المعرفة بعد 42عام ًا يحظى �شهر دي�سمرب مبكانة خا�صة يف قلوب �أهل الإمارات ،بل وميتد ت�أثريه لي�صل املنطقة العربية والعامل �أجمع .ففي الثاين من هذا ال�شهر �أعلن عن قيام احتاد بالدنا قبل � 42سنة ،ومن تابع تطور املعرفة والعلوم يف بالد زايد ،ارت�سمت على وجهه كربى عالمات التعجب واال�ستفهام؛ فما جرى يف هذه الدولة الفتية �أ�شبه ما يكون باملعجزة� .أربعة عقود فقط كانت كفيلة بتعليم اجلاهل وت�أمني اخلائف و�إطعام اجلائع والنهو�ض بالأمة حتى �أ�صبح �شعب الإمارات؛ ال�شعب الأ�سعد. نحن ال ندعي ما لي�س فينا ،بل وال نتجمل ،فالقا�صي والداين �شهد لبالدنا مبنجزاتها ،و�أثنى على تطلعاتها ،بل ومتنى �أن يحظى و�أترابه يف بالده مب�ستوى ال�سعادة التي يحظى بها املواطن الإماراتي ،بل واملقيم وكل زائر لهذه الأر�ض الطيبة .فال�سعادة �أمر ال ت�شرتيه الأموال بل ت�صنعه العقول النا�ضجة والر�ؤية ال�صحيحة .والنجاح ال يتحقق بالتمني بل يحتاج لر�ؤية عظماء كال�شيخ زايد وال�شيخ را�شد طيب اهلل ثراهما ،وعزمية حكام ا�ستثنائيني كال�شيخ خليفة وال�شيخ حممد حفظهما اهلل ورعاهما .ومبنا�سبة اليوم الوطني الثاين والأربعني ،ونتيجة لنجاح الإمارات و�سعادة �شعبها فقد ارت�أينا �أن نطرح ملخ�صاتنا لتتمحور حول ال�سعادة والطاقة الإيجابية والنجاح وكلها عنا�صر نعي�شها يف دولة الإمارات العربية املتحدة. ولذا ف�إن خال�صاتنا الثالث لهذا ال�شهر �ستكون: uكتاب نعمة ال�سعادة :املبادىء ال�سبعة للطاقة الإيجابية التي حتقق النجاح وتعظم الأداء ،من ت�أليف� :شون �آكور ،ويرى الكاتب من خالله �أن الطاقة الإيجابية تنتج من تفعيل الإيجابيات ال من ت�سكني ال�سلبيات ،و�أن ال�سعادة ت�أتي قبل النجاح ،وكيف متنحنا ال�سعادة ميزات تناف�سية �شخ�صية وم�ؤ�س�سية. uكتاب �إدمان الإلتهاء :كيف تتوا�صل مع العامل دون �أن تهمل �أ�سرتك �أو ت�ؤرق زمالءك �أو تتعب بالك ،من ت�أليف� :ألك�س �سوجاجن كيم باجن ،والكتاب يبني كيف يكون الإن�سان �أكرث عر�ضة مل�شاعر الر�ضا وال�سعادة حني ينهمك يف العمل وميار�س الأن�شطة واملهمات ال�صعبة ،مبقارنة بالنجاحات الب�سيطة واملتقطعة. uكتاب اال�ستب�صار :كيف ي�صل القادة باالبتكار �إلى حد الإبهار ،من ت�أليف: ج� .شون هانرت ،ويعطي امل�ؤلف من خالله تعريف ًا جديد ًا للميزة التناف�سية، وي�شرح الفرق بني الإبداع واالبتكار ،ويو�ضح ت�أثري االبتكار على الثقافة امل�ؤ�س�سية ،وكيفية التمتع بعقلية ابتكارية. وبهذه املنا�سبة نتمنى لكم �سعادة دائمة وقراءات ممتعة. جمال بن حويرب
الع�ضو املنتدب مل�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم 1
كتاب في دقائق
ال�سعادة قبل النجاح يظن معظم النا�س يف كل العامل �أنّ ال�سعادة هي �إحدى املخرجات املبا�شرة للنجاح .فمن يعمل ويجتهد ويحقق كل �أهدافه �أو حتى بع�ضها� ،سيكون �سعيد ًا ال حمالة .فنحن نحدث �أنف�سنا دائم ًا يف الال�شعور ب�أننا �إن جنحنا� ،سن�شعر حتما بال�سعادة ،وهذا يعني �أنّ النجاح لي�س هدف ًا ،بل هو حمفز ومن�شط لل�سعادة .كثري ًا ما نقول لأنف�سنا مث ًال� :إذا ح�صلت على تلك الوظيفة املرموقة� ،أو متتعت ب�أعلى زيادة يف الراتب ،و�إذا ما حققنا هدفنا البيعي� ،أو فزنا ب�إحدى جوائز التميز� ،أو خ�سرنا ب�ضعة كيلوجرامات من وزننا ،ف�إننا �إذن �سعداء .وهذا يعني بب�ساطة �أنّ النجاح يجب �أنّ ي�أتي �أو ًال ،ثم تلحق به ال�سعادة! لكن املعادلة وال�شروط ال�سابقة غري �صحيحة ،بل هي مقلوبة: فلو كان النجاح -حق ًا -هو �سبب ال�سعادة ،ف�سين�ضم كل موظف يح�صل على ترقية ،وكل طالب يقبل يف اجلامعة التي يحلم بها� ،أو كل من حقق هدف ًا �آني ًا �أو بعيد ًا� ،إلى م�صاف ال�سعداء .فكلما وفق �أحدنا وحقق بع�ض �أو معظم ما ي�صبو �إليه ،كلما ارتفع �سقف توقعاته ،وت�صاعدت طموحاته ،وراح يكدح لتحقيق ما هو �أعلى و�أ�صعب و�أكرب ،وما هو فوق طاقاته؛ مما يجعل ال�سعادة هدف ًا متحرك ًا و�أمر ًا ي�صعب �أو يتعذر حتقيقه يف كثري من الأحيان. املهم يف هذه املعادلة �أنها ال تعمل يف اجتاهني متقابلني ،بل هي مقلوبة متاما .فبعد ما اكت�شف الباحثون يف جماالت “علم النف�س الإيجابي” و “ت�شريح املخ والأع�صاب” ما يثبت �أنّ ال�سعادة ت�سبق النجاح� ،أدركوا �أنها تبث طاقة �إيجابية قوية تقود �إلى النجاح ،لأنها تعظم م�ستوى الأداء ،وتدفع نحو الإجناز ،وتوفر ميزة تناف�سية ا�ستثنائية ت�سمى“ :نعمة ال�سعادة” .ف�إذا �أردت �أن حتقق جناح ًا مرموق ًا يف عملك، عليك �أو ًال بتوفري مناخ ي�سوده الأمل يف بيئة العمل.
“هارفارد” والفردو�س املفقود حني �سطر “جون ميلتون” ق�صيدته امل�شهورة “الفردو�س املفقود” منذ حوايل ثالثة قرون ،كانت جامعة “هارفارد” العريقة قد ت�أ�س�ست .رمبا يثري هذا بع�ض اللب�س �أو يجعلنا نت�ساءل عن العالقة بني الق�صيدة واجلامعة .مل يكن “ميلتون” يتوقع �أنه يف ق�صيدته قد تخيل ما �سيحدث يف “هارفارد” ،التي يعترب الطلبة -يف البداية � -أنّ جمرد وجودهم فيها �إجناز ًا وامتياز ًا .ولكن ما �أن مت�ضي على بدء درا�ستهم فيها ب�ضعة �أ�سابيع ،حتى يبد�أوا بال�ضجر وال�شكوى ،ويعانوا من قلة النوم، ب�سبب ال�ضغوط النف�سية التي تفر�ضها عليهم �شدة املناف�سة وكرثة الأبحاث العلمية. جند كثريين من طالب “هارفارد” ي�صابون بالإحباط ال�شديد ب�سبب �إخفاق ب�سيط ،بد ًال من التطلع �إلى امل�ستقبل الزاهر والفر�ص ال�سانحة �أمامهم .وبدرا�سة حاالت ه�ؤالء الطالب ،خ ُل�ص الباحثون �إلى �أنّ ن�سبة كبرية منهم ت�صاب باالكتئاب ،وي�سارع بع�ضهم �إلى الإنقطاع عن الدرا�سة �أو التحول �إلى جامعات �أخرى ب�سبب تردي �أدائهم الدرا�سي� .أماطت الطروحات ال�سابقة اللثام عن الكثري من احلقائق التي �أخفتها �إمكانات “هارفارد” وبريقها ،فرغم امتالء قاعاتها بخرية الطالب ،جند �أنّ معظم ه�ؤالء يعانون من االكتئاب املزمن.
الطاقة الإيجابية تنتج من تفعيل الإيجابيات ال من ت�سكني ال�سلبيات وجد الباحثون �أي� ًضا �أنّ عالج االكتئاب يتحقق ب�إ�سعاد النا�س .ف�إن كانت ال�سعادة ذات �أ�صول متجذرة يف �أعماق الإن�سان ،ف�إنه �سيتحمل التوتر ،ويرى يف ال�ضغوط حتديات يرتقي تلقائي ًا ب�أدائه �إلى معانقتها وحتقيقها .وهكذا اكت�شفنا من درا�ستنا للطاقة الإيجابية �أنّ معاجلة ال�سلبي �أو التقليل منه ،وتقوية نقاط ال�ضعف فقط ،حت�سن �أداءنا �إلى م�ستوى متو�سط �أو “عادي” .مع �أنّ بلوغ �أعلى م�ستويات الأداء والتميز ،يقت�ضي �أنّ نبد�أ من م�ستوى جيد .فمن املهم �أنّ نبني على القوي ومنتنه ،ونحفز ال�سعادة الكامنة فينا ونحركها .فمن ي�سعى -فقط �إلى حتييد ال�سلبي �أو �إخفائه ،ال ي�ستطيع �أن يتجاوز العادي �إلى اال�ستثنائي ،واملقبول �إلىاملمكن ،مهما بذل من جهد وا�ستهلك من موارد.
ملاذا ندر�س الب�ؤ�س وال�شقاء ونتجاهل ال�سعادة والهناء؟ يف درا�سة �إح�صائية لأبحاث علم النف�س �أجريت عام ،1998تبني �أنّ هناك 17درا�سة نف�سية تتوجه لبحث امل�شكالت ونقاط ال�ضعف واحلاالت ال�سلبية ،مقابل درا�سة واحدة فقط تبحث يف التفا�ؤل وتركز على مواطن القوة واحلاالت الإيجابية .بعبارة �أدق :مقابل كل درا�سة تتناول �سعادة الب�شر ورخاءهم وعوامل ازدهارهم ،هناك 17درا�سة تركز على ك�آبتهم و�إحباطهم و�أ�سباب ف�شلهم .هذا يدل على �أنه من ال�سهل �أن يغرق �أي جمتمع يف غياهب احلزن والتعا�سة ،بد ًال من التطلع نحو الإجناز .كما يقودنا هذا نحو نتيجة حتمية م�ؤداها �أنّ :حتقيق الأحالم ال يت�أتى من الإ�صرار فقط على �إمتام املهام ،ب�أي �شكل وب�أية تكاليف. فالرتهيب لي�س مثل الرتغيب ،ونتائج الإجناز والإعجاز ال تتحق �إال بالتحفيز والتوجه الإيجابي ،وحتريك القوي وغ�ض الطرف عن ال�ضعيف يف داخل كل �إن�سان ،كائن ًا من كان! وهكذا متخ�ضت جتارب علم النف�س الإيجابي عن نتائج غيرّ ت مفاهيم ومعاين ال�سعادة على ال�صعيدين الأكادميي والتطبيقي .فكانت النتيجة �أن تو�صل علماء علم النف�س الإيجابي �إلى �سبعة مبادىء �أو مداخل تقود الإن�سان نحو النجاح وحتقيق الأهداف ،وهي: كتاب في دقائق
2
uنعمة ال�سعادة وميزتها التناف�سية؛ uالرافعة (�أي الإمكانات والطاقات الب�شرية) وحمور االرتكاز (�أي عقلية الإن�سان)؛ uاملعامل الإيجابي للعبة “ترتي�س” (الرتكيز على ما هو �إيجابي)؛ uحتويل ال�صدمات �إلى حتديات و�إجنازات؛ uحتويل العادات ال�سلبية �إلى عادات �إيجابية؛ uا�ستثمار التالحم املجتمعي (لأنك �إن مل ت�ستعن ب�أهلك� ،ستهلك)
نعمة ال�سعادة يف بيئة العمل من املده�ش حق ًا �أنّ جند �أرباب البنوك وامل�ؤ�س�سات املالية هم �أول من حاولوا ا�ستثمار “ميزة ال�سعادة” رغم ال�ضربة القا�صمة التي ت ّعر�ض لها االقت�صاد العاملي عام ،2008حيث راح خرباء املال والأعمال يدر�سون ت�أثري املنحى الإيجابي يف حتويل بيئة عملهم من حافة اخلطر اململوءة بالإحباط �إلى حالة مفعمة بالإيجابية وال�سعادة والنجاح.
حت�صن نف�سك من ال�ضغوط كيف ّ �أجرى الباحثون درا�سة جتميعية �شملت 200بحث وعينة �ضمت � 275000شخ�ص من جميع �أنحاء العامل� .أثبتت الدرا�سة �أنّ ال�سعادة تقود الإن�سان نحو النجاح يف كل مناحي احلياة :فى العمل ،وال�صداقة ،وال�صحة ،والتفاعل املجتمعي ،واالبتكار ،والطاقة .من هنا �أدركنا �أنّ مبد�أ “نعمة ال�سعادة” يح�ضنا على الثقة ب�إمكاناتنا ومتتني مواطن قوتنا ،وغر�س منحى فكري و�سلوكي �إيجابي يف داخلنا وداخل غرينا ،لنحقق نتائج باهرة و�إجنازات عظيمة يف املناحي املذكورة .فنعمة �أو ميزة ال�سعادة لي�ست فكرة �أو مبد�أ فل�سفي ًا فح�سب ،بل هي ممار�سات يجب �أن تتجلى وتنعك�س يف �أخالقيات و�سيا�سات العمل ويف لوائح امل�ؤ�س�سات ،ثم تطبيقها بكل جدية .فلي�ست ال�سعادة �أن ن�صدق ب�أننا ال نحتاج �إلى التغيري، بل �أن نعرتف ب�أننا ن�ستطيع حتقيق هذا التغيري ب�أريحية و�إيجابية فردية وجمتمعية على حد �سواء.
�إمكانية التغيري “�أنا تعي�س بطبعي”
“بع�ض النا�س �سلبيون بطبيعتهم ،ولن يتغريوا”
�شخ�صا خفيف الظل ولن �أكون” “ل�ست ً
هكذا ي�سري الن�سق الفكري الذي ُغر�س يف عقول بع�ضنا بفعل العادات والثقافات .لكن لهذا الن�سق خطورته :فهو يجعلنا ن�صدق عجزنا عن تغيري �أنف�سنا :ف�إمكاناتنا اجل�سمانية �أو احليوية املحدودة والقول ب�أنّ املخ ي�صل �إلى متام ن�ضجه بو�صول ال�شخ�ص �سن املراهقة ،فال ي�ستطيع �أحد تغيريه ،و�أنه من غري املجدي �أن نحاول ذلك .ومن ثم ،يرى املت�شائمون �أنّ ال�سعادة �ستفقد جدواها يف التحفيز على النجاح: 3
كتاب في دقائق
فمن ال ي�ستطيع تغيري خمه ،لن ي�ستطيع حتويل حالته النف�سية من التعا�سة �إلى ال�سعادة .لكننا نعترب هذا املنحى الفكري من الأوهام التي غر�ستها احل�ضارة احلديثة يف عقولنا ،مع �أن علماء ت�شريح املخ اكت�شفوا ما ي�سمى “املرونة الع�صبية” �أو “ال�سمة املطاطية للمخ” التي تعني قابليته للتغري والتطور طبق ًا لنمط حياة الإن�سان. لقد ح ًولت هذه املعلومة تفكري العلماء املتم�سكني مببد�أ ثبات املخ وعدم قابليته للتغيري وو�ضعتهم �أمام حتديني رئي�سيني: الأول :يتمتع بع�ض النا�س بجذع مخ كبري لأنهم يعي�شون ويقودون
�سياراتهم يف �شوارع و�أزقة �ضيقة ت�شبه املتاهة؛ مثل �سائقي التاك�سي يف “لندن” الذين يجوبون �شوارعها �شديدة ال�شبه مبتاهات الق�صور البيزنطية الطراز ،ذات احلدائق هند�سية ال�شكل ،التي ت�شبه متاهات ي�صعب اخلروج منها ،مما يتطلب متتُّع من ي�سوق �أو مي�شي فيها بذاكرة مكانية غري عادية. الثاين :يتمتع جذع املخ بقابلية للنمو واالمتداد يف احلجم نتيجة ممار�سة ن�شاط بعينه كقيادة ال�سيارة يف �أماكن وعرة� ،أو ب�سرعة فائقة حتتاج لرتكيز �شديد وجر�أة يتك ّيف معها املخ حتى ي�ألفها.
حالة :روجر والتغيري روجر �شاب عا�ش حياة عادية جد ًا حتى فقد ب�صره ب�سبب تعر�ض عينيه لر�شة من مادة كيميائية �سامة يف معمل املدر�سة الثانوية .ومل يعد �أمام روجر �إال �أن يتعلم القراءة بطريقة “بريل” التي ي�ستخدم فيها �سبابته الي�سرى ليتح�س�س احلروف ،فيقر�أ الكلمات. لقد ر�أى �أطباء املخ والأع�صاب املهتمني مب�س�ألة تغري �شكل املخ ،يف روجر حالة ت�ستحق الدرا�سة ،فو�ضعوه على جهاز الرنني املغناطي�سي ،لريوا العجب العجاب :فحني �سلطوا الأ�شعة ال�ضوئية الرنانة على يد روجر غري امل�ستخدمة يف القراءة� ،أ�ضاء جزء �صغري من املخ .ولكن حني عر�ضوا �سبابته القارئة حلروف “بريل” ،بزغ �ضوء قوي من جزء كبري من الق�شرة املخية لروجر� ،ضوء باهر كالذي ينبلج عن م�صباح “الهالوجني” . وقد ف�سر العلماء هذا بطريقتني: �أو ًال :يتمتع الب�شر بجينات �شديدة الذكاء ،فمنذ ولد روجر كغريه من النا�س ،كان م�ستعد ًا لأن يفقد ب�صره ،وبالتايل رتبت له �سبابته املدربة قدرة فائقة على قراءة حروف “بريل”. ثاني ًا� :أنّ املخ يتكيف ثم يتغري ا�ستجابة لتغري ظروف الب�شر و�أحوالهم. نعم ،يخطئ من يعتقد �أنّ املخ ال يتغري ،خا�صة بعد �أن �أثبت العلم هذه احلقيقة بالدليل القاطع والربهان ال�ساطع .بل يتمتع املخ مبرونة فطرية غري عادية ،مما ميكن كل منا من تطويع قدراته الذهنية و�إمكاناته لتحقيق املزيد من الأهداف وتفعيل الكثري من املبادئ الأخالقية القومية ،التي تبد�أ با�ستثمار مبد�أ “نعمة ال�سعادة”.
املبد�أ الأول :نعمة ال�سعادة كيف متنحنا ال�سعادة ميزات تناف�سية �شخ�صية وم�ؤ�س�سية يف عام ،1543ن�شر “كوبرنيكو�س” كتاب “حركة الأجرام ال�سماوية” .حتى ذلك احلني كان العامل يعتقد �أنّ الأر�ض هي مركز الكون ،و�أنّ ال�شم�س تدور حولها .لكن “كوبرنيكو�س” �أثبت �أنّ العك�س هو ال�صحيح ،و�أنّ الأر�ض هي التي تدور حول ال�شم�س ،وهو اكت�شاف علمي غيرّ نظرة الب�شرية �إلى الكون ب�شكل كبري. وقيا� ًسا على هذا املنطق ،حدثت طفرة يف علم النف�س :فلطاملا اعتقد العلماء �أنّ النجاح �أ�سا�س ال�سعادة ،وك�أنّ النجاح �شم�س وال�سعادة كوكب يدور يف فلكه؛ ولكن بف�ضل التقدم املذهل يف علم النف�س الإيجابي تعلمنا �أنّ العك�س هو ال�صحيح .فحني ن�شعر بال�سعادة ،ن�شعر بالقوة ،فتنفتح عقولنا ويتح�سن مزاجنا ،ون�صبح �أكرث ذكاء ًا ،وحما� ًسا ،وبالتايل �أكرث جناح ًا.
كتاب في دقائق
4
كيف ُيع ِّرف العلماء ال�سعادة؟ ال�سعادة خربة مير بها الإن�سان حني ميتلئ عقله ،وقلبه ،ووجدانه مبزيج متوازن من امل�شاعر الإيجابية واملتعة الذهنية املعززة باملقا�صد واملعاين املثالية والأخالقية .من هذا املنطلق ،ت�صبح ال�سعادة م�ساوية يف املعنى حل�سن املزاج و�إيجابية امل�شاعر يف احلا�ضر ،وتو ّقع اخلري والرخاء يف امل�ستقبل.
�أيهما �أو ًال( :ال�سعادة بذرة �أم ثمرة؟) �أثبتت �أبحاثنا �أنّ املوظفني التع�ساء ي�أخذون �إجازات مر�ضية �أكرث ،ويلزمون الفرا�ش مبعدل يوم وربع اليوم كل �شهر� ،أو 15يوم ًا فوق �إجازاتهم كل �سنة .كما تبينّ �أنّ ال�سعادة هي ال�سبب يف حت�سن احلالة ال�صحية ،ولي�س النتائج فقط .يف �إحدى الدرا�سات التي �أُجريت لقيا�س معدالت ال�سعادة ،مت حقن جمموعة من عينة الدرا�سة بفريو�س الربد .وبعد مرور �أ�سبوع ،ثبت �أنّ الأفراد الأكرث �سعادة كانوا �أكرث قدرة على مقاومة الفريو�س رغم عدم حت�سنهم ب�سرعة؛ غري �أنّ �أعرا�ض الربد التي ظهرت عليهم كانت �أقل حدة من املجموعة الأقل �سعادة .فقد وجد الأطباء �أنهم يعانون من �سعال ،والتهاب ،واحتقان �أقل من نظرائهم .وهذا يعني �أنّ قادة امل�ؤ�س�سات ومديريها الذين يبذلون كل ما يف و�سعهم لغر�س ثقافة ال�سعادة� ،سيجدون موظفني �أكرث اجتهاد ًا وجدارة ،ف�ض ًال عن تراجع معدالت الغياب وانخفا�ض تكاليف الت�أمني ال�صحي.
ا�ستثمار النعمة نعر�ض فيما يلي طرق ًا جمربة لرفع الروح املعنوية ،وحت�سني احلالة املزاجية ،ورفع م�ستوى ال�سعادة يف حياتنا اليومية� :إذ ت�ساهم الأن�شطة التالية يف �إعطاء دفعة قوية للم�شاعر الإيجابية ،وحت�سني م�ستويات الأداء والرتكيز يف املهام: uالت�أمل :تو�صل �أطباء املخ والأع�صاب �إلى �أن من يق�ضون فرتات طويلة يف الت�أمل ،ين ّمون الق�شرة املخية الأمامية يف �أدمغتهم وهي امل�س�ؤولة عن ال�سعادة .فق�ضاء خم�س دقائق يومي ًا يف الت�أمل ينظم �شهيقك وزفريك وي�ساعدك على التذرع بال�صرب ويخل�صك من الت�شتت الذهني ويجعلك ت�ستعيد تركيزك بهدوء. uتطلع �إلى كل ما هو �إيجابي واملأ بيئتك املحيطة بالإيجابية. uقم ب�أعمال اخلري بق�صد :فالإيثار ي�ؤدي �إلى تخفي�ض ال�ضغط ،وحت�سني احلالة الذهنية والنف�سية. uمار�س الريا�ضة. � uش ًغل مواطن قوتك :عندما ُنف ِّعل �أحد مواطن قوتنا ،ن�شعر بفي�ض من الطاقة الإيجابية يغمرنا وينتقل �إلى من حولنا.
املبد�أ الثاين :الرافعة وحمور االرتكاز غي �أداءك بتغيري تفكريك رِّ يقوم تعزيز �إمكاناتنا هنا على عاملني �أ�سا�سيني: -1تعرب الرافعة عن �إمكاناتنا ،فكلما زاد طولها ،كلما زادت قوتنا وقدراتنا. -2ميثل حمور االرتكاز عقليتنا :فعندما ننظر �إلى الأمور من زاوية �إيجابية� ،سنتمكن من توليد قوى التغيري وحتريكها للتفاعل والإجناز من داخلنا.
5
كتاب في دقائق
غري عقليتك لتغيرّ واقعك (اجلمال وجهة نظر) طبق ًا لنظرية الن�سبية لآين�شتاين :جميع القوانني وامل�سلمات التي نظنها ثابتة قابلة للتغيري ،مبا فيها تلك التي تبدو للوهلة الأولى غري قابلة للتحدي .ففي عاملنا الذي نعرفه حدثت �أمور كانت تبدو م�ستحيلة .فكل ثانية من حياتنا ال تقا�س �إال بعقولنا �شديدة اخل�صو�صية والن�سبية على حد �سواء .بعبارة �أدق :ال ُيعد واقعنا
�سوى انعكا�س ملا ت�ستوعبه عقولنا .الأهم من ذلك كله �أن نظرتنا �إلى نف�س احلدث قد تتغري �أكرث من مرة ،وبالتايل تتغري نظرتنا �إلى العامل املحيط بنا .وهكذا يتحرك حمور االرتكاز املتمثل يف عقلياتنا ونظرتنا �إلى الأ�شياء املحيطة بنا .فلي�ست عقلياتنا �أو نظراتنا �إلى الأمور م�ساحات من التحجز والثبات ،بل هي يف تغيرّ وتطور.
عندما تثق بنف�سك يحدث التغري الإيجابي جمرد االقتناع ب�أننا ن�ستطيع تفعيل التغيري الإيجابي يف حياتنا يزيد من حما�سنا ،ويرتقي ب�أدائنا املهني ،حموال النجاح �إلى نبوءة �أو �أ�سطورة ذاتية التحقيق .فقد �أثبتت درا�سة �أجريت على 112حما�سب ًا �أنّ الذي كان واثق ًا �أنه ي�ستطيع �إنهاء مهمته يف وقتها متكن من �إمتامها يف موعدها ،واحل�صول على �أف�ضل تقييم للأداء من ر�ؤ�سائه .ثقتك بقدرتك على فعل �شيء ما حتقق لك جودة ومتيز ًا �أكرب بكثري من املهارة احلقيقية التي تتمتع بها، ومن التدريب الذي قد حت�صل عليه .لأن القدرات والإمكانات املوجودة يف عقل الإن�سان هي مواطن قوة كامنة ميكن متتينها و�صقلها باال�ستخدام والتجريب والتدريب� .أما نقاط ال�ضعف ،فال ميكن حتويلها �إلى نقاط قوة �أو حتييد �آثارها ال�سلبية بالتدريب وباملحفزات الأخرى .و�أق�صى ما ميكن عمله هو حتريكها من منطقة �ضعيف �أو فا�شل� ،إلى منطقة مقبول �أو عادي.
املبد�أ الثالث :ت�أثري لعبة “ترتي�س” (م�سح ال�صور ال�سلبية من العني والعقل) تدريب العقل على ا�ستثمار الإمكانات تُعد لعبة “ترتي�س” من �أ�سهل الألعاب الإلكرتونية و�أكرثها ت�ضلي ًال للعقل :حيث جتد على �شا�شة حا�سبك الآيل �أربعة �أنواع من الأ�شكال الهند�سية تت�ساقط من �أعلى �إلى �أ�سفل ،وعلى الالعب �أن يحركها �أو يجعلها تدور حتى ت�صطدم ب�أ�سفل ال�شا�شة .ولكن هذه الأ�شكال �سرعان ما تختفي حني ت�صطف يف خط �أفقي. هدف اللعبة هو ترتيب تلك الأ�شكال املت�ساقطة بطريقة تكون �أكرب عدد من اخلطوط امل�ستقيمة على ال�شا�شة .قد تبدو اللعبة مملة ،لكن ،من املثري للده�شة� ،أن الكثريين يدمنونها .وال�سبب هو �أنّ الت�أثري ال�سلبي للعبة ينتج عن عملية بدنية طبيعية ي�ستنفرها تكرار اللعب داخل املخ� ،إذ يلت�صق ب�أدمغتهم ما ي�سميه العلماء “ال�صورة الذهنية الثابتة” التي ت�شبه تلك النقط اخل�ضراء �أو الزرقاء التي تخ ّيم على ثوان معدودة بعد التقاط �صورة فوتوغرافية لك .يحدث هذا الت�أثري بفعل �ضوء الكامريا الذي عينيك ملدة ٍ يثبت �صورة م�ؤقتة يف ذاكرتك الب�صرية التي جتعلك حني تنظر حولك ترى ال�صورة يف كل مكان.
ت�أثري “الترتي�س” يف بيئة العمل كل منا يعرف �شخ�ص ًا �أو �أكرث يعاين من �أحد �أ�شكال “ت�أثري الترتي�س” .ما نعنيه هنا هو �أننا نعرف �شخ�ص ًا ال ي�ستطيع اخلروج من �إطار ن�سق معني من التفكري �أو ال�سلوك .حتى يف امل�ؤ�س�سات الكربى والناجحة جند مثل ه�ؤالء من ذوي النمطية الأحادية يف التفكري ال يركزون وال يرون �إال الأمور ال�سلبية ،فهم يبحثون عن ال�ضغوط ويتذكرونها ،وعن املتاعب ويثريونها ويرتكونها تدور يف حلقات متتابعة ت�شغل دوائر وب�ؤر تركيزهم. لكن ثمة �أخبار ًا �سارة يطالعنا بها علم النف�س الإيجابي� .إذ ي�ستطيع كل �إن�سان تدريب خمه على البحث والرتكيز يف كل ما هو �إيجابي وب ّناء كتاب في دقائق
6
وقوي� .إذ حتمل جميع املواقف -حتى ال�سلبية منها � -إيجابيات كامنة ميكننا ا�ستثمارها حتى ن�صبح خرباء يف ا�ستثمار ر�أ�سمال ال�سعادة. فمث ًال يف �شركة “كي بي �إم جي” املتخ�ص�صة يف اال�ست�شارات املالية ،يق�ضي املوظفون من � 8إلى � 14ساعة يف مراجعة الك�شوف والقوائم ال�ضريبية ،بحث ًا عن الأخطاء التي قد حتتويها .ولهذا تت�شكل عقولهم وتركز كل انتباهها على البحث عن ال�سلبيات .هذا طبع ًا يجعلهم متميزين يف عملهم الذي يعني التميز فيه �أن تكت�شف �أكرب عدد من الأخطاء ،لكن اخلربة التي يكت�سبونها يف التنقيب عن الأخطاء واملخالفات وامل�شكالت اخلفية �أو املد�سو�سة يف ثنايا الأرقام تتحول �إلى عادة �سرعان ما تت�سرب �إلى خمتلف مناحي حياتهم لتقلبها ر�أ� ًسا على عقب.
حتويل معامل “ترتي�س” �إلى قوة �إيجابية حني تبحث عقولنا عن الإيجابيات وتركز عليها ،ف�إننا جنني ثمار ثالث �أدوات متاحة لنا وهي :ال�سعادة ،والر�ضا ،والتفا�ؤل .لن�أخذ التفا�ؤل مث ً اال :كلما بحث عقلك عن �أ�شياء �إيجابية ،ف�إنك لن تنفك تكرر نف�س ال�سلوك ،فتزداد تفا�ؤ ًال .هذا ،و ُيعد التفا�ؤل من �أقوى م�ؤ�شرات ارتفاع م�ستوى الأداء الوظيفي .فاملتفائلون ي�ضعون �أهداف ًا �أكرث ورمبا �أ�صعب من التي ي�ضعها املت�شائمون ،ثم يبذلون جهد ًا كبري ًا لتحقيقها .كما يزداد ان�شغالهم بتحقيق �أهدافهم رغم ما يقابلهم من �صعوبات ،لأنهم يتخطون ال�صعوبات بكل �سهولة.
املبد�أ الرابع :ال�سقوط �إلى �أعلى ا�ستثمار الإخفاقات وحتويلها �إلى حتديات عقل الإن�سان ي�شبه اخلريطة املق�سمة �إلى طرق ،و�شوارع ،وميادين .وحني يت ّعر�ض الب�شر لأزمات �أو حمن ،جند خريطتهم العقلية تنق�سم �آلي ًا �إلى ثالثة طرق رئي�سية: الأول :طريق يدور فيه الإن�سان حول نف�سه ،مركز ًا على م�شكلته بحيث توقفه النتيجة ال�سلبية عن احلركة لينتهي به الأمر حيث بد�أ ،وهذا هو طريق “حملُّك �سر”. ا لثا ين :يقودك الطريق الثاين �إلى ما هو �أ�سو�أ من ذلك ،فرغم بعده عن احلدث ال�سلبي ،جتده يقودك نحو ال�شلل واخلوف من جمابهة �أي �صراع �أو حتدِّ . الثالث :طريق ي�أخذك من حيث �سقطت ليفتح �أمامك املزيد من الطرق اجلديدة امل�ؤدية �إلى “�شارع القوة” و“ميدان التحفيز”. ُيعد الو�صول �إلى الطريق الثالث من �أ�صعب الأمور حني يقع الب�شر يف امل�آزق .فحني نواجه �أزمة مالية �أو �أية �أزمة �أخرى ،ت�شرع عقولنا يف ر�سم خرائط غري كاملة ،وللأ�سف ال نتمكن �سوى من ر�ؤية الطرق الوعرة ،ال الطرق املمهدة.
ال�ضربة التي ال تق�صم ظهري تقويني تُعد الفواجع والكوارث و�أمرا�ض ال�سرطان والأمرا�ض املزمنة والأزمات القلبية واحلروب من �أ�سو�أ ما مير به الب�شر من حمن .لكن تبينّ لنا �أنّ تلك ال�شدائد تُعد مبثابة حمفزات تدفعنا نحو النمو واالزدهار .فقد �أثبت علماء النف�س �أنّ معظم الن�ساء الالئي �أُ�صنب ب�سرطان الثدي متكنّ من تخطي حمنهن والنمو ب�شكل ملحوظ .لقد ازددن �شفافية وتعاطف ًا مع الآخرين ،وانفتاح ًا على العامل اخلارجي ،ور�ضاء ًا عن حياتهن ب�شكل عام .وقد �أكد بع�ض من تعر�ضوا ل�صدمات عنيفة �أنهم اكت�سبوا قوى نف�سية عظيمة ،ومزيد ًا من الثقة بالنف�س.
“لقد فشلت كثيرًا في حياتي ،ولهذا حققت نجاحات باهرة” مايكل جوردان
7
كتاب في دقائق
“الذين يجرؤون على الفشل العظيم بقوة هم من يحققون أعظم النجاحات” روبرت كينيدي
املبد�أ اخلام�س :دائرة �أ�سطورة “زورو” العالقة بني الرتكيز على دائرة �أهدافك ال�صغرية و�إدارتها وبني تو�سيع دائرة ت�أثريك (كن متفاني ًا يف القليل لتقدر على الكثري) تروي الق�صة �أن بط ًال م ّقنعا يدعى “زورو” جاب الواليات الأمريكية اجلنوبية ليقاتل مع الأبطال امل�شردين ويدافع عن املقهورين الذين ال ي�ستطيعون احل�صول على حقوقهم من �أ�صحاب ورعاة البقر يف ال�سهول الأمريكية. احلكاية ال تذكر مواطن قوة “زورو” فح�سب ،وال تر ًكز على خفة حركته ومهارته يف دحر ع�شرة رجال ب�ضربة واحدة ،بل تذكر نقاط �ضعفه �أي�ض ًا .ففي بداية الأمر مل يكن با�ستطاعته �أن يقوم بكل تلك اخلوارق التي �أده�شت النا�س؛ فكلما حاول الطريان �سقط ،ولطاملا خانته �شجاعته ب�سبب كرثة حماربيه. لقد ظل “زورو” هكذا �إلى �أن خارت قواه ،و�أنهكه الي�أ�س والف�شل .وهنا ،جاء معلم املبارزة العجوز “دون دييجو” ليحيد الآثار ال�سلبية لنقاط �ضعف “زورو” ومينت مواطن قوته ويجعل منه بط ًال مغوار ًا .لقد علمه �أن الن�صر ال يتحقق �سوى بالتفاين و�إدارة الوقت والذات يف الزمان واملكان؛ فقد ر�سم “دون دييجو” للبطل “زورو” دائرة �صغرية على الأر�ض ،وطلب منه �أن يتدرب على فنون القتال داخل هذه الدائرة فح�سب .ومبرور الوقت ،ومع كرثة املران، و�إمعان الرتكيز �سمح “دون دييجو” له باال�ضطالع مبهمات �أكرب و�أكرث .وهكذا �صار بط ًال :لقد بد�أ بتحقيق الأهداف الب�سيطة ،ثم انطلق لي�صنع اخلوارق. 1
2م�شكلة العقل البدائي
دائرة الت�أثري
تُعد �أ�سطورة “زورو” رمز ًا قوي ًا لقدرتنا على حتقيق �أعظم الأهداف يف حياتنا ال�شخ�صية واملهنية على حد �سواء .ويعترب الرتكيز يف �سلوكياتنا من �أهم حمفزات النجاح؛ �إذ �أنّ �إمياننا ب�أننا ن�ستطيع ال�سيطرة على م�ستقبلنا وت�شكيله ميكننا من حتقيق الأهداف والإجنازات .ال�شعور بال�سيطرة على مقاليد الأمور هو مفتاح كل �شيء ،فال يجب الرتكيز يف �أ�شياء كثرية يف �آن واحد، بل الأف�ضل �أن نكثف ونركز جهودنا يف حتقيق �أهداف ب�سيطة �أو ًال ،كي نكت�سب الإح�سا�س الإيجابي باملواقف ثم نطورها .فحني نوجه جهودنا نحو حتقيق عدد حمدد من الأهداف ،ثم نرى ثمار تلك اجلهود ،جند �أنف�سنا منتلك اخلربة واملعلومات ونتمتع بالثقة ،وهي �أمور من �ش�أنها تو�سيع دائرة ت�أثرينا ،وتوجيه طاقاتنا املتنامية لتحقيق �أهداف �أعظم.
�أثبت عامل النف�س “دانييل جوملان” �صاحب نظرية الذكاء العاطفي وم�ؤلف كتاب “الرتكيز”� ،أثبت �أن قرع طبول احلرب العاطفية ت�شتت تركيزنا يف حياتنا املهنية .فحني ترتاكم ال�ضغوط ،وخا�صة يف بيئة العمل ،ال نحتمل امل�ضايقات و�سرعان ما نفقد ال�سيطرة على �أع�صابنا ،فنثور وننفجر يف وجه �أول من يقابلنا .وهذا هو ما يفعله عقلنا البدائي بالتحديد :فهو يتحكم فينا ليجعلنا نت�صرف برعونة� ،أو ن�شعر بالإحباط واالنهيار ،وتذهب طاقتنا �أدراج الرياح .وهنا تكون النتيجة احلتمية هبوط ًا حاد ًا يف القدرة على اتخاذ القرارات والإنتاجية والفعالية؛ وبعبارة �أدق :ي�صاب العقل املفكر باالنهيار ،مما يهدد الأفراد ،وفرق العمل ،بل وامل�ؤ�س�سات يف بع�ض الأحيان بعواقب وخيمة.
مواجهة العقل البدائي املتوح�ش يف �إحدى ال�شركات الكربى ،وجد الباحثون �أنً املديرين الذين يعانون من �ضغوط العمل يخفقون يف �إدارة مر�ؤو�سيهم ،وبالتايل يف حتقيق م�ستويات الأداء املطلوبة ،مما ي�ؤدي �إلى انخفا�ض ربحية �أو �أداء امل�ؤ�س�سة. فالعقل البدائي يهاجم امل�ؤ�س�سات حتى الكربى منها ،وي�سقطها من عليائها ب�سبب الت�شوي�ش وتراكم ال�ضغوط. ويرى علماء املخ والأع�صاب �أن اخل�سائر املالية تنبع من نف�س املكان الذي يطلق �إ�شارات “حارب �أو اهرب” داخل املخ الب�شري ،وبعبارة �أدق :من العقل البدائي الذي ينزع نحو تف�ضيل العواطف على املنطق .فنحن ن�ستجيب النخفا�ض الربحية� ،أو �أر�صدتنا يف البنوك بنف�س الطريقة التي كان الإن�سان الأول يواجه بها منر ًا مفرت� ًسا� .أما تو�سيع دائرة “زورو” فرتى �أننا ما دمنا قد و�صلنا �إلى حميط الدائرة ،فعلينا �أنّ نو�سعها ونواجه النمر املفرت�س ونحدق يف عينيه ونقتحم ال�صعاب دون خوف �أو ارتياب وبال تراجع �أو ان�سحاب. كتاب في دقائق
8
املبد�أ ال�ساد�س :قاعدة الع�شرين ثانية كيف حتول العادات ال�سلبية �إلى �إيجابية؟ تبدو العبارة ال�سابقة �أ�سهل يف القول من الفعل .فكيف يت�سنى لنا غر�س تلك العادات يف املقام الأول؟ و�ضع عامل النف�س “وليام جيم�س” عدد ًا من القواعد التي ت�ؤهلنا لذلك و�أطلق عليها ا�سم “منظومة اجلهد اليومي” .رمبا نقول ب�أنّ “جيم�س” ف�سر املاء بعد اجلهد باملاء وك�أنه �أراد �أن يقول ب�أنّ “التدريب ي�صنع الكمال” .لكن “جيم�س” كان يفكر مبا مل يفكر فيه من �سبقوه ،وعليه ،فقد كتب يقول“ :النزوع نحو �سلوك ما ال يتجذر وير�سخ يف داخلنا� ،إال �إذا مل يقطع انتظامه قاطع �أو مانع ،ومل يعطله معطل .وهكذا يتعود املخ على تفعيل و�إعادة ت�شغيل ذلك الت�صرف� .أي �إنّ العادات تتكون بحكم تغيري املخ ا�ستجابة لكرثة املران حتى ولو ا�ستغرق ع�شرين ثانية يومي ًا”. والننا نواجه كل يوم جتارب جديدة ،ونتعلم �أ�شياء جديدة، وندرك حقائق جديدة ،ونقوم ب�أداء مهمات جديدة ،وندخل يف مناق�شات جديدة ،ف�إنّ عقولنا تتغري با�ستمرار لتعك�س ما ي�ستجد عليها من خربات� .إذ يحتوى املخ الب�شري على باليني اخلاليا الع�صبية التي تت�شابك ،وتتوا�صل بكل �صورة ممكنة مكونة يف كل حلظة جمموعة جديدة ومعقدة من امل�سارات الع�صبية .هذا، وتنتقل التيارات الكهربائية عرب هذه امل�سارات من خلية �إلى �أخرى ،ناقلة الر�سائل التي تك ّون الأفكار والت�صرفات .وكلما كررنا نف�س الت�صرف وبنف�س الأ�سلوب ،كلما زاد عدد الروابط بني الو�صالت الع�صبية .و�أي� ًضا كلما ازدادت تلك الروابط قوة ومتانة ،ازدادت �أي�ضا �سرعة و�صول الر�سائل عرب امل�سارات
الع�صبية ،مما يخلع على ال�سلوك ال�صورة الآلية �أو �شكل العادة. هذه هي الطريقة التي جتعلنا �أكرث مهارة يف ممار�سة �أحد الأن�شطة. فهل جربت مث ًال قذف ثالث ك ّرات يف الهواء وتدربت على هذه املهارة؟ يف البداية كانت امل�سارات الع�صبية املعنية بذلك غري ُم�ستخدمة ،وكانت الر�سائل تنتقل بينها ببطء .ومع كرثة املران، تقوى تلك امل�سارات وتت�سع� .ستالحظ �أنك كلما مار�ست اللعبة، كلما �صارت �أ�سهل ،وحتتاج �إلى �أقل قدر من الرتكيز ،و�ستلعب �أ�سرع من ذي قبل .و�سينتهي بك الأمر �أن تتحدث �إلى الآخرين ،وت�أكل، وت�شرب ،بينما تتطاير تلك الك ّرات يف الهواء دون �أدنى جمهود .لقد حتول الأمر �إلى عادة جت ّذرت يف خمك من خالل بناء �شبكة قوية من امل�سارات الع�صبية.
تكوين عادات �صحية يف 20ثانية ميكن تطبيق قاعدة الثواين الع�شرين على اكت�ساب �أي عادة �صحية جيدة .لقد �أثبتنا ونحن نعد بحثنا �أنه ميكن تقلي�ص معدالت ا�ستهالك “الآي�س كرمي” �إلى الن�صف مبجرد �إغالق غطاء ثالجة “الآي�س كرمي” .فقد ا�ضطر جمهور عينة البحث �إلى �شراء �أنواع من احللوى تتطلب الوقوف يف �صفوف طويلة ،مما �أدى �إلى تقليل عدد مرتادي �أماكن بيع احللويات. والفكرة هنا ب�سيطة؛ فكلما احتجنا وقت ًا �أكرث وجهد ًا �أكرب للح�صول على ما نريد ،كلما اعرتانا امللل وتغيرّ �سلوكنا ،والعك�س �صحيح .من هذا املنطلق ،يو�صي �إخ�صائيو التغذية �أن جنهز �أطعمة �صحية ومفيدة ون�ضعها يف الثالجة ،مما يحفزنا على ا�ستخراجها ب�سرعة وا�ستخدامها بد ًال من انتظار و�صول الوجبات ال�سريعة امل�شبعة بالدهون.
املبد�أ ال�سابع :ا�ستثمار العالقات الإن�سانية والروابط االجتماعية يواجه الب�شر يف حياتهم اليومية الكثري من ال�ضغوط والتحديات ،وبخا�صة يف جمال العمل ،لكنهم ال يدرون �أنّ �أول و�أهم حافز على مواجهة هذه وتلك هو ر�أ�س املال الب�شري املتمثل يف العائلة ،ويف الزمالء املحرتفني ،والأ�صدقاء الأ�صيلني الذين هم بحق �أغلى و�أثمن الأ�صول .لكن بقاء نري �ضغوط العمل فوق ر�ؤو�سنا يعمي �أعيننا عن تلك احلقيقة ،فنندفع �إلى االنطواء واالنغالق والإمعان يف جترع مرارة الف�شل يف العمل وحدنا؛ فنجد �أنف�سنا حتم ًا يف طريق م�سدود. 9
كتاب في دقائق
التالحم املجتمعي والدعم امل�ؤ�س�سي يف مواجهة الأزمات حني اهتز االقت�صاد العاملي وانهارت البور�صات ،ترك الكثري من �أ�صحاب الأعمال فرقهم يف ي�أ�س وراحوا يجوبون ردهات �شركاتهم يف حاالت من ال�صمت املطبق .ففي الوقت الذي كانوا يحتاجون فيه �إلى الرتابط ،والتما�سك ،والت�آزر لبناء ما انهدم ،جتاهلوا ذلك و�أغلقوا �أبوابهم �أمام التالحم والدعم املجتمعي وامل�ؤ�س�سي .يف تلك الفرتة ال�صعبة� ،أحجمت ال�شركات عن تنفيذ خططها التدريبية ،وقل�صت امتيازات موظفيها ،ومل تطلب م�شاركتهم وم�شورتهم، وجتاهلت الروح املعنوية لفرق العمل ،بحجة التفرغ ملا هو “�أكرث �أهمية” ،مع �أنه مل يكن هناك �أهم مما �أهملوه. ولكن لي�ست الأزمات االقت�صادية هي �أهم ما يجب �أنّ ينبهنا �إلى ا�ستثمار عالقاتنا االجتماعية .ف�أكرث النا�س جناح ًا هم من ينتهجون نهج ًا معاك� ًسا متام ًا .فبد ًال من االنطواء ،جتدهم ي�سرعون �إلى �أ�صدقائهم طالبني الدعم املعنوي ،وبد ًال من جتريد �أنف�سهم من املميزات والتخلي عن التدريب ،يلج�ؤون �إلى طرح املزيد من املبادرات مع تنفيذ اجلديد من ا�سرتاتيجيات اال�ستثمار الب�شري .فه�ؤالء لن يكونوا �أكرث �سعادة فح�سب ،بل و�أكرث �إنتاجية ،ومرونة ،والتزام ًا بالعمل؛ فهم يدركون �أنّ عالقاتهم هي �أعظم ا�ستثماراتهم يف بنك ال�سعادة. حني ن�شرع يف ا�ستثمار ر�أ�س مال ال�سعادة �أو “نعمة ال�سعادة” يف حياتنا� ،سنجد الإيجابيات تهطل علينا كاملطر .وهذا ما جعل علم النف�س الإيجابي اجلديد من �أكرث العلوم قوة وت�أثري ًا .فاجلمع بني املبادئ ال�سبعة ال�سابقة ي�شعل يف داخلنا جذوات ال�سعادة ويوقد �شرارات النجاح. فتت�ضاعف مكا�سبنا املعنوية واملادية على ال�سواء ،وال تلبث تلك املكا�سب �أن تعم كل من حولنا لينعم بها اجلميع :فتتغري طريقتهم يف العمل �إلى الأف�ضل وتتحول امل�ؤ�س�سات �إلى �أماكن �أكرث �سعادة وجناح ًا وازدهار ًا. المؤلف: شون أكور :خبير عالمي في الطاقة اإليجابية .أسس شركة “آسبيرانت” للبحوث واالستشارات المتخصصة في تطبيقات علم النفس اإليجابي في التنمية البشرية وتحقيق اإلنجازات في كافة المجاالت ،وتحويل بيئات عملية إلى أماكن سعيدة ومنتجة.
كتب مشابهة: 1. Before Happiness The 5 Hidden Keys to Achieving Success, Spreading Happiness, and Sustaining Positive Change. By Shawn Achor, 2013 قبل السعادة .المفاتيح الخمسة ألبواب النجاح ونشر السعادة واستدامة التغيير اإليجابي .تأليف شون أكور2013 . 2. What Is Your WHAT Discover The One Amazing Thing You Were Born To Do. By Steve Olsher. 2013 ما هو أخص ما يخصك :اكتشف أروع ما خلقك اهلل لتبدعه .تأليف :ستيف أولشر2013 . 3. Eat Move Sleep How Small Choices Lead to Big Changes. By Tom Rath. 2013. كل وتحرك ونم :كيف تقود الخيارات الصغيرة إلى تطورات كبيرة .تأليف :توم راث2013 . كتاب في دقائق
10
“الذين يجر�ؤون على الف�شل العظيم بقوة هم من يحققون �أعظم النجاحات”.
روبرت كينيدي”