برتولد بريخت--الانسان هو الانسان

Page 1

‫سان»‬ ‫ن ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫ه َو اإل ِ ْن َ‬ ‫برتولد بريخت‪« :‬اإل ِ ْن َ‬

‫‪57‬‬

‫خالد صفدي‬ ‫أشغلت مسألة العالقة بني األدب واملجتمع أبحاث ًا كثيرة في مجال النقد األدبي؛ ذلك أن هناك من يرى في الظروف السائدة في املجتمع عام ً‬ ‫ال مهم ًا‬ ‫نتحدث عن برتولد‬ ‫يؤثِّر على األدباء الذين يحيون فيه ويكتبون بإيحائه‪ ،‬ويعكسها بالتالي إنتاجهم األدبي‪ 1.‬هذا األمر يبدو مالئم ًا أيض ًا عندما‬ ‫ّ‬ ‫بريخت‪ ،‬الكاتب األملاني الذي تداخلت حياته مع األحداث التي طرأت على املجتمع األوروبي بشكل عام‪ ،‬واألملاني بشكل خاص‪.‬‬ ‫األدبية‪ ،‬كما تشير املصادر‪ 2،‬منذ كان تلميذ ًا في‬ ‫بدأت حياة بريخت‬ ‫ّ‬ ‫األملانية‪ ،‬حيث نشر قصائده وقصصه األولى بني‬ ‫أوغسبورغ‪ ،‬املدينة‬ ‫ّ‬ ‫السنوات ‪ ،1918 - 1913‬وانتهت مبوته سنة ‪ .1956‬هذه الفترة ذات‬ ‫أهمية لكونها حتتوي على احلدثني األساسيني خالل القرن العشرين‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫العاملية الثانية‪ .‬وبالنسبة لبرتولد بريخت‪،‬‬ ‫واحلرب‬ ‫األولى‬ ‫ة‬ ‫العاملي‬ ‫احلرب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فقد ظهر موتيف احلرب في إنتاجه منذ البداية‪ 3.‬كما أن هذا املوتيف بقي‬ ‫مسرحيته اإلنسان هو اإلنسان‪ ،‬التي‬ ‫ظاهر ًا في أعماله الالحقة‪ ،‬ومنها‬ ‫ّ‬ ‫العاملية األولى وهو ال يزال في‬ ‫احلرب‬ ‫كتبها سنة ‪ ،1926‬في أعقاب‬ ‫ّ‬ ‫أملانيا‪ ،‬قبل أن تبدأ فترة منفاه في أوروبا وأمريكا بني السنوات ‪1933‬‬ ‫‪.1948 -‬‬

‫ولقد كتب بريخت أعما ً‬ ‫ال أخرى تعالج املوضوع نفسه في مرحلة‬ ‫ة‬ ‫العاملي‬ ‫احلرب‬ ‫ّدتها‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫التي‬ ‫األجواء‬ ‫الحقة‪ ،‬وبالتحديد في‬ ‫الثانية‪ 6.‬هذه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفترة كانت أكثر صعوبة بالنسبة لبريخت‪ ،‬ألنها شكّ لت جزء ًا من فترة‬ ‫منفاه‪ ،‬حيث عاش متن ّق ً‬ ‫ال في أرجاء أوروبا وأمريكا مبتعد ًا عن احلكم‬ ‫‪7‬‬ ‫النازي الذي ساد أملانيا آنذاك‪ .‬ومن اجلدير بالذكر أيض ًا أنه في أعقاب‬ ‫فكرية تركّ ز اهتمامها حول مسألة‬ ‫العاملية الثانية ظهرت ّتيارات‬ ‫احلرب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قيمة احلياة‪ ،‬وهل يجدر باإلنسان أن يحياها‪.‬‬ ‫ألبير كامو‪ ،‬أحد رموز فكرة الالمعقول‪ ،‬مثالً‪ ،‬يفتتح مقاله الطويل‬ ‫الذي أطلق عليه اسم «أسطورة سيزيف» بقوله‪:‬‬

‫مسرحية اإلنسان هو‬ ‫العشرينيات‪ ،‬التي كتبت في منتصفها‬ ‫إن سنوات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العاملية‬ ‫اإلنسان‪ ،‬تشكل الفترة التي عانت فيها أوروبا من نتائج احلرب‬ ‫ّ‬ ‫األولى‪ .‬فقد خرجت أملانيا من احلرب في حالة صعبة‪ :‬انتهت املعركة‬ ‫اجلمهورية احلديثة في‬ ‫األملانية سنة ‪ ،1918‬وقيام‬ ‫القيصرية‬ ‫بسقوط‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫برلني‪ .‬ثم كانت معاهدة السالم بشروطها القاسية على أملانيا‪ ،‬التي‬ ‫عقدت في فرساي في أعقاب احلرب سنة ‪ .1919‬إضافة إلى ذلك‪،‬‬ ‫عدة‪ :‬الشيوعيون الذين‬ ‫اجلمهورية اجلديدة قوى‬ ‫فقد ظهرت في‬ ‫داخلية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جعيون الذين تطلّعوا إلى النظام‬ ‫تأثّروا بنجاح الثورة‬ ‫الر ّ‬ ‫ّ‬ ‫الروسية؛ ّ‬ ‫كقوة جديدة سنة ‪.1920‬‬ ‫ظهروا‬ ‫الذين‬ ‫ون‬ ‫النازي‬ ‫امللكي السابق‪ ،‬ثم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفرنسية على أملانيا من أجل تسديد التزاماتها التي‬ ‫كما أن الضغوطات‬ ‫ّ‬ ‫فرضتها معاهدة فرساي انتهت باالحتالل الفرنسي ملنطقتي اإللزاس‬ ‫‪4‬‬ ‫واللورين‪.‬‬

‫«إن العالم الذي ميكن تفسيره ح ّتى ولو باألسباب الرديئة هو عالم‬ ‫يحس بالغربة‬ ‫مألوف‪ .‬ولكن من الناحية األخرى‪ ،‬جند أن اإلنسان‬ ‫ّ‬ ‫يتجرد من األوهام والضوضاء‪ ،‬ونفيه هذا هو بال عالج ما‬ ‫في كون‬ ‫ّ‬ ‫دام قد ُحرم من ذكريات وطن مضيع‪ ،‬أو من أمل أرض موعودة‪.‬‬ ‫وهذا الطالق بني اإلنسان وحياته‪ ،‬املم ّثل ومشهده‪ ،‬هو بالضبط‬ ‫‪9‬‬ ‫الشعور بالالجدوى»‪.‬‬

‫أرضية لظهور‬ ‫إن التغيير الذي طرأ على املبنى االجتماعي في أملانيا شكّ ل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ة‬ ‫فكري‬ ‫ارات‬ ‫ّتي‬ ‫وأدبية جديدة‪ 5.‬لقد حاول األدباء عن طريق الفن بناء‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تطرق‬ ‫حياة ّ‬ ‫مثالية‪ ،‬كان من الصعب حتقيقها في الواقع‪ .‬وهكذا أيض ًا ّ‬ ‫وعبر عن‬ ‫آنذاك‪،‬‬ ‫األملاني‬ ‫احمليط‬ ‫في‬ ‫السائد‬ ‫الوضع‬ ‫إلى‬ ‫نفسه‬ ‫بريخت‬ ‫ّ‬ ‫موقفه منه‪ .‬ومن هذا املنطلق أيضاً‪ ،‬ميكن التعامل مع‬ ‫مسرحية اإلنسان‬ ‫ّ‬ ‫هو اإلنسان‪ ،‬كعمل يعكس موقف الكاتب جتاه موضوع احلرب‪ ،‬األمر‬ ‫الذي سنقوم بالتعليق عليه فيما بعد‪.‬‬

‫في مثل هذا التو ّتر االجتماعي عاش بريخت فترة منفاه وكتب بعض‬ ‫النازية وهو في منفاه‪،‬‬ ‫أعماله‪ 10.‬إن هذه الظروف جعلته يتابع نضاله ضد‬ ‫ّ‬ ‫األمر الذي كان قد بدأه وهو ال يزال في وطنه أملانيا‪ .‬فبريخت الذي‬ ‫النازية يهدد العالم أراد املشاركة في التصدي له‪ :‬لقد شارك‬ ‫رأى خطر‬ ‫ّ‬ ‫في حترير صحف تهتم مبعارضة احلكم النازي‪ ،‬كما شارك في مؤمترات‬ ‫عقدت لهذه الغاية في مناطق مختلفة من أوروبا‪ 11.‬ولعلّ األهم من كل‬ ‫مسرحياته‪.‬‬ ‫األدبية التي أبدعها في هذا املجال‪ ،‬ومنها‬ ‫ذلك هو أعماله‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫فلسفية مهمة وحيدة‪ ،‬هي االنتحار‪ .‬فاحلكم بأن احلياة‬ ‫«هناك مشكلة‬ ‫ّ‬ ‫تستحق أن ُتعاش‪ ،‬يسمو إلى منزلة اجلواب عن السؤال األساسي في‬ ‫‪8‬‬ ‫الفلسفة»‪.‬‬ ‫ويقول كامو‪:‬‬

‫رؤى تربوية ‪ -‬العدد الثامن والعشرون‬


‫اإلنسان هو اإلنسان‬ ‫‪58‬‬

‫منذ البداية تأتي كلمات األغنية االفتتاحية لتصف حالة من عدم اليقني‪،‬‬ ‫تصرفات اإلنسان‬ ‫معن في‬ ‫ولتمهد للفكرة التي تعاجلها‬ ‫ّ‬ ‫املسرحية‪ :‬ال ّت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫معينة‪ ،‬وبيان أن اإلنسان ما هو في حقيقة األمر‬ ‫حني يقع حتت تأثير قوى ّ‬ ‫إال نتيجة لعوامل حتيط به‪ .‬ميكن فعل كلّ شيء باإلنسان‪ ،‬وذلك عن‬ ‫طريق تفعيل مؤثّرات مختلفة تتعلق باملكان والزمان‪ .‬كما أنه ال يوجد‬ ‫إنسان يختلف عن اآلخر في هذه الصفة‪ ،‬ألن كل الناس متشابهون في‬ ‫ذلك‪ .‬هكذا نقرأ‪:‬‬ ‫كان هناك زمن حيث نعم تعني نعم وال تعني ال‬ ‫عندما كان جون هو جون وشمت هو شمت‬ ‫أسود والثلج كان فقط ثلج ًا‬ ‫عندما كان األسود َ‬ ‫كنت أنا‪ ،‬أنت أنت‪ ،‬عندما هو كان هو‬ ‫وأنا ُ‬ ‫األيام‪ ،‬نغ ّني أغنية أخرى‬ ‫هذه‬ ‫لكننا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫نسبي‬ ‫املوسيقي اآلن‬ ‫املفتاح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪12‬‬ ‫واليسار هو ميني والصحيح غالب ًا خطأ‪.‬‬ ‫املسرحية فتحدده األقوال التالية‪ ،‬الواردة في االفتتاحية‬ ‫أما الهدف من‬ ‫ّ‬ ‫أيضاً‪:‬‬ ‫قصة غالي غاي‪ ،‬الشخص‬ ‫لقصتنا‪ّ ،‬‬ ‫«‪ ...‬فقط انتبهوا باهتمام ّ‬ ‫حتول‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫أو‬ ‫ل‪،‬‬ ‫حتو‬ ‫الذي‬ ‫املخلص‪،‬‬ ‫الزوج احملب‬ ‫بمّ‬ ‫البسيط‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شكالً‪ ،‬في نهاية األمر‪ ،‬إلى مواطن‪ ،‬مناضل‪ ،‬جندي‪ ،‬باني‬ ‫إمبراطورية‪( »...‬ص‪.)121 :‬‬ ‫ّ‬

‫رؤى تربوية ‪ -‬العدد الثامن والعشرون‬

‫العسكرية‪ ،‬توحي بوجود‬ ‫هذه األقوال‪ ،‬التي ترد على لسان قائد اجلوقة‬ ‫ّ‬ ‫املسرحية وبني الواقع‪ .‬وهدف بريخت هو لفت أنظار‬ ‫عالقة بني أحداث‬ ‫ّ‬ ‫اجلمهور إلى تلك العالقة‪.‬‬

‫غالي غاي من أجل تأدية الدور املطلوب‪ ،‬األمر الذي ينتهي بفقدانه‬ ‫لهويته احلقيقية ويؤدي إلى بلبلة في تعريفه لألشياء من حوله‪.‬‬ ‫املسرحية‪ .‬فإذا كانت‬ ‫خلفية ألحداث‬ ‫إن أجواء احلرب تشكّ ل منذ البداية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املسرحية ترصد تصرفات اإلنسان حني يقع حتت تأثير عوامل مختلفة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فإن هذه العوامل تتم ّثل في هذه احلالة بأجواء احلرب التي حتيط به‪.‬‬ ‫وهذا األمر لم يكن محض صدفة‪ ،‬بل إنه متعلق إلى مدى كبير باحلياة‬ ‫الشخصية للمؤلّف‪ ،‬إذ أن أجواء احلرب التي أحاطت حياة بريخت هي‬ ‫ّ‬ ‫ضدها‪ ،‬وهي التي أدت به إلى أن يبحث بتعمق حالة‬ ‫التي بلورت مواقفه ّ‬ ‫اإلنسانية في زمن احلرب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولكي يخلق بريخت اإلحساس بأجواء احلرب في املسرحية‪ ،‬فإنه يلجأ‬ ‫حددت احلرب مصائرهم‪.‬‬ ‫إلى بلورة شخصيات مت ِّثل تصرفات أشخاص ّ‬ ‫تعبر عنها األرملة بيغبيك‪ :‬فاملرأة الوحيدة التي‬ ‫مثل هذه الشخصيات ّ‬ ‫تتجول طيلة الوقت هي‪ ،‬كما يبدو‪ ،‬إحدى الشخصيات املألوفة لدى‬ ‫ّ‬ ‫تتجول دائم ًا في الطرقات‪ ،‬وتعمل في مجال‬ ‫بريخت‪ 13.‬هذه‬ ‫الشخصية ّ‬ ‫ّ‬ ‫الطعام‪ ،‬واجلنس‪ ،‬والتجارة‪ .‬ومع أن بريخت ال يعلمنا كيف أصبحت‬ ‫الشخصية تبدو مالئم ًة حلالة احلرب‪ ،‬حيث‬ ‫بيغبيك أرملة‪ ،‬فإن مثل هذه‬ ‫ّ‬ ‫تفقد النساء أزواجهن في كثير من األحيان‪ .‬ومنذ بداية ظهورها يشير‬ ‫أسلوب حديثها إلى طبيعتها‪ ،‬األمر الذي ميكن مالحظته خالل لقائها‬ ‫األول مع غالي غاي (ص‪ ،)133-131 :‬عندما تود مكافأته على‬ ‫ّ‬ ‫مساعدته لها فتقول له‪:‬‬ ‫السيدة ربمّ ا تعلم كيف ترد عرفانها باجلميل بأسلوب يفوق‬ ‫«ولكن ّ‬ ‫السمك» (ص‪.)132 :‬‬ ‫متع َة أكلِ ّ‬ ‫متذمرة‪:‬‬ ‫وكذلك عندما تخاطبه في نهاية ذلك اللقاء ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لدقيقة أكثر في أحاديث ال‬ ‫«يبدو أ ّنه ال جدوى من إضاعة وقتي معك‬ ‫طائل منها» (ص‪.)133 :‬‬

‫املسرحية في معسكر للجيش البريطاني في كلكوا التي‬ ‫تدور أحداث‬ ‫ّ‬ ‫الرجل البسيط الذي يعمل‬ ‫في الهند‪ .‬وهي‬ ‫ّ‬ ‫تتحدث عن غالي غاي‪ّ ،‬‬ ‫حما ً‬ ‫املسرحية بحواره مع زوجته حول حجم‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫والذي‬ ‫امليناء‪،‬‬ ‫ال في‬ ‫ُ َ​َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يودان شراءها من أجل إعداد وجبة طعام‪ .‬حتذّ ر الزوجة زوجها‬ ‫سمكة ّ‬ ‫يتعرضون للناس والذين تصفهم‬ ‫من بائعات السمك‪ ،‬ومن اجلنود الذين ّ‬ ‫بأنهم «أسوأ أناس في العالم»‪ .‬وهذا ما يحدث فعالً‪ :‬فأثناء ذهاب غالي‬ ‫خبأوا زميلهم الرابع‪،‬‬ ‫تتعرض له مجموعة ّ‬ ‫تتكون من ثالثة جنود َّ‬ ‫غاي ّ‬ ‫جاريي جيب‪ ،‬بعد محاولتهم السطو على معبد من أجل احلصول على‬ ‫مال لشراء ما يحتاجون إليه من «الويسكي»‪ .‬إذ أن جاريي جيب فقد‬ ‫جزء ًا من شعره‪ ،‬التصق بصندوق املعبد‪ ،‬أثناء تلك احملاولة‪ ،‬األمر‬ ‫الذي يشكل دلي ً‬ ‫ال على اشتراكه بتلك الفعلة‪.‬‬

‫«مساء اخلير يا جميع اجلنود! أنا األرملة بيغبيك‪ ،‬وهذه هي عربة‬ ‫الضخمة‪ ،‬وهي ترحل‬ ‫خاصتي‪ .‬إنها مرتبطة بقطارات اجلنود ّ‬ ‫اجلعة ّ‬ ‫الشرب‪ ،‬والنوم‬ ‫إثر كلّ سكّ ة حديد في الهند‪ .‬وألنه ميكنك فيها ّ‬ ‫والسفر في الوقت نفسه؛ فإن هذه العربة تدعى بار األرملة بيغبيك‬ ‫ّ‬ ‫اجلوال‪ .‬ومن حيدرأباد ح ّتى رانغون‪ ،‬الكلّ يعلم كيف أن كثير ًا من‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫جيداً» (ص‪.)134 :‬‬ ‫اجلنود يجدون فيها ملجأ عندما ال ُيعاملون ّ‬

‫وملّا كان على اجلنود األربعة أن ميتثلوا أمام رئيس الكتيبة في املساء‪ ،‬وإ ّ‬ ‫ال‬ ‫مير بهم‪ ،‬وهو في‬ ‫قرروا أن ي ّتخذوا من ّ‬ ‫أي رجل ّ‬ ‫انكشف أمرهم‪ ،‬لذلك ّ‬ ‫هذه احلالة غالي غاي‪ ،‬بدي ً‬ ‫ال للجندي املختبئ‪ ،‬فيؤدي دوره‪ .‬وأثناء‬ ‫املسرحية‪ ،‬نرى أشكا ً‬ ‫ال مختلفة من الضغط على‬ ‫ذلك‪ ،‬وعلى امتداد‬ ‫ّ‬

‫بهذا األسلوب املباشر املك ّثف‪ ،‬وعوض ًا عن استخدام أساليب غير‬ ‫ومحدد‬ ‫مباشرة في العرض‪ ،‬تشرح األرملة بيغبيك دورها بشكل واضح‬ ‫ّ‬ ‫أمام جمهور املشاهدين؛ وتساهم في بلورة األجواء التي يسعى بريخت‬ ‫إلى جتسيدها‪.‬‬

‫تؤديه األرملة‬ ‫ماهية الدور الذي ّ‬ ‫إن مثل هذه األقوال من شأنها أن توحي إلى ّ‬ ‫ِ‬ ‫املسرحية‪ .‬ومن اجلدير بالذكر أننا ال جند ح َي ً‬ ‫مركبة عند عرض‬ ‫بيغبيك في‬ ‫ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشخصية‪ ،‬بل إنها تعرض نفسها مباشرة‪ ،‬وببساطة‪ ،‬حال ظهورها على‬ ‫ّ‬ ‫آخر‪،‬‬ ‫موضع‬ ‫في‬ ‫هكذا‪،‬‬ ‫املسرح‪.‬‬ ‫تعرف بيغبيك نفسها للجنود‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬


‫الشخصية وحدها هي التي تخلق اإلحساس بأجواء احلرب‪ ،‬بل‬ ‫ليست‬ ‫ّ‬ ‫إن هناك عناصر أخرى تتآلف لتؤدي املهمة نفسها‪ ،‬مثل عنصر املكان‪:‬‬ ‫فالعربة التي تقودها األرملة بيغبيك تشكل أحد العناصر املهمة في‬ ‫وعملياً‪ ،‬عند هذه العربة يجري قسم كبير من األحداث‪.‬‬ ‫املسرحية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن وصف تلك العربة يرد على لسان األرملة بيغبيك في بداية الصورة‬ ‫الرابعة‪:‬‬ ‫«من سمرقند إلى قندهار‬ ‫لوكاديا بيغبيك صديقتك األفضل‬ ‫اجلوال‬ ‫وفي بارها‬ ‫االحتفالي ّ‬ ‫ّ‬ ‫والشرب لسنوات بال نهاية‬ ‫والنوم‪،‬‬ ‫التدخني‪،‬‬ ‫ميكنك‬ ‫ّ‬ ‫اجلوال‬ ‫في بار األرملة بيغبيك ّ‬ ‫ميكنك أن تنال كل مبتغاك ِ‬ ‫بعلكة‬ ‫هذه العربة تتدحرج عبر الهند القدمية‬ ‫حيث املشروب الذي تتناوله يصلك من ُأ ّمك ا ُملس ّنة [كناية عن‬ ‫اجليش]» (ص‪)135 – 134 :‬‬ ‫اخللفية التي جتري فيها أحداث‬ ‫هذا الوصف‪ ،‬باإلضافة إلى أنه يعكس‬ ‫ّ‬ ‫يقدم‬ ‫إنه‬ ‫احلرب؛‬ ‫فترة‬ ‫أثناء‬ ‫اجلنود‬ ‫املسرحية‪ ،‬فإنه يعكس أيض ًا تصرفات‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫صورة ملعسكر جيش ّإبان احلرب‪ .‬فاألمر األهم بالنسبة للجنود هو‬ ‫“البار”‪ ,‬احلانة‪ ,‬وكل ما يتعلّق بها‪ ،‬األمر الذي يتكرر في أكثر من موضع‪،‬‬ ‫أساسي ًا ألدائهم العسكري‪ .‬كما أنهم‬ ‫ح ّتى أن اجلنود يعتبرون ذلك شرط ًا‬ ‫ّ‬ ‫يعتبرون ذلك عام ً‬ ‫جيسي‪:‬‬ ‫يقول‬ ‫احلرب‪،‬‬ ‫أثناء‬ ‫شجاعتهم‬ ‫ال لتعزيز‬ ‫ّ‬ ‫القوة التابعة للملكة‪،‬‬ ‫«مثلما يجب أن تمُ أل بالوقود ّ‬ ‫الدبابات الفائقة ّ‬ ‫كي ُترى وهي تتدحرج في طرق اإللدورادو اللعينة الالمتناهية‪،‬‬ ‫على الرغم من أنها ال غنى عنها؛ هكذا هو شرب الويسكي بالنسبة‬ ‫للجندي البريطاني» (ص‪.)126 :‬‬

‫املؤثِّرات‬

‫فرضية وتنطوي على‬ ‫مسرحية ذات‬ ‫مسرحية اإلنسان هو اإلنسان‬ ‫إن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هيئت الظروف‬ ‫ما‬ ‫إذا‬ ‫باإلنسان‬ ‫شيء‬ ‫فعل‬ ‫ميكن‬ ‫أنه‬ ‫مفادها‬ ‫ة‪،‬‬ ‫نظري‬ ‫كلّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫معينة يسعى إلى إثباتها‪.‬‬ ‫ة‬ ‫نظري‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫مسبق‬ ‫ينطلق‬ ‫بريخت‬ ‫أن‬ ‫أي‬ ‫لذلك‪.‬‬ ‫ّ ّ‬ ‫ِ‬ ‫شخصيات تعمل ل ُت َج ّسد رؤيته‬ ‫ويوج ُد في داخلها‬ ‫إنه يخلق حاالت‬ ‫ّ‬ ‫‪16‬‬ ‫وفكرته‪.‬‬ ‫شخصية غالي غاي‪ ،‬نلتقي مع عبارات تعكس‬ ‫منذ البداية‪ ،‬وقبل ظهور‬ ‫ّ‬

‫اجلندية‬ ‫جنديتكم‪ .‬ممنوع اإلضرار ببطاقات‬ ‫«متاماً‪ ،‬هاتوا بطاقات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أي وقت من األوقات‪ .‬وملاذا؟ ألن‬ ‫بأي شكل من األشكال‪ ،‬وال في ّ‬ ‫ّ‬ ‫مقدسة‪،‬‬ ‫ة‬ ‫اجلندي‬ ‫بطاقة‬ ‫ولكن‬ ‫وقت‪،‬‬ ‫كل‬ ‫في‬ ‫استبداله‬ ‫ميكن‬ ‫الشخص‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مقدس» (ص‪.)128 :‬‬ ‫وإالّ‪ ،‬فال يوجد شيء ّ‬

‫‪59‬‬

‫أساسية في اجلهاز العسكري‪.‬‬ ‫إن اإلنسان‪ ،‬كإنسان‪ ،‬ال يشكّ ل قيم ًة‬ ‫ّ‬ ‫فاألمر األهم هو الدور الذي يؤديه في ذلك اجلهاز‪ ،‬أي اإلطار الذي‬ ‫يوضع فيه ويشغله‪ .‬ومبا أن كل جندي بإمكانه أن يؤدي الدور الذي‬ ‫جندي آخر‪ ،‬لذلك فاملهم هو احملافظة على اإلطار الذي مت ّثله‬ ‫يؤديه أي‬ ‫ّ‬ ‫في هذه احلالة بطاقة اجلندي‪.‬‬ ‫املسرحية‪ ،‬إذ‬ ‫مقدمة لألحداث التالية في‬ ‫هذه األقوال تشكّ ل ح ّتى اآلن ّ‬ ‫ّ‬ ‫أنها ستنعكس من خالل تلك األحداث ومن خالل أداء الشخصيات‬ ‫الذي يساهم هو أيض ًا في بلورتها‪ .‬هذا ما يحدث مث ً‬ ‫ال عند تخطيط‬ ‫شخصية حتل مكان جيب‪:‬‬ ‫اجلنود حتويل غالي غاي إلى‬ ‫ّ‬ ‫«بولي‪ :‬كيف ميكننا أن ننتهي من ذلك يا أوريا؟ نحن ال منلك غير‬ ‫وثائق جيب‪.‬‬ ‫جيسي‪ :‬إنها كافية‪ .‬إنها ستصبح «جيب» جديد ًا ‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫جلندي؟‬ ‫نحوله‬ ‫عندما‬ ‫سيقول‬ ‫ماذا‬ ‫لكن‬ ‫بولي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لق به في ُن ِ‬ ‫يتحول من تلقاء نفسه‪َ .‬أ ِ‬ ‫قعة ماء‬ ‫جيسي‪ :‬إن شخص ًا كهذا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ينمو اجللد بني أصابعه خالل يومني» (ص‪.)153 :‬‬ ‫ماهيته‪ ،‬وهذا‪ ،‬بحسب‬ ‫إن الظروف التي حتيط باإلنسان هي التي ّ‬ ‫حتدد ّ‬ ‫بريخت‪ ،‬يعني بالتالي أنه ميكن فعل كل شيء باإلنسان عن طريق إدخاله‬ ‫‪17‬‬ ‫إلى حاالت مختلفة ومالئمة للنتائج املطلوبة‪.‬‬ ‫وبخاصة على لسان اجلنود‪:‬‬ ‫املسرحية‪،‬‬ ‫تتكرر خالل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذه الفكرة ّ‬ ‫مرات أكثر‪ ،‬يجب‬ ‫«أوريا (إلى بولي)‪ :‬قبل أن تغرب الشمس سبع ّ‬ ‫يتحول هذا الشخص إلى شخص آخر‪.‬‬ ‫أن‬ ‫ّ‬ ‫بولي‪ :‬هل هذا سينجح يا أوريا؟ حتويل رجل إلى رجل آخر؟‬ ‫أي شخص آخر» (ص‪:‬‬ ‫جيد بقدر ّ‬ ‫أوريا‪ :‬نعم‪ ،‬كلّ شخص ّ‬ ‫‪.)158‬‬ ‫وتصل الفكرة إلى ذروة انعكاسها عند محاولة اجلنود الضغط على غالي‬ ‫عملية بيع فيل اصطناعي‪ ،‬قاموا هم بتركيب هيئته‪،‬‬ ‫غاي وتوريطه في‬ ‫ّ‬ ‫على أنه فيل حقيقي (ص‪ .)185-164 :‬هكذا نقرأ‪:‬‬ ‫«غالي غاي‪ :‬هل يقولون إنني غالي غاي هذا؟‬ ‫جندي‪ :‬إنهم يقولون إن ذلك غير مؤكّ د أكثر‬ ‫غالي غاي‪ :‬نعم‪ ،‬إ ّنه غير مؤكّ د أكثر‪ .‬أهو كذلك؟‬ ‫بيغبيك (إلى غالي غاي)‪ :‬ليس هذا يا صاحبي‪ :‬إن الشخص ليس‬ ‫شخصاً» (ص‪.)170 :‬‬

‫رؤى تربوية ‪ -‬العدد الثامن والعشرون‬

‫هذه األقوال تساهم في بلورة أجواء احلرب ووصف تصرفات اجلنود‪.‬‬ ‫ومن اجلدير بالذكر أن هذه الصورة ال تقتصر لدى بريخت على هذه‬ ‫املسرحية‪ ،‬بل إنها “موتيف” يتكرر في أعماله األخرى‪ 14.‬ومع أن هناك‬ ‫ّ‬ ‫شخصية بريخت ضد‬ ‫التمرد الكائن في‬ ‫من يرى أن هذه الظاهرة تعكس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املسرحية قد تأتي لتؤكّ د أيض ًا مدى عدم‬ ‫البرجوازية‪ 15،‬فإنها في سياق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اقتناع اجلندي نفسه بالدور الذي يؤديه‪ ،‬إذ أنه ال يتمكّ ن من أدائه إال إذا‬ ‫غيب وعيه‪.‬‬ ‫ّ‬

‫املسرحية وتتضح دالالتها فيما بعد‪ .‬هكذا مث ً‬ ‫ال يقول أوريا‪ ،‬أحد‬ ‫فكرة‬ ‫ّ‬ ‫اجلنود‪ ،‬لزمالئه عند محاولة اقتحام املعبد‪:‬‬


‫وفي مرحلة الحقة يتساءل غالي غاي‪:‬‬

‫‪60‬‬

‫«من أنا؟ شيء وال شيء‪ .‬ال شيء إلى أن يناديني شخص آخر بشيء‬ ‫ما» (ص‪.)183 :‬‬ ‫محددة‪ ،‬وذلك ألن قيمتها تتعلّق‬ ‫فاألشياء بحد ذاتها ال حتمل قيمة‬ ‫ّ‬ ‫باملفاهيم املختلفة التي يضفيها إليها اإلنسان؛ وعليه‪ ،‬فإن كل القيم‬ ‫نسبية‪ .‬وسواء اتفقنا مع بريخت أم ال‪ ،‬فإن النتيجة التي يخلص إليها‬ ‫ّ‬ ‫في هذا السياق هي أن قيمة اإلنسان أصبحت تساوي ال شيء‪.‬‬

‫ردود الفعل‬ ‫األول في معادلة بريخت يركّ ز على القوى الفاعلة على‬ ‫إذا كان الطرف ّ‬ ‫اإلنسان‪ ،‬فإن الطرف اآلخر منها يرصد تصرفاته حني يقع حتت تأثير هذه‬ ‫القوى‪ .‬هكذا مثالً‪ ،‬ومنذ البداية‪ ،‬يقول غالي غاي لبيغبيك‪:‬‬ ‫ألصدق أنني س ُأحجز عشر ساعات تقريب ًا بسبب إزعاج غير‬ ‫«لم أكن‬ ‫ّ‬ ‫متوقّع‪ ،‬في حني أردت فقط شراء سمكة والعودة إلى البيت‪ .‬ولكن‬ ‫في اللحظة التي أبدأ فيها بالتدحرج أغدو كقطار املسافرين» (ص‪:‬‬ ‫‪.)132 – 131‬‬ ‫فإذا كان غالي غاي‪ ،‬الذي يقول هذه األقوال‪ ،‬ال يعرف في هذه املرحلة‬ ‫وعملياً‪ ،‬فإن‬ ‫ماذا سيحدث له فيما بعد؛ فإن املؤلف نفسه على علم بذلك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫هذه األقوال تالئم سياق األحداث التالية‪ ،‬التي تصف وضع اإلنسان الذي‬ ‫ٍ‬ ‫شيء ما‪ ،‬ثم ال يلبث أن تهاجمه أحداث غير متوقّعة متنعه من‬ ‫يخطّ ط لفعل‬ ‫ٍ‬ ‫مأزق غير متوقّع‪.‬‬ ‫فعل ما يريد‪ ،‬وفي احلالة التي أمامنا فإنها تؤدي به إلى‬

‫رؤى تربوية ‪ -‬العدد الثامن والعشرون‬

‫عملية بيع الفيل‪ ،‬حيث يخاطب‬ ‫هذا األمر يتكرر فيما بعد‪ ،‬عند بدء‬ ‫ّ‬ ‫غالي غاي نفسه قائالً‪:‬‬

‫إن ما يجري على املسرح‪ ،‬من وجهة نظر بريخت‪ ،‬هو مثال ملا يحدث‬ ‫ّ‬ ‫في املجتمع األوسع الذي متلؤه التناقضات‪ ،‬األمر الذي يبدأ ببساطة ثم‬ ‫مقوماتها‪ .‬فغالي غاي في البداية‪ ،‬ال يرى‬ ‫ينتهي إلى فقدان‬ ‫ّ‬ ‫الهوية وهدم ّ‬ ‫العملية‪ ،‬أي القيام بدور جيب‪ ،‬سوى عمل معروف بسيط‪ ،‬هكذا‬ ‫في‬ ‫ّ‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫يضر أبداً‪.‬‬ ‫مجرد عمل معروف صغير‪ُ ،‬‬ ‫رج ٌل َلر ُجل‪ ،‬مبعنى ‪ -‬ال ُّ‬ ‫«إ ّنه ّ‬ ‫ُ‬ ‫مت‬ ‫قد‬ ‫لقد‬ ‫نفسي‪:‬‬ ‫ث‬ ‫حد‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ماء‬ ‫كانت‬ ‫لو‬ ‫كما‬ ‫الويسكي‬ ‫أشرب‬ ‫إنني‬ ‫ِّ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ً‬ ‫يهم في هذا العالم؟ أن‬ ‫جيداً‪ .‬أليس هذا ما ّ‬ ‫لهؤالء ّ‬ ‫السادة عرض ًا ّ‬ ‫طلق بالون ًا صغير ًا ‪“ -‬جاريي جيب” ‪ -‬ليس أصعب من قول “مساء‬ ‫ُت َ‬ ‫ٌ‬ ‫جداً!»‬ ‫الر ُجل الذي يتم ّناه ال ّناس ‪-‬‬ ‫سهل ّ‬ ‫اخلير”؛ وعندها ستكون َّ‬ ‫(ص‪.)141 - 140 :‬‬ ‫تشدد على الضغوطات الفاعلة‬ ‫نظرية بريخت‪ ،‬في‬ ‫ومبا أن‬ ‫املسرحية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتطرق إلى تلك الضغوطات‪ ،‬األمر الذي‬ ‫على اإلنسان‪ ،‬لذلك فإن ّه ّ‬ ‫املسرحية‪:‬‬ ‫ينعكس بصو ٍر متعددة خالل‬ ‫ّ‬ ‫املادي إلقناع غالي غاي‬ ‫منذ البداية مييل اجلنود إلى استخدام الضغط ّ‬ ‫بأداء دور جاريي جيب‪ .‬فاإلشارة إلى تأثير اجلانب املادي تنعكس‬ ‫من خالل أقوال أوريا مثالً‪ ،‬الذي يحاول إقناع غالي غاي باالنضمام‬ ‫إلى املجموعة‪ ،‬فيصور له حياة اجلندي في اجليش على أنها حياة ٍ‬ ‫رفاه‬ ‫ّ‬ ‫ومتعة‪:‬‬ ‫استثنائية للتجوال‬ ‫اجلندي ممتعة‪ .‬كلّ أسبوع نتل ّقى حفن َة نقود‬ ‫«حياة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصوفية املريحة‪ ،‬إنها ُت َو َّزع‬ ‫انيات‬ ‫ّ‬ ‫عبر الهند ‪ ...‬انظر إلى هذه البطّ ّ‬ ‫البندقية التي حتمل ماركة إيفريت‬ ‫لكل جندي‪ .‬انظر إلى هذه‬ ‫مجان ًا ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأمنا ‪-‬كما ُنطلق على اجليش كدعابة‪ّ -‬أمنا متنحنا أدوات‬ ‫أند كو‪ّ .‬‬ ‫ً‬ ‫عسكرية متنوعة تعزف‬ ‫ة‬ ‫موسيقي‬ ‫ا‬ ‫فرق‬ ‫فإن‬ ‫نصطاد‪،‬‬ ‫وعندما‬ ‫الصيد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واحدة تلو األخرى‪( »...‬ص‪.)154 :‬‬

‫املرء ال يعرف شيئ ًا على وجه التأكيد‪.‬‬ ‫«لقد اعتادت ُأ ّمي القول لي إن َ‬ ‫ولكنك‪ ،‬يا غالي غاي‪ ،‬ال تعرف شيئاً‪ ،‬سواء أكان مؤكّ د ًا أم غير‬ ‫ذلك‪ .‬لقد ذهبت هذا الصباح لشراء سمكة‪ ،‬وها أنت اآلن متلك‬ ‫لد الغد؟‪( » ...‬ص‪.)165 :‬‬ ‫فيالً؛ ومن يعلم ماذا َس َي ُ‬

‫موضع آخر يقول غالي غاي‪“ :‬نعم‪ ،‬نعم هذا ما قد حدث‪ .‬يعني‬ ‫وفي‬ ‫ٍ‬ ‫أهمية الضغط املادي على‬ ‫يعكس‬ ‫الذي‬ ‫األمر‬ ‫)‪،‬‬ ‫‪137‬‬ ‫(ص‪:‬‬ ‫بسيجار”‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ورمبا يعكس أيض ًا مستوى ما يتطلّع إليه اإلنسان البسيط بالذات‪،‬‬ ‫وهو ما يتم ّثل باحلصول على “سيجار” مقابل أدائه دور ًا ليس له‪.‬‬

‫بهذا يرمز بريخت إلى ما يحدث في الواقع‪ ،‬وفي حالتنا ّإبان فترة‬ ‫احلرب‪ ،‬حيث ال يستطيع اإلنسان أن يتوقّع ماذا ميكن أن يحدث معه‪.‬‬ ‫ومن اجلدير بالذكر أن غالي غاي نفسه ال يعرف كيف ُجذب إلى هذا‬ ‫االجتاه غير املتوقّع‪ .‬فعندما يصل إلى الوضع الذي يفقد فيه هويته متاماً‪،‬‬ ‫جيسي «كيف حدث ذلك؟»‪ ،‬يقول‪“ :‬أنا ال أعلم‪ .‬لقد‬ ‫وعندما يسأله ّ‬ ‫ثم انطلقت روحي بال ّثرثرة” (ص‪.)171 :‬‬ ‫ك ّنا ّ‬ ‫ندخن ونشرب‪ّ ،‬‬

‫إن أقوا ً‬ ‫ال مشابهة ترد على لسان بولي‪ ،‬عندما يحاول هو أيض ًا جذب‬ ‫غالي غاي إلى اجليش عن طريق إغرائه بالبدلة العسكرية (ص‪،)136 :‬‬ ‫وكذلك على لسان أوريا نفسه عندما يخاطبه قائالً‪:‬‬

‫وبشكلٍ مشابه يقول اجلنود واصفني حالة غالي غاي‪:‬‬ ‫طلق ال ّن ُار على َر ُجل‪.‬‬ ‫«جندي‪ :‬انظروا‪ ،‬س ُت ُ‬ ‫ّ‬ ‫جندي ٍ‬ ‫ثان‪ :‬إ ّنها ستكون خسارة‪ ،‬إ ّنه ليس ه ِرم ًا بعد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫جندي ثالث‪ :‬إنه ال يعلم ح ّتى كيف حدث له ذلك» (ص‪.)173 :‬‬ ‫ّ‬

‫َ‬ ‫البريطانية‬ ‫العسكرية‬ ‫ثياب‬ ‫«إلى هذه النهاية‪ ،‬اسمح لنا أن ُن‬ ‫لبسك َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املوقّر» (ص‪.)137 :‬‬ ‫وعندما يوشك غالي غاي‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬على االقتناع بأن حياة اجلنود‬ ‫ممتعة‪ ،‬يقول له أوريا ُم َرغِّ باً‪:‬‬ ‫يتوجهون‬ ‫ضج ٍة زائدة‪ ،‬وبفضل هذا ّ‬ ‫الزي اجلميل‪ ،‬سوف ّ‬ ‫«وبدون ّ‬ ‫الس ّيد جيب» (ص‪.)154 :‬‬ ‫كسيد‪ّ .‬‬ ‫إليك طيلة الوقت ّ‬


‫عملية حتويل غالي‬ ‫املادي في‬ ‫كل ذلك يأتي ليدلّل على‬ ‫أهمية الضغط ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شخصية الرجل‬ ‫من‬ ‫يتخذ‬ ‫بريخت‬ ‫إن‬ ‫القول‬ ‫وميكننا‬ ‫غاي إلى جندي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫البسيط انطالقة لتحليل التركيبة املع ّقدة للمجتمع‪ .‬وهكذا يكون ما‬ ‫شخصياً‪ ،‬بل حدث يعكس حال ًة عامة أكثر‬ ‫يجرى لغالي غاي ليس حدث ًا‬ ‫ّ‬ ‫شمولي ًة وقائم ًة في املجتمع اإلنساني الواسع‪.‬‬

‫هذا الشعور يتكرر عندما يخاطب غالي غاي اجلنود قائالً‪“ :‬أنتم هناك‪،‬‬ ‫عملية دفن‬ ‫هل ميكنكم رؤيتي أساساً؟ أين أنا؟” (ص‪ .)183 :‬كما أن‬ ‫ّ‬ ‫الشخصية‪ ،‬وهذا‬ ‫احلقيقية تأتي لتشير إلى حالة من انفصال‬ ‫الشخصية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشعور يظهر لديه عندما يقول فيما بعد‪ ...« :‬ومن أنا؟ أنا اثنان‪ :‬هناك‬ ‫اثنان م ّني» (ص‪.)182 :‬‬

‫عملية بيع الفيل‪ ،‬حيث يصل غالي‬ ‫أما الضغط ال َّنفسي فيبلغ ذروته خالل ّ‬ ‫هويته‪ ،‬ح ّتى أ ّنه يتنكّ ر لزوجته‪ ،‬األمر الذي انتهى‬ ‫غاي إلى ذروة فقدان ّ‬ ‫العملية مبا تنطوي‬ ‫لديه بتدمير الذات‪ .‬إن غالي غاي يشعر خالل تلك‬ ‫ّ‬ ‫عليه من خطر ويطالب اجلنود بتمكينه من تركهم والرجوع إلى البيت‬ ‫(ص‪ .)167 - 166 :‬ولكنه ال ينجح في ذلك‪ ،‬كما أنه ال يتمكّ ن من‬ ‫هويته ودخل في طريق ال منفذ‬ ‫شخصيته‬ ‫الرجوع إلى‬ ‫احلقيقية‪ .‬لقد فقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫منطقياً‪،‬‬ ‫ليس‬ ‫له‬ ‫حدث‬ ‫ما‬ ‫أن‬ ‫يرى‬ ‫غاي‬ ‫غالي‬ ‫أن‬ ‫إلى‬ ‫اإلشارة‬ ‫وجتدر‬ ‫له‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يحدث‬ ‫وذلك بعد احلكم عليه باإلعدام‪ ،‬فيصرخ قائالً‪« :‬ال ميكن أن‬ ‫َ‬ ‫موضحا له تهمته‪:‬‬ ‫ذلك»‪ ,‬وعندها يجيبه أوريا ِّ‬

‫يعبر فيه غالي غاي عن رأيه فيما‬ ‫هذه األقوال تأتي في سياق حوار ّ‬ ‫كل الناس متساوون وال يوجد فرق بني إنسان وآخر‪،‬‬ ‫يحدث مؤكّ د ًا أن َّ‬ ‫ألن األشياء بحد ذاتها ال قيمة لها‪ ،‬والناس هم الذين يضفون لألشياء‬ ‫شيء وال‬ ‫الر ُجل؟‬ ‫ٌ‬ ‫قيمتها (ص‪ .)185 – 180 :‬هكذا يقول‪« :‬ما هو ّ‬ ‫أحد بشيء ما ‪( « ...‬ص‪ .)183 :‬وفيما‬ ‫شيء‪ .‬ال شيء إلى أن يناديه ٌ‬ ‫بعد‪ ،‬وعندما ُيطلب منه رثاء نفسه‪ ،‬تأتي أقواله لتجمل ما حدث له منذ‬ ‫املسرحية حول حجم السمكة التي سيشتريها‬ ‫حواره مع زوجته في بداية‬ ‫ّ‬ ‫لوجبة الغداء وح ّتى التحاقه باجليش وحتوله إلى جندي‪ ،‬ومن ثم دفن‬ ‫احلقيقية (ص‪.)184 :‬‬ ‫شخصيته‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫أو ً‬ ‫وبعت في ً‬ ‫ال‬ ‫سرقت‬ ‫ال‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫«إ ّنه يحدث‪ .‬وانتبه يا صاحبي‪ ،‬أل ّنك‪ّ ،‬‬ ‫بعت في ً‬ ‫ال وهو‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ثاني‬ ‫ك‪،‬‬ ‫تابع ًا للجيش‪ ،‬وهذا ُيعتبر سرقة‪ .‬وأل ّن‬ ‫َ‬ ‫ليس فيالً‪ ،‬وهذا ُيعتبر احتيا ً‬ ‫ال‪ .‬وأل ّنك‪ ،‬ثالثاً‪ ،‬ال متلك اسم ًا وال‬ ‫هوية‪ ،‬حيث ميكن أن تكون جاسوس ًا أو ح ّتى محتا ً‬ ‫ال قد أعطى‬ ‫بطاقة ّ‬ ‫اسم ًا خاطئ ًا خالل نداء الطابور العسكري» ( ص‪.)171 :‬‬ ‫نفسها فيها‪،‬‬ ‫املنطقية التي َوجدت‬ ‫فعلى الرغم من احلالة غير‬ ‫الشخصية َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فإن هذا هو الوضع القائم‪ .‬إن محاولة غالي غاي اخلروج من املأزق‬ ‫جيسي‬ ‫تتكرر‪ ،‬ودون جناح‪ ،‬بعد صدور احلكم عليه‪ .‬فعندما يطلب ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتوجه‬ ‫“تقدم!”‪ ،‬يجيبه غالي غاي‪ ،‬وكأمنا هو‬ ‫متابعة اللعبة ويقول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسانية‪:‬‬ ‫بأقواله إلى‬ ‫ّ‬ ‫شراء سمكة؛‬ ‫أردت‬ ‫رجلكم‪ .‬لقد‬ ‫تقدم؟ أنا‬ ‫«ماذا تعني‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫لست ُ‬ ‫َ‬ ‫أي سمك؟ ما هذه املدافع املتدحرجة في املدى؟ وما‬ ‫هل يوجد هنا ّ‬ ‫موسيقى املعركة تلك الصاخبة في اخلارج؟ لن أتزحزح‪ .‬سوف‬ ‫مزيفاً‪ .‬هذا كلّه يجب أن‬ ‫أمتسك بالعشب؛ نعم‪ ،‬ح ّتى لو كان ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتوقف‪ ،‬أنا ُ‬ ‫جيسي‪،‬‬ ‫أوريا‪،‬‬ ‫أحد؟‬ ‫هنا‬ ‫يوجد‬ ‫ال‬ ‫ملاذا‬ ‫ولكن‬ ‫!‬ ‫صر‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بولي‪ ،‬ساعدوني!» (ص‪.)172 :‬‬

‫«اسمعوا‪ ،‬أنا أعترف‪ .‬أنا أعترف بأنني ال أعرف ماذا جرى‬ ‫رج ٌل ‪-‬ال تضحكوا اآلن‪ -‬ال يعرف من هو»‬ ‫لي‪ّ .‬‬ ‫صدقوني‪ ،‬أنا ُ‬ ‫(ص‪.)174 :‬‬

‫املسرحية‬ ‫شخصيات‬ ‫حول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫محددة مسبقاً‪ .‬هذه‬ ‫إن الصفات اخلاصة‬ ‫بشخصية غالي غاي‪ ،‬مثالً‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫الشخصية تدخل في سلسلة من املواقف واالختبارات ذات النتائج‬ ‫ّ‬ ‫شخصية ذات وجهة نظر تتغير خالل‬ ‫هنا‬ ‫توجد‬ ‫فال‬ ‫ً‪.‬‬ ‫ا‬ ‫أيض‬ ‫املتوقعة‬ ‫ّ‬ ‫الشخصية فقط‪ .‬هذا يعني‬ ‫تصرفات‬ ‫هو‬ ‫ر‬ ‫يتغي‬ ‫ما‬ ‫إن‬ ‫املسرحية‪.‬‬ ‫مراحل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وجد فيها‪ ،‬دون َّأية رؤية‬ ‫الشخصية‬ ‫أن‬ ‫تتصرف بحسب املواقف التي ُت َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يسخرها بريخت كقالب لفكرة‬ ‫ة‬ ‫شخصي‬ ‫املعنى‬ ‫بهذا‬ ‫وهي‬ ‫ً؛‬ ‫ا‬ ‫مسبق‬ ‫دة‬ ‫محد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املسرحية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫من املهم التأكيد على أن بريخت يستعمل عناصر احلبكة بشكل بسيط‪.‬‬ ‫النظرية التي ينطلق‬ ‫وعلى الرغم من أن هذه العناصر تساهم في إثبات‬ ‫ّ‬ ‫منها الكاتب‪ ،‬فإنها تبدو بسيطة‪ ،‬بل ومضحكة إلى مدى معينّ ‪ .‬هذا‬ ‫عملية بيع‬ ‫األمر ينعكس بشكل واضح من خالل أحداث مختلفة‪ ،‬مثل‬ ‫ّ‬ ‫الفيل‪ ،‬التي تعتمد في األساس على افتراضات تبدو صحيحة في إطار‬ ‫‪18‬‬ ‫املسرحية فقط‪.‬‬ ‫معطيات‬ ‫ّ‬ ‫شخصية األرملة بيغبيك فإنها ال تشارك في األحداث بشكل مباشر‪.‬‬ ‫أما‬ ‫ّ‬ ‫شخصية ذات رؤية ووجهة‬ ‫تتحول إلى‬ ‫وبفضل هذا املوقع الذي تتخذه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتضمن تأمالتها في سائر‬ ‫أقوال‬ ‫لسانها‬ ‫نظر‪ .‬وطيلة الوقت ترد على‬ ‫ّ‬ ‫تعبر عن أفكارها في الغالب بواسطة مقطوعات من‬ ‫الشخصيات‪ ،‬وهي ّ‬ ‫يتكرر بعد ذلك‪.‬‬ ‫ما‬ ‫وهذا‬ ‫ة‪،‬‬ ‫املسرحي‬ ‫ة‬ ‫افتتاحي‬ ‫في‬ ‫الشعر‪ .‬هكذا تفعل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومما يلفت االنتباه أن أقوالها في كل مونولوج تالئم املراحل املختلفة‬ ‫ميكننا من اعتبار تلك األقوال إجما ً‬ ‫املسرحية‪ ،‬ما ِّ‬ ‫ال لألحداث التي‬ ‫في‬ ‫ّ‬ ‫جتري على املسرح من جهة‪ ،‬وتعليقات على تلك األحداث من جهة‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫شخصية األرملة بيغبيك خارج أحداث احلبكة وعدم مشاركتها‬ ‫إن وجود‬ ‫ّ‬ ‫يخولها ألداء هذه املهمة‪ .‬وهكذا‪،‬‬ ‫املباشرة في تلك األحداث هو ما ّ‬ ‫للمسرحية يرد على لسان‬ ‫ة‬ ‫الفكري‬ ‫ميكننا القول إن جزء ًا مهم ًا من األبعاد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الغنائية تقول مث ً‬ ‫ال ‪:‬‬ ‫الشخصية‪ .‬في إحدى املقطوعات‬ ‫تلك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫رؤى تربوية ‪ -‬العدد الثامن والعشرون‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فإن محاوالت غالي غاي في إرجاع العجلة إلى الوراء ال‬ ‫الهوية؛ وهي احلالة التي‬ ‫تنجح‪ ،‬وتستمر األحداث ليصل إلى حالة فقدان‬ ‫ّ‬ ‫عملية دفنه‪ ،‬التي تتم بشكل رمزي‪ ،‬والتي تشير‬ ‫تصل الذروة من خالل‬ ‫ّ‬ ‫شخصية‬ ‫الشخصية اجلديدة‪ ،‬أي‬ ‫احلقيقية واستمرار‬ ‫الشخصية‬ ‫إلى زوال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عملية دفن غالي غاي جتري أمام عينيه‪ ،‬بينما هو ال يعلم كيف‬ ‫إن‬ ‫اجلندي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وصل إلى هذه احلالة‪ ،‬كما أنه ال يعرف كيف يوقفها‪ .‬إن غالي غاي‪،‬‬ ‫الذي مي ّثل اإلنسان في املجتمع املعاصر‪ ،‬احملارب‪ ،‬يصل إلى حالة كل ما‬ ‫يتوجه إلى اجلنود قائالً‪:‬‬ ‫معينة ّ‬ ‫فيها ليس مؤكّ د ًا بالنسبة له‪ ،‬وفي مرحلة ّ‬

‫‪61‬‬


‫‪62‬‬

‫« َأ ِ‬ ‫لق نظر ًة على نهر الكنج‬ ‫حيث يجري من بينار إلى البحر‬ ‫التيار؟ أبد ًا‬ ‫هل أستطيع أن أسبح عكس ذلك ّ‬ ‫من ميكنه ح ّتى محاولة ذلك؟ ليس أنا‪( »...‬ص‪.)142 :‬‬ ‫إمكانية العودة‬ ‫هذه األقوال ترمز إلى ما حدث لغالي غاي‪ ،‬بعد أن فقد‬ ‫ّ‬ ‫إلى الوراء‪ 19.‬إن فكرة األشياء الزائلة تتكرر على لسان األرملة بيغبيك‪،‬‬ ‫والهدف من هذه الفكرة هو التأكيد على أن األمور تسير دائم ًا في اجتاه‬ ‫واحد دون ال َّتمكُّ ن من إرجاع عجلة حركتها إلى الوراء‪.‬‬ ‫تتوجه األرملة بيغبيك إلى اجلمهور‪ ،‬وتقول‪:‬‬ ‫في مونولوج آخر ّ‬ ‫السيد برتولد بريخت‬ ‫«اإلنسان هو اإلنسان؛ هذا اعتقاد ّ‬ ‫أي شخص أن يذكره‬ ‫ولكن ذلك شيء بإمكان ّ‬ ‫السيد بريخت يضيف إلى ذلك‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ميكنك فعل ما تريد بالكائن البشري‬ ‫بناءه قطع ًة قطعة‬ ‫سيارة‪َ .‬أعد َ‬ ‫فكّ كه كما ّ‬ ‫كما سترى‪ ،‬لن يكون لديه ما يخسره ‪...‬‬ ‫للقضية‪:‬‬ ‫ورجاء ال تفقد اجلانب األخالقي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مكان خطير» (ص‪.)160 :‬‬ ‫العالم‬ ‫إن هذا‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫هذه األقوال‪ ،‬باإلضافة إلى أنها تعكس الفكرة التي تنطوي عليها‬ ‫املسرحية‪ ،‬فإنها تتخذ نوع ًا من التعزيز عن طريق التوجه املباشر إلى‬ ‫ّ‬ ‫اجلمهور والتحدث باسم بريخت نفسه‪.‬‬

‫املسرحية ما يستخدمه بريخت إلبداء موقفه السلبي من‬ ‫شخصيات‬ ‫ومن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫معينة‪ .‬هكذا يفعل عندما يحاول إظهار اجلانب السلبي في القيم‬ ‫قيم ّ‬ ‫الدينية عن طريق عرض ما يقوم به الكاهن الذي يعرض أمام جمهور‬ ‫ّ‬ ‫املؤمنني صندوق ًا ويحاول إقناعهم بأن ما يحتوي عليه الصندوق هو‬ ‫“الله” الذي يؤمنون به (ص‪ .)28-25 :‬وبذلك يريد بريخت أن يرمز‬ ‫إلى أن ما يؤمن به الناس ميكن أن يكون شيئ ًا ال قيمة له‪ ،‬وهذا بال شك‬ ‫الدينية‪.‬‬ ‫تقليل من شأن القيم‬ ‫ّ‬ ‫املسرحية‪،‬‬ ‫وما دامت أجواء احلرب هي التي تطغى على أحداث‬ ‫ّ‬ ‫اجتماعية أخرى لها‬ ‫فإن بريخت يتطرق من خالل شخصياته إلى قيم‬ ‫ّ‬ ‫شخصية السيرجنت فيرتشايلد امللقب‬ ‫عالقة باملوضوع‪ .‬هكذا تبدو‬ ‫ّ‬ ‫بـ ِ “قاشوش الدم”‪ ،‬والذي أطلقوا عليه هذا اللقب بسبب قتله خمسة‬ ‫هنود على التوالي‪ ،‬في زمن احلرب‪ .‬في هذا السياق‪ ،‬يرى بريخت‬ ‫أن ما يعرف مبفاهيم احلرب على أنه بطولة‪ ،‬ميكن أن ُينظر إليه باملفهوم‬ ‫اإلنساني على أنه إجرام‪.‬‬ ‫مسرحية اإلنسان هو اإلنسان عم ً‬ ‫أدبي ًا يعكس أجواء احلرب‬ ‫وتبقى‬ ‫ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫كما رآها بريخت‪ .‬ومسرح بريخت يعرض احلالة االجتماعية بهدف‬ ‫إصالحها؛ باعتبار أن املسرح أداة إلصالح املجتمع‪ .‬هذا يعني أن‬ ‫خفية‪ ،‬بل إنها قوى اجتماعية‬ ‫القوى التي تؤثّر على اإلنسان ليست ّ‬ ‫وسياسية ميكن تغييرها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫خالد صفدي‬ ‫كاتب من الناصرة‬

‫رؤى تربوية ‪ -‬العدد الثامن والعشرون‬

‫الهوامش‬ ‫‪ 1‬انظر‪:‬‬ ‫‪Rene’ Wellek and Austin Warren , Theory of Lliterature,‬‬ ‫‪London, 1966, pp. 94 - 109.‬‬ ‫‪ 2‬انظر الفصل‪The Beginnings : Augsburg and Munich“ :‬‬ ‫‪ ”1920-1908‬في كتاب‪Fredric Ewen, Bertold Brecht, his :‬‬ ‫‪life, his art and his time, London, 1970 , p: 55 - 71‬‬ ‫ ‪ 3‬انظر‪ ، Ewen , p: 58 :‬حيث يشير إلى أن بريخت منذ بداياته كان ينشر‬ ‫تتحدث عن موضوع احلرب‪.‬‬ ‫قصائد‬ ‫ّ‬ ‫‪ 4‬عن ذلك انظر‪ :‬هربرت فيشر‪ ،‬تاريخ أوروبا في العصر احلديث‪ ،‬ترجمة‬ ‫أحمد جنيب هاشم‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،1958 ،‬ص‪ .570 - 533 :‬ومن امللفت‬ ‫يتحدث عن نتائج احلرب‪ ،‬يخلص إلى نتائج‬ ‫للنظر أن فيشر‪،‬‬ ‫كمؤرخ‪ ،‬عندما ّ‬ ‫ّ‬ ‫اخللفية التي انطلق منها فيما بعد أدباء‬ ‫تالئم‬ ‫أن‬ ‫ميكنها‬ ‫األملاني‬ ‫تتعلّق بالوضع‬ ‫ّ‬ ‫املرة‬ ‫مثل بريخت في أعمالهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وبخاصة عندما يقول‪« :‬وتبلّجت احلقيقة‪ّ ،‬‬ ‫املرة‪ ،‬بأن احلرب أمر غاية في خطورة الشأن‪ ،‬فال ينبغي أن تترك شؤونها‬ ‫تلو ّ‬ ‫ً‬ ‫لرجال احلرب وحدهم‪ ...‬وال ريب أن جانبا ليس بالقليل من سقطة أملانيا‬ ‫يجب أن يعزى إلى احلقيقة بأنها سمحت لرجال احلرب بأن يشغلوا مكان ًا‬ ‫القومية» (ص‪ .)539-538 :‬كما أن‬ ‫أعظم مما ي ّتفق مع مصلحتها وحياتها‬ ‫ّ‬ ‫وصفه لفواجع احلرب ميكنه هو أيض ًا أن يالئم تلك األجواء‪ ،‬انظر هناك ص‪:‬‬ ‫‪.544–542‬‬

‫‪5‬‬ ‫التيارات املختلفة التي ظهرت في أملانيا في تلك الفترة‪ ،‬انظر مثالً‪:‬‬ ‫ حول ّ‬ ‫التيار التعبيري الذي تركز في موضوع‬ ‫‪ ،Ewen, P 72-80‬وهو يرى أن ّ‬ ‫احلرب والسالم هو الذي عكس الوضع القائم في تلك الفترة أكثر من غيره‪.‬‬ ‫التعبيرية» في كتاب باربارا باومان وبريجيتا‬ ‫كذلك انظر الفصل “عصر‬ ‫ّ‬ ‫أوبرله‪ ،‬عصور األدب األملاني‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬هبة شريف‪ ،‬سلسلة عالم‬ ‫املعرفة‪ ،‬الكويت‪ :‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،2002 ،‬ص‪:‬‬ ‫مسرحية اإلنسان هو‬ ‫العشرينيات‪ ،‬حيث كتبت‬ ‫‪ .300 - 281‬وعن أدب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسان‪ ،‬انظر هناك ص‪.318 - 301 :‬‬ ‫ومسرحية شفايك في‬ ‫مسرحية األم شجاعة التي كتبها سنة ‪،1939‬‬ ‫‪ 6‬مثل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثانية‪.‬‬ ‫احلرب‬ ‫العاملية ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 7‬عن الوضع في ظل احلكم النازي‪ ،‬انظر مثالً‪ :‬وليم شيرر‪ ،‬تاريخ أملانيا‬ ‫الهتلرية‪ ،‬نشأة وسقوط الرايخ الثالث‪ ،‬تعريب‪ :‬خيري حماد‪ ،‬بغداد‪ :‬مكتبة‬ ‫ّ‬ ‫املثنى ‪ .1966‬وعن أدباء املنفى‪ ،‬انظر الفصل “األدب األملاني في املهجر” في‬ ‫كتاب عصور األدب األملاني‪ ،‬ص‪.336 – 319 :‬‬ ‫ ‪ 8‬ألبير كامو (‪ .)1955‬أسطورة سيزيف‪ ،‬نقله إلى العربية‪ :‬أنيس زكي حسن‪،‬‬ ‫بيروت‪ :‬منشورات دار مكتبة احلياة‪ ،‬ص‪.11 :‬‬ ‫ ‪ 9‬أسطورة سيزيف‪ ،‬ص‪.14 :‬‬ ‫‪ 10‬انظر الفصل “‪ ”The poet speaks about exile‬في كتاب‪Ewen, :‬‬ ‫‪PP. 291-300.‬‬


‫‪ 11‬حول نضال بريخت ضد اإلرهاب‪ ،‬انظر الفصل “‪Battle against the‬‬ ‫‪ ،”terror‬في كتاب‪ ،Ewen, PP 301-330 :‬حيث يعرض نشاط‬ ‫األدبية التي كتبها لهذا الهدف‪.‬‬ ‫بريخت في هذا املجال‪ ،‬مبا في ذلك األعمال‬ ‫ّ‬ ‫النازية‪ ،‬انظر الفصل‪Exile and Anti –“ :‬‬ ‫وحول نضال بريخت ضد‬ ‫ّ‬ ‫‪ ”Nazism‬في كتاب‪:‬‬ ‫‪Ronald Gray, Brecht; The dramatist, Cambrige‬‬ ‫‪University press, New - York, 1978, pp. 90 - 108.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪A Man’s A man and The Elephant Calf, Early plays‬‬ ‫‪by Bertold Brecht, Edited by Eric Bently, Grove press,‬‬ ‫‪New york, 1964, P. 122.‬‬ ‫املسرحية‪.‬‬ ‫فيما يلي ُيشار إلى أرقام الصفحات إلى جانب كل اقتباس من‬ ‫ّ‬ ‫كمسرحية األم‬ ‫األخرى‪،‬‬ ‫مسرحياته‬ ‫‪ 13‬إذ أنها تظهر‪ ،‬وبصفات مشابهة‪ ،‬في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شجاعة على سبيل املثال‪.‬‬ ‫مسرحية األم شجاعة على سبيل املثال أيضاً‪ ،‬حيث نلتقي مع العناصر‬ ‫‪ 14‬كما في‬ ‫ّ‬ ‫نفسها تقريب ًا ومنها البار‪/‬العربة‪.‬‬ ‫‪ 15‬أنظر مث ً‬ ‫ال ‪ ،Ewen, p 82:‬حيث يقول معلّق ًا على هذه الظاهرة‪:‬‬ ‫‪“His revulsion from sentimentality _ though not entirely‬‬ ‫‪from sentiment – takes the form of deliberate and brutal‬‬ ‫‪obscenity, almost a call to debauchery – sex, cigars,‬‬ ‫‪alcohol, opium. but it also represents a challenge to‬‬ ‫‪smug and solid borgeois morality… ”.‬‬ ‫‪ 16‬من اجلدير بالذكر أن املصادر عن بريخت تشير إلى أن مثل هذه الفكرة بدأت‬ ‫شخصية حتمل االسم‬ ‫مسرحية حول‬ ‫لديه منذ سنة ‪ ،1921‬حيث بدأ يفكّ ر ببناء‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تطور لديه إلى غالي غاي)‪ ،‬والذي يعني كتلة من‬ ‫غالغي (‪( )Galgei‬الذي ّ‬ ‫اللحم على شكل إنسان ميكنه أن يالئم نفسه لكل تغيير‪ ،‬متام ًا كاملاء الذي‬ ‫ي ّتخذ شكل اإلناء الذي ُيسكب فيه‪ ،‬انظر‪.Ewen, pp. 134-135 :‬‬ ‫‪ 17‬في كتابه عن بريخت يربط ‪ Ronald Speirs‬بني هذه الفكرة وبني مصطلح‬

‫االنتخاب الطبيعي (‪ )Natural Selection‬الذي ورد لدى داروين‪ ،‬وهو‬ ‫العلمية‬ ‫نظرية داروين‬ ‫يرى أن ما يربط بني‬ ‫مسرحية اإلنسان هو اإلنسان وبني ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫محدد ًا مسبقاً‪ ،‬بل إ ّنه‬ ‫يكمن في الفكرة القائلة إن مصير اإلنسان ليس شيئ ًا‬ ‫ّ‬ ‫املالءمة املستمرة بني اإلنسان والتغييرات الطارئة في محيطه‪،‬‬ ‫لعملية‬ ‫نتيجة‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫انظر‪:‬‬ ‫‪Ronald Speirs, Brecht early plays, Atlantic High lands,‬‬ ‫‪N.J : Humanities - press, PP 130-131.‬‬ ‫عملية االنتخاب الطبيعي‪ ،‬فإن‬ ‫في هذا السياق ميكننا التعقيب أنه بخالف‬ ‫ّ‬ ‫مالءمة‬ ‫عملية‬ ‫املالءمة تأتي هنا بشكلٍ وا ٍع من الطرفني‪ .‬أضف إلى ذلك أن َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫استمرارية‬ ‫إلى‬ ‫تسعى‬ ‫داروين‪،‬‬ ‫بحسب‬ ‫حوله‪،‬‬ ‫من‬ ‫للظروف‬ ‫احلي‬ ‫الكائن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مالءمة غالي غاي للظروف من حوله انتهت برفضه‬ ‫وجوده؛ في حني أن‬ ‫َ‬ ‫لنفسه‪ ،‬بل وبانعدام وجوده‪.‬‬ ‫عملية‪ ،‬حيث‬ ‫املسرحية ليست‬ ‫‪ 18‬لهذه األسباب نفسها رأى البعض أن هذه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يصعب على اإلنسان الذي يعيش في عصرنا أن يقتنع بأن احلرب هي شيء‬ ‫جيد‪ ،‬كما حدث مع غالي غاي‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫‪Eric Bently, The Brecht Commentaries, New – York,‬‬ ‫‪Grove press, 1981, P78.‬‬ ‫يتنبه هو أيض ًا إلى البساطة‬ ‫انظر كذلك‪ ،Ronald Speirs, p 118 :‬حيث ّ‬ ‫املسرحية‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬ميكننا القول إنه في مثل هذه‬ ‫ميزت‬ ‫ّ‬ ‫التي ّ‬ ‫املسرحية‪ .‬ولعلّ بريخت أراد من خالل‬ ‫في‬ ‫الفكرة‬ ‫عمق‬ ‫يكمن‬ ‫رمبا‬ ‫البساطة‬ ‫ّ‬ ‫ذلك التأكيد على أن األمر يبدأ بهذه البساطة ثم ال يلبث أن ينتهي إلى مأزق‬ ‫مركّ ب‪.‬‬ ‫‪ 19‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن مثل هذه األقوال اع ُتبرت أنها اقتباسات من الفلسفة‬ ‫اليونانية القدمية‪ ،‬انظر‪ ،Ewen, p 137 :‬حيث يربط بني هذه الفكرة‬ ‫ّ‬ ‫وبني ما ورد على لسان الفيلسوف اليوناني هيراقليطس [‪ 540‬ق‪ .‬م] الذي‬ ‫مرتني في النهر نفسه‪ ،‬ألن املاء يتجدد‬ ‫قال‪“ :‬إنك ال تستطيع أن‬ ‫َ‬ ‫تخطو ّ‬ ‫باستمرار”‪.‬‬

‫رؤى تربوية ‪ -‬العدد الثامن والعشرون‬

‫من ورشة «املسرح في التعليم»‪.‬‬

‫‪63‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.