العدد 70
1
أيلول 2012
شهرية فكرية ثقافية
w w w. t a h a w o l a t . n e t
العدد 70
أيلول 2012
24صفـحة
2000ليـرة
05
جرح إجتامعي ـ إقتصادي طرابس ٌ ، مفتوح
08
د .سليم مجاعص :أيحتاج الفكر النري إىل مقصلة تحميه؟
10
د .سمري سليامن :لقراءة معقلنة يف االسرتاتيجيا
مهام طال الزمن سيعود الفلسطيني اىل بيته حامال مفتاح العودة بيد ومعول البناء والنهضة واملقاومة باليد االخرى []3
12
الفساد وترشيع الخيانة يسيطران عىل املشهد الدرامي
2
العدد 70
منرب
أيلول 2012
ال انقاذ اال مبرشوع قومي نهضوي جديد زهري فياض ان ما نحياه اليوم يقع يف دائرة «اللحظة التاريخية» الحاسمة وينذر بتداعيات خطرية سترتك -بال شك -انعكاساتها عىل الحارضواملستقبل. ان مسار التفكك واالنحالل والتفتت والتشظي واالنفالت والفوىض قد اتخذ منحى تصاعدياً تجاوز فيه كل الحدود والخطوط الحمراء ،وبتنا عىل قاب قوسني من الدمار املحقق عىل مستوى «املجتمع» و»الدولة» عىل مساحة الوطن كله. وعب يف كل «الدولة» مفهوم تطور تاريخياً رَ مرحلة عن مستوى التطور السيايس واالجتامعي والثقايف للمجتمع الذي تؤطره وتنظم حياته، وهذه «الدولة» وبالرغم من األعطاب التي اعرتتها يف بالدنا ،شكلت مظلة حامية نسبية للمجتمع وضامناً ألمنه واستقراره وتطوره باتجاه األفضل. سايكس – بيكو برمزيتها ،عنت تقسيم بالدنا الواحدة ومجتمعنا الواحد يف دورة حياته االقتصادية واالجتامعية اىل كيانات سياسية شكلت معاقل ح َدت من التطور الطبيعي والتقدم االجتامعي لكامل األمة ،وأعاقت مشاريع التنمية والتقدم واالزدهار مبندرجاته املختلفة. بيد ان حيوية مجتمعنا وارادة الحياة فيه كانت أق��وى من كل املعوقات والحدود والتقسيامت والفواصل والعوازل ،ومتكن شعبنا من كرس «التجزئة» السياسية ،ومل تستطع ارادة املستعمر من تقطيع رشايني الحياة الواحدة ،وال استطاعت الحد من التفاعل االقتصادي االجتامعي – الحيايت عىل كامل البيئة القومية الطبيعية يف بالدنا ،بالرغم من كل التآمر والضغوط التي اتخذت اشكاالً متعددة ومتنوعة. أما اليوم ،فنحن نشهد ما هو أدهى وأخطر ،انها «الفوىض» التي تشكل مفهوماً تدمريياً للذات الوطنية والقومية ،وهي تنذر باالنحالل النهايئ والتفتت القاتل اذا انترص مرشوعها يف املنطقة، انها «الفوىض» التي تطل برأسها يف سياق منظم وممنهج لتدمري البنى التحتية ملجتمعنا ،ورضب كل قواعد االستقرار التي ترتكز
املدير املسؤول :رسكيس ابو زيد إدارة التحرير :زهري فياض سكرتري تحرير :أليسار نافع مدير التحرير التنفيذي :زاهر العرييض العالقات العامة :عائدة سالمة االخراج الفني :صالح املوىس االشرتاكات السنوية ألفراد للطالب للمؤسسات
لبنان 100$ 50.000ل .ل 200$
عىل وحدة املجتمع واألم��ة والوطن ،وعىل مفهوم»الدولة» الحاضنة والراعية التي تظلل باألمان الناس وتقدم لهم عوامل االستمرار والتقدم. انها «الفوىض الخالقة» –بني هاللني -طبعاً ،التي تشكل األساس النظري للمرشوع الصهيوين – الغريب يف نسخته الجديدة، والتي تهدف اىل ادخالنا يف متاهات « الرصاعات» واالنقسامات واالنشطارات األفقية والعامودية التي تعمل بطريقة التدمري الذايت للمجتمع من الداخل. هذا ما أريد فعله يف العراق الذي مل يسلم من التقسيم وما زال حتى «اللحظة» يعيش تداعيات االحتالل والغزو والرصاعات
الداخلية التي اتخذت بعدا ً طائفياً ومذهبياً وعرقياً خطريا ً، ومازال اىل اآلن يحيا يف عني العاصفة والفوىض ،بالرغم من بقع ضوء هنا وهناك تعيد األمل بامكان قلب املعادلة ،واعادة وصل ما انقطع عىل مستوى العراق كله ،واعادة بناء العراق الواحد الدميقراطي واملقاوم. وهذا ما أريد له يف لبنان منذ عقود والذي تجسد حرباً داخلية يعود خطر تجددها اليوم ،وما املقدمات التي نشهدها
هيئة التحرير: نجيب نصري ،نجايت ميداين، أسامء وهبة ،عبري حمدان، ايهاب الحلبي ،عامر مالعب، يامن الدقر ،ادهم الدمشقي، سالم الزبيدي ،نادي قامش سورية 1500ل.س 500ل.س 10.000ل.س
العامل العريب والعامل 200$ 500$
اليوم اال نذير عودة دوامة العنف و»االنفجار» مجددا ً. وأما الوضع يف الشام ،فيمثل عقدة «الرصاع» األساسية يف بالدنا ،اذ أن نتيجة الرصاع القائم فيها ،سترتك بصامتها عىل كامل املشهد القومي. وبات واضحاً أن ما يحصل فيها اليوم ليس استهدافاً لنظام بعينه ،بقدر ما هو استهداف للدولة برمزيتها الحاضنة ألطياف املجتمع كله ،بالطبع بالرغم من الحاجة العميقة لالصالح ومحاربة الفساد الذي بلغ مبلغاً خطريا ً يف السنوات األخرية، وساهم بشكل أسايس يف «االنفجار الحاصل» عىل مستوى الكيان. يف هذه اللحظة بالذات ،يربز مفهوم «املقاومة» للخطر الصهيوين – األجنبي ببعدها املجتمعي أي مقاومة املجتمع ومناعته الداخلية التي يتعذر صياغتها خارج اطار منظومة فكرية شاملة هي منظومة الفكر القومي االجتامعي االنساين الرحب ،الذي يشكل البديل الجذري ملشاريع التفتيت واالنهيار املجتمعي. يبدو واضحاً يف هذه اللحظة املصريية أن املقاومة ليست سالحاً – عىل أهمية السالح ورضورته – بل هي أيضاً بنية اجتامعية مرتاصة تحمي السالح وتحمي املجتمع بأرسه. ما أردت قوله ،أن املستهدف اليوم يف بالدنا اح��داث انقسامات جديدة خطرية للغاية عىل قاعدة طائفية ومذهبية تفتيتية لرضب روح املقاومة يف مجتمعنا املثخن بالجراح ،والضعاف مناعته ،ولتحقيق الهدف الصهيوين األسايس أي «االن��ح�لال» وضياع الهوية القومية ،وتشتت الوعي ،وخروج مجتمعنا من معادلة الرصاع معه، والدخول يف نفق مظلم من الرصاعات العبثية املتناسلة واملدمرة يف آن. خالصة القول ،نجد أنفسنا من جديد اليوم يف مواجهة «الفراغ القاتل» و «الفوىض» املدمرة ،وال خالص اال باعادة صياغة املرشوع القومي النهضوي بعد اعادة ترشيقه وصياغة خطته النظامية الدقيقة بعد االستفادة طبعاً من الدروس والعرب املستقاة من تجارب املايض.
تصدر بالتعاون مع مكتب الدراسات العلمية برئاسة منصور عازار ـ بيت الشعار -املنت الشاميل تليفاكس 04-914510
تصدر مبوجب قرار رقم 82تاريخ 1981/7/6صادر عن وزارة االعالم يف لبنان النارش :دار ابعاد بريوت ـ شارع الحمرا ـ بناية هيونداي ـ ط 7هاتف 01-751541/ 71-341622: توزيع :النارشون بريوت ـ مرشفية سنرت فضل الله ـ ط 4هاتف وفاكس 01/277007-01/277088 : خليوي 03-975033 : دمشق مكتب عائدة سالمة لالخراج الفني والتحضري الطباعي ـ عدوي خلف دار الشفاء ـ سعر العدد 25ل .س تيليفاكس 44426588 :خليوي Email : aydasalameh@yahoo.com 0933331402 : املواد املنشورة تعرب عن رأي أصحابها وال تعرب بالرضورة عن رأي املجلة لإلشرتاك واإلعالن االتصال عىل 01-751541
mail@tahawolat.net
www.tahawolat.net
العدد 70
أيلول 2012
منرب
فرض «القدس الكربى» مقابل الفوىض يف سوريا الكربى منصور عازار اكتشفت مفتاح ما يجري يف منطقتنا من خالل خرب قرأته يف 2012-8-28جاء فيه ما ييل« :جدد رئيس الوزراء اإلرسائييل بنيامني نتنياهو تأكيده مرشوع «القدس الكربى» الذي طاملا سعى إلنشائه ،عرب إعالنه أمس أن كتلة «غوش عتصيون» االستيطانية يف جنويب الضفة الغربية تشكل «جزءا ً ال يتجزأ من القدس الكربى» . واختار نتنياهو مستوطنة «افرات» خالل افتتاح إحدى مدارسها مع بدء العام الدرايس ليؤكد أن «افرات وغوش عتصيون جزء ال يتجزأ ،بل وأسايس ومفروغ منه من القدس الكربى .فهام البوابتان الجنوبيتان للقدس وستبقيان دامئاً جزءا ً من دولة إرسائيل» . وتقع «غوش عتصيون» التي أقيمت يف أعقاب احتالل الضفة الغربية يف العام 1967يف جنويب غريب مدينة بيت لحم ،وتتألف من 22مستوطنة يعيش فيها حوايل سبعني ألف مستوطن. وبحسب موقع «نيوز ـ »1العربي فقد أعلن نتنياهو عن ب��دء مرحلة جديدة من عمليات البناء يك تكون الكتلة االستيطانية ج��زءا ً من «القدس الكربى» ،مؤكدا ً بقاء هذه التجمعات تحت السيطرة اإلرسائيلية يف الظروف كافة. وي��ق��ع م�ش�روع «ال��ق��دس ال��ك�برى» ضمن مخطط حزب نتنياهو اليميني الـ»ليكود» ،ومتتد مساحته من مستوطنة «معاليه أدوم��ي��م» رشق��اً حتى قرية الولجة غ��رب��اً ،ومن حاجز قلنديا ش�ماالً حتى مستوطنات «عتصيون» جنوباً. من جهته ،أوضح مدير دائرة الخرائط يف «جمعية الدراسات العربية» يف القدس خليل تفكجي أن «القدس الكربى ستشكل 10 يف املئة من مساحة الضفة الغربية ...حيث سيتم ض ّم 14مستوطنة من كتلة غوش عتصيون االستيطانية» ،موضحاً أن «مساحة القدس تشكل حالياً 1,2يف املئة فقط من مساحة الضفة الغربية». ورشح الخبري القانوين يف شؤون القدس داين سايدمان أن نتنياهو حاول خالل واليته األوىل ( )1999-1996إضفاء طابع رسمي عىل مصطلح «القدس الكربى» ،حتى أنه «قدم مرشوع قرار ملجلس الوزراء بإنشاء بلدية كربى للقدس» ،لكنه مل يطبق بالرغم من املوافقة عليه. ب���دوره ،دان املتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أب���و ردي��ن��ة ت�صري��ح��ات نتنياهو م��ع��ت�برا ً أن���ه «يشجع االس��ت��ي��ط��ان وي��دع��م��ه ومي��ول��ه وي��رع��اه يف ال��وق��ت ال��ذي يجب أن يدعم ال��س�لام وي��زي��ل أي عقبة يف طريقه «. عىل صعيد آخ��ر ،ه��دد رئيس املعارضة اإلرسائيلية ووزي��ر الحرب السابق شاوول موفاز باالنتقام من قادة حركة حامس إذا تكرر استهداف األرايض املحتلة يف العام 1948بالصواريخ. ونقلت إذاعة جيش االحتالل عن موفاز قوله خالل جولة تفقدية قام بها صباح أمس إىل مستشفى بزالي يف عسقالن إن «حامس تحاول اختبارنا ومن هنا أوجه رسالة لقادتها ،دماؤكم يف رؤوسكم ستصفى إذا سقطت شعرة من شعر أبنائنا ،السنة الدراسية ستفتح وواجبنا أن نكفل ألبناء الجنوب األمن املطلوب “. هذا الخرب هو دليل اضايف بان « ارسائيل» تعمل عىل تهويد فلسطني انطالقا من فرض «القدس الكربى» عرب توسيع االستيطان بالقوة .كام ان الخرب كشف النفسية اليهودية الحاقدة التي تهدد وتتوعد بالقتل واراقة الدم الفلسطيني دون رقيب او حسيب او اعتبار لحقوق انسان .كام ان الخرب فضح الضعف الفلسطيني الذي تخىل تدريجيا عن الكفاح املسلح واكتفي باصدار بيان او اطالق العنان لترصيح رفعا للعتب .ويف الخرب غياب الي موقف
او رد فعل عىل امتداد العامل العريب من املحيط اىل الخليج الغارق يف ربيعه العريب والذي نيس املسألة الفلسطينية وادار ظهره لها مستظال الصمت العريب املميت . من ابعاد الخرب ومدلوالته ان العدو االرسائييل منرصف اىل بناء دولته اليهودية بدءا من فرض «القدس الكربى» بينام تعمل مع الواليات املتحدة والرجعية العربية عىل تعميم الفوىض املدمرة واذكاء الحروب االهلية عىل امتداد سوريا الكربى اوال وال سيام يف العراق والشام ولبنان وقريبا يف االردن فضال عن فلسطني املحتلة واملمزقة . ما نشهده اليوم يف بالد املرشق حرب منظمة من نوع جديد تخطط بذكاء رشير تدمري املجتمع ملنع اي مقاومة او نهضة قادرة عىل مواجهة «ارسائيل» .تفكيك املجتمع واغراقه يف حروب
اهلية للتقسيم والتجزئة والتفرقة هو الهدف املبارش لكل ما يحصل يف بالد الشام والرافدين من اجل الهاء املجتمع بذاته حتى تستكمل الدولة اليهودية قضم فلسطني بالتهويد واالستيطان واغراق محيط فلسطني بالفوىض والخراب . هذا ما يخطط له العدو االرسائييل يف الرس والعلن .لكن رغم الصمت واليأس نقول مع سعادة ان فيكم قوة اذا فعلت غريت وجه التاريخ .وهذه املقولة نجد تجلياتها يف املقاومة واملامنعة وحركة النهضة يف بالدنا التي تخوض حرب وجود طويلة االمد وهي يف هذا التحدي امام فرصة تاريخية لتجديد فعاليتها وتوحيد جهودها حتى تتحول الهزائم اىل انتصارات . مهام طال الزمن سيعود الفلسطيني اىل بيته حامال مفتاح العودة بيد ومعول البناء والنهضة واملقاومة باليد االخرى.
3
4
ا�سرتاتيجيا
العدد 70
أيلول 2012
الثورات العائدة عىل صهوة االيديولوجيا عىل إختالف إتّجاهاتهم ،ورؤاهم ،ومقاصدهم .ثم جاءت الصورة جديد من األمان الفردي واإلستقرار املجتمعي. محمود حيدر يف الوضعية العربية سوف نالحظ كيف إمتزجت الثورات لتُفصح عن منظومة كاملة من املشاعر والتّطلّعات ،غايتها إبطال مل ّا تب َّدل العامل ،لينعقد عىل نصاب العوملة قبل نحو عقدين من البناء اإليديولوجي املسته َدف (بفتح الدال) .أي الحكم ببطالن بالحروب ،إمتزاجاً بدا معه التحيّز ،وكأنه ميتنع عن أن يكون نظريا ً السنوات ،كان كل يشء يجري تحت ذريعة نهاية زمن اإليديولوجيا بنية النظام السيايس و الثقافة التي تربر إستمراره ،متهيدا ً إلقامة للحرية .بل لقد بات العنف ُّ الحال كحم ٍل ثقي ٍل فوق جغرافيا الثورات ،هو الحاكم عىل كل تح ّيز داخيل ،مهام َمل ََك املتح ّيزون من بعدئذ اىل إبراز الحد عليه. ٍ .قيل يومها إن الدنيا صارت واحدة ،وال حاجة ولو نحن انتقلنا من مجال توصيف الصورة ،اىل الوقوف عىل فهم لغاياتهم ،ومن قدرة عىل توجيه أهدافهم يف االتّجاه الصحيح. الهويات ،وصياغة العقائد السياسية .لكن بعد قليل من السنوات، لقد أ ّدى إمتزاج عقل الفتنة بعقل الثورة ،و بسبب من التقائهام سيظهر لنا أن «دراما « اإلنهاء -التي أخرجها الجهاز الفكري لليربالية مغزاها ،لبَدا لنا من سايكولوجية الحشود ما يُفصح عن «بهجة رسها عىل أرض واحدة ..اىل إفقاد الثورات أحد أهم أسباب انتصارها الجديدة بإتقان -رسعان ما ذوت تحت وطأة اإلنشاء اإليديولوجي التح ّيز» .ثم لوجدنا منظومة من الرموز والكلامت ال يدرك ُّ املستأنف .يف ذلك الوقت ،مل يقصد الذين تولَّوا تظهري فلسفة إالّ من إتّخذ لنفسه سبيالً اىل «جنة املواجهة» .و نقصد بهم أولئك وهو االستقالل .ونعني باالستقالل هنا ،تحرر قوى التغيري الوطني حل كإعصار عىل الهويات الذين منا وعيهم يف مخترب اإلحتدام ،حتى بلغوا الدرجة التي جعلت الدميقراطي من مؤثرات العاملني اإلقليمي والدويل.إن ما تعيشه النهايات ،سوى تعميق الصدع الذي ّ الثورات العربية من هذه الناحية ،عىل الرغم من خصوصيته ،هو ،وال��والءات ،و املذاهب السياسية .يومها أيضاً دعا بعض الذين كل محت ٍج يعي ويُدرك رضورة التغيري وحتميّته. يف رحاب تلك املنظومة التي تتو ّحد فيها اإلرادة بالوعي ،سوف إستثناء يثبت القاعدة ،السيام لناحية التقاء عنف الخارج وثورات أُخذوا بأوهام النهايات من مثقّفي العاملني العريب واإلسالمي ،اىل قطع الصلة بني الثقافة والسياسة .و ُح ّجتهم ،أن الوصل بينهام سيفيض اىل تتوفر لشاغيل امليدان رشوط القدرة عىل صناعة الحقائق الجديدة .الداخل ضمن ح ّيز مكاين وزماين مشرتك. ّ عىل املستوى النظري ميكن القول ،أنه بالرغم من الحاجة املاسة استئناف اإلستبداد بألوانه املختلفة.ولقد فعلوا ذلك ،ظنا» منهم أن فالبينّ من حركة الشارع ،أ ّن كل فاعل فيها صار يشعر بنعمة الحضور ٍ بشغف النظري له .وبأنه ينتقل من اىل التمييز بني الحرب والثورة مع وجود الرتابط الوثيق بينهام ،فإن التح ّيز يف املجال السيايس سيأخذهم مج ّددا ً اىل معاقل اإليديولوجيا ، .و أنه يغادر خوفه وصمته و من هؤالء من تح ّولت األوهام لديهم اىل قناعات آلت يف كثري من الهامش اىل املنت ليصري يف قلب الحدث .وعند هذه النقطة ال تعود علينا -كام تقول حنة أرندت -أن نالحظ حقيقة واقعية وهي أن الثورات والحروب ،ال ميكن أن تقع خارج نطاق العنف ،وأن األحيان ،اىل تأليف حركات سياسية ليربالية راحت تنمو عىل الضفة هذه الحقيقة كافية ألن تجعلهام يف معزل رئيس مركز دلتا لألبحاث املعاكسة ،ملا سبق أن كانوا عليه من ثوابت ومسلّامت تنتمي عىل املعمقة –بريوت الجملة اىل عامل اليسار بصنوفه الفكرية املختلفة. عن الظواهر السياسية األخرى .وقد يكون من العسري علينا أن الذي يحدث اليوم سيأتينا مبعايري نظر جديدة .فحاملا تحركت الذي يحدث اليوم سيأتينا ننكر أن من األسباب التي أدت اىل هذه السهولة يف تحول الحروب صفائح « الجيولوجيا السياسية العربية « ،سيولّد زمن آخر ، أخذت مبعايري نظر جديدة .فحاملا تحركت اىل ثورات ،واىل أن تُظهر الثورات هذا امليل املشؤوم اىل إطالق ٍ حالئذ، تنكفئ معه أوها ٌم وفَ َرضياتٌ وانساقٌ شتى .ومن املنطقي الحروب من عقالها ،هو أن العنف نفسه مؤرش مشرتك لهام معاً . أن نطالع لغة مل نكن نألفها منذ الصعود املد ّوي للفكر النيوليرب تغتذيايل صفائح « الجيولوجيا السياسية العربية» و مثلام شكل العنف الذي أطلقته الحرب العاملية األوىل عامالً كافياً يف ختام القرن العرشين .مزيّ ُة هذه اللغة ،أنها بقدر ما لتوليد الثورات ،حتى ولو مل يكن مثة تقاليد ثورية ،فقد شكّل العنف من طبائع اإليديولوجيات التقليدية ،بقدر ما تُظه ُر قوالً سياسياً سيولّد زمن آخر الذي أطلقته العوملة ،دليالً عىل عمق الترّ ابط بني حراك الداخل وثقافياً جديدا ً ...قوالً يبدو يف ظاهره عابرا ً لألطر اإليديولوجية ،إ ّال وإستباحة السيادات الوطنية من الخارج. أنه يف الواقع ليس كذلك ،ألنه صادر من بيئات تعيد إنتاج خطبتها هنا بالضبطَ ،و َج َب التمييز بني مشكلتي التحرر والحرية ،اللّتني االيديولوجية بأساليب مغايرة للتقليد . لقد أ ّدى إمتزاج عقل الفتنة ينبغي التص ّدي لهام يف املخترب العريب .هاتان املشكلتان تندرجان يف وهكذا فال يكاد الناشطون الجدد -حني ينفصلون عن الخطبة التقليدية التي اعتادت عليها التيارات القومية واملاركسية والدينية بعقل الثورة اىل إفقاد الثورات أحد أهم مقدم املشكالت التي يتوقف عىل إدراكها فهم التحوالت ،والتع ّرف عىل القوى الفاعلة فيها ،و املحركة إلتجاهاتها .وهذا ما يحيلنا مرة زمناً طويالً ، -حتى يرجعون اىل طراز جديد من التح ّيز ولو برداء أسباب انتصارها وهي االستقالل أخرى اىل أصل القضية التي م ّر ذكرها يف مستهل بحثنا ،وهي رضورة ليربايل هذه املرة .وعىل نح ٍو كهذا ،مل تكن صورة الشارع العريب البحث عن إسرتاتيجية معرفية تُوازِن بني السيادة الوطنية ،والتغيري وهو يفصح عن نفسه باإلحتجاج السلمي حيناً ،والعنيف حيناً الداخيل مبعزل من العنف .واملعني بالعنف هنا ،ليس ذاك الذي آخر ،سوى ترجمة لطور مستأنف من أطوار الحكاية اإليديولوجية تلجأ إليه السلطة الحاكمة ضد معارضيها عندما توشك عىل السقوط .وليك ال تلتبس ترجمة الصورة ،عىل من أَلِف األمناط املشهورة لظهورات الفكر اإليديولوجي يف القرن العرشين ،نشري اىل أن الحرية بالنسبة إليه مج ّرد قيمة إفرتاضية ،بل هي أمست حضورا ً ،أو ذاك الصنف من العنف الذي متارسه املعارضة ضد الحكم ...وإمنا من سامت الطور املستأنف لهذه الحكاية ،هو أنه طور عابر ف ّعاالً داخل الح ّيز الذي تخيرّ ه لها عن سابق تصور و تصميم .ذاك العنف املتدفِّق من الخارج ،والذي غالباً ما يحصل بواسطة لإليديولوجيا كام ذكرنا ،لكنه متّصل بها وعائد إليها يف اآلن عينه .فالحرية التي تحقّقت بانخراط كل فرد داخل الحشود ،هي الحارض تحالف دويل لتبديل وجهة النظام وموقعيته الجيو-سرتاتيجية .ولنا ففي مقام التجربة العربية الراهنة ،سيظهر لنا حضو ٌر مرك ٌّب األبرز يف منطقة التحيّز .إذ سيجد كل متحيّز ،وكأنه رشيك يف قض ّية من األمثلة القريبة ما يكفي حني نستذكر اإلحتالل األطليس لدول يعرب عن نفسه بخطاب مشرتك ،تو ّحده عصبية معاداة اإلستبداد عادلة تستأهل منه أعىل درجات التضحية .بل ان شعوره بالحضور مثل يوغوسالفيا وأفغانستان والعراق وليبيا. ومن هنا تربز األهمية القصوى لفهم مشكلة ثورات ما بعد وتف ّرقه الرؤى والتصورات املتعلقة بهوية النظام الذي تتطلّع إليه سيتحول اىل فكرة عملية ذات جاذبية فريدة .بها تتّحد التجربة ثورة الشارع .هذا الحضور يظهر بوضوح عىل ضفتي االستقطاب .باملعرفة ،وفيها يصبح املجرب عارفاً بحقيقة املخاطرة التي اندفع العوملة ،وخصوصاً لناحية عدم توافق فكرة الحرية مع فكرة التحرر أحزاب وجامعات قومية ويسارية ودينية تقليدية ،من ناحية إليها .ومعها يزول منه خوفه ،وينفك من عقدته املزمنة،ويصري من املؤثر الخارجي .وهي املشكلة التي ينبغي حسمها عىل النحو الذي ال يكون فيها الخارج عامالً حاسامً يف رسم الهندسة الداخلية ..و أفراد و مؤسسات أهلية وليربالية من ناحية ثانية .وهذا ما رشيكاً يف الحدث ليسهم مع الرشكاء اآلخرين يف التّغيري الشامل. للحياة السياسية الوطنية الجديدة... بني التح ّيز والعنف: متثّل بـ» اإلندفاع الجامهريي امل ِ ُستهدف « الذي يجد تفسريه يف ما لذا فإن من األوليات املسلم بها أن يكون التحرر من املؤثرين إذا كان التحيّز يجري عىل هذا النحو وفق الوضع الطبيعي ، تظهره سايكولوجية « إشغال املكان من جانب الجمهور» ..،طلباً لح ّيز مكاين ينالون فيه رشف الحضور ورشع ّية اإلحتجاج ،و يضفون فإن ات ّخاذه ُسبُالً عنيفة كام هو حال بعض امليادين العربية ،جعله اإلقليمي والدويل ،هو اإلشرتاط الرئييس لوجود الحرية يف املجتمع تح ّيزا ً مق ّيدا ً بفوىض الدم ،ومفتوحاً عىل الفتنة األهلية املسلّحة السيايس وداخل الدائرة الوطنية ،وان كان ال يقود إليها بصورة عليه ألواناً مختلفة من الروحانية السياسية. مع هذا اإلشغال ،سرنى كيف غدت امليادين والساحات ،أقرب .فعىل الرغم مام ينطوي عليه التح ّيز من مامرسة الحرية ،فإنه آلية رتيبة . رئيس مركز دلتا لألبحاث املعمقة ـ بريوت اىل مرموزات إيديولوجية تعكس طموحات وآمال وأفكار شاغليها ،يفتقد يف املقابل اىل أع ّز غاياته ،وهي اإلنتقال بواسطته اىل زمن
العدد 70
أيلول 2012
فكر
جرح إجتامعي ـ إقتصادي مفتوح طرابسٌ ... أمني الذيب بعيدا ً عن ضوضاء السالح وحشود امل ُقاتلني عىل إختالف مشاربهم وإنتامءاتهم امل ّوثقة لدى الجهات االمنية املعنية بإستقرار الوطن ،ويف املقلب امل ُعاكس إلجراءات إنشاء اإلمارات اإلسالمية وإستثامرها كمحطة إنطالق لقيام منطقة عازلة تؤمن املمرات اآلمنة لقوى محلية وإقليمية ودولية تعمل بدأب و ُمثابرة عىل وبغض النظر عن إسقاط النظام السوري منذ آذار العام املايض ّ ، القتىل والجرحى والبيوت واألمالك امل ُه ّدمة واملؤسسات التجارية والصناعية والحرف واملهن الحرة التي يتم إحراقها أو توقيفها عن العمل إفساحاً يف املجال إلستثامرات سياسية وأمنية تخدم مصالح الطبقة السياسية امل ُنتفعة من واقع اإلقتتال الدائم حتى ولو كان ذلك عىل حساب الفقراء وعامل املياومة وصيادي االسامك الذين يشكلون السواد االعظم يف عاصمة الشامل والتي قد يصبح اسمها إمارة الشامل أو صانعة ربيعه الدموي . تعترب طرابلس بوابة لبنان الشاملية عىل االسواق الخارجية املحيطة وتشهد بواباتها الحدودية وميناؤها حركة تجارية ناشطة يف كال اإلتجاهني أي اإلسترياد والتصدير ، حيث تُؤ ِمن هذه الحركة فرص عمل كبرية لفئة واسعة من العامل والفقراء املنترشين يف كل مناطق الشامل التي غاب عنها اإلمن��اء وحرضت السياسة املذهبية عىل حساب لقمة عيش الفقراء التي تعود السياسيون الجدد عىل اإلستثامر يف الفقر وأصبح الدوالر هو الثمن العلني للوالء اىل الزعيم واملذهبية شعار الوحدة حيث بدأت معامل الوطن هناك تتالىش متاهياً مع ال��واق��ع الجديد ال��ق��ادم عىل صهوة مسرت دوالر تقوده الحركات اإلسالمية امل ُتشددة وبعض فلول ما يسمى الجيش السوري الحر بقيادة تركية وغربية وما تالها من مصالح اآلخرين محليني كانوا أو خارجيني . شكّلت االحداث ذريعة سياسية لخطف املواطن الطرابليس من همومه اليومية إىل أداة عملت عىل توظيفه يف مشاريع داخلية وإقليمية تحت غطاء الوالء املذهبي وخدمة إلغراض املارد السني الذي أعلنه أحدهم ُمترسعاً بفتح املعركة املذهبية عىل دولة شقيقة ،وهكذا تحول الشامل الغارق يف بؤسه وشقائه اىل ساحة حرب مذهبية الطابع وخرج عىل الوطن متهيدا ً لتأقلمه بنمط حيايت مستورد و ُمناقض لصيغة الحياة اللبنانية التقليدية ،فإنترشت فيه جامعات ُمتشددة وأفكار سلفية تعتمد التحريض والبغضاء وتُلغي كل من يعتمد العقل والنهج الوطني وتُكفره وقد لعب املال دورا أساسيا يف منطية هذا التحول فإستُبدل املدخول اإلنتاجي كعائد من اليد العاملة والحرفية والصناعية وحركة الشغل اىل مال سيايس مذهبي جنح تدريجياً ليصبح رب عمل لرشيحة واسعة من املؤمنني البسطاء والعامل والفقراء والعاطلني عن العمل وامل ُتعصبني وحلت الجوامع محل الرسايا الحكومي وامل ُسلحني محل الجيش بدعم من املتنفذين يف الدولة وامل ُنتفعني
منها متاشياً مع املناخ السائد الذي أضفاه ما يُسمى ربيعاً عربياً. تداعيات أزمة طرابلس بدأت تفرز أزمات إجتامعية إقتصادية بدأت نتائجها تشكل واقعا ال ميكن إغفاله أو تجاوزه ملا تركته من بصامت سلبية عىل الدورة اإلقتصادية ليس فقط يف الشامل إمنا بدأت بوادر الركود اإلقتصادي تتمدد عىل مستوى الكيان اللبناين وتؤثر عىل ُمعظم القطاعات الصناعية منها والتجارية والعقارية والسياحية والخطورة الكبرية تكمن يف إستهداف القطاع املرصيف عىل مستويني ،االول داخيل املتمثل بصعوبة التوظيف والتشدد يف رشوط التسليفات والتسهيالت إحتساباً لتداعيات الوضع االمني والفلتان الحاصل بسبب أحداث الشامل والخوف من متددها اىل مناطق أُخرى ،والثاين هو الضغط الخارجي الذي يستهدف هز اإلستقرار اإلقتصادي عرب تطويق املصارف اللبنانية بقوانني دولية تؤخر وت ُعيق حرية الحركة املرصفية وقد يكون ذلك يف سياق الضغط الغريب السيايس ومامرسة ضغوط تؤدي اىل تحوير مسارات سياسية تخىش عىل اإلنهيار اإلقتصادي رغم الضامنات التي يعممها املرصف املركزي كمحاولة إلمتصاص
تداعيات أحداث الشامل والضغوطات الخارجية . فعىل مستوى الشامل وطرابلس بشكل خاص ،ورغم االموال التي تُضخ يف املدينة ،فإن بوادر إنفجار أزمة إقتصادية إجتامعية بدأت تلوح يف االفق حيث وصلت العديد من العائالت اىل مرحلة الجوع الحقيقي لتوقف حركة العمل بسبب االحداث العسكرية الجارية خاصة إحباط جامعات واسعة من أهايل املدينة وفقدان االمل من توقف القتال واملعارك لتداخل الوضع الداخيل مبصالح الخارج ،ويجب قراءة التحركات اإلحتجاجية التي قامت بها القوى املدنية يف مدينة طرابلس كناقوس خطر حقيقي يسعى اىل تحييد طرابلس عن النزاعات املذهبية واإلقليمية حرصاً عىل إستقرار املدينة وتحررها من التجاذبات الخطرية التي تشهدها املنطقة بأرسها ،فاالمن اإلقتصادي اإلجتامعي أصبح مطلباً شعبياً يف الشامل عربت عنه اإلعتصامات التي نفذتها القوى املدنية كتعبري عن الواقع املأساوي الذي يطال الرشيحة الكبرية من سكان وعائالت املدينة ما يؤرش اىل رفض شعبي واسع مل يعد تجاهله يصب يف مصلحة الراغبني يف إستمرار االزمة بل وتصعيدها ،واملرتكزين يف تحريضهم
عىل مرتكزات مذهبية مل ت ُعد تشكل لألكرثية الشعبية قناعات برضورة إستمرارها حيث ان االذى الحقيقي بات يقع عىل لقمة عيش العائالت التي ال دخل لها من االساس فيام يجري من أحداث عىل الساحة الشاملية وإن عودة طرابلس اىل سابق عهدها يف الحياة املوحدة كمدينة لها تاريخها يف تأسيس الكيان اللبناين منذ اإلستقالل وخرج منها رؤساء وزراء ووزراء ونواب شاركوا يف صياغة الحياة السياسية اللبنانية وساهموا إسهاماً ف ّعاالً يف تأسيس النسيج اللبناين امل ُعارص البعيد كُل البعد عن الضغينة املذهبية والطائفية . السؤال املطروح اليوم هو إلي م��دى سيحتمل املواطن الطرابليس حالة الجمود اإلقتصادي والضائقة املعيشية التي بدأت تتفىش يف الوسط الطرابليس الفقري والتي قد تنقلب يف املستقبل املنظور ثورة شعبية ضد الفقر والجوع الناتج عن توريط طرابلس خدمة ألجندات خارجية باتت مكشوفة وواضحة لغري امل ُنخرطني يف النزاع الدائر عىل أرض الشامل . أفرزت حرب الشامل خارج نطاق امل ُتنازعني ،واقعاً جديدا ً بدأت تتبلور معامله الرافضة تحويل وجه املدينة السلمي اىل منصة لتبادل الرسائل االمنية والعسكرية املحيل منها واإلقليمي وتباعاً ال��دويل ،كام ان اإلهامل التاريخي ملنطقة الشامل وخاصة عكار وطرابلس وحرمانها من اإلمن��اء وسع دائ��رة الفقر والفقراء ، وكأمنا ذلك ُمخطط قديم لتهيئة البيئة الحاضنة للتطرف الديني ،فقدان االمل لدى االكرثية الشعبية من جدوى اإلستمرار يف الواقع الراهن إلنعكاس سلبياته عىل السلم االه�لي ولوقوع ال��س��واد االع��ظ��م كضحايا ملشاريع سياسية غريبة عن املدينة وتقاليدها ،عدم قُدرة العائالت الفقرية تحمل العبء املايل املعييش الناجم عن عدم اإلستقرار الدائم لوقوع الشامل يف دائرة اإلستهداف اإلقليمي وظيفياً ، كام أرخى التغيري يف دميغرافيا املدينة مذهبياً وطائفياً وتحويلها اىل كانتونات ُمغلقة تهدد الحريات العامة لوقوعها يف إطار امل ُقدس الغري قابل لإلعرتاض والنقاش ،إضافة اىل تحويل مفاهيم املجتمع الشاميل من ثقافة وطنية اىل ثقافة مذهبية من طبيعتها إلغاء اآلخر ،تكون ُحكامً ُمناقضة للمفاهيم الوطنية الجامعة . من الواضح تأثري أحداث الشامل امل ُستمرة عىل إستقرار البلد اإلقتصادي وبالتايل إصابة رشيحة واسعة من اللبنانني الفقراء يف لقمة عيشهم حيث أدى الركود اىل دفع العديد من الرشكات واملؤسسات خاصة السياحية والتي بدأت تعتمد سياسة التقشف والرصف من الخدمة . ال شك ان التداعيات االقتصادية اإلجتامعية بدأت تطال الوطن اللبناين بأجمعه وقد يكون عىل الجمعيات املدنية والنقابات ان تبدأ تحركاً يستهدف إعرتاض أالحداث والوقوف بوجهها إعالمياً وتظاهرا ً وتحريض الفئات الفقرية امل ُترضرة بلقمة عيشها من التصدي بكافة الوسائل السلمية امل ُتاحة مل ُناهضة املد املذهبي امل ُتشدد الذي ال يُنتج إال الفقر والجوع والتفرقة ،فلتكن رصخة وطنية ُمدوية ضد العنف املجاين الذي ال يخدم إال العدو اإلرسائييل .
5
6
العدد 70
فكر
أيلول 2012
وضع مأساوي يعيشه مسيحييو الرشق... هي قضية الشعوب العربية و االسالمية ايضاً يتابع الكاتب جورج حداد يف الجزء الثاين واألخريمن رصخة االحتجاج حول الوضع املأساوي التاريخي ملسيحيي الرشق ،حيث يفتح السجالت السوداء لليهودية عرب التاريخ، ومنها باالخص صلب السيد املسيح ومجزرة اطفال بيت لحم جورج حداد جاء يف موقع ديني بلغاري»:وقعت هذه الجرمية ضد االطفال يف 29كانون االول ،يف السنة االوىل بعد ميالد املسيح ،ويف هذا اليوم تحتفل الكنيسة بذكرى االطفال القتىل .فمنذ ظهور النجم للمجوس حتى هذا التاريخ كان قد مىض سنة وتسعة اشهر .اما ملاذا قتل هريودوس االطفال بعمر سنتني وما دون ،فهو قد فعل ذلك بدافع الخوف وملزيد من االطمئنان» (اىل قتل املسيح). وتم قتل االطفال بأشكال مختلفة :بعضهم قتل بالسيف، وبعضهم رضب رأسه بالصخر او الحائط ،وبعضهم رمي عىل االرض وديس باالرجل ،وبعضهم خنق بااليدي ،وبعضهم قطع اىل اجزاء، وبعضهم طعن وقطع اىل نصفني. ويصف القديس يوحنا الفم الذهب حال االمهات خالل ارتكاب املجزرة فيقول: «حينام رأين ذلك سألت االمهات القتلة :ملاذا تقتلون اطفالنا؟ ما هي االهانة التي وجهوها للقيرص او لكم؟ ومل يكن يوجد احد يك يجيب ملاذا يجري هذا القتل العبثي ،وال احد ميكن ان يعزيهن يف هذا املصاب الجلل .اما هن فمع النحيب كنا يرصخن بالجنود: ارحمونا ،ارحمونا! أليس لكم انتم بالذات امهات؟ أمل تعرفوا الحب االمومي؟ ألستم انتم محبوبني من امهاتكم؟ اال تخشون ان يحدث الطفالكم مثلام يحدث الطفالنا؟ ارثوا لحالنا؟ ال تحرمونا من اطفالنا ،واقتلونا نحن اوال ،النه ليست لنا القدرة عىل احتامل موت اطفالنا! اطعنونا نحن! اذا كان اطفالنا سببوا لكم اي اساءة ،فلنمت نحن معهم! وكانت النسوة يعترص االمل قلوبهن ،وميزقن ثيابهن حزنا ولوعة، ويلطمن صدورهن ،ويخدشن وجوههن ،وينتزعن شعورهن، صارخات نحو السامء: ـ يا ربنا ،يا الهنا! ماذا تعني كل هذه القسوة من قبل القيرص؟ انه يقف ضد خلقك انت؛ انت خلقت ،وهو يقتل؛ انت وهبتنا االطفال ،وهو يأخذهم منا! ملاذا ولدنا صبيانا ،طاملا ان اطفالنا سوف يتعرضون لهذه امليتة االليمة؟» اما القديس يوحنا الدمشقي فيصف مصيبة االمهات كام ييل: «ان االمهات ،اللوايت ولدن اوالده��ن ب��اآلالم ،جلسن بقرب جثامني اوالدهن املقتولني ،وهن مبعرثات الشعور ،رافعات ايديهن
نحو السامء ،وهن يشددن شعورهن وينرثن الرتاب عىل رؤوسهن، داعيات السموات الن تشهد والدموع تنهمر من اعينهن ،ويوجهن الكالم اىل هريودوس الغائب ،وكأنه حارض امامهن :ايها امللك ،ماذا يعني هذا االمر من قبلك ،واملوجه ضدنا؟ ايعقل أال تكون انت ابا الوالدك؟ ايعقل أال تعرف مدى محبة الوالدين لالطفال؟ هل احزنك النجم؟ فلامذا اذن مل توجه سهامك نحو السامء ،وجففت الحليب يف صدورنا؟ هل سبب لك املجوس سوءا؟ فلامذا اذن مل تحارب فارس، وحرمت بيت لحم من اطفالها؟ اذا كان قد ولد ملك جديد وانت تعرف عن ذلك من الكتب ،فلامذا اذن مل تقبض عىل جربائيل وترسله اىل السجن؟». كام جاء يف موقع قبطي آخر: «يقول الرب أنه يف زمن محدد ،وحدده بقوله يف ذلك الزمان، سيكون إلهاً لكل عشائر إرسائيل وهم يكونون له شعباً ،وهذا األمر مل يكن واقع حال بني ارسائيل عند إرسال يسوع ألنهم مل يكونوا مؤمنني حقاً ،وإال ملا كانت هناك حاجة إلرسال من يعرفهم طريق الرب ،ال بل ان بني ارسائيل حتى رفع يسوع أو قيامته مل يكونوا شعباً للرب بل كانوا كافرين به ومبن أرسله إليهم وكانوا طوال الزمن الذي عاش يسوع بينهم كارهني له ومقاومني لدعوته وساعني اىل قتله كام تقول االناجيل». وال بد من املالحظة ان هناك بعض االوساط مبا فيها مسيحية ،وال سيام املتأثرة بالصهيونية ،تشكك يف وقوع هذه املجزرة .كام ان هناك اختالفاً يف تقدير عدد االطفال الذين قتلوا .ويقول احد املواقع ان هناك موسوعة كاثوليكية تقول ان عدد االطفال الذين قتلوا يرتاوح فقط بني 6اىل 20طفال .يف حني ان الكنائس االرثوذوكسية تحتفل بذكرى الشهداء االطفال الـ 14000شهيد؛ اما الكنيسة الرسيانية فتحتفل بذكرى الشهداء االطفال الـ 64000شهيد؛ واما الكنيسة القبطية فتحتفل بذكرى الـ 144000شهيد. رمبا يجد البعض يف تقديرات الكنيستني الرسيانية والقبطية مبالغة يف ارقام عدد الشهداء .وهو ما يجد تفسريه يف رغبة بعض املدونني الكنسيني يف تعظيم دور املسيحية االوىل وتضحياتها، وتعظيم اهمية قيام املسيحيني القبطيني االوائ��ل بايواء وتخبئة العائلة املقدسة التي هربت اىل مرص وانقاذ يسوع الطفل. ولكن تقدير املوسوعة الكاثوليكية بأن عدد االطفال املقتولني ال يتجاوز 6اىل 20طفال ينم عن عنرصية مبطنة هدفها: ـ1ـ تربئة روما من ارتكاب مجزرة ،وتصوير الجرمية عىل انها جرمية شبه فردية ذهب ضحيتها بضعة اطفال فقط. ـ2ـ التقليل من شأن املسيحية الرشقية وتضحياتها. ولو مل تكن املجزرة صحيحة ،كام يف الرواية املسيحية ،ملا اهتمت بها الكنيسة كل هذا االهتامم ،وملا تناولها آباء كبار للكنيسة كالقديس يوحنا الفم الذهب والقديس يوحنا الدمشقي وغريهام كرث. وال يزال بعض ممثيل الكنيسة املسيحية يستخدمون تعابري جملوية ( )phraseologyيهودية للتعريف مبيالد املسيح ،االمر الذي ميثل رضيبة معنوية ومفاهيمية (الهوتية واجتامعية) كبرية جدا،
ناشئة عن االعتقاد الخاطئ الذي تأخذ به الكنيسة وهو االعتقاد بأولوية نشوء اليهودية قبل املسيحية .ومن هذه التعابري االعرتاف بأن السيد املسيح ولد بوصفه ملكا لليهود. ولو كانت هذه الجملوية صحيحة لكان املسيح ولد كملك فعال ،وكملك لليهود تحديدا .ولكن اليهود انفسهم ال يزالون حتى اليوم ينتظرون عبثا مجيء مسيحهم ـ امللك اليهودي الذي سيكرس سيادتهم عىل العامل. وال بد ان نذكر هنا ان حالة الهسترييا التي قابل بها هريودوس ميالد املسيح مل تكن مقترصة عليه وحده بل كانت تعرب عن حالة الذعر التي كانت تعم االمرباطورية الرومانية حيال انتشار االفكار املسيحية ونبوءة ظهور املسيح ـ املخلص .ويف هذا الصدد نورد فيام ييل بعض ما اطلعنا عليه يف احد املواقع املسيحية البلغارية: ـ1ـ يقول احد الكتاب الدينيني البلغار يف موقع ()SIBIR.BG ان املجوس الذين جاؤوا لريكعوا للمسيح هم فرس زرادشتيون وانهم علموا عن والدة املسيح من بقايا املسبيني اليهود يف بابل حينام كانت تحت السيطرة الفارسية ،وانهم كانوا يتفاهمون مع هؤالء املسبيني باللغة االرامية .وهذا يدل اما ان هؤالء املسبيني كانوا اراميني مسيحيني (اي مؤمنني مبجيء املسيح) او يهودا مسيحيني (ولهذا يتكلمون اآلرامية) .كام يدل عىل انتشار االرامية والدعوة املسيحية بني الفرس ايضا ،مام يدل عىل الدور الطليعي الذي قام به املسيحيون االراميون يف نرش الدعوة املسيحية واللغة والثقافة اآلراميتني منذ ما قبل والدة املسيح. ـ2ـ وجاء يف مقالة منشورة يف الجريدة البلغارية «الشاطئ الحر» يف 21ـ 27نيسان :1995ان طبيبا رومانيا اسمه اسكوالب كولتيليي ارسل رسالة اىل ابن اخيه الضابط يف الجيش الروماين يف سوريا يقول له فيها« :ان عبيدنا هم متأثرون جدا بخرب من يسمى املسيح ،وبعضهم كان يتحدث عىل املكشوف عن «اململكة الجديدة» ( ايا كانت معاين هذه العبارات) ،وقد جرى اعدامهم عىل الصلبان». وهذا يدل عىل انتشار العقيدة املسيحية (االميان باملسيح املخلص) يف صفوف عبيد روما الذين كانوا من جنسيات مختلفة بالرغم من التعذيب واالعدامات التي كانوا يتعرضون لها. ماذا ميكننا ان نستنتج من الرواية املسيحية حول مجزرة اطفال بيت لحم لدى والدة يسوع الطفل؟: ـ1ـ ان املسيحية (االميان مبجيء املسيح ـ املخلص) كانت تنترش يف فلسطني وسوريا ومرص والعراق وحتى فارس ،كام يف صفوف عبيد روما من مختلف القوميات وخاصة االغريق والسالفيني واالحباش والشامل افريقيني ،وذلك قبل والدة املسيح ذاته .وهذا االنتشار للعقيدة املسيحية ،قبل ميالد املسيح ،كان يشمل قسام من اليهود، ولكنه كان اوسع بكثري من اليهودية ،وكان سابقا عليها؛ وقد منت اليهودية ،كظاهرة شوفينية طفيلية ضيقة تخص العربانيني فقط، داخل االطار املسيحي «العريب» واالممي الواسع. ـ2ـ انه مع انتشار الدعوة املسيحية كانت تنترش اللغة والثقافة واملناقبية االرامية (وهي املناقبية التي جعلت هنيبعل العظيم ميتنع عن اقتحام وتدمري وسلب ونهب واعامل السيف يف رقاب سكان روما
العدد 70
أيلول 2012
فكر كانوا طوال الزمن الذي عاش يسوع بينهم كارهني له ومقاومني لدعوته وساعني اىل قتله كام تقول االناجيل ال يزال بعض ممثيل الكنيسة املسيحية يستخدمون تعابري جملوية ( )phraseologyيهودية للتعريف مبيالد املسيح «الفلسفة الصوفية اليهودية» هي العدو االكرب للمسيحيني االوائل من املحتم ظهور الديانة املسيحية الرشقية لتأطري النضال الشعبي «العريب» واالممي ضد االمرباطورية الوحشية والظالمية الرومانية
معدومة الدفاع بعد ان سحق هنيبعل الجيش الروماين يف معركة كاناي يف 216ق.م.). ـ3ـ ان قرار هريودوس بقتل جميع االطفال دون متييز ،وموافقة القادة اليهود عىل ذلك ،يعني ان غالبية الشعب يف بيت لحم (واستطرادا يف املحيط كله) ،سواء كانوا يهودا او غري يهود ،كانوا من املؤمنني مبجيء املسيح ـ املخلص ،بحيث ان هريودوس والقادة اليهود كانوا يعتربون «هذا الشعب» بأغلبيته الساحقة «مسيحيا» وعدوا لهم. ـ4ـ مع انتشار املسيحية يف صفوف اليهود ،ظهرت الفلسفة الدينية الصوفية اليهودية كأداة يف يد الطغمة العليا اليهودية لتربير استمرار «الخصوصية» و»النخبوية اليهودية» .فكانت هذه «الفلسفة الصوفية اليهودية» العدو االكرب للمسيحيني االوائل .وقد رفض اليهود املسيح منذ والدته وطفولته وتآمروا لقتله ،اي ان النزاع املسيحي
ـ اليهودي كان موجودا ليس بعد بدء رسالة املسيح واختالفه مع اليهود ،بل ان االختالف كان موجودا حتى قبل ان يولد املسيح ،وهم رفضوه وتآمروا لقتله منذ والدته بالذات ،النهم مل يكونوا يريدونه، بل كانوا يريدون والدة ملك يف بيت ملويك ،اي انهم كانوا يربطون عقيدتهم االستغاللية ـ الوحشية فقط بالسلطة والتسلط .يف حني ان املسيحيني كانوا مهيأين ،عقائديا وثقافيا ونفسيا ،لقبول املسيح ابن الشعب (الذي تسميه العقيدة الدينية املسيحية «ابن االنسان») الذي سيخلصهم من الظلم واالستبداد واالستغالل ،وذلك قبل والدة املسيح ذاته. ـ5ـ بالتجرد عن الجانب الديني الالهويت البحت ،وبالنظر اىل والدة وظهور املسيح من الزاوية االجتامعية ـ االنسانية ،الواقعية والرمزية معا ،وبالنظر اىل االنتشار الواسع للمسيحية (االميان مبجيء املسيح ـ املخلص) قبل والدة السيد املسيح ،ميكن القول ان الظروف
املوضوعية لظهور املسيح كانت قد اكتملت ،بفعل التناقض الشديد بني االمرباطورية الرومانية واعوانها اليهود ،وبني جامهري الشعوب املسحوقة يف االمرباطورية .ولو ان «هذا» الطفل يسوع كان قد قتل مع اطفال بيت لحم ،لكان من املحتم ان يعود املسيح للظهور عرب «والدة» اخرى ،ولكان من املحتم ظهور الديانة املسيحية الرشقية لتأطري النضال الشعبي «العريب» واالممي ضد االمرباطورية الوحشية والظالمية الرومانية وغريها من امرباطوريات وظالميات ذلك الزمان وكل زمان. ـ6ـ لقد استطاع هريودوس ويهوده القضاء عىل بضعة آالف طفل «مسيحي» يف بيت لحم .وفيام بعد استطاعت روما واليهود قطع رأس يوحنا املعمدان وصلب املسيح الشاب وقتل الكثري من تالمذته القديسني وجامهري واسعة من املؤمنني املسيحيني .واستطاع الحكام اليهود يف اليمن ،بدعم من روما ،ابادة املسيحيني يف اليمن واحراقهم احياء (اصحاب االخ��دود) .واستطاع الرومان البيزنطيون القتل الجامعي للرهبان واملسيحيني (املوارنة) يف اواسط سوريا واجبارهم عىل الفرار اىل جبال لبنان الوعرة .ولكن كل هذه املجازر وغريها مل متنع انتشار املسيحية الحقيقية الرشقية ،وظهور االسالم الحقيقي املكمل لها ،وسقوط االمرباطوريات والظالميات املستبدة والظاملة. ـ7ـ لقد تعرض اليهود اىل االضطهاد عىل يد النازية .واستغلت ارسائيل والصهيونية هذا االضطهاد افظع استغالل من اجل تربير احتالل فلسطني وصلب الشعب الفلسطيني .واصبحت صناعة املتاجرة بالهولوكوست افظع تجارة الرسائيل .وبالتأكيد يجب فضح االهداف الصهيونية من هذه املتاجرة .ولكن هذا ال يعني نكران الهولوكوست ،الن الذين قتلتهم النازية هم اما يهود شيوعيون او اشرتاكيون او ناس عاديون ذنبهم الوحيد انهم ولدوا يهودا .ولكن الهولوكوست التي وقعت ضد اليهود تعرب عن معاداة فئة واحدة من الناس هي اليهود .ودون اي تقليل من اهمية وخطورة هذه الجرمية ضد االنسانية نقول ان قتل اطفال بيت لحم هي جرمية افظع من الهولوكوست ،النها كانت موجهة ضد كل سكان بيت لحم ،سواء كانوا «مسيحيني» يهودا او اراميني او غريهم ،او حتى غري «مسيحيني»؛ اي انها كانت موجهة ضد كل من هو غري روماين وغري يهودي ،اي انها جرمية ضد االنسانية جمعاء وليس ضد فئة بعينها. ـ8ـ ان انتشار الكاثوليكية يف الرشق ،ويف البلدان الفقرية واملظلومة «الرشقية الطابع» وان كانت «غربية املوقع» كبلدان امريكا الالتينية، وانتشارها يف صفوف الجامهري الفقرية يف اوروبا وامريكا ،يدفع الفاتيكان، ومن اجل االحتفاظ بجامهريه ،للتخيل اكرث فأكرث عن تقاليده كوريث المرباطورية الرش الرومانية القدمية ،وللتقرب اكرث فأكرث من الشعوب الرشقية واملستعمرة واملظلومة ،وبالتايل التقرب اكرث من املسيحية الرشقية واملسيحيني الرشقيني .ولكن الفاتيكان ال يزال اىل اليوم يدفع رضيبة معنوية واخالقية ودينية كبرية لكونه وريث االمرباطورية الرومانية .ويبدو ذلك بشكل صارخ يف ان الفاتيكان ال يزال اىل اليوم يرتدد يف فتح السجالت السوداء لروما ولليهودية ،ومنها باالخص صلب السيد املسيح ومجزرة اطفال بيت لحم. ـ8ـ واليوم فإن من يتنطح للقضاء عىل املسيحية الرشقية واملسيحيني الرشقيني ،من امريكا اىل االطليس اىل ارسائيل اىل الظالميني «االسالمويني» املزيفني ،سيكون مصريهم كمصري روما ،اي هم الذين سيقىض عليهم .الن قضية املسيحية الرشقية وااملسيحيني الرشقيني ليست قضيتهم وحدهم ،بل هي قضية جميع الشعوب العربية واالسالمية والرشقية املظلومة وجميع الرشفاء يف العامل. *كاتب لبناين مستقل
7
8
العدد 70
منا�سبة
أيلول 2012
أيحتاج الفكر النري إىل مقصلة تحميه؟
ملناسبة اللقاء السنوي الخامس مع سعاده ،الذي أقيم يف ضهور الشوير القى الدكتور سليم مجاعص محارضة قيمة بعنوان « أنطون سعاده الحقيقة ورجل الحق» تنفرد تحوالت بنرش اهم ما جاء فيها :
نحن هنا ،يف هذا املكانِ املبارك ،عىل جبلِ سعاده ،فصريورتنا املساواة ،وإن إنتفت املساوا ُة من أماكن كثرية من الوطنِ املهشم. كلنا سوريون يف عينه ويف قلبه ،فهل نفرق بني ما جمعت ُه محبتُه؟ صديق صنني وجبل الشيخ، حديثي إليكم عن رجلِ الحق، ُ وجبل الكرمل وجبل إنطاكية! اإلعدام اللئيمِ أن يكتب محر ُر جريدة اإلخاء األرجنتينية غداة ِ ترتاح أللف سنة حتى تلد شبي َه عىل ِ أرحام النسا ِء يف سورية أن َ أنطون سعاده! لكني أُصارحكم إين سعيد أن أرحا َم نسا ِء سورية مل تسرتح ألن يف ذلك فنا ُء األمة ،وبني شبي ٍه لسعاده وحيا ُة األمة نختا ُر حيا َة األمة! إنجاب سعاده ألن عطا َء وأرحا ُم نسا ِء سورية مل تسرتح قبل ِ األمة السورية ال يبدأ بسعاده وال ينتهي ب ِه ،ومن يدعي غري ذلك مل يفهم كيف إختار سعاده أن يحيا ألجل سورية وأن ميوت يف سبيلها. يقول الكاتب :يجب عىل أرحام نساء سورية أن ترتاح أللف سنة! هذا كال ُم ذل من رجلٍ ذليلٍ ال يعرف حقيق َة رجل الحق. إن يف هذه األمة عادة مستعصية ،كل عرزال مدرسة فكر تكلل َ التالل فهي أنج ُع ازيل ُ وطود نبوغ! أرسعوا وإبتنوا لكم عر َ من جامعات املستعمرين! أتحتاج األرحا ُم أن ترتاح وقد أنجبت مباركة مثل جولييت ُ املري؟! يف رحلتي مع الرجل العظيم مررت بوديان وقمم .فلنبدأ من الوديان ألنه جميل أن ننتهي عند القمم! يف هذه السنني الطوال ،درست كل ما توفر يل من الكتابات عنه يف الكتب والدوريات. كتاباتنا عنه منها الغث ومنها السمني ،منها املتحرك ومنها البدين ،البسيط والغليظ ،والسخيف واملخيف. فلو أخذنا هذه الكتابات ،كتاباتنا جميعا ،وأزلنا عنها رواسب بديهيات الزمان واملكان ،وأخبار العشرية واألعامم ،واملدرسة األوىل والصديقة األوىل والوظيفة األوىل ،وأزلنا املواعظ والحكم املنقولة ودروس الحياة املستقاة ،يبقى سؤال أليم :رافقنا ،أو رافق بعضنا، هذا الرجل الكبري لساعة ،ليوم ،ألسبوع ،لشهر ،لسنة ،لعقد من السنني ،وهذا كل ما إستطعنا أن نرتك مرياثا لجيل التاسع من متوز؟ نعملق األمر العادي البديهي فعندما نصل إىل العمل الفريد الفذ تكون التكبريات قد إستنفذت أبعادها وصغرت وذبلت: حمل أخته إىل الطبيب ،يقولون ،أي أخ برعمت يف قلبه طيبة النفس السورية ال يفعل ذلك ويا عيبه إن مل يفعل! أنزل العلم العثامين بعد إنسحاب جيش بني عثامن ،يقولون. كم من هذه األعالم نزع يف الثغور واملدائن! بدأ يعمل لإلرتزاق يف السادسة عرش من عمره ،يقولون .وأين
العجب وذلك شأن غالبية أترابه وبنات خاله. بدأ العمل كمراقب يف رشكة خطوط حديدية ،يقولون، «معرضا نفسه لتقلبات الطقس والربد القارس وصعوبات الخدمة ونظامها القايس الشديد» .لكن عمل املراقبة يا رفيقي عمل شبه مكتبي وسعاده بلغ بلدة خاله يف منتصف الربيع وغادرها مع نهاية الخريف .فأين الربد القارس .وهل نظام الحضور يف الوقت املعني إىل العمل نظام قاس وشديد! أمام هذه األمثلة علينا أن نسأل :إن أذهلتنا البديهيات فام نوعية مقاييسنا وتجارب حياتنا ومؤهالتنا الشخصية؟ أبهذه البديهيات نقدم رجل الحق إىل األمة .أال نخىش أن يذكرنا أحد بشاعر أمري حلب: وتعظم يف عني الصغري صغارها... أال نستحي ويستحون! يقول لنا واحد أنه ولد يف غياب والده يف مرص فقام جده بتسميته عىل نفسه! ولد أنطون الحفيد يف آذار ،وتويف أنطون الجد يف كانون األول من السنة السابقة ،فكيف أىت األمر العجيب! لقد جرى الدكتور سعاده عىل عادة تسمية أوالده بأسامء غربية :أرنست ،آرثر وما شابه .وقد شذ عن هذه القاعدة مرتني ويف الحالتني بعد وفاة قريب حبيب .املرة األوىل وفاة الجد أعطت الحفيد إسمه .املرة الثانية حني تويف أخ الدكتور سعاده سليم ،فكان أن سمى الدكتور إبنه عىل إسم األخ الراحل وأهدى كتابه حول السل الرئوي لذلك األخ وكلل الكتاب برسم األخ ذاك .وبعد ذلك عاد الدكتور سعاده إىل نهج التسمية األجنبية مع إدوراد وغريس. ويقول لنا واحد أنه بدأ العمل كمراقب يف سكة الحديد يوم األول من آذار ،لكن سعاده مل يصل إىل الواليات املتحدة حتى نيسان فكيف يقايس نظام العمل الشديد قبل أن يركب الباخرة التي سوف تقله إىل بالد تلك الرشكة! ونحاول سبك إستثناءات طفيفة يف وهم التعظيم. مل يدعي سعاده يوما أن ما عاناه من ويل الحرب العاملية األوىل أمر إنفرد به عن أقرانه .قال ما الذي جلب عىل شعبي هذا الويل ،ليس ما جلبه عيل .فعندما دفعه الفقر والجوع إىل مخيم برمانا صحب باإلضافة إىل أخوته مثانني طفال من الشوير منهم طفلتني من عائلتي .فمعاناته معاناة مشرتكة ،لكن فرادته هي يف ما قادته تلك املعاناة إىل إبتكاره إلنقاذ األمة. وال عالقة لذلك املخيم اإلنقاذي مبدرسة الفرندز كام يدعون. هو مخيم أقامه دكتور إنكليزي مبعاونة الصليب األحمر األمرييك. ويدعي أحدنا أن سعاده تابع يف سجنه الربازييل الكتابة لصحيفة سورية الجديدة األسبوعية ،ويعني لنا الكاتب بالتحديد الواثق واإلعالن الرصيح الصارم تلك املقاالت الجليالت وينحو بالالمئة عىل رفقاء أهملوا إدراجها يف مجموعات أعامل سعاده. ونحن الجائعون إىل فكر املعلم ،أال يجب أن نفرح ونهلل ونعلن رفيقنا بطالً للفكر والكشف! مهالً أيها الفرح! كان سعاده يف الربازيل قيد توقيف شبه عريف ،يف سجن إنفرادي ،عىل أساس مرسوم جمهوري لقمع أعامل الدعاوة للدول األجنبية ،وقد منعت عنه الزيارات حتى من ممثيل نقابة الصحافة الربازيلية أو املحامني ،ومنعت عنه حتى أبسط حاجات السجني من وقت يف الهواء الطلق والعناية الطبية .لكنه وفق رفيقنا أرسل مقاالت جليالت إىل الصحيفة التي أسسها قبل بضعة أسابيع والتي ال تشري ال من قريب وال من بعيد إىل اإلعتقال خشية مالحقة السلطة الربازيلية؟
لكن ما قولكم إن وجدنا يف رسائل سعاده كالماً عن تلك املقاالت الجليالت يعلنها منوذجاً لإلنحراف الفكري الذي ظهر يف الصحيفة خالل أرسه؟ أبهذا اإلستخفاف نعني مكنونات الفكر السعادي؟ أم أن نشوة اإلكتشاف املنفرد املظفر تربر اإلعالن املستبد؟ فإن كان هذا شأننا ،شأن من نسبوا أنفسهم إليه فامذا ننتظر من معارضيه؟ يقول خريجو مدرسة الكسل الفكري أن سعاده إستقى فكرة القومية السورية من كتابات األب المنس اليسوعي وخصيصا كتاب هذا األخري املوسوم خالصة تاريخ سورية! لننظر قليال يف هذا السخف الباهر :كان كتاب المنس الصادر يف أوائل العرشينات ،ملخص محارضات ألقاها األب اليسوعي عىل طاقم اإلنتداب الفرنسيني بطلب من الجرنال غورو وبتوجيه من سياسته .أي أن كتاب المنس يشكل إحدى وجهات الدعاية السياسية اإلستعامرية الفرنسية املتلونة املؤيدة حينا للوحدة السورية ،إن قاد ذلك إىل توسيع إطار إنتدابها عىل حساب بريطانيا ،واملؤيدة حينا آخر للتقسيامت اإلدارية الدينية واإلتنية متى كان ذلك يثبت أركان نفوذها. ففي نسبة إتجاه سعاده نحو القومية السورية إىل تأثري األب اليسوعي لؤم فكري معيب ودساس. فلننظر يف الحقيقة التاريخية :سعاده الفتى يف فرتة صدور كتاب المنس نزيل الربازيل ،يتدرب يف فكره القومي عىل يدي والده الدكتور خليل ،املناهض األقىص يف املهجر لإلحتالل الفرنيس لسورية ،املرسل صواعقه السياسية بإتجاه اإلنتداب وأصحابه، امللقب الجرنال غورو بغورو باشا الغازي ،عىل طراز العثامنيني الفاتحني ،الواصف الفرنسيني بأتراك أوروبا موازاة يف الغشم القاهر
فرادة سعادة هي يف ما قادته معاناته إىل إبتكار إلنقاذ األمة. كل مقال عن سعادة هو حجاب يلقى عىل حقيقته وساتر يرتفع دون نوره ألتراك آسيا .اإلبن املتدرب عىل يدي هكذا أب ،أيحتاج أن يستمد الفكرة السورية من بوق الدعاية اإلستعامرية الفرنسية!؟ لكن تعالوا ننظر كيف إستبد القوميون بزعيمهم مثل واحد يكفي: «ال يجوز للزعيم أن يتزوج» ،قالوا عندما أعلن خطبته إىل جولييت املري« ،عليه أن يقف نفسه لسورية ،فهو إن تزوج أصبح رجالً عاديا ال يصلح للقيادة!» هل سمعتم بأعتداء عىل أبسط الحقوق اإلنسانية أشنع من هذا الكالم وهذا املوقف؟ نعم ،كان الرجل مستبدا ً ألنه يبدو يل أنه يف بعض األحيان إنفرد
العدد 70
أيلول 2012
منا�سبة
سليم مجاعص محارضاً
وحيدا ً يصون املبادئ الرشيفة التي تكرم الحياة. نعم ،كان مستبدا ً ألنه أىب عىل نرس الزعامة السري يف الوحول أو معارشة الزرازير. أهو املستبد أم نحن؟ طفيليات فكرية ،وكسل منهجي ،وقصص املوقد والفانوس هي بعض من إستبدادنا به. عجب كثريون من معلومات أدرجتها يف املجلدين األولني من سرية سعاده لدرجة عدم التصديق واإلمتعاض .من أين أىت هذا الكاتب بهذه األخبار ليتحدى بها ما إرتحنا إليه من تصوراتنا عن سعاده ووالده؟ كيف تختفي فجأة عدة كتب من نسبها إىل الدكتور سعاده وأين القصص األليفة عن فتوة سعاده اإلبن؟ السؤال األم ُّر هو ملاذا مل تختفي من قبل؟ وأسأل نفيس :هذه الحيثيات كانت دوما متوفرة فلامذا مل ينظمها قبل اليوم أحد؟ املكتبات والسجالت واملراسالت واملرويات يف مستطاع الجميع ومتر ستون سنة وال من عمل رصني؟ قلت يف مستطاع الجميع مع إستثناء ما حجب عن الناس وعني لخشية سوء إستعامل أو لغرية فائقة أو أنانية دفينة. لكن الرجل الكبري فرض حقيقته عىل هذا الوجود! فام رس ثباته؟ ما رس هذا التالزم الواثق املحكم بني عنارص فكره؟ إنه يف طأمنينته الفلسفية أنه عرف الحق والحقيقة. إنه يف طأمنينته الفلسفية الناتجة عن تأمله الطويل ودرسه العميم ورصاعه الحثيث. إنه يف الصفاء الفلسفي الذي مييز فكره. هذه الطأمنينة الفلسفية والصفاء الفكري اللذين يتمثالن يف املواقف املبدئية الجلية حول شؤون األمة والوطن ،وحول شؤون حياة األمة ونهضتها. لننظر يف بعض األمثلة. إىل الجنوب من هنا يف الثغر ،يف بريوت ،يتحاورون حول الحق النسوي ،الحق بالعمل ،الحق باإلرث ،الحق بالهوية ،الحق بالكرامة وبرفع العدوان الذكوري ضمن العائلة وخارجها. نحن نسأل :هل يتساوى حق سناء يف الشهادة مع حق وجدي؟ فإذا كان الجواب نعم ،فلامذا ال يتساويان يف كل الحقوق ،يف حق اإلرث وحق العمل وحق الهوية وحق الحرية وحق العدل؟ أنساويهام يف الحق األقىص وال نساويهام يف املا دون؟ فال يعجب الباحثون إن مل يجدوا يف تراث سعاده كالما عن حق املرأة فليس يف تراثه كالم عن حق الرجل كرجل. هو يقول بحقوق السوريني بالجمع ،وما جمع املذكر إال صيغة لغوية ولو وىف جمع املؤنث باملعنى والتقليد لقال به! إىل الجنوب من هنا ،يف الثغر ،يف بريوت ،يتشامتون حول حق املرشدين الفلسطينيني يف العيش الرشيف ويف الحقوق اإلنسانية البديهية األساسية من الكرامة الشخصية وحق العمل وحق الحامية القانونية .ويثريون مسألة «التوطني» لكأنها غول مخيف يبتلع األطفال واألرزاق .ويتحججون ،يا لحميتهم املخلصة ،أن يف التوطني يف سفح هذا الجبل خسارة للحق يف العودة! لقد حموا هذا الحق، يا إلخالصهم ،ألكرث من ستني عاما فلم يفد يف العودة لكنه أفاد يف إستمرارية البؤس واللوعة. الصفاء الفلسفي والطأمنينة إىل الحقيقة الفلسفية تتمثالن يف وضوح الحكمة وشعشعان العقل النافذ: إىل الرشق من هنا يتباحثون يف الحريات واإلصالح! لتخرج كل األفكار والعقائد إىل ساحة النور لتعرف منها الحرباء
من الطري املغرد، لتخرج إىل ساحة النور من أسودها إىل أبهاها ،من أرذلها إىل أسامها، أيحتاج الفكر النري إىل مقصلة تحميه؟ أيخاف أبناء النور من الفضاء الفسيح؟ أمل يعلمنا أن الدولة هي جمعية الشعب الكربى وأن للمواطن الحق يف إبداء الرأي يف مصري جمعيته الكربى ومن مينعه من هذا الحق يتمرد عىل سيادته؟ وإذا كانت الدولة جمعية الشعب الكربى فاألحرى بالشعب أن ال يدمر جمعيته ويعي مسؤوليته عن خريه الذايت ودم قومه! الدولة هي جمعية الشعب الكربى ،لكنها ليست جمعية املرتزقة! إن إستفحال رش املذهبية الدينية ال يقاوم باإلخرتاعات الالهوتية أو الكالم املعسول واملغسول عن التعايش – الذئاب والضباع تتعايش إىل حني! جميل أن تتناغم املآذن والنواقيس يف أحالم لطاف األدباء. لكن املصري القومي يحتاج إىل درع مبادئ حصينة ،مبادئ إصالحية ثالثة عربت عن رؤية تامة متكاملة ملكان الدين واملذاهب يف الهيئة اإلجتامعية .أنتساهل بها إن نطق رجل دين خريا ً يف السياسة؟ وماذا نفعل إن نطق آخر رشا ً؟ والطأمنينة الفلسفية تنتج شجاعة يف الوقت العصيب وهدوء أعصاب وثبات قيادة يف زمن الزعازع ،فهي ال تنحرص يف الفكر بل تشمل املامرسة. العمل التأسييس عرب إنتزاع نخبة قيادية – أو هكذا ظ َّن – من براثن اإلتجاهات العدمية. مل يقف يف جمع من عشريته أو طائفته ويقول األمر يل! بل وقف يف عرين الرجعيات واإلستعامريني وقال هؤالء رفقايئ فإرفعوا أيديكم عن الشباب السوري فهو يل ولسورية! إن ب��روز ف��رادة سعاده القيادية عملية تاريخية باهرة يف معانيها ودروسها ويف تحدياتها وإنتصاراتها وإنكساراتها ،فلنتحاش
اإلسقاطات الدينية والوحي املكتمل من لوح مسطور – إن عملية الصقل القيادي واملعريف والفكري للحركة القومية مل تتوقف يف حياة سعاده ألنه من حق سورية عليه وعلينا أن يكون لها دامئا أفضل ما نستطيع! لكن يف دربنا مع هذه الطأمنينة الفلسفية والصفاء الفكري تحديات لعل أكرثها صعوبة عبارة «كلنا مسلمون» التي تحريين! يقول «ليس لنا من عدو يقاتلنا يف حقنا وديننا ووطننا إال اليهود». يف حقنا فهمنا ،يف وطننا سلمنا ،لكن يف ديننا؟ أي دين هذا؟ أيتحدث هنا عن دين القومية الجامعة من قوله يف الكورة يف الثالثينات أن هذه األرض عرفت أديانا هابطة من السامء إىل األرض أما اليوم فتشهد دينا جديدا صاعدا من األرض إىل السامء .فإن كان كذلك زال العجب. لكن هذا الحل الطبيعي ال يريض النظر النقدي .ألنه يف كالم الحق يعلن أن اإلسالم قد جمعنا وأيد كوننا أمة واحدة فمنا من أسلم بالقرآن ومنا من أسلم باإلنجيل ومنا من أسلم بالحكمة! ترى ماذا حل بالذين أسلموا بالتوراة إذا أردنا أن نتبع النص القرآين ،وما هو مكان املالحدة من السوريني فهل ينتفي إنتامؤهم إىل األمة التي جمعها اإلسالم؟ وكيف نوازن هذا الكالم مع معنى األمة وصفتها والدقة الباهرة التي بها حددها يف نشوء األمم؟ ولكأن هذه التحديات ال تكفي حتى يقوم رفيق لنا يدعونا أىل تنكب مسؤولية التوسع الالهويت يف هذه الوحدانية اإلسالمية! ونسأل هذا الرفيق ماذا حل بفصل الدين عن الدولة إذا تنكبنا هذه املهمة الالهوتية؟ أن فصل الدين عن الدولة هو أيضا فصل للدولة عن الدين. وقد يقول أحدهم أن هناك ثوابت لؤم تاريخي يف ذلك الشعب متأل صفحات كتبه الدينية وأن يف تلك الكتب دروساً جليلة. أنحتاج أن نعود إىل كتاب الزبور وأمامنا دير ياسني وقانا وغزة؟! أليس الد ُم املسفوك أقوى حج ًة من الح ِرب املهرتئ! يريد اليهود القدس عاصمة أبدية لدولتهم! ويقوم بيننا من يزايد عليهم مدعيا أحقية دينية مخالفة ،وتتيه مسألة الحق القومي بني األحقيات الدينية وتداخالت األوقاف ،ومن له مرقد قس أو شيخ أو حاخام. يريد اليهود القدس ،ونحن نريد حيفا ويافا وعكا وعسقالن، نريد النارصة وتالل الجليل وبيسان ،والقدس أيضا وبيت لحم! ليس لداللة دينية بل إلنتسابها إىل الوطن .نحن ال نفاضل دينيا بني مدننا وبقاعنا ،كلها يف املنظار القومي واحد .أمل تغن فريوز لبيسان مثلام غنت للقدس! ال أخفيكم أن بعضنا يشعر بغربة فكرية وأدبية عندما ننظر إىل املكتبة الحزبية يف كتبها ودورياتها ونجد إحتفاال بأمري إرسالين وتقريظا لشعر قروي .نستفقد لغة ربينا عليها ومفاهيم شببنا نلهج بها! أجل ،أنا من املؤمنني بسنة النشوء واإلرتقاء فال تخشو ترددا يف قبول األفضل واألجود. أجل ،أنا من املؤمنني بسنة النشوء واإلرتقاء لكني أستفقدها ألهتف لها! واجبنا نحو رجل الحق هو الحقيقة ،بجدية ،مبسؤولية ،بإحرتام وتقدير. إفتحوا قلوبَكُم لرج ِل الحقِ لِتَحيا به ولِ َيحيا بها سعاده. َسلِ َمت قلوبُكُم فَبِها تحيا سوريا. وبتحية سورية تنتهي كلمتي فلنتحاور قليال.
9
10
العدد 70
حما�رضة
أيلول 2012
د .سمري سليامن عن كتاب «إيران واملرشق العريب»:
لقراءة معقلنة يف االسرتاتيجيا
ُفجع الوسط الثقايف بوفاة عضو الهيئة االستشارية يف املركز االستشاري للدراسات والتوثيق املفكّر اإلسالمي الدكتور سمري سليامن سليامن الذي نال شهادة الدكتوراة يف مادة علم االجتامع الثقايف من جامعة السوربون ،أرشف عىل اعداد الكثري من أطروحات املاجستري والدكتوراة التي متحورت حول موضوع الحضارات ،كام انضم إىل هيئة التعليم يف عدد من كليات الجامعة اللبنانية ويف كلية بريوت الجامعية ( )BUCوالجامعة اإلسالمية .كام قام مؤخراً بإصدار مجلة Le Débatالتي تركز عىل التقريب بني األديان واملذاهب والثقافات. هذا وله العديد من الكتب واملقاالت التي تناقش العديد من املسائل الحضارية واالجتامعية والسياسية وغريها«.تحوالت» وإذ تتقدم بالتعازي من عائلة الفقيد وأصدقائه تنرش مداخلة قيمة قدمها الفقيد خالل توقيع كتاب « إيران واملرشق العريب ،مواجهة أم تعاون؟ « لألستاذ رسكيس ابو زيد: لعل أمتع ما يف قراءة كتاب رصني ،عدا التزخيم املعريف الذي تُحدثه إضاف ًة ،أو تذكريا ً ،أو انشدادا ً اىل فضائه ،أو انسيابه فيه ،
سليامن و إىل جانبه الهيئة االستشارية يف املركز االستشاري للدراسات
هو استثارتها – تلك القراءة -للذهن واألسئلة من جهة واستدراج سجال صامت مع فكرة خطرت هنا وهناك يف تضاعيف الكتاب ،
أو مع رأي أو موقف سنح ،استقام عندك أ ْم مل يستقم.. تذاهن متعب هو أحياناً ،إال أنه – عىل صمته – حفر من غري ضجيج مستبعث فيك حراكاً وأخيلة هي نظر اإلرتقاء اىل لحظة حالة وجدانية هي يف الشعر أطرب وأقرب ،حتى ولو من غري انتشاء اإلنفعال ..إنه الوصل ..لكنه وصل من منط مختلف . ويف األمر ،من بعد أيها األعزاء ،مفارقة :إذ يتحول الكالم أو الكتابة عن هذه القراءة عن الكتاب اىل مستوى آخر تتقدم فيه العقلنة عىل حميمية الذاتني :ذاتك والكتاب ..وكل عقلنة عىل جامل ،لكنه جامل القسوة . مسني إبان قراءة هذا الكتاب ذاك االتصال / أقول هذا وقد ّ الوصل املعريف ،وتلك الحجاجية يف اإليديولوجيا وفلسفة التاريخ وفهم السياسات واالسرتاتيجيات ،كام يف احتامالت ائتالف الرؤى واملواقف حينام تنادت واستجابت .غري أنني ،أمامكم والدور ، مدفوع مبا يتجاوز التطوع ،لإلنتقال اىل املستوى الثاين النايئ اىل قراءة معقلنة مرتجاة للكتاب ...ولكن أي قراءة ،يا أخي رسكيس – وال أخفيك – ليس فيها من الذات قبس إذ تبعث بني القارئ واملقروء دفئاً ما ..وهو عندي بجرعة زائدة .جعلتني أُصادق كتابك /فكرك ،حتى أحببتك اىل درجة شكرك من املهجة عىل ما أص ِدقَكُم أيها األصدقاء، َ بذلت .وحتى أُ ْصدقك و أُص ّدقك ،وليك ْ أقول : هذا كتاب إضافة يف موضوعه ومنهجه وتوقيت صدوره ،ويف مقاصده : أوالً –يف املوضوع :فعىل كرثة املقاالت واملؤمترات والندوات واللقاءات التلفزيونية التي انعقدت عندنا وعند غرينا حول عالئقية إيران بالعرب ،فإن النوع فيها واملوضوعي النادرين لبثا متواريني خلف (أو تحت) اللحظة الحديثة أو اإلستهالك اإلعالمي الذي غالباً ما نجده تائهاً بني ذرائعية االستقطاب العصبوي أو ال ُعصايب – ال فرق ( -وهو يف الذروة هذه األيام) والضخ التعبوي املحرتف والتسخري السيايس من جهة ،وبني بالدة التكرار الذي يُسطَّح الوعي وال يصنعه ،عىل طريقة ما يذهب إليه بعض املنظرين لحرب الكلمة ،أو الصورة الناعمتني. بعض الفوائد ،إ ْن رصدت يف بعض املؤمترات يف املوضوع ،رسعان ما تصبح تاريخاً ،أو تبتلع أكرث مفاعيلها التحوالت والتطورات املتسارعة ،حتى تح ّولها اىل أرشيف مبادة معرفية قابلة للنقاش .أما الكتب التي أُلفت يف تلك العالئقية فهي من الندرة بحيث ال يعاتب فيها حاسب ،ناهيكم بالنوعي منها خاصة... ها هنا تبدأ اإلضافة يف كتاب رسكيس أيب زيد «إيران واملرشق العريب ،مواجهة أم تعاون؟» ،تبدأ بالتشكّل موصولة مبقاصد صاحبة يف التعريف بتاريخ العالقات اإليرانية – العربية ،وبحقائقها وامل��آالت من موقع العارف ،املتابع ،واملستقرئ االسرتاتيجي والباحث الحذر الذي لشدة تعلقه بتظهري تلك الحقائق ،ال يتواىن عن زرع مفاعيلها باالحتامالت الذكية عىل طريقة األكادميي الناظر اىل كل جهات بحثه ،واألركيولوجي الذي يحفر تحت الصفائح املعرفية والسياسات و اإلسرتاتيجيات املتالطمة ليكتشف ويكشف ما خفي من أرسارها ،ويُفكك رموز ما استعىص من شيفرتها . واألهم عندي يف مقاصد املؤلف ،ما ال يجهر به كل كاتب عادة وإمنا للقارئ الدور يف تقصيه واستخالصه ،وهو منظومة القيم
العدد 70
أيلول 2012
حما�رضة
11
الراحل سليامن
الناص يف القول والخطاب والرؤية واملوقف ، التي ينضبط فيها ُّ ويف إدارة الندوات املوصولة اىل الحقائق الصحيحة .ولعل هذه القيميّة وتقلّدها هام أصعب وأخطر ما يف الدور العامل أو الناقل املعريف ،أنىّ تكمن أداة تعبريه :مسموعة ،أو مقروءة ،أو مرئية . فالدنيا مألى بجفاء القول والضالالت ومبغاسل العقول .ومبعميات االبصار ،وهي يف جوهرها وأصل وظيفتها ليست سوى معميات القلوب أو العقول ،تبعاً ملا يلفت إليه قوله تعاىل { :فإنها ال تعمى االبصار ،ولكن تعمى القلوب التي يف الصدور}(سورة الحج اآلية . )46 :ولعل أخصب حقول»العمى» هذه األيام ،حقل إيران والعرب ،بل حقل «إيران والعامل» كام تُكابر يف إظهاره عىل هذا النحو إيديولوجيات بث الكراهية ومثريات الفنت الدولية واملحلية واإلقليمية الناشطة عىل قدم وساق ،وبالوسائل كافة هذه األيام ، بل عىل مدى األيام .معتنقاً قيم العقالنية ،وقول الحق واالنصاف املتوازن فيام يرتجيه من املرشق العريب و إيران و استقرار املنطقة بأرسها والعامل وسوية العالقات فيها ،شهدت رسكيس أبو زيد يف كتابه ،وهو ال ّ ينفك يكرر يف تضاعيف الكتاب دعوته لتكون «مقاومة مشاريع الهيمنة الخارجية وتحديات النهضة من الداخل وتفعيل القيم واملثل الحضارية لكل أمة ،هي القاسم املشرتك للتعاون والتساند بني األمم املتجاورة املتقاربة ،من أجل بناء واقع جيوسيايس جديد ،منوذجاً لحضارة إنسانية أكرث عدالة وأقدر عىل بناء إنسانية جديدة تجمعها مثل الحق والخري والجامل وسعادة يستكن عاقلة اإلنسان «(ص . )10وهذه أخالقية داعية إنساين ْ باحث علمي ال يرى بعني حسرية شوفينية أو أنانية أو قطرية أو قومية ،وإمنا يرى بعني املتبرص يف شؤون العامل وسالمه .وليس هذا وعي منه بحقيقة جنوحاً اىل مثالية قد يتوهمها البعض ،و إمنا هو ٌ أمست مسلّمة قوامها أن رشر الرش الصادع من أي بقعة يف العامل اليوم ،ال منجاة ألحد من امتداد حريقه اىل باقي البقاع واألصقاع. اىل إضافة املوضوع والقيم يف الكتاب ،مثة إضافة توقيت الصدور عشية انفجار الحراك الشعبي العريب وتدافع حجراته واحدا ً إثر واحد .وما محاوالت االستيالء عليه والعبث بوجهته إال وتصب يف املزيد من التخريب يف العالئقية العربية – اإليرانية ،
ما ينذر باألدهى من العواقب التي ما كان كتاب رسكيس أبو زيد من كامئن ومنزلقات يف التطبيق واإلستنتاجات .لقد ارتىض إال نذيرا ً بها يف بعض أهدافه ،بل هو حجة قاطعة ض ّدها يصعب رسكيس أبو زيد أن يخوض مغامرة منهجية أسعفته فيها شجاعة امللتزم بالحقيقة ،بل بحقائق التاريخ ومبزيد من الفهم ملندرجاتها عىل عاقل ر ُّدها. ثانياً :اإلضافة يف املنهج :يهتدي مؤلف الكتاب بفرضية منهجية وتعقيداتها والسنن التي تحكمها .فأصاب يف جوانب ،وملا يصب قوامها ان التجاوز الجغرايف بني الدول واملجتمعات والحضارات يف أخرى .والحكم هنا يقع عىل تطبيق املنهج ال عىل املنهج ذاته محكوم بقانون «التحدي و/او اإلستجابة» فالعالقة هي إذا ً خيار ،إذ ال يكفي أن تحسن اختيار /اعتامد املنهج الصحيح لتصل بني الحرب والعداوات واألطامع من جهة ،وبني التعاون واملشاركة بالرضورة اىل املحصالت الصحيحة دامئاً .وهذه تجربة صامويل والتكامل من جهة أخرى (ص .)7/قانون التحدي و اإلستجابة ما فتئت ماثلة يف تنكبها الصوابية العلمية حتى طاشت نتائجها هذا ،هو – كام املعروف ُ -مستند النظرية الحضارية ملؤرخ فأوصلت اىل التبشري بحروب دينية وثقافية ،أين منها حروب الحضارات الربيطاين أرنولد توينبي التي ط ّورها ،أو ش ّوهها تطبيقاً األطامع واملصالح االستعامرية!!. موفقاً كان رسكيس أبو زيد يف تجربته املنهجية هذه ،وهو ،اإلسرتاتيجي األمرييك املعروف صامويل هانتنغتون من خالل يتناءى كلياً يف استخالصاته عن بدعة هانتنعتون ،بل إن ما توصل مقولته بـ»صدام الحضارات» يعترب أرنولد توينبي ( )1976-1889أحد أبرز املنظرين يف إليه من نتائج حاسمة ملصلحة سويّة ممكنة للعالقات العربية – الغرب للتفسري الحضاري للتاريخ ،إذ رأى أن املجاالت املعقولة اإليرانية ،وامتدادا ً اىل سوية ممكنة ورضورية للعالقات الدولية للدراسة التاريخية ليست العصور والحقب ،وال الدول ،إمنا هي ،هي نقيض حتمية الصدام التي نظّر إليها االسرتاتيجي األمرييك. وها هو أبو زيد يف الباب الثالث من الفصل الثالث (عنوان «املجتمعات» ويعني بها «الحضارات» .وقد تسنى له يف كتابه الشهري «مخترصات التاريخ» أن يُحدد إحدى وعرشين حضارة الباب :تكامل املصالح اإلقتصادية واالسرتاتيجية) (ص)251-239 رئيسية عرفتها البرشية .إال أن أكرثها اندثر ،ومل يتبق منها سوى ،يقدم مرشوعاً عقالنياً وبراغامتياً فيام هو مطلوب إلقامة تلك ست ،إضافة اىل الحضارة الغربية وهي :األرثوذكسية البيزنطية ،السويّة يف العالقات من الطرفني :اإليراين والعريب ،وذلك برصف األرثوذكسية الروسية ،اإلسالمية ،الهندوكية ،الصينية ،والكورية النظر عماّ يمُ كن أن يوافق عليه هذا الطرف أو ذاك من «مقرتحاته» ومن تنازالت مشرتكة هنا أو هناك . ،واليابانية. أيها اإلخوة واألخوات: وما كان للحضارات املندثرة مالقاة هذا املصري لوال أنها فشلت يف مواجهة التحدي – االسرتاتيجي -الذي اعرتضها .أما الحضارات التي استجابت للتحدي وانترصت عليه فهي التي كُتبت لها الدميومة والبقاء. حسناً فعل رسكيس أبو زيد ،إ ْذ اعتمد املنهج الحضارياملنهجيف اعتمد أبو زيد املنهج الحضاري وعي وتفسري عالئقية الجامعات ودينامياتها وتطورها ،فهو عندي من أنجح املناهج يف فهم التاريخ وعالقات البرش وصيغ يف وعي وتفسري عالئقية الجامعات العيش ومنظوماته ،إن مل يكن األنجح قاطبة هذا .السياق ،يف تنزيله ودينامياتها وتطورها إضافة أيب زيد املنهجية تتجىل ،يف القانون الحضاري (التحدي واإلستجابة) يف االنساق والسياسية لعالقات البرش ،أي أنه سيس التحدي واالستجابة ووظّفه يف محاولته إدراك الحقائق واملآالت ّ(السياسية داخل اإلجتامع اإلنساين بكليته الكتاب هو اختبار منهجي اي مبا هو متَّ َحد عاملي وكوين) (العبارة للمؤلف –ص ، )8أو ودوائرمبا يف علم اإلجتامع السيايس ويف علم هو ُجامع متّحدات تتدرج من األصغر اىل األكرب تبعاً ألبعا ٍد مركبة وفق دورة الحياة وفعاليتها وقدرتها ومداها الحيوي (ص .)8اجتامع الحضارات ميكن اعتباره تجربة وتظهري هذه اإلضافة املنهجية يف الكتاب عندما َع املستجدةط يفَف معبرّ ة ومفيدة املؤلف عىل قانون التحدي واالستجابة ،التحوالت عامل اليوم وما أفضت إليه ثورة املواصالت واالتصاالت من تعزيز مفتوح عىل مرصاعيه للتفاعل اإلنساين ،ما يجعل اإلنسان يعيش يف «متحد متداخل مرب ،يجمع بني الهوية الخاصة والعالقات القطرية واإلقليمية والعاملية»(ص 7و . )8وبذلك ما عادت إن القول مبوفقية الكاتب املنهجية ،ال يعفينا من تسجيل املجتمعات أو الحضارات متنائية ،كل منها تتفرد بـ»تحديها» وبـ»استجابتها» وتجربتها الحضارية وحدها كام هي عند توينبي بعض املالحظات املنهجية اإلجرائية والرتشيدات البحثية والفكرية ،وإمنا غدت متفاعلة عالئقياً ومتبادلة التأثر والتأثري كام مل تكن التي يجدر خدمة جهود املؤلف ومرشوعه بها ،وأكتفي هنا باإلشارة الربقية اىل بعضها: يف أي زمان مىض. مل يأت ربط املنهج الحضاري بجميع فصول الكتاب محكامً دامئاً هذه اإلضافة املركبة املنوه بها والتي اندفع الكاتب اىل تطبيقها يف دراسته العالقات اإليرانية – العربية ،تشكل يف رأيي اختبارا ً ،حتى بدا النص أحياناً مقطوعاً عن التنظري املنهجي والتأسييس منهجياً يف علم اإلجتامع السيايس ويف علم اجتامع الحضارات ميكن الوارد يف املقدمات. ق ّدم الكاتب نفسه يف بعض الكتاب مفكرا ً سياسياً واسرتاتيجياً معبة ومفيدة ،عىل ما يف هذا اإلختبار أو التجربة اعتباره تجربة رّ
12
العدد 70
دراما
أيلول 2012
الفساد وترشيع الخيانة يسيطران عىل املشهد الدرامي
الدراما السورية مربكة واملرصية تكرر ذاتها واللبنانية تحاول...
عبري حمدان ينطوي املشهد الدرامي عىل الكثري من عالمات االستفهام والتشعب يف الخطوط لكن دون أن تكون الرسالة املأمول منها واضحة ،حيث أن بعض القصص بدت خيالية وغري مرتبطة باملنطق. لعل الحوادث التي عصفت بالشارع العريب أرخت بظاللها عىل إبداع كتّاب الدراما لتأيت االنتاجات الدرامية مربكة يف مكان ما وتحديدا ً السورية ،أما املرصية فسيطر عليها التكرار والتهريج فيام حاولت قرينتهام اللبنانية خوض املنافسة ولو أىت طرحها متبايناً اىل حد الفئوية يف الفرز عىل قاعدة أن لكل قناة محلية لبنانية انتاجها الدرامي الشبيه ببيئة جمهورها... نحاول يف التحقيق االيت استعراض جزء من الصورة الدرامية سعياً لتدارك بعض الهفوات يف املواسم املقبلة.
رمادية الوالدة من الخارصة (ساعات الجمر) شكّلت االوراق التي رمتها سامهر (سالف فواخرجي) من نافذة الرقابة يف نهاية الجزء االول ملسلسل «ال��والدة من الخارصة» مادة مشبعة بالنامذج الفاسدة لتستمر رحلة املخرجة رشا رشبتجي مع «ساعات الجمر» جزءا ً ثانياً للعمل الذي هلل له النقاد ملا فيه من جرأة حسب تعبريهم ،إال أنهم نسيوا أو رمبا تناسوا عناوين كثرية بارزة للدراما السورية تناولت الفساد بشكل واضح نذكر منها عىل سبيل املثال ال الحرص»لعنة الطني» و»غ��زالن يف غابة الذئاب» .ونعود اىل رؤوف (عابد فهد) الذي تتم محاسبته عىل جرميته بحق زوجته ووالدها لرناه خلف القضبان ولكن اىل حني ،حيث تنجح ابنته يف اللعب عىل جهاز أمني من املفرتض أن يكون باطشاً ومتنبهاً ليخرج والدها من السجن بسجلٍ نظيف لكنه ليس الشخصية الرئيسة هذه املرة فهناك املجرم»أبو نيبال» (باسم ياخور) املحمي من الكبار وعقيل «عبد املنعم عاميري» الشخصية التي تخطي غياب عالم « مكسيم خليل» باالضافة اىل وجوه نسائية من عامل املال واالعامل .تشعب القصص يستحرض العديد من االحتامالت مام يبقي امللفات مفتوحة دون أي أمل بنهاية واضحة وبالتايل ال يبقى أي مجال للخري يف النفوس إال عند الفقراء واملهمشون ليس النهم طيبون بل لعدم استطاعتهم، فهل القصد من الطرح التأكيد عىل إقرتان الرش بالقوة؟ ثم ملاذا كل هذا الرش ،فالبديل للولد العاق «عالم» الذي مل يتعظ بعد انتحار والده شخص يفوقه سوءا ً ويف ذلك غياب ألي رسالة إنسانية ،ويبدو أن الهدف الوحيد من العمل االشارة اىل األزمة األخرية التي تعصف بسوريا من خالل قصة منزل «ابو حسام» (عبد الهادي صباغ) وخالفه مع نائب املحافظ ليستعني «بأبو الزين» ( محمد حداقي) ويبدأ العرض باملواجهة بني املواطن املغلوب عىل أمره والجهات الرسمية ليحسم الوزير املوضوع بوعود املحاسبة يك ال تتطور االمور أكرث ..لكن الوعود تذهب تسول له نفسه ادراج الرياح حني يقرر األمن مقاصصة كل من ّ
التطاول وتقع الواقعة بني عنارصه و»الشعب» الذي يسلبه اسلحته ثم يقرر االستغناء عنها عىل قاعدة «التظاهر السلمي» وايصال الشكوى للجهات العليا وبدا وكأن الهدف من العمل برمته ايصال إشارة محددة مفادها أن فرضية املؤامرة عىل نظام مامنع يف رشق أوسط معتدل غري صحيحة ولكن لرمبا تناىس منفذو العمل أن هذا النظام الذي يصفونه بالقمعي سمح لهم بإنتاج وعرض رؤيتهم! كل هذه املشهدية تبدو رمادية وكأن الكاتب واملخرجة يقفان يف الوسط بانتظار ملن ستكون الغلبة يك تتكون مادة الجزء الثالث وفقاً للمتغريات السياسية الناجمة عن انقشاع غبار املعركة ،فهل سيتم تعديل النص إذا بقي النظام أم سيكتفيا مبا قدما ويبقى الجزء الثالث
معلقاً باحتامل «ثورة» مقبلة ولو بعد حني؟
رفاهية بنات العيلة
حني تتابع «بنات العيلة» تشعر بأنك يف عامل مختلف وال يقرتن بالواقع اآلين ويبدو لك أن الرفاهية هبطت عىل املجتمع السوري ،فتيات جميالت وانيقات وناجحات ولكن هذا ال يلغي الحسد الخفي بينهن ولكل منهن قصتها ولكنها قصص عادية، باختصار ميكن القول أنه مسلسل خفيف بال أي تعقيدات ،مجرد حوارات لتعبئة الهواء يف ما عدا بعض املبالغة يف قصة الفنانة «مريا» (هويدا) واملعجب املهووس بها وهي مشاركتها االوىل يف عمل متثييل واملؤسف أنها مل تكن موفقة يف ادائها عىل االطالق،
العدد 70
أيلول 2012
ويُحسب للممثلة نظيل الرواس التي أدت دور «مريفت» قدرتها الكبرية عىل ايصال الشخصية املغرورة والحسودة واملؤذية للناس بصدق« .بنات العيلة» مسلسل يعرب أمام العني بحوادثه ذات النهاية املعلقة ،لكنه ال يرسخ يف الذاكرة وال يضيف شيئاً اىل األرث الدرامي املعارص.
أرواح عارية وتربير الخيانة الخيانة هي الفكرة يف مسلسل «أرواح عارية» رغم أنه يتم تغليفها بالحب ،منذ الحلقة االوىل يكتشف «سامر» (عبد املنعم عاميري) خيانة زوجته «رىب» (سالف معامر) له ويبدأ الشجار لتهرب الزوجة بعد منتصف الليل عىل مرأى ومسمع سكان املبنى فتجمعها الصدفة مع «ص�لاح» (قيص خويل) فيستضيفها يف منزله وتنشأ بينهام قصة حب واملفارقة أن محيطه يتقبلها وبدوره يربر لها خيانتها وكأن مجتمعنا الرشقي تخىل عن تقاليده واعرافه بسحر ساحر ،يف املقلب اآلخر يصبح هاجس الزوج املخدوع معرفة غرميه ،لكن هل عقل املتلقي صغري لدرجة تجعله يقتنع بواقعية القصة وملاذا االرصار عىل تربير الخيانة باالشارة اىل سوء اخالق الزوج .الخيانة وسيلة االنتقام الوحيدة يف العمل والحب قارب االبتذال وبدا أن الغزو الدرامي الرتيك أثر بشكل سلبي عىل خيال كتّاب الدراما مام جعلهم يغردون خارج رسب املنطق ..خاصة يف ما يتصل بقصة املمثل الباحث عن النجومية ولو أتت من كومبارس تتكل عىل الدعارة لبلوغ الهدف املنشود فهل القصد تشويه صورة جيل
دراما
كامل من املمثلني السوريني الشباب أم مجرد خيال كاتب؟؟
رفة عني ..رصاخ مبضمون فارغ مل نفهم ما هي الرسالة التي ارادت أمل عرفة إيصالها من خالل «رفة عني» املسلسل الذي كتبته واخرجه املثنى صبح، حني جسدت فيه دور «هدية» الفتاة التي تولد يف السجن من أم مغلوب عىل امرها طعنت الوالد السكري دفاعاً عن نفسها. لكن االب يخرج من قربه ويغري اسمه ويرتك زوجته ملصريها بقصد معاقبتها ،ثم يختفي لسنوات ليعود ويبحث عن ولديه «مهدي» و»هدية» .املفارقة أن األم متوت مظلومة بعد وقوعها يف مجرور للرصف الصحي دون أن تستعيد حقها واألخ يسلب أخته مالها الذي تجنيه من عملها وهو املقامر والسكري الذي يعمل اخريا ً يف التزوير لكنه ميارس ذكوريته عن اخته بحجة الحفاظ عىل رشفها!! مفارقات كثرية يف مسلسل «رفة عني» ورصاخ ومضمون فارغ حيث أننا مل نفهم ما الذي حققه األب بعد أن ترك زوجته وولديه للقدر ليعود اىل نفس الغرفة التي عاشوا فيها نادماً وغري قادر عىل مصارحتهام بالحقيقة..
البيئة الشامية يف مكان آخر أىت «زمن الربغوت» بصورة شعبية خفيفة وجميلة دون الغوص بتفاصيل مقارعة املحتل بل الرتكيز عىل العادات االجتامعية وشهامة أهل الشام وأهمية الحفاظ عىل الرشف ومواجهة الفتنة ويُسجل لسلوم حداد متيزه يف دور البخيل «أبو نجيب» الذي فاق التوقع وهذا أمر ليس بغريب عىل ممثل مبستواه. أما «حارة الطنابر» فشكّلت مادة كوميدية بارزة تغمز من قناة العديد من االعامل املستهلكة التي غصت بها املواسم الرمضانية ويف ذلك دليل صحوة تبرش بالخري. وال ننىس «بقعة ضوء» الذي المس معاناة املواطن العريب بجرأة واضحة ومل تغب عن لوحاته الصور النقدية التي تناولت الواقع السوري اآلين.
الغالبون وتأطري املجتمع االميان بالفعل املقاوم يجعلنا نحرتم مجهود الجهة املنتجة ملسلسل «الغالبون» الذي نجح يف استقطاب أكرب عدد ممكن من املمثلني اللبنانيني باختالف مشاربهم وقناعاتهم حيث يتم استكامل السرية املقاومة يف الجزء الثاين من العمل ،انها مرحلة السيد عباس املوسوي القائد الذي واكب املقاومني عىل أرض املعركة حتى استشهاده ،لعل رمزية السيد عباس هي السبب الوحيد ليؤدي دوره نجله يارس ويف ذلك مغامرة فعلية فاملطلوب منه ان يقنع من عارصوا والده من جهة وإقناع نفسه أنه قادر عىل تقمص الشخصية دون أي تعب روحي ونفيس ،العمليات العسكرية أيضا تأخذ مساحة ال يستهان بها من العمل واملامرسات الوحشية يف املعتقالت وتجنيد العمالء من كال الطرفني .لكن
13
يبقى التأطري مسيطرا ً عىل الفكرة بحيث يقدم العمل صورة منطية موحدة قد يكون مبالغ فيها فنحن ال ننكر الصحوة الدينية يف تلك املرحلة ولكن هذا ال يعني أن كل الجنوبيات التزمن بالحجاب بالشكل الذي عرضه املسلسل ولنسلم جدالً بهذه الصورة للمجتمع لكن هل يصح االعتقاد بأن كل محجبة مقاومة وكل سافرة مشكوك بأمر والئها لوطنها ..من هنا يصبح العمل فئوياً بنظر جزء من اللبنانيني الذين لهم وجهة نظر مختلفة يف أسلوب املقاومة!
ديو الغرام ...قصة مستهلكة برنامج فني يستحرض فكرة عمل درامي فيدخل «ديو الغرام» املنافسة الرمضانية ،النجمة املشهورة «داليا» (ماغي أبو غصن) والفنان املغمور «سامر» (كارلوس عازار) والحب املحظور كونها متزوجة وهو مرتبط أيضاً .القصة مستهلكة اىل حد كبري وعادية كباقي املسلسالت اللبنانية التي تكرث فيها االزياء الجميلة ويتم تربير الخيانة الزوجية عىل قاعدة أن الزوج يستغل زوجته مادياً ومعنوياً ،العمل هو عىل قياس فئة أخرى من اللبنانيني يرون يف هذه املشهدية صورا ً من بيئتهم رمبا.
تهريج كيد النسا تعود فيفي عبده يف جزء ثانٍ من «كيد النسا» لتستكمل رصاعها ضد الحاسدات وتخرج «صافيا» (سمية الخشاب) من العمل بعد حريق السجن الذي تفتعله «كيداهم» ولكنها لن تشعر باالمان عىل زوجها الذي وملحاسن الصدف مل ميت رغم مراسم دفنه يف الجزء االول ،فقد ظهرت «حالوتهم» (نبيلة عبيد) منافسة جديدة قدمية لها .ما تقدم ليس رسدا ً هزلياً بل هو عمل درامي مرصي أقل ما ميكن القول عنه أنه نوع من التهريج املبالغ فيه.
ماذا يريد ناجي عطالله؟ «فرقة ناجي عطالله» عنوان كبري لعمل ميكن وصفه بأنه يدخل ضمن سياق تشويه صورة املقاومة يف أي مكان وزمان، ولن أدخل يف تفاصيل االخطاء التقنية للعمل ولكن ما الهدف الذي يسعى اليه «ناجي عطالله» (عادل إمام) حني يشري اىل العالقات الدبلوماسية بني مرص وارسائيل كونه الدبلومايس املقيم يف تل ابيب ويغطي تطبيعه بانتقادات يوجهها الصدقائه االرسائيليني ،إذا هو عميل بزي دبلومايس ،وبعدها يقع الخالف بينه وبني اصدقائه يصبح سارقاً ويؤسس فرقته لغزو مرصف يف تل ابيب وتبدأ رحلته عىل الدول العربية ليعرب انفاق غزة فهل يريد إمام القول أن هذه االنفاق للعمالء واللصوص؟ ثم ملاذا العبور اىل جنوب لبنان واقحام مقاومته االسالمية يف املشهد؟ لعلها مثار التغيري يف مرص بحيث يستمر فعل التطبيع فنياً وثقافياً واجتامعياً.
14
العدد 70
جمتمع مدين
أيلول 2012
«التنمية يف الهالل الخصيب» لـزهري فياض بدعوة من منتدى تحوالت ،أقيمت يف البيت البلدي يف بشتفني – قضاء الشوف ندوة حول كتاب د .زهري فياض الجديد «التنمية يف الهالل الخصيب» ،وتخلل الندوة حفل توقيع للكتاب. حرض الندوة الوزير السابق ورئيس املجلس األعىل يف الحزب السوري القومي االجتامعي محمود عبد الخالق ،املقدم رشيف فياض ،مدير عام تعاونية موظفي الدولة األستاذ أنور ضو ،اضافة اىل حشد من الفعاليات السياسية والثقافية والحزبية واالجتامعية، ورؤساء بلديات ومخاتري املنطقة. أدار الندوة األستاذ شوقي األشقر وقد شارك يف الندوة كل من رئيس املجلس البلدي يف بشتفني د .فؤاد جعفر الذي رحب بالحضور وتناول موضوعة التنمية املحلية ودور البلديات عىل صعيد امناء القرى واملناطق واملدن واألرياف ،وتطرق يف مداخلته اىل رضورة وجود وعي اجتامعي للتنمية وأهميتها يف تطور املجتمع ،بعد ذلك كانت مداخلة للكاتب والصحايف األستاذ بسام ضو ،تناول فيها قراءة معمقة للكتاب ومقاربة ملوضوعة التنمية من زوايا مختلفة ،وربط التنمية ونجاحها بجملة تحوالت ال بد من حصولها يف بالدنا ،وتضمنت مداخلته نقدا ً لبعض ما جاء يف الكتاب. بعد ذلك كانت مداخلة للكاتب السيايس األستاذ رسكيس أبو زيد ،تناول فيها الكتاب والقيمة التي أضافها يف موضوع التنمية لجهة ربطها بالتكامل االقتصادي يف بالدنا. بعدها ،كانت مداخلة ملدير املكتبة الوطنية يف بعقلني سلط فيها الضوء عىل القيمة العلمية للكتاب الذي أضاء عىل جملة من املفاهيم املرتبطة بالتنمية والتخلف يف بالدنا وعىل السبل الكفيلة بنهوض مجتمعاتنا اقتصادياً وثقافياً واجتامعياً. بعد ذلك ،كانت مداخلة للباحث االقتصادي غالب بو مصلح تناول فيها مسائل متنوعة ذات صلة مبوضوع التنمية ،وقد قدم
من املحارضة
مقاربة معمقة للمعوقات التي تقف يف وجه التنمية من قبل قوى استعامرية وأطراف عاملية مختلفة تهيمن عىل االقتصاد العاملي وتوجهه بشكل يتناقض ومصالح شعوب العامل الفقرية واملستضعفة. يف الختام ،كانت مداخلة للمؤلف د .زهري فياض تطرق فيها اىل التنمية من زاوية كونها عملية مستمرة تهدف اىل احداث مجموعة
من التغيريات الجذرية يف املجتمع ،الكسابه القدرة عىل التطور الذايت املستمر مبعدالت تضمن التحسن املتزايد يف نوعية الحياة لكل أفراده ،وأضاء عىل عالقة التنمية بالتكامل االقتصادي ومسألة التصنيع ،مبا يفتح آفاقاً هائلة ومرتكزا ً لقيادة عملية تنموية تحديثية تطويرية لكامل البنى السياسية واالقتصادية واالجتامعية مبا يحقق األهداف الكربى يف التقدم والرقي والبحبوحة واالزدهار.
زيدان و«« Fer2et Ma3naيف مرسح املدينة
Fer2et Ma3na
بعد النجاحات التي حققتها حفالته التي احياها يف مختلف املناطق اللبنانية ،أطل الفنان سليامن زيدان عىل خشبة مرسح املدينة ترافقه فرقته التي اطلق عليها إسم «»Fer2et Ma3na
يقول زيدان بأن أغانيه هي عبارة عن تجسيد ملعاناة الشعب و هو يعترب نفسه كالناطق الرسمي عرب التعبري عن مشاكلهم غنا ًء, الفرقة التي تتألف من أمين رشف الدين ،وائل أبو فخر ،سامح أبو
املنى نكهت هذه املره بالطابع األنثوي عرب مايا معلوف التي عزفت عىل الكمنجا ،يتوسطهم زيدان الذي غنى عىل مدة أكرث من ساعة ونصف من أغانيه التي جميعها من كلامته و ألحانه.
العدد 70
أيلول 2012
جمتمع مدين
15
توقيع رواية «مرتو ديب» لـ منري الحايك وقّع الكاتب اللبنا ّين منري الحايك تجربته األوىل يف الرواية «مرتو ديب» ،يف غرفة التجارة والصناعة والزراعة يف زحلة ،بدعوة من حركة الريف الثقافية وامللتقى الثقايف الجامعي ،وبحضور عدد كبري من األصدقاء والفاعليات الثقافية والشخصيات األدبية واألكادميية. افتتح الحفل بالنشيد اللبناين ،وق ّدمته اآلنسة ريبيكا خاطر. ثم كانت كلامت بدأها املفكّر األستاذ باسل برازي ركّز فيها عىل األصالة التي يتمتّع بها الكاتب والتي ظهرت واضحة من خالل ما ق ّدمته الشخصيات من أفكار ومواقف ظهرت يف الحوارات والنقاشات. االجتامعي األديبة القومي السوري عميدة الثقافة يف الحزب ّ ّ ّ الدكتورة فاتن امل ّر تح ّدثت عن الكاتب وعن السنوات الطويلة التي خاضا فيها الكثري من التجارب واملشاريع والنشاطات ،والتي ما زاال يقومان بها عىل الرغم من بعد املسافة بحيث أ ّن الكاتب يسكن حال ًّيا يف ديب ،كام وركّزت عىل أهم ّية العمل الروايئ بوصفه تجربة أوىل ،وعىل الهموم الكربى التي يحملها الكاتب والتي مت ّنت عليه أن تكون هي مواضيع رواياته القادمة.
الناقد واألديب األستاذ الدكتور عبد املجيد زراقط ،الذي تغ ّيب بسبب مشكلة صحية وألقى كلمته بالنيابة عنه األستاذ غسان تويني ،تح ّدث عن الفضاء الدال ّيل يف الرواية ،وركّز عىل ثنائية الحب/الحرب ،وأهمية الفضاء املتح ّرك «املرتو» حيث تدور غالبية ّ األحداث ،وعىل التقنية التي استخدمها الكاتب «التداعي الح ّر» يف القسم الثاين «يف املرتو» ،وقال يف نهاية كلمته إ ّن الكاتب إن واصل الحايك يوقع «مرتو ديب»
ٍ بأخوات لها ،قد يصبح يف املستقبل الكتابة الروائية وألحق روايته من الروائيني الكبار. أ ّما الباحث والناقد الكبري األستاذ الدكتور عيل زيتون ،رئيس الجامعي ،تح ّدث يف بداية كلمته عن منري ومؤسس امللتقى الثقا ّيف ّ الحايك الشاب الذي مت ّيز يف قسم اللغة العربية يف الجامعة اللبنانية يف زحلة ،عىل صعيد النشاطات واملسؤوليات التي تسلمها ،وقال إنّه أحد أقالم امللتقى ،وإ ّن الرواية نتاج من نتاجات امللتقى األدبية والثقافية ،ث ّم انتقل إىل الرتكيز عىل دراسة املكان يف الرواية ،حيث أنّها رواية مكانية بامتياز ،من خالل عنوانها ،ومن خالل عناوين أقسامها :بني بريوت وديب ،يف املرتو ،وبني ديب والشام ،ومن خالل الثنائيات الواردة التي يتعاىل فيها املكان/لبنان حي ًنا عىل املكان/ديب يف حاالت معيّنة ،ث ّم تنتقل املكان/ديب للتعايل يف حاالت أخرى... كلمة الكاتب تض ّمنت تسويغًا النتقاله من كتابة الشعر إىل كتابة الرواية ،ث ّم شكر الحضور واألساتذة املشاركني وحركة الريف الثقافية وإدارة غرفة التجارة والصناعة والزراعة .ث ّم دعا الحضور إىل حفل الكوكتيل والتوقيع.
أمري الشعر وسيد النرث ،يونس اإلبن مكَ َّرماً يف بلدته مزيارة
أقامت بلدية مزيارة حفالً تكرمييًا للشاعر يونس اإلبن، وذلك برعاية معايل وزير الثقافة األستاذ غايب ليون ممثالً برئيس االتحاد الفلسفي العريب الدكتور أدونيس العكره ،يف نادي شبيبة مزيارة. البداية كانت مع النشيد الوطني اللبناين أدته جوقة رعية مزيارة واملطرب رسكيس رفول .من ثم كلمة شعر ترحيبية من األستاذ إيليا رفول خاصة بابن مزيارة ،ثم كانت كلمة البلدة ألقاها رئيس البلدية املهندس رميون الشدياق فقال: “أقف بينكم اليوم وقفة عز ألن البلدية تقوم بتكريم كبري من عندنا مألت أشعاره املغناة أرجاء الدنيا يف لبنان وبالد االغ�تراب فبفضله كم من “م��روان” شده الحنني وعاد إىل “قطعة السام اليل ثاين ما إال” .فهذا الكبري ساهم مساهمة فاعلة يف رفع مستوى األغنية اللبنانية وغنى كبار املطربني أشعاره فخلدهم وخلدوه. بعدها ألقى خليل الخوري كلمة رئيس تحرير جريدة الرشق فقال “ :شكل يونس ،دامئاً ،لغزا ً جميالً يف خاطري. هو الشاعر األملعي الذي سبق عرصه يف االنتفاض ،شاباً، عىل واقع وتقاليد ومسلامت ،ميثل يل ،اليوم ،ذاك الزمن الجميل الذي نتوق إليه يف غمرة هذا الزمن املتامدي يف الرِدة والرداءة. أنت العبقري الذي علمتنا االنتفاضة بقصيدتك “نعم ،أنا شاعر فقري” ..أنت األغنى يا يونس .وأنت األبقى يا يونس”. ثم كانت كلمة للشاعرة والفنانة التشكيلية باسمة بطويل قالت فيها“ :أما ليونسنا ..فاليو َم ها نجد ..عىل براعته املعطاء يغل فينا كام يف الكرام لنا!ّ .. قد سهروا ..تكري ُم ..يا لتكريم ِ ليلنا السحر ،نحبه ،نشتهي لو حبنا نهر ،يؤبد الخصب يف أوراقه النهر ،عىل نضاالته ،نهمي هنا َء ٍ غد ،يطل زهو ربيعٍ ما همى مطر لو استطعنا لخلينا الحياة ض ًحى لديه ..من بعده ال يغرب العمر له انتزعنا نجوماً من أرستها تصحو بتا ٍج ٍ مللك
اإلبن متسلام ً الدرع التكرميي
ليس يندثر وما ارتضينا كنوز األرض نرثها عليه عطرا ً كفى تاريخه العطر يف عجزنا قد نعزى بالردى ...قلقاً أمام ما خ ّط إذ يجثو ويعتذر وقد تفنن يف إركاعنا قد ٌر ،إذ بالفنون قضت أن يركع القدر”.. كام كانت كلمة تحليلية لشعر يونس اإلبن من النقيب الشاعر أنطوان رعد فقال :وهو شاعر متعدد املواهب مثلث الربكات عشق الفصحى كام عشق العامية وقد جمع العشيقتني فوق رسير واحد دون أن تقع حرب الوردتني، فخرجت الفصحى راضية ،وانتنت العامية مرضية أما هو فقد ظفر بالنشوتني .ويف غفلة من الزمن خان العشيقتني إذ راود الفرنسية عن نفسه ،فوقعت هذه يف التجربة وأنجبت الخيانة قصائد فيها من خفر العذارى ومن إغواء بنات الجن. يف كلمة للمحامي هرني خوري قال :شعره هو شعر الحياة والتنوع وهو يختلف متاماً عن شعراء القصيدة النرثية. أما غزله فهو عبارة عن تجربة ذاتية ،حيث كان يعيش حالة الحب التي يعرب عنها يف شعره ،وبذلك تتخذ بعض القصائد طابع املذكرات الشخصية التي ترسم صورة شبه واضحة لشخصية الشاعر. ثم ألقى الشاعر يونس اإلبن قصيدة له بعنوان: “خناقة مع الله” ،بعدها سلم ممثل وزير الثقافة الدكتور أدونيس العكره درعاً تكرميياً للشاعر وكانت له كلمة إعترب فيها إن أهل الشعر املتشبعني بثقافة املواطنية هذه ،ال للجبوت يركعون للامل يك ال يَس ُه َل عندهم بي ُع شعبهم ،وال رَ الخارجي لئال يَس ُه َل عندهم بي ُع الوطن ،وال لشهوة السلطة لئال يَس ُه َل عندهم بيع أنفسهم للشيطان. ً ختاما قدمت بلدية مزيارة ممثلة برئيسها املهندس رميون الشدياق درعاً تكرميياً إلبنها الشاعر يونس اإلبن. يذكر أن الحفل تخلله عروضات وثائقية مرئية من إعداد شادي يونس اإلبن .وقد أُقيم كوكتيل عىل رشف امل ُحتفى به.
16
العدد 70
مقابلة
أيلول 2012
املمثل رشبل زيادة لـ»تحوالت»:
« 39ثانية» قادرة عىل تغيري حياة البرش حاورته ـ عبري حمدان
يتشعب الحوار مع املمثل رشبل زيادة لسعة ثقافته التي شكّلت أرضية ثابتة لخياراته التمثيلية فيقنعك بالزي العسكري يف شخصية «عازر» الضابط االرسائييل الذي يعمل عىل تجنيد العمالء يف الجزء الثاين من «الغالبون» .ويعد املشاهد بظهور سيناميئ مختلف يف « 39ثانية» ويعلن مواقفه السياسية دون مواربة. فنياً يرى زيادة أن املسلسالت الرتكية ما هي إال غزو عثامين ملجتمعنا ولكن بزي عرصي ،ويخىش عىل الدراما السورية من كبوة جراء الحوادث االخرية واحتامل وقوعها يف فخ التكرار مشريا ً إىل أن الجرأة ليست صفة مستجدة عىل هذه االخرية. نبدأ من دور»عازر» لنسأل زيادة عن رس نجاح «الغالبون»، هذا الرس الذي جعله من الوجوه البارزة يف العمل بجزأيه فيقول »:ما مييز هذا العمل قصته النابعة من واقع املجتمع، والحوادث التاريخية التي يتناولها كلنا عشناها ومن مل يعشها سيهمه أن يعرفها .ويؤسفني أن هناك أناس من هذا الوطن ال يعرفون أن إرسائيل كانت تحتل لبنان وبالفعل هناك جهل تام ومخيف لكن «الغالبون» أضاء عىل هذه املرحلة وجعل هؤالء يعرفون ما حصل كل هذه التفاصيل دفعتني للمساهمة يف االضاءة عىل هذا الواقع .وبرأيي نجاح العمل هو الذي جذب الكثري من الوجوه الجديدة ومن كان يشعر بالرتدد يف البداية تغلب عىل شعوره واندفع للقبول باملشاركة». ال يستغرب زيادة الجدل الذي اثاره العمل يف بلد محكوم باالختالف والتنوع داعياً االطراف كافة لصيغة تخاطب مسؤولة »:أقول لكل طرف لبناين معرتض عىل «الغالبون» أن يحذو حذو منتجيه ويتحدث عن إنجازاته ولتكن وسيلة التحاور فكرية وثقافية وفنية وبالتايل ال يرفض اي طرف اآلخر .ولنخرج من دائرة التوتر والتشنج يك ال تصبح الدراما أيضاً منقسمة مذهبياً». اما النقد فال يراه زيادة مقياساً لنجاح أي عمل درامي حيث أن الحكم للمتلقي يف نهاية املطاف ،فهو من جهته ال ينتظر مقاالً أو رأياً نقدياً يك يتابع االعامل السينامئية او الدرامية علىل السواء مع اشارته اىل منطق املحسوبيات الذي يرتهن له الكثري من النقّاد. ٍ وحول نظرته للدراما العربية يقول »:يف زمن ماض كانت الدراما اللبنانية متقدمة لكنها تراجعت السباب عديدة معروفة من الجميع ،أما املرصية كانت يف مرحلة ما رائدة إال أنها وقعت يف فخ التكرار واالج�ترار واالستعراض الخايل من أي مضمون مفيد ،وميكن القول أن قرينتها السورية تصدرت املشهد الدرامي العريب ملا قدمته من طروحات وكفاءة عالية سواء يف اداء نجومها أو يف التقنيات لكني أخىش عليها من كبوة جراء ما يجري اليوم يف سوريا ،شخصياً أرى أن السوريني نجحوا يف املسلسالت التي تناولت مراحل تاريخية وبالطبع ال أعني «باب الحارة» الذي ش ّوه الصورة الحقيقية للبيئة الشامية ،لكني ال أرى أن كل اعاملهم املعارصة مقنعة رمبا ألنهم ال يقولون كل يشء وأظن أنهم محقون كونهم أدرى من غريهم مبا يتصل مبجتمعهم ومحظوراته».
رشبل زيادة يف الغالبون
لكن اال يرى زيادة حجم الجرأة يف االعامل السورية التي انتقدت الفساد حتى قبل الحوادث العاصفة التي تعيشها البالد؟ يجيب »:هذه الجرأة ليست جديدة ،إذا عدت اىل االرشيف ستجدين كام ال يستهان به من االعامل بدأ بدريد لحام واملاغوط والكثري من االسامء الرائدة يف هذا االطار». ...مع الزميلة حمدان
ونسأله عن الحرية املطلقة ،فيقول »:ال يوجد حرية مطلقة يف أي بقعة من هذا العامل ،انا كنت مقيام يف الواليات املتحدة االمريكية واؤكد لك أن الحرية كذبة كبرية والدليل أن هذه الدولة العظمى متارس أبشع أنوع الظلم عىل من هم أضعف منها إذا هي ال تعرف أي قيمة للحرية حتى يف املجال الفني واالديب». ويخربنا زيادة عن فيلمه السيناميئ الذي سيعرض يف أيلول يف الصاالت اللبنانية »:اشارك حالياً يف فيلم لنبال عرقجي (كاتب) والرا سابا (مخرجة) عنوانه « 39ثانية» اىل جانب كارول حاج وشادي حداد باالضافة اىل ضيوف رشف ،ميكن القول أن حياة الناس قد تتغري يف 39ثانية ولعلها لعبة القدر هي الفكرة الرئيسة للفيلم الذي ييضء عىل مناذج من املجتمع اللبناين». من جهة ثانية يرى زيادة أن الدراما الرتكية ما هي إال غزو عثامين بزي عرصي »:أنا ضد العرض الدرامي الرتيك املتواصل الذي يجتاح مجتمعنا واعتربه نوع من انواع الغزو الثقايف ،حني تم إفتتاح الفضائية الرتكية الناطقة بالعربية يف بريوت كنت أعمل معهم وأكتب لهم برنامج عنوانه «كلمني عريب» ثم طلبوا مني أعداد برنامج سيايس لتسويق سياستهم هنا وبكل بساطة اعتذرت». لكن قد يرد البعض عىل هذا املوقف باالشارة اىل الغزو االيراين لدعم السينام اللبنانية املقاومة وآخرها فيلم « 33يوم»؟ يجيب »:إيران مل تحتلنا اكرث من 400سنة كام فعل العثامين ،إذا شعر البعض بأن ما تقوم به إيران غزوا ً من خالل « 33يوم» فام املانع أن تطلب قوى 14آذار من قطر أن تدعمها لتقديم عمل تسميه « 77يوم» بدل أن يدفعوا االموال لتسليحنا ضد بعضنا». ويختم بالقول »:حني تصبح الفوىض هي القاعدة ال ميكن أن يكون ما يحصل يف عاملنا العريب ثورة ،واخرتت أن أختم بالسياسة النها ال تنفصل عن الثقافة والدراما».
العدد 70
أيلول 2012
دين ودنيا
17
االجتهاد يف الفكر اإلصالحي...
الكواكبي واملرجع الفقيه السيد فضل الله(رض) منوذجاً محمد فضل الله ليست قضية االجتهاد مع حيويتها وأهميتها جديدة عىل الفكر اإلسالمي ،وإن اختلفت الظروف والبيئات الحاضنة لها ،فمنذ القرن الثامن بدأ العقل اإلسالمي ينفض شيئاً فشيئاً غبار الخلود إىل التقليد الجاف ،حيث نجد ان بعض اإلصالحيني قاموا مبحاوالت كبرية ومهمة لعرض قضية االجتهاد عرب مؤلفاتهم عىل سبيل املثال ال الحرص «القول املفيد يف أدلة االجتهاد والتقليد» للشوكاين (ت1837م) ،و»القول السديد يف االجتهاد والتقليد» لرفاعة الطهطاوي (ت1873م) ،وكتاب «اإلقليد ألدلة االجتهاد والتقليد» أليب نرص القنوجي الصادق عام (1879م)... وبعض هذه املحاوالت تراها اقتباساً عن بعضها البعض ،ومل تكن رصيحة وواضحة بالدعوة إىل االجتهاد وفتح الباب واسعاً أمامه... ن��أيت ع�لى ذك��ر رؤي��ة عبد الرحمن الكواكبي (ت1902م) اإلصالحية ملسألة االجتهاد ،خاصة يف كتابه «أم القرى» وما نلمحه لديه أن قارب املوضوع من زوايا مختلفة ،منها دعوة الغربيني لإلسالم ،فانطلق منها للدعوة لفتح االجتهاد ،حيث أشار إىل أن الكثري من الغربيني هجروا الكاثوليكية إىل الربوتستانتية مليلهم إىل اإلميان العقيل ،وطرحهم الرشوح والزيادات عىل اإلنجيل والكتب املقدسة ،فينبغي لذلك أن نعرفهم عىل دين اإلسالم ال املذاهب ،وقد أسند الكواكبي طرحه لقاعدتني أساسيتني: األوىل :أن الرسول(ص) قد بلّغ رسالته كاملة وال يحق لنا أن نترصف فيها ،بل الواجب اتباع قوله وإقراره وما أجمع عليه الصحابة. رصف فيها الثانية :أ ّن دائرة حياتنا العامة ميكن أن نت ّ رشعها الرسول(ص) وما مع رعاية القواعد األساسية التي ّ تقتضيه الحكمة واملصلحة. وبنا ًء عليه ،يرى «الكواكبي» أنه ليس لزاماً عىل املسلم أن يقلّد أحد املذاهب الفقهية ،ويف ّند بعد ذلك أدلة القائلني بالتقليد ووجوبه ،ويعطي رأيه بدليل [اختالف األمئة يعد رحمة بالعباد] بأن الخالف بني األمئة يعد رحمة يف حال أُحسن استخدامه وإال فهو نقمة عىل األمة ويف ّرقها... وأما عن دليل [إجامع األمة عىل وجوب التقليد] فريى أنه لو كان الصواب يف الكرثة وال ِق َدم القتىض ذلك صوابية الوثنية ،بل إن هذا اإلجامع يخالف برأيه قول الرسول(ص) عن تف ّرق األمة إىل بضع وسبعني فرقة كلها يف النار إال واحدة ،فأين ميزان األكرثية يف كل ذلك.. أما عن دليل [األمئة أعالم وأكرث م ّنا فهامً وعلامً] فريى أن معرفتنا باألصلني ،القرآن والس ّنة ،كافية لنكون مؤهلني للقيام بعملية االجتهاد من دون الركون إىل تقليد أحد من األمئة... ويرى الكواكبي أنه إذا كان عىل العلامء القيام بواجب االجتهاد ،فإن عملية االجتهاد نفسها ينبغي أن تقع تحت رعاية وإرشاف اإلمام ،أو والة األمور ،فعليهم أن يلزموا األمة باتّباع األحكام االجتهادية التي هي أحكام زمانية ،وليس رشعاً يف ح ّد
ذاتها ،فإذا تب ّدل الزمان ُع ِدل عنها بغريها... وما يتعلّق «باالجتهاد» يف اإلسالم وما يتش ّعب عنه ،يرى سامحة الفقيه املجدد السيد فضل الله(رض) ،أن حيوية االجتهاد اإلسالمي التي توحي بتغيرّ األحكام بني مرحلة وأخرى ،يعود سببها إىل تطور فرب مجتهد حملته خصوصيات ثقافته يف فهم أفهام املجتهدينّ ، النص إىل االلتفات إىل معانٍ مل ينتبه إليها اآلخر ،فهذا ما ميكن أن يح ِّرك ما يسمى تطورا ً ،وهو ليس تغيرّ ا ً لألحكام ،وإمنا تغيرّ يف اجتهادات املجتهدين ،متاماً كام هي النظريات التي تختلف يف فهم نص معني ،أو يف فهم واقع معينّ ... ّ إ ّن هذه الحيوية ،يتابع سامحة السيد(رض) ،جعلت اإلسالم أو
االجتهاد اإلسالمي يحقق الكثري من النتائج اإليجابية يف مدى الزمن. رص متنوع ومختلف وإذ نحن ـ يضيف سامحته(رض) ـ يف ع ٍ عن كل العصور السابقة ،ويحمل الكثري من القضايا والحاجات، والتنظيامت الجديدة ،فإن الفقهاء إذا تعاملوا مع هذه الحاجات، أو التنظيامت أو القضايا واستوعبوها ،سيمدون االجتهاد بحيوية جديدة ،إن يف التعامل االجتهادي مع حركية النص ،أو مع القواعد املستوحاة من النص ،أو ما يسمى روح النص ،وإذا ارتكز ذلك عىل أسس قاعدية مقبولة لدى أهل اللسان أو ما أشبه ذلك ،ما ميكن أن يح ِّرك اإلسالم يف كل حاجات اإلنسان املستقبلية ،فقضية اإلسالم فيام قد يُثار أمامه من عناوين القصور والتخلّف ليست قضية اإلسالم
يف نفسه ،ولكن قضية املجتهدين الذين مل ميلكوا سعة األفق عىل مستوى الثقافية اإلسالمية ،وال عىل مستوى الثقافة املطلقة يف فهم أحكام اإلسالم وقضاياه ومفاهيمه... لعل من أوىل مهماّ ت حركة االجتهاد ويقول سامحة السيد(رض)ّ : املعارص ،أن تواجه النصوص يف الكتاب والس ّنة مواجهة مستقلّة واضحة تنطلق من الفهم الواعي املستند إىل ثقافة علمية دقيقة واسعة يف املجاالت التي تتح ّرك فيها القواعد اللغوية واألصولية ،ومن الرتكيز عىل دراسة األجواء العامة التي انطلقت فيها ،ثم مالحظة الظروف املوضوعية التي نعيشها ،مام أحدث لنا أوضاعاً جديدة يف العالقات العامة ويف أساليب الحياة للتع ّرف من خالل ذلك عىل طبيعة املوضوعات التي تتوفّر النصوص الرشعية الكفيلة مبنحها الحكم ،ليعالجها معالجة واقعية... إننا نركّز ،ونؤكد عىل استبعاد القداسة للشخص وللرأي الفقهي من دائ��رة االجتهاد واعتبار اآلراء الفقهية يف أي مجال علمي قابلة للمناقشة ،فال متنع املصري إىل رأي مخالف ،وال توجب االرتباط برأي موافق مهام كانت درجة أصحابها من العلم واملعرفة واملركز الروحي ،إال مبقدار ما يكون للرأي من قوة الحجة وسالمة الربهان ،ألن إعطاء اآلراء القدمية القداسة التي ال ي ّدعيها أصحابها ألنفسهم يجعلنا نواجه تقليدا ً فكرياً باسم االجتهاد... ويرى سامحته(رض) رضورة تح ّرك االجتهاد يف الطريق املستقل ملواجهة الحاالت العامة والخاصة للحياة عىل أساس رشيعة الله ،من دون الخضوع ألي ضغط ،وخصوصاً اآلراء السابقة التي ال تكون موضوع قناعة ،فذلك وحده ـ بحسب سامحته(رض) ـ هو الذي مينح حركة االجتهاد حيويتها بعيدا ً عن التقليد الفكري والضغط الواقعي... إننا ندعو إىل بحث علمي فقهي موضوعي ال يتح ّرك من موقع القداسة للقديم وال يطلق ويتحرك من خالل ذهنية التحريم والتضليل والتكفري والتفسيق التي تطلق من جانب البعض عىل أصحاب اآلراء املختلفة... وع�لى صعيد أث��ر الزمان واملكان يف االجتهاد، فإن علينا أن ندرس ـ يقول سامحته(رض) ـ شخصية املجتهد ،ألن أية شخصية ال بد من أن تخضع بطريقة شعورية أو ال شعورية للمؤثرات التي تؤثر يف تكوين عنارصها ،سواء أكانت ثقافية أم عاطفية أم شعورية، بعالقة اإلنسان باألشياء... ويف ضوء هذا ،فإن تأثر املجتهد بالزمان واملكان ينطلق من تأثر اإلنسان ببيئته وباألجواء املحيطة به. إننا نريد أن نقول :إن كثريا ً من حاالت االجتهاد تنطلق من خالل تأثر اإلنسان ببيئته التي قد توحي إليه ببعض املشاعر أو ببعض األفكار ،وقد تجعل ذلك مؤثرا ً يف اجتهاده واستنباطاته للحكم الرشعي[ ...املصدر :كتاب االجتهاد بني أرس املايض وآفاق املستقبل]. وال يسعنا يف هذه العجالة التطرق لكل أفكار سامحته(رض) حول االجتهاد وما يتف ّرع عنه من قضايا وعناوين شتى ،ومن أراد االستزادة أكرث عن املوضوع فليطالع كتاب سامحته(رض) [االجتهاد بني أرس املايض وآفاق املستقبل]...
18
العدد 70
ر�أي
أيلول 2012
لكم إيل ّيكم ويل إييل فيفيان حنا الشويري وحلّق إييل عند ساعات الفجر األوىل بعربته الذهبية فوق سامء بالدي وهو عىل عجلة من أمره الستطالع التضاريس والطبيعة لريى مشهدا ً يؤسف عليه وتدمى له العيون والقلوب .كم هي كبرية خيبته وهي ما لبثت تتعاظم منذ سنني وقد بدأ يفقد كل أمل وكل تفاؤل مبستقبل أفضل .فالطبيعة خاصته يف تراجع مضطرد وعجزه يزداد رغم كونه أبا السنني وحامي الزمن والكون .فامذا ميكنه أن يفعل إزاء األعامل التخريبية للبرش؟ هو واحد أحد وحيد وهم كرث بعدد الرمل أو النمل ال فرق .هم مخربون ال ع ّد لهم وال حرص وهو ال حول وال قوة له .فعالً ،لقد عجز أمام جهل البرش املد ّمر! إنها يد مخربة يحركها إيل ّيكم ضد إييل .إيل ّيكم هذا الذي ابتدعتموه ،ينرش الخراب والدمار والحرائق يف الطبيعة ،يش ّوه ويس ّود املنظر ويح ّول الجنات اىل قبور يف كل مرة تقومون بتكرميه عىل طريقتكم يف مواسم األعياد .أما إييل فهو إله الحق والخري الحي ،القيوم ،مبدع الخلق والجامل ،إله النور والحياة ،هو إيل ّ والقيامة وال طاقة له عىل تحمل لون السواد ألنه نوراين ،شميس، ينري الكون والحياة. إيل ّيكم نهم ال يشبع من رائحة البارود والشحار والدخان املفسد للجو والبيئة وكلام أشعلتم الدنيا قال :زيدوين بعد، فهذه روائح تسكرين ،وأما إييل فهو يتوق لرائحة البخور واللبان والورود واألريج الذي ينبعث من الطبيعة الرطبة يف كل يوم يرشق عليها بأشعته ،ويالحق بنظره الثاقب فلول الطيور وأرساب الفراشات تنتقل بني جبال ووديان بالدي الخصيبة دون ورع من حدود اصطناعية رسمها الطامع املحتل. إيليّكم يطرب لصوت مدافعكم ومفرقعاتكم الصينية امللوثة للبيئة واملدمرة للرئة ويطرب لصوت صفارات إنذار شاحنات اإلطفائية املرسعة إلخامد الحرائق التي س ّببتها مدافعكم التي دفعتم مثنها من جيوب أطفالكم وصحتهم ،أما إييل فيتحسرّ عىل الوقت الضائع لهؤالء اإلطفائيني وللهدر الكبري للوقود التي تستهلكها شاحناتهم والتي تزيد التلوث تلوثاً واالختناق اختناقاً. رسه ساخرا ً من هبلكم الذي يحرق كل يشء إيل ّيكم يقهقه يف ّ حل بحفيداته يف سبيل إرضائه ،أما إييل فيدمع وينزف أملاً عىل ما ّ األشجار التي التهمتها نريانكم يف أحراشه وممتلكاته .فإييل بعكس إيل ّيكم ،البس الجلباب األسود ،إييل هو شجرة خرضاء ،نرضة ،موردة، ضاحكة وإسمه يدل عليه إذ يعني الشجرة ،شجرة الحياة تلك التي بدأت قصة الخلق معها منذ بزوغ أوىل الحضارات يف سوريا .وإييل هو نبتة الحياة الخالدة والتي ،منذ جلجامش ،ما زال البرش يتوقون إليها .إن اللغة التي نقلها أجدادنا ،أوالد إييل الحقيقي ،أبناء سوريا السوريون ،اىل أصقاع العامل ،ابتدا ًء من أرض اليونان وحتى أقايص األرض ،ما زالت تحتفظ بلفظ (إيل) يف التعبري عن الشجر ،ف()ela هي الشجرة باإلغريقية وليس أي شجرة ،بل هي الشجرة املقدسة وبتعبري آخر ،اإللهة .هي أثينة حامية املدينة والزيتون شعارها ومن هنا كلمة ( )huile/oilالتي تعني الزيت وهو املادة املستخرجة من الزيتون ( )oliveبالفرنسية ،والزيت هو النور والنور هو إيل/الله. تأملوا ،الله هو الشجرة مبعث الحياة! يتوسل إليكم أن ارحموين وك ّرموين مبا يرضيني وهو إن إييل ّ الحفاظ عىل ما ابتدعته لكم من جامل وصحة متمثلة بالطبيعة
الخرضاء ،أما إيليّكم فيقول :ال تردوا عىل هذا املسكني فهو يبيك عىل األطالل ويريد أن يرجعكم اىل عهد بدايئ وىل زمنه اىل غري رجعة ،عهد يسمى بداية الحضارة حيث كان اإلنسان يك ّرم الطبيعة ويتع ّبد لها ،جاعالً من كل عنرص فيها إلهاً ،أكان نباتاً أو حيواناً أو حجرا ً جامدا ً ،بينام أنا ،إيليّكم ،فأحثكم عىل مواكبة التطور الصناعي ومنتجاته حتى ولو كانت تحمل الدمار والهالك لكم ،استهلكوها وكام شئتم ودمروا كام شئتم ،فال وقت لديكم للعودة آالف السنني اىل الوراء حيث كان أهم تكريم إليل املسكني ذاك ،والذي كانوا يسمونه الجبّار ،هو زرع األشجار والعناية بالحدائق وتكريم آلهة املواسم بحيث كان لكل موسم إله يحميه .فمن له جلد بعد عىل تكريم الورود والزهور والعناقيد والقمح وغريها؟ وملاذا تك ّرم وهي متوفرة يف أكياس بالستيكية عىل رفوف املخازن وميكن الحصول عليها يف أي وقت كان دون االهتامم ملا يتكبده املزارع والفالح من عناء لتأمينها؟ من يأبه ملا يفعلون ،فنحن مستهلكون وحسب وندفع
مقابل ما نشرتي وكفانا هموماً أخرى؟! إييل يطالبكم بالعودة اىل الرتاث ،اىل الزمن الذي كانت تزرع فيه األشجار لتكرميه يف أعياده ،أما إيليّكم فام برح يردد :احرقوا ما تبقى من عرق أخرض حتى تكرب غابة الباطون فالناس بحاجة للمساكن ،أتنفس األوكسيجن أم الغازات السامة ،فام الفرق؟ املهم ان يعيشوا ليدمروا وحسب! إييل يطالبكم باحرتام مخلوقاته ورد االعتبار لها وتكرميها بشكلها الطبيعي الذي خلقها عليه ،وإيل ّيكم يقول :بل ح ّولوا الورود يف أعياد الوردية اىل أصنام حجرية واركعوا لعبادتها وأقيموا املراسم والصلوات واالبتهاالت والطواف لتكريم أصنامكم هذه واقطفوا األزهار لرتشوها عليها وإن مل تجدوا ورودا ً طبيعية ألن الطبيعة قد ماتت من جراء قتلنا لها ،فام من مشكلة فالورود واألزهار االصطناعية ال تشتيك من يشء بل برشائكم لها تشجعون الصناعة وتحيون االقتصاد .أما بالنسبة النعدام الرائحة فيها ،فال مشكلة أيضاً، رشوا عليها الكولونيا. إيل ّيكم يكره الحياة ويحب الجامد وكل ما هو صنمي الطابع، منعدم الروح ،أما إييل فيحب النبض الذي ينبعث من كل عنرص حي يف الطبيعة التي خلق ،فهو حيوي ال يعرف السكون ،يف حني
إيليّكم يعشق السكوت واملوت والعدم والفناء. إييل يحثكم عىل قراءة ما ابتدعه من فكر ويحثكم عىل العمل مبوجب تعاليمه وهي الثورة عىل الظلم والفقر واالحتالل والدمار، أما إيل ّيكم فقد ح ّجر الفكر والحضارة واالبداع ،فقعدتم تتعبدون للحرف مهملني الفكر ،فغدوتم يهوويني وسبتيني بامتياز ورحتم تحرقون الشموع تكرمياً للكتب وليس ملبدعها. إييل يحثكم عىل أن تتجمعوا إلحياء أعيادكم ومناسباتكم القومية والرتاثية وأن تتحلقوا حول قبولة النور وليس النار وهكذا تقوون باتحادكم وتستطيعون مواجهة أكرب قوة معادية ترتبص بكم وبأرضكم ،أما إيل ّيكم فيبث يف روحكم الحقد عىل جاركم كل بكيد جاره وإزعاجه قدر وابن بلدكم ويقول :تفرقوا وليع ّيد ٌّ املمكن وليذهب تراث أجداداكم الجامع واملو ِّحد للمجتمع أدراج الرياح فام يل ولآلخر؟ نفيس ثم نفيس ثم نفيس ،ما همي الجامعة ومصالحها فأنا فرد يل حريتي وكل شاطر بشطارته! إييل يرفع سيف الحق والعدل بوجه العدو وسيف ناره ال تنطفيء ويطرد أوالد األفاعي من بيت أبيه ويطالبكم بأن تسلكوا سلوكه ومتشوا بركبه ،أما إيليّكم فيطالبكم بعدم االكرتاث ملا يحدق بكم من خطر إلغاء وجودكم وتاريخكم، فام ه ّمكم التاريخ البايل والذي هو مجرد روايات ملفقة؟ فال تتعظوا وال تتداركوا ،بل غوصوا يف جهلكم اىل أبعد حدود الجهل وليذهب الوطن اىل الجحيم! حرائق ،شحار ،دخان أس��ود ،إط��ارات مشتعلة عىل ال��دوام ،ال ترى نريانها من كرثة السحب السوداء التي تتصاعد منها ،طرقات ملتهبة وأحراش متآكلة حتى ال نقول غابات فهذه العبارة مل تعد تصلح يف لبنان فام من غابة موجودة! نفوس سوداء وقلوب تعسة جامدة ،ال تتحرك األجساد التي تحتويها إال بأمر من الغريزة من أجل استهالك امللذات واألخطر بأمر من العدو الذي يأمر مستأجريه عرب التواتر والتويرت وغريه من أنواع التوتر العرصي بحرق بالدهم ،أرضهم وعرضهم بأيديهم ،ويروح يبث فيهم من نظرياته يف علم النفس مام ابتدعه مق ِّدس الغريزة ،الصهيوين األكرب ومد ّمر الحضارة والقيم وكل ما هو سامي ومتسامي ،املدعو أبو علم التحليل النفيس فرويد .أليس حق للبرش أن يعيشوا بحرية ودون قيد أو رشوط أو ما يسمى األنا األعىل ويطلقون العنان للغريزة كام يقول علم النفس الذي يحث عىل التنفس وعدم االختناق؟ وكيف ال نختنق ونحن مجربون كلنا عىل تكريم إيل ّيكم الذي ابتدعه لكم أرباب الجهل ،هؤالء السحرة املشعوذون ،أصحاب «الجالبيب السود» ،مس ّوقو املوت والجامد وأعداء الحياة والقيامة والتجدد؟ فإذا «أردت أن تقيض عىل أمة فاقيض عىل ثقافتها» ،كم يلتزم أعداء بالدي بهذا القول! لقد صلب من أجل أن تحييوا أنتم ،فلامذا ال تحيون؟ لقد صلب من أجل أن تسعدوا أنتم وتتنعموا بحياة كرمية وعزيزة ،فلامذا ال تسعدون؟ اىل متى يبقى إييل مصلوباً وينادي :إييل اييل ملا شبقتني؟ واىل متى أبقى مع إييل الحقيقي ذاك أردد :إييل إييل ،ملاذا شبقت بالدي وشعبها؟ ما أكرث حاجتنا لك اليوم! ارحمنا أيها الرحيم ،ارحم بالدي ،أشفق عىل شعبي فلم يعد بيننا وبني الفناء اال شعرة! استاذة الفنون و األثار يف الجامعة اللبنانية
العدد 70
أيلول 2012
كتاب
رميون شبيل تتعبه حرارة األضواء لويس الحايك عندما تقرأ رميون شبيل نرثا أوشعرا تجد نفسك يف غنى عن قراءة كثري من كتب األملعيني البلغاء الذين تستعذب مراجعة نصوصهم أحيانا ملا فيها من متانة لغوية مسبوكة مبعدن خال من متخصص بنحت اللغة ألنه شغوف بجامليتها ، الشوائب .فشاعرنا ّ لذا نجده بالغ الدقة يف تركيب العبارة والتأين يف تذويقها وتطويعها حس وحالوة نغم .ولكن نرثياته يف شؤون الوطن ،وعىل برهافـة ٍّ الرغم من متانـة تراكيبها ،تبدو غري بريئة من بعض الشوائب هل يف مضامينها وتخصيصا يف متوي ٍه وثوابت تحمل الكثري من ٍّ وعىس ...ما يدفعني اىل العودة إليه يف جولة أخرى علَّها توضح ما ثقب يف الذاكرة وما يف املخفي من التم ِّني والرت ِّجي يف إبداعه ، مكتفيا اآلن بفرز قليل من نتاجه الشعري وما أغزر هذا النتاج ! يف شعره يسيطر الصفاء والرباءة والوضوح فهو ينحت الكلمة قبل أن يصفيها من شوائبها يك تلبس حلّتها بجالل ووقار وتنساب مع موهبة صقلها مت ُّر ُس ُه الطويل بفقه اللغة فصارت ط ّيعة تسقط كحبّات لؤلؤ متجانسة يف إيحاءاته ورموزه . هنا أركّز عىل بعض قصائده ألن جرد إصداراته ،ومنها املنربية يف املناسبات الحميمة بك ٍّم وتواتر ال ينقطع ،يستدعي صفحات وصفحات من التحليل .فهو وعىل الرغم من غيابه يف الفرتة األخرية عن م ّد املكتبة األدبية بعطائه إال أنه حارض يف كل مناسبة ملهِمة يفيض فيها إبداعا بنرثه وشعره. يقول يف استهالل ديوانه « وطن الجراح « : شعري املعصور من بالـي َ / إليك أرفعـه يا موطني كوب دمي َ ُ الغالـي َ بعض ذرى /وليس شعري إالّ َ َ حـَ َمل ُْت ُجر َحك يف صدري فكان ً أثقايل . هذا االهداء الجميل بثنائيته الرائعة ،توحي طالوة نغمه ،ان النظم موهبة تسقط عىل الشاعر من الالوعي حتى يف الرباعيَّات التي ال جهد يف ايجاد قوافيها . ولكن ،وبعد قراءة قصائد ديوانه هذا ،ينقلنا معه اىل مرابع عبقر فنشعر أن رائيها كان أبدا حارضا يض ّخ الوحي عليه ويلقنه شعرا مليئا بالطرب ،شعر نهري يف انسيابه كجداول لبنان ال تعسرّ وال وعورة يف مسالكه وال خلل بإضافات أو جوازات . يقول يف قصيدة بعنوان « أرض من املجد « تذكرنا بفخريات بلغت أوجها يف الشاعرية وال ِك رَ ِب لدى من سبقوه من فحول الشعراء : أنت ق ّدت من ذرى املجد ِ /أم ذروة الـمجد ض ّمتها أصخر ٌة َ يد الخلد ِ يا توأم الدهر ،يا اسطورة سجدت /لك العوامل تستجديك ،تستجدي شمس فجر التواريخ ،والحرف الذي انبلجت ،من نار كوكبه ٌ ، بال ح ِّد ومن رثائية يف قصيدة بعنوان « بريوت ...تغرق يف النار « يرقى الوصف اىل قمة التألق : فانشق ثغر املدى ...واهت ّز كوكبه /وسال صوتٌ من األضواء ينطلق ويف « الشتاء الغضوب « ببائية رائعة مكللة برموز شمس صيفية ،تفيض أريحيته ببوح صادق ملأساة الحرب التي عاشها اللبناين يف وطنه وخارج وطنه :
والشمس ، ماذا تقول لنا يف س ّحها السحب / ُ تنتحب بني ضجيح املوج ، ُ والربق ينهش لحم الجو يف غضب ٍ /والرعد يزأ ُر ...واألرياح تحرتب ؟ يا أيهذا الشِّ تا ،يا ضاربًـا ٍ بيد /من الحديـد يضطرب ليس ُ ،ربي ًعا َ ال تحاول ، ،وأنت تقرأ رميون شبيل ، أن تكمش عبارة ،وإن مبتكرة ،خارجة عن صحيح العربية وسالمتها وليس لها جذو ٌر لدى كبار الشعراء ،وباألخص يف العرص العبايس . أ ّم��ا األوزان الحديثة التي نظمها واعتمد فيها النوطة املوسيقية ،دون التفاعيل التقليدية ،فقد طغت عىل قصائدها هواجس مثقلة باألوجاع ،مشاعر إنسان عاش مأساة الحرب وتفاعل معها ،فجاءت عناوين قصائده متامهية مع مضامينها ،فمن /زم��� ّردة /اىل /سيوف الخريف امل��ع��رب��دة /وضمري الكربياء ووطن الجراح /وأموت / يقول يف إحداها بعنوان « فقري الحرب « : عىل رصيف البؤس ،مل ّا ْ ينتعل األرضا يزل ُ / من نفق الحرمان ...ما يبتغي /من يعلك امل ّر من ساخر الحياة ... كم درهمٍ /يذلّل القهرا ؟! إنها ِقم ُة اإلبداع يف وص��ف الفقري البائس بكل ف��ك��أن ال��ب��ؤس ّ أشكاله كان مصدر الهام لشاعرنا ومل الحب أن يجاريه وال ترانيم صلواته الربيئة ،ألن يستطع ّ رميون شبيل : ِ | عىل طباعه /تطفو رشارة بريئَ ْه /ولغري ربّه وأرضه والشعر والكتابة ال ينحني جبينه / هواجيس قلق ٌ /يحمل يف جناح ِه مصباح ُه /ويف جراح ِه ٌّ أفرا َح ُه /يحمل يف عروقه السال ْم / ويحمل الرجاء | . ُ والشمس والغامم ْ هذا الشاعر وغريه من املبدعني عتِّ َم عليهم ألنهم كانوا خارج البث اإلعالمي الذي صنع وال يزال يصنع األدباء والشعراء .وما يصح إالّ الصحيح ،وما دامت هم ما دام ،يف آخر املطاف ،ال ّ الوسيلة عاجزة عن إيصال العاجزين اىل القمم .فكم من مدارس وجمعيات وعصابات مل تفرز سوى قلة من الكتاب أقبل عليهم القارئ ونبذ اآلخرين ! أخريا ،ال ب ّد يف تحليل شاعر كثري العطاء ،جبلت قريحته بأصالة النغم حتى صار النظم عىل لسانه فيضا جارفا ال يتعرث وال يكل وال يسرتيح ،ال بد من كشف الغطاء عن إبداعه يف عودة ّ تفيه حقه.
19
20
العدد 70
قامو�س
أيلول 2012
يف نحت املصطلح وتحرير املعنى: القومية الحاكمة والقومية الكامنة عادل سامرة
تناقش هذه السلسلة مفاهيم ومصطلحات ،وضعتُها لدي واستخدمتُها عىل فرتات متفاوتة ،وال ازعم أنها ثوابت ال َّ شخصياً وال لدى الزمن .ولكنها محاوالت إلعطاء معنى ألحداث وموضوعات وحتى ملفردات تتطلب ذلك .ليس هذا نحت لغة أخرى مثالً كام زعمت النسويات الراديكاليات بخلق لغة ضد ذكورية فاصطدمن بحائط أدى إىل الصلع الفكري ،وال كام يزعم من يتهربون من الفكر الشيوعي بتهمة أنه –اورويب -فريفضون أدواته يف التحليل ويحاولون خلق أدوات أو لغة أخرى ،نحن بانتظار إنتاجهم! اللغة نتاج البرشية ،والعربة يف تحميل املعنى وتحرير األدوات. هذه محاولة لتحرير املعنى من أجل تحرر اإلنسان ،هي إعالن انفالت اللغة وتحررها من قيود فُرضت عليها سواء من مفكرين/ ات أو مؤسسات ،اي خروجاً عىل التعليب .وعليه ،فهذه املعاين مفتوحة سواء عىل تطورها /تطويرها من الكاتب او اي قارىء.
القومية الحاكمة والقومية الكامنة
بينام يُقر مختلف املفكرين والساسة باملرحلة القومية كمرحلة تعربها مختلف األمم يف فرتات زمنية متفاوتة من حيث فرتة دخولها او امتدادها أو كونها أمامً قدمية (الصني ،الهند ،العرب، الفرس) أو ُمح َدثة (الواليات املتحدة ،كندا) ،ليس من السهولة مبكان توفر إجامع ال عىل تعريف القومية وال ،بشكل خاص ،عىل املوقف منها .لكنها تبقى مرحلة يف تطور الفكر السيايس. تكمن أهمية املسألة القومية أنها تخص األمة بأجمعها، وبالتايل هي مختلفة من حيث عالقتها باملجتمع املحدد عن الكثري من النظريات التي ميكن أن تبقى يف املجرد وبالتايل ليس رشطاً أن يتعاطى املواطن معها أو ميسه كثريا ً تعاطي مواطنني آخرين بها. نقطة نقاشنا هنا يف اتجاه آخر ،يف مامرسة االنتامء القومي عىل اساسه الطبقي وتحديدا ً ما يزعمه الكاتب بأن أساس املوقف القومي هو طبقي .ومعروف بالطبع أن مجرد مناقشة املسألة القومية من مدخل طبقي هو أمر جديل جدا ً ،يُثري نقاشاً ويثري زعامً بالتباس فكري وحتى تُهامً بالخلط. لقد اش��ار ماركس إىل هذه املسألة فيام يخص التجربة األوروبية الغربية أو ما سمي عرص القوميات .حينها ارص عىل أن القومية سالح بيد الربجوازية .وكان هذا االستنتاج طبيعياً لسببني عىل األقل: · األول :ألن للطبقة الربجوازية مصلحة يف السيطرة عىل السوق القومي من أجل تسويق بضائعها يف سوق محمية لها. وهذا بالطبع رغم تبني األنظمة الراساملية هناك الشعار اليلربايل املزيف حرية التجارة .طريف هذا املوقف املستمر حتى اليوم، اي التغني بحرية التجارة إىل جانب التمسك العميل بالحامية! وهذه واحدة من أكاذيب راس املال الكربى ولكن املحاطة بهالة من خطاب بليغ مزيف. ·والثاين ألن الثورة الصناعية ،ويف سياق تطورها التقني دفع بالربجوازية للبحث عن اسواق خارج السوق املحيل سواء للتصدير
أو للبحث عن املواد الخام وتصدير رأس املال ،واليوم تصدير راس املال العامل اإلنتاجي...الخ ،األمر الذي أدى إىل حروب ب ْني- أوروبية يف منتهى الوحشية عىل املستعمرات وبالطبع ضد شعوب املستعمرات ايضاً لتكون مرحلة االستعامر الراساميل الغريب األكرث دموية يف التاريخ ،وقد يكون لنا الزعم بأن اإلنسانية لن تسمح الحقاً مبثلها .من أجل هذا كان ال بد للربجوازية أن تستخدم الشعور القومي لدى الطبقات الشعبية وكأنها تدافع عن األمة، وهو استخدام خبيث ال يسمح ببساطة بأن يرفضه احد حيث يبدو كمن يتوىل يوم الزحف! يف حني هو مجند للحفاظ عىل نهب الربجوازية لألمم األخرى. من الالفت أن ما س َّعر الحروب األوروبية/األوروبية كحروب أوروبية/أوروبية وحروب يف املستعمرات عىل هذه املستعمرات هو أن مستوى التطور االقتصادي وتحديدا ً الصناعي يف أوروبا الغربية كان متقارباً وال يزال وهو ما خلق دافعاً للتصارع عىل األسواق. وهذا يفتح عىل مسألة هامة لدى االقتصاديني يف مدرستي التبعية والنظام العاملي اللتني تتقاربان يف قرائتهام ألسباب لُحاق اليابان بأوروبا ومن ثم االستنتاج بأن« :ال يابان بعد اليابان»، مبعنى أن أوروبا لن تسمح بتطور مناطق أخرى راساملياً ،أي سوف تحتجز تطورها ،وأن اليابان أفلتت يف ظرف خاص ،ولذا ميكننا تغيري هذا االستنتاج ،عىل ضوء التطور املتوازي ألوروبا الغربية بأن
يلعب االستعامر والتخلف والتبعية دوراً بارزاً بل حاسام يف تطور املسألة القومية يف املستعمرات هذه األنظمة مبا هي متثل الربجوازية الكمربادورية العربية التابعة هي متثل القومية الحاكمة التي هي ُقطرية جوهرياً ومعادية لألمة العربية والوحدة والتطور والتكامل االقتصادي العريب قرار أوروبا هو « :ال أوروبا بعد أوروبا». يلعب االستعامر والتخلف والتبعية دورا ً بارزا ً بل حاسام يف تطور املسألة القومية يف املستعمرات .فإذا كانت أوروبا الغربية قد تطورت اقتصاديا ومن ثم اجتامعيا بدرجة كبرية من التمحور عىل الذات والتحكم بالفائض وتحقيق معدالت تشغيل عالية ،وتوفري أجور مقبولة حياتياً وليست بالرضورة مقبولة من حيث كونها
أجورا ً اي نتاج استغالل ،فهذه أمور مل تتواكب مع املد القومي يف املحيط. فاالستقالل القومي للمحيط كان بشكل اسايس استنهاض الثقافة القومية والهوية القومية ملواجهة التحدي الذي يتخذ شكال قوميا ورمبا دينيا ثقافيا بينام هو اساساً اقتصادي بأدوات عسكرية وثقافية وهدفه الرتاكم اي نهب فوائض بلدان املحيط وحتى ثرواتها الطبيعية. لذا ،ما أن طُرد املستع ِمر سياسياً حتى واجهت البلدان املستقلة حديثاً معضلة أن االستقالل سياسياً فقط .حينها عادت كل طبقة للبحث عن مكانتها االقتصادية فكان لهذا تاثريه الطبقي الحاسم عىل املسألة القومية وخاصة يف الوطن العريب. حتى اليوم عىل األقل ،مل يُعلن نظام حكم عريب أنه ضد القومية العربية ،ولكن معظم هذه األنظمة مارست مواقف عملية ضد الوجود الجسدي للشعب العريب ودخلت حروباً يف واستخدمت جامعة الدول ذيل املستع ِمر لتدمري قُطريات عربية َ العربية لتربير هذه الحروب والستدعاء الناتو لتدمري قطريات عربية كام حصل ضد العراق 1991و ،2003وضد لبنان حينام طلبت ثالث دول عربية من الواليات املتحدة والكيان الصهيوين اإلشكنازي مواصلة العدوان عىل لبنان لتدمري وتصفية حزب الله، واستدعاء الناتو لتدمري ليبيا كام حصل ،واالستامتة اليوم 2011و 2012لتدمري سوريا. ملخص القول أن هذه األنظمة مبا هي متثل الربجوازية الكمربادورية العربية التابعة هي متثل القومية الحاكمة التي هي قُطرية جوهرياً ومعادية لألمة العربية والوحدة والتطور والتكامل االقتصادي العريب ومع ذلك تزعم أنها قومية ومن هنا كان طبيعياً وصفها بالقومية الحاكمة التي هي جوهرياً قُطرية. ويف الجانب اآلخر ،فإن انتامء الطبقات الشعبية القومي هو االنتامء الحقيقي ،ولكنه كامن مبعنى أنه ممنوع من التعبري عن نفسه دميقراطياً مبعنى أنه لو كان له حق االختيار الختار الوحدة العربية .فام هو املانع الذايت الذي مينع عامل بال عمل يف مرص من العمل يف الخليج! إن توسيع شبكة تشغيل عربية يخلق طبقة عاملية موحدة ويشكل قاعدة طبقية للمرشوع االشرتايك العريب، وهذه قوة القومية الكامنة ومصدر الرعب للقومية الحاكمة. تشكل املصلحة املادية الحياتية واملستقبلية للطبقات الشعبية العربية والتي مآلها إىل االشرتاكية والوحدة عامالً بل التطوير العرصي والطبيعي ملختلف أسس تكوين األمم ،مبا هو العامل األكرث دينامية اليوم وهو املصلحة املادية للطبقات الشعبية يف الوحدة أو االتحاد العريب ألنه يُعيد إليها حقها يف الرثوة العربية التي تتقاسمها أنظمة القومية الكامنة ،وإن كان تقاسامً ال متكافئاً، مبعنى ان ما تحصل عليه أنظمة العجز العريب ال يساوي شيئاً مقارنة مبا تحصل عليه دول الريع النفطي ولكن الطرفني ينهبان حقوق األمة وخاصة حقوق الطبقات الشعبية كل طرف حسب فرصته .وبالطبع فإن ما يحصل عليه حكام النفط من ريع هو األقل مقارنة مبا تحصل عليه الرشكات النفطية الغربية. بقي أن نشري إىل أن أكرث طبعات القومية وضاعة هي ما نسميه املوجة القومية الثالثة ،والتي هي تصنيع من أنظمة املركز الراساميل مستخدمة كمربادور املذاهب واإلثنيات والطوائف.
العدد 70
أيلول 2012
�إيزوترييك
21
علوم اإليزوترييك: الحلم حياة ثانية يعيشها املرء خالل النوم... ندى علم الدين الحلم ...واقع لطاملا شغل بال الكثريين ،فتساءلوا عن ماهيته وأبعاده ...وكرثت حوله املفاهيم والتفاسري .الكل يحلم ،ولكن هناك َمن يتذكر شذرات من أحالمه وقد يلجأ إىل تفسري املنجمني ليفهم أحالمه ،وهناك أيضاً َمن ال يتذكر شيئا من أحالمه فيعتقد أنه ال يحلم...
بقى مفهوم فرويد للحلم سارياَ اىل أن جاء كارل يونغ ،وهو تلميذ فرويد ،وأعتق الحلم من كابوس الجنس والكبت .يرشح رس من ارسار النفس البرشية ،ما دعاه للغوص يونغ أن الحلم ٌ عميقاً يف النواحي الخفية يف االنسانُ ،مشيّدا ً جرسا ً حقيقياً بني العامل املنظور والعامل الالمنظور محدثاً نهض ًة نوعية يف علم النفس. لقد كان يونغ أ ّول من اعترب أ َّن األحالم ترمز اىل حقيقة خربات املرء السابقة عىل األرض والتي انطبعت بدورها يف وعي الباطن
ما هو معنى الحلم وما هو رسه؟! وكيف يجب أن يفهمه ويتعامل معه املرء؟! هل ينبئ الحلم صاحبه باملستقبل؟ وهل يستطيع الحامل التحكم بأحالمه؟! لعل من أكرث العلوم األكادميية التي سعت دوماً اىل تحليل واقع األحالم والنوم هو علم النفس ،وذلك بغاية فهم الشخصية الفردية وما يكتنفها من غوامض وأرسار. إن سيغموند فرويد ،وهو أحد أشهر املحللني النفسانيني، اعترب أ َّن الحلم وسيلة عالجية للكشف عن خبايا الوعي اإلنساين، وإحدى ركائز التحليل النفساين .كام أ َّن الحلم ،بحسب فرويد، هو وسيلة لتحقيق رغبات املرء التي تعود إىل طفولته وترتبط بالنواحي الجنسية والعدائية التي تم كبتها يف وعي الباطن.
لديه ،لتظهر يف وقت الحق يف أحالمه فتكشف بذلك حقيقة الرصاع القائم بني الذات الحقيقية والقناع املتمثل بالنفس البرشية ...ويضيف يونغ ان تفسري األحالم يساعد املرء يف إعادة التوازن إىل حياته من خالل فهم رسائل وعي الباطن التي تبثّ اليه عرب األحالم. مام ال شك فيه أ َّن يونغ قد نجح يف كشف بعض ما خفي من واقع الحلم ...لكن ما هي حقيقة الحلم؟! وكيف ميكن للمرء اإلستفادة عملياً من أحالمه؟! هنا ،ال بد من العودة إىل علوم اإليزوترييك -علوم باطن االنسان التي تعنى بتوسيع وعي االنسان يف مختلف مناحي الحياة -بهدف اإلسرتشاد مبعرفتها اإلنسانية السامية .تفيدنا علوم االيزوترييك وتؤكد أن «األحالم حقيقة وحياة ثانية يعيشها كل
برشي عىل وجه األرض .الحلم هو اللغة املشرتكة والالمحسوسة بني البرش قاطبة .إن اإلفادة الحياتية من األحالم هي يف حل رموزها وإدراك املغزى الذي تهدف إليه والخاص بكل شخص مبفرده ،وذلك يف إطار جديد ال دخل له بالتكهن وال بالتنجيم. الحلم هو مبثابة شاشة تعكس حالة صاحبه ،نفسيته ومستوى مداركه» .هذا ما ورد يف كتاب االيزوترييك الخامس والثالثني «األحالم والرؤى» بقلم ج ب م ضمن سلسلة علوم اإليزوترييك، والتي فاقت الخمسني مؤلفاً حتى تاريخه ،وباللغات العربية والفرنسية واالنكليزية واالسبانية أيضاً. لفتني تعريف علوم اإليزوترييك للحلم ،إذ هي توضح أن اإلنسان يحوي طبيعتني ،األوىل مادية (منظورة) والثانية المادية (غري منظورة) وتُعرف بأجهزة الوعي وهي الجهاز األثريي أو الهالة األثريية (أو Bioplasmaبلغة العلم) وهي تحيط بالجسد ،يليه من ناحية مستوى التذبذب الجهاز الكوكبي الذي يحوي املشاعر واألحاسيس ،ثم الجهاز العقيل ال��ذي يحتوي عىل الفكر بشقيه البرشي واإلنساين ،ومن ثم جهاز املعرفة (املحبة) ،يليها جهاز اإلرادة ،وأخريا ً جهاز الحكمة (الروح). فالحلم كام يوضح اإليزوترييك ،هو نتيجة انطالق أجهزة الوعي السابق ذكرها أثناء نوم الجسد إىل طبقات وعيها للتعبري عن مكنوناتها ،حيث تخترب أجهزة الوعي تلك -والتي تشكل الكيان الباطني يف االنسان -واقعاً جديدا ً يف ما وراء الجسد املادي. تؤكد علوم اإليزوترييك -علوم أنسنة االنسان -أن الحلم ليس وهامً أو خياالً ...وتستفيض يف ترشيح أنواع االحالم التي تعكس حالة املرء النفسية .فمنها ما يسرتجع املرء خاللها صور بعض ما صادفه خالل النهار .هذا النوع املذكور من األحالم هو عامل يختلقه خيال الشخص لنفسه ليحيا فيه ويحقق ما مل يستطع تحقيقه يف أثناء اليقظة (وهنا فقط يكون الحلم نتيجة كبت الرغبات) .أما األحالم التي تكشف ماضياً أو تنبىء رؤى! والرؤيا تختلف عن مبستقبل ،فهي ال تعترب أحالماً بل ً الحلم ألن الرؤيا هي رؤية الحقيقة كام حدثت أو ستحدث فيام بعد... إ َّن أهم ما تشدد عليه علوم اإليزوترييك هو حقيقة أن «الحلم رسالة خاصة بصاحبه» ،لذلك فالشخص نفسه هو األقرب اىل فهم تلك الرسالة أو العربة التي يحملها له كيانه الباطني عرب الحلم. خالصة القول ،الحلم هو أهم من رسالة شخصية لصاحبه ،بل هو الحياة األصل للكيان اإلنساين .هو بوابة عبور مبارش إىل عامل الباطن يف اإلنسان لإلطالع عىل كوامن النفس البرشية .أما تجاهل هذه الحقيقة ،فيعني تجاهل كلية الحقيقة الكامنة داخل العامل الشاسع املسمى اإلنسان! وإذا عاش املرء يف متاهة الظروف التي تضيع فيها معامل النفس البرشية ،يغدو بعيدا ً ليس عن حقيقة الباطن يف كيانه فحسب ،بل عن أحالمه وآماله وحتى عن أسباب آالمه .وهذا هو أقىس شعور بالغربة ميكن أن يعيشه إنسان عىل وجه األرض! www.esoteric-lebanon.org
22
العدد 70
نوافذ
الغربــال شعراء يف السجن
د.عاطف خليل الحكيم
ملاذا سجنت مرص أحمد فؤاد نجم؟ شعراء يف السجن ملاذا نفت العراق مظفر النواب؟ شعراء يف السجن ملاذا طاردت سوريا نزار قباين؟ شعراء مرص يف السجون وشعراء العراق منفيون وشعراء سوريا فارون وشعراء االردن نامئون باختصار شعراء العرب يدخنون الحشيش والصبيان يطاردون شعراء العرب ساملون ساملون ال يعني أنهم مكرمون إنهم ما دون العارشة يقتلون يقتلون عىل طريقة القيرص أو عىل نهج يشوع بن نون فقط يف لبنان وألن لبنان ذو وجه عريب الشعراء يغتالون وقبل أن يغتالوا يقتلون وقبل أن يقتلوا يغتصبون وملاذا يغتصبون ويغتالون ويقتلون؟ األوفر أن يخو.قون يحتج الحاكم: ّ لقد قتلناهم ،فكيف يحي ّون؟ لقد صلبناهم ،فكيف يقومون؟ لقد نفيناهم ،فكيف يرشقون؟ لقد أحرقنا الرتاب ،فكيف يولدون؟ لقد قتلنا بشري عبيد فولد ألف بشري ٍ وألف بألف ولد من اإلعالم اغتلنا وسيم زين الدين وألف وسيم من األنقاض قام أعدمنا سعادة فولدت أجيال الدنيا يف عام غفلنا الزمن وقتلنا حسني مروة وأرشق ألف حسني يف الكامل والتامم رسقنا املكان وقتلنا صبحي الصالح ويف املكان قامت قيامة عامن وبغداد والشام ونحرنا بقصد خليل حاوي وقبل النجمة يستقبلنا خليل سالم سالم وطع ّنا خرص السالم ومن الخرص انحنى السالم
قتلنا وقتلنا وتقدم خطوة املوت ومثله تقدم الكالم
نقتل ونقتل حتى لو انقرض اإلنسان فالحجر اإلنسان فالحجر يتشبه إنساناً يتكلم إنسان يثور إنسان نقتل ونقتل وجائزة االغتيال حصدها لبنان لبنان ،لبنان ،لبنان سيد القتل لبنان أمري النفاق لبنان ملك املقت لبنان وملاذا لبنان؟ سلوه أمل يقتل عن فلسطني ناجي العيل؟ أمل يقتل عن فلسطني كامل يوسف وكامل عدوان؟ أمل يقتل عن الشام كامل خري بك شقيق النعامن؟ لبنان لبنان يتنفس القتل لبنان يعيش للقتل نحن نتقن فن القتل نحن نصنع الكذب ونحدِّ ث نحن نخ ّرب الزمان ونخرب املكان ونقدم خدماتنا باملجان ملن أراد أن ميوت نحن يف قرنة الزمان اتصلوا بنا عىل هذا العنوان واستلم لبنان جائزته من البوم ممثالً الغربان نقتل ونقتل ما من أح ٍد فوق الغربال الكل تحت الغربال ورمبا كانت واسعة عيون الغربال نحن نقتل باسم كويف عنان نقتل ...لكل موال ولكل أعامم ولكل أخوال بعضنا يعرج جنوباً وبعضنا يعرج شامل وكلنا يخ ّر عىل وجهه
ونقبل النعال نضمر شيئاً وننفذ غريه ونعرف كيف نعطل االعامل ساديت، األعامل ليست بالنوايا األعامل باألفعال نغتال ونغتال والساكت عن الحق شيطان أخرس ما أكرث الشياطني! الكل شياطني ما أكرث األنني! هل سمعوا األنني أم يف آذانهم أجراس؟ رنني ،رنني ،رنني هل رأوا العنني؟ هل عىل عيونهم نحاس؟ إنهم مناكيد أنجاس إنهم الوسواس الخ ّناس لهم اللعنات ولنا نحن الشعب أسافني أسافني أسافني أسافني أسافني للواقفني أسافني للقاعدين أسافني لألصحاء وأسافني للمقعدين واستنفر العقالء ونحن...؟ واستنفر املجانني قالوا: والساكت عن الحق شيطان أخرس نقتل ونقتل طار الحاممّ ، غط الحامم الغرب مييض اىل أمام و»خي» اىل ٍ خلف مييض بنا اإلمام! طار الحامم ّ غط الحامم ال توجد منطقة محايدة يف دولة ال ِحامم ال توجد منطقة وعىل الحياة قل السالم طار الحامم مساكني العرب يعيشون عىل األوهام أوهام أوهام ،أوهام أوهام مساكني العرب ال يعرفون ...وأيضاً متوت األحالم طار الحامم ّ غط الحامم
أيلول 2012
نقتل ونقتل وأقبح من الذنب األعذار ونكذب متوز ونقتل ترشين ونطعن آذار ونقتل العقل وللجهل نقيم مزار مزار ،مزار ،مزار ،مزار نحقن النفوس ونشحن األرواح فتندلع الحرب وحني تندلع نرصخ :كذب نار نقلع بساتني الغار ونزرع بدالً عنها أشجار العار عار ،عار ،عار ،عار يف الرشق ظهر التيس نب ّياً نبي يشفي كل األمراض ٌّ فهل نطلق عليه املار أم نطلق عليه البار؟ بار ،بار ،بار ،بار واقبح من الذنب األعذار نقتل ونقتل من جرب مجرب كان عقله مخرب دار امللك خراب دار الفخامة خراب دار الحكومة خراب لكل دار إما بوم ،وإما غراب غراب ،غراب ،غراب ،غراب نقرأ يف الرمل املمحي ونكتب واألقالم ِحراب كالمنا أضغاث أحالم وغايتنا رساب رساب ،رساب ،رساب ،رساب نعرص الحمري ونرشب بول الحمري رشاب نشرتي «حكامء صهيون» ونرفض مجاناً الكتاب كتاب ،كتاب ،كتاب ،كتاب ال نقرأ الكتاب ونقول :يف كتابنا لكل سؤال جواب ونحكم عىل اآلخر بالجهل من كلفنا لنكون عن الكتاب ن ّواب؟ نواب ،نواب ،نواب ،نواب من جرب مجرب كان عقله خراب. باحث وأستاذ يف الجامعة اللبنانية
العدد 70
أيلول 2012
«العلم نور»
«حب بطعم القهوة» ٌ صدر عن دار ابعاد للنرش كتاب «حب بطعم القهوة» للشاعرة جامنة معالوي ،وهي التجربة االوىل للشاعرة. تقول الشاعرة يف افتتاحية كتابها :ألنني ال أحب الصباح دون قهويت املرة ،ألنني أتلذذ سخونتها املستفزة وألين بها استعيد طاقتي لبدء نهارايت امللفوفة بأرشطة الهدايا السوداء منها والبيضاء ..وألنها تذكرين فيك وبطعم حبك اخرتت عنوان ‹›حب بطعم القهوة›. كتايب ٌ جمانةمعالوي
هيامرأ ٌة تهوىسفرالبخار يفحاممٍ ساخن وشمعة... تتلذّذبتسلققطراتاملاء عىلذلكالحائط بنيتلكالظالل...
حببطعمالقهوة ٌ
صدر حديثاً كتاب «العلم نور» للمؤلف غسان املعلوف وقدم له كل من الدكتورة فيفيان حنا الشويري والدكتور عاطف خليل الحكيم .والكتاب من الحجم املتوسط يقع يف 188صفحة ويتضمن جملة من النصوص النقدية اإلجتامعية والسياسية والقضايا التي متس الحياة املعيشية والوطنية. أهدى الكاتب عمله هذا اىل ابنه سامي املقيم يف املهجر ومن خالله يبث لواعج قلب األب واشتياقه لعودة ابنائه اىل الوطن .وال يقترص الوطن عند املعلوف عىل رقعة ضيقة بل يتعداها اىل الوطن األكرب ،اىل سورية الحبيبة كام يسميها ويستعرض مسرية حياته العملية عىل مساحة هذا الوطن الشاسع يف نظرة شمولية موحدة جامعة وقومية ملتزمة. الكتاب صادر عن دار الحداثة وطباعة مطبعة شمص، بريوت .وهو كتابه الخامس بعد سلسلة كتب هي :خواطر،1 خواطر ،2خواطر ،3وكلامت.
ا�صدارات
23
جامنةمعالوي
حببطعمالقهوة ٌ
«سَماَ نَ َغ ْم َو ْرد»
جامنة معالوي ،ميمس 23شباط 1984 تعمل كأخصائية برصية يف كان ـ فرنسا منذ العام 2007 متارس عمل املرسح كهواية يف collège international de Cannes منذ العام 2007ولها عدة عروضات يف هذا املجال.
حببطعمالقهوة،تجربتهااألوىل ٌ يفعاملالشعر... �شعر
شعر
«لني وحنني» صدر عن دار نلسن للنرش والتوزيع « مرسوايتان» بعنوان «لني و حنني» للكاتب باسل بديع الزين.الكتاب هو تجربة جديدة عملت عىل دمج الرواية باملرسح فحول «زين» بطالت الرواية لني و حنني إىل بطالت مرسح.
«البيت ـ العائلة» بعنوان « البيت ـ العائلة» أصدرت دار نلسن للطباعة والنرش رواية للكاتبة منى رشيف قيس.تنقب الرواية عن أساسات بنيان البيت يف قرارة كيان العائلة .كام تتطرق إىل موضوع الزواج والغربة بكل ما فيها من حنني إىل البيت األصيل.
«نظريات فلسفية حول املوت» صدر عن دار نلسن للنرش والتوزيع كتاب « نظريات فلسفية حول املوت» للكاتب وفيق غريزي.يرصد املؤلف يف هذا الكتاب النظريات الفلسفية حول املوت منذ ما قبل سقراط حتى نيتشه وفرويد و هيدغر دون ان يغفل ما قاله الرتاث العريب يف هذا املوضوع .الكتاب هو رحلة معرفية عقالنية بني املادة والروح ،الحقيقة والخيال ،القدر والحرية ،الحضور والغياب ،الحياة واملوت.
«سماَ نَ َغ ْم َو ْرد» هو عنوان الرواية التي صدرت حديثاً َ ضمن سلسلة علوم االيزوترييك بقلم املهندسة ندى شحادة مع ّوض .تضم الرواية 112صفحة من الحجم الوسط، منشورات أصدقاء املعرفة البيضاء ،بريوت. تتناول هذه الرواية قصة ثالث فتيات انتس َنب اىل علوم باطن االنسان وانتهج َن درب املعرفة .لكن تط ّوره َّن مل يكن عىل املستوى املطلوب ،فارتأى املعلم أن مينحه َّن فرصة أخرية لترسيع تطوير وعيهنَّ ،فح ّوله َّن اىل طالبة ايزوترييك متقدّ مة تولّت مسؤولية إرشادهن اىل ما فاته ّن عىل مسار املعرفة ،ومل يخل األمر من مفاجآت... الفتيات الثالث ه َّن َسماَ ونَ َغ ْم و َو ْرد ،وكل واحدة منه َّن تتمتع بصفات وخصائص تختلف عن االخرى ،ليس بسبب تفاوت الخربات الحياتية والشخصية واملهنية فحسب، إمنا ألن كل واحدة يختلف ترتيب والدتها بني إخوتها عن االخرى!!! تتناول الرواية تثقيفاً معرفياً لشحذ الذهن والفؤاد للصفات البرشية وفقاً لرتاتبية املواليد ،أو لألشعة البرشية اآلنفة الذكر ،عرب العمل عىل تسع نقاط هي 1- :النظام والتنظيم، 2العاطفة الدافئة 3- ،الذكاء 4- ،األناقة يف التعبري وأهميةالتواضع 5- ،الثقة 6- ،الطموح واملسؤولية 7- ،اإلرادة الفاعلة 8- ،الرقة واملثابرة يف العمل 9- ،اللُّحمة والثبات .كام وتبحث الرواية من خالل النقاط التسع ،يف الصفات السلبية أو نقاط الضعف للشخص ،من منطلق تراتبية والدته (أي من منطلق شعاعه البرشي) ،التي متنع النفس أو تجعلها تفشل يف تحقيق ما تبحث عنه من تطور وسعادة وصحة جسدية ورفاهية عيش. فام هو مصري سام ونغم وورد ،وكيف سيكتشفن الصفات السلبية يف نفوسهنَّ ،وكيف سيعملن عىل تنقيتها من رواسب سوء الترصف واملسلك الخاطئ ،وما هي املفاجأة «سماَ نَ َغ ْم َو ْرد» التي تنتظرهنَّ؟ هذا ما تتناوله روايتهن َ كدراسة سيكولوجية إجتامعية يف ترصفات النفس البرشية إمنا يف رسد مبسط وشفاف يستسيغه كل قارئ ومثقف.
24 العدد 70
2012 أيلولw w العددw . t a70h awolat.net
أيلول 2012
م�شهد
«إنبعاث اللون» بني حجارة التاريخ... تسرتيح االلوان والخطوط بني حجارة التاريخ حيث اختار الفنان يارس الديراين (رسام ون ّحات) إقامة معرضه املشرتك مع مجموعة من الفنانني الشباب يف قلعة قرصنبا التاريخية. «انبعاث اللون» هو عنوان املعرض الذي دعت اليه جمعية أبناء قرصنبا وتم افتتاحه برعاية وزارة الثقافة واستمر عىل مدى ايام ثالثة ،وأراد الفنانون املشاركون فيه تقديم الوجه الثقايف والفني ملنطقتهم التي تستحق املزيد من االهتامم ملا تزخر به من طاقات إبداعية وثروات تاريخية. قد يكون هذا الحدث نوعاً من «االنبعاث» األنيق بخطوطه والوانه يف بلد يُسلط فيه الضوء عىل بقعة مركزية فيام يتم تهميش بقاع أخرى منه .بدت القرية هي الخط االسايس للوحات املوزعة يف املساحة االثرية ،القرية بكل تفاصيلها وبساطتها وصفائها وناسها وما يختزنونه من احالم وحكايا ومناجاة ،وميكن للزائر تلقف االندفاع الواضح يف الريشة الشابة دون أن يغيب الخوف عن القامش لكن ال ضيرّ من املحاولة بنظرهم... أما العامل اآلخر املتخفي طي الظالل فقد ترجمه يارس الديراين يقص سريته التي تخترص عمرا ً كامالً والعني بأسلوب روايئ ،كمن ّ آلة تسجيل تحفظ التفاصيل وهو يشري اىل كل لوحة كأنها االمتداد ويقول »:أرسم بأصابعي أحياناً وأستطيع أن أترجم اللحن عىل القامش ،وما نعيشه اليوم ترينه يف لوحة «ثورات مستوردة» هذه الثورات التي تجلب لنا الخراب ،لكل خط دوره وأسعى أن أقدم صورة تربز ما وراء الظل يك ال يبقى السواد مسيطرا ً عىل العني والروح». يذكر ان الفنانني املشاركني يف املعرض اىل جانب الديراين هم رضا الديراين ،زينب التويني ،أوكسانا الديراين ،ناديا الديراين. ع .ح