العدد:70

Page 1

‫العدد ‪70‬‬

‫‪1‬‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫شهرية فكرية ثقافية‬

‫‪w w w. t a h a w o l a t . n e t‬‬

‫العدد ‪70‬‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫‪ 24‬صفـحة‬

‫‪ 2000‬ليـرة‬

‫‪05‬‬

‫جرح إجتامعي ـ إقتصادي‬ ‫طرابس ‪ٌ ،‬‬ ‫مفتوح‬

‫‪08‬‬

‫د‪ .‬سليم مجاعص‪ :‬أيحتاج الفكر‬ ‫النري إىل مقصلة تحميه؟‬

‫‪10‬‬

‫د‪ .‬سمري سليامن‪ :‬لقراءة‬ ‫معقلنة يف االسرتاتيجيا‬

‫مهام طال الزمن سيعود الفلسطيني اىل بيته‬ ‫حامال مفتاح العودة بيد ومعول البناء والنهضة‬ ‫واملقاومة باليد االخرى [‪]3‬‬

‫‪12‬‬

‫الفساد وترشيع الخيانة‬ ‫يسيطران عىل املشهد الدرامي‬


‫‪2‬‬

‫العدد ‪70‬‬

‫منرب‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫ال انقاذ اال مبرشوع قومي نهضوي جديد‬ ‫زهري فياض‬ ‫ان ما نحياه اليوم يقع يف دائرة «اللحظة التاريخية» الحاسمة‬ ‫وينذر بتداعيات خطرية سترتك ‪ -‬بال شك ‪ -‬انعكاساتها عىل‬ ‫الحارضواملستقبل‪.‬‬ ‫ان مسار التفكك واالنحالل والتفتت والتشظي واالنفالت‬ ‫والفوىض قد اتخذ منحى تصاعدياً تجاوز فيه كل الحدود‬ ‫والخطوط الحمراء‪ ،‬وبتنا عىل قاب قوسني من الدمار املحقق عىل‬ ‫مستوى «املجتمع» و»الدولة» عىل مساحة الوطن كله‪.‬‬ ‫وعب يف كل‬ ‫«الدولة» مفهوم تطور تاريخياً رَ‬ ‫مرحلة عن مستوى التطور السيايس واالجتامعي‬ ‫والثقايف للمجتمع الذي تؤطره وتنظم حياته‪،‬‬ ‫وهذه «الدولة» وبالرغم من األعطاب التي اعرتتها‬ ‫يف بالدنا‪ ،‬شكلت مظلة حامية نسبية للمجتمع‬ ‫وضامناً ألمنه واستقراره وتطوره باتجاه األفضل‪.‬‬ ‫سايكس – بيكو برمزيتها‪ ،‬عنت تقسيم‬ ‫بالدنا الواحدة ومجتمعنا الواحد يف دورة حياته‬ ‫االقتصادية واالجتامعية اىل كيانات سياسية‬ ‫شكلت معاقل ح َدت من التطور الطبيعي والتقدم‬ ‫االجتامعي لكامل األمة‪ ،‬وأعاقت مشاريع التنمية‬ ‫والتقدم واالزدهار مبندرجاته املختلفة‪.‬‬ ‫بيد ان حيوية مجتمعنا وارادة الحياة‬ ‫فيه كانت أق��وى من كل املعوقات والحدود‬ ‫والتقسيامت والفواصل والعوازل‪ ،‬ومتكن شعبنا‬ ‫من كرس «التجزئة» السياسية‪ ،‬ومل تستطع ارادة‬ ‫املستعمر من تقطيع رشايني الحياة الواحدة‪ ،‬وال‬ ‫استطاعت الحد من التفاعل االقتصادي االجتامعي‬ ‫– الحيايت عىل كامل البيئة القومية الطبيعية يف بالدنا‪ ،‬بالرغم من‬ ‫كل التآمر والضغوط التي اتخذت اشكاالً متعددة ومتنوعة‪.‬‬ ‫أما اليوم‪ ،‬فنحن نشهد ما هو أدهى وأخطر‪ ،‬انها «الفوىض»‬ ‫التي تشكل مفهوماً تدمريياً للذات الوطنية والقومية‪ ،‬وهي تنذر‬ ‫باالنحالل النهايئ والتفتت القاتل اذا انترص مرشوعها يف املنطقة‪،‬‬ ‫انها «الفوىض» التي تطل برأسها يف سياق منظم وممنهج لتدمري‬ ‫البنى التحتية ملجتمعنا‪ ،‬ورضب كل قواعد االستقرار التي ترتكز‬

‫املدير املسؤول ‪ :‬رسكيس ابو زيد‬ ‫إدارة التحرير ‪ :‬زهري فياض‬ ‫سكرتري تحرير ‪ :‬أليسار نافع‬ ‫مدير التحرير التنفيذي ‪ :‬زاهر العرييض‬ ‫العالقات العامة ‪ :‬عائدة سالمة‬ ‫االخراج الفني ‪ :‬صالح املوىس‬ ‫االشرتاكات السنوية‬ ‫ألفراد‬ ‫للطالب‬ ‫للمؤسسات‬

‫لبنان‬ ‫‪100$‬‬ ‫‪ 50.000‬ل ‪.‬ل‬ ‫‪200$‬‬

‫عىل وحدة املجتمع واألم��ة والوطن‪ ،‬وعىل مفهوم»الدولة»‬ ‫الحاضنة والراعية التي تظلل باألمان الناس وتقدم لهم عوامل‬ ‫االستمرار والتقدم‪.‬‬ ‫انها «الفوىض الخالقة» –بني هاللني‪ -‬طبعاً‪ ،‬التي تشكل‬ ‫األساس النظري للمرشوع الصهيوين – الغريب يف نسخته الجديدة‪،‬‬ ‫والتي تهدف اىل ادخالنا يف متاهات « الرصاعات» واالنقسامات‬ ‫واالنشطارات األفقية والعامودية التي تعمل بطريقة التدمري‬ ‫الذايت للمجتمع من الداخل‪.‬‬ ‫هذا ما أريد فعله يف العراق الذي مل يسلم من التقسيم وما‬ ‫زال حتى «اللحظة» يعيش تداعيات االحتالل والغزو والرصاعات‬

‫الداخلية التي اتخذت بعدا ً طائفياً ومذهبياً وعرقياً خطريا ً‪،‬‬ ‫ومازال اىل اآلن يحيا يف عني العاصفة والفوىض‪ ،‬بالرغم من بقع‬ ‫ضوء هنا وهناك تعيد األمل بامكان قلب املعادلة‪ ،‬واعادة وصل‬ ‫ما انقطع عىل مستوى العراق كله‪ ،‬واعادة بناء العراق الواحد‬ ‫الدميقراطي واملقاوم‪.‬‬ ‫وهذا ما أريد له يف لبنان منذ عقود والذي تجسد حرباً‬ ‫داخلية يعود خطر تجددها اليوم‪ ،‬وما املقدمات التي نشهدها‬

‫هيئة التحرير‪:‬‬ ‫نجيب نصري‪ ،‬نجايت ميداين‪،‬‬ ‫أسامء وهبة‪ ،‬عبري حمدان‪،‬‬ ‫ايهاب الحلبي‪ ،‬عامر مالعب‪،‬‬ ‫يامن الدقر‪ ،‬ادهم الدمشقي‪،‬‬ ‫سالم الزبيدي‪ ،‬نادي قامش‬ ‫سورية‬ ‫‪ 1500‬ل‪.‬س‬ ‫‪ 500‬ل‪.‬س‬ ‫‪ 10.000‬ل‪.‬س‬

‫العامل العريب والعامل‬ ‫‪200$‬‬ ‫‪500$‬‬

‫اليوم اال نذير عودة دوامة العنف و»االنفجار» مجددا ً‪.‬‬ ‫وأما الوضع يف الشام‪ ،‬فيمثل عقدة «الرصاع» األساسية يف‬ ‫بالدنا‪ ،‬اذ أن نتيجة الرصاع القائم فيها‪ ،‬سترتك بصامتها عىل كامل‬ ‫املشهد القومي‪.‬‬ ‫وبات واضحاً أن ما يحصل فيها اليوم ليس استهدافاً لنظام‬ ‫بعينه‪ ،‬بقدر ما هو استهداف للدولة برمزيتها الحاضنة ألطياف‬ ‫املجتمع كله‪ ،‬بالطبع بالرغم من الحاجة العميقة لالصالح‬ ‫ومحاربة الفساد الذي بلغ مبلغاً خطريا ً يف السنوات األخرية‪،‬‬ ‫وساهم بشكل أسايس يف «االنفجار الحاصل» عىل مستوى الكيان‪.‬‬ ‫يف هذه اللحظة بالذات‪ ،‬يربز مفهوم «املقاومة» للخطر‬ ‫الصهيوين – األجنبي ببعدها املجتمعي أي مقاومة‬ ‫املجتمع ومناعته الداخلية التي يتعذر صياغتها‬ ‫خارج اطار منظومة فكرية شاملة هي منظومة‬ ‫الفكر القومي االجتامعي االنساين الرحب‪ ،‬الذي‬ ‫يشكل البديل الجذري ملشاريع التفتيت واالنهيار‬ ‫املجتمعي‪.‬‬ ‫يبدو واضحاً يف هذه اللحظة املصريية أن‬ ‫املقاومة ليست سالحاً – عىل أهمية السالح‬ ‫ورضورته – بل هي أيضاً بنية اجتامعية مرتاصة‬ ‫تحمي السالح وتحمي املجتمع بأرسه‪.‬‬ ‫ما أردت قوله‪ ،‬أن املستهدف اليوم يف بالدنا‬ ‫اح��داث انقسامات جديدة خطرية للغاية عىل‬ ‫قاعدة طائفية ومذهبية تفتيتية لرضب روح‬ ‫املقاومة يف مجتمعنا املثخن بالجراح‪ ،‬والضعاف‬ ‫مناعته‪ ،‬ولتحقيق الهدف الصهيوين األسايس أي‬ ‫«االن��ح�لال» وضياع الهوية القومية‪ ،‬وتشتت‬ ‫الوعي‪ ،‬وخروج مجتمعنا من معادلة الرصاع معه‪،‬‬ ‫والدخول يف نفق مظلم من الرصاعات العبثية املتناسلة واملدمرة‬ ‫يف آن‪.‬‬ ‫خالصة القول‪ ،‬نجد أنفسنا من جديد اليوم يف مواجهة‬ ‫«الفراغ القاتل» و «الفوىض» املدمرة‪ ،‬وال خالص اال باعادة‬ ‫صياغة املرشوع القومي النهضوي بعد اعادة ترشيقه وصياغة‬ ‫خطته النظامية الدقيقة بعد االستفادة طبعاً من الدروس والعرب‬ ‫املستقاة من تجارب املايض‪.‬‬

‫تصدر بالتعاون مع مكتب الدراسات العلمية برئاسة منصور عازار ـ بيت الشعار‪ -‬املنت الشاميل‬ ‫تليفاكس ‪04-914510‬‬

‫تصدر مبوجب قرار رقم ‪ 82‬تاريخ ‪ 1981/7/6‬صادر عن وزارة االعالم يف لبنان‬ ‫النارش ‪ :‬دار ابعاد بريوت ـ شارع الحمرا ـ بناية هيونداي ـ ط‪ 7‬هاتف ‪01-751541/ 71-341622:‬‬ ‫توزيع ‪ :‬النارشون بريوت ـ مرشفية سنرت فضل الله ـ ط‪ 4‬هاتف وفاكس ‪01/277007-01/277088 :‬‬ ‫خليوي ‪03-975033 :‬‬ ‫دمشق مكتب عائدة سالمة لالخراج الفني والتحضري الطباعي ـ عدوي خلف دار الشفاء ـ سعر العدد‬ ‫‪ 25‬ل‪ .‬س تيليفاكس ‪ 44426588 :‬خليوي ‪Email : aydasalameh@yahoo.com 0933331402 :‬‬ ‫املواد املنشورة تعرب عن رأي أصحابها وال تعرب بالرضورة عن رأي املجلة‬ ‫لإلشرتاك واإلعالن االتصال عىل ‪01-751541‬‬

‫‪mail@tahawolat.net‬‬

‫‪www.tahawolat.net‬‬


‫العدد ‪70‬‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫منرب‬

‫فرض «القدس الكربى» مقابل الفوىض يف سوريا الكربى‬ ‫منصور عازار‬ ‫اكتشفت مفتاح ما يجري يف منطقتنا من خالل خرب قرأته‬ ‫يف ‪ 2012-8-28‬جاء فيه ما ييل‪« :‬جدد رئيس الوزراء اإلرسائييل‬ ‫بنيامني نتنياهو تأكيده مرشوع «القدس الكربى» الذي طاملا سعى‬ ‫إلنشائه‪ ،‬عرب إعالنه أمس أن كتلة «غوش عتصيون» االستيطانية يف‬ ‫جنويب الضفة الغربية تشكل «جزءا ً ال يتجزأ من القدس الكربى» ‪.‬‬ ‫واختار نتنياهو مستوطنة «افرات» خالل افتتاح إحدى مدارسها‬ ‫مع بدء العام الدرايس ليؤكد أن «افرات وغوش عتصيون جزء ال‬ ‫يتجزأ‪ ،‬بل وأسايس ومفروغ منه من القدس الكربى‪ .‬فهام البوابتان‬ ‫الجنوبيتان للقدس وستبقيان دامئاً جزءا ً من دولة إرسائيل» ‪.‬‬ ‫وتقع «غوش عتصيون» التي أقيمت يف أعقاب احتالل الضفة‬ ‫الغربية يف العام ‪ 1967‬يف جنويب غريب مدينة بيت لحم‪ ،‬وتتألف‬ ‫من ‪ 22‬مستوطنة يعيش فيها حوايل سبعني ألف مستوطن‪.‬‬ ‫وبحسب موقع «نيوز ـ ‪ »1‬العربي فقد أعلن نتنياهو عن‬ ‫ب��دء مرحلة جديدة من عمليات البناء يك تكون الكتلة‬ ‫االستيطانية ج��زءا ً من «القدس الكربى»‪ ،‬مؤكدا ً بقاء هذه‬ ‫التجمعات تحت السيطرة اإلرسائيلية يف الظروف كافة‪.‬‬ ‫وي��ق��ع م�ش�روع «ال��ق��دس ال��ك�برى» ضمن مخطط حزب‬ ‫نتنياهو اليميني الـ»ليكود»‪ ،‬ومتتد مساحته من مستوطنة‬ ‫«معاليه أدوم��ي��م» رشق��اً حتى قرية الولجة غ��رب��اً‪ ،‬ومن‬ ‫حاجز قلنديا ش�ماالً حتى مستوطنات «عتصيون» جنوباً‪.‬‬ ‫من جهته‪ ،‬أوضح مدير دائرة الخرائط يف «جمعية الدراسات‬ ‫العربية» يف القدس خليل تفكجي أن «القدس الكربى ستشكل ‪10‬‬ ‫يف املئة من مساحة الضفة الغربية‪ ...‬حيث سيتم ض ّم ‪ 14‬مستوطنة‬ ‫من كتلة غوش عتصيون االستيطانية»‪ ،‬موضحاً أن «مساحة القدس‬ ‫تشكل حالياً ‪ 1,2‬يف املئة فقط من مساحة الضفة الغربية»‪.‬‬ ‫ورشح الخبري القانوين يف شؤون القدس داين سايدمان أن نتنياهو‬ ‫حاول خالل واليته األوىل (‪ )1999-1996‬إضفاء طابع رسمي عىل‬ ‫مصطلح «القدس الكربى»‪ ،‬حتى أنه «قدم مرشوع قرار ملجلس الوزراء‬ ‫بإنشاء بلدية كربى للقدس»‪ ،‬لكنه مل يطبق بالرغم من املوافقة عليه‪.‬‬ ‫ب���دوره‪ ،‬دان املتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل‬ ‫أب���و ردي��ن��ة ت�صري��ح��ات نتنياهو م��ع��ت�برا ً أن���ه «يشجع‬ ‫االس��ت��ي��ط��ان وي��دع��م��ه ومي��ول��ه وي��رع��اه يف ال��وق��ت ال��ذي‬ ‫يجب أن يدعم ال��س�لام وي��زي��ل أي عقبة يف طريقه «‪.‬‬ ‫عىل صعيد آخ��ر‪ ،‬ه��دد رئيس املعارضة اإلرسائيلية ووزي��ر‬ ‫الحرب السابق شاوول موفاز باالنتقام من قادة حركة حامس‬ ‫إذا تكرر استهداف األرايض املحتلة يف العام ‪ 1948‬بالصواريخ‪.‬‬ ‫ونقلت إذاعة جيش االحتالل عن موفاز قوله خالل جولة تفقدية‬ ‫قام بها صباح أمس إىل مستشفى بزالي يف عسقالن إن «حامس‬ ‫تحاول اختبارنا ومن هنا أوجه رسالة لقادتها‪ ،‬دماؤكم يف رؤوسكم‬ ‫ستصفى إذا سقطت شعرة من شعر أبنائنا‪ ،‬السنة الدراسية‬ ‫ستفتح وواجبنا أن نكفل ألبناء الجنوب األمن املطلوب “‪.‬‬ ‫هذا الخرب هو دليل اضايف بان « ارسائيل» تعمل عىل تهويد‬ ‫فلسطني انطالقا من فرض «القدس الكربى» عرب توسيع االستيطان‬ ‫بالقوة ‪ .‬كام ان الخرب كشف النفسية اليهودية الحاقدة التي تهدد‬ ‫وتتوعد بالقتل واراقة الدم الفلسطيني دون رقيب او حسيب او‬ ‫اعتبار لحقوق انسان ‪ .‬كام ان الخرب فضح الضعف الفلسطيني‬ ‫الذي تخىل تدريجيا عن الكفاح املسلح واكتفي باصدار بيان او‬ ‫اطالق العنان لترصيح رفعا للعتب ‪ .‬ويف الخرب غياب الي موقف‬

‫او رد فعل عىل امتداد العامل العريب من املحيط اىل الخليج الغارق‬ ‫يف ربيعه العريب والذي نيس املسألة الفلسطينية وادار ظهره لها‬ ‫مستظال الصمت العريب املميت ‪.‬‬ ‫من ابعاد الخرب ومدلوالته ان العدو االرسائييل منرصف اىل‬ ‫بناء دولته اليهودية بدءا من فرض «القدس الكربى» بينام تعمل‬ ‫مع الواليات املتحدة والرجعية العربية عىل تعميم الفوىض‬ ‫املدمرة واذكاء الحروب االهلية عىل امتداد سوريا الكربى اوال وال‬ ‫سيام يف العراق والشام ولبنان وقريبا يف االردن فضال عن فلسطني‬ ‫املحتلة واملمزقة ‪.‬‬ ‫ما نشهده اليوم يف بالد املرشق حرب منظمة من نوع جديد‬ ‫تخطط بذكاء رشير تدمري املجتمع ملنع اي مقاومة او نهضة قادرة‬ ‫عىل مواجهة «ارسائيل» ‪ .‬تفكيك املجتمع واغراقه يف حروب‬

‫اهلية للتقسيم والتجزئة والتفرقة هو الهدف املبارش لكل ما‬ ‫يحصل يف بالد الشام والرافدين من اجل الهاء املجتمع بذاته حتى‬ ‫تستكمل الدولة اليهودية قضم فلسطني بالتهويد واالستيطان‬ ‫واغراق محيط فلسطني بالفوىض والخراب ‪.‬‬ ‫هذا ما يخطط له العدو االرسائييل يف الرس والعلن ‪ .‬لكن رغم‬ ‫الصمت واليأس نقول مع سعادة ان فيكم قوة اذا فعلت غريت‬ ‫وجه التاريخ ‪.‬وهذه املقولة نجد تجلياتها يف املقاومة واملامنعة‬ ‫وحركة النهضة يف بالدنا التي تخوض حرب وجود طويلة االمد‬ ‫وهي يف هذا التحدي امام فرصة تاريخية لتجديد فعاليتها‬ ‫وتوحيد جهودها حتى تتحول الهزائم اىل انتصارات ‪.‬‬ ‫مهام طال الزمن سيعود الفلسطيني اىل بيته حامال مفتاح‬ ‫العودة بيد ومعول البناء والنهضة واملقاومة باليد االخرى‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫ا�سرتاتيجيا‬

‫العدد ‪70‬‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫الثورات العائدة عىل صهوة االيديولوجيا‬ ‫عىل إختالف إتّجاهاتهم‪ ،‬ورؤاهم‪ ،‬ومقاصدهم ‪.‬ثم جاءت الصورة جديد من األمان الفردي واإلستقرار املجتمعي‪.‬‬ ‫محمود حيدر‬ ‫يف الوضعية العربية سوف نالحظ كيف إمتزجت الثورات‬ ‫لتُفصح عن منظومة كاملة من املشاعر والتّطلّعات ‪ ،‬غايتها إبطال‬ ‫مل ّا تب َّدل العامل‪ ،‬لينعقد عىل نصاب العوملة قبل نحو عقدين من البناء اإليديولوجي املسته َدف (بفتح الدال) ‪ .‬أي الحكم ببطالن بالحروب‪ ،‬إمتزاجاً بدا معه التحيّز ‪ ،‬وكأنه ميتنع عن أن يكون نظريا ً‬ ‫السنوات ‪ ،‬كان كل يشء يجري تحت ذريعة نهاية زمن اإليديولوجيا بنية النظام السيايس و الثقافة التي تربر إستمراره ‪ ،‬متهيدا ً إلقامة للحرية‪ .‬بل لقد بات العنف ُّ‬ ‫الحال كحم ٍل ثقي ٍل فوق جغرافيا‬ ‫الثورات ‪ ،‬هو الحاكم عىل كل تح ّيز داخيل‪ ،‬مهام َمل َ​َك املتح ّيزون من‬ ‫بعدئذ اىل إبراز الحد عليه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪ .‬قيل يومها إن الدنيا صارت واحدة ‪ ،‬وال حاجة‬ ‫ولو نحن انتقلنا من مجال توصيف الصورة‪ ،‬اىل الوقوف عىل فهم لغاياتهم‪ ،‬ومن قدرة عىل توجيه أهدافهم يف االتّجاه الصحيح‪.‬‬ ‫الهويات‪ ،‬وصياغة العقائد السياسية‪ .‬لكن بعد قليل من السنوات‪،‬‬ ‫لقد أ ّدى إمتزاج عقل الفتنة بعقل الثورة‪ ،‬و بسبب من التقائهام‬ ‫سيظهر لنا أن «دراما « اإلنهاء ‪ -‬التي أخرجها الجهاز الفكري لليربالية مغزاها‪ ،‬لبَدا لنا من سايكولوجية الحشود ما يُفصح عن «بهجة‬ ‫رسها عىل أرض واحدة ‪ ..‬اىل إفقاد الثورات أحد أهم أسباب انتصارها‬ ‫الجديدة بإتقان‪ -‬رسعان ما ذوت تحت وطأة اإلنشاء اإليديولوجي التح ّيز» ‪ .‬ثم لوجدنا منظومة من الرموز والكلامت ال يدرك ُّ‬ ‫املستأنف ‪ .‬يف ذلك الوقت ‪ ،‬مل يقصد الذين تولَّوا تظهري فلسفة إالّ من إتّخذ لنفسه سبيالً اىل «جنة املواجهة» ‪ .‬و نقصد بهم أولئك وهو االستقالل ‪ .‬ونعني باالستقالل هنا ‪ ،‬تحرر قوى التغيري الوطني‬ ‫حل كإعصار عىل الهويات الذين منا وعيهم يف مخترب اإلحتدام ‪ ،‬حتى بلغوا الدرجة التي جعلت الدميقراطي من مؤثرات العاملني اإلقليمي والدويل‪.‬إن ما تعيشه‬ ‫النهايات ‪ ،‬سوى تعميق الصدع الذي ّ‬ ‫الثورات العربية من هذه الناحية ‪ ،‬عىل الرغم من خصوصيته‪ ،‬هو‬ ‫‪،‬وال��والءات ‪،‬و املذاهب السياسية ‪ .‬يومها أيضاً دعا بعض الذين كل محت ٍج يعي ويُدرك رضورة التغيري وحتميّته‪.‬‬ ‫يف رحاب تلك املنظومة التي تتو ّحد فيها اإلرادة بالوعي ‪ ،‬سوف إستثناء يثبت القاعدة‪ ،‬السيام لناحية التقاء عنف الخارج وثورات‬ ‫أُخذوا بأوهام النهايات من مثقّفي العاملني العريب واإلسالمي‪ ،‬اىل قطع‬ ‫الصلة بني الثقافة والسياسة ‪.‬و ُح ّجتهم ‪ ،‬أن الوصل بينهام سيفيض اىل تتوفر لشاغيل امليدان رشوط القدرة عىل صناعة الحقائق الجديدة‪ .‬الداخل ضمن ح ّيز مكاين وزماين مشرتك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عىل املستوى النظري ميكن القول ‪ ،‬أنه بالرغم من الحاجة املاسة‬ ‫استئناف اإلستبداد بألوانه املختلفة‪.‬ولقد فعلوا ذلك ‪،‬ظنا» منهم أن فالبينّ من حركة الشارع ‪ ،‬أ ّن كل فاعل فيها صار يشعر بنعمة الحضور‬ ‫ٍ‬ ‫بشغف النظري له ‪ .‬وبأنه ينتقل من اىل التمييز بني الحرب والثورة مع وجود الرتابط الوثيق بينهام ‪ ،‬فإن‬ ‫التح ّيز يف املجال السيايس سيأخذهم مج ّددا ً اىل معاقل اإليديولوجيا ‪ ، .‬و أنه يغادر خوفه وصمته‬ ‫و من هؤالء من تح ّولت األوهام لديهم اىل قناعات آلت يف كثري من الهامش اىل املنت ليصري يف قلب الحدث ‪ .‬وعند هذه النقطة ال تعود علينا ‪ -‬كام تقول حنة أرندت ‪ -‬أن نالحظ حقيقة واقعية وهي‬ ‫أن الثورات والحروب ‪ ،‬ال ميكن أن تقع خارج نطاق العنف ‪ ،‬وأن‬ ‫األحيان‪ ،‬اىل تأليف حركات سياسية ليربالية راحت تنمو عىل الضفة‬ ‫هذه الحقيقة كافية ألن تجعلهام يف معزل رئيس مركز دلتا لألبحاث‬ ‫املعاكسة‪ ،‬ملا سبق أن كانوا عليه من ثوابت ومسلّامت تنتمي عىل‬ ‫املعمقة –بريوت‬ ‫الجملة اىل عامل اليسار بصنوفه الفكرية املختلفة‪.‬‬ ‫عن الظواهر السياسية األخرى ‪ .‬وقد يكون من العسري علينا أن‬ ‫الذي يحدث اليوم سيأتينا مبعايري نظر جديدة ‪ .‬فحاملا تحركت الذي يحدث اليوم سيأتينا‬ ‫ننكر أن من األسباب التي أدت اىل هذه السهولة يف تحول الحروب‬ ‫صفائح « الجيولوجيا السياسية العربية «‪ ،‬سيولّد زمن آخر ‪،‬‬ ‫أخذت مبعايري نظر جديدة ‪ .‬فحاملا تحركت‬ ‫اىل ثورات ‪ ،‬واىل أن تُظهر الثورات هذا امليل املشؤوم اىل إطالق‬ ‫ٍ‬ ‫حالئذ‪،‬‬ ‫تنكفئ معه أوها ٌم وفَ َرضياتٌ وانساقٌ شتى‪ .‬ومن املنطقي‬ ‫الحروب من عقالها ‪ ،‬هو أن العنف نفسه مؤرش مشرتك لهام معاً ‪.‬‬ ‫أن نطالع لغة مل نكن نألفها منذ الصعود املد ّوي للفكر النيوليرب‬ ‫تغتذيايل صفائح « الجيولوجيا السياسية العربية»‬ ‫و مثلام شكل العنف الذي أطلقته الحرب العاملية األوىل عامالً كافياً‬ ‫يف ختام القرن العرشين ‪ .‬مزيّ ُة هذه اللغة‪ ،‬أنها بقدر ما‬ ‫لتوليد الثورات‪ ،‬حتى ولو مل يكن مثة تقاليد ثورية ‪ ،‬فقد شكّل العنف‬ ‫من طبائع اإليديولوجيات التقليدية ‪ ،‬بقدر ما تُظه ُر قوالً سياسياً سيولّد زمن آخر‬ ‫الذي أطلقته العوملة‪ ،‬دليالً عىل عمق الترّ ابط بني حراك الداخل‬ ‫وثقافياً جديدا ً ‪ ...‬قوالً يبدو يف ظاهره عابرا ً لألطر اإليديولوجية ‪،‬إ ّال‬ ‫وإستباحة السيادات الوطنية من الخارج‪.‬‬ ‫أنه يف الواقع ليس كذلك ‪،‬ألنه صادر من بيئات تعيد إنتاج خطبتها‬ ‫هنا بالضبط‪َ ،‬و َج َب التمييز بني مشكلتي التحرر والحرية ‪ ،‬اللّتني‬ ‫االيديولوجية بأساليب مغايرة للتقليد ‪.‬‬ ‫لقد أ ّدى إمتزاج عقل الفتنة‬ ‫ينبغي التص ّدي لهام يف املخترب العريب ‪ .‬هاتان املشكلتان تندرجان يف‬ ‫وهكذا فال يكاد الناشطون الجدد ‪-‬حني ينفصلون عن الخطبة‬ ‫التقليدية التي اعتادت عليها التيارات القومية واملاركسية والدينية بعقل الثورة اىل إفقاد الثورات أحد أهم مقدم املشكالت التي يتوقف عىل إدراكها فهم التحوالت‪ ،‬والتع ّرف‬ ‫عىل القوى الفاعلة فيها‪ ،‬و املحركة إلتجاهاتها‪ .‬وهذا ما يحيلنا مرة‬ ‫زمناً طويالً‪ ، -‬حتى يرجعون اىل طراز جديد من التح ّيز ولو‬ ‫برداء أسباب انتصارها وهي االستقالل‬ ‫أخرى اىل أصل القضية التي م ّر ذكرها يف مستهل بحثنا ‪ ،‬وهي رضورة‬ ‫ليربايل هذه املرة‪ .‬وعىل نح ٍو كهذا ‪،‬مل تكن صورة الشارع العريب‬ ‫البحث عن إسرتاتيجية معرفية تُوازِن بني السيادة الوطنية‪ ،‬والتغيري‬ ‫وهو يفصح عن نفسه باإلحتجاج السلمي حيناً ‪ ،‬والعنيف حيناً‬ ‫الداخيل مبعزل من العنف ‪ .‬واملعني بالعنف هنا ‪ ،‬ليس ذاك الذي‬ ‫آخر ‪ ،‬سوى ترجمة لطور مستأنف من أطوار الحكاية اإليديولوجية‬ ‫تلجأ إليه السلطة الحاكمة ضد معارضيها عندما توشك عىل السقوط‬ ‫‪ .‬وليك ال تلتبس ترجمة الصورة‪ ،‬عىل من أَلِف األمناط املشهورة‬ ‫لظهورات الفكر اإليديولوجي يف القرن العرشين ‪ ،‬نشري اىل أن الحرية بالنسبة إليه مج ّرد قيمة إفرتاضية ‪ ،‬بل هي أمست حضورا ً ‪،‬أو ذاك الصنف من العنف الذي متارسه املعارضة ضد الحكم‪ ...‬وإمنا‬ ‫من سامت الطور املستأنف لهذه الحكاية‪ ،‬هو أنه طور عابر ف ّعاالً داخل الح ّيز الذي تخيرّ ه لها عن سابق تصور و تصميم ‪ .‬ذاك العنف املتدفِّق من الخارج ‪ ،‬والذي غالباً ما يحصل بواسطة‬ ‫لإليديولوجيا كام ذكرنا ‪،‬لكنه متّصل بها وعائد إليها يف اآلن عينه‪ .‬فالحرية التي تحقّقت بانخراط كل فرد داخل الحشود‪ ،‬هي الحارض تحالف دويل لتبديل وجهة النظام وموقعيته الجيو‪-‬سرتاتيجية ‪ .‬ولنا‬ ‫ففي مقام التجربة العربية الراهنة ‪ ،‬سيظهر لنا حضو ٌر مرك ٌّب األبرز يف منطقة التحيّز ‪ .‬إذ سيجد كل متحيّز‪ ،‬وكأنه رشيك يف قض ّية من األمثلة القريبة ما يكفي حني نستذكر اإلحتالل األطليس لدول‬ ‫يعرب عن نفسه بخطاب مشرتك‪ ،‬تو ّحده عصبية معاداة اإلستبداد عادلة تستأهل منه أعىل درجات التضحية ‪ .‬بل ان شعوره بالحضور مثل يوغوسالفيا وأفغانستان والعراق وليبيا‪.‬‬ ‫ومن هنا تربز األهمية القصوى لفهم مشكلة ثورات ما بعد‬ ‫وتف ّرقه الرؤى والتصورات املتعلقة بهوية النظام الذي تتطلّع إليه سيتحول اىل فكرة عملية ذات جاذبية فريدة ‪ .‬بها تتّحد التجربة‬ ‫ثورة الشارع ‪ .‬هذا الحضور يظهر بوضوح عىل ضفتي االستقطاب‪ .‬باملعرفة‪ ،‬وفيها يصبح املجرب عارفاً بحقيقة املخاطرة التي اندفع العوملة ‪ ،‬وخصوصاً لناحية عدم توافق فكرة الحرية مع فكرة التحرر‬ ‫أحزاب وجامعات قومية ويسارية ودينية تقليدية ‪ ،‬من ناحية إليها ‪ .‬ومعها يزول منه خوفه‪ ،‬وينفك من عقدته املزمنة‪،‬ويصري من املؤثر الخارجي‪ .‬وهي املشكلة التي ينبغي حسمها عىل النحو‬ ‫الذي ال يكون فيها الخارج عامالً حاسامً يف رسم الهندسة الداخلية‬ ‫‪..‬و أفراد و مؤسسات أهلية وليربالية من ناحية ثانية ‪ .‬وهذا ما رشيكاً يف الحدث ليسهم مع الرشكاء اآلخرين يف التّغيري الشامل‪.‬‬ ‫للحياة السياسية الوطنية الجديدة‪...‬‬ ‫بني التح ّيز والعنف‪:‬‬ ‫متثّل بـ» اإلندفاع الجامهريي امل ِ‬ ‫ُستهدف « الذي يجد تفسريه يف ما‬ ‫لذا فإن من األوليات املسلم بها أن يكون التحرر من املؤثرين‬ ‫إذا كان التحيّز يجري عىل هذا النحو وفق الوضع الطبيعي ‪،‬‬ ‫تظهره سايكولوجية « إشغال املكان من جانب الجمهور»‪ ..،‬طلباً‬ ‫لح ّيز مكاين ينالون فيه رشف الحضور ورشع ّية اإلحتجاج ‪ ،‬و يضفون فإن ات ّخاذه ُسبُالً عنيفة كام هو حال بعض امليادين العربية ‪ ،‬جعله اإلقليمي والدويل‪ ،‬هو اإلشرتاط الرئييس لوجود الحرية يف املجتمع‬ ‫تح ّيزا ً مق ّيدا ً بفوىض الدم ‪ ،‬ومفتوحاً عىل الفتنة األهلية املسلّحة السيايس وداخل الدائرة الوطنية ‪ ،‬وان كان ال يقود إليها بصورة‬ ‫عليه ألواناً مختلفة من الروحانية السياسية‪.‬‬ ‫مع هذا اإلشغال‪ ،‬سرنى كيف غدت امليادين والساحات‪ ،‬أقرب ‪ .‬فعىل الرغم مام ينطوي عليه التح ّيز من مامرسة الحرية‪ ،‬فإنه آلية رتيبة ‪.‬‬ ‫رئيس مركز دلتا لألبحاث املعمقة ـ بريوت‬ ‫اىل مرموزات إيديولوجية تعكس طموحات وآمال وأفكار شاغليها‪ ،‬يفتقد يف املقابل اىل أع ّز غاياته‪ ،‬وهي اإلنتقال بواسطته اىل زمن‬


‫العدد ‪70‬‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫فكر‬

‫جرح إجتامعي ـ إقتصادي مفتوح‬ ‫طرابس‪ٌ ...‬‬ ‫أمني الذيب‬ ‫بعيدا ً عن ضوضاء السالح وحشود امل ُقاتلني عىل إختالف‬ ‫مشاربهم وإنتامءاتهم امل ّوثقة لدى الجهات االمنية املعنية بإستقرار‬ ‫الوطن ‪ ،‬ويف املقلب امل ُعاكس إلجراءات إنشاء اإلمارات اإلسالمية‬ ‫وإستثامرها كمحطة إنطالق لقيام منطقة عازلة تؤمن املمرات‬ ‫اآلمنة لقوى محلية وإقليمية ودولية تعمل بدأب و ُمثابرة عىل‬ ‫وبغض النظر عن‬ ‫إسقاط النظام السوري منذ آذار العام املايض ‪ّ ،‬‬ ‫القتىل والجرحى والبيوت واألمالك امل ُه ّدمة واملؤسسات التجارية‬ ‫والصناعية والحرف واملهن الحرة التي يتم إحراقها أو توقيفها عن‬ ‫العمل إفساحاً يف املجال إلستثامرات سياسية وأمنية تخدم مصالح‬ ‫الطبقة السياسية امل ُنتفعة من واقع اإلقتتال الدائم حتى ولو كان‬ ‫ذلك عىل حساب الفقراء وعامل املياومة وصيادي االسامك الذين‬ ‫يشكلون السواد االعظم يف عاصمة الشامل والتي قد يصبح اسمها‬ ‫إمارة الشامل أو صانعة ربيعه الدموي ‪.‬‬ ‫تعترب طرابلس بوابة لبنان الشاملية عىل االسواق الخارجية‬ ‫املحيطة وتشهد بواباتها الحدودية‬ ‫وميناؤها حركة تجارية ناشطة يف كال‬ ‫اإلتجاهني أي اإلسترياد والتصدير ‪،‬‬ ‫حيث تُؤ ِمن هذه الحركة فرص عمل‬ ‫كبرية لفئة واسعة من العامل والفقراء‬ ‫املنترشين يف كل مناطق الشامل التي‬ ‫غاب عنها اإلمن��اء وحرضت السياسة‬ ‫املذهبية عىل حساب لقمة عيش‬ ‫الفقراء التي تعود السياسيون الجدد‬ ‫عىل اإلستثامر يف الفقر وأصبح الدوالر‬ ‫هو الثمن العلني للوالء اىل الزعيم‬ ‫واملذهبية شعار الوحدة حيث بدأت‬ ‫معامل الوطن هناك تتالىش متاهياً مع‬ ‫ال��واق��ع الجديد ال��ق��ادم عىل صهوة‬ ‫مسرت دوالر تقوده الحركات اإلسالمية‬ ‫امل ُتشددة وبعض فلول ما يسمى‬ ‫الجيش السوري الحر بقيادة تركية‬ ‫وغربية وما تالها من مصالح اآلخرين‬ ‫محليني كانوا أو خارجيني ‪.‬‬ ‫شكّلت االحداث ذريعة سياسية لخطف املواطن الطرابليس‬ ‫من همومه اليومية إىل أداة عملت عىل توظيفه يف مشاريع‬ ‫داخلية وإقليمية تحت غطاء الوالء املذهبي وخدمة إلغراض املارد‬ ‫السني الذي أعلنه أحدهم ُمترسعاً بفتح املعركة املذهبية عىل‬ ‫دولة شقيقة ‪ ،‬وهكذا تحول الشامل الغارق يف بؤسه وشقائه اىل‬ ‫ساحة حرب مذهبية الطابع وخرج عىل الوطن متهيدا ً لتأقلمه‬ ‫بنمط حيايت مستورد و ُمناقض لصيغة الحياة اللبنانية التقليدية‬ ‫‪ ،‬فإنترشت فيه جامعات ُمتشددة وأفكار سلفية تعتمد التحريض‬ ‫والبغضاء وتُلغي كل من يعتمد العقل والنهج الوطني وتُكفره وقد‬ ‫لعب املال دورا أساسيا يف منطية هذا التحول فإستُبدل املدخول‬ ‫اإلنتاجي كعائد من اليد العاملة والحرفية والصناعية وحركة‬ ‫الشغل اىل مال سيايس مذهبي جنح تدريجياً ليصبح رب عمل‬ ‫لرشيحة واسعة من املؤمنني البسطاء والعامل والفقراء والعاطلني‬ ‫عن العمل وامل ُتعصبني وحلت الجوامع محل الرسايا الحكومي‬ ‫وامل ُسلحني محل الجيش بدعم من املتنفذين يف الدولة وامل ُنتفعني‬

‫منها متاشياً مع املناخ السائد الذي أضفاه ما يُسمى ربيعاً عربياً‪.‬‬ ‫تداعيات أزمة طرابلس بدأت تفرز أزمات إجتامعية إقتصادية‬ ‫بدأت نتائجها تشكل واقعا ال ميكن إغفاله أو تجاوزه ملا تركته من‬ ‫بصامت سلبية عىل الدورة اإلقتصادية ليس فقط يف الشامل إمنا‬ ‫بدأت بوادر الركود اإلقتصادي تتمدد عىل مستوى الكيان اللبناين‬ ‫وتؤثر عىل ُمعظم القطاعات الصناعية منها والتجارية والعقارية‬ ‫والسياحية والخطورة الكبرية تكمن يف إستهداف القطاع املرصيف‬ ‫عىل مستويني ‪ ،‬االول داخيل املتمثل بصعوبة التوظيف والتشدد‬ ‫يف رشوط التسليفات والتسهيالت إحتساباً لتداعيات الوضع‬ ‫االمني والفلتان الحاصل بسبب أحداث الشامل والخوف من‬ ‫متددها اىل مناطق أُخرى ‪ ،‬والثاين هو الضغط الخارجي الذي‬ ‫يستهدف هز اإلستقرار اإلقتصادي عرب تطويق املصارف اللبنانية‬ ‫بقوانني دولية تؤخر وت ُعيق حرية الحركة املرصفية وقد يكون‬ ‫ذلك يف سياق الضغط الغريب السيايس ومامرسة ضغوط تؤدي‬ ‫اىل تحوير مسارات سياسية تخىش عىل اإلنهيار اإلقتصادي رغم‬ ‫الضامنات التي يعممها املرصف املركزي كمحاولة إلمتصاص‬

‫تداعيات أحداث الشامل والضغوطات الخارجية ‪.‬‬ ‫فعىل مستوى الشامل وطرابلس بشكل خاص ‪ ،‬ورغم االموال‬ ‫التي تُضخ يف املدينة ‪ ،‬فإن بوادر إنفجار أزمة إقتصادية إجتامعية‬ ‫بدأت تلوح يف االفق حيث وصلت العديد من العائالت اىل مرحلة‬ ‫الجوع الحقيقي لتوقف حركة العمل بسبب االحداث العسكرية‬ ‫الجارية خاصة إحباط جامعات واسعة من أهايل املدينة وفقدان‬ ‫االمل من توقف القتال واملعارك لتداخل الوضع الداخيل مبصالح‬ ‫الخارج ‪ ،‬ويجب قراءة التحركات اإلحتجاجية التي قامت بها القوى‬ ‫املدنية يف مدينة طرابلس كناقوس خطر حقيقي يسعى اىل تحييد‬ ‫طرابلس عن النزاعات املذهبية واإلقليمية حرصاً عىل إستقرار‬ ‫املدينة وتحررها من التجاذبات الخطرية التي تشهدها املنطقة‬ ‫بأرسها ‪ ،‬فاالمن اإلقتصادي اإلجتامعي أصبح مطلباً شعبياً يف الشامل‬ ‫عربت عنه اإلعتصامات التي نفذتها القوى املدنية كتعبري عن الواقع‬ ‫املأساوي الذي يطال الرشيحة الكبرية من سكان وعائالت املدينة‬ ‫ما يؤرش اىل رفض شعبي واسع مل يعد تجاهله يصب يف مصلحة‬ ‫الراغبني يف إستمرار االزمة بل وتصعيدها‪ ،‬واملرتكزين يف تحريضهم‬

‫عىل مرتكزات مذهبية مل ت ُعد تشكل لألكرثية الشعبية قناعات‬ ‫برضورة إستمرارها حيث ان االذى الحقيقي بات يقع عىل لقمة‬ ‫عيش العائالت التي ال دخل لها من االساس فيام يجري من أحداث‬ ‫عىل الساحة الشاملية وإن عودة طرابلس اىل سابق عهدها يف الحياة‬ ‫املوحدة كمدينة لها تاريخها يف تأسيس الكيان اللبناين منذ اإلستقالل‬ ‫وخرج منها رؤساء وزراء ووزراء ونواب شاركوا يف صياغة الحياة‬ ‫السياسية اللبنانية وساهموا إسهاماً ف ّعاالً يف تأسيس النسيج اللبناين‬ ‫امل ُعارص البعيد كُل البعد عن الضغينة املذهبية والطائفية ‪.‬‬ ‫السؤال املطروح اليوم هو إلي م��دى سيحتمل املواطن‬ ‫الطرابليس حالة الجمود اإلقتصادي والضائقة املعيشية التي بدأت‬ ‫تتفىش يف الوسط الطرابليس الفقري والتي قد تنقلب يف املستقبل‬ ‫املنظور ثورة شعبية ضد الفقر والجوع الناتج عن توريط طرابلس‬ ‫خدمة ألجندات خارجية باتت مكشوفة وواضحة لغري امل ُنخرطني يف‬ ‫النزاع الدائر عىل أرض الشامل ‪.‬‬ ‫أفرزت حرب الشامل خارج نطاق امل ُتنازعني‪ ،‬واقعاً جديدا ً بدأت‬ ‫تتبلور معامله الرافضة تحويل وجه املدينة السلمي اىل منصة لتبادل‬ ‫الرسائل االمنية والعسكرية املحيل‬ ‫منها واإلقليمي وتباعاً ال��دويل ‪ ،‬كام‬ ‫ان اإلهامل التاريخي ملنطقة الشامل‬ ‫وخاصة عكار وطرابلس وحرمانها من‬ ‫اإلمن��اء وسع دائ��رة الفقر والفقراء ‪،‬‬ ‫وكأمنا ذلك ُمخطط قديم لتهيئة البيئة‬ ‫الحاضنة للتطرف الديني ‪ ،‬فقدان‬ ‫االمل لدى االكرثية الشعبية من جدوى‬ ‫اإلستمرار يف الواقع الراهن إلنعكاس‬ ‫سلبياته عىل السلم االه�لي ولوقوع‬ ‫ال��س��واد االع��ظ��م كضحايا ملشاريع‬ ‫سياسية غريبة عن املدينة وتقاليدها‬ ‫‪ ،‬عدم قُدرة العائالت الفقرية تحمل‬ ‫العبء املايل املعييش الناجم عن عدم‬ ‫اإلستقرار الدائم لوقوع الشامل يف‬ ‫دائرة اإلستهداف اإلقليمي وظيفياً ‪،‬‬ ‫كام أرخى التغيري يف دميغرافيا املدينة‬ ‫مذهبياً وطائفياً وتحويلها اىل كانتونات‬ ‫ُمغلقة تهدد الحريات العامة لوقوعها يف إطار امل ُقدس الغري قابل‬ ‫لإلعرتاض والنقاش ‪ ،‬إضافة اىل تحويل مفاهيم املجتمع الشاميل من‬ ‫ثقافة وطنية اىل ثقافة مذهبية من طبيعتها إلغاء اآلخر ‪ ،‬تكون‬ ‫ُحكامً ُمناقضة للمفاهيم الوطنية الجامعة ‪.‬‬ ‫من الواضح تأثري أحداث الشامل امل ُستمرة عىل إستقرار البلد‬ ‫اإلقتصادي وبالتايل إصابة رشيحة واسعة من اللبنانني الفقراء‬ ‫يف لقمة عيشهم حيث أدى الركود اىل دفع العديد من الرشكات‬ ‫واملؤسسات خاصة السياحية والتي بدأت تعتمد سياسة التقشف‬ ‫والرصف من الخدمة ‪.‬‬ ‫ال شك ان التداعيات االقتصادية اإلجتامعية بدأت تطال الوطن‬ ‫اللبناين بأجمعه وقد يكون عىل الجمعيات املدنية والنقابات ان تبدأ‬ ‫تحركاً يستهدف إعرتاض أالحداث والوقوف بوجهها إعالمياً وتظاهرا ً‬ ‫وتحريض الفئات الفقرية امل ُترضرة بلقمة عيشها من التصدي بكافة‬ ‫الوسائل السلمية امل ُتاحة مل ُناهضة املد املذهبي امل ُتشدد الذي ال‬ ‫يُنتج إال الفقر والجوع والتفرقة ‪ ،‬فلتكن رصخة وطنية ُمدوية ضد‬ ‫العنف املجاين الذي ال يخدم إال العدو اإلرسائييل ‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫العدد ‪70‬‬

‫فكر‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫وضع مأساوي يعيشه مسيحييو الرشق‪...‬‬ ‫هي قضية الشعوب العربية و االسالمية ايضاً‬ ‫يتابع الكاتب جورج حداد يف الجزء‬ ‫الثاين واألخريمن رصخة االحتجاج حول الوضع‬ ‫املأساوي التاريخي ملسيحيي الرشق‪ ،‬حيث‬ ‫يفتح السجالت السوداء لليهودية عرب التاريخ‪،‬‬ ‫ومنها باالخص صلب السيد املسيح ومجزرة‬ ‫اطفال بيت لحم‬ ‫جورج حداد‬ ‫جاء يف موقع ديني بلغاري‪»:‬وقعت هذه الجرمية ضد االطفال‬ ‫يف ‪ 29‬كانون االول‪ ،‬يف السنة االوىل بعد ميالد املسيح‪ ،‬ويف هذا اليوم‬ ‫تحتفل الكنيسة بذكرى االطفال القتىل‪ .‬فمنذ ظهور النجم للمجوس‬ ‫حتى هذا التاريخ كان قد مىض سنة وتسعة اشهر‪ .‬اما ملاذا قتل‬ ‫هريودوس االطفال بعمر سنتني وما دون‪ ،‬فهو قد فعل ذلك بدافع‬ ‫الخوف وملزيد من االطمئنان» (اىل قتل املسيح)‪.‬‬ ‫وتم قتل االطفال بأشكال مختلفة‪ :‬بعضهم قتل بالسيف‪،‬‬ ‫وبعضهم رضب رأسه بالصخر او الحائط‪ ،‬وبعضهم رمي عىل االرض‬ ‫وديس باالرجل‪ ،‬وبعضهم خنق بااليدي‪ ،‬وبعضهم قطع اىل اجزاء‪،‬‬ ‫وبعضهم طعن وقطع اىل نصفني‪.‬‬ ‫ويصف القديس يوحنا الفم الذهب حال االمهات خالل ارتكاب‬ ‫املجزرة فيقول‪:‬‬ ‫«حينام رأين ذلك سألت االمهات القتلة‪ :‬ملاذا تقتلون اطفالنا؟ ما‬ ‫هي االهانة التي وجهوها للقيرص او لكم؟‬ ‫ومل يكن يوجد احد يك يجيب ملاذا يجري هذا القتل العبثي‪ ،‬وال‬ ‫احد ميكن ان يعزيهن يف هذا املصاب الجلل‪ .‬اما هن فمع النحيب‬ ‫كنا يرصخن بالجنود‪:‬‬ ‫ارحمونا‪ ،‬ارحمونا!‬ ‫أليس لكم انتم بالذات امهات؟ أمل تعرفوا الحب االمومي؟ ألستم‬ ‫انتم محبوبني من امهاتكم؟ اال تخشون ان يحدث الطفالكم مثلام‬ ‫يحدث الطفالنا؟ ارثوا لحالنا؟ ال تحرمونا من اطفالنا‪ ،‬واقتلونا نحن‬ ‫اوال‪ ،‬النه ليست لنا القدرة عىل احتامل موت اطفالنا! اطعنونا نحن!‬ ‫اذا كان اطفالنا سببوا لكم اي اساءة‪ ،‬فلنمت نحن معهم!‬ ‫وكانت النسوة يعترص االمل قلوبهن‪ ،‬وميزقن ثيابهن حزنا ولوعة‪،‬‬ ‫ويلطمن صدورهن‪ ،‬ويخدشن وجوههن‪ ،‬وينتزعن شعورهن‪،‬‬ ‫صارخات نحو السامء‪:‬‬ ‫ـ يا ربنا‪ ،‬يا الهنا! ماذا تعني كل هذه القسوة من قبل القيرص؟‬ ‫انه يقف ضد خلقك انت؛ انت خلقت‪ ،‬وهو يقتل؛ انت وهبتنا‬ ‫االطفال‪ ،‬وهو يأخذهم منا! ملاذا ولدنا صبيانا‪ ،‬طاملا ان اطفالنا سوف‬ ‫يتعرضون لهذه امليتة االليمة؟»‬ ‫اما القديس يوحنا الدمشقي فيصف مصيبة االمهات كام ييل‪:‬‬ ‫«ان االمهات‪ ،‬اللوايت ولدن اوالده��ن ب��اآلالم‪ ،‬جلسن بقرب‬ ‫جثامني اوالدهن املقتولني‪ ،‬وهن مبعرثات الشعور‪ ،‬رافعات ايديهن‬

‫نحو السامء‪ ،‬وهن يشددن شعورهن وينرثن الرتاب عىل رؤوسهن‪،‬‬ ‫داعيات السموات الن تشهد والدموع تنهمر من اعينهن‪ ،‬ويوجهن‬ ‫الكالم اىل هريودوس الغائب‪ ،‬وكأنه حارض امامهن‪ :‬ايها امللك‪ ،‬ماذا‬ ‫يعني هذا االمر من قبلك‪ ،‬واملوجه ضدنا؟ ايعقل أال تكون انت ابا‬ ‫الوالدك؟ ايعقل أال تعرف مدى محبة الوالدين لالطفال؟ هل احزنك‬ ‫النجم؟ فلامذا اذن مل توجه سهامك نحو السامء‪ ،‬وجففت الحليب يف‬ ‫صدورنا؟ هل سبب لك املجوس سوءا؟ فلامذا اذن مل تحارب فارس‪،‬‬ ‫وحرمت بيت لحم من اطفالها؟ اذا كان قد ولد ملك جديد وانت‬ ‫تعرف عن ذلك من الكتب‪ ،‬فلامذا اذن مل تقبض عىل جربائيل وترسله‬ ‫اىل السجن؟»‪.‬‬ ‫كام جاء يف موقع قبطي آخر‪:‬‬ ‫«يقول الرب أنه يف زمن محدد‪ ،‬وحدده بقوله يف ذلك الزمان‪،‬‬ ‫سيكون إلهاً لكل عشائر إرسائيل وهم يكونون له شعباً‪ ،‬وهذا األمر مل‬ ‫يكن واقع حال بني ارسائيل عند إرسال يسوع ألنهم مل يكونوا مؤمنني‬ ‫حقاً‪ ،‬وإال ملا كانت هناك حاجة إلرسال من يعرفهم طريق الرب‪ ،‬ال‬ ‫بل ان بني ارسائيل حتى رفع يسوع أو قيامته مل يكونوا شعباً للرب‬ ‫بل كانوا كافرين به ومبن أرسله إليهم وكانوا طوال الزمن الذي عاش‬ ‫يسوع بينهم كارهني له ومقاومني لدعوته وساعني اىل قتله كام تقول‬ ‫االناجيل»‪.‬‬ ‫وال بد من املالحظة ان هناك بعض االوساط مبا فيها مسيحية‪ ،‬وال‬ ‫سيام املتأثرة بالصهيونية‪ ،‬تشكك يف وقوع هذه املجزرة‪ .‬كام ان هناك‬ ‫اختالفاً يف تقدير عدد االطفال الذين قتلوا‪ .‬ويقول احد املواقع ان‬ ‫هناك موسوعة كاثوليكية تقول ان عدد االطفال الذين قتلوا يرتاوح‬ ‫فقط بني ‪ 6‬اىل ‪ 20‬طفال‪ .‬يف حني ان الكنائس االرثوذوكسية تحتفل‬ ‫بذكرى الشهداء االطفال الـ ‪ 14000‬شهيد؛ اما الكنيسة الرسيانية‬ ‫فتحتفل بذكرى الشهداء االطفال الـ ‪ 64000‬شهيد؛ واما الكنيسة‬ ‫القبطية فتحتفل بذكرى الـ ‪ 144000‬شهيد‪.‬‬ ‫رمبا يجد البعض يف تقديرات الكنيستني الرسيانية والقبطية‬ ‫مبالغة يف ارقام عدد الشهداء‪ .‬وهو ما يجد تفسريه يف رغبة بعض‬ ‫املدونني الكنسيني يف تعظيم دور املسيحية االوىل وتضحياتها‪،‬‬ ‫وتعظيم اهمية قيام املسيحيني القبطيني االوائ��ل بايواء وتخبئة‬ ‫العائلة املقدسة التي هربت اىل مرص وانقاذ يسوع الطفل‪.‬‬ ‫ولكن تقدير املوسوعة الكاثوليكية بأن عدد االطفال املقتولني ال‬ ‫يتجاوز ‪ 6‬اىل ‪ 20‬طفال ينم عن عنرصية مبطنة هدفها‪:‬‬ ‫ـ‪1‬ـ تربئة روما من ارتكاب مجزرة‪ ،‬وتصوير الجرمية عىل انها‬ ‫جرمية شبه فردية ذهب ضحيتها بضعة اطفال فقط‪.‬‬ ‫ـ‪2‬ـ التقليل من شأن املسيحية الرشقية وتضحياتها‪.‬‬ ‫ولو مل تكن املجزرة صحيحة‪ ،‬كام يف الرواية املسيحية‪ ،‬ملا اهتمت‬ ‫بها الكنيسة كل هذا االهتامم‪ ،‬وملا تناولها آباء كبار للكنيسة كالقديس‬ ‫يوحنا الفم الذهب والقديس يوحنا الدمشقي وغريهام كرث‪.‬‬ ‫وال يزال بعض ممثيل الكنيسة املسيحية يستخدمون تعابري‬ ‫جملوية (‪ )phraseology‬يهودية للتعريف مبيالد املسيح‪ ،‬االمر الذي‬ ‫ميثل رضيبة معنوية ومفاهيمية (الهوتية واجتامعية) كبرية جدا‪،‬‬

‫ناشئة عن االعتقاد الخاطئ الذي تأخذ به الكنيسة وهو االعتقاد‬ ‫بأولوية نشوء اليهودية قبل املسيحية‪ .‬ومن هذه التعابري االعرتاف‬ ‫بأن السيد املسيح ولد بوصفه ملكا لليهود‪.‬‬ ‫ولو كانت هذه الجملوية صحيحة لكان املسيح ولد كملك‬ ‫فعال‪ ،‬وكملك لليهود تحديدا‪ .‬ولكن اليهود انفسهم ال يزالون حتى‬ ‫اليوم ينتظرون عبثا مجيء مسيحهم ـ امللك اليهودي الذي سيكرس‬ ‫سيادتهم عىل العامل‪.‬‬ ‫وال بد ان نذكر هنا ان حالة الهسترييا التي قابل بها هريودوس‬ ‫ميالد املسيح مل تكن مقترصة عليه وحده بل كانت تعرب عن حالة‬ ‫الذعر التي كانت تعم االمرباطورية الرومانية حيال انتشار االفكار‬ ‫املسيحية ونبوءة ظهور املسيح ـ املخلص‪ .‬ويف هذا الصدد نورد فيام‬ ‫ييل بعض ما اطلعنا عليه يف احد املواقع املسيحية البلغارية‪:‬‬ ‫ـ‪1‬ـ يقول احد الكتاب الدينيني البلغار يف موقع (‪)SIBIR.BG‬‬ ‫ان املجوس الذين جاؤوا لريكعوا للمسيح هم فرس زرادشتيون وانهم‬ ‫علموا عن والدة املسيح من بقايا املسبيني اليهود يف بابل حينام‬ ‫كانت تحت السيطرة الفارسية‪ ،‬وانهم كانوا يتفاهمون مع هؤالء‬ ‫املسبيني باللغة االرامية‪ .‬وهذا يدل اما ان هؤالء املسبيني كانوا‬ ‫اراميني مسيحيني (اي مؤمنني مبجيء املسيح) او يهودا مسيحيني‬ ‫(ولهذا يتكلمون اآلرامية)‪ .‬كام يدل عىل انتشار االرامية والدعوة‬ ‫املسيحية بني الفرس ايضا‪ ،‬مام يدل عىل الدور الطليعي الذي قام‬ ‫به املسيحيون االراميون يف نرش الدعوة املسيحية واللغة والثقافة‬ ‫اآلراميتني منذ ما قبل والدة املسيح‪.‬‬ ‫ـ‪2‬ـ وجاء يف مقالة منشورة يف الجريدة البلغارية «الشاطئ‬ ‫الحر» يف ‪21‬ـ‪ 27‬نيسان ‪ :1995‬ان طبيبا رومانيا اسمه اسكوالب‬ ‫كولتيليي ارسل رسالة اىل ابن اخيه الضابط يف الجيش الروماين يف‬ ‫سوريا يقول له فيها‪« :‬ان عبيدنا هم متأثرون جدا بخرب من يسمى‬ ‫املسيح‪ ،‬وبعضهم كان يتحدث عىل املكشوف عن «اململكة الجديدة»‬ ‫( ايا كانت معاين هذه العبارات)‪ ،‬وقد جرى اعدامهم عىل الصلبان»‪.‬‬ ‫وهذا يدل عىل انتشار العقيدة املسيحية (االميان باملسيح املخلص)‬ ‫يف صفوف عبيد روما الذين كانوا من جنسيات مختلفة بالرغم من‬ ‫التعذيب واالعدامات التي كانوا يتعرضون لها‪.‬‬ ‫ماذا ميكننا ان نستنتج من الرواية املسيحية حول مجزرة اطفال‬ ‫بيت لحم لدى والدة يسوع الطفل؟‪:‬‬ ‫ـ‪1‬ـ ان املسيحية (االميان مبجيء املسيح ـ املخلص) كانت تنترش‬ ‫يف فلسطني وسوريا ومرص والعراق وحتى فارس‪ ،‬كام يف صفوف عبيد‬ ‫روما من مختلف القوميات وخاصة االغريق والسالفيني واالحباش‬ ‫والشامل افريقيني‪ ،‬وذلك قبل والدة املسيح ذاته‪ .‬وهذا االنتشار‬ ‫للعقيدة املسيحية‪ ،‬قبل ميالد املسيح‪ ،‬كان يشمل قسام من اليهود‪،‬‬ ‫ولكنه كان اوسع بكثري من اليهودية‪ ،‬وكان سابقا عليها؛ وقد منت‬ ‫اليهودية‪ ،‬كظاهرة شوفينية طفيلية ضيقة تخص العربانيني فقط‪،‬‬ ‫داخل االطار املسيحي «العريب» واالممي الواسع‪.‬‬ ‫ـ‪2‬ـ انه مع انتشار الدعوة املسيحية كانت تنترش اللغة والثقافة‬ ‫واملناقبية االرامية (وهي املناقبية التي جعلت هنيبعل العظيم ميتنع‬ ‫عن اقتحام وتدمري وسلب ونهب واعامل السيف يف رقاب سكان روما‬


‫العدد ‪70‬‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫فكر‬ ‫كانوا طوال الزمن الذي عاش يسوع بينهم كارهني له ومقاومني لدعوته وساعني اىل قتله كام تقول االناجيل‬ ‫ال يزال بعض ممثيل الكنيسة املسيحية يستخدمون تعابري جملوية (‪ )phraseology‬يهودية للتعريف مبيالد املسيح‬ ‫«الفلسفة الصوفية اليهودية» هي العدو االكرب للمسيحيني االوائل‬ ‫من املحتم ظهور الديانة املسيحية الرشقية لتأطري النضال الشعبي «العريب» واالممي ضد االمرباطورية الوحشية والظالمية الرومانية‬

‫معدومة الدفاع بعد ان سحق هنيبعل الجيش الروماين يف معركة‬ ‫كاناي يف ‪ 216‬ق‪.‬م‪.).‬‬ ‫ـ‪3‬ـ ان قرار هريودوس بقتل جميع االطفال دون متييز‪ ،‬وموافقة‬ ‫القادة اليهود عىل ذلك‪ ،‬يعني ان غالبية الشعب يف بيت لحم‬ ‫(واستطرادا يف املحيط كله)‪ ،‬سواء كانوا يهودا او غري يهود‪ ،‬كانوا‬ ‫من املؤمنني مبجيء املسيح ـ املخلص‪ ،‬بحيث ان هريودوس والقادة‬ ‫اليهود كانوا يعتربون «هذا الشعب» بأغلبيته الساحقة «مسيحيا»‬ ‫وعدوا لهم‪.‬‬ ‫ـ‪4‬ـ مع انتشار املسيحية يف صفوف اليهود‪ ،‬ظهرت الفلسفة‬ ‫الدينية الصوفية اليهودية كأداة يف يد الطغمة العليا اليهودية لتربير‬ ‫استمرار «الخصوصية» و»النخبوية اليهودية»‪ .‬فكانت هذه «الفلسفة‬ ‫الصوفية اليهودية» العدو االكرب للمسيحيني االوائل‪ .‬وقد رفض اليهود‬ ‫املسيح منذ والدته وطفولته وتآمروا لقتله‪ ،‬اي ان النزاع املسيحي‬

‫ـ اليهودي كان موجودا ليس بعد بدء رسالة املسيح واختالفه مع‬ ‫اليهود‪ ،‬بل ان االختالف كان موجودا حتى قبل ان يولد املسيح‪ ،‬وهم‬ ‫رفضوه وتآمروا لقتله منذ والدته بالذات‪ ،‬النهم مل يكونوا يريدونه‪،‬‬ ‫بل كانوا يريدون والدة ملك يف بيت ملويك‪ ،‬اي انهم كانوا يربطون‬ ‫عقيدتهم االستغاللية ـ الوحشية فقط بالسلطة والتسلط‪ .‬يف حني‬ ‫ان املسيحيني كانوا مهيأين‪ ،‬عقائديا وثقافيا ونفسيا‪ ،‬لقبول املسيح‬ ‫ابن الشعب (الذي تسميه العقيدة الدينية املسيحية «ابن االنسان»)‬ ‫الذي سيخلصهم من الظلم واالستبداد واالستغالل‪ ،‬وذلك قبل والدة‬ ‫املسيح ذاته‪.‬‬ ‫ـ‪5‬ـ بالتجرد عن الجانب الديني الالهويت البحت‪ ،‬وبالنظر اىل‬ ‫والدة وظهور املسيح من الزاوية االجتامعية ـ االنسانية‪ ،‬الواقعية‬ ‫والرمزية معا‪ ،‬وبالنظر اىل االنتشار الواسع للمسيحية (االميان مبجيء‬ ‫املسيح ـ املخلص) قبل والدة السيد املسيح‪ ،‬ميكن القول ان الظروف‬

‫املوضوعية لظهور املسيح كانت قد اكتملت‪ ،‬بفعل التناقض الشديد‬ ‫بني االمرباطورية الرومانية واعوانها اليهود‪ ،‬وبني جامهري الشعوب‬ ‫املسحوقة يف االمرباطورية‪ .‬ولو ان «هذا» الطفل يسوع كان قد قتل‬ ‫مع اطفال بيت لحم‪ ،‬لكان من املحتم ان يعود املسيح للظهور عرب‬ ‫«والدة» اخرى‪ ،‬ولكان من املحتم ظهور الديانة املسيحية الرشقية‬ ‫لتأطري النضال الشعبي «العريب» واالممي ضد االمرباطورية الوحشية‬ ‫والظالمية الرومانية وغريها من امرباطوريات وظالميات ذلك الزمان‬ ‫وكل زمان‪.‬‬ ‫ـ‪6‬ـ لقد استطاع هريودوس ويهوده القضاء عىل بضعة آالف طفل‬ ‫«مسيحي» يف بيت لحم‪ .‬وفيام بعد استطاعت روما واليهود قطع‬ ‫رأس يوحنا املعمدان وصلب املسيح الشاب وقتل الكثري من تالمذته‬ ‫القديسني وجامهري واسعة من املؤمنني املسيحيني‪ .‬واستطاع الحكام‬ ‫اليهود يف اليمن‪ ،‬بدعم من روما‪ ،‬ابادة املسيحيني يف اليمن واحراقهم‬ ‫احياء (اصحاب االخ��دود)‪ .‬واستطاع الرومان البيزنطيون القتل‬ ‫الجامعي للرهبان واملسيحيني (املوارنة) يف اواسط سوريا واجبارهم‬ ‫عىل الفرار اىل جبال لبنان الوعرة‪ .‬ولكن كل هذه املجازر وغريها مل‬ ‫متنع انتشار املسيحية الحقيقية الرشقية‪ ،‬وظهور االسالم الحقيقي‬ ‫املكمل لها‪ ،‬وسقوط االمرباطوريات والظالميات املستبدة والظاملة‪.‬‬ ‫ـ‪7‬ـ لقد تعرض اليهود اىل االضطهاد عىل يد النازية‪ .‬واستغلت‬ ‫ارسائيل والصهيونية هذا االضطهاد افظع استغالل من اجل تربير‬ ‫احتالل فلسطني وصلب الشعب الفلسطيني‪ .‬واصبحت صناعة‬ ‫املتاجرة بالهولوكوست افظع تجارة الرسائيل‪ .‬وبالتأكيد يجب فضح‬ ‫االهداف الصهيونية من هذه املتاجرة‪ .‬ولكن هذا ال يعني نكران‬ ‫الهولوكوست‪ ،‬الن الذين قتلتهم النازية هم اما يهود شيوعيون او‬ ‫اشرتاكيون او ناس عاديون ذنبهم الوحيد انهم ولدوا يهودا‪ .‬ولكن‬ ‫الهولوكوست التي وقعت ضد اليهود تعرب عن معاداة فئة واحدة‬ ‫من الناس هي اليهود‪ .‬ودون اي تقليل من اهمية وخطورة هذه‬ ‫الجرمية ضد االنسانية نقول ان قتل اطفال بيت لحم هي جرمية‬ ‫افظع من الهولوكوست‪ ،‬النها كانت موجهة ضد كل سكان بيت‬ ‫لحم‪ ،‬سواء كانوا «مسيحيني» يهودا او اراميني او غريهم‪ ،‬او حتى غري‬ ‫«مسيحيني»؛ اي انها كانت موجهة ضد كل من هو غري روماين وغري‬ ‫يهودي‪ ،‬اي انها جرمية ضد االنسانية جمعاء وليس ضد فئة بعينها‪.‬‬ ‫ـ‪8‬ـ ان انتشار الكاثوليكية يف الرشق‪ ،‬ويف البلدان الفقرية واملظلومة‬ ‫«الرشقية الطابع» وان كانت «غربية املوقع» كبلدان امريكا الالتينية‪،‬‬ ‫وانتشارها يف صفوف الجامهري الفقرية يف اوروبا وامريكا‪ ،‬يدفع الفاتيكان‪،‬‬ ‫ومن اجل االحتفاظ بجامهريه‪ ،‬للتخيل اكرث فأكرث عن تقاليده كوريث‬ ‫المرباطورية الرش الرومانية القدمية‪ ،‬وللتقرب اكرث فأكرث من الشعوب‬ ‫الرشقية واملستعمرة واملظلومة‪ ،‬وبالتايل التقرب اكرث من املسيحية‬ ‫الرشقية واملسيحيني الرشقيني‪ .‬ولكن الفاتيكان ال يزال اىل اليوم يدفع‬ ‫رضيبة معنوية واخالقية ودينية كبرية لكونه وريث االمرباطورية‬ ‫الرومانية‪ .‬ويبدو ذلك بشكل صارخ يف ان الفاتيكان ال يزال اىل اليوم‬ ‫يرتدد يف فتح السجالت السوداء لروما ولليهودية‪ ،‬ومنها باالخص صلب‬ ‫السيد املسيح ومجزرة اطفال بيت لحم‪.‬‬ ‫ـ‪8‬ـ واليوم فإن من يتنطح للقضاء عىل املسيحية الرشقية‬ ‫واملسيحيني الرشقيني‪ ،‬من امريكا اىل االطليس اىل ارسائيل اىل الظالميني‬ ‫«االسالمويني» املزيفني‪ ،‬سيكون مصريهم كمصري روما‪ ،‬اي هم الذين‬ ‫سيقىض عليهم‪ .‬الن قضية املسيحية الرشقية وااملسيحيني الرشقيني‬ ‫ليست قضيتهم وحدهم‪ ،‬بل هي قضية جميع الشعوب العربية‬ ‫واالسالمية والرشقية املظلومة وجميع الرشفاء يف العامل‪.‬‬ ‫*كاتب لبناين مستقل‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫العدد ‪70‬‬

‫منا�سبة‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫أيحتاج الفكر النري إىل مقصلة تحميه؟‬

‫ملناسبة اللقاء السنوي الخامس‬ ‫مع سعاده‪ ،‬الذي أقيم يف ضهور الشوير القى‬ ‫الدكتور سليم مجاعص محارضة قيمة بعنوان‬ ‫« أنطون سعاده الحقيقة ورجل الحق» تنفرد‬ ‫تحوالت بنرش اهم ما جاء فيها ‪:‬‬

‫نحن هنا‪ ،‬يف هذا املكانِ املبارك‪ ،‬عىل جبلِ سعاده‪ ،‬فصريورتنا‬ ‫املساواة‪ ،‬وإن إنتفت املساوا ُة من أماكن كثرية من الوطنِ املهشم‪.‬‬ ‫كلنا سوريون يف عينه ويف قلبه‪ ،‬فهل نفرق بني ما جمعت ُه محبتُه؟‬ ‫صديق صنني وجبل الشيخ‪،‬‬ ‫حديثي إليكم عن رجلِ الحق‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وجبل الكرمل وجبل إنطاكية!‬ ‫اإلعدام اللئيمِ أن‬ ‫يكتب محر ُر جريدة اإلخاء األرجنتينية غداة‬ ‫ِ‬ ‫ترتاح أللف سنة حتى تلد شبي َه‬ ‫عىل ِ‬ ‫أرحام النسا ِء يف سورية أن َ‬ ‫أنطون سعاده!‬ ‫لكني أُصارحكم إين سعيد أن أرحا َم نسا ِء سورية مل تسرتح‬ ‫ألن يف ذلك فنا ُء األمة‪ ،‬وبني شبي ٍه لسعاده وحيا ُة األمة نختا ُر حيا َة‬ ‫األمة!‬ ‫إنجاب سعاده ألن عطا َء‬ ‫وأرحا ُم نسا ِء سورية مل تسرتح قبل‬ ‫ِ‬ ‫األمة السورية ال يبدأ بسعاده وال ينتهي ب ِه‪ ،‬ومن يدعي غري ذلك مل‬ ‫يفهم كيف إختار سعاده أن يحيا ألجل سورية وأن ميوت يف سبيلها‪.‬‬ ‫يقول الكاتب‪ :‬يجب عىل أرحام نساء سورية أن ترتاح أللف‬ ‫سنة! هذا كال ُم ذل من رجلٍ ذليلٍ ال يعرف حقيق َة رجل الحق‪.‬‬ ‫إن يف هذه األمة عادة مستعصية‪ ،‬كل عرزال مدرسة فكر‬ ‫تكلل َ‬ ‫التالل فهي أنج ُع‬ ‫ازيل ُ‬ ‫وطود نبوغ! أرسعوا وإبتنوا لكم عر َ‬ ‫من جامعات املستعمرين!‬ ‫أتحتاج األرحا ُم أن ترتاح وقد أنجبت مباركة مثل جولييت‬ ‫ُ‬ ‫املري؟!‬ ‫يف رحلتي مع الرجل العظيم مررت بوديان وقمم‪ .‬فلنبدأ من‬ ‫الوديان ألنه جميل أن ننتهي عند القمم!‬ ‫يف هذه السنني الطوال‪ ،‬درست كل ما توفر يل من الكتابات‬ ‫عنه يف الكتب والدوريات‪.‬‬ ‫كتاباتنا عنه منها الغث ومنها السمني‪ ،‬منها املتحرك ومنها‬ ‫البدين‪ ،‬البسيط والغليظ‪ ،‬والسخيف واملخيف‪.‬‬ ‫فلو أخذنا هذه الكتابات‪ ،‬كتاباتنا جميعا‪ ،‬وأزلنا عنها رواسب‬ ‫بديهيات الزمان واملكان‪ ،‬وأخبار العشرية واألعامم‪ ،‬واملدرسة األوىل‬ ‫والصديقة األوىل والوظيفة األوىل‪ ،‬وأزلنا املواعظ والحكم املنقولة‬ ‫ودروس الحياة املستقاة‪ ،‬يبقى سؤال أليم‪ :‬رافقنا‪ ،‬أو رافق بعضنا‪،‬‬ ‫هذا الرجل الكبري لساعة‪ ،‬ليوم‪ ،‬ألسبوع‪ ،‬لشهر‪ ،‬لسنة‪ ،‬لعقد من‬ ‫السنني‪ ،‬وهذا كل ما إستطعنا أن نرتك مرياثا لجيل التاسع من متوز؟‬ ‫نعملق األمر العادي البديهي فعندما نصل إىل العمل الفريد‬ ‫الفذ تكون التكبريات قد إستنفذت أبعادها وصغرت وذبلت‪:‬‬ ‫حمل أخته إىل الطبيب‪ ،‬يقولون‪ ،‬أي أخ برعمت يف قلبه طيبة‬ ‫النفس السورية ال يفعل ذلك ويا عيبه إن مل يفعل!‬ ‫أنزل العلم العثامين بعد إنسحاب جيش بني عثامن‪ ،‬يقولون‪.‬‬ ‫كم من هذه األعالم نزع يف الثغور واملدائن!‬ ‫بدأ يعمل لإلرتزاق يف السادسة عرش من عمره‪ ،‬يقولون‪ .‬وأين‬

‫العجب وذلك شأن غالبية أترابه وبنات خاله‪.‬‬ ‫بدأ العمل كمراقب يف رشكة خطوط حديدية‪ ،‬يقولون‪،‬‬ ‫«معرضا نفسه لتقلبات الطقس والربد القارس وصعوبات الخدمة‬ ‫ونظامها القايس الشديد»‪ .‬لكن عمل املراقبة يا رفيقي عمل شبه‬ ‫مكتبي وسعاده بلغ بلدة خاله يف منتصف الربيع وغادرها مع‬ ‫نهاية الخريف‪ .‬فأين الربد القارس‪ .‬وهل نظام الحضور يف الوقت‬ ‫املعني إىل العمل نظام قاس وشديد!‬ ‫أمام هذه األمثلة علينا أن نسأل‪ :‬إن أذهلتنا البديهيات فام‬ ‫نوعية مقاييسنا وتجارب حياتنا ومؤهالتنا الشخصية؟‬ ‫أبهذه البديهيات نقدم رجل الحق إىل األمة‪ .‬أال نخىش أن‬ ‫يذكرنا أحد بشاعر أمري حلب‪:‬‬ ‫وتعظم يف عني الصغري صغارها‪...‬‬ ‫أال نستحي ويستحون!‬ ‫يقول لنا واحد أنه ولد يف غياب والده يف مرص فقام جده‬ ‫بتسميته عىل نفسه! ولد أنطون الحفيد يف آذار‪ ،‬وتويف أنطون‬ ‫الجد يف كانون األول من السنة السابقة‪ ،‬فكيف أىت األمر العجيب!‬ ‫لقد جرى الدكتور سعاده عىل عادة تسمية أوالده بأسامء‬ ‫غربية‪ :‬أرنست‪ ،‬آرثر وما شابه‪ .‬وقد شذ عن هذه القاعدة مرتني‬ ‫ويف الحالتني بعد وفاة قريب حبيب‪ .‬املرة األوىل وفاة الجد أعطت‬ ‫الحفيد إسمه‪ .‬املرة الثانية حني تويف أخ الدكتور سعاده سليم‪ ،‬فكان‬ ‫أن سمى الدكتور إبنه عىل إسم األخ الراحل وأهدى كتابه حول‬ ‫السل الرئوي لذلك األخ وكلل الكتاب برسم األخ ذاك‪ .‬وبعد ذلك‬ ‫عاد الدكتور سعاده إىل نهج التسمية األجنبية مع إدوراد وغريس‪.‬‬ ‫ويقول لنا واحد أنه بدأ العمل كمراقب يف سكة الحديد يوم‬ ‫األول من آذار‪ ،‬لكن سعاده مل يصل إىل الواليات املتحدة حتى‬ ‫نيسان فكيف يقايس نظام العمل الشديد قبل أن يركب الباخرة‬ ‫التي سوف تقله إىل بالد تلك الرشكة!‬ ‫ونحاول سبك إستثناءات طفيفة يف وهم التعظيم‪.‬‬ ‫مل يدعي سعاده يوما أن ما عاناه من ويل الحرب العاملية‬ ‫األوىل أمر إنفرد به عن أقرانه‪ .‬قال ما الذي جلب عىل شعبي هذا‬ ‫الويل‪ ،‬ليس ما جلبه عيل‪ .‬فعندما دفعه الفقر والجوع إىل مخيم‬ ‫برمانا صحب باإلضافة إىل أخوته مثانني طفال من الشوير منهم‬ ‫طفلتني من عائلتي‪ .‬فمعاناته معاناة مشرتكة‪ ،‬لكن فرادته هي يف‬ ‫ما قادته تلك املعاناة إىل إبتكاره إلنقاذ األمة‪.‬‬ ‫وال عالقة لذلك املخيم اإلنقاذي مبدرسة الفرندز كام يدعون‪.‬‬ ‫هو مخيم أقامه دكتور إنكليزي مبعاونة الصليب األحمر األمرييك‪.‬‬ ‫ويدعي أحدنا أن سعاده تابع يف سجنه الربازييل الكتابة‬ ‫لصحيفة سورية الجديدة األسبوعية‪ ،‬ويعني لنا الكاتب بالتحديد‬ ‫الواثق واإلعالن الرصيح الصارم تلك املقاالت الجليالت وينحو‬ ‫بالالمئة عىل رفقاء أهملوا إدراجها يف مجموعات أعامل سعاده‪.‬‬ ‫ونحن الجائعون إىل فكر املعلم‪ ،‬أال يجب أن نفرح ونهلل ونعلن‬ ‫رفيقنا بطالً للفكر والكشف!‬ ‫مهالً أيها الفرح! كان سعاده يف الربازيل قيد توقيف شبه‬ ‫عريف‪ ،‬يف سجن إنفرادي‪ ،‬عىل أساس مرسوم جمهوري لقمع أعامل‬ ‫الدعاوة للدول األجنبية‪ ،‬وقد منعت عنه الزيارات حتى من ممثيل‬ ‫نقابة الصحافة الربازيلية أو املحامني‪ ،‬ومنعت عنه حتى أبسط‬ ‫حاجات السجني من وقت يف الهواء الطلق والعناية الطبية‪ .‬لكنه‬ ‫وفق رفيقنا أرسل مقاالت جليالت إىل الصحيفة التي أسسها قبل‬ ‫بضعة أسابيع والتي ال تشري ال من قريب وال من بعيد إىل اإلعتقال‬ ‫خشية مالحقة السلطة الربازيلية؟‬

‫لكن ما قولكم إن وجدنا يف رسائل سعاده كالماً عن تلك املقاالت‬ ‫الجليالت يعلنها منوذجاً لإلنحراف الفكري الذي ظهر يف الصحيفة‬ ‫خالل أرسه؟ أبهذا اإلستخفاف نعني مكنونات الفكر السعادي؟ أم‬ ‫أن نشوة اإلكتشاف املنفرد املظفر تربر اإلعالن املستبد؟‬ ‫فإن كان هذا شأننا‪ ،‬شأن من نسبوا أنفسهم إليه فامذا ننتظر‬ ‫من معارضيه؟‬ ‫يقول خريجو مدرسة الكسل الفكري أن سعاده إستقى فكرة‬ ‫القومية السورية من كتابات األب المنس اليسوعي وخصيصا كتاب‬ ‫هذا األخري املوسوم خالصة تاريخ سورية!‬ ‫لننظر قليال يف هذا السخف الباهر‪ :‬كان كتاب المنس الصادر‬ ‫يف أوائل العرشينات‪ ،‬ملخص محارضات ألقاها األب اليسوعي‬ ‫عىل طاقم اإلنتداب الفرنسيني بطلب من الجرنال غورو وبتوجيه‬ ‫من سياسته‪ .‬أي أن كتاب المنس يشكل إحدى وجهات الدعاية‬ ‫السياسية اإلستعامرية الفرنسية املتلونة املؤيدة حينا للوحدة‬ ‫السورية‪ ،‬إن قاد ذلك إىل توسيع إطار إنتدابها عىل حساب‬ ‫بريطانيا‪ ،‬واملؤيدة حينا آخر للتقسيامت اإلدارية الدينية واإلتنية‬ ‫متى كان ذلك يثبت أركان نفوذها‪.‬‬ ‫ففي نسبة إتجاه سعاده نحو القومية السورية إىل تأثري األب‬ ‫اليسوعي لؤم فكري معيب ودساس‪.‬‬ ‫فلننظر يف الحقيقة التاريخية‪ :‬سعاده الفتى يف فرتة صدور‬ ‫كتاب المنس نزيل الربازيل‪ ،‬يتدرب يف فكره القومي عىل يدي‬ ‫والده الدكتور خليل‪ ،‬املناهض األقىص يف املهجر لإلحتالل الفرنيس‬ ‫لسورية‪ ،‬املرسل صواعقه السياسية بإتجاه اإلنتداب وأصحابه‪،‬‬ ‫امللقب الجرنال غورو بغورو باشا الغازي‪ ،‬عىل طراز العثامنيني‬ ‫الفاتحني‪ ،‬الواصف الفرنسيني بأتراك أوروبا موازاة يف الغشم القاهر‬

‫فرادة سعادة هي يف ما قادته‬ ‫معاناته إىل إبتكار إلنقاذ األمة‪.‬‬ ‫كل مقال عن سعادة هو حجاب‬ ‫يلقى عىل حقيقته وساتر يرتفع دون نوره‬ ‫ألتراك آسيا‪ .‬اإلبن املتدرب عىل يدي هكذا أب‪ ،‬أيحتاج أن يستمد‬ ‫الفكرة السورية من بوق الدعاية اإلستعامرية الفرنسية!؟‬ ‫لكن تعالوا ننظر كيف إستبد القوميون بزعيمهم مثل واحد‬ ‫يكفي‪:‬‬ ‫«ال يجوز للزعيم أن يتزوج»‪ ،‬قالوا عندما أعلن خطبته إىل‬ ‫جولييت املري‪« ،‬عليه أن يقف نفسه لسورية‪ ،‬فهو إن تزوج أصبح‬ ‫رجالً عاديا ال يصلح للقيادة!»‬ ‫هل سمعتم بأعتداء عىل أبسط الحقوق اإلنسانية أشنع من‬ ‫هذا الكالم وهذا املوقف؟‬ ‫نعم‪ ،‬كان الرجل مستبدا ً ألنه يبدو يل أنه يف بعض األحيان إنفرد‬


‫العدد ‪70‬‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫منا�سبة‬

‫سليم مجاعص‬ ‫محارضاً‬

‫وحيدا ً يصون املبادئ الرشيفة التي تكرم الحياة‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬كان مستبدا ً ألنه أىب عىل نرس الزعامة السري يف الوحول أو‬ ‫معارشة الزرازير‪.‬‬ ‫أهو املستبد أم نحن؟‬ ‫طفيليات فكرية‪ ،‬وكسل منهجي‪ ،‬وقصص املوقد والفانوس هي‬ ‫بعض من إستبدادنا به‪.‬‬ ‫عجب كثريون من معلومات أدرجتها يف املجلدين األولني من‬ ‫سرية سعاده لدرجة عدم التصديق واإلمتعاض‪ .‬من أين أىت هذا‬ ‫الكاتب بهذه األخبار ليتحدى بها ما إرتحنا إليه من تصوراتنا عن‬ ‫سعاده ووالده؟ كيف تختفي فجأة عدة كتب من نسبها إىل الدكتور‬ ‫سعاده وأين القصص األليفة عن فتوة سعاده اإلبن؟‬ ‫السؤال األم ُّر هو ملاذا مل تختفي من قبل؟‬ ‫وأسأل نفيس‪ :‬هذه الحيثيات كانت دوما متوفرة فلامذا مل‬ ‫ينظمها قبل اليوم أحد؟ املكتبات والسجالت واملراسالت واملرويات‬ ‫يف مستطاع الجميع ومتر ستون سنة وال من عمل رصني؟‬ ‫قلت يف مستطاع الجميع مع إستثناء ما حجب عن الناس وعني‬ ‫لخشية سوء إستعامل أو لغرية فائقة أو أنانية دفينة‪.‬‬ ‫لكن الرجل الكبري فرض حقيقته عىل هذا الوجود!‬ ‫فام رس ثباته؟ ما رس هذا التالزم الواثق املحكم بني عنارص فكره؟‬ ‫إنه يف طأمنينته الفلسفية أنه عرف الحق والحقيقة‪.‬‬ ‫إنه يف طأمنينته الفلسفية الناتجة عن تأمله الطويل ودرسه‬ ‫العميم ورصاعه الحثيث‪.‬‬ ‫إنه يف الصفاء الفلسفي الذي مييز فكره‪.‬‬ ‫هذه الطأمنينة الفلسفية والصفاء الفكري اللذين يتمثالن يف‬ ‫املواقف املبدئية الجلية حول شؤون األمة والوطن‪ ،‬وحول شؤون‬ ‫حياة األمة ونهضتها‪.‬‬ ‫لننظر يف بعض األمثلة‪.‬‬ ‫إىل الجنوب من هنا يف الثغر‪ ،‬يف بريوت‪ ،‬يتحاورون حول الحق‬ ‫النسوي‪ ،‬الحق بالعمل‪ ،‬الحق باإلرث‪ ،‬الحق بالهوية‪ ،‬الحق بالكرامة‬ ‫وبرفع العدوان الذكوري ضمن العائلة وخارجها‪.‬‬ ‫نحن نسأل‪ :‬هل يتساوى حق سناء يف الشهادة مع حق وجدي؟‬ ‫فإذا كان الجواب نعم‪ ،‬فلامذا ال يتساويان يف كل الحقوق‪ ،‬يف‬ ‫حق اإلرث وحق العمل وحق الهوية وحق الحرية وحق العدل؟‬ ‫أنساويهام يف الحق األقىص وال نساويهام يف املا دون؟ فال يعجب‬ ‫الباحثون إن مل يجدوا يف تراث سعاده كالما عن حق املرأة فليس يف‬ ‫تراثه كالم عن حق الرجل كرجل‪.‬‬ ‫هو يقول بحقوق السوريني بالجمع‪ ،‬وما جمع املذكر إال صيغة‬ ‫لغوية ولو وىف جمع املؤنث باملعنى والتقليد لقال به!‬ ‫إىل الجنوب من هنا‪ ،‬يف الثغر‪ ،‬يف بريوت‪ ،‬يتشامتون حول حق‬ ‫املرشدين الفلسطينيني يف العيش الرشيف ويف الحقوق اإلنسانية‬ ‫البديهية األساسية من الكرامة الشخصية وحق العمل وحق الحامية‬ ‫القانونية‪ .‬ويثريون مسألة «التوطني» لكأنها غول مخيف يبتلع‬ ‫األطفال واألرزاق‪ .‬ويتحججون‪ ،‬يا لحميتهم املخلصة‪ ،‬أن يف التوطني‬ ‫يف سفح هذا الجبل خسارة للحق يف العودة! لقد حموا هذا الحق‪،‬‬ ‫يا إلخالصهم‪ ،‬ألكرث من ستني عاما فلم يفد يف العودة لكنه أفاد يف‬ ‫إستمرارية البؤس واللوعة‪.‬‬ ‫الصفاء الفلسفي والطأمنينة إىل الحقيقة الفلسفية تتمثالن يف‬ ‫وضوح الحكمة وشعشعان العقل النافذ‪:‬‬ ‫إىل الرشق من هنا يتباحثون يف الحريات واإلصالح!‬ ‫لتخرج كل األفكار والعقائد إىل ساحة النور لتعرف منها الحرباء‬

‫من الطري املغرد‪،‬‬ ‫لتخرج إىل ساحة النور من أسودها إىل أبهاها‪ ،‬من أرذلها إىل‬ ‫أسامها‪،‬‬ ‫أيحتاج الفكر النري إىل مقصلة تحميه؟‬ ‫أيخاف أبناء النور من الفضاء الفسيح؟‬ ‫أمل يعلمنا أن الدولة هي جمعية الشعب الكربى وأن للمواطن‬ ‫الحق يف إبداء الرأي يف مصري جمعيته الكربى ومن مينعه من هذا‬ ‫الحق يتمرد عىل سيادته؟‬ ‫وإذا كانت الدولة جمعية الشعب الكربى فاألحرى بالشعب أن‬ ‫ال يدمر جمعيته ويعي مسؤوليته عن خريه الذايت ودم قومه!‬ ‫الدولة هي جمعية الشعب الكربى‪ ،‬لكنها ليست جمعية‬ ‫املرتزقة!‬ ‫إن إستفحال رش املذهبية الدينية ال يقاوم باإلخرتاعات الالهوتية‬ ‫أو الكالم املعسول واملغسول عن التعايش – الذئاب والضباع تتعايش‬ ‫إىل حني! جميل أن تتناغم املآذن والنواقيس يف أحالم لطاف األدباء‪.‬‬ ‫لكن املصري القومي يحتاج إىل درع مبادئ حصينة‪ ،‬مبادئ‬ ‫إصالحية ثالثة عربت عن رؤية تامة متكاملة ملكان الدين واملذاهب‬ ‫يف الهيئة اإلجتامعية‪ .‬أنتساهل بها إن نطق رجل دين خريا ً يف‬ ‫السياسة؟ وماذا نفعل إن نطق آخر رشا ً؟‬ ‫والطأمنينة الفلسفية تنتج شجاعة يف الوقت العصيب وهدوء‬ ‫أعصاب وثبات قيادة يف زمن الزعازع‪ ،‬فهي ال تنحرص يف الفكر بل‬ ‫تشمل املامرسة‪.‬‬ ‫العمل التأسييس عرب إنتزاع نخبة قيادية – أو هكذا ظ َّن – من‬ ‫براثن اإلتجاهات العدمية‪.‬‬ ‫مل يقف يف جمع من عشريته أو طائفته ويقول األمر يل! بل‬ ‫وقف يف عرين الرجعيات واإلستعامريني وقال هؤالء رفقايئ فإرفعوا‬ ‫أيديكم عن الشباب السوري فهو يل ولسورية!‬ ‫إن ب��روز ف��رادة سعاده القيادية عملية تاريخية باهرة يف‬ ‫معانيها ودروسها ويف تحدياتها وإنتصاراتها وإنكساراتها‪ ،‬فلنتحاش‬

‫اإلسقاطات الدينية والوحي املكتمل من لوح مسطور – إن عملية‬ ‫الصقل القيادي واملعريف والفكري للحركة القومية مل تتوقف يف حياة‬ ‫سعاده ألنه من حق سورية عليه وعلينا أن يكون لها دامئا أفضل‬ ‫ما نستطيع!‬ ‫لكن يف دربنا مع هذه الطأمنينة الفلسفية والصفاء الفكري‬ ‫تحديات لعل أكرثها صعوبة عبارة «كلنا مسلمون» التي تحريين!‬ ‫يقول «ليس لنا من عدو يقاتلنا يف حقنا وديننا ووطننا إال اليهود»‪.‬‬ ‫يف حقنا فهمنا‪ ،‬يف وطننا سلمنا‪ ،‬لكن يف ديننا؟ أي دين هذا؟ أيتحدث‬ ‫هنا عن دين القومية الجامعة من قوله يف الكورة يف الثالثينات أن‬ ‫هذه األرض عرفت أديانا هابطة من السامء إىل األرض أما اليوم‬ ‫فتشهد دينا جديدا صاعدا من األرض إىل السامء‪ .‬فإن كان كذلك‬ ‫زال العجب‪.‬‬ ‫لكن هذا الحل الطبيعي ال يريض النظر النقدي‪ .‬ألنه يف كالم‬ ‫الحق يعلن أن اإلسالم قد جمعنا وأيد كوننا أمة واحدة فمنا من‬ ‫أسلم بالقرآن ومنا من أسلم باإلنجيل ومنا من أسلم بالحكمة! ترى‬ ‫ماذا حل بالذين أسلموا بالتوراة إذا أردنا أن نتبع النص القرآين‪ ،‬وما‬ ‫هو مكان املالحدة من السوريني فهل ينتفي إنتامؤهم إىل األمة التي‬ ‫جمعها اإلسالم؟ وكيف نوازن هذا الكالم مع معنى األمة وصفتها‬ ‫والدقة الباهرة التي بها حددها يف نشوء األمم؟‬ ‫ولكأن هذه التحديات ال تكفي حتى يقوم رفيق لنا يدعونا‬ ‫أىل تنكب مسؤولية التوسع الالهويت يف هذه الوحدانية اإلسالمية!‬ ‫ونسأل هذا الرفيق ماذا حل بفصل الدين عن الدولة إذا تنكبنا هذه‬ ‫املهمة الالهوتية؟ أن فصل الدين عن الدولة هو أيضا فصل للدولة‬ ‫عن الدين‪.‬‬ ‫وقد يقول أحدهم أن هناك ثوابت لؤم تاريخي يف ذلك الشعب‬ ‫متأل صفحات كتبه الدينية وأن يف تلك الكتب دروساً جليلة‪.‬‬ ‫أنحتاج أن نعود إىل كتاب الزبور وأمامنا دير ياسني وقانا وغزة؟!‬ ‫أليس الد ُم املسفوك أقوى حج ًة من الح ِرب املهرتئ!‬ ‫يريد اليهود القدس عاصمة أبدية لدولتهم!‬ ‫ويقوم بيننا من يزايد عليهم مدعيا أحقية دينية مخالفة‪ ،‬وتتيه‬ ‫مسألة الحق القومي بني األحقيات الدينية وتداخالت األوقاف‪ ،‬ومن‬ ‫له مرقد قس أو شيخ أو حاخام‪.‬‬ ‫يريد اليهود القدس‪ ،‬ونحن نريد حيفا ويافا وعكا وعسقالن‪،‬‬ ‫نريد النارصة وتالل الجليل وبيسان ‪ ،‬والقدس أيضا وبيت لحم! ليس‬ ‫لداللة دينية بل إلنتسابها إىل الوطن‪ .‬نحن ال نفاضل دينيا بني مدننا‬ ‫وبقاعنا‪ ،‬كلها يف املنظار القومي واحد‪ .‬أمل تغن فريوز لبيسان مثلام‬ ‫غنت للقدس!‬ ‫ال أخفيكم أن بعضنا يشعر بغربة فكرية وأدبية عندما ننظر‬ ‫إىل املكتبة الحزبية يف كتبها ودورياتها ونجد إحتفاال بأمري إرسالين‬ ‫وتقريظا لشعر قروي‪ .‬نستفقد لغة ربينا عليها ومفاهيم شببنا نلهج‬ ‫بها!‬ ‫أجل‪ ،‬أنا من املؤمنني بسنة النشوء واإلرتقاء فال تخشو ترددا يف‬ ‫قبول األفضل واألجود‪.‬‬ ‫أجل‪ ،‬أنا من املؤمنني بسنة النشوء واإلرتقاء لكني أستفقدها‬ ‫ألهتف لها!‬ ‫واجبنا نحو رجل الحق هو الحقيقة‪ ،‬بجدية‪ ،‬مبسؤولية‪ ،‬بإحرتام‬ ‫وتقدير‪.‬‬ ‫إفتحوا قلوبَكُم لرج ِل الحقِ لِتَحيا به ولِ َيحيا بها سعاده‪.‬‬ ‫َسلِ َمت قلوبُكُم فَبِها تحيا سوريا‪.‬‬ ‫وبتحية سورية تنتهي كلمتي فلنتحاور قليال‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫‪10‬‬

‫العدد ‪70‬‬

‫حما�رضة‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫د‪ .‬سمري سليامن عن كتاب «إيران واملرشق العريب»‪:‬‬

‫لقراءة معقلنة يف االسرتاتيجيا‬

‫ُفجع الوسط الثقايف بوفاة عضو الهيئة االستشارية يف املركز االستشاري‬ ‫للدراسات والتوثيق املفكّر اإلسالمي الدكتور سمري سليامن سليامن الذي نال شهادة الدكتوراة‬ ‫يف مادة علم االجتامع الثقايف من جامعة السوربون‪ ،‬أرشف عىل اعداد الكثري من أطروحات‬ ‫املاجستري والدكتوراة التي متحورت حول موضوع الحضارات‪ ،‬كام انضم إىل هيئة التعليم يف‬ ‫عدد من كليات الجامعة اللبنانية ويف كلية بريوت الجامعية (‪ )BUC‬والجامعة اإلسالمية‪ .‬كام‬ ‫قام مؤخراً بإصدار مجلة ‪ Le Débat‬التي تركز عىل التقريب بني األديان واملذاهب والثقافات‪.‬‬ ‫هذا وله العديد من الكتب واملقاالت التي تناقش العديد من املسائل الحضارية واالجتامعية‬ ‫والسياسية وغريها‪«.‬تحوالت» وإذ تتقدم بالتعازي من عائلة الفقيد وأصدقائه تنرش مداخلة‬ ‫قيمة قدمها الفقيد خالل توقيع كتاب « إيران واملرشق العريب ‪ ،‬مواجهة أم تعاون؟ « لألستاذ‬ ‫رسكيس ابو زيد‪:‬‬ ‫لعل أمتع ما يف قراءة كتاب رصني ‪ ،‬عدا التزخيم املعريف الذي‬ ‫تُحدثه إضاف ًة ‪ ،‬أو تذكريا ً ‪ ،‬أو انشدادا ً اىل فضائه ‪ ،‬أو انسيابه فيه ‪،‬‬

‫سليامن و إىل جانبه الهيئة االستشارية يف املركز االستشاري للدراسات‬

‫هو استثارتها – تلك القراءة ‪ -‬للذهن واألسئلة من جهة واستدراج‬ ‫سجال صامت مع فكرة خطرت هنا وهناك يف تضاعيف الكتاب ‪،‬‬

‫أو مع رأي أو موقف سنح ‪ ،‬استقام عندك أ ْم مل يستقم‪..‬‬ ‫تذاهن متعب هو أحياناً ‪ ،‬إال أنه – عىل صمته – حفر من غري‬ ‫ضجيج مستبعث فيك حراكاً وأخيلة هي نظر اإلرتقاء اىل لحظة‬ ‫حالة وجدانية هي يف الشعر أطرب وأقرب ‪ ،‬حتى ولو من غري‬ ‫انتشاء اإلنفعال ‪ ..‬إنه الوصل ‪ ..‬لكنه وصل من منط مختلف ‪.‬‬ ‫ويف األمر ‪ ،‬من بعد أيها األعزاء ‪ ،‬مفارقة ‪ :‬إذ يتحول الكالم أو‬ ‫الكتابة عن هذه القراءة عن الكتاب اىل مستوى آخر تتقدم فيه‬ ‫العقلنة عىل حميمية الذاتني ‪ :‬ذاتك والكتاب ‪ ..‬وكل عقلنة عىل‬ ‫جامل ‪ ،‬لكنه جامل القسوة ‪.‬‬ ‫مسني إبان قراءة هذا الكتاب ذاك االتصال ‪/‬‬ ‫أقول هذا وقد ّ‬ ‫الوصل املعريف ‪ ،‬وتلك الحجاجية يف اإليديولوجيا وفلسفة التاريخ‬ ‫وفهم السياسات واالسرتاتيجيات ‪ ،‬كام يف احتامالت ائتالف الرؤى‬ ‫واملواقف حينام تنادت واستجابت ‪ .‬غري أنني ‪ ،‬أمامكم والدور ‪،‬‬ ‫مدفوع مبا يتجاوز التطوع ‪ ،‬لإلنتقال اىل املستوى الثاين النايئ اىل‬ ‫قراءة معقلنة مرتجاة للكتاب ‪ ...‬ولكن أي قراءة ‪ ،‬يا أخي رسكيس‬ ‫– وال أخفيك – ليس فيها من الذات قبس إذ تبعث بني القارئ‬ ‫واملقروء دفئاً ما ‪ ..‬وهو عندي بجرعة زائدة ‪ .‬جعلتني أُصادق‬ ‫كتابك ‪/‬فكرك ‪ ،‬حتى أحببتك اىل درجة شكرك من املهجة عىل ما‬ ‫أص ِدقَكُم أيها األصدقاء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫بذلت ‪ .‬وحتى أُ ْصدقك و أُص ّدقك ‪ ،‬وليك ْ‬ ‫أقول ‪:‬‬ ‫هذا كتاب إضافة يف موضوعه ومنهجه وتوقيت صدوره ‪ ،‬ويف‬ ‫مقاصده ‪:‬‬ ‫أوالً –يف املوضوع ‪ :‬فعىل كرثة املقاالت واملؤمترات والندوات‬ ‫واللقاءات التلفزيونية التي انعقدت عندنا وعند غرينا حول‬ ‫عالئقية إيران بالعرب ‪ ،‬فإن النوع فيها واملوضوعي النادرين لبثا‬ ‫متواريني خلف (أو تحت) اللحظة الحديثة أو اإلستهالك اإلعالمي‬ ‫الذي غالباً ما نجده تائهاً بني ذرائعية االستقطاب العصبوي أو‬ ‫ال ُعصايب – ال فرق ‪( -‬وهو يف الذروة هذه األيام) والضخ التعبوي‬ ‫املحرتف والتسخري السيايس من جهة ‪ ،‬وبني بالدة التكرار الذي‬ ‫يُسطَّح الوعي وال يصنعه ‪ ،‬عىل طريقة ما يذهب إليه بعض‬ ‫املنظرين لحرب الكلمة ‪ ،‬أو الصورة الناعمتني‪.‬‬ ‫بعض الفوائد ‪ ،‬إ ْن رصدت يف بعض املؤمترات يف املوضوع‬ ‫‪ ،‬رسعان ما تصبح تاريخاً ‪ ،‬أو تبتلع أكرث مفاعيلها التحوالت‬ ‫والتطورات املتسارعة ‪ ،‬حتى تح ّولها اىل أرشيف مبادة معرفية قابلة‬ ‫للنقاش ‪ .‬أما الكتب التي أُلفت يف تلك العالئقية فهي من الندرة‬ ‫بحيث ال يعاتب فيها حاسب ‪ ،‬ناهيكم بالنوعي منها خاصة‪...‬‬ ‫ها هنا تبدأ اإلضافة يف كتاب رسكيس أيب زيد «إيران واملرشق‬ ‫العريب ‪ ،‬مواجهة أم تعاون؟» ‪ ،‬تبدأ بالتشكّل موصولة مبقاصد‬ ‫صاحبة يف التعريف بتاريخ العالقات اإليرانية – العربية ‪ ،‬وبحقائقها‬ ‫وامل��آالت من موقع العارف ‪،‬املتابع ‪ ،‬واملستقرئ االسرتاتيجي‬ ‫والباحث الحذر الذي لشدة تعلقه بتظهري تلك الحقائق ‪ ،‬ال يتواىن‬ ‫عن زرع مفاعيلها باالحتامالت الذكية عىل طريقة األكادميي الناظر‬ ‫اىل كل جهات بحثه ‪ ،‬واألركيولوجي الذي يحفر تحت الصفائح‬ ‫املعرفية والسياسات و اإلسرتاتيجيات املتالطمة ليكتشف ويكشف‬ ‫ما خفي من أرسارها ‪ ،‬ويُفكك رموز ما استعىص من شيفرتها ‪.‬‬ ‫واألهم عندي يف مقاصد املؤلف ‪ ،‬ما ال يجهر به كل كاتب عادة‬ ‫وإمنا للقارئ الدور يف تقصيه واستخالصه ‪ ،‬وهو منظومة القيم‬


‫العدد ‪70‬‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫حما�رضة‬

‫‪11‬‬

‫الراحل سليامن‬

‫الناص يف القول والخطاب والرؤية واملوقف ‪،‬‬ ‫التي ينضبط فيها ُّ‬ ‫ويف إدارة الندوات املوصولة اىل الحقائق الصحيحة ‪ .‬ولعل هذه‬ ‫القيميّة وتقلّدها هام أصعب وأخطر ما يف الدور العامل أو الناقل‬ ‫املعريف ‪ ،‬أنىّ تكمن أداة تعبريه ‪ :‬مسموعة ‪ ،‬أو مقروءة ‪ ،‬أو مرئية ‪.‬‬ ‫فالدنيا مألى بجفاء القول والضالالت ومبغاسل العقول ‪ .‬ومبعميات‬ ‫االبصار ‪ ،‬وهي يف جوهرها وأصل وظيفتها ليست سوى معميات‬ ‫القلوب أو العقول ‪ ،‬تبعاً ملا يلفت إليه قوله تعاىل ‪ { :‬فإنها ال تعمى‬ ‫االبصار ‪ ،‬ولكن تعمى القلوب التي يف الصدور}(سورة الحج اآلية‬ ‫‪ . )46 :‬ولعل أخصب حقول»العمى» هذه األيام ‪ ،‬حقل إيران‬ ‫والعرب ‪ ،‬بل حقل «إيران والعامل» كام تُكابر يف إظهاره عىل هذا‬ ‫النحو إيديولوجيات بث الكراهية ومثريات الفنت الدولية واملحلية‬ ‫واإلقليمية الناشطة عىل قدم وساق ‪ ،‬وبالوسائل كافة هذه األيام ‪،‬‬ ‫بل عىل مدى األيام ‪ .‬معتنقاً قيم العقالنية ‪،‬وقول الحق واالنصاف‬ ‫املتوازن فيام يرتجيه من املرشق العريب و إيران و استقرار املنطقة‬ ‫بأرسها والعامل وسوية العالقات فيها ‪ ،‬شهدت رسكيس أبو زيد‬ ‫يف كتابه ‪ ،‬وهو ال ّ‬ ‫ينفك يكرر يف تضاعيف الكتاب دعوته لتكون‬ ‫«مقاومة مشاريع الهيمنة الخارجية وتحديات النهضة من الداخل‬ ‫وتفعيل القيم واملثل الحضارية لكل أمة ‪ ،‬هي القاسم املشرتك‬ ‫للتعاون والتساند بني األمم املتجاورة املتقاربة ‪ ،‬من أجل بناء واقع‬ ‫جيوسيايس جديد ‪ ،‬منوذجاً لحضارة إنسانية أكرث عدالة وأقدر عىل‬ ‫بناء إنسانية جديدة تجمعها مثل الحق والخري والجامل وسعادة‬ ‫يستكن عاقلة‬ ‫اإلنسان «(ص‪ . )10‬وهذه أخالقية داعية إنساين ْ‬ ‫باحث علمي ال يرى بعني حسرية شوفينية أو أنانية أو قطرية أو‬ ‫قومية ‪ ،‬وإمنا يرى بعني املتبرص يف شؤون العامل وسالمه ‪ .‬وليس هذا‬ ‫وعي منه بحقيقة‬ ‫جنوحاً اىل مثالية قد يتوهمها البعض ‪ ،‬و إمنا هو ٌ‬ ‫أمست مسلّمة قوامها أن رشر الرش الصادع من أي بقعة يف العامل‬ ‫اليوم ‪ ،‬ال منجاة ألحد من امتداد حريقه اىل باقي البقاع واألصقاع‪.‬‬ ‫اىل إضافة املوضوع والقيم يف الكتاب ‪ ،‬مثة إضافة توقيت‬ ‫الصدور عشية انفجار الحراك الشعبي العريب وتدافع حجراته‬ ‫واحدا ً إثر واحد ‪ .‬وما محاوالت االستيالء عليه والعبث بوجهته إال‬ ‫وتصب يف املزيد من التخريب يف العالئقية العربية – اإليرانية ‪،‬‬

‫ما ينذر باألدهى من العواقب التي ما كان كتاب رسكيس أبو زيد من كامئن ومنزلقات يف التطبيق واإلستنتاجات ‪ .‬لقد ارتىض‬ ‫إال نذيرا ً بها يف بعض أهدافه ‪ ،‬بل هو حجة قاطعة ض ّدها يصعب رسكيس أبو زيد أن يخوض مغامرة منهجية أسعفته فيها شجاعة‬ ‫امللتزم بالحقيقة ‪ ،‬بل بحقائق التاريخ ومبزيد من الفهم ملندرجاتها‬ ‫عىل عاقل ر ُّدها‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬اإلضافة يف املنهج ‪ :‬يهتدي مؤلف الكتاب بفرضية منهجية وتعقيداتها والسنن التي تحكمها ‪ .‬فأصاب يف جوانب ‪ ،‬وملا يصب‬ ‫قوامها ان التجاوز الجغرايف بني الدول واملجتمعات والحضارات يف أخرى ‪ .‬والحكم هنا يقع عىل تطبيق املنهج ال عىل املنهج ذاته‬ ‫محكوم بقانون «التحدي و‪/‬او اإلستجابة» فالعالقة هي إذا ً خيار ‪ ،‬إذ ال يكفي أن تحسن اختيار ‪/‬اعتامد املنهج الصحيح لتصل‬ ‫بني الحرب والعداوات واألطامع من جهة ‪ ،‬وبني التعاون واملشاركة بالرضورة اىل املحصالت الصحيحة دامئاً ‪ .‬وهذه تجربة صامويل‬ ‫والتكامل من جهة أخرى (ص‪ .)7/‬قانون التحدي و اإلستجابة ما فتئت ماثلة يف تنكبها الصوابية العلمية حتى طاشت نتائجها‬ ‫هذا ‪ ،‬هو – كام املعروف ‪ُ -‬مستند النظرية الحضارية ملؤرخ فأوصلت اىل التبشري بحروب دينية وثقافية ‪ ،‬أين منها حروب‬ ‫الحضارات الربيطاين أرنولد توينبي التي ط ّورها ‪ ،‬أو ش ّوهها تطبيقاً األطامع واملصالح االستعامرية!!‪.‬‬ ‫موفقاً كان رسكيس أبو زيد يف تجربته املنهجية هذه ‪ ،‬وهو‬ ‫‪ ،‬اإلسرتاتيجي األمرييك املعروف صامويل هانتنغتون من خالل‬ ‫يتناءى كلياً يف استخالصاته عن بدعة هانتنعتون ‪ ،‬بل إن ما توصل‬ ‫مقولته بـ»صدام الحضارات»‬ ‫يعترب أرنولد توينبي (‪ )1976-1889‬أحد أبرز املنظرين يف إليه من نتائج حاسمة ملصلحة سويّة ممكنة للعالقات العربية –‬ ‫الغرب للتفسري الحضاري للتاريخ ‪ ،‬إذ رأى أن املجاالت املعقولة اإليرانية ‪ ،‬وامتدادا ً اىل سوية ممكنة ورضورية للعالقات الدولية‬ ‫للدراسة التاريخية ليست العصور والحقب ‪ ،‬وال الدول ‪ ،‬إمنا هي ‪ ،‬هي نقيض حتمية الصدام التي نظّر إليها االسرتاتيجي األمرييك‪.‬‬ ‫وها هو أبو زيد يف الباب الثالث من الفصل الثالث (عنوان‬ ‫«املجتمعات» ويعني بها «الحضارات» ‪ .‬وقد تسنى له يف كتابه‬ ‫الشهري «مخترصات التاريخ» أن يُحدد إحدى وعرشين حضارة الباب ‪ :‬تكامل املصالح اإلقتصادية واالسرتاتيجية) (ص‪)251-239‬‬ ‫رئيسية عرفتها البرشية ‪ .‬إال أن أكرثها اندثر ‪ ،‬ومل يتبق منها سوى ‪ ،‬يقدم مرشوعاً عقالنياً وبراغامتياً فيام هو مطلوب إلقامة تلك‬ ‫ست‪ ،‬إضافة اىل الحضارة الغربية وهي ‪ :‬األرثوذكسية البيزنطية ‪ ،‬السويّة يف العالقات من الطرفني‪ :‬اإليراين والعريب ‪ ،‬وذلك برصف‬ ‫األرثوذكسية الروسية ‪ ،‬اإلسالمية ‪ ،‬الهندوكية ‪ ،‬الصينية ‪ ،‬والكورية النظر عماّ يمُ كن أن يوافق عليه هذا الطرف أو ذاك من «مقرتحاته»‬ ‫ومن تنازالت مشرتكة هنا أو هناك ‪.‬‬ ‫‪ ،‬واليابانية‪.‬‬ ‫أيها اإلخوة واألخوات‪:‬‬ ‫وما كان للحضارات املندثرة مالقاة هذا املصري لوال أنها فشلت‬ ‫يف مواجهة التحدي – االسرتاتيجي‪ -‬الذي اعرتضها ‪ .‬أما الحضارات‬ ‫التي استجابت للتحدي وانترصت عليه فهي التي كُتبت لها‬ ‫الدميومة والبقاء‪.‬‬ ‫حسناً فعل رسكيس أبو زيد ‪ ،‬إ ْذ اعتمد املنهج‬ ‫الحضارياملنهجيف اعتمد أبو زيد املنهج الحضاري‬ ‫وعي وتفسري عالئقية الجامعات ودينامياتها وتطورها ‪ ،‬فهو‬ ‫عندي من أنجح املناهج يف فهم التاريخ وعالقات البرش وصيغ يف وعي وتفسري عالئقية الجامعات‬ ‫العيش ومنظوماته ‪ ،‬إن مل يكن األنجح قاطبة‬ ‫هذا ‪.‬السياق ‪ ،‬يف تنزيله ودينامياتها وتطورها‬ ‫إضافة أيب زيد املنهجية تتجىل ‪ ،‬يف‬ ‫القانون الحضاري (التحدي واإلستجابة) يف االنساق والسياسية‬ ‫لعالقات البرش ‪ ،‬أي أنه سيس التحدي واالستجابة ووظّفه يف محاولته‬ ‫إدراك الحقائق واملآالت ّ(السياسية داخل اإلجتامع اإلنساين بكليته الكتاب هو اختبار منهجي‬ ‫اي مبا هو متَّ َحد عاملي وكوين) (العبارة للمؤلف –ص ‪ ، )8‬أو‬ ‫ودوائرمبا يف علم اإلجتامع السيايس ويف علم‬ ‫هو ُجامع متّحدات تتدرج من األصغر اىل األكرب تبعاً ألبعا ٍد‬ ‫مركبة وفق دورة الحياة وفعاليتها وقدرتها ومداها الحيوي (ص‪ .)8‬اجتامع الحضارات ميكن اعتباره تجربة‬ ‫وتظهري هذه اإلضافة املنهجية يف الكتاب عندما َع‬ ‫املستجدةط يفَف معبرّ ة ومفيدة‬ ‫املؤلف عىل قانون التحدي واالستجابة ‪ ،‬التحوالت‬ ‫عامل اليوم وما أفضت إليه ثورة املواصالت واالتصاالت من تعزيز‬ ‫مفتوح عىل مرصاعيه للتفاعل اإلنساين ‪ ،‬ما يجعل اإلنسان يعيش‬ ‫يف «متحد متداخل مرب ‪ ،‬يجمع بني الهوية الخاصة والعالقات‬ ‫القطرية واإلقليمية والعاملية»(ص ‪7‬و‪ . )8‬وبذلك ما عادت‬ ‫إن القول مبوفقية الكاتب املنهجية ‪ ،‬ال يعفينا من تسجيل‬ ‫املجتمعات أو الحضارات متنائية ‪ ،‬كل منها تتفرد بـ»تحديها»‬ ‫وبـ»استجابتها» وتجربتها الحضارية وحدها كام هي عند توينبي بعض املالحظات املنهجية اإلجرائية والرتشيدات البحثية والفكرية‬ ‫‪ ،‬وإمنا غدت متفاعلة عالئقياً ومتبادلة التأثر والتأثري كام مل تكن التي يجدر خدمة جهود املؤلف ومرشوعه بها ‪ ،‬وأكتفي هنا‬ ‫باإلشارة الربقية اىل بعضها‪:‬‬ ‫يف أي زمان مىض‪.‬‬ ‫مل يأت ربط املنهج الحضاري بجميع فصول الكتاب محكامً دامئاً‬ ‫هذه اإلضافة املركبة املنوه بها والتي اندفع الكاتب اىل تطبيقها‬ ‫يف دراسته العالقات اإليرانية – العربية ‪ ،‬تشكل يف رأيي اختبارا ً ‪ ،‬حتى بدا النص أحياناً مقطوعاً عن التنظري املنهجي والتأسييس‬ ‫منهجياً يف علم اإلجتامع السيايس ويف علم اجتامع الحضارات ميكن الوارد يف املقدمات‪.‬‬ ‫ق ّدم الكاتب نفسه يف بعض الكتاب مفكرا ً سياسياً واسرتاتيجياً‬ ‫معبة ومفيدة ‪ ،‬عىل ما يف هذا اإلختبار أو التجربة‬ ‫اعتباره تجربة رّ‬


‫‪12‬‬

‫العدد ‪70‬‬

‫دراما‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫الفساد وترشيع الخيانة يسيطران عىل املشهد الدرامي‬

‫الدراما السورية مربكة واملرصية تكرر ذاتها واللبنانية تحاول‪...‬‬

‫عبري حمدان‬ ‫ينطوي املشهد الدرامي عىل الكثري من عالمات االستفهام‬ ‫والتشعب يف الخطوط لكن دون أن تكون الرسالة املأمول منها‬ ‫واضحة‪ ،‬حيث أن بعض القصص بدت خيالية وغري مرتبطة‬ ‫باملنطق‪.‬‬ ‫لعل الحوادث التي عصفت بالشارع العريب أرخت بظاللها‬ ‫عىل إبداع كتّاب الدراما لتأيت االنتاجات الدرامية مربكة يف‬ ‫مكان ما وتحديدا ً السورية‪ ،‬أما املرصية فسيطر عليها التكرار‬ ‫والتهريج فيام حاولت قرينتهام اللبنانية خوض املنافسة ولو أىت‬ ‫طرحها متبايناً اىل حد الفئوية يف الفرز عىل قاعدة أن لكل قناة‬ ‫محلية لبنانية انتاجها الدرامي الشبيه ببيئة جمهورها‪...‬‬ ‫نحاول يف التحقيق االيت استعراض جزء من الصورة الدرامية‬ ‫سعياً لتدارك بعض الهفوات يف املواسم املقبلة‪.‬‬

‫رمادية الوالدة من الخارصة (ساعات الجمر)‬ ‫شكّلت االوراق التي رمتها سامهر (سالف فواخرجي)‬ ‫من نافذة الرقابة يف نهاية الجزء االول ملسلسل «ال��والدة‬ ‫من الخارصة» مادة مشبعة بالنامذج الفاسدة لتستمر رحلة‬ ‫املخرجة رشا رشبتجي مع «ساعات الجمر» جزءا ً ثانياً للعمل‬ ‫الذي هلل له النقاد ملا فيه من جرأة حسب تعبريهم‪ ،‬إال‬ ‫أنهم نسيوا أو رمبا تناسوا عناوين كثرية بارزة للدراما السورية‬ ‫تناولت الفساد بشكل واضح نذكر منها عىل سبيل املثال ال‬ ‫الحرص»لعنة الطني» و»غ��زالن يف غابة الذئاب»‪ .‬ونعود اىل‬ ‫رؤوف (عابد فهد) الذي تتم محاسبته عىل جرميته بحق زوجته‬ ‫ووالدها لرناه خلف القضبان ولكن اىل حني‪ ،‬حيث تنجح ابنته‬ ‫يف اللعب عىل جهاز أمني من املفرتض أن يكون باطشاً ومتنبهاً‬ ‫ليخرج والدها من السجن بسجلٍ نظيف لكنه ليس الشخصية‬ ‫الرئيسة هذه املرة فهناك املجرم»أبو نيبال» (باسم ياخور)‬ ‫املحمي من الكبار وعقيل «عبد املنعم عاميري» الشخصية التي‬ ‫تخطي غياب عالم « مكسيم خليل» باالضافة اىل وجوه نسائية‬ ‫من عامل املال واالعامل‪ .‬تشعب القصص يستحرض العديد من‬ ‫االحتامالت مام يبقي امللفات مفتوحة دون أي أمل بنهاية‬ ‫واضحة وبالتايل ال يبقى أي مجال للخري يف النفوس إال عند‬ ‫الفقراء واملهمشون ليس النهم طيبون بل لعدم استطاعتهم‪،‬‬ ‫فهل القصد من الطرح التأكيد عىل إقرتان الرش بالقوة؟ ثم‬ ‫ملاذا كل هذا الرش‪ ،‬فالبديل للولد العاق «عالم» الذي مل يتعظ‬ ‫بعد انتحار والده شخص يفوقه سوءا ً ويف ذلك غياب ألي رسالة‬ ‫إنسانية‪ ،‬ويبدو أن الهدف الوحيد من العمل االشارة اىل األزمة‬ ‫األخرية التي تعصف بسوريا من خالل قصة منزل «ابو حسام»‬ ‫(عبد الهادي صباغ) وخالفه مع نائب املحافظ ليستعني «بأبو‬ ‫الزين» ( محمد حداقي) ويبدأ العرض باملواجهة بني املواطن‬ ‫املغلوب عىل أمره والجهات الرسمية ليحسم الوزير املوضوع‬ ‫بوعود املحاسبة يك ال تتطور االمور أكرث‪ ..‬لكن الوعود تذهب‬ ‫تسول له نفسه‬ ‫ادراج الرياح حني يقرر األمن مقاصصة كل من ّ‬

‫التطاول وتقع الواقعة بني عنارصه و»الشعب» الذي يسلبه‬ ‫اسلحته ثم يقرر االستغناء عنها عىل قاعدة «التظاهر السلمي»‬ ‫وايصال الشكوى للجهات العليا وبدا وكأن الهدف من العمل‬ ‫برمته ايصال إشارة محددة مفادها أن فرضية املؤامرة عىل‬ ‫نظام مامنع يف رشق أوسط معتدل غري صحيحة ولكن لرمبا‬ ‫تناىس منفذو العمل أن هذا النظام الذي يصفونه بالقمعي‬ ‫سمح لهم بإنتاج وعرض رؤيتهم! كل هذه املشهدية تبدو‬ ‫رمادية وكأن الكاتب واملخرجة يقفان يف الوسط بانتظار ملن‬ ‫ستكون الغلبة يك تتكون مادة الجزء الثالث وفقاً للمتغريات‬ ‫السياسية الناجمة عن انقشاع غبار املعركة‪ ،‬فهل سيتم تعديل‬ ‫النص إذا بقي النظام أم سيكتفيا مبا قدما ويبقى الجزء الثالث‬

‫معلقاً باحتامل «ثورة» مقبلة ولو بعد حني؟‬

‫رفاهية بنات العيلة‬

‫حني تتابع «بنات العيلة» تشعر بأنك يف عامل مختلف وال‬ ‫يقرتن بالواقع اآلين ويبدو لك أن الرفاهية هبطت عىل املجتمع‬ ‫السوري‪ ،‬فتيات جميالت وانيقات وناجحات ولكن هذا ال يلغي‬ ‫الحسد الخفي بينهن ولكل منهن قصتها ولكنها قصص عادية‪،‬‬ ‫باختصار ميكن القول أنه مسلسل خفيف بال أي تعقيدات‪ ،‬مجرد‬ ‫حوارات لتعبئة الهواء يف ما عدا بعض املبالغة يف قصة الفنانة‬ ‫«مريا» (هويدا) واملعجب املهووس بها وهي مشاركتها االوىل يف‬ ‫عمل متثييل واملؤسف أنها مل تكن موفقة يف ادائها عىل االطالق‪،‬‬


‫العدد ‪70‬‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫ويُحسب للممثلة نظيل الرواس التي أدت دور «مريفت» قدرتها‬ ‫الكبرية عىل ايصال الشخصية املغرورة والحسودة واملؤذية للناس‬ ‫بصدق‪« .‬بنات العيلة» مسلسل يعرب أمام العني بحوادثه ذات‬ ‫النهاية املعلقة‪ ،‬لكنه ال يرسخ يف الذاكرة وال يضيف شيئاً اىل األرث‬ ‫الدرامي املعارص‪.‬‬

‫أرواح عارية وتربير الخيانة‬ ‫الخيانة هي الفكرة يف مسلسل «أرواح عارية» رغم أنه‬ ‫يتم تغليفها بالحب‪ ،‬منذ الحلقة االوىل يكتشف «سامر» (عبد‬ ‫املنعم عاميري) خيانة زوجته «رىب» (سالف معامر) له ويبدأ‬ ‫الشجار لتهرب الزوجة بعد منتصف الليل عىل مرأى ومسمع‬ ‫سكان املبنى فتجمعها الصدفة مع «ص�لاح» (قيص خويل)‬ ‫فيستضيفها يف منزله وتنشأ بينهام قصة حب واملفارقة أن‬ ‫محيطه يتقبلها وبدوره يربر لها خيانتها وكأن مجتمعنا الرشقي‬ ‫تخىل عن تقاليده واعرافه بسحر ساحر‪ ،‬يف املقلب اآلخر يصبح‬ ‫هاجس الزوج املخدوع معرفة غرميه‪ ،‬لكن هل عقل املتلقي‬ ‫صغري لدرجة تجعله يقتنع بواقعية القصة وملاذا االرصار عىل‬ ‫تربير الخيانة باالشارة اىل سوء اخالق الزوج‪ .‬الخيانة وسيلة‬ ‫االنتقام الوحيدة يف العمل والحب قارب االبتذال وبدا أن الغزو‬ ‫الدرامي الرتيك أثر بشكل سلبي عىل خيال كتّاب الدراما مام‬ ‫جعلهم يغردون خارج رسب املنطق‪ ..‬خاصة يف ما يتصل بقصة‬ ‫املمثل الباحث عن النجومية ولو أتت من كومبارس تتكل عىل‬ ‫الدعارة لبلوغ الهدف املنشود فهل القصد تشويه صورة جيل‬

‫دراما‬

‫كامل من املمثلني السوريني الشباب أم مجرد خيال كاتب؟؟‬

‫رفة عني‪ ..‬رصاخ مبضمون فارغ‬ ‫مل نفهم ما هي الرسالة التي ارادت أمل عرفة إيصالها من‬ ‫خالل «رفة عني» املسلسل الذي كتبته واخرجه املثنى صبح‪،‬‬ ‫حني جسدت فيه دور «هدية» الفتاة التي تولد يف السجن من‬ ‫أم مغلوب عىل امرها طعنت الوالد السكري دفاعاً عن نفسها‪.‬‬ ‫لكن االب يخرج من قربه ويغري اسمه ويرتك زوجته ملصريها‬ ‫بقصد معاقبتها‪ ،‬ثم يختفي لسنوات ليعود ويبحث عن ولديه‬ ‫«مهدي» و»هدية»‪ .‬املفارقة أن األم متوت مظلومة بعد وقوعها‬ ‫يف مجرور للرصف الصحي دون أن تستعيد حقها واألخ يسلب‬ ‫أخته مالها الذي تجنيه من عملها وهو املقامر والسكري الذي‬ ‫يعمل اخريا ً يف التزوير لكنه ميارس ذكوريته عن اخته بحجة‬ ‫الحفاظ عىل رشفها!! مفارقات كثرية يف مسلسل «رفة عني»‬ ‫ورصاخ ومضمون فارغ حيث أننا مل نفهم ما الذي حققه األب‬ ‫بعد أن ترك زوجته وولديه للقدر ليعود اىل نفس الغرفة التي‬ ‫عاشوا فيها نادماً وغري قادر عىل مصارحتهام بالحقيقة‪..‬‬

‫البيئة الشامية‬ ‫يف مكان آخر أىت «زمن الربغوت» بصورة شعبية خفيفة‬ ‫وجميلة دون الغوص بتفاصيل مقارعة املحتل بل الرتكيز عىل‬ ‫العادات االجتامعية وشهامة أهل الشام وأهمية الحفاظ عىل‬ ‫الرشف ومواجهة الفتنة ويُسجل لسلوم حداد متيزه يف دور‬ ‫البخيل «أبو نجيب» الذي فاق التوقع وهذا أمر ليس بغريب‬ ‫عىل ممثل مبستواه‪.‬‬ ‫أما «حارة الطنابر» فشكّلت مادة كوميدية بارزة تغمز‬ ‫من قناة العديد من االعامل املستهلكة التي غصت بها املواسم‬ ‫الرمضانية ويف ذلك دليل صحوة تبرش بالخري‪.‬‬ ‫وال ننىس «بقعة ضوء» الذي المس معاناة املواطن العريب‬ ‫بجرأة واضحة ومل تغب عن لوحاته الصور النقدية التي تناولت‬ ‫الواقع السوري اآلين‪.‬‬

‫الغالبون وتأطري املجتمع‬ ‫االميان بالفعل املقاوم يجعلنا نحرتم مجهود الجهة املنتجة‬ ‫ملسلسل «الغالبون» الذي نجح يف استقطاب أكرب عدد ممكن‬ ‫من املمثلني اللبنانيني باختالف مشاربهم وقناعاتهم حيث يتم‬ ‫استكامل السرية املقاومة يف الجزء الثاين من العمل‪ ،‬انها مرحلة‬ ‫السيد عباس املوسوي القائد الذي واكب املقاومني عىل أرض‬ ‫املعركة حتى استشهاده‪ ،‬لعل رمزية السيد عباس هي السبب‬ ‫الوحيد ليؤدي دوره نجله يارس ويف ذلك مغامرة فعلية فاملطلوب‬ ‫منه ان يقنع من عارصوا والده من جهة وإقناع نفسه أنه قادر‬ ‫عىل تقمص الشخصية دون أي تعب روحي ونفيس‪ ،‬العمليات‬ ‫العسكرية أيضا تأخذ مساحة ال يستهان بها من العمل واملامرسات‬ ‫الوحشية يف املعتقالت وتجنيد العمالء من كال الطرفني‪ .‬لكن‬

‫‪13‬‬

‫يبقى التأطري مسيطرا ً عىل الفكرة بحيث يقدم العمل صورة‬ ‫منطية موحدة قد يكون مبالغ فيها فنحن ال ننكر الصحوة الدينية‬ ‫يف تلك املرحلة ولكن هذا ال يعني أن كل الجنوبيات التزمن‬ ‫بالحجاب بالشكل الذي عرضه املسلسل ولنسلم جدالً بهذه‬ ‫الصورة للمجتمع لكن هل يصح االعتقاد بأن كل محجبة مقاومة‬ ‫وكل سافرة مشكوك بأمر والئها لوطنها‪ ..‬من هنا يصبح العمل‬ ‫فئوياً بنظر جزء من اللبنانيني الذين لهم وجهة نظر مختلفة يف‬ ‫أسلوب املقاومة!‬

‫ديو الغرام‪ ...‬قصة مستهلكة‬ ‫برنامج فني يستحرض فكرة عمل درامي فيدخل «ديو‬ ‫الغرام» املنافسة الرمضانية‪ ،‬النجمة املشهورة «داليا» (ماغي‬ ‫أبو غصن) والفنان املغمور «سامر» (كارلوس عازار) والحب‬ ‫املحظور كونها متزوجة وهو مرتبط أيضاً‪ .‬القصة مستهلكة‬ ‫اىل حد كبري وعادية كباقي املسلسالت اللبنانية التي تكرث‬ ‫فيها االزياء الجميلة ويتم تربير الخيانة الزوجية عىل قاعدة‬ ‫أن الزوج يستغل زوجته مادياً ومعنوياً‪ ،‬العمل هو عىل قياس‬ ‫فئة أخرى من اللبنانيني يرون يف هذه املشهدية صورا ً من‬ ‫بيئتهم رمبا‪.‬‬

‫تهريج كيد النسا‬ ‫تعود فيفي عبده يف جزء ثانٍ من «كيد النسا» لتستكمل‬ ‫رصاعها ضد الحاسدات وتخرج «صافيا» (سمية الخشاب) من‬ ‫العمل بعد حريق السجن الذي تفتعله «كيداهم» ولكنها لن‬ ‫تشعر باالمان عىل زوجها الذي وملحاسن الصدف مل ميت رغم‬ ‫مراسم دفنه يف الجزء االول‪ ،‬فقد ظهرت «حالوتهم» (نبيلة عبيد)‬ ‫منافسة جديدة قدمية لها‪ .‬ما تقدم ليس رسدا ً هزلياً بل هو عمل‬ ‫درامي مرصي أقل ما ميكن القول عنه أنه نوع من التهريج املبالغ‬ ‫فيه‪.‬‬

‫ماذا يريد ناجي عطالله؟‬ ‫«فرقة ناجي عطالله» عنوان كبري لعمل ميكن وصفه بأنه‬ ‫يدخل ضمن سياق تشويه صورة املقاومة يف أي مكان وزمان‪،‬‬ ‫ولن أدخل يف تفاصيل االخطاء التقنية للعمل ولكن ما الهدف‬ ‫الذي يسعى اليه «ناجي عطالله» (عادل إمام) حني يشري اىل‬ ‫العالقات الدبلوماسية بني مرص وارسائيل كونه الدبلومايس‬ ‫املقيم يف تل ابيب ويغطي تطبيعه بانتقادات يوجهها الصدقائه‬ ‫االرسائيليني‪ ،‬إذا هو عميل بزي دبلومايس‪ ،‬وبعدها يقع الخالف‬ ‫بينه وبني اصدقائه يصبح سارقاً ويؤسس فرقته لغزو مرصف يف‬ ‫تل ابيب وتبدأ رحلته عىل الدول العربية ليعرب انفاق غزة فهل‬ ‫يريد إمام القول أن هذه االنفاق للعمالء واللصوص؟ ثم ملاذا‬ ‫العبور اىل جنوب لبنان واقحام مقاومته االسالمية يف املشهد؟‬ ‫لعلها مثار التغيري يف مرص بحيث يستمر فعل التطبيع فنياً‬ ‫وثقافياً واجتامعياً‪.‬‬


‫‪14‬‬

‫العدد ‪70‬‬

‫جمتمع مدين‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫«التنمية يف الهالل الخصيب» لـزهري فياض‬ ‫بدعوة من منتدى تحوالت‪ ،‬أقيمت يف البيت البلدي يف‬ ‫بشتفني – قضاء الشوف ندوة حول كتاب د‪ .‬زهري فياض الجديد‬ ‫«التنمية يف الهالل الخصيب»‪ ،‬وتخلل الندوة حفل توقيع للكتاب‪.‬‬ ‫حرض الندوة الوزير السابق ورئيس املجلس األعىل يف الحزب‬ ‫السوري القومي االجتامعي محمود عبد الخالق‪ ،‬املقدم رشيف‬ ‫فياض‪ ،‬مدير عام تعاونية موظفي الدولة األستاذ أنور ضو‪ ،‬اضافة‬ ‫اىل حشد من الفعاليات السياسية والثقافية والحزبية واالجتامعية‪،‬‬ ‫ورؤساء بلديات ومخاتري املنطقة‪.‬‬ ‫أدار الندوة األستاذ شوقي األشقر وقد شارك يف الندوة كل‬ ‫من رئيس املجلس البلدي يف بشتفني د‪ .‬فؤاد جعفر الذي رحب‬ ‫بالحضور وتناول موضوعة التنمية املحلية ودور البلديات عىل‬ ‫صعيد امناء القرى واملناطق واملدن واألرياف‪ ،‬وتطرق يف مداخلته‬ ‫اىل رضورة وجود وعي اجتامعي للتنمية وأهميتها يف تطور‬ ‫املجتمع‪ ،‬بعد ذلك كانت مداخلة للكاتب والصحايف األستاذ بسام‬ ‫ضو‪ ،‬تناول فيها قراءة معمقة للكتاب ومقاربة ملوضوعة التنمية‬ ‫من زوايا مختلفة‪ ،‬وربط التنمية ونجاحها بجملة تحوالت ال بد‬ ‫من حصولها يف بالدنا‪ ،‬وتضمنت مداخلته نقدا ً لبعض ما جاء يف‬ ‫الكتاب‪.‬‬ ‫بعد ذلك كانت مداخلة للكاتب السيايس األستاذ رسكيس أبو‬ ‫زيد‪ ،‬تناول فيها الكتاب والقيمة التي أضافها يف موضوع التنمية‬ ‫لجهة ربطها بالتكامل االقتصادي يف بالدنا‪.‬‬ ‫بعدها‪ ،‬كانت مداخلة ملدير املكتبة الوطنية يف بعقلني سلط‬ ‫فيها الضوء عىل القيمة العلمية للكتاب الذي أضاء عىل جملة من‬ ‫املفاهيم املرتبطة بالتنمية والتخلف يف بالدنا وعىل السبل الكفيلة‬ ‫بنهوض مجتمعاتنا اقتصادياً وثقافياً واجتامعياً‪.‬‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬كانت مداخلة للباحث االقتصادي غالب بو مصلح‬ ‫تناول فيها مسائل متنوعة ذات صلة مبوضوع التنمية‪ ،‬وقد قدم‬

‫من املحارضة‬

‫مقاربة معمقة للمعوقات التي تقف يف وجه التنمية من قبل‬ ‫قوى استعامرية وأطراف عاملية مختلفة تهيمن عىل االقتصاد‬ ‫العاملي وتوجهه بشكل يتناقض ومصالح شعوب العامل الفقرية‬ ‫واملستضعفة‪.‬‬ ‫يف الختام‪ ،‬كانت مداخلة للمؤلف د‪ .‬زهري فياض تطرق فيها اىل‬ ‫التنمية من زاوية كونها عملية مستمرة تهدف اىل احداث مجموعة‬

‫من التغيريات الجذرية يف املجتمع‪ ،‬الكسابه القدرة عىل التطور‬ ‫الذايت املستمر مبعدالت تضمن التحسن املتزايد يف نوعية الحياة‬ ‫لكل أفراده‪ ،‬وأضاء عىل عالقة التنمية بالتكامل االقتصادي ومسألة‬ ‫التصنيع‪ ،‬مبا يفتح آفاقاً هائلة ومرتكزا ً لقيادة عملية تنموية تحديثية‬ ‫تطويرية لكامل البنى السياسية واالقتصادية واالجتامعية مبا يحقق‬ ‫األهداف الكربى يف التقدم والرقي والبحبوحة واالزدهار‪.‬‬

‫زيدان و«‪« Fer2et Ma3na‬يف مرسح املدينة‬

‫‪Fer2et Ma3na‬‬

‫بعد النجاحات التي حققتها حفالته التي احياها يف مختلف‬ ‫املناطق اللبنانية‪ ،‬أطل الفنان سليامن زيدان عىل خشبة مرسح‬ ‫املدينة ترافقه فرقته التي اطلق عليها إسم «‪»Fer2et Ma3na‬‬

‫يقول زيدان بأن أغانيه هي عبارة عن تجسيد ملعاناة الشعب‬ ‫و هو يعترب نفسه كالناطق الرسمي عرب التعبري عن مشاكلهم غنا ًء‪,‬‬ ‫الفرقة التي تتألف من أمين رشف الدين‪ ،‬وائل أبو فخر‪ ،‬سامح أبو‬

‫املنى نكهت هذه املره بالطابع األنثوي عرب مايا معلوف التي عزفت‬ ‫عىل الكمنجا‪ ،‬يتوسطهم زيدان الذي غنى عىل مدة أكرث من ساعة‬ ‫ونصف من أغانيه التي جميعها من كلامته و ألحانه‪.‬‬


‫العدد ‪70‬‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫جمتمع مدين‬

‫‪15‬‬

‫توقيع رواية «مرتو ديب» لـ منري الحايك‬ ‫وقّع الكاتب اللبنا ّين منري الحايك تجربته األوىل يف الرواية «مرتو‬ ‫ديب»‪ ،‬يف غرفة التجارة والصناعة والزراعة يف زحلة‪ ،‬بدعوة من‬ ‫حركة الريف الثقافية وامللتقى الثقايف الجامعي‪ ،‬وبحضور عدد كبري‬ ‫من األصدقاء والفاعليات الثقافية والشخصيات األدبية واألكادميية‪.‬‬ ‫افتتح الحفل بالنشيد اللبناين‪ ،‬وق ّدمته اآلنسة ريبيكا خاطر‪.‬‬ ‫ثم كانت كلامت بدأها املفكّر األستاذ باسل برازي ركّز فيها عىل‬ ‫األصالة التي يتمتّع بها الكاتب والتي ظهرت واضحة من خالل‬ ‫ما ق ّدمته الشخصيات من أفكار ومواقف ظهرت يف الحوارات‬ ‫والنقاشات‪.‬‬ ‫االجتامعي األديبة‬ ‫القومي‬ ‫السوري‬ ‫عميدة الثقافة يف الحزب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدكتورة فاتن امل ّر تح ّدثت عن الكاتب وعن السنوات الطويلة‬ ‫التي خاضا فيها الكثري من التجارب واملشاريع والنشاطات‪ ،‬والتي‬ ‫ما زاال يقومان بها عىل الرغم من بعد املسافة بحيث أ ّن الكاتب‬ ‫يسكن حال ًّيا يف ديب‪ ،‬كام وركّزت عىل أهم ّية العمل الروايئ بوصفه‬ ‫تجربة أوىل‪ ،‬وعىل الهموم الكربى التي يحملها الكاتب والتي مت ّنت‬ ‫عليه أن تكون هي مواضيع رواياته القادمة‪.‬‬

‫الناقد واألديب األستاذ الدكتور عبد املجيد زراقط‪ ،‬الذي تغ ّيب‬ ‫بسبب مشكلة صحية وألقى كلمته بالنيابة عنه األستاذ غسان‬ ‫تويني‪ ،‬تح ّدث عن الفضاء الدال ّيل يف الرواية‪ ،‬وركّز عىل ثنائية‬ ‫الحب‪/‬الحرب‪ ،‬وأهمية الفضاء املتح ّرك «املرتو» حيث تدور غالبية‬ ‫ّ‬ ‫األحداث‪ ،‬وعىل التقنية التي استخدمها الكاتب «التداعي الح ّر» يف‬ ‫القسم الثاين «يف املرتو»‪ ،‬وقال يف نهاية كلمته إ ّن الكاتب إن واصل‬ ‫الحايك يوقع «مرتو ديب»‬

‫ٍ‬ ‫بأخوات لها‪ ،‬قد يصبح يف املستقبل‬ ‫الكتابة الروائية وألحق روايته‬ ‫من الروائيني الكبار‪.‬‬ ‫أ ّما الباحث والناقد الكبري األستاذ الدكتور عيل زيتون‪ ،‬رئيس‬ ‫الجامعي‪ ،‬تح ّدث يف بداية كلمته عن منري‬ ‫ومؤسس امللتقى الثقا ّيف‬ ‫ّ‬ ‫الحايك الشاب الذي مت ّيز يف قسم اللغة العربية يف الجامعة اللبنانية‬ ‫يف زحلة‪ ،‬عىل صعيد النشاطات واملسؤوليات التي تسلمها‪ ،‬وقال‬ ‫إنّه أحد أقالم امللتقى‪ ،‬وإ ّن الرواية نتاج من نتاجات امللتقى األدبية‬ ‫والثقافية‪ ،‬ث ّم انتقل إىل الرتكيز عىل دراسة املكان يف الرواية‪ ،‬حيث‬ ‫أنّها رواية مكانية بامتياز‪ ،‬من خالل عنوانها‪ ،‬ومن خالل عناوين‬ ‫أقسامها‪ :‬بني بريوت وديب‪ ،‬يف املرتو‪ ،‬وبني ديب والشام‪ ،‬ومن خالل‬ ‫الثنائيات الواردة التي يتعاىل فيها املكان‪/‬لبنان حي ًنا عىل املكان‪/‬ديب‬ ‫يف حاالت معيّنة‪ ،‬ث ّم تنتقل املكان‪/‬ديب للتعايل يف حاالت أخرى‪...‬‬ ‫كلمة الكاتب تض ّمنت تسويغًا النتقاله من كتابة الشعر إىل‬ ‫كتابة الرواية‪ ،‬ث ّم شكر الحضور واألساتذة املشاركني وحركة الريف‬ ‫الثقافية وإدارة غرفة التجارة والصناعة والزراعة‪ .‬ث ّم دعا الحضور‬ ‫إىل حفل الكوكتيل والتوقيع‪.‬‬

‫أمري الشعر وسيد النرث‪ ،‬يونس اإلبن مكَ َّرماً يف بلدته مزيارة‬

‫أقامت بلدية مزيارة حفالً تكرمييًا للشاعر يونس اإلبن‪،‬‬ ‫وذلك برعاية معايل وزير الثقافة األستاذ غايب ليون ممثالً‬ ‫برئيس االتحاد الفلسفي العريب الدكتور أدونيس العكره‪ ،‬يف‬ ‫نادي شبيبة مزيارة‪.‬‬ ‫البداية كانت مع النشيد الوطني اللبناين أدته جوقة رعية‬ ‫مزيارة واملطرب رسكيس رفول‪ .‬من ثم كلمة شعر ترحيبية‬ ‫من األستاذ إيليا رفول خاصة بابن مزيارة ‪ ،‬ثم كانت كلمة‬ ‫البلدة ألقاها رئيس البلدية املهندس رميون الشدياق فقال‪:‬‬ ‫“أقف بينكم اليوم وقفة عز ألن البلدية تقوم بتكريم كبري‬ ‫من عندنا مألت أشعاره املغناة أرجاء الدنيا يف لبنان وبالد‬ ‫االغ�تراب فبفضله كم من “م��روان” شده الحنني وعاد إىل‬ ‫“قطعة السام اليل ثاين ما إال”‪ .‬فهذا الكبري ساهم مساهمة‬ ‫فاعلة يف رفع مستوى األغنية اللبنانية وغنى كبار املطربني‬ ‫أشعاره فخلدهم وخلدوه‪.‬‬ ‫بعدها ألقى خليل الخوري كلمة رئيس تحرير جريدة‬ ‫الرشق فقال ‪“ :‬شكل يونس ‪ ،‬دامئاً‪ ،‬لغزا ً جميالً يف خاطري‪.‬‬ ‫هو الشاعر األملعي الذي سبق عرصه يف االنتفاض‪ ،‬شاباً‪،‬‬ ‫عىل واقع وتقاليد ومسلامت‪ ،‬ميثل يل‪ ،‬اليوم‪ ،‬ذاك الزمن‬ ‫الجميل الذي نتوق إليه يف غمرة هذا الزمن املتامدي يف‬ ‫الرِدة والرداءة‪.‬‬ ‫أنت العبقري الذي علمتنا االنتفاضة بقصيدتك “نعم‪ ،‬أنا‬ ‫شاعر فقري”‪ ..‬أنت األغنى يا يونس‪ .‬وأنت األبقى يا يونس‪”.‬‬ ‫ثم كانت كلمة للشاعرة والفنانة التشكيلية باسمة بطويل‬ ‫قالت فيها‪“ :‬أما ليونسنا‪ ..‬فاليو َم ها نجد‪ ..‬عىل براعته املعطاء‬ ‫يغل فينا كام يف‬ ‫الكرام لنا!‪ّ ..‬‬ ‫قد سهروا‪ ..‬تكري ُم‪ ..‬يا لتكريم‬ ‫ِ‬ ‫ليلنا السحر‪ ،‬نحبه‪ ،‬نشتهي لو حبنا نهر‪ ،‬يؤبد الخصب يف‬ ‫أوراقه النهر‪ ،‬عىل نضاالته‪ ،‬نهمي هنا َء ٍ‬ ‫غد‪ ،‬يطل زهو ربيعٍ ما‬ ‫همى مطر لو استطعنا لخلينا الحياة ض ًحى لديه‪ ..‬من بعده‬ ‫ال يغرب العمر له انتزعنا نجوماً من أرستها تصحو بتا ٍج ٍ‬ ‫مللك‬

‫اإلبن متسلام ً الدرع التكرميي‬

‫ليس يندثر وما ارتضينا كنوز األرض نرثها عليه عطرا ً كفى‬ ‫تاريخه العطر يف عجزنا قد نعزى بالردى‪ ...‬قلقاً أمام ما خ ّط‬ ‫إذ يجثو ويعتذر وقد تفنن يف إركاعنا قد ٌر‪ ،‬إذ بالفنون قضت‬ ‫أن يركع القدر‪”..‬‬ ‫كام كانت كلمة تحليلية لشعر يونس اإلبن من النقيب‬ ‫الشاعر أنطوان رعد فقال ‪ :‬وهو شاعر متعدد املواهب‬ ‫مثلث الربكات عشق الفصحى كام عشق العامية وقد جمع‬ ‫العشيقتني فوق رسير واحد دون أن تقع حرب الوردتني‪،‬‬ ‫فخرجت الفصحى راضية‪ ،‬وانتنت العامية مرضية أما هو‬ ‫فقد ظفر بالنشوتني‪ .‬ويف غفلة من الزمن خان العشيقتني إذ‬ ‫راود الفرنسية عن نفسه‪ ،‬فوقعت هذه يف التجربة وأنجبت‬ ‫الخيانة قصائد فيها من خفر العذارى ومن إغواء بنات الجن‪.‬‬ ‫يف كلمة للمحامي هرني خوري قال‪ :‬شعره هو شعر‬ ‫الحياة والتنوع وهو يختلف متاماً عن شعراء القصيدة النرثية‪.‬‬ ‫أما غزله فهو عبارة عن تجربة ذاتية‪ ،‬حيث كان يعيش حالة‬ ‫الحب التي يعرب عنها يف شعره‪ ،‬وبذلك تتخذ بعض القصائد‬ ‫طابع املذكرات الشخصية التي ترسم صورة شبه واضحة‬ ‫لشخصية الشاعر‪.‬‬ ‫ثم ألقى الشاعر يونس اإلبن قصيدة له بعنوان‪:‬‬ ‫ ‬ ‫“خناقة مع الله”‪ ،‬بعدها سلم ممثل وزير الثقافة الدكتور‬ ‫أدونيس العكره درعاً تكرميياً للشاعر وكانت له كلمة إعترب‬ ‫فيها إن أهل الشعر املتشبعني بثقافة املواطنية هذه‪ ،‬ال‬ ‫للجبوت‬ ‫يركعون للامل يك ال يَس ُه َل عندهم بي ُع شعبهم‪ ،‬وال رَ‬ ‫الخارجي لئال يَس ُه َل عندهم بي ُع الوطن‪ ،‬وال لشهوة السلطة‬ ‫لئال يَس ُه َل عندهم بيع أنفسهم للشيطان‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ختاما قدمت بلدية مزيارة ممثلة برئيسها املهندس‬ ‫ ‬ ‫رميون الشدياق درعاً تكرميياً إلبنها الشاعر يونس اإلبن‪.‬‬ ‫يذكر أن الحفل تخلله عروضات وثائقية مرئية من إعداد‬ ‫شادي يونس اإلبن‪ .‬وقد أُقيم كوكتيل عىل رشف امل ُحتفى به‪.‬‬


‫‪16‬‬

‫العدد ‪70‬‬

‫مقابلة‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫املمثل رشبل زيادة لـ»تحوالت»‪:‬‬

‫«‪ 39‬ثانية» قادرة عىل تغيري حياة البرش‬ ‫حاورته ـ عبري حمدان‬

‫يتشعب الحوار مع املمثل رشبل زيادة لسعة ثقافته التي‬ ‫شكّلت أرضية ثابتة لخياراته التمثيلية فيقنعك بالزي العسكري‬ ‫يف شخصية «عازر» الضابط االرسائييل الذي يعمل عىل تجنيد‬ ‫العمالء يف الجزء الثاين من «الغالبون»‪ .‬ويعد املشاهد بظهور‬ ‫سيناميئ مختلف يف «‪ 39‬ثانية» ويعلن مواقفه السياسية دون‬ ‫مواربة‪.‬‬ ‫فنياً يرى زيادة أن املسلسالت الرتكية ما هي إال غزو عثامين‬ ‫ملجتمعنا ولكن بزي عرصي‪ ،‬ويخىش عىل الدراما السورية من‬ ‫كبوة جراء الحوادث االخرية واحتامل وقوعها يف فخ التكرار‬ ‫مشريا ً إىل أن الجرأة ليست صفة مستجدة عىل هذه االخرية‪.‬‬ ‫نبدأ من دور»عازر» لنسأل زيادة عن رس نجاح «الغالبون»‪،‬‬ ‫هذا الرس الذي جعله من الوجوه البارزة يف العمل بجزأيه‬ ‫فيقول‪ »:‬ما مييز هذا العمل قصته النابعة من واقع املجتمع‪،‬‬ ‫والحوادث التاريخية التي يتناولها كلنا عشناها ومن مل يعشها‬ ‫سيهمه أن يعرفها‪ .‬ويؤسفني أن هناك أناس من هذا الوطن ال‬ ‫يعرفون أن إرسائيل كانت تحتل لبنان وبالفعل هناك جهل تام‬ ‫ومخيف لكن «الغالبون» أضاء عىل هذه املرحلة وجعل هؤالء‬ ‫يعرفون ما حصل كل هذه التفاصيل دفعتني للمساهمة يف‬ ‫االضاءة عىل هذا الواقع‪ .‬وبرأيي نجاح العمل هو الذي جذب‬ ‫الكثري من الوجوه الجديدة ومن كان يشعر بالرتدد يف البداية‬ ‫تغلب عىل شعوره واندفع للقبول باملشاركة»‪.‬‬ ‫ال يستغرب زيادة الجدل الذي اثاره العمل يف بلد محكوم‬ ‫باالختالف والتنوع داعياً االطراف كافة لصيغة تخاطب مسؤولة‬ ‫‪ »:‬أقول لكل طرف لبناين معرتض عىل «الغالبون» أن يحذو‬ ‫حذو منتجيه ويتحدث عن إنجازاته ولتكن وسيلة التحاور‬ ‫فكرية وثقافية وفنية وبالتايل ال يرفض اي طرف اآلخر‪ .‬ولنخرج‬ ‫من دائرة التوتر والتشنج يك ال تصبح الدراما أيضاً منقسمة‬ ‫مذهبياً»‪.‬‬ ‫اما النقد فال يراه زيادة مقياساً لنجاح أي عمل درامي حيث‬ ‫أن الحكم للمتلقي يف نهاية املطاف‪ ،‬فهو من جهته ال ينتظر‬ ‫مقاالً أو رأياً نقدياً يك يتابع االعامل السينامئية او الدرامية علىل‬ ‫السواء مع اشارته اىل منطق املحسوبيات الذي يرتهن له الكثري‬ ‫من النقّاد‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وحول نظرته للدراما العربية يقول‪ »:‬يف زمن ماض كانت‬ ‫الدراما اللبنانية متقدمة لكنها تراجعت السباب عديدة معروفة‬ ‫من الجميع‪ ،‬أما املرصية كانت يف مرحلة ما رائدة إال أنها وقعت‬ ‫يف فخ التكرار واالج�ترار واالستعراض الخايل من أي مضمون‬ ‫مفيد‪ ،‬وميكن القول أن قرينتها السورية تصدرت املشهد‬ ‫الدرامي العريب ملا قدمته من طروحات وكفاءة عالية سواء يف‬ ‫اداء نجومها أو يف التقنيات لكني أخىش عليها من كبوة جراء‬ ‫ما يجري اليوم يف سوريا‪ ،‬شخصياً أرى أن السوريني نجحوا يف‬ ‫املسلسالت التي تناولت مراحل تاريخية وبالطبع ال أعني «باب‬ ‫الحارة» الذي ش ّوه الصورة الحقيقية للبيئة الشامية‪ ،‬لكني ال‬ ‫أرى أن كل اعاملهم املعارصة مقنعة رمبا ألنهم ال يقولون كل‬ ‫يشء وأظن أنهم محقون كونهم أدرى من غريهم مبا يتصل‬ ‫مبجتمعهم ومحظوراته»‪.‬‬

‫رشبل زيادة يف الغالبون‬

‫لكن اال يرى زيادة حجم الجرأة يف االعامل السورية التي‬ ‫انتقدت الفساد حتى قبل الحوادث العاصفة التي تعيشها‬ ‫البالد؟ يجيب‪ »:‬هذه الجرأة ليست جديدة‪ ،‬إذا عدت اىل‬ ‫االرشيف ستجدين كام ال يستهان به من االعامل بدأ بدريد‬ ‫لحام واملاغوط والكثري من االسامء الرائدة يف هذا االطار»‪.‬‬ ‫‪...‬مع الزميلة حمدان‬

‫ونسأله عن الحرية املطلقة‪ ،‬فيقول‪ »:‬ال يوجد حرية مطلقة‬ ‫يف أي بقعة من هذا العامل‪ ،‬انا كنت مقيام يف الواليات املتحدة‬ ‫االمريكية واؤكد لك أن الحرية كذبة كبرية والدليل أن هذه‬ ‫الدولة العظمى متارس أبشع أنوع الظلم عىل من هم أضعف‬ ‫منها إذا هي ال تعرف أي قيمة للحرية حتى يف املجال الفني‬ ‫واالديب»‪.‬‬ ‫ويخربنا زيادة عن فيلمه السيناميئ الذي سيعرض يف أيلول يف‬ ‫الصاالت اللبنانية‪ »:‬اشارك حالياً يف فيلم لنبال عرقجي (كاتب)‬ ‫والرا سابا (مخرجة) عنوانه «‪ 39‬ثانية» اىل جانب كارول حاج‬ ‫وشادي حداد باالضافة اىل ضيوف رشف‪ ،‬ميكن القول أن حياة‬ ‫الناس قد تتغري يف ‪ 39‬ثانية ولعلها لعبة القدر هي الفكرة‬ ‫الرئيسة للفيلم الذي ييضء عىل مناذج من املجتمع اللبناين»‪.‬‬ ‫من جهة ثانية يرى زيادة أن الدراما الرتكية ما هي إال غزو‬ ‫عثامين بزي عرصي‪ »:‬أنا ضد العرض الدرامي الرتيك املتواصل‬ ‫الذي يجتاح مجتمعنا واعتربه نوع من انواع الغزو الثقايف‪ ،‬حني‬ ‫تم إفتتاح الفضائية الرتكية الناطقة بالعربية يف بريوت كنت‬ ‫أعمل معهم وأكتب لهم برنامج عنوانه «كلمني عريب» ثم طلبوا‬ ‫مني أعداد برنامج سيايس لتسويق سياستهم هنا وبكل بساطة‬ ‫اعتذرت»‪.‬‬ ‫لكن قد يرد البعض عىل هذا املوقف باالشارة اىل الغزو‬ ‫االيراين لدعم السينام اللبنانية املقاومة وآخرها فيلم «‪ 33‬يوم»؟‬ ‫يجيب‪ »:‬إيران مل تحتلنا اكرث من ‪ 400‬سنة كام فعل العثامين‪ ،‬إذا‬ ‫شعر البعض بأن ما تقوم به إيران غزوا ً من خالل «‪ 33‬يوم» فام‬ ‫املانع أن تطلب قوى ‪ 14‬آذار من قطر أن تدعمها لتقديم عمل‬ ‫تسميه «‪ 77‬يوم» بدل أن يدفعوا االموال لتسليحنا ضد بعضنا»‪.‬‬ ‫ويختم بالقول‪ »:‬حني تصبح الفوىض هي القاعدة ال ميكن‬ ‫أن يكون ما يحصل يف عاملنا العريب ثورة‪ ،‬واخرتت أن أختم‬ ‫بالسياسة النها ال تنفصل عن الثقافة والدراما»‪.‬‬


‫العدد ‪70‬‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫دين ودنيا‬

‫‪17‬‬

‫االجتهاد يف الفكر اإلصالحي‪...‬‬

‫الكواكبي واملرجع الفقيه السيد فضل الله(رض) منوذجاً‬ ‫‪ ‬محمد فضل الله‬ ‫ليست قضية االجتهاد مع حيويتها وأهميتها جديدة عىل الفكر‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬وإن اختلفت الظروف والبيئات الحاضنة لها‪ ،‬فمنذ القرن‬ ‫الثامن بدأ العقل اإلسالمي ينفض شيئاً فشيئاً غبار الخلود إىل التقليد‬ ‫الجاف‪ ،‬حيث نجد ان بعض اإلصالحيني قاموا مبحاوالت كبرية ومهمة‬ ‫لعرض قضية االجتهاد عرب مؤلفاتهم عىل سبيل املثال ال الحرص «القول‬ ‫املفيد يف أدلة االجتهاد والتقليد» للشوكاين (ت‪1837‬م)‪ ،‬و»القول‬ ‫السديد يف االجتهاد والتقليد» لرفاعة الطهطاوي (ت‪1873‬م)‪ ،‬وكتاب‬ ‫«اإلقليد ألدلة االجتهاد والتقليد» أليب نرص القنوجي الصادق عام‬ ‫(‪1879‬م)‪...‬‬ ‫وبعض هذه املحاوالت تراها اقتباساً عن بعضها‬ ‫البعض‪ ،‬ومل تكن رصيحة وواضحة بالدعوة إىل االجتهاد‬ ‫وفتح الباب واسعاً أمامه‪...‬‬ ‫ن��أيت ع�لى ذك��ر رؤي��ة عبد الرحمن الكواكبي‬ ‫(ت‪1902‬م) اإلصالحية ملسألة االجتهاد‪ ،‬خاصة يف كتابه‬ ‫«أم القرى» وما نلمحه لديه أن قارب املوضوع من‬ ‫زوايا مختلفة‪ ،‬منها دعوة الغربيني لإلسالم‪ ،‬فانطلق منها‬ ‫للدعوة لفتح االجتهاد‪ ،‬حيث أشار إىل أن الكثري من‬ ‫الغربيني هجروا الكاثوليكية إىل الربوتستانتية مليلهم‬ ‫إىل اإلميان العقيل‪ ،‬وطرحهم الرشوح والزيادات عىل‬ ‫اإلنجيل والكتب املقدسة‪ ،‬فينبغي لذلك أن نعرفهم‬ ‫عىل دين اإلسالم ال املذاهب‪ ،‬وقد أسند الكواكبي طرحه‬ ‫لقاعدتني أساسيتني‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬أن الرسول(ص) قد بلّغ رسالته كاملة وال‬ ‫يحق لنا أن نترصف فيها‪ ،‬بل الواجب اتباع قوله وإقراره‬ ‫وما أجمع عليه الصحابة‪.‬‬ ‫رصف فيها‬ ‫الثانية‪ :‬أ ّن دائرة حياتنا العامة ميكن أن نت ّ‬ ‫رشعها الرسول(ص) وما‬ ‫مع رعاية القواعد األساسية التي ّ‬ ‫تقتضيه الحكمة واملصلحة‪.‬‬ ‫وبنا ًء عليه‪ ،‬يرى «الكواكبي» أنه ليس لزاماً عىل‬ ‫املسلم أن يقلّد أحد املذاهب الفقهية‪ ،‬ويف ّند بعد ذلك‬ ‫أدلة القائلني بالتقليد ووجوبه‪ ،‬ويعطي رأيه بدليل‬ ‫[اختالف األمئة يعد رحمة بالعباد] بأن الخالف بني‬ ‫األمئة يعد رحمة يف حال أُحسن استخدامه وإال فهو‬ ‫نقمة عىل األمة ويف ّرقها‪...‬‬ ‫وأما عن دليل [إجامع األمة عىل وجوب التقليد]‬ ‫فريى أنه لو كان الصواب يف الكرثة وال ِق َدم القتىض ذلك‬ ‫صوابية الوثنية‪ ،‬بل إن هذا اإلجامع يخالف برأيه قول الرسول(ص)‬ ‫عن تف ّرق األمة إىل بضع وسبعني فرقة كلها يف النار إال واحدة‪ ،‬فأين‬ ‫ميزان األكرثية يف كل ذلك‪..‬‬ ‫أما عن دليل [األمئة أعالم وأكرث م ّنا فهامً وعلامً] فريى أن معرفتنا‬ ‫باألصلني‪ ،‬القرآن والس ّنة‪ ،‬كافية لنكون مؤهلني للقيام بعملية االجتهاد‬ ‫من دون الركون إىل تقليد أحد من األمئة‪...‬‬ ‫ويرى الكواكبي أنه إذا كان عىل العلامء القيام بواجب‬ ‫االجتهاد‪ ،‬فإن عملية االجتهاد نفسها ينبغي أن تقع تحت رعاية‬ ‫وإرشاف اإلمام‪ ،‬أو والة األمور‪ ،‬فعليهم أن يلزموا األمة باتّباع‬ ‫األحكام االجتهادية التي هي أحكام زمانية‪ ،‬وليس رشعاً يف ح ّد‬

‫ذاتها‪ ،‬فإذا تب ّدل الزمان ُع ِدل عنها بغريها‪...‬‬ ‫وما يتعلّق «باالجتهاد» يف اإلسالم وما يتش ّعب عنه‪ ،‬يرى سامحة‬ ‫الفقيه املجدد السيد فضل الله(رض)‪ ،‬أن حيوية االجتهاد اإلسالمي‬ ‫التي توحي بتغيرّ األحكام بني مرحلة وأخرى‪ ،‬يعود سببها إىل تطور‬ ‫فرب مجتهد حملته خصوصيات ثقافته يف فهم‬ ‫أفهام املجتهدين‪ّ ،‬‬ ‫النص إىل االلتفات إىل معانٍ مل ينتبه إليها اآلخر‪ ،‬فهذا ما ميكن‬ ‫أن يح ِّرك ما يسمى تطورا ً‪ ،‬وهو ليس تغيرّ ا ً لألحكام‪ ،‬وإمنا تغيرّ يف‬ ‫اجتهادات املجتهدين‪ ،‬متاماً كام هي النظريات التي تختلف يف فهم‬ ‫نص معني‪ ،‬أو يف فهم واقع معينّ ‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫إ ّن هذه الحيوية‪ ،‬يتابع سامحة السيد(رض)‪ ،‬جعلت اإلسالم أو‬

‫االجتهاد اإلسالمي يحقق الكثري من النتائج اإليجابية يف مدى الزمن‪.‬‬ ‫رص متنوع ومختلف‬ ‫وإذ نحن ـ يضيف سامحته(رض) ـ يف ع ٍ‬ ‫عن كل العصور السابقة‪ ،‬ويحمل الكثري من القضايا والحاجات‪،‬‬ ‫والتنظيامت الجديدة‪ ،‬فإن الفقهاء إذا تعاملوا مع هذه الحاجات‪،‬‬ ‫أو التنظيامت أو القضايا واستوعبوها‪ ،‬سيمدون االجتهاد بحيوية‬ ‫جديدة‪ ،‬إن يف التعامل االجتهادي مع حركية النص‪ ،‬أو مع القواعد‬ ‫املستوحاة من النص‪ ،‬أو ما يسمى روح النص‪ ،‬وإذا ارتكز ذلك عىل‬ ‫أسس قاعدية مقبولة لدى أهل اللسان أو ما أشبه ذلك‪ ،‬ما ميكن أن‬ ‫يح ِّرك اإلسالم يف كل حاجات اإلنسان املستقبلية‪ ،‬فقضية اإلسالم فيام‬ ‫قد يُثار أمامه من عناوين القصور والتخلّف ليست قضية اإلسالم‬

‫يف نفسه‪ ،‬ولكن قضية املجتهدين الذين مل ميلكوا سعة األفق عىل‬ ‫مستوى الثقافية اإلسالمية‪ ،‬وال عىل مستوى الثقافة املطلقة يف فهم‬ ‫أحكام اإلسالم وقضاياه ومفاهيمه‪...‬‬ ‫لعل من أوىل مهماّ ت حركة االجتهاد‬ ‫ويقول سامحة السيد(رض)‪ّ :‬‬ ‫املعارص‪ ،‬أن تواجه النصوص يف الكتاب والس ّنة مواجهة مستقلّة‬ ‫واضحة تنطلق من الفهم الواعي املستند إىل ثقافة علمية دقيقة‬ ‫واسعة يف املجاالت التي تتح ّرك فيها القواعد اللغوية واألصولية‪ ،‬ومن‬ ‫الرتكيز عىل دراسة األجواء العامة التي انطلقت فيها‪ ،‬ثم مالحظة‬ ‫الظروف املوضوعية التي نعيشها‪ ،‬مام أحدث لنا أوضاعاً جديدة‬ ‫يف العالقات العامة ويف أساليب الحياة للتع ّرف من خالل ذلك‬ ‫عىل طبيعة املوضوعات التي تتوفّر النصوص الرشعية‬ ‫الكفيلة مبنحها الحكم‪ ،‬ليعالجها معالجة واقعية‪...‬‬ ‫إننا نركّز‪ ،‬ونؤكد عىل استبعاد القداسة للشخص‬ ‫وللرأي الفقهي من دائ��رة االجتهاد واعتبار اآلراء‬ ‫الفقهية يف أي مجال علمي قابلة للمناقشة‪ ،‬فال متنع‬ ‫املصري إىل رأي مخالف‪ ،‬وال توجب االرتباط برأي موافق‬ ‫مهام كانت درجة أصحابها من العلم واملعرفة واملركز‬ ‫الروحي‪ ،‬إال مبقدار ما يكون للرأي من قوة الحجة‬ ‫وسالمة الربهان‪ ،‬ألن إعطاء اآلراء القدمية القداسة التي‬ ‫ال ي ّدعيها أصحابها ألنفسهم يجعلنا نواجه تقليدا ً فكرياً‬ ‫باسم االجتهاد‪...‬‬ ‫ويرى سامحته(رض) رضورة تح ّرك االجتهاد يف‬ ‫الطريق املستقل ملواجهة الحاالت العامة والخاصة‬ ‫للحياة عىل أساس رشيعة الله‪ ،‬من دون الخضوع ألي‬ ‫ضغط‪ ،‬وخصوصاً اآلراء السابقة التي ال تكون موضوع‬ ‫قناعة‪ ،‬فذلك وحده ـ بحسب سامحته(رض) ـ هو الذي‬ ‫مينح حركة االجتهاد حيويتها بعيدا ً عن التقليد الفكري‬ ‫والضغط الواقعي‪...‬‬ ‫إننا ندعو إىل بحث علمي فقهي موضوعي ال‬ ‫يتح ّرك من موقع القداسة للقديم وال يطلق ويتحرك من‬ ‫خالل ذهنية التحريم والتضليل والتكفري والتفسيق التي‬ ‫تطلق من جانب البعض عىل أصحاب اآلراء املختلفة‪...‬‬ ‫وع�لى صعيد أث��ر الزمان واملكان يف االجتهاد‪،‬‬ ‫فإن علينا أن ندرس ـ يقول سامحته(رض) ـ شخصية‬ ‫املجتهد‪ ،‬ألن أية شخصية ال بد من أن تخضع بطريقة‬ ‫شعورية أو ال شعورية للمؤثرات التي تؤثر يف تكوين‬ ‫عنارصها‪ ،‬سواء أكانت ثقافية أم عاطفية أم شعورية‪،‬‬ ‫بعالقة اإلنسان باألشياء‪...‬‬ ‫ويف ضوء هذا‪ ،‬فإن تأثر املجتهد بالزمان واملكان ينطلق من تأثر‬ ‫اإلنسان ببيئته وباألجواء املحيطة به‪.‬‬ ‫إننا نريد أن نقول‪ :‬إن كثريا ً من حاالت االجتهاد تنطلق من خالل‬ ‫تأثر اإلنسان ببيئته التي قد توحي إليه ببعض املشاعر أو ببعض‬ ‫األفكار‪ ،‬وقد تجعل ذلك مؤثرا ً يف اجتهاده واستنباطاته للحكم‬ ‫الرشعي‪[ ...‬املصدر‪ :‬كتاب االجتهاد بني أرس املايض وآفاق املستقبل]‪.‬‬ ‫وال يسعنا يف هذه العجالة التطرق لكل أفكار سامحته(رض)‬ ‫حول االجتهاد وما يتف ّرع عنه من قضايا وعناوين شتى‪ ،‬ومن أراد‬ ‫االستزادة أكرث عن املوضوع فليطالع كتاب سامحته(رض) [االجتهاد‬ ‫بني أرس املايض وآفاق املستقبل]‪...‬‬


‫‪18‬‬

‫العدد ‪70‬‬

‫ر�أي‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫لكم إيل ّيكم ويل إييل‬ ‫فيفيان حنا الشويري‬ ‫وحلّق إييل عند ساعات الفجر األوىل بعربته الذهبية فوق‬ ‫سامء بالدي وهو عىل عجلة من أمره الستطالع التضاريس والطبيعة‬ ‫لريى مشهدا ً يؤسف عليه وتدمى له العيون والقلوب‪ .‬كم هي كبرية‬ ‫خيبته وهي ما لبثت تتعاظم منذ سنني وقد بدأ يفقد كل أمل وكل‬ ‫تفاؤل مبستقبل أفضل‪ .‬فالطبيعة خاصته يف تراجع مضطرد وعجزه‬ ‫يزداد رغم كونه أبا السنني وحامي الزمن والكون‪ .‬فامذا ميكنه أن‬ ‫يفعل إزاء األعامل التخريبية للبرش؟ هو واحد أحد وحيد وهم كرث‬ ‫بعدد الرمل أو النمل ال فرق‪ .‬هم مخربون ال ع ّد لهم وال حرص وهو‬ ‫ال حول وال قوة له‪ .‬فعالً‪ ،‬لقد عجز أمام جهل البرش املد ّمر!‬ ‫إنها يد مخربة يحركها إيل ّيكم ضد إييل‪ .‬إيل ّيكم هذا الذي‬ ‫ابتدعتموه‪ ،‬ينرش الخراب والدمار والحرائق يف الطبيعة‪ ،‬يش ّوه‬ ‫ويس ّود املنظر ويح ّول الجنات اىل قبور يف كل مرة تقومون بتكرميه‬ ‫عىل طريقتكم يف مواسم األعياد‪ .‬أما إييل فهو إله الحق والخري‬ ‫الحي‪ ،‬القيوم‪ ،‬مبدع الخلق‬ ‫والجامل‪ ،‬إله النور والحياة‪ ،‬هو إيل ّ‬ ‫والقيامة وال طاقة له عىل تحمل لون السواد ألنه نوراين‪ ،‬شميس‪،‬‬ ‫ينري الكون والحياة‪.‬‬ ‫إيل ّيكم نهم ال يشبع من رائحة البارود والشحار والدخان‬ ‫املفسد للجو والبيئة وكلام أشعلتم الدنيا قال‪ :‬زيدوين بعد‪،‬‬ ‫فهذه روائح تسكرين‪ ،‬وأما إييل فهو يتوق لرائحة البخور واللبان‬ ‫والورود واألريج الذي ينبعث من الطبيعة الرطبة يف كل يوم‬ ‫يرشق عليها بأشعته‪ ،‬ويالحق بنظره الثاقب فلول الطيور‬ ‫وأرساب الفراشات تنتقل بني جبال ووديان بالدي الخصيبة دون‬ ‫ورع من حدود اصطناعية رسمها الطامع املحتل‪.‬‬ ‫إيليّكم يطرب لصوت مدافعكم ومفرقعاتكم الصينية امللوثة‬ ‫للبيئة واملدمرة للرئة ويطرب لصوت صفارات إنذار شاحنات‬ ‫اإلطفائية املرسعة إلخامد الحرائق التي س ّببتها مدافعكم التي‬ ‫دفعتم مثنها من جيوب أطفالكم وصحتهم‪ ،‬أما إييل فيتحسرّ‬ ‫عىل الوقت الضائع لهؤالء اإلطفائيني وللهدر الكبري للوقود التي‬ ‫تستهلكها شاحناتهم والتي تزيد التلوث تلوثاً واالختناق اختناقاً‪.‬‬ ‫رسه ساخرا ً من هبلكم الذي يحرق كل يشء‬ ‫إيل ّيكم يقهقه يف ّ‬ ‫حل بحفيداته‬ ‫يف سبيل إرضائه‪ ،‬أما إييل فيدمع وينزف أملاً عىل ما ّ‬ ‫األشجار التي التهمتها نريانكم يف أحراشه وممتلكاته‪ .‬فإييل بعكس‬ ‫إيل ّيكم‪ ،‬البس الجلباب األسود‪ ،‬إييل هو شجرة خرضاء‪ ،‬نرضة‪ ،‬موردة‪،‬‬ ‫ضاحكة وإسمه يدل عليه إذ يعني الشجرة‪ ،‬شجرة الحياة تلك التي‬ ‫بدأت قصة الخلق معها منذ بزوغ أوىل الحضارات يف سوريا‪ .‬وإييل‬ ‫هو نبتة الحياة الخالدة والتي‪ ،‬منذ جلجامش‪ ،‬ما زال البرش يتوقون‬ ‫إليها‪ .‬إن اللغة التي نقلها أجدادنا‪ ،‬أوالد إييل الحقيقي‪ ،‬أبناء سوريا‬ ‫السوريون‪ ،‬اىل أصقاع العامل‪ ،‬ابتدا ًء من أرض اليونان وحتى أقايص‬ ‫األرض‪ ،‬ما زالت تحتفظ بلفظ (إيل) يف التعبري عن الشجر‪ ،‬ف(‪)ela‬‬ ‫هي الشجرة باإلغريقية وليس أي شجرة‪ ،‬بل هي الشجرة املقدسة‬ ‫وبتعبري آخر‪ ،‬اإللهة‪ .‬هي أثينة حامية املدينة والزيتون شعارها ومن‬ ‫هنا كلمة (‪ )huile/oil‬التي تعني الزيت وهو املادة املستخرجة من‬ ‫الزيتون (‪ )olive‬بالفرنسية‪ ،‬والزيت هو النور والنور هو إيل‪/‬الله‪.‬‬ ‫تأملوا‪ ،‬الله هو الشجرة مبعث الحياة!‬ ‫يتوسل إليكم أن ارحموين وك ّرموين مبا يرضيني وهو‬ ‫إن إييل ّ‬ ‫الحفاظ عىل ما ابتدعته لكم من جامل وصحة متمثلة بالطبيعة‬

‫الخرضاء‪ ،‬أما إيليّكم فيقول‪ :‬ال تردوا عىل هذا املسكني فهو يبيك‬ ‫عىل األطالل ويريد أن يرجعكم اىل عهد بدايئ وىل زمنه اىل غري‬ ‫رجعة‪ ،‬عهد يسمى بداية الحضارة حيث كان اإلنسان يك ّرم الطبيعة‬ ‫ويتع ّبد لها‪ ،‬جاعالً من كل عنرص فيها إلهاً‪ ،‬أكان نباتاً أو حيواناً أو‬ ‫حجرا ً جامدا ً‪ ،‬بينام أنا‪ ،‬إيليّكم‪ ،‬فأحثكم عىل مواكبة التطور الصناعي‬ ‫ومنتجاته حتى ولو كانت تحمل الدمار والهالك لكم‪ ،‬استهلكوها‬ ‫وكام شئتم ودمروا كام شئتم‪ ،‬فال وقت لديكم للعودة آالف السنني‬ ‫اىل الوراء حيث كان أهم تكريم إليل املسكني ذاك‪ ،‬والذي كانوا‬ ‫يسمونه الجبّار‪ ،‬هو زرع األشجار والعناية بالحدائق وتكريم آلهة‬ ‫املواسم بحيث كان لكل موسم إله يحميه‪ .‬فمن له جلد بعد عىل‬ ‫تكريم الورود والزهور والعناقيد والقمح وغريها؟ وملاذا تك ّرم وهي‬ ‫متوفرة يف أكياس بالستيكية عىل رفوف املخازن وميكن الحصول‬ ‫عليها يف أي وقت كان دون االهتامم ملا يتكبده املزارع والفالح من‬ ‫عناء لتأمينها؟ من يأبه ملا يفعلون‪ ،‬فنحن مستهلكون وحسب وندفع‬

‫مقابل ما نشرتي وكفانا هموماً أخرى؟!‬ ‫إييل يطالبكم بالعودة اىل الرتاث‪ ،‬اىل الزمن الذي كانت تزرع‬ ‫فيه األشجار لتكرميه يف أعياده‪ ،‬أما إيليّكم فام برح يردد‪ :‬احرقوا‬ ‫ما تبقى من عرق أخرض حتى تكرب غابة الباطون فالناس بحاجة‬ ‫للمساكن‪ ،‬أتنفس األوكسيجن أم الغازات السامة‪ ،‬فام الفرق؟ املهم‬ ‫ان يعيشوا ليدمروا وحسب!‬ ‫إييل يطالبكم باحرتام مخلوقاته ورد االعتبار لها وتكرميها‬ ‫بشكلها الطبيعي الذي خلقها عليه‪ ،‬وإيل ّيكم يقول‪ :‬بل ح ّولوا الورود‬ ‫يف أعياد الوردية اىل أصنام حجرية واركعوا لعبادتها وأقيموا املراسم‬ ‫والصلوات واالبتهاالت والطواف لتكريم أصنامكم هذه واقطفوا‬ ‫األزهار لرتشوها عليها وإن مل تجدوا ورودا ً طبيعية ألن الطبيعة‬ ‫قد ماتت من جراء قتلنا لها‪ ،‬فام من مشكلة فالورود واألزهار‬ ‫االصطناعية ال تشتيك من يشء بل برشائكم لها تشجعون الصناعة‬ ‫وتحيون االقتصاد‪ .‬أما بالنسبة النعدام الرائحة فيها‪ ،‬فال مشكلة أيضاً‪،‬‬ ‫رشوا عليها الكولونيا‪.‬‬ ‫إيل ّيكم يكره الحياة ويحب الجامد وكل ما هو صنمي الطابع‪،‬‬ ‫منعدم الروح‪ ،‬أما إييل فيحب النبض الذي ينبعث من كل عنرص‬ ‫حي يف الطبيعة التي خلق‪ ،‬فهو حيوي ال يعرف السكون‪ ،‬يف حني‬

‫إيليّكم يعشق السكوت واملوت والعدم والفناء‪.‬‬ ‫إييل يحثكم عىل قراءة ما ابتدعه من فكر ويحثكم عىل العمل‬ ‫مبوجب تعاليمه وهي الثورة عىل الظلم والفقر واالحتالل والدمار‪،‬‬ ‫أما إيل ّيكم فقد ح ّجر الفكر والحضارة واالبداع‪ ،‬فقعدتم تتعبدون‬ ‫للحرف مهملني الفكر‪ ،‬فغدوتم يهوويني وسبتيني بامتياز ورحتم‬ ‫تحرقون الشموع تكرمياً للكتب وليس ملبدعها‪.‬‬ ‫إييل يحثكم عىل أن تتجمعوا إلحياء أعيادكم ومناسباتكم‬ ‫القومية والرتاثية وأن تتحلقوا حول قبولة النور وليس النار وهكذا‬ ‫تقوون باتحادكم وتستطيعون مواجهة أكرب قوة معادية ترتبص‬ ‫بكم وبأرضكم‪ ،‬أما إيل ّيكم فيبث يف روحكم الحقد عىل جاركم‬ ‫كل بكيد جاره وإزعاجه قدر‬ ‫وابن بلدكم ويقول‪ :‬تفرقوا وليع ّيد ٌّ‬ ‫املمكن وليذهب تراث أجداداكم الجامع واملو ِّحد للمجتمع أدراج‬ ‫الرياح فام يل ولآلخر؟ نفيس ثم نفيس ثم نفيس‪ ،‬ما همي الجامعة‬ ‫ومصالحها فأنا فرد يل حريتي وكل شاطر بشطارته!‬ ‫إييل يرفع سيف الحق والعدل بوجه العدو وسيف ناره‬ ‫ال تنطفيء ويطرد أوالد األفاعي من بيت أبيه ويطالبكم بأن‬ ‫تسلكوا سلوكه ومتشوا بركبه‪ ،‬أما إيليّكم فيطالبكم بعدم‬ ‫االكرتاث ملا يحدق بكم من خطر إلغاء وجودكم وتاريخكم‪،‬‬ ‫فام ه ّمكم التاريخ البايل والذي هو مجرد روايات ملفقة؟‬ ‫فال تتعظوا وال تتداركوا‪ ،‬بل غوصوا يف جهلكم اىل أبعد‬ ‫حدود الجهل وليذهب الوطن اىل الجحيم!‬ ‫حرائق‪ ،‬شحار‪ ،‬دخان أس��ود‪ ،‬إط��ارات مشتعلة عىل‬ ‫ال��دوام‪ ،‬ال ترى نريانها من كرثة السحب السوداء التي‬ ‫تتصاعد منها‪ ،‬طرقات ملتهبة وأحراش متآكلة حتى ال نقول‬ ‫غابات فهذه العبارة مل تعد تصلح يف لبنان فام من غابة‬ ‫موجودة! نفوس سوداء وقلوب تعسة جامدة‪ ،‬ال تتحرك‬ ‫األجساد التي تحتويها إال بأمر من الغريزة من أجل استهالك‬ ‫امللذات واألخطر بأمر من العدو الذي يأمر مستأجريه‬ ‫عرب التواتر والتويرت وغريه من أنواع التوتر العرصي بحرق‬ ‫بالدهم‪ ،‬أرضهم وعرضهم بأيديهم‪ ،‬ويروح يبث فيهم من‬ ‫نظرياته يف علم النفس مام ابتدعه مق ِّدس الغريزة‪ ،‬الصهيوين األكرب‬ ‫ومد ّمر الحضارة والقيم وكل ما هو سامي ومتسامي‪ ،‬املدعو أبو علم‬ ‫التحليل النفيس فرويد‪ .‬أليس حق للبرش أن يعيشوا بحرية ودون‬ ‫قيد أو رشوط أو ما يسمى األنا األعىل ويطلقون العنان للغريزة‬ ‫كام يقول علم النفس الذي يحث عىل التنفس وعدم االختناق؟‬ ‫وكيف ال نختنق ونحن مجربون كلنا عىل تكريم إيل ّيكم الذي ابتدعه‬ ‫لكم أرباب الجهل‪ ،‬هؤالء السحرة املشعوذون‪ ،‬أصحاب «الجالبيب‬ ‫السود»‪ ،‬مس ّوقو املوت والجامد وأعداء الحياة والقيامة والتجدد؟‬ ‫فإذا «أردت أن تقيض عىل أمة فاقيض عىل ثقافتها»‪ ،‬كم يلتزم أعداء‬ ‫بالدي بهذا القول!‬ ‫لقد صلب من أجل أن تحييوا أنتم‪ ،‬فلامذا ال تحيون؟ لقد صلب‬ ‫من أجل أن تسعدوا أنتم وتتنعموا بحياة كرمية وعزيزة‪ ،‬فلامذا ال‬ ‫تسعدون؟ اىل متى يبقى إييل مصلوباً وينادي‪ :‬إييل اييل ملا شبقتني؟‬ ‫واىل متى أبقى مع إييل الحقيقي ذاك أردد‪ :‬إييل إييل‪ ،‬ملاذا شبقت‬ ‫بالدي وشعبها؟ ما أكرث حاجتنا لك اليوم!‬ ‫ارحمنا أيها الرحيم‪ ،‬ارحم بالدي‪ ،‬أشفق عىل شعبي فلم يعد‬ ‫بيننا وبني الفناء اال شعرة!‬ ‫استاذة الفنون و األثار يف الجامعة اللبنانية‬


‫العدد ‪70‬‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫كتاب‬

‫رميون شبيل تتعبه حرارة األضواء‬ ‫لويس الحايك‬ ‫عندما تقرأ رميون شبيل نرثا أوشعرا تجد نفسك يف غنى عن‬ ‫قراءة كثري من كتب األملعيني البلغاء الذين تستعذب مراجعة‬ ‫نصوصهم أحيانا ملا فيها من متانة لغوية مسبوكة مبعدن خال من‬ ‫متخصص بنحت اللغة ألنه شغوف بجامليتها ‪،‬‬ ‫الشوائب ‪ .‬فشاعرنا‬ ‫ّ‬ ‫لذا نجده بالغ الدقة يف تركيب العبارة والتأين يف تذويقها وتطويعها‬ ‫حس وحالوة نغم ‪.‬ولكن نرثياته يف شؤون الوطن ‪ ،‬وعىل‬ ‫برهافـة ٍّ‬ ‫الرغم من متانـة تراكيبها ‪ ،‬تبدو غري بريئة من بعض الشوائب‬ ‫هل‬ ‫يف مضامينها وتخصيصا يف متوي ٍه وثوابت تحمل الكثري من ٍّ‬ ‫وعىس ‪ ...‬ما يدفعني اىل العودة إليه يف جولة أخرى علَّها توضح ما‬ ‫ثقب يف الذاكرة وما يف املخفي من التم ِّني والرت ِّجي يف إبداعه ‪،‬‬ ‫مكتفيا اآلن بفرز قليل من نتاجه الشعري وما أغزر هذا النتاج !‬ ‫يف شعره يسيطر الصفاء والرباءة والوضوح فهو ينحت الكلمة‬ ‫قبل أن يصفيها من شوائبها يك تلبس حلّتها بجالل ووقار وتنساب‬ ‫مع موهبة صقلها مت ُّر ُس ُه الطويل بفقه اللغة فصارت ط ّيعة تسقط‬ ‫كحبّات لؤلؤ متجانسة يف إيحاءاته ورموزه ‪.‬‬ ‫هنا أركّز عىل بعض قصائده ألن جرد إصداراته ‪ ،‬ومنها املنربية‬ ‫يف املناسبات الحميمة بك ٍّم وتواتر ال ينقطع ‪ ،‬يستدعي صفحات‬ ‫وصفحات من التحليل ‪ .‬فهو وعىل الرغم من غيابه يف الفرتة األخرية‬ ‫عن م ّد املكتبة األدبية بعطائه إال أنه حارض يف كل مناسبة ملهِمة‬ ‫يفيض فيها إبداعا بنرثه وشعره‪.‬‬ ‫يقول يف استهالل ديوانه « وطن الجراح « ‪:‬‬ ‫شعري املعصور من بالـي ‪َ /‬‬ ‫إليك أرفعـه يا موطني‬ ‫كوب دمي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الغالـي‬ ‫َ‬ ‫بعض‬ ‫ذرى ‪ /‬وليس‬ ‫شعري إالّ َ‬ ‫َ‬ ‫حـَ َمل ُْت ُجر َحك يف صدري فكان ً‬ ‫أثقايل ‪.‬‬ ‫هذا االهداء الجميل بثنائيته الرائعة ‪ ،‬توحي طالوة نغمه ‪ ،‬ان‬ ‫النظم موهبة تسقط عىل الشاعر من الالوعي حتى يف الرباعيَّات‬ ‫التي ال جهد يف ايجاد قوافيها ‪.‬‬ ‫ولكن ‪ ،‬وبعد قراءة قصائد ديوانه هذا ‪ ،‬ينقلنا معه اىل مرابع‬ ‫عبقر فنشعر أن رائيها كان أبدا حارضا يض ّخ الوحي عليه ويلقنه‬ ‫شعرا مليئا بالطرب ‪ ،‬شعر نهري يف انسيابه كجداول لبنان ال تعسرّ‬ ‫وال وعورة يف مسالكه وال خلل بإضافات أو جوازات ‪.‬‬ ‫يقول يف قصيدة بعنوان « أرض من املجد « تذكرنا بفخريات‬ ‫بلغت أوجها يف الشاعرية وال ِك رَ ِب لدى من سبقوه من فحول‬ ‫الشعراء ‪:‬‬ ‫أنت ق ّدت من ذرى املجد ِ ‪ /‬أم ذروة الـمجد ض ّمتها‬ ‫أصخر ٌة َ‬ ‫يد الخلد ِ‬ ‫يا توأم الدهر ‪ ،‬يا اسطورة سجدت ‪ /‬لك العوامل تستجديك‬ ‫‪ ،‬تستجدي‬ ‫شمس‬ ‫فجر التواريخ ‪ ،‬والحرف الذي انبلجت ‪ ،‬من نار كوكبه ‪ٌ ،‬‬ ‫بال ح ِّد‬ ‫ومن رثائية يف قصيدة بعنوان « بريوت ‪ ...‬تغرق يف النار «‬ ‫يرقى الوصف اىل قمة التألق ‪:‬‬ ‫فانشق ثغر املدى ‪ ...‬واهت ّز كوكبه ‪ /‬وسال صوتٌ من األضواء‬ ‫ينطلق‬ ‫ويف « الشتاء الغضوب « ببائية رائعة مكللة برموز شمس‬ ‫صيفية ‪ ،‬تفيض أريحيته ببوح صادق ملأساة الحرب التي عاشها‬ ‫اللبناين يف وطنه وخارج وطنه ‪:‬‬

‫والشمس ‪،‬‬ ‫ماذا تقول لنا يف س ّحها السحب ‪/‬‬ ‫ُ‬ ‫تنتحب‬ ‫بني ضجيح املوج ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫والربق ينهش لحم الجو يف غضب ٍ ‪ /‬والرعد‬ ‫يزأ ُر ‪ ...‬واألرياح تحرتب ؟‬ ‫يا أيهذا الشِّ تا ‪ ،‬يا ضاربًـا ٍ‬ ‫بيد ‪ /‬من الحديـد‬ ‫يضطرب‬ ‫ليس‬ ‫ُ‬ ‫‪ ،‬ربي ًعا َ‬ ‫ال تحاول ‪ ، ،‬وأنت تقرأ رميون شبيل ‪،‬‬ ‫أن تكمش عبارة ‪ ،‬وإن مبتكرة ‪ ،‬خارجة عن‬ ‫صحيح العربية‬ ‫وسالمتها وليس لها جذو ٌر لدى كبار‬ ‫الشعراء ‪ ،‬وباألخص يف العرص العبايس ‪.‬‬ ‫أ ّم��ا األوزان الحديثة التي نظمها‬ ‫واعتمد فيها النوطة املوسيقية ‪ ،‬دون‬ ‫التفاعيل التقليدية ‪ ،‬فقد طغت عىل‬ ‫قصائدها هواجس مثقلة باألوجاع‬ ‫‪ ،‬مشاعر إنسان عاش مأساة الحرب‬ ‫وتفاعل معها ‪ ،‬فجاءت عناوين‬ ‫قصائده متامهية مع مضامينها‬ ‫‪ ،‬فمن ‪ /‬زم��� ّردة ‪ /‬اىل ‪ /‬سيوف‬ ‫الخريف امل��ع��رب��دة ‪ /‬وضمري‬ ‫الكربياء ووطن الجراح ‪ /‬وأموت ‪/‬‬ ‫يقول يف إحداها بعنوان « فقري‬ ‫الحرب « ‪:‬‬ ‫عىل رصيف البؤس ‪ ،‬مل ّا‬ ‫ْ‬ ‫ينتعل األرضا‬ ‫يزل ‪ُ /‬‬ ‫من نفق الحرمان ‪ ...‬ما‬ ‫يبتغي ‪ /‬من يعلك امل ّر‬ ‫من ساخر الحياة ‪...‬‬ ‫كم درهمٍ ‪ /‬يذلّل القهرا ؟!‬ ‫إنها ِقم ُة اإلبداع يف‬ ‫وص��ف الفقري البائس‬ ‫بكل‬ ‫ف��ك��أن ال��ب��ؤس ّ‬ ‫أشكاله كان مصدر الهام لشاعرنا ومل‬ ‫الحب أن يجاريه وال ترانيم صلواته الربيئة ‪ ،‬ألن‬ ‫يستطع ّ‬ ‫رميون شبيل ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫| عىل طباعه ‪ /‬تطفو رشارة بريئَ ْه ‪ /‬ولغري ربّه وأرضه والشعر‬ ‫والكتابة ال ينحني جبينه ‪/‬‬ ‫هواجيس قلق ٌ ‪ /‬يحمل يف جناح ِه مصباح ُه ‪ /‬ويف جراح ِه‬ ‫ٌّ‬ ‫أفرا َح ُه ‪ /‬يحمل يف عروقه السال ْم ‪/‬‬ ‫ويحمل الرجاء ‪| .‬‬ ‫ُ‬ ‫والشمس والغامم ْ‬ ‫هذا الشاعر وغريه من املبدعني عتِّ َم عليهم ألنهم كانوا خارج‬ ‫البث اإلعالمي الذي صنع وال يزال يصنع األدباء والشعراء ‪ .‬وما‬ ‫يصح إالّ الصحيح ‪ ،‬وما دامت‬ ‫هم ما دام ‪ ،‬يف آخر املطاف ‪ ،‬ال ّ‬ ‫الوسيلة عاجزة عن إيصال العاجزين اىل القمم ‪ .‬فكم من مدارس‬ ‫وجمعيات وعصابات مل تفرز سوى قلة من الكتاب أقبل عليهم‬ ‫القارئ ونبذ اآلخرين !‬ ‫أخريا ‪ ،‬ال ب ّد يف تحليل شاعر كثري العطاء ‪ ،‬جبلت قريحته‬ ‫بأصالة النغم حتى صار النظم عىل لسانه فيضا جارفا ال يتعرث وال‬ ‫يكل وال يسرتيح ‪ ،‬ال بد من كشف الغطاء عن إبداعه يف عودة‬ ‫ّ‬ ‫تفيه حقه‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫‪20‬‬

‫العدد ‪70‬‬

‫قامو�س‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫يف نحت املصطلح وتحرير املعنى‪:‬‬ ‫القومية الحاكمة والقومية الكامنة‬ ‫عادل سامرة‬

‫‪ ‬‬ ‫تناقش هذه السلسلة مفاهيم ومصطلحات‪ ،‬وضعتُها‬ ‫لدي‬ ‫واستخدمتُها عىل فرتات متفاوتة‪ ،‬وال ازعم أنها ثوابت ال َّ‬ ‫شخصياً وال لدى الزمن‪ .‬ولكنها محاوالت إلعطاء معنى ألحداث‬ ‫وموضوعات وحتى ملفردات تتطلب ذلك‪ .‬ليس هذا نحت لغة‬ ‫أخرى مثالً كام زعمت النسويات الراديكاليات بخلق لغة ضد‬ ‫ذكورية فاصطدمن بحائط أدى إىل الصلع الفكري‪ ،‬وال كام يزعم‬ ‫من يتهربون من الفكر الشيوعي بتهمة أنه –اورويب‪ -‬فريفضون‬ ‫أدواته يف التحليل ويحاولون خلق أدوات أو لغة أخرى‪ ،‬نحن‬ ‫بانتظار إنتاجهم!‬ ‫اللغة نتاج البرشية‪ ،‬والعربة يف تحميل املعنى وتحرير األدوات‪.‬‬ ‫هذه محاولة لتحرير املعنى من أجل تحرر اإلنسان‪ ،‬هي إعالن‬ ‫انفالت اللغة وتحررها من قيود فُرضت عليها سواء من مفكرين‪/‬‬ ‫ات أو مؤسسات‪ ،‬اي خروجاً عىل التعليب‪ .‬وعليه‪ ،‬فهذه املعاين‬ ‫مفتوحة سواء عىل تطورها‪ /‬تطويرها من الكاتب او اي قارىء‪.‬‬ ‫‪ ‬‬

‫القومية الحاكمة‪ ‬والقومية الكامنة‬

‫‪ ‬‬ ‫بينام يُقر مختلف املفكرين والساسة باملرحلة القومية كمرحلة‬ ‫تعربها مختلف األمم يف فرتات زمنية متفاوتة من حيث فرتة‬ ‫دخولها او امتدادها أو ‪ ‬كونها أمامً قدمية (الصني‪ ،‬الهند‪ ،‬العرب‪،‬‬ ‫الفرس) أو ُمح َدثة (الواليات املتحدة ‪ ،‬كندا)‪ ،‬ليس من السهولة‬ ‫مبكان توفر إجامع ال عىل تعريف القومية وال ‪ ،‬بشكل خاص ‪ ،‬عىل‬ ‫املوقف منها‪ .‬لكنها تبقى مرحلة يف تطور الفكر السيايس‪.‬‬ ‫تكمن أهمية املسألة القومية أنها تخص األمة بأجمعها‪،‬‬ ‫وبالتايل هي مختلفة من حيث عالقتها باملجتمع املحدد عن الكثري‬ ‫من النظريات التي ميكن أن تبقى يف املجرد وبالتايل ليس رشطاً أن‬ ‫يتعاطى املواطن معها أو ميسه كثريا ً تعاطي مواطنني آخرين بها‪.‬‬ ‫نقطة نقاشنا هنا يف اتجاه آخر‪ ،‬يف مامرسة االنتامء القومي‬ ‫عىل اساسه الطبقي وتحديدا ً ما يزعمه الكاتب بأن أساس املوقف‬ ‫القومي هو طبقي‪ .‬ومعروف بالطبع أن مجرد مناقشة املسألة‬ ‫القومية من مدخل طبقي هو أمر جديل جدا ً‪ ،‬يُثري نقاشاً ويثري‬ ‫زعامً بالتباس فكري وحتى تُهامً بالخلط‪.‬‬ ‫لقد اش��ار ماركس إىل هذه املسألة فيام يخص التجربة‬ ‫األوروبية الغربية أو ما سمي عرص القوميات‪ .‬حينها ارص عىل أن‬ ‫القومية سالح بيد الربجوازية‪ .‬وكان هذا االستنتاج طبيعياً لسببني‬ ‫عىل األقل‪:‬‬ ‫·‪ ‬األول‪ :‬ألن للطبقة الربجوازية مصلحة يف السيطرة عىل‬ ‫السوق القومي من أجل تسويق بضائعها يف سوق محمية لها‪.‬‬ ‫وهذا بالطبع رغم تبني األنظمة الراساملية هناك الشعار اليلربايل‬ ‫املزيف حرية التجارة‪ .‬طريف هذا املوقف املستمر حتى اليوم‪،‬‬ ‫اي التغني بحرية التجارة إىل جانب التمسك العميل بالحامية!‬ ‫وهذه واحدة من أكاذيب راس املال الكربى ولكن املحاطة بهالة‬ ‫من خطاب بليغ مزيف‪.‬‬ ‫·والثاين ألن الثورة الصناعية‪ ،‬ويف سياق تطورها التقني دفع‬ ‫بالربجوازية للبحث عن اسواق خارج السوق املحيل سواء للتصدير‬

‫أو للبحث عن املواد الخام وتصدير رأس املال‪ ،‬واليوم تصدير‬ ‫راس املال العامل اإلنتاجي‪...‬الخ‪ ،‬األمر الذي أدى إىل حروب ب ْني‪-‬‬ ‫أوروبية يف منتهى الوحشية عىل املستعمرات وبالطبع ضد شعوب‬ ‫املستعمرات ايضاً لتكون مرحلة االستعامر الراساميل الغريب األكرث‬ ‫دموية يف التاريخ‪ ،‬وقد يكون لنا الزعم بأن اإلنسانية لن تسمح‬ ‫الحقاً مبثلها‪ .‬من أجل هذا كان ال بد للربجوازية أن تستخدم‬ ‫الشعور القومي لدى الطبقات الشعبية وكأنها تدافع عن األمة‪،‬‬ ‫وهو استخدام خبيث ال يسمح ببساطة بأن يرفضه احد حيث‬ ‫يبدو كمن يتوىل يوم الزحف! يف حني هو مجند للحفاظ عىل نهب‬ ‫الربجوازية لألمم األخرى‪.‬‬ ‫من الالفت أن ما س َّعر الحروب األوروبية‪/‬األوروبية كحروب‬ ‫أوروبية‪/‬أوروبية وحروب يف املستعمرات عىل هذه املستعمرات‬ ‫هو أن مستوى التطور االقتصادي وتحديدا ً الصناعي يف أوروبا‬ ‫الغربية كان متقارباً وال يزال وهو ما خلق دافعاً للتصارع عىل‬ ‫األسواق‪.‬‬ ‫‪ ‬وهذا يفتح عىل مسألة هامة لدى االقتصاديني يف مدرستي‬ ‫التبعية والنظام العاملي اللتني تتقاربان يف قرائتهام ألسباب لُحاق‬ ‫اليابان بأوروبا ومن ثم االستنتاج بأن‪« :‬ال يابان بعد اليابان»‪،‬‬ ‫مبعنى أن أوروبا لن تسمح بتطور مناطق أخرى راساملياً‪ ،‬أي سوف‬ ‫تحتجز تطورها‪ ،‬وأن اليابان أفلتت يف ظرف خاص‪ ،‬ولذا ميكننا‬ ‫تغيري هذا االستنتاج‪ ،‬عىل ضوء التطور املتوازي ألوروبا الغربية بأن‬

‫يلعب االستعامر والتخلف‬ ‫والتبعية دوراً بارزاً بل حاسام يف تطور‬ ‫املسألة القومية يف املستعمرات‬ ‫هذه األنظمة مبا هي متثل الربجوازية‬ ‫الكمربادورية العربية التابعة هي متثل‬ ‫القومية الحاكمة التي هي ُقطرية جوهرياً‬ ‫ومعادية لألمة العربية والوحدة والتطور‬ ‫والتكامل االقتصادي العريب‬ ‫قرار أوروبا هو ‪« :‬ال أوروبا بعد أوروبا»‪.‬‬ ‫‪ ‬يلعب االستعامر والتخلف والتبعية دورا ً بارزا ً بل حاسام يف‬ ‫تطور املسألة القومية يف املستعمرات‪ .‬فإذا كانت أوروبا الغربية قد‬ ‫تطورت اقتصاديا ومن ثم اجتامعيا بدرجة كبرية من التمحور عىل‬ ‫الذات والتحكم بالفائض وتحقيق معدالت تشغيل عالية‪ ،‬وتوفري‬ ‫أجور مقبولة حياتياً وليست بالرضورة مقبولة من حيث كونها‬

‫أجورا ً اي نتاج استغالل‪ ،‬فهذه أمور مل تتواكب مع املد القومي يف‬ ‫املحيط‪.‬‬ ‫‪ ‬فاالستقالل القومي للمحيط كان بشكل اسايس استنهاض‬ ‫الثقافة القومية والهوية القومية ملواجهة التحدي الذي يتخذ شكال‬ ‫قوميا ورمبا دينيا ثقافيا بينام هو اساساً اقتصادي بأدوات عسكرية‬ ‫وثقافية وهدفه الرتاكم اي نهب فوائض بلدان املحيط وحتى‬ ‫ثرواتها الطبيعية‪.‬‬ ‫‪ ‬لذا‪ ،‬ما أن طُرد املستع ِمر سياسياً حتى واجهت البلدان‬ ‫املستقلة حديثاً معضلة أن االستقالل سياسياً فقط‪ .‬حينها عادت‬ ‫كل طبقة للبحث عن مكانتها االقتصادية فكان لهذا تاثريه الطبقي‬ ‫الحاسم عىل املسألة القومية وخاصة يف الوطن العريب‪.‬‬ ‫‪ ‬حتى اليوم عىل األقل‪ ،‬مل يُعلن نظام حكم عريب أنه ضد‬ ‫القومية العربية‪ ،‬ولكن معظم هذه األنظمة مارست مواقف‬ ‫عملية ضد الوجود الجسدي للشعب العريب ودخلت حروباً يف‬ ‫واستخدمت جامعة الدول‬ ‫ذيل املستع ِمر لتدمري قُطريات عربية َ‬ ‫العربية لتربير هذه الحروب والستدعاء الناتو لتدمري قطريات‬ ‫عربية كام حصل ضد العراق ‪ 1991‬و ‪ ،2003‬وضد لبنان حينام‬ ‫طلبت ثالث دول عربية من الواليات املتحدة والكيان الصهيوين‬ ‫اإلشكنازي مواصلة العدوان عىل لبنان لتدمري وتصفية حزب الله‪،‬‬ ‫واستدعاء الناتو لتدمري ليبيا كام حصل‪ ،‬واالستامتة اليوم ‪ 2011‬و‬ ‫‪ 2012‬لتدمري سوريا‪.‬‬ ‫‪ ‬ملخص القول أن هذه األنظمة مبا هي متثل الربجوازية‬ ‫الكمربادورية العربية التابعة هي متثل القومية الحاكمة التي هي‬ ‫قُطرية جوهرياً ومعادية لألمة العربية والوحدة والتطور والتكامل‬ ‫االقتصادي العريب ومع ذلك تزعم أنها قومية ومن هنا كان طبيعياً‬ ‫وصفها بالقومية الحاكمة التي هي جوهرياً قُطرية‪.‬‬ ‫ويف الجانب اآلخر‪ ،‬فإن انتامء الطبقات الشعبية القومي هو‬ ‫االنتامء الحقيقي‪ ،‬ولكنه كامن مبعنى أنه ممنوع من التعبري عن‬ ‫نفسه دميقراطياً مبعنى أنه لو كان له حق االختيار الختار الوحدة‬ ‫العربية‪ .‬فام هو املانع الذايت الذي مينع عامل بال عمل يف مرص‬ ‫من العمل يف الخليج! إن توسيع شبكة تشغيل عربية يخلق طبقة‬ ‫عاملية موحدة ويشكل قاعدة طبقية للمرشوع االشرتايك العريب‪،‬‬ ‫وهذه قوة القومية الكامنة ومصدر الرعب للقومية الحاكمة‪.‬‬ ‫تشكل املصلحة املادية الحياتية واملستقبلية للطبقات الشعبية‬ ‫العربية والتي مآلها إىل االشرتاكية والوحدة ‪ ‬عامالً بل التطوير‬ ‫العرصي والطبيعي ملختلف أسس تكوين األمم‪ ،‬مبا هو العامل‬ ‫األكرث دينامية اليوم وهو املصلحة املادية للطبقات الشعبية يف‬ ‫الوحدة أو االتحاد العريب ألنه يُعيد إليها حقها يف الرثوة العربية‬ ‫التي تتقاسمها أنظمة القومية الكامنة‪ ،‬وإن كان تقاسامً ال متكافئاً‪،‬‬ ‫مبعنى ان ما تحصل عليه أنظمة العجز العريب ال يساوي شيئاً‬ ‫مقارنة مبا تحصل عليه دول الريع النفطي ولكن الطرفني ينهبان‬ ‫حقوق األمة وخاصة حقوق الطبقات الشعبية كل طرف حسب‬ ‫فرصته‪ .‬وبالطبع فإن ما يحصل عليه حكام النفط من ريع هو األقل‬ ‫مقارنة مبا تحصل عليه الرشكات النفطية الغربية‪.‬‬ ‫بقي أن نشري إىل أن أكرث طبعات القومية وضاعة هي ما‬ ‫نسميه املوجة القومية الثالثة‪ ،‬والتي هي تصنيع من أنظمة املركز‬ ‫الراساميل مستخدمة كمربادور املذاهب واإلثنيات والطوائف‪.‬‬


‫العدد ‪70‬‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫�إيزوترييك‬

‫‪21‬‬

‫علوم اإليزوترييك‪:‬‬ ‫الحلم حياة ثانية يعيشها املرء خالل النوم‪...‬‬ ‫ندى علم الدين‬ ‫الحلم‪ ...‬واقع لطاملا شغل بال الكثريين‪ ،‬فتساءلوا عن ماهيته‬ ‫وأبعاده‪ ...‬وكرثت حوله املفاهيم والتفاسري‪ .‬الكل يحلم‪ ،‬ولكن‬ ‫هناك َمن يتذكر شذرات من أحالمه وقد يلجأ إىل تفسري املنجمني‬ ‫ليفهم أحالمه‪ ،‬وهناك أيضاً َمن ال يتذكر شيئا من أحالمه فيعتقد‬ ‫أنه ال يحلم‪...‬‬

‫بقى مفهوم فرويد للحلم سارياَ اىل أن جاء كارل يونغ‪ ،‬وهو‬ ‫تلميذ فرويد‪ ،‬وأعتق الحلم من كابوس الجنس والكبت‪ .‬يرشح‬ ‫رس من ارسار النفس البرشية‪ ،‬ما دعاه للغوص‬ ‫يونغ أن الحلم ٌ‬ ‫عميقاً يف النواحي الخفية يف االنسان‪ُ ،‬مشيّدا ً جرسا ً حقيقياً بني‬ ‫العامل املنظور والعامل الالمنظور محدثاً نهض ًة نوعية يف علم النفس‪.‬‬ ‫لقد كان يونغ أ ّول من اعترب أ َّن األحالم ترمز اىل حقيقة خربات‬ ‫املرء السابقة عىل األرض والتي انطبعت بدورها يف وعي الباطن‬

‫ما هو معنى الحلم وما هو رسه؟! وكيف يجب أن يفهمه‬ ‫ويتعامل معه املرء؟!‬ ‫هل ينبئ الحلم صاحبه باملستقبل؟ وهل يستطيع الحامل‬ ‫التحكم بأحالمه؟!‬ ‫لعل من أكرث العلوم األكادميية التي سعت دوماً اىل تحليل‬ ‫واقع األحالم والنوم هو علم النفس‪ ،‬وذلك بغاية فهم الشخصية‬ ‫الفردية وما يكتنفها من غوامض وأرسار‪.‬‬ ‫إن سيغموند فرويد‪ ،‬وهو أحد أشهر املحللني النفسانيني‪،‬‬ ‫اعترب أ َّن الحلم وسيلة عالجية للكشف عن خبايا الوعي اإلنساين‪،‬‬ ‫وإحدى ركائز التحليل النفساين‪ .‬كام أ َّن الحلم‪ ،‬بحسب فرويد‪،‬‬ ‫هو وسيلة لتحقيق رغبات املرء التي تعود إىل طفولته وترتبط‬ ‫بالنواحي الجنسية والعدائية التي تم كبتها يف وعي الباطن‪.‬‬

‫لديه‪ ،‬لتظهر يف وقت الحق يف أحالمه فتكشف بذلك حقيقة‬ ‫الرصاع القائم بني الذات الحقيقية والقناع املتمثل بالنفس‬ ‫البرشية ‪ ...‬ويضيف يونغ ان تفسري األحالم يساعد املرء يف إعادة‬ ‫التوازن إىل حياته من خالل فهم رسائل وعي الباطن التي تبثّ‬ ‫اليه عرب األحالم‪.‬‬ ‫مام ال شك فيه أ َّن يونغ قد نجح يف كشف بعض ما خفي‬ ‫من واقع الحلم‪ ...‬لكن ما هي حقيقة الحلم؟! وكيف ميكن للمرء‬ ‫اإلستفادة عملياً من أحالمه؟!‬ ‫هنا‪ ،‬ال بد من العودة إىل علوم اإليزوترييك ‪ -‬علوم باطن‬ ‫االنسان التي تعنى بتوسيع وعي االنسان يف مختلف مناحي‬ ‫الحياة ‪ -‬بهدف اإلسرتشاد مبعرفتها اإلنسانية السامية‪ .‬تفيدنا علوم‬ ‫االيزوترييك وتؤكد أن «األحالم حقيقة وحياة ثانية يعيشها كل‬

‫برشي عىل وجه األرض‪ .‬الحلم هو اللغة املشرتكة والالمحسوسة‬ ‫بني البرش قاطبة‪ .‬إن اإلفادة الحياتية من األحالم هي يف حل‬ ‫رموزها وإدراك املغزى الذي تهدف إليه والخاص بكل شخص‬ ‫مبفرده‪ ،‬وذلك يف إطار جديد ال دخل له بالتكهن وال بالتنجيم‪.‬‬ ‫الحلم هو مبثابة شاشة تعكس حالة صاحبه‪ ،‬نفسيته ومستوى‬ ‫مداركه»‪ .‬هذا ما ورد يف كتاب االيزوترييك الخامس والثالثني‬ ‫«األحالم والرؤى» بقلم ج ب م ضمن سلسلة علوم اإليزوترييك‪،‬‬ ‫والتي فاقت الخمسني مؤلفاً حتى تاريخه‪ ،‬وباللغات العربية‬ ‫والفرنسية واالنكليزية واالسبانية أيضاً‪.‬‬ ‫لفتني تعريف علوم اإليزوترييك للحلم‪ ،‬إذ هي توضح‬ ‫أن اإلنسان يحوي طبيعتني‪ ،‬األوىل مادية (منظورة) والثانية‬ ‫المادية (غري منظورة) وتُعرف بأجهزة الوعي وهي الجهاز‬ ‫األثريي أو الهالة األثريية (أو ‪ Bioplasma‬بلغة العلم) وهي‬ ‫تحيط بالجسد‪ ،‬يليه من ناحية مستوى التذبذب الجهاز‬ ‫الكوكبي الذي يحوي املشاعر واألحاسيس‪ ،‬ثم الجهاز العقيل‬ ‫ال��ذي يحتوي عىل الفكر بشقيه البرشي واإلنساين‪ ،‬ومن‬ ‫ثم جهاز املعرفة (املحبة)‪ ،‬يليها جهاز اإلرادة‪ ،‬وأخريا ً جهاز‬ ‫الحكمة (الروح)‪.‬‬ ‫فالحلم كام يوضح اإليزوترييك‪ ،‬هو نتيجة انطالق أجهزة‬ ‫الوعي السابق ذكرها أثناء نوم الجسد إىل طبقات وعيها للتعبري‬ ‫عن مكنوناتها‪ ،‬حيث تخترب أجهزة الوعي تلك‪ -‬والتي تشكل‬ ‫الكيان الباطني يف االنسان‪ -‬واقعاً جديدا ً يف ما وراء الجسد‬ ‫املادي‪.‬‬ ‫تؤكد علوم اإليزوترييك ‪ -‬علوم أنسنة االنسان ‪ -‬أن الحلم‬ ‫ليس وهامً أو خياالً‪ ...‬وتستفيض يف ترشيح أنواع االحالم التي‬ ‫تعكس حالة املرء النفسية‪ .‬فمنها ما يسرتجع املرء خاللها صور‬ ‫بعض ما صادفه خالل النهار‪ .‬هذا النوع املذكور من األحالم‬ ‫هو عامل يختلقه خيال الشخص لنفسه ليحيا فيه ويحقق ما‬ ‫مل يستطع تحقيقه يف أثناء اليقظة (وهنا فقط يكون الحلم‬ ‫نتيجة كبت الرغبات)‪ .‬أما األحالم التي تكشف ماضياً أو تنبىء‬ ‫رؤى! والرؤيا تختلف عن‬ ‫مبستقبل‪ ،‬فهي ال تعترب أحالماً بل ً‬ ‫الحلم ألن الرؤيا هي رؤية الحقيقة كام حدثت أو ستحدث‬ ‫فيام بعد‪...‬‬ ‫إ َّن أهم ما تشدد عليه علوم اإليزوترييك هو حقيقة أن‬ ‫«الحلم رسالة خاصة بصاحبه»‪ ،‬لذلك فالشخص نفسه هو‬ ‫األقرب اىل فهم تلك الرسالة أو العربة التي يحملها له كيانه‬ ‫الباطني عرب الحلم‪.‬‬ ‫خالصة القول‪ ،‬الحلم هو أهم من رسالة شخصية لصاحبه‪ ،‬بل‬ ‫هو الحياة األصل للكيان اإلنساين‪ .‬هو بوابة عبور مبارش إىل عامل‬ ‫الباطن يف اإلنسان لإلطالع عىل كوامن النفس البرشية‪ .‬أما تجاهل‬ ‫هذه الحقيقة‪ ،‬فيعني تجاهل كلية الحقيقة الكامنة داخل العامل‬ ‫الشاسع املسمى اإلنسان! وإذا عاش املرء يف متاهة الظروف التي‬ ‫تضيع فيها معامل النفس البرشية‪ ،‬يغدو بعيدا ً ليس عن حقيقة‬ ‫الباطن يف كيانه فحسب‪ ،‬بل عن أحالمه وآماله وحتى عن أسباب‬ ‫آالمه‪ .‬وهذا هو أقىس شعور بالغربة ميكن أن يعيشه إنسان عىل‬ ‫وجه األرض!‬ ‫‪www.esoteric-lebanon.org‬‬


‫‪22‬‬

‫العدد ‪70‬‬

‫نوافذ‬

‫الغربــال شعراء يف السجن‬

‫د‪.‬عاطف خليل الحكيم‬

‫ملاذا سجنت مرص أحمد فؤاد نجم؟‬ ‫شعراء يف السجن‬ ‫ملاذا نفت العراق مظفر النواب؟‬ ‫شعراء يف السجن‬ ‫ملاذا طاردت سوريا نزار قباين؟‬ ‫شعراء مرص يف السجون‬ ‫وشعراء العراق منفيون‬ ‫وشعراء سوريا فارون‬ ‫وشعراء االردن نامئون‬ ‫باختصار شعراء العرب يدخنون الحشيش‬ ‫والصبيان يطاردون‬ ‫شعراء العرب ساملون‬ ‫ساملون ال يعني أنهم مكرمون‬ ‫إنهم ما دون العارشة يقتلون‬ ‫يقتلون عىل طريقة القيرص‬ ‫أو عىل نهج يشوع بن نون‬ ‫فقط يف لبنان‬ ‫وألن لبنان ذو وجه عريب‬ ‫الشعراء يغتالون‬ ‫وقبل أن يغتالوا يقتلون‬ ‫وقبل أن يقتلوا يغتصبون‬ ‫وملاذا يغتصبون ويغتالون ويقتلون؟‬ ‫األوفر أن يخو‪.‬قون‬ ‫يحتج الحاكم‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫لقد قتلناهم‪ ،‬فكيف يحي ّون؟‬ ‫لقد صلبناهم‪ ،‬فكيف يقومون؟‬ ‫لقد نفيناهم‪ ،‬فكيف يرشقون؟‬ ‫لقد أحرقنا الرتاب‪ ،‬فكيف يولدون؟‬ ‫لقد قتلنا بشري عبيد‬ ‫فولد ألف بشري‬ ‫ٍ‬ ‫وألف بألف ولد من اإلعالم‬ ‫اغتلنا وسيم زين الدين‬ ‫وألف وسيم من األنقاض قام‬ ‫أعدمنا سعادة‬ ‫فولدت أجيال الدنيا يف عام‬ ‫غفلنا الزمن وقتلنا حسني مروة‬ ‫وأرشق ألف حسني يف الكامل والتامم‬ ‫رسقنا املكان وقتلنا صبحي الصالح‬ ‫ويف املكان قامت قيامة عامن وبغداد‬ ‫والشام‬ ‫ونحرنا بقصد خليل حاوي‬ ‫وقبل النجمة يستقبلنا خليل سالم سالم‬ ‫وطع ّنا خرص السالم‬ ‫ومن الخرص انحنى السالم‬

‫قتلنا وقتلنا‬ ‫وتقدم خطوة املوت‬ ‫ومثله تقدم الكالم‬

‫نقتل ونقتل‬ ‫حتى لو انقرض اإلنسان‬ ‫فالحجر اإلنسان‬ ‫فالحجر يتشبه إنساناً‬ ‫يتكلم إنسان يثور إنسان‬ ‫نقتل ونقتل‬ ‫وجائزة االغتيال حصدها لبنان‬ ‫لبنان‪ ،‬لبنان‪ ،‬لبنان‬ ‫سيد القتل لبنان‬ ‫أمري النفاق لبنان‬ ‫ملك املقت لبنان‬ ‫وملاذا لبنان؟‬ ‫سلوه‬ ‫أمل يقتل عن فلسطني ناجي العيل؟‬ ‫أمل يقتل عن فلسطني كامل يوسف وكامل‬ ‫عدوان؟‬ ‫أمل يقتل عن الشام‬ ‫كامل خري بك شقيق النعامن؟‬ ‫لبنان‬ ‫لبنان يتنفس القتل‬ ‫لبنان يعيش للقتل‬ ‫نحن نتقن فن القتل‬ ‫نحن نصنع الكذب ونحدِّ ث‬ ‫نحن نخ ّرب الزمان‬ ‫ونخرب املكان‬ ‫ونقدم خدماتنا باملجان‬ ‫ملن أراد أن ميوت‬ ‫نحن يف قرنة الزمان‬ ‫اتصلوا بنا عىل هذا العنوان‬ ‫واستلم لبنان جائزته‬ ‫من البوم ممثالً الغربان‬ ‫نقتل ونقتل ما من أح ٍد فوق الغربال‬ ‫الكل تحت الغربال‬ ‫ورمبا كانت واسعة عيون الغربال‬ ‫نحن نقتل باسم كويف عنان‬ ‫نقتل‪ ...‬لكل موال‬ ‫ولكل أعامم ولكل أخوال‬ ‫بعضنا يعرج جنوباً‬ ‫وبعضنا يعرج شامل‬ ‫وكلنا يخ ّر عىل وجهه‬

‫ونقبل النعال‬ ‫نضمر شيئاً‬ ‫وننفذ غريه‬ ‫ونعرف كيف نعطل االعامل‬ ‫ساديت‪،‬‬ ‫األعامل ليست بالنوايا‬ ‫األعامل باألفعال‬ ‫نغتال ونغتال‬ ‫والساكت عن الحق شيطان أخرس‬ ‫ما أكرث الشياطني!‬ ‫الكل شياطني‬ ‫ما أكرث األنني!‬ ‫هل سمعوا األنني‬ ‫أم يف آذانهم أجراس؟‬ ‫رنني‪ ،‬رنني‪ ،‬رنني‬ ‫هل رأوا العنني؟‬ ‫هل عىل عيونهم نحاس؟‬ ‫إنهم مناكيد أنجاس‬ ‫إنهم الوسواس الخ ّناس‬ ‫لهم اللعنات‬ ‫ولنا نحن الشعب أسافني‬ ‫أسافني أسافني أسافني‬ ‫أسافني للواقفني‬ ‫أسافني للقاعدين‬ ‫أسافني لألصحاء‬ ‫وأسافني للمقعدين‬ ‫واستنفر العقالء ونحن‪...‬؟‬ ‫واستنفر املجانني قالوا‪:‬‬ ‫والساكت عن الحق شيطان أخرس‬ ‫نقتل ونقتل‬ ‫طار الحامم‪ّ ،‬‬ ‫غط الحامم‬ ‫الغرب مييض اىل أمام‬ ‫و»خي» اىل ٍ‬ ‫خلف مييض بنا اإلمام!‬ ‫طار الحامم ّ‬ ‫غط الحامم‬ ‫ال توجد منطقة محايدة يف دولة ال ِحامم‬ ‫ال توجد منطقة‬ ‫وعىل الحياة قل السالم‬ ‫طار الحامم‬ ‫مساكني العرب يعيشون عىل األوهام‬ ‫أوهام أوهام‪ ،‬أوهام أوهام‬ ‫مساكني العرب‬ ‫ال يعرفون‪ ...‬وأيضاً متوت األحالم‬ ‫طار الحامم ّ‬ ‫غط الحامم‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫نقتل ونقتل‬ ‫وأقبح من الذنب األعذار‬ ‫ونكذب متوز‬ ‫ونقتل ترشين‬ ‫ونطعن آذار‬ ‫ونقتل العقل‬ ‫وللجهل نقيم مزار‬ ‫مزار‪ ،‬مزار‪ ،‬مزار‪ ،‬مزار‬ ‫نحقن النفوس‬ ‫ونشحن األرواح فتندلع الحرب‬ ‫وحني تندلع نرصخ‪ :‬كذب نار‬ ‫نقلع بساتني الغار‬ ‫ونزرع بدالً عنها أشجار العار‬ ‫عار‪ ،‬عار‪ ،‬عار‪ ،‬عار‬ ‫يف الرشق ظهر التيس نب ّياً‬ ‫نبي يشفي كل األمراض‬ ‫ٌّ‬ ‫فهل نطلق عليه املار‬ ‫أم نطلق عليه البار؟‬ ‫بار‪ ،‬بار‪ ،‬بار‪ ،‬بار‬ ‫واقبح من الذنب األعذار‬ ‫نقتل ونقتل‬ ‫من جرب مجرب كان عقله مخرب‬ ‫دار امللك خراب‬ ‫دار الفخامة خراب‬ ‫دار الحكومة خراب‬ ‫لكل دار إما بوم‪ ،‬وإما غراب‬ ‫غراب‪ ،‬غراب‪ ،‬غراب‪ ،‬غراب‬ ‫نقرأ يف الرمل املمحي‬ ‫ونكتب واألقالم ِحراب‬ ‫كالمنا أضغاث أحالم‬ ‫وغايتنا رساب‬ ‫رساب‪ ،‬رساب‪ ،‬رساب‪ ،‬رساب‬ ‫نعرص الحمري‬ ‫ونرشب بول الحمري رشاب‬ ‫نشرتي «حكامء صهيون»‬ ‫ونرفض مجاناً الكتاب‬ ‫كتاب‪ ،‬كتاب‪ ،‬كتاب‪ ،‬كتاب‬ ‫ال نقرأ الكتاب ونقول‪ :‬يف كتابنا‬ ‫لكل سؤال جواب‬ ‫ونحكم عىل اآلخر بالجهل‬ ‫من كلفنا لنكون عن الكتاب ن ّواب؟‬ ‫نواب‪ ،‬نواب‪ ،‬نواب‪ ،‬نواب‬ ‫من جرب مجرب كان عقله خراب‪.‬‬ ‫باحث وأستاذ يف الجامعة اللبنانية‬


‫العدد ‪70‬‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫«العلم نور»‬

‫«حب بطعم القهوة»‬ ‫ٌ‬ ‫صدر عن دار ابعاد للنرش كتاب «حب بطعم القهوة»‬ ‫للشاعرة جامنة معالوي‪ ،‬وهي التجربة االوىل للشاعرة‪.‬‬ ‫تقول الشاعرة يف افتتاحية كتابها ‪:‬ألنني ال أحب الصباح دون‬ ‫قهويت املرة‪ ،‬ألنني أتلذذ سخونتها املستفزة وألين بها استعيد‬ ‫طاقتي لبدء نهارايت امللفوفة بأرشطة الهدايا السوداء منها‬ ‫والبيضاء‪ ..‬وألنها تذكرين فيك وبطعم حبك اخرتت عنوان‬ ‫‹›حب بطعم القهوة›‪.‬‬ ‫كتايب ٌ‬ ‫جمانة‏معالوي‏‬

‫هي‏امرأ ٌة‬ ‫تهوى‏سفرالبخار‬ ‫يف‏حاممٍ ‏ساخن‬ ‫وشمعة‪...‬‬ ‫تتلذّذ‏بتسلق‏قطرات‏املاء‬ ‫عىل‏ذلك‏الحائط‬ ‫بني‏تلك‏الظالل‪...‬‬

‫حب‏بطعم‏القهوة‬ ‫ٌ‬

‫صدر حديثاً كتاب «العلم نور» للمؤلف غسان املعلوف‬ ‫وقدم له كل من الدكتورة فيفيان حنا الشويري والدكتور‬ ‫عاطف خليل الحكيم‪ .‬والكتاب من الحجم املتوسط يقع يف‬ ‫‪ 188‬صفحة ويتضمن جملة من النصوص النقدية اإلجتامعية‬ ‫والسياسية والقضايا التي متس الحياة املعيشية والوطنية‪.‬‬ ‫أهدى الكاتب عمله هذا اىل ابنه سامي املقيم يف املهجر‬ ‫ومن خالله يبث لواعج قلب األب واشتياقه لعودة ابنائه‬ ‫اىل الوطن‪ .‬وال يقترص الوطن عند املعلوف عىل رقعة ضيقة‬ ‫بل يتعداها اىل الوطن األكرب‪ ،‬اىل سورية الحبيبة كام يسميها‬ ‫ويستعرض مسرية حياته العملية عىل مساحة هذا الوطن‬ ‫الشاسع يف نظرة شمولية موحدة جامعة وقومية ملتزمة‪.‬‬ ‫الكتاب صادر عن دار الحداثة وطباعة مطبعة شمص‪،‬‬ ‫بريوت‪ .‬وهو كتابه الخامس بعد سلسلة كتب هي‪ :‬خواطر‪،1‬‬ ‫خواطر ‪ ،2‬خواطر ‪ ،3‬وكلامت‪.‬‬

‫ا�صدارات‬

‫‪23‬‬

‫جامنة‏معالوي‏‬

‫حب‏بطعم‏القهوة‬ ‫ٌ‬

‫«سَماَ نَ َغ ْم َو ْرد»‬

‫جامنة معالوي‪ ،‬ميمس‬ ‫‪ 23‬شباط ‪1984‬‬ ‫تعمل كأخصائية برصية يف كان ـ فرنسا‬ ‫منذ العام ‪2007‬‬ ‫متارس عمل املرسح كهواية يف‬ ‫‪collège international de Cannes‬‬ ‫منذ العام ‪ 2007‬ولها عدة عروضات‬ ‫يف هذا املجال‪.‬‬

‫حب‏بطعم‏القهوة‏‪،‬‏تجربتها‏األوىل‏‬ ‫ٌ‬ ‫يف‏عامل‏الشعر‪...‬‏‬ ‫�شعر‬

‫شعر‬

‫«لني وحنني»‬ ‫صدر عن دار نلسن للنرش والتوزيع « مرسوايتان» بعنوان‬ ‫«لني و حنني» للكاتب باسل بديع الزين‪.‬الكتاب هو تجربة‬ ‫جديدة عملت عىل دمج الرواية باملرسح فحول «زين»‬ ‫بطالت الرواية لني و حنني إىل بطالت مرسح‪.‬‬

‫«البيت ـ العائلة»‬ ‫بعنوان « البيت ـ العائلة» أصدرت دار نلسن‬ ‫للطباعة والنرش رواية للكاتبة منى رشيف قيس‪.‬تنقب‬ ‫الرواية عن أساسات بنيان البيت يف قرارة كيان العائلة‪ .‬كام‬ ‫تتطرق إىل موضوع الزواج والغربة بكل ما فيها من حنني إىل‬ ‫البيت األصيل‪.‬‬

‫«نظريات فلسفية حول املوت»‬ ‫صدر عن دار نلسن للنرش والتوزيع كتاب‬ ‫« نظريات فلسفية حول املوت» للكاتب وفيق غريزي‪.‬يرصد‬ ‫املؤلف يف هذا الكتاب النظريات الفلسفية حول املوت منذ‬ ‫ما قبل سقراط حتى نيتشه وفرويد و هيدغر دون ان يغفل‬ ‫ما قاله الرتاث العريب يف هذا املوضوع‪ .‬الكتاب هو رحلة‬ ‫معرفية عقالنية بني املادة والروح‪ ،‬الحقيقة والخيال‪ ،‬القدر‬ ‫والحرية‪ ،‬الحضور والغياب‪ ،‬الحياة واملوت‪.‬‬

‫«سماَ نَ َغ ْم َو ْرد» هو عنوان الرواية التي صدرت حديثاً‬ ‫َ‬ ‫ضمن سلسلة علوم االيزوترييك بقلم املهندسة ندى شحادة‬ ‫مع ّوض‪ .‬تضم الرواية ‪ 112‬صفحة من الحجم الوسط‪،‬‬ ‫منشورات أصدقاء املعرفة البيضاء‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫تتناول هذه الرواية قصة ثالث فتيات انتس َنب اىل علوم‬ ‫باطن االنسان وانتهج َن درب املعرفة‪ .‬لكن تط ّوره َّن مل يكن‬ ‫عىل املستوى املطلوب‪ ،‬فارتأى املعلم أن مينحه َّن فرصة‬ ‫أخرية لترسيع تطوير وعيهنَّ‪ ،‬فح ّوله َّن اىل طالبة ايزوترييك‬ ‫متقدّ مة تولّت مسؤولية إرشادهن اىل ما فاته ّن عىل مسار‬ ‫املعرفة‪ ،‬ومل يخل األمر من مفاجآت‪...‬‬ ‫الفتيات الثالث ه َّن َسماَ ونَ َغ ْم و َو ْرد‪ ،‬وكل واحدة منه َّن‬ ‫تتمتع بصفات وخصائص تختلف عن االخرى‪ ،‬ليس بسبب‬ ‫تفاوت الخربات الحياتية والشخصية واملهنية فحسب‪،‬‬ ‫إمنا ألن كل واحدة يختلف ترتيب والدتها بني إخوتها عن‬ ‫االخرى!!!‬ ‫تتناول الرواية تثقيفاً معرفياً لشحذ الذهن والفؤاد للصفات‬ ‫البرشية وفقاً لرتاتبية املواليد‪ ،‬أو لألشعة البرشية اآلنفة‬ ‫الذكر‪ ،‬عرب العمل عىل تسع نقاط هي‪ 1- :‬النظام والتنظيم‪،‬‬ ‫‪ 2‬العاطفة الدافئة‪ 3- ،‬الذكاء‪ 4- ،‬األناقة يف التعبري وأهمية‬‫التواضع‪ 5- ،‬الثقة‪ 6- ،‬الطموح واملسؤولية‪ 7- ،‬اإلرادة‬ ‫الفاعلة‪ 8- ،‬الرقة واملثابرة يف العمل‪ 9- ،‬اللُّحمة والثبات‪ .‬كام‬ ‫وتبحث الرواية من خالل النقاط التسع‪ ،‬يف الصفات السلبية‬ ‫أو نقاط الضعف للشخص‪ ،‬من منطلق تراتبية والدته (أي‬ ‫من منطلق شعاعه البرشي)‪ ،‬التي متنع النفس أو تجعلها‬ ‫تفشل يف تحقيق ما تبحث عنه من تطور وسعادة وصحة‬ ‫جسدية ورفاهية عيش‪.‬‬ ‫فام هو مصري سام ونغم وورد‪ ،‬وكيف سيكتشفن الصفات‬ ‫السلبية يف نفوسهنَّ‪ ،‬وكيف سيعملن عىل تنقيتها من‬ ‫رواسب سوء الترصف واملسلك الخاطئ‪ ،‬وما هي املفاجأة‬ ‫«سماَ نَ َغ ْم َو ْرد»‬ ‫التي تنتظرهنَّ؟ هذا ما تتناوله روايتهن َ‬ ‫كدراسة سيكولوجية إجتامعية يف ترصفات النفس البرشية‬ ‫إمنا يف رسد مبسط وشفاف يستسيغه كل قارئ ومثقف‪.‬‬


‫‪24‬‬ ‫العدد ‪70‬‬

‫‪2012‬‬ ‫أيلول‪w w‬‬ ‫العدد‪w . t a70h‬‬ ‫‪awolat.net‬‬

‫أيلول ‪2012‬‬

‫م�شهد‬

‫«إنبعاث اللون» بني حجارة التاريخ‪...‬‬ ‫تسرتيح االلوان والخطوط بني حجارة التاريخ حيث اختار‬ ‫الفنان يارس الديراين (رسام ون ّحات) إقامة معرضه املشرتك مع‬ ‫مجموعة من الفنانني الشباب يف قلعة قرصنبا التاريخية‪.‬‬ ‫«انبعاث اللون» هو عنوان املعرض الذي دعت اليه جمعية‬ ‫أبناء قرصنبا وتم افتتاحه برعاية وزارة الثقافة واستمر عىل مدى‬ ‫ايام ثالثة‪ ،‬وأراد الفنانون املشاركون فيه تقديم الوجه الثقايف‬ ‫والفني ملنطقتهم التي تستحق املزيد من االهتامم ملا تزخر به‬ ‫من طاقات إبداعية وثروات تاريخية‪.‬‬ ‫قد يكون هذا الحدث نوعاً من «االنبعاث» األنيق بخطوطه‬ ‫والوانه يف بلد يُسلط فيه الضوء عىل بقعة مركزية فيام يتم‬ ‫تهميش بقاع أخرى منه‪ .‬بدت القرية هي الخط االسايس للوحات‬ ‫املوزعة يف املساحة االثرية‪ ،‬القرية بكل تفاصيلها وبساطتها‬ ‫وصفائها وناسها وما يختزنونه من احالم وحكايا ومناجاة‪ ،‬وميكن‬ ‫للزائر تلقف االندفاع الواضح يف الريشة الشابة دون أن يغيب‬ ‫الخوف عن القامش لكن ال ضيرّ من املحاولة بنظرهم‪...‬‬ ‫أما العامل اآلخر املتخفي طي الظالل فقد ترجمه يارس الديراين‬ ‫يقص سريته التي تخترص عمرا ً كامالً والعني‬ ‫بأسلوب روايئ‪ ،‬كمن ّ‬ ‫آلة تسجيل تحفظ التفاصيل وهو يشري اىل كل لوحة كأنها‬ ‫االمتداد ويقول‪ »:‬أرسم بأصابعي أحياناً وأستطيع أن أترجم اللحن‬ ‫عىل القامش‪ ،‬وما نعيشه اليوم ترينه يف لوحة «ثورات مستوردة»‬ ‫هذه الثورات التي تجلب لنا الخراب‪ ،‬لكل خط دوره وأسعى أن‬ ‫أقدم صورة تربز ما وراء الظل يك ال يبقى السواد مسيطرا ً عىل‬ ‫العني والروح»‪.‬‬ ‫يذكر ان الفنانني املشاركني يف املعرض اىل جانب الديراين هم‬ ‫رضا الديراين‪ ،‬زينب التويني‪ ،‬أوكسانا الديراين‪ ،‬ناديا الديراين‪.‬‬ ‫ع ‪.‬ح‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.