ ،‬أو ندب نتيجة إصابة بش��ظية أو‬ ‫طل��ق ناري‪ .‬غادة التي تحاول تس��ليتهم بأس��ئلة خارج��ة عن الس��ياق لتبدد حالة‬ ‫الس��كون في الصف‪ ،‬تجد نفسها متورطة في س��ماع قصص مأساوية ال تقل عن‬ ‫قصصها ه��ي وعائلتها‪ .‬ومع ذلك تصر على تجاوز األل��م والحزن بالتفكير بجدول‬ ‫زمن��ي مكثف إلنهاء المنهاج قبل الوقت المحدد‪ ،‬الن الزمن الدراس��ي في المناطق‬ ‫المحاصرة اقصر بكثير من نظيره في المناطق الهادئة نس��بيًا‪ ،‬فثمة أيام ال يمكن‬ ‫فيها الوصول للمدرسة‪ ،‬وأيام أخرى ال تتجاوز مدة الدوام ساعة واحدة‪ .‬عدا كل ذلك‬ ‫ف��إن الطالب بعد انقطاع ألكثر من عام نس��وا معلوماتهم الس��ابقة‪ ،‬وباتوا بحاجة‬ ‫لجهد إضافي‪ ،‬يعيد تذكيرهم بما تعلموه سابقا قبل إعطائهم معلومات جديدة‪.‬‬ ‫نع��م هناك مش��كالت كبي��رة ال نعرف كي��ف نتغلب عليه��ا‪ ،‬لك��ن لدينا األمل‬ ‫واإلرادة‪ ،‬ل��ن ن��دع األطفال يخس��رون عاما دراس��يا جدي��دا‪ ،‬ول��ن نحرمهم فرصة‬ ‫االستمتاع بأجواء الدراسة والتعلم‪ .‬ما قالته المدرسة الشابة غادة يضعنا أمام عدة‬ ‫مشكالت معقدة يعاني منها األطفال في المناطق الساخنة‪ ،‬فالندوب النفسية التي‬ ‫يخلفه��ا الحصار والقصف‪ ،‬باتت تحت��اج لجهود أكبر من جهود الش��باب والمعلمين‬ ‫في المجتمعات المحلية‪ ،‬إنها تس��تدعي توجيه نداءات اس��تغاثة للمنظمات الدولية‬ ‫المعنية بالطفولة والتعليم واإلغاثة وفي مقدمتها اليونيسيف للنظر في أوضاعهم‬ ‫والطلب من المجتمع الدولي التحرك بهدف إلزام النظام بتحييد المدارس عن دائرة‬ ‫االس��تهداف‪ ،‬وحث المنظمات التعليمية والتربوي��ة على وضع مناهج تراعي الوضع‬ ‫النفسي للتالميذ في المناطق المنكوبة والمحاصرة‪ ،‬والعمل على تدريب المعلمين‬ ‫والمتطوعين كيفية تعليم األطفال المتضررين نفس��يًا وجسديًا‪ .‬ومن نافل القول‬ ‫أن توجيه النداءات من اجل طفولة سوريا مهمة نشطاء المعارضة في الخارج قبل‬ ‫الداخل‪ ،‬فال يكفي أن نندب ش��هداءنا من األطفال ليل نهار‪ ،‬بل التفكير بمش��كالت‬ ‫األطفال األحياء الذين يعيشون تحت القصف‪ ،‬ووضع أفكار وبرامج لمساعدتهم‪ ،‬أو‬ ‫عل��ى األقل دعوة المجتمع الدولي للحد من الكارثة الت��ي تلم بأطفالنا‪ ،‬كي ال نجد‬ ‫أنفسنا في المستقبل أمام جيل مأزوم نفسيًا ومخرب بالكامل‪.‬‬

‫أخبارنا ‪. .‬‬

‫�أطفال يقارعون املوت‬

‫‪3‬‬


‫بداية م�ضطربة لل�سنة املدر�سية يف �سوريا ب�سبب العنف‬ ‫أخبارنا ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪4‬‬

‫�أكرث من ‪ 2000‬مدر�سة مت تدمريها ب�شكل كامل واملئات‬ ‫غريها ت�ستخدم ك�أماكن �إيواء للنازحني‬

‫بدأت الس��نة المدرس��ية رس��ميًا األحد‬ ‫في س��وريا‪ ،‬لكن في مدن ع��دة ومنها حلب‬ ‫لم تفتح أي مدرس��ة أبوابها بس��بب الحرب‬ ‫التي يتواجه فيها جنود القوات النظامية مع‬ ‫مقاتلي المعارضة‪.‬‬ ‫وأعلن��ت وس��ائل اإلع�لام الرس��مية‬ ‫انطالق السنة المدرس��ية ألكثر من خمسة‬ ‫ماليين تلميذ و‪ 385‬ألف أستاذ وموظف‪.‬‬ ‫وم��ع تدمير أكث��ر من ‪ 2000‬مدرس��ة‬ ‫بش��كل كامل أو تضررها جزئيًا‪ ،‬واستخدام‬ ‫المئات غيرها كأماكن إيواء للنازحين‪ ،‬أكدت‬ ‫وزارة التربي��ة اتخاذ كل اإلج��راءات لضمان‬ ‫س��ير العمل الجيد لمس��ار التعليم‪ ،‬بحس��ب‬ ‫وكالة األنباء السورية الرسمية (سانا)‪.‬‬ ‫وأكد أحد العاملين في مستش��فى في‬ ‫دمش��ق أنه أوصل ولديه إلى مدرستهما في‬ ‫مش��روع دم��ر‪ ،‬ضاحية في غ��رب العاصمة‪،‬‬ ‫وكان��ت هن��اك زحمة هذا الصب��اح‪ ،‬واألوالد‬ ‫كانوا متحمسين لفكرة العودة إلى المدرسة‬ ‫في "دوح��ة الحري��ة" في وس��ط العاصمة‪،‬‬ ‫وراف��ق عدد كبير من األه��ل ايضاً أبناءهم‬ ‫إلى روضة االطفال هذه‪.‬‬ ‫لك��ن في األحياء الواقع��ة على أطراف‬ ‫العاصم��ة وفي ضواحيه��ا والتي تحولت إلى‬ ‫أرض معرك��ة حقيقي��ة‪ ،‬بق��ي األوالد ف��ي‬ ‫منازلهم‪.‬‬ ‫وق��ال س��ائق س��يارة أج��رة مقيم في‬ ‫حي التضامن (جنوب دمشق) الذي يتعرض‬

‫غالبًا للقصف ويشهد اشتباكات بين القوات‬ ‫النظامية ومجموع��ات مقاتلة معارضة‪ ،‬انه‬ ‫لم يرسل ولديه إلى المدرسة ألن المدارس‬ ‫مقفلة في الحي‪.‬‬ ‫وأك��دت الناش��طة ألكس��يا أن مدارس‬ ‫أحياء التضامن والحجر األسود بقيت مقفلة‪،‬‬ ‫وأن بع��ض المؤسس��ات ف��ي ح��ي الميدان‬ ‫(وس��ط) فتحت أبوابها لكن غالبية العائالت‬ ‫اختارت عدم إرس��ال األوالد ألس��باب أمنية‪،‬‬ ‫في حي��ن اس��تخدم العدي��د م��ن المدارس‬ ‫ف��ي الضاحي��ة الجنوبية لدمش��ق كمالجئ‬ ‫للنازحين‪.‬‬ ‫وقالت الكس��يا "حاولنا التنسيق بشكل‬ ‫أفض��ل للس��ماح ل�لأوالد بارتياد المدرس��ة‬ ‫وتوفي��ر س��قف ف��وق رؤوس النازحين في‬ ‫الوق��ت عينه في داريا جنوب غرب دمش��ق‪،‬‬ ‫حيث قتل أكثر من ‪ 500‬ش��خص نهاية آب ‪/‬‬ ‫اغسطس‪ ،‬بقيت أبواب المدارس مغلقة"‪.‬‬ ‫وأك��د الناش��ط أب��و كن��ان أن ذك��رى‬ ‫المج��ازر حديث��ة ج��داً وغالبية الس��كان لم‬ ‫تفكر حتى بتس��جيل أبنائه��ا في المدارس‪،‬‬ ‫مش��يراً إلى أن "غالبية الم��دارس في داريا‬ ‫دمرها الجيش"‪.‬‬ ‫وقال المس��ؤول في محافظة دمش��ق‬ ‫عمار كالو لوكالة فرانس برس‪ ،‬فتحت ‪900‬‬ ‫مدرسة أبوابها في العاصمة‪ ،‬في حين اتخذ‬ ‫الهارب��ون م��ن أعم��ال العنف ملج��أ في ‪13‬‬ ‫مدرسة دمشقية‪.‬‬

‫وتضم كل من هذه المدارس المستخدمة‬ ‫كمالجئ ما بين ‪ 300‬إلى ‪ 500‬شخص‪.‬‬

‫بينم��ا فتحت تلك الواقعة ف��ي مناطق أكثر‬ ‫هدوء أبوابها‪ ،‬لكن أي تلميذ لم يحضر‪.‬‬

‫حم�ص مل ت�ستقبل تالمذتها‬

‫مدار�س حتولت ملالجئ‬

‫وفي بلدة القصير في محافظة حمص‬ ‫(وس��ط) المحاصرة التي تتع��رض للقصف‬ ‫من��ذ أش��هر‪ ،‬ب��ذل المعارض��ون كل ما في‬ ‫وسعهم للتمكن من بدء السنة المدرسية‪.‬‬ ‫وق��ال الناش��ط حس��ين‪ ،‬ف��ي البل��دة‬ ‫أعددنا أمكنة لتكون قاعات تدريس صغيرة‬ ‫في األزقة لتفادي أن يضطر األوالد للس��ير‬ ‫مس��افات بعي��دة‪ ،‬وأضاف "فكرتن��ا هي انه‬ ‫عل��ى رغ��م القص��ف‪ ،‬ال يج��در ب��األوالد أن‬ ‫يغيبوا عن المدرسة"‪.‬‬ ‫وتابع "نظمنا أنفسنا ليتمكن األساتذة‬ ‫من تعلي��م الدروس ونتمك��ن من الحصول‬ ‫عل��ى كت��ب م��ن وزارة التربي��ة‪ .‬لك��ن م��ن‬ ‫الواض��ح ان ثوار البلدة هم من س��يضمنون‬ ‫حسن سير تعليم األوالد"‪.‬‬ ‫وف��ي حل��ب‪ ،‬العاصم��ة االقتصادي��ة‬ ‫للبالد‪ ،‬لم تستقبل أي مدرسة تالمذتها‪.‬‬ ‫ويعتق��د كثي��رون من س��كان المدينة‬ ‫أنها س��تلقى المصير نفسه لمدينة حمص‬ ‫التي شهدت معارك عنيفة ودمرت في أجزاء‬ ‫كبي��رة منه��ا‪ ،،‬ول��م تفت��ح أي مدرس��ة في‬ ‫حمص العام الماض��ي‪ ،‬كما بقيت المدارس‬ ‫الموج��ودة في مناطق االش��تباكات مقفلة‪،‬‬

‫وتعرض��ت م��دارس كثي��رة للتدمي��ر‬ ‫بس��بب القص��ف عندم��ا اتخذه��ا مقاتل��و‬ ‫المعارضة مراكز لهم‪ ،‬بينما تحولت مدارس‬ ‫أخرى مالجئ إليواء النازحين‪.‬‬ ‫وف��ي نهاي��ة تموز‪/‬يولي��و‪ ،‬أعلن��ت‬ ‫المفوضي��ة العليا لش��ؤون الالجئين التابعة‬ ‫لألم��م المتح��دة أن اآلالف م��ن المدنيي��ن‬ ‫الذين ل��م يتمكنوا من مغادرة حلب يبحثون‬ ‫ع��ن اللج��وء إلى م��دارس حل��ب وجامعاتها‬ ‫ومساجدها‪.‬‬ ‫وقال��ت المتحدثة باس��م اليونيس��يف‬ ‫ماريكس��ي م��ركادو الجمعة م��ن جنيف إن‬ ‫ضمان الدراس��ة لألوالد في س��وريا سيكون‬ ‫"تحدياً هائ ًال"‪.‬‬ ‫وأش��ارت إل��ى أن نحو ‪ 2000‬مدرس��ة‬ ‫من أكث��ر من ‪ 22‬ألفاً ف��ي مختلف المناطق‬ ‫الس��ورية‪ ،‬تعرضت لتدمير كامل أو جزئي‪،‬‬ ‫موضحة أن النازحين يس��تخدمون أكثر من‬ ‫‪ 800‬مدرسة كمالجئ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وبع��د أكث��ر م��ن ‪ 18‬ش��هرا عل��ى بدء‬ ‫االحتجاج��ات المطالب��ة بس��قوط نظ��ام‬ ‫الرئيس بشار األس��د‪ ،‬يستمر العنف بوتيرة‬ ‫يومية في مناطق مختلفة من سوريا‪.‬‬


‫�سوري��ون ي��روون معاناته��م يف ال�سج��ون‬ ‫أخبارنا ‪. .‬‬

‫العمليات التي شارك فيها في محافظة حلب‬ ‫سرعت في اتخاذه قرارا نهائيا‪.‬‬ ‫ويقول الشاب المرتدي مالبس رياضية‬ ‫زرق��اء وبيضاء إن "الجيش (النظامي) أحرق‬ ‫منازل ودمر قرية بكاملها‪ .‬في هذه اللحظة‪،‬‬ ‫قلت لنفس��ي ال يمكنني البقاء يوما إضافيا‪.‬‬ ‫كنت وباقي الجنود نتحادث بهذا األمر طويال‪،‬‬ ‫واعتبرن��ا أن بقاءنا يعني أننا متواطئون مع‬ ‫النظام"‪.‬‬ ‫ويوض��ح أن��ه ل��م يك��ن يح��ق للجنود‬ ‫مش��اهدة التلفزي��ون أو اس��تخدام الهات��ف‬ ‫الج��وال‪ ،‬كم��ا ل��م يمنح ط��وال ع��ام كامل‬ ‫مأذوني��ة لرؤي��ة عائلت��ه‪ .‬ويق��ول "ممن��وع‬

‫أن يك��ون ألح��د وجه��ة نظ��ر مختلف��ة عن‬ ‫النظام"‪.‬‬ ‫ومنذ بدء التظاهرات السلمية المطالبة‬ ‫بسقوط الرئيس السوري بشار األسد والتي‬ ‫تحول��ت نزاعا مس��لحا مع اس��تخدام العنف‬ ‫في قمعها‪ ،‬يتهم النظ��ام "جماعات إرهابية‬ ‫مسلحة" بنشر الفوضى في سورية‪.‬‬ ‫لكن ه��ذا الخط��اب لم يقنع عيس��ى‪،‬‬ ‫الجندي الذي انش��ق ع��ن الجيش ألن أقوال‬ ‫الضباط المسؤولين عنه لم تكن تتالءم مع‬ ‫ما يجري على األرض‪.‬‬ ‫ويقول عيس��ى "كانوا يتحدث��ون إلينا‬ ‫ع��ن إرهابيين‪ ،‬لكنن��ا كنا ن��رى أطفاال في‬

‫مواجهتنا‪ .‬في بداية الثورة‪ ،‬أرسلونا لضرب‬ ‫المتظاهرين"‪.‬‬ ‫ولم يتمكن عيس��ى المتح��در من دير‬ ‫الزور (ش��رق) م��ن التحدث إل��ى عائلته منذ‬ ‫اصبح حرا بعد ‪ 5‬اش��هر ف��ي االحتجاز‪ ،‬لكنه‬ ‫وافق على رواية قصته أمال بأن يعرف أهله‬ ‫بذلك أنه على قيد الحياة‪.‬‬ ‫وخرج المنش��قون الثالث��ة إلى الحرية‬ ‫في الس��ابع من سبتمبر الجاري‪ ،‬يوم هاجم‬ ‫مئات من المقاتلين المعارضين ثكنة هنانو‬ ‫في شرق حلب التي تعتبر إستراتيجية نظرا‬ ‫إلى ترسانتها العسكرية المهمة‪ ،‬ما أدى إلى‬ ‫تحرير ‪ 350‬سجينا‪.‬‬

‫معاناة مزدوجة لالجئات �سوريا‪..‬‬

‫ح��رب متزق الوطن وعرو���ض زواج �شبيهة بالإكراه‬

‫أسبوعية‬

‫أبو حمد اس��م عربي أصيل‪ ،‬وهو رمز‬ ‫لـ"تاجر نس��اء" ف��ي األردن والجزائ��ر وليبيا‬ ‫والع��راق‪ ..‬وه��و اس��م اخت��اره أح��د الكتاب‬ ‫الس��عوديين الذين انتقدوا ظاهرة استغالل‬ ‫السوريات الالجئات من قبل خليجيين وعرب‬ ‫من جنسيات أخرى‪.‬‬ ‫يقول محمد العصيم��ي على صفحات‬ ‫"الي��وم" الس��عودية‪" ،‬كل م��ا ه��و مطلوب‬ ‫موج��ود عند (أبو حم��د)‪ :‬المتينة لها س��وق‬ ‫والنحيف��ة س��وقها ماش��ي‪ ..‬يجم��ع ه��ذا‬ ‫الرجل‪ ،‬بس��مته (مظه��ره) الدين��ي ولحيته‬ ‫الطويل��ة الكثة المصبوغة بالحناء‪ ،‬النس��اء‬ ‫ف��ي دكان��ه مث��ل الحبح��ب‪ ..‬ويتح��دث عن‬ ‫بضاعته وممارس��اته بمنته��ى الثقة‪ ،‬حتى‬ ‫أنه ال يتوانى‪ ،‬مع االعتذار‪ ،‬عن التهكم على‬ ‫المرأة الس��مينة التي ال يرغبها الرجال ألنها‬ ‫قد تكسر السيارة إذا ركبتها‪" .‬‬ ‫ودكاكي��ن أب��و حمد‪ ،‬العرب��ي المتدين‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫معاناة الالجئات الس��وريات مزدوجة‪..‬‬ ‫م��ن الح��رب الدائ��رة ف��ي بلده��ن‪ ،‬وم��ن‬ ‫الضغوط التي يعانين منها في بالد النزوح‪،‬‬ ‫عنوانها الس��عي إلى اس��تغالل وضعهن في‬ ‫مش��اريع زواج ش��بيهة باإلك��راه‪ .‬الص��ورة‬ ‫لحملة "الجئات‪ ..‬ال سبايا"‪.‬‬ ‫معاناة نس��اء سوريا من الحرب الدائرة‬ ‫في بلدهن مضاعفة‪ ،‬وحتى النازحات منهن‬ ‫اللوات��ي أجب��رن على مغ��ادرة الوط��ن إلى‬ ‫الخارج وجدن أنفس��هن أمام مواجهة أخرى‪،‬‬ ‫عنوانها الس��عي إلى اس��تغالل وضعهن في‬ ‫مشاريع زواج يشبه اإلكراه‪.‬‬ ‫موضوع استغالل الس��وريات الالجئات‬ ‫ف��ي بل��دان النزوح ل��م يع��د س��را‪ ،‬بعد أن‬ ‫تناقلته وس��ائل إعالم عربية ودولية‪ ،‬وصار‬ ‫موض��وع فت��اوى "الفقهاء" داخل المس��اجد‬ ‫وعلى الش��بكة‪ ،‬وش��بهه حقوقيون بما وقع‬ ‫لنس��اء ش��هدت حروبا وأزمات‪ ،‬مث��ل العراق‬ ‫والبوسنة‪.‬‬

‫دكان �أبو حمد‪..‬‬

‫الذي يتاجر بالنس��اء معززا بفتاوى الفقهاء‪،‬‬ ‫بدأت انتشارها مع اشتداد الحرب في سوريا‪،‬‬ ‫وسرعان ما وجدت زبائنها من شباب وشيوخ‬ ‫راغبين في الزواج بالس��وريات‪" ،‬لسترهن"‬ ‫أو للتكفل بهن م��ن منطلق أنهن الجئات ال‬ ‫عائل لهن‪.‬‬ ‫إح��دى نماذج ه��ذه الدكاكي��ن وصلت‬ ‫إليه إذاعة هوالن��دا في تحقيقها في مدينة‬ ‫بنغ��ازي الليبية التي تس��تضيف ع��ددا من‬ ‫العائ�لات الس��ورية الالجئ��ة‪ .‬وق��د أوف��دت‬ ‫اإلذاع��ة صحفي عربي لمكتبي��ن مختلفين‬ ‫في مدينة بنغازي وقدم نفس��ه لمس��ؤولي‬ ‫المكتبي��ن على أنه ش��اب ليب��ي مقبل على‬ ‫ال��زواج ويبح��ث عن زوج��ة س��ورية الجئة‪،‬‬ ‫فطل��ب منه ملء اس��تمارة ودفع مبلغ نقدي‬ ‫قبل الحصول على زوجة في غضون أيام‪.‬‬ ‫في األردن كذلك يقول مؤيد اس��كيف‬ ‫مس��ؤول "حمل��ة الجئ��ات ال س��بايا" ‪ -‬التي‬ ‫تأسس��ت لمواجه��ة الظاه��رة ويقوده��ا‬

‫س��وريون وش��باب م��ن جنس��يات عربي��ة‬ ‫مختلف��ة ‪ -‬إن الع��روض والدع��وات لل��زواج‬ ‫من الس��وريات في األردن فيه اس��ترخاص‬ ‫للمرأة الس��ورية واستغالل لوضعها كالجئة‬ ‫خارج س��وريا‪ .‬وقد أش��ارت تقاري��ر إعالمية‬ ‫إل��ى ارتف��اع عدد الطلب��ات التي تق��دّم بها‬ ‫الس��عوديون ل��دى الس��لطات الس��عودية‬ ‫للموافق��ة على طل��ب الزواج م��ن الالجئات‬ ‫السوريات في األردن‪.‬‬ ‫ف��ي الجزائ��ر يت��م اإلقب��ال على طلب‬ ‫الزواج من السوريات الالجئات أحيانا تطبيقا‬ ‫للمث��ل القائل "م��ن لم يتزوج ش��امية مات‬ ‫أعزب��ا"‪ ،‬خصوص��ا بع��د أن أدخلت��ه فت��اوى‬ ‫الفقه��اء ف��ي ب��اب "الواجب الوطن��ي" على‬ ‫اعتب��ار أن ال��زواج م��ن الس��وريات هو وجه‬ ‫من أوجه التكفل بهن‪ ،‬واستكماال لما فعلته‬ ‫الدولة حين فتحت األبواب لهن ولعائالتهن‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫روى نصار‪ ،‬الجندي المنشق عن الجيش‬ ‫السوري‪ ،‬لوكالة فرانس برس معاناته على‬ ‫مدى ش��هرين ونصف الش��هر في الس��جون‬ ‫السورية حيث شاهد بعض السجناء يقضون‬ ‫تحت التعذيب وتمت معاملته "كحيوان"‪ ،‬كما‬ ‫يقول‪ ،‬لس��بب وحيد وهو أن مخططه للفرار‬ ‫كشف قبل وضعه قيد التنفيذ‪.‬‬ ‫وتمك��ن الش��اب البال��غ م��ن العمر ‪27‬‬ ‫س��نة من الخروج من االعتقال بعد سيطرة‬ ‫المقاتلي��ن المعارضي��ن عل��ى س��جن ثكنة‬ ‫هنانو في مدينة حلب خالل الش��هر الجاري‪،‬‬ ‫بعد أن تعرض لتعذيب يومي وسط القذارة‬ ‫والحر داخل السجن‪.‬‬ ‫ويق��ول "كنا ‪( 14‬س��جينا) في الزنزانة‬ ‫حيث كنت موجودا‪ ،‬أصيب بعضهم بالمرض‬ ‫وعانى اآلخرون طفحا جلديا لم نر مثله من‬ ‫قبل"‪.‬‬ ‫ويضي��ف الش��اب ذو اللحي��ة الصهب��اء‬ ‫المش��ذبة بعناي��ة "توف��ي البع��ض تح��ت‬ ‫التعذيب‪ ،‬وعاد آخرون إلى الزنزانة والكدمات‬ ‫تغطي أجس��ادهم‪ .‬كانت جلس��ات التعذيب‬ ‫تبدأ الساعة ‪ 11‬ليال وتنتهي الرابعة فجرا"‪.‬‬ ‫وواف��ق نصار على التح��دث إلى وكالة‬ ‫فران��س ب��رس في من��زل في إح��دى قرى‬ ‫محافظ��ة حلب (ش��مال) حي��ث ال زالت تدور‬ ‫مواجهات بين المقاتلين المعارضين وجنود‬ ‫القوات النظامية‪ ،‬إال انه رفض إعطاء اس��م‬ ‫عائلت��ه خوفا من تعرض أقاربه الموجودين‬ ‫في مسقط رأسه دمشق‪ ،‬ألعمال انتقام‪.‬‬ ‫وال يس��تطيع نص��ار مالق��اة عائلت��ه‬ ‫بسبب الحواجز العس��كرية التي تنتشر عبر‬ ‫البالد التي تشهد مواجهات منذ اكثر من ‪18‬‬ ‫شهرا‪.‬‬ ‫ومث��ل نصار‪ ،‬اعتقل طالل (‪ 21‬س��نة)‬ ‫المتح��در أيض��ا من دمش��ق‪ ،‬ل��دى محاولته‬ ‫الهرب من الثكنة حيث كان يخدم‪ .‬ونقل إلى‬ ‫اقرب مطار عس��كري‪ ،‬ومنه بالمروحية إلى‬ ‫ثكنة هنانو حيث أمضى ‪ 17‬يوما‪.‬‬ ‫كان ط�لال يفك��ر من��ذ وق��ت طوي��ل‬ ‫باالنش��قاق ع��ن الجي��ش النظام��ي‪ ،‬لك��ن‬

‫‪5‬‬


‫الملف ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪6‬‬

‫�أطبـــــاء الثــــورة ال�ســــورية‬ ‫م�شــــاريع ال�شــــهادة‬ ‫ياسر مرزوق‬ ‫رح��ل الروائ��ي الكوب��ي الكبي��ر‬ ‫"الييغو كاربانتييه" تاركًا لنا وصيته‪" :‬إن‬ ‫اإلنس��ان ليس يعرف أبداً لماذا يشقى أو‬ ‫يأم��ل‪ .‬إنه يتعذّب ويأم��ل ويعمل ألناس‬ ‫لن يتس��نى له أن يعرفهم‪ .‬أناس س��وف‬ ‫يش��قون ويأمل��ون ويعمل��ون لحس��اب‬ ‫سواهم‪ .‬وهذا الس��وى لن يبلغ السعادة‬ ‫هو كذل��ك‪ ،‬ألن اإلنس��ان يس��عى دائمًا‬ ‫وراء س��عادة ليس��ت م��ن قس��مته‪ .‬لكن‬ ‫عظمة اإلنسان تمكن تحديداً في رغبته‬ ‫ف��ي تغيير العال��م وتحم��ل األعباء‪ ،‬في‬ ‫ملكوت الس��ماوات‪ ،‬ليس��ت توجد عظمة‬ ‫يمكن بلوغها‪ .‬ألن كل شيء هناك تراتب‬ ‫مُقيم‪ .‬وجود ب�لا نهاية حيث ال تضحية‬ ‫وال راحة وال ملذّات‪ .‬ولذا‪ ،‬فاإلنسان الذي‬ ‫يسحقه األلم واألعباء‪ ،‬جميل في بؤسه‪،‬‬ ‫قادر على الحب وسط المآسي‪ ،‬لن يقدَّر‬ ‫له أن يبلغ عظمته‪ ...‬إال في هذا الملكوت‬ ‫األرضي"‪.‬‬ ‫س��نلقي الض��وء الي��وم عل��ى واقع‬ ‫األطب��اء والرعاي��ة الصحي��ة‪ ،‬في خضم‬ ‫الثورة الس��ورية‪ ،‬واقعُ م��ن بلغ عظمته‬ ‫في الملك��وت األرضي‪ ،‬س��نلقي الضوء‬ ‫عل��ى معان��اة األطباء والمس��عفين التي‬ ‫ب��دأت م��ع الي��وم األول للث��ورة‪ ،‬وطيلة‬ ‫أشهرها السلمية السبعة األولى باعتراف‬ ‫رأس النظ��ام‪ ،‬في خطاب��ه أمام مجلس‬ ‫الشعب‪ ،‬وحتى يومنا هذا‪...‬‬ ‫يشير تقرير اللجنة الدولية للصليب‬ ‫األحم��ر‪ ،‬إلى التصاع��د المثير للقلق في‬ ‫عدد الهجم��ات التي أصب��ح يتعرض لها‬ ‫أفراد الطاقم الطبي‪ ،‬والمنشآت الصحية‬ ‫الت��ي يعمل��ون به��ا‪ ،‬خ�لال المع��ارك‬ ‫العس��كرية والصراعات المسلحة‪ .‬وذكر‬ ‫التقري��ر أن ‪ 600‬حادث��ة عن��ف وهجوم‬ ‫على مستوى العالم‪ ،‬وقعت ضد األطباء‪،‬‬ ‫والممرضي��ن‪ ،‬والمس��عفين وس��يارات‬ ‫اإلس��عاف‪ ،‬والمنش��آت الصحية‪ ،‬في ‪16‬‬ ‫دولة منها ليبيا وأفغانس��تان والصومال‬ ‫وكولومبي��ا‪ ،‬خ�لال الفت��رة الممتدة من‬ ‫منتص��ف ع��ام ‪ 2008‬إل��ى نهاي��ة ع��ام‬ ‫‪.2010‬‬ ‫والمؤس��ف في ه��ذه الح��وادث أنه‬ ‫عل��ى رغم أن بعضها يق��ع عرضاً‪ ،‬إال أن‬ ‫ج��زءاً كبيراً منها كان مع س��بق اإلصرار‬ ‫والترص��د‪ ،‬وهو م��ا يعتب��ر جريمة حرب‬ ‫بن��ا ًء عل��ى اتفاقي��ة جني��ف‪ ،‬التي تنص‬ ‫على ح��ق جرح��ى الح��روب والصراعات‬ ‫المسلحة في تلقي العالج الطبي‪ ،‬وعلى‬ ‫ح��ق أف��راد الطاق��م الطبي ف��ي تقديم‬ ‫خدماتهم بأمن وس�لام‪ .‬ولكن بعد مرور‬ ‫أكثر من ‪ 150‬عام��ًا على التصديق على‬ ‫هذه المعاه��دة‪ ،‬وقبولها من دول العالم‬ ‫قاطب��ة‪ ،‬ال زال��ت بنودها تنتهك بش��كل‬ ‫منتظ��م متك��رر‪ .‬والمؤس��ف ف��ي ه��ذا‬ ‫الوض��ع‪ ،‬وبخ�لاف وجود نم��ط من عدم‬ ‫احت��رام الخدمات الطبية في زمن الحرب‬ ‫والصراع المس��لح‪ ،‬أن مثل هذا السلوك‬ ‫المش��ين أصب��ح ال يلق��ى الكثي��ر م��ن‬

‫االهتمام من قبل الحكومات‪ ،‬أو منظمات‬ ‫المجتم��ع الدولي‪ ،‬أو حت��ى عامة الناس‪.‬‬ ‫فقبل س��نوات قليلة مضت‪ ،‬كان الوضع‬ ‫مختلفاً إذا ما قصفت س��يارة إس��عاف‪ ،‬أو‬ ‫هوج��م مستش��فى من قبل مس��لحين‪،‬‬ ‫أو ت��م اعتقال أطب��اء أو ممرضات‪ ،‬حيث‬ ‫كان المجتمع الدولي برمته يستنكر مثل‬ ‫ه��ذه األفع��ال‪ ،‬ولك��ن اآلن ال توجد ردة‬ ‫فعل تذكر‪.‬‬ ‫وعل��ى رغ��م م��ن أن اإلحصائي��ات‬ ‫واألرقام تظهر تك��راراً هائ ًال لمثل هذه‬ ‫الممارس��ات‪ ،‬إال أن تل��ك اإلحصائي��ات‬ ‫واألرق��ام ال تمث��ل إال قمة جب��ل الجليد‪،‬‬ ‫وال تعب��ر ع��ن التبع��ات قصي��رة المدى‪،‬‬ ‫وطويل��ة الم��دى‪ ،‬الت��ي تنتج م��ن هذه‬ ‫األفعال مثل ترك األطباء لمواقعهم في‬ ‫مناطق العنف‪ ،‬وفرار بقية أفراد الطاقم‬ ‫الطبي أثناء الصراعات المس��لحة‪ ،‬وعجز‬ ‫المستش��فيات ع��ن توفي��ر الخدم��ات‬ ‫الصحي��ة الضروري��ة‪ ،‬وتوق��ف حم�لات‬ ‫التطعيم‪ .‬وهذه التبعات تؤثر سلبًا بدرجة‬ ‫هائل��ة عل��ى الرعاية الصحي��ة المقدمة‬ ‫لجمي��ع أف��راد المجتم��ع‪ ،‬وتحرمهم من‬ ‫العالج الض��روري لمش��اكلهم الصحية‪،‬‬ ‫الناتج��ة ع��ن الص��راع المس��لح‪ ،‬أو من‬ ‫أم��راض مزمنة كان��وا يعانون منها قبل‬ ‫بدء الصراع‪.‬‬ ‫أما في س��وريا فالواقع أكثر قتامة‪،‬‬ ‫حي��ث عانى الجس��م الطبي في س��وريا‬ ‫منذ اندالع الثورة الشعبية‪ ،‬من صعوبات‬ ‫جمة تعت��رض قيامه بواجب��ه الوظيفي‬ ‫واإلنس��اني في آن معًا‪ ،‬تبدأ من صعوبة‬ ‫الظروف التي يعمل تحت وطأتها وخطر‬

‫الوصول إلس��عاف المتظاهرين وتنتهي‬ ‫بالضغ��وط التي تم��ارس عليه من قبل‬ ‫إدارات المستشفيات الحكومية‪ ،‬والتي ال‬ ‫تكتفي بالتقصير الفاضح تجاه المصابين‬ ‫والمرضى‪ ،‬والذين يتم استجوابهم أثناء‬ ‫إصابته��م‪ ،‬كما تمارس ضغوط نفس��ية‬ ‫على األطباء من قب��ل أطباء وممرضين‬ ‫موالين للنظ��ام بالدرجة األولى‪ ،‬والذين‬ ‫ال يتردد بعضهم حتى في االعتداء على‬ ‫المرض��ى والتعاط��ي بإهمال م��ع الذين‬ ‫يعانون من وضع صحي دقيق‪.‬‬ ‫يق��ول روب��رت كين��غ‪ ،‬الصحف��ي‬ ‫ال��ذي يعم��ل مع "ب��وال ري��س المجيز‪" ،‬‬ ‫وال��ذي أراد أن يوّث��ق العمل الحسّ��اس‬ ‫للمستش��فيات الس��ريّة ف��ي س��وريا‪:‬‬ ‫"من��ذ نيس��ان الماضي وأن��ا أصور داخل‬ ‫مدين��ة القصي��ر المحاص��رة‪ ،‬وأركز في‬ ‫عملي على رواية قصة المتطوعين من‬ ‫األطباء والممرضات والذين يعملون على‬ ‫مدار ‪ 24‬س��اعة حرفيًا‪ ،‬في المستشفى‬ ‫الوحيد الذي يعال��ج الناس في المنطقة‬ ‫"مستش��فى الدكتور قاسم" ليس فقط‬ ‫إلصابات الحرب وإنما للمشاكل الصحية‬ ‫اليومي��ة م��ن ارتف��اع الضغ��ط أو آالم‬ ‫الظه��ر‪ .‬ويقع هذا المستش��فى وس��ط‬ ‫منطقة تتبع لقوات المعارضة السورية‪،‬‬ ‫ويعتبر الم�لاذ الوحيد للمصابين منذ أن‬ ‫احتل الجيش التابع للنظام المستش��فى‬ ‫الرئيس��ي واتخذوه مقراً لهم‪ .‬ويتضمن‬ ‫طاقم المستش��فى جراح��ًا واحداً فقط‪،‬‬ ‫كم��ا يخاط��ر المهرب��ون بأنفس��هم‬ ‫لتهري��ب المع��دات الطبي��ة إل��ى داخ��ل‬ ‫المدين��ة المحاص��رة"‪ .‬يؤم��ن كين��غ بأن‬

‫الدكت��ور قاس��م وم��ن معه س��يتابعون‬ ‫عم��ل المعجزات حت��ى ل��و زادت عليهم‬ ‫المصاعب‪.‬‬ ‫كما وصف جراح فرنس��ي عائد من‬ ‫مهم��ة إنس��انية اس��تمرت ‪ 19‬يوم��ًا في‬ ‫س��وريا‪ ،‬ما تش��هده مدين��ة حمص بأنه‬ ‫وحش��ي‪ ،‬مبديًا ارتياحه لرؤية ذويه بعد‬ ‫مغ��ادرة أرض المج��ازر‪ .‬وق��ال الطبيب‬ ‫الج��راح ج��اك بيري��س الذى ش��ارك في‬ ‫تأس��يس منظمة "أطباء ب�لا حدود"‪ :‬إنه‬ ‫تأث��ر بالقص��ف وب��ؤس الن��اس‪ ،‬ولكنه‬ ‫أيض��ا تأث��ر بش��جاعتهم رغ��م ظ��روف‬ ‫الحي��اة الصعب��ة‪ ،‬مضيف��اً‪" :‬مهمتنا هي‬ ‫الذه��اب حيث ال يذهب اآلخرون"‪ ،‬ومعلنًا‬ ‫اس��تعداده للعودة إلى سوريا مرة أخرى‪،‬‬ ‫وتاب��ع الطبيب قائ� ً‬ ‫لا "كنت حزين��ًا‪ ،‬لقد‬ ‫ش��اهدت معان��اة وحش��ية ال طائل منها‬ ‫فاألمر ال يطاق‪ ،‬إنه مخز‪ ،‬الناس يموتون‬ ‫وال أحد يفعل شيئاً"‪.‬‬ ‫وكان��ت منظم��ة أطب��اء ب�لا حدود‬ ‫التي قامت بمهمة س��رية في سوريا قد‬ ‫أوجزت رأيه��ا بصراحة تام��ة‪ ،‬وقالت إن‬ ‫"هدف الجيش السوري هو قتل الجرحى‬ ‫ومن يشتبه في أنه يعالجهم"‪ ،‬كما يؤكد‬ ‫طبيب التخدير الفرنسي الذي طلب عدم‬ ‫كش��ف هويت��ه "بقينا عش��رة أي��ام في‬ ‫األراض��ي الس��ورية بعدما عبرن��ا تركيا‬ ‫خلسة"‪ .‬وأضاف "تمكنا من التنقل بعدما‬ ‫اتخذن��ا احتياط��ات كثي��رة ف��ي منطقة‬ ‫إدلب" في شمال س��وريا التي يحاصرها‬ ‫الجيش‪ .‬وأضاف أن "الواقع متش��ابه في‬ ‫كل مكان تقريبًا جرحى أصيب معظمهم‬ ‫بالرصاص وشظايا القنابل‪ .‬وأتذكر أيضًا‬


‫الملف ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫قدم ش��خص بترها انفج��ار لغم مضاد‬ ‫لألفراد‪ .‬واالعتناء بهؤالء األشخاص غالبًا‬ ‫ما يقتصر على اإلسعافات األولية"‪.‬‬ ‫وم��ن الصعوبة بم��كان تأدية عمل‬ ‫أفض��ل في بلد يالحق نظامه المصابين‬ ‫والعاملين في المجال الطبي‪ ،‬أما الجيش‬ ‫فيتع��رض للبنى التحتي��ة الطبية‪ ،‬وقال‬ ‫الطبيب الفرنس��ي إن "المصابين الذين‬ ‫تجرى لهم عمليات يغادرون المستشفى‬ ‫ويعودون إلى منازلهم بس��رعة قياسية‪،‬‬ ‫وعل��ى الف��ور أحياناً‪ ،‬خوفاً م��ن القبض‬ ‫عليه��م‪ .‬ونواجه أيضًا صعوبة في إجراء‬ ‫العمليات‪ .‬المراف��ق الصحية دمرت كلها‬ ‫تقريب��اً‪ ،‬والعامل��ون في مج��ال الرعاية‬ ‫الصحي��ة يعتبرون أهدافًا أساس��ية على‬ ‫غرار المقاتلين"‪.‬‬ ‫وأكد طبيب جراح في منظمة أطباء‬ ‫بال حدود كان ضمن البعثة "يقول األطباء‬ ‫الس��وريون إن القب��ض عل��ى طبيب مع‬ ‫مريض يش��ابه القبض عليه مع سالح"‪.‬‬ ‫وق��ال "إنه��م يتعرض��ون للترهي��ب"‪.‬‬ ‫وأض��اف هذا الطبي��ب الذي طل��ب أيضًا‬ ‫عدم كش��ف هويته إن "الطبيبين اللذين‬ ‫عملنا معهما أكثر من سواهما خرجا من‬ ‫الس��جن ال��ذي وضعا فيه ألن الس��لطات‬ ‫اش��تبهت في أنهم��ا قدما مس��اعدة إلى‬ ‫جرحى أصيبوا خالل تظاهرات س��لمية‪.‬‬ ‫وقد تعرض أحدهما للتعذيب"‪.‬‬ ‫كما رص��دت صحيفة "اإلندبندنت"‪،‬‬ ‫ف��ي تقرير لها ما قالت إن��ه قيام النظام‬ ‫السوري باستهداف العاملين في المجال‬ ‫الطب��ي‪ .‬وتق��ول الصحيف��ة إن تقري��راً‬ ‫لمنظم��ة أطباء بال ح��دود الخيرية يقول‬ ‫إن القوات السورية تستهدف المسعفين‬ ‫واألطباء الذي��ن يعالجون المصابين في‬ ‫النزاع المستمر في سوريا‪ ،‬ويقول باسم‬ ‫مرو كاتب التقرير‪ :‬إنه على الرغم من أن‬ ‫أطب��اء بال حدود غير مص��رح لها بالعمل‬ ‫ف��ي س��وريا‪ ،‬إال أنها تمكنت من إرس��ال‬ ‫فرق إل��ى هناك بصورة س��رية‪ ،‬ونقلت‬ ‫اإلندبندنت ع��ن طبيب عظام يعمل في‬ ‫إدلب قول��ه "العث��ور عليك وأن��ت تعالج‬ ‫مصاب��ًا يماث��ل العثور علي��ك وبحوزتك‬ ‫س�لاح‪ .‬األجواء في كل المنشآت الطبية‬ ‫متوت��رة للغاي��ة‪ .‬يضط��ر العاملون في‬ ‫الحقل الطبي إلى إع��ادة المصابين إلى‬ ‫منازلهم بعد تقديم اإلس��عافات األولية‬ ‫حت��ى يت��م إج�لاء المبن��ى تحس��بًا ألي‬

‫عملية عس��كرية"‪ .‬ويش��ير التقرير إلى‬ ‫أن الكثير م��ن المصابين يمتنعون كلية‬ ‫عن محاول��ة عالج إصاباتهم خش��ية أن‬ ‫يعتقلوا أو يعذبوا إذا ذهبوا لمستشفيات‬ ‫تديرها الحكومة‪.‬‬ ‫وف��ي مواجه��ة كل ه��ذه الظروف‪،‬‬ ‫يب��دو أطب��اء س��وريا منقس��مون إلى ‪3‬‬ ‫فئات‪ ،‬فئة تضم أطب��اء مؤيدين للنظام‬ ‫وغير مس��تعدين ألي تع��اون أو تعاطف‪،‬‬ ‫وفئ��ة ثاني��ة تق��دم مس��اعدات عن بعد‬ ‫من أدوية ومعدات دون المش��اركة على‬ ‫األرض‪ ،‬إضاف��ة إل��ى فئ��ة ثالث��ة تضم‬ ‫أطب��اء يحمل��ون أرواحه��م عل��ى يديهم‬ ‫وينزل��ون إل��ى المظاه��رات غي��ر آبهين‬ ‫بالخطر المحدق بهم‪ ،‬يبحثون عن مكان‬ ‫آمن يضعون عدتهم الطبية فيه‪.‬‬ ‫وبالحديث عن الفئات الثالث يتبادر‬ ‫للذهن أن الفئات الثالث أقس��موا قس��م‬ ‫أبق��راط‪ ،‬فمنه��م م��ن أوف��ى بقس��مه‬ ‫ومنه��م من خ��ان‪ ،‬ولهذا القس��م قصة‪،‬‬ ‫فق��د كانت صناع��ة الطب قب��ل أبقراط‬ ‫كنزاً وذخيرة يكنزه��ا اآلباء ويدّخرونها‬ ‫لألبن��اء‪ ،‬وكان��ت ف��ي أه��ل بي��ت واحد‬ ‫منسوب إلى أس��قليبيوس‪ ،‬وهذا االسم‬ ‫أعن��ي أس��قليبيوس إما أن يكون اس��مًا‬ ‫لم َلك بعثه هَّ‬ ‫الل فع ّل��م الناس الطب وأما‬ ‫هَّ‬ ‫أن يكون ق��وة لل عز وجل علمت الناس‬ ‫الط��ب‪ ،‬وكي��ف صرف��ت الحال فه��و أول‬ ‫من علم صناعة الطب‪ ،‬ونس��ب المتعلم‬ ‫األول إليه على عادة القدماء في تسمية‬ ‫المعلم أبًا للمتعلم‪ .‬وتناسل من المتعلم‬ ‫األول أه��ل ه��ذا البيت المنس��وبون إلى‬ ‫أس��قليبيوس وكان مل��وك اليونانيي��ن‬ ‫والعظم��اء منه��م ول��م يكون��وا يمكنوا‬ ‫غيره��م م��ن تعلي��م صناع��ة الطب بل‬ ‫كان��ت الصناع��ة فيه��م خاص��ة يعل��م‬ ‫الرج��ل منه��م ول��ده أو ولد ول��ده فقط‪،‬‬ ‫وكان تعليمه��م بالمخاطب��ة ولم يكونوا‬ ‫يدونوه��ا ف��ي الكتب وم��ا احتاج��وا إلى‬ ‫تدوين��ه ف��ي الكتب دونوه بلغ��ز حتى ال‬ ‫يفهمه أحد س��واهم فيفس��ر ذلك اللغز‬ ‫األبُ لالب��ن وكان الط��ب ف��ي المل��وك‬ ‫والزهاد فقط يقصدون به اإلحسان إلى‬ ‫الناس من غير أجرة وال شرط‏‪.‬‏‬ ‫ولم يزل كذلك إلى أن نشأ أبقراط‬ ‫من أهل ق��و‪ ،‬ودمقراط من أهل أبديرا‪،‬‬ ‫وكانا متعاصري��ن‪ .‬فأما دمقراط فتزهد‬ ‫وت��رك تدبير مهنته‪ ،‬وأم��ا أبقراط فرأى‬

‫أه��ل بيته قد اختلفوا في صناعة الطب‪،‬‬ ‫وتخ��وف أن يك��ون ذل��ك س��ببًا لفس��اد‬ ‫الطب‪ ،‬فعمد على أن دونه بإغماض في‬ ‫الكت��ب‪ .‬وكان ل��ه ولدان فاض�لان وهما‬ ‫ثاس��لس وذراق��ن وتلمي��ذ فاض��ل وهو‬ ‫فولوبس فعلمهم هذه الصناعة وش��عر‬ ‫أنه��ا قد تخ��رج ع��ن أهل أس��قليبيوس‬ ‫إل��ى غيرهم فوضع عهداً اس��تحلف فيه‬ ‫المتعلم لها على أن يكون الزمًا للطهارة‬ ‫والفضيلة‪ ،‬ثم وضع ناموس��ًا عرَّف فيه‬ ‫من ال��ذي ينبغي ل��ه أن يتعل��م صناعة‬ ‫الطب ثم وضع وصي��ة عرَّف فيها جميع‬ ‫م��ا يحتاج إليه الطبيب في نفس��ه‪" .‬قال‬ ‫أبق��راط إن��ي أقس��م هَّ‬ ‫ب��الل رب الحي��اة‬ ‫والم��وت وواهب الصحة وخالق الش��فاء‬ ‫وكل ع�لاج‪ ،‬وأقس��م بأس��قليبيوس‪،‬‬ ‫وأقس��م بأولياء هَّ‬ ‫الل من الرجال والنساء‬ ‫جميعًا‪ ،‬وأش��هدهم جميعًا على أني أفي‬ ‫به��ذه اليمي��ن وه��ذا الش��رط وأرى أن‬ ‫المعلم لي هذه الصناع��ة بمنزلة آبائي‬ ‫وأواس��يه في معاشي وإذا احتاج إلى مال‬ ‫واسيته وواصلته من مالي‏‪.‬‏ وأما الجنس‬ ‫المتناس��ل منه فأرى أنه مساو ألخوتي‪،‬‬ ‫وأعل��م ه��ذه الصناع��ة إن احتاج��وا إلى‬ ‫تعلمه��ا بغي��ر أجرة وال ش��رط وأش��رك‬ ‫أوالدي وأوالد المعلم لي والتالميذ الذين‬ ‫كتب عليهم الش��رط أو حلفوا بالناموس‬ ‫الطب��ي ف��ي الوصايا والعلوم وس��ائر ما‬ ‫ف��ي الصناعة وأما غير ه��ؤالء فال أفعل‬ ‫به ذلك‪ .‬وأقصد في جميع التدابير بقدر‬ ‫طاقت��ي منفع��ة المرضى‪ ،‬وأما األش��ياء‬ ‫الت��ي تض��ر به��م وتدني منه��م بالجور‬ ‫عليه��م فأمن��ع منها بحس��ب رأي��ي‪ .‬وال‬ ‫أعط��ي إذا طل��ب من��ي دواء قت��ا ًال‪ ،‬وال‬ ‫أش��ير أيضًا بمثل هذه المشورة‪ ،‬وكذلك‬ ‫أيضًا ال أرى أن أدني من النس��وة فرزجة‬ ‫تس��قط الجني��ن‪ .‬وأحف��ظ نفس��ي في‬ ‫تدبيري وصناعتي على الزكاة والطهارة‪.‬‬ ‫وال أش��ق أيضاً عمن ف��ي مثانته حجارة‬ ‫ولك��ن أت��رك ذلك إلى م��ن كانت حرفته‬ ‫ه��ذا العم��ل‪ .‬وكل المنازل الت��ي أدخلها‬ ‫إنما أدخ��ل إليها لمنفع��ة المرضى‪ .‬وأنا‬ ‫بحال خارجة عن كل جور وظلم وفس��اد‬ ‫إراديّ مقص��ود إليه في س��ائر األش��ياء‬ ‫وف��ي الجم��اع للنس��اء والرج��ال األحرار‬ ‫منهم والعبيد وأما األش��ياء التي أعاينها‬ ‫في أوقات عالج المرضى أو أس��معها في‬ ‫غير أوق��ات عالجهم في تص��رف الناس‬ ‫من األش��ياء الت��ي ال يُنطق به��ا خارجًا‬

‫فأمس��ك عنه��ا وأرى أن أمثالها ال ينطق‬ ‫ب��ه‪ .‬فمن أكمل هذه اليمين ولم يفس��د‬ ‫ش��يئًا كان له أن يكمل تدبيره وصناعته‬ ‫على أفضل األحوال وأجملها وأن يحمده‬ ‫جمي��ع الناس فيما يأتي من الزمان دائمًا‬ ‫وم��ن تج��اوز ذل��ك كان بض��ده ناموس‬ ‫الطب ألبقراط"‪.‬‬ ‫يب��دو الحديث عن أبقراط وقس��مه‬ ‫ترفاً‪ ،‬بينم��ا ينقل النظام الجهازَ الطبي‬ ‫المس��تقل والمحاي��د إلى ص��ف األعداء‪،‬‬ ‫فبم��ا أن أغل��ب األطب��اء وس��ائر الطاقم‬ ‫الطبي م��ن مس��عفين وممرضين تأبى‬ ‫عليه��م ضمائره��م الح��رة ‪-‬فض� ً‬ ‫لا عن‬ ‫مهنته��م النبيل��ة‪ -‬إال أن يبذل��وا غاي��ة‬ ‫الجه��د ف��ي اإلس��عاف والع�لاج‪ ،‬وبما أن‬ ‫إس��عافَ مصاب��ي الث��ورة وعالجَه��م‬ ‫جريم�� ٌة ف��ي ع��رف النظ��ام‪ ،‬فق��د صار‬ ‫األطباء والممرضون والمسعفون األحرار‬ ‫مجرمي��ن‪ ...‬وبينم��ا يس��تمر النظام في‬ ‫قص��ف البنى التحتية للم��دن‪ ،‬وتتصاعد‬ ‫المعلوم��ات ع��ن إصاب��ات بالكولي��را‬ ‫والتيفوئيد‪ ،‬والحص��ار يدخل جلد أهالي‬ ‫الم��دن المحاصرة‪ ،‬وحده��ا الجرذان في‬ ‫صحة جيدة‪.‬‬ ‫أم��ا ع��ن الدع��م العرب��ي والدولي‬ ‫للقط��اع الصح��ي‪ ،‬فق��د ع��دت بالذاكرة‬ ‫إب��ان االجتياح االس��رائيلي لبيروت‪ ،‬يوم‬ ‫س��ئل وليد جنبالط عن وساطاتٍ تقوم‬ ‫بها إحدى ال��دول العربية الكبرى‪ ،‬فأجاب‬ ‫"أي نكت��ة هذه"‪ ،‬وعن موق��ف األصدقاء‬ ‫قال‪" :‬اسألوا األصدقاء‪ ،‬نحن ليس عندنا‬ ‫أصدقاء‪ ،‬عندنا أنفسنا وكفى"‪.‬‬ ‫نخت��م ملفن��ا الي��وم بتحي��ةٍ ل��كل‬ ‫متطوع ومس��عف ومم��رض وطبيب في‬ ‫ٍ‬ ‫ثورتن��ا المبارك��ة مع الرحابنة والس��يدة‬ ‫في��روز ومن مس��رحية "جب��ال الصوان"‬ ‫التي تقول بطلتها "غربة"‪:‬‬ ‫اللي بيحاربوا من برا بيضلوا برا‬ ‫المصدر جوا‬ ‫ألنو قرر يموت هون النذر‪..‬‬ ‫نقرر نموت أو ًال‪..‬‬ ‫اللي ماشيين صوب الموت‪ ...‬بيغلبوا‪..‬‬ ‫تحي��ة للذي��ن "مصدره��م ج��وا"‬ ‫للماش��ين ص��وب الم��وت ألنه��م الب��د‬ ‫منتصرون‪...‬‬

‫‪7‬‬


‫كلمة في الثورة ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪8‬‬

‫ما بعــد الثــــورة‬ ‫هل ستنتهي هذه الثورة بمجرد سقوط‬ ‫رأس النظ��ام؟ وه��ل رأس النظ��ام وح��ده‬ ‫المشكلة؟ وماذا عن النظام نفسه؟ وكيف تم‬ ‫اختصار كل المشكلة بش��خص رأس النظام‬ ‫واعتبار رحيله انتصاراً للثورة؟ وهل س��تكون‬ ‫لحظ��ة دخول الث��وار للقص��ر الجمهوري هي‬ ‫نقطة النهاية في الثورة السورية؟‬ ‫هذه األس��ئلة وغيرها ليست ترفاً فكريًا‬ ‫وال سفسطائية في غير وقتها وال تحليقاً خارج‬ ‫الس��رب‪ .‬بل هي أسئلة ال بد أن تدور في خلد‬ ‫أي س��وري يفكر بالمس��تقبل القريب والبعيد‬ ‫وال يقف التخطيط عنده إلى ما وراء أنفه كما‬ ‫تفعل كل أطياف المعارضة هنا وهناك‪.‬‬ ‫البعض اخت��ار اإلضراب عن الطعام في‬ ‫عالم لم يعبأ بمئات آالف الضحايا والمهجرين‬ ‫والمعتقلي��ن‪ ،‬وال ندري أية اس��تراتيجية تلك‬ ‫التي يقضي به��ا البعض جوع��اً بينما الثورة‬ ‫بأم��س الحاج��ة للمفكري��ن والعقالنيين‪ .‬أما‬ ‫البعض اآلخ��ر فاختار الطريق األكثر تس��لية‬ ‫وفائ��دة وهو طري��ق المنتدي��ات والمؤتمرات‬ ‫والجمعيات هنا وهناك‪ .‬فهذا البعض لم يترك‬ ‫بلداً إال وزاره "دعم��اً للثورة"‪ ،‬كما أن بعضهم‬ ‫اختار زيارة الالجئين في األردن وتركيا (وطبعًا‬ ‫ال يهمهم الالجئون في لبنان والعراق ألسباب‬ ‫سياس��ية مفهوم��ة) ووزع��وا عليه��م بعض‬ ‫األلعاب وهي زيارة لم تختلف كثيراً عن زيارة‬ ‫غرب��اء أمثال األخضر اإلبراهيم��ي أو أنجيلينا‬ ‫جولي‪ .‬ال يزال منطق التسلط الفوقي يتحكم‬ ‫بأفع��ال كل هؤالء حتى عندم��ا يقررون إبداء‬ ‫الجانب الطيب من ش��خصياتهم‪ .‬وبينما اختار‬ ‫آخ��رون اعتب��ار أنفس��هم "مهجرين قس��ريًا"‬ ‫وذلك لالستفادة إلى أقصى حد من منافع هذا‬ ‫"التهجير" ولم ينس واحدهم (أو واحدتهم) أن‬ ‫يصطحب عائلت��ه بأكملها معه وهكذا يعيش‬ ‫ه��ؤالء وعائالته��م بأم��ان وتس��تمر حياتهم‬ ‫وحي��اة أطفاله��م بش��كل طبيع��ي بينما هم‬ ‫يواصل��ون دعم الثورة بنس��خ ولصق مقاطع‬ ‫اليوتي��وب أو مناش��دة "المجتم��ع الدول��ي" أو‬ ‫توجي��ه التحذير من مجزرة قادمة أو األس��وء‬ ‫إص��دار التعليمات والتوجيهات للمقاتلين على‬ ‫األرض وكأن األخيرين يعترفون بالمعارضين‬ ‫أو تجمعاتهم أو توجيهاتهم‪.‬‬ ‫لي��س كل ذل��ك موض��وع ه��ذا المقال‪،‬‬ ‫ولكنه كان مقدمة ال بد منها لنفهم كيف يتم‬ ‫س��حق س��وريا وتدميرها بمنهجية بينما يتيه‬ ‫المثقفون والمعارضون ف��ي أروقة المجالس‬ ‫وصاالت الفنادق واالتهام��ات المتبادلة بينهم‬ ‫للتن��ازع على جلد الدب قبل صيده‪ .‬ال زلنا عند‬ ‫مقولتنا ب��أن مهمة إعادة بن��اء الوطن ونجاح‬ ‫الثورة ه��ي مهمة صعبة ج��داً وتحتاج لرجال‬ ‫ونساء على قدر المسؤولية التاريخية لينهضوا‬ ‫بالناس وبيثوا فيهم األفكار الوطنية والبناءة‬ ‫ال أن يتم ترك الناس يعيش��ون الفوضى بكل‬ ‫أبعادها ويعيشون بغرائزهم ال بعقولهم ثم‬ ‫يبدأ العويل والصراخ والتهليل من الخارج عن‬ ‫الوحدة الوطنية ووعي الشعب‪ .‬عندما تستمر‬ ‫حال��ة الفوضى وال�لا نظام ف��ي أي بلد مهما‬ ‫كان متقدم��ًا فإن الناس تعود تدريجيًا لحالتها‬ ‫األولى من التقاتل على أس��باب الحياة وهناك‬ ‫عش��رات األمثلة على ه��ذه الحالة لدى حدوث‬ ‫الك��وارث الطبيعي��ة أو الح��روب أو االختالالت‬ ‫األمنية الكبيرة في أي بلد‪.‬‬ ‫ل��ن يك��ون تش��كيل بع��ض الحكومات‬ ‫االنتقالية هنا وهناك ذا فاعلية أو تأثير إذا لم‬ ‫يترافق بجهد كبير على األرض‪ .‬يتم تشكيل‬ ‫حكومات بمسميات عديدة وهي خارج الحدود‬ ‫وال تعلم ش��يئًا عم��ا يجري داخله��ا‪ ،‬وإن كان‬ ‫بعضهم على اتصال ببعض الكتائب المقاتلة‬ ‫في الداخل فإن ذلك ال يعني بالضرورة تبعية‬

‫تل��ك الكتائب له��ذا الط��رف أو ذاك أو االئتمار‬ ‫بأوامره‪ ،‬ب��ل على العكس‪ ،‬فحام��ل البندقية‬ ‫الي��وم هو صاح��ب الكلمة األعل��ى والحق في‬ ‫فرض ش��روطه وهو م��ا يب��دو أن المعارضة‬ ‫ل��م تتبين��ه بعد في غم��ار الحماس��ة الثورية‬ ‫المفرطة واللقاءات التلفزيونية المكثفة التي‬ ‫لم تترك مجا ًال للتفكير أو التخطيط‪.‬‬ ‫إن ل��م تك��ن الث��ورة ف��ي مج��ال القيم‬ ‫والعالقات اإلنس��انية واالجتماعية وفي مجال‬ ‫المفاهيم المجتمعية التي ترسخت في وجدان‬ ‫الش��عب عبر مئات الس��نين فإنها ستكون قد‬ ‫عادت إلى المربع األول دون أي إنجاز‪ .‬وإذا كان‬ ‫المثقف��ون والمفك��رون والمعارض��ون الذين‬ ‫نادوا على الدوام برفض تسلط العسكر على‬ ‫الحي��اة العامة ورفض هيمنة الحزب الواحد أو‬ ‫ال��رأي الواحد على قدر المس��ؤولية التاريخية‬ ‫اليوم فإنهم يجب أن يقفوا بحزم في وجه أي‬ ‫محاولة لسرقة الثورة أو االستيالء عليها سواء‬ ‫من قبل العس��كر أو من قبل أية جهة واحدة‪.‬‬ ‫ولهذا ل��م يكن مقب��و ًال أبداً اعتب��ار المجلس‬ ‫الوطن��ي الس��وري ممث� ً‬ ‫لا "ش��رعيًا ووحي��داً"‬ ‫للس��وريين لي��س ألن��ه حقيقة لي��س كذلك‬ ‫فحس��ب‪ ،‬بل ألن الس��وريين تعبوا من الحزب‬ ‫الواح��د "القائد للدولة والمجتم��ع" وتعبوا من‬ ‫اختص��ار األف��كار في فك��ر حزب واح��د ومن‬ ‫اختزال وطن كامل في شعار واحد‪.‬‬ ‫ل��م يكفن��ا أن تك��ون أس��ماء كتائ��ب‬ ‫وفصائ��ل الجي��ش الحر وغيره تحم��ل الكثير‬ ‫م��ن ال��دالالت الديني��ة المباش��رة‪ ،‬وإنما خرج‬ ‫علينا من أراد اس��تلهام الطغيان ولكن بشكل‬ ‫آخ��ر‪ ،‬ففوجئن��ا بكتيب��ة "صدام حس��ين" في‬ ‫معرة النعمان دون أن نعلم ماذا كان يدور في‬ ‫خلد من انتقى االس��م‪ .‬والس��ؤال هنا‪ :‬ماذا لو‬ ‫خرجت إحدى الفرق المقاتلة في العراق اليوم‬ ‫باسم "كتيبة حافظ األسد" مث ًال‪ ،‬ماذا سيكون‬ ‫موقفن��ا وموقف المعارضين؟ س��يكون س��يئًا‬ ‫ج��داً بالطبع وس��يتم اتهام هؤالء بالس��ذاجة‬ ‫والجهل بالتاريخ والجغرافيا‪ ،‬فكيف يخرج في‬ ‫س��وريا من يح��ارب الطغيان باس��م الطغيان‬ ‫نفس��ه؟ ه��ذا يوضح حج��م األزم��ة الفكرية‬ ‫واالجتماعي��ة الت��ي يحياه��ا الش��عب العربي‬ ‫عمومًا وه��و ذو ذاكرة قصي��رة وعاطفي إلى‬ ‫أبع��د الحدود‪ .‬نحن نذكر تمامًا كيف اس��تطاع‬ ‫ص��دام التأثير في الكثير من الش��باب العربي‬ ‫الذي اخت��ار التوج��ه طوعاً إلى الع��راق عقب‬

‫غ��زوه ع��ام ‪ 2003‬تح��ت مس��ميات مختلف��ة‬ ‫ولكنه��ا كان��ت دائماً تص��ب في خان��ة نصرة‬ ‫العراق رغ��م علمنا اليقين ب��أن الكثيرين قد‬ ‫تأثروا بش��خصية صدام دون أن يعيشوا تحت‬ ‫حكمه‪ .‬وس��يكون من الصعوبة بمكان كس��ب‬ ‫المزي��د من التعاطف مع الثورة الس��ورية في‬ ‫ح��ال اس��تمرار المس��ألة على ما ه��ي عليه‪،‬‬ ‫فحالة التشرذم الرهيبة التي تسود الفصائل‬ ‫المسلحة باتت تهدد الوطن كله بالسقوط (إن‬ ‫لم يكن قد س��قط فع� ً‬ ‫لا) بين مطرقة النظام‬ ‫وس��ندان المعارضة وكالهم��ا لن يرحم اآلخر‬ ‫في نهاية المطاف‪.‬‬ ‫في التعرض لظاهرة "الجئات ال س��بايا"‬ ‫والت��ي انش��غل به��ا الكثي��رون في األس��ابيع‬ ‫الماضي��ة ال ب��د م��ن اإلش��ارة إل��ى أن ه��ذه‬ ‫الظاه��رة ليس��ت جدي��دة أب��داً وكان��ت تأخ��ذ‬ ‫مكانه��ا ف��ي المجتمع بأش��كال صارخ��ة وغير‬ ‫إنس��انية ولكن القالئل م��ن تعرضوا لها‪ .‬كان‬ ‫المواطن الخليجي يأتي ليدفع األموال الطائلة‬ ‫لخطبة إحدى البنات رغم فارق السن والثقافة‬ ‫الرهيبي��ن في بعض األحي��ان ويجبرها أهلها‬ ‫عل��ى القبول بالزوج الجديد الذي س��يقدم لها‬ ‫كل م��ا تتمن��اه‪ ،‬ولم يك��ن األه��ل أو غيرهم‬ ‫يهتم��ون بعواق��ب ه��ذا ال��زواج عل��ى الصعد‬ ‫النفس��ية واالجتماعي��ة وهو م��ا تمثل بهروب‬ ‫الكثي��ر من الفتيات أو طالقهن الس��ريع ألنهن‬ ‫لم يحتملن الحياة الجدي��دة القائمة على مبدأ‬ ‫العبودي��ة ال مبدأ المس��اواة أو التراحم‪ .‬إن من‬ ‫كان��وا يقبلون بذل��ك في األوق��ات العادية لن‬ ‫يك��ون غريبًا قبوله��م بها في ه��ذه الظروف‪.‬‬ ‫ورغم رفضنا القاطع لكل أش��كال االس��تغالل‬ ‫البش��ري فإن علين��ا أن نفهم ج��ذور المظاهر‬ ‫االجتماعية أو االقتصادية التي ننتقدها اليوم‪،‬‬ ‫ألن��ه بدون فهم أس��باب الظاه��رة وتحليلها ال‬ ‫يمكننا القضاء عليها أو تصحيحها‪.‬‬ ‫ويس��ري األمر نفس��ه على مسألة قتل‬ ‫من تعرضن لالغتصاب وهي ظاهرة س��لبية‬ ‫ولكنها ليس��ت جدي��دة على المجتم��ع العربي‬ ‫عموماً والسوري خصوصًا‪ ،‬وقد تحدثنا وتحدث‬ ‫الكثي��رون عن ض��رورة إنهاء مس��ألة جريمة‬ ‫الش��رف واعتباره��ا جريم��ة يعاق��ب فاعله��ا‬ ‫بالعقوبة القص��وى مهما كان��ت الذرائع وراء‬ ‫الجريمة‪ ،‬أما تخفي��ف األحكام لمجرد أن زوجًا‬ ‫قتل زوجته أو أبًا قتل ابنته بناء على ش��ك ما‬ ‫أو خب��ر كاذب أو مح��رف فهو تع��د على الروح‬

‫خالد كنفاني‬

‫اإلنسانية والكرامة اإلنسانية التي وهبها اهلل‬ ‫للبشر‪ ،‬فكيف إذا كانت الفتاة ضحية اغتصاب‬ ‫من مجرمين أو ذئاب بشرية؟ فتجد أن عقابها‬ ‫الموت وه��ي تصبح ضحية ف��ي الحالتين بل‬ ‫واألس��وء فإن قاتلها يحتفل بغسل عاره بينما‬ ‫ال يزال دمها يس��يل حاراً عل��ى األرض وعلى‬ ‫مرأى الجميع‪.‬‬ ‫وقد تك��ون الطامة الكبرى في التعصب‬ ‫والطائفي��ة‪ ،‬وهم��ا مصيبت��ان ابتل��ي بهم��ا‬ ‫الس��وريون من��ذ زم��ن بعي��د‪ ،‬وكل كالم عن‬ ‫وحدة وطنية وتعايش هو من قبيل الخرافات‬ ‫االجتماعي��ة الت��ي ش��اء بع��ض المثقفين أن‬ ‫يدفنوا رؤوسهم في الرمال ويوهموا أنفسهم‬ ‫بوجوده��ا‪ .‬وبقطع النظر ع��ن بعض األمثلة‬ ‫الوردي��ة الت��ي يحل��و للكثيري��ن ذكره��ا عن‬ ‫ح��االت التعايش والس�لام‪ ،‬ف��إن الواقع يقول‬ ‫ش��يئًا آخر‪ .‬كل التعايش المزعوم انطوى منذ‬ ‫األزل على مبدأ الغال��ب والمغلوب‪ ،‬ولهذا فإن‬ ‫التاريخ الذي قد ال يس��جل الكثير من الحوادث‬ ‫االجتماعي��ة ألن المؤرخي��ن كان��وا في الغالب‬ ‫خاضعين لس��لطان الرقابة عبر كل العصور‪،‬‬ ‫يذك��ر بع��ض الح��وادث الت��ي راح ضحيته��ا‬ ‫المئ��ات وربما اآلالف نتيج��ة صراع إما طائفي‬ ‫أو عش��ائري أو قبلي أو غي��ره‪ .‬وكان ذلك يتم‬ ‫إما بمعرفة السلطة الحاكمة أو برضاها على‬ ‫األق��ل‪ .‬ونحن إذ نذك��ر هذه الظاه��رة فألننا‬ ‫نعلم أن عواقبها في الظرف الحالي س��تكون‬ ‫أش��د وأقس��ى نتيجة لالحتقان واالس��تقطاب‬ ‫الرهيبين اللذين يعيشهما الناس‪.‬‬ ‫ال يج��ب أن تترك ه��ذه الثورة لمصيرها‬ ‫دون توجي��ه أو تصوي��ب أو قي��ادة‪ ،‬لقد قامت‬ ‫الث��ورة عفوي��ة وس��لمية ونقي��ة ونريدها أن‬ ‫تس��تمر كذلك‪ ،‬أما م��ن يدخل الي��وم ليلوثها‬ ‫ويرك��ب موجتها ويتاج��ر بدمن��ا وأرواحنا فال‬ ‫م��كان ل��ه كائن��ًا م��ن كان‪ .‬نحن بحاج��ة إلى‬ ‫األف��كار أكثر من األحالم وإلى الواقع أكثر من‬ ‫الخي��ال‪ ،‬فالحلم بدأ بالتحول إل��ى حقيقة وال‬ ‫نريده أن ينقلب كابوساً يجعلنا نندم أو نيأس‬ ‫فال م��كان لذلك بعد أن صممن��ا على المضي‬ ‫لألم��ام وأن نح��رق مراكبنا م��ع كل الماضي‬ ‫البائس‪.‬‬ ‫آخر الكالم‪ :‬يقول المتنبي‪:‬‬ ‫مَا ُّ‬ ‫كل ما يَتَمَنّ��ى المَرْ ُء يُدْ ِر ُكهُ‬ ‫تج ِري الرّياحُ بمَا ال تَشتَهي السّ ُفنُ‬


‫ح�سني الربازي ‪1975– 1895‬‬

‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬

‫من الش��خصيات الس��ورية البارزة من‬ ‫ذوي األص��ول الكردية في فترة مبكرة‬ ‫م��ن تاري��خ الدول��ة الس��ورية الحديث‬ ‫باألهمية والفعالية معًا‪.‬‬ ‫توفي في لبنان عام ‪.1975‬‬ ‫في ‪ 15‬تشرين الثاني عام ‪،1952‬‬ ‫نش��رت المجل��ة الناق��دة "المُضحِ��ك‬ ‫المُبك��ي" مق��ا ًال كان الب��رازي أح��د‬ ‫أبطاله‪ ،‬نورده لطرافته‪:‬‬ ‫هناك رئيس ديوان أيضاً في أحد‬ ‫المحافظات َّ‬ ‫تلكأ في تنفيذ قرار وزاري‬ ‫بش��أن التهريب ألنَّه "بيَّت اس��تخارة"‬ ‫ووَجَ��د أنَّ��ه م��ن األوف��ق أن ال ِّ‬ ‫ينفذه‬ ‫ف��ي الوق��ت الحاض��ر! وه��ذه الحكاية‬ ‫يعرفه��ا "األخ حس��ني ب��ك الب��رازي"‬ ‫ً‬ ‫رئيس��ا للوزارة‪ ،‬وكان‬ ‫ألنَّه كان يومها‬ ‫التهريب على الحدود على َقدَم وساق‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فاجتمع مجلس الوزراء برئاسة حسني‬ ‫بك واتَّخ��ذ عِدَّة ق��رارات لمُكافحتِه‬ ‫والضَّرب عل��ى أيدي المُهرِّبين‪ ،‬ولمَّا‬ ‫َّ‬ ‫المُوظ��ف قائم��ًا عل��ى‬ ‫كان حض��رة‬ ‫الحدود فق��د أبلِغ ما يخصُّ��ه لتنفيذه‬ ‫ولكن صاحبنا "بيَّت استخارة" كما قُلنا‬ ‫أن األوفق عدم التنفيذ!‪..‬‬ ‫ورأى َّ‬ ‫وبَع��د بضع��ه أيّ��ام شَ��عرَت‬

‫وبأن‬ ‫بأن التهريب ما زال قائمًا َّ‬ ‫ال��وزارة َّ‬ ‫قراراتها على الحدود لم َّ‬ ‫تُنفذ‪ ،‬فركبَ‬ ‫حس��ني ب��ك س��يَّارته وقصَ��د تل��ك‬ ‫ليُش��رفَ بنفس��ه على عمليَّة‬ ‫الحدود‬ ‫ِ‬ ‫المكافح��ة وغيرها ويس��أل عن س��بب‬ ‫ع��دم تنفي��ذ الق��رارات الت��ي اتَّخذها‬ ‫مجلس ال��وزراء بهذا الشَّ��أن‪ ،‬فاجتمع‬ ‫َّ‬ ‫بالموظ��ف المُختَصّ وس��أله‪ - :‬لماذا‬ ‫ي��ا ابني ل��م ِّ‬ ‫تُنفذ القرار الذي أُرسِ��ل‬ ‫الجم��ال الكثيرة التي‬ ‫إلي��ك ولم توقف ِ‬ ‫كانت تحمل الحبوب إلى الخارج؟! وهنا‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ويَصفرّ‬ ‫الموظف يَحمَرّ‬ ‫أخذ حض��رة‬ ‫ث��م راح يُتمتِ��م في فم��ه كلمات غير‬ ‫مفهومة‪ ..‬فقال له حس��ني بك‪ :‬احكي‬ ‫الصحيح‪ ،‬أنا أعرفُ��ك إنَّك رجُل تَقي‬ ‫وصاح��ب دِي��ن وال تك��ذِب‪ ....‬وهن��ا‬ ‫َّ‬ ‫الموظف وق��ال ل��ه‪ :‬الحقيقة‬ ‫تش��جَّع‬ ‫أنِّ��ي "بيَّ��تُّ اس��تخارة" فرأي��ت أن‬ ‫األوفق للمَصلحة أن أُرجئ تنفيذ هذه‬ ‫القرارات إلى وقت آخر!‪..‬‬ ‫وال تسأل أيُّها القارئ ما هو جواب‬ ‫الذي أجابه به حسني بك فإنَّنا نعتذِر‬ ‫نش��ره ويمكنُك أن تُقدِّر ما هو؟‬ ‫عن‬ ‫ِ‬ ‫نفسك إذا استعمَ ْلتَ ذكاءك!‪..‬‬ ‫من ِ‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫ول��د حس��ني الب��رازي ف��ي حماة‬ ‫عام ‪ ،1895‬العش��يرة الكردية واس��عة‬ ‫الثراء والنف��وذ‪ ،‬والتي نبغ منها العديد‬ ‫م��ن رجاالت التاريخ الس��وري الحديث‪،‬‬ ‫كتب المؤرخ الس��وري أدهم آل جندي‪،‬‬ ‫في كتاب��ه "تاريخ الثورات الس��ورية"‪:‬‬ ‫"كان أحم��د آغ��ا الب��رازي ف��ي مقدمة‬ ‫ث��وار حم��اة‪ ،‬يح��رض الش��باب عل��ى‬ ‫االستبس��ال‪ ،‬وحم��ل الس�لاح صناديد‬ ‫آل الب��رازي‪ ،‬فخرج إلى القتال ش��اكي‬ ‫الس�لاح الوجيه الش��يخ المرحوم خالد‬ ‫دروي��ش الب��رازي م��ع أوالده‪ ،‬أحدهم‬ ‫الدكت��ور دروي��ش الب��رازي الحائ��ز‬ ‫عل��ى ش��هادة الدكت��وراه م��ن جامعة‬ ‫سويسرة الدولية‪ ،‬وش��قيقه المرحوم‬ ‫الش��هيد صالح درويش البرازي‪ ،‬وبرز‬ ‫علي آغ��ا الب��رازي إلى المي��دان حام ً‬ ‫ال‬ ‫رشاش��ه وبندقيته‪ ،‬وول��ده زهير وهو‬ ‫في السادسة عش��رة من عمره"‪ .‬وبعد‬ ‫جالء المستعمر عن سوريا‪ ،‬كانت لهم‬ ‫مواقف وطنية مش��رّفة‪ ،‬ودورٌ قياديٌ‬ ‫هامٌ ف��ي بن��اء البلد‪ ،‬واس��تلم الكثير‬ ‫منه��م مناصب هامة ف��ي الدولة‪ ،‬وقد‬ ‫كت��ب خالد العظم ف��ي كتابه "صانعوا‬ ‫الجالء" عن نجيب آغا البرازي‪ :‬أنه كان‬ ‫من بي��ن الس��بعة الكبار الذي��ن كانوا‬ ‫يقررون المس��ائل الخطي��رة في البلد‪.‬‬ ‫وقبل ه��ذا العهد لعب��وا دوراً هامًا في‬ ‫العه��د العثمان��ي‪ ،‬ووقفوا ض��د حركة‬ ‫التتريك ومظالم جمال باش��ا السفاح‪،‬‬ ‫وق��د أصدر جمال باش��ا حك��م اإلعدام‬ ‫بح��ق أصالن آغ��ا ب��ن باكي��ر البرازي‬ ‫وغي��ره من رج��االت البرازية‪ ،‬وقد كان‬ ‫دور البرازي��ة جلياً في ثورة حماه‪ ،‬ولم‬ ‫ينقط��ع دعمه��م عن الثورة الس��ورية‬ ‫الكب��رى‪ ،‬بالم��ال والمجاهدين‪ ،‬وكانت‬ ‫حم��اة أول مدين��ة س��ورية ج�لا عنه��ا‬ ‫االحتالل الفرنسي عام ‪ 1945‬م‪.‬‬ ‫درس الب��رازي الحق��وق ف��ي‬ ‫استانبول وحصل على المرتبة األولى‬ ‫طول فترة دراس��ته‪ .‬انتس��ب إلى حزب‬ ‫العهد‪ ،‬وكان منقس��مًا إلى حزب سوري‬ ‫وعراقي فعمل عل��ى توحيدهما ونجح‬ ‫في مس��عاه‪ .‬عين مفتش��ًا للعدلية في‬ ‫عهد الملك فيصل بن الشريف حسين‬ ‫في سوريا‪ ،‬ثم عين متصرفاً على مينة‬ ‫حم��ص وبقي في ه��ذا المنصب ألقل‬ ‫من س��نة‪ .‬وف��ي ع��ام ‪ 1928‬نجح في‬ ‫انتخاب��ات الجمعية التأسيس��ية مندوبًا‬ ‫عن حماة‪ ،‬وكان هدفها الرئيس��ي سن‬ ‫دستور للبالد‪ .‬ونجح في دخول البرلمان‬ ‫في أكثر من دورة ممث ً‬ ‫ال لحماة‪.‬‬ ‫تس��لم وزارة الداخلي��ة ف��ي عهد‬ ‫الرئي��س أحم��د نام��ي ع��ام ‪1926‬‬ ‫ال��ذي وصف��ت وزارت��ه ب��أن نصفه��ا‬ ‫م��ن الوطنيي��ن المتطرفي��ن ونصفها‬ ‫م��ن المعتدلين وكان حس��ني بك من‬ ‫الفري��ق األول وف��ق م��ا ذكره يوس��ف‬ ‫الحكيم في الجزء الرابع من مذكراته‪،‬‬ ‫إال أن��ه اس��تقال منه��ا م��ع الوطنيي��ن‬ ‫احتجاجًا على رفض فرنس��ا لمش��روع‬ ‫معاه��دة كان ت��م االتف��اق علي��ه م��ع‬ ‫المف��وض الس��امي دي جوفنيل‪ ،‬نفي‬ ‫بعده��ا إلى الحس��كة ومنها إلى أميون‬ ‫ف��ي لبن��ان وكان مع��ه مجموع��ة من‬ ‫الوطنيي��ن األح��رار منهم ف��ارس بك‬

‫الخوري ولطفي الحفار‪.‬‬ ‫ع��اد إلى دمش��ق وزي��راً للمعارف‬ ‫ع��ام ‪ 1934‬م‪ ،‬واس��تقال م��ن منصبه‬ ‫ع��ام ‪ 1936‬م ليصب��ح محافظ��ًا‬ ‫لالس��كندرون إل��ى ‪1938‬م‪ .‬تس��لم‬ ‫رئاس��ة الوزراء في عه��د الرئيس تاج‬ ‫الدي��ن الحس��يني واحتف��ظ لنفس��ه‬ ‫ب��وزارة الداخلية‪ ،‬حي��ث احتفظ بأغلب‬ ‫وزراء حكوم��ة الحكي��م‪ ،‬م��ع تعدي��ل‬ ‫طفيف كتعيين األمير حس��ن األطرش‬ ‫وزي��راً للدفاع ب��د ًال من اب��ن عمه عبد‬ ‫الغفار‪ ،‬وأضي��ف إلى ال��وزارة الجديدة‬ ‫األس��تاذ "منير العجالني" صهر رئيس‬ ‫الجمهوري��ة‪ ،‬وزيراً للدعاية والش��باب‪،‬‬ ‫والس��يد "راغب الكيخيا" لوزارة العدل‪.‬‬ ‫وما لبث أن نش��أ الخالف بي��ن البرازي‬ ‫الموال��ي لإلنكليز والرئيس الحس��ني‬ ‫الموال��ي للفرنس��يين‪ ،‬انته��ت بإجبار‬ ‫الشيخ تاج البرازي على االستقالة بعد‬ ‫أن صرح األخير‪ ،‬في حفلة رس��مية أن‬ ‫ليس ثمة استقالل وأن الجنرال "كوله"‬ ‫هو صاحب الكلم��ة العليا في الدولة‪...‬‬ ‫تس��لم منصب النائب االم العس��كري‬ ‫عام ‪ 1949‬بعد انقالب الزعيم‪ ،‬محافظ‬ ‫حلب من��ذ عام ‪ 1943‬حتى عام ‪،1949‬‬ ‫نائ��ب حماه ف��ي الجمعية التأسيس��ية‬ ‫‪ ،1949‬عض��و مؤتمر حم��ص الوطني‬ ‫عام ‪.1953‬‬ ‫في انتخابات عام ‪ 1954‬مع تقلص‬ ‫نفوذ األسر الكبيرة في الريف الحموي‪،‬‬ ‫فش��لت قائم��ة "الب��رازي‪ ،‬العظم" في‬ ‫االنتخابات واكتس��حت قائمة الحوراني‬ ‫المدعوم��ة م��ن الفالحين‪ ،‬وم��ع هذه‬ ‫الهزيم��ة الكبيرة لم يبتعد البرازي عن‬ ‫الشأن العام بل على أثرها قام بإرسال‬ ‫برقي��ة لرئي��س الجمهوري��ة نش��رتها‬ ‫جري��دة الناس في عدده��ا الصادر في‬ ‫‪ ،1954/ 10/21‬والتي كان نصها‪:‬‬ ‫"فخام��ة رئي��س الجمهورية تلجأ‬ ‫إلي��ك األم��ة باعتبارك رئيس��ها األول‪،‬‬ ‫وحامي دس��تورها واس��تقاللها‪ ،‬لتقف‬ ‫ب��كل إيمانك وكل رجولت��ك‪ ،‬وبكل ما‬ ‫في��ك للقضاء عل��ى مؤامرات فرنس��ا‬ ‫وروس��يا وإس��رائيل‪ ،‬ف��ي وطن��ك‬ ‫السوري‪ ،‬إن هذه المؤامرات تأخذ شك ً‬ ‫ال‬ ‫جدياً خطيراً بنشاط العمالء المروجين‬ ‫إليصال ش��خصيات معينة موثوق بها‬ ‫من قبله��م إلى الحكم‪ ،‬وف��ي القضاء‬ ‫عل��ى اس��تقالل هذه األم��ة وتقاليدها‬ ‫ودينه��ا‪ ،‬تاريخ��ك وواجب��ك يدعوانك‬ ‫التخ��اذ الموق��ف الحازم إلحب��اط هذه‬ ‫المؤامرة"‪.‬‬ ‫وفي منتصف الخمس��ينات أصدر‬ ‫جري��دة الناس‪ ،‬وكان يكت��ب فيها آراءه‬ ‫السياسية واالجتماعية‪ .‬كان رحمه اهلل‬ ‫رج ً‬ ‫ال شجاعًا جريئًا ال يساوم وال يهادن‬ ‫في جميع مواقفه‪.‬‬ ‫بعد تجرب��ة الوح��دة واالنفصال‪،‬‬ ‫انتقل البرازي لإلقامة في لبنان‪ ،‬وقام‬ ‫بتدوي��ن مذكرات��ه‪ ،‬وه��ذه المذكرات‬ ‫هي عبارة عن مجموعة من المقابالت‬ ‫أجراه��ا قس��م التاري��خ ف��ي الجامعة‬ ‫األمريكي��ة ف��ي بي��روت س��نة ‪،1969‬‬ ‫وص��درت عن األكاديمي��ة الكردية في‬ ‫أربيل‪ ،‬لتس��لط الضوء على أدوار عدد‬

‫وجوه من وطني ‪. .‬‬

‫ياسر مرزوق‬

‫‪9‬‬


‫أعمدة الصحافة‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪10‬‬

‫التفا�ؤل والت�شا�ؤم واجلدل‬ ‫الدائر بينهما يف الثورة ال�سورية‬ ‫عُال شيب الدين‬

‫‪1‬‬

‫المناظ��رات‪،‬‬ ‫أغل��ب‬ ‫ف��ي‬ ‫والس��جاالت‪ ،‬والمواقف‪،‬‬ ‫والتَّصريحات‪ِّ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫والتفك��رات الت��ي قارب��ت‬ ‫والج��داالت‪،‬‬ ‫الح��دث الس��وري‪ ،‬ف��ي صيغه��ا العامة‬ ‫والخاص��ة‪ ،‬المكتوب��ة والش��فاهيَّة‪،‬‬ ‫المق��روءة والمس��موعة‪ ،‬النظري��ة‬ ‫والعملي��ة‪ ،‬تب��دّت رؤى متفائلة وأخرى‬ ‫متش��ائمة‪ .‬وكلتا الرُّؤيتين المتشائمة‬ ‫والمتفائل��ة بدتا كأنهما اس��تطالة ٍّ‬ ‫لكل‬ ‫طرف��ي الص��راع الوج��وديّ ف��ي‬ ‫م��ن‬ ‫ِّ‬ ‫س��وريا؛ أي‪ ،‬النظ��ام والش��عب الثائ��ر‪،‬‬ ‫إذ م��راراً أعل��ن النظ��ام ورئيس��ه أنها‬ ‫"خِ ْلصِ��تْ" كن��وع م��ن "التف��اؤل" أو‬ ‫طمأنة المتضامنين مع��ه في الداخل‪،‬‬ ‫والواقفين إل��ى جانبه في الخارج‪ .‬لكن‬ ‫"األزمة" كما درج على تسميتها النظام‬ ‫وقوى السيطرة في العالم‪ ،‬هي (ثورة)‬ ‫بالنس��بة إل��ى الش��عب الثائ��ر‪ ،‬وف��ي‬ ‫التاري��خ لم يح��دث أن ّ‬ ‫تمكنت س��لطة‬ ‫مْع ثورة شعبية‪ ،‬كما أنه من غير‬ ‫من َق ِ‬ ‫ال��وارد منطقيَّاً وواقعيَّ��ًا أن "تخلص"‬ ‫اإلرادة الح��رة أو تنف��د‪ ،‬ما يعني النصر‬ ‫َّ‬ ‫المؤك��د والحري��ة‪ .‬تل��ك ه��ي الصيغة‬ ‫المتفائلة التي واجه بها الثائرون تفاؤل‬ ‫النظ��ام‪ .‬وبي��ن التفاؤلي��ن "النظامي"‬ ‫و"الث��وريّ" ثمة ف��وارق أصيل��ة‪ ،‬لعل‬ ‫أهمه��ا أن األول بدّد نفس��ه بنفس��ه‪،‬‬ ‫كونه حس��مًا نظريَّاً مسبقاً‪ ،‬يتر َفّع عن‬ ‫الواقع الحيّ وينكره‪ ،‬وق��د َ‬ ‫كذّبه أيضًا‬ ‫اس��تمرار الثورة واتِّس��اعها وتج ُذّرها‪،‬‬ ‫ف��ي حي��ن أن الثان��ي استش��رافيّ‪،‬‬ ‫تأمليّ‪ ،‬مستقبليّ ينطلق من التجربة‬ ‫الضَ��اج بالحدث‪.‬‬ ‫الحيّ��ة‪ ،‬وم��ن الواقع ّ‬ ‫الواق��ع الذي ب��دا كأن التف��اؤل الثوريّ‬ ‫يحايثه ويتسامى عليه بهدف التخ ّلص‬ ‫من��ه نقل��ة نقل��ة باتج��اه "الخَ�لاص"‬ ‫أو م��ا يش��به "النيرفانا" بع��د أن عاش‬ ‫الثائرون تجربة اهتداء شخصيَّة نمّت‬ ‫ف��ي دواخلهم مهارة التجاوز الضرورية‬ ‫م��ن أج��ل مواصلة النض��ال‪ ،‬والصمود‬ ‫أمام المآس��ي‪ .‬إن التف��اؤل الثوري هنا‬ ‫ه��و تف��اؤل "الخَالص" ال��ذي يناقض‬ ‫تفاؤل الـ"خِ ْلصِتْ"‪ ،‬أي التفاؤل بمعناه‬ ‫النظاميّ‪ ،‬إن ج��از التعبير‪ ،‬فالخَالص‬ ‫َّ‬ ‫خِف��ة وحرية ال يُتَص��وَّر نفادها‪ ،‬كما‬ ‫أنه خروج من مرحلة ودخول في مرحلة‬ ‫أخ��رى أكث��ر رقيّ��اً بعد عبور سلس��لة‬ ‫من التجارب القاس��ية‪ .‬لكن "خِ ْلصِت"‬ ‫إع�لان عن نفاد‪ ،‬عن حتميّة م ِّيتة‪ ،‬عن‬ ‫تط��رُّف وح��دٍّ ونهاي��ة وهاوي��ة‪ ،‬وعن‬ ‫قنص الواقع الحي ودفنه في الماضي‪.‬‬ ‫ال سيَّما وأن "خِ ْلصِت" هي من نتاجات‬ ‫تغييب الواقع‪ ،‬إذ السلطة ما برحت منذ‬ ‫اليوم الندالع الحدث في أواسط الشهر‬ ‫الثال��ث ‪ 2011‬تتح��دَّث ع��ن محاربتها‬ ‫لـ"مؤامرة خارجيّة" و"عصابات مس َّلحة"‬ ‫غير موجودة أص ً‬ ‫ال‪ ،‬وهنا يظهر التباس‬ ‫التف��اؤل النظام��ي‪ ،‬فالس��لطة ب��دت‬ ‫ّ‬ ‫للمتلق��ي كأنه��ا ف��ي حرب مع أش��باح‬ ‫حي��ث تغيب هوي��ة الخص��م الواضحة‬ ‫ومح��دَّدة المعال��م‪ ،‬بينما ب��دا التفاؤل‬

‫الث��وري واضح��اً جليّ��اً‪ ،‬فالس��وريُّون‬ ‫الثائرون أعلنوا منذ البداية‪ ،‬على المأل‪،‬‬ ‫أن خصمه��م النظام ورئيس��ه‪ ،‬وأنهم‬ ‫يريدون إسقاطه‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫المتحمِسين الثور ِّيين‪،‬‬ ‫وفي قبالة‬ ‫ّ‬ ‫هناك القانطون واليائسون والعازفون‪،‬‬ ‫من طراز القائلي��ن مث ً‬ ‫‪":‬رجَعونا لورا‬ ‫ال ّ‬ ‫عشرات الس��نين‪ ،‬هي الحرية إلي بدن‬ ‫ياها؟" أو القائلين كرد فعل على الدمار‬ ‫والخ��راب‪ ،‬والدم��اء واألش�لاء‪" :‬ريته��ا‬ ‫م��ا كانت الث��ورة‪ ،‬كنّا عايش��ين بأمان‬ ‫ومس��تورين"‪ .‬قد تكون تل��ك المواقف‬ ‫مب��رَّرة نوع��ًا م��ا‪ ،‬ربما بس��بب اعتياد‬ ‫هؤالء على العيش لعقود طويلة تحت‬ ‫إم��رة عائل��ة مالك��ة‪ /‬حاكمة أمس��كت‬ ‫بمقاليد الس��لطة بال منا ِزع‪ .‬واالعتياد‪،‬‬ ‫على الم��دى الطوي��ل‪ ،‬من ش��أنه دفع‬ ‫الم��رء ص��وب التَّراخ��ي والالمب��االة‪،‬‬ ‫والتَّسليم بالواقع كما هو مع غياب تام‬ ‫ح��س نقديّ وإنس��انيّ وأخالقيّ‪.‬‬ ‫ألي ٍّ‬ ‫وق��د ضاعف��ت وحش��يَّة النظ��ام غير‬ ‫المس��بوقة في قمع الثورة‪ ،‬على األقل‬ ‫ف��ي العص��ر الحدي��ث‪ ،‬من اإلحس��اس‬ ‫بالعج��ز ل��دى البع��ض‪ ،‬والمي��ل إل��ى‬ ‫اإللقاء بالالئمة على الثائرين الحالمين‬ ‫بالعدال��ة وبالعي��ش الح��ر الكري��م‪،‬‬ ‫وتحميله��م ِوزْرَ م��ا لح��ق بالبالد من‬ ‫خراب‪ ،‬خاصة وأن الثائرين لم َّ‬ ‫يتمكنوا‬ ‫بع��د م��رور أش��هر طويل��ة ج��داً على‬ ‫ثورتهم م��ن تحقيق اله��دف الرئيس‪،‬‬ ‫أي رحي��ل الرئي��س‪ ،‬م��ا جع��ل صورة‬ ‫الثائرين في ذهن هؤالء المتش��ائمين‬ ‫تبدو ضعيفة‪ ،‬على خالف ما حصل في‬ ‫ثورات أخرى من ثورات "الربيع العربي"‬ ‫والتي لم تدم طوي ً‬ ‫ال حتى أس��فرت عن‬ ‫هروب طاغي��ة (بن عل��ي)‪ ،‬وجَبْر آخر‬ ‫ّنحِ��ي ث��م الب��دء بمحاكمت��ه‬ ‫عل��ى التَ ّ‬ ‫(مب��ارك)‪ ،‬و" َقتْ��ل" ثال��ث (القذاف��ي)‪،‬‬ ‫وخَ ْلع رابع بع��د حرقه (صالح)‪ .‬يُضاف‬ ‫إل��ى م��ا س��بق‪ ،‬تنام��ي وحدة الش��عب‬ ‫السوري الثائر وتج ّلي "يُتْمه" بوضوح‬ ‫تام‪ ،‬بعد فش��ل أو إفشال كل المساعي‬ ‫واالجتماعات‪ ،‬والمؤتمرات…؛ المحليّة‬ ‫واإلقليمي��ة والدولية الرَّامي��ة إلى ِّ‬ ‫حل‬ ‫"األزم��ة" ْ‬ ‫ووَقف "العن��ف" نتيجة غياب‬ ‫اإلرادة الفاعلة والفعليَّة في الحل‪ ،‬كل‬ ‫ذلك وأكثر دف��ع لتص��وُّر النظام كأنه‬ ‫فاطر اإلرادة الشريرة‪ ،‬ويستحيل إلرادة‬ ‫أخرى أن تنتصر عليها أو تفوقها‪ .‬ولكن‬ ‫تبقى مثل هذه النظرة المتشائمة كليًَّا‬ ‫أو جزئيَّ��ًا‪ ،‬بالنس��بة إل��ى المتفائلين‪،‬‬ ‫كأنه��ا عِ ْلمٌ م ِّيت ال يبارح الس��طح‪ ،‬أو‬ ‫كأنها موقف "ال أَدْ ِريّ" ّ‬ ‫يشكِك بالثورة‬ ‫ويقل��ل من ش��أنها ومن ش��أن ما فعله‬ ‫الشعب الثائر وما أنجزه‪ .‬هذا من جهة‪.‬‬ ‫ثم إن من ث��ار‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬ما كان‬ ‫ليث��ور ل��و لم يك��ن "خ��راب الدولة" قد‬ ‫أتى على األخضر واليابس‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن‬ ‫التمدُّن ِأو ما يظنُّه المتش��ائمون حيال‬ ‫التغيير "نعَماً" كانوا يغرقون فيها قبل‬

‫الثورة "المش��ؤومة"‪ ،‬لن يك��ون تمدُّنًا‬ ‫حقيقي��ًا‪ ،‬من وجه��ة نظ��ر المتفائلين‬ ‫بالتغيي��ر والمؤمني��ن بالث��ورة‪ ،‬إن ل��م‬ ‫يرتب��ط بالحري��ة‪ ،‬إذ الحرية بالنس��بة‬ ‫إلى هؤالء ش��رط من ش��روط التقدُّم‪.‬‬ ‫إن "الرجوع إلى الوراء" الذي يتك ّلم عنه‬ ‫ذوو المنطق المتشائم‪ ،‬الذين يصبُّون‬ ‫ال َّلعن��ات على من ثار وكان الس��بب في‬ ‫دمار البالد وخرابه��ا‪ ،‬وتدهور األوضاع‬ ‫المعيش��يَّة والصحيَّ��ة وغيره��ا‪ ،‬ال‬ ‫ي��رون‪ ،‬م��ن وجه��ة نظ��ر المتفائلي��ن‬ ‫الراغبي��ن ف��ي التغيي��ر‪ ،‬أن للتم��دُّن‬ ‫والتق��دُّم وَجهَيْ��ن م��ادي ومعن��وي‪،‬‬ ‫فل��و أن العدال��ة االجتماعي��ة والكرامة‬ ‫والحرية والديمقراطية والقضاء العادل‬ ‫الس�� ْلميّ للسلطة‬ ‫المس��تقل والتداول ِّ‬ ‫كان��ت موج��ودة لم��ا انتفض الش��عب‪.‬‬ ‫ويب��دو أن وجه��ة النظر ه��ذه تتقاطع‬ ‫وآراء ّ‬ ‫مفكِر تَنويريّ مثل (رفاعة رافع‬ ‫الطهطاوي ‪ ،)1873-1801‬فالطهطاوي‬ ‫أيضاً يرى أن التقدُّم له وجهان‪ :‬ماديّ‪،‬‬ ‫يتعل��ق بالمناف��ع العمومي��ة كالزراعة‬ ‫والتجارة والصناعة والعمران والمرافق‬ ‫وغيره��ا‪ .‬ومعن��ويّ‪ ،‬ش��ديد الصل��ة‬ ‫متمِ��م‬ ‫باألخ�لاق واآلداب‪ ،‬وكالهم��ا ّ‬ ‫أحدهم��ا اآلخ��ر‪ .‬وفي الثورة‪ ،‬بالنس��بة‬ ‫إل��ى المتفائلي��ن‪ ،‬كل ش��يء تتَّص��ل‬ ‫حلقاته‪ :‬كبرياء الثائرين وحماس��تهم‪،‬‬ ‫حميا الذين انخرطوا في العسكرة مث ً‬ ‫ال‪،‬‬ ‫قن��وط اإلنس��ان العاجز ع��ن االنخراط‬ ‫الضّجَة التي تصاحب كل‬ ‫في الث��ورة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫انتص��ار أو تقدُّم جديد للث��ورة‪ ،‬رغبة‬ ‫الثائر في اله��دم الخالص وعزمه على‬ ‫أن يك��ون ف��وق الراهن دوم��اً‪ ،‬الزُّهو‬

‫بالنفس الذي أدى إلى ظهور مُثل عليا‬ ‫جدي��دة لم يع��رف معها الش��باب الثائر‬ ‫أي ن��وع من أنواع الصبر أو ربما الهدوء‬ ‫البارد الذي يطبع ش��خصيّة السياسيّ‬ ‫التقليديّ مث� ً‬ ‫لا‪ ،‬إذ يجب أن يعيدوا بناء‬ ‫عالمهم الخاص في أسرع وقت ممكن‪،‬‬ ‫وهُم في الوقت نفس��ه غير ّ‬ ‫مؤطرين‬ ‫تش��كِل خطراً‬ ‫ّ‬ ‫بإيديولوجية محدَّدة قد‬ ‫على نقاء عواطفهم‪ ،‬كونهم ال يؤمنون‬ ‫إال بم��ا يس��نُّونه ألنفس��هم‪ .‬إن جملة‬ ‫المتوهِج��ة‪ ،‬المتقلِّبة‪،‬‬ ‫هذه العواطف‬ ‫ّ‬ ‫القلِق��ة وجوديَّ��اً‪ ،‬المتضا ِربة‪ ،‬هي ما‬ ‫يمكن أن يُطلق عليه اسم الثورة‪ ،‬تلك‬ ‫النار الش��املة‪ ،‬التي نخطئ إن اعتقدنا‬ ‫أنه��ا مج��رَّد مرحل��ة‪ ،‬ألنها تط��ال كل‬ ‫ش��يء‪ ،‬وهي مصير فرديّ واجتماعيّ‬ ‫بم��ا اتَّس��مت ب��ه م��ن احت��دام ّ‬ ‫مركز‪،‬‬ ‫وحس بأهميتها االجتماعية األساسية‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫وثقل في تأثيره��ا اإلقليمي والعالمي‬ ‫لي��س المحل��يّ فحس��ب‪ ،‬ومضيّ في‬ ‫هتك حُجُب النظام السوري كجزء من‬ ‫نظ��ام عالمي قائم على م��ا يبدو على‬ ‫السيطرة والعدوان والغَ َلبَة‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫إن الرَّيب��ة حي��ال أي تغيي��ر‪،‬‬ ‫المتش��ائمة‪ ،‬إضافة‬ ‫الناجمة عن الرؤيا ِ‬ ‫إل��ى أنه��ا دفع��ت بمتبنّيه��ا إل��ى عدم‬ ‫االكت��راث بمس��تقبل س��وريا وفقدان‬ ‫معنيَ أص ً‬ ‫ال بقيم‬ ‫الثق��ة به‪ ،‬كونه غير‬ ‫ّ‬ ‫الديمقراطية والحرية والعدالة التي قد‬ ‫تحل على الناس مستقب ً‬ ‫ّ‬ ‫ال؛ فإنها أيضاً‪،‬‬ ‫أي الرَّيبة‪ ،‬انقلبت قنوطًا ويأس��اً جعل‬


‫أعمدة الصحافة‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫‪4‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫إن اللذي��ن وقع��وا تح��ت تأثي��ر‬ ‫"سِ��حْر" الث��ورة بطابعه��ا الس��لميّ‬ ‫ِ‬ ‫ف��ي أش��هرها األول��ى‪ ،‬يب��دون كأنهم‬ ‫"سُ��حِروا" إلى درجة مفارق��ة الواقع‪،‬‬ ‫واالنفصال عنه‪ ،‬إذ غابت المرونة التي‬ ‫تخوله��م مواكبة الثورة في منعرجاتها‬ ‫ِّ‬ ‫ومنعطفاته��ا وتحوُّالته��ا‪ ،‬وظ ُّل��وا‬ ‫أس��رى صورة محدَّدة ثابت��ة‪ ،‬ومطلقة‬ ‫ع��ن الث��ورة‪ ،‬رافضين اإلصغ��اء إلى أو‬ ‫االعت��راف ب��أي ط��ارئ جديد ق��د ّ‬ ‫يحل‬ ‫عليها‪ .‬وهنا تب��دَّت رؤيا أخرى ممهورة‬ ‫وأسُ��ها الخ��وف‪ ،‬الخوف من‬ ‫بالتش��اؤم ّ‬ ‫انحراف الث��ورة ذات التكوي��ن المدنيّ‬ ‫الس�� ْلميّ باتجاه العس��كرة المحفوفة‬ ‫ِّ‬ ‫بكل أنواع المخاطر‪ .‬ولكن على الضفة‬ ‫األخرى ثمة من ب��دا "هيرقليطيّا" في‬ ‫ُّ‬ ‫التفكر في واقع الثورة‪ ،‬وأظهر مهارات‬

‫كيف تحيا البشريَّة حياة وجدانيَّة‬ ‫مس��تقرَّة والن��اس يبحث��ون ع��ن‬ ‫مصالحه��م الخاصة‪ ،‬ويهج��رون المُثل‬ ‫العليا‪ ،‬ويزخر العصر باألعمال الشريرة‬ ‫والمس��اعي العشوائيَّة؟ إن الفشل في‬ ‫تقديم إجابة شافية عن سؤال من هذا‬ ‫الطراز‪ ،‬ربما يكون سبباً في والدة إرادة‬ ‫منكس��رة مهزومة‪َّ ،‬‬ ‫حل عليها التشاؤم‬ ‫بع��د أن حَاو َلتْ وفش�� َلتْ‪ ،‬وربما يكون‬ ‫س��بباً كذلك في س��واد ش��عور بتفاهة‬ ‫الحياة ونقدها‪ .‬ولكن الس��ؤال المقابل‬ ‫ال��ذي قد يك��ون أهم من الس��ابق هو‬ ‫اآلتي‪ :‬ما الس��بيل للخ��روج من معمعة‬ ‫الموت الناجم عن التشاؤم والتغلغل في‬ ‫ش��بح ِّيته؟ الس��بيل حتماً هو النقيض‪،‬‬ ‫أي االمت�لاء بالحي��اة‪ .‬إن زعم��اء العالم‬ ‫الذين يسحقون خصومهم‪ ،‬ويخدعون‬ ‫ش��عوبهم‪ ،‬ينصتون باحتق��ار بالغ إلى‬ ‫مطال��ب الش��عب الثائ��ر ف��ي س��وريا‪،‬‬ ‫ذاك الش��عب المك��وَّن م��ن أعدائه��م‬ ‫وضحاياهم في آن معَا‪ ،‬فلماذا ال يأكلون‬ ‫من الفاكهة؟ ولماذا ال يتركونها تفس��د‬ ‫إذا كانوا سيربحون من تبديدها؟ ولكن‬ ‫الش��عب الثائ��ر ي��درك‪ ،‬على م��ا يبدو‪،‬‬ ‫اللعب��ة وقواعد اللع��ب فيه��ا‪ ،‬وإدراكه‬ ‫هذا هو واحد من بين األسباب العديدة‬ ‫والمتعدِّدة التي تمنعه من الرجوع عن‬ ‫ثورته‪ ،‬فمدينة "داريا" في ريف دمشق‬ ‫مث ً‬ ‫ال‪ ،‬ارتكب النظ��ام فيها مجزرة ارتدَّ‬ ‫فاعلوه��ا بتاري��خ (‪ )2012/8/25‬إل��ى‬ ‫الحياة البهيميَّة ب��كل ما تعنيه العبارة‬ ‫من معنى‪ ،‬مجزرة راح ضحيَّتها حوالي‬ ‫(‪ )440‬شخصًا بينهم أطفال ونساء! بيد‬ ‫أنه في المدينة نفس��ها رف��ع الثائرون‬ ‫في إحدى تظاهراتهم الفتة رسموا في‬ ‫أس��فلها هال ًال يحيط بصلي��ب‪ ،‬وكتبوا‬ ‫عليها متس��ائلين طامحي��ن‪" :‬ما المانع‬ ‫أن يك��ون رئيس��ة الجمهوري��ة ام��رأة‬ ‫مس��يحية؟" إن ه��ؤالء الذي��ن أعياهم‬ ‫التعب وجافى النوم عيونهم‪ ،‬يحدوهم‬ ‫األمل بع��د أن أدخلت الثورة الس��ورية‬ ‫عليهم‪ -‬كمؤمنين بها‪ -‬تحوّالت عميقة‬ ‫جعل��ت منه��م أصح��اب مب��ادأة عقليَّة‬ ‫ومتبصِرة‪ ،‬وصار الش��عب الثائر يطمح‬ ‫ّ‬ ‫ألن يبتدع لنفس��ه قوانينه بحرية‪ ،‬فما‬ ‫كان مس��تحي ً‬ ‫ال في األمس يصبح اليوم‬ ‫ممكنًا‪ ،‬وم��ا هو ممكن اليوم قد يصبح‬ ‫في الغد واقعاً‪ ،‬وفي كل األحوال يبقى‬ ‫التفاؤل ضرورة ثوريّة‪.‬‬ ‫عن‪ :‬الجمهورية لدراسات الثورة السورية‬

‫أسبوعية‬

‫الريب��يّ موهَن الق��وى‪ ،‬وغير مكترث‬ ‫بالرَّاه��ن‪ .‬الراهن الذي تعصف به كل‬ ‫الموبقات والرذائل والمفاسد والشرور‬ ‫وتهجي��ر وتش��ريدٍ وتجويع‪،‬‬ ‫قت��ل‬ ‫من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وم��ن مج��ازر وجه��د النظ��ام الحثي��ث‬ ‫من أج��ل وأدِ البالد تاريخي��ًا وحضاريًا‬ ‫وثقافي��ًا وجغرافي��اً ربما! م��ا يعني في‬ ‫نهاي��ة المط��اف ضع��ف اإلرادة والعجز‬ ‫ع��ن االنتماء إل��ى الث��ورة‪ ،‬أو حتى إلى‬ ‫أي ش��كل من األشكال التغيير‪ .‬على أن‬ ‫المأثور الثوري ال��ذي تراكم على مدار‬ ‫أش��هر طويلة من عمر الثورة ّ‬ ‫مكن من‬ ‫تقدي��م الدعم الذي يُشَ��رْعِنُ الرؤيا‬ ‫المتفائل��ة المتجا ِوزة لمِحَ��ن الراهن‪،‬‬ ‫والمنطلِق��ة مم��ا حققت��ه الث��ورة من‬ ‫مكتس��بات سياس��ية وأخالقي��ة‪ .‬وم��ن‬ ‫مفارق��ات الثوري��ة الس��ورية الكثي��رة‬ ‫والنَّ��ادرة‪ ،‬أن يك��ون مَ��نْ في وس��ط‬ ‫المي��دان الث��وري‪ ،‬وتح��ت القص��ف‪ ،‬أو‬ ‫خارج م��ن تحت األنقاض‪ ،‬متفائ ً‬ ‫ال‪ ،‬في‬ ‫ٍ‬ ‫حي��ن قد يكون آخَر في مكان بعيد كل‬ ‫البعد عن ميدان الثورة‪ ،‬متشائمًا !ومن‬ ‫مفارقاتها أيضًا‪ ،‬أن تستمر التظاهرات‬ ‫الس�� ْلميَّة بعد م��ا ينوف على‬ ‫المدنيَّة ِّ‬ ‫لتتأجَج‬ ‫الع��ام ونص��ف الع��ام‪ ،‬وتع��ود‬ ‫ّ‬ ‫ك َّلما س��اد اعتقاد جازم ب��أن الثورة قد‬ ‫تعس��كرت إل��ى درج��ة باتت تس��تحيل‬ ‫معها ع��ودة التظاهرات! وهذا ما يمكن‬ ‫أن يُق��رأ على أنه حني��ن الثورة الدائم‬ ‫إلى ذاتها‪ ،‬والرغبة في "العَوْد األبديّ"‬ ‫إلى منبعها األس��اس‪ ،‬المنب��ع المدنيّ‬ ‫الس�� ْلميّ رفي��ع المس��توى إنس��انيًا‬ ‫ِّ‬ ‫وعقليَّاً وروحيَّاً وقيميًَّا‪.‬‬

‫في إدراك ه��ذا الواقع كصيرورة‪ ،‬على‬ ‫اعتبار أن "األش��ياء في تغيّر متَّصل"‪،‬‬ ‫وأن��ه "ال يمكننا أن نن��زل النهر الواحد‬ ‫مرَّتي��ن‪ ،‬فإن مياهًا جدي��دة تجري من‬ ‫حولنا أب��داً"‪ .‬هكذا تج ّل��ت على الضفة‬ ‫األخ��رى رؤي��ا متفائل��ة انطلق��ت م��ن‬ ‫الواق��ع كصي��رورة‪ ،‬ول��م تك��ن لتفاجأ‬ ‫ب��أي منعطف في الثورة قد يغ ِّير بعضًا‬ ‫من مالمحه��ا األوليَّة‪ ،‬مادام الواقع في‬ ‫تغيُّ��ر دائم‪ ،‬وما دمنا غير قادرين على‬ ‫الس��باحة في نهر الث��ورة مرَّتين‪ ،‬ألن‬ ‫ثم��ة مياه��اً (إحداثيَّات) جدي��دة تجري‬ ‫فيه��ا دومًا‪ .‬كما س��محت مرون��ة الرؤيا‬ ‫المتفائل��ة بإدراك أنه لي��س في الواقع‬ ‫ْ‬ ‫مُطلقات‪ ،‬وبالتالي فإن سِلميَّة الثورة‬ ‫ال يمكن أن تكون مطلقة‪ ،‬خاصة وأنها‬ ‫جوبهَت ببطش ّ‬ ‫قل نظيره في القسوة‬ ‫والبش��اعة‪ .‬وقد جرت الع��ادة‪ ،‬في مثل‬ ‫الس��جال‪ ،‬أن يس��تحضر‬ ‫هذا النوع من ِّ‬ ‫البع��ض مم��ن تحنَّطت ف��ي أذهانهم‬ ‫الس�� ْلميَّة‬ ‫الث��ورة بصورته��ا األوليَّ��ة ِّ‬ ‫"المطلقة"‪( ،‬غاندي) باعتباره فيلسوف‬ ‫الالعنف‪ .‬وغالبًا ما يتم‪ ،‬عند استحضار‬ ‫غاندي‪ ،‬تجاهل واقع الثورة بما ينطوي‬ ‫عليه م��ن حيثيَّات وتفاصي��ل ودقائق‬ ‫تنتمي إلى زمان ومكان محددَّيْن‪ ،‬هما‬ ‫زمان ومكان الثورة نفسها‪ ،‬وغالبًا أيضًا‬ ‫ما يت��م تجاهل صعوب��ة أو ال إمكانيّة‬ ‫وال معقوليّ��ة نق��ل تجرب��ة إنس��انية‬ ‫أخ��رى‪ ،‬وتطبيقه��ا على واق��ع مختلف‬ ‫زمانيَّ��ا ومكانيَّ��ًا‪ .‬والمفارَقة هنا‪ ،‬أنه‬ ‫حت��ى غاندي الذي يُعتبَر الالعنف أوَّل‬ ‫عقائ��ده وآخرها يعل��ن أن المرء إذا لم‬ ‫يك��ن ل��ه إال خيار بين الجُب��ن والعنف‪،‬‬ ‫فإن��ه ينصح بالعن��ف‪ .‬وف��ي كتابه (ر‪.‬‬ ‫درات��ه‪ :‬العدالة والعن��ف‪ -‬باريز‪ -‬هاتيه‬ ‫‪ 1958‬ص‪ )91‬يق��ول‪" :‬إنن��ي أعتن��ق‬‫الش��جاعة الهادئ��ة بأن أم��وت من دون‬ ‫أن أَقتُل‪ .‬ولكن من يفقد الشجاعة فأنا‬ ‫أرغب إليه تنمية فنّ أن يَقتل ويُقتَل‪،‬‬ ‫بد ًال م��ن ف��راره المش��ين"‪ .‬وفي حين‬ ‫يرى المتش��ائمون من عس��كرة الثورة‬ ‫أن موقفه��م يتَّس��ق مع حج��م هَوْل‬ ‫وتضخَم‪ ،‬ومع االنهيار‬ ‫النظام الذي زاد‬ ‫ّ‬ ‫الش��امل تقريباً لمدن وبل��دات بأكملها‬ ‫ب��ات النظ��ام يقصفه��ا ويبيده��ا بكل‬ ‫أنواع األسلحة‪ ،‬كما يتَّسق موقفهم مع‬ ‫ما باتت تقترفه بعض عناصر"الجيش‬ ‫الح��ر" من جرائم قد تقترب من جرائم‬ ‫النظام‪ ،‬وم��ع وجود بع��ض المتد ِّينين‬ ‫األصوليّي��ن ف��ي صف��وف الكتائ��ب‬ ‫المقاتل��ة‪ ،‬األمر ال��ذي يدفعهم للتخ ّلي‬ ‫عن مناصرتهم الث��ورة وتأييدهم لها‪.‬‬

‫ي��رى المص��رُّون على التف��اؤل – على‬ ‫الرغم من كل ش��يء‪ -‬أن��ه ليس عد ًال‬ ‫أن يتم التخ ّلي عن الثورة‪ ،‬وأن يُضرب‬ ‫عرض الحائط بكل ما مرَّت به قبل أن‬ ‫تصل إلى هذه الحال‪ .‬وأن هذه الحال ال‬ ‫تُخيف‪ ،‬وال ّ‬ ‫تشكِل خطورة على الثورة‬ ‫ككل مادامت ليست داخلة في تركيبتها‪،‬‬ ‫وم��ا دام هناك فس��حة دائم��ة لتقويم‬ ‫أخطاء الثورة وتصويبها‪ ،‬كما أنه ليس‬ ‫ع��د ًال أن يك��ون (غياث مط��ر) أهم من‬ ‫(حس��ين هرموش) مث ً‬ ‫ال‪ .‬ومن المعلوم‬ ‫أن كلت��ا الش��خصيَّتين المذكورتي��ن‬ ‫تعجُ‬ ‫هما رم��زان من رموز الثورة التي ّ‬ ‫ولمَا‬ ‫برم��وز البط��والت والتضحي��ات‪ّ ،‬‬ ‫للسلميَّة والورد والماء‪،‬‬ ‫كان مطر رمزاً ِّ‬ ‫ف��إن هرموش رمزاً للنُّبل العس��كري‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫��ض االنصياع إلى أوامر مؤسس��ة‬ ‫ورَف ِ‬ ‫عس��كرية آث��رت غ��زو الديار ب��د ًال من‬ ‫حمايته��ا‪ ،‬وق��د الق��ى ُّ‬ ‫كل م��ن مط��ر‬ ‫المش��رفة‬ ‫وهرموش مقابل مواقفهما‬ ‫ِّ‬ ‫المصير نفس��ه‪ ،‬أي التعذي��ب والموت‪.‬‬ ‫إضافة إلى ما س��بق‪ ،‬ي��رى المتفائلون‬ ‫أيضاً أن المساواة بين الضحيَّة والجالد‬ ‫ال تجوز‪ ،‬وأن الوحش الحقيقي هنا هو‬ ‫النظ��ام دومًا‪ .‬عدا عن ذل��ك‪ ،‬فإنه لمن‬ ‫األنانيَّة المفرطة بمكان‪ ،‬بالنسبة إلى‬ ‫المتحمِس��ين المتفائلي��ن‪ ،‬أن‬ ‫ه��ؤالء‬ ‫ّ‬ ‫تكون مع الثورة حين تغمرها الس��عادة‬ ‫والجم��ال ظنَّ��ًا منك أنها ث��ورة مالئكة‬ ‫أو أنبي��اء‪ ،‬ث��م تتخ َّلى عنها حي��ن تمرُّ‬ ‫بأزمات ومطبَّات؛ فكل ما جرى ويجري‬ ‫ف��ي الث��ورة إنما ه��و من أكث��ر األمور‬ ‫طبيعيّة وواقعية وضرورية‪ .‬إن فقدان‬ ‫الثق��ة بث��ورة اندلعت من أج��ل تحرير‬ ‫الوطن واإلنسان‪ ،‬يعني فقدان الحُ ُلم‪،‬‬ ‫إذ ال يوجد ش��يء ناق��ص للتغ ُّلب على‬ ‫التش��اؤم‪ ،‬إال الهدف الواض��ح‪ ،‬وبمجرد‬ ‫وض��وح اله��دف تخس��ر "الش��ياطين"‬ ‫رهاناته��ا‪ .‬فالث��ورة الت��ي و ّل��دت عب��ر‬ ‫الويالت التي نجمت عنها مشاعر الحزن‬ ‫واألس��ى والي��أس دفعت البع��ض إلى‬ ‫ِ‬ ‫تبنّي خطاب مثبط محبط‪ ،‬هي نفسها‬ ‫التي ألهبت كل مش��اعر الحب والرغبة‬ ‫والحيوية والتَّوق‪ ،‬وقدّمت أمثلة مهمة‬ ‫ف��ي التس��امح والتعاض��د‪ ،‬والتفان��ي‬ ‫م��ن أجل القضاي��ا العادلة ف��ي الحياة‪،‬‬ ‫وهي نفس��ها التي أس��همت ف��ي إعادة‬ ‫اكتشاف اإلنس��ان ‪/‬الفرد ذاته‪ ،‬وانبثاق‬ ‫ش��عور عمي��ق باالس��تقالل‪ ،‬وس��موّ‬ ‫الروح والعقل‪ ،‬والنفس والوجدان أعاد‬ ‫َ‬ ‫المواطن��ة والوطن‬ ‫االعتب��ار إلى قي��م‬ ‫والوطنيَّة‪.‬‬

‫يف التفا�ؤل ك�ضرورة ثور َّية‬

‫‪11‬‬


‫حممد �أبي �سمرا‪ :‬موت الأبد ال�سوري‬ ‫قراءة في كتاب ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪12‬‬

‫ياسر مرزوق‬

‫كتابن��ا الي��وم "م��وت األب��د الس��وري"‬ ‫لمحم��د أبي س��مرا‪ ،‬ي��روي فيه فص��و ًال من‬ ‫حقبة رمادية من حياة الس��وريين وتاريخهم‬ ‫الصام��ت بعد مقتل��ة حماة في ع��ام ‪،1982‬‬ ‫وفص��و ًال أخرى عن خروج الش��عب الس��وري‬ ‫على الصمت والقهر ف��ي ثورة ملحمية بدأت‬ ‫في مارس ‪ .2011‬سيرة األشخاص ووقائعهم‬ ‫وش��هاداتهم الحي��ة‪ ،‬هي م��ادة ه��ذا التأريخ‬ ‫اإلخباري والروائي عما عاش��ه س��وريون في‬ ‫حياته��م العائلي��ة ومدارس��هم وجامعاته��م‬ ‫ومدنهم وأحيائهم السكنية‪ ،‬وفي المعتقالت‬ ‫والسجون‪ ،‬قبل الثورة وفي خضمها الراهن‪،‬‬ ‫إلى الناشطين الش��باب في حمص وبانياس‬ ‫وبيروت‪ ،‬ورواياتهم عن الثورة‪.‬‬ ‫من "جامعة الخواء البعثي"‪ ،‬إلى مشاهد‬ ‫إعدام��ات ميدانية عام ‪ 1983‬ف��ي حلب‪ ،‬إلى‬ ‫"صالون لضباط االستخبارات" وسجونهم في‬ ‫بيروت والحرجلي‪ ،‬إلى "شبكات مافيا الفساد‬ ‫والتهريب"‪ ،‬وإلى شباب بانياس في خروجهم‬ ‫من "التصوف إل��ى الثورة"‪ ،‬يروي هذا الكتاب‬ ‫قصة عن موت األبد في سوريا‪ ،‬وعن تحررها‬ ‫منه‪ ،‬ليصير لها تاريخ‪ ،‬وليتمكن الس��وريون‬ ‫من رواية تاريخهم‪.‬‬ ‫ق��راءة الكتاب تش��عرك بالخوف‪ ،‬خاصة‬ ‫لم��ن يع��رف كي��ف أن الفس��اد ه��و القاعدة‬ ‫واالس��تثناء ف��ي أن تك��ون نزيه��ًا وش��ريفًا‬ ‫وصاحب ضمير‪ .‬وبات نادراً االلتقاء بأشخاص‬ ‫من هذا النوع‪ ،‬في مؤسسات الدولة السورية‪،‬‬ ‫لك��ن صفح��ات كثيرة م��ن الكت��اب تبرع في‬ ‫وصف المؤسس��ة البيروقراطية التي تتكون‬ ‫منها الدولة‪ ،‬حيث فس��اد يتركب على آخر‪ ،‬لم‬ ‫تعد تنفع في��ه عالجات أو إصالح��ات‪ ،‬وهكذا‬ ‫كان��ت الثورة أفضل طريق إل��ى الحل‪ ،‬ولكن‬ ‫إلى أين وصلت‪..‬‬ ‫كتاب "م��وت األبد الس��وري"‪ ،‬واحد من‬ ‫مؤلف��ات قليلة‪ ،‬تعري اهتراء الداخل وتفضح‬ ‫أس��اليب القم��ع وقس��اوة أجهزة األم��ن‪ ،‬كم‬ ‫أتمنى لو أنه يقع ف��ي يد أحد المدافعين عن‬ ‫النظ��ام ليق��رأه‪ ،‬عله يجد فيه م��ا يمكنه من‬ ‫التصالح مع نفسه‪ ،‬ليبدد سحابة الوهم التي‬ ‫تغطي الحقيقة الواضحة أمام عينيه‪.‬‬ ‫يقول أبي س��مرا عن كتاب��ه‪ :‬في العام‬ ‫‪ ،2006‬عق��ب "ث��ورة األرز" اللبناني��ة الت��ي‬ ‫أدت ال��ى جالء الجي��ش الس��وري ومخابراته‬ ‫عن لبنان في نيس��ان ‪ ،2005‬بدأت بتس��جيل‬ ‫ه��ذه الس��ير والش��هادات في س��ياق الحدث‬ ‫اللبنان��ي الكبي��ر ال��ذي دف��ع برج��ل س��وري‬ ‫الجنس��ية بيروتي المولد واالقامة‪ ،‬إلى رواية‬ ‫سيرة حياته المأس��اوية بين لبنان والسجون‬ ‫الس��ورية‪ .‬كانت روايته تلك فاتحة لتس��جيل‬ ‫ش��هادات وس��ير أخ��رى تنق��ل م��ا يعيش��ه‬ ‫الس��وريون ف��ي بلدهم ال��ذي تن��در األخبار‬ ‫والكتاب��ات ع��ن حياته وحوادث��ه االجتماعية‪.‬‬ ‫ظنن��ت أن وج��ود أل��وف العم��ال الس��وريين‬ ‫المنتش��رين صامتي��ن منذ س��نين كثيرة في‬ ‫الديار اللبنانية‪ ،‬يس��هِّل هذه المهمة‪ .‬لكنني‬ ‫س��رعان ما اكتش��فت أن صمته��م ال ينطوي‬ ‫عل��ى الخوف من الرواي��ة والخبر‪ ،‬بل على ما‬ ‫يمكن تسميته إرادة الخوف والكتمان المديدة‬ ‫الت��ي اجتثت مقدرتهم عل��ى الخبر والرواية‪،‬‬ ‫وتركته��م يتعودون العيش في الصمت‪ ،‬كأن‬ ‫حياته��م ف��ي بالدهم وف��ي الدي��ار اللبنانية‬ ‫مطلبها الوحيد تحصيل القوت كفاف العيش‪.‬‬ ‫فالنظام االس��دي الذي تس��لط على س��وريا‬ ‫تسلطًا طغيانيًا شبه استعماري‪ ،‬حوّلها سجنًا‬ ‫لمحو الذاكرة والخبر ع��ن الحوادث والتأريخ‪،‬‬ ‫وقس��ر إرادة الكالم والتعبير إما على الكلمات‬ ‫األبدي��ة للبعث والرئي��س القائ��د‪ ،‬وإما على‬ ‫التواصل اآلني الوظائفي شبه البيولوجي‪.‬‬ ‫ل��ذا كان عل��ى ه��ذا الكت��اب أن ينتظر‬

‫الح��دث الس��وري الكبير المس��تمر من��ذ آذار‬ ‫‪ ،2011‬لك��ي يُس��تكمل ويج��د س��ياقه ف��ي‬ ‫خض��م تحرر الس��وريين من س��جن الصمت‬ ‫الكبير‪ ،‬وم��ن كلمات األبد البعثي واالس��دي‪.‬‬ ‫والح��ق أن ه��ذه الس��ير والش��هادات ليس��ت‬ ‫س��وى نماذج قليلة من فيض ما رواه ويرويه‬ ‫الس��وريون منذ بدء ثورتهم‪ ،‬وما يس��تمرون‬ ‫في روايته بع��د صمتهم المديد‪ ،‬ليصير لهم‬ ‫ولبلدهم ومجتمعهم حياة وتاريخ يخرجانهم‬ ‫من ذلك األبد الخاوي المميت‪.‬‬ ‫الفص��ل األول م��ن ه��ذا الكت��اب رواه‬ ‫سوري – لبناني يدرّس في جامعة شيكاغو‪،‬‬ ‫ويحم��ل الجنس��ية االميركية‪ .‬تنق��ل روايته‬ ‫شهادة وثائقية عن الحياة اليومية‪ ،‬األكاديمية‬ ‫واالدارية والطالبية‪ ،‬وعن برامج التعليم‪ ،‬في‬ ‫جامعة حلب التي أمضى الراوي فيها س��نتين‬ ‫دراس��يتين ما بي��ن (‪ ،)2006 – 2003‬أس��تاذاً‬ ‫زائ��را منتدب��ًا من جامعت��ه االميركي��ة‪ .‬لكن‬ ‫ش��هادته ه��ذه تتج��اوز الحي��اة الجامعية إلى‬ ‫وجوه من أحوال المجتمع السوري ومؤسساته‬ ‫اإلدارية‪ ،‬وإلى وصف الخواء الذي يكتنف حياة‬ ‫الطلبة والمدرّسين الجامعيين‪.‬‬ ‫راوي الفصل الثاني لبناني من مؤسسي‬ ‫"التي��ار الوطن��ي الح��ر" ال��ذي كان مناهض��ًا‬ ‫لالحتالل الس��وري للبنان طوال العقد األخير‬ ‫من القرن العش��رين ونصف العقد األول من‬ ‫األلفي��ة الثالث��ة‪ ،‬قبل عودة الجنرال ميش��ال‬ ‫ع��ون م��ن منفاه الباريس��ي الى بي��روت في‬ ‫العام ‪ .2005‬شهادة الراوي هذا تنقل يوميات‬ ‫اعتقال��ه وتعذيبه في أحد س��جون المخابرات‬ ‫السورية في بيروت العام ‪.1994‬‬ ‫ثال��ث الرواة س��وري الجنس��ية‪ ،‬لبناني‬ ‫النشأة األولى والمولد من أب سوري‪ ،‬وفد في‬ ‫خمسينات القرن العشرين إلى بيروت‪ ،‬فعمل‬ ‫فيه��ا وتزوج م��ن لبنانية طرابلس��ية وأنجب‬ ‫منه��ا أبناء ثالث��ة‪ ،‬تاركًا زوج��ة أولى وأطفا ًال‬ ‫ف��ي حلب‪ .‬بعد تلقيه التعليم ونيله الش��هادة‬ ‫الثانوية في بيروت‪ ،‬انتقل الراوي الى دمشق‬ ‫ودرس في جامعتها (‪ ،)1985 – 1980‬فتفوق‬ ‫ف��ي الهندس��ة الميكانيكية‪ .‬قبل س��فره إلى‬ ‫اس��بانيا لمتابعة دراس��اته العلي��ا بمنحة من‬ ‫جامع��ة برش��لونة‪ ،‬ش��هد ف��ي ش��وارع حلب‬ ‫إعدام��ات ميداني��ة م��ن ذي��ول المط��اردات‬ ‫واالعتق��االت والمقاتل األس��دية في س��وريا‬ ‫(‪ .)1985 – 1989‬أما بعد عودته من اس��بانيا‬ ‫متفوقًا في دراس��اته الجامعي��ة هناك‪ ،‬فأدى‬ ‫عزوف��ه عن االنتس��اب إل��ى "طالئ��ع البعث"‬ ‫في دمش��ق‪ ،‬إلى حرمانه من معادلة شهادته‬ ‫االس��بانية بأخرى س��ورية تم ّكنه من العمل‪.‬‬ ‫حمل��ه هذا على القيام بما يش��به "انتفاضة"‬ ‫فردي��ة‪ ،‬وارت��كاب أش��نع المعاص��ي واآلث��ام‬ ‫في "سوريا األسد"‪ :‬ش��تيمة البعث والرئيس‬ ‫القائد ف��ي مكتب وزير التربي��ة‪ .‬فعلته هذه‬ ‫دمّ��رت حياته كله��ا‪ ،‬إذ عرّضت��ه لمالحقات‬ ‫أمنية مس��تمرة في سوريا ولبنان‪ ،‬ولسلسلة‬ ‫من االعتقال والتعذيب المتكرر في الس��جون‬ ‫الس��ورية ما بي��ن ‪ 1988‬و‪ .2005‬حين ذهب‬ ‫أخوه للبحث عنه في دمشق‪ ،‬اختفى ولم يعثر‬ ‫له على أثر منذ العام ‪ .1989‬في مطلع العام‬ ‫‪ 2012‬اس��تكملت ش��هادة الراوي بعد اعتقال‬ ‫ابنه البكر‪ ،‬اللبناني المولد والنشأة واالقامة‪،‬‬ ‫وإرغامه على أداء خدمته العسكرية اإلجبارية‬ ‫في خضم الثورة السورية‪ ،‬فروى والده اخباراً‬ ‫عن زياراته دمش��ق للقاء ابن��ه والتداوي من‬ ‫مرض السرطان‪.‬‬ ‫ف��ي الفص��ل الراب��ع رواي��ة بانورامية‬ ‫تتناول س��يرة عائلة توزع��ت حياتها وإقامتها‬ ‫بي��ن حم��ص وبي��روت من��ذ س��تينات القرن‬ ‫العش��رين‪ .‬الش��خصية المحوري��ة ف��ي هذه‬ ‫الرواي��ة العائلي��ة المتش��عبة امرأة س��ورية‬

‫المنبت واإلقامة والزواج األول في احدى قرى‬ ‫جبال العلويي��ن‪ ،‬قبل زواجها الثاني من رجل‬ ‫لبنان��ي بيروت��ي‪ ،‬وإقامتهم��ا وإنجابهم��ا في‬ ‫بي��روت‪ .‬لكن هذا الزوج خُط��ف واختفى في‬ ‫نهار "السبت األسود" في بدايات حروب لبنان‪،‬‬ ‫فتج��ددت زواجات الم��رأة وإنجابه��ا‪ ،‬وأقامت‬ ‫عالقات بضباط من المخابرات الس��ورية في‬ ‫بيروت حتى جالء الجيش الس��وري عن لبنان‬ ‫في العام ‪.2005‬‬ ‫الراوي هو حفي��د المرأة هذه من ابنتها‬ ‫البك��ر من زوجه��ا الس��وري األول‪ .‬االبنة‪ ،‬أم‬ ‫ال��راوي هذه‪ ،‬حملتها أمه��ا الى بيروت طفلة‪،‬‬ ‫فنش��أت في كنف زوج االم الثان��ي البيروتي‬ ‫قبل خطفه واختفائه‪ .‬بعدما ش��بت‪ ،‬فرت من‬ ‫بيروت مع رجل حمصي يعمل س��ائق سيارة‬ ‫لنق��ل الركاب بين س��وريا ولبن��ان‪ ،‬فتزوجها‬ ‫وأقاما وأنجبا في حمص‪ ،‬حيث ولد ابنها الراوي‬ ‫العام ‪ .1980‬لكنه منفرداً رحل عن مدينة الى‬ ‫بيروت في العام ‪ ،1999‬فتلبنن اجتماعياً‪ ،‬من‬ ‫دون أن تنقطع زيارات��ه المتباعدة ألهله في‬ ‫حمص‪ .‬تتتبَّع الرواية السيرتين المتوازيتين‬ ‫والمتداخلتين‪ ،‬الس��ورية الحمصية واللبنانية‬ ‫البيروتي��ة لل��راوي وأم��ه وجدت��ه ووال��ده‬ ‫وعائلتيهما‪ .‬وتروي أيض��اً وقائع وحوادث من‬ ‫الحياة اليومية ف��ي حمص وحاراتها وأحيائها‬ ‫وعاداته��ا وتقاليدها االجتماعي��ة وتحوالتها‪،‬‬ ‫فتق��دم لوح��ة بانورامي��ه حية ع��ن المجتمع‬ ‫الحمص��ي ف��ي الثمانين��ات والتس��عينات من‬ ‫القرن العشرين‪ .‬أما في بيروت‪ ،‬فإلى روايته‬ ‫محط��ات م��ن س��يرة حيات��ه المتلبنن��ة‪ ،‬فإن‬ ‫الراوي الش��اب يص��ف عالقات جدت��ه برجال‬ ‫من المخابرات الس��ورية في أحي��اء بيروتية‪،‬‬ ‫وحوادث الشِقاق والعنف األسريين بين الجدة‬ ‫وبناتها في أزمنة حروب لبنان‪ ،‬وبس��بب تلك‬ ‫العالقات تأجَّج هذا الشقاق األسري العنيف‪،‬‬ ‫حتى جالء الجي��ش الس��وري ومخابراته عن‬ ‫لبنان العام ‪.2005‬‬ ‫مع ب��دء الثورة في س��وريا‪ ،‬اس��تفاقت‬ ‫ذاك��رة الراوي الس��ورية والحمصي��ة‪ ،‬فعزف‬ ‫عن بحثه عن سبيل للهجرة إلى بلد أوروبي‪،‬‬ ‫وانف��رد بنفس��ه ف��ي غرف��ة ف��ي بي��روت‪،‬‬ ‫مس��تطلعًا وقائ��ع االنتفاض��ة ويومياتها في‬ ‫حم��ص‪ ،‬عب��ر االنترن��ت ومواق��ع التواص��ل‬ ‫االجتماع��ي‪ .‬ثم ل��م تلبث غرفت��ه البيروتية‬ ‫أن تحول��ت ملتقى ناش��طين س��وريين فروا‬ ‫من بعض المدن الس��ورية المنتفضة‪ .‬أخيراً‬ ‫يقوم الراوي بزيارة سرية إلى حمص‪ ،‬مجتازاً‬ ‫الحدود اللبنانية – الس��ورية مع مجموعة من‬ ‫صحافيي��ن أوروبيين‪ ،‬قبل م��دة قصيرة من‬ ‫هجوم الجيش األس��دي على حي بابا عمرو‪.‬‬ ‫م��ن هناك يروي يوميات الثورة ومش��اهداته‬ ‫ولقاءه أحد أعضاء التنس��يقيات في المدينة‪،‬‬ ‫ومش��اركته ف��ي تظاه��رة ليلي��ة ف��ي حارة‬ ‫طفولته وفتوته‪ ،‬الخالدية‪.‬‬ ‫"يعلم الش��اب أن البلد محكوم بألوهية‬ ‫األس��د االبن‪ ،‬وأبديّته التي ورثه��ا عن أبيه‪،‬‬ ‫فال ي��زال األب يراق��ب ابنه ويحمي��ه من كل‬ ‫ح��دث زمني قد يس��لبه األبد وس��لطته‪ .‬وقد‬ ‫ج��رى التوري��ث‪ ،‬فمع ه��ذه العملي��ة تحوّلت‬ ‫السلطة رمزاً أحاديًا يدل على الخلود فحسب‪،‬‬ ‫وربما س��يفضي هذا الرمز بنظام البعث إلى‬ ‫الس��قوط من دون أن ت��دري العائلة الحاكمة‬ ‫نتيج��ة اطمئنانها إلى حكمه��ا المؤبد باألمن‬ ‫الدني��وي والخالد بإرهاب��ه األلوهي‪ ،‬فيتكلم‬ ‫الشاب على أن رجال األمن أرغموا المعتقلين‬ ‫عل��ى الركوع وتقبي��ل صور األس��د باعتباره‬ ‫اإلله‪ ،‬وذلك للتوبة عن الكفر والتش��كيك في‬ ‫خل��وده‪ .‬إذاً‪ ،‬تمكن "األبد" م��ن الموت‪ ،‬غلبه‪.‬‬ ‫وتح��ت وطأة الكب��ح صار الموت ش��عراً‪ .‬لكن‬ ‫م��ن رمزيت��ه‪ ،‬كما في حل��م الش��اب‪ ،‬يتفلت‬

‫السوريون من سطوة الخلود في لعنة الربيع‬ ‫السوري التي تذهب إلى مخترع مقولة "األبد"‬ ‫وتسترجع موتهم منه‪" :‬يا حافظ يلعن روحك‬ ‫ي��ا حاف��ظ"‪ .‬يس��ترجع المتظاه��رون الموت‬ ‫شعريًا‪ ،‬في انتظار أن يصبح نثريًا ينتصرون‬ ‫به عل��ى كل "أب��د"‪ .‬للم��رة األولى يس��تبدل‬ ‫الس��وريون عبارة "األب��د" البعثية بـ" الموت"‪،‬‬ ‫ويضعون نهاية لحك��م الخلود‪ .‬فحين تناصر‬ ‫حمص مدينة درعا‪ ،‬يهتف المتظاهرون فيها‬ ‫"يا درع��ا حنا معاك للم��وت"‪ ،‬وليس "يا درعا‬ ‫حنا معاكِ لألبد"‪ .‬هذا الش��عار يصوغ عالقة‬ ‫المتظاهر بالموت مر ًة ثانية‪ ،‬بعيداً من ش��عر‬ ‫الس��لطة‪ ،‬أي من كبتها الموت نفس��ه‪ .‬بفعل‬ ‫الصياغ��ة الجدي��دة‪ ،‬يعود الجس��م إلى دائرة‬ ‫الش��عور به‪ ،‬والوقت إلى جريانه المنظم في‬ ‫فضاء ال وجود لمؤسس��ات األب��د فيه‪ ،‬بعدما‬ ‫خفق قلب الموت من جديد‪" .‬‬ ‫ف��ي الفص��ل الخامس األخي��ر من هذا‬ ‫الكت��اب رواية تفصيلية عن أح��وال المجتمع‬ ‫المدين��ي في باني��اس منذ ثمانين��ات القرن‬ ‫العش��رين‪ ،‬وع��ن يومي��ات االنتفاض��ة ف��ي‬ ‫المدين��ة ودوافعه��ا المحلي��ة‪ ،‬وع��ن أح��وال‬ ‫شبانها الذين خرجوا في تظاهرات يومية من‬ ‫مساجدها إلى شوارعها وس��احاتها بالتزامن‬ ‫م��ع ب��دء االنتفاض��ة في درع��ا ف��ي ‪ 18‬آذار‬ ‫‪ .2011‬الراوي في هذا الفصل ش��اب جامعي‬ ‫من بانياس‪ .‬وهو يستعيد سيرة حياته وحياة‬ ‫مجايليه من ش��بان مدينته‪ ،‬وتحوالت وعيهم‬ ‫"اإلس�لامي" في تس��عينات القرن العشرين‬ ‫والعق��د األول م��ن األلفية الثالث��ة‪ .‬هذا قبل‬ ‫مباش��رتهم االنتفاض��ة ف��ي مدينتهم‪ ،‬على‬ ‫نح��و عفوي ب�لا إعداد وال تنظيم مس��بقين‪،‬‬ ‫متأثري��ن بصور الث��ورة المصري��ة وأخبارها‬ ‫التلفزيونية وعبر االنترنت والفيس��بوك‪ .‬أما‬ ‫التظاهرات اليومية في بانياس فلعب الفضاء‬ ‫االلكترون��ي والهات��ف الخلي��وي وكاميرات��ه‪،‬‬ ‫دوراً اساس��يًا ف��ي تنظيمه��ا وف��ي تواص��ل‬ ‫شبانها الناشطين مع ريف المدينة الساحلية‬ ‫الصغيرة‪ ،‬ومع ش��بان التنسيقيات في المدن‬ ‫السورية األخرى‪.‬‬ ‫كما ي��دل ال��راوي على مش��اعر أهالي‬ ‫بانياس السنّة‪ ،‬المكتومة‪ ،‬حيال استبعادهم‬ ‫من الوظائف الرسمية والعامة في مدينتهم‪،‬‬ ‫تفتّحت ووعيت وكبرت‪ .‬فإلى مينائها النفطي‬ ‫ومصفات��ه اللذين تُش��حن منهما مش��تقات‬ ‫النف��ط عبر محطة قطارات توزع المش��تقات‬ ‫الى أنحاء سوريا الساحلية والداخلية‪ ،‬تشكل‬ ‫بانياس منعقداً لش��بكة ط��رق حديثة تُنقل‬ ‫عليها الس��لع من مرفأي الالذقية وطرطوس‬ ‫إلى الداخل الس��وري‪ .‬لك��ن ‪ 90‬في المئة من‬ ‫موظف��ي هذه المنش��آت الحكومي��ة وغيرها‬ ‫من أبناء الطائفة العلوية‪ .‬فالمحطة الحرارية‬


‫الق�ضاء امل�ستعجل يف �سوريا‬

‫ال�شروط الواجب توافرها يف‬ ‫الطلب امل�ستعجل‪:‬‬

‫‪ - 1‬عنصر العجل��ة‪" :‬ال يجوز أن يكون‬ ‫االس��تعجال من صنع الخصوم أو باتفاقهم‬ ‫أو لمج��رد رغبتهم أو رغبة أحدهم وإذا كان‬ ‫ف��ي األمر عنص��ر العجلة وتراخ��ى المدعي‬ ‫ف��ي طرح دع��واه بحيث زالت صف��ة العجلة‬ ‫فال يعود القضاء المستعجل مختص للنظر‬ ‫ف��ي القضية‪ .‬كما أن��ه إذا ش��طبت الدعوى‬ ‫المس��تعجلة ولم تجدد إال بع��د فترة طويلة‬ ‫يستش��ف منها تن��ازل المدعي ع��ن اإلجراء‬ ‫المس��تعجل وأن الح��ق المطل��وب صيانت��ه‬ ‫غير جدير بالحماية العاجلة مما يتعين معه‬ ‫الحكم بعدم االختصاص‪.‬‬ ‫‪ - 2‬عدم المساس بالموضوع‪ :‬يشترط‬ ‫حس��ب نص المادة ‪ 78‬أصول عدم المساس‬ ‫بأص��ل الحق أو جوهر الن��زاع‪ ،‬وأصل الحق‪:‬‬ ‫هو م��ا يتعلق ب��ه وج��وداً أو عدم��اً ويدخل‬ ‫م��ا يدخل في صحت��ه أو يؤثر ف��ي كيانه أو‬ ‫يغي��ر ف��ي اآلث��ار القانوني��ة الت��ي رتبها له‬ ‫القانون‪ ،‬وإذا مس��ت الدعوى أصل الحق في‬ ‫ظاهره��ا أو باطنها فإن القاضي يعلن عدم‬ ‫اختصاصه‪.‬‬ ‫ إن تص��دي القاض��ي المس��تعجل‬‫لمس��ألة محل خالف في القضية والقضاء ال‬ ‫يعتبر بحد ذاته مساس��اً بأصل الحق فله أن‬ ‫يجتهد في تفهم المعنى الذي يقصد الشارع‬ ‫ثم إن��زال حكم القانون على عناصر النزاع‪.‬‬ ‫يمتن��ع عل��ى القاضي المس��تعجل تفس��ير‬ ‫العق��ود إال إن ل��ه أن يتع��رف إل��ى طبيع��ة‬ ‫العالقة القانونية القائمة بين الطرفين‪.‬‬ ‫أما االستثناء من قاعدة عدم المساس‬ ‫بالموضوع ففي الحاالت التالية‪:‬‬ ‫‪ - 1‬تصديق صلح بين الخصوم أمامه‬ ‫فيصدقه ول��و تناول العقد حقوق والتزامات‬ ‫تخرج عن وظيفة القضاء المستعجل‪.‬‬ ‫‪ - 2‬األم��ر بمح��و وش��طب العب��ارات‬ ‫الجارح��ة أو المخالف��ة ل�لآداب م��ن أوراق‬ ‫الدعاوى أمامه‪.‬‬

‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫االنتظ��ار وعدم مساس��ها بالموض��وع يبرر‬ ‫رفعه��ا مم��ن ال أهلية ل��ه في رفعه��ا وفق‬ ‫القواعد العام��ة فيجوز للوصي رفعها بدون‬ ‫إذن القاضي الش��رعي كما يجوز رفعها من‬ ‫قب��ل المحجور عليه للس��فه وم��ن القاصر‬ ‫المأذون له باإلدارة ولناقص األهلية‪.‬‬ ‫أنواع المسائل المستعجلة‪:‬‬ ‫‪ - 1‬المسائل المستعجلة بطبيعتها‪.‬‬ ‫‪ - 2‬المسائل المستعجلة بنص القانون‪.‬‬

‫‪ - 3‬البحث في موضوع عدم اختصاص‬ ‫القضاء المس��تعجل أثناء النظر في الدعوى‬ ‫المطروحة ولو تعرض خالل ذلك للموضوع‬ ‫ال للفص��ل في��ه وإنم��ا لمعرف��ة م��ا أن كان‬ ‫مختصًا بالفعل أم ال‪.‬‬ ‫أمثل��ة ع��ن القضاي��ا الداخل��ة ف��ي‬ ‫اختصاص قاضي األمور المستعجلة‪:‬‬ ‫ يختص قاض��ي األمور المس��تعجلة‬‫بط��رد غاصب من عق��ار أو بطرد واضع اليد‬ ‫بغير س��بب قانون��ي‪ ،‬حتى لو أث��ار الغاصب‬ ‫دف��وع موضوعية وذلك أن تبين للقاضي أن‬ ‫هذه الدفوع لي��س لها ظل من الصواب وأن‬ ‫القصد منه��ا هو عرقل��ة اختصاص قاضي‬ ‫األمور المستعجلة‪.‬‬ ‫ يخت��ص باألمر بتس��ليم عق��ار مؤقتًا‬‫لمن يبدو أنه صاحب أرجح باستالمه‪.‬‬ ‫ تمكين المس��تأجر م��ن وضع يده على‬‫العين المؤجرة لو طرد منها بغير وجه حق‪.‬‬ ‫ تمكي��ن المس��تأجر الجدي��د من وضع‬‫يده على العين المؤجرة متى كان ظاهر عقد‬ ‫اإليجار صحيحًا‪.‬‬ ‫ تقري��ر حق م��رور مؤقت لعق��ار على‬‫آخر إن كان العقار محصوراً وال يمكن االنتفاع‬ ‫به أو اس��تغالله بغير اتص��ال بالطريق العام‬ ‫بالمرور على العقار المجاور مع عدم المساس‬ ‫بحقوق الملكية‪.‬‬ ‫ اإلج��ازة بتمري��ر مج��رى مي��اه بأرض‬‫الغي��ر لع��دم إمكاني��ة إيص��ال المي��اه إال عن‬ ‫طريق هذه األرض‪.‬‬ ‫ اإلج��ازة بتمري��ر المداخ��ن والب��واري‬‫وقس��اطل المي��اه المالحة عبر الش��قق العليا‬ ‫والسفلى في بناء مشترك‪.‬‬ ‫ وقف األعمال التي يجريها أحد الشركاء‬‫في ملك مشترك‪.‬‬ ‫ وق��ف األعمال التي يجريها المس��تأجر‬‫في العي��ن المؤجرة له ب��دون إذن من المالك‬ ‫أو المؤجر‪.‬‬ ‫ الترخيص للمستأجر بإجراء اإلصالحات‬‫العاجل��ة الضروري��ة م��ع ع��دم إل��زام أي من‬ ‫الطرفي��ن بتكاليفه��ا وحفظ حق المس��تأجر‬ ‫بإقامة دعوى موضوعية بالتكاليف‪.‬‬ ‫ تس��ليم عق��ار مث��ار ن��زاع بي��ن طرفين‬‫ألحدهما يب��دو أن لحقه فيه ظل من الصواب إلى‬ ‫أن يفصل بموضوع النزاع من محكمة الموضوع‪.‬‬ ‫ اإلجازة بإجراء أعمال ضرورية ال غنى عنها‬‫لدرء خطر داهم أو إلبعاد خطر ال يمكن تداركه‪.‬‬ ‫ األمر بإزالة أشياء وضعها شخص في‬‫عقار آخر بغير إرادة مالكه‪.‬‬

‫أسبوعية‬

‫ع��رف القان��ون رق��م ‪ 26‬لع��ام ‪1938‬‬ ‫األمور المستعجلة بأنها‪" :‬الحاالت التي يلجأ‬ ‫أح��د فيها إلى القض��اء لوصف حال��ة قائمة‬ ‫أو إلج��ازة عمل مس��تعجل صيان��ة لحقوق‬ ‫الطرفين من الضياع أو لتهيئة وسائل إثبات‬ ‫عند فصل الخصومة في أساس الدعوى"‪.‬‬ ‫وعرفته��ا كذل��ك الفق��رة الرابعة من‬ ‫المادة ‪ 78‬قانون أصول بأنها‪" :‬هي المسائل‬ ‫التي يخش��ى عليه��ا من ف��وات الوقت‪ ،‬وقد‬ ‫ترك المش��رع الس��وري تقدير الحاالت التي‬ ‫يتوف��ر فيه��ا االس��تعجال لقناع��ة وتقدي��ر‬ ‫القاض��ي"‪ ،‬ويس��تخلص القاض��ي تواف��ر‬ ‫عنصر العجلة من خالل وجود خطر حقيقي‬ ‫محدق وحال يبرر اتخ��اذ إجراء معين بطلب‬ ‫من المدع��ي للمحافظة عل��ى حقوقه ودرء‬ ‫هذا الخط��ر بما يكفل صيانة ه��ذا الحق أو‬ ‫تثبيت��ه أو حمايته‪ ،‬وال يج��وز لقاضي األمور‬ ‫المس��تعجلة اتخاذ اإلج��راءات التحفظية إن‬ ‫كانت تتعلق بالمسائل التالية‪:‬‬ ‫‪ - 1‬المس��ائل الت��ي تدخ��ل ف��ي اختصاص‬ ‫المحاكم الشرعية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬المس��ائل الت��ي تدخ��ل ف��ي اختصاص‬ ‫المحاكم الجزائية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬المس��ائل الت��ي تدخ��ل ف��ي اختصاص‬ ‫المحاكم العسكرية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬المسائل التي تتعلق بأعمال السيادة‪.‬‬ ‫‪ - 5‬المس��ائل الت��ي تتعل��ق بالق��رارات‬ ‫اإلدارية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬المسائل التي تتعلق بالعقود اإلدارية‪.‬‬ ‫‪ - 7‬المس��ائل التي تدخ��ل ضمن اختصاص‬ ‫رئيس التنفيذ‪.‬‬ ‫‪ - 8‬قضايا اإلفالس‪..‬‬ ‫‪ - 9‬المس��ائل المتعلق��ة باختصاص هيئات‬ ‫قضائية خاصة‪.‬‬ ‫‪ - 10‬المس��ائل المتعلق��ة باختص��اص‬ ‫المحكمة الجمركية‪.‬‬ ‫ال ب��د م��ن اإلش��ارة ميعاد االس��تئناف‬ ‫ألحكام قاضي األمور المس��تعجلة "خمس��ة‬ ‫أي��ام" تبدأ من اليوم الذي يل��ي تاريخ تبليغ‬ ‫الحك��م‪ .‬وال حجية للحكم المس��تعجل أمام‬ ‫محكمة الموض��وع التي لها أن تغير أو تبدل‬ ‫في��ه جزئي��اً أو كلي��ًا أو أن ته��دره بكامله أو‬ ‫تلغيه أو تعدله باستثناء أحكام وصف الحالة‬ ‫الراهن��ة الت��ي تبقى مح��ل اعتب��ار دون أن‬ ‫تكون ملزم��ة لمحكمة الموضوع‪ .‬كما أنه ال‬ ‫حجية لألح��كام المس��تعجلة إال بين طرفي‬ ‫الخصومة وخلفائهم وال تس��ري على الغير‬ ‫وال حجي��ة لها تج��اه الغي��ر وبالتالي ال يجوز‬ ‫التمس��ك به��ا ض��د ش��خص لم يمث��ل في‬ ‫الخصومة الصادرة فيها‪.‬‬ ‫شروط رفع الدعوى المستعجلة‪:‬‬ ‫يش��ترط فيم��ن يتق��دم بالدع��وى‬ ‫المستعجلة أن تتوافر فيه صفات‪:‬‬ ‫المصلحة‪ :‬بأن يك��ون له فيها مصلحة‬ ‫وه��ي المنفعة التي تع��ود عليه من التجائه‬ ‫للقض��اء وال يش��ترط أن تك��ون المصلح��ة‬ ‫قائم��ة وحال��ة بل يكف��ي تواف��ر المصلحة‬ ‫المحتملة‪.‬‬ ‫الصف��ة‪ :‬يفت��رض أن يك��ون صاح��ب‬ ‫مصلح��ة ش��خصية وال يج��وز إقامته��ا من‬ ‫ش��خص لم تثبت صفته أو ش��خص ال شأن‬ ‫ل��ه باألمر‪ .‬ويكفي أن تكون ظاهرة وبالقدر‬ ‫الذي تطلبه طبيعة الدعوى المستعجلة‪.‬‬ ‫األهلي��ة‪ :‬ليس م��ن الض��روري توافر‬ ‫أهلية التقاضي العادية ألن توافر الضرورة‬ ‫والس��رعة التي تتطلبها اإلجراءات ال تحتمل‬

‫الصفحة القانونية ‪. .‬‬

‫ياسر مرزوق‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫لتولي��د الطاق��ة الكهربائي��ة ف��ي المدين��ة‪،‬‬ ‫مديره��ا ومعظ��م موظفيها م��ن العلويين‪.‬‬ ‫ومن بين نحو ‪ 400‬موظف يعملون في ميناء‬ ‫النف��ط ومصفاته وش��ركة نقل مش��تقاته‪،‬‬ ‫يندر الموظفون السنّة‪ .‬والعلويون العاملون‬ ‫في هذه المنش��آت‪ ،‬في غالبيتهم الس��احقة‬ ‫من ريف بانياس ومن طرطوس‪ .‬والمقيمون‬ ‫منهم في باني��اس ينزلون في حي القصور‪.‬‬ ‫لذا تغلب على أعمال أهالي بانياس الس��نّة‪،‬‬ ‫المه��ن الح��رة والح��رف وأعم��ال البن��اء‪ ،‬إلى‬ ‫التجارة الصغيرة في السوق‪ ،‬وصيد األسماك‬ ‫في الميناء‪ .‬والش��بان الذين يحصّلون تعليمًا‬ ‫جامعي��ًا يهاج��رون للعم��ل ف��ي دول الخليج‪،‬‬ ‫وقلة ضئيلة منهم تعمل في التدريس‪ .‬فقبل‬ ‫مطل��ع األلفي��ة الثالث��ة‪ ،‬إبان حك��م الرئيس‬ ‫األسد األب‪ ،‬كان من الصعب على السوري أن‬ ‫يحظى بوظيفة حكومية إن لم يكن بعثيًا‪ ،‬أو‬ ‫عل��ى والء لحزب البع��ث‪ ،‬وصلةٍ ما به‪ .‬ثم إن‬ ‫أبناء العائالت التي تُصنّف بأنها من أصحاب‬ ‫«الس��وابق»‪ ،‬يحرمون م��ن الوظائف العامة‪.‬‬ ‫فمن س��بق أن قام قريب له بنشاط سياسي‪،‬‬ ‫وخصوصاً في صفوف «اإلخوان المسلمين»‪،‬‬ ‫فاعتق��ل أو قتل أو فرّ الى الخارج‪ ،‬يقفل في‬ ‫وجهه باب الوظيفة العامة بجريرة قريبه‪ ،‬أخًا‬ ‫كان ه��ذا القري��ب أو أبًا أو عم��ًا أو خا ًال أو ابنا‬ ‫لعم أو لخ��ال أو لعمة أو ألخ��ت‪ .‬أما متصدرو‬ ‫ٍ‬ ‫الوظائ��ف اإلدارية‪ ،‬فيحوّل��ون مواقعهم في‬ ‫اإلدارة ملكاً لهم‪ ،‬ويفرض��ون خوّات وإتاوات‬ ‫عل��ى أصحاب المعام�لات ف��ي إداراتهم‪ .‬وإذا‬ ‫لم يكن متصدّر هذه الدائرة اإلدارية أو تلك‬ ‫علوي��اً أو صاح��ب حظوة حزبي��ة أو في جهاز‬ ‫أمني‪ ،‬فغالبًا ما يصير موظف علوي أو حزبي‬ ‫أدن��ى منه مرتبة في دائرت��ه‪ ،‬صاحب النفوذ‬ ‫األقوى‪ .‬ورجال األجه��زة األمنية – وهذه يبلغ‬ ‫عدده��ا ‪ 15‬جه��ازاً في س��وريا األس��د‪ ،‬منها‬ ‫األم��ن السياس��ي واألم��ن العس��كري وأمن‬ ‫الدول��ة واألم��ن المرك��زي واألم��ن الجوي‪...‬‬ ‫إل��خ – يتدخلون ف��ي كل ش��اردة وواردة من‬ ‫حي��اة الن��اس وش��ؤونهم وأعماله��م‪ .‬فإحياء‬ ‫حفلة ع��رس‪ ،‬مث� ً‬ ‫لا‪ ،‬يتطلب الحص��ول على‬ ‫موافقة أمنية مس��بقة من «مفرزة» الحي أو‬ ‫الح��ارة أو المنطقة‪ .‬ورجال األجه��زة األمنية‬ ‫يرتدون أزي��اء مدنية وال تفارق المسدس��ات‬ ‫خصورهم في حلهم وتجوالهم في المدينة‪.‬‬ ‫أما الذين يحرس��ون المق��ار األمنية فيقفون‬ ‫أو يجلس��ون أم��ام أبوابها حاملي��ن بنادقهم‬ ‫الحربي��ة الرشاش��ة‪ .‬والمق��ار األمني��ة بيوت‬ ‫عادية يُختار أن تكون منفردة ومنعزلة على‬ ‫ط��رف األحي��اء والح��ارات‪ ،‬م��ن دون عالمات‬ ‫أو إش��ارات فارقة تدل اليه��ا أو تميزها‪ .‬لكن‬ ‫الناس في المدينة يعلمون الى أي جهاز أمني‬ ‫اعتَق َ‬ ‫يتب��ع ه��ذا المق��ر أو ذاك‪ .‬وإذا َ‬ ‫��ل جهاز‬ ‫أمني ما ش��خصًا من األهال��ي‪ ،‬ثم حقق معه‬ ‫وأطلق س��راحه بعد أيام أو أس��ابيع أو شهور‬ ‫من االحتجاز العرف��ي وفقاً لقانون الطوارئ‪،‬‬ ‫ف��إن المعتقل الذي أُخلي س��بيله‪ ،‬يدخل في‬ ‫متاه��ة إج��راءات ومالحقات أمني��ة تقوم بها‬ ‫األجه��زة األخرى‪ .‬وإذا ل��م يعتقله مجدداً هذا‬ ‫الجهاز أو ذاك‪ ،‬يصي��ر ملزمًا أن يحضر دوريًا‬ ‫الى المقار األمنية‪ ،‬إلثبات وجوده أو للتحقيق‬ ‫معه‪ ،‬كي يشعر بأنه خاضع للمراقبة الدائمة‪.‬‬ ‫وف��ي محافظة طرطوس البالغ عدد س��كانها‬ ‫نح��و ‪ 800‬ألف نس��مة م��ن ضمنهم س��كان‬ ‫بانياس‪ ،‬يقدّر عدد عناص��ر األجهزة األمنية‬ ‫بما بين ‪ 3‬و‪ 4‬آالف رجل من النظاميين الذين‬ ‫يض��اف اليهم عدد غير مع��روف وال ثابت من‬ ‫المخبرين المتعاقدين‪.‬‬ ‫"ف��ي ه��ذه الدي��ار‪ ،‬حي��ن كان الفت��ى‬ ‫مثلي يت��وق الى متنفس ما لتواصل وتعارف‬ ‫وصحبة ونشاط تفاعلي مع أقران له وأمثال‪،‬‬ ‫يبادله��م ويبادلون��ه الم��دارك والرغب��ات‬ ‫الجدي��دة‪ ،‬ف��ي حيّ��ز خ��ارج الفض��اء البيتي‬ ‫والعائلي الضيق‪ ،‬لم يكن يعثر على ذلك في‬ ‫مجتمع خنقته منذ عقود «جمهورية الخوف»‬ ‫البعثية‪ ،‬وحطمته‪ ،‬فانكفأ أهله على أنفسهم‬ ‫وعالقاتهم وتقاليده��م القديمة المحافظة‪،‬‬ ‫لالحتم��اء به��ا كم�لاذ في م��ا يش��به معتق ًال‬ ‫جماعيًا كبيراً"‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫جتمع �أحرار القابون‬

‫حوار العدد ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪14‬‬

‫�ألوان عدة ب�صوت واحد‪ :‬ال للظلم وال لال�ستبداد‬ ‫سعاد يوسف‬

‫حي القاب��ون الدمش��قي هو من‬ ‫أوائ��ل أحي��اء العاصمة دمش��ق والتي‬ ‫انتفضت مع بداية الثورة السورية في‬ ‫وجه االس��تبداد ال��ذي رزح الحي تحت‬ ‫وطأت��ه منذ عش��رات الس��نين وعانى‬ ‫س��كانه الكثير بس��بب إهم��ال النظام‬ ‫وظلم��ه للح��ي‪ ،‬فرغ��م عدد س��كانه‬ ‫الكبي��ر إال أن النظام وعلى مر س��نين‬ ‫عديدة لم يعنى بحل أبس��ط مشاكل‬ ‫القابون‪ ،‬فال مدرسة وال مشفى يقوم‬ ‫على خدمة الس��كان‪ ،‬وال نادٍ أو ملعب‬ ‫رياضي يكون متنفس��ًا لش��باب الحي‪،‬‬ ‫ورغ��م ذلك عرف ع��ن أه��ل القابون‬ ‫اهتمامه��م بالحي��اة السياس��ية ف��ي‬ ‫س��وريا ومش��اركتهم الواس��عة فيها‪،‬‬ ‫فلمعظ��م األح��زاب الس��ورية أنص��ار‬ ‫ف��ي الحي وألهله اهتمامات سياس��ية‬ ‫وثقافية متنوعة‪.‬‬ ‫خرج أهالي القابون في مظاهرات‬ ‫كان��ت من أكب��ر مظاه��رات العاصمة‬ ‫دمش��ق ف��ي األش��هر األول��ى للثورة‪.‬‬ ‫ومن منا ال يذكر عشرات اآلالف الذين‬ ‫جاب��وا ش��وارع القاب��ون ف��ي جمع��ة‬ ‫العش��ائر أو جمعة أسرى الحرية‪ .‬ومن‬ ‫ال يذكر اس��تقطاب هذا الح��ي للكثير‬ ‫من األش��خاص من مختل��ف المذاهب‬ ‫والطوائ��ف ليقول��وا جميع��اً كلمته��م‬ ‫بصوت واحد‪ :‬ال للظلم وال لالستبداد‪.‬‬ ‫وكغي��ره م��ن األحي��اء المنتفضة‬ ‫تعرض الحي لوحش��ية النظام س��واء‬ ‫ع��ن طريق االعتقال لخيرة ش��بابه أو‬ ‫قتل الكثير من متظاهريه الس��لميين‬ ‫الذي��ن كثي��راً م��ا قاموا بإه��داء رجال‬ ‫األم��ن وروداً حمراء قوبلت بالرصاص‬ ‫الحي‪ .‬وكنتيجة لم��ا حدث في القابون‬ ‫من��ذ بداي��ة الث��ورة ش��عر العدي��د‬ ‫م��ن ش��باب الح��ي بض��رورة تنظي��م‬ ‫نش��اطاتهم س��واء كانت الس��لمية أم‬ ‫اإلغاثية أم اإلعالمية وتوحيد صوتهم‬ ‫ك��ي يكونوا في خدم��ة حيهم وأهالي‬ ‫حيه��م‪ ،‬فخرج��ت مجموع��ة منهم بما‬ ‫س��مي "تجم��ع أح��رار القاب��ون" وهم‬ ‫يصفون أنفس��هم في صفحتهم على‬ ‫موقع التواصل االجتماعي الفيسبوك‪:‬‬ ‫"بدأ مبكراً ‪ -‬حي القابون ‪ -‬وبكل‬ ‫ش��بابه وانتفض��وا مرحبي��ن بالحرية‬ ‫ومتحدين االس��تبداد والعبودية فقالوا‬ ‫كلمتهم وحاربوا الرص��اص بالحجارة‬ ‫ول��م يتوقف��وا ع��ن التظاه��ر اليومي‬ ‫أب��داً فخرج��وا بعش��رات اآلالف وكان‬ ‫له��م الحش��د األكب��ر عل��ى مس��توى‬ ‫العاصمة دمش��ق حيث تجم��ع مايقدر‬ ‫بـ ‪ 100‬ألف متظاهر في زفاف ش��هداء‬ ‫مج��زرة القاب��ون الذين كم��ا غيرهم‬ ‫م��ن الش��هداء القابون كان��ت دمائهم‬ ‫ثمنًا غالي��ًا علينا ولكن��ه رخيص فداء‬ ‫س��وريا الحرية‪ .‬ورغم احتالل القابون‬ ‫من قبل عصابات األس��د إال أن شبابها‬ ‫ل��م يستس��لموا فأبدع��وا بالحري��ة‬ ‫والمظاهرات المميزة واألفكار الجديدة‬ ‫فحمل��وا شماس��ي الحري��ة واحتفل��وا‬

‫بالعي��د عل��ى طريقة الث��ورة وأبدعوا‬ ‫بالب��ث المباش��ر فظه��ر أبنائه��ا على‬ ‫شاش��ات العالم متظاهرين وناطقين‬ ‫وناش��طين فكان��وا ومازال��وا عل��ى‬ ‫قدر المس��ؤولية متس��لحين باإليمان‬ ‫والعلم"‪.‬‬ ‫وكان ل��ي م��ع ع��دد م��ن أعضاء‬ ‫التجمع هذا الحوار‪.‬‬ ‫| متى ب��دأ التجم��ع بالظهور وكيف‬ ‫كان ذلك؟‬ ‫| | ظه��ر تجم��ع أح��رار القاب��ون‬ ‫في الش��هر الس��ابع من الع��ام ‪2011‬‬ ‫حيث ش��عرت مجموعة من األشخاص‬ ‫الفاعلي��ن ال��ذي يعملون على ش��بكة‬ ‫االنترن��ت أن عليه��م اس��تغالل جهود‬ ‫الش��باب الذي��ن يعمل��ون عل��ى أرض‬ ‫الث��ورة ومحاول��ة النه��وض بالعم��ل‬ ‫الث��وري داخ��ل الح��ي‪ .‬من��ذ انط�لاق‬ ‫الث��ورة ف��ي ح��ي القاب��ون وذلك في‬ ‫أول مظاه��رة بتاري��خ ‪2011/3/25‬‬ ‫ب��ذل هؤالء الش��باب أقصى جهودهم‬ ‫لتنظيم المظاهرات السلمية واألعمال‬ ‫الثورية المختلفة الخاصة بالثورة من‬ ‫توثيق للشهداء والمعتقلين ومساعدة‬ ‫بعض الجرحى وحت��ى القيام بإيصال‬ ‫أخب��ار الح��ي وكل ما يح��دث فيه إلى‬ ‫القنوات اإلعالمية المختلفة‪.‬‬ ‫| م��ن هم المس��ؤولون ع��ن إطالق‬ ‫التجمع؟‬ ‫| | هم الشباب الذين قاموا بربط‬ ‫الجه��د المبذول على األرض مع الجهد‬ ‫الفاعل على ش��بكة االنترن��ت‪ .‬ونريد‬ ‫أن نن��وه هن��ا أن العدي��د منهم أصبح‬ ‫اآلن في ع��داد الش��هداء ونتمنى لهم‬ ‫الرحمة فهم قد استش��هدوا في سبيل‬ ‫اهلل وفي س��بيل س��ورية والثورة‪ .‬كما‬ ‫أن ع��دداً منهم ه��و اآلن قيد االعتقال‬

‫ونتمنى لهم الحرية من سجون النظام‬ ‫األسدي قريبًا‪.‬‬ ‫| كيف تم اختيار االسم؟‬ ‫| | ت��م اختي��ار اس��م التجمع من‬ ‫واق��ع الحال ال��ذي كان يعيش��ه الحي‬ ‫وباالتف��اق بين أكثر من أربعة عش��ر‬ ‫ش��اباً كانوا من رواد الثورة في الحي‪.‬‬ ‫وقد اختاروا اسم التجمع بحيث ال يكون‬ ‫حكراَ ألحد األش��خاص وإنما يجمع كل‬ ‫األحرار في حي القابون الدمشقي‪.‬‬ ‫| م��ا ه��ي الفك��رة األساس��ية التي‬ ‫انطلق التجمع ألجلها؟‬ ‫| | نح��ن انطلقن��ا م��ن حرصن��ا‬ ‫عل��ى نجاح الث��ورة الس��ورية وتوحيد‬ ‫جه��ود العاملين في الث��ورة داخل حي‬ ‫القابون للوصول إلى الهدف األساسي‬ ‫الذي انطلقت ثورتنا ألجله من إسقاط‬ ‫النظ��ام وبن��اء س��ورية جدي��دة ح��رة‬ ‫وتحقيق االستقرار لكل السوريين‪.‬‬ ‫| ما هي المهام األساسية للتجمع؟‬ ‫| | لدى التجمع العديد من المهام‬ ‫لعل أهمها هو تنظيم الحراك السلمي‬ ‫داخل الح��ي ودعمه ف��ي كل الجوانب‬ ‫المتاح��ة‪ ،‬فرغم ما آلت إليه الثورة في‬ ‫األش��هر األخي��رة فنحن م��ا زلنا نؤمن‬ ‫بأهمية العمل الس��لمي وبأنه ال يجب‬ ‫أن يتوق��ف‪ .‬كما أننا نعمل على توثيق‬ ‫انته��اكات األم��ن والجي��ش النظامي‬ ‫بح��ق أهالي الح��ي‪ ،‬ونهت��م بمتابعة‬ ‫الجرحى وأهالي المعتقلين والشهداء‪.‬‬ ‫إضاف��ة إل��ى كل ذلك فإن نش��ر أخبار‬ ‫الحي وإيصالها إلى القنوات الفضائية‬ ‫والجهات اإلعالمية والصحافية األخرى‬ ‫هو من مهام التجمع األساسية‪.‬‬ ‫| ك��م ش��خصاً يض��م التجم��ع؟ في‬ ‫الداخ��ل وف��ي الخ��ارج؟ وكي��ف تختلف‬ ‫مهامهم؟‬

‫| | ع��دد األش��خاص الموجودين‬ ‫ضمن التجمع غير محدود فكل ناشط‬ ‫أو ناش��طة ثورية يعملون داخل الحي‬ ‫هم م��ن التجمع‪ .‬نحن ال نعتبر التجمع‬ ‫اس��مًا نعم��ل ألجله إنما نح��ن األحرار‬ ‫الذين يعملون ألجل الثورة في الحي‪.‬‬ ‫وتختلف مه��ام األعضاء باختالف‬ ‫االختصاص��ات ف��كل يعم��ل ف��ي ظل‬ ‫الخب��رة الت��ي يدركها إما ف��ي الجانب‬ ‫الطبي أو اإلعالمي أو حتى الخدمي‪.‬‬ ‫كم��ا أن التجم��ع يضم ع��دداً من‬ ‫األشخاص خارج سوريا الذين يدعمون‬ ‫التجم��ع بالنصيح��ة واقت��راح األف��كار‬ ‫الثورية المفيدة للحي بشكل عام‪.‬‬ ‫| م��ا ه��ي آلي��ة عملكم وكي��ف يتم‬ ‫التعاون بين األعضاء؟‬ ‫| | آلي��ة العمل إن كان المقصود‬ ‫بها كي��ف يتم تنظيم الح��راك الثوري‬ ‫داخ��ل الحي فهي آلية عامة تهدف إلى‬ ‫العمل على استمرارية الحراك الثوري‬ ‫بالجان��ب الصحي��ح ويت��م التعاون من‬ ‫خ�لال توزي��ع الجهود ليعم��ل كل في‬ ‫مكان��ه المناس��ب أو بما يخ��دم الثورة‬ ‫فم��ن الناش��طين هن��اك المص��ورون‬ ‫واألطب��اء س��واء االختصاصيون منهم‬ ‫أو المتطوع��ون إلس��عاف الجرح��ى‬ ‫ومس��ؤولو اإلغاثة والمس��ؤولون عن‬ ‫توثيق الش��هداء والمعتقلين وتقديم‬ ‫الدع��م للعائالت المتض��ررة في الحي‬ ‫نتيجة الحمالت األمنية‪ .‬كما أن نس��اء‬ ‫الحي لهن مشاركة واسعة في العديد‬ ‫من األعمال س��واء في المجال الطبي‬ ‫والح��راك الس��لمي من أعم��ال ثورية‬ ‫س��لمية وزي��ارات لعائ�لات الش��هداء‬ ‫والمعتقلي��ن والعدي��د م��ن المج��االت‬ ‫الت��ي برز فيها دورهن بش��كل واضح‬ ‫في ثورة الحي‪.‬‬


‫حوار العدد ‪. .‬‬ ‫أسبوعية‬

‫تجمع أحرار القابون‬ ‫عهد وكان للعهد الذي اقسمه ملبيًا‬ ‫ف��ي درب الثورة والحرية ثائرا ابن االثنا‬ ‫وعش��رين عاما أنهى خدمت��ه اإللزامية‬ ‫قبل ثالث أش��هر من بدأ الث��ورة ليكون‬ ‫من أوائل المش��اركين في ثورة الحرية‬ ‫والكرامة حيث ش��ارك به��ا بكل طاقاته‬ ‫ورف��ض مطالب��ات األه��ل ل��ه بمغادرة‬ ‫البل��د حرصاً على س�لامته وكان يقول‬ ‫دائما (ما بيصير غير اللي كاتبو ربك)‪.‬‬ ‫وإن م��ررت بح��ارات ح��ي برزة‬ ‫الدمشقي العريق تسمع من حجارته‬ ‫الس��ود صرخات قاشوشها تدوي في‬ ‫السماء الدمش��قية ترى من الحجارة‬ ‫تلك األيام الخوالي في ساحة الحرية‬ ‫عندم��ا كان عه��د يعتل��ي المنص��ة‬ ‫يعانق نسمات الحرية متوشحاً بعلم‬ ‫الثورة يص��رخ بصوت��ه‪ :‬بدنا أصابع‬ ‫نصر نرفعها فوق القصر‪..‬‬ ‫يقف م��ن حول��ه أطف��ال الحي‬ ‫يهتفون ينظرون إليه بتمعن لعلهم‬ ‫يسرقون من لهيب الثورة في عينيه‬ ‫قبسًا ينير درب مستقبلهم‪..‬‬ ‫عه��د يزين س��احات الحرية في‬ ‫دمش��ق يخرج من مظاهرة برزة إلى‬

‫حي القابون المجاور ليش��ارك رفاقه‬ ‫ف��ي الهت��اف والغناء ألج��ل الحرية‪..‬‬ ‫لم يبتع��د يوما عن درب الحرية فقد‬ ‫اختار أن المضي قدما ليس��طر أروع‬ ‫حكايات البطولة‪.‬‬ ‫عه��د الش��اب الطم��وح الحال��م‬ ‫بوط��ن حر لم يتوانى عن مس��اعدة‬ ‫أهل��ه وإخوانه فألمه القصف العنيف‬ ‫عل��ى ح��ي القاب��ون دخ��ل ليس��اعد‬ ‫األهال��ي وتقدي��م يد الع��ون لهم و‬ ‫ليحمي ش��رفهم وعرضه��م فتوجه‬ ‫ه��و وم��ن معه ليبل��وا ن��داء األخوة‪،‬‬

‫ّ‬ ‫وسطر أروع المالحم البطولية‪..‬‬ ‫عه��د اب��ن س��وريا لبّ��ى ن��داء‬ ‫ربه ليرتقي ش��هيداً ليلح��ق برفاقه‬ ‫الش��هداء في الجنة‪ ..‬سيبقى صوته‬ ‫نبراس��ًا نس��تضيء ب��ه ف��ي درب‬ ‫الحري��ة‪ ..‬فاض��ت روح��ه الطاه��رة‬ ‫نحو الس��ماء بتاريخ ‪،2012 / 7 / 21‬‬ ‫لتروي دمائه الطاهرة أرض القابون‬ ‫فيعبق الحي برائحته الزكية ويكون‬ ‫عهد على العهد الذي ما يزال الحيين‬ ‫الدمشقيين (برزة والقابون) يدا بيدا‬ ‫في ثورة الياسمين‪..‬‬

‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫ق�صة ال�شهيد البطل عهد م�سلم الغربي‬ ‫عهد يا رمز العزة من نورك �ضوت برزة‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫| م��ا هو المص��در األساس��ي ألخبار‬ ‫التجمع؟‬ ‫| | مص��در أخب��ار التجم��ع ه��و‬ ‫الناش��طون الموج��ودون داخ��ل الحي‬ ‫والذي��ن ه��م أص� ً‬ ‫لا ج��زء م��ن الخبر‬ ‫نفس��ه‪ ،‬كم��ا أنن��ا نس��تمد الكثير من‬ ‫األخب��ار م��ن أهال��ي الح��ي أنفس��هم‬ ‫والذي��ن أصبحوا ف��ي حال ح��دوث أي‬ ‫خبر مفاجئ يتواصلون معنا من خالل‬ ‫الرس��ائل على شبكة االنترنت أو حتى‬ ‫االتصال على الجوال‪.‬‬ ‫| هل تهتمون بنوع معين من األخبار‬ ‫(سياسية‪ ،‬عس��كرية‪ ،‬ميدانية) أم أنكم‬ ‫تقومون بنشر كافة أنواع األخبار؟‬ ‫| | يعن��ى تجم��ع أح��رار القابون‬ ‫بنش��ر األخبار الخاصة بالحي بش��كل‬ ‫ع��ام ويهت��م بالجان��ب السياس��ي‬ ‫والميدان��ي ويش��ارك أحيانا في نش��ر‬ ‫األخبار العسكرية وذلك حسب ما نراه‬ ‫ضروري��اً ومفيداً للح��راك الثوري في‬ ‫الحي‪.‬‬ ‫| بالنس��بة للتعليق��ات عل��ى األخبار‬ ‫على صفحة الفيسبوك كيف يتم التعامل‬ ‫معها؟ هل يتم حذف التعليقات التي قد‬ ‫تتحدث بلغة ال تناس��ب توج��ه التجمع؟‬ ‫ه��ل يت��م التحدث بش��كل خ��اص لمن‬ ‫يكتب تعليقات غير مناسبة؟‬ ‫| | إن كان الخب��ر ال يحتوي على‬ ‫ألفاظ نابية أو كلمات تس��يء إلى زوار‬ ‫الصفحة يت��م التعامل معه في العلن‬ ‫والرد عليه بالتوضي��ح لفحواه إن كان‬ ‫ذلك مطلوبًا‪ .‬وفي بعض األحيان يتم‬ ‫التكلم مع الزوار بش��كل خاص لنصل‬ ‫معه��م إل��ى تصحي��ح الخط��أ إن كان‬ ‫هناك فع ً‬ ‫ال خطأ م��ا أو لتصحيح وجهة‬ ‫النظر التي يتكلمون من خاللها‪.‬‬ ‫| هل هناك أي ناطق رس��مي باس��م‬ ‫التجمع؟ كيف تم اختياره؟‬ ‫| | يوج��د ناطق رس��مي للتجمع‬ ‫وهو يتح��دث إلى الوس��ائل اإلعالمية‬ ‫المختلف��ة باس��م عم��ر القابوني‪ .‬تم‬ ‫اختي��اره م��ع انط�لاق التجم��ع حي��ث‬ ‫كان الح��ي يش��هد أحداثاً كبي��رة أثناء‬ ‫المظاهرات السلمية وسقوط الشهداء‬ ‫والجرح��ى مم��ا اس��توجب أن نق��وم‬ ‫بإيص��ال الح��دث ونق��ل الص��ورة من‬ ‫داخل الحي إلى العالم أجمع‪.‬‬ ‫| ه��ل ينص��ب اهتم��ام التجمع على‬

‫أخب��ار القابون فق��ط أم أنه يتجاوز ذلك‬ ‫لالهتمام بأخبار المناطق األخرى؟‬ ‫| | تجم��ع أح��رار القاب��ون ينقل‬ ‫أخب��ار الحي بالدرجة األولى ويس��اعد‬ ‫المناط��ق األخرى في إيص��ال أخبارها‬ ‫لإلع�لام في ح��ال كانت هن��اك حاجة‬ ‫لذلك‪ .‬يهت��م التجم��ع بالدرجة األولى‬ ‫بنش��ر ص��وت الح��ق وفض��ح أفع��ال‬ ‫النظام األس��دي بح��ق أهلنا في كامل‬ ‫أرجاء سوريا‪.‬‬ ‫| ه��ل واجهتكم أية صعوب��ات أثناء‬ ‫عملك��م؟ ه��ل لك��م أن تحدثون��ا عنها‬ ‫أكثر؟‬ ‫| | بالتأكي��د واجهتن��ا صعوب��ات‬ ‫كبي��رة من��ذ تأس��يس التجم��ع‪ .‬فق��د‬ ‫تعرض العديد من األعضاء لمالحقات‬

‫أمني��ة وت��م اس��تهدافهم بش��كل‬ ‫ش��خصي‪ ،‬كما أنن��ا بذلنا جه��داً كبيراً‬ ‫إلقناع بعض األشخاص بفكرة الثورة‬ ‫واله��دف م��ن العم��ل الث��وري الموحد‬ ‫وجذبه��م إل��ى الح��راك الث��وري‪ .‬أم��ا‬ ‫بالنس��بة لبع��ض األم��ور الضروري��ة‬ ‫لعملنا فقد عانينا م��ن إمكانية تأمين‬ ‫المس��تلزمات الخاصة بالحراك الثوري‬ ‫م��ن أجه��زة الكتروني��ة وتجهي��زات‬ ‫المظاه��رات (الفت��ات‪ ،‬ش��عارات‪،‬‬ ‫نش��اطات مميزة)‪ ،‬وق��د عملن��ا كثيراً‬ ‫به��دف تأمي��ن الدع��م ألهالي األس��ر‬ ‫المتضررة من المعتقلين أوالشهداء أو‬ ‫حتى المتضررين من القصف والدمار‬ ‫الذي تسبب به نظام األسد في الحي‪.‬‬ ‫| كي��ف تحصلون على أن��واع الدعم‬ ‫المختلفة؟ (مادي وتقني واعالمي)‬

‫| | يت��م الحص��ول عل��ى الدعم‬ ‫م��ن جه��ات فردية تح��اول الوقوف مع‬ ‫الثورة س��واء من خ�لال الدعم التقني‬ ‫أو حتى المادي كم��ا أننا نتلقى الدعم‬ ‫من جهات عامة تس��اعد كافة الهيئات‬ ‫الفعالة في المناطق المختلفة‪.‬‬ ‫| م��ا هي نقاط اخت�لاف التجمع عن‬ ‫تنسيقية حي القابون؟ هل هناك تعاون‬ ‫بينهما؟‬ ‫| | ال يوج��د اختالف��ات جذري��ة‬ ‫فهدفن��ا واح��د إال أن آلي��ة العم��ل‬ ‫تختلف‪ ،‬فتنس��يقية ح��ي القابون ذات‬ ‫فاعلية ضعيف��ة على األرض نوعًا ما‪.‬‬ ‫وبالنسبة لنا فنحن نسعى دوماً للبقاء‬ ‫على اتصال مع جميع الناشطين سعيًا‬ ‫لخدمة الثورة والحي أو ًال وأخيراً‪.‬‬ ‫| حدثونا عن أية نشاطات أخرى للتجمع‪.‬‬ ‫| | نش��اط تجمع أح��رار القابون‬ ‫يركز بش��كل أساس��ي على كل ما له‬ ‫ارتب��اط بالحراك الس��لمي داخل الحي‬ ‫ابت��دا ًء م��ن األمور المتعلق��ة باالغاثة‬ ‫والمتضرري��ن إلى تنظيم المظاهرات‬ ‫الس��لمية وتوثي��ق انته��اكات األم��ن‬ ‫وتمثي��ل الحي أمام الجه��ات المختلفة‬ ‫المحلي��ة والعالمية إضاف��ة إلى أعمال‬ ‫الحرائر الثورية السلمية‪.‬‬ ‫| كي��ف تنظ��رون لمس��تقبل التجمع‬ ‫بعد سقوط نظام األسد؟‬ ‫| | بالتأكي��د نح��ن نأم��ل في أن‬ ‫يس��تمر التجم��ع إل��ى ما بعد س��قوط‬ ‫األس��د‪ ،‬خصوص��ًا أنن��ا عل��ى يقي��ن‬ ‫ب��أن الجهد األكب��ر هو ال��ذي علينا أن‬ ‫نبذل��ه بع��د س��قوط النظ��ام ولي��س‬ ‫اآلن‪ .‬مس��تقبل التجمع بعد الس��قوط‬ ‫س��يكون بتحقي��ق االس��تقرار ألهالي‬ ‫الحي ومس��اعدتهم في نش��ر التوعية‬ ‫الثقافية والسياسية والنهوض بالحي‬ ‫ليك��ون أفضل من مم��ا كان عليه في‬ ‫عهد النظام األسدي بإذن اهلل‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫عام في حضرة الحرية ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪16‬‬

‫�سوريتن��ا حت��اور �صفحاتها‬ ‫أسرة التحرير‬

‫بعد ع��ام في حض��رة الحري��ة وحضرة‬ ‫سوريتنا‪ ،‬جلسنا وس��ألنا أنفسنا وبعضنا عن‬ ‫الكثير من األشياء‪ ،‬عن أمور فاتنا الحديث بها‬ ‫وأخرى كنا نعتقد أننا نس��يناها‪ ،‬إال أن الذاكرة‬ ‫الجميل��ة ال تغيب‪ ،‬وأش��د اللحظ��ات تألقاً هي‬ ‫اليوم أكثرها حضوراً في الذاكرة‪.‬‬ ‫| كيف رأت س��وريتنا الن��ور؟ وكيف كانت‬ ‫اللحظات العصيبة لصدورها؟‬ ‫| | تق��ول س��عاد‪" :‬ف��ي ي��وم أيلول��ي‬ ‫منع��ش اتص��ل ب��ي ج��واد وطل��ب أن يراني‬ ‫بش��كل مس��تعجل‪ .‬جلس��نا ف��ي من��زل ف��ي‬ ‫دمش��ق القديم��ة مع مجموعة م��ن األصدقاء‬ ‫وأخ��رج جواد م��ن ظرف بني الل��ون مجموعة‬ ‫م��ن األوراق وضعه��ا أمامنا‪" .‬حلم��ي الجديد‪.‬‬ ‫ما رأيكم؟" ذهلت مما رأيته‪ .‬اثنتا عش��ر ورقة‬ ‫بتصمي��م جميل واس��م عش��قته بمج��رد أن‬ ‫وقع��ت عين��اي علي��ه‪" .‬أتودي��ن أن نعمل معًا‬ ‫وأن تكون سوريتنا لي ولك وللجميع؟"‪" .‬وهل‬ ‫يحتاج ذلك إلى سؤال؟""‬ ‫كانت كتل��ك اللحظات التي نش��هد فيها‬ ‫مول��وداً جدي��داً ال نعل��م تمامًا كيف س��يكون‬ ‫ش��كله عندما يكبر لكننا نتله��ف لرؤيته وكل‬ ‫ي��وم نراقبه‪ :‬م��اذا كب��ر فيه؟ ه��ل تغير لون‬ ‫عينيه؟ وكيف س��يكون عندما سنستيقظ في‬ ‫اليوم التالي؟‬ ‫بدأنا بالعم��ل يومًا بعد ي��وم وكانت لنا‬ ‫الكثير من الجلس��ات والمباحثات والتي عملنا‬ ‫فيها عل��ى تحديد هوية الجري��دة ومضمونها‬ ‫وزواياها بش��كل أكثر وضوحًا ودقة‪ .‬بالتأكيد‬ ‫كل ذلك تطور مع مرور األيام وتوالي األعداد‬ ‫وكثي��راً م��ا عملنا عل��ى إضافة زواي��ا جديدة‬ ‫بعضها لم يس��تمر حت��ى اآلن وبعضها ال زال‬ ‫موج��وداً حتى ه��ذا العدد‪ .‬الصفح��ات ازدادت‬ ‫وقمنا بالعمل على ملحقين خالل هذه السنة‬ ‫وش��ارك معنا في العمل الكثير من األصدقاء‬ ‫والصحفيين‪.‬‬ ‫م��ن أكثر األم��ور الت��ي عانينا بس��ببها‬ ‫في بداية عملن��ا كان تأمين مكان كي نجتمع‬ ‫في��ه‪ ،‬خوفنا م��ن المالحقات األمني��ة‪ ،‬رغبتنا‬ ‫بأن نقوم بطباعة الجريدة بش��كل أس��بوعي‬ ‫ونش��رها بشكل أوسع واس��تحالة ذلك بسبب‬ ‫الظروف األمني��ة وعدم توف��ر الدعم الكافي‬ ‫لذلك‪.‬‬ ‫| بع��د مرور عام‪ ،‬كي��ف هي؟ هل هي كما‬ ‫حلمنا بها؟‬ ‫| | ه��ي اليوم أجم��ل‪ ،‬أنضج‪ ،‬تعبر عن‬ ‫فريق العمل بشكل أقرب إلى قلوبنا وأفكارنا‬ ‫وعقولنا وما نحلم به ونعيشه كل يوم‪.‬‬ ‫بالتأكي��د ال زال��ت لدين��ا أح�لام أكب��ر‬ ‫لس��وريتنا‪ ،‬ونعلم تماماً أننا س��نحقق كل ما‬ ‫نريده لها مع م��رور الوقت ومع نضوجها أكثر‬ ‫فأكثر‪.‬‬ ‫| هل فكرنا يوماً بإيقاف الجريدة؟‬ ‫| | "من��ذ ع��دة أش��هر راودتن��ي ه��ذه‬ ‫الفك��رة‪ ،‬تقول س��عاد‪ ،‬وطرحته��ا على فريق‬ ‫العمل‪ .‬كانت لحظات عصيبة‪ ،‬عدة أعضاء من‬ ‫الفري��ق اضط��روا للتوقف عن العمل بس��بب‬ ‫ظ��روف ش��خصية أو أمني��ة‪ .‬الفري��ق تقلص‬ ‫كثي��راً ليقتصر على ثالثة أو أربعة أش��خاص‬ ‫فقط وأخذ العمل يزداد صعوبة يومًا بعد يوم‪.‬‬ ‫أحسس��ت للحظات بعدم جدوى االستمرار في‬ ‫ظل الضغط الهائل ال��ذي نرزح تحت وطأته‪،‬‬ ‫إال أن إصرار من تبقى وبش��كل خاص "ياسر"‬ ‫على المض��ي في العم��ل وإع��داد المواد في‬ ‫وقتها‪ ،‬كان السبب األساسي الستمرارنا‪.‬‬ ‫يح��ب ج��واد أن يتذك��ر دومًا دور ياس��ر‬ ‫األكث��ر أهمي��ة في تل��ك األيام "ل��وال إصراره‬

‫عل��ى العمل وكتابة مواده بش��كل أس��بوعي‬ ‫دون توقف لما كانت لنا القدرة على االستمرار‬ ‫حتى اآلن وبلوغ ما بلغناه اليوم"‪.‬‬ ‫أيض��ًا كان دور ش��ام ف��ي الوق��ت الذي‬ ‫ب��ردت في��ه الهم��ة وأص��رت على االس��تمرار‬ ‫وكان��ت دائم��ًا المح��رض دائم��ًا عل��ى العمل‬ ‫واالستمرار بأي شكل كان‪..‬‬ ‫| م��ا ه��ي أجم��ل محط��ات س��وريتنا‬ ‫وأصعبها؟‬ ‫| | نذكر واحدة من أجمل اللحظات منذ‬ ‫عدة أش��هر‪" :‬عندما تواصل معنا أش��خاص ال‬ ‫نعرفه��م في حمص وأخبرونا بأنهم يقومون‬ ‫بطباع��ة وتوزي��ع حوال��ي ‪ 500‬نس��خة م��ن‬ ‫الجريدة أسبوعيًا"‪.‬‬ ‫أم��ا ع��روة فيق��ول‪" :‬أعتق��د أن أجم��ل‬ ‫المحطات هي بداية إنش��اء الجريدة‪ ،‬كان ثمة‬ ‫مش��اعر نختبرها للمرة األول��ى وكانت الثورة‬ ‫ف��ي أجم��ل مراحله��ا‪ .‬لم يك��ن العن��ف بهذه‬ ‫الوحش��ية التي نش��هدها‪ ،‬وكان ثمة مساحة‬ ‫من الحرك��ة التي تتيح لنا النق��اش والتفكير‬ ‫كأس��رة تحرير في الجريدة‪ .‬أعتقد أن بدايات‬ ‫الجري��دة كانت أجمل األيام التي عش��تها في‬ ‫الثورة فقد كنا نش��هد ونس��اهم في صناعة‬ ‫حل��م تطل��ب الكثير م��ن الوقت ليتح��ول إلى‬ ‫حقيقة‪.‬‬ ‫أما الصعوب��ات فقد واجهتن��ا دائماً ولم‬ ‫تتوق��ف‪ .‬من أصغ��ر التفاصيل حت��ى أكبرها‪.‬‬ ‫وكان تحدي��اً دائم��ًا لنا أن تخ��رج الجريدة في‬ ‫مثل الظروف السيئة التي نواجهها لكن ما هو‬ ‫ثابت أننا استطعنا التغلب على جميع المشاكل‬ ‫بدليل أن الجريدة مستمرة حتى هذه اللحظة‬ ‫وها نحن نحتفل بعامها األول"‪.‬‬ ‫| ما هو النقد الذي توقفنا عنده طوي ًال؟‬ ‫| | النق��د المتعلق بطبيعة األخبار التي‬ ‫نقوم بنشرها‪ .‬بس��بب صعوبة عملنا‪ ،‬وعدم‬ ‫وج��ود أي دعم مادي حت��ى اآلن لم تكن لدينا‬ ‫الق��درة على إيج��اد فريق متخص��ص للعمل‬

‫على التقارير اإلخبارية بشكل أكثر احترافية‪،‬‬ ‫ك��ي ال نك��ون مضطري��ن أحيان��ًا لالعتم��اد‬ ‫عل��ى أخبار من وكاالت أنب��اء عالمية كمصدر‬ ‫ألخبارن��ا األس��بوعية‪ .‬باإلضاف��ة إل��ى أننا ال‬ ‫نق��وم بالتركي��ز عل��ى األخبار اليومي��ة وإنما‬ ‫نهت��م أكثر بالقضاي��ا اإلنس��انية التي تمس‬ ‫المهجري��ن والنازحين والالجئي��ن والمدن وما‬ ‫إل��ى ذلك‪ ،‬أي الجانب اإلنس��اني ألخبار الثورة‬ ‫وأخب��ار س��وريا‪ ،‬ربما بس��بب كل ه��ذا كانت‬ ‫هناك بع��ض اإلش��كاليات في تس��مية الباب‬ ‫المتعلق بذلك "أخبارنا"‪.‬‬ ‫| كيف استمرت سوريتنا طوال سنة كاملة‬ ‫متواصلة بدون دعم؟‬ ‫| | إص��رار فري��ق العم��ل والدع��م‬ ‫المعنوي الذي كنا نتلقاه س��واء من األصدقاء‬ ‫أو المتابعين للجريدة كان الس��بب األساس��ي‬ ‫والدافع المعنوي األهم في استمرارنا‪.‬‬ ‫| كي��ف هي عالق��ة أف��راد فري��ق العمل‬ ‫ببعضهم؟‬ ‫| | نح��ن فع� ً‬ ‫لا فري��ق‪ .‬ال رئي��س عمل‬ ‫ومرؤوسين في سوريتنا فالعمل مشترك وهو‬ ‫لكل وظيفة مح��ددة والقرارات‬ ‫مل��ك الجميع‪ٍ .‬‬ ‫تتخ��ذ بش��كل جماع��ي س��واء الت��ي تتعل��ق‬ ‫بالسياسة التحريرية أو اختيار المواد أو انتقاء‬ ‫المواضيع التي نود الكتابة عنها‪ .‬هناك بعض‬ ‫الح��االت االضطرارية والتي ال يكون هناك بد‬ ‫من اتخاذ قرار فردي فيها بسبب ضيق الوقت‬ ‫أو فقدان إمكانية التواصل مع بعض األعضاء‬ ‫إال أنها حاالت نادرة‪.‬‬ ‫| أمام تعدد وسائل اإلعالم في الثورة‪ ،‬ما‬ ‫هي هوية سوريتنا؟‬ ‫| تحاول س��وريتنا أن تحكي عن الناس‪،‬‬ ‫عن أحالمهم الصغيرة وقصصهم‪ ،‬ذكرياتهم‬ ‫عن سوريا قبل البعث وكيف يتمنون أن تكون‬ ‫بعد س��قوط النظام‪ ،‬فلس��وريا تاريخ عظيم‬ ‫همش��ه حزب البع��ث طوال أكثر م��ن أربعين‬ ‫عاماً من الحكم المس��تبد‪ ،‬وس��وريتنا تحاول‬

‫إحياء ه��ذا التاريخ‪ .‬وكم��ا أن التاريخ ملتصق‬ ‫بواقعنا الذي نعيش��ه اليوم‪ ،‬تحب سوريتنا أن‬ ‫تنقل كل ما يعيش��ه الناس الي��وم بعد بداية‬ ‫الثورة ومعاناتهم اليومية مع قسوة ووحشية‬ ‫النظ��ام‪ ،‬وإصرارهم على المضي في حلمهم‬ ‫حتى الرمق األخير‪.‬‬ ‫| ما جدوى االستمرار في سوريتنا؟‬ ‫| | وكأننا نقول ما جدوى االستمرار في‬ ‫الث��ورة‪ ..‬ثورتنا انطلقت بع��د صمت وانتظار‬ ‫دام س��نين طويلة‪ ،‬وسوريتنا هي تبلور لحلم‬ ‫راودن��ا طوي ًال‪ .‬اس��تمرارنا فيها ه��و انعكاس‬ ‫لقدرتنا على االس��تمرار ف��ي الحلم بالحرية‪،‬‬ ‫بالعم��ل والتنفس رغ��م كل م��ا نواجهه من‬ ‫مصاعب ومخاوف‪.‬‬ ‫| ترهقنا س��وريتنا أحياناً‪ .‬علينا العمل في‬ ‫الكثير من األمور وسوريتنا هي المشروع الوحيد‬ ‫الذي ال قدرة لنا على التخاذل فيه‪ ..‬لماذا؟‬ ‫| | ربم��ا ألنه��ا األقرب‪ ،‬واألكث��ر تعبيراً‬ ‫عم��ا أردناه حينم��ا خرجنا في الث��ورة وطالبنا‬ ‫بالحرية‪ .‬الكتابة هي الوس��يلة األكثر التصاقًا‬ ‫بنا‪ ،‬وبالشارع‪ ،‬وبقدرتنا على البوح بمكنونات‬ ‫أنفس��نا وس��ط كل ه��ذا الضجي��ج وتس��ارع‬ ‫األح��داث وصوت المع��ارك الذي أصب��ح غالبًا‬ ‫على كل م��ا هو حوله‪ .‬ال تزال س��وريتنا هي‬ ‫متنفسنا ومالذنا كي نرفع صوتنا عاليًا ونقوم‬ ‫بإيصال حكاياتن��ا وحكايات كل من حولنا إلى‬ ‫أكبر قدر ممكن من الناس‪.‬‬ ‫| أين س��تكون س��وريتنا بعد عام‪ ،‬عامين‬ ‫أو أكثر؟‬ ‫| | بع��د س��قوط النظ��ام س��تتحول‬ ‫س��وريتنا إلى مؤسس��ة إعالمية مرخصة لها‬ ‫مكاتبها الخاصة‪ ،‬تصدر وتطبع وتوزع بشكل‬ ‫أس��بوعي إن لم يكن يومي‪ .‬نحن ال ننظر إلى‬ ‫سوريتنا على أنها مرتبطة فقط بالثورة‪ ،‬هي‬ ‫وليدة الثورة وستس��تمر وتنع��م بثمار الثورة‬ ‫والحري��ة التي مهما طال زمن مخاضها إال أننا‬ ‫نعلم أننا سنرى والدتها عما قريب‪.‬‬


‫شام داود‬

‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫ك��م تعج��ز الح��روف عندم��ا‬ ‫يتعلق األم��ر بصياغة تجربة‪ ،‬بضعة‬ ‫أس��طر في عام ع��ن صفحاتنا‪ ،‬هذه‬ ‫الصفحات التي تمدنا نحن محررون‬ ‫وكتاباً ومنس��قين ونش��طاء بجرعة‬ ‫الحياة الضرورية الس��تمرار األمل‪..‬‬ ‫هل تصلح تسميتها بتجربة أم أنها‬ ‫حرية لم نختبرها بعد‪.‬‬ ‫منذ عام عندما قررنا أن للكلمة‬ ‫ح��د الث��ورة وأن ال ثورة ف��ي بلد ما‬ ‫دون أوراق توث��ق ومق��االت تتوالى‬ ‫بما يليق بمقام ثورة الحرية‪..‬‬ ‫لم نكن نعلم أين سنكون بعد‬ ‫بأفق أكبر منا‪ ،‬تحمله‬ ‫عام‪ ،‬كنا نحلم ٍ‬ ‫هتافات س��وريتنا الحري��ة‪ ،‬ويهدُّه‬ ‫رعب االكتشاف‪..‬‬ ‫يق��ال دوم��ا أن للكلم��ة مجال‬ ‫األف��ق‪ ،‬ال ح��دود للحل��م‪ ،‬ولحري��ة‬ ‫التعبي��ر رواد ال تن��ام‪ ..‬بالرغ��م من‬ ‫ذلك وبالرغم من ذلك تبدو الكتابة‬ ‫أصعب من نكسة‪..‬‬ ‫حتى ما س��مي في الكتب حرباً‬ ‫يبدو ممحياً غي��ر مقروء في همجية‬ ‫السوري ضد الس��وري‪ ،‬مسلحاً كان‬ ‫أم ناشطاً أم مس��عفاً أم مجرد عابر‬ ‫س��بيل عائد إل��ى ذاكرة من��زل عله‬ ‫يجده مكانه‪..‬‬ ‫تب��دو الكلم��ة متعث��رة بينم��ا‬ ‫أصوات القصف تتردد وراء الجدران‬ ‫وكأنه��ا تذكر بحتمي��ة الموت قبل‬ ‫الربيع المنتظر‪...‬‬ ‫كي��ف يمكن لنا أن نختصر عاماً‬ ‫من س��وريتنا في مق��ال‪ ،‬في بضعة‬ ‫أسطر‪..‬‬

‫يوجد الكثير مما يمكن الكتابة‬ ‫عنه‪ ،‬ليس أقلها موت كتاب الحقيقة‬ ‫من صحفيي الش��ارع وم��اذا نكتب‬ ‫أيضاً وقد طالت يد الغدر واإلعدامات‬ ‫الميداني��ة حت��ى م��ن كان��ت صلة‬ ‫الرح��م أيضاً حكمها م��وت يتخطى‬ ‫حدود العدل والقصاص والمنطق‪.‬‬ ‫أم نكتب عن ش��عب سوريتنا‪..‬‬ ‫هل من الواقع أساساً تسميته شعباً‪،‬‬ ‫أما بح��ت حناجرنا م��ن نقاش عدم‬ ‫وجود الدولة من أساسه‪ ،‬ألم نتعب‬ ‫من االختالف‪ .‬أال نخاف من مستقبل‬ ‫تبدو مالمحه اليوم شديدة الرمادية‬ ‫لدرجة االختناق‪..‬‬ ‫منذ عام قلنا ‪ -‬قال بعضنا ‪ -‬أننا‬ ‫من ش��عب مقلتيه ل��م تعد تعكس‬ ‫ذل القه��ر‪ ..‬منذ ع��ام ونصف صعد‬ ‫أول شهيد سوري معلناً الوالدة‪ ،‬كنا‬ ‫هناك ول��م نزل نحلم بتلك الصرخة‬ ‫األول��ى‪ ،‬كان فرح ال��والدة كان فرح‬ ‫سوريتنا أيضا‪..‬‬ ‫ع��ام عل��ى الجريدة‪ ،‬ع��ام تغير‬ ‫فيه الكثير‪ ،‬اشتد عود الثورة واشتد‬ ‫عودنا معها‪ ،‬في الش��ارع يتحدثون‪،‬‬ ‫يصرخون‪ ،‬يش��تمون أيضاً‪ ..‬جميعاً‬ ‫ألول مرة من زمن‪.‬‬ ‫ف��ي الش��ارع‪ :‬تولد السياس��ة‪،‬‬ ‫تول��د الطوائ��ف‪ ،‬تول��د االختالفات‬ ‫واأللوان‪ ،‬بكم جديد وبعفوية أكبر‪،‬‬ ‫ثورتنا‪ ،‬سوريتنا مليئة بأخطاء الطفل‬ ‫الذاهب إلى المدرس��ة‪ ،‬العين التي‬ ‫تبصر‪ ،‬كما الش��ارع‪ ،‬كما السوريون‬ ‫ف��ي كل مكان في الداخل الس��وري‬ ‫وفي خارجه‪ ،‬في المغترب‪ ،‬في مرراة‬

‫الهجر‪ ،‬في المخيمات العابقة باأللم‬ ‫وأمل النص��ر‪ ،‬حتى في حقد وغضب‬ ‫وخوف التغيير‪ ،‬يوج��د في كل منها‬ ‫والدة ما‪ ،‬تعلن بداية ما‪.‬‬ ‫من الش��ارع وإلى الشارع نعود‪،‬‬ ‫من األلم وحتى األلم‪ ،‬تستمر الرغبة‬ ‫في الحياة‪ ،‬هل أمامنا من خيار سوى‬ ‫الحي��اة‪ ،‬وه��ل أمامن��ا من س��طوة‬ ‫الكتابة س��وى العودة دوم��اً إلى ما‬ ‫بدأنا به كل يوم من جديد‪.‬‬ ‫قي��ل أحيان��اً أن صفحات بعض‬ ‫الكت��اب تنضح تف��اؤ ًال وأين منا كل‬ ‫هذا الظلم المقي��م؟‪ .‬هل يمكن لنا‬ ‫أن نستسلم اليوم ونحن في حضرة‬ ‫األغنية األعذب‪.‬‬ ‫س��وريتنا‪ ،‬لي ولنا‪ ،‬حياة كاملة‪،‬‬ ‫قد نكون صغ��اراً‪ ،‬لكن يجمعنا أمل‪،‬‬ ‫قد نك��ون غضين كزهرة تتعلم ً‬ ‫لغة‬ ‫لم تفهمه��ا بعد‪ ،‬قد يق��ال عنا أننا‬ ‫لس��نا صحاف��ة‪ .،‬أننا لس��نا قصصاً‬ ‫تحكى‪ ،‬أننا في ث��ورة لم تنضج بعد‬ ‫على خط البداية‪.‬‬ ‫س��وريا‪ ..‬ع��ام ونص��ف عل��ى‬ ‫االنتفاض��ة الش��عب الس��وري لنيل‬ ‫حريته‪ ..‬عام على سوريتنا‪ ،‬أين نحن‬ ‫اآلن من عفوية اللحظة األولى‪.‬‬ ‫الحقيق��ة الت��ي ال تخف��ى على‬ ‫قلوبن��ا أن الكتاب��ة ال تم��وت‪ ،‬ف��ي‬ ‫حض��رة ال��دم تولد الكلم��ات‪ ،‬وفي‬ ‫حض��رة الحري��ة يولد األم��ل ويولد‬ ‫اإلب��داع‪ ،‬ق��د ال نرقى إلى مس��توى‬ ‫اللحظة‪ ،‬قد ال تكفي أرواقنا الهش��ة‬ ‫عزاء موتى الحرية‪.‬‬ ‫لس��نا أنقي��اء وليس ش��عبنا إال‬

‫كأنش��ودة تريد ق��راء ًة وفرحة بقاء‪،‬‬ ‫ف��رح س��وريتنا يغلفها ح��زن الثمن‬ ‫األليم ال��ذي يدفع��ه أبناؤها اليوم‪،‬‬ ‫ف��رح مقيم ف��ي ثورة يجم��ع الكون‬ ‫عل��ى مح��ي ح��روف ثورته��ا ويعيد‬ ‫أبناؤها كتابته��ا حرفاً حرفاً بعد كل‬ ‫غسق‪..‬‬ ‫في حضرة الدم ال خيار لنا سوى‬ ‫الحياة‪..‬‬ ‫كتب إيلوار م��رة "ليس لليأس‬ ‫أجنحة" وعندم��ا نضع الحرية نصب‬ ‫أعينن��ا‪ ،‬عندها يصب��ح اللون األحمر‬ ‫شهيداً وحمامات سالم‪.‬‬ ‫على األقل هو أملنا‪ ،‬ندرك اليوم‬ ‫بعد ع��ام أنه ال يمكن لن��ا الرجوع‪،‬‬ ‫يمك��ن لن��ا المراجعة والع��ودة إلى‬ ‫بعض األماكن‪ ،‬يمك��ن لنا أن نعيد‬ ‫اكتش��اف الحري��ة ومعناه��ا الغائب‬ ‫مطو ًال عن فكر وروح س��وريتنا التي‬ ‫نريد‪ ،‬لكن الرج��وع ليس ممكنا‪ ،‬أو‬ ‫يمكن لنا العودة إلى ما قبل الحرية‪،‬‬ ‫ف��ي حض��رة الحرية‪ ،‬يصب��ح الكالم‬ ‫لزاماً‪ ،‬يصب��ح الهتاف كأغنية القمح‪،‬‬ ‫وتغني سوريا لدولة ستولد فينا وبنا‬ ‫من جديد‪..‬‬ ‫لشهدائنا‪ ،‬لمهجرينا ولمعتقلينا‪،‬‬ ‫لكل م��ن عاش فينا‪ ،‬ل��كل ما حفره‬ ‫فينا األمل خالل عام‪ ،‬لسوريتنا التي‬ ‫نريد‪ ،‬لنا وبنا‪ ...‬كلمة حرية‪.‬‬ ‫فلن نكون إال أحراراً‪..‬‬

‫عام في حضرة الحرية ‪. .‬‬

‫عام فـي ح�ضرة احلرية‬

‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪17‬‬


‫عام في حضرة الحرية ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪18‬‬

‫الثورة �أي�ض ًا حتقق الأحالم‬

‫عروة المقداد‬

‫إلى جواد أبو المنى‬ ‫بعد أكثر من عشر سنوات وجدت‬ ‫ذلك الشاب ذو الشعر األشقر والعيون‬ ‫الرمادية‪ ،‬المتحمس دائمًا‪ .‬كنت حينها‬ ‫أكتب الشعر‪ ،‬ظناً مني أنني سأفك به‬ ‫طالسم هذا العالم‪ .‬التقيته في مقهى‬ ‫الروض��ة ولم أتج��اوز بعد الخامس��ة‬ ‫عش��ر من عمري‪ .‬وكان هو في حدود‬ ‫الثالثينيات‪ .‬وكانت دمشق غارقة في‬ ‫س��كونها االعتيادي‪ .‬الزمن ال يمر في‬ ‫تلك المدين��ة والمثقف��ون والفنانون‬ ‫يجترون األمج��اد الغابرة ف��ي حجارة‬ ‫النرد بحث��ًا عن حظ عاثر ينجيهم من‬ ‫م��أزق المل��ل الوج��ودي‪ .‬تحدثنا عن‬ ‫الشعر والسياس��ة‪ ،‬وقد اكتشف فيّ‪،‬‬ ‫على ما أذكر‪ ،‬ش��اعراً مهماً‪ .‬أعتقد أنه‬ ‫تبناني في تلك الفترة‪ ،‬ليس بالمعنى‬

‫الفن��ي ب��ل بالمعني اإلنس��اني‪ .‬كنت‬ ‫حينها كثير الهرب م��ن المنزل‪ ،‬أبحث‬ ‫ع��ن مغام��رات التس��كع في ش��وارع‬ ‫دمشق كريفي يلتقط عطور الفتيات‬ ‫ويتنهد على أغاني محروس الشغري‬ ‫في السرافيس‪.‬‬ ‫التقيت��ه ذات م��رة عل��ى عجل��ة‪،‬‬ ‫وكان وجهه قد تهالك واصطبغ باللون‬ ‫األحمر‪ .‬وتقطر األلم والخوف من أنفه‬ ‫النحيل‪ ،‬الذي كان يشق الهواء بخجل‬ ‫ويغ��ري الكثي��ر من الفتي��ات‪ .‬قال لي‬ ‫«أعتقد أن المخابرات سوف تعتقلني»‪.‬‬ ‫ل��م أفهم بالضبط حينها لماذا س��وف‬ ‫تعتقله‪ ،‬ولكن أذكر أنه قال لي ش��يئًا‬ ‫ما يخص إعالن دمشق‪ ...‬بعدها بعدة‬ ‫أيام فقدت االتصال به تمامًا‪.‬‬ ‫عش��ر س��نين م��رت ول��م أتبدل‪.‬‬

‫ظللت ذلك المراهق الذي يفتح المدينة‬ ‫بس��رفيس أبو ح��دو‪ ،‬ويدخله��ا فاتحًا‬ ‫كصعلوك‪ .‬لكنني تركت كتابة الشعر‪.‬‬ ‫اكتشفت أنني شاعر فاشل وأن الفتيات‬ ‫ال يحببن الشعراء‪ ،‬الرومانسيين منهم‬ ‫على وج��ه الخص��وص‪ .‬وتعويضاً عن‬ ‫ذل��ك رح��ت أكت��ب القص��ة‪ ،‬قص��ص‬ ‫خيبات��ي المتك��ررة في ه��ذه المدينة‬ ‫البغي‪ .‬لم أكن أراها سوى مدينة بغي‬ ‫تتاجر بأجساد أبنائها‪.‬‬ ‫اندلع��ت الث��ورة‪ ،‬وكن��ت عائ��داً‬ ‫من درع��ا متجهاً إلى قه��وة الروضة‪،‬‬ ‫بع��د أن فقدت األمل ب��أن أتدبر مكان‬ ‫منامتي‪ .‬سرت مدهوشًا في الطرقات‬ ‫وأن��ا أفكر‪ ،‬كيف من الممكن أن تكون‬ ‫الحياة طبيعية في هذه المدينة وعلى‬ ‫بع��د ‪150‬كم ثمة عش��رات الش��هداء‬

‫يس��قطون ومئ��ات الجرح��ى؟ كان��ت‬ ‫درعا تش��هد والدة الثورة على أشدها‬ ‫وتقدم الشهيد تلو الشهيد‪.‬‬ ‫إنها أكثر الص��دف الدرامية التي‬ ‫شهدتها في حياتي‪ .‬مر من جانبي كأي‬ ‫ش��خص عادي‪ .‬في كثي��ر من األحيان‬ ‫أق��ول أن ما حدث قد ف��ر من فيلم ما‬ ‫كنت قد ش��اهدته في طفولتي‪ .‬نظر‬ ‫إلي بطرف عينه عندما أصبح بجانبي‬ ‫تمامًا ورمقني بنظرة س��ريعة‪ .‬وبعد‬ ‫عش��رين خطوة بالضب��ط التفتّ إلى‬ ‫ال��وراء‪ ،‬وكان هو قد التفت إلى الوراء‬ ‫ونظر نحوي أيضًا‪ .‬خلع نظاراته وقال‬ ‫لي «عروة»!‪..‬‬ ‫جلسنا في المقهى بعد أن انهالت‬ ‫علين��ا الذكري��ات المتراص��ة كحائط‪.‬‬ ‫حكى لي سبب اختفائه المفاجئ‪ ،‬قال‬ ‫لي‪« :‬داهمت المخابرات منزلي ودسو‬ ‫لي ما اعتقلون��ي ألجله في المنزل»‪.‬‬ ‫تودعن��ا بعد حديث طويل‪ ،‬واتفقنا أن‬ ‫نلتق��ي لنكم��ل ذلك الح��دث الطويل‬ ‫ال��ذي كان��ت فيه المش��اعر مث��ل إبر‬ ‫تخيط الروح وتصلح ما أنفتق منها‪.‬‬ ‫اتصل بي في الصباح الباكر ليقول‬ ‫لي أريد أن أتحدث معك في موضوع ما‪.‬‬ ‫التقينا في باب توما وكان يمسك بمغلف‬ ‫ورقي‪ .‬جلسنا في الحديقة المطلة على‬ ‫النهر‪ .‬كنت أعلم أنه سيخبرني عن أمر‬ ‫م��ا يتعلق بالثورة‪ .‬وم��ن بعدها أخذني‬ ‫إل��ى من��زل عرب��ي قديم في دمش��ق‬ ‫القديمة وأثناء الطريق رحت أتحدث له‬ ‫عن حماقاتي المتكررة التي ما انفككت‬ ‫أرتكبها من��ذ بداية الثورة‪ ،‬كان البعض‬ ‫يراه��ا ش��جاعة‪ ،‬لكنه��ا لم تكن س��وى‬ ‫حماق��ات مراهق كبر فج��أة‪ .‬وهو يعلم‬ ‫ذلك‪ ،‬ويبتس��م‪ ،‬لكن ما الحل‪ ..‬وأنا ابنه‬ ‫الروحي؟‬ ‫ف��ي المن��زل العرب��ي وج��دت‬ ‫مجموع��ة من األصدق��اء‪ .‬كنت أعرف‬ ‫بعضهم وتعرفت على البعض اآلخر‪.‬‬ ‫جلس��نا وراء طاول��ة خش��بية‪ .‬راقبنا‬ ‫بعيني��ه الدافئتي��ن‪ ،‬وم��ن ث��م أخرج‬ ‫م��ن المغل��ف مجموع��ة م��ن األوراق‬ ‫المخ��روزة على ش��كل ك��راس ووزع‬ ‫لكل واح��د منا نس��خة‪ .‬كانت األوراق‬ ‫هي العدد األول من جريدة س��وريتنا‬ ‫المطبوعة وكان ق��د عمل على إنجاز‬ ‫العدد األول بأكمله‪.‬‬ ‫كان ذل��ك منذ عام‪ ،‬وه��و اللقاء‬ ‫األول ألس��رة تحرير جريدة س��وريتنا‬ ‫الذي حددنا فيه سياس��ة التحرير في‬ ‫الجري��دة‪ .‬كن��ا مجموعة من الش��باب‬ ‫الس��وريين م��ن مختل��ف األماك��ن‬ ‫والمش��ارب‪ ،‬يجمعنا بكل رومنسية‪...‬‬ ‫ح��ب الوط��ن والث��ورة! وتوال��ت‬ ‫االجتماعات والنقاشات‪ ،‬وتوالى إصدار‬ ‫الجريدة بالرغم من المضايقات التي‬ ‫تع��رض له��ا بعض م��ن أفراد أس��رة‬ ‫التحرير وهروب البعض اآلخر‪.‬‬ ‫مر أحد عش��ر عاماً على كل تلك‬ ‫الذكري��ات‪ ،‬ومن��ذ ذل��ك الي��وم الذي‬ ‫التقيت��ه كن��ا نحل��م بأن يك��ون لدينا‬ ‫قدرة على إنش��اء جري��دة ‪ ...‬حلم قد‬ ‫حققته لنا الثورة‪.‬‬


‫يوسف عكاوي‬

‫تستحق "س��وريتنا" أكثر من احتفال‪ ،‬كان‬ ‫يمكن له أن يكون حاف ً‬ ‫ال ورائعاً ومليئاً باألضواء‬ ‫لو أن السماء ك ّفت عن إرسال الطائرات لبعض‬ ‫الوقت‪ .‬وعلى األرجح لن يتسنى للجريدة اليوم‬ ‫أن تحتف��ل‪ ،‬فال ش��ك أن لديه��ا مهمة عاجلة‬ ‫تتلخص في أن تصل إل��ى آخر بيت‪ ،‬خيمة‪ ،‬أو‬ ‫رصيف‪ .‬هي الجريدة المثابرة منذ يومها األول‪،‬‬ ‫والتي لم تتأخر ساعة عن الصدور‪ ،‬لم تخذلنا‪،‬‬ ‫كان��ت دائماً على الموع��د‪ ،‬بكامل ح ّلتها‪ ،‬من‬ ‫الص��ورة والمانش��يت اللمّ��اح إل��ى عقد من‬ ‫األسماء األنيقة التي تزين صفحاتها‪.‬‬ ‫إذا أراد المرء أن يطمئن إلى المستقبل ما‬ ‫علي��ه إال أن يالحظ "س��وريتنا"‪ ،‬حيث المثابرة‬ ‫الت��ي ال تكت��رث لش��يء‪ .‬جري��دة تص��رّ على‬

‫القول إن الغد ممكن‪ ،‬وإن الماضي ليس قدراً‬ ‫مكتوب��اً على الس��وريين‪ .‬جري��دة تصرّ على‬ ‫االحتكام لصوتها‪ ،‬وه��ل هنالك أجمل من أن‬ ‫يصغي الصحفي إلى صوته هو‪ ،‬ال إلى متسلط‬ ‫وصوت رقيب؟‬ ‫لم تش��هد الب�لاد من قب��ل صحافة حرة‪،‬‬ ‫عق��ود طويلة م��ن الصحافة الرس��مية‪ ،‬تلتها‬ ‫صحافة خاص��ة مزعومة‪ ،‬مصاغ��ة على قياس‬ ‫الصحافة الرس��مية‪ ،‬أو ربما أق��ل‪ .‬ولذلك فإن‬ ‫صحافة حرة ومستقلة وتنتمي حقاً إلى الشارع‬ ‫س��تكون هي الفارق األساسي بين زمنين‪ .‬إذا‬ ‫لم تش��كل الصحيفة فارقاً فكأننا ما زلنا هناك‪،‬‬ ‫ف��ي عهود ما قب��ل الثورة‪ ،‬أما وق��د صار لدينا‬ ‫صحافة أخرى‪ ،‬تصرخ بأعلى صوتها‪ ،‬وبأجمله‪،‬‬

‫فال شك أن خطوتنا باتت في المستقبل ال في‬ ‫الماضي‪.‬‬ ‫لقد حققت "سوريتنا" حلماً‪ ،‬ال بد أن ك ً‬ ‫ال منا‬ ‫كصحفيين داعبه مراراً‪ ،‬كما أنها أخجلتنا مراراً‬ ‫في تقدمها ووثوقها وجرأتها ومغامرتها‪.‬‬ ‫كم خشينا على طفلتنا الصغيرة هذه‪ ،‬على‬ ‫"س��وريتنا"‪ ،‬من أن نصحو ذات أحد وال نجدها‬ ‫عل��ى صفحاتنا‪ ،‬غير أنها ظل��ت تعاند‪ ،‬إلى حد‬ ‫أنن��ا لم نع��دّ لها األي��ام‪ ،‬إل��ى أن باغتنا عيد‬ ‫حق��ا بلغتْ عاماً كام ً‬ ‫ميالدها األول‪ .‬هل ً‬ ‫ال من‬ ‫عمرها؟ ص��ارت صبية إذاً‪ ،‬بعمر أمها "الثورة"‪،‬‬ ‫حرة مثلها‪ ،‬عنيدة‪ ،‬وخطاها في المستقبل‪.‬‬ ‫صباح الخير "سوريتنا"‪.‬‬

‫عام في حضرة الحرية ‪. .‬‬

‫�صباح اخلري‪� ..‬سوريتنا‬

‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪19‬‬


‫عام في حضرة الحرية ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪20‬‬

‫ال�صخرة التي نبني عليها‬ ‫�صحافتنا امل�أمولة‬

‫آكاسيا العاصي‬

‫لطالما حلم الصحفي والكاتب‬ ‫الس��وري بمنب��ر ح��ر يمكن��ه م��ن‬ ‫قول رأيه بوض��وح دون االضطرار‬ ‫للت��واري خل��ف عب��ارات فضفاضة‬ ‫تحتمل الكثير م��ن التأويالت‪ ،‬منبر‬ ‫يتواص��ل م��ن خالله م��ع مجتمعه‬ ‫وأهل بل��ده ليس��مع آرائهم وينقل‬ ‫همومهم‪.‬‬ ‫ه��ذا الحل��م م��ا كان ليتحق��ق‬ ‫بح��ده األدن��ى ل��وال ث��ورات الربيع‬ ‫العرب��ي‪ ،‬وانطالق��ة ث��ورة ش��عبنا‬ ‫العظيم‪ ،‬حيث جاءت صحافة الثورة‬ ‫تحقيق��ا له��ذا الحل��م العزي��ز على‬ ‫قلب كل صحفي سوري خبر معاناة‬ ‫الكتاب��ة في ظ��ل الدكتاتورية‪ ،‬في‬ ‫صح��ف رس��مية أو ش��به رس��مية‬ ‫تديره��ا األجه��زة األمني��ة‪ ،‬والت��ي‬ ‫تحول��ت بمجملها ف��ي العقد األخير‬ ‫إلى صحف مأج��ورة مهمتها ترويج‬ ‫السياس��ات االقتصادي��ة الفاش��لة‪،‬‬ ‫وتسويغ الفس��اد وتمرير الصفقات‬ ‫المش��بوهة وتلميع طبق��ة األثرياء‬ ‫الجدد والتغني باالنفتاح الكاذب‪.‬‬ ‫واق��ع أورث الصحافة واإلعالم‬ ‫الس��وري أمراض��اً مزمن��ة‪ ،‬وق��ف‬ ‫إزاءه��ا الصحف��ي الس��وري أم��ام‬ ‫خيارين ال ثال��ث لهما‪ ،‬إما االنخراط‬ ‫في لعب��ة المال والفس��اد وجني ما‬ ‫يتس��اقط عن موائد رجال األعمال‪،‬‬

‫أو االنكفاء واالستعاضة عن الكتابة‬ ‫الصادقة بثرث��رة تافهة وتهويمات‬ ‫عائم��ة حرص��ًا على لقم��ة العيش‬ ‫وس�لامة ال��رأس‪ .‬وكان الخي��اران‬ ‫انته��اكاً لحرية الصحفي كإنس��ان‬ ‫وللصحافة بوصفها سلطة رابعة‪.‬‬ ‫ويمك��ن القول عندم��ا صدرت‬ ‫جري��دة س��وريتنا ضم��ن القافل��ة‬ ‫األول��ى من صح��ف الث��ورة‪ ،‬مثلت‬ ‫مع زميالتها وعدا جادا برد االعتبار‬ ‫للصحاف��ة الس��ورية الح��رة بع��د‬ ‫خمسة عقود من التغييب القسري‪.‬‬ ‫لك��ن التح��دي األكب��ر أنه��ا ج��اءت‬ ‫في وق��ت ب��دأ العالم يدي��ر ظهره‬ ‫للصحاف��ة الورقي��ة (التقليدي��ة)‬ ‫فترت��ب عليها أيضًا إع��ادة االعتبار‬ ‫للصحاف��ة المكتوب��ة‪ ،‬ب��أن تك��ون‬ ‫تمثي ً‬ ‫ال لضمير وروح الثورة وهويتها‬ ‫ال مج��رد ناق��ل ومحل��ل ألخبارها‪.‬‬ ‫وخالل ع��ام تمكنت صح��ف الثورة‬ ‫السيما س��وريتنا أثبتت أنها المعبر‬ ‫األكثر رس��وخا عن مدني��ة الثورة‪،‬‬ ‫والتزام شبابها وجديتهم‪.‬‬ ‫ولعل المواظب��ة على الصدور‬ ‫دون انقط��اع رغ��م ظروف النش��ر‬ ‫الش��اقة والعمل السري بما يكتنفه‬ ‫م��ن خطورة‪ ،‬ينم عن إيمان أس��رة‬ ‫التحري��ر العمي��ق بأهمي��ة دور‬ ‫الصحاف��ة المكتوب��ة ف��ي الث��ورة‪،‬‬

‫وتكري��س أدبيات واح��دة من أكثر‬ ‫المه��ن الت��ي تعرض��ت للتقيي��د‬ ‫والتهش��يم ف��ي س��وريا ألكثر من‬ ‫نصف قرن‪ .‬ويحس��ب لهذه الصحف‬ ‫الولي��دة خروجه��ا ع��ن القواني��ن‬ ‫المحلية الجائرة وانتزاع مس��احتها‬ ‫الح��رة انتزاع��ا‪ ،‬وبالوق��ت ذات��ه‬ ‫احترامها لتقالي��د وأعراف ومواثيق‬ ‫الصحافة العالمية من حيث الرصانة‬ ‫والحس الرفيع بالمس��ؤولية‪ ،‬على‬ ‫الضد من صحافة النت الناشئة في‬ ‫كنف الثورة‪ ،‬ومدونات الوافدين إلى‬ ‫عالم الكتابة من كل حدب وصوب‪.‬‬ ‫كم��ا ال نغف��ل تح��رر ه��ذه‬ ‫الصح��ف الغضة من س��لطة المال‬ ‫السياس��ي‪ ،‬التي تلقي بثقلها على‬ ‫العم��ل اإلعالم��ي الث��وري عموم��ًا‬ ‫وباألخ��ص القن��وات التلفزيوني��ة‬ ‫الت��ي انطلقت خارج س��ورية‪ ،‬إذ أن‬ ‫قل��ة قليلة جدا م��ن تل��ك القنوات‬ ‫ممول��ة من قبل س��وريين وتمتلك‬ ‫خطاب��ا جامع��ًا لكل الس��وريين‪ .‬إذ‬ ‫لدى غالبيتها أجندات يفرضها المال‬ ‫السياسي تحت يافطة دعم الثورة‪.‬‬ ‫الظاه��رة التي تتطل��ب بالضرورة‬ ‫وج��ود إعالم وطني مس��تقل جامع‬ ‫للحد من اس��تباحة اإلعالم الثوري‪،‬‬ ‫الش��ك أننا نرى بعضًا من مالمحه‬ ‫في صحف الث��ورة‪ ،‬على الرغم من‬

‫ط��راوة عوده��ا وتعث��ر خطواته��ا‪،‬‬ ‫فم��ا أظهرته لغاي��ة اآلن من التزام‬ ‫بالمعايي��ر االحترافي��ة والتحل��ي‬ ‫بالمصداقي��ة‪ ،‬قدمت نموذج��اً ـ إذا‬ ‫توف��رت ل��ه البيئ��ة الديمقراطي��ة‬ ‫الصحي��ة ـ كفيل مس��تقبال بحماية‬ ‫مهن��ة الصحاف��ة من االستس��هال‬ ‫واالبت��ذال والتميي��ع ف��ي ت��داول‬ ‫المعلوم��ات وبث الش��ائعات وخلط‬ ‫الحاب��ل بالناب��ل عل��ى صفح��ات‬ ‫الن��ت ومواقع التواص��ل االجتماعي‬ ‫ج��راء فوض��ى التدف��ق المنفل��ت‬ ‫للمعلومات‪.‬‬ ‫وتجنب��ا للمبالغ��ة‪ ،‬نكتف��ي‬ ‫بالق��ول إن هذا النموذج قد رس��م‬ ‫خ��ط أم��ان ف��ي العم��ل الصحافي‬ ‫الس��وري‪ ،‬إن ل��م نق��ل ان��ه وضع‬ ‫اللبنة األولى في التأس��يس إلعالم‬ ‫س��وري ح��ر مؤهل ليكون س��لطة‬ ‫رابع��ة بكل م��ا تعني��ه الكلمة من‬ ‫معن��ى‪ّ .‬‬ ‫ع��ل وعس��ى أن نتمك��ن‬ ‫من إزالة تش��وهات خمس��ة عقود‬ ‫م��ن الصمت واإلقص��اء‪ ،‬مما يحتم‬ ‫أيضا على الصحافيين الس��وريين‬ ‫في بيئة الثورة دع��م ورعاية هذه‬ ‫التج��ارب والمش��اريع الفتي��ة بكل‬ ‫الوسائل لتكون الصخرة التي نبني‬ ‫عليها صحافتنا المأمولة‪.‬‬ ‫مبروك لسوريتنا عامها األول‪.‬‬


‫فدوى روحانا‬

‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫كلم��ا حاولت الكتابة عن س��وريا أش��عر بالخوف‪ ،‬رغم‬ ‫أنها ليست المرة األولى التي أكتب بها لسوريتنا‪ ،‬لكن تدفق‬ ‫ش��هداء الش��ام كان كما النهر في عزم تياره جارفا وس��احقا‬ ‫وصادم��ا‪ ،‬يت��ركك مصعوقا ومعقود اللس��ان‪ ،‬وهل بوس��ع‬ ‫الروح أن تنطق أمام ثالثين ألف شهيد‪..‬‬ ‫وأي مصداقي��ة يوج��د للغة وفي الس��جون يرقد اآلالف‬ ‫واآلالف م��ن الس��جناء الس��وريين الذي��ن قمع��ت واغتيل��ت‬ ‫لغتهم‪..‬‬ ‫وإذ أق��ف اآلن على أعتاب األبجدية وأحاول برعش��ة أن‬ ‫أنتقي للثورة السورية مفردات تليق بها أشعر برغبة شديدة‬ ‫بمخاطبة هؤالء الغائبين من الشهداء والمعتقلين الذين لن‬ ‫يقرؤوا حروفي ولن يسمعوا صوتي‪ ،‬وقد تكون تلك محاولة‬ ‫الس��تحضارهم‪ ،‬رغم أنف الموت ورغم أنف الس��جان ورغم‬ ‫أن��ف الطاغي��ة ورغم أن��ف الممانعي��ن الذي��ن غيبوهم عن‬ ‫ضميره��م ويحاولون تغييبهم عن وعينا بما امتلكه خيالهم‬ ‫من زيف وما نس��جته أيديولوجيتهم المعطوبة من قصص‬ ‫المؤامرة والمندسين والعصابات المسلحة‬ ‫دائما في الحديث عن سوريا تكون فلسطينيتي حاضرة‬ ‫جدا‪ ،‬كيف ال واألرض تعانق األرض والسماء تالمس السماء‬ ‫والغمامات هائمات في انس��جام تام ما بين السمائين‪ ،‬كيف‬ ‫ال وكل ما فيكم يذكرنا بنا فصور األبيض واألس��ود للمأساة‬ ‫الفلسطينية منذ بدايتها تبعث اآلن حية بألوان سورية‪..‬‬ ‫ول��و أن الموق��ف الفلس��طيني الع��ام لم يك��ن بحجم‬ ‫الملحم��ة الت��ي تخطونها‪ ،‬وإحساس��نا بكم ل��م يكن بحجم‬ ‫معاناتك��م‪ ،‬نحن الذي��ن عرفن��ا المعاناة من��ذ والدتنا‪ ،‬نحن‬ ‫الذين أدركنا معنى الوحدة‪ ،‬تركناكم في وحدتكم تعانون‬ ‫فبينن��ا هنالك‪ ،‬ولألس��ف من م��ا زال عاج��زا عن رؤية‬ ‫وجوهك��م‪ ،‬رغم الدماء التي اكتس��تها لحظات الرحيل‪ ،‬رغم‬ ‫ارتسامها بعمق األحمر على صفحات نهاراتنا وعتمة ليالينا‪،‬‬ ‫بيننا من ال يسمعكم رغم ارتجاج الزنزانات بأنينكم‬ ‫بينن��ا من ال يأب��ه لرحيلكم‪ ،‬ما دام النظام باق ليش��بع‬ ‫فانتازيا الممانعة التي يحيي بها رغم موتكم‬ ‫بينن��ا من وق��ف من ثورتك��م موقف المدي��ن كونه ما‬ ‫زال يعتبره��ا مؤام��رة امبريالي��ة إلس��قاط "حم��اة الديار"‪،‬‬ ‫إذ أن��ه في أيديولوجيت��ه العمياء ال يرى أن "حم��اة الديار قد‬ ‫فصفوا دياركم العزيزة بوحشية الغزاة وحولوها إلى خراب‪،‬‬ ‫وجه م��ن انتزعكم من دياركم البهي��ة وألقاكم في المقابر‬ ‫والسجون والخيام‪ ،‬بيننا من في عبوديته للطاغية يعجز عن‬ ‫النظر إلى وجه الطاغية‪..‬‬ ‫بيننا م��ن ال يعترف بإرادتكم وعزيمتكم وش��جاعتكم‬ ‫في التصدي ألشرس الطغاة وأكثرهم حقدا‪..‬‬ ‫بيننا ولألس��ف من ال يرى أن س��وريا هي وطن وليست‬ ‫إقطاعية‪ ،‬أن س��وريا ملككم أنتم وليس��ت ملكا لألس��د‪ ،‬أن‬ ‫س��وريا هي أنتم وليست األسد‪ ،‬أن الشعب فوق الحاكم وأن‬ ‫إرادت��ه أعلى قيمة من أي أيديولوجية‪ ،‬أن حياتكم وحريتكم‬ ‫وكرامتكم أغلى من أي اعتبارات سياسية‪ ،‬أن المقاومة هي‬ ‫فيكم ومنك��م‪ ،‬أنكم أنتم من أتيت��م بالبطوالت التي طالما‬ ‫انتظرناها وتقنا إليها ولم نسمع بها منذ انتحرت األساطير‪،‬‬ ‫البطوالت التي هزمت الهزيمة فينا‪..‬‬ ‫وأن��ا ال تعنين��ي قضيتي أكث��ر مما تعنين��ي قضيتكم‪،‬‬ ‫ففي روحي ال تتجزأ حقوقنا وال تتجزأ دماؤنا‪ ،‬وال ترى عيناي‬ ‫سوى التشابه والتماهي والتكامل بين القضيتين‪ ،‬نحن روح‬ ‫واحدة‪ ،‬نحن جس��د واح��د احتل بعضه الغرب��اء وبعضه ذوو‬ ‫القربى وظلمهم أشد مضاضة‪..‬‬ ‫ويحيرن��ي ويقهرني موقف هؤالء‪ ،‬فم��ا الذي يجعلهم‬ ‫يقف��ون م��ع الدكتات��ور ضد ش��عبه وم��ن أين أتته��م هذه‬ ‫القس��وة وأين ألقوا بإنس��انيتهم وأين ذهب��وا بضمائرهم‪،‬‬ ‫وكي��ف بإمكانه��م غض النظ��ر عن كل هذه الدم��اء‪ ،‬فتحن‬ ‫لم نعد أمام موقف سياس��ي نحن أمام قضية أخالقية‪ ،‬أمام‬ ‫إج��رام ممنه��ج ضد الش��عب الس��وري‪ ،‬أصارحك��م بأنه في‬ ‫داخلي هنالك فلس��طينية تخجل بهم‪ ،‬ولو فكرنا باعتبارات‬ ‫أيديولوجية بحتة فما الذي قدمته ساللة الدكتاتور لقضيتنا‪،‬‬

‫س��وى المزيد من الش��هداء من تل الزعتر وحت��ى اليرموك‪،‬‬ ‫مرورا بس��نين ب��ل بعقود من الدس��ائس والمكائد والخيانة‬ ‫وصم��ت الس�لاح وضجي��ج المفاوضات الس��رية م��ع الكيان‬ ‫الصهيوني‪ ،‬ما الذي قدمه لنا األس��د س��وى ما منحه ألعدائنا‬ ‫م��ن حدود أمنة‪ ،‬من جوالن باعه بأراضي��ه وخيراته لينعموا‬ ‫به في عز مأساتنا‪..‬‬ ‫وف��ي الحقيق��ة من��ذ نعومة أظف��اري‪ ،‬من��ذ أن وعيت‬ ‫على قضيتي التي حقنت بالش��عارات حت��ى عميت بصيرتنا‬ ‫وتهنا عن مس��ارنا‪ ،‬لم أتوقع من النظام الس��وري شيئا ولم‬ ‫أطلب منه ش��يئا‪ ،‬ل��م أطلب منه أن يحارب م��ن أجل حريتي‬ ‫وقد اس��تعبدكم‪ ،‬لم أطلب منه أن يش��رع ل��ي أبواب الوطن‬ ‫وأنت��م في زنزانات��ه الموصدة تقبعون‪ ،‬ل��م أنتظر يوما من‬ ‫النظام الس��وري أن يمنحني حياة س��لبها منكم‪ ،‬أو أن يرفع‬ ‫لي كرامتي وقد رمس كرامتكم وال أن يعيد لي هويتي وقد‬ ‫احتكر لس�لالته هوية سوريا‪ ،‬وال أن يس��تعيد لي فلسطين‬ ‫وقد افترس بش��راهة سوريتكم‪ ،‬أنا لم أش��ته يوما حريتي‬ ‫بمعزل عن حريتكم‪..‬‬ ‫لكن رغ��م هذه المواقف المش��ينة لبعض��ا‪ ،‬كم وددت‬ ‫ي��ا أصدقائي لو تعرفون أن في فلس��طين قلوبا تصلي لكم‬ ‫ونوافذ مش��رعة في انتظار أرواحك��م الهائمة‪ ،‬كم وددت لو‬ ‫يصل إليك��م صوتي وتعرفون‪ ،‬كم أنن��ا نحبكم وندرك كم‬ ‫أنك��م كما نح��ن وحيدون‪ ،‬وك��م أنكم بحاجة لس��ماع كلمة‬ ‫"نحبكم" في وس��ط الدمار والقتل والحق��د الذي يحيطكم‪،‬‬

‫كم أنك��م بحاجة لمن يحدثكم عن بهائك��م وجمالكم رغم‬ ‫الغبار والدماء التي تواريك��م‪ ،‬لمن يحدثكم ليس فقط عن‬ ‫الضحي��ة وال عن الثائر أو المقاتل أو البطل أو حتى الش��هيد‬ ‫بل عن اإلنسان فيكم‪ ،‬وطوبى لإلنسان فيكم‪ ،‬الذي تمسك‬ ‫بإنس��انيته وبحقه في ممارس��تها‪ ،‬رغم ممارس��ات النظام‬ ‫ومحاوالته لقمعها واغتيالها منذ والدتكم‪..‬‬ ‫طوبى لكم ألنكم اخترتم الحياة رغم الموت المتربص‬ ‫لكم في الطريق إليها‪..‬‬ ‫وع��ذرا س��وف أخ��رج عن الن��ص ال��ذي ابتدأت��ه إذ أنه‬ ‫وأنا أكتب هذه الس��طور اجتاحت الشاش��ات ص��ورة الطفلة‬ ‫مقطوعة الرأس وش��لت يداي‪ ،‬وش��لت حواسي‪ ،‬إنها لحظات‬ ‫فارق��ة ف��ي تاري��خ البش��رية من��ذ نش��وئها‪ ،‬إنه��ا انس�لاخ‬ ‫اإلنس��انية عن ذاتها‪ ،‬من��ذ اآلن هنالك فترة ما قبل وما بعد‪،‬‬ ‫فما كان بوس��ع أي مشهد أخر أن يشق التاريخ شطرين على‬ ‫هذا النحو المفجع‪..‬‬ ‫وأم��ام مش��هد كهذا‪ ،‬عل��ى الس��ماء أن تعل��ن انهيارها‬ ‫وعلى الكواكب أن تعلن انتحارها‪ ،‬أن تهوي في الالشيء وأن‬ ‫تتالش��ى بكل أنوارها وعلى العالم أن ينتزع وجهه عن وجهه‬ ‫ويتكور على ذاته حد االختناق خجال وحياء‪ ،‬على الطوفان أن‬ ‫يبتلعنا والبراكين أن تحرقنا واألعاصير أن تمزقنا‪ ،‬آنا حزينة‬ ‫ح��د التطرف حد الحقد على كل عش��بة ل��م تمنح رأس هذه‬ ‫الطفلة مأوى‪ ،‬ولو بقي في محبي النظام السوري أي ذرة من‬ ‫الشرف لوقفوا أمامه اآلن وأمروه‪ :‬تنحى أو سنقطع رأسك‪..‬‬

‫عام في حضرة الحرية ‪. .‬‬

‫فل�سطني و�سوريا‪..‬‬ ‫خطى جمدولة على دروب احلرية‬

‫‪21‬‬


‫قلبي حاك ّورة �ص ّبار يا �أبي‪..‬‬ ‫نبض الروح ‪. .‬‬

‫مرثيات من عامل الربزخ‬

‫الو�ص ّية‬

‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫الط��رق مغلق��ة إل��ى بيت��ي في‬ ‫ليلة الخميس‪ ،‬والنوم يخاف الحواجز‬ ‫األمنية أيضاً‪ ..‬لم يأتي النعاس أيضًا‬ ‫يا أبي‪ ،‬لذلك ق��ررت كتابة وصيّتي‪،‬‬ ‫فقد ال أعود من صالة الجمعة‪.‬‬ ‫ال تصال��ح ي��ا أب��ي‪ ،‬وتُمسّ��ك‬ ‫بقلوب إخوتي‪ .‬ألن دمي ليس رخيصًا‬ ‫يا أبي‪ ..‬ات��رك اخوتي يركضون نحو‬ ‫الش��ارع‪ ،‬ألن الضوء فيه يشبه دمي‪.‬‬ ‫وغنّ��ي من ش��رفتنا للحرية عند كل‬ ‫فج��ر‪ ،‬الن دمي ليس رخيص��اً‪ ،‬وألن‬ ‫الحرية مثل دمي‪.‬‬ ‫ال تصالح يا أب��ي‪ ،‬واطلب ديّتي‬ ‫حياتي‪ .‬ق��ل‪ :‬أريده حياً هن��ا‪ .‬وادهن‬ ‫ب��اب بيتن��ا بدم��ي‪ .‬واغس��ل جثت��ي‬ ‫بالغي��م ال��ذي أحب��ه‪ ،‬ث��م ادفني في‬ ‫مقبرة واسعة‪ ،‬مزدحمة؛ ألرفع رأسي‬ ‫بين األموات أيضاً‪..‬‬ ‫واص��رخ بم��ن ال عي��ون له��م‪:‬‬ ‫"أكرهكم"‪ ،‬وقبّل قلبي المثقوب قبل‬ ‫دفني‪ ،‬واصرخ مجدداً‪ :‬لن أصالح‪ .‬ألن‬ ‫دمي ليس رخيصًا يا أبي‪.‬‬ ‫وتع��ال قب��ل كل غ��روب‪ ،‬لتقرأ‬ ‫أخبار الش��ارع لي‪ .‬كيف يموت الظالم‬ ‫في كل زقاق بكم‪ ،‬وكيف يجد الناس‬ ‫عيونه��م‪ ،‬وكي��ف تضحك��ون‪ ..‬وال‬ ‫تغس��ل باب بيتنا قب��ل الفجر يا أبي‪،‬‬ ‫ألن دمي ليس رخيصًا‪.‬‬ ‫ال تصالح يا أب��ي‪ ،‬واطلب ديّتي‬ ‫حريتك‪.‬‬ ‫دمشق‪ -‬نيسان ‪2011‬‬

‫�سينما حتى املوت‬

‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪22‬‬

‫ل��م يُغلق عدس��ة الكاميرا بعد‪،‬‬ ‫المشهد مُستمر‪ ،‬هو ينام في التابوت‬ ‫ورفاقه يحمل��ون صوراً البتس��امته‪.‬‬ ‫ويُغن��ون‪ :‬جنّ��ة‪ ،‬جنّ��ة‪ ،‬جنّ��ة‪ ..‬هم‬ ‫يرقصون حول الشهيد‪ ،‬وهو يتنفس‬ ‫في كل الصور‪.‬‬ ‫قبل أيام‪ ،‬كان المخرج السينمائي‬ ‫باس��ل ش��حادة يمس��ك كاميرته في‬ ‫حم��ص‪ ،‬ويلتقط التفاصي��ل‪ ،‬ينتزع‬ ‫من الموت مش��اهد للحقيقة‪ ،‬ويع ّلم‬ ‫الش��بان هن��اك‪ ،‬كي��ف يتعاملون مع‬ ‫العدس��ة كما ينظرون م��ن عيونهم‪،‬‬ ‫ألن العالم يرى م��ن خاللها أحالمهم‬ ‫بالحريّة‪.‬‬ ‫لكنه اآلن ف��ي تابوت‪ ،‬وكاميرته‬ ‫بعي��دة ومقتولة مثل��ه‪ ،‬بفعل قذيفة‬ ‫(لحم��اة الديار) س��رقت حياته‪ ،‬وجزءاً‬ ‫من الحقيقة القاسية في حمص‪.‬‬

‫يقف مغني الثورة عبد الباس��ط‬ ‫الساروت قرب التابوت‪ ،‬ويحمل الفتة‬ ‫مكتوب عليها‪" :‬يا يس��وع‪ ..‬يا يسوع‪،‬‬ ‫ع��ن ثورتنا م��ا في رج��وع"‪ .‬وال يزال‬ ‫المش��هد مس��تمراً‪ ،‬ويرقص الجميع‪،‬‬ ‫وهو يتنفس في الصور‪.‬‬ ‫تعيدني الفتة الساروت إلى أوّل‬ ‫الثورة‪ ،‬ليلة ‪ 28‬كانون الثاني ‪،2011‬‬ ‫حين غنّى ش��هيد السينما السوريّة‪:‬‬ ‫"هبّي يا رياح التغيّير"‪ ،‬مع العشرات‬ ‫من أصدقائه أمام السفارة المصريّة‬ ‫في دمشق‪.‬‬ ‫حين بدأ أول الصوت المصري في‬ ‫الساحات‪ ،‬كنّا نتأمل حناجرنا‪ ،‬ونخاف‬ ‫أن نم��وت من الحس��رة‪ .‬قلن��ا حينها‪،‬‬ ‫أنا وباس��ل وثالث صديقات‪ ،‬أن مجرد‬ ‫اشعال الشموع أنفع من الصمت‪ ،‬وقد‬ ‫تتحول الشمعة إلى صوت‪.‬‬ ‫دار نق��اش طوي��ل مغل��ق على‬ ‫الفيس ب��وك‪ ،‬واتفق الخمس��ة على‬ ‫دع��وة األصدق��اء إلش��عال الش��موع‬ ‫أمام الس��فارة‪ ،‬للتضامن مع ش��هداء‬ ‫الس��احات المصريّة‪ .‬مسّ��نا الجنون‬ ‫الجميل حينها‪ ،‬وأرس��ل باسل الدعوة‬ ‫من هاتف��ه الخليوي إل��ى األصدقاء‪،‬‬ ‫رغم الحذر من استفزاز نظام يرتجف‬ ‫خوفًا من رياح التغيير‪.‬‬ ‫وصلتُ ليلتها مع الفتات صغيرة‬ ‫ُكتب عليها "نعم للحريّة"‪ ،‬للتضامن‬ ‫مع ش��هداء الس��احات الحالمة بوطن‬ ‫ح��ر‪ .‬كان الحض��ور األمن��ي كثي��ف‪،‬‬ ‫وباسل يقف مع ابتسامته قرب المكان‬

‫ينتظرنا مع مجموع��ة من األصدقاء‪.‬‬ ‫فطل��ب عناص��ر األمن من��ه تفاصيل‬ ‫بطاقته الشخصية‪ ،‬ليراجعهم صباح‬ ‫اليوم التالي‪.‬‬ ‫ش��موع‪ ،‬والفت��ات‪ ،‬وأغاني تحلم‬ ‫برياح التغيير‪ ..‬م��ن هنا بدأت الثورة‬ ‫برأي��ي‪ ،‬ألن الس��وريين ل��م يغادروا‬ ‫الش��وارع بعدها‪ ،‬وربما خجلت الريح‬ ‫من حناجرنا‪ ،‬وجاءت إلى سورية‪.‬‬ ‫وصل��ت الريح إلى كل الش��وارع‬ ‫الس��وريّة‪ ،‬وس��رقت أصدق��اء كث��ر‪،‬‬ ‫آخرهم باس��ل‪ ،‬وكن��ت أتمنى لو متّ‬ ‫قبلهم في ساحة ما‪ ،‬أو في زنزانة ما؛‬ ‫خير من العيش بذاكرة تشبه المقابر‬ ‫الجماعيّة‪.‬‬ ‫لكني اس��تعيد ابتس��امة باسل‪،‬‬ ‫وص��وت الموس��يقي ربي��ع الغ��زّي‬ ‫الذي قتلوه قبل أيام أيضًا‪ ..‬فأمس��ك‬ ‫بأحالمهم ّ‬ ‫وأفك��ر بالعودة من ألمانيا‬ ‫إلى س��وريا‪ ،‬كما فعل ش��هيد س��ينما‬ ‫الث��ورة‪ ،‬ال��ذي ت��رك منحة لدراس��ة‬ ‫الس��ينما في الواليات المتحدة‪ ،‬وعاد‬ ‫ألن الثوّرة تُع ّلم أكثر‪.‬‬ ‫كان الق��رار حكي��م‪ ،‬فلتوثي��ق‬ ‫الملحمة‪ ،‬متعة استثنائية؛ أن يصوّر‬ ‫الس��وري حلم��ه بكامي��را‪ ،‬ويواج��ه‬ ‫رصاصة قناص دون خوف‪ ،‬ألن الموت‬ ‫جمي��ل في الش��وارع‪ ،‬وألن��ه من أول‬ ‫مفردات الثورة "الموت وال المذلة"‪.‬‬ ‫يتح��دث نص��ف الس��وريين اآلن‬ ‫بلهجة الوصايا‪ ،‬ف��كل األفعال تؤدّي‬ ‫إل��ى الم��وت‪ ،‬أو إل��ى الغياب بش��كله‬

‫عامر مطر‬ ‫الس��وري الغريب‪ ،‬لكن الموت أجمل‪،‬‬ ‫ه��ذا ما قاله لي مُس��نّ حوراني في‬ ‫سجن القابون العسكري‪.‬‬ ‫ق��ال باس��ل لصديقته ف��ي آخر‬ ‫زيارة له إلى دمش��ق‪ ،‬أن موته قريب‬ ‫ويفضل العودة إلى حمص‪ ،‬إذ أحسّ‬ ‫بالغربة في دمش��ق بعد تجربة حياة‬ ‫الحريّة في مناطق الثورة المحررة‪.‬‬ ‫ص��دق حدس��ه بالم��وت‪ ،‬والب��د‬ ‫أن يتحق��ق حلم��ه بس��ورية الملوّنة‬ ‫والديمقراطية‪.‬‬ ‫أتخيل شكل الفيلم الذي صوّره‬ ‫في حمص‪ ،‬ولم تتح له الحياة إكماله‪،‬‬ ‫كان يالح��ق أبط��ا ًال ال نعرفهم‪ ،‬كما‬ ‫أس��رّ لحبيبته‪ .‬يو ّثق يوميات حمص‬ ‫القاسية‪ ،‬لتخرج مبتسمة في فيلمه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أتذك��ر فيل��م "بونج��ور" ال��ذي‬ ‫أخرج��ه قب��ل الث��ورة بس��نة‪ ،‬وكنتُ‬ ‫ج��زءاً منه‪ ،‬حي��ن كان يعمل معنا في‬ ‫مخيم��ات الس��وريين المهجري��ن من‬ ‫الش��مال إل��ى الجن��وب بفع��ل الجوع‬ ‫والجف��اف واإلهمال‪ ،‬أش��اهده للمرة‬ ‫المئة واستغرب‪ ،‬كيف استطاع تحويل‬ ‫القهر إلى فرح!‬ ‫أخ��اف من ذاكرت��ي‪ ،‬وأع ّلق على‬ ‫ج��دار غرف��ة نوم��ي صورت��ه دون‬ ‫شريط أس��ود‪ ،‬في محاولة الستعادة‬ ‫الش��جاعة‪ ،‬وتقليد صديقي الشهيد‪،‬‬ ‫أن أترك كل األش��جار والشوارع هنا‪،‬‬ ‫وأحمل كاميرتي إلى ش��ارع س��وري‪،‬‬ ‫تتحقق األحالم فيه كل يوم‪.‬‬ ‫تموز ‪2012‬‬


‫وحده اجلرح‬

‫نبض الروح ‪. .‬‬

‫كنّا نس��ترق الس��مع‪ ،‬ندف��ع آذننا‬ ‫عل��ى وجه باب الحديد حين صرخ ش��اب‬ ‫م��ن المهج��ع المج��اور للس��جان‪ .‬مت��ى‬ ‫أخ��رج؟ تأفف الس��جّان وردّ بس��خرية‪:‬‬ ‫"بعد س��نة"‪ ،‬وال تزال أسماعنا ممجوجة‬ ‫بالحدي��د‪ ،‬فضحك��تَ ي��ا ج��ار الزنزانة‬ ‫وتمتمتَ‪" :‬يكون سقط النظام"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ضحكنا بصوت منخفض على ردّة‬ ‫فع��ل الس��جان؛ باالس��تغفار والركض‬ ‫نحو غرف التحقي��ق‪ .‬بعد لحظات توقّف‬ ‫ّ‬ ‫وظ��ل صوتك وحي��داً في ممر‬ ‫الضح��ك‬ ‫الفرع مع أصوات شتائمهم وتعذيبك‪.‬‬ ‫الي��وم آخر أي��ام عيد الفط��ر‪ ،‬قبل‬ ‫عام بالضبط غادرت من بيتي إلى عالم‬ ‫الب��رخ‪ ،‬حيث تعرّف��ت عليك ي��ا أبو أبو‬ ‫زيد‪ ،‬جاري في المهجع‪.‬‬ ‫اس��تيقظت بملل في بيت��ي البعيد‬ ‫ع��ن برزخه��م‪ .‬ق ّلب��ت صفحت��ي عل��ى‬ ‫الفي��س ب��وك‪ ،‬ورأي��ت صورت��ك م��ع‬ ‫صفتك الجديدة المكتوبة فوق مالمحك‬ ‫"شهيد"‪.‬‬ ‫قلبي حاكورة صبّ��ارة يا صديقي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فك��رتُ منذ أس��ابيع بكتاب��ة مرثية عن‬ ‫حواكير الصب��ارة التي انتزعتها جرافات‬ ‫النظام خوفاً من صوتك وأصوات شركاء‬ ‫حريتك في بساتين المزّة‪.‬‬ ‫أنزع الشوك عن أصابعي‪ ،‬وأستعيد‬ ‫ذاكرت��ي مع��ك‪ ،‬حي��ن رفع��تُ أصاب��ع‬ ‫النص��ر لك في طريقي إل��ى الحمامات‪،‬‬ ‫ورآني الس��جّان‪ ،‬فضربون��ي ونقلوني‬ ‫من المهجع إلى المنفردة السابعة‪ ،‬حيث‬ ‫تعيش مع ستة أحرار آخرين‪.‬‬ ‫ي��دي تؤلمني بش��دّة‪ ،‬وأن��ت تقرأ‬ ‫الق��رآن على وجع��ي‪ ،‬ووجعك‪ ،‬وتعدني‬ ‫بنص��ر قري��ب‪ ..‬فأترك لك ي��دي‪ ،‬وأمدّ‬ ‫أنفي من بين قضبان الباب ألتنفسّ ألن‬ ‫الهواء ضيّق في منفردتنا المزدحمة‪.‬‬ ‫ف��ي فجر اليوم التال��ي طلبت منك‬ ‫أن تع ّلمن��ي بعض اآلي��ات‪ ،‬هل تتذكر؟‬

‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫قلبي حاكورة‬

‫عَ��ة‪ .‬مَا ا ْل َقا ِر ُ‬ ‫" ا ْل َقا ِر ُ‬ ‫عَ��ة‪ .‬وَمَا أَدْرَاكَ‬ ‫عَ��ة‪ .‬يَ��وْمَ ُ‬ ‫مَ��ا ا ْل َقا ِر ُ‬ ‫��ون النَّ��اسُ‬ ‫يَك ُ‬ ‫رَاش ا ْلمَبْ ُث��وثِ‪ُ .‬‬ ‫ون ا ْل ِج ُ‬ ‫بَال‬ ‫وَتَك ُ‬ ‫َكا ْل َف ِ‬ ‫عِهْن ا ْل ُ‬ ‫وش"‪.‬‬ ‫مَنف ِ‬ ‫َكا ْل ِ‬ ‫لم تكن تالوتك واضحة بما يكفي‪،‬‬ ‫فأتعبت��ك آن��ذاك بالتك��رارات‪ ،‬ألحف��ظ‬ ‫سوراً أكثر‪ .‬بعد أيام بدأت بتعلمي سورة‬ ‫الكه��ف‪ ،‬لكنهم نقلون��ي إلى مهجع في‬ ‫مبنى آخر قبل إتمام الحفظ‪.‬‬ ‫كن��تَ تبحث ع��ن الحس��نات داخل‬ ‫المنف��ردة ي��ا أب��و زي��د‪ ،‬بينم��ا أح��اول‬ ‫اكتشاف مساحات جديدة في قلبي‪.‬‬ ‫بعد شهر ونصف‪ ،‬وجدتك تتمشى‬ ‫في ساحة س��جن عدرا‪ ،‬أسمكت بيديك‬ ‫يومها وركضت نح��و أصدقائي‪ ،‬وأقول‪:‬‬ ‫"ه��ذا البط��ل الل��ي حكيتلك��م عنّ��و"‪،‬‬ ‫فخجلت مني ومنهم‪ .‬هل صدقتني اآلن‬ ‫يا أبو زيد؟ أنت بطل‪ ،‬وشهيد أيضًا‪.‬‬ ‫نسخت صورتك على كومبيوتري‪،‬‬ ‫ودخل��ت أبحث عن ص��ور أخرى لك على‬ ‫صفحة تنس��يقيّة المزّة‪ ،‬أق ّلب الصور‪،‬‬ ‫فباغتن��ي وج��ه أب��و س��عيد م��ع صفته‬ ‫الجديدة أيضًا‪ ،‬شهيد‪.‬‬ ‫بكي��ت ي��ا أبو زي��د‪ ،‬وتوقف��ت بعد‬ ‫لحظات خج ًال منك‪.‬‬ ‫خ��رج أبو س��عيد م��ن الف��رع قبل‬ ‫اعتقال��ك بأيام‪ ،‬كنّا نخ��اف من تحويله‬ ‫إل��ى الجويّ��ة‪ ،‬لكن��ك طمأن��ت قلوبن��ا‬ ‫بحريته‪ ،‬هل تتذكر؟‬ ‫ذهب��تُ إل��ى الم��زّة بع��د اإلفراج‬ ‫عنّي بحث��اً عن محل أبو س��عيد‪ ،‬لكني‬ ‫فش��لت في العثور عليه‪ ،‬وش��كره على‬ ‫اتصاله بوال��دي فور حريته‪ ،‬كنت أحمل‬ ‫أثناء بحثي عنه ماء بارد وكيس س��كر‪،‬‬ ‫أرسلهما قلب أبي إليه‪.‬‬ ‫نس��خت ص��ور أب��و س��عيد عل��ى‬ ‫كومبيوت��ري أيض��ًا‪ ،‬ف��ي مل��ف ص��ور‬ ‫األصدق��اء الش��هداء‪ ،‬ورمي��ت صورت��ي‬ ‫فيه‪ ،‬عليّ أراكما من جديد‪.‬‬ ‫أيلول ‪2012‬‬

‫أسبوعية‬

‫حين كانوا يضربوه البد أن خياله‬ ‫ذه��ب نحو منحوتة عن جس��ده الذي‬ ‫يئن من األل��م‪ ،‬وعن الس��ياط وآالت‬ ‫ظ��ل ّ‬ ‫التعذي��ب‪ ،‬وربما ّ‬ ‫يُفكر بأعماله‬ ‫التي أبعدها عن صواريخ سجانيه‪ .‬ال‬ ‫يمكن التكهّن بهواجس نحات يعيش‬ ‫التعذيب إل��ى أقصاه‪ .‬بهواجس نحات‬ ‫مات من شدّة الوجع والسياط‪.‬‬ ‫ته��دّم جس��د الفن��ان الس��وري‬ ‫وائل قسطون بفعل التعذيب‪ ،‬احتلت‬ ‫مالمحه الس��ياط في فرع أمن مجرم‬ ‫ال يعرف وحوشه الفن وال اإلنسانية‪،‬‬ ‫ونقل��وه بعده��ا إل��ى ب��رّاد مش��فى‬ ‫عسكري في حمص المدمّرة‪ ،‬وطلبوا‬ ‫من عائلته استالم جثته‪.‬‬ ‫حاصر الخش��ب جثت��ه المقتولة‬ ‫في الطريق إل��ى المقبرة‪ّ ،‬‬ ‫عل رائحة‬ ‫الخش��ب تحرّك أصابعه التي صنعت‬ ‫عش��رات المنحوتات‪ .‬ف��ي قبر صغير‬ ‫غم��روه بالت��راب والم��اء ّ‬ ‫ع��ل الطين‬ ‫يحرّك النحات المقتول‪ ،‬دون جدوى‪..‬‬ ‫اش��تغل النحات المقتول بالطين‬ ‫والخش��ب عش��رات المنحوت��ات ع��ن‬ ‫الحب والمرأة‪ ،‬إذ قال مرة في مقابلة‬ ‫مع��ه بأنه ال يفض��ل "الحج��ر" وإنما‬ ‫يعشق "الطين" و"الخشب" فاألول هو‬ ‫اإلنسان ألنّه من التراب وإلى التراب‪،‬‬ ‫و"الخش��ب" ألنه القري��ب األقرب لنا‪،‬‬ ‫يُول��د بلط��ف‪ ،‬يراه��ق بعنف��وان‪،‬‬ ‫ويموت بحكمة‪.‬‬ ‫يص��ف قس��طون نفس��ه‪ ،‬أن��ه‬ ‫"أقسى من الحجر"‪ ،‬بعد تجارب نحتية‬ ‫متع��ددة مع هذه الم��ادة الصلبة‪ ،‬هو‬ ‫أقس��ى؛ أرضخها وصنع منها أجس��اد‬ ‫عاطفيّ��ة لنس��اء أحبّه��ن‪ .‬ال يفه��م‬ ‫سجانك يا وائل غير القسوة والحديد‬ ‫فقتلك بهما‪ ،‬لكل منهما قسوته‪ .‬هو‬ ‫ينحت الحبّ‪ ،‬وسجانه الموت واأللم‪.‬‬ ‫البد أن رائحة الخشب تفوح اآلن‬ ‫في قريته مرمريتا‪ ،‬كما تفوح رائحة‬ ‫القذائ��ف واإلس��منت المحت��رق ف��ي‬ ‫كل بلده س��ورية‪ ،‬فوائل يحّب مادّة‬ ‫الخش��ب‪ ،‬ويصفه��ا‪" :‬تكب��ر وتصغ��ر‬ ‫وتم��وت وتعي��ش بحاج��ة لس��قاية‬ ‫ورعاية كالمرأة تماماً"‪.‬‬ ‫قصة النح��ات الش��هيد مع ظلم‬ ‫نظام األس��د قديم��ة‪ ،‬إذ حاول دخول‬ ‫كليّ��ة الفن��ون الجميلة في دمش��ق‬ ‫بع��د تحصيل��ه أعل��ى درج��ة ف��ي‬ ‫االمتح��ان العمل��ي‪ ،‬لكنه��م رفضوه‪،‬‬ ‫فدخل المعهد الطب��ي‪ .‬لكنه عاد إلى‬ ‫الكليّة وحاز مجدداً على أعلى درجات‬ ‫االمتحان العملي في الرسم فدخلها‪،‬‬ ‫ودرس في قسم النحت‪.‬‬ ‫تترك��ز أعم��ال قس��طون ح��ول‬ ‫الح��ب والم��رأة‪ ،‬وع��رض أعماله في‬ ‫ع��دّة صاالت داخل س��وريّة‪ ،‬ليقدّم‬ ‫للجمهور خش��به وطينه بصيغة حب‬ ‫منحوت على هيئة امرأة‪.‬‬ ‫األس��د ينح��ت البل��د بالقذائ��ف‪،‬‬ ‫يعج��ن الم��دن بالم��وت‪ ،‬والنح��ات‬ ‫الش��هيد يختزل أعماله بعبارة واحدة‬ ‫يخاطب فيها اإلنس��انية‪" :‬أحبك حتى‬ ‫النس��غ الطال��ع من قل��ب األرض إلى‬ ‫أحلى برعم شجر"‪.‬‬ ‫أيلول ‪2012‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫خرج��ت القذيف��ة م��ن المدف��ع‪،‬‬ ‫ودخل��ت في جس��د صديقي‪ ،‬يضحك‬ ‫الجندي‪ ،‬وال أستطيع فعل شيء‪.‬‬ ‫أعود إلى أول ذاكرتي معه‪ ،‬كانت‬ ‫أس��نانه تؤلم��ه وتؤلمن��ا‪ ..‬ويضحك‪.‬‬ ‫تلمّس ضرار ليلتها رأس��ي المجروح‬ ‫بح��ذر بال��غ‪ ،‬وطل��ب من��ي الجلوس‪.‬‬ ‫س��يبدأ ه��و بمراقب��ة الس��جانين‪،‬‬ ‫وسيغفو بعدها ألراقبهم أنا‪.‬‬ ‫القي��ود "الكلبش��ات"‪ ،‬ف��ي‬ ‫معصمين��ا‪ ،‬وج��رح في رأس��ي‪ ،‬وآخر‬ ‫في فم��ه‪ ..‬ممنوع علين��ا الجلوس أو‬ ‫النوم‪ ،‬ألن التحقيق لم ينتهِ بعد‪.‬‬ ‫كان ضرار مس��تو ش��ريكي في‬ ‫الجرح والقيد والزنزان��ة‪ ،‬لكنه اليوم‬ ‫مات؛ توقف قلبه بفعل قذيفة أطلقها‬ ‫جندي ما على بلدة قدسيا‪.‬‬ ‫اعتق��ل ضرار قبل��ي‪ ،‬وقبل عيد‬ ‫الفطر بأيام‪ ،‬خطفوه من محل الحديد‬ ‫الذي يديره في بلدته الثائرة‪ ،‬ضربوه‬ ‫يومها وخلعوا أس��نانه‪ّ ،‬‬ ‫وظل يرفض‬ ‫ما يطلب��ه عناصر األم��ن منه حينها؛‬ ‫أن يهتف بحياة سيدهم‪ ..‬اليوم قتلته‬ ‫صواريخهم‪ّ ،‬‬ ‫وظل يرفض‪.‬‬ ‫كان يبدد الوقت في الزنزانة بصنع‬ ‫خيوط تنس��ج حول المعص��م لزوجته‪،‬‬ ‫ولن��ا‪ ،‬ويُغن��ي لش��فان والقاش��وش‪،‬‬ ‫ويهت��ف لحريت��ه بص��وت منخف��ض‪،‬‬ ‫فيشتمه سجان يعبر أمام مهجعنا‪.‬‬ ‫بعد أس��ابيع من الضي��ق هناك‪،‬‬ ‫ص��ارت لن��ا ذاك��رة مش��تركة‪ ،‬صرت‬ ‫أع��رف غن��اء العتاب��ة مثل��ه‪ ،‬وأعرف‬ ‫قصص طفولت��ه‪ ،‬وأفكر مع أصدقاء‬ ‫الزنزانة اآلخرين بتسمية طفله الذي‬ ‫سيأتي بعد أشهر‪.‬‬ ‫ال شيء نفعله هناك غير الذاكرة‬ ‫واألحالم‪ ..‬نسرد ما نراه في الليل ّ‬ ‫كل‬ ‫النهار؛ نفسّ��ر‪ ،‬ونرسم مالمح أحالم‬ ‫الليالي القادمات‪.‬‬ ‫وعدت��ه برحل��ة إل��ى الف��رات‪،‬‬ ‫ووعدني بغداء ش��يش برك من طبخ‬ ‫والدته‪.‬‬ ‫س��أله المحقق مرّة‪ ،‬م��اذا تريد‬ ‫غي��ر الحريّ��ة؟ فأج��اب‪" :‬أري��د خالي‬ ‫أيضًا"‪ .‬ي��ا قلب أمك‪ ،‬س��رقوك اليوم‬ ‫منها‪ ،‬وسرقوا أخوها عام ‪.1982‬‬ ‫كان عم��ر ض��رار مس��تو ‪18‬‬ ‫س��نة حين غادر س��ورية نحو العراق‬ ‫لمحارب��ة االحتالل‪ ،‬ول��م يمت هناك‬ ‫رغ��م اآلالف القذائ��ف‪ ،‬والي��وم‪..‬‬ ‫اخترقت جسده قذيفة وطنية‪.‬‬ ‫وجدت ض��رار مجدداً في س��جن‬ ‫عدرا‪ ،‬بجرح أصغر‪ ،‬ومع أس��ماء جديد‬ ‫لطفله القادم‪.‬‬ ‫صرنا نجلس في باحة الس��جن‪،‬‬ ‫أس��أله عن أنواع الحديد‪ ،‬ألكتب نصُا‬ ‫عن مساحة الحياة داخل زنزانة‪.‬‬ ‫لصديق��ي الح��دّاد قل��ب غيمة‪،‬‬ ‫وجرح لم يتوقف بعد‪.‬‬ ‫أحبُّ قدر يدفعني ألتبع طريقك‬ ‫دون قص��د ّ‬ ‫كل م��رّة‪ ،‬حت��ى وإن‬ ‫كان جرح��ك الي��وم أكبر م��ن الحياة‪،‬‬ ‫وإن كان��ت محطت��ك األخي��رة مقبرة‬ ‫لألحرار‪.‬‬ ‫تموز ‪2012‬‬

‫رائحة اخل�شب‬

‫‪23‬‬


‫نبض الروح ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪24‬‬

‫هلو�سات يف زمن الثورة‬ ‫آية األتاسي‬

‫�صباح �آية‪:‬‬

‫أفتح النافذة والستائر‪ ..‬إنه زمن‬ ‫الحرية‪ ،‬تكسرت جدران السجون في‬ ‫رؤوسنا وتكسير الس��جون الحقيقية‬ ‫ما هو إال مسألة وقت‪..‬‬ ‫بحرك��ة تلقائي��ة أفت��ح الناف��ذة‬ ‫الصغي��رة الت��ي تدخلن��ي العال��م‬ ‫االفتراضي‪ ..‬أتفقد أنفاس األصدقاء‬ ‫وأنه��م م��ا زال��وا أحي��اء‪ ..‬وكم��ن‬ ‫يس��تيقظ وينظر لنفسه في المرآة‪..‬‬ ‫أدخل صفحة آية‪ ..‬توأمي االفتراضي‬ ‫في سوريا‪ ..‬أس��معها تستمع لفيروز‬ ‫وتغن��ي‪" :‬علموني حب��ك والموني"‪..‬‬ ‫مخرجة لس��انها في وج��ه القذيفة‪..‬‬ ‫القصف ي��زداد وصوت المذياع يرتفع‬ ‫أكث��ر‪" ..‬أنتم تصنع��ون الموت ونحن‬ ‫نقاوم بالحب والحياة والفرح" تصرخ‬ ‫آي��ة الداخ��ل وه��ي تصن��ع مناقيش‬ ‫الزعت��ر للصباح‪ ..‬يس��يل الزيت فوق‬ ‫الزعتر الحلبي وتس��يل دموعها فوق‬ ‫غمازيتيه��ا الذابلتين‪ ..‬أس��ألها" لماذا‬ ‫تبك��ي؟"‪ ..‬تق��ول إن��ه البص��ل‪ ..‬ث��م‬ ‫تضح��ك وه��ي تتذك��ر أال بصل في‬ ‫المنقوشة‪ ..‬بل زعتر حلب‪..‬‬ ‫"إن��ه الزعتر الحزين ما يبكيني‪..‬‬ ‫حل��ب ل��م تع��د ق��ادرة عل��ى الغن��اء‬ ‫والط��رب‪ ..‬الفس��تق الحلبي طقطق‬ ‫ب�لا ص��وت ه��ذه الس��نة‪ ..‬خجل من‬ ‫احم��رار ثم��اره‪ ..‬أم��ام حرم��ة ال��دم‬ ‫األحم��ر المس��كوب"‪ ..‬تق��ول آي��ة أو‬ ‫تكت��ب على لوح��ة مفاتي��ح ال أراها‪..‬‬ ‫ب��ل أرى آث��ار خبطاتها عل��ى نافذتي‬ ‫المفتوحة لألمل‪..‬‬

‫مظاهرة �آية‪:‬‬

‫"إلتقيت��ه ف��ي تل��ك المظاهرة‪..‬‬ ‫كان كالمنارة على الس��فح‪ ..‬محمول‬ ‫على كتف صديقه‪ ..‬التقت عينانا على‬ ‫كلمة حرية ولم اس��تطع نس��يانه"‪..‬‬ ‫كتبت آية الداخل‪..‬‬ ‫ل��م يق��ل ل��ي كلم��ة ح��ب‪ ..‬بل‬ ‫ص��ارت كلم��ة الحري��ة ه��ي تعويذة‬ ‫الغ��زل‪ ..‬وبداي��ة قص��ص الح��ب‪..‬‬ ‫تضيف بحنين‪..‬‬ ‫أسالها إن كانت تشتاقه؟‪..‬‬ ‫فتجيب بأنها تشتاق المظاهرات‬ ‫السلمية حين تش��تاقه‪ ..‬سرقوا منها‬ ‫الثورة وس��رقوا منها الحب‪ ..‬أصبحت‬ ‫تراق��ب القذيف��ة من نافذته��ا وحين‬ ‫تسقط بعيداً‪ ..‬تعرف أنها نجت اليوم‬ ‫ولك��ن بكره غير مضم��ون‪ ..‬أصبحت‬ ‫تنظر لثورته��ا من الناف��ذة‪ ..‬لم تعد‬ ‫فاعل��ة‪ ..‬ال تح��ب األس��لحة وال تتقن‬ ‫اس��تعمالها‪ ..‬ولكنها أصبح��ت خبيرة‬ ‫بأس��ماء القذائف والمداف��ع ومداها‪..‬‬ ‫وحي��ن اس��ألها ع��ن مص��در ثقافتها‬ ‫العسكرية‪ ..‬تضحك وتخبرني‪ :‬مكره‬ ‫أخ��اك ال بط��ل‪ ،‬علينا أن نع��رف بأي‬ ‫أسلحة س��نموت لنبزق عليها مسبقًا‬ ‫ونكت��ب وصيتن��ا‪ .‬تخبرن��ي أن ولعها‬ ‫بالمظاه��رات بعد س��نوات من الكبت‬ ‫االس��تبداد‪ ،‬ص��ارت تعيش��ه وحيدة‪..‬‬ ‫تعل��ن ش��عار المظاهرة قبل س��اعة‬ ‫وتت��رك أخوته��ا الصغ��ار ي��رددون‬ ‫وراءها‪ :‬سوريه لسا بدها حرية‪..‬‬

‫�أبو �آية‪:‬‬

‫تكتب آية‪ :‬أبي موظف بس��يط ال‬ ‫عالقة له بالسياسة‪ ..‬ظل حياته كلها‬ ‫يمش��ي قرب الحائط ويقول " يا ربي‬ ‫السترة"‪ ..‬كان حنون وكريم لم يبخل‬ ‫علينا بش��يء‪ ..‬ولكن حياتن��ا كان لها‬ ‫تابوين‪ :‬ال حب وال سياسة‪..‬‬ ‫قامت الثورة ولم تدخل رأس أبي‬ ‫لتقلبه‪ ..‬ولكنها دخلت قلبي وجعلتني‬ ‫أثور على سلبيته وتابوهاته‪..‬‬ ‫كنت أرى أن الديكتاتور مس��ؤول‬ ‫ع��ن ش��قائنا ولك��ن س��كوت أبائن��ا‬ ‫واستسالمهم كان المسؤول األكبر‪..‬‬ ‫كنت أخ��رج بالمظاهرة وأتظاهر‬ ‫أنن��ي أدرس عن��د صديقات��ي‪ ..‬أحب‬ ‫ذلك الثائر المشاكس وأخفي رسائله‬ ‫في‬ ‫ج��وف كومبيوت��ري وأغل��ق‬ ‫فم��ه بمئ��ة كلمة س��ر!‪ ..‬م��اذا عنك؟‬ ‫تسألني‪..‬‬ ‫أح��اول أن أجي��ب ت��وأم اس��مي‬ ‫وروحي فأعج��ز عن كتابة أبي بجمل‬ ‫مفيدة‪ ..‬أكتب لها باختصار‪:‬‬ ‫أبي كان صورة معلقه على جدار‬ ‫غرفة الجلوس‪ ..‬وروح حرة في جسد‬ ‫معتق��ل ف��ي زنزانة‪ ..‬ل��م يبقى من‬ ‫أبي إال قبر منس��ي في مدينه مهدمه‬ ‫وش��اهده كت��ب عليه��ا‪ :‬وال تحس��بن‬ ‫الذي��ن قتل��وا ف��ي س��بيل اهلل أمواتًا‬ ‫ب��ل أحياء عن��د ربهم يرزق��ون"‪ ..‬لم‬ ‫أزر قبر أبي منذ س��نتين‪ ..‬هل يفتقد‬ ‫األموات زوارهم؟‪..‬‬

‫تكتب ل��ي آي��ة الداخل‪ :‬س��أزور‬ ‫قب��ره وأت��رك ورودك عليه وس��أوقع‬ ‫باسمي‪ ..‬آية‪ ..‬هل سيكتشف الخدعة‬ ‫ويعرف أنني لست آيته!!!‪..‬‬

‫غياب �آية‪:‬‬

‫قب��ل أن أن��ام‪ ..‬أدق عل��ى نافذة‬ ‫آية وألوح لها تلويحة المس��اء‪ ..‬أرسل‬ ‫حكاية م��ا قب��ل النوم‪ ..‬أرس��ل قبلة‬ ‫المس��اء‪ ..‬وال أس��مع م��ن نافذتها إال‬ ‫أصوات بم بم بمبمبم‪ ..‬ال جواب!‪..‬‬ ‫ه��ل انقطع��ت الكهرب��اء‪ ..‬هل‬ ‫كان��ت آية حقيقي��ة‪ ..‬ه��ل ماتت آية‬ ‫تحت القص��ف‪ ..‬رغم كل وعودها لي‬ ‫بالبقاء حية!!!‪..‬‬ ‫ال كلم��ة وال ص��وت وال تلويحة‪..‬‬ ‫ه��ل كنت أهل��وس ؟‪ ..‬ه��ل تمخترت‬ ‫روح��ي في ش��وارع دمش��ق الضيقة‬ ‫حقاً‪ ..‬وعادت بروائ��ح البارود مختلط‬ ‫بروائح البزوري��ة؟؟ أم كانت روحها‪..‬‬ ‫ه��ل آية الداخل‪ ..‬هي أن��ا صغيرة أم‬ ‫أنا الحلم‪ ..‬أم أنا الغد؟‪..‬‬ ‫أح��س بص��داع يقس��م رأس��ي‬ ‫قس��مين‪ ..‬وقلبي قس��مين‪ ..‬وروحي‬ ‫قسمين‪ ..‬أنا آية هنا وهناك‪ ..‬أنا التي‬ ‫لم تغادر يوماً‪ ..‬ألن الوطن نغادره وال‬ ‫يغادرنا‪..‬‬ ‫أغلق الضوء ليهدأ وجع الشقيقة‬ ‫الذي يقس��م رأس��ي‪ ..‬وألمس الجزء‬ ‫األيسر حيث آية الداخل‪ ..‬وأوصيها أن‬ ‫تبقى على قيد ث��ورة وتتركني معها‬ ‫أعيش حالوة االنتصار‪..‬‬


‫عن الثورة ودفن الآخرين �أحياء‬ ‫ياسر أفغاني‬

‫نبض الروح ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬

‫يحبونه‪..‬‬ ‫هبط الس�لاح على بعض كتائب‬ ‫الجي��ش الح��ر مث��ل الش�لال‪ ،‬وهو ال‬ ‫يعرف م��اذا يفعل بكل ذلك الس�لاح‪..‬‬ ‫بعد أربعين س��نة من نزع السالح من‬ ‫أيدي المواطنين‪ ،‬وجد بعض الناس أن‬ ‫البندقية وس��يلة فعال��ة إلقناع الطرف‬ ‫اآلخ��ر بوجه��ة نظ��ر أخرى وبس��رعة‬ ‫قياس��ه‪ ..‬وما دمنا نتكلم باسم الثورة‪،‬‬ ‫فنح��ن على حق‪ ..‬وم��ا دمنا على حق‪،‬‬ ‫ولنرم بالجثث‬ ‫فلنعذب ونعتقل ونهدد‬ ‫ِ‬ ‫من على السطوح‪ ..‬ولنسرق السيارات‬ ‫الفاره��ة بحج��ة التأكد م��ن ملكيتها‪..‬‬ ‫ولنقت��ل كل م��ن نج��د عل��ى بطاقته‬ ‫الش��خصية عل��م النظ��ام األحم��ر ذا‬ ‫النجمتين‪..‬‬ ‫ف��ي أورب��ا اله��واء النظي��ف‬ ‫والقطارات ال تتأخر عن موعدها‪ ،‬بينما‬ ‫يعيش أولئك الذين أتحدث عنهم تحت‬ ‫القص��ف والضرب والتفجير‪ .‬ال ش��يء‬ ‫يجعلني قادراً على الرؤية بمنظورهم‬ ‫أو تقيي��م األمور من حي��ث يرونها وال‬ ‫أراه��ا‪ ..‬ولك��ن ال ش��يء يبي��ح تروي��ع‬ ‫الشعب اآلمن بحجة تحرير منطقة من‬ ‫سيطرة النظام‪ ..‬ال شيء يبرر عسكرة‬ ‫من ال يريد أن يتعس��كر أو اعتقال من‬ ‫ال يق��ف م��ع الث��ورة‪ ..‬ما الفائ��دة التي‬ ‫نجنيها من استبدال بشار األسد وعلمه‬ ‫األحمر ببشار أسد آخر بعلم أخضر؟‪.‬‬ ‫الث��ورة حال��ة مس��تمرة وليس��ت‬ ‫حدث��اً‪ ..‬الثورة حالة تحت��اج إلى صيانة‬ ‫دائم��ة وإال صدئ��ت وتحولت إلى نظام‬ ‫أسدي باسم آخر‪ ..‬مَن مِن دكتاتوريي‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬الذين قامت شعوبهم‬ ‫ضده��م‪ ،‬ل��م يصل إل��ى الحك��م عن‬ ‫طريق الث��ورة‪ ..‬معم��ر القذافي‪ ،‬علي‬ ‫عبد اهلل صالح‪ ،‬زين العابدين بن علي‬

‫أم حافظ األسد؟‪..‬‬ ‫الثورة ليس��ت ش��عاراً‪ ..‬ك��م بناء‬ ‫لحزب البعث في س��وريا س��مي باسم‬ ‫الثورة؟ جس��ر الث��ورة‪ ..‬جريدة الثورة‪..‬‬ ‫ش��ارع الث��ورة‪ ..‬مستش��فى الث��ورة‪..‬‬ ‫مدرس��ة الثورة‪ ..‬م��اذا كان اس��م أول‬ ‫درس قومية في كتاب البكالوريا؟‬ ‫هل س��نحتاج ث��ورة بع��د أربعين‬ ‫س��نة لإلطاح��ة بالث��ورة الت��ي تطيح‬ ‫اليوم بالثورة؟‬ ‫على م��دى نصف قرن من الزمان‬ ‫ح��اول نظ��ام األس��د تدجي��ن عق��ول‬ ‫المواطني��ن‪ ..‬منظم��ة طالئ��ع البعث‪..‬‬ ‫ش��بيبة الث��ورة‪ ..‬اتحاد الطلب��ة‪ ..‬حزب‬ ‫البعث‪ ..‬مادة القومية التي تدرس حتى‬ ‫الس��نة الثاني��ة من الجامع��ة‪ ..‬التعبئة‬ ‫العقائدي��ة البعثي��ة‪ ..‬حش��و الرؤوس‬ ‫بالش��عارات وبأق��وال األب القائ��د‬ ‫والقائ��د الخالد‪ ..‬برامج تلفيزيونيه مع‬ ‫العمال والحرفيين والقوات المسلحة‪..‬‬ ‫التقرير الجوال وأض��واء على األحداث‬ ‫والش��رطة في خدمة الش��عب ورسوم‬ ‫متحرك��ة هادف��ة وأفالم روس��ية كل‬ ‫ي��وم أحد وقناة ثاني��ة أجنية ومذيعين‬ ‫ومذيع��ات يش��بهون ضب��اط الجيش‪..‬‬ ‫مهران يوس��ف وماريا دي��ب (أم عمار)‬ ‫وماجدة زنبق��ة وعالء الدي��ن األيوبي‬ ‫ومروان شيخو و"ش��و بدي اتذكر منك‬ ‫يا سفرجلة"؟‬ ‫على مدى نصف قرن من الزمان‪،‬‬ ‫اس��تطاع نظ��ام األس��د تدجين بعض‬ ‫العق��ول‪ ..‬تعرف هذه الظاه��رة اليوم‬ ‫باسم "المنحبكجية"‪ ..‬لكنه أيضًا‪ ،‬ومع‬ ‫فش��له بتدجين عقول أخرى‪ ،‬استطاع‬ ‫تدجين طريقة تفكيرها‪ ..‬صحيح أنه لم‬ ‫يكسبها كمواالة لنظامه‪ ،‬لكنه كسبها‬ ‫كم��واالة لطريقة تفكي��ره‪ :‬إلغاء اآلخر‬

‫بكل طريقة ممكنة‪ ..‬بالتشويش على‬ ‫القناة األردنية لحماية الفكر السوري‪..‬‬ ‫أو بحجب مواق��ع اإلنترنيت المغرضة‪..‬‬ ‫وبمراقب��ة البري��د واالتص��االت‪..‬‬ ‫وبالترغي��ب واإلغ��راءات‪ ..‬وبالترهيب‬ ‫والقصف‪ ..‬على كل األحزاب السياسية‬ ‫أن تخض��ع للجبهة الوطنية التقدمية‪..‬‬ ‫على كل المحط��ات اإلذاعية أن تنطق‬ ‫بما يري��ده النظام‪ ..‬عل��ى كل الجرائد‬ ‫أن تتبع لمؤسس��ة الوحدة للصحافة و‬ ‫الطباعة و النشر‪ ..‬المهم هو أال يكون‬ ‫هن��اك وج��ود لآلخر‪ ..‬ألي آخر‪ ..‬س��واء‬ ‫كان منهج��اً أو بل��داً أو طريقة تفكير‪..‬‬ ‫حتى ولو اضطررنا لدفن البشر أحياء‪.‬‬ ‫ال يكف��ي أن تك��ون ثورتن��ا ل��كل‬ ‫أديان السوريين‪ ،‬مسلمين ومسيحيين‬ ‫ويه��ود وموحدي��ن وإس��ماعيليين‬ ‫وعلويي��ن وس��ريان وملحدي��ن‬ ‫ووجوديي��ن‪ ..‬وال يكف��ي أن تكون لكل‬ ‫إثنيات الس��وريين‪ ،‬عرب وكورد وأرمن‬ ‫وتركمان وش��ركس‪ ..‬عليه��ا أن تكون‬ ‫أيضًا لكل انتماءات السوريين‪ ،‬موالين‬ ‫ومعارضين ورماديين وصامتين‪ ..‬ثورة‬ ‫لكل الس��وريين وليس لكل الثوريين!‬ ‫وإذا اتبعن��ا اليوم طريق��ة النظام في‬ ‫وأد اآلخ��ر‪ ،‬أي آخ��ر‪ ،‬فس��وف نئد معه‬ ‫إنس��انيتنا‪ ..‬س��يكون النظ��ام قد نجح‬ ‫في تدجي��ن عقولنا بل واحتالل جينات‬ ‫تفكيرن��ا الت��ي نرثه��ا ونورثه��ا‪ ..‬ل��ن‬ ‫تنفعنا كل ش��عارات الحري��ة والمدنية‬ ‫الت��ي نردده��ا الي��وم‪ ..‬وس��وف نحتاج‬ ‫م��ن كل بد ثورة بع��د نصف قرن آخر‪،‬‬ ‫عندما يولد جيل ال يعرف نظام األس��د‬ ‫وال يخ��اف م��ن الجيش ال��ذي يرهبه‪..‬‬ ‫تمام��اً مثلما ق��ام هذا الجي��ل بثورته‬ ‫وه��و ال يعرف نظام ما قبل األس��د وال‬ ‫يخاف من الجيش الذي يرهبه‪.‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫ال ش��يء على اإلطالق كان يدعو‬ ‫لقيام ثورة في البلد‪ .‬كل ش��يء يسير‬ ‫عل��ى م��ا ي��رام‪ ..‬الوراث��ة ش��رعية‪..‬‬ ‫الدس��تور تغي��ر‪ ..‬البرلم��ان مواف��ق‪..‬‬ ‫الجمي��ع صام��ت والش��عب مش��غول‬ ‫بتحصي��ل رزقه‪ ،‬وما دام صبر كل هذا‬ ‫الوقت على حكم حافظ‪ ،‬فلن يعترض‬ ‫عل��ى رغبت��ه األخيرة‪ ..‬ل��م يتعود هذا‬ ‫الش��عب أن يرد له طلبات��ه‪ ،‬لقد أدرك‬ ‫الش��عب م��ع الوق��ت أن رئيس��ه أدرى‬ ‫بمصلحت��ه منه‪ ..‬وما دام رئيس��ه أراد‬ ‫أن يورث كرسيه لبشار‪ ،‬فليكن بشار‪..‬‬ ‫كان من قبل قد أراد باس��ل‪ ..‬وقد هلل‬ ‫الش��عب لباس��ل‪ ..‬ثم مات باسل‪ ..‬ولو‬ ‫أراد ماه��ر‪ ،‬لهلل الش��عب لماهر‪ ..‬وإذا‬ ‫احتاج دس��تور البالد نصف س��اعة من‬ ‫الزمان من أجل س��ت سنوات‪ ،‬فال بأس‬ ‫م��ن ربع س��اعة أخرى من أجل عش��ر‬ ‫س��نوات‪ ..‬ال يهم من الذي يحكم‪ ،‬بقد‬ ‫م��ن الذي وقع علي��ه االختيار‪ ..‬وما دام‬ ‫حاف��ظ س��يحكم م��ن قب��ره‪ ،‬فليحكم‬ ‫باسل أو بشار أو ماهر أو القرود‪..‬‬ ‫في ي��وم جمعة من ش��هر كانون‬ ‫الثاني أذيع خبر وفاة باس��ل‪ ..‬يقولون‬ ‫إن باسل كان أجدر بالرئاسة من بشار‪..‬‬ ‫يقول��ون إن حاف��ظ األس��د كان يع��ده‬ ‫لمثل هذا اليوم‪ ..‬وقتها كان بشار آخر‬ ‫ه��م تلك العائلة‪ ..‬م��ن يهتم إن درس‬ ‫الط��ب أو الحالق��ة‪ ..‬أن س��افر أو بقي‬ ‫في س��وريا‪ ..‬تزوج أو انحرف‪ .‬يقولون‬ ‫إن بش��ار قد حش��ر حش��راً في كرسي‬ ‫الرئاس��ة‪ ..‬أي أن السلطة هبطت عليه‬ ‫من حيث ال يدري وال يعلم‪ ..‬تمامًا مثل‬ ‫ذل��ك التاج��ر ال��ذي تهبط علي��ه ثروة‬ ‫فيحتار كيف ينفقها‪..‬‬ ‫كانت "نس��وان" الشام تنصح من‬ ‫أراد ال��زواج من أوالده��ا أن يبتعد عن‬ ‫الفت��اة "الفارغ��ة العي��ن"‪ ..‬تل��ك التي‬ ‫مهم��ا أكل��ت ال تش��بع‪ .‬أح��د أصدقائي‬ ‫تزوج بفت��اة "عينها فارغة"‪ ..‬هو اليوم‬ ‫غني جداً‪ ،‬لكنها لم تشبع بعد‪ ..‬وجدت‬ ‫نفس��ها فجأة في بيت يشبه المتحف‪..‬‬ ‫وجدت نفس��ها مضطرة لتتعلم أسماء‬ ‫الم��اركات األجنبي��ة وتلف��ظ بع��ض‬ ‫الكلمات الفرنسية‪ ..‬من غير المعقول‬ ‫أن تق��ول إنه��ا ال تعرف ما ن��وع الفازة‬ ‫الت��ي تق��ف بطول إنس��ان ف��ي زاوية‬ ‫الغرف��ة‪ ..‬وال مارك��ة الفس��تان الغالي‬ ‫ال��ذي ترتدي��ه‪ ..‬هبطت عليه��ا النقود‬ ‫مثل الشالل‪ ،‬وهي ال تعرف ماذا تفعل‬ ‫بكل تلك النقود‪.‬‬ ‫هبطت السلطة على بشار األسد‬ ‫مثل الش�لال‪ ،‬وهو ال يعرف ماذا يفعل‬ ‫بكل تلك الس��لطة‪ ..‬عاد من بريطانيا‬ ‫وفي رأس��ه ألف فكرة إلنفاق السلطة‬ ‫الت��ي هبطت عليه‪ ..‬س��يترك الش��عب‬ ‫يتح��دث كم��ا يري��د‪ ..‬ال‪ ،‬س��يعتقله إن‬ ‫تح��دث‪ ..‬س��يطلب م��ن أتباع��ه ع��دم‬ ‫تعليق صوره هنا وهناك‪ ..‬ال‪ ،‬سيعلقها‬ ‫في كل مكان‪ ..‬سيس��مح باالنترنيت‪..‬‬ ‫ال‪ ،‬س��يمنع المواقع العميلة‪ ..‬س��يطلق‬ ‫المعتقلين من الس��جون‪ ..‬ال‪ ،‬سيعتقل‬ ‫المزي��د‪ ..‬س��يكرهونه‪ ..‬ال‪ ،‬س��وف‬

‫‪25‬‬


‫عقلية امل�ستعمر‬ ‫نبض الروح ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪26‬‬

‫رفيق الحلو‬ ‫يتكلم الجعفري عن االستعمار الفرنسي فيرد عليه فابيوس وزير خارجية‬ ‫فرنسا بذكر وثيقة طلب فيها والد جد بشار األسد وعلويون آخرون من فرنسا‬ ‫عدم إعطاء االستقالل لسورية‪ .‬ال بد أن فابيوس خرج مبتسما من القاعة وهو‬ ‫يعتقد أنه س��جل نقطة في مرمى الجعفري والحقيقة أنه لم يسجل إال فصال‬ ‫جديدا من مسلسل غباء السياسة الغربية الرائج في اآلونة األخيرة‪.‬‬ ‫ل��م يك��ن كالم الجعفري يس��تحق ال��رد أصال‪ ،‬وهو ل��م يث��ر إال التململ‬ ‫واالستخفاف في الحضور المؤلف بأغلبيته من ممثلي دول كانت إما مستعمرة‬ ‫أو مستعمرة‪ ،‬واالجتماع ال يبحث محاكمة جرائم االستعمار القديم بل الجرائم‬ ‫اليومية للنظام الس��وري‪ .‬أما وثيقة الزعماء العلويين فقد سبق لي أن فندتها‬ ‫ش��خصية في مقال سابق وهي ال تستحق التوقف عندها مرة أخرى‪ .‬على كل‬ ‫حال ليس��ت هي الم��رة األولى التي يختبئ فيها المس��تعمر خلف هذه الفئة أو‬ ‫تل��ك لتبري��ر وجوده وطالما وجد في التاريخ من يتمس��ك ب��ه‪ :‬تجار مدينة ما‪،‬‬ ‫زعماء ديانة‪ ،‬أو أش��خاص من أقلية تخش��ى االضطهاد‪ .‬يكف��ي أن نذكر كيف‬ ‫تظاه��ر أه��ل انجوان في ج��زر القمر من��ذ س��نوات مطالبين بإع��ادة ضمهم‬ ‫لفرنس��ا‪ ..‬في كل بلد وفي كل زمن كان يجد المس��تعمر وبدون صعوبة تذكر‬ ‫من يجاهر بمساندته‪ .‬المشكلة أن االستعمار القديم قد ولى وفابيوس ما زال‬ ‫ينتم��ي على ما يبدو إلى تلك الفئة من الفرنس��يين المقتنعين أن االس��تعمار‬ ‫كان ضرورة للش��عوب وأن تلك الويالت كان ال بد منها لنش��ر القيم والحضارة‬ ‫األوروبية‪ .‬أمثال فابيوس من المدافعين عن االس��تعمار هم من يجعل فرنسا‬ ‫حت��ى اليوم ال تقوم باعت��ذار واضح وصريح تجاه الش��عب الجزائري عن ‪١٣٢‬‬ ‫سنة من االستعمار وما يقارب المليون شهيد‪.‬‬ ‫كنت أعاتب أحد الفرنسيين الذي لم يعرف أين تقع سورية قائال له‪ :‬كيف‪،‬‬ ‫هل يعقل أن تحتلوا بلدا ‪ ٢٦‬عاما‪ ،‬تنهبوا خيراته‪ ،‬تقس��موه وتقمعوا ش��عبه‪،‬‬ ‫ثم تنس��وا أين يقع‪ .‬أجابني‪ :‬أنا أس��ف لما فعلناه في الماضي‪ ..‬ثم تابع‪ :‬لكن‪..‬‬ ‫أنا‪ ..‬لم أفعل ش��يئا!‪ ..‬ليته كان لفابيوس نفس منطق الصديق الفرنس��ي‪ ،‬إذ‬ ‫كان بإمكان��ه أن يق��ول‪ :‬الجرائم واألخطاء ال تورث‪ ..‬وال يج��وز االختباء خلفها‬ ‫أو اس��تعمالها لتبرير جرائم تحدث الي��وم‪ ..‬عوضا عن ذلك راح فابيوس يحمل‬ ‫بش��ار موقف والد جده وهكذا يكون كل من الجعفري وفابيوس قد اتفقا على‬ ‫أن األخطاء تورث‪.‬‬ ‫لك��ن فابي��وس ل��م ينتقد م��ا فعلته فرنس��ا بس��ورية بل داف��ع عن هذا‬ ‫االستعمار باإليحاء بكالمه عن الوثيقة بأنه كان يحمي األقليات وهو بالضبط‬ ‫م��ا كان يقوله أجداده وهكذا يكون فابيوس وقع في فخ الجعفري الذي أراد أن‬ ‫يجر فابيوس إلى موقع الدفاع عن االس��تعمار فنج��ح في ذلك‪ ..‬وال غرابة بعد‬ ‫اآلن إذا راح التلفزيون الس��وري يقلل من أهمية ما يحدث في س��ورية مقارنة‬ ‫بما فعله الفرنسيون في فيتنام أو في غيرها‪.‬‬ ‫كلم��ة فابيوس هي إهانة بحق الش��عب الفرنس��ي المس��اند في أغلبيته‬ ‫الس��احقة لحقوق اإلنس��ان وللس�لام بين الش��عوب‪ .‬متى تنجح الش��عوب في‬ ‫مد الجس��ور بينه��ا بدون نخب وال دبلوماس��يين‪ ..‬م��ن ذوات المصالح الضيقة‬ ‫والخطاب المقيئ ؟‬

‫�سبب كل هذا‬ ‫الدمار‬

‫س��بب كل ه��ذا الدمار ليس ثورتنا‪ ..‬س��ببه الخمس��ون عاما التي س��كتنا‬ ‫خاللها عن أعمال هذا النظام وتعايش��نا م��ع نفاقه وتركناه ينمى كالطاعون‪..‬‬ ‫يشتكي أحدهم أن كبار كتابنا لم يتنبؤا بكل ما يحدث اليوم‪ ..‬ربما كالمه فيه‬ ‫ش��يء من الصحة‪ ..‬لكن الش��عب كان يعي أن ثمن الحرية في سورية سيكون‬ ‫باهظ��ًا‪ ..‬بعض من تأخر في االلتحاق في الثورة كانت هذه القناعة هي أحدى‬ ‫أعذاره‪ :‬هذا النظام سيخرب البلد إذا طلب منه الرحيل‪.‬‬ ‫المش��كلة أنني حين أس��تعيد ش��ريط هذه الثورة ال أجد لحظة كان يمكن‬ ‫التوصل فيها مع النظام إلى حل سياسي‪ ..‬ألنه وبكل بساطة يرفض اإلصالح‪.‬‬ ‫ألن��ه يعرف أن أي أصالح حقيقي ولو جزئي يعريه تماما ويكش��ف عن انعدام‬ ‫شعبيته عند األغلبية الساحقة من شعبنا‪.‬‬ ‫هل كان بإمكاننا أن ال نمش��ي في هذه الثورة أو كان بإمكاننا أن نوقفها؟‬ ‫ه��ل كان بإمكاننا ترك درع��ا تقمع وحدها ؟ هل كان بإمكانن��ا عدم المطالبة‬ ‫بمعاقبة القتلى ومدنس��ي الحرمات؟ والتوقف الكلي عن التظاهر ما دام جواب‬ ‫النظ��ام هو الرصاص الحي؟ أو القبول بمس��رحية اإلصالحات وقانون األحزاب‬ ‫والتهلي��ل لهم��ا عش��ر س��نوات أخرى؟ ت��رك النظام وأجه��زة مخابرات��ه تخرج‬ ‫منتصرة فتعمل بالش��عب قمعا بثقة مضاعفة؟ ترك الشارع للدبابة والجلوس‬ ‫ف��ي المنازل وع��دم إيواء الجن��ود األبط��ال الهاربين ونصح ه��ؤالء وإن كانوا‬ ‫أوالدن��ا بعدم االقتراب من أي منطقة مس��كونة وانتظ��ار حتفهم في مكان ما‬ ‫في العراء؟‬ ‫اس��تعراض هذا الش��ريط يوحي إلى أي درج��ة لم يترك لنا ه��ذا النظام‬ ‫الخيار ألنه هو من كان يبحث عن إركاع الش��عب حتى قبل أن يرفع هذا األخير‬ ‫شعار إسقاطه‪.‬‬ ‫لو انحنينا في أي لحظة لبش��ار وعصابته ربما كنا وفرنا دماء أطفال ماتوا‬ ‫اليوم‪ ،‬كي نهدر دماء أطفال س��يولدون بعض س��نة أو س��نتين أو عشرة‪ .‬ثمن‬ ‫الحرية في س��ورية كان وال يزال غاليا وس��يكون دائما غالي��ا‪ ،‬وما يزيد حريتنا‬ ‫غ�لاء ه��و التلكؤ في المطالبة بها‪ ..‬إذا كان لنا أن نندم على ش��يء‪ ..‬فهو عدم‬ ‫قيامنا بثورة بهذا الحجم من قبل‪ ..‬وما يستحق ندم اآلباء هو أنهم تركوا حكم‬ ‫المخابرات يستشري في الوطن الحبيب‪..‬‬ ‫ثم‪ ،‬وهو األهم‪ ،‬كيف لك أن تضبط الخنوع فتفرض على األجيال الجديدة‬ ‫أن تقبل بما قبلت أنت به وأن تمشي كما مشيت أنت؟ كيف لك أن تقتل الحلم‪..‬‬ ‫عند ش��بابنا‪ ..‬الحلم في أن يعيش��وا في القرن الواحد والعشرين شيئا أخر غير‬ ‫حك��م المخابرات؟ ه��ذه الثورة كانت حتمي��ة‪ ..‬وهذه التضحي��ات هي قدر هذا‬ ‫الشعب‪ ..‬كل ما يمكن أن نفعله لشهدائنا هو أن ال نجعل دمائهم تذهب سدى‬ ‫ف�لا نس��مح مرة أخرى ألي مس��تبد‪ ،‬مهما كان��ت هويته أو انتمائ��ه‪ ،‬أن يعتلي‬ ‫عرش سورية‪.‬‬


‫نبض الروح ‪. .‬‬

‫ٌ‬ ‫وطن ال يحتمل الق�سمة‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫وطن يحمل الق�صة‪..‬‬ ‫خولة دنيا ‪ -‬عدنان أحمد‬

‫ع ‪� /‬أ‬

‫خ‪/‬د‬

‫ركن الدين‬ ‫كتاب مقدس‪.‬‬ ‫كسور من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لم يعدُ يؤمن به أحد‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫واسم نبي أصبح للحكمة تعاليمه تقال‪ ..‬؟!‬ ‫" زرادشت " يا شهيداً أعلن أصل المكان‬ ‫ترجم تسابيح العجوزة الى لغة البيان‬ ‫واطلق من سفحها‪ ...‬األصغرين‬ ‫قسم ًا بالمكان والجذر العتيق‬ ‫"هر بجي" آزادي‬ ‫وترجم بالدم ألخوة التراب‬ ‫أن "الوطن"‬ ‫أمٌ ال تفرق بين التوأمين‬

‫مخيم اليرموك‬ ‫ترهات مصلينَ للمقاومةِ‬ ‫مقاوم ٌة أخرى لملحمةٍ‬ ‫َ‬ ‫بداية البدايات‬ ‫تعلن‬ ‫دم‪..‬‬ ‫إخوة‬ ‫‪...‬‬ ‫غضب‬ ‫ابن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ضحكاتٍ يرسلها أصدقا ٌء لي‬ ‫قليل‬ ‫كنّا هناكَ قبل‬ ‫ٍ‬ ‫عرّش الغزو على مخيمنا‬ ‫الشمس مازلنا‬ ‫وبعين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نكتب اسمها‬ ‫بدمكم ودمنا‬ ‫فلسطين‪...‬‬

‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫"ركن الدين"‬ ‫كصلواتِ محي الدين بن عربي‬ ‫كتسابيح‪ ..‬عجوزة بلغة أعجمية‬ ‫ِ‬ ‫كلون العروق‪...‬‬ ‫كعطر الجذور‬ ‫كاسم اهلل‪ ...‬يرددُ في القلوب‬

‫«مخيم اليرموك»‬ ‫ٌ‬ ‫أيلول أسودٌ‪..‬‬ ‫واألمس‬ ‫اليوم‬ ‫يا وجع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طويل يجافي‬ ‫ليل‬ ‫كما‬ ‫تنزفُ‬ ‫قلوب‬ ‫احتراقُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حقائب عودةٍ تقتات رصاص‬ ‫حين النزوحُ يعلنُ سِفراً جديداً لألحجيات‬

‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪27‬‬


‫نبض الروح ‪. .‬‬

‫‪EVERYTHING‬‬ ‫‪IS NOT LOST‬‬

‫ُ‬ ‫ال�سحابة بظهرها املحني‬

‫جمال منصور‬

‫ياسر خنجر سجن تسلمون‬

‫‪...‬‬ ‫‪...‬‬ ‫لمْ يضَعْ ُ‬ ‫كل شي ٍء‪،‬‬

‫ليسَ بعدُ ‪-‬‬

‫المريب‪،‬‬ ‫لم تتبخَرْ دمانا في الهوا ِء األصف ِر‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الكثة؛‬ ‫الشيوخ‬ ‫ذاكَ الـ تطلقهُ لحى‬ ‫ِ‬ ‫لم يتعثر‪ ،‬بعدُ‪ ،‬صباحنا السابحُ‬

‫مواويل "فيروزَ" الزرقا ِء‪،‬‬ ‫في‬ ‫ِ‬

‫وصيحاتِ س��ائقي الميكروباص��اتِ‪ ،‬في زوايا‬ ‫المدينةِ؛‬ ‫لم يسقط‪ ،‬بعدُ‪،‬‬ ‫غدنا األبيضُ‪ ،‬الـ في أحالمنا‬

‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫ كلبنةِ أمي المدعبلةِ ‪-‬‬‫في حف ِر الطرقاتِ‬

‫األبيض الـ في أحالمنا؛‬ ‫إلى غدنا‬ ‫ِ‬

‫لم نمتْ‪ ،‬بعدُ‪،‬‬ ‫فلم ْ‬ ‫يزَل‬

‫أنف��اس الحي��اةِ ف��ي ه��ذهِ الجثثِ‬ ‫بع��ضُ‬ ‫ِ‬ ‫المرهَقةِ‬ ‫لم ْ‬ ‫يزَل بعضٌ من جم ِر األغاني‬ ‫لم ْ‬ ‫يزَل بعضٌ من رنين الصيحةِ األولى‬

‫"ال!!"‬ ‫لم ْ‬ ‫يزَل‬ ‫فينا نشيدُ النه ِر الـ َ‬ ‫كان‬

‫يهدرُ‬

‫أينما كنا‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫كأن نحمل��هُ عل��ى أكتافنا ‪ /‬ف��ي صوتنا ‪ /‬في‬ ‫حقائبنا ‪ /‬في كلماتنا الرطبةِ الناعمةِ الملسا ِء‬ ‫‪ /‬في قهوتنا‬ ‫لم ْ‬ ‫يزَل‬

‫أسبوعية‬

‫فينا ُ‬ ‫نسغ اإللهِ الحريري‬ ‫أحمراً‬ ‫كدمنا‪-‬النبيذِ‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫يسيرُ‬ ‫ُ‬ ‫ينطنط‬ ‫ُ‬ ‫ينسل‬ ‫عروق المدينةِ اليابسةِ ‪-‬‬ ‫بين‬ ‫ِ‬

‫ال‪،‬‬

‫لم يضِعْ ُ‬ ‫كل شي ٍء؛‬

‫ليسَ بعدُ‪،‬‬

‫كل ْ‬ ‫حال‪...‬‬ ‫على ِ‬

‫‪28‬‬

‫[‪]EVERYTHING IS NOT LOST‬‬

‫ياسمين دمشق‬

‫َ‬ ‫المسافة بالفقدِ‪،‬‬ ‫أقيسُ‬ ‫ُ‬ ‫حين تؤجّل موعدنا‬ ‫لثغ ٌة في لسانِ القدر‪.‬‬ ‫يُوشكُ القلبُ أن يتداركَ‬ ‫ُ‬ ‫السحابة‪،‬‬ ‫تعويذ َة الهاويةِ‪ ،‬كلما أومت إليهِ‬ ‫َ‬ ‫محنية الظهر‪ ،‬كامرأةٍ متلفعةٍ بالكهولةِ‬ ‫ال تكفُ توشوشُ قمحَ البراري‬ ‫ً‬ ‫مموهة بفرطِ أمومةٍ‪،‬‬ ‫كنوزَ حكمتها‪،‬‬ ‫الحلم‬ ‫من‬ ‫تنجب‬ ‫نضجت ولم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الطريق‪،‬‬ ‫تهجئة‬ ‫إال‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫بالشكِ يا قلبُ‬ ‫ف ُلذ‬ ‫ُ‬ ‫الكآبة‪.‬‬ ‫تنزاحُ عن كاهلكَ‬ ‫ما عاد خف ُقكَ كافياً‬ ‫ليصُدَ سيفاً مُسلطاً عليكَ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ويرممَ الصدعَ الذي بينَ خطاكَ وبينك‪.‬‬ ‫فلذ بالشكِ تهتدي‪،‬‬ ‫غبش الطمأنينةِ‬ ‫وتتوبُ عن ِ‬ ‫في حُلكةِ الهاويةِ‪.‬‬ ‫ما عَاد خف ُقكَ كافياً‬ ‫الرّيح‪،‬‬ ‫لتصرخَ في وجهِ‬ ‫ِ‬ ‫أن ُكنتَ وحياً في طريق القافلة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫رشفة ما ٍء ُ‬ ‫تبل الظمأ‪،‬‬ ‫أو‬ ‫فأذن لخفقِكَ أن يبوحَ‬ ‫قلق‪،‬‬ ‫بما وَهجتَ من ٍ‬ ‫تكن حرفاً َ‬ ‫التكوين‬ ‫بالغ‬ ‫ِ‬ ‫الحلم‪،‬‬ ‫صوبَ‬ ‫الذاهب‬ ‫النمل‬ ‫في سطر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الواثق أن صبحاً‬ ‫ُ‬ ‫يوغل‬ ‫ِ‬ ‫الليل‪،‬‬ ‫في‬ ‫طقس تحرّرهِ من لعنةِ هذا ِ‬ ‫ِ‬ ‫يَبرَأُ من حدودِ المستحيل‬ ‫األفق‪.‬‬ ‫وتفتنهُ احتماالت ِ‬

‫***‬

‫يوشكُ القلبُ أن يتم ّلكَ‬ ‫َ‬ ‫الضغائن‪،‬‬ ‫ازدحامَ‬ ‫النبض لوال‬ ‫ناصية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫طافية‬ ‫مخبوء ًة أو‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫موروثة‪،‬‬ ‫منسولة من وحي‪...‬‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫مغروسة عمدا لتغتال في روحكَ المغفرة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بوصلة‬ ‫ال تسعفُ التائه‬ ‫إذا تعثر في الوع ِر قلبهُ‪،‬‬

‫القنديل‬ ‫وما من زيتَ في‬ ‫ِ‬ ‫القدم‪.‬‬ ‫يُضيء موضعَ‬ ‫ِ‬ ‫كل الجهاتِ رهنُ فراستكَ‪،‬‬ ‫وواضح ٌة طريقُ الفج ِر‪ ،‬إن شئتَ‬ ‫الهواجس في يقظةٍ‬ ‫مخاصر َة‬ ‫ِ‬ ‫تُن ِبؤكَ ضفافَ البرزخ‪.‬‬

‫***‬

‫باسم قاتلها‪،‬‬ ‫خذلتكَ مئذن ٌة تُكبرُ‬ ‫ِ‬ ‫فهل حقاً وثِقتَ بها‬ ‫وأسلمتَ المشيئة !‪.‬‬ ‫خذلتكَ أهوا ُء العبيدِ فهل حقاً‬ ‫العتم‬ ‫بمخلب‬ ‫وَثقتَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫خيوط حُلكتهِ‪،‬‬ ‫يَفكُ‬ ‫الشمس !‪.‬‬ ‫بأفق ساطعَ‬ ‫ِ‬ ‫ويأتيكَ ٍ‬ ‫خذلتكَ مرآ ٌة يُعلقها الغريبُ‬ ‫على جدا ِر البيتِ‪،‬‬ ‫كي تتقمصَ الوجه الذي يختار‪،‬‬ ‫فتنسى أن وجهَ الضحّيةِ وجهكَ‪،‬‬ ‫عيناه عيناكَ‪ ،‬لوال أطفأت شمسهما‬ ‫زفر ٌة من بندقيةٍ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الرصاصة‪ ،‬حيثما أطلقتها‬ ‫خذلتكَ‬ ‫ال تصيبُ غيركَ‪،‬‬ ‫الدم‪،‬‬ ‫تملي عليكَ وصايا ِ‬ ‫ترثيكَ وأنتَ بَعدُ في اليفاعةِ‪،‬‬ ‫فهل تحتار بين غمامةٍ‬ ‫تذرفُ الما َء فوقَ يباسكَ‪،‬‬ ‫اللهبَ أن ينبهكَ !‪.‬‬ ‫ثقاب يستحلفُ‬ ‫ّ‬ ‫وعود ٍ‬

‫***‬

‫مهب فطنتكَ‪،‬‬ ‫يا قلبُ خذني في ِ‬ ‫إلى صبحيَ المشتهى‬ ‫ُ‬ ‫حيث الضو ُء يسودُ‪ ،‬وأسئلةٌ‬ ‫ُ‬ ‫للحلم أرضاً يعيث بها زرعاً‪.‬‬ ‫تُهيئ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الهواجس طليق ٌة‪،‬‬ ‫أجنحة‬ ‫حيث‬ ‫ِ‬ ‫وال يتصيدُ القناصُ وجهتها‪.‬‬ ‫مهب فطنتكَ‪،‬‬ ‫يا قلبُ خذني في ِ‬ ‫إلى صبح دمشقَ المشتَهى‪.‬‬ ‫‪2012-9-13‬‬


‫تامبي الشركس‬

‫ٌ‬ ‫حزن�سوري(مقطوعات�شعرية)‬ ‫بابا عمرو‬

‫جر‬ ‫أناخَ الرَّكبُ فِينا ذاتَ َف ِ‬ ‫يَسمعون نشيدَ حُرِّ‬ ‫وباتُوا‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫وحينَ تنفسَ اإلصباحُ سارُوا‬ ‫ونادَى فارسٌ فوقَ َ‬ ‫المِكرِّ‪:‬‬ ‫أال يَا حاديَ الغُربا ِء‪ ،‬خُذهمْ‬ ‫يَسري‬ ‫إلى أَ ِ‬ ‫بوابهم‪ ،‬فالشَّوقُ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فقال‪ :‬أَتطرقُ األبوابَ ِّ‬ ‫كفي‬ ‫عَمرو)؟!‬ ‫(باب‬ ‫في‬ ‫عاهَدتُها‬ ‫و َقد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ع�شق‬

‫بَينيْ وبينَ قاتِلي مَساف ٌة َقصيرَهْ‬ ‫أن أُعيرَهْ‬ ‫يَتبعُني مِنظارُهُ بدونِ ْ‬ ‫َ‬ ‫واضح‪ ،‬أو نَظرةٍ كسيرَهْ‬ ‫أيَّ انتِباهٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بيني وبينَ قاتِلي رَصاص ٌة صَغيرَهْ‬ ‫ِّهاية َ‬ ‫تعوَّدَتْ أن تكتُبَ الن َ‬ ‫األثيرَهْ‬ ‫َ‬ ‫وتَمنَعَ الهَوا َء مِن زَفرَتهِ األخيرَهْ‬ ‫‪ ..‬ال يَكتبُ الرَّصاصُ لإلنسانِ أيَّ سِيرَهْ‬ ‫َّ‬ ‫العِشق مِن َذخيرَهْ!‬ ‫إال إذا استَنفدَ ما في‬ ‫ِ‬

‫احلريق‬

‫تلكَ َ‬ ‫الفتا ُة على َّ‬ ‫الطريقْ‬ ‫َ‬ ‫شَعرها اشتَعل الحَريقْ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫وتَفحَّمتْ أَطرافُها‬ ‫واسوَدَّ خاتَمُها العَتِيقْ‬

‫قُراكِ التي باركَ ُ‬ ‫اهلل فِيها‬ ‫أَمُرُّ بها حِينَ أَت ُلو السُّوَرْ‬ ‫ُّوح بُشرَى َغدٍ‬ ‫ِ‬ ‫فتُشرقُ في الر ِ‬ ‫َ‬ ‫يردِّدُها ُك ُّل حُرٍّ أَغ ْرّ‪:‬‬ ‫إذا َ‬ ‫طال فِينا بَقا ُء َّ‬ ‫الم‬ ‫الظ ِ‬ ‫َ‬ ‫المُنتَظرْ‬ ‫ُّبح مَوعدهُ‬ ‫َفللص ِ‬ ‫ُ‬ ‫سَتسق ُط‪ ..‬أوراقُهمْ في الخَريفِ‬ ‫ونَبقى صِالباً َكهذا الشَّجَرْ‬

‫تنا�ص‬

‫هلل هذا َّ‬ ‫الثائرُ العَندلِيبْ‬ ‫ِ‬ ‫يَستَريبْ‬ ‫وال‬ ‫اليَأسَ‬ ‫يَعرفُ‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫وَسْط َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الل ِهيبْ‪:‬‬ ‫رآن‬ ‫الق‬ ‫ِّل‬ ‫ت‬ ‫يُر‬ ‫َ‬ ‫هلل وَ َفتحٌ َقريبْ"‬ ‫"نَصرٌ مِنَ ا ِ‬ ‫سُبحان مَن أَلطافُهُ ال تَغِيبْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يُجيبْ"‬ ‫َّن‬ ‫م‬ ‫"أ‬ ‫يَقول‬ ‫ومَن‬ ‫عنَّا‪،‬‬ ‫ِ‬

‫ٌ‬ ‫حزن �سوري‬

‫يري‬ ‫يا ِ‬ ‫إلهي وَخالِقي ِ‬ ‫ومُج ِ‬ ‫ونَصيري‬ ‫وأَنيسي في ُغربَتي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫حُزنَهُمْ في قُراهُمْ‬ ‫فرَّقَ النَّاسُ‬ ‫ِ‬ ‫مَجموع حُزنيَ سُو ِري‬ ‫وأنا في‬ ‫ِ‬ ‫في حَماةٍ وَقفتُ أَدعُو رَحِيماً‬ ‫َّ‬ ‫مُحطم مَبتُو ِر‬ ‫لِجَريح‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫و َلدى حِمصَ جئتُ أَرجُو نَجا ًة‬ ‫صَغير‬ ‫لِصَغير يَمُوتُ بَعدَ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وعلى ُك ِّل َقطرةٍ مِن دِما ٍء‬ ‫َ‬ ‫ضَميري!‬ ‫سأ َلتنيْ الحَياةُ‪ :‬أينَ‬ ‫ِ‬ ‫يا إلهي‪ ..‬وحَا ُلنا ليسَ َ‬ ‫يَخفى‬ ‫بَصِير‬ ‫سَمِيع للعا َلمينَ‪،‬‬ ‫عن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وابْعَث‬ ‫ِّج الكربَ عن ِبالدِيَ‪،‬‬ ‫فر ِ‬ ‫ً‬ ‫رَحمة مِنكَ بَينَ تلكَ ُ‬ ‫القبو ِر‪.‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫عن َ‬ ‫وطانِ‬ ‫أيُّها السَّائلِي ِ‬ ‫األ ِ‬ ‫الحال‪ ،‬إ ْذ تَرى أحزاني‬ ‫ِ‬ ‫وعن ِ ِ‬ ‫ال تسَلني عن سُوريَا‪ ،‬ال ِتَسَلني‬ ‫ال تسَلني‪ ،‬وال تُثِرْ أَشجاني‬ ‫أدمُع ودِما ٍء ِ‬ ‫الَ أرَى غيرَ ٍ‬ ‫فاتِكاً َ‬ ‫باألماني‬ ‫وأرى الخوفَ‬ ‫ُ‬ ‫يَسقط الحُرُّ مَيْتًا‬ ‫وعلى حِمصَ‬ ‫ليُنادَى عليهِ في حَورانِ‬ ‫َ‬ ‫رُعب؟‬ ‫أيُّ ل ٍ‬ ‫يل باتُوا بهِ‪ َ،‬أيُّ ٍ‬ ‫أمن ِبتنا بهِ وأمانِ؟‬ ‫أيُّ ٍ‬

‫ال ُقرى‬

‫أسبوعية‬

‫عن احلال‬

‫ذهبَتْ‪ ..‬كما َذهبَ البَخُورُ‬ ‫بها‪ ..‬إلى أَعلى رَفيقْ‬

‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫صهيب محمد خير يوسف‬

‫عندم��ا س��معت باس��م كتيبة ص��دام حس��ين ككتيبة‬ ‫من كتائ��ب الجيش الحر تبادرت فوراً إل��ى ذهني أيام الغزو‬ ‫األمريك��ي للع��راق حيث تطوع مئات الش��باب الس��وريين أو‬ ‫ربما آالف للقتال ضد هذا الغزو‪ ،‬بينما هلل آالف وربما مئات‬ ‫األل��وف أو ماليي��ن العراقيين له��ذا الغزو الذي س��يخلصهم‬ ‫م��ن الطاغوت الذي جثم على صدوره��م وحرمهم التنفس‬ ‫لعشرات السنين‪.‬‬ ‫واآلن ترف��ع المطالب في ش��تى أنحاء س��ورية لفرض‬ ‫حظر جوي أو إنش��اء مناطق عازلة ومنه��ا أيضاً تدعو للغزو‬ ‫األجنبي المباش��ر ليس��اعد ش��عبنا في ثورته ض��د طاغوته‬ ‫ونلع��ن كل من وقف بوجه هذا التدخل من الصين وروس��يا‬ ‫وإيران وغيرها أيضًا ممن وقف مع النظام‪....‬‬ ‫أتس��اءل اآلن كي��ف لهؤالء أن يس��اعدوا ش��عبنا عندما‬ ‫يرفض هو أن يس��اعد نفسه بنفسه‪ .‬كيف لك أن تطلب من‬ ‫أي ش��خص عراقي ع��اش الويالت نتيجة نظام فاش��ي مثل‬ ‫نظامنا أن يقوم بمساعدتك وأنت تتغنى بجزاره؟؟؟‬ ‫لق��د جعل��ت الثورة من��ا أن��اس آخرين ف��ي الكثير من‬ ‫النواح��ي‪ .‬لقد أيقظت في داخلنا حلم��ًا دفينًا عاش فينا منذ‬ ‫أجيال وتحقق اآلن فلماذا نقوم بوأده بأيدينا‪!!! ....‬؟؟؟‬ ‫ي��رى الكثيرون في الغ��رب أن القاعدة ه��ي من تقوم‬ ‫بالقت��ال اآلن في س��ورية وه��ي فرص��ة اآلن لتصفية أكبر‬ ‫عدد منه��م دون أن يخوضوا الحرب بأنفس��هم ويس��تنزفوا‬ ‫قواه��م وعتادهم‪ ،‬واألهم أرواح مواطنيهم‪ .‬وهم مرتاحون‬ ‫للوضع الحالي في س��ورية نتيجة هذا الفكر‪ ،‬فاآلن "ينضرب‬ ‫عصفوران بحجر واحد" فهم يتخلصون من أكبر عدد ممكن‬ ‫من الوهابيين والمتش��ددين وأيضاً يضعفون نظامًا أتعبهم‬ ‫وه��و يعربد ف��ي المنطقة ليدخل��وا بهدوء وبأقل الخس��ائر‬ ‫عندما يحين الوقت المالئم وبعدها سيتبحجون علينا بأنهم‬ ‫أس��قطوا لنا ديكتاتوراً وأحض��روا لن��ا الديمقراطية‪ .‬وطبعًا‬ ‫دون أن يرف له��م جفن من المجازر المرتكبة بحق األطفال‬ ‫والمواطنين األبرياء فهم عبارة عن ثمن ال يدفعونه هم بل‬ ‫يدفعه شعب ما‪.‬‬ ‫بعد أكثر من س��نة وس��بعة ش��هور دامي��ة فقدنا فيها‬ ‫الكثي��ر من األع��زاء ونحن يومياً نفقد أع��ز ما نملك أال وهو‬ ‫وطننا‪ ،‬أما آن لنا أن نصحو ونس��تيقظ بع��د أن بدأت ثورتنا‬ ‫بش��كل أكثر من رائع‪ .‬فلماذا نريد لنهايتها أن تكون شنيعة‬ ‫قبيح��ة‪ ،‬لماذا ال نجع��ل نهايته��ا أروع من بدايته��ا‪ .‬وأنا هنا‬ ‫ال أق��ول هن��ا دعوا الس�لاح ولنعد للس��لمية (م��ع العلم أني‬ ‫أفض��ل الس��لمية) لكن بع��د أن وصلن��ا لخط الالع��ودة في‬ ‫الثورة المس��لحة لماذا ال تكون هذه الثورة رائعة مثل الثورة‬ ‫الس��لمية‪ ،‬لماذا ال تحم��ل على عاتقها رؤي��ة كبيرة وواعية؟‬ ‫فهي نواة جيش��نا العظيم القادم الذي يجب أن نستعيد فيه‬ ‫أراضينا المحتلة الس��ليبة وهو الذي سيعيد لسورية هيبتها‬ ‫وعظمته��ا وقوته��ا الحقيقي��ة‪ ،‬وليس كجيش قتل��ه النظام‬ ‫ببطء طوال ‪ 40‬عاماً وجعله أضحوكة بيننا‪.‬‬ ‫اصح��وا أيه��ا القيادات رج��ا ًء فتكرار األغ�لاط الفردية‬ ‫لن يجعل منكم إال نظامًا ً‬ ‫فاش�لا آخر مثل نظام البعث وكم‬ ‫كث��رت ه��ذه األخطاء‪ .‬فماذا جلب لنا حرق ش��احنة مش��روب‬ ‫كحول��ي عل��ى ح��دود تركيا أو تهديد س��كان قري��ة بقتل أو‬ ‫باألحرى "تشقيف" كل من يساعد سكان قرية أخرى مجاورة‬ ‫فق��ط ألن القرية المجاورة هي من طائفة أخرى (ش��يعية)‪.‬‬ ‫إذا كان ه��ذا م��ا تريدون أن يصل للعالم وأن يس��معوه فلن‬ ‫تس��معوا بالمقابل س��وى وعود فارغة وعي��ون تراقب كيف‬ ‫تفن��ون بعضك��م أنتم يا أبناء الوطن الواحد‪ ،‬وس��وف تكون‬ ‫كل الدماء التي تراق يومياً من أبرياء ومدنيين في أعناقكم‬ ‫أنتم أيضاً كما هي في أعناق المجرمين من النظام‪.‬‬ ‫اصح��وا وأعي��دوا لنا س��ورية بلدنا الرائع ال��ذي لطالما‬ ‫أحببناه وعش��قناه‪ .‬ضعوا أيديكم في أيدينا ولنعد س��وريين‬ ‫قبل كل شيء‪.‬‬

‫مراسالت سوريتنا ‪. .‬‬

‫الكيــل‬ ‫مبكيــالني‬

‫‪29‬‬


‫خولة دنيا‬

‫حيطان فيس بوك ‪. .‬‬

‫الحرية هي مطالبة بتغيير الوضع القائم المقيّد واآلسر‪..‬‬ ‫ولكنها ال تعني االنتقال لألفضل وخصوصًا في البدايات‪...‬‬ ‫المطالب��ة بالحرية ودفع الثمن له��ا‪ ..‬مجرد خطوة المتالك‬ ‫نقطة البدء واالنطالق من أجل التغيير المنشود‪.‬‬

‫فدوى روحانا‬ ‫لو أن أسطورة نوح تعيد نفسها لو أن أحدا في السموات‬ ‫يرسل ألطفال سوريا مركبا تبحر بهم إلى أعالي البحار‬ ‫إلى أقاصي الدنيا إلى البعيد البعيد حتى تأتيهم أس��راب‬ ‫الحمام بأغصان زيتون وورد‪...‬‬

‫الحرية ال��ي بدي ياها هي حري��ة التعبير‪ ،‬حرية انتخاب رئي��س الجمهورية‪ ،‬حرية‬ ‫انتخاب عضو مجلس شعب يمثلني بنزاهة‪ ،‬حرية اإلعالم‪ ...،‬الخ‪..‬‬ ‫ب��س الحرية لحالها ما هي النتيجة‪ ،‬هي الوس��يلة لتحقيق األهداف األكبر‪ ،‬محاربة‬ ‫الفساد بتبلش لما بكون في قضاء نزيه و إعالم حر‪ ،‬ولحتى نقدر نطور البلد الزم يكون‬ ‫الشخص الصحيح في المكان الصحيح‪ ،‬وكل هالشغالت ما بتقدر تبلش بدون حرية‪..‬‬ ‫مغتربة سورية‬

‫عبود �سعيد‬ ‫أحيانًا يخطر في بالي أن أنش��ئ حس��اباً فيس��بوكيًا خاصاً بأمي‪..‬‬ ‫أت��ردد أخ��اف عليها من أن تتش��وه روحه��ا أو أن تتعل��م التنظير‬ ‫والمثالي��ات‪ ،‬أق��ول‪ :‬خليها هي��ك طليقة حرة‪ ،‬تقول ما تش��اء من‬ ‫دون رقاب��ة‪ ،‬من دون ما يج��ي حدا يصححلها األخطاء اإلمالئية أو‬ ‫النحوية‪ .‬خليها هيك مو عارفة الفرق ما بين الشيعي والشيوعي‪،‬‬ ‫وبال ما تعرف انو في قالم حمرا حق الواحد ‪ 1000‬ليرة‪.‬‬

‫رميا القاق‬

‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬

‫كل فت��رة بتدرج موضة ومن فترة دارجة انو ينكتب س��تيتوس‬ ‫اقصائي��ة "إلي بيحك��ي كزا رح إعملو بل��وك أو احذفه أو امحي‬ ‫التعلي��ق"‪ ...‬وأكيد رح يقول هي صفحت��ي وأنا حر فيها‪ ..‬عال‪..‬‬ ‫عش��و ع��م تطالب بالحرية لي��ل نه��ار إزا رأي مختلف ما عندك‬ ‫ق��درة تتقبلو أو تناقش��و‪ ...‬وال خلص حكم علينا بالقمع؟؟ الزم‬ ‫لحافظ عل��ى صداقتي معك ألتزم بقوانين��ك؟؟ يعني حرمتني‬ ‫من حقي بالتعبير والنقاش؟؟‪ .‬هي صفحة خاصة بس لما تكتب‬ ‫ش��ي بتع��رف انو كل األصدق��اء رح يقرؤوا وممك��ن حدا يعنيه‬ ‫الموضوع ومن حقو يعلق وهون لما تطرح فكرة أنت فعليًا عم‬ ‫تطرحها عاآلخر‪ .‬وإال فيك تكتبها بدفتر مذكراتك وخلصنا‪ ...‬أو‬ ‫لي��كك ما بتنزعج من الاليكات وتعليق��ات المديح‪ ..‬باختصار ما‬ ‫فيك تتحكم بردات فعل العالم‪ ..‬أساس��ا" كس��وريين كيف بدنا‬ ‫نجتم��ع بكل أطيافنا إزا مو عاجبك غي��ر يلي ع طبطابك وعلى‬ ‫مدح بعض للصبح والمختلف كش برا؟؟؟‬

‫خالد حاج بكري‬ ‫س��أرفض أي طائ��ف س��وري‪ ..‬يكف��ي أن المطالبي��ن ب��ه‬ ‫صمت��وا عن هض��م حقوق األكثري��ة طوال ثالث��ة وأربعين‬ ‫س��نة مُتوهمي��ن ّأن األس��د حاباه��م‪ ..‬وأن ه��ذه المحاب��اة‬ ‫يستحقونها‪ ..‬يكفيني ألرفض أنهم اعتقدوا ّأن التفوق الذي‬ ‫أوهمهم به األس��د كان تعويضًا مرضياً عن طائف س��وري‪..‬‬ ‫وأنه��م اليوم في العراء! وأال بديل ع��ن طائف يقيهم غائلة‬ ‫البرد‪ ..‬حسناً‪ ..‬ال طائف سوريًا‪ ..‬وليمتقع العرا ُة برداً‬

‫فار�س البحرة‬ ‫أول م��ا يس��قط النظ��ام بدي س��وّي أموري ه��ون وأرجع‬ ‫لبلدي‪ ..‬وما عاد أطلع منه‪ ..‬اللهم غير سياحة إذا صحّلي‪..‬‬

‫مايا زريق‬ ‫تعالوا نتفق‪ ..‬أن نعشق الوطن ونؤمن بالثورة‪ ..‬والباقي‬ ‫تفاصيل هزيلة‪ ..‬مؤجلة‪!! ..‬‬

‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪30‬‬

‫�شو هي احلرية اللي بدكن ياها؟ (‪)14‬‬

‫�إميان جان�سيز‬ ‫ل��م تكن المعادلة بالنس��بة إلى إبراهي��م صعبة‪ ...‬يمتلك‬ ‫كل ما يجعله ش��اباً عاشقاً‪ ...‬وسامة الس��وري‪ ..‬إقامة في‬ ‫دولة خليجية وفرت له كل أسباب الرفاهية‪ ..‬رفاهية تخدر‬ ‫الكثيرين‪ ..‬وتنييمهم في العس��ل‪ ...‬وألنه يمتلك عنفوان‬ ‫وكرامة الحر‪ ..‬باع هاتفه ليش��تري بندقية‪ ..‬تماماً كما في‬ ‫قصص غس��ان كنفاني‪ ..‬وتخلى عن التسعة عشر ربيعاً‪..‬‬ ‫ليختار أن يزهر في الربيع السوري‪ ..‬لكنه ترك في الهاتف‬ ‫صورة أخيرة لصفحة‪ :‬كلنا الشهيد إبراهيم‪...‬‬

‫�آية الأتا�سي‬ ‫األش��خاص الرماديي��ن يقتلونك بدم ب��ارد‪ ...‬ال يتوقف‬ ‫ه��ؤالء عن س��رد قص��ص الخط��ف والفدي��ة والفلتان‬ ‫األمن��ي‪ ...‬وال يذك��رون م��رة واح��دة ضحاي��ا القص��ف‬ ‫والذبح‪ ...‬وال يتذكرون جس��د ل��رأس طفلة مقطوع وال‬ ‫وج��ه بال ف��م وفك لحمزة بك��ور!!!! رمادي��ة‪ ...‬ربما من‬ ‫تبيض لوجه القاتل األسود‪..‬‬

‫ح�سان عبا�س‬ ‫وطنٌ يطفو على سطح ماء‪ ..‬ال ثِ َقل‪ ..‬ال ظل‪ ..‬ال ضفاف‪..‬‬

‫كربيت‬ ‫مؤلم أن عدد شهداء الثورة وصل ‪ ،358 .33‬وبنقول عنا‬ ‫‪ 33‬ألف ش��هيد‪ ،‬وننس��ى الـ ‪ ،358‬ألنها كمالة عدد قابلة‬ ‫للتراكم كل يوم‪ ،‬لتصبح آالف في نهاية األسبوع!!‬

‫مرام امل�صري‬ ‫علين��ا أن نحي��ا لنق��ول للتاري��خ م��ا حصل لك��ي نحيي‬ ‫الموتى بعدم نس��يانهم‪ ...‬لكي نصف الدمار‪ ..‬كي نبي‬ ‫س��وريتنا‪ ..‬أحيان��ا أدافع عن ابتس��امتي ألنن��ي أريد أن‬ ‫أهديها لسوريتنا الجديدة‪..‬‬

‫م�صطفى الع�ساف‬ ‫كلشي ثورة‪ ..‬البندقية ثورة‪ ..‬والشهيد ثورة‪ ..‬والمعتقل‬ ‫ث��ورة‪ ..‬والمظاه��رة ث��ورة‪ ...‬واإلغاث��ة ث��ورة‪ ..‬والعمل‬ ‫ث��ورة‪ ..‬والحـــب ث��ورة‪ ..‬وقعدتن��ا بالبلد ث��ورة‪ ....‬هيك‬ ‫قدرنا‪ ..‬خليها ثورة على طول األيام‬

‫كرمي الأفنان‬ ‫سيظهر جيل من أحفاد المجزرة "حاقد" على الطائرات!‬

‫را�شد عي�سى‬ ‫كانت متعة أن تكتش��ف طريق��اً جديداً مختصراً في دمش��ق‪،‬‬ ‫هذه الطرقات التي تجعل لكل منا "دمش��قه" الخاصة‪ .‬تتعرف‬ ‫أيضاً على س��ائق التاكس��ي الخبير والعريق به��ذه الطريقة‪..‬‬ ‫وتش��عر أن المدينة التي عش��ت فيها كل عمرك م��ا زالت قيد‬ ‫االكتش��اف‪ .‬اآلن‪ ،‬دُم��رت ممراتن��ا الت��ي أمضين��ا عم��راً ف��ي‬ ‫اكتش��افها وامتالكها‪ ..‬إنها الحواجز‪ ،‬تدمي��ر لطرقاتنا األليفة‪،‬‬ ‫لذاكرتنا‪ ،‬جعلتْها مدينة أخرى‪ ،‬من دون أي رغبة باالكتشاف‪.‬‬

‫نوارة ح�سن‬ ‫هن��اك بالق��رب منه��م‪ ،‬حي��ث بات وج��ودي مس��تحي ًال‪،‬‬ ‫قص��ص عن الموت يُس��كت عنه��ا متحول ًة إل��ى مأتم‪،‬‬ ‫كقصص��ي وتفاصيلي مع البحر‪ ،‬وم��ع طفولة في ذلك‬ ‫ماض وقتلها الموت‪!! ...‬‬ ‫المكان أصبحت ِ‬

‫عهد زرزور‬ ‫س��نة ونص��ف على الث��ورة ولأليّ��ام طعم واح��د‪ ،‬طعم‬ ‫اختن��اق مم��زوج بأمل باهت‪ ،‬ل��م يتذوق��ه إال من عاش‬ ‫كل يوم عيش��ة المنتظر بين أكوام من ثورات‪ ...‬نعم لن‬ ‫تعنينا ش��يئًا هذه األيام كعدد ف��يٍ لحظةٍ ما‪ ،‬إذا ضحكنا‬ ‫بشدّة بانتصار كمعجزة‪ ،‬فستتالشى وكأننا لم نلبث كل‬ ‫ه��ذا الوقت في الدم والدمع والحرقة حدّ الش��هادة‪ ،‬و لو‬ ‫أن لثورتنا مسبحة تسبّح بها النفرطت من ثقل التسبيح‬ ‫والهتاف والعدّ‪ ،‬كل يوم كان رواية مثقلة بالحكايات‪ ،‬كل‬ ‫يوم مازال رواية‪ ،‬كل يوم سيبقى رواية‪ ،‬بكل التفاصيل‬ ‫الصغيرة اآلن‪ ،‬المنسيّة غداً والتي تحفر بالقلب بعمق ال‬ ‫يشبه أي ذكرى تمرّ‪ ...‬ولن تزول‪..‬‬

‫هالة العبد اهلل‬ ‫بغض النظر عن التفاصيل ولكن قلبي يدق بلهفة غريبة‬ ‫عندم��ا أخبرني للت��و صديق صحفي انه دخ��ل البالد من‬ ‫معبر محرر وعلى جواز سفره اآلن ختم الجيش الحر‬

‫زياد ماجد‬ ‫من يس��مّي كتيبة ثورية س��وريّة باسم صدام حسين‬ ‫إنما يعبّر عن اعتراضه على "تأخّر" اس��تخدام آل األسد‬ ‫للسالح الكيماوي ضد السوريين‪...‬‬

‫مي�ساء �صالح‬ ‫الطي��ور المهاج��رة لن تمر ه��ذا العام فوق س��ماء س��وريا‪..‬‬ ‫ف��األرواح المتصاعدة كل دقيقة ال تجد فس��حة كافية لها من‬ ‫االزدحام والطيران الذي يقصف الحقد والنار‪ ..‬أغتصب الغيوم‬ ‫بعهر‪ ..‬حتى سماء سوريا أصبحت سماء أشباح كمدنها‪..‬‬

‫�أحمد ح�سن‬ ‫جماعة أمريكا وجماعة إيران اخرسوا أو اطلعوا من بلدنا لعند‬ ‫اللي مستأجركن‪ ...‬بدنا نبني بلد ما بينباع وال بينشرى‪ ..‬بدنا‬ ‫دين هلل مو للس��عودية وإيران‪ ..‬بدنا وطن لكل السوريين مو‬ ‫مزرع��ة لفالن وابن فالن‪ ...‬بدن��ا حرية مو فوضى‪ ..‬وحب مو‬ ‫تبعية‪ ..‬وعسكر ألمن الوطن مو ألمن أعداء الوطن‪....‬‬

‫م�صطفى علو�ش‬ ‫بين ٍ‬ ‫حي يعيشُ لعنة ال يس��تحقُّها حتى الش��ياطين‪..‬‬ ‫وش��هيد ين��ال قداس��ة ال يظفر به��ا حت��ى المالئكة‪..‬‬ ‫يتوزع ش��عب كل ذنبه أنه أراد فق��ط أن يعيش حياة‬ ‫طبيعية كسائر البشر‬

‫مار�سيل �شحوارو‬ ‫في اإلنجيل الس��وري اليوم‪ ..‬يُعتقل الس��امري الصالح‬ ‫من المخابرات الجوية بتهمة " مشفى ميداني "‪ ..‬ويعود‬ ‫االبن الضال إلى بيته‪ ،‬ليجد أباه قد نزح‪..‬‬

‫يا ابن أمَة رسول اهلل‪،‬‬ ‫يا غاضب ًا لرسول اهلل ‪-‬‬ ‫معليش تتذكرلك‪ ،‬بفرنكين‪،‬‬ ‫إنو‪:‬‬ ‫«خذ العفوَ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وأمُرْ بالعرفِ‪،‬‬ ‫وأع ِرضْ عن الجاهلينْ؟؟»‬ ‫[سورة األعراف ‪]199‬‬ ‫بعدين‪:‬‬ ‫هلل لنتَ لهم‬ ‫«فبما رحمةٍ من ا ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫النفضُوا‬ ‫القلب‪،‬‬ ‫غليظ‬ ‫ولو كنت فظ ًا‬ ‫ِ‬ ‫من حولكَ؛‬ ‫فاعْفُ عنهمْ‪،‬‬ ‫واستغفِرْ لهمْ‪،‬‬ ‫وشاورهمْ في األمرْ؟؟»‬ ‫[سورة آل عمران ‪]159‬‬ ‫وأكيد‪ ،‬الزم تتذكر إنو‪:‬‬ ‫الرحمن‪،‬‬ ‫«وعبادُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫يمشون على األرض هوْن ًا؛؛‬ ‫الذين‬ ‫َ‬ ‫الجاهلون‪،‬‬ ‫وإذا خاطبهمُ‬ ‫قالوا (سالمَا)»‬ ‫[سورة الفرقان ‪]63‬‬ ‫هادا يللي عم نقولو‪ ،‬كلو‪،‬‬ ‫مو اجتهاد من الرسول ‪ -‬أل‪.‬‬ ‫بل‪،‬‬ ‫هو كالم رب الرسول وربك‪ ،‬إلو وإلك‪.‬‬ ‫والمفروض‪ ،‬ع حد علمي‪،‬‬ ‫إنو إنت‬ ‫كلك طاعة ألمر اهلل‪.‬‬ ‫ما إنت حبك للرسول‪ ،‬هو من حبك لـ‬ ‫اهلل‪،‬‬ ‫مو هيك‪ ،‬ع أساس؟؟‬ ‫ليك‪ ،‬عيني‪:‬‬ ‫لكل شي فيه أسلوب‪ ،‬وطريقة‪.‬‬ ‫حابب تكون مسلم صح؟؟‬ ‫ليكو اإلسالم‪،‬‬ ‫دل��ك ع الطريقة يلل��ي الزم تتعامل‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫بقا؛‬ ‫هالهوبرة والزعبرة والغضب الطايش‬ ‫بال قيمة وال طعمة‪،‬‬ ‫من وين جايبو؟؟‬ ‫ولوين رايح فيه‪ ،‬جنابك؟؟‬ ‫وبمعيتك؛؛‬ ‫بس تكِن‪ ،‬وتروق‪ ،‬يعني‬ ‫بلكي بتسأللنا حالك‪،‬‬ ‫إنو مين‪ ،‬باهلل‪،‬‬ ‫يللي عم يحركشك ليفززلك عصبك‪،‬‬ ‫وقاع��د عم يتف��رج علي��ك‪ ،‬وعم يلم‬ ‫نقاط ع كتافك‬ ‫ متل العادة؟؟ ‪-‬‬‫يا ريت تبلش تفكر‪.‬‬ ‫صار وقتها‪ ،‬إلنو‪.‬‬ ‫عرفت؟؟‬ ‫جمال منصور‬


‫ج�سر دير الزور املعلق‬

‫حبر ناشف‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬

‫الجس��ور األخ��رى القديم��ة الت��ي بناه��ا‬ ‫العثمانيون‪ ،‬وقد اس��تخدم ف��ي بناء هذا‬ ‫الجس��ر األسلوب الغربي في بناء الجسور‬ ‫المعلق��ة‪ ،‬ويعتبر ثاني جس��ر في العالم‬ ‫مبني به��ذا الطراز بعد جس��ر في جنوب‬ ‫فرنس��ا‪ ،‬واألول في قارة آسيا‪ ،‬حيث قامت‬ ‫شركة فرنسية تدعى (الشركة الفرنسية‬ ‫للبن��اء والتعه��دات) ببنائ��ه س��نة ‪1925‬‬ ‫تحت إش��راف المهندس الفرنسي (مسيو‬ ‫فيف��و)‪ ،‬وأُتِ��م بن��اؤه في س��ت س��نوات‬ ‫وتحدي��داً ع��ام ‪ 1931‬بط��ول ‪ 450‬مت��راً‬ ‫وع��رض ثالثة أمتار وس��تين س��نتيمتراً‪،‬‬ ‫وعل��ى كل جانب رصي��ف بعرض أربعين‬ ‫س��نتيمتراً‪ ،‬و يس��تند الجس��ر على س��ت‬ ‫ركائ��ز بيتونية (أربعة منه��ا بارتفاع ‪،19‬‬ ‫‪ 5‬م وهي الركائز الوس��طية‪ ،‬واثنان منها‬ ‫عل��ى األط��راف بارتف��اع ‪ 7 ،4‬م) وترتفع‬ ‫الركائز لمس��افة ‪ 36‬متراً من القاع وحتى‬ ‫أعلى نقطة فيه‪.‬‬ ‫عندم��ا حان للفرنس��يين أن يخرجوا‬ ‫من س��وريا عمدوا إلى لغم الجس��ر بغية‬ ‫تفجيره وذل��ك بحجة عدم عب��ور القوات‬ ‫البريطاني��ة علي��ه إال أن واح��داً من أبناء‬ ‫المدين��ة األبط��ال وهو (محم��د علي أبو‬ ‫محم��ود) قام بقطع الفتيل‪ ،‬فنجا الجس��ر‬ ‫م��ن الدمار وتحول لمركز جذب س��ياحي‪،‬‬ ‫حي��ث يمك��ن للزائ��ر أن يس��ير علي��ه‬ ‫ويس��تمتع باهتزازات��ه ويش��اهد الفرات‬ ‫متص ًال بالمدينة بشكل مميز وجميل‪.‬‬ ‫كان��ت الغاية من إقامة هذا الجس��ر‬ ‫ربط ضفتي نهر الفرات ليستطيع المشاة‬ ‫والس��يارات الس��ير علي��ه بحي��ث ترتبط‬ ‫المناط��ق الداخلي��ة بمنطق��ة الجزي��رة‬ ‫الس��ورية‪ .‬وقد روعي في بنائه أن يكون‬ ‫له ش��كل جمال��ي ودقة هندس��ية كبيرة‪،‬‬ ‫وأن يتحم��ل وزن الس��يارات الثقي��ل‪،‬‬ ‫فوضع��ت فيه كمي��ات كبيرة م��ن الحديد‬ ‫المدع��م والقوي‪ ،‬كما روع��ي في إنجازه‬ ‫عنص��ر األم��ان فرغم اهتزازات��ه ال يؤثر‬ ‫هذا على عمليات س��ير السيارات والمشاة‬ ‫فوقه‪ .‬وق��د اس��تخدمه الفرنس��يون في‬ ‫نقل معداتهم من وإلى الجزيرة الفراتية‬ ‫في شرق سوريا‪.‬‬ ‫وض��ع مخط��ط إنش��اء الجس��ر في‬ ‫العشرينيات من القرن العشرين‪ ،‬ويقول‬ ‫الباح��ث ج��ان الكس��ان "في ع��ام ‪1925‬‬

‫قامت ش��ركة فرنس��ية يتعهد بنائه على‬ ‫نهر الف��رات في موقع مناس��ب بالمدينة‬ ‫يربط (المنطقة الشامية) وهي المنطقة‬ ‫الواقع��ة إلى يمين نهر الفرات بـ (منطقة‬ ‫الجزي��رة) وه��ي المنطق��ة الواقع��ة إلى‬ ‫يس��اره‪ .‬وق��د أتم��ت ه��ذه الش��ركة بناء‬ ‫الجسر في ست س��نوات حيث أنهت بناءه‬ ‫في ‪ 23‬نيس��ان عام ‪1931‬م‪ ،‬بطول ‪450‬‬ ‫متراً وعرض ثالثة أمتار وستين سنتيمتراً‬ ‫وعل��ى كل جانب رصي��ف بعرض أربعين‬ ‫سنتيمتراً‪.‬‬ ‫لقد بلغ��ت تكالي��ف بناء الجس��ر ما‬ ‫يق��ارب الملي��ون وث�لاث مائ��ة أل��ف ليرة‬ ‫س��ورية‪ ،‬وال يخف��ى عل��ى أح��د أن ه��ذا‬ ‫يعتب��ر مبلغاً ضخمًا ف��ي ثالثينيات القرن‬ ‫الماضي‪.‬‬ ‫تنتش��ر تح��ت الجس��ر المتنزه��ات‬ ‫الجميلة التي يسميها أهالي الدير تسمية‬ ‫محلية وه��ي (الجراديق) وهي عبارة عن‬ ‫مطاع��م ومقاصف س��ياحية يأت��ي إليها‬ ‫الناس يتمتعون بمختلف أنواع المأكوالت‬ ‫والمش��روبات‪ ،‬وتتوض��ع ه��ذه الجراديق‬ ‫عل��ى ضف��اف الفرات في واح��ات خضراء‬ ‫جميلة‪.‬‬ ‫يتح��دث المس��نون م��ن أهال��ي‬ ‫المدين��ة عن طرائف عدي��دة حصلت عند‬ ‫بن��اء الجس��ر المعلق حيث لم يس��تخدمه‬ ‫األهالي ف��ي البداية خوفًا من س��قوطه‪،‬‬ ‫فكي��ف يس��يرون علي��ه وهو يهت��ز تحت‬ ‫الس��يارات القليل��ة وحت��ى تح��ت أق��دام‬ ‫المش��اة واإلب��ل وعرب��ات الخي��ول وكأنه‬ ‫س��يقع بمن عليه‪ ،‬وبس��بب ذل��ك قاطعه‬ ‫األهالي ولم يستخدموه‪ .‬ومن أشهر هذه‬ ‫القصص يُروى أن��ه "عندما انتهى بناؤه‬ ‫وألنه معلق خاف الناس من الس��ير عليه‬ ‫ولك��ي يطمئنه��م المهن��دس الذي صمم‬ ‫الجس��ر أعل��ن اس��تعداده أن يجل��س في‬ ‫زورق مع أس��رته تحت الجس��ر مباش��رة‪،‬‬ ‫وأن تس��ير عليه قافلة مؤلفة من عش��رة‬ ‫سيارات‪ .‬وهذا ما كان‪ ،‬حيث عبرت القافلة‬ ‫الجس��ر المعلق بس�لام‪ ،‬وأصبح من تلك‬ ‫اللحظة ممراً للس��يارات والمش��اة واقتنع‬ ‫الناس ب��أن هذا الجس��ر قوي ول��ن يقع‪،‬‬ ‫وإال كان م��ن األول��ى أن يق��ع على زورق‬ ‫المهندس وأسرته"‪.‬‬ ‫يذكر الباحث الكسان أنه بسبب ضيق‬

‫الجسر كان ال بد من وجود موظفين على‬ ‫ضفتي الجس��ر يجري��ان اتص��ا ًال هاتفيًا‬ ‫بينهم��ا لتنظي��م م��رور الس��يارات فوقه‬ ‫بالدور‪ ،‬وذلك كي ال تلتقي سيارتان فوق‬ ‫الجس��ر فتضط��ر إحداهم��ا للرج��وع إلى‬ ‫الضفة الت��ي أتت منها ك��ي تمر األخرى‪،‬‬ ‫وذلك على غرار قطارات سكة الحديد‪.‬‬ ‫في عام ‪ 1947‬أضيء الجسر المعلق‬ ‫بالكهرباء بأن��وار ملونة في غاية الجمال‬ ‫تنعك��س لي ًال على مياه النه��ر‪ ،‬وفي عام‬ ‫‪ 1955‬صبغ باللون األخضر وأنير بش��كل‬ ‫تزيين��ي وأصبح منظره ف��ي الليل مميزاً‬ ‫وبديع��اً ويش��د الس��ياح ليش��اهدوا هذه‬ ‫األنوار وهي تنعكس متأللئة على سطح‬ ‫مياه نهر الفرات‪.‬‬ ‫حفاظ��ًا عل��ى ه��ذا الجس��ر قام��ت‬ ‫الجه��ات المعنية في محافظ��ة دير الزور‬ ‫ع��ام ‪ 1970‬بإغالق الجس��ر المعلق أمام‬ ‫دخ��ول الس��يارات ليقتصر على المش��اة‬ ‫فقط‪ ،‬وذل��ك عن طريق بن��اء أدراج عند‬ ‫مدخل��ه الش��مالي والجنوب��ي‪،‬‏األمر الذي‬ ‫أدى إل��ى حدوث بعض الخلل في مكونات‬ ‫الجس��ر باعتب��ار أن تصميم��ه الهندس��ي‬ ‫يتوجب س��ير الس��يارات مع المشاة‪ ،‬وبناء‬ ‫على ذل��ك حظي الجس��ر المعلق بأعمال‬ ‫صيانة بعد نحو س��ت وس��بعين عامًا من‬ ‫تش��ييده‪ ،‬كم��ا وُج��د أن��اس تخصص��وا‬ ‫بإجراء الصيانة الدورية لهذا الجسر حيث‬ ‫يحتاج من هؤالء إتقان في العمل ومهارة‬ ‫وش��جاعة وجرأة في اعتالء الجس��ر حتى‬ ‫أع�لاه‪ ،‬حيث يقومون كل س��نتين بإجراء‬ ‫صيان��ة كاملة للجس��ر المعل��ق من حيث‬ ‫إعادة طالئه بلون مائل للرمادي‪ ،‬وكذلك‬ ‫صيانة أجهزة اإلنارة فيه‪ ،‬ويستمر العمل‬ ‫في صيانته مدة شهرين‪.‬‬ ‫بع��د إغ�لاق الجس��ر المعل��ق أم��ام‬ ‫الس��يارات والعرب��ات قام��ت الجه��ات‬ ‫المختصة ببناء عش��رة جسور أخرى غير‬ ‫معلقة وخصصت لسير اآلليات والسيارات‬ ‫عليها‪ .‬وهي جس��ور مصنوعة من الحديد‬ ‫واإلس��منت خالف��ًا للجس��ور البس��يطة‬ ‫المبنية قبل الس��تينيات والمصنوعة من‬ ‫الخش��ب‪ .‬كم��ا كان يتم الي��وم عبور نهر‬ ‫الف��رات ف��ي مدينة دي��ر الزور بواس��طة‬ ‫عبارات تسمى بالقطعة أو الشختور‪.‬‬

‫تصدر عن شباب سوري حر‬

‫تقع دير الزور ش��رقي س��وريا على‬ ‫نه��ر الف��رات ف��ي س��هل خصي��ب محاط‬ ‫بالصح��راء م��ن جهاتها األرب��ع‪ .‬على بعد‬ ‫‪ 450‬كم ش��مال ش��رق العاصمة دمش��ق‬ ‫و‪ 320‬ك��م جن��وب ش��رق حل��ب‪ .‬وتعتبر‬ ‫محافظة دي��ر الزور ثاني أكب��ر محافظة‬ ‫بع��د محافظ��ة حم��ص‪ ،‬وتبلغ المس��احة‬ ‫الكلية للمحافظة حوالي ‪ 33‬ألف كم مربع‬ ‫وتشغل ‪ 9% .17‬من مساحة سوريا‪.‬‬ ‫المكتش��فات األثرية ف��ي دير الزور‬ ‫ت��دل على أنها منطقة مأهولة بالس��كان‬ ‫منذ األلف التاس��ع قبل الميالد‪ ،‬وإن أقدم‬ ‫األس��ماء الت��ي منح��ت له��ا هي "ش��ورا"‬ ‫وتعن��ي بالس��ريانية الحظيرة‪ ،‬وس��ماها‬ ‫األمويون "دير بصير"‪ ،‬ثم حملت المدينة‬ ‫اس��م "دير حتليف" وهو اس��م الدير الذي‬ ‫اس��تقرّ ب��ه عب��د الملك بن م��روان حين‬ ‫حارب مصع��ب بن الزبي��ر‪ .‬ويذكر ياقوت‬ ‫الحموي أن اسم الدير في أيامه كان "دير‬ ‫الرم��ان" النتش��ار الرمان فيه‪ .‬وس��ماها‬ ‫العثماني��ون "دير الرحبة" وأما اس��م "دير‬ ‫الزور" فقد أطلق عليها عام ‪.1864‬‬ ‫أغل��ب س��كان دي��ر ال��زور ه��م من‬ ‫القبائل العربية الرحّل التي استقرت في‬ ‫المدينة بين القرنين الثامن عشر والقرن‬ ‫العشرين‪ .‬وإلى جانب هذه القبائل يعيش‬ ‫في الدي��ر األكراد الواف��دون إلى المدينة‬ ‫م��ن الجزي��رة الس��ورية ش��ما ًال‪ ،‬وكذلك‬ ‫األرمن الذين نفوا إلى الدير قسراً بسبب‬ ‫المذابح األرمنية‪.‬‬ ‫ب��دأ عمران البلدة الجديدة منذ العام‬ ‫‪ ،1865‬حي��ث كان��ت قد اس��تقرت حامية‬ ‫عثماني��ة فيه��ا بع��د إخضاع عش��ائرها‪،‬‬ ‫وبنى المتصرف العثمان��ي داراً للحكومة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عس��كرية ومش��فى‪ ،‬وباشر ببناء‬ ‫وثكنة‬ ‫س��وق المي��ري‪ ،‬واس��تقدم أناس��ًا م��ن‬ ‫أورف��ة م��ن أصح��اب المه��ن والبسْ��تنة‬ ‫للعم��ل فيه��ا‪ ،‬واس��تقر معظ��م ه��ؤالء‬ ‫ف��ي البل��دة‪ .‬وفي الع��ام ‪ 1887‬ت��مّ بناء‬ ‫األس��واق التجاري��ة التقليدي��ة في الجهة‬ ‫الشرقية للدير العتيق‪ ،‬حيث ّ‬ ‫شكل بناؤها‬ ‫امتداداً عضوياً لعم��ارة المدينة القديمة‪،‬‬ ‫وبنيت األس��واق على أس��اس شطرنجي‬ ‫مس��قوفة بقب��اب س��ريرية م��ن الحج��ر‬ ‫والطين‪ .‬وأخذت المدينة تتوس��ع بمحاذاة‬ ‫النه��ر‪ ،‬وب��دأت معالم التكوي��ن الحضري‬ ‫للمدينة بالوض��وح‪ .‬وفي العام ‪ 1893‬تم‬ ‫إحداث ح��ي الحميدية في الجهة الجنوبية‬ ‫الشرقية من المدينة القديمة‪ ،‬وفي العام‬ ‫‪ 1900‬أضيف��ت الحويقة (ح��ي العثمانية)‬ ‫إلى أحياء المدينة‪.‬‬ ‫نظ��راً لحيوي��ة بلدي��ة دي��ر ال��زور‬ ‫وارتفاع دخله��ا كثيراً بالقياس إلى المدن‬ ‫الكبيرة (في العام ‪ 1910‬بلغ دخلها ‪3000‬‬ ‫ليرة ذهبية سنويًا‪ ،‬بينما لم يتجاوز دخل‬ ‫كل م��ن بلديتي دمش��ق وحل��ب ‪11000‬‬ ‫ليرة ذهبية س��نوياً) بني في المدينة في‬ ‫أواخر العهد العثماني جسر خشبي يربط‬ ‫بين البادية الشامية والجزيرة‪.‬‬ ‫تش��تهر مدين��ة دي��ر ال��زور الي��وم‬ ‫كغيرها م��ن مدن س��وريا بالمعالم التي‬ ‫تميزه��ا عن س��واها‪ ،‬حيث تُع��رَف هذه‬ ‫المدينة بجسرها المعلق الذي يعتبر تحفة‬ ‫هندس��ية معمارية وأحد أش��هر الجس��ور‬ ‫المعلق��ة في العالم‪ ،‬وأصبح هذا الجس��ر‬ ‫رمزاً لمدينة دير ال��زور كما النواعير هي‬ ‫رمز لحماة‪ ،‬والجامع األموي رمز لدمشق‪،‬‬ ‫والقلعة التاريخية رمز لحلب‪.‬‬ ‫أطل��ق علي��ه بداي��ة اس��م "الجس��ر‬ ‫الجدي��د" وذل��ك للتفري��ق بين��ه وبي��ن‬

‫بالل سالمة‬

‫‪31‬‬


‫رصيف ‪. .‬‬ ‫سوريتنا | السنة الثانية | العدد (‪ / 23 | )53‬أيلول ‪2012 /‬‬ ‫أسبوعية‬ ‫تصدر عن شباب سوري حر‬ ‫‪32‬‬

‫املقد�س والأ�صنام‪:‬‬ ‫خواطر يف الدين‬ ‫والفيلم امل�سيء‬ ‫نبراس شحيد‬

‫يف مديح "الأعداء"!‬

‫ق��دّم المتظاه��رون الغاضب��ون إل��ى منتج��ي الفيلم‬ ‫المسيء خدم ًة عظيمة حين قلبوا الفيلم البائس حدثًا مهمًا‬ ‫تتناوله وس��ائل اإلعالم كلها‪ ،‬ويش��اهده الن��اس في أصقاع‬ ‫العال��م عل��ى الرغم من س��خافته الش��ديدة! لك��ن الخدمة‬ ‫األهم الت��ي قدمها المحتجون إلى منتجي الفيلم هذا كانت‪،‬‬ ‫م��ن دون ش��كٍ‪ ،‬تعزي��زُ أطروحته��م الخاطئة الت��ي تربط‬ ‫الدين االس�لامي النبيل أوتوماتيكيًا بالعنف‪ .‬لألس��ف‪ ،‬كانت‬ ‫الطريقة التي استنكر بها المحتجون االساءة إلى دينهم‪ ،‬بما‬ ‫وبغض وفوضى‪ ،‬طائش�� ًة إلى حدٍّ ّ‬ ‫توطد‬ ‫قتل‬ ‫ٍ‬ ‫تس��بّبته من ٍ‬ ‫معه الخوف من االسالم عند البعض! إلاّ ّأن الغضب الشعبي‬ ‫هذا لم يكتفِ بخدمة الفكر المس��يء لإلسالم الذي انتفض‬ ‫ض��ده‪ ،‬بل كان من حيث ال يدري أيضاً س��نداً كبيراً لألنظمة‬ ‫الديكتاتوري��ة العربي��ة‪ ،‬ألن��ه عزز األطروحة التي تس��وقها‬ ‫األنظم��ة هذه عن ضرورة الديكتاتوري��ات للوقوف في وجه‬ ‫اإلسالموية السياسية المتطرفة‪ ،‬وخصوصًا أن االحتجاجات‪،‬‬ ‫أعنفها‪ ،‬كانت في بساتين "الربيع العربي"‪.‬‬

‫يف ثقافة "العدو املتخيل"‬

‫ّ‬ ‫س��يظل ثانويًا أمام‬ ‫كل م��ا ذُكر أعاله‪ ،‬وإن كان مهمّاً‪،‬‬ ‫التناقض الكبير الذي كشفه انفجار الشارع الغاضب‪ ،‬عبَّرت‬ ‫عنه بص��دق إحدى الالفتات التي رفعها ث��وار عمودا‪" :‬يوميًا‬ ‫من س��وريا تُعرض أفالم تسيء هلل وللرسول فأين أنتم يا‬ ‫مسلمون؟"‪ .‬تقوم الدنيا وال تقعد ضد إساءة سينمائية رديئة‬ ‫للمقدس��ات‪ ،‬يقدمها فيلمٌ ال يُعرف أصله وفصله‪ ،‬في حين‬ ‫ال يحرك العالم س��اكنًا‪ ،‬أو يكاد‪ ،‬أمام ما يجري يومياً وواقعيًا‬ ‫من إس��اءة للمقدسات في س��وريا‪" .‬هل الرسول الذي يهان‬ ‫في سوريا هو نفسه الذي يهان في أميركا؟"‪ ،‬تتساءل الفت ٌة‬ ‫تغصُ الش��وارع بالغاضبين‪ ،‬مع أن الكثير‬ ‫أخرى بس��خرية! ّ‬ ‫منهم لم يش��اهد الفيلم المس��يء قب��ل التظاهر‪ ،‬في حين‬ ‫رأى وي��رى الجميع كيف تُداس المقدّس��ات يومي��اً‪ ،‬وتُهدم‬ ‫دور العبادة في س��وريا‪ ،‬من دون أن يك��ون لهذا الواقع وقعٌ‬ ‫جماع��يٌ يذكر! التناقض فاض��ح‪ ،‬فـ"المقدّس" هو‬ ‫عمل��يٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ذاته هنا وهناك‪ ،‬واإلساءة "هنا" تتجاوز آالف المرات اإلساءة‬ ‫"هناك"‪ ،‬لك��ن الغضب ينفث نيرانه "هن��اك" ال "هنا"! تعبّر‬ ‫الظاهرة هذه بداي ًة عن طبيعة الجرح الذي تفتحُهُ اإلس��اءة‬ ‫الى "المقدّس" في وريد الش��ارع‪ :‬جرحٌ غير مرتبطٍ بحجم‬ ‫ٌ‬ ‫مرتبط بهوي��ة المس��يء‪ ،‬وإال لكانت‬ ‫اإلس��اءة بقدر ما ه��و‬ ‫زم��ن بعي��دٍ بالمنتفضين ضد‬ ‫من��ذ‬ ‫اكتظ��ت‬ ‫الش��وارع ق��د‬ ‫ٍ‬ ‫اإلس��اءات للمقدسات في سوريا! ما يؤجج مشاعر الغاضبين‬ ‫هو صورة مقدس��اتهم في عيني "الغرب" قبل حجم اإلساءة‬ ‫بش��كل جل��ي من خ�لال التعميم‬ ‫وطبيعته��ا! هذا لمس��ناه‬ ‫ٍ‬ ‫الس��اذج الذي اكتسح الشوارع الغاضبة ناس��باً الفيلم‪ ،‬الذي‬ ‫أنتجته مجموع ٌة من األش��خاص‪ ،‬إلى "الغرب الكافر"‪ ،‬فح ّلل‬ ‫قتل س��فير ألنه ينتمي إلى بلد سيعرض فيه فيلمٌ مسيء‬ ‫(ليبي��ا)‪ ،‬وش��رّع ح��رق الس��فارة األلماني��ة ألن الطريق إلى‬ ‫األميركية عصيّة (السودان)! بكلماتٍ أخرى‪ :‬ترتبط اإلساءة‬ ‫قبل كل ش��يء‪ ،‬في منطق الش��ارع الغاضب‪ ،‬بالصورة التي‬ ‫يكوّنها اآلخر الغربي عنه ال بواقعية اإلساءة وموضوعيتها‪،‬‬ ‫ليتكشّ��ف ش��ي ٌء عميقٌ من عقدة النقص المس��تترة التي‬ ‫تستولي علينا‪.‬‬

‫شهداء‬ ‫سوريا‬

‫َّ‬ ‫"املقد�س"‬ ‫يف متاهات‬

‫لك��ن‪ ،‬إذا كان أث��ر إس��اءة "المق��دّس" مرتبط��اً أو ًال‬ ‫بهوي��ة المس��يء وبصورته عنا ال بحجم اإلس��اءة نفس��ها‪،‬‬ ‫فه��ذا يعبّر من جهة ثانية عن حقيقة الثقافة الس��ائدة في‬ ‫الش��ارع الغاضب‪ :‬إنه��ا ثقافة تهتم بمنظ��ور اآلخر عنا أكثر‬ ‫م��ن اهتمامها بما نعيش��ه هنا على مس��توى الواقع! ما يثير‬ ‫غضبن��ا ه��و اإلهانة التي نش��عر به��ا ش��خصيًا حين يمس‬ ‫األجنب��ي رؤيتنا عن "المقدّس"‪ ،‬ف��ي الوقت الذي يبقى فيه‬ ‫"العدو الحقيقي"‪ ،‬من ينهش لحمنا في عقر دارنا‪ ،‬ويس��رق‬ ‫خبزن��ا‪ ،‬ويدمر بيوتنا‪ ،‬وينتهك أعراضنا‪ ،‬ويدوس مقدس��اتنا‬ ‫بـ"بس��طاره" األس��ود‪ ،‬ثانوي��اً! ل��ذا ال ينحص��ر التناق��ض‬ ‫المس��يطر عل��ى ثقاف��ة الش��ارع الغاضب في بع��ده الديني‬ ‫(الذي يدين إساءة "المقدّس" في أميركا ويتجاهل ما يجري‬ ‫في س��وريا)‪ ،‬بل يرس��م قبل كل ش��ي ٍء فصامَ الديني عن‬ ‫اإلنساني وواقعيته‪ ،‬فما يثير الغضب هو اإلساءة التي تطال‬ ‫"المقدّس" ال الظلم الذي يدوس كرامة اإلنس��ان في سوريا‬ ‫الجريحة‪ ،‬وكأن ال عالقة لـ"المقدّس" باإلنسان! من المنظور‬ ‫ُ‬ ‫الالفتة التي رُفعت في عمودا‪ ،‬معريّ ًة حقيقة‬ ‫هذا‪ ،‬تتح��ول‬ ‫العدو المتخيل‪ ،‬الفت ًة إش��كالية‪ ،‬ألنها تختزل "المقدّس" في‬ ‫معناه الديني المباشر‪ ،‬وتطالب "المسلمين" بالتدخل نصر ًة‬ ‫لدينهم ال نصر ًة لإلنسان المذبوح والمتألم بغض النظر عن‬ ‫دينه‪" :‬يوميًا من س��وريا تُعرض أفالم تسيء هلل وللرسول‬ ‫فأي��ن أنتم ي��ا مس��لمون؟"! هكذا تبق��ى الالفتة ه��ذه‪ ،‬وما‬ ‫ش��ابهها من الفتاتٍ ومطالب وشعارات‪ ،‬ملتبسة‪ ،‬ألنها تهتم‬ ‫برؤي��ة اآلخر ع��ن "المقدّس" قبل أن تهتم بواقع اإلنس��ان‪.‬‬ ‫بمعنىً آخر‪ :‬حتى لو ثار الش��ارع العربي نصر ًة للمقدس��ات‬ ‫المس��تباحة في س��وريا‪ ،‬فإن ذلك لن يغيّر شيئاً من جوهر‬ ‫المأس��اة‪ ،‬ألن الش��ارع لم يتح��رك أو ًال للدفاع عن اإلنس��ان‬ ‫المظلوم!‬ ‫ال تكتف��ي الثقافة الس��ائدة في ش��وارعنا إذاً بمحاربة‬ ‫متخيل"‪" ،‬هناك"‪ ،‬متجاهل ًة ما يجري "هنا" في ربوعها‪،‬‬ ‫"عدو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بل تتجلى قبل كل ش��يء ثقاف�� ًة منفصل ًة عن كثافة الواقع‬ ‫ونس��يجه اإلنس��اني وأنينه المتألم‪ .‬ما يميّز الواقع السوري‬ ‫ّ‬ ‫المش��ظى‪ ،‬صراخه‪ ،‬جوعه‪ ،‬عطشه‪ ،‬رغبته‬ ‫هو ألمه‪ ،‬جسده‬ ‫المتجس��دة في الحرية‪ ،‬وهذا ما ال تستطيع الثقافة السائدة‬ ‫في الش��ارع الغاض��ب أن تأخذه ف��ي اعتباراته��ا ألنها تبقى‬ ‫س��جينة مس��ارات عقدة النقص ورؤية اآلخر عن مقدساتنا‪.‬‬ ‫ه��ي ثقافة تهت��م بـ"الهناك" على حس��اب "الهن��ا"‪ ،‬بـ"األبد"‬ ‫على حس��اب الزمن‪ ،‬بد ًال من البحث عما يمكن أن يربطهما!‬ ‫باختص��ار ه��ي ن��وع من غرب��ة اإلنس��ان عن عم��ق واقعه‬ ‫اإلنساني‪ ،‬وعن آالمه وتطلعاته المتجسدة!‬

‫جمموع ال�شهداء (‪)26660‬‬ ‫دمشق‪1630 :‬‬ ‫ريف دمشق‪4570 :‬‬ ‫حمص‪6437 :‬‬ ‫حلب‪2673 :‬‬ ‫حماه‪2437 :‬‬ ‫الالذقية‪503 :‬‬

‫طرطوس‪46 :‬‬ ‫درعا‪2631 :‬‬ ‫دير الزور‪1792 :‬‬ ‫الحسكة‪138 :‬‬ ‫القنيطرة‪70 :‬‬ ‫الرقة‪124 :‬‬ ‫ادلب‪3587 :‬‬ ‫السويداء‪22 :‬‬

‫يف �سحر "الأ�صنام"‬

‫ال يكتفي شكل الغضب الذي خيم على شورعنا بكشف‬ ‫االرتب��اط العضوي بين جرح الكرام��ة الدينية من جهة أولى‬ ‫وهوية المسيء ورؤيته عن "المقدّس" من جهةٍ ثانية (قبل‬ ‫ارتباطه بحجم اإلس��اءة نفس��ها أو بمعاناة الواقع والجسد)‪،‬‬ ‫بل يكش��ف أيضًا ش��يئًا كثيراً ع��ن طبيعة العالقة الس��ائدة‬ ‫م��ع "المقدّس"‪ :‬إنها عالقة عصبي��ة قبل أن تكون روحانية!‬ ‫األمثلة كثيرة‪ ،‬ويكفينا أن نسترجع حوادث عشناها أو سمعنا‬ ‫عنها تش��اجر فيها ش��خصان من دينين مختلفين‪ ،‬ليصطف‬ ‫أه��ل الح��ي (حت��ى لو كان��وا غي��ر ممارس��ين لش��عائرهم‬ ‫الدينية) في معس��كرين بحسب دين المتشاجرين ال بحسب‬ ‫القضي��ة الت��ي دار حولها الش��جار‪" .‬المق��دّس" الديني في‬ ‫الثقاف��ة هذه هو مرك��بٌ من مركبات هوي��ة الجماعة‪ ،‬ولذا‬ ‫يصير دفاع الش��ارع عن "المقدّس" دفاع��ًا في الوقت ذاته‪،‬‬ ‫وبش��كل متناقض‪ ،‬عن المحتجين أنفس��هم‪ .‬التناقض هنا‬ ‫ٍ‬ ‫بيّ��نٌ‪ ،‬فالش��ارع الغاضب يعترف بق��درة "اهلل"‪ ،‬وفي الوقت‬ ‫عين��ه يدافع عن��ه وكأن "اهلل" يحتاج إل��ى محامين! هكذا‪ ،‬ال‬ ‫تكتفي ثقافة الش��ارع الغاضب بنس��يان "الهن��ا"‪ ،‬وبتهميش‬ ‫اإلنس��ان‪ ،‬من خالل التغريب الذي تغرقه فيه عن واقعه‪ ،‬بل‬ ‫نراه��ا أيضاً تقلب "المقدّسَ"‪ ،‬من حي��ث ال تدري‪" ،‬صنمًا"!‬ ‫نُنَصِبُ ذواتن��ا مدافعين‬ ‫يصي��ر "المقدّس" صنم��ًا حي��ن ّ‬ ‫عنه‪ ،‬لنحامي في حقيقة األمر عن أنفسنا وجراحنا‪ ،‬فنحمّل‬ ‫"المق��دّس" ما نرغبه نحن ونش��تهيه‪ ،‬ويتغرّب "المقدّس"‬ ‫عن جوهره ليصير "وثناً"‪.‬‬ ‫في المقام هذا‪ ،‬يصير "المقدّس" "صنماً" حين يتحول‬ ‫مح��ضَ امتدادٍ للجماع��ة ورغباتها في كم��ال صورتها أمام‬ ‫اآلخرين‪ .‬يصير "المقدّس" "صنماً" حين يُس��جن في جمودِ‬ ‫مصطلح أو جماعة‪ .‬يصير "المقدّس" "صنماً" حين‬ ‫فك��رةٍ أو‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫يتحوّل اس��مًا للموت ال اس��مًا مُحييًا‪ ،‬فنقتل ونخرّب باس��م‬ ‫"اهلل"‪ ،‬أو ننظ��ر بفوقي��ة إلى "اآلخرين" (وال��كالم موجه إلى‬ ‫الجميع‪ ،‬مس��لمين ومسيحيين و‪ ،)...‬مدعين امتالك الحقيقة‪،‬‬ ‫وكأن الحقيقة ش��ي ٌء يمك��ن امتالكه ال بحثًا دؤوباً مس��تمراً‬ ‫ال ينته��ي! يصير "المق��دّس" "صنمًا" حين تصي��ر "كرامته"‬ ‫منفصلة عن كرامة اإلنس��ان وع��ن معاناته "هن��ا" و"اآلن"‪،‬‬ ‫فيثور الشارع على فيلم مسي ٍء وينسى واقع اإلنسان السوري‬ ‫ومذلت��ه اليومية‪ٍ .‬‬ ‫يصي��ر "المقدّس" "صنم��اً" حين يُهمّش‬ ‫اإلنس��ان‪ ،‬فينقل��ب الدي��ن هرباً م��ن كثافة الواقع والجس��د!‬ ‫لذا س��يبقى مش��روع الربيع العربي ناقصاً إن لم يستطع أن‬ ‫يُخ��رج من رحم��ه فكراً دينيًا جديداً يتجذر في نس��يج الواقع‬ ‫اإلنس��اني‪ ،‬لتصير الكرامة البش��رية‪ ،‬في منطق "المؤمنين"‬ ‫َ‬ ‫األولوية األولى ألنها من كرامة "المقدّس" ذاته!‬ ‫أنفسهم‪،‬‬ ‫نشر أيضًا في النهار ‪2012/9/22‬‬ ‫‪ 3058‬عدد العسكريين‬ ‫‪ 23602‬عدد المدنيين‬ ‫‪ 1619‬عدد اإلناث‬ ‫‪ 751‬عدد األطفال اإلناث‬ ‫‪ 1775‬عدد األطفال الذكور‬ ‫المصدر‪ :‬مركز توثيق االنتهاكات‬ ‫في سوريا ‪2012 / 9 / 22‬‬ ‫‪http://vdc-sy.or‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.