العدد :72

Page 1

‫العدد ‪72‬‬

‫‪1‬‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫‪w w w. t a h a w o l a t . n e t‬‬

‫شهرية فكرية ثقافية‬

‫‪04‬‬

‫الرشق االوسط الجديد‬ ‫وسايكس بيكو رقم ‪2‬‬

‫‪08‬‬

‫استباقاً لحرب ارسائيلية عىل الجنوب ‪:‬‬ ‫املتحدات البرشية بدالً من الجيوش‬

‫العدد ‪72‬‬

‫‪14‬‬

‫أإلنسداد الثقايف يف تجمعات‬ ‫الرشق األوسط البرشية‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫‪ 24‬صفـحة‬

‫‪ 2000‬ليـرة‬

‫‪16‬‬

‫عبدة الشيطان‬ ‫واملخدرات واإلعالم‬


‫‪2‬‬

‫العدد ‪72‬‬

‫منرب‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫لبنان والخيارات املأزومة‪...‬‬ ‫زهري فياض‬ ‫ال ميكن فصل التطورات السياسية يف لبنان عن السياق العام‬ ‫لتطور األحداث عىل مستوى املنطقة بأرسها‪ ،‬فالحدث اللبناين مل‬ ‫يعد لبنانياً يف جوهر استهدافاته ومفاعيله املمتدة اىل املحيط ‪ ،‬كام‬ ‫أن الحدث الذي يشهده املحيط يرتك مفاعيل واضحة وتأثريات ال‬ ‫مجال لتجاهلها أو تفادي نتائجها عىل الواقع اللبناين‪...‬‬ ‫لذا فان أي قراءة متأنية ال بد لها – يف النهاية‪ -‬من األخذ‬ ‫يف االعتبار هذا التفاعل الدينامييك لألحداث عىل كامل‬ ‫الساحة القومية يف بالدنا‪.‬‬ ‫من نافل القول‪ ...‬أن تعقيدات الوضع القومي العام‬ ‫مرتبطة بتعقيدات الرصاع القائم وتشعباته واستهدافاته‬ ‫التي تطال –وه��ذا واق��ع‪ -‬جوهر البنية املجتمعية‬ ‫بنسيجها الشعبي واالجتامعي وحاضنتها الثقافية‬ ‫والحضارية‪.‬‬ ‫هذا –بالطبع‪ -‬ال يلغي حقيقة ال بد من االعرتاف‬ ‫بها‪ ،‬وهي أن «لبنان – الكيان « مصاب بتشوهات خلقية‬ ‫منذ والدته‪ ،‬أدت اىل كل هذا الضعف البنيوي الذي‬ ‫رافق تاريخه املعارص واستولد هذا الكم من أزمات‬ ‫سياسية واجتامعية متالحقة ‪...‬تبدت يف انفجارات‬ ‫سياسية وأمنية تجسدت يف أبشع صورها أبان «الحرب‬ ‫الداخلية» (الخارجية) التي بدأت يف العام ‪ 1975‬ومل‬ ‫تحط رحالها حقيق ًة يف العام ‪ ،1990‬ألن رشارتها ما زالت‬ ‫تتوقد يف جمر يرقد تحت رماد «التسوية « التي أرساها‬ ‫اتفاق الطائف برعاية عربية‪ -‬دولية‪ ،‬والتي انتهت –‬ ‫عىل ما يبدو‪ -‬صالحيتها يف العام ‪ ،2005‬عام التحوالت الكربى يف‬ ‫لبنان‪ ،‬الذي كان ايذاناً باتخاذ الرصاع املزدوج (لبنان واملحيط)‬ ‫أبعادا ً جديدة‪ ،‬وتفاعالت عميقة‪ ،‬بدأت صورتها تتظهر بعد اجتياح‬ ‫العراق عام ‪ ،2003‬وطفو «مرشوع الرشق أوسطية» الجديدة عىل‬ ‫سطح الربكان املمتد من العراق اىل فلسطني‪.‬‬ ‫اذا ً ال امكان واقعياً للفصل بني الحدث اللبناين وبني منظومة‬ ‫األحداث املتسارعة يف فلسطني والعراق وحالياً الشام‪ ،‬وهذا يغلب‬ ‫الرؤية القومية التي ترى عىل مساحة املنطقة «وحدة وتشابكاً‬

‫املدير املسؤول ‪ :‬رسكيس ابو زيد‬ ‫إدارة التحرير ‪ :‬زهري فياض‬ ‫سكرتري تحرير ‪ :‬أليسار نافع‬ ‫مدير التحرير التنفيذي ‪ :‬زاهر العرييض‬ ‫العالقات العامة ‪ :‬عائدة سالمة‬ ‫االخراج الفني ‪ :‬صالح املوىس‬

‫التنفصل عراه» يف معارك الحياة واملصري الواحد‪...‬‬ ‫ان الواقع اللبناين املستجد اآلن‪ ،‬هو امتداد لهذا الواقع‬ ‫التاريخي الذي حكمه ويتحكم به «الرصاع عىل الهوية» وما يتفرع‬ ‫عن هذا الرصاع من تداعيات ‪...‬‬ ‫واالنقسام السيايس الحاصل يف لبنان هو جزء من نسق‬ ‫االنقسام املوجود حالياً يف املنطقة بأرسها‪...‬‬ ‫ولعل املعيار الحايل لالنقسام – ومبوضوعية ‪ -‬يحكمه املوقف‬ ‫من الرصاع مع املرشوع الصهيوين الرابض عىل أرض فلسطني ‪،‬‬

‫واختالف الرؤى السياسية يف قراءة نسخ هذا املرشوع التي يتم‬ ‫تسويقها اآلن تحت عنوان «التحديث» و «التطوير» و «االصالح»‪.‬‬ ‫بالطبع‪ ،‬حقائق الرصاع األساسية ال تخفى عىل أحد‪ ،‬ولكن‪ ،‬مثة‬ ‫حاجة للتعمق يف تحليل معطيات هذا الرصاع وسرب أغوار جوانبه‬ ‫املختلفة واملتعددة‪...‬‬ ‫اليكفي أن نعيد كل املآزق التي تواجهنا اليوم اىل «املرشوع‬ ‫املعادي» ألن «املرشوع اآلخر» ميثل جانباً من التحدي‪ ،‬أما الجانب‬

‫هيئة التحرير‪:‬‬ ‫نجيب نصري‪ ،‬نجايت ميداين‪،‬‬ ‫أسامء وهبة‪ ،‬عبري حمدان‪،‬‬ ‫ايهاب الحلبي‪ ،‬عامر مالعب‪،‬‬ ‫يامن الدقر‪ ،‬ادهم الدمشقي‪،‬‬ ‫سالم الزبيدي‪ ،‬نادي قامش‬

‫األخر فهو يرتبط مبسؤوليتنا التاريخية عن كل هذه األعطاب‬ ‫البنيوية التي تعرتي حياتنا الوطنية العامة‪.‬‬ ‫فالتصدع البنيوي يف املشهد الوطني والقومي يف لبنان ويف‬ ‫كل كيانات األمة يشكل أرضية مناسبة للعواصف والهزات لتفعل‬ ‫فعلها يف احداث تشققات اضافية تزيد من تعقيد األوضاع‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬لنتفق عىل أمر‪« ،‬نحن نحيا يف منطقة يحكمها رصاع‬ ‫كبري» من نوع خاص‪ ،‬ولبنان يقع يف قلب استهدافاته‪...‬‬ ‫اذا اتفقنا عىل هذه «الحقيقة» وخرجنا من خزعبالت‬ ‫الدعوات اىل «الحياد» بكل أشكاله االيجابية والسلبية‪،‬‬ ‫نكون قد خطونا خطوة هامة يف عملية وضع األصبع‬ ‫عىل «الجرح»‪.‬‬ ‫وهو مدخل لحسم مسألة الهوية واالنتامء بأبعادها‬ ‫املختلفة‪ ،‬والرساء قاعدة جديدة يف السياسة واألمن‬ ‫واالقتصاد ال بد لها يف النهاية من أن تحكم «الواقع‬ ‫اللبناين»‪.‬‬ ‫بالطبع نحن امام خيارين‪:‬‬ ‫الخيار األول ‪ :‬أن يتقدم امل�شروع «املعادي» يف‬ ‫املنطقة فيصيب بشكل مبارش لبنان – الكيان فيتعمق‬ ‫الرشخ الداخيل ويرتسخ االنقسام الروحي والنفيس‬ ‫واملادي العميق بني أبناء الشعب فيه‪ ،‬وندخل من جديد‬ ‫يف نفق «الرصاعات العبثية» املدمرة‪.‬‬ ‫الخيار الثاين» أن يتقدم املرشوع املقاوم «للرشق‬ ‫أوسطية» بصيغها وأشكالها وأنساقها‪ ،‬وأن يرتبط‬ ‫تقدم «املقاومة»مبرشوع قومي حداثوي للتغيري يرتكز‬ ‫عىل ثقافة قومية انسانية جامعة ال بد منها للخالص‬ ‫الحقيقي‪.‬‬ ‫باختصار‪ ،‬الخيار األول هو خيار التدمري واالنحالل والتفتت‬ ‫والتاليش النهايئ‪...‬‬ ‫أما الخيار الثاين‪ ...‬فالتحدي الحقيقي أمامه هو حمله اضافة‬ ‫لشعلة املقاومة ثقافة التغيري القومي الدميقراطي االصالحي‬ ‫الحقيقي‪...‬‬ ‫ألن االصالح حاجة ومسار البد من حسمه‪ ،‬والسري به وتحقيق‬ ‫خطوات ملموسة تحقق االستقرار الحقيقي املوعود‪...‬‬

‫تصدر بالتعاون مع مكتب الدراسات العلمية برئاسة منصور عازار ـ بيت الشعار‪ -‬املنت الشاميل‬ ‫تليفاكس ‪04-914510‬‬

‫تصدر مبوجب قرار رقم ‪ 82‬تاريخ ‪ 1981/7/6‬صادر عن وزارة االعالم يف لبنان‬ ‫النارش ‪ :‬دار ابعاد بريوت ـ شارع الحمرا ـ بناية هيونداي ـ ط‪ 7‬هاتف ‪01-751541/ 71-341622:‬‬ ‫توزيع ‪ :‬النارشون بريوت ـ مرشفية سنرت فضل الله ـ ط‪ 4‬هاتف وفاكس ‪01/277007-01/277088 :‬‬ ‫خليوي ‪03-975033 :‬‬

‫دمشق مكتب عائدة سالمة لالخراج الفني والتحضري الطباعي ـ عدوي خلف دار الشفاء ـ سعر العدد ‪ 25‬ل‪ .‬س تيليفاكس ‪ 44426588 :‬خليوي ‪0933331402 :‬‬ ‫‪ Email : aydasalameh@yahoo.com‬املواد املنشورة تعرب عن رأي أصحابها وال تعرب بالرضورة عن رأي املجلة‬ ‫لإلشرتاك واإلعالن االتصال عىل ‪01-751541‬‬

‫‪mail@tahawolat.net‬‬

‫‪www.tahawolat.net‬‬


‫العدد ‪72‬‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫منرب‬

‫من يقرر مصري لبنان‬ ‫منصور عازار‬ ‫متى يحني للشعب اللبناين أن يقول ال‪،‬ومتى يرصخ يف وجه‬ ‫أسياد الليايل أن يرحلوا ‪،‬ومتى يقف هذا الشعب مطالباً بحق‬ ‫تقرير املصري هذه األسئلة يجيب عنها الكاتب منصور عازار‬ ‫الذي يدعو الشعب ليك يتقدم ويتوىل زمام بالده منذ البدء ‪ ،‬كان‬ ‫مطلوبآ من الشعب اللبناين ان يكون غائبآ ‪،‬مغ ّيبآ‪ ،‬ويف كثري من‬ ‫االحوال ‪،‬مجهول االقامة السياسية ‪.‬‬ ‫منذ البدايات السياسية للكيان اللبناين ‪،‬كان مفروضآ ‪،‬عنوة‬ ‫وخفية ‪ ،‬تجهيل النخبة الواعية ‪ ،‬واستبدالها بنخب طائفية ‪،‬‬ ‫تستطيع ان تعقد صفقة املشاركة ‪ ،‬واملناصفة ‪ ،‬واملبايعة ‪،‬وقادرة‬ ‫عىل اقناع الشعب املغيب ‪ ،‬واملسلوب كل ارادة ‪ ،‬ان الوطن‬ ‫بخري ‪ ،‬وأن املستقبل يقوم عىل هذا الصدق املشرتك ‪،‬بني الطائفة‬ ‫وزعامئها ‪.‬‬ ‫منذ كان هذا الوطن الحبيب ‪ ،‬والشعب اللبناين ملزم بأن‬ ‫يسجل اقامته يف دفرت الطائفية ‪ ،‬وال يسمح له ‪،‬اال ملامآ ‪ ،‬بأن يخرج‬ ‫عن رصاط الطائفية املستقيم‪.‬‬ ‫وكانت االح��داث تتواىل ‪ ،‬واالزم��ات تتفاقم ‪ ،‬حتى صار‬ ‫لبنان عىل ايدي الذين حرضوا والدته وتنشئته وتربيته وشبابه‬ ‫وشيخوخته الباكرة ‪ ،‬وما قبل موته خريطة مبعرثة ‪ ،‬وأمال شبه‬ ‫مستحيل‪ ،‬ومستقبال يشبه كثريا ً ‪ ،‬يف مآسيه املنظورة‪ ،‬املايض يف‬ ‫آالمه التي مل تجد اعظم من اللبنانيني ‪ ،‬كشعب ‪ ،‬يف تحملها ويف‬ ‫الصرب عليها ‪.‬‬ ‫وبعد كل ذلك ‪ ،‬وبعد حرب داحس الطوائف ‪ ،‬التي مل تتوقف‬ ‫عىل حافة امل بالخالص ‪ ،‬ما زال الذين قادونا اىل الهالك ‪ ،‬ي ّدعون‬ ‫انهم ميلكون مفاتيح جنة الوطن ‪ ...‬ولكننا نقول انهم ميلكون‬ ‫مفاتيح جنون الوطن ‪.‬‬ ‫اىل هؤالء الذين يتحركون يف كل االتجاهات ‪ « ،‬لحل « مشكلة‬ ‫لبنان ‪ ،‬التي رعوها منذ الصغر حتى صارت اظافرها يف لحم اعناق‬ ‫اللبنانيني ‪ ،‬اىل هؤالء الذين هم من نخبة القيادات الطائفية ‪،‬‬ ‫الذين يدورن بحثآ عن طاولة يجلسون عليها يك ال يتفقوا ‪ ،‬اال كام‬ ‫تقتضيه مصلحة طوائفهم ‪ ...‬اىل هؤالء الذين يعانون صبحاً وظهرا ً‬ ‫ومسا ًء ويف آخر آناء الليل ‪ ،‬انهم مع وحدة لبنان ‪ ،‬وانهم ضد‬ ‫التقسيم ‪ ،‬وانهم ‪...‬ويضيفون اىل اعالنهم الجريء كل « طموحات‬ ‫« الطوائف التي ي ّدعون او يودون احتكار متثيلها ‪ ،‬اىل كل هؤالء‬ ‫نقول ‪ :‬متى يحني دور الشعب اللبناين يف ان يقول كلمته ؟‬ ‫متى يحني للشعب اللبناين ‪ ،‬الذي عليه بني رصح االستقالل‪،‬‬ ‫الذي جعله الطائفيون اعرج ‪ ،‬كلام وقعت احدى عكازتيه ‪ ،‬دفع‬ ‫اللبنانيون من تعبهم وعرقهم ودموعهم واجسادهم مثن اصالح‬ ‫الكسور التي اصابت جسم الوطن متى يحني لهذا الشعب ان‬ ‫يقول ال ؟‬ ‫متى يسمح للشعب اللبناين الذي ز ّجوه يف الحروب املتعاقبة‬ ‫غصباً عنه اوال ثم اقنعوه بها ثانياً ‪ ،‬بكل الوسائل « الدميقراطية‬ ‫طبعاً « يك يصبح هو دفعاً لها ‪ ،‬وافرازا ً منها ‪...‬متى يسمح له أن‬ ‫يرفع حاجبيه رفضاً ؟‬ ‫ومتى يسمح له ان يرصخ ‪ :‬اما آن آلسياد الليايل أن يرحلوا ؟‬ ‫اما آن لهذه البلية ‪ ،‬التي قدسوها فس ّدت اآلفاق واملدى ‪ ،‬أن تعلن‬ ‫انها موجودة ‪ ،‬وان لها صوتاً نشازا ً عن معزوفة الحروب وآالتها‬ ‫الدموية ‪ ،‬وأن هذا الصوت هو صوت اللبنانيني الحقيقي ؟‬ ‫أسئلة كثرية ‪ ،‬ولكن لعل أبرزها هو ‪ :‬هل يحق‬

‫للبنانيني ‪،‬لجميع اللبنانيني‬ ‫مقيمني ومغرتبني ‪ ،‬ان يطالبوا بحق تقرير املصري ؟‬ ‫نعم ‪ ...‬هذا املبدأ املكّرس املقدس ‪ ،‬نحن نعلن ان لهذا‬ ‫الشعب ‪ ،‬حقاً يف الدعوة اليه ويف تحقيقه ‪ ...‬مهام طال الزمن ‪.‬‬ ‫فتقرير مصري لبنان املايض ‪ ،‬صنعته االرادات الطائفية‬ ‫واالقطاعية والسياسية الصغرية ‪ ،.‬وتقرير مصري لبنان املستقبل ‪،‬‬ ‫يجب أن يكون حكرا ً عىل الذين مل يشاركوا يف تدمري الهيكل الذي‬ ‫بنوه فوق اكتاف الشعب اللبناين ‪...‬وتقرير املصري للبنان الغد ‪،‬‬ ‫معركة طويلة ‪ ،‬يجب ان تحشد لها كل الطاقات الفكرية والعلمية‬ ‫والثقافية واملادية والسياسية الالطائفية ‪ ،‬إلعادة بناء لبنان الجديد‬ ‫‪ ،‬كام يريده اللبنانيون ‪ ،‬وليس كام يريده الذين نصبوا انفسهم‬ ‫آلهة صغرية ‪،‬اال بدوائهم الذي هو الداء بعينه ‪:...‬‬ ‫لبنان ليس طائفياً ‪ ،‬او توزيعاً «عادال « او غري عادل بني‬ ‫الطوائف ‪.‬‬ ‫ليس اقطاعياً سياسياً ‪ ،‬يتوارثه اآلبناء عن اآلباء واآلجداد‬ ‫ويورثونه لآلحفاد ‪.‬‬ ‫وليس تابعاً كأعمى ‪ ،‬تقرر مصريه االرادات الداخلية‬ ‫املفروضة‪،‬‬ ‫واالرادات الخارجية « املقروضة « وليس مذبحاً يضحي‬ ‫فيه كل يوم ‪ ،‬قربان الشعب ‪ ،‬لتشبع آلهة األصنام الجاهلية ‪...‬‬ ‫اللبنانيون حارضون ‪ ...‬وسيعلنون عن حضورهم ‪ ،‬مهام طال زمن‬ ‫تغيبهم ‪...‬‬ ‫وسيسيجون وطنهم بزنودهم ‪ ،‬ويعيدون اليه ‪ ،‬جوهرته‬ ‫التي رسقها منه سحرة السياسة وحواتها ‪ .‬ومن يعش ي ّر ‪....‬‬

‫موت السياسة يف لبنان‬ ‫رسكيس ابوزيد‬ ‫أمام املشهد الدويل ‪ -‬االقليمي املربك واملتأرجح‪،‬‬ ‫تتوزع القوى السياسية اللبنانية دوائر النفوذ يف‬ ‫املراكز واملناطق‪ ،‬وفق معادلة هشة تعطّل العمل‬ ‫السيايس الطبيعي‪ ،‬وذلك نتيجة سقوط النظام‬ ‫السيايس ال��ذي وصل إىل طريق مسدود‪ ،‬لعدم‬ ‫استكامل تطبيق اتفاق الطائف أو تطويره‪ ،‬والنتهاء‬ ‫مفعول التسوية التي أق ِّرت يف الدوحة وعجز‬ ‫املؤسسات الرسمية من حكومة وبرملان عن الفعل‪،‬‬ ‫ولغياب االتفاق عىل قانون انتخابات يجدد الحياة‬ ‫السياسية ويحسم الخالفات والنزاعات‪ .‬واألخطر‬ ‫هو غياب املرجعية الدستورية القانونية واألنظمة‬ ‫التي ترعى إدارة الحكم وميكن االحتكام إليها‪.‬‬ ‫وصلت الحياة السياسية يف لبنان إىل أفق سيايس‬ ‫مقفل يصعب الخروج منه بالطرق السلمية‬ ‫الوفاقية‪ .‬كام أ ّن االصطفاف السيايس الحاد بني‬ ‫‪ 8‬و‪ 14‬آذار مع عدم وجود كتلة وسطية فاعلة‬ ‫ومؤثرة‪ ،‬فضالًعن هامشية النقابات واألح �زاب‬ ‫والكتل الوطنية الجامعة‪ ،‬كل ذلك أدى إىل انسداد‬ ‫أفق التغيري‪ .‬لذلك أعلن "موت السياسة" أل ّن لبنان‬ ‫تح ّول ساحة أمنية مكشوفة أمام أجهزة املخابرات‬ ‫املتنوعة والتنظيامت االرهابية التي تغلّب العنف‬ ‫عىل الطرح السيايس‪ ،‬عالوة عىل عدم جدوى االعالم‬ ‫والوعي والتعبئة السياسية يف أداء دور مؤثر يف‬ ‫التغيري أو يف الحد األدىن يف إدارة العمل السيايس‬ ‫الحر ‪.‬‬ ‫هكذا تم تغييب األخالق وااللتزام واملسؤولية عن‬ ‫الحقل العام وسادت العصبيات السلطوية وأضحى‬ ‫الحراك السيايس بال ج��دوى‪ ،‬ومن دون معنى‪،‬‬ ‫وشعاره سلبي يتمحور حول الطالق املزعوم بدالً‬ ‫من السعي إىل زواج يبني أرسة‪.‬‬ ‫وحدها املقاومة ضد إرسائيل حافظت عىل بريقها‪،‬‬ ‫لذلك تستهدف الفوىض املسترشية العمل عىل‬ ‫تطويقها لشل فاعليتها وإللهائها‪ ،‬وذلك لتسهيل‬ ‫انزالقها يف مستنقع الفتنة والخوف من الفوىض‪،‬‬ ‫ما ح ّد من فعلها‪ ،‬فأضحت أسرية تركيبة قد تؤدي‬ ‫إىل خراب البلد عرب حروب أهلية متقطعة وفرض‬ ‫الجمود والستاتكو عىل قدرتها ودورها‪.‬‬ ‫دخل لبنان يف منزلق الحرب األهلية تدريجاً وقد‬ ‫يتخللها هدنات متقطعة بانتظار انفجار كبري أو‬ ‫تسوية دولية إقليمية يف املنطقة تنعكس عىل لبنان‪،‬‬ ‫أو بانتظار ربيع لبناين ما زال حلامً ‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫ا�سرتاتيجيا‬

‫العدد ‪72‬‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫الرشق االوسط الجديد وسايكس بيكو رقم ‪2‬‬

‫أعداد ‪:‬رياض عيد‬

‫مل تلقى ازمة يف العامل هذا القدر من االهتامم واالصطفاف‬ ‫االقليمي والدويل كام لقيته االزمة السورية ‪,‬هل هذا االهتامم نظرا‬ ‫ملوقع سوريا والهال ل الخصيب الجيوسيايس كنقطة التقاء تالتة‬ ‫قارات وعقدة طرق برية وبحرية وجوية تربط العامل?‪ ,‬ام الن‬ ‫اكتشافات الغازالواعدة يف سوريا ولبنان ومياههام االقليمية اسالت‬ ‫لعاب املتصارعني عىل امتالك الطاقة للتحكم بالقرن الحايل? ام الن‬ ‫سوريا عقدة مواصالت الغاز وعليها بتوقف مصري غاز نبوكو وتركية‬ ‫وامريكة وقطر لتحرير اوروبا من قبضة غاز بروم الروسية?‪ .‬ام الن‬ ‫سورية وقفة عقدة كأداء بوجه ما يسمى الربيع االسالمي االخواين‬ ‫االمرييك الذي بدل العداء الرسائيل بالعداء للشيعة انصياعا لالوامر‬ ‫االمريكية ? لكل هذا ‪,‬والن سورية مل ترضخ ملشيئة امريكة والغرب‬ ‫بل عملت مع ايران عىل تقويض السياسة االمريكية واالطلسية‬ ‫واالرسائيلية وافشلتها عرب دعم املقاومات يف لبنان والعراق‬ ‫وفلسطني‪ .‬استهدفت سورية بهاذه الحرب الكونية التى تخاض‬ ‫عىل ارضها السقاطها وتفتيتها واملنطقة اىل دويالت عرقية مذهبية‬ ‫عرب تقسيم املقسم (سايكس بيكو) وبقية العامل العريب اىل دويالت‬ ‫مذهبية عىل اساس املذهب والعرق والطاقة ال عىل اساس سيايس‬ ‫كام وصفها الكاتب الكبري محمد حسنني هيكل ‪.‬‬ ‫وميكن القول بكثري من التأكيدأ إن اإلسرتاتيجية االمريكية‬ ‫والغربية تجاه امتنا والعامل العريب واإلسالمي منذ منتصف القرن‬ ‫التاسع عرش تنطلق من اإلميان برضورة تقسيم العامل العريب إىل‬ ‫دويالت إثنية ودينية مختلفة‪ ،‬حتى يسهل التحكم فيه‪.‬‬ ‫وقد قسمت االمة السوريةعرب اتقاقبة سيكس بيكوعام‪1916‬‬ ‫وغرست إرسائيل يف قلب هذه املنطقة وفق وعد بتفورعام ‪1917‬‬ ‫لتحقيق هذا الهدف‪ .‬فعامل عريب يتسم بقدر من الرتابط وبشكل‬ ‫من أشكال الوحدة يعني أنه سيشكل ثقال إسرتاتيجيا واقتصاديا‬ ‫وعسكريا‪ ،‬ويشكل عائقا أمام األطامع االستعامرية الغربية‪.‬‬ ‫ففي إطار الوحدة والتامسك تصبح إرسائيل جسام غريبا تلفظه‬ ‫املنطقة مام يعوق قيامها بدورها الوظيفي‪ ،‬كقاعدة للمصالح‬ ‫االستعامرية الغربية‪ .‬اما يف إطار عامل عريب مقسم إىل دويالت إثنية‬ ‫ودينية وعرقية بحيث تعود املنطقة إىل ما قبل الفتح اإلسالمي‪ ،‬أي‬ ‫منطقة مقسمة إىل دويلة فرعونية يف مرص وأخرى أشورية بابلية يف‬ ‫العراق وثالثة آرامية يف سوريا ورابعة فينيقية يف لبنان‪ ،‬وعىل القمة‬ ‫تقف دولة عربية متامسكة مدعومة عسكريا من الواليات املتحدة‬ ‫يف فلسطني املحتلة‪.‬‬ ‫ويف إطار التقسيم تصبح الدولة الصهيونية العنرصية االستيطانية‪،‬‬ ‫املغروسة غرسا يف جسد االمة‪ ،‬دولة طبيعية بل وقائدة‪ .‬فالتقسيم‬ ‫هو يف واقع األمر عملية تطبيع للدولة الصهيونية التي تعاين من‬ ‫شذوذها البنيوي‪ ،‬باعتبارها جسدا ً غريباً غرس غرساً كقاعدة متقدمة‬ ‫لالستعامر باملنطقة العربية‪.‬‬ ‫قال شمعون برييزيف كتابه الرشق االوسط الجديد‪ :‬لقد جرب‬ ‫العرب قيادة مرص للمنطقة مدة نصف قرن‪ ،‬فليجربوا قيادة إرسائيل‬ ‫إذن‪ .‬وهذه هي الرؤية التي طرحها برنارد لويس منذ السبعينيات‬ ‫وتبناها املحافظون الجدد‪ ،‬وتدور السياسة األمريكية يف إطارها‪.‬‬ ‫وبعد أن ذاقت الواليات املتحدة مرارة الفشل يف العراق‬ ‫وأفغانستان قررت أن تعهد إلرسائيل بتنفيذ مخططها االستعامري‬ ‫بحيث تقوم بتدمري لبنان وحكومته فيتحول لبنان إىل بلد دميقراطي‬ ‫عىل الطريقة العراقية‪ ،‬أي يدور يف فلك املصالح األمريكية‪.‬‬

‫وبعد فشل الحرب عىل لبنان يف متوز عام ‪ 2006‬وانتصار املقاومة كان يف مراحله التحضريية منذ سنوات عدة يقيض بخلق قوس‬ ‫بفضل بطولة املقاومني والدعم السوري االيراين لها وبعد فشل والدة من عدم االستقرار‪ ،‬والفوىض‪ ،‬والعنف‪ ،‬ميتد من لبنان اىل فلسطني‬ ‫الرشق االوسط الجديد من لبنان الذي اعلنت عنه كوندوليزا رايس وسوريا والعراق‪ ،‬والخليج العريب وايران وصوال اىل حدود افغانستان‬ ‫من عىل باب القرص الحكومي بعد لقائها رجلها االول يف لبنان فؤاد الرشقية والشاملية‪ ،‬مرورا بدول شامل افريقيا‪.‬‬ ‫ومرشوع «الرشق االوسط الجديد» جرى االعالن عنه رسمياً من‬ ‫السنيورة ‪,‬وبعد فشل الهجوم االرسائييل عىل غزة الحتاللها بعد‬ ‫اكتشاف الغار عىل الساحل الفلسطيني ولتحربرالجندي االرسائييل قبل واشنطن وتل ابيب‪ ،‬وسط توقعات خالصتها ان لبنان سيكون‬ ‫جلعاد شاليط ‪ .‬انتقلت االسرتاتيجبة االمريكية اىل خطة املحافظني نقطة الضغط إلعادة تصحيح الرشق االوسط بكامله‪ ،‬وبالتايل إلطالق‬ ‫الجدد واذكاء الفتنة املذهبية يف املنطقة لتفتيتها واطالق الرشق قوى «الفوىض البناءة»‪ .‬هذه الفوىض البناءة‪ ،‬التي اسفرت عن‬ ‫االوسط الجديد لهذا اعلن عميل ال‪ CIA‬ملك االردن عبداله التاين اعامل عنف وحروب يف املنطقة‪ ،‬سوف يتم استخدامها عىل مراحل‬ ‫عن خطر الهالل الشيعي ورضورة مقاومته لتبديل اولويات الرصاع ‪ .‬متقاربة‪ ،‬بشكل ميكن الواليات املتحدة وبريطانيا وارسائيل‪ ،‬من‬ ‫ويف مقال بعنوان «الواليات املتحدة متواطئة مع إرسائيل يف اعادة رسم خريطة الرشق االوسط مبا يتناسب مع حاجاتها وأهدافها‬ ‫تحطيم لبنان» يقول املعلق األمرييك بول كريغ روبرتس (املوقع الجيوـ اسرتاتيجية‪.‬‬ ‫خطاب كوندوليزا رايس حول «الرشق االوسط الجديد» حدد‬ ‫اإللكرتوين ‪ 25‬يوليو‪ /‬متوز ‪ )2006‬إن ما نشاهده يف الرشق األوسط‬ ‫هو تحقق خطة املحافظني الجدد يف تحطيم أي أثر لالستقالل العريب اطار العمل‪ .‬فالهجامت الوحشية االرسائيلية عىل لبنان ـ والتي‬ ‫كانت مدعومة كليا من واشنطن ولندن ـ بلورت اكرث االهداف‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬والقضاء عىل أي معارضة لألجندة اإلرسائيلية‪.‬‬ ‫وهذا التصوراالمرييك للرشق األوسط ينطلق من تصور أن التاريخ الجيوسرتاتيجية لكل من الواليات املتحدة وبريطانيا وارسائيل‪.‬‬ ‫متوقف متاما بهذه املنطقة‪ ،‬وأن الشعب العريب سيظل مجرد أداة الربوفسور مارك ليفاين قال يف حينه ان املحافظني الجدد يف ادارة‬ ‫بيد معظم حكامه الذين ينصاعون انصياعا أعمى للواليات املتحدة‪ .‬جورج دبليو بوش‪ ،‬يرون ان «التدمري الخالق» يؤدي اىل خلق‬ ‫وأن هذا الرشق العريب مجرد مساحة أو منطقة بال تاريخ وال «نظامهم العاملي الجديد»‪ .‬وأن هذا التدمري «يشكل قوة ثورية‬ ‫تراث مشرتك تقطنها جامعات دينية وإثنية ال يربطها رابط وليس لها واسعة النطاق»‪.‬وقد بدا ان االحتالل االنغلو ـ امرييك للعراق‪،‬‬ ‫ذاكرة تاريخية وال إحساس بالكرامة‪ ،‬فالعريب مخلوق مادي اقتصادي خصوصا كردستان العراق‪ ،‬كان تحضريا لعمليات البلقنة (التقسيم)‬ ‫و«الفلدنة» (من فنلندا)‪ ،‬أي احالل السالم يف الرشق االوسط‪،‬‬ ‫تحركه الدوافع املادية االقتصادية‪.‬‬ ‫الهيمنة قدمية قدم البرشية‪ ،‬عبارة اطلقها مستشار االمن ومرشوع تقسيم العراق اىل ثالثة اجزاء خري دليل عىل ذلك‪.‬‬ ‫اىل ذلك ظهر ان خريطة الطريق العسكرية االنغلو ـ امريكية‬ ‫القومي االمرييك األسبق زبيغنيو بريجنسيك يف اواخر السبعينيات‬ ‫من القرن الفائت‪ .‬أما عبارة «الرشق األوسط الجديد»‪ ،‬فقد رأت كانت تستهدف ايضا إيجاد مدخل اىل آسيا الوسطى عن طريق‬ ‫النور يف شهر حزيران (يونيو) ‪ ،2006‬يف تل ابيب‪ ،‬عىل لسان وزيرة ال�شرق االوس��ط‪ .‬فهذا ال�شرق االوس��ط وأفغانستان وباكستان‪،‬‬ ‫الخارجية االمريكية آنذاك كوندوليزا رايس‪ ،‬التي قالت وسائل االعالم تشكل معاً املداميك االساسية لتوسيع النفوذ االمرييك اىل داخل‬ ‫الغربية عنها انها استخدمت هذه العبارة‪ ،‬لتحل مكان العبارة األقدم االتحاد السوفيايت السابق‪ ،‬والجمهوريات السوفياتية السابقة يف‬ ‫آسيا الوسطى‪ .‬وهكذا‪ ،‬ومنذ اواسط العام ‪ ،2006‬بدأت خريطة‬ ‫«الرشق االوسط الكبري»‪.‬‬ ‫هذا التحول يف تعابري السياسة الخارجية االمريكية‪ ،‬تزامن مع مالمح مجهولة نسبيا للرشق االوسط‪ ،‬شيئا فشيئا‪ ،‬يف دوائر الناتو‬ ‫تدشني مرشوع خط انابيب النفط (باكو ـ تبلييس ـ جيهان)‪ ،‬يف االسرتاتيجية‪ ،‬وسمح لها‪ ،‬بني حني وآخر‪ ،‬بالظهور اىل العلن‪ ،‬وذلك‬ ‫رشق البحر االبيض املتوسط‪ ،‬كام ان عبارة «الرشق االوسط الجديد» رمبا للحصول عىل االجامع او التوافق‪ ،‬ولتحضري الرأي العام‪ ،‬بهدوء‪،‬‬ ‫وصلت اىل اوجها‪ ،‬يف ترصيحات وزيرة خارجية امريكا ورئيس وزراء للتغيريات املحتملة‪ ،‬والتي قد تقلب االمور رأسا عىل عقب‪ ،‬يف‬ ‫ارسائيل‪ ،‬يف عز الحصار االرسائييل للبنان يف العام ‪ ،2006‬بدعم انغلو الرشق االوسط‪ .‬وكانت هذه خريطة لرشق اوسط اعيد رسم حدوده‬ ‫ـ امرييك‪ ،‬يوم أبلغ أوملرت ورايس وسائل االعالم العاملية أن «مرشوعاً وهيكليته‪ ،‬تحت اسم «الرشق االوسط الجديد»‪.‬‬ ‫هذا هو اإلطار الذي يتحرك داخله رالف بيرتز‪ ،‬وهو ضابط‬ ‫لخلق رشق اوسط جديد‪ ،‬قد انطلق من لبنان»‪.‬‬ ‫هذا االعالن شكل تأكيدا لوجود «خريطة طريق عسكرية» متقاعد يحمل رتبة مقدم‪ ،‬وضع مخططاً إلعادة تقسيم الرشق‬ ‫امريكية ـاطلسية‪ -‬ارسائيلية‪ ،‬يف الرشق االوسط‪ .‬هذا املرشوع الذي األوسط (يف مقال نرش مبجلة القوات املسلحة األمريكية يف عدد‬ ‫يونيو‪ /‬حزيران ‪ ،2006‬نقال عن مقال لبيان الحوت «الرشق األوسط‬ ‫الجديد مرشوع أمرييك محكوم بالفشل» ‪ .)2006/8/9‬وال تعود‬ ‫أهمية املقال إىل عمقه أو إمكانية تحققه‪ ،‬وإمنا إىل أنه يبني ما الذي‬ ‫تنطلق اإلسرتاتيجية االمريكية‬ ‫يدور يف خلد دعاة الرشق األوسط الجديد‪ ،‬خاصة وأن الذي كتبه‬ ‫شخص مسؤول كان يعمل باالستخبارات العسكرية األمريكية‪.‬‬ ‫والغربية منذ منتصف القرن التاسع‬ ‫ينطلق بيرتز مام يسميه الظلم الفادح الذي لحق باألقليات‬ ‫عرش برضورة تقسيم العامل العريب إىل‬ ‫حني تم تقسيم الرشق األوسط أوائل القرن العرشين (يقصد اتفاقية‬ ‫سايكس بيكو) مشريا إىل هذه األقليات «بأنها الجامعات أو الشعوب‬ ‫دويالت إثنية ودينية مختلفة‪،‬‬ ‫التي خدعت حني تم التقسيم األول» ويذكر أهمها‪ :‬األكراد‪ ،‬والشيعة‬ ‫العرب‪.‬‬ ‫حتى يسهل التحكم فيه‬ ‫كام يشري إىل مسيحيي الرشق األوسط‪ ،‬والبهائيني واإلسامعيليني‬ ‫والنقشبنديني‪ .‬ويرى بيرتز أن مثة كراهية شديدة بني الجامعات‬


‫العدد ‪72‬‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫ا�سرتاتيجيا‬

‫الدينية واإلثنية باملنطقة تجاه بعضها‬ ‫البعض‪ ،‬وأنه لذلك يجب أن يعاد تقسيم‬ ‫ال�شرق األوس���ط انطالقا م��ن تركيبته‬ ‫السكانية غري املتجانسة القامئة عىل األديان‬ ‫واملذاهب والقوميات واألقليات‪ ،‬حتى‬ ‫يعود السالم إليه‪( .‬والنموذج الكامن هناك‬ ‫هو الدولة الصهيونية القامئة عىل الدين‬ ‫والقومية وامتزاجهام)‪.‬‬

‫سايكس بيكو ‪2‬‬ ‫ومن املؤكد أن اع��ادة رسم خريطة‬ ‫ال�شرق االوس��ط وتقسيمه‪ ،‬اب��ت��داء من‬ ‫الشواطئ الرشقية للبحر االبيض املتوسط‪،‬‬ ‫يف لبنان وس��وري��ا‪ ،‬االن��اض��ول (يف آسيا‬ ‫الصغرى)‪ ،‬مرورا بشبه الجزيرة العربية‪،‬‬ ‫والخليج العريب‪ ،‬والهضبة االيرانية‪ ،‬وصوال‬ ‫اىل مرص والسودان ودول شامل افريقيا‪،‬‬ ‫يعكسان اهدافا اقتصادية واسرتاتيجية‬ ‫وعسكرية واسعة‪ ،‬تشكل جزءا من اجندة اطلسية ـ امريكية ـ‬ ‫ارسائيلية قدمية يف املنطقة‪.‬‬ ‫ويف الواقع يالحظ أن افغانستان‪ ،‬التي تخضع لسلطة قوات‬ ‫حلف الناتو قد تقسمت عىل االرض‪ .‬كام ان العداوات القوية قد‬ ‫زرعت يف الرشق العريب‪ ،‬خصوصا يف فلسطني ولبنان‪ .‬وال يزال الغرب‬ ‫يبذل مساعيه لبث الشقاق يف سوريا وايران‪ ،‬وتعمد وسائل اعالمه‬ ‫عىل قاعدة شبه يومية‪ ،‬اىل ترسيب اخبار عن ان الشعب العراقي مل‬ ‫يعد قادرا عىل التعايش السلمي بني املذاهب والطوائف واالثنيات‪،‬‬ ‫وأن االزمة ليست بسبب االحتالل االمرييك‪ ،‬بل بسبب «حرب اهلية»‬ ‫تغذيها النزاعات القامئة بني الشيعة والسنة واالكراد‪.‬‬ ‫وبالعودة اىل بريجنسيك‪ ،‬مستشار االمن القومي االمرييك االسبق‬ ‫نذكر بأنه رصح يف العام ‪ ،1991‬والحرب العراقية ـ االيرانية يف أوجها‬ ‫«ان املعضلة التي ستعانيها الواليات املتحدة من اآلن وصاعدا هي‬ ‫كيف ميكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم عىل هامش الحرب بني‬ ‫العراق وايران‪ ،‬وتستطيع امريكا‪ ،‬من خاللها‪ ،‬تصحيح حدود «سايكس‬ ‫ـ بيكو»‪.‬‬ ‫عقب هذا الترصيح‪ ،‬وبتكليف من وزارة الدفاع االمريكية‪ ،‬بدأ‬ ‫املؤرخ الصهيوين ـ االمرييك برنارد لويس وضع مرشوعه الشهري الخاص‬ ‫بتفكيك الوحدة الدستورية ملجموعة الدول العربية واالسالمية كل‬ ‫منها عىل حدة‪ ،‬ومنها العراق وسوريا ولبنان ومرص والسودان وايران‬ ‫وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشامل‬ ‫االفريقي‪ ،‬وتفتيت كل منها اىل مجموعة من الكانتونات والدويالت‬ ‫العرقية والدينية واملذهبية والطائفية‪ .‬وقد أرفق مرشوعه املفصل‬ ‫مبجموعة من الخرائط املرسومة بإرشافه‪ ،‬ومبوافقة البنتاغون‪،‬‬ ‫وتشمل عددا من الدول العربية (واالسالمية) املرشحة للتفتيت‪،‬‬ ‫وذلك بوحي من مضمون ترصيح بريجنسيك الذي دعا اىل تصحيح‬ ‫حدود سايكس ـ بيكو‪ ،‬مبا يتناسب مع املصالح االمريكية ـ الصهيونية‪.‬‬ ‫ويف العام ‪ ،1983‬اقر الكونغرس االم�يريك باإلجامع‪،‬‬ ‫يف جلسة رسية‪« ،‬مرشوع لويس»‪ ،‬وت ّم بذلك تقنني هذا‬ ‫املرشوع واعتامده وإدراجه يف ملفات السياسة االمريكية‬ ‫االسرتاتيجية للسنوات املقبلة‪ .‬وقد أرفق لويس خرائط‬

‫تقسيم الدول‪ ،‬بهذا املرشوع عىل الشكل اآليت‪:‬‬ ‫مرص ‪ 4‬دويالت‪ :‬سيناء ورشق الدلتا (تحت النفوذ اليهودي)‪.‬‬ ‫ليتحقق حلم اليهود من النيل اىل الفرات‬ ‫دولة إسالمية متتد من رشق الدلتا إىل املنيا وعاصمتها القاهرة‪،‬‬ ‫والدولة الثانية نرصانية من غرب الدلتا إىل مطروح ووادي النطرون‬ ‫وعاصمتها اإلسكندرية‪ ،‬والدولة الثالثة النوبة متتد من أسيوط جنوبًا‬ ‫إىل جزء من شامل السودان‬ ‫ السودان‪ 4 :‬دويالت ايضا هي‪:‬‬‫دويلة النوبة‪ :‬التي تتكامل مع دويلة النوبة يف االرايض املرصية‬‫التي عاصمتها اسوان‪.‬‬ ‫ دويلة الشامل السوداين االسالمية‪.‬‬‫ دويلة الجنوب السوداين املسيحية‪.‬‬‫ دويلة دارفور‪.‬‬‫وبالنسبة اىل دول الشامل االفريقي‪ ،‬فإن «مرشوع لويس» يرمي‬ ‫اىل تفكيك ليبيا والجزائر واملغرب بهدف اقامة‪:‬‬ ‫دويلة الرببر‪ :‬عىل امتداد دويلة النوبة يف مرص والسودان‪.‬‬‫ دويلة البوليساريو‪.‬‬‫ دويالت املغرب والجزائر وتونس وليبيا‪.‬‬‫وبالنسبة اىل شبه الجزيرة العربية ودول الخليج يقيض «مرشوع‬ ‫لويس بإلغاء الكويت وقطر والبحرين وسلطنة عامن واليمن‬ ‫واالمارات العربية املتحدة‪ ،‬من الخريطة‪ ،‬ومحو وجودها الدستوري‬ ‫والدويل‪ ،‬بحيث تضم شبه الجزيرة والخليج ثالث دويالت فقط هي‪:‬‬ ‫دويلة االحساء الشيعية) تضم الكويت واالمارات وقطر وعامن‬‫والبحرين)‪.‬‬ ‫ دويلة نجد السنية‬‫ دويلة الحجاز السنية‪.‬‬‫اما يف العراق فريى لويس رضورة تفكيكه عىل اسس عرقية‬ ‫ومذهبية عىل النحو الذي حدث يف سوريا يف عهد العثامنيني‪ ،‬اي‬ ‫اىل ‪ 3‬دويالت هي‪:‬‬ ‫دويلة شيعية يف الجنوب حول البرصة‪.‬‬‫ دويلة سنية يف وسط العراق حول بغداد‪.‬‬‫‪ -‬دويلة كردية يف الشامل والشامل ـ الرشقي حول املوصل‬

‫(كردستان) وتقوم عىل أج��زاء من‬ ‫االرايض العراقية وااليرانية والسورية‬ ‫والرتكية والسوفياتية (سابقا)‪.‬‬ ‫يف ما يتعلق بسوريا‪ ،‬يرى املرشوع‬ ‫رضورة تقسيمها اىل اقاليم متاميزة‬ ‫عرقيا او مذهبيا‪ ،‬وعددها اربعة هي‪:‬‬ ‫دولة علوية ـ شيعية (عىل امتداد‬‫الشاطئ)‪.‬‬ ‫ دولة سنية يف منطقة حلب‪.‬‬‫ دولة سنية حول دمشق‪.‬‬‫ دولة الدروز يف الجوالن ولبنان‬‫(االرايض الجنوبية السورية ورشق‬ ‫االردن واالرايض اللبنانية)‪.‬‬ ‫اما لبنان فقد استقر رأي لويس‬ ‫عىل وجوب تفتيته اىل مثانية كانتونات‬ ‫عرقية ومذهبية‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫دويلة سنية يف الشامل‪ ،‬عاصمتها‬‫طرابلس‪.‬‬ ‫‪ -‬دويلة مارونية ـ مارونية شامال‬

‫(عاصمتها جونيه)‪.‬‬ ‫ دويلة سهل البقاع الشيعية (عاصمتها بعلبك)‪.‬‬‫ بريوت الدولية (املدولة)‪.‬‬‫ كانتون فلسطيني حول صيدا حتى نهر الليطاين تسيطر عليه‬‫السلطة الفلسطينية‪.‬‬ ‫ كانتون يف الجنوب يعيش فيه املسيحيون مع نصف مليون‬‫من الشيعة‪.‬‬ ‫ دويلة درزية (يف اجزاء من االرايض اللبنانية (حاص بيا)‬‫والسورية والفلسطينية املحتلة)‪.‬‬ ‫ كانتون مسيحي جنويب خاضع للنفوذ االرسائييل‪.‬‬‫تركيا يقرتح املرشوع انتزاع جزء منها وضمه اىل الدولة الكردية‬ ‫(كردستان الحرة) املزمع اقامتها يف شامل العراق‪ ،‬اما االردن فيقيض‬ ‫املرشوع بتفتيته وتحويله اىل دولة فلسطينية تضم فلسطينيي‬ ‫الداخل ايضاً‪.‬‬ ‫ويف املرشوع فقرة تتصل باليمن الذي يفرتض أن يذوب لينضم‬ ‫يف نهاية املطاف اىل دولة الحجاز‪.‬‬ ‫يف جانب آخر‪ ،‬يؤكد الخرباء والباحثون االمريكيون‪ ،‬وعىل رأسهم‬ ‫جيمس زغبي رئيس املعهد العريب ـ االمرييك‪ ،‬أن الثورات العربية‬ ‫نجحت يف وضع حد لألساطري التي رعاها املحافظون الجدد وأمثالهم‪،‬‬ ‫وحافظوا عليها ملدة طويلة‪ ،‬والخاصة بتقسيم وتفتيت املنطقة‪.‬‬ ‫ويؤكد زغبي‪ :‬ان «الثورات العربية» نجحت يف اطالق مشاريع‬ ‫التقسيم التي قادتها الواليات املتحدة والغرب والكيان الصهيوين‪،‬‬ ‫وأحدثت صدمة وهزة يف املنطقة‪ ،‬ونرشت يف ربوعها الفوىض متهيدا ً‬ ‫إلقامة رشق أوسط جديد‬ ‫اختم واستعري من بريجنسيك (الهيمنة قدمية قدم البرشية)‬ ‫ويف تنازع االمم للبقاء المكان للضعفاء الذين دامئا تأيت نتائج‬ ‫الرصاع عىل حسابهم لقد مر عىل امتنا الكثري من الفتوحات‬ ‫واملؤامرات كان شعبنا يستنبط اساليب جديدة من النضال يف كل‬ ‫مرحلة يك يدافع عن ارضه وحقه يف الحياة العزيزة الكرمية ان‬ ‫شعبنا عرف خيار املقاومة بانه الخيار الوحيد الناجع ملواجهة ما‬ ‫يحاك من مؤامرات ‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫العدد ‪72‬‬

‫فكر‬

‫الالعقالنية كصفة للحداثة وما بعدها‬ ‫محمود حيدر‬

‫لعل أكرث ما امتاز به عرص التّنوير يف الغرب‪ ،‬أنّه وضع أمام‬ ‫ّ‬ ‫مفكّريه وفالسفته خيار القطيعة الصارمة بني العقل والخرافة‪ .‬يف‬ ‫ذلك الوقت كانت املجادالت الفكرية والفلسفية مركوزة ضمن‬ ‫دائرة حسم هذه الثنائ ّية ملصلحة العقل‪ .‬وكانت الحجة البالغة لدى‬ ‫هؤالء‪ ،‬أ ّن حاكمية العقل هي الرشط التاريخي الذي ال مناص منه‬ ‫إلطالق حركة العلم والتّصنيع ودورة رأس املال‪.‬‬ ‫التّسويغ الثقايف واإليديولوجي الذي تقاطعت حوله أفكار‬ ‫التنويريني‪ ,‬هو قلب ما كان شائعا يف مجتمعات القرون الوسطى‪،‬‬ ‫نصاب آخر‪ .‬فقد جاءت الحصيلة املعرفية للحداثة‪،‬‬ ‫وتحويله إىل‬ ‫ٍ‬ ‫لتبي أ ّن اإلنسان هو مركز الكون‪ ،‬بعدما احتلّته الخرافة وامليتافيزيقا‬ ‫نَّ‬ ‫الدينية‪.‬‬ ‫الصورة امل ُ ْجملة عىل‬ ‫نستظهر‬ ‫وليك‬ ‫ّ‬ ‫حقيقتها‪ ،‬لنا أن ننطلق من وقائع القرن‬ ‫الثامن عرش يف أوروبا‪ ،‬وهو القرن املعروف‬ ‫بعرص النهوض يف الثقافة الفرنسية‪ ،‬وعرص‬ ‫التّنوير يف نظريتها اإلنجليزية‪.‬‬ ‫عىل أ ّن اتّجاه هذا العرص نحو العلم‪،‬‬ ‫ومن خالل االعتامد الصارم عىل العقل‬ ‫يف معرفة أرسار الكون الفيزيايئ‪ ،‬وقوانني‬ ‫التاريخ السيايس واالجتامعي‪ ،‬هو من‬ ‫ِ‬ ‫مفضيات الثورة العلم ّية يف القرن السابع‬ ‫عرش‪ .‬ذلك ما ظهر مع «نيوتن» يف ما ُعرِف‬ ‫بالتّفسري العقالين العلمي للعامل‪ ،‬وهو األمر‬ ‫الذي حفّز الفكر االجتامعي عىل إطالق‬ ‫طموحه ل ُي َحقّق ما حقّقه «نيوتن» يف‬ ‫ميدان الطبيعة‪.‬‬ ‫لكن الثّقة بقدرة العقل عىل فهم قوانني‬ ‫الكون الطبيعي‪ ،‬تالزمت مع ثقة موازية‬ ‫بقدرته عىل فهم حركة التاريخ‪ ،‬وقوانني‬ ‫التغيري التي تحكمها‪ .‬وعىل ذلك ميكننا أن‬ ‫نلحظ كيف كان هذا العرص‪ ،‬هو نفسه‬ ‫عرص الفكر الذي انبثقت منه اإليديولوجية‬ ‫رشع لها «مونتسكيو» عىل‬ ‫الليربالية‪ ،‬التي َّ‬ ‫صعيد الفكر السيايس‪ .‬وهذا األخري ـ عىل ما‬ ‫رشع الذي يُنظر إليه بوصفه‬ ‫نعرف ‪ -‬هو امل ّ‬ ‫والد اإليديولوجيا العقالنية الليربالية‪ ،‬يف بعديها السيايس والدستوري‪.‬‬ ‫بل مث ّة من مىض إىل أن «مونتسكيو» تخطّى العالّمة ابن خلدون‬ ‫باقرتاحه ال ّنظام الالّزم لقوننة الحريّة‪ ،‬والحؤول يف اآلن عينه‪ ،‬دون‬ ‫استرشاء االستبداد‪ .‬وهذا االق�تراح هو عني املبدأ القائل بفصل‬ ‫السلطَة سوف يؤدي بالضرّ ورة إىل‬ ‫السلطات‪ ،‬باعتبار أ ّن توحيد مركز ُّ‬ ‫ّ‬ ‫واحدية املنظومة السياسية الحاكِمة‪.‬‬ ‫مل ي ُدم االنخطاف طويال بدهشة التّنوير؛ فالعقل الذي اتّخذ‬ ‫سبيله لرعاية ال ّنظام العام لل ّدولة واملجتمع‪ ،‬سوف يتّخذ سبيالً‬ ‫معاكساً بعد ٍ‬ ‫وقت قصري‪ .‬فلقد با َن بوضوح‪ ،‬وال سيام بعد ظهور‬ ‫الدولة القومية‪ ،‬وسعيها إىل متديد سيادتها خ��ارج أرضها‪ ،‬أ ّن‬ ‫تحتل املواقع األساسية يف‬ ‫الالّعقالنية يف الغرب الحديث‪ ،‬طفقت ُّ‬ ‫عقل الدولة واملجتمع‪.‬‬ ‫السنني األوىل للقرن العرشين‪ ،‬وتحديدا يف العام ‪،1920‬‬ ‫ففي ّ‬

‫ع ّمت التّشاؤم ّية يف حقول الفكر والثّقافة والفلسفة‪ ،‬لتعكس ظاهرة‬ ‫معرفيّة مفارقة يف الغرب األورويب‪ .‬ففيام كانت ال ّنخب يف العامل‬ ‫اإلسالمي مأخوذ ٌة بسحر الحداثة وأنوارها‪ ،‬جاءتها عواصف مفاجئة‬ ‫من جغرافيات الحداثة نفسها‪ ،‬لتهتز معها طائفة وازنة من العناوين‬ ‫التي دأبت عىل األخذ بها كسبيل ها ٍد إلنجاز حداثتها‪.‬‬ ‫لقد جاءت عواصف النقد لتُشري إىل رجوع العقل يف الغرب‬ ‫إىل سريته الغابرة‪ ،‬ث ّم ليستأنف مأزقه عىل نشأة أخرى‪ .‬فلنئ كانت‬ ‫الخرافة قد تراجعت أمام سطوة الحداثة‪ ،‬فإ ّن هذه األخرية ستتع َّرض‬ ‫ٍ‬ ‫لرضبات شديد ٍة اإليالم‪ ،‬من جانب تيارات فلسفية عبرَّ ت عن نفسها‬ ‫مبا يشبه االحتجاج العبثي عىل باب الحداثة املسدود‪.‬‬ ‫نستطيع أن نرى إىل هذا التّح ّول من خالل ما ق ّدمه نقاد التنوير‬ ‫من بيانات متشامئة‪ .‬فلماّ أعلن هؤالء أ ّن الحضارة الغرب ّية انبنت‬ ‫متفسخة‪ ،‬فقد ابتغوا بذلك اإلشهار الرصيح أل ّن تلك‬ ‫عىل اسرتاتيجية َّ‬

‫الحضارة آلت إىل سحق غرائز اإلنسان الحيويّة‪ ،‬من خالل السيطرة‬ ‫عىل الطبيعة‪ ،‬وعىل الذّات‪ ،‬وعىل اآلخرين‪.‬‬ ‫قبل بضعة عقود‪ ،‬كان للمفكر املعروف هربرت ماركوز‪ ،‬رؤية‬ ‫ثاقبة يف تشكيل صورة دراميّة للمجتمع الصناعي الغريب‪ .‬لقد تح ّدث‬ ‫يومها عن مقولة اإلنسان ذي البعد الواحد‪ ،‬الذي أنتجه مجتم ُع ُه ذو‬ ‫البعد الواحد‪ .‬فقد الحظ أ ّن اإلنسان يف هذا املجتمع فَ َق َد «حقّه» يف‬ ‫الحياة‪ ،‬مبج ّرد أن سلّم للمجتمع مقاليد أمره‪.‬‬ ‫فهو تو ّهم أنّه يعيش الحريّة‪ ،‬فيام هو يغرق يف استالب سحيق‬ ‫ال قاع له‪ .‬ويف اعتقاده أنه إذا كان املجتمع يحرص عىل تلبية هذه‬ ‫الحاجات امل ُصطنعة‪ ،‬فليس ذلك ألنها رشط استمراره ومنو انتاج ّيته‬ ‫فحسب‪ ،‬بل أيضا ألنها خري وسيلة الستيالد اإلنسان املسلوب‪.‬‬ ‫ذاك القابل باملجتمع «الواحدي» وامل ُتكيّف معه‪ .‬فاإلنسان ذو‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫ال ُبعد الواحد بهذه املعايري‪ ،‬هو الذي استغنى عن الحريّة بوهم‬ ‫الحريّة‪ .‬فلو ظ ّن (هذا اإلنسان) أنّه ح ٌّر مل ُج َّرد أنه يستطيع أن يختار‬ ‫حاجاته من بني تشكيلة كبرية من البضائع والخدمات‪ ،‬فام أشب ُه ُه‬ ‫من هذه الزاوية بالعبد الذي يتو ّهم أنّه ح ٌّر مل ُج ّرد أ ْن ُم ِن َحت له‬ ‫حريّة اختيار سادته (‪ .)...‬واملجتمع الصناعي ـ يف رأي ماركوز ـ‬ ‫مل يُزيّف حاجات اإلنسان املاديّة فحسب‪ ،‬بل زيَّف أيضا حاجاته‬ ‫الفكريّة‪ ،‬أي عقله وفكره بالذّات‪.‬‬ ‫ذاك أ ّن العقل الذي يتأ ّمل ويتفكّر هو يف واقع حاله‪ ،‬عد ٌّو لدود‬ ‫ملجتمع السيطرة‪ ,‬ألنّه ميثل ق ّوة العقل النقديّة‪ ،‬السالبة‪ ،‬التي تتح ّرك‬ ‫دوما يف اتجاه ما يجب أن يكون‪ ،‬ال نحو ما هو كائن‪ .‬وهذه الق ّوة‬ ‫هي يف خامتة املطاف ق ّوة إيديولوجيّة‪ ،‬راحت ُسلطة الحداثة تُوظّفها‬ ‫الصاعدة‪.‬‬ ‫لخدمة إمربياليتها ّ‬ ‫ولنئ كان املجتمع الليربايل‪ ،‬ثم املا بعد ليربايل‪ ،‬قد أحاط‬ ‫اإليديولوجيا ب��االزدراء والتّحقري باسم‬ ‫عقالنيّته التّكنولوجيّة‪ ،‬أو بذريعة النظر‬ ‫إىل الحقائق بزعم أنّها تتب ّدى له كضوء‬ ‫الشمس‪ ،‬فذلك ال يعني أنّه مل تَ ُعد هناك‬ ‫إيديولوجيا‪ ،‬أو أنها أوشكت عىل أن‬ ‫تواجه موتها املحتوم‪.‬‬ ‫لدى نقّاد الحداثة‪ ،‬ولدينا أيضاً‪ ،‬أ ّن‬ ‫املدن ّية التّقن ّية وهي يف ذروة جنونها‪،‬‬ ‫باتت هي اإليديولوجيا بعينها‪ .‬ولقد تبينّ‬ ‫من خالل ما شهدته أطوار القرن العرشين‬ ‫املُ��ن�صرم‪ ،‬أن أب��رز وجوهها من هذه‬ ‫ال ّزاوية‪ ،‬هو املذهب العميل يف الفيزياء‪،‬‬ ‫السلويك يف العلوم االجتامعيّة‪،‬‬ ‫واملذهب ّ‬ ‫وصوالً إىل املذهب الرباغاميت يف حقول‬ ‫االسرتاتيج ّيات السياسية واالقتصادية‪.‬‬ ‫وإىل ذلك عىل الجملة‪ ،‬سوف نجد أن‬ ‫السمة املشرتكة األساسية لتلك املذاهب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫هي االل��ت �زام بالواقع امل ْعطَى‪ ،‬ونبذ‬ ‫املفاهيم الشمول ّية أو ال ّنقدية التي تُه َّدد‬ ‫بالكشف عن بُعد آخر لذلك الواقع‪.‬‬ ‫أما الصورة اآلن‪ ،‬فال تُف ِْصح إالّ عن‬ ‫جرعة يسرية مماّ منحه لنا مرياثُ العقل‪.‬‬ ‫ولنا أ ْن نقول إ ّن منطق التّح ّوالت الذي‬ ‫افتتحته الحداثة الغربية منذ بداية القرن‬ ‫العرشين وإىل بداية زمن العوملة‪ ،‬مل‬ ‫يُس ِفر إالّ عن إدخال اإلنسان يف ل ّجة غري آمنة‪.‬‬ ‫أما كارثة التّح ُّرر التي تح ّدث عنها نقّاد الحداثة املعارصة‪،‬‬ ‫خصوصا بعد أفول الربيق اإليديولوجي للشيوعية‪ ..‬فهي تلك التي‬ ‫راحت تدفع العامل إىل فضاء الالّعقالنية‪ ،‬بوسائط شديدة العقالنيّة‪.‬‬ ‫وهنا تك ُمن عىل نحو خاص ق ّوة امل ُجتمع العوملي ذي البُعد الواحد‪:‬‬ ‫أي الطابع العقالين لالعقالنيته‪ .‬بحيث ذهب هذا ال ّنوع من‬ ‫«املجتمع العوملي»‪ ،‬إىل تسويق ما ُعرف بـ«الفكر اإليجايب»‪..‬‬ ‫ال��ذي يمُ َ َّهد لسريورة مديدة من االمتثال واإلذع��ان وعدم‬ ‫االحتجاج‪ .‬ذلك أن القبول مبثل هذا النوع من «اإليجابية»‪ ،‬هو قبول‬ ‫قرسي ال بحكم اإلرهاب‪ ،‬وإنمّ ا بفعل سلطة املجتمع التكنو‪ -‬إلكرتوين‬ ‫الساحقة‪.‬‬ ‫وفعال ّيته ّ‬ ‫رئيس تحرير مجلة مدارات‬


‫العدد ‪72‬‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫فكر‬

‫ٌ‬ ‫وإرتباك يف الوظيفة‬ ‫تركيا ‪ :‬إنشطار يف الحضارة‬

‫أمـني الـذيب‬

‫تُعاين تركيا بعد إنحسارها القرسي عن التمدد بإتجاه أوروبا‪،‬‬ ‫وتراجع الجهد الذي بذله أربكان والقوى العسكرية يف إرتداء‬ ‫مظاهر العلامنية ‪ ،‬أمام تناقض املرشوع الرتيك وإستهدافاته يف إيجاد‬ ‫حيوية جديدة تعوض عن سقوط االمرباطورية املريضة ‪ ،‬واملرشوع‬ ‫االمرييك الذي كان يرسم دورا ً ُمغايرا ً لرتكيا إستكامال ملرشوع الهيمنة‬ ‫عىل منابع الغاز والطاقة ‪ .‬جاء اإلنقالب عىل أربكان نتيجة إلنخراط‬ ‫رجب طيب أردوغان وأحمد داوود اوغلو يف املرشوع االمرييك الذي‬ ‫انتج حزب العدالة والتنمية كآلية تُحقق التمدد الرتيك رشقا حتى‬ ‫ُعمق روسيا وجنوباً للهيمنة عىل العامل العريب وصوال اىل مشارف‬ ‫القارة اإلفريقية تحت ُمسمى إسالمي يستفيد من الجيوسيايس‬ ‫امل ُرتهل يف املدى اإلسرتاتيجي املرسوم كمنطقة عمليات تستند اىل‬ ‫الجيو إقتصادي الناتج عن مرشوع نابوكو امل ُعلن عنه يف العام ‪2002‬‬ ‫يف إسطنبول ‪.‬‬ ‫إن نظرة واضحة ملوقع تركيا التي نجت من التقسيم يف الحرب‬ ‫العاملية الثانية فقط لإلستفادة من موقعها اإلسرتاتيجي كحاجز‬ ‫طبيعي يوقف املد الرويس بإتجاه أوروبا والغرب ‪ ،‬تُبينّ الوهم‬ ‫يف نظرة القيادات الرتكية امل ُستحدثة يف تقدير القوة السياسية‬ ‫واإلقتصادية والثقافية التي تعتربها من عنارص قوة الدولة الكافية‬ ‫لخرق اإلنسجام بني الحزام الجيوسيايس والحدود القانونية الثابتة‬ ‫بإستثناء الهبة اإلستعامرية اإلسرتضائية بإقتطاع لواءي كيليكيا‬ ‫واإلسكندرون يف ظل سكون حيوي تام ساد تركيا واملنطقة بعد‬ ‫إتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور ‪ ،‬فإندفاعة النظرية الرتكية‬ ‫امل ُلتبسة يف قراءة موازين القوى الناشئة إلعتقادها بأن توازنات‬ ‫تحالفاتها مع امريكا وإرسائيل وعضويتها يف االطليس ستحقق لها‬ ‫التفوق والتمدد الحيوي ُمستفيدة من الرصاع الجيوسيايس اإلقليمي‬ ‫والدويل ‪ُ ،‬مرتكبة خطأ إسرتاتيجيا ُمدمرا حني أضفت عىل العامل‬ ‫الديني وظيفة سياسية متتطيها كوسيلة عبور لتحقيق أغراضها‬ ‫التوسعية ‪ ،‬كبديل عن العوامل السياسية واإلقتصادية والثقافية‬ ‫والعسكرية كأدوات ُمتكاملة تُعيدها اىل الساحة العاملية كقوة‬ ‫فاعلة تُخطط إلستعادة دور األمرباطورية القابضة ‪.‬‬ ‫مل تستطع تركيا إنجاز لحظة التحول من النظري اىل التطبيقي‬ ‫بسبب الخلل الناجم عن محدودية قدراتها الذاتية ‪ ،‬وإخفاقها يف‬ ‫قراءة الجيو سيايس والجيو إسرتاتيجي اإلقليمي والدويل ‪ ،‬فكانت‬ ‫اللحظة الحاسمة يف إظهار عجزها الكامل يف تقرير مصري املنطقة‬ ‫‪ ،‬بل ظهرت هشاشة وتباينات وضعها الداخيل ُمتزامنة مع واقعني‬ ‫شكال صدمة كبرية ‪ ،‬أالول سقوط إمكانية تدخل االطليس ‪ ،‬وهذا‬ ‫ما كانت تع ّول عليه ‪ ،‬وإحجام امريكا أو عدم قدرتها عىل التدخل‬ ‫املبارش ليس فقط بسبب إستحقاق اإلنتخابات الرئاسية إمنا بسبب‬ ‫الواقع الثاين امل ُتمثل باملواقف الروسية والصينية واإليرانية التي‬ ‫شكلت توازنا دوليا حاسام يف املنطقة امل ُتصارع عىل مواردها ‪،‬‬ ‫والذي يجب ان يكون مدار حوار يف الراهن هو مدى إنعكاس‬ ‫إنحباس وإنسداد االفُق الرتيك بعد ان إستنفذت كافة الوسائل يف‬ ‫محاولتها إحداث تغيري يف سوريا أكان من تأمني سالح وإدخال‬ ‫املسلحني أالجانب وامل ُتشددين أو إحتضان قيادات امل ُعارضة عىل‬ ‫أراضيها أم اإلنخراط مع عرب االمريكان واالمريكان بهدف تغيري‬ ‫الواقع السوري كخطوة رضورية إلستئناف التقدم اىل العمق الرويس‬ ‫ذات األكرثية اإلسالمية ‪ ،‬وقد يكون التوتر الذي تشهده الحدود‬ ‫السورية الرتكية يحت ِمل مخرجني أو سيناريوهني ‪ ،‬االول سعي تركيا‬

‫من خالل تحريك قواتها العسكرية وإعالن تغيري قواعد اإلشتباك مع‬ ‫سوريا إلستقطاب امل ُبادرات اإلقليمة بهدف إيجاد حلول وتسويات‬ ‫مع اإلقليم تُتيح لها ضبط حدودها وإقفالها أمام تدفق املقاتلني‬ ‫املتنوعي املشارب والغايات واالهداف ‪ ،‬والذين أصبحوا مشكلة‬ ‫حقيقية قد تؤثر عىل متاسك الداخل الرتيك املتنوع بأثنياته وقومياته‬ ‫وتركيبته الحضارية امل ُتعددة واملتباينة يف وجهة نظرها من مفهوم‬ ‫الوطن ‪ ،‬إضافة املنهج العلامين امل ُتشكّل من العسكر واملعارضة ‪ ،‬أم‬ ‫اإلسالم امل ُعتدل الذي يخوض حروبا عبثية ملصلحة أمريكا وإرسائيل‬ ‫‪ ،‬وهذا سيؤدي ُحكامً اىل تزايد هشاشه الداخل بفعل االحداث‬ ‫الجارية ‪ ،‬ما قد يُشكل مخرجاً الئقا لتورط تركيا امل ُتزايد خاصة‬ ‫بعد سقوط رهانها عىل تدخل حلفائها العسكري ضد سوريا حسب‬ ‫النموذج الليبي ‪ ،‬اما السيناريو الثاين والذي قد يكون أشد خطورة‬ ‫وحساسية وتهورا يف آن ‪ ،‬وهو الهروب اىل االمام والدخول يف حرب‬ ‫ضد سوريا ‪ ،‬فرتكيا أصبحت بحاجة ماسة اىل الخروج من مأزقها‬ ‫الذي وضعت نفسها فيه من اللحظة التي قررت فيها ان تعود‬ ‫كدولة مؤثرة عىل الساحة الدولية ‪ ،‬وليك تورط االطليس وأمريكا‬ ‫قد تلجأ أىل إشعال فتيل الحرب يف لحظة دولية شديدة الحساسية‬ ‫‪ ،‬روسيا تُدرك ان تركيا تسعى للتمدد بإتجاه إسالميي روسيا وأنها‬ ‫بدأت إصدار جوازات سفر تركية ملا يُقارب ‪ 25000‬إسالمي من دول‬ ‫اإلتحاد السوفيايت السابق ‪ ،‬وروسيا تُدرك أيضاً ان تركيا االطلسية‬ ‫هي الذراع االمرييك الضارب يف العمق الرويس الساعي اىل تدمري‬ ‫رشكة غاز بروم وإعادة روسيا اىل القرون الوسطى ‪ ،‬وإيران التي‬ ‫وق ّعت مع سوريا إتفاقية دفاع مشرتك تعترب تحالفها مع سوريا‬ ‫إسرتاتيجيا بإمتياز ‪ ،‬وقد أبلغت خارجيتها تركيا مرارا بجدية مواقفها‬ ‫‪ ،‬لذلك فإن امل ُغامرة الرتكية ‪ ،‬بوجود االساطيل الروسية والصينية‬ ‫واالمريكية وحلفائها يف املتوسط ‪ ،‬تستعجل خلط االوراق توخيا‬ ‫لعدم سقوطها والحفاظ عىل وحدتها الداخلية التي بدأت تظهر‬ ‫فيها إعرتاضات كردية قومية ال زالت تسعى اىل تحرير عبداللة‬ ‫اوجالن وتركامنية وعلوية وشيعية من ناحية ‪ ،‬وللدفع بإتجاه إعادة‬ ‫اإلعتبار اىل مرشوع نابوكو الذي بنت تركيا إسرتاتيجيتها وإستكملت‬ ‫تحوالتها الفكرية والثقافية بناء عليه ‪ ،‬وأصبح مستقبلها كحيوية‬ ‫سياسية مرهوناً بنجاح هذا املرشوع الذي أصبح من املايض بسبب‬ ‫ظهور وصعود حيويات جيوسياسية وجيو ثقافية وجيو إقتصادية‬ ‫ُمناقضة ملرشوع العدالة والتنمية التي إستنسخت مثائل لها يف مرص‬ ‫وتونس وليبيا ولكن دون جدوى لعدم قدرتها عىل تغيري موازين‬ ‫القوى الناشئة ‪ ،‬هذه الحيويات شكلت سدا منيعا بوجه تركيا‬ ‫وأوقعتها يف مأزق مصريي و وجودي ‪ ،‬فالهالة الكبرية التي قدمت‬ ‫تركيا نفسها بها عجزت بالتايل عن تجاوز سوريا ‪ ،‬بعد عجزها عن‬ ‫إستجداء إعتذار من نتنياهو إثر قضية مرمرة ‪ ،‬وهذا يُظهر الضحالة‬ ‫يف الفكر اإلسرتاتيجي ويف قراءة الوقائع كدولة تقدم نفسها عىل أنها‬ ‫حيوية قادرة عىل إخرتاق وتجاوز مدى الحدود القانونية اإلقليمية‬ ‫كجيو سيايس إقتصادي ثقايف توسعي ‪.‬‬ ‫إذا ما أضفنا اىل امل ُعادلة فشل تركيا يف التمدد رشقا بإتجاه‬ ‫اإلسالم الرويس ‪ ،‬وجنوبا بإتجاه اإلسالم العريب الذي يُصنف نفسه‬ ‫ُمعتدال والذي حالت سوريا دون تحقيقه ‪ ،‬بعد فشلها يف التمدد‬ ‫غربا وعدم متكنها من الفوز بعضوية اإلتحاد االورويب ‪ ،‬يتبني لنا‬ ‫بوضوح ان تركيا بحكم موقعها الجغرايف تشعر انها بحاجة للتوسع‬ ‫والنفوذ يك تستطيع ان تبقى وهذا راسخ يف الفكر السيايس الرتيك‬ ‫القديم ـ فكرة االمرباطورية العثامنية ـ بكل تجربتها امل ُقترصة عىل‬ ‫القوة العسكرية ‪ ،‬والحديث املتأثر واملتامثل بتجارب دول شديدة‬

‫الحيوية وإنبهار الفكر الرتيك الذي يعترب التمدد والنفوذ لتحقيق‬ ‫حلمها بالوجود الفاعل عىل الساحة الدولية رضورة وجودية لها‬ ‫‪ ،‬وهذا يحتاج اىل تكوين خطوط جيوسياسية أمامية ُم ّدعمة‬ ‫بالعنارص الثقافية والتاريخية املُرتاكمة ألي ُمجتمع حيوي من شأنه‬ ‫أن يُكسبه دورا مهام يف تشكيل وضع هذا املجتمع يف مراكز النفوذ‬ ‫الدولية ‪ ،‬وهكذا تتضح معامل إرادة التوسع الرتكية التي وضع أحمد‬ ‫داوود أوغلو أُسسها الفكرية متامهياً مع أمناط يجدها إمنوذجا‬ ‫ُمالمئا و ُمؤاتيا لبالده ‪ ،‬عىل سبيل املثال يرى أوغلو أن االختالف بني‬ ‫الخطوط االمامية الجيو سياسية امل ُعربة عن الذهنية االسرتاتيجية‬ ‫االملانية ‪ ،‬امل ُرتبطة بالهوية األملانية وتاريخ االمرباطورية الرومانية‬ ‫ـ الجرمانية امل ُق ّدسة ‪ ،‬وبني واقع الحدود األملانية القانونية الفعلية‬ ‫تسبب يف حدوث حربني عامليتني يف املايض ‪ .‬يف امل ُقابل ‪ ،‬كان‬ ‫‪ ،‬قد َ‬ ‫هذا اإلختالف نفسه أحد أهم العوامل التي سببت تكوين اإلتحاد‬ ‫االورويب بالطرق السلمية بعد الحرب العاملية الثانية ‪ .‬وإستدالالً ‪،‬‬ ‫ومن وجهة نظر أوغلو ‪ ،‬يتبني ان العنرص االسايس ‪ ،‬الذي أ ّدى اىل‬ ‫بروز الواليات املتحدة االمريكية كقوة ُعظمى يف املرسح التاريخي‬ ‫‪ ،‬هو محاولتها املستمرة يف التوسع الذي رسمت معامله يف القرن‬ ‫التاسع عرش عن طريق التحرك من عمق املحيط االطليس حتى‬ ‫املحيط الهادي ‪ ،‬لتحويل الخط االمامي الجيو سيايس اىل ساحة‬ ‫سيادة قانونية سياسية ‪ .‬وهكذا يتب ّدى بوضوح أن تركيا تحاول‬ ‫ان تكون قوة إستعامرية توسعية باملنطقة عىل حساب الحدود‬ ‫القانونية لدول املرشق العريب وروسيا وباقي البالد العربية ‪.‬‬ ‫إن قراءة سياسية لألهداف التي سعت إليها تركيا تحت غطاء‬ ‫حزب العدالة والتنمية وتجربة اإلسالم املعتدل الذي حقق نجاحات‬ ‫إقتصادية وهمية و ُمفتعلة و ُمخططاً لها إلكساب هذا النموذج‬ ‫مصداقية تُجيز له تعميمها كجواز مرور ملرشوعه املشبوه ‪ ،‬نج ُد‬ ‫أن تعثرُ ا واضح املعامل بدأت نتائجه املبارشة تنعكس عىل القرارات‬ ‫الرتكية التي ميكن وصفها بامل ُنفعلة وامل ُتخبطة والفاقدة إلي عمق‬ ‫إسرتاتيجي ‪ ،‬أكان يف الفكر السيايس للدولة أم يف إسلوب ُمعالجتها‬ ‫وتصديها لألحدات والوقائع والتحديات وامل ُتغريات الجيو إسرتاتيجية‬ ‫والجيو سياسية اإلقليمي منها والدويل ‪ .‬واقع تركيا الراهن ‪ ،‬هل ال‬ ‫زال يحتمل إستمرار العدالة والتنمية يف السلطة ‪ ،‬أوغلو وأردوغان‬ ‫تحوال اىل مصنع أزمات مصريية وامل ُجتمع الرتيك يواجه نتائجها‬ ‫وحيدا ‪ ،‬أصبح الشعب الرتيك يعيش يف مناخ ُمعادي متاماً ‪ ،‬فعدا‬ ‫عن مذبحة االرمن ‪ ،‬تتدهور عالقة الدولة اإلكرث مرضاً مع العراق‬ ‫وإيران وروسيا وسوريا ‪ ،‬وتتنافس عىل النفوذ الس ّني مع مرص‬ ‫والسعودية ‪ ،‬وهي ُمهددة مذهبيا بالقوى الوهابية والتكفريية ‪ ،‬ما‬ ‫بات يؤرش لحتمية قيام إنقالب يُقيص العدالة والتنمية عن السلطة‬ ‫لتبوؤه صفة الحكومة االسوأ يف تاريخ تركيا القديم والحديث ‪ ،‬وهذا‬ ‫كالم علني يف الصحافة الرتكية ‪ ،‬خاصة بعد ان بدأت معامل الركود‬ ‫اإلقتصادي التجاري والصناعي تشهد تقلص وتراجع االسواق التي‬ ‫كانت مفتوحة قبل االحداث السورية ‪.‬‬ ‫يف الخُالصة ‪ ،‬ال ميكن تجاهل النتائج التي سترتتب من ج ّراء‬ ‫شعور الحكومة الرتكية بالخيبة ‪ ،‬والترصفات التي ميكن ان ت ِ‬ ‫ُقدم‬ ‫عليها حكومة أردوغان الواقعة تحت تأثري الوحدة إذا مل نقل العزلة‬ ‫التي وضعت نفسها فيها بسبب عدم قدرتها عىل قراءة عنارص‬ ‫االزمة والرصاع الدوليني ‪ ،‬باإلضافة اىل سقوط أحالمها بأن تكون‬ ‫دولة ذات خطوط إسرتاتيجية أمامية كام أوهمها أحمد داوود‬ ‫أوغلو ‪ ،‬وعاشت يف وهم حلم توسعي سقط يف اإلصطدام االول مع‬ ‫املرشق العريب ‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫العدد ‪72‬‬

‫درا�سة‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫استباقاً لحرب ارسائيلية عىل الجنوب ‪:‬‬

‫املتحدات البرشية بدالً من الجيوش‬

‫استباقاً للحروب األرسائيلية عىل جنوب‬ ‫لبنان وضع إميل عكرا دراسة تحدد معامل‬ ‫املنطقة وطبيعة الحروب التي ميكن أن تواجهها‬ ‫وطريقة مواجهتها مقرتحاً وسائل وأساليب‬ ‫حديثة وعرصية وتنسجم مع واقع املنطقة ويف‬ ‫مجتمع يعاين من املشاكل البنيوية واألقتصادية‬ ‫واإلجتامعية‬ ‫إميل عكرا‬ ‫خريف ‪ 1971‬و عند بدء الدورة األوىل لنيل شهادة الدراسات‬ ‫العليا يف الهندسة املعامرية للسنة الجامعية ‪ 1972 1971-‬يف معهد‬ ‫الفنون الجميلة يف الجامعة اللبنانية‪ ،‬تق ّدم أحد الطالّب مبوضوع‬ ‫للتوسع و الدفاع عن صالحه للحصول عىل الشهادة‪ .‬كان‬ ‫يقرتحه ّ‬ ‫املوضوع جدلياً بامتياز إذ كان يقسم اللبنانيني بق ّوة‪ ،‬فأكرثيتهم‬ ‫مل تكن تؤمن بلبنان القوي املحارب املدافع عن حقوقه و مصالحه‬ ‫بكل الوسائل املتاحة‪ ،‬بل كانت تؤمن بلبنان املسامل الكامنة ق ّوته‬ ‫ّ‬ ‫بضعفه و املسلّم أمره لألمم املتحدة و حاميتها لحقوق اإلنسان‬ ‫و لحقوق الدول‪ .‬و لألسباب عينها قسم املوضوع أساتذة الدبلوم‬ ‫أنفسهم‪ ،‬ذلك أ ّن املوضوع كان «شبعا‪ ،‬ضيعة حدودية دفاعية‬ ‫مقاوِمة» فاحتارت أكرثية األساتذة و دار نقاش حاد حول املوضوع‬ ‫الذي ال يطرح مشكلة إع��ادة إعامر ما خ ّربته الحرب بل أ ّن‬ ‫املوضوع هو كيف نفكر يف موضوع تنظيم املتّحدات البرشية و‬ ‫حرب دامئة‪،‬‬ ‫كيف نتعاطى مع العامرة يف مجتمعٍ موجو ٍد يف حالة ٍ‬ ‫تستنزفه و هو غري قادر عىل الدفاع عن نفسه بالوسائل املعروفة‪،‬‬ ‫كل دول العامل‪.‬‬ ‫كالجيوش النظامية‪ ،‬املعت َمدة يف ّ‬ ‫كانت منطلقات البحث يف املوضوع هي التالية‪:‬‬ ‫‪ 1‬متّحداتنا يف جنوب لبنان‪ ،‬من مدن و قرى و دساكر‪،‬‬‫موجودة يف خطر دائم‪ ،‬فالعدو املبارش‪ ،‬الصهيونيون املحتلّون‬ ‫فلسطني و البانون فيها دولة قوية عدائية‪ ،‬يعتدون علينا بسبب و‬ ‫بغري سبب فيقصفون و يقتلون و يه ّجرون دورياً جاعلني الجنوب‬ ‫بأكمله يف حالة الإستقرار دائم‪ ،‬ينتج عنه ال إستقرارا ً دامئاً يف لبنان‬ ‫كله‪.‬‬ ‫ ‪ 2‬الدولة اللبنانية مفككة بسبب بنيتها الطائفية‪ ،‬و‬‫ضعيفة بسبب تفككها و اتّكالها عىل القوانني الدولية و املنظّامت‬ ‫العاملية التي ابتدعتها الدول القويّة للسيطرة عىل الدول الضعيفة‬ ‫بوسائل ناعمة‪ .‬و الحكم يف الدولة اللبنانية تألف منذ االنتداب‬ ‫الفرنيس من عصابة من األوليغارك (‪ )Oligarques‬عابرة للطوائف‬ ‫و للمهن و للمناطق‪ ،‬قصرية النظر‪ ،‬ليس لديها فكر اسرتاتيجي‪ ،‬و ال‬ ‫ه ّم لها سوى الحفاظ عىل مصالحها الذاتية و تنمية هذه املصالح‬ ‫عىل حساب قوت الناس و موت املجتمع‪.‬‬ ‫ ‪ 3‬املجتمع اللبناين حالة هجينة تتنازعه عوامل عديدة‬‫إيجابية تش ّد أوارص وحدته نذكر منها تداخل مركّباته الطائفية‬

‫عضوياً‪ ،‬فأكرثية متّحداته تض ّم أكرثية طوائفه؛ و نذكر منها حياة القيام بواجباتها بالدفاع عن جنوب أرض الوطن و أهله‪ ،‬فلقد‬ ‫مشرتكة امت ّدت مئات السنني َو َّحدَتْ كثريا ً من العادات و التقاليد شكّلت هذه الحالة اإلطار املناسب لطرح املشكلة األساسية‪ ،‬أال و‬ ‫ظل جميع هذه املعطيات و التي‬ ‫و بَ َنت مصالح إقتصادية و إجتامعية مشرتكة؛ و نذكر منها أيضاً هي كيفية الدفاع عن أنفسنا يف ّ‬ ‫ثقافة مشرتكة مبنية عىل تراث مشرتك من األدب و الفكر و العامرة تخترص تحت عنوان أنّنا أمام «حرب وجود ال حرب حدود» ‪ ،‬و‬ ‫و الفنون‪ ،‬و نذكر أيضاً‪ ،‬و قد يجدر بأن يكون أ ّوالً‪ ،‬أرضاً مشرتكة أنّنا ال منلك دولة تدافع ع ّنا و أنّه علينا أن نتدبّر أنفسنا بأنفسنا‪.‬‬ ‫• املعطى األ ّول يف هذه النظرية هو أ ّن لبنان كله يف حالة‬ ‫ذات جغرافية متشابهة عىل تن ّوعها‪ ،‬تحوي ثراوات متشابهة عىل‬ ‫حرب مماّ يقتيض أن يكون الجنوب بأكمله ساحة قتال مبارش‪ ،‬و‬ ‫ضحالتها‪.‬‬ ‫كل البقاع الغريب ساحة قتال مداور‪،‬‬ ‫ ‪ 4‬لك ّن املجتمع اللبناين الهجني هذا تتنازعه أيضاً عوامل املنطقة بني بريوت و صيدا و ّ‬‫سلبية خطرية تفكّكه و يسعى بعضها إىل تدمريه‪ ،‬و نذكر من هذه و بريوت و ما تبقى من لبنان ساحة دعم دائم‪.‬‬ ‫• املعطى الثاين هو أ ّن القتال األسايس عىل أرض املعركة‬ ‫العوامل ما ييل‪ :‬تع ّدد األديان و فهمها لنفسها نقيضاً بعضها لبعض‪،‬‬ ‫و هيمنتها عىل الحياة بأكرثية مجاالتها االجتامعية و الثقافية و هو من مه ّمة األهايل سكّان املتّحدات‪ ،‬فهو قتال شعبي يقوم‬ ‫كل لذاته‪ ،‬الحقيقة السكّان املد ّربني بفعله‪ ،‬فيح ّولون املنطقة بأكملها إىل ساحة‬ ‫خاص ًة السياسية؛ و انغالقها عىل ذاتها محتكرة‪ّ ،‬‬ ‫الكربى الشاملة النشوء و املسار و اآلخرة‪ .‬و من ث ّم تع ّدد الطوائف قتال يضط ّر العدو إىل الدفع بأعداد كبرية من مشاته للتمكن من‬ ‫ضمن الدين الواحد‪ ،‬ذلك أ ّن الدين؛ و مهام عظُم جربوته و جعلت السيطرة عىل األرض و بذلك يضط ّر إىل االلتحام املبارش مماّ يعطّل‬ ‫منه عامليته شأناً‬ ‫متسام عن شؤون البرش‪ ،‬يبقى يف النهاية منظومة إمكاناته التكنولوجية املتحكّمة بأرض املعركة عن بُعد‪ ،‬و يعطّل‬ ‫ٍ‬ ‫وضعية يُع ِمل فيها اإلنسان عقله و عواطفه و يحلّل و يجتهد و حكامً تف ّوقه القتايل‪ :‬إنّه أسلوب املقاومة‪.‬‬ ‫• املعطى الثالث هو أ ّن الحياة العامة يجب أن تبقى‬ ‫يرسم أمناطاً من الس ُنن و النواميس تختلف عن بعضها بحسب‬ ‫الظروف و املعطيات التاريخية و الجغرافية و الثقافية؛ و يكفي طبيعية يف كافة املناطق امل ُشار إليها و خاصة يف الجنوب ساحة‬ ‫كل الحقيقة وحده‪ ،‬حتى القتال املبارش‪ .‬و ذلك يقتيض بيئة مبنية طبيعية و بيئة مدينية‬ ‫عندها اعتداد اإلنسان بنفسه بامتالك ّ‬ ‫تكرث الطوائف و تكرث املذاهب و تصبح خصومتها و عداوتها يف طبيعية‪ .‬سنة ‪ 1972‬كانت أكرث متّحداتنا يف الجنوب ال تزال جميلة‪،‬‬ ‫أكرث األحيان شأناً إنسانياً طبيعياً مل يستطع اإلنسان تخطّيه بعد‪ .‬و‬ ‫إذا انتقلنا إىل الخالف السيايس الحاد املسيطر عىل الحياة العامة‬ ‫نجد‪ ،‬و دون تطوال‪ ،‬أنّه ينتقل برسعة إىل عداء بسبب األنانية‬ ‫املفرطة و انعدام الشعور القومي الذي يو ّحد األهداف الكربى الحكم يف الدولة اللبنانية تألف منذ‬ ‫و يخلق قناعة بوحدة املصري و يخلق ق ّوة جامعية كربى تعود يف االنتداب الفرنيس من عصابة من األوليغارك‬ ‫ظلها الخالفات يف وجهات النظر لتأخذ مكانها الطبيعي و‬ ‫حجمها ) ‪ ( Oligarques‬عابرة للطوائف و للمهن‬ ‫النسبي يف الحياة العامة‪ .‬و إذا ما استعدنا حقيقة هيمنة الدين و‬ ‫الطائفة عىل آليات هذه الحياة العامة‪ ،‬نجد كيف أ ّن املخطىء و و للمناطق ال ه ّم لها سوى الحفاظ عىل‬ ‫املجرم املنتمي حكامً إىل طائفة ما يستحيل مساءلته و محاكمته إذا مصالحها الذاتية عىل حساب قوت الناس و‬ ‫ما تسلّح بانتامئه الطائفي و انترصت له طائفته و اعتربت‬ ‫محاكمته موت املجتمع‬ ‫تَ َج ٍّن عىل الطائفة بأكملها‪ ...‬هذا ما يحدث يف لبنان دامئاً عندما‬ ‫تكون الجرمية كبرية تطال الوطن و الناس و األ ّمة‪ .‬و قد ال يكون‬ ‫حل لهذه املعضلة يف بلد كبلدنا إالّ بالقناعة الشاملة عند‬ ‫هنالك ّ‬ ‫كل مك ّونات شعبنا بأنّنا «كلّنا مسلمون؛ م ّنا من أسلم لله باإلنجيل‬ ‫ّ‬ ‫تحتل قمم الهضاب و التالل‪ .‬و مل‬ ‫و م ّنا من أسلم لله بالقرآن و م ّنا من أسلم له بالحكمة « فنحسم فهي متج ّمعة عىل بعضها و غالباً ّ‬ ‫بذلك خالفنا عىل السامء و ننتقل ملواجهة تح ّديات وجودنا عىل يكن الباطون البشع األبله يومها‪ ،‬أي سنة البحث‪ ،‬قد غزا ريفنا‪ ،‬و‬ ‫األرض ‪ :‬إ ّن مواجهة هذه التح ّديات يصبح أهيناً‪ ،‬فإعامل العقل يف أ ّما الباطون الجميل فكان شبه مجهول هناك و كان يحاول دبدباته‬ ‫األوىل يف العاصمة و يف بعض املصايف و املدن الصغرية‪ .‬البيئة‬ ‫هذه املجاالت كفيل بالتغلب عىل جميع الصعوبات‪.‬‬ ‫لكل ذلك‪ ،‬و ألسباب عديدة أخرى متفاوتة األهمية ال مجال الطبيعية إذن و البيئة املبنية املنظّمة هام الرشط األ ّول و الحاضنة‬ ‫ّ‬ ‫لكل حياة طبيعية يف مجرياتها االجتامعية و االقتصادية و‬ ‫لذكرها اآلن‪ ،‬انطلق الطالب املذكور بتح ّديه النظري للواقع القائم‪ ،‬األساسية ّ‬ ‫معتربا ً أ ّن العبور إىل «مجتمع جديد» بحاجة إىل نظريات يف الثقافية و السياسية و بالتايل الردعية‪ .‬إذن نحن يف مفهوم يتناقض‬ ‫كافة شؤون الحياة و عىل رأسها األمن و الدفاع؛ و مبا أ ّن مسألة كلياً مع مفهوم الكيبوتز‪ ،‬فاملوضوع هو تحويل متّحداتنا نفسها‬ ‫مزارع شبعا و احتالل الكيان الصهيوين لها و عدم متكّن األهايل من خالل تعديالت نوعية و إضافات مالمئة إىل متّحدات طبيعية‬ ‫من الوصول إليها و استعاملها‪ ،‬كانت أصبحت يف واجهة األحداث‪ ،‬الحياة أيّام السلم و جاهزة للدفاع عن نفسها أيّام الحرب‪.‬‬ ‫• املعطى الرابع يعرفه املضطلعون و العارفون باملوضوع‪،‬‬ ‫و مبا أ ّن قسامً كبريا ً من جنوب لبنان‪ ،‬أي شامل فلسطني كان قد‬ ‫أصبح «أرض فتح‪ /‬فتح الند» بتخلٍ واضح من الدولة اللبنانية عن و قد أكّده أحد ضبّاط املقاومة الفلسطينية يومها ‪ ،‬و هو أ ّن‬


‫العدد ‪72‬‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫الجيش اللبناين‪ ،‬و رغم التف ّوق الكاسح للجيش اإلرسائييل‪ ،‬يستطيع‬ ‫أي حرب قادمة يف حال تح ّولت قواعد‬ ‫أداء دور كبري و مؤث ّر يف ّ‬ ‫القتال باتّجاه اعتامد قواعد قتال املقاومة الشعبية؛ ذلك أ ّن‬ ‫باستطاعته إعاقة و حتى وقف تق ّدم أرتال املد ّرعات عند أعناق‬ ‫املحاور الجبلية املضط ّر إىل سلوكها‪ ،‬و بذلك يكون قد أجرب العدو‬ ‫إىل الدفع مبشاته إىل أرض املعركة‪ ،‬و هذا هو املطلوب‪.‬‬ ‫بعد هذا العرض املخترص للمشهد العام ينطرح السؤال حول‬ ‫املوضوع بشقني ‪ :‬األ ّول يتناول ما يجب عمله و صنعه و تعديله‬ ‫و إضافته حتى تتالءم متّحداتنا مع مجمل التح ّديات املطروحة و‬

‫الجيش اللبناين يستطيع أداء دورمؤثّر‬ ‫يف أ ّي حرب قادمة يف حال تح ّولت قواعد‬ ‫القتال باتّجاه اعتامد املقاومة الشعبية؛ عرب‬ ‫إعاقة أرتال املد ّرعات عند أعناق املحاور‬ ‫الجبلية املضط ّر إىل سلوكها‪ ،‬و بذلك يكون قد‬ ‫أجرب العدو إىل الدفع مبشاته إىل أرض املعركة‬ ‫تصبح جاهزة لرفع التح ّدي الوجودي الذي يواجهنا‪ ،‬و الثاين يتناول‬ ‫كيفية تأسيس متّحد ريفي جديد يف منطقة الرصاع يؤ ّمن الرشوط‬ ‫الالزمة لحياة طبيعية سليمة جاهزة للدفاع عن نفسها يف ظروف‬ ‫النزاع و يف ظروف الحرب‪ .‬لقد اختار الباحث اإلجابة عىل السؤال‬ ‫الثاين الذي ميكنه من عرض أوسع ملشاكل التنظيم و الرتتيب و‬ ‫العامرة يف مكان تقترص معطياته عىل ما تفرضه الطبيعة‪ .‬و لقد‬ ‫انطلق من قاعدة ذهبية اعتمدها األقدمون و أهملها الحديثون و‬ ‫املعارصون و هي القاعدة التي تضع ح ّدا ً لحجم املتّحد‪ ،‬فال ميت ّد‬ ‫و ينترش غرائزياً بنا ًء عىل حاجات األفراد و رغباتهم‪ ،‬بل ميت ّد و‬ ‫ينترش عقلياً و بحكمة بنا ًء عىل نواميس الطبيعة و علم االجتامع و‬ ‫مصلحة األ ّمة؛ و عليه فإذا أصبحت تلبية حاجات النم ّو السكاين يف‬ ‫رض ًة بنوعية الحياة و مبزاياها و بتوازنها املادي و‬ ‫املتّحد و حوله م ّ‬

‫درا�سة‬

‫النفيس لجأ الق ّيمون عىل املوضوع إىل استحداث متّحدات جديدة‬ ‫قد تكون جار ًة لألوىل و قد تبتعد عنها جغرافياً حسب نواميس‬ ‫ألي زمان‪.‬‬ ‫أي مكان و ّ‬ ‫املدى الحيوي الذهبية أيضاً يف ّ‬ ‫إ ّن املوقع الحايل لبلدة شبعا يتمتّع مبزايا و لديه عيوب‪ .‬فإذا‬ ‫كان من مزاياه اإلتاحة للبيوت الرتاصف متتالي ًة بتوا ٍز عىل املنحدر‬ ‫الرشقي للجبيل الذي يحمل البلدة فيحميها شتا ًء من جهة الغرب‬ ‫و ينرشها من جهة الرشق أمام الشمس من الصبح و حتى منتصف‬ ‫بعد الظهر‪ ،‬فإ ّن حرمان البلدة من الهواء املنعش اآليت صيفاً من‬ ‫املتوسط الرشقي‪،‬‬ ‫االتّجاه الغريب الجنويب‪ ،‬الغالب عىل طول شاطىء ّ‬ ‫يع ّد عيباً‪ ،‬خاص ًة إذا أضفنا إىل ذلك حرمان البلدة أيضاً من غروب‬ ‫الشمس عىل أفق واسع مط َّرز بالهضاب املتاميلة بدالل و املنحدرة‬ ‫غرباً نحو البحر‪ .‬و إذا كان اصطفاف األبنية عىل طول الشوارع‬ ‫املتوازية بحسب انحدار أرض املوقع من الغرب إىل الرشق هو من‬ ‫طبيعة الرتكز عىل املنحدرات‪ ،‬فإ ّن اتّجاه هذا الرتكز من الجنوب‬ ‫تحتل البلدة منحدره الغريب‬ ‫إىل الشامل حسب اتّجاه الوادي الذي ّ‬ ‫يحمل عيبني؛ األ ّول طبيعي دائم يتمثّل بانفتاح الوادي أمام الرياح‬ ‫الشاملية الباردة و املؤذية شتا ًء‪ ،‬فالبلدة تقع عىل ارتفاع ألف و‬ ‫خمسامية مرتا ً عن سطح البحر؛ و الثاين َج َديل آ ّين يتمثّل بانفتاح‬ ‫الوادي جنوباً أمام الرصد اإلرسائييل املبارش من الجبال الجنوبية‬ ‫املحتلّة حيث املعابر نحو مزارع البلدة و حيث أمالك سكانها‬ ‫و جزء كبري من مصادر إقتصادها‪ .‬أ ّن الناظر إىل البلدة من تلك‬ ‫التالل و املعابر يراها بأكملها متت ّد أمامه و تنساب شامالً منفلش ًة‬ ‫بأقل حركة تحدث يف أحياء البلدة بسالحه‬ ‫أمام الق ّناص املتحكم ّ‬ ‫املتوسط حيناً و بسالحه الثقيل حيناً آخر؛ تقع البلدة إذن تحت‬ ‫ّ‬ ‫نظر العدو و تحت مرمى كافة أسلحته التقليدية مماّ يخلق لها‬ ‫لشل الحركة فيها و تعطيل الحياة‬ ‫حالة من التوتّر الدائم الكايف ّ‬ ‫اليومية‪.‬‬ ‫أ ّن املوقف املبديئ من موضوع املوقع هو االحتفاظ به حيث‬ ‫هو‪ ،‬فاألمكنة املختارة ملواقع قرانا و بلداتنا منذ تواريخ قد تقرص‬ ‫أقل أو تطول إىل ألفي ٍة أو أكرث‪ ،‬أثبتت األيّام صالحها و‬ ‫إىل قرن أو ّ‬ ‫التمسك بها فهي‬ ‫غالباً جودتها‪ .‬فال حاجة إىل تغيريها‪ ،‬بل يجب‬ ‫ّ‬ ‫تحتضن بجغرافياتها املتن ِّوعة فرادة شخصياتها املنحوتة من حياة‬ ‫ناسها فيها؛ و هي شخصيات تنمو مع الزمن و تتغيرّ من خالل‬ ‫أصحابها باثقة عليهم هذه الصفات الخاصة املكانية الصابغة‬ ‫بلطافة تلك الصفات العامة املتولِّدة من جغرافية مكان و سكان‬

‫املدى الحيوي لأل ّمة‪ .‬لكن خروجاً عن هذه القاعدة قد يطرأ يف‬ ‫بعض األماكن بسبب عطل يف املوقع مل يكن ظاهرا ً أو مؤثرا ً عند‬ ‫التأسيس و ت ّم تخطّيه ألسباب عديدة‪ ،‬فأتت تط ّورات الحقة‬ ‫أ ّدت إىل رضورة إعادة النظر‪ .‬و مهام يكن من أمر الجدال حول‬ ‫صوابية اختيار موقع آخر لرتكز املتّحد الجديد فإ ّن األهمية الفعلية‬ ‫للمقرتح تكمن ببنيته النظرية الصالحة بشكل عام لكافة األمكنة‬ ‫التي نضط ّر فيها الختيار موقع جديد ملتّحد موجود أو إنشاء متّحد‬ ‫جديد لرضورات النم ّو السكاين و لحاجة االنتشار‪.‬‬ ‫إ ّن املوقع الجديد املق َرتح لشبعا الجديدة هو املقلب اآلخر‬ ‫للجبيل الذي يحمل شبعا القدمية؛ أنّه املقلب الغريب لهذا الجبيل‬ ‫أقل مماّ هي عليه يف املقلب‬ ‫حيث تنحدر األرض غرباً بح ّد ٍة ّ‬ ‫كف اليد مالمس ًة الطريق‬ ‫الرشقي‪ ،‬و حيث املساحة تنبسط مثل ّ‬ ‫العام عند أ ّول منعطف قوي يسبق الوصول إىل البلدة الحالية‪.‬‬ ‫و قد يكون من املناسب تسمية املوقع الجديد «جديدة شبعا»‬ ‫ملحاذاته شبعا املوجودة و اعتباره االمتداد الطبيعي يف الزمان و‬ ‫الحي األ ّول‪ .‬يتم ّيز املوقع الجديد بانفتاحه‬ ‫املكان للكائن الطبيعي ّ‬ ‫التام عىل األفق الغريب من أ ّول شامله إىل آخر جنوبه‪ ،‬و هو ذو‬ ‫أخف من انحدار املوقع القديم‪ ،‬و يشكّل خط الق ّمة فيه‬ ‫انحدار ّ‬ ‫ّ‬ ‫املمت ّد من الرشق إىل الغرب مرورا ً بالجنوب خط دفاع طبيعي‬ ‫كف‬ ‫يف مواجهة العدو‪ ،‬فتبدو البلدة و كأنّها محتمية يف حضن ٍّ‬ ‫يدير ظهره ملصدر القلق؛ و إذا كان التع ّرض لريح الشامل ال زال‬ ‫موجودا ً فإ ّن هذا الريح مل يعد يصفر من خالل وا ٍد يشكّل مضيقاً‬ ‫كل ذلك تشكّل‬ ‫تتضاعف فيه ق ّوة الريح املؤذية؛ و إذا أضفنا إىل ّ‬ ‫طبيعة األرض من الصخر الذي تتخلّله فجوات من الرتاب‪ ،‬و هي‬ ‫طبيعة مالمئة للبناء و للتشجري حوله‪ ،‬أصبح عندنا موقعاً ج ّيدا ً‬ ‫يصلح لالستيطان‪ ،‬عنده إمكانيات العودة إىل بيئة خرضاء رطبة‬ ‫يحتل أرضاً زراعية تشكّل عندنا‪ ،‬و بسبب ندرتها‪،‬‬ ‫بعد البنيان و ال ّ‬ ‫ثروة نادرة حرام التفريط بها‪.‬‬ ‫يشكّل اختيار املوقع للمتّحد الجديد املرحلة األوىل من عملية‬ ‫االستيطان‪ ،‬و عندها ينطرح السؤال الثاين املتعلق بكيفية الرتكّز‬ ‫فيه و توزيع الحيِّزات حسب الوظائف و تحديد أمكنة السكن و‬ ‫العمل و الرتفيه و غري ذلك من الحاجات العامة كاإلدارة و العبادة‬ ‫و التج ّمع و غريها؛ و فيام ييل تبيان مخترص لهذه العملية ‪:‬‬ ‫ ‪ 1‬اللوحة األوىل تبينّ أ ّن املنشآت تجانب الطريق العام‬‫الذي يصل البلدات ببعضها‪ ،‬فال تعرقل حياة البلدة الداخلية‬ ‫حركة املرور فيام بني البلدات‪ ،‬و تتح ّرك هذه الحياة حول شبكة‬ ‫الطرق و الساحات العامة الخاصة بالبلدة و التي تهيكل بنيتها‬ ‫كام تهيكل األضالع أوراق الشجر‪ .‬يت ّم الدخول إىل مركز البلدة‬ ‫من خالل موزِّع صغري مثلّث األضالع يؤ ّمن انسياب املرور دون‬ ‫عرقلة‪ .‬و يحيط مبركز البلدة شارع دائري يحرص ضمنه املنشآت‬ ‫العامة كالبلدية و مكتب الرشطة و املركز الثقايف االجتامعي و‬ ‫الجمنازيوم و املستوصف املع ّزز و الحماّ مات العامة و املعابد و‬ ‫ّ‬ ‫يحتل قسامً‬ ‫املحال التجارية‪ .‬و تحيط بهذه املنشآت حديقة عامة ّ‬ ‫منها بحرية اصطناعية تؤكّد تقليدا ً قدمياً يف أكرثية بلدات الجنوب‬ ‫تحتل وسط البلدة‪ .‬تشكّل البحرية‬ ‫حيث الربكة املتع ِّددة الوظائف ّ‬ ‫رمزا ً مهماّ ً للحياة التي بحاجة إىل الدفء كام و للرطوبة‪ ،‬و إذا‬ ‫ما اعتمدنا زرع األشجار الباسقة الكبرية الحجم و االرتفاع بدل‬ ‫املخصصة لذلك يف مدننا و‬ ‫الشجريات التي تغزو املساحات الضئيلة َّ‬ ‫قرانا‪ ،‬نستعيد الح ّيز العام املظلّل املنعش الذي كان عندنا يف املايض‬ ‫كل‬ ‫بدل الحيِّزات العامة الصحراوية املنترشة اليوم يف ّ‬

‫‪9‬‬


‫‪10‬‬

‫درا�سة‬

‫متّحداتنا‪ .‬يف متَّحداتنا اليوم يرتاءى للمراقب أ ّن الناس نسوا أنّنا يف‬ ‫بلد الشمس الطاغية خالل ثلثي السنة و أ ّن الثلث الثالث ال تغيب‬ ‫عنه الشمس إالّ قليالً‪ .‬أ ّن ج ّوا ً منعشاً و مريحاً كام يؤ ّمنه الرتتيب‬ ‫املذكور يف املق َرتح يخلق ج ّوا ً من اإللفة و من التفاعل و من الزخم‬ ‫يعيد لألمكنة العامة وظيفتها األساسية أال و هي التالقي و الحوار‬ ‫و التفاهم‪...‬‬ ‫تبينّ اللوحة األوىل أيضاً شبكة الطرق التي تنطلق كلّها من‬ ‫الشارع الدائري و من الشارع األسايس الصاعد باتّجاه املنطقة العليا‬ ‫بانحدار ال يتجاوز العرشين باملائة‪ ،‬فتسلكه الس ّيارات بسهولة و‬ ‫تتف ّرع منه الشوارع التي تغذّي األحياء الثامنية التي تشكّل كامل‬ ‫املتّحد‪ .‬تنساب هذه الشوارع متوازي ًة مع األرض فليس فيها سوى‬ ‫انحدار خفيف و تتقاطع معها شبكة أخرى من الطرق و املعابر‬ ‫تتقاطع هي األخرى مع انحدار األرض و هي بغالبها أدراج منحدرة‬ ‫تخترص املسافات و تصل األحياء ببعضها من خالل «آدوميّات»‬ ‫يسلكها املشاة فقط‪ .‬مت ّر طرقات السيّارات الثانوية ذات االنحدارات‬ ‫الخفيفة يف ساحات األحياء‪ ،‬و هي ساحات فرعية صغرية الحجم‬ ‫حي ح ِّيزه العام حيث سبيل املاء و السنديانة الباسقة‬ ‫تعطي ّ‬ ‫لكل ٍّ‬ ‫و املقاعد املتحلّقة حول الساحة حيث التج ّمعات الصغرية يف‬ ‫املسايا حول فنجان قهوة أو كوب شاي و حيث يطيب السهر‬ ‫الحي مسارها لتصل إىل القمم‬ ‫يف الليايل املقمرة‪ .‬و تكمل طريق ّ‬ ‫الصغرية التي تشكّل نوعاً من الحاجز الطبيعي حول املتّحد حيث‬ ‫أبراج املراقبة التي تسلّط عيونها و آذانها صوب األرض املحتلّة‪.‬‬ ‫و تبينّ اللوحة األوىل أيضاً اتّصال الطريق األسايس املنطلق من‬ ‫مركز املتّحد‪ ،‬و الذي يشكّل العامود الفقري للشبكة‪ ،‬مع الطريق‬ ‫العام عند أقىص رشق املتّحد‪ ،‬و هو اتّصال يغذّي منطقة الصناعة‬ ‫الخفيفة املركّزة قرب زرائب املاشية و قرب حاويات العلف و‬ ‫قرب مستودعات املنتجات الزراعية التي تشكّل املادة الخام لتلك‬ ‫الصناعات الخفيفة و قرب مرائب الج ّرارات و الناقالت و أدوات‬ ‫اإلنتاج عىل أنواعها‪ .‬و دون أن يغرب عن بالنا أ ّن حجم هذه‬ ‫املنشآت هو متناسق مع حجم البلدة و أ ّن هذا اإلنتاج يشكّل‬ ‫الرديف الذايت العائيل املتواضع للفالحني من السكان‪ ،‬نشري إىل أ ّن‬ ‫متوسطة الحجم تحيط بها غابة‬ ‫املكان مج َّهز ببحرية إصطناعية ّ‬ ‫من األشجار‪ ،‬تخدم هذه األعامل مضيف ًة إىل املكان روعة الحياة‬ ‫الحيوانية الطبيعية إذ تصبح مح ّجاً للطيور ال ّربية كام و موئالً‬ ‫للطيور األليفة‪.‬‬ ‫مبسط‪ ،‬شبكة الطرقات‬ ‫برسم‬ ‫‪،‬‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫الثانية‬ ‫اللوحة‬ ‫ ‪2‬‬‫ّ‬ ‫ينّ‬ ‫األساسية الصالحة للس ّيارات و مركز املتّحد و منشآته و بحريته‬ ‫و ساحات األحياء و فكرة عن انتشار الحارات حولها و منطقة‬ ‫التصنيع الزراعي الخفيف و بحريته و نهايات الطرقات مع‬ ‫مراصدها و املربّع الذي سيت ّم درسه و اقرتاحه كنموذج ملا ستكون‬ ‫عليه ساحات األحياء و كيفية التج ّمع حولها‪.‬‬ ‫الحي امل ُشار إليه يف اللوحة‬ ‫ ‪ 3‬اللوحة الثالثة تبينّ قلب ّ‬‫الثانية باملربّع الداكن‪ .‬مي ّر الشارع العام ذو االنحدار الخفيف يف‬ ‫الحي تاركاً القسم األكرب منها يف الجهة العليا حيث سبيل‬ ‫ساحة ّ‬ ‫املاء و بعض املد ّرجات املحيطة به و املرشفة عىل القسم األسفل‬ ‫بحيث تبقى إمكانية تحويل املكان إىل مرسح شعبي متاحة ألكرث‬ ‫من مناسبة بينها إحتفال ٍ‬ ‫بعرس أو احتفا ًء بوالدة أو تكرمياً بنجاح‬ ‫أو إحيا ًء لتقاليد شعبية محلية أو عائلية‪ .‬يتف ّرع من الساحة دروب‬ ‫منها املنحدر و منها املتد ِّرج تغذّي الحارات املركّبة أيضاً بتد ّرج‬ ‫يتطابق و يستفيد من انحدار األرض‪ .‬تنساب الطرقات الفرعية‬

‫العدد ‪72‬‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫و األدراج حول الحارات بحيث تؤ ّمن الوصول إىل مك ِّوناتها من تظلّل الرشفات أمام مجالس البيوت‪ ،‬ذلك أ ّن الدالية (العريشة)‬ ‫كافة الجهات‪ ،‬و هي مسارات مك ّونة من طبيعة األرض و ُمحاطة تشكّل غطا ًء مالمئاً للرشفات يف األرياف‪ ،‬فهي مكتسية باألوراق و‬ ‫باخرضار كثيف يتد ّرج من املساحات املعشوشبة إىل األشجار العنب من منتصف الربيع حتى منتصف الخريف‪ ،‬فتؤ ّدي بذلك‬ ‫الظل يف جميع االتّجاهات فيصبح السري وظيفة التظليل من الشمس و وظيفة إنتاج أحد أطيب الفواكه‪،‬‬ ‫الكبرية الباسقة التي تؤ ّمن ّ‬ ‫يف البلدة من متعات الحياة فيها‪ .‬ويشكّل تالصق البيوت املتع ِّددة و هي مع ّراة يف النصف اآلخر من السنة و خاص ًة يف فصل الشتاء‬ ‫األشكال يف تركيب الحارات كام و يشكّل تركّز الحارات املتن ِّوع و حيث تلعب أش ّعة الشمس دورا ً بارزا ً يف تدفئة البيوت‪ ،‬فتدخل‬ ‫املتالئم مع طبيعة األرض و تضاريسها‪ ،‬خروجاً قوياً عن الرتابة إليها و تؤ ّدي واجبها‪.‬‬ ‫يض باتّجاه‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫مقطع‬ ‫خالل‬ ‫من‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫الخامسة‬ ‫ ‪ 5‬اللوحة‬‫التي تطبع املج ّمعات السكنية املستحدثة‪ .‬فاملنظورات املتغيرِّ ة‬ ‫ينّ‬ ‫ْ ّ‬ ‫باستمرار و حجم الفراغات املتع ِّدد و تن ّوع املجاالت و املسارات االنحدار‪ ،‬اصطفاف املباين و تد ّرجها و االستفادة من االنحدار لجعل‬ ‫رض بخصوصية الحياة العائلية‪ .‬يبينّ‬ ‫يخلق ج ّوا ً من الج ّدة و من البهجة املقرونة بإندهاش فرح‪ .‬يف هذه التالصق مفيدا ً و جميالً و غري م ٍّ‬ ‫لكل منعطف مكتشفاته املتمثلة هذا املقطع مدخل أحد املالجىء و موقعه داخل حوش إحدى‬ ‫لكل زاوية خاصيتها و ّ‬ ‫الحيِّزات ّ‬ ‫بأحجام األبنية و تضاريسها و الكتل الخرضاء و ألوانها املتع ِّددة الحارات و عمق هذا املوقع و اتّصاله املطمور مع ملجأ آخر يف‬ ‫و أالعيب الظالل عىل الواجهات و ظالل األبنية و األشجار عىل حال د ِّمر املدخل بالقصف‪ .‬تتّصل املالجىء كلّها ببعضها مخافة‬ ‫تع ّرض مداخلها للتدمري نتيجة القصف املدفعي أو خالفه؛ و هي‬ ‫مج َّهزة حسب األصول‪ ،‬ذلك أنّها تشكّل امللجأ اآلمن للسكان غري‬ ‫املؤ ّهلني للقتال من نساء و أطفال و شيوخ‪ .‬يبينّ الرسم أيضاً كيف‬ ‫يشكّل سطح ٍ‬ ‫بيت ما‪ ،‬م ّرتب و مزروع‪ ،‬الرشفة املظلّلة بالدالية‬ ‫املتعددة‬ ‫يشكّل تالصق البيوت ِّ‬ ‫للبيت الذي يعلوه منسوباً دون أن يكون فوقه؛ و يبينّ أيضاً موقع‬ ‫طمر خ ّزان املازوت و وسيلة تغذيته و مسار وصول املحروقات إىل‬ ‫األشكال يف تركيب الحارات واملتالئم مع‬ ‫الحارة التي يغذّيها‪ ،‬ذلك أ ّن خ ّزان حار ٍة ما يقع تحت مساح ٍة عامة‬ ‫طبيعة األرض و تضاريسها‪ ،‬خروجاً‬ ‫ترتفع عن موقع الحارة ما يكفي إليصال املازوت إليها بواسطة‬ ‫الجاذبية‪ ،‬ذلك أ ّن االستغناء عن الوسائل اآللية يف هذه الوظائف‬ ‫قوياً عن الرتابة التي تطبع املج ّمعات‬ ‫هو القاعدة السليمة األساسية كون هذا االستغناء يح ِّررنا من‬ ‫السكنية املستحدثة‬ ‫التبعية لآللة خاص ًة يف الظروف الصعبة‪ .‬إ ّن الواجهات الظاهرة‬ ‫خلف األبنية املقطوعة هي مطابقة ملسطّح املنطقة التي عرضناها‬ ‫يف اللوحتني الثالثة و الرابعة‪ ،‬و هي تعبرّ فعالً عن واقع الحال‬ ‫املرسوم و تعطي بالتايل فكر ًة عن مظهر الحارات و عن التداخل و‬ ‫الرتابط املتناغم فيام بني املساحات و اآلحجام‪.‬‬ ‫‪ 6‬اللوحة السادسة‪ ،‬و من خالل مقطع طويل مي ّر يف وسط‬‫األرض و فيام بينها‪ .‬لك ّن اكتشاف أرسار هذه املسارات املتع ِّددة‬ ‫الحي الذي بي ّناه يف اللوحتني الثالثة و‬ ‫يبقى حكرا ً عىل أبناء البلدة وحدهم و عىل قلّة من زائريها الدامئني الطريق و يف قلب ساحة ّ‬ ‫من أقارب و أصدقاء‪ ،‬أل ّن الوضع يتغيرّ كلياً عندما يحاول الغرباء الرابعة‪ ،‬تبينّ واجهة هذا الحي كام يراها َمن يستعمل هذا املسار‪.‬‬ ‫اقتحام املكان‪ ،‬إذ يتح ّول عندئذ إىل متاهة تس ّهل عىل املدافعني‪ ،‬و و هي مطابقة فعالً لتسلسل الحارات فوق الطريق‪ ،‬و بالتايل فهي‬ ‫هم أهل املكان‪ ،‬الدفاع عنه بوجه محتلني أعداء يتح ّولون‪ ،‬بسبب أيضاً تعطي فكر ًة عن التداخل و الرتابط املتناغم امل ُشار إليه سابقاً‪.‬‬ ‫توسعاً‬ ‫تعقد املكان‪ ،‬إىل صيد سهل يف مصيدة أع َّدت لهم سلفاً‪ .‬إ ّن بلدة‬ ‫تشكّل اللوحات من السابعة حتى الحادية و العرشين ّ‬ ‫كهذه تستطيع الصمود و االنتصار يف حرب شوارع عىل عدد من يف مقرتحات مسطّح الحارات و البيوت التي تؤلفها كام و ملقاطعها‬ ‫األعداء مامثل لعدد املدافعني عنها‪ ...‬و تبينّ اللوحة الثالثة أيضاً و واجهاتها‪ ،‬و تقرتح موادا ً للبناء و كيفية بنيانها؛ كام و أنّها تقرتح‬ ‫مداخل املالجىء امل ُشار إليها باملربّعات الصغرية و التي تتواجد يف تنظيامً للغرف و توزيع الوظائف داخلها و كيفية التدفئة شتا ًء‬ ‫كل‬ ‫أحواش الحارات و تؤ ّدي كلّها إىل مالجىء جامعية كبرية مطمورة بوسيلة متع ِّددة الوظائف تؤ ّمن الطهو أيضاً و املياه الساخنة‪ّ .‬‬ ‫بأقل تكلفة‬ ‫عىل أعامق مناسبة كام سيظهر يف اللوحة الخامسة؛ و تتح ّول هذه ذلك بهدف االستفادة القصوى من معطيات املواد و ّ‬ ‫املخاىبء عند االلتحام املبارش إىل كامئن تتيح للمدافعني االنقضاض ممكنة و بهدف تأمني أكرب قد ٍر من الراحة انطالقاً من قاعدة الـ‬ ‫كل مكان و زمان‪.‬‬ ‫«‪ »Optimalisation‬الذهبية يف ّ‬ ‫عىل املهاجمني من كافة االتّجاهات‪.‬‬ ‫أواخر حزيران سنة ‪ 1972‬نجح ذلك الطالب بإقناع اللجنة‬ ‫ ‪ 4‬اللوحة الرابعة تبينّ نفس منطقة اللوحة الثالثة مرئية‬‫من الجو‪ ،‬و القصد منها تبيان اختالط حدود البناء مع حدود التحكيمية بصوابية طرحه و نال شهادته و هو يتذكّر أمامكم اآلن‬ ‫الجنائن املحيطة عندما تكسو الخرضة كامل املساحات‪ ،‬ذلك تلك الفرتة الخصبة من تاريخنا املعارص و يه ّنىء نفسه و اللبنانيني‬ ‫أ ّن أسطح البيوت و املباين م ّرتبة و مزروعة و هي بذلك تؤ ّمن خصوصاً و العرب عموماً و األمم الح ّرة يف العامل بشكل أع ّم بهذه‬ ‫عازالً جيّدا ً لداخل املباين و منظرا ً جميالً و محيرِّ ا ً من الجو؛ و املقاومة الفريدة التي ر ّدت لنا اعتبارنا أمام أنفسنا أ ّوالً و أمام‬ ‫قد ال يستطيع التمتّع به سوى ساكني املناطق العليا يف البلدة‪ ،‬العامل تالياً و عدنا بفضلها من ص ّناع وجودنا و من ص ّناع التاريخ‪.‬‬ ‫جبيل يف ‪ 13‬متّوز ‪2012‬‬ ‫و املتواجدين عىل قمم الجبال املحيطة و من األمكنة البعيدة‬ ‫املعامر اميل العكرا‪،‬‬ ‫ ‬ ‫املرشفة‪ .‬أنّه بال شك منظر طبيعي جميل ينحرش يف الطبيعة بتآلف‬ ‫رئيس هيئة املعامريني العرب‬ ‫محكَم و بتناغم تام‪ .‬و تظهر أيضاً يف هذه اللوحة الدوايل التي‬


‫العدد ‪72‬‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫درا�سة‬

‫العبور اىل الدولة عىل الدولة‬

‫فأحمر وجه العدالة وقاحة ال خجال‪ ،‬هم من غرفوا ارسار املسح‬ ‫نسيب الشامي‬ ‫الجيولوجي الفرنيس لباطن االرض والبحر‪ ،‬فأنتجوا بدعة االقرتاض‬ ‫ال ابالغ اذا قلت ان الذين يتناولون مسألة بناء الدولة‪ ،‬العبور وكارثية الدين العام‪ .‬هم من اخذ بيد الطائفية اىل جحيم املذهبية‪.‬‬ ‫اىل الدولة وكل هذه الديباجات املنمقة التي تنتهي بسيادة هم من اسقط فلسطني وقضيتها املركزية من قلوب ابنائها‬ ‫واستقالل الدولة‪ ،‬ما هي إال إكذوبة املليون دوالركام يقول – القول التاريخيني وأستقدم مقولة «بدنا نعيش» ومقولة الفرح والحياة‬ ‫امرييك – وأصحابها ليسوا إال ّ كذابني كانوا قد قبضوا املليون دوالر عىل وقع دوزنة روتانية فيها الكثري من الحرية والقليل من الحياء‪.‬‬ ‫هم مع الدولة فقط اذا أمسكوا مبقدراتها و دينامية نهبها‪ .‬هم‬ ‫فعال «ال» وهامً وتم تسويقها خطباً عىل املنابر‪ ،‬وتواصالً اجتامعياً‬ ‫مع الدولة اذا كانوا عىل رأس سلطتها ‪ ،‬واال فهم سواح – جوالون‬ ‫عرب االنرتنت‪.‬‬ ‫يتواصلون عرب االنرتنت‪ ،‬والتويرت‪ ،‬تاركني الساحة السياسية يف عهدة‬ ‫ليس يف لبنان من يريد بناء الدولة‪.‬‬ ‫الفريق األهم ال يريد بناء الدولة العتبارات حاسمة يف املنطق االقحاح – وما أدراك ما االقحاح ؟‪.‬‬ ‫الفريق املسيحي األقوى – رمبا الوحيد الذي يريد الدولة وبناء‬ ‫اوالً ‪ :‬الن بناء الدولة يلغي حضوره الذي تأسس عىل قاعدة‬ ‫الدولة – ودليلنا يف سلوكيات وزرائه ونوابه ‪ ،‬وارصاره عىل محاربة‬ ‫غياب الدولة ‪.‬‬ ‫ثانياً ‪ :‬ألنه ال يثق بالدولة املقرتحة لصيانة الحقوق والدفاع الفساد‪ ،‬ورسقة املال العام ‪ ،‬والشفافية الصادقة يف التعاطي مع‬ ‫عن االرض والشعب والكرامات ‪ ،‬وبالتايل ال يثق بكل النامذج التي الشأن العام ‪ ،‬لقد أقام جدارا ً مكيناً يف وجه الدولة – املرزعة ‪،‬‬ ‫تشكلت يف السابق حيث كانت الدولة عىل شاكلة املزارع وسيادتها دولة املحاصصة ‪ ،‬دولة النهب املنظم‪ ،‬وأخذ بيد الرشعية الكببرية‬ ‫مل تتأت إالّ من خالل تقديم الدجاج دامئاً للذئب املرتبص فلسفة التي يتكلم باسمها اىل موقع متقدم يف السياسة – ورؤية واضحة‬ ‫يف مسألة الرصاع العريب االرسائييل – وتحديد العدو من الصديق‪،‬‬ ‫«قوة لبنان يف ضعفه» ‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬ألنه يدرك ان الدولة القوية القادرة يف ظل نظام طائفي انه الفريق الصامد الصابر عىل كل آليات التعطيل‪ ،‬والتسويف‪،‬‬ ‫ووضع العيص يف دواليب حركة الوزراء‪ ،‬يف حكومة منذورة للتأجيل‬ ‫تحاصيص ليست اال شيكاً غري قابل للرصف‪.‬‬ ‫الفريق الثاين يف األهمية املقابلة ال يريد الدولة ‪ ،‬النه ليس ‪ ،‬والجمود ‪ ،‬وعدم تحقيق االنجازات‪.‬‬ ‫ولكنه ترك يف جداره املامنع ‪ ،‬طاقة لنوابه املدعني بالواقعية‬ ‫وليدها الرشعي والنه الوليد املستودع من رحم الالرشعية فهو من‬ ‫انتج الفساد وعممه عىل الخلق والعباد‪ ،‬ورشعن الرشوة فأصابت السياسية ‪ ،‬ونظام لبنان الطائفي ‪،‬فأبدعوا يف الدفاع عن الطائفية‬ ‫الكبري والصغري‪ ،‬ووضع للسياسة والسياسيني أمثاناً رفعت امثان والنظام الطائفي ‪ ،‬وحصة هذا الفريق املتميز يف قالب الجبنة‬ ‫بعضهم ورخصت أمثان اآلخرين‪ ،‬هم من أبطل فاعلية القضاء الطائفي ‪ ،‬فكان ان وقع الخلل عند االنصار واملراقبني واملحبني‪،‬‬

‫الرصاع عىل غزة‬

‫سعاده ارشيد ـ جنني ـ فلسطني املحتله‬

‫كان محور املقاومة واملامنعةهو املحرك الرئيس يف اإلقليم قبل‬ ‫الربيع العريب‪ ،‬وقد متدد هذا املحور عىل شكل قوس قرنه الرشقي‬ ‫يف أفغانستان وقرنه الغريب يف غزة‪ ،‬مرورا بإيران واملقاومة العراقية‬ ‫وسوريا وحزب الله يف لبنان‪ ,‬وبدا للمراقب أ ّن هذا القوس (املحور)‬ ‫يتسم باملناعة و التامسك‪ ،‬فأطرافه ال يرون ألنفسهم مكاناً خارجه‪ .‬أما‬ ‫خصومهم فقد أطلقوا عليه أسامء عدة‪ ،‬أشهرها محور التطرف والهالل‬ ‫الشيعي‪ ،‬واتهموه بأن له غايات مذهبية شيعية وقومية فارسية‪ ,‬وهدفوا‬ ‫بهذا التهويل مماّ أسموه خطر األطامع اإليرانية يف املرشق العريب‪،‬‬ ‫وأخذوا يعيدون للذاكرة العربية معركة القادسية‪ ،‬وانهمكوا يف التنقيب‬ ‫يف كتب التاريخ عن قصص وحكايا لبعثها ونرشها ضمن هجومهم‬ ‫الفكري‪ ،‬من مثل قصة مقتل الخليفة عمر بن الخطاب عىل يد «أبو‬ ‫لؤلؤة ونادوا برضورة الثار للخليفة الشهيد من أحفاد أحفاد «أبو لؤلؤة‬ ‫« أي من ايران‪ ،‬وفاتهم أن يطالبوا بالثأر ملن يقتل صباح مساء عىل‬ ‫يد (االرسائييل)‪ .‬ومضت خطاباتهم وأقوالهم ومقاالتهم تتحدث وكأن‬ ‫إيران هي من يقيم جدارا ً عىل أرض الضفة الغربية‪ ،‬وهي من يصادر‬ ‫أرايض فلسطينييها ويزرعها باملستوطنات ويطارد الفالح الفلسطيني‬

‫ومينعه من قطف زيتونه؛ أو كأن إيران هي من يعتدي عىل املسجد‬ ‫األقىص ويهدد بهدمه وتدنيسه ويعتدي عىل املتعبدين فيه‪ ،‬وكأنها‬ ‫هي من يدنس سائر املقدسات اإلسالمية واملسيحية من مساجد وزوايا‬ ‫وكنائس ومقابر ومقامات يف طول فلسطني وعرضها‪.‬‬ ‫مياه كثريه انهمرت يف وديان الربيع العريب ومألت وديان االقليم‪،‬‬ ‫فقد ضرُ ب البعض من أعضاء هذا املحور ومل يزل يُرضب‪ ,‬ويلِّوح‬ ‫األمريكيون واإلرسائيليون برضب ٍ‬ ‫بعض آخر‪ ،‬بينام اختار فريق من‬ ‫األعضاء السالمة مبغادرته لساحة املواجهة‪ ,‬فاستبدل برامجه ومصادر‬ ‫متويله وأماكن إقامته‪ ,‬وقام باستدارة يف رؤيته تجاه الرصاع يف اإلقليم‬ ‫سواء تجاه الرصاع مع (إرسائيل) أو مع داعميها‪.‬‬ ‫ميكن يف هذا السياق قراءة زيارة األمري القطري لقطاع غزة‪،‬‬ ‫والتي وصفها مضيفوه بالتاريخية وبالشجاعة‪ ،‬وقالوا بأنها الزيارة‬ ‫الكارسة املمزقة للحصار‪،‬دون اإلشاره إىل أنها ما كان لها لتكون لوال‬ ‫املوافقة(االرسائيلية) التي تم حسابها يف موازين الفائدة السياسية‪،‬‬ ‫ال يف إطار املجامالت والعالقات العامة‪ ,‬وذلك يف الوقت الذي كانت‬ ‫فيه البحرية االرسائيلية تالحق وتحارص ( وتقتحم فيام بعد) سفينة‬ ‫املساعدات اإلنسانيه السويدية (أستيل)‪ ،‬والتي تقل ‪ 17‬أوروبيا من‬ ‫جنسيات مختلفة‪ ،‬وال تحمل لغزة إال مقادير رمزية من األدوية وحليب‬ ‫األطفال‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫أو هل تحولت حصة الجرنال الوطنية اىل حصة طائفية ‪ ،‬وغدا ً اىل‬ ‫حصة مذهبية‪ ،‬وان كان فعالً هذا هو األمر فأين هي الصدقية؟‬ ‫هل تم الغاؤها بالرضبة القاضية؟ رضبة املصالح الطائفية التي‬ ‫تتقدم عىل مصلحة املجتمع – املجتمع كوحدة متكاملة املجتمع‬ ‫كمكون جامع شامل كل رشائحه ومكوناته وجامعاته‪.‬‬ ‫االقطاع الطائفي – املذهبي‪ ،‬السيايس ‪ ،‬ال يريد بناء الدولة وال‬ ‫يريد الدولة‪ ،‬انه فقط مع النظام الطائفي يف الدولة‪ ،‬اذا تعرض‬ ‫النظام الطائفي لخطر ما‪ ،‬فأمراء االقطاع اول من يدك حصن‬ ‫الدولة ‪ .‬الدولة بنظرهم هي سياج لنظام املحاصصة الطائفية‪ ،‬هي‬ ‫الدرع الواقي من املراقبة واملحاسبة واملساءلة‪.‬‬ ‫هي سيمفونية االبتزاز‪ ،‬ملقدرات الدولة ذاتها‪ ،‬وامكاناتها‬ ‫االقتصادية واملالية‪ ،‬هي توليفة ماكر لرصف النفوذ‪ ،‬وفرض االرادات‬ ‫‪ ،‬وتحويل ربحية الخري العام اىل صناديق النفع الخاص ‪ ،‬الدولة‬ ‫بنظرهم ولدت بفرمان‪ ،‬وهبت الدولة واالرض والعباد ملستحقيها‬ ‫للمستبدين والعواهر وحولت الناس اىل مرابعني ال حول لهم وال‬ ‫قوة‪ .‬ليخرسوا حني يتكلمون عن الدولة ‪....‬‬ ‫أوحني يتكلمون عن الشفافية والصدقية والدميقراطية)‬ ‫املستقلون ليسوا مع بناء الدولة‪.‬‬ ‫بعضهم نظيف الكف وصادق‪ ،‬وأكرثهم من العسس ‪ ،‬وأكلة‬ ‫الجبنة إنتهازيون ‪ ،‬ينتقلون يف املواقف واملواقع‪ ،‬عىل هدي مثالهم‬ ‫الصالح‪ ،‬إمنوذجهم املستولد‪ ،‬املستحدث‪ ،‬من غفلة الزمن وهبوط‬ ‫السياسة ‪ ،‬وانعدام وزن االخالق‪.‬‬ ‫ال أعرف اح ًد ‪....‬صادقاً‪ .‬مع الدولة او مع بنائها اذا عرفتم‬ ‫وكنتم صادقني ‪ ،‬بربكم دلوين ‪.‬‬

‫لقدجاءت زي��ارة أمري قطر يف سياق دعم فريق فلسطيني‬ ‫عىل حساب فريق فلسطيني آخر‪ ,‬خاصة وأن الفريق الفلسطيني‬ ‫املدعوم قطرياً يتم دفعه بعيدا عن محوره القديم‪ ,‬محور املقاومة‬ ‫والتي كان أحد ركائزها‪ ،‬ومن أجل التقدم يف مواقف مساوِمة ال‬ ‫مقاومة تنسجم مع السياسات القطرية املعلنة تجاه ارسائيل ايجابا‬ ‫وتجاه سورية واملقاومة سلبا ‪ .‬االمر الذي آىت أوكله يف خطايب الشيخ‬ ‫اسامعيل هنيه يف حرضة االمري ثم يف خطبة العيد التي طالب‬ ‫فيها النظام السوري ( الظامل بكف يده عن الشعب السوري وعن‬ ‫مخيامت اللجوء الفلسطيني) وللتذكري كان قد سبق الشيخ هنية‬ ‫رئيس االتحاد العاملي لعلامء املسلمني بنداء طالب به حجاج البيت‬ ‫العتيق بالدعاء عىل كل من إيران ‪ ,‬روسيا والصني بسبب دعمها‬ ‫للنظام السوري (املجرم) غافال عن اضافة الدول الداعمة (الرسائيل)‬ ‫اىل قامئة املدعو عليهم ‪.‬‬ ‫هكذا تريد ارسائيل ‪ ,‬وتريد من قطر ان تدفع غزة للقبول‬ ‫بالهدنة غري املحكومة بزمن او ظرف ‪ ,‬تريد التزاما غزيا مبنع ومعاقبة‬ ‫املقاومني ومطلقي الصواريخ ‪ ,‬تريد تفكيك البنية العسكرية والقتالية‬ ‫للقطاع ‪,‬و تريد ايضا تعميق االنقسام الفلسطيني الفلسطيني ال حبا‬ ‫بهذا الفريق وال كيدا للفريق اآلخر وإمنا لعدم عودة الضفة وغزة‬ ‫جسدا واحدا باملعنى السيايس واإلداري وبقيادة واحدة‪.‬‬


‫‪12‬‬

‫العدد ‪72‬‬

‫معر�ض‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫واقعية مع رمزية أيقونية‪:‬‬

‫«شجرة العائلة» معرض لريم الجندي يف «جانني ربيز»‬

‫تعرض الفنانة ريم الجندي يف غالريي جانني ربيز حتى نهاية‬ ‫ترشين األول (أوكتوبر)‪ ،‬مجموعة أعامل موضوعاتها متنوعة‬ ‫الهويات الثقافية‪ ،‬لكنها متوحدة يف الطابع والعنوان‪« :‬شجرة‬ ‫عائلة”‪ ،‬عنوان يجمع بني أصول الوالدة األوىل منذ حواء وآدم‪ ،‬إىل‬ ‫أصول الحياة وتوارثاتها‪.‬‬ ‫اللوحات مزيج من الوجوه والشخصيات التي تكاد تنطق‪،‬‬ ‫لكن يف جو أيقوين‪ ،‬صناعة‪ ،‬وموضوعا‪ .‬يتفاعل املشاهد مع‬ ‫أشخاص كأنهم ينتمون إليه أو ينتمي إليهم‪ .‬إنها الروح العائلية‬ ‫الكامنة يف ألوان اللوحات‪ ،‬يلمسها املرء يف الصور العائالت القدمية‬ ‫التي ما زالت تزين جدران املنازل التقليدية‪.‬‬ ‫اللوحات تكاد تكون منقولة عن لوحات حقيقية‪ ،‬لكن ريم‬ ‫الجندي استطاعت أن تجتهد يف التأليف الفني‪ ،‬وتبقي روح‬ ‫العائلة‪ ،‬وأفق العاطفة اإلميانية يف اللوحات‪ ،‬بحيث متنع تحويل‬ ‫العمل من نسخة منقولة إىل عمل فني مبدع شكال وألوانا‬ ‫وابتكارات‪.‬‬ ‫كانت ريم الجندي تبحث عن واحة ترتاح لها وهي مهددة‬ ‫املصري‪ .‬وهي مل تستطع الرحيل عن مدينتها املفضلة بريوت‪ ،‬فكان‬ ‫الرتحال حليف لوحاتها‪ .‬لوحة عائلة آل سامحة يف االغرتاب تركت‬ ‫خلفها صورتها األيقونية الطابع‪ ،‬وهذه عائلة سورية مهاجرة للتو‪،‬‬ ‫تنتقل بني األمكنة‪ ،‬وهنا عائلة موسيقية عراقية يهودية‪ ،‬وأخرى‬ ‫أرمينية يف لوس أنجلوس‪ .‬الكل مهاجر عىل ترحال‪ ،‬إال ريم ملتزمة‬

‫املكوث يف املدينة‪ .‬وتنتقل إىل مجموعة من اللوحات الصغرية‬ ‫التي تخلط بني األيقونة والتشكيل األقرب إىل االنطباعي‪ ،‬تستوحي‬ ‫الكثري من عنارص مادتها من األساطري التوراتية وسفره التكويني‪،‬‬ ‫فهنا شجرة صناعة شجرة العائلة (تلقيح وتوليد)‪ ،‬وشجرة تلتف‬ ‫األفعى حولها تذكر بإغواء حواء آلدم‪ ،‬ولوحة شجرة عائلة يحرسها‬ ‫شبيه القديس جاورجيوس طاعنا التنني‪ ،‬وشجرة العائلة والحظ‬ ‫الكبري‪ ،‬كأن الشجرة رابط بني حارض البرش وماضيهم أينام كانوا‪،‬‬ ‫ومن أية حضارة اتوا‪ .‬فتحت الشجرة ولد الكون االسطوري حيث‬ ‫تالقى آدم وحواء‪ ،‬ومن تحتها انتقال من الجنة املوعودة إىل األرض‬ ‫الكونية‪.‬‬ ‫وتنتقل اللوحات لرتوي قصصا واقعية يف إطار نصف واقعي‬ ‫شكال‪ ،‬حيث تتمثل الشخصيات بوقائع عادية يف الحياة‪ ،‬ومنها‬ ‫القبلة األوىل‪ ،‬وسهرة تلفزيونية يف املنزل‪ ،‬ووراثة الصبي لزعامة‬ ‫االمرباطورية حيث تتدرج السلطة من الجد بالطربوش إىل الوالد‬ ‫بالغمباز فالولد األكرب‪-‬الوريث بالثياب الحديثة مع شعار السالم‬ ‫يف حركة “وودستوك” تختزل تحوالت متسارعة لقرن من الزمن‪.‬‬ ‫وتحرض رحلة عائلية إىل غزة توحي بصعوبات الحياة هناك‪،‬‬ ‫يف ظل قلة التسهيالت ويف ظل الحصار‪ ،‬فتنتقل العائلة يف سيارة‬ ‫يجلس أبناؤها يف صندوق السيارة مع أكوام أغراض من كل‬ ‫الجهات‪ ،‬بينام تسري السيارة يف وهم غابة من الكفايف‪ .‬ويف هذه‬ ‫اللوحة يتجىل التأثري األيقوين املتمثل بأوراق األشجار املتساقطة‬

‫بكثافة لكنها بلون الذهب‪ .‬وتدخل املنمنامت يف اللوحات‪،‬‬ ‫وكذلك األشكال املؤرشة النتامء أصحابها الديني‪ ،‬ففي عيد النريوز‬ ‫الكردي‪ ،‬أزهار بلون أزهار الربيع وأم متسك بطفلها عىل طريقة‬ ‫مريم وعيىس‪ ،‬ويف عرس اليهود يف حلب ظهرت الزهور السداسية‬ ‫األوراق كنجمة داوود‪ ،‬بلون أزرق ويف كل اتجاه‪.‬‬ ‫معرض ريم الجندي يزخر بأرسار غري مكشوفة‪ ،‬تحتاج لروية‬ ‫تفحص‪ ،‬وعني ناقدة‪ ،‬لكنها بال شك تفتح آفاقا للبحث والحوار‪.‬‬


‫العدد ‪72‬‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫معر�ض‬

‫‪13‬‬


‫‪14‬‬

‫العدد ‪72‬‬

‫ر�أي‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫أإلنسداد الثقايف يف تجمعات الرشق األوسط البرشية‬ ‫نجيب نصري‬ ‫‪1‬‬ ‫وأإلنسداد يا ساديت الكرام ليس مصطلحا علميا إجتامعيا‬ ‫أو ثقافيا مربما ‪ ،‬فهو قد ال ( ينزل يف ميزان أو قبان )‪ ،‬ولكننا‬ ‫مضطرون لنحته لتبيان الرؤية والرأي ‪ ،‬ما يحصل ـ وهو يف األصح‬ ‫ملا يزل يحصل ـ بني ظهرانينا‪،‬مع أن اإلنسداد بطبيعته يحصل‬ ‫مرة واحدة موقفا الجريان الطبيعي لإلمور التي ترتاكم خلفه‬ ‫حتى إنفتاحه‪ ،‬فناء املجرى برمته ‪،‬ولكن الذي جرى ويجري يف‬ ‫رشق أوسطنا الحبيب هذا هو قدرة إستثنائية بني شعوب العامل‬ ‫عىل إخرتاع اإلنسدادات وإجرتارها ومراكمتها‪ ،‬حتى يبدو املنظر‬ ‫للمدقق العارف أنه عديم الحل‪ ،‬حتى يف حالة املحاولة لفتح‬ ‫هذه اإلنسدادات أوال بأول ‪ ،‬حيث يبقى اإلنسداد األول آخرا ‪،‬‬ ‫وهذا من الناحية النظرية يف حال أستطاعت هذه التجمعات‬ ‫البرشية رؤية هذه اإلنسدادات واملوافقة عىل تشخيصها كام هي‬ ‫دون تفاؤل أو تشاؤم ‪ ،‬وعقد النية والهم بإزالتها ‪ ،‬ومن ثم‬ ‫النظر اىل اإلمكانيات وتوظيفها ‪ ،‬وتحويلها إىل فعل عميل ال يعرف‬ ‫اإلنحياز إال للمصلحة‪ ،‬ومن هنا يبدو اإلنسداد تعريفا‪ ،‬هو معرفة‬ ‫الهدف ووجود النية ‪ ،‬ولكن ال وجود لهمة من أجل معرفة‬ ‫األساليب واألدوات التي توصل اىل هذا الهدف‪ ،‬لهذا تتحول حياة‬ ‫هؤالء الرشق أوسطيني اىل لغو(من لغة*) يعرف العلة لكنه‬ ‫يسلك طريقا آخر إلزالتها‪ ،‬وهو إجبار العلة عىل اإلعرتاف بأنها‬ ‫مخطئة يف حقه‪ ،‬وهي ليست علة حقيقية بل وراء األكمة ما‬ ‫وراءها‪،‬ويقبع منتظرا أن تعرتف العلة بنواياها الخبيثة واإلعتذار‬ ‫عنها صانعا يف إنتظاره هذا علال جديدة أسميناها إنسدادات‪.‬‬ ‫منذ الحرب العاملية األوىل‪ ،‬بدت منطقة الرشق األوسط (‬ ‫مصطلح الرشق األوسط واألدىن ملا يزل مصطلحا يشكل إنسدادا‬ ‫ثقافيا ما ) ‪ ،‬مهيأة بطريقة أولية لتجاوز اإلنسداد العثامين ‪ ،‬حيث‬ ‫عربت النخبة التي يفرتض أن تكون قائدة وصانعة للرأي حسب‬ ‫إمكانيات ذاك الزمن أي بدءا ً من عام ‪ ، 1850‬عربت هذه النخبة‬ ‫عن خريطة الطريق التي تقود اىل هدفني ال ثالث لها(وملا يزاالن‬ ‫صالحني للتداول ) وهام التنمية والتحرر ‪ ،‬وكانت الحلول النظرية‬ ‫العملية جاهزة يف كتب فرنسيس مراش ‪ ،‬والكواكبي ‪ ،‬وطاهر‬ ‫الجزائري ‪ ،‬والطهطاوي وعيل عبد الرازق ‪ ،‬وسالمة موىس و ابو‬ ‫خليل القباين ورعيل كامل من هؤالء ( ومثلهم يف البالد املغاربية‬ ‫) ‪ ،‬وبدت تأثرياتهم األولية عىل الشارع الرشق اوسطي ‪ ،‬يف‬ ‫تغيري ثقايف شكالين واعد تبدى يف اإلتساق مع املنجز التكنولوجي‬ ‫العاملي ( املشخص منه واملجرد ) ‪ ،‬بحيث تأكد أن الثقافة مبعناها‬ ‫املجتمعي ‪ ،‬هي األسلوب واألدوات الالزمة لتوليد املجتمع الالزم‬ ‫للقيام بنهضة توصل أعضاءه اىل التنمية والتحرر ‪ ،‬كهدف واضح‬ ‫يحقق مصلحة هؤالء األعضاء ‪ ،‬ولكن وفجأة حصل إنسداد !!! من‬ ‫أين أىت ؟ وملاذا ؟ وكيف السبيل اىل فتحه ؟‪ ....‬مل يكن أحد معنيا‬ ‫باألمر ‪ ،‬بل أنعكس األمر للبحث عن األصالة والتأصيل ( بدال عن‬ ‫األصيل ‪ ،‬واإلبداعي ) ‪ ،‬خوفا من التهجني ‪ ،‬طاملا هناك ( سايكس‬ ‫بيكو ) والتي كشفها لنا الروس متأخرين بعض الشيىء ‪ ،‬ميكنها‬ ‫تحمل وزر اإلنسداد القادم ‪ ،‬كام لوعد بلفور ومؤمتر بال أن‬ ‫يساعدا يف تخفيف أعباء مسؤولية اإلنسداد ‪.‬‬ ‫كان هدف التخلص من العثمنة واضحاً اىل حد بعيد يف‬ ‫أذهان النخبة ‪ ،‬ليس بسبب عرص القوميات فقط ‪ ،‬بل للتهافت‬ ‫التكنولوجي يف البنية الثقافية للدولة العثامنية ‪ ،‬وهو أمر فككها‬

‫برمتها ‪ ،‬لتستبدل بعد وهلة بالنموذج األتاتوريك الالحق بإخالص‬ ‫بعرص القوميات والقيم الثقافية األصلية ( وليس األصيلة )‬ ‫وأيضا (ليس الرباغامتية الواهمة) كقيم العمل واإلنتاج واإلندماج‬ ‫اإلجتامعي ‪ ،‬والتي تعيد صياغة وصناعة املجتمع مبعناه الحديث‬ ‫( أنذاك عىل األقل ) ‪ ،‬كمنتوج معريف إرادي وقصدي ‪ ،‬ومل يستطع‬ ‫الرشق أوسطيون إكتشاف أهمية الحدث « الرتيك « فيام بعد‬ ‫‪،‬لكنهم ثربوه وأدانوه ‪ ،‬واقفني نظريا ‪،‬ـ ومتوقفني عمليا ـ عند‬ ‫الحالة العثامنية كحالة أطالل من األصالة « الثقافية « الوقوف‬ ‫عندها ‪ ،‬وهكذا ولد مرشوع التخلص من العثمنة ميتاً رسيريا ‪،‬‬ ‫فالبحث عن امنوذج قومي تحرري تنموي و( أصايل ) !!‪ ،‬حتى ولو‬ ‫تناقض مع مرشوع النخبة ‪ ،‬وحتى لو أدى إىل إنسداد كانت نذره‬ ‫واضحة للنخبة أنذاك ولنا اآلن ‪ ،‬كان رضورة ملحة ‪ ،‬فاألصالة رشط‬ ‫أسايس ‪ ،‬والبحث يف األصالة ومن ثم الخصوصية ‪ ،‬يقتيض جمع‬ ‫ما هو غري قومي مع ماهو قومي ‪ ،‬وجمع ما هو غري تكنولوجي‬ ‫أو تكنولوجي بائد مع ما هو تكنولوجي ‪ ،‬أو تكنولوجي محدث‬ ‫‪ ،‬كان املهمة األصلية لهاتيك الثقافة اإلجتامعية ‪ ،‬طاملا كانت‬ ‫هناك إنكلرتا بباحثيها ومسترشقيها تستطيع تحمل الوزر‪ ،‬يف‬ ‫حال كان هناك خطأ ما ‪ ،‬ويف حال أكتشفنا هذا الخطأ ‪ ،‬ويف حال‬

‫أعرتفنا به !!!‪ ،‬فاإلستعامر ( ظهره شيال ) وميكن متسيح ( ‪) ....‬‬ ‫به ‪ ،‬حيث احتمل فيام بعد كل الرزايا من وعد بلفور حتى غزو‬ ‫العراق (مبا فيها أألحتاللني السوفييتي واألمرييك ألفغانستان !!!‬ ‫)‪ ،‬يف هذه املغامرةالثقافية متت محاولة إيجاد ( وليس صنع )‬ ‫مجتمع يصلح إلعالنه أمة تصلح بدورها إلقامة دولة ‪ ،‬إنها وصفة‬ ‫تكنولوجية واضحة وفعالة (اعتمدها أتاتور ك ‪ ،‬وفيام بعد مهاتري‬ ‫محمد ونجحت )‪ ،‬ولكن البوصلة الثقافية انحرفت مرة أخرى ‪،‬‬ ‫وفشلت يف توليد مجتمع واضح يصلح للحياة باملعنى التحرري‬ ‫والتنموي ‪ ،‬وقادر عىل التفاعل مع الوصفة التكنولوجية املحدثة‬ ‫أنذاك ‪ ،‬وأخرتع لنفسه أولويات وهمية ‪ ،‬أوهمته بوجود طريقة‬ ‫أخرى غري تلك املعمول بها يف أصقاع األرض إلشهار مجتمع قائم‬ ‫عىل املؤسسات الواقعية ‪ ،‬بل ذهبت به اىل إشهار ثورة عربية (‬ ‫كربى) تؤمن العيش ( وليس الحياة ) لقرون طويلة عىل أمل‬ ‫إنتهائها وتحقق أهدافها ‪ ،‬إلنها تتطابق مع املعطى الثقايف لهذه‬ ‫التجمعات البرشية ‪ ،‬التي مل تستطع ورغم املحاوالت الدامية ‪،‬‬ ‫من إنتاج دولتها املقامة عىل مجتمعها أألصيل ‪.‬‬ ‫بعد قليل ‪ ،‬وحتى وص��ول ق��وات اإلنتداب ‪ /‬اإلستعامر‬ ‫‪ /‬اإلستثامر ‪ ،‬مل يكن الرشق أوسطيون إال لحوم نيئة بحاجة‬


‫العدد ‪72‬‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫اىل طبخ يك يستسيغها هؤالء القادمون من وراء البحار ‪ ،‬وهنا‬ ‫صار الخالف معهم والنضال ضدهم حسب الثقافة املجتمعية‬ ‫الضاغطة ‪ ،‬عىل نوعية الطبخ وليس عىل إستخدام اللحم ‪ ،‬فهم‬ ‫أيضا يريدون أن يكون لهم حصة من الطعام املطبوخ من لحمهم‬ ‫‪ ،‬وأصبح عندها أية مطالبة للعودة اىل تصحيح الخطأ الثقايف ‪/‬‬ ‫اإلجتامعي ‪ ،‬هو مساواة بني الضحية والجالد ‪ ،‬يف مامرسة ثقافية‬ ‫غري منطقية يحميها الرتاثويون الذين بدأوا أنذاك يستسيغون‬ ‫نكهة الطبخ طاملا الغرب سيحمل الوزر ‪ ،‬وبدأوا يف اآلن ذاته‬ ‫يقسمون بقطع أكفهم قبل أن متتد ملصافحة هذا أألجنبي اآلبق ‪،‬‬ ‫ومع كل هذا نجح بلفور الوعد ‪ ،‬ونجحت سايكس بيكو اإلستثامر‬ ‫‪ ،‬واألخطر من هذا كله أجهضت الخطوة الرضورية ( األصلية )‬ ‫للتحرر والتنمية ‪ ،‬لتحل محلها كيانات سايكس بيكو وما يشبهها‬ ‫‪ ،‬وحلم األمة ( األصيلة ) التي تستنسخ ذاتها ( األصيلة ) تحت‬ ‫ظالل املنجز التكنولوجي املشخص الذي عليهم رشاؤه ‪ ...‬بدماء‬ ‫القلوب ‪....‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ماذا يعني تتويج عرص النهضة بحضور املثقف ( لورانس‬ ‫العرب ) يف العرشية الثانية من الفرن العرشين ‪ ،‬ولورانس هذا‬

‫ر�أي‬

‫كل ما قدمه رواد عرص النهضة )‬ ‫حتى عام ‪ 1920‬عىل األقل تم تأجيله‬ ‫ريثام تصحو الشعوب ليثبت محله ما‬ ‫أقرتحه املرتحلون‬ ‫سبقه كثريون وتبعه كثريون من الدارسني وواضعي الخطط‬ ‫والتصورات ‪ ،‬عنا يف هذا الرشق األوسط املرتامي بني محيط‬ ‫وخليج ‪ ،‬مل تفشل نصائحة وتوصياته التي قد ال نعرف عنها الكثري‬ ‫‪ ،‬ومل نستفد من القليل ‪ ،‬حيث بدت الثقافة هي املحور التي‬ ‫دارت به الدوائر ‪ ،‬فكل ما قدمه رواد عرص النهضة ( حتى عام‬ ‫‪ 1920‬عىل األقل ) تم تأجيله ريثام تصحو الشعوب ‪ ،‬أو تم‬ ‫القضاء عليه رويدا أو برسعة ‪ ،‬ليثبت محله ما أقرتحه املرتحلون‬ ‫الجائبون أرجاء جنوب املتوسط ‪ ،‬وصحت «توقعاتهم « و هي يف‬ ‫الحقيقة دراسات وأبحاث ملا تزل اإلستفادة منها ومن تراكامتها‬ ‫خريطة طريق معاكسة تهدف اىل الحفاظ عىل التخلف ‪،‬‬ ‫الذي ال يوصل ‪ ،‬ال إىل مجتمع ‪،‬وال إىل أمة‪ ،‬وال إىل دولة ‪ ،‬ألقانيم‬ ‫املؤسسة للوجود البرشي يف العصور الحديثة ‪ ،‬والدليل عىل ذلك‬ ‫كمية الهزائم الحضارية التي تتعرض لها يوميا هذه التجمعات‬ ‫البرشية ‪ ،‬التي ال تدعي رشف الوصول اىل املرحلة اإلجتامعية‬ ‫املسامة أمة ‪ ،‬كام أنها التريد الوصول اىل ذلك ولو عىل حساب‬ ‫الحقيقة ‪ ،‬والحقيقة معرفة وثقافة بالرضورة حتى ولو كانت‬ ‫متغرية مبقتىض اإلرتقاء ‪.‬‬ ‫رمبا بطبيعتنا ودامئا نبحث عن متهم ‪ ...‬من الذي أوقف‬ ‫النهضة ؟؟؟ فطبيعة ( ثقافتنا ) عقلنا التشخييص يفرض هكذا‬ ‫تساؤالت ‪ ،‬تودي بنا اىل موارد بعيدة ‪ ،‬فنسارع إىل إتهام اإلستعامر‬ ‫‪ ،‬والذي يحتاج اىل وعي يك نقاومه ‪ ،‬والوعي ال ميكن توفريه‬ ‫إلسباب موضوعية أهمها تعارضه مع قيمنا وتراثنا وخصوصيتنا‬ ‫‪ ،‬لنفتتح رصاعا داخليا وهميا حول الهوية ‪ ،‬متناسني متاما أن‬ ‫الهوية تأيت بالوعي ‪ ،‬فالهوية منتوج وليست مادة أولية أورشط‬ ‫من رشوط بناء مجتمع ‪ ،‬فاملجتمع واملجتمع فقط هو من‬ ‫يستطيع إعالن هويته ‪ ،‬عرب منتجاته الحضارية من صناعة وغالل‬ ‫وفكر ‪ ،‬وأضيف إليها هذه األيام الرياضة واإلتصاالت والربمجيات‬ ‫وأقتصاديات املعرفة ‪ ،‬حيث ملا يزل هذا الرشق األوسط يتأرجح‬ ‫بني إعالن هوية تاريخانية وصلت إليه باإلسالة التناسلية ‪ ،‬وهي‬ ‫ال تصلح للمنافسة عىل أساس املعايري األرضية ‪ ،‬فليس شأنا‬ ‫كبريا أن يكون هناك عنرتة وحمورايب ‪ ،‬وهناك من يقطع املئة‬ ‫مرت بتسع ثوان أو من يضع دستورا حديثا لثالمثئة مليون بني‬ ‫آدم !!! هذه اإلنجازات التاريخوية ال ميكن معايرتها حديثا يك‬ ‫تصبح من املقومات األساسية للهوية ‪ ،‬ومع هذا أخذت معركة‬ ‫الهوية الوهمية جل وقت وأهتامم وفعالية الناطقني بالعربية‬ ‫‪ ،‬ومل يحصلوا عليها ‪ ،‬ال بل قاوموها عىل الرغم من ( وعيهم ) ‪،‬‬ ‫وال ننىس يف هذا السياق كيف يدافع الجميع عمليا عن سايكس‬ ‫بيكو يف كل املناسبات ‪ ،‬وكيف يرضخ الجميع لتوصيات لورانس‬ ‫العرب ‪ ،‬ومع هذا يتم شتمهم يف إنتظار تبلور الهوية ‪.‬‬ ‫يف روايته ( غابة الحق ) ( صدرت يف النصف الثاين للقرن‬ ‫التاسع عرش ) أكد النهضوي فرنسيس مراش الحلبي ‪ .‬عىل أن‬ ‫الثقافة الواحدة واملوحدة إلنتاج مجتمع ومن ثم أمة ودولة ‪،‬‬

‫‪15‬‬

‫هي الثقافة الحقوقية ‪ ،‬التي ال مجال لتجاهلها أو تأجيلها كعامل‬ ‫مؤسس ملطلبنا يف الوجود ‪ ( ،‬وهذا ما أتبعه الكواكبي بطبائع‬ ‫اإلستبداد عىل األقل ) ‪ ،‬ومن العبث هنا البحث عن متهم ‪( ،‬‬ ‫كأبو الهدى الصيادي مثال ) لنحمله مسؤولية إنتكاس النهضة أو‬ ‫الدعوة إليها عىل األقل ‪ ،‬فاملسألة هي مسألة إختيار اإلنقياد ‪،‬‬ ‫وهي مسألة عميقة وموضوع شائك ال يبدأ برفاعة الطهطاوي وال‬ ‫ينتهي عند أدونيس ‪ ،‬فظاهرة اإلنقياد والتي فشل يف تفسريها‬ ‫كرث من منط ( محمد عابد الجابري ) يف عرصنا هذا ( فكيف يف‬ ‫زمان لورنس العرب ‪.‬؟) ظاهرة مارست اإلرتباك (الفوىض ) يف‬ ‫تالفيف هذه التجمعات البرشية التي خضعت أو ما خضعت‬ ‫للشفاهية يف تعاملها مع املنتج الثقايف ‪ ،‬الذي يحافظ برشاسة‬ ‫عن التبسيطية الثقافية ‪ ،‬ملغيا بشكل ال عودة عنه ما ميكن‬ ‫تسميته الثقة املعرفية التي ال ميكن اإلستغناء عنها إال باإلستغناء‬ ‫عن النهضة ذاتها ‪ ،‬حيث حلت املقرتحات اللورانسية كبديل‬ ‫عميل عن كل ما تعد به النهضة وأي نهضة ‪ ،‬حيث قادت هذه‬ ‫الشفاهية التنظريية إىل إخصاء ومن ثم عقم ‪ ،‬العقل الذي مل‬ ‫يستطع التجريد وهو عطب آخر ال يقل كارثية عن الشفاهية ‪،‬‬ ‫فكل التكنولوجيات املؤسسة لألمة ( من أحزاب ‪ ،‬ومؤسسات ‪،‬‬ ‫وبرملانات ‪ ،‬وحكومات ‪ ،‬ودول إلخ ) هي تكنولوجيات مجردة ‪ ،‬مل‬ ‫يستطع العقل الرشق أوسطي تداولها ناهيك عن التفاعل معها ‪،‬‬ ‫حيث بدت اإلسرتاتيجيات الثقافية كشأن مؤجل أكرث منها كخطط‬ ‫إجتامعية يتم العمل بها دون ملس النتائج املشخصة فورا ‪ ،‬أألمر‬ ‫الذي نجحت فيه اللورانسية الثقافية مع الثورة العربية الكربى ‪،‬‬ ‫التي نجحت يف تشخيص سايكس بيكو ( مثال ) التي تعامل معها‬ ‫الغرب مجردة وإسرتاتيجية ‪ ،‬بينام ملسها الرشق أوسطيون ناجزة‬ ‫شاخصة وفاعلة ‪ ،‬عندها هرب الفعل املوضوعي اإلنجازي اىل غري‬ ‫رجعة ( لحد اآلن ) وحل محله الفعل الخريي الذي خاصم أدوات‬ ‫النهضة وسبلها عرب عقل نظر إىل النهضة ككتلة مجزأة يختار هو‬ ‫ما يناسبه منها ويرتك الباقي ‪ ،‬وهنا تبدت كارثة أخرى سوف تحل (‬ ‫حلت ) بالنهضة ‪ ،‬حيث أختار هذا العقل الخريي العنرصية سبيال‬ ‫إلنجاز نهضة أدواتها وسبلها مبا يقتيض الفعل الخريي مبعناه الرتايث‬ ‫وقىض أكرث أوقات القرن العرشين محاوال إثبات وجهة النظر‬ ‫هذه بينام النهضة نفسها مؤجلة ‪ ،‬حيث يقبل بفضله الثقايف‬ ‫عىل عصور سابقة ولكنه ال يرىض بفضل اآلخرين (عليه ) عىل‬ ‫أساس أن الحضارة البرشية كل متكامل مرتاكم تقدم الشعوب ما‬ ‫لديها من جديد دنيوي من أجل إستمرارها ‪ ،‬ولكن للنهضة شأناً‬ ‫آخر وقوانني أخرى معلنة وواضحة وتحتاج اىل الحيوية والتجربة‬ ‫وليس إىل النقاش حول خرييتها وصالحيتها لهذه الخريية ‪ ،‬وهنا‬ ‫تبدى أن التخلص من العثمنة كوجود ثقايف بائد باء بالفشل‬ ‫الذايت فالثقافة البائدة حافظت عىل تكوينها ومحاكامتها العقلية‬ ‫مغرية عنوانيها لتصبح أكرث إستيعابا من قبل هذا العقل نظرا‬ ‫لتبسيطيتها الشفوية ‪ ،‬وعدم مقدرتها عىل التجريد ‪ ،‬وعدم قدرتها‬ ‫عىل مامرسة الثقة املعرفية وأخريا عنرصيتها التي وضعت رشوطا‬ ‫معجزة عىل حاجتها الرضورية يف توليد مجتمع باملعنى املعريف‬ ‫الحديث للكلمة ‪ ،‬وبالتاي فقدانها األهلية لوجود أمة ودولة بنفس‬ ‫املعنى‬ ‫هنا ومع بداية العرشية الثالثة من القرن العرشين ‪ ،‬سقطت‬ ‫النهضة وحلمها والتحضري لها أو التبشري بها ‪ ،‬لتتحول أشالؤها اىل حركة‬ ‫التنوير ‪ ،‬التي نرى بقاياها الحزينة يف بدايات القرن الواحد والعرشون ‪.‬‬ ‫يتبع‬


‫‪16‬‬

‫العدد ‪72‬‬

‫ظاهرة‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫عبدة الشيطان واملخدرات واإلعالم‬

‫وسويرسا والتي دخلتها العلوم التقنية ومنذ زمن بعيد‪ ،‬فقد وعت‬ ‫د‪.‬عاطف خليل الحكيم‬ ‫مفهوم اآلية وهضمتها وحفظتها وعملت مبوجبها‪ .‬وما وقف العرب‬ ‫مندهشني متعجبني لنوادي العراة يف تلك البالد‪ ،‬إال ألنهم مل يعوا كالم‬ ‫هل صحيح ان العلوم تتقدم عىل حساب القيم األنسانية؟‬ ‫وهل صحيح ان املجتمعات االنسانية ترتاجع كلام حققت العلوم السيد املسيح‪ .‬ومن مقارنة بسيطة يتبينّ معنا أن بالد أوروبا هي‬ ‫بالد الحضارة والرقي بينام بالد العرب‪ ،‬فهي بالد التخلف واالنحطاط‪،‬‬ ‫تقدماً؟‬ ‫وأذا كان البد من مثن تدفعه املجتمعات لقاء تقدمها العلمي بالد العامل الثالث‪ ،‬وباعرتاف العرب أنفسهم‪ ،‬مل نجد يف بالد العرب‬ ‫إالّ انحطاطاً واستخفافاً وتخلفاً مع كرثة الثياب املتحركة‪ .‬هذا‪ ،‬ولو‬ ‫فام هي ؟‬ ‫هذه األسئلة يجيب عنها د‪:‬عاطف حكيم يف مقالة قيمة تيضء كانت الثياب وقارا ً ورشفاً وصوناً للجسد ومفاتنه كان عىل العرب أن‬ ‫عىل بعض االنحرافات التي يعانيها شبابنا وآثارها عىل مجتمعاتنا ‪ .‬يعبدوا ويحرتموا ويجلوا أوروبا‪ ،‬ذلك‪ ،‬ألن أوروبا هي صانعة الخيط‬ ‫حصن العرب‪.‬‬ ‫الذي ّ‬ ‫علم األخالق‬ ‫مالحظة‪ ،‬نرجو أن ال تظنوا بنا سوءا ً‪ ،‬فنحن ال نتعصب للعري أو‬ ‫ونبدأ سؤاالً‪ :‬هل حقاً تراجعت القيم األخالقية بتقدم العلوم‬ ‫والتقنيات الحديثة؟ هل حقيقة أن املجتمعات اإلنسانية ترتاجع عىل للثياب‪ ،‬إمنا نقدم مثالً للبحث واملناقشة‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬ولو كان صحيحاً أن العلوم اإلنسانية ترتاجع مع تطور‬ ‫حساب التقنيات العلمية الحديثة؟‬ ‫قبل اإلجابة عىل السؤالني‪ ،‬أعاله‪ ،‬يجب اإلجابة عىل سؤال أسبق العلوم التقنية‪ ،‬أو لو كانت العلوم اإلنسانية تنشط يف املجتمعات‬ ‫وأوىل بالبحث‪ ،‬وهو‪ :‬ما هو املقصود بالعلم؟ وهل أن األخالق علم؟ التي تفتقر للعلوم التقنية‪ ،‬لكانت املدارس أُقفلت يف الغرب قبل‬ ‫والعلم هو كل فرضية تنتهي نتيجة واحدة يف كل زمان ومكان‪ ،‬الرشق‪ ،‬ومنذ زمن بعيد ولكانت الوظائف اإلدارية‪ ،‬الفئة األوىل تسند‬ ‫فمثالً ‪ 2=1+1‬يف كل مجتمع ومهام اختلفت لغته وشكله ولونه لألميني‪ ،‬الجهلة‪ ،‬أو لرجال الدين أولئك الذين توقفت علومهم عند‬ ‫وحجم رأسه‪ ،‬أو أن الكذب فضيلة سيئة وأن الصدق فضيلة حسنة حدود الطقوس الدينية‪.‬‬ ‫حتى‪ ،‬ويف املجتمع املتخلف تقنياً كبالدنا مثالً‪ ،‬فإننا نقع عىل‬ ‫ويف كل مجتمع ومهام تباين واختلف‪ ،‬أو أن رشط وجود اإلنسان‬ ‫مرتهن برشط وجود األمة ـ الوطن ـ الدولة‪ ،‬ومهام ارتقى اإلنسان يف الفساد‪ ،‬وليس إال عىل الفساد‪ ،‬كأعامل الجرمية واألخالق املنحطة‪،‬‬ ‫وتلك األعامل الفاسدة هي يف اطراد مستمر ومتفشية كتفيش الزيت‬ ‫الثقافة أو جهل؟‬ ‫عليه‪ ،‬هل أن األخالق هي علم؟ أليست األخالق علامً؟ أليست فوق املاء‪ .‬هذا ونسبة تفشيها وانتشارها يف البالد العربية أكرث نسبة‬ ‫شك يف ذلك وال مندوحة‪ .‬من تفشيها وانتشارها يف املجتمعات األوروبية الحديثة حيث العلوم‬ ‫النفس علامً؟ أليست الفلسفة علامً؟ ال ّ‬ ‫شك أن املقصود من العلم املتضمن يف فحوى التقنية وحيث العري وحيث الحرية وحيث أن السلطة هي للدولة‬ ‫كذلك ليس من ٍّ‬ ‫املوضوع هو كالنتيجة علم قائم بذاته‪ ،‬وإن كان متوارياً خلف رمزية وحسب‪ .‬إن انتشار الفساد ناشط يف البيئة االجتامعية املتخلفة‪،‬‬ ‫علمياً وفكرياً وفلسفياً‪ ،‬أما البيئة العلامنية‪ ،‬فإننا بالكاد نالحظ‬ ‫األهداف والغايات‪.‬‬ ‫كل يشء علم حتى أبسط األمور يف الحياة والتي نظن أنها فسادا ً أخالقياً‪ ،‬وانحطاطاً حضارياً‪ ،‬ونظرة رسيعة إىل التاريخ القديم‪،‬‬ ‫فإننا نالحظ‪ ،‬أن املجتمعات الس ّباقة إىل التقنيات‪ ،‬هي الس ّباقة إىل‬ ‫بسيطة‪.‬‬ ‫هذا والعلم يخضع لقانوين التطور والتقهقر‪ ،‬للتطور والرتاجع‪ ،‬اإلنسانيات واألخالقيات‪ ،‬فاملجتمعات التي عرفت علم الزراعة‪،‬‬ ‫فالتطور الذي ينال من مدرسة علمية ما‪ ،‬فهو ينال من جميع هندسة الزراعة‪ ،‬آلة الزراعة‪ ،‬هي األكرث حضارة واألكرث رقياً من‬ ‫املجتمعات التي اعتمدت يف حياتها عىل الصيد أو الرعي وحسب‪.‬‬ ‫املدارس األخرى كافة‪.‬‬ ‫اليوم الحضارة يف أوروبا موجودة‪ ،‬ألن أوروبا نحت يف معاشها عىل‬ ‫الزراعة والصناعة واإلبداع الزراعي والصناعي‪ ،‬أما يف األمس وعندما‬ ‫األخالق بني الجمود والتطور‬ ‫كانت أوروبا تفتقر للزراعة وآلة الزراعة كانت مثل البالد العربية‬ ‫ومام ال شك فيه‪ ،‬أيضاً‪ ،‬أن العلوم اإلنسانية واألخالقية تواكب اليوم ال حضارة فيها وال رقي وال إنسانية‪ .‬وخري دليل نؤكد فيه‬ ‫تطور العلوم التقنية تتطور بتطورها وتتقهقر بتقهقرها‪ .‬وقد تطورت صحة نظرتنا‪ ،‬مجتمعات آسيا العربية ومجتمعات إفريقيا‪ ،‬ومبقارنة‬ ‫األخالق يف البالد التي تطورت فيها العلوم التقنية كالبالد األوربية بسيطة بني هذه املجتمعات واملجتمعات األوروبية‪ ،‬فإننا نالحظ‬ ‫مثالً‪ ،‬وقد تقهقرت األخالق يف البالد التي تراجعت فيها العلوم التقنية الفرق الحضاري والتباين يف القيم اإلنسانية واالختالف يف الفضائل‬ ‫كالبالد العربية مثالً‪ .‬والعكس ليس صحيحاً‪ ،‬أي لو أن األخالق تتقهقر األخالقية‪ .‬هذا‪ ،‬والرباهني عىل ذلك نستقيها من أفواه رجاالتنا العظام‬ ‫يف بالد العلوم التقنية وتطورها‪ ،‬لكانت تراجعت أوروبا أخالقياً وعىل مختلف وجوههم وألوانهم وثقافاتهم‪.‬‬ ‫لقد تأكد‪ ،‬وبشكل قاطع‪ ،‬لعلامء الفكر املقولة التالية‪« :‬من‬ ‫وتطورت البالد العربية‪ ،‬وللحقيقة فإننا نرى أن بالد األرض الشاملية‪،‬‬ ‫بالد السويد وأسوج والرنوج‪ ،‬هي أكرث تطورا ً أخالقياً وأكرث ترفّعاً عن امتلك السالح العلمي‪ ،‬من امتلك القوة العلمية‪ ،‬ضبط مجتمعه أوالً‬ ‫األمور املادية الشكلية‪ ،‬وأكرث نزاهة وابتعادا ً عن املصلحة الفردية وساد عىل العامل ثانياً»‪ .‬وهذه هي أمريكا خري دليل عىل صحة ما‬ ‫املشوبة باألنانية والفردانية‪ .‬حتى وبإمكاننا القول إن فكر السيد نقول‪ .‬يظن أو يروج أولئك العمالء‪ ،‬مقولة‪« :‬ابنوا الدولة ثم فصلوا‬ ‫املسيح‪ ،‬أو فكر اإلنجيل املقدس وكذلك فكر جربان خليل جربان‪ ،‬مل لها فكرا ً» أو أن الدولة أوالً وثانياً الفكر‪ ،‬وهذا الكالم ليس إال شعارا ً‬ ‫يرتجم عملياً إال يف تلك البالد‪ ،‬حيث تطورت العلوم التقنية وعىل ال قيمة له وال مثن‪ ،‬ونقول إن الفكر أوالً ثم الدولة‪ ،‬وهذه هي دولة‬ ‫مختلف مدارسها‪ .‬ففي طول تاريخ املسيحية وعرضها مل يعِ العرب النبي محمد‪ ،‬أوالً‪ ،‬النبي نرش الفكر اإلسالمي الناضج الذي تأتىّ من‬ ‫معنى لآلية اإلنجيلية‪َ )27({ :‬و َس ِم ْعتُ ْم أَنَّ ُه ِق َيل‪ :‬الَ تَ ْزنِ (‪ )28‬أَ َّما أَنَا فكر السيد املسيح‪ ،‬ثم تطلع النبي إىل أمة سيدة ح ّرة‪ ،‬وأخريا ً‪ ،‬تطلع‬ ‫فَأَق ُ​ُول لَ ُك ْم‪ :‬ك ُُّل َم ْن يَ ْنظُ ُر إِلىَ ا ْم َرأَ ٍة ِبق َْص ِد أَ ْن يَشْ تَ ِهيَ َها‪ ،‬فَ َق ْد َزنىَ ِب َها إىل دولة‪ ،‬وبذلك كان النجاح وانتهت أمة محمد إمرباطورية سيدة‬ ‫فيِ قَلْ ِب ِه } (إنجيل متى‪ ،‬الفصل ‪ ،5‬اآلية ‪ .)28-27‬أما يف بالد السويد عىل العاملني‪ .‬إن أمريكا وأوروبا‪ ،‬التي تعرف بالدول الكربى‪ ،‬هام اللتان‬

‫تتطلعان إىل إمرباطورية تسود بواسطتها العامل‪ .‬دول أوروبا وأمريكا‬ ‫هي التي تطورت فيها العلوم أوالً وقبل أن تتطلع إىل سيادة العامل‬ ‫واستعامره‪ ،‬تلك الدول هي دول األخالق والعلوم وليس كدول آسيا‬ ‫أو إفريقيا‪ ،‬فلو كان صحيحاً أن تقنيات العلوم الحديثة تفسد املبادئ‬ ‫وتشوه القيم‪ ،‬لكانت سيادة العامل آلسيا أو إلفريقيا الفقرية للعلوم‬ ‫التقنية الحديثة والفقرية لعلوم األخالق‪.‬‬ ‫مالحظة‪ ،‬أيضاً‪ ،‬ال تظنوا بنا سوءا ً‪ ،‬وتح ّموا علينا األعداء بالعداء‬ ‫للعرب وللوطن‪ ،‬إمنا نقول الحقيقة من أجل أمر عظيم يساوي‬ ‫وجودنا نحن كرشقيني أوالً وكعرب سوريني ثانياً‪ ،‬لعلنا ننحو صوب‬ ‫العلوم‪ ،‬ولعل قام الفينيق من تحت الرماد‪.‬‬ ‫لقد جاء يف مقدمة ابن خلدون‪ ،‬علم مفاده‪« :‬أن الحروب هي‬ ‫أمر طبيعي بني البرش»‪ ،‬عليه‪ ،‬فالحروب هي آلة ضبط نسبية الحياة‬ ‫عىل األرض‪ ،‬بعكس عامل الحيوان‪ ،‬إذ أن الحيوان األقوى هو ضابط‬ ‫نسبية عدد الحيوانات األضعف‪ ،‬فالذئب‪ ،‬مثالً‪ ،‬هو ضابط نسبية‬ ‫األغنام واملاعز وما شابهها‪ ،‬واألسد والنمر والفهد ليسوا إال جهاز ضبط‬ ‫الغزالن والثريان وهكذا‪ ...‬هذه هي الحقيقة العلمية االجتامعية‪،‬‬ ‫وهكذا رآها ابن خلدون‪ ،‬وقد ترجم أحد املفكرين املعارصين كالم‬ ‫ابن خلدون عىل النحو التايل‪ :‬يجب تصنيع سورية من أجل الحروب‬ ‫القادمة‪ .‬يجب امتالك السالح من أجل تأدية رسالة إنسانية أخالقية‬ ‫إىل العامل الجديد‪.‬‬ ‫وبنا ًء عىل ما تقدم‪ ،‬فإن العلوم التقنية والعلوم األخالقية متواكبة‬ ‫تسري معاً جنباً إىل جنب‪ ،‬تقوم وتتطور معاً‪ ،‬وتقعد وتتقهقر معاً‪،‬‬ ‫والعكس ليس صحيحاً‪.‬‬ ‫األخالق وليدة البيئة‪ ،‬وهي رفيعة راقية بنسبة علومها التقنية‪ .‬يف‬ ‫األمس القريب‪ ،‬وحني كان املفهوم العلمي يظن أن القمر مجرد قمر‬ ‫ال يزيد حجمه عن كرة السلة األمريكية‪ ،‬كانت تسود يف الرشق أخالق‬ ‫مفادها شعب الله املختار‪ ،‬أو خري أمة أخرجت للناس‪ ،‬وكان اآلخر ليس‬ ‫إال حيواناً ويريد التهام الحيوان األضعف‪ ،‬أما اليوم وبعد أن اكتشف‬ ‫القمر وبعد أن غزاه اإلنسان‪ ،‬فقد تطورت العلوم اإلنسانية بتطور علم‬ ‫اكتشاف القمر‪ ،‬وبذلك أصبح اآلخر أنا‪ ،‬اآلخر حقيقة إنسانية وليس‬ ‫جحيامً‪ ،‬فإن ألغيته فقد ألغي األنا نفيس‪ ،‬ذايت قبل أن ألغيه‪ ،‬وإذا أردت‬ ‫حقاً إلغاءه‪ ،‬فعيل أن ألغي نفيس وبإلغاء نفيس ألغيه‪.‬‬ ‫وما يصح عىل علم الفلك يصح عىل أي علم آخر‪ ،‬كالطب‬ ‫والهندسة والرياضيات واإللكرتونيات وغريها‪ ...‬ونخترص الكالم يف‬ ‫األمثلة لضيق الوقت‪ ،‬ومن أجل فتح ملف عبدة الشيطان واملخدرات‪.‬‬

‫املخدرات طريق عبادة الشيطان‬ ‫لألسف‪ ،‬فاملخدرات وما شابهها‪ ،‬كالتدخني والكحول‪ ،‬تنترش‬ ‫يف العامل العريب‪ ،‬عامة وبني الجامعات الدينية خاصة‪ ،‬انتشار النار‬ ‫يف الهشيم والريح عاتية‪ .‬وعندما نقول الجامعات الدينية‪ ،‬فإننا ال‬ ‫نستثني أي جامعة‪ ،‬جميع الجامعات الدينية يف الرشق مبتلية مبرض‬ ‫املخدرات‪ ،‬ويعود السبب يف ذلك إىل اليأس‪ ،‬إىل الجدار املسدود‪ ،‬إىل‬ ‫حائط املبىك‪ .‬لكل جامعة دينية رشقية حائط وتنطحه‪ .‬حتى املدارس‪،‬‬ ‫فاملدارس تعاقب الولد بأن يقف حيث اللوح ووجهه إىل الحائط‪.‬‬

‫انتشار املخدرات واالنحالل األخالقي‬ ‫لألسف نقول إن املخدرات والكحول والزنا‪ ،‬خاصة‪ ،‬تنترش يف‬ ‫العامل العريب انتشار النور يف الظالم‪ ،‬هذا وتنترش وسط الجامعات‬


‫العدد ‪72‬‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫الدينية‪ ،‬الطائفية‪ ،‬كانتشار اإلشعاع يف الكون‪ ،‬أكرث من أي جامعات‬ ‫أخر‪ .‬وليس كام يروج ويشيع البعض وعىل ألسنة رجال الدين‬ ‫أنفسهم أن املخدرات والكحول والزنا تنترش يف الرصوح العلمية‬ ‫برمتها‪ ،‬ومن املرحلة املتوسطة وحتى املرحلة الجامعية‪ .‬وما املقصود‬ ‫من هذا الرتويج وتلك اإلشاعات؟ أليس املقصود نرش املخدرات‬ ‫والكحول والزنا وبالتايل إقفال الرصوح العلمية ونسفها؟ ومتى ن ُِسف‬ ‫آخر رصح من الرصوح العلمية حتى تقع األمة والدولة واملجتمع‬ ‫والشعب لقم ًة سائغة يف فم التنني‪.‬‬ ‫إن املخدرات تنترش بني الجامعات الدينية يف العامل العريب‪،‬‬ ‫وحني نقول الجامعات الدينية‪ ،‬فإننا ال نستثني أي جامعة دينية‪،‬‬ ‫فمن الجامعة الدينية الوثنية والجامعة الطوطومية وحتى املسيحية‬ ‫فاإلسالمية‪ .‬هذا‪ ،‬ونرى ونالحظ أن املخدرات والكحول والزنا لهم‬ ‫الدور األهم يف العبادات‪ ،‬ال بل أن العبادات ال تقوم إال بها‪ ،‬فمثالً‪،‬‬ ‫املسلمون ال يشددون يف هدايتهم إال عىل أن الكحول والزنا حرام‪،‬‬ ‫ثم حرام‪ ،‬ثم حرام‪ .‬ويف علم نفس املجتمع‪ ،‬فأن التشديد يف املنع‬ ‫والتحريم‪ ،‬فاألمر يرتد عكسياً بني صفوف الشباب‪ ،‬ونحن نتكلم هنا‬ ‫من منطلق املبدا القائل «إن املتحدث بالسوء كفاعله»‪.‬‬

‫املخدرات بني الدين والعلم‬ ‫والسؤال‪ :‬ملاذا العلوم الدينية تشدد عىل منع املخدرات والكحول‬ ‫وال��زىن؟ وباملثل ملاذا متنع الرصوح العلمية‪ ،‬خاصة منها الطبية‬ ‫واملخربية‪ ،‬املخدرات والكحول والزىن؟ وبالتايل ما هي األسباب التي‬ ‫ع ّولت عليها كال املدرستني‪ ،‬الدينية والعلمية؟‬ ‫من نظرة رسيعة إىل كلتا املدرستني‪ ،‬يتبني لنا أن املدرسة الدينية‬ ‫متنع اآلف��ات الثالث بعلة أن املخدرات والكحول تذهب بالعقل‬ ‫وبذهاب العقل يبتعد املرء عن عبادة الله خري عبادة‪ ،‬أما الزنا فقد‬ ‫ربطته املدرسة الدينية بالرشف وحسب‪ .‬أما إذا نظرنا إىل املسألة بعني‬ ‫املدرسة العلمية‪ ،‬فإن هذه املدرسة تفيدنا‪ ،‬وباختصار شديد ما ييل‪:‬‬ ‫أن املخدرات تفتك بخاليا األعصاب‪ ،‬إال أن اإلنسان بحاجة لها‪ ،‬إمنا‬ ‫ليس بحرية الترصف‪ ،‬بل فقط ضمن املؤسسة الطبية‪ .‬أما الكحول‬ ‫فهي أيضاً‪ ،‬تفتك بالدم وبجهاز تصفية الدم‪ ،‬البنكرياس‪ ،‬إذ رسعان‬ ‫ما يكسل هذا الجهاز‪ .‬وبالتايل ميرض اإلنسان ورسعان ما ميوت‪ .‬ومع‬ ‫ذلك فإن للمخدرات فوائد كثرية‪ ،‬إمنا بكميات قليلة وقليلة جدا ً‪ .‬من‬ ‫مثل أن مادة الويسيك تفيد جهاز القلب‪ ،‬وأن العرق ينظف املعدة‬ ‫من الحرشات املوجودة يف املعدة واملتأتية عن طريق األطعمة خاصة‬ ‫منها اللحوم‪ ،‬وأن النبيذ يفيد خفض معدل السكر يف الجسم وهكذا‪...‬‬ ‫وأما الزنا فهو مرفوض جملة وتفصيالً‪ ،‬ألن اإلختالط الجنيس يؤدي اىل‬ ‫األمراض الزهرية أو السيدا أو األيدز أو القضاء عىل جهاز املناعة‪.‬‬ ‫واملالحظ أن الذين يصغون للمدرسة العلمية أكرث احرتاماً وأكرث‬ ‫تنفيذا ً ألوامرها من الذين يصغون للمدرسة الدينية‪ .‬ملاذا؟‬ ‫نحن ال نبحث املسألة من وجهة العبادة كام ميكننا القول‪ :‬إذا‬ ‫كانت املدرسة الدينية توافق عىل أن يف الزنا فوائد سلبية وأخرى‬ ‫إيجابية إال أنها ال تسحب هذه املسالة عىل آفتي املخدرات والكحول‪،‬‬ ‫فهام سلبيتان‪ ،‬مرفوضتان باملطلق‪ .‬مع اإلشارة إىل أن اآلية الكرمية‬ ‫تقول‪َ { :‬و ِم ْن ثمَ َ َر ِ‬ ‫اب تَتَّ ِخذُو َن ِم ْن ُه َس َك ًرا َو ِر ْزقًا َح َس ًنا‬ ‫ات ال َّن ِخي ِل َوالأْ َ ْع َن ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِ َّن فيِ َذلِ َك لآَ َيَ ًة ل َق ْو ٍم يَ ْعقلُو َن (‪ .})67‬وأيضاً‪ ،‬اآلية‪{ :‬يَ ْسألُون َ​َك َعنِ‬ ‫الْ َخ ْم ِر َوالْ َم ْيسرِ ِ ق ُْل ِفي ِهماَ إِث ْ ٌم كَ ِب ٌري َو َم َنا ِف ُع لِل َّن ِاس َوإِثمْ ُهُماَ أَكْبرَ ُ ِم ْن‬ ‫نَ ْف ِع ِهماَ َويَ ْسأَلُون َ​َك َماذَا يُ ْن ِفقُو َن قُ ِل الْ َع ْف َو كَ َذلِ َك يُ َبينِّ ُ اللَّ ُه لَ ُك ُم الآْ َيَ ِ‬ ‫ات‬ ‫لَ َعلَّ ُك ْم تَتَ َف َّك ُرو َن (‪ .})219‬كام ويجدر القول إن املدرسة الدينية‬

‫ظاهرة‬

‫منقسمة عىل بعضها بني محرم ومباح‪.‬‬ ‫ليس هذا وحسب‪ ،‬فبعض املذاهب الدينية‪ ،‬الصوفية الجديدة‬ ‫تعتمد يف عباداتها عىل التخدير بواسطة الغبار‪ ،‬وذلك عن طريق‬ ‫دوران الفرد حول نفسه ومن جراء الدوران أوالً ومن الغبار املتصاعد‬ ‫من أقدامه ثانياً يتخدر املرء ويسكر‪ .‬وسكر الغبار أشد وأقوى من‬ ‫سكر املخدرات والكحول‪.‬‬ ‫هذا وإذا دخلنا إىل الجامعات اإلفريقية فإننا نقع عىل مقولة إن‬ ‫املخدرات مقدسة‪ ،‬ذلك أنها تفقد املرء اإلحساس بالجسد‪ ،‬وعندما‬ ‫يفقد املرء إحساسه بالجسد يقوى اإلحساس والشعور بالروح‪،‬‬ ‫اإلحساس بالروح يقوى بضعف أحاسيس الجسد‪ .‬وعندما تستيقظ‬ ‫الروح من ثباتها بقدرتها أن تبلغ إىل درجة العالقة بني الخالق‬ ‫واملخلوق‪ ،‬بني الله والعبد‪.‬‬ ‫كام يجدر بنا القول إن تقديس املخدرات ال يقترص عىل‬ ‫الجامعات اإلفريقية املنسية‪ ،‬بل يشمل حتى الجامعات الحية‬ ‫كالجامعات املرصية والليبية مثالً‪.‬‬ ‫إذا‪ ،‬أين نجد انتشار املخدرات والكحول؟‬ ‫يشدد رجال الدين الرشقيون واإلعالم السيايس يف الرشق عىل أن‬ ‫املخدرات منترشة يف الغرب وبقارتيه األوروبية واألمريكية‪ ،‬ويردون‬ ‫سبب هذا االنتشار يف الغرب إىل انحالل الرابطة العائلية‪ ،‬مام أدى إىل‬ ‫انتشار املخدرات إىل جانب آفتي الكحول والزنا‪ ،‬وهذه اآلفات الثالث‬ ‫كانت سبباً النتشار آفة رابعة أال وهي عبادة الشيطان بدل عبادة‬ ‫الله‪ ،‬فهل حقيقة هذا التشديد وهذه األسباب؟‬ ‫وتصدت املؤسسة الدينية بلسان أعالمها وإعالمها لآلفات الثالث‪.‬‬ ‫اما منهجيتها يف التصدي‪ ،‬فقد اقترصت عىل طلّة تلفزيونية كل سنة‬ ‫مرة‪ .‬والسؤال‪ :‬هل حلقة إذاعية واحدة يف السنة كافية للحد من‬ ‫انتشار اآلفات الثالث؟ وهل أن حملة مكافحة املخدرات اليتيمة يف‬ ‫السنة هي حملة الحد من انتشار املخدرات‪ ،‬أم أنها حملة نرش‬ ‫املخدرات والرتويج لها وذلك عن طريق تذكري الناس باملخدرات؟‬ ‫العبادة بغاياتها‬ ‫يف الجواب‪ :‬نعم وال‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬إن الفكر الذي ذكروه موجود‪ ،‬وهو موجود وحسب‪ ،‬أي‬ ‫أن وجوده بني الجامعات الغربية كوجود الفكر اإلسالمي عينه أو‬ ‫الفكر املسيحي أو أي فكر آخر‪ .‬هذا واألفكار الفلسفية كثرية يف‬ ‫بالد الغرب‪ ،‬ففي الرشق ال يوجد مثالً الفكر الظاهري أو الظواهرية‬ ‫والفكر الطبيعي والفكر الوجودي وغريها‪ ...‬أجل لقد انترش فكر‬ ‫عبادة الشيطان يف بعض الجامعات األوروبية‪ ،‬إمنا هنالك فرق كبري‬ ‫بني مفهوم الرشقيني لهذا الفكر وبني مفهوم الغربيني له‪ .‬يف الرشق‬ ‫اقترص األمر عىل العبادة وحسب‪ ،‬أما يف الغرب فإن األمر مختلف‬ ‫متاماً‪ ،‬فالفكر الشيطاين‪ ،‬أو عبادة الشيطان هو عصبية كربى وتعصب‬ ‫كبري للبالد‪ ،‬لألمة‪ ،‬للوطن‪ .‬الفكر الشيطان هو حصن منيع بوجه‬ ‫الفكر املسيحي والفكر اإلسالمي اللذين استعمرا بالد الغرب‪ .‬إن‬ ‫العبادة بغاياتها‪ .‬عبادة الرشق من أجل عبادة الله وحسب حتى‬ ‫وإن خ ّربت البالد واألمة والوطن‪ .‬بينام عبادة الغرب هي لألرض‬ ‫والبالد واألمة والوطن‪ ،‬حتى وإن خ ّرب الله‪ .‬عبادة الرشق تقترص عىل‬ ‫العبادة وحسب بينام عبادة الغرب من أجل الحرية‪ .‬هذا وليعلم‬ ‫الجميع نحن ال منيل وال ندافع عن أية جهة كانت‪ ،‬نحن نبينّ رؤية‬ ‫كل مجتمع وذلك من أجل وجودنا نحن الرشقيون‪ .‬ونظرة رسيعة‬ ‫يالحظ صاحب الضمري والوجدان الفرق بني الرشق والغرب‪ .‬الرشق‬ ‫يف خراب وتقهقر مستمرين بينام الغرب يف تطور وارتقاء مستمرين‪.‬‬ ‫قلنا يف الجواب عىل السؤال انتشار املخدرات والكحول‬

‫‪17‬‬

‫وأسبابها نعم وال‪ ،‬فكيف نعم وال؟‬ ‫نعم يف الغرب تنترش آفة انحالل العائلة‪ ،‬إمنا أمنوذج العائلة‬ ‫يف الغرب‪ ،‬هو مؤلف من ثالثة أفراد األب واألم وولد ما دون سن‬ ‫النضوج‪ .‬وأحياناً ال يكون هذا الولد من صلب األب واألم‪ .‬بينام يف‬ ‫الرشق‪ ،‬فإن مفهوم العائلة مجهولة العدد‪ ،‬فهي تصل حتى العرشين‬ ‫يف البيت الواحد‪ ،‬العائلة تتألف من األب واألم والجد والجدة (لألب‬ ‫ولألم) والعم والعمة والخال والخالة وال نعرف عددهم‪ ،‬ومن األوالد‬ ‫(واألوالد ال نعرف عددهم) واألحفاد أحفاد الصبي وأحفاد البنت‪.‬‬ ‫املجتمع الغريب يخلو من املشاكل االجتامعية التي يعاين منها‬ ‫الرشق كاملنافسة عىل املرياث‪ ،‬والحسد‪ ،‬والغرية والطمع والثأر والزىن‬ ‫واملخدرات والكحول‪.‬‬ ‫األوالد يف الغرب هم ملك الدولة‪ ،‬وبالتايل هي املسؤولة عنهم‬ ‫مادياً وصحياً وروحياً وثقافياً‪ .‬بينام أوالد الرشق‪ ،‬فهم ملك العائلة‬ ‫وحسب أما الدولة‪ ،‬فليس لها من حصة يف أوالد الناس‪ .‬وبالتايل‬ ‫الدولة ليست مسؤولة عنهم ال مادياً وال روحياً‪.‬‬ ‫املخدرات يف الغرب تعبري عن واقع فاسد‪ ،‬عن نظام فاسد‪،‬‬ ‫تعبري عن تطلعات مستقبلية وسيادة عىل الكون‪ .‬وكل ذلك من أجل‬ ‫التغيري والثورة‪ ،‬بينام املخدرات يف الرشق‪ ،‬فهي هروب من واقع مرير‬ ‫وحسب‪ ،‬ال أكرث وال أقل‪.‬‬ ‫انحراف الشباب الغريب إىل املخدرات بدافع التجديد‪ ،‬أو إثر‬ ‫تطور وقوة وسيادة‪ ،‬بينام انحراف الشباب الرشقي إىل املخدرات‬ ‫بدافع اليأس‪ ،‬أو بدافع الفراغ‪ ،‬ماذا نريد أن نفعل؟ ال يوجد عمل‪...‬‬ ‫الشباب الغريب مييل إىل املخدرات علمياً ومثلام مييل إىل املوت‬ ‫الكتشاف مجاهله‪ ،‬بينام الشباب يف الرشق فهم مييلون للمخدرات‬ ‫طقسياً‪ ،‬عبادةً‪ ،‬ومييلون للموت يأساً وانتحارا ً‪ .‬هذا والرشق هو‬ ‫املجرم‪ ،‬وهو املسؤول عن انحراف الشباب الغريب إىل املخدرات‬ ‫واملوت‪ ،‬فإذا كان الرشق هو من روج لحياة بعد املوت‪ ،‬إذا ً‪ ،‬ملاذا‬ ‫يلوم من يسعى إليه؟ راجت املخدرات وانترشت آفة الكحول وتفىش‬ ‫الزىن بني الناس مام أدى ذلك إىل والدة الفكر القديم الجديد ونعني‬ ‫به فكر عبادة الشيطان‪.‬‬

‫والدة دين عبادة الشيطان‬ ‫والسؤال من الذي أوجد فكر الشيطان والشيطان غري فكر‬ ‫عبادة الله الواحد‪ ،‬لو مل يروج أهل أديان توحيد الله‪ ،‬املسيحيون‬ ‫واملسلمون إللهم باملقارنة مع الشيطان ملا كان وجد ال الشيطان وال‬ ‫الفكر الشيطاين‪.‬‬ ‫األم املسيحية واألم املسلمة تطبع أوىل كلامتها عىل لوح عقل‬ ‫الطفل الله والشيطان‪« :‬الله يحميك من رش الشيطان»‪ .‬واألب‬ ‫املسيحي واألب املسلم يردد وأبدا ً حكمتني‪ ،‬األوىل يف حالة النجاح‬ ‫والفوز‪« :‬أنا فعلت» والثانية وهي يف حالة الفشل والوقوع يف الخطأ‪:‬‬ ‫«هو الله»‪ ،‬أي يرد سبب الخطأ لله‪ ،‬نجاح املرء هو صانعه‪ ،‬أما الفشل‬ ‫فمن صنع الله‪ ،‬مشيئة الله‪ .‬ويردد الرشقي حكمة الفشل أبدا ً‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫«أعوذ بالله من رش الشيطان الرجيم»‪ ،‬أما أمام الفوز والنجاح‪ ،‬فهو‬ ‫ينىس أو يتناىس الله وينىس حكمته‪.‬‬ ‫وأتباع الفكر الشيطاين كام العلامنيني مل يبرشوا بوجود إله واحد‬ ‫أحد وحيد‪ ،‬فالشيطانيون مل يبرشوا بوجود إله واحد ألنهم ال يريدون‬ ‫أن يربهنوا عىل وجود شيطانهم باملقارنة مع وجود الله‪ ،‬أي ألنهم ال‬ ‫يريدون أن يقعوا بنفس الخطأ الذي وقع فيه أهل أديان الله الواحد‪.‬‬ ‫والعلامنيون ال يبرشون وال يقرون بوجود إله واحد‪،‬‬


‫‪18‬‬

‫العدد ‪72‬‬

‫ظاهرة‬

‫ألنهم ال يريدون أن يسود رجل الدين الضيق اآلفاق‪ ،‬عىل مجتمع‬ ‫الطائرة والصاروخ والكمبيوتر ‪ ...‬يريد رجل الدين إلله املنجنيق أن‬ ‫يسود عىل إله عابرات القارات والنووي والكيميايئ‪ ...‬فهل يقدر؟ أما‬ ‫العلامنيون فريفضون رفضاً قاطعاً‪ .‬يريد رجل الدين إلنسان العبادة‬ ‫وتأليه الشخص وعبادته أن يقود إنسان الله أو الشيطان وإنسان‬ ‫الحرية‪ ،‬فهل يقدر؟ والعلامنيون يرفضون وكيف يرضون؟ يريد رجل‬ ‫الدين أن يسجن طائر الفينيق يف قفص أو أنه يريد أن يحجم الكون‬ ‫عىل قدر مداركه ويتبوأ عرش العامل ويحكم ويسود‪ ،‬فهل يقدر ألنه‬ ‫يتمنى ويحلم ويصيل ويدعو؟‬ ‫بقدرة رجل الدين الرشقي أن يحقن الطوفان بإصبعه‪ ،‬إمنا الطوفان‬ ‫قادم ال محال؛ بقدرته أن يخفي الشمس بأصبعه‪ ،‬إمنا الشمس رسعان‬ ‫ما تبتعد عن إصبعه‪ ،‬باستطاعة رجل الدين أن يطفئ نار الشبيبة‪،‬‬ ‫إمنا جحيم الشباب سيتأجج وناره ستندلع وال مندوحة من ذلك‪ .‬وترى‬ ‫الشباب يقولون‪« :‬هذه عيوننا حجموها وما شئتم‪ ،‬وهذه معاصمنا‬ ‫قيدوها وما رغبتم‪ ،‬وهذه أعناقنا غلوها وما ابتغيتم‪ ،‬إمنا الصباح لنا‬ ‫والفجر نحن أسياده»‪ .‬غدا ً‪ ،‬وعندما يطل املخلص من خلف الجبل‬ ‫البعيد‪ ،‬امنعوهم إن استطعتم عن حمل صلبانهم‪ ،‬وحني ميضون الحقوا‬ ‫بهم وادركوهم ولن تدركوهم‪ ،‬وهل يدرك الظالم النور؟‬

‫مفهوم الله‬ ‫رجال الدين يف الرشق‪ ،‬وأيضاً‪ ،‬الناس أجمعني يتناولون مفهوم‬ ‫الله من باب الرتهيب والرتغيب‪ ،‬الثواب والعقاب‪ .‬إن فعلت كذا‬ ‫نلت كذا‪ ،‬إن مارست الطقوس الدينية غفر لك الله وأثابك يف جنته‪،‬‬ ‫وإن مل متارس الطقوس الدينية ظلمك الله وعاقبك يف جحيمه‪ .‬أنظروا‬

‫إن املخدرات تنترش بني الجامعات‬ ‫الدينية يف العامل العريب‪،‬وحني نقول‬ ‫الجامعات الدينية‪ ،‬فإننا ال نستثني أي‬ ‫جامعة دينية‪،‬فمن الجامعة الدينية‬ ‫الوثنية والجامعة الطوطومية وحتى‬ ‫املسيحية فاإلسالمية‬ ‫الله الواحد األحد ميلك جحيامً ونعيامً‪ ،‬جنة ونارا ً‪ ،‬أال ميلك بردا ً‪ ،‬هل‬ ‫يوجد يف الجحيم تسونامي؟ وهل يوجد يف الجنة ريح الجنوب؟ كام‬ ‫يص ّور رجال الدين للشبيبة الله شخصية الله وكأنه بطل من أبطال‬ ‫الحكايات‪ ،‬إله رجال الدين وجه من وجوه الخرافة‪ .‬بينام الغرب‬ ‫يص ّور الله محبة ومحبة وحسب‪.‬‬ ‫يجيب رجل الدين يف الرشق ومثله الناس يجيبون عن سؤال‬ ‫األطفال‪ :‬أين الله؟ بالرضب والنعت بالكفر‪ ،‬فإذا كان الطفل ال‬ ‫يعرف مفهوم الله ومفهوم الوجود‪ ،‬فلامذا يضيفون عىل عقله النامي‬ ‫مفاهيم جديدة قبل استيعاب املفاهيم األوىل؟‬ ‫كل ما تقدم كانت أسباب وجيهة لوالدة الفكر الشيطاين‪ .‬هذا‪،‬‬ ‫ودين عبادة الشيطان مل يجده الغرب إال لتسفيه فكر الرشق وذلك‬ ‫من أجل تهيئة األرضية اآلمنة لجيوشه القادمة الحتالل الرشق‪.‬‬ ‫ردا ً عىل ذلك‪ ،‬خرج الشباب من بيوت الله غاضبني‪،‬‬ ‫ثائرين‪ ،‬رافضني‪ ،‬يطلبون التحرر من إرادة الله وإرادة‬ ‫السلطة الدينية‪ .‬وحني مل يجدوا بخروجهم بديالً‪ ،‬لجأوا إىل‬ ‫النقيض لدين الله‪ ،‬ونعني أنهم لجأوا إىل الذي كان يخوفهم‬ ‫منه رجال الدين واآلباء واألمهات‪ ،‬أي إىل الشيطان‪.‬‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫ويقول الشباب‪ ،‬نحن ال نعبد الشيطان‪ ،‬نحن ونكاية باآلباء‬ ‫واألجداد‪ ،‬أظهرنا عبادتنا للشيطان‪ .‬نحن نتح ّدى اآلباء واألجداد‪،‬‬ ‫نحن نتح ّدى رجال الدين ورجال السلطة‪ ،‬وعندما يتحرر رجال الدين‬ ‫واآلباء واألجداد من خرافاتهم يتحرر الشباب من عبادة الشيطان؛‬ ‫عندما يجد رجل الدين واآلباء واألج��داد مكاناً للوطن واألمة يف‬ ‫فكرهم نتخلىّ نحن الشباب عن الشيطان وعن عبادته‪.‬‬ ‫ويقول اإلعالم املأجور لجمعيتي رجل الدين واآلباء واألجداد‪:‬‬ ‫هنالك» ضمور يف الرؤى والطموحات عند الشباب»‪ ،‬فهل حقيقة أن‬ ‫يف عقل الشباب ضمورا ً وخموالً وعدم وجود طموحات؟‬ ‫والجواب بالنفي‪ ،‬ال‪ .‬ال يوجد ضمور يف الرؤى وال خمول يف‬ ‫العقول‪ ،‬وبالتايل يوجد طموحات كبرية عند الشباب‪ ،‬وإالّ كيف نفرس‬ ‫خروجهم عن الواقع القائم؟ كيف نفرس تحديهم للقوة الدينية‬ ‫الضاربة‪ ،‬كيف نفرس مصارعتهم لوحش تسلط اآلباء واألجداد!‬ ‫ويقول الشباب‪ :‬نحن ال لسنا وكام يصفنا اإلعالم املأجور‪ ،‬فإذا‬ ‫كان هو نفسه ذا نظرة تشاؤمية‪ ،‬فلامذا يريد أن يعكس نظرته علينا‪،‬‬ ‫هذا أوالً‪ ،‬وثانياً‪ ،‬نحن نحرتم أهلنا وأجدادنا ورجاالت أدياننا‪ ،‬فإذا ثرنا‪،‬‬ ‫فإننا نثور من أجلهم أوالً ومن أجل الوطن ثانياً ومن أجل الحرية‬ ‫ثالثاً‪ .‬باختصار‪ ،‬نحن الشباب نعمل من أجل الله الصمد الذي ال‬ ‫يحتمل جوهره أي ٍ‬ ‫وصف من أوصاف الحكايات والخرافات‪.‬‬ ‫ونحن نرصخ بفم جربان‪« :‬أنتم القوس وأبناؤكم السهام»‪ .‬فيا‬ ‫أهلنا الكرام‪ ،‬انزعوا األقنعة عن وجوهكم‪ ،‬افتحوا عيونكم‪ ،‬واخرجوا‬ ‫إىل النور‪ ،‬وهيا انهضوا قبل أن تسحقكم جهل األقدام الهمجية‪.‬‬ ‫وسيأيت يوم‪ ،‬وهو قريب‪ ،‬وسنغري وجه التاريخ‪ .‬وسنغريه ألنه‬ ‫قضاؤنا وقدرنا‪.‬‬ ‫غدا ً‪ ،‬وعندما يأيت الشيطان وتأيت جيوشه ليمنعهم إله حكاياتهم‪.‬‬

‫نعيم تلحوق يحب‬ ‫د‪.‬ميشال كعدي‬ ‫ابعاده مرشعة عىل الفكر والوعي العقالين‪:‬‬ ‫هذا الجواب يف فمه شدو‪ ،‬ويف ّجوانيته متع من لبنان‪،‬‬ ‫هذا الكبري يف الشعر ربط األمداء باألضواء وانطلق اىل نعيم‬ ‫القول تلحوقياً‪ ،‬يشد املساحات اىل املطالت‪ ،‬يف عينيه ملعات‬ ‫من سامئنا وعىل لسانه أنشودة‪ ،‬تخلد يف نبوغ حامل‪.‬شاعر‬ ‫امللكوت اليوم‪ ،‬تشتاقه األعمدة التي ُمست بنشوة العبقرية‪،‬‬ ‫أما األشياء فتكتنفها هدأة روحانية‪،‬فتميس يف غرقٍ من الحس‬ ‫والفرح‪.‬‬ ‫الشاعر الكبري نعيم تلحوق‪ ،‬أبعاده مرشعة عىل الفكر‪،‬‬ ‫والوعي العقالين الذي مل يشب مبزاج‪.‬‬ ‫شاعر ملكوت الشعر اليوم‪ ،‬ماهر نظّار‪ ،‬ميتاز منطقه‬ ‫بالحوايش الرخيمة املتعددة املواهب والقدرات‪ ،‬وهنا أرسع‬ ‫ألقول‪ ،‬ان نعيامً‪ ،‬كتب الشعر والرواية والنرث الفني‪ ،‬واملقالة‬ ‫االدبية والسياسية وما أنعم الله عىل العربية‪ ،‬فاذا َ‬ ‫كال او‬

‫وزن‪ ،‬يبقى موقّفاً عىل الشاعر تلحوق الجامل يف مواضع‬ ‫الصواب‪.‬‬ ‫حسابة‪،‬‬ ‫ثابت‪،‬‬ ‫الرأي‪،‬‬ ‫متامسك‬ ‫النه‬ ‫مكان‪،‬‬ ‫الفلسفة‬ ‫يف‬ ‫له‬ ‫ّ‬ ‫يعمق البرص يف أمور الدنيا‪ ،‬فيكشف االقنعة عن املعلقات‪،‬‬ ‫عىل ان الثوابت تبعاً لشعره‪ ،‬تحلل كنه النفوس يف اللحظات‬ ‫الحلولية املطلقة‪ ،‬حيث يتم االنصهار يف بوتقة الذات التي‬ ‫تحرك نبض الزمان واملكان واملايض والحارض‪.‬‬ ‫عىل ان حقيقة نعيم‪ ،‬تتصل أحياناً كثرية يف الالوعي‬ ‫والالواقع‪ ،‬وقد يكون أنفذ من الوعي‪ .‬وأعمق من الواقع‪،‬‬ ‫وبخاصة اذا انطلق شعره يف حال التجربة لرياود املستحيل‪،‬‬ ‫ويخرتق جدار القوة‪ ،‬وصعوبات القهر الزمني‪ ،‬النه صنع‬ ‫االنطالق والحرية‪ ،‬وسيد الشعر الجميل والرؤيا‪ ،‬بل سيد‬ ‫القصيدة املتسامية التي تتخطى االرتهان اىل ما وراء العقل‪.‬‬ ‫واذا دعي الشاعر تلحوق اىل وليمة شعرية يف لبنان‪ ،‬او‬ ‫يف اي بلد عريب او أجنبي‪ ،‬مىش عىل درب محبة الناس له‪.‬‬ ‫ويف جمع يديه غزارة تدفع رفعة لبنانية‪ ،‬ثم تومل يف رقاع‬ ‫املعرفة‪ ،‬وخطوط الحياة‪ ،‬وأبجدية القول املنغم عىل القرارات‬

‫الذوقية‪ ،‬اذ ذاك تستقيم الروعة يف قصائد نخلتها الذائقة‬ ‫الفنية‪ ،‬قرب الجرار املذهبة‪ ،‬وأري الخليات‪ ،‬والنقي املرباء‬ ‫من الهجنة‪.‬‬ ‫هذا الشاعر االنطالقي‪.‬‬ ‫تراه يف املحافل الكربى‪ ،‬حليامً‪ ،‬وقورا ً يف كالمه‪ ،‬موحدا ً يف‬ ‫املسائل ‪ ،‬تؤنسك مفردته التي يجتاز عربها الحواجز الطبيعية‬ ‫والروحية برشاقة وارادة وتؤدة‪ ،‬ثم يأمرها لتدخل رحاب‬ ‫املوسيقى‪.‬‬ ‫واالنفعاالت التي تتشظى يف ميدان الرمزية التلحوقية‬ ‫بطريقة ج��ذاب��ة‪ ،‬وق��د وشحتها اخيلة من اللطافة‪ ،‬أما‬ ‫الرومنسية فقد توطنت بخفر يف وجدانه ورؤاه وعواطفه‪.‬‬ ‫أيها الناس‬ ‫ال أريد أن أقصيكم عنه كثريا ً‬ ‫أما انت يا حامل‬ ‫الجامل للملكوت الشعر فقد حملنا‬ ‫القلوب ‪،‬والشمع والعني اليك‬ ‫ ‬ ‫وان كان لك فضل‬ ‫قم وناج متعبي آخر النهار‬ ‫الغبطة‪ ،‬فلنا عليك يف املحبة سعادة املكتفني‪.‬‬


‫العدد ‪72‬‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫دين ودنيا‬

‫‪19‬‬

‫الفقر وموقف الرشيعة منه‬ ‫محمد فضل الله‬ ‫الفقر وموقف الشرّ يعة منه يشهد الكثري من املجتمعات‬ ‫وال ّدول اليوم‪ ،‬تح ّديات اقتصاديّة صعبة‪ ،‬تؤ ّدي إىل انتشار ظاهرة‬ ‫الفقر بني األفراد والشّ عوب‪ ،‬حيث باتت هذه التح ّديات تشكّل‬ ‫الهاجس األكرب لهذه الشعوب وال� ّدول‪ .‬وقد وقع االختالف يف‬ ‫تعريفات فقهاء عا ّمة املسلمني لحدود الفقر‪ ،‬فمنهم من رأى‬ ‫أ ّن الفقري هو من له أدىن يشء‪ ،‬أي دون «نصاب»‪ ،‬فالفقري عند‬ ‫أقل من نصاب ال ّز كاة‪ ،‬أو قدر نصاب‪ ،‬ولك ّنه‬ ‫الحنفيّة هو من ميلك ّ‬ ‫مال ثابت ال يستثمر أو ينمو‪ ،‬وهو مع ذلك مع ّد لرضوريّات‬ ‫اإلنسان وما ال ب ّد منه‪ ،‬أي أنّه ليس فائضاً عن الضرّ وريّات‪.‬‬ ‫وآخ��رون قالوا إ ّن الفقري هو من ال مال له‪ ،‬وال كسب له‬ ‫أصالً‪ ...‬فإن مل ميلك إال شيئاً يسريا ً بال ّنسبة إىل حاجته‪ ،‬بأن كان‬ ‫كل‬ ‫كل يوم إىل عرشة دراهم‪ ،‬وهو ميلك درهمني أو ثالثة ّ‬ ‫يحتاج ّ‬ ‫يوم‪ ،‬فهو فقري‪ ،‬أل ّن هذا القدر ال يقع موقعاً من الكفاية‪ ،‬وهو‬ ‫رأي الشّ افعي‪.‬‬ ‫فيام ذهبت املالكيّة إىل أ ّن الفقري هو الّذي ميلك الشيّ ء اليسري‬ ‫الّذي ال يكفيه ملعيشته‪ ،‬ورأى الحنابلة أ ّن الفقري هو الّذي ال يجد‬ ‫ما يقع موقعاً من كفايته‪ ...‬فالفقر هو عدم تحقيق ح ّد الكفاية‪،‬‬ ‫أو عدم القدرة عىل الوصول إىل ح ّد أدىن من مستوى املعيشة‪.‬‬ ‫ويقول فقهاء اإلماميّة يف تحديدهم لعنوان الفقري الشرّ عي‪،‬‬ ‫إنّه الّذي ال ميلك قوت سنته‪ ،‬إ ّما فعالً أو ق ّوة‪ ،‬واملراد بالق ّوة‬ ‫القابل ّية‪ ،‬فمن ميلك صنع ًة أو حرف ًة وما أشبه‪ ،‬يستطيع من‬ ‫غني رشعاً‪ ،‬وإن مل يكن ميلك فعالً‬ ‫خاللها تحصيل معاشه‪ ،‬فهو ّ‬ ‫املال يف يده‪ .‬وهناك املسكني الّذي هو أش ّد فقرا ً من الفقري‪ ،‬كأن‬ ‫ال ميلك قوت يومه حتّى‪ ،‬فهذا التّعبري‪ ،‬أي الفقري واملسكني‪ ،‬إن‬ ‫اجتمعا افرتقا‪ ،‬وإن افرتقا اجتمعا (إن اجتمعا يف الكالم افرتقا‬ ‫بكل كلمة لوحدها كان معناهام واحد‬ ‫يف املعنى‪ ،‬وإن ُعبرّ ّ‬ ‫يستحق مال‬ ‫والفقري‬ ‫ا ً‪).‬‬ ‫ّ‬ ‫الزكاة والخمس رشعاً والكفّارات ونذورات الفقراء‪ ،‬وبعضها ميكن‬ ‫إعطاؤها له مبارش ًة من قبل املكلّف‪ ،‬وبعضها اآلخر يكون بنظر‬ ‫الرشعي أو إجازته‪ ،‬واإلسالم اعتنى بس ّد حاجات الفقراء يف‬ ‫الحاكم‬ ‫ّ‬ ‫أسايس‪ ،‬وقد ورد يف الحديث‪« :‬إ ّن الله فرض يف‬ ‫ترشيعاته بشكل‬ ‫ّ‬ ‫أموال األغنياء ما يكفي الفقراء‪ ،‬ولو علم أنّه ال يكفيهم لزادهم»‪،‬‬ ‫لذلك «ما جاع فقري إال مبا ُمتّع به غني»‪ ،‬وجوع الفقراء يُسأل عنه‬ ‫أغنياء األ ّمة امليسورون‪.‬‬ ‫فاملراد بالفقري‪ ،‬كام يقول سامحة املرجع السيّد محمد حسني‬ ‫فضل الله(رض)‪ :‬من ال ميلك مؤونة سنته املناسبة له ولعياله‪،‬‬ ‫بنح ٍو ال تكون موجودة كلّها دفعة واحدة لجميع السنة‪ ،‬وال هي‬ ‫شهري‪[[.‬فقه الشرّ يعة‪،‬‬ ‫يومي أو‬ ‫ّ‬ ‫موجودة بالتد ّرج من خالل راتب ّ‬ ‫والفقراء هم الّذين ال يجدون الفرصة الذاتية‬ ‫ص‪]].533:‬‬ ‫للعيش الكريم‪ ،‬فيضط ّرهم ذلك إىل االقرتاض أو سؤال ال ّناس‬ ‫اآلخرين ]‪[.‬من وحي القرآن‪ ،‬ص‪].143:‬‬ ‫لقد حثّ اإلسالم عىل تحصيل املال من خالل الطّرق الرشع ّية‪،‬‬ ‫والصناعة ِ‬ ‫والصيد والوظائف‪ ،‬وح ّرم‬ ‫والح َرف ّ‬ ‫كالتّجارة والفالحة ّ‬ ‫كالغش وال ّرشوة وال ّربا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بعض الطّرق غري املرشوعة يف تحصيله‪،‬‬ ‫كام دعا اإلسالم إىل إنفاق املال يف مصارف الخري‪ ،‬وتحقيق‬ ‫العدالة والتّوازن يف املجتمع دون إفراط وتفريط‪ .‬ولتحقيق‬ ‫عبادة اإلنفاق‪ ،‬ذ ّم اإلسالم البخل واإلرساف‪ ،‬ودعا إىل االعتدال‪،‬‬ ‫قال تعاىل{‪َ { :‬والَ ت َ ْج َع ْل يَ َد َك َم ْغلُولَ ًة إِلىَ ُع ُن ِق َك َوالَ ت َ ْب ُسطْ َها ك َُّل‬

‫الْبَ ْس ِط فَتَ ْق ُع َد َملُوماً َّم ْح ُسورا ً}[اإلرساء‪]29. :‬‬ ‫اإلسالمي إىل املجتمع عىل أساس أنّه فئات‬ ‫ال ينظر ال ّدين‬ ‫ّ‬ ‫مستقلّة اجتامع ّياً واقتصاديّاً عن بعضها البعض‪ ،‬وإنمّ ا هم ـ أي‬ ‫ال ّناس ـ بفطرتهم وطبيعتهم يف هذه الحياة يحتاجون إىل التعاون‬ ‫عىل قضاء حوائجهم‪ ،‬وتبادل املنافع بينهم‪ ،‬من هنا عمل اإلسالم‬ ‫بكل ترشيعاته االجتامعية واالقتصادية عىل ضامن املعيشة الكرمية‬ ‫ّ‬ ‫للفئات الفقرية واملحتاجة‪.‬‬ ‫ولقد اعترب اإلسالم أ ّن ظاهرة الفقر مرض ّية ينبغي معالجتها‪،‬‬ ‫النبي(ص) قوله‪« :‬اللّه ّم إين أعوذ بك من الكفر والفقر‬ ‫ويروى عن ّ‬ ‫وعذاب القرب»‪ .‬يف املقابل‪ ،‬يعترب اإلسالم أيضاً أ ّن الفقر هو ابتالء‬ ‫من الله تعاىل لعبده املؤمن‪ ،‬قال تعاىل‪َ [{ :‬ولَ َن ْبلُ َونَّ ُك ْم بِشيَ ْ ٍء ِّم َن‬ ‫َوف َوالْ ُجو ِع َونَق ٍْص ِّم َن األَ َم َوا ِل َواألنف ُِس َوالثَّ َم َر ِ‬ ‫الْخ ْ‬ ‫ات َوبَشرِّ ِ‬ ‫الصا ِبرِي َن ] }البقرة‪.{155:‬‬ ‫َّ‬ ‫واإلس�ل�ام مبنظومته العقيديّة واألخالقيّة واالجتامعيّة‬ ‫واالقتصاديّة‪ ،‬يهدف للقضاء عىل الفقر‪ ،‬وأ ّول ما سار به لتحقيق‬ ‫ذلك‪ ،‬أنّه حارب منذ بداية ال ّدعوة الطبق ّية االجتامع ّية‪ ،‬والتّمييز‬ ‫وحض عىل العمل والكسب‪ ،‬فالعمل هو‬ ‫بني أبناء املجتمع الواحد‪ّ ،‬‬ ‫السالح األمىض يف محاربة الفقر‪ ،‬وجلب املنافع‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫كام ور ّهب اإلسالم من االحتيال والتس ّول‪ ،‬ونها عن التص ّدق‬ ‫ككل عىل البذل واإلنفاق عىل‬ ‫وحض املجتمع ّ‬ ‫عىل غري املحتاج‪ّ ،‬‬ ‫الفقراء واملحتاجني‪ ،‬أل َّن ذلك من صميم مسؤوليَّاته األخالقيّة‬ ‫واإلنسانيّة‪ ،‬وتحقيقاً ملبدأ التّكافل االجتامعي العام‪ ،‬وهذا ما يزيد‬ ‫املجتمع نفسه ثق ًة واطمئناناً‪ ،‬ونتائج معنويّة ط ّيبة‪ ،‬بحيث تنتفي‬ ‫األحقاد والبغضاء عندما يشعر الفقري واملحروم بأ َّن هناك من‬ ‫يساعده ويواسيه‪.‬‬ ‫القوي خ ٌري من املجتمع الفقري الضّ عيف‪ ،‬يقول الله‬ ‫واملجتمع‬ ‫ّ‬ ‫تعاىل يف كتابه الكريم‪َ { :‬وأَ ِع ُّدوا ْ لَ ُهم َّما ْاستَطَ ْعتُم ِّمن قُ َّو ٍة َو ِمن‬ ‫ِّربَ ِاط الْ َخ ْيلِ تُ ْر ِه ُبو َن ِب ِه َع ْد َّو اللّ ِه َو َع ُد َّوكُ ْم}[األنفال‪ ،]60:‬ويف‬

‫معرض حديث عن هذه اآلية املباركة‪ ،‬يرى سامحة املرجع اإلسالمي‬ ‫الس ّيد محمد حسني فضل الله(رض)‪ :‬أنّه إذا كان ج ّو اآلية يوحي‬ ‫بوجوب االستعداد للحصول عىل الق ّوة العسكريّة‪ ،‬فإنّنا نستوحي‬ ‫منها رضورة اإلعداد للق ّوة من نوع آخر‪ ،‬مام تحتاجه األ ّمة يف‬ ‫السيايس‬ ‫واالقتصادي يف موقعها‬ ‫واالجتامعي‬ ‫العلمي‬ ‫تط ّورها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بني األمم األخرى‪ ،‬أل ّن ذلك يحقّق لها االكتفاء الذا ّيت أو التف ّوق‬ ‫الواقعي‪ ،‬الّذي يفسح لها املجال للتح ّرك بق َّوة من موقع استغنائها‬ ‫ّ‬ ‫عن اآلخرين‪ ،‬أو من موقع حاجة اآلخرين إليها‪ ،‬فنستطيع بذلك‬ ‫أن نتخلّص من الضّ غوط الّتي تقيّد حريّتها يف الحركة‪ ،‬أو تفرض‬ ‫الضّ غوط الّتي تحتاجها يف عالقاتها باآلخرين‪ ،‬وهذا ما يُلزم األ َّمة‬ ‫كل طاقاتها يف سبيل الوصول إىل‬ ‫ـ بجميع أفرادها ـ أن تستنفر ّ‬ ‫كل املجاالت الّتي متثّل أساس الق ّوة يف الحياة‪،‬‬ ‫املستوى املتق ّدم يف ّ‬ ‫كل نقاط الضّ عف املفروضة عليها من ال ّداخل‬ ‫وأن لتتخلّص من ّ‬ ‫السبيل األفضل النطالقة اإلسالم بق ّوة يف حياة‬ ‫والخارج‪ ،‬فذلك هو ّ‬ ‫فالحق الّذي ال يستند إىل‬ ‫ال ّناس‪ ،‬يف عا ٍمل ال يفهم إال بلغة الق ّوة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الق ّوة‪ ،‬ال يرتكز عىل أساس ثابت متني‪.‬‬ ‫وإذا كان الوصول إىل هذا املستوى من الق ّوة يحتاج إىل الكثري‬ ‫من املال‪ ،‬فإ ّن عىل األ ّمة أن تساهم يف ذلك عىل جميع املستويات‪،‬‬ ‫العلمي‬ ‫وأن تعترب ذلك إنفاقاً يف سبيل الله‪ ،‬أل ّن رفع املستوى‬ ‫ّ‬ ‫السبل العمل ّية الّتي‬ ‫والعسكري‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واالقتصادي لأل ّمة‪ ،‬هو من أفضل ّ‬ ‫الحق‪ ،‬وتفتح طريق االنتصار يف املعركة الطّويلة‬ ‫تؤ ّدي إىل تدعيم ّ‬ ‫ض ّد الكفر والكافرين‪...‬‬ ‫وقد أراد الله أن يوحي للمؤمنني بأنّه سيع ّوضهم عماّ أنفقوه‬ ‫السبيل يف ال ّدنيا واآلخرة { َو َما تُن ِفقُوا ْ ِمن شيَ ْ ٍء فيِ َسبِيلِ اللّ ِه‬ ‫يف هذا ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يُ َو َّف إِلَيْ ُك ْم َوأنتُ ْم الَ تُظْلَ ُمونَ‪ ،‬فتأخذوه وافياً غري منقوص َوأنتُ ْم الَ‬ ‫تُظْلَ ُمونَ}[األنفال‪ ،]60 :‬بل تجدون العدل كلّه والخري كلّه وال ّرحمة‬ ‫الواسعة الّتي تفتح لكم أبواب الحياة عىل آفاق الفالح وال ّنجاح‪].‬‬ ‫[من وحي القرآن‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪]410.:‬‬


‫‪20‬‬

‫العدد ‪72‬‬

‫كتاب‬

‫مرسحي بال عنوان‬ ‫زمن العناقيد شعر‬ ‫ٌّ‬

‫لويس حايك‬

‫تطل نرسين بديوانها الصادر ‪ 1998‬بشعر طليق مطبوع باحرتاف‬ ‫ُّ‬ ‫مقترِّ عىل غالف باهت واوراق صفراء كعناقيد ترشين وبعنوان‬ ‫ببيت ٍ‬ ‫منزوع من زالل الكرمة يذكرنا ٍ‬ ‫خالد أغرى النؤايس فسطا عليه‬ ‫وكان وفيّا يف التذكري بصاحبه ‪:‬‬ ‫مت فادفني اىل جنب كرمة تر ِّوي عروقي بعد مويت عروقُها‬ ‫إذا ُّ‬ ‫إنه « زمن العناقيد « وقد تجرأتْ عىل تسمية لوحاته بالشعر‬ ‫املرسحي وهي تسمية مل يسبقها اليها أحد من قبل ‪.‬‬ ‫هذا الديوان ‪ ،‬بطبعته املتواضعة ال يلفت النظر وال يغريك أن‬ ‫تصمده يف مكتبة مزينة بالكتب املوشّ اة بزخارف مصقولة بالخطوط‬ ‫والحروف املذهبة ‪ ،‬لكنه قد يغريك بأن تقلِّب صفحاته باهتامم‬ ‫فضو ّيل فإذا بك تفاجأ وكأنك تهيم يف مرسح ضبايب ال حدود له وال‬ ‫عالمات تشري اىل فواصله ‪.‬‬ ‫ديوان طليق ال يحمل عىل غالفه اسم عائلة الشاعرة وقصائده ال‬ ‫عنوان لها ‪ ،‬قصائد المنتمية ‪ ،‬عبثية الهيكلة ومنثورة كأوراق الخريف‬ ‫‪.‬‬ ‫ديوان كتبت نرسين بعض قصائده يف عمر عنفوانها األنثوي‬ ‫املتم ّرد عىل الذكورية ‪ .‬تفاجئنا لوحاته ببثٍّ حرور ٍّي جديد الصياغة‬ ‫‪ ،‬بعيد األمداء ‪ ،‬رجر ٌاج متوتِّ ٌر صادق اإلنتامء اىل تسميته بالشعر‬ ‫املرسحي ‪:‬‬ ‫ليل هدو ٌء سكين ٌة ‪ /‬جالسة أنا وحيد ًة ‪ /‬قلبي منفط ٌر وروحي‬ ‫‪ٌ /‬‬ ‫مشلوحة أمامي شهيدة ‪ /‬مل أجد تلك الليلة رفيقا سوى شمع ٍة وكأس‬ ‫ِ ٍ‬ ‫نبيذ وجريدة ‪/‬‬ ‫ويف نظرة مفاجئة يرتاءى لها وجه رقيق يوقظ يف أعامقها تلك‬ ‫الح َّواء العنيدة فتخاطب شمعتها الحزينة بعنفوان أنثو ٍّي ‪:‬‬ ‫‪ /‬ال تسأليني ان كنت أرغب ‪ ...‬أن يعود إيل ‪/‬‬

‫قد يخالجك الشك وأنت تحلل شوق الشاعرة واشتياقها اىل موعد‬ ‫معهود ‪ ،‬اىل مقعد وبحر وسامء واىل صوت واصابع تالمس اوتار‬ ‫العود وهي تعاتب الحبيب لغيابه الطويل ‪ ،‬هذا الشوق الهادر يخرج‬ ‫من قلب ال يؤمن بالعشق بل يؤمن بالصداقة التي هي أشد حرارة‬ ‫وثباتا وانتامء اىل سبب وجود اإلنسان عىل هذه األرض وهي التي‬ ‫تبقى صامدة عىل م ّر األيام والسنني ‪ .‬لك ّن هذه الصداقة ال تستطيع‬ ‫أن تلطّف من ثورتها عىل الذكورية التي ال تلني بفراق الحبيب أو‬ ‫غيابه ‪ .‬لقد طال الغياب فاشتاقت اىل املوعد املعهود ‪ ،‬اىل صوته‬ ‫سليل‬ ‫وأصابع تالمس أوتار العود لك ّن الزائر يبقى ذاك الشبح الخفي َ‬ ‫العراء فتعنفه قائلة ‪:‬‬ ‫اشفق عىل من متاهت بوهجك الغريب ‪ /‬وامأل وجودها بوجودك‬ ‫الرسا ّيب الالموجود ‪.‬‬ ‫وتناديه برموزها الغامضة ‪:‬‬ ‫كنت أنتظر ‪/‬‬ ‫ّ‬ ‫لست من ُ‬ ‫كف عن مطارديت ‪َ /‬‬ ‫والحب بقصائده ‪ /‬والجنس بأبوابه‬ ‫أمامك الكون بنسائه ‪/‬‬ ‫ّ‬ ‫رشعة ‪ ... /‬دعني وشأين ‪/‬‬ ‫امل ّ‬ ‫وبذكورية فاضحة مشبوبة متمردة تدعوه بها اىل الرحيل ‪:‬‬ ‫ه ّيا ارحل ‪ /‬ال ميكنك احتالل فراغ روحي ‪ /‬وال اجتياح كل قطعة‬ ‫من جسدي ‪/‬‬ ‫كل النساء ‪/‬‬ ‫ال ميكنك أن تكون رجالً ‪ / .‬الرجل ‪ ..‬رجيل ‪ /‬ألين أنا ُّ‬ ‫وبعد هدوء عاصفة التمرد ‪ ،‬تعود اىل البحث عن الرجل بصمت‬ ‫وهمس وحنني ‪:‬‬ ‫أبحث عنك ‪ /‬أبحث يف أعامق روحي ‪ /‬يف بريق عينيك ‪/ ...‬‬ ‫أهمس اسمك يف أذنيك ‪/‬‬ ‫عساه حبيبي يبلسم جراحي ‪ /‬وتستسلم روحي بني ذراعيك ‪/‬‬ ‫احل عواطفها فتعرب‬ ‫وبني لوحة وأخرى تتنازع ح ّباتُ العناقيد ِ مر َ‬ ‫قفزاتُها متصارعة كهبّات ضائعة برموز ال تعرف مرىس لها ‪ .‬فقد يكون‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫السبب يف ذلك تقلبات تتالعب بها مؤثرات من إيحاءات التمثيل‬ ‫التي تسقط عىل الشعر املرسحي كسقوط الوحي عادة عىل الشعراء!‬ ‫كل فجر ‪ .‬تقول ‪:‬‬ ‫إنها األنثى الخارقة التي تشتعل مع بزوغ ّ‬ ‫ال يخيفني غروب الشمس وال صقيع السامء ‪ /‬فأنا بركان ! ‪/‬‬ ‫أبعث النار م ّني ‪ ..‬اىل القمر فأشعله ‪/‬‬ ‫إذا جاورين الفقر طحنت الحجر ‪ /‬إذا أحسست بالجوع أكلت‬ ‫أسود الغاب وأفاعي الجبال ‪ ... /‬قلبي ال يدقًّ عىل هواه ‪ /‬بل يعزف‬ ‫لحني ويغ ِّني موايل ‪/‬‬ ‫ٌ‬ ‫إستهالل جاء فيه ‪:‬‬ ‫غريب ديوانها‬ ‫ُ‬ ‫أحب الظالم ‪ /‬أشتاق اليه ‪ /‬أشتاق اىل موعده املعهود يف محطتي‬ ‫ُّ‬ ‫األخرية ‪.‬‬ ‫بحب ال ينتمي بو ُحه اىل لوحات‬ ‫هذا اإلستهالل يربط الشاعرة ٍّ‬ ‫الكتاب سوى بلونه األسود الذي يوشِّ ح بعضَ ها بالحزن والبكاء ويبدو‬ ‫جل ًّيا يف أول لوحة من لوحاته ‪:‬‬ ‫طقوس‬ ‫مت َّنعت عيناي عن البكاء ‪ /‬لك ّن دمعتي خانتها ‪/ ..‬‬ ‫ٌ‬ ‫طقوس ‪...‬‬ ‫ٌ‬ ‫موائد بلّوريّة من صقيع ‪/ .‬‬ ‫أخريا ‪ ،‬هل هي من نوع النساء الآليئ يخضعن للعشق !‬ ‫حاشا للعشق أن يجد مطرحا له يف قلب انثى تصمد يف مواجهة‬ ‫طويلة حتى يعرف الرجل اىل أيّة رسيّة تنتمي من رسايا جيش النساء‬ ‫العشق أس َريها وإذا ولدت طفال فطفلها سيب ّز‬ ‫‪ .‬عندها يصبح هذا‬ ‫ُ‬ ‫جميع األطفال ألنه سيكون مثر ُة رحم ٍ علّم الكون صناعة الرجال !‬ ‫هذه السطوة األنثوية التي تلغي كل هيبة ذكورية ال بد للشاعرة‬ ‫ان تعيد النظر بها حتى ال تشعل فتيل حرب شعواء اين منها حرب‬ ‫الطوائف واألديان وهذه ليست دعوة إلخفاء معامل الكتاب وحرمان‬ ‫القارئ من طبعة جديدة له يستحقّها بهويته الشعرية التي تعطيه‬ ‫إجازة يف ما ال يجوز ‪.‬‬

‫جوزيف الصايغ يحاور الفكر الغريب‬ ‫لؤي اسكندر‬ ‫يف متهيد لكتاب ح��واري ممتع تأخذك صفحاته اىل أجواء‬ ‫حميمة شاعرية تل ّذ قراءتـها عىل أضواء الشموع الخافتة ‪ ،‬وتنقلك‬ ‫مع قاماتـها اىل مطارحك املزرية حيث الجمود الذي يعقلك‬ ‫حتى عن الهرب ‪ ،‬وبد ًءا من اندريه ميكل اىل الخامتة بعد فرجيل‬ ‫جورجيو ‪ ،‬ال يسعنا بوقفة واحدة اإلحاطة بإيحاءات الفكر الغريب‬ ‫وبالتخصيص بأفكار املحاور الذي قصد إلقاء عرب قاسية يف كثري من‬ ‫تجاذبات حواره ‪.‬‬ ‫لذا ‪ ،‬كان التمهيد خطوة أوىل مت ّد جرس ًا واضحا للنقاش‬ ‫العقالين حول الفكر العريب عرب مسلسله مع نخبة من اساطني‬ ‫الغرب ‪.‬‬ ‫يقول جوزف صايغ ‪ « :‬الحوار ف ٌّخ وأحيانا خبث ‪ .‬هكذا منذ‬ ‫السقارطة األولني وأفالطون ‪ .‬فاملحاور سفسطايئ متنكّر يعتمد‬ ‫ويتوسل البيان والبالغة ٍ‬ ‫لغرض يف النفس ‪.‬‬ ‫الح ّجة‬ ‫ّ‬ ‫كل حوار يستوجب نزاهة وتجردا عن الهوى قلّام يتوافران ‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫واملحاور غالبا ما يكون يف موقع العاشق ‪ :‬ال يفتش يف املعشوق إالّ‬

‫عن عشقه فيفوته املعشوق يف حقيقته ‪».‬‬ ‫هذه الشارات الالذعة يف كتاب الصايغ « حوار مع الفكر الغريب‬ ‫« تو ّجه التأنيب تخصيصا اىل املحاورين عندنا ‪ ،‬ذكورا واناثا ‪،‬‬ ‫ولست أجد رصاحة أكرث وضوحا يف كالمه الذي ال يقبل تحويرا أو‬ ‫تشذيبا وإذ يكمل ‪:‬‬ ‫« املحاور يسعى ‪ ،‬الشعوريا ‪ ،‬اىل تأييد رأيه وفرض فكرته عىل‬ ‫من يحاور ‪ ،‬فيأيت الحوار ـ غالبا ـ حديثا من طرف واحد ‪ ،‬رسعان‬ ‫ما ينقلب مناظرة إن مل يتح ّول سجاال وجداال ‪ , .‬وإذا بالحوار مانع‬ ‫أكرث منه جامعا‪ .‬لهذا السبب مل أثق قط بالحوار ‪.‬فالحقيقة بديهية‬ ‫‪ ،‬ومن ال يراها فهو ال يريد – أو ال يستطيع ‪ -‬أن يراها ‪ ،‬وعبثا‬ ‫إقناعه ‪».‬‬ ‫يوقفنا الصايغ ‪ ،‬قبل متابعة قراءته ‪ ،‬عند محطة الحوار‬ ‫املسموع عرب اإلذاع��ة أو الشاشة الصغرية ‪ ،‬وهو كام وصفه ‪،‬‬ ‫تظهري للمحاور بكرس الواو أكرث مام هو للمحاور ‪ .‬فتكون النتيجة‬ ‫مشوشة لدى السامع الذي ينتظر غالبا تفسريا عقالنيا من املحا َور‬ ‫فينقض املحا ِو ُر عليه ليقطع أنفاسه‬ ‫يوضح فيه حالًّ ملشكلة متعرثة‬ ‫ُّ‬ ‫ويتسلم زمام الحوار مبا ميليه أو مبا أميل عليه ‪.‬‬

‫هذه املحطة تذكرنا بالفلتان وخطورته والذي يطلق عليه زورا‬ ‫اسم الحرية وهي اإلبنة الرشعية للدميقراطية التي تتبناهااإلعالمية‬ ‫املتسلطة يف زمننا املنفتح أما اإلعالمي فقد فتح عىل حسابه معركة‬ ‫حامية الوطيس بني املتحاورين يبث فيها سمومه ثم يقف عىل‬ ‫الحياد وكأن شيئا مل يكن وهذا الذي نقوله ما هو سوى جزء من‬ ‫هلوسات تلقى عىل املستمع قرسا ‪.‬‬ ‫وإذ يكمل الصايغ حديثه عن الحوار وأدبيات الحوار ‪ ،‬ينقلنا‬ ‫فجأة اىل متهيد صحيح لكتابه ‪ .‬إنه الحوار بني الكتاب والقارئ‬ ‫والكتاب هو الطرف الذي ينقل الحوار ويطرحه للنقاش والتحليل‪.‬‬ ‫الحوار هنا ي‪2‬جعل اإلحتكام اىل العقل مبنأى عن الهوى ألنه‬ ‫مييّز بني السقط والكامل وبني القامات والقُاممة وهذا أصدق القول‬ ‫‪ .‬وبهذا املعنى فإن كتاب الصايغ هو كتاب القارئ ‪ ،‬أو كتاب قارئٍ‬ ‫أكرث منه كتاب مؤلِّف ‪ .‬وعىل الرغم من ان « املوقف املسبق‬ ‫واألفكار الجاهزة واملعتقد الثابت تزيّف الحوار « فإن الفوز‬ ‫بالحقيقة يبقى الهدف األخري واملحطة الثانية يف قراءة هادئة‬ ‫لكتاب « حوار مع الفكر الغريب « للشاعر جوزف صايغ املتم ّرس‬ ‫بصناعة الكلمة ‪.‬‬


‫العدد ‪72‬‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫يوميات كان الرئيس األمرييك‬ ‫التاسع والثالثون يسجلها بصوته‪،‬‬ ‫ميليها عىل سكرتريته‪ ،‬التي تحررها‬ ‫بدورها عىل اآللة الكاتبة‪ ،‬وتضعها‬ ‫يف ملفات كبرية من دون حذف او‬ ‫روتشة‪ ،‬مل ميح أخطاءه منها‪ ،‬وال‬ ‫أحكامه املغلوطة‪ ،‬رغم أن هذه‬ ‫الفكرة راودته‪ ،‬بل اخترصها يف‬ ‫صفحات غطى بها أهم األحداث‬ ‫العاملية‪ ،‬التي شارك فيها وعايشها‬ ‫رئيساً‪ ،‬ومن بينها غزو االتحاد‬ ‫السوفيايت ألفغانستان‪ ،‬وقطع‬ ‫العالقات الديبلوماسية مع إيران‪.‬‬ ‫عن رشكة املطبوعات‪.‬‬

‫«قطاف من التجارب»‬ ‫يجمع الرئيس الحص ما كان‬ ‫كتبه يف مواضيع شتى مستمدة‬ ‫من التطورات التي يشهدها لبنان‬ ‫واملنطقة‪ ،‬أو من تجارب املؤلف‬ ‫أطال الله يف عمره يف الحياة عىل‬ ‫مختلف الصعد‪.‬‬

‫كتاب‬ ‫«اللعنة عىل نهر الوقت»‬ ‫تحيك تاريخاً قريباً يف حياة الرنويج‬ ‫(‪ ،)1989‬حيث الشيوعية تنهار‬ ‫يف جميع أنحاء اوروبا‪ .‬أرفيد‬ ‫يانسن ابن السابعة والثالثني (بطل‬ ‫الرواية) يحاول يف رسد شفيف‬ ‫ومتقن‪ ،‬اعادة النظر بكل ما‬ ‫يحدث‪ ،‬عرب عملية «فالش باك» او‬ ‫اسرتجاع لذكريات جميلة جمعته‬ ‫مع أخوته‪ ،‬كذلك لقاءاته األوىل‬ ‫مع الحبيبة التي تصبح يف ما بعد‬ ‫زوجته‪.‬‬

‫مثلّث النهضة‪ :‬التنمية والرتبية‬ ‫والحكم الصالح‪ ،‬قضي ٌة يتبناها هذا‬ ‫الكتاب ألنها تالمس يف وضوحها‬ ‫وجرأتها ما نفكّر به كمواطنني‬ ‫حول الحكم والتنمية يف بالدنا‪،‬‬ ‫لسبب أو ألخر‪.‬ملاذا ال‬ ‫وال نعلنه ٍ‬ ‫نؤسس لتغيري من دون دماء‪ ،‬ما‬ ‫دامت الرتبية وسيلة أساسية يف‬ ‫تفعيل التنمية والدميقراطية؟!‬ ‫ملاذا ال تكون الثورات العربية‬ ‫وردية مل ّونة برتبية وطنية ومعرفة‬ ‫واضحة ملبادئ التنمية والحكم‬ ‫الصالح‪ ،‬فتصبح النهضة مبن ّية عىل‬ ‫أسس متينة؟! ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫كيف شاهد األطفال املذابح؟‬ ‫ماذا فعلت بهم؟ يتناول هذا‬ ‫الكتاب العامل النفيس ومدى‬ ‫تأثريه عىل أجيال بكاملها‪ .‬إذ‬ ‫يتطرق إىل ذكر التفاصيل الحقيقية‬ ‫لثالثة أحداث هي‪ :‬مجازر األرمن‪،‬‬ ‫مذابح الفلسطينيني عىل أيدي‬ ‫الصهاينة‪ ،‬مذابح العراقيني عىل‬ ‫أيدي الواليات املتحدة وبريطانيا‪.‬‬ ‫اريخ الشعب الفلسطيني ميلء‬ ‫بالبطوالت والتضحيات‪ ،‬وبالشهداء‬ ‫واملعتقلني‪ ،‬وميلء أيضاً تبعاً لذلك‬ ‫باألزهار واألشواك‪ .‬جرت العادة‬ ‫أن يسجل التاريخ الحكام أو‬ ‫املنترصون‪ ،‬ولكن من حق أبناء‬ ‫الشعب أيضاً واملناضلني يف صفوفه‬ ‫أن يشاركوا يف تسجيل التاريخ‬ ‫مبختلف جوانبه‪ ،‬ومبنتهى التجرد‬ ‫املمكن عن طريق تسجيل حياتهم‬ ‫الشخصية بحلوها وم ّرها بأزهارها‬ ‫وأشواكها‪ .‬ويف هذا الكتاب رسد‬ ‫لحياة ضابط فلسطيني متثل أيضاً‬ ‫جانباً من حياة شعب مجاهد‬ ‫يف مختلف امليادين ويف جميع‬ ‫األوقات‪ ،‬وتقدم إضاءات رضورية‬ ‫عن بعض األشخاص وبعض‬ ‫األحداث‪ ،‬ومنها ما كان رساً أو‬ ‫شبه رس‪.‬‬

‫عد مسري منهك لألفكار‪،‬‬ ‫حفته تخبطات الصور‪ ،‬والطمته‬ ‫أمواج الرعب‪ ،‬وصال اىل قاعة كبرية‬ ‫جدا‪ ،‬ليس بإمكان البرص بلوغ‬ ‫منتهاها‪ ،‬محاطة بجدران ُعلقت‬ ‫عليها مشاعل ملتهبة تتأ ّجج بها نار‬ ‫تيضء املكان‪.‬‬

‫ُمعتقل بوكا هو العجيبة‬ ‫السابعة عىل األرض»الربيغادير –‬ ‫جرنال ديفيد كوانتوك‪ ...‬مسؤول‬ ‫املعتقالت األمريكية يف العراق»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات عن السقوط‬ ‫رواية تمُ ّرر‬ ‫الرسيع لبغداد‪...‬الواقع النفيس‬ ‫للجنود األمريكيني‪ ،‬وعن اختفاء‬ ‫الجيش العراقي كلّياً عن الساحة‪،‬‬ ‫وهي تفضح جالّدي الواليات‬ ‫املتحدة الذين فتكوا باألبرياء‬ ‫العراقيني يف معقتل أقل ما يقال فيه‬ ‫أنه مسلخ برشي!مثة من وصلوا إىل‬ ‫املعتقل عقالء بل نخبويني وغادروه‬ ‫مجانني أو أشباه مجانني أو جثث‬ ‫هامدة‪.‬هُددوا باغتصاب زوجاتهم‬ ‫وأخواتهم أمام أعينهم ليعرتفوا مبا مل‬ ‫يقرتفوه‪.‬فُتحت لهم أبواب الهروب‬ ‫ليصبح مسوغاً إطالق النار عليهم‪.‬‬ ‫هناك من ُرمي من مروحية‪ ،‬ومن‬ ‫اغ ُتصب فقرر االنتحار‪ ...‬رواي ٌة‬ ‫متقنة بأسلوبها وحبكتها ولُعبتها‬ ‫وجنونها!‬

‫صدر للدكتور سمري التنري‬ ‫كتاب بعنوان (معمودية النار)‪.‬‬ ‫يحلل الكتاب مبوضوعية ومنهجية‬ ‫مجريات الربيع العريب يف الدول‬ ‫العربية التي استهدفها‪ ،‬ويبحث‬ ‫يف األسباب والدوافع التي‬ ‫أفضت إىل كل ثورة عىل حدة‪.‬‬ ‫ويتناول النتائج الراهنة لكل‬ ‫ثورة ومستقبلها كام ييضء عىل‬ ‫الخط التصاعدي لإلسالم السيايس‬ ‫وإفادته من املتناقضات الحاصلة‬ ‫يف امليدان‪ .‬يقع الكتاب يف ‪212‬‬ ‫صفحة من القطع الوسط‪.‬‬

‫صدرت رواية لـ (غريبرند باكر)‬ ‫بعنوان «التوأم»‪ .‬حائزة عىل جائزة‬ ‫(اميياك دبلن االدبية) تستعرض‬ ‫الرواية العالقات االرسية والرصاع‬ ‫بني افرادها‪ ،‬مستندة إىل القيم‬ ‫السامية ومحاولة كرسها‪.‬حب‬ ‫يؤدي إىل املوت‪ ،‬وموت يؤدي‬ ‫إىل عالقات جديدة يف مزرعة‬ ‫ريفية بعيدة‪.‬أب متسلط يفرق‬ ‫بني توأميه‪ ،‬ويتحكم بعواطف‬ ‫ابنه الذي ظل حياً وبطموحاته‬ ‫واحالمه‪.‬يف الرواية اجواء نفسية‬ ‫ورصاع مع الذات واحساسات‬ ‫بالندم والخطيئة والعقاب الشديد‬ ‫يف جدلية الـ «أنا» والـ «هو»‪.‬تقع‬ ‫الرواية يف ‪ 305‬صفحات من القطع‬ ‫الوسط‪.‬‬


‫‪22‬‬

‫العدد ‪72‬‬

‫نوافذ‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫صيف وشتاء‬ ‫د‪.‬فيفيان الشويري‬ ‫ مل تقل َ‬‫إنك تحبني وال مرة هذه الليلة! أمل تعد تحبني؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومداعبتك‪...‬‬ ‫مالطفتك‬ ‫ مل أتوقف الليلة عن‬‫ هذا ليس حباً‪ ...‬هذا‪ ...‬فقط!‬‫ وكيف يكون إذن؟‬‫ أمل تعد ترغب بالزواج مني؟‬‫ ال! ال أريد الزواج!‬‫ هه‪ ،‬ومل ال؟!‬‫ ألنه ليس مبقدوري الزواج‪ ،‬فأنا ال أملك فلساً واحدا ً‪...‬‬‫ ال يه ّم ميكننا أن نعيش عىل الخبز والزيتون‪...‬‬‫ حتى الزيتون ال أستطيع رشاءه!‬‫ أنا أشرتيه‪...‬‬‫ أنا ال قدرة يل عىل رشاء أو تأمني أي يشء!‬‫ هل ستذهب للعمل غدا ً ؟‬‫ بالتأكيد‪ .‬لدي ثالث ساعات من التدريس املجاين طبعاً‪ِ ،‬‬‫وأنت؟‬ ‫ وأنا أيضاً‪ .‬متى سنلتقي ثانية؟‬‫ ال أدري‪ ...‬عىل كل حال ليس قريباً ألن التنقل صعب فنحن عىل‬‫أبواب الشتاء‪.‬‬ ‫ وما دخل الشتاء؟‬‫ املواصالت صعبة‪ ،‬وكل يشء يتعطل‪...‬كام أن املصاريف أكرث‪...‬‬‫ إذن هناك فرق كبري بني الصيف والشتاء‪...‬‬‫ طبعاً‪ ،‬فكل املقاييس تختلف بني هذين الفصلني‪.‬‬‫ مبعنى أن كالم الصيف ميحوه الشتاء!‬‫ ماذا تقصدين؟‬‫ِ‬ ‫ تعدين بالزواج صيفاً وترتاجع عن وعدك شتا ًء!‬‫ الشتاء صعب!‬‫قلت مرارا ً َ‬ ‫ مع َ‬‫إنك تحب الشتاء‪.‬‬ ‫أنك َ‬ ‫ أحبه نعم‪ ،‬وأحب أجواءه الرومنسية ولكن ليس مع العوز والفقر!‬‫يعج بالبؤساء والفقراء ال ينقصهم إال الربد القارس والثلج‬ ‫البلد ّ‬ ‫والصقيع‪ .‬من يكرتث لهم؟ حتى الطبيعة تظلمهم!‬ ‫ أال تسمع الخطابات الرنانة التي يصدح بها املسؤولون يف هذه‬‫األيام مبناسبة أعياد الوطن واإلستقالل‪ :‬أيها الشباب‪ ،‬يا رجال الغد‪،‬‬ ‫أنتم املستقبل‪ ،‬أنتم سواعد الوطن‪ ،‬رجال األمة‪ ،‬أمل الوطن‪»...‬؟‬ ‫ لطاملا ر ّددوا ذلك ويف كل املناسبات! يُ َعزون جنود املهرجان ليس‬‫إال‪!...‬‬ ‫ وهل هؤالء الجنود الذين يقومون باالستعراض اآلن‪ ،‬باستطاعتهم‬‫الزواج وإنشاء عائلة؟‬ ‫نت لهم الدولة كل يشء‪...‬‬ ‫ حكامً‪ ،‬فهؤالء أ ّم ْ‬‫ يعني أن أوضاعهم املعيشية واإلجتامعية أحسن من أساتذة‬‫املدارس والجامعات أمثالنا!‬ ‫ بكثري‪...‬‬‫ إذن ال مشكلة‪ ،‬وكام أرى فهم كرث وأوالدهم سوف يكونون رجال‬‫الغد؛ سوف يع ّمرون الوطن كام يخطب بهم الرئيس اآلن‪ ،‬ولن يكون‬ ‫دلت آخرها أنه‬ ‫هناك خلل دميوغرايف كام نقرأ يف اإلحصاءات والتي ْ‬ ‫يف لبنان قد تخطى عدد اإلناث عدد الذكور‪ ،‬مبعدل عرش إناث لكل‬ ‫ذكر!‬ ‫ هذا مريع! وماذا سيفعل املسؤولون يف وزارة الشؤون اإلجتامعية‬‫حيال هذا الوضع الخطري؟ ماذا سيفعلون لتدارك األمر؟‬ ‫‪ -‬ماذا يفعلون؟ من املؤكد أنهم سوف يأخذون اإلجراءات الالزمة‪،‬‬

‫وإال ملاذا يقومون بهذه اإلحصاءات؟‬ ‫ قلقاً عىل التوازن الطائفي‪ ،‬طبعاً!‬‫ وما دخل الطائفية هنا؟ قلت َلك مسحاً دميوغرافياً وليس طائفياً!‬‫ هو نفس اليشء! لوال اإلنتخابات ولوائح الشطب ملا قاموا بأي‬‫دراسات وال بأي إحصاءات‪ .‬اإلحصاء الطائفي هو األهم‪...‬‬ ‫ أوتعتقد؟ ألهذا تكرثُ الندوات التي يعقدها رجال الدين حول هذا‬‫املوضوع؟ حتى أن مجلس الكنائس اقرتح مؤخرا ً عىل املتزوجني‬ ‫اإلكثار من اإلنجاب عىل أن يؤخذ الولد الثالث والرابع والخامس‬ ‫عىل عاتق الكنيسة وأظن أن اليشء نفسه يقوم به الشيوخ‪ ...‬بادرة‬ ‫جيدة‪ ،‬أال تظن؟ عىل األقل يأخذون ِحمالً عن كاهل الدولة املسكينة!‬ ‫ بل هم املشكلة‪ ،‬هم من يزيدون الطني بلّة ويسلبون الدولة دورها!‬‫ وما الحل‪ ،‬برأيك؟‬‫حل إال مع الحلول الجذرية!‬ ‫ ال ّ‬‫ من أطرف ما سمعت حول هذا املوضوع هو ما اقرتحه أحد الزمالء‬‫الظرفاء وهو أن يُعتمد الزواج املتعدد لدى املسيحيني بحيث يكون‬ ‫لكل رجل أربع نساء كام يحصل لدى املسلمني‪ ،‬وهكذا تحل املشكلة‬ ‫الدميوغرافية‪.‬‬ ‫ ومل ال؟ فكرة صائبة عىل األقل تتساوى الطائفتان عند ذلك‪ ،‬ويف‬‫كل يشء!‬ ‫َ‬ ‫ طبعاً‬‫أنت‪ ،‬كام تناسب كل الرجال! ولكن النساء‪...‬‬ ‫الفكرة‬ ‫تناسبك‬ ‫َ‬ ‫ ال تخلطي األمور ببعضها فيجب عىل النساء تق ّبل هذا الحل‪.‬‬‫هذا عمل جبار وتضحية من قبل الرجال يصب يف خدمة الوطن‪.‬ال‬ ‫بل عمل ثوري بكل ما للكلمة من معنى‪ ،‬يُرمى عىل كاهل الرجال‬ ‫وحدهم!‬ ‫ أجل كام كل األعامل البطولية التي يقومون بها‪ ...‬إبحث عن ح ٍل‬‫آخر‪،‬أرجوك! واآلن قل يل‪ ،‬هل غري الجنود من املواطنني‪ ،‬بإستثناء‬ ‫األساتذة طبعاً‪ ،‬من يستطيع الزواج وتنشئة عائلة؟‬ ‫ بالتأكيد‪ ،‬فهناك املوظفون والعامل والتجار وأصحاب املهن الحرة‬‫واألطباء واملهندسون واملحامون والقضاة والبوابون والصناعيون‪...‬‬ ‫ كل املواطنني تقريباً‪ ...‬إذن ال مشكلة فرجال اليوم ينجبون رجال‬‫الغد‪ ...‬ما عدا األساتذة!‬ ‫ ال تنيس أن هناك فئة منهم موظفة ومضمونة‪...‬‬‫ وفئة مغبونة مثلنا‪...‬‬‫ِ‬ ‫ هي قصة حظ! ِ‬‫يقلقك هذا املوضوع؟‬ ‫دعك من هذه األمور‪ ،‬ملاذا‬ ‫يكفينا فخرا ً أننا نريب األجيال‪ ،‬فأنا ال أرى أي مشكلة!‬ ‫َ‬ ‫أفكارك‪ ،‬ويحمل‬ ‫ وكيف ذلك؟ أمل تعد تحلم أن يكون َلك ولد يرث‬‫املشعل َ‬ ‫بعدك ويناضل من أجل الوطن والحضارة واملستقبل األفضل؟‬ ‫ أبناء الوطن سوف يفعلون‪ ...‬نحن نربيهم من أجل ذلك!‬‫ من؟ أبناء اآلخرين؟ ها أنك تتكلم كام املسؤولني اآلن! أتضمن‬‫تربيتهم؟ وهل يكفي أن مي ّروا عىل مدارسنا وجامعاتنا مرور الكرام؟‬ ‫ومن أجدر من األستاذ برتبية األجيال؟ هو يريب أوالد اآلخرين وال‬ ‫يحق له أن يكون له ولدا ً يربيه‪ ،‬ألنه عاجزعن تأمني لقمة عيشه‬ ‫وغري قادر عىل الزواج‪ ،‬ألنه مل تؤمن له أدىن رضوريات الحياة حتى‬ ‫يُنيشء عائلة‪ ...‬فكيف يُبنى الوطن؟ وعىل سواعد من يقوم؟ هم‬ ‫ينجبون‪ ،‬هم يربون‪ ،‬هم يفعلون‪ ،‬هم‪...‬هم‪ ...‬ونحن؟ املسؤولون‬ ‫والزعامء يتطلعون اىل رجال املستقبل‪ ،‬يعقدون اآلمال عىل رجال‬ ‫الغد‪ ،‬يعطونهم املال والوظائف حتى ينتخبوهم ويحموهم‪...‬‬ ‫ونحن؟ من سيترشب أفكارنا؟ من سوف يتمسك مببادئنا؟ من سوف‬ ‫يناضل كام نحن نفعل؟ من سيكمل املسرية إن نحن ذهبنا؟ من‬ ‫سينري دروب الظلمة والجهالة إذا ما نحن توارينا؟ من أجدى من‬

‫املعلم بتلقني الوطن والثورة والقيم والقومية؟ من أجدر من األستاذ‬ ‫بتعليم الكرامة والرشف؟ ألجل كل هذا أحزن‪ ،‬من َ‬ ‫أجلك من أجيل‬ ‫من أجل أجيال الغد‪ .‬أتأمل بسبب سياسة التهميش التي تحاك بحقنا‪،‬‬ ‫بسبب سياسة التجهيل التي تقام بحق أجيال غدنا؛ سياسة تجويع‬ ‫املثقف وحرمانه من العيش الالئق والكريم‪ ،‬بغية تكبيله ومنعه من‬ ‫العطاء والتنوير‪ ...‬أحزن من أجل كل مثقف يحمل ه َّم األمة وال أحد‬ ‫رشده‪.‬‬ ‫يحمل ه ّم جوعه وت ّ‬ ‫ُهم‪َ ،‬ه ّمه ْم أجيال الغد ومستقبل الوطن الدميوغرايف! ونحن‪ ،‬همنا‬ ‫األمة ونوعية أبنائها وفكرهم وليس عددهم وكَمهم‪ ،‬ه ّمنا روؤسهم‬ ‫وليس رؤساءهم! األمة ه ّمنا‪ ،‬واذا ما ِزلنا‪ ،‬زالت‪ .‬من يأبه فكلهم نيام!‬ ‫ ِ‬‫دعك من كل هذا وتعايل اىل هنا‪...‬‬ ‫أنك تحبني‪ ،‬تعزيتي الوحيدة َ‬ ‫ إذن قل يل ّ‬‫حبك‪ ،‬ملجأي ومهريب‪...‬‬ ‫ ال! ال ِ‬‫أحبك‪.‬‬ ‫ بل ال تجرؤ عىل البوح‪...‬‬‫ ال أريد أن ِ‬‫أعدك بيشء‪ ...‬ال أريد ان تستمر املأساة!‬ ‫استسلمت؟‬ ‫ إذن‬‫َ‬ ‫ نعم!‬‫وأنت الثائر‪ ،‬العنيد الطموح الذي ال حدود لجموح‬ ‫ وبهذه السهولة‪َ ،‬‬‫أفكاره وال هدوء يُعرف لعاصفته؟‬ ‫نسيت كل هذا‪...‬هذا من املايض‪...‬‬ ‫ لقد‬‫ُ‬ ‫ وما السبب؟‬‫ أمل أقل ِ‬‫لك هو الشتاء؟‬ ‫ِ‬ ‫ وهل سوف تعود اىل طبيعتك يف الصيف؟ هل سوف تعود لحبي؟‬‫ ِ‬‫حبك ليس مرهون بالصيف والشتاء‪ ،‬فالحب ال يتبدل بني فصل‬ ‫وآخر‪ .‬الحب الحقيقي ال تتبدل حرارته‪ ،‬هو ثابت‪ ،‬ال يتأثر بيشء!‬ ‫ قل َ‬‫إنك تحبني إذن‪ .‬قل مع فريوز «حبيتك بالصيف حبيتك‬ ‫بالشتي»‪...‬‬ ‫ هي تغني وال تقول‪.‬‬‫ وما الفرق؟‬‫ الفرق كبري! إنه مجرد غناء‪ ،‬أما القول فهو وع ٌد‪ ،‬هو إلتزام‪ ،‬هو‬‫غنيت ِ‬ ‫ِ‬ ‫حسبت ذلك مجرد ترفيه ال‬ ‫لك ورافقت اللحن‪،‬‬ ‫مسؤولية‪ .‬إن ُ‬ ‫يحمل يف طياته جدية القول ومعاناته‪...‬‬ ‫ عن أية معاناة تتحدث؟ عن أية مشاكل‪ ،‬االقتصادية أو رمبا‬‫اإلديولوجية أم العقائدية؟ مل أعد أصدقك مل أعد أهتم آلر َ‬ ‫ائك‪ ...‬فإذا‬ ‫كان الحب سيد الفصول كلها وهو اآلمر الناهي واملتحكم باألهواء‬ ‫واألطباع والعقول والقلوب‪ ،‬فهو بالتايل سيد الظروف كلها أيضاً وأعىل‬ ‫سلطة من كل واقع مرير‪ .‬هو السيد الناهي واآلمر ع ّيل َ‬ ‫وعليك‪ .‬هو‬ ‫سيد القلوب وهو سيد العقول! هو َ‬ ‫سيدك‪...‬هو سيدي! فيا سيدي‬ ‫كنت فعال تحبني‪ ،‬ال تعلّل بالعلل واملشاكل والظروف‬ ‫الكريم‪ ،‬إن َ‬ ‫َ‬ ‫وسأحبك يف كل‬ ‫وال تتحجج بالصيف وبالشتاء‪ .‬فأنا أحببتك وأحبك‬ ‫الفصول‪ ،‬يف الربيع والخريف كام يف الصيف والشتاء‪ .‬يف الحر والربد‪،‬‬ ‫كنت أم غنياً‪،‬‬ ‫يف الصحراء ويف الرباري‪ ،‬يف الجبال ويف السهول‪ ،‬فقريا ً َ‬ ‫كنت أم أمياً‪ .‬ألنك تحمل ه ّم الوطن والهوية وليس همك‬ ‫أستاذا ً َ‬ ‫الشخيص‪ .‬وسأظل أغني وأقول‪ ،‬وال أجد فرقاً بني القول والغناء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫عشقتك‬ ‫فالحب محا كل الفوارق‪»:‬حبيتك بالصيف‪،‬حبيتك بالشتي»‪.‬‬ ‫أنت فستظل تكتم الصوت وتلعن القول‬ ‫يف كل الفصول‪ .‬وأما َ‬ ‫والغناء‪ ،‬وستظل تحلل الفوارق بينهام‪ ،‬وتجرت ه ّم الظروف وتكفر‬ ‫بكل الفصول وبكل يشء‪َ ،‬‬ ‫ألنك مل تحبني مطلقاً‪ ،‬ال يف الصيف وال يف‬ ‫الشتاء‪!!!...‬‬ ‫‪ -‬مهلك‪ ،‬مهلك‪ ،‬ال تنيس‪ ...‬فنحن يف لبنان!‬


‫العدد ‪72‬‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫إشتها ٌء دون بلوغ‬

‫يف زمنٍ ما ‪ ،‬حيثُ تتوالد البدايات كنمط لتكرار خارج عىل‬ ‫املألوف ‪ ،‬يُ ِ‬ ‫سد ُل القمر القُر ُمزي ألحانه كفراشات عىل مناديل‬ ‫االغاين ‪ ،‬يتب ّدل اإليقاع كلام أوغلنا يف الضوء ‪ ،‬تتس ُع الرؤيا ‪ ،‬ترتسم‬ ‫إرتحاالت ُمغايرة يف ذات القمر ‪ ،‬كرساج الليل يرسم طريق الوهج‬ ‫وميض موصول بالحلم ‪ُ ،‬مناجاة هي أم ترانيم وتساؤالت تبحث‬ ‫‪ٌ ،‬‬ ‫عن ألق أو وحي أو ما شابه ‪.‬‬ ‫يف كثافة املعنى نعقد الصرُ ة مرتني ‪ ،‬كفالح يُسافر اىل القمر‬ ‫الفيض ‪،‬‬ ‫يتكأ عىل عكاز التأمل ‪ ،‬يستحيل يف ُمسافرته هيوىل تبحث عن‬ ‫حفنة ضوء ‪ .‬وكأنه إشتهاء املعرفة دون بلوغها ‪.‬‬ ‫كضباب تتغلغلني يف إنتظاري ‪ ،‬إسطورة يف طور التكوين ‪.‬‬ ‫‪1‬ـ‬ ‫ٍ‬

‫نوافذ‬

‫‪ 2‬ـ إكتامل القمر ال ُزهري ‪ ،‬دوائر يف أرسار األنوثة ‪ ،‬تناقُص‬ ‫إلمتالء جديد ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ 3‬ـ يف عينيك جمعت حكايات البرش ‪ ،‬بقي ث ُقب يف الذاكرة‬ ‫ونافذة يف مداها ضوء ‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ يشغلني إرتقاص الفراشات يف اليباس وال أستكني ‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ ُمسافر بال أرشعة ‪ ،‬أكتب قصائدي عىل ماء الزمن ‪ ،‬وكأنني‬ ‫صدى إلنعكاس الحقائق ‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ رساج الليل ‪ ،‬وميض يف حزن متوالد كاالفكار والهواجس‬ ‫واملواويل املوغلة يف الروح ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ 7‬ـ إنفالت املحارة من َص َدفتها ‪ ،‬أنثى تُغادرها الدهشة فتعود‬ ‫اىل حزنها القديم ‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ وللمرايا حكايات وأرسار ‪ ،‬رصاع أزيل بني االنثى والله ‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ كفراشات القناديل ‪ ،‬نحرتق بحثا عن ضوء السعادة ‪.‬‬ ‫أمني الذيب‬

‫سحر خليفة وانطون سعادة‬

‫د‪ .‬حياة الحويك عطية‬

‫ليست االجازة فرصتك يك ال تعمل ‪ ،‬بل فرصتك الن تعمل ما تريد‬ ‫‪ ،‬خارج ما هو مطلوب منك ‪.‬‬ ‫ايام قضيتها مع مسودة الرواية الجديدة للصديقة سحر خليفة ‪:‬‬ ‫« اكرث من حب!» والتي تدور حول حياة وشخصية انطون سعادة ‪.‬‬ ‫سحر تضطلع مبرشوع تنويري جميل ‪ :‬اعادة تقديم ابطال ومفكرين‬ ‫غري فلسطينيني قضوا يف نضالهم الجل فلسطني ‪ .‬وهنا قد يبدو التعبري‬ ‫غريبا مبقياس املرحلة التي عاش فيها هؤالء ‪ .‬ففلسطني مل تكن للسوري‬ ‫واللبناين والعراقي قضية شعب شقيق او مسالة تضامن ودعم ‪ ،‬كام‬ ‫بتنا نتداول يف خطابنا الحايل ‪ ،‬وامنا هي بالنسبة لهؤالء قضية االمة يف‬ ‫خارصة من خوارصها ‪ ،‬جزء ال يتجزا عن سائر مشاكلها ‪ ،‬ورصاع ال حل‬ ‫له اال يف اطار حل ازمة الوجود القومي ‪ ،‬بازالة التجزئة واقامة مجتمع‬ ‫– امة – دولة ذات سيادة عىل كل ارضها وناسها‪.‬‬ ‫من هنا يتبدى ان الفشل االكرب لهذا املرشوع التاريخي ما هو اال‬ ‫وصولنا اليوم اىل تجزئة املسائل القومية ضمن القضية القومية الواحدة‬ ‫‪ ،‬واعتبار كل منها قضية قامئة بحد ذاتها ‪ .‬بل واعتبار ان عزلها وحرصها‬ ‫وتحجيمها هو قرار استقالل وطني ال قرار انعزايل يقطع اليد عن‬ ‫القلب والقلب عن الرئة ‪ ،‬يف اسوا استجابة ملؤامرة سايكس بيكو‪ ،‬ووعد‬ ‫بلفور ‪ .‬وهكذا يخطط الصهاينة والغرب لنا كوحدة ويحاربوننا كذلك‬ ‫‪ ،‬بينام نواجههم نحن – ان واجهناهم – كاشالء مقطعة فخورين مبا‬ ‫نسميه – كام يريدون له – «استقالل قرارانا الوطني « متناسني انه حتى‬ ‫الرسطان الرشس‪ ،‬ميكن القضاء عليه اذا متت محارصته وعزله ‪ .‬تشبيه‬ ‫يفرتض ان نطبقه عىل ارسائيل باعتبارها الرسطان ‪ ،‬ولكن الحقيقة غري‬ ‫ذلك ‪ ،‬النه ال محارصة اطالقا لها ‪ ،‬ال دوليا وال عربيا ‪ ،‬وبالتايل فانها‬ ‫رسطان يتمدد ويسترشي عىل هواه ‪ .‬اما رسطانات الكيانية التجزيئية‬ ‫التي اخرتعت لنا وبتنا اكرث حرصا من ارسائيل عليها ‪ ،‬فهي التي تحارص‬ ‫حتى الخنق ‪ ،‬بدءا من حصارها بيد من يهلل ويغني لها ‪.‬‬ ‫بذا يكون مرشوع سحر خليفة مرشوع يستحق التحية ‪ .‬حيث‬ ‫تعمل عىل احياء ذاكرة تلك االيام الحلوة – عىل مراراتها – يوم كان‬ ‫انطون سعادة يستشهد الجل االمة ‪ ،‬وبتواطوء مع ارسائيل ‪ ،‬ويم كان‬ ‫سعيد العاص مييض حياته مقاتال عىل دروب سوريا الطبيعية مقاتال‬ ‫الفرنسيني واالنكليز اىل ان يستشد يف مواجهة الصهاينة يف فلسطني ‪،‬‬ ‫ويوم كان عز الدين القسام يايت من الشام لريوي بدمه ارض فلسطني ‪،‬‬ ‫الخ ‪ ...‬من قامئة تطول ‪ .‬مرشوع يعيد اىل الضامئر انتفاضة ضد التجزئة‬

‫وتكذيب واقعي لحالتها املرضية التي باتت مطروحة كحقيقة ال جدال‬ ‫فيها‪ .‬غري ان تناول انطون سعادة ‪ ،‬وهو النموذج االبلغ عىل هذا‬ ‫النضال ‪ ،‬هو مقاربة ملا هو اعمق واشمل من مجرد مقاومة التجزئة ‪،‬‬ ‫ومن النضال االستشهادي الجل فلسطني ‪ .‬فسعادة هو مرشوع تاريخي‬ ‫شامل لنهضة امة ‪ ،‬مرشوع يقوم عىل رؤية شاملة متكاملة للحياة‬ ‫والوجود واملجتمع ‪ ،‬اعتمد عىل علم االجتامع وعىل علم السياسية‬ ‫وعىل علم االقتصاد ‪ ،‬ليصوغ عقيدة فكرية كاملة ال تهمل اي تفصيل‬ ‫من شؤون الحياة ‪ ،‬وتريس التطبيقات الكاملة لها يف جميع املجاالت ‪ ،‬يف‬ ‫اطار نظام شكل يرتجم نظاما فكريا واضحا ‪.‬‬ ‫ولذا فان ترتيب اسم النهضة ‪ ،‬كام اسامها صاحبها بوعي ‪ ،‬يضع‬ ‫السورية ثم القومية ثم االجتامعية ( وهكا ايضا الحزب الذي شكل‬ ‫الهيكل التنظيمي ) ‪ .‬ترتيب يقوم عىل ان انطون سعادة مل يخرتع سوريا‬ ‫‪ ،‬فهي وحدة تاريخية قامئة منذ تكون االمم ‪ ،‬وحتى يف مرحلة ظهور‬ ‫دعوته ‪ ،‬كان املناضلون عىل اختالفهم يدعون اىل استقالل سوريا (‬ ‫بل ان ثورة فخر الدين املعني ضد العثامنيني بالتحالف مع وايل عكا‬ ‫ووايل حلب قد هدفت اىل االمر ذاته ) ‪ ،‬وكذلك مل تكن الثورة السورية‬ ‫الكربى امرا غري ذلك ‪ .‬بل ان االدبيات تتحدث عن ذلك بشكل تلقايئ‬ ‫( جربان خليل مثال) ‪ .‬ننتقل اىل املصطلح الثاين ‪ :‬القومية ‪ .‬وهنا ايضا‬ ‫ليس االمر جديدا الن القومية بحسب سعادة هي وعي االمة لذاتها‬ ‫‪ ،‬لوحدتها‪ ،‬لكيانها ‪ ،‬وهذا واجب الواعني من ابنائها ‪ ،‬خاصة عندما‬ ‫يكون هذا الوعي محاربا من قبل العثامنيني والغرب و الصهاينة ‪.‬‬ ‫اما املفهوم الثالث ‪ ،‬فهو الجديد الخاص فكريا بانطون سعادة عامل‬ ‫االجتامع والفيلسوف ‪ ،‬وهو ما شكل االضافة الخطرية التي كانت كافية‬ ‫لجعل حسني الزعيم ومويش شاريت ورياض الصلح وبشاره الخوري‬ ‫والسفارتني االمريكية والفرنسية ‪ ،‬ترتبان معا امر الغدر به واعدامه‪.‬‬ ‫هل استطاعت سحر ان تقول كل يشء ؟‬ ‫مازلنا يف املسودة ‪ ،‬وسنكتب الكثري الحقا ‪ ،‬لكن اجمل ما فعلته‬ ‫انها مل تضل يف اي مفهوم طرحته ( وان كانت قد اغفلت مفاهيم ) مام‬ ‫يدلل عىل جدية البحث الذي قامت به ‪ ،‬كام انها مل تضل يف اي حدث‬ ‫تاريخي ‪ .‬ولكنها استطاعت ومبهارة حلوة ان تضع كل هذه السرية‬ ‫الصعبة يف قالب انساين جذاب وروايئ ال يسقط ابدا يف الخطابية ‪،‬‬ ‫وضمن سياق حيايت واقعي يجعلم ترى كل يشء من املوقع الفلسطيني‬ ‫‪ ،‬يف ربط ذيك بني الحارض واملايض القريب ‪ .‬عرفت ان تروي عرب سرية‬ ‫الرجل سرية امة وبعني فلسطينية‪.‬‬ ‫ولننتظر العمل يف صيغته النهائية‬

‫سندريال ! كفى خداعاً‬ ‫هل فعالً نسيت السندريال نعلها عىل درج‬ ‫القرص ؟سؤال يستفز خاليا دماغي !!!‬ ‫السندريال يف حيايت كانت مجرد قصة‬ ‫جعلتني أعتقد ان النهايات دامئا سعيدة ‪.‬و انه‬ ‫ال بد لتلك الفتاة الفقرية ان تجد يوما ذلك‬ ‫األمري الذي‬ ‫ينقذ اقدامها من األحذية الباليه !! فعال‬ ‫انا ساذجة السندريال ليست سندريال و األمري‬ ‫مجرد ثري ظن ان السندريال يف األصل أمريه‬ ‫هكذا تكون املعادالت عىل األرض‪ .‬االنجذاب‬ ‫الواقعي بني الطرفني مل يعد كيميائيا» تراجع‬ ‫ليصبح بكل بساطة ماديا و تجاريا» بحتأ‪.‬فهذه‬ ‫املالحظة ال تتطلب منك مجهودا ألكتشافها‬ ‫فبمجرد النظر من الرشفة عىل األزقة تدرك كم‬ ‫ان الحياة تغريت تعجرفت تصلّبت ‪ .‬النمو أصبح‬ ‫ال منطقيا» يف مجتمعنا وذلك ألن الغرائز وحدها‬ ‫تعمل ‪ .‬أ صبحت الفتيات يتسابقن عىل اجمل‬ ‫اطاللة خارجية تثري الغرائز الجنسية وتجاهلن‬ ‫مدى تأثريهن يف افامة مجتمع نظيف خال‬ ‫من السطحية الخارجية ‪ .‬عىل من يا ترى يقع‬ ‫اللوم؟ و مبا اننا يف مجتمع ذكوري لن يقع اللوم‬ ‫ابدا» عىل الذكور‪ .‬فالعناء العاطفي املسترشس‬ ‫يف مجتمعنا الرشقي سببه التطور السلبي يف‬ ‫العالقات الثنائية بني العاشقني‪ .‬فالغرام اصبح‬ ‫مرهونا» باألختالف الطبقي ‪ .‬مام جعل الحب‬ ‫عملة نادرة وذلك نتيجة ارتهانه بحجم السيارة‬ ‫والدخل الفردي و فاتورة الهاتف ‪.‬فاملصالح‬ ‫الشخصية هي من اهم األسباب التي تولد‬ ‫الحب و الشغف و هذه تعترب من اهم األفات‬ ‫االجتامعية املتفشية التي تنهش فينا كرسطان‬ ‫خبيث ‪ .‬فربيق العينني يف ليلة حب دافئة تح ّول‬ ‫اىل بريق اسوارة ماسية يف يد قلب متعجرف‬ ‫‪ .‬فاملظاهر الخادعة ايتمت تلك الوردة الحمراء‬ ‫يف كتاب شعر قديم ‪ .‬وذل��ك ان األزم��ات‬ ‫العاطفية سببها األزمات األقتصادية و الشح‬ ‫املايل و الرواسب املرتاكمة من الحروب املتتالية‪.‬‬ ‫أطلت االستطراد سأعود اىل حقيقة السندريال‬ ‫‪ .‬سندريلتي فتاة فقرية أظافرها مقروضة وجهها‬ ‫جميل شاحب و نعلها يتفتت تطمح ان ينتشلها‬ ‫أي امري من الوباء الذي يسمى الفقر‪..‬ومبا ان‬ ‫سندريلتي انا حلوة املعرش نصحتها نصيحة‬ ‫‪:‬من يحبك بصدق يصطاد روحك قبل ان يدرك‬ ‫كم ان الحياة افرتست جاملك ‪ ...‬وحده تصديق‬ ‫الخيال يجعلنا نصدق مرارة األيام!!! ‬ ‫هبة الله سلامن‬ ‫ ‬

‫‪23‬‬


‫‪24‬‬ ‫العدد ‪72‬‬

‫‪2012‬‬ ‫الثاين‪w w‬‬ ‫ترشين‪w .‬‬ ‫العدد‪t a h a w72o‬‬ ‫‪lat.net‬‬

‫ترشين الثاين ‪2012‬‬

‫م�شهد‬

‫العامل يتحول‬

‫وتحوالت‬

‫مستمرة نحو مجتمع جديد‬ ‫يف سبيل استمرار وانتشار واستقاللية تحوالت اشرتك وساهم معنا يف الحملة‬

‫إن ارسة تحرير مجلة “تحوالت” تعتربكم من اصدقاء املجلة والداعمني الستقالليتها واستمراريتها وتطورها‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬يرسها أن تتوجه اليكم بهذه الرسالة من أجل تعزيز التعاون عرب تقديم اإلقرتاحات وتبادل وجهات النظر والعمل معاً من أجل توفري قاعدة صلبة تضمن إستمراريتها‬ ‫وتوسيع إنتشارها‪.‬‬ ‫لذا نتطلع اىل مساهمتكم يف االشرتاك يف املجلة واهداء نسخ منها ألصدقائكم مام يسمح بوصولها اليكم يف شكل منتظم ويضمن لها قاعدة ثابتة من القراء املتضامنني معها‪.‬‬ ‫قيمة اإلشرتاك ‪ :‬مايس ‪ $1000 :‬ذهبي ‪ $750 :‬فيض‪ $ 500 :‬برونزي‪: $300 :‬عادي لبنان‪ $100 :‬الخارج‪$150 :‬‬ ‫من اجل تسهيل عملية االشرتاك نأمل من حرضتكم تحديد االشرتاك وكيفية الدفع عرب القسيمة التالية‪:‬‬ ‫اسـم الـمشتــرك‪:‬‬ ‫ ‬ ‫املنطقة‪:‬‬

‫ ‬

‫ ‬ ‫الـمـبنى‪:‬‬

‫الهاتـف‪ :‬‬

‫ ‬

‫الفاكس‪ :‬‬

‫الخلوي ‪ :‬‬

‫الطــابـق‪ :‬‬ ‫ص‪ .‬ب‪ :‬‬

‫الربيد االلكرتوين‪:‬‬ ‫ ‬ ‫قيمة االشرتاك السنوي‪:‬‬

‫إبتدا ًء من‬

‫ ‬

‫اىل‬

‫نقداً‬ ‫شيك مرصيف صادر المر أبعاد ش‪.‬م‪.‬م أو تحويل مرصيف عىل حساب‪:‬‬

‫‪ACCOUNT NO: 234170-001‬‬ ‫‪ABAAD S.A.R.L - AL - MAWARID BANK S.A.L - HAMRA BRANCH‬‬

‫‪IBAN Number : LB 91 0101 0000 0000 0012 3417 0003 - Swift :MABALBBE‬‬ ‫‪www.tahawolat.net‬‬

‫‪Email: info@tahawolat.net‬‬

‫‪Tell: 71-341622 / 01-751541‬‬

‫‪7thfloor‬ـ‪RasamnyBldg‬ـ‪Hamra,MainStreet‬ـ‪Lebanon,Beirut‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.