العدد 72
1
ترشين الثاين 2012
w w w. t a h a w o l a t . n e t
شهرية فكرية ثقافية
04
الرشق االوسط الجديد وسايكس بيكو رقم 2
08
استباقاً لحرب ارسائيلية عىل الجنوب : املتحدات البرشية بدالً من الجيوش
العدد 72
14
أإلنسداد الثقايف يف تجمعات الرشق األوسط البرشية
ترشين الثاين 2012
24صفـحة
2000ليـرة
16
عبدة الشيطان واملخدرات واإلعالم
2
العدد 72
منرب
ترشين الثاين 2012
لبنان والخيارات املأزومة... زهري فياض ال ميكن فصل التطورات السياسية يف لبنان عن السياق العام لتطور األحداث عىل مستوى املنطقة بأرسها ،فالحدث اللبناين مل يعد لبنانياً يف جوهر استهدافاته ومفاعيله املمتدة اىل املحيط ،كام أن الحدث الذي يشهده املحيط يرتك مفاعيل واضحة وتأثريات ال مجال لتجاهلها أو تفادي نتائجها عىل الواقع اللبناين... لذا فان أي قراءة متأنية ال بد لها – يف النهاية -من األخذ يف االعتبار هذا التفاعل الدينامييك لألحداث عىل كامل الساحة القومية يف بالدنا. من نافل القول ...أن تعقيدات الوضع القومي العام مرتبطة بتعقيدات الرصاع القائم وتشعباته واستهدافاته التي تطال –وه��ذا واق��ع -جوهر البنية املجتمعية بنسيجها الشعبي واالجتامعي وحاضنتها الثقافية والحضارية. هذا –بالطبع -ال يلغي حقيقة ال بد من االعرتاف بها ،وهي أن «لبنان – الكيان « مصاب بتشوهات خلقية منذ والدته ،أدت اىل كل هذا الضعف البنيوي الذي رافق تاريخه املعارص واستولد هذا الكم من أزمات سياسية واجتامعية متالحقة ...تبدت يف انفجارات سياسية وأمنية تجسدت يف أبشع صورها أبان «الحرب الداخلية» (الخارجية) التي بدأت يف العام 1975ومل تحط رحالها حقيق ًة يف العام ،1990ألن رشارتها ما زالت تتوقد يف جمر يرقد تحت رماد «التسوية « التي أرساها اتفاق الطائف برعاية عربية -دولية ،والتي انتهت – عىل ما يبدو -صالحيتها يف العام ،2005عام التحوالت الكربى يف لبنان ،الذي كان ايذاناً باتخاذ الرصاع املزدوج (لبنان واملحيط) أبعادا ً جديدة ،وتفاعالت عميقة ،بدأت صورتها تتظهر بعد اجتياح العراق عام ،2003وطفو «مرشوع الرشق أوسطية» الجديدة عىل سطح الربكان املمتد من العراق اىل فلسطني. اذا ً ال امكان واقعياً للفصل بني الحدث اللبناين وبني منظومة األحداث املتسارعة يف فلسطني والعراق وحالياً الشام ،وهذا يغلب الرؤية القومية التي ترى عىل مساحة املنطقة «وحدة وتشابكاً
املدير املسؤول :رسكيس ابو زيد إدارة التحرير :زهري فياض سكرتري تحرير :أليسار نافع مدير التحرير التنفيذي :زاهر العرييض العالقات العامة :عائدة سالمة االخراج الفني :صالح املوىس
التنفصل عراه» يف معارك الحياة واملصري الواحد... ان الواقع اللبناين املستجد اآلن ،هو امتداد لهذا الواقع التاريخي الذي حكمه ويتحكم به «الرصاع عىل الهوية» وما يتفرع عن هذا الرصاع من تداعيات ... واالنقسام السيايس الحاصل يف لبنان هو جزء من نسق االنقسام املوجود حالياً يف املنطقة بأرسها... ولعل املعيار الحايل لالنقسام – ومبوضوعية -يحكمه املوقف من الرصاع مع املرشوع الصهيوين الرابض عىل أرض فلسطني ،
واختالف الرؤى السياسية يف قراءة نسخ هذا املرشوع التي يتم تسويقها اآلن تحت عنوان «التحديث» و «التطوير» و «االصالح». بالطبع ،حقائق الرصاع األساسية ال تخفى عىل أحد ،ولكن ،مثة حاجة للتعمق يف تحليل معطيات هذا الرصاع وسرب أغوار جوانبه املختلفة واملتعددة... اليكفي أن نعيد كل املآزق التي تواجهنا اليوم اىل «املرشوع املعادي» ألن «املرشوع اآلخر» ميثل جانباً من التحدي ،أما الجانب
هيئة التحرير: نجيب نصري ،نجايت ميداين، أسامء وهبة ،عبري حمدان، ايهاب الحلبي ،عامر مالعب، يامن الدقر ،ادهم الدمشقي، سالم الزبيدي ،نادي قامش
األخر فهو يرتبط مبسؤوليتنا التاريخية عن كل هذه األعطاب البنيوية التي تعرتي حياتنا الوطنية العامة. فالتصدع البنيوي يف املشهد الوطني والقومي يف لبنان ويف كل كيانات األمة يشكل أرضية مناسبة للعواصف والهزات لتفعل فعلها يف احداث تشققات اضافية تزيد من تعقيد األوضاع. ولكن ،لنتفق عىل أمر« ،نحن نحيا يف منطقة يحكمها رصاع كبري» من نوع خاص ،ولبنان يقع يف قلب استهدافاته... اذا اتفقنا عىل هذه «الحقيقة» وخرجنا من خزعبالت الدعوات اىل «الحياد» بكل أشكاله االيجابية والسلبية، نكون قد خطونا خطوة هامة يف عملية وضع األصبع عىل «الجرح». وهو مدخل لحسم مسألة الهوية واالنتامء بأبعادها املختلفة ،والرساء قاعدة جديدة يف السياسة واألمن واالقتصاد ال بد لها يف النهاية من أن تحكم «الواقع اللبناين». بالطبع نحن امام خيارين: الخيار األول :أن يتقدم امل�شروع «املعادي» يف املنطقة فيصيب بشكل مبارش لبنان – الكيان فيتعمق الرشخ الداخيل ويرتسخ االنقسام الروحي والنفيس واملادي العميق بني أبناء الشعب فيه ،وندخل من جديد يف نفق «الرصاعات العبثية» املدمرة. الخيار الثاين» أن يتقدم املرشوع املقاوم «للرشق أوسطية» بصيغها وأشكالها وأنساقها ،وأن يرتبط تقدم «املقاومة»مبرشوع قومي حداثوي للتغيري يرتكز عىل ثقافة قومية انسانية جامعة ال بد منها للخالص الحقيقي. باختصار ،الخيار األول هو خيار التدمري واالنحالل والتفتت والتاليش النهايئ... أما الخيار الثاين ...فالتحدي الحقيقي أمامه هو حمله اضافة لشعلة املقاومة ثقافة التغيري القومي الدميقراطي االصالحي الحقيقي... ألن االصالح حاجة ومسار البد من حسمه ،والسري به وتحقيق خطوات ملموسة تحقق االستقرار الحقيقي املوعود...
تصدر بالتعاون مع مكتب الدراسات العلمية برئاسة منصور عازار ـ بيت الشعار -املنت الشاميل تليفاكس 04-914510
تصدر مبوجب قرار رقم 82تاريخ 1981/7/6صادر عن وزارة االعالم يف لبنان النارش :دار ابعاد بريوت ـ شارع الحمرا ـ بناية هيونداي ـ ط 7هاتف 01-751541/ 71-341622: توزيع :النارشون بريوت ـ مرشفية سنرت فضل الله ـ ط 4هاتف وفاكس 01/277007-01/277088 : خليوي 03-975033 :
دمشق مكتب عائدة سالمة لالخراج الفني والتحضري الطباعي ـ عدوي خلف دار الشفاء ـ سعر العدد 25ل .س تيليفاكس 44426588 :خليوي 0933331402 : Email : aydasalameh@yahoo.comاملواد املنشورة تعرب عن رأي أصحابها وال تعرب بالرضورة عن رأي املجلة لإلشرتاك واإلعالن االتصال عىل 01-751541
mail@tahawolat.net
www.tahawolat.net
العدد 72
ترشين الثاين 2012
منرب
من يقرر مصري لبنان منصور عازار متى يحني للشعب اللبناين أن يقول ال،ومتى يرصخ يف وجه أسياد الليايل أن يرحلوا ،ومتى يقف هذا الشعب مطالباً بحق تقرير املصري هذه األسئلة يجيب عنها الكاتب منصور عازار الذي يدعو الشعب ليك يتقدم ويتوىل زمام بالده منذ البدء ،كان مطلوبآ من الشعب اللبناين ان يكون غائبآ ،مغ ّيبآ ،ويف كثري من االحوال ،مجهول االقامة السياسية . منذ البدايات السياسية للكيان اللبناين ،كان مفروضآ ،عنوة وخفية ،تجهيل النخبة الواعية ،واستبدالها بنخب طائفية ، تستطيع ان تعقد صفقة املشاركة ،واملناصفة ،واملبايعة ،وقادرة عىل اقناع الشعب املغيب ،واملسلوب كل ارادة ،ان الوطن بخري ،وأن املستقبل يقوم عىل هذا الصدق املشرتك ،بني الطائفة وزعامئها . منذ كان هذا الوطن الحبيب ،والشعب اللبناين ملزم بأن يسجل اقامته يف دفرت الطائفية ،وال يسمح له ،اال ملامآ ،بأن يخرج عن رصاط الطائفية املستقيم. وكانت االح��داث تتواىل ،واالزم��ات تتفاقم ،حتى صار لبنان عىل ايدي الذين حرضوا والدته وتنشئته وتربيته وشبابه وشيخوخته الباكرة ،وما قبل موته خريطة مبعرثة ،وأمال شبه مستحيل ،ومستقبال يشبه كثريا ً ،يف مآسيه املنظورة ،املايض يف آالمه التي مل تجد اعظم من اللبنانيني ،كشعب ،يف تحملها ويف الصرب عليها . وبعد كل ذلك ،وبعد حرب داحس الطوائف ،التي مل تتوقف عىل حافة امل بالخالص ،ما زال الذين قادونا اىل الهالك ،ي ّدعون انهم ميلكون مفاتيح جنة الوطن ...ولكننا نقول انهم ميلكون مفاتيح جنون الوطن . اىل هؤالء الذين يتحركون يف كل االتجاهات « ،لحل « مشكلة لبنان ،التي رعوها منذ الصغر حتى صارت اظافرها يف لحم اعناق اللبنانيني ،اىل هؤالء الذين هم من نخبة القيادات الطائفية ، الذين يدورن بحثآ عن طاولة يجلسون عليها يك ال يتفقوا ،اال كام تقتضيه مصلحة طوائفهم ...اىل هؤالء الذين يعانون صبحاً وظهرا ً ومسا ًء ويف آخر آناء الليل ،انهم مع وحدة لبنان ،وانهم ضد التقسيم ،وانهم ...ويضيفون اىل اعالنهم الجريء كل « طموحات « الطوائف التي ي ّدعون او يودون احتكار متثيلها ،اىل كل هؤالء نقول :متى يحني دور الشعب اللبناين يف ان يقول كلمته ؟ متى يحني للشعب اللبناين ،الذي عليه بني رصح االستقالل، الذي جعله الطائفيون اعرج ،كلام وقعت احدى عكازتيه ،دفع اللبنانيون من تعبهم وعرقهم ودموعهم واجسادهم مثن اصالح الكسور التي اصابت جسم الوطن متى يحني لهذا الشعب ان يقول ال ؟ متى يسمح للشعب اللبناين الذي ز ّجوه يف الحروب املتعاقبة غصباً عنه اوال ثم اقنعوه بها ثانياً ،بكل الوسائل « الدميقراطية طبعاً « يك يصبح هو دفعاً لها ،وافرازا ً منها ...متى يسمح له أن يرفع حاجبيه رفضاً ؟ ومتى يسمح له ان يرصخ :اما آن آلسياد الليايل أن يرحلوا ؟ اما آن لهذه البلية ،التي قدسوها فس ّدت اآلفاق واملدى ،أن تعلن انها موجودة ،وان لها صوتاً نشازا ً عن معزوفة الحروب وآالتها الدموية ،وأن هذا الصوت هو صوت اللبنانيني الحقيقي ؟ أسئلة كثرية ،ولكن لعل أبرزها هو :هل يحق
للبنانيني ،لجميع اللبنانيني مقيمني ومغرتبني ،ان يطالبوا بحق تقرير املصري ؟ نعم ...هذا املبدأ املكّرس املقدس ،نحن نعلن ان لهذا الشعب ،حقاً يف الدعوة اليه ويف تحقيقه ...مهام طال الزمن . فتقرير مصري لبنان املايض ،صنعته االرادات الطائفية واالقطاعية والسياسية الصغرية ،.وتقرير مصري لبنان املستقبل ، يجب أن يكون حكرا ً عىل الذين مل يشاركوا يف تدمري الهيكل الذي بنوه فوق اكتاف الشعب اللبناين ...وتقرير املصري للبنان الغد ، معركة طويلة ،يجب ان تحشد لها كل الطاقات الفكرية والعلمية والثقافية واملادية والسياسية الالطائفية ،إلعادة بناء لبنان الجديد ،كام يريده اللبنانيون ،وليس كام يريده الذين نصبوا انفسهم آلهة صغرية ،اال بدوائهم الذي هو الداء بعينه :... لبنان ليس طائفياً ،او توزيعاً «عادال « او غري عادل بني الطوائف . ليس اقطاعياً سياسياً ،يتوارثه اآلبناء عن اآلباء واآلجداد ويورثونه لآلحفاد . وليس تابعاً كأعمى ،تقرر مصريه االرادات الداخلية املفروضة، واالرادات الخارجية « املقروضة « وليس مذبحاً يضحي فيه كل يوم ،قربان الشعب ،لتشبع آلهة األصنام الجاهلية ... اللبنانيون حارضون ...وسيعلنون عن حضورهم ،مهام طال زمن تغيبهم ... وسيسيجون وطنهم بزنودهم ،ويعيدون اليه ،جوهرته التي رسقها منه سحرة السياسة وحواتها .ومن يعش ي ّر ....
موت السياسة يف لبنان رسكيس ابوزيد أمام املشهد الدويل -االقليمي املربك واملتأرجح، تتوزع القوى السياسية اللبنانية دوائر النفوذ يف املراكز واملناطق ،وفق معادلة هشة تعطّل العمل السيايس الطبيعي ،وذلك نتيجة سقوط النظام السيايس ال��ذي وصل إىل طريق مسدود ،لعدم استكامل تطبيق اتفاق الطائف أو تطويره ،والنتهاء مفعول التسوية التي أق ِّرت يف الدوحة وعجز املؤسسات الرسمية من حكومة وبرملان عن الفعل، ولغياب االتفاق عىل قانون انتخابات يجدد الحياة السياسية ويحسم الخالفات والنزاعات .واألخطر هو غياب املرجعية الدستورية القانونية واألنظمة التي ترعى إدارة الحكم وميكن االحتكام إليها. وصلت الحياة السياسية يف لبنان إىل أفق سيايس مقفل يصعب الخروج منه بالطرق السلمية الوفاقية .كام أ ّن االصطفاف السيايس الحاد بني 8و 14آذار مع عدم وجود كتلة وسطية فاعلة ومؤثرة ،فضالًعن هامشية النقابات واألح �زاب والكتل الوطنية الجامعة ،كل ذلك أدى إىل انسداد أفق التغيري .لذلك أعلن "موت السياسة" أل ّن لبنان تح ّول ساحة أمنية مكشوفة أمام أجهزة املخابرات املتنوعة والتنظيامت االرهابية التي تغلّب العنف عىل الطرح السيايس ،عالوة عىل عدم جدوى االعالم والوعي والتعبئة السياسية يف أداء دور مؤثر يف التغيري أو يف الحد األدىن يف إدارة العمل السيايس الحر . هكذا تم تغييب األخالق وااللتزام واملسؤولية عن الحقل العام وسادت العصبيات السلطوية وأضحى الحراك السيايس بال ج��دوى ،ومن دون معنى، وشعاره سلبي يتمحور حول الطالق املزعوم بدالً من السعي إىل زواج يبني أرسة. وحدها املقاومة ضد إرسائيل حافظت عىل بريقها، لذلك تستهدف الفوىض املسترشية العمل عىل تطويقها لشل فاعليتها وإللهائها ،وذلك لتسهيل انزالقها يف مستنقع الفتنة والخوف من الفوىض، ما ح ّد من فعلها ،فأضحت أسرية تركيبة قد تؤدي إىل خراب البلد عرب حروب أهلية متقطعة وفرض الجمود والستاتكو عىل قدرتها ودورها. دخل لبنان يف منزلق الحرب األهلية تدريجاً وقد يتخللها هدنات متقطعة بانتظار انفجار كبري أو تسوية دولية إقليمية يف املنطقة تنعكس عىل لبنان، أو بانتظار ربيع لبناين ما زال حلامً .
3
4
ا�سرتاتيجيا
العدد 72
ترشين الثاين 2012
الرشق االوسط الجديد وسايكس بيكو رقم 2
أعداد :رياض عيد
مل تلقى ازمة يف العامل هذا القدر من االهتامم واالصطفاف االقليمي والدويل كام لقيته االزمة السورية ,هل هذا االهتامم نظرا ملوقع سوريا والهال ل الخصيب الجيوسيايس كنقطة التقاء تالتة قارات وعقدة طرق برية وبحرية وجوية تربط العامل? ,ام الن اكتشافات الغازالواعدة يف سوريا ولبنان ومياههام االقليمية اسالت لعاب املتصارعني عىل امتالك الطاقة للتحكم بالقرن الحايل? ام الن سوريا عقدة مواصالت الغاز وعليها بتوقف مصري غاز نبوكو وتركية وامريكة وقطر لتحرير اوروبا من قبضة غاز بروم الروسية? .ام الن سورية وقفة عقدة كأداء بوجه ما يسمى الربيع االسالمي االخواين االمرييك الذي بدل العداء الرسائيل بالعداء للشيعة انصياعا لالوامر االمريكية ? لكل هذا ,والن سورية مل ترضخ ملشيئة امريكة والغرب بل عملت مع ايران عىل تقويض السياسة االمريكية واالطلسية واالرسائيلية وافشلتها عرب دعم املقاومات يف لبنان والعراق وفلسطني .استهدفت سورية بهاذه الحرب الكونية التى تخاض عىل ارضها السقاطها وتفتيتها واملنطقة اىل دويالت عرقية مذهبية عرب تقسيم املقسم (سايكس بيكو) وبقية العامل العريب اىل دويالت مذهبية عىل اساس املذهب والعرق والطاقة ال عىل اساس سيايس كام وصفها الكاتب الكبري محمد حسنني هيكل . وميكن القول بكثري من التأكيدأ إن اإلسرتاتيجية االمريكية والغربية تجاه امتنا والعامل العريب واإلسالمي منذ منتصف القرن التاسع عرش تنطلق من اإلميان برضورة تقسيم العامل العريب إىل دويالت إثنية ودينية مختلفة ،حتى يسهل التحكم فيه. وقد قسمت االمة السوريةعرب اتقاقبة سيكس بيكوعام1916 وغرست إرسائيل يف قلب هذه املنطقة وفق وعد بتفورعام 1917 لتحقيق هذا الهدف .فعامل عريب يتسم بقدر من الرتابط وبشكل من أشكال الوحدة يعني أنه سيشكل ثقال إسرتاتيجيا واقتصاديا وعسكريا ،ويشكل عائقا أمام األطامع االستعامرية الغربية. ففي إطار الوحدة والتامسك تصبح إرسائيل جسام غريبا تلفظه املنطقة مام يعوق قيامها بدورها الوظيفي ،كقاعدة للمصالح االستعامرية الغربية .اما يف إطار عامل عريب مقسم إىل دويالت إثنية ودينية وعرقية بحيث تعود املنطقة إىل ما قبل الفتح اإلسالمي ،أي منطقة مقسمة إىل دويلة فرعونية يف مرص وأخرى أشورية بابلية يف العراق وثالثة آرامية يف سوريا ورابعة فينيقية يف لبنان ،وعىل القمة تقف دولة عربية متامسكة مدعومة عسكريا من الواليات املتحدة يف فلسطني املحتلة. ويف إطار التقسيم تصبح الدولة الصهيونية العنرصية االستيطانية، املغروسة غرسا يف جسد االمة ،دولة طبيعية بل وقائدة .فالتقسيم هو يف واقع األمر عملية تطبيع للدولة الصهيونية التي تعاين من شذوذها البنيوي ،باعتبارها جسدا ً غريباً غرس غرساً كقاعدة متقدمة لالستعامر باملنطقة العربية. قال شمعون برييزيف كتابه الرشق االوسط الجديد :لقد جرب العرب قيادة مرص للمنطقة مدة نصف قرن ،فليجربوا قيادة إرسائيل إذن .وهذه هي الرؤية التي طرحها برنارد لويس منذ السبعينيات وتبناها املحافظون الجدد ،وتدور السياسة األمريكية يف إطارها. وبعد أن ذاقت الواليات املتحدة مرارة الفشل يف العراق وأفغانستان قررت أن تعهد إلرسائيل بتنفيذ مخططها االستعامري بحيث تقوم بتدمري لبنان وحكومته فيتحول لبنان إىل بلد دميقراطي عىل الطريقة العراقية ،أي يدور يف فلك املصالح األمريكية.
وبعد فشل الحرب عىل لبنان يف متوز عام 2006وانتصار املقاومة كان يف مراحله التحضريية منذ سنوات عدة يقيض بخلق قوس بفضل بطولة املقاومني والدعم السوري االيراين لها وبعد فشل والدة من عدم االستقرار ،والفوىض ،والعنف ،ميتد من لبنان اىل فلسطني الرشق االوسط الجديد من لبنان الذي اعلنت عنه كوندوليزا رايس وسوريا والعراق ،والخليج العريب وايران وصوال اىل حدود افغانستان من عىل باب القرص الحكومي بعد لقائها رجلها االول يف لبنان فؤاد الرشقية والشاملية ،مرورا بدول شامل افريقيا. ومرشوع «الرشق االوسط الجديد» جرى االعالن عنه رسمياً من السنيورة ,وبعد فشل الهجوم االرسائييل عىل غزة الحتاللها بعد اكتشاف الغار عىل الساحل الفلسطيني ولتحربرالجندي االرسائييل قبل واشنطن وتل ابيب ،وسط توقعات خالصتها ان لبنان سيكون جلعاد شاليط .انتقلت االسرتاتيجبة االمريكية اىل خطة املحافظني نقطة الضغط إلعادة تصحيح الرشق االوسط بكامله ،وبالتايل إلطالق الجدد واذكاء الفتنة املذهبية يف املنطقة لتفتيتها واطالق الرشق قوى «الفوىض البناءة» .هذه الفوىض البناءة ،التي اسفرت عن االوسط الجديد لهذا اعلن عميل ال CIAملك االردن عبداله التاين اعامل عنف وحروب يف املنطقة ،سوف يتم استخدامها عىل مراحل عن خطر الهالل الشيعي ورضورة مقاومته لتبديل اولويات الرصاع .متقاربة ،بشكل ميكن الواليات املتحدة وبريطانيا وارسائيل ،من ويف مقال بعنوان «الواليات املتحدة متواطئة مع إرسائيل يف اعادة رسم خريطة الرشق االوسط مبا يتناسب مع حاجاتها وأهدافها تحطيم لبنان» يقول املعلق األمرييك بول كريغ روبرتس (املوقع الجيوـ اسرتاتيجية. خطاب كوندوليزا رايس حول «الرشق االوسط الجديد» حدد اإللكرتوين 25يوليو /متوز )2006إن ما نشاهده يف الرشق األوسط هو تحقق خطة املحافظني الجدد يف تحطيم أي أثر لالستقالل العريب اطار العمل .فالهجامت الوحشية االرسائيلية عىل لبنان ـ والتي كانت مدعومة كليا من واشنطن ولندن ـ بلورت اكرث االهداف اإلسالمي ،والقضاء عىل أي معارضة لألجندة اإلرسائيلية. وهذا التصوراالمرييك للرشق األوسط ينطلق من تصور أن التاريخ الجيوسرتاتيجية لكل من الواليات املتحدة وبريطانيا وارسائيل. متوقف متاما بهذه املنطقة ،وأن الشعب العريب سيظل مجرد أداة الربوفسور مارك ليفاين قال يف حينه ان املحافظني الجدد يف ادارة بيد معظم حكامه الذين ينصاعون انصياعا أعمى للواليات املتحدة .جورج دبليو بوش ،يرون ان «التدمري الخالق» يؤدي اىل خلق وأن هذا الرشق العريب مجرد مساحة أو منطقة بال تاريخ وال «نظامهم العاملي الجديد» .وأن هذا التدمري «يشكل قوة ثورية تراث مشرتك تقطنها جامعات دينية وإثنية ال يربطها رابط وليس لها واسعة النطاق».وقد بدا ان االحتالل االنغلو ـ امرييك للعراق، ذاكرة تاريخية وال إحساس بالكرامة ،فالعريب مخلوق مادي اقتصادي خصوصا كردستان العراق ،كان تحضريا لعمليات البلقنة (التقسيم) و«الفلدنة» (من فنلندا) ،أي احالل السالم يف الرشق االوسط، تحركه الدوافع املادية االقتصادية. الهيمنة قدمية قدم البرشية ،عبارة اطلقها مستشار االمن ومرشوع تقسيم العراق اىل ثالثة اجزاء خري دليل عىل ذلك. اىل ذلك ظهر ان خريطة الطريق العسكرية االنغلو ـ امريكية القومي االمرييك األسبق زبيغنيو بريجنسيك يف اواخر السبعينيات من القرن الفائت .أما عبارة «الرشق األوسط الجديد» ،فقد رأت كانت تستهدف ايضا إيجاد مدخل اىل آسيا الوسطى عن طريق النور يف شهر حزيران (يونيو) ،2006يف تل ابيب ،عىل لسان وزيرة ال�شرق االوس��ط .فهذا ال�شرق االوس��ط وأفغانستان وباكستان، الخارجية االمريكية آنذاك كوندوليزا رايس ،التي قالت وسائل االعالم تشكل معاً املداميك االساسية لتوسيع النفوذ االمرييك اىل داخل الغربية عنها انها استخدمت هذه العبارة ،لتحل مكان العبارة األقدم االتحاد السوفيايت السابق ،والجمهوريات السوفياتية السابقة يف آسيا الوسطى .وهكذا ،ومنذ اواسط العام ،2006بدأت خريطة «الرشق االوسط الكبري». هذا التحول يف تعابري السياسة الخارجية االمريكية ،تزامن مع مالمح مجهولة نسبيا للرشق االوسط ،شيئا فشيئا ،يف دوائر الناتو تدشني مرشوع خط انابيب النفط (باكو ـ تبلييس ـ جيهان) ،يف االسرتاتيجية ،وسمح لها ،بني حني وآخر ،بالظهور اىل العلن ،وذلك رشق البحر االبيض املتوسط ،كام ان عبارة «الرشق االوسط الجديد» رمبا للحصول عىل االجامع او التوافق ،ولتحضري الرأي العام ،بهدوء، وصلت اىل اوجها ،يف ترصيحات وزيرة خارجية امريكا ورئيس وزراء للتغيريات املحتملة ،والتي قد تقلب االمور رأسا عىل عقب ،يف ارسائيل ،يف عز الحصار االرسائييل للبنان يف العام ،2006بدعم انغلو الرشق االوسط .وكانت هذه خريطة لرشق اوسط اعيد رسم حدوده ـ امرييك ،يوم أبلغ أوملرت ورايس وسائل االعالم العاملية أن «مرشوعاً وهيكليته ،تحت اسم «الرشق االوسط الجديد». هذا هو اإلطار الذي يتحرك داخله رالف بيرتز ،وهو ضابط لخلق رشق اوسط جديد ،قد انطلق من لبنان». هذا االعالن شكل تأكيدا لوجود «خريطة طريق عسكرية» متقاعد يحمل رتبة مقدم ،وضع مخططاً إلعادة تقسيم الرشق امريكية ـاطلسية -ارسائيلية ،يف الرشق االوسط .هذا املرشوع الذي األوسط (يف مقال نرش مبجلة القوات املسلحة األمريكية يف عدد يونيو /حزيران ،2006نقال عن مقال لبيان الحوت «الرشق األوسط الجديد مرشوع أمرييك محكوم بالفشل» .)2006/8/9وال تعود أهمية املقال إىل عمقه أو إمكانية تحققه ،وإمنا إىل أنه يبني ما الذي تنطلق اإلسرتاتيجية االمريكية يدور يف خلد دعاة الرشق األوسط الجديد ،خاصة وأن الذي كتبه شخص مسؤول كان يعمل باالستخبارات العسكرية األمريكية. والغربية منذ منتصف القرن التاسع ينطلق بيرتز مام يسميه الظلم الفادح الذي لحق باألقليات عرش برضورة تقسيم العامل العريب إىل حني تم تقسيم الرشق األوسط أوائل القرن العرشين (يقصد اتفاقية سايكس بيكو) مشريا إىل هذه األقليات «بأنها الجامعات أو الشعوب دويالت إثنية ودينية مختلفة، التي خدعت حني تم التقسيم األول» ويذكر أهمها :األكراد ،والشيعة العرب. حتى يسهل التحكم فيه كام يشري إىل مسيحيي الرشق األوسط ،والبهائيني واإلسامعيليني والنقشبنديني .ويرى بيرتز أن مثة كراهية شديدة بني الجامعات
العدد 72
ترشين الثاين 2012
ا�سرتاتيجيا
الدينية واإلثنية باملنطقة تجاه بعضها البعض ،وأنه لذلك يجب أن يعاد تقسيم ال�شرق األوس���ط انطالقا م��ن تركيبته السكانية غري املتجانسة القامئة عىل األديان واملذاهب والقوميات واألقليات ،حتى يعود السالم إليه( .والنموذج الكامن هناك هو الدولة الصهيونية القامئة عىل الدين والقومية وامتزاجهام).
سايكس بيكو 2 ومن املؤكد أن اع��ادة رسم خريطة ال�شرق االوس��ط وتقسيمه ،اب��ت��داء من الشواطئ الرشقية للبحر االبيض املتوسط، يف لبنان وس��وري��ا ،االن��اض��ول (يف آسيا الصغرى) ،مرورا بشبه الجزيرة العربية، والخليج العريب ،والهضبة االيرانية ،وصوال اىل مرص والسودان ودول شامل افريقيا، يعكسان اهدافا اقتصادية واسرتاتيجية وعسكرية واسعة ،تشكل جزءا من اجندة اطلسية ـ امريكية ـ ارسائيلية قدمية يف املنطقة. ويف الواقع يالحظ أن افغانستان ،التي تخضع لسلطة قوات حلف الناتو قد تقسمت عىل االرض .كام ان العداوات القوية قد زرعت يف الرشق العريب ،خصوصا يف فلسطني ولبنان .وال يزال الغرب يبذل مساعيه لبث الشقاق يف سوريا وايران ،وتعمد وسائل اعالمه عىل قاعدة شبه يومية ،اىل ترسيب اخبار عن ان الشعب العراقي مل يعد قادرا عىل التعايش السلمي بني املذاهب والطوائف واالثنيات، وأن االزمة ليست بسبب االحتالل االمرييك ،بل بسبب «حرب اهلية» تغذيها النزاعات القامئة بني الشيعة والسنة واالكراد. وبالعودة اىل بريجنسيك ،مستشار االمن القومي االمرييك االسبق نذكر بأنه رصح يف العام ،1991والحرب العراقية ـ االيرانية يف أوجها «ان املعضلة التي ستعانيها الواليات املتحدة من اآلن وصاعدا هي كيف ميكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم عىل هامش الحرب بني العراق وايران ،وتستطيع امريكا ،من خاللها ،تصحيح حدود «سايكس ـ بيكو». عقب هذا الترصيح ،وبتكليف من وزارة الدفاع االمريكية ،بدأ املؤرخ الصهيوين ـ االمرييك برنارد لويس وضع مرشوعه الشهري الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية ملجموعة الدول العربية واالسالمية كل منها عىل حدة ،ومنها العراق وسوريا ولبنان ومرص والسودان وايران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشامل االفريقي ،وتفتيت كل منها اىل مجموعة من الكانتونات والدويالت العرقية والدينية واملذهبية والطائفية .وقد أرفق مرشوعه املفصل مبجموعة من الخرائط املرسومة بإرشافه ،ومبوافقة البنتاغون، وتشمل عددا من الدول العربية (واالسالمية) املرشحة للتفتيت، وذلك بوحي من مضمون ترصيح بريجنسيك الذي دعا اىل تصحيح حدود سايكس ـ بيكو ،مبا يتناسب مع املصالح االمريكية ـ الصهيونية. ويف العام ،1983اقر الكونغرس االم�يريك باإلجامع، يف جلسة رسية« ،مرشوع لويس» ،وت ّم بذلك تقنني هذا املرشوع واعتامده وإدراجه يف ملفات السياسة االمريكية االسرتاتيجية للسنوات املقبلة .وقد أرفق لويس خرائط
تقسيم الدول ،بهذا املرشوع عىل الشكل اآليت: مرص 4دويالت :سيناء ورشق الدلتا (تحت النفوذ اليهودي). ليتحقق حلم اليهود من النيل اىل الفرات دولة إسالمية متتد من رشق الدلتا إىل املنيا وعاصمتها القاهرة، والدولة الثانية نرصانية من غرب الدلتا إىل مطروح ووادي النطرون وعاصمتها اإلسكندرية ،والدولة الثالثة النوبة متتد من أسيوط جنوبًا إىل جزء من شامل السودان السودان 4 :دويالت ايضا هي:دويلة النوبة :التي تتكامل مع دويلة النوبة يف االرايض املرصيةالتي عاصمتها اسوان. دويلة الشامل السوداين االسالمية. دويلة الجنوب السوداين املسيحية. دويلة دارفور.وبالنسبة اىل دول الشامل االفريقي ،فإن «مرشوع لويس» يرمي اىل تفكيك ليبيا والجزائر واملغرب بهدف اقامة: دويلة الرببر :عىل امتداد دويلة النوبة يف مرص والسودان. دويلة البوليساريو. دويالت املغرب والجزائر وتونس وليبيا.وبالنسبة اىل شبه الجزيرة العربية ودول الخليج يقيض «مرشوع لويس بإلغاء الكويت وقطر والبحرين وسلطنة عامن واليمن واالمارات العربية املتحدة ،من الخريطة ،ومحو وجودها الدستوري والدويل ،بحيث تضم شبه الجزيرة والخليج ثالث دويالت فقط هي: دويلة االحساء الشيعية) تضم الكويت واالمارات وقطر وعامنوالبحرين). دويلة نجد السنية دويلة الحجاز السنية.اما يف العراق فريى لويس رضورة تفكيكه عىل اسس عرقية ومذهبية عىل النحو الذي حدث يف سوريا يف عهد العثامنيني ،اي اىل 3دويالت هي: دويلة شيعية يف الجنوب حول البرصة. دويلة سنية يف وسط العراق حول بغداد. -دويلة كردية يف الشامل والشامل ـ الرشقي حول املوصل
(كردستان) وتقوم عىل أج��زاء من االرايض العراقية وااليرانية والسورية والرتكية والسوفياتية (سابقا). يف ما يتعلق بسوريا ،يرى املرشوع رضورة تقسيمها اىل اقاليم متاميزة عرقيا او مذهبيا ،وعددها اربعة هي: دولة علوية ـ شيعية (عىل امتدادالشاطئ). دولة سنية يف منطقة حلب. دولة سنية حول دمشق. دولة الدروز يف الجوالن ولبنان(االرايض الجنوبية السورية ورشق االردن واالرايض اللبنانية). اما لبنان فقد استقر رأي لويس عىل وجوب تفتيته اىل مثانية كانتونات عرقية ومذهبية ،هي: دويلة سنية يف الشامل ،عاصمتهاطرابلس. -دويلة مارونية ـ مارونية شامال
(عاصمتها جونيه). دويلة سهل البقاع الشيعية (عاصمتها بعلبك). بريوت الدولية (املدولة). كانتون فلسطيني حول صيدا حتى نهر الليطاين تسيطر عليهالسلطة الفلسطينية. كانتون يف الجنوب يعيش فيه املسيحيون مع نصف مليونمن الشيعة. دويلة درزية (يف اجزاء من االرايض اللبنانية (حاص بيا)والسورية والفلسطينية املحتلة). كانتون مسيحي جنويب خاضع للنفوذ االرسائييل.تركيا يقرتح املرشوع انتزاع جزء منها وضمه اىل الدولة الكردية (كردستان الحرة) املزمع اقامتها يف شامل العراق ،اما االردن فيقيض املرشوع بتفتيته وتحويله اىل دولة فلسطينية تضم فلسطينيي الداخل ايضاً. ويف املرشوع فقرة تتصل باليمن الذي يفرتض أن يذوب لينضم يف نهاية املطاف اىل دولة الحجاز. يف جانب آخر ،يؤكد الخرباء والباحثون االمريكيون ،وعىل رأسهم جيمس زغبي رئيس املعهد العريب ـ االمرييك ،أن الثورات العربية نجحت يف وضع حد لألساطري التي رعاها املحافظون الجدد وأمثالهم، وحافظوا عليها ملدة طويلة ،والخاصة بتقسيم وتفتيت املنطقة. ويؤكد زغبي :ان «الثورات العربية» نجحت يف اطالق مشاريع التقسيم التي قادتها الواليات املتحدة والغرب والكيان الصهيوين، وأحدثت صدمة وهزة يف املنطقة ،ونرشت يف ربوعها الفوىض متهيدا ً إلقامة رشق أوسط جديد اختم واستعري من بريجنسيك (الهيمنة قدمية قدم البرشية) ويف تنازع االمم للبقاء المكان للضعفاء الذين دامئا تأيت نتائج الرصاع عىل حسابهم لقد مر عىل امتنا الكثري من الفتوحات واملؤامرات كان شعبنا يستنبط اساليب جديدة من النضال يف كل مرحلة يك يدافع عن ارضه وحقه يف الحياة العزيزة الكرمية ان شعبنا عرف خيار املقاومة بانه الخيار الوحيد الناجع ملواجهة ما يحاك من مؤامرات .
5
6
العدد 72
فكر
الالعقالنية كصفة للحداثة وما بعدها محمود حيدر
لعل أكرث ما امتاز به عرص التّنوير يف الغرب ،أنّه وضع أمام ّ مفكّريه وفالسفته خيار القطيعة الصارمة بني العقل والخرافة .يف ذلك الوقت كانت املجادالت الفكرية والفلسفية مركوزة ضمن دائرة حسم هذه الثنائ ّية ملصلحة العقل .وكانت الحجة البالغة لدى هؤالء ،أ ّن حاكمية العقل هي الرشط التاريخي الذي ال مناص منه إلطالق حركة العلم والتّصنيع ودورة رأس املال. التّسويغ الثقايف واإليديولوجي الذي تقاطعت حوله أفكار التنويريني ,هو قلب ما كان شائعا يف مجتمعات القرون الوسطى، نصاب آخر .فقد جاءت الحصيلة املعرفية للحداثة، وتحويله إىل ٍ لتبي أ ّن اإلنسان هو مركز الكون ،بعدما احتلّته الخرافة وامليتافيزيقا نَّ الدينية. الصورة امل ُ ْجملة عىل نستظهر وليك ّ حقيقتها ،لنا أن ننطلق من وقائع القرن الثامن عرش يف أوروبا ،وهو القرن املعروف بعرص النهوض يف الثقافة الفرنسية ،وعرص التّنوير يف نظريتها اإلنجليزية. عىل أ ّن اتّجاه هذا العرص نحو العلم، ومن خالل االعتامد الصارم عىل العقل يف معرفة أرسار الكون الفيزيايئ ،وقوانني التاريخ السيايس واالجتامعي ،هو من ِ مفضيات الثورة العلم ّية يف القرن السابع عرش .ذلك ما ظهر مع «نيوتن» يف ما ُعرِف بالتّفسري العقالين العلمي للعامل ،وهو األمر الذي حفّز الفكر االجتامعي عىل إطالق طموحه ل ُي َحقّق ما حقّقه «نيوتن» يف ميدان الطبيعة. لكن الثّقة بقدرة العقل عىل فهم قوانني الكون الطبيعي ،تالزمت مع ثقة موازية بقدرته عىل فهم حركة التاريخ ،وقوانني التغيري التي تحكمها .وعىل ذلك ميكننا أن نلحظ كيف كان هذا العرص ،هو نفسه عرص الفكر الذي انبثقت منه اإليديولوجية رشع لها «مونتسكيو» عىل الليربالية ،التي َّ صعيد الفكر السيايس .وهذا األخري ـ عىل ما رشع الذي يُنظر إليه بوصفه نعرف -هو امل ّ والد اإليديولوجيا العقالنية الليربالية ،يف بعديها السيايس والدستوري. بل مث ّة من مىض إىل أن «مونتسكيو» تخطّى العالّمة ابن خلدون باقرتاحه ال ّنظام الالّزم لقوننة الحريّة ،والحؤول يف اآلن عينه ،دون استرشاء االستبداد .وهذا االق�تراح هو عني املبدأ القائل بفصل السلطَة سوف يؤدي بالضرّ ورة إىل السلطات ،باعتبار أ ّن توحيد مركز ُّ ّ واحدية املنظومة السياسية الحاكِمة. مل ي ُدم االنخطاف طويال بدهشة التّنوير؛ فالعقل الذي اتّخذ سبيله لرعاية ال ّنظام العام لل ّدولة واملجتمع ،سوف يتّخذ سبيالً معاكساً بعد ٍ وقت قصري .فلقد با َن بوضوح ،وال سيام بعد ظهور الدولة القومية ،وسعيها إىل متديد سيادتها خ��ارج أرضها ،أ ّن تحتل املواقع األساسية يف الالّعقالنية يف الغرب الحديث ،طفقت ُّ عقل الدولة واملجتمع. السنني األوىل للقرن العرشين ،وتحديدا يف العام ،1920 ففي ّ
ع ّمت التّشاؤم ّية يف حقول الفكر والثّقافة والفلسفة ،لتعكس ظاهرة معرفيّة مفارقة يف الغرب األورويب .ففيام كانت ال ّنخب يف العامل اإلسالمي مأخوذ ٌة بسحر الحداثة وأنوارها ،جاءتها عواصف مفاجئة من جغرافيات الحداثة نفسها ،لتهتز معها طائفة وازنة من العناوين التي دأبت عىل األخذ بها كسبيل ها ٍد إلنجاز حداثتها. لقد جاءت عواصف النقد لتُشري إىل رجوع العقل يف الغرب إىل سريته الغابرة ،ث ّم ليستأنف مأزقه عىل نشأة أخرى .فلنئ كانت الخرافة قد تراجعت أمام سطوة الحداثة ،فإ ّن هذه األخرية ستتع َّرض ٍ لرضبات شديد ٍة اإليالم ،من جانب تيارات فلسفية عبرَّ ت عن نفسها مبا يشبه االحتجاج العبثي عىل باب الحداثة املسدود. نستطيع أن نرى إىل هذا التّح ّول من خالل ما ق ّدمه نقاد التنوير من بيانات متشامئة .فلماّ أعلن هؤالء أ ّن الحضارة الغرب ّية انبنت متفسخة ،فقد ابتغوا بذلك اإلشهار الرصيح أل ّن تلك عىل اسرتاتيجية َّ
الحضارة آلت إىل سحق غرائز اإلنسان الحيويّة ،من خالل السيطرة عىل الطبيعة ،وعىل الذّات ،وعىل اآلخرين. قبل بضعة عقود ،كان للمفكر املعروف هربرت ماركوز ،رؤية ثاقبة يف تشكيل صورة دراميّة للمجتمع الصناعي الغريب .لقد تح ّدث يومها عن مقولة اإلنسان ذي البعد الواحد ،الذي أنتجه مجتم ُع ُه ذو البعد الواحد .فقد الحظ أ ّن اإلنسان يف هذا املجتمع فَ َق َد «حقّه» يف الحياة ،مبج ّرد أن سلّم للمجتمع مقاليد أمره. فهو تو ّهم أنّه يعيش الحريّة ،فيام هو يغرق يف استالب سحيق ال قاع له .ويف اعتقاده أنه إذا كان املجتمع يحرص عىل تلبية هذه الحاجات امل ُصطنعة ،فليس ذلك ألنها رشط استمراره ومنو انتاج ّيته فحسب ،بل أيضا ألنها خري وسيلة الستيالد اإلنسان املسلوب. ذاك القابل باملجتمع «الواحدي» وامل ُتكيّف معه .فاإلنسان ذو
ترشين الثاين 2012
ال ُبعد الواحد بهذه املعايري ،هو الذي استغنى عن الحريّة بوهم الحريّة .فلو ظ ّن (هذا اإلنسان) أنّه ح ٌّر مل ُج َّرد أنه يستطيع أن يختار حاجاته من بني تشكيلة كبرية من البضائع والخدمات ،فام أشب ُه ُه من هذه الزاوية بالعبد الذي يتو ّهم أنّه ح ٌّر مل ُج ّرد أ ْن ُم ِن َحت له حريّة اختيار سادته ( .)...واملجتمع الصناعي ـ يف رأي ماركوز ـ مل يُزيّف حاجات اإلنسان املاديّة فحسب ،بل زيَّف أيضا حاجاته الفكريّة ،أي عقله وفكره بالذّات. ذاك أ ّن العقل الذي يتأ ّمل ويتفكّر هو يف واقع حاله ،عد ٌّو لدود ملجتمع السيطرة ,ألنّه ميثل ق ّوة العقل النقديّة ،السالبة ،التي تتح ّرك دوما يف اتجاه ما يجب أن يكون ،ال نحو ما هو كائن .وهذه الق ّوة هي يف خامتة املطاف ق ّوة إيديولوجيّة ،راحت ُسلطة الحداثة تُوظّفها الصاعدة. لخدمة إمربياليتها ّ ولنئ كان املجتمع الليربايل ،ثم املا بعد ليربايل ،قد أحاط اإليديولوجيا ب��االزدراء والتّحقري باسم عقالنيّته التّكنولوجيّة ،أو بذريعة النظر إىل الحقائق بزعم أنّها تتب ّدى له كضوء الشمس ،فذلك ال يعني أنّه مل تَ ُعد هناك إيديولوجيا ،أو أنها أوشكت عىل أن تواجه موتها املحتوم. لدى نقّاد الحداثة ،ولدينا أيضاً ،أ ّن املدن ّية التّقن ّية وهي يف ذروة جنونها، باتت هي اإليديولوجيا بعينها .ولقد تبينّ من خالل ما شهدته أطوار القرن العرشين املُ��ن�صرم ،أن أب��رز وجوهها من هذه ال ّزاوية ،هو املذهب العميل يف الفيزياء، السلويك يف العلوم االجتامعيّة، واملذهب ّ وصوالً إىل املذهب الرباغاميت يف حقول االسرتاتيج ّيات السياسية واالقتصادية. وإىل ذلك عىل الجملة ،سوف نجد أن السمة املشرتكة األساسية لتلك املذاهب، ّ ُ هي االل��ت �زام بالواقع امل ْعطَى ،ونبذ املفاهيم الشمول ّية أو ال ّنقدية التي تُه َّدد بالكشف عن بُعد آخر لذلك الواقع. أما الصورة اآلن ،فال تُف ِْصح إالّ عن جرعة يسرية مماّ منحه لنا مرياثُ العقل. ولنا أ ْن نقول إ ّن منطق التّح ّوالت الذي افتتحته الحداثة الغربية منذ بداية القرن العرشين وإىل بداية زمن العوملة ،مل يُس ِفر إالّ عن إدخال اإلنسان يف ل ّجة غري آمنة. أما كارثة التّح ُّرر التي تح ّدث عنها نقّاد الحداثة املعارصة، خصوصا بعد أفول الربيق اإليديولوجي للشيوعية ..فهي تلك التي راحت تدفع العامل إىل فضاء الالّعقالنية ،بوسائط شديدة العقالنيّة. وهنا تك ُمن عىل نحو خاص ق ّوة امل ُجتمع العوملي ذي البُعد الواحد: أي الطابع العقالين لالعقالنيته .بحيث ذهب هذا ال ّنوع من «املجتمع العوملي» ،إىل تسويق ما ُعرف بـ«الفكر اإليجايب».. ال��ذي يمُ َ َّهد لسريورة مديدة من االمتثال واإلذع��ان وعدم االحتجاج .ذلك أن القبول مبثل هذا النوع من «اإليجابية» ،هو قبول قرسي ال بحكم اإلرهاب ،وإنمّ ا بفعل سلطة املجتمع التكنو -إلكرتوين الساحقة. وفعال ّيته ّ رئيس تحرير مجلة مدارات
العدد 72
ترشين الثاين 2012
فكر
ٌ وإرتباك يف الوظيفة تركيا :إنشطار يف الحضارة
أمـني الـذيب
تُعاين تركيا بعد إنحسارها القرسي عن التمدد بإتجاه أوروبا، وتراجع الجهد الذي بذله أربكان والقوى العسكرية يف إرتداء مظاهر العلامنية ،أمام تناقض املرشوع الرتيك وإستهدافاته يف إيجاد حيوية جديدة تعوض عن سقوط االمرباطورية املريضة ،واملرشوع االمرييك الذي كان يرسم دورا ً ُمغايرا ً لرتكيا إستكامال ملرشوع الهيمنة عىل منابع الغاز والطاقة .جاء اإلنقالب عىل أربكان نتيجة إلنخراط رجب طيب أردوغان وأحمد داوود اوغلو يف املرشوع االمرييك الذي انتج حزب العدالة والتنمية كآلية تُحقق التمدد الرتيك رشقا حتى ُعمق روسيا وجنوباً للهيمنة عىل العامل العريب وصوال اىل مشارف القارة اإلفريقية تحت ُمسمى إسالمي يستفيد من الجيوسيايس امل ُرتهل يف املدى اإلسرتاتيجي املرسوم كمنطقة عمليات تستند اىل الجيو إقتصادي الناتج عن مرشوع نابوكو امل ُعلن عنه يف العام 2002 يف إسطنبول . إن نظرة واضحة ملوقع تركيا التي نجت من التقسيم يف الحرب العاملية الثانية فقط لإلستفادة من موقعها اإلسرتاتيجي كحاجز طبيعي يوقف املد الرويس بإتجاه أوروبا والغرب ،تُبينّ الوهم يف نظرة القيادات الرتكية امل ُستحدثة يف تقدير القوة السياسية واإلقتصادية والثقافية التي تعتربها من عنارص قوة الدولة الكافية لخرق اإلنسجام بني الحزام الجيوسيايس والحدود القانونية الثابتة بإستثناء الهبة اإلستعامرية اإلسرتضائية بإقتطاع لواءي كيليكيا واإلسكندرون يف ظل سكون حيوي تام ساد تركيا واملنطقة بعد إتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور ،فإندفاعة النظرية الرتكية امل ُلتبسة يف قراءة موازين القوى الناشئة إلعتقادها بأن توازنات تحالفاتها مع امريكا وإرسائيل وعضويتها يف االطليس ستحقق لها التفوق والتمدد الحيوي ُمستفيدة من الرصاع الجيوسيايس اإلقليمي والدويل ُ ،مرتكبة خطأ إسرتاتيجيا ُمدمرا حني أضفت عىل العامل الديني وظيفة سياسية متتطيها كوسيلة عبور لتحقيق أغراضها التوسعية ،كبديل عن العوامل السياسية واإلقتصادية والثقافية والعسكرية كأدوات ُمتكاملة تُعيدها اىل الساحة العاملية كقوة فاعلة تُخطط إلستعادة دور األمرباطورية القابضة . مل تستطع تركيا إنجاز لحظة التحول من النظري اىل التطبيقي بسبب الخلل الناجم عن محدودية قدراتها الذاتية ،وإخفاقها يف قراءة الجيو سيايس والجيو إسرتاتيجي اإلقليمي والدويل ،فكانت اللحظة الحاسمة يف إظهار عجزها الكامل يف تقرير مصري املنطقة ،بل ظهرت هشاشة وتباينات وضعها الداخيل ُمتزامنة مع واقعني شكال صدمة كبرية ،أالول سقوط إمكانية تدخل االطليس ،وهذا ما كانت تع ّول عليه ،وإحجام امريكا أو عدم قدرتها عىل التدخل املبارش ليس فقط بسبب إستحقاق اإلنتخابات الرئاسية إمنا بسبب الواقع الثاين امل ُتمثل باملواقف الروسية والصينية واإليرانية التي شكلت توازنا دوليا حاسام يف املنطقة امل ُتصارع عىل مواردها ، والذي يجب ان يكون مدار حوار يف الراهن هو مدى إنعكاس إنحباس وإنسداد االفُق الرتيك بعد ان إستنفذت كافة الوسائل يف محاولتها إحداث تغيري يف سوريا أكان من تأمني سالح وإدخال املسلحني أالجانب وامل ُتشددين أو إحتضان قيادات امل ُعارضة عىل أراضيها أم اإلنخراط مع عرب االمريكان واالمريكان بهدف تغيري الواقع السوري كخطوة رضورية إلستئناف التقدم اىل العمق الرويس ذات األكرثية اإلسالمية ،وقد يكون التوتر الذي تشهده الحدود السورية الرتكية يحت ِمل مخرجني أو سيناريوهني ،االول سعي تركيا
من خالل تحريك قواتها العسكرية وإعالن تغيري قواعد اإلشتباك مع سوريا إلستقطاب امل ُبادرات اإلقليمة بهدف إيجاد حلول وتسويات مع اإلقليم تُتيح لها ضبط حدودها وإقفالها أمام تدفق املقاتلني املتنوعي املشارب والغايات واالهداف ،والذين أصبحوا مشكلة حقيقية قد تؤثر عىل متاسك الداخل الرتيك املتنوع بأثنياته وقومياته وتركيبته الحضارية امل ُتعددة واملتباينة يف وجهة نظرها من مفهوم الوطن ،إضافة املنهج العلامين امل ُتشكّل من العسكر واملعارضة ،أم اإلسالم امل ُعتدل الذي يخوض حروبا عبثية ملصلحة أمريكا وإرسائيل ،وهذا سيؤدي ُحكامً اىل تزايد هشاشه الداخل بفعل االحداث الجارية ،ما قد يُشكل مخرجاً الئقا لتورط تركيا امل ُتزايد خاصة بعد سقوط رهانها عىل تدخل حلفائها العسكري ضد سوريا حسب النموذج الليبي ،اما السيناريو الثاين والذي قد يكون أشد خطورة وحساسية وتهورا يف آن ،وهو الهروب اىل االمام والدخول يف حرب ضد سوريا ،فرتكيا أصبحت بحاجة ماسة اىل الخروج من مأزقها الذي وضعت نفسها فيه من اللحظة التي قررت فيها ان تعود كدولة مؤثرة عىل الساحة الدولية ،وليك تورط االطليس وأمريكا قد تلجأ أىل إشعال فتيل الحرب يف لحظة دولية شديدة الحساسية ،روسيا تُدرك ان تركيا تسعى للتمدد بإتجاه إسالميي روسيا وأنها بدأت إصدار جوازات سفر تركية ملا يُقارب 25000إسالمي من دول اإلتحاد السوفيايت السابق ،وروسيا تُدرك أيضاً ان تركيا االطلسية هي الذراع االمرييك الضارب يف العمق الرويس الساعي اىل تدمري رشكة غاز بروم وإعادة روسيا اىل القرون الوسطى ،وإيران التي وق ّعت مع سوريا إتفاقية دفاع مشرتك تعترب تحالفها مع سوريا إسرتاتيجيا بإمتياز ،وقد أبلغت خارجيتها تركيا مرارا بجدية مواقفها ،لذلك فإن امل ُغامرة الرتكية ،بوجود االساطيل الروسية والصينية واالمريكية وحلفائها يف املتوسط ،تستعجل خلط االوراق توخيا لعدم سقوطها والحفاظ عىل وحدتها الداخلية التي بدأت تظهر فيها إعرتاضات كردية قومية ال زالت تسعى اىل تحرير عبداللة اوجالن وتركامنية وعلوية وشيعية من ناحية ،وللدفع بإتجاه إعادة اإلعتبار اىل مرشوع نابوكو الذي بنت تركيا إسرتاتيجيتها وإستكملت تحوالتها الفكرية والثقافية بناء عليه ،وأصبح مستقبلها كحيوية سياسية مرهوناً بنجاح هذا املرشوع الذي أصبح من املايض بسبب ظهور وصعود حيويات جيوسياسية وجيو ثقافية وجيو إقتصادية ُمناقضة ملرشوع العدالة والتنمية التي إستنسخت مثائل لها يف مرص وتونس وليبيا ولكن دون جدوى لعدم قدرتها عىل تغيري موازين القوى الناشئة ،هذه الحيويات شكلت سدا منيعا بوجه تركيا وأوقعتها يف مأزق مصريي و وجودي ،فالهالة الكبرية التي قدمت تركيا نفسها بها عجزت بالتايل عن تجاوز سوريا ،بعد عجزها عن إستجداء إعتذار من نتنياهو إثر قضية مرمرة ،وهذا يُظهر الضحالة يف الفكر اإلسرتاتيجي ويف قراءة الوقائع كدولة تقدم نفسها عىل أنها حيوية قادرة عىل إخرتاق وتجاوز مدى الحدود القانونية اإلقليمية كجيو سيايس إقتصادي ثقايف توسعي . إذا ما أضفنا اىل امل ُعادلة فشل تركيا يف التمدد رشقا بإتجاه اإلسالم الرويس ،وجنوبا بإتجاه اإلسالم العريب الذي يُصنف نفسه ُمعتدال والذي حالت سوريا دون تحقيقه ،بعد فشلها يف التمدد غربا وعدم متكنها من الفوز بعضوية اإلتحاد االورويب ،يتبني لنا بوضوح ان تركيا بحكم موقعها الجغرايف تشعر انها بحاجة للتوسع والنفوذ يك تستطيع ان تبقى وهذا راسخ يف الفكر السيايس الرتيك القديم ـ فكرة االمرباطورية العثامنية ـ بكل تجربتها امل ُقترصة عىل القوة العسكرية ،والحديث املتأثر واملتامثل بتجارب دول شديدة
الحيوية وإنبهار الفكر الرتيك الذي يعترب التمدد والنفوذ لتحقيق حلمها بالوجود الفاعل عىل الساحة الدولية رضورة وجودية لها ،وهذا يحتاج اىل تكوين خطوط جيوسياسية أمامية ُم ّدعمة بالعنارص الثقافية والتاريخية املُرتاكمة ألي ُمجتمع حيوي من شأنه أن يُكسبه دورا مهام يف تشكيل وضع هذا املجتمع يف مراكز النفوذ الدولية ،وهكذا تتضح معامل إرادة التوسع الرتكية التي وضع أحمد داوود أوغلو أُسسها الفكرية متامهياً مع أمناط يجدها إمنوذجا ُمالمئا و ُمؤاتيا لبالده ،عىل سبيل املثال يرى أوغلو أن االختالف بني الخطوط االمامية الجيو سياسية امل ُعربة عن الذهنية االسرتاتيجية االملانية ،امل ُرتبطة بالهوية األملانية وتاريخ االمرباطورية الرومانية ـ الجرمانية امل ُق ّدسة ،وبني واقع الحدود األملانية القانونية الفعلية تسبب يف حدوث حربني عامليتني يف املايض .يف امل ُقابل ،كان ،قد َ هذا اإلختالف نفسه أحد أهم العوامل التي سببت تكوين اإلتحاد االورويب بالطرق السلمية بعد الحرب العاملية الثانية .وإستدالالً ، ومن وجهة نظر أوغلو ،يتبني ان العنرص االسايس ،الذي أ ّدى اىل بروز الواليات املتحدة االمريكية كقوة ُعظمى يف املرسح التاريخي ،هو محاولتها املستمرة يف التوسع الذي رسمت معامله يف القرن التاسع عرش عن طريق التحرك من عمق املحيط االطليس حتى املحيط الهادي ،لتحويل الخط االمامي الجيو سيايس اىل ساحة سيادة قانونية سياسية .وهكذا يتب ّدى بوضوح أن تركيا تحاول ان تكون قوة إستعامرية توسعية باملنطقة عىل حساب الحدود القانونية لدول املرشق العريب وروسيا وباقي البالد العربية . إن قراءة سياسية لألهداف التي سعت إليها تركيا تحت غطاء حزب العدالة والتنمية وتجربة اإلسالم املعتدل الذي حقق نجاحات إقتصادية وهمية و ُمفتعلة و ُمخططاً لها إلكساب هذا النموذج مصداقية تُجيز له تعميمها كجواز مرور ملرشوعه املشبوه ،نج ُد أن تعثرُ ا واضح املعامل بدأت نتائجه املبارشة تنعكس عىل القرارات الرتكية التي ميكن وصفها بامل ُنفعلة وامل ُتخبطة والفاقدة إلي عمق إسرتاتيجي ،أكان يف الفكر السيايس للدولة أم يف إسلوب ُمعالجتها وتصديها لألحدات والوقائع والتحديات وامل ُتغريات الجيو إسرتاتيجية والجيو سياسية اإلقليمي منها والدويل .واقع تركيا الراهن ،هل ال زال يحتمل إستمرار العدالة والتنمية يف السلطة ،أوغلو وأردوغان تحوال اىل مصنع أزمات مصريية وامل ُجتمع الرتيك يواجه نتائجها وحيدا ،أصبح الشعب الرتيك يعيش يف مناخ ُمعادي متاماً ،فعدا عن مذبحة االرمن ،تتدهور عالقة الدولة اإلكرث مرضاً مع العراق وإيران وروسيا وسوريا ،وتتنافس عىل النفوذ الس ّني مع مرص والسعودية ،وهي ُمهددة مذهبيا بالقوى الوهابية والتكفريية ،ما بات يؤرش لحتمية قيام إنقالب يُقيص العدالة والتنمية عن السلطة لتبوؤه صفة الحكومة االسوأ يف تاريخ تركيا القديم والحديث ،وهذا كالم علني يف الصحافة الرتكية ،خاصة بعد ان بدأت معامل الركود اإلقتصادي التجاري والصناعي تشهد تقلص وتراجع االسواق التي كانت مفتوحة قبل االحداث السورية . يف الخُالصة ،ال ميكن تجاهل النتائج التي سترتتب من ج ّراء شعور الحكومة الرتكية بالخيبة ،والترصفات التي ميكن ان ت ِ ُقدم عليها حكومة أردوغان الواقعة تحت تأثري الوحدة إذا مل نقل العزلة التي وضعت نفسها فيها بسبب عدم قدرتها عىل قراءة عنارص االزمة والرصاع الدوليني ،باإلضافة اىل سقوط أحالمها بأن تكون دولة ذات خطوط إسرتاتيجية أمامية كام أوهمها أحمد داوود أوغلو ،وعاشت يف وهم حلم توسعي سقط يف اإلصطدام االول مع املرشق العريب .
7
8
العدد 72
درا�سة
ترشين الثاين 2012
استباقاً لحرب ارسائيلية عىل الجنوب :
املتحدات البرشية بدالً من الجيوش
استباقاً للحروب األرسائيلية عىل جنوب لبنان وضع إميل عكرا دراسة تحدد معامل املنطقة وطبيعة الحروب التي ميكن أن تواجهها وطريقة مواجهتها مقرتحاً وسائل وأساليب حديثة وعرصية وتنسجم مع واقع املنطقة ويف مجتمع يعاين من املشاكل البنيوية واألقتصادية واإلجتامعية إميل عكرا خريف 1971و عند بدء الدورة األوىل لنيل شهادة الدراسات العليا يف الهندسة املعامرية للسنة الجامعية 1972 1971-يف معهد الفنون الجميلة يف الجامعة اللبنانية ،تق ّدم أحد الطالّب مبوضوع للتوسع و الدفاع عن صالحه للحصول عىل الشهادة .كان يقرتحه ّ املوضوع جدلياً بامتياز إذ كان يقسم اللبنانيني بق ّوة ،فأكرثيتهم مل تكن تؤمن بلبنان القوي املحارب املدافع عن حقوقه و مصالحه بكل الوسائل املتاحة ،بل كانت تؤمن بلبنان املسامل الكامنة ق ّوته ّ بضعفه و املسلّم أمره لألمم املتحدة و حاميتها لحقوق اإلنسان و لحقوق الدول .و لألسباب عينها قسم املوضوع أساتذة الدبلوم أنفسهم ،ذلك أ ّن املوضوع كان «شبعا ،ضيعة حدودية دفاعية مقاوِمة» فاحتارت أكرثية األساتذة و دار نقاش حاد حول املوضوع الذي ال يطرح مشكلة إع��ادة إعامر ما خ ّربته الحرب بل أ ّن املوضوع هو كيف نفكر يف موضوع تنظيم املتّحدات البرشية و حرب دامئة، كيف نتعاطى مع العامرة يف مجتمعٍ موجو ٍد يف حالة ٍ تستنزفه و هو غري قادر عىل الدفاع عن نفسه بالوسائل املعروفة، كل دول العامل. كالجيوش النظامية ،املعت َمدة يف ّ كانت منطلقات البحث يف املوضوع هي التالية: 1متّحداتنا يف جنوب لبنان ،من مدن و قرى و دساكر،موجودة يف خطر دائم ،فالعدو املبارش ،الصهيونيون املحتلّون فلسطني و البانون فيها دولة قوية عدائية ،يعتدون علينا بسبب و بغري سبب فيقصفون و يقتلون و يه ّجرون دورياً جاعلني الجنوب بأكمله يف حالة الإستقرار دائم ،ينتج عنه ال إستقرارا ً دامئاً يف لبنان كله. 2الدولة اللبنانية مفككة بسبب بنيتها الطائفية ،وضعيفة بسبب تفككها و اتّكالها عىل القوانني الدولية و املنظّامت العاملية التي ابتدعتها الدول القويّة للسيطرة عىل الدول الضعيفة بوسائل ناعمة .و الحكم يف الدولة اللبنانية تألف منذ االنتداب الفرنيس من عصابة من األوليغارك ( )Oligarquesعابرة للطوائف و للمهن و للمناطق ،قصرية النظر ،ليس لديها فكر اسرتاتيجي ،و ال ه ّم لها سوى الحفاظ عىل مصالحها الذاتية و تنمية هذه املصالح عىل حساب قوت الناس و موت املجتمع. 3املجتمع اللبناين حالة هجينة تتنازعه عوامل عديدةإيجابية تش ّد أوارص وحدته نذكر منها تداخل مركّباته الطائفية
عضوياً ،فأكرثية متّحداته تض ّم أكرثية طوائفه؛ و نذكر منها حياة القيام بواجباتها بالدفاع عن جنوب أرض الوطن و أهله ،فلقد مشرتكة امت ّدت مئات السنني َو َّحدَتْ كثريا ً من العادات و التقاليد شكّلت هذه الحالة اإلطار املناسب لطرح املشكلة األساسية ،أال و ظل جميع هذه املعطيات و التي و بَ َنت مصالح إقتصادية و إجتامعية مشرتكة؛ و نذكر منها أيضاً هي كيفية الدفاع عن أنفسنا يف ّ ثقافة مشرتكة مبنية عىل تراث مشرتك من األدب و الفكر و العامرة تخترص تحت عنوان أنّنا أمام «حرب وجود ال حرب حدود» ،و و الفنون ،و نذكر أيضاً ،و قد يجدر بأن يكون أ ّوالً ،أرضاً مشرتكة أنّنا ال منلك دولة تدافع ع ّنا و أنّه علينا أن نتدبّر أنفسنا بأنفسنا. • املعطى األ ّول يف هذه النظرية هو أ ّن لبنان كله يف حالة ذات جغرافية متشابهة عىل تن ّوعها ،تحوي ثراوات متشابهة عىل حرب مماّ يقتيض أن يكون الجنوب بأكمله ساحة قتال مبارش ،و ضحالتها. كل البقاع الغريب ساحة قتال مداور، 4لك ّن املجتمع اللبناين الهجني هذا تتنازعه أيضاً عوامل املنطقة بني بريوت و صيدا و ّسلبية خطرية تفكّكه و يسعى بعضها إىل تدمريه ،و نذكر من هذه و بريوت و ما تبقى من لبنان ساحة دعم دائم. • املعطى الثاين هو أ ّن القتال األسايس عىل أرض املعركة العوامل ما ييل :تع ّدد األديان و فهمها لنفسها نقيضاً بعضها لبعض، و هيمنتها عىل الحياة بأكرثية مجاالتها االجتامعية و الثقافية و هو من مه ّمة األهايل سكّان املتّحدات ،فهو قتال شعبي يقوم كل لذاته ،الحقيقة السكّان املد ّربني بفعله ،فيح ّولون املنطقة بأكملها إىل ساحة خاص ًة السياسية؛ و انغالقها عىل ذاتها محتكرةّ ، الكربى الشاملة النشوء و املسار و اآلخرة .و من ث ّم تع ّدد الطوائف قتال يضط ّر العدو إىل الدفع بأعداد كبرية من مشاته للتمكن من ضمن الدين الواحد ،ذلك أ ّن الدين؛ و مهام عظُم جربوته و جعلت السيطرة عىل األرض و بذلك يضط ّر إىل االلتحام املبارش مماّ يعطّل منه عامليته شأناً متسام عن شؤون البرش ،يبقى يف النهاية منظومة إمكاناته التكنولوجية املتحكّمة بأرض املعركة عن بُعد ،و يعطّل ٍ وضعية يُع ِمل فيها اإلنسان عقله و عواطفه و يحلّل و يجتهد و حكامً تف ّوقه القتايل :إنّه أسلوب املقاومة. • املعطى الثالث هو أ ّن الحياة العامة يجب أن تبقى يرسم أمناطاً من الس ُنن و النواميس تختلف عن بعضها بحسب الظروف و املعطيات التاريخية و الجغرافية و الثقافية؛ و يكفي طبيعية يف كافة املناطق امل ُشار إليها و خاصة يف الجنوب ساحة كل الحقيقة وحده ،حتى القتال املبارش .و ذلك يقتيض بيئة مبنية طبيعية و بيئة مدينية عندها اعتداد اإلنسان بنفسه بامتالك ّ تكرث الطوائف و تكرث املذاهب و تصبح خصومتها و عداوتها يف طبيعية .سنة 1972كانت أكرث متّحداتنا يف الجنوب ال تزال جميلة، أكرث األحيان شأناً إنسانياً طبيعياً مل يستطع اإلنسان تخطّيه بعد .و إذا انتقلنا إىل الخالف السيايس الحاد املسيطر عىل الحياة العامة نجد ،و دون تطوال ،أنّه ينتقل برسعة إىل عداء بسبب األنانية املفرطة و انعدام الشعور القومي الذي يو ّحد األهداف الكربى الحكم يف الدولة اللبنانية تألف منذ و يخلق قناعة بوحدة املصري و يخلق ق ّوة جامعية كربى تعود يف االنتداب الفرنيس من عصابة من األوليغارك ظلها الخالفات يف وجهات النظر لتأخذ مكانها الطبيعي و حجمها ) ( Oligarquesعابرة للطوائف و للمهن النسبي يف الحياة العامة .و إذا ما استعدنا حقيقة هيمنة الدين و الطائفة عىل آليات هذه الحياة العامة ،نجد كيف أ ّن املخطىء و و للمناطق ال ه ّم لها سوى الحفاظ عىل املجرم املنتمي حكامً إىل طائفة ما يستحيل مساءلته و محاكمته إذا مصالحها الذاتية عىل حساب قوت الناس و ما تسلّح بانتامئه الطائفي و انترصت له طائفته و اعتربت محاكمته موت املجتمع تَ َج ٍّن عىل الطائفة بأكملها ...هذا ما يحدث يف لبنان دامئاً عندما تكون الجرمية كبرية تطال الوطن و الناس و األ ّمة .و قد ال يكون حل لهذه املعضلة يف بلد كبلدنا إالّ بالقناعة الشاملة عند هنالك ّ كل مك ّونات شعبنا بأنّنا «كلّنا مسلمون؛ م ّنا من أسلم لله باإلنجيل ّ تحتل قمم الهضاب و التالل .و مل و م ّنا من أسلم لله بالقرآن و م ّنا من أسلم له بالحكمة « فنحسم فهي متج ّمعة عىل بعضها و غالباً ّ بذلك خالفنا عىل السامء و ننتقل ملواجهة تح ّديات وجودنا عىل يكن الباطون البشع األبله يومها ،أي سنة البحث ،قد غزا ريفنا ،و األرض :إ ّن مواجهة هذه التح ّديات يصبح أهيناً ،فإعامل العقل يف أ ّما الباطون الجميل فكان شبه مجهول هناك و كان يحاول دبدباته األوىل يف العاصمة و يف بعض املصايف و املدن الصغرية .البيئة هذه املجاالت كفيل بالتغلب عىل جميع الصعوبات. لكل ذلك ،و ألسباب عديدة أخرى متفاوتة األهمية ال مجال الطبيعية إذن و البيئة املبنية املنظّمة هام الرشط األ ّول و الحاضنة ّ لكل حياة طبيعية يف مجرياتها االجتامعية و االقتصادية و لذكرها اآلن ،انطلق الطالب املذكور بتح ّديه النظري للواقع القائم ،األساسية ّ معتربا ً أ ّن العبور إىل «مجتمع جديد» بحاجة إىل نظريات يف الثقافية و السياسية و بالتايل الردعية .إذن نحن يف مفهوم يتناقض كافة شؤون الحياة و عىل رأسها األمن و الدفاع؛ و مبا أ ّن مسألة كلياً مع مفهوم الكيبوتز ،فاملوضوع هو تحويل متّحداتنا نفسها مزارع شبعا و احتالل الكيان الصهيوين لها و عدم متكّن األهايل من خالل تعديالت نوعية و إضافات مالمئة إىل متّحدات طبيعية من الوصول إليها و استعاملها ،كانت أصبحت يف واجهة األحداث ،الحياة أيّام السلم و جاهزة للدفاع عن نفسها أيّام الحرب. • املعطى الرابع يعرفه املضطلعون و العارفون باملوضوع، و مبا أ ّن قسامً كبريا ً من جنوب لبنان ،أي شامل فلسطني كان قد أصبح «أرض فتح /فتح الند» بتخلٍ واضح من الدولة اللبنانية عن و قد أكّده أحد ضبّاط املقاومة الفلسطينية يومها ،و هو أ ّن
العدد 72
ترشين الثاين 2012
الجيش اللبناين ،و رغم التف ّوق الكاسح للجيش اإلرسائييل ،يستطيع أي حرب قادمة يف حال تح ّولت قواعد أداء دور كبري و مؤث ّر يف ّ القتال باتّجاه اعتامد قواعد قتال املقاومة الشعبية؛ ذلك أ ّن باستطاعته إعاقة و حتى وقف تق ّدم أرتال املد ّرعات عند أعناق املحاور الجبلية املضط ّر إىل سلوكها ،و بذلك يكون قد أجرب العدو إىل الدفع مبشاته إىل أرض املعركة ،و هذا هو املطلوب. بعد هذا العرض املخترص للمشهد العام ينطرح السؤال حول املوضوع بشقني :األ ّول يتناول ما يجب عمله و صنعه و تعديله و إضافته حتى تتالءم متّحداتنا مع مجمل التح ّديات املطروحة و
الجيش اللبناين يستطيع أداء دورمؤثّر يف أ ّي حرب قادمة يف حال تح ّولت قواعد القتال باتّجاه اعتامد املقاومة الشعبية؛ عرب إعاقة أرتال املد ّرعات عند أعناق املحاور الجبلية املضط ّر إىل سلوكها ،و بذلك يكون قد أجرب العدو إىل الدفع مبشاته إىل أرض املعركة تصبح جاهزة لرفع التح ّدي الوجودي الذي يواجهنا ،و الثاين يتناول كيفية تأسيس متّحد ريفي جديد يف منطقة الرصاع يؤ ّمن الرشوط الالزمة لحياة طبيعية سليمة جاهزة للدفاع عن نفسها يف ظروف النزاع و يف ظروف الحرب .لقد اختار الباحث اإلجابة عىل السؤال الثاين الذي ميكنه من عرض أوسع ملشاكل التنظيم و الرتتيب و العامرة يف مكان تقترص معطياته عىل ما تفرضه الطبيعة .و لقد انطلق من قاعدة ذهبية اعتمدها األقدمون و أهملها الحديثون و املعارصون و هي القاعدة التي تضع ح ّدا ً لحجم املتّحد ،فال ميت ّد و ينترش غرائزياً بنا ًء عىل حاجات األفراد و رغباتهم ،بل ميت ّد و ينترش عقلياً و بحكمة بنا ًء عىل نواميس الطبيعة و علم االجتامع و مصلحة األ ّمة؛ و عليه فإذا أصبحت تلبية حاجات النم ّو السكاين يف رض ًة بنوعية الحياة و مبزاياها و بتوازنها املادي و املتّحد و حوله م ّ
درا�سة
النفيس لجأ الق ّيمون عىل املوضوع إىل استحداث متّحدات جديدة قد تكون جار ًة لألوىل و قد تبتعد عنها جغرافياً حسب نواميس ألي زمان. أي مكان و ّ املدى الحيوي الذهبية أيضاً يف ّ إ ّن املوقع الحايل لبلدة شبعا يتمتّع مبزايا و لديه عيوب .فإذا كان من مزاياه اإلتاحة للبيوت الرتاصف متتالي ًة بتوا ٍز عىل املنحدر الرشقي للجبيل الذي يحمل البلدة فيحميها شتا ًء من جهة الغرب و ينرشها من جهة الرشق أمام الشمس من الصبح و حتى منتصف بعد الظهر ،فإ ّن حرمان البلدة من الهواء املنعش اآليت صيفاً من املتوسط الرشقي، االتّجاه الغريب الجنويب ،الغالب عىل طول شاطىء ّ يع ّد عيباً ،خاص ًة إذا أضفنا إىل ذلك حرمان البلدة أيضاً من غروب الشمس عىل أفق واسع مط َّرز بالهضاب املتاميلة بدالل و املنحدرة غرباً نحو البحر .و إذا كان اصطفاف األبنية عىل طول الشوارع املتوازية بحسب انحدار أرض املوقع من الغرب إىل الرشق هو من طبيعة الرتكز عىل املنحدرات ،فإ ّن اتّجاه هذا الرتكز من الجنوب تحتل البلدة منحدره الغريب إىل الشامل حسب اتّجاه الوادي الذي ّ يحمل عيبني؛ األ ّول طبيعي دائم يتمثّل بانفتاح الوادي أمام الرياح الشاملية الباردة و املؤذية شتا ًء ،فالبلدة تقع عىل ارتفاع ألف و خمسامية مرتا ً عن سطح البحر؛ و الثاين َج َديل آ ّين يتمثّل بانفتاح الوادي جنوباً أمام الرصد اإلرسائييل املبارش من الجبال الجنوبية املحتلّة حيث املعابر نحو مزارع البلدة و حيث أمالك سكانها و جزء كبري من مصادر إقتصادها .أ ّن الناظر إىل البلدة من تلك التالل و املعابر يراها بأكملها متت ّد أمامه و تنساب شامالً منفلش ًة بأقل حركة تحدث يف أحياء البلدة بسالحه أمام الق ّناص املتحكم ّ املتوسط حيناً و بسالحه الثقيل حيناً آخر؛ تقع البلدة إذن تحت ّ نظر العدو و تحت مرمى كافة أسلحته التقليدية مماّ يخلق لها لشل الحركة فيها و تعطيل الحياة حالة من التوتّر الدائم الكايف ّ اليومية. أ ّن املوقف املبديئ من موضوع املوقع هو االحتفاظ به حيث هو ،فاألمكنة املختارة ملواقع قرانا و بلداتنا منذ تواريخ قد تقرص أقل أو تطول إىل ألفي ٍة أو أكرث ،أثبتت األيّام صالحها و إىل قرن أو ّ التمسك بها فهي غالباً جودتها .فال حاجة إىل تغيريها ،بل يجب ّ تحتضن بجغرافياتها املتن ِّوعة فرادة شخصياتها املنحوتة من حياة ناسها فيها؛ و هي شخصيات تنمو مع الزمن و تتغيرّ من خالل أصحابها باثقة عليهم هذه الصفات الخاصة املكانية الصابغة بلطافة تلك الصفات العامة املتولِّدة من جغرافية مكان و سكان
املدى الحيوي لأل ّمة .لكن خروجاً عن هذه القاعدة قد يطرأ يف بعض األماكن بسبب عطل يف املوقع مل يكن ظاهرا ً أو مؤثرا ً عند التأسيس و ت ّم تخطّيه ألسباب عديدة ،فأتت تط ّورات الحقة أ ّدت إىل رضورة إعادة النظر .و مهام يكن من أمر الجدال حول صوابية اختيار موقع آخر لرتكز املتّحد الجديد فإ ّن األهمية الفعلية للمقرتح تكمن ببنيته النظرية الصالحة بشكل عام لكافة األمكنة التي نضط ّر فيها الختيار موقع جديد ملتّحد موجود أو إنشاء متّحد جديد لرضورات النم ّو السكاين و لحاجة االنتشار. إ ّن املوقع الجديد املق َرتح لشبعا الجديدة هو املقلب اآلخر للجبيل الذي يحمل شبعا القدمية؛ أنّه املقلب الغريب لهذا الجبيل أقل مماّ هي عليه يف املقلب حيث تنحدر األرض غرباً بح ّد ٍة ّ كف اليد مالمس ًة الطريق الرشقي ،و حيث املساحة تنبسط مثل ّ العام عند أ ّول منعطف قوي يسبق الوصول إىل البلدة الحالية. و قد يكون من املناسب تسمية املوقع الجديد «جديدة شبعا» ملحاذاته شبعا املوجودة و اعتباره االمتداد الطبيعي يف الزمان و الحي األ ّول .يتم ّيز املوقع الجديد بانفتاحه املكان للكائن الطبيعي ّ التام عىل األفق الغريب من أ ّول شامله إىل آخر جنوبه ،و هو ذو أخف من انحدار املوقع القديم ،و يشكّل خط الق ّمة فيه انحدار ّ ّ املمت ّد من الرشق إىل الغرب مرورا ً بالجنوب خط دفاع طبيعي كف يف مواجهة العدو ،فتبدو البلدة و كأنّها محتمية يف حضن ٍّ يدير ظهره ملصدر القلق؛ و إذا كان التع ّرض لريح الشامل ال زال موجودا ً فإ ّن هذا الريح مل يعد يصفر من خالل وا ٍد يشكّل مضيقاً كل ذلك تشكّل تتضاعف فيه ق ّوة الريح املؤذية؛ و إذا أضفنا إىل ّ طبيعة األرض من الصخر الذي تتخلّله فجوات من الرتاب ،و هي طبيعة مالمئة للبناء و للتشجري حوله ،أصبح عندنا موقعاً ج ّيدا ً يصلح لالستيطان ،عنده إمكانيات العودة إىل بيئة خرضاء رطبة يحتل أرضاً زراعية تشكّل عندنا ،و بسبب ندرتها، بعد البنيان و ال ّ ثروة نادرة حرام التفريط بها. يشكّل اختيار املوقع للمتّحد الجديد املرحلة األوىل من عملية االستيطان ،و عندها ينطرح السؤال الثاين املتعلق بكيفية الرتكّز فيه و توزيع الحيِّزات حسب الوظائف و تحديد أمكنة السكن و العمل و الرتفيه و غري ذلك من الحاجات العامة كاإلدارة و العبادة و التج ّمع و غريها؛ و فيام ييل تبيان مخترص لهذه العملية : 1اللوحة األوىل تبينّ أ ّن املنشآت تجانب الطريق العامالذي يصل البلدات ببعضها ،فال تعرقل حياة البلدة الداخلية حركة املرور فيام بني البلدات ،و تتح ّرك هذه الحياة حول شبكة الطرق و الساحات العامة الخاصة بالبلدة و التي تهيكل بنيتها كام تهيكل األضالع أوراق الشجر .يت ّم الدخول إىل مركز البلدة من خالل موزِّع صغري مثلّث األضالع يؤ ّمن انسياب املرور دون عرقلة .و يحيط مبركز البلدة شارع دائري يحرص ضمنه املنشآت العامة كالبلدية و مكتب الرشطة و املركز الثقايف االجتامعي و الجمنازيوم و املستوصف املع ّزز و الحماّ مات العامة و املعابد و ّ يحتل قسامً املحال التجارية .و تحيط بهذه املنشآت حديقة عامة ّ منها بحرية اصطناعية تؤكّد تقليدا ً قدمياً يف أكرثية بلدات الجنوب تحتل وسط البلدة .تشكّل البحرية حيث الربكة املتع ِّددة الوظائف ّ رمزا ً مهماّ ً للحياة التي بحاجة إىل الدفء كام و للرطوبة ،و إذا ما اعتمدنا زرع األشجار الباسقة الكبرية الحجم و االرتفاع بدل املخصصة لذلك يف مدننا و الشجريات التي تغزو املساحات الضئيلة َّ قرانا ،نستعيد الح ّيز العام املظلّل املنعش الذي كان عندنا يف املايض كل بدل الحيِّزات العامة الصحراوية املنترشة اليوم يف ّ
9
10
درا�سة
متّحداتنا .يف متَّحداتنا اليوم يرتاءى للمراقب أ ّن الناس نسوا أنّنا يف بلد الشمس الطاغية خالل ثلثي السنة و أ ّن الثلث الثالث ال تغيب عنه الشمس إالّ قليالً .أ ّن ج ّوا ً منعشاً و مريحاً كام يؤ ّمنه الرتتيب املذكور يف املق َرتح يخلق ج ّوا ً من اإللفة و من التفاعل و من الزخم يعيد لألمكنة العامة وظيفتها األساسية أال و هي التالقي و الحوار و التفاهم... تبينّ اللوحة األوىل أيضاً شبكة الطرق التي تنطلق كلّها من الشارع الدائري و من الشارع األسايس الصاعد باتّجاه املنطقة العليا بانحدار ال يتجاوز العرشين باملائة ،فتسلكه الس ّيارات بسهولة و تتف ّرع منه الشوارع التي تغذّي األحياء الثامنية التي تشكّل كامل املتّحد .تنساب هذه الشوارع متوازي ًة مع األرض فليس فيها سوى انحدار خفيف و تتقاطع معها شبكة أخرى من الطرق و املعابر تتقاطع هي األخرى مع انحدار األرض و هي بغالبها أدراج منحدرة تخترص املسافات و تصل األحياء ببعضها من خالل «آدوميّات» يسلكها املشاة فقط .مت ّر طرقات السيّارات الثانوية ذات االنحدارات الخفيفة يف ساحات األحياء ،و هي ساحات فرعية صغرية الحجم حي ح ِّيزه العام حيث سبيل املاء و السنديانة الباسقة تعطي ّ لكل ٍّ و املقاعد املتحلّقة حول الساحة حيث التج ّمعات الصغرية يف املسايا حول فنجان قهوة أو كوب شاي و حيث يطيب السهر الحي مسارها لتصل إىل القمم يف الليايل املقمرة .و تكمل طريق ّ الصغرية التي تشكّل نوعاً من الحاجز الطبيعي حول املتّحد حيث أبراج املراقبة التي تسلّط عيونها و آذانها صوب األرض املحتلّة. و تبينّ اللوحة األوىل أيضاً اتّصال الطريق األسايس املنطلق من مركز املتّحد ،و الذي يشكّل العامود الفقري للشبكة ،مع الطريق العام عند أقىص رشق املتّحد ،و هو اتّصال يغذّي منطقة الصناعة الخفيفة املركّزة قرب زرائب املاشية و قرب حاويات العلف و قرب مستودعات املنتجات الزراعية التي تشكّل املادة الخام لتلك الصناعات الخفيفة و قرب مرائب الج ّرارات و الناقالت و أدوات اإلنتاج عىل أنواعها .و دون أن يغرب عن بالنا أ ّن حجم هذه املنشآت هو متناسق مع حجم البلدة و أ ّن هذا اإلنتاج يشكّل الرديف الذايت العائيل املتواضع للفالحني من السكان ،نشري إىل أ ّن متوسطة الحجم تحيط بها غابة املكان مج َّهز ببحرية إصطناعية ّ من األشجار ،تخدم هذه األعامل مضيف ًة إىل املكان روعة الحياة الحيوانية الطبيعية إذ تصبح مح ّجاً للطيور ال ّربية كام و موئالً للطيور األليفة. مبسط ،شبكة الطرقات برسم ، ب ت الثانية اللوحة 2ّ ينّ األساسية الصالحة للس ّيارات و مركز املتّحد و منشآته و بحريته و ساحات األحياء و فكرة عن انتشار الحارات حولها و منطقة التصنيع الزراعي الخفيف و بحريته و نهايات الطرقات مع مراصدها و املربّع الذي سيت ّم درسه و اقرتاحه كنموذج ملا ستكون عليه ساحات األحياء و كيفية التج ّمع حولها. الحي امل ُشار إليه يف اللوحة 3اللوحة الثالثة تبينّ قلب ّالثانية باملربّع الداكن .مي ّر الشارع العام ذو االنحدار الخفيف يف الحي تاركاً القسم األكرب منها يف الجهة العليا حيث سبيل ساحة ّ املاء و بعض املد ّرجات املحيطة به و املرشفة عىل القسم األسفل بحيث تبقى إمكانية تحويل املكان إىل مرسح شعبي متاحة ألكرث من مناسبة بينها إحتفال ٍ بعرس أو احتفا ًء بوالدة أو تكرمياً بنجاح أو إحيا ًء لتقاليد شعبية محلية أو عائلية .يتف ّرع من الساحة دروب منها املنحدر و منها املتد ِّرج تغذّي الحارات املركّبة أيضاً بتد ّرج يتطابق و يستفيد من انحدار األرض .تنساب الطرقات الفرعية
العدد 72
ترشين الثاين 2012
و األدراج حول الحارات بحيث تؤ ّمن الوصول إىل مك ِّوناتها من تظلّل الرشفات أمام مجالس البيوت ،ذلك أ ّن الدالية (العريشة) كافة الجهات ،و هي مسارات مك ّونة من طبيعة األرض و ُمحاطة تشكّل غطا ًء مالمئاً للرشفات يف األرياف ،فهي مكتسية باألوراق و باخرضار كثيف يتد ّرج من املساحات املعشوشبة إىل األشجار العنب من منتصف الربيع حتى منتصف الخريف ،فتؤ ّدي بذلك الظل يف جميع االتّجاهات فيصبح السري وظيفة التظليل من الشمس و وظيفة إنتاج أحد أطيب الفواكه، الكبرية الباسقة التي تؤ ّمن ّ يف البلدة من متعات الحياة فيها .ويشكّل تالصق البيوت املتع ِّددة و هي مع ّراة يف النصف اآلخر من السنة و خاص ًة يف فصل الشتاء األشكال يف تركيب الحارات كام و يشكّل تركّز الحارات املتن ِّوع و حيث تلعب أش ّعة الشمس دورا ً بارزا ً يف تدفئة البيوت ،فتدخل املتالئم مع طبيعة األرض و تضاريسها ،خروجاً قوياً عن الرتابة إليها و تؤ ّدي واجبها. يض باتّجاه ر ع مقطع خالل من و ، ب ت الخامسة 5اللوحةالتي تطبع املج ّمعات السكنية املستحدثة .فاملنظورات املتغيرِّ ة ينّ ْ ّ باستمرار و حجم الفراغات املتع ِّدد و تن ّوع املجاالت و املسارات االنحدار ،اصطفاف املباين و تد ّرجها و االستفادة من االنحدار لجعل رض بخصوصية الحياة العائلية .يبينّ يخلق ج ّوا ً من الج ّدة و من البهجة املقرونة بإندهاش فرح .يف هذه التالصق مفيدا ً و جميالً و غري م ٍّ لكل منعطف مكتشفاته املتمثلة هذا املقطع مدخل أحد املالجىء و موقعه داخل حوش إحدى لكل زاوية خاصيتها و ّ الحيِّزات ّ بأحجام األبنية و تضاريسها و الكتل الخرضاء و ألوانها املتع ِّددة الحارات و عمق هذا املوقع و اتّصاله املطمور مع ملجأ آخر يف و أالعيب الظالل عىل الواجهات و ظالل األبنية و األشجار عىل حال د ِّمر املدخل بالقصف .تتّصل املالجىء كلّها ببعضها مخافة تع ّرض مداخلها للتدمري نتيجة القصف املدفعي أو خالفه؛ و هي مج َّهزة حسب األصول ،ذلك أنّها تشكّل امللجأ اآلمن للسكان غري املؤ ّهلني للقتال من نساء و أطفال و شيوخ .يبينّ الرسم أيضاً كيف يشكّل سطح ٍ بيت ما ،م ّرتب و مزروع ،الرشفة املظلّلة بالدالية املتعددة يشكّل تالصق البيوت ِّ للبيت الذي يعلوه منسوباً دون أن يكون فوقه؛ و يبينّ أيضاً موقع طمر خ ّزان املازوت و وسيلة تغذيته و مسار وصول املحروقات إىل األشكال يف تركيب الحارات واملتالئم مع الحارة التي يغذّيها ،ذلك أ ّن خ ّزان حار ٍة ما يقع تحت مساح ٍة عامة طبيعة األرض و تضاريسها ،خروجاً ترتفع عن موقع الحارة ما يكفي إليصال املازوت إليها بواسطة الجاذبية ،ذلك أ ّن االستغناء عن الوسائل اآللية يف هذه الوظائف قوياً عن الرتابة التي تطبع املج ّمعات هو القاعدة السليمة األساسية كون هذا االستغناء يح ِّررنا من السكنية املستحدثة التبعية لآللة خاص ًة يف الظروف الصعبة .إ ّن الواجهات الظاهرة خلف األبنية املقطوعة هي مطابقة ملسطّح املنطقة التي عرضناها يف اللوحتني الثالثة و الرابعة ،و هي تعبرّ فعالً عن واقع الحال املرسوم و تعطي بالتايل فكر ًة عن مظهر الحارات و عن التداخل و الرتابط املتناغم فيام بني املساحات و اآلحجام. 6اللوحة السادسة ،و من خالل مقطع طويل مي ّر يف وسطاألرض و فيام بينها .لك ّن اكتشاف أرسار هذه املسارات املتع ِّددة الحي الذي بي ّناه يف اللوحتني الثالثة و يبقى حكرا ً عىل أبناء البلدة وحدهم و عىل قلّة من زائريها الدامئني الطريق و يف قلب ساحة ّ من أقارب و أصدقاء ،أل ّن الوضع يتغيرّ كلياً عندما يحاول الغرباء الرابعة ،تبينّ واجهة هذا الحي كام يراها َمن يستعمل هذا املسار. اقتحام املكان ،إذ يتح ّول عندئذ إىل متاهة تس ّهل عىل املدافعني ،و و هي مطابقة فعالً لتسلسل الحارات فوق الطريق ،و بالتايل فهي هم أهل املكان ،الدفاع عنه بوجه محتلني أعداء يتح ّولون ،بسبب أيضاً تعطي فكر ًة عن التداخل و الرتابط املتناغم امل ُشار إليه سابقاً. توسعاً تعقد املكان ،إىل صيد سهل يف مصيدة أع َّدت لهم سلفاً .إ ّن بلدة تشكّل اللوحات من السابعة حتى الحادية و العرشين ّ كهذه تستطيع الصمود و االنتصار يف حرب شوارع عىل عدد من يف مقرتحات مسطّح الحارات و البيوت التي تؤلفها كام و ملقاطعها األعداء مامثل لعدد املدافعني عنها ...و تبينّ اللوحة الثالثة أيضاً و واجهاتها ،و تقرتح موادا ً للبناء و كيفية بنيانها؛ كام و أنّها تقرتح مداخل املالجىء امل ُشار إليها باملربّعات الصغرية و التي تتواجد يف تنظيامً للغرف و توزيع الوظائف داخلها و كيفية التدفئة شتا ًء كل أحواش الحارات و تؤ ّدي كلّها إىل مالجىء جامعية كبرية مطمورة بوسيلة متع ِّددة الوظائف تؤ ّمن الطهو أيضاً و املياه الساخنةّ . بأقل تكلفة عىل أعامق مناسبة كام سيظهر يف اللوحة الخامسة؛ و تتح ّول هذه ذلك بهدف االستفادة القصوى من معطيات املواد و ّ املخاىبء عند االلتحام املبارش إىل كامئن تتيح للمدافعني االنقضاض ممكنة و بهدف تأمني أكرب قد ٍر من الراحة انطالقاً من قاعدة الـ كل مكان و زمان. « »Optimalisationالذهبية يف ّ عىل املهاجمني من كافة االتّجاهات. أواخر حزيران سنة 1972نجح ذلك الطالب بإقناع اللجنة 4اللوحة الرابعة تبينّ نفس منطقة اللوحة الثالثة مرئيةمن الجو ،و القصد منها تبيان اختالط حدود البناء مع حدود التحكيمية بصوابية طرحه و نال شهادته و هو يتذكّر أمامكم اآلن الجنائن املحيطة عندما تكسو الخرضة كامل املساحات ،ذلك تلك الفرتة الخصبة من تاريخنا املعارص و يه ّنىء نفسه و اللبنانيني أ ّن أسطح البيوت و املباين م ّرتبة و مزروعة و هي بذلك تؤ ّمن خصوصاً و العرب عموماً و األمم الح ّرة يف العامل بشكل أع ّم بهذه عازالً جيّدا ً لداخل املباين و منظرا ً جميالً و محيرِّ ا ً من الجو؛ و املقاومة الفريدة التي ر ّدت لنا اعتبارنا أمام أنفسنا أ ّوالً و أمام قد ال يستطيع التمتّع به سوى ساكني املناطق العليا يف البلدة ،العامل تالياً و عدنا بفضلها من ص ّناع وجودنا و من ص ّناع التاريخ. جبيل يف 13متّوز 2012 و املتواجدين عىل قمم الجبال املحيطة و من األمكنة البعيدة املعامر اميل العكرا، املرشفة .أنّه بال شك منظر طبيعي جميل ينحرش يف الطبيعة بتآلف رئيس هيئة املعامريني العرب محكَم و بتناغم تام .و تظهر أيضاً يف هذه اللوحة الدوايل التي
العدد 72
ترشين الثاين 2012
درا�سة
العبور اىل الدولة عىل الدولة
فأحمر وجه العدالة وقاحة ال خجال ،هم من غرفوا ارسار املسح نسيب الشامي الجيولوجي الفرنيس لباطن االرض والبحر ،فأنتجوا بدعة االقرتاض ال ابالغ اذا قلت ان الذين يتناولون مسألة بناء الدولة ،العبور وكارثية الدين العام .هم من اخذ بيد الطائفية اىل جحيم املذهبية. اىل الدولة وكل هذه الديباجات املنمقة التي تنتهي بسيادة هم من اسقط فلسطني وقضيتها املركزية من قلوب ابنائها واستقالل الدولة ،ما هي إال إكذوبة املليون دوالركام يقول – القول التاريخيني وأستقدم مقولة «بدنا نعيش» ومقولة الفرح والحياة امرييك – وأصحابها ليسوا إال ّ كذابني كانوا قد قبضوا املليون دوالر عىل وقع دوزنة روتانية فيها الكثري من الحرية والقليل من الحياء. هم مع الدولة فقط اذا أمسكوا مبقدراتها و دينامية نهبها .هم فعال «ال» وهامً وتم تسويقها خطباً عىل املنابر ،وتواصالً اجتامعياً مع الدولة اذا كانوا عىل رأس سلطتها ،واال فهم سواح – جوالون عرب االنرتنت. يتواصلون عرب االنرتنت ،والتويرت ،تاركني الساحة السياسية يف عهدة ليس يف لبنان من يريد بناء الدولة. الفريق األهم ال يريد بناء الدولة العتبارات حاسمة يف املنطق االقحاح – وما أدراك ما االقحاح ؟. الفريق املسيحي األقوى – رمبا الوحيد الذي يريد الدولة وبناء اوالً :الن بناء الدولة يلغي حضوره الذي تأسس عىل قاعدة الدولة – ودليلنا يف سلوكيات وزرائه ونوابه ،وارصاره عىل محاربة غياب الدولة . ثانياً :ألنه ال يثق بالدولة املقرتحة لصيانة الحقوق والدفاع الفساد ،ورسقة املال العام ،والشفافية الصادقة يف التعاطي مع عن االرض والشعب والكرامات ،وبالتايل ال يثق بكل النامذج التي الشأن العام ،لقد أقام جدارا ً مكيناً يف وجه الدولة – املرزعة ، تشكلت يف السابق حيث كانت الدولة عىل شاكلة املزارع وسيادتها دولة املحاصصة ،دولة النهب املنظم ،وأخذ بيد الرشعية الكببرية مل تتأت إالّ من خالل تقديم الدجاج دامئاً للذئب املرتبص فلسفة التي يتكلم باسمها اىل موقع متقدم يف السياسة – ورؤية واضحة يف مسألة الرصاع العريب االرسائييل – وتحديد العدو من الصديق، «قوة لبنان يف ضعفه» . ثالثاً :ألنه يدرك ان الدولة القوية القادرة يف ظل نظام طائفي انه الفريق الصامد الصابر عىل كل آليات التعطيل ،والتسويف، ووضع العيص يف دواليب حركة الوزراء ،يف حكومة منذورة للتأجيل تحاصيص ليست اال شيكاً غري قابل للرصف. الفريق الثاين يف األهمية املقابلة ال يريد الدولة ،النه ليس ،والجمود ،وعدم تحقيق االنجازات. ولكنه ترك يف جداره املامنع ،طاقة لنوابه املدعني بالواقعية وليدها الرشعي والنه الوليد املستودع من رحم الالرشعية فهو من انتج الفساد وعممه عىل الخلق والعباد ،ورشعن الرشوة فأصابت السياسية ،ونظام لبنان الطائفي ،فأبدعوا يف الدفاع عن الطائفية الكبري والصغري ،ووضع للسياسة والسياسيني أمثاناً رفعت امثان والنظام الطائفي ،وحصة هذا الفريق املتميز يف قالب الجبنة بعضهم ورخصت أمثان اآلخرين ،هم من أبطل فاعلية القضاء الطائفي ،فكان ان وقع الخلل عند االنصار واملراقبني واملحبني،
الرصاع عىل غزة
سعاده ارشيد ـ جنني ـ فلسطني املحتله
كان محور املقاومة واملامنعةهو املحرك الرئيس يف اإلقليم قبل الربيع العريب ،وقد متدد هذا املحور عىل شكل قوس قرنه الرشقي يف أفغانستان وقرنه الغريب يف غزة ،مرورا بإيران واملقاومة العراقية وسوريا وحزب الله يف لبنان ,وبدا للمراقب أ ّن هذا القوس (املحور) يتسم باملناعة و التامسك ،فأطرافه ال يرون ألنفسهم مكاناً خارجه .أما خصومهم فقد أطلقوا عليه أسامء عدة ،أشهرها محور التطرف والهالل الشيعي ،واتهموه بأن له غايات مذهبية شيعية وقومية فارسية ,وهدفوا بهذا التهويل مماّ أسموه خطر األطامع اإليرانية يف املرشق العريب، وأخذوا يعيدون للذاكرة العربية معركة القادسية ،وانهمكوا يف التنقيب يف كتب التاريخ عن قصص وحكايا لبعثها ونرشها ضمن هجومهم الفكري ،من مثل قصة مقتل الخليفة عمر بن الخطاب عىل يد «أبو لؤلؤة ونادوا برضورة الثار للخليفة الشهيد من أحفاد أحفاد «أبو لؤلؤة « أي من ايران ،وفاتهم أن يطالبوا بالثأر ملن يقتل صباح مساء عىل يد (االرسائييل) .ومضت خطاباتهم وأقوالهم ومقاالتهم تتحدث وكأن إيران هي من يقيم جدارا ً عىل أرض الضفة الغربية ،وهي من يصادر أرايض فلسطينييها ويزرعها باملستوطنات ويطارد الفالح الفلسطيني
ومينعه من قطف زيتونه؛ أو كأن إيران هي من يعتدي عىل املسجد األقىص ويهدد بهدمه وتدنيسه ويعتدي عىل املتعبدين فيه ،وكأنها هي من يدنس سائر املقدسات اإلسالمية واملسيحية من مساجد وزوايا وكنائس ومقابر ومقامات يف طول فلسطني وعرضها. مياه كثريه انهمرت يف وديان الربيع العريب ومألت وديان االقليم، فقد ضرُ ب البعض من أعضاء هذا املحور ومل يزل يُرضب ,ويلِّوح األمريكيون واإلرسائيليون برضب ٍ بعض آخر ،بينام اختار فريق من األعضاء السالمة مبغادرته لساحة املواجهة ,فاستبدل برامجه ومصادر متويله وأماكن إقامته ,وقام باستدارة يف رؤيته تجاه الرصاع يف اإلقليم سواء تجاه الرصاع مع (إرسائيل) أو مع داعميها. ميكن يف هذا السياق قراءة زيارة األمري القطري لقطاع غزة، والتي وصفها مضيفوه بالتاريخية وبالشجاعة ،وقالوا بأنها الزيارة الكارسة املمزقة للحصار،دون اإلشاره إىل أنها ما كان لها لتكون لوال املوافقة(االرسائيلية) التي تم حسابها يف موازين الفائدة السياسية، ال يف إطار املجامالت والعالقات العامة ,وذلك يف الوقت الذي كانت فيه البحرية االرسائيلية تالحق وتحارص ( وتقتحم فيام بعد) سفينة املساعدات اإلنسانيه السويدية (أستيل) ،والتي تقل 17أوروبيا من جنسيات مختلفة ،وال تحمل لغزة إال مقادير رمزية من األدوية وحليب األطفال.
11
أو هل تحولت حصة الجرنال الوطنية اىل حصة طائفية ،وغدا ً اىل حصة مذهبية ،وان كان فعالً هذا هو األمر فأين هي الصدقية؟ هل تم الغاؤها بالرضبة القاضية؟ رضبة املصالح الطائفية التي تتقدم عىل مصلحة املجتمع – املجتمع كوحدة متكاملة املجتمع كمكون جامع شامل كل رشائحه ومكوناته وجامعاته. االقطاع الطائفي – املذهبي ،السيايس ،ال يريد بناء الدولة وال يريد الدولة ،انه فقط مع النظام الطائفي يف الدولة ،اذا تعرض النظام الطائفي لخطر ما ،فأمراء االقطاع اول من يدك حصن الدولة .الدولة بنظرهم هي سياج لنظام املحاصصة الطائفية ،هي الدرع الواقي من املراقبة واملحاسبة واملساءلة. هي سيمفونية االبتزاز ،ملقدرات الدولة ذاتها ،وامكاناتها االقتصادية واملالية ،هي توليفة ماكر لرصف النفوذ ،وفرض االرادات ،وتحويل ربحية الخري العام اىل صناديق النفع الخاص ،الدولة بنظرهم ولدت بفرمان ،وهبت الدولة واالرض والعباد ملستحقيها للمستبدين والعواهر وحولت الناس اىل مرابعني ال حول لهم وال قوة .ليخرسوا حني يتكلمون عن الدولة .... أوحني يتكلمون عن الشفافية والصدقية والدميقراطية) املستقلون ليسوا مع بناء الدولة. بعضهم نظيف الكف وصادق ،وأكرثهم من العسس ،وأكلة الجبنة إنتهازيون ،ينتقلون يف املواقف واملواقع ،عىل هدي مثالهم الصالح ،إمنوذجهم املستولد ،املستحدث ،من غفلة الزمن وهبوط السياسة ،وانعدام وزن االخالق. ال أعرف اح ًد ....صادقاً .مع الدولة او مع بنائها اذا عرفتم وكنتم صادقني ،بربكم دلوين .
لقدجاءت زي��ارة أمري قطر يف سياق دعم فريق فلسطيني عىل حساب فريق فلسطيني آخر ,خاصة وأن الفريق الفلسطيني املدعوم قطرياً يتم دفعه بعيدا عن محوره القديم ,محور املقاومة والتي كان أحد ركائزها ،ومن أجل التقدم يف مواقف مساوِمة ال مقاومة تنسجم مع السياسات القطرية املعلنة تجاه ارسائيل ايجابا وتجاه سورية واملقاومة سلبا .االمر الذي آىت أوكله يف خطايب الشيخ اسامعيل هنيه يف حرضة االمري ثم يف خطبة العيد التي طالب فيها النظام السوري ( الظامل بكف يده عن الشعب السوري وعن مخيامت اللجوء الفلسطيني) وللتذكري كان قد سبق الشيخ هنية رئيس االتحاد العاملي لعلامء املسلمني بنداء طالب به حجاج البيت العتيق بالدعاء عىل كل من إيران ,روسيا والصني بسبب دعمها للنظام السوري (املجرم) غافال عن اضافة الدول الداعمة (الرسائيل) اىل قامئة املدعو عليهم . هكذا تريد ارسائيل ,وتريد من قطر ان تدفع غزة للقبول بالهدنة غري املحكومة بزمن او ظرف ,تريد التزاما غزيا مبنع ومعاقبة املقاومني ومطلقي الصواريخ ,تريد تفكيك البنية العسكرية والقتالية للقطاع ,و تريد ايضا تعميق االنقسام الفلسطيني الفلسطيني ال حبا بهذا الفريق وال كيدا للفريق اآلخر وإمنا لعدم عودة الضفة وغزة جسدا واحدا باملعنى السيايس واإلداري وبقيادة واحدة.
12
العدد 72
معر�ض
ترشين الثاين 2012
واقعية مع رمزية أيقونية:
«شجرة العائلة» معرض لريم الجندي يف «جانني ربيز»
تعرض الفنانة ريم الجندي يف غالريي جانني ربيز حتى نهاية ترشين األول (أوكتوبر) ،مجموعة أعامل موضوعاتها متنوعة الهويات الثقافية ،لكنها متوحدة يف الطابع والعنوان« :شجرة عائلة” ،عنوان يجمع بني أصول الوالدة األوىل منذ حواء وآدم ،إىل أصول الحياة وتوارثاتها. اللوحات مزيج من الوجوه والشخصيات التي تكاد تنطق، لكن يف جو أيقوين ،صناعة ،وموضوعا .يتفاعل املشاهد مع أشخاص كأنهم ينتمون إليه أو ينتمي إليهم .إنها الروح العائلية الكامنة يف ألوان اللوحات ،يلمسها املرء يف الصور العائالت القدمية التي ما زالت تزين جدران املنازل التقليدية. اللوحات تكاد تكون منقولة عن لوحات حقيقية ،لكن ريم الجندي استطاعت أن تجتهد يف التأليف الفني ،وتبقي روح العائلة ،وأفق العاطفة اإلميانية يف اللوحات ،بحيث متنع تحويل العمل من نسخة منقولة إىل عمل فني مبدع شكال وألوانا وابتكارات. كانت ريم الجندي تبحث عن واحة ترتاح لها وهي مهددة املصري .وهي مل تستطع الرحيل عن مدينتها املفضلة بريوت ،فكان الرتحال حليف لوحاتها .لوحة عائلة آل سامحة يف االغرتاب تركت خلفها صورتها األيقونية الطابع ،وهذه عائلة سورية مهاجرة للتو، تنتقل بني األمكنة ،وهنا عائلة موسيقية عراقية يهودية ،وأخرى أرمينية يف لوس أنجلوس .الكل مهاجر عىل ترحال ،إال ريم ملتزمة
املكوث يف املدينة .وتنتقل إىل مجموعة من اللوحات الصغرية التي تخلط بني األيقونة والتشكيل األقرب إىل االنطباعي ،تستوحي الكثري من عنارص مادتها من األساطري التوراتية وسفره التكويني، فهنا شجرة صناعة شجرة العائلة (تلقيح وتوليد) ،وشجرة تلتف األفعى حولها تذكر بإغواء حواء آلدم ،ولوحة شجرة عائلة يحرسها شبيه القديس جاورجيوس طاعنا التنني ،وشجرة العائلة والحظ الكبري ،كأن الشجرة رابط بني حارض البرش وماضيهم أينام كانوا، ومن أية حضارة اتوا .فتحت الشجرة ولد الكون االسطوري حيث تالقى آدم وحواء ،ومن تحتها انتقال من الجنة املوعودة إىل األرض الكونية. وتنتقل اللوحات لرتوي قصصا واقعية يف إطار نصف واقعي شكال ،حيث تتمثل الشخصيات بوقائع عادية يف الحياة ،ومنها القبلة األوىل ،وسهرة تلفزيونية يف املنزل ،ووراثة الصبي لزعامة االمرباطورية حيث تتدرج السلطة من الجد بالطربوش إىل الوالد بالغمباز فالولد األكرب-الوريث بالثياب الحديثة مع شعار السالم يف حركة “وودستوك” تختزل تحوالت متسارعة لقرن من الزمن. وتحرض رحلة عائلية إىل غزة توحي بصعوبات الحياة هناك، يف ظل قلة التسهيالت ويف ظل الحصار ،فتنتقل العائلة يف سيارة يجلس أبناؤها يف صندوق السيارة مع أكوام أغراض من كل الجهات ،بينام تسري السيارة يف وهم غابة من الكفايف .ويف هذه اللوحة يتجىل التأثري األيقوين املتمثل بأوراق األشجار املتساقطة
بكثافة لكنها بلون الذهب .وتدخل املنمنامت يف اللوحات، وكذلك األشكال املؤرشة النتامء أصحابها الديني ،ففي عيد النريوز الكردي ،أزهار بلون أزهار الربيع وأم متسك بطفلها عىل طريقة مريم وعيىس ،ويف عرس اليهود يف حلب ظهرت الزهور السداسية األوراق كنجمة داوود ،بلون أزرق ويف كل اتجاه. معرض ريم الجندي يزخر بأرسار غري مكشوفة ،تحتاج لروية تفحص ،وعني ناقدة ،لكنها بال شك تفتح آفاقا للبحث والحوار.
العدد 72
ترشين الثاين 2012
معر�ض
13
14
العدد 72
ر�أي
ترشين الثاين 2012
أإلنسداد الثقايف يف تجمعات الرشق األوسط البرشية نجيب نصري 1 وأإلنسداد يا ساديت الكرام ليس مصطلحا علميا إجتامعيا أو ثقافيا مربما ،فهو قد ال ( ينزل يف ميزان أو قبان ) ،ولكننا مضطرون لنحته لتبيان الرؤية والرأي ،ما يحصل ـ وهو يف األصح ملا يزل يحصل ـ بني ظهرانينا،مع أن اإلنسداد بطبيعته يحصل مرة واحدة موقفا الجريان الطبيعي لإلمور التي ترتاكم خلفه حتى إنفتاحه ،فناء املجرى برمته ،ولكن الذي جرى ويجري يف رشق أوسطنا الحبيب هذا هو قدرة إستثنائية بني شعوب العامل عىل إخرتاع اإلنسدادات وإجرتارها ومراكمتها ،حتى يبدو املنظر للمدقق العارف أنه عديم الحل ،حتى يف حالة املحاولة لفتح هذه اإلنسدادات أوال بأول ،حيث يبقى اإلنسداد األول آخرا ، وهذا من الناحية النظرية يف حال أستطاعت هذه التجمعات البرشية رؤية هذه اإلنسدادات واملوافقة عىل تشخيصها كام هي دون تفاؤل أو تشاؤم ،وعقد النية والهم بإزالتها ،ومن ثم النظر اىل اإلمكانيات وتوظيفها ،وتحويلها إىل فعل عميل ال يعرف اإلنحياز إال للمصلحة ،ومن هنا يبدو اإلنسداد تعريفا ،هو معرفة الهدف ووجود النية ،ولكن ال وجود لهمة من أجل معرفة األساليب واألدوات التي توصل اىل هذا الهدف ،لهذا تتحول حياة هؤالء الرشق أوسطيني اىل لغو(من لغة*) يعرف العلة لكنه يسلك طريقا آخر إلزالتها ،وهو إجبار العلة عىل اإلعرتاف بأنها مخطئة يف حقه ،وهي ليست علة حقيقية بل وراء األكمة ما وراءها،ويقبع منتظرا أن تعرتف العلة بنواياها الخبيثة واإلعتذار عنها صانعا يف إنتظاره هذا علال جديدة أسميناها إنسدادات. منذ الحرب العاملية األوىل ،بدت منطقة الرشق األوسط ( مصطلح الرشق األوسط واألدىن ملا يزل مصطلحا يشكل إنسدادا ثقافيا ما ) ،مهيأة بطريقة أولية لتجاوز اإلنسداد العثامين ،حيث عربت النخبة التي يفرتض أن تكون قائدة وصانعة للرأي حسب إمكانيات ذاك الزمن أي بدءا ً من عام ، 1850عربت هذه النخبة عن خريطة الطريق التي تقود اىل هدفني ال ثالث لها(وملا يزاالن صالحني للتداول ) وهام التنمية والتحرر ،وكانت الحلول النظرية العملية جاهزة يف كتب فرنسيس مراش ،والكواكبي ،وطاهر الجزائري ،والطهطاوي وعيل عبد الرازق ،وسالمة موىس و ابو خليل القباين ورعيل كامل من هؤالء ( ومثلهم يف البالد املغاربية ) ،وبدت تأثرياتهم األولية عىل الشارع الرشق اوسطي ،يف تغيري ثقايف شكالين واعد تبدى يف اإلتساق مع املنجز التكنولوجي العاملي ( املشخص منه واملجرد ) ،بحيث تأكد أن الثقافة مبعناها املجتمعي ،هي األسلوب واألدوات الالزمة لتوليد املجتمع الالزم للقيام بنهضة توصل أعضاءه اىل التنمية والتحرر ،كهدف واضح يحقق مصلحة هؤالء األعضاء ،ولكن وفجأة حصل إنسداد !!! من أين أىت ؟ وملاذا ؟ وكيف السبيل اىل فتحه ؟ ....مل يكن أحد معنيا باألمر ،بل أنعكس األمر للبحث عن األصالة والتأصيل ( بدال عن األصيل ،واإلبداعي ) ،خوفا من التهجني ،طاملا هناك ( سايكس بيكو ) والتي كشفها لنا الروس متأخرين بعض الشيىء ،ميكنها تحمل وزر اإلنسداد القادم ،كام لوعد بلفور ومؤمتر بال أن يساعدا يف تخفيف أعباء مسؤولية اإلنسداد . كان هدف التخلص من العثمنة واضحاً اىل حد بعيد يف أذهان النخبة ،ليس بسبب عرص القوميات فقط ،بل للتهافت التكنولوجي يف البنية الثقافية للدولة العثامنية ،وهو أمر فككها
برمتها ،لتستبدل بعد وهلة بالنموذج األتاتوريك الالحق بإخالص بعرص القوميات والقيم الثقافية األصلية ( وليس األصيلة ) وأيضا (ليس الرباغامتية الواهمة) كقيم العمل واإلنتاج واإلندماج اإلجتامعي ،والتي تعيد صياغة وصناعة املجتمع مبعناه الحديث ( أنذاك عىل األقل ) ،كمنتوج معريف إرادي وقصدي ،ومل يستطع الرشق أوسطيون إكتشاف أهمية الحدث « الرتيك « فيام بعد ،لكنهم ثربوه وأدانوه ،واقفني نظريا ،ـ ومتوقفني عمليا ـ عند الحالة العثامنية كحالة أطالل من األصالة « الثقافية « الوقوف عندها ،وهكذا ولد مرشوع التخلص من العثمنة ميتاً رسيريا ، فالبحث عن امنوذج قومي تحرري تنموي و( أصايل ) !! ،حتى ولو تناقض مع مرشوع النخبة ،وحتى لو أدى إىل إنسداد كانت نذره واضحة للنخبة أنذاك ولنا اآلن ،كان رضورة ملحة ،فاألصالة رشط أسايس ،والبحث يف األصالة ومن ثم الخصوصية ،يقتيض جمع ما هو غري قومي مع ماهو قومي ،وجمع ما هو غري تكنولوجي أو تكنولوجي بائد مع ما هو تكنولوجي ،أو تكنولوجي محدث ،كان املهمة األصلية لهاتيك الثقافة اإلجتامعية ،طاملا كانت هناك إنكلرتا بباحثيها ومسترشقيها تستطيع تحمل الوزر ،يف حال كان هناك خطأ ما ،ويف حال أكتشفنا هذا الخطأ ،ويف حال
أعرتفنا به !!! ،فاإلستعامر ( ظهره شيال ) وميكن متسيح ( ) .... به ،حيث احتمل فيام بعد كل الرزايا من وعد بلفور حتى غزو العراق (مبا فيها أألحتاللني السوفييتي واألمرييك ألفغانستان !!! ) ،يف هذه املغامرةالثقافية متت محاولة إيجاد ( وليس صنع ) مجتمع يصلح إلعالنه أمة تصلح بدورها إلقامة دولة ،إنها وصفة تكنولوجية واضحة وفعالة (اعتمدها أتاتور ك ،وفيام بعد مهاتري محمد ونجحت ) ،ولكن البوصلة الثقافية انحرفت مرة أخرى ، وفشلت يف توليد مجتمع واضح يصلح للحياة باملعنى التحرري والتنموي ،وقادر عىل التفاعل مع الوصفة التكنولوجية املحدثة أنذاك ،وأخرتع لنفسه أولويات وهمية ،أوهمته بوجود طريقة أخرى غري تلك املعمول بها يف أصقاع األرض إلشهار مجتمع قائم عىل املؤسسات الواقعية ،بل ذهبت به اىل إشهار ثورة عربية ( كربى) تؤمن العيش ( وليس الحياة ) لقرون طويلة عىل أمل إنتهائها وتحقق أهدافها ،إلنها تتطابق مع املعطى الثقايف لهذه التجمعات البرشية ،التي مل تستطع ورغم املحاوالت الدامية ، من إنتاج دولتها املقامة عىل مجتمعها أألصيل . بعد قليل ،وحتى وص��ول ق��وات اإلنتداب /اإلستعامر /اإلستثامر ،مل يكن الرشق أوسطيون إال لحوم نيئة بحاجة
العدد 72
ترشين الثاين 2012
اىل طبخ يك يستسيغها هؤالء القادمون من وراء البحار ،وهنا صار الخالف معهم والنضال ضدهم حسب الثقافة املجتمعية الضاغطة ،عىل نوعية الطبخ وليس عىل إستخدام اللحم ،فهم أيضا يريدون أن يكون لهم حصة من الطعام املطبوخ من لحمهم ،وأصبح عندها أية مطالبة للعودة اىل تصحيح الخطأ الثقايف / اإلجتامعي ،هو مساواة بني الضحية والجالد ،يف مامرسة ثقافية غري منطقية يحميها الرتاثويون الذين بدأوا أنذاك يستسيغون نكهة الطبخ طاملا الغرب سيحمل الوزر ،وبدأوا يف اآلن ذاته يقسمون بقطع أكفهم قبل أن متتد ملصافحة هذا أألجنبي اآلبق ، ومع كل هذا نجح بلفور الوعد ،ونجحت سايكس بيكو اإلستثامر ،واألخطر من هذا كله أجهضت الخطوة الرضورية ( األصلية ) للتحرر والتنمية ،لتحل محلها كيانات سايكس بيكو وما يشبهها ،وحلم األمة ( األصيلة ) التي تستنسخ ذاتها ( األصيلة ) تحت ظالل املنجز التكنولوجي املشخص الذي عليهم رشاؤه ...بدماء القلوب .... 2 ماذا يعني تتويج عرص النهضة بحضور املثقف ( لورانس العرب ) يف العرشية الثانية من الفرن العرشين ،ولورانس هذا
ر�أي
كل ما قدمه رواد عرص النهضة ) حتى عام 1920عىل األقل تم تأجيله ريثام تصحو الشعوب ليثبت محله ما أقرتحه املرتحلون سبقه كثريون وتبعه كثريون من الدارسني وواضعي الخطط والتصورات ،عنا يف هذا الرشق األوسط املرتامي بني محيط وخليج ،مل تفشل نصائحة وتوصياته التي قد ال نعرف عنها الكثري ،ومل نستفد من القليل ،حيث بدت الثقافة هي املحور التي دارت به الدوائر ،فكل ما قدمه رواد عرص النهضة ( حتى عام 1920عىل األقل ) تم تأجيله ريثام تصحو الشعوب ،أو تم القضاء عليه رويدا أو برسعة ،ليثبت محله ما أقرتحه املرتحلون الجائبون أرجاء جنوب املتوسط ،وصحت «توقعاتهم « و هي يف الحقيقة دراسات وأبحاث ملا تزل اإلستفادة منها ومن تراكامتها خريطة طريق معاكسة تهدف اىل الحفاظ عىل التخلف ، الذي ال يوصل ،ال إىل مجتمع ،وال إىل أمة ،وال إىل دولة ،ألقانيم املؤسسة للوجود البرشي يف العصور الحديثة ،والدليل عىل ذلك كمية الهزائم الحضارية التي تتعرض لها يوميا هذه التجمعات البرشية ،التي ال تدعي رشف الوصول اىل املرحلة اإلجتامعية املسامة أمة ،كام أنها التريد الوصول اىل ذلك ولو عىل حساب الحقيقة ،والحقيقة معرفة وثقافة بالرضورة حتى ولو كانت متغرية مبقتىض اإلرتقاء . رمبا بطبيعتنا ودامئا نبحث عن متهم ...من الذي أوقف النهضة ؟؟؟ فطبيعة ( ثقافتنا ) عقلنا التشخييص يفرض هكذا تساؤالت ،تودي بنا اىل موارد بعيدة ،فنسارع إىل إتهام اإلستعامر ،والذي يحتاج اىل وعي يك نقاومه ،والوعي ال ميكن توفريه إلسباب موضوعية أهمها تعارضه مع قيمنا وتراثنا وخصوصيتنا ،لنفتتح رصاعا داخليا وهميا حول الهوية ،متناسني متاما أن الهوية تأيت بالوعي ،فالهوية منتوج وليست مادة أولية أورشط من رشوط بناء مجتمع ،فاملجتمع واملجتمع فقط هو من يستطيع إعالن هويته ،عرب منتجاته الحضارية من صناعة وغالل وفكر ،وأضيف إليها هذه األيام الرياضة واإلتصاالت والربمجيات وأقتصاديات املعرفة ،حيث ملا يزل هذا الرشق األوسط يتأرجح بني إعالن هوية تاريخانية وصلت إليه باإلسالة التناسلية ،وهي ال تصلح للمنافسة عىل أساس املعايري األرضية ،فليس شأنا كبريا أن يكون هناك عنرتة وحمورايب ،وهناك من يقطع املئة مرت بتسع ثوان أو من يضع دستورا حديثا لثالمثئة مليون بني آدم !!! هذه اإلنجازات التاريخوية ال ميكن معايرتها حديثا يك تصبح من املقومات األساسية للهوية ،ومع هذا أخذت معركة الهوية الوهمية جل وقت وأهتامم وفعالية الناطقني بالعربية ،ومل يحصلوا عليها ،ال بل قاوموها عىل الرغم من ( وعيهم ) ، وال ننىس يف هذا السياق كيف يدافع الجميع عمليا عن سايكس بيكو يف كل املناسبات ،وكيف يرضخ الجميع لتوصيات لورانس العرب ،ومع هذا يتم شتمهم يف إنتظار تبلور الهوية . يف روايته ( غابة الحق ) ( صدرت يف النصف الثاين للقرن التاسع عرش ) أكد النهضوي فرنسيس مراش الحلبي .عىل أن الثقافة الواحدة واملوحدة إلنتاج مجتمع ومن ثم أمة ودولة ،
15
هي الثقافة الحقوقية ،التي ال مجال لتجاهلها أو تأجيلها كعامل مؤسس ملطلبنا يف الوجود ( ،وهذا ما أتبعه الكواكبي بطبائع اإلستبداد عىل األقل ) ،ومن العبث هنا البحث عن متهم ( ، كأبو الهدى الصيادي مثال ) لنحمله مسؤولية إنتكاس النهضة أو الدعوة إليها عىل األقل ،فاملسألة هي مسألة إختيار اإلنقياد ، وهي مسألة عميقة وموضوع شائك ال يبدأ برفاعة الطهطاوي وال ينتهي عند أدونيس ،فظاهرة اإلنقياد والتي فشل يف تفسريها كرث من منط ( محمد عابد الجابري ) يف عرصنا هذا ( فكيف يف زمان لورنس العرب .؟) ظاهرة مارست اإلرتباك (الفوىض ) يف تالفيف هذه التجمعات البرشية التي خضعت أو ما خضعت للشفاهية يف تعاملها مع املنتج الثقايف ،الذي يحافظ برشاسة عن التبسيطية الثقافية ،ملغيا بشكل ال عودة عنه ما ميكن تسميته الثقة املعرفية التي ال ميكن اإلستغناء عنها إال باإلستغناء عن النهضة ذاتها ،حيث حلت املقرتحات اللورانسية كبديل عميل عن كل ما تعد به النهضة وأي نهضة ،حيث قادت هذه الشفاهية التنظريية إىل إخصاء ومن ثم عقم ،العقل الذي مل يستطع التجريد وهو عطب آخر ال يقل كارثية عن الشفاهية ، فكل التكنولوجيات املؤسسة لألمة ( من أحزاب ،ومؤسسات ، وبرملانات ،وحكومات ،ودول إلخ ) هي تكنولوجيات مجردة ،مل يستطع العقل الرشق أوسطي تداولها ناهيك عن التفاعل معها ، حيث بدت اإلسرتاتيجيات الثقافية كشأن مؤجل أكرث منها كخطط إجتامعية يتم العمل بها دون ملس النتائج املشخصة فورا ،أألمر الذي نجحت فيه اللورانسية الثقافية مع الثورة العربية الكربى ، التي نجحت يف تشخيص سايكس بيكو ( مثال ) التي تعامل معها الغرب مجردة وإسرتاتيجية ،بينام ملسها الرشق أوسطيون ناجزة شاخصة وفاعلة ،عندها هرب الفعل املوضوعي اإلنجازي اىل غري رجعة ( لحد اآلن ) وحل محله الفعل الخريي الذي خاصم أدوات النهضة وسبلها عرب عقل نظر إىل النهضة ككتلة مجزأة يختار هو ما يناسبه منها ويرتك الباقي ،وهنا تبدت كارثة أخرى سوف تحل ( حلت ) بالنهضة ،حيث أختار هذا العقل الخريي العنرصية سبيال إلنجاز نهضة أدواتها وسبلها مبا يقتيض الفعل الخريي مبعناه الرتايث وقىض أكرث أوقات القرن العرشين محاوال إثبات وجهة النظر هذه بينام النهضة نفسها مؤجلة ،حيث يقبل بفضله الثقايف عىل عصور سابقة ولكنه ال يرىض بفضل اآلخرين (عليه ) عىل أساس أن الحضارة البرشية كل متكامل مرتاكم تقدم الشعوب ما لديها من جديد دنيوي من أجل إستمرارها ،ولكن للنهضة شأناً آخر وقوانني أخرى معلنة وواضحة وتحتاج اىل الحيوية والتجربة وليس إىل النقاش حول خرييتها وصالحيتها لهذه الخريية ،وهنا تبدى أن التخلص من العثمنة كوجود ثقايف بائد باء بالفشل الذايت فالثقافة البائدة حافظت عىل تكوينها ومحاكامتها العقلية مغرية عنوانيها لتصبح أكرث إستيعابا من قبل هذا العقل نظرا لتبسيطيتها الشفوية ،وعدم مقدرتها عىل التجريد ،وعدم قدرتها عىل مامرسة الثقة املعرفية وأخريا عنرصيتها التي وضعت رشوطا معجزة عىل حاجتها الرضورية يف توليد مجتمع باملعنى املعريف الحديث للكلمة ،وبالتاي فقدانها األهلية لوجود أمة ودولة بنفس املعنى هنا ومع بداية العرشية الثالثة من القرن العرشين ،سقطت النهضة وحلمها والتحضري لها أو التبشري بها ،لتتحول أشالؤها اىل حركة التنوير ،التي نرى بقاياها الحزينة يف بدايات القرن الواحد والعرشون . يتبع
16
العدد 72
ظاهرة
ترشين الثاين 2012
عبدة الشيطان واملخدرات واإلعالم
وسويرسا والتي دخلتها العلوم التقنية ومنذ زمن بعيد ،فقد وعت د.عاطف خليل الحكيم مفهوم اآلية وهضمتها وحفظتها وعملت مبوجبها .وما وقف العرب مندهشني متعجبني لنوادي العراة يف تلك البالد ،إال ألنهم مل يعوا كالم هل صحيح ان العلوم تتقدم عىل حساب القيم األنسانية؟ وهل صحيح ان املجتمعات االنسانية ترتاجع كلام حققت العلوم السيد املسيح .ومن مقارنة بسيطة يتبينّ معنا أن بالد أوروبا هي بالد الحضارة والرقي بينام بالد العرب ،فهي بالد التخلف واالنحطاط، تقدماً؟ وأذا كان البد من مثن تدفعه املجتمعات لقاء تقدمها العلمي بالد العامل الثالث ،وباعرتاف العرب أنفسهم ،مل نجد يف بالد العرب إالّ انحطاطاً واستخفافاً وتخلفاً مع كرثة الثياب املتحركة .هذا ،ولو فام هي ؟ هذه األسئلة يجيب عنها د:عاطف حكيم يف مقالة قيمة تيضء كانت الثياب وقارا ً ورشفاً وصوناً للجسد ومفاتنه كان عىل العرب أن عىل بعض االنحرافات التي يعانيها شبابنا وآثارها عىل مجتمعاتنا .يعبدوا ويحرتموا ويجلوا أوروبا ،ذلك ،ألن أوروبا هي صانعة الخيط حصن العرب. الذي ّ علم األخالق مالحظة ،نرجو أن ال تظنوا بنا سوءا ً ،فنحن ال نتعصب للعري أو ونبدأ سؤاالً :هل حقاً تراجعت القيم األخالقية بتقدم العلوم والتقنيات الحديثة؟ هل حقيقة أن املجتمعات اإلنسانية ترتاجع عىل للثياب ،إمنا نقدم مثالً للبحث واملناقشة. هذا ،ولو كان صحيحاً أن العلوم اإلنسانية ترتاجع مع تطور حساب التقنيات العلمية الحديثة؟ قبل اإلجابة عىل السؤالني ،أعاله ،يجب اإلجابة عىل سؤال أسبق العلوم التقنية ،أو لو كانت العلوم اإلنسانية تنشط يف املجتمعات وأوىل بالبحث ،وهو :ما هو املقصود بالعلم؟ وهل أن األخالق علم؟ التي تفتقر للعلوم التقنية ،لكانت املدارس أُقفلت يف الغرب قبل والعلم هو كل فرضية تنتهي نتيجة واحدة يف كل زمان ومكان ،الرشق ،ومنذ زمن بعيد ولكانت الوظائف اإلدارية ،الفئة األوىل تسند فمثالً 2=1+1يف كل مجتمع ومهام اختلفت لغته وشكله ولونه لألميني ،الجهلة ،أو لرجال الدين أولئك الذين توقفت علومهم عند وحجم رأسه ،أو أن الكذب فضيلة سيئة وأن الصدق فضيلة حسنة حدود الطقوس الدينية. حتى ،ويف املجتمع املتخلف تقنياً كبالدنا مثالً ،فإننا نقع عىل ويف كل مجتمع ومهام تباين واختلف ،أو أن رشط وجود اإلنسان مرتهن برشط وجود األمة ـ الوطن ـ الدولة ،ومهام ارتقى اإلنسان يف الفساد ،وليس إال عىل الفساد ،كأعامل الجرمية واألخالق املنحطة، وتلك األعامل الفاسدة هي يف اطراد مستمر ومتفشية كتفيش الزيت الثقافة أو جهل؟ عليه ،هل أن األخالق هي علم؟ أليست األخالق علامً؟ أليست فوق املاء .هذا ونسبة تفشيها وانتشارها يف البالد العربية أكرث نسبة شك يف ذلك وال مندوحة .من تفشيها وانتشارها يف املجتمعات األوروبية الحديثة حيث العلوم النفس علامً؟ أليست الفلسفة علامً؟ ال ّ شك أن املقصود من العلم املتضمن يف فحوى التقنية وحيث العري وحيث الحرية وحيث أن السلطة هي للدولة كذلك ليس من ٍّ املوضوع هو كالنتيجة علم قائم بذاته ،وإن كان متوارياً خلف رمزية وحسب .إن انتشار الفساد ناشط يف البيئة االجتامعية املتخلفة، علمياً وفكرياً وفلسفياً ،أما البيئة العلامنية ،فإننا بالكاد نالحظ األهداف والغايات. كل يشء علم حتى أبسط األمور يف الحياة والتي نظن أنها فسادا ً أخالقياً ،وانحطاطاً حضارياً ،ونظرة رسيعة إىل التاريخ القديم، فإننا نالحظ ،أن املجتمعات الس ّباقة إىل التقنيات ،هي الس ّباقة إىل بسيطة. هذا والعلم يخضع لقانوين التطور والتقهقر ،للتطور والرتاجع ،اإلنسانيات واألخالقيات ،فاملجتمعات التي عرفت علم الزراعة، فالتطور الذي ينال من مدرسة علمية ما ،فهو ينال من جميع هندسة الزراعة ،آلة الزراعة ،هي األكرث حضارة واألكرث رقياً من املجتمعات التي اعتمدت يف حياتها عىل الصيد أو الرعي وحسب. املدارس األخرى كافة. اليوم الحضارة يف أوروبا موجودة ،ألن أوروبا نحت يف معاشها عىل الزراعة والصناعة واإلبداع الزراعي والصناعي ،أما يف األمس وعندما األخالق بني الجمود والتطور كانت أوروبا تفتقر للزراعة وآلة الزراعة كانت مثل البالد العربية ومام ال شك فيه ،أيضاً ،أن العلوم اإلنسانية واألخالقية تواكب اليوم ال حضارة فيها وال رقي وال إنسانية .وخري دليل نؤكد فيه تطور العلوم التقنية تتطور بتطورها وتتقهقر بتقهقرها .وقد تطورت صحة نظرتنا ،مجتمعات آسيا العربية ومجتمعات إفريقيا ،ومبقارنة األخالق يف البالد التي تطورت فيها العلوم التقنية كالبالد األوربية بسيطة بني هذه املجتمعات واملجتمعات األوروبية ،فإننا نالحظ مثالً ،وقد تقهقرت األخالق يف البالد التي تراجعت فيها العلوم التقنية الفرق الحضاري والتباين يف القيم اإلنسانية واالختالف يف الفضائل كالبالد العربية مثالً .والعكس ليس صحيحاً ،أي لو أن األخالق تتقهقر األخالقية .هذا ،والرباهني عىل ذلك نستقيها من أفواه رجاالتنا العظام يف بالد العلوم التقنية وتطورها ،لكانت تراجعت أوروبا أخالقياً وعىل مختلف وجوههم وألوانهم وثقافاتهم. لقد تأكد ،وبشكل قاطع ،لعلامء الفكر املقولة التالية« :من وتطورت البالد العربية ،وللحقيقة فإننا نرى أن بالد األرض الشاملية، بالد السويد وأسوج والرنوج ،هي أكرث تطورا ً أخالقياً وأكرث ترفّعاً عن امتلك السالح العلمي ،من امتلك القوة العلمية ،ضبط مجتمعه أوالً األمور املادية الشكلية ،وأكرث نزاهة وابتعادا ً عن املصلحة الفردية وساد عىل العامل ثانياً» .وهذه هي أمريكا خري دليل عىل صحة ما املشوبة باألنانية والفردانية .حتى وبإمكاننا القول إن فكر السيد نقول .يظن أو يروج أولئك العمالء ،مقولة« :ابنوا الدولة ثم فصلوا املسيح ،أو فكر اإلنجيل املقدس وكذلك فكر جربان خليل جربان ،مل لها فكرا ً» أو أن الدولة أوالً وثانياً الفكر ،وهذا الكالم ليس إال شعارا ً يرتجم عملياً إال يف تلك البالد ،حيث تطورت العلوم التقنية وعىل ال قيمة له وال مثن ،ونقول إن الفكر أوالً ثم الدولة ،وهذه هي دولة مختلف مدارسها .ففي طول تاريخ املسيحية وعرضها مل يعِ العرب النبي محمد ،أوالً ،النبي نرش الفكر اإلسالمي الناضج الذي تأتىّ من معنى لآلية اإلنجيليةَ )27({ :و َس ِم ْعتُ ْم أَنَّ ُه ِق َيل :الَ تَ ْزنِ ( )28أَ َّما أَنَا فكر السيد املسيح ،ثم تطلع النبي إىل أمة سيدة ح ّرة ،وأخريا ً ،تطلع فَأَق ُُول لَ ُك ْم :ك ُُّل َم ْن يَ ْنظُ ُر إِلىَ ا ْم َرأَ ٍة ِبق َْص ِد أَ ْن يَشْ تَ ِهيَ َها ،فَ َق ْد َزنىَ ِب َها إىل دولة ،وبذلك كان النجاح وانتهت أمة محمد إمرباطورية سيدة فيِ قَلْ ِب ِه } (إنجيل متى ،الفصل ،5اآلية .)28-27أما يف بالد السويد عىل العاملني .إن أمريكا وأوروبا ،التي تعرف بالدول الكربى ،هام اللتان
تتطلعان إىل إمرباطورية تسود بواسطتها العامل .دول أوروبا وأمريكا هي التي تطورت فيها العلوم أوالً وقبل أن تتطلع إىل سيادة العامل واستعامره ،تلك الدول هي دول األخالق والعلوم وليس كدول آسيا أو إفريقيا ،فلو كان صحيحاً أن تقنيات العلوم الحديثة تفسد املبادئ وتشوه القيم ،لكانت سيادة العامل آلسيا أو إلفريقيا الفقرية للعلوم التقنية الحديثة والفقرية لعلوم األخالق. مالحظة ،أيضاً ،ال تظنوا بنا سوءا ً ،وتح ّموا علينا األعداء بالعداء للعرب وللوطن ،إمنا نقول الحقيقة من أجل أمر عظيم يساوي وجودنا نحن كرشقيني أوالً وكعرب سوريني ثانياً ،لعلنا ننحو صوب العلوم ،ولعل قام الفينيق من تحت الرماد. لقد جاء يف مقدمة ابن خلدون ،علم مفاده« :أن الحروب هي أمر طبيعي بني البرش» ،عليه ،فالحروب هي آلة ضبط نسبية الحياة عىل األرض ،بعكس عامل الحيوان ،إذ أن الحيوان األقوى هو ضابط نسبية عدد الحيوانات األضعف ،فالذئب ،مثالً ،هو ضابط نسبية األغنام واملاعز وما شابهها ،واألسد والنمر والفهد ليسوا إال جهاز ضبط الغزالن والثريان وهكذا ...هذه هي الحقيقة العلمية االجتامعية، وهكذا رآها ابن خلدون ،وقد ترجم أحد املفكرين املعارصين كالم ابن خلدون عىل النحو التايل :يجب تصنيع سورية من أجل الحروب القادمة .يجب امتالك السالح من أجل تأدية رسالة إنسانية أخالقية إىل العامل الجديد. وبنا ًء عىل ما تقدم ،فإن العلوم التقنية والعلوم األخالقية متواكبة تسري معاً جنباً إىل جنب ،تقوم وتتطور معاً ،وتقعد وتتقهقر معاً، والعكس ليس صحيحاً. األخالق وليدة البيئة ،وهي رفيعة راقية بنسبة علومها التقنية .يف األمس القريب ،وحني كان املفهوم العلمي يظن أن القمر مجرد قمر ال يزيد حجمه عن كرة السلة األمريكية ،كانت تسود يف الرشق أخالق مفادها شعب الله املختار ،أو خري أمة أخرجت للناس ،وكان اآلخر ليس إال حيواناً ويريد التهام الحيوان األضعف ،أما اليوم وبعد أن اكتشف القمر وبعد أن غزاه اإلنسان ،فقد تطورت العلوم اإلنسانية بتطور علم اكتشاف القمر ،وبذلك أصبح اآلخر أنا ،اآلخر حقيقة إنسانية وليس جحيامً ،فإن ألغيته فقد ألغي األنا نفيس ،ذايت قبل أن ألغيه ،وإذا أردت حقاً إلغاءه ،فعيل أن ألغي نفيس وبإلغاء نفيس ألغيه. وما يصح عىل علم الفلك يصح عىل أي علم آخر ،كالطب والهندسة والرياضيات واإللكرتونيات وغريها ...ونخترص الكالم يف األمثلة لضيق الوقت ،ومن أجل فتح ملف عبدة الشيطان واملخدرات.
املخدرات طريق عبادة الشيطان لألسف ،فاملخدرات وما شابهها ،كالتدخني والكحول ،تنترش يف العامل العريب ،عامة وبني الجامعات الدينية خاصة ،انتشار النار يف الهشيم والريح عاتية .وعندما نقول الجامعات الدينية ،فإننا ال نستثني أي جامعة ،جميع الجامعات الدينية يف الرشق مبتلية مبرض املخدرات ،ويعود السبب يف ذلك إىل اليأس ،إىل الجدار املسدود ،إىل حائط املبىك .لكل جامعة دينية رشقية حائط وتنطحه .حتى املدارس، فاملدارس تعاقب الولد بأن يقف حيث اللوح ووجهه إىل الحائط.
انتشار املخدرات واالنحالل األخالقي لألسف نقول إن املخدرات والكحول والزنا ،خاصة ،تنترش يف العامل العريب انتشار النور يف الظالم ،هذا وتنترش وسط الجامعات
العدد 72
ترشين الثاين 2012
الدينية ،الطائفية ،كانتشار اإلشعاع يف الكون ،أكرث من أي جامعات أخر .وليس كام يروج ويشيع البعض وعىل ألسنة رجال الدين أنفسهم أن املخدرات والكحول والزنا تنترش يف الرصوح العلمية برمتها ،ومن املرحلة املتوسطة وحتى املرحلة الجامعية .وما املقصود من هذا الرتويج وتلك اإلشاعات؟ أليس املقصود نرش املخدرات والكحول والزنا وبالتايل إقفال الرصوح العلمية ونسفها؟ ومتى ن ُِسف آخر رصح من الرصوح العلمية حتى تقع األمة والدولة واملجتمع والشعب لقم ًة سائغة يف فم التنني. إن املخدرات تنترش بني الجامعات الدينية يف العامل العريب، وحني نقول الجامعات الدينية ،فإننا ال نستثني أي جامعة دينية، فمن الجامعة الدينية الوثنية والجامعة الطوطومية وحتى املسيحية فاإلسالمية .هذا ،ونرى ونالحظ أن املخدرات والكحول والزنا لهم الدور األهم يف العبادات ،ال بل أن العبادات ال تقوم إال بها ،فمثالً، املسلمون ال يشددون يف هدايتهم إال عىل أن الكحول والزنا حرام، ثم حرام ،ثم حرام .ويف علم نفس املجتمع ،فأن التشديد يف املنع والتحريم ،فاألمر يرتد عكسياً بني صفوف الشباب ،ونحن نتكلم هنا من منطلق املبدا القائل «إن املتحدث بالسوء كفاعله».
املخدرات بني الدين والعلم والسؤال :ملاذا العلوم الدينية تشدد عىل منع املخدرات والكحول وال��زىن؟ وباملثل ملاذا متنع الرصوح العلمية ،خاصة منها الطبية واملخربية ،املخدرات والكحول والزىن؟ وبالتايل ما هي األسباب التي ع ّولت عليها كال املدرستني ،الدينية والعلمية؟ من نظرة رسيعة إىل كلتا املدرستني ،يتبني لنا أن املدرسة الدينية متنع اآلف��ات الثالث بعلة أن املخدرات والكحول تذهب بالعقل وبذهاب العقل يبتعد املرء عن عبادة الله خري عبادة ،أما الزنا فقد ربطته املدرسة الدينية بالرشف وحسب .أما إذا نظرنا إىل املسألة بعني املدرسة العلمية ،فإن هذه املدرسة تفيدنا ،وباختصار شديد ما ييل: أن املخدرات تفتك بخاليا األعصاب ،إال أن اإلنسان بحاجة لها ،إمنا ليس بحرية الترصف ،بل فقط ضمن املؤسسة الطبية .أما الكحول فهي أيضاً ،تفتك بالدم وبجهاز تصفية الدم ،البنكرياس ،إذ رسعان ما يكسل هذا الجهاز .وبالتايل ميرض اإلنسان ورسعان ما ميوت .ومع ذلك فإن للمخدرات فوائد كثرية ،إمنا بكميات قليلة وقليلة جدا ً .من مثل أن مادة الويسيك تفيد جهاز القلب ،وأن العرق ينظف املعدة من الحرشات املوجودة يف املعدة واملتأتية عن طريق األطعمة خاصة منها اللحوم ،وأن النبيذ يفيد خفض معدل السكر يف الجسم وهكذا... وأما الزنا فهو مرفوض جملة وتفصيالً ،ألن اإلختالط الجنيس يؤدي اىل األمراض الزهرية أو السيدا أو األيدز أو القضاء عىل جهاز املناعة. واملالحظ أن الذين يصغون للمدرسة العلمية أكرث احرتاماً وأكرث تنفيذا ً ألوامرها من الذين يصغون للمدرسة الدينية .ملاذا؟ نحن ال نبحث املسألة من وجهة العبادة كام ميكننا القول :إذا كانت املدرسة الدينية توافق عىل أن يف الزنا فوائد سلبية وأخرى إيجابية إال أنها ال تسحب هذه املسالة عىل آفتي املخدرات والكحول، فهام سلبيتان ،مرفوضتان باملطلق .مع اإلشارة إىل أن اآلية الكرمية تقولَ { :و ِم ْن ثمَ َ َر ِ اب تَتَّ ِخذُو َن ِم ْن ُه َس َك ًرا َو ِر ْزقًا َح َس ًنا ات ال َّن ِخي ِل َوالأْ َ ْع َن ِ َ ِ ِ إِ َّن فيِ َذلِ َك لآَ َيَ ًة ل َق ْو ٍم يَ ْعقلُو َن ( .})67وأيضاً ،اآلية{ :يَ ْسألُون ََك َعنِ الْ َخ ْم ِر َوالْ َم ْيسرِ ِ ق ُْل ِفي ِهماَ إِث ْ ٌم كَ ِب ٌري َو َم َنا ِف ُع لِل َّن ِاس َوإِثمْ ُهُماَ أَكْبرَ ُ ِم ْن نَ ْف ِع ِهماَ َويَ ْسأَلُون ََك َماذَا يُ ْن ِفقُو َن قُ ِل الْ َع ْف َو كَ َذلِ َك يُ َبينِّ ُ اللَّ ُه لَ ُك ُم الآْ َيَ ِ ات لَ َعلَّ ُك ْم تَتَ َف َّك ُرو َن ( .})219كام ويجدر القول إن املدرسة الدينية
ظاهرة
منقسمة عىل بعضها بني محرم ومباح. ليس هذا وحسب ،فبعض املذاهب الدينية ،الصوفية الجديدة تعتمد يف عباداتها عىل التخدير بواسطة الغبار ،وذلك عن طريق دوران الفرد حول نفسه ومن جراء الدوران أوالً ومن الغبار املتصاعد من أقدامه ثانياً يتخدر املرء ويسكر .وسكر الغبار أشد وأقوى من سكر املخدرات والكحول. هذا وإذا دخلنا إىل الجامعات اإلفريقية فإننا نقع عىل مقولة إن املخدرات مقدسة ،ذلك أنها تفقد املرء اإلحساس بالجسد ،وعندما يفقد املرء إحساسه بالجسد يقوى اإلحساس والشعور بالروح، اإلحساس بالروح يقوى بضعف أحاسيس الجسد .وعندما تستيقظ الروح من ثباتها بقدرتها أن تبلغ إىل درجة العالقة بني الخالق واملخلوق ،بني الله والعبد. كام يجدر بنا القول إن تقديس املخدرات ال يقترص عىل الجامعات اإلفريقية املنسية ،بل يشمل حتى الجامعات الحية كالجامعات املرصية والليبية مثالً. إذا ،أين نجد انتشار املخدرات والكحول؟ يشدد رجال الدين الرشقيون واإلعالم السيايس يف الرشق عىل أن املخدرات منترشة يف الغرب وبقارتيه األوروبية واألمريكية ،ويردون سبب هذا االنتشار يف الغرب إىل انحالل الرابطة العائلية ،مام أدى إىل انتشار املخدرات إىل جانب آفتي الكحول والزنا ،وهذه اآلفات الثالث كانت سبباً النتشار آفة رابعة أال وهي عبادة الشيطان بدل عبادة الله ،فهل حقيقة هذا التشديد وهذه األسباب؟ وتصدت املؤسسة الدينية بلسان أعالمها وإعالمها لآلفات الثالث. اما منهجيتها يف التصدي ،فقد اقترصت عىل طلّة تلفزيونية كل سنة مرة .والسؤال :هل حلقة إذاعية واحدة يف السنة كافية للحد من انتشار اآلفات الثالث؟ وهل أن حملة مكافحة املخدرات اليتيمة يف السنة هي حملة الحد من انتشار املخدرات ،أم أنها حملة نرش املخدرات والرتويج لها وذلك عن طريق تذكري الناس باملخدرات؟ العبادة بغاياتها يف الجواب :نعم وال. نعم ،إن الفكر الذي ذكروه موجود ،وهو موجود وحسب ،أي أن وجوده بني الجامعات الغربية كوجود الفكر اإلسالمي عينه أو الفكر املسيحي أو أي فكر آخر .هذا واألفكار الفلسفية كثرية يف بالد الغرب ،ففي الرشق ال يوجد مثالً الفكر الظاهري أو الظواهرية والفكر الطبيعي والفكر الوجودي وغريها ...أجل لقد انترش فكر عبادة الشيطان يف بعض الجامعات األوروبية ،إمنا هنالك فرق كبري بني مفهوم الرشقيني لهذا الفكر وبني مفهوم الغربيني له .يف الرشق اقترص األمر عىل العبادة وحسب ،أما يف الغرب فإن األمر مختلف متاماً ،فالفكر الشيطاين ،أو عبادة الشيطان هو عصبية كربى وتعصب كبري للبالد ،لألمة ،للوطن .الفكر الشيطان هو حصن منيع بوجه الفكر املسيحي والفكر اإلسالمي اللذين استعمرا بالد الغرب .إن العبادة بغاياتها .عبادة الرشق من أجل عبادة الله وحسب حتى وإن خ ّربت البالد واألمة والوطن .بينام عبادة الغرب هي لألرض والبالد واألمة والوطن ،حتى وإن خ ّرب الله .عبادة الرشق تقترص عىل العبادة وحسب بينام عبادة الغرب من أجل الحرية .هذا وليعلم الجميع نحن ال منيل وال ندافع عن أية جهة كانت ،نحن نبينّ رؤية كل مجتمع وذلك من أجل وجودنا نحن الرشقيون .ونظرة رسيعة يالحظ صاحب الضمري والوجدان الفرق بني الرشق والغرب .الرشق يف خراب وتقهقر مستمرين بينام الغرب يف تطور وارتقاء مستمرين. قلنا يف الجواب عىل السؤال انتشار املخدرات والكحول
17
وأسبابها نعم وال ،فكيف نعم وال؟ نعم يف الغرب تنترش آفة انحالل العائلة ،إمنا أمنوذج العائلة يف الغرب ،هو مؤلف من ثالثة أفراد األب واألم وولد ما دون سن النضوج .وأحياناً ال يكون هذا الولد من صلب األب واألم .بينام يف الرشق ،فإن مفهوم العائلة مجهولة العدد ،فهي تصل حتى العرشين يف البيت الواحد ،العائلة تتألف من األب واألم والجد والجدة (لألب ولألم) والعم والعمة والخال والخالة وال نعرف عددهم ،ومن األوالد (واألوالد ال نعرف عددهم) واألحفاد أحفاد الصبي وأحفاد البنت. املجتمع الغريب يخلو من املشاكل االجتامعية التي يعاين منها الرشق كاملنافسة عىل املرياث ،والحسد ،والغرية والطمع والثأر والزىن واملخدرات والكحول. األوالد يف الغرب هم ملك الدولة ،وبالتايل هي املسؤولة عنهم مادياً وصحياً وروحياً وثقافياً .بينام أوالد الرشق ،فهم ملك العائلة وحسب أما الدولة ،فليس لها من حصة يف أوالد الناس .وبالتايل الدولة ليست مسؤولة عنهم ال مادياً وال روحياً. املخدرات يف الغرب تعبري عن واقع فاسد ،عن نظام فاسد، تعبري عن تطلعات مستقبلية وسيادة عىل الكون .وكل ذلك من أجل التغيري والثورة ،بينام املخدرات يف الرشق ،فهي هروب من واقع مرير وحسب ،ال أكرث وال أقل. انحراف الشباب الغريب إىل املخدرات بدافع التجديد ،أو إثر تطور وقوة وسيادة ،بينام انحراف الشباب الرشقي إىل املخدرات بدافع اليأس ،أو بدافع الفراغ ،ماذا نريد أن نفعل؟ ال يوجد عمل... الشباب الغريب مييل إىل املخدرات علمياً ومثلام مييل إىل املوت الكتشاف مجاهله ،بينام الشباب يف الرشق فهم مييلون للمخدرات طقسياً ،عبادةً ،ومييلون للموت يأساً وانتحارا ً .هذا والرشق هو املجرم ،وهو املسؤول عن انحراف الشباب الغريب إىل املخدرات واملوت ،فإذا كان الرشق هو من روج لحياة بعد املوت ،إذا ً ،ملاذا يلوم من يسعى إليه؟ راجت املخدرات وانترشت آفة الكحول وتفىش الزىن بني الناس مام أدى ذلك إىل والدة الفكر القديم الجديد ونعني به فكر عبادة الشيطان.
والدة دين عبادة الشيطان والسؤال من الذي أوجد فكر الشيطان والشيطان غري فكر عبادة الله الواحد ،لو مل يروج أهل أديان توحيد الله ،املسيحيون واملسلمون إللهم باملقارنة مع الشيطان ملا كان وجد ال الشيطان وال الفكر الشيطاين. األم املسيحية واألم املسلمة تطبع أوىل كلامتها عىل لوح عقل الطفل الله والشيطان« :الله يحميك من رش الشيطان» .واألب املسيحي واألب املسلم يردد وأبدا ً حكمتني ،األوىل يف حالة النجاح والفوز« :أنا فعلت» والثانية وهي يف حالة الفشل والوقوع يف الخطأ: «هو الله» ،أي يرد سبب الخطأ لله ،نجاح املرء هو صانعه ،أما الفشل فمن صنع الله ،مشيئة الله .ويردد الرشقي حكمة الفشل أبدا ً ،وهي: «أعوذ بالله من رش الشيطان الرجيم» ،أما أمام الفوز والنجاح ،فهو ينىس أو يتناىس الله وينىس حكمته. وأتباع الفكر الشيطاين كام العلامنيني مل يبرشوا بوجود إله واحد أحد وحيد ،فالشيطانيون مل يبرشوا بوجود إله واحد ألنهم ال يريدون أن يربهنوا عىل وجود شيطانهم باملقارنة مع وجود الله ،أي ألنهم ال يريدون أن يقعوا بنفس الخطأ الذي وقع فيه أهل أديان الله الواحد. والعلامنيون ال يبرشون وال يقرون بوجود إله واحد،
18
العدد 72
ظاهرة
ألنهم ال يريدون أن يسود رجل الدين الضيق اآلفاق ،عىل مجتمع الطائرة والصاروخ والكمبيوتر ...يريد رجل الدين إلله املنجنيق أن يسود عىل إله عابرات القارات والنووي والكيميايئ ...فهل يقدر؟ أما العلامنيون فريفضون رفضاً قاطعاً .يريد رجل الدين إلنسان العبادة وتأليه الشخص وعبادته أن يقود إنسان الله أو الشيطان وإنسان الحرية ،فهل يقدر؟ والعلامنيون يرفضون وكيف يرضون؟ يريد رجل الدين أن يسجن طائر الفينيق يف قفص أو أنه يريد أن يحجم الكون عىل قدر مداركه ويتبوأ عرش العامل ويحكم ويسود ،فهل يقدر ألنه يتمنى ويحلم ويصيل ويدعو؟ بقدرة رجل الدين الرشقي أن يحقن الطوفان بإصبعه ،إمنا الطوفان قادم ال محال؛ بقدرته أن يخفي الشمس بأصبعه ،إمنا الشمس رسعان ما تبتعد عن إصبعه ،باستطاعة رجل الدين أن يطفئ نار الشبيبة، إمنا جحيم الشباب سيتأجج وناره ستندلع وال مندوحة من ذلك .وترى الشباب يقولون« :هذه عيوننا حجموها وما شئتم ،وهذه معاصمنا قيدوها وما رغبتم ،وهذه أعناقنا غلوها وما ابتغيتم ،إمنا الصباح لنا والفجر نحن أسياده» .غدا ً ،وعندما يطل املخلص من خلف الجبل البعيد ،امنعوهم إن استطعتم عن حمل صلبانهم ،وحني ميضون الحقوا بهم وادركوهم ولن تدركوهم ،وهل يدرك الظالم النور؟
مفهوم الله رجال الدين يف الرشق ،وأيضاً ،الناس أجمعني يتناولون مفهوم الله من باب الرتهيب والرتغيب ،الثواب والعقاب .إن فعلت كذا نلت كذا ،إن مارست الطقوس الدينية غفر لك الله وأثابك يف جنته، وإن مل متارس الطقوس الدينية ظلمك الله وعاقبك يف جحيمه .أنظروا
إن املخدرات تنترش بني الجامعات الدينية يف العامل العريب،وحني نقول الجامعات الدينية ،فإننا ال نستثني أي جامعة دينية،فمن الجامعة الدينية الوثنية والجامعة الطوطومية وحتى املسيحية فاإلسالمية الله الواحد األحد ميلك جحيامً ونعيامً ،جنة ونارا ً ،أال ميلك بردا ً ،هل يوجد يف الجحيم تسونامي؟ وهل يوجد يف الجنة ريح الجنوب؟ كام يص ّور رجال الدين للشبيبة الله شخصية الله وكأنه بطل من أبطال الحكايات ،إله رجال الدين وجه من وجوه الخرافة .بينام الغرب يص ّور الله محبة ومحبة وحسب. يجيب رجل الدين يف الرشق ومثله الناس يجيبون عن سؤال األطفال :أين الله؟ بالرضب والنعت بالكفر ،فإذا كان الطفل ال يعرف مفهوم الله ومفهوم الوجود ،فلامذا يضيفون عىل عقله النامي مفاهيم جديدة قبل استيعاب املفاهيم األوىل؟ كل ما تقدم كانت أسباب وجيهة لوالدة الفكر الشيطاين .هذا، ودين عبادة الشيطان مل يجده الغرب إال لتسفيه فكر الرشق وذلك من أجل تهيئة األرضية اآلمنة لجيوشه القادمة الحتالل الرشق. ردا ً عىل ذلك ،خرج الشباب من بيوت الله غاضبني، ثائرين ،رافضني ،يطلبون التحرر من إرادة الله وإرادة السلطة الدينية .وحني مل يجدوا بخروجهم بديالً ،لجأوا إىل النقيض لدين الله ،ونعني أنهم لجأوا إىل الذي كان يخوفهم منه رجال الدين واآلباء واألمهات ،أي إىل الشيطان.
ترشين الثاين 2012
ويقول الشباب ،نحن ال نعبد الشيطان ،نحن ونكاية باآلباء واألجداد ،أظهرنا عبادتنا للشيطان .نحن نتح ّدى اآلباء واألجداد، نحن نتح ّدى رجال الدين ورجال السلطة ،وعندما يتحرر رجال الدين واآلباء واألجداد من خرافاتهم يتحرر الشباب من عبادة الشيطان؛ عندما يجد رجل الدين واآلباء واألج��داد مكاناً للوطن واألمة يف فكرهم نتخلىّ نحن الشباب عن الشيطان وعن عبادته. ويقول اإلعالم املأجور لجمعيتي رجل الدين واآلباء واألجداد: هنالك» ضمور يف الرؤى والطموحات عند الشباب» ،فهل حقيقة أن يف عقل الشباب ضمورا ً وخموالً وعدم وجود طموحات؟ والجواب بالنفي ،ال .ال يوجد ضمور يف الرؤى وال خمول يف العقول ،وبالتايل يوجد طموحات كبرية عند الشباب ،وإالّ كيف نفرس خروجهم عن الواقع القائم؟ كيف نفرس تحديهم للقوة الدينية الضاربة ،كيف نفرس مصارعتهم لوحش تسلط اآلباء واألجداد! ويقول الشباب :نحن ال لسنا وكام يصفنا اإلعالم املأجور ،فإذا كان هو نفسه ذا نظرة تشاؤمية ،فلامذا يريد أن يعكس نظرته علينا، هذا أوالً ،وثانياً ،نحن نحرتم أهلنا وأجدادنا ورجاالت أدياننا ،فإذا ثرنا، فإننا نثور من أجلهم أوالً ومن أجل الوطن ثانياً ومن أجل الحرية ثالثاً .باختصار ،نحن الشباب نعمل من أجل الله الصمد الذي ال يحتمل جوهره أي ٍ وصف من أوصاف الحكايات والخرافات. ونحن نرصخ بفم جربان« :أنتم القوس وأبناؤكم السهام» .فيا أهلنا الكرام ،انزعوا األقنعة عن وجوهكم ،افتحوا عيونكم ،واخرجوا إىل النور ،وهيا انهضوا قبل أن تسحقكم جهل األقدام الهمجية. وسيأيت يوم ،وهو قريب ،وسنغري وجه التاريخ .وسنغريه ألنه قضاؤنا وقدرنا. غدا ً ،وعندما يأيت الشيطان وتأيت جيوشه ليمنعهم إله حكاياتهم.
نعيم تلحوق يحب د.ميشال كعدي ابعاده مرشعة عىل الفكر والوعي العقالين: هذا الجواب يف فمه شدو ،ويف ّجوانيته متع من لبنان، هذا الكبري يف الشعر ربط األمداء باألضواء وانطلق اىل نعيم القول تلحوقياً ،يشد املساحات اىل املطالت ،يف عينيه ملعات من سامئنا وعىل لسانه أنشودة ،تخلد يف نبوغ حامل.شاعر امللكوت اليوم ،تشتاقه األعمدة التي ُمست بنشوة العبقرية، أما األشياء فتكتنفها هدأة روحانية،فتميس يف غرقٍ من الحس والفرح. الشاعر الكبري نعيم تلحوق ،أبعاده مرشعة عىل الفكر، والوعي العقالين الذي مل يشب مبزاج. شاعر ملكوت الشعر اليوم ،ماهر نظّار ،ميتاز منطقه بالحوايش الرخيمة املتعددة املواهب والقدرات ،وهنا أرسع ألقول ،ان نعيامً ،كتب الشعر والرواية والنرث الفني ،واملقالة االدبية والسياسية وما أنعم الله عىل العربية ،فاذا َ كال او
وزن ،يبقى موقّفاً عىل الشاعر تلحوق الجامل يف مواضع الصواب. حسابة، ثابت، الرأي، متامسك النه مكان، الفلسفة يف له ّ يعمق البرص يف أمور الدنيا ،فيكشف االقنعة عن املعلقات، عىل ان الثوابت تبعاً لشعره ،تحلل كنه النفوس يف اللحظات الحلولية املطلقة ،حيث يتم االنصهار يف بوتقة الذات التي تحرك نبض الزمان واملكان واملايض والحارض. عىل ان حقيقة نعيم ،تتصل أحياناً كثرية يف الالوعي والالواقع ،وقد يكون أنفذ من الوعي .وأعمق من الواقع، وبخاصة اذا انطلق شعره يف حال التجربة لرياود املستحيل، ويخرتق جدار القوة ،وصعوبات القهر الزمني ،النه صنع االنطالق والحرية ،وسيد الشعر الجميل والرؤيا ،بل سيد القصيدة املتسامية التي تتخطى االرتهان اىل ما وراء العقل. واذا دعي الشاعر تلحوق اىل وليمة شعرية يف لبنان ،او يف اي بلد عريب او أجنبي ،مىش عىل درب محبة الناس له. ويف جمع يديه غزارة تدفع رفعة لبنانية ،ثم تومل يف رقاع املعرفة ،وخطوط الحياة ،وأبجدية القول املنغم عىل القرارات
الذوقية ،اذ ذاك تستقيم الروعة يف قصائد نخلتها الذائقة الفنية ،قرب الجرار املذهبة ،وأري الخليات ،والنقي املرباء من الهجنة. هذا الشاعر االنطالقي. تراه يف املحافل الكربى ،حليامً ،وقورا ً يف كالمه ،موحدا ً يف املسائل ،تؤنسك مفردته التي يجتاز عربها الحواجز الطبيعية والروحية برشاقة وارادة وتؤدة ،ثم يأمرها لتدخل رحاب املوسيقى. واالنفعاالت التي تتشظى يف ميدان الرمزية التلحوقية بطريقة ج��ذاب��ة ،وق��د وشحتها اخيلة من اللطافة ،أما الرومنسية فقد توطنت بخفر يف وجدانه ورؤاه وعواطفه. أيها الناس ال أريد أن أقصيكم عنه كثريا ً أما انت يا حامل الجامل للملكوت الشعر فقد حملنا القلوب ،والشمع والعني اليك وان كان لك فضل قم وناج متعبي آخر النهار الغبطة ،فلنا عليك يف املحبة سعادة املكتفني.
العدد 72
ترشين الثاين 2012
دين ودنيا
19
الفقر وموقف الرشيعة منه محمد فضل الله الفقر وموقف الشرّ يعة منه يشهد الكثري من املجتمعات وال ّدول اليوم ،تح ّديات اقتصاديّة صعبة ،تؤ ّدي إىل انتشار ظاهرة الفقر بني األفراد والشّ عوب ،حيث باتت هذه التح ّديات تشكّل الهاجس األكرب لهذه الشعوب وال� ّدول .وقد وقع االختالف يف تعريفات فقهاء عا ّمة املسلمني لحدود الفقر ،فمنهم من رأى أ ّن الفقري هو من له أدىن يشء ،أي دون «نصاب» ،فالفقري عند أقل من نصاب ال ّز كاة ،أو قدر نصاب ،ولك ّنه الحنفيّة هو من ميلك ّ مال ثابت ال يستثمر أو ينمو ،وهو مع ذلك مع ّد لرضوريّات اإلنسان وما ال ب ّد منه ،أي أنّه ليس فائضاً عن الضرّ وريّات. وآخ��رون قالوا إ ّن الفقري هو من ال مال له ،وال كسب له أصالً ...فإن مل ميلك إال شيئاً يسريا ً بال ّنسبة إىل حاجته ،بأن كان كل كل يوم إىل عرشة دراهم ،وهو ميلك درهمني أو ثالثة ّ يحتاج ّ يوم ،فهو فقري ،أل ّن هذا القدر ال يقع موقعاً من الكفاية ،وهو رأي الشّ افعي. فيام ذهبت املالكيّة إىل أ ّن الفقري هو الّذي ميلك الشيّ ء اليسري الّذي ال يكفيه ملعيشته ،ورأى الحنابلة أ ّن الفقري هو الّذي ال يجد ما يقع موقعاً من كفايته ...فالفقر هو عدم تحقيق ح ّد الكفاية، أو عدم القدرة عىل الوصول إىل ح ّد أدىن من مستوى املعيشة. ويقول فقهاء اإلماميّة يف تحديدهم لعنوان الفقري الشرّ عي، إنّه الّذي ال ميلك قوت سنته ،إ ّما فعالً أو ق ّوة ،واملراد بالق ّوة القابل ّية ،فمن ميلك صنع ًة أو حرف ًة وما أشبه ،يستطيع من غني رشعاً ،وإن مل يكن ميلك فعالً خاللها تحصيل معاشه ،فهو ّ املال يف يده .وهناك املسكني الّذي هو أش ّد فقرا ً من الفقري ،كأن ال ميلك قوت يومه حتّى ،فهذا التّعبري ،أي الفقري واملسكني ،إن اجتمعا افرتقا ،وإن افرتقا اجتمعا (إن اجتمعا يف الكالم افرتقا بكل كلمة لوحدها كان معناهام واحد يف املعنى ،وإن ُعبرّ ّ يستحق مال والفقري ا ً). ّ الزكاة والخمس رشعاً والكفّارات ونذورات الفقراء ،وبعضها ميكن إعطاؤها له مبارش ًة من قبل املكلّف ،وبعضها اآلخر يكون بنظر الرشعي أو إجازته ،واإلسالم اعتنى بس ّد حاجات الفقراء يف الحاكم ّ أسايس ،وقد ورد يف الحديث« :إ ّن الله فرض يف ترشيعاته بشكل ّ أموال األغنياء ما يكفي الفقراء ،ولو علم أنّه ال يكفيهم لزادهم»، لذلك «ما جاع فقري إال مبا ُمتّع به غني» ،وجوع الفقراء يُسأل عنه أغنياء األ ّمة امليسورون. فاملراد بالفقري ،كام يقول سامحة املرجع السيّد محمد حسني فضل الله(رض) :من ال ميلك مؤونة سنته املناسبة له ولعياله، بنح ٍو ال تكون موجودة كلّها دفعة واحدة لجميع السنة ،وال هي شهري[[.فقه الشرّ يعة، يومي أو ّ موجودة بالتد ّرج من خالل راتب ّ والفقراء هم الّذين ال يجدون الفرصة الذاتية ص]].533: للعيش الكريم ،فيضط ّرهم ذلك إىل االقرتاض أو سؤال ال ّناس اآلخرين ][.من وحي القرآن ،ص].143: لقد حثّ اإلسالم عىل تحصيل املال من خالل الطّرق الرشع ّية، والصناعة ِ والصيد والوظائف ،وح ّرم والح َرف ّ كالتّجارة والفالحة ّ كالغش وال ّرشوة وال ّربا، ّ بعض الطّرق غري املرشوعة يف تحصيله، كام دعا اإلسالم إىل إنفاق املال يف مصارف الخري ،وتحقيق العدالة والتّوازن يف املجتمع دون إفراط وتفريط .ولتحقيق عبادة اإلنفاق ،ذ ّم اإلسالم البخل واإلرساف ،ودعا إىل االعتدال، قال تعاىل{َ { :والَ ت َ ْج َع ْل يَ َد َك َم ْغلُولَ ًة إِلىَ ُع ُن ِق َك َوالَ ت َ ْب ُسطْ َها ك َُّل
الْبَ ْس ِط فَتَ ْق ُع َد َملُوماً َّم ْح ُسورا ً}[اإلرساء]29. : اإلسالمي إىل املجتمع عىل أساس أنّه فئات ال ينظر ال ّدين ّ مستقلّة اجتامع ّياً واقتصاديّاً عن بعضها البعض ،وإنمّ ا هم ـ أي ال ّناس ـ بفطرتهم وطبيعتهم يف هذه الحياة يحتاجون إىل التعاون عىل قضاء حوائجهم ،وتبادل املنافع بينهم ،من هنا عمل اإلسالم بكل ترشيعاته االجتامعية واالقتصادية عىل ضامن املعيشة الكرمية ّ للفئات الفقرية واملحتاجة. ولقد اعترب اإلسالم أ ّن ظاهرة الفقر مرض ّية ينبغي معالجتها، النبي(ص) قوله« :اللّه ّم إين أعوذ بك من الكفر والفقر ويروى عن ّ وعذاب القرب» .يف املقابل ،يعترب اإلسالم أيضاً أ ّن الفقر هو ابتالء من الله تعاىل لعبده املؤمن ،قال تعاىلَ [{ :ولَ َن ْبلُ َونَّ ُك ْم بِشيَ ْ ٍء ِّم َن َوف َوالْ ُجو ِع َونَق ٍْص ِّم َن األَ َم َوا ِل َواألنف ُِس َوالثَّ َم َر ِ الْخ ْ ات َوبَشرِّ ِ الصا ِبرِي َن ] }البقرة.{155: َّ واإلس�ل�ام مبنظومته العقيديّة واألخالقيّة واالجتامعيّة واالقتصاديّة ،يهدف للقضاء عىل الفقر ،وأ ّول ما سار به لتحقيق ذلك ،أنّه حارب منذ بداية ال ّدعوة الطبق ّية االجتامع ّية ،والتّمييز وحض عىل العمل والكسب ،فالعمل هو بني أبناء املجتمع الواحدّ ، السالح األمىض يف محاربة الفقر ،وجلب املنافع.. ّ كام ور ّهب اإلسالم من االحتيال والتس ّول ،ونها عن التص ّدق ككل عىل البذل واإلنفاق عىل وحض املجتمع ّ عىل غري املحتاجّ ، الفقراء واملحتاجني ،أل َّن ذلك من صميم مسؤوليَّاته األخالقيّة واإلنسانيّة ،وتحقيقاً ملبدأ التّكافل االجتامعي العام ،وهذا ما يزيد املجتمع نفسه ثق ًة واطمئناناً ،ونتائج معنويّة ط ّيبة ،بحيث تنتفي األحقاد والبغضاء عندما يشعر الفقري واملحروم بأ َّن هناك من يساعده ويواسيه. القوي خ ٌري من املجتمع الفقري الضّ عيف ،يقول الله واملجتمع ّ تعاىل يف كتابه الكريمَ { :وأَ ِع ُّدوا ْ لَ ُهم َّما ْاستَطَ ْعتُم ِّمن قُ َّو ٍة َو ِمن ِّربَ ِاط الْ َخ ْيلِ تُ ْر ِه ُبو َن ِب ِه َع ْد َّو اللّ ِه َو َع ُد َّوكُ ْم}[األنفال ،]60:ويف
معرض حديث عن هذه اآلية املباركة ،يرى سامحة املرجع اإلسالمي الس ّيد محمد حسني فضل الله(رض) :أنّه إذا كان ج ّو اآلية يوحي بوجوب االستعداد للحصول عىل الق ّوة العسكريّة ،فإنّنا نستوحي منها رضورة اإلعداد للق ّوة من نوع آخر ،مام تحتاجه األ ّمة يف السيايس واالقتصادي يف موقعها واالجتامعي العلمي تط ّورها ّ ّ ّ ّ بني األمم األخرى ،أل ّن ذلك يحقّق لها االكتفاء الذا ّيت أو التف ّوق الواقعي ،الّذي يفسح لها املجال للتح ّرك بق َّوة من موقع استغنائها ّ عن اآلخرين ،أو من موقع حاجة اآلخرين إليها ،فنستطيع بذلك أن نتخلّص من الضّ غوط الّتي تقيّد حريّتها يف الحركة ،أو تفرض الضّ غوط الّتي تحتاجها يف عالقاتها باآلخرين ،وهذا ما يُلزم األ َّمة كل طاقاتها يف سبيل الوصول إىل ـ بجميع أفرادها ـ أن تستنفر ّ كل املجاالت الّتي متثّل أساس الق ّوة يف الحياة، املستوى املتق ّدم يف ّ كل نقاط الضّ عف املفروضة عليها من ال ّداخل وأن لتتخلّص من ّ السبيل األفضل النطالقة اإلسالم بق ّوة يف حياة والخارج ،فذلك هو ّ فالحق الّذي ال يستند إىل ال ّناس ،يف عا ٍمل ال يفهم إال بلغة الق ّوة، ّ الق ّوة ،ال يرتكز عىل أساس ثابت متني. وإذا كان الوصول إىل هذا املستوى من الق ّوة يحتاج إىل الكثري من املال ،فإ ّن عىل األ ّمة أن تساهم يف ذلك عىل جميع املستويات، العلمي وأن تعترب ذلك إنفاقاً يف سبيل الله ،أل ّن رفع املستوى ّ السبل العمل ّية الّتي والعسكري ّ ّ واالقتصادي لأل ّمة ،هو من أفضل ّ الحق ،وتفتح طريق االنتصار يف املعركة الطّويلة تؤ ّدي إىل تدعيم ّ ض ّد الكفر والكافرين... وقد أراد الله أن يوحي للمؤمنني بأنّه سيع ّوضهم عماّ أنفقوه السبيل يف ال ّدنيا واآلخرة { َو َما تُن ِفقُوا ْ ِمن شيَ ْ ٍء فيِ َسبِيلِ اللّ ِه يف هذا ّ َ َ يُ َو َّف إِلَيْ ُك ْم َوأنتُ ْم الَ تُظْلَ ُمونَ ،فتأخذوه وافياً غري منقوص َوأنتُ ْم الَ تُظْلَ ُمونَ}[األنفال ،]60 :بل تجدون العدل كلّه والخري كلّه وال ّرحمة الواسعة الّتي تفتح لكم أبواب الحياة عىل آفاق الفالح وال ّنجاح]. [من وحي القرآن ،ج ،10ص]410.:
20
العدد 72
كتاب
مرسحي بال عنوان زمن العناقيد شعر ٌّ
لويس حايك
تطل نرسين بديوانها الصادر 1998بشعر طليق مطبوع باحرتاف ُّ مقترِّ عىل غالف باهت واوراق صفراء كعناقيد ترشين وبعنوان ببيت ٍ منزوع من زالل الكرمة يذكرنا ٍ خالد أغرى النؤايس فسطا عليه وكان وفيّا يف التذكري بصاحبه : مت فادفني اىل جنب كرمة تر ِّوي عروقي بعد مويت عروقُها إذا ُّ إنه « زمن العناقيد « وقد تجرأتْ عىل تسمية لوحاته بالشعر املرسحي وهي تسمية مل يسبقها اليها أحد من قبل . هذا الديوان ،بطبعته املتواضعة ال يلفت النظر وال يغريك أن تصمده يف مكتبة مزينة بالكتب املوشّ اة بزخارف مصقولة بالخطوط والحروف املذهبة ،لكنه قد يغريك بأن تقلِّب صفحاته باهتامم فضو ّيل فإذا بك تفاجأ وكأنك تهيم يف مرسح ضبايب ال حدود له وال عالمات تشري اىل فواصله . ديوان طليق ال يحمل عىل غالفه اسم عائلة الشاعرة وقصائده ال عنوان لها ،قصائد المنتمية ،عبثية الهيكلة ومنثورة كأوراق الخريف . ديوان كتبت نرسين بعض قصائده يف عمر عنفوانها األنثوي املتم ّرد عىل الذكورية .تفاجئنا لوحاته ببثٍّ حرور ٍّي جديد الصياغة ،بعيد األمداء ،رجر ٌاج متوتِّ ٌر صادق اإلنتامء اىل تسميته بالشعر املرسحي : ليل هدو ٌء سكين ٌة /جالسة أنا وحيد ًة /قلبي منفط ٌر وروحي ٌ / مشلوحة أمامي شهيدة /مل أجد تلك الليلة رفيقا سوى شمع ٍة وكأس ِ ٍ نبيذ وجريدة / ويف نظرة مفاجئة يرتاءى لها وجه رقيق يوقظ يف أعامقها تلك الح َّواء العنيدة فتخاطب شمعتها الحزينة بعنفوان أنثو ٍّي : /ال تسأليني ان كنت أرغب ...أن يعود إيل /
قد يخالجك الشك وأنت تحلل شوق الشاعرة واشتياقها اىل موعد معهود ،اىل مقعد وبحر وسامء واىل صوت واصابع تالمس اوتار العود وهي تعاتب الحبيب لغيابه الطويل ،هذا الشوق الهادر يخرج من قلب ال يؤمن بالعشق بل يؤمن بالصداقة التي هي أشد حرارة وثباتا وانتامء اىل سبب وجود اإلنسان عىل هذه األرض وهي التي تبقى صامدة عىل م ّر األيام والسنني .لك ّن هذه الصداقة ال تستطيع أن تلطّف من ثورتها عىل الذكورية التي ال تلني بفراق الحبيب أو غيابه .لقد طال الغياب فاشتاقت اىل املوعد املعهود ،اىل صوته سليل وأصابع تالمس أوتار العود لك ّن الزائر يبقى ذاك الشبح الخفي َ العراء فتعنفه قائلة : اشفق عىل من متاهت بوهجك الغريب /وامأل وجودها بوجودك الرسا ّيب الالموجود . وتناديه برموزها الغامضة : كنت أنتظر / ّ لست من ُ كف عن مطارديت َ / والحب بقصائده /والجنس بأبوابه أمامك الكون بنسائه / ّ رشعة ... /دعني وشأين / امل ّ وبذكورية فاضحة مشبوبة متمردة تدعوه بها اىل الرحيل : ه ّيا ارحل /ال ميكنك احتالل فراغ روحي /وال اجتياح كل قطعة من جسدي / كل النساء / ال ميكنك أن تكون رجالً / .الرجل ..رجيل /ألين أنا ُّ وبعد هدوء عاصفة التمرد ،تعود اىل البحث عن الرجل بصمت وهمس وحنني : أبحث عنك /أبحث يف أعامق روحي /يف بريق عينيك / ... أهمس اسمك يف أذنيك / عساه حبيبي يبلسم جراحي /وتستسلم روحي بني ذراعيك / احل عواطفها فتعرب وبني لوحة وأخرى تتنازع ح ّباتُ العناقيد ِ مر َ قفزاتُها متصارعة كهبّات ضائعة برموز ال تعرف مرىس لها .فقد يكون
ترشين الثاين 2012
السبب يف ذلك تقلبات تتالعب بها مؤثرات من إيحاءات التمثيل التي تسقط عىل الشعر املرسحي كسقوط الوحي عادة عىل الشعراء! كل فجر .تقول : إنها األنثى الخارقة التي تشتعل مع بزوغ ّ ال يخيفني غروب الشمس وال صقيع السامء /فأنا بركان ! / أبعث النار م ّني ..اىل القمر فأشعله / إذا جاورين الفقر طحنت الحجر /إذا أحسست بالجوع أكلت أسود الغاب وأفاعي الجبال ... /قلبي ال يدقًّ عىل هواه /بل يعزف لحني ويغ ِّني موايل / ٌ إستهالل جاء فيه : غريب ديوانها ُ أحب الظالم /أشتاق اليه /أشتاق اىل موعده املعهود يف محطتي ُّ األخرية . بحب ال ينتمي بو ُحه اىل لوحات هذا اإلستهالل يربط الشاعرة ٍّ الكتاب سوى بلونه األسود الذي يوشِّ ح بعضَ ها بالحزن والبكاء ويبدو جل ًّيا يف أول لوحة من لوحاته : طقوس مت َّنعت عيناي عن البكاء /لك ّن دمعتي خانتها / .. ٌ طقوس ... ٌ موائد بلّوريّة من صقيع / . أخريا ،هل هي من نوع النساء الآليئ يخضعن للعشق ! حاشا للعشق أن يجد مطرحا له يف قلب انثى تصمد يف مواجهة طويلة حتى يعرف الرجل اىل أيّة رسيّة تنتمي من رسايا جيش النساء العشق أس َريها وإذا ولدت طفال فطفلها سيب ّز .عندها يصبح هذا ُ جميع األطفال ألنه سيكون مثر ُة رحم ٍ علّم الكون صناعة الرجال ! هذه السطوة األنثوية التي تلغي كل هيبة ذكورية ال بد للشاعرة ان تعيد النظر بها حتى ال تشعل فتيل حرب شعواء اين منها حرب الطوائف واألديان وهذه ليست دعوة إلخفاء معامل الكتاب وحرمان القارئ من طبعة جديدة له يستحقّها بهويته الشعرية التي تعطيه إجازة يف ما ال يجوز .
جوزيف الصايغ يحاور الفكر الغريب لؤي اسكندر يف متهيد لكتاب ح��واري ممتع تأخذك صفحاته اىل أجواء حميمة شاعرية تل ّذ قراءتـها عىل أضواء الشموع الخافتة ،وتنقلك مع قاماتـها اىل مطارحك املزرية حيث الجمود الذي يعقلك حتى عن الهرب ،وبد ًءا من اندريه ميكل اىل الخامتة بعد فرجيل جورجيو ،ال يسعنا بوقفة واحدة اإلحاطة بإيحاءات الفكر الغريب وبالتخصيص بأفكار املحاور الذي قصد إلقاء عرب قاسية يف كثري من تجاذبات حواره . لذا ،كان التمهيد خطوة أوىل مت ّد جرس ًا واضحا للنقاش العقالين حول الفكر العريب عرب مسلسله مع نخبة من اساطني الغرب . يقول جوزف صايغ « :الحوار ف ٌّخ وأحيانا خبث .هكذا منذ السقارطة األولني وأفالطون .فاملحاور سفسطايئ متنكّر يعتمد ويتوسل البيان والبالغة ٍ لغرض يف النفس . الح ّجة ّ كل حوار يستوجب نزاهة وتجردا عن الهوى قلّام يتوافران . ُّ واملحاور غالبا ما يكون يف موقع العاشق :ال يفتش يف املعشوق إالّ
عن عشقه فيفوته املعشوق يف حقيقته ». هذه الشارات الالذعة يف كتاب الصايغ « حوار مع الفكر الغريب « تو ّجه التأنيب تخصيصا اىل املحاورين عندنا ،ذكورا واناثا ، ولست أجد رصاحة أكرث وضوحا يف كالمه الذي ال يقبل تحويرا أو تشذيبا وإذ يكمل : « املحاور يسعى ،الشعوريا ،اىل تأييد رأيه وفرض فكرته عىل من يحاور ،فيأيت الحوار ـ غالبا ـ حديثا من طرف واحد ،رسعان ما ينقلب مناظرة إن مل يتح ّول سجاال وجداال , .وإذا بالحوار مانع أكرث منه جامعا .لهذا السبب مل أثق قط بالحوار .فالحقيقة بديهية ،ومن ال يراها فهو ال يريد – أو ال يستطيع -أن يراها ،وعبثا إقناعه ». يوقفنا الصايغ ،قبل متابعة قراءته ،عند محطة الحوار املسموع عرب اإلذاع��ة أو الشاشة الصغرية ،وهو كام وصفه ، تظهري للمحاور بكرس الواو أكرث مام هو للمحاور .فتكون النتيجة مشوشة لدى السامع الذي ينتظر غالبا تفسريا عقالنيا من املحا َور فينقض املحا ِو ُر عليه ليقطع أنفاسه يوضح فيه حالًّ ملشكلة متعرثة ُّ ويتسلم زمام الحوار مبا ميليه أو مبا أميل عليه .
هذه املحطة تذكرنا بالفلتان وخطورته والذي يطلق عليه زورا اسم الحرية وهي اإلبنة الرشعية للدميقراطية التي تتبناهااإلعالمية املتسلطة يف زمننا املنفتح أما اإلعالمي فقد فتح عىل حسابه معركة حامية الوطيس بني املتحاورين يبث فيها سمومه ثم يقف عىل الحياد وكأن شيئا مل يكن وهذا الذي نقوله ما هو سوى جزء من هلوسات تلقى عىل املستمع قرسا . وإذ يكمل الصايغ حديثه عن الحوار وأدبيات الحوار ،ينقلنا فجأة اىل متهيد صحيح لكتابه .إنه الحوار بني الكتاب والقارئ والكتاب هو الطرف الذي ينقل الحوار ويطرحه للنقاش والتحليل. الحوار هنا ي2جعل اإلحتكام اىل العقل مبنأى عن الهوى ألنه مييّز بني السقط والكامل وبني القامات والقُاممة وهذا أصدق القول .وبهذا املعنى فإن كتاب الصايغ هو كتاب القارئ ،أو كتاب قارئٍ أكرث منه كتاب مؤلِّف .وعىل الرغم من ان « املوقف املسبق واألفكار الجاهزة واملعتقد الثابت تزيّف الحوار « فإن الفوز بالحقيقة يبقى الهدف األخري واملحطة الثانية يف قراءة هادئة لكتاب « حوار مع الفكر الغريب « للشاعر جوزف صايغ املتم ّرس بصناعة الكلمة .
العدد 72
ترشين الثاين 2012
يوميات كان الرئيس األمرييك التاسع والثالثون يسجلها بصوته، ميليها عىل سكرتريته ،التي تحررها بدورها عىل اآللة الكاتبة ،وتضعها يف ملفات كبرية من دون حذف او روتشة ،مل ميح أخطاءه منها ،وال أحكامه املغلوطة ،رغم أن هذه الفكرة راودته ،بل اخترصها يف صفحات غطى بها أهم األحداث العاملية ،التي شارك فيها وعايشها رئيساً ،ومن بينها غزو االتحاد السوفيايت ألفغانستان ،وقطع العالقات الديبلوماسية مع إيران. عن رشكة املطبوعات.
«قطاف من التجارب» يجمع الرئيس الحص ما كان كتبه يف مواضيع شتى مستمدة من التطورات التي يشهدها لبنان واملنطقة ،أو من تجارب املؤلف أطال الله يف عمره يف الحياة عىل مختلف الصعد.
كتاب «اللعنة عىل نهر الوقت» تحيك تاريخاً قريباً يف حياة الرنويج ( ،)1989حيث الشيوعية تنهار يف جميع أنحاء اوروبا .أرفيد يانسن ابن السابعة والثالثني (بطل الرواية) يحاول يف رسد شفيف ومتقن ،اعادة النظر بكل ما يحدث ،عرب عملية «فالش باك» او اسرتجاع لذكريات جميلة جمعته مع أخوته ،كذلك لقاءاته األوىل مع الحبيبة التي تصبح يف ما بعد زوجته.
مثلّث النهضة :التنمية والرتبية والحكم الصالح ،قضي ٌة يتبناها هذا الكتاب ألنها تالمس يف وضوحها وجرأتها ما نفكّر به كمواطنني حول الحكم والتنمية يف بالدنا، لسبب أو ألخر.ملاذا ال وال نعلنه ٍ نؤسس لتغيري من دون دماء ،ما دامت الرتبية وسيلة أساسية يف تفعيل التنمية والدميقراطية؟! ملاذا ال تكون الثورات العربية وردية مل ّونة برتبية وطنية ومعرفة واضحة ملبادئ التنمية والحكم الصالح ،فتصبح النهضة مبن ّية عىل أسس متينة؟! .
21
كيف شاهد األطفال املذابح؟ ماذا فعلت بهم؟ يتناول هذا الكتاب العامل النفيس ومدى تأثريه عىل أجيال بكاملها .إذ يتطرق إىل ذكر التفاصيل الحقيقية لثالثة أحداث هي :مجازر األرمن، مذابح الفلسطينيني عىل أيدي الصهاينة ،مذابح العراقيني عىل أيدي الواليات املتحدة وبريطانيا. اريخ الشعب الفلسطيني ميلء بالبطوالت والتضحيات ،وبالشهداء واملعتقلني ،وميلء أيضاً تبعاً لذلك باألزهار واألشواك .جرت العادة أن يسجل التاريخ الحكام أو املنترصون ،ولكن من حق أبناء الشعب أيضاً واملناضلني يف صفوفه أن يشاركوا يف تسجيل التاريخ مبختلف جوانبه ،ومبنتهى التجرد املمكن عن طريق تسجيل حياتهم الشخصية بحلوها وم ّرها بأزهارها وأشواكها .ويف هذا الكتاب رسد لحياة ضابط فلسطيني متثل أيضاً جانباً من حياة شعب مجاهد يف مختلف امليادين ويف جميع األوقات ،وتقدم إضاءات رضورية عن بعض األشخاص وبعض األحداث ،ومنها ما كان رساً أو شبه رس.
عد مسري منهك لألفكار، حفته تخبطات الصور ،والطمته أمواج الرعب ،وصال اىل قاعة كبرية جدا ،ليس بإمكان البرص بلوغ منتهاها ،محاطة بجدران ُعلقت عليها مشاعل ملتهبة تتأ ّجج بها نار تيضء املكان.
ُمعتقل بوكا هو العجيبة السابعة عىل األرض»الربيغادير – جرنال ديفيد كوانتوك ...مسؤول املعتقالت األمريكية يف العراق». ٍ معلومات عن السقوط رواية تمُ ّرر الرسيع لبغداد...الواقع النفيس للجنود األمريكيني ،وعن اختفاء الجيش العراقي كلّياً عن الساحة، وهي تفضح جالّدي الواليات املتحدة الذين فتكوا باألبرياء العراقيني يف معقتل أقل ما يقال فيه أنه مسلخ برشي!مثة من وصلوا إىل املعتقل عقالء بل نخبويني وغادروه مجانني أو أشباه مجانني أو جثث هامدة.هُددوا باغتصاب زوجاتهم وأخواتهم أمام أعينهم ليعرتفوا مبا مل يقرتفوه.فُتحت لهم أبواب الهروب ليصبح مسوغاً إطالق النار عليهم. هناك من ُرمي من مروحية ،ومن اغ ُتصب فقرر االنتحار ...رواي ٌة متقنة بأسلوبها وحبكتها ولُعبتها وجنونها!
صدر للدكتور سمري التنري كتاب بعنوان (معمودية النار). يحلل الكتاب مبوضوعية ومنهجية مجريات الربيع العريب يف الدول العربية التي استهدفها ،ويبحث يف األسباب والدوافع التي أفضت إىل كل ثورة عىل حدة. ويتناول النتائج الراهنة لكل ثورة ومستقبلها كام ييضء عىل الخط التصاعدي لإلسالم السيايس وإفادته من املتناقضات الحاصلة يف امليدان .يقع الكتاب يف 212 صفحة من القطع الوسط.
صدرت رواية لـ (غريبرند باكر) بعنوان «التوأم» .حائزة عىل جائزة (اميياك دبلن االدبية) تستعرض الرواية العالقات االرسية والرصاع بني افرادها ،مستندة إىل القيم السامية ومحاولة كرسها.حب يؤدي إىل املوت ،وموت يؤدي إىل عالقات جديدة يف مزرعة ريفية بعيدة.أب متسلط يفرق بني توأميه ،ويتحكم بعواطف ابنه الذي ظل حياً وبطموحاته واحالمه.يف الرواية اجواء نفسية ورصاع مع الذات واحساسات بالندم والخطيئة والعقاب الشديد يف جدلية الـ «أنا» والـ «هو».تقع الرواية يف 305صفحات من القطع الوسط.
22
العدد 72
نوافذ
ترشين الثاين 2012
صيف وشتاء د.فيفيان الشويري مل تقل َإنك تحبني وال مرة هذه الليلة! أمل تعد تحبني؟ ِ ِ ومداعبتك... مالطفتك مل أتوقف الليلة عن هذا ليس حباً ...هذا ...فقط! وكيف يكون إذن؟ أمل تعد ترغب بالزواج مني؟ ال! ال أريد الزواج! هه ،ومل ال؟! ألنه ليس مبقدوري الزواج ،فأنا ال أملك فلساً واحدا ً... ال يه ّم ميكننا أن نعيش عىل الخبز والزيتون... حتى الزيتون ال أستطيع رشاءه! أنا أشرتيه... أنا ال قدرة يل عىل رشاء أو تأمني أي يشء! هل ستذهب للعمل غدا ً ؟ بالتأكيد .لدي ثالث ساعات من التدريس املجاين طبعاًِ ،وأنت؟ وأنا أيضاً .متى سنلتقي ثانية؟ ال أدري ...عىل كل حال ليس قريباً ألن التنقل صعب فنحن عىلأبواب الشتاء. وما دخل الشتاء؟ املواصالت صعبة ،وكل يشء يتعطل...كام أن املصاريف أكرث... إذن هناك فرق كبري بني الصيف والشتاء... طبعاً ،فكل املقاييس تختلف بني هذين الفصلني. مبعنى أن كالم الصيف ميحوه الشتاء! ماذا تقصدين؟ِ تعدين بالزواج صيفاً وترتاجع عن وعدك شتا ًء! الشتاء صعب!قلت مرارا ً َ مع َإنك تحب الشتاء. أنك َ أحبه نعم ،وأحب أجواءه الرومنسية ولكن ليس مع العوز والفقر!يعج بالبؤساء والفقراء ال ينقصهم إال الربد القارس والثلج البلد ّ والصقيع .من يكرتث لهم؟ حتى الطبيعة تظلمهم! أال تسمع الخطابات الرنانة التي يصدح بها املسؤولون يف هذهاأليام مبناسبة أعياد الوطن واإلستقالل :أيها الشباب ،يا رجال الغد، أنتم املستقبل ،أنتم سواعد الوطن ،رجال األمة ،أمل الوطن»...؟ لطاملا ر ّددوا ذلك ويف كل املناسبات! يُ َعزون جنود املهرجان ليسإال!... وهل هؤالء الجنود الذين يقومون باالستعراض اآلن ،باستطاعتهمالزواج وإنشاء عائلة؟ نت لهم الدولة كل يشء... حكامً ،فهؤالء أ ّم ْ يعني أن أوضاعهم املعيشية واإلجتامعية أحسن من أساتذةاملدارس والجامعات أمثالنا! بكثري... إذن ال مشكلة ،وكام أرى فهم كرث وأوالدهم سوف يكونون رجالالغد؛ سوف يع ّمرون الوطن كام يخطب بهم الرئيس اآلن ،ولن يكون دلت آخرها أنه هناك خلل دميوغرايف كام نقرأ يف اإلحصاءات والتي ْ يف لبنان قد تخطى عدد اإلناث عدد الذكور ،مبعدل عرش إناث لكل ذكر! هذا مريع! وماذا سيفعل املسؤولون يف وزارة الشؤون اإلجتامعيةحيال هذا الوضع الخطري؟ ماذا سيفعلون لتدارك األمر؟ -ماذا يفعلون؟ من املؤكد أنهم سوف يأخذون اإلجراءات الالزمة،
وإال ملاذا يقومون بهذه اإلحصاءات؟ قلقاً عىل التوازن الطائفي ،طبعاً! وما دخل الطائفية هنا؟ قلت َلك مسحاً دميوغرافياً وليس طائفياً! هو نفس اليشء! لوال اإلنتخابات ولوائح الشطب ملا قاموا بأيدراسات وال بأي إحصاءات .اإلحصاء الطائفي هو األهم... أوتعتقد؟ ألهذا تكرثُ الندوات التي يعقدها رجال الدين حول هذااملوضوع؟ حتى أن مجلس الكنائس اقرتح مؤخرا ً عىل املتزوجني اإلكثار من اإلنجاب عىل أن يؤخذ الولد الثالث والرابع والخامس عىل عاتق الكنيسة وأظن أن اليشء نفسه يقوم به الشيوخ ...بادرة جيدة ،أال تظن؟ عىل األقل يأخذون ِحمالً عن كاهل الدولة املسكينة! بل هم املشكلة ،هم من يزيدون الطني بلّة ويسلبون الدولة دورها! وما الحل ،برأيك؟حل إال مع الحلول الجذرية! ال ّ من أطرف ما سمعت حول هذا املوضوع هو ما اقرتحه أحد الزمالءالظرفاء وهو أن يُعتمد الزواج املتعدد لدى املسيحيني بحيث يكون لكل رجل أربع نساء كام يحصل لدى املسلمني ،وهكذا تحل املشكلة الدميوغرافية. ومل ال؟ فكرة صائبة عىل األقل تتساوى الطائفتان عند ذلك ،ويفكل يشء! َ طبعاًأنت ،كام تناسب كل الرجال! ولكن النساء... الفكرة تناسبك َ ال تخلطي األمور ببعضها فيجب عىل النساء تق ّبل هذا الحل.هذا عمل جبار وتضحية من قبل الرجال يصب يف خدمة الوطن.ال بل عمل ثوري بكل ما للكلمة من معنى ،يُرمى عىل كاهل الرجال وحدهم! أجل كام كل األعامل البطولية التي يقومون بها ...إبحث عن ح ٍلآخر،أرجوك! واآلن قل يل ،هل غري الجنود من املواطنني ،بإستثناء األساتذة طبعاً ،من يستطيع الزواج وتنشئة عائلة؟ بالتأكيد ،فهناك املوظفون والعامل والتجار وأصحاب املهن الحرةواألطباء واملهندسون واملحامون والقضاة والبوابون والصناعيون... كل املواطنني تقريباً ...إذن ال مشكلة فرجال اليوم ينجبون رجالالغد ...ما عدا األساتذة! ال تنيس أن هناك فئة منهم موظفة ومضمونة... وفئة مغبونة مثلنا...ِ هي قصة حظ! ِيقلقك هذا املوضوع؟ دعك من هذه األمور ،ملاذا يكفينا فخرا ً أننا نريب األجيال ،فأنا ال أرى أي مشكلة! َ أفكارك ،ويحمل وكيف ذلك؟ أمل تعد تحلم أن يكون َلك ولد يرثاملشعل َ بعدك ويناضل من أجل الوطن والحضارة واملستقبل األفضل؟ أبناء الوطن سوف يفعلون ...نحن نربيهم من أجل ذلك! من؟ أبناء اآلخرين؟ ها أنك تتكلم كام املسؤولني اآلن! أتضمنتربيتهم؟ وهل يكفي أن مي ّروا عىل مدارسنا وجامعاتنا مرور الكرام؟ ومن أجدر من األستاذ برتبية األجيال؟ هو يريب أوالد اآلخرين وال يحق له أن يكون له ولدا ً يربيه ،ألنه عاجزعن تأمني لقمة عيشه وغري قادر عىل الزواج ،ألنه مل تؤمن له أدىن رضوريات الحياة حتى يُنيشء عائلة ...فكيف يُبنى الوطن؟ وعىل سواعد من يقوم؟ هم ينجبون ،هم يربون ،هم يفعلون ،هم...هم ...ونحن؟ املسؤولون والزعامء يتطلعون اىل رجال املستقبل ،يعقدون اآلمال عىل رجال الغد ،يعطونهم املال والوظائف حتى ينتخبوهم ويحموهم... ونحن؟ من سيترشب أفكارنا؟ من سوف يتمسك مببادئنا؟ من سوف يناضل كام نحن نفعل؟ من سيكمل املسرية إن نحن ذهبنا؟ من سينري دروب الظلمة والجهالة إذا ما نحن توارينا؟ من أجدى من
املعلم بتلقني الوطن والثورة والقيم والقومية؟ من أجدر من األستاذ بتعليم الكرامة والرشف؟ ألجل كل هذا أحزن ،من َ أجلك من أجيل من أجل أجيال الغد .أتأمل بسبب سياسة التهميش التي تحاك بحقنا، بسبب سياسة التجهيل التي تقام بحق أجيال غدنا؛ سياسة تجويع املثقف وحرمانه من العيش الالئق والكريم ،بغية تكبيله ومنعه من العطاء والتنوير ...أحزن من أجل كل مثقف يحمل ه َّم األمة وال أحد رشده. يحمل ه ّم جوعه وت ّ ُهمَ ،ه ّمه ْم أجيال الغد ومستقبل الوطن الدميوغرايف! ونحن ،همنا األمة ونوعية أبنائها وفكرهم وليس عددهم وكَمهم ،ه ّمنا روؤسهم وليس رؤساءهم! األمة ه ّمنا ،واذا ما ِزلنا ،زالت .من يأبه فكلهم نيام! ِدعك من كل هذا وتعايل اىل هنا... أنك تحبني ،تعزيتي الوحيدة َ إذن قل يل ّحبك ،ملجأي ومهريب... ال! ال ِأحبك. بل ال تجرؤ عىل البوح... ال أريد أن ِأعدك بيشء ...ال أريد ان تستمر املأساة! استسلمت؟ إذنَ نعم!وأنت الثائر ،العنيد الطموح الذي ال حدود لجموح وبهذه السهولةَ ،أفكاره وال هدوء يُعرف لعاصفته؟ نسيت كل هذا...هذا من املايض... لقدُ وما السبب؟ أمل أقل ِلك هو الشتاء؟ ِ وهل سوف تعود اىل طبيعتك يف الصيف؟ هل سوف تعود لحبي؟ ِحبك ليس مرهون بالصيف والشتاء ،فالحب ال يتبدل بني فصل وآخر .الحب الحقيقي ال تتبدل حرارته ،هو ثابت ،ال يتأثر بيشء! قل َإنك تحبني إذن .قل مع فريوز «حبيتك بالصيف حبيتك بالشتي»... هي تغني وال تقول. وما الفرق؟ الفرق كبري! إنه مجرد غناء ،أما القول فهو وع ٌد ،هو إلتزام ،هوغنيت ِ ِ حسبت ذلك مجرد ترفيه ال لك ورافقت اللحن، مسؤولية .إن ُ يحمل يف طياته جدية القول ومعاناته... عن أية معاناة تتحدث؟ عن أية مشاكل ،االقتصادية أو رمبااإلديولوجية أم العقائدية؟ مل أعد أصدقك مل أعد أهتم آلر َ ائك ...فإذا كان الحب سيد الفصول كلها وهو اآلمر الناهي واملتحكم باألهواء واألطباع والعقول والقلوب ،فهو بالتايل سيد الظروف كلها أيضاً وأعىل سلطة من كل واقع مرير .هو السيد الناهي واآلمر ع ّيل َ وعليك .هو سيد القلوب وهو سيد العقول! هو َ سيدك...هو سيدي! فيا سيدي كنت فعال تحبني ،ال تعلّل بالعلل واملشاكل والظروف الكريم ،إن َ َ وسأحبك يف كل وال تتحجج بالصيف وبالشتاء .فأنا أحببتك وأحبك الفصول ،يف الربيع والخريف كام يف الصيف والشتاء .يف الحر والربد، كنت أم غنياً، يف الصحراء ويف الرباري ،يف الجبال ويف السهول ،فقريا ً َ كنت أم أمياً .ألنك تحمل ه ّم الوطن والهوية وليس همك أستاذا ً َ الشخيص .وسأظل أغني وأقول ،وال أجد فرقاً بني القول والغناء، َ عشقتك فالحب محا كل الفوارق»:حبيتك بالصيف،حبيتك بالشتي». أنت فستظل تكتم الصوت وتلعن القول يف كل الفصول .وأما َ والغناء ،وستظل تحلل الفوارق بينهام ،وتجرت ه ّم الظروف وتكفر بكل الفصول وبكل يشءَ ، ألنك مل تحبني مطلقاً ،ال يف الصيف وال يف الشتاء!!!... -مهلك ،مهلك ،ال تنيس ...فنحن يف لبنان!
العدد 72
ترشين الثاين 2012
إشتها ٌء دون بلوغ
يف زمنٍ ما ،حيثُ تتوالد البدايات كنمط لتكرار خارج عىل املألوف ،يُ ِ سد ُل القمر القُر ُمزي ألحانه كفراشات عىل مناديل االغاين ،يتب ّدل اإليقاع كلام أوغلنا يف الضوء ،تتس ُع الرؤيا ،ترتسم إرتحاالت ُمغايرة يف ذات القمر ،كرساج الليل يرسم طريق الوهج وميض موصول بالحلم ُ ،مناجاة هي أم ترانيم وتساؤالت تبحث ٌ ، عن ألق أو وحي أو ما شابه . يف كثافة املعنى نعقد الصرُ ة مرتني ،كفالح يُسافر اىل القمر الفيض ، يتكأ عىل عكاز التأمل ،يستحيل يف ُمسافرته هيوىل تبحث عن حفنة ضوء .وكأنه إشتهاء املعرفة دون بلوغها . كضباب تتغلغلني يف إنتظاري ،إسطورة يف طور التكوين . 1ـ ٍ
نوافذ
2ـ إكتامل القمر ال ُزهري ،دوائر يف أرسار األنوثة ،تناقُص إلمتالء جديد . ِ ِ 3ـ يف عينيك جمعت حكايات البرش ،بقي ث ُقب يف الذاكرة ونافذة يف مداها ضوء . 4ـ يشغلني إرتقاص الفراشات يف اليباس وال أستكني . 5ـ ُمسافر بال أرشعة ،أكتب قصائدي عىل ماء الزمن ،وكأنني صدى إلنعكاس الحقائق . 6ـ رساج الليل ،وميض يف حزن متوالد كاالفكار والهواجس واملواويل املوغلة يف الروح . ُ 7ـ إنفالت املحارة من َص َدفتها ،أنثى تُغادرها الدهشة فتعود اىل حزنها القديم . 8ـ وللمرايا حكايات وأرسار ،رصاع أزيل بني االنثى والله . 9ـ كفراشات القناديل ،نحرتق بحثا عن ضوء السعادة . أمني الذيب
سحر خليفة وانطون سعادة
د .حياة الحويك عطية
ليست االجازة فرصتك يك ال تعمل ،بل فرصتك الن تعمل ما تريد ،خارج ما هو مطلوب منك . ايام قضيتها مع مسودة الرواية الجديدة للصديقة سحر خليفة : « اكرث من حب!» والتي تدور حول حياة وشخصية انطون سعادة . سحر تضطلع مبرشوع تنويري جميل :اعادة تقديم ابطال ومفكرين غري فلسطينيني قضوا يف نضالهم الجل فلسطني .وهنا قد يبدو التعبري غريبا مبقياس املرحلة التي عاش فيها هؤالء .ففلسطني مل تكن للسوري واللبناين والعراقي قضية شعب شقيق او مسالة تضامن ودعم ،كام بتنا نتداول يف خطابنا الحايل ،وامنا هي بالنسبة لهؤالء قضية االمة يف خارصة من خوارصها ،جزء ال يتجزا عن سائر مشاكلها ،ورصاع ال حل له اال يف اطار حل ازمة الوجود القومي ،بازالة التجزئة واقامة مجتمع – امة – دولة ذات سيادة عىل كل ارضها وناسها. من هنا يتبدى ان الفشل االكرب لهذا املرشوع التاريخي ما هو اال وصولنا اليوم اىل تجزئة املسائل القومية ضمن القضية القومية الواحدة ،واعتبار كل منها قضية قامئة بحد ذاتها .بل واعتبار ان عزلها وحرصها وتحجيمها هو قرار استقالل وطني ال قرار انعزايل يقطع اليد عن القلب والقلب عن الرئة ،يف اسوا استجابة ملؤامرة سايكس بيكو ،ووعد بلفور .وهكذا يخطط الصهاينة والغرب لنا كوحدة ويحاربوننا كذلك ،بينام نواجههم نحن – ان واجهناهم – كاشالء مقطعة فخورين مبا نسميه – كام يريدون له – «استقالل قرارانا الوطني « متناسني انه حتى الرسطان الرشس ،ميكن القضاء عليه اذا متت محارصته وعزله .تشبيه يفرتض ان نطبقه عىل ارسائيل باعتبارها الرسطان ،ولكن الحقيقة غري ذلك ،النه ال محارصة اطالقا لها ،ال دوليا وال عربيا ،وبالتايل فانها رسطان يتمدد ويسترشي عىل هواه .اما رسطانات الكيانية التجزيئية التي اخرتعت لنا وبتنا اكرث حرصا من ارسائيل عليها ،فهي التي تحارص حتى الخنق ،بدءا من حصارها بيد من يهلل ويغني لها . بذا يكون مرشوع سحر خليفة مرشوع يستحق التحية .حيث تعمل عىل احياء ذاكرة تلك االيام الحلوة – عىل مراراتها – يوم كان انطون سعادة يستشهد الجل االمة ،وبتواطوء مع ارسائيل ،ويم كان سعيد العاص مييض حياته مقاتال عىل دروب سوريا الطبيعية مقاتال الفرنسيني واالنكليز اىل ان يستشد يف مواجهة الصهاينة يف فلسطني ، ويوم كان عز الدين القسام يايت من الشام لريوي بدمه ارض فلسطني ، الخ ...من قامئة تطول .مرشوع يعيد اىل الضامئر انتفاضة ضد التجزئة
وتكذيب واقعي لحالتها املرضية التي باتت مطروحة كحقيقة ال جدال فيها .غري ان تناول انطون سعادة ،وهو النموذج االبلغ عىل هذا النضال ،هو مقاربة ملا هو اعمق واشمل من مجرد مقاومة التجزئة ، ومن النضال االستشهادي الجل فلسطني .فسعادة هو مرشوع تاريخي شامل لنهضة امة ،مرشوع يقوم عىل رؤية شاملة متكاملة للحياة والوجود واملجتمع ،اعتمد عىل علم االجتامع وعىل علم السياسية وعىل علم االقتصاد ،ليصوغ عقيدة فكرية كاملة ال تهمل اي تفصيل من شؤون الحياة ،وتريس التطبيقات الكاملة لها يف جميع املجاالت ،يف اطار نظام شكل يرتجم نظاما فكريا واضحا . ولذا فان ترتيب اسم النهضة ،كام اسامها صاحبها بوعي ،يضع السورية ثم القومية ثم االجتامعية ( وهكا ايضا الحزب الذي شكل الهيكل التنظيمي ) .ترتيب يقوم عىل ان انطون سعادة مل يخرتع سوريا ،فهي وحدة تاريخية قامئة منذ تكون االمم ،وحتى يف مرحلة ظهور دعوته ،كان املناضلون عىل اختالفهم يدعون اىل استقالل سوريا ( بل ان ثورة فخر الدين املعني ضد العثامنيني بالتحالف مع وايل عكا ووايل حلب قد هدفت اىل االمر ذاته ) ،وكذلك مل تكن الثورة السورية الكربى امرا غري ذلك .بل ان االدبيات تتحدث عن ذلك بشكل تلقايئ ( جربان خليل مثال) .ننتقل اىل املصطلح الثاين :القومية .وهنا ايضا ليس االمر جديدا الن القومية بحسب سعادة هي وعي االمة لذاتها ،لوحدتها ،لكيانها ،وهذا واجب الواعني من ابنائها ،خاصة عندما يكون هذا الوعي محاربا من قبل العثامنيني والغرب و الصهاينة . اما املفهوم الثالث ،فهو الجديد الخاص فكريا بانطون سعادة عامل االجتامع والفيلسوف ،وهو ما شكل االضافة الخطرية التي كانت كافية لجعل حسني الزعيم ومويش شاريت ورياض الصلح وبشاره الخوري والسفارتني االمريكية والفرنسية ،ترتبان معا امر الغدر به واعدامه. هل استطاعت سحر ان تقول كل يشء ؟ مازلنا يف املسودة ،وسنكتب الكثري الحقا ،لكن اجمل ما فعلته انها مل تضل يف اي مفهوم طرحته ( وان كانت قد اغفلت مفاهيم ) مام يدلل عىل جدية البحث الذي قامت به ،كام انها مل تضل يف اي حدث تاريخي .ولكنها استطاعت ومبهارة حلوة ان تضع كل هذه السرية الصعبة يف قالب انساين جذاب وروايئ ال يسقط ابدا يف الخطابية ، وضمن سياق حيايت واقعي يجعلم ترى كل يشء من املوقع الفلسطيني ،يف ربط ذيك بني الحارض واملايض القريب .عرفت ان تروي عرب سرية الرجل سرية امة وبعني فلسطينية. ولننتظر العمل يف صيغته النهائية
سندريال ! كفى خداعاً هل فعالً نسيت السندريال نعلها عىل درج القرص ؟سؤال يستفز خاليا دماغي !!! السندريال يف حيايت كانت مجرد قصة جعلتني أعتقد ان النهايات دامئا سعيدة .و انه ال بد لتلك الفتاة الفقرية ان تجد يوما ذلك األمري الذي ينقذ اقدامها من األحذية الباليه !! فعال انا ساذجة السندريال ليست سندريال و األمري مجرد ثري ظن ان السندريال يف األصل أمريه هكذا تكون املعادالت عىل األرض .االنجذاب الواقعي بني الطرفني مل يعد كيميائيا» تراجع ليصبح بكل بساطة ماديا و تجاريا» بحتأ.فهذه املالحظة ال تتطلب منك مجهودا ألكتشافها فبمجرد النظر من الرشفة عىل األزقة تدرك كم ان الحياة تغريت تعجرفت تصلّبت .النمو أصبح ال منطقيا» يف مجتمعنا وذلك ألن الغرائز وحدها تعمل .أ صبحت الفتيات يتسابقن عىل اجمل اطاللة خارجية تثري الغرائز الجنسية وتجاهلن مدى تأثريهن يف افامة مجتمع نظيف خال من السطحية الخارجية .عىل من يا ترى يقع اللوم؟ و مبا اننا يف مجتمع ذكوري لن يقع اللوم ابدا» عىل الذكور .فالعناء العاطفي املسترشس يف مجتمعنا الرشقي سببه التطور السلبي يف العالقات الثنائية بني العاشقني .فالغرام اصبح مرهونا» باألختالف الطبقي .مام جعل الحب عملة نادرة وذلك نتيجة ارتهانه بحجم السيارة والدخل الفردي و فاتورة الهاتف .فاملصالح الشخصية هي من اهم األسباب التي تولد الحب و الشغف و هذه تعترب من اهم األفات االجتامعية املتفشية التي تنهش فينا كرسطان خبيث .فربيق العينني يف ليلة حب دافئة تح ّول اىل بريق اسوارة ماسية يف يد قلب متعجرف .فاملظاهر الخادعة ايتمت تلك الوردة الحمراء يف كتاب شعر قديم .وذل��ك ان األزم��ات العاطفية سببها األزمات األقتصادية و الشح املايل و الرواسب املرتاكمة من الحروب املتتالية. أطلت االستطراد سأعود اىل حقيقة السندريال .سندريلتي فتاة فقرية أظافرها مقروضة وجهها جميل شاحب و نعلها يتفتت تطمح ان ينتشلها أي امري من الوباء الذي يسمى الفقر..ومبا ان سندريلتي انا حلوة املعرش نصحتها نصيحة :من يحبك بصدق يصطاد روحك قبل ان يدرك كم ان الحياة افرتست جاملك ...وحده تصديق الخيال يجعلنا نصدق مرارة األيام!!! هبة الله سلامن
23
24 العدد 72
2012 الثاينw w ترشينw . العددt a h a w72o lat.net
ترشين الثاين 2012
م�شهد
العامل يتحول
وتحوالت
مستمرة نحو مجتمع جديد يف سبيل استمرار وانتشار واستقاللية تحوالت اشرتك وساهم معنا يف الحملة
إن ارسة تحرير مجلة “تحوالت” تعتربكم من اصدقاء املجلة والداعمني الستقالليتها واستمراريتها وتطورها. لذلك ،يرسها أن تتوجه اليكم بهذه الرسالة من أجل تعزيز التعاون عرب تقديم اإلقرتاحات وتبادل وجهات النظر والعمل معاً من أجل توفري قاعدة صلبة تضمن إستمراريتها وتوسيع إنتشارها. لذا نتطلع اىل مساهمتكم يف االشرتاك يف املجلة واهداء نسخ منها ألصدقائكم مام يسمح بوصولها اليكم يف شكل منتظم ويضمن لها قاعدة ثابتة من القراء املتضامنني معها. قيمة اإلشرتاك :مايس $1000 :ذهبي $750 :فيض $ 500 :برونزي: $300 :عادي لبنان $100 :الخارج$150 : من اجل تسهيل عملية االشرتاك نأمل من حرضتكم تحديد االشرتاك وكيفية الدفع عرب القسيمة التالية: اسـم الـمشتــرك: املنطقة:
الـمـبنى:
الهاتـف :
الفاكس :
الخلوي :
الطــابـق : ص .ب :
الربيد االلكرتوين: قيمة االشرتاك السنوي:
إبتدا ًء من
اىل
نقداً شيك مرصيف صادر المر أبعاد ش.م.م أو تحويل مرصيف عىل حساب:
ACCOUNT NO: 234170-001 ABAAD S.A.R.L - AL - MAWARID BANK S.A.L - HAMRA BRANCH
IBAN Number : LB 91 0101 0000 0000 0012 3417 0003 - Swift :MABALBBE www.tahawolat.net
Email: info@tahawolat.net
Tell: 71-341622 / 01-751541
7thfloorـRasamnyBldgـHamra,MainStreetـLebanon,Beirut