العدد 68

Page 1

‫العدد ‪68‬‬

‫‪1‬‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫‪w w w. t a h a w o l a t . n e t‬‬

‫شهرية فكرية ثقافية‬

‫‪04‬‬

‫ماذا بعد ُحكم‬ ‫اإلخوان ملرص‬

‫‪06‬‬

‫الدور الوظيفي مقتل‬ ‫للعقيدة والحزب‬

‫الربيع العريب املنتظر‬ ‫بني الفوىض والتجدد‬

‫ما زال الربيع العريب يف‬ ‫حاالت التحول والتغيري‪:‬‬ ‫يف اماكن أزهر تبديالً يف‬ ‫السلطة‪ ،‬ويف اماكن اخرى‬ ‫تراجع اىل شتاء املذهبية‬ ‫والفوىض‪ .‬ويف بعض الدول‬ ‫ت ّغري الحاكم واستمر النظام‬ ‫ويف دول اخرى ازداد التشدد‬ ‫واالستبداد‪ .‬بعض االحزاب‬ ‫جددت رؤسائها وقيادتها‬ ‫واحزاب اخرى كان االستمرار‬ ‫هو السائد‪.‬‬ ‫«تحوالت» تفتح باب الحوار‬ ‫حول كل هذه املتغريات‬ ‫ويف هذا العدد وجهات نظر‬ ‫حول حركات تكفريية ناشطة‬ ‫ومعاناة احزاب بني التجدد‬ ‫والثبات‪ .‬فمتى يزهر ربيع‬ ‫املواطن!‬

‫‪08‬‬

‫بوكو حرام‪ :‬النشاء دولة‬ ‫إسالمية بالقوة‬

‫العدد ‪68‬‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫‪ 24‬صفـحة‬

‫‪12‬‬

‫منصور عازار يف عيده الـ ‪: 90‬‬ ‫رجل الوفاء والعمل‬

‫‪ 2000‬ليـرة‬


‫‪2‬‬

‫العدد ‪68‬‬

‫منرب‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫الرصاع‪ ...‬ونظرية «تلزيم املعارك»‬ ‫زهري فياض‬ ‫مثة قناعة مبدئية وحقيقية لدى القوى املتنورة يف املجتمع‪ ،‬أن‬ ‫التناقض األسايس الحاد والفاصل هو بني مرشوع النهضة القومية‬ ‫املتنورة يف بالدنا الهادفة اىل بناء املجتمع القومي والدولة القومية‬ ‫املدنية الجامعة‪ ،‬والساعية اىل ترسيخ مفاهيم املواطنة والهوية‬ ‫والعدالة االجتامعية والدميقراطية واملساواة وتكافؤ الفرص وبني‬ ‫املرشوع الصهيوين املعادي املتسلح بأعتى دعم دويل تم تسخريه‬ ‫وتجيريه خارج مصالح الدول واملجتمعات واألمم التي تشكل اطاره‬ ‫الرافد بكل أنواع الدعم املادي – االعالمي – السيايس ‪ ،‬والتي تقع‬ ‫أسرية االرتهان ملجموعات الضغط واللويب الصهيوين املنظمة تنظيامً‬ ‫دقيقاً واملتغلغلة يف كل مفاصل القوة يف الغرب‪ ،‬والتي متلك مفاتيح‬ ‫أبواب الدخول اىل مجتمعنا املفكك واملنقسم واملرتهل واملفكك‬ ‫البنية االجتامعية‪ ،‬والتي اضافة اىل كل هذه العنارص‪ ،‬حققت خرقاً‬ ‫عىل مستوى السلطات القامئة يف أمتنا وعاملنا العريب‪.‬‬ ‫خالصة القول‪ ،‬أن الرصاع اشتد يف اآلونة األخرية‪ ،‬وقد اتخذ أشكاالً‬ ‫غري مسبوقة‪ ،‬ويشهد حالياً حروباً بالوكالة تخاض عوضاً عن العدو‬ ‫الصهيوين الذي يراقب تطورات األحداث ملا لها من انعكاسات‬ ‫مبارشة عىل واقعه واستمراريته يف قلب هذه األمة‪.‬‬ ‫ليس قليالً ما يحصل‪ ،‬ولكن‪ ،‬البد من االقرار أيضاً‪ ،‬أنه وبرغم كل‬ ‫عنارص القوة البادية والتي ميلكها هذا العدو‪ ،‬اال أنه يعاين أزمة‬ ‫وجودية عىل مستوى الكيان برمته‪ ،‬وهذه األزمة تجد تعبرياتها يف‬ ‫العديد من الوقائع والحقائق الدامغة عىل األرض‪.‬‬ ‫انها الفرصة الوحيدة واملخرج الوحيد املتاح للكيان الصهيوين‬ ‫الغاصب عىل أرضنا القومية باالستمرار‪ ،‬وهذا املخرج يتمثل يف‬ ‫قدرته عىل تحويل الرصاع معه‪ ،‬اىل سلسلة حروب صغرية داخلية‬ ‫مدمرة تم وضع القاعدة النظرية لها مذهبياً وطائفياً‪.‬‬ ‫املشكلة‪ ،‬أن البنية الداخلية ملجتمعنا تسمح للعدو بالرهان عىل‬ ‫استيالد الحروب العبثية‪ ،‬والتي تم التنظري لها عىل مستويات مراكز‬ ‫القرار الدويل‪ ،‬وبدأ تسويقها منذ أحداث أيلول ‪ ،2001‬وحملت‬ ‫عناوين «مكافحة االره��اب»‪ ،‬و»رصاع الحضارات» ‪ ،‬و «نهاية‬ ‫التاريخ»‪ ،‬وكان الهدف منها احداث وافتعال انقسام عىل مساحة‬ ‫األرض بني «عامل مسيحي» وأخر «اسالمي»‪ ،‬واشغال «العامل‬

‫املدير املسؤول ‪ :‬رسكيس ابو زيد‬ ‫إدارة التحرير ‪ :‬زهري فياض‬ ‫سكرتري تحرير ‪ :‬أليسار نافع ـ ريم حجازي‬ ‫مدير التحرير التنفيذي ‪ :‬زاهر العرييض‬ ‫العالقات العامة ‪ :‬عائدة سالمة‬ ‫االخراج الفني ‪ :‬صالح املوىس‬ ‫االشرتاكات السنوية‬ ‫ألفراد‬ ‫للطالب‬ ‫للمؤسسات‬

‫لبنان‬ ‫‪100$‬‬ ‫‪ 50.000‬ل ‪.‬ل‬ ‫‪200$‬‬

‫االسالمي» نفسه برصاعات جانبية ال طائل منها‪ ،‬تستنفد الطاقات‬ ‫الكامنة‪ ،‬وتغري البوصلة يف معادالت الرصاع‪.‬‬ ‫اذا ً‪ ،‬الرصاع األسايس «الكبري» تم تلزميه اىل كارتيالت مال وسلطة‬ ‫تخوضه عوضاً عن «العدو» نفسه‪ ،‬ويتم توظيف كل املال وكل‬ ‫السلطة‪ ،‬وكل األحقاد‪ ،‬وكل امليتافيزيقيا‪ ،‬وكل االنرتوبولوجيا لربحه‪.‬‬ ‫طبعاً‪ ،‬هذا الجانب املتعلق بارادة وفعل «العدو» نفسه‪ ،‬ويف املقلب‬ ‫اآلخر أي «املقلب املتعلق بنا»‪ ،‬األرضية جاهزة‪ ،‬تركيبة مجتمعية‬ ‫معقدة‪ ،‬غياب الوضوح يف مسائل الهوية واالنتامء‪ ،‬الخلط بني‬ ‫مرامي الدين وظاهرات الطائفية واملذهبية املتأصلة –مع األسف‪-‬‬ ‫يف عمق الوعي الجمعي النساننا‪ ،‬فشل الفكر القومي يف اخرتاق‬ ‫عقل االنسان لدينا‪ ،‬تراجع النهضة وفعلها‪ ،‬الفساد عىل مستوى‬ ‫السلطة واملجتمع يف بالدنا‪ ،‬انحالل أخالقي مرافق ومواكب لكل‬ ‫هذه التحوالت‪.‬‬ ‫كل هذه العوامل مجتمعة‪ ،‬شكلت املرتكز لتقدم املرشوع املعادي‬

‫هيئة التحرير‪:‬‬ ‫نجيب نصري‪ ،‬أسامء وهبة‪،‬‬ ‫عبري حمدان‪ ،‬ايهاب الحلبي‪،‬‬ ‫عامر مالعب‪ ،‬يامن الدقر‪،‬‬ ‫ادهم الدمشقي‪ ،‬سالم الزبيدي‪،‬‬ ‫نادي قامش‬ ‫سورية‬ ‫‪ 1500‬ل‪.‬س‬ ‫‪ 500‬ل‪.‬س‬ ‫‪ 10.000‬ل‪.‬س‬

‫العامل العريب والعامل‬ ‫‪200$‬‬ ‫‪500$‬‬

‫يف السنوات املاضية‪ ،‬بالرغم من حالة مامنعة تحاول قلب املعادالت‪.‬‬ ‫ما أردت قوله أننا أمام مفصل جدي‪ ،‬والفرصة بالرغم من كل‬ ‫السوداوية املحيطة‪ ،‬ال تزال متاحة ألخذ زمام املبادرة وايجاد الحلول‬ ‫الرسيعة القريبة والبعيدة واملتوسطة لنقل الرصاع اىل مكان أخر اىل‬ ‫قلب العدو‪ ،‬وهناك ارهاصات مشعة يف الفعل املقاوم ملجتمعنا‪،‬‬ ‫تصلح ألن تكون قاعد ًة لالنطالق مجددا ً‪.‬‬ ‫نحن بحاجة اىل مبادرات «خالقة» و «طموحة» تزيل الصدأ عن‬ ‫العقول‪ ،‬تحرر االرادات‪ ،‬وتعيد رسم خارطة الرصاع مجددا ً‪ ،‬وتضع‬ ‫البوصلة الحقيقية للحارض واملستقبل‪.‬‬ ‫املهمة ليست مستحيلة‪ ،‬فنحن منلك عنارص قوة هائلة أتت‬ ‫اللحظة التاريخية الحاسمة لتوظيفها يف معركة الحرية الحقيقية‪.‬‬ ‫فهل نكون عىل مستوى هذه اللحظة؟ الجواب‪ :‬نعم‪ .‬وهذه مهمتنا‪:‬‬ ‫تطويع املستحيالت وتحويلها اىل «ممكنات» بالوعي واالرادة‬ ‫والفعل النهضوي‪.‬‬

‫تصدر بالتعاون مع مكتب الدراسات العلمية برئاسة منصور عازار ـ بيت الشعار‪ -‬املنت الشاميل‬ ‫تليفاكس ‪04-914510‬‬

‫تصدر مبوجب قرار رقم ‪ 82‬تاريخ ‪ 1981/7/6‬صادر عن وزارة االعالم يف لبنان‬ ‫النارش ‪ :‬دار ابعاد بريوت ـ شارع الحمرا ـ بناية هيونداي ـ ط‪ 7‬هاتف ‪01-751541/ 71-341622:‬‬ ‫توزيع ‪ :‬النارشون بريوت ـ مرشفية سنرت فضل الله ـ ط‪ 4‬هاتف وفاكس ‪01/277007-01/277088 :‬‬ ‫خليوي ‪03-975033 :‬‬ ‫دمشق مكتب عائدة سالمة لالخراج الفني والتحضري الطباعي ـ عدوي خلف دار الشفاء ـ سعر العدد‬ ‫‪ 25‬ل‪ .‬س تيليفاكس ‪ 44426588 :‬خليوي ‪Email : aydasalameh@yahoo.com 0933331402 :‬‬ ‫املواد املنشورة تعرب عن رأي أصحابها وال تعرب بالرضورة عن رأي املجلة‬ ‫لإلشرتاك واإلعالن االتصال عىل ‪01-751541‬‬

‫‪mail@tahawolat.net‬‬

‫‪www.tahawolat.net‬‬


‫العدد ‪68‬‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫منرب‬

‫‪ 90‬منصور عازار‪ :‬مهندس الخراب الجميل‬ ‫نرصي الصايغ‬

‫كأنه نص بال فواصل‬ ‫وال نقاط‬ ‫وال‪..‬‬ ‫يشغله الشغل‬ ‫ال وقت لديه للوقت‬ ‫اذا ركن اىل غفوة‬ ‫فليك يحلم باالقالع واالرشعة‬ ‫إىل أوطانه امللثمة‬ ‫يف قول غسان‪:‬‬ ‫«مل��ج��دك ي��ا س��وري��ة هذا‬ ‫القليل»‬

‫‪I‬‬ ‫لك التسعون؟‬ ‫يا ليت‬ ‫ال يعرفون العد ويجهلون‬ ‫الحساب‬ ‫لك التسعون؟‬ ‫غلط‬ ‫العمر‪ ،‬ال يُقاس بالسنوات‬ ‫العمر‪ ،‬يع ُّد بالخطوات‬ ‫فكم مشيت‬ ‫وكم عربت‬ ‫وكم وصلت‪..‬‬ ‫اذا ً‬ ‫فلنصحح السنوات‪...‬‬ ‫ال يزال الشيخ‬ ‫يف مقتبل التسعني‪،‬‬ ‫يف بدء املسار‬ ‫لك التسعون؟‬ ‫أقول ال!!!‬ ‫كانت كل سنة منك‬ ‫التسعون قامتها‬ ‫إذا ً‬ ‫ال أمس لك‪.‬‬

‫‪IV‬‬ ‫لك التسعون؟‬ ‫من ع ّدها!‬ ‫مثله‪ ،‬ينظِّ ُم الزمن‬ ‫يسيرِّ ه عىل هواه‬ ‫مثله‪ ،‬ليس يف وارد‬ ‫اسرتاحة املحارب‬

‫‪II‬‬ ‫ال أمس لك‬ ‫يتصل بالبدايات وما قبلها‬

‫‪V‬‬ ‫له من الصداقات‬ ‫ما ال يحىص‬

‫‪III‬‬ ‫يعيش وسط العواصف‬ ‫بهدوء‬ ‫وعندما تهدأ‬ ‫يصري هو العاصفة‪.‬‬

‫وما يحىص‬ ‫اصدقاء‪ ...‬من ألوان الحياة‬ ‫من طقوس الكلامت‬ ‫من نكهة القارات‬ ‫بعضهم‪ ...‬عىل القارعة ول‬ ‫يف العقل تويل‬ ‫يف القلب تولَّه‬ ‫له من الصداقات‬ ‫ما ال يحىص‬ ‫وما يحىص‬ ‫أفضلهم عنده‬ ‫أفضلهم عندي‬ ‫واحدا ً يدعى‬ ‫أبو حليم‬ ‫نسميه معاً‪ :‬رسكيس‬ ‫‪VI‬‬ ‫يا لك من حظوظ شتى‬ ‫حظك يف املال‬ ‫ملء يديك‬ ‫حظك يف العمل‬ ‫ملء ايامك‬ ‫حظك يف الفكر‬ ‫ملء احالمك‬ ‫يا لك من حظوظ‬ ‫احسنها عندك‬ ‫انك تلميذ‬ ‫وان معلمك‬ ‫شاهد وشهيد‬

‫باسمه نطقت‬ ‫عىل اسمه رفعت ميينك‬ ‫وهتفت‬ ‫يحيا سعادة‬ ‫‪VII‬‬ ‫وال مرة‪ ...‬كنت وحدك‬ ‫انت جمع وإضافة‪.‬‬ ‫وال م����رة‪ ...‬ك��ن��ت ف���ردا ً‬ ‫مستفردا ً‬ ‫مؤمن بالجموع‪ ...‬ولو كانت‬ ‫بَ َددا ً‬ ‫مؤمن بالحجر‪ ...‬ولو كان‬ ‫ُركاماً‬ ‫مؤمن بالفكر‪ ...‬ولو كان‬ ‫مستحيالً‬ ‫مؤمن بالعقل‪ ...‬ولو كان‬ ‫مجتمعاً‬ ‫مؤمن بالحرية‪ ...‬ولو كانت‬ ‫مثقال ذرة‬ ‫بهذا االميان‪ ،‬انت ما انت‬ ‫بهذا االميان‪ ،‬أمة هي أمتك‬ ‫انزلتها يف مقام الحرية‬ ‫يف مرتبة الهمة‬ ‫يف موقعة النهضة‬ ‫ألنك أنت ما أنت‬

‫نالت منك األمة‬ ‫مكان الحبيبة‬ ‫فاحببتها‬ ‫بعذاباتها وأوج إنحدارها‬ ‫ألنك أنت ما أنت‬ ‫نلت رشف األمانة‬ ‫يا لك من رج ٍل‬ ‫يزيِّن اللقب‪.‬‬ ‫‪VIII‬‬ ‫اغرتب‬ ‫احمل صليبك وانترش‬ ‫ولتكن افريقيا جلجلتك‬ ‫وقيامتك‬ ‫وما بينهام‬ ‫اغرتب‬ ‫احمل معك عائلة‬ ‫يولد األوالد يف السمرة‬ ‫وتكرب العائلة بني بني‬ ‫تصري حديقة‬ ‫أتت شجرة معرفتها‬ ‫ومنها‪ ...‬فاكهة العطاء‬ ‫‪IX‬‬ ‫إذا قيل له‪ :‬متى ترتاح؟‬ ‫يبتتسم‬

‫هو مرتاح جدا ً ج��دا ً‪ ،‬منذ‬ ‫البداية‬ ‫لن يرتاح ولن يريح‬ ‫يقفز من كتاب اىل مرشوع‬ ‫اىل عقار اىل مصنع‬ ‫كم بطيخة بني يديك؟‬ ‫بعدد الرمل‪ ...‬إال قليالً‬ ‫غدا ً‪ ...‬مشوار جديد‪.‬‬ ‫ال ي��رت��اح منصور إال يف‬ ‫املعمعة‪.‬‬ ‫‪X‬‬ ‫لك عندي‬ ‫اوراق كتبتها‬ ‫ماذا أفعل برج ٍل‬ ‫ال تقاس حياته بكلامت؟‬ ‫سأكتب‬ ‫قد أنفق األوراق‬ ‫فمن ينصفك‬ ‫وييكتب أنك يف التسعني‬ ‫كنت تكتب عن املائة‬ ‫ل��ك عندي أن��ك مهندس‬ ‫الخراب‬ ‫الجميل‪.‬‬

‫أهدى الكاتب نرصي الصايغ‬ ‫هذه الكلامت يف ميالد الـ ‪90‬‬ ‫ملنصور عازار‬

‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫العدد ‪68‬‬

‫فكر‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫ماذا بعد ُحكم‬ ‫اإلخوان ملرص‬ ‫أمـني الذيب‬ ‫كانت ُمفردات القاموس السيايس يف بالدنا تتضمن يف ُمجمل‬ ‫الخطابات والكلامت والحوارات ‪ ،‬الزمة العاملني العريب واإلسالمي‬ ‫‪ ،‬والسؤال الذي ينبغي طرحه يف هذه اللحظة امل ُبكرة من فوز‬ ‫اإلخوان املسلمني بعد إعالن نتائج فرز االصوات الناخبة التي‬ ‫رجحت كفة محمد مريس وأوصلته رئيسا لجمهورية مرص العربية‬ ‫‪ ،‬هل يؤسس هذا الواقع الجديد إلسقاط ُمفردة العامل العريب من‬ ‫التداول ‪ ،‬وهل سنشهد تحوالت جذرية تؤثر عىل تركيبة وتكوين‬ ‫املجتمع التاريخية ‪ ،‬إثنيا وقوميا ودميوغرافيا ‪ ،‬وكيف ميكن ان‬ ‫نشهد تبدال باملفاهيم أكان سياسيا أم إقتصاديا ـ إجتامعيا وثقافيا‬ ‫‪ ،‬وإىل أي مدى ستتأثر منظومة القيم والتقاليد والعادات ‪ ،‬وكيف‬ ‫ستكون منطية السلوكيات تجاه إثنيات وقوميات وعقائد ُمغايرة‬ ‫للراهن امل ُنتخب بآليات دميقراطية ‪.‬‬ ‫هذا الفوز ‪ ،‬بغض النظر عن طبيعته وظروفه وحيثياته ‪ ،‬وضع‬ ‫اللمسات االخرية ‪ ،‬بعد رصاع طويل ومرير ‪ ،‬عىل طي صفحة‬ ‫القومية العربية ُمستفيدا و ُموظفا لحالة الصعود اإلسالمي التي‬ ‫أطلقها ما ُسمي بالربيع العريب الذي ال زال مدار جدال لناحية‬ ‫كونه مصدرا ً ذاتياً ‪ ،‬أو هو نتيجة ملخططات قدمية جديدة فرضتها‬ ‫طبيعة رصاع االقطاب عىل النفوذ يف العامل ‪.‬‬ ‫هل نجح أردوغان و ُمنظّره أحمد داوود أوغلو بعد إقناع الرئيس‬ ‫املخلوع حسني مبارك بالتوقيع عىل إتفاقية (نابوكو ) متهيدا ً‬ ‫لإلطاحة به بعد ان ضمنت الخارجية االمريكية لهام بإحكام‬ ‫القبضة عىل قرار االخوان كمقدمة إلعادة صياغة املنطقة برتتيب‬ ‫مذهبي يكفل التعاون مع إرسائيل وينقل الرصاع والعداء بإتجاه‬ ‫إيران ‪ ،‬ويُتيح لرتكيا االطلسية مروحة واسعة من التغلغل املذهبي‬ ‫يف االمة العربية املريضة وتحويلها اىل إم��ارة إسالمية يُتوج‬ ‫أردوغان أمريا ً للمؤمنني عليها فيشكل سدا ً منيعا بوجه التقدم‬ ‫الرويس والصعود الصيني ‪ ،‬فتتحول تركيا اىل خزان هائل لتجميع‬ ‫الغاز الذي سترشف عىل توزيعه الواليات املتحدة فتهيمن عىل‬ ‫القرار الدويل من خالل سيطرتها عىل حاجة االسواق االوروبية‬ ‫من الغاز الذي يتزايد الطلب العاملي عليه عىل أمل ان ميكنها‬ ‫هذا الواقع النايشء من أن تنتزع من غاز بروم إمكانية اإلنفراد‬ ‫بالسيطرة عىل الوقود الحيوي يف السودان وبالد وادي النيل ‪،‬‬ ‫يف هذه اللحظات التاريخية كان عىل الشعب املرصي الطيب‬ ‫واملتحمس للقضايا العربية والعداء إلرسائيل ‪ ،‬هذا الشعب الذي‬ ‫حارب التطبيع ورفضه بعناد الثوار رغم إتفاقية كمب دايفيد‬ ‫ومرشوع السالم مع العدو االرسائييل الذي قادته ذات القوى‬ ‫العربية التي إنقلبت عىل جامل عبد النارص وحافظ االسد ‪،‬‬ ‫ان يختار بني مطرقة شفيق وما ميثله من عودة النظام القديم‬ ‫وسندان مريس الذي سيحدث تغيريا يف حياة املرصيني الذين قد ال‬ ‫يستطيعون مجاراته اىل آخر الطريق ‪.‬‬ ‫كيف ستتعامل موسكو مع هذه النتائج وإىل أي مدى ميكن‬ ‫أن يؤثر وصول االخوان اىل السلطة يف مرص عليها داخلياً من‬ ‫خالل تعاطف إسالميي روسيا مع بوادر قيام الدولة اإلسالمية‬ ‫‪ ،‬وكيف سيتعامل قيرص روسيا فالدميري بوتني بعد ان أضحى‬ ‫هو وحلفاؤه العبيني رئيسيني عىل مستوى القرار الدويل ‪ ،‬وهل‬

‫سيتيح هذا التحول ألوباما ان يستعيض بفشله يف إيفاء وعوده‬ ‫بإسقاط الرئيس السوري بشار االسد ‪ ،‬ويوظف وصول االخوان‬ ‫يف حملته اإلنتخابية التي هي بحاجة ماسة اىل أي تقدم سيايس‬ ‫تحرزه إدارته ‪ ،‬وهل ستحسن هذه النتائج موقع وأوراق أوباما‬ ‫التفاوضية حول التسوية مع بوتني الذي يمُ سك العقدة السورية‬ ‫ومفاصل عديدة يف املنطقة وهل ستوازن نتائج إنتخابات مرص‬ ‫موازين القوى الدولية مام سيمدد عمر االزمة ويؤسس لحروب‬ ‫باردة جديدة بدأت معاملها تظهر بالتصعيد العسكري الرتيك ضد‬ ‫سوريا ‪ ،‬أسئلة كثرية و ُملّحة قد ت ُجيب عليها االيام القليلة امل ُقبلة‬ ‫بعد ان يتموضع الرئيس املرصي محمد مريس وتتوضح معامل‬ ‫سياساته الداخلية والخارجية وما سيكون مصري العهود التي إلتزم‬ ‫بها واإلتفاقيات التي سيوقع عليها وموقفه الفعيل من كامب‬ ‫ديفيد وإرسائيل التي كانت اول امل ُرحبني بإنتخابه ‪.‬‬ ‫يبقى أن مشهدية جديدة بالغة الخطورة والحساسية نشأت‬ ‫يف املنطقة ‪ ،‬وأصبح واقع الدولة الدينية مبضامينها ومفاهيمها‬ ‫وفكرها واقعا ُمكرساً وذات حيثية دستورية موجودة يف مناخ‬ ‫عاملي مشحون و ُمتصارع ‪ ،‬ادواته العلم والتكنولوجيا والصناعات‬ ‫املتطورة وإسرتاتيجيات بالغة الدقة ‪ ،‬وإتقان كامل لإلنخراط يف‬ ‫سياق التقدم والتطور التاريخيني والسيطرة عىل مقدرات الكرة‬ ‫االرضية وجزء من الفضاء الخارجي ‪ ،‬فيام نحن ال زلنا قارصين‬ ‫حتى عن إنتاج حاجياتنا اليومية ‪ ،‬ومل نقدم ملسرية التطور اي‬ ‫إنجار ‪ ،‬فنحن عىل الكرة االرضية لسنا سوى قوة إستهالكية عاجزة‬ ‫عن إستخدام وسائل التطور إال يف الحد االدىن ‪ ،‬فلم ننتج الطائرة‬ ‫وال السيارة وال الكمبيوتر وال وسائل اإلتصال وقس عىل ذلك كل‬ ‫يشء ‪ ،‬رمبا إلننا مل نُتقن سوى البقاء يف املايض وخوض حروبنا‬ ‫املصريية يف مواجهة املرأة وتقييدها وإلغائها ‪ ،‬وقبائلنا تتقن غزو‬ ‫بعضها البعض طمعا بالسبايا وإقتناء الجواري ‪ ،‬رمبا تنازلنا عن‬ ‫حقنا يف الوجود لقوى خارجية تأثرا بالعيون الزرق فوهبناهم‬ ‫قرارنا وإستقاللنا ومواردنا ونفطنا وإحتفظنا بالنساء ‪.‬‬ ‫إن حركة شعوبنا اإلرتدادية تُنذر بدخولنا يف النفق امل ُظلم ‪،‬‬ ‫فاإلسالم ليس عىل مذهب واحد وفرقه تتزايد وتتوالد وهي‬ ‫عىل تناقض بنيوي تاريخي ‪ ،‬ومل تسن له تطوير مفاهيمه‬ ‫وأفكاره ‪ ،‬فبقي يف حالة الثابت متاهياً مع النصوص ‪ ،‬يف زمن‬

‫ُمتحرك اىل حد اإلعجاز والدهشة ‪ ،‬لذلك وإنسجاماً مع املخطط‬ ‫الكيسنجري ‪ ،‬قد تذهب االمور اىل رسم خطوط متاس مذهبية‬ ‫مع إيران بهدف املزيد من اإلعاقة ألي إمكانية تجميع القوى‬ ‫يف مواجهة الخطرين اإلرسائييل واالمرييك ‪ ،‬ومزيدا من الرشذمة‬ ‫والتفكك وصوال اىل ان يستوي الوضع الذي تشكل فيه الدولة‬ ‫السنية ظهريا للدولة اليهودية فتنتفي عنها إمكانية النهوض‬ ‫باملجتمع التائق اىل الحرية والتحرر وإستقالل قراره وتذهب‬ ‫جهود املتنورين الداعني اىل قيام الدولة املدنية العلامنية‬ ‫التي يكون فيها اإلنسان قيمة حضارية تطويرية أدراج الرياح‬ ‫‪ ،‬وتصبح سوريا ‪ ،‬آخر مواقع القومية العربية مطوقة بدول‬ ‫طائفية ومذهبية متناحرة تحت مظلة النفوذ اليهودي ‪ ،‬أما‬ ‫إذا أردنا التامثل بالدول املتطورة ـ أوروبا والغرب فنجد انها مل‬ ‫تبلغ هذا املنحى إال بعد ان إنترصت يف تجاوزها لدور الكنيسة‬ ‫فهل نستطيع نحن ان نتجاوز دور الجامع يف ظل هذا التعميم‬ ‫لثقافة دينية سطحية تتوسل الحقن املذهبي يف أوسع عملية‬ ‫غسل دماغ تتعرض لها شعوبنا عرب الفضائيات الدينية امل ُتكاثرة‬ ‫تباعاً وعرب خطابات وفتاوى رجال دين أقل ما يُقال فيها أنها‬ ‫بلغت ذروة التخلف واالنحطاط والهمجية ‪.‬‬ ‫ال ميكن ان ترقى الشعوب واملجتمعات اىل مراقي الحضارة خارج‬ ‫حيويتها االنسانية وتحرر عقلها من رواسب االفكار الجامدة ‪،‬‬ ‫وقد يكون فشل مجتمعاتنا يف إنجاز الدولة السياسية من أهم‬ ‫االسباب التي أوصلتنا اىل هذا الرتاجع القيمي وإخفاقنا يف تكوين‬ ‫نظرة واضحة اىل الحياة تنطلق من عنارص وعينا وفهمنا لرضورة‬ ‫التطور كمقياس لبقاء االمم وفعلها ‪ ،‬يبقى ان إرادة التقدم هي‬ ‫صفة مالزمة للشعوب والحضارات الحيوية ‪ ،‬لذلك رمبا العودة‬ ‫اىل نظرية املفكر القومي اإلصالحي التجديدي انطون سعادة قد‬ ‫تشكل مخرجاً وحاجة لتخبط مجتمعاتنا وحالة الفوىض العارمة‬ ‫التي تعيشها وإنقاذا لتفككنا وصونا لوحدتنا املجتمعية ‪ ،‬من‬ ‫هنا تربز أهمية وحدة الهالل الخصيب كضامن بالنتيجة لوحدة‬ ‫املجتمع حول قضاياه القومية االساسية وكرضورة وجودية ميكن‬ ‫ان توقف هذا النزف الحاصل يف اإلنتامء والثقافة والقيم فلم‬ ‫يعد مقبوال اإلبحار عكس تيار التقدم وإرادة املجتمعات الحية‬ ‫بالحياة واإلرتقاء‪.‬‬


‫العدد ‪68‬‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫فكر‬

‫‪ 12‬عاماً عىل غروب اإلحتالل‪:‬‬ ‫التحرير بوصفه فلسفة‌ سياسية‬ ‫* محمود حيدر‬ ‫هل يكون عىل اللبنانيني بعد اثني عرش عاماً عىل يوم التحرير أن‬ ‫يستعيدوا الكالم عىل الخامس والعرشين من أيار (مايو) ‪ 2000‬من‬ ‫باب آخر ‪ .‬ونقصد بهذا الباب‪ ،‬غري ذاك الذي يُراد لنا أن نُدفع إليه‬ ‫رشع عىل ف ِنت و منازعات أهلية ال تبقي‬ ‫دفعاً وسط مناخ عريب م ّ‬ ‫وال تذر؟‬ ‫نحسب للوهلة األوىل أن يكون للسؤال أثر مفارق‪ .‬ذلك أنه يتأىت من‬ ‫ريب مقيم‪ ،‬يف أن تستعيد النفس السياسية اإلرسائيلية نصابها من‬ ‫هزميتها‪ ،‬ولو جاءت هذه املرة عىل أجنحة الحروب األهلية املفتوحة‬ ‫‪.‬‬ ‫ولنا أن نقرأ املفارقة من وجهني متقابلني ‪:‬‬ ‫األول ‪ :‬حيث ال يسع أي عاقل‪ ،‬أىن كانت محموالته االيديولوجية‬ ‫وأحكامه ‪ ،‬أالّ ينصف املقاومة حقها بأن ب ّدلت مفاهيم الرصاع يف‬ ‫املنطقة وأقامتها عىل نشأة أخرى‪ .‬وال يسع أي كان إال أن يرى‬ ‫اىل ما حدث عىل أنه انجاز استثنايئ‪ ،‬وفِّر للعرب رمبا ألول مرة‬ ‫بعد نكبة فلسطني‪ ،‬أن يفارقوا ولو ببطء عتمة الهزمية املتامدية‪.‬‬ ‫أما الوجه الثاين‪ ،‬فهو نقيض األول ‪ ،‬بحيث لو قرأنا املشهد عىل‬ ‫قياس االحتالل وأفعاله و باألخص عىل صورة الفنت الداخلية‪،‬‬ ‫لقلنا إننا أمام خطر محدق ‪ .‬فقد دلّت الوقائع األخرية عىل‬ ‫من ًّو الفت يف مشاعر اإلحباط لتحتل مساحة إضافية وواسعة يف‬ ‫مجتمعاتنا األهلية والثقافية والسياسية‪.‬‬ ‫قد يكون علينا ليك نبقى يف باب الضوء‪ ،‬أن نحتسب بعناية‬ ‫امتدادات الفتنة ‪ ،‬كأن نتبينَّ التهافت الثقايف‪ ،‬و الفكري‬ ‫حل كغيمة سوداء يف السامء العربية‪ ،‬خصوصاً‬ ‫والسيايس الذي َّ‬ ‫بعدما شكل تحرير جنوب لبنان اللحظة النادرة ملا جاز لنا أن‬ ‫نسميه بـ « الزمن العريب املفارق»‪.‬‬ ‫الذي يهمنا يف مثل هذا اإلشكال هو امل ُن َع َق ُد الذي ينبسط فيه‬ ‫الواقع الثقايف العريب اليوم عىل اإلختيار الحاسم بني جبهتي‬ ‫االحتالل واملقاومة‪.‬‬ ‫فام ال يُشك فيه ‪،‬أن التحوالت التي يشهدها املرشق العريب املحاذي‬ ‫لفلسطني‪ ،‬أطلقت مناخاً معاكساً متاماً لذلك املناخ الذي زامن تحرير‬ ‫القسم األعظم من األرض اللبنانية قبل نحو عقد مىض ‪ .‬و لعل من‬ ‫قرأ املشهد األخري من السنوات املنرصمة سيالحظ هذا املؤدى‪:‬‬ ‫أوالً ـ استرشاء رسيع «لنزعة تسليمية» بحصاد العوملة األمنية‬ ‫والعسكرية‪ ،‬اىل الدرجة التي غدت فيها مقولة الغزو واالحتالل لدى‬ ‫رهط وازن من املثقفني‪ ،‬أدىن اىل عقيدة سياسية للتخلص من أنظمة‬ ‫الحكم ‪.‬‬ ‫ثانياً ـ قبول تدريجي للخطاب الثقايف واأليديولوجي والسيايس‬ ‫املتشكل عىل قاعدة االنقسام الطائفي واملذهبي ‪ .‬والالفت أن مثل‬ ‫هذا الخطاب يظ ّهر من جانب نخب كانت لزمن مديد حاملة لهموم‬ ‫الوحدة واإلستقالل والحرية ‪ ،‬ورشيكة يف مرشوع املقاومة والتحرير‪.‬‬ ‫ثالثاً ـ النموذج التفكييك الذي ق ّدمه الفكر السيايس الغريب يف‬ ‫خالل حقبة املحافظني الجدد و الذي أُري َد له أن «يُستنسخَ» عىل‬ ‫مدار الرشق األوسط الكبري‪ ،‬بدا وكأنَّه يؤلّف الصورة «املمتازة»‬

‫عن االحتدام الرصيح بني التشظي والوحدة ‪ ،‬ولقد وجدنا كيف‬ ‫ظهرت اختبارات هذا الفكر عىل شكل حروب احتالل وغزوات‬ ‫وارهاب وفنت داخلية (عرقية وطائفية ومذهبية)‪.‬‬ ‫املستهدف األبرز يف هذا كله هو الوالء للقضايا األساسية التي تتأسس‬ ‫عليها الهوية الوطنية بأبعادها املختلفة‪ .‬تلك التي لو ظلَّت عىل‬ ‫حيويتها لتعثرَّ اإلستهداف‪َ ،‬‬ ‫وآلل العبث بأطروحة املقاومة مبا هي‬ ‫األطروحة األكرث جاذبية للوجدان العام اىل الفشل املحتوم ‪....‬‬ ‫حل به يف الخامس والعرشين‬ ‫العقل السيايس اإلرسائييل يدرك أن ما َّ‬ ‫من أيار ‪ 2000‬كان زلزاالً مل يفلح اىل اآلن بالنجاة من آثاره ‪ .‬حتى اذا‬ ‫وقعت حرب متوز ‪ 2006‬بنتائجها املبارشة والبعيدة تضاعفت اآلثار و‬ ‫اشت ّدت الهواجس لتصل اىل حدود الذورة‪.‬‬ ‫تخرب الصورة اآلن‪ ،‬أن املسعى ملا يزل هو نفسه إلحراز انقالب يف‬ ‫الوضعية اللبنانية ‪ .‬وهو سعي يجري بالتوازي مع التحوالت التي‬ ‫تعصف بعدد من الساحات العربية ‪ ،‬بغية إعادة تشكيل املنطقة‬

‫تبعاً للمقاس االرسائييل سياسياً وثقافياً وأمنياً‪.‬‬ ‫وعىل الرغم مام يشكّله التص ّدع العريب من مصدر أمان للتفكري‬ ‫االسرتاتيجي االرسائييل ‪ ،‬فإن املشقة الكربى التي يواجهها هذا التفكري‬ ‫هو استشعار القلق حيال إمكان امتالكه القدرة عىل صناعة حقائق‬ ‫االمن اإلقليمي ‪.‬‬ ‫كذلك يدرك العقل اإلرسائييل وهو ينظر إىل هذه الحقيقة‪ ،‬كم كان‬ ‫لثقافة الحبوط واالنهزام عىل امتداد اكرث من نصف قرن ‪،‬من مفاعيل‬ ‫حاسمة يف نشوء الكيان وقيامة الدولة اليهودية‪ .‬وسيجد اإلرسائيليون‬ ‫فيام يحصل من مت ّزقات عربية ‪،‬تلك اللحظة النادرة إلعادة صوغ‬ ‫ثقافة اإلكراه و الغلبة‪.‬‬ ‫ما ال يقبل الجدل ‪،‬هو متاثل الرغبتني األمريكية واإلرسائيلية يف إعادة‬ ‫تطبيع النفس العربية مع مقتضيات اإلحتالل وثقافته‪ .‬ومن ينظر اىل‬ ‫حركة التحوالت ‪ ،‬يتبينّ له الحجم الهائل للمساعي اآليلة اىل جعل‬ ‫«الفتنة العربية» سياجاً أمنياً بعيد املدى لحفظ الوجود اإلرسائييل‬ ‫من الضعف والتب ُّدد ‪ .‬وميكن أن نقرأ واقع الحال عىل ثالثة خطوط ‪:‬‬

‫األول‪ :‬السعي لبنانياً إىل جعل حدث التحرير يف الخامس والعرشين‬ ‫من أيار ‪ ، 2000‬وحدث االنتصار يف متوز ‪ .2006‬خارج الذاكرة اللبنانية‬ ‫والعربية واإلسالمية‪ ،‬متهيدا ً لجعلهام خارج الذاكرة اإلرسائيلية ‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬السعي فلسطينياً إىل جعل االنتفاضة‪ ،‬واملقاومة املسلحة‪،‬‬ ‫رضباً من الدراما العبثية‪ ،‬وأن التمسك بهام لتحقيق آمال الشعب‬ ‫رضب من التمرد عىل السالم‬ ‫الفلسطيني يف التحرير والعودة‪ ،‬هو ٌ‬ ‫ونظري لإلرهاب‪.‬‬ ‫ثالثاً ‪ :‬السعي اىل تحويل حركة الشارع العريب وثوراته اىل فضاء عارم‬ ‫من الفوىض واالحرتاب الداخيل ‪ .‬األمر الذي يفيض اىل إسقاط مقولة‬ ‫العداء إلرسائيل وانتزاعها من قاموس الثقافة السياسية العربية‬ ‫املعارصة‪.‬‬ ‫لعل أبرز املقدمات التي سبقت خطوط العمل املذكورة‪ ،‬أن عكفت‬ ‫االسرتاتيجيات اإلرسائيلية املتعاقبة عىل فصل لبنان عن تداعيات‬ ‫ال�صراع مع إرسائيل‪ ،‬و بالتايل الوصول إىل حدود شاملية آمنة‬ ‫بتغطية من األمم املتحدة‪ .‬ومل يكن القرار ‪ 1559‬ضمن هذا املنطق‬ ‫من تسلسل األحداث‪ ،‬سوى حادث مستأنف ليُعاد إنتاج الغلبة‬ ‫اإلرسائيلية وارجاعها اىل صورتها األوىل‪.‬‬ ‫غري أن االحتامل اإلرسائييل عىل هذا الصعيد ما لبث أن ظهر مثقالً‬ ‫بأعباء وتعقيدات ال حرص لها‪ .‬فالبوابة اللبنانية التي أخرجت جيش‬ ‫االحتالل اإلرسائييل مذلوالً من زواياها الحادة‪ ،‬أخرجت كذلك‪،‬‬ ‫الشارع العريب من عقدة الخوف والتشاؤم وعدم الثقة‪.‬‬ ‫فالجبهة الجنوبية عىل كل ما يقال فيها وعنها‪ ،‬ال تزال بعد‬ ‫اثنتي عرشة سنة عىل التحرير متكث يف تلك املنطقة الرمادية‬ ‫بني الخط األزرق وخط النار‪ ،‬وذلك عائد يف حقيقته إىل نسبة‬ ‫قوى ارتسمت حقائقها السياسية بني أيار (مايو) ‪ 2000‬ومتوز‬ ‫(يوليو) ‪ ،2006‬لتجعل الحالة اإلرسائيلية يف وضعية قلقة ال‬ ‫نظري لها من قبل ‪...‬‬ ‫ما يجعل التفكري االسرتاتيجي اإلرسائييل مملو ًءا بالقلق‪ ،‬ليس‬ ‫فقط تلك «املنطقة الرمادية» عىل الحدود مع لبنان‪ ،‬وإمنا هو‬ ‫األثر العميق لحادث التحرير‪ .‬فلقد ابتعث التحرير أطروحته‬ ‫يف مقابل أطروحة االحتالل‪ ،‬وسيكون لهذا التضاد و التقابل‬ ‫مفاعيله الجدية عىل املرياث املشؤوم لأليديولوجيا العربية‬ ‫املهزومة ‪ ،‬التي تشكلت مبانيها ومفرداتها من تداعيات النكبة‬ ‫األوىل يف «أيار» ‪ 1948‬و الثانية يف «حزيران» ‪.1967‬‬ ‫هنا حرصا ً ميكث القلق األصيل يف الفكر اإلرسائييل بإزاء تحوالت‬ ‫ستؤسس‬ ‫ما بعد الخامس والعرشين من أيار (مايو) ‪ .2000‬حيث ِّ‬ ‫مقاومة االحتالل ونتائجها املحقّقة يف جنوب لبنان إلمكان اسرتاتيجي‬ ‫ظل إىل زمن قريب أشبه بكائن‬ ‫قوامه‪ :‬تسجيل الهزمية عىل عدو َّ‬ ‫خرايف ال تشوبه شائبة الوهن واإلنكسار ‪ .‬و بالتايل والدة مسارات‬ ‫جدية لثقافة جديدة ستطاول العمق األيديولوجي لفلسفة التفوق‬ ‫يف العقل اإلرسائييل ‪ .‬فإذا عرفنا أن هذه الفلسفة هي عنرص تأسييس‬ ‫يف النشأة اإلرسائيلية كدولة وكيان‪ ،‬فإ َّن تهافتها يعني منطقياً وعملياً‬ ‫تهافت أحد األركان األساسية ملرشوعها التاريخي ‪.‬‬ ‫إ َّن ما تدفع به واقعة التحرير يف أيار ‪ ،2000‬يتجاوز السيايس‪ /‬األمني‬ ‫بتعريفاته الشائعة‪ .‬لقد أطلقت هذه الواقعة السؤال االستثنايئ حول‬ ‫نهاية املرشوع اإلرسائييل‪ .‬فلقد رأت إليه‪ ،‬ال كاحتامل سيايس‪ /‬أمني‬ ‫وحسب‪ ،‬وإمنا أيضاً وأساساً كقضية ثقافية ومعرفية وفكرية سيكون‬ ‫لها آثار حاسمة عىل مستقبل املنطقة وتحوالتها‪.‬‬ ‫* رئيس مركز دلتا لألبحاث املعمقة‬ ‫ ‬

‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫العدد ‪68‬‬

‫احزاب‬

‫نسيب الشامي‬

‫الدور الوظيفي مقتل للعقيدة والحزب‬ ‫القوميون كاألنبياء «هم األشد بال ًء»‬

‫أما وقد إنعقد املؤمتر الذي كان من املفرتض أن يجتمع القوميون‬ ‫االجتامعيون فيه عىل دراسة واقعهم امل��أزوم‪ ،‬وفيه يتباحثون يف‬ ‫شؤون املستقبل ورمبا الوصول إىل رؤية مشرتكة‪ ،‬تنقل حال الواقع‬ ‫امل��أزوم إىل واقع أفضل عرب رسم خطط واعتامد منهجية علمية‬ ‫واقعية‪ ،‬يتنفس بعدها القوميون ثم األمة الصعداء‪ ،‬وتفرح قلوبهم‪،‬‬ ‫وتنتعش صدورهم بعد هذا الك ِّم الهائل من الغ ِّم واله ِّم والكدر‪...‬‬ ‫ولكن تقودنا خطورة املرحلة وراهنية املفصل التاريخي الجاثم بثقله‬ ‫عىل صدورنا والذي يرتتب عليه مجموعة استهدافات تتناول مسألة‬ ‫السيادة والوجود وإلغاء فكرة الوطن ـ الشعب‪ .‬ولتحقيق مقولة‬ ‫الوحدة الجامعة وتهميش ثنائية التاريخ والجغرافيا‪ ،‬أما املطلوب‬ ‫فهو كرس إرادة األمة وجعلها مادة‪ ،‬كام البيدق عىل رقعة الشطرنج ـ‬ ‫سهلة للنقل والتجاذب يف معركة نفوذ اإلرادات‪.‬‬ ‫وأمام هذه املشهدية الكارثية‪ ،‬والحصاد امل ّر املتوقع من ج َّرائها ال‬ ‫يكون السؤال‪ ،‬فأين نحن من كل هذا؟‪.‬‬ ‫سؤال ال يستند إىل منطق‪ ،‬وال إىل واقع‪ ،‬وال إىل قرينة‪ ،‬بل يجب أن‬ ‫يبقى سؤاالً مسودة ليست للنرش‪ ،‬فأين نحن من كل هذا؟ العقيدة‬ ‫دون مهام هي حكامً عقيدة موت ال حياة‪ ،‬عقيدة جامدة ال تعرف‬ ‫الحركة وال النمو وال االنتصار‪ .‬العقيدة دون أداة تنفيذية لتحقيق‬ ‫أهدافها هي عقيدة برسم الرفوف واملتاحف وأقبية األراشيف‪.‬‬ ‫ولكن هذه املهام يجب أن تأيت من دينامية األهداف التي تتقصد‬ ‫االنتصار وفق خطط مدروسة بدقة ودراية وحكمة وتصميم‪ .‬وليست‬ ‫املهام املعطاة من ضمن األدوار الوظيفية‪ ،‬التي ترسمها دوائر القرار‪،‬‬ ‫ومراكز الدراسات وأجهزة األخرين أكانوا منظامت أم دوالً‪.‬‬ ‫عقدة الدور الوظيفي ال ب َّد من فكِّها وتحليلها حتى تستقيم سفينتنا‬ ‫القومية عىل الجودي‪ ،‬وحتى نقيم مؤمترنا القومي شامخاً جريئاً‪،‬‬ ‫صادقاً ويف الهواء الطّلق‪...‬‬ ‫الدور الوظيفي األول‪:‬‬ ‫‪ -‬التصدي إىل الفكر املاركيس و«الشيوعيني» إن غياب مفهوم الحرية‬

‫كام أوضحه سعادة ويف أكرث من مرة‪ ،‬ومكان وإن الحرية هي حرية‬ ‫الرصاع‪ ،‬وإن حق الرصاع هو حق املتقدم‪ .‬وإن األفكار ال تثبت أو‬ ‫تتالىش‪ ،‬إالّ يف رصاعها‪ ،‬أو تالقحها‪ ،‬وإن النتيجة املتأتية هي النتيجة‬ ‫الحاسمة بالحجة والربهان بالعلم والدليل‪ ،‬وما بني غياب زعيم‬ ‫النهضة السورية القومية االجتامعية يف مغرتبه القرسي‪ ،‬وعودته‬ ‫القصرية والعاصفة باألحداث واإلرباكات ومن ثم استشهاده عام‬ ‫‪ ،1949‬جعلت من الدوائر املرتبصة بهذه الحركة وضيق األفق عن‬ ‫قيادة الحزب‪ ،‬إىل تنكُّب مسؤولية املقارعة للشيوعية‪ ،‬ويف مقايضة‬ ‫غري مدروسة عىل الحفاظ عىل الوجود‪ ،‬فصار الحال نوعأ من إعالن‬ ‫الحرب الفكرية ض ّد الفكر املاركيس‪ ،‬ونوعأ من املواجهات الدامئة‬ ‫يف الجامعات والشوارع مع الشيوعيني كانت يف كثري من األوقات‬ ‫شبيهة بالبديل املرسوم عن العدو اليهودي وال يجوز هنا تنايس‬ ‫عدائية الشيوعيني ضد القوميني وال حتى تآمرهم مع اآلخرين ض ّد‬ ‫الحزب والحركة القومية االجتامعية «آنذاك» وما ال يجوز تناسيه‬ ‫أيضاً أن هذا الدور الوظيفي‪ ،‬مل يكن دورا ً حددته دينامية األهداف‬ ‫القومية‪ ،‬بل كان الدور الذي رسمته دوائر الغرب األمرييك‪ ،‬واألورويب‬ ‫عىل وقع رصاعهم مع االتحاد السوفيتي وحاجتهم إىل جبهات بدائل‪،‬‬ ‫وتنظيامت وأحزاب ودول بدائل يتم متويلهم واستخدامهم وفق‬ ‫خططهم واسرتاتيجياتهم‪.‬‬ ‫لقد كان هذا ال��دور ملهاة للحركة القومية االجتامعية وملهاة‬ ‫للقوميني‪ ،‬ومضيعة للوقت والجهد القوميني‪.‬‬ ‫ الدور الوظيفي الثاين‪ :‬التصدي للفكر القومي العريب وتجلياته ـ‬‫أحزاباً ودوالً‪.‬‬ ‫قد يكون هذا الدور‪ ،‬هو األخطر من حيث إنعكاساته عىل الحركة‬ ‫السورية القومية االجتامعية وعملها السيايس‪ ،‬ومنوها وانتشارها ذلك‬ ‫أنه خالف قاعدة أساسية يف علم الفيزياء‪ ،‬إىل جانب السياسة وهو أنه‬ ‫وقف يف وجه حركات شعبية ذات بعد قومي‪ ،‬ناشئة فتية ومندفعة‬ ‫بقوة ذاتية يرافقها مناخ إرادة عربية جامعة للرد عىل هزمية –‪48‬‬ ‫التي شكلت حينها باملعنى االفرتايض الرد الوحيد وخشبة الخالص‪.‬‬ ‫حيث أنه يستحيل الوقوف يف وجهها وحرف مسارها حتى ال نقول‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫باستحالة مواجهاتها واالنتصار عليها‪.‬‬ ‫يضاف إىل هذا غياب الرؤية القومية الواضحة عند القوميني‪ .‬يف‬ ‫مسألة الفهم التعيني والعلمي لعقيدتهم القومية‪ ،‬فالسورية القومية‬ ‫االجتامعية التي قالت بواقع أمم أربعة رسمت صيغة الشكل الواقعي‬ ‫أو الجغرايف واإلجتامعي لعاملنا العريب‪ ،‬وس َّمت بلغة الوضوح والتعيني‬ ‫ذاتها‪ ،‬أمتنا السورية‪ ،‬وأمة وادي النيل والجزيرة العربية‪ ،‬واملغرب‬ ‫العريب الكبري‪ ،‬فلو كان هذا الوعي ثابتاً وراسخاً يف عقول القوميني لكان‬ ‫أحرى بهم وبقياداتهم أال يواجهوا فكرا ً ال يستند إىل هذه القاعدة‬ ‫العلمية والقومية الثابتة‪ ،‬حيث أن مصري هذه األفكار والعقائد‬ ‫سيكون إىل زوال‪ ،‬ألنها غري قابلة للتطبيق وال للحياة أما الذي حصل‬ ‫فهو عكس ذلك‪ ،‬فقد كنا يف مواجهة النارصية والبعثية‪ ،‬حملت الويل‬ ‫والثب ُّور للحركة القومية‪ ،‬وقيدت حركتها وز َّجت بقيادييها وأعضائها‬ ‫يف السجون وع َّرضتهم للتنكيل والتعذيب‪ ،‬وأقصتهم عن دينامية‬ ‫املجتمع والسياسة والثقافة والفعل النهضوي وأخطرها إقصاء الحركة‬ ‫القومية االجتامعية عن فعل املقاومة ومواجهة «إرسائيل»‪.‬‬ ‫وكام يف الدور األول‪ ،‬بقي هذا الدور خارج دينامية األهداف القومية‬ ‫بل كان الدور الذي رسمته دوائر الغرب األورويب وتحديدا ً اإلنكليزي‬ ‫واألمرييك مطعامً بالنهكة األردنية والعراقية‪ ،‬وتحالفات مقيتة سخيفة‬ ‫مع اليمني اللبناين ورموزه الفاسدة‪.‬‬ ‫ الدور الوظيفي الثالث‪ :‬اإلنخراط يف املقاومة «الكفاح الفلسطيني‬‫املسلَّح»‪.‬‬ ‫لقد كان هذا الدور من تجليات مؤمتر ملكارت الذي انعقد يف العام‬ ‫‪ 1970‬وبعد خروج قيادة الحزب القومي من السجون اللبنانية‪،‬‬ ‫وبعد بروز حركة املقاومة الفلسطينية املسلَّحة‪ ،‬وعملياتها العسكرية‬ ‫الناجحة ض ّد «إرسائيل» والتفاف العامل العريب وأمتنا خاصة حولها‬ ‫واإلنخراط يف صفوفها‪.‬‬ ‫إن التوصيات التي جاء بها املؤمتر‪ .‬عبرَّ ت عن توق القوميني للعب‬ ‫هذا الدور القومي‪ ،‬الذي قالت به عقيدتهم ونادت به وبرشت منذ‬ ‫التأسيس برضورة القيام به‪.‬‬ ‫لقد كان هذا الدور يف صلب دينامية األهداف القومية لو مل يغوره‬ ‫نقيضان‪ :‬قبوله مبقولة‪ :‬منظمة التحرير هي املمثل الرشعي والوحيد‬ ‫للشعب الفلسطيني وهذا خروج واضح عن العقيدة السورية‬ ‫القومية االجتامعية‪.‬‬ ‫قبوله باالخرتاق الفاضح‪ ،‬والوقح‪ ،‬لألمن الفلسطيني عىل امتداد دوائر‬ ‫الحزب‪ ،‬قيادة وأفرادا ً ومؤسسات‪.‬‬ ‫ الدور الوظيفي الرابع‪ :‬االنخراط يف الحرب األهلية اللبنانية‪ ،‬منتصف‬‫سبعينيات القرن املايض‪.‬‬ ‫يعترب هذا الدور‪ ،‬األكرث تعقيدا ً‪ ،‬وهو بحاجة إىل دراسات معمقة‪،‬‬ ‫ويف دراسة أسباب اإلنخراط يف عمليات الحرب العسكرية‪ ،‬وأسباب‬ ‫اإلنخراط يف الحركة الوطنية اللبنانية‪ ،‬وطبيعة التحالفات الهشة‬ ‫حيناً والخطرية حيناً آخر عىل امتداد سنوات الحرب‪ .‬أقول أن دراسة‬ ‫موضوعية ال تراعي ظروف الوطن آنذاك واملرشوع الكتائبي القوايت‬ ‫الرجعي التآمري عىل املقاومة الفلسطينية وحلفائها يف لبنان‪ ،‬تبقى‬ ‫دراسة خارج السياق التاريخي للحرب ومندرجاتها‪ .‬وإن الحرب‬ ‫رغم ما حملته من سيئات وآالم وعدد وافر من الشهداء واملقاومني‬ ‫القوميني األبطال‪ ،‬إالّ أنها أسقطت مرشوع حكم بشري الجم ّيل‬


‫العدد ‪68‬‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫واليمني اللبناين يف لبنان‪ ،‬أسقطت معاهدة يف‪ 17‬أيار والتطبيع مع‬ ‫«إرسائيل»‪ ،‬وأسست للمقاومة الوطنية واإلسالمية‪ ،‬وهذا بح ِّد ذاته‪،‬‬ ‫يقع يف صلب وقلب دينامية األهداف القومية رغم كل العرثات‬ ‫والشوائب‪.‬‬ ‫ الدور الوظيفي الخامس‪ :‬استبدال الدور السيايس بالدور األمني يف‬‫مرحلة التواجد العسكري السوري يف لبنان‪.‬‬ ‫لقد شكّل هذا الدور انقالباً بنيوياً عىل طبيعة الحركة السورية‬ ‫القومية االجتامعية ومنظومة قيمها ومامرساتها‪ ،‬فالعالقة األمنية‬ ‫كام يفهمها القوميون‪ ،‬هي عالقة مكتب متخصص يف عمدة الدفاع‬ ‫ضمن توجيهات وإرش��ادات قيادة الحزب السياسية للقيام مبا‬ ‫يقتضيه الواجب القومي يف تشاركية العمل مع اآلخرين‪ ،‬لصيانة‬ ‫حال املقاومة واملامنعة ض ّد «إرسائيل» وحلفائها وعمالئها‪.‬‬ ‫أما الحزب‪ ،‬وهو األداة التنفيذية للحركة السورية القومية االجتامعية‬ ‫فهو ال يقيم إالّ عالقة سياسية قومية عىل مستوى التنظيامت والدول‬

‫احزاب‬

‫أو الكيانات‪ .‬لقد كان هذا الدور ّمقاسه تشوهات‪ ،‬طالت األفراد‬ ‫واملواقع‪ ،‬تشوهات يف املامرسات الحزبية‪ ،‬والعالقات االجتامعية‬ ‫طالت منظومة األعراف والتقاليد واألخالق‪ ،‬خلقت الرعب والخوف‬ ‫والفتنة‪ ،‬سمحت بلعبة الدم والغدر والتقاتل والترشذم‪ ،‬وتبنت‬ ‫حق القوة‪ ،‬ال قوة الحق‪.‬‬ ‫قاعدة اغتصاب السلطة‪ .‬عىل قواعد ّ‬ ‫مردود هذا الدور مل يتعد مشاركة سياسية‪ ،‬باهتة ال لون لها وال‬ ‫طعم وال رائحة‪ ،‬بفعل واقع التبعية ألصحاب األمر والنهي إىل ح َّد‬ ‫أن تقرتح مرشوع قانون‪ ،‬ثم تصوت ضده‪ ،‬وتقول أنك أديت قسطك‬ ‫للعىل‪ ،‬وإرتقيت إىل سدرة املنتهى‪ .‬لو كان هذا الدور كام وصفناه‬ ‫أعاله‪ ،‬لكان حتامً يف مقدمة األهداف القومية‪ ،‬ولكنه كام ب ّيناه أدناه‬ ‫فهو يصب يف دائرة الكارثة املوصوفة التي لحقت بالحركة السورية‬ ‫القومية االجتامعية وأساءت إليها ودمرت بنيانها‪ .‬ومل ِ‬ ‫تؤت مثارا ً‪.‬‬ ‫ الدور الوظيفي السادس‪ :‬التصدي لألخوان املسلمني والسلفيني‪.‬‬‫هذا الدور ال زال يف حالة اإلمكانية‪ ،‬يف حالة القوة ال الفعل ولكنه‬

‫بدأ يأخذ طريقه للتحضري الذهني والتشكل املزاجي شبه الطبيعي‬ ‫يف أوساط الحركة السورية القومية االجتامعية ومنارصيها انطالقاً‬ ‫من أن الفكر القومي االجتامعي هو املرجع الجامع امل ّوحد وتبيان‬ ‫الخطورة مام يحدث يف الشام ومنذ ما يقارب العام حتى اآلن‬ ‫من تهديد لوحدة الشعب‪ ،‬ومحاولة تهديم مؤسسات الدولة‪،‬‬ ‫والقضاء عىل السلم األهيل‪ .‬يف حرب مكشوفة عىل سورية ودورها‬ ‫وتاريخها وحضارتها‪ .‬مم ّولة من قبل األنظمة امللكية العربية‪.‬‬ ‫مدعومة من الغرب األمرييك واألورويب و«إرسائيل» بشكل كامل‬ ‫ومطلق‪ .‬وقد حصدت حتى اآلن ما يقارب العرشة آالف سوري‬ ‫ما بني مدين وعسكري‪ ،‬ودمارا ً يكاد يكون شامالً يف بعض املدن‬ ‫السورية وأحيائها‪ .‬وخراباً للبنى التحتية ومظاهر اإلزدهار والرقي‬ ‫السابقني‪ .‬وانتهاكاً فاضحاً للنسيج االجتامعي السوري يف تشكيالته‬ ‫املدنية وتحضريها عرب دورة القتل والدم إىل شبه خندقة مذهبية‬ ‫بدت بعض مالمحها جلية للعيان‪ .‬وكل هذا عىل يد مجموعات‬ ‫مسلحة يشكل «األخوان املسلمون» عصبهم األساس وال يشمل‬ ‫هذا التوصيف املعارضة السورية الوطنية بل األخوان املسلمون‬ ‫والسلفيّون واملعارضة الخارجية‪.‬‬ ‫وحيث أن مجموعة العقائد واألفكار يف األمة ال تحمل يف مضمونها‬ ‫أو تجاربها ما يؤهلها ملواجهة هذه الحالة القدمية ـ املستجدة‬ ‫فتذهب مخيلة القوميني إىل التنطح بهذا الدور يف مواجهة هذه‬ ‫الحالة الغاضبة الناشئة املندفعة بقوة غري عادية الحاقدة ح ّد ما‬ ‫بعد التص ّور‪ ،‬مبا لديهم من مخزون فكري وثقايف‪ ،‬وحتامً ال نعني‬ ‫ال القدرات العسكرية وال االحتضان الشعبي ملواجهة هذه الحالة‬ ‫ـ كمشورع مواجهة إلنقاذ الكيان‪ ،‬وبعده األمة‪ .‬إنه دور وظيفي‬ ‫نحذِّر منه لخطورته‪ ،‬فنرش التعاليم القومية االجامعية والعمل‬ ‫النهضوي ال يستوي مع فكرة البندقية املأجورة وال عقيدة غب‬ ‫الطلب ولنا يف أدوارنا السابقة ما يكفي‪.‬‬ ‫إن الظروف املوضوعية لهذه الحالة هي ظروف مغايرة‪ ،‬ملجمل‬ ‫سابقاتها لذا فأسلوب التصدي واملواجهة‪ ،‬يجب أن يكون تصدي‬ ‫ومواجهة املجتمع بالكلية‪ ،‬ألن الحرب املعلنة بنظرنا وكام يقول‬ ‫املفكر القومي االجتامعي يوسف األشقر إنها حرب عىل املجتمع‬ ‫وليست فقط عىل النظام يف سورية‪ ،‬نعم إنها الحرب األمريكية‬ ‫واألوروبية اإلرسائيلية العربية والرجعية‪ ،‬اململكيات واملشيخات‪،‬‬ ‫والعثامنية الجديدة‪ ،‬وأحفاد ‪ Black waters‬من املرتزقة يف لبنان‬ ‫وعامن‪ ،‬إنها أوقح حرب وأعظمها متويالً وأخطرها إعالماً‪ .‬وهذا‬ ‫يستدعي أن يعلن املجتمع إستنفاره ملواجهة هذه الحرب الجارفة‪،‬‬ ‫وأن يستنبط وسائل دفاعه ورسم خططه للمواجهة والنزال‪.‬‬ ‫فاملسلم املؤمن منوط به معرفة الخطر املتأيت من مسلم متط ِّرف‪،‬‬ ‫ال يؤمن إال بالعنف‪ ،‬والذبح من الوريد إىل الوريد واملسيحي‬ ‫منوط به أن يعرف خطورة التشكل األكرثي واألقلوي خارج معادلة‬ ‫املواطنة الجامعة‪ ،‬وكذلك الكردي والدرزي والعلوي وكل املكونات‬ ‫الدينية والعرقية يف الوطن‪ .‬وكذلك حال كل العلامنيني والتقدميني‬ ‫والوطنيني‪ ،‬شيوعيون وقوميون وبعثيون وقوميون عرب نارصيون‪.‬‬ ‫ومواطنون مستقلون وكذلك حال كل منتم إىل جمعية ونادي‬ ‫ومنظمة وفرقة كشفية أو إسعاف أو نادي صحافة أو فكر أو شعر‬ ‫أو أدب‪.‬‬ ‫إنها حال تستدعي وقوف املجتمع ُرمةً‪ ،‬وعندها فقط ال تكون‬ ‫وقفة غب الطلب ‪ ...‬بل تكون وقفة لرد التحدي املصريي‪،‬‬ ‫وعندها فقط سيكون االنتصار انتصارا ً للمجتمع وهذا هو‬ ‫أجمل االنتصارات‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫العدد ‪68‬‬

‫ا�سرتاتيجيا‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫تعمل لتحريم التعليم الغريب وتأسيس‬

‫حركة بوكو حرام يف نيجرييا ‪ :‬للتطبيق الفوري للرشيعة‬ ‫يشهد العامل ظهور جامعات إرهابية‬ ‫مسلحة‪ ،‬تعمد إىل إستغالل العقيدة اإلسالمية‬ ‫كغطاء لنيل مآربها‪ ،‬هذه الجامعات التي‬ ‫تؤمن بأن «الجهاد» وزهق االرواح هي‬ ‫السبيل لنرصة مرشوعها انترشت لتنفذ‬ ‫عقيدتها‪ .‬يقدم العميد املتقاعد إلياس فرحات‬ ‫فيام ييل دراسة عن إحدى تلك الجامعات‬ ‫والتي تأسست يف نيجرييا تحت إسم بوكو‬ ‫حرام‬ ‫* إلياس فرحات‬ ‫يف صبيحة عيد امليالد ‪ 25‬ديسمرب ‪ 2011‬هزت انفجارات كنيسة‬ ‫يف بلدة جاداكا بشامل رشق نيجرييا ما أسفر عن اصابة كثريين‬ ‫وهي ثالث كنيسة تتعرض لهجوم خالل قداس هذا امليالد ووقع‬ ‫االنفجار بعد ساعات من انفجار اخر يف يف كنيسة يف ضاحية‬ ‫مانداال عىل مشارف العاصمة أبوجا اسفر عن سقوط ‪ 40‬قتيال‬ ‫وعدد من الجرحى‪ .‬كام هز انفجار ثالث كنيسة يف مدينة جوس‬ ‫يف وسط البالد مام سبب أرضارا جسيمة من دون خسائر كبرية يف‬ ‫االرواح واعلنت يف وقت الحق من اليوم نفسه حركة بوكو حرام‬ ‫مسؤوليتها عن هذه االنفجارات وهددت باملزيد منها ‪ .‬وسبق‬ ‫ان هاجم انتحاري يف يوم ‪ 26‬أغسطس ‪ ،2011‬مبنى مقر االمم‬ ‫املتحدة يف ابوجا عاصمة نيجرييا ما ادى اىل مقتل نحو ‪ 23‬شخصا‬ ‫وكانت حركة «بوكو حرام» النيجريية ايضا اعلنت مسؤوليتها‬ ‫عنه ‪.‬كان ذلك تحوال مهام وفارقا يف فكرومامرسة هذه الحركة‬ ‫الجهادية التي تنشط يف شامل نيجرييا حيث تسود غالبية مسلمة‬ ‫‪.‬اشارت سلطات األمن النيجريية إىل وجود صالت قوية بني منفذي‬ ‫الهجامت وخصوصا هجوم أبوجا‪ ،‬وبني تنظيم القاعدة يف بالد‬ ‫املغرب اإلسالمي‪ ،‬وتنظيم شباب املجاهدين يف الصومال‪ .‬سلطت‬ ‫هذه الهجامت الضوء عىل حركة «بوكو حرام» التي تعمل يف منطقة‬ ‫حساسة يف شامل نيجرييا‪ .‬ما هي هذه الحركة وما هي اهدافها؟‬ ‫تعترب نيجرييا أكرب الدول األفريقية من حيث عدد السكان‪ ،‬وحسب‬ ‫وكالة املخابرات املركزية االمريكية يبلغ عدد السكان نحو ‪158‬‬ ‫مليون نسمة‪،‬يتوزعون دينيا ما بني مسلمني يف الشامل يشكلون‬ ‫‪50%‬من السكان ومسيحيني يشكلون ‪40%‬ووثنيني يشكلون ‪10‬‬ ‫‪ %‬يف الجنوب‪ .‬تتألف نيجرييا من نحو ‪ 250‬اثنية ابرزها هاوسا‬ ‫وفوالين وتشكل ‪ 29%‬من السكان ويوروبا وتشكل ‪ 21%‬والغبو‬ ‫‪ % 18‬ولجو ‪ % 10‬وغريها ‪.‬‬

‫ماهي بوكو حرام ؟‬ ‫«بوكو حرام»‪ ‬هي جامعه إسالمية مسلحة نيجريية‪ ،‬وتعني بلغة‬ ‫الهاوسا (منع اوتحريم التعليم الغريب)‪ .‬تأسست الجامعة عام‬ ‫‪ 2004‬عىل يد محمد يوسف وهو شاب نيجريي ترك التعليم يف سن‬ ‫مبكرة وحصل عىل قدر من التعليم الديني غري النظامي وانضم‬ ‫اليه اساسا عدد من الطلبة الذين تركوا الدراسة النظامية‪،‬وأقام‬ ‫قاعدة لها يف قرية كاناما بوالية يوبه شامل رشقي نيجرييا عىل‬ ‫الحدود مع النيجر‪.‬‬ ‫ولد املال محمد يوسف‪ ‬يف قرية نائية يف منطقة يونوسوفاري شامل‬ ‫البالد‪ ،‬وكان والده فقيها يعلم األطفال قراءة القران يف الكتاتيب‪.‬‬ ‫فيام بعد انتقلت االرسة إىل مدينة بوتسكوم‪ ،‬حيث ورث محمد‬ ‫يوسف عن أبيه مهنته‪ .‬وأخريا انتقل إىل مدينة مايدوغوري كربى‬ ‫مدن والية بورنو حيث بدا يف نرش افكاره املتشددة عام ‪،1999‬‬ ‫اعلن عن تأسيس حركته يف عام ‪ 2004‬و قتل يف ‪ 30‬يوليو ‪2009‬‬ ‫بالرصاص بعد يومني من اعتقاله يف مدينة مايدوغوري وتضاربت‬ ‫الروايات ما اذا كان قتل اثناء محاولة فراره او تدبري قتله للتخلص‬ ‫منه‪ .‬وجاء يف موقع الحق نت االسالمي ان محمد يوسف كان‬ ‫من قيادات الشيعة يف الثامنينات واوائل التسعينات ثم تحول اىل‬ ‫املذهب السني وصار يعظ يف مساجد اهل السنة ‪.‬خلفه يف قيادة‬ ‫الحركة االمام ابو بكر شيكاو‪ .‬عرفت الجامعة بعدة اسامء‪ ،‬منها‬ ‫«السنة والجامعة» و «أتباع تعاليم محمد»و «طالبان نيجرييا»‬ ‫وهناك من يطلق عليهم اسم «اليوسفية» نسبة إىل مؤسسها‬ ‫محمد يوسف‪ ،‬او جامعة التكفري والهجرة مثل الحركة التي عملت‬ ‫يف مرص والتي كانت تدعو اىل اعتزال املجتمع الفاسد والهجرة‬ ‫بعيداعنه‪.‬‬ ‫تتضمن األصول الفكرية لجامعة «بوكو حرام» عددا من املفاهيم‬ ‫أهمها‪ :‬العمل عىل تأسيس دولة إسالمية بالقوة‪ ،‬والدعوة إىل‬ ‫التطبيق الفوري للرشيعة االسالمية يف جميع واليات نيجرييا‪ ،‬والتي‬ ‫يشكل املسلمون نحو ‪50%‬من سكانها‪ ،‬حيث تطبق الرشيعة‬ ‫اإلسالمية يف ‪ 12‬والية من والياتها الشاملية التي يشكل املسلمون‬ ‫‪70%‬من سكانها‪ ،‬وتحريم التعليم الغريب وكل مظاهره مبا يف ذلك‬ ‫االختالط بني الصبيان والبنات ورفض الثقافة الغربية والعلوم‬ ‫والدعوة إىل تغيري نظام التعليم وتكفري ورفض جميع العاملني‬ ‫يف االجهزة االمنية واعضاء الربملان والحكومة ورفض التعامل مع‬ ‫من مل ينضم إليها مبن يف ذلك اعضاء الجامعات االسالمية االخرى‪.‬‬ ‫وتحرم الحركة التعامل مع مؤسسات الدولة القامئة النها فاسدة‬ ‫وكافرة‪ ،‬فالنظام املرصيف يقوم عىل اساس الربا فيام اإلسالم يحرم‬ ‫الفائدة عىل االيداعات املالية‪.‬وتعترب الحركة ان الرضائب والقوانني‬ ‫الوضعية االخرى مثل قوانني االرايض تخالف رشع الله‪ .‬ينسب‬ ‫موقع الحق نت اىل الجامعة انها» تشبه جامعة التكفري والهجرة‬ ‫من وجوه عديدة‪ .‬ولكن العجيب من أمرهم أنهم ينتسبون إىل‬ ‫السنة‪ ،‬وينسبون أقوالهم إىل شيخ اإلسالم ابن تيمية ويستدلون‬

‫بفتاوى اللجنة الدامئة وأمئة أهل السنة كالعالمة ابن باز والعثيمني‬ ‫واأللباين والوادعي وغريهم وعمدتهم كتاب الشيخ بكر أبو زيد‬ ‫عن املدارس األجنبية‪ ،‬ولكنهم ينقلون فتاوى عن اللجنة الدامئة‬ ‫ويستدلون بها وبكالم ابن تيمية يف مجموع الفتاوى‪».‬‬ ‫تزايد عدد اتباع محمد يوسف منذ انشاء الحركة عام ‪ 2004‬حتى‬ ‫صاروا يعدون بعرشات االالف‪ ،‬وميالؤن الشوارع يف اوقات دروسه‪،‬‬ ‫وانترشت دعوته يف واليات الشامل الرشقية الخمس‪ :‬برنو ويويب‬ ‫وبويث وغمبي وادماوا‪ .‬ثم توسعت اىل واليات الشامل الغريب‪:‬‬ ‫كانو وجيغاوا وكتسينا وسوكوتو وكبي ‪ ،‬لكن عددا قليال من هذه‬ ‫الواليات تبع دعوته‪ .‬والغريب يف تاثري محمد يوسف ان االالف‬ ‫من طالب الطب والهندسة والعلوم بل وحتى الدراسات اإلسالمية‬ ‫تركوا جامعاتهم والتحقوا بدعوته وعادوا اىل بيع الحطب وبعضهم‬ ‫يبيع التمروالسواك عىل صينية فوق راسه وخصوصا الطالب الذين‬ ‫مل تسمح اوضاع ذويهم املالية بتحمل نفقات التعليم‪ .‬كام ترك‬ ‫بعض املوظفني مناصبهم ومنهم مديرون ووزير الشؤون اإلسالمية‬ ‫يف والية برنو بعدما اقتنعوا بدعوته‪.‬‬ ‫تعرضت الحركة اىل انتقادات العديد من الشخصيات والهيئات‬ ‫واملؤسسات االسالميه‪ ،‬فقد اعرتض شيوخ معروفون يف شامل نيجريا‬ ‫عىل الكثري من أفكار محمد يوسف مؤسس الجامعة‪ ،‬كام أدانت‬ ‫العديد من املنظامت االسالميه‪ ‬كمؤمتر املنظامت اإلسالمية الذي‬ ‫ينضوي تحت مظلته الكثري من املنظامت اإلسالمية يف نيجرييا‪،‬‬ ‫وجمعية نرص اإلسالم‪،‬أعامل العنف التي نسبت لهذه الحركة‪.‬‬ ‫كام نرش اسامة عبد العظيم يف موقع الجامعة االسالميه يف مرص‬ ‫مقاال تناول فيه الجامعة من منظور نقدي اسالمي جاء فيه ‪:‬األزمة‬ ‫الفكرية التي تعاين منها كافة الجامعات التكفريية – ومنها « بوكو‬ ‫حرام» – هي أنها قامت عىل مفارقة املجتمع واعتزاله‪ .‬لقد بنت‬ ‫جامعة «بوكو حرام» رؤيتها وإسرتاتيجيتها عىل رفض نظام التعليم‬ ‫القائم يف البالد وبدال من أن تؤسس لرؤية تعليمية حضارية توافق‬ ‫الرشيعة اإلسالمية ‪ ،‬فإنها شنت حملتها لهدم النظام التعليمي‬ ‫من أساسه‪ ،‬ودعت أتباعها ملفارقته وهجره‪ .‬ناظر محمد يوسف‬ ‫عددا ً من علامء االسالم يف نيجرييا‪ ،‬منهم الشيخ عيىس عيل فنتاين‬ ‫والشيخ إدريس عبد العزيز يف بويث‪ .‬وعقدت معه جلسات كثرية‬ ‫بارشاف الشيخ جعفر محمود ادم وغريه واقيمت عليه الحجة‪،‬‬ ‫وصدرت أرشطة تسجيل كثرية يف الرد عليه‪ .‬وتصدى للرد عليه‬ ‫معظم علامء السنة وذلك يف االذاعات والتلفزيونات ويف املساجد‬ ‫واماكن الدروس واملنتديات واعلن عن توبة عدد من اتباعه‪.‬لكن‬ ‫مل تنجح هذه املحاوالت وما زالت الجامعة واسعة االنتشار ‪.‬‬ ‫عمليات حركة بوكو حرام‬ ‫يف ‪ 4‬نوفمرب ‪ 2011‬الذي سمي يوم الجمعة الدامي استهدفت بوكو‬‫حرام كنائس ومراكز رشطة وقاعدة للجيش يف مدينتي داماتورو‬ ‫ومايدوغوري بشامل رشق البالد بتفجريات انتحارية وهجامت‬


‫العدد ‪68‬‬

‫‪9‬‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫ا�سرتاتيجيا‬

‫دولة إسالمية بالقوة‪:‬‬

‫االسالمية مهام كان الثمن‬ ‫باالسلحة الرشاشة ما اسفر عن مقتل ‪ 150‬شخصا واصابة املئات‬ ‫بجراح وقال املتحدث باسم الحركة ابو القعقاع لوكالة فرانس‬ ‫برس «نحن مسؤولون عن الهجوم يف والية بورنو وداماتورو»‬ ‫وتعهد بـ»مواصلة مهاجمة تشكيالت الحكومة الفدرالية حتى‬ ‫تكف قوات االمن عن اضطهادنا واضطهاد املدنيني الضعفاء»‬ ‫وكانت الحركة منذ تأسيسها شنت هجامت ارهابية دامية يف‬ ‫شامل رشق البالد وتحدت السلطة املركزية التي مل تنجح يف وضع‬ ‫حد لهذه الحركة ‪.‬يف مايو ‪ 2007‬شنت الحركة هجوما عىل مركز‬ ‫رشطة يف والية كانو وقتلت ‪ 11‬شخصا وجرحت العرشات ‪.‬ويف‬ ‫صيف ‪ 2009‬وقعت احداث دامية بني قوات الجيش والحركة ادت‬ ‫اىل مقتل ما يزيد عن الف شخص واصابة االالف بجراح وشملت‬ ‫الهجامت مراكز الرشطة والكنائس يف واليات كانو وبورنو وباوتيش‬ ‫وسقط مدنيون يف االشتباكات مع القوى االمنية‪ .‬ويف ‪ 30‬اغسطس‬ ‫‪ 2009‬قتل زعيم الحركة محمد يوسف‪.‬ويف العام الجاري اعرتفت‬ ‫الحركة مبهاجمة مركز الرشطة يف العاصمة ابوجا يف يونية ‪2011‬‬ ‫ومهاجمة مركز االمم املتحدة يف اغسطس من العام نفسه‪.‬ومع‬ ‫الهجوم االخري قبل عيد االضحى يف ‪ 4‬نوفمرب الجاري تكون حركة‬ ‫بوكو حرام قد نقلت عملياتها اىل العاصمة واستهدفت اجانب يف‬ ‫مقر االمم املتحدة سالكة بذلك سلوك تنظيم القاعدة‪.‬‬ ‫بوكو حرام و تنظيم القاعدة‬ ‫بدأ االرتباط بني الحركات اإلسالمية الراديكالية يف أفريقيا وتنظيم‬ ‫القاعدة مع إنشاء أسامة بن الدن عدد من معسكرات التدريب يف‬ ‫دول القرن األفريقي‪ ،‬ثم االعالن عن انشاء تنظيم القاعدة العاملي‬ ‫عام ‪ 1998‬حيث بدا التقارب بني الطرفني‪ ،‬وخصوصا مع حزب‬ ‫االتحاد اإلسالمي يف الصومال‪ .‬ومع نجاح القاعدة يف تنفيذ عدد‬

‫من العمليات النوعية ضد مصالح الواليات املتحدة وحلفائها يف‬ ‫القرن األفريقي وخصوصا تفجري سفاريت الواليات املتحدة يف تنزانيا‬ ‫وكينيا ‪ ،‬ازدادت شعبية التنظيم وانترشت أفكاره بني املسلمني‪،‬‬ ‫ليس يف القرن األفريقي فحسب‪ ،‬وإمنا يف أنحاء عديدة من القارة‬ ‫األفريقية‪ ،‬ال سيام بني أوساط الشباب األقل تعليام واألكرث إحباطا‬ ‫بسبب الفقر والبطالة وما اعتربوه من نتائج سياسة الغرب يف العامل‬ ‫اإلسالمي بوجه عام‪ ،‬والدول األفريقية بصفة خاصة‪ .‬يف غضون‬ ‫ذلك‪ ،‬توايل إعالن الحركات اإلسالمية يف أفريقيا االرتباط بتنظيم‬ ‫القاعدة العاملي‪ ،‬ومن ذلك الجامعة السلفية للدعوة والقتال يف‬ ‫الجزائر‪ ،‬التي أعلنت االرتباط بالقاعدة يف سبتمرب ‪ 2006‬لتتحول‬ ‫إيل «تنظيم القاعدة يف املغرب اإلسالمي»‪ ،‬وكذا حركة الشباب‬ ‫املجاهدين يف الصومال‪ ،‬التي ترتبط بشكل وثيق بتنظيم القاعدة‬ ‫يف القرن األفريقي‪.‬‬ ‫اعلن زعيم تنظيم القاعدة يف املغرب اإلسالمي عبد املالك‬ ‫دروكدال يف فرباير ‪2011‬حسب وكالة الصحافة الفرنسية‪ ،‬انه‬ ‫عرض عىل جامعة بوكو حرام تدريب شبابها واملساعدة بالرجال‬ ‫والعتاد «لتمكينها من الدفاع عن شعبنا ودحر الصليبيني» وهذا‬ ‫ما يجعل املنطقة من النيجر حتى الساحل الجنويب مرتعا لعنارص‬ ‫القاعدة‪ .‬رأى الباحث الفرنيس جان بيار فيلو يف تقرير ملؤسسة‬ ‫كارنيغي للسالم ان هناك خطرا كبريا يف االمر و اقر بأن العنف‬ ‫الطائفي يف نيجرييا يؤجج من الداخل إال ان عرض دروكدال يعني‬ ‫أن نيجرييا أصبحت عىل قامئة أولويات تنظيم القاعدة وهذا‬ ‫التحالف إذا أصبح حقيقة عملية فسيشكل تهديدا حقيقيا ويقود‬ ‫املنطقة برمتها إىل فوىض شاملة‪ .‬‬ ‫يف ‪ 18‬اغسطس ‪ 2011‬كشف عن رسالة منسوبة لإلمام أبو بكر‬ ‫شيكاو‪ ،‬زعيم بوكو حرام الذي خلف الزعيم الراحل محمد يوسف‬ ‫يف قيادة التنظيم‪ .‬أكد فيها والء بوكو حرام للقاعدة وتضامنها‬ ‫مع قيادتها الجديدة كام أنها تضمنت تهديدات ووعيدا للواليات‬ ‫املتحدة األمريكية واستخدمت الحركة اسلوب وتكتيكات تنظيم‬ ‫القاعدة وقامت يف مايو ‪ 2011‬باختطاف اثنني من األجانب‪،‬‬ ‫ويرجح انه تم تسليمهام لتنظيم القاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي‬ ‫ويدخل يف هذا املجال استهداف مبنى األمم املتحدة يف ابوجا‪.‬‬ ‫وقد مثل ذلك اقتداء باالتجاه العام للمنظامت املتطرفة يف التحول‬ ‫من االهتاممات املحلية اىل العاملية واالنضواء تحت لواء تنظيم‬ ‫القاعدة‪ .‬ففي عام ‪ 2003‬مثال كان الهجوم عىل مقر األمم املتحدة‬ ‫يف العراق مبثابة اإلعالن عن قيام تنظيم القاعدة يف بالد الرافدين‪.‬‬ ‫نفط نيجرييا ‪:‬نعمة ونقمة‬ ‫تتميز نيجرييا بانها اكرب بلد افريقي بعدد السكان ومن اكرب‬ ‫مصدري النفط وبانها تقع عىل حدود الصحراء االفريقية اذ تحدها‬ ‫شامال النيجر وتشاد حيث غالبية السكان من املسلمني يتصلون‬ ‫بالغالبية املسلمة يف شامل نيجرييا ‪.‬وهذا ما يفسح املجال التحاد‬

‫التنظيامت املتشددة وتنسيق جهودها وهو ما يفرس انضامم‬ ‫حركة بوكو حرام اىل تنظيم القاعدة يف بالد املغرب االسالمي‪.‬‬ ‫تعد نيجرييا من أهم الدول األفريقية املنتجة للنفط‪ ،‬وهي عضو‬ ‫يف منظمة الدول املصدرة للنفط أوبك وتحتل املرتبة الثالثة عرشة‬ ‫يف قامئة أهم الدول املصدرة للنفط عىل املستوى العاملي وتصدر‬ ‫نحو ‪ 3‬مليون برميل يوميا وتعترب الواليات املتحدة اهم مستورد‬ ‫للنفط النيجريي‪ .‬يشكل النفط ‪65%‬من واردات الدولة و‪95%‬من‬ ‫اجاميل تجارة نيجرييا مع العامل ‪.‬ترتكز معظم حقول النفط يف دلتا‬ ‫نهر النيجر يف جنوب ووسط البالد‪.‬تسبب سوء توزيع العائدات‬ ‫النفطية بآثار اجتامعية سلبية عىل املجتمع النيجريي‪ ،‬وزاد من‬ ‫حدة الرصاع الطبقي واتسعت الفوارق الطبقية وخلقت مشاعر‬ ‫من الحنق لدى السواد األعظم من الشعب النيجريي الذي‬ ‫راح يكيل االتهامات لرشائح االغنياء واصحاب السلطة بالفساد‬ ‫وباحتكار الرثوة يف دوائرها الضيقة التي ال تخرج عن األقرباء‬ ‫واملعارف‪ .‬كام تسببت الرشكات األمريكية املحتكرة الستخراج‬ ‫النفط النيجريي مبزيد من االحتقان السيايس الذي تشهده البالد‬ ‫فالواليات املتحدة تويل أهمية خاصة للنفط يف دول غريب القارة‬ ‫األفريقية عموما ونيجرييا خصوصا النها قريبة منها وليست‬ ‫مضطرة لسلوك طرق بحرية مكلفة عرب السويس وغري امنة يف‬ ‫سواحل الصومال والخليج وهي بهذا تعتربغرب افريقيا من أهم‬ ‫مناطق العامل إنتاجا للطاقة خصوصا يف ظل عدم استقرار األوضاع‬ ‫يف دول الرشق األوسط‪.‬‬ ‫تنافس الدول األوروبية أمريكاعىل النفط النيجريي ومصالح الطرفني‬ ‫يف مجال النفط والغاز الطبيعي بعيدة من التطابق والتالف‪ .‬ترى‬ ‫بريطانيا أنها األوىل باالستفادة من نفط نيجرييا لكونها كانت‬ ‫مستعمرتها لفرتة طويلة باالضافة إىل أن نيجرييا عضو يف رابطة‬ ‫الكومنولث فضال عن ان رشكة رويال شل الربيطانية الهولندية‬ ‫العاملية هي من أقدم الرشكات وجودا يف منطقة دلتا النيجر‬ ‫حيث ابار النفط النيجريي‪ .‬وتذكر املصادر أن بريطانيا تعتمد عىل‬ ‫‪ 10%‬من البرتول النيجريي‪ ،‬ولذك سيبقى اهتاممها بهذه املنطقة‬ ‫قامئا‪ .‬قامت الحكومة الربيطانية مؤخرا بتعزيز تعاونها األمني‬ ‫مع نيجرييا وسمحت أبوجا باقامة نظام امن للمنطقة من خالل‬ ‫تعاون أمني بني بريطانيا ونيجرييا‪.‬وبحكم كون نيجرييا واحدة من‬ ‫أكرب الدول األفريقية إنتاجا للنفط ونيتها زيادة طاقتها اإلنتاجية‬ ‫خالل السنوات القادمة بنسبة تصل ‪ ،50%‬يتضح مدى االهتامم‬ ‫الذي توليه الواليات املتحدة والدول األوروبية بهذا البلد‪ ،‬والذي‬ ‫يعربعنه بعض الغاضبني النيجرييني من السياسات الغربية «مبزيد‬ ‫من التدخل يف الشؤون الداخلية النيجريية يف املستقبل»‪.‬‬ ‫* عميد متقاعد يف الجيش اللبناين‬


‫‪10‬‬

‫تكرمي‬

‫العدد ‪68‬‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫مؤسسة إنعام رعد تكرم اإلبداع والفكر املقاوم‬

‫دهام ‪ :‬لِ َن ُع ْد إىل ساحة الجهاد‪ ،‬كام أوصانا سعادة‬

‫إنه تح َّول هذا التشديد إىل تح ّجر أكادميي‪ ،‬جعل الحزب يف موقف إنشاء الحزب ـ امله ّمة ‪ ...‬الخطّة النظاميّة ال ّدقيقة املعاكسة‪ ،‬فكان‬ ‫أقامت مؤسسة انعام رعد الثقافية‪ ،‬عشاء سنوياً تكرميا‬ ‫رسمه االسرتاتيجي لرضورة بعث حرب التحرير القومية‪ ،‬التي هي‬ ‫سلبي من السياسة القامئة‪ ،‬بدالً من اشرتاكه يف هذه السياسة»‪.‬‬ ‫لالبداع والفكر املقاوم‪ ،‬كُرمت فيه الدكتورة صفية سعادة‬ ‫حرب وجود ال حرب حدود‪ ،‬والتي ح َّدد فيها موقع الحزب‪ ،‬حزب‬ ‫يقول إنعام رعد تعليقاً عىل هذا‪:‬‬ ‫والفنان سليم سعد والرسام جميل مالعب‪ .‬ألقت رئيسة‬ ‫هنا نحن أمام مفهومني للغرض من نشوء الحزب‪ :‬املفهوم التطويري سعاده‪ ،‬يف حركة الرصاع‪ ،‬ويف ميدان الرصاع‪ ،‬ال يغادره‪ ...‬غُبار حوافر‬ ‫الجمعية كلمة ترحيب كام القى االستاذ رامز دهام كلمة‬ ‫واملفهوم الثوري‪ .‬املفهوم اإلصالحي الذي يريد أن يعمل الحزب خيله أكاليل عىل جباه الرجال‪ ،‬والوقوف عىل األسوار‪ ،‬بأي م ِّرب ٍر كان‪،‬‬ ‫املؤسسة يف هذه املناسبة وهنا نص الكلمة‪:‬‬ ‫من ضمن السياسة القامئة‪ ،‬ويعمل عىل إصالحها‪ ،‬واملفهوم الثوري هو نكوص عن تع ُّه ٍد ح ٍّر وتراج ٌع ال تب َّي ُض صفحتَ ُه البياناتُ الثوريَّة‬ ‫ُطب امل ُ َجلْ َجلَة‪.‬‬ ‫سيدايت ساديت‪ ،‬رفقايئ‬ ‫الشمويل‪ ،‬الذي قصد سعادة من ورائه إنشاء الحزب‪ ،‬أن تكون له والخ ُ‬ ‫رشفتني مؤسسة إنعام رعد غاية جذرية مبدئية ثورية رافضة لألوضاع الراهنة‪ ،‬والثورة الجذرية إن الهجمة الصهيونية االستعامرية التي رضبت أمتنا‪ ،‬وم ّزقتها‪،‬‬ ‫مثلام شعرت بالراحة واالعتزاز‪ ،‬عندما ّ‬ ‫الفكرية بالتحدث باسمها يف هذا الحفل الجميل‪ ،‬شعرت أيضاً‪ ،‬هذه عند سعادة‪ ،‬مرتبط ٌة مبنطلقه القومي‪ ،‬ألنه مل يؤسس حزباً كيانياً وخلقت أنظمة تابعة لها‪ ،‬تكمل حربها اليوم‪ ،‬عىل مجتمعنا نفسه‪،‬‬ ‫طلبت مني أن أنجز عميل هذا يف سبع يتقولب مع ظروف كل كيان ونظام‪ ،‬كام يحدث اآلن‪ ،‬بل أنشأ نهضة لتفكيكه وزرع اإلحرتاب بني فئاته ومك ّوناته‪ .‬كام حدث يف لبنان‬ ‫بضيقٍ يف التنف ُِّس‪ ،‬عندما‬ ‫ْ‬ ‫قومية وحركة عقائدية ثوريّة تتصدى لكل األوضاع الراهنة‪ ،‬وتريد والعراق‪ ،‬وكام يحدث اآلن يف الشام‪ ،‬حتى ال تقوم بعدها ملجتمعاتنا‬ ‫دقائق‪.‬‬ ‫رش ِع َن وجو َد «إرسائيل»‪ ،‬دولة لليهود يف أرضنا املغتصبة‪.‬‬ ‫تذك ّرت لحظة ذاك جميل عازر‪ ،‬أتعرفون جميل عازر؟؟ إنه صحفي التغيري الشمويل‪.‬‬ ‫قامئة‪ ،‬ويُ ْ‬ ‫فصل إنعام رعد‪ ،‬يف حياته الحزبية الفكرية النضالية‪ ،‬ورسم‬ ‫مخرضم يف قناة الجزيرة اإلخبارية‪ ،‬السيئة الذكر والسمعة‪.‬‬ ‫وال ب ّد من طرح السؤال التايل‪ :‬هلل اختلفت ظروف املرحلة؟؟ مرحلة وقد َّ‬ ‫يتصل جميل عازر‪ ،‬أثناء تقدميه لنرشته األخبارية‪ ،‬بأحد ضيوفه التأسيس عن مرحلة نضالنا يف الوقت الحارض؟؟ هل مبعنى آخر‪ ،‬الطريق الوحيد لهزمية هذا املرشوع‪ ،‬ووسائل التص ّدي له‪ ،‬من ق ّوة‬ ‫ليسأله عن رأيه يف موضوع محدد‪ ،‬ويلفت نظره مسبقاً إىل رضورة انتهت التجزئة القومية وقامت الوحدة القومية؟؟ بحيث أن تحديّاً ذاتية قامئة عىل وحدة املجتمع‪ ،‬وتحالف جبهوي‪ ،‬كان رائدا ً يف‬ ‫رئيساً واجه سعادة يف تلك املرحلة قد زال؟؟ وبالتايل أصبح علينا أن إرسائه‪ ،‬وبناء عالقات دولي ٍة قامئ ٍة عىل مبدأ الحريات واحرتام سيادة‬ ‫اإلجابات املخترصة‪ ،‬وذلك بسبب ضيق الوقت‪.‬‬ ‫وما أن يبدأ عازر بالسؤال بطريقته املتم ِّردة‪ ،‬وعنعنته وتأتأته حتى نع ِّدل يف املسرية‪ ،‬يف ضوء زوال سببٍ من أسباب الباعث الرئييس؟؟‪ .‬ومصالح الدول‪ ،‬وأحقيَّة حربنا يف تحقيق وجودنا القومي‪.‬‬ ‫ينتهي الوقت املخصص‪ ،‬دون أن يتاح للضيف اإلجابة‪ ،‬وال حتى هل أن الخطر قد زال؟ قد تقلّص؟؟ قد تق َّزم؟؟ أم أنه كان جنينياً علّمني املفكر إنعام رعد أن املسافة بني النظرية والتطبيق‪ ،‬هي‬ ‫كاملسافة بني العني والنظر‪ ،‬أو بني األذن والسمع‪ ،‬هي الالمكان‬ ‫معرفة السؤال املطروح‪ ،‬وينهي عازر سؤاله غري املكتمل بعبارة‪ :‬وأصبح خطرا ً مصريياً حقيقياً يف هذه املرحلة بالذات؟؟‬ ‫هل أ ّن األحقاد الدينية التي يتحدث عنها سعادة‪ ،‬عىل أنها يف والالزمان‪ ،‬أو هي الالمسافة‪.‬‬ ‫آسف ملقاطعتك‪ ،‬ألن الوقت قد انتهى‪.‬‬ ‫سبع دقائق؟؟؟!!! أأتحدث عن إنعام رعد بسبع دقائق؟؟!!‪ ،‬لتعذرين العرشينيات ويف مطلع الثالثينيات‪ ،‬كانت قد بُعثت من مراقدها‪ ،‬هل علّمني الرئيس إنعام رعد‪ ،‬وهو حامل راية الدفاع عن املؤسسات‪،‬‬ ‫املؤسسة اللتفايف عىل متنياتها‪ ،‬فأنا لست جميل عازر‪ ،‬وإنعام رعد ضَ ُم َر أثرها أو زال أو اندثر؟؟ أو أنها توسعت بحريقها حتى شملت أن املؤسسات هذه‪ ،‬هي حالة ثقافية فلسفية أوالً‪ ،‬متثّل العقل‬ ‫املجتمعي الفاعل‪ ،‬قبل أن تكون حزباً بهيكل عظمي‪ .‬وعندما تفقد‬ ‫جس َد األمة‪ ،‬فاكتوى بلهيبها‪ ،‬وأصبح مليئاً بالبتور والحروق؟؟َ!!»‪.‬‬ ‫ليس ذلك الضيف من وراء البحار‪.‬‬ ‫أ ّما ملاذا شعرت بالراحة واإلعتزاز‪ ،‬فألنني سعيد يف وقفتي اآلن كلنا يعرف اإلجابة عىل هذه األسئلة املاثلة أمامنا اليوم‪ .‬وعىل هذا األحزاب ثقافتها املؤسسية‪ ،‬تصبح خوا ًء ط َّناناً‪ ،‬وشكالً متص ِّخرا ً قاسياً‬ ‫انكب إنعام رعد عىل إعادة تصويب البوصلة للهدف من يس ُّد دروب املستقبل والحلم الجميل يف الوصول إليه‪.‬‬ ‫أمامكم‪ ،‬سيدايت‪ ،‬س��اديت‪ ،‬رفقايئ‪ ،‬مجيء إنعام رعد ومريديه األساس َّ‬ ‫تنصلت من مضامينها‪ ،‬تصبح يف معنى‬ ‫التي‬ ‫املؤسسات‬ ‫هذه‬ ‫أن‬ ‫بل‬ ‫وتالمذته ورفاق دربه‪ ،‬سعي ٌد كوين أحد تالمذته‪ ،‬يعرتف اآلن بالذي‬ ‫َّ‬ ‫من املعاين‪ ،‬خطرا ً عىل املجتمع‪ ،‬ألنها تصيب أعضاءه باإلحباط‬ ‫تعلَّمه من هذه القامة الفكرية النضالية الثقافية اإلنسانية الكبرية‪.‬‬ ‫وفقدان األمل يف التغيري‪ ،‬الذي هو أجمل وأنبل أحالم البرش‪.‬‬ ‫وبنا ًء عليه‪ ،‬سيكون عنوان كلمتي‪ :‬علّمني إنعام رعد‪.‬‬ ‫علّمني املثقف إنعام رعد‪ ،‬أن دور املثقفف يف بلده‪ ،‬ليس تسلُّق‬ ‫يف املنطق الفكري االسرتاتيجي الذي خطا إنعام رعد خطوته األوىل‬ ‫األسوار للتفرج عىل الرصاع القائم يف امليدان‪ ،‬بني قوى الحق والخري‪،‬‬ ‫يف مساره‪ ،‬وتحديد هذا املسار‪ ،‬واضعاً كتبه الق ّيمة ودراساته‪،‬‬ ‫وقوى التخل ُِّف وال َّرجعية‪ .‬وهو ليس ال َحكَم الذي يحمل مسطرة‬ ‫ومقاالته ومحارضاته‪ ،‬نتيجة قراءته النهضوية لهذا املسار‪ ،‬بدءا ً‬ ‫أكادميي‬ ‫يقيس بها األورام الخبيثة يف مجتمعه‪ ،‬لينرشها يف تقرير‬ ‫من كتابات قيس الجردي يف ملحق النهار يف الستينيات‪ ،‬إىل قراءة‬ ‫ّ‬ ‫مد ّعم باملعلومات‪ ،‬ويحتار يف أزمة ثقافية ي َّدعيها‪ ،‬بني أن يقف‪ ،‬يف‬ ‫جديدة للمحارضات العرش‪ ،‬إىل حرب التحرير القومية واملنطلقات‬ ‫مجتمعه‪ ،‬مع نظام قامع لحرية األبناء‪ ،‬أو إرهاب متآمر فالع لبطون‬ ‫الفكرية االسرتاتيجية‪ ،‬إىل حرب وجود ال حرب حدود‪ ،‬وصو ًال إىل‬ ‫األبرياء‪ ،‬ومسلِّم طائعٍ إلرادة األعداء‪.‬‬ ‫الصهيونية الرشق أوسطية‪ ،‬وغريها الكثري‪ ،‬لنخترص رأيه من كل‬ ‫علّمني الجبهوي إنعام رعد‪ ،‬أن العزلة التي تضع األحزاب نفسها بني‬ ‫هذه الدراسات‪ .‬يف محارضة له بعنوان تاريخ الحزب‪ .‬ومن هذه‬ ‫أسوارها‪ ،‬هي ماسونية تضع عىل رأسها قبَّع ًة عرصية‪ ،‬أو عنرصية‬ ‫املحارضة وعربها‪ ،‬يجيب إنعام رعد عىل املعادلة التالية‪:‬‬ ‫تعتقد أنها امللهمة واملوكل إليها وحدها قيادة الناس ورسم مصائرهم‪،‬‬ ‫وأسس الحزب‪ ،‬وأوكل إليه مهمة ما‬ ‫وضع سعادة أسس النهضة‪ّ ،‬‬ ‫وحزبنا‪ ،‬هو حركة الشعب كل الشعب‪ ،‬به يحيا‪ ،‬وبه يتنفس‪ ،‬ويف‬ ‫هي هذه امله ّمة التي كانت وال زالت محور النقاش يف كل تاريخ‬ ‫سبيل ع َّزته وفالحه وتطوره يعمل‪ ،‬وهو ليس إال السلَّم الذي يرتقي‬ ‫الحزب؟؟‪ ،‬يُحيلنا إنعام رعد إىل رسالة الزعيم الرابعة إىل غسان‬ ‫عليه الشعب إىل التقاط انتصاراته‪.‬‬ ‫تويني املؤ ّرخة يف ‪ 16‬أيار ‪ 1946‬التي يقول فيها‪« :‬إين أرى يف‬ ‫علمني القائد انعام رعد‪ ،‬أن القض ّية التي حملناها‪ ،‬والتي تساوي‬ ‫هذا التحليل غلطاً يف التقدير واإلستنتاج‪ ،‬ناشئاً عن عدم العناية‬ ‫وجودنا‪ ،‬والتي ال نقصد فيها لعباً‪ ،‬ال مجال فيها‪ ،‬حتى أثناء التقاط‬ ‫بدرس نشوء الحزب‪ ،‬وإين عىل يقني يف أ َّن دراسة صحيحة لتاريخ‬ ‫األنفاس‪ ،‬للعمل الفردي الخاص الهادف لبناء الزعامات‪ ،‬ومغامنها‬ ‫الحزب ونشوئه‪ ،‬تؤدي حتامً إىل تعديل اآلراء املتقدمة والواردة يف‬ ‫َ‬ ‫والتن ُّعم فيها‪ .‬أو ليس أنطون سعادة مثاالً صارخاً عىل هذا؟؟ أو ليس‬ ‫تقريرك‪.»..‬‬ ‫حسن نرص الله ورفاقه املجاهدون الربرة؛ يحيون يف قلب األخطار‪ ،‬يك‬ ‫وكان قد ورد يف رسالة غسان تويني‪ ،‬التي رفض سعادة مضمونها‪:‬‬ ‫يعيش أعداؤنا هواجس ال ُّذ ِل والقلقِ والهوانِ والهزمية؟؟! أو مل يط ِّبق‬ ‫«لقد ُعر َِف الحزب يف املايض بالتشديد املتط ِّرف عىل العقيدة‪ ،‬حتى‬


‫العدد ‪68‬‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫إنعام رعد يف حيانه‪ ،‬ما آمن به؟!‪.‬‬ ‫علّمني الرفيق إنعام رعد‪ ،‬أن ال أستعمل حريتي يف االختيار والقرار‪،‬‬ ‫عند أدايئ القسم فقط‪ ،‬ألتحول بعدها إىل جندي انكشاري يتلقى‬ ‫األمر وينفِّذ‪ ،‬بل اشرتك يف رسم املسار النهضوي يف أي موقع كنت‪،‬‬ ‫أقول نعم للبناء وأشارك به‪ ،‬وأقول ال للهدم وض َّده أقف‪.‬‬ ‫علمني األستاذ املتواضع إنعام رعد‪ ،‬وهو أجمل ما علمني‪ ،‬أنه نفسه‪،‬‬ ‫تلمي ُذ أم ٍني مبد ٍع يف مدرسة سعادة‪ .‬يقول إنه كلّام قرأ سعادة‪،‬‬

‫تكرمي‬

‫‪11‬‬

‫محلّالً سفك دم اآلخر‪ ،‬وكل ذلك بإسم اإلسالم‪ ،‬والشام والعراق يف ذلك‬ ‫رهانان‪ ،‬أو يط ُُّل ابن عريب األندليس‪ ،‬وباسم اإلسالم أيضاً‪ ،‬يزرع اإلنسان‬ ‫يف الحرف‪ ،‬كام فعل بولس الرسول‪ ،‬وينرش الدين تنويرا ً وهداي ًة ومحب ًة‬ ‫وسالماً‪ ،‬وصوالً إىل الحركة القومية االجتامعية حيث يهل إنعام رعد‪ ،‬ابن‬ ‫عريب هذه الحركة‪ ،‬ليؤكد أن هذه النهضة هي أمل األ ّمة‪ ،‬ودون الوصول‬ ‫درب‬ ‫إىل تحقيقها ٌ‬ ‫كفاح ألي ٌم‪ ،‬وإرصا ٌر عظيم‪ ،‬وإنها بإنسانيتها الف َّياضة‪ُ ،‬‬ ‫لكل العامل‪.‬‬ ‫الخالص ِّ‬ ‫هكذا‪ ،‬سيدايت ساديت‪ ،‬رفقايئ‪ ،‬أكمل إنعام رعد‪ ،‬يف كتاباته وتحليالته‬ ‫ومواقفه ومسلكيته‪ ،‬أكمل خط سعادة يف تحرير العقل من التناسخ‪،‬‬ ‫يك يصبح القوميون أجنح َة ٍ‬ ‫ترف يف فضا ِء ال َّنهضة‪ ،‬خالّقة مبدعة‪ ،‬ال‬ ‫قطارا ً يلتزم سكته يف نفق مظلم مميت‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬نحن اليوم‪ ،‬نحتفل عرب مؤسسته الفكرية‪ ،‬آملني أن تسعى‬ ‫هذه املؤسسة إلنشاء مكتبة باسمه‪ ،‬تحتوي عىل مؤلَّفاته أوالً‪ ،‬وتكون‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومساهامت محرتفة‪ ،‬عىل سويَّة األحداث‬ ‫إلبداعات جديدة‪،‬‬ ‫بداي ًة‬ ‫اكتشف يف قراءته زوايا جديدة مل تكن واضحة لديه يف قراءات سابقة‪ .‬الخطرية التي تجري يف بالدنا‪.‬‬ ‫كل فكر‪ ،‬دينياً كان أم دنيوياً‪ ،‬عندما حتى ال نغيب ونندثر‪ ،‬أيها الرفقاء‪ ،‬ويك ال يتح ّول سعادة إىل متثا ٍل‬ ‫وهنا نستطيع أن نؤكِّد‪ ،‬أن الفك ّر‪َّ ،‬‬ ‫يغيب صاحبه‪ ،‬كام غاب سعادة‪ ،‬يتع ّرض أتباعه الختالط يف املفاهيم‪ ،‬يف متحف شمع‪ ،‬أو كتاب يتثاءب عىل ٍّ‬ ‫رف رطبٍ بارد‪ ،‬حزينٍ يف‬ ‫فتتوافق أراؤهم حيناً جزئياً أو كلياً‪ ،‬وتتنافر أحياناً إىل ح ِّد التناقض‪ .‬وحدته‪ .‬أقول‪ :‬لِ َن ُع ْد إىل ساحة الجهاد‪ ،‬كام أوصانا سعادة‪ ،‬بأ ِّي شك ٍل‬ ‫يفسرِّ ون ويرشحون‪ ،‬يدافعون ويهاجمون‪ ،‬يحتِّمون‪ ،‬يفتحون آفاقاً كان‪ ،‬لتحيا أمتَنا‪.‬‬ ‫ويقفلونها‪ ،‬يتح َّنطون أمام النص‪ ،‬أو يبعثون يف النص حياة جديدة‪ ،‬أشكر حضوركم‪ ،‬آمالً استمرار لقاءاتنا‪ ،‬وأن ّوه بشكل خاص باألمني‬ ‫فيظهر تابعٍ كابن تيميَّة‪ ،‬مقطِّباً‪ ،‬عابساً‪ ،‬حاقدا ً‪ ،‬مك ِّفرا ً كل من ال يطاوعه‪ ،‬الفارس جوزف العلم ملساهمته النبيلة يف إنجاح هذا الحفل‪.‬‬


‫‪12‬‬

‫العدد ‪68‬‬

‫منا�سبة‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫‪ 90‬منصور عازار ‪:‬‬

‫رجل الوفاء والعمل‬ ‫ملناسبة ميالده الـ «‪ »90‬أقامت عائلة وأصدقاء رئيس مكتب‬ ‫الدراسات العلمية « منصور عازار» إحتفاليه يف منزله يف بيت‬ ‫الشعار تخلله عرض فيلم قصري أعده وأخرجه مارك كريش تضمن‬ ‫شهادات ملقربني من املحتفى به‪ ،‬تعرض تحوالت بعض ما جاء يف‬ ‫الفيلم وأجواء من اإلحتفاليه وتتوجه للحبيب منصور عازار بالصحة‬ ‫والعمر املديد‬ ‫النقيب محمد بعلبيك ‪:‬‬ ‫ما آمن به يسمو فوق كل العادات التقليدية‬ ‫يف مناسبة احتفايل بذكرى ميالد صديقي العزيز بل أخي األعز‬ ‫منصور التسعني أحب أن أوجه إليه واىل عائلته الكرمية تحية من‬ ‫القلب‪ ،‬تحية إخالص ومحبة ومشاركة يف الحياة من زمن بعيد وإن‬ ‫شاءالله نستمر يف هذه املشاركة مهام حصل مستمتعني مبا تم بنا‬ ‫من عالقة أخوية طوال حياتنا السابقة‪ .‬من صميم القلب أوجه اىل‬ ‫أخي بل حبيبي منصور تحية من القلب‪ ،‬من صميم القلب أرجو‬ ‫له استمرار الصحة والنشاط ليتابع نضاله الذي اعرف تفاصيله ومن‬ ‫الرضوري أن يعرف الناس جميعاً تفاصيل هذا النضال يف سبيل‬ ‫الحرية والوطن وما آمن به من مبادىء قومية تسمو عىل كثريٍ‬ ‫من عاداتنا التقليدية‪ .‬وما سبب ذلك إال أن منصور عازار تثقف يف‬ ‫مدرسة تعلم القيم الوطنية واعتامد العقل يف كل األمور‪.‬‬ ‫رسكيس ابو زيد ‪:‬‬ ‫تصبح عىل تسعني سنة جديدة‬ ‫صباح الخري استاذ منصور‪ ،‬وكل سنة وانت بخري‪ ،‬تعلمت منك‬ ‫يف كل يوم نتكلم معاً أن أفكر يف املستقبل‪ ،‬وكنت تقول يل يف‬ ‫كل مرة نلتقي علينا أن نخطط دامئاً ملا سنفعله غدا ً وملا سنفعله‬ ‫العام املقبل‪ .‬واآلن سنخطط معك للتسعني سنة القادمة ماذا‬ ‫سسنفعل ألين تعلمت منك أن الزمن ليس مهامً وأهميته يف ما‬ ‫يجب علينا فعله ويجب أن نستفيد من الزمن للفعل يك نحقق‬ ‫جزءا ً من احالمنا وطموحاتنا وتعلمت منك كيف نكون عمليني‬ ‫ونستفيد من السلبيات يك نتجاوزها ونكون عمليني أكرث ونقدم‬ ‫األفضل‪ ،‬واالن ساقول لك تصبح عىل تسعني سنة جديدة تكون‬ ‫مليئة بالخري والربكة لك ولعائلتك وتبقى أنت القدوة واملدرسة يف‬ ‫الحياة العملية‪ ،‬ألنك عرفت كيف متأل الزمن وأنت الذي أستفدت‬ ‫منه بكامله‪ ،‬ومربوك‪.‬‬ ‫نرصي الصايغ ‪:‬‬ ‫مثل هؤالء ال يرحلون بل يبقون معنا طاملا نحن بحاجة اليهم‬ ‫ال اعرف ما هي اللغة التي يجب استعاملها لتصف شخصية منصور‬ ‫عازار‪ ،‬بالفعل هو شخص غريب ومفاجىء ولديه طريقة يف الحياة‬ ‫ال ميكن أن نشاهدها عند الكثريين أوالً ألنه ليس لديه إحساس أن‬ ‫الوقت يجب أن مير دون أن يقبض عليه وثانياً أنه إنسان عميل اىل‬

‫درجة أنه حني يقوم بيشء ما يفكر باشياء اخرى وثالثاً الزمن عنده‬ ‫ميتد مبقدار إمتداد العمل وبالتايل اليوم ليس ‪ 24‬ساعة بل ميكن أن‬ ‫يكون أطول‪ .‬عالقتي به عالقة انسان مؤمن بالحياة اىل درجة ال توصف‬ ‫ولعل هذا االمر ساهم بثباته والدليل العمر الطويل الذي عاشه رغم‬ ‫رص ان هذا الرجل‬ ‫كل ما اصابه من انتكاسات صحية مام يجعلنا ن ّ‬ ‫باقٍ معنا ورمبا نحن نرحل قبله‪ .‬األمر الذي شدين اليه أكرث من اي‬ ‫يشء هو قدرته عىل إيجاد الحلول للمشاكل وليس الغرق فيها مبعنى‬ ‫آخر كان انساناً عملياً وقادرا ً عىل حمل بطيختني يف يد واحدة وحني‬ ‫كان يف لندن وطلب منه الطبيب بعد أن اجرى له عملية جراحية‪،‬‬ ‫أن ال يحمل أكرث من بطيخة‪ ،‬ويف العملية الثانية سأله الطبيبب كم‬ ‫بطيخة تحمل» فأجابه «اثنتني» ويف العملية الثالثة كان منصور يحمل‬ ‫أكرث من هذا العدد بكثري‪ ،‬عدة قضايا دفعة واحدة‪ ،‬مثل هؤالء ال‬ ‫يرحلون بل يبقون معنا طاملا نحن بحاجة اليهم والستمراريتهم يف‬ ‫الحياة بطريقة أو باخرى‪ .‬انتاجه‪ ،‬صناعته واوالده وعائلته والنجاحات‬ ‫واملؤسسات هي التي يجب أن تبقى يف تاريخ هذه العائلة وهذه‬ ‫الصداقة التي قامت بينه وبني مجموعة كبرية من املحيطني به سواء‬ ‫يف افريقيا أو لبنان‪.‬‬ ‫كامل ذبيان ‪:‬‬ ‫هو شاب بعمر التسعني وشيخ بعمر الحكمة والعقل‬ ‫منصور عازار رجل متعدد النشاطات عرفته قبل عقدين من الزمن‬ ‫وتعاونت معه يف مؤسسة الدراسات العلمية فكانت املؤسسة‬ ‫الثقافية‪ .‬منصور عازار هو رجل االسلوب واملنطق‪ ،‬أنه رجل النهضة‬ ‫بامتياز‪ ،‬هو رجل بكل معنى الكلمة فهو مل يكن مناورا ً ومخادعاً بل‬ ‫رجل حق وحقيقة أنه الرجل الذي ال يهزه ريح وهو ط ّوع السنني‬ ‫وهو شاب بعمر التسعني وهو شيخ بعمر الحكمة والعقل‪ ،‬وهو‬ ‫الرجل الذي يجمع ويقيم للوحدة معنى كبريا ً أنه رجل كل املهامت‬ ‫الصعبة وال اقول املستحيل ألنه ال يشء مستحيل عند منصور عازار‪،‬‬ ‫انه الرجل الصديق والذي اعتز بكل السنني التي عرفته بها هو رجل‬ ‫الثقافة بامتياز واملنابر والنهضة وكانت له حقيقة واحدة وهي أنه‬ ‫كان مؤمنا بعقيدة ثابتة مل يتزحزح عنها‪.‬‬ ‫سبع خليل‪:‬‬ ‫مجلة املنرب كانت حلمه والرئة التي تتنفس فيها ثقافته وفكره‬ ‫االستاذ منصور عازار الصناعي العمالق والخبري املدقق للحسابات‬ ‫والذي انهى تدرجه من فرتة ليست بعيدة‪ ،‬كان يتعاطى معي‬ ‫بخربيت وكأن عمرها من عمر خربته يف الصناعة مام منحني الشجاعة‬ ‫ألكمل مسرييت املهنية وأصل اىل ما وصلته اليوم‪ .‬وبعدها ترافقنا‬ ‫سوياً اىل الالذقية وكان هناك مرشوعني يف جبلة والالذقية وهناك‬ ‫كان االستاذ يرشح يف الطريق الذي يأخذ ‪ 8‬ساعات ويف السهرات‬ ‫وكان يتحدث عن املنطقة ويتكلم عن املستقبل الذي وصلنا اليه‬ ‫اليوم‪ .‬ورافقته اىل افريقيا وزرنا املعامل وحرضت حفل تتويجه‬ ‫وسهراته والفن النيجريي وبعدها ذهبت معه اىل فرنسا لنشارك يف‬

‫اعامل مجلة املنرب التي كان حلمه والرئة التي تتنفس فيها ثقافته‬ ‫وفكره واميانه وعقيدته واعطاها من فكره وروحه وحياته والكثري‬ ‫من جيبه‪ .‬يف أحد االيام قالوا يل أنه يف مستشفى الجامعة االمريكية‬ ‫وحني ملح تعابري وجهي قال يل «أجلس أنا بألف خري» وبدأ يكلمني‬ ‫عن املستقبل وانساين أننا يف مستشفى اىل درجة أين شعرت وكأننا‬ ‫يف فندق خمس نجوم‪.‬‬ ‫نبيل فضول ‪ :‬هو اب ثاين يل‬ ‫حني اقول «أبو ميشو» تخرج مني بكل محبة واحرتام الين كنت‬ ‫انادي أيب «ابو ميشال» وهو كان يل أباً ثانياً‪ ،‬تعرفت عليه عام‬


‫العدد ‪68‬‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫منا�سبة‬

‫‪ 1972‬يف بورتوريكو حني كنت مديرا ً الحد الفنادق‪ ،‬وكان يف هذا‬ ‫البلد فندقان دامئاً ممتلئني‪ ،‬وأىت هو اىل الفندق الذي أعمل فيه‪،‬‬ ‫وقيل له ال يوجد غرف فسأل من هو املدير فقالوا له أنه لبناين فقال‬ ‫أنه يريد أن يراه‪ ،‬اتصل يب موظف االستعالمات واخربين أن هناك‬ ‫شخصاً لبنانياً لطيفاً يريد أن يراك‪ ،‬وخالل حديثه معي كان باب‬

‫مكتبي يُطرق حيث وجده دون اي دليل وبادرين القول‪»:‬أنا منصور‬ ‫عازار‪ ،‬من وين الشب؟» أجبته «من الحازمية» لريد ‪ »:‬بيت فضول‬ ‫كامن من بيت شباب» قلت له أنا من الحازمية‪ .‬فسألني أين أنام‬ ‫وأجبته «يف الفندق» فرد «يعني ما عندي مشكلة» فقلت « ليش شو‬ ‫مشكلتك» فرد‪ »:‬خربوين انو ما يف محل ومبا انك بتنام باالوتيل فأنا‬

‫عازار ‪ :‬مارسوا حقكم بحرية وارضوا قسمكم‬ ‫تزامن مع تسعني منصور عازار انعقاد املؤمتر‬ ‫القومي يف ضهور شوير املجلس وقد القى‬ ‫للمناسبة االمني منصور عازار كلمة لصفته‬ ‫رئيس السن يف للمجلس القومي‪.‬‬ ‫نجتمع‬ ‫أيها السوريون القوميون األجتامعيون‬ ‫ُ‬ ‫اليوم عىل أرض مىش عليها سعادة وترعرع يف‬ ‫ظالل صنوبرها متخذاً لنفسه مقاماً يف عرزال‬ ‫أصبح رمزاً ومحجة ألفراد حزبه كام ألبناء‬ ‫وطنه‪.‬‬ ‫انه يوم مم ّيز يف تاريخ حزبنا اذ انه علينا‬ ‫كأعضاء يف املجلس القومي ان ننتخب مجلساً‬ ‫أعىل يتحمل مسؤولية قيادة هذه املرحلة‬ ‫وامتنا تنزف‪.‬‬ ‫رأسها يف الشامل تعتدي عليه جارة لطاملا‬ ‫تجددت مطامعها عرب التاريخ لتعود اليوم‬ ‫وتحتضن كل الحاقدين واملرتزقة العاملني عىل‬

‫قتل شعبنا وتهديم بنيان حضارتنا‪.‬‬ ‫وعد ّو يف الجنوب يحتل أرضنا ويقضم كالجراد‬ ‫الزاحف كل ما يقع عليه يف طريقه نحو‬ ‫التالقي مع عدو الشامل‪.‬‬ ‫انها مرحلة خطرية جداً من تاريخنا واألمة‬ ‫السورية بني املوت والحياة كام نبهنا اىل ذلك‬ ‫سعادة مراراً وعليكم ايها األمناء واملندوبون‬ ‫املحرتمون ان متارسوا الحق الذي اعطاكم‬ ‫اياه دستور حزبكم وتقوموا بواجب األقرتاع‬

‫إلنبثاق مجلس أعىل جديد يُعرب عن إرادتكم‬ ‫الحرة ويتحمل مسؤولية قيادة هذه املرحلة‬ ‫الخطرية من تاريخنا وي��واج��ه مفصالته‬ ‫وعي وص ٍرب ومعرفة اذ أنه لكل‬ ‫الداخلية بكل ٍ‬ ‫جسم حي حاالت وظروف يمَ ُ ُر بها تتطلب‬ ‫ويصوبها‬ ‫منها إعادة النظر يف كل منجزاته ّ‬ ‫نحو األفضل واألكمل ليتمكن من مواجهة‬ ‫املعضالت واألحوال التي هو فيها والتي قد‬ ‫تشتد مفاعيلها نظراً للمخاطر الكبرية اآلتية‬ ‫الينا من كل صوب‪.‬‬ ‫أيها السوريون القوميون األجتامعيون‬ ‫أعضاء املجلس القومي‬ ‫أنتم مصدر السلطة يف الحزب بعد الزعيم‬ ‫الخالد وكلمتي لكم‪:‬‬ ‫مارسوا هذا الحق بحرية وواجب ونظام وقوة‬ ‫وبهذا تكونوا قد أرضيتم وجدانكم وقسمكم‪.‬‬ ‫ولتحيا سوريا ويحيا سعادة‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫بنام معك وإذا كنت ما بتحب حدا ينام معك فيك تروح تنام عند‬ ‫اصحابك وانا بنام بغرفتك» باخالقي عادة ال اتحمل هذا الترصف‪،‬‬ ‫ولكن دون أن اشعر جلس وبدأنا نتكلم وأعطيته جناحاً محجوزا ً‬ ‫لرشكة عىل مدار السنة وصودف أنهم أتوا يف تلك الليلة ووقع‬ ‫االشكال‪ ،‬ومن ذلك التاريخ أصبحت موظفاً عنده من حيث ال أدري‬ ‫وكل من كان يسافر اىل بورتوريكو كان يقصد نبيل فضول اىل أن أىت‬ ‫يوم طلب مني أن اخذ له محالً لبيع البالستيك وبعث صهره الذي‬ ‫اقام عندي يف الفندق وبدأ العمل بيننا‪ ،‬واستمر بارصاره يك أنضم‬ ‫اىل مجموعته الصناعية‪ ،‬وبدأت معه يف ‪ 1975‬حتى العام ‪1995‬‬ ‫وهو نقلني من املدرسة الفندقية اىل الجامعة العازارية الصناعية‪،‬‬ ‫جامعة آل عازار‪ ،‬أطال الله بعمره كان مدرسة لنا ال بل جامعة‪.‬‬ ‫هيام شهيب ‪:‬لو استطع اإلختيار إلخرتتك أباً يل‬ ‫اىل أعظم رجل عرفته االستاذ منصور عازار لو يستطيع االنسان ان‬ ‫يختار والديه الخرتتك أباً يل‪ ،‬وان شاءالله عقبال املئة سنة‪.‬‬ ‫زوجته مارينا عازار ‪:‬أنه الرجل العصامي‬ ‫امتنى لكل احفادي ان يرزقهم الله مثل جدهم‪ ،‬هو شخص كريم‬ ‫االخالق ومحب وعززين اىل ابعد الحدود وهو رجل عصامي وال‬ ‫يبخل عىل عائلته وبيته‪ ،‬نحن كنا سعداء يف حياتنا معه‪.‬‬ ‫كام تضمن الفيلم رسائل محبة وتقدير من إبنه ميشال وابنة‬ ‫ابنه ميشا التي جاءت وأوالدها خصيصاً من مدغشقر‪،‬فداء عازار‬ ‫وزوجته واوالدهام عمر و مارينا‪ ،‬هاديا عازار وولديهام زياد‬ ‫وغاليا‪ ،‬عباس صفي الدين وزوجته هاديا واوالدهام تيا‪،‬مايا‪ ،‬ليانا‪،‬‬ ‫إييل نوير وزوجته فاديا عازار وابنتهام دميا وتانيا‪.‬‬


‫‪14‬‬

‫العدد ‪68‬‬

‫جمتمع مدين‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫عادل ضاهر يحارض عن االسالم السيايس والدميوقراطية‬ ‫بدعوة من مؤسسة سعادة للثقافة‪ ،‬اقيم يف قاعة الندوة محارضة‬ ‫للدكتور عادل ضاهر عن «االسالم السيايس والدميوقراطية» حرضها‬ ‫نقيب الصحافة محمد البعلبيك وحشد من املهتمني‪ ،‬وقدم لها‬ ‫االعالمي رسكيس أبو زيد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بداية رحب أبو زيد بالحضور مقدما املحارض بكلمة موجزة جاء فيها‪»:‬‬ ‫أرحب بكم وبالدكتور عادل ضاهر القادم من الواليات املتحدة االمريكية‬ ‫ليلتقي بنا اليوم ويحدثنا عن االسالم السيايس والدميوقراطية‪ .‬التحوالت‬ ‫االخرية التي شهدها العامل العريب فتحت الطريق أمام اإلسالم السيايس‬ ‫ليدخل اىل جنة الحكم بعد غياب طويل عن مرسح السلطة فهل‬ ‫يتمكن اإلسالم السيايس من تحقيق الدميوقراطية املوعودة وهل لديه‬ ‫مرشوع عميل لوحدة املجتمع وتحرير األرض واالنسان؟»‬ ‫واضاف‪ »:‬اليوم نحن أمام مرحلة تاريخية فاصلة إما الدخول يف نهضة‬ ‫ثانية كام يسميها البعض بعد تجديد الفكر القومي والعلامين أم‬ ‫نحن أمام عودة اىل أصولية دينية تستعيد أقوال السلف وتبعدنا أكرث‬ ‫وأكرث عن ولوج عقل العقل واالنسان (‪ )..‬اسئلة مقلقة يطرحها كل‬ ‫مواطن والدكتور عادل ضاهر هو من اقدر املفكرين العرب لالجابة‬ ‫عليها خاصة وأنه استاذ يف الفلسفة وله مؤلفات قيمة وعديدة منها‬ ‫«املجتمع واالنسان»‪« ،‬الفلسفة والسياسة»‪« ،‬األخالق والعقل»‬ ‫وغريها وهو يعمل حالياً عىل تأليف كتاب يتناول بالنقد أهم‬ ‫النظريات التي ظهرت يف الغرب يف الفلسفة السياسية واالجتامعية»‬ ‫ثم قدم االستاذ حليم فياض باسم مؤسسة سعادة جائزة رمزية‬ ‫للدكتور ضاهر منوهاً بدوره الريادي يف تفعيل الفكر النهضوي الذي‬ ‫قدم حلوالً واضحة ملشاكل األمة وشعوب هذه املنطقة التي ال تحل‬ ‫اال باملبادىء الواضحة التي ال لبس فيها‪ ،‬مشريا ً اىل أهمية الحسم يف‬ ‫املواقف والتأكيد عىل رضورة فصل الدين عن الدولة‪.‬‬ ‫اىل محارضة ضاهر التي تناول فيها ما بات يُعرف بربيع العرب وبروز‬ ‫االسالم السيايس املعتدل‪ »:‬سأبني يف حديثي اليكم هذا املساء أنه ال‬

‫تفرقة بني من يزعم أنه اسالم سيايس املعتدل واالسالم السيايس‬ ‫الغري معتدل بخصوص ما يتعلق بإقامة مؤسسات دميوقراطية حقة‬ ‫وعادلة‪ .‬فالسابق أي ما يسمى أنه اسالم سيايس معتدل يتعارض مع‬ ‫إقامة نظام دميقراطي حقيقي شأنه يف ذلك شأن االسالم السيايس‬ ‫السلفي أو الشيعي عىل طريقة الخميني أو القطبي نسبة اىل سيد‬ ‫قطب‪ ،‬وقد أخرتت منوذجاً لالسالم السيايس الذي يُقال أنه معتدل‪،‬‬ ‫فكر راشد الغنويش مؤسس حزب النهضة التونيس‪ .‬خصوصاً وأنه‬ ‫يعترب من قبل كثريين وحتى يف الغرب عىل أنه األكرث إعتداالً ومتسكاً‬ ‫بالدميوقراطية والتعددية»‪.‬‬ ‫وأض��اف‪ »:‬يف نظر الغنويش الدولة املنشودة هي دول��ة االسالم‬ ‫كمرجعية أخرية‪ ،‬وهذا يعني أن التشهري بدولة االسالم قانون الهي‬ ‫ال يجب تجاوزه‪ ،‬فالقانون االلهي هو القول والفصل يف ما يخص‬ ‫شؤون الحكم واالساس املطلق ملا يسنه البرش من قوانني حسب‬ ‫دولة الغنويش الذي يدعو اىل حب النخبة التي هي بنظره هيئة‬ ‫تتشكل من كبار العلامء وال حدود لسلطتها الترشيعية التي مينحها‬ ‫لها القانون االلهي وطبعاً بحسب قراءتها لهذا القانون»‪.‬‬ ‫ولفت ضاهر اىل ترصيح الغنويش لالذاعة الفرنسية الذي أشار فيه اىل‬ ‫أن الرشيعة االسالمية عامة وال تفرق بني سياسة ودين أو حياة عامة‬ ‫وخاصة مام يثبت منطقه الكلياين الذي يلغي اآلخرين‪.‬‬ ‫وشدد عىل أهمية االخالق فقال‪ »:‬أن األخالق ليست شأناً من شؤون‬ ‫التدين كام بينت يف كتايب «األخالق والعقل» فالعقل العميل هو‬ ‫الطريق الوحيد اىل تقريب ما يستوجبه املنظور من اخالقه‪ ،‬حيث أن‬ ‫املبادىء االخالقية اساسية لبناء الدولة مهام كانت خلفية هذا األخرية‬ ‫الدينية‪ ،‬وأين الفرق بني دولة االسالم التي يطالب بها الغنويش وأن‬ ‫تكون الدولة ذات هوية اسالمية؟»‬ ‫وختم بالقول‪ »:‬أن تعبري اسالم سيايس معتدل هو إرداف خُلفي وإن‬ ‫الدميقراطية واالسالم السيايس هام مرتافعان»‪.‬‬

‫«ممكن» تثبت جدارتها تعليمياً وطبياً‬ ‫امياناً منها بأهمية التعليم وحرصاً يف الحد من الترسب املدريس‪ ،‬ويف‬ ‫إطار امليض قُ ُدماً يف مرشوع دعم املدرسة الرسمية‪ ،‬أقامت جمعية‬ ‫«ممكن» إختبار مشرتك لتالميذ صف التاسع اسايس يف ‪ 14‬مدرسة‬ ‫بقضاء راشيا‪ ،‬ملدة ‪ 3‬ايام وذلك يف مدرسة كوكبة املتوسطة الرسمية‪،‬‬ ‫حيث جهزت االدارة الصفوف و أمنت املراقبني‪.‬‬ ‫قسمي االنكليزي و‬ ‫التالميذ الذين بلغ عددهم ‪ 180‬توزعوا عىل‬ ‫ّ‬ ‫الفرنيس‪ ،‬خاضوا االمتحانات عىل نسق االمتحانات الرسمية‪ ،‬متبعني‬ ‫خطوات الفعلية بالحصول عىل بطاقة ترشيح‪ .‬من جهتها وضعت‬ ‫لجنة الرتبية املؤلفة من ‪ 4‬اعضاء من جمعية ممكن االسئلة التي‬ ‫اتسمت بالجدية‪ ،‬كام اعطى االعضاء التعليامت اللوجستية للتالميذ‬ ‫ملساعدتهم عىل تخطي االمتحانات الرسمية بالطريقة املثىل‪ .‬عند‬ ‫املبارشة زارت اللجنة الصفوف و استطلعت اراء التالميذ يف االمتحان‪.‬‬ ‫ثم اجتمعت اللجنة مبدير املدرسة و اتفقوا عىل دعم مكثف للطالب‬ ‫يف جميع املواد باالضافة المكانية اقامة مخيم ترفيهي و ثقايف لألطفال‬ ‫املدارس الرسمية يف املنطقة وقيام تدريب اساتذة (الحلقة الثالثة)‬ ‫للمدارس املشاركة عىل منهجية التعليم الجديد و مهارات تُقيس مدى‬ ‫فهم و تطبيق املعلومة فضال عن التعاون بني مدرسة كوكبة الرسمية‬

‫و الجمعية لدعم طالب التاسع اسايس يف كل املواد عىل مدار السنة‪.‬‬ ‫ختاماً قدمت ممكن شهادات تقدير اىل مدراء املدارس املشاركة‪ ،‬الذين‬ ‫بدورهم متنوا عىل الجمعية مواصلة العمل الرتبوي املميز و املشرتك‪.‬‬ ‫من ناحية اخرى ارشكت ممكن ‪ 20‬تلميذا ً من متوسطة العمروسية‬ ‫الرسمية املختلفة يف نشاط فني ترفيهي يف الجامعة االمريكية يف بريوت‪،‬‬ ‫و تم توزيع كتب و قرطاسية للمشاركني بهدف التشجيع عىل القراءة‪،‬‬ ‫وذلك بالتعاون مع دائرة الرتبية يف الجامعة‪ ،‬ضمن سلسلة تكريم‬ ‫االساتذة املتطوعني و بالتعاون مع املركز التطوعي يف الجامعة االمريكية‪،‬‬ ‫هذا ووزعت ممكن شهادات تقدير للمعلمني املتطوعني يف املدارس‬ ‫لعام ‪.2012 – 2011‬‬ ‫وعىل ٍ‬ ‫صعيد آخر شاركت ممكن يف حملة مكافحة رسطان الثدي من‬ ‫خالل دعم الحفل الفني الذي تقدمه الفنانة بادية الحسن و فرقتها‬ ‫املوسيقية من الالذقية عىل مرسح بابل‪.‬‬ ‫يذكر أن هذا العمل يعود ريعه لرشاء مكنتني لتشخيص رسطان الثدي‪،‬‬ ‫واحدة تجول يف املناطق اللبنانبة و االخرى للقرى السورية‪.‬‬

‫ايهاب الحلبي‬


‫العدد ‪68‬‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫راي‬

‫‪15‬‬

‫نعيم تلحوق‬ ‫والبناء عىل الشعرية والفردانية‬

‫* د‪ .‬قيص الحسني‬

‫عندما نرش ديوان قيامة العدم عام ‪ 1986‬يف بريوت بإصدار‬ ‫خاص‪ ،‬وبإرصار خاص أيضاً‪ ،‬رمبا كان ذلك‪ ،‬لوضع ح ٍّد فاصلٍ‬ ‫يف البناء عىل الشعرية والفردانية معاً يف آن‪ ،‬يف السريورة‬ ‫الشعرية املعتمدة لدى جيل نعيم تلحوق‪ ،‬أو الجيل السابق‬ ‫عليه بقليل‪ ،‬اقله يف البالد السورية‪ .‬ذلك أن شعراء هذين‬ ‫الجيلني كانوا يكررون يف صورتهم أو يكررون صورة غريهم‬ ‫ال فرق‪ .‬وقد انتظر خليل حاوي كثريا ً بعيد استشهاده‪،‬‬ ‫حتى يخلفه من هو من الشعراء املفارقني للعادة الشعرية‬ ‫العربية بعد امرئ القيس‪.‬‬ ‫تشمل فرتة ما قبل نعيم تلحوق قوافل من الشعراء‪ ،‬حملوا‬ ‫عىل مناكبهم أمتعتهم الشعرية وتقاطروا جيالً جيالً يف صيغ‬ ‫متشابهة مملة‪ ،‬يحدوهم امرؤ القيس الذي كان أول من‬ ‫وقف واستوقف وبىك واستبىك وقصد القصيد وقيد األوابد‬ ‫وفتح للشعر أبوابه‪ .‬ومثلام عصاه خليل حاوي‪ ،‬وشق عليه‬ ‫عصا الطاعة‪ ،‬بادره أيضاً نعيم تلحوق‪ ،‬فهشم أنف القصيد‪،‬‬ ‫بعدما قرر البناء عىل الشعرية والفردانية الخارسة‪ ،‬فربح‬ ‫نفسه‪ ،‬وربح معه الشعر‪ ،‬حني غادر املقرر واملكرر إىل غري‬ ‫رجعة‪ .‬وتجاوز املؤبد بأصالة الثائر التموزي السوري بكل‬ ‫جرأ ٍة وخلع األبواب التقليدية واألوزان الخليلية وصاح بنا‬ ‫صيحة أيب العتاهية‪“ :‬أنا أكرب من العروض”!‬ ‫لعل فرتة ما قبل نعيم تلحوق‪ ،‬تعني سكوناً شعرياً أكرث‪،‬‬ ‫حيث ت ّم عىل أيدي الشعراء اللبنانيني إث��راء الخطوط‬ ‫العريضة للمغامرة الشعرية‪ ،‬طبقاً ألجواء اللحظة ‪L’air‬‬ ‫‪ du temps‬يف الثامنينات يف لبنان‪ ،‬وذلك بصورة متوازنة‬ ‫مع عنرصين آخرين‪ :‬األول ما ميكن أن يطلق عليه صورة‬ ‫الذات‪ ،‬إذ إنها تقدم مغامرة داخلية‪ ،‬وجودية فلسفية‪،‬‬ ‫أما العنرص الثاين‪ ،‬صورة الكتابة الشعرية‪ ،‬إذ إنها تحوي‬ ‫تأمالً حول عملية الخلق األديب‪ .‬وبالتامزج الدقيق بني تلك‬ ‫الينابيع الثالثة‪ ،‬فإن دواوين الشعراء اللبنانيني‪ ،‬استطاعت‬ ‫أن تحقق اتزاناً دقيقاً ما بني شعرية الرشود والضياع‪ ،‬ورشود‬ ‫الشعرية املتخلقة‪ .‬إذ كانت هذه الدواوين تصاغ يف نص‬ ‫شعري بصوت مزدوج رسدي كام هو شعري‪ .‬والتأمل حول‬ ‫طرق مثل هذا النحو املزدوج ووظائفه‪ ،‬كان يشكل الهدف‬ ‫األسايس لعمل نعيم تلحوق‪ ،‬والذي ثار عليه حني عقر‬ ‫جواده وجنح وجمح‪ ،‬وفحص بقوامئه عن أرض القدماء‪،‬‬ ‫فتطاير الرشر مخلفاً وراءه عجاجاً من نار ونور‪.‬‬ ‫وليس هناك أدىن شك يف أن البناء األسايس لديوان نعيم‬ ‫تلحوق األخ�ير “ألن جسدها”(**) وال��ذي اكتملت به‬ ‫تاسوعاته الذي ابتدأ بديوانه قيامة العدم عام ‪ ،1986‬إمنا‬ ‫هو يف أساسه بناء رسدي أيضاً‪ .‬غري ان حكايته تروي لنا‬ ‫حكايتني‪ ،‬وفقاً لتتابع مكاين‪ ،‬ووفقاً أيضاً لتتابع زمني‪ .‬غري‬

‫أنه يقدم يف الوقت عينه‪ ،‬هيمنة من الشعرية التي من يحاول فيه سن اختالف بني القصة القصرية والقصيدة‪:‬‬ ‫خالل اسرتاتيجية استطرادية بعينها‪ ،‬تضفي عىل النص القصة تتجه مبارشة من نقطة إىل أخرى‪ ،‬بينام القصيدة‬ ‫الشعري شحنة انفعالية أكرب وصدى خيالياً أعمق‪ ،‬كام القصرية‪ ،‬كام تصورتها دامئاً‪ ،‬تتق ّدم يف حلقات محورية”‪.‬‬ ‫تضفي كثافة تصويرية خاصة رنانة وايقاعية‪ .‬وهذا ما ساهم فالقصيدة‪ ،‬التي يشري إليها سوبر فيل تتقدم وهي تصف‬ ‫يف تشكيل عامل شعري خاص‪ ،‬يتأسس عىل طريقة فريدة حلقات محورية‪ ،‬أ ّما القصة من وجهة النظر الشكلية‪ ،‬فهي‬ ‫للحلم واإلفصاح عن العامل بصورة أكرث حرية وأكرث إجامالً‪ ،‬تقدم جنساً يعكس بصورة جلية التتابع التكراري ملستوى‬ ‫وأكرث جامالً‪ .‬يقول تلحوق‪ :‬أفقت عىل مويت‪ /‬مستظالً رهبة الرسد‪ .‬ولهذا فإن الجملة الشعرية عند نعيم تلحوق تتقدم‬ ‫العشق‪ /‬راكباً فرس الزمان‪ /‬مجددا ً عيد الرجوع‪ ،‬وصويت‪ ...‬بالرغم من الحشو املعجمي والداليل غري املألوف‪ ،‬حتى‬ ‫كانت املسافات تبلغني‪ /‬كام الظالل‪ /‬فلم أجد للمستطاع تصل يف بعض الحاالت إىل ح ّد املبالغة‪ .‬نسمعه يقول‪:‬‬ ‫قلبي‪ /‬فاكتواين تعب البالد‪ ،‬ورصت بهمتي‪ /‬أطوف كبريق “أغني القصيدة‪ /‬وتغالبني اللعنة‪ /‬ما أقساها لغة‪ /‬حني‬ ‫يل أن أشهد العبور إىل تخالطني عريك بال جدوى” (‪ .)66‬أو كام يقول‪“ :‬أقيس‬ ‫الفرسان‪ /‬مع بداية الصهيل‪ /‬كان ع ّ‬ ‫الطوفان‪ /‬فسقط يراعي تحت مظلة‪ /‬الخائفني من الحرب” شفتي عىل جنح همسة‪ /‬ألكتشف غوايتي‪ /‬وأعيد رسم‬ ‫ذاكريت‪ /‬كنبيذ خ ّمره الج ّن ّي يف حانة األشعار” (‪.)72‬‬ ‫(‪.)30‬‬ ‫وهكذا أصبح ديوان “ألن جسدها”‪ ،‬ليس فقط قصيدة وهناك أمثلة عديدة لها مغزاها فيام هو مشيد عىل يدي‬ ‫تحوي يف طياتها تتابعاً زمانياً ومكانياً‪ ،‬بل تتابعاً نصياً شعرياً نعيم تلحوق يف زيادة متواصلة إلسقاط حروف وتسييل‬ ‫طويالً‪ ،‬متامسكاً يستعري من القصة والرواية جزءا ً كبريا ً من مصادر وتفعيل أسامء‪ .‬وهي تربز التيامت املفتاحية للنص‬ ‫منهجهام ومن تأثريهام‪ .‬أما اليشء املثري لالهتامم‪ ،‬فهو أن الشعري كامالً‪ ،‬ب��د ًءا من التعبريات الظرفية الحرصية‪،‬‬ ‫هذا الديوان “ألن جسدها”‪ ،‬يبدو وكأنه توافق بشكل دقيق وخاصة‪ ،‬الهدف الدائم للنشاط التشخييص عنده‪ :‬البحث‬ ‫مع تعريف القصيدة الذي أىت به “جول سوبرفيل” ‪ Jules‬عن الحرية‪ .‬إذ مييض نعيم تلحوق يف “ألن جسدها” كام‬ ‫‪ Supervielle‬يف نصه امليتاتأميل حني قال‪“ :‬ونحن نفكر متيض قافلة البدو الرحل‪ ،‬يف بطء ومشقة‪ ،‬يف رصانة‪ ،‬لكن‬ ‫يف فن شعري ‪ ، En songeant à un art poétique‬الذي دون ارتياح‪ ،‬تلبية لرغبة هروب تحولت لبحث‪ ،‬نداء أفق‬ ‫حارض حتى املنعة‪ ،‬فأقرت الحدود بني الشكل املريئ‬ ‫وعمق الالمريئ‪ .‬يقول‪ :‬تنهبني دمي‪ /‬تفيضني يب‪ ،‬أستعري‬ ‫كبوتك‪ /‬يك ينام عشقي خلفك‪ /‬وأفعل بحايل ما يفعله‬ ‫بالك يب‪ /‬لتستيقظ الرحمة‪ /‬ويراقصني الغفران‪ /‬ما كنت‬ ‫أعلم أين سأقتل كثريا ً‪ /‬ألستقيل من جسدي‪)93( /‬‬ ‫فطرق الشعرية عند تلحوق متعرجة‪ ،‬ترسم حلقات‬ ‫حلزونية ديناميكية حول أماكن انتقاها بعناية‪ ،‬حيث‬ ‫ميكن فيها احتواء كل الوجود واكتساب مقدس‪ .‬هذا هو‬ ‫حاله حني يقول‪“ :‬مرنت نفيس عىل الحظ‪ /‬فلم اقدر‪/‬‬ ‫عدت ألمرنها عىل قتل العشرية‪ /‬فوافق ظني معي‪/‬‬ ‫وابتدأت برحلة إىل املقطم‪ /‬فدعوت الحاكم لالنرصاف‪/‬‬ ‫وأحرقت كتب حمزة بعد اعتقال‪ /‬سلمته إىل رشطة‬ ‫الوحي‪ /‬قبل امتثال‪ /‬كان ذلك نيابة عن العزيز واملعتز‬ ‫واملعز‪ /‬وبدأت االعرتاف” (‪)11‬‬ ‫فهذا الديوان التاسوعة بأماكنه الساحرة والتي تشع قوة‪،‬‬ ‫تولد يف الوقت عينه لغة جديدة قادرة عىل أن تشري إىل‬ ‫ما هو أبعد من الحقيقة‪ ،‬حيث نجد لغة أخرى‪.‬‬ ‫* أستاذ يف الجامعة اللبنانية‬ ‫** نعيم تلحوق‪ :‬ألن جسدها‪ ،‬دار فكر لألبحاث‬ ‫والنرش‪ .‬بريوت‪.2012 ،‬‬


‫‪16‬‬

‫العدد ‪68‬‬

‫ر�أي‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫التسوية أو اإلنفجار الكبري‬ ‫أمني الذيب‬ ‫موازين القوى اإلقليمية والدولية حالت حتى اآلن من متكني أي من‬ ‫أفرقاء النزاع ‪ ،‬إقليمية كانت أم دولية ‪ ،‬عىل حسم املعركة أو التق ُدم‬ ‫بالنقاط الناجم عن عدم القدرة عىل تجاوز العقدة السورية ‪ .‬للمرة‬ ‫االوىل تقف الواليات املتحدة االمريكية عاجزة عن تحقيق مصالحها‬ ‫رغم إمتالكها القوى ترسانة عسكرية ضاربة و ُمدمرة ‪ ،‬وللمرة االوىل‬ ‫منذ الحرب الباردة تستعيد روسيا ‪ ،‬امل ُتحالفة مع الصني ومجموعة‬ ‫الربيكس ‪ ،‬زمام املبادرتني السياسية ـ الديبلوماسية والعسكرية‬ ‫‪ ،‬وتنجح يف ترسيم خطوط متاس دولية جديدةبدأت إرهاصاتها‬ ‫ومفاعيلها تؤسس إلزمة دولية حادة إذا مل تتوفر لها تسويات او‬ ‫تفاهامت قد تؤدي إىل إنفجار كبري يهدف اىل تغيري املعادالت التي‬ ‫فرضها الستاتيكو الحايل ‪.‬‬ ‫ساحة اإلحتقان الرئيسية سوريا وساحل املتوسط حيث عكس الحراك‬ ‫الذي فرضته الوقائع العسكرية نو ٌع من خيبة االمل للمجموعة‬ ‫االمريكية رغم الدعم املايل والعسكري واالمني واللوجستي والسيايس‬ ‫الذي قدمته بهدف إسقاط االسد وتغيري امل ُعادلة وهذا مل يحدث مام‬ ‫إستدعى إعادة القراءة عىل ضوء موازين القوى الجديدة التي بات‬ ‫عىل الواليات املتحدة التعامل معها كرشيك قرسي يف إدارة العامل‬ ‫الذي تفردت امريكا يف إدارته منذ توقف الحرب الباردة ‪.‬‬ ‫شكّلت أوروبا الضعيفة التي تكاد أن ترمتي إقتصاديا يف الحضن‬ ‫الصيني‪ ،‬بداية تفكك القوة االمريكية خاصة بعد بروز رشكة غاز بروم‬ ‫كمنافس حقيقي يسعى لتمكني روسيا من تحقيق نفوذ سيايس عرب‬ ‫تحكمها بتزويد أوروبا بالغاز كنتيجة حتمية لرتاجع مرشوع نابوكو‬ ‫وفشل تركيا يف إستقطاب قبولها كمركز لتجميع وتوزيع الغاز عىل‬ ‫االسواق االوروبية كجزء من مرشوع النفوذ االمرييك ‪.‬‬ ‫وزاد هذا التفكك بسبب إختالف النظرة اإلسرتاتيجية لكل من أمريكا‬ ‫وإرسائيل وتناقض مصالحهام الراهنة حول كيفية التعاطي مع قضايا‬ ‫املنطقة ‪ ،‬ففي الوقت الذي ترى فيه إرسائيل ان مصالحها تقيض‬ ‫بتوجيه رضبة عسكرية إليران التي يهدد صعودها النووي الكيان‬ ‫االرسائييل ‪ ،‬وبالتايل متاهيا مع فشل مرشوع الرشق االوسط الكبري‬ ‫وإخفاق تركيا يف تسويق السياسات االمريكية بسبب صمود النظام‬ ‫السوري تسعى إرسائيل لحشد املواقف الداعمة لرضب إيران وتقسيم‬ ‫املرشق العريب اىل دويالت مذهبية تسيطر عىل شاطيء املتوسط ما‬ ‫يسمح إلرسائيل بالتحكم يف االسواق االوروبية ‪ ،‬هذا الخيار يلقى‬ ‫دعم القوى االمريكية املتعاطفة مع ارسائيل والتي تسيطر عىل‬ ‫القطاع املرصيف ـ البنوك واإلعالم أي اللويب الصهيوين ‪ ،‬يف الوقت‬ ‫الذي تعارضه قوى امريكية بروتستانتية تتحكم بالطاقة والعالقات‬ ‫الخارجية يف اإلدارة االمريكية والتي تعتقد ان جموح إرسائيل وتهورها‬ ‫قد ألحق الكثري من الرضر يف مصالح أمريكا الخارجية ‪.‬‬ ‫السد الرويس الصيني أوقف التمدد االمرييك وفرضت الصواريخ‬ ‫الروسية ترسيم حدود دولية مل تعد امريكا قادرة عىل تجاوزهاإال‬ ‫بحرب شاملة وهذا ما تحاول ان تتحاشاه لجملة من العوامل الذاتية‬ ‫واملوضوعية املعروفة ‪ ،‬ومتظهر الرتاجع االمرييك من خالل ترصيح‬ ‫وزيرة الخارجية االمريكية هيالري كلنتون ‪ ،‬انه مل يعد من الرضوري‬ ‫المريكا ان تغزو بالد العرب بعد ان توفرت لها القدرة لتحريك حروب‬ ‫عربية عربية كفيلة بأن تدمر العامل العريب وتفككه ‪.‬‬ ‫املشهد الدويل الجديد يشكل تهديدا مبارشا ملصالح امريكا يف الرشق‬ ‫االوسط بعد ان برز الالعب الرويس كقوة ضاربة متتلك التصميم‬ ‫عىل إنتزاع دورها من خالل إرصارها عىل ضامن بقاء سوريا كحديقة‬

‫خلفية ملوسكو وكعمق إسرتتيجي ميكنها من املناورة لرتكيز نفوذها‬ ‫يف آسيا وشامل أفريقيا فتكون بذلك قد كفلت السيطرة عىل الغاز‬ ‫والوقود الحيوي مام يتيح لنفوذها السيايس ان يتمدد اىل اوروبا‬ ‫التي بدأت تحسب ألف حساب لقيرص روسيا الجديد بوتني الذي‬ ‫إستطاع ان يستعيد نفوذه اإلقتصادي ويخوض حروبه برشكة غاز‬ ‫بروم ‪،‬وإستطاع ان يفكك منظومة عرب االمريكان دون خسائر كبرية‬ ‫‪ ،‬حيث مل تستطع الجامعة العربية ان تلعب دورا اكرب من حجمها‬ ‫وبنيها رغم الدعم الغريب والخليجي امل ُطلق لها فبقيت حركتها‬ ‫و ُمقرراتها شكلية مل تتعد ان تكون حربا باهتا عىل ورق مستورد ‪،‬‬ ‫وكذلك تبني ان مرشوع اإلتحاد الخليجي مل يكن سوى بالون رسعان‬ ‫ما فرغ من الهواء يف الوقت الذي تعاين فيه السعودية تحديات‬ ‫داخلية تُنذر مبستقبل غامض عىل مستوى خالفات أهل البيت وأيضا‬ ‫ما ميكن ان يكون حالها بعد غياب امللك لناحية بقائها موحدة ‪ .‬يف‬

‫الوقت الذي بدا فيه ان حركة بوتني ألحقت أرضارا فادحة بالسياسات‬ ‫االمريكية الخارجية التي بدأت سيطرتها عىل منابع الطاقة تتضاءل‬ ‫مام سيؤدي اىل تضاؤل نفوذها وإنحساره بدول الخليج العريب ‪ ،‬فلم‬ ‫يعد ميكنها إستنباط مناورات واسعة متكنها من السيطرة عىل العامل‬ ‫الذي كانت متتلك ‪ % 83‬من منابع نفطه وغازه وتتحكم بالسوق‬ ‫االوروبية وبسياساته الخارجية ‪.‬‬ ‫ان إنكامش امريكا يف ظل عجزها اإلقتصادي الذي يتفاقم يوما بعد‬ ‫يوم‪ ،‬سريتب مناخات جديدة قد يكون أحدها حروب كبرية تشنها‬ ‫أمريكا إلستعادة نفوذها ‪ ،‬أو قبولها مبفاوضات تقدم فيها تنازالت‬ ‫تحفظ لها بعض االدوار وتحصن واقعها اإلقتصادي تحاشيا للسقوط‬ ‫الكبري أي تقسيم أمريكا اىل دويالت تتقاسم نفوذها مع روسيا والصني‬ ‫ومجموعة الربيكس ‪ ،‬وهذا أسوأ السيناريوهات الذي تواجهه امريكا ‪.‬‬ ‫قد يكون إستكامل املفاوضات مع الرشيك الدويل الجديد وتوسيعها‬ ‫والتفاهم عىل إقتسام النفوذ والسيطرة هو املخرج امل ُتاح للقبول‬ ‫بالواقع الدويل الجديد الذي تربز جديته السياسية واإلقتصادية ‪،‬‬ ‫مصري العامل قد يتحدد بلقاء بوتني ـ أوباما اليوم ‪ ،‬فإما ان يتوصل‬ ‫الجباران اىل تفاهم وتسوية وإما ان االمور ستتخذ طابعا دراميا قد‬ ‫يتمثل بالحروب الباردة أو سيشهد العامل الحرب العاملية الثالثة بكافة‬ ‫التقنيات التدمريية وهذا جنون ما بعده جنون ‪.‬‬ ‫الورقة الروسية يف املفاوضات متتلك القوة التي تتمثل بالحسم‬ ‫العسكري يف حمص واالطراف الحدودية السورية كإشارة للتفاوض‬ ‫حول شامل افريقيا واوروبا ورمبا تقبل روسيا بضامنة بقاء إرسائيل‬ ‫عىل ان يحل النفوذ السوري محل النفوذ الرتيك يف املنطقة ‪ ،‬وتبقى‬ ‫االمور رهناً بنتائج لقاء الرئيسني ‪.‬‬


‫العدد ‪68‬‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫�سينما‬

‫«‪ 33‬يوم» عىل مرسح رساالت‪« :‬أم عباس» هي األرض‬

‫رمزية مقصودة والقصة كامنة يف التفاصيل‬

‫عبري حمدان‬ ‫اختارت الجمعية اللبنانية للفنون (رساالت) الفيلم السيناميئ ‪33‬‬ ‫يوم (‪ )days 33‬لتعرضه ضمن إطار االحتفال بالذكرى الثانية‬ ‫عرشة للتحرير وهي التي تسعى دوماً لالرتقاء باملستوى الفني‬ ‫والثقايف من خالل السينام الهادفة التي باتت عروضاتها يف‬ ‫الجمعية محطة اسبوعية للمهتمني‪.‬‬ ‫وألن عدوان متوز ‪ 2006‬هو الحدث الذي جدد زمن االنتصارات‬ ‫كان ال بد من االضاءة عىل جزء منه ولو بإطار رمزي دون الخوض‬ ‫يف تفاصيل الـحرب التي استمرت ‪ 33‬يوم ودمرت ما دمرته من‬ ‫حجر دون أن تنجح الصواريخ «الذكية» يف الحد من عزمية البرش‪..‬‬ ‫عيتا الشعب هي الحكاية هناك تبدأ الصورة مبخاطبة الحشد‬ ‫الجامهريي الكبري الذي ضاقت به قاعة رساالت وبني الحشد حرض‬ ‫املمثلون وابرزهم النجم بيار داغر الذي يعترب أن هذا العمل من‬ ‫أهم االعامل السينامئية املستوحاة من واقع الرصاع التاريخي بني‬ ‫مغتصب األرض ومن يقاتله بخلفية املؤمن الواثق ويحقق النرص‪.‬‬ ‫عرس يوسف (يوسف الخال) هو املدخل والزينة يف كل مكان‬ ‫بانتظار العروس «نرسين» (كنده علوش) التي تخىش أن‬ ‫تتأجل فرحتها الكربى للمرة الثانية أمام نداء الواجب وهذا ما‬ ‫يحصل بعد نجاح املقاومة يف أرس جنديني ارسائيليني بهدف‬ ‫مبادلتهام ب��االرسى اللبنانيني يف املعتقالت االرسائيلية وتبدأ‬

‫املواجهة لتبقى الكامريا يف عيتا وكأنها تخترص حدثاً بإطار رمزي‪.‬‬ ‫ليس الهدف من الفيلم االضاءة عىل ‪ 33‬يوم من العدوان املدمر‬ ‫رمبا ألن الحدث يستحق تناوله يف مئات االعامل السينامئية إن‬ ‫مل نقل االفاً‪ ،‬وكم من قصة هوليوودية بُنى عليها اليصال رسالة‬ ‫صهيوـ امريكية وحققت انتشارا ً غزت به العقول التي تنبهر رسيعاً‬ ‫باملؤثرات «الغربية» ولو غاب عنها املنطق الدرامي احياناً‪ .‬فيلم‬ ‫‪ 33‬يوم يقدم بعدا ً مختلفاً للمشهد الدامي الذي عاشه اللبنانيون‬ ‫خالل عدوان متوز ‪ 2006‬ويخترص عطاء األرض األم فيلبسها زي‬ ‫«أم عباس» (كارمن لبس) التي ترتك ندبة يف وجه العدو بعد‬ ‫استشهاد زوجها وابنها‪ ،‬والعدو يخترص عنجهيته وحقده يف شخص‬ ‫«أيف» (بيار داغر) الجرنال الذي ال تزال هزميته يف ايار ‪ 2000‬ماثلة‬ ‫أمامه وينتظر فرصة للثأر‪.‬‬ ‫يف التفاصيل يرفض «الحاج محمد» (باسم مغنية) القائد امليداين‬ ‫للعمليات العسكرية مغادرة عيتا يك يحافظ عىل معنويات املجاهدين‬ ‫يف باقي القرى‪ .‬وألن املكان هوية اهله يرتك الحاج زوجته الحامل‬ ‫«حنان» (نرسين طافش) يف أحد مخاىبء املقاومة ويسقط شهيدا ً‪.‬‬ ‫كل اللبنانيني ساهموا يف صناعة هذا االنتصار والشهادة ال تفرق‬ ‫بني هالل وصليب‪« ،‬ميشال» (نيكوال معوض) مل يتمكن من إيصال‬ ‫األمانة لـ»يوسف» فقد غدرته طائرة االستطالع ليستشهد بني يدي‬ ‫«أم عباس» بعد أن يوصيها باالمانة‪.‬‬ ‫بدت مشاهد القصف حقيقية العدو يحاول تغطية تقدمه الربي‬ ‫متكالً عىل الجيل الرابع من املريكافا لكن «األمانة» وصلت ومل يبق‬ ‫من آلة املوت العسكرية إال حطامها وأشالء الجنود والضباط هنا‬ ‫تضع «أم عباس» بندقيتها جانباً فقد سقط القاتل لحظة سمعت‬ ‫االحراش رصخة والدة من سيحمل أسم «الحاج محمد»‪ ...‬إنها والدة‬ ‫جديدة وبقيت عيتا شاهدة عىل هزمية العدو الذي مل يتمكن من‬ ‫دخولها طوال ‪ 33‬يوم ومن هنا ميكن للعني الناقدة الرتوي قليالً‬ ‫يك ال يصبح تعاملها مع الفن املقاوم جلد للذات‪ ...‬فليس مطلوباً‬ ‫من فيلم سيناميئ واحد االحاطة بكل ما جرى خالل عدوان متوز‬ ‫‪ 2006‬عىل لبنان حيث أن االشارة اىل هذا الكم من املوت اآليت‬ ‫عىل منت الصواريخ املوقعة من أطفال العدو يحتاج اىل سلسلة من‬ ‫األفالم باالضافة اىل أن للقاتل رشكاء صفقوا له واصفني املقاومني‬ ‫«باملغامرين» فهل يتقبل الجميع نصاً كامالً عن حقيقة ما جرى‬ ‫حينه؟ لقد قدم ‪ 33‬يوم مشهدا ً من مشاهد العدوان الذي دعمه‬ ‫العامل ضد املقاومة وشعبها ومل تقبل بعض صاالت السينام اللبنانية‬ ‫عرضه مام يؤكد أن منفذيه مل يخطئوا حني اعتمدوا الرتميز يف‬ ‫رؤيتهم السينامئية ومن يدرك قراءة التاريخ سيعرف أن القصة التي‬ ‫طالب بها بعض النقّاد كامنة يف التفاصيل!!‬ ‫يذكر أن فيلم ‪ 33‬يوم من إنتاج رشكة ريحانة وقد أخرجه االيراين جامل‬ ‫شورجه وضم نخبة من النجوم هم‪ :‬بيار داغر وكارمن لبس ويوسف‬ ‫الخال وباسم مغنية وكندة علوش ونرسين طافش ودارين حمزة‬ ‫ونيكوال معوض وقد ق ّدم مشاهد القصف وتدمري املنازل والجوامع‬ ‫خالل مرحلة عدوان متوز ‪ 2006‬بكثري من الواقع ّية واالحرتاف ّية‪ ،‬فضالً‬ ‫عن بناء مواقع تصوير وتجهيز ديكورات استمر أربعة أشهر قبل‬ ‫إعطاء الضوء األخرض للتصوير‪ .‬هكذا‪ ،‬بُني ما يقارب ‪ 5000‬مرت مربع‪،‬‬ ‫ُدمرت بالكامل يف مشاهد قصف عيتا الشعب‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫‪18‬‬

‫العدد ‪68‬‬

‫ثقافة‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫املرأة اللبنان ّية بني األَ ِ‬ ‫مس وال َيوم‬

‫* أديب عقيقي‬

‫«إليسا أو اليسار املعروفة بديدون الصوريّة» أمرية عظيمة من‬ ‫أمريات لبنان دارت حول حياتها قصص كثرية يصعب فيها التمييز‬ ‫بني األسطورة والحقيقة التاريخ ّية‪ .‬املعروف تاريخياً أنها رحلت‬ ‫من صور إىل أفريقيا‪ ،‬وأسست هناك قرطاجة التي تقع بني‬ ‫خليجني‪ ،‬الخليج الشاميل والخليج الجنويب املعروف اآلن ببحرية‬ ‫تونس‪ ،‬تقع قرطاجة يف زاويته وهو موقع اسرتاتيجي من الناحيتني‬ ‫التجاريّة والحرب ّية‪.‬‬ ‫إلليسا ببناء املدينة لقاء ٍ‬ ‫وعد‬ ‫إ ّن ملك تلك البالد بارباس سمح َ‬ ‫بال َّزواج منها ألنه بُ ِه َر بجاملها وذكائها‪ .‬ومل ّا أنهت بناء املدينة‬ ‫طالبها بارباس بتنفيذ وعدها‪ ،‬فاعتذرت‪ ،‬ألنَّها ال تقبل خيانة‬

‫املرأة اللبنانية من أ ّمة عريقة‪ ،‬عظيمة‪ ،‬حملت رسالة الحضارة‬ ‫والعمران والفنون والعلوم واملعرفة والحكمة والعقل ورفعت‬ ‫لواء العفَّة والطّهارة وصانت القيم ال ّروحية واألخالق ّية واإلنسان ّية‪،‬‬ ‫فكان لها موقع كبري يف تكوين الحالة اإلنسانية والحضارة يف العامل‬ ‫كلِّه‪ ،‬وإنها الوحيدة يف العامل القديم قد حملت قدس ّية األنوثة‬ ‫وموهبة األمومة‪ ،‬أعظم مواهب الخالق لإلنسان‪.‬‬ ‫املرأة اللبنانية ُ‬ ‫أول امرأ ٍة يف العامل حملت صفة األلوهيّة‪ ،‬من أهم‬ ‫صفاتها‪ :‬العفّة والطّهارة‪.‬‬ ‫بُنيت لها الهياكل العظيمة وانترشت‬ ‫عبادتها يف العامل القديم‪ ،‬حامل ًة أسامء‬ ‫متع ّددة إللهة واحدة‪ .‬نذكر أشهر النساء‬ ‫إللهات اللبنانيات يف العهد القديم‪ ،‬وما‬ ‫تقوله امليتولوجيا عن هذه اإللهات ولو‬ ‫كان فيها مبالغة كبرية فال ميكن أن نَنفي‬ ‫وقائع تاريخ ّية حقيق ّية‪.‬‬ ‫«عشرتتا» إنّ��ه اإلس��م الحقيقي وليس‬ ‫عشرتون املح ّرف من قبل اليهود‪ .‬إن‬ ‫املؤ ِّرخ الفينيقي سانكن ينت يقول‪ :‬اآللهة‬ ‫هم برش ع ّمموا الخري بني الشعوب‬ ‫فعبدوها كآلهة منها عشرتتا زوجة إيل‬ ‫وأ ّم النساء العمالقات وهي ملكة وفاتحة‬ ‫وقائدة وأم وإلهة‪ .‬لها تاريخ كبري ميلء‬ ‫حالة مه ّمة جدا ً ال ميكن إغفالها وهي‪ :‬أن‬ ‫عشرتتا هي إلهة الجامل الطاهر والحب‬ ‫العفيف واملثل األعىل للتقاوة والرباءة‪،‬‬ ‫فحملت بجدارة كبرية صفة قدس ّية األنوثة‬ ‫وموهبة األمومة‪.‬‬ ‫«األمازونات بنات عشرتتا» األمازونات‬ ‫نساء فينيق ّيات اشتهرن بالفروس ّية وخوض‬ ‫املعارك والحروب وكو َّن مجتمعاً نسائ ّياً‬ ‫محضاً وحضار ًة من إبداعه َّن فقط‪ ،‬أىت‬ ‫عىل ذكره َّن هومريوس يف األلياذة وبرز‬ ‫وج ٌه ساط ٌع للمرأة اللبنانيّة فبلغت درجة‬ ‫عالية من النبوغ والحريّة وفاقت الرجل‬ ‫أحياناً‬ ‫«أناة» أناة فتاة لبنان ّية من جبيل عبدها‬ ‫الفينيقيّون واليونانيّون واإلفريقيّون‪ ،‬إنها‬ ‫العذراء إلهة العفّة والطهارة وربّة الحكمة‪ .‬وأناة هي أثينا العذراء زوجها ولو بعد وفاته‪ ،‬فش َّن عليها حملة عسكريّة كبرية‪.‬‬ ‫وملكة الطهارة وربّة الحكمة والحرب‪ ،‬ال ِّزراعة والفنون ونارشة عندما وجدت أ ّن ال مف ّر لها إالّ املوت أوقدت ال ّنار وسارت نحوها‬ ‫الحضارة يف الغرب‪.‬‬ ‫وعندما اقرتبت منها طعنت نفسها وسقطت يف ال ّنار ضح ّية‪،‬‬ ‫الصوريَّة» فتاة لبنانية من صور‪ ،‬تكلّم عنها هريودوت وهكذا أنقذت مدينتها ورشفها أل ّن بارباس تراجع عن دخول‬ ‫«أوروبة َ‬ ‫بإسهاب يف أم مينوس والحضارة املينوسيّة أساس الحضارة املدينة النتفاء الهدف‪ .‬بلغت هذه األمرية اللبنان ّية ق ّمة البطولة‬ ‫األوروبيّة التي ال تزال تكرب وتنمو حتى اآلن بفضل الفتاة اللبنانيّة مض ّحية بحياتها يف سبيل رشفها وع ّزة وطنها‪.‬‬ ‫«عشتوريم» فتاة بطلة من صيدا‪ ،‬نشأت إبّان الحكم الفاريس‪.‬‬ ‫أوروبة‪.‬‬

‫متأصلة يف‬ ‫قرر الفينيق ّيون اإلستقالل عن الفرس‪ .‬وهذه ال ّنزعة ّ‬ ‫اللبنانيني منذ قيام لبنان‪ .‬نشبت معارك ضارية بني الفينيقيني‬ ‫والفرس‪ .‬انترص الفينيق ّيون فيها انتصارا ً ساحقاً‪ .‬فغضب ملك‬ ‫الفرس أرتحششتا الثالث وزحف من بابل عىل رأس جيش كبري‪،‬‬ ‫مؤلّف من ثالمثئة ألف جندي مشاة‪ ،‬وثالثني ألف فارس وأسطول‬ ‫ضخم من ثالمثئة سفينة‪ .‬ومل ّا اقرتب من صيدا عاصمة فينيقيا‬ ‫رأى الصيداويّون هذه الق ّوة الضخمة فخافوا‪ .‬خرج ملك صيدا‬ ‫والسالم‪ .‬فوافق عىل تسليم‬ ‫مع األعيان حاملني شارات الصلح ّ‬ ‫املدينة‪ .‬لكن أرتحششتا غدر بهم فقتلهم جميعاً مبن فيهم امللك‪،‬‬ ‫وبدأ هجومه عىل املدينة‪ .‬استلمت القيادة عشتوريم وخاطبت‬ ‫شعبها بقولها‪ :‬ال ميكنني أن أق ّدم لكم ال ّنرص‪ ،‬لكن‬ ‫ميكنني أن أق ِّدم لكم املوت برشف‪ .‬وطلبت بإشعال‬ ‫ال ّنار يف املدينة ثم تق ّدمت شعبها ورمت نفسها‬ ‫كل الصيداويّني مفضّ لني املوت أحرارا ً‬ ‫بال ّنار وتبعها ّ‬ ‫السبي واإلذالل‪ .‬إ ّن هذه البطولة وهذا‬ ‫أع ّزاء عىل ّ‬ ‫اإلستشهاد دفاعاً عن الكرامة والعفّة والطهارة وهذا‬ ‫اإلرتقاء إىل مصاف األلوهية هو تجسيم لقدس ّية‬ ‫األنوثة‪.‬‬ ‫«العذارء مريم أ ّم الله» أم الله مريم لبنان ّية وليست‬ ‫يهوديّة‪ ،‬قرب والدها يواكيم يف قانا الجليل‪ ،‬ال يزال‬ ‫قامئاً تحت إسم مزار ال ّنبي عمران‪ .‬وعرس قانا‬ ‫الجليل الذي صنع فيه يسوع أ ّول معجزة‪ .‬إذ ح ّول‬ ‫املاء إىل خمر‪ ،‬هو عرس أحد أنسباء مريم‪ .‬هذه‬ ‫الفتاة اللبنان ّية التي أرشقت شمس طهارتها‪ .‬فع ّمت‬ ‫املتجسد‪ ،‬أرقى‬ ‫الكون بأنوار قداستها‪ .‬هي أم الله‬ ‫ّ‬ ‫وأسمى قدسيّات األنوثة وأحىل موهبة‪ ،‬موهبة‬ ‫األمومة‪ .‬وإذا كانت عشرتتا قد لقّبت بال ّزهرة فقد‬ ‫لتحل محلّها نجمة الصبح‬ ‫غابت إىل غري رجعة ّ‬ ‫كل‬ ‫املخصصة للعذراء مريم يبتهل إليها املؤمنون يف ّ‬ ‫رضعي ألجلنا‪.‬‬ ‫أصقاع الدنيا‪ :‬يا نجمة الصبح ت ّ‬ ‫بطولة امل��رأة اللبنان ّية املسيح ّية بوجه الوثن ّية‬ ‫أفدوكيا الشهيدة البعلبك ّية‪.‬‬ ‫استشهدت يف بعلبك أيّام األمرباطور تراجان‪ ،‬الذي‬ ‫ملك من ‪ 98‬إىل ‪114‬م‪.‬‬ ‫اعتنقت املسيح ّية عىل يد ناسك إسمه جرمانوس‪،‬‬ ‫ففاح عطر قداستها وانترش صيتها‪ ،‬وأصبحت مثال‬ ‫الطّهر والعفاف واهتدى كثريون عىل يدها إىل‬ ‫املسيحيّة‪ .‬حاول ع ّدة حكّام عىل بعلبك إعادتها‬ ‫إىل الوثن ّية فاصطدموا بإرادة صلبة‪ ،‬فأمر الحاكم‬ ‫فنسنيانوس بقطع رأسها يف أول آذار ‪.114‬‬ ‫«بربارة الشهيدة البعلبكية» فتاة لبنان ّية من منطقة بعلبك‪ ،‬إبنة‬ ‫وحيدة لرجل وثني وثري ج ّدا ً‪ ،‬تاريخ ميالدها مجهول اعتنقت‬ ‫املسيح ّية وصنعت عجائب كثرية وأصبح لها شهر ًة واسعةً‪ .‬ومل ّا‬ ‫عجز الوايل عن إعادتها إىل الوثن ّية بعد مرحلة من العذاب والجلد‬ ‫أمر بقطع رأسها‪ ،‬والذي قطع رأسها هو والدها‪ .‬وعند رجوعه إىل‬ ‫منزله‪ ،‬سقطت عليه صاعقة فقتلته وكان ذلك سنة ‪237‬م‪.‬‬ ‫«أكويلينا‪ ،‬قديسة شهيدة من جبيل» ولدت سنة ‪ 281‬يف جبيل‪.‬‬


‫العدد ‪68‬‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫اعتنقت ال ّديانة املسيح ّية وتع ّمدت عىل يد أسقف جبيل‬ ‫أوتاليوس‪ .‬عشقت هذه الفتاة اللبنانيّة الطهارة‪ ،‬فسطعت‬ ‫شمس نقاوتها‪ .‬تنصرّ عىل يدها كثري من أبناء جبيل‪ ،‬استدعاها‬ ‫ُ‬ ‫حاكم املدينة وطلب منها أن ترتك املسيح ّية وتعود إىل الوثن ّية‬ ‫فرفضت‪ .‬أسامها شتّى أن��واع العذاب‪ .‬فشل بإقناعها ترك‬ ‫املسيحيّة‪ ،‬عندها أمر بقطع رأسها يف الثالث عرش من حزيران‬ ‫سنة ‪293‬م‪.‬‬ ‫«كريستينا‪ ،‬القديّسة اللبنان ّية من صور» ولدت يف صور سنة‬ ‫‪285‬م‪ ،‬والدها أوربانوس حاكم املدينة من أل ّد أعداء املسيح ّية‪.‬‬ ‫اعتنقت املسيحيّة وتع ّمدت عىل يد نساء مسيحيّات‪ ،‬وأخذت‬ ‫تحطّم متاثيل اآللهة التي يف منزل والدها‪ ،‬اغتاظ منها وطلب أليها‬ ‫أن تعود إىل الوثنية‪ ،‬عندما عجز عن ذلك أمر برضبها ومتزيق‬ ‫جسدها وأذاقها شتى أنواع العذاب‪ ،‬فلم يتمكّن من نهيها عن‬ ‫املسيحيّة‪ .‬أخريا ً أمر بتعليقها عىل خشبة وقطع ثدييها‪ ،‬ثم رماها‬ ‫بالسهام فنالت إكليل الشهادة يف ‪ 24‬متّوز سنة ‪300‬م‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫«تاوديسيا‪ ،‬شهيدة من صور» فتاة لبنان ّية ولدت يف صور سنة‬ ‫رشبت الفضائل والعفّة‬ ‫‪290‬م‪ ،‬تربّت عىل ال ّدين املسيحي وت ّ‬ ‫والطّهارة‪ ،‬وتعبّدت ملريم ملكة العذارى‪ ،‬تع ّرضت للتعذيب من‬ ‫قبل الوايل ال ّروماين وبعد جلدها ومتزيق جسدها ألقيت يف البحر‬ ‫فامتت وكان ذلك سنة ‪307‬م‪ ،‬تحتفل الكنيسة املارونية بعيدها‬ ‫يف ‪ 29‬أيّار والكنيسة الالتينية يف ‪2‬نيسان‪.‬‬ ‫إ ّن مجموعة العذارى الشّ هيدات تؤلّف الرثيّا اللبنانية املرشقة يف‬ ‫سامء لبنان‪ ،‬وكانت خامتته ّن الق ّديسة رفقة‪.‬‬ ‫املرأة اللبنان ّية‪ ،‬بطلة تشارك يف املعارك‬ ‫«عليا فرنسيس ‪ :»1924 – 1842‬ولدت يف حاصب ّيا‪ ،‬تاريخ والدتها‬ ‫غري معروف حرصا ً منهم من قال ‪ 1839‬ومنهم من قال ‪ 1840‬لكن‬ ‫حسب األب رفائيل نخلة واملر ّجح ص ّحة قوله ‪.1842‬‬ ‫تربّت عىل التقوى واإلميان وكانت تو ّد أن ترت ّهب يف ال ّرهبة‬ ‫األنطون ّية‪ ،‬مانع أبوها بش ّدة ألنها كانت تساعده يف أشغاله‬ ‫وعندما مل تتمكّن من دخول ال ّرهبنة‪ ،‬ق ّررت أن تك ّرس حياتها‬

‫ثقافة‬

‫لخدمة الله والوطن وأن تظل عذراء حتى آخر حياتها‪.‬‬ ‫كل حياتها م ّجاناً‪ .‬قصدتها‬ ‫الطب من والدها‪ ،‬مارسته ّ‬ ‫تعلّمت‬ ‫ّ‬ ‫النساء من أماكن بعيدة ألنه ّن تحاشني الكشف عن أجسادهن‬ ‫ألط ّبا ٍء رجال‪.‬‬ ‫مت ّرست بالفروسية ورضب السيف والرماية يف البندقية األملانية‬ ‫الحديثة بعهدها‪ ،‬شاركت يف معارك كثرية حصلت يف منطقة‬ ‫كل هذه املعارك وأمام جحافل‬ ‫مرجعيون وكان ال ّنرص حليفها يف ّ‬ ‫كبرية‪ .‬كانت تحرض الق ّداس يومياً وتتق ّدم من املناولة‪ .‬غادرت‬ ‫القليعة إىل بريوت بعد حوادث ‪ 1920‬يف مرجعيون‪ .‬كانت املالبس‬ ‫النسائيّة غري املحتشمة قد انترشت يف املدينة‪ ،‬فكانت عليا تقف‬ ‫عىل أبواب الكنائس وتؤنِّب ال ّنساء غري املحتشامت ومتنعه َّن من‬ ‫دخول الكنيسة‪.‬‬ ‫شعرت يف أيامها األخرية بوهن وانحطاط‪ ،‬فاستع ّدت للموت‪،‬‬ ‫فاضت روحها الطّاهرة بهدوء وسالم سنة ‪.1924‬‬ ‫أقيم لها مأتم عظيم حرضته جموع كبرية من مختلف الطبقات‬ ‫واألديان‪.‬‬ ‫رشي»‪ :‬هذه املرأة اللبنان ّية البطلة‪ ،‬تغلّبت‬ ‫«سيدة جعجع‪ ،‬بطلة ب ّ‬ ‫مبفردها عىل قائد فرقة هاجمها‪ ،‬مدافع ًة عن نفسها‪ ،‬فقتلته‬ ‫بعد أن اختلت به ولبست ثيابه وامتطت حصانه وتخلّصت من‬ ‫عسكره بهذه الحيلة‪.‬‬ ‫«رعيدي‪ ،‬بطلة ت ّنورين»‪ :‬كانت هذه الفتاة اللّبنانية تجلب املاء‬ ‫من العني إىل البيت‪ ،‬التقت يف الطّريق خيّالة متاولة‪ ،‬طلبوا منها‬ ‫أن تسقيهم‪ ،‬أنزلت الج ّرة من كتفها وأعطتها ألحدهم ليرشب‪،‬‬ ‫فقبض عليها وأراد وضعها عىل فرسه ليهرب بها‪ ،‬فأمسكت‬ ‫الفتاة بيده وج ّرته عن ظهر فرسه ورمته أرضاً وأخذت تدوسه‬ ‫وترصخ مستغيثة‪ ،‬نشبت معركة بني أهلها والخيّالة فانترصوا عىل‬ ‫املعتدين بعدما أوقعوا فيهم ما يزيد عن مثانية قتىل‪.‬‬ ‫«أم خزعل‪ ،‬بطلة عام ّية لحفد ‪ :»1921‬جرى يف عهد األمري بشري‬ ‫عام ّيتان بسبب الضرّ ائب‪ ،‬عام ّية أنطلياس ‪ 1820‬وعام ّية لحفد‬ ‫‪.1821‬‬

‫‪19‬‬

‫طرد أهايل جبيل والبرتون الجباة رافضني دفع الضرّ ائب مام اضطر‬ ‫األمري بشري إىل التو ُّجه عىل رأس جيش كبري إلكراه الناس عىل‬ ‫دفع الرضائب‪ ،‬نشبت معركة بني األهايل وجيش األمري‪ ،‬انترص‬ ‫فيها األمري بعد عناء‪ ،‬فنكّل الجيش باألهايل‪ .‬هنا تدخّل فريق‬ ‫من النساء عىل رأسه أم خزعل‪ ،‬وكُ َّن يولو َن ويهتف َن ض ّد األمري‬ ‫ويح ّرضن األهايل عىل متابعة ال ّنضال ض ّده‪ ،‬عندما شاهد األمري‬ ‫هذه النقمة العارمة‪ ،‬أمر جيشه قائالً‪ :‬ه ّيا إىل ال ّرحيل‪ ،‬لقد أتت‬ ‫ال ّنساء‪ ،‬ورحل عن لحفد‪.‬‬ ‫مريم طعمه‪ ،‬بطلة معركة راش ّيا»‪ :‬قام الدروز يف حوران بثورة‬ ‫ضد الفرنسيني امتدت إىل راشيّا‪ .‬واشت ّدت املعركة بني الفريقني‪،‬‬ ‫فسحق الثوار وقد بلغ عدد قتالهم حواىل الثاممنئة قتيل‪ ،‬كان‬ ‫ُ‬ ‫دور نساء راش ّيا اللبنانيات يف هذه املعركة بطول ّياً إىل جانب‬ ‫الق ّوات اللبنانية العاملة يف الجيش الفرنيس‪ ،‬مت ّيزت واحدة منهن‬ ‫هي مريم طعمة التي أوصلت رسالة إىل قلب القلعة املط ّوقة‬ ‫الصمود ريثام تدخّل‬ ‫من الث ّوار‪ ،‬هذه ال ّرسالة تطلب من املحامية ّ‬ ‫الطريان‪ .‬وقد قلّدها املف ّوض السامي الفرنيس دي جوفنيل وسام‬ ‫الصليب الحريب مكافأة وتقديرا ً عىل شجاعتها‪.‬‬ ‫بطولة املرأة اللبنانية يف حرب ‪:1975‬‬ ‫فضّ لت الفتاة اللبنان ّية يف حرب ‪ 1975‬البندق ّية عىل الت ّربج‬ ‫واملوضة‪ ،‬وهذه أسامء بعضهن ممن اشرتكن يف القتال‪ :‬كابريس ـ‬ ‫فحظة ـ كاتيوشا ـ أم طالل ـ أم الروز ـ جوسلني خويري‪...‬‬ ‫استشهد من هؤالء البطالت حواىل خمسني مقاتلة وأكرث من‬ ‫أربعامئة فتاة وامرأة يف ظروف مختلفة‪ .‬يا فتيات لبنان‪ ،‬أن َّنت من‬ ‫أ َّمة عريقة كانت منار ًة للعامل‪ ،‬حضارة هذا العامل صنعها أربعة‬ ‫نوابغ ثالثة من لبنان‪ ،‬إقليدس‪ ،‬وماوس‪ ،‬وقدموس‪ ،‬وأنشتاين من‬ ‫أوروبا‪ .‬أتت رسولة القيم اإلنسانية وقائدة حضارة ورائدة معرفة‪.‬‬ ‫ح ّرري نفسك من عبوديّة املوضة فأنت ارتفعت يف كل حقبات‬ ‫التاريخ ارتفاعاً شاهقاً يشبه جبال لبنان‪ ،‬فال تتش َّبهي باملرأة‬ ‫الغربية ألنها مل تحقق ذاتها فهي ضحية‪ ،‬يقول سعيد عقل‪ ،‬املرأة‬ ‫اللبنانية يتزوجها الرجل واملرأة الغربية «ي َزو ِب ُنها»‪.‬‬ ‫يا فتيات لبنان‪ ،‬بني أيديكن وديعة أثبت التاريخ خلودها وعظمتها‬ ‫ومدى اتصالها بجوهر الحضارة اإلنسان ّية‪.‬‬ ‫بحق املرأة‪ ،‬ناضيل من‬ ‫إذا كانت بعض القوانني الوضعيّة مجحفة ّ‬ ‫أجل إلغائها‪ ،‬قويل للنائبات يف مجلس الن ّواب أن يق ّدمن مشاريع‬ ‫قوانني إللغائها‪ ، .‬فه ّن يف املجلس منذ سنني ومل يفعلن شيئاً يف‬ ‫هذا الخصوص‪ .‬إقلعي عن الطروحات السخيفة‪ :‬مجتمع ذكوري‪،‬‬ ‫وحقوق املرأة من الرجل‪ :‬هل البطالت اللوايت ذكرتكن يف غري‬ ‫مجتمع؟ كانت حقوقهن منقوصة وقد حققن ذاتهن بكل فخر‬ ‫واعتزاز؟‪.‬‬ ‫عندما أقرأ ‪ Ester Weber‬األملانية تطالب بحقوق الرجل من‬ ‫املرأة وأقرأ ‪ George Blaquier‬إسم الكتاب ‪La Grace d’être‬‬ ‫‪ femme‬وأقرأ املتنبي يف رثاء والدة سيف ال ّدولة‬ ‫عيب وال التذكري فخ ٌر للهالل‪.‬‬ ‫وما التأنيث إلسمِ الشمس ٌ‬ ‫وأقرأ أيضاً أن التي تهز الرسير بيمينها‪ ،‬تهز العامل بيسارها وقيل‬ ‫عنها أنها ملهمة الشعراء‪ ،‬عندما أقرأ كل هذه األقوال أرى بوضوح‬ ‫عظمة املرأة اللبنانيّة‪.‬‬

‫* املف ّوض العام املتقاعد‬


‫‪20‬‬

‫العدد ‪68‬‬

‫كتاب‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫حدين لقاماتها العالية‬ ‫ماجدة داغر يف نقد ذي ّ‬ ‫لويس الحايك‬ ‫تكشف لنا الناقدة اللبقة ماجدة داغر‪ ،‬بأسلوبها اللبق‪ ،‬عن أرسار‬ ‫تربط حداثة املحدثني عندنـا ‪ ،‬مبوروث حدا ٍّيث مستورد ‪ ،‬فتتسلل‬ ‫معه بإضاءات تكشف عن بصامتهم ورياداتهم ومدى توارد‬ ‫أفكارهم مع بعض شعرائنا املطلقني األحرار‪ ،‬وأقول بعضهم إذ ال‬ ‫يجوز التعميم وللحديث صلة مبا سأقول يف سياق الحق‪.‬‬ ‫اختيارها لنقداتها مل يكن مقررا أو مدروسا أو مق ّيدا مبعيار أديب أو‬ ‫فني كام تقول‪ .‬فهي وإن كشفت أحيانا عن أرسار خاصة وتقيّدت‬ ‫بتوثيق ما ‪ ،‬فإمنا تفعل لتوضيح ‪ ،‬ال مفر منه ‪ ،‬يتطلبه التحليل أل ّن‬ ‫النقد يبقى بنظرها تنقيبا ممتعا يخضع ملوهبة ذاتية متحررة من‬ ‫منهجية مقيدة ‪.‬‬ ‫وقد علّق جورج جرداق يف صفحة الغالف األخرية لكتابها «بيت‬ ‫الذاكرة والقامات العالية «مشريا اىل ابداعها املميز يف كتابة النقد‬ ‫عن أولئك الذين يولون «اهتامما مساويا الهتامماتهم الفارغة‬ ‫بالتحليل والرشح والتفسري ‪»...‬‬ ‫اجي ويتميز بالطرافة واإلبتكار اللذين تخلو‬ ‫ومبا ان النقد األديب مز ٌّ‬ ‫الدراسة األكادميية منهام ‪ ،‬فقد أضافت ماجدة إىل نقداتها ملسات‬ ‫تجمع الجزالة يف تعابريها الشعرية إىل وصف ممتع ومض ّمخ‬ ‫باألطياب وحريص عىل فرز حوائج اآلخرين بأمانة دون مزجها‬ ‫بحوائجها وخصوصياتها‪ .‬فقد عرفت كيف تلج بإستقاللية وتج ّرد‬ ‫اىل شخصيات قريبة إىل روحها بإختيار سليم وصحيح فتح الباب‬ ‫عىل مرصاعيه ليدخلنا اىل محراب ادبائها وشعرائها «حيث ال‬ ‫يعرتيهم صمت وال ينتابهم رحيل» ‪.‬‬ ‫من إنهيدوانا اىل محمود درويش كان لتفعيل املزاجية دور واضح‬ ‫يف كتابها ‪ .‬فهي ككل ناقد ‪ ،‬ال بد أن يأيت إبداعها مع من يرتبط‬ ‫وجدانها بوجدانهم ويتامهى مع عاملها الخاص بحميم َّية خاصة‬ ‫تجد مطرحها يف بوح يطبع عطاءها ببصامت مميزة ‪ .‬لذا كانت‬ ‫املرأة هي املحور األهم والقضيّة التي تشدها وتلصقها بالهدف‬ ‫الرئييس يف محاور الكتاب وبأولئك املختلفني يف حياة من اإلضطراب‬ ‫والنـزاع ‪ .‬وهذا رس من ارسار مل ُعات ِاإلبداع يف اختياراتها وتفوقها‬ ‫يف نبش قبور الخالدين العائدين من األزمنة السحيقة ‪.‬‬ ‫حسها األنثوي لخوض أول‬ ‫عندما تتحدث عن انهيدوانا‪ ،‬تس ِّخ ُر َّ‬ ‫معركة بدأتها إمرأة من بالدنا يف أقدم العصور وأقدم حضارة‪،‬‬ ‫تسخِّر ُه لتعيل شأن املرأة وجدارتها وتفوقها عىل شاعر نشيد‬ ‫األناشيد الذي جاء بعدها يف األسطورة التوراتية ‪.‬‬ ‫«جمرة تك ّومت ليال يف املبخرة فولدت القصيدة األوىل» التي تولد‬ ‫رض األزمنة السحيقة‬ ‫مثل كل قصيدة بكلامت أوىل يوحى بها‪ ،‬وت ُْسـتَ ْح ُ‬ ‫وتستجلب الشاعرة من َخ َدرِها الرس ّي املوغل يف اإلنسياب‪ .‬هذا‬ ‫ُ‬ ‫الخَـ َد ُر‪ ،‬الذي اختارته الناقدة ككل اختياراتها من الكلامت التي‬ ‫رس يف ثراء العربية‪ ،‬ومعناه التشنج الذي يغىش األعضاء وفتور‬ ‫هي ٌ‬ ‫العني والليل واملطر واشتداد الربد والح ّر وهي معان تتامهى جميعها‬ ‫بعبق بخور مذبح انهيدوانا وذروة إدمان نشوتها « مليكتي‪ /‬أنت‬ ‫اإلفرتاس كله يف قوتك ‪ /‬جميع اآللهة العظام ‪ /‬فروا أمامك مثل‬

‫خفافيش مرفرفة ‪ / ...‬يا ابنة اإلثم ‪ / ...‬يا ملكة الجبل الذي امتنع عن‬ ‫تقديم الوالء لك ‪ /‬يبست أعشابه وصارت قاحلة ‪ /‬أنهاره جرت دما‬ ‫‪ /...‬تقرأ فتطرب وتأنس وتخشع وتنىس ما لحضور النغم املوسيقي‬ ‫وتأثريه يف القصيدة األصولية ‪.‬والشاعرة التي تح ّدثنا عنها هي أمرية‬ ‫«ميزوبوتامية» سبقت «فينوس الالتينية وأفروديت اإلغريقية‬ ‫وعشرتوت الفينيقية ورفدت إلينا قصائدها املكتوبة بالسومرية‬ ‫قبل أربعة آالف وأربعامئة سنة وشكّل اكتشافها يف جنوب العراق‬ ‫نصبها ملكة الشاعرات‬ ‫ويف العرشين من القرن املايض حدثا تاريخيا َّ‬ ‫وأ ّوله َّن» ‪.‬‬ ‫لن أمتادى أكرث ‪ ،‬واملجال ال يسمح ‪ ،‬يف استقراء آخر مع شاعرات‬ ‫وأديبات من القامات العالية التي اختارتهم الناقدة من العامل‪،‬‬ ‫وأنتقل إىل عاملنا مع أديبة لبنانية « ُزف َّْت اىل النسيان وهي من‬ ‫الغائبني الذين هزأوا بالنهايات ألنها ال تدركهم وهم ‪ »...‬وتستدرك‬ ‫الناقدة هنا معتذرة ‪ ،‬لتقول «عفوا ! ه َّن ‪ ،‬اللوايت أسدلن عىل‬ ‫القلم ثوبا مكشوف الصدر للحرية ‪ ،‬ونحنت له خرصا رفيع الكالم ‪،‬‬ ‫ومددنا فيه عنقا يتعطّر بشال من الغامم» كثريات ه ّن الاليئ تفوقن‬ ‫بأنوثتهن عىل النهر بهديره وفحولته لك ّن مي كانت من املناضالت‬ ‫الشهيدات يف « زمن ال يتساوى فيه الرجل واملرأة» وقد تناثرت مثل‬ ‫شعاعاتها كأوراق الخريف يف وجه عاصفة هوجاء يف أوطان كانت ال‬ ‫تزال محافظة عىل التقاليد املجحفة بحق املرأة فلم ينقذها وقوف‬ ‫األصدقاء إىل جانبها الذين غمروها بعطف مل تشفع به نهايتها‬ ‫الحزينة املوجعة‪.‬‬ ‫ومن عاملنا الذكوري ترفد لنا محمود درويش ‪ ،‬شاعر من األرض‬ ‫السليبة تتامهى معه بفيض من اإلنتشاء يف ظالل رثائية تحبكها‬ ‫بحكاية رحيله وبديوانه األخري فتخشع لذلك الهادر بكلامت رهص‬ ‫فيها مدارات القصيدة املفتوحة رافضا لها أية نهاية فعلقها عىل‬ ‫الالنهايات يف أجنحة الفراشات ‪.‬‬ ‫أ ّما ما كتبته عن أمني الريحاين دون أن تح ِّمل نفسها عناء قراءة «‬ ‫قلب لبنان « فكان ألصق بكتابة السرية منه اىل النقد ‪ .‬وحدث ان‬ ‫وقعت يف تحيّز وجب التلميح إليه وإن مل يؤثر يف قيم قاماتها العالية‪.‬‬

‫قالت « متعن يف اإلصغاء ‪ ،‬فرت َّد َد إيقا ُع حوافر فرسه نورا وهو‬ ‫ميتطيها ذاهبا إىل بكفيا» ‪.‬‬ ‫املعروف عن الريحاين انه ‪ ،‬وبعد وقوعه يف الحرم‪ ،‬كان ميتطي‬ ‫منت فرسه نورا صاعدا إىل بيت شباب مسقط رأس والده ومسقط‬ ‫رأس ج ّده فارس أنطون الب ّجاين ( وليس الريحاين ) وكانت الضيعة‬ ‫كام سامها هو تعرف يومها بالقاطع ‪ ،‬وكانت زيارته تقترصعىل‬ ‫أصدقائه من مشايخ آل الحايك الذين تح ّدوا رجال الدين ووفروا‬ ‫الحامية له ( قلب لبنان ـ فصل من جزء يف الكتاب بعنوان – يف‬ ‫ظالل الجور ) ‪.‬‬ ‫كنت أمتنى عىل ماجدة أن ترفع الصوت عاليا ‪ ،‬بدل إشارتها‬ ‫هذه ‪ ،‬لتطلب من املسؤولني أ يًّا كانوا أقرباء أو أنسباء أو متنيني‬ ‫املنيس‬ ‫غيورين أو حكوميني أن يشيلوا هذا العمالق من منزله‬ ‫ّ‬ ‫تحت الطريق ويقيموا له متحفا كمتحف جربان يكون الئقا بإرثه‬ ‫العظيم ومبنت أعطى لبنان والعامل العريب كبار الشعراء واملفكرين‬ ‫والفنانني ‪.‬‬ ‫أخريا ال آخرا ‪ ،‬أقول ان أهم ما رفدت الينا من روائع الذكورية‬ ‫العاملية والذي ال بد ان نتوقف متهيبني لعبقريته ‪ ،‬شاعرا تحرر‬ ‫بجنونه وغاب يف البعيد ومن خارج حدود العامل لينهر كل سفلة‬ ‫العامل باسلوب مبتكر مل يعرفه الشعر من قبل ‪.‬‬ ‫تشارلز بوكوفسيك ‪ ،‬هذا الشاعر الغريب األطوار واملتامدي حتى‬ ‫النص من ذروة املشاعر اإلنسانية‬ ‫الجنون ‪ ،‬و الذي «حاول تقريب ّ‬ ‫الطالعة من تجريدها ‪ ،‬يف جملة غنائية وجدانية ‪...‬كان يهزأ‬ ‫بالقالب الذي يوضع فيه الشعراء ‪ ،‬محاوال قلب املشهد يف تقديم‬ ‫آخر متفلّت من القوالب الجاهزة واللغة العادية واملستهلكة‬ ‫‪ ،‬متاما كام فعل شعراؤنا «رموز مركبة ومحاكاة بإشارات شاذة‬ ‫مختلفة وخارجة عن املألوف ‪:‬‬ ‫«\وحوش يف رشاشة امللح ‪ /‬ومطارات يف ركوة القهوة ‪ ...‬وتحت‬ ‫البالط مالك مخنوق ‪ /‬مع منخرين مش َّعني ‪ ...‬الظالل ليال‬ ‫مخلوقات مل تولد بعد‪ .‬اسلوب وجد تربته أيضا عندنا وحددته‬ ‫الناقدة بتوصيف دقيق «أنه يطلق الحياة من هامشيتها اىل ما‬ ‫يشبه الواقع املغ ّمس بوحوله وقذاراته ومهمالته وضعفه وركاكته‬ ‫‪ « .‬وكأ ّن ما تقوله عن شاعر ولد يف املانيا ينطبق حرفيا عىل الشاعر‬ ‫شوقي ابوشقرا وعىل ما كتبته مؤخرا منغانا الحاج يف برهانها‬ ‫الخائف ‪ ،‬لكنها ال ميكن ان توجه اليهام تهمة ما لقب به بوكوفسيك‬ ‫عىل أنه « ملك األفواه البذيئة «او ان تتهمهام بالتقليد أخريا ‪،‬‬ ‫وعن كتاب يف النقد ال يُقرأ فحسب بل يُلتهم لتنوع طروحاته يف‬ ‫مواضيع تش ّدك بطعم جديد ومالمسات مغرية ‪ ،‬ال ب ّد من إشارة‬ ‫اىل تبني الناقدة آراء ناقد ‪ ،‬وإن تلميحا ‪ ،‬بذكر بعض نقداته ملن‬ ‫تعترب اسامؤهم قمام أدبية كفؤاد افرام البستاين والعقاد وويل‬ ‫الدين يكن وغريهم‪ ،‬ومارون عبود الذي نعنيه وتبنته بوضوح‬ ‫‪ ،‬كان صاحب « تقنية عالية ‪ ...‬يف تبيان العورات والسقطات» ‪.‬‬ ‫حمى الله ادباءنا من رشقات كرشقاته وع ّزز خطوات الناقدة يف‬ ‫جهدها لتقويم اإلعوجاج أينام وجد وإطفاء املباخر عندما تصبح‬ ‫روائحها مضلّلة وخانقة‪.‬‬


‫العدد ‪68‬‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫ادب‬

‫‪21‬‬

‫بدرية البرش فائزة بجائزة العامود الصحايف‪:‬‬ ‫مل تنس أنها امرأة‬ ‫أسامء وهبة‬ ‫مل يكن مستغربا أن تحصل بدرية البرش عىل جائزة الصحافة‬ ‫العربية يف فن العامود الصحفي ضمن فعاليات منتدى ديب‬ ‫للصحافة العربية‪ ،‬والتي تأيت ضمن سياق اعرتاف موثق بأن املرأة‬ ‫قادرة عىل كرس احتكار الرجال للرأي الصحفي‪ ،‬وبأنها متتلك‬ ‫أدوات إقناع الرأي العام بأفكارها‪ .‬وهذا ما تعرب عنه بدرية قائلة‪:‬‬ ‫«نوع من فروسية املرأة الجديدة التي تخطت الحواجز يف حقل‬ ‫السبق الصحايف مثلام تخطته يف اإلبداع اإلنساين»‪.‬‬ ‫حصلت بدرية عىل ماجسيتري يف اآلداب ‪ -‬قسم علم اإلجتامع من‬ ‫جامعة امللك سعود‪ ،‬ثم شهادة الدكتوراة من الجامعة األمريكية‬ ‫يف بريوت‪ .‬اختربت الكتابة األدبية حتى مترست فيها بني القصة‬ ‫القصرية والرواية‪ .‬إال أن أهم أعاملها عىل اإلطالق كانت رواية‬ ‫«هند والعسكر» الصادرة عن دار الساقي عام ‪ ، 2006‬التي‬ ‫اخترصت فيها واقع املرأة السعودية التي ترى نفسها يف مرآة‬ ‫اآلخر‪ ،‬الذي يرسم طريق حياتها دون أن متتلك القدرة عىل الرفض‬ ‫أو اإلنتفاض عىل هذا الواقع‪ .‬مبعنى آخر رسمت بدرية بعناية‬ ‫ال «عسكرة» الذكورية عىل إنسانية املرأة التي صادرت خياراتها‬ ‫الحياتية باسم الدين والعادات والتقاليد‪ ،‬حتى أتت اللحظة التي‬ ‫قررت فيها «هند» – بطلة الرواية ‪ -‬قلب املشهد‪ ،‬مرتدية ثوب‬ ‫الحرية‪.‬‬ ‫إسقاط أديب عىل واقع «أنثوي» يسعى للتغيري وتفعيل دوره‬ ‫داخل املجتمع ككائن ميارس الفعل والقول اإلنساين‪ .‬ومن هنا‬ ‫جعلت بدرية من عامودها الصحفي يف جريدة «الحياة» الذي‬

‫ر�أي‬ ‫محمد عبدالله فضل الله‬

‫يحمل عنوان «رمبا»‪ ،‬منربا نسائيا بإمتياز‪ ،‬حيث ترسم بقلمها‬ ‫قصصاً نسوية واقعية تعاين الضعف أو القهر أو الظلم‪ ،‬واضعة‬ ‫األًصبع عىل الجرح يف بضع جمل مخترصة‪ ،‬تحمل مفعول‬ ‫الصدمة‪ ،‬دون أن تبتعد عن رصد الواقع الخدمي يف اململكة‬ ‫أو التغيريات العربية أو القضايا الدولية‪ .‬لذلك وصفها البعض‬ ‫ب «الليربالية»‪ ،‬بسبب إميانها بأن «سقف التعبري قد ارتفع يف‬ ‫الفضاء العام ومتددت معه مساحة التعبري»‪ ،‬عىل قاعدة أن‬ ‫دور املثقف هو «نقد الخطاب السائد وعدم أخذ القضايا عىل‬ ‫عالتها كمسلامت»‪.‬‬ ‫بدرية مثقفة سعودية تحمل استثنائية فكرية من الطراز األول‪،‬‬ ‫ألن ذكاءها كفل لها املوامئة بني الخوف من كل جديد والحث عىل‬ ‫التغيري‪ .‬وهذا الخلط يف مقاالتها جعلها ساعية إىل تغيري طريقة‬ ‫التفكري اإلجتامعية حيال املرأة التي تعاين التأطري والتحديد عىل‬ ‫الرغم من القفزات الكبرية التي حققتها‪.‬‬ ‫وبعد حصولها عىل الجائزة ستصدر بدرية قريبا روايتها الجديدة‪،‬‬ ‫كام تحرض كتاب بحثي قصري يف شؤون النساء‪ ،‬مع متابعتها إللقاء‬ ‫بعض املحارضات يف جامعة قطر‪.‬‬ ‫بدرية البرش‪ ،‬مل تنس يوما أنها امرأة‪ ،‬لذلك كانت هموم النساء‬ ‫حارضة يف كتابتها بعيدا عن اإلنحياز املطلق لبني جنسها‪ .‬نقلت‬ ‫الرسد األديب إىل عامل الكتابة الصحفية‪ ،‬فيجد القارىء نفسه‬ ‫أمام قصة شديدة اإلختصار ولكن يف صحيفة‪ .‬وبالتايل مل يكن‬ ‫غريبا أن يحتفي الجميع بالتكريم الذي حصلت عليه دون أن‬ ‫تكون الجائزة هي الحدث بل بدرية البرش‪ :‬اإلنسانة واملرأة‬ ‫واملثقفة‪.‬‬

‫حول دولة املواطنة واإلنسان‪...‬‬

‫تشهد هذه األيام عودة قوية للنقاشات التي يختلط فيها الديني‬ ‫بالسيايس‪ ،‬فال يدري املرء حدود مساحة كل منهام ومدى تداخله‬ ‫وترابطه وملصلحة من يدور النقاش بحاموة وعىل حساب من‪،‬‬ ‫وهل يستغل الديني خدمة للشعارات والعناوين السياسية‪ ،‬أو‬

‫يستحرض لشد الهمم وإذكاء نار العصبيات‪ ،‬فاملسألة تبدو مالمحها‬ ‫واضحة إذا تخلينا عن لغة املتاريس والتقاذف وإتقان أسلوب‬ ‫الحشد والتجييش‪ ،‬لرنى قوة عضالتنا يف فهمنا الواعي والدقيق‬ ‫لخلفياتنا وأصولنا الدينية يف مدى خدمتها وتوظيفها الربيء من‬ ‫أجل قضايا األمة بعيدا ً عن منطق االنتامء الحزيب الضيق‪ ،‬فنكون‬ ‫من ينتمي إىل دويالت األحزاب والطوائف مامرسة بدل االنتامء إىل‬ ‫سياسة الحفاظ عىل مصالح األفراد والجامعات عندها تذوب كل‬ ‫الخالفات‪ ،‬وتصغر كل الشعارات تحت عنوان الهدف الكبري ‪»:‬دولة‬ ‫املواطنة واإلنسان» فال ميكن الشعور بكيان الدولة والسلطة‬ ‫الفاعلة من دون أن يشعر الفرد أنه حر يحيا إنسانيته بشكل‬ ‫طبيعي دون ضغوطات‪ ،‬فيعيش املواطن أكرث عمقاً ومامرسة يف‬ ‫انتامئه حتى خارج الحدود الجغرافية املصطنعة يف الكون الكبري‪،‬‬ ‫هل وصلنا إىل مرحلة أصبحت فيه األمة مؤهلة وعىل درجة من‬ ‫الوعي والنضج ملراقبة ومحاسبة الطبقات السياسية التي تنتجها‪،‬‬ ‫مع مراعاة أن هذه الطبقات متارس دورها الحيوي ملراقبة مسرية‬ ‫األمة ومتطلباتها‪ ،‬سؤال برسم الجيمع؟‪.‬‬ ‫فالدين أياً يكن يخلق يف روح املجتمع رقابة ذاتية ال تخضع لتكليف‬

‫رسمي وال وظيفة تقليدية بل تلتزم الشعور اإلنساين والحس‬ ‫االجتامعي الواعي مبصالح العباد والبالد تتحول إىل قوة دافعة‬ ‫وإىل قوة رادعة عىل أساس االنسجام مع وعي املسؤولية وحيويتها‬ ‫يف حركة اإلنسان وهنا نعرف مدى ما تقوم به املؤسسات من دور‬ ‫عرب تاريخها فال يكفي أنها تنتسب إىل دين وتتمرتس خلف أشياعه‬ ‫وجعلهم وقودا ً ملصالحها فهذا قمة السقوط والجهل‪ ،‬فال ميكن‬ ‫لرجل الدين أو السياسة أن يكون انعزالياً وانتهازياً إذا كان يعيش‬ ‫مسؤولية الوعي والعلم‪...‬‬ ‫عندما منارس دور الرقابة عىل أنفسنا يف مدى مامرستنا لحسنا‬ ‫اإلنساين واالجتامعي ووعينا ألهداف مسريتنا اإلنسانية يف هذا‬ ‫الوجود نشعر أكرث مبواطنيتنا وإنسانيتنا يف االنتامء إىل فضاء الكون‬ ‫الواسع ال فضاءات الطوائف واألشخاص وطقوسهام‪ ،‬ألن طقوس‬ ‫األنسنة واملواطنة ليس لها حد بل تسري يف قلب الزمن‪ ،‬وتتطور‬ ‫أشكال التعبري عنها مبدى تطور اإلنسان يف سريه الحضاري وهنا‬ ‫تكمن فلسفة االلتزام اإلسالمي السيايس يف سعيها الدؤوب إىل‬ ‫تحقيق الهدف الكبري يف حفظ اإلنسان وصيانة كرامته فال تقف‬ ‫عند حدود السياسة وصنمية األشخاص‪.‬‬


‫‪22‬‬

‫العدد ‪68‬‬

‫ا�صدارات‬

‫األزمة األخرية‬ ‫أصدرت الدار العربية للعلوم نارشون كتاباً بعنوان «األزمة األخرية»‬ ‫لألستاذ البحاث طوين صغبيني‪.‬‬ ‫يحتوي املؤلَّف عىل عرشة فصول تتمحور حول أسوأ أزمة للطاقة عرفتها‬ ‫الحضارة‪ ،‬مربزاً الكاتب هذه املشكلة من خالل معالج ٍة دقيق ٍة وعمل ّية‬ ‫ٍ‬ ‫ملعطيات وثوابت‪ ،‬من خالل أبحاث ودراسات وإحصاءات رسمية ووقائع‬ ‫ورسوم بيان ّية توضيح ّية‪.‬‬ ‫ولوائح‬ ‫اقتصاد ّية وجيولوج ّية‪ ،‬إضاف ًة إىل جداول‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫يهدف الكاتب من خالل مؤلَّفه تحذير املجتمع الدويل من خطر نفاذ‬ ‫الطاقة‪ ،‬والسعي إليجاد بدائل جديدة‪ ،‬نظراً لآلثار الخطرية التي ترتتب‬ ‫عىل ذلك من انهيا ٍر للحياة الصناعية وخطورة األمن الغذايئ‪ ،‬وتداعي‬ ‫أنظمة النقل والبنوك والنظم املعلوماتية‪ ،‬وكذلك الطب الحديث‪ .‬وأخرياً‬ ‫ما هو مستقبل لبنان وكيف ستبدو حياته يف ظل هكذا أزمة؟‪.‬‬

‫محو العراق‬ ‫خطّة متكاملة القتالع‬ ‫عراق وزرع آخر‬ ‫أصدرت رشكة املطبوعات للتوزيع والنرش كتاباً بعنوان «محو العراق ـ خطّة‬ ‫متكاملة القتالع عراق وزرع آخر» للكُ ّتاب مايكل أوترمان وريتشارد هيل‬ ‫مع بيل ويلسون‪ .‬فحوى الكتاب تك ُمن يف إبراز رأي العراقيني بسقوط نظام‬ ‫الرئيس األسبق صدّ ام حسني عىل يد االحتالل األمرييك‪ ،‬وما هو مستقبل‬ ‫العراق بعد ذلك‪ ،‬إضاف ًة إىل لفت ال ّنظر لفشل اإلعالم الغريب الذريع السائد‪،‬‬ ‫خصوصاً عىل شبكة االنرتنت‪ ،‬وعرض وجهات النظر العراق ّية حول احتامل‬ ‫حصول اجتياح امرييك لبالدهم قبيل احتالل العراق‪.‬‬ ‫يحتوي املؤلَّف عىل خمسة مواضيع رئيسة‪ ،‬تصف حالة العراق يف حقبة‬ ‫الحصار‪ ،‬ومن ثم عرض حالة الالجئني العراقيني بعد الحرب‪ ،‬كام يش ُمل‬ ‫املؤلَّف عىل شهادات ح ّي ٍة لعراقيني ناجني من الحرب من مقيمني والجئنني‬ ‫ومه َّجرين‪ ،‬عرب مقابالت شخص ّية ومد َّو ٍ‬ ‫ومواقع الكرتونية‪ .‬إضاف ًة إىل‬ ‫نات‬ ‫َ‬ ‫إسقاط الضوء عىل األعامل الوحش ّية التي قام بها االحتالل األمرييك‪ ،‬بهدف‬ ‫إبادة الشعب العراقي وتدمري العراق بر ّمته‪.‬‬ ‫يهدف املؤلَّف إىل إبراز اآلثار السلبية لالحتالل األمرييك للعراق بعد مرور‬ ‫مثانني شهراً من خسائر برشية‪ ،‬وانتشار أعامل العنف‪ ،‬إضافة إىل ذلك األزمة‬ ‫الدميوغرافية التي حلَّت بالدول املجاورة‪ ،‬ج ّراء لجوء العراقيني بأعداد هائلة‬ ‫إليها‪.‬‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫وهم السلم األهيل‬

‫التغيرّ املناخي‬

‫اضطراب الحدود‬ ‫بني املايض والحارض‬

‫االحرتار العاملي ودوره‬ ‫يف النزاع الدويل‬

‫أصدرت رشكة املطبوعات كتاباً‬ ‫بعنوان «وهم السلم األهيل ـ‬ ‫اضطراب الحدود بني املايض‬ ‫والحارض»‪ ،‬للكاتب حسني‬ ‫يعقوب‪ .‬يوثِّق املؤلَّف جزءاً‬ ‫مهماّ من حياة اللبنانيني‪ ،‬وبعض‬ ‫مظاهر االحرتاب الداخيل بعد‬ ‫انتهاء الحرب األهلية عام ‪،1990‬‬ ‫مربزاّ ذلك من خالل مواضيع‬ ‫وأحداث واقعية عىل الساحة‬ ‫اللبنانية‪ .‬يحتوي املؤلَّف عىل‬ ‫تسعة أجزاء متداخلة فيام بينها‪،‬‬ ‫ترتاوح بني البحث التحقيقي‬ ‫والعمل التحلييل ملسار ما يس ّمى‬ ‫بـ «السلم األهيل اللبناين»‪،‬‬ ‫إضاف ًة إىل مداخالت لفنانني‬ ‫وكُ ّتاب وسينامئيني لبنانيني دعوا‬ ‫بأعاملهم املجتمع اللبناين لفقدان‬ ‫الذاكرة الفرد ّية والجامعية‬ ‫ملسارات الحرب املتقطِّعة‪.‬‬ ‫الكاتب يلقي الضَّ وء عىل إشكالية‬ ‫املجتمع اللبناين نتيجة الحروب‬ ‫األهل ّية‪ ،‬إضاف ًة إىل املقارنة بني جييل‬ ‫ماقبل الطائف وما بعده‪ ،‬وكذلك‬ ‫عرض مفهوم الدولة‪ ،‬وتغليب‬ ‫املفاهيم األخرى عليها‪ ،‬ومقاربة‬ ‫الوضع الطائفي للسكان‪ ،‬وما هو‬ ‫مصريهم يف ظل وجود التجاذبات‬ ‫السياسية وتضارب املصالح وتأثريها‬ ‫عىل الساحة اللبنانية‪.‬‬

‫أصدرت رشكة املطبوعات للتوزيع والنرش كتاباً بعنوان «التغيرّ املناخي ـ االحرتار‬ ‫العاملي ودوره يف النزاع الدويل»‪ ،‬للكاتب األستاذ الدكتور معني حدّ اد‪ ،‬حيث رأى أنه‬ ‫من الرضوري اإلضاءة عىل هذا املوضوع متاشياً مع الضجيج اإلعالمي يف األوساط‬ ‫األكادمي ّية والعلم ّية والدبلوماسية بصدد هذا املوضوع‪ ،‬نتيجة االهتامم الحثيث يف‬ ‫النصف الثاين من القرن العرشين‪ ،‬مماّ جعلها قضي ًة إنسان ّي ًة رئيسة‪.‬‬ ‫التغي املناخي هو‪ ،‬ارتفاع حرارة الهواء املحيط بكوكب األرض‪ ،‬مام يؤدي‬ ‫املعلوم أنَّ رُّ‬ ‫تباعاً إىل تناول مفهوم االحتباس الحراري ومن ثم ربط ماسبق بالنشاط البرشي‬ ‫بفعل الثورة الصناعية‪.‬‬ ‫يشتمل الكتاب عىل ثالثة عرش فصالً‪ُ ،‬يع َر ُض فيه عن مناخ األرض وتبدُّالته‪ ،‬واملراحل‬ ‫املناخ ّية املختلفة‪ ،‬إضاف ًة إىل مالحظات حول جيوبولوتيكيا املناخ‪ ،‬وربط املناخ‬ ‫بالسياسة‪ ،‬من خالل الفصل العارش تحت عنوان اشتباك مناخي سيايس وغريها‬ ‫من املواضيع األخرى‪ ،‬محلالً القضية املناخية ومفكِّكاً معادلتها بهدف اإلحاطة بها‬ ‫وباألشكاليات الجيوبولوتيكية املطروحة‪.‬‬ ‫يهدف الكاتب من خالل مؤلفه معالجة التغيرّ املناخي عىل نحو دقيق واض ٍح‬ ‫ومكثّف من خالل تحليلٍ مع َّمق للمحور املوضوعي املتناول‪ ،‬أال وهو االحرتار‬ ‫العاملي‪ ،‬ومن ثم الكشف عن األبعاد السياسية للقضية البيئ ّية عموماً واملناخ ّية‬ ‫ظل ما تُخلِّ َفهُ القمم الدول ّية للقضية البيئية املناخية من انعكاسات‬ ‫خصوصاً يف ِّ‬ ‫جيوبولتيك ّية وتوتُّرات دول َّية‪.‬‬

‫وجه النبي‬ ‫خليل جربان ورسوم‬ ‫هيكل الفن‬ ‫أصدرت دار كتب للنرش كتاباً بعنوان «وجه النبي ـ خليل جربان ورسوم هيكل‬ ‫الفن»‪ ،‬للكاتب سليم مجاعص‪.‬‬ ‫يحتوي الكتاب عىل خمسة مواضيع رئيسية‪ ،‬تتمحور حول دور خليل جربان يف إنشاء‬ ‫«هيكل الفن»‪ ،‬وهي سلسلة رسوم وأعامل ألدباء وف ّنانني عامل ّيني‪ ،‬حيث يعترب هذا‬ ‫املرشوع من أكرث املشاريع الجربانية أهم ّية ودميوم ًة‪.‬‬ ‫كام يحتوي الكتاب عىل رسوم وصور ومراسالت جربانية غري معروفة باللغة‬ ‫االنكليزيّة‪ ،‬مو َّجه ٍة إىل أبرز ر ّواد الف ّن واألدب العامل َّيني‪.‬‬ ‫يهدف الكاتب من خالل مؤلَّف ِه اإلضاءة عىل جوانب جديدة تفتح أمام القارئ أبعاداً‬ ‫واسعة وغري مألوفة يف نتاج جربان الفني‪.‬‬


‫العدد ‪68‬‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫نوافذ‬

‫أيب‪...‬‬ ‫أيب‪...‬‬ ‫تبدو لغتي هشة حني ترنو تلقف حضورك‪...‬‬ ‫بني تقاطيع العمر أضم مالمحك‬ ‫هل تقوى العني عىل احتوائك؟‬ ‫وأنت ذاك النور املنبثق من ثنايا الروح‬ ‫كيف أكرب وأناملك ترسم طفولتي عىل اطراف‬ ‫النبض‬ ‫كيف أغفو وأنفاسك تؤلف ركناً دافئاً لنا جميعاً‬ ‫أيب‪..‬‬ ‫انطقها وأسمو‪..‬‬ ‫أدرك أين أقهر خويف من األيام‬ ‫حني أتظلل بتقاسيم وجهك‬ ‫ومن قطرات عرقك أنهل االحالم‬ ‫أيب‪...‬‬ ‫ندايئ ورجايئ وملجأي‬ ‫عبارة تتخطى اللغة وتعقيداتها‬ ‫أتعلق بيائها عشقاً‬ ‫والباء بوابة الحنني‬ ‫واأللف جذع مغروس يف القلب‬ ‫أيب‪...‬‬ ‫كيف أجد كلاميت؟‬ ‫كيف أخطها يف عيدك؟‬ ‫ووجودك مرتع أعيادي‪..‬‬ ‫وصدى صالتك متنفيس‬ ‫وصوتك كل أمنيايت‬ ‫يكفيني فخرا ً أنك تخترص أميس وحارضي وغدي‬ ‫يكفيني فخرا ً أنك أيب‪....‬‬

‫عبري حمدان‬

‫وداعا يا‬ ‫حبيبتي‪!!...‬‬ ‫ال تحزنوا‬ ‫ال تحزن يا قلبي‬ ‫فإن عيني جفت من البكاء‬ ‫ال تغضبي يا نفيس‬ ‫فإن روحي هجرت من الشقاء‬ ‫إرحل يا غراب كفاك تفاؤل بالغذاء‬ ‫جسدي فريسة وهمية بصفيحة أهلكتها‬ ‫الصداء‬ ‫عظامي مفتتة تجري فيها دماء جرداء‬ ‫عروقي جفت من إرتواء العناء‬ ‫صويت أبكم‪ ،‬مناجي لآلذان الصامء‬ ‫حي عىل الصالة‬ ‫فإن عزرائيل تخىل من أخذ البالء‬ ‫ال تفرحي يا تراب فيل مع ريب اللقاء‬ ‫هذا يومي‪ ،‬هلموا إىل العزاء‬ ‫ألبسوين األبيض فأنا مرفوع إىل السامء‬ ‫إردحي يا نساء وإرتدين فساتني سوداء‬ ‫غصوا يا رجال دمعة الفراق‬ ‫وإقرؤا فاتحة الرحمة‬ ‫عىل الذليل يف دنيا الفناء‬

‫ناجي صفاوي‬

‫آه يا حبيبتي‬ ‫ضاع اللقاء ما بيننا‬ ‫اختلف املكان‪ ،‬وضاع الزمان‪...‬‬ ‫وتوقفت عند قدميك ساعة الحياة‪...‬‬ ‫يا حبيبتي‬ ‫لن أجد بعدك من يضمد جراح روحي‪...‬‬ ‫ولن أجد من يكتم أنفاسه يك يسمع وقع‬ ‫خطوايت‪...‬‬ ‫آه يا حبيبتي‪...‬آه يا أمي‬ ‫برحيلك علمت أين كربت أعواما وأعواماً‬ ‫وما زلت بحاجة ألناديك أمي‪ ...‬آآآآآآه يا‬ ‫أمي‬ ‫يا حبيبتي‪...‬‬ ‫ما زلت أسمع شذى دعائك الطيب يفوح مع‬ ‫قطرات الندى‬ ‫وعرب رياحني الصبا‬ ‫وأنام عىل ابتسامتك الحنون تضمنا ‪...‬‬ ‫تجمعنا‪...‬‬ ‫بعدما عز اللقاء ‪!!...‬‬ ‫أبحث عنك كل ليلة بني أحالمي املتناثرة…‪ ‬‬ ‫أمتنى لو يجمعني بك حلم بال انقطاع‬ ‫يا حبيبتي‪...‬‬ ‫قد احتملت من أمل الدنيا ما نأت الجبال عن‬ ‫حمله‬ ‫عىل أمل رؤية حبيب غائب‪ ،‬أو مغرتب‬ ‫عائد!!‬ ‫ولكن ها قد شيد الصمت جدرانه بيننا‬ ‫وانقطع األمل يف مجرد حديث عابر‬ ‫آه يا أمي ‪ ...‬هل سيمتنع لساين عن مناداتك‬ ‫وهل انقطع األمل يف اللقاء؟؟؟!!‬ ‫‪........‬‬ ‫ملن سأشكو همي حني يشتد كريب‬ ‫أوحني تضيق يب املحافل‬ ‫أمي‪ ..‬أمي أريدك حضنا أحلم به‬ ‫أبوح فيه مبكنون صدري‬ ‫أحدثك وتحدثيني‬ ‫آآآآآآآآآآآآآآه يا أماه‬ ‫اآلن وقد انقطعت من دعائك‬ ‫سأحاول أن أرد ولو جزءا ً يسريا ً من كرمك‬ ‫ودعائك يل‬ ‫عىل أمل اللقاء يف جنات النعيم التي أعدت‬ ‫للصابرين‪.‬‬

‫ملكة أحمد الرشيف‬

‫‪23‬‬


‫‪24‬‬ ‫العدد ‪68‬‬

‫‪2012‬‬ ‫متوز‪w w‬‬ ‫العدد‪w . t a68h‬‬ ‫‪awolat.net‬‬

‫متوز ‪2012‬‬

‫م�شهد‬

‫معرض الفن‬ ‫السوري يف «برتا»‬ ‫للثقافة‬

‫أقامت صالة برتا للثقافة والفنون معرضها الفني الثاين لنخبة من‬ ‫الفنانني السوريني تحت عنوان ‪ »2+12« :‬وذلك بالتنسيق مع غالريي‬ ‫“أيبوك” يف حلب وغالريي “غالرييا” يف دمشق لصاحبها السيد سمري‬ ‫شحادة‪.‬‬ ‫وقد شارك ‪ 14‬فناناً سورياً وثالثة نحاتني وهم برصوم برصوما‪ ،‬وحيد‬ ‫مغاربه‪ ،‬ناظم الجعفري‪ ،‬سبهان آدم‪ ،‬عيل مقوص‪ ،‬نشأت املدّ رس‪،‬‬ ‫عيل الكفري‪ ،‬زهري حسيب‪ ،‬صربي روفائيل‪ ،‬احمد دبا‪ ،‬خليل عكاري‪،‬‬ ‫حازم عقيل‪ ،‬عيل الحسني‪ ،‬محمد قباوة‪ ،‬دنخة زومايا‪ ،‬محمد بعجانو‬ ‫واحمد الزير‪.‬‬ ‫املعرض مزيج جميل من مختلف املدارس وااللوان وقد تنوع بني‬ ‫الكالسيك والتجريد والتعبري والنحت‪.‬‬ ‫حرض االفتتاح جمع من املثقفني والفاعليات والفنانني اللبنانيني‬ ‫مديرة مركز برتا الفنانة نرمني ابو خليل تسعى كل عام القامة معرض‬ ‫لعدد من الفنانيني من مختلف الدول العربية وتؤكد حرصها عىل‬ ‫عرض االبداعات الشابه دون املرور بأخذ االسامء الكبريه‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.