سان» ن ُ سا ُ ه َو اإل ِ ْن َ برتولد بريخت« :اإل ِ ْن َ
57
خالد صفدي أشغلت مسألة العالقة بني األدب واملجتمع أبحاث ًا كثيرة في مجال النقد األدبي؛ ذلك أن هناك من يرى في الظروف السائدة في املجتمع عام ً ال مهم ًا نتحدث عن برتولد يؤثِّر على األدباء الذين يحيون فيه ويكتبون بإيحائه ،ويعكسها بالتالي إنتاجهم األدبي 1.هذا األمر يبدو مالئم ًا أيض ًا عندما ّ بريخت ،الكاتب األملاني الذي تداخلت حياته مع األحداث التي طرأت على املجتمع األوروبي بشكل عام ،واألملاني بشكل خاص. األدبية ،كما تشير املصادر 2،منذ كان تلميذ ًا في بدأت حياة بريخت ّ األملانية ،حيث نشر قصائده وقصصه األولى بني أوغسبورغ ،املدينة ّ السنوات ،1918 - 1913وانتهت مبوته سنة .1956هذه الفترة ذات أهمية لكونها حتتوي على احلدثني األساسيني خالل القرن العشرين: ّ العاملية الثانية .وبالنسبة لبرتولد بريخت، واحلرب األولى ة العاملي احلرب ّ ّ فقد ظهر موتيف احلرب في إنتاجه منذ البداية 3.كما أن هذا املوتيف بقي مسرحيته اإلنسان هو اإلنسان ،التي ظاهر ًا في أعماله الالحقة ،ومنها ّ العاملية األولى وهو ال يزال في احلرب كتبها سنة ،1926في أعقاب ّ أملانيا ،قبل أن تبدأ فترة منفاه في أوروبا وأمريكا بني السنوات 1933 .1948 -
ولقد كتب بريخت أعما ً ال أخرى تعالج املوضوع نفسه في مرحلة ة العاملي احلرب ّدتها ل و التي األجواء الحقة ،وبالتحديد في الثانية 6.هذه ّ ّ الفترة كانت أكثر صعوبة بالنسبة لبريخت ،ألنها شكّ لت جزء ًا من فترة منفاه ،حيث عاش متن ّق ً ال في أرجاء أوروبا وأمريكا مبتعد ًا عن احلكم 7 النازي الذي ساد أملانيا آنذاك .ومن اجلدير بالذكر أيض ًا أنه في أعقاب فكرية تركّ ز اهتمامها حول مسألة العاملية الثانية ظهرت ّتيارات احلرب ّ ّ قيمة احلياة ،وهل يجدر باإلنسان أن يحياها. ألبير كامو ،أحد رموز فكرة الالمعقول ،مثالً ،يفتتح مقاله الطويل الذي أطلق عليه اسم «أسطورة سيزيف» بقوله:
مسرحية اإلنسان هو العشرينيات ،التي كتبت في منتصفها إن سنوات ّ ّ العاملية اإلنسان ،تشكل الفترة التي عانت فيها أوروبا من نتائج احلرب ّ األولى .فقد خرجت أملانيا من احلرب في حالة صعبة :انتهت املعركة اجلمهورية احلديثة في األملانية سنة ،1918وقيام القيصرية بسقوط ّ ّ ّ برلني .ثم كانت معاهدة السالم بشروطها القاسية على أملانيا ،التي عقدت في فرساي في أعقاب احلرب سنة .1919إضافة إلى ذلك، عدة :الشيوعيون الذين اجلمهورية اجلديدة قوى فقد ظهرت في داخلية ّ ّ ّ جعيون الذين تطلّعوا إلى النظام تأثّروا بنجاح الثورة الر ّ ّ الروسية؛ ّ كقوة جديدة سنة .1920 ظهروا الذين ون النازي امللكي السابق ،ثم ّ ّ الفرنسية على أملانيا من أجل تسديد التزاماتها التي كما أن الضغوطات ّ فرضتها معاهدة فرساي انتهت باالحتالل الفرنسي ملنطقتي اإللزاس 4 واللورين.
«إن العالم الذي ميكن تفسيره ح ّتى ولو باألسباب الرديئة هو عالم يحس بالغربة مألوف .ولكن من الناحية األخرى ،جند أن اإلنسان ّ يتجرد من األوهام والضوضاء ،ونفيه هذا هو بال عالج ما في كون ّ دام قد ُحرم من ذكريات وطن مضيع ،أو من أمل أرض موعودة. وهذا الطالق بني اإلنسان وحياته ،املم ّثل ومشهده ،هو بالضبط 9 الشعور بالالجدوى».
أرضية لظهور إن التغيير الذي طرأ على املبنى االجتماعي في أملانيا شكّ ل ّ ّ ة فكري ارات ّتي وأدبية جديدة 5.لقد حاول األدباء عن طريق الفن بناء ّ ّ تطرق حياة ّ مثالية ،كان من الصعب حتقيقها في الواقع .وهكذا أيض ًا ّ وعبر عن آنذاك، األملاني احمليط في السائد الوضع إلى نفسه بريخت ّ موقفه منه .ومن هذا املنطلق أيضاً ،ميكن التعامل مع مسرحية اإلنسان ّ هو اإلنسان ،كعمل يعكس موقف الكاتب جتاه موضوع احلرب ،األمر الذي سنقوم بالتعليق عليه فيما بعد.
في مثل هذا التو ّتر االجتماعي عاش بريخت فترة منفاه وكتب بعض النازية وهو في منفاه، أعماله 10.إن هذه الظروف جعلته يتابع نضاله ضد ّ األمر الذي كان قد بدأه وهو ال يزال في وطنه أملانيا .فبريخت الذي النازية يهدد العالم أراد املشاركة في التصدي له :لقد شارك رأى خطر ّ في حترير صحف تهتم مبعارضة احلكم النازي ،كما شارك في مؤمترات عقدت لهذه الغاية في مناطق مختلفة من أوروبا 11.ولعلّ األهم من كل مسرحياته. األدبية التي أبدعها في هذا املجال ،ومنها ذلك هو أعماله ّ ّ
فلسفية مهمة وحيدة ،هي االنتحار .فاحلكم بأن احلياة «هناك مشكلة ّ تستحق أن ُتعاش ،يسمو إلى منزلة اجلواب عن السؤال األساسي في 8 الفلسفة». ويقول كامو:
رؤى تربوية -العدد الثامن والعشرون