العدد:75

Page 1

‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫العدد ‪ 75‬شباط ‪ 24 2013‬صفحة ‪ 2000‬لرية‬

‫احلركة الوطنية‬ ‫للتغيري الدميقراطي‬

‫‪4‬‬

‫معركة ال�سيطرة‬ ‫على بوابة طريق احلرير‬

‫�إىل �أوروبا‬

‫االن�سداد الثقايف‬

‫الدولة الدينية �إجها�ض‬

‫للدولة القومية‬

‫‪6‬‬

‫من التنوير �إىل التثقيف‬

‫‪10‬‬

‫‪16‬‬

‫ال �إكراه‬ ‫ يف الدين‬ ‫‪3‬‬


‫‪2‬‬

‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫منرب‬

‫الأفق املفتوح للنهو�ض‪...‬‬ ‫زهير فياض‬ ‫من نافل القول إن ثمة خطرا ً حقيقيا ً‬ ‫يتهدد‬ ‫ّ‬ ‫وجودنا القومي واحلضاري واإلنساني‪ ،‬وهذا اخلطر‬ ‫أصبح واقعا ً مقيما ً داخل مجتمعنا‪ ،‬ويهدده‬ ‫تفجره في العمق‪...‬‬ ‫بانشطارات داخلية‪ ،‬قد ّ‬ ‫«الهوية» مبا تختزن داخلها من عالمات التعريف‬ ‫عن «الذات» تواجه مأزق «التغريب» و»التهجني»‬ ‫و»التدجني»‪...‬‬ ‫«املشهد التاريخي» برمته‪ ...‬متصدع‪ ،‬ويعاني من‬ ‫تشوهات حتتاج الى عمل جبار إلعادة جتميع أجزاء‬ ‫الصورة احلقيقية التي تشبهه‪...‬‬ ‫«الذاكرة» بني املسح واالختزال‪ ...‬تعاني هي األخرى‬ ‫‪»...‬عشوائية» من نوع آخر‪ ...‬وانتقائية في العودة الى‬ ‫شريط األحداث اخملزونة في طياته‪...‬‬ ‫«العقل» بني «التعطيل» و»الفعل»‪ ،‬بني «السحل»‬ ‫و»التوهج»‪ ...‬بني «املسخ» وإشراقة «اللمعات‬ ‫املضيئة»‪...‬‬ ‫ً‬ ‫تقدم‪ ...‬على مفترق طرق‪...‬‬ ‫نحن‪ ...‬تأسيسا على ما ّ‬ ‫شعب أو إنسا ٌن‪...‬‬ ‫قلما وقف في قلبه‪...‬‬ ‫ٌ‬ ‫خيارات صعبة‪ ...‬لكل منها تداعيات‪ ...‬ونتائج‪...‬‬ ‫ال تقف عند حدود احلاضر‪ ...‬بل تتخطاه قدما ً الى‬ ‫اآلتي‪...‬‬ ‫ولكن‪ ،‬ما العمل؟ أسوأ ما ميكن عمله هو أن ال نعمل‬ ‫شيئاً‪ ...‬أي أن نتبنى أطروحة «النأي بالنفس» ونقف‬ ‫على حدود اخليارات‪ ...‬تائهني‪ ...‬متفرجني‪ ...‬في حالة‬ ‫من العبثية يرثى لها‪ ...‬حتى خيار كهذا له نتائج‪...‬‬ ‫وقد تكون من النوع الذي يصعب حتمله‪...‬‬ ‫بالطبع‪ ...‬أن نقعد عن تكرار احملاوالت‪ ...‬يعني اعترافا ً‬ ‫بالعجز‪ ...‬واعترافا ً بتجليات «اخليبة»‪...‬‬ ‫ال‪ ...‬ليست الصورة كذلك‪ ...‬اذ بالرغم من كل الرماد‪...‬‬ ‫الذي يطمر امليادين‪ ...‬إال أن اجلمر املتوقد حتته‪...‬‬ ‫سينبعث من جديد شعلة تنير وتضيء الطريق‪...‬‬ ‫في الوجود‪ ...‬ثمة متناقضات‪ ...‬وتضادات‪ ...‬تختلف‬

‫نيـڤين فـخري‬

‫قراءتها في الفلسفة‪ ...‬ولكنها جزء ال يتجزأ من‬ ‫احلياة‪...‬‬ ‫لذا‪ ،‬فالعسر يلحقه يسر‪ ،‬والشدة ال بد أن يعقبها‬ ‫الفرج‪...‬‬ ‫نحن قو ُم نؤمن بأنفسنا‪ ،‬ونؤمن بقدراتنا‪ ،‬ونؤمن‬ ‫مبكنونات ذاتنا االيجابية الفاعلة‪ ...‬املتطلعة دوما ً‬ ‫الى املستقبل باألمل والرجاء معطوفني على الفعل‬ ‫«النهضوي»‪ ...‬فعل «القيامة»‪...‬‬ ‫قوى الشر وصلت في بالدنا الى نقطة الالعودة‬ ‫في مشروعها الهمايوني «احلاقد» «األسود»‬ ‫«الظالمي»‪ ...‬املتخلف‪ ...‬مشروع «محاكم التفتيش»‬ ‫التكفيرية التهجيرية «الذبحاوية»‪ ...‬وأطياف‬ ‫مجتمعنا بسوادها األعظم مدعوة الى مالقاتها‬

‫مبشروع حضاري قومي إنساني أخالقي خالق ومبدع‪...‬‬ ‫لن يطوينا مشروعهم‪ ...‬ألنه مشروع املوت‪ ...‬ونحن‬ ‫عصيون على «املوت»‪ ...‬خسئوا‪ ...‬مشروعنا ‪ ...‬هو‬ ‫مشروع احلياة والعز واخلير واالنفتاح ‪....‬‬ ‫التفاؤل مصدره‪ ...‬حقيقة راسخة‪ ...‬أن الطبع يغلب‬ ‫التطبع‪ ...‬وقد ُجبلنا على طبع «االنتفاض التاريخي»‬ ‫بوجه الظلم واالحتالل والعدوان واإلرهاب بأشكاله‬ ‫اخملتلفة واملتعددة‪...‬‬ ‫بقي ـ طبعا ً ‪ -‬أن نبذل اجلهد في كل امليادين املتاحة‪...‬‬ ‫لنغلب مبشروع العقل مشاريع «الغرائز» بأصنافها‬ ‫املتعددة واخملتلفة‪...‬‬ ‫وكلنا إميان‪ ...‬أن كوة في اجلدار قد فتحت باجتاه‬ ‫«املستقبل»‪...‬‬

‫‪4‬‬ ‫عامر مالعب‬


‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫منرب‬

‫ال �إكراه يف الدين‬ ‫منصور عازار‬ ‫من يراقب التطورات احلاصلة في شرقي البحر‬ ‫املتوسط من الشام الى العراق وصوال ً إلى إيران ويدرس‬ ‫نتائجها على لبنان يتأكد لديه ان هناك مخططا ً‬ ‫رهيبا ً ومخيفا ً ينفذ في هذه املنطقة ذات التاريخ‬ ‫العميق في القيم واملمتد آالف السنني الغابرة‬ ‫والذي حمل الى العالم أهم املنجزات احلضارية‬ ‫التي مهدت لهذا العصر ما ّ‬ ‫متكن حتقيقه من تقدم‬ ‫علمي واختراعات أوصلت االنسان الى الفضاء الرحب‬ ‫املاثل أمامنا كما ّ‬ ‫مكنته من تفتيت الذ ّرة وصوال ً الى‬ ‫القنبلة النووية التي إذا انفجرت محت احلضارة التي‬ ‫صنعتها منذ بداية تطورها الى اآلن؟؟‬ ‫هل ندرك نحن في لبنان هذا الكيان الصغير في‬ ‫مساحته وعدد سكانه‪ ،‬ماذا تواجه االنسانية‬ ‫نتيجة هذا الصراع القائم اليوم بني قطبني العالم‬ ‫وهما روسيا والواليات األميركية املتحدة؟ انهما‬ ‫معا ً يضعان الكرة االرضية على حافة االنفجار‪ ،‬اذ‬ ‫يتصارعان على مواردها ويسخر كل منهما ما متكن‬ ‫من اجل السيطرة الكاملة وغيرها ‪ ...‬العالم يشتعل‬ ‫حيث توجد هذه املوارد فأفريقيا الغربية والسودان‬ ‫بشقيه ونيجيريا وما حتتويه ارضها من بترول وغاز‬ ‫ومالي والصحراء التي يسكنها الطوارق‪ ،‬كلها اليوم‬ ‫هي الهدف املباشر لهذه الدول اجلوارح ترسل جنودها‬ ‫وآلياتها تهدم وتخرب وما من رادع!!!‬ ‫ان دول اوروبا‪ :‬من فرنسا الى املانيا وايطاليا واململكة‬ ‫البريطانية وغيرها أخذت خيارها مع الواليات‬ ‫املتحدة االميركية ووضعت بتصرفها كل خبراتها‬ ‫االستعمارية املمتدة الى مئات السنني خلدمة هذا‬ ‫اخملطط الرهيب‪ ،‬انه املشهد اخلطير الذي نواجهه‬ ‫فهل منطقتنا واهلها يدركون ما هو حاصل اليوم‬ ‫في هذه الكرة االرضية؟‬ ‫أتشك بذلك؟ فسلوكهم وتصرفاتهم شعوبا ً‬ ‫تدل أنهم ما زالوا يعيشون في القرون‬ ‫وحكومات ّ‬ ‫الوسطى تتحكم في تصرفاتهم عقليات تعود الى‬ ‫عصور اجلاهلية والغباء والتخلف‪...‬‬ ‫بينما العالم يتطور جند اننا في هذه املنطقة نعيش‬ ‫في األحياء والزواريب الطائفية وتتحكم في سلوكنا‬ ‫وتصرفاتنا الغرائز واالنفعاالت والنزعة الفردية‬ ‫الفاشلة التي هي أخطر من االحتالل االجنبي‪ .‬نحن‬ ‫في هذا الوطن نريد ان نخرج من العصور البائدة ومن‬ ‫مزارع يسمونها وزارات وادارات الى انصهار وطني‬ ‫حقيقي يقوم على مناقب وطنية عالية ‪...‬‬ ‫ليس ما نقوله وعظا ً وال يندرج في سياق النصائح‬ ‫بقدر ما هو محاولة عامة قبل الدخول الى اخلاصة‬

‫والتي يتجلى اآلن في التحضير الى املعركة االنتخابية‬ ‫املقبلة‪.‬‬ ‫كيف يجري التحضير لهذه االنتخابات املقبلة؟‬ ‫اننا نرى نزاعا ً بني زعامات فارغة من كل مضمون ومن‬ ‫املدمرة حياة الوطن واملواطنني‬ ‫األحزاب الطائفية‬ ‫ّ‬ ‫ومن رجال دين ليس لهم احلق أن يتدخلوا في شؤون‬ ‫املواطنني الدينية وفي خالص النفوس‪ ،‬فاملواطنون‬ ‫أدرى بتدبير حياتهم ومعرفة مصاحلهم وما يطلبه‬ ‫اجليل اجلديد الطالع هو أن يكون حرا ً في توجيه‬ ‫حياته ومستقبله‪ .‬اما الزواج املدني الذي يلعنونه‬ ‫أليس هو اخملرج احلقيقي إللغاء احلواجز بني مختلف‬ ‫الطوائف واملذاهب وبناء مجتمع جديد يتمكن من‬ ‫مواكبة تطورات هذا العصر ويؤمن لألجيال الطالعة‬ ‫االنصهار الوطني الذي بدونه سنبقى طوائف وقبائل‬ ‫وزعامات فارغة تتقاسم جبنة الدولة‪.‬‬ ‫لقد عهد البعض كلمات عدة‪ ،‬فصارت كلمة‬ ‫استثمارات اإليجابية ستارة لكلمة مساومات‬ ‫سلبية عاهرة‪ ،‬وكلمة تشكيل الالئحة لم تعد أكثر‬ ‫من ستارة لعملية الدفع والقبض وتبادل املنافع‪.‬‬ ‫فهل هذا السلوك من يعتبر االنتخابات استفتاء‬ ‫شعبيا ً من اجل غايات وطنية سامية‪ ،‬ام هو سلوك‬

‫من يؤمن ان كل احملرمات تصبح مشروعة وجائزة من‬ ‫اجل الوصول؟ هل هذه هي املناقب املفترض ان تكون‬ ‫مدعني كذبا ً‬ ‫في سياسيني وقادة ميألون اجلو زعيقاً‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وزورا ً انهم ممثلون شعبا ً يريدون له النهوض‪.‬‬ ‫هذه العقلية البهلوانية‪ ،‬وكأنها في سيرك ابتلونا‬ ‫بها في انتخابات سابقة عديدة‪ .‬عقلية كاحلرباء‬ ‫تتلون وتتستر دوما ً في كل مرحلة حتت اسماء‬ ‫مختلفة ووجوه متعددة‪ .‬هذه العقلية هي املسؤولة‬ ‫اليوم عن حالة االنحطاط التي أوصلتنا اليها‪.‬‬ ‫ولسنا نبحث في هذه الكلمات عن فضائح وهي‬ ‫أكثر من أن تعد وحتصى ومكشوفة ألعني اجلميع‪ ،‬وال‬ ‫عن عمليات املساومة والشروط واخلدمات والوعود‬ ‫باملناصب‪ ،‬وتقاسم احلصص‬ ‫واألموال التي تدفع او عن بوس اللحى وحفر اخلنادق‬ ‫ونصب األفخاخ وتهيئة اخلناجر للطعن في الظهر إن‬ ‫الحت الفرصة واستدعت األطماع ذلك‪ ،‬بل نبحث عن‬ ‫قواعد مشتركة يتوقف املواطن عندها ألنها تشكل‬ ‫احلاجز األكبر في معركة الدفاع عن وطن نريده وطنا ً‬ ‫جديرا ً حتت الشمس وتريده مافيات السياسة مزرعة‬ ‫وأسالبا ً تسوسها وتدبرها بعقلية اجلاهلية األولى‪.‬‬ ‫من بني الذين قاربوا موضوع الزواج املدني سماحة‬ ‫مفتي اجلمهورية اللبنانية الذي رفضه وأصدر فتوى‬ ‫واضحة وصريحة يحرم فيها الزواج املدني ويحذر‬ ‫من يقدم عليه بعظائم األمور ويُحرم كل مرتكب‬ ‫لهذا الفعل من حقوقه بالصالة والدفن في مقابر‬ ‫الطائفة؟‬ ‫كما أن األب يوسف مونس في عدد الديار الصادر‬ ‫األربعاء بتاريخ ‪ 2013/1/30‬اذ يقول‪:‬‬ ‫بني تغريدات سليمان وميقاتي ورفض رجال الدين‬ ‫املسلمني قانون الزواج املدني‪ ،‬هذا املوضوع أبعد من‬ ‫الطائفية السياسية فهو حرية الشخص باملطلق‪،‬‬ ‫وال إكراه في الدين‪ ،‬فمن ال يريد ممارسة معتقداته‬ ‫الدينية فال يجوز قمعه ثم يقول حفاظا ً على االلتزام‬ ‫الديني علينا أن ننشئ الزواج املدني ملن يريد مسلما ً‬ ‫كان أم مسيحياً‪.‬‬ ‫امام هذه املواقف املتناقضة هل يجوز حرمان الناس‬ ‫من ممارسة قناعاتهم؟ وهل الزواج املدني الذي متارسه‬ ‫كل اوروبا والواليات املتحدة االميركية وباقي العالم‬ ‫هو خروج عن الدين؟ علينا في لبنان ان ندرك اننا (كلنا‬ ‫مسلمون لرب العاملني‪ ،‬منّا من أسلم هلل باالجنيل‬ ‫ومنّا من أسلم هلل بالقرآن ومنّا من أسلم هلل‬ ‫باحلكمة)‪ ...‬وإنها حكمة يجب أن منارسها في حياتنا‬ ‫لنصبح مجتمعا ً حرا ً ومرافقا ً لتطورات العصر‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫�أحزاب‬

‫احلركة الوطنية‬

‫للتغيري الدميقراطي‬ ‫د‪ .‬عصام نعمان‬ ‫قدمته‬ ‫ملخص التقرير السياسي الشامل الذي ّ‬ ‫االمانة العامة للحركة الوطنية للتغيير الدميقراطي‬ ‫في املؤمتر االول للحركة الذي عقد في ‪ 27/1/2013‬وقد‬ ‫ألقاه الدكتور عصام نعمان‪.‬‬ ‫منذ انعقاد املؤمتر التأسيسي للحركة الوطنية للتغيير‬ ‫الدميقراطي قبل سنتني‪ ،‬حدثت تطورات اقتصادية‬ ‫وسياسية واستراتيجية بالغة االهمية على الصعد‬ ‫العاملية واإلقليمية واحمللية‪ .‬ورغم ان الوجهة العامة‬ ‫للوثيقة التأسيسية للحركة ال تتعارض مع التطورات‬ ‫املستجدة فقد وجدنا من االفضل إجراء قراءة حتليلية‬ ‫ونقدية لها ل ُيصار في ضوئها إلى استخالص االستنتاجات‬ ‫اجملزية‪ ،‬وحتديد التحديات املاثلة‪ ،‬وتصويب البرنامج املرحلي‬ ‫للحركة في مواجهتها‪.‬‬ ‫من خالل عرض حتليلي جملريات الوضع الدولي املستجد في‬ ‫سياق التطورات اإلقليمية والعربية‪ ،‬أمكننا رصد اخملطط‬ ‫األميركي واألطلسي وحتديد اغراضه على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫(أ) ضمان استمرار الهيمنة األميركية األطلسية‬ ‫اإلسرائيلية على املديني العربي واإلسالمي واستغاللها‬ ‫في الصراع الدولي وذلك نظرا ً ألهمية املوقع اجليوسياسي‬ ‫للمنطقة العربية‪ ،‬وحلجم ثرواتها النفطية والغاز ّية‪.‬‬ ‫(ب) تشجيع النزاعات الدينية واملذهبية‪ ،‬وبخاصة بني‬ ‫السنّة والشيعة‪ ،‬إلضعاف دول املنطقة عموما ً وقوى‬ ‫املمانعة واملقاومة خصوصاً‪.‬‬ ‫(جـ) االستمرار في دعم الكيان الصهيوني بأسباب التفوق‬ ‫العسكري‪ ،‬وحماية احتكاره للسالح النووي مبمارسة كل‬ ‫اشكال الضغط إلحباط البرنامج النووي اإليراني‪ ،‬ومنع‬ ‫اي دولة إقليمية غير «إسرائيل» من امتالك مشروع نووي‬ ‫مستقل‪ ،‬حتى لو كان طابعه سلمياً‪.‬‬ ‫(د) تبديل اولويات املواجهة وإجهاض القضايا العربية‬ ‫وفي مقدمها قضية الشعب الفلسطيني بطريق إبراز‬ ‫ايران وبرنامجها النووي كخطر اول على دول املنطقة‬ ‫ومصاحلها‪ ،‬وليس «إسرائيل» العدوانية التوسعية‪.‬‬ ‫ويرصد التقرير ظاهرة ما يُسمى بـ»الربيع العربي»‬ ‫والتراجع الذي اصاب معظم احلراكات الشعبية التي‬ ‫اندلعت في طول الوطن العربي وعرضه وذلك من خالل‬ ‫تقسيمها إلى مراحل ثالث‪:‬‬ ‫املرحلة االولى‪ ،‬االنتفاضات في دول املغرب العربي واجلزيرة‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫املرحلة الثانية‪ ،‬غزو ليبيا‪.‬‬ ‫املرحلة الثالثة‪ ،‬الصراع في سوريا وعليها‪.‬‬ ‫وال يغفل التقرير‪ ،‬بطبيعة احلال‪ ،‬انعكاس كل هذه‬ ‫التطورات على الوضع الفلسطيني والسيما جلهة‬

‫انحسار اولوية قضية فلسطني في أجندة القوى التي‬ ‫هيمنت على االنتفاضات العربية في مغرب الوطن الكبير‬ ‫ومشرقه‪.‬‬ ‫استنتاجات رئيسية حول الوضع اإلقليمي والعربي الراهن‬ ‫من مجمل أبعاد العرض التحليلي للتطورات العاملية‬ ‫والعربية واحمللية‪ ،‬أمكننا استخالص االستنتاجات اآلتية‪:‬‬ ‫* جنحت الواليات املتحدة والقوى األطلسية مبساندة دول‬ ‫اخلليج وتركيا في امتصاص الكثير من مفاعيل فشلها في‬ ‫العراق‪ ،‬وفشل حليفتها الصهيونية في حرب متوز ‪2006‬‬ ‫على لبنان‪ ،‬واحلرب على غزة ‪ ،2008/2009‬كما جنحت في‬ ‫استيعاب سقوط األنظمة التابعة لها في املغرب العربي‪،‬‬ ‫وذلك عبر إجناز تفاهمات وحتالفات مع أوساط واسعة من‬ ‫قوى اإلسالم السياسي‪ ،‬فحالت دون إحداث التغيير الذي‬ ‫كان من املفترض اجنازه بعد سقوط تلك األنظمة‪.‬‬ ‫* جنحت أيضا في حتويل احلراك السوري الذي بدأ مطالبا ً‬ ‫بالتغيير إلى ثورة مضادة تهدد وحدة سوريا واستقرارها‬ ‫السياسي واالجتماعي‪ ،‬وتهدد املشرق العربي بأكمله‪.‬‬ ‫* كما جنحت في إخراج القضية الفلسطينية من جدول‬ ‫أعمال االنتفاضات العربية‪ ،‬ما شجع «إسرائيل» على‬ ‫تسريع عملية قضم األرض الفلسطينية‪ ،‬وتهويد القدس‪،‬‬ ‫وإعالن يهودية دولة «إسرائيل»‪ ،‬والسعي لتصفية القضية‬ ‫الفلسطينية ككل‪.‬‬ ‫* وجنحت في تزكية النزاعات البينية في املنطقة وبخاصة‬ ‫صب الزيت على نار الفتنة السنية ‪ -‬الشيعية‪ ،‬اخلامد‬ ‫ّ‬ ‫منذ فترة طويلة‪ ،‬وال سيما في حقبة القيادة القومية‬ ‫التقدمية جلمال عبد الناصر‪.‬‬ ‫* وهي تستمر وبنجاح نسبي في دفع دول اخلليج العربي‬ ‫لإلمساك باألوضاع العربية والنظام العربي الرسمي‬ ‫من خالل الهيمنة على اجلامعة العربية‪ ،‬وعلى رجال‬ ‫الدين‪ ،‬ووسائل اإلعالم‪ ،‬والقادة السياسيني‪ ،‬واملنظمات‬ ‫اإلقليمية‪ ،‬ومنظمات اجملتمع املدني‪ ،‬عبر إنفاق مالي‬ ‫منفلت من عقاله‪ ،‬مستفيدة من ارتفاع أسعار البترول‬ ‫وحتقيق فوائض مالية غير مسبوقة‪.‬‬ ‫* كما جنحت في تعزيز دور احلركات الدينية وال سيما‬ ‫السلفية منها‪ ،‬وبشكل أخص احلركات املعادية لقوى‬ ‫التحرر العربي على امتداد العاملني العربي واالسالمي‪.‬‬ ‫ومن أبرز جتليات هذا النجاح تسهيل وصول حركة االخوان‬ ‫املسلمني إلى السلطة في مصر‪ ،‬وحركة النهضة في‬ ‫تونس‪ ،‬وبشكل ّ‬ ‫أقل احلركات اإلسالمية في كل من ليبيا‬ ‫واليمن واملغرب‪ .‬وال بد من إيالء التحول اخلطير الذي‬ ‫تشهده مصر األهمية التي يستحقها‪ .‬فبرغم تراجع دور‬ ‫مصر العربي واإلقليمي والدولي في ظل عهدي السادات‬ ‫ومبارك‪ ،‬إال أن مصر تبقى القوة العربية املركزية‪ .‬وما‬ ‫تشهده من احداث سيترك بصمته الواضحة على مجمل‬

‫التطور الالحق للمنطقة وللعالم‪.‬‬ ‫ال شك في ان حكم األخوان املسلمني ملصر سيترك‬ ‫بصمات كبيرة ومهمة على مستقبل الدولة وهويتها‪،‬‬ ‫وسيعرضها خملاطر جدية من الصراع حول الهوية املدنية‬ ‫للسلطة والهوية الدينية التي يحاول اإلخوان إسباغها‬ ‫عليها بحيث يصبح من غير املستب َعد أن ينتهي التغيير‬ ‫باالنتقال من نظام ديكتاتوري عسكري الطابع‪ ،‬إلى نظام‬ ‫شمولي ديكتاتوري ديني الطابع‪ .‬عزز هذا املسار فرض‬ ‫اإلخوان بالتعسف والتزوير مشروعهم الفئوي للدستور‬ ‫الذي قسم الشعب املصري بني متدين متزمت ومدني‬ ‫دميقراطي متسامح‪.‬‬ ‫يعني ذلك‪ ،‬باملنظور السياسي ـ السوسيولوجي‪ ،‬ضرب‬ ‫مكتسبات احلداثة‪ ،‬والتضييق على احلريات الفردية‬ ‫والعامة‪.‬‬ ‫تستند جماعة اإلخوان املسلمني بعد إقرارها الدستور‬ ‫اجلديد عنوة إلى معطى دستوري للقمع باسم الشرعية‬ ‫واملقدسات‪ ،‬وستلجأ إلى أخونة الدولة ووظائفها العامة‪،‬‬ ‫ورمبا إلى اضطهاد ديني وسياسي ضد باقي مكونات اجملتمع‬ ‫املصري‪ .‬سيؤدي ذلك بالطبع إلى تعميق االنقسامات‬ ‫السياسية والدينية والطائفية التي كان اجملتمع املصري‬ ‫قد جتاوزها منذ عهد محمد علي وحتى يومنا هذا‪ ،‬مع‬ ‫احتمال حتولها إلى مصادمات أهلية واسعة شهدت‬ ‫مرحلة فرض الدستور بعض مقدماتها‪ ،‬ما يدفع اجملتمع‬ ‫املصري إلى شفير النزاع األهلي الذي سيلحق ضررا ً بالغا ً‬ ‫مبصر واملنطقة العربية مبجملها‪ ،‬بحكم املوقع املركزي‬ ‫ملصر‪ ،‬وما متثله من توازنات استراتيجية‪.‬‬ ‫* إن ثبات مواقع األميركيني في املنطقة‪ ،‬وقدرتهم على‬ ‫مواصلة النهج الهجومي رغم النكسات التي تع ّرضوا لها‬ ‫في املنطقة‪ ،‬تعود جزئيا ً إلى رسوخ التخلف االجتماعي‬ ‫واالقتصادي والسياسي في مجتمعاتنا العربية‪ ،‬وإلى‬ ‫استمرار االنقسامات القبلية واالتنية والطائفية‬ ‫واملذهبية التي تسهل على كل متدخل في شؤوننا‬ ‫الداخلية حتريكها وإخراجها من سباتها‪ .‬باإلضافة إلى‬ ‫الثغرات البنيوية التي عانت وتعاني منها القوى املناهضة‬ ‫لسياسات الغرب وإسرائيل‪ ،‬وفي ذلك انعدام لفرص‬ ‫التنمية االقتصادية واالجتماعية واإلصالح السياسي‬ ‫والتحول الدميقراطي في املنطقة‪ .‬كما تؤسس حلروب‬ ‫تهدد بتحويل الدول العربية إلى دول فاشلة أو شبه‬ ‫أهلية ّ‬ ‫فاشلة ومنكشفة كليا ً أو جزئيا ً على كل أنواع التدخالت‬ ‫األجنبية واإلقليمية وتعميق التبعية للخارج‪ .‬قد يحصل‬ ‫ذلك من خالل جتديد شكلي للنظام الرسمي العربي عبر‬


‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫إعادة إنتاج ديكتاتوريات جديدة‪ ،‬أو عبر ممارسات دميقراطية‬ ‫جتدد األنظمة القدمية بتغيير بعض الوجوه وابقاء‬ ‫شكلية ّ‬ ‫جوهر السياسات‪ .‬وقد برع الغرب وحلفاؤه في هذا النوع‬ ‫من العمليات‪ ،‬وراكم خبرات كبيرة في التزوير الصريح‬ ‫واملقنع للعمليات االنتخابية الشكل َية التي تفرز نخبا ً‬ ‫وأنظمة موالية له‪.‬‬

‫�أحزاب‬ ‫ العمل على حتويل السوق العربية املشتركة من شعار‬‫إلى واقع ملموس‪ ،‬عبر املبادالت االقتصادية واملبادرات‬ ‫واالتفاقات العربية البينية‪ ،‬متهيدا ً إلقامة االحتاد العربي‪،‬‬ ‫وإعادة االعتبار لشعار الوحدة العربية‪.‬‬ ‫ حماية وحدة اجملتمعات العربية عبر التصدي للنزاعات‬‫الدينية املذهبية والقبلية والتقسيم ّية (الصراع مع‬ ‫احلركات السلفية) استنادا ً إلى النهج الدميقراطي وثقافة‬ ‫املواطنة واحترام حقوق األقليات الدينية واالتنية‪.‬‬ ‫ مواصلة النضال من أجل دميقراطية حقيقية في‬‫املنطقة في ظل دولة مدن ّية ومقاومة لكل أشكال‬ ‫االستبداد القدمي واجلديد‪ ،‬وتعزيز الدور الوطني اجلامع‬ ‫للجيوش والقوى املس ّلحة‪ ،‬مع احلرص على ضبط ميولها‬ ‫السلطو ّية‪ ،‬وتعزيز دور احلركات السياسية الوطنية‬ ‫والتقدمية والدميقراطية وحيويات اجملتمع املدني‪.‬‬ ‫ النّضال من أجل دور واسع للمجتمع املدني من خالل‬‫منظماته النقابية والسياسية املستقلة‪ ،‬ووفق مشروع‬ ‫تغييري شامل باجتاه الدولة املدن ّية الدميقراطية‪.‬‬ ‫ السعي لقيادة التّحول الدميقراطي والتحضير لربيع‬‫عربي حقيقي‪ ،‬يهدف إلى بناء دول مدنية دميقراطية‬ ‫حديثة‪ ،‬تعتمد سياسات تنمية اقتصادية مستقلة‪،‬‬ ‫وسياسات اجتماعية رعائية‪.‬‬ ‫ العمل على توحيد جهود القوى العروبية والتقدم ّية‬‫والدميقراطية‪،‬على الصعيدين الوطني والقومي‪ ،‬وفق‬ ‫قاعدة األولويات املشار اليها‪ ،‬في سياق النضال إلسقاط‬ ‫مشاريع الدول الدينية واملذهبية املتقاطعة واملتصاحلة‬ ‫مع مشروع تهويد فلسطني‪ ،‬وبناء الدول العربية املدنية‬ ‫الدميقراطية الساعية إلى حماية النسيج الوطني‬ ‫جملتمعاتنا‪ ،‬واعتماد مفاهيم التنمية املستقلة والعدالة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬والنضال من أجل توحيد املنطقة وتعزيز‬ ‫تقدمها العلمي والصناعي والسياسي والثقافي‪.‬‬

‫حتديات املرحلة الراهنة‬ ‫ترتسم أمام القوى احلية في املنطقة‪ ،‬وأمام قواها الوطنية‬ ‫والقومية والتقدمية التحديات اآلتية‪:‬‬ ‫ استمرار االحتالل األطلسي املباشر وغير املباشر جململ‬‫مفاصل املنطقة العربية ومحيطها الشرق أوسطي‪.‬‬ ‫ استمرار اخلطر اإلسرائيلي وتصاعده‪ ،‬رغم النكسات‬‫التي تعرض لها خالل مواجهاته املستمرة مع املقاومات‬ ‫الوطنية واالسالمية في لبنان وفلسطني‪ .‬ويتضح هذا‬ ‫اخلطر من خالل توسيع وترسيخ احتالله لفلسطني عبر‬ ‫توسيع االستيطان‪ ،‬وتصعيد القمع الوحشي للشعب‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬وتهديداته املتواصلة للدول العربية وايران‪.‬‬ ‫ اهتراء النظام الرسمي العربي‪ ،‬وتوسع نطاق التشرذم‬‫السياسي واملذهبي في غالبية اجملتمعات العربية‪،‬‬ ‫وتصاعد التوترات االجتماعية والسياسية واالجتماعية‬ ‫على امتداد املنطقة‪ .‬وتصاعد التدخالت الدولية‬ ‫واإلقليمية بكل قضاياها وشؤونها‪ ،‬وكأنها باتت مساحة‬ ‫مستباحة فاقدة احلد األدنى من التماسك‪ ،‬واحلد األدنى‬ ‫من عناصر األمن القومي‪.‬‬ ‫ ازدياد التخلف االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬والعجز املتواصل‬‫عن بناء االقتصاد الوطني املنتج واالعتماد على االقتصاد‬ ‫الريعي في مختلف الدول العربية‪ ،‬وال سيما الدول‬ ‫النفطية‪.‬‬ ‫ غياب الوعي االجتماعي والثقافة الدميقراطية‪،‬‬‫واستمرار القمع السياسي بأشكال مختلفة‪ ،‬رغم‬ ‫الوضع اللبناني‬ ‫النضال الشعبي املتصاعد ضده‪.‬‬ ‫إزاء عجز السلطة السياسية عن تقدمي احللول العملية‬ ‫البرنامج الضروري ملواجهة التحديات وإعادة بناء حركة اإلنقاذية لألزمتني الوطنية واالقتصادية االجتماعية‬ ‫املتفاقمتني‪ ،‬وأمام غياب احلرص على احلؤول دون ربط الوضع‬ ‫التحرر الوطني العربية‬ ‫ملواجهة التحديات املشار اليها‪ ،‬مع األخذ بعني االعتبار األمني والسياسي بتداعيات الصراع الدولي واإلقليمي‪،‬‬ ‫موازين القوى السياسية واالجتماعية‪ ،‬وواقع البنية تعيش الساحة اللبنانية حالة توتر أمني متصاعد أدخلت‬ ‫التعددية جملتمعاتنا العربية دينيا ً ومذهبيا ً واثنياً‪ ،‬وتشرذم البالد في نفق أزمة متفاقمة إذا ما قدر لها أن تنفجر‬ ‫الوضع العربي الذي يجعل املنطقة في وضع شبيه فلن يخرج منها أحد رابحاً‪ ،‬ال سيما ان تطورات العقود‬ ‫بوضعها عشية الغزو األوروبي ملصر (القرن التاسع السابقة قد أثبتت عجز أي طرف عن إلغاء اآلخر ما يعني‬ ‫عشر) وأخذا ً بعني االعتبار كذلك حجم الهيمنة الغربية ان اجلميع ملزم بالتوافق السياسي ال سيما ان لبنان ليس‬ ‫السلفي الذي جزيرة معزولة ال يؤثر وال يتأثر مبا يجري حوله‪..‬‬ ‫املد ّ‬ ‫األطلسية عليها‪ ،‬ومخاطر ّ‬ ‫الديني ّ‬ ‫ّ‬ ‫املفككة أصالً‪ ،‬ال بد من طرح ترى احلركة الوطنية أنه حيال اخملاطر احملتملة والتي متثل‬ ‫يهدد بتفكيك مجتمعاتنا‬ ‫ّ‬ ‫تهديدا ً الستقرار الوطن‪ ،‬وأمام تفاقم األزمة املعيشية‪،‬‬ ‫األولويات اآلتية‪:‬‬ ‫ إخراج اجليوش األطلس ّية من املنطقة‪ ،‬وردع العدوانية وتصاعد املديونية العامة‪ ،‬وتزايد نزيف هجرة األدمغة‬‫الصهيونية‪ ،‬عبر تثبيت خيار املقاومة الشاملة‪ ،‬كخيار والطاقات الشابة‪ ،‬وأزمة الغذاء والدواء‪ ،‬وأمام تراجع‬ ‫القدرة الشرائية لذوي الدخل احملدود‪ ،‬والعديد من اخملاطر‬ ‫استراتيجي لقوى التحرر والتغيير في املنطقة‪.‬‬ ‫ إعادة القضية الفلسطينية إلى موقعها التاريخي واملصاعب التي يواجهها الشعب اللبناني‪ ،‬ال بد من اعطاء‬‫كقضية مركزية لألمة العربية‪ ،‬ابتداء من استعادة وحدة األولوية في املرحلة املقبلة لألهداف اآلتية‪:‬‬ ‫الشعب الفلسطيني‪ ،‬وإعادة إحياء مؤسساته الوطنية اوالً‪ ،‬حماية السلم األهلي كأولوية حاسمة عبر بلورة‬ ‫وأولها منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬والعودة إلى خيار املشتركات في القضية الوطنية والتركيز على عوامل‬ ‫املقاومة مبختلف أشكالها‪ ،‬بديالً من مسيرة التسوية التالقي االجتماعي والسياسي والثقافي‪ .‬واالستفادة من‬ ‫السياسية وأوهامها في ظل الواقعني الفلسطيني كل الوسائل املتاحة‪ ،‬إعالميا ً وفنيا ً وتربوياً‪....‬‬ ‫ثانياً‪ :‬الدفاع عن خيار املقاومة وقوى املقاومة اذ أثبتت‬ ‫والعربي الراهنني‪.‬‬ ‫التجربة أن املقاومة الشاملة هي السبيل األجدى للدفاع‬ ‫‪ -‬بناء اقتصاد عربي منتج واخلروج من االقتصاد ال ّريعي‪.‬‬

‫عن لبنان ومصالح شعبه‪ ،‬مقاومة شاملة سياسيا ً‬ ‫ّ‬ ‫وثقافيا ً ومدنيا ً‬ ‫تشكل عنوانا ً وجوهرا ً للقضية الوطنية‪،‬‬ ‫بينما تشكل املقاومة املسلحة العمود الفقري ملنظومة‬ ‫الدفاع الوطني‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬منع استخدام لبنان كمنصة للتآمر على سوريا‬ ‫ومختلف قوى املمانعة واملقاومة اللبنانية والعربية‬ ‫واإلقليمية‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬متابعة العمل على إقرار اإلصالح السياسي‬ ‫ّ‬ ‫عصري‬ ‫الشامل‪ ،‬ومم ّره اإلجباري املتمثل بإقرار قانون انتخاب‬ ‫ّ‬ ‫قائم على قاعدة النسبية ولبنان دائرة واحدة وخارج القيد‬ ‫الطائفي‪.‬‬ ‫خامساً‪ :‬إصالح وتطوير القضاء وتأمني استقالليته وتعزيز‬ ‫دوره‪.‬‬ ‫سادساً‪ :‬إقرار قانون مدني اختياري لألحوال الشخصية‪،‬‬ ‫على طريق إلغاء الطائفية السياسية‪.‬‬ ‫سابعاً‪ :‬حترير النقابات العمالية واملنظمات الدميقراطية‬ ‫واملؤسسات األهلية من التبعية للقيادات الطائفية‪،‬‬ ‫وهيمنة أجهزة السلطة‪.‬‬ ‫ثامناً‪ :‬تعزيز التعليم الرسمي وتطويراجلامعة الوطنية‪،‬‬ ‫ومراقبة التعليم اخلاص جلهة البرامج واألقساط املدرسية‬ ‫واجلامعية‪.‬‬ ‫يضم كل‬ ‫تاسعاً‪ :‬تعزيز اجلهود لبناء إطار تنسيق جبهوي‬ ‫ّ‬ ‫الساعية إلى األهداف ذاتها التي نعمل من‬ ‫القوى احل ّية ّ‬ ‫أجلها لبنانيا ً وعربياً‪.‬‬ ‫عاشراً‪ :‬العمل لتحقيق مطالب اجملتمع املدني وحركاته‬ ‫االجتماعية والنقابية وفق أولو ّيات املرحلة (مقاومة‬ ‫التّطبيع الثقافي مع العدو الصهيوني‪ ،‬تنشيط سلوكيات‬ ‫الدفاع عن احلقوق النقابية‬ ‫املقاطعة االقتصادية‪ّ ،‬‬ ‫العامة‪ ،‬حماية وإصالح صندوق‬ ‫والدميقراطية واحلريات‬ ‫ّ‬ ‫الضمان االجتماعي‪ ،‬حماية األجور ومقاومة الغالء‪ ،‬تأمني‬ ‫اخلدمات العامة من كهرباء وماء وطبابة‪ ،‬ومقاومة الغالء‪،‬‬ ‫ّعصب الطائفي‬ ‫احلد من هجرة الشباب‪ ،‬مناهضة الت ّ‬ ‫والديني واملذهبي‪ ،‬حماية حقوق املرأة والطفل الخ‪...‬‬ ‫حادي عشر‪ :‬دعم املساعي الرامية إلى إنشاء اجلامعة‬ ‫الشعبية العربية ملواجهة أعداء األمة ولنصرة املشروع‬ ‫النهضوي احلضاري العربي‪.‬‬ ‫إن احلركة الوطنية للتغيير الدميقراطي‪ ،‬اذ تقدم رؤيتها ملا‬ ‫تعتبره مشروعا ً مرحليا ً ملعاجلة األزمات املتفاقمة للبنان‬ ‫واملنطقة‪ ،‬متد يدها للحوار والتالقي مع القوى السياسية‬ ‫اللبنانية كافة التي تشاركها رؤيتها في ميدان اإلصالح‬ ‫السياسي واالقتصادي االجتماعي‪ ،‬مبا يتيح جتاوز نظام‬ ‫احملاصصة الطائفية‪ ،‬ويرسي الركائز األساسية لنظام‬ ‫وطني دميقراطي‪ ،‬يوحد القوى الشعبية والسياسية في‬ ‫وجه العدو الصهيوني‪ ،‬ويح ّول مقاومتنا للعدو إلى فعل‬ ‫إميان وطني شامل‪ .‬إن احلركة ترى أن اخليار الواضح املطروح‬ ‫أمام الشعب اللبناني لتحصيل حقوقه وتوفير مستلزمات‬ ‫حياة حرة وكرمية وغير مرتهنة للخارج‪ ،‬يتمثل بأن تأخذ‬ ‫قوى التغيير الوطني الدميقراطي موقعها الطبيعي في‬ ‫مسيرة الصراع السياسي في وجه القوى الطائفية‪ .‬وبقدر‬ ‫ما يكبر دورها ويتسع االلتفاف الشعبي حولها‪ ،‬بقدر‬ ‫ما يتراجع تأثير اخلطاب الطائفي ودور القوى احلاملة له‪،‬‬ ‫وتتعزز فرص خروج الوطن من مستنقع أزماته املتفاقمة‪.‬‬ ‫إلى هذا اخليار تدعو احلركة الوطنية للتغيير الدميقراطي‪،‬‬ ‫وفي سبيله تناضل‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫ا�سرتاتيجيا‬

‫معركة ال�سيطرة‬

‫على بوابة طريق احلرير �إىل �أوروبا‬ ‫رياض عيد‬ ‫طرح األب الروحي لشؤون اجليوبوليتك‪ ،‬نيوكوالس‬ ‫سبايكمان‪ ،‬حتليله الشهير منتصف القرن املاضي‪،‬‬ ‫والذي قدر له أن يكون قاعدة متبعة من جانب الكثير‬ ‫من االستراتيجيني‪ ،‬وهي أن “من يحكم رمالند يحكم‬ ‫أوراسيا‪ ،‬ومن يحكم أوراسيا يسيطر على مقاليد‬ ‫العالم”؛ ورمالند هي املنطقة التي يطلق عليها‬ ‫حافة اليابسة‪ ،‬وحافة اليابسة هي قوس األزمات عند‬ ‫وتسميه‬ ‫بريجنسكي وهي العالم العربي اإلسالمي‬ ‫ّ‬ ‫الواليات املتحدة الشرق األوسط الكبير‪ ،‬والذي ال زالت‬ ‫تشكل السيطرة عليه نقطة السيطرة على العالم‪.‬‬ ‫وهي نقطة االرتكاز اجلغرافي حيث يعتبر اجلغرافي‬ ‫البريطاني هالفورد ماكندر أول من نبه إلى أهميتها في‬ ‫محاضرته في اجلمعية اجلغرافية امللكية البريطانية في‬ ‫يناير ‪ 1904‬ولقد وضع إصبعه على أن شرق أوروبا نقطة‬ ‫االرتكاز اجلغرافي والتي أطلق عليها العام ‪ 1919‬قلب‬ ‫اليابسة في أوراسيا‪ ،‬التي كان االحتاد السوفياتي يسيطر‬ ‫عليها‪ ،‬وطرح نظريته املشهورة التي أثرت في الفكر‬ ‫االستراتيجي في أوروبا وأميركا خالل القرن العشرين‬ ‫وحتى اآلن بأن “من يسيطر على شرق أوروبا يسيطر على‬ ‫قلب اليابس ومن يسيطر على قلب اليابس يسيطر على‬ ‫جزيرة العالم ومن يسيطر على جزيرة العالم يسيطر‬ ‫على العالم”؛ ويقصد ماكندر بجزيرة العالم القدمي‬ ‫آسيا وأوروبا وأفريقيا‪ ،‬ولقد فهم نابليون أهمية قلب‬ ‫توجه إلى روسيا‪ ،‬وكذلك تأثر‬ ‫اليابس قبل ماكندر عندما ّ‬ ‫قيصر أملانيا وليم الثاني وهتلر وموسوليني بأهمية قلب‬ ‫اليابسة للسيطرة على أوروبا والعالم‪ ..‬ويبدو أن أوراسيا‬ ‫التي تراجعت أهميتها بعد احلرب العاملية الثانية‪ .‬تعيد‬ ‫الصني اكتشاف أهميتها مجدداً‪ ،‬كما أنها تعمل إلعادة‬ ‫تنظيم الشؤون اجليوبوليتيكية لكل آسيا وليس لوسط‬ ‫آسيا فقط‪.‬‬ ‫وفي التاريخ الصيني تقليدان يبعثان على التفاخر‬ ‫ويؤشران إلى توسيع مدى عظمة حضارتهم‪ ،‬التقليد‬ ‫األول‪ ،‬هو التجارة‪ ،‬ونظام اجلزية‪ ،‬وكانا حتت سيطرة‬ ‫األدميرال زهاجن الذي قاد األسطول الضخم لساللة‬ ‫منج‪ ،‬حيث ضم مئات السفن التي تقوم بسبع رحالت‬ ‫جتارية سنوية منتظمة إلى أندونيسيا‪ ،‬والهند‪ ،‬وأفريقيا‪،‬‬ ‫واجلزيرة العربية قبل ‪ 600‬عام للتبادل التجاري والثقافي‪.‬‬ ‫أما التقليد الثاني‪ ،‬فتمثل في دور الصني املهم في‬ ‫تطوير طريق احلرير القدمي الذي ربط شرق وجنوب وغرب‬

‫آسيا‪ ،‬مع أوروبا‪ ،‬والشرق األوسط‪ ،‬وشمال إفريقيا‪ .‬وكان‬ ‫هذا الطريق ميتد إلى سبعة آالف ميل‪ ،‬كما كان طريقا ً‬ ‫رئيساً‪ ،‬للتجارة‪ ،‬وبعثات التبشير‪ ،‬واجلنود‪ ،‬عبر أوراسيا‬ ‫ألكثر من ثالثة آالف عام‪.‬‬ ‫حني ندرس الصني اليوم‪ ،‬بعد الثورة االقتصادية العاملية‬ ‫التي أحدثتها منذ تسعينيات القرن املاضي حتى اآلن‬ ‫اذ حققت نسبة منو مستدامة ال تقل عن ‪ .10%‬وبعد‬ ‫انتقال مركز الثقل االقتصادي والسياسي العاملي (على‬ ‫أثر هذا النمو وهذه الثورة) من الغرب الى الشرق وحتديدا ً‬ ‫الى جنوب آسيا‪ ،‬وبعد بروز احلاجة الصينية امللحة‬ ‫للطاقة لتحريك عجلتها االقتصادية ولتحافظ على‬ ‫نسبة النمو هذه‪ .‬فإن استراتيجية األدميرال زهاجن هي‬ ‫التي حتافظ على هذا التقليد‪ ،‬وتستحق االحترام‪ ،‬بقدر‬ ‫ما ميكن أن تبعث اخلوف عند الغرب‪ .‬وقد ظل الغرب‬ ‫ينظر باهتمام كبير إلى آسيا البحرية ضمن اهتماماته‬ ‫االستراتيجية منذ احلرب العاملية الثانية حتى اليوم‪،‬‬ ‫وتعزز هذا االهتمام اآلن بعد ان وضعت اميركا اولويتها‬ ‫االستراتيجية مواجهة العمالق االقتصادي الصيني‬ ‫املتوقع أن يتساوى مع االقتصاد االميركي العام ‪2016‬‬ ‫ويتجاوزه العام ‪ .2020‬وقد صرحت هيالري كلنتون وزيرة‬ ‫اخلارجية االميركية السابقة (انه اذا كان القرن املاضي‬ ‫هو قرن احمليط األطلسي فإن هذا القرن هو قرن احمليط‬ ‫الهادي)‪ .‬حيث ‪ % 60‬من حاويات العالم تعبر احمليط‬

‫الهادي و‪ 75%‬من الطاقة التي تصل الصني أيضا ً متر عبر‬ ‫هذا احمليط وحتديدا ً عبر مضيق ملقا‪.‬‬ ‫ولتكمل أميركا استراتيجية تطويق الصني نشرت‬ ‫اساطيلها في احمليط الهادي وسيطرت على املضائق‬ ‫التي تنقل الطاقة الى الصني وهما مضيق هرمز بعرض‬ ‫‪ 22‬ميالً‪ ،‬ويسيطر األسطول األميركي اخلامس عليه مع‬ ‫منافسة ايرانية كبيرة‪ ،‬وكذلك مضائق ملقا بعرض ‪1.6‬‬ ‫ميل‪ ،‬حيث يتولى األسطول األميركي السابع السيطرة‬ ‫عليه خاصة بعد التحالفات االميركية مع اندونيسيا‬ ‫وماليزيا اللتني حتدان املضيق املذكور‪ .‬وأيضا ً باب املندب‬ ‫واليمن املوقع التاريخي االستراتيجي بعد ان خسرته‬ ‫بريطانيا العجوز ملصلحة الواليات املتحدة األميركية‬ ‫التي أصبحت الالعب األول بامللف اليمني وباب املندب‪،‬‬ ‫عبر هندسة هذا امللف ليصبح اليمن ما بعد العصيان‬ ‫الشعبي عضوا ً في النادي األميركي‪ ،‬وكذلك تهندس‬ ‫امللف الصومالي املهم لها جيواستراتيجياً‪ ،‬وال يُستبعد‬ ‫أن يكون هنالك تواجد أميركي ذكي في سلطنة ُعمان‬ ‫قريباً‪ ،‬وبهذا تُعتبر واشنطن قد حققت نصف الطريق‬ ‫الذي سيوصلها نحو أحالمها البعيدة املدى وهي‪:‬‬ ‫الهيمنة على طرق ومضائق إمداد الطاقة العاملية في‬ ‫أبرز وأخطر وأهم منطقة في العالم!!‪ ...‬هذا اضافة الى‬ ‫القواعد االميركية املنتشرة في وسط آسيا واستمرار‬ ‫االحتالل االميركي ألفغانستان الذي يندرج حتت هذه‬ ‫االهداف‪.‬‬


‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫خطوط أنابيب حديثة وطرق وسكك حديدية إلمدادات‬ ‫اخلطط الصينية لكسر احلصار االميركي‬ ‫الطاقة اخلاصة بها‪ .‬وينبع هذا النهج من مخاوف بكني‬ ‫يوضح املسار األخير لعالقات الصني السياسية من احلصار األميركي على اإلمدادات البحرية في حال‬ ‫ومبادراتها االقتصادية وموقفها العسكري بأن “اململكة نشوب عداءات بسبب تايوان‪ ،‬فضالً عن طلب الصني‬ ‫الوسطى” قد وصلت إلى “الشرق األوسط األكبر”‪ .‬وكانت املتزايد للطاقة‪.‬‬ ‫الصني تعتقد أن أمن الطاقة أهم بكثير من أن يترك‬ ‫لقوى السوق وحدها‪ ،‬ومن ثم جعلت هذه املسألة أولوية وقد أظهر تقرير في آب‪/‬أغسطس ‪ 2010‬أن الصني قد‬ ‫من ناحية األمن القومي‪ .‬لهذا انشأت الصني موطئ قدم أصبحت أول مستهلك للطاقة في العالم متخطية‬ ‫لها في وسط آسيا ومنطقة “البحار األربعة” والشرق بذلك الواليات املتحدة‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬متتعت البالد‬ ‫األوسط‪ ،‬من خالل الضلوع ببدء مشاريع مد خطوط بنمو سنوي عشري ملعظم العقد املاضي‪ ،‬تأججت‬ ‫أنابيب وإقامة بنى حتتية جديدة للطاقة وإلى إنشاء ليس بسبب طلب املستهلك‪ ،‬ولكن بفضل بناء البنية‬ ‫العديد من املوانئ البحرية في العالم‪ .‬كما تزيد البالد التحتية والصناعات الثقيلة التي تستهلك الطاقة‪،‬‬ ‫أيضا ً من عالقاتها العسكرية حلماية تلك املصالح‪ .‬وكذلك النمو املتزايد في قطاع النقل‪.‬‬ ‫وعالوة على ذلك‪ ،‬أن الطريق لهذا التوسع يشبه كثيرا ً‬ ‫“طريق احلرير” القدمي وطرق بحر العرب التي أوصلت ومبرور السنني بدأ العديد من الصحافيني وصناع‬ ‫السياسة والعلماء في اإلشارة إلى هذا املنهج على أنه‬ ‫الصني ألول مرة إلى الغرب‪.‬‬ ‫فضل املسؤولون‬ ‫لقد كان جزء كبير من هذا النشاط متجذرا ً في ميل استراتيجية “طريق احلرير”‪ .‬وفي املقابل‪ّ ،‬‬ ‫الصني لرؤية أمن الطاقة من وجهات نظر جغرافية الصينيون هذا التصور من أجل استحضار الروابط‬ ‫سياسية واستراتيجية بدال ً من مجرد وجهة نظر التاريخية املشتركة على طول “طريق احلرير”‪ ،‬في الوقت‬ ‫اقتصادية خالصة‪ .‬وحتديدا ً كانت بكني معنية مبواجهة الذي يسعون فيه إلى توسيع العالقات مع دول في وسط‬ ‫مبادرات الطاقة الغربية في املنطقة‪ .‬وفي العام ‪ 2009‬آسيا والقوقاز والشرق األوسط‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬ففي‬ ‫على سبيل املثال‪ ،‬أكملت “شركة البترول الوطنية كانون الثاني‪/‬يناير ‪ ،2010‬أعلن مجلس الدولة بالصني‬ ‫الصينية” التابعة للدولة خط أنابيب غاز طبيعي عبر إقامة “جلنة الطاقة الوطنية” برئاسة رئيس الوزراء وين‬ ‫“وسط آسيا” إلى تركمانستان على الشاطئ الشرقي جياباو مما يعكس اخملاوف العميقة لدى النظام جتاه أمن‬ ‫لبحر قزوين‪ ،‬في اللحظة نفسها التي كانت تعمل الطاقة‪.‬‬ ‫هناك مجموعة شركات مدعومة من قبل االحتاد األوروبي‬ ‫على خط أنابيب نابوكو للوصول إلى احتياطيات الغاز وملعاجلة تلك اخملاوف انضمت بكني إلى “منظمة‬ ‫في تركمانستان من الغرب‪ .‬وفي حزيران‪/‬يونيو ‪ ،2010‬شانغهاي للتعاون” التي مت تأسيسها في العام ‪،2001‬‬ ‫أعلن رئيس تركمانستان قربان قولي بيردي محمدوف وتتك ّون من الصني وروسيا ودول وسط آسيا األربع‬ ‫عن مشروع بتكلفة ‪ 2‬مليار دوالر لربط خط األنابيب كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان‪،‬‬ ‫يهدد إلى جانب أربع دول مراقبة (وهي إيران وباكستان والهند‬ ‫الشرقي مع الصني‪ ،‬مبوارد تركمانستان الغربية‪ ،‬مما ّ‬ ‫ومنغوليا)‪ .‬وقد استخدمت الصني املنظمة لتحقيق‬ ‫قابلية تطبيق خط أنابيب نابوكو‪.‬‬ ‫وقد واجهت خطط الطاقة في مسرح “الناتو” في تكامل اقتصادي تدريجي مع منطقة “وسط آسيا‪/‬بحر‬ ‫أفغانستان اجملاورة منافسة من الصني أيضاً‪ .‬فقد دعت قزوين” وذلك لتلبية ثالثة أهداف رئيسية‪:‬‬ ‫تهدئة مقاطعة شينجيانغ امللتهبة وهي‬ ‫الشركات األميركية و”بنك التنمية اآلسيوي” كثيرا ً ‪ 1-‬‬ ‫إلى إنشاء خط أنابيب غاز من تركمانستان مي ّر عبر موطن قوى “األويغور املسلمني” االنفصالية الكبيرة حيث‬ ‫أفغانستان إلى املستهلكني في باكستان والهند‪ ،‬وقد يبلغ تعدادهم ‪ 250‬مليون مسلم ويتكلم معظمهم‬ ‫تُ ّوج في مشروع مقترح يدعى “خط عبر أنابيب الغاز اللغة التركية‪.‬‬ ‫تنويع مصادر الطاقة من اخلليج العربي‪.‬‬ ‫تركمانستان ‪ -‬افغانستان ‪ -‬باكستان ‪ -‬الهند” [“تابي”]‪2 - .‬‬ ‫غير أن املشروع يجب أن يكون على مستوى االقتراح ‪ 3-‬إظهار الهيمنة الصينية عبر أوراسيا‪ .‬وقد ركزت هذه‬ ‫املنافس لباكستان والهند باحلصول على الغاز عن طريق االستراتيجية بشكل كبير على استخدام الوسائل‬ ‫مد خطوط أنابيب من إيران‪ .‬وفي آذار‪/‬مارس ‪ ،2009‬أبرمت املالية خللق تبعية بني احلكومات اإلقليمية‪ ،‬والبناء على‬ ‫طهران وإسالم أباد عقدا ً لبناء نصيب إيران ‪ -‬باكستان التعاون املتزايد في اجملاالت السياسية والعسكرية‬ ‫من “خط أنابيب إيران – باكستان ‪ -‬الهند” بهدف جلب والنفط والغاز‪.‬‬ ‫إما نيودلهي أو بكني إلى املشروع‪ .‬وفي أماكن أخرى في وكما تقوم شركة الطاقة الروسية غازبروم اململوكة‬ ‫املنطقة‪ ،‬دخلت الصني مسرح الطاقة العراقي‪ ،‬وهي للدولة باستخدام الطاقة كسالح عن طريق قطع‬ ‫إمدادات الغاز الستهداف دول معينة إذا رفضت‬ ‫اآلن أكبر مستثمر للنفط والغاز في تلك البالد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سياستهم اخلارجية‪ ،‬ترى بكني الطاقة سالحا يجب‬ ‫استخدامه لالستيعاب الزاجر‪.‬‬ ‫حتوّل استراتيجي‬

‫ا�سرتاتيجيا‬ ‫واسع إلى كل ركن تقريبا ً في “الشرق األوسط األكبر”‪،‬‬ ‫وال سيما في “حوض بحر قزوين” وأطراف أخرى مثل إيران‬ ‫وتركيا واليونان‪ .‬وفي الكثير من احلاالت تُرجم هذا التمدد‬ ‫االقتصادي املتنامي إلى موطئ قدم عسكري أيضاً‪ ،‬نظرا ً‬ ‫إلى املشاركة الواسعة النطاق ألفراد اجليش الصيني‬ ‫في مشروعات الطاقة و”الشراكات االستراتيجية” التي‬ ‫شكلتها بكني مع دول رئيسية‪.‬‬ ‫إيران‪ :‬بني العامني ‪ 2005‬و‪ ،2010‬وقعت الشركات‬ ‫الصينية عقودا ً بقيمة ‪ 120‬مليار دوالر مع قطاع النفط‬ ‫والغاز اإليراني‪ .‬وإليران أهمية خاصة لدى الصني ألن لها‬ ‫حدودا ً مع بحر قزوين واخلليج العربي‪ .‬وفي اخلليج ترى‬ ‫بكني إيران كوسيلة لتحقيق توازن أمام الدول العربية‬ ‫املدعومة من قبل الواليات املتحدة‪ ،‬بتصورها أن البحرية‬ ‫األميركية غير قادرة على إغالق مضيق هرمز متاماً‪ ،‬طاملا‬ ‫تسيطر إيران حليفة الصني على اجلانب الشرقي منه‪.‬‬ ‫كما أن طهران هي أيضا ً طرف رئيسي في “طريق احلرير”‬ ‫البري والبحري للصني‪ ،‬حيث تتطلع بكني إلى زيادة‬ ‫الروابط بواسطة خطوط السكك احلديدية‪ ،‬بل ورمبا‬ ‫إنشاء قاعدة بحرية في إحدى اجلزر اإليرانية‪.‬‬ ‫السعودية‪ :‬يتدفق أكثر من نصف النفط السعودي‬ ‫حاليا ً إلى آسيا مقارنة بـ ‪ 14‬باملئة إلى الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫ومتلك شركة أرامكو السعودية مصفاة في مقاطعة‬ ‫تشينغداو في الصني وأخرى في مقاطعة فوجيان‪،‬‬ ‫في حني بدأت الشركات الصينية في االستثمار في‬ ‫الصناعة والبنية التحتية السعودية‪ .‬وفي الوقت‬ ‫نفسه‪ ،‬ال تزال اململكة شريك الصني التجاري األكبر في‬ ‫منطقة الشرق األوسط‪.‬‬ ‫وعلى الصعيد العسكري‪ ،‬في الثمانينيات من القرن‬ ‫املاضي‪ ،‬قدمت الصني إلى السعوديني صواريخ ذات قدرة‬ ‫نووية من طراز “‪ ،”CSS-2‬وواشنطن قلقة اآلن من أن‬ ‫الرياض رمبا تسعى خللق رادع ضد إيران باكتساب املزيد‬ ‫من األسلحة التي صممتها الصني‪ ،‬فضالً عن الرؤوس‬ ‫النووية ذات االستخدام املزدوج من باكستان‪ .‬ورغم أن‬ ‫الواليات املتحدة ما تزال هي الضامن الرئيسي ألمن‬ ‫السعودية إال أن اململكة حتقق التوازن مبراهناتها في وجه‬ ‫إيران التي رمبا تصبح نووية من خالل تعاطيها مع بكني‪،‬‬ ‫حليفة طهران الرئيسية‪.‬‬

‫العراق‪ :‬زادت بكني بالفعل من حجم استثماراتها‬ ‫في العراق‪ ،‬وهي اآلن أكبر مستثمر للنفط والغاز‬ ‫فيها‪ ،‬حيث وقعت على عقود تطوير وخدمات طويلة‬ ‫املدى حلقول نفط األحدب والرميلة وحلفاية وميسان‬ ‫إما بصورة مباشرة أو من خالل الشركات األجنبية‬ ‫التي مت شراؤها مؤخراً‪ .‬كما أنها تدفع املاليني حلماية‬ ‫استثماراتها هناك‪ .‬وهذا األمر ليس مدهشا ً ألن العراق‬ ‫لديه أكبر احتياطي نفطي معروف في العالم‪ .‬كما أبدت‬ ‫الصني نيتها احلسنة بإسقاط ما بني ستة مليارات إلى‬ ‫ثمانية مليارات دوالرات وهي ديون عراقية تراكمت خالل‬ ‫منذ أن أصبحت الصني دولة مستوردة للطاقة العام أثر متزايد‬ ‫عهد صدام حسني‪ .‬كما أن بكني قد جنحت في إبرام‬ ‫‪ ،1993‬تبنت استراتيجية “اخلروج” لشراء أصول الطاقة‬ ‫صفقات بيع أسلحة تتجاوز قيمتها ‪ 100‬مليون دوالر‬ ‫نطاق‬ ‫على‬ ‫املنتشرة‬ ‫الصينية‬ ‫الطاقة‬ ‫استثمارات‬ ‫امتدت‬ ‫في اخلارج‪ ،‬محولة الطرق التاريخية القدمية إلى شبكة‬ ‫دوالر أميركي إلى احلكومة في بغداد‪ .‬وبالنظر إلى إنتاج‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫ا�سرتاتيجيا‬ ‫النفط العراقي الذي ما يزال محدودا ً بسبب املشاكل‬ ‫األمنية وعدم وجود قانون للنفط والغاز‪ ،‬تستمر الصني‬ ‫في االعتماد بقوة على مصادرها الكبار احلاليني وهم‬ ‫السعودية وأنغوال وإيران‪.‬‬

‫القطع البحرية الصينية بيرايوس عندما التقى رئيس‬ ‫أركان القوات اجلوية اليونانية فاسيليوس كلوكوزاس مع‬ ‫وزير الدفاع الصيني ليانغ قوانغ ليه في بكني في الشهر‬ ‫نفسه ملناقشة التعاون العسكري املتزايد‪ .‬وفي أماكن‬ ‫أخرى تأمل بكني في إقامة قاعدة بحرية دائمة في خليج‬ ‫عدن‪/‬البحر العربي‪ .‬واخليار األرجح هو ميناء عدن اليمني‬ ‫ذلك أن البدائل األخرى ‪ -‬سلطنة عمان وجيبوتي ‪ -‬لها‬ ‫عالقات وطيدة مع حلف “الناتو” وواشنطن‪.‬‬ ‫كما تزيد الصني أيضا ً من وجودها العسكري برَّا ً من خالل‬ ‫نشر أفراد اجليش والشرطة ملراقبة مشروعات اإلنشاء‬ ‫اخلارجية‪ .‬فعلى سبيل املثال يقال إنها نشرت آالفا ً عدة‬ ‫من اجلنود في كشمير مما يثير مخاوف هندية حول اجلهود‬ ‫الصينية لربط مشاريع الطرق والسكك احلديدية في‬ ‫“جبال كاراكورام” مبيناء جوادار في باكستان‪.‬‬

‫وقد جاءت زيارة وين جياباو في أعقاب مناورات “نسر‬ ‫األناضول” القتالية اجلوية املشتركة (التي قامت بها‬ ‫القوات الصينية والتركية) ومهمة السالم ‪ 2010‬لـ‬ ‫“منظمة شانغهاي للتعاون” (وهو تدريب عسكري‬ ‫ملكافحة اإلرهاب جرى في كازاخستان)‪ .‬وتقليديا ً كانت‬ ‫مناورات “نسر األناضول” تدريبا ً حللف “الناتو” بني تركيا‬ ‫والواليات املتحدة وأعضاء آخرين في منظمة حلف‬ ‫شمال األطلسي‪ ،‬وإسرائيل؛ لكن يبدو أن أنقرة قد‬ ‫فضلت أن حتل الصني محل إسرائيل‪.‬‬

‫البداية كانت في التسعينيات حيث مألت الصني فراغا ً‬ ‫في سوريا خلفه االحتاد السوفياتي املنهار إذ زودت‬ ‫الدولة السورية بعدد متنوع من الصواريخ‪ .‬واليوم يوفي‬ ‫الرئيس السوري بشار األسد بوعده الذي قطعه على‬ ‫نفسه في ‪ 2004‬بــ “االجتاه شرقاً” نحو آسيا للهروب‬ ‫من القبضة الغربية التي متسك بخناق الشرق األوسط‪.‬‬ ‫وباإلضافة إلى العمل كمصدر مستمر ميكن االعتماد‬ ‫عليه لألسلحة‪ ،‬استثمرت الصني بقوة في حتديث قطاع‬ ‫الطاقة القدمي الطراز في سوريا‪.‬‬ ‫في الوقت الذي تسعى فيه بكني في استراتيجيتها‬ ‫لتطوير “طريق احلرير” عن طريق “النظر إلى الغرب” تهدف‬ ‫سياسة “النظر إلى الشرق” التي تتبعها سوريا إلى‬ ‫مقابلة الصني في بحر قزوين‪ .‬فمنذ ‪ ،2009‬يعزز األسد‬ ‫استراتيجيته لـ “البحار األربعة” لتحويل بالده إلى محور‬ ‫جتاري في البحر األسود والبحر األبيض املتوسط واخلليج‬ ‫العربي‪/‬البحر العربي وبحر قزوين‪ ،‬باالصطفاف مع تركيا‬ ‫وإيران وأذربيجان في هذه العملية‪ .‬وبرزت تركيا كأهم‬ ‫مستثمر وشريك جتاري لسوريا قبل انقالبها االخير على‬ ‫سوريا متاشيا ً مع اإلمالءات االميركية‪ ،‬وحيث تبقى إيران‬ ‫هي الضامن ألمن سوريا‪ ،‬كانت استراتيجية االسد قبل‬ ‫االنقالب التركي أن يصبح ثالثي أنقرة ‪ -‬دمشق‪ -‬طهران‬ ‫نواة ملنهج يهدف إلى ضم العراق والقوقاز في سلسلة‬ ‫متصلة جغرافيا ً تربط “البحار األربعة”‪.‬‬

‫تركيا‪ :‬باإلضافة إلى حدودها مع كل من البحر األسود‬ ‫والبحر األبيض املتوسط فإن تركيا هي عضو قدمي في‬ ‫منظمة حلف شمال االطلسي [“الناتو”]‪ ،‬وتستمتع‬ ‫بوحدة جمركية مع االحتاد األوروبي‪ ،‬ومتثل منفذ العبور‬ ‫الرئيسي الثني عشر مشروعا ً خلطوط األنابيب متعددة‬ ‫اجلنسيات‪ .‬إن املوقع اجلغرافي االستراتيجي للبالد‬ ‫يشكل أيضا ً موقعا ً مثاليا ً لشبكات السكك احلديدية‬ ‫التي تربط أوروبا بالشرق األوسط وآسيا‪ .‬وبناء على‬ ‫ذلك‪ ،‬عندما زار رئيس الوزراء الصيني وين جياباو أنقرة‬ ‫في تشرين األول‪/‬أكتوبر ‪ ،2010‬رفعت الصني مستوى‬ ‫عالقاتها الثنائية مع تركيا إلى “تعاون استراتيجي”‪.‬‬ ‫استراتيجية “البحار األربعة”‬

‫اليونان‪ :‬في حزيران‪/‬يونيو ‪ ،2010‬تولت شركة الشحن‬ ‫العمالقة “كوسكو” اململوكة للصني‪ ،‬اإلدارة والتحكم‬ ‫العملياتي الكامل على الرصيف الرئيسي في أكبر‬ ‫ميناء يوناني وهو بيرايوس بتكلفة ‪ 2.8‬مليار جنيه‬ ‫استرليني في عقد مدته خمسة وثالثني عاما ً يشمل‬ ‫توسيعا ً مخططا ً له‪ .‬وبالنظر إلى أن اليونان تتحكم في‬ ‫خُ مس أسطول التجارة العاملي‪ ،‬وهي أكبر زبون ألحواض‬ ‫بناء السفن الصينية‪ ،‬يهدف هذا اجلهد إلى تعزيز‬ ‫التجارة الصينية مع األسواق الناشئة حول إطار البحر‬ ‫األسود واملتوسط‪ .‬وتخطط الصني أيضا ً لشراء حصة‬ ‫في شبكة السكك احلديدية املثقلة بالديون ‪ OSE‬وبناء‬ ‫مطار في كريت وبناء مركز لوجيستي في شمال أثينا‪.‬‬

‫أبعاد عسكرية‬ ‫تتمحور استراتيجية بكني احلالية حول حتقيق موطئ‬ ‫قدم صيني من خالل النفوذ العسكري أو اجليوسياسي‬ ‫على طول الشريط الساحلي للمحيط الهندي‪ ،‬وإلى‬ ‫اخلليج العربي والبحر األبيض املتوسط ‪ --‬في “سلسلة‬ ‫من اللؤلؤ”‪ .‬وتقع الآللئ التي أقامتها بكني في السنوات‬ ‫األخيرة على طول طرق البحار املستخدمة منذ قرون‬ ‫لربط الصني بحوض البحر األبيض املتوسط‪ .‬وهناك آللئ‬ ‫معينة تشمل مرافق مطورة في [مدينة] بور سودان بني‬ ‫مرافق أخرى‪.‬‬ ‫كما أضافت الصني أيضا ً ميناء بيرايوس اليوناني كلؤلؤة‬ ‫جديدة في البحر املتوسط‪ .‬وفي آب‪/‬أغسطس ‪ ،2010‬زارت‬

‫وبينما يرى الغرب سوريا وإيران ودوال ً مماثلة بأنها عوائق‬ ‫استراتيجية ودوال ً مارقة‪ ،‬ترى الصني هذه الدول كأصول‬ ‫استراتيجية‪ .‬ومنذ غزو العراق بقيادة الواليات املتحدة‬ ‫العام ‪ ،2003‬تخشى بكني من أن استراتيجية واشنطن لـ‬ ‫“الشرق األوسط األكبر” تنطوي على تطويق الصني وخلق‬ ‫منوذج لإلطاحة باألنظمة غير الدميوقراطية‪ .‬وردا ً على‬ ‫ذلك‪ ،‬زادت بكني من روابطها االقتصادية والدبلوماسية‬ ‫مع بلدان في املنطقة لها عالقات إشكالية مع الواليات‬ ‫املتحدة والغرب‪.‬‬ ‫إن أحد املكونات الرئيسية الستراتيجية “البحار األربعة”‬ ‫هو التركيز على البنية التحتية للطاقة وتطوير‬ ‫السكك احلديدية‪ .‬وعلى صعيد الطاقة يتخذ الرئيس‬

‫السوري بشار األسد خطوات لتوسيع “خط أنابيب الغاز‬ ‫العربي” لنقل الغاز من مصر والعراق عبر سوريا‪ ،‬والعمل‬ ‫في الوقت نفسه مع أذربيجان وروسيا حول مقترحات‬ ‫لربط هذا األنبوب بخطوط أنابيب غاز بروم وصوال ً إلى‬ ‫أوروبا‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬ومن خالل الربط مع إيران‪ ،‬ميكن‬ ‫أن يتصل “خط أنابيب الغاز العربي” في نهاية املطاف‬ ‫بخط أنابيب تركمانستان ‪ -‬الصني وخطوط أنابيب‬ ‫النفط املستقبلية بني كازاخستان والصني‪ .‬وقد عقدت‬ ‫سوريا اتفاقا مع ايران العام ‪ 2011‬على مد انبوب غاز من‬ ‫ايران الى العراق الى ساحل سوريا الى لبنان بتكلفة ‪10‬‬ ‫مليارات دوالر يبدأ ضخ الغاز فيه العام ‪.2013‬‬ ‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬تتسق خطط سوريا لبناء سكك‬ ‫حديدية من موانئها في البحر األبيض املتوسط إلى‬ ‫جنوب العراق مع مصالح الصني في بناء شبكة سكك‬ ‫حديدية تربطها بآسيا الوسطى والشرق األوسط‬ ‫وأوروبا‪ .‬إن بكني مهتمة بوجه خاص بتوسيع السكك‬ ‫احلديدية العالية السرعة‪ ،‬وذلك بالتفاوض مع سبعة‬ ‫عشر بلدا ً من ضمنهم سوريا والعراق وايران حول هذه‬ ‫اخلطوط‪ ،‬باإلضافة إلى توسعها الداخلي السريع‪.‬‬ ‫وتلعب السكك احلديدية دورا ً مهما ً في النقل وخدمات‬ ‫اإلمداد والتجهيز العسكرية في نطاق جهود الصني‬ ‫إلظهار القوة والتنافس مع الغرب عبر شبكة املواصالت‬ ‫هذه التي تصل الصني بشواطئ سوريا على املتوسط‪.‬‬ ‫اعلن وزير خارجية سوريا وليد املعلم (ان سوريا ادارت‬ ‫ظهرها الى الغرب ووجهها الى الشرق ولم تعد تعتبر‬ ‫ان اوروبا والغرب موجودان على اخلارطة)‪ .‬ويبدو ان تكامل‬ ‫استراتيجية الرئيس االسد (البحار االربعة وطريق احلرير)‬ ‫مع استراتيجية الصني قد قضت على احالم اميركا‬ ‫والغرب في تطويق الصني والسيطرة على طريق احلرير‬ ‫ومناقسة روسيا على سوق الغاز في اوروبا التي هي اكبر‬ ‫سوق ناشئ للغاز في العالم‪ .‬لذلك صدر امر العمليات‬ ‫االميركي ألزالمها في املنطقة إلسقاط سوريا مهما كان‬ ‫الثمن‪ .‬فسوريا بحكم موقعها اجليو استراتيجي باتت‬ ‫بوابة طريق احلرير اآلسيوي الى اوروبا وبالتالي اصبحت‬ ‫في قلب االمن القومي الصيني والروسي وااليراني‪ ،‬وباتت‬ ‫قطب الرحى في هذا الصراع الكوني الدائر فيها وعليها‪،‬‬ ‫وعلى نتائجه يتوقف من سيتحكم في القرن اجلديد‬ ‫اقتصاديا ً وسيآسياً‪.‬‬


‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫ا�سرتاتيجيا‬

‫فل�سطني‪ ...‬ذاكرة قومية‬ ‫أمني الذيب‬ ‫نقطة اإلرتكاز ‪ ،‬في تاريخ املشرق العربي احلديث‬ ‫‪،‬ووقائع الصراع الدائر في املنطقة ‪ ،‬تبدأ من تداعيات‬ ‫ااملسألة الفلسطينية ‪ ،‬كقضية قومية شكلت بعد‬ ‫إغتصابها عام ‪ ،1948‬عائقا ً أمام العرب ساهم كعامل‬ ‫إضافي ‪ ،‬في أن يحول دون متكينهم من يُنجزوا دولهم‬ ‫وسياساتهم اإلقتصادية اإلجتماعية ‪ ،‬وليخسروا أي‬ ‫إمكانية في حتقيق أي نوع من أنواع الوحدة ‪ ،‬لوقوعهم‬ ‫مبفاعيل إتفاقية سايكس ـ بيكو‬ ‫قد يكون احلديث عن فلسطني ‪ ،‬في هذه املرحلة ‪ ،‬ال يُالمس‬ ‫مزاج وإهتمام شريحة واسعة من احلُ ّكام والشعوب‬ ‫العربية ‪،‬التي قررت الذهاب الى اجملهول ‪ ،‬بإستقالتها من‬ ‫قضاياها القومية سياقا ً مع تنازلها التاريخي عن دورها‬ ‫الفكري واحلضاري والثقافي والسياسي ‪ ،‬وأوكلت أمرها‬ ‫إلرادات خارجية وإستراحت من مشقة التطور واإلبداع‬ ‫وما يستوجبه ذلك من عناء وسهر وتفكير ‪ ،‬وال يُشتت‬ ‫إهتماماتها باللهو والسهر وجمع الثروات ‪.‬‬ ‫بقيت املسألة الفلسطينية طيلة سنوان إحتاللها‬ ‫عرضة لتجاذبات تكتيكية ولم ت ّ‬ ‫ُشكل يوما ً ُعمقا ً‬ ‫سمى‬ ‫إستراتيجيا ً عربيا ً إال في اإلعالم ‪ ،‬بل أن عرب ما يُ ّ‬ ‫اإلعتدال بادروا الى إطالق ُمبادرة السالم العربية من‬ ‫جانب واحد وال زالت حتى اآلن كذلك ‪ ،‬كما فشلت الثورة‬ ‫الفلسطينية بكافة فصائلها من حتقيق ُمعادلة جديدة‬ ‫‪ ،‬فتع ُدد الفصائل لم ير َق الى تنوع ثوري جامع ميكنها من‬ ‫حترير االرض ‪ ،‬فإعتمدت ُمنظمة التحرير إتفاقية أُسلو‬ ‫للعودة التي إنتهت بتسميم ياسر عرفات ‪ ،‬في ظل‬ ‫إنقسام فلسطيني حاد ‪ ،‬يعمل على إيقاع التناقضات‬ ‫العربية ‪.‬‬

‫إكتشاف النفط والغاز‬ ‫تكشف بعض الوثائق ‪ ،‬ان العرب كانوا طرفا ً ُمساعدا ً‬ ‫في إنفاذ مفاعيل إتفاقية سايكس ـ بيكو ‪ ،‬كما أن‬ ‫بعض اإلتفاقيات املوقعة بينهم وبني بريطانيا وفرنسا‬ ‫ـ اإلستعمار القدمي ‪ ،‬تُعيد الى الذاكرة شريط الهزائم‬ ‫املُقرر ‪ ،‬إبتداءا ً من جيش اإلنقاذ العربي بقيادة فوزي‬ ‫القاوقجي ‪ ،‬الى خالد مشعل ومحمود ع ّباس ‪ ،‬وتُبني أن‬ ‫فلسطني لم تُشكل يوما ً قضية عربية حاسمة ‪ ،‬كون‬ ‫العرب في االساس ليس لديهم قضية ‪ ،‬ولم يرتقوا يوما ً‬ ‫الى مستوى مشروع الدولة السياسية ‪ ،‬كانت فلسطني‬ ‫قبل إكتشاف الغاز فيها قضية منسية وهامشية على‬ ‫مستوى احلُكام واالنظمة ‪ ،‬ولم تكن ح ّية إال في وجدان‬ ‫الشعب الفلسطيني وبعض الشعوب العربية املؤمنة‬ ‫بالقومية العربية ‪.‬‬ ‫أعاد إكتشاف النفط والغاز إهتمام أميركا واسرائيل‬ ‫باملنطقة ولكن بإسلوب ُمغاير للمرحلة السابقة‬

‫حيث أصبحت فلسطني جز ٌء من مشروع الشرق‬ ‫االوسط اجلديد ‪ ،‬وحلقة ثانوية في االولويات التي صاغ‬ ‫أفضلياتها مشروع نابوكو ‪ ،‬لذلك نرى أنه إذا ما ألقينا‬ ‫نظرة على الداخل الفلسطيني واخلريطة السياسية‬ ‫اجلديدة التي تنتظم فيها التناقضات التاريخية ‪ ،‬وبات‬ ‫خروج خالد مشعل من سوريا وعليها يتوضح كجزء من‬ ‫عملية إعادة صياغة املنطقة حسب املنظور االميركي‬ ‫‪ ،‬كعملية خللط االوراق ومحاولة إستقطاب تصب في‬ ‫مصلحة احملور الذي يتبنى مشروع الشرق االوسط ‪،‬‬ ‫بغض النظر عن التنازالت الكبيرة التي تقدمها القيادات‬ ‫الفلسطينة على حساب االرض والشعب وفلسطينيي‬ ‫الشتات ‪ ،‬تسقط فلسطني كقضية عربية مركزية ‪،‬‬ ‫وتدخل في متاهات خطوط اخلرائط العديدة التي ترسم‬ ‫مصالح املُتصارعني على النفوذ ‪ ،‬وميكن إختصار الواقع‬ ‫الفلسطيني على مستوى اجليو ـ سياسي الراهن‬ ‫بالتالي ‪:‬‬ ‫أوالً ‪ُ :‬مستقبل فلسطني يُحافظ على نسقه كنتيجة‬ ‫ملصالح وإرادات القوى اخلارجية ‪ ،‬الذي تؤثر فيه اخلطط‬ ‫االسرائيلة ‪ ،‬ولن يكون حتى اآلن إرادة فلسطينية رغم‬ ‫كل التضحيات التي قدمها الشعب ‪ ،‬الذي تتقلص‬ ‫مساحة أرضه يوميا ً رغم إصراره على البقاء ‪.‬‬ ‫ثانياً ‪ :‬فشل القيادات الفلسطينية من إنتاج رافعة‬ ‫سياسية تسمح بقيام دولة فلسطينية ‪ ،‬وإن نهج‬ ‫التبعية للخارج ال زال احلقيقة االولى في منط تفكير‬ ‫القيادات على إختالف مشاربها ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫شكل إلتحاق خالد مشعل باحملور العربي‬ ‫ثالثاً ‪:‬‬ ‫املُتصالح مع إسرائيل ضربة قاسية لطموحات الشعب‬ ‫الفلسطيني خاصة الشتات منهم ‪.‬‬ ‫رابعاً ‪ :‬سياسات محمود عباس واإلصرار على اإلنقسام‬ ‫الفلسطيني ‪ ،‬هو أجندة خارجية بإمتياز وإستمرار هذا‬ ‫الواقع يزيد من تراجع الدور الفلسطيني لناحية تأسيس‬ ‫واقع يرفع من احلضور السياسي املؤثر في املرحلة الراهنة‬ ‫خامساً ‪ :‬غياب الرؤيا والوضوح في العالقات‬ ‫الفلسطينية العربية مبا في ذلك العالقة مع مصر ‪،‬‬ ‫وتندرج هذه العالقات في إطار احلدث املُتغير تباعا ً بسبب‬ ‫الالعب اخلارجي ‪.‬‬ ‫سادساً ‪ :‬إنشغال العرب باالحداث املُستجدة على‬ ‫مساحة الوطن العربي جعل فلسطني في آخر الئحة‬ ‫اإلهتمامات ‪ ،‬وتُرِكت تواجه مصيرها ُمنفردة ‪.‬‬

‫الربيع العربي‬ ‫جاء الربيع العربي ليخطف إنتباه القوى العربية الفاعلة‬ ‫عن فلسطني ‪ ،‬ويتفرغ كل بلد ملُعاجلة االوضاع الناشئة‬ ‫عنده ‪ ،‬حيث تقع املنطقة بأكملها حتت تأثير هجمة‬ ‫ُمنظمة متتلك خطط دقيقة لكل تفاصيل املواجهة‬

‫‪ ،‬فاملغرب العربي واقع بني مطرقة املصالح اخلارجية‬ ‫وضغط القوى اإلسالمية ‪ ،‬حيث بدأت تتفكك وتفقد‬ ‫حضورها السياسي وقدرتها على التحكم مبواردها‬ ‫وكذلك بالد وادي النيل ‪ ،‬املُشرفة على مزيد من التفكك‬ ‫واملواجهات بني القوى اإلسالمية وقوى الربيع العربي‬ ‫‪ ،‬وبالتالي بدأ يُصيبها اإلنهاك ما يحول دون قدرتها‬ ‫على التدخل في أي عمل عربي على املستوى القومي ‪،‬‬ ‫واخلليج العربي ُمنهمك بإدارة الصراع العربي ـ العربي‬ ‫‪،‬ويسعى مع تركيا خللق واقع إسالموي وتبديل في موازين‬ ‫القوى اإلستراتيجي لصالح مشروع الشرق االوسط‬ ‫اجلديد ‪ ،‬وهكذا نرى كيف دخلت املسألة الفلسطينية‬ ‫في النسيان أمام صعود حتديات وحتوالت ومخاطر كبيرة‬ ‫جعلت من اجلسم العربي جسدا مشلوال غير قادر على‬ ‫الفعل واحلركة ‪ ،‬وبالتالي أدى هذا الواقع الى إمكانية‬ ‫ال زالت إفتراضية حتى اآلن وهي بعث الروح في مشروع‬ ‫إسرائيل الكبرى ‪ ،‬على أنقاض الربيع العربي الذي خلق‬ ‫فجوة أو هوة واسعة في النمط العربي ‪ ،‬حيث بدأت‬ ‫معالم تكون جديد تظهر وتؤسس لواقع لم تتبني‬ ‫معامله النهائية بعد ‪ ،‬يبقى أن املشرق العربي ‪ ،‬الذي‬ ‫يُشكل الرافعة االساسية للمسألة الفلسطينية‬ ‫ويحاول بشتى الوسائل أن يُعيد بوصلة الصراع الى‬ ‫إجتاهها الصحيح ‪ ،‬يدفع أثمانا ً باهضة ‪ ،‬أكان في العراق‬ ‫أم في سوريا أو في لبنان ‪.‬‬

‫العقدة السورية‬ ‫ّ‬ ‫شكل الواقع السوري ُمنعطفا ً في االحداث ‪ ،‬كان له‬ ‫تداعيات وتبعات بدأت مفاعيلها تطغى على احلدث‬ ‫اإلقليمي والدولي في آن ‪ ،‬وتبلور نتيجة املُقاومة‬ ‫العسكرية واالمنية والسياسية والديبلوماسية التي‬ ‫حت ّلى بها النظام السوري ‪ ،‬والدعم اإلستراتيجي الذي‬ ‫تلقاه من حلفاء إستراتيجيني أيضا ً ‪ ،‬واقع جديد إنسحب‬ ‫على موازين القوى العاملية وأث ّر في آحادية القرار الدولي‬ ‫وأنتج ُ‬ ‫شركاء ُجدد على الساحة التي كانت تنفرد أميركا‬ ‫يتبدى ان النهج املقاوم عاد ليثبت‬ ‫بإدارتها ‪ ،‬في اخلالصة ّ‬ ‫حضوره على املستويني ‪ ،‬القومي والدولي ويبرز كقوة‬ ‫مؤثرة في احلدث ‪ ،‬وقادرة على التدخل والفعل والتغيير‬ ‫‪ ،‬ويثبت أن إرادة الشعوب قادرة على حتقيق إنتصارات‬ ‫عندما يتعلق االمر مبصيرها ووجودها ‪.‬‬ ‫وأخيرا ً ال بد أن ينشأ في الوعي القومي ومفاهيم الصراع‬ ‫‪ ،‬ان املعركة املصيرية هي فيما بني مفهومني ‪ ،‬ولكل‬ ‫مفهوم إمتداداته الفكرية والسياسية واإلقتصادية‬ ‫واجليو ـ ثقافية ‪ ،‬بني مفهوم إسرائيل الكبرى كواقع‬ ‫إستعماري ‪ ،‬وسوريا الكبرى كواقع حضاري تاريخي ُمقاوم‬ ‫‪ ،‬وحده قادر على إعادة البريق الى املسألة الفلسطينية ‪،‬‬ ‫نتائج الصراع تقرر من سيسود في املنطقة ‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫‪10‬‬

‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫�آراء‬

‫م�صر وتخبط خياراتها اال�سرتاتيجية‬ ‫د‪ .‬أسامة سمعان‬ ‫حتت عنوان «نصرة الشعب األحوازي» عقدت‬ ‫جهات اسالمية سلفية عديدة مؤمترها في القاهرة‬ ‫في ظل غياب االخوان املسلمني‪ ،‬وحضور مساعد‬ ‫رئيس اجلمهورية عماد عبد الغفور‪ ،‬في توقيت‬ ‫مشبوه االهداف والغايات‪ .‬اذ يبدو ان ما شجع‬ ‫هذه اجلهات على عقد املؤمتر في مصر بدال ً من اي‬ ‫بلد غربي يعادي اجلمهورية االيرانية االسالمية‪ ،‬هو‬ ‫الكالم الذي ورد على لسان الرئيس مرسي في قمة‬ ‫دول عدم االنحياز األخيرة في ايران‪ ،‬حيث قال فيه‪« :‬ان‬ ‫مصر ستظل حامية لإلسالم السني»‪.‬‬ ‫ثم جاءت كلمة مساعد الرئيس السيد عبد الغفور‬ ‫السلفي االجتاه في املؤمتر األحوازي التي اعتبر فيها‬ ‫املؤمتر «نقطة البداية لنصرة قضية الشعب العربي‬ ‫املوجود في بقعة قريبة من كل عربي من ظلم‬ ‫االحتالل الفارسي»‪.‬‬ ‫كالم رمبا صفق له احلاضرون‪ ،‬ولكنه يستدعي‬ ‫النقاش‪ ،‬ليس جلهة حق شعبنا في األحواز بالعودة‬ ‫الى سورية الطبيعية ‪ -‬الوطن االم‪ ،‬فهو حق نطالب‬ ‫به‪ ،‬من موقع االلتزام القومي وليس الطائفي او‬ ‫املذهبي‪ ،‬ولكن ما نود مناقشته‪ ،‬هو الرغبة املصرية‬ ‫اجلامحة في العودة الى عصبية طائفية تعود الى‬ ‫العصر العباسي الثاني‪ ،‬عندما اختلف املسلمون‬ ‫حول طبيعة القرآن بني قائل بأنه قدمي قدم اهلل‪،‬‬ ‫وقائل بأنه محدث مخلوق‪ ،‬ثم اعقبت ذلك اخلالف‬ ‫ما ورد في الوثيقة القادرية ‪1017‬م التي عدت كافرا ً‬ ‫كل من يقول ان القران مخلوق‪ ،‬حالل الدم‪ ،‬فشكلت‬ ‫بذلك اكبر عملية ارهاب فكري في العالم االسالمي‬ ‫كان لها أثر كبير استمر حوالي الف عام من تعطيل‬ ‫للفكر في الدولة االسالمية‪ ،‬تخللته انقسامات‬

‫سياسية في العالم االسالمي أضعفته الى‬ ‫احلضيض‪.‬‬ ‫وجاءت مؤخرا ً وثيقة االزهر حول احلريات في مطلع‬ ‫العام املنصرم ‪ ،2012/1/8‬في محاولة لنسف‬ ‫مفاعيل الوثيقة القادرية‪ ،‬ولتؤكد مجدداً‪ ،‬احلق‬ ‫في حرية االعتقاد‪ ،‬وحرية التعبير وحرية البحث‬ ‫العلمي‪ ،‬وحرية اإلبداع الفني‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن‬ ‫جهة اخرى تأتي مبحاولة إلنهاء اخلالف الشيعي ‪-‬‬ ‫السني‪ ،‬السيما اخلالف حول العقل واحلق بالتفكير‬ ‫بغير التصوف‪.‬‬ ‫اذا الدعوة الى «نصرة العرب»‪ ،‬اذا كان املقصود‬ ‫منها في كالم ممثل الرئيس املصري فلن يصدقها‬ ‫احد‪ ،‬ألن االولوية للنصرة هي فلسطني املالمسة‬ ‫حدودها حدود مصر‪ ،‬وليست األحواز اليوم‪ ،‬البعيدة‬ ‫عنها مئات الكيلومترات‪ ،‬فاملؤسف مما يجري من‬ ‫تعاطي نظام مرسي مع املوضوع الفلسطيني يدل‬ ‫كأن الواقع السياسي في مصر لم يتبدل عن مصر‬ ‫مبارك ومصر بعد مبارك‪ ،‬املتسم بالهروب اما الى‬ ‫االمام او الى الوراء‪.‬‬

‫فأي حرص على العروبة تبديه مصر وهي ما تزال‬ ‫مكبلة باتفاقية كامب ديفيد!؟ وهل يستطيع‬ ‫املكبل باتفاقية مذلة ان مينح الكرامة ألحد‪ ،‬وهو‬ ‫يفتقر اليها؟!‬ ‫كل املشهد مما تقدمه مصر اليوم‪ ،‬من خالل املؤمتر‪،‬‬ ‫هو االنضمام الى معسكر أعداء ايران من دول‬ ‫الغرب االمبريالي‪ ،‬الذي استعمر العالم االسالمي‬ ‫بأسره‪ ،‬باستثناء قلب اجلزيرة العربية وتركيا‪ ،‬خالل‬ ‫القرنني املاضيني‪ ،‬وعمل فيه تفريقا ً ومتزيقاً‪ ،‬بينما‬ ‫باملقابل تستند الدولة االسالمية االيرانية الى دعوة‬ ‫مفجر الثورة االيرانية‪ ،‬الى الوحدة‬ ‫االمام اخلميني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫االسالمية‪ ،‬واعتبار فلسطني قضية املسلمني‬ ‫األساسية‪.‬‬ ‫ان ما يجري في مصر اليوم يؤشر الى عمق التناقضات بني‬ ‫كالم مرسي «ان ال نهضة عربية واسالمية في ظل وجود‬ ‫اسرائيل» وكالم مساعده عن الظلم الفارسي‪ ،‬ما يؤكد‬ ‫ضبابية اخليارات االستراتيجية الكبرى حيث تتخ ّبط‬ ‫السياسة املصرية بني حروب احلدود كما مع تركيا وإيران‬ ‫وحروب الوجود‪ ،‬كما مع الكيان الصهيوني‪.‬‬

‫الدولة الدينية �إجها�ض للدولة القومية‬ ‫د‪ .‬بروفسور ميشال سبع‬ ‫اإلميان عالقة عمودية بني اإلنسان الفرد وبني‬ ‫إلهه وخالقه تعطي اإلنسان طمأنينة وسالما ً‬ ‫داخلياً‪ ،‬وعالقة أفقية بينه وبني اجلماعة يشاركها‬ ‫هذا اإلميان بفرح ويعبر عن هذا الفرح بطقوسيات‬ ‫وتعبدات‪.‬‬ ‫أما الدين فهو مجموعة معتقدات يقول بها معلمون‬ ‫ومدارس الهوتية وفقهية ولها قوانني وأنظمة‬ ‫تضم‬ ‫ولها رؤساء ومدراء وموظفون‪ ،‬إنها مؤسسة‬ ‫ّ‬

‫مجموعة مؤسسات‪.‬‬ ‫اإلميان ليس انتماء بل راحة وسالم وقناعة واطمئنان‪،‬‬ ‫إمنا الدين هو انتماء ملؤسسة وخضوع لقوانينها‪ .‬لذا‬ ‫كان اإلميان محررا ً لإلنسان وكان الدين مكبلاّ ً له‪.‬‬ ‫اإلنسان القومي الذي ينتمي ألرض وتاريخ ال ميكن أن‬ ‫ينتمي لدين شمولي ألن االنتماء ال يعرف االزدواجية ولذا أيضا ً كان من أهم عوامل قيام االحتاد القومي‬ ‫فهو إما أن ينتمي لقومية أو ينتمي لدين‪ ،‬لذا قامت والفكر القومي هو العلمانية أي االنحياز إلى‬ ‫األديان حتارب القوميات وقامت القوميات حتارب الدين‪.‬‬


‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫اإلميان على حساب الدين‪ ،‬ولطاملا حاول رجال الدين‬ ‫املسيحي أن يقولوا للمؤمن املسيحي أنت مسيحي‬ ‫أوال ً ثم أنت ذات قومية في حني أن رجال الدين‬ ‫اإلسالمي رفضوا مقولة القومية أصال ً واعتبروا أن‬ ‫االنتماء هو لإلسالم ال بل اعتبروا أن اإلسالم أمة‬ ‫ينتمي لها كل املسلمني في كل أنحاء األرض‪.‬‬ ‫القومية هي دين األرض واإلميان هو دين السماء‪ ،‬فمن‬ ‫كان مؤمنا ً ال بد أن يكون قوميا ً إمنا من كان منتميا ً‬ ‫لدين ال ميكن أن يحقق انتماءه القومي‪.‬‬ ‫كثيرون من املفكرين االوروبيني أوضحوا هذه املعادلة‬ ‫بشكل أو بآخر‪ ،‬خصوصا ً من األملان والفرنسيني‪ ،‬وإذا‬ ‫كان الفكر القومي بدأ أوال ً في أملانيا فإن تبلور جناح‬ ‫القومية توضح أكثر عند الفرنسيني وقد كانت‬ ‫القومية الفرنسية أكبر تعبير عن هذا التوضيح‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬تقوم نزعة الدولة اإلسالمية في البالد‬

‫�آراء‬ ‫التي تشهد ثورات وانتفاضات من جراء ظلم‬ ‫الديكتاتوريات واستغالل القوى االستعمارية لها‪،‬‬ ‫وهدف هذه النزعة هي أوال ً وأخيرا ً إجهاض الفكر‬ ‫القومي في املنطقة الشرق أوسطية وإدراجها في‬ ‫تصب متاما ً في مصالح‬ ‫خانة الدولة الدينية التي‬ ‫ّ‬ ‫الدولة الصهيونية‪ ،‬لذا فإن النظام األميركي يشجع‬ ‫قيام هذه الدول‪ ،‬باعتبار أن الدولة الدينية ال تشكل‬ ‫خطرا ً عليه بعكس الدولة القومية‪.‬‬ ‫إن التحدي الكبير اليوم هو بني الرضوخ لإلرادة‬ ‫االستعمارية وبني تكاتف العلمانيني واألفراد‬ ‫واملؤمنني باهلل دون املرور بعسكريتارية رجال الدين‬ ‫كي يشكلوا قوى مؤمنة بالفكر القومي كي تتح ّول‬ ‫إلى برامج سياسية ومن ثم إنشاء أحزاب سياسية‬ ‫أو إعادة إحياء أحزاب سياسية قومية ال عالقة لها‬ ‫بالدين أو مبرادفاته من طوائف ومذاهب‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫لقد برهنت األحداث أن املواطن ال يستطيع أن يبقى‬ ‫نائيا ً بنفسه عن مجريات األمور‪ ،‬إنه فيها حكما ً‬ ‫شاء أم أبى‪ ،‬لذا فمن األفضل أن يكون مهيئا ً قناعاته‬ ‫ومندرجا ً مع الصادقني بالقيم ومتضامنا ً مع‬ ‫أصحاب الفكر العلماني كي يبلوروا هذه األحزاب‬ ‫املرجتاة وإال فإن أوالدهم سيكونون حكما ً بضائع‬ ‫جاهزة للتصدير‪ ،‬وهذه رغبة الغربيني‪ ،‬خصوصا ً جتاه‬ ‫املسيحيني ألنهم يريدون أرحاما ً مشرقية ولودة‬ ‫تقف أمام أرحام املسلمني في الغرب‪.‬‬ ‫الصراع املستقبلي هو دميغرافي بامتياز فهل تؤسلم‬ ‫األرحام أو تتمسحن عوضا ً أن تكون أرحام الوطن‬ ‫القومي املرجتى؟‬ ‫ليت الناس يقرأون الزعيم انطون سعادة من دون‬ ‫خلفيات أو أحكام‪ ،‬العقل وحده سيد ّلهم على‬ ‫الطريق واجلواب‪.‬‬

‫خطب اجلمعة بني الواقع وامل�أمول‬ ‫محمد فضل اهلل‬ ‫ال يُخفى ما خلطب اجلمعة من دور وأهمية في حياة‬ ‫املسلمني ووجدانهم وعقيدتهم‪ ،‬إذ من املفترض أن‬ ‫ّ‬ ‫تشكل مصدر غنى وطاقة للمسلمني نحو بناء واقعهم‪،‬‬ ‫الدين ّية واحليات ّية‪ ،‬وتعميق‬ ‫والتّفاعل مع قضاياهم ّ‬ ‫ّ‬ ‫يهم الواقع‬ ‫االنتماء‬ ‫والشعور اجلماعي‪ ،‬والتّركيز على ما ّ‬ ‫من قضايا وأولو ّيات‪.‬‬ ‫وإعالمي‬ ‫واجتماعي‬ ‫وتثقيفي‬ ‫تربوي‬ ‫فلخطب اجلمعة دور‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومهم في التّعبير عن مشاغل اجملتمع وآالمه وآماله‬ ‫كبير‬ ‫ّ‬ ‫وطموحاته‪.‬‬ ‫والسؤال‪ :‬هل خطب اجلمعة اليوم على امتداد العالم‬ ‫ّ‬ ‫بالدور املطلوب منها؟ وهل تتّصف‬ ‫تقوم‬ ‫اإلسالمي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واملؤهالت ا ّلتي جتعلها‬ ‫باملواصفات العلم ّية والفعل ّية‬ ‫ّ‬ ‫تؤ ّدي رسالتها على أكمل وجه؟‬ ‫وال ضير من احلديث عن صالة اجلمعة وقول الفقهاء فيها‬ ‫تقدم‪ ،‬فسماحة املرجع‪ ،‬الس ّيد محمد حسني‬ ‫كمدخل ملا ّ‬ ‫فضل اهلل (رض‪ ،).‬يعتبر «أ ّن صالة اجلمعة واجبة وجوبا ً‬ ‫السلطان‬ ‫تعيينيا ً حتى في زمان الغيبة‪ ،‬وال يشترط وجود ّ‬ ‫العادل في شرع ّيتها‪ ،‬وعليه‪ ،‬فإنه لو بادر خمسة من‬ ‫املك ّلفني إلى إقامتها‪ ،‬وكان فيهم شخص عادل يصلح‬ ‫أن يكون إمامة جماعة‪ ،‬فقدموه ليخطب ويص ّلي فيهم‬ ‫ويص ّلي صالة اجلمعة‪ ،‬وأقاموها على هذا النّحو‪ ،‬وجب‬ ‫على املك ّلفني على سبيل احلتم احلضور واالشتراك في‬ ‫صالة اجلمعة»‪.‬‬ ‫ويتابع‪« :‬نحن ندعو املسلمني إلى االلتزام بصالة اجلمعة‬ ‫واملواظبة عليها‪ ،‬مع اجتماع ّ‬ ‫الشروط املعتبرة فيها‪ ،‬ألنّها‬ ‫فضالً عن وجوبها‪ ،‬مت ّثل حالة اجتماع املسلمني على‬ ‫عبادة اهلل وتع ّلم أمور دينهم‪ ،‬ومعرفة شؤون حياتهم‪،‬‬ ‫إضاف ًة إلى ما في هذه العبادة من أجر عظيم وثواب‬ ‫جزيل‪( .‬املسائل الفقهية ‪ -‬العبادات – ص ‪.)374‬‬ ‫وعودا ً على بدء‪ ،‬فواقع بعض خطب اجلمعة في العالم‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬تعتريه شوائب مع ّينة ينبغي االلتفات إليها‬ ‫ّ‬

‫ومعاجلتها‪ ،‬بالنّظر إلى ما مت ّثله خطب اجلمعة من قدس ّية‬ ‫في وعي اجملتمعات اإلسالم ّية وحياتها‪..‬‬ ‫عرض سريع وأ ّولي‪ ،‬فإ ّن أ ّول ما يالحظ في هذا اجملال‪،‬‬ ‫وفي‬ ‫ٍ‬ ‫هو ارجتال البعض في خطبة اجلمعة‪ ،‬وبال كفاءة‪ ،‬ونحن‬ ‫نعلم أ ّن االرجتال يحتاج إلى موهبة أصيلة في ذات‬ ‫اخلطيب‪ ،‬وإلى ممارسة طويلة‪ ،‬وخلف ّية معرف ّية واسعة‬ ‫يتم إهدار وقت‬ ‫تسند صاحبها وقت احلاجة‪ ،‬حتّى ال ّ‬ ‫اخلطبة في ارجتال غير مترابط‪ ،‬ما يخ ّلف آثارا ً سلب ّية‪،‬‬ ‫فليس من العيب أن يستعمل اخلطيب الورقة ويلقي ما‬ ‫فيها إن كانت مترابط ًة ومؤ ّثرة‪.‬‬ ‫وما يلفت أيضاً‪ ،‬وقوع بعض اخلطباء أسرى مواضيع غير‬ ‫مو ّفقة أو مناسبة‪ ،‬وإغفال مواضيع أكثر جد ّية وحيو ّية‬ ‫متس حياة املسلمني وهمومهم‪ ،‬وهذا ما ينعكس سلبا ً‬ ‫ّ‬ ‫على وقع اخلطبة‪ ،‬ويجعل النّاس تعيش الغربة واالنقطاع‬ ‫عما تريده من تلك اخلطب‪ ،‬ما يفقدها تأثيرها املطلوب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ويفقد النّاس التّفاعل معها‪ .‬لذا املطلوب من اخلطباء‬ ‫اليوم‪ ،‬انتقاء املواضيع األكثر أهم ّية وحساس ّية‪ ،‬والتي‬ ‫يكون لها ارتباط بقضايا النّاس ومشاكلهم وآالمهم‬ ‫وآمالهم‪ ،‬كي يشعروا بالتّفاعل والتّواصل والوحدة‪.‬‬ ‫واألخطر من ذلك‪ ،‬استعمال البعض خطب اجلمعة‬ ‫منبرا ً لشحن النّاس عاطفيا ً وربطهم مبوضوع معينّ ‪ ،‬دون‬ ‫مخاطبة العقل والفكر واملنطق‪ ،‬ومن ذلك االجتزاء في‬ ‫األفكار وعرضها‪ ،‬واملقارنة اخلاطئة بني األمور‪ ،‬والتّبسيط‬ ‫وعدم التّوازن في طرح املشاكل وعرض حلولها ووسائل‬ ‫عالجها‪.‬‬ ‫وما يلفت أيضاً‪ ،‬استغالل خطبة اجلمعة ومنابرها في‬ ‫إثارة القضايا اخلالف ّية واحلزب ّية الض ّيقة التي تستهلك‬ ‫اخلطبة وتبعدها عن غايتها احلقيقية واألصلية في بناء‬ ‫جو الوحدة والتسامح والروح االجتماعية الواحدة التي‬ ‫تعمل على إلغاء كل الفواصل واحلواجز بينها‪ ،‬ويفقد‬ ‫بالتالي اخلطبة رسالتها في تعزيز أوضاع الواقع وبناء ما‬

‫تهدم على ّ‬ ‫الصعد‪ ،‬وربط ما انفصل من عرى اجملتمع‪.‬‬ ‫كل ّ‬ ‫ً‬ ‫وكثيرا ً ما تتك ّرر املواضيع في اخلطب‪ ،‬ما يخلق ج ّوا من‬ ‫ال ّرتابة نتيجة بقاء املضمون‪ ،‬كما هو وعدم تطويره‪ ،‬ما‬ ‫يضعفه ويفقده قيمته املبتغاة‪.‬‬ ‫ومن اخلطباء من يعتبرون املبالغة في احلماسة أمرا ً‬ ‫إيجابي‪ ،‬ولكنّها ليست‬ ‫إيجاب ّياً‪ ،‬والواقع أ ّن احلماسة أمر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل شيء‪ ،‬وليست الغاية واملبتغى‪ ،‬إنمّ ا هي وسيلة لتبليغ‬ ‫األفكار‪ ،‬فكثير من املواضيع قد ال حتتاج إلى انفعاالت‬ ‫ومبالغات يقع فيها بعض اخلطباء‪ ،‬وكثير منهم قد ال‬ ‫الدقيقة بجمهورهم‪ ،‬فيعمدون‬ ‫ميلكون اخلبرة واملعرفة ّ‬ ‫إلى تناول مواضيع غير مناسبة‪ ،‬واستعمال لغة غير‬ ‫مناسبة أيضاً‪.‬‬ ‫وهناك نقطة أخرى ال ميكن إغفالها‪ ،‬وهي اإلطالة في‬ ‫والضجر‪ ،‬فالبعض قد ال‬ ‫زمن اخلطبة‪ ،‬ما يورث النّاس امللل ّ‬ ‫يكون مو ّفقا ً في استشهاداته‪ ،‬فيستخدم أقواال ً وقصصا ً‬ ‫ّ‬ ‫باألقل املفيد‪،‬‬ ‫موسعة هو بغنى عنها‪ ،‬ميكن أن يستبدلها‬ ‫ّ‬ ‫األصلي‬ ‫املوضوع‬ ‫جوهر‬ ‫عن‬ ‫تبعده‬ ‫أمور‬ ‫في‬ ‫فيستطرد‬ ‫ّ‬ ‫واملركزي للخطبة‪ ،‬ما يدفع النّاس إلى التّشتّت وامللل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وليس غرضنا في هذا املقام تبيان نقاط اخللل في خطب‬ ‫اجلمعة‪ ،‬بقدر ما هو واجب أن نن ّبه إلى أ ّن منبر خطبة‬ ‫اجلمعة يجب أن يحسن استغالله أحسن استغالل‪ ،‬في‬ ‫ّ‬ ‫محط ًة ومنارا ً‬ ‫األمة جمعاء‪ ،‬وأن يكون‬ ‫سبيل خدمة قضايا ّ‬ ‫تثقيف ّيا ً ووحدو ّيا ً وتوجيه ّيا ً يتناسب وأهميتها ودورها‬ ‫األمة‪ ،‬وربطها بقضاياها‪،‬‬ ‫ال ّر‬ ‫سالي في تشكيل وعي ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتوجيهها التّوجيه املالئم‪ ،‬بأسلوب يتّفق ولغة العصر‬ ‫واالنفتاح على مفرداتها‪ ،‬والعمل على تطويره بإيجاب ّية‬ ‫تتناغم وحقائق ّ‬ ‫الشرع احلنيف‪.‬‬ ‫وما على اخلطباء إال أن يعملوا قدر املستطاع على عودة‬ ‫خطب اجلمعة إلى فاعل ّيتها وحيو ّيتها وريادتها املطلوبة‪،‬‬ ‫والعمل على ّ‬ ‫واألمة‪،‬‬ ‫بث وزرع قيمها في سلوك األفراد‬ ‫ّ‬ ‫حتديات وأزمات‪..‬‬ ‫وخصوصا ً ما يتع ّرض له واقعنا من ّ‬


‫‪12‬‬

‫معر�ض‬

‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫معر�ض للجواهر ي�ستعر�ض احلظ ال�سعيد‬

‫قرم‪� :‬ألفة الت�شكيل واملعنى يف ح�ضارات عدة‬

‫مجموعة البرسيم‬

‫عمل فني تشكيلي استعراضي متميز حتت عنوان “حظ ًا سعيد ًا” قدمته غاليري جانني ربيز ‪-‬‬ ‫الروشة‪ ،‬للفنانة اللبنانية ‪ -‬العاملية فرجيني قرم‪ ،‬وأهميته أنه جمع بني التشكيل ومعاني احلظ في‬ ‫حضارات وبيئات مختلفة‪.‬‬ ‫املعرض مجموعات من اجلواهر التي يتشارك فيها الذهب والبالتني مع األحجار الكرمية‪ ،‬العاج ومواد أخرى نادرة‪ ،‬فيها‬ ‫سالسل من األعمال اللونية اجلميلة بألوان زاهية‪ ،‬وأشكال أنيقة من العقود واألساور واحللق واخلوامت‪.‬‬ ‫أهمية اجملموعات أنها صنفت مما حتتويه من مواضيع‪ ،‬مع اإلشارة إلى معاني احلظ في كل مجموعة‪ ،‬وفقا النتمائها‪،‬‬ ‫ومصدرها االجتماعي‪ ،‬أو اجلغرافي‪ .‬منها اجملموعات املكونة من تشكيالت بشكل األسماك‪ ،‬وأخرى بشكل الفيل‪،‬‬ ‫أو شجرة احلياة‪ ،‬أو الدعسوقة‪ ،‬أو زهرة البرسيم‪ ،‬أو بوذا‪ .‬كل من هذه اجملموعات ضمت عددا ً من القطع‪ ،‬فمثال‪ ،‬كل‬ ‫قطعة في مجموعة األسماك حملت شكل سمكة من ذهب أو حجارة كرمية أو عاج‪ ،‬وكذلك األمر بالنسبة لبقية‬ ‫اجملموعات‪ .‬ولكل عنوان (سمكة‪ ،‬فيل‪ ،‬شجرة‪ )..‬معنى خاص في مفهوم احلظ‪.‬‬ ‫وقاربت قرم املعاني بصور فوتوغرافية لتشكيالت طبيعية تربط عناصر اجملموعات مبعانيها وأشكالها املدرجة في‬ ‫الصور‪ ،‬فكانت توليفة جميلة‪ ،‬يحكي كل عنصر في اجملموعة حكاية خاصة‪ ،‬وكل مجموعة متكاملة أسطورة‬ ‫ميثولوجية‪.‬‬ ‫ربطت قرم بني فكرة احلظ‪ ،‬واألبعاد املعتقدية لدى شعوب مختلفة في مراحل ما قبل احلداثة‪ ،‬في مجتمعات ما زالت‬ ‫تستنجد باملاضي وتخيالته وأساطيره لكشف املستقبل‪.‬‬

‫من مجموعة الفيلة‬


‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫معر�ض‬

‫‪13‬‬

‫ومعان‬ ‫مجموعات‬ ‫ٍ‬ ‫إحدى اجملموعات تركزت على شكل شجرة معلقة في‬ ‫سالسل ذهب‪ ،‬ترمز إلى “شجرة احلياة”‪ .‬ومفهوم شجرة‬ ‫احلياة استخدم في العلوم والدين وامليثولوجيا كعنصر عام‬ ‫في املعتقدات وعلوم الدين والفلسفة كافة‪ ،‬وهو مفهوم‬ ‫صوفي يعود إلى تداخالت جوانب احلياة على كوكبنا‬ ‫األرضي‪ ،‬كما أن التعبير هو مرادف للشجرة املقدسة‪.‬‬ ‫الشجرة تشكل صلة اجلنة بالعالم الدنيوي‪ ،‬وهي رمز‬ ‫كوني وجد في معتقدات روحية عدة في العالم وترمز إلى‬ ‫احلياة‪ ،‬فروعها في اجلنة‪ ،‬وجذورها تضرب في باطن األرض‪.‬‬ ‫مجموعة أخرى تعتمد بوذا موضوعا ً لتشكيالتها‪ ،‬ألوانها‬ ‫باألحمر واألسود واألخضر حلجارة كرمية إلى جانب الذهب‪،‬‬ ‫وتشير إلى سحر بوذا أو متثاله‪ ،‬حيث ظنت الشعوب التي‬ ‫تعرفه أنه مصدر للحظ السعيد‪ ،‬خصوصا ً إذا تسنى‬ ‫للمرء أن يحتك ببطنه‪ .‬ولبوذا قوى حماية ما ورائية‪ ،‬وهو‬ ‫ولد منذ ‪ ٢٦٠٠‬سنة‪ .‬وقد اعتبر بوذا الضاحك أحد آلهة‬ ‫الثروة‪ ،‬ويجلب الرخاء‪ ،‬والنجاح‪ ،‬واألرباح املالية‪.‬‬ ‫مجموعة التنني األسطوري الصيني‪ ،‬وهو مخلوق خرافي‬ ‫قيل عنه إنه ميلك حراشف مثل حراشف السمكة‪ ،‬وقرون‬ ‫الغزال‪ ،‬ومخالب النسر‪ ،‬وعرف احلصان‪ ،‬إنه يجسد جوهر‬ ‫فكرة التغيير‪ ،‬والتحول طاملا تندمج كل هذه العناصر مع‬ ‫نفسها في حقيقة واحدة‪ ،‬وتصبح مرئية أو غير مرئية في‬ ‫رفة عني‪.‬‬ ‫مجموعة األسماك ينطلق مفهومها من أن األسماك‬ ‫اعتبرت حظا ً كبيرا ً في مختلف الثقافات‪ .‬وهي ترمز للحظ‬ ‫اجليد‪ ،‬وهي أيضا رمز للثروة والرخاء‪ .‬ومن هنا تستعمل‬ ‫األسماك بأشكال وصيغ مختلفة‪ ،‬فتوضع في أوعية‬ ‫زجاجية‪ ،‬أو على اجلدران كلوحات‪،‬أو كأشكال تزيينية أو‬ ‫كتعويذة سمكة محظوظة‪.‬‬ ‫مجموعة اليد الزرقاء اخلماسية األصابع‪ ،‬صورة منذ قبل املسيحية واإلسالم‪ .‬فهي معروفة في اإلسالم لبس االنسان أيقونة دعسوقة‪ ،‬أو صدف أن علقت واحدة‬ ‫استخدمت على صعيد عام‪ ،‬واستعملت في التعليق على على انها يد فاطمة الزهراء بنت النبي‪ ،‬واعتقد املسيحيون حية على املرء‪ ،‬فإن ذلك سينير حياته‪ ،‬ويؤمن الصبر له‪،‬‬ ‫ويخفف همومه‪.‬‬ ‫اجلدران كرمز للحماية‪ ،‬وميكن لألصابع اخلمس أن ترد “صيبة املشرقيون أنها يد مرمي العذراء أم يسوع‪.‬‬ ‫العني” بحسب املعتقدات الشعبية‪ .‬يعود االستعمال لليد‬ ‫مجموعة البرسيم‪ ،‬الزهرة املؤلفة من أربع أوراق‪ ،‬هي حالة قرم‬ ‫من احلاالت غير الشائعة للبرسيم الثالثي األوراق الشائع‪ .‬تعتبر قرم مصممة أبدعت اجلواهر من اجل معارض اجلواهر‬ ‫وقي التقليد‪ ،‬األوراق جتلب احلظ خصوصا عند مصادفتها‪ ،‬واحملالت الثرية‪ ،‬ومخازن العرض عبر العالم‪.‬‬ ‫وبحسب األسطورة‪ ،‬متثل كل ورقة أمرا ً ما‪ :‬األولى اإلميان‪،‬‬ ‫أما وقد امتلكت قرم خياال ً غريبا ً بعالقتها باحلجارة‬ ‫الثانية األمل‪ ،‬الثالثة احلب‪ ،‬الرابعة للحظ‪.‬‬ ‫واألعشاب من عصور قدمية جداً‪ ،‬فقد أخذت بعضا ً من‬ ‫مجموعة الفيلة‪ :‬نظرا ً لعمرها املديد‪ ،‬ترمز الفيلة للتغلب مجموعة والدتها الثرية فقط لتعيد تشكيل جواهرها‪.‬‬ ‫على املوت‪ .‬واألشكال الشبيهة بالفيل توضع على الرفوف‬ ‫أو في املمرات‪ ،‬تؤكد على احلياة الطويلة واحلظ السعيد‪ .‬تخ ّرجت قرم من أملانيا في فن تصميم األزياء‪ ،‬ثم انتقلت إلى‬ ‫باريس ملتابعة دراستها في تصميم األزياء في عالم مشهور‬ ‫والفيلة رمز للحكمة‪ ،‬والقوة‪ ،‬والوالء‪ ،‬والذكاء‪ ،‬والوحدة‪.‬‬ ‫كعالم بيار باملان في مدرسة باريس العليا للتصميم‪.‬‬ ‫مجموعة القرن الذي يجسد القوة والوفرة‪ .‬وفي‬ ‫امليثولوجيتني الرومانية واليونانية‪ ،‬مثل القرن رمزا ً للجنس عند تخ ّرجها‪ ،‬اشتغلت على مشاريع في الهندسة‬ ‫كونه شبيه باألعضاء اجلنسية‪ .‬بعض األحيان‪ ،‬يسمى قرن املعمارية للعديد من الشركات عبر أوروبا‪ ،‬وكذلك لرئيس‬ ‫جامعة كمبريدج البريطانية لسلي مارتن‪ .‬وكان الفضل‬ ‫الوفرة‪ ،‬وهذا السحر ميثل غنى املستقبل ورخاءه‪.‬‬ ‫لهذا االهتمام املستجد بالهندسة املعمارية لقرم أن‬ ‫مجموعة الدعسوقة أو اخلنفسة الصغيرة‪ ،‬تعتبر حظا ً أفضى بها إلى نيويورك حيث اشتغلت في مشروع إعادة‬ ‫حسناً‪ ،‬وثراء‪ .‬وهي حترر االنسان يوما بيوم من املشاكل‪ ،‬فإذا افتتاح متحف هيويت كوبر الشهير‪.‬‬


‫‪14‬‬

‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫دين‬

‫‪ ...‬اليو�ضا�سية ‪3‬‬ ‫جورج حداد | كاتب لبناني مستقل‬ ‫في القسم األول من هذا البحث نظرنا في نشوء‬ ‫اليوضاسية بوصفها ظاهرة «الدينية» (تتستر باليهودية‬ ‫التي هي دين مزيف) تقوم على التمييز الطبقي واخليانة‬ ‫القومية‪ ،‬وعلى املمارسة االجتماعية السلبية املعادية‬ ‫لإلنسان ولألمة العربية خصوص ًا وللبشرية جمعاء‬ ‫عموم ًا‪ ،‬مبا في ذلك للمولودين جسدي ًا كيهود‪ .‬وفي القسم‬ ‫الثاني تابعنا املسلك «املافياوي» لليوضاسية في احلياة‬ ‫البشرية‪ ،‬خصوص ًا في حياة الشعوب التي تكونت منها‬ ‫األمة العربية‪ .‬وفي هذا القسم الثالث واألخير نتابع الدور‬ ‫املعادي لإلنسانية الذي تضطلع به اليوضاسية في حياة‬ ‫العالم‪ ،‬ونكشف باألخص العالقة العضوية لليوضاسية‬ ‫بنشوء الدولة واالمبريالية األميركيتني وبنشوء الستالينية‬ ‫والنازية ومعاداة الشيوعية‪:‬‬ ‫‪ 14‬ـ يعتقد الكثيرون من الوطنيني والتقدميني العرب‬ ‫واملسلمني ان العالقات األميركية ـ الصهيونية تعود الى‬ ‫نهاية القرن التاسع عشر وما بعد‪ ،‬اي فترة تبلور احلركة‬ ‫الصهيونية كحركة قومية ـ دينية رجعية موالية‬ ‫للرأسمالية واالستعمار ومعادية للشيوعية وحركات‬ ‫التحرر الوطني واالجتماعي العربية وغير العربية‪ .‬وهذا‬ ‫الرأي هو بحد ذاته صحيح‪ ،‬اال انه غير كاف‪ ،‬وال يضيء‬ ‫اال على جزء من احلقيقة‪ .‬والواقع ان العالقة األميركية ـ‬ ‫الصهيونية هي عالقة عضوية وثيقة تعود الى نشأة الدولة‬ ‫األميركية ذاتها‪ .‬واذا كانت الدولة األميركية ابادت جميع‪ ،‬اي‬ ‫عشرات املاليني من سكان أميركا االصليني (الهنود احلمر)‪،‬‬ ‫واذا كانت أميركا هي اسوأ دولة امبريالية واستعمارية‬ ‫في التاريخ البشري‪ ،‬فهذا يعود اوال الى دور اليوضاسية‬ ‫اليهودية في تأسيس الدولة األميركية كدولة فرنكشتانية‬ ‫متوحشة مهيأة الفتراس العالم‪ .‬وقد اضطلع بهذا الدور‬ ‫اليوضاسيون اليهود االندلسيون‪ ،‬الذين‪ ،‬بعد ان سقط‬ ‫احلكم العربي في االندلس‪ ،‬اداروا ظهورهم للعرب و»تأوربوا»‬ ‫ثم «تأمركوا»‪.‬‬ ‫فبعد سقوط االندلس بأيدي الرأسمالية االستعمارية‬ ‫االوروبية الصاعدة‪ ،‬املتحالفة حتالف اللصوص مع النظام‬ ‫االقطاعي والكنسي الروماني‪ ،‬اخذت اوروبا االستعمارية‬ ‫تتحفز من جديد لالنقضاض على الشرق‪ .‬وبدأت الرحالت‬ ‫البحرية واجلغرافية االستكشافية الكبرى‪ ،‬حتت ستار‬ ‫العلم والتجارة والتبشير املسيحي‪ ،‬في الظاهر‪ ،‬ولكن‬ ‫كمقدمات جتسسية واستطالعية لالستعمار الالحق‪ ،‬في‬ ‫الواقع‪ .‬وطرحت من جديد فكرة جتديد احلروب الصليبية‬ ‫لالستيالء على «االراضي املقدسة»‪ ،‬واستعمار الشرق‬ ‫العربي االسالمي ونهب خيراته غير احملدودة والسيطرة على‬ ‫موقعه اجلغرافي الستراتيجي‪ .‬ولكن اوروبا االستعمارية‬ ‫ترددت في سلوك الطريق ذاته الذي سلكته احلمالت‬ ‫الصليبية السابقة‪ ،‬لثالثة اسباب هي‪:‬‬ ‫اوال ً ـ «الذكريات غير املشجعة» عن الهزمية التاريخية‬

‫للحمالت الصليبية السابقة‪.‬‬ ‫ثانيا ً ـ عدم الرغبة في استعداء العثمانيني‪ ،‬فيما اذا لم‬ ‫تُ ِقـم اوروبا االعتبار لوجود امبراطوريتهم املستحدثة‪.‬‬ ‫وثالثا ً ـ عدم الرغبة في فضح وحرق «الورقة االسالمية!»‬ ‫للعثمانيني‪ ،‬كحليف ستراتيجي لليوضاسية اليهودية‬ ‫العاملية والوروبا االستعمارية‪ ،‬فيما لو «تفاهمت» اوروبا‬ ‫االستعمارية على املكشوف مع االمبراطورية العثمانية‪،‬‬ ‫للعبور الى الشرق العربي‪.‬‬ ‫وهكذا طرحت فكرة غزو الشرق العربي االسالمي من اخللف‪،‬‬ ‫اي بعبور احمليط والدوران حول الكرة االرضية والوصول الى‬ ‫الهند‪ ،‬ومنها الى الشرق العربي االسالمي (وبعد بضع مئات‬ ‫السنني عادت االدارة األميركية‪ ،‬بقيادة جورج بوش‪ ،‬لتطبيق‬ ‫الفكرة ذاتها باحتالل «املوقع اخللفي» افغانستان متهيدا‬ ‫العادة الهيمنة املباشرة على الشرق العربي االسالمي)‪.‬‬ ‫ومع ان الكنيسة (كنيسة «روما» قاتلة املسيح) بزعامة‬ ‫الفاتيكان (املعني «روحيا» باحلمالت الصليبية) لم تكن‬ ‫قد وافقت بعد رسميا على االعتراف بكروية االرض‪ ،‬فإنها‬ ‫وافقت ضمنا‪ ،‬وتغاضت عمليا عن محاولة اجتياز احمليط‬ ‫للوصول الى الهند بطريق خلفي‪ .‬وهكذا‪ ،‬مرة اخرى‪ ،‬كرس‬ ‫الفاتيكان «مبدأ» اولوية املصالح االستعمارية الغربية‬ ‫حتى وهي تتناقض مع بعض «املفاهيم االبدية» للكنيسة‪.‬‬ ‫ومن املؤكد انه في ظل «احلمى الدينية» التي رافقت‬ ‫«استرجاع» (ريكونكيستا) االندلس كان من املستحيل‪ ،‬بدون‬ ‫موافقة او تغاضي الكنيسة‪ ،‬قيام الرحلة االستكشافية‬ ‫االستعمارية لكريستوفر كولومبوس‪ .‬بل وأشيع ان الذي‬ ‫قام بتمويل رحلة كولومبوس هي ملكة اسبانيا التي كانت‬ ‫تسمى «ايزابيل الكاثوليكية»‪ ،‬مما يضفي على الرحلة طابعا‬ ‫كاثوليكيا واضحا‪ ،‬وان كان غير مباشر‪ ،‬اي بدون موافقة‬ ‫رسمية من قبل الكنيسة‪.‬‬ ‫ولكن الصناعي األميركي الشهير هنري فورد (في كتابه‪:‬‬ ‫اليهودي األممي‪ ،‬الصادر باللغة العربية وغيرها‪ ،‬وانا اعتمد‬ ‫على الترجمة البلغارية الصادرة سنة ‪ )2002‬يقول ان‬ ‫«احلكاية اللطيفة بأن الرحلة مت متويلها بكنز مجوهرات‬ ‫امللكة ايزابيل‪ ،‬ال تصمد امام اي تقييم غير متحيز»‪.‬‬ ‫ويتابع هنري فورد قائال‪« :‬ان تاريخ اليهود في أميركا يبدأ مع‬ ‫كريستوفر كولومبوس‪ .‬ففي ‪ 2‬آب ‪ 1492‬مت طرد اكثر من‬ ‫‪ 300000‬يهودي من اسبانيا‪ .‬وفي اليوم التالي‪ 3 ،‬آب‪ ،‬ارحتل‬ ‫كولومبوس نحو الغرب‪ ،‬يحمل معه مجموعة من اليهود‪.‬‬ ‫ولم يكن هؤالء طبعا من الالجئني‪ ،‬بل من اليهود النافذين‬ ‫الذين أثارت اهتمامهم اخملططات املثيرة للفضول للرحلة‬ ‫البحرية‪ .‬ويروي كولومبوس ذاته انه كان يتفاهم معهم‬ ‫بشكل جيد‪ .‬واول رسالة بعث بها كولومبوس‪ ،‬يتحدث‬ ‫فيها عن اكتشافاته‪ ،‬كانت موجهة ليهودي»‪.‬‬ ‫ويذكر هنري فورد اسماء «ثالثة من «املارانوس» او اليهود‬ ‫السريني (املتظاهرين باملسيحية ـ مالحظة مني ج‪.‬ح‪).‬‬ ‫كانوا يتمتعون بنفوذ كبير في اململكة االسبانية وهم‪:‬‬

‫لويس دي سانتاغيل ـ تاجر بارز من فالنتسيا ومستشار‬ ‫بالشؤون الضريبية لدى القصر امللكي؛ وقريبه غابرييل‬ ‫مدبـر‬ ‫سانتشيز ـ محاسب ملكي؛ وصديقهما احلميم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫القصر امللكي‪ ،‬خوان كابريرو»‪.‬‬ ‫وقد مارس هؤالء الثالثة تأثيرهم على امللكة ايزابيل‪ ،‬كي‬ ‫تدعم رحلة كولومبوس‪ ،‬وفي النهاية وافقت على رهن‬ ‫مجوهراتها من اجل تأمني املبلغ املطلوب للرحلة‪« .‬ولكن‬ ‫سانتاغيل تقدم برجاء ان يسمح له بأن يقدم وحده املال‬ ‫الالزم للرحلة‪ ،‬وهذا ما فعله»‪ ،‬حسبما يقول هنري فورد‪.‬‬ ‫«ورافق كولومبوس في رحلته خمسة يهود‪ :‬لويس دي‬ ‫توريس ـ مترجم‪ ،‬ماركو ـ جراح‪ ،‬برنار ـ طبيب عام‪ ،‬الونسو‬ ‫دي ال كالي‪ ،‬وغابرييل سانتشيز‪.‬‬ ‫«ومقابل دعمهما لكولومبوس ودورهما في املشروع‪ ،‬حصل‬ ‫لويس دي سانتاغيل وغابرييل سانتشيز‪ ،‬على الكثير من‬ ‫االمتيازات»‪.‬‬ ‫ويندرج رأي هنري فورد (الذي كان من ألد أعداء الفكر‬ ‫االشتراكي والشيوعي) في ما ميكن تسميته «وشهد‬ ‫شاهد من أهله»‪ .‬وأي دراسة لنشوء وتطور الرأسمالية‬ ‫واالمبريالية األميركية تؤكد هذا الرأي الذي يسلط الضوء‬ ‫متاما ً على الدور اليوضاسي اليهودي في «اكتشاف» وبناء‬ ‫«العالم اجلديد»‪.‬‬ ‫‪ 15‬ـ بعد «اكتشاف» أميركا‪ ،‬لعبت الطغمة اليوضاسية‬ ‫اليهودية العليا دورا ً مركزيا ً في تشجيع الهجرة (ال سيما‬ ‫هجرة الرساميل واجملرمني والعصابات االجرامية) الى‬ ‫«أميركا» وابادة سكانها االصليني واستعمارها‪ .‬وبسبب‬ ‫من تعاونها االوسع واالقرب مع البروتستانتية االنكلو ـ‬ ‫ساكسونية‪ ،‬كان النجاح في استعمار أميركا الشمالية‬ ‫اكبر منه في أميركا اجلنوبية‪ ،‬التي غلب عليها الطابع‬ ‫الكاثوليكي الالتيني‪ ،‬حيث طغت عملية التمازج مع‬ ‫السكان االصليني مع سيادة العنصر الالتيني‪ ،‬في حني ان‬ ‫عملية «التنظيف» او االبادة التامة للسكان االصليني هي‬ ‫التي طغت في الشمال‪.‬‬ ‫‪ 16‬ـ بسبب ابادة السكان االصليني في أميركا الشمالية‪،‬‬ ‫نشأت احلاجة الى اليد العاملة الرخيصة‪ ،‬خصوصا في‬ ‫الزراعة واستصالح االراضي «اململوكة» حديثا من قبل‬


‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫املستعمرين اجلدد‪ .‬فكانت الطغمة اليوضاسية اليهودية‪،‬‬ ‫ذات التجربة العريقة بتجارة الرقيق‪ ،‬هي احملرك االساسي‬ ‫لعملية صيد البشر واستعبادهم في افريقيا‪ ،‬وبيعهم‬ ‫ونقلهم للعمل كعبيد في «العالم اجلديد»‪ .‬وقد مات‬ ‫عشرات املاليني من هؤالء البائسني في الطريق‪ ،‬قبل ان‬ ‫يصلوا الى «جنة العالم اجلديد»‪ ،‬فكانت جثثهم ترمى‬ ‫في البحر‪ ،‬كنفايات او قاذورات او حيوانات نافقة‪ ،‬بدون اي‬ ‫طقوس دينية او غير دينية‪ ،‬وبدون اي اعتبار لقيمة الكائن‬ ‫البشري‪.‬‬ ‫كاف الن يستغرب اي كائن عاقل وشريف ان يتم‬ ‫وهذا وحده ٍ‬ ‫الربط‪ ،‬بأي شكل كان‪ ،‬بني اليوضاسية وبني أي دين كان‪،‬‬ ‫بحجة انها ـ اي اليوضاسية ـ هي «يهودية»‪.‬‬ ‫‪ 17‬ـ عشية الثورة الفرنسية وبعدها بدأ ينتشر الفكر‬ ‫الثوري والتقدمي واالشتراكي‪ ،‬ضد بقايا االنظمة القنانية‬ ‫واالقطاعية والرأسمالية‪ ،‬ويشمل قطاعا ً واسعا ً من‬ ‫العمال والفقراء واالنتلجنسيا اليهود (الذين يعانون تبعات‬ ‫ارتكابات الطغمة العليا املالية والكهانية اليوضاسية‬ ‫«اليهودية»)‪.‬‬ ‫وفي القرن التاسع عشر ظهرت االشتراكية العلمية (او‬ ‫الشيوعية) على يد مفكر من اصل يهودي هو كارل ماركس‪.‬‬ ‫وهو ما تستغله االوساط االمبريالية والرجعية املتعاونة‬ ‫معها لإلدعاء بأن الشيوعية والصهيونية هما صنوان جملرد‬ ‫ان ماركس هو من اصل يهودي‪ .‬والواقع ان «يهودية» ماركس‬ ‫هي على قاعدة «لكل شيء ضده من جنسه»؛ اي متاما ً كما‬ ‫جرى في عهد املسيحية االولى‪ ،‬حينما ظهر يوحنا املعمدان‬ ‫والسيد املسيح وتالمذته من اوساط اليهود انفسهم‪.‬‬ ‫سبي ليوحنا املعمدان والسيد املسيح وكارل‬ ‫فاالصل النـَ َ‬ ‫ماركس ال يدل على «يوضاسيتهم اليهودية»‪ ،‬بل هو دليل‬ ‫قاطع على عدائهم اجلذري لليوضاسية اليهودية التي‬ ‫كانوا هدفا ً لغضبها الهستيري وانتقامها‪.‬‬ ‫وقد جن جنون الطغمة املالية والكهانية العليا اليوضاسية‬ ‫اليهودية‪ ،‬بظهور املاركسية واحلركة الشيوعية‪ ،‬فبدأ‬ ‫تنظيم احلركة «الصهيونية» واالدعاء بأن اليهود هم‬ ‫«قومية»‪ ،‬بهدف اولي واساسي هو الوقوف ضد انتشار‬ ‫الشيوعية‪ ،‬خصوصا ً بني اليهود‪ .‬وبعد العداء للعرب‬ ‫وللروس‪ ،‬وللمسيحية واالسالم‪ ،‬حت ّول العداء للشيوعية‬ ‫الى حافز و»مك ّون فكري» اساسي لليوضاسية اليهودية‬ ‫في صيغتها السياسية املستحدثة‪ :‬الصهيونية‪ .‬واذا جاز‬ ‫لنا ان نشبه االضالع الثالثة ملثلثي جنمة داود‪ ،‬فإن الضلع‬ ‫االول (العبري) يرمز الى العداء لـ‪ :‬املسيحية ـ االسالم‬ ‫ـ الشيوعية؛ والضلع الثاني (اخلزري) يرمز الى العداء لـ‪:‬‬ ‫الروس ـ العرب ـ الشيوعية‪ .‬وفي انسجام تام مع نشأتها‬ ‫الطبقية‪ ،‬فإن الشعار االساسي ‪ motto‬اجلامع لليوضاسية‬ ‫اليهودية والصهيونية أصبح يتمثل في الضلع الثالث وهو‪:‬‬ ‫العداء للفكر االشتراكي العلمي ـ الشيوعي الذي متثله‬ ‫املاركسية‪.‬‬ ‫‪ 18‬ـ في ‪ 2‬تشرين الثاني ‪ ،1917‬أي قبل ‪ 5‬ايام فقط من‬ ‫الثورة الروسية‪ ،‬اطلقت االمبريالية البريطانية‪ ،‬املتحالفة‬ ‫عضويا ً مع اليوضاسية اليهودية والصهيونية‪ ،‬ما يُسمى‬ ‫«وعد بلفور»‪ ،‬بقصد استدراج اليهود العنصريني القامة‬ ‫دولة يهودية حتمي املصالح االمبريالية‪ ،‬وخصوصا ً منابع‬ ‫وممرات النفط املستخرج حديثاً‪ ،‬في املنطقة‪ ،‬والذي كان له‬ ‫ـ اي للنفط ـ دور رئيسي في هزمية احملور االملاني في احلرب‬ ‫العاملية االولى‪ .‬وكانت الطغمة اليوضاسية اليهودية‬ ‫العليا والتنظيمات الصهيونية التابعة لها تتصور ان‬

‫دين‬ ‫اليهود سيتهافتون على تلبية ندائها «القومي» املزيف‪.‬‬ ‫ولكن مع قيام ثورة اكتوبر االشتراكية العظمى في روسيا‬ ‫في ‪ 7‬تشرين الثاني ‪ ،1917‬اصيبت احلركة «القومية»‬ ‫الصهيونية والطغمة املالية اليوضاسية اليهودية العليا‬ ‫ومعها االمبريالية العاملية بأسرها‪ ،‬ـ بـ»فجيعة» مزدوجة‬ ‫هي‪:‬‬ ‫ـ ان قلة تافهة جدا ً من اليهود االوروبيني لبت «نداء» الذهاب‬ ‫الى فلسطني‪.‬‬ ‫ـ وأن الغالبية الساحقة من اجلماهير الشعبية اليهودية‬ ‫مبا فيها غالبية االنتلجنسيا اليهودية اختارت التوجه‬ ‫في االجتاه اآلخر‪ ،‬اي اخليار االشتراكي‪ ،‬إن في روسيا حيث‬ ‫كانت املشاركة الشعبية اليهودية في الثورة االشتراكية‬ ‫مشاركة كبيرة جداً‪ ،‬وإن في اوروبا الغربية‪ ،‬حيث كانت‬ ‫مشاركة اجلماهير العمالية واالنتلجنسيا اليهودية في‬ ‫االحزاب الشيوعية واالشتراكية ـ الدميقراطية مشاركة‬ ‫كبيرة جدا ايضا‪.‬‬ ‫وهذه «الفجيعة» لليوضاسية اليهودية والصهيونية‬ ‫واالمبريالية لعبت دورا مركزيا في تقرير املصير الفاجع‬ ‫الحقا لشعوب اوروبا والعالم‪ ،‬مبا في ذلك وباالخص‬ ‫للجماهير العمالية والشعبية اليهودية في اوروبا‪ ،‬نتيجة‬ ‫اجتاه اليوضاسية اليهودية والصهيونية للتآمر على‬ ‫اجلماهير العمالية والشعبية اليهودية ذاتها‪.‬‬ ‫‪ 19‬ـ مدفوعة بـ»الفجيعة» اآلنفة الذكر‪ ،‬عمدت الطغمة‬ ‫اليهودية اليوضاسية العاملية‪ ،‬وال سيما عبر احلركة‬ ‫الصهيونية املنظمة التي حتولت الى ما يشبه «حكومة‬ ‫يهودية عاملية»‪ ،‬ـ الى التآمر مع البيروقراطية احلزبية ـ‬ ‫الدولوية السوفياتية بقيادة اخلائن ستالني‪ ،‬حلرف السلطة‬ ‫السوفياتية اجلديدة عن طريقها الصحيح‪ ،‬ولسحق احلركة‬ ‫الشيوعية في روسيا‪ ،‬وخاصة االنتقام من احلركة الشيوعية‬ ‫في صفوف اجلماهير اليهودية‪ ،‬وهذه املؤامرة هي االساس‬ ‫السياسي لالرهاب الستاليني املعادي للشيوعية‪ ،‬الذي بدأ‬ ‫مبحاولة اغتيال لينني في آب ‪ ،1918‬ثم شله فقتله بواسطة‬ ‫العالج اخلاطئ في ‪ ،1924‬ثم التصفية اجلسدية ألغلبية‬ ‫اعضاء احلزب البلشفي الذين شاركوا في الثورة االشتراكية‬ ‫في ‪ ،1917‬وإعدام عشرات املاليني من ابناء الشعب الروسي‬ ‫وعشرات االلوف من ضباط اجليش الروسي‪ ،‬الذين كانوا‬ ‫يعملون على بناء االشتراكية وحمايتها من اخلطر النازي‬ ‫القادم‪.‬‬ ‫‪ 20‬ـ ومدفوعة بـ»الفجيعة» ذاتها‪ ،‬عملت الطغمة‬ ‫اليهودية اليوضاسية العليا واحلركة الصهيونية العاملية‬ ‫على التآمر مع احلركة االشتراكية ـ القومية (النازية) بقيادة‬ ‫ادولف هتلر‪ ،‬ومع االممية االشتراكية ـ الدميقراطية املوالية‬ ‫لالمبريالية بقيادة كاوتسكي‪ ،‬ـ ملواجهة وسحق احلركة‬ ‫الشيوعية في اوروبا الغربية‪ ،‬خصوصا في صفوف اجلماهير‬ ‫العمالية واالنتلجنسيا اليهودية؛ وبدأت هذه املؤامرة‬ ‫باغتيال وتصفية القائدين الشيوعيني روزا لوكسمبورغ‬ ‫(اليهودية االصل) وكارل ليبكنخت و‪ 15‬الف عامل شيوعي‬ ‫(قسم كبير منهم شيوعيون يهود) في برلني في ‪،1919‬‬ ‫وكانت ـ اي هذه املؤامرة ـ في اساس ما ُسمي فيما بعد‬ ‫الهولوكست‪ ،‬اي عملية االبادة املوجهة ضد الشيوعيني‬ ‫اليهود واجلماهير الشعبية اليهودية املؤيدة للشيوعية‬ ‫واالشتراكية واملعارضة للصهيونية‪ ،‬بشكل خاص‪ ،‬وضد‬ ‫الشيوعية بشكل عام‪.‬‬ ‫‪ 21‬ـ وقد كانت هذه السياسة التآمرية العدوانية والوحشية‬ ‫للطغمة اليهودية اليوضاسية العليا والصهيونية العاملية‬

‫‪15‬‬

‫احد االسباب الرئيسية الندالع احلرب العاملية الثانية‪،‬‬ ‫ومهاجمة هتلر لالحتاد السوفياتي‪ ،‬وهو ما ادى الى هالك‬ ‫حوالى ‪ 60‬مليون إنسان‪ ،‬منهم ‪ 30‬مليون سوفياتي‪.‬‬ ‫‪ 22‬ـ وقد انتهت هذه التراجيديا الكابوسية لإلنسانية‬ ‫بأسرها باالتفاق بني العميل السري للصهيونية ستالني وبني‬ ‫روزفلت وتشرشل على حل «الكومنترن» (االممية الشيوعية)‬ ‫ملصلحة االمبريالية العاملية‪ ،‬وعلى املوافقة على تقسيم‬ ‫فلسطني واقامة اسرائيل‪ ،‬ملصلحة الصهيونية العاملية‪،‬‬ ‫واخيرا على اجبار قيادات االحزاب الشيوعية في منطقة‬ ‫النفوذ السوفياتية (في اوروبا الشرقية) على اصدار قرارات‬ ‫حزبية تقضي بإرسال يهود اوروبا الشرقية الى اسرائيل‪،‬‬ ‫بصرف النظر عن معارضة قسم كبير منهم لتلك القرارات‪.‬‬ ‫وقد شذ عن ذلك فقط احلزب الشيوعي اليوغوسالفي‪،‬‬ ‫بقيادة تيتو‪ ،‬التي كانت على نزاع مع ستالني‪ ،‬اخلائن االكبر‬ ‫للشيوعية‪ .‬وكانت القيادة اليوغوسالفية تؤيد اقامة دولة‬ ‫فلسطينية واحدة‪ .‬وهو ما جلب في وقته على تيتو واحلزب‬ ‫الشيوعي اليوغوسالفي ويوغوسالفيا الغضب املشترك‬ ‫لالمبريالية والصهيونية العاملية والستالينية‪ .‬وفي نهاية‬ ‫القرن العشرين متت مهاجمة وتدمير وتفتيت الدولة‬ ‫اليوغوسالفية املوحدة‪ ،‬من قبل أميركا وحلف الناتو‪ ،‬بدعم‬ ‫كامل من قبل البيروقراطية السوفياتية الغورباتشوفية‪،‬‬ ‫خليفة الستالينية العميلة لالمبريالية والصهيونية‪.‬‬ ‫‪ 23‬ـ وما نشهده اليوم‪ ،‬فيما يسمى «العوملة» األميركية‪،‬‬ ‫هو مظهر بارز من مظاهر جناح اليوضاسية في «التهويد»‬ ‫التام للمجتمع االمبريالي‪ ،‬حيث تنفصل «اللعبة املالية»‬ ‫اليهودية انفصاال ً متزايدا ً عن عملية االنتاج والتجارة‬ ‫الكالسيكية‪ ،‬بحيث ان قلة من كبار املليارديرية واالدارة‬ ‫التكنوقراطية املرتبطة بهم تتجمع خلف احمليط‪ ،‬وتتحكم‬ ‫بعملية االنتاج والتوزيع واالستهالك في العالم بأسره‪،‬‬ ‫بواسطة وسائل االتصال احلديثة‪ ،‬فتحكم على مصائر بلدان‬ ‫وقارات كاملة باملوت او احلياة‪ ،‬وعلى قطاعات انتاج كاملة‬ ‫باالستمرار او التوقف‪ ،‬وتشن احلروب اينما تشاء‪ ،‬وتطلق‬ ‫االوبئة هنا وهناك وتتحكم باالدوية واالغذية كما تشاء؛ من‬ ‫دون ان حتتاج ـ هذه القلة – الى االقتصاد الوطني في اي بلد‬ ‫كان مبا في ذلك أميركا ذاتها‪ ،‬اذ انها تصبح متحكمة‪ ،‬في‬ ‫كل حلظة بلحظتها‪ ،‬بالعملية االنتاجية والوجود اإلنساني‬ ‫بأسره في الكرة االرضية بكاملها‪ .‬ولالسف ان بعض‬ ‫«املثقفني» املاركسيني املزيفني والستالينيني احلقيقيني‪،‬‬ ‫مثل فؤاد النمري‪ ،‬يستدلون من ذلك على ما يسمونه «زوال‬ ‫الرأسمالية واالمبريالية» في أميركا‪ ،‬حيث ان العملية‬ ‫االنتاجية «الرأسمالية الكالسيكية» لم تعد تتعدى ‪17%‬‬ ‫من االقتصاد األميركي‪ .‬ويقول هؤالء ان أميركا دخلت في‬ ‫عصر ما يسمونه «االستهالكية»‪ ،‬كأمنا يوجد «استهالك»‬ ‫و»استهالكية» بدون «انتاج» و»انتاجية»‪ .‬ولكن هذه العني‬ ‫الستالينية العوراء ال ترى ان شعوب العالم بأسره تتحول‬ ‫الى «عبيد» حقيقيني لدى «أميركا االستهالكية»‪ ،‬وان هذه‬ ‫«األميركا االستهالكية» تصبح عالة طفيلية على العالم‬ ‫بأسره‪ ،‬وليس فقط على «الطبقة العاملة األميركية»‪،‬‬ ‫وبالتالي ان القضاء على النظام القائم في «أميركا‬ ‫االستهالكية» وعلى رأسه اليوضاسيون واملتمولون اليهود‬ ‫واالنكلوسكسون‪ ،‬االصدقاء القدماء ـ اجلدد لستالني‬ ‫والستالينيني والنيوستالينيني‪ ،‬يصبح مهمة آنية شديدة‬ ‫االحلاح امام اإلنسانية بأسرها وعلى رأسها األمة العربية‬ ‫املظلومة‪ ،‬املنكوبة باسرائيل واالحتالل األميركي ـ اليهودي‬ ‫اليوضاسي‪.‬‬


‫‪16‬‬

‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫ثقافة‬

‫االن�سداد الثقايف‬

‫من التنوير �إىل التثقيف‬ ‫جنيب نصير‬ ‫لم يكن انقالب حسني الزعيم ‪ ،1949‬انقالبا ً‬ ‫عسكريا ً صرفاً‪ ،‬بقدر ما هو انقالب ثقافي‪ ،‬أنهى‬ ‫حلم النهضة والتنوير معا ً بحيث ال تبدو مقررات‬ ‫يالطا بعيدة عن املوضوع ليس من باب املؤامرة‪ ،‬بل‬ ‫من باب اخلضوع لألكثرية وإمكانياتهم بعد فشل‬ ‫التنويريني في التأسيس لدميقراطية في مجتمع فشل‬ ‫النهضويون في تأسيسه أو التأسيس له‪ ،‬وعليه فقد‬ ‫مت استبدال التنوير مبشاريع ثقافية توعوية ليس إال‪،‬‬ ‫وأصبحت الثقافة هي املبتغى على طريق التنوير ومن‬ ‫معان‬ ‫ثم النهضة‪ ،‬واعتبارا ً من ‪ 1949‬اختلطت بعض‬ ‫ٍ‬ ‫للثقافة‪ ،‬مع املعنى املعرفي لها؛ حتى كادت تصبح‬ ‫مجرد العلم بالشيء دون أي ميزة اجتماعية أخرى‪،‬‬ ‫وهكذا حتول بقية التنويريني الى حملة أقالم‪ ،‬وأصبحت‬ ‫الثقافة هي (وعي) بأي شيء‪ ،‬يتسامى أو يتهاوى‪،‬‬ ‫يتخ ّلف أو يتقدم‪ ،‬معاصر أو تراثي‪ ،‬عاملاني أو غيبي‪،‬‬ ‫حداثي أم مم ّوه‪ ،‬الخ الخ‪ ،‬ومن مصادفات هذا الوعي‬ ‫(امللخبط) أنه اكتشف مشابهات يالطوية لسايكس‬ ‫بيكو‪ ،‬مثل مخطط داكار كابول لتغيير أنظمة‬ ‫احلكم (أي الثقافة)‪ ،‬ومن ثم مستنقع اجلهاد األفغاني‬ ‫برعاية بريجنسكي‪ ،‬حيث ظهرت النتائج النهائية‬ ‫لهذه الدوغما سنة ‪ ،1967‬لنرى ونلمس انفصام عرى‬ ‫الثقافة عمودياً‪ ،‬وليتحول املثقفون بعدها من بقايا‬ ‫التنويرية ومن املستجدين‪ ،‬الى باعة متجولني في‬ ‫عواصم العالم بعد أن سدت في وجوههم السبل‬ ‫(احلرب األهلية اللبنانية – كامب ديفيد الخ)‪ ،‬تاركني‬ ‫الساحات الثقافية (على صغرها) أللوان جديدة من‬ ‫الثقافة انطالقا ً من عام ‪ ،1967‬االستحقاق األكثر‬ ‫وضوحا في احلاجة الى توليد اجملتمع وبناء اإلنسان‪،‬‬ ‫لقد انهزم الشرق أوسطيون اجتماعياً‪ ...‬والهزمية‬ ‫العظمى أنهم سامحوا أنفسهم ولم يحاسبوها ألن‬ ‫احملاسبة حتتاج الى الوصفة نفسها التي تغافل عنها‬ ‫اآلملون أنفسهم بحياة أفضل وعلى األقل (طبعا‬ ‫الوصفة موجودة ومشهورة ال بل مجربة حتت أنظارهم‬ ‫وبالقرب منهم)‪ ،‬ولكن هؤالء اآلملون الشرق أوسطيون‬ ‫لم يشعروا بانسداهم الثقافي بعد‪ ،‬ال بل تصوره‬ ‫كجريان هائل كاسح‪ ،‬حتى ولو ظهرت بضع اشارات‬ ‫هنا وهناك تصفه بجريان هائل ولكنه معاكس‪ ،‬مرتد‪،‬‬ ‫طوفاني وكارثي‪ ،‬فاستحقاق تأسيس مجتمع‪ ،‬متّت‬ ‫مواربته لغويا ً فقط‪ ،‬وأصبحت هناك مجتمعات تارة‬

‫ومجتمع واحد تارات أخرى‪ ،‬ولكن بناء على التفسير‬ ‫اللغوي فقط‪ ،‬متاما ً مثل تعريف الثقافة بالعربية‪،‬‬ ‫على أنها ثقف الرمح‪ ،‬أي هذبه ودببه‪ ،‬على الرغم من‬ ‫املعنى العاملي لها‪ ،‬إال أن التدبيب (من دب) والتجميع‪،‬‬ ‫هما معنيا الثقافة واجملتمع في املمارسة الثقافية‪،‬‬ ‫وهي مصطلحات ال تقبل ال املواربة وال االستبدال‪ ،‬وال‬ ‫التعريف بداللة التراث‪ ،‬فإما مجتمع وثقافة باملعنى‬ ‫املعرفي املعاصر وإما ال‪ ،‬فليس من أشباه ثقافات وال‬ ‫أشباه مجتمعات كالتي نعيش بقادرة على العيش‬ ‫واالستمرار فال عاد وال ثمود تصلحان كأمثلة على‬ ‫الفناء‪ ،‬بل العراق وأفغانستان والسودان ولبنان واليابان‬ ‫القدمية وماليزيا الخ‪ ،‬فالفناء املعاصر هو خيار بني أن‬ ‫تكون مجتمعا ً ينتج عن حيويته وسائل وأدوات وعوامل‬ ‫البقاء واالستمرار املشروط باالرتقاء‪ ،‬أو تستمر عمليات‬ ‫اإلفناء الداخلية قبل اخلارجية بناء على استحقاقات‬ ‫الكفاية واملنعة والتنافس‪ ،‬فال أحد على سطح الكرة‬ ‫األرضية ميزح في مسألة فنائه‪.‬‬ ‫مع ثورة ‪ 1952‬مت إلغاء التنوير عمليا ومطاردة فلوله‪،‬‬ ‫فال لزوم له بعد أن جاء املثقفون (العسكر) وهم سوف‬ ‫يولدون مجتمعا ً وعادال ً ذا منعة وكفاية‪ ،‬وهنا ال يؤسف‬ ‫على التنوير ما دام حلم النهضة الذي سبقه نفسه‬ ‫قد ألغي وأصبحت الثقافة (بوزاراتها على سبيل‬

‫املثال) هي النبع املوحد للمعلومات التي هي نفسها‬ ‫الثقافة (برأيهم) واملعترف بها تراثيا ً (تدبيباً)‪ ،‬بحيث‬ ‫اصبحت الثقافة (التدبيب) إجبارياً‪ ،‬عبر وسائل اإلعالم‪،‬‬ ‫والتعليم (كميات هائلة من املدارس ذات التعليم‬ ‫السيىئ) وعبر وسائل التوصيل للمنتجات الثقافية‬ ‫(مسرح‪ ،‬سينما‪ ،‬شعر‪ ،‬موسيقا‪ ،‬طباعة كتب وأخيرا ً‬ ‫وليس آخرا ً التلفزة) لتبدو املسألة كهجوم كاسح‬ ‫على بقايا منتجات التنويريني‪ ،‬الرجعيون منهم تارة‬ ‫والتقدميون جدا ً تارة أخرى‪ ،‬حيث مت ترويض الثقافة‬ ‫(الفاشلة أساسا) لتصبح صاحلة وبتأييد األكثرية‬ ‫البشرية‪ ،‬لبدء تنفيذ مشروع داكار كابول املعروف‬ ‫في أروقة السياسة آنذاك‪ ،‬ألن االنشقاق العمودي في‬ ‫ثقافة هذه التجمعات البشرية جتعلها قابلة لالنصياع‬ ‫فاجملتمع لم يؤسس بعد وال ضير من االختالف (حتت‬ ‫مظلة االنقسام العمودي) حول «الدولة» أو «شكل‬ ‫احلكم أو السلطة» وهو نفسه ما تريده األكثرية ذات‬ ‫الثقافة (التدبيبية) التي احتقرت النهضويني وأدانتهم‬ ‫و‪ ،...‬وكذا التنيريون‪ ،‬واآلن املثقفون الذين وضعوا الوعي‬ ‫هدفا ً لهم‪ ....‬ولكن الوعي مباذا؟؟ وهو السؤال الذي د ّوخ‬ ‫هذه التجمعات البشرية‪ ،‬وبدأت األولويات بالظهور‪،‬‬ ‫في تناقضات كوميدية ذات نتائج استراتيجية واضحة‬ ‫وفاضحة‪ ،‬فاإلصالح الزراعي وكمثال سوف يفتت‬ ‫األرض الزراعية بالواراثة وبعد جيل واحد‪ ،‬وسوف تبدأ‬


‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫الهجرة من الريف الى املدينة نتيجة إنصاف الفالح‬ ‫وإهماله‪ ،‬وسوف تتراكم العشوائيات السكنية في‬ ‫فوضى إنسانية عارمة يقف التعليم البائس فيها في‬ ‫املركز‪ ،‬حيث يعود هو نفسه الى العثمنة من حيث‬ ‫تأمني موظفني لإلدارات‪ ،‬في تناقض فظيع بني ما هو‬ ‫كائن وما بني ما سوف يكون من جهة وبني ما يجب‬ ‫أن يكون من جهة أخرى‪ ،‬وهنا وداخل هذا التناقض‬ ‫وجد املثقفون املنقسمون عموديا ً أرضهم التي أقاموا‬ ‫عليها صرحهم الثقافي املتني ولكن الذي ال يض ّر‪ ،‬مما‬ ‫أدى مبصطلح األمية الى التمدد والسيطرة على جموع‬ ‫مالكي املعلومات من املتحسرين على املاضي ومن‬ ‫احملتفلني باحلاضر‪ ،‬ومن اجملروحني في قلبهم (في قلبهم‬ ‫فقط وال ميلكون أدنى حيلة)‪ ،‬فالقضية واضحة وضوح‬ ‫الشمس وليس إلحد أن يغير في الواقع شيئا‪.‬‬ ‫بعد انفضاض بقايا التنويريني وحتضير وتهيئة أصحاب‬ ‫األقالم في مستهل الستينيات في القرن العشرين‪،‬‬ ‫بدأ عصر ترويض املثقفني مبكرا ً (وباملصادفة‬ ‫البحتة!!!) مع عصر البترودوالر الصحراوي (وهو‬ ‫مختلف عن البترودوالر العادي) بدأ املثقفون ينشئون‬ ‫دروبهم األكثر ربحية‪ .‬مادام األمر يحتاج إلى نهضويني‬ ‫واندثروا‪ ،‬ولم يبق من التنويريني إال من هم في املنافي‬ ‫االختيارية واإلجبارية والقبور‪ ،‬فلما ال ينضوون حتت‬ ‫مظلة أحد الشقني العموديني العميقني بصورة‬ ‫حداثويني أو تراثويني مموهني‪ ،‬وما دام ليس للمثقف أكثر‬ ‫من استعراض معلوماته كمواقف من احلياة والكون‬ ‫والفن‪ ،‬تاركني للذكريات مهمة التلذذ بالزمن (اجلميل)‬ ‫واستحضاره على أساس «ليس باإلمكان أحسن مما‬ ‫كان»‪ ،‬معتبرين أن الثورة العربية الكبرى هي بداية‬ ‫عصر (الوعي) من دون أن ينت ّبهوا‪ ،‬ال لسايكس بيكو‬ ‫وال ملا أتى بعدها وال (وهنا البيت القصيد) للصراع احلاد‬ ‫بني البترودوالر الصحراوي‪ ،‬واللورانسية الثورية الناكثة‬ ‫بوعودها الهبالء باألساس‪ ،‬ولكن ومبا أن رياح البترودوالر‬ ‫قد ه ّبت منذ اخلمسينيات وما قبلها على مثقفي‬ ‫تهب على مثقفي‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬فأين العيب بأن‬ ‫ّ‬ ‫السبعينيات من حكام ومحكومني‪ ،‬ومن مهاجرين‬ ‫وساكنني‪ ،‬من تراثويني ونهضويني‪ ،‬أين املشكلة في‬ ‫ذلك واجملتمع لم يؤسس بعد وهذا ينفي املسؤولية عن‬ ‫يقدمها‬ ‫أي وجدان هش أو حتى متني‪ ،‬فاملعلومات التي ّ‬ ‫حملة األقالم صحيحة مئة باملئة ولكن استخدامها‬ ‫مقنن مئة باملئة‪( ،‬متاما ً مثل الشوربة نظيفة ولكن‬ ‫الصحن متسخ) فال تعليم ميكنه وضع احلصان أمام‬ ‫العربة‪ ،‬وال مصالح جمعية واضحة تدفع بأحد إلنقاذ‬ ‫ما ميكن إنقاذه‪ ،‬وصورة الهجرة كمثال هنا توضح مدى‬ ‫البون الشاسع بني أبناء اجملتمعات وأبناء التجمعات‬ ‫البشرية من خالل األداء االجتماعي‪ ،‬وهذا الفارق‬ ‫كان واضحا ً بني العراق ويوغوسالفيا السابقة اللتني‬ ‫تعرضتا لالحتالل نفسه‪ ،‬حيث ظهر بعيد االحتاللني‬ ‫تص ّرف مختلف ومتباعد في كال اجملتمعني من حيث‬ ‫التخلف والتقدم‪ ،‬حيث أن كليهما متظهر حقوقيا ً إن‬ ‫كان من خالل اجملتمع أو من خالل التجمع البشري‪.‬‬ ‫س ّمي «بالربيع العربي» بسنوات طويلة‬ ‫قبيل ما ُ‬ ‫ظهر املثقفون بكثافة داعني الى الدميقراطية واحلرية‪،‬‬

‫ثقافة‬

‫مت تروي�ض الثقافة‬ ‫(الفا�شلة �أ�سا�سا) لت�صبح‬ ‫�صاحلة وبت�أييد الأكرثية‬ ‫الب�شرية‪ ،‬لبدء تنفيذ م�شروع‬ ‫داكار كابول املعروف يف‬ ‫�أروقة ال�سيا�سة �آنذاك‪ ،‬لأن‬ ‫االن�شقاق العمودي يف‬ ‫ثقافة هذه التجمعات‬ ‫الب�شرية جتعلها قابلة‬ ‫لالن�صياع‬ ‫واجلزء األساسي منها كان ولألسف‪ ،‬هو الدعوة الى‬ ‫احلق بـالتخلف والالمنطق والالعقالنية واحلق باختيار‬ ‫الفشل واحلق باخلصوصيات القومية (قبل حتقيق‬ ‫اجملتمع ومن ثم الوعي به) املدمرة‪ ،‬كل هذا حتت‬ ‫سمع وبصر املعرفة اإلنسانية الهائلة‪ ،‬التي اختطت‬ ‫قوانني تنافسية يجب الولوج اليها بغض النظر عن‬ ‫الرأي بها أخالقياً‪ ،‬وكانت أم املعارك التي «حضرت»‬ ‫لهذا الربيع هي معركة العوملة (طبعا وهي مناسبة‬ ‫لشتم العاملانية)‪ ،‬فالشرق أوسطيون خلقهم اهلل‬ ‫بخصوصية خاصة‪ ،‬صحيح أنه ال ميكن تعريفها‬ ‫(خجال أو متنعا أو امتناعا) إال أنهم (نيقة عن اخلليقة)‬ ‫لهم خصوصياتهم التي قد ال يتفهمها العالم‪ ،‬وعلى‬ ‫العالم أن يغير من نظرياته ومنجزاته كرمى لهم وإال‬ ‫سوف يكون العالم عنصريا وال دميقراطيا ويخلط‬ ‫بني حرية التعبير والوقاحة وإيذاء اآلخرين‪ ،‬خصوصا‬

‫‪17‬‬

‫املهاجرين منهم الى أصقاع األرض حبا وهياما‬ ‫بأوطانهم األصلية‪ ...‬وإلخ‪ ..‬تفرغ املثقفون لهجاء‬ ‫العوملة‪ ،‬حيث التحم املنشقون عموديا ً على هذا‬ ‫الهدف‪ ،‬وبدأوا مبعزوفة طالت ربع قرن على األقل‪ ،‬وطالت‬ ‫جميع وسائل توصيل املنتجات الثقافية (التدبيبية)‪،‬‬ ‫بتمويل بترودوالري سخي‪ ،‬الذي يوازيه متاما ً ويحالفه‬ ‫ويدعمه الدوالر اخليري الذي صنع إمبراطوريات مالية‬ ‫عابرة للقارات‪ ،‬ليصبح حلم إسترداد األندلس واجب‬ ‫ثقافي على كل عضو في التجمعات البشرية الشرق‬ ‫أوسطية‪ ،‬أن يقوم بواجبه ودوره من أجل استرداد‬ ‫األندلس كجزء من زمن جميل‪ ،‬وبدأ املثقفون احلديثون‬ ‫(عابد اجلابري مثاالً) ينهلون من هذا العلم (البترو دوالر‬ ‫الصحراوي اخليري) ‪،‬ويتبعون بوصلته من قريب ومن‬ ‫بعيد‪ ،‬في محاولة باهتة بل ومدلسة لرأب الصدع‬ ‫العمودي الذي ذكرناه‪ ،‬عبر االحتواء من جهة‪ ،‬وعبر‬ ‫الترغيب والترهيب (فرج فودة مثاالً) من جهة أخرى‪،‬‬ ‫كحاملي أقالم و(أختام) متفرغني لتأسيس ثقافة‬ ‫تعد باحتمال تقبل التنوير خالل ثالثة قرون آتية على‬ ‫األقل ومن ثم نحلم بنهضة أساسها اجملتمع!!! هكذا‬ ‫بدأت احلرب على العوملة‪ ،‬وهي بالطبع حرب وهمية‬ ‫جزافية ال طائل منه ا‪ ،‬فقد قولبها «التقدميون» على‬ ‫شكل استعمار‪ ،‬وقولبها التراثيون على شكل معركة‬ ‫عنصرية ضد الدين ال تفسير لها سوى احلقد والتكاره‬ ‫والغيرة والخ‪ ،‬وتعالت أصوات املقدامنب من النوعني‬ ‫شتما ً ولعنا ً وتثريبا ً واكتشاف الوحشية والخ أو غزوات‬ ‫منهاتن ومدريد ولندن وأمثاله‪ ،‬ولكن العوملة نفسها‬ ‫في مكان آخر متاماً‪ ،‬ومستمرة في تعوملها لدرجة‬ ‫أنها ال تذب عنها هؤالء‪ ،‬ألنها وببساطة موضوع آخر‬ ‫غير الذي فهمه التجمع البشري الشرق أوسطي‬ ‫(وكذلك العاملانية‪ ،‬والدولة‪ ،‬واألحزاب والخ)‪ ،‬فالعوملة‬ ‫هي محاولة لتوسيع األسواق‪ ،‬أصبحت واقعا ً اسمه‬ ‫التنافس‪ ،‬وال يحق لغير املنتجني دخوله من هذا الباب‪،‬‬ ‫بل من باب االنصياع لشروط االستهالك‪ ...‬من هنا بدت‬ ‫العوملة مسألة معقدة ال ميكن فهمها‪ ،‬ألنها حتتاج الى‬ ‫مجتمع ومستحقاته (إنتاج) ليحق له الفهم ومن ثم‬ ‫املشاركة‪.‬‬ ‫(يتبع‪)...‬‬


‫‪18‬‬

‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫تاريخ‬

‫ملاذا هذا اخلوف من التاريخ لدرجة الكراهية؟‬

‫من �أين م�صدره؟ وما �أ�سبابه؟‬ ‫د‪ .‬فيفيان حنا الشويري | باحثة وأستاذة جامعية‬

‫في القسم األول من هذا البحث نظرنا في نشوء‬ ‫ترتبط الذاكرة العربية بالالوعي اجلماعي ملفهوم املاضي‪،‬‬ ‫ولعدم االكتراث بأهمية ما جرى في الزمن الذي سبق‬ ‫األمة احلاضر‪ ،‬فالوطن في أزمة وجود وهوية محدقة‬ ‫زمن ّ‬ ‫ّ‬ ‫متجذر في أبنائه‪ ،‬أال وهو الرفض‪،‬‬ ‫عائدة الى عامل نفسي‬ ‫رفض املاضي‪ ،‬ليس لوعيهم بأحداثه‪ ،‬بل جلهلهم به‬ ‫ّ‬ ‫املعقد نفس ّي ًا يخشون‬ ‫جه ًال تام ًا‪ ،‬فهم كما املريض‬ ‫العودة إلى الوراء متام ًا بالعودة الى الطفولة كي ال يتذكر‪،‬‬ ‫ولكن ماذا؟ كي ال يتذكر أساس ع ّلته ومكمن عقدته‬ ‫وسبب مرضه‪ .‬لذا فهو في حالة رفض دائمة للتاريخ‪،‬‬ ‫ال بل إن موقفه منه موقف ازدراء أو ال مباالة أو عبثية‬ ‫وهي األخطر على وجوده‪ .‬من هنا اختالف مسؤولينا حول‬ ‫كتاب التاريخ‪ ،‬وحول كيف يكتبونه‪ ،‬وملصلحة َمن أو ضد‬ ‫َمن‪ ،‬ولكأن التاريخ هو تاريخ أشخاص وأفراد وأقزام وليس‬ ‫أمة وأمجاد!‬ ‫تاريخ جماعة وتاريخ وطن ومصير ّ‬

‫إحساس مكبوت‬

‫قال الشاعر العربي‪:‬‬

‫ليس بإنسان وال عاقل من ال يعي التاريخ في صدره‬ ‫ومن درى أخبار من قبله أضاف أعمارا ً إلى عمره‬ ‫و َمن أكثر من الشعر العربي معرف ًة مبجاهل النفس‬ ‫وأغوارها‪ ،‬فالشاعر هو ذاكرة الشعوب‪ ،‬فهو قد سبر‬ ‫أعماق النفس البشرية وأطباعها قبل موجة علم‬ ‫النفس احلديث املمنهج على أساس ضعف البشرية‬ ‫وليس على مواضع القوة فيها‪ .‬فاألطباع واألهواء هي‬ ‫سمة البشر في كل زمان ومكان وما من عيب في ذلك‪،‬‬ ‫ولكن العيب أن ال يتطور اإلنسان ويرتقي عبر السنني‪،‬‬ ‫ويبقى يراوح مكانه متاما ً كاجملتمعات احليوانية التي ما‬ ‫زالت على حالها منذ وجودها في األطوار اجليولوجية‪.‬‬ ‫ذمة الشاعر‪ ،‬ليس من عاقل إال ووعى في‬ ‫إذن‪ ،‬وعلى ّ‬ ‫صدره التاريخ‪ .‬وهذا صحيح‪ ،‬ولكن عن أي تاريخ يتحدث‬ ‫الشاعر؟ هل هو التاريخ املوضوعي‪ ،‬العلمي‪ ،‬اجمل ّرد عن كل‬ ‫األهواء أم أنه تاريخ العواطف والشخصانية والفردية‬ ‫والعشائرية والقبلية واملناطقية والطائفية واملذهبية‬ ‫احلس العاطفي‬ ‫والعائلية واألحادية واإلفرادية‪ ،‬وتاريخ‬ ‫ّ‬ ‫واملتعصب‬ ‫املتزمت‬ ‫الديني والروحاني واإلعجازي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واملتقوقع؟ هل هو تاريخ العقل أم تاريخ النقل والتقليد‬ ‫والترداد الغوغائي والببغائي‪ ،‬الزجلي الغنائي امللحون أو‬ ‫املوزون أو املكسور الوزن أو اخمللخل البنية أو‪...‬؟ هل هو‬ ‫تاريخ من ال يفقه من التاريخ اليوم إال تقليب املواجع‬ ‫والرجوع إلى أمجاد قريته أو مح ّلته أو “زاروبه” والبحث‬

‫أسس سابقاً‪ ،‬وهي تتابع‬ ‫اليوم هي التحصيل احلاصل ملا ّ‬ ‫طبيعي للتخطيط الذي وضع قبالً مهما بعدت املدة‬ ‫الزمنية؛ فها إن كتب التاريخ ومن يد ّرسها يشرذمون‬ ‫ّ‬ ‫ويقطعون أوصاله مبا اختاروه وما يتالءم‬ ‫أحداث التاريخ‬ ‫مع أحاسيسهم وتطلعاتهم وأهدافهم‪ ،‬فتأتي املعلومة‬ ‫ّ‬ ‫مفككة األوصال‪ ،‬مج ّزأة في جمل غير مترابطة‪ ،‬ال‬ ‫نقرأ فيها سوى أسماء وتواريخ ليس إال‪ ،‬صعبة احلفظ‬ ‫لكثرتها‪ ،‬أدرجت كمجرد معلومة مرمية من دون أي ربط‬ ‫ودون أي حتليل للسبب والنتيجة‪ ،‬ونروح جنتر األحداث‬ ‫والنظريات في تفنيدها مبعزل عن مس ّببها األساسي‪،‬‬ ‫فكيف يهمل السبب ويع ّول على النتيجة فقط؟‬

‫عن مكامن األزمة بينه وبني جيرانه وحتى بينه وبني‬ ‫نفسه؟ فإلى ماذا ترمي هذه الدراسات التاريخية التي‬ ‫تعد باملئات والتي ال تذكر من التاريخ إال األحداث الفردية‬ ‫ّ‬ ‫التي أ ّدت الى أزمة ومن ثم الى حرب ضروس بني جار‬ ‫وجار‪ ،‬ثم أ ّدت الى إشعال فتنة طائفية أطاحت بكل من‬ ‫شارك فيها؟ هل هو تاريخ ذلك الذي يتحدث عن صراع‬ ‫األخوة بني بعضهم بعضاً؟ هل هو تاريخ ذلك الذي يعيد‬ ‫الى الذاكرة ما ّ‬ ‫حل بالطوائف من تنكيل وتهجير ألبناء‬ ‫الوطن الواحد؟ من هنا فليس اخلوف من هذا النوع من‬ ‫التاريخ وحده هو املطلوب‪ ،‬بل الرفض الكامل له وإلغاؤه‬ ‫من الذاكرة ومحو آثاره الى األبد ألنه عامل تفرقة وليس‬ ‫عامل وحدة وهو ذاكرة سيئة ومض ّرة؛ فأبناء الوطن الذي‬ ‫ويتدججون بالسالح من أجل مقاتلة التاريخ منهجية علمية‬ ‫يسرجون اخليول‬ ‫ّ‬ ‫بعضهم البعض ليسوا أهالً أن تذكرهم األجيال‪ ،‬ألن إن التاريخ هو مادة املنهج العلمي بامتياز‪ ،‬شرط أن‬ ‫تطبق في كتابته املنهجيات املوضوعية وعلى رأسها‬ ‫التاريخ ال يتسع ملثل هؤالء وال مكان لهم فيه‪.‬‬ ‫املنهج التنقيحي‪ ،‬أو ما يسمى منهج إعادة النظر‬ ‫(‪ )révisionnisme‬القائم على إعادة النظر في املعطيات‬ ‫ولكن ما هو التاريخ وأي تاريخ يكتب؟‬ ‫فإذا كنا نرفض استرجاع هذا النوع من األحداث األليمة املوروثة وإزالة الشوائب عنها على ضوء العلم واملنطق؛‬ ‫ونرفض حتى تذكرها والكالم عنها‪ ،‬فكيف نكتب التاريخ أما اخمل ّولون حتقيق ذلك فهم اجمل ّردون عن كل العواطف‬ ‫إذن‪ ،‬وماذا نختار منه؟ نختار ما قاله حتديدا ً شاعرنا “ومن واألهواء الشخصية والفردية‪ ،‬املتصاحلون مع أنفسهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫املنقحون السليمو البنية النفسية‪ ،‬مبعنى آخر‪،‬‬ ‫درى أخبار من قبله **** أضاف أعمارا ً إلى عمره”‪ ،‬أي انتقى هؤالء‬ ‫منه األمجاد ومواقف العزة والبطولة والكرامة وليس هؤالء الذين ال يخافون من التاريخ أي الذين يقرأون كل‬ ‫تلك التي لعائلته‪ ،‬بل تلك التي للجماعة وألبناء الوطن املعطيات بعني العلم القائمة على السبب والنتيجة‪،‬‬ ‫كلهم دون أي استثناء؛ تلك احملطات اجمليدة التي قالت مهما كان وقع احلدث خطيرا ً باعتبارات اآلخرين‪ ،‬فهم‬ ‫فيها األمة قوال ً واحدا ً ووقفت وقفة واحدة وأ ّدت واجبها يقفون منه موقف العالم من جتربته في اخملتبر‪ ،‬هدفه‬ ‫بيد واحدة‪ ،‬أما غير ذلك فلتسقط كل أنواع التاريخ أن تنجح هذه التجربة بكل ما أمكن من سبل‪ ،‬فال‬ ‫والذكريات ولتضمحل الى األبد الى غير رجعة‪ ،‬غير يبخل عليها بأي شيء حتى ال تفشل‪ .‬ولكن‪ ،‬كم عدد‬ ‫هؤالء اخمل َبر ّيني املؤرخني الذي يضعون أحداث املاضي على‬ ‫مأسوف عليها!‬ ‫املشرحة ويحللونها؟ وهل هم موجودون أصالً؟‬ ‫مدرسي التاريخ‬ ‫أزمة منهج عند ّ‬ ‫بد من التنويه أن مادة التاريخ ما معاجلة نفسية ضرورية‬ ‫وفي هذا السياق‪ ،‬ال ّ‬ ‫بد من أن‬ ‫زالت‬ ‫مهمشة في البرامج التعليمية بدال ً من أن تكون من أجل إيجاد هذه النوعية من املؤرخني ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫في صدارة العلوم ملا لها من أهمية في إضافة أعمار يخضعوا أنفسهم ملعاجلة نفسية ذاتية‪ ،‬انطالقا ً من‬ ‫على أعمار‪ ،‬أي ملا حتمله من دفع نحو التطور والتقدم مقولة مارك بلوش في كتابه “أبولوجيا التاريخ أو مهنة‬ ‫نحو مستقبل أفضل‪ .‬ولكن‪ ،‬ال زال التاريخ مادة مجهولة املؤرخ‪ ،”1949 ،‬من أن “األحداث التاريخية هي في األساس‬ ‫متاما ً ويد ّرس تقليديا ً كرواية وأسماء وتواريخ وحروب؛ مادة وقائع نفسية”‪ .‬وانطالقا ً من هنا‪ ،‬ميكننا تبيان أن أسباب‬ ‫جافة‪ ،‬دسمة ثقيلة الوقع الى ما هنالك من ر ّدات فعل الكراهية ال بل الرفض للتاريخ هي نفسية‪ ،‬وهي حالة‬ ‫ر ّددها وير ّددها التالمذة على م ّر السنني‪ ،‬تعكس كرههم كمن يكره العودة الى ذكريات طفولته بسبب ما حتمله‬ ‫يدرسون‪ .‬والع ّلة‪ ،‬في من آالم دفينة ومكبوتة ّ‬ ‫مباض موجع وقامت‪ ،‬أو كمن‬ ‫ملادة التاريخ و َمن يؤرخون و َمن ّ‬ ‫تذكر ٍ‬ ‫الواقع‪ ،‬تكمن في طريقة التلقني الببغائي لهذه املادة يتجنّب النظر في املرآة ليتفادى رؤية جسده املكتنز‬ ‫التي بدل أن تكون مادة ربط بني املاضي واحلاضر أي بني والذي خزن كل ما تناوله من أطعمة لم حترق‪ ،‬فأصبحت‬ ‫األساس والنتيجة والسبب والنتيجة‪ ،‬باعتبار أن أحداث هذه الذاكرة املادية املؤملة لصاحبها مصدر إزعاج دائم‪،‬‬


‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫تاريخ‬

‫‪19‬‬

‫تغمس وجهها في‬ ‫يعاجلها بسياسة النعامة التي‬ ‫ّ‬ ‫التراب رفضا ً لرؤية الواقع املرير‪ ،‬غير أن الضرر ما برح في‬ ‫تزايد مضطرد وسياسة النأي بالنفس عن احلقيقة ال‬ ‫جدوى منها وال طائل‪ .‬وهذا هو حال من أوكلوا كتابة‬ ‫ّ‬ ‫شك‬ ‫وألمتنا‪ .‬ومما ال‬ ‫التاريخ احلديث واملعاصر لوطننا ّ‬ ‫فيه أن هناك ن ّية واضحة ال بل سياسة توجب كتابة‬ ‫التاريخ في أفضل حاالته ولكن أدواتها غير متو ّفرة ال‬ ‫بل مفقودة بالكامل‪ .‬ومن أهم شروط كتابة التاريخ هو‬ ‫وجود املؤرخ العالم واحمللل‪ ،‬املنهجي الرؤية الذي يعتمد‬ ‫املنهج املقارن أساسا ً لعمله‪ ،‬مرتكزا ً على منطق‬ ‫األشياء‪ ،‬وهذا غير متو ّفر البتة‪ ،‬ليس فقط بسبب عدم‬ ‫حيازته املنهج السليم والعلمي لكتابة التاريخ‪ ،‬بل‬ ‫والعائد أيضا ً وبالدرجة األولى لعدم جهوزيته النفسية‬ ‫ملباشرة عمل كهذا‪ ،‬ومر ّد ذلك الى اخلوف والشك والريبة‬ ‫والظنون والى ما هنالك من عواطف تختلج في صدره‬ ‫ّ‬ ‫وتعطل العقل واملنطق لديه‪ .‬لذا فهو بحاجة للتخلص‬ ‫من كل هذه املؤثرات السلبية حتى ينجح في مهمته‪،‬‬ ‫ولكن أنّى له ذلك وهو جاهل هويته الفردية واجلماعية؟‬ ‫وإذا ما خضع هو ملعاجلة نفسية تخ ّلصه من هذه‬ ‫العوائق‪ ،‬فهل يضمن الصحة النفسية لفريق عمله‬ ‫املساعد؟ وهل تكفي يد واحدة حتى يتم التصفيق‬ ‫للنجاح املتوقع؟‬ ‫ما هو التاريخ؟‬ ‫في حتديد مختصر للتاريخ‪ ،‬نستعرض بعض تعريفات‬ ‫مؤرخني قدامى ومحدثني‪ .‬يقول توثيديدوس املؤرخ‬ ‫اليوناني في مقدمة كتابه “حرب البيلوبونيز” إن “التاريخ‬ ‫هو اكتساب لألبد”‪ .‬وقال أفالطون إن التاريخ هو “القوة‬ ‫التي تقود العالم”‪ .‬ويقول شيشرون في إحدى خطبه إن‬ ‫التاريخ هو “ملنع األفعال التي أجنزها اإلنسان من أن متحى‬ ‫مع الزمن”؛ وع ّبر باسكال بأسى عن تعريفه للتاريخ‪:‬‬ ‫“إن التاريخ لهو أصعب من أصعب مأساة تراجيدية”؛‬ ‫وقال كارل ماركس‪ ”:‬إن الناس لديهم تاريخهم اخلاص‪،‬‬ ‫ولكنهم ال يقومون به اعتباطيا ً بحسب الشروط‬ ‫املتوفرة والتي أتت مباشرة موروثة من املاضي” ؛ أما‬ ‫شومفور فع ّبر قائالً‪“ :‬إن الغالبية العظمى من التاريخ‬ ‫ليست إال سلسلة من الرعب”؛ ويقول عالم التاريخ‬ ‫ميشليه‪“ :‬التاريخ هو القيامة الكلية للماضي”؛ وعند‬ ‫روجيه غارودي ‪ -‬وهو من املدرسة احلديثة النافية( (�‪né‬‬ ‫‪ )gationiste‬التي تعيد النظر في ما قيل في األحداث‬ ‫التاريخية ‪ -‬فإن “السياسة هي التاريخ الذي هو في طور‬ ‫احلدوث”‪ .‬إذن‪ ،‬تعد ّدت التعريفات للتاريخ باعتباره علما ً‬ ‫واسع األفق‪ ،‬بعيد األهداف وشامل للنتاج اإلنساني‬ ‫الطويل وخاصة الفكري‪.‬‬ ‫ما هي شروط كتابة التاريخ؟‬ ‫ولنستعن م ّرة أخرى بأرباب التاريخ الذين يعتبرون‬ ‫بحد ذاتها في هذا املضمار ملعرفة‬ ‫مصادر ومناهج‬ ‫ّ‬ ‫منهج كتابة التاريخ‪ .‬يقول توثيديدوس في “حرب‬ ‫البيلوبونيز” (‪“ :)22 ،1‬أما بالنسبة لألحداث التي جرت‪،‬‬ ‫خالل هذه احلرب‪ ،‬فقد جتنّبت أن آخذ معلوماتي من أول‬ ‫شاهد وأن أثق أو أتكل على معلوماتي الشخصية‪ ،‬أكان‬ ‫بالنسبة لألحداث التي كنت أنا بنفسي شاهدا ً عليها‬ ‫أم بالنسبة لتلك التي نقلها اآلخرون‪ ،‬بحيث بادرت في‬ ‫كل م ّرة إلى التحقق األكيد بقدر ما استطعت‪ .‬ولم يكن‬

‫هذا بالعمل السهل ألنه كان يحصل‪ ،‬أنه في كل حالة‪،‬‬ ‫كان الشهود على األحداث نفسها يعطون معلومات‬ ‫غير متوافقة مع ما أخرجه فريق آخر أو جبهة أخرى أو‬ ‫يقولون األشياء بحسب ما رسخ في ذاكرتهم ليس إال”‪.‬‬ ‫فهل يستطيع توثيديدوس أو غيره كتابة تاريخ استنادا ً‬ ‫إلى هذه املعطيات املتضاربة األهواء؟ وهل استطاع‬ ‫غيره أن يعطينا منهجا ً واضحا ً لكتابة التاريخ؟ “إن‬ ‫املؤرخ محكوم عليه سرد القصص‪ .‬وبإمكانه أن يكدس‬ ‫ويصنّف في ملفات خاصة ما جمعه من معلومات كما‬ ‫كان يفعل تالمذة هيزيوديوس األغريقي؛ مبقدوره جتميع‬ ‫متت للماضي بصلة‬ ‫كل أنواع املعلومات واملعطيات التي ُّ‬ ‫واملتعلقة باجملتمعات كما بالدول‪ .‬غير أنه ال يصبح مؤرخا ً‬ ‫إالّ بعد عملية فرز كبيرة ومضنية لكل هذه املادة املتوفرة‬ ‫لديه‪ ،‬أكانت تخبر عن أحداث أو عن وقائع حربية ومعارك‬ ‫أو أكانت حت ّلل هذه األحداث مستندة الى أمثلة ومناذج‬ ‫وإحصائيات دقيقة‪ ،‬أو أكانت تطرق الشؤون االجتماعية‬ ‫محددة الى آخره‪ ،‬فإن التاريخ يكمن‬ ‫أو تتط ّرق لذهنية‬ ‫ّ‬ ‫ليس في األحداث نفسها‪ ،‬بل في توليفها مبا يخدم‬ ‫املصلحة البشرية التي حتتويها املادة التاريخية‪ .‬وكان‬ ‫توثيديدوس أول من الحظ أن هناك طريقتني للمعاجلة‬ ‫التاريخية‪ ،‬التاريخ القاسي والتاريخ احلر‪ ”.‬هكذا ع ّرف‬ ‫دينيس روسل طريقة كتابة التاريخ‪ .‬والسؤال‪ :‬هل تق ّيد‬ ‫األقدمون مبنهج مع ّلم التاريخ توثيديدوس وموضوعيته‬ ‫التي تغنى أنه كان يعمل بها؟ وهل ننسى بوليبوس‬

‫وتزويره لتاريخ سوريا وتشويهه لسيرة الفينيقيني‬ ‫أصحاب اإلمبراطورية العريقة التي سحقتها همجية‬ ‫الرومان أسياده؟ وهل ننسى مؤرخي نيرون الذين كانوا‬ ‫يُقتلون إن لم يكتبوا ما يالئم جنونه؟ وهل لنا أن نتغاضى‬ ‫عن غيره من األباطرة ودورهم السلبي في محو ذاكرة‬ ‫الشعوب؟ وهل ال زال الزمان يخرج إلى الوجود أمثال‬ ‫“فرجيل” الالتيني صاحب ملحمة “اإلنياذة” الشهيرة‬ ‫وقلمه املغرض بحق الفينيقيني وما نقله عنهم‬ ‫زورا ً وبهتانا ً وما نقله من تراث مش ّوه خلدمة املشروع‬ ‫االستعماري الروماني اجلديد‪ ،‬القائم على أنقاض أمجاد‬ ‫سوريا ومستوطناتها في البحر األبيض املتوسط؟ أال‬ ‫يشبه هذا املز ّور للتاريخ كتبة التوراة الذين بنوا أمجاد‬ ‫دولة م ّزيفة على ظهر تاريخ املشرق القدمي وحضاراته‬ ‫األلفية؟ ألم ينسب مثل هؤالء الكتبة كل ما هو مجيد‬ ‫لهم وكل ما هو رذيل لألغيار؟ وألم يزل الى اليوم تاريخ‬ ‫األمة يز ّور على يد املمسكني بزمام األمور وبرقاب املؤرخني‬ ‫ّ‬ ‫والذين يب ّثون الرعب في نفوسهم مانعني أي مجال لقول‬ ‫احلقيقة واجملاهرة بها؟ وهل لكتاب التاريخ من مستقبل‬ ‫طاملا أن يد الغول متسك به وتتحكم مبضمونه ومبا متليه‬ ‫مصلحتها؟‬ ‫ولكن‪ ،‬كفانا نعي أنفسنا ووضع اللوم على القوى‬ ‫املستعمرة‪ ،‬فإن أول شرط في كتابة التاريخ هو معرفة‬ ‫ذاتنا‪ ،‬ومن ثم تاريخنا وهو معرفة هويتنا‪ .‬فهل من أحد‬ ‫فقه حقيقة هويته؟ هنا مكن الع ّلة!‬


‫‪20‬‬

‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫كتاب‬

‫علي عبا�س‪..‬‬

‫ت�أمالت ع�شق و�صلوات �شوق �إلهي‬ ‫لويس احلايك‬ ‫أهم مواصفات قوله ما ينطبق على شاعرنا علي عباس الذي نقول فيه ما‬ ‫ألول مرة تنساب الكلمات في كتاب يحمل ّ‬ ‫الشعر الطليق‪ ،‬بتجرده من االبتذال ومبقاطعه التعبيرية جاء على لسان الناقد في مقاله‪“ :‬لن يستطيع خلق رمز جديد‬ ‫املسجعة كهدير اجلداول‪ ،‬وامل ّواجة مبوسيقاها‪ ،‬إال من كان ذا ذهن شديد النمو‪ ،‬شديد التوق والتحرق‪.”...‬‬ ‫العفوية‬ ‫ّ‬ ‫الكاشفة عن مكنوناتها دون تصنع او اسفاف‪.‬‬ ‫ً‬ ‫نحن مع شاعر أعطى ديوانه عنوانا ً متواضعا حشره بني علي عباس الشديد التوق بصوفية صريحة واضحة صادقة‬ ‫وحب كل عمل‬ ‫وحب من يح ُّب َك‬ ‫قوسني حتى ال يع ّرف عن نفسه بالشاعر وال عن رسائله انها ومباشرة‪/ :‬أسألك حبك‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫شعر‪ .‬لكن‪ ،‬وكما قيل‪ ،‬ال خفي إال ويظهر‪ ،‬ومهما كان التستر يوصلني إلى قربك ‪ /‬يا أرحم الراحمني‪/‬‬ ‫مم ّوها ً بالتعمية‪ ،‬فال بد أن نشهد بأن علي عباس في عناوين وعلي عباس الشديد التحرق يبدأ خطواته الى اهل الصراط‬ ‫كتابـه وكل عبارة من عباراته هو ّ‬ ‫بكل امتياز شاعر رهيف واهل العشق بحرف‪ /‬يلملم بعضا ً من احلب وبعضا ً من احلزن‬ ‫األحساس “يعشق موسيقى الطير والغيم واملاء”‪ .‬وهو مت ّيم وكل الكبرياء‪ /‬ويحيله زيتا ً في قناديل األمنيات ع ّله ميسح‬ ‫ّ‬ ‫وبكل‬ ‫يف ّر من احلقيقة إليها‪ ..‬مهما كان احلبر مراً‪ ..‬مهما كان املاء جبني الضوء ببعض من قطراته وببعض من خطراته‬ ‫ّ‬ ‫ما ادخره من رجاء‪./‬‬ ‫يسف‪.‬‬ ‫جمراً‪ ..‬فال يغرق وال يحترق وال‬ ‫على صراط العشق أمداء من اإلداع واإلدهاش ممهورة بالصدق علي عباس ليس الوحيد في خلق رموز جديدة‪ ،‬لكنه في‬ ‫تعابيره يخطو الى صراطه بصفاء الذهن ويرقى في صوره‬ ‫والعفوية وال تخلو من االستعالء‪:‬‬ ‫يا ساقي! هل يسعدك ظمإي؟!‪ / ..‬كيف متأل كؤوس املتعبني الى جالل العقل وهمسات الروح‪/ :‬رحت اطلب صباحا ً تدثرّ‬ ‫تنحى النعاس عنها‪ /..‬وبلغت اجنما ً غار املسك في‬ ‫في حانات العشق وال ترتوي! ‪/‬‬ ‫بأحداق ّ‬ ‫من أين يؤتى باالرتواء؟! ‪ /‬أخالك تائها ً بني جموح السراب!؟ ‪ /‬عبيرها ‪ /‬ف َدلِ ْف َن الى سفح االمنيات‪ ..‬ساجدات‪ /.‬إني من غ ٍد ال‬ ‫إقرأ كتابي‪ ..‬ودع عنك ّ‬ ‫توجعي‪.‬‬ ‫كل كتاب‪/‬‬ ‫ّ‬ ‫وتوسد ترابي‪ ..‬فكالنا من يرجتف يقينه‪ ...‬هيهات ان يركن الى الغياب توسلي او ّ‬ ‫وجع التراب‪ .../ ..‬تعال واسكب آخر صبابة عشق من نحر هيهات”‪.‬‬ ‫وبعد‪ ،‬ميكن القول إن علي عباس يسجل قفزة في مدرسة‬ ‫الظما‪ ..‬فإني مفتون باللظى‪/ ..‬‬ ‫رموز واضحة مجردة من االبتذال واإلسفاف وبعيدة عن رموز الشعر احلديث بتجرده من االبتذال في صناعته ومن اإلسفاف‬ ‫“موجودة سلفا ً في التراث”‪ ،‬كما ورد على لسان جبرا ابراهيم في مضامينه وبصياغة رموزه‪ .‬فالشعر الطليق‪ ،‬سواء جاء‬ ‫جبرا في مقال له في مجلة اآلداب ـ عدد ‪ 3‬سنة ‪ 66‬ـ وفي باستعارات حتتية واضحة او غامضة مبتورة او باستعارات‬

‫فوقية كما في “صراط العشق”‪ ،‬يبقى االقرب الى ما يسمى‬ ‫بشعر احلداثة‪.‬‬ ‫وعلي عباس‪ ،‬ومهما أفاض في ابتهاالته الصوفية‪ ،‬يبقى‬ ‫للحب في قصائده ن ّزة مروق دافئ بني اهلل واالنسان تختصر‬ ‫ّ‬ ‫بقصيدته “ا ّما بعد”‪:‬‬ ‫خضم املاء‪ /‬تكويني نار الغياب‪ / ..‬وأسافر في الصمت‬ ‫في‬ ‫ّ‬ ‫ألسمع ترانيم املطر‪/ ..‬‬ ‫وحني يحضر املساء أسكن في اخليال‪/ ..‬‬ ‫إن قصائدي التي تركتها عند حافة الشمس‪ / ..‬ما زالت تنوح‬ ‫في العتمة‪ / ..‬ويا أيها املوغلون في التيه‪ / ..‬هذا البحر يغفو‬ ‫على ندى أصابعي‪/..‬‬ ‫وسيتعبكم االنتظار!‬ ‫أخيراً‪ ،‬ومهما حاولنا أن نسلخ الشاعر من صوفيته لنخطو به‬ ‫ومعه الى صراط ترابي ارضي فعبثا ً نحاول وعبثا ً نستطيع أن‬ ‫نحرفه عن صراطه السماوي‪ .‬فالعشق في تأمالته والعشق‬ ‫في صلواته والشوق االلهي معبر صراطه املستقيم‪ / :‬يا‬ ‫كعبة الروح‪ / ..‬لك سجدت نغمات عشقي املديد‪ / ..‬وعلى‬ ‫ضفاف هيامك تقطعت اوتاري‪ / ..‬يا بارئ احلب‪....‬‬

‫"ثورات قلقة – مقاربات �سو�سيوا�سرتاتيجية‬

‫للحراك العربي" ملجموعة من امل�ؤلفني‬ ‫“ثورات قلِقة – مقاربات سوسيو – استراتيجية للحراك‬ ‫العربي” عنوان الدراسة الصادرة حديثا ً جملموعة من املؤلِّفني‬ ‫(في ط‪ .‬أولى ‪ ،2012‬وهو من سلسلة الدراسات احلضارية التي‬ ‫يصدرها مركز “احلضارة لتنمية الفكر اإلسالمي في بيروت”)‪.‬‬ ‫وهذا الكتاب هو من إعداد وتقدمي رئيس مركز “دلتا لألبحاث‬ ‫املع َّمقة في بيروت‪ ،‬الباحث محمود حيدر” وتدور محاور هذا‬ ‫الكتاب حول العناوين التالية‪:‬‬ ‫تنظيري لفهم‪ :‬طبائعها‪،‬‬ ‫مسعى‬ ‫“بواعث الثورات القلقة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وأسئلتها‪ ،‬وحت ّيزاتها اإليديولوجية”‪“ ،‬التغطية اإليديولوجية‬ ‫للثورات العربية – بني ثقافتني‪ :‬الفتنة والنهضة”‪“ ،‬الثورات‬ ‫العربية البعد السوسيو – ديني”‪“ ،‬أميركا والثورات العربية”‪،‬‬ ‫“اخللفيات املعرفية التاريخية للثورات العربية”‪ ،‬و”اختبارات‬ ‫ثورتي البحرين وتونس وتطبيقاتهما”‪.‬‬ ‫هذا وقد جاء في مقدمة املركز لهذا الكتاب‪ ،‬ما يلي‪:‬‬ ‫حتى لو اتفقنا على التعامل بإيجابية مع العناوين الشائعة‬ ‫في اخلُطب اإلعالمية والسياسية والفكرية‪ ،‬جلهة تعريف‬

‫التحوالت بأنها ثورات فتحت باب التغيير الدميوقراطي‪،‬‬ ‫فليس لنا أن نغفو عن تلك الشبكة الهائلة من التعقيدات‬ ‫والتداخالت‪ ،‬التي تدفع باحلادث الثوري نحو فوضى االحتراب‬ ‫األهلي والتفتيت الوطني؛ لذا فإن الرؤية األكثر اقترابا ً‬ ‫من الواقع‪ ،‬تشير إلى أن احلادث العربي في مجمل أقطاره‬ ‫وساحاته‪ ،‬هو حادث يحوطه ضباب كثيف؛ لكنه مفتوح على‬ ‫احتماالت ووعود ال حصر لها‪ .‬وإذ نضع عبارة “الثورات القلقة”‬ ‫عنوانا ً لهذا الكتاب‪ ،‬فألننا على يقني من أن ما يحدث هو‬ ‫أشبه بـ”جيولوجيا مجتمعية” تتع ّدد أسبابها ومح ّركاتها‪،‬‬ ‫مثلما تتن ّوع املؤثرات والعوامل الداخلية واخلارجية املؤدية إلى‬ ‫انفجارها ودميومتها‪ .‬القلق الذي يسم راهن “الثورات العربية”‬ ‫ومقبلها له دواع كثيرة‪ .‬في مقدمها االضطراب املتمادي في‬ ‫تعريفها وبالتالي حرص الفاعلني فيها واملعنيني بها على‬ ‫إعطاء تعريفات تعكس رؤاهم ومواقعهم ومصاحلهم‪ .‬وهو‬ ‫ما جعل الثقافة السياسية العربية تستغرق في فوضى‬ ‫املصطلحات‪ ،‬إلى درجة غدت مفاهيم الثورة والنهضة‬ ‫والتحرير‪ ،‬موازية ملفاهيم الفوضى واالحتالل واحلروب األهلية‪.‬‬

‫ومن األسئلة التي تشغل دوائر التفكير والتحليل السؤال‬ ‫اآلتي‪ :‬إلى أي نوع من الثورات تنتمي الثورات العربية؟ هل‬ ‫هي تنتسب إلى ثورات احلداثة وتشكل استمرارا ً لقوانينها‬ ‫التاريخية‪ ...‬أم أنها ثورات جاءت من عالم املفارقة‪ ،‬حيث ال‬ ‫صلة نسب لها بأ ًي من الثورات الكبرى في التاريخ‪ ،‬ال في‬ ‫مقدماتها وال في نتائجها فضالً عن قواها وشعاراتها؟‬


‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫�سينما‬

‫‪21‬‬

‫بعد م�شاركتها بفيلمها الأول "من قتل الوقت؟" يف مهرجان ال�سينما العربية يف �إيطاليا‪ ,‬املخرجة روان عالء الدين لـ"حتوالت"‪:‬‬

‫لدينا الإمكانية والكفاءة‬

‫لكن ينق�صنا الدعم وعدم ت�سخيف �أفكارنا ال�سينمائية‬ ‫حاورتها ـ عبير حمدان‬ ‫هل يعاقبنا الزمن حني نهمل دوران العقارب؟ وكيف‬ ‫ميكن للوقت أن يتجسد بهيئة محددة حني نسعى لقتله؟‬ ‫هي رؤية حتتمل التأويل والتأمل لذلك كان ال بد من االضاءة‬ ‫عليها كخطوة أولى للسيناريست واخملرجة الشابة روان‬ ‫عالء الدين التي طرحت إشكالية االستهانة بالوقت بإطار‬ ‫الفيلم القصير كمشروع تخرج حط رحاله في مهرجان‬ ‫السينما العربية في مدينة باري االيطالية لتمثل عالء‬ ‫الدين لبنان بفيلمها األول « َمن قتل الوقت؟»‪.‬‬ ‫عالء الدين ليست راضية بالكامل عن الفيلم العتبارات‬ ‫عديدة أحدها ضرورة االلتزام بالرؤية االكادميية قبيل التخرج‬ ‫مما يحدد اخلط الدرامي للعمل‪ ،‬لكنها تعتبره خطوة جيدة‬ ‫في بداية مشوارها الطويل في هذا العالم‪..‬‬ ‫املتخرجة الشابة حتدثت لـ»حتوالت» عن فيلمها الذي م ّثل‬ ‫لبنان في اخلارج مبوضوعية مطلقة مما يبشر بخروج موهبة‬ ‫حقيقية الى النور بعيدا ً عن املغاالة واالدعاء‪.‬‬ ‫نبدأ من فكرة أساس ونسأل عالء الدين عن مضمون العمل‬ ‫فتقول‪« :‬عدم احترام الوقت مشكلة فعلية لدى الكثيرين‪،‬‬ ‫وفي لبنان حتديدا ً فقد الوقت قيمته لالسف‪ ،‬لذلك أردت‬ ‫تناول الفكرة على قاعدة أن من استهان بالوقت توقف‬ ‫زمنه‪ .‬نبيه بطل الفيلم (املمثل سليم عالء الدين) ال يحترم‬ ‫الوقت إطالقا ً ولديه موعد مهم‪ ،‬لكنه ينطلق متأخرا ً‬ ‫ولشدة استعجاله يصدم فتاة وال يسعفها وحني يصل‬ ‫يواجه برفض املدير استقباله بسبب تأخره‪ ،‬وتبدأ رحلته مع‬ ‫الوقت»‪.‬‬ ‫لكن بأي معنى ميكن لعني الكاميرا املواكبة للنص الذي‬ ‫كتبته عالء وأخرجته‪ ،‬أن تترجم الطرح؟ جتيب‪« :‬موعد عمله‬ ‫كان في متام الثالثة‪ ،‬ومنذ ذاك الوقت يعيش نبيه أحالما ً‬ ‫تتكرر يأتيه فيها شخص يقول إنه الوقت (املمثل جوزيف أبو‬ ‫خليل) ويطلب لقاءه في هذه الساعة الثالثة حتديداً‪ ،‬ويتكرر‬ ‫احللم أكثر من مرة وفيه يذهب نبيه الى اللقاء املوعود لكنه‬ ‫ال يجد أحداً‪ ،‬فيقرر إهمال املوعد الثالث ثم يعود ويذهب‬ ‫متأخرا ً ليجد نفسه أمام قبر الفتاة التي صدمها ورجل‬ ‫الوقت بانتظاره فيوقف الزمن بال عقارب تدور كعقاب له»‪.‬‬ ‫وتبقى النهاية مع ّلقة وفق تفسير كل شخص‪ ،‬حيث أن‬ ‫الطرح يحتمل التأويل‪ ،‬قد يكون الوقت ضميره أو صراعه مع‬ ‫نفسه في حلظة حساب قاسية‪ ،‬لكن هل ستصل الفكرة‬ ‫للناس كما أرادتها عالء الدين؟ تقول‪« :‬أحاول جعل الفيلم‬ ‫مفهوما ً من قبل جميع الفئات الفكرية فلكل منا رؤيته‪،‬‬ ‫هناك من يقرأ اخللفية مبا فيها من اشكالية ويسعى إليجاد‬ ‫نهاية حسب وجهة نظره‪ ،‬وقد يراه البعض مجرد فيلم‬ ‫جميل وينتهي األمر عند هذا احلد»‪.‬‬ ‫لكن عالء الدين ال تخفي عدم رضاها عن الفيلم فتقول‪:‬‬ ‫«نظرا ً لضيق الوقت وجتنبا ً الي تعقيد أتى التدخل االكادميي‬ ‫ليحذف بعض التفاصيل وجزءا ً من احلوار خاصة أن الفيلم‬ ‫في النهاية هو مشروع تخ ّرج‪ ،‬وكان ال بد من االلتزم‬ ‫مبنهجية محددة وفقا ً لبروتوكول اجلامعة واالساتذة مما يحد‬ ‫من تطلعاتنا بعض الشيء»‪.‬‬

‫المخرجة روان عالء الدين‬

‫أما عن مشاركة الفيلم في مهرجان السينما العربية في‬ ‫مدينة باري االيطالية تقول‪« :‬هذه املشاركة أشكر عليها‬ ‫املمثل سليم عالء الدين الذي تواصل معهم‪ ،‬حيث طلبوا‬ ‫منه املشاركة بالبرنامج العتقادهم أنه اخملرج‪ ،‬وهو اوضح‬ ‫لهم أنني الكاتبة واخملرجة وهكذا تواصلت معهم وأرسلت‬ ‫لهم نسخة من الفيلم وأتى الرد بااليجاب مباشرة»‪.‬‬ ‫وتشير عالء الدين إلى أن هذه املشاركة مهمة كخطوة أولى‬ ‫وتشكل حافزا ً لالستمرار في هذا الطريق الذي ال يخلو من‬ ‫الصعوبات‪« :‬بالطبع لن أقف عند هذا احلد‪ ،‬وهذه املشاركة‬ ‫ستجعلني أكثر جرأة للمشاركة في مهرجانات أخرى»‪.‬‬ ‫وتضيف‪« :‬حاليا ً سأستمر في مجال االفالم القصيرة كي‬ ‫أكتسب اخلبرة الالزمة للخطوة الكبرى املتمثلة بالفيلم‬ ‫السينمائي الطويل‪ ،‬أنا أرى أننا منلك اإلمكانية والكفاءة‬ ‫لكن ينقصنا الدعم‪ ،‬لدينا مشكلتان في لبنان االولى غياب‬ ‫ينصب على كل ما‬ ‫الدعم املادي واملعنوي‪ ،‬والثانية أن الدعم‬ ‫ّ‬ ‫هو سخيف‪ ،‬مبعنى أن معظم األفكار الفارغة من املضمون‬ ‫يتم تسليط الضوء عليها ودفعها لتحتل الصدارة‪ ،‬بينما‬ ‫الطروحات العميقة والتي حتمل قضايا مهمة وتالمس‬ ‫الواقع يتم تهميشها معنويا ً وماديا ً وإعالنيا ً أيضاً»‪.‬‬ ‫نسأل عالء الدين ما الذي ميكن أن تفعله إذا توقف الوقت‪:‬‬ ‫«ال أدري كيف سيكون وضعي في حينه‪ ،‬فاملسألة مرتبطة‬ ‫بطريقة توقف الوقت‪ ،‬هل اجلميع متحرك وأنا جماد‪ ،‬أم أن‬ ‫العكس صحيح؟ أم كلنا نقف دون حراك؟ في تلك احلالة‬ ‫تكون النهاية»‪.‬‬ ‫وعن التفاؤل باأليام املقبلة تقول‪« :‬ضمن حدود املنطق‬ ‫أستطيع القول إنني إذا استمتعت مبا أقوم به فلن يصعب‬ ‫علي أي شيء‪ ،‬وال أزال في بداية الطريق وأمامي الكثير من‬ ‫ّ‬ ‫العمل والدراسة التي ال تنتهي عند حدود سنة التخ ّرج»‪.‬‬ ‫أما ماذا بعد «من قتل الوقت»؟ تقول‪« :‬هناك العديد من‬ ‫األفكار لكني أفضل االحتفاظ بها الى أن تكتمل نصا ً‬ ‫ومعاجلة وحني تدور عدسة الكامير قد أتكلم عنها»‪.‬‬

‫سليم عالء الدين وجوزيف ابو خليل في مشهد من الفيلم‬

‫سليم عالء الدين في مشهد من الفيلم‬


‫‪22‬‬

‫ندوة‬

‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫زهري فيا�ض يف مكتب الدرا�سات العلمية‪:‬‬

‫"التنمية يف الهالل اخل�صيب"‬ ‫ر�ؤية جديدة هدفها الإن�سان‬ ‫أقيمت في مكتب الدراسات العلمية – بيت الشعار حلقة حوارية حول كتاب زهير فياض «التنمية في الهالل اخلصيب» حضرها حشد من‬ ‫الشخصيات السياسية والفكرية واالجتماعية واالعالمية‪ .‬في البداية كانت كلمة ترحيبية لألستاذ منصور عازار افتتح بها الدورة اجلديدة من‬ ‫سلسلة النشاطات والندوات واحملاضرات التي يقيمها مكتب الدراسات‪ ،‬بعدها‪ ،‬كانت كلمة تعريفية للكاتب سركيس أبو زيد‪ .‬ومن ثم كانت‬ ‫كلمة املؤلف د‪ .‬زهير فياض والتي جاء فيها‪:‬‬ ‫«التنمية وفق الرؤية اجلديدة التي نسعى الى تعميمها‬ ‫وتعميقها في الوعي االنساني ليست فقط ذات بعد‬ ‫مادي – أحادي‪ ،‬أو اقتصادي بحت‪ ،‬بل هي رؤية انسانية‬ ‫متعددة األبعاد‪ ،‬وتضع «االنسان» في املوقع املستهدف‬ ‫من كل عمليات وبرامج التنمية‪.‬‬ ‫راق‪ ،‬وغاية تسعى اليها األمم لتعيد‬ ‫التنمية هي هدف ٍ‬ ‫صياغة ذاتها‪ ،‬وبناء قدراتها لتحقيق التقدم االجتماعي‬ ‫والرفاه االقتصادي‪ ،‬ولتحتل موقعها املناسب على‬ ‫خارطة العالم‪ ،‬بيد أن التنمية هي مسار طويل األمد‬ ‫ينطلق من ظروف البيئة واملكان والطبيعة واجلغرافيا‬ ‫التي حتتوي املوارد واإلمكانات والثروات على أشكالها‬ ‫اخملتلفة‪ ،‬والتي تقدم عمليا ً فرص التقدم والنمو‬ ‫االقتصادي احلقيقي املرتبطة بشروط امتالك املعرفة‬ ‫العلمية والتقنية والتكنولوجية الضرورية‪ ،‬وفي امتالك‬ ‫اإلرادة والوعي الضروريني‪ ،‬للشروع في عملية التنمية‬ ‫بأبعادها وتشعباتها ومتطلباتها‪.‬‬ ‫والتنمية – بهذا املعنى – ذات بعدين‪ :‬األول‪ :‬عالقة‬ ‫التنمية باقتصاديات بيئتها بالدرجة األولى‪ ،‬فالبيئة هي‬ ‫التي تقدم االمكانات للتطور االقتصادي‪ ،‬وبالتالي النمو‬ ‫االقتصادي املتصاعد‪ ،‬وأما البعد اآلخر فهو البعد املعرفي‬ ‫املرتبط بالعقل اإلنساني وإنتاجاته وإبداعاته وقدراته‬ ‫على التعامل والتفاعل مع امكانات البيئة تلك‪ ،‬وهذا‬ ‫ما يؤسس لفكرة التكامل على مدى البيئة لتحقيق‬ ‫االستفادة القصوى من ثرواتها ومواردها مبا يعود باخلير‬ ‫والرفاهية على كل اجلماعات البشرية التي تقيم على‬ ‫أرضها وفي إطارها اجلغرافي الكبير‪.‬‬ ‫لذا ال بد أن ترتكز التنمية الصحيحة على بناء اقتصاد‬ ‫وطني أي اقتصاد قومي‪ ،‬وهذا يقضي بالتحرر من شبكة‬ ‫العالقات الرأسمالية الدولية التي ترتبط بالنظام‬ ‫الرأسمالي احمللي‪ ،‬واقامة شبكة انتاجية – اقتصادية‬ ‫على كامل البيئة الطبيعية – اجلغرافية حتقق املناعة‬ ‫االقتصادية احلقيقية واالكتفاء الذاتي ويتم ربطها الحقا ً‬ ‫وعلى قاعدة املصالح القومية وتأمينها بشبكة عالقات‬ ‫اقتصادية على املستوى االقليمي وبعدها الدولي‪.‬‬ ‫في مرحلة سابقة‪ ،‬متت التعمية على هذه احلقائق‬


‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫املتصلة بحياة الناس ومصالح حياتهم العليا‪ ،‬ومت‬ ‫التطبيل والتزمير لظاهرات «فتح األسواق»‪ ،‬و»العوملة»‬ ‫و»حترير التجارة العاملية» و»حترير االستثمارات»‪ ،‬ورفع‬ ‫شعار حتول العالم الى «قرية كونية واحدة»‪ ،‬ولكن‪ ،‬غاب‬ ‫عن بال كل هؤالء السؤال األساسي‪ :‬هل تقدم موقع‬ ‫االنسان ومكانته وسط كل هذه الظاهرات؟ هل احترم‬ ‫االنسان كقيمة؟ هل تأمنت مصالح األوساط الشعبية‬ ‫في بلدانها وأوطانها ومجتمعاتها؟ هل حتققت العدالة‬ ‫النسبية في توزيع املوارد الطبيعية واالقتصادية على‬ ‫مستوى كل الشعوب واألمم؟ هل راعت كل هذه العالقات‬ ‫اجلديدة الناشئة معايير املساواة واحلق االنساني في‬ ‫االستفادة املتوازنة من البيئة وما تقدمه من امكانيات؟‬ ‫هل تقدم مفهوم «التنمية املستدامة»؟ هذا الشعار‬ ‫الذي يتم حمله اليوم والسعي الى تسويقه دون األخذ‬ ‫بعني االعتبار الشروط احلقيقية التي تؤدي الى حتقيقه؟‬ ‫ما هي هذه القرية الكونية املوعودة؟ وهل تطبق فيها‬ ‫أخالقيات «القرية الصغيرة» في التعاون واإلنتاج والتوزيع‬ ‫والتبادل واالستهالك مبا يحفظ حقوق كل سكان هذه‬ ‫القرية؟ انها أسئلة جدية تطرح في ظل واقع يكشف‬ ‫عن خلل أساسي كبير أدى الى أزمات حقيقية والى‬ ‫تصدع بنيان اقتصادات وطنية في كل القارات‪ ،‬والى أزمة‬ ‫مالية عاملية نشهد تداعياتها اخلطيرة‪ ،‬والى تراجع للنمو‬ ‫االقتصادي العاملي‪ ،‬والى احتكارات كبيرة‪ ،‬والى قبض قلة‬ ‫من الدول على خيرات املسكونة والعالم وعلى ثرواته‬ ‫الطبيعية واالستراتيجية‪ ،‬والى تفشي ظاهرة الفقر‬ ‫والبطالة في االقتصادات الضعيفة والنامية وحتى في‬ ‫الدول القوية صناعيا ً وانتاجياً‪.‬‬ ‫ان مفهوم «الشركة العابرة للقوميات» يحمل في‬ ‫طياته مضمون الظلم وانتفاء العدالة وعدم املساواة‪،‬‬ ‫وخلالً في موازين القوى االقتصادية وغيرها‪ ،‬وكل هذه‬ ‫االستثمارات العاملية التي حتط رحالها في أصقاع‬ ‫األرض ليست مقطوعة اجلذور القومية‪ ،‬فالعائدات‬ ‫االستثمارية تعود غالبا ً الى القاعدة االستثمارية‬ ‫األصلية‪ ،‬فيما ال يصيب األطراف أو األماكن التي تقيم‬ ‫هذه االستثمارات فيها مكانيا ً اال الفقر والنهب املنظم‬ ‫والسرقة املوصوفة خارج أية ضوابط في القانون احمللي أو‬ ‫الدولي أو األممي أو حتى االنساني!‬ ‫هذه االستثمارات «النقالة» تنهب األمم والشعوب وتزيد‬ ‫الهوة السحيقة بني األمم والشعوب‪ ،‬فيما املستفيد‬ ‫احلقيقي هو قلة من محتكرين وقلة من جشعني‬ ‫مستغلني في املراكز واألطراف‪ ،‬وهذا واقع وجب تغييره‪.‬‬

‫التكامل االقتصادي‪ :‬رؤية جديدة‬ ‫لقد أصبح التكامل االقتصادي ضرورة موضوعية للدول‬ ‫في ظروف التطور االقتصادي العاملي‪ ،‬وفتح األسواق‪،‬‬ ‫وتطور وسائل االتصال والنقل‪ ،‬وما أدت اليه من تطور‬ ‫للتجارة العاملية وحركة االستيراد والتصدير العاملية‪،‬‬ ‫وانتقال رؤوس األموال‪ ،‬وصعود املشاريع االستثمارية‬ ‫العاملية وغيرها‪.‬‬ ‫فالعلم والتقنية تط ّورا بنسب كبيرة‪ ،‬واالنتاج ازداد‬ ‫بشكل أوسع‪ ،‬وعملية تقسيم العمل الدولي قد‬

‫ندوة‬ ‫تعمقت‪ ،‬وظهرت أساليب انتاجية متجددة‪ ،‬ونتيجة‬ ‫لذلك كان التبادل أسرع‪ ،‬والتنوع أكثر من االنتاج‬ ‫الرأسمالي‪.‬‬ ‫ان املستوى الرفيع من التطور الذي وصلت اليه القوى‬ ‫املنتجة في عدد من الدول الرأسمالية الصناعية‬ ‫املتطورة حتت تأثير الثورة العلمية والتكنولوجية‪ ،‬قد أدى‬ ‫الى النمو السريع نسبيا ً لالنتاج الرأسمالي‪ ،‬وساهم‬ ‫في ضرورة توسيع السوق اخلارجي‪ ،‬وتطوير العالقات‬ ‫االقتصادية بني الدول‪ ،‬وقد حمل هذا في طياته توسيعا ً‬ ‫أسرع للتجارة العاملية‪.‬‬ ‫هذا التطور العلمي والتكنولوجي قاد الى التطور والنمو‬ ‫الكبيرين للتجارة العاملية‪ ،‬وأدى الى تغييرات أساسية‬ ‫في اجتاهات السلع‪ .‬ذلك أن منو دور العلم وتطبيق‬ ‫معطياته في مجمل االنتاج انعكس على العالقات‬ ‫االقتصادية الدولية وحمل معه دفعا ً قويا ً للعالقات‬ ‫العلمية والتقنية في أشكالها اخملتلفة»‪.‬‬ ‫ثم‪ ،‬ربط د‪ .‬فياض بني التكامل االقتصادي على‬ ‫ومن ّ‬ ‫مستوى الهالل اخلصيب ودوله وبني عملية التنمية‬ ‫بأبعادها اخملتلفة والتي يفتح التكامل االقتصادي آفاقها‬ ‫نحو املستقبل‪...‬‬ ‫وفي اخلتام‪ ،‬كانت مداخالت قيمة وحوار ونقاش حول‬ ‫املفاهيم واملضامني التي اشتملها الكتاب‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫‪24‬‬

‫م�شهد‬

‫العدد ‪ 75‬شباط ‪2013‬‬

‫ليوناردو دافنت�شي يف معر�ض بلبنان‪:‬‬

‫عبقرية تربط الثقافات والعلوم والفنون‬ ‫حضر ليوناردو دافنتشي إلى لبنان في معرض قدم‬ ‫مخطوطاته الهندسية والعلمية بعد تنفيذها مبعدات‬ ‫وآليات تضاهي املعدات املتطورة احلديثة‪ ،‬وإلى جانبها عروض‬ ‫من لوحاته الفنية الشهيرة‪ ،‬وشروح عن إجنازاته املوسيقية‪.‬‬ ‫وقد استضاف مسرح بالتيا في ساحل علما املعرض لستة‬ ‫أسابيع‪ ،‬وأقيم بالتعاون بني املركزين الثقافيني الفرنسي‬ ‫واإليطالي‪ ،‬والشركة مالكة املعدات‪ ،‬ومتحف ليوناردو‬ ‫دافنتشي في فلورنسا بإيطاليا‪ ،‬وقصده ما يزيد على عشرين‬ ‫ألف شخص‪ ،‬خصوصا ً من الطالب الذين حضروا للمقارنة بني‬ ‫علوم اليوم وتلك التي متكن دافنتشي من متلكها‪ ،‬واإلبداع بها‪.‬‬ ‫ويعتبر دافنتشي أحد القالئل في التاريخ الذين جمعوا في‬ ‫شخصهم مختلف العلوم والفنون والثقافات‪.‬‬

‫منوذج لباخرة مع معدات‬

‫جانب من لوحات دافنتشي‬

‫ضم املعرض أكثر من ستني مجسما قسمت إلى أربعة واملروحيات‪ ،‬والسفن‪ ،‬واملدافع‪ ،‬واجلسور‪ ،‬وحتويل الطاقة اخملزنة أندريا دل فروتشيو‪ ،‬النحات‪ ،‬والرسام‪ ،‬ومصمم اجلواهر‪ .‬وسرعان‬ ‫أقسام‪ :‬وسائل الطيران‪ ،‬أدوات احلرب‪ ،‬أدوات ميكانيكية‪ ،‬أدوات بالنوابض (الزنبرك)‪ ،‬إلى حركة تؤسس لتحريك الدواليب ما ظهرت عبقرية ليوناردو‪ ،‬وانضم إلى نقابة الرسامني سنة‬ ‫‪.١٤٧٢‬‬ ‫هيدروليكية وفيه أفالم متحركة ورسوم عن اآلالت وطرق وصوال ً إلى السيارة‪.‬‬ ‫عملها بالوسائل احلديثة‪ .‬كما تضمن املعرض مناذج من لوحات‬ ‫دافنتشي‪ ،‬ومخطوطاته‪ ،‬وشروحات عن أعماله وفنونه‪ ،‬توضح باإلضافة إلى اكتشاف القياسات التناسبية في العلوم وقد ورث إرثه من مخطوطات ورسوم ودراسات مساعده‬ ‫فرانسيسكو ملزي الذي نظمها ورتبها واحتفظ بها‪ ،‬لكنها‬ ‫ترابط العلوم والفنون والطبيعة مبقاييس متوازنة ومضبوطة‪ .‬والفنون والعلوم الطبيعية والطبيعة‪.‬‬ ‫تبعثرت بعد وفاته‪ ،‬ولم ينج منها سوى ربع اخملطوطات‪.‬‬ ‫وفي حياته‪ ،‬كلف دافنتشي العديد من احلرفيني في عصره بعض القطع‬ ‫لتطبيق مناذج من أعماله‪ ،‬غير أنه لم يبق منها أي منوذج‪ ،‬إال أن ضم املعرض ستني قطعة تصنف باالختراعات العلمية‪ ،‬وتعتبر رسوم عدة لدافنتشي لغزا‪ ،‬وحيكت الروايات حولها‪،‬‬ ‫“مؤسسة دافنتشي” في فلورنسا كلفت الفني كارلو نيكوالي وأبرزها طائرة منوذجية مستوحاة من حركة طيران الوطواط لكن ‪ ١٥‬لوحة فقط من أعماله معروفة‪ ،‬والقسم اآلخر مثير‬ ‫بوضع تطبيقات للتصاميم‪ ،‬فأسس مع مجموعة من حرفيي ذي األجنحة الطويلة واجلسم الصغير‪ ،‬وطائرة مروحية تعتمد للجدل‪ ،‬أو غير مفقود‪.‬‬ ‫على اجنحة لولبية من القماش املقوى‪ ،‬واخليوط احلديد‪،‬‬ ‫فلورنسا شركة اختصت بصناعة أعمال دافنتشي‪.‬‬ ‫وميكن ألربعة أشخاص حتريكها بطريقة دائرية فترتفع بهم اللوحات التي خصصت ملعرض بالتيا أبرزها املوناليزا‪ ،‬والعشاء‬ ‫وتعتمد النماذج على تصاميم شديدة الدقة والتفصيل لتظهر في الفضاء‪ .‬وسيارة تعمل بضغط الزنبرك‪ ،‬واألنبوب املسهل األخير‪ ،‬وبشارة املالك جبرائيل للعذراء مرمي‪.‬‬ ‫أهمية األعمال على حقيقتها‪ ،‬كما تركز على استخدام املواد للغطس حتت املاء‪ ،‬واجلسر املنحني املصنوع من أعمدة خشب‬ ‫التي كانت متوفرة في عصرها كاخلشب والقطن واحلديد متداعمة‪ ،‬واملدفع والدبابة‪.‬‬ ‫واحلبال‪.‬‬ ‫تناسب جسم االنسان‬ ‫جولة‬ ‫وفي جولة في املعرض‪ ،‬كانت حشود الطالب تتجمع كل في لوحة كبيرة مشرحة‪ ،‬تصدرت جدران املعرض‪ ،‬بدا جسم‬ ‫مجموعة منهم حول قطعة من القطع‪ ،‬واطلعوا على كيفية االنسان مقسما ً إلى أقسام‪ ،‬وفي دراسات ملناسيب اجلسم‬ ‫عمل كل قطعة‪ ،‬واستمعت مجموعات منهم على شروح اكتشف دافنتشي أن طول يدي االنسان وهما ممدودتان‬ ‫من مستضيفي املعرض‪ ،‬أو من أساتذتهم‪ ،‬وقارنوا بني كثير مما تساويان ارتفاعه (طوله)‪ ،‬وأن القسم من جذور شعر االنسان‬ ‫تعلموه نظرياً‪ ،‬وما يختبرونه تطبيقيا ً اآلن على يد دافنتشي أب (أعلى اجلبني) إلى أخمص ذقنه (الوجه) يشكل ‪ ٪١٠‬من طوله‪،‬‬ ‫ومن أسفل الذقن إلى قمة الرأس ثمن طول االنسان‪ ،‬ومن أعلى‬ ‫اساتذة الفنون والعلوم والثقافة‪.‬‬ ‫دراجة‬ ‫الصدر وحتى جذور الشعر هو اجلزء السابع من اجلسم‪ ،‬ومن‬ ‫وأوضح املعرض امورا ً عدة للطالب‪ ،‬وللمشاهدين‪ ،‬واملهتمني‪ ،‬احللمات إلى قمة الرأس هو القسم الرابع‪ ،‬واليد بكامل طولها‬ ‫أبرزها‪ :‬مدى تطور العلوم في أواخر القرن اخلامس عشر‪ ،‬هي اجلزء العاشر من اجلسم‪ ،‬واملسافة من أسفل الذقن حتى‬ ‫وترجمتها على يد دافنتشي الذي وضع تصاميم لنظرياته األنف ومن جذور الشعر حتى احلواجب هي املسافة عينها‪،‬‬ ‫العلمية والفنية‪ ،‬فطبقها مهتمون اليوم بصناعات منوذجية وهي كاألذن‪ ،‬ثلث وجه االنسان‪.‬‬ ‫خشبية ومواد أخرى‪.‬‬ ‫سيرته‬ ‫وتبرز اعمال دافنتشي أنه مؤسس سباق ألهم النظريات وتفيد سيرته أن طفولته اظهرت عبقرية فذة إن في العلوم‬ ‫العلمية الهندسية والفيزيائية وعلوم الرياضيات‪ ،‬والتشريح‪ ،‬اخملتلفة كالهندسة والرياضيات والفيزياء والطب وعلوم‬ ‫واملوسيقى‪ ،‬وجتلت اختراعاته في آالت عدة ومجاالت احلياة التي الطبيعة‪ ،‬أم املوسيقى أو الفن‪ .‬وكان همه أن يصل إلى مرتبة‬ ‫لم تطبق وتروج إال بعد قرون من الزمن‪ ،‬كصناعة الطيران‪ ،‬رسام التي كانت مزدراة في عصره‪ ،‬فنقله والده ليدرس على يد‬ ‫‪ ٩‬شروح على اآلالت‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.