العدد :73

Page 1

‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫شهرية ‪ .‬فكرية ‪ .‬ثقافية‬

‫العدد ‪ 73‬كانون األول ‪ 24 2012‬صفحة ‪ 2000‬لرية لبنانية‬

‫‪www.tahawolat.net‬‬

‫الثابت واملتحول في السياسة‬ ‫الروسية في املشرق العربي‬

‫«حتوالت» حتاور‬ ‫الشاعر السعودي إبراهيم اجلريفاني‬

‫قراءة في كتاب‬ ‫النبي الثائر»‬ ‫«محمد ّ‬

‫القوميون والسبات العميق‬

‫صفحة ‪10‬‬

‫صفحة ‪19‬‬

‫صفحة ‪20‬‬

‫صفحة ‪14‬‬

‫غزة‪:‬‬ ‫عودة الروح الى‬ ‫املقاومة‬ ‫والتسوية‬


‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫صفحة ‪2‬‬

‫منبر‬

‫صفحة ‪3‬‬

‫منبر‬

‫الى محترفي السياسة‪:‬‬

‫غزة ‪...‬وقفة عز ‪...‬‬

‫كفاكم ترقيعا في هذا الكيان يا صيارفة الهيكل‪.‬‬ ‫منصور عازار‬

‫زهير فياض‬

‫ان مقاييس النرص والهزمية يف املعارك والحروب تقاس‬ ‫بالنسبة لألهداف والنتائج‪ ،‬وهي –بطبيعة الحال‪ -‬مقاييس‬ ‫نسبية‪ ،‬ولكنها تصلح أساس اً للق راءة االس رتاتيجية والتكتية‬ ‫للمعركة ومدى انعكاسها عىل مجمل ال رصاع‪...‬‬ ‫بالطبع‪ ،‬هي جولة من جوالت ال رصاع املفتوح مع كيان‬ ‫استيطاين غاصب يسيطر عىل الجغ رافيا ويحاول احتواء‬ ‫التاريخ يف مرشوع استيطاين احاليل عنرصي همجي قل نظريه‬ ‫يف تاريخ االنسانية‪...‬‬ ‫ال ميكن اذا ً‪ ،‬وضع العدوان األخري عىل غزة اال يف هذا السياق‬ ‫التاريخي ل رصاع مستمر بجوالته ومعاركه وحقائقه ووقائعه‬ ‫ومتغ رياته عىل مختلف الصعد‪...‬‬ ‫ما يهمنا دامئ اً التأكيد عليه‪ ،‬وهذا –باملناسبة‪ -‬هو دور‬ ‫املثقفني واملناضلني‪ ،‬هو التأكيد عىل الطابع الوجودي لل رصاع‬ ‫املستمر منذ عقود‪ ،‬أي منذ نشأة الكيان الصهيوين اللقيط‬ ‫نفسه عىل أرضنا القومية‪ ،‬وبث الوعي الحقيقي لطبيعة‬ ‫ال رصاع يف أوساط شعبنا الذي ي راد خداعه بشعارات «السالم»‬ ‫‪...‬املزيفة ‪...‬التي يحاول البعض تسويقها والتعمية عىل جوهر‬ ‫املرشوع الصهيوين االحاليل االلغايئ املدمر للهوية وللكيان‬

‫املدير املسؤول‪ :‬رسكيس ابو زيد‬ ‫ادارةالتحرير‪ :‬زهري فياض‬ ‫مدير التحرير التنفيذي‪ :‬زاهر العرييض‬ ‫العالقات العامة‪ :‬عائدة سالمة‬ ‫االخراج الفني‪ :‬رؤى طعمة‬

‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫ال ميكن اذاً‪ ،‬وضع العدوان‬ ‫األخير على غزة اال في هذا‬ ‫السياق التاريخي لصراع‬ ‫مستمر بجوالته ومعاركه‬ ‫وحقائقه ووقائعه ومتغيراته‬ ‫على مختلف الصعد‪...‬‬ ‫وللقواعد األساسية التي يقوم عليها بناؤنا االجتامعي القومي‬ ‫بنسيجه الشعبي املمتد عىل مساحة األمة‪...‬‬ ‫ان ربح معركة الوعي القومي الشامل هو التحدي الحقيقي‬ ‫الذي يواجه القوى الحية املتنورة يف بالدنا‪ ،‬ألن الوعي هو القاعدة‬ ‫– األساس التي ترتكز عليهام االرادة والفعل ‪...‬‬

‫هيئة التحرير‪:‬‬ ‫نجيب نصري‪ ,‬نجايت ميداين‪,‬‬ ‫أسامء وهبة‪ ,‬عبري حمدان‪,‬‬ ‫عامر مالعب‪ ,‬يامن الدقر‪,‬‬ ‫ادهم الدمشقي‪ ,‬سالم الزبيدي‬ ‫‪ ,‬نادي قامش‬

‫ما حصل يف غزة يف هذه الجولة له دالالته وخاص ًة لجهة‬ ‫الرد النوعي لقوى املقاومة وتقدم نظرية «الردع الصاروخي»‬ ‫يف التطبيق العميل حيث دكت صواريخ املقاومة املدن‬ ‫والتجمعات السكنية االستيطانية وم راكز تجمعات جيش‬ ‫االحتالل االرسائييل‪ ،‬وتم الربهان وللمرة األلف أن هذا العدو‬ ‫ال يفهم اال هذه اللغة‪ ،‬لغة القوة العسكرية التي لها تأثري‬ ‫هام عىل جامعات االستيطان اليهودي عىل أرض فلسطني‪...‬‬ ‫ونظرية «الردع الصاروخي «هذه‪ ،‬تعتمدها منذ سنوات‬ ‫القوى املنخرطة يف املحور املقاوم من الشام اىل لبنان‬ ‫وصوالً اىل فلسطني‪ ،‬وقد أثبتت قدرتها يف سياق نظرية‬ ‫«حرب التحرير الشعبية» أي «املقاومة» ومتت تجربتها‬ ‫العملية يف الواقع النضايل امليداين يف جنوب لبنان عام‬ ‫‪ ،2006‬ويف غزة عام ‪ ،2008‬ويف غزة العام ‪ ،2012‬وشكلت‬ ‫جزءا ً غري قليل من معادلة «الردع» و «توازن الرعب» مع‬ ‫الكيان الغاصب‪...‬‬ ‫بالطبع‪ ،‬مثة محاوالت جدية الحتواء «املقاومة» يف‬ ‫فلسطني ويف غزة تحديدا ً‪ ،‬وتدجينها والحاقها بركب‬ ‫التسويات املقيتة عىل حساب الحق الفلسطيني الثابت يف‬ ‫أرض فلسطني‪ ،‬كل فلسطني‪.‬‬ ‫وميكننا القول‪ ،‬ان الهدف األسايس من معركة غزة األخرية‬ ‫كان محاولة «هذا االحتواء والتدجني وااللحاق»‪ ،‬وهذا واضح‪،‬‬ ‫يف املواكبة السياسية للنظام الرسمي العريب ملجريات‬ ‫املعركة‪ ...‬ويف الرشوط التي حاول البعض فرضها عىل حركات‬ ‫املقاومة املسلحة (تحديدا ً)‪ ،‬ويبقى –بأي حال‪ -‬الرهان عىل‬ ‫قدرة املقاومة الحقيقية وقياداتها املناضلة عىل افشال هذا‬ ‫الهدف‪ ،‬وعىل حامية «املقاومة» باعتبارها الضامنة الحقيقية‬ ‫واملسار الواقعي الوحيد املمكن يف مواجهة العدوان واالحتالل‬ ‫والهمجية الصهيونية‪.‬‬ ‫لقد انتهت جولة من جوالت ال رصاع‪ ،‬ولكن الحرب مستمرة‬ ‫واملقاومة يجب أن تستمر وشعلتها ال بد أن تبقى وقّادة تنري‬ ‫دروب فلسطني‪...‬‬

‫تصدر بالتعاون مع مكتب الدراسات العلمية برئاسة منصور عازار‪ -‬بيت الشعار‪-‬املنت الشاميل تليفاكس ‪04- 914510‬‬ ‫تصدر مبوجب قرار رقم ‪ 82‬تاريخ ‪ 1981/7/6‬صادر عن وزارة االعالم يف لبنان‬ ‫النارش‪ :‬دار ابعاد بريوت‪ ,‬شارع الحمرا‪ ,‬بناية هيونداي‪ ,‬ط ‪ 7‬هاتف ‪71-341622 01-751541‬‬ ‫توزيع‪ :‬النارشون بريوت‪ ,‬مرشفية سنرت فضل الله‪ ,‬ط ‪ 4‬هاتف ‪03-975033 01-277088 01-277007‬‬ ‫دمشق مكتب عائدة سالمة لالخراج الفني والتحضري الطباعي‪ ,‬عدوى خلف دار الشفاء‪ ,‬سعر العدد ‪ 25‬ل‪.‬س‬ ‫تليفاكس ‪ 44426588‬خليوي ‪email : aydasalameh@yahoo.com 0933331402‬‬ ‫املواد املنشورة تعرب عن رأي أصحابها وال عرب عن رأي املجلة‬ ‫لالشرتاك واالعالن االتصال عىل ‪www.tahawolat.com mail@tahawolat.net 01-751541‬‬

‫يف التعابري االدبية نقول ان فالنآ اسوأ محام الرشف قضية‬ ‫وباملثل نستعيد التشبيه لنقول ان هذا الطاقم السيايس يف‬ ‫لبنان هو اسوأ محام واسوأ مدافع عن اقدس قضية ‪ ،‬التي هي‬ ‫قضية بقاء لبنان واستم راره حرآ وسيدآ مستقال ‪.‬‬ ‫وهنا امام هذا املشهد اتذكر ما قاله سعيد تقي الدين‬ ‫حني قال ‪ ( :‬ابلغ ما تكون القحباء حني تحارض يف العفة )‬ ‫اية حرية يتشدقون بها وهم الذين قادوا لبنان بعقليتهم‬ ‫وليس بأشخاصهم ‪ ،‬اىل الدرك من الفوىض واالفالس واالستهانة‬ ‫واالباحة وفقدان الهوية الوطنية الجامعة‪ .‬ويتشدقون‬ ‫بكلامت فقدت عىل ايديهم وألسنتهم كل معنى من معاين‬ ‫الدميق راطية والك رامة ‪ ،‬وهم منها ب راء !‬ ‫واال ‪ ،‬فيم نفرس هذه املواقف املخزية بني اقوال طنانة يف‬ ‫العلن ‪ ،‬وترصفات يف الرس وراء االبواب املغلقة يتهربون من‬ ‫تحمل تبعاتها‪.‬‬ ‫ولكن اين يختبئون من املستقبل ومن محاسبة االجيال‬ ‫املقبلة التي تسلط الضوء عىل افعالهم لتكشفهم ومن ثم‬ ‫ملحاسبتهم‪ .‬ان هذا التناقض بينام يقال يف املجالس الرسمية‬ ‫وتحت قبة ال ربملان من جهة ‪ ،‬وما يرصح به جهابذة اللغة‬ ‫واراخنة السياسة امام الكام ريات وامليكروفونات من جهة‬ ‫اخرى يدل عىل التالعب يف االلفاظ والشعارات يف كل ما‬ ‫يقولون ويفعلون ‪ ،‬وهم يعرفون «اذا عرفوا» ان الرجولة‬ ‫هي يف ال ��وف ��اء للمبادىء وامل ��واق ��ف الواضحة وليس يف‬ ‫التلون السيايس سعيآ وراء دعم او ما يتصورون انه دعم‬ ‫من هنا او هناك ‪ ،‬وهم انفسهم يعرفون كم مرة نقلوا‬ ‫البندقية من كتف اىل كتف دون ان يرف لهم جفن !!!‬ ‫فليسمع الشعب ما يقول ادعياء الوطنية وتجار الشعارات‬ ‫عن االنتخابات ‪ :‬انهم ضد التقسيامت يف العلن ولكنهم‬ ‫( يبصمون ويرفعون االي ��دي او يهزون ال��رؤوس موافقني‬ ‫النهم ي ��ري ��دون مقعدا ً او نعمة ممن يف يدهم توزيع‬ ‫الحصص عىل كل من ميد يده طالبآ الصدقة واالحسان )‬ ‫من اجل دغدغة العواطف يقولون انهم مع اعتبار لبنان دائرة‬

‫لنقول ان هذا الطاقم‬ ‫السياسي في لبنان هو‬ ‫اسوأ محام واسوأ مدافع‬ ‫عن اقدس قضية ‪ ،‬التي هي‬ ‫قضية بقاء لبنان واستمراره‬ ‫حرآ وسيدآ مستقال ‪.‬‬

‫انتخابية واحدة ‪ ،‬ولكن هذا يتطلب وجود احزاب تخوض‬ ‫االنتخابات عىل اساس مبادىء وقواعد واضحة مح ّددة ‪:‬‬ ‫انهم يحاولون اخفاء نور املصباح بغطاء شفاف ‪ .‬الصحاب‬ ‫هذه الطروحات نسأل ‪ :‬مل ال تفتحون بصريتكم وبصائركم‬ ‫لرتوا اضواء النهضة التي استطاعت رغم العقلية الرجعية‬ ‫املعشعشة يف العقول والنفوس ورغم انياب الطائفية املنغرزة‬ ‫يف املفاهيم وقوانني توزيع الحصص‪ ،‬ورغم مؤام رات االستعامر‬ ‫املتحالفة مع يهود الداخل ان تقيم اللبنة االوىل يف رصح‬ ‫الوطن الذي ن راه كقيمة وليس متجرآ مرشع االبواب لكل من‬ ‫يدفع الثمن‪...‬‬ ‫ان مرشحي املسلامت واللوائح التي يجري تفصيلها حسب‬ ‫املساومات واالتفاقات التي تعقد يف ليل بهيم ال ميثلون‬ ‫الوطن وال ميكن ان ميثلوا هذا الشعب التواق اىل التفاعل مع‬ ‫محيطه الطبيعي ومع العامل ‪ ،‬واىل التعامل مع اعدائه من‬ ‫منطلق قول سعادة «ان مل تكونوا اح رارآ من امة حرة فحريات‬ ‫االمم عار عليكم» هذه النهضة القومية التي خلصت قسآم‬ ‫كبريآ من ابناء شعبنا من كل ادران الطائفية ‪ ،‬فصاروا هم‬ ‫وحدهم من ميثل االمة بحقيقتها ‪ ،‬وليس بعدد اف رادها ‪،‬‬ ‫هذه النهضة التي اعطت لبنان شهيد االستقالل الوحيد ‪،‬‬ ‫يف الوقت الذي انتجت املساومات والتسويات طاقآم ج رارآ‬ ‫من املنتفعني واملتسلقني والزحفطونيني نقول ‪ :‬ان هذه‬ ‫النهضة وحدها متتلك حق رفع ال راية الطاهرة يف وطن مزقته‬ ‫اطامع تجار الطائفية وسامرسة السياسة ‪.‬‬ ‫نقول ان سامرسة السياسة وباعة الوطن ال يرون ‪ ،‬بل ال‬ ‫يقدرون ان يروا فعل هذه النهضة الن عيونهم العمشاء‬ ‫اعتادت ظلمة الغرف املغلقة حيث تتم الصفقات‬ ‫املشبوهة ‪.‬‬ ‫مببادى تحمل الخالص لكل ابناء االمة‬ ‫اننا نحمل ونبرش‬ ‫ْ‬ ‫‪ ،‬حتى اىل الذين نريد رفعتهم ويريدون اذاللنا وهي الحركة‬ ‫العلامنية الوحيدة التي تستوحي مبادءها من تاريخنا وت راثنا‬ ‫وت ��س ��ت ��م ��د عظمتها م��ن ع ��ظ ��م ��ة ام ��ت ��ن ��ا ول��ي��س من‬ ‫م ���ب ���ادىء وظ����روف ام ���م اخ���رى ‪ ،‬اي ���ن ه��ي االح���زاب‬ ‫التي تجمع يف صفوفها اف رادآ من كل الطوائف صدقوا فيام‬ ‫عاهدوا انفسهم عليه حتى الشهادة ‪.‬‬ ‫نسأل اراخنة السياسة وسامرسة الهيكل ‪ ،‬ان كانت لهم‬ ‫عيون ترى واذان تسمع ‪ :‬عام تفتشون وما تريدون ؟؟؟ هل‬ ‫تظنون ان هذا الشعب ال يدرك االعيبكم ؟ وهل تظنون ان‬ ‫هذا الشعب سيبقى طويآل اسري تطلعاتكم غري املرشوعة‬ ‫واطامعكم التي صارت معروفة ؟‬ ‫وأبناء هذه النهضة هل سيبقون طويآل يف موقف التبشري‬ ‫باملبادىء االجتامعية والدفاع عنها ؟ ام سيطرحون عىل‬ ‫شعبهم مبادءهم وهم االقدر عىل ذلك النهم مثل ملح االرض‬ ‫يف كل مكان ويف كل فكر ويف كل طائفة ‪...‬‬


‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫صفحة ‪4‬‬

‫ملف‬

‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫صفحة ‪5‬‬

‫ملف‬

‫تهدئة غزة وسياق احلل االقليمي للمنطقة‪.‬‬

‫رياض عيد‬

‫اجمعت اكرث التحاليل السياسية عىل ان االحداث العاصفة‬ ‫يف الرشق االوسط تنتظر انجاز االنتخابات االمريكية يك تلج باب‬ ‫الحلول وفق التفاهامت االمريكية الروسية التى اسس لها يف‬ ‫القمة االخرية التى جمعت الرئيسني االمرييك والرويس منذ اشهر‬ ‫‪,‬وربط البدء بهذه التفاهامت بعد انتخاب اوباما لوالية ثانية ‪.‬‬ ‫اما وقد فازالرئيس االمرييك اوباما بوالية ثانية‪,‬فان من اولويات‬ ‫امللفات املطروحة امام االدارة االمريكية الجديدة باالضافة اىل‬ ‫امللف االقتصادي الداخيل حيث تجاوز الدين العام ‪ 16‬تريليون‬ ‫دوالر ‪,‬وملف التحدي االقتصادي الصيني ووضع جنويب ووسط‬ ‫اسيا ‪,‬ملف الرشق االوسط املتفجر والذي مل يعد يتحمل التأجيل‬ ‫‪.‬وينقسم هذا امللف اىل تالثة اقسام متفاعلة مع بعضها‬ ‫البعض وهي‪:‬‬ ‫امللف النووي االيراين والتهديد االرسائييل برضب ايران مام‬‫يهدد باشعال املنطقة‪.‬‬ ‫ الرصاع عىل وسوريا وفيها وخطورة تحوله اىل حرب اهلية‬‫ومتدده اىل دول الجوار ‪.‬‬ ‫ ملف ال�ص�راع ال��ع��ريب االرسائ��ي�لي ال��ذي ك��ان وال ي�زال‬‫امللف االك�ثر تفجرا وبوصلة الحرب وال��س�لام يف املنطقة‬ ‫ال���ذي دون تسويته تبقى املنطقة ع�لى ف��وه��ة ب��رك��ان‪.‬‬ ‫يف الوقت الذي يزور الرئيس االمرييك الرشق االقىص‪,‬تطلق املقاومة‬ ‫الفلسطينية يف غزة صاروخ كورنت عىل دبابة ارسائيلية فتوقع ثالث‬ ‫اصابات يف جنود االحتالل ‪.‬وتغتال ارسائيل نائب القائد العسكري‬ ‫لحركة حامس احمد الجعربي وتقصف طائراتها مخازن االسلحة‬ ‫ومنصات الصواريخ يف غزة ملدة ‪ 24‬ساعة مدعية انها قضت عىل‬ ‫‪%90‬من قدرة املقاومة الصاروخية ‪.‬فرتد املقاومة بقصف تل ابيب‬ ‫وعسقالن واسدود والقدس بصواريخ فجر ‪ 5‬وفجر ‪ 3‬والقسام‬ ‫‪,‬حيث اسقطت املقاومة تفوق الردع االرسائييل ورسمت قواعد‬ ‫اشتباك جديدة ابرزها غزة مقابل تل ابيب ‪.‬سنحاول يف هذا‬ ‫املقال استقراء السياق االقليمي الجديد لهذا العدوان االرسائييل‬ ‫عىل غزة يف ضوء املتغريات االقليمية والسياسية لدول املنطقة‬ ‫وتحالفاتها بعد الهدنة بني املقاومة االسالمية والكيان الغاصب‬ ‫‪,‬وتبيان الخارسون والرابحون من هذه الحرب‪.‬‬ ‫يأيت العدوان االرسائييل عىل غزة بعد رضب ارسائيل ملصنع‬ ‫االسلحة يف السودان منذ اسابيع‪,‬واعالنها ان االسلحة التي تصل‬ ‫اىل غزة مصدرها ايران حيث تشحن من مرفأبندرعباس يف ايران‬ ‫اىل السودان وهناك تفرغ وتشحن بعد تفكيكها اىل مرص وسيناء‬ ‫ومنها عرب االنفاق اىل غزة‪.‬وبالتايل تعرف ارسائيل نوعية االسلحة‬ ‫االيرانية وذاقت مرارتها يف حرب لبنان عام ‪ 2006‬وبات من‬ ‫املعلوم لدى القيادة العسكرية االرسائيلية انه رغم تفوقها الجوي‬ ‫الكاسح ال تستطيع حسم املعركة العسكرية ضد حركة حامس‬ ‫وايقاف صواريخها من الجو‪ .‬وارسائيل التى خربت حرب متوز‬

‫عام ‪ 2006‬ضد حزب الله ‪ ,‬وحرب غزة عام ‪ 2008‬و‪ 2009‬مع‬ ‫حركة حامس تدرك ان حسم املعركة بحاجة اىل اجتياح بري لغزة‬ ‫املكتظة بالسكان والسابيع عدة وبتكلفة برشية ومادية باهظة‬ ‫التستطيع دولة االحتالل تحمله هاذا اذا ما اصابها الفشل كام‬ ‫اصابها يف مجزرة الدبابات يف وادي الحجري يف لبنان يف حرب‬ ‫متوز‪ .‬ملاذا إذآ تخوض ارسائيل مغامرة جديدة وحرب معلومة‬ ‫النتائج بالرضورة ومحكومة بالفشل ؟ ‪ .‬هل فعآل حاجة نتنياهو‬ ‫لتعزيز حظوظه للفوز باالنتخابات دفعته اىل هذا العدوان كام‬ ‫تروج وسائل االعالم؟‪,‬وملاذا منذ اليوم االول للعدوان بدأ الحديث‬ ‫عن هدنة وليس عن وقف اطالق الناريف العواصم العربية‬ ‫واالقليمية والدولية؟‪ .‬ام ان مكيدة ما نصبت للبدء بالحل يف‬ ‫املنطقة بدءا من الهدنة الفلسطينية وصوال اىل سوريا ثم‬ ‫اىل امللف النووي االيراين؟‪.‬‬ ‫اعتقد ان مثة كمني امرييك نصب لنتنياهو يف هذه الحرب‬ ‫فوقع فيه ‪.‬حيث مل تسمح امريكا والغرب لنتنياهو ان يخوض‬ ‫املعركة الربية رغم استدعائه ‪ 75000‬جندي من االحتياط‬ ‫واخ��ذ موافقة مجلس وزرائ��ه عليها‪.‬باالضافة اىل جهوزية‬ ‫املقاومة وبروز الكورنت املضاد للدبابات والخوف من الثمن‬ ‫الذي سيدفعه الجيش االرسائييل ان دخل املعركة الربية‪ .‬فاخذ‬ ‫نتنياهو يستجدي الهدنة من امريكا ومرص واتصل اوباما ثالث‬ ‫مرات بالرئيس املرصي النجاز الهدنة التى انجزت ببنودها التالية‪:‬‬ ‫‪ \1‬أ‪ -‬تقوم ارسائيل بوقف كل االعامل العدائيةيف قطاع غزة برا وبحرا‬ ‫وجوا‪,‬مبا يف ذلك االجتياح وعمليات استهداف االشخاص‪.‬‬

‫ب‪ -‬تقوم الفصائل الفلسطينيةبوقف كل االعامل العدائية من‬ ‫قطاع غزة تجاه ارسائيل مبا يف ذلك اطالق الصواريخ والهجامت‬ ‫عربالحدود‪.‬‬ ‫ج‪ -‬يتم فتح املعابر وتسهيل حركة االشخاص والبضائع وعدم‬ ‫تقييدحركة السكان او استهدافهم يف املناطق الحدودية‪.‬ويجري‬ ‫التعامل مع اجراءات تنفيذ ذلك بعد ‪ 24‬ساعة‪.‬‬ ‫د‪ -‬سيتم مناقشة قضايا اخرى يف حال استدعت الحاجة‪.‬‬ ‫‪-2‬الية التنفيذ‪.‬‬ ‫أ‪ -‬تحديد ساعة الصفر لدخول بنود التهدئة حيز التنفيذ‪.‬‬ ‫ب‪ -‬ينبغي ان تحصل مرص عىل ضامنات من كل طرف للتنفيذ‪.‬‬ ‫ج‪-‬يلتزم كل طرف بعدم القيام بأي افعال من شأنها نقض هذه‬ ‫التفاهامت ويف حال وجود اية مالحظات يتم الرجوع ملرص‬ ‫باعتبارها راعية التفاهم يك تتابع التطورات‪.‬‬ ‫فبمقتىض هذه الهدنة يكون نتنياهو قد خرس الحرب (رغم‬ ‫انجازه الوحيد باغتيال احمد الجعربي) بخسارته تفوق الردع‬ ‫االرسائييل ‪,‬وبتسليمه بسيطرة حامس عىل غزة ‪.‬ومبنع اجتياحها‬ ‫والتعدي عليها ال برا وال بحرا وال جوا والتزم بعدم استهداف‬ ‫االشخاص فيها وبقواعد االشتباك الجديد ‪.‬فنتنياهو الذي طالب‬ ‫الناخب االرسائييل بتأييده النه قوي ويحمي امن ارسائيل وسيقيض‬ ‫عىل حزب الله وسيرضب ايران النووية‪,‬عجز واستسلم امام حامس‬ ‫‪,‬فمن عجز امام غزة هو حكام عاجز امام حزب الله وايران‬ ‫‪.‬فكيف سينتخبه مجددا الناخب االرسائييل ‪ .‬وبالتايل يضمن اوباما‬ ‫خسارة نتنياهو يف االنتخابات املقبلة‪,‬وازاحته عن قيادة الكيان‬ ‫الغاصب النه رافض للتسوية والنه دعم رومني للوصول اىل البيت‬ ‫االبيض وحقر اوباما يف االنتخابات االمريكية االخرية‪.‬لقد انغلقت‬ ‫منذ سنوات وبعد حرب متوزتحديدا الفرص العسكرية امام‬ ‫ارسائيل فلم تعد تقاتل جيوشا عربية كالسيكية تنتمي اىل العامل‬ ‫الثالث فتنترص عليه بتفوقها العسكري باحدث تقنيات االسلجة‬ ‫االمريكية ‪.‬بل اصبحت تقاتل مقاومة مسلحة تسليحا متوسطا‬ ‫مع صواريخ تطال عمق االرايض املحتلة لكنها معقدنة محتضنة‬ ‫شعبيا ومتتلك حب الشهادة مام يجعل ارسائيل خارسة سياسيا‬ ‫دامئا رغم تفوقها العسكري فبل ان تبدء القتال ‪.‬ورغم خسارة‬ ‫نتنياهو حرب غزة اال ان دولة االحتالل تسرتيح مبقتىض الهدنة‬ ‫من وطأة الكتلة السكانية لقطاع غزة فتنفتح امامها سيناريوات‬ ‫عدة لقضم ماتبقى من ارايض الضفة الغربية ‪,‬اوتقديم الخيار‬ ‫االردين لرتحيل فلسطينيي ‪, 48‬وقد تكون تظاهرات االردن االخرية‬ ‫واملطالبة باسقاط امللك تايت ضمن هذا الخيار‪.‬‬ ‫ومبقتىض الهدنة ربحت حامس توازن الرعب والردع مع العدو‬ ‫ووضعت قواعد اشتباك جديدة (تل ابيب مقابل غزة)‪.‬وربحت‬ ‫نجاح مرشوعها يف دولة غزة ‪ ,‬حيث تتجسد القضية الفلسطينية‬ ‫فيها ونالت اعرتافاً دولياً بقيادتها لها الن وزيرة خارجيةامريكا‬ ‫رعت االتفاق وايدته روسيا ومعظم الدول ‪.‬وانكرس الحصار عن‬

‫غزة وفتحت املعابراىل مرص مبقتىض الهدنة وبرعاية مرصية‪.‬‬ ‫ولكن وبكل اسف مل يعد االفق السيايس للفلسطينيني ممثآل يف‬ ‫تحريركل فلسطني وال حتى قيام دولة عىل حدود‪ 1967‬خاصة‬ ‫بعد سيطرة حامس عىل غزة والخالف مع فتح والفصل الجغرايف‬ ‫بني الضفة الغربية وقطاع غزة‪.‬اصبحنا امام فلسطينني‪ ,‬واحدة يف‬ ‫غزة كرست وجودها بجدارة وصمدت امام الحصار والغزو طيلة‬ ‫ست سنوات وحققت هذا االنجاز االخري ‪.‬وفلسطني اخرى يف‬ ‫الضفة الغربية بقيادة محمود عباس يديرها اداريأ دون سيطرة او‬ ‫حكم فعيل ‪.‬لقد خرس محمود عباس كل رهاناته السياسية وبات‬ ‫لزوم ما اليلزم ‪.‬ويك اليتبدد الحلم الفلسطيني وتتفرغ ارسائيل‬ ‫لقضم ما تبقى من الضفة الغربية بسياسة االستيطان‪ ,‬ويك ال تذبح‬ ‫قضية فلسطني عىل مذبح الحسابات االقليمية ‪ .‬يجب ان ترتسخ‬ ‫الوحدة الوطنية الفلسطينية تحت عنوان املقاومة ويجب تبني‬ ‫هذه الوحدة والعمل النجازها الان تبقى شعارات يحىك بها لرفع‬ ‫العتب الن الوحدة الفلسطينية تحت عنوان استمرار املقاومة‬ ‫حتى تحربر كامل تراب فلسطني هي قدر ال خيار‪.‬‬ ‫ومبقتىض الهدنة ايضا بات محمد مريس هو اكرب الرابحني‪,‬‬ ‫فاعطي ملرص (االخوان املسلمني) رعاية هذا االتفاق وضامن‬ ‫تنفيذه واحتضان غزة وحاميتها ‪,‬وبهذا يسحب ملف فلسطني‬ ‫من ايران ومحور املامنعة ويسلم ملرص التى كانت تعري من‬ ‫عرب املامنعة النها هي وتنظيم االخوان املسلمني تؤجل تنكب‬ ‫دورها العريب واالقليمي حتى تتمكن من الحكم‪ .‬مل يعد خيار‬ ‫محارصة غزة مطروحا امام الحكم الجديد يف مرصالن حامس‬

‫هي الفرع الفلسطيني لالخوان املسلمني وانتصار مرشوعها يف‬ ‫غزة هو انتصار ملرشوع تنظيم االخوان يستطيعون تسويقه‬ ‫بانهم انتزعوه انتزاعا من ارسائيل وهو يؤمن الحرية لسكان غزة‬ ‫ويلغي عنها الحصار ‪.‬والرئيس مريس بحاجة اىل تسويق الهدنة يف‬ ‫داخل مرص نظرا اىل تزايد املخاوف الشعبية من فقدان السيطرة‬ ‫عىل سيناء والوعي بعدم قدرة مرص عىل الدخول يف مواجهة‬ ‫عسكرية نظرا لعدم جاهزيتها ولوضعها االقتصادي الصعب‬ ‫واعتامدها عىل املساعدات االمريكية‪.‬ويستطيع ايضا الرئيس‬ ‫مريس ترجمة هذه الهدنة اىل مكاسب خارحية عرب رشاكة متميزة‬ ‫مع امريكا عرب تقديم نفسه (عرابا للحل وعرابا للهدنة ) رغم‬ ‫علمه ان التحالف االقليمي املشكل معني باجرتاح حل سيايس‬ ‫لغزة فقط وليس للقضية الفلسطينية لهذا كان استعجال امري‬ ‫قطر واردوغان لزيارة القاهرة ولقاء مريس الخراج الحل بشكل‬ ‫يضمن تسوية تعطي الحرية لسكان غزة ضمن هدنة طويلة بني‬ ‫حامس ودولة االحتالل‪.‬‬ ‫يصب ما يجري يف غزة يف السياق االقليمي االوسع ارادت‬ ‫حامس ام مل ترد‪.‬واملنطقة يتجاذبها محوران ‪,‬محور االعتدال‬ ‫العريب الذي راهن عىل منطق الحوار مع العدو الستجداء التسوية‬ ‫السلمية بعد ان اسقط خيار املقاومة ووضع كامل اوراقه يف‬ ‫السلة االمريكية ووضع العداء للفرس اولوية تتقدم عىل ارسائيل‬ ‫التي اقاموا التطبيع الكامل معها ‪.‬ومحور املامنعة واملقاومة الذي‬ ‫رفض منطق الحوار مع العدو لتحرير االرض وابقي خيار املقاومة‬ ‫وقد نجح يف لبنان والعراق وغزة‪ .‬وبات واضحا ان فشل محور‬

‫االعتدال العريب يف الوصول اىل حل للقضية الفلسطينية من اهم‬ ‫العوامل التي اعطت محور املامنعة بقيادة ايران هذا الدفع‬ ‫الكبري‪.‬وبالتايل يصبح اجرتاح تسوية اوهدنة للوضع يف غزة برعاية‬ ‫اخوانية اولوية اقليمية تلتقي عندها مصالع كل محور االعتدال‬ ‫من الخليج اىل تركيا وصوال اىل واشنطن‪.‬ويف هذه الحالة ستسمح‬ ‫هذه الهدنة بتصميم ترتيبات افليمية جديدة وتعويم سياسات‬ ‫مغايرة ‪.‬ما يعطي محوراالعتدال املواجه اليران زخام افتقده‬ ‫طيلة السنوات املاضية‪.‬فمع خروج حامس مبقتىض الهدنة من‬ ‫معادلة املقاومة الفعلية الرسائيل سيفقد محور املامنعة امتداده‬ ‫العسكري والسيايس والتحالفي مع االرايض الفلسطينية ‪,‬وقد‬ ‫ضعف كثريا بعد خروج حامس من سوريا يف السنتني االخريتني ‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من ان حرب غزة االخرية قد خيضت بصواريخ وسالح‬ ‫ايراين وبهذا تصبح ايران رشيكة يف النرص ‪.‬‬ ‫اال ان سحب حركة حامس من املواجهة مع ارسائيل سيسهل‬ ‫محاولة دمغ محور املامنعة الذي تقوده ايران بصبغة طائفية‬ ‫زائفة واستغالله الضعاف التعاطف معه يف العامل العريب‪.‬‬ ‫وبالقراءة السياسية للمنطقة يف العقدين املاضيني نستنتج انه‬ ‫كلام ارادت امريكا عزل ايران وتحالفاتها يف املنطقة ‪,‬كلام اطلقت‬ ‫عملية السالم بني الفلسطينني وارسائيل بغض النظر عن نتائجها‬ ‫‪.‬وكلام تعنتت ارسائيل ورفضت التسوية‪ ,‬كلام ارتفعت اسهم‬ ‫حركات املقاومة ومحور املامنعة وتراجع محور االعتدال وتردى‬ ‫النفوذ السيايس واملعنوى للواليات املتحدة االمريكية يف املنطقة‪.‬‬ ‫تبقى ايران الرابح االكرب بهذه الحرب النها خيضت بسالحها‬ ‫‪,‬فلوال الصواريخ االيرانية ملا تحقق هذا النرص وملا استطاعت‬ ‫املقاومة ان تقيم توازن الردع والرعب مع العدو ‪.‬واختربت‬ ‫ايران القبة الحديدية االرسائيلية واظهرت هشاشتها واثبتت‬ ‫عربهذه الحرب ان ارسائيل هي منر من ورق‪.‬‬ ‫لقد كانت حرب غزة حرب اختبار ملا ستكون عليه الحرب‬ ‫املقبلة ان حدثت بني ارسائيل وايران ‪,‬واستطيع ان اجزم ان حرب‬ ‫غزة الغت حتى التفكري بها‪ .‬لقد حجزت ايران موقعاً كبريا ً لهاعىل‬ ‫خريطة الرشق االوسط الجديد وبات حضورها ساطعاً بقوة من‬ ‫العراق اىل سوريا اىل لبنان اىل غزة واىل الخليج ‪ ,‬واصبحت الحارض‬ ‫االول يف اي تسوية او ترتيبات قد تحدث يف املنطقة ‪.‬‬ ‫لقد ارجأت هيالري كلينتون وزيرة خارجية امريكا اعالن التهدئة‬ ‫‪24‬ساعة حتى وصلت اىل املنطقة يك تعلن التهدئة بحضورها‬ ‫للداللة عىل ان اوراق الحل والربط السيايس يف املنطقة التتم‬ ‫بدون امريكا ‪.‬فهل تكون التهدئة يف غزة برعاية امريكية بداية يف‬ ‫سياق اخراج الحل االقليمي والتسوية يف املنطقة وفق التفاهامت‬ ‫االمريكية الروسية التي كتب الكثري عنها ‪,‬بعد ان اصبحت الحرب يف‬ ‫سورية التحتمل التأجيل وتهدد استقرار املنطقة برمتها‪.‬‬


‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫صفحة ‪6‬‬

‫ملف‬ ‫فكر‬

‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫صفحة ‪7‬‬

‫ملف‬ ‫فكر‬

‫جدلية االنتصار والهزمية‬ ‫سميح غنادري‬ ‫أختلف مع الرأي شبه السائد عربياً‪ ،‬رسمياً واعالمياً وشعوبياً‪،‬‬ ‫بهزمية العدوان اإلرسائييل األخري عىل غزة (‪)14-21/11/2012‬‬ ‫وبانتصار الفلسطينيني‪ .‬ال أقول بهذا أن إرسائيل قد انترصت‪ .‬وال‬ ‫أقصد املس مبعنويات أمة كادت تعتاد الهزائم‪ ،‬وهي أحوج ما‬ ‫تكون ملعنوية االنتصار‪ .‬وإمنا أقصد مناشدة ذاتنا الجامعية‪ ،‬كأمة‬ ‫عربية وكشعب فلسطيني‪ ،‬بتحكيم العقل وتشخيص الواقع وتحليله‬ ‫موضوعياً وعلامنياً حتى نعي ما حصل ونع ّد العدة لتحقيق ما‬ ‫نصبو له من أمل‪ ،‬بدالً من أن نسرتخي ونغفو عىل مجد أكاليل غار‬ ‫موهوم‪ ،‬فنستفيق عىل أشواك ت ُدمي عقولنا وأجسادنا‪.‬‬ ‫تؤملني وتستفزين عاداتنا بتحويل إخفاقاتنا إىل نجاحات‪ ،‬وهزامئنا‬ ‫إىل انتصارات‪ .‬حتى رضبة حرب حزيران ‪ 1967‬والتي ما زلنا نعاين‪،‬‬ ‫بعد مرور ‪ 45‬عاماً عليها‪ ،‬من نتائجها الكارثية‪ ،‬ص ّورناها يف حينه‬ ‫مجرد نكسة‪ .‬وكان َمن اعتربها فشالً إلرسائيل ألنها مل تسقط أنظمتنا‬ ‫الوطنية‪ .‬تصدى يومها لبؤس هكذا تقييم بائس املفكر السوري‬ ‫اليساري صادق جالل العظم وأسامها «هزمية»‪ ،‬يف كتابه «النقد‬ ‫الذايت بعد الهزمية»‪ .‬مل يحطم العظم يومها عزامئنا‪ ،‬بل أنار عقولنا‬ ‫وأبان لنا طريق هزم الهزمية‪ .‬وال أقصد بهذا ال القول وال حتى الغمز‬ ‫إىل أن شعبنا الفلسطيني ُمني بالهزمية يف العدوان األخري عىل غزة‪.‬‬ ‫ال‪ ،‬مل نـُهزم‪ ،‬ولكننا مل ننترص‪.‬‬ ‫الحرب هي مامرسة للسياسة بوسائل أخرى‪-‬عنيفة‪ .‬ويعتمد‬ ‫تحديد االنتصار أو الهزمية فيها عىل نتيجتها العسكرية وما تؤدي‬ ‫له من نتائج سياسية‪ .‬يتطلب هذا فحص أهداف الحرب وفق ما‬ ‫حددها لها مشعلها‪ ،‬وما تحقق أو سيتحقق منها عسكرياً وسياسياً‪.‬‬ ‫ومع التقدير لجاملية نص‪« :‬الجيش خارس إن مل يكسب الحرب‪،‬‬ ‫واملقاومة رابحة إن مل تخرسها»‪ ،‬إال أن عدم الهزمية ال يعني‬ ‫بالرضورة انتصارا يف كل األحوال‪ .‬هذا املقياس ليس مطلقاً ويعاين‬ ‫من نقص يف املنطق الجديل‪ ،‬ويف تطبيقه عىل العدوان األخري عىل‬ ‫غزة‪ .‬إرسائيل مل تشن حرباً شاملة عىل غزة‪ ،‬وإمنا حملة عسكرية‬ ‫عدوانية‪ .‬ويف الحمالت واملناوشات ال يجري الحديث عن انتصارات‬ ‫وهزائم حاسمة‪ .‬وإمنا عن نجاح وفشل دون حسم وقول فصل‪ .‬هذا‬ ‫مع إمكانية وقوع جوالت أخرى لحمالت أخرى‪ .‬وعدم الربح وعدم‬ ‫الخسارة ال تعني حتامً الهزمية أو االنتصار‪ ،‬وإمنا قد تعني التعادل‪.‬‬ ‫وما ستؤدي إليه الهدنة املتفق عليها بني طريف الرصاع من نتائج‬ ‫ستحسم مدى الربح والخسارة لكل منهام‪.‬‬ ‫كلامت‪...‬ليست كالكلامت‬ ‫إليكم بعض ما التقطّه من ترصيحات وتحليالت ظهرت يف‬ ‫وسائل اإلعالم العربية لبعض القادة العرب (مبن فيهم قادة‬ ‫حامس) ولبعض املحللني وكتبة املقاالت‪ ،‬بخصوص تقييم نتائج‬ ‫العدوان األخري عىل غزة‪:‬‬ ‫«الصمود األسطوري للمقاومة»‪« ،‬هذا انتصار إلهي» و «هزمية‬ ‫للعدو الصهيوين»‪« ،‬املواجهة البطولية للمقاومة اضطرت إرسائيل إىل‬ ‫االنسحاب»‪« ،‬ألزمنا العدو بالرتاجع عن مخطط وأهداف عدوانه»‪،‬‬ ‫«أفشلنا احتالله لغزة وهرب ذليالً»‪« ،‬أسقطنا له الطائرات الحربية‬

‫واالستطالعية»‪« ،‬نجحنا يف خلق توازن الرعب»‪« ،‬ردعنا من جاء‬ ‫لردعنا»‪« ،‬وصول صواريخنا إىل ريشون لتسيون سجل بدء املعركة‬ ‫لتحرير قريب لفلسطني بالذات يف املوقع الذي بدأ فيه املرشوع‬ ‫االستيطاين»‪« ،‬مل ينجح العدو الصهيوين بتحقيق أي هدف حدده‬ ‫لحربه العدوانية»‪« ،‬تراجع عن مخططه باقتحام قواته الربية لغزة»‪،‬‬ ‫«سقطت كل توقعاته املوهومة التي ت ّوخاها»و «مل يتمكن من النيل‬ ‫من أي شخص من قادة املقاومة»‪« ،‬أصبح الوصول للقدس وتحرير‬ ‫األقىص وشيكاً‪ ،‬بعد هذا االنتصار»‪« ،‬حدث كل هذا دون أن يتمكن‬ ‫العدو الصهيوين من النيل من أي مسؤول يف املقاومة»‪« ،‬اضطر وزير‬ ‫الحرب اإلرسائييل لالستقالة بسبب فشل حملته العدوانية وهزميته‬ ‫من قبل املقاومة»‪...‬؟!‬ ‫مل أجد أفضل من وضع عالمتي التساؤل والتعجب(؟!) يف نهاية‬ ‫هذا الفيض الكالمي الذي يعرف مطلقوه وأهلنا يف غزة وكلنا‬ ‫جميعاً‪ ،‬وكذلك سكان إرسائيل‪ ،‬أنه مجرد كالم‪ .‬وغني عن البيان‬ ‫أن هذا الكالم ينايف الواقع‪ ،‬وال ميدنا باملعنويات‪ ،‬وإمنا باملزيد من‬ ‫ليت السيد حسن نرص الله الذي ميد املقاومة يف‬ ‫اإلحباط املعنوي‪َ .‬‬ ‫غزة مبقومات الصمود املادي واملعنوي‪ ،‬أن ميهرها بتدريسهم أيضاً‬ ‫معرفة عدوهم وكيف يجب أن يكون التحليل والتقييم‪ ،‬وما هي‬ ‫أهمية الصدق واملصداقية فيه‪( ...‬هذا طبعاً إذا ُسمح له باستمرار‬ ‫دعمهم بعد هكذا تفاهامت هدنة بائسة)‪.‬‬ ‫عندما كان العرب القدماء يبنون حضارتهم ومت ّدنهم‪...‬العمراين‬ ‫والعلمي والفلسفي‪ ،‬اعتقدوا أن «ما من إمام سوى العقل يف صبحه‬ ‫واملساء»‪ .‬وقالوا عن هكذا إنشاء أوردن��اه أعاله‪« :‬ال رباط عىل‬ ‫الكالم»‪ .‬وحني قدروا أهمية الكلمة ورضر تسفيهها‪ ،‬قالوا «من الكالم‬ ‫ما قتل»‪ .‬تذكرت هذا‪ ،‬وداهمت ذاكريت يف الوقت نفسه القصيدة‬ ‫الغزلية لنزار قباين‪« :‬يسمعني حني يراقصني كلامت ليست‬ ‫كالكلامت‪ ،‬يأخذين من تحت ذراعي يزرعني يف إحدى الغيامت‪ ،‬وأنا‬ ‫كالطفلة يف يده كالريشة تحملها النسامت‪ ،‬يبني يل قرصا ً من وهم‬ ‫ال أسكن فيه سوى لحظات‪ ،‬وأعود‪ ...‬أعود إىل طاولتي ال يشء معي‬ ‫إال الكلامت»‪.‬‬ ‫شعبنا ليس يف حفل راقص‪ ،‬بل تحت القصف‪ .‬وهو ليس بريشة‪،‬‬

‫ال أقول بهذا أن إسرائيل قد‬ ‫انتصرت‪ .‬وال أقصد املس‬ ‫مبعنويات أمة كادت تعتاد‬ ‫الهزائم‪ ،‬وهي أحوج ما‬ ‫تكون ملعنوية االنتصار‬

‫وال يطيب له أن نزرعه بني الغيامت‪ ...‬للحظات‪ .‬وإمنا هو بأمس‬ ‫الحاجة ملده مبقومات الصمود لتحقيق أمله بانتصار موعود‪ .‬وما من‬ ‫تربة أصلح لهذا‪ ،‬إال تربة وعينا ألرض واقعنا ولواقع أرضنا‪-‬يف زمن‬ ‫السلم وزمن الحرب‪.‬‬ ‫حسابات الربح والخسارة‪...‬‬ ‫مل تدخل القوات العسكرية اإلرسائيلية إىل أرض غزة‪ .‬ومل‬ ‫تحدث مواجهة بينها وبني رجال املقاومة يف أزقتها فتكبدت‬ ‫الخسائر وانسحبت مذعورة‪ .‬وقيام طيار إرسائييل بالقاء حاوية‬ ‫وقود فارغة لطائرته يف البحر ليس اسقاطاً لطائرة عسكرية للعدو‪.‬‬ ‫واستقالة براك من العمل السيايس (مؤقتا‪ ،)...‬ال كوزير للدفاع‪ ،‬ال‬ ‫تعني عقابه (؟!) عىل «فشل» العدوان‪ .‬ونحتاج إىل غياب خارق‬ ‫للعقل حتى نفهم كيف يكون إطالق ص��اروخ باتجاه إرسائيل‬ ‫عالمة للتحرير الوشيك لفلسطني ولألقىص‪ ،‬خصوصاً يف ظل هكذا‬ ‫تفاهم عىل التهدئة مع املحتل‪ .‬لقد اطلقت املقاومة باتجاه‬ ‫إرسائيل منذ كانون ثاين ‪ 2006‬وحتى يومنا هذا ‪ 7631‬صاروخاً!‬ ‫مل تقصد إرسائيل‪ ،‬يف حملتها العدوانية األخرية عىل غزة‪ ،‬شن حرب‬ ‫شاملة وقاضية عليها‪ .‬وال اجتياح قواتها الربية لها‪ ،‬وتدمري كل ما‬ ‫متلكه حركة املقاومة من عتاد‪ ،‬واحتاللها وإسقاط حكم حركة‬ ‫حامس‪ .‬لذلك أن ال يحدث هذا ال يعني ارتداع إرسائيل وهزميتها‪.‬‬ ‫فهذا ليس من أهداف الحملة العدوانية ومل يكن مخططاً له أصالً‪.‬‬ ‫حددت القيادة السياسية والعسكرية إلرسائيل ثالثة أهداف‬ ‫للحملة‪ ،‬هي‪ :‬إنعاش‪ -‬ترميم قوة الردع (الحظوا‪-‬ترميم)‪ ،‬توجيه‬ ‫رضبة‪( -‬ال القضاء الكيل)‪ -‬للمقدرة العسكرية للمقاومة تجعلها‬ ‫تقرر عدم مواصلة إطالق صواريخها‪ ،‬وضامن تهدئة‪ -‬هدنة تكفل‬ ‫الحياة الهادئة للبلدات اإلرسائيلية املحاذية لغزة‪ .‬لقد تحقق كل‬ ‫هذا وأكرث منه‪ .‬ونقصد باألكرث االتفاق عىل تفاهامت برعاية مرص‬ ‫األخوان كطرف محايد ومراقب وضامن (؟!)‪ ،‬وبإرشاف األمريكان‬ ‫كمخطط ودافع‪ ،‬ويف إطار االسرتاتيجية األمريكية للرشق األوسط‪-‬‬ ‫(عن اتفاق التفاهامت‪ -‬إقرأ\ي املقال الثاين القادم)‪ -‬هذا ما متخض‬ ‫عنه العدوان من نتيجة سياسية‪.‬‬ ‫أما من ناحية الربح والخسارة عسكرياً‪ ،‬فلقد قام الطريان‬ ‫اإلرسائييل بتدمري ‪ %85‬من الصواريخ البعيدة املدى لحامس وللجهاد‪،‬‬ ‫و‪ %60‬من القصرية واملتوسطة‪ ،‬و ‪ 25‬موقعا إلنتاج األسلحة والذخرية‬ ‫وعرشات مخازنها «الرسية»‪ ،‬مبا فيها تلك التي تحت حقول األرض‬ ‫أو يف البيوت‪ .‬وقصف ‪ 200‬نفق تهريب‪ ،‬ودمر عرشات األبنية‬ ‫واملواقع والبنى التحتية الداعمة والحامية والحاضنة للمقاومة‪ ،‬مبا‬ ‫فيها الحكومية والعسكرية والرشطوية‪ .‬هذا عدا عن عرشات مواقع‬ ‫التدريب ومخايبء إطالق الصواريخ‪.‬لذلك‪ ،‬من األجدى بتنظيامت‬ ‫حركة املقاومة يف غزة‪ ،‬أن تقلل من تنظيم مهرجانات «النرص»‪ ،‬وأن‬ ‫تكرث من االهتامم بكونها منخورة كالجبنة السويرسية مبائة خرق‬ ‫واخرتاق وخازوق من العمالء‪.‬‬ ‫لقد حرق الطريان اإلرسائييل يف خمس ساعات من القصف‬ ‫جل جهود ومخزون أربع‬ ‫الج ّوي املكثف عىل مدى مثانية أيام ّ‬

‫سنوات ( منذ عملية الرصاص املصبوب) من عمل رسي وإنتاج‬ ‫وتهريب ومخاطرات وتعب اآلالف من الناس‪ ،‬عدا عن جهود‬ ‫عدة منظامت ودول تدعم املقاومة‪ .‬مل يكن باإلمكان أن يتم‬ ‫هذا الحرق بهذا الحجم الكبري‪ ،‬لوال الخرق االمني واملخابرايت‬ ‫اإلرسائييل الواسع‪.‬‬ ‫أما عىل صعيد الخسائر البرشية‪ ،‬فلقد سقط ستة قتىل إرسائيليني‬ ‫و‪ 108‬جرحى‪ ،‬جراح سبعة منهم فقط متوسطة‪.‬‬ ‫هذا مقابل سقوط ‪ 168‬شهيدا ً فلسطينياً‪ ،‬بينهم ‪ 33‬شهيدا ً من‬ ‫مختلف درجات قيادات املقاومة العليا واملتوسطة‪ ،‬و‪ 1223‬جريحاً‪،‬‬ ‫جراح غالبيتهم متوسطة وخطرية‪.‬‬ ‫وليس صحيحاً أن «القبة الحديدية» مل تسقط إال ‪ %20‬من‬ ‫الصواريخ التي أطلقتها املقاومة باتجاه إرسائيل‪ ،‬بل أسقطت ‪%85‬‬ ‫منها‪ .‬فالقبة الحديدية ال تطلق صواريخ مضادة لإلسقاط إال عىل‬ ‫تلك الصواريخ التي تبينّ حساباتها أنها ستسقط يف مناطق مأهولة‬ ‫( تكلفة إطالق الصاروخ الواحد تصل إىل ‪ 50‬ألف دوالر)‪ .‬ومن بني‬ ‫‪ 1450‬صاروخاً باتجاه إرسائيل اتجه ‪ 420‬منها إىل مناطق مأهولة‬ ‫فاسقطت «القبة الحديدية» ‪ %85‬منها‪.‬‬ ‫يحق لحركات املقاومة يف غزة االفتخار بأنها شلّت الحياة‬ ‫الطبيعية ملعيشة مئات االف سكان جنوب إرسائيل‪ ،‬ووصلت‬ ‫صواريخها إىل منطقتي القدس وتل أبيب‪ ،‬واستمرت بإطالق‬ ‫الصواريخ حتى اللحظة األخرية لبدء رسيان اتفاق وقف إطالق النار‪،‬‬ ‫ومل تستسلم رغم الخسائر والدمار الحاصل‪ .‬لكن من واجبها أيضاً‪،‬‬ ‫ومن واجب شعبنا واملحللني وكاتبي املقاالت أن يقرؤوا ويحللوا‬ ‫الواقع كام هو‪ ،‬حتى تنهض الهمم حقاً للتخلص من السلبيات‬ ‫واألخطاء باتجاه بناء أدوات وتكتيكات واسرتاتيجية مقاومة جديدة‬ ‫وأكرث فعالية مشرتكة للقطاع وللضفة‪ ،‬لتقريب االنتصار املنشود‪.‬‬ ‫مل تقصد إرسائيل يف حملتها العدوانية األخرية احتالل غزة‪ ،‬وإمنا‬ ‫التخلص منها‪ .‬لقد فشل مرشوعها االستيطاين فيها‪ ،‬وال تريد أن تكون‬ ‫مسؤولة عن مليوين فلسطيني يعيش نصفهم تحت خط الفقر ويف‬ ‫كتبت يومها‬ ‫بطالة‪ .‬لذا قامت منذ نيسان ‪ 2001‬بفك االرتباط بها‪ُ .‬‬ ‫أن إرسائيل مل تحرر غزة وإمنا تحررت منها‪ ،‬ومل تفك االرتباط‬ ‫بها كلياً بانسحاب جيشها منها‪ ،‬وإمنا أحكمت الرباط عليها‬ ‫برا ً وبحرا ً وجوا ً‪ ،‬وقطعت تواصلها وارتباطها بنصفها اآلخر‪-‬‬ ‫الضفة الغربية‪.‬‬ ‫ومل تستدع إرسائيل جيش االحتياط للحدود املتاخمة لغزة بهدف‬ ‫دخولها واحتاللها واسقاط حكم حامس‪ ،‬وإمنا الستخدامه فزاعة‬ ‫لتحقيق أهداف الحملة (ذكرناها أعاله)‪ ،‬ولفرض تهدئة‪ -‬هدنة‬ ‫تنشدها‪ .‬كل هذا ال يخفى عن متتبع نصف ذيك لترصيحات ساسة‬ ‫وقادة عسكر إرسائيل وملا تنرشه صحفها من مقاالت‪ ،‬ومعاهدها‬ ‫واطر البحث االسرتاتيجي من دراسات‪.‬‬ ‫يشيد اليوم غالبية املحللني اإلرسائيليني بوضع أهداف محددة‬ ‫ومحدودة للحملة العسكرية‪ ،‬وبعدم دخولها برا ً‪ ،‬وبتحصيل هدنة‬ ‫وتفاهامت مع حامس برعاية وضامن الرئيس املرصي‪ .‬ومل أقرأ ومل‬ ‫أستمع ألي ترصيح ملسؤول سيايس أو عسكري يف إرسائيل يقول فيه‬

‫إن إرسائيل انترصت‪ .‬وإمنا يتحدثون ويكتبون عن «نجاح العملية»‬ ‫و»تحقيق أهداف الحملة» و»ترميم الردع» و»عبور اختبار العالقة‬ ‫مع مرص بنجاح خاص»‪،‬‬ ‫و»تحويل حامس من حركة مقاومة جهادية إىل حركة سلطة‬ ‫سياسية بارتباط مع ومبراقبة مرص»‪ ،‬و»بتحصيل هدنة‪ ،‬إن مل تلتزم‬ ‫حامس بتنفيذها لن مينعنا أحد من رد أقىس وأقوى»‪.‬‬ ‫أجرمت إرسائيل يف حملتها العسكرية األخ�يرة بحق أهايل‬ ‫غزة‪ ،‬من مقاومني ومن مسلحني ومدنيني‪ .‬صحيح أن جرامئها يف‬ ‫يوم واحد يف حربها يف «عملية الرصاص املصبوب» يف كانون أول‬ ‫‪ 2008‬إىل كانون ثاين ‪ ،2009‬فاق مبا ال يقاس جرامئها خالل مثانية‬ ‫أيام من عملية «عمود السحاب»‪ .‬هي درست تفاصيل وإخفاقات‬ ‫تلك الحرب واستنتجت الدروس الالزمة لخدمة أجندتها السياسية‬ ‫العدوانية يف ظروف املتغريات السياسية يف املنطقة والعامل‪ ،‬وطبقت‬ ‫هذا يف عدوانها األخري‪ ،‬يف املامرسة العسكرية وتحديد األهداف‬ ‫السياسية املنشودة‪.‬‬ ‫هل قامت سلطة حامس‪ ،‬مبشاركة الحركات الجهادية األخرى‪،‬‬ ‫بدراسة تجربة حرب ‪ 2009-2008‬عليها‪ ،‬واستخلصت النتائج مبا‬ ‫يخص سياسة واسلوب وأدوات املقاومة؟ نرتك اإلجابة لحامس‬ ‫وأخواتها‪ .‬لكن نعرتف أن إرسائيل نجحت يف عدوانها األخري يف‬ ‫تسجيل نجاحات عىل جبهات ثالث هي‪ :‬الجبهة العسكرية‬ ‫والجبهة السياسية والجبهة اإلعالمية‪ ،‬وعىل الصعيدين املحيل‬ ‫والدويل‪ .‬وبدال من تقرير غولدستون رقم ‪ ،2‬حصلت عىل مريس‬ ‫رقم واحد يف الربيع العريب لإلخوان وتحت إبطية حامس السلطة‪،‬‬ ‫ال حامس املقاومة‪.‬‬ ‫عمود انتصارنا‪...‬‬ ‫من املؤسف واملخزي أن ال يالحظ ‪( -‬أو أن يخفي ويتجاهل‬ ‫عن قصد)‪ -‬العديد من وسائل اإلعالم العربية ومن قادة املقاومة‬ ‫والسياسني واملحللني العرب‪ ،‬معطيات ونتائج عدوان ترشين ثاين‬ ‫‪ 2012‬عىل غزة‪ ،‬بهدوء وعمق عقالين مسؤول‪ .‬ومن العار أن يعتمد‬ ‫العديد من هؤالء عىل ترصيحات وكتابات وترصفات (مثالً مظاهرات‬

‫هزيلة) لبعض سائبة قطعان اليمني املتطرف والفايش التي ترى أن‬ ‫قيادة حكومة وعسكر إرسائيل قد منيت بهزمية نكراء‪.‬‬ ‫شهد شاهد من أهله – يقول العرب وحملة سالح اإلنشاء الكالمي‪.‬‬ ‫أهل من يا هؤالء؟ أهل الشيطان الفايش امل �زاودون حتى عىل‬ ‫نتنياهو وليربمان‪ .‬هم يطالبون بـ «إف�راغ‪ ،‬تحطيم‪ ،‬دك‪ ،‬سحق‪،‬‬ ‫إلغاء‪ ،‬تسطيح‪ ،‬إذابة‪ ،‬ومسح غزة من الوجود»‪ .‬ومبا أن الحملة‬ ‫العدوانية مل تقم بهذا‪ ،‬ومل يكن هذا من أهدافها‪ ،‬تكون إرسائيل‬ ‫عندها – حسب رأيهم – قد فشلت وانهزمت وانترص العرب‪ .‬هؤالء‬ ‫يريدون تصفية املقاومة جسديا وإعادة احتالل غزة وتسوية بلداتها‬ ‫باألرض وتحويل بيوت أهلها «الجرذان» إىل مالعب وحدائق عامة‬ ‫الستيطان صهيوين قادم‪ .‬وال يضريهم‪ ،‬حتى لو عرفوا أن هذا غري‬ ‫قابل للتحقيق‪ ،‬أن يطالبوا به‪ ...‬فرمبا متنحهم هذه املطالبة املزيد‬ ‫من األصوات يف االنتخابات الربملانية القادمة بتاريخ ‪22.1.2013‬‬ ‫أما نحن من عرب أصحاب قضية عادلة فاألجدى بنا وبقضيتنا أن‬ ‫ال نغط ّـي رؤوسنا ونخنق أنفاسنا وعقولنا بأعمدة سحاب دخاين‬ ‫إعالمي يحد الرؤية ويسلبنا الرؤيا‪« .‬عمود السحاب»‪ -‬هذا هو‬ ‫االسم الذي أطلقته إرسائيل عىل عدوانها عىل غزة‪ .‬وهو اسم مأخوذ‬ ‫من «التوراة» (سفر الخروج ‪ )21:13‬عن خروج «شعب إرسائيل»‬ ‫من العبودية يف مرص إىل األرض املوعودة‪ -‬فلسطني‪ ،‬وذلك حوايل‬ ‫سنة ‪ 1446 -1445‬قبل امليالد‪ .‬جاء يف اآلية‪« :‬وكان الله يتقدمهم‬ ‫نهارا يف عمود سحاب ليهديهم إىل الطريق‪ ،‬وليالً يف عمود نار‬ ‫لييضء لهم»‪.‬كعادتها ترص شياطني إرسائيل عىل زج الله يف‬ ‫حروبها العدوانية‪.‬‬ ‫لقد أمطرت إرسائيل غزة بأعمدة من نار ألف طن من املتفجرات‪،‬‬ ‫وجعلت أعمدة السحاب األسود الدخاين يضللها‪ .‬أما شعبنا يف غزة‬ ‫فنهض من بني رماد خراب القذائف ليعلنها‪ :‬ألف احتالل لغزة لن‬ ‫يحتلها‪ .‬بإمكانكم أن تقصفونا وأن تحارصونا‪ ،‬معتمدين عىل عجز‬ ‫عريب رسمي يخوننا ويتآمر علينا‪ .‬لكننا لن نختبىء ولن نختفي‪،‬‬ ‫وسنحارص حصارنا‪ -‬عدوانا صهيونياً كان أم وضعاً عربياً خان‪ .‬هذا‬ ‫هو عمود االنتصار الفلسطيني والعريب‪ .‬أما الهدنة‪(...‬هذا هو‬ ‫موضوع املقال القادم)‪.‬‬


‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫صفحة ‪8‬‬

‫ملف‬

‫صفحة ‪9‬‬

‫استراتيجيا‬

‫هل من دروس لبنانية لالزمة السورية؟‬

‫غزّة حتتل العقل اإلسرائيلي‬

‫العميد املتقاعد الياس فرحات‬

‫محمود حيدر‬

‫املعمقة‬ ‫رئيس مركز دلتا لألبحاث‬ ‫ّ‬

‫من غري الجائز بعد واقعة غ ّزة‪ ،‬أن يُنظر اىل حالة ارسائيل‬ ‫الجيوسرتاتجية‪ ،‬عىل النحو الذي كان ينظر اليها من قبل‪ .‬فسيكون‬ ‫ختام الشهر الحادي عرش من العام ‪ 2012‬عالمة فارقة يف نظرية‬ ‫األمن التي صاغها العقل اإلرسائييل عىل إمتداد ستة عقود ويزيد‪.‬‬ ‫فالسؤال هو التايل‪:‬‬ ‫ماذا لو بلغت ارسائيل حدا ً ال تعود معه تستطيع احتالل ارض‬ ‫هي بالنسبة اليها محل تهديد ألمنها القومي؟‬ ‫هذا السؤال مل يعد يُطرح بني االرسائيليني عىل سبيل االفرتاض‪.‬‬ ‫إمنا هو يدخل اليوم الطبقات العميقة يف النقاشات الفكرية‬ ‫واالسرتاتيجية‪ .‬بل اىل الدرجة التي بات معها التساؤل شديد‬ ‫الوطأة ‌يف جدوى وواقعية طائفة واسعة من الثوابت واملفاهيم‪.‬‬ ‫لدينا يف سياق الجواب عىل التساؤل السابق ثاللثة منعطفات‬ ‫تأسيسية متقاربة يف الزمن‪ ،‬وهي لن تفارق النفس االرسائيلية‬ ‫بيرس‪ :‬األول حرب لبنان يف متوز (يوليو) ‪ ،2006‬والثاين حرب غزة يف‬ ‫مستهل العام ‪ ،2009‬والثالث الحرب األخرية عىل غزة وما لها من‬ ‫تداعيات جيوسرتاتيجية عىل األمن القومي االرسائييل‪.‬‬ ‫املنعطفات الثالثة ذات ٍ‬ ‫بعد واحد‪ ،‬هي تبتعث كالماً يتعدى‬ ‫مقام السياسة والحرب اىل الحد الذي يبدو فيه العقل االرسائييل‬ ‫متجهاً اىل مطارحات واسئلة تتعلق مبصري املرشوع التاريخي‬ ‫إلرسائيل برمته‪.‬‬ ‫املشرتك يف هذا املثلث التاريخي انه يسخ حاالً من عدم اليقني‬ ‫حول قدرة ارسائيل يف إعادة تشكيل مقولة االحتالل‪ .‬يف لبنان كان‬ ‫الحصاد مدوياً يف مجال السيطرة امليدانية عىل جغرافية املقاومة‪.‬‬ ‫فلقد فشل التقليد العسكري االرسائييل يف انجاز الردع االسرتاتيجي‬ ‫والقضاء عىل مصدر التهديد يف الجبهة الشاملية‪ .‬ويف غزة سيفشل‬ ‫التقليد إياه يف اعادة احتالل جغرافية مقاومة هي بالنسبة اليه‬ ‫مصدر التهديد االشد وطأة عىل الخارصة الجنوبية لدولة ارسائيل‪.‬‬ ‫عص َيا عىل االحتالل يف خالل مسافة‬ ‫مثة اذا ً مجاالن جغرافيان استَ َ‬ ‫زمنية مكثَّفة ومحدودة‪ .‬فإذا كان السؤال االسرتاتيجي االرسائييل‬ ‫اليوم مركوزا ً يف وجوب تحقيق معنى القدرة عىل احتالل االرض‪،‬‬ ‫فإن حاصل املبادرات الحربية يف لبنان وفلسطني ع َّمقا اتجاهات‬ ‫الشك يف الجدوى التاريخية ألطروحة االحتالل‪.‬‬ ‫علامء االجتامع‪ ،‬وجرناالت الحرب السابقني والحاليني يف ارسائيل‬ ‫يواجهون اليوم طورا ً جديدا ً وغري مألوف من االسئلة‪ .‬ابرزها ما‬ ‫ينعقد يف نطاق الكالم عىل الفراغ الحاصل يف البنية االجاملية‬ ‫للتفكري االسرتاتيجي‪ .‬خصوصاً ما يتصل منها بفاعلية خيار االحتالل‬ ‫يف تجديد وصيانة احزمة الحامية الجيو‪ -‬اسرتاتيجية لدولة ارسائيل‬ ‫يف مطالع القرن الحادي والعرشين‪.‬‬ ‫ما الصورة التي رست عليها االحوال االرسائيلية‬ ‫بعد ثالثة حروب متجاورة يف الزمان واملكان وانتهتا اىل‬ ‫اخفاقات مدوية يف مفاهيم الحرب واحتالل االرض؟‬ ‫يُنظر اىل مقولة االحتالل من زاوية نظر الالهوت السيايس االرسائييل‬ ‫مبا هي مقولة تاريخية مركَّبة‪ .‬فاالحتالل اإلرسائييل لألرض العربية‪،‬‬ ‫هو دون سواه من أشكال االحتالل‪ ،‬ظاهرة استثنائية‪.‬‬ ‫فإنه يف منطقه الداخيل ودينامياته‪ ،‬ويف مقاصده األيديولوجية‬

‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫والجيو ـ اسرتاتيجية‪ ،‬بدا غري محكوم بقواعد اللعبة التقليدية‪ ،‬التي‬ ‫تنتظم خالفات الحدود والنزاع عىل األرض بني الدول‪.‬‬ ‫ولنئ بحثنا يف الخطاب السيايس واأليديولوجي يف إرسائيل‪ ،‬عن‬ ‫ثوابت ما‪ ،‬وال سيام لجهة ظهورات الهوية الجغرافية والدستورية‪،‬‬ ‫فلن نعرث عليها بيرس‪ .‬كام لو كان استظهار هذه الهوية‪ ،‬وجالء‬ ‫لبسها وإشكالها‪ ،‬هو بالنسبة إىل اإلرسائيليني مبنزلة الباب املفتوح‬ ‫عىل الهلع‪ .‬ذاك أ َّن تعيني الصورة الواضحة للهوية االرسائيلية‪،‬‬ ‫يوجب الكشف عن دستور الدولة وحدودها الجغرافية‪ ،‬وخريطتها‬ ‫السكانية‪ ،‬وأمدائها الحيوية واالسرتاتيجية‪ .‬وهذا أم ٌر بدا كشفه‬ ‫مستحيالً طاملا يجري التعامل مع كل من هذه املجاالت بخشية‬ ‫ب ِّينة‪ ،‬أو مبا هو مجال مل َّا يزل يف طور التكوين‪.‬‬ ‫سوف يحملنا ذلك اىل القول‪ ،‬إ َّن عدم االستقرار يف الهوية‬ ‫الجغرافية هو سمة وجودية للدولة‪ .‬فإىل كونه يل ّبي حاجة الهوتية‬ ‫إيديولوجية‪ ،‬فهو مينح إرسائيل شحنة من الذرائع‪ ،‬يف طليعتها‬ ‫توظيف عامل االحتالل لإلبقاء عىل مبدأ التف ُّوق االسرتاتيجي عىل‬ ‫العرب‪.‬‬ ‫وإذا كان احتالل األرض العربية يف العام ‪ 1967‬قد أدخل‬ ‫املقولة اإلرسائيلية يف ميدان التطبيق الفعيل ملبدأ التف ُّوق‪ ،‬فإ َّن‬ ‫تداعيات هذا االحتالل‪ ،‬يف خالل الحقب التالية‪ ،‬وصوالً إىل حقبة‬ ‫التفاوض مع العرب يف مستهل التسعينيات‪ ،‬أ َّدت إىل إعادة إنتاج‬ ‫هذه املقولة بآليات مختلفة‪ ،‬مثلام أ َّدت إىل االنتقال بقوانني‬ ‫اللعبة إىل زمن سيايس جديد‪ .‬وإذا كانت مفاوضات «السالم»‬ ‫التي بدأت يف مدريد عام ‪ 1990‬قد فرضت نفسها وآليات عملها‬ ‫عىل دول املنطقة كلها‪ ،‬مبا فيها إرسائيل‪ ،‬فإ َّن هذه األخرية سعت‬ ‫إىل جعل هذا السالم وجهاً آخر موازياً لإلحتالل‪ .‬فإنه من وجهة‬ ‫نظر ارسائيلية وليد االحتالل بامتياز‪ ،‬إالَّ أ َّن مساره املوضوعي‬ ‫أنتج قواعد لعبة‪ ،‬مل يكن التفكري االرسائييل مستعدا ً لها بالقدر‬ ‫الكايف‪ .‬ولنئ استطاعت إرسائيل أن تقلِّص من حزام العداء العريب‬ ‫املرضوب حولها‪ ،‬فإنها مل تبلغ املستوى الذي يتيح لها الشعور‬ ‫بالتفاؤل‪ .‬بل أكرث من ذلك «فالسالم» الذي استُ ِهلَّت وقائعه عىل‬ ‫أساس من اختالالت فادحة يف النظام الدويل واإلقليمي‪ ،‬ال يزال‬ ‫يراوح‪ ،‬داخل مؤسسات التفاوض من دون جدوى‪ .‬ويف موازاة ذلك‪،‬‬ ‫بدت إرسائيل متورطة ضمن دائرة اضطرت فيها إىل املفاوضة عىل‬ ‫جغرافيات‪ ،‬كانت وال تزال تعتربها جز ًءا ال يتجزأ من أرض إرسائيل‬ ‫الكربى‪ ،‬مثلام تعتربها أحزمة اسرتاتيجية واجبة ألمنها القومي‪.‬‬ ‫مع السنوات االوىل من القرن الواحد والعرشين ستنتقل مقولة‬ ‫االحتالل كمعادل لإليديولوجي الالَّمتناهي ومك ِّمالً له‪ ،‬ثم لتتموضع‬ ‫يف منزلة مغايرة للتقليد السيايس اإلرسائييل‪ .‬ذلك أن األرض‬ ‫املقتطعة من العرب هي ـ بحسب معايري األمن القومي اإلرسائييل‬ ‫ـ حلقات انتقالية رضورية لتحقيق أرض إرسائيل الكربى‪ ،‬وقاعدة‬ ‫ملساومة سياسية يف املفاوضات‪ .‬ويف هذا املعنى‪ ،‬يكون التفاوض‬ ‫عىل السالم قد نقل إرسائيل من طور التفكري يف الكليات السياسية‬ ‫اإليديولوجية إىل طور أشد قرباً من التفاصيل والحسابات الدقيقة‪.‬‬ ‫مالمح التطور السلبي يف االجتامع السيايس اإلرسائييل سوف‬ ‫تأخذ مداها املفتوح‪ .‬ولقد أظهر اإلرسائيليون‪ ،‬عىل اختالفهم وتنوع‬

‫تياراتهم‪ ،‬قلقاً بيِّناً أخذ يتضاعف مع الوقت حيال اآلثار الجيوـ‬ ‫سياسية املرتتبة عىل مقولة «األرض يف مقابل السالم»‪ .‬أل َّن الرتاجع‬ ‫عن األرض حتى لو كان عىل شكل إعادة انتشار ُع َّد خرقاً للجدار‬ ‫املعنوي الهائل الذي أقامته اإليديولوجيا الصهيونية حول أطروحة‬ ‫«أرض إرسائيل العظمى» ‪.‬‬ ‫لقد أطلق السالم‪ ،‬يف ح ِّيزه اإلرسائييل‪ ،‬أسئلة ال ِق َب َل للدولة‬ ‫اليهودية بها‪ .‬فقد وضعت املفاوضات مقولة االحتالل عىل خط‬ ‫املساءلة بني تيارات املجتمعني‪ :‬السيايس والعسكري يف إرسائيل‪.‬‬ ‫فقبول إرسائيل االلتزام بقراري مجلس األمن ‪ 242‬و‪ 338‬قاعدة‬ ‫للسالم يعني نظرياً االلتزام مببادلة السالم باألرض‪ :‬أي التخيل عن‬ ‫جغرافيا االحتالل يف الضفة وغزة والجوالن وجنوب لبنان‪ .‬األمر الذي‬ ‫رفع من حرارة السجال اإلرسائييل إىل مقام االسرتاتيجيات العليا‪.‬‬ ‫فكان االصطدام أكيدا ً وحاسامً بني نظرية االحتفاظ باألرض‪ ،‬كمجال‬ ‫حيوي اسرتاتيجي ألمن إرسائيل‪ ،‬وبني نظرية إرسائيل الصغرى‪ .‬إ َّن‬ ‫هذا التصادم بني مفهومني متناقضني كل التناقض‪ ،‬سوف يؤدي‬ ‫إىل هبوط وتراجع جملة من املقدسات السياسية اإلرسائيلية؛ يف‬ ‫مقدمها تص ُّدع «اإلجامع القومي» واهتزاز املرجعية اإليديولوجية‪،‬‬ ‫وبدء تاريخ إرسائييل جديد‪ ،‬عنوانه املركزي الشك يف مقبل املرشوع‬ ‫الصهيوين‪ ،‬وعدم اليقني يف واقعية االحتفاظ بالدولة كام ح َّددها‬ ‫املرشوع الصهيوين األصيل‪.‬‬ ‫إ َّن معادلة «التفاوض من اجل السالم» ولَّدت ما ميكن وصفه‬ ‫مبالمح جديدة لقواعد لعبة يبدو فيها منطق الجغرافيا‪ ،‬هو العامل‬ ‫املك ِّون واملق ِّرر للمشهد اإلرسائييل يف خالل العقود اآلتية من القرن‬ ‫الواحد والعرشين‪.‬‬ ‫عند هذا املفصل ظهر الخطاب االسرتاتيجي يف ارسائيل عىل‬ ‫نشأة جديدة‪ .‬وعىل هذا النحو فقد انربى كثريون ممن يرتجمون‬ ‫هذا الخطاب اىل فتح باب التشاؤم عىل مرصاعيه حول راهن ومقبل‬ ‫االطروحة االرسائيلية‪ .‬قبل أن مييض رئيس مجلس الوزراء اإلرسائييل‬ ‫آرييل شارون يف غيبوبته املتامدية بسنوات‪ ،‬بكَّر اإلرسائيليون يف‬ ‫إطالق السؤال التايل‪:‬‬ ‫ما الذي جناه شارون عىل إرسائيل؟ رمبا كان يفرتض بهؤالء أالَّ‬ ‫يصلوا إىل هذه الدرجة من الشك وقد منحهم آرييل شارون للتو‬ ‫ما مل يقدر أسالفه كلهم عىل منحهم إياه‪ ،‬وهو األمن‪ .‬لكن َح َملَة‬ ‫هذا السؤال قفزوا فوق الجدران الوهمية الستطالعات الرأي التي‬ ‫أعطت شارون سواد إرسائيل األعظم‪ ،‬وراحوا ينظرون إىل ما وراء‬ ‫الضجيج الذي ولَّده ركام املخيامت واملدن الفلسطينية وأشالء‬ ‫أهلها‪.‬‬ ‫بني يدينا مثال رصيح عىل مناخات التشاؤم اإلرسائييل‪ .‬وهو‬ ‫جاء عىل لسان أحد كبار جرناالت الحرب املتقاعدين وهو مارتن‬ ‫فان كريفيلد‪ .‬يقول «إ َّن رصاعنا ضد الفلسطينيني هو رصاع خارس‪.‬‬ ‫لقد كان خارسا ً منذ اليوم األول ؛ وسوف يؤدي إىل القضاء علينا‪...‬‬ ‫مثة من اإلرسائيليني اليوم من بات يتوقّع الفجيعة الكربى‪ .‬والسؤال‬ ‫الذي يطرحونه عىل أنفسهم هو عماّ إذا كان مبستطاع ارسائيل‬ ‫استعادة قدرتها عىل إحتالل ٍ‬ ‫أرض عربية‪ ،‬حتى لو تعلق األمر‬ ‫مبصريها كدولة آيلة اىل الزوال‪.‬‬

‫انترشت يف العقدين املاضيني مقولة تالزم املسارين اللبناين‬ ‫والسوري يف عملية السالم‪,‬وكعادة اللبنانيني ايد قسم منهم هذه‬ ‫املقولة وما يتبعها من رضورات التنسيق اللبناين السوري لتحقيق‬ ‫مضمونها يف ما عارضها القسم االخر معتربا انها من حجج الهيمنة‬ ‫السورية عىل لبنان‪ .‬وذهب هذا الفريق بعيدا يف معارضته لتصل‬ ‫اىل معارضة النظام السوري بحد ذاته‪ .‬بعد استشهاد رئيس الوزراء‬ ‫رفيق الحريري عام ‪ 2005‬تبدلت املواقف من تالزم املسارين ومن‬ ‫سوريا تحديدا ‪.‬مل يغري انسحاب القوات السورية من مواقف بعض‬ ‫القوى السياسية تجاه سوريا بل ازدادت رشاسة فيام انفرد التيار‬ ‫الوطني الحر بوقف كل تهجامته عىل سوريا فور انهاء انسحابها‬ ‫من لبنان‪.‬مل ميض وقت طويل حتى اندلعت احداث يف سورية‬ ‫يف ‪ 15‬اذار ‪ 2011‬يف وقت كان اللبنانيون ما زالوا يف مرحلة حوار‬ ‫وطني حول خالفات كبرية من دون التوصل اىل نتيجة وجاءت‬ ‫هذه االحداث لتزيد االنقسامات والخالفات يف ما بينهم‪.‬‬ ‫االهمية الجغرافية االسرتاتيجية لسوريا‪:‬‬ ‫كرث الحديث عن املوقع االسرتاتيجي لسوريا ‪,‬وقد اسهمت‬ ‫هذه االحداث يف توضيح اهمية املوقع من خالل مواقف الدول‬ ‫الكربى‪.‬ان اي انهيار للنظام السوري من شأنه ان يكون مكسبا‬ ‫كبريا لرتكيا التي اتخذت اجراءات عملية لتحقيق هذا االنهيار(‬ ‫انشاء املجلس الوطني ‪,‬الجيش الحر‪,‬تسليح‪ .)..‬يؤدي املكسب‬ ‫الرتيك املفرتض اىل تصاعد دور الحكم االسالمي يف تركيا وزيادة‬ ‫تأثريه عىل دول اسيا الوسطى واذربيجان وعىل جنوب روسيا الذي‬ ‫تدين غالبية سكانه باالسالم(بني ‪ 15‬و‪ %20‬من عدد سكان روسيا)‪.‬‬ ‫ترى روسيا ان اي سقوط لسوريا سيؤدي اىل اندفاع االسالميني من‬ ‫تركيا اىل الجنوب الرويس واىل اسيا الوسطى واذربيجان وهذا ما‬ ‫يشكل خطرا جديا عىل امنها القومي وهي مل تنس بعد ماجرى‬ ‫يف الشيشان ‪.‬من هنا كانت املراهنات عىل توقف الدعم الرويس‬ ‫للنظام السوري عقيمة النها مل تراع املصلحة االسرتاتيجية لروسيا‬ ‫‪.‬يضاف اىل ذلك ان املرفأ الوحيد يف املياه الدافئة عىل البحر‬ ‫املتوسط الصديق لروسيا هو مراىفء سوريا يف طرطوس والالذقية‪.‬‬ ‫اما الصني فانها تحذو حذو روسيا يف عالقاتها الدولية انطالقا‬ ‫من مصلحتهام املشرتكة يف مواجهة الغرب‪.‬واما ايران فحساباتها‬ ‫االسرتاتيجية دقيقة جدا وتقع سوريا يف قلب اسرتاتيجية ايران‬ ‫منذ الستينات وازدادت هذه االيام مع االستقطاب الحاصل بني‬ ‫معسكرايران‪ -‬سوريا ‪-‬حزب الله ومعسكر تركيا‪ -‬مجلس التعاون‪.‬‬ ‫كيف كانت مواقف اللبنانيني من االزمة السورية الراهنة؟‬ ‫استمرارا لالنقسام السيايس القائم بني اللبنانيني تباينت مواقف‬ ‫القوى السياسية اللبنانية من االزمة السورية واتخذت يف بعض‬ ‫الحاالت استقطابا حادا بني مجموعتني‪:‬االوىل تعتقد بان النظام‬ ‫السوري سوف يسقط برسعة ‪,‬والثانية تفول ان السلطة السورية‬ ‫سوف تنهي االضطرابات برسعة ايضا‪.‬مع استمرار االحداث تبني‬ ‫عدم صحة اي من الرأيني املبنيني عىل رؤى خاصة وليست عىل‬ ‫حسابات سياسية جدية ‪.‬تبني ان لالزمة السورية بعدا اقليميا تجىل‬ ‫يف مواقف تركيا ومجلس التعاون الخليجي ال سيام السعودية‬ ‫وقطر الداعية السقاط النظام من جهة وايران وابرز الالعبني من‬

‫غري الدول يف املنطقة حزب الله الداعية للحفاظ عىل النظام من‬ ‫جهة اخرى‪.‬كام تجىل البعد الدويل لالزمة يف مامرسة روسيا والصني‬ ‫حق الفيتو يف مجلس االمن ضد مشاريع قرارات تؤذي سوريا‪.‬‬ ‫دخل لبنان اىل قلب االزمة السورية بحكم الجغرافيا والسياسة‬ ‫ومن دون استئذان املوالني وال املعارضني واصابت رياح االزمة‬ ‫النسيج اللبناين الهش يف ظل دولة تبدو قدرتها نسبية عىل تحقيق‬ ‫ما ترمي اليه‪ .‬قررت الحكومة ان تنأى بنفسها عن االزمة السورية‬ ‫لكنها مل تتمكن من تنفيذ قرارها بصورة كاملة الن التداخل‬ ‫الجغرايف يف عكار والبقاع هو اقوى من املواالة ومن املعارضة ومن‬ ‫قرار الحكومة‪ ,‬وانغمس الشامل والبقاع الشاميل بهذه االحداث‪.‬‬ ‫التأثريات السياسية لالزمة السورية عىل لبنان‪:‬‬ ‫الوضع الحكومي ‪:‬سقطت حكومة الرئيس سعد الحريري عىل‬ ‫وقع سقوط نظام مبارك وبن عيل وتغيري النائب وليد جنبالط‬ ‫اتجاهه السيايس نحو الوسطية‪.‬كلف الرئيس ميقايت بتأليف‬ ‫الحكومة لكن االحداث السورية اندلعت واخرت تشكيلها نحو‬ ‫ستة اشهر‪.‬منذ تشكيل هذه الحكومة وقوى ‪ 14‬اذار تجاهريف‬ ‫غري مناسبة بالسعي السقاطها‪.‬بعدما اسمتها حكومة حزب‬ ‫الله لرضبها يف الغرب تحاول ان تستغل االضطرابات املستمرة‬ ‫والدراماتيكية يف سوريا السقاط هذه الحكومة ‪.‬لتاريخه مل‬ ‫يتدهور الوضع يف سوريا بشكل يقنع النائب جنبالط بتغيري‬ ‫اتجاهه واسقاط الحكومة الن سقوط الحكومة وافقادها‬ ‫الغالبية الربملانية يكون فقط عرب موقف جديد للنائب جنبالط‪.‬‬ ‫قانون االنتخاب‪:‬‬ ‫شكلت هواجس املسيحيني مام جرى يف العراق وما يجري يف‬ ‫سوريا دافعا لقسم منهم بان يطرحوا نظام التصويت ضمن الطائفة‬ ‫لضامن متثيل حقيقي لهم وهو ما عرف باملرشوع االورثوذكيس‪,‬لكن‬ ‫التسوية التي جرت عىل ما يبدو يف بكريك رجحت خيار النسبية‬ ‫الذي قرره مجلس الوزراء مؤخرا بانتظار درسه يف املجلس النيايب‪.‬‬ ‫السياسة الخارجية‪:‬‬ ‫مل يعد لبنان يف السياسة الخارجية مع سوريا او عىل ميينها‬ ‫احيانا او عىل يسارها كام كان يف حقبة ‪. 2005- 1991‬واصبح‬ ‫النأي بالنفس سياسة معتمدة يف كل الشؤون الخارجية‪.‬‬ ‫االمن ‪:‬‬ ‫دخول املعارضة السورية املسلحة اىل لبنان وما قيل عن تهريب‬ ‫اسلحة ومقاتلني من لبنان اىل سوريا وضبط باخرة تنقل اسلحة اىل‬ ‫لبنان قيل ان مقصدها النهايئ سوريا‪ ,‬وزيارات مسؤولني امريكيني‬ ‫اىل الشامل وكالمهم عن ممرات امنة وانسانية اىل سوريا‪ ,‬اسهم‬ ‫بادخال لبنان بالنزاع القائم يف سوريا‪.‬كام ان االتهامات املوجهة‬ ‫لحزب الله باملشاركة يف االحداث السورية اسهمت يف تسعري‬ ‫املوقف رغم عدم وجود دليل عىل ذلك‪.‬‬ ‫االشتباكات التي تحدث بني القوات السورية عىل الجانب‬

‫السوري واملعارضة السورية املسلحة عىل الجانب اللبناين تهدد‬ ‫بتحول النهر الكبري اىل خط متاس دائم‪.‬‬ ‫ادى تفاقم هذا الوضع اىل اشتباكات لبنانية‪ -‬لبنانية عىل‬ ‫الجانب اللبناين من الحدود ماينذر بامتداد هذا النزاع اىل الداخل‬ ‫اللبناين (فنيدق ‪-‬الجعافرة)‬ ‫يؤدي استمرار النزف السوري اىل تهجري مزيد من السوريني‬ ‫باتجاه لبنان بعد اقفال حدود العراق وضبط حدود االردن‬ ‫وتقنني الحركة يف الحدود مع تركيا ‪.‬رس اللبنانيون بالنازحني‬ ‫السوريني االثرياء الذين عوضوا غياب الخليجيني املفروض من‬ ‫حكوماتهم‪.‬لكن هل نتخيل ان ينزح باي وقت اىل لبنان عدد كبري‬ ‫من السوريني ومعظمهم من الفقراء؟ ان مسار االحداث يتبع هذا‬ ‫االتجاه‪ .‬حاليا يقدر ان هناك ‪ 10‬االف مسلح سوري االن من اصل‬ ‫‪ 600‬الف نازح سوري ومقيم اصال يف لبنان ‪.‬نحن امام وضع‬ ‫جديد‪ ,‬قسم من البيئة التي احتضنت الفلسطيني املسلح سابقا‬ ‫تحتضن اليوم هذااملعارض السوري املسلح خصوصا ان التمويل‬ ‫مؤمن بحسب ما يعلن من بعض دول الخليج ‪ .‬لنتخيل ارتفاع‬ ‫عدد النازحني اىل ‪ 2‬او ‪ 3‬ماليني‪.‬هذا هو الهم االمني والسيايس‬ ‫االول للبنانيني من ‪ 8‬و‪ 14‬اذار معا ‪.‬‬ ‫االقتصاد‪:‬‬ ‫يؤدي استمرار االحداث يف سوريا اىل اعباء اقتصادية عىل لبنان منها‪:‬‬ ‫ زيادة عدد النازحني اىل املاليني تؤدي اىل اعباء اقتصادية‬‫كبرية وضغط كبري عىل خدمات االيواء والكهرباء واملياه‬ ‫والصحة و االمور املعيشية كافة وزيادة التزامات الدولة التي‬ ‫ال ميكن تعويضها من املساعدات الخارجية الن معظمها‬ ‫يرصف لغايات سياسية ولدعم تنظيامت خاصة لهذه املعارضة‪.‬‬ ‫ان فقدان االمن واالستقرار يف سوريا من شأنه ان يوقف حركة‬‫الرتانزيت فيها وبالتايل وقف التصدير والرتانزيت من لبنان اىل‬ ‫الدول العربية والتسبب بخسارة كبرية لالقتصاد اللبناين‪.‬‬ ‫يف هذا الجو املفرتض يرتاجع قدوم السياح اىل لبنان ويشهد‬ ‫هذا القطاع خسائر كبرية‪.‬‬ ‫صحيح ان اموال املعارضة السورية تدخل يف الدورة االقتصادية‬ ‫اللبنانية كام دخلت سابقا اموال املنظامت الفلسطينية قبل عام‬ ‫‪ 1982‬لكن ذلك ال يحافظ عىل االقتصاد ويحوله اىل اقتصاد ريعي‬ ‫صغري ال يلبي الحاجة الوطنية ‪.‬‬ ‫الحلول املقرتحة‪:‬‬ ‫ان جانبا كبريا من تداعيات االزمة السورية عىل لبنان ال‬ ‫يدخل يف االستقطابات السياسية وخصوصا الجانب االقتصادي‬ ‫واغلب الجانب االمني ‪.‬الحكومة اللبنانية والقوى السياسية كافة‬ ‫مدعوة اليوم لالنكباب عىل وضع خطط ملواجهة هذا الوضع‬ ‫الطارىء منعا لتفاقمه‪.‬يجب تقديم الدعم السيايس واملعنوي‬ ‫واملادي للجيش اللبناين من اجل ضبط وضع املعارضةالسورية‬ ‫املسلحة وعدم تفاقمه وفقدان السيطرة عليه بحيث ينضم اىل‬ ‫السالح الفلسطيني القائم منذ اكرث من اربعني عاما والجدال‬ ‫حول سالح املقاومة القائم منذ عام ‪ 2005‬تعبري جديد هو سالح‬ ‫املعارضة السورية‪.‬‬


‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫صفحة ‪10‬‬

‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫صفحة ‪11‬‬

‫دراسة‬

‫دراسة‬

‫الثابت واملتحول في السياسة الروسية في املشرق العربي‬ ‫زهير فياض‬ ‫أسئلة كثرية تطرح اليوم حول طبيعة وجوهر السياسة الروسية‬ ‫يف العامل بشكل عام‪ ،‬ويف منطقة املرشق العريب بشكل خاص‪ ،‬وكيف‬ ‫يتم النظر اىل هذه السياسة ودورها يف صياغة السياسة الدولية‪ ،‬ويف‬ ‫ترجمتها العملية لواقع توازنات القوى الدولية عىل مستوى العامل‪.‬‬ ‫قبل انهيار االتحاد السوفيايت‪ ،‬كان العامل كله خاضعاً لتوازن‬ ‫اسرتاتيجي سيايس – أمني – اقتصادي‪ ،‬وقد شكل هذا التوازن‬ ‫املظلة التي حصلت تحت سقوفها الرصاعات املتنقلة حول العامل‬ ‫أو ما عرف يف حينه «الحرب الباردة» ‪.‬‬ ‫ومع انهيار االتحاد السوفيايت حصل انكفاء واقعي وملحوظ‬ ‫للسياسة الروسية حول العامل‪ ،‬وانشغلت السياسة الروسية يف‬ ‫الداخل الرويس يف ظل تحديات اقتصادية – اجتامعية حقيقية‬ ‫وجدية أرخت بظلها عىل كل الواقع الرويس‪ ،‬وشهد العامل كله يف‬ ‫مرحلة التسعينيات ويف العقد األول من هذا القرن شبه غياب‬ ‫للتوازن يف الساحة العاملية‪ ،‬تبدى يف األحادية املطلقة التي جعلت‬ ‫من واشنطن والواليات املتحدة األمريكية واملحور املرتبط بها‪،‬‬ ‫القوة األساسية العاملية التي اعتمدت «ديكتاتورية مطلقة» يف‬ ‫مقاربة األزمات واملشكالت الدولية»‪ ،‬وتم عملياً اعتامد «حق‬ ‫القوة» أسلوباً ومنهجاً يف حكم العامل‪ ،‬وفرض الرشوط وامالء‬ ‫السلوكيات يف السياسة واالقتصاد واألمن ومامرسة الضغوط عىل‬ ‫دول وحكومات‪ ،‬وأمم وشعوب‪ ،‬وتم انتهاك صارخ لكل القانون‬ ‫الدويل ول «األمم املتحدة» وخاضت الواليات املتحدة حروباً ال‬ ‫تستند اىل أي حق أو قانون أو رشع دويل وانساين‪...‬‬ ‫فكانت الحرب عىل أفغانستان‪ ،‬ومن ثم الحرب عىل العراق‪،‬‬ ‫وكذلك الحرب عىل يوغوسالفيا‪ ،‬التي جسدت رغبة عارمة لدى‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية للولوج اىل الرشق األورويب وفرض‬ ‫معادالت جديدة يف الرصاع‪ ،‬مستفيد ًة من حال االنكفاء الرويس‬ ‫وحالة «انعدام الوزن» التي عاشتها روسيا يف حقبة التحوالت‬ ‫السياسية واالقتصادية واالجتامعية واألمنية التي صدعت بنية‬ ‫الدولة الروسية وأصابتها آنذاك بأعطاب بنيوية أدت اىل تقهقر‬ ‫وتراجع الدور الرويس الخارجي عىل كل املستويات‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬وبالرغم من تراجع الدور الرويس االجاميل‪ ،‬اال أن روسيا‬ ‫حافظت عىل أدوار نسبية متواضعة يف فرتة التحوالت‪ ،‬فهي كانت‬ ‫اىل جانب الواليات املتحدة األمريكية راعية «للتسوية» (بني هاللني‬ ‫‪:‬التسوية العربية – االرسائيلية) يف مدريد‪ ،‬اال أن روسيا وبحكم‬

‫قبل انهيار االحتاد‬ ‫السوفياتي‪ ،‬كان العالم‬ ‫كله خاضعا ً لتوازن‬ ‫استراتيجي سياسي –‬ ‫أمني – اقتصادي‬

‫أوضاعها الداخلية مل تكن طرفاً راعياً قوياً‪ ،‬ومل تعر النزاع «الرشق‬ ‫أوسطي» – حسب التسميات املعتمدة دولياً ‪ -‬أي الرصاع مع‬ ‫الكيان الصهيوين الغاصب االهتامم الالزم‪ ،‬وكانت كل سياسات‬ ‫روسيا آنذاك موجهة اىل الغرب عملياً‪ ،‬كام كانت رعايتها للتسوية‬ ‫املذكورة أشبه مبحاولة للحفاظ عىل ماء الوجه‪ ،‬وعىل مكانتها عىل‬ ‫الساحة الدولية كدولة متنفذة‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬بعد العام ‪ 2000‬تحديدا ً‪ ،‬بدأ هذا الوضع يتغري‪ ،‬وبعد‬ ‫تجاوز روسيا – الدولة للآمزق الداخلية‪ ،‬واستيعابها لألزمات‬ ‫االقتصادية – االجتامعية التي واكبت مرحلة السقوط املدوي‬ ‫لالتحاد السوفيايت‪ ،‬استعادت روسيا زمام املبادرة وانتقلت اىل‬ ‫طور استعادة الفعل السيايس يف االقليم املحيط بروسيا‪ ،‬أي يف‬ ‫الجمهوريات الرشق أوروبية التي انسلخت عن االتحاد السوفيايت‪،‬‬ ‫وحاولت بثبات ترميم عالقاتها واستعادة تأثريها يف املدى الحيوي‬

‫الرشق أورويب األوسع‪ ،‬الذي كان يخضع للتأثري املبارش لروسيا من‬ ‫خالل ما كان يسمى آنذاك «دولة املنظومة االشرتاكية»‪ ،‬وكذلك‬ ‫متكنت روسيا من اعادة بسط نفوذ نسبي وبحجم معقول يف‬ ‫املدى اآلسيوي وتحديدا ً الدول اآلسيوية التي كانت أيضاً جزءا ً‬ ‫ال يتجزأ من الدولة السوفياتية من أرمينيا اىل جورجيا‬ ‫وأسيتيا وكازاخستان وتركامنستان وغريها من «جمهوريات‬ ‫االتحاد» السابقة‪.‬‬ ‫وبعد العام ‪ ،2003‬بدأت روسيا تعزز مواقعها يف منطقة الرشق‬ ‫األوسط تحديدا ً‪ ،‬ففي العام ‪ 2006‬زار الرئيس الرويس املغرب‬ ‫والجزائر‪ ،‬وكانت زيارة الجزائر عىل مستوى عال من األهمية ال‬ ‫لتطوير العالقات الثنائية وحسب بل وكان لها صدى قوي عىل‬ ‫املستوى العاملي نظرا ً ألن حصة البلدين تصل اىل ما يقارب ‪40‬‬ ‫‪ %‬من مجمل االسترياد األورويب من الغاز‪ ،‬وقد قررتا بنتيجة هذه‬

‫الزيارة طبعاً‪ ،‬الجزائر وروسيا «التعاون يف مجال ترصيف الغاز‬ ‫الطبيعي يف البلدان األخرى»‪.‬‬ ‫وقد وقعت بالفعل آنذاك الرشكة الروسية غاز بروم‬ ‫اتفاقية تفاهم مع الرشكة الجزائرية «سوناطراك» املنافس‬ ‫األسايس لها يف أوروبا‪.‬‬ ‫وكذلك‪ ،‬فتحت الديبلوماسية الروسية يف التسعينيات وبداية‬ ‫العقد األول من القرن الحايل قنوات سياسية واقتصادية مع‬ ‫العديد من دول الخليج العريب من اململكة العربية السعودية‬ ‫اىل الكويت واالمارات العربية وغريها من هذه الدول‪ ،‬ونشأت‬ ‫بالفعل بني روسيا وهذه الدول عالقات اقتصادية وتجارية نسبية‬ ‫أسست لتعاون مستقبيل مرهون – بطبيعة الحال‪ -‬بتقدم الدور‬ ‫والنفوذ الرويس يف املنطقة‪.‬‬ ‫من نافل القول‪ ،‬أن الدور الرويس يف هذه املنطقة من العامل‬ ‫يتعاظم‪ ،‬وتبدى هذا التنامي للدور الرويس من خالل محاوالتها‬ ‫القيام بدور الوسيط يف الرشق األوسط‪ ،‬وقد أحدثت هذه الرغبة‬ ‫الروسية بتقوية نفوذها يف املنطقة صدمة للغرب‪ ،‬وكلنا يتذكر ردة‬ ‫الفعل الغربية يف العام ‪ 2006‬عندما وجهت روسيا بشخص رئيس‬ ‫وزرائها آنذاك بوتني دعوة رسمية لقادة حركة املقاومة االسالمية‬ ‫«حامس» لزيارة موسكو‪.‬‬ ‫وعىل خط مواز‪ ،‬شاركت روسيا وبفعالية يف السابق يف صياغة‬ ‫العديد من قرارات مجلس األمن مبا فيها بشأن العراق‪ ،‬وكذلك‬ ‫من خالل عضويتها ما يسمى «اللجنة الرباعية» جنباً اىل جنب مع‬ ‫االتحاد األورويب وهيئة األمم املتحدة والواليات املتحدة األمريكية‪،‬‬ ‫وقد القت املقرتحات الروسية الكثري من العناية واالهتامم‪ ،‬وكان‬ ‫الشيئ الرئييس آنذاك «الحلول الوسط» التي ترجمت مراعاة‬ ‫الجهات الدولية املعنية املوقف الرويس من العديد من املسائل‬ ‫التي تم طرحها آنذاك‪.‬‬ ‫العالقة الروسية – السورية‪:‬‬ ‫اآلفاق املستقبلية‬ ‫مبوازاة فتح الخطوط السياسية واالقتصادية مع دول مرشقية‬ ‫كانت محظورة عىل روسيا أبان الحكم السوفيايت سعت روسيا‬ ‫للحفاظ عىل العالقات التقليدية ذات الطابع االسرتاتيجي مع دول‬ ‫مرشقية مثل سوريا‪ ،‬بالنظر اىل عمق وأهمية املصالح االسرتاتيجية‬ ‫املشرتكة‪ ،‬والتي يدرك الروس أهمية تعزيزها وتطويرها وحاميتها‪،‬‬ ‫وهذا ما سنحاول مقاربته لفهم طبيعة النظرة الروسية اىل‬ ‫سوريا خاص ًُة يف الظروف الراهنة التي تشهد فيها سوريا أزمة‬ ‫سياسية بنيوية تهدد الدولة باالنحالل والتاليش والسقوط‬ ‫مع ما يعنيه مثل هذا األمر من تداعيات ونتائج مبارشة عىل‬ ‫الدور واملكانة وحجم النفوذ الرويس املستقبيل يف هذه املنطقة‪.‬‬ ‫بالطبع‪ ،‬العالقة الروسية – السورية والنظرة الروسية اىل الواقع‬ ‫السوري نظرة بعيدة عن الرومانسيات والعواطف وتحكمها‬ ‫كام يف كل العالقات الدولية اعتبارات املصالح الجيو‪ -‬سياسية‬ ‫واالقتصادية ذات الطابع االسرتاتيجي‪ ،‬وهذا بالضبط ما يفرس‬ ‫املوقف الرويس من األزمة السورية‪ ،‬واختالف املوقف الرويس‬ ‫الجذري مع املوقف الغريب املتمثل بالواليات املتحدة األمريكية‬ ‫ودول الغرب األورويب بعد أن تم خذل روسيا وتنامي محاوالت‬ ‫تهميشها يف املغرب العريب بعد سقوط النظام يف ليبيا‪ ،‬والرضبات‬

‫الحيوية للمصالح االقتصادية الروسية التي لحقت بروسيا فيها‪،‬‬ ‫بسبب تجاهل الغرب وأمريكا لهذه املصالح الحيوية يف تلك‬ ‫املنطقة من العامل‪.‬‬ ‫بال شك‪ ،‬ان سوريا كدولة ليست غنية أو مصدرأ أساسياً من‬ ‫مصادر انتاج الطاقة العاملية‪ ،‬ولكن‪ ،‬املوقع الجيو‪ -‬سيايس للدولة‬ ‫السورية وحجم تأثريها عىل املنطقة بأرسها‪ ،‬وحجم التبادالت‬ ‫االقتصادية والتجارية بني روسيا وسوريا‪ ،‬اضافة اىل غريها من‬ ‫العوامل واملصالح السياسية – االسرتاتيجية املشرتكة شكلت‬ ‫قاعدة صلبة للنظرة الروسية العميقة اىل أهمية الحفاظ عىل‬ ‫املكانة واملستوى العايل من التنسيق ذي الطابع االسرتاتيجي‬ ‫بني روسيا وسوريا‪ ،‬وبالرغم من مرحلة الفتور يف العالقة بني‬ ‫الدولتني أبان التحوالت يف روسيا‪ ،‬اال أن قادة الدولتني سلكوا من‬ ‫جديد منذ سنوات طريق زيادة التعاون املتمثل يف التوقيع عىل‬ ‫معاهدات واتفاقيات اقتصادية ومذكرات تفاهم تشمل العديد‬ ‫من االستثامرات االقتصادية املشرتكة‪ ،‬وكذلك تفعيل معاهدة‬ ‫الدفاع املشرتك السابقة‪.‬‬ ‫لذا ميكن وتأسيساً عىل ما تقدم فهم املوقف الرويس من‬ ‫النزاع الداخيل السوري بتقاطعاته االقليمية والدولية‪ ،‬وميكن معه‬ ‫استيعاب هذا االختالف الجوهري يف الرؤية الروسية عن رؤية‬ ‫الغرب املنغمس يف املستنقع السوري أيضاً العتبارات مختلفة‬ ‫ومتعددة ال مجال لذكرها اآلن‪ ،‬وتصلح ألن تكون مادة لبحث‬ ‫سيايس – اقتصادي – اسرتاتيجي مستقل من وجهة نظر الغرب‬ ‫والواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬كام أن املوقف من الرصاع مع الكيان‬ ‫الصهيوين يلقي بظالله أيضاً عىل الحدث السوري بتفاصيله‬ ‫وتفرعاته واتجاهات تطوره االنية واملستقبلية‪.‬‬ ‫بسبب كل هذه العوامل‪ ،‬ميكن القول أن هناك بعدا ً‬ ‫اسرتاتيجياً يف مقاربة روسيا للواقع السوري وعالقتها به‪ .‬بالطبع‪،‬‬

‫ان تعقيدات األزمة السورية وتشعباتها ترخي أيضاً بظاللها‬ ‫عىل الرؤية الروسية آلفاق املرحلة القادمة‪ ،‬ولكن‪ ،‬روسيا تدرك‬ ‫أن سوريا –بالنسبة لها‪ -‬متثل منطقة نفوذ ومصالح حيوية ال‬ ‫ميكن التساهل معها‪ ،‬وهي أخر موطئ قدم باملعنى السيايس –‬ ‫االسرتاتيجي لها يف هذه املنطقة الحساسة والتي تعترب امتدادا ً‬ ‫للجغرافيا السياسية الروسية‪.‬‬ ‫وقد شكل التعاطي الرويس مع مجريات األزمة السورية‬ ‫املتجسد بآليات العمل الديبلومايس الرويس نقلة نوعية فرضت‬ ‫عىل املجتمع الدويل واالقليمي أخذ املواقف واملصالح الروسية‬ ‫يف الحسبان خالل صياغة القرارات الدولية املتعلقة بسوريا‪،‬‬ ‫األمر الذي يدفع للقول بأن األزمة السورية شكلت البوابة‬ ‫األوسع للسياسة الروسية التي تحاول من خاللها اعادة بناء‬ ‫منظومة العالقات الدولية‪ ،‬ونحو تثبيت وتعزيز النفوذ الرويس‬ ‫يف العامل العريب ويف البحث عن تسويات للنزاعات يف مناطق‬ ‫أخرى من هذا العامل‪.‬‬ ‫يف ظل هذا التطور يف املوقف الرويس املعرب عنه يف السياسة‬ ‫الخارجية الروسية‪ ،‬تصبح مرشوعة التساؤالت حول العالقة‬ ‫املستقبلية لروسيا مع العديد من الدول العربية التي شهدت‬ ‫تغريات جذرية ذهبت معها أنظمة حكم كانت تقيم عالقات‬ ‫طيبة مع روسيا‪ ،‬خاص ًة يف ظل الخالف الجدي بني موسكو‬ ‫وعواصم عربية ‪-‬الخليج خاصةً‪ -‬بسبب املوقف الرويس من‬ ‫األزمة السورية‪ ،‬اضافة اىل العالقات الروسية – االيرانية وتأثريها‬ ‫عىل عالقات موسكو مع دول عربية تخاصم ايران وتحكمها‬ ‫عالقة متوترة معها‪.‬‬ ‫واالجابة عن هذه التساؤالت أتت عىل لسان فالدميري بوتني‬ ‫نفسه عندما قدم عرضاً حول عمل الحكومة الروسية لعام‬

‫‪ 2011‬أمام مجلس النواب الرويس (الدوما) حيث قال‪ »:‬ليس‬ ‫من الصواب القول بأننا خرسنا شيئاً ما هناك « نتيجة التغريات‬ ‫الجارية يف املنطقة العربية» وان روسيا تقيم عالقات تعاون‬ ‫قاعدتها مصالح روسيا االسرتاتيجية والدفاع عنها»‪.‬‬ ‫أما الدوافع التي تكمن وراء املوقف الرويس من األزمة‬ ‫السورية فتحكمه جملة من االعتبارات لعل أهمها‪:‬‬ ‫‪-1‬املوقع الجغرايف السوري عىل شاطئ البحر األبيض‬ ‫املتوسط باعتباره قاعدة تواصل تجاري واقتصادي مفصيل بني‬ ‫الرشق والغرب‪.‬‬ ‫‪-2‬األهمية الجيو – سياسية للدور السوري يف املنطقة‬ ‫بأرسها‪ ،‬والذي يعطي رصيدا ً عالياً للنفوذ الرويس فيها‪.‬‬ ‫‪-3‬حجم التبادالت التجارية االقتصادية بني سوريا وروسيا‬ ‫الذي يصل اىل مليارات الدوالرات األمريكية وال سيام فيام يتعلق‬ ‫منها بصفقات السالح الرويس‪.‬‬ ‫‪-4‬االستثامرات الروسية يف البنى التحتية السورية التي تصل‬ ‫أيضاً وباألرقام اىل مليارات الدوالرات‪.‬‬ ‫‪-5‬املوقع العسكري االسرتاتيجي السوري واعتباره من وجهة‬ ‫النظر الروسية قاعد ًة عسكري ًة متقدمة للنفوذ العسكري‬ ‫الرويس يف املنطقة‪ ،‬وأهميته عىل املستوى العاملي‪.‬‬ ‫‪ -6‬خشية روسيا من تنامي املد االسالمي األصويل‬ ‫(بني هاللني) الذي يشكل تهديدا ً مستمرا ً لألمن القومي‬ ‫الرويس بسبب الخوف من تواصله مع العمق الرويس يف‬ ‫الجمهوريات االسالمية املالصقة للجغرافيا الروسية‪ ،‬وهذا‬ ‫االعتبار أسايس ومفصيل يف املقاربة الروسية للتحديات‪.‬‬ ‫ولعل تطور األحداث املستقبلية سيعطي مؤرشا ً قوياً حول آفاق‬ ‫الدور الرويس واتجاهات تطوره‪...‬‬


‫صفحة ‪12‬‬

‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫فن‬

‫نقوال طعمة في الرابعة عشرة‬ ‫نقوال طعمة فتى يف الرابعة عرشة‪ ،‬مييزه بني أترابه نبوغه املبكر‬ ‫يف العزف املوسيقي‪ ،‬والغناء الرشقي الطابع‪ .‬ولفت أنظار الجمهور‬ ‫والنقاد وأساتذة املوسيقى أثناء أدائه لوصالت من العزف والغناء‪،‬‬ ‫أحيانا ضمن فرقة «بيت املوسيقى» يف عكار‪ ،‬وأحيانا منفردا يف‬ ‫مسابقات يف وسائل اإلعالم‪ ،‬ويف سجله ‪-‬رغم صغر سنه‪ -‬عرشات‬ ‫الحفالت املحليّة‪.‬‬ ‫بدأ الفتى طعمة متارينه عىل العود والغناء منذ السابعة من‬ ‫عمره‪ ،‬ودخل إىل جمعية مار منصور التي تقدم التعليم املوسيقي يف‬ ‫عندقت‪ ،‬البلدة القريبة من بلدته شدرا‪ ،‬وتدرب فيها لثالث سنوات‪،‬‬ ‫ثم انتقل إىل «بيت املوسيقى» التابع للنجدة الشعبية يف حلبا‪ ،‬تابع‬ ‫فيها مامرسة فنه منذ سنة ونصف‪ ،‬وال يزال‪.‬‬ ‫أساتذة موسيقيون‪ ،‬حرضوا أداءه وعربوا عن قناعتهم برباعة‬ ‫الفتى ومستواه الفني‪ ،‬والتزامه قوانني العزف واألداء بشكل أكادميي‬ ‫جيد‪،‬ومييزه بأسلوبه الخاص‪ ،‬مستخدما طاقته الصوتية‪ ،‬وحنجرة‬ ‫تصدح دون كلل‪ ،‬واعدا مبستقبل فني باهر‪.‬‬ ‫ويروي الفتى طعمة أنه فاز يف مسابقة أجرتها «هنود‬ ‫بروداكشن»‪ ،‬ونال فيها املرتبة األوىل‪ ،‬وحصل عىل كأس فضية‪.‬‬ ‫كام كرمته محطة «أو يت يف» يف برنامجها الفني «القونا عالساحة»‬ ‫بعد أن الحظت تطور أدائه الفني‪ ،‬ووهبته ميدالية خاصة‪.‬‬ ‫ونظرا لتبوئه مراتب أوىل يف املسابقات عىل املستوى اللبناين‪،‬‬ ‫أقامت بلدية شدرا احتفاال جرى خالله تكريم الفتى‪ ،‬الذي أدى‬ ‫وصالت أدهشت الجمهور‪.‬‬ ‫الفتى طعمة شارك أيضا يف الغناء يف ألبوم وكتاب «بدنا نغ ّني»‬ ‫الذّي يحوي عىل ‪ 25‬أغنية أطفال من تأليف وألحان أستاذ املوسيقى‬ ‫الدكتور ه ّياف ياسني‪ ،‬وهذا اإلصدار من إنتاج الجامعة األنطون ّية‪.‬‬

‫صفحة ‪13‬‬

‫فن‬

‫غناء وعزف ومستقبل فني واعد‬

‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬


‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫صفحة ‪14‬‬

‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫صفحة ‪15‬‬

‫احزاب‬

‫احزاب‬

‫القوميون والسبات العميق‬ ‫نسيب الشامي‬ ‫مل تعرف األمة السورية من هم أقرب إىل قلبها وعقلها ووجدانها‬ ‫‪،‬اكرث من القوميني اإلجتامعيني‪ ،‬منهم أرشف الناس وأنبلهم وال‬ ‫يساويهم يف ال ُنبل وعصارة املناقب إال املقاومني املجاهدين الرشفاء‬ ‫ومثلهم الشهداء ‪.‬ومل يعرف القوميون اإلجتامعيون عرب تاريخهم‬ ‫ومنذ التأسيس مرحلة تاريخية حرجة وخطرة مبثل املرحلة التي‬ ‫يواجهونها اليوم ويشهدون عليها فالقوميون اإلجتامعيون يف‬ ‫سبات عميق ولهذا السبات ظروفه الذاتية واملوضوعية ‪.‬‬ ‫أما الذاتية ‪:‬‬ ‫أوالً‪:‬‬ ‫القوميون يف حالة إنفصام مابني تركيبتهم الحزبية النظامية‬ ‫املؤسساتية وبني نص العقيدة التي أقسموا ميني الوالء عىل أساسه‬ ‫ذلك أن العقيدة متثل أرقى ظاهرة فكرية –عقائدية عرفتها األمة‬ ‫وعربت عنها بالتحليل الكاشف عن مكامن الويالت ‪،‬وبالتايل وضع‬ ‫األسس واملبادىء التي تقدم الحلول والتي ال زالت متثل راهنية يف‬ ‫زاد املواجهة مع تحديات املستقبل مهام كرثت أو إزدادت تعقيدا ً‪.‬‬ ‫كام وال زالت متثل صدقية باملعنى ‪،‬ولوال إمياننا بالرصاع الفكري‬ ‫وبالحرية املواكبة لهذا الرصاع ‪،‬تعلنا أن هذه الصدقية تكاد تقارب‬ ‫ح َّدالحرصية مبا لها ‪،‬ومنها ‪،‬وفيها‪ .‬أما الرتكيبة الحزبية النظامية‬ ‫‪،‬املؤسساتية فهي عىل تناقض وتنافر تام من حيث الجدوى ‪،‬مع‬ ‫هذه العقيدة العظيمة ‪.‬‬ ‫ثانياً‪:‬‬ ‫القوميون اإلجتامعيون مصابون باإلحباط واليأس ‪،‬نتيجة‬ ‫خضوعهم عىل مدى عقود من الزمن ‪،‬للتسويق املمنهج للوهم‬ ‫‪،‬والذي زينت لهم فيه كل القيادات الحزبية املتعاقبة عىل أن‬ ‫حزبهم بخري ‪،‬وإن فاعليته مؤثرة ‪،‬ومن ّوه وإنتشاره واسع وحيوي‬ ‫وكفَّته يف موازين القوى راجحة –وهو حارض بدينامية الفتة يف‬ ‫الشام ‪،‬والعراق واالردن وفلسطني وطبعاً يف لبنان ولعل يف تصديق‬ ‫القوميني لهذا التسويق املمنهج تكمن أسباب يأسهم وإحباطهم‪.‬‬ ‫ثالثاً‪:‬‬ ‫القوميون اإلجتامعيون هم ضحايا‪ ،‬فهم ملتبس للنظام الحزيب‬ ‫الذي ح ّولهم إىل مادة طيعة وعجينة لينة يف حسابات النوادي القيادية‬ ‫فكانت تَّجرهم إىل املواقع واملواقف ‪،‬حسب أهوائها ‪،‬وبالتايل‬ ‫فهمها للمراحل ‪،‬وحتى إرتباطاتها ‪،‬ثم تعيدهم ساعة تشاء إىل‬ ‫اإلصطفاف الحزيب املطيع وإلقاء التحية األخرية للموىت والشهداء‬ ‫من القوميني‬ ‫رابعاً‪:‬‬ ‫القوميون اإلجتامعيون الذين توضحت لهم الصورة املأساوية‬ ‫لواقع حزبهم كانوا إما ‪:‬‬ ‫أ‪-‬مطرودين أومفصولني عن الجسم الحزيب ‪،‬فقط ألنهم‬ ‫عرفوا حقيقة وواقع حزبهم أوألنهم عبرَّ وا بالقول ‪،‬أو الكتابة‬ ‫عن هذه املعرفة‪.‬‬ ‫ب‪-‬هاربني وومتخاذلني عن ساحة النضال ‪،‬ومنكفئني بقرار‬ ‫ذايت عن اإلستمرار يف ال جدوى العمل الحزيب واملؤسسايت‪.‬‬ ‫ج‪-‬تراءى لهم أن العمل خارج مؤسسات الحزب ‪،‬فيه جدوى‬

‫وفاعلية وخدمة للقضية القومية اكرث بكثري من مواقعهم االوىل‪.‬‬ ‫خامساً‪:‬‬ ‫اإلنقسام الحزيب ‪،‬وهو معطى ذايت ‪،‬عكس الفئوية والتي هي‬ ‫معطى موضوعي ‪(،‬سنذكرها الحقاً)حيث يبقى هذا العامل ‪،‬األكرث‬ ‫تأثريا ً وإيالماًيف واقع املسرية الحزبية –وتعترب سلسلة اإلنقسامات‬ ‫القدمية أو الحارضة أو املستحدثة مسؤولة عن حال الترشذم‬ ‫والتشظي وإنعدام الوزن‪ ،‬أما الوحدات التي متت فكانت وحدات‬ ‫تحاصصية ال معنى لها ‪.‬‬ ‫سادساً‪:‬‬ ‫وجد القوميون اإلجتامعيون أنفسهم أمام تفسريات خاطئة‬ ‫ر َّوجت لها القيادات الحزبية املتعاقبة ‪،‬مستندة وبالفهم‬ ‫الخاطىء ملقررات املؤمترات الحزبية (مؤمتر بولونيا كنموذج)‬ ‫التفسري الخاطىء وامللتبس يف آن يقول ‪:‬‬ ‫إن وصول الحركة السورية القومية اإلجتامعية إىل الحكم يتم‬ ‫مبعايري ثالثة ‪:‬‬ ‫أ‪-‬اإلسلوب الثوري‬ ‫ب‪-‬اإلسلوب اإلنقاليب‬ ‫ت‪-‬اإلنخراط يف العملية السياسية الدميقراطية وأن الحزب قد‬

‫لم يعرف القوميون اإلجتماعيون‬ ‫عبر تاريخهم ومنذ التأسيس‬ ‫مرحلة تاريخية حرجة وخطرة‬ ‫مبثل املرحلة التي يواجهونها‬ ‫اليوم ويشهدون عليها‬ ‫فالقوميون اإلجتماعيون في‬ ‫سبات عميق ولهذا السبات‬ ‫ظروفه الذاتية واملوضوعية ‪...‬‬ ‫إختار املعيار األخري وهو اإلنخراط يف العملية السياسية الدميقراطية‬ ‫‪،‬الخطورة يف هذه التفسريات أمنا مازجت بني العملية السياسية‬ ‫واملوقف القومي لجهة الرصاع مع أعداء األمة‪ ،‬واألنىك من كل هذا‬ ‫هو تصديق القوميني لهذه الهرطقة ‪ .‬ونحن نزعم هنا أن تحويل‬ ‫مؤمترات الحزب العامة ‪،‬إىل اجتامع إنتخايب ‪،‬له عالقة أساسية‬ ‫باإلبقاء عىل هذا التفسري ثابتاً وصامدا ً ونافذا ً ‪.‬ويبقى السؤال ‪:‬‬ ‫كيف ملؤمتر أياً كان هذا املؤمتر ؟وكيف لقيادة حزبية‬ ‫أياً كانت هذه القيادة أن تلغي عقيدة الحزب وثوريته‪.‬‬ ‫هذا مع العلم إن أي مراجعة بسيطة ملقررات تلك املؤمترات تؤكد‬ ‫بطالن تلك املزاعم –وأخواتها من التفسريات ‪.‬‬ ‫سابعاً‪:‬‬ ‫شعور القوميني اإلجتامعيني بفقدان املادة الجاذبة التي كانت‬

‫تحيط بحزبهم وعقيدتهم ‪،‬والتي كانت عامل إستقطاب وازن‬ ‫للطلبة واملواطنني ‪،‬وقبلة أنظار املثقفني واملتنورين والفنانني ‪،‬‬ ‫حيث َّحلت مكانها املادة التالفة والتي فعلت فعلها يف تشويه‬ ‫صورة املوروث املناقبي القومي اإلجتامعي وحولته إىل واقع‬ ‫مضطرب يهرب منه الشباب ويدبر عنه املقبلون عىل الدعوة‬ ‫إلنكشاف هشاشة هذا الواقع املرير فتكون خشبة الخالص للمقبلني‬ ‫هي يف عودتهم إىل واقع مجتمعهم املريض بكل تشوهاته وويالته‪.‬‬ ‫ثامناً‪:‬‬ ‫إنقطاع حلقة ا لوصل مع األجيال الصاعدة‪ ،‬فبات الحزب مرتوكاً‬ ‫يف قطاعه الطاليب دون مراقبة أو ثوجيه أو محاسبة فظهر الحزب‬ ‫هرماً تخترص الشيخوخة واقع القوميني لتصبح أحالمهم‬ ‫النهضويةمقترصة عىل علم قومي يلف أجسادهم يوم الرحيل ‪.‬‬ ‫تاسعاً‪:‬‬ ‫بدا واضحاً للقوميني عقم آلية التواصل التقليدية مع املواطنني‬ ‫فالحلقة اإلذاعية ‪،‬والندوة واملحارضة ‪،‬واملخيامت الحزبية ‪،‬باتت‬ ‫آليات منتهية الصالحية بفعل الزمن وتغيري أدواته وحيث‬ ‫يتم السعي‪ ،‬ال لتطوير أدوات التواصل ‪،‬وال لرسم منهجية املستقبل‬ ‫ومعرفة نبض الشباب ومجاالت رصف ديناميتهم وحيويتهم ‪.‬‬ ‫عارشا ‪:‬‬ ‫مل يعد الحزب يشكل القاطرة الثقافية يف أي من كيانات األمة ‪.‬‬ ‫التصحر الفكري واألديب‬ ‫فقد َّحلت العطوب يف هذه القاطرة كام َّ‬ ‫حل َّ‬ ‫يف كل ساحات العمل القومي وقد كان غياب القوميني غياباً الفتاً‬ ‫عىل مدى عقود من الزمن ‪.‬فغابت أقالم القوميني عن تصدر‬ ‫الصحف واملجالت كام غابت مساهامت املفكرين منهم عن‬ ‫إصدارت دور النرش كام غاب الخطباء الجيدون عن املنابر يف‬ ‫تنافر تام مع تاريخهم الذي كان يشع حضورا ًومتايزا ً‪.‬‬ ‫حادي عرش ‪:‬‬ ‫مل يعد الحزب يشكل القلعة التي تدافع عن مصالح األمة ‪،‬‬ ‫ولو نظرياً ‪.‬فالحقيقة التاريخية تؤكد أنه مل يكن يوماً بإمكاناته‬ ‫املتواضعة أن يشكل هذه القلعة بإستثناء إسقاطه للمرشوع‬ ‫الكتائبي الصهيوين عقب إجتياح عام ‪ 1982‬أو مشاركته يف ذلك‬ ‫املدوي‪.‬أما القوميون وبرغم هذه الحقيقة امل ّره فانهم‬ ‫اإلسقاط‬ ‫ّ‬ ‫ال زالوا يدافعون عن القلعة يف حني أن األمة بأمس الحاجة ملن‬ ‫يدافع عنها فكان الب َّد أن يتمظهر هذا الدفاع بالواسطة‬ ‫مبظهر التهرب من إداء الواجب القومي وقضاياه املصريية ‪.‬‬ ‫املصغرة هي‬ ‫إن مقولة الحزب هو األمة السورية بالطبعة َّ‬ ‫مقولة بحاجة إىل مراجعة نقدية رصيحة وصادقة ألنها‬ ‫أثبتت كم كانت عفوية رغم صدقها وكم كانت غري واقعية‬ ‫رغم سالمة النظرية وسالمة من نطق ‪.‬بها وع َّرب عنها‪.‬‬ ‫يبقى السؤال ‪:‬ما بني حال األمة أو حال الحزب ؟ فأين سيكون‬ ‫خيار القوميني اإلجتامعيني ؟‬ ‫ثاين عرش ‪:‬‬ ‫متاهي القوميني اإلجتامعيني مع واقع حزبهم املأزوم‬ ‫وإرتباطاته األمنية التي يربرها قياديون يف الحزب‬

‫عىل أنها ضمن مرشوع إسرتاتيجي عام ويف هذا تربير‬ ‫للعالقة غري الس ّوية مع األنظمة‪ ،‬متاماً كام كان يف السابق‬ ‫مع األجهزة والدول الخارجية‪ ،‬ومل يدرك القوميون خطورة هذا‬ ‫التامهي ومل يحاولوا تغيري املسار امللتبس وما ب َّدلوا تبديالً ‪.‬‬ ‫ثالث عرش ‪:‬‬ ‫قضت الروتينية يف صيغ اإلنتظام العام بدءا ً من إجتامع املديرية‬ ‫أواملفوضية وإنتهاء وتدرجاً اىل نطاق املنفذيات ومراكز الحزب‬ ‫عىل كل حيوية فاعلة أو كامنة‪ ،‬وتحويلها إىل جمود وكسل‬ ‫وملل وعدم جدوى ‪.‬‬ ‫رابع عرش ‪:‬‬ ‫تعطيل املنحى الدستوري اإلنتخايب ‪،‬والذي أوجده املرسوم‬ ‫عدد ‪-4‬أفىض عرب املامرسة الحزبية إىل إستبدادية يف السلطة‬ ‫وإستنسابية يف التعامل وكيدية يف إتخاذ القرارات الحزبية‪،‬‬ ‫وقد أفاد املناخ الفئوي كثريا ً من هذه الحالة ‪ ،‬فإستعملها‬ ‫سالحه األمىض ضد الرفاقية والدميقراطية والوحدةالروحية‬ ‫داخل صفوف القوميني ‪.‬‬ ‫خامس عرش ‪:‬‬ ‫الحرية التي أصابت مجموع القوميني‪ ،‬مام آلت إليه حال‬ ‫حركتهم يف أصل املعنى النهضوي والذي يقوم عىل مخاطبة ‪،‬الناس‬ ‫والحوار معهم والتأثري فيهم‪ ،‬وهو املعنى الذي ينطق بجرأة املوقف‬ ‫يف العلن‪ ،‬ويحسم بالجرأة عينها رأيه باألحداث‪ ،‬وتشابك النظريات‬ ‫والطروحات ‪.‬هذا األصل النهضوي الذي أسسه سعاده وأنشأه‬ ‫بريادته وحكمته‪ ،‬والذي يتناقض مع واقع الحال اليوم والذي توج‬ ‫الحركة بكاتم للصوت والنأي بالنفس عن مخاطبة الناس وتربير‬ ‫دائم للكسل الدائم والعجز املستطري ‪.‬‬ ‫سادس عرش ‪:‬‬ ‫إعتامد إسلوب ومنهجية امل َّرويات يف تواصل املسؤولني مع‬ ‫القوميني ويف هذا الداللة عىل ت ّدين الحال الثقافية عند هؤالء‬ ‫املسؤولني وبالتايل تقديم الخربية عىل املوقف والرواية عىل‬ ‫الريادة ‪ .‬أما األسباب املوضوعية ‪:‬‬ ‫‪-1‬العجز الدائم يف خزانة الحزب‪ ،‬وحاجته الدامئة للامل‬ ‫لتسيري أموره‪ ،‬وتفصيل حركته السياسية ‪،‬هذا العجز الذي‬ ‫قاد الحزب إىل طلب معونات مالية يتلقاها من األخرين‪ .‬آخرون‬ ‫لهم أجندتهم املختلفة باألمن والسياسة والثقافة واإلجتامع واإلعالم‬ ‫‪.‬وبالتايل لهم توصياتهم وتوجيهاتهم ومتنياتهم عىل متلقي هذه‬ ‫املعونات‪ ،‬وهنا يجب التأكيد عىل أن هذا املال مل يب ّدل أو يغيرَّ يف‬ ‫صياغة تعابري إذاعة املوقف القومي للحزب‪ ،‬إمنا ب َّدل بطبيعة اإلدارة‬ ‫الحزبية حيث أهملت مسألة الجباية الحزبية وإشرتاكات القوميني‬ ‫وتحولت منظومة العمل التطوعي إىل عمل وظيفي مدفوع األجر‬ ‫وبالتايل شمل هذا التغيري آليات املوقف السيايس حيث بدا واضحاً‬ ‫للقوميني مدى التبعية وغياب القرار القومي النهضوي وإرتهانه‬ ‫لإليحاءات واإلمالءات وفرض القرارات ‪.‬‬ ‫‪-2‬إستبدال التعامل السيايس مع األنظمة (الشام)أو املنظامت‬ ‫(املنظامت الفلسطينية سابقاً) بالتعامل األمني قد شكل هذا‬ ‫عامالً سلبياً إنعكس عىل حال القوميني ومزاجهم فأخذهم إىل‬

‫أن أبسط قواعد املواجهة‬ ‫هي أن تعد َّ كأمة عدة‬ ‫املواجهة اجليوسياسية وال‬ ‫تكتفي بقواعد األيديولوجيا‪،‬‬ ‫وإمتالك النظرية‪،‬وصوابية‬ ‫وحزبية العقيدة‬ ‫يأس وشعور بتناقض هذه الحال و رقي نهضتهم ‪.‬‬ ‫‪-3‬الفئوية التي أصابت جسم الحزب وهي ليست معطى ذايت‬ ‫كاإلنقسام الحزيب بل معطى موضوعي ألنها فرضت عىل‬ ‫مساحة الحزب وجموع القوميني من خارج طبيعتهم ومزاجهم‬ ‫ومن خارج عقيدتهم وإميانهم فباتوا كالبيادق عىل رقعة‬ ‫الشطرنج تتقاذفها إرادة املقاطعجيات األمنية املستحدثة‬ ‫دون رقيب (وال حاجة لألمثلة وتعداد النامدج) وقد توغلت‬ ‫هذه الحالة ‪،‬ح َّد إراقة الدماء واستباحة الكرامات وتثبيث‬ ‫لعبة الدم و الثأرية والعبثية القاتلة والفوىض املدمرة‪.‬‬ ‫إنعكاس حال األمة بكل تشعباته وويالته ومآسيه عىل حال القوميني‬ ‫من حرب العراق إىل غزة‪ ،‬إىل لبنان إىل الشام وهي إنعكاسات‬ ‫مضطربة حيناً ومثلجة للصدور حيناً آخر‪،‬إنعكاسات مرعبة حيناً‬ ‫ومهددة للمصري حيناً آخر وهي التي فرضت عليهم النظر يف‬ ‫واقعهم وحالهم ‪،‬فتأكد لهم غياب دورهم وعجزهم عن التأثري‬ ‫يف األحداث حيث ال تفيد تربيرات الكون كله يف إعادة تشكيل‬ ‫قناعات مطمئنة عند القوميني ألنهم عرفوا باليقني حقيقة‬ ‫الواقع املرير ‪.‬‬ ‫‪.‬لعل‬ ‫‪-5‬حرصية القرار القومي يف مركزية كيانية غري مستقرة َّ‬ ‫هذا املعطى املوضوعي يكتسب أهميته القصوى بعد األحداث‬ ‫التي حصلت يف الشام وهذه الحرب الكونية عليها والتي جعلت‬ ‫من بعض حلفاء الشام والذين يدورون يف فلكها عرضة للتجاذبات‬ ‫وإهتزازات املواقف‪ ،‬ويسجل للحزب هنا صموده الالفت إىل جانب‬ ‫الشام شعباً ودولة‪.‬ولكن مع إمتداد األزمة يف سوريا وتشعباتها وما‬ ‫قد تؤول إليه يف نهاية املطاف من تسويات‪ ،‬وبالرغم من عدم‬ ‫وضوح مالمحها وال حتى الصيغ أو األفكار القابلة للتداول‪ ،‬فإنها‬ ‫تضع الحزب إسرتاتيجياً يف موقع املغامرة ‪ .‬موقع القرار القومي يف‬ ‫الشام حرصية كيانيه‪:‬‬ ‫موقع القرار القومي يف بالد الشام –رشاكة قومية وقد أصاب‬ ‫املؤمتر الذي عقد يف دمشق منذ شهور وتحت عنوان‪ :‬بالد الشام‬ ‫حني تبنى قاعدة اإلستقطاب القومية –سوريا –العراق‪ .‬لن‬ ‫يذهب القوميون يف خياراتهم خارج منظومة ريادة الشام‬

‫وال مجال مع قيادة حكيمة أن (تتفلت) بعض اإلفرتاضات لتأخذ مكان‬ ‫الثوابت والواقعيات‪ ،‬مهام كان حجم الضغوطات يف زمن التسويات‪.‬‬ ‫يضاف إىل هذا إن إميان القوميني اإلجتامعيني يف مسألة القرار‬ ‫القومي هو يف مبدأ الرشاكة الفعلية وليس يف تبعية استوجبتها‬ ‫رشوط العالقة األمنية وحيثياتها والرشوط النظرية للمرشوع القومي‬ ‫العام‪ ،‬واإللزامية املركزية التي باتت تطرح جملة من اإلشكاالت‬ ‫واإلرباكات ‪.‬‬ ‫‪-6‬الحرية التي أصابت القوميني ما بني اإليديولوجيا واملعطى‬ ‫الجيوسيايس‪ .‬جاءت الحرب الكونيةعىل الشام لتؤكد أهمية‬ ‫املعطى الجيوسيايس ‪.‬‬ ‫يف حني غابت جهود القوميني عن متابعته إن عىل قواعد‬ ‫املعرفة البعثية أو التعمق يف الدراسات أو حتى يف قراءة املواقف‬ ‫الروسية و الصينية ومواقف دول «الربيكس «من جهة‪ ،‬أو‬ ‫املواقف األمريكية واألوروبية واإلرسائيلية من جهة ثانية ‪.‬‬ ‫إن مكانة املكان التي تتميز به جغرافية أمتنا‪ ،‬وقلبها النابض باتت‬ ‫تشكل عقده الطريق باإلضافة إىل عقدة املصالح وواسطة العقد يف‬ ‫كرس الهيمنة واألحادية األمريكية‪.‬وخط الدفاع األخري عن ثروة‬ ‫األمة الحقيقية يف أرضها ومائها‪ ،‬الرثوة النفطية‪ ،‬حيث تعترب‬ ‫سوريا ولبنان وبعد املسح الجيولوجي من أغنى دول العامل‪،‬‬ ‫وإن كمية الغاز بوفرتها تقارع أكرب الدول املنتجة له ‪،‬وهذا ما‬ ‫جعل الشام يف عني العاصفة ألنها رفضت أن متتد أنابيب الغاز‬ ‫حول عنقها «وهذا ما حذر منه سعادة يف ثالثينات القرن‬ ‫املايض «حيث جعلت رأيها يف إستخراجه وتسويقه وم ّد أنابيبه‬ ‫شأناً قومياً خالصاً ال يراعى فيه إال املصلحة القومية العليا‪،‬‬ ‫أضف إىل هذا توافق الجيوسياسية–بالجيو سرتاتيجية يف رسم‬ ‫خريطة الغاز السورية مع أخواتها يف روسيا والصني وإيران‬ ‫حيث تتشكل كتلة إقتصادية ضخمة تبدأ من «نابوكو»وتنتهي‬ ‫مبستقبل باهر وواعد‪ ،‬حيث تشمل إمتداداتها الهند والربازيل‬ ‫وجنوب أفريقيا ‪.‬‬ ‫إن الحرب الكونية عىل الشام هي حرب غاز‪ ،‬وأنابيب غاز‬ ‫ومصالح دول كربى‪ ،‬ولو كانت أدوات الحرب ‪،‬أدوات داخلية لكنها‬ ‫من صنيعتهم وتدريبهم ومتويلهم وتسليحهم‪ ،‬والدور الرتيك‬ ‫اإلرسائييل هو يف صلب هذا املرشوع يواكبه الدور العريب الخليجي‬ ‫وقد يزايد عليه ‪ [.‬أن أبسط قواعد املواجهة هي أن تع َّد كأمة‬ ‫عدة املواجهة الجيوسياسية وال تكتفي بقواعد األيديولوجيا‪،‬‬ ‫وإمتالك النظرية‪،‬وصوابية وحزبية العقيدة ‪].‬‬ ‫كان حرياًبهذا املعطى الجيوسيايس أن يكون مادة أساس يف يوميات‬ ‫التثقيف القومي‪ ،‬يف حني إن غيابه وتهميشه قد زاد الطني بل ّه يف‬ ‫مسألة اليأس واإلحباط القوميني‪ :‬أمام جملة هذه األمور‬ ‫بتعقيداتها و فجاجتها وإحباطاتها نقول التايل ‪:‬‬ ‫نحن أبناء وقفة العز ونحن من سيقرتح الحلول ولن يكون هذا‬ ‫إالّ يف مؤمتر نوعي‪ ،‬حيث تكون الحلول نتاج جهد وعمل جامعي ‪،‬‬ ‫مؤمتر هواؤه طلق‪ ،‬وإرادته جامعة وتوصياته محيية وقراراته فيها‬ ‫اإلنقاد كل اإلنقاد‪.‬‬


‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫صفحة ‪16‬‬

‫دين‬

‫صفحة ‪17‬‬

‫دين‬

‫اليوضاسية‬

‫جورج حداد‬

‫هناك مقولة شهرية يعرفها اي مواطن عادي‪ ،‬وغالبا ما‬ ‫تستخدم يف اجهزة االعالم‪ ،‬وهي مقولة «اعرف عدوك!»‪.‬‬ ‫ولقد مىض اكرث من ستني سنة عىل اغتصاب فلسطني وقيام‬ ‫ارسائيل عىل انقاضها‪ ،‬واكرث من ‪ 110‬سنوات عىل تأسيس الحركة‬ ‫الصهيونية العاملية‪ .‬ومع ذلك يبقى السؤال‪ :‬هل نعرف عدونا حق‬ ‫املعرفة؟ ام اننا ال زلنا ندور يف الحلقة املفرغة لـ»دائرة املعرفة»‬ ‫عن العدو‪ ،‬التي يريد العدو ذاته اال نخرج منها‪ ،‬والتي تتكرر‬ ‫وتدور وتدور تحت سقف الفهم السيايس ـ القومي السطحي‪،‬‬ ‫وفوق ارضية الفهم السيايس ـ الديني السطحي‪ ،‬للرصاع‪ ،‬وهو ما‬ ‫يجعل مفهومنا للرصاع مع ارسائيل والصهيونية واليهودية‪ ،‬اشبه‬ ‫مبفهوم الرصاع ضد استعامر استيطاين تقليدي‪ ،‬كام كان يف الجزائر‬ ‫او افريقيا الجنوبية‪ ،‬او مفهوم رصاع ديني ـ مذهبي‪ ،‬كام كان‬ ‫يف الهند وباكستان او الهوتو والتوتيس‪ ،‬او حتى العراق ولبنان‬ ‫وجنوب السودان الخ‪.‬‬ ‫ان رصاعنا مع اليهودية يتضمن بالتأكيد الرصاع ضد االستعامر‬ ‫االستيطاين‪ ،‬كام يتضمن الرصاع الديني ـ السيايس‪ ،‬اال انه ـ اي‬ ‫رصاعنا ضد اليهودية ـ هو اعمق من ذلك بكثري‪ ،‬وهو يرتبط‬ ‫بأساس تركيبة املجتمع البرشي والنظام االجتامعي العاملي‪.‬‬ ‫فالظاهرة اليوضاسية اليهودية كانت وال زالت وباال عىل االمة‬ ‫العربية خاصة‪ ،‬وعىل الجنس البرشي عامة‪ ،‬مبا يف ذلك عىل غالبية‬ ‫اليهود العاديني‪ ،‬الذين ال ذنب لهم يف انهم ولدوا يهودا‪ ،‬والذين‬ ‫تحملوا الويالت كردود فعل عىل مسلكية ومامرسة الطغمة‬ ‫اليوضاسية اليهودية العليا‪ ،‬املالية ـ الكهانية‪ ،‬التي تتلبس مظهر‬ ‫اليهودية «دينا ودنيا»‪ .‬والتناقض والرصاع‪ ،‬العريب خصوصا‪ ،‬مع‬ ‫اليهودية اليوضاسية‪ ،‬هو ذو بعد وجودي اسايس‪ ،‬ويدخل يف‬ ‫عملية تكوين اليوضاسية اليهودية يف ذاتها‪ ،‬وعملية تكوين االمة‬ ‫العربية منذ ارهاصاتها الجنينية االوىل يف رحم التاريخ‪.‬‬ ‫‪ ‬وال يزال بعضنا يعتقد ان الرصاع العريب ـ االرسائييل والرصاع‬ ‫ضد الصهيونية يرتبط فقط بالنزعة االستعامرية الغربية‪،‬‬ ‫وبالسياسة االمربيالية الدولية‪ .‬ويعتقد ان اليهودية‪ ،‬كرتكيبة‬ ‫اجتامعية ذات خلفية سياسية دينية ـ قومية‪ ،‬هي بريئة من هذا‬ ‫الرصاع‪ ،‬وهي ـ كـ»ديانة!» ـ ديانة ساموية‪ ،‬كالديانتني الرشقيتني‬ ‫االخريني‪ :‬املسيحية واالسالم‪ ،‬وان الخالف مع اليهودية يدخل‬ ‫تحت عنوان الخالفات الدينية بصورة عامة‪ .‬ولكن هذا خطأ شائع‬ ‫يجب اعادة النظر فيه‪.‬‬ ‫ان مناقشة «اليهودية» كدين هو «ترف» فكري ـ ديني ال‬ ‫يصح ان نسمح النفسنا به‪ ،‬يف الوقت الذي تهدد فيه اليوضاسية‬ ‫«اليهودية» كل وجودنا القومي واالنساين‪ ،‬باالضمحالل والزوال‬ ‫واالبادة‪ .‬ولذلك من االصح ان ننظر اىل اليوضاسية اليهودية‪،‬‬ ‫ونناقشها‪ ،‬يف سياق الفعل‪ ،‬وتحديدا الفعل الجرامئي‪ ،‬اي ان نناقش‬ ‫ال «اليهودية» كديانة او كـ»قومية»‪ ،‬بل ان نناقش اليوضاسية‪ ،‬اي‬ ‫«اليهودية يف العمل» منذ ما وجدت اىل اليوم‪ .‬‬ ‫فاذا فعلنا ذلك سنكتشف ببساطة‪ :‬‬ ‫اوال ـ أن اليوضاسية او «اليهودية يف العمل» ليست ديانة‬ ‫ساموية‪ ،‬باملعنى «االلهي ـ الروحي ـ العلوي ـ التوحيدي» الذي‬ ‫يعطى للمسيحية واالسالم‪ .‬وهو موضوع يخرج‪ ،‬يف جانبه الديني‬ ‫البحت‪ ،‬عن نطاق اختصاصنا‪ ،‬ويدخل يف اختصاص الالهوتيني‬ ‫والفقهاء واالحبار االخيار الذين يحوزون ثقة املأل الديني املؤمن‪.‬‬

‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫كام انها ليست «اتنية» او «قومية» حقيقية او موهومة‪ .‬بل هي‬ ‫«مامرسة» جرامئية سواء كانت‪ ،‬او مل تكن صادرة عن «ديانة» او‬ ‫«قومية» يهودية‪.‬‬ ‫‪ ‬وثانيا ـ وهو االهم‪ :‬ان املسيحية واالسالم ظهرتا تاريخيا‬ ‫كطفرتني‪ ،‬او كثورتني‪ ،‬اجتامعيتني ـ قوميتني‪ ،‬ايجابيتني‪ ،‬يف معمعة‬ ‫النضال ضد االستبداد والظلم الوطني‪ ،‬القومي واالجتامعي‪ ،‬من‬ ‫قبل االمرباطوريتني الرومانية والفارسية‪ ،‬وضد الظلم والتجهيل‬ ‫واالستغالل من قبل القيادات القبلية والعشائرية‪ .‬وقد صبت‬ ‫الثورتان املسيحية واملحمدية يف صالح انبثاق وتكوين وتطوير‬ ‫االمة العربية‪ ،‬ويف صالح التقدم الحضاري االنساين العام‪ .‬وهو ما‬ ‫ال يستطيع الغاءه‪ ،‬وال يجوز الخلط بينه وبني التشويه الذي طاول‬ ‫املسيحية واالسالم عرب مامرسة السلطة وحرف املؤسسة الدينية‬ ‫واستغاللها لصالح الطبقات املتسلطة‪ .‬‬ ‫اما اليوضاسية او «اليهودية يف العمل»‪ ،‬فعىل النقيض من‬ ‫ذلك متاما‪ ،‬ظهرت واستمرت وال زالت كمامرسة جرامئية‪ ،‬مرتبطة‬ ‫بحالة ايديولوجية ـ اجتامعية سلبية‪ ،‬اشبه يشء بـ»لعنة ساموية»‪،‬‬ ‫وكعدو دائم لالمة العربية منذ ارهاصات تكوينها االوىل‪ ،‬ومن ثم‬ ‫كمصيبة تاريخية لالنسانية جمعاء‪ .‬‬ ‫ومن زاوية نظر موضوعية ـ دينيا‪ ،‬وانسانية بحت ـ اجتامعيا‪،‬‬ ‫ميكن القول ان املسيحية واالسالم قد استعانتا بـ»السامء» لتأكيد‬ ‫وتكريس وتقديس دعوتهام االصالحية والتحررية‪ ،‬اما اليوضاسية‬ ‫او «اليهودية يف العمل» فقد استخدمت «السامء» لتمييز وتربير‬ ‫وتأليه ايديولوجيتها العصابوية‪ ،‬الفئوية‪ ،‬العنرصية‪ ،‬االستغاللية‪،‬‬ ‫النهبوية‪ ،‬االجرامية‪ ،‬االستبدادية واالستعامرية‪.‬‬ ‫ولذلك ال يجب النظر اىل اليوضاسية او «اليهودية يف العمل»‪،‬‬ ‫املعادية للفلسطينيني والعرب واملسيحيني واملسلمني واخريا للبرش‬ ‫اجمعني‪ ،‬من زاوية كونها «ديانة» نختلف او نتحاور معها‪ .‬كام‬ ‫ال يجوز النظر اليها سياسيا‪ ،‬كصهيونية‪ ،‬من زاوية نظر كونها‬ ‫حركة «قومية»‪ ،‬وهمية او غري وهمية‪ ،‬صحيحة او غري صحيحة‪،‬‬ ‫عدوانية او غري عدوانية‪ ،‬معتدلة او متطرفة‪ .‬بل يجب النظر اليها‬ ‫يف جوهرها ووظيفتها السلبيني وحسب‪ .‬‬ ‫ولتبسيط وتوضيح فكرتنا االساسية عن اليوضاسية او «اليهودية‬ ‫يف العمل»‪ ،‬نرى من الرضوري ان نجري مقارنة بينها وبني الحركة‬ ‫«املسيحية» ـ «اللبنانية» املعادية‪ ،‬املتمثلة يف ما يسمى «القوات‬ ‫اللبنانية» املنبثقة عن حزب الكتائب (عميد الخيانة الوطنية‬ ‫يف لبنان)‪ ،‬والتي كان يتزعمها (اي «القوات اللبنانية») العميل‬ ‫بشري الجميل ويتزعمها االن سمري جعجع‪ .‬وما ينطبق عىل هذه‬ ‫«القوات اللبنانية» ينطبق حرفيا عىل ما كان يسمى «جيش لبنان‬ ‫الجنويب» بزعامة انطوان لحد وما يسمى «حراس االرز» بزعامة‬ ‫اتيان صقر‪ .‬‬ ‫ان هذه «القوات اللبنانية» تاجرت وتتاجر بالدين املسيحي‪،‬‬ ‫وتاجرت وتتاجر بالوطنية القطرية اللبنانية‪ ،‬وهي تدعي متثيل‬ ‫املسيحيني ـ اللبنانيني‪ ،‬اىل درجة انها نجحت يف تضليل البطريركية‬ ‫املارونية ذاتها التي اخذت تتعامل معها باعتبارها (اي «القوات»)‬ ‫جزءا اصيال من الجامعة املسيحية‪ ،‬واىل درجة انها نجحت يف فرض‬ ‫نفسها عىل املقاومة االسالمية بقيادة حزب الله يف لبنان‪ ،‬بوصفها‬ ‫(اي القوات) ممثال (وإن غري الوحيد) للمسيحيني‪ ،‬وجزءا من‬ ‫النسيج الطائفي للرتكيبة الكيانية للدولة اللبنانية‪.‬‬

‫والسؤال هو‪ :‬هل يجوز اعتبار «القوات اللبنانية» (واستطرادا‪:‬‬ ‫«جيش لبنان الجنويب» و»حراس االرز») بأنها ظاهرة دينية‬ ‫ـ طائفية «مسيحية»‪ ،‬او ظاهرة طائفيةـ قومية «لبنانية»؟‬ ‫يف رأينا ان هذا خطأ كبري‪ ،‬يعطي «القوات اللبنانية» صفات‬ ‫وحقوقا ليست لها‪ .‬فـ»القوات اللبنانية» ال متثل «نزعة طائفية‬ ‫مسيحية» وال «نزعة قومية لبنانية»‪ ،‬بل متثل «خيانة للمسيحية»‬ ‫(كدين او طائفة) و»خيانة للبنان» (كدولة) و»خيانة للنزعة‬ ‫الوطنية اللبنانية» (كنزعة قطرية كيانية‪ ،‬او كقومية فينيقية‬ ‫او غريها)‪ .‬والجوهر الفكري والديني واالخالقي والسيايس‬ ‫واالجتامعي والوطني والقومي لـ»القوات اللبنانية» هو‪ :‬الخيانة‪،‬‬ ‫فالخيانة‪ ،‬فالخيانة‪ .‬والتسمية التي تصح عليها وعىل امثالها هي‬ ‫تسمية‪« :‬قوات الخيانة اللبنانية» و»قوات الخيانة املسيحية»‬ ‫و»جيش خونة لبنان الجنويب» و»خونة االرز» الخ‪ .‬‬ ‫واليشء ذاته ينطبق عىل اليوضاسية او «اليهودية يف العمل»‪.‬‬ ‫فهي تستغل االنتامء واملفاهيم الدينية واالتنية واالجتامعية‬ ‫واليهودية‪ ،‬الجل االضطالع بدورها السلبي املعادي لكل مجتمع‬ ‫وشعب وامة ودين‪ ،‬مبا فيه الدين اليهودي مبعناه االمياين البسيط‬ ‫غري السلبي اذا كان يوجد كذلك‪ ،‬ومبا فيه الجامعة اليهودية‬ ‫أكانت تعترب ذاتها «دينا» او «قومية» او «اتنية»‪ .‬‬ ‫ولذلك نحن نفضل اطالق تسمية «اليوضاسية» عىل «اليهودية‬ ‫يف العمل»‪ ،‬الن هذه التسمية‪ ،‬بكل ما تحمله من خيانة وغدر‬ ‫وخسة ونفعية مبتذلة‪ ،‬تدل عىل الجوهر الخياين ـ االجرامي‬ ‫الذي تتسم به‪ ،‬بشكل مبارش ورصيح‪ ،‬دون ان ندخل يف متاهات‬ ‫النقاشات الدينية ـ القومية‪ ،‬ورضورة التفريق بني «اليهودية»‬ ‫و»الصهيونية» وبني «اليهودي الصهيوين» و»اليهودي غري‬ ‫الصهيوين» و»اليهودي اليهودي» واليهودي الاليهودي» و»اليهودي‬ ‫اآلدمي» و»اليهودي غري اآلدمي»‪ .‬وان تسمية «اليوضاسية» هي‬ ‫تسمية حرصية للخيانة الذاتية للكائن االنساين‪ ،‬ولالنسانية عامة‪،‬‬ ‫مبا يف ذلك خيانة الجامعة (مجموعة الكائنات البرشية) اليهودية‪،‬‬ ‫اي املولودة الاراديا «يهودية»‪.‬‬ ‫وهذه التسمية تسمح لنا مبحاكمة «اليهودية يف العمل» منذ‬ ‫نشأتها اىل اليوم‪ ،‬بدون الخلط بني «اليوضايس» و»اليهودي»‪ ،‬متاما‬ ‫مثلام علينا عدم الخلط بني «القوات الخيانية اللبنانية» وبني سائر‬ ‫املسيحيني اللبنانيني‪.‬‬ ‫فاملقياس يف التسمية اليوضاسية هو‪ :‬املامرسة اليوضاسية‬ ‫ذاتها وبذاتها‪ ،‬والدعوة لهذه املامرسة‪ .‬‬ ‫وكل يهودي ميارس او يساعد او يؤيد املامرسة والدعوات‬ ‫القدمية والجديدة لليوضاسية او «اليهودية يف العمل» هو‬ ‫«يوضايس» وينبغي ان ننظر اليه ونعامله بوصفه كذلك‪ .‬‬ ‫ونتوقف فيام ييل عند محطات رئيسية وبارزة لظهور وتطور‬ ‫اليوضاسية املتجلببة باليهودية‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ ليست نظرية النسب ورابطة الدم هي النظرية االصح‬ ‫يف تكوين االمم‪ .‬ولكن اليوضاسيني يأخذون بهذه النظرية‪،‬‬ ‫وهم ينسبون انفسهم كـ»يهود» اىل ساللة ابرام التورايت‪ ،‬الذي‬ ‫هاجر اىل مرص كام تقول توراتهم‪ ،‬قادما مام ميكن تسميته اليوم‬ ‫«املرشق العريب»‪ ،‬وكانت معه امرأته ساراي حيث جمعا يف‬ ‫مرص ثروة ثم هاجرا عائدين منها‪ .‬ومعلوم ان اليهود انترشوا يف‬ ‫شبه الجزيرة العربية وسوريا الطبيعية وشاميل افريقيا‪ ،‬بجانب‬ ‫الشعوب القدمية التي كانت تقطن هذه املناطق والتي تكونت‬ ‫منها الحقا االمة العربية‪ .‬واطلقت عىل هذه الشعوب تسمية‬ ‫«توراتية» هي «السامية»‪ .‬وهي تسمية تحتاج اىل نقاش علمي‬ ‫جدي‪ .‬ويسمي اليهود انفسهم «ساميني»‪ .‬ولكن اذا كان «سام»‬ ‫هو ابن «نوح»‪ ،‬فإن الشعوب التي سميت «سامية» (مبن يف‬ ‫ذلك اليهود العربانيون) وجدت قبل «سام» وقبل «نوح»؛ و»سام‬ ‫و»نوح» ينتميان اىل تلك الشعوب‪ ،‬وليس العكس‪ .‬ولذلك ينبغي‬

‫القبول بنظرية النسب بشكل نسبي ومرشوط وافرتايض وجديل‪ .‬‬ ‫ومبوجب هذه النظرية فإن جميع شعوب املنطقة التي تكونت‬ ‫منها االمة العربية تعترب ايضا «سامية»‪ ،‬اي ان اليهود العربانيني‬ ‫ميتون بصلة قرابة نسبية اىل هذه الشعوب‪ .‬ولكن خالل مسار‬ ‫تاريخي طويل بدأ التاميز بني هؤالء «الساميني» اىل فئتني‬ ‫هام «اليهودي» (العرباين) و»غري اليهودي» (غري العرباين)‪ .‬‬ ‫ويف املراحل االوىل اتخذ التاميز شكل التاميز الديني‪ ،‬حيث يف‬ ‫املحصلة اعتنق «اليهود» الدين اليهودي واعتنق غري اليهود الدين‬ ‫املسيحي‪.‬‬ ‫‪ ‬ويف مراحل تالية اتخذ التاميز طابعا لغويا‪ ،‬حيث صار‬ ‫«اليهود» يتكلمون لغة «طائفية» او «دينية» او «فئوية» خاصة‬ ‫هي اللغة العربية‪ ،‬بينام املسيحيون ظلوا يتكلمون لغاتهم االصلية‪:‬‬ ‫االرامية والرسيانية والنبطية (يف سوريا الطبيعية) والقبطية (يف‬ ‫مرص ووادي النيل وشامل افريقيا والتلة االريرتية ـ االثيوبية)‬ ‫والحمريية والعربية (يف شبه الجزيرة العربية ورشقي افريقيا‬ ‫والتلة االريرتية ـ االثيوبية)‪ ،‬ويف مرحلة ما انترشت بني املسيحيني‬ ‫(من مختلف االقوام القدمية) بشكل واسع اللغة االرامية التي‬ ‫تكلم بها السيد املسيح‪ .‬‬ ‫ولكن العامل االسايس يف حصول التاميز بني «اليهودي»‬ ‫و»غري اليهودي» (يف املحصلة‪:‬املسيحي‪ ،‬فاملسلم‪ ،‬دينيا‪ ،‬ـ‬ ‫والعريب‪ ،‬قوميا) مل يكن العامل الديني او اللغوي‪ ،‬بل ان التاميز‬ ‫الديني واللغوي جاء كنتيجة لعامل التاميز االسايس‪ ،‬وهو‬ ‫التاميز املسليك (االخالقي‪ ،‬االجتامعي‪ ،‬السيايس‪ ،‬االقتصادي‬ ‫الخ‪ ،).‬وهو ما ارشنا اليه آنفا برضورة التمييز بني «اليهودية»‬ ‫و»اليهودية يف العمل» التي تبلورت بوصفها «يوضاسية»‪ .‬‬ ‫وكان ظهور السيد املسيح واعدامه من قبل روما و»اليهود‬ ‫اليوضاسيني» نقطة االنفجار التي بلغ فيها ذروته التاميز بني‬ ‫«اليهودي» و»غري اليهودي» الذي صار «مسيحيا»‪ .‬‬ ‫ومن ضمن االطار املسيحي الواسع ظهر «االسالم»‪ ،‬فصار التاميز‬ ‫يتشكلمن«يهودي»‪،‬منجهة‪،‬و»مسيحيومسلم»‪،‬منجهةاخرى‪ .‬‬ ‫واخريا اتخذ التاميز شكل «يهودي» لغته االصلية عربية ويعترب‬ ‫«عربيا» بشكل مرشوط ونسبي ومهزوز‪ ،‬و»مسيحي ومسلم» يعترب‬ ‫كل منهام «عربيا» بشكل غري مرشوط ولغته االصلية «العربية»‪ .‬‬ ‫وال بد من االجابة تاريخيا عىل السؤال التايل‪ :‬ملاذا تم هذا التاميز؟‬ ‫ان نظرية النسب ال تجيب عىل هذا التساؤل‪ .‬وطبعا ان نظرية‬ ‫الدين ال تجيب عليه ايضا‪ .‬فلامذا تبنى بعض الناس (االقلية‬ ‫«السامية» اليهودية) الدين اليهودي‪ ،‬وبعضهم االخر (االكرثية‬ ‫«السامية» املسيحية = العربية) الدين املسيحي‪ ،‬والحقا الدين‬ ‫االسالمي؟ وملاذا اصبح اليهود «يهودا» ؟ وغري اليهود «مسيحيني‬ ‫عربا» و»مسلمني عربا»؟‪ ‬‬ ‫ـ يف رأينا املتواضع‪ ،‬وانا ادعو جميع العلامء املختصني‪،‬‬ ‫للنظر والبحث يف هذا الرأي‪ ،‬ان «املحفز الكياموي» او‬ ‫العامل التاريخي املوضوعي الذي ادى اىل هذا التاميز واوجد‬ ‫«اليهودية» عامة وجوهرها «اليوضاسية» خاصة‪ ،‬من جهة‪،‬‬ ‫واملسيحية ومن ثم االمة العربية‪ ،‬من جهة ثانية مضادة‬ ‫متاما‪ ،‬هو الرصاع داخل الرتكيبة االجتامعية الطبقية‪ ،‬والنظام‬ ‫السيايس االستبدادي والحكم االستعامري (بدءا الروماين) يف‬ ‫املنطقة العربية‪ .‬اي ان التاميز بدأ عىل اساس االختالف التايل‪ :‬‬ ‫ـ من هو مع التمييز الطبقي واالستغالل واالجرام والنصب‬ ‫واالحتيال‪ ،‬ومع السلطة االستبدادية ـ االستعامرية؟ فكانت‬ ‫من هذا املعسكر‪ :‬اليهودية ـ اليوضاسية التي اتخذت لنفسها‬ ‫دينا «فوقيا» خاصا هو الدين اليهودي ولغة فئوية ضيقة‬ ‫(الشعبية) خاصة هي اللغة العربية‪ ،‬املشتقة من العربية‬ ‫(السامية) القدمية‪ .‬ويف هذا السياق ميكن القول ( وادعو علامء‬ ‫األلسنية للبحث يف هذا املوضوع) ان اللغة العربية مل تكن‬

‫لغة معربة عن حضارة ما لشعب ما‪ ،‬كام هي اي لغة اخرى‪،‬‬ ‫بل وجدت كـ»لغة رمزية» (شيفرة) لجامعة خاصة‪ ،‬فيام يشبه‬ ‫«لغة الشيفرة» الخاصة التي يستخدمها جيش ما او عصابة ما‪.‬‬ ‫ـ ومن هو ضد التمييز الطبقي وضد السلطة االستبدادية ـ‬ ‫االستعامرية؟ فكانت املسيحية‪ ،‬التي وحدت صفوف الشعوب‬ ‫«العربية» القدمية‪ ،‬وبالتايل كانت املسيحية هي البوتقة التي‬ ‫انبثقت عنها االمة العربية املؤلفة من تلك الشعوب التي اعتنقت‬ ‫املسيحية يف رصاعها ضد السلطة االستبدادية ـ االستعامرية وال‬ ‫سيام الرومانية‪ .‬‬ ‫فاملجتمع «الرشق اوسطي» اذا صح التعبري‪ ،‬هو من اقدم‬ ‫املجتمعات البرشية‪ ،‬اذا مل يكن اقدمها (باملعنى الحضاري‪ ،‬اذا‬ ‫مل يكن باملعنى االنرتوبولوجي)‪ .‬واملجتمع القديم كان مجتمعا‬ ‫«شيوعيا بدائيا» او «مشاعيا بدائيا»‪ ،‬بدون ملكية فردية وخاصة‪،‬‬ ‫وبدون متييز طبقي وسلطة طبقية‪ ،‬اي انه كان مجتمعا يقوم عىل‬ ‫االنتاج الحر اقتصاديا و»الحرية‪ ،‬اخاء‪ ،‬مساواة» (بتعابري الثورة‬ ‫الفرنسية) اجتامعيا‪ .‬ثم اخذ املجتمع يتحول بالتدريج اىل مجتمع‬ ‫قائم عىل امللكية الفردية والخاصة والتمييز الطبقي والسلطة‬ ‫الطبقية‪ .‬واداة او وسيلة التحول من املجتمع املشاعي اىل املجتمع‬ ‫الطبقي هي‪ :‬االستبداد (املتجسد يف استخدام القوة واالكراه‬ ‫جسديا ومعنويا)‪ .‬اي انه محل «العالقة املشاعية الحرة» بني‬ ‫الجامعات البرشية‪ ،‬بدأت تحل السلطة االستبدادية والرصاع بني‬ ‫«الشعب» املستغـَل واملضطهد واملقموع وبني السلطة املستبدة‪.‬‬ ‫وقد توجت هذه املرحلة باالستعامر الخارجي الذي جسدته روما‪،‬‬ ‫التي سيطرت عىل شعوب املنطقة بالحديد والنار‪.‬‬ ‫وصار الرصاع عىل السلطة‪ ،‬والرصاع ضد السلطة االستبدادية‪،‬‬ ‫«الداخلية» و»الخارجية»‪ ،‬هو الصفة املميزة للحياة االقتصادية‬ ‫واالجتامعية والثقافية والسياسية والعسكرية بأرسها‪ .‬وصار‬ ‫«الشعب» (الشعوب!) يف واد‪ ،‬والسلطة االستبدادية يف واد آخر‪ .‬‬ ‫ويف معمعان هذا الرصاع بني تلك الشعوب والسلطة االستبدادية‬ ‫وعىل رأسها روما‪ ،‬افرزت السلطة وبلورت «تنظيمها» االقتصادي‬ ‫(الرضائبي الخ) والثقايف والديني والسيايس واالمني والحقوقي‬ ‫والقضايئ (السجون والتعذيب وقطع االيدي وفقء االعني واالعدام‬ ‫بالرجم او الخازوق او الشنق او الصلب او الحرق) والعسكري‪.‬‬ ‫وهذا «التنظيم» هو ما ميكن تسميته‪ :‬الدولة‪ .‬فالدولة‪ ،‬كل دولة‪،‬‬ ‫هي يف االصل واالساس تنظيم عنفي معاد للشعب‪ ،‬شعبه الخاص‪،‬‬ ‫واستطرادا‪ :‬كل شعب آخر‪ .‬‬ ‫ويف مقابل هذا التنظيم الدولوي‪ ،‬الذي يضع «الوحش‬ ‫االنساين» (او «االنسان املتوحش») فوق «الشعب» او «االنسان»‬ ‫(او «االنسان املتأنسن او االنساين») بدأت الشعوب القدمية‪،‬‬ ‫التي سميت مجازا «سامية»‪ ،‬تنظم نفسها (ضد الدولة الطبقية‬ ‫االستبدادية ـ االستعامرية) يف جمعيات اخوية (سميت يف الغالب‬ ‫«اخويات»)‪ ،‬لتنظيم التضامن والتكاتف والتعاطف الشعبي‪:‬‬ ‫اوال ـ مبواجهة النتائج االجتامعية لظهور النظام الطبقي‬ ‫التمييزي والسلطة االستبدادية ـ االستعامرية والدولة عموما‪ ،‬اي‬ ‫مواجهة الفقر املدقع والحاجة واملرض والعاهات واملوت وما ينتج‬ ‫عنه من مآس عائلية‪.‬‬ ‫وثانيا ـ للوقوف بوجه السلطة االستبدادية ـ االستعامرية‪،‬‬ ‫وخصوصا ضد روما‪ .‬‬ ‫وكانت هذه «االخويات» تحلم بالعودة اىل مجتمع «الشيوعية‬ ‫البدائية»‪ ،‬وتؤمن بـ»الخالص» من االستبداد والظلم‪ ،‬وتؤمن‬ ‫مبجيء»مسيح» (= «مخلص الهي»)‪ ،‬اكرب من كل االباطرة وآلهتهم‪ .‬‬ ‫وقد انترشت هذه «االخويات» يف جميع االرايض التي تسمى‬ ‫اليوم «الوطن العريب الكبري»‪ ،‬واخذت تتوحد فيام بينها‪ ،‬مقربة‬ ‫ثم موحدة بني شعوبها يف «اخوية كربى» سميت فيام بعد‬ ‫«املسيحية»‪ .‬فصار «الشعب»‪ ،‬باملعنى الطبقي و»الشعوب»‬

‫باملعنى القومي‪« ،‬مسيحيا»‪ ،‬والسلطة وثنية رومانية مدعومة‬ ‫من الطغمة العليا اليوضاسية ـ اليهودية‪ .‬وصارت السلطة‬ ‫تنظر اىل «الشعب» = «املسيحي» نظرة استعالء‪( .‬وحينام‬ ‫ظهر السيد املسيح من بني الفقراء‪ ،‬سخر منه الكهان اليهود‬ ‫وادانته روما النه «ادعى» انه «ملك اليهود» فيام اليهود ـ‬ ‫اليوضاسيون ينتظرون مجيء مسيح ـ «ملك حقيقي» من نسل‬ ‫امللك داود)‪ .‬ومن بني هذه «االخويات» او «االخوية الكربى»‬ ‫«املسيحية» ظهر القديسون والقديسون ـ الشهداء االوائل‪ ،‬قبل‬ ‫السيد املسيح‪ .‬ومن ثم ظهر يوحنا املعمدان والسيد املسيح‬ ‫يف وقت واحد تقريبا‪ ،‬يف وقت اشتد فيه النضال ضد السلطة‬ ‫االستبدادية الرومانية وضد اليوضاسية اليهودية املتحالفة معها‪ .‬‬ ‫وال شك ان ظهور السيد املسيح ومضاعفات هذا الظهور‪ ،‬باملعنى‬ ‫االجتامعي ـ السيايس البحت‪ ،‬شكل نقطة تحول كربى يف تاريخ‬ ‫املسيحية‪ .‬ولكن هذه «النقطة تحول» مل تأت يف فراغ‪ ،‬بل جاءت‬ ‫نتيجة تراكم طويل لنضال «االخويات» املنادية بـ»املسيحية»‬ ‫او «الخالص املسيحي»‪ .‬وبهذا املعنى ميكن القول ان السيد‬ ‫املسيح هو الذي «انتسب» اىل «االخويات املسيحية»‪ ،‬قبل‬ ‫ان تنتسب الكنيسة اىل املسيح‪ .‬ويف هذا يقول السيد املسيح‬ ‫«ما جئت النقض‪ ،‬بل الكمل»‪ .‬فهو بالتأكيد مل يأت ليكمل‬ ‫«اليهودية اليوضاسية» كام تحاول اليوضاسية تأويله‪ ،‬يف محاولة‬ ‫لجر املسيحية اىل مواقعها الخيانية‪ ،‬بل جاء ليكمل املسيحية‬ ‫االولية املعادية للسلطة الطبقية ـ االستبدادية االستعامرية‪ .‬‬ ‫ومن هذه «االخوية الكربى» (املسيحية) انبثقت تدريجيا «القومية‬ ‫العربية» او «االمة العربية» باملعنى الحضاري ـ التاريخي‪ .‬‬ ‫ولكن‪ ...‬مثلام انه ظهر بني تالمذة السيد املسيح واحد اسمه‬ ‫يهوذا االسخريوطي او يوضاس الذي باع املسيح بثالثني من الفضة‬ ‫وسلمه اىل املوت عىل يد اليهود والرومان‪ ...‬فإنه ظهر يف صفوف‬ ‫«االخويات املسيحية» القدمية اقلية من «الخونة = اليهود»‬ ‫(الذين نادوا باملسيح ـ امللك الجبار) ومعهم اقلية من ضعاف‬ ‫النفوس‪ ،‬الذين استمرأوا االرباح التجارية والربوية وامتيازات‬ ‫السلطة‪ ،‬فخانوا «شعوبهم» وتعاونوا مع الطبقات االستغاللية‬ ‫والسلطات االستبدادية وخصوصا سلطة روما‪ .‬وهذه االقلية من‬ ‫«املتعاونني» مع روما وخونة «شعوبهم» السامية‪ ،‬هم الذي متايزوا‬ ‫وتبلوروا فيام سميناه «اليوضاسية» التي البسوها لباس «الديانة»‬ ‫اليهودية‪ .‬اي ان «اليوضاسيني» (مثل «اللحديني» و»الجعاجعة»‬ ‫و»السنيوريني» املتعاونني مع ارسائيل يف لبنان) هم «ساميون»‬ ‫خونة للشعوب السامية‪ .‬ومن هذه الزاوية نظر االجتامعية ـ‬ ‫السياسية نرى بوضوح ان «اليوضاسيني» هم الذين ساروا يف ظالل‬ ‫روما يف غزو مرص وفلسطني وسوريا واالرايض العربية؛ وكانوا عونا‬ ‫للرومان عىل الشعوب الرشقية التي يتحدرون منها‪ .‬ومثلام ان‬ ‫«اللحديني اللبنانيني» الخ بالنسبة الرسائيل هم «اللبنانيون»‪ ،‬فإن‬ ‫«اليوضاسيني اليهود» بالنسبة لروما هم «الساميون»‪ ،‬الن روما‬ ‫مل تكن تعرتف بالدين اليهودي كدين‪ ،‬بل تعرتف باليوضاسيني‬ ‫ـ اليهود كمتعاونني معها‪ .‬وحتى اليوم ال تزال كلمة «سامي» يف‬ ‫الغرب تعني «يهودي» وبالعكس‪ .‬ويتعجب الغربيون حينام تقول‬ ‫لهم ان العرب هم ساميون وهم االكرثية «السامية»‪ .‬فاليهود‪،‬‬ ‫يف نظر الغرب‪ ،‬هم وحدهم «الساميون»‪ .‬والعرب هم «اعداء‬ ‫للسامية» النهم اعداء لليهود اليوضاسيني‪ .‬وهذا يدل ليس فقط‬ ‫عىل الجهل‪ ،‬بل ويدل عىل مدى انحياز وتهافت وانحطاط كل‬ ‫الحضارة الغربية التي ال تعرتف من الرشق اال بخونته التاريخيني‪:‬‬ ‫اليوضاسيني‪.‬‬

‫يتبع‬

‫ ‬


‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫صفحة ‪18‬‬

‫دين‬

‫صفحة ‪19‬‬

‫شعر‬ ‫مقابلة‬

‫السيد املسيح عليه السالم نبي الكلمة واحملبة‬ ‫محمد عبداهلل فضل اهلل‬ ‫يف أجواء والدة نبي الله املسيح عيس ابن مريم عليه السالم‬ ‫لسنا يف مقام الدخول يف عرض عقائدي حول تكوينه وشخصيته‬ ‫ونكرر ما تكرر عرب العصور ألقوال علامء الدين والالهوت‬ ‫والكالم ‪ ،‬والذي برأيي املتواضع استهلك وال يقدم وال يؤخر‬ ‫يف حقيقة وأهمية السيد املسيح يف رسالته وغاياتها النهائية‬ ‫يف مخاطبة اإلنسان وتشكيل وعيه ولقد تحدث القرآن الكريم‬ ‫عن املسيح كلمة الله ألقاها إىل مريم البتول بقوله تعاىل ‪(:‬إمنا‬ ‫املسيح عيىس ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إىل مريم‬ ‫وروح منه) النساء ‪. 171‬‬ ‫هذه املعجزة اإللهية جاءت لتصدم الواقع الذي بات يعيش‬ ‫اإلستغراق والرتابة يف الفكر والشعور وتنبه إلمور قريبة من‬ ‫متناول اإلنسان ومن صميم طبيعته إذا أحسن استخدامها‬ ‫فسيحقق ذاته ليتحول إىل طاقة منتجة ال مستهلكة ملا تحمل‬ ‫من قيم وعقائد ال زلنا نتقن التعامل معها عاىل مستوى التلقني‬ ‫املميت ال اإلعتبار والفعل فالسيد املسيح يف والدته وحياته‬ ‫عاش للكلمة الحرة وتحمل وصرب يف سبيل نرشها هذه الكلمة‬ ‫التي أخرجها من حيز الجدل الكالمي العقيم إىل فضاء املحبة‬ ‫اإلنسانية التي تحول الوجود إىل مساحة واسعة من اإلنتاج‬ ‫الحي والفاعل وتربط الوجود بلغته األصيلة عربإحياء املحبة يف‬ ‫فطرة وشعر األنسان ليخرتق بها جدار العقل الجمعي الرتيب‬ ‫وليواكب كل ضغوطات الوقائع مهام كانت ليعيد استيعابها‬ ‫وصوغها دون أن يهتز فاملحبة فعل اجتامعي يزرع التوازن يف‬ ‫الوجودعىل كل الصعد ومثاله التنوع فإذا كنا نحيا فعال املحبة‬ ‫كام علمنا السيد املسيح فال رضورة ومعنى ملا نعيش من‬

‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫الشاعر السعودي إبراهيم اجلريفاني ل«حتوالت»‬ ‫لست متمردا ً على بيئتي‪ ...‬وما اكتبه انعكاس للواقع‬ ‫حاورته عبير حمدان‬

‫حواجز وفواصل تعمل عىل نحر كلمة السيد املسيح ومحبته‬ ‫‪ ،‬فنحن يف عاملنا اليوم بتنا نلعن أنفسنا ألننا مل نتواصل مع‬ ‫كلمة املسيح عليه السالم يك نحولها إىل وسيلة لنحيا يف مجتمع‬ ‫ال تجمع برشي ال تربطه روابط الكلمة واملحبة بكل تجلياتها‬ ‫كل مفصل‬ ‫ومعانيه السامية فاليوم نصطدم يف واقعنا‪ ،‬وأمام ّ‬ ‫وموقف‪ ،‬بسؤال يعبرّ عن حالة ما وصلنا إليه‪ ،‬وهو هل أنّنا‬ ‫نفهم معنى املجتمع من حيث هو بيئة واحدة قامئة عىل‬ ‫التّفاعل والتّضامن والتّكافل؟ من الخطورة مبكان‪ ،‬وخصوصاً‬ ‫ظل ما نتع ّرض له من ضغوطات مختلفة‪ ،‬أن نحيا‪،‬‬ ‫اليوم‪ ،‬يف ّ‬ ‫يف طريقة فهمنا وتعاملنا مع الواقع‪ ،‬عىل أنّنا مج ّرد تج ّمع‬ ‫برشي ال مجتمع‪ ،‬مج ّرد أفراد ال انتامء واضحاً لهم وال بنية‬ ‫ّ‬ ‫كل يرسم مستقبله ومصريه عىل طريقته دون‬ ‫وهويّة مرتابطة‪ٌّ ،‬‬ ‫أن يخطر يف باله انعكاس ما يقوم به من نتائج عىل مجتمعه‪،‬‬ ‫الخاصة‪ ،‬أو قل فهمه‬ ‫وكل أضحى يتح ّدث عن ثقافته الذات ّية‬ ‫ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫الخاص لثقافة أو أفكار يضعها يف خانة املق ّدس الّذي ال جدال‬ ‫ّ‬ ‫العلمي برضورة تأصيل‬ ‫فيه‪ ،‬فبتنا ننىس أو نتناىس الوعي‬ ‫ّ‬ ‫الثّقافة االجتامعيّة‪ ،‬مبعنى أن تكون تأويالتنا وأفكارنا وتص ّوراتنا‬ ‫منطلق ًة من أجل خدمة ال ّروح االجتامع ّية الواحدة واملنتجة‬ ‫وتقويتها وتعزيزها‪ ...‬وتأصيل هذا الشّ عور يف بيئتنا‪ ،‬حيث‬ ‫االجتامعي يتقهقر لحساب األنانيّات القاتلة واله ّدامة‬ ‫الشّ عور‬ ‫ّ‬ ‫التعصب األعمى الّذي أضحى هو من‬ ‫لبنيان املجتمع‪ ،‬فرتى‬ ‫ّ‬ ‫يح ّدد حدود الثّقافة واألفكار وآفاقهام‪ ،‬فال قبول للتن ّوع الثّقا ّيف‬ ‫الّذي هو رضورة تاريخ ّية وثقاف ّية ونتاج بيئ ٍة اجتامع َّي ٍة صح َّية‪...‬‬ ‫لذا املطلوب تعزيز وتنمية الشّ عور املنفتح الّذي يبني جسور‬

‫االجتامعي الح ّر والشفّاف‪ ،‬كام يجب التّفكري جديّاً‬ ‫التّواصل‬ ‫ّ‬ ‫يف طبيعة الثّقافات والخطابات ووسائلهام ومدى متاشيهام مع‬ ‫البرشي ال ّنشيط‬ ‫مني يعني الفعل‬ ‫ّ‬ ‫حركة ال ّزمن‪ ،‬أل ّن االمتداد ال ّز ّ‬ ‫واملنتج‪ ،‬وال يكون ذلك إال بخلق رو ٍح اجتامعيّ ٍة حيّ ٍة وفاعل ٍة‬ ‫تساهم يف التّطوير وال تتج ّمد يف ٍ‬ ‫نقاط مستهلكة تحت عناوين‬ ‫واالجتامعي‪ .‬فأين إذا ً‬ ‫مختلفة تعيق عمل ّية التق ّدم اإلنسا ّين‬ ‫ّ‬ ‫مساحة التن ّوع والتّسامح الّتي هي من صميم غايات املحبة‬ ‫االجتامعي‪ ،‬وبدونها يتح ّول‬ ‫والكلمة والتي تبثّ ال ّروح يف البناء‬ ‫ّ‬ ‫إىل جام ٍد ال حياة فيه؟!‪...‬‬ ‫السوي ميلك اإلمكانات والقابل ّيات للتن ّوع يف حركة‬ ‫فاإلنسان‬ ‫ّ‬ ‫البديهي قبوله وتق ّبله لآلخر يف سريٍ‬ ‫طبيعي‬ ‫ديناميك ّية‪ ،‬فمن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نحو اإلبداع‪ ،‬فالعودة إىل اللّغة الحواريّة مطلوبة لتط ّور املجتمع‪،‬‬ ‫ونهوضه من ال ّركود والضّ عف‪ ..‬فالطّبيعة االجتامعيّة ذات تاريخ‬ ‫مديد‪ ،‬قامئة عىل التّفاعل الّذي هو جوهر ال ّروح االجتامع ّية‬ ‫والثّقاف ّية إلعادة خلق الحياة من جديد‪ ،‬ونفض غبار التّقوقع‬ ‫والجمود وال ّرتابة‪ ...‬وهو ما عمل السيد املسيح عليه بكل مواعظه‬ ‫ومواقفه لخلق الوحدة يف ثوب التنوع ؛فالتن ّوع هو عمدة الوحدة‬ ‫كل العناوين والشّ عارات تحت لوائها ـ‬ ‫وحياتها‪ ،‬حيث تذوب ّ‬ ‫خاصاً بأن تكون مساح ًة للخلق‬ ‫الوحدة ـ إلعطاء الحياة رونقاً ّ‬ ‫واإلبداع واالستخالف‪ ...‬وهنا نكون املسخلفني عىل كلمة السيد‬ ‫املسيح ومحبته وطالبه الحقيقيون الذي يحتفلون بوالدته تواصال‬ ‫حيا وفاعال ومؤثرا يف الواقع وليس بالطريقة الشكلية اإلستعراضية‬ ‫املستهلكة ؛ فالسيد املسيح عليه السالم عاش من أجل إنسان‬ ‫الكلمة واملحبة الجدير بهام‪...‬‬

‫يعتبر الشاعر السعودي ابراهيم‬ ‫اجلريفاني ان الكلمة او القصيدة يجب‬ ‫ان تنبع من رؤية انسانية كي تصل‬ ‫للناس وتشكل فرقا ً في اجملتمع‪ .‬ويبقى‬ ‫احلكم للقارىء وتفاعله‪ ،‬فالقصيدة‬ ‫لوحة من نوع آخر وحني يظن صاحبها‬ ‫أنها كاملة يفقد قدرته على االبداع‪.‬‬ ‫ويرى اجلريفاني أن االضاءة على عيوب‬ ‫اجملتمع من خالل الفكر قضيته كشاعر‬ ‫ومثقف فيعلن رفضه للمنطق الذكوري‬ ‫في التعاطي مع املرأة الشرقية التي ال‬ ‫جتد اال وسادتها ملجأ لتفريغ معاناتها‬ ‫من خالل دموعها احملتقنة‪.‬‬ ‫«حتوالت» حاورت الشاعر حول شعره‬ ‫ومواقفه في الواقع الراهن‪:‬‬ ‫نبدأ من القصيدة املتصلة بالواقع لديه فيقول‪ »:‬حني أكتب‬ ‫القصيدة أسعى ليك تصل رسالتي من خاللها وإن مل تصل فهناك‬ ‫مشكلة‪ ،‬ما أكتبه مبعظمه يتناول قضايا واقعية ومعاناة إنسانية‬ ‫وليس خيال شاعر‪ .‬برأيي يجب أن يكون تقييم النص من خالل‬ ‫املتلقي‪ ،‬ومن يقل أن قصيدته رائعة يجب أن يثبت روعتها من‬ ‫خالل حجم قراءة الناس لها‪ .‬االمر شبيه بالفن التشكييل وحني‬ ‫يشعر الفنان بالرىض عن لوحته يكون إبداعه قد توقف‪ ..‬أنا‬ ‫يل فقط‪.‬‬ ‫أبحث عن تأثري الكلمة عند املتلقي وليس تأثريها ع ّ‬ ‫يجب أن يكون لدى الكاتب أو الشاعر فكر واضح يعيد تشكيله‬ ‫ويقدمه للناس»‪.‬‬ ‫ويضيف يف نفس اإلطار‪ »:‬أنا مثال أعيد تشكيل فكر املرأة‬ ‫الرشقية‪ ،‬التي ال ارى أنها خُلقت فقط من اجل الرجل‪ ،‬بل هي‬ ‫خُلقت ككيان برشي مستقل ويجب أن تكون سعيدة يك متنح‬ ‫محيطها السعادة‪ .‬املجتمع الذكوري متطلب اىل حني حصوله‬ ‫عىل مراده‪ ،‬فعىل سبيل املثال هو يعترب أن املرأة دورها فقط‬ ‫منحه السعادة ولو عىل حساب معاناتها وهي تستلم لقدرها‬ ‫وتخىش كلمة «مطلقة» فتخرس هويتها ودوري كمثقف‬ ‫وشاعر يُحتم عليّ االضاءة عىل قضية من هذا النوع وهنا‬ ‫يأيت تشكيل القصيدة وكأن االنثى تتنفس حريتها مبا أخط»‬ ‫لكن هل التعاطي الذكوري مع االنثى ينحرص باملجتمع الرشقي؟‬ ‫يجيب‪ »:‬فعلياً هو كذلك‪ ،‬فاملرأة الغربية استطاعت ان تكون‬ ‫حرة ومستقلة وقادرة عىل البحث عن الحب والتعامل بانانية‬ ‫حني تحب ألنها حني تُسعد نفسها تقدر أن متنح السعادة‬ ‫لغريها‪ ،‬بينام قرينتها الرشقية مل تبلغ مرحلة االستقاللية‬ ‫ولو كانت عاملة لكنها تعود اىل منزل الزوج لتكون جارية‬ ‫‪،‬لذلك أطالبها أن تكون أنانية يف الحب لتشعر بالحرية»‪.‬‬

‫ونسأل الجريفاين إذا ما كان يف طرحه نوع من التمرد عىل بيئته‪،‬‬ ‫فيقول‪ »:‬انا لست متمردا ً عىل بيئتي‪ ،‬بل احاول أن أكون مرآة‬ ‫صادقة تعكس واقع املرأة يف الوطن العريب سببه املوروثات‬ ‫االجتامعية التي تعلق اخطاؤها عىل شامعة الدين‪ ،‬والدين منها‬ ‫براء النه مل يقل أن املرأة يجب ان تكون جارية‪ ،‬الدين يعلمنا‬ ‫الكرامة ولكننا لالسف قبلنا باملوروثات التي باتت اغالالً‪ ،‬املرأة‬ ‫مخلوق قوي وجميل ومتسامح ويجب أن تدرك أنها مل ت ُخلق‬ ‫للرجل بل خُلقت معه»‪.‬‬ ‫وعن ردود الفعل تجاه رؤيته يقول‪ »:‬ردود الفعل من الطرفني‬ ‫احتاجت اىل دراسة فمنهن من اشرتت الديوان لتهديه لزوجها‬ ‫يك يتنبه ومنهن من استطاعت التمرد إيجابياً وبالتايل أنعكس‬ ‫متردها عىل حياتها ونالت سعادتها‪ ،‬ولالسف هناك جزء كبري من‬ ‫الرجال الموين عىل طرحي واعتربوا أين عريتهم أمام املجتمع‪،‬‬ ‫لدي الكثري من االخطاء ويجب أن اشري‬ ‫وكرجل رشقي أعرتف أن ّ‬ ‫اىل املشكلة يك اصحح الخلل»‪.‬‬ ‫ويرى الجريفاين ان الرسالة وصلت‪ ،‬فيقول‪ »:‬من خالل‬ ‫الكتابات النقدية والرسائل اىل تصلني استطيع القول أين بلغت‬ ‫الهدف‪ ،‬والشاعر يجب أن يكون مؤثرا ً يف مجتمعه بحسب احد‬ ‫املفكرين االندوسيني‪ ،‬وانا من الذين يرون يف الحرف رسالة‪،‬‬

‫ومحتوى الرسالة االعتناق يف الدين والفكر والحياة والقيم يجب‬ ‫أن تكون موجودة خلف القلم‪ ،‬أنا ارفض أن يكتب أي كاتب‬ ‫بعكس شخصيته‪ ،‬هناك جوانب كثرية يف املجتمع تحتاج اىل‬ ‫تسليط الضوء عليها ومناقشتها بكل شفافية‪ ،‬ونحن نعاين من‬ ‫امراض يف مجتمعاتنا العربية فرنفض كل الظواهر البرشية ونهرب‬ ‫منها بدل ان نسعى ملناقشة اسبابها ومعالجتها‪ ،‬نحن نرفض وجود‬ ‫املثلية عىل سبيل املثال ال الحرص واملفروض أن نقر بوجودها‬ ‫ونسعى لبحث اسبابها من خالل متابعة منهجية وتربوية متكاملة‬ ‫وتعاون فكري يبدأ من املنزل من خالل الحوار والنقاش وعدم‬ ‫اعتامد القمع وتحديد املحرمات دون تفسري مفهومها»‪.‬‬ ‫لكن هل يرى الجريفاين أن التطور واالنفتاح يساهم يف حل‬ ‫املشاكل أم يوسع الهوة بني االجيال؟ يقول‪ »:‬نحن نعيش يف‬ ‫زمن رسيع بتطوره وحني ال يجد االبناء اجوبة مقنعة وصادقة‬ ‫من االهل يبحثون عن مصادر ثانية الرضاء فضولهم وهنا‬ ‫يقع املحظور‪ ،‬املصداقية هي االساس يف العالقة بني االهل‬ ‫واالبناء يك ال تصبح الهوة أكرب ونلقي باللوم عىل التطور»‪.‬‬ ‫ويشري الجريفاين اىل مسؤولية البيت بالدرجة االوىل ووزارات‬ ‫الرتبية ومن ثم دور النرش عن تراجع دور الكتاب فيقول‪»:‬‬ ‫اليوم دور النرش تسعى للربح عىل حساب منح املعرفة وادارات‬ ‫الرتبية والتعليم الرسمية الغت دور املكتبة املدرسية ويف املنزل‬ ‫العريب ال يوجد من يدفع هذا الجيل اىل القراءة وهذا ثالوث‬ ‫جهل قاتل ومدمر‪ ،‬حني يرى االوالد أن االب واالم يحمالن كتاباً‬ ‫يحذون حذوهام وبالتايل تصبح القراءة عادة وهذه الصورة غائبة‬ ‫لالسف يف معظم البيوت‪ ،‬فنحن اليوم نعيش ثقافة «الفاست‬ ‫فود» والتزييف الفكري واالديب‪ ،‬ومعارض الكتاب باتت فارغة من‬ ‫معناها الثقايف الحقيقي»‪.‬‬ ‫والنه يدعو للتغيري يف مواجهة املوروثات نسأله عن الثورات‬ ‫فيقول‪ »:‬ما نشهده اليوم يف العامل العريب الزالت غري مفهومة‪،‬‬ ‫ونحن نحاول التحليل يف اطار رد الفعل‪ ،‬رغم انها رشارة ضد‬ ‫انظمة ترفض ان تصلح ذاتها‪ ،‬ولالسف املجتمع بات منقسامً والدم‬ ‫العريب يراق عىل يد العريب نفسه‪ ،‬املفروض ان الشارع هو النظام‬ ‫والنظام هو الشارع مبعنى اننا بحاجة لتنمية مجتمع متصالح‬ ‫وإذا افرتضنا نظرية املؤامرة فهذا يعني أننا نس ّيس رغبة الشعوب‪،‬‬ ‫وطبيعي أن أي فراغ يحصل يجعل من الثورة ارضاً خصبة لتمرير‬ ‫املصالح الخارجية‪ ،‬املطلوب معالجة املشكلة منذ البداية يك ال‬ ‫نصل اىل مرحلة التفتيت والخراب»‪.‬‬ ‫هل العدالة قامئة يف دول الخليج وملاذا التعتيم االعالمي عىل‬ ‫واقع ثورة البحرين؟ يجيب‪ »:‬دول الخليج ليست منزهة ولكن‬ ‫هناك افواه استطاعت ان تصل للنظام وتدعوه للعمل عىل‬ ‫اصالح الخلل االجتامعي يك ال يقع املحظور‪ ،‬البحرين مل تكن‬ ‫مغيبة اعالمياً ولكنها اخذت جانباً طائفياً غري محق‪ ،‬ومن عاش‬ ‫يف البحرين يجد ان الفئة التي اعلنت العصيان مل يكن مغلوب‬ ‫عىل امرها ولكنها ركبت موجة الثورات باسلوب خاطىء وهناك‬ ‫العديد من االخطاء التي ارتكبتها الجهات االمنية وحني يغيب‬ ‫العقل تكون النتيجة اعامالً غري مقبولة من كل االطراف»‪.‬‬


‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫صفحة ‪20‬‬

‫صفحة ‪21‬‬

‫كتاب‬

‫ومن احلب ما قتل!‬

‫النبي الثائر» ‪:‬‬ ‫كتاب «محمد‬ ‫ّ‬

‫د‪ .‬فيفيان حنا الشويري‬

‫اإلسالمي‬ ‫األمة‪ ،‬الوطن والعقل في الفكر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫أستاذة الفنون واآلثار في اجلامعة اللبنانية‬

‫الدكتور الطبيب حمزة بلّوق‬

‫ٌ‬ ‫رشف كب ٌري لنا أن نق ّدم هذا الكتاب‪ ،‬بعد أن اعتذرت عن تقدميه‬ ‫شخصياتٌ عظيمة ومرموقة‪ ،‬ألسباب نجهلها‪ ،‬هذا‪ ،‬ومن نحن من‬ ‫أولئك الذين اعتذروا! يع ّز علينا كثريا ً الحال الذي وصل إليه العقل‬ ‫العريب‪ ،‬ويع ّز علينا أكرث أن نهمل مثل هكذا إنتاج فكري رائع وبديع‪،‬‬ ‫كام ويع ّز علينا أكرث وأكرث أن تفتقر إليه مكتبة العامل والعامل العر ّيب‬ ‫اإلسالمي‪.‬‬ ‫والعامل‬ ‫ّ‬ ‫طوىب للعالمة ابن هشام‪ .‬ثم هنيئاً له بعد أن ن ّزهه كات ُبنا من‬ ‫قل استحرضه كاتبنا يف‬ ‫شوائبه وبعد أن أيقظه من سباته‪ ،‬ال بل ّ‬ ‫كتابه «محمد النبي الثائرص» أجل‪ ،‬هنيئاً لك يا ابن هشام‪ ،‬وال تراين‬ ‫أحسب أن جميع األسالف الكتبة يف هذا املجال يحسدون ابن هشام‬ ‫الرميم واملستحرض مع كاتبنا الدكتور عاطف خليل الحكيم‪.‬‬ ‫ما بني األصالة والحداثة‪ ،‬وما بني الجذور واألغصان املورقة‪ ،‬يجد‬ ‫أديبنا املوقر مكانه الطبيعي غريباً عن الوطن الذي ينشدون وعن‬ ‫التاريخ الذي يكتبون‪ .‬لقد استنهض كاتبنا األصوليني ليكونوا منارة‬ ‫الطريق‪ ،‬كام وأمسك بيد املحدثني لبناء املستقبل وترويضه حسبام‬ ‫عبرّ عنه يف أثره البالغ «محمد النبي الثائر»‪ .‬مل يقصد الكاتب سوى‬ ‫للنبي الكريم‪.‬‬ ‫األخالقي‪،‬‬ ‫إبراز الوجه الفكري‪،‬‬ ‫الحكمي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هدف الكتاب هذا‪ ،‬ليس جنة عرضها الساموات واألرض‪ ،‬إمنا‬ ‫تعصب لفالن دون‬ ‫هدفه وطن عرضه الساموات واألرض‪ .‬وال ّ‬ ‫فالن من الصحابة‪ ،‬إذ‪ ،‬أن قدر الدولة العظيمة بقدر كرثة صحابتها‬ ‫تعصباً لجامعة من الناس دون جامعة‪ ،‬إذ‪ ،‬قد‬ ‫العظامء‪ ،‬كام وليس ّ‬ ‫سقط يف مفهومه لأل ّمة أن األ ّمة تتألف من بضعة من املجموعات‪،‬‬ ‫وقد أصبحت األ ّمة تتألف من مجتمع واحد‪ ،‬متحد‪ ،‬متفاعل‪ .‬أجل‪،‬‬ ‫هو هدفه دولة كرمية‪ ،‬ح ّرة‪ ،‬ذات سيادة عزيزة‪ ،‬يحيا فيها ويتفاعل‬ ‫العرب كراماً أعزاء‪.‬‬ ‫شجرة وارفة ال رشقية وال غربية لقد سبق الرسول األكرمص أنبيا ٌء‬ ‫وفالسفة ومفكرون كرث لبناء هذا الرصح‪ ،‬رصح األ ّمة العربيّة‪ ،‬األ ّمة‬ ‫العربيّة هي حلم الرشقيني العظامء‪ ،‬بدءا ً من إبراهيم الخليلع وحتى‬ ‫عرصنا الراهن‪ .‬من منا ال يحلم بعودة سيادة الدولة العربيّة املرتامية‬ ‫األطراف‪ .‬ملاذا‪ ،‬وما هي أسباب هذه الحروب الراهنة؟ ملاذا رصاع‬ ‫العر ّيب برشقه وغربه تدور حروبه عىل أرض رشقنا العظيم؟ أليس‬ ‫من أجل سيادة العامل؟ هل سيادة العامل بدأت من هنا‪ ،‬من هذا‬ ‫الرشق وتنتهي فيه؟ نظرة رسيعة إىل التاريخ يتأكد لنا ذلك‪ .‬ونسأل‬ ‫ملاذا تكرث األنبياء يف رشقنا؟ وملاذا أمر قيرص روما بإعدام السيد‬ ‫املسيحع صلباً‪ ،‬وهل حقاً ُصلب السيد املسيح؟ لقد أنكر القرآن‬ ‫النبي العر ّيب الثائر صلب السيد املسيح‪ ،‬وكيف‬ ‫الكريم‪ ،‬وكذلك ّ‬ ‫يصلب إذا ما كانت األ ّمة العربيّة قد قامت قيامة طائر الفينيق‬ ‫وبسطت جناحيها‪ ،‬فضاقت عليهام أطراف األرض ومن قطبها إىل‬ ‫النبي عيسىع بذرة‪ ،‬وغدت مع‬ ‫قطبها؟ إن هذه األ ّمة كانت يف زمن ّ‬ ‫الرسول العر ّيب شجرة وارفة ال رشقيّة وال غربيّة‪ ،‬إمنا عربيّة خالصة‬ ‫واعتنى بها العقل العريب الخالص‪.‬‬ ‫النبي وكرامته إال الذين يريدون بالدهم ح ّرة أب ّية‬ ‫وال يربز عظمة ّ‬ ‫النبي الثائر‪ ،‬ذاك العر ّيب األصيل؟‪ ،‬كان ثوريّاً من الطراز الرفيع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وسياسياً من الطراز النادر‪ ،‬وقائدا ً وزعيامً ومف ّكرا ً من الطراز األول‬ ‫والنادر‪ .‬وكام ذكر كاتبنا الحكيم‪ ،‬لقد سلبه رجل الدين املسلم‬ ‫واملجتهد املسلم‪ ،‬وآية الله املسلم‪ ،‬واملنظّر املسلم‪ ،‬والشيخ املسلم‬ ‫كل صفات القيادة والريادة والزعامة‪ ،‬مبقياً له فقط‪ ،‬صفات العبادة‬

‫والطقوس الدينية‪ .‬وبتجاهل رجل الدين املسلم‪ ،‬تج ّرأ رجل العلم‬ ‫والسياسة ونحا نحو رجل الدين‪ ،‬وبتجاهل رجاالت العرب شخصية‬ ‫النبي‪ ،‬هذا وال نحتاج إىل‬ ‫النبي الكريم‪ ،‬تج ّرأ الغرب وتطاول عىل ّ‬ ‫ّ‬ ‫شواهد لنؤكد صحة تطاول الغرب‪ ،‬أوروبا وأمريكا‪ ،‬عىل شخصية‬ ‫النبي‬ ‫النبي‪ ،‬فلو كان العرب‪ ،‬رجال دين ورجال فكر‪ ،‬يعرفون قيمة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويربزون فضائله‪ ،‬هل كان تج ّرأ الغرب وتطاول؟ هذا‪ ،‬وال يربز عظمة‬ ‫النبي وكرامته إالّ الذين يريدون بالدهم ح ّرة أب ّية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫النبي الثائر قد أسس لدولة عظيمة‪ ،‬وإلمرباطورية‬ ‫يب‬ ‫العر‬ ‫هذا‬ ‫ّ ّ‬ ‫مرتامية األطراف‪ ،‬الكرة األرضية قد أصبحت دولة واحدة عىل يد‬ ‫املفكرين املسلمني‪ .‬األرض دولة واحدة إسالمية نحكمها بالعدل‬ ‫وبالحق وباملحبة‪ .‬والكاتب‪ ،‬ونحن معه‪ ،‬يسأل‪ :‬ملاذا تخلو السري‬ ‫النبويّة الرشيفة من ذكر تلك الدولة‪ ،‬أو قل‪ :‬اإلمرباطورية التي‬ ‫النبي؟ النبيص قد ق ّوض إمرباطوريتني (روما وفارس) وأسس‬ ‫أسسها ّ‬ ‫عىل أنقاض أمجادهام اإلمرباطورية العربيّة‪ ،‬فكيف للتاريخ العر ّيب‬ ‫أن يهفو وال يذكر تلك اإلمرباطوريات الثالث املق ّوضة واملبنية‪ ،‬إال‬ ‫اليسري‪ ،‬اليسري؟‬ ‫نبي طقوس وعبادات وحسب‪ ،‬أم أنه ثائر ومن‬ ‫النبي‬ ‫وبعد‪ ،‬فهل ّ ّ‬ ‫الطراز األول؟ ونظن أن من ينكر هاتني الفضيلتني‪ :‬الريادة والقيادة‬ ‫النبي العر ّيب‬ ‫أو الثورية ما هو إال من أعداء هذه األ ّمة العرب ّية وهذا ّ‬ ‫وهذا الرشق العظيم‪.‬‬ ‫وهن العقل العر ّيب‬ ‫ويتساءل الكاتب‪ :‬أين العقل العريب األصو ّيل‪ ،‬وأين العقل العر ّيب‬ ‫نبي زهق‬ ‫الحديث؟ ملاذا يتغافالن عن الحقيقة‪ ،‬ملاذا يتغافالن عن ّ‬ ‫الباطل ونرص الحق؟ هل وصل العقل العر ّيب لدرجة اليأس؟ ملاذا ال‬ ‫يلمس العقل العر ّيب تلك الحقائق؟ ملاذا يلوذ العقل العر ّيب بالصمت؟‬ ‫أمل يقل اإلمام عليع‪ « :‬الساكت عن الحق شيطان أخرس»؟ هل أن‬ ‫العقل العر ّيب عاجز عن بعث الهمم واستنهاض التاريخ الحديث من‬

‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫بني األنقاض؟ هل مات العقل العر ّيب ودفن تحت الرتاب أم أنه طائر‬ ‫فينيق وينتظر تحت الرماد ويتحينّ الفرص لينتفض ويقوم ويطري؟‬ ‫هل أن العقل العر ّيب عاجز عن استنباط الحقائق والسعي بها إىل‬ ‫النور والحياة من جديد أم أنه يرت ّوى ويتحينّ الفرص؟‬ ‫قلم كاتبنا يتمثل بكالم اإلمام عل ّيع‪ ،‬قوله‪ « :‬أفضل جهاد كلمة‬ ‫حق عند إمام جائر»‪ ،‬لهذا‪ ،‬فهو يسمي األشياء بأسامئها‪ ،‬ويسأل‪ :‬هل‬ ‫السرية النبويّة الرشيفة‪ ،‬تحديدا ً‪ ،‬سرية ابن هشام‪ ،‬هي عائق أمام‬ ‫العقل العر ّيب وتعيق حركته عن التطور واالرتقاء؟ وبكالم آخر‪ ،‬هل‬ ‫أن سرية ابن هشام قضت وتقيض عىل العقل العر ّيب وعىل تفاعله‬ ‫يف الحياة ويف الوجود؟ ويجيبنا كاتبنا بجرأة ووضوح ويؤكّد أجل أن‬ ‫السرية تعيق حركة العقل العر ّيب ويربز لنا األسباب ويحرصها يف كرثة‬ ‫السالمات والسالالت‪ ،‬ويرى أنه إذا ما ج ّردت سرية ابن هشام من‬ ‫شوائبها فإن العقل العر ّيب يستقيم ويصبح عقالً علمياً‪ ،‬منريا ً يفعل‬ ‫فعله يف الحياة ويفرض نفسه يف الوجود‪.‬‬ ‫علمي‪ ،‬بعيدا ً عن‬ ‫بأسلوب‬ ‫النبي الثائر‬ ‫ّ‬ ‫وكانت والدة كتاب ّ‬ ‫مفصل‪،‬‬ ‫العاطفة والعصبية‪ ،‬وبفكر‬ ‫علمي نيرّ وناقد وبترشيح ّ‬ ‫ّ‬ ‫بعيدا ً عن الشعوذة والسحرة والهرطقة‪ ،‬هو كتاب من ّزهٌ عن أقالم‬ ‫املن ّجمني‪ ،‬نا ٍء عن النفعيني‪ ،‬أولئك الذين يشرتون بآياته مثناً قليالً‪،‬‬ ‫وقليالً من الذهب وقليالً من الفضة‪ .‬نعم‪ ،‬لقد أضاء الكاتب الوجه‬ ‫اآلخر للرسول األكرم‪ ،‬بعد أن أغفله أقرب الناس إليه‪ ،‬بل قل تغافلوا‬ ‫عنه وتناسوه‪ .‬إن األمم الح ّية تعتد وتفاخر بعظامئها‪ ،‬أما نحن‬ ‫فرتانا ننىس أو أننا نطمس فضائل شخصياتنا العظيمة‪ ،‬ونسعى‬ ‫الديني لهم‪ ،‬ليس إال من أجل تحجيمهم‪.‬‬ ‫مجتهدين إلنارة الوجه‬ ‫ّ‬ ‫«كانت تهابني العرب لشدة بطيش وكنت أهابه لشدة وجده»‬ ‫قوض‬ ‫نعم‪ ،‬وأقولها بكل فخر واعتزاز‪ ،‬أن هذا املصطفى قد ّ‬ ‫إمرباطوريتني‪ :‬فارس وروما‪ ،‬وقد بنى فوق أنقاضهام أو قل‪ ،‬ولألمانة‬ ‫العلمية‪ ،‬أسس بديالً عنهام اإلمرباطورية العرب ّية الهويّة‪ ،‬اإلسالم ّية‬ ‫الفكر‪ .‬وقد أصبحت هذه اإلمرباطورية ح ّيز الوجود بعد أن انترص‬ ‫نبي‪ .‬لقد‬ ‫عىل يهود الداخل‪ ،‬ظناً منهم أن الثائر املختار ليس فقط إال ّ‬ ‫كان الثائر يتقن جميع أنواع األسلحة صناعة ورصاعاً‪ ،‬قالها سيدنا‬ ‫عمرر‪ ،‬الخليفة الراشدي الثاين‪« :‬كانت تهابني العرب لشدة بطيش‬ ‫وكنت أهابه لشدة وجده»‪.‬‬ ‫يقول الكاتب بلسان الصحا ّيب ابن فراس يف الثائر املختار‪« :‬أحبكم‬ ‫أخي عيىس وسألكم أن تحملوا صليبكم وتتبعوه‪ ،‬ونبذتم أخي‬ ‫عيىس‪ ،‬أما عيىس فلم ينبذكم واستشهد من أجلكم‪ ،‬وأنا أسألكم أن‬ ‫تحملوا مع الصليب سيفاً وتنترصوا وتنرصوا أخي وتنترصوا لأل ّمة»‪.‬‬ ‫كان نبيّاً مختارا ً‪ ،‬وقائدا ً ألنه كان آخر املتكلمني وأول الفاعلني‪،‬‬ ‫وكان أول الثائرين وآخر اآلكلني‪ .‬كان أبدا ً يدعو أن النصارى أخوة‬ ‫لكم وأنتم أخوة لهم‪.‬عيونهم تفيض محبة‪ ،‬وأنتم للمحبة نهر‪ ،‬عىل‬ ‫ضفافكم تجري الحياة وتع ّمر املدن وتنترش الحضارة‪.‬‬ ‫وكام يقول الكاتب يف مكان آخر‪« :‬النبي الثائر كان أممياً مختارا ً‪،‬‬ ‫ألن األمم‪ ،‬جميع األمم‪ ،‬قد قاتلت تحت رايته‪ ،‬فكل أ ّمة كانت تراه‬ ‫عىل صورتها‪ ،‬فقد رآه النصارى عىل صورة عيىس‪ ،‬ورآه الفلسطينيون‬ ‫عىل صورة دليلة‪ ،‬ورآه الفينيقيون عىل صورة إليسار‪ ،‬ورآه اآلشوريون‬ ‫عىل صورة نبوخذ نرص»‪ .‬ما أروع هذا الكاتب الحكيم‪ ،‬حيث يقول‬ ‫واصفاً الثائر‪« :‬ال نعرف قيمة األب ّوة حتى نصبح نحن آباء ذوي أبناء‪،‬‬ ‫وال ندرك معنى الوطن حتى نتيه غرباء!»‪ .‬فأين منه نحن اليوم؟‬ ‫هذا ما ناداه دامئاً‪ .‬إن أ ّمة الثقافة والعلم تلك التي دفنت النقل ومل‬

‫تقم قيامتها إال بالعقل‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬إنه كتاب جريء وجديد‪ .‬مل يعتد القارئ العر ّيب عىل‬ ‫هكذا نوع من الكتب‪ ،‬وال عىل هكذا أسلوب‪ ،‬فلقد أتعبته لغة‬ ‫االجرتار والنسخ‪.‬‬ ‫العقل العريب بني الحلم واليقظة‬ ‫هذا النوع من الكتابات يكلف صاحبه جهدا ً ووقتاً وبحثاً ودراسة‪.‬‬ ‫واملكتبة العربية تفتقر إىل هذه األنواع من الكتابات‪ ،‬اللهم ساعد‬ ‫ومكّن كاتبنا من السري قدماً ليعطينا ويتحفنا بقلمه الغزير وكتاباته‬ ‫النادرة‪ ،‬وهو املتواضع واملتسامح‪ ،‬ال ينظر وال ينتظر من كتاباته‬ ‫شهرة وال ثرا ًء إمنا ينظر وينتظر إبراز الشخصية النبويّة الكرمية‪.‬‬ ‫صاحبنا الكاتب ال ينترص بالسيف بل بالقلم ينترص‪ ،‬يسري وينهج‬ ‫يف الحياة عىل درب الرسولص‪ ،‬ونهج الرسول األخالق‪ ،‬ومن اتخذ‬ ‫الرسول نهجاً هل يخفق؟ هل يكبو؟ هل يفشل؟‬ ‫أظن‪ ،‬وبعد صدور هذا الكتاب‪ ،‬سينربي الكثري ملحاربته ومخاصمته‪،‬‬ ‫أبدا ً‪ ،‬الشجرة املثمرة ترشق بالحجارة‪ ،‬وأبدا ً‪ ،‬تهاجم أفوا ُه الضعفاء‬ ‫أقال َم األقوياء‪ .‬أما نحن‪ ،‬ونش ّجع الخصم قبل الصديق عىل قراءة كتاب‬ ‫«محمد النبي الثائر»‪ ،‬والغوص يف أعامقه‪ ،‬واإلمعان يف ألبابه؛ أقرؤه‬ ‫امل ّرة تلو امل ّرة‪ ،‬أقرؤه م ّرات قبل الحكم‪ ،‬ألن بعد كل قراءة ستعرفون‬ ‫أشياء وأشياء كان قد غ ّيبها عنكم األوائل من املحدثني ومن األصوليني‪.‬‬ ‫أسألك يا قاريئ العزيز‪« :‬إن كنت رجل دين‪ ،‬أو رجل علم‪ ،‬أو طالب‬ ‫مال‪ ،‬مقيم أو مهاجر‪ ،‬أالّ تستعجل يف الحكم عليه‪ ،‬أسألك أن ترتيّث‬ ‫يف الحكم عىل الكتاب وأحذر ردة الفعل عليه»‪ .‬ومن يخاف الحقيقة‪،‬‬ ‫أنصحه بعدم قراءته‪ ،‬ومن يهاب العقل‪ ،‬العلم‪ ،‬أسأله عدم االقرتاب‬ ‫منه‪ ،‬ومن يرى األشياء ويحكم بعصبية‪ ،‬أنصحه أالّ يلج إىل هذا الكتاب!‬ ‫ال تحتكم يا عزيزي القارئ إىل النوايا‪ ،‬بل أحتكم إىل العقل الخالص‬ ‫والتجربة املحض‪ .‬هذا الكتاب للعاقلة من أبناء شعبنا والتي ناشدت‬ ‫العقل وانترصت له وإليه‪ .‬هذا الكتاب للراسخني يف العلم وللناظرين‬ ‫إىل ما وراء األفق وإىل الحاملني بالحقيقة والتي افتقدناه طويالً‪ .‬إىل‬ ‫املقيمني وراء البحار‪ ،‬فإن أرادوا أن يسرتجعوا ملكاً طال غيابه‬ ‫فإن حكمتنا أن يقرأوا هذا الكتاب‪ ،‬ألنه السفينة والرشاع التي‬ ‫تقلّهم إىل شاطئ األمان وإىل املختار الثائر‪ ،‬إىل النب ّيص والقائد‬ ‫والسيايس واألصيل‪ ،‬نتو ّجه وننحني ونقدم هذا السفر املتواضع‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كاتب جريء‬ ‫نشكر م ّرة وم ّرات كاتب صفحات هذا الكتاب ونشكر‬ ‫جهده ووقته اللذين أمضاهام يف اإلنارة عىل هذا الكوكب‬ ‫الذي خسفه رجل الدين‪ ،‬والذي تع ّمد بقصد منه وبغري قصد‬ ‫لريينا من النبيص الكريم فقط صورة الطقوس والعبادة‪.‬‬ ‫نشكر يراع كاتبنا الجريء‪ ،‬وثقافته الواسعة‪ ،‬كام ونشكر سعيه إلبراز‬ ‫هذه الثقافة املطموسة وهذه الحضارة العربيّة املنسية‪ .‬وعصبيته‬ ‫للعقل العر ّيب املختزل واملغ ّيب‪ .‬كام أنني عاتب أشد العتب عىل‬ ‫الذين رفضوا تقديم هذا الكتاب ألسباب وأسباب‪ ،‬أما نحن وشخصياً‪،‬‬ ‫فنعتذر منهم فردا ً‪ ،‬فردا ً‪ .‬وما كان تقدميي هذا إال تشجيعاً للدكتور‬ ‫عاطف الحكيم ودفعه لألمام‪ ،‬ليك يتحفنا بقلمه وغزارة يراعه‪ ،‬وسعة‬ ‫إطالعه‪ ،‬وعمق ثقافته‪ .‬وأخريا ً‪ ،‬استغفر الله يل وللجميع‪ ،‬وأرجو أن‬ ‫أصيب يف سعيي هذا وأمتنى من الله أن أكون قد أعطيت كاتب‬ ‫هذه الصفحات جزءا ً ولو يسريا ً من حقّه وجهده وسعيه‪ .‬وفقنا الله‬ ‫جميعاً والله خري املوفقني‪.‬‬

‫بني الرشق والغرب قصة غرام طويلة وعشق قديم‪ ،‬فمن‬ ‫يحب الثاين أكرث؟ من العاشق ومن املعشوق؟ هل هو حب‬ ‫متبادل أم حب من طرف واحد‪ ،‬وهل بلغ هذا الولع درجة‬ ‫تو ّجب معها القتل؟ هذه السطور تجيب‪.‬‬ ‫غريب فعالً أمر هذا الغرب‪ ،‬لقد ر ِّهب الرشق لدرجة بات‬ ‫املوت الجامعي الوسيلة الوحيدة للخالص منه‪ .‬هو انتحار بكل‬ ‫ما للكلمة من معنى!‬ ‫الغرب يد ّمر الرشق من أجل ضامن سالمته‪ ،‬خوفاً من‬ ‫فكري وليس اجتياحاً عسكرياً‪،‬‬ ‫اجتياح فكري جديد‪ ،‬نعم أقول ّ‬ ‫ألن الرشق مل يغ ِز الغرب مطلقاً بواسطة العسكرة بل غزاه‬ ‫بالفكر وبالفكر فقط‪ ،‬والفكر أكرب الفاتحني لو كنتم تعلمون!‬ ‫إن ما عرفه الغرب عن الرشق دامئاً كثري وال يستهان به‪ ،‬فهو‬ ‫موسوعة املعرفة الرشقية‪ ،‬ولكن الرشق نفسه ال يعرف نفسه‪،‬‬ ‫فكيف يعرف الغرب وما يريده؟‬ ‫الغرب يعرف الرشق ولكن الرشق ال يعرف الغرب‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الرشق لدرجة الهوس والولع والحب‪ ،‬فهل‬ ‫الغرب‬ ‫يعرف‬ ‫ُ‬ ‫من عبارة أقوى وأكرث تعبريا ً وداللة يرددها الغرب عن «سحر‬ ‫الرشق»؟ نعم إن الغرب يحب الرشق الساحر وولهه به يكاد أن‬ ‫يقيض عليه ويقتله!‬ ‫أب للغرب أم أ ّم؟‬ ‫الرشق ُ‬ ‫يعرف الغرب جيدا ً أنه حفيد الرشق من ناحية األخوال‬ ‫وليس األعامم‪ ،‬أي أن صلة القرابة والدم هي من ناحية األم‬ ‫وليس األب‪ ،‬بعبارة أخرى‪ ،‬صلة أكرث أصالة وتجذّر‪ ،‬فاألم هي‬ ‫الهوية الوحيدة األكيدة‪ ،‬التي ال ّ‬ ‫شك فيها وال جدل حولها‪ ،‬أما‬ ‫األب‪!...‬‬ ‫توالت األعراق املنتجة للعرق األورويب الحايل‪ ،‬منذ العرق‬ ‫الرشقي‪ ،‬اىل العرق‬ ‫السوري األول واملؤسس‪ ،‬مرورا ً بالعرق اآلري‬ ‫ّ‬ ‫الهندو‪-‬أورو ّيب الذي يتصف به األوروبيون حالياً‪ .‬ونحن حني‬ ‫نتكلم عن العرق‪ ،‬ال نعني به قط فصائل الدم‪ ،‬صفاءه‪ ،‬نقاءه أو‬ ‫خليطه‪ ،‬بل نرمي اىل الفكر والحضارة والثقافة‪ ،‬فاملقصود بقولنا‬ ‫األعراق‪ ،‬العراقة‪ ،‬أي األصالة والنبل الحضاري وهذه مصدرها‬ ‫الرشق والرشق وحده الذي جعل الغرب غرباً‪.‬‬ ‫منذ اإلسكندر املقدو ّين‪ ،‬مرورا ً بشيبو اإلفريقي وقسطنطني‬ ‫الكبري وشارل مارتيل واللمبي وهتلر مرسل الصهاينة إيل الرشق‪،‬‬ ‫والسبحة تك ّر من الغازين للرشق أو الداعني لطرد الرشق من‬ ‫الغرب‪ ،‬بزعامة املنظّرين السياسيني املحدثني الداعني لرضب‬ ‫الرشق‪ ،‬من أمثال فوكوياما وهنتنغتون وتشجيعهم‪ ،‬ليس فقط‬ ‫عىل صدام الحضارات‪ ،‬بل وأيضاً عىل نسفها من جذورها بعد‬ ‫أن حددوا أن هذه الحضارات مهددة لوجودهم وهي من عمل‬ ‫الرشق وحده! مرارا ً طُرد الرشق من الغرب‪ ،‬ومرارا ً اجتاح الغرب‬ ‫الرشق‪ ،‬واليوم‪ ،‬يطرد الرشق من الرشق نفسه‪ ،‬ولعلّها الجولة‬ ‫األخرية الحاسمة! لقد قيض فعالً عىل الرشق؟! هل قيض األمر‬ ‫وانتهى؟‬ ‫بديهي وهو أن سوريا‬ ‫وجودي‬ ‫لسبب‬ ‫ذلك‪،‬‬ ‫نظن‬ ‫لعلنا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األم تنازع وهي يف طور النزاع األخري‪ ،‬وبعد النزاع املوت‪ ،‬فهل‬ ‫بعده من قيامة؟ هل من خالص؟ هل من جرعة سحرية تعيد‬ ‫كفي عفريت‪،‬‬ ‫إليها االنتعاش؟ ولكن كيف تنتعش وهي بني ّ‬ ‫كفي كامشة‪ ،‬بني قطبني فجعني‪ ،‬يريدان بلعها؟ فهي إن‬ ‫بني ّ‬ ‫نجت من الكولريا فهل تنجو من التيفوئيد؟ وإن استطاعت‬ ‫اإلفالت من رشبيد هل تستطيع اإلفالت من شيال (‪Charbide/‬‬ ‫‪ ،)Scella‬عفريتي املتوسط امليثولوجيني‪ ،‬قاطعي الطرق بني‬ ‫الرشق والغرب؟! وهل يخلص من كان يصارع يف خضم النار؟‬ ‫هل يخلص من كان يف أعامق الرباكني والدياجري؟ هل لسوريا أن‬ ‫تصنع لنفسها معجزة جديدة كالتي صنعها ليونس الذي ابتلعه‬ ‫الحوت ثم قذفه فنجا؟ هل من قيامة ألدونيس العرص بعد أن‬ ‫صارع الخنزير فقتل وقام؟ هل من بعل‪ -‬مار جريويس‪ -‬خرض‬ ‫يقتل التنني وينقذ األمرية ومملكتها؟‬

‫لطاملا أبدعت سوريا الروايات التي تدل عن أحوالها وما‬ ‫م ّرت به من نكبات وأحداث مفجعة‪ ،‬روايات حملت برمزيتها‬ ‫مدلوالت كربى‪ ،‬ماهيتها وخالصتها البعث والقيامة والتجدد‬ ‫والحياة‪ ،‬من جلجامش اىل أدونيس اىل السيد املسيح اىل‬ ‫املصطفى‪ ،‬اىل‪ ...‬مل يعد من أحد! ملاذا توقف البعث؟ ملاذا‬ ‫جف‪ ،‬وهو يف طور‬ ‫انتهت القيامة؟ هل ألن الرشق نضب‪ّ ،‬‬ ‫اإلضمحالل الفعيل واالنقراض؟ األرض بفكرها وليس ببرشها‬ ‫«تعرف املدن من رجالها» يقول املثل الغريب‪ ،‬فهل من رجال‬ ‫للرشق؟ هل توقفت األمة عن إنجاب الرجال وملاذا توقفت‬ ‫هذه األم السورية عن إنجاب الرجال؟ ألنه ببساطة ما من‬ ‫مخصب رجل!‬ ‫ّ‬ ‫حني عجز البرش عن إنجاب الرجال‪ ،‬استعيض عنهم باآللهة‪،‬‬ ‫فكان ابن اإلله املخلّص الوحيد ألمته! فكيف السبيل اليوم اىل‬ ‫ٍ‬ ‫جديد من اإلله؟ كيف السبيل اىل إنجاب مخلص؟‬ ‫إنجاب ابنٍ‬ ‫هل تخلّت اآللهة عن خري أمة أخرجت للعاملني؟ يبدو‬ ‫األمر كذلك! فهل يجب مضاعفة الصلوات واالبتهاالت واألدعية‬ ‫والتقدميات واألضاحي والنذور من أجل التامس الشفاعة‬ ‫والرضا؟ ومباذا نفعت تلك املليارات اململّرية من الصلوات‬ ‫واالبتهاالت املرفوعة من الرشق؟ الظاهر اىل ال يشء‪ ،‬ألن الله‬ ‫يقول باألعامل وليس باألقوال! يبدو أن الله يحجم عن إرسال‬ ‫الخالص ألن األمر بات عبثاً مع الرشق ‪ ،‬إذ ماذا سوف يقول‬ ‫مرسل جديد؟ ما الجديد الذي سوف يأيت به؟ ماذا ميكنه أن‬ ‫يضيف عىل ما قاله األنبياء؟ هناك استحالة فعلية‪ ،‬فام من‬ ‫إضافات البتة‪ ،‬ال ميكن ال الزيادة وال النقصان‪ ،‬كل يشء قد قاله‬ ‫والنبي محمد وانقىض‬ ‫خامتا األنبياء‪ ،‬رسوال الله السيد املسيح‬ ‫ّ‬ ‫األمر! ويا لألسف!‬ ‫مل يفهمهام أحد وهنا مكمن العلّة‪ .‬الخالص متوفّر ولكن ما‬ ‫من أحد يأتيه! وكيف يشفى من اعتاد عىل ارتياد الصيدليات‬ ‫العرصية وما احتوته من علب ومخدرات غربية؟ كيف لعب ّوات‬ ‫الغريب هذه أن تشفي الرشق‪ ،‬هذا إن مل تنسفه؟ الكل يرتجف‬ ‫من القلق والخوف واالرتعاد من املجهول‪ ،‬وكيف يدفأ من خلع‬ ‫عباءته ولبس معطفاً غريباً عن برشته؟ كيف يهنأ من أهمل‬ ‫كتبه وجعلها تحرتق يف غبار الرفوف؟ أكرث من ذي قبل يُستبعد‬ ‫األنبياء! وأكرث من أي زمن مىض يقتلون! الرشق قاتل األنبياء‪،‬‬ ‫نبي بني أهله! فكيف يرحم الله ويشفق ويخلّص؟‬ ‫فام ّ‬ ‫للم ّرة املليار تخطف األفعى نبتة الخلود! للم ّرة املليون‬ ‫يُطرد البرش من فردوس املعرفة! للم ّرة األلف يقتل الخنزير‬ ‫خصب الدنيا! ملئات امل ّرات‬ ‫البعل‬ ‫َ‬ ‫املخصب يف هالل خصيب ّ‬ ‫ِّ‬ ‫يصلب املعلّم وتس ّمر املحبة! وآلالف مؤلّفة من امل ّرات تشيّد‬ ‫أبراج الجهل ويضطهد محطّمها! لقد وقعت بذور املعرفة يف‬ ‫أرض جدباء‪ ،‬قاحلة‪ ،‬صخرية‪ ،‬صامء فامتت حبوب القيامة‪ .‬لقد‬ ‫يبست الشجرة فوجب قلعها! الغرب مخلّص الرشق من حيث‬ ‫ال يدري!‬ ‫لن يخلص الرشق إال بطوفان يطيح به حتى يُحمل غصن‬ ‫الزيتون والسالم من جديد وحتى يستظل املرء تحت شجرة‬ ‫املعرفة ثانية‪ .‬فنعم الطوفان الذي يبعثه الغرب!‬ ‫هل أدرك الغرب أنه يقتل الرشق لكرثة حبه له؟ هل أدرك‬ ‫الغرب أنه بقتله الرشق سوف يحييه ويبعثه كام أراد خالقه له‬ ‫أن يكون خري أمة تُخرج للعاملني؟ هال وعى الغرب أن خالص‬ ‫الرشق هو بوالدة جديدة سوف تكون عىل يده؟ لو أدرك ذلك‬ ‫ملا قتله وتركه يتخبّط يف غيّته وعبثه وجهله دهورا ً‪ .‬ولكن الغرب‬ ‫ال يعي وال يدرك ألنه يحب‪ ،‬هو يحب الرشق‪ .‬هو عاشق طماّ ع‬ ‫يريد الحبيب‪ ،‬والعاشق مصاب بعلّة تفوق املعشوق‪ ،‬فمن‬ ‫يلجمه عن الشوق والغرية والجنون؟ والعاشق املجنون يقتل‬ ‫الحبيب ويقتل نفسه‪ ،‬فيموتان معاً! والغرب يريد قتل الرشق‬ ‫ودفنه اىل األبد‪ ،‬والرشق ال يقتل ألن الرشق فكر سبق الغرب‬ ‫واحتواه‪ ،‬فهل إذا مات الرشق يحيا الغرب؟‬


‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫صفحة ‪22‬‬

‫شعر‬

‫صفحة ‪23‬‬

‫شعر‬

‫ألن جسدها» للشاعر نعيم تلحوق ‪:‬‬ ‫اخلوف من الغد والرحيل‬

‫ألجلك ‪...‬‬ ‫فلسطني‪...‬‬

‫هلوسات‬

‫لطيفة احلاج قديح‬ ‫مل أك ْن قد قرأتُ للشاعر من قبل ‪،‬عندما أمسكت‬ ‫ُ‬ ‫جس َد املرأ ِة‪...‬‬ ‫بالديوان ‪ ,‬وللوهلة األوىل ‪،‬ظ َن ْن ُت ‪،‬أنّه‬ ‫يتناول َ‬ ‫نت يف كلامته ومعانيها ‪،‬اتضح يل أ ّن‬ ‫ولكن عندما قرأته ‪ ،‬ومت ّع ُ‬ ‫الجس َد ‪ ،‬ليس سوى وسيل ٍة من وسائلِ التعبري ‪ُ ،‬‬ ‫يدرك الشاعر‬ ‫بواسطته ما هو أبعد من الجنس ‪.‬واملرأة عنده لغ ٌز من األلغاز‬ ‫‪ ،‬يوظّفها للداللة عىل كل ما يحمل معنى األنوثة ‪ ،‬فهي بالنسبة‬ ‫إليه ‪ :‬القضية ‪ ،‬والهويةُ‪ ،‬الذاكرةُ‪ ،‬واألرض ‪،‬و السامء ‪..‬فال عجب‬ ‫إذن أن يَ ِس َم الشاعر عمله اإلبداعي باسمها ‪...‬وال أنكر‬ ‫مسني يف الصميم ‪ ،‬فأحسست أنه‬ ‫أن هذا الديوان قد ّ‬ ‫النساء‪.‬مسني وأحدث َّيف تلك‬ ‫يخاطبني أنا من دون جميع‬ ‫ّ‬ ‫القشعريرة التي تجعل النفس تحلق وتسمو إىل عامل ما ورايئ ال‬ ‫يدركه إال القلَّة‪. .‬وهو نو ٌع من الشعر يبتعد عن املبارشة ‪ ،‬وعن‬ ‫أبواق الخطابات الرنّانة ‪،‬كام عن الجنس الرخيص الذي يسعى‬ ‫اىل اإلباحية وإثارة الغرائز ‪..‬وتتعانق فيه لوحتان تخترصان نظرة‬ ‫والحب‪ ..‬يف هذا‬ ‫الشاعر الخاصة إىل الله ‪،‬كام إىل الوطن ‪،‬واملرأة‬ ‫ِّ‬ ‫الديوان ‪،‬ميخر «نعيم « ُعباب الفضاء ‪،‬ويجوب االرض والسامء‬ ‫ٍ‬ ‫مخبوءات الذات‬ ‫‪،‬مفتشاً عن الحضور والغياب محاوالً كشف‬ ‫األنسانية ‪ ،‬وما تكتنزه منذ األزل يف عواملها الداخلية ‪ ،‬فيلج‬ ‫باب مل يسبقه إليه إال قلّة ‪..‬ويرتكز»ألن‬ ‫بذلك عامل األدب من ٍ‬ ‫جسدها « عىل املعرفة والعرفان ‪،‬واملعرفة بالنسبة إليه ‪،‬تنبجس‬ ‫من داخل النفس العارفة ‪،‬ومهعا يتحرر العقل وتصبح الحركة بال‬ ‫قيود ‪ ،‬ويصبح الجسد هو القض ّية ‪،‬وتصبح القضية فكرا ً ‪،‬وتغدو‬ ‫القصيدة خارج أي منط لغوي يكبّل الشاعر أو يسجنه يف إطار‬ ‫ٍ‬ ‫إمياءات ورموزا ً‪...‬وال تخفى عىل‬ ‫محد ٍد ‪ ،‬وتصبح لغة الجسد‬ ‫القارىء نزعة الخوف عند شاعرنا ‪،‬الخوف من الغد ومن الرحيل‬ ‫‪،‬فهو ال يرى أخر يف الدرب سوى الغياب ‪ ،‬وتتجىل تلك النزعة يف‬ ‫معظم القصائد ‪،‬فيبدو الديوان وكأنه قالب تسكب فيه عواطف‬ ‫الشاعر الحبيسة املسكونة بهذه الهواجس ‪،‬وتبدومعانيه مبطّن ًة‬ ‫ومسترت ًة بستائر غري مرئ ّي ٍة ‪،‬كلام كشفت عنها سرتا ً انكشف لك‬ ‫رسا ً من أرسارها ‪ ..‬يقول ص ‪( 26‬نم يا صديقي الضجر ‪ ،‬لقد‬ ‫انهيت معك م ّدة اإلعتقال ‪ ،‬الله ينتظر قامتي ويشيّع رسمي‬ ‫عىل أعوانه ‪،‬يك يت ّم األغتيال )ويقول ص ‪( :23‬س ّم ما شئت موتك‬ ‫‪ ،‬بني حضن عصفو ٍر أو بني فج ٍر يرسمك ‪ ،‬الغراب ينده الغزالن ‪،‬‬ ‫أن يحملوك ‪ ،‬فاخرت موتك أوشاهد مقتلك ‪،‬بني أن متوت جباناً أو‬ ‫تقتل كامللوك ‪)..‬ويغوص تلحوق يف أغوار ذاته السحيقة ‪،‬ليبحث‬ ‫عن جوهر الحقيقة ‪،‬وليحبك عاملاً من الرؤيا العميقةللحياة وما‬ ‫بعدها ‪ ،‬متعاطياً الفلسفة الوجودية ‪ ،‬التي يبحث من خاللها عن‬ ‫نفسه وعن ذاته وعن عالقته مبن حوله ‪ ،‬فتندفع األنا الشعرية‬ ‫لتبحر يف أرجاء الديوان ‪ ،‬وترشح من بني سطوره ‪ ،‬ما يفتح‬ ‫الباب عىل ثلة من األسئلة املتشابكة التي ال حرص لها ‪ .‬ويش َّدنا‬ ‫الشاعر إليه يف رحلة البحث هذه ‪ ،‬فتصيبنا شظايا تالطم تالطم‬ ‫تلك األسئلة ‪،‬التي تكشف لنا بعض جوانب الحياة ‪،‬وما فيها‬ ‫من حزن ٍ وقلق وسوداوية وظالم ‪...‬نسمعه ينشد يف ص ‪72‬‬ ‫‪( :‬كنت أنظر بينكام ‪،‬وجدتك عالقاً بني وجهني ‪ ،‬واح ٌد للصرب ‪،‬‬

‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫ثريا فياض‬

‫زاهر العريضي‬ ‫وآخ ٌر لسلّم اإلنتحار ‪،‬فصل ُّت ثويب عىل قياس املوت ‪ ،‬لينتحر مني‬ ‫اإلنتظار ‪ ..‬كن حرا ً ليرشبك نخب الغياب )وكأن هذا الديوان‬ ‫ليس سوى توصيف مادي للذات اإلنسانية ‪ ،‬وما مييزها ويو ِّجهها‬ ‫ألن تكون هي نفسها ‪،‬ولكن من وجهة نظر اآلخر ‪...‬ويعرتف‬ ‫الشاعر رصاح ًة يف ص‪ 8‬يقول ‪ :‬كل كتاب ٍة خارج الذات ‪ ،‬هي‬ ‫ظل لجسد ما يتحرك عىل‬ ‫كتاب ٌة موهومةٌ‪».‬متسائالً» هل نحن ٌ‬ ‫غري طائل ؟ أم نحن حرك ٌة مائع ٌة لشهو ٍة الضوء ‪...‬؟» اما املرأة‬ ‫‪،‬فهي مرصودة يف ضمري الشاعر ‪ ،‬بكينونتها ‪،‬وسحرها وغموضها‪،‬‬ ‫يعرتف ‪(:‬هي تعلم أن جسدها قضية املعنى لدي‪ )...‬وهي شغله‬ ‫الشاغل ‪،‬يستخدمها كوسيلة ارتقاء ‪ ،‬لتعرج روحه بواسطتها اىل‬ ‫السامء ‪..‬وهنا تتجىل اإليروسية الصوفية بأبهى صورها ‪ ..‬وكأن‬ ‫الجنس عنده مطهر للرجل وللمرأة عىل حد سواء ‪....‬يخاطبها‬ ‫قائالً ‪:‬يا سيديت ردي إيل اكتاميل ‪ ،‬فأنا واقف عىل حدين من رصاخ‬ ‫‪،‬حني تنفثني لهاثك ‪ ،‬وحني يرتنح تعبي يب‪()..‬ص‪( .. )95‬أين منذور‬ ‫لتجاعيد الروح ‪ ،‬وخرافة االحزان ‪)..‬ص‪( 96‬ملي رائحتك عني ‪،‬‬ ‫وانرثيها عىل باب املوت ‪ ،‬ليستيقظ من أوجاعهم البسطاء ‪)..‬وص‬ ‫‪(: 97‬ما عدت احتمل الرغاء ‪ ،‬صار الكون عيل ثقيالً ولكن تلك‬ ‫النظرة اىل املرأة ال تعبرّ بأي حال من األحوال عن أحوالها هي‬ ‫‪،‬بقدر ما تعبرّ عن أحوال الشاعر ومشاعره ‪.‬يقول يف ص ‪(: 30‬مع‬ ‫بداية الصهيل ‪..‬كان عيل ان أشهد العبور اىل الطوفان ‪)..‬نعم أنه‬ ‫الطوفان ‪،‬فهل هو طوفان الحروب التي اشتعلت يف أرضنا ‪ ،‬وملا‬ ‫تنت ِه بعد ؟أم طوفان الثورات العربية ‪ ،‬التي ف ّجرت بحور الدم يف‬ ‫كل مكان؟‪.‬أم طوفان الخيانة والفساد ‪..‬؟ورمباهو هاجس الحرية‬ ‫التي رسقوها م ّنا ‪،‬كام رسقت من الشاعر بدايته ‪..‬حتى أصبح‬ ‫العمر ظالماً وغفوة‪..‬؟ نعيم تلحوق ‪ ،‬يف آخر دواوينه ‪ ،‬طائر يطري‬ ‫غامم‬ ‫يف كل اآلفاق ‪ ،‬وال يحط يف أي مكان ‪ ،‬رسمته األحزان خيوط ٍ‬ ‫بالحب واألمل ‪،‬داخل قصائد حملت خطاباً احتوى‬ ‫‪،‬فراح يترشنق‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وتجليات روحية ‪ ،‬لها ما لها من أبعا ٍد‬ ‫دالالت تنويرية ‪،‬‬ ‫عىل‬ ‫فكرية وفلسفية ‪ ،‬فبدا كفنان أصيل ‪ ،‬ينحت بنية الكلامت واملعاين‬ ‫ليق ّدم لنا الصورة التي تعرب عن جامل التشظي والتم ّزق ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫دالالت‬ ‫مستخدماً لغ ًة ترسد املعنى املقصود ‪ ،‬وتغوص بعمق عىل‬ ‫له فتنكشف جاملية املفردات ‪ !...‬وكحلم مخضّ ب بعطر النعاس‬ ‫‪،‬تدخل قصائد «ألن جسدها» أعامق قلوبنا ‪،‬دون استئذان‪،‬‬ ‫فته ُّزها ‪،‬وتحدث فيها تلك الومضات الخاطفة املش ّعة التي تثري‬ ‫فينا القشعريرة والخوف ‪،‬الخوف من طغيان املادة التي ترمي‬ ‫باألنسان يف آتون ‪ :‬االحرتاق ‪،‬والجنوح والخواء‪،‬والعتمة‪،‬والوحشة‬ ‫‪،‬والكوابيس‪! ...‬إنه كام قرأته ‪،‬ليس شاعرا ً عادياً ‪،‬بل مبدعاً ‪،‬صادقاً‬ ‫‪،‬شفافاً‪،‬ه ّزته مصيبة املوت كام مصيبة األوطان العربية املشلّعة‬ ‫األوصال ‪ ،‬فح ّركت أحاسيسه املرهفة ‪،‬وعواطفه اإلنسانية الرقيقة‬ ‫‪،‬فغدا ‪:‬فيلسوفاً ‪،‬فكرا ً‪ ،‬ثائرا ً ‪.‬وال عجب يف ذلك ‪،‬فقد حبا ُه الله‬ ‫حب املعرفة‬ ‫بجميل الصفات ‪ ،‬فتتلمذ منذ طفولته ويّفاعته عىل َّ‬ ‫وحب البحث واالكتشاف‪..‬أعطاك الله العافية والعمر املديد أيها‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قريب بديوانٍ‬ ‫جديد بإذنه تعاىل‪...‬‬ ‫املبدع الف ُّذ ‪ ،‬وإىل لقاء ٍ‬

‫قيس و ليلى‬ ‫غالب نور الدين‬

‫اب بطروا‬ ‫قيس عفوك فاألعر ُ‬ ‫يا ُ‬ ‫باعوا الحرائر لألغراب وافتخروا‬ ‫ال ِ‬ ‫تبك ليىل وال ترنوا لخيمتها‬ ‫ما عاد ليىل لها يف حبّهم اث ُر‬ ‫بي َع ْت مع القدس صار البغَي سي ُدها‬ ‫والجو ُر اطبق واليهو ُد قد ظفروا‬ ‫رحاب البيد قاحل ٌة‬ ‫يا قيس انظر‬ ‫ُ‬ ‫عطش الرتاب ولكن دم ُعها مط ُر‬ ‫الحي مظلم ٌة‬ ‫من دون ليىل سام ُء ّ‬ ‫ال نجم فيها وال يرتادها القم ُر‬ ‫تلك القفار التي كانت مالعبنا‬ ‫رش‬ ‫فيها القواعد لألعداء تنت ُ‬ ‫سا َد الطغاة حصوناً رمز ع َّزتنا‬ ‫فغدت جحورا ً ألم ِر الغرب تأمت ُر‬ ‫جاءت‬ ‫بوارج عند البحر من زمنٍ‬ ‫ُ‬ ‫صنعت عروشاً ملن خانوا ومن غدروا‬ ‫شادوا قصورا ً عىل الكثبان عالية‬ ‫لكنها لشمو ِخ العز ت ْفتَق ُر‬ ‫اضحوا ملوكاً بأمجا ٍد ملفق ٍة‬ ‫اشكالهم صو ٌر من خلفها ص َو ُر‬ ‫يا ابن املل ّو ِح ال تبك فقد نضبت‬ ‫َوعيل الص ُرب والسه ُر‬ ‫عني الدموع َ‬ ‫كفكف دموعك ان ال ّدمع مهزل ٌة‬ ‫ِ‬ ‫وخد الحسا َم ففي صوالته الخ ُرب‬ ‫وارسج خيوالً غدت يف البيد مأثر ًة‬ ‫دان الزمان لها واختارها القد ُر‬ ‫وازحف اىل القدس واسرتجع كرامتنا‬ ‫يف القدس ليىل عىل األسوار تنتظر‬

‫تنبيه ‪:‬‬ ‫يدي اخر لحظة حنان يف زمن القحل‬‫عيناك تنبأ باملغامرة ‪ ...‬وتخفي الكوارث ‪...‬‬‫فأبتعدي عن اناميل املتهورة‬ ‫أرى أرجل النهر مرسعة ‪ ..‬خوفاً من عفن املستنقع‬‫النك مترين يف اجزاء الثانية ‪ ...‬الوقت يل‬‫ال تكمن املشكلة يف ادراكها فقط ‪ ...‬بل يف سبل‬‫حلها والخروج منها !‬ ‫يف دهاليز الخيال ‪ ...‬أفتش عن وشمي !‬‫ديك جارنا يصيح بعد منتصف الليل ويغفو مع‬‫الفجر ! فقدان الذاكرة ‪ ...‬يعشق دجاجة‬ ‫سأجمع كلامتك واطعمها للببغاء !‬‫احيانا تجوع العتمة ‪ ...‬اطعمها خويف فتعيد يل‬‫شجاعتي لتنتقم من ضفدعة ‪ ....‬ضع قربها ببغاء !‬ ‫ال يربد سوى الذي يبحث عن الدفء بيد مرتجفة‬‫ قالت يل انت ملعون ‪ ....‬يسكنك الجن ‪ ...‬يعطرك‬‫البخور ملعون انت ‪ ...‬بدخان قدميك بظل يديك ‪...‬‬ ‫بجلدك الشفاف اغفو قرب رجل ملعون! يبتسم يل‬ ‫يف الصباح ! واغمر طوال الليل عتمت شعرك ونهاية‬ ‫شفتيك‬ ‫اخاف ان اقمع كلاميت فتتحول اىل رماح !‬‫لو كان للحياة وجه لكنت صفعتها بقوة !‬‫أقدامي تسبقني اىل أحالمي ‪ ...‬الطرقات ترتاخى‬‫متعبة ‪ ...‬هنا السجن يحرضك للعبور فوق السياج‬ ‫‪ ...‬ارصخ حيث للصوت صدى ! العدم اخر لحظة‬ ‫للنهوض !‬ ‫من يتجاهلني ! لن ينعم بالسالم‬‫منبو ٌذ أنت بسبب احالمك الخرافية‬‫‪-‬يسكنني صمت ‪ ....‬لغة اخرى ‪ ...‬يسكنني حب‬

‫ال يعرف الطريق اليك يسكنني حزن يتعتق مع كل‬ ‫لحظة تنساب ‪ ...‬تسكنني الوان ميحيها االبيض واالسود‬ ‫‪ ...‬اكرث من ذلك يسكنني ‪ ...‬يسكنني قنبلة مؤقته ‪...‬‬ ‫تسكنني مشاهد هاربة من ليلها ‪ ...‬وحكايات خائفة‬ ‫من رسها ‪ ...‬يسكنني اكرث واكرث‪ ،‬يسكنني كل ذلك‬ ‫واشعر بالترشد الدائم ‪ ،‬متى اسكنه‬ ‫مل يبق يل منهم اال اصواتهم ‪ ...‬يرن الهاتف ‪...‬‬‫ويختفون بعد دقائق ! الغربة تجعلك غريب !‬ ‫سأعلقك عىل باب غرفتي املخلوع ‪.....‬‬‫‪ ....‬والتقط لك صورة خارج الكادر‬ ‫قذارة البوح ‪ ...‬افواه حاقدة تبخ السم‬‫احتاج ان ابتلع وجهي ‪ ...‬ادفن عروبتي ‪ ...‬اغتال‬‫الشعارات ‪ ...‬ارمي بيانات االستنكار يف مستوعبات‬ ‫النفايات ‪ .....‬اكوي العفن من افواه االستسالم ‪...‬‬ ‫نتانت الصفقات روائح التسويات وجوه التخاذل ‪...‬‬ ‫ارصخ ايها الرتاب يف احشايئ دماء الشهداء ‪ ...‬اجساد‬ ‫البطولة ‪ ...‬احالم الطفولة تنمو يف عشبي ‪ ...‬ارصخ‬ ‫ايها الرتاب ‪ ...‬احبل بالعنفوان ‪ ...‬يف احشايئ اسطورة‬ ‫الصمود ‪ ...‬تاريخ من التمرد ‪ ...‬يف احشايئ غزة ‪ ...‬كل‬ ‫فلسطني ‪ ...‬ارصخي ايتها االرض انا حبىل بفلسطني‬ ‫وانتظر الوالدة‬ ‫يغرد العنفوان فوق أملي تجف الدموع ‪ ...‬وال‬‫يجف دمي من هذا العدم تتفتح براعمي ال ربيعا‬ ‫دون عطري ال حرية دون يدي وال عادلة دون اريض‬ ‫هذا جرحي ينبض رقص النرص يزغرد عرس الشهادة‬ ‫فلسطني الوالدة‬ ‫يقرتب من معطفي الشتاء !‬‫ عىل الضفة االخرى ظيل يلهو مع الريح‬‫يرسم يف الفضاء وجهي يرقص اغنية النهر لوين‬‫مالمحي بربيع اناملك الضفادع نامئة ‪ ،‬حاكيني همساً‬ ‫حاكيني قبالً ‪ ،‬ملساً ‪،‬ذوباناً مهالً مهالً ‪ ،‬ظيل يف الضفة‬ ‫االخرى يعانقك يختفي يختفي ينسحب من اطرافك ‪،‬‬ ‫من عتمة شعرك من لون عينيك ‪ ،‬من عنقك ‪ ،‬يرسي‬ ‫يف رشايني يدك ‪ ،‬ميطر مائك عصارة عطرك ‪ ،‬ظيل يف‬ ‫الضفة االخرى ونبع خصوبتك يتدفق شهوة ويجرف‬ ‫الرتاب !‬ ‫هل لك ان ترمي قنبلة مدمرة يف ذاكريت مثال‬‫وترحلني‬

‫يف غزة األطفال كل يوم ميوتون‬ ‫يف كل فلسطني الناس كل يوم يُشرَ ّدون‬ ‫وأي ذنب يرتكبون؟!‬ ‫ماذا تُراهم فعلوا َّ‬ ‫هل ذنبهم الوحيد أنّهم ‪...‬‬ ‫يتعالَون عىل جراحهم واألعدا َء يقاتلون ؟!‬ ‫هذا وطنهم ‪ ،‬وطن أجدادهم ‪ ،‬وعن أرضهم يدافعون‬ ‫حق أيّها األرشار الدما َء تهرقون ؟!‬ ‫بأي ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحق تغتصبون ؟!‬ ‫وأنتم من سنني وسنني‬ ‫َّ‬ ‫رسقتم خرياتهم وبقيتم بها وقتًا تتن ّعمون‬ ‫األرض أرضهم والوطن وطنهم ‪...‬‬ ‫فال تظ َّن َّن أنّكم عىل طمس الحقائق قادرون‬ ‫الله ميهل وال يهمل واليوم الثم َن ستدفعون‬ ‫أنتم يا َمن مبالئكة األرض ودررها املجاز َر ترتكبون‬ ‫واألحال َم والرباء َة تخطفون وتخنقون‬ ‫« قتل األبرياء ق ّوة « ‪ ،‬هذا ما زلتم تعتقدون‬ ‫ويف ذلك غري الجبانة والحقارة ال تظهرون‬ ‫اعلموا أيّها الجبناء األغبياء التافهون‬ ‫دماؤهم الزك ّية ستزهر عنفوانًا يرعبكم من حيث ال تدرون‬ ‫رصهم اآليتَ وأنتم غافلون‬ ‫ستخ ّط ّ‬ ‫كل يوم مالح َم بطوالتهم ون َ‬ ‫أعامكم الغرور وجعلكم بحجارتهم تستخفّون‬ ‫ها هي الحجارة اليوم انقلبت إىل ما تخافون‬ ‫وها أنتم ‪ ،‬فج ًرا وأيوبًا يف أحيائكم وسامئكم ترصدون‬ ‫يا أيّها املتكبرّ ون املتغطرسون‬ ‫سيأيت ذلك اليوم حتماً حيث ستُه َزمون‬ ‫ومن حيث أتيتم ‪ ،‬من هناك وهنالك ستعودون‬ ‫وعىل كواهلكم النجسة خيبتَكم ستحملون‬ ‫َ‬ ‫وأذيال فشلكم وراءكم ستج ّرون‬ ‫أنتم أيّها الصهاينة الخاسئون‪...‬‬ ‫يا أعداء األرض واإلنسان ‪ ...‬أيّها السارقون‬ ‫الشرّ َّ الذي غرستموه ستجنون وتُ َد َّمرون‬ ‫والس َّم الذي سقيتموه سترشبون وتهلكون‬ ‫ّ‬ ‫أنتم أيّها الشرّ ّ املطلق ال محالة زائلون‬ ‫وسيشهد ذلك القاصون والدانون‬ ‫وسيس ّجل التاريخ هزميتكم مهام كنتم أحداث َه ت ُ َز ّورون‬ ‫وسريمي بكم إىل مزبلته ‪ ،‬املكان الذي تستحقّون‬ ‫وستالحقكم حجارة س ّجيل وتسكنكم كوابيس معها سرتقدون‬ ‫أنتم الذين زرعتم السيّئات وحصدتم الخطيئة ‪...‬‬ ‫أنتم أصحاب النار وفيها ستخلّدون ‪.‬‬


‫العدد ‪ 75‬كانون األول ‪2012‬‬

‫صفحة ‪24‬‬

‫العالم يتحول‬ ‫وحتوالت‬ ‫مستمرة نحو مجتمع جديد‬ ‫شهرية فكرية ثقافية‬

‫إىل‬ ‫تحية طيبة وبعد‪،‬‬ ‫إن ارسة تحرير مجلة “تحوالت” تعتربكم من اصدقاء املجلة والداعمني الستقالليتها واستمراريتها وتطورها‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬يرسها أن تتوجه اليكم بهذه الرسالة من أجل تعزيز التعاون عرب تقديم اإلقرتاحات وتبادل وجهات النظر والعمل معاً من أجل‬ ‫توفري قاعدة صلبة تضمن إستمراريتها وتوسيع إنتشارها‪.‬‬ ‫لذا نتطلع اىل مساهمتكم يف االشرتاك يف املجلة واهداء نسخ منها ألصدقائكم مام يسمح بوصولها اليكم يف شكل منتظم ويضمن لها‬ ‫قاعدة ثابتة من القراء املتضامنني معها‪.‬‬ ‫قيمة اإلشرتاك ‪ :‬مايس ‪ $1000 :‬ذهبي ‪ $750 :‬فيض‪ $ 500 :‬برونزي‪: $300 :‬عادي لبنان‪ $100 :‬الخارج‪$150 :‬‬ ‫من اجل تسهيل عملية االشرتاك نأمل من حرضتكم تحديد االشرتاك وكيفية الدفع عرب القسيمة التالية‪:‬‬ ‫اسـم الـمشتــرك‪:‬‬ ‫املنطقة‪:‬‬

‫الـمـبنى‪:‬‬ ‫الخلوي ‪:‬‬

‫الهاتـف‪:‬‬

‫الطــابـق‪:‬‬ ‫الفاكس‪:‬‬

‫ص‪ .‬ب‪:‬‬

‫الربيد االلكرتوين‪:‬‬ ‫إبتدا ًء من‬

‫قيمة االشرتاك السنوي‪:‬‬

‫اىل‬

‫نقداً‬ ‫شيك مرصيف صادر المر أبعاد ش‪.‬م‪.‬م أو تحويل مرصيف عىل حساب‪:‬‬

‫‪ACCOUNT NO: 234170-001‬‬ ‫‪ABAAD S.A.R.L - AL - MAWARID BANK S.A.L - HAMRA BRANCH‬‬

‫‪IBAN Number : LB 91 0101 0000 0000 0012 3417 0003 - Swift :MABALBBE‬‬ ‫‪www.tahawolat.net‬‬

‫‪email: info@tahawolat.net‬‬

‫‪Lebanon, Beirut, Hamra Main Street, Rasamny Bldg., 7th floor‬‬

‫‪ 7th floor‬ـ ‪ Rasamny Bldg‬ـ ‪ Hamra, Main Street‬ـ ‪Lebanon, Beirut‬‬

‫‪Email: info@tahawolat.net‬‬ ‫‪www.tahawolat.net‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.