العدد 75شباط 2013
العدد 75شباط 24 2013صفحة 2000لرية
احلركة الوطنية للتغيري الدميقراطي
4
معركة ال�سيطرة على بوابة طريق احلرير
�إىل �أوروبا
االن�سداد الثقايف
الدولة الدينية �إجها�ض
للدولة القومية
6
من التنوير �إىل التثقيف
10
16
ال �إكراه يف الدين 3
2
العدد 75شباط 2013
منرب
الأفق املفتوح للنهو�ض... زهير فياض من نافل القول إن ثمة خطرا ً حقيقيا ً يتهدد ّ وجودنا القومي واحلضاري واإلنساني ،وهذا اخلطر أصبح واقعا ً مقيما ً داخل مجتمعنا ،ويهدده تفجره في العمق... بانشطارات داخلية ،قد ّ «الهوية» مبا تختزن داخلها من عالمات التعريف عن «الذات» تواجه مأزق «التغريب» و»التهجني» و»التدجني»... «املشهد التاريخي» برمته ...متصدع ،ويعاني من تشوهات حتتاج الى عمل جبار إلعادة جتميع أجزاء الصورة احلقيقية التي تشبهه... «الذاكرة» بني املسح واالختزال ...تعاني هي األخرى »...عشوائية» من نوع آخر ...وانتقائية في العودة الى شريط األحداث اخملزونة في طياته... «العقل» بني «التعطيل» و»الفعل» ،بني «السحل» و»التوهج» ...بني «املسخ» وإشراقة «اللمعات املضيئة»... ً تقدم ...على مفترق طرق... نحن ...تأسيسا على ما ّ شعب أو إنسا ٌن... قلما وقف في قلبه... ٌ خيارات صعبة ...لكل منها تداعيات ...ونتائج... ال تقف عند حدود احلاضر ...بل تتخطاه قدما ً الى اآلتي... ولكن ،ما العمل؟ أسوأ ما ميكن عمله هو أن ال نعمل شيئاً ...أي أن نتبنى أطروحة «النأي بالنفس» ونقف على حدود اخليارات ...تائهني ...متفرجني ...في حالة من العبثية يرثى لها ...حتى خيار كهذا له نتائج... وقد تكون من النوع الذي يصعب حتمله... بالطبع ...أن نقعد عن تكرار احملاوالت ...يعني اعترافا ً بالعجز ...واعترافا ً بتجليات «اخليبة»... ال ...ليست الصورة كذلك ...اذ بالرغم من كل الرماد... الذي يطمر امليادين ...إال أن اجلمر املتوقد حتته... سينبعث من جديد شعلة تنير وتضيء الطريق... في الوجود ...ثمة متناقضات ...وتضادات ...تختلف
نيـڤين فـخري
قراءتها في الفلسفة ...ولكنها جزء ال يتجزأ من احلياة... لذا ،فالعسر يلحقه يسر ،والشدة ال بد أن يعقبها الفرج... نحن قو ُم نؤمن بأنفسنا ،ونؤمن بقدراتنا ،ونؤمن مبكنونات ذاتنا االيجابية الفاعلة ...املتطلعة دوما ً الى املستقبل باألمل والرجاء معطوفني على الفعل «النهضوي» ...فعل «القيامة»... قوى الشر وصلت في بالدنا الى نقطة الالعودة في مشروعها الهمايوني «احلاقد» «األسود» «الظالمي» ...املتخلف ...مشروع «محاكم التفتيش» التكفيرية التهجيرية «الذبحاوية» ...وأطياف مجتمعنا بسوادها األعظم مدعوة الى مالقاتها
مبشروع حضاري قومي إنساني أخالقي خالق ومبدع... لن يطوينا مشروعهم ...ألنه مشروع املوت ...ونحن عصيون على «املوت» ...خسئوا ...مشروعنا ...هو مشروع احلياة والعز واخلير واالنفتاح .... التفاؤل مصدره ...حقيقة راسخة ...أن الطبع يغلب التطبع ...وقد ُجبلنا على طبع «االنتفاض التاريخي» بوجه الظلم واالحتالل والعدوان واإلرهاب بأشكاله اخملتلفة واملتعددة... بقي ـ طبعا ً -أن نبذل اجلهد في كل امليادين املتاحة... لنغلب مبشروع العقل مشاريع «الغرائز» بأصنافها املتعددة واخملتلفة... وكلنا إميان ...أن كوة في اجلدار قد فتحت باجتاه «املستقبل»...
4 عامر مالعب
العدد 75شباط 2013
منرب
ال �إكراه يف الدين منصور عازار من يراقب التطورات احلاصلة في شرقي البحر املتوسط من الشام الى العراق وصوال ً إلى إيران ويدرس نتائجها على لبنان يتأكد لديه ان هناك مخططا ً رهيبا ً ومخيفا ً ينفذ في هذه املنطقة ذات التاريخ العميق في القيم واملمتد آالف السنني الغابرة والذي حمل الى العالم أهم املنجزات احلضارية التي مهدت لهذا العصر ما ّ متكن حتقيقه من تقدم علمي واختراعات أوصلت االنسان الى الفضاء الرحب املاثل أمامنا كما ّ مكنته من تفتيت الذ ّرة وصوال ً الى القنبلة النووية التي إذا انفجرت محت احلضارة التي صنعتها منذ بداية تطورها الى اآلن؟؟ هل ندرك نحن في لبنان هذا الكيان الصغير في مساحته وعدد سكانه ،ماذا تواجه االنسانية نتيجة هذا الصراع القائم اليوم بني قطبني العالم وهما روسيا والواليات األميركية املتحدة؟ انهما معا ً يضعان الكرة االرضية على حافة االنفجار ،اذ يتصارعان على مواردها ويسخر كل منهما ما متكن من اجل السيطرة الكاملة وغيرها ...العالم يشتعل حيث توجد هذه املوارد فأفريقيا الغربية والسودان بشقيه ونيجيريا وما حتتويه ارضها من بترول وغاز ومالي والصحراء التي يسكنها الطوارق ،كلها اليوم هي الهدف املباشر لهذه الدول اجلوارح ترسل جنودها وآلياتها تهدم وتخرب وما من رادع!!! ان دول اوروبا :من فرنسا الى املانيا وايطاليا واململكة البريطانية وغيرها أخذت خيارها مع الواليات املتحدة االميركية ووضعت بتصرفها كل خبراتها االستعمارية املمتدة الى مئات السنني خلدمة هذا اخملطط الرهيب ،انه املشهد اخلطير الذي نواجهه فهل منطقتنا واهلها يدركون ما هو حاصل اليوم في هذه الكرة االرضية؟ أتشك بذلك؟ فسلوكهم وتصرفاتهم شعوبا ً تدل أنهم ما زالوا يعيشون في القرون وحكومات ّ الوسطى تتحكم في تصرفاتهم عقليات تعود الى عصور اجلاهلية والغباء والتخلف... بينما العالم يتطور جند اننا في هذه املنطقة نعيش في األحياء والزواريب الطائفية وتتحكم في سلوكنا وتصرفاتنا الغرائز واالنفعاالت والنزعة الفردية الفاشلة التي هي أخطر من االحتالل االجنبي .نحن في هذا الوطن نريد ان نخرج من العصور البائدة ومن مزارع يسمونها وزارات وادارات الى انصهار وطني حقيقي يقوم على مناقب وطنية عالية ... ليس ما نقوله وعظا ً وال يندرج في سياق النصائح بقدر ما هو محاولة عامة قبل الدخول الى اخلاصة
والتي يتجلى اآلن في التحضير الى املعركة االنتخابية املقبلة. كيف يجري التحضير لهذه االنتخابات املقبلة؟ اننا نرى نزاعا ً بني زعامات فارغة من كل مضمون ومن املدمرة حياة الوطن واملواطنني األحزاب الطائفية ّ ومن رجال دين ليس لهم احلق أن يتدخلوا في شؤون املواطنني الدينية وفي خالص النفوس ،فاملواطنون أدرى بتدبير حياتهم ومعرفة مصاحلهم وما يطلبه اجليل اجلديد الطالع هو أن يكون حرا ً في توجيه حياته ومستقبله .اما الزواج املدني الذي يلعنونه أليس هو اخملرج احلقيقي إللغاء احلواجز بني مختلف الطوائف واملذاهب وبناء مجتمع جديد يتمكن من مواكبة تطورات هذا العصر ويؤمن لألجيال الطالعة االنصهار الوطني الذي بدونه سنبقى طوائف وقبائل وزعامات فارغة تتقاسم جبنة الدولة. لقد عهد البعض كلمات عدة ،فصارت كلمة استثمارات اإليجابية ستارة لكلمة مساومات سلبية عاهرة ،وكلمة تشكيل الالئحة لم تعد أكثر من ستارة لعملية الدفع والقبض وتبادل املنافع. فهل هذا السلوك من يعتبر االنتخابات استفتاء شعبيا ً من اجل غايات وطنية سامية ،ام هو سلوك
من يؤمن ان كل احملرمات تصبح مشروعة وجائزة من اجل الوصول؟ هل هذه هي املناقب املفترض ان تكون مدعني كذبا ً في سياسيني وقادة ميألون اجلو زعيقاً، ّ وزورا ً انهم ممثلون شعبا ً يريدون له النهوض. هذه العقلية البهلوانية ،وكأنها في سيرك ابتلونا بها في انتخابات سابقة عديدة .عقلية كاحلرباء تتلون وتتستر دوما ً في كل مرحلة حتت اسماء مختلفة ووجوه متعددة .هذه العقلية هي املسؤولة اليوم عن حالة االنحطاط التي أوصلتنا اليها. ولسنا نبحث في هذه الكلمات عن فضائح وهي أكثر من أن تعد وحتصى ومكشوفة ألعني اجلميع ،وال عن عمليات املساومة والشروط واخلدمات والوعود باملناصب ،وتقاسم احلصص واألموال التي تدفع او عن بوس اللحى وحفر اخلنادق ونصب األفخاخ وتهيئة اخلناجر للطعن في الظهر إن الحت الفرصة واستدعت األطماع ذلك ،بل نبحث عن قواعد مشتركة يتوقف املواطن عندها ألنها تشكل احلاجز األكبر في معركة الدفاع عن وطن نريده وطنا ً جديرا ً حتت الشمس وتريده مافيات السياسة مزرعة وأسالبا ً تسوسها وتدبرها بعقلية اجلاهلية األولى. من بني الذين قاربوا موضوع الزواج املدني سماحة مفتي اجلمهورية اللبنانية الذي رفضه وأصدر فتوى واضحة وصريحة يحرم فيها الزواج املدني ويحذر من يقدم عليه بعظائم األمور ويُحرم كل مرتكب لهذا الفعل من حقوقه بالصالة والدفن في مقابر الطائفة؟ كما أن األب يوسف مونس في عدد الديار الصادر األربعاء بتاريخ 2013/1/30اذ يقول: بني تغريدات سليمان وميقاتي ورفض رجال الدين املسلمني قانون الزواج املدني ،هذا املوضوع أبعد من الطائفية السياسية فهو حرية الشخص باملطلق، وال إكراه في الدين ،فمن ال يريد ممارسة معتقداته الدينية فال يجوز قمعه ثم يقول حفاظا ً على االلتزام الديني علينا أن ننشئ الزواج املدني ملن يريد مسلما ً كان أم مسيحياً. امام هذه املواقف املتناقضة هل يجوز حرمان الناس من ممارسة قناعاتهم؟ وهل الزواج املدني الذي متارسه كل اوروبا والواليات املتحدة االميركية وباقي العالم هو خروج عن الدين؟ علينا في لبنان ان ندرك اننا (كلنا مسلمون لرب العاملني ،منّا من أسلم هلل باالجنيل ومنّا من أسلم هلل بالقرآن ومنّا من أسلم هلل باحلكمة) ...وإنها حكمة يجب أن منارسها في حياتنا لنصبح مجتمعا ً حرا ً ومرافقا ً لتطورات العصر.
3
4
العدد 75شباط 2013
�أحزاب
احلركة الوطنية
للتغيري الدميقراطي د .عصام نعمان قدمته ملخص التقرير السياسي الشامل الذي ّ االمانة العامة للحركة الوطنية للتغيير الدميقراطي في املؤمتر االول للحركة الذي عقد في 27/1/2013وقد ألقاه الدكتور عصام نعمان. منذ انعقاد املؤمتر التأسيسي للحركة الوطنية للتغيير الدميقراطي قبل سنتني ،حدثت تطورات اقتصادية وسياسية واستراتيجية بالغة االهمية على الصعد العاملية واإلقليمية واحمللية .ورغم ان الوجهة العامة للوثيقة التأسيسية للحركة ال تتعارض مع التطورات املستجدة فقد وجدنا من االفضل إجراء قراءة حتليلية ونقدية لها ل ُيصار في ضوئها إلى استخالص االستنتاجات اجملزية ،وحتديد التحديات املاثلة ،وتصويب البرنامج املرحلي للحركة في مواجهتها. من خالل عرض حتليلي جملريات الوضع الدولي املستجد في سياق التطورات اإلقليمية والعربية ،أمكننا رصد اخملطط األميركي واألطلسي وحتديد اغراضه على النحو اآلتي: (أ) ضمان استمرار الهيمنة األميركية األطلسية اإلسرائيلية على املديني العربي واإلسالمي واستغاللها في الصراع الدولي وذلك نظرا ً ألهمية املوقع اجليوسياسي للمنطقة العربية ،وحلجم ثرواتها النفطية والغاز ّية. (ب) تشجيع النزاعات الدينية واملذهبية ،وبخاصة بني السنّة والشيعة ،إلضعاف دول املنطقة عموما ً وقوى املمانعة واملقاومة خصوصاً. (جـ) االستمرار في دعم الكيان الصهيوني بأسباب التفوق العسكري ،وحماية احتكاره للسالح النووي مبمارسة كل اشكال الضغط إلحباط البرنامج النووي اإليراني ،ومنع اي دولة إقليمية غير «إسرائيل» من امتالك مشروع نووي مستقل ،حتى لو كان طابعه سلمياً. (د) تبديل اولويات املواجهة وإجهاض القضايا العربية وفي مقدمها قضية الشعب الفلسطيني بطريق إبراز ايران وبرنامجها النووي كخطر اول على دول املنطقة ومصاحلها ،وليس «إسرائيل» العدوانية التوسعية. ويرصد التقرير ظاهرة ما يُسمى بـ»الربيع العربي» والتراجع الذي اصاب معظم احلراكات الشعبية التي اندلعت في طول الوطن العربي وعرضه وذلك من خالل تقسيمها إلى مراحل ثالث: املرحلة االولى ،االنتفاضات في دول املغرب العربي واجلزيرة العربية. املرحلة الثانية ،غزو ليبيا. املرحلة الثالثة ،الصراع في سوريا وعليها. وال يغفل التقرير ،بطبيعة احلال ،انعكاس كل هذه التطورات على الوضع الفلسطيني والسيما جلهة
انحسار اولوية قضية فلسطني في أجندة القوى التي هيمنت على االنتفاضات العربية في مغرب الوطن الكبير ومشرقه. استنتاجات رئيسية حول الوضع اإلقليمي والعربي الراهن من مجمل أبعاد العرض التحليلي للتطورات العاملية والعربية واحمللية ،أمكننا استخالص االستنتاجات اآلتية: * جنحت الواليات املتحدة والقوى األطلسية مبساندة دول اخلليج وتركيا في امتصاص الكثير من مفاعيل فشلها في العراق ،وفشل حليفتها الصهيونية في حرب متوز 2006 على لبنان ،واحلرب على غزة ،2008/2009كما جنحت في استيعاب سقوط األنظمة التابعة لها في املغرب العربي، وذلك عبر إجناز تفاهمات وحتالفات مع أوساط واسعة من قوى اإلسالم السياسي ،فحالت دون إحداث التغيير الذي كان من املفترض اجنازه بعد سقوط تلك األنظمة. * جنحت أيضا في حتويل احلراك السوري الذي بدأ مطالبا ً بالتغيير إلى ثورة مضادة تهدد وحدة سوريا واستقرارها السياسي واالجتماعي ،وتهدد املشرق العربي بأكمله. * كما جنحت في إخراج القضية الفلسطينية من جدول أعمال االنتفاضات العربية ،ما شجع «إسرائيل» على تسريع عملية قضم األرض الفلسطينية ،وتهويد القدس، وإعالن يهودية دولة «إسرائيل» ،والسعي لتصفية القضية الفلسطينية ككل. * وجنحت في تزكية النزاعات البينية في املنطقة وبخاصة صب الزيت على نار الفتنة السنية -الشيعية ،اخلامد ّ منذ فترة طويلة ،وال سيما في حقبة القيادة القومية التقدمية جلمال عبد الناصر. * وهي تستمر وبنجاح نسبي في دفع دول اخلليج العربي لإلمساك باألوضاع العربية والنظام العربي الرسمي من خالل الهيمنة على اجلامعة العربية ،وعلى رجال الدين ،ووسائل اإلعالم ،والقادة السياسيني ،واملنظمات اإلقليمية ،ومنظمات اجملتمع املدني ،عبر إنفاق مالي منفلت من عقاله ،مستفيدة من ارتفاع أسعار البترول وحتقيق فوائض مالية غير مسبوقة. * كما جنحت في تعزيز دور احلركات الدينية وال سيما السلفية منها ،وبشكل أخص احلركات املعادية لقوى التحرر العربي على امتداد العاملني العربي واالسالمي. ومن أبرز جتليات هذا النجاح تسهيل وصول حركة االخوان املسلمني إلى السلطة في مصر ،وحركة النهضة في تونس ،وبشكل ّ أقل احلركات اإلسالمية في كل من ليبيا واليمن واملغرب .وال بد من إيالء التحول اخلطير الذي تشهده مصر األهمية التي يستحقها .فبرغم تراجع دور مصر العربي واإلقليمي والدولي في ظل عهدي السادات ومبارك ،إال أن مصر تبقى القوة العربية املركزية .وما تشهده من احداث سيترك بصمته الواضحة على مجمل
التطور الالحق للمنطقة وللعالم. ال شك في ان حكم األخوان املسلمني ملصر سيترك بصمات كبيرة ومهمة على مستقبل الدولة وهويتها، وسيعرضها خملاطر جدية من الصراع حول الهوية املدنية للسلطة والهوية الدينية التي يحاول اإلخوان إسباغها عليها بحيث يصبح من غير املستب َعد أن ينتهي التغيير باالنتقال من نظام ديكتاتوري عسكري الطابع ،إلى نظام شمولي ديكتاتوري ديني الطابع .عزز هذا املسار فرض اإلخوان بالتعسف والتزوير مشروعهم الفئوي للدستور الذي قسم الشعب املصري بني متدين متزمت ومدني دميقراطي متسامح. يعني ذلك ،باملنظور السياسي ـ السوسيولوجي ،ضرب مكتسبات احلداثة ،والتضييق على احلريات الفردية والعامة. تستند جماعة اإلخوان املسلمني بعد إقرارها الدستور اجلديد عنوة إلى معطى دستوري للقمع باسم الشرعية واملقدسات ،وستلجأ إلى أخونة الدولة ووظائفها العامة، ورمبا إلى اضطهاد ديني وسياسي ضد باقي مكونات اجملتمع املصري .سيؤدي ذلك بالطبع إلى تعميق االنقسامات السياسية والدينية والطائفية التي كان اجملتمع املصري قد جتاوزها منذ عهد محمد علي وحتى يومنا هذا ،مع احتمال حتولها إلى مصادمات أهلية واسعة شهدت مرحلة فرض الدستور بعض مقدماتها ،ما يدفع اجملتمع املصري إلى شفير النزاع األهلي الذي سيلحق ضررا ً بالغا ً مبصر واملنطقة العربية مبجملها ،بحكم املوقع املركزي ملصر ،وما متثله من توازنات استراتيجية. * إن ثبات مواقع األميركيني في املنطقة ،وقدرتهم على مواصلة النهج الهجومي رغم النكسات التي تع ّرضوا لها في املنطقة ،تعود جزئيا ً إلى رسوخ التخلف االجتماعي واالقتصادي والسياسي في مجتمعاتنا العربية ،وإلى استمرار االنقسامات القبلية واالتنية والطائفية واملذهبية التي تسهل على كل متدخل في شؤوننا الداخلية حتريكها وإخراجها من سباتها .باإلضافة إلى الثغرات البنيوية التي عانت وتعاني منها القوى املناهضة لسياسات الغرب وإسرائيل ،وفي ذلك انعدام لفرص التنمية االقتصادية واالجتماعية واإلصالح السياسي والتحول الدميقراطي في املنطقة .كما تؤسس حلروب تهدد بتحويل الدول العربية إلى دول فاشلة أو شبه أهلية ّ فاشلة ومنكشفة كليا ً أو جزئيا ً على كل أنواع التدخالت األجنبية واإلقليمية وتعميق التبعية للخارج .قد يحصل ذلك من خالل جتديد شكلي للنظام الرسمي العربي عبر
العدد 75شباط 2013
إعادة إنتاج ديكتاتوريات جديدة ،أو عبر ممارسات دميقراطية جتدد األنظمة القدمية بتغيير بعض الوجوه وابقاء شكلية ّ جوهر السياسات .وقد برع الغرب وحلفاؤه في هذا النوع من العمليات ،وراكم خبرات كبيرة في التزوير الصريح واملقنع للعمليات االنتخابية الشكل َية التي تفرز نخبا ً وأنظمة موالية له.
�أحزاب العمل على حتويل السوق العربية املشتركة من شعارإلى واقع ملموس ،عبر املبادالت االقتصادية واملبادرات واالتفاقات العربية البينية ،متهيدا ً إلقامة االحتاد العربي، وإعادة االعتبار لشعار الوحدة العربية. حماية وحدة اجملتمعات العربية عبر التصدي للنزاعاتالدينية املذهبية والقبلية والتقسيم ّية (الصراع مع احلركات السلفية) استنادا ً إلى النهج الدميقراطي وثقافة املواطنة واحترام حقوق األقليات الدينية واالتنية. مواصلة النضال من أجل دميقراطية حقيقية فياملنطقة في ظل دولة مدن ّية ومقاومة لكل أشكال االستبداد القدمي واجلديد ،وتعزيز الدور الوطني اجلامع للجيوش والقوى املس ّلحة ،مع احلرص على ضبط ميولها السلطو ّية ،وتعزيز دور احلركات السياسية الوطنية والتقدمية والدميقراطية وحيويات اجملتمع املدني. النّضال من أجل دور واسع للمجتمع املدني من خاللمنظماته النقابية والسياسية املستقلة ،ووفق مشروع تغييري شامل باجتاه الدولة املدن ّية الدميقراطية. السعي لقيادة التّحول الدميقراطي والتحضير لربيععربي حقيقي ،يهدف إلى بناء دول مدنية دميقراطية حديثة ،تعتمد سياسات تنمية اقتصادية مستقلة، وسياسات اجتماعية رعائية. العمل على توحيد جهود القوى العروبية والتقدم ّيةوالدميقراطية،على الصعيدين الوطني والقومي ،وفق قاعدة األولويات املشار اليها ،في سياق النضال إلسقاط مشاريع الدول الدينية واملذهبية املتقاطعة واملتصاحلة مع مشروع تهويد فلسطني ،وبناء الدول العربية املدنية الدميقراطية الساعية إلى حماية النسيج الوطني جملتمعاتنا ،واعتماد مفاهيم التنمية املستقلة والعدالة االجتماعية ،والنضال من أجل توحيد املنطقة وتعزيز تقدمها العلمي والصناعي والسياسي والثقافي.
حتديات املرحلة الراهنة ترتسم أمام القوى احلية في املنطقة ،وأمام قواها الوطنية والقومية والتقدمية التحديات اآلتية: استمرار االحتالل األطلسي املباشر وغير املباشر جململمفاصل املنطقة العربية ومحيطها الشرق أوسطي. استمرار اخلطر اإلسرائيلي وتصاعده ،رغم النكساتالتي تعرض لها خالل مواجهاته املستمرة مع املقاومات الوطنية واالسالمية في لبنان وفلسطني .ويتضح هذا اخلطر من خالل توسيع وترسيخ احتالله لفلسطني عبر توسيع االستيطان ،وتصعيد القمع الوحشي للشعب الفلسطيني ،وتهديداته املتواصلة للدول العربية وايران. اهتراء النظام الرسمي العربي ،وتوسع نطاق التشرذمالسياسي واملذهبي في غالبية اجملتمعات العربية، وتصاعد التوترات االجتماعية والسياسية واالجتماعية على امتداد املنطقة .وتصاعد التدخالت الدولية واإلقليمية بكل قضاياها وشؤونها ،وكأنها باتت مساحة مستباحة فاقدة احلد األدنى من التماسك ،واحلد األدنى من عناصر األمن القومي. ازدياد التخلف االقتصادي واالجتماعي ،والعجز املتواصلعن بناء االقتصاد الوطني املنتج واالعتماد على االقتصاد الريعي في مختلف الدول العربية ،وال سيما الدول النفطية. غياب الوعي االجتماعي والثقافة الدميقراطية،واستمرار القمع السياسي بأشكال مختلفة ،رغم الوضع اللبناني النضال الشعبي املتصاعد ضده. إزاء عجز السلطة السياسية عن تقدمي احللول العملية البرنامج الضروري ملواجهة التحديات وإعادة بناء حركة اإلنقاذية لألزمتني الوطنية واالقتصادية االجتماعية املتفاقمتني ،وأمام غياب احلرص على احلؤول دون ربط الوضع التحرر الوطني العربية ملواجهة التحديات املشار اليها ،مع األخذ بعني االعتبار األمني والسياسي بتداعيات الصراع الدولي واإلقليمي، موازين القوى السياسية واالجتماعية ،وواقع البنية تعيش الساحة اللبنانية حالة توتر أمني متصاعد أدخلت التعددية جملتمعاتنا العربية دينيا ً ومذهبيا ً واثنياً ،وتشرذم البالد في نفق أزمة متفاقمة إذا ما قدر لها أن تنفجر الوضع العربي الذي يجعل املنطقة في وضع شبيه فلن يخرج منها أحد رابحاً ،ال سيما ان تطورات العقود بوضعها عشية الغزو األوروبي ملصر (القرن التاسع السابقة قد أثبتت عجز أي طرف عن إلغاء اآلخر ما يعني عشر) وأخذا ً بعني االعتبار كذلك حجم الهيمنة الغربية ان اجلميع ملزم بالتوافق السياسي ال سيما ان لبنان ليس السلفي الذي جزيرة معزولة ال يؤثر وال يتأثر مبا يجري حوله.. املد ّ األطلسية عليها ،ومخاطر ّ الديني ّ ّ املفككة أصالً ،ال بد من طرح ترى احلركة الوطنية أنه حيال اخملاطر احملتملة والتي متثل يهدد بتفكيك مجتمعاتنا ّ تهديدا ً الستقرار الوطن ،وأمام تفاقم األزمة املعيشية، األولويات اآلتية: إخراج اجليوش األطلس ّية من املنطقة ،وردع العدوانية وتصاعد املديونية العامة ،وتزايد نزيف هجرة األدمغةالصهيونية ،عبر تثبيت خيار املقاومة الشاملة ،كخيار والطاقات الشابة ،وأزمة الغذاء والدواء ،وأمام تراجع القدرة الشرائية لذوي الدخل احملدود ،والعديد من اخملاطر استراتيجي لقوى التحرر والتغيير في املنطقة. إعادة القضية الفلسطينية إلى موقعها التاريخي واملصاعب التي يواجهها الشعب اللبناني ،ال بد من اعطاءكقضية مركزية لألمة العربية ،ابتداء من استعادة وحدة األولوية في املرحلة املقبلة لألهداف اآلتية: الشعب الفلسطيني ،وإعادة إحياء مؤسساته الوطنية اوالً ،حماية السلم األهلي كأولوية حاسمة عبر بلورة وأولها منظمة التحرير الفلسطينية ،والعودة إلى خيار املشتركات في القضية الوطنية والتركيز على عوامل املقاومة مبختلف أشكالها ،بديالً من مسيرة التسوية التالقي االجتماعي والسياسي والثقافي .واالستفادة من السياسية وأوهامها في ظل الواقعني الفلسطيني كل الوسائل املتاحة ،إعالميا ً وفنيا ً وتربوياً.... ثانياً :الدفاع عن خيار املقاومة وقوى املقاومة اذ أثبتت والعربي الراهنني. التجربة أن املقاومة الشاملة هي السبيل األجدى للدفاع -بناء اقتصاد عربي منتج واخلروج من االقتصاد ال ّريعي.
عن لبنان ومصالح شعبه ،مقاومة شاملة سياسيا ً ّ وثقافيا ً ومدنيا ً تشكل عنوانا ً وجوهرا ً للقضية الوطنية، بينما تشكل املقاومة املسلحة العمود الفقري ملنظومة الدفاع الوطني. ثالثاً :منع استخدام لبنان كمنصة للتآمر على سوريا ومختلف قوى املمانعة واملقاومة اللبنانية والعربية واإلقليمية. رابعاً :متابعة العمل على إقرار اإلصالح السياسي ّ عصري الشامل ،ومم ّره اإلجباري املتمثل بإقرار قانون انتخاب ّ قائم على قاعدة النسبية ولبنان دائرة واحدة وخارج القيد الطائفي. خامساً :إصالح وتطوير القضاء وتأمني استقالليته وتعزيز دوره. سادساً :إقرار قانون مدني اختياري لألحوال الشخصية، على طريق إلغاء الطائفية السياسية. سابعاً :حترير النقابات العمالية واملنظمات الدميقراطية واملؤسسات األهلية من التبعية للقيادات الطائفية، وهيمنة أجهزة السلطة. ثامناً :تعزيز التعليم الرسمي وتطويراجلامعة الوطنية، ومراقبة التعليم اخلاص جلهة البرامج واألقساط املدرسية واجلامعية. يضم كل تاسعاً :تعزيز اجلهود لبناء إطار تنسيق جبهوي ّ الساعية إلى األهداف ذاتها التي نعمل من القوى احل ّية ّ أجلها لبنانيا ً وعربياً. عاشراً :العمل لتحقيق مطالب اجملتمع املدني وحركاته االجتماعية والنقابية وفق أولو ّيات املرحلة (مقاومة التّطبيع الثقافي مع العدو الصهيوني ،تنشيط سلوكيات الدفاع عن احلقوق النقابية املقاطعة االقتصاديةّ ، العامة ،حماية وإصالح صندوق والدميقراطية واحلريات ّ الضمان االجتماعي ،حماية األجور ومقاومة الغالء ،تأمني اخلدمات العامة من كهرباء وماء وطبابة ،ومقاومة الغالء، ّعصب الطائفي احلد من هجرة الشباب ،مناهضة الت ّ والديني واملذهبي ،حماية حقوق املرأة والطفل الخ... حادي عشر :دعم املساعي الرامية إلى إنشاء اجلامعة الشعبية العربية ملواجهة أعداء األمة ولنصرة املشروع النهضوي احلضاري العربي. إن احلركة الوطنية للتغيير الدميقراطي ،اذ تقدم رؤيتها ملا تعتبره مشروعا ً مرحليا ً ملعاجلة األزمات املتفاقمة للبنان واملنطقة ،متد يدها للحوار والتالقي مع القوى السياسية اللبنانية كافة التي تشاركها رؤيتها في ميدان اإلصالح السياسي واالقتصادي االجتماعي ،مبا يتيح جتاوز نظام احملاصصة الطائفية ،ويرسي الركائز األساسية لنظام وطني دميقراطي ،يوحد القوى الشعبية والسياسية في وجه العدو الصهيوني ،ويح ّول مقاومتنا للعدو إلى فعل إميان وطني شامل .إن احلركة ترى أن اخليار الواضح املطروح أمام الشعب اللبناني لتحصيل حقوقه وتوفير مستلزمات حياة حرة وكرمية وغير مرتهنة للخارج ،يتمثل بأن تأخذ قوى التغيير الوطني الدميقراطي موقعها الطبيعي في مسيرة الصراع السياسي في وجه القوى الطائفية .وبقدر ما يكبر دورها ويتسع االلتفاف الشعبي حولها ،بقدر ما يتراجع تأثير اخلطاب الطائفي ودور القوى احلاملة له، وتتعزز فرص خروج الوطن من مستنقع أزماته املتفاقمة. إلى هذا اخليار تدعو احلركة الوطنية للتغيير الدميقراطي، وفي سبيله تناضل.
5
6
العدد 75شباط 2013
ا�سرتاتيجيا
معركة ال�سيطرة
على بوابة طريق احلرير �إىل �أوروبا رياض عيد طرح األب الروحي لشؤون اجليوبوليتك ،نيوكوالس سبايكمان ،حتليله الشهير منتصف القرن املاضي، والذي قدر له أن يكون قاعدة متبعة من جانب الكثير من االستراتيجيني ،وهي أن “من يحكم رمالند يحكم أوراسيا ،ومن يحكم أوراسيا يسيطر على مقاليد العالم”؛ ورمالند هي املنطقة التي يطلق عليها حافة اليابسة ،وحافة اليابسة هي قوس األزمات عند وتسميه بريجنسكي وهي العالم العربي اإلسالمي ّ الواليات املتحدة الشرق األوسط الكبير ،والذي ال زالت تشكل السيطرة عليه نقطة السيطرة على العالم. وهي نقطة االرتكاز اجلغرافي حيث يعتبر اجلغرافي البريطاني هالفورد ماكندر أول من نبه إلى أهميتها في محاضرته في اجلمعية اجلغرافية امللكية البريطانية في يناير 1904ولقد وضع إصبعه على أن شرق أوروبا نقطة االرتكاز اجلغرافي والتي أطلق عليها العام 1919قلب اليابسة في أوراسيا ،التي كان االحتاد السوفياتي يسيطر عليها ،وطرح نظريته املشهورة التي أثرت في الفكر االستراتيجي في أوروبا وأميركا خالل القرن العشرين وحتى اآلن بأن “من يسيطر على شرق أوروبا يسيطر على قلب اليابس ومن يسيطر على قلب اليابس يسيطر على جزيرة العالم ومن يسيطر على جزيرة العالم يسيطر على العالم”؛ ويقصد ماكندر بجزيرة العالم القدمي آسيا وأوروبا وأفريقيا ،ولقد فهم نابليون أهمية قلب توجه إلى روسيا ،وكذلك تأثر اليابس قبل ماكندر عندما ّ قيصر أملانيا وليم الثاني وهتلر وموسوليني بأهمية قلب اليابسة للسيطرة على أوروبا والعالم ..ويبدو أن أوراسيا التي تراجعت أهميتها بعد احلرب العاملية الثانية .تعيد الصني اكتشاف أهميتها مجدداً ،كما أنها تعمل إلعادة تنظيم الشؤون اجليوبوليتيكية لكل آسيا وليس لوسط آسيا فقط. وفي التاريخ الصيني تقليدان يبعثان على التفاخر ويؤشران إلى توسيع مدى عظمة حضارتهم ،التقليد األول ،هو التجارة ،ونظام اجلزية ،وكانا حتت سيطرة األدميرال زهاجن الذي قاد األسطول الضخم لساللة منج ،حيث ضم مئات السفن التي تقوم بسبع رحالت جتارية سنوية منتظمة إلى أندونيسيا ،والهند ،وأفريقيا، واجلزيرة العربية قبل 600عام للتبادل التجاري والثقافي. أما التقليد الثاني ،فتمثل في دور الصني املهم في تطوير طريق احلرير القدمي الذي ربط شرق وجنوب وغرب
آسيا ،مع أوروبا ،والشرق األوسط ،وشمال إفريقيا .وكان هذا الطريق ميتد إلى سبعة آالف ميل ،كما كان طريقا ً رئيساً ،للتجارة ،وبعثات التبشير ،واجلنود ،عبر أوراسيا ألكثر من ثالثة آالف عام. حني ندرس الصني اليوم ،بعد الثورة االقتصادية العاملية التي أحدثتها منذ تسعينيات القرن املاضي حتى اآلن اذ حققت نسبة منو مستدامة ال تقل عن .10%وبعد انتقال مركز الثقل االقتصادي والسياسي العاملي (على أثر هذا النمو وهذه الثورة) من الغرب الى الشرق وحتديدا ً الى جنوب آسيا ،وبعد بروز احلاجة الصينية امللحة للطاقة لتحريك عجلتها االقتصادية ولتحافظ على نسبة النمو هذه .فإن استراتيجية األدميرال زهاجن هي التي حتافظ على هذا التقليد ،وتستحق االحترام ،بقدر ما ميكن أن تبعث اخلوف عند الغرب .وقد ظل الغرب ينظر باهتمام كبير إلى آسيا البحرية ضمن اهتماماته االستراتيجية منذ احلرب العاملية الثانية حتى اليوم، وتعزز هذا االهتمام اآلن بعد ان وضعت اميركا اولويتها االستراتيجية مواجهة العمالق االقتصادي الصيني املتوقع أن يتساوى مع االقتصاد االميركي العام 2016 ويتجاوزه العام .2020وقد صرحت هيالري كلنتون وزيرة اخلارجية االميركية السابقة (انه اذا كان القرن املاضي هو قرن احمليط األطلسي فإن هذا القرن هو قرن احمليط الهادي) .حيث % 60من حاويات العالم تعبر احمليط
الهادي و 75%من الطاقة التي تصل الصني أيضا ً متر عبر هذا احمليط وحتديدا ً عبر مضيق ملقا. ولتكمل أميركا استراتيجية تطويق الصني نشرت اساطيلها في احمليط الهادي وسيطرت على املضائق التي تنقل الطاقة الى الصني وهما مضيق هرمز بعرض 22ميالً ،ويسيطر األسطول األميركي اخلامس عليه مع منافسة ايرانية كبيرة ،وكذلك مضائق ملقا بعرض 1.6 ميل ،حيث يتولى األسطول األميركي السابع السيطرة عليه خاصة بعد التحالفات االميركية مع اندونيسيا وماليزيا اللتني حتدان املضيق املذكور .وأيضا ً باب املندب واليمن املوقع التاريخي االستراتيجي بعد ان خسرته بريطانيا العجوز ملصلحة الواليات املتحدة األميركية التي أصبحت الالعب األول بامللف اليمني وباب املندب، عبر هندسة هذا امللف ليصبح اليمن ما بعد العصيان الشعبي عضوا ً في النادي األميركي ،وكذلك تهندس امللف الصومالي املهم لها جيواستراتيجياً ،وال يُستبعد أن يكون هنالك تواجد أميركي ذكي في سلطنة ُعمان قريباً ،وبهذا تُعتبر واشنطن قد حققت نصف الطريق الذي سيوصلها نحو أحالمها البعيدة املدى وهي: الهيمنة على طرق ومضائق إمداد الطاقة العاملية في أبرز وأخطر وأهم منطقة في العالم!! ...هذا اضافة الى القواعد االميركية املنتشرة في وسط آسيا واستمرار االحتالل االميركي ألفغانستان الذي يندرج حتت هذه االهداف.
العدد 75شباط 2013
خطوط أنابيب حديثة وطرق وسكك حديدية إلمدادات اخلطط الصينية لكسر احلصار االميركي الطاقة اخلاصة بها .وينبع هذا النهج من مخاوف بكني يوضح املسار األخير لعالقات الصني السياسية من احلصار األميركي على اإلمدادات البحرية في حال ومبادراتها االقتصادية وموقفها العسكري بأن “اململكة نشوب عداءات بسبب تايوان ،فضالً عن طلب الصني الوسطى” قد وصلت إلى “الشرق األوسط األكبر” .وكانت املتزايد للطاقة. الصني تعتقد أن أمن الطاقة أهم بكثير من أن يترك لقوى السوق وحدها ،ومن ثم جعلت هذه املسألة أولوية وقد أظهر تقرير في آب/أغسطس 2010أن الصني قد من ناحية األمن القومي .لهذا انشأت الصني موطئ قدم أصبحت أول مستهلك للطاقة في العالم متخطية لها في وسط آسيا ومنطقة “البحار األربعة” والشرق بذلك الواليات املتحدة .وباإلضافة إلى ذلك ،متتعت البالد األوسط ،من خالل الضلوع ببدء مشاريع مد خطوط بنمو سنوي عشري ملعظم العقد املاضي ،تأججت أنابيب وإقامة بنى حتتية جديدة للطاقة وإلى إنشاء ليس بسبب طلب املستهلك ،ولكن بفضل بناء البنية العديد من املوانئ البحرية في العالم .كما تزيد البالد التحتية والصناعات الثقيلة التي تستهلك الطاقة، أيضا ً من عالقاتها العسكرية حلماية تلك املصالح .وكذلك النمو املتزايد في قطاع النقل. وعالوة على ذلك ،أن الطريق لهذا التوسع يشبه كثيرا ً “طريق احلرير” القدمي وطرق بحر العرب التي أوصلت ومبرور السنني بدأ العديد من الصحافيني وصناع السياسة والعلماء في اإلشارة إلى هذا املنهج على أنه الصني ألول مرة إلى الغرب. فضل املسؤولون لقد كان جزء كبير من هذا النشاط متجذرا ً في ميل استراتيجية “طريق احلرير” .وفي املقابلّ ، الصني لرؤية أمن الطاقة من وجهات نظر جغرافية الصينيون هذا التصور من أجل استحضار الروابط سياسية واستراتيجية بدال ً من مجرد وجهة نظر التاريخية املشتركة على طول “طريق احلرير” ،في الوقت اقتصادية خالصة .وحتديدا ً كانت بكني معنية مبواجهة الذي يسعون فيه إلى توسيع العالقات مع دول في وسط مبادرات الطاقة الغربية في املنطقة .وفي العام 2009آسيا والقوقاز والشرق األوسط .وعالوة على ذلك ،ففي على سبيل املثال ،أكملت “شركة البترول الوطنية كانون الثاني/يناير ،2010أعلن مجلس الدولة بالصني الصينية” التابعة للدولة خط أنابيب غاز طبيعي عبر إقامة “جلنة الطاقة الوطنية” برئاسة رئيس الوزراء وين “وسط آسيا” إلى تركمانستان على الشاطئ الشرقي جياباو مما يعكس اخملاوف العميقة لدى النظام جتاه أمن لبحر قزوين ،في اللحظة نفسها التي كانت تعمل الطاقة. هناك مجموعة شركات مدعومة من قبل االحتاد األوروبي على خط أنابيب نابوكو للوصول إلى احتياطيات الغاز وملعاجلة تلك اخملاوف انضمت بكني إلى “منظمة في تركمانستان من الغرب .وفي حزيران/يونيو ،2010شانغهاي للتعاون” التي مت تأسيسها في العام ،2001 أعلن رئيس تركمانستان قربان قولي بيردي محمدوف وتتك ّون من الصني وروسيا ودول وسط آسيا األربع عن مشروع بتكلفة 2مليار دوالر لربط خط األنابيب كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، يهدد إلى جانب أربع دول مراقبة (وهي إيران وباكستان والهند الشرقي مع الصني ،مبوارد تركمانستان الغربية ،مما ّ ومنغوليا) .وقد استخدمت الصني املنظمة لتحقيق قابلية تطبيق خط أنابيب نابوكو. وقد واجهت خطط الطاقة في مسرح “الناتو” في تكامل اقتصادي تدريجي مع منطقة “وسط آسيا/بحر أفغانستان اجملاورة منافسة من الصني أيضاً .فقد دعت قزوين” وذلك لتلبية ثالثة أهداف رئيسية: تهدئة مقاطعة شينجيانغ امللتهبة وهي الشركات األميركية و”بنك التنمية اآلسيوي” كثيرا ً 1- إلى إنشاء خط أنابيب غاز من تركمانستان مي ّر عبر موطن قوى “األويغور املسلمني” االنفصالية الكبيرة حيث أفغانستان إلى املستهلكني في باكستان والهند ،وقد يبلغ تعدادهم 250مليون مسلم ويتكلم معظمهم تُ ّوج في مشروع مقترح يدعى “خط عبر أنابيب الغاز اللغة التركية. تنويع مصادر الطاقة من اخلليج العربي. تركمانستان -افغانستان -باكستان -الهند” [“تابي”]2 - . غير أن املشروع يجب أن يكون على مستوى االقتراح 3-إظهار الهيمنة الصينية عبر أوراسيا .وقد ركزت هذه املنافس لباكستان والهند باحلصول على الغاز عن طريق االستراتيجية بشكل كبير على استخدام الوسائل مد خطوط أنابيب من إيران .وفي آذار/مارس ،2009أبرمت املالية خللق تبعية بني احلكومات اإلقليمية ،والبناء على طهران وإسالم أباد عقدا ً لبناء نصيب إيران -باكستان التعاون املتزايد في اجملاالت السياسية والعسكرية من “خط أنابيب إيران – باكستان -الهند” بهدف جلب والنفط والغاز. إما نيودلهي أو بكني إلى املشروع .وفي أماكن أخرى في وكما تقوم شركة الطاقة الروسية غازبروم اململوكة املنطقة ،دخلت الصني مسرح الطاقة العراقي ،وهي للدولة باستخدام الطاقة كسالح عن طريق قطع إمدادات الغاز الستهداف دول معينة إذا رفضت اآلن أكبر مستثمر للنفط والغاز في تلك البالد. ً سياستهم اخلارجية ،ترى بكني الطاقة سالحا يجب استخدامه لالستيعاب الزاجر. حتوّل استراتيجي
ا�سرتاتيجيا واسع إلى كل ركن تقريبا ً في “الشرق األوسط األكبر”، وال سيما في “حوض بحر قزوين” وأطراف أخرى مثل إيران وتركيا واليونان .وفي الكثير من احلاالت تُرجم هذا التمدد االقتصادي املتنامي إلى موطئ قدم عسكري أيضاً ،نظرا ً إلى املشاركة الواسعة النطاق ألفراد اجليش الصيني في مشروعات الطاقة و”الشراكات االستراتيجية” التي شكلتها بكني مع دول رئيسية. إيران :بني العامني 2005و ،2010وقعت الشركات الصينية عقودا ً بقيمة 120مليار دوالر مع قطاع النفط والغاز اإليراني .وإليران أهمية خاصة لدى الصني ألن لها حدودا ً مع بحر قزوين واخلليج العربي .وفي اخلليج ترى بكني إيران كوسيلة لتحقيق توازن أمام الدول العربية املدعومة من قبل الواليات املتحدة ،بتصورها أن البحرية األميركية غير قادرة على إغالق مضيق هرمز متاماً ،طاملا تسيطر إيران حليفة الصني على اجلانب الشرقي منه. كما أن طهران هي أيضا ً طرف رئيسي في “طريق احلرير” البري والبحري للصني ،حيث تتطلع بكني إلى زيادة الروابط بواسطة خطوط السكك احلديدية ،بل ورمبا إنشاء قاعدة بحرية في إحدى اجلزر اإليرانية. السعودية :يتدفق أكثر من نصف النفط السعودي حاليا ً إلى آسيا مقارنة بـ 14باملئة إلى الواليات املتحدة. ومتلك شركة أرامكو السعودية مصفاة في مقاطعة تشينغداو في الصني وأخرى في مقاطعة فوجيان، في حني بدأت الشركات الصينية في االستثمار في الصناعة والبنية التحتية السعودية .وفي الوقت نفسه ،ال تزال اململكة شريك الصني التجاري األكبر في منطقة الشرق األوسط. وعلى الصعيد العسكري ،في الثمانينيات من القرن املاضي ،قدمت الصني إلى السعوديني صواريخ ذات قدرة نووية من طراز “ ،”CSS-2وواشنطن قلقة اآلن من أن الرياض رمبا تسعى خللق رادع ضد إيران باكتساب املزيد من األسلحة التي صممتها الصني ،فضالً عن الرؤوس النووية ذات االستخدام املزدوج من باكستان .ورغم أن الواليات املتحدة ما تزال هي الضامن الرئيسي ألمن السعودية إال أن اململكة حتقق التوازن مبراهناتها في وجه إيران التي رمبا تصبح نووية من خالل تعاطيها مع بكني، حليفة طهران الرئيسية.
العراق :زادت بكني بالفعل من حجم استثماراتها في العراق ،وهي اآلن أكبر مستثمر للنفط والغاز فيها ،حيث وقعت على عقود تطوير وخدمات طويلة املدى حلقول نفط األحدب والرميلة وحلفاية وميسان إما بصورة مباشرة أو من خالل الشركات األجنبية التي مت شراؤها مؤخراً .كما أنها تدفع املاليني حلماية استثماراتها هناك .وهذا األمر ليس مدهشا ً ألن العراق لديه أكبر احتياطي نفطي معروف في العالم .كما أبدت الصني نيتها احلسنة بإسقاط ما بني ستة مليارات إلى ثمانية مليارات دوالرات وهي ديون عراقية تراكمت خالل منذ أن أصبحت الصني دولة مستوردة للطاقة العام أثر متزايد عهد صدام حسني .كما أن بكني قد جنحت في إبرام ،1993تبنت استراتيجية “اخلروج” لشراء أصول الطاقة صفقات بيع أسلحة تتجاوز قيمتها 100مليون دوالر نطاق على املنتشرة الصينية الطاقة استثمارات امتدت في اخلارج ،محولة الطرق التاريخية القدمية إلى شبكة دوالر أميركي إلى احلكومة في بغداد .وبالنظر إلى إنتاج
7
8
العدد 75شباط 2013
ا�سرتاتيجيا النفط العراقي الذي ما يزال محدودا ً بسبب املشاكل األمنية وعدم وجود قانون للنفط والغاز ،تستمر الصني في االعتماد بقوة على مصادرها الكبار احلاليني وهم السعودية وأنغوال وإيران.
القطع البحرية الصينية بيرايوس عندما التقى رئيس أركان القوات اجلوية اليونانية فاسيليوس كلوكوزاس مع وزير الدفاع الصيني ليانغ قوانغ ليه في بكني في الشهر نفسه ملناقشة التعاون العسكري املتزايد .وفي أماكن أخرى تأمل بكني في إقامة قاعدة بحرية دائمة في خليج عدن/البحر العربي .واخليار األرجح هو ميناء عدن اليمني ذلك أن البدائل األخرى -سلطنة عمان وجيبوتي -لها عالقات وطيدة مع حلف “الناتو” وواشنطن. كما تزيد الصني أيضا ً من وجودها العسكري برَّا ً من خالل نشر أفراد اجليش والشرطة ملراقبة مشروعات اإلنشاء اخلارجية .فعلى سبيل املثال يقال إنها نشرت آالفا ً عدة من اجلنود في كشمير مما يثير مخاوف هندية حول اجلهود الصينية لربط مشاريع الطرق والسكك احلديدية في “جبال كاراكورام” مبيناء جوادار في باكستان.
وقد جاءت زيارة وين جياباو في أعقاب مناورات “نسر األناضول” القتالية اجلوية املشتركة (التي قامت بها القوات الصينية والتركية) ومهمة السالم 2010لـ “منظمة شانغهاي للتعاون” (وهو تدريب عسكري ملكافحة اإلرهاب جرى في كازاخستان) .وتقليديا ً كانت مناورات “نسر األناضول” تدريبا ً حللف “الناتو” بني تركيا والواليات املتحدة وأعضاء آخرين في منظمة حلف شمال األطلسي ،وإسرائيل؛ لكن يبدو أن أنقرة قد فضلت أن حتل الصني محل إسرائيل.
البداية كانت في التسعينيات حيث مألت الصني فراغا ً في سوريا خلفه االحتاد السوفياتي املنهار إذ زودت الدولة السورية بعدد متنوع من الصواريخ .واليوم يوفي الرئيس السوري بشار األسد بوعده الذي قطعه على نفسه في 2004بــ “االجتاه شرقاً” نحو آسيا للهروب من القبضة الغربية التي متسك بخناق الشرق األوسط. وباإلضافة إلى العمل كمصدر مستمر ميكن االعتماد عليه لألسلحة ،استثمرت الصني بقوة في حتديث قطاع الطاقة القدمي الطراز في سوريا. في الوقت الذي تسعى فيه بكني في استراتيجيتها لتطوير “طريق احلرير” عن طريق “النظر إلى الغرب” تهدف سياسة “النظر إلى الشرق” التي تتبعها سوريا إلى مقابلة الصني في بحر قزوين .فمنذ ،2009يعزز األسد استراتيجيته لـ “البحار األربعة” لتحويل بالده إلى محور جتاري في البحر األسود والبحر األبيض املتوسط واخلليج العربي/البحر العربي وبحر قزوين ،باالصطفاف مع تركيا وإيران وأذربيجان في هذه العملية .وبرزت تركيا كأهم مستثمر وشريك جتاري لسوريا قبل انقالبها االخير على سوريا متاشيا ً مع اإلمالءات االميركية ،وحيث تبقى إيران هي الضامن ألمن سوريا ،كانت استراتيجية االسد قبل االنقالب التركي أن يصبح ثالثي أنقرة -دمشق -طهران نواة ملنهج يهدف إلى ضم العراق والقوقاز في سلسلة متصلة جغرافيا ً تربط “البحار األربعة”.
تركيا :باإلضافة إلى حدودها مع كل من البحر األسود والبحر األبيض املتوسط فإن تركيا هي عضو قدمي في منظمة حلف شمال االطلسي [“الناتو”] ،وتستمتع بوحدة جمركية مع االحتاد األوروبي ،ومتثل منفذ العبور الرئيسي الثني عشر مشروعا ً خلطوط األنابيب متعددة اجلنسيات .إن املوقع اجلغرافي االستراتيجي للبالد يشكل أيضا ً موقعا ً مثاليا ً لشبكات السكك احلديدية التي تربط أوروبا بالشرق األوسط وآسيا .وبناء على ذلك ،عندما زار رئيس الوزراء الصيني وين جياباو أنقرة في تشرين األول/أكتوبر ،2010رفعت الصني مستوى عالقاتها الثنائية مع تركيا إلى “تعاون استراتيجي”. استراتيجية “البحار األربعة”
اليونان :في حزيران/يونيو ،2010تولت شركة الشحن العمالقة “كوسكو” اململوكة للصني ،اإلدارة والتحكم العملياتي الكامل على الرصيف الرئيسي في أكبر ميناء يوناني وهو بيرايوس بتكلفة 2.8مليار جنيه استرليني في عقد مدته خمسة وثالثني عاما ً يشمل توسيعا ً مخططا ً له .وبالنظر إلى أن اليونان تتحكم في خُ مس أسطول التجارة العاملي ،وهي أكبر زبون ألحواض بناء السفن الصينية ،يهدف هذا اجلهد إلى تعزيز التجارة الصينية مع األسواق الناشئة حول إطار البحر األسود واملتوسط .وتخطط الصني أيضا ً لشراء حصة في شبكة السكك احلديدية املثقلة بالديون OSEوبناء مطار في كريت وبناء مركز لوجيستي في شمال أثينا.
أبعاد عسكرية تتمحور استراتيجية بكني احلالية حول حتقيق موطئ قدم صيني من خالل النفوذ العسكري أو اجليوسياسي على طول الشريط الساحلي للمحيط الهندي ،وإلى اخلليج العربي والبحر األبيض املتوسط --في “سلسلة من اللؤلؤ” .وتقع الآللئ التي أقامتها بكني في السنوات األخيرة على طول طرق البحار املستخدمة منذ قرون لربط الصني بحوض البحر األبيض املتوسط .وهناك آللئ معينة تشمل مرافق مطورة في [مدينة] بور سودان بني مرافق أخرى. كما أضافت الصني أيضا ً ميناء بيرايوس اليوناني كلؤلؤة جديدة في البحر املتوسط .وفي آب/أغسطس ،2010زارت
وبينما يرى الغرب سوريا وإيران ودوال ً مماثلة بأنها عوائق استراتيجية ودوال ً مارقة ،ترى الصني هذه الدول كأصول استراتيجية .ومنذ غزو العراق بقيادة الواليات املتحدة العام ،2003تخشى بكني من أن استراتيجية واشنطن لـ “الشرق األوسط األكبر” تنطوي على تطويق الصني وخلق منوذج لإلطاحة باألنظمة غير الدميوقراطية .وردا ً على ذلك ،زادت بكني من روابطها االقتصادية والدبلوماسية مع بلدان في املنطقة لها عالقات إشكالية مع الواليات املتحدة والغرب. إن أحد املكونات الرئيسية الستراتيجية “البحار األربعة” هو التركيز على البنية التحتية للطاقة وتطوير السكك احلديدية .وعلى صعيد الطاقة يتخذ الرئيس
السوري بشار األسد خطوات لتوسيع “خط أنابيب الغاز العربي” لنقل الغاز من مصر والعراق عبر سوريا ،والعمل في الوقت نفسه مع أذربيجان وروسيا حول مقترحات لربط هذا األنبوب بخطوط أنابيب غاز بروم وصوال ً إلى أوروبا .وعالوة على ذلك ،ومن خالل الربط مع إيران ،ميكن أن يتصل “خط أنابيب الغاز العربي” في نهاية املطاف بخط أنابيب تركمانستان -الصني وخطوط أنابيب النفط املستقبلية بني كازاخستان والصني .وقد عقدت سوريا اتفاقا مع ايران العام 2011على مد انبوب غاز من ايران الى العراق الى ساحل سوريا الى لبنان بتكلفة 10 مليارات دوالر يبدأ ضخ الغاز فيه العام .2013 وفي الوقت نفسه ،تتسق خطط سوريا لبناء سكك حديدية من موانئها في البحر األبيض املتوسط إلى جنوب العراق مع مصالح الصني في بناء شبكة سكك حديدية تربطها بآسيا الوسطى والشرق األوسط وأوروبا .إن بكني مهتمة بوجه خاص بتوسيع السكك احلديدية العالية السرعة ،وذلك بالتفاوض مع سبعة عشر بلدا ً من ضمنهم سوريا والعراق وايران حول هذه اخلطوط ،باإلضافة إلى توسعها الداخلي السريع. وتلعب السكك احلديدية دورا ً مهما ً في النقل وخدمات اإلمداد والتجهيز العسكرية في نطاق جهود الصني إلظهار القوة والتنافس مع الغرب عبر شبكة املواصالت هذه التي تصل الصني بشواطئ سوريا على املتوسط. اعلن وزير خارجية سوريا وليد املعلم (ان سوريا ادارت ظهرها الى الغرب ووجهها الى الشرق ولم تعد تعتبر ان اوروبا والغرب موجودان على اخلارطة) .ويبدو ان تكامل استراتيجية الرئيس االسد (البحار االربعة وطريق احلرير) مع استراتيجية الصني قد قضت على احالم اميركا والغرب في تطويق الصني والسيطرة على طريق احلرير ومناقسة روسيا على سوق الغاز في اوروبا التي هي اكبر سوق ناشئ للغاز في العالم .لذلك صدر امر العمليات االميركي ألزالمها في املنطقة إلسقاط سوريا مهما كان الثمن .فسوريا بحكم موقعها اجليو استراتيجي باتت بوابة طريق احلرير اآلسيوي الى اوروبا وبالتالي اصبحت في قلب االمن القومي الصيني والروسي وااليراني ،وباتت قطب الرحى في هذا الصراع الكوني الدائر فيها وعليها، وعلى نتائجه يتوقف من سيتحكم في القرن اجلديد اقتصاديا ً وسيآسياً.
العدد 75شباط 2013
ا�سرتاتيجيا
فل�سطني ...ذاكرة قومية أمني الذيب نقطة اإلرتكاز ،في تاريخ املشرق العربي احلديث ،ووقائع الصراع الدائر في املنطقة ،تبدأ من تداعيات ااملسألة الفلسطينية ،كقضية قومية شكلت بعد إغتصابها عام ،1948عائقا ً أمام العرب ساهم كعامل إضافي ،في أن يحول دون متكينهم من يُنجزوا دولهم وسياساتهم اإلقتصادية اإلجتماعية ،وليخسروا أي إمكانية في حتقيق أي نوع من أنواع الوحدة ،لوقوعهم مبفاعيل إتفاقية سايكس ـ بيكو قد يكون احلديث عن فلسطني ،في هذه املرحلة ،ال يُالمس مزاج وإهتمام شريحة واسعة من احلُ ّكام والشعوب العربية ،التي قررت الذهاب الى اجملهول ،بإستقالتها من قضاياها القومية سياقا ً مع تنازلها التاريخي عن دورها الفكري واحلضاري والثقافي والسياسي ،وأوكلت أمرها إلرادات خارجية وإستراحت من مشقة التطور واإلبداع وما يستوجبه ذلك من عناء وسهر وتفكير ،وال يُشتت إهتماماتها باللهو والسهر وجمع الثروات . بقيت املسألة الفلسطينية طيلة سنوان إحتاللها عرضة لتجاذبات تكتيكية ولم ت ّ ُشكل يوما ً ُعمقا ً سمى إستراتيجيا ً عربيا ً إال في اإلعالم ،بل أن عرب ما يُ ّ اإلعتدال بادروا الى إطالق ُمبادرة السالم العربية من جانب واحد وال زالت حتى اآلن كذلك ،كما فشلت الثورة الفلسطينية بكافة فصائلها من حتقيق ُمعادلة جديدة ،فتع ُدد الفصائل لم ير َق الى تنوع ثوري جامع ميكنها من حترير االرض ،فإعتمدت ُمنظمة التحرير إتفاقية أُسلو للعودة التي إنتهت بتسميم ياسر عرفات ،في ظل إنقسام فلسطيني حاد ،يعمل على إيقاع التناقضات العربية .
إكتشاف النفط والغاز تكشف بعض الوثائق ،ان العرب كانوا طرفا ً ُمساعدا ً في إنفاذ مفاعيل إتفاقية سايكس ـ بيكو ،كما أن بعض اإلتفاقيات املوقعة بينهم وبني بريطانيا وفرنسا ـ اإلستعمار القدمي ،تُعيد الى الذاكرة شريط الهزائم املُقرر ،إبتداءا ً من جيش اإلنقاذ العربي بقيادة فوزي القاوقجي ،الى خالد مشعل ومحمود ع ّباس ،وتُبني أن فلسطني لم تُشكل يوما ً قضية عربية حاسمة ،كون العرب في االساس ليس لديهم قضية ،ولم يرتقوا يوما ً الى مستوى مشروع الدولة السياسية ،كانت فلسطني قبل إكتشاف الغاز فيها قضية منسية وهامشية على مستوى احلُكام واالنظمة ،ولم تكن ح ّية إال في وجدان الشعب الفلسطيني وبعض الشعوب العربية املؤمنة بالقومية العربية . أعاد إكتشاف النفط والغاز إهتمام أميركا واسرائيل باملنطقة ولكن بإسلوب ُمغاير للمرحلة السابقة
حيث أصبحت فلسطني جز ٌء من مشروع الشرق االوسط اجلديد ،وحلقة ثانوية في االولويات التي صاغ أفضلياتها مشروع نابوكو ،لذلك نرى أنه إذا ما ألقينا نظرة على الداخل الفلسطيني واخلريطة السياسية اجلديدة التي تنتظم فيها التناقضات التاريخية ،وبات خروج خالد مشعل من سوريا وعليها يتوضح كجزء من عملية إعادة صياغة املنطقة حسب املنظور االميركي ،كعملية خللط االوراق ومحاولة إستقطاب تصب في مصلحة احملور الذي يتبنى مشروع الشرق االوسط ، بغض النظر عن التنازالت الكبيرة التي تقدمها القيادات الفلسطينة على حساب االرض والشعب وفلسطينيي الشتات ،تسقط فلسطني كقضية عربية مركزية ، وتدخل في متاهات خطوط اخلرائط العديدة التي ترسم مصالح املُتصارعني على النفوذ ،وميكن إختصار الواقع الفلسطيني على مستوى اجليو ـ سياسي الراهن بالتالي : أوالً ُ :مستقبل فلسطني يُحافظ على نسقه كنتيجة ملصالح وإرادات القوى اخلارجية ،الذي تؤثر فيه اخلطط االسرائيلة ،ولن يكون حتى اآلن إرادة فلسطينية رغم كل التضحيات التي قدمها الشعب ،الذي تتقلص مساحة أرضه يوميا ً رغم إصراره على البقاء . ثانياً :فشل القيادات الفلسطينية من إنتاج رافعة سياسية تسمح بقيام دولة فلسطينية ،وإن نهج التبعية للخارج ال زال احلقيقة االولى في منط تفكير القيادات على إختالف مشاربها . ّ شكل إلتحاق خالد مشعل باحملور العربي ثالثاً : املُتصالح مع إسرائيل ضربة قاسية لطموحات الشعب الفلسطيني خاصة الشتات منهم . رابعاً :سياسات محمود عباس واإلصرار على اإلنقسام الفلسطيني ،هو أجندة خارجية بإمتياز وإستمرار هذا الواقع يزيد من تراجع الدور الفلسطيني لناحية تأسيس واقع يرفع من احلضور السياسي املؤثر في املرحلة الراهنة خامساً :غياب الرؤيا والوضوح في العالقات الفلسطينية العربية مبا في ذلك العالقة مع مصر ، وتندرج هذه العالقات في إطار احلدث املُتغير تباعا ً بسبب الالعب اخلارجي . سادساً :إنشغال العرب باالحداث املُستجدة على مساحة الوطن العربي جعل فلسطني في آخر الئحة اإلهتمامات ،وتُرِكت تواجه مصيرها ُمنفردة .
الربيع العربي جاء الربيع العربي ليخطف إنتباه القوى العربية الفاعلة عن فلسطني ،ويتفرغ كل بلد ملُعاجلة االوضاع الناشئة عنده ،حيث تقع املنطقة بأكملها حتت تأثير هجمة ُمنظمة متتلك خطط دقيقة لكل تفاصيل املواجهة
،فاملغرب العربي واقع بني مطرقة املصالح اخلارجية وضغط القوى اإلسالمية ،حيث بدأت تتفكك وتفقد حضورها السياسي وقدرتها على التحكم مبواردها وكذلك بالد وادي النيل ،املُشرفة على مزيد من التفكك واملواجهات بني القوى اإلسالمية وقوى الربيع العربي ،وبالتالي بدأ يُصيبها اإلنهاك ما يحول دون قدرتها على التدخل في أي عمل عربي على املستوى القومي ، واخلليج العربي ُمنهمك بإدارة الصراع العربي ـ العربي ،ويسعى مع تركيا خللق واقع إسالموي وتبديل في موازين القوى اإلستراتيجي لصالح مشروع الشرق االوسط اجلديد ،وهكذا نرى كيف دخلت املسألة الفلسطينية في النسيان أمام صعود حتديات وحتوالت ومخاطر كبيرة جعلت من اجلسم العربي جسدا مشلوال غير قادر على الفعل واحلركة ،وبالتالي أدى هذا الواقع الى إمكانية ال زالت إفتراضية حتى اآلن وهي بعث الروح في مشروع إسرائيل الكبرى ،على أنقاض الربيع العربي الذي خلق فجوة أو هوة واسعة في النمط العربي ،حيث بدأت معالم تكون جديد تظهر وتؤسس لواقع لم تتبني معامله النهائية بعد ،يبقى أن املشرق العربي ،الذي يُشكل الرافعة االساسية للمسألة الفلسطينية ويحاول بشتى الوسائل أن يُعيد بوصلة الصراع الى إجتاهها الصحيح ،يدفع أثمانا ً باهضة ،أكان في العراق أم في سوريا أو في لبنان .
العقدة السورية ّ شكل الواقع السوري ُمنعطفا ً في االحداث ،كان له تداعيات وتبعات بدأت مفاعيلها تطغى على احلدث اإلقليمي والدولي في آن ،وتبلور نتيجة املُقاومة العسكرية واالمنية والسياسية والديبلوماسية التي حت ّلى بها النظام السوري ،والدعم اإلستراتيجي الذي تلقاه من حلفاء إستراتيجيني أيضا ً ،واقع جديد إنسحب على موازين القوى العاملية وأث ّر في آحادية القرار الدولي وأنتج ُ شركاء ُجدد على الساحة التي كانت تنفرد أميركا يتبدى ان النهج املقاوم عاد ليثبت بإدارتها ،في اخلالصة ّ حضوره على املستويني ،القومي والدولي ويبرز كقوة مؤثرة في احلدث ،وقادرة على التدخل والفعل والتغيير ،ويثبت أن إرادة الشعوب قادرة على حتقيق إنتصارات عندما يتعلق االمر مبصيرها ووجودها . وأخيرا ً ال بد أن ينشأ في الوعي القومي ومفاهيم الصراع ،ان املعركة املصيرية هي فيما بني مفهومني ،ولكل مفهوم إمتداداته الفكرية والسياسية واإلقتصادية واجليو ـ ثقافية ،بني مفهوم إسرائيل الكبرى كواقع إستعماري ،وسوريا الكبرى كواقع حضاري تاريخي ُمقاوم ،وحده قادر على إعادة البريق الى املسألة الفلسطينية ، نتائج الصراع تقرر من سيسود في املنطقة .
9
10
العدد 75شباط 2013
�آراء
م�صر وتخبط خياراتها اال�سرتاتيجية د .أسامة سمعان حتت عنوان «نصرة الشعب األحوازي» عقدت جهات اسالمية سلفية عديدة مؤمترها في القاهرة في ظل غياب االخوان املسلمني ،وحضور مساعد رئيس اجلمهورية عماد عبد الغفور ،في توقيت مشبوه االهداف والغايات .اذ يبدو ان ما شجع هذه اجلهات على عقد املؤمتر في مصر بدال ً من اي بلد غربي يعادي اجلمهورية االيرانية االسالمية ،هو الكالم الذي ورد على لسان الرئيس مرسي في قمة دول عدم االنحياز األخيرة في ايران ،حيث قال فيه« :ان مصر ستظل حامية لإلسالم السني». ثم جاءت كلمة مساعد الرئيس السيد عبد الغفور السلفي االجتاه في املؤمتر األحوازي التي اعتبر فيها املؤمتر «نقطة البداية لنصرة قضية الشعب العربي املوجود في بقعة قريبة من كل عربي من ظلم االحتالل الفارسي». كالم رمبا صفق له احلاضرون ،ولكنه يستدعي النقاش ،ليس جلهة حق شعبنا في األحواز بالعودة الى سورية الطبيعية -الوطن االم ،فهو حق نطالب به ،من موقع االلتزام القومي وليس الطائفي او املذهبي ،ولكن ما نود مناقشته ،هو الرغبة املصرية اجلامحة في العودة الى عصبية طائفية تعود الى العصر العباسي الثاني ،عندما اختلف املسلمون حول طبيعة القرآن بني قائل بأنه قدمي قدم اهلل، وقائل بأنه محدث مخلوق ،ثم اعقبت ذلك اخلالف ما ورد في الوثيقة القادرية 1017م التي عدت كافرا ً كل من يقول ان القران مخلوق ،حالل الدم ،فشكلت بذلك اكبر عملية ارهاب فكري في العالم االسالمي كان لها أثر كبير استمر حوالي الف عام من تعطيل للفكر في الدولة االسالمية ،تخللته انقسامات
سياسية في العالم االسالمي أضعفته الى احلضيض. وجاءت مؤخرا ً وثيقة االزهر حول احلريات في مطلع العام املنصرم ،2012/1/8في محاولة لنسف مفاعيل الوثيقة القادرية ،ولتؤكد مجدداً ،احلق في حرية االعتقاد ،وحرية التعبير وحرية البحث العلمي ،وحرية اإلبداع الفني ،هذا من جهة ،ومن جهة اخرى تأتي مبحاولة إلنهاء اخلالف الشيعي - السني ،السيما اخلالف حول العقل واحلق بالتفكير بغير التصوف. اذا الدعوة الى «نصرة العرب» ،اذا كان املقصود منها في كالم ممثل الرئيس املصري فلن يصدقها احد ،ألن االولوية للنصرة هي فلسطني املالمسة حدودها حدود مصر ،وليست األحواز اليوم ،البعيدة عنها مئات الكيلومترات ،فاملؤسف مما يجري من تعاطي نظام مرسي مع املوضوع الفلسطيني يدل كأن الواقع السياسي في مصر لم يتبدل عن مصر مبارك ومصر بعد مبارك ،املتسم بالهروب اما الى االمام او الى الوراء.
فأي حرص على العروبة تبديه مصر وهي ما تزال مكبلة باتفاقية كامب ديفيد!؟ وهل يستطيع املكبل باتفاقية مذلة ان مينح الكرامة ألحد ،وهو يفتقر اليها؟! كل املشهد مما تقدمه مصر اليوم ،من خالل املؤمتر، هو االنضمام الى معسكر أعداء ايران من دول الغرب االمبريالي ،الذي استعمر العالم االسالمي بأسره ،باستثناء قلب اجلزيرة العربية وتركيا ،خالل القرنني املاضيني ،وعمل فيه تفريقا ً ومتزيقاً ،بينما باملقابل تستند الدولة االسالمية االيرانية الى دعوة مفجر الثورة االيرانية ،الى الوحدة االمام اخلميني، ّ االسالمية ،واعتبار فلسطني قضية املسلمني األساسية. ان ما يجري في مصر اليوم يؤشر الى عمق التناقضات بني كالم مرسي «ان ال نهضة عربية واسالمية في ظل وجود اسرائيل» وكالم مساعده عن الظلم الفارسي ،ما يؤكد ضبابية اخليارات االستراتيجية الكبرى حيث تتخ ّبط السياسة املصرية بني حروب احلدود كما مع تركيا وإيران وحروب الوجود ،كما مع الكيان الصهيوني.
الدولة الدينية �إجها�ض للدولة القومية د .بروفسور ميشال سبع اإلميان عالقة عمودية بني اإلنسان الفرد وبني إلهه وخالقه تعطي اإلنسان طمأنينة وسالما ً داخلياً ،وعالقة أفقية بينه وبني اجلماعة يشاركها هذا اإلميان بفرح ويعبر عن هذا الفرح بطقوسيات وتعبدات. أما الدين فهو مجموعة معتقدات يقول بها معلمون ومدارس الهوتية وفقهية ولها قوانني وأنظمة تضم ولها رؤساء ومدراء وموظفون ،إنها مؤسسة ّ
مجموعة مؤسسات. اإلميان ليس انتماء بل راحة وسالم وقناعة واطمئنان، إمنا الدين هو انتماء ملؤسسة وخضوع لقوانينها .لذا كان اإلميان محررا ً لإلنسان وكان الدين مكبلاّ ً له. اإلنسان القومي الذي ينتمي ألرض وتاريخ ال ميكن أن ينتمي لدين شمولي ألن االنتماء ال يعرف االزدواجية ولذا أيضا ً كان من أهم عوامل قيام االحتاد القومي فهو إما أن ينتمي لقومية أو ينتمي لدين ،لذا قامت والفكر القومي هو العلمانية أي االنحياز إلى األديان حتارب القوميات وقامت القوميات حتارب الدين.
العدد 75شباط 2013
اإلميان على حساب الدين ،ولطاملا حاول رجال الدين املسيحي أن يقولوا للمؤمن املسيحي أنت مسيحي أوال ً ثم أنت ذات قومية في حني أن رجال الدين اإلسالمي رفضوا مقولة القومية أصال ً واعتبروا أن االنتماء هو لإلسالم ال بل اعتبروا أن اإلسالم أمة ينتمي لها كل املسلمني في كل أنحاء األرض. القومية هي دين األرض واإلميان هو دين السماء ،فمن كان مؤمنا ً ال بد أن يكون قوميا ً إمنا من كان منتميا ً لدين ال ميكن أن يحقق انتماءه القومي. كثيرون من املفكرين االوروبيني أوضحوا هذه املعادلة بشكل أو بآخر ،خصوصا ً من األملان والفرنسيني ،وإذا كان الفكر القومي بدأ أوال ً في أملانيا فإن تبلور جناح القومية توضح أكثر عند الفرنسيني وقد كانت القومية الفرنسية أكبر تعبير عن هذا التوضيح. اليوم ،تقوم نزعة الدولة اإلسالمية في البالد
�آراء التي تشهد ثورات وانتفاضات من جراء ظلم الديكتاتوريات واستغالل القوى االستعمارية لها، وهدف هذه النزعة هي أوال ً وأخيرا ً إجهاض الفكر القومي في املنطقة الشرق أوسطية وإدراجها في تصب متاما ً في مصالح خانة الدولة الدينية التي ّ الدولة الصهيونية ،لذا فإن النظام األميركي يشجع قيام هذه الدول ،باعتبار أن الدولة الدينية ال تشكل خطرا ً عليه بعكس الدولة القومية. إن التحدي الكبير اليوم هو بني الرضوخ لإلرادة االستعمارية وبني تكاتف العلمانيني واألفراد واملؤمنني باهلل دون املرور بعسكريتارية رجال الدين كي يشكلوا قوى مؤمنة بالفكر القومي كي تتح ّول إلى برامج سياسية ومن ثم إنشاء أحزاب سياسية أو إعادة إحياء أحزاب سياسية قومية ال عالقة لها بالدين أو مبرادفاته من طوائف ومذاهب.
11
لقد برهنت األحداث أن املواطن ال يستطيع أن يبقى نائيا ً بنفسه عن مجريات األمور ،إنه فيها حكما ً شاء أم أبى ،لذا فمن األفضل أن يكون مهيئا ً قناعاته ومندرجا ً مع الصادقني بالقيم ومتضامنا ً مع أصحاب الفكر العلماني كي يبلوروا هذه األحزاب املرجتاة وإال فإن أوالدهم سيكونون حكما ً بضائع جاهزة للتصدير ،وهذه رغبة الغربيني ،خصوصا ً جتاه املسيحيني ألنهم يريدون أرحاما ً مشرقية ولودة تقف أمام أرحام املسلمني في الغرب. الصراع املستقبلي هو دميغرافي بامتياز فهل تؤسلم األرحام أو تتمسحن عوضا ً أن تكون أرحام الوطن القومي املرجتى؟ ليت الناس يقرأون الزعيم انطون سعادة من دون خلفيات أو أحكام ،العقل وحده سيد ّلهم على الطريق واجلواب.
خطب اجلمعة بني الواقع وامل�أمول محمد فضل اهلل ال يُخفى ما خلطب اجلمعة من دور وأهمية في حياة املسلمني ووجدانهم وعقيدتهم ،إذ من املفترض أن ّ تشكل مصدر غنى وطاقة للمسلمني نحو بناء واقعهم، الدين ّية واحليات ّية ،وتعميق والتّفاعل مع قضاياهم ّ ّ يهم الواقع االنتماء والشعور اجلماعي ،والتّركيز على ما ّ من قضايا وأولو ّيات. وإعالمي واجتماعي وتثقيفي تربوي فلخطب اجلمعة دور ّ ّ ّ ّ ومهم في التّعبير عن مشاغل اجملتمع وآالمه وآماله كبير ّ وطموحاته. والسؤال :هل خطب اجلمعة اليوم على امتداد العالم ّ بالدور املطلوب منها؟ وهل تتّصف تقوم اإلسالمي ّ ّ واملؤهالت ا ّلتي جتعلها باملواصفات العلم ّية والفعل ّية ّ تؤ ّدي رسالتها على أكمل وجه؟ وال ضير من احلديث عن صالة اجلمعة وقول الفقهاء فيها تقدم ،فسماحة املرجع ،الس ّيد محمد حسني كمدخل ملا ّ فضل اهلل (رض ،).يعتبر «أ ّن صالة اجلمعة واجبة وجوبا ً السلطان تعيينيا ً حتى في زمان الغيبة ،وال يشترط وجود ّ العادل في شرع ّيتها ،وعليه ،فإنه لو بادر خمسة من املك ّلفني إلى إقامتها ،وكان فيهم شخص عادل يصلح أن يكون إمامة جماعة ،فقدموه ليخطب ويص ّلي فيهم ويص ّلي صالة اجلمعة ،وأقاموها على هذا النّحو ،وجب على املك ّلفني على سبيل احلتم احلضور واالشتراك في صالة اجلمعة». ويتابع« :نحن ندعو املسلمني إلى االلتزام بصالة اجلمعة واملواظبة عليها ،مع اجتماع ّ الشروط املعتبرة فيها ،ألنّها فضالً عن وجوبها ،مت ّثل حالة اجتماع املسلمني على عبادة اهلل وتع ّلم أمور دينهم ،ومعرفة شؤون حياتهم، إضاف ًة إلى ما في هذه العبادة من أجر عظيم وثواب جزيل( .املسائل الفقهية -العبادات – ص .)374 وعودا ً على بدء ،فواقع بعض خطب اجلمعة في العالم اإلسالمي ،تعتريه شوائب مع ّينة ينبغي االلتفات إليها ّ
ومعاجلتها ،بالنّظر إلى ما مت ّثله خطب اجلمعة من قدس ّية في وعي اجملتمعات اإلسالم ّية وحياتها.. عرض سريع وأ ّولي ،فإ ّن أ ّول ما يالحظ في هذا اجملال، وفي ٍ هو ارجتال البعض في خطبة اجلمعة ،وبال كفاءة ،ونحن نعلم أ ّن االرجتال يحتاج إلى موهبة أصيلة في ذات اخلطيب ،وإلى ممارسة طويلة ،وخلف ّية معرف ّية واسعة يتم إهدار وقت تسند صاحبها وقت احلاجة ،حتّى ال ّ اخلطبة في ارجتال غير مترابط ،ما يخ ّلف آثارا ً سلب ّية، فليس من العيب أن يستعمل اخلطيب الورقة ويلقي ما فيها إن كانت مترابط ًة ومؤ ّثرة. وما يلفت أيضاً ،وقوع بعض اخلطباء أسرى مواضيع غير مو ّفقة أو مناسبة ،وإغفال مواضيع أكثر جد ّية وحيو ّية متس حياة املسلمني وهمومهم ،وهذا ما ينعكس سلبا ً ّ على وقع اخلطبة ،ويجعل النّاس تعيش الغربة واالنقطاع عما تريده من تلك اخلطب ،ما يفقدها تأثيرها املطلوب، ّ ويفقد النّاس التّفاعل معها .لذا املطلوب من اخلطباء اليوم ،انتقاء املواضيع األكثر أهم ّية وحساس ّية ،والتي يكون لها ارتباط بقضايا النّاس ومشاكلهم وآالمهم وآمالهم ،كي يشعروا بالتّفاعل والتّواصل والوحدة. واألخطر من ذلك ،استعمال البعض خطب اجلمعة منبرا ً لشحن النّاس عاطفيا ً وربطهم مبوضوع معينّ ،دون مخاطبة العقل والفكر واملنطق ،ومن ذلك االجتزاء في األفكار وعرضها ،واملقارنة اخلاطئة بني األمور ،والتّبسيط وعدم التّوازن في طرح املشاكل وعرض حلولها ووسائل عالجها. وما يلفت أيضاً ،استغالل خطبة اجلمعة ومنابرها في إثارة القضايا اخلالف ّية واحلزب ّية الض ّيقة التي تستهلك اخلطبة وتبعدها عن غايتها احلقيقية واألصلية في بناء جو الوحدة والتسامح والروح االجتماعية الواحدة التي تعمل على إلغاء كل الفواصل واحلواجز بينها ،ويفقد بالتالي اخلطبة رسالتها في تعزيز أوضاع الواقع وبناء ما
تهدم على ّ الصعد ،وربط ما انفصل من عرى اجملتمع. كل ّ ً وكثيرا ً ما تتك ّرر املواضيع في اخلطب ،ما يخلق ج ّوا من ال ّرتابة نتيجة بقاء املضمون ،كما هو وعدم تطويره ،ما يضعفه ويفقده قيمته املبتغاة. ومن اخلطباء من يعتبرون املبالغة في احلماسة أمرا ً إيجابي ،ولكنّها ليست إيجاب ّياً ،والواقع أ ّن احلماسة أمر ّ ّ كل شيء ،وليست الغاية واملبتغى ،إنمّ ا هي وسيلة لتبليغ األفكار ،فكثير من املواضيع قد ال حتتاج إلى انفعاالت ومبالغات يقع فيها بعض اخلطباء ،وكثير منهم قد ال الدقيقة بجمهورهم ،فيعمدون ميلكون اخلبرة واملعرفة ّ إلى تناول مواضيع غير مناسبة ،واستعمال لغة غير مناسبة أيضاً. وهناك نقطة أخرى ال ميكن إغفالها ،وهي اإلطالة في والضجر ،فالبعض قد ال زمن اخلطبة ،ما يورث النّاس امللل ّ يكون مو ّفقا ً في استشهاداته ،فيستخدم أقواال ً وقصصا ً ّ باألقل املفيد، موسعة هو بغنى عنها ،ميكن أن يستبدلها ّ األصلي املوضوع جوهر عن تبعده أمور في فيستطرد ّ واملركزي للخطبة ،ما يدفع النّاس إلى التّشتّت وامللل. ّ وليس غرضنا في هذا املقام تبيان نقاط اخللل في خطب اجلمعة ،بقدر ما هو واجب أن نن ّبه إلى أ ّن منبر خطبة اجلمعة يجب أن يحسن استغالله أحسن استغالل ،في ّ محط ًة ومنارا ً األمة جمعاء ،وأن يكون سبيل خدمة قضايا ّ تثقيف ّيا ً ووحدو ّيا ً وتوجيه ّيا ً يتناسب وأهميتها ودورها األمة ،وربطها بقضاياها، ال ّر سالي في تشكيل وعي ّ ّ وتوجيهها التّوجيه املالئم ،بأسلوب يتّفق ولغة العصر واالنفتاح على مفرداتها ،والعمل على تطويره بإيجاب ّية تتناغم وحقائق ّ الشرع احلنيف. وما على اخلطباء إال أن يعملوا قدر املستطاع على عودة خطب اجلمعة إلى فاعل ّيتها وحيو ّيتها وريادتها املطلوبة، والعمل على ّ واألمة، بث وزرع قيمها في سلوك األفراد ّ حتديات وأزمات.. وخصوصا ً ما يتع ّرض له واقعنا من ّ
12
معر�ض
العدد 75شباط 2013
معر�ض للجواهر ي�ستعر�ض احلظ ال�سعيد
قرم� :ألفة الت�شكيل واملعنى يف ح�ضارات عدة
مجموعة البرسيم
عمل فني تشكيلي استعراضي متميز حتت عنوان “حظ ًا سعيد ًا” قدمته غاليري جانني ربيز - الروشة ،للفنانة اللبنانية -العاملية فرجيني قرم ،وأهميته أنه جمع بني التشكيل ومعاني احلظ في حضارات وبيئات مختلفة. املعرض مجموعات من اجلواهر التي يتشارك فيها الذهب والبالتني مع األحجار الكرمية ،العاج ومواد أخرى نادرة ،فيها سالسل من األعمال اللونية اجلميلة بألوان زاهية ،وأشكال أنيقة من العقود واألساور واحللق واخلوامت. أهمية اجملموعات أنها صنفت مما حتتويه من مواضيع ،مع اإلشارة إلى معاني احلظ في كل مجموعة ،وفقا النتمائها، ومصدرها االجتماعي ،أو اجلغرافي .منها اجملموعات املكونة من تشكيالت بشكل األسماك ،وأخرى بشكل الفيل، أو شجرة احلياة ،أو الدعسوقة ،أو زهرة البرسيم ،أو بوذا .كل من هذه اجملموعات ضمت عددا ً من القطع ،فمثال ،كل قطعة في مجموعة األسماك حملت شكل سمكة من ذهب أو حجارة كرمية أو عاج ،وكذلك األمر بالنسبة لبقية اجملموعات .ولكل عنوان (سمكة ،فيل ،شجرة )..معنى خاص في مفهوم احلظ. وقاربت قرم املعاني بصور فوتوغرافية لتشكيالت طبيعية تربط عناصر اجملموعات مبعانيها وأشكالها املدرجة في الصور ،فكانت توليفة جميلة ،يحكي كل عنصر في اجملموعة حكاية خاصة ،وكل مجموعة متكاملة أسطورة ميثولوجية. ربطت قرم بني فكرة احلظ ،واألبعاد املعتقدية لدى شعوب مختلفة في مراحل ما قبل احلداثة ،في مجتمعات ما زالت تستنجد باملاضي وتخيالته وأساطيره لكشف املستقبل.
من مجموعة الفيلة
العدد 75شباط 2013
معر�ض
13
ومعان مجموعات ٍ إحدى اجملموعات تركزت على شكل شجرة معلقة في سالسل ذهب ،ترمز إلى “شجرة احلياة” .ومفهوم شجرة احلياة استخدم في العلوم والدين وامليثولوجيا كعنصر عام في املعتقدات وعلوم الدين والفلسفة كافة ،وهو مفهوم صوفي يعود إلى تداخالت جوانب احلياة على كوكبنا األرضي ،كما أن التعبير هو مرادف للشجرة املقدسة. الشجرة تشكل صلة اجلنة بالعالم الدنيوي ،وهي رمز كوني وجد في معتقدات روحية عدة في العالم وترمز إلى احلياة ،فروعها في اجلنة ،وجذورها تضرب في باطن األرض. مجموعة أخرى تعتمد بوذا موضوعا ً لتشكيالتها ،ألوانها باألحمر واألسود واألخضر حلجارة كرمية إلى جانب الذهب، وتشير إلى سحر بوذا أو متثاله ،حيث ظنت الشعوب التي تعرفه أنه مصدر للحظ السعيد ،خصوصا ً إذا تسنى للمرء أن يحتك ببطنه .ولبوذا قوى حماية ما ورائية ،وهو ولد منذ ٢٦٠٠سنة .وقد اعتبر بوذا الضاحك أحد آلهة الثروة ،ويجلب الرخاء ،والنجاح ،واألرباح املالية. مجموعة التنني األسطوري الصيني ،وهو مخلوق خرافي قيل عنه إنه ميلك حراشف مثل حراشف السمكة ،وقرون الغزال ،ومخالب النسر ،وعرف احلصان ،إنه يجسد جوهر فكرة التغيير ،والتحول طاملا تندمج كل هذه العناصر مع نفسها في حقيقة واحدة ،وتصبح مرئية أو غير مرئية في رفة عني. مجموعة األسماك ينطلق مفهومها من أن األسماك اعتبرت حظا ً كبيرا ً في مختلف الثقافات .وهي ترمز للحظ اجليد ،وهي أيضا رمز للثروة والرخاء .ومن هنا تستعمل األسماك بأشكال وصيغ مختلفة ،فتوضع في أوعية زجاجية ،أو على اجلدران كلوحات،أو كأشكال تزيينية أو كتعويذة سمكة محظوظة. مجموعة اليد الزرقاء اخلماسية األصابع ،صورة منذ قبل املسيحية واإلسالم .فهي معروفة في اإلسالم لبس االنسان أيقونة دعسوقة ،أو صدف أن علقت واحدة استخدمت على صعيد عام ،واستعملت في التعليق على على انها يد فاطمة الزهراء بنت النبي ،واعتقد املسيحيون حية على املرء ،فإن ذلك سينير حياته ،ويؤمن الصبر له، ويخفف همومه. اجلدران كرمز للحماية ،وميكن لألصابع اخلمس أن ترد “صيبة املشرقيون أنها يد مرمي العذراء أم يسوع. العني” بحسب املعتقدات الشعبية .يعود االستعمال لليد مجموعة البرسيم ،الزهرة املؤلفة من أربع أوراق ،هي حالة قرم من احلاالت غير الشائعة للبرسيم الثالثي األوراق الشائع .تعتبر قرم مصممة أبدعت اجلواهر من اجل معارض اجلواهر وقي التقليد ،األوراق جتلب احلظ خصوصا عند مصادفتها ،واحملالت الثرية ،ومخازن العرض عبر العالم. وبحسب األسطورة ،متثل كل ورقة أمرا ً ما :األولى اإلميان، أما وقد امتلكت قرم خياال ً غريبا ً بعالقتها باحلجارة الثانية األمل ،الثالثة احلب ،الرابعة للحظ. واألعشاب من عصور قدمية جداً ،فقد أخذت بعضا ً من مجموعة الفيلة :نظرا ً لعمرها املديد ،ترمز الفيلة للتغلب مجموعة والدتها الثرية فقط لتعيد تشكيل جواهرها. على املوت .واألشكال الشبيهة بالفيل توضع على الرفوف أو في املمرات ،تؤكد على احلياة الطويلة واحلظ السعيد .تخ ّرجت قرم من أملانيا في فن تصميم األزياء ،ثم انتقلت إلى باريس ملتابعة دراستها في تصميم األزياء في عالم مشهور والفيلة رمز للحكمة ،والقوة ،والوالء ،والذكاء ،والوحدة. كعالم بيار باملان في مدرسة باريس العليا للتصميم. مجموعة القرن الذي يجسد القوة والوفرة .وفي امليثولوجيتني الرومانية واليونانية ،مثل القرن رمزا ً للجنس عند تخ ّرجها ،اشتغلت على مشاريع في الهندسة كونه شبيه باألعضاء اجلنسية .بعض األحيان ،يسمى قرن املعمارية للعديد من الشركات عبر أوروبا ،وكذلك لرئيس جامعة كمبريدج البريطانية لسلي مارتن .وكان الفضل الوفرة ،وهذا السحر ميثل غنى املستقبل ورخاءه. لهذا االهتمام املستجد بالهندسة املعمارية لقرم أن مجموعة الدعسوقة أو اخلنفسة الصغيرة ،تعتبر حظا ً أفضى بها إلى نيويورك حيث اشتغلت في مشروع إعادة حسناً ،وثراء .وهي حترر االنسان يوما بيوم من املشاكل ،فإذا افتتاح متحف هيويت كوبر الشهير.
14
العدد 75شباط 2013
دين
...اليو�ضا�سية 3 جورج حداد | كاتب لبناني مستقل في القسم األول من هذا البحث نظرنا في نشوء اليوضاسية بوصفها ظاهرة «الدينية» (تتستر باليهودية التي هي دين مزيف) تقوم على التمييز الطبقي واخليانة القومية ،وعلى املمارسة االجتماعية السلبية املعادية لإلنسان ولألمة العربية خصوص ًا وللبشرية جمعاء عموم ًا ،مبا في ذلك للمولودين جسدي ًا كيهود .وفي القسم الثاني تابعنا املسلك «املافياوي» لليوضاسية في احلياة البشرية ،خصوص ًا في حياة الشعوب التي تكونت منها األمة العربية .وفي هذا القسم الثالث واألخير نتابع الدور املعادي لإلنسانية الذي تضطلع به اليوضاسية في حياة العالم ،ونكشف باألخص العالقة العضوية لليوضاسية بنشوء الدولة واالمبريالية األميركيتني وبنشوء الستالينية والنازية ومعاداة الشيوعية: 14ـ يعتقد الكثيرون من الوطنيني والتقدميني العرب واملسلمني ان العالقات األميركية ـ الصهيونية تعود الى نهاية القرن التاسع عشر وما بعد ،اي فترة تبلور احلركة الصهيونية كحركة قومية ـ دينية رجعية موالية للرأسمالية واالستعمار ومعادية للشيوعية وحركات التحرر الوطني واالجتماعي العربية وغير العربية .وهذا الرأي هو بحد ذاته صحيح ،اال انه غير كاف ،وال يضيء اال على جزء من احلقيقة .والواقع ان العالقة األميركية ـ الصهيونية هي عالقة عضوية وثيقة تعود الى نشأة الدولة األميركية ذاتها .واذا كانت الدولة األميركية ابادت جميع ،اي عشرات املاليني من سكان أميركا االصليني (الهنود احلمر)، واذا كانت أميركا هي اسوأ دولة امبريالية واستعمارية في التاريخ البشري ،فهذا يعود اوال الى دور اليوضاسية اليهودية في تأسيس الدولة األميركية كدولة فرنكشتانية متوحشة مهيأة الفتراس العالم .وقد اضطلع بهذا الدور اليوضاسيون اليهود االندلسيون ،الذين ،بعد ان سقط احلكم العربي في االندلس ،اداروا ظهورهم للعرب و»تأوربوا» ثم «تأمركوا». فبعد سقوط االندلس بأيدي الرأسمالية االستعمارية االوروبية الصاعدة ،املتحالفة حتالف اللصوص مع النظام االقطاعي والكنسي الروماني ،اخذت اوروبا االستعمارية تتحفز من جديد لالنقضاض على الشرق .وبدأت الرحالت البحرية واجلغرافية االستكشافية الكبرى ،حتت ستار العلم والتجارة والتبشير املسيحي ،في الظاهر ،ولكن كمقدمات جتسسية واستطالعية لالستعمار الالحق ،في الواقع .وطرحت من جديد فكرة جتديد احلروب الصليبية لالستيالء على «االراضي املقدسة» ،واستعمار الشرق العربي االسالمي ونهب خيراته غير احملدودة والسيطرة على موقعه اجلغرافي الستراتيجي .ولكن اوروبا االستعمارية ترددت في سلوك الطريق ذاته الذي سلكته احلمالت الصليبية السابقة ،لثالثة اسباب هي: اوال ً ـ «الذكريات غير املشجعة» عن الهزمية التاريخية
للحمالت الصليبية السابقة. ثانيا ً ـ عدم الرغبة في استعداء العثمانيني ،فيما اذا لم تُ ِقـم اوروبا االعتبار لوجود امبراطوريتهم املستحدثة. وثالثا ً ـ عدم الرغبة في فضح وحرق «الورقة االسالمية!» للعثمانيني ،كحليف ستراتيجي لليوضاسية اليهودية العاملية والوروبا االستعمارية ،فيما لو «تفاهمت» اوروبا االستعمارية على املكشوف مع االمبراطورية العثمانية، للعبور الى الشرق العربي. وهكذا طرحت فكرة غزو الشرق العربي االسالمي من اخللف، اي بعبور احمليط والدوران حول الكرة االرضية والوصول الى الهند ،ومنها الى الشرق العربي االسالمي (وبعد بضع مئات السنني عادت االدارة األميركية ،بقيادة جورج بوش ،لتطبيق الفكرة ذاتها باحتالل «املوقع اخللفي» افغانستان متهيدا العادة الهيمنة املباشرة على الشرق العربي االسالمي). ومع ان الكنيسة (كنيسة «روما» قاتلة املسيح) بزعامة الفاتيكان (املعني «روحيا» باحلمالت الصليبية) لم تكن قد وافقت بعد رسميا على االعتراف بكروية االرض ،فإنها وافقت ضمنا ،وتغاضت عمليا عن محاولة اجتياز احمليط للوصول الى الهند بطريق خلفي .وهكذا ،مرة اخرى ،كرس الفاتيكان «مبدأ» اولوية املصالح االستعمارية الغربية حتى وهي تتناقض مع بعض «املفاهيم االبدية» للكنيسة. ومن املؤكد انه في ظل «احلمى الدينية» التي رافقت «استرجاع» (ريكونكيستا) االندلس كان من املستحيل ،بدون موافقة او تغاضي الكنيسة ،قيام الرحلة االستكشافية االستعمارية لكريستوفر كولومبوس .بل وأشيع ان الذي قام بتمويل رحلة كولومبوس هي ملكة اسبانيا التي كانت تسمى «ايزابيل الكاثوليكية» ،مما يضفي على الرحلة طابعا كاثوليكيا واضحا ،وان كان غير مباشر ،اي بدون موافقة رسمية من قبل الكنيسة. ولكن الصناعي األميركي الشهير هنري فورد (في كتابه: اليهودي األممي ،الصادر باللغة العربية وغيرها ،وانا اعتمد على الترجمة البلغارية الصادرة سنة )2002يقول ان «احلكاية اللطيفة بأن الرحلة مت متويلها بكنز مجوهرات امللكة ايزابيل ،ال تصمد امام اي تقييم غير متحيز». ويتابع هنري فورد قائال« :ان تاريخ اليهود في أميركا يبدأ مع كريستوفر كولومبوس .ففي 2آب 1492مت طرد اكثر من 300000يهودي من اسبانيا .وفي اليوم التالي 3 ،آب ،ارحتل كولومبوس نحو الغرب ،يحمل معه مجموعة من اليهود. ولم يكن هؤالء طبعا من الالجئني ،بل من اليهود النافذين الذين أثارت اهتمامهم اخملططات املثيرة للفضول للرحلة البحرية .ويروي كولومبوس ذاته انه كان يتفاهم معهم بشكل جيد .واول رسالة بعث بها كولومبوس ،يتحدث فيها عن اكتشافاته ،كانت موجهة ليهودي». ويذكر هنري فورد اسماء «ثالثة من «املارانوس» او اليهود السريني (املتظاهرين باملسيحية ـ مالحظة مني ج.ح). كانوا يتمتعون بنفوذ كبير في اململكة االسبانية وهم:
لويس دي سانتاغيل ـ تاجر بارز من فالنتسيا ومستشار بالشؤون الضريبية لدى القصر امللكي؛ وقريبه غابرييل مدبـر سانتشيز ـ محاسب ملكي؛ وصديقهما احلميم، ّ القصر امللكي ،خوان كابريرو». وقد مارس هؤالء الثالثة تأثيرهم على امللكة ايزابيل ،كي تدعم رحلة كولومبوس ،وفي النهاية وافقت على رهن مجوهراتها من اجل تأمني املبلغ املطلوب للرحلة« .ولكن سانتاغيل تقدم برجاء ان يسمح له بأن يقدم وحده املال الالزم للرحلة ،وهذا ما فعله» ،حسبما يقول هنري فورد. «ورافق كولومبوس في رحلته خمسة يهود :لويس دي توريس ـ مترجم ،ماركو ـ جراح ،برنار ـ طبيب عام ،الونسو دي ال كالي ،وغابرييل سانتشيز. «ومقابل دعمهما لكولومبوس ودورهما في املشروع ،حصل لويس دي سانتاغيل وغابرييل سانتشيز ،على الكثير من االمتيازات». ويندرج رأي هنري فورد (الذي كان من ألد أعداء الفكر االشتراكي والشيوعي) في ما ميكن تسميته «وشهد شاهد من أهله» .وأي دراسة لنشوء وتطور الرأسمالية واالمبريالية األميركية تؤكد هذا الرأي الذي يسلط الضوء متاما ً على الدور اليوضاسي اليهودي في «اكتشاف» وبناء «العالم اجلديد». 15ـ بعد «اكتشاف» أميركا ،لعبت الطغمة اليوضاسية اليهودية العليا دورا ً مركزيا ً في تشجيع الهجرة (ال سيما هجرة الرساميل واجملرمني والعصابات االجرامية) الى «أميركا» وابادة سكانها االصليني واستعمارها .وبسبب من تعاونها االوسع واالقرب مع البروتستانتية االنكلو ـ ساكسونية ،كان النجاح في استعمار أميركا الشمالية اكبر منه في أميركا اجلنوبية ،التي غلب عليها الطابع الكاثوليكي الالتيني ،حيث طغت عملية التمازج مع السكان االصليني مع سيادة العنصر الالتيني ،في حني ان عملية «التنظيف» او االبادة التامة للسكان االصليني هي التي طغت في الشمال. 16ـ بسبب ابادة السكان االصليني في أميركا الشمالية، نشأت احلاجة الى اليد العاملة الرخيصة ،خصوصا في الزراعة واستصالح االراضي «اململوكة» حديثا من قبل
العدد 75شباط 2013
املستعمرين اجلدد .فكانت الطغمة اليوضاسية اليهودية، ذات التجربة العريقة بتجارة الرقيق ،هي احملرك االساسي لعملية صيد البشر واستعبادهم في افريقيا ،وبيعهم ونقلهم للعمل كعبيد في «العالم اجلديد» .وقد مات عشرات املاليني من هؤالء البائسني في الطريق ،قبل ان يصلوا الى «جنة العالم اجلديد» ،فكانت جثثهم ترمى في البحر ،كنفايات او قاذورات او حيوانات نافقة ،بدون اي طقوس دينية او غير دينية ،وبدون اي اعتبار لقيمة الكائن البشري. كاف الن يستغرب اي كائن عاقل وشريف ان يتم وهذا وحده ٍ الربط ،بأي شكل كان ،بني اليوضاسية وبني أي دين كان، بحجة انها ـ اي اليوضاسية ـ هي «يهودية». 17ـ عشية الثورة الفرنسية وبعدها بدأ ينتشر الفكر الثوري والتقدمي واالشتراكي ،ضد بقايا االنظمة القنانية واالقطاعية والرأسمالية ،ويشمل قطاعا ً واسعا ً من العمال والفقراء واالنتلجنسيا اليهود (الذين يعانون تبعات ارتكابات الطغمة العليا املالية والكهانية اليوضاسية «اليهودية»). وفي القرن التاسع عشر ظهرت االشتراكية العلمية (او الشيوعية) على يد مفكر من اصل يهودي هو كارل ماركس. وهو ما تستغله االوساط االمبريالية والرجعية املتعاونة معها لإلدعاء بأن الشيوعية والصهيونية هما صنوان جملرد ان ماركس هو من اصل يهودي .والواقع ان «يهودية» ماركس هي على قاعدة «لكل شيء ضده من جنسه»؛ اي متاما ً كما جرى في عهد املسيحية االولى ،حينما ظهر يوحنا املعمدان والسيد املسيح وتالمذته من اوساط اليهود انفسهم. سبي ليوحنا املعمدان والسيد املسيح وكارل فاالصل النـَ َ ماركس ال يدل على «يوضاسيتهم اليهودية» ،بل هو دليل قاطع على عدائهم اجلذري لليوضاسية اليهودية التي كانوا هدفا ً لغضبها الهستيري وانتقامها. وقد جن جنون الطغمة املالية والكهانية العليا اليوضاسية اليهودية ،بظهور املاركسية واحلركة الشيوعية ،فبدأ تنظيم احلركة «الصهيونية» واالدعاء بأن اليهود هم «قومية» ،بهدف اولي واساسي هو الوقوف ضد انتشار الشيوعية ،خصوصا ً بني اليهود .وبعد العداء للعرب وللروس ،وللمسيحية واالسالم ،حت ّول العداء للشيوعية الى حافز و»مك ّون فكري» اساسي لليوضاسية اليهودية في صيغتها السياسية املستحدثة :الصهيونية .واذا جاز لنا ان نشبه االضالع الثالثة ملثلثي جنمة داود ،فإن الضلع االول (العبري) يرمز الى العداء لـ :املسيحية ـ االسالم ـ الشيوعية؛ والضلع الثاني (اخلزري) يرمز الى العداء لـ: الروس ـ العرب ـ الشيوعية .وفي انسجام تام مع نشأتها الطبقية ،فإن الشعار االساسي mottoاجلامع لليوضاسية اليهودية والصهيونية أصبح يتمثل في الضلع الثالث وهو: العداء للفكر االشتراكي العلمي ـ الشيوعي الذي متثله املاركسية. 18ـ في 2تشرين الثاني ،1917أي قبل 5ايام فقط من الثورة الروسية ،اطلقت االمبريالية البريطانية ،املتحالفة عضويا ً مع اليوضاسية اليهودية والصهيونية ،ما يُسمى «وعد بلفور» ،بقصد استدراج اليهود العنصريني القامة دولة يهودية حتمي املصالح االمبريالية ،وخصوصا ً منابع وممرات النفط املستخرج حديثاً ،في املنطقة ،والذي كان له ـ اي للنفط ـ دور رئيسي في هزمية احملور االملاني في احلرب العاملية االولى .وكانت الطغمة اليوضاسية اليهودية العليا والتنظيمات الصهيونية التابعة لها تتصور ان
دين اليهود سيتهافتون على تلبية ندائها «القومي» املزيف. ولكن مع قيام ثورة اكتوبر االشتراكية العظمى في روسيا في 7تشرين الثاني ،1917اصيبت احلركة «القومية» الصهيونية والطغمة املالية اليوضاسية اليهودية العليا ومعها االمبريالية العاملية بأسرها ،ـ بـ»فجيعة» مزدوجة هي: ـ ان قلة تافهة جدا ً من اليهود االوروبيني لبت «نداء» الذهاب الى فلسطني. ـ وأن الغالبية الساحقة من اجلماهير الشعبية اليهودية مبا فيها غالبية االنتلجنسيا اليهودية اختارت التوجه في االجتاه اآلخر ،اي اخليار االشتراكي ،إن في روسيا حيث كانت املشاركة الشعبية اليهودية في الثورة االشتراكية مشاركة كبيرة جداً ،وإن في اوروبا الغربية ،حيث كانت مشاركة اجلماهير العمالية واالنتلجنسيا اليهودية في االحزاب الشيوعية واالشتراكية ـ الدميقراطية مشاركة كبيرة جدا ايضا. وهذه «الفجيعة» لليوضاسية اليهودية والصهيونية واالمبريالية لعبت دورا مركزيا في تقرير املصير الفاجع الحقا لشعوب اوروبا والعالم ،مبا في ذلك وباالخص للجماهير العمالية والشعبية اليهودية في اوروبا ،نتيجة اجتاه اليوضاسية اليهودية والصهيونية للتآمر على اجلماهير العمالية والشعبية اليهودية ذاتها. 19ـ مدفوعة بـ»الفجيعة» اآلنفة الذكر ،عمدت الطغمة اليهودية اليوضاسية العاملية ،وال سيما عبر احلركة الصهيونية املنظمة التي حتولت الى ما يشبه «حكومة يهودية عاملية» ،ـ الى التآمر مع البيروقراطية احلزبية ـ الدولوية السوفياتية بقيادة اخلائن ستالني ،حلرف السلطة السوفياتية اجلديدة عن طريقها الصحيح ،ولسحق احلركة الشيوعية في روسيا ،وخاصة االنتقام من احلركة الشيوعية في صفوف اجلماهير اليهودية ،وهذه املؤامرة هي االساس السياسي لالرهاب الستاليني املعادي للشيوعية ،الذي بدأ مبحاولة اغتيال لينني في آب ،1918ثم شله فقتله بواسطة العالج اخلاطئ في ،1924ثم التصفية اجلسدية ألغلبية اعضاء احلزب البلشفي الذين شاركوا في الثورة االشتراكية في ،1917وإعدام عشرات املاليني من ابناء الشعب الروسي وعشرات االلوف من ضباط اجليش الروسي ،الذين كانوا يعملون على بناء االشتراكية وحمايتها من اخلطر النازي القادم. 20ـ ومدفوعة بـ»الفجيعة» ذاتها ،عملت الطغمة اليهودية اليوضاسية العليا واحلركة الصهيونية العاملية على التآمر مع احلركة االشتراكية ـ القومية (النازية) بقيادة ادولف هتلر ،ومع االممية االشتراكية ـ الدميقراطية املوالية لالمبريالية بقيادة كاوتسكي ،ـ ملواجهة وسحق احلركة الشيوعية في اوروبا الغربية ،خصوصا في صفوف اجلماهير العمالية واالنتلجنسيا اليهودية؛ وبدأت هذه املؤامرة باغتيال وتصفية القائدين الشيوعيني روزا لوكسمبورغ (اليهودية االصل) وكارل ليبكنخت و 15الف عامل شيوعي (قسم كبير منهم شيوعيون يهود) في برلني في ،1919 وكانت ـ اي هذه املؤامرة ـ في اساس ما ُسمي فيما بعد الهولوكست ،اي عملية االبادة املوجهة ضد الشيوعيني اليهود واجلماهير الشعبية اليهودية املؤيدة للشيوعية واالشتراكية واملعارضة للصهيونية ،بشكل خاص ،وضد الشيوعية بشكل عام. 21ـ وقد كانت هذه السياسة التآمرية العدوانية والوحشية للطغمة اليهودية اليوضاسية العليا والصهيونية العاملية
15
احد االسباب الرئيسية الندالع احلرب العاملية الثانية، ومهاجمة هتلر لالحتاد السوفياتي ،وهو ما ادى الى هالك حوالى 60مليون إنسان ،منهم 30مليون سوفياتي. 22ـ وقد انتهت هذه التراجيديا الكابوسية لإلنسانية بأسرها باالتفاق بني العميل السري للصهيونية ستالني وبني روزفلت وتشرشل على حل «الكومنترن» (االممية الشيوعية) ملصلحة االمبريالية العاملية ،وعلى املوافقة على تقسيم فلسطني واقامة اسرائيل ،ملصلحة الصهيونية العاملية، واخيرا على اجبار قيادات االحزاب الشيوعية في منطقة النفوذ السوفياتية (في اوروبا الشرقية) على اصدار قرارات حزبية تقضي بإرسال يهود اوروبا الشرقية الى اسرائيل، بصرف النظر عن معارضة قسم كبير منهم لتلك القرارات. وقد شذ عن ذلك فقط احلزب الشيوعي اليوغوسالفي، بقيادة تيتو ،التي كانت على نزاع مع ستالني ،اخلائن االكبر للشيوعية .وكانت القيادة اليوغوسالفية تؤيد اقامة دولة فلسطينية واحدة .وهو ما جلب في وقته على تيتو واحلزب الشيوعي اليوغوسالفي ويوغوسالفيا الغضب املشترك لالمبريالية والصهيونية العاملية والستالينية .وفي نهاية القرن العشرين متت مهاجمة وتدمير وتفتيت الدولة اليوغوسالفية املوحدة ،من قبل أميركا وحلف الناتو ،بدعم كامل من قبل البيروقراطية السوفياتية الغورباتشوفية، خليفة الستالينية العميلة لالمبريالية والصهيونية. 23ـ وما نشهده اليوم ،فيما يسمى «العوملة» األميركية، هو مظهر بارز من مظاهر جناح اليوضاسية في «التهويد» التام للمجتمع االمبريالي ،حيث تنفصل «اللعبة املالية» اليهودية انفصاال ً متزايدا ً عن عملية االنتاج والتجارة الكالسيكية ،بحيث ان قلة من كبار املليارديرية واالدارة التكنوقراطية املرتبطة بهم تتجمع خلف احمليط ،وتتحكم بعملية االنتاج والتوزيع واالستهالك في العالم بأسره، بواسطة وسائل االتصال احلديثة ،فتحكم على مصائر بلدان وقارات كاملة باملوت او احلياة ،وعلى قطاعات انتاج كاملة باالستمرار او التوقف ،وتشن احلروب اينما تشاء ،وتطلق االوبئة هنا وهناك وتتحكم باالدوية واالغذية كما تشاء؛ من دون ان حتتاج ـ هذه القلة – الى االقتصاد الوطني في اي بلد كان مبا في ذلك أميركا ذاتها ،اذ انها تصبح متحكمة ،في كل حلظة بلحظتها ،بالعملية االنتاجية والوجود اإلنساني بأسره في الكرة االرضية بكاملها .ولالسف ان بعض «املثقفني» املاركسيني املزيفني والستالينيني احلقيقيني، مثل فؤاد النمري ،يستدلون من ذلك على ما يسمونه «زوال الرأسمالية واالمبريالية» في أميركا ،حيث ان العملية االنتاجية «الرأسمالية الكالسيكية» لم تعد تتعدى 17% من االقتصاد األميركي .ويقول هؤالء ان أميركا دخلت في عصر ما يسمونه «االستهالكية» ،كأمنا يوجد «استهالك» و»استهالكية» بدون «انتاج» و»انتاجية» .ولكن هذه العني الستالينية العوراء ال ترى ان شعوب العالم بأسره تتحول الى «عبيد» حقيقيني لدى «أميركا االستهالكية» ،وان هذه «األميركا االستهالكية» تصبح عالة طفيلية على العالم بأسره ،وليس فقط على «الطبقة العاملة األميركية»، وبالتالي ان القضاء على النظام القائم في «أميركا االستهالكية» وعلى رأسه اليوضاسيون واملتمولون اليهود واالنكلوسكسون ،االصدقاء القدماء ـ اجلدد لستالني والستالينيني والنيوستالينيني ،يصبح مهمة آنية شديدة االحلاح امام اإلنسانية بأسرها وعلى رأسها األمة العربية املظلومة ،املنكوبة باسرائيل واالحتالل األميركي ـ اليهودي اليوضاسي.
16
العدد 75شباط 2013
ثقافة
االن�سداد الثقايف
من التنوير �إىل التثقيف جنيب نصير لم يكن انقالب حسني الزعيم ،1949انقالبا ً عسكريا ً صرفاً ،بقدر ما هو انقالب ثقافي ،أنهى حلم النهضة والتنوير معا ً بحيث ال تبدو مقررات يالطا بعيدة عن املوضوع ليس من باب املؤامرة ،بل من باب اخلضوع لألكثرية وإمكانياتهم بعد فشل التنويريني في التأسيس لدميقراطية في مجتمع فشل النهضويون في تأسيسه أو التأسيس له ،وعليه فقد مت استبدال التنوير مبشاريع ثقافية توعوية ليس إال، وأصبحت الثقافة هي املبتغى على طريق التنوير ومن معان ثم النهضة ،واعتبارا ً من 1949اختلطت بعض ٍ للثقافة ،مع املعنى املعرفي لها؛ حتى كادت تصبح مجرد العلم بالشيء دون أي ميزة اجتماعية أخرى، وهكذا حتول بقية التنويريني الى حملة أقالم ،وأصبحت الثقافة هي (وعي) بأي شيء ،يتسامى أو يتهاوى، يتخ ّلف أو يتقدم ،معاصر أو تراثي ،عاملاني أو غيبي، حداثي أم مم ّوه ،الخ الخ ،ومن مصادفات هذا الوعي (امللخبط) أنه اكتشف مشابهات يالطوية لسايكس بيكو ،مثل مخطط داكار كابول لتغيير أنظمة احلكم (أي الثقافة) ،ومن ثم مستنقع اجلهاد األفغاني برعاية بريجنسكي ،حيث ظهرت النتائج النهائية لهذه الدوغما سنة ،1967لنرى ونلمس انفصام عرى الثقافة عمودياً ،وليتحول املثقفون بعدها من بقايا التنويرية ومن املستجدين ،الى باعة متجولني في عواصم العالم بعد أن سدت في وجوههم السبل (احلرب األهلية اللبنانية – كامب ديفيد الخ) ،تاركني الساحات الثقافية (على صغرها) أللوان جديدة من الثقافة انطالقا ً من عام ،1967االستحقاق األكثر وضوحا في احلاجة الى توليد اجملتمع وبناء اإلنسان، لقد انهزم الشرق أوسطيون اجتماعياً ...والهزمية العظمى أنهم سامحوا أنفسهم ولم يحاسبوها ألن احملاسبة حتتاج الى الوصفة نفسها التي تغافل عنها اآلملون أنفسهم بحياة أفضل وعلى األقل (طبعا الوصفة موجودة ومشهورة ال بل مجربة حتت أنظارهم وبالقرب منهم) ،ولكن هؤالء اآلملون الشرق أوسطيون لم يشعروا بانسداهم الثقافي بعد ،ال بل تصوره كجريان هائل كاسح ،حتى ولو ظهرت بضع اشارات هنا وهناك تصفه بجريان هائل ولكنه معاكس ،مرتد، طوفاني وكارثي ،فاستحقاق تأسيس مجتمع ،متّت مواربته لغويا ً فقط ،وأصبحت هناك مجتمعات تارة
ومجتمع واحد تارات أخرى ،ولكن بناء على التفسير اللغوي فقط ،متاما ً مثل تعريف الثقافة بالعربية، على أنها ثقف الرمح ،أي هذبه ودببه ،على الرغم من املعنى العاملي لها ،إال أن التدبيب (من دب) والتجميع، هما معنيا الثقافة واجملتمع في املمارسة الثقافية، وهي مصطلحات ال تقبل ال املواربة وال االستبدال ،وال التعريف بداللة التراث ،فإما مجتمع وثقافة باملعنى املعرفي املعاصر وإما ال ،فليس من أشباه ثقافات وال أشباه مجتمعات كالتي نعيش بقادرة على العيش واالستمرار فال عاد وال ثمود تصلحان كأمثلة على الفناء ،بل العراق وأفغانستان والسودان ولبنان واليابان القدمية وماليزيا الخ ،فالفناء املعاصر هو خيار بني أن تكون مجتمعا ً ينتج عن حيويته وسائل وأدوات وعوامل البقاء واالستمرار املشروط باالرتقاء ،أو تستمر عمليات اإلفناء الداخلية قبل اخلارجية بناء على استحقاقات الكفاية واملنعة والتنافس ،فال أحد على سطح الكرة األرضية ميزح في مسألة فنائه. مع ثورة 1952مت إلغاء التنوير عمليا ومطاردة فلوله، فال لزوم له بعد أن جاء املثقفون (العسكر) وهم سوف يولدون مجتمعا ً وعادال ً ذا منعة وكفاية ،وهنا ال يؤسف على التنوير ما دام حلم النهضة الذي سبقه نفسه قد ألغي وأصبحت الثقافة (بوزاراتها على سبيل
املثال) هي النبع املوحد للمعلومات التي هي نفسها الثقافة (برأيهم) واملعترف بها تراثيا ً (تدبيباً) ،بحيث اصبحت الثقافة (التدبيب) إجبارياً ،عبر وسائل اإلعالم، والتعليم (كميات هائلة من املدارس ذات التعليم السيىئ) وعبر وسائل التوصيل للمنتجات الثقافية (مسرح ،سينما ،شعر ،موسيقا ،طباعة كتب وأخيرا ً وليس آخرا ً التلفزة) لتبدو املسألة كهجوم كاسح على بقايا منتجات التنويريني ،الرجعيون منهم تارة والتقدميون جدا ً تارة أخرى ،حيث مت ترويض الثقافة (الفاشلة أساسا) لتصبح صاحلة وبتأييد األكثرية البشرية ،لبدء تنفيذ مشروع داكار كابول املعروف في أروقة السياسة آنذاك ،ألن االنشقاق العمودي في ثقافة هذه التجمعات البشرية جتعلها قابلة لالنصياع فاجملتمع لم يؤسس بعد وال ضير من االختالف (حتت مظلة االنقسام العمودي) حول «الدولة» أو «شكل احلكم أو السلطة» وهو نفسه ما تريده األكثرية ذات الثقافة (التدبيبية) التي احتقرت النهضويني وأدانتهم و ،...وكذا التنيريون ،واآلن املثقفون الذين وضعوا الوعي هدفا ً لهم ....ولكن الوعي مباذا؟؟ وهو السؤال الذي د ّوخ هذه التجمعات البشرية ،وبدأت األولويات بالظهور، في تناقضات كوميدية ذات نتائج استراتيجية واضحة وفاضحة ،فاإلصالح الزراعي وكمثال سوف يفتت األرض الزراعية بالواراثة وبعد جيل واحد ،وسوف تبدأ
العدد 75شباط 2013
الهجرة من الريف الى املدينة نتيجة إنصاف الفالح وإهماله ،وسوف تتراكم العشوائيات السكنية في فوضى إنسانية عارمة يقف التعليم البائس فيها في املركز ،حيث يعود هو نفسه الى العثمنة من حيث تأمني موظفني لإلدارات ،في تناقض فظيع بني ما هو كائن وما بني ما سوف يكون من جهة وبني ما يجب أن يكون من جهة أخرى ،وهنا وداخل هذا التناقض وجد املثقفون املنقسمون عموديا ً أرضهم التي أقاموا عليها صرحهم الثقافي املتني ولكن الذي ال يض ّر ،مما أدى مبصطلح األمية الى التمدد والسيطرة على جموع مالكي املعلومات من املتحسرين على املاضي ومن احملتفلني باحلاضر ،ومن اجملروحني في قلبهم (في قلبهم فقط وال ميلكون أدنى حيلة) ،فالقضية واضحة وضوح الشمس وليس إلحد أن يغير في الواقع شيئا. بعد انفضاض بقايا التنويريني وحتضير وتهيئة أصحاب األقالم في مستهل الستينيات في القرن العشرين، بدأ عصر ترويض املثقفني مبكرا ً (وباملصادفة البحتة!!!) مع عصر البترودوالر الصحراوي (وهو مختلف عن البترودوالر العادي) بدأ املثقفون ينشئون دروبهم األكثر ربحية .مادام األمر يحتاج إلى نهضويني واندثروا ،ولم يبق من التنويريني إال من هم في املنافي االختيارية واإلجبارية والقبور ،فلما ال ينضوون حتت مظلة أحد الشقني العموديني العميقني بصورة حداثويني أو تراثويني مموهني ،وما دام ليس للمثقف أكثر من استعراض معلوماته كمواقف من احلياة والكون والفن ،تاركني للذكريات مهمة التلذذ بالزمن (اجلميل) واستحضاره على أساس «ليس باإلمكان أحسن مما كان» ،معتبرين أن الثورة العربية الكبرى هي بداية عصر (الوعي) من دون أن ينت ّبهوا ،ال لسايكس بيكو وال ملا أتى بعدها وال (وهنا البيت القصيد) للصراع احلاد بني البترودوالر الصحراوي ،واللورانسية الثورية الناكثة بوعودها الهبالء باألساس ،ولكن ومبا أن رياح البترودوالر قد ه ّبت منذ اخلمسينيات وما قبلها على مثقفي تهب على مثقفي الشرق األوسط ،فأين العيب بأن ّ السبعينيات من حكام ومحكومني ،ومن مهاجرين وساكنني ،من تراثويني ونهضويني ،أين املشكلة في ذلك واجملتمع لم يؤسس بعد وهذا ينفي املسؤولية عن يقدمها أي وجدان هش أو حتى متني ،فاملعلومات التي ّ حملة األقالم صحيحة مئة باملئة ولكن استخدامها مقنن مئة باملئة( ،متاما ً مثل الشوربة نظيفة ولكن الصحن متسخ) فال تعليم ميكنه وضع احلصان أمام العربة ،وال مصالح جمعية واضحة تدفع بأحد إلنقاذ ما ميكن إنقاذه ،وصورة الهجرة كمثال هنا توضح مدى البون الشاسع بني أبناء اجملتمعات وأبناء التجمعات البشرية من خالل األداء االجتماعي ،وهذا الفارق كان واضحا ً بني العراق ويوغوسالفيا السابقة اللتني تعرضتا لالحتالل نفسه ،حيث ظهر بعيد االحتاللني تص ّرف مختلف ومتباعد في كال اجملتمعني من حيث التخلف والتقدم ،حيث أن كليهما متظهر حقوقيا ً إن كان من خالل اجملتمع أو من خالل التجمع البشري. س ّمي «بالربيع العربي» بسنوات طويلة قبيل ما ُ ظهر املثقفون بكثافة داعني الى الدميقراطية واحلرية،
ثقافة
مت تروي�ض الثقافة (الفا�شلة �أ�سا�سا) لت�صبح �صاحلة وبت�أييد الأكرثية الب�شرية ،لبدء تنفيذ م�شروع داكار كابول املعروف يف �أروقة ال�سيا�سة �آنذاك ،لأن االن�شقاق العمودي يف ثقافة هذه التجمعات الب�شرية جتعلها قابلة لالن�صياع واجلزء األساسي منها كان ولألسف ،هو الدعوة الى احلق بـالتخلف والالمنطق والالعقالنية واحلق باختيار الفشل واحلق باخلصوصيات القومية (قبل حتقيق اجملتمع ومن ثم الوعي به) املدمرة ،كل هذا حتت سمع وبصر املعرفة اإلنسانية الهائلة ،التي اختطت قوانني تنافسية يجب الولوج اليها بغض النظر عن الرأي بها أخالقياً ،وكانت أم املعارك التي «حضرت» لهذا الربيع هي معركة العوملة (طبعا وهي مناسبة لشتم العاملانية) ،فالشرق أوسطيون خلقهم اهلل بخصوصية خاصة ،صحيح أنه ال ميكن تعريفها (خجال أو متنعا أو امتناعا) إال أنهم (نيقة عن اخلليقة) لهم خصوصياتهم التي قد ال يتفهمها العالم ،وعلى العالم أن يغير من نظرياته ومنجزاته كرمى لهم وإال سوف يكون العالم عنصريا وال دميقراطيا ويخلط بني حرية التعبير والوقاحة وإيذاء اآلخرين ،خصوصا
17
املهاجرين منهم الى أصقاع األرض حبا وهياما بأوطانهم األصلية ...وإلخ ..تفرغ املثقفون لهجاء العوملة ،حيث التحم املنشقون عموديا ً على هذا الهدف ،وبدأوا مبعزوفة طالت ربع قرن على األقل ،وطالت جميع وسائل توصيل املنتجات الثقافية (التدبيبية)، بتمويل بترودوالري سخي ،الذي يوازيه متاما ً ويحالفه ويدعمه الدوالر اخليري الذي صنع إمبراطوريات مالية عابرة للقارات ،ليصبح حلم إسترداد األندلس واجب ثقافي على كل عضو في التجمعات البشرية الشرق أوسطية ،أن يقوم بواجبه ودوره من أجل استرداد األندلس كجزء من زمن جميل ،وبدأ املثقفون احلديثون (عابد اجلابري مثاالً) ينهلون من هذا العلم (البترو دوالر الصحراوي اخليري) ،ويتبعون بوصلته من قريب ومن بعيد ،في محاولة باهتة بل ومدلسة لرأب الصدع العمودي الذي ذكرناه ،عبر االحتواء من جهة ،وعبر الترغيب والترهيب (فرج فودة مثاالً) من جهة أخرى، كحاملي أقالم و(أختام) متفرغني لتأسيس ثقافة تعد باحتمال تقبل التنوير خالل ثالثة قرون آتية على األقل ومن ثم نحلم بنهضة أساسها اجملتمع!!! هكذا بدأت احلرب على العوملة ،وهي بالطبع حرب وهمية جزافية ال طائل منه ا ،فقد قولبها «التقدميون» على شكل استعمار ،وقولبها التراثيون على شكل معركة عنصرية ضد الدين ال تفسير لها سوى احلقد والتكاره والغيرة والخ ،وتعالت أصوات املقدامنب من النوعني شتما ً ولعنا ً وتثريبا ً واكتشاف الوحشية والخ أو غزوات منهاتن ومدريد ولندن وأمثاله ،ولكن العوملة نفسها في مكان آخر متاماً ،ومستمرة في تعوملها لدرجة أنها ال تذب عنها هؤالء ،ألنها وببساطة موضوع آخر غير الذي فهمه التجمع البشري الشرق أوسطي (وكذلك العاملانية ،والدولة ،واألحزاب والخ) ،فالعوملة هي محاولة لتوسيع األسواق ،أصبحت واقعا ً اسمه التنافس ،وال يحق لغير املنتجني دخوله من هذا الباب، بل من باب االنصياع لشروط االستهالك ...من هنا بدت العوملة مسألة معقدة ال ميكن فهمها ،ألنها حتتاج الى مجتمع ومستحقاته (إنتاج) ليحق له الفهم ومن ثم املشاركة. (يتبع)...
18
العدد 75شباط 2013
تاريخ
ملاذا هذا اخلوف من التاريخ لدرجة الكراهية؟
من �أين م�صدره؟ وما �أ�سبابه؟ د .فيفيان حنا الشويري | باحثة وأستاذة جامعية
في القسم األول من هذا البحث نظرنا في نشوء ترتبط الذاكرة العربية بالالوعي اجلماعي ملفهوم املاضي، ولعدم االكتراث بأهمية ما جرى في الزمن الذي سبق األمة احلاضر ،فالوطن في أزمة وجود وهوية محدقة زمن ّ ّ متجذر في أبنائه ،أال وهو الرفض، عائدة الى عامل نفسي رفض املاضي ،ليس لوعيهم بأحداثه ،بل جلهلهم به ّ املعقد نفس ّي ًا يخشون جه ًال تام ًا ،فهم كما املريض العودة إلى الوراء متام ًا بالعودة الى الطفولة كي ال يتذكر، ولكن ماذا؟ كي ال يتذكر أساس ع ّلته ومكمن عقدته وسبب مرضه .لذا فهو في حالة رفض دائمة للتاريخ، ال بل إن موقفه منه موقف ازدراء أو ال مباالة أو عبثية وهي األخطر على وجوده .من هنا اختالف مسؤولينا حول كتاب التاريخ ،وحول كيف يكتبونه ،وملصلحة َمن أو ضد َمن ،ولكأن التاريخ هو تاريخ أشخاص وأفراد وأقزام وليس أمة وأمجاد! تاريخ جماعة وتاريخ وطن ومصير ّ
إحساس مكبوت
قال الشاعر العربي:
ليس بإنسان وال عاقل من ال يعي التاريخ في صدره ومن درى أخبار من قبله أضاف أعمارا ً إلى عمره و َمن أكثر من الشعر العربي معرف ًة مبجاهل النفس وأغوارها ،فالشاعر هو ذاكرة الشعوب ،فهو قد سبر أعماق النفس البشرية وأطباعها قبل موجة علم النفس احلديث املمنهج على أساس ضعف البشرية وليس على مواضع القوة فيها .فاألطباع واألهواء هي سمة البشر في كل زمان ومكان وما من عيب في ذلك، ولكن العيب أن ال يتطور اإلنسان ويرتقي عبر السنني، ويبقى يراوح مكانه متاما ً كاجملتمعات احليوانية التي ما زالت على حالها منذ وجودها في األطوار اجليولوجية. ذمة الشاعر ،ليس من عاقل إال ووعى في إذن ،وعلى ّ صدره التاريخ .وهذا صحيح ،ولكن عن أي تاريخ يتحدث الشاعر؟ هل هو التاريخ املوضوعي ،العلمي ،اجمل ّرد عن كل األهواء أم أنه تاريخ العواطف والشخصانية والفردية والعشائرية والقبلية واملناطقية والطائفية واملذهبية احلس العاطفي والعائلية واألحادية واإلفرادية ،وتاريخ ّ واملتعصب املتزمت الديني والروحاني واإلعجازي ّ ّ واملتقوقع؟ هل هو تاريخ العقل أم تاريخ النقل والتقليد والترداد الغوغائي والببغائي ،الزجلي الغنائي امللحون أو املوزون أو املكسور الوزن أو اخمللخل البنية أو...؟ هل هو تاريخ من ال يفقه من التاريخ اليوم إال تقليب املواجع والرجوع إلى أمجاد قريته أو مح ّلته أو “زاروبه” والبحث
أسس سابقاً ،وهي تتابع اليوم هي التحصيل احلاصل ملا ّ طبيعي للتخطيط الذي وضع قبالً مهما بعدت املدة الزمنية؛ فها إن كتب التاريخ ومن يد ّرسها يشرذمون ّ ويقطعون أوصاله مبا اختاروه وما يتالءم أحداث التاريخ مع أحاسيسهم وتطلعاتهم وأهدافهم ،فتأتي املعلومة ّ مفككة األوصال ،مج ّزأة في جمل غير مترابطة ،ال نقرأ فيها سوى أسماء وتواريخ ليس إال ،صعبة احلفظ لكثرتها ،أدرجت كمجرد معلومة مرمية من دون أي ربط ودون أي حتليل للسبب والنتيجة ،ونروح جنتر األحداث والنظريات في تفنيدها مبعزل عن مس ّببها األساسي، فكيف يهمل السبب ويع ّول على النتيجة فقط؟
عن مكامن األزمة بينه وبني جيرانه وحتى بينه وبني نفسه؟ فإلى ماذا ترمي هذه الدراسات التاريخية التي تعد باملئات والتي ال تذكر من التاريخ إال األحداث الفردية ّ التي أ ّدت الى أزمة ومن ثم الى حرب ضروس بني جار وجار ،ثم أ ّدت الى إشعال فتنة طائفية أطاحت بكل من شارك فيها؟ هل هو تاريخ ذلك الذي يتحدث عن صراع األخوة بني بعضهم بعضاً؟ هل هو تاريخ ذلك الذي يعيد الى الذاكرة ما ّ حل بالطوائف من تنكيل وتهجير ألبناء الوطن الواحد؟ من هنا فليس اخلوف من هذا النوع من التاريخ وحده هو املطلوب ،بل الرفض الكامل له وإلغاؤه من الذاكرة ومحو آثاره الى األبد ألنه عامل تفرقة وليس عامل وحدة وهو ذاكرة سيئة ومض ّرة؛ فأبناء الوطن الذي ويتدججون بالسالح من أجل مقاتلة التاريخ منهجية علمية يسرجون اخليول ّ بعضهم البعض ليسوا أهالً أن تذكرهم األجيال ،ألن إن التاريخ هو مادة املنهج العلمي بامتياز ،شرط أن تطبق في كتابته املنهجيات املوضوعية وعلى رأسها التاريخ ال يتسع ملثل هؤالء وال مكان لهم فيه. املنهج التنقيحي ،أو ما يسمى منهج إعادة النظر ( )révisionnismeالقائم على إعادة النظر في املعطيات ولكن ما هو التاريخ وأي تاريخ يكتب؟ فإذا كنا نرفض استرجاع هذا النوع من األحداث األليمة املوروثة وإزالة الشوائب عنها على ضوء العلم واملنطق؛ ونرفض حتى تذكرها والكالم عنها ،فكيف نكتب التاريخ أما اخمل ّولون حتقيق ذلك فهم اجمل ّردون عن كل العواطف إذن ،وماذا نختار منه؟ نختار ما قاله حتديدا ً شاعرنا “ومن واألهواء الشخصية والفردية ،املتصاحلون مع أنفسهم، ّ املنقحون السليمو البنية النفسية ،مبعنى آخر، درى أخبار من قبله **** أضاف أعمارا ً إلى عمره” ،أي انتقى هؤالء منه األمجاد ومواقف العزة والبطولة والكرامة وليس هؤالء الذين ال يخافون من التاريخ أي الذين يقرأون كل تلك التي لعائلته ،بل تلك التي للجماعة وألبناء الوطن املعطيات بعني العلم القائمة على السبب والنتيجة، كلهم دون أي استثناء؛ تلك احملطات اجمليدة التي قالت مهما كان وقع احلدث خطيرا ً باعتبارات اآلخرين ،فهم فيها األمة قوال ً واحدا ً ووقفت وقفة واحدة وأ ّدت واجبها يقفون منه موقف العالم من جتربته في اخملتبر ،هدفه بيد واحدة ،أما غير ذلك فلتسقط كل أنواع التاريخ أن تنجح هذه التجربة بكل ما أمكن من سبل ،فال والذكريات ولتضمحل الى األبد الى غير رجعة ،غير يبخل عليها بأي شيء حتى ال تفشل .ولكن ،كم عدد هؤالء اخمل َبر ّيني املؤرخني الذي يضعون أحداث املاضي على مأسوف عليها! املشرحة ويحللونها؟ وهل هم موجودون أصالً؟ مدرسي التاريخ أزمة منهج عند ّ بد من التنويه أن مادة التاريخ ما معاجلة نفسية ضرورية وفي هذا السياق ،ال ّ بد من أن زالت مهمشة في البرامج التعليمية بدال ً من أن تكون من أجل إيجاد هذه النوعية من املؤرخني ال ّ ّ في صدارة العلوم ملا لها من أهمية في إضافة أعمار يخضعوا أنفسهم ملعاجلة نفسية ذاتية ،انطالقا ً من على أعمار ،أي ملا حتمله من دفع نحو التطور والتقدم مقولة مارك بلوش في كتابه “أبولوجيا التاريخ أو مهنة نحو مستقبل أفضل .ولكن ،ال زال التاريخ مادة مجهولة املؤرخ ،”1949 ،من أن “األحداث التاريخية هي في األساس متاما ً ويد ّرس تقليديا ً كرواية وأسماء وتواريخ وحروب؛ مادة وقائع نفسية” .وانطالقا ً من هنا ،ميكننا تبيان أن أسباب جافة ،دسمة ثقيلة الوقع الى ما هنالك من ر ّدات فعل الكراهية ال بل الرفض للتاريخ هي نفسية ،وهي حالة ر ّددها وير ّددها التالمذة على م ّر السنني ،تعكس كرههم كمن يكره العودة الى ذكريات طفولته بسبب ما حتمله يدرسون .والع ّلة ،في من آالم دفينة ومكبوتة ّ مباض موجع وقامت ،أو كمن ملادة التاريخ و َمن يؤرخون و َمن ّ تذكر ٍ الواقع ،تكمن في طريقة التلقني الببغائي لهذه املادة يتجنّب النظر في املرآة ليتفادى رؤية جسده املكتنز التي بدل أن تكون مادة ربط بني املاضي واحلاضر أي بني والذي خزن كل ما تناوله من أطعمة لم حترق ،فأصبحت األساس والنتيجة والسبب والنتيجة ،باعتبار أن أحداث هذه الذاكرة املادية املؤملة لصاحبها مصدر إزعاج دائم،
العدد 75شباط 2013
تاريخ
19
تغمس وجهها في يعاجلها بسياسة النعامة التي ّ التراب رفضا ً لرؤية الواقع املرير ،غير أن الضرر ما برح في تزايد مضطرد وسياسة النأي بالنفس عن احلقيقة ال جدوى منها وال طائل .وهذا هو حال من أوكلوا كتابة ّ شك وألمتنا .ومما ال التاريخ احلديث واملعاصر لوطننا ّ فيه أن هناك ن ّية واضحة ال بل سياسة توجب كتابة التاريخ في أفضل حاالته ولكن أدواتها غير متو ّفرة ال بل مفقودة بالكامل .ومن أهم شروط كتابة التاريخ هو وجود املؤرخ العالم واحمللل ،املنهجي الرؤية الذي يعتمد املنهج املقارن أساسا ً لعمله ،مرتكزا ً على منطق األشياء ،وهذا غير متو ّفر البتة ،ليس فقط بسبب عدم حيازته املنهج السليم والعلمي لكتابة التاريخ ،بل والعائد أيضا ً وبالدرجة األولى لعدم جهوزيته النفسية ملباشرة عمل كهذا ،ومر ّد ذلك الى اخلوف والشك والريبة والظنون والى ما هنالك من عواطف تختلج في صدره ّ وتعطل العقل واملنطق لديه .لذا فهو بحاجة للتخلص من كل هذه املؤثرات السلبية حتى ينجح في مهمته، ولكن أنّى له ذلك وهو جاهل هويته الفردية واجلماعية؟ وإذا ما خضع هو ملعاجلة نفسية تخ ّلصه من هذه العوائق ،فهل يضمن الصحة النفسية لفريق عمله املساعد؟ وهل تكفي يد واحدة حتى يتم التصفيق للنجاح املتوقع؟ ما هو التاريخ؟ في حتديد مختصر للتاريخ ،نستعرض بعض تعريفات مؤرخني قدامى ومحدثني .يقول توثيديدوس املؤرخ اليوناني في مقدمة كتابه “حرب البيلوبونيز” إن “التاريخ هو اكتساب لألبد” .وقال أفالطون إن التاريخ هو “القوة التي تقود العالم” .ويقول شيشرون في إحدى خطبه إن التاريخ هو “ملنع األفعال التي أجنزها اإلنسان من أن متحى مع الزمن”؛ وع ّبر باسكال بأسى عن تعريفه للتاريخ: “إن التاريخ لهو أصعب من أصعب مأساة تراجيدية”؛ وقال كارل ماركس ”:إن الناس لديهم تاريخهم اخلاص، ولكنهم ال يقومون به اعتباطيا ً بحسب الشروط املتوفرة والتي أتت مباشرة موروثة من املاضي” ؛ أما شومفور فع ّبر قائالً“ :إن الغالبية العظمى من التاريخ ليست إال سلسلة من الرعب”؛ ويقول عالم التاريخ ميشليه“ :التاريخ هو القيامة الكلية للماضي”؛ وعند روجيه غارودي -وهو من املدرسة احلديثة النافية( (�né )gationisteالتي تعيد النظر في ما قيل في األحداث التاريخية -فإن “السياسة هي التاريخ الذي هو في طور احلدوث” .إذن ،تعد ّدت التعريفات للتاريخ باعتباره علما ً واسع األفق ،بعيد األهداف وشامل للنتاج اإلنساني الطويل وخاصة الفكري. ما هي شروط كتابة التاريخ؟ ولنستعن م ّرة أخرى بأرباب التاريخ الذين يعتبرون بحد ذاتها في هذا املضمار ملعرفة مصادر ومناهج ّ منهج كتابة التاريخ .يقول توثيديدوس في “حرب البيلوبونيز” (“ :)22 ،1أما بالنسبة لألحداث التي جرت، خالل هذه احلرب ،فقد جتنّبت أن آخذ معلوماتي من أول شاهد وأن أثق أو أتكل على معلوماتي الشخصية ،أكان بالنسبة لألحداث التي كنت أنا بنفسي شاهدا ً عليها أم بالنسبة لتلك التي نقلها اآلخرون ،بحيث بادرت في كل م ّرة إلى التحقق األكيد بقدر ما استطعت .ولم يكن
هذا بالعمل السهل ألنه كان يحصل ،أنه في كل حالة، كان الشهود على األحداث نفسها يعطون معلومات غير متوافقة مع ما أخرجه فريق آخر أو جبهة أخرى أو يقولون األشياء بحسب ما رسخ في ذاكرتهم ليس إال”. فهل يستطيع توثيديدوس أو غيره كتابة تاريخ استنادا ً إلى هذه املعطيات املتضاربة األهواء؟ وهل استطاع غيره أن يعطينا منهجا ً واضحا ً لكتابة التاريخ؟ “إن املؤرخ محكوم عليه سرد القصص .وبإمكانه أن يكدس ويصنّف في ملفات خاصة ما جمعه من معلومات كما كان يفعل تالمذة هيزيوديوس األغريقي؛ مبقدوره جتميع متت للماضي بصلة كل أنواع املعلومات واملعطيات التي ُّ واملتعلقة باجملتمعات كما بالدول .غير أنه ال يصبح مؤرخا ً إالّ بعد عملية فرز كبيرة ومضنية لكل هذه املادة املتوفرة لديه ،أكانت تخبر عن أحداث أو عن وقائع حربية ومعارك أو أكانت حت ّلل هذه األحداث مستندة الى أمثلة ومناذج وإحصائيات دقيقة ،أو أكانت تطرق الشؤون االجتماعية محددة الى آخره ،فإن التاريخ يكمن أو تتط ّرق لذهنية ّ ليس في األحداث نفسها ،بل في توليفها مبا يخدم املصلحة البشرية التي حتتويها املادة التاريخية .وكان توثيديدوس أول من الحظ أن هناك طريقتني للمعاجلة التاريخية ،التاريخ القاسي والتاريخ احلر ”.هكذا ع ّرف دينيس روسل طريقة كتابة التاريخ .والسؤال :هل تق ّيد األقدمون مبنهج مع ّلم التاريخ توثيديدوس وموضوعيته التي تغنى أنه كان يعمل بها؟ وهل ننسى بوليبوس
وتزويره لتاريخ سوريا وتشويهه لسيرة الفينيقيني أصحاب اإلمبراطورية العريقة التي سحقتها همجية الرومان أسياده؟ وهل ننسى مؤرخي نيرون الذين كانوا يُقتلون إن لم يكتبوا ما يالئم جنونه؟ وهل لنا أن نتغاضى عن غيره من األباطرة ودورهم السلبي في محو ذاكرة الشعوب؟ وهل ال زال الزمان يخرج إلى الوجود أمثال “فرجيل” الالتيني صاحب ملحمة “اإلنياذة” الشهيرة وقلمه املغرض بحق الفينيقيني وما نقله عنهم زورا ً وبهتانا ً وما نقله من تراث مش ّوه خلدمة املشروع االستعماري الروماني اجلديد ،القائم على أنقاض أمجاد سوريا ومستوطناتها في البحر األبيض املتوسط؟ أال يشبه هذا املز ّور للتاريخ كتبة التوراة الذين بنوا أمجاد دولة م ّزيفة على ظهر تاريخ املشرق القدمي وحضاراته األلفية؟ ألم ينسب مثل هؤالء الكتبة كل ما هو مجيد لهم وكل ما هو رذيل لألغيار؟ وألم يزل الى اليوم تاريخ األمة يز ّور على يد املمسكني بزمام األمور وبرقاب املؤرخني ّ والذين يب ّثون الرعب في نفوسهم مانعني أي مجال لقول احلقيقة واجملاهرة بها؟ وهل لكتاب التاريخ من مستقبل طاملا أن يد الغول متسك به وتتحكم مبضمونه ومبا متليه مصلحتها؟ ولكن ،كفانا نعي أنفسنا ووضع اللوم على القوى املستعمرة ،فإن أول شرط في كتابة التاريخ هو معرفة ذاتنا ،ومن ثم تاريخنا وهو معرفة هويتنا .فهل من أحد فقه حقيقة هويته؟ هنا مكن الع ّلة!
20
العدد 75شباط 2013
كتاب
علي عبا�س..
ت�أمالت ع�شق و�صلوات �شوق �إلهي لويس احلايك أهم مواصفات قوله ما ينطبق على شاعرنا علي عباس الذي نقول فيه ما ألول مرة تنساب الكلمات في كتاب يحمل ّ الشعر الطليق ،بتجرده من االبتذال ومبقاطعه التعبيرية جاء على لسان الناقد في مقاله“ :لن يستطيع خلق رمز جديد املسجعة كهدير اجلداول ،وامل ّواجة مبوسيقاها ،إال من كان ذا ذهن شديد النمو ،شديد التوق والتحرق.”... العفوية ّ الكاشفة عن مكنوناتها دون تصنع او اسفاف. ً نحن مع شاعر أعطى ديوانه عنوانا ً متواضعا حشره بني علي عباس الشديد التوق بصوفية صريحة واضحة صادقة وحب كل عمل وحب من يح ُّب َك قوسني حتى ال يع ّرف عن نفسه بالشاعر وال عن رسائله انها ومباشرة/ :أسألك حبك َّ َّ شعر .لكن ،وكما قيل ،ال خفي إال ويظهر ،ومهما كان التستر يوصلني إلى قربك /يا أرحم الراحمني/ مم ّوها ً بالتعمية ،فال بد أن نشهد بأن علي عباس في عناوين وعلي عباس الشديد التحرق يبدأ خطواته الى اهل الصراط كتابـه وكل عبارة من عباراته هو ّ بكل امتياز شاعر رهيف واهل العشق بحرف /يلملم بعضا ً من احلب وبعضا ً من احلزن األحساس “يعشق موسيقى الطير والغيم واملاء” .وهو مت ّيم وكل الكبرياء /ويحيله زيتا ً في قناديل األمنيات ع ّله ميسح ّ وبكل يف ّر من احلقيقة إليها ..مهما كان احلبر مراً ..مهما كان املاء جبني الضوء ببعض من قطراته وببعض من خطراته ّ ما ادخره من رجاء./ يسف. جمراً ..فال يغرق وال يحترق وال على صراط العشق أمداء من اإلداع واإلدهاش ممهورة بالصدق علي عباس ليس الوحيد في خلق رموز جديدة ،لكنه في تعابيره يخطو الى صراطه بصفاء الذهن ويرقى في صوره والعفوية وال تخلو من االستعالء: يا ساقي! هل يسعدك ظمإي؟! / ..كيف متأل كؤوس املتعبني الى جالل العقل وهمسات الروح/ :رحت اطلب صباحا ً تدثرّ تنحى النعاس عنها /..وبلغت اجنما ً غار املسك في في حانات العشق وال ترتوي! / بأحداق ّ من أين يؤتى باالرتواء؟! /أخالك تائها ً بني جموح السراب!؟ /عبيرها /ف َدلِ ْف َن الى سفح االمنيات ..ساجدات /.إني من غ ٍد ال إقرأ كتابي ..ودع عنك ّ توجعي. كل كتاب/ ّ وتوسد ترابي ..فكالنا من يرجتف يقينه ...هيهات ان يركن الى الغياب توسلي او ّ وجع التراب .../ ..تعال واسكب آخر صبابة عشق من نحر هيهات”. وبعد ،ميكن القول إن علي عباس يسجل قفزة في مدرسة الظما ..فإني مفتون باللظى/ .. رموز واضحة مجردة من االبتذال واإلسفاف وبعيدة عن رموز الشعر احلديث بتجرده من االبتذال في صناعته ومن اإلسفاف “موجودة سلفا ً في التراث” ،كما ورد على لسان جبرا ابراهيم في مضامينه وبصياغة رموزه .فالشعر الطليق ،سواء جاء جبرا في مقال له في مجلة اآلداب ـ عدد 3سنة 66ـ وفي باستعارات حتتية واضحة او غامضة مبتورة او باستعارات
فوقية كما في “صراط العشق” ،يبقى االقرب الى ما يسمى بشعر احلداثة. وعلي عباس ،ومهما أفاض في ابتهاالته الصوفية ،يبقى للحب في قصائده ن ّزة مروق دافئ بني اهلل واالنسان تختصر ّ بقصيدته “ا ّما بعد”: خضم املاء /تكويني نار الغياب / ..وأسافر في الصمت في ّ ألسمع ترانيم املطر/ .. وحني يحضر املساء أسكن في اخليال/ .. إن قصائدي التي تركتها عند حافة الشمس / ..ما زالت تنوح في العتمة / ..ويا أيها املوغلون في التيه / ..هذا البحر يغفو على ندى أصابعي/.. وسيتعبكم االنتظار! أخيراً ،ومهما حاولنا أن نسلخ الشاعر من صوفيته لنخطو به ومعه الى صراط ترابي ارضي فعبثا ً نحاول وعبثا ً نستطيع أن نحرفه عن صراطه السماوي .فالعشق في تأمالته والعشق في صلواته والشوق االلهي معبر صراطه املستقيم / :يا كعبة الروح / ..لك سجدت نغمات عشقي املديد / ..وعلى ضفاف هيامك تقطعت اوتاري / ..يا بارئ احلب....
"ثورات قلقة – مقاربات �سو�سيوا�سرتاتيجية
للحراك العربي" ملجموعة من امل�ؤلفني “ثورات قلِقة – مقاربات سوسيو – استراتيجية للحراك العربي” عنوان الدراسة الصادرة حديثا ً جملموعة من املؤلِّفني (في ط .أولى ،2012وهو من سلسلة الدراسات احلضارية التي يصدرها مركز “احلضارة لتنمية الفكر اإلسالمي في بيروت”). وهذا الكتاب هو من إعداد وتقدمي رئيس مركز “دلتا لألبحاث املع َّمقة في بيروت ،الباحث محمود حيدر” وتدور محاور هذا الكتاب حول العناوين التالية: تنظيري لفهم :طبائعها، مسعى “بواعث الثورات القلقة ّ ً وأسئلتها ،وحت ّيزاتها اإليديولوجية”“ ،التغطية اإليديولوجية للثورات العربية – بني ثقافتني :الفتنة والنهضة”“ ،الثورات العربية البعد السوسيو – ديني”“ ،أميركا والثورات العربية”، “اخللفيات املعرفية التاريخية للثورات العربية” ،و”اختبارات ثورتي البحرين وتونس وتطبيقاتهما”. هذا وقد جاء في مقدمة املركز لهذا الكتاب ،ما يلي: حتى لو اتفقنا على التعامل بإيجابية مع العناوين الشائعة في اخلُطب اإلعالمية والسياسية والفكرية ،جلهة تعريف
التحوالت بأنها ثورات فتحت باب التغيير الدميوقراطي، فليس لنا أن نغفو عن تلك الشبكة الهائلة من التعقيدات والتداخالت ،التي تدفع باحلادث الثوري نحو فوضى االحتراب األهلي والتفتيت الوطني؛ لذا فإن الرؤية األكثر اقترابا ً من الواقع ،تشير إلى أن احلادث العربي في مجمل أقطاره وساحاته ،هو حادث يحوطه ضباب كثيف؛ لكنه مفتوح على احتماالت ووعود ال حصر لها .وإذ نضع عبارة “الثورات القلقة” عنوانا ً لهذا الكتاب ،فألننا على يقني من أن ما يحدث هو أشبه بـ”جيولوجيا مجتمعية” تتع ّدد أسبابها ومح ّركاتها، مثلما تتن ّوع املؤثرات والعوامل الداخلية واخلارجية املؤدية إلى انفجارها ودميومتها .القلق الذي يسم راهن “الثورات العربية” ومقبلها له دواع كثيرة .في مقدمها االضطراب املتمادي في تعريفها وبالتالي حرص الفاعلني فيها واملعنيني بها على إعطاء تعريفات تعكس رؤاهم ومواقعهم ومصاحلهم .وهو ما جعل الثقافة السياسية العربية تستغرق في فوضى املصطلحات ،إلى درجة غدت مفاهيم الثورة والنهضة والتحرير ،موازية ملفاهيم الفوضى واالحتالل واحلروب األهلية.
ومن األسئلة التي تشغل دوائر التفكير والتحليل السؤال اآلتي :إلى أي نوع من الثورات تنتمي الثورات العربية؟ هل هي تنتسب إلى ثورات احلداثة وتشكل استمرارا ً لقوانينها التاريخية ...أم أنها ثورات جاءت من عالم املفارقة ،حيث ال صلة نسب لها بأ ًي من الثورات الكبرى في التاريخ ،ال في مقدماتها وال في نتائجها فضالً عن قواها وشعاراتها؟
العدد 75شباط 2013
�سينما
21
بعد م�شاركتها بفيلمها الأول "من قتل الوقت؟" يف مهرجان ال�سينما العربية يف �إيطاليا ,املخرجة روان عالء الدين لـ"حتوالت":
لدينا الإمكانية والكفاءة
لكن ينق�صنا الدعم وعدم ت�سخيف �أفكارنا ال�سينمائية حاورتها ـ عبير حمدان هل يعاقبنا الزمن حني نهمل دوران العقارب؟ وكيف ميكن للوقت أن يتجسد بهيئة محددة حني نسعى لقتله؟ هي رؤية حتتمل التأويل والتأمل لذلك كان ال بد من االضاءة عليها كخطوة أولى للسيناريست واخملرجة الشابة روان عالء الدين التي طرحت إشكالية االستهانة بالوقت بإطار الفيلم القصير كمشروع تخرج حط رحاله في مهرجان السينما العربية في مدينة باري االيطالية لتمثل عالء الدين لبنان بفيلمها األول « َمن قتل الوقت؟». عالء الدين ليست راضية بالكامل عن الفيلم العتبارات عديدة أحدها ضرورة االلتزام بالرؤية االكادميية قبيل التخرج مما يحدد اخلط الدرامي للعمل ،لكنها تعتبره خطوة جيدة في بداية مشوارها الطويل في هذا العالم.. املتخرجة الشابة حتدثت لـ»حتوالت» عن فيلمها الذي م ّثل لبنان في اخلارج مبوضوعية مطلقة مما يبشر بخروج موهبة حقيقية الى النور بعيدا ً عن املغاالة واالدعاء. نبدأ من فكرة أساس ونسأل عالء الدين عن مضمون العمل فتقول« :عدم احترام الوقت مشكلة فعلية لدى الكثيرين، وفي لبنان حتديدا ً فقد الوقت قيمته لالسف ،لذلك أردت تناول الفكرة على قاعدة أن من استهان بالوقت توقف زمنه .نبيه بطل الفيلم (املمثل سليم عالء الدين) ال يحترم الوقت إطالقا ً ولديه موعد مهم ،لكنه ينطلق متأخرا ً ولشدة استعجاله يصدم فتاة وال يسعفها وحني يصل يواجه برفض املدير استقباله بسبب تأخره ،وتبدأ رحلته مع الوقت». لكن بأي معنى ميكن لعني الكاميرا املواكبة للنص الذي كتبته عالء وأخرجته ،أن تترجم الطرح؟ جتيب« :موعد عمله كان في متام الثالثة ،ومنذ ذاك الوقت يعيش نبيه أحالما ً تتكرر يأتيه فيها شخص يقول إنه الوقت (املمثل جوزيف أبو خليل) ويطلب لقاءه في هذه الساعة الثالثة حتديداً ،ويتكرر احللم أكثر من مرة وفيه يذهب نبيه الى اللقاء املوعود لكنه ال يجد أحداً ،فيقرر إهمال املوعد الثالث ثم يعود ويذهب متأخرا ً ليجد نفسه أمام قبر الفتاة التي صدمها ورجل الوقت بانتظاره فيوقف الزمن بال عقارب تدور كعقاب له». وتبقى النهاية مع ّلقة وفق تفسير كل شخص ،حيث أن الطرح يحتمل التأويل ،قد يكون الوقت ضميره أو صراعه مع نفسه في حلظة حساب قاسية ،لكن هل ستصل الفكرة للناس كما أرادتها عالء الدين؟ تقول« :أحاول جعل الفيلم مفهوما ً من قبل جميع الفئات الفكرية فلكل منا رؤيته، هناك من يقرأ اخللفية مبا فيها من اشكالية ويسعى إليجاد نهاية حسب وجهة نظره ،وقد يراه البعض مجرد فيلم جميل وينتهي األمر عند هذا احلد». لكن عالء الدين ال تخفي عدم رضاها عن الفيلم فتقول: «نظرا ً لضيق الوقت وجتنبا ً الي تعقيد أتى التدخل االكادميي ليحذف بعض التفاصيل وجزءا ً من احلوار خاصة أن الفيلم في النهاية هو مشروع تخ ّرج ،وكان ال بد من االلتزم مبنهجية محددة وفقا ً لبروتوكول اجلامعة واالساتذة مما يحد من تطلعاتنا بعض الشيء».
المخرجة روان عالء الدين
أما عن مشاركة الفيلم في مهرجان السينما العربية في مدينة باري االيطالية تقول« :هذه املشاركة أشكر عليها املمثل سليم عالء الدين الذي تواصل معهم ،حيث طلبوا منه املشاركة بالبرنامج العتقادهم أنه اخملرج ،وهو اوضح لهم أنني الكاتبة واخملرجة وهكذا تواصلت معهم وأرسلت لهم نسخة من الفيلم وأتى الرد بااليجاب مباشرة». وتشير عالء الدين إلى أن هذه املشاركة مهمة كخطوة أولى وتشكل حافزا ً لالستمرار في هذا الطريق الذي ال يخلو من الصعوبات« :بالطبع لن أقف عند هذا احلد ،وهذه املشاركة ستجعلني أكثر جرأة للمشاركة في مهرجانات أخرى». وتضيف« :حاليا ً سأستمر في مجال االفالم القصيرة كي أكتسب اخلبرة الالزمة للخطوة الكبرى املتمثلة بالفيلم السينمائي الطويل ،أنا أرى أننا منلك اإلمكانية والكفاءة لكن ينقصنا الدعم ،لدينا مشكلتان في لبنان االولى غياب ينصب على كل ما الدعم املادي واملعنوي ،والثانية أن الدعم ّ هو سخيف ،مبعنى أن معظم األفكار الفارغة من املضمون يتم تسليط الضوء عليها ودفعها لتحتل الصدارة ،بينما الطروحات العميقة والتي حتمل قضايا مهمة وتالمس الواقع يتم تهميشها معنويا ً وماديا ً وإعالنيا ً أيضاً». نسأل عالء الدين ما الذي ميكن أن تفعله إذا توقف الوقت: «ال أدري كيف سيكون وضعي في حينه ،فاملسألة مرتبطة بطريقة توقف الوقت ،هل اجلميع متحرك وأنا جماد ،أم أن العكس صحيح؟ أم كلنا نقف دون حراك؟ في تلك احلالة تكون النهاية». وعن التفاؤل باأليام املقبلة تقول« :ضمن حدود املنطق أستطيع القول إنني إذا استمتعت مبا أقوم به فلن يصعب علي أي شيء ،وال أزال في بداية الطريق وأمامي الكثير من ّ العمل والدراسة التي ال تنتهي عند حدود سنة التخ ّرج». أما ماذا بعد «من قتل الوقت»؟ تقول« :هناك العديد من األفكار لكني أفضل االحتفاظ بها الى أن تكتمل نصا ً ومعاجلة وحني تدور عدسة الكامير قد أتكلم عنها».
سليم عالء الدين وجوزيف ابو خليل في مشهد من الفيلم
سليم عالء الدين في مشهد من الفيلم
22
ندوة
العدد 75شباط 2013
زهري فيا�ض يف مكتب الدرا�سات العلمية:
"التنمية يف الهالل اخل�صيب" ر�ؤية جديدة هدفها الإن�سان أقيمت في مكتب الدراسات العلمية – بيت الشعار حلقة حوارية حول كتاب زهير فياض «التنمية في الهالل اخلصيب» حضرها حشد من الشخصيات السياسية والفكرية واالجتماعية واالعالمية .في البداية كانت كلمة ترحيبية لألستاذ منصور عازار افتتح بها الدورة اجلديدة من سلسلة النشاطات والندوات واحملاضرات التي يقيمها مكتب الدراسات ،بعدها ،كانت كلمة تعريفية للكاتب سركيس أبو زيد .ومن ثم كانت كلمة املؤلف د .زهير فياض والتي جاء فيها: «التنمية وفق الرؤية اجلديدة التي نسعى الى تعميمها وتعميقها في الوعي االنساني ليست فقط ذات بعد مادي – أحادي ،أو اقتصادي بحت ،بل هي رؤية انسانية متعددة األبعاد ،وتضع «االنسان» في املوقع املستهدف من كل عمليات وبرامج التنمية. راق ،وغاية تسعى اليها األمم لتعيد التنمية هي هدف ٍ صياغة ذاتها ،وبناء قدراتها لتحقيق التقدم االجتماعي والرفاه االقتصادي ،ولتحتل موقعها املناسب على خارطة العالم ،بيد أن التنمية هي مسار طويل األمد ينطلق من ظروف البيئة واملكان والطبيعة واجلغرافيا التي حتتوي املوارد واإلمكانات والثروات على أشكالها اخملتلفة ،والتي تقدم عمليا ً فرص التقدم والنمو االقتصادي احلقيقي املرتبطة بشروط امتالك املعرفة العلمية والتقنية والتكنولوجية الضرورية ،وفي امتالك اإلرادة والوعي الضروريني ،للشروع في عملية التنمية بأبعادها وتشعباتها ومتطلباتها. والتنمية – بهذا املعنى – ذات بعدين :األول :عالقة التنمية باقتصاديات بيئتها بالدرجة األولى ،فالبيئة هي التي تقدم االمكانات للتطور االقتصادي ،وبالتالي النمو االقتصادي املتصاعد ،وأما البعد اآلخر فهو البعد املعرفي املرتبط بالعقل اإلنساني وإنتاجاته وإبداعاته وقدراته على التعامل والتفاعل مع امكانات البيئة تلك ،وهذا ما يؤسس لفكرة التكامل على مدى البيئة لتحقيق االستفادة القصوى من ثرواتها ومواردها مبا يعود باخلير والرفاهية على كل اجلماعات البشرية التي تقيم على أرضها وفي إطارها اجلغرافي الكبير. لذا ال بد أن ترتكز التنمية الصحيحة على بناء اقتصاد وطني أي اقتصاد قومي ،وهذا يقضي بالتحرر من شبكة العالقات الرأسمالية الدولية التي ترتبط بالنظام الرأسمالي احمللي ،واقامة شبكة انتاجية – اقتصادية على كامل البيئة الطبيعية – اجلغرافية حتقق املناعة االقتصادية احلقيقية واالكتفاء الذاتي ويتم ربطها الحقا ً وعلى قاعدة املصالح القومية وتأمينها بشبكة عالقات اقتصادية على املستوى االقليمي وبعدها الدولي. في مرحلة سابقة ،متت التعمية على هذه احلقائق
العدد 75شباط 2013
املتصلة بحياة الناس ومصالح حياتهم العليا ،ومت التطبيل والتزمير لظاهرات «فتح األسواق» ،و»العوملة» و»حترير التجارة العاملية» و»حترير االستثمارات» ،ورفع شعار حتول العالم الى «قرية كونية واحدة» ،ولكن ،غاب عن بال كل هؤالء السؤال األساسي :هل تقدم موقع االنسان ومكانته وسط كل هذه الظاهرات؟ هل احترم االنسان كقيمة؟ هل تأمنت مصالح األوساط الشعبية في بلدانها وأوطانها ومجتمعاتها؟ هل حتققت العدالة النسبية في توزيع املوارد الطبيعية واالقتصادية على مستوى كل الشعوب واألمم؟ هل راعت كل هذه العالقات اجلديدة الناشئة معايير املساواة واحلق االنساني في االستفادة املتوازنة من البيئة وما تقدمه من امكانيات؟ هل تقدم مفهوم «التنمية املستدامة»؟ هذا الشعار الذي يتم حمله اليوم والسعي الى تسويقه دون األخذ بعني االعتبار الشروط احلقيقية التي تؤدي الى حتقيقه؟ ما هي هذه القرية الكونية املوعودة؟ وهل تطبق فيها أخالقيات «القرية الصغيرة» في التعاون واإلنتاج والتوزيع والتبادل واالستهالك مبا يحفظ حقوق كل سكان هذه القرية؟ انها أسئلة جدية تطرح في ظل واقع يكشف عن خلل أساسي كبير أدى الى أزمات حقيقية والى تصدع بنيان اقتصادات وطنية في كل القارات ،والى أزمة مالية عاملية نشهد تداعياتها اخلطيرة ،والى تراجع للنمو االقتصادي العاملي ،والى احتكارات كبيرة ،والى قبض قلة من الدول على خيرات املسكونة والعالم وعلى ثرواته الطبيعية واالستراتيجية ،والى تفشي ظاهرة الفقر والبطالة في االقتصادات الضعيفة والنامية وحتى في الدول القوية صناعيا ً وانتاجياً. ان مفهوم «الشركة العابرة للقوميات» يحمل في طياته مضمون الظلم وانتفاء العدالة وعدم املساواة، وخلالً في موازين القوى االقتصادية وغيرها ،وكل هذه االستثمارات العاملية التي حتط رحالها في أصقاع األرض ليست مقطوعة اجلذور القومية ،فالعائدات االستثمارية تعود غالبا ً الى القاعدة االستثمارية األصلية ،فيما ال يصيب األطراف أو األماكن التي تقيم هذه االستثمارات فيها مكانيا ً اال الفقر والنهب املنظم والسرقة املوصوفة خارج أية ضوابط في القانون احمللي أو الدولي أو األممي أو حتى االنساني! هذه االستثمارات «النقالة» تنهب األمم والشعوب وتزيد الهوة السحيقة بني األمم والشعوب ،فيما املستفيد احلقيقي هو قلة من محتكرين وقلة من جشعني مستغلني في املراكز واألطراف ،وهذا واقع وجب تغييره.
التكامل االقتصادي :رؤية جديدة لقد أصبح التكامل االقتصادي ضرورة موضوعية للدول في ظروف التطور االقتصادي العاملي ،وفتح األسواق، وتطور وسائل االتصال والنقل ،وما أدت اليه من تطور للتجارة العاملية وحركة االستيراد والتصدير العاملية، وانتقال رؤوس األموال ،وصعود املشاريع االستثمارية العاملية وغيرها. فالعلم والتقنية تط ّورا بنسب كبيرة ،واالنتاج ازداد بشكل أوسع ،وعملية تقسيم العمل الدولي قد
ندوة تعمقت ،وظهرت أساليب انتاجية متجددة ،ونتيجة لذلك كان التبادل أسرع ،والتنوع أكثر من االنتاج الرأسمالي. ان املستوى الرفيع من التطور الذي وصلت اليه القوى املنتجة في عدد من الدول الرأسمالية الصناعية املتطورة حتت تأثير الثورة العلمية والتكنولوجية ،قد أدى الى النمو السريع نسبيا ً لالنتاج الرأسمالي ،وساهم في ضرورة توسيع السوق اخلارجي ،وتطوير العالقات االقتصادية بني الدول ،وقد حمل هذا في طياته توسيعا ً أسرع للتجارة العاملية. هذا التطور العلمي والتكنولوجي قاد الى التطور والنمو الكبيرين للتجارة العاملية ،وأدى الى تغييرات أساسية في اجتاهات السلع .ذلك أن منو دور العلم وتطبيق معطياته في مجمل االنتاج انعكس على العالقات االقتصادية الدولية وحمل معه دفعا ً قويا ً للعالقات العلمية والتقنية في أشكالها اخملتلفة». ثم ،ربط د .فياض بني التكامل االقتصادي على ومن ّ مستوى الهالل اخلصيب ودوله وبني عملية التنمية بأبعادها اخملتلفة والتي يفتح التكامل االقتصادي آفاقها نحو املستقبل... وفي اخلتام ،كانت مداخالت قيمة وحوار ونقاش حول املفاهيم واملضامني التي اشتملها الكتاب.
23
24
م�شهد
العدد 75شباط 2013
ليوناردو دافنت�شي يف معر�ض بلبنان:
عبقرية تربط الثقافات والعلوم والفنون حضر ليوناردو دافنتشي إلى لبنان في معرض قدم مخطوطاته الهندسية والعلمية بعد تنفيذها مبعدات وآليات تضاهي املعدات املتطورة احلديثة ،وإلى جانبها عروض من لوحاته الفنية الشهيرة ،وشروح عن إجنازاته املوسيقية. وقد استضاف مسرح بالتيا في ساحل علما املعرض لستة أسابيع ،وأقيم بالتعاون بني املركزين الثقافيني الفرنسي واإليطالي ،والشركة مالكة املعدات ،ومتحف ليوناردو دافنتشي في فلورنسا بإيطاليا ،وقصده ما يزيد على عشرين ألف شخص ،خصوصا ً من الطالب الذين حضروا للمقارنة بني علوم اليوم وتلك التي متكن دافنتشي من متلكها ،واإلبداع بها. ويعتبر دافنتشي أحد القالئل في التاريخ الذين جمعوا في شخصهم مختلف العلوم والفنون والثقافات.
منوذج لباخرة مع معدات
جانب من لوحات دافنتشي
ضم املعرض أكثر من ستني مجسما قسمت إلى أربعة واملروحيات ،والسفن ،واملدافع ،واجلسور ،وحتويل الطاقة اخملزنة أندريا دل فروتشيو ،النحات ،والرسام ،ومصمم اجلواهر .وسرعان أقسام :وسائل الطيران ،أدوات احلرب ،أدوات ميكانيكية ،أدوات بالنوابض (الزنبرك) ،إلى حركة تؤسس لتحريك الدواليب ما ظهرت عبقرية ليوناردو ،وانضم إلى نقابة الرسامني سنة .١٤٧٢ هيدروليكية وفيه أفالم متحركة ورسوم عن اآلالت وطرق وصوال ً إلى السيارة. عملها بالوسائل احلديثة .كما تضمن املعرض مناذج من لوحات دافنتشي ،ومخطوطاته ،وشروحات عن أعماله وفنونه ،توضح باإلضافة إلى اكتشاف القياسات التناسبية في العلوم وقد ورث إرثه من مخطوطات ورسوم ودراسات مساعده فرانسيسكو ملزي الذي نظمها ورتبها واحتفظ بها ،لكنها ترابط العلوم والفنون والطبيعة مبقاييس متوازنة ومضبوطة .والفنون والعلوم الطبيعية والطبيعة. تبعثرت بعد وفاته ،ولم ينج منها سوى ربع اخملطوطات. وفي حياته ،كلف دافنتشي العديد من احلرفيني في عصره بعض القطع لتطبيق مناذج من أعماله ،غير أنه لم يبق منها أي منوذج ،إال أن ضم املعرض ستني قطعة تصنف باالختراعات العلمية ،وتعتبر رسوم عدة لدافنتشي لغزا ،وحيكت الروايات حولها، “مؤسسة دافنتشي” في فلورنسا كلفت الفني كارلو نيكوالي وأبرزها طائرة منوذجية مستوحاة من حركة طيران الوطواط لكن ١٥لوحة فقط من أعماله معروفة ،والقسم اآلخر مثير بوضع تطبيقات للتصاميم ،فأسس مع مجموعة من حرفيي ذي األجنحة الطويلة واجلسم الصغير ،وطائرة مروحية تعتمد للجدل ،أو غير مفقود. على اجنحة لولبية من القماش املقوى ،واخليوط احلديد، فلورنسا شركة اختصت بصناعة أعمال دافنتشي. وميكن ألربعة أشخاص حتريكها بطريقة دائرية فترتفع بهم اللوحات التي خصصت ملعرض بالتيا أبرزها املوناليزا ،والعشاء وتعتمد النماذج على تصاميم شديدة الدقة والتفصيل لتظهر في الفضاء .وسيارة تعمل بضغط الزنبرك ،واألنبوب املسهل األخير ،وبشارة املالك جبرائيل للعذراء مرمي. أهمية األعمال على حقيقتها ،كما تركز على استخدام املواد للغطس حتت املاء ،واجلسر املنحني املصنوع من أعمدة خشب التي كانت متوفرة في عصرها كاخلشب والقطن واحلديد متداعمة ،واملدفع والدبابة. واحلبال. تناسب جسم االنسان جولة وفي جولة في املعرض ،كانت حشود الطالب تتجمع كل في لوحة كبيرة مشرحة ،تصدرت جدران املعرض ،بدا جسم مجموعة منهم حول قطعة من القطع ،واطلعوا على كيفية االنسان مقسما ً إلى أقسام ،وفي دراسات ملناسيب اجلسم عمل كل قطعة ،واستمعت مجموعات منهم على شروح اكتشف دافنتشي أن طول يدي االنسان وهما ممدودتان من مستضيفي املعرض ،أو من أساتذتهم ،وقارنوا بني كثير مما تساويان ارتفاعه (طوله) ،وأن القسم من جذور شعر االنسان تعلموه نظرياً ،وما يختبرونه تطبيقيا ً اآلن على يد دافنتشي أب (أعلى اجلبني) إلى أخمص ذقنه (الوجه) يشكل ٪١٠من طوله، ومن أسفل الذقن إلى قمة الرأس ثمن طول االنسان ،ومن أعلى اساتذة الفنون والعلوم والثقافة. دراجة الصدر وحتى جذور الشعر هو اجلزء السابع من اجلسم ،ومن وأوضح املعرض امورا ً عدة للطالب ،وللمشاهدين ،واملهتمني ،احللمات إلى قمة الرأس هو القسم الرابع ،واليد بكامل طولها أبرزها :مدى تطور العلوم في أواخر القرن اخلامس عشر ،هي اجلزء العاشر من اجلسم ،واملسافة من أسفل الذقن حتى وترجمتها على يد دافنتشي الذي وضع تصاميم لنظرياته األنف ومن جذور الشعر حتى احلواجب هي املسافة عينها، العلمية والفنية ،فطبقها مهتمون اليوم بصناعات منوذجية وهي كاألذن ،ثلث وجه االنسان. خشبية ومواد أخرى. سيرته وتبرز اعمال دافنتشي أنه مؤسس سباق ألهم النظريات وتفيد سيرته أن طفولته اظهرت عبقرية فذة إن في العلوم العلمية الهندسية والفيزيائية وعلوم الرياضيات ،والتشريح ،اخملتلفة كالهندسة والرياضيات والفيزياء والطب وعلوم واملوسيقى ،وجتلت اختراعاته في آالت عدة ومجاالت احلياة التي الطبيعة ،أم املوسيقى أو الفن .وكان همه أن يصل إلى مرتبة لم تطبق وتروج إال بعد قرون من الزمن ،كصناعة الطيران ،رسام التي كانت مزدراة في عصره ،فنقله والده ليدرس على يد ٩شروح على اآلالت