العدد: 76

Page 1

‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫شهرية‪ ،‬فكرية‪ ،‬ثقافية ‪ -‬ص‪.‬ب ‪ 113-7179‬بيروت‬

‫الجيش اللبناني‬ ‫يستعيد بناءه‬

‫‪4‬‬

‫العدد ‪ 76‬آذار ‪ 24 2013‬صفحة ‪ 2000‬لرية‬

‫النظام الطائفي عصي‬ ‫على اإلصالح؟‬

‫‪8‬‬

‫المسيحية قبل‬ ‫المسيح وبعده‬

‫سعادة ارشيد في حوار مع‬ ‫تحوالت‬

‫‪10‬‬

‫صرخة‪ ...‬حرية‬

‫‪14‬‬


‫‪2‬‬

‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫منبر‬

‫الرد على الردة‪...‬‬ ‫زهير فياض‬ ‫ثمة ردة ظالمية متخلفة تريد أن تعيد عقارب الزمن‬ ‫الى الوراء في بالدنا‪ ،‬لتعيد مجتمعنا الى عصور التطاحن‬ ‫الديني والطائفي واملذهبي التي تسحق االنسان بهمجيتها‬ ‫وتدمر العقل بغريزيتها‪ ،‬وتقتل أمل األجيال احلاضرة واآلتية‬ ‫مبستقبل زاهر وواعد‪...‬‬ ‫ثقافة غريبة في جوهرها عن تراث أمتنا وحضارتها‬ ‫ومسكونيتها يراد لها أن تخترق «العقل» لتعطل مفاعيله‬ ‫وقدرته على احلراك واالبداع واملقاومة والبناء والتعمير ‪...‬‬ ‫ليس صدف ًة‪ ،‬استثارة النزعات الفئوية واستجالب‬ ‫الفتنة املذهبية وخاص ًة السنية – الشيعية التي تعمل‬ ‫قوى دولية واقليمية ومحلية على استيالدها خدم ًة‬ ‫للمشروع الصهيوني املأزوم في أفقه املستقبلي‪ ...‬اذ يبدو‬ ‫أن اخملرج الوحيد املتبقي لهذا الكيان لالستمرار في قلب‬ ‫هذه املنطقة‪ ،‬هو حتويلها الى معازل طائفية ومذهبية‬ ‫تختنق بصراعاتها العبثية الغير مجدية واملدمرة للهوية‬

‫والكيان والوجود‪ ،‬واملعطلة ألي امكانية للتطور والتقدم‬ ‫واالزدهار‪....‬‬ ‫ومن يحاول ربط انتصار املشروع األميركي باملنطقة‬ ‫باالزدهار والتنمية واالستقرار امنا يسوق وهماً‪ ،‬اذ أن خيار‬ ‫التصدي ملشروع الفوضى األميركية وفق اخلرائط اجلديدة‬ ‫للدول والكيانات السياسية التي مت رسمها يبقى أقل‬ ‫كلفة من خيار التماهي مع الرؤية األميركية لشرق أوسط‬ ‫مخصي وعاجز ومقسم وغارق في الفوضى التي لن تبقي‬ ‫ولن تذر‪...‬‬ ‫وسط هذه املعمعة‪ ،‬وفي ظل تنامي التحديات الداخلية‬ ‫واخلارجية من العراق الى الشام الى لبنان وفلسطني‪...‬على‬ ‫القوى احلية أن تعيد النظر في بعض رؤيتها وأساليب‬ ‫عملها وبرامج نضالها‪ ،‬للتماهى مع مستوى التحدي الذي‬ ‫يواجه األمة بأسرها‪...‬‬ ‫لم يعد مقبوالً‪ ...‬التغاضي عن الشق االصالحي في‬

‫اجملتمع والدولة‪ ،‬ذلك أن املقاومة للمشروع املعادي تفترض‬ ‫التعامل مع أساليب وتكتيكات املشروع املعادي نفسه‬ ‫الذي يستهدف اجملتمع في بنيته ومتاسكه وهويته‬ ‫ووحدته‪...‬ليس تفصيالً النضال من أجل تطوير البعد‬ ‫الوطني املدني في اجملتمع والدولة‪ ....‬وتأطير املقاومة‬ ‫وتيارها في اطار وطني وقومي شامل واضح املعالم‬ ‫يعطيها حصانة تستطيع من خاللها اخلروج من مآزق‬ ‫احلاضر واملستقبل‪...‬‬ ‫لقد آن اآلوان للتفكير مليا ً في حتديد خيارات املقاومة‬ ‫املستقبلية من خالل حوار شامل وعميق تشارك فيه‬ ‫كل القوى احلية التي يتشكل منها تيار املقاومة لتحديد‬ ‫اطار وطني وقومي يتسع لكل املقاومني ويحقق لبالدنا‬ ‫املزيد من املنعة والقوة واالنتصار‪.‬‬ ‫ويتحقق عندها الرد احلقيقي على الردة الظالمية‬ ‫التي تطل برأسها عند كل مفترق‪...‬‬

‫الى من كان جواده البرق‬

‫والرعد صدى خطابه‬ ‫ملن تخلون الساحة يا من أعدكم املعلم رايات الطليعة‬ ‫صبر في التاريخ ‪.‬‬ ‫الزاحفة لتحقيق أعظم انتصار ألعظم ٍ‬ ‫وهل كان ملثل هذه املسرحيات املمجوجة التي ال تفارق‬ ‫شاشاتنا ‪،‬املكتوبة نصوصها بحبر عبري دورا ً في التعجيل‬ ‫بابعادكم عنا بعد صمتكم املدوي ‪...‬‬ ‫ومن تراه يتشدق بعد اليوم ويقول بان كورتنا اخلضراء‬ ‫كورة عبداهلل قبرصي وعبداهلل سعادة وندمي جواد عدره‬ ‫قد استسلمت لهذه الطغمة من الدخالء املأجورين؟‬ ‫وقد رأيناها باالمس القريب بكافة اطيافها وجماهيرها‬

‫بهاء منذر‬

‫تتدافع وراء نعشك الطاهر لوداعك والغصة تكاد تخنقها‬ ‫والدمعة حائرة بني أجفانها ؟؟‬ ‫رحمك اهلل يا ابا جواد‬ ‫يا رمز النضال الذي لم تلوثه اجلاهلية باردانها ويا أحب‬ ‫الرفاق وأوفاهم وما كانت جنة الفردوس اال المثالك من‬ ‫املؤمنني البررة املعتنقني احلياة وقفة عز فقط ‪.‬‬ ‫حسن مرتضى‬ ‫(صور)‬ ‫ندمي عدره (‪)2012-1921‬‬

‫‪4‬‬ ‫عامر مالعب‬


‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫منبر‬

‫لبنان لمن؟‬ ‫منصور عازار‬ ‫قيـــل إن لبنـــان وجـــد للمســـيحيني‪ ،‬وقيـــل‬ ‫ايضـــاً‪ ،‬وتخصيصـــا ً‪ ،‬ان لبنـــان هـــو للموارنـــة اوال ً‬ ‫ولغيرهـــم اخيـــراً‪.‬‬ ‫وقيل ــت اق ــوال كثي ــرة‪ ،‬رأت ال ــى املس ــلمني ف ــي‬ ‫لبنـــان‪ ،‬رؤيتهـــا الـــى كـــم مخيـــف‪ ،‬يجـــب جلمـــه‪،‬‬ ‫كمـــا كان يـــرى آخـــرون الـــى املوارنـــة واملســـيحيني‬ ‫انهـــم صليبيـــو الشـــرق اجلـــدد‪.‬‬ ‫ومـــا نفـــع هـــذه االقـــوال‪ ،‬واالقـــوال املضـــادة‪،‬‬ ‫بعدمـــا تبـــن‪ ،‬انهـــا‪ ،‬علـــى الرغـــم مـــن احلجـــج‬ ‫واحلجـــج املتناقضـــة‪ ،‬قـــادت لبنـــان الـــى هـــذه‬ ‫االحـــوال التـــي لـــم يعـــد فيهـــا لبنـــان‪ ،‬ال دولـــة‬ ‫املوارنـــة وال دولـــة املســـلمني‪.‬‬ ‫فكمـــا أن املارونيـــة‪ ،‬جـــزء ثـــري مـــن حضارتنـــا‪،‬‬ ‫وإرث مـــادي وروحـــي‪ ،‬كذلـــك االســـام‪ ،‬جـــزء مـــن‬ ‫حضارتنـــا وتقافتنـــا وإرث غنـــي ماديـــا ً وروحيـــا ً‬ ‫اســـتطاع ان يؤســـس فـــي لبنـــان حضـــوره علـــى‬ ‫مـــدى التاريـــخ‪:‬‬ ‫ان النظـــرة السياســـية الضيقـــة املنطلقـــة مـــن‬ ‫مقاييـــس الربـــح الطائفـــي والغنائـــم الطائفيـــة‬ ‫ل ــكل م ــن املس ــيحيني واملس ــلمني ايض ـا ً ال تس ــتطيع‬ ‫اال ان تكـــون نظـــرة ضيقـــة تنطلـــق مـــن ثقافـــة‬ ‫الفتنـــة واســـتمرارها‪.‬‬ ‫حـــرام ان يوصـــم املســـيحيون بالصليبيـــة وجائـــر‬ ‫جـــدا ً ان يتهـــم املســـلمون بنقـــص الـــوالء فهـــذا‬ ‫املنطـــق هـــو منطـــق احللقـــة الطائفيـــة التـــي‬ ‫زنـــرت لبنـــان ومـــا زالـــت‪...‬‬ ‫اذا كانـــت املارونيـــة اصيلـــة فـــي لبنـــان‪ ،‬فـــإن‬ ‫االســـام فيـــه ليـــس دخيـــ ًا واذا كان املوارنـــة فـــي‬ ‫القـــرن التاســـع عشـــر والقـــرن العشـــرين رواد‬ ‫العروبـــة الصحيحـــة‪ ،‬فـــإن املســـلمني فـــي لبنـــان‬ ‫كانـــوا ومـــا زالـــوا رواد لبنـــان العربـــي فلمـــاذا ال‬ ‫نـــرى ان اللقـــاء بينهمـــا هـــو حتمـــي ووفـــق منطـــق‬ ‫اجلغرافيـــا والتاريـــخ‪.‬‬ ‫فاملســـيحيون فـــي لبنـــان ليســـوا نصـــف لبنـــان‪،‬‬ ‫وليـــس املســـلمون نصفـــه اآلخـــر‪ ،‬اننـــا نـــرى ان‬ ‫املســـيحيني واملســـلمني معـــاً‪ ،‬مـــن خـــال تاريخهـــم‬ ‫ه ــم كل لبن ــان وال نق ــول ه ــذا انطالقــا ً م ــن جم ــع‬ ‫طائفـــي او مذهبـــي‪ ،‬بـــل نقـــول ذلـــك انبثاقـــا ً مـــن‬ ‫جوهـــر حضـــاري ثقافـــي متفاعـــل كـــ ّرس املنتمـــون‬ ‫الـــى هذيـــن الدينـــن العظيمـــن املنطلقـــن مـــن‬ ‫هـــذا الشـــرق جهـــدا ً مميـــزا ً كبيـــرا ً لصياغتـــه‬ ‫ّ‬ ‫فـــذة‪.‬‬ ‫كتجربـــة حضاريـــة‬ ‫رمبـــا يقـــول البعـــض ســـقطت هـــذه التجربـــة‪،‬‬ ‫ولكننـــا نقـــول إن التـــي ســـقطت هـــي جتربـــة‬ ‫التعايـــش الطائفـــي املنطلـــق مـــن املكاســـب‬

‫الطائفي ــة‪ ،‬ث ــم س ــقطت صيغ ــة الت ــكاذب الطائف ــي‬ ‫ولـــن يبقـــى مـــن هـــذه الصيغـــة السياســـية‬ ‫ّ‬ ‫الهشـــة اال االرث احلقيقـــي الـــذي ك ّرســـه االســـام‬ ‫منـــذ الفتـــح العربـــي والـــذي صاغـــه اإلمـــام‬ ‫االوزاعـــي‪ ،‬فـــي أكثـــر احلقبـــات تنازعـــا ً وتصارعـــاً‪...‬‬ ‫ول ــن يبق ــى ايضــا ً م ــن املاروني ــة اال غناه ــا احلض ــاري‬ ‫املرتبـــط بأرضهـــا ومحيطهـــا وتاريخهـــا األنطاكـــي‬ ‫الـــذي يلتقـــي لقـــاء حميمـــا ً اليـــوم كمـــا التقـــى‬ ‫فـــي املاضـــي البعيـــد‪ .‬فاإلســـام الـــذي انبثـــق مـــن‬ ‫اجلزيـــرة العربيـــة كانبثـــاق النـــور مـــن آخـــر الظـــام‬ ‫تفجـــر روحـــا ً ووجدانـــا ً‬ ‫للجاهليـــة واإلســـام الـــذي ّ‬ ‫وســـموا ً نحـــو اهلل الواحـــد االحـــد واالســـام الـــذي‬ ‫اضـــاء التاريـــخ العربـــي وتاريـــخ الشـــعوب اجملـــاورة‬ ‫الت ــي أخ ــذت ب ــه دينــا ً يرتف ــع به ــا م ــن االرض ال ــى‬ ‫الســـماء‪.‬‬ ‫هـــذا اإلســـام النـــداء الســـماوي ال ميكـــن وال‬ ‫يجـــوز أن نـــراه بلغـــة اجلاهليـــة حتطيمـــا ً آللهتهـــم‬ ‫وعبادتهـــم ومعتقداتهـــم‪ ،‬هـــذا االســـام العربـــي‬ ‫الـــذي ولـــد فـــي الصحـــراء ترعـــرع فـــي مـــا بعـــد‬ ‫وشـــب علـــى ضفـــاف‬ ‫علـــى ضفـــاف املتوســـط‬ ‫ّ‬ ‫االطلس ــي وف ــي االندل ــس غربــا ً وش ــرقا ً حت ــى ب ــاد‬ ‫الهن ــد‪ ،‬فاس ــتظلت ب ــه ش ــعوب وأدي ــان‪ .‬نع ــم لق ــد‬ ‫ظل ــل ه ــذا االس ــام العرب ــي ج ــزءا ً هامــا ً وأساس ــيا ً‬ ‫مـــن تاريخنـــا اللبنانـــي كمـــا ظللـــت املســـيحية‬

‫اآلراميـــة االنطاكيـــة جـــزءا ً هامـــا ً واساســـيا ً مـــن‬ ‫تاريـــخ لبنـــان مبـــا فيـــه احلديـــث منـــه‪.‬‬ ‫لـــم يكـــن االســـام فـــي تاريخـــه حكـــرا ً علـــى‬ ‫املس ــلمني وحده ــم أل ــم يدخ ــل الع ــرب املس ــيحيون‬ ‫حتـــت املظلـــة احلضاريـــة لالســـام؟ ألـــم يســـاهموا‬ ‫فك ــرا ً وعلمــا ً وثقاف ــة؟ أل ــم يك ــن االس ــام دينه ــم‬ ‫احلضـــاري واملســـيحية دينهـــم الســـماوي؟‬ ‫ولـــم تكـــن املســـيحية فـــي تاريخهـــا حكـــرا ً‬ ‫علـــى املســـيحيني وحدهـــم خاصـــة مناطـــق‬ ‫املســـيحية املشـــرقية وفـــي لبنـــان ايضـــا ً حيـــث‬ ‫فأمهـــا‬ ‫ازدهـــرت األديـــرة بصلواتهـــا وزهادهـــا ّ‬ ‫العلمـــاء املســـلمون وع ّرجـــوا عليهـــا فـــي اجلبـــال‬ ‫الوعـــرة‪ ،‬حيـــث عرفـــوا علـــى أيـــدي الزهـــاد بعضـــا ً‬ ‫مـــن طـــرق التقـــرب الـــى اهلل عـــز وجـــل‪ .‬ألـــم‬ ‫يكـــن الكثيـــر مـــن اخللفـــاء املســـلمني ميضـــون‬ ‫بعـــض أيامهـــم فـــي االديـــار يقضـــون فيهـــا اوقاتـــا ً‬ ‫للتأمـــل والراحـــة الروحيـــة‪.‬‬ ‫إن التاريـــخ العربـــي اإلســـامي واملســـيحي‬ ‫يظهـــر مقـــدار الشـــراكة احلضاريـــة والفكريـــة‬ ‫والثقافيـــة والعمرانيـــة والسياســـية بـــن الدينـــن‪.‬‬ ‫املوحديـــن بـــاهلل‬ ‫لـــم يكـــن غريبـــا ً ابـــدا ً ان‬ ‫ّ‬ ‫املســـلمني يوحـــدون اهلل بـــ ‪( :‬ال الـــه اال اهلل)‪ ،‬كمـــا‬ ‫ول ــم يك ــن معيبــا ً ل ــدى املس ــيحيني إب ــان اخلالف ــات‬ ‫الدامي ــة ب ــن اليعاقب ــة واملوارن ــة ان يحتكم ــوا ال ــى‬ ‫اخلليفـــة االمـــوي االول معاويـــة بـــن أبـــي ســـفيان‪.‬‬ ‫ان اللقـــاء الدينـــي بـــن املســـيحيني واملســـلمني‬ ‫فـــي لبنـــان حتمـــي فمـــن دونـــه ال لبنـــان وال نقـــول‬ ‫ذلـــك عبثـــا ً واعتباطـــاً‪ .‬فاللبنانيـــون فـــي املغتربـــات‬ ‫مـــا زالـــوا بـــكل طوائفهـــم يلتفـــون علـــى حبهـــم‬ ‫للبنـــان ووفائهـــم الوطنـــي‪ ،‬علينـــا ان نخـــرج مـــن‬ ‫اخلنـــادق الطائفيـــة الـــى رحابـــة األديـــان التـــي‬ ‫تلتقـــي علـــى حيـــاة الوطـــن وليـــس دفنـــه‪ .‬إن‬ ‫املســـلمني واملســـيحيني لـــم يجمعهـــم ميثـــاق‬ ‫وطن ــي‪ ،‬ولك ــن ال ــذي يجمعه ــم ه ــو لبن ــان وانتم ــاؤه‬ ‫الـــى حضارتـــه وتاريخـــه وبيئتـــه الطبيعيـــة الن‬ ‫تاريخ ــه ه ــو تاري ــخ اتص ــال ولي ــس تاري ــخ انفص ــال‪.‬‬ ‫ان ادلتنـــا علـــى كل ذلـــك فـــي هـــذا العصـــر‬ ‫وامـــام اعيننـــا هـــو هـــذا االختـــاط الرائـــع فـــي‬ ‫حيـــاة اللبنانيـــن اليوميـــة وفـــي مناســـباتهم‬ ‫الروحيـــة واالجتماعيـــة‪ ،‬فـــا ميكـــن أبـــدا ً ان متيـــز‬ ‫االنتمـــاء الطائفـــي بـــل جتـــد امامـــك وحـــدة حيـــاة‬ ‫حضاريـــة‪ ،‬اجتماعيـــة‪ ،‬ثقافيـــة واقتصاديـــة‪.‬‬ ‫إن املســـلمني واملســـيحيني معـــا ً هـــم لبنـــان‬ ‫الواحـــد بوحـــدة احليـــاة واملصيـــر‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫استراتيجيا‬ ‫بعد فقدانه بنيته اللوجستيه في حرب داخلية مدمرة‬

‫الجيش اللبناني يستعيد بناءه مؤسسة وطنية جامعة‬

‫الياس فرحات‬

‫عميد متقاعد‬

‫شكلت الهبات من الدول الصديقة وفرص شراء اآلليات‬ ‫بأسعار رمزية ‪ 100‬دوالر للجيب و‪ 2000‬دوال للشاحنة دعما ً‬ ‫إلعادة البناء‬ ‫يشكل موقع لبنان االستراتيجي على الساحل‬ ‫الشرقي للبحراملتوسط اهمية بالغة في التطورات‬ ‫السياسية في منطقة الشرق االوسط منذ انشاء دولة‬ ‫اسرائيل وطرد عدد كبير من الفلسطينيني الى الدول‬ ‫اجملاورة ومن بينها لبنان‪ ,‬ومع سيطرة الصراع العربي‬ ‫االسرائيلي على االوضاع السياسية والدفاعية واالمنية‬ ‫واالقتصادية واالجتماعية والثقافية في دول املنطقة‬ ‫ومنها لبنان‪ ،‬نتج عن هذا الصراع تعرض لبنان لتحديات‬ ‫ومخاطر تفوق حجمه وقدرته على مواجهتها‪ ,‬وهي‬ ‫ناشئة عن ارث التنافس والتحارب بني الطوائف اللبنانية‬ ‫منذ العام ‪ ,1840‬وتدخل الدول الكبرى واالقليمية حتت‬ ‫عناوين متعددة من حماية الطوائف‪ ,‬الى دعم القضية‬ ‫الفلسطينية‪ ,‬الى حماية الدميوقراطية وحقوق االنسان‪,‬‬ ‫مضافة اليها مطالبة الالجئني الفلسطينيني بحق‬ ‫العودة وجلوئهم الى الكفاح املسلح‪.‬‬ ‫كان اجليش اللبناني في واجهة التحديات والتهديدات‬ ‫ووقعت عليه املسؤولية املباشرة للتصدي لها‪.‬‬ ‫في هذا القسم نتحدث عن اعادة بناء اجليش بعد‬ ‫انتهاء احلرب العام ‪ 1990‬والتوصل الى اتفاقية الطائف‪.‬‬ ‫اعتبارات دستورية وقانونية‬ ‫قبل البدء نن ّوه باعتبارات دستورية وقانونية منها‪:‬‬ ‫‪ -1‬العام ‪ 1979‬صدر تعديل لقانون اجليش وسمي‬ ‫قانون الدفاع الوطني انشئ مبوجبه اجمللس العسكري‬ ‫على اساس طائفي بالعرف واخضع تعيينات رئيس‬ ‫االركان واعضاء اجمللس العسكري وقادة املناطق واالسلحة‬ ‫واملعاهد الى مجلس الوزراء وتعيينات املديرين الى قرار‬ ‫وزير الدفاع‪ ,‬بعدما كانوا يعينون مبوجب مذكرة خدمة‬ ‫صادرة عن قيادة اجليش‪.‬‬ ‫‪ -2‬قبل دستور الطائف كان رئيس اجلمهورية هو‬ ‫القائد االعلى للجيش والقوات املسلحة‪ ,‬وفي التعديل‬ ‫الدستوري الذي حصل العام ‪ 1991‬استنادا الى اتفاقية‬ ‫الطائف‪ ,‬جاءت فقرة ارتباط اجليش ملتبسة‪« :‬رئيس‬ ‫اجلمهورية يرأس اجمللس األعلى للدفاع وهو القائد األعلى‬ ‫للقوات املسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء»‪.‬‬ ‫‪ -3‬في املمارسة ادى هذان التعديالن الى فتح ابواب‬ ‫اجليش الى السياسة‪ ،‬خصوصا في التعيينات‪.‬‬ ‫‪ -4‬ازداد عديد اجليش من نحو ‪ 10‬آالف العام ‪ 1980‬الى‬ ‫نحو ‪ 40‬الفا ً العام ‪.1990‬‬ ‫‪ -5‬استدعي الشباب اللبناني الى خدمة العلم العام‬ ‫‪ 1983‬حتى ‪ 1986‬ثم توقفت لتستأنف العام ‪ 1993‬لغاية‬ ‫‪.2004‬‬ ‫‪ -6‬شهد اجليش ثالثة انقسامات االول في آذار العام‬ ‫‪ 1976‬استمر لغاية آذار ‪ ,1977‬والثاني في شباط العام‬ ‫‪ 1984‬استمر لغاية آذار ‪ ،1985‬والثالث في ايلول العام‬ ‫‪ 1988‬واستمر لغاية تشرين االول ‪.1990‬‬ ‫اجليش اللبناني من ‪ 1984‬حتى نهاية العام ‪1990‬‬ ‫منذ العام ‪ 1984‬ولغاية ‪ 1990‬كانت وحدات اجليش‬ ‫موزعة على ألوية يضم كل منها غالبية من الطائفة‬ ‫واجلماعة السياسية املهيمنة في منطقة االنتشار‬ ‫اجلغرافي لها‪ .‬كان لكل لواء طابع طائفي ومناطقي‬

‫ويخضع بنسب متفاوتة لسلطة الزعماء املهيمنني‬ ‫(على سبيل املثال ال احلصر اللواء االول في البقاع شيعي‪,‬‬ ‫اخلامس في كسروان ماروني‪ ,‬احلادي عشر في اجلبل‬ ‫درزي‪ ,‬السابع في زغرتا والكورة ماروني فرجنية‪ ,‬الثاني‬ ‫في الشمال سني)‪ .‬في املناطق “املسيحية” استطاع‬ ‫قائد اجليش العماد ميشال عون متييز العسكريني‪,‬‬ ‫وهم بغالبيتهم من املسيحيني‪ ,‬عن القوى السياسية‬ ‫املهيمنة واملتصارعة في ما بينها ومن ضمنها رئيس‬ ‫اجلمهورية الذي حت ّول الى طرف مسيحي الى جانب‬ ‫القوات اللبنانية والرئيس فرجنية في الشمال‪ .‬وكانت‬ ‫قيادة اجليش مختلطة تضم ضباطا ً وعناصر من مختلف‬ ‫املناطق والطوائف‪ .‬في بعض األحيان وبتأثير تطورات‬ ‫سياسية او أمنية كان قسم كبير من ضباط القيادة‬ ‫يغيب عن مركز عمله إما تخوفا ً او احتجاجا ً لفترة ثم‬ ‫يعود بشكل متقطع من دون أخذ موقف انفصالي او‬ ‫انشقاقي‪.‬‬ ‫في ‪ 23‬ايلول ‪ 1988‬انتهت والية الرئيس امني اجلميل‬ ‫وكلف العماد عون برئاسة حكومة ذات طابع انتقالي‪.‬‬ ‫رفضت القوى االسالمية مدعومة من سوريا هذه‬ ‫احلكومة واستمرت حكومة الرئيس سليم احلص مبمارسة‬ ‫صالحياتها في املناطق االسالمية وكلفت اللواء سامي‬ ‫اخلطيب بقيادة اجليش (عمليا ً القوى املوجودة في املناطق‬ ‫االسالمية)‪ .‬شهد لبنان ما اصطلح على تسميته بحرب‬ ‫التحرير ضد القوات السورية وحرب االلغاء بني اجليش‬ ‫والقوات اللبنانية في املناطق املسيحية‪ .‬سياسيا شهد‬ ‫ايضا التوصل الى وثيقة الوفاق الوطني في الطائف ثم‬ ‫انتخاب رئيس للجمهورية رينيه معوض وبعد اغتياله‬ ‫الياس الهراوي‪ .‬استمر الوضع حلني دخول القوات السورية‬ ‫الى معقل العماد عون في بعبدا في ‪ 13‬تشرين االول‬ ‫وبداية توحيد اجليش واعادة بنائه بقيادة العماد اميل حلود‪.‬‬ ‫اعادة البناء‬ ‫وضع العماد حلود هدفا ً أمامه وهو توحيد اجليش‬ ‫واعادة بنائه على اسس سليمة وارساء عقيدة وطنية‬ ‫تخرج اجليش من التأثيرات السياسية اخملتلفة فقام‬ ‫بالتوازي باخلطوات التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬إرساء عقيدة وطنية واضحة للجيش تشمل حتديد‬ ‫الصديق والعدو‪:‬‬ ‫بسبب اختالف القوى السياسية والطائفية التي‬ ‫يتحدر منها العسكريون‪ ,‬اتخذت القيادة من وثيقة‬ ‫الوفاق الوطني‪ ,‬وهي الوثيقة التي وافق عليها غالبية‬ ‫اللبنانيني‪ ,‬مرجعا ً للعقيدة‪ .‬حددت العدو وهو إسرائيل‪.‬‬ ‫جاء في البند ثانيا الفقرة ‪ 1‬ج من الوثيقة‪:‬‬ ‫“يجري توحيد وإعداد القوات املسلحة وتدريبها لتكون‬ ‫قادرة على حتمل مسؤولياتها الوطنية في مواجهة‬ ‫العدوان اإلسرائيلي”‪.‬‬ ‫وضع ذلك حدا لاللتباس الذي كان العسكريون‬ ‫يعانون منه‪ ,‬وباتت املهمة الدفاعية للجيش هي مواجهة‬ ‫العدوان االسرائيلي‪ .‬ولهذه الغاية انتشرت وحدات اجليش‬ ‫على طول جبهة املواجهة مع العدو االسرائيلي في‬ ‫اجلنوب والبقاع الغربي‪.‬‬ ‫لم تقتصر مهمات اجليش على الدفاع فقط‪ ,‬بل شغل‬ ‫حفظ االمن والنظام في الداخل قوى اجليش التي انتشرت‬ ‫في معظم املناطق اللبنانية لبسط سلطة الدولة‪,‬‬ ‫لكنها كانت تنتشر بشكل مؤازرة لقوى االمن الداخلي‬ ‫صاحبة الصالحية لهذه املهام‪ .‬جاء ذلك استنادا الى‬

‫الفقرتني أ وب من البند ثانيا من وثيقة الوفاق الوطني‪:‬‬ ‫“إن املهمة األساسية للقوات املسلحة هي الدفاع‬ ‫عن الوطن وعند الضرورة حماية النظام العام عندما‬ ‫يتعدى اخلطر قدرة قوى األمن الداخلي وحدها على‬ ‫معاجلته‪ .‬تستخدم القوات املسلحة في مساندة قوى‬ ‫األمن الداخلي للمحافظة على األمن في الظروف التي‬ ‫يقررها مجلس الوزراء”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وبالفعل اصدر مجلس الوزراء قرارا بتكليف اجليش‬ ‫ببسط سلطة الدولة وحفظ االمن والنظام وتقدمي‬ ‫املؤازرة لقوى االمن الداخلي في ‪ 15‬كانون الثاني ‪1991‬‬ ‫وما يزال ساري املفعول‪.‬‬ ‫وهكذا وضعت قوى اجليش في مواجهة وطنية ضد‬ ‫كل من يخل باالمن الداخلي للبالد واملواطنني‪ ,‬واصبح‬ ‫ذلك جزءا ً من العقيدة‪.‬‬ ‫‪ -2‬دعم املقاومة ضد االحتالل االسرائيلي‪:‬‬ ‫ينطلق موقف اجليش من دعم املقاومة من قرارات‬ ‫مجلس الوزراء ومن وثيقة الوفاق الوطني‪ .‬نص البند ثالثا‬ ‫من وثيقة الطائف على اآلتي‪:‬‬ ‫“استعادة سلطة الدولة حتى احلدود اللبنانية املعترف‬ ‫بها دوليا ً تتطلب اآلتي‪:‬‬ ‫أـ العمل على تنفيذ القرار ‪ 425‬وسائر قرارات مجلس‬ ‫األمن الدولي القاضية بإزالة االحتالل اإلسرائيلي إزالة‬ ‫شاملة‪.‬‬ ‫ب ـ التمسك باتفاقية الهدنة املوقعة في ‪ 23‬آذار‬ ‫‪ 1949‬م‪.‬‬ ‫ج ـ اتخاذ كافة اإلجراءات الالزمة لتحرير جميع‬ ‫األراضي اللبنانية من االحتالل اإلسرائيلي وبسط سيادة‬ ‫الدولة على جميع أراضيها ونشر اجليش اللبناني في‬ ‫منطقة احلدود اللبنانية املعترف بها دوليا ً والعمل على‬ ‫تدعيم وجود قوات الطوارئ الدولية في اجلنوب اللبناني‬ ‫لتأمني االنسحاب اإلسرائيلي وإلتاحة الفرصة لعودة‬ ‫األمن واالستقرار إلى منطقة احلدود”‪.‬‬ ‫اولت هذه الفقرة السلطة السياسية القيام باجلهد‬ ‫السياسي والدبلوماسي لتنفيذ القرار ‪ ,425‬والتمسك‬ ‫باتفاقية الهدنة املوقعة العام ‪ 1949‬بني لبنان واسرائيل‪,‬‬ ‫ودعم القوات الدولية‪ ،‬فيما يتعلق باملناطق التي كانت ما‬ ‫تزال حتت االحتالل االسرائيلي‪ ,‬انطلقت مقاومة لبنانية‬ ‫معظمها من حزب اهلل ضد قوات االحتالل االسرائيلي‬ ‫وامليليشيات املتعاونة معها واتخذت شرعية ميثاقية‬ ‫لها من جملة «اتخاذ كافة االجراءات الالزمة لتحرير‬ ‫جميع االراضي اللبنانية من االحتالل االسرائيلي»‪.‬‬ ‫كان هذا في الواقع امليثاقي‪ ,‬اما في الواقع العملي‬ ‫فقد جاء دعم اجليش للمقاومة تنفيذا لقرار السلطة‬ ‫االجرائية املمثلة مبجلس الوزراء وشمل تسهيالت‬ ‫التحرك من املناطق احملتلة واليها من دون انشاء ثكنات‬ ‫وال مراكز وال القيام باي دور أمني الذي بقي حصرا بيد‬ ‫الدولة اللبنانية وقواتها املسلحة‪ ،‬كان عمل املقاومة‬ ‫بغالبيته سرياً‪ .‬نتذكر في هذا اجملال الطابع العلني‬ ‫واالمني والعسكري الذي غلب على عمل منظمة التحرير‬ ‫الفلسطينية من مطلع السبعينيات حتى العام ‪1982‬‬ ‫والذي ادى الى اقتتال داخلي‪ ,‬وايجاد اجهزة بديلة عن‬ ‫الدولة‪ ,‬واغراق لبنان في مشاكل عربية ودولية‪ ,‬من دون‬ ‫حتقيق اي تقدم في موضوع العودة او التسوية املشرفة‬ ‫او التحرير‪ .‬طبعا نحن هنا في معرض توصيف احلالة من‬ ‫دون حتديد االسباب واملسؤوليات عن ذلك الوضع‪.‬‬ ‫استطاعت املقاومة بتضحياتها وجهدها وتنسيقها‬


‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫مع اجليش والقوى االمنية حتريرغالبية االراضي احملتلة‬ ‫العام ‪ 2000‬من دون شروط وال اتفاقات مع اسرائيل‪,‬‬ ‫وبسيادة لبنانية كاملة‪ .‬لم تقم املقاومة باي مهمة امنية‬ ‫بعد التحرير وسلمت الدولة كل املطلوبني املتعاونني مع‬ ‫العدو الى القضاء اللبناني واحيلوا الى احملاكم اخملتصة‪.‬‬ ‫لم تشهد املناطق احملررة اي اعمال انتقامية من مثل ما‬ ‫كان يجري في احلرب الداخلية عند سيطرة فريق على‬ ‫مناطق لفريق آخر من دمار وتخريب ونهب وتهجير‪ .‬حتقق‬ ‫كل ذلك بفضل التنسيق بني الدولة واملقاومة‪.‬‬ ‫‪ -3‬دمج العسكريني‪:‬‬ ‫كان قرار دمج العسكريني االهم واالكثر حساسية‬ ‫في اعادة بناء اجليش‪ .‬لقد تطلب جمع عسكريني من‬ ‫مختلف املناطق والطوائف في وحدات متجانسة قرارا‬ ‫صعبا بعدما كانوا سابقا في الوية طائفية اعتادوا على‬ ‫اخلدمة فيها بسبب الظروف الضاغطة‪ .‬وقفت السلطة‬ ‫السياسية مترددة في هذه املسألة‪ ,‬نظرا العتراض‬ ‫القوى الطائفية وللمخاوف التي طرحها بعض السلطة‬ ‫من خدمة عسكريني في مناطق ال ينتمون اليها‪ .‬لكن‬ ‫قائد اجليش في حينه العماد حلود مضى في قرار الدمج‬ ‫واتخذ خطوة فورية بدمج االلوية بنقل كتيبة بكاملها‬ ‫من لواء الى آخر مختلف طائفيا ً (بني اللواءين السادس‬ ‫والثامن وبني اللواءين العاشر واحلادي عشر) اعقب ذلك‬ ‫سلسلة من مذكرات تشكيالت الضباط والعسكريني‬ ‫انتهت الى وضع اصبحت فيه كل وحدة عسكرية‪ ,‬مهما‬ ‫بلغ حجمها‪ ,‬مؤلفة من عسكريني ينتمون الى مختلف‬ ‫املناطق والطوائف‪ .‬كما مت تشكيل قادة االلوية واملناطق‬ ‫بحيث الغي الطابع الطائفي واملناطقي لوحدات اجليش‪.‬‬ ‫‪ -4‬تبديل الوحدات املنتشرة عمالنيا‪:‬‬

‫ظهر الجيش مؤسسة وطنية جامعة‬ ‫وثقت بها غالبية اللبنانيين رغم‬ ‫االنقسامات السياسية الحادة بينهم‪.‬‬ ‫مضت فترة زمنية وكل لواء ينتشر في املنطقة‬ ‫نفسها‪ ,‬وغالبا حتت نفوذ قوة سياسية‪ ,‬بحيث باتت‬ ‫املهمات مرهونة مبوافقة هذه القوة‪ .‬وبغية خلق واقع‬ ‫جديد لقوى اجليش في تعاملها مع املواطنني ومع‬ ‫القوى السياسية‪ ,‬وفرض هذا الواقع ايضا على القوى‬ ‫السياسية‪ ,‬عمدت قيادة اجليش الى تبديل دوري للوحدات‬ ‫العسكرية ونقلها من بقعة انتشار عمالني الى اخرى‪.‬‬ ‫هكذا لم يعد املواطنون مييزون بني لواء وآخر ووحدة واخرى‪,‬‬ ‫ومع التوصل الى دمج الوحدات العسكرية باتت كل‬ ‫وحدة عندما تقوم مبهمات حفظ امن او مهمات دفاعية‬ ‫متثل لبنان بكامله ومؤسسة اجليش ال فئة معينة من‬ ‫اللبنانيني‪.‬‬ ‫‪ -5‬وضع معايير واضحة للعمل داخل املؤسسة‪:‬‬ ‫وضعت قيادة اجليش معايير واضحة للعمل في‬ ‫املؤسسة‪ ,‬فاخضعت الترقيات لشروط الكفاءة‬ ‫واالنتاجية واعادت العمل باملكاتب الدراسية التي كانت‬ ‫متوقفة بسبب االوضاع السائدة في اجليش والبالد كما‬ ‫فرضت تقدمي اطروحات لبعض الترقيات وخصوصا لرتبة‬ ‫عميد وعقيد‪ .‬كما قررت اجراء اختبارات التباع دورات اركان‬ ‫داخل البالد وخارجها وايفاد املميزين في الدراسة داخل‬ ‫البالد الى دورات دراسية في اخلارج بعدما كان التعيني يتم‬ ‫باالختيار‪.‬‬ ‫‪ -6‬انطالق ورشة التدريب‪:‬‬ ‫بعد اعادة توحيد اجليش انطلقت ورشة تدريب‬ ‫نظري وتطبيقي على مختلف الرعائل‪ .‬اعيد العمل‬ ‫مبعهد التعليم ومدرسة الرتباء واقيمت دورات مختلفة‬ ‫للضباط ومناورات للوحدات العسكرية بعضها بالذخيرة‬ ‫احلية باالضافة الى االلتزام ببرنامج الرماية السنوي‬ ‫جلميع العسكريني‪ .‬جرى التدريب خارج البالد في الدول‬

‫استراتيجيا‬

‫الشقيقة والصديقة‪ .‬قدمت سوريا عددا كبيرا من‬ ‫املقاعد الدراسية في كليات االركان وفي تدريب وحدات‬ ‫املظليني التي تتطلب استخدام طائرات‪ .‬الواليات املتحدة‬ ‫ايضا قدمت مقاعد عديدة للدورات املتقدمة واالركان‬ ‫ودورات تأسيسية‪ .‬فرنسا التي تربطها باجليش عالقات‬ ‫قدمية وتاريخية قدمت مقاعد عديدة في االركان ودورات‬ ‫متخصصة‪ ,‬كما قدمت احلكومة الفرنسية مركز مشبه‬ ‫تكتي ‪ Simulateur Tactic‬من نوع ‪ Janus‬في كلية‬ ‫القيادة واالركان وارسلت طواقم من اجليش الفرنسي‬ ‫لتشغيله وتدريب اللبنانيني عليه مما رفع مستوى‬ ‫التدريب في اجليش‪ .‬تابع اجليش ايفاد ضباط الى دول عدة‬ ‫منها ايطاليا واسبانيا ومصر واالردن والصني والسعودية‬ ‫واالمارات والكويت وباكستان وغيرها‪.‬‬ ‫‪ -7‬جتهيز اجليش‪:‬‬ ‫فقد اجليش خالل االحداث معظم جتهيزاته‪ ،‬خصوصا‬ ‫اآلليات القتالية وآليات النقل وطائرات الهلكوبتر‪ ,‬اضافة‬ ‫الى النقص في االسلحة الفردية واالجمالية والذخائر‪.‬‬ ‫حرصت قيادة اجليش على جتهيزه من اصل االعتمادات‬ ‫اخملصصة في املوازنة‪ ,‬ولم تطلب نفقات اضافية ولم جتر‬ ‫عقودا ً للتسلح مع اية جهة اجنبية‪ ،‬رغم عروض تلقتها‬ ‫من السلطة السياسية‪ .‬ان الدين العام اللبناني ال‬ ‫يتضمن ديونا ً عسكرية‪ .‬جرى التجهيز وفقا ً لآلتي‪:‬‬ ‫ االستفادة من االسلحة واآلليات والذخائر املصادرة‬‫من امليليشيات وتصنيفها وتنفية غير الصالح منها‬ ‫وتوزيع الصالح على وحدات اجليش‪.‬‬ ‫ تسلم هبة من اجلمهورية العربية السورية تتألف‬‫من نحو ‪ 120‬دبابة ‪ T55‬و ‪ T56‬ونحو ‪ 150‬مدفع عيار ‪122‬‬ ‫ملم و‪ 130‬ملم‪.‬‬ ‫ االستفادة من العرض االميركي بشراء آليات‬‫تكتية نحو الف ناقلة جند ‪ M113‬وشاحنات وسيارات‬ ‫جيب بأسعار رمزية بلغت في بعض االحيان ‪ 100‬دوالر‬ ‫للجيب والفي دوالر للشاحنة‪ ,‬وذلك من القواعد التي‬ ‫اخلتها القوات االميركية في املانيا‪ ،‬كما تأمنت ‪ 24‬طائرة‬ ‫هلكوبتر من نوع ‪UH1‬بأسعار رمزية ايضا‪.‬‬ ‫ االستفادة من العرض الفرنسي بتقدمي هبة ‪124‬‬‫مصفحة من نوع ‪.VAP‬‬ ‫‪ -8‬إبعاد اجليش عن السياسة‪:‬‬ ‫حرصت قيادة اجليش على ابعاد العسكريني عن‬ ‫التجاذبات السياسية في البالد‪ ,‬وعدم تدخلهم‬ ‫بالسياسة‪ .‬اصدرت تعميما منعت مبوجبه حضور‬ ‫النشاطات السياسية واالخرى االجتماعية والعائلية‬ ‫والثقافية التي حتمل طابعا سياسيا اال باذن من قيادة‬

‫اجليش‪ .‬في املقابل منعت القيادة تدخل السياسيني في‬ ‫اجليش‪.‬‬ ‫حسب الدستور‪ ,‬يرتبط اجليش بالسلطة االجرائية‬ ‫املمثلة مبجلس الوزراء مجتمعاً‪ .‬مع ان رئيس اجلمهورية‬ ‫هو القائد األعلى للقوات املسلحة اال ان الدستور‬ ‫اخضعها لقرار مجلس الوزراء‪ .‬نتج عن هذا االلتباس ان‬ ‫انبثق دور لقائد اجليش في اجراء االتصاالت مع السلطات‬ ‫الدستورية املعنية بالقرار السياسي في مجلس الوزراء‬ ‫وهي رئيس اجلمهورية ورئيس الوزراء ووزير الدفاع باإلضافة‬ ‫الى رئيس اجمللس النيابي وقادة القوى السياسية‪ .‬كانت‬ ‫االتصاالت جتري من قبل قائد اجليش الذي كلف مديرية‬ ‫اخملابرات إجراء االتصاالت السياسية‪ .‬في معظم االحيان‬ ‫ادت هذه االتصاالت الى حتصني دور اجليش االمني والدفاعي‬ ‫واكسابه الغطاء السياسي الالزم لتنفيذ املهام‪ .‬لم‬ ‫يسمح الي ضابط او عسكري باجراء اتصاالت سياسية‬ ‫منفردة‪.‬‬ ‫بالنسبة للعالقة مع القوات السورية العاملة في‬ ‫لبنان‪ ,‬حرصت القيادة على التنسيق معها عبر مديرية‬ ‫اخملابرات ومكتب التنسيق والتعاون في قيادة اجليش‬ ‫الذي ما زال عامال حتى اليوم‪ .‬استلمت قوى اجليش‬ ‫املهام تدريجا وخصوصا احلواجز واملراكز ونفذت القوات‬ ‫السورية عدة عمليات اعادة انتشار الى داخل سوريا‬ ‫وتراجع عددها من ‪ 80‬الفا ً عام ‪ 1990‬الى ‪ 14‬الفا عند‬ ‫انسحابها العام ‪ .2005‬لم تتدخل القوات السورية مع‬ ‫الضباط والعسكريني في اجليش وامنا كانت عالقتها تتم‬ ‫عبر قيادة اجليش‪ .‬ادى هذا الى ظهور اجليش مؤسسة‬ ‫وطنية جامعة وثق بها غالبية اللبنانيني‪ .‬برز ذلك بوضوح‬ ‫بعد االضطرابات التي شهدها لبنان اثر اغتيال الرئيس‬ ‫الشهيد رفيق احلريري وانسحاب القوات السورية من‬ ‫لبنان واالنقسامات السياسية احلادة بني اللبنانيني حيث‬ ‫حافظ اجليش على ثقة الفرقاء اخملتلفني مع بعضهم‪,‬‬ ‫واضطلع بتنفيذ مهمات امنية صعبة وواجه التهديدات‬ ‫اخملتلفة في جميع املناطق اللبنانية‪.‬‬ ‫خامتة‬ ‫لقد اثبتت العقيدة التي ارسيت في اجليش باالضافة‬ ‫الى املعايير والثوابت التي متت اعادة بنائه على اساسها‪,‬‬ ‫جناحها في كسب ثقة غالبية الشعب اللبناني والقوى‬ ‫السياسية باملؤسسة العسكرية ومكنت املؤسسة من‬ ‫استمرار العمل في مختلف الظروف واالزمات التي مر بها‬ ‫لبنان في اآلونة االخيرة وال يزال‪ .‬انعكست هذه الثوابت‬ ‫جترد اجليش وحياده في تنفيذ جميع املهمات وشكلت‬ ‫ناظما لعمل القيادة في مختلف اجملاالت‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫استراتيجيا‬ ‫هل يمكن استعادة وحدة سوريا الطبيعية التي فرط بها الشريف حسين؟‬

‫الربيع العربي ‪ ..‬خديعة العصر‬ ‫أمين الذيب‬ ‫ال زالت البلدان العربية غير قادرة على إنتاج سياساتها‬ ‫القومية لوقوعها حتت تأثير تدخّ ل القوى اخلارجية ـ‬ ‫االستعمارية في شؤونها الداخلية الى درجة تقرير‬ ‫ُّ‬ ‫والتحكم مبواردها الى‬ ‫مصيرها السياسي واالقتصادي‬ ‫َح ّد االستباحة‪ .‬قد يكون رسم صورة بيانية لتعثر العرب‬ ‫التاريخي وإخفاقهم في إجناز دولتهم السياسية‪ ،‬ال يه ُدف‬ ‫الى التعتيم على بعض احملطات املُشرقة التي تبلورت في‬ ‫محاوالتهم إجناز وحدتهم‪ ،‬خاصة في عشرينيات القرن‬ ‫املاضي‪ ،‬والتي تبددت لعدم احترافية قياداتها وقصورها‬ ‫عن التعامل مع املشاريع اخلطيرة التي تالزمت مع نتائج‬ ‫احلرب العاملية االولى‪ ،‬ورمبا اإلجابة على التساؤالت الناجمة‬ ‫عن فشل الشريف حسني في إقناع جمال باشا السفاح‬ ‫الذي كان من أكثر املتحمسني إلنفاذ سياسات جمعية‬ ‫االحتاد والت ّرقي القائمة على ضرب القوميات‪ ،‬بخاصة‬ ‫العربية منها‪ ،‬بأن يُقنعه بأهمية أن تقاتل القبائل واجليوش‬ ‫العربية الى جانب تركيا ُمقابل استقاللها ووحدتها‪ ،‬هل‬ ‫كان هذا اإلخفاق بسبب عدم اخلبرة واحلنكة السياسية‬ ‫عند الشريف حسني وابنه امللك فيصل‪ ،‬أم بسبب عدم‬ ‫نضوج فكرة الوحدة عند قيادات عربية عديدة مثل نوري‬ ‫السعيد وصديقه لورانس وسعداهلل اجلابري ـ حزب‬ ‫الكتلة الوطنية وسواهم؟ وهل النتائج كانت تبدلت لو‬ ‫أجنز الشريف حسني تفاهما ً تكتيكيا ً مع االتراك؟ هل كان‬ ‫إلمارة مكة أن يتوارثها أبناء الشريف حسني واحفاده‪،‬‬ ‫ُمسقطا ً بذلك مفاعيل اتفاقية سايكس بيكو و ُملغيا ً‬ ‫القيمة السياسية لوعد بلفور بعدم تبنيها عربياً؟ وهل‬ ‫كان س ُيكتب لفلسطني أن تبقى دولة عربية ُمستقلة‪،‬‬ ‫وهل كان استطاع الغرب أن يسلخ لواء االسكندرون‬ ‫ملصلحة تركيا؟ في هذا السياق يقول اجلنرال ويلسون انه‬ ‫وصل الى حد القرف حني كان حاضرا ً في االجتماع الذي‬ ‫دار بني سايكس وبيكو مع الشريف حسني وابنه فيصل‪،‬‬ ‫من الكذب واخلداع الذي مورِس بحق هذا الكهل ـ الشريف‬ ‫حسني‪.‬‬ ‫في االستنتاج‪ ،‬جند بشكل جلي غياب مفهوم الدولة‬ ‫القادرة في املفهوم العربي‪ ،‬وشعور واضح بالنقص في‬ ‫ّ‬ ‫إرادة الوجود امل ُ‬ ‫ستقل الذي يتمظهر باحلاجة الدائمة الى‬ ‫اآلخرين لتكوين ذاتهم وأنظمتهم ودولهم وسياساتهم‬ ‫املُرتبطة ُك ّلية مبصالح الغرب وخاضعة إلرادته‪ ،‬وهكذا‬ ‫م ّرر االستعمار القدمي فرنسا ـ بريطانيا‪ ،‬اخلديعة ُ‬ ‫الكبرى‬ ‫نتج عنها‬ ‫التي كانت ضحيتها الوحدة العربية‪ ،‬التي َ‬ ‫خسارة فلسطني واإلسكندرون واستمرار وقوع األمة حتت‬ ‫نير االستعمار‪ُ ،‬مقسمة الى دويالت ُمتناقضة رسمت‬ ‫حدودها اتفاقية سايكس ـ بيكو التي هي على مشارف‬ ‫مئويتها االولى من دون أن يستطيع أحد إحداث أي تغيير‬ ‫في مفاعيله‪ ،‬وبقيت املنطقة راضخة لهذه احلقيقة الى‬ ‫أن طرأت ُمتغيرات دولية أتاحت حتريك املُستنقع مبا يتماهى‬ ‫مع تبدل مصاحلها‪.‬‬ ‫ُمتغيرات دولية‬ ‫ّ‬ ‫تحدة االميركية‪ ،‬كعامل‬ ‫شكل دخول الواليات امل ُ ِ‬ ‫استعماري ناشئ في احلراك الدولي‪ ،‬واقعا ً عربيا ً جديدا ً‬

‫بسبب تب ُّدل موازين القوى اجلديدة التي أرستها نتائج‬ ‫احلرب العاملية الثانية‪ ،‬حيث أ ّدى دخول النفوذ االميركي الى‬ ‫الشرق االوسط العام ‪ 1945‬الى انكفاء االستعمار القدمي‬ ‫وبالتالي بات على العرب بحكم الواقع أن يتفاعلوا مع‬ ‫االستعمار اجلديد وخريطة مصاحلة الواسعة في املنطقة‬ ‫مبزي ٍد من التنازالت والتقدميات السترضاء الفاحت االميركي‬ ‫من دون أن يُدركوا مروحة مشاريعه التي تستهدف‬ ‫الهيمنة على ُمقدرات العالم وبسط نفوذه كقوة عاملية‬ ‫أحادية القطبية‪ ،‬ولم يقرأوا تدخّ له املباشر في حرب‬ ‫تشرين العام ‪ 1973‬إال بضرورة تقدمي التنازالت له حفاظا ً‬ ‫على أنظمتهم‪ ،‬وقد ّ‬ ‫شكلت هذه احلرب بداية افتراق سوريا‬ ‫واختالفها عن العرب في قراءة الواقع‪ ،‬حيث كان حافظ‬ ‫األسد يخوض احلرب على أنها حرب حترير بينما كان أنور‬ ‫السادات يعتبرها حرب حتريك تُ ّهد ملصاحلة مع اسرائيل‬ ‫ولم تكن اتفاقية كامب دايفيد سوى شاهد على منط‬ ‫الفكر العربي الذي أنتج ما هو أخطر من كامب دايفيد‪،‬‬ ‫حيث تنازل عن فلسطني ورضخ للضغوط االميركية‬ ‫ومسارها في توظيف السياسات العربية ملواجهة إيران‬ ‫وروسيا والصعود الصيني‪ ،‬كما حرصت أميركا كي تتمكن‬ ‫من إنفاذ مشاريعها الكبيرة في الغاز والطاقة احليوية‬ ‫واستكمال نفوذها بإزاحة القوة الروسية الصاعدة‪ ،‬وهذا‬ ‫كان يتطلب تدمير دول سوريا الطبيعية التي ُيكن أن‬ ‫يتكئ عليها بوتني الستكمال قوته التي تخشى أميركا‬ ‫فعملت على إقناع‬ ‫منها لكونها تقطع عليها طريق الغاز‪ِ ،‬‬ ‫اخلليج العربي ان دول املشرق العربي بطبيعتها هي العائق‬ ‫أمام تقدمه وازدهاره وأنها العدو الكبير الذي جتب إزاحته‬ ‫من طريق صعودها الى العاملية‪ ،‬زرعت أميركا هذا الوهم‬ ‫الذي ّ‬ ‫شكل حقيقة في عقول اخلليجيني في الوقت الذي‬ ‫كانت اخلارجية االميركية تطرح نظرية الشرق االوسط‬ ‫اجلديد وفلسفته التي تقوم على الفوضى اخل ّالقة‪ ،‬ولكون‬ ‫«أهل ّ‬ ‫مكة أدرى بشعابها»‪ ،‬اندفع اخلليج املتأثر بالعقل‬ ‫االميركي املُبدع في استعمال العرب لتدمير العرب‪،‬‬ ‫بالعمل على إسقاط سوريا وتدمير موقعها القومي‬ ‫واالجتماعي وتفكيكها لتبديل عقيدتها وأدائها‪ ،‬وإعادة‬ ‫خلط األوراق في العراق ومحاولة تقويض االردن واستقدام‬ ‫القوى املُتشددة الى املنطقة ومتويلها مبا فيها لبنان‪ ،‬متهيدا ً‬ ‫لقيام مشروع اإلمارة اإلسالمية الكفيلة بتفتيت املنطقة‬ ‫الى دويالت طائفية ومذهبية متناحرة‪ ،‬وضرب قوى املقاومة‬ ‫لرفع التهديد عن إسرائيل وقطع طريق التمدد الروسي‪.‬‬ ‫في اخلالصة‪ ،‬يتبدى أن العرب لم يتجاوزوا مستوى‬ ‫االنفعال ولم يتمكنوا رغم التجارب الطويلة من إيجاد‬ ‫أرضية مؤسساتية تنقلهم من البداوة والتبعية إلى‬ ‫الفعل‪ ،‬فاقتصرت سياساتهم على تقويض قواهم‬ ‫باقتتالهم الداخلي إرضاء للخارج‪ ،‬وبحكم الطبيعة فإن‬ ‫الشعوب عندما تفقد قضيتها تفقد معنى وجودها‬ ‫وتخرج كأنظمة وشعوب عن مسار التقدم التاريخي‪ ،‬وهذا‬ ‫أشد خطورة وتعقيدا ً لفقدانه‬ ‫ما يجعل املأزق العربي‬ ‫ّ‬ ‫العناصر احليوية التي تؤهل وتُ ّهد حلضوره في مستقبل‬ ‫احلضارة اإلنسانية‪.‬‬

‫تقسيم جديد‬ ‫في هذا السياق جاء الربيع العربي كخطوة متهيدية‬ ‫إلجناز املشروع االميركي الكبير القائم على منصتي إطالق‪،‬‬ ‫األولى وهي األهم واألخطر‪ ،‬لكونها تفتح اتفاقية سايكس‬ ‫بيكو على جغرافيا سياسية جديدة تعتمد قيام الدول‬ ‫وم َ ِهدة‬ ‫املذهبية والطائفية‪ ،‬واملنصة الثانية هي ُمسا ِعدة ُ‬ ‫ملشروع الشرق االوسط اجلديد الذي يحمل في طياته آلية‬ ‫سايكس بيكو جديدة تنتظم فيه املنطقة على اإليقاع‬ ‫االميركي‪ ،‬ولتحقيق ذلك كان ال بد من خديعة كبيرة‬ ‫تضمن أن يكون الشعب العربي بطلها ووقودها في آن‪.‬‬ ‫وقد ساهم انبهار النُخب الفكرية والثقافية‬ ‫والسياسية باحلراك العربي في تأمني الغطاء له لينفذ الى‬ ‫تغيير الواقع العربي الذي كان ُمعنا ً بالركود والسكينة من‬ ‫دون االنتباه الى االجتاهات احلقيقية التي كان ُمخططا ً أن‬ ‫يصلها‪ ،‬وكانت أية قراءة ُمبكرة خلطورة هذا احلراك وتعقيده‬ ‫تُعتبر هرطقة‪ ،‬أجمعت الدراسات كافة التي عملت عليها‬ ‫مراكز البحوث االوروبية واالميركية والروسية على أن‬ ‫سوريا كانت الهدف االساس وما سبقها من أحداث في‬ ‫تونس ومصر وليبيا إمنا كان توطئة خللق مناخات لتنفيذ‬ ‫االنقضاض على سوريا من خالل بيئة عربية حاضنة‬ ‫و ُمستقطبة بشعارات احلرية والدميقراطية والعدالة‬ ‫ُعملت في‬ ‫والتي تكاد تكون الشعارات عينها التي است ِ‬ ‫خديعة الشريف حسني في عشرينيات القرن املاضي‪،‬‬ ‫الفارق الوحيد كان الثبات السوري في التصدي للمشروع‪،‬‬ ‫وحتولت سوريا من دولة كان ُمفترضا ً تفككها وانهيارها‬ ‫أسوة بليبيا ومصر وتونس‪ ،‬إلى عقدة ُمستعصية حالت‬ ‫حتى اآلن من استكمال ُ‬ ‫املطط االميركي‪ ،‬إضافة الى‬ ‫كلفة معنوية أصابت مصداقية الدول التي راهنت على‬ ‫سقوطها في اجلولة االولى بالضربة القاضية‪ ،‬حيث ظهرت‬ ‫املُفاجأة مبناعة اجليش السوري والديبلوماسية السورية‬ ‫وأكثرية الشعب السوري املؤيدة‪ ،‬تُضاف إليها عوامل بالغة‬ ‫احلساسية واملُتمثلة بتحالفات سوريا اإلستراتيجية‪ ،‬أما‬ ‫الكلفة املادية التي أرهقت املمولني والداعمني وتبني أن‬ ‫كل هذا اجلهد كان استثمارا ً خاسراً‪ ،‬جعل االزمة السورية‬ ‫تتمدد لتصبح أزمة إقليمية ودولية يترتب ج ّرائها نظام‬ ‫عاملي جديد سيتكون تبعا ً لنتائج الصراع الدائر في سوريا‪.‬‬ ‫في اخلالصة‪ ،‬يقع املشرق العربي اآلن على فالق زالزل‬ ‫اتفاقية سايكس بيكو‪ ،‬التي قرر الغرب جتاوزها‪ ،‬إلرساء واقع‬ ‫جديد يخدم مصاحله بشكل أفضل‪ ،‬ولكن يجب أن ال يغيب‬ ‫عن بالنا أن الوقائع اجلديدة تفرضها وحتددها موازين القوى‬ ‫املتصارعة‪ ،‬فإذا كانت املنطقة على شفير حتول جذري‪،‬‬ ‫فإما أن نعود الى املرحلة التي كانت سائدة قبل اتفاقية‬ ‫سايكس بيكو‪ ،‬أو ستخضع الى واقع التقسيم اجلديد‬ ‫على قاعدة الطوائف واملذاهب‪ ،‬أم أن واقعا ً جديدا ً ُمغايرا ً‬ ‫سينشأ‪ ،‬وهذا مرهون بقدرة بشار االسد في أن ينجح‬ ‫حيث فشل الشريف حسني ويحقق وحدة املشرق العربي‬ ‫بحنكته السياسية وقدرته على االستفادة من حتالفاته‬ ‫االستراتيجية ل ُينجز وحدة سوريا الطبيعية في مواجهة‬ ‫مشروع إسرائيل الكبرى‪.‬‬


‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫استراتيجيا‬

‫صح النوم ‪ ..‬إنها سوريا‬ ‫نسيب الشامي‬ ‫ال قراءة صحيحة لسوريا مبعزل عن تاريخها ودورها‬ ‫في التاريخ ‪ .‬عداها ‪ ...‬تبقى قراءات الباحثني‪،‬افرادا ام دورا‬ ‫متخصصة لالبحاث والدراسات قراءة منقوصة‪،‬تعتورها‬ ‫نقيصة الرؤية الثاقبة ملعنى سوريا‪،‬عبر التاريخ‪،‬وكيفما‬ ‫استطرد املعنى ناحية السياسة‪ ،‬االجتماع‬ ‫االستراتيجية‪ ،‬االدب‪ ،‬االقتصاد‪ ،‬واستراتيجيات احلروب‪.‬‬ ‫ذلك ان املعنى في سوريا هو املعنى احلضاري بامتياز‬ ‫والولوج الى رحاب املعنى احلضاري يعوزه شرطان‪:‬‬ ‫املعرفة الصقيلة الواسعة عند الباحثني ‪.‬‬‫النظرة املتجردة للمسار االجتماعي والسياسي‬‫والثقافي للشعب السوري وعالقاته مع كل الوافدين‬ ‫اليه‪،‬والبصمات املطبوعة واملتالقحة في تفاعلية‬ ‫الزمان واملكان فيما بينهما‪.‬‬ ‫لقد انكبت معاهد الدراسات االميركية والصهيونية‬ ‫على الغوص في كيفية اخلروج من املأزق الذي سببته‬ ‫حركات املقاومة في لبنان وفلسطني وبغداد‪،‬ذلك انها‬ ‫باتت مقاومات عصية على الضربات السريعة والقاضية‬ ‫التى كانت اسرائيل توجهها في فلسطني ولبنان ‪،‬او‬ ‫اميركا في العراق بل كانت في كثير من االحيان تزيد‬ ‫من قوتها وتطورها ومن قدرتها على حتديث منظومات‬ ‫املواجهة وتطويع املستعصيات الذهنية تلك التى ثبتها‬ ‫الغرب واسرائيل وانظمة اجلهل العربية في عقول ابناء‬ ‫العالم العربي وحكامه وجيوشه‪.‬حيت خلصت دراسات‬ ‫تلك املعاهد بنتيجة واحدة‪:‬اعيدوا العالم العربي الى‬ ‫بحر ويالته وامراضه الدينية واملذهبية والطائفية‪،‬فتنال‬ ‫اسرائيل ما ال يقل عن مئة عام من االمن واالستقرار‬ ‫والطمأنينة‪.‬‬ ‫لقد بات واضحا للمراقب واملتابع ‪ ،‬ملا بات يسمى‬ ‫بالربيع العربي ‪،‬وللقوى السيلسية والدينية واملالية‬ ‫التي انتجته وواكبته بالرعاية والعناية حد الوصول الى‬ ‫السلطة ‪.‬فكانت جماعة االخوان املسلمني في تونس‬ ‫ومصر على رأس تلك القوى املستفيدة من الربيع العربي‬ ‫املدوزن على وقع مشيئة غربية – صهيونية ‪,‬متوله اموال‬ ‫النفط القطرية والسعودية من دون تردد وال تباطؤ وال‬ ‫استمهال ‪.‬هنا ادخلت معاهد الدراست الغربية خريطة‬ ‫الثروة النفطية والغاز في واقع الدول املنتجة حاليا ‪،‬او‬ ‫التى متتلك مخزونا قابعا في االرض وخاصة في سورية‬ ‫ولبنان ‪.‬‬ ‫ان استبعاد سوريا لكل من تركيا واسرائيل من‬ ‫شراكة استراتيجية في الغاز السوري‪ -‬البناني عبر‬ ‫رفضها خلط الغاز العربي والذي يغذي خط نابوكو‪ ،‬والذي‬ ‫كان ميهد له كي يكون خط العبور االسرائيلي لالقتصاد‬ ‫املستقبلي للعالم العربي ‪،‬في شقه الشرقي السوري‬ ‫البناني‪.‬ان هذا الوعي السوري للمعنى اجلبواستراتيجي‬ ‫جعل سوريا في عني العاصفة‪،‬مما استوجب هده احلرب‬ ‫الكونية عليها‪،‬مضافة الى سابق االسباب التاريخية‬

‫واجلغرافية وطبيعة املقاومات الفاعلة واملؤثرة فيها‪،‬امنا‬ ‫مع فارق يرتقي بأهميته وفاعليته خطورة احلرب الكونية‬ ‫وتداعياتها‪,‬ويتمثل هذا الفارق بوقوف روسيا والصني الى‬ ‫جانب سوريا وذلك السباب متعددة نختصرها كالتالي‪:‬‬ ‫ ان سوريا هي الطريق‪ -‬املتنفس الوحيد لروسيا الى‬‫املياه الدافئة‪.‬‬ ‫ سوريا هي املكان الوحيد الذي متتلك فيه روسيا‬‫قاعدة بحرية على املتوسط‪.‬‬ ‫ سوريا هي املكان الوحيد املتبقي لروسيا القامة‬‫حلبة صراع لالرادات ضد الغرب وحتديدا الواليات املتحدة‬ ‫االميركية‪.‬‬ ‫ سوريا هي مسرح عمليات الدولة الروسية‬‫املقتدرة‪ ،‬القدمية الناشئة‪،‬القوية الغنية‪،‬سابقا‬ ‫وحديثا‪،‬متأبطة على هذا املسرح ذراع دولة عظمة اخرى‬ ‫هي الصني السباب تبدأ بالنفط والغازومتتد الى املوقع‬ ‫والسياسةواالثنيات ومستقبل العالم السياسي‬ ‫واالقتصادي‪.‬‬ ‫ سوريا هي مكان املصاحلة الوحيد‪،‬لروسيا مع وصايا‬‫كبارها وعظمائها‪،‬من بطرس االكبر الى كاترينا حيث‬ ‫ان تلك الوصايا رسمت خارطة الطريق االستراتيجية‬ ‫لروسيا واهمية البوابة السورية لها على املتوسط‬ ‫واملياه الدافئة ومن ثم العالم‪.‬‬ ‫ روسيا عبر شركة بروم العمالقة للغاز رسمت‬‫خطها االستراتيجي االحمر على املتوسط‪،‬في مواجهة‬ ‫الغرب وادواته من دول املنطقة‪،‬تركيا السعودية وقطر‪.‬‬ ‫وقد متثل هذا اخلط االحمر‪،‬باالقتصاد‪،‬عبر قطع الطريف‬ ‫على خطوط الغاز االسرائيلية القطرية التركية‪.‬وفي‬ ‫السياسة في دعمها لسوريا ضد احلرب الكونية التى‬ ‫اقامها هؤالء للنفاذ الى الغاية االقتصادية عينها‪.‬‬ ‫اما االسباب التى دعت الصني الى الوقوف بجانب‬ ‫سوريا في هذه احلرب الكونية فنختصرها كالتالي‪:‬‬ ‫ تنطبق االسباب االقتصادية عند روسيا على واقع‬‫احلال الصيني وتتعداه ‪,‬ذلك ان حاجة الصني للغاز‬ ‫والنفط تفوق حاجة اي دولة في العالم وان الغاز الذي‬ ‫متتلكه يقع في منطقة تنحو ناحية االنفصال ‪.‬‬ ‫ ينطبق واقع احلال االثني غلى الصني ‪,‬حيث ان‬‫املسلمني في الصني وحتديدا في منطقة شينجيانغ‬ ‫حيث قبائل االويغور اصحاب النزعة االنفصالية‬ ‫وحيث يزيد عددهم عن ‪ 250‬مليون مسلم وعلى رقعة‬ ‫جغرافية تختزن غازا ونفطا كما اسلفنا سابقا ‪،‬وفوق‬ ‫هذا يتقنون اللغة التركية‪،‬التى قد تكون جسر عبور‬ ‫الى تركيا والنفوذ الغربي االميركي من خلفها والذي‬ ‫قد يسبب للصني في مستقبل االيام مخاطر نزاعات‬ ‫انفصالية جتد الصني نفسها غير مستعدة للتعامل‬ ‫معها ‪.‬‬ ‫‪ -‬الجتد الصني نفسها في ساحة النزال االميركية‬

‫الروسية اال دولة حليفة لروسيا حفاظا على موقعها‬ ‫االقتصادي واجلغرافي والسياسي‪،‬وبالتالي حليفة‬ ‫حللفاء روسيا على املتوسط وحتديدا سوريا‪.‬‬ ‫اما حال ايران وسوريا فهي تتعدى حال الدولتني‬ ‫العظميني (الصني وروسيا) الى اسباب تطال‬ ‫املصير‪،‬املوقع‪،‬الدين‪،‬وفوق هذا مواجهتهما العداء‬ ‫مشتركني ‪.‬لقد اثبتت ايران انها احلليف االقوى‬ ‫واالصدق‪،‬واالنبل وانها كانت لسوريا الداعم في اوقات‬ ‫الشدة وامللبي ساعة احلرج والضيق‪،‬والصادق حتى‬ ‫انقطاع النفس في حلظات احلقيقة العارية‪.‬‬ ‫يبقى احلال في سوريا ‪...‬‬ ‫انها الصامدة ‪،‬الصابرة‪،‬الواثقة من نفسها ومن‬ ‫شعبها وجيشها وتاريخها رغم الصعوبات الهائلة‪.‬‬ ‫ميزة هذه احلرب الكونية عليها انها جعلتها تنفض‬ ‫غبار الوهم االمني والذي لم يكن اال سياجا واهيا‬ ‫كبيت العنكبوت‪.‬حكاية اجليش ‪،‬حكاية اخرى ومختلفة‬ ‫فهذه حكاية احلماة احلقيقيني للديار ‪،‬ولالمة وتاريخها‬ ‫ومستقبلها‪ .‬اما حكاية الشعب فهي رواية في قمة‬ ‫التمايز‪.‬انها حكاية الشعب الذي سينتصر‪،‬هذه‬ ‫املرةعلى غيرعادة احلروب وجتارب الشعوب‪،‬انها حكاية‬ ‫الشعب الذي سينتصربجيشه‪،‬وشعبه‪،‬ومواالته‪،‬ومعار‬ ‫ضته‪.‬‬ ‫فقط املرتزقة وسادتهم في تركيا واخلليج ومن‬ ‫خلفهم اوروبا التاعسة واميركا سيرفعون راية الهزمية‬ ‫ويرحلون‪.‬‬

‫مجلس مركزي‬ ‫لـ“الحركة الوطنية”‬ ‫اختتمت «احلركة الوطنية للتغيير الدميوقراطي»‪،‬‬ ‫مؤمترها األول ما بعد التأسيس باالعالن عن تشكيل‬ ‫مجلسها املركزي من ‪ 50‬عضوا‪ ،‬موزعني مناصفة بني‬ ‫فئة املستقلني وممثلي األحزاب واملنتديات‪ ،‬وانتخاب عصام‬ ‫نعمان رئيسا للمجلس‪ ،‬سركيس أبو زيد نائبا للرئيس‪،‬‬ ‫ورأفت زبداوي أمينا للسر‪.‬‬ ‫ولعضوية األمانة العامة‪ ،‬انتخب اجمللس املركزي‪:‬‬ ‫سايد فرجنية منسقا عاما‪ ،‬رياض صوما نائبا للمنسق‬ ‫العام‪ ،‬ناجي صفا أمينا للسر وعلي دندش أمينا للمال‪ .‬أما‬ ‫مسؤولو اللجان‪ ،‬فهم‪ :‬وسام حمادة لالتصاالت‪ ،‬محمد‬ ‫حشيشو للتنظيم والفروع‪ ،‬حسني عطوي لالعالم‪ ،‬وهيب‬ ‫وهبي للعمل النقابي واجلماهيري‪ ،‬جميل قاسم للثقافة‬ ‫والتخطيط‪ ،‬رائد همدر للشباب واألنشطة الشبابية‬ ‫وخديجة احلسيني أمينة الصندوق‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫ندوة‬ ‫رغم تسلم ‪ 8‬آذار السلطة تعسر تنفيذ الوثيقة االصالحية‬

‫هل بات النظام الطائفي عصياً على اإلصالح؟‬

‫ملناسبة الذكرى السابعة لتوقيع وثيقة التفاهم بني‬ ‫التيار الوطني احلر وحزب اهلل‪ ،‬عقد التيار املدني املقاوم ندوة‬ ‫حوارية في وثيقة التفاهم‪ ،‬حضرها ممثال التيار الوطني‬ ‫احلر النائب الدكتور ناجي غاريوس‪ ،‬وكتلة الوفاء للمقاومة‬ ‫الدكتور بالل فرحات ورجال دين ومسؤولون في التيار املدني‬ ‫املقاوم ومهتمون‪.‬‬ ‫رحب منسق التيار املدني املقاوم رياض عيد باحلضور‪،‬‬ ‫وتابع‪ :‬نلتقي في هذه االمسية ملناقشة وثيقة التفاهم بني‬ ‫حزب اهلل والتيار الوطني احلر التي اعلنت في السادس من‬ ‫شباط ‪ 2006‬بعد يوم على هجوم السواطير املذهبية على‬ ‫االشرفية رفضا ً للرسوم املسيئة للرسول االكرم التي نشرت‬ ‫في اوروبا وكادت ان تطيح مبسيرة السلم االهلي واالستقرار‬ ‫الهش‪ .‬فخطف اعالن وثيقة التفاهم االضواء السياسية‬ ‫واالعالمية‪ ،‬وسحب فتيل الفتنة من الشارع وارسى مظلة‬ ‫سياسية حمت مسيرة السلم االهلي واالستقرار لكون‬ ‫فريقي وثيقة التفاهم‪ ،‬هما اكبر قوتني سياسيتني وازنتني‬ ‫في لبنان‪ .‬وفتحت الوتيقة نافذة امل في جدار االزمة‬ ‫اللبنانية املقفل على كل احللول وكل اخليارات اال خيار الفتنة‬ ‫املذهبية املتنقلة بسبب ارتباطات قوى الرابع عشر من آذار‬ ‫اخلارجية وخياراتها السياسية اخلاطئة والهدامة‪.‬‬ ‫لقد ارست وثيقة التفاهم مبدأ احلوار (الذي هو انعكاس‬ ‫إلرادة توافقية جامعة) كسبيل وحيد اليجاد احللول لالزمات‬ ‫املستعصية التي يتخبط بها لبنان‪ ،‬واكدت ان الدميقراطية‬ ‫التوافقية هي القاعدة االساس للحكم في لبنان النها‬ ‫التجسيد الفعلي لروح الدستور ومليثاق العيش املشترك‪،‬‬ ‫وان اصالح وانتظام احلياة السياسية تبدأ بقانون انتخاب‬ ‫عصري يراعي صحة وعدالة التمثيل وان النسبية هي‬ ‫الضامن لصحة وعدالة التمثيل هذه‪ ،‬وهي املفعل لعمل‬ ‫االحزاب وتطورها وصوال ً الى حتقيق اجملتمع املدني اجلامع‬ ‫املوحد لكل مكونات الوطن‪ ،‬وكمعبر الزامي لتحقيق الدولة‬ ‫القوية القادرة والعادلة‪.‬‬ ‫وحددت الوثيقة اسس بناء الدولة العصرية احلديثة‬ ‫باعتماد معايير العدالة والتكافؤ واجلدار والنزاهة‪ ،‬واعتماد‬ ‫القضاء النزيه والعادل كشرط ضروري إلقامة دولة القانون‬ ‫واحلق‪ ،‬وشددت على استقاللية القضاء واحترام عمل‬ ‫املؤسسات وابعادها عن التجاذبات السياسية‪ ،‬ومحاربة‬ ‫واجتثاث الفساد اينما وجد‪ ،‬وتفعيل اجهزة الرقابة والتفتيش‬ ‫والعمل على اصالح اداري شامل‪.‬‬ ‫ووضعت الوثيقة اسسا ً للعالقات اللبنانية السورية‬ ‫واللبنانية الفلسطينية تقوم على التكافؤ واالحترام الكامل‬ ‫واملتبادل للسيادة‪ ،‬والتضامن مع الشعب الفلسطيني‬ ‫في قضيته العادلة وتأمني احلياة الكرمية له‪ .‬واالهم تأكيد‬ ‫الوثيقة أن املقاومة هي حق مقدس متارسه اي جماعة ارضها‬ ‫محتلة وتكفلها كل املواثيق الدولية وشرعة حقوق االنسان‪،‬‬ ‫وبالتالي سالح املقاومة باق حتى حترير كامل ترابنا احملتل‪،‬‬ ‫وباق حلماية لبنان وثرواته من االخطار واالطماع االسرائيلية‬ ‫احملدقة بنا‪ .‬قلت األهم‪ ،‬الن املقاومة هي قوة الردع احلقيقية‬ ‫للبنان وهي الضامن مع جيشنا الباسل لالستقرار وللسلم‬ ‫االهلي‪ ،‬وهي منعة هذا البلد وعزته وكرامته‪ .‬لقد غيرت‬ ‫املقاومة وظيفة لبنان الذي أنشأه الغرب ليكون رصيفا ً او‬ ‫جسرا ً ومعبرا ً للمشاريع الغربية الى الشرق‪ ،‬فإذ باملقاومة‬ ‫جتعله موقعا ً متقدما ً وحصنا ً منيعا ً تتكسر على اسواره‬ ‫مشاريع الشرق االوسط االميركي االسرائيلي اجلديد الذي‬ ‫ّ‬ ‫بشرتنا به كوندليزا رايس يوم زارت رجلها االول في لبنان‬ ‫فؤاد السنيورة في السراي احلكومي ابان حرب متوز‪ .‬اهمية‬ ‫وثيقة التفاهم انها شكلت املظلة الوطنية للمقاومة في‬ ‫زمن يحاول عمالء اميركا واسرائيل في الداخل نزع الصفة‬ ‫الوطنية اجلامعة عنها وسجنها في اطار مذهبي‪ .‬واهميتها‬ ‫بالنسبة للتيار الوطني احلر وحضوره املسيحي الكبير‬

‫والوازن انها اعطت االمان واالطمئنان للشريك املسيحي‬ ‫ومتساو مع‬ ‫مبمارسة حقه في بناء الوطن كشريك فاعل حر‬ ‫ٍ‬ ‫شريكه اآلخر‪ ،‬في زمن يتعرض الوجود املسيحي في الشرق‬ ‫للتهجير علي ايدي اميركا وعمالئها‪.‬‬ ‫وتابع عيد‪ :‬نحن في التيار املدني املقاوم‪ ،‬انطالقا من ان‬ ‫اولوية اهدافنا هي دعم املقاومة وحماية السلم االهلي‪،‬‬ ‫وامياننا بان حترير االرض متالزم مع حترير االنسان‪ ،‬نؤكد ان‬ ‫املقاومة والتغيير توأمان ال ينفصالن واي تعطيل ألي منهما‬ ‫يربك اآلخر‪ .‬وانطالقا من قناعتنا بأهمية العقد املدني كاساس‬ ‫لقيام الدولة املدنية القادرة والعادلة نلتقي مع كامل بنود‬ ‫وثيقة التفاهم ونعتبرها اساسا ً لالصالح السياسي خاصة‬ ‫اعتماد قانون النسبية لالنتخابات وجعل لبنان دائرة واحدة‬ ‫خارج القيد الطائفي‪ .‬لكن املؤسف ان تنفيذ بنود الوثيقة‬ ‫االصالحية ال يزال متعسرا ً رغم تسلم قوى الثامن من آذار‬ ‫السلطة‪ .‬هل هذا التعسر الن هذا النظام الطائفي املقيت‬ ‫بات عصيا ً على اإلصالح؟ أم الن االزمة التي تعصف بسوريا‬ ‫واملنطقة وتأثيرها على لبنان‪ ،‬ورهانات بعض حديثي النعمة‬ ‫في السياسة من قوى املعارضة يعطل احللول حتى تنجلي‬ ‫الغيوم السياسية االقليمية؟‬

‫لبنان‪ ،‬ايها االخوة بات في عني العاصفة‪ ،‬يدفعه تيار‬ ‫املستقبل وحلفاؤه بقوة نحو الفتنة املذهبية واحلرب االهلية‪،‬‬ ‫الدولة تتحلل‪ ،‬والسلطة كتجسيد مباشر للنظام تصبح‬ ‫في حلظات ضعفها وتشققها مصدر اخلطر االول على‬ ‫وحدة البالد‪ .‬الشعوب اللبنانية اقامت دويالتها ومتاريسها‬ ‫املذهبية‪ ،‬بدءا ً من دولة باب التبانة الى دولة سجن روميا الى‬ ‫دولة االسير وفتنه املتنقلة‪ ،‬وأخيرا ً الى دولة احلجيري في‬ ‫عرسال‪ .‬املناطق اللبنانية تزداد تباعدا ً واتساعا ً ومن يتحكم‬ ‫بها لم يعد هاويا ً بل أصبح محترفا ً ومعقدنا ً بدين او مبذهب‬ ‫يكفر اآلخر‪ .‬حني يجتمع السالح واملذهبية واملال والتدريب‬ ‫والرعاية واحلماية الداخلية واخلارجية هذا يشير الى مشروع‬ ‫حرب اهلية قد تنتقل من التقسيط الى اجلملة‪ .‬اجليش الذي‬ ‫يحمي الوطن بات بحاجة الى حماية ال يوفرها له حديثو‬ ‫النعمة في السياسة املأجورون للخليج في حربه إلسقاط‬ ‫سوريا املقاومة واملنشغلون بترسيم حدود االنقسام بني‬ ‫املذاهب والطوائف خدمة السيادهم باشعال الفتنة‬ ‫املذهبية وتقسيم املقسم‪ .‬اجليش الذي يحمي السيادة بات‬ ‫ال سيادة له على االرض اللبنانية وليس مسموحا ً له حماية‬ ‫السلم االهلي في وطن باتت السيادة فيه بالتراضي واالمن‬ ‫بالتراضي وكل شيء بالتراضي‪.‬‬ ‫واعتبر عيد ان هذا املشهد السياسي املقلق واخمليف‬ ‫يؤرق اهلنا املؤمنني بوحدة هذا الوطن املقاوم وسلمه االهلي‪،‬‬ ‫وال يجدون اجابات تبدد هذا اخلوف‪ ،‬آمل ان جند وإياكم في‬ ‫هذه الندوة اجابات مطمئنة تعيد الثقة باصالح هذا الوطن‬ ‫وتالق وحوار الى امتنا‬ ‫الذي اردناه منارة اشعاع ورسالة محبة ٍ‬ ‫وعاملها العربي والعالم اجمع‪.‬‬

‫غاريوس‪ :‬وثيقة مار مخايل أهم حدث في تاريخ لبنان‬ ‫املعاصر‬ ‫ثم تكلم النائب ناجي غاريوس باسم التيار الوطني احلر‪،‬‬ ‫فأكد ان دوافع وثيقة التفاهم هي‪ :‬انشاء دولة حديثة قوية‬ ‫تكون ملجأ لكل اللبنانيني ألن حمايتنا هي الدولة والدستور‪،‬‬ ‫وامياننا كالتيار املدني بالدولة املدنية واجملتمع املدني‪ ،‬وقيمة‬ ‫االنسان مبواطنيته ومبساهمته وتضحياته لقيام دولته‪ ،‬وهذا‬ ‫يتم بتكريس املناصفة بني املسلمني واملسيحيني الذين ال‬ ‫تصان حقوقهم اال بدولة مركزية قوية توفر ضرورة الوصول‬ ‫الى حقوقهم في االدارة فال يذهبون الى الهجرة‪.‬‬ ‫وشدد على تالزم املقاومة مع التغيير واعتبرهما توأمان ال‬ ‫ينفصالن ويجب ان يسيرا متالزمني لبناء الدولة‪ .‬وأكد رفض‬ ‫التوطني الذي هو مادة في الدستور فاذا حدث التوطني نكون‬ ‫قد قدمنا اكبر خدمة السرائيل‪.‬‬ ‫واكد غاريوس على ان العماد عون قال وهو حتت احلصار‬ ‫انه يؤيد قيام افضل العالقات مع سوريا بعد انسحابها من‬ ‫لبنان‪ ،‬وهكذا حصل‪.‬‬ ‫وختم في الذكرى السابعة لتوقيع وثيفة التفاهم‬ ‫“نؤكد متسكنا بهذه الوثيقة اكثر من اي وقت مضى‬ ‫ونعتبرها ضرورة حلماية السلم االهلي‪ .‬والتوافق والتفاهم‬ ‫واجب علينا‪ .‬ان كنيسة مار مخايل قد دخلت التاريخ من‬ ‫الباب الواسع وستبقى راعية لهذا التفاهم والتحالف من‬ ‫اجل االستقرار وخلير اللبنانيني”‪.‬‬ ‫فرحات‪ :‬سقط الرباعي وبقيت الوثيقة‬ ‫وألقى ممثل كتلة الوفاء للمقاومة النائب الدكتور بالل‬ ‫فرحات‪ ،‬كلمة استهلها بقوله‪ :‬نحن في حزب اهلل واملقاومة‬ ‫التي هي صميم وروح العمل السياسي واجلهادي لم نكن‬ ‫طامحني بأكثر من وحدة هذا البلد بكل اطيافه كي يكون‬ ‫جامع فيه‪ ،‬وليس السماح لالستئثار به من اي كان‪ .‬وميالد‬ ‫املقاومة العام ‪ 1982‬واالنتصار االول في تاريخ االمة العربية‬ ‫كان انتصار العام ‪ .2000‬وجتسد هذا االنتصار كهدية لكل‬ ‫انسان حر في هذه االمة يسعى إلى احلرية والكرامة‪ .‬اجلنرال‬ ‫عون هو شريكنا في االنتصارات‪ .‬صحيح اته كان هناك حلفا‬ ‫رباعيا قبل اعالن الوثيقة ذلك حكمه استشهاد الرئيس‬ ‫احلريري‪ ،‬وكلنا نعلم الوضع الذي كان فيه لبنان في ذلك الوقت‬ ‫وماذا كان يخطط لنا‪ ،‬كان االنفتاح من املقاومة على الدولة‬ ‫من اجل احلفاظ على الوطن‪ .‬بينما كان هدف اغتيال الرئيس‬ ‫احلريري إشعال الفتنة بني املسلمني انفسهم وبني املسلمني‬ ‫واملسيحيني من جهة ثانية‪ .‬فدخولنا في الرباعية كان لوأد‬ ‫الفتنة‪ ،‬ولم مينعنا االتفاق الرباعي من االنفتاح على اآلخر‬ ‫ومن تواصلنا مع كل الشرفاء في هذا الوطن فكانت وثيقة‬ ‫التفاهم‪ .‬الوثيقة استمرت واحللف الرباعي تالشى‪ ،‬النهم‬ ‫كانو يستغلون دماء الرئيس احلريري لالنقضاض على الوطن‪،‬‬ ‫الن ممارساتهم كانت االستئثار بالسلطة والدولة ونحن كان‬ ‫هدفنا احلفاظ على الوطن والشراكة مع اجلميع‪ .‬لذلك كانت‬ ‫الوثيقة التي جتسدت في كنيسة مار مخايل في الضاحية‬ ‫التي هي قلب املقاومة وخزانها وربيع الوطن‪ ،‬فنبتت فيها‬ ‫الوثيقة واينعت واستمرت وحمت الوطن وانفتحت على‬ ‫اجلميع على كل الفرقاء ومدت االيدي للشريك في هذا‬ ‫الوطن كي ينفتح على الوطن‪ .‬فلوال هذه الوثيقة ملا كان‬ ‫انتصار ‪ 2006‬ولوالها لم كان التعايش بني اللبنانيني حيث‬ ‫جتسدت حقيقة الوثيقة باالحتضان الشعبي الهلنا في‬ ‫حرب متوز‪ .‬ورغم االنتصار الذي اهدي للجميع اكدت املقاومة‬ ‫ثالثية الشعب واجليش واملقاومة‪ .‬ارست الوثيقة املفاهيم‬ ‫االساسية الي حر شريف يريد الشراكة في بناء الوطن‬ ‫واعتمدت على احلوار والتواصل وكسر احلواجز واعتماد لبنان‬ ‫اوال ً وعلى ان التسامح هو اساس واحملبة والكرامة هي اساس‬ ‫في بناء الوطن‪ ،‬وأداء وزرائنا في احلكومة شاهد على ذلك‪.‬‬


‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫ثقافة‬

‫المــــرايا ‪ ..‬االنسداد الثقافي‬ ‫نجيب نصير‬ ‫ال يعطي الكثيرون أهمية للثقافة مبعناها االجتماعي‪،‬‬ ‫على اعتبار أن الثقافة هي مجموعة املعلومات التي‬ ‫يتحلى بها من يريد ما صنع تفهما ً أشوه للنخبة (طبعا ً‬ ‫يجب أن ال ننسى اخللط بني املنتجات الثقافية والثقافة‬ ‫املولدة للمجتمع أي الثقافة احلقوقية حصراً)‪ ،‬والذين‬ ‫اتخذوا شكل القبائل بدال ً من البحث عن مجتمع‬ ‫يتمثل الثقافة ومنتجاتها وأدواتها ومنجزاتها في‬ ‫طياته‪ ،‬ليصبح برمته نخبة مثقفة‪ ،‬في ضياع فوضوي‬ ‫عن املفاهيم والقبول بها عشوائيا ً كحالة عمالنية ال‬ ‫مشاحة من اخلضوع لها (أحزاب‪ ،‬سفارات‪ ،‬وزارات الخ)‪،‬‬ ‫لكنهم حقيقة تفرغوا ألسئلة وهمية‪ ،‬ومعارك متخيلة‪،‬‬ ‫ومواقع بعيدة عن املطلوب‪ ،‬وبدأوا في إجناز صرحهم‬ ‫الثقافي املوهوم (منتجات ثقافية هامة)‪ ،‬محملني العمل‬ ‫في اإلنتاج الثقافي على محمل الفعل اخليري‪ ،‬في ضياع‬ ‫واضح للبوصلة‪ ،‬ينصب أبناء الصدفة بصفة أبطال وقادة‬ ‫للرأي وذلك عبر التركيز واجترار وإعادة اجترار (يسمونها‬ ‫إعادة إنتاج) ملا أسقطت فائدته بالتقادم‪ ،‬ما يعني عدم‬ ‫صالحيته للوصل مع احلاضر (وهذه النقطة هي إحدى‬ ‫املعارك الوهمية الكبرى)‪ ،‬ومع ذلك يظل سيزيف صنما ً‬ ‫مأثورا ً ال يعطي العبرة ألحد‪ ،‬ألنه سيزيف الشرق أوسطي‬ ‫وهمي ومزيف‪ ،‬وصخرته ال تتحرك من مكانها‪ ،‬مع أن‬ ‫املشهد هنا يتعلق بواد‪ ،‬وليس بجبل‪ ،‬فما أجنزته وجربته‬ ‫البشرية موجود وواضح ألصحاب اإلرادة‪ ،‬وليس املطلوب‬ ‫أكثر من املشاركة كي تتم اإلضافة وتظهر الهوية‪ ،‬التي‬ ‫يصر الشرق أوسطيون‪ ،‬أنها موجودة قبالً وسلفا ً و(هذا‬ ‫وهم) وواجبة التبجيل واالحترام (وهذا مع معركته وهم‬ ‫أيضاً)‪ ،‬وعلى اإلجناز اإلنساني أن يعقل ويتصرف بعدالة‬ ‫وإنصاف وتفهم (ورحمة) مع منجزاته هو والتي أجنزها‬ ‫جملتمعاته هو وجربها هو وجنحت معه هو‪ ،‬ومع هذا فإن‬ ‫هذه الشعوب تطالبه بالصدق مع نفسه!!!‪ ،‬وباإلخالص‬ ‫لها وتقدمي مساعدة لهذه التجمعات البشرية املهمشة‪،‬‬ ‫مع أنها رافضة منجزه وغير مقتنعة به وال تعمل على‬ ‫إجنازه‪ ،‬ولكنها تطلب (شمال جنوب وحواره مثاالً)!!!‬ ‫ال نريد في هذا املقام أن بخس اجلهد الثقافي واإلبداعي‬ ‫ومنتجاته حقها‪ ،‬كما ال نريد اتهام املثقفني باجلنب فمع‬ ‫أنهم خائفون (جنيب محفوظ‪ ،‬فرج فودة‪ ،‬أمثلة) إال أنهم‬ ‫ليسوا جبناء ال لشيء فقط ألن اجلنب والشجاعة قيم‬ ‫مجتمعية تظهر في سياق األداء اإلجنازي للمجتمع‪ ،‬لقد‬ ‫قدم املثقفون جهدا ً كبيرا ً في سياق اإلنتاجات اإلبداعية‪،‬‬ ‫وفي كال التيارين املنشقني عموديا ً (وال مجال هنا‬ ‫للمقارنة بني اإلجناز العاملي وإجنازاتهم) ولكنهم وكهيئة‬ ‫ثقافية احتاجوا الى دعم اجملتمع أو على األقل دعم هذه‬ ‫التجمعات البشرية‪ ،‬وهنا كانت كارثة الثقافة واملثقفني‬ ‫املتجاهلني لسؤال تأسيس (اجملتمع) وكأنه موجود وهم‬ ‫يعملون داخله كأفراد (ميكننا مراجعة إحصائيات القراءة‬ ‫والنشر في العالم العربي)‪ ،‬ولكنه ليس موجودا ً (فامللك‬ ‫عار)‪ ،‬وال يستطيعون التأثير في هذه اجلموع البشرية‬ ‫إال من خالل جتاهل وتناسي اإلجناز اإلبداعي العاملي‪،‬‬ ‫للدخول في التبسيطية الشعبوية التشخيصية‪،‬‬ ‫ومن هنا كان للشق التبسيطي ـ املمول بشدة ـ هذا‬ ‫النجاح الباهر في تشكيل أكثرية (ثقافية) قطعانية‬ ‫تناولت إقباال (عنيفا طبعا) أو إحجاما (إحباطيا)‪ ،‬ورويدا ً‬ ‫حصل املثقفون على خطيئتهم القاتلة وباركوها عبر‬ ‫اعترافهم باألكثرية وحقها باخلطأ أو وحتديدا القول‬ ‫حتى لو كانت األكثرية على خطأ فهو الصواب مخرجني‬

‫العقل من النوافذ‪ ،‬مخترعني معركة مكلفة ينشغلون‬ ‫بها «وإن كانت وهمية»‪ ،‬معركة نكايات وتخاصم قبلي‬ ‫على «العزة» و»الفخر» و»املنتجات املنحطة» (حرب لبنان‬ ‫األهلية مثاالً)‪ ،‬مشوهني معنى الدميقراطية قافزين فوق‬ ‫(احلاجة الى مجتمع يستخدم الدميقراطية) فيه أكثرية‬ ‫مبعنى محدد وأقلية باملعنى احملدد نفسه‪ ،‬تقومان بتفاعل‬ ‫بقصد اإلنتاج‪ ،‬حتت شعارات مراعاة «الثقافات!!!» احمللية‪،‬‬ ‫والعادات والتقاليد واخلصوصيات‪ ،‬قائلني ومستغلني (ما‬ ‫أفعل‪ ...‬إذا كانت أكثرية اجملتمع هكذا‪ ،‬أوليسوا بشرا ً‬ ‫ويجب اخلضوع لرأيهم حسب مدونة حقوق اإلنسان؟؟!!‬ ‫وهكذا صار من املمكن احلساب العددي وقسره كي يكون‬ ‫ثقافيا‪ ،‬كل عشرة حدادين يساوون جنارا ً «مثال»‪ ،‬أو كل مئة‬ ‫غبي يساوون ذكيا ً واحدا ً وأيضا ً مثال‪ ،‬وهكذا يسقط من‬ ‫احلسبان كل النهضويني والتنيويرين ليعبث املثقفون‬ ‫برمال اجملد (!!!!)‪.‬‬ ‫ولعل الضحية األولى لهذا التحول (بحكم التراكم‬ ‫اإلعالمي)‪ ،‬كانت فلسطني‪ ،‬التي تغير معناها متاما‪ ،‬فمن‬ ‫مجتمع ال يكتمل وال يحصل على خالصه إال بوجود كل‬ ‫أجزائه‪ ،‬باملعنى التأسيسي للجماعة البشرية التي تنوي‬ ‫اإلنتاج‪ ،‬إلى مجرد مكافأة ما ورائية‪ ،‬حيث كانت املقدسات‬ ‫جزءا ً من املسألة فأصبحت بهمة املثقفني كل املسألة‪،‬‬ ‫وال ميكن اعتبار هذا هجاء للمثقفني الشرق أوسطيني‬ ‫بقدر ما هو توصيف حلالة اليأس واحلصار واالزدواجية التي‬ ‫عاشوها ملدة قرن على األقل‪ ،‬وكانت احلل أو املهرب من‬ ‫حال العثمنة واللورنسة والبرجينسكية‪ ،‬التي صبغت‬ ‫هذا القرن حسب احلاجة واملطلوب‪.‬‬ ‫لم ينجح املثقفون الشرق أوسطيون باإلشارة الى‬ ‫حاجة «األمة» الى مجتمع مؤسس لها‪ ،‬واعتقدوا أنهم‬ ‫يعيشون في مجتمع أو مجتمعات كتحصيل حاصل‬ ‫لهذا احلشد البشري‪ ،‬ينتقدون (نقدا ً بناء) بعض العثرات‪،‬‬ ‫وينتحبون لبعض اإلساءات‪ ،‬ويهللون لبعض املكافآت‬ ‫والرشاوى‪ ،‬مخترعني سلما ً من قش لالرتقاء الشخصي‬ ‫أو االجتماعي‪ ،‬ولم يصل نقدهم للكيانات السياسية‬ ‫الى أصل وجودها (وهو باالصطالح اخلارجي على أية‬

‫توهموا دائما ً بأن السلطات دول!‪ ،‬واإلدارات‬ ‫حال) بل ّ‬ ‫تنظيم اجتماعي ينظم حقوق اجلماعات!‪ ،‬والتناقضات‬ ‫الدستورية العميقة هي حفاظ على هوية األمة‪ ،‬وتصنم‬ ‫توهموا‬ ‫القوانني هو حل إسعافي للعقد الطارئة!‪ ،‬كما ّ‬ ‫أن أية مشكلة اجتماعية عضوية وكارثية هي عبارة عن‬ ‫مشاكل حتدث االرتقاء!‪ ،‬وكل هذا لم ينفع ولم يدفع بأية‬ ‫انطالقة الى أي ارتقاء بل على العكس متاما ً (ولم يالحظ‬ ‫أحد ذلك!! إال قليالً من أجل كسر التعميم) فالدستور‬ ‫اللبناني صار مجرد طائف والفن املصري صار مجرد‬ ‫(محتشم أو خارج اإلحتشام) (إعادة متثال نهضة مصر‬ ‫من األمور الشائكة جدا)‪ ،‬واإلصالح الديني صار مجرد‬ ‫(عودة الى األصول)‪ ،‬وفلسطني صارت (أقصى وقيامة‬ ‫فقط)‪ ،‬والعراق مجرد (سنة وشيعة) والخ‪ ...‬والكل ينتج‬ ‫كتابة ومسرحا ً وسينما وتلفزيونا ً والخ على هذا األساس‪،‬‬ ‫معتبرين أن ذلك معجزة وأنهم من الشعوب العبقرية‪،‬‬ ‫التي ال تدري أين هي وال ما هي‪ ،‬ومع هذا حتصد االعتراف‬ ‫واجلوائز دون أن تؤثر فعليا أو إيجابيا في اجلماعة البشرية‬ ‫املقيمة حولها‪ ،‬ذات األكثرية الغالبة على أمرهم‬ ‫واملغلوبة على أمرها‪.‬‬ ‫هل ما زلنا نتكلم عن انسداد ثقافي؟ الواضح هنا‬ ‫أننا نتكلم عن انسدادات ثقافية متراكمة ومتوحشة‬ ‫وانفجارها فرادى أو مجموعات ال يعني بتاتا ً التخلص‬ ‫منها‪ ،‬فاملسألة بحاجة الى أدوات‪ ،‬وقد ضيع الشرق‬ ‫أوسطيون (باألحرى لم يوافقوا باألكثرية) ال على األدوات‬ ‫وال على استخدامها‪ ،‬وحشروا أنفسهم في قبور املاضي‬ ‫عبر إرهاصات عملية تطبيقية زادت من (عصة) القبر‬ ‫عليهم‪ ،‬وهذه اإلرهاصات هي مجموعات الفشل احليوي‬ ‫الذي متظهر بصيغ تربوية غير قابلة للحل أو التطويع‪،‬‬ ‫حيث أصبح سلم االرتقاء نازالً‪ ،‬فاجلموع (األكثرية) ال تفرق‬ ‫بني االجتاهات‪ ،‬فكيف إذا كان االجتاه نزوال ً هو اجتاه إجباري‬ ‫بحكم اإلمكانيات املتوفرة واحلل الوحيد هو الثقافة‬ ‫اجلديدة التي حلم بها النهضويون‪ ،‬ورتب لها التنويريون‪،‬‬ ‫وتعثر بها مجموع املثقفني احملدثني الذين أنتجوا وباركوا‬ ‫االنسداد الثقافي بكل معانيه احليوية‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫‪10‬‬

‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫استراتيجيا‬ ‫“إسرائيل تستقوي على شخصيات مهزومة متعاملة معها”‬

‫سعادة ارشيد‪ :‬لدينا سلطة وحكومة تؤ ّمنان‬ ‫إلسرائيل احتالالً من خمسة نجوم‬ ‫حاوره‪ :‬هاني الحلبي‬ ‫ناشط سياسي فلسطيني حتت االحتالل يجوب‬ ‫مدناً عربية ليجمع شهادات صوتية في تكرمي املناضل‬ ‫الفلسطيني بسام الشكعة‪ ،‬وإذا يستحث الصوت‬ ‫أن يرتفع ال يتردد في رفع صوته اجلهوري الوطني بوجه‬ ‫فكر األزقة‪ ،‬الذي غزا فلسطني وجاراتها‪ ،‬فتحوّل املشرق‬ ‫العربي إلى فسيفساء أزقة ومعازل طائفية وعرقية‬ ‫مسيّجة بجدران‪.‬‬ ‫سعاده مصطفى ارشيد‪ ،‬مزارع فلسطيني وناشط‬ ‫سياسي ضد االحتالل واستالب الروح املشرقية في‬ ‫فلسطني‪ ،‬يقاوم باملعول والفكر والكلمة من خالل‬ ‫املنتدى القومي في رام اهلل‪.‬‬ ‫يرى ارشيد ان الرئيس محمود عباس غير جاد في‬ ‫تهويله بحل السلطة‪ ،‬وان ال انتخابات فلسطينية‬ ‫عامة قريبة بسبب كثرة نقاط التباين حولها‪...‬‬ ‫إلى مواقف عدة عرضها في حديث جمللة «حتوالت»‪.‬‬ ‫هنا احلوار‪.‬‬ ‫جرت حملة تبرع بالدم ملصلحة اجليش العربي‬ ‫السوري مبشاركات فلسطينية وجوالنية‪ ..‬ما الروح التي‬ ‫تقدم الدم فال تأبه ألية حدود؟‬ ‫هذه روح احلقيقة‪ .‬باألصل هذا الدم مشترك‪ .‬ال‬ ‫تستطيع ال سايكس بيكو وال وعد بلفور وال أية اتفاقية‬ ‫أبرمتها إرادة اجنبية بحقنا‪ ،‬وال ما يجري اآلن من إعداد‬ ‫لتقسيم املنطقة أن تلغي فاعلية هذه الروح وأن يُقسم‬ ‫شعبها في تفاعلها اليومي والروحي في متحده الواحد‬ ‫منذ األزل‪ .‬الشيء الطبيعي هو ان يكون الدم السوري والدم‬ ‫اللبناني والدم الفلسطيني واحدا ً ألنه هكذا هو وهكذا‬ ‫يبقى إلى أبد اآلبدين‪.‬‬ ‫روح الوحدة ستبقى حية‬ ‫كثر يكررون كالماً مشابهاً‪ ،‬لكننا بعد حوالى مئة‬ ‫سنة من سايكس بيكو لم جنسد بديل وحدة األصل‬ ‫والوجود واملصير في مشروع سياسي دولتي؟‬ ‫أنا واثق أن هذه الوحدة ستبقى حية‪ ،‬لكن األمر الواقع‬ ‫حاليا ً أن هناك أجندات جزئية وخصوصية نشأت إلشباع‬ ‫مصالح أوجدها التقسيم املفعول جتد ان ال مصلحة لها‬ ‫في تغييره فرمبا في تغييره تخسر مصاحلها الذاتية غير‬ ‫املرتبطة مبصلحة األمة‪.‬‬ ‫في حالة التقسيم رمبا لي فرصة كفرد أن أكون مختارا ً‬ ‫او قائممقا ً او نائبا ً أو وزيرا ً أو رئيس دولة‪ ،‬ليس مضمونا ً أن‬ ‫تتوفر الفرصة نفسها او افضل منها في حال إسقاط واقع‬ ‫التقسيم في املشرق العربي‪ .‬السؤال هو‪ :‬ما الذي يهم كل‬ ‫فرد منا أكثر‪ :‬مصلحته الشخصية او املصلحة القومية‬ ‫العليا؟ إذا كان اجلواب املصلحة القومية فهذا يلزم عنه‬ ‫الدعوة لوحدتها والعمل لها‪ .‬وفي غضون املؤامرة على‬ ‫سورية تزداد حدة املواجهة بني مشروعني إما مشروع املزيد‬ ‫من التفتيت وإما مشروع وحدة األمة‪ .‬وال بد ان ينتصر‬ ‫أحدهما‪ .‬وتستطيع فلسطني أن تكون البوصلة التي‬ ‫يتفق حولها أبناء األمة وجتمعهم وليست تلك التي يتنازع‬

‫حولها أبناء هذه األمة‪.‬‬ ‫املشكلة في القادة‬ ‫في هذه احلال هل املشكلة في الشعوب‬ ‫ام في القادة؟‬ ‫املشكلة أساسا ً هي في القادة‪ .‬وانتهى‬ ‫األمر إلى أن أصبحوا مؤثرين في شعوبهم‪.‬‬ ‫أصبح اإلعالم الغربي إضافة إلى اإلعالم الكياني‬ ‫يركز على محاربة الهوية القومية بتعزيز‬ ‫الهوية الكيانية احمللية على حسابها وإظهارها‬ ‫كهوية قائمة بنفسها‪ .‬بدال ً من التركيز‬ ‫على تعزيز الهوية القومية في مواجهتها‬ ‫الهوية الغريبة الدخيلة الغازية أي الهوية‬ ‫االسرائيلية‪ .‬وبالفعل كان يجب تعزيز الهوية‬ ‫الفلسطينية في فترة معينة إلبقاء القضية‬ ‫الفلسطينية حية فاعلة‪ .‬لكن مشكلة بعض‬ ‫القيادات الفلسطينية أنها أظهرت الشخصية‬ ‫الفلسطينية في مواجهة الشخصية القومية‬ ‫وليس في مواجهة الشخصية اليهودية أو‬ ‫الشخصية اإلسرائيلية أو تلك الشخصية التي‬ ‫ابتدعها الكيان الغاصب‪.‬‬ ‫القرار الوطني املستقل جذر اخلالف‬ ‫هناك انقسام حا ّد يعاني منه الواقع‬ ‫الفلسطيني منذ العام ‪ ،2007‬ما هي واقعية‬ ‫مساعي املصاحلة التي تتكرر كل فترة‬ ‫وتفشل؟‬ ‫أعتقد أن جذر أي خالف فلسطيني داخلي يكمن في‬ ‫مسألتني‪ :‬ما ُس ّمي القرار الوطني الفلسطيني املستقل‪،‬‬ ‫هذا القرار في واقعه ومنطلقه كان مستقالً عن األمة‬ ‫فجعل الشأن الفلسطيني شأنا ً داخليا ً وليس شأنها األمة‬ ‫كلها‪ .‬والثانية‪ :‬التفريط باحلقوق الفلسطينية واملصالح‬ ‫الوطنية العليا في اتفاق أوسلو مقابل البقاء السياسي‬ ‫ملنظمة التحرير الفلسطينية‪...‬‬ ‫ال انتخابات قريبة‬ ‫مبا فيها حق العودة؟‬ ‫وأجل البت باألسس‬ ‫االتفاق ّ‬ ‫حتدث عن إدارة املناطق ّ‬ ‫األخرى إلى االتفاق النهائي‪ :‬احلدود‪ ،‬حق العودة‪ ،‬الالجئون‬ ‫وتقاسم املياه وكل ما هو مهم‪ ..‬وهذا في ظل تفاوت‬ ‫قدرة الطرفني املتفاوضني بني قوة إسرائيل وضعف الطرف‬ ‫الفلسطيني‪.‬‬ ‫حاليا ً يصعب على الفلسطينيني اخلالص من حال‬ ‫االنقسام بخاصة انه منت على ضفتيه أجندات ومصالح‬ ‫متضاربة يصعب جتاوزها وإسقاطها من الطرفني‪ ،‬كذلك‬ ‫فإن الشأن الفلسطيني لم يعد شانا ً فلسطينيا ً داخليا ً‬ ‫فاجلميع فلسطينيا ً بانتظار ‪ 3‬مسائل‪ - :‬انقشاع غبار‬ ‫األزمة السورية‪ - ،‬انقشاع غبار الوضع املصري وزيارة الرئيس‬ ‫األميركي باراك اوباما إلى املنطقة خالل الشهر اجلاري‪.‬‬ ‫هذه معالم بوصلة مسار فلسطيني‪ .‬يضاف إلى كل‬ ‫هذا تناقض املطالب من املصاحلة فالرئيس الفلسطيني‬

‫محمود عباس يريد من املصاحلة غطاء لفرض سيطرة‬ ‫السلطة الفلسطينية شكليا ً على غزة وقطاعها بهدف‬ ‫توحيد املؤسسات الرسمية الفلسطينية ملواكبة حتقيق‬ ‫العضوية الفلسطينية في منظمة األمم املتحدة‪ .‬فيكون‬ ‫هناك وزير خارجية واحد وسفراء موحدون‪ ،‬ولو بقيت األمور‬ ‫التنظيمية بيد حماس داخلياً‪ .‬ومعروف ان الرئيس عباس‬ ‫مساره تسووي واضح‪ .‬بينما برنامج حماس ومطالبها من‬ ‫املصاحلة مختلفة رغم انها أصبحت تسووية كذلك‪ .‬يحاول‬ ‫عباس أخذ حماس معه إلى التسوية برعاية أميركية بينما‬ ‫حماس تريد أن تأخذ عباس معها إلى التسوية برعاية اتفاق‬ ‫حركة اإلخوان املسلمني العاملية مع األميركيني‪ ،‬وحماس‬ ‫من ضمن هذه احلركة‪ .‬أي أن املشكلة هي في من يقود اآلخر‬ ‫في املسار نفسه‪ ،‬لكن مبنطلقات مختلفة وآليات مختلفة‬ ‫ومنطق مختلف‪ .‬لكن من عنوان االنتخابات ميكن استقراء‬ ‫دواخل األمور‪ ،‬فحتى اآلن لم يتم التوافق على قانون انتخاب‬ ‫وال على الهيئة املشرفة عليها ورمبا كذلك لن يكون اتفاق‬ ‫على سجالت الناخبني‪ ،‬كذلك إسرائيل قوة ضاغطة متسك‬ ‫باألرض فال ميكن جتاهل موافقتها على االنتخابات أيضاً‪.‬‬ ‫واملوافقة اإلسرائيلية مقرونة بتحقق مصلحة إسرائيل‬ ‫وإال فال توافق‪ ،‬حتى اآلن ال أرى ان إلسرائيل مصلحة في‬ ‫إجراء انتخابات وميكنها منعها في مدينة القدس‪ ،‬فهل‬ ‫ميكن إجراء انتخابات فلسطينية من دون القدس؟ من يجرؤ‬ ‫على انتخابات فلسطينية عامة من دون القدس؟ ال أحد‪.‬‬


‫‪11‬‬

‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫فاملوافقة على انتخابات بال القدس موافقة على التخلي‬ ‫عن فلسطينية القدس‪ .‬وهذه ال ميكن ان يقدم عليها أي‬ ‫طرف فلسطيني ال محمود عباس وال خالد مشعل‪ .‬لذلك‬ ‫ال أرى أن هناك انتخابات مقبلة قريبة‪.‬‬ ‫حاجة الشعب الفلسطيني للمقاومة ّ‬ ‫ملحة‬ ‫هناك حراك جماهيري بدأ في مناخ احلراك العربي‪،‬‬ ‫هل ميكن ان يؤدي إلى انتفاضة ثالثة؟ وهل االنتفاضات‬ ‫السابقة برأيكم ادت ثمارها املرجوة؟‬ ‫أعتقد ان الشعب الفلسطيني بحاجة استرداد‬ ‫زمام املبادرة باملقاومة أكثر من الدميقراطية ومما يروج أنه‬ ‫الدميقراطية‪...‬‬ ‫وماذا عن التظاهرات الشعبية التي ظهرت في‬ ‫الشارع الفلسطيني السنة املاضية؟‬ ‫هذه جزء من صراع داخلي بني قوى مؤسسة أوسلو في‬ ‫السلطة الفلسطينية‪ ،‬ملصلحة املنظمات غير احلكومية‬ ‫بقيادة رئيس الوزراء سالم فياض الذي يريد ان يصادر دور‬ ‫فتح‪ .‬في مقابل محاولة فتح مصادرة دور فياض‪ ،‬وكالهما‬ ‫ليسا دميقراطيني وليسا على قلق باألمة وال بالشعب‬ ‫وحياته ومعاناته‪.‬‬ ‫حل السلطة تهديد غير واقعي‬ ‫من فترة ألخرى يهدد الرئيس عباس بأنه قد يُقدم‬ ‫على حل السلطة الفلسطينية فهل هذا ممكن؟ وهل‬ ‫تداعياته سلبية على الواقع الفلسطيني؟‬ ‫أعتقد ان هذا املشروع غير واقعي‪ ،‬وأبو مازن ل ّوح سابقا ً‬ ‫باحتمال حل السلطة‪ ،‬لكن لكثرة تلويحه املتكرر به لم‬ ‫يعد يصدقه أحد وال يأخذه على محمل اجلد‪ .‬كقصة الذئب‬ ‫وراعي الغنم‪ .‬وحل السلطة هو الورقة الوحيدة بيد ابو‬ ‫مازن‪ ،‬رغم اننا نتمنى حل السلطة وعودة االحتالل فعليا ً‬ ‫ليتحمل مسؤولياته‪ ،‬بينما بقاء السلطة يجعلها تتحمل‬ ‫مسؤوليات املناطق عن كاهل االحتالل الذي لم ينقطع‬ ‫ولم يرفع ثقله عن كاهل الناس حتى اآلن‪ .‬ملاذا نخدع‬ ‫أنفسنا ان عندنا سلطة ونحن خاضعون لالحتالل يومياً؟‬ ‫تتبجح اسرائيل بأن لدينا سلطة وحكومة بينما نحن‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫نؤمن إلسرائيل احتالال من خمسة جنوم ونوفر االحتالل من‬ ‫ّ‬ ‫قذارة ممارساته ونتحملها عنه بأريحية فلسطينية‪ :‬إحلاق‬ ‫اقتصادي‪ ،‬تنسيق أمني‪ ،‬مالحقات واكتظاظ سجون‪ .‬حل‬ ‫السلطة رمبا أصبح خلف ظهر اجلميع‪ .‬جسد السلطة‬ ‫حاليا ً يرفض ان يُ ّ‬ ‫حل حتى ولو اراد عباس‪ ،‬وانا على قناعة‬ ‫تامة من ان عباس ال يريد حل السلطة‪.‬‬ ‫الفكر الزقاقي عقيم‬ ‫فلسطيني‬ ‫هناك خطة إسرائيلية لتصنيع‬ ‫ّ‬ ‫وفلسطيني اخمليم في‬ ‫وفلسطيني النزوح‬ ‫الشتات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مقابل فلسطيني الداخل وفلسطيني املدينة والتاجر‬ ‫واملستثمر واملقاول السياسي‪ ...‬ما هي مؤشرات هذا‬ ‫التصنيع وإلى حد جنحت؟‬ ‫هي اخلطة نفسها التي اعتمدت منذ أكثر من‬ ‫تسعة قرون على األقل بالتوغل أكثر في تشظي وطننا‪،‬‬ ‫وتقسيمه على مراحل‪ ،‬ففلسطني نفسها هي جزء صغير‬ ‫من جسد كبير‪ .‬ولألسف أبجدية التفتيت والتشظي‬ ‫متداولة لدى غالبية الشخصيات الوطنية الوازنة وفي‬ ‫األدبيات السياسية الفلسطينية تتحدث عن الضفة وغزة‬ ‫واملدينة واخمليم واملقيم وفلسطينيي الداخل والالجئني‬ ‫وشمال الضفة وجنوبها‪ ...‬ونحن كفلسطينيني ال نعدو‬ ‫اكثر من جزيء دميغرافي وسياسي مشرقي‪ ،‬وهنا يكمن‬ ‫واجب املتنورين العاملني في السياسة أن يواجهوا هذا‬ ‫الفكر الزقاقي‪ ،‬الذي ينظر إلى األمة انها فسيفساء أزقة‬ ‫وزواريب‪ ،‬وكل معني بزقاقه فقط‪ ،‬وتوجيه االهتمام إلى‬ ‫األصل واجلذور باحلديث عن األمة وحتمية وحدتها للخالص‬

‫استراتيجيا‬

‫مما تعانيه ويتهدد وجودها‪.‬‬ ‫اجملتمع املدني الفلسطيني مخترق‬ ‫كيف للمجتمع املدني الفلسطيني أن يواجه هذه‬ ‫اخلطة؟‬ ‫اجملتمع املدني الفلسطيني مجتمع مخترق متاما ً‬ ‫بواسطة املنظمات غير احلكومية‪ ،‬تلك املنظمات التي‬ ‫يسميها الدكتور عادل سمارة بـ»منظمات األجنزة»‬ ‫(مشتقة من ‪ )NGO‬وأخشى انها قد اصبحت العبا ً‬ ‫أساسيا ً في تغريب القضايا القومية والوطنية الكبرى في‬ ‫سياق االنشغال في قضايا معيشية صغيرة آنية‪.‬‬ ‫خطة إسرائيل‪ :‬تعزيز موبقات أوسلو وجتذيرها‬ ‫هناك من يرى ان أبو مازن يتعرض ملا تعرض له سابقاً‬ ‫الرئيس السابق ابو عمار قبيل اغتياله‪ ،‬وقد يواجه‬ ‫املصير نفسه‪ ،‬هل توافق على هذا؟‬ ‫نعم اوافق على هذا التحليل‪ ،‬وانا ال أتهم الرئيس‬ ‫عباس‪ ،‬ال سمح اهلل‪ ،‬مبا يعيب‪ ،‬لكن لكل منا قناعاته‬ ‫التي ال تتفق مع اآلخر‪ .‬حاليا ً تهتم إسرائيل بإيجاد حل‬ ‫انتقالي طويل املدى يرث أوسلو ويحافظ على موبقات‬ ‫اوسلو نفسها ورمبا تعزيزها أكثر‪ ،‬من تنسيق أمني وإحلاق‬ ‫اقتصادي حسب اتفاقية باريس الثانية‪( .‬الرئيس) محمود‬ ‫عباس يريد حتقيق منجزات يتذرع بها بينما ال تريد إسرائيل‬ ‫ان تعطيه شيئاً‪ .‬هذه السياسة تعتمدها إسرائيل‬ ‫باستمرار وهي االستقواء على شخصيات مهزومة في‬ ‫التعامل معها وال تريد شخصيات مركزية راسخة بقيمها‬ ‫القومية والنضالية‪ ،‬تشترط حاليا ً على نايف حوامتة‬ ‫ملوافقتها على عودته شرطني‪ :‬التخلي عن الكفاح املسلح‬ ‫واالعتذار عن ناريخه النضالي‪ .‬وما إن يوافق حوامتة أو غيره‬ ‫على شروطها حتى تبادر إلى اختراع شروط أخرى اكثر إذالال ً‬ ‫وأقسى منها‪ .‬وعلى األرض تركز سياسة مشابهة هي‬ ‫ونواح‪ :‬اخلليل مبعزل عن‬ ‫التعامل مع مربعات ومدن ورمبا قرى‬ ‫ٍ‬ ‫جنني‪ ،‬بيت حلم مبعزل عن الناصرة‪ ...‬فال تريد التعامل مع‬ ‫حكومة مركزية ولو كانت هزيلة‪..‬‬ ‫أين الرأي العام الفلسطيني من احلرب الكونية التي‬ ‫تتعرض لها سورية عربيا ودوليا واألخطر داخلياً؟‬

‫ضل ما جاوب‪)...‬‬ ‫أعتذر عن اجلواب (بإصرار فلسطيني‪ :‬ب َ َف ِّ‬ ‫ممازحاً‪ :‬أشرف لنا نحن اإلثنني‪....‬‬ ‫جنني‪« ..‬كلنا في الهمّ شرق»‬ ‫َ‬ ‫قدمت من جنني إحدى مدن الصمود الفلسطيني‪،‬‬ ‫كيف حال جنني؟‬ ‫جنني حالها ككل فلسطني ومحيطها الطبيعي في‬ ‫اوضاع ال تس ّر وطنياً‪ ،‬وإذا كان من إيجابية لها أنها في واقع‬ ‫هم حلب‪ ،‬جزء‬ ‫«كلنا في‬ ‫هم جنني جزء من ّ‬ ‫الهم شرق»‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫هم هذه األمة‪.‬‬ ‫هم بيروت‪ ..‬جزء من ّ‬ ‫هم بغداد‪ ،‬جزء من ّ‬ ‫من ّ‬ ‫ُ‬ ‫أنا مزارع ِجنني‪ ..‬فالزراعة طريقة نضال‬ ‫َم ْن سعادة مصطفى ارشيد؟ ومعروف ان الوالد شغل‬ ‫مسؤولية رئيس في احلزب القومي أوساط اخلمسينيات‬ ‫ونادراً ما تتحدث عنه األدبيات احلزبية‪ ،‬حبذا نتعرف أكثر‬ ‫عليكما؟‬ ‫أنا درست العلوم السياسية والقانون في مدينة‬ ‫جنيف في سويسرا‪ ،‬وبعد ان انهيت دراستي عدت للوطن‬ ‫للعمل مزارعا ً في امالك العائلة وفي إدارتها‪ ،‬وال زلت‪ ..‬وأحب‬ ‫تقدمي لنفسي هو ان أقدمها بانني مزارع في جنني‪ .‬وأمارس‬ ‫الزراعة بيدي‪ ،‬وفخور بذلك كثيراً‪ .‬وبرأيي الزراعة مقاومة‬ ‫وأحد جتلياتها‪ ،‬وطريقة نضال‪ .‬وتكاد تكون صلب خطة‬ ‫نظامية دقيقة في مواجهة اخلطة الصهيونية التي قامت‬ ‫على مبدأ الزراعة وهو جذر لها وأبرز عوامل االستيطان‪،‬‬ ‫لتهجير الناس من أرضها فتكون أرضا ً بورا ً خالية‪ .‬لذلك‬ ‫مبا ان الزراعة تسطيع ان تثبت الناس في أرضها يقوم‬ ‫االحتالل باستهدافها ويعتبر أنه يجب ان تفشل وتبقى‬ ‫عمالً شاقا وفاشالً وغير مربح لتبقى األرض سائبة‪ ،‬لكنها‬ ‫في احلقيقة عمل منتج وجيد بطبيعته‪ .‬وهي عندما تكون‬ ‫في فلسطني تكون عمالً سياسيا ً بامتياز‪.‬‬ ‫أنتم عضو في املنتدى القومي في رام اهلل‪ ،‬نتحدث‬ ‫عن واقعه وعطاءاته؟‬ ‫هو منتدى أسسته مجموعة من القوميني امللتزمني‬ ‫بالفكر القومي بطيفه الواسع وباملقاومة وان فلسطني‬ ‫ليست شأنا ً فلسطينيا ً فقط‪ ،‬بل هي شأن األمة جمعاء‪.‬‬


‫‪12‬‬

‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫مناسبة‬

‫سهرة األول من آذار‬

‫قوميون تجمعهم وحدتهم بمقاومة قومية وبناء نظام جديد‬ ‫حتت شعار «وحدة القوميني وحدة األمة» احتفل‬ ‫قوميون ومواطنون على طريقتهم باألول من آذار‬ ‫ذكرى مولد انطون سعادة ‪.‬‬ ‫حضر االحتفال حوالي ‪ 500‬شخص في اوتيل‬ ‫الكومودور احلمرا يوم اجلمعة الواقع في‪ 1‬آذار‪2013‬‬ ‫تخلل احلفل تعريف مبعاني املناسبة للمحامي‬ ‫ايلي غصان و كلمة املنظمني القاها الدكتور‬ ‫حسان سلوم ‪.‬وهي صرخة ونداء من اجل «وحدة‬ ‫القوميني واملقاومني ملواجهة احلرب الشاملة التي‬ ‫تشن على وجودنا وذلك من خالل تفعيل املقاومة‬ ‫القومية الشاملة «التي أمست ضرورة وواجباً‬ ‫وهي تترافق مع االصالح وبناء النظام اجلديد القائم‬ ‫على احلرية والعدالة االجتماعية والنزاهة ‪».‬وختم‬ ‫بالوعد لعقد «مؤمتر وحدة القوميني االجتماعيني‬ ‫على قاعدة املشروع املقاوم ونضالهم االصالحي‬ ‫على درب بناء الدولة القومية الدميقراطية ‪».‬‬ ‫وفيمايلي نص الكلمتني‪:‬‬ ‫غصان‬

‫ألقى احملامي ايلي غصان الكلمة األتية‪ :‬حاولت في‬ ‫السابق اختصار سعادة وفشلت وأتى االختصار ناقصا ً‬ ‫وسأحاول معكم اليوم وأنا أعرف أني سأفشل مجددا ً‬ ‫ولكن سأحاول دائماً‪.‬‬ ‫العقلل هو الشرع األعلى‬ ‫ومصلحة سوريا فوق كل مصلحة‬ ‫وهل أستطيع أن أختصر سـعاده بهذين القولني؟؟‬ ‫ومن ثم أستطيع أن أقدم لكم ذكرى مولد سعاده وأن‬ ‫أقدم هذا احلفل وظروفه العامة‬ ‫كيف يكون العقل مقياسا ً مطلقاً؟‬ ‫ومصلحة األمة قضية أولى‬ ‫شخص أيا ً يكن هذا‬ ‫ميالد‬ ‫وثم نأتي لنحتفل بذكرى‬ ‫ٍ‬ ‫الشخص‪ ،‬أال يحتمل ذلك التكرمي تأليها ً وتقديساً؟‬ ‫رافقني هذا االلتباس طويالً‬ ‫رمبا يزيل القدر الكبير من هذا االلتباس محاولة‬ ‫الشرح التالية نحن ال نحتفل بذكرى ميالد األب أو األخ‬ ‫أو رب العمل أو صاحب الثروة واألراضي‪ ،‬ال نحتفل بذكرى‬ ‫البيك أو اآلغا أو ابن العائلة االقطاعية الكبيرة‪.‬‬ ‫نحن نحتفل بذكرى َمن بعث قضية واستشهد من‬ ‫أجلها‬ ‫نحن نحتفل بذكرى ميالد الشهيد املؤسس أنطون‬ ‫سعادة‬ ‫لهذا يأتي االحتفال مختلفا ً متخففا ً من االلتباس‬ ‫وأيضا ً ملاذا هذا احلفل بهذه الظروف التي متر بها بالدنا؟‬ ‫الظروف خاصة لهذا احلفل مبعنى أنه يخص هذه‬

‫اجملموعة أو تلك‬ ‫وحده َقدرٌ كبي ٌر من القلق املتعاظم مترافقا ً مع َقدرٍ‬ ‫أكبر من االلتزام‪.‬‬ ‫أن تتعرض هذه األمة لهذا الزلزال لهذا الدفق من‬ ‫الدم اجملاني لهذه اخلسائر على مستوى السيادة والثروة‪..‬‬ ‫ما كان يحدث ومازال على أرض فلسطني وما يحدث‬ ‫كل يوم على أرض العراق ولبنان والشام‬ ‫ليس هناك َمن يدفع دمه وهو ليس منا‬ ‫ليس مما نستطيع أن نحتمله نحن أبناء هذه العقيدة‬ ‫جالسني في بيوتنا متفرجني‬ ‫فمن يسقط في أي مكان على ارض هذا الوطن الكبير‬ ‫هو شعبنا سواء سقط في غزة أو رام اهلل أو القدس في‬ ‫بيروت او صيدا أو طرابلس‪ ،‬في دمشق أو إدلب‪ ،‬في حمص‬ ‫أو حلب‪ ،‬في جرمانا أو السلمية ‪ ،‬في بغداد أو االنبار أو‬ ‫املوصل‬ ‫ليس هناك بني شعبنا من هو نحن ومن هو هم ‪،‬‬ ‫شعبنا كله هو نحن‪ ،‬ونحن فقط‬ ‫إن هذه الهجمة تهدف أوال ً وأخيرا ً لتفتيت مجتمعنا‬ ‫ودفع شعبنا ليقتل بعضه البعض وإلى سرقة ثروتنا أو‬ ‫تدميرها‬ ‫فتعود قبائل تائهة ضعيفة ملتحقة بالدول القوية‬ ‫احمليطة‪.‬‬ ‫هذا القلق يدفعنا بقوة الى تأكيد التزامنا وإعالن‬ ‫مسؤوليتنا والذهاب الى النضال‪،‬‬ ‫ليس من عاداتنا عند احملن أن نترك املسؤولية لغيرنا‬ ‫أي يكن هذا الغير‪.‬‬ ‫صحيح أننا الليلة سوف نفرح ونغني ولكننا هنا‬ ‫لنعلن املوقف وااللتزام وحتمل املسؤولية‬ ‫أما حديث االمكانيات فبعضها هو أنتم وكالم آخر‬ ‫ليس اليوم مكانه‬ ‫كلمة احلفل يلقيها ابن احلصن القادم الى بيروت من‬ ‫دمشق الرفيق الطبيب حسان سلوم‪ .‬‬

‫ّ‬ ‫سلوم‬

‫ألقى حسن سلوم الكلمة األتية‪ :‬كزهر اللوز جاء‬ ‫مبكراً‪ ،‬حامالً فرح البشارة‪...‬‬ ‫لكن احلقول لم تكن باالنتظار‪...‬فوتت بهجة‬ ‫االحتفال‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫توق الربيع الى الوالدة عبر كنسمة رحلت وملت معها‬ ‫عبق األريج‪...‬‬ ‫في الذاكرة‪..‬‬ ‫عشتار تنجح في بعث احلياة‪.‬‬

‫أين احلياة في عمرنا‪..‬‬ ‫عصية هذي البوابات على العبور‪ ...‬والدروب معتمة‪...‬‬ ‫ترى هل سيبقى ربيعنا حبيس عاملنا السفلي فال‬ ‫تورق أيامنا ‪..‬؟؟‬ ‫هل سيبقى الربيع حلما ً في اخليال؟؟‬ ‫واأليادي التي تقطف الثمر ما بالها‪..‬؟؟ أدمنت‬ ‫التصفيق فنسيت عفر التراب‪.‬‬ ‫في الذاكرة‪...‬‬ ‫احملراث كان من هنا ‪ ...‬القمح والزيت واخلمر املعتق‪..‬‬ ‫مواسم احلصاد بهجة‪ ...‬وطقوس املوت والوالدة‬ ‫جتسد عمالً وغالالً‪ ...‬أملا ً ونشوة‬ ‫الفالحون واحلصادون غابوا‪ ...‬رحلوا يبحثون عن أرض‬ ‫اخرى يروونها بعرقهم ودموعهم‪..‬‬ ‫عن مواسم أخرى تعبأ بسالل هدية للغريب‪..‬‬ ‫كزهر اللوز جاء مبكراً‪ ..‬حامالً إعالن القطيعة‪ ...‬اآلن‬ ‫يبدأ الزمن‪ ..‬اآلن تبدأ احلياة‪.‬‬ ‫زمن املعرفة املؤسسة لفعل التغيير‬ ‫زمن العقل شرعا ً ومنارة‪ ..‬زمن التأسيس النتصار‬ ‫احلياة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وألنه بهذا جاء مبشرا‪ ...‬آمنا به‪..‬‬ ‫تعاهدنا على حتمل الصعاب معا ً ومواجهة التحدي‬ ‫معا ً من أجل قضي ٍة هي قضية وجودنا‪..‬‬ ‫منذ أسابيع قليلة تداعينا لندوة دراسية لتحديد‬ ‫اخملاطر وسبل املواجهة‪ ،‬ومن خالصاتها أننا اآلن في‬ ‫أسس لها مسا ٌر‬ ‫مرحلة الذروة للحرب على وجودنا‪ّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫طويل من فقدان السيادة القومية‪.‬‬ ‫لم يكن من املمكن للمصالح واإلرادات الغريبة أن‬ ‫َّ‬ ‫شكله تفاقم‬ ‫تنجح لوال ت َو ُفر احلاضن الداخلي الذي‬ ‫عوامل الضعف والتفتت وسيطرة الفساد داخل‬ ‫بنيتنا‪...‬‬ ‫فاحلرب اآلن تخاض بأيدينا وانتقلنا من مرحلة‬ ‫تكريس الدولة الكيان وطنا ً نهائيا ً الى مرحلة تغيير‬ ‫اجلغرافية السياسية وخلق الكيانات الصغرى البديلة‬ ‫حرب اغتصاب أجزائنا من كل االجتاهات‬ ‫حرب شامل ٍة على مكونات وجودنا‪ ،‬االجتماعية‬ ‫والثقافية واالقتصادية والعسكرية‪.‬‬ ‫ اجتماعياً‪:‬‬‫عبر تفكيك نسيج الوحدة االجتماعية القائمة على‬ ‫التنوع والتمازج وعبر عملية تغيير دميغرافي وتهجير‬ ‫سكاني يتناسب مع تقسيمات اجملتمع اخملططة‪.‬‬ ‫حرب تغيير العادات والتقاليد ومنط احلياة‪...‬‬ ‫حرب تطال الفنون واألزياء وحتى الطعام والشراب‬ ‫وبناء املساكن‪.‬‬ ‫ ثقافياً‪:‬‬‫هي حرب شيطنة الفكر القومي والعلماني‬ ‫الستبدال الهوية‬ ‫هي حرب تغيير املفاهيم‪ :‬مفهوم الوطن واملواطنة‪..‬‬ ‫احلرية والدميقراطية‪ ..‬الدولة والقانون واحلقوق‪...‬‬ ‫حتى بتنا نشهد دساتير كيانات تستبدل حقوق‬ ‫اجملتمع بحقوق اجلماعات‪.‬‬


‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫حرب على العقل ومنجزات العقل عبر تاريخ أمتنا‪..‬‬ ‫حرب بدأت بتصفية املفكرين وصوال ً الى تدمير آثارنا‪.‬‬ ‫ اقتصادياً‪:‬‬‫هي حرب على موارد احلياة وتعطيل أوجه النشاط‬ ‫االقتصادي وتهجير الصناعة واملنتجني‪.‬‬ ‫حرب تدمير البنى التحتية من ماء وكهرباء وطرق‬ ‫ومواصالت‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حرب استنزاف املوارد وصوال الى التبعية االقتصادية‬ ‫التي تقود لتبعية القرار‪..‬‬ ‫ عسكرياً‪:‬‬‫كسر اجليوش الوطنية القائمة واستبدالها‬ ‫بتشكيالت مسلحة على قياس اجلماعات‪.‬‬ ‫حرب تعميم منوذج احلروب األهلية لتطال كل‬ ‫الكيانات‪.‬‬ ‫وللمرة األولى بعد احلرب العاملية الثانية واغتصاب‬ ‫فلسطني‪ .‬نشهد تواجدا ً عسكريا ً للقوى األجنبية‬ ‫على أرضنا‪ ،‬فلم تعد القوى الغريبة تكتفي بالتدخل‬ ‫غير املباشر فال بأس من خوض احلروب والتدخل املباشر‬ ‫وصوال ً الى االحتالل العسكري إن اقتضى األمر‪.‬‬ ‫تلك كانت مقتطفات قليلة من اخلالصات التي‬ ‫أنتجتها ندوتنا الدراسية‪.‬‬ ‫ولكن ال معنى لكل الدرس واخلالصات السابقة إن‬ ‫بقيت في إطار التحليل والعمل العقلي فقط‪..‬‬ ‫فلم تعد املقاومة خيارا ً من خياراتنا‪ ...‬بل هي «‬ ‫وواجب « إذا اخترنا احلياة‪ ..‬ألنها استجابتنا‬ ‫ضرور ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫الطبيعية في حتدي البقاء‪.‬‬ ‫املقاومة القومية الشاملة بكافة اشكالها‪...‬‬ ‫مقاومة معادلة لتحدي وجودنا‪..‬‬ ‫مقاوم ٌة تترافق مع االصالح وبناء النظام اجلديد‬ ‫القائم على احلرية والعدالة االجتماعية والنزاهة وهي‬ ‫أمورٌ ليست ترفا ً ولم تعد حتتمل التأجيل‪.‬‬ ‫في صراع املوت مع احلياة نعلن انحيازنا املطلق‬ ‫للحياة‪..‬‬ ‫كما نعلن امياننا املطلق بعوامل احلياة الكامنة في‬ ‫أمتنا ‪...‬‬ ‫ورغم اخللل الكبير في موازين القوى احلالية نرى أنه‬ ‫مقاوم ّإل بوحدة املقاومني‬ ‫ملشروع‬ ‫ال سبيل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مشروع توحد قوى اجملتمع‪ ...‬مشروع توحد القوميني‬ ‫االجتماعيني‪...‬‬ ‫ال ضمانة لالنتصار في هذه املعركة ولكننا‬ ‫مصممون على خوضها‪ .‬ونعرف أن احتماالت الربح تزداد‬ ‫اذا خضناها موحدين‪.‬‬ ‫فكما كانت ندوة دراسية لتحديد اخملاطر وسبل‬ ‫املواجهة فإنه علينا التداعي ملؤمتر وحدة القوميني‬

‫مناسبة‬ ‫االجتماعيني على قاعدة املشروع املقاوم ونضالهم‬ ‫االصالحي على درب بناء الدولة القومية الدميقراطية‪.‬‬ ‫مؤمتر وحدة الفعل املقاوم وتأمني مستلزماته‪.‬‬ ‫غال علينا‪ ،‬ويستحق منّا‬ ‫دم شعبنا املهدور مجانا ً ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الوفاء وكان ميكن له أن يكون عامال حاسما في املعركة‪،‬‬ ‫إنه يضغط على وجداننا‪.‬‬ ‫شعلة احلياة في أمتنا أمانة نحملها‪ ...‬فإن لم يكن‬ ‫االنتصار اآلن ممكنا ً فإن مسؤوليتنا أ ّيا ً كان مآل الواقع‬ ‫السياسي أن نوصل الشعلة ألجيالنا القادمة‪.‬‬ ‫ليس الوقت زمن حتليل وحتميل وتوزيع للمسؤوليات‪،‬‬ ‫فلو لم نخطىء جميعنا ملا وصلنا الى ما وصلنا اليه‪.‬‬ ‫واإلعتراف باخلطأ رغم كونه مسؤولية أخالقية ال‬ ‫يكون فضيل ًة ّإل مبقدار استعدادنا لدفع ثمن أخطائنا‬ ‫وصوال ً حملاولة جتاوزها‪.‬‬ ‫ولوال إمياننا باستمرار صالحية الفكر الذي جاء به‬ ‫سعادة ملا اجتمعنا اليوم‪ ،‬فليست املناسبة مناسبة‬ ‫تكرمي مفكر عبقري من أمتنا في ذكرى ميالده‪ ،‬بل هي‬ ‫مناسبة القضية التي سقط سعادة بشجاع ٍة شهيدا ً‬ ‫من أجلها‪..‬‬ ‫إنها مناسب ُة جتديد العهد على الوقوف معا ً أو‬ ‫السقوط معا ً من أجل قضية تساوي وجودنا‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫‪14‬‬

‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫دين‬

‫المنعطف التاريخي االساسي نحو تشكيل االمة العربية‬

‫المسيحية قبل السيد المسيح وبعده‬ ‫جورج حداد* ‬

‫مثلت احلروب البونية (بني روما وقرطاجة‪ ،‬والتي‬ ‫انتهت بالتدمير التام لقرطاجة) نقطة التحول‬ ‫التام والنهائي من املرحلة املتأخرة للمجتمع‬ ‫املشاعي البدائي الى مرحلة اجملتمع العبودي الذي‬ ‫جسدته روما متاما واستعبدت مبوجبه شعوب‬ ‫العالم املتحضر القدمي‪ .‬وظهرت الديانة املسيحية‬ ‫(االميان مبجيء املسيح ـ اخمللص) كرد فعل على‬ ‫انتصار روما واجملتمع العبودي‪ ،‬وكشكل من اشكال‬ ‫النضال االنساني ـ االجتماعي ـ السياسي ـ‬ ‫االيديولوجي ـ الديني ضد العبودية الرومانية‬ ‫وضد ملحقها وخادمها االستغاللية والفسادية‬ ‫اليهودية‪ .‬وانتشرت العقيدة املسيحية اول ما‬ ‫انتشرت في البلدان التي تعرف اليوم بـ»الوطن‬ ‫العربي الكبير»‪ ،‬وكان لها الفضل االول في تقريب‬ ‫شعوب تلك البلدان وتآخيها في االطار الديني‬ ‫املسيحي‪ ،‬مما مهد لبلورة وظهور االمة العربية‬ ‫الحقا‪ .‬وهذا البحث املتواضع يحاول ان يلقي الضوء‬ ‫على هذه العملية التاريخية‪ ،‬التي هي من اكبر‬ ‫العمليات احلضارية في التاريخ والتي تؤكد ثالث‬ ‫حقائق جوهرية‪ :‬االولى ـ حضارية االمة العربية‪.‬‬ ‫والثانية ـ ان االمة العربية ولدت في الكفاح ضد‬ ‫االستعمار واالستعباد االوروبي والفساد اليهودي‪.‬‬ ‫والثالثة ـ ان املسيحية هي االس االساسي لوالدة‬ ‫االمة العربية‪.‬‬ ‫في الـ‪ 25‬كانون االول من كل سنة يحتفل العالم‬ ‫املسيحي (مبا فيه العالم العربي) بذكرى ميالد السيد‬ ‫املسيح ومن ثم بدء السنة امليالدية اجلديدة‪ .‬واصبح‬ ‫يغلب على هذه املناسبة الطابع االحتفالي‪ ،‬الطقسي‬ ‫واالنشراحي‪ ،‬حيث تقام الصلوات التقليدية وتتم‬ ‫السهرات وتبادل الزيارات والتهاني والتمنيات بالصحة‬ ‫والسالمة والتوفيق‪ .‬وفي البيئات املسيحية ـ االسالمية‬ ‫اخملتلطة‪ ،‬يتم تبادل التمنيات الشكلية والتأكيد الكالمي‬ ‫على التعايش االسالمي ـ املسيحي‪ .‬ونظرا لسيادة‬ ‫“الثقافة” اململوكية والعثمانية‪ ،‬التي ال تزال تعشش في‬ ‫بعض اجلماجم الفارغة وجترجر اذيالها منذ مئات السنني‪،‬‬ ‫فإن بعض املتاجرين بالدين االسالمي‪ ،‬وال سيما في املواقع‬ ‫السلطوية والنافذة‪ ،‬وخصوصا بعض التكفيريني‪ ،‬ال‬ ‫يجدون غضاضة في متنني املسيحيني باستمرار وجودهم‬ ‫في “املنطقة االسالمية” طوال احلقبات املاضية‪ .‬وبعضهم‬ ‫يرفع شعار طرد املسيحيني من بالد العرب‪ ،‬ويعمدون الى‬ ‫تفجير الكنائس واالديرة والى قتل رجال الدين واملواطنني‬ ‫املسيحيني‪ ،‬ويدعون ويتصرفون وكأن املسيحيني هم‬ ‫“ضيوف” على االكثرية االسالمية‪ ،‬وليسوا اكثر من‬ ‫“جاليات غريبة وغربية” و”محميات اجنبية” و”تفاصيل”‬ ‫متخلفة عن “املسألة الشرقية”‪.‬‬ ‫ولضمان استمرار وجودهم‪ ،‬فإن املسيحيني التقليديني‬ ‫في مختلف البلدان العربية‪ ،‬هم ملزمون عمليا بأن‬ ‫يدعموا السلطة القائمة‪ ،‬ولو كانت سلطة صدام‬ ‫حسني او سلطة االحتالل االميركي وعمالئه في العراق‪،‬‬ ‫واال أفلتت عليهم العصابات املسعورة املتجلببة زورا‬ ‫باالسالم‪ ،‬القتالعهم من جذورهم الضاربة في هذه االرض‬ ‫منذ آالف السنني قبل ظهور املسيحية واالسالم‪ .‬وهذا هو‬ ‫«الدرس» االساسي الذي أريد تلقينه للمسيحيني املصريني‬ ‫والعراقيني والسوريني‪ ،‬في التفجيرات االجرامية التي‬ ‫تعرضت لها بعض الكنائس واالحياء املسيحية في مصر‬ ‫والعراق وسوريا‪ .‬اي‪ :‬اما ان يكون املسيحيون مع السلطة‬

‫العميلة الميركا‪ ،‬ويحملون السالح دفاعا عن انفسهم‪ ،‬من‬ ‫خالل الدفاع عن اميركا واسرائيل‪ ،‬واما ليرحلوا الى اميركا‬ ‫والغرب‪ ،‬واما‪ ...‬القبر والقهر! وفي سوريا اجملاورة دست‬ ‫في بعض املظاهرات التي تقوم بها املعارضة املشبوهة‬ ‫شعارات مثل «املسيحي عا بيروت»‪.‬‬ ‫وفي االجواء االحتفالية الشكلية لعيد امليالد‪ ،‬من‬ ‫جهة‪ ،‬والسياسية واالمنية املشحونة‪ ،‬من جهة ثانية‪،‬‬ ‫تضيع املدلوالت الدينية والتاريخية الق ّيمة مليالد السيد‬ ‫املسيح‪.‬‬ ‫ونحن نترك لرجال الدين املسيحي الصادقني التعامل‬ ‫الالهوتي مع ضياع املدلول الديني ـ الروحاني لهذا العيد‪،‬‬ ‫وحتويله الى مناسبة كرنفالية جتارية لنشر التهتك‬ ‫والعربدة واالباحية والدعاية التجارية وتسويق السلع وعلى‬ ‫رأسها سلعة اللهو واالستعراض واستهالك املسكرات‬ ‫واخملدرات والعاهرات‪.‬‬ ‫ولكننا ـ كمواطنني في هذا العالم اجملنون‪ ،‬وال سيما‬ ‫كمواطنني عرب ـ نرى من الضروري التوقف عند ضياع‬ ‫املدلول التاريخي لرواية ميالد السيد املسيح‪ ،‬ومجزرة‬ ‫قتل االطفال في منطقة بيت حلم وجوارها‪ ،‬وهرب العائلة‬ ‫املقدسة واختبائها في مصر‪.‬‬ ‫ونسمح النفسنا ان نقول‪ ،‬امام تعجب من يريد‬ ‫ان يتعجب ونحن بدورنا نضع على تعجبه الف عالمة‬ ‫تعجب والف عالمة استفهام‪ ،‬انه خالل ما يسمى “احلروب‬ ‫الفونية” كان من املمكن لتلك احلروب ان تنتهي بتدمير‬ ‫روما‪ ،‬لوال التعفف االفالطوني ونكاد نقول “املسيحي”‬ ‫(باملعنى االخالقي) لهنيبعل‪ .‬ولكن االمتناع “املسيحي!”‬ ‫لهنيبعل عن تدمير روما فتح الطريق لروما كي تقوم هي‬ ‫الحقا بتدمير قرطاجة (‪ 146‬ق‪.‬م) وبيع من تبقى من اهلها‬ ‫أحياء للنخاسني (وجلهم من اليهود) كي يقوموا بدورهم‬ ‫ببيع القرطاجيني االشاوس كعبيد‪.‬‬ ‫وبعد تدمير قرطاجة‪ ،‬اتخذ النضال ضد طغيان روما‬ ‫شكل ثورات العبيد‪ .‬وبعد سحق الثورة الثالثة بقيادة‬ ‫االغريقي او السالفي سبارتاكوس (‪ 71‬ق‪.‬م)‪ ،‬اتخذ النضال‬ ‫ضد روما شكال جديدا‪ ،‬نضاليا ـ اخالقيا ـ دينيا‪ ،‬متثل في‬ ‫انتشار “العقيدة املسيحية” (االميان مبجيء “املسيح ـ ابن‬ ‫االنسان” الذي سيقضي على العبودية والظلم ويقيم‬ ‫العدالة ويساوي بني البشر)‪.‬‬ ‫وإن الرواية االجنيلية عن ميالد السيد املسيح وتداعياتها‬ ‫هي تعبير ديني عن اول حركة تاريخية كبرى‪ ،‬اجتماعية‬ ‫وقومية‪ ،‬في طريق التكوين الالحق للقومية العربية واالمة‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫فاملنطقة الكبرى التي نسميها اليوم “الوطن العربي‬ ‫الكبير” وتقطنها “االمة العربية” الواحدة‪ ،‬كانت قبل ميالد‬ ‫املسيح‪ ،‬تتألف من عدة بيئات طبيعية ومحاور اجتماعية‬ ‫ـ حضارية مختلفة‪ ،‬اهمها (كعناوين كبرى)‪ :‬املغرب العربي‬ ‫الكبير‪ ،‬وادي النيل‪ ،‬سوريا الطبيعية (فينيقيا وكنعان)‪،‬‬ ‫جنوب وشمال شبه اجلزيرة العربية واخلليج‪ ،‬ما بني النهرين‬ ‫(العراق)‪ .‬وقد نشأت في القدمي في هذه املنطقة املترامية‬ ‫واملتنوعة حضارات متميزة‪ ،‬لها شخصيات او هويات‬ ‫مستقلة ابرزها‪ :‬احلضارة القبطية (املسماة‪ :‬فرعونية‪،‬‬ ‫وهي تسمية خاطئة متاما النها تسمي شعب وبلد باسم‬ ‫احلكام‪ ،‬كما هي تسمية “السعودية” اليوم‪ ،‬وهي تسمية‬ ‫ال مدلول حضاري ـ تاريخي فعلي لها‪ ،‬اال عرفا ومجازا)‪،‬‬ ‫احلضارة الفينيقية‪ ،‬حضارة اليمن وشبه اجلزيرة العربية‪،‬‬ ‫حضارة ما بني النهرين‪ .‬كما نشأت فيها العديد من الدول‬ ‫التي تركت بصمات ال متحى في التاريخ واحلضارة العامليني‪.‬‬ ‫ونذكر منها‪ ،‬بدءا من شمال افريقيا‪ :‬نوميديا‪ ،‬قرطاجة‪،‬‬ ‫الدولة املصرية‪ ،‬الدول الفينيقية‪ ،‬الدولة النبطية‪ ،‬الدولة‬ ‫التدمرية‪ ،‬دول اليمن وشبه اجلزيرة العربية‪ ،‬الدولة العراقية‪.‬‬ ‫وكانت الصفة املميزة لتلك الدول هو استقاللها بعضها‬ ‫عن البعض االخر‪ ،‬حتى حينما تكون لها لغة واحدة‬

‫(كالدول ـ املدن الفينيقية‪ ،‬او دول اخلليج وشمال شبه‬ ‫اجلزيرة العربية)‪ ،‬وعلى العموم فإنه كانت لكل من تلك‬ ‫الدول‪ :‬لغتها‪ ،‬ومجتمعها واقتصادها وديانتها‪ ،‬ونظامها‬ ‫السياسي وبنيتها العسكرية‪ .‬وبحكم اجلوار االقرب او‬ ‫االبعد كان يتم التعاون والتبادل التجاري واحلضاري بني‬ ‫تلك الدول‪ .‬ولكن‪ ،‬وبالرغم من التالقي والتفاعل والتآخي‬ ‫بني شعوب تلك املنطقة‪ ،‬و”بفضل” تناحر انظمة احلكم‬ ‫والطبقات املالكة السائدة‪ ،‬فإن الطابع املميز للعالقات‬ ‫بني تلك الدول كان التحاسد والتناحر والعداء املستتر او‬ ‫املكشوف‪ ،‬وكانت حتارب بعضها بعضا‪ ،‬وتسبي شعوب‬ ‫بعضها بعضا‪ ،‬وتأخذ سكان بعضها بعضا عبيدا‪ .‬ولعل‬ ‫ابشع ما ميكن ذكره على هذا الصعيد هو‪ :‬ان عددا من‬ ‫الدول ـ املدن الفينيقية قد ضمت اساطيلها الى اسطول‬ ‫االسكندر املقدوني لدى حصاره واحراقه مدينة صور (وقد‬ ‫جاء في موقع “يا صور” ‪ : www.yasour.org‬ان مدن ارواد‬ ‫وجبيل وصيدون ورودس ضمت اساطيلها الى اسطول‬ ‫االسكندر)‪ .‬كما ان ماسينيسا ملك نوميديا االمازيغية‬ ‫(الذي يعتبر بطال قوميا تاريخيا لدى االمازيغ في شمال‬ ‫افريقيا) قاتل الى جانب القائد الروماني “سيبيون االفريقي”‬ ‫ضد جيش هنيبعل في معركة زاما التي هزم فيها هنيبعل‬ ‫(‪202‬ق‪.‬م)‪ ،‬واخليالة االمازيغ هم الذين باغتوا جيش هنيبعل‬ ‫وسحقوه لصالح روما‪ .‬وقد “كافأت” روما فيما بعد البربر‬ ‫(االمازيغ) بأن استعبدتهم هم ايضا بعد تدمير قرطاجة في‬ ‫‪146‬ق‪.‬م‪ .‬واستعباد اهلها االماجد‪ .‬ومع ان روما كانت تكره‬ ‫اكثر ما تكره قرطاجة والقرطاجيني‪ ،‬اال انها جعلت من‬ ‫اسم “بربري” مرادفا لصفة “همجي” و”متوحش” الطالقه‬ ‫على العبيد‪ ،‬من اجل “التبرير االخالقي” لالستعباد‪ .‬وصار‬ ‫الرومان يسمون العبيد القرطاجيني انفسهم “برابرة”‬ ‫لتبرير استعبادهم ايضا‪.‬‬ ‫وبظهور الشكل االولي لـ”املسيحية”‪ ،‬اي مسيحية ما‬ ‫قبل مجيء املسيح‪ ،‬او مسيحية التبشير بحتمية مجيء‬ ‫املسيح “ابن االنسان”‪ ،‬وحتمية انتصاره على املوت وعلى‬ ‫العبودية الرومانية وعلى النخاسة (التجارة بالعبيد ـ‬ ‫باالنسان) اليهودية‪ ،‬ودعوته لتحرير جلميع شعوب العالم‪،‬‬ ‫ودعوته الى اقامة “ملكوت السموات” على انقاض انظمة‬ ‫العبودية واستغالل االنسان املتحيون لالنسان اخمللوق على‬ ‫صورة اهلل ومثاله‪ ،‬ـ نقول بظهور املسيحية االولى (الدعوة‬ ‫حلتمية مجيء املسيح ـ اخمللص) ظهرت اول “جماعة‬ ‫منظمة” اخالقية ـ اجتماعية ـ ذات مدلول ومفعول‬ ‫سياسي (ذاتيا وموضوعيا) ـ وذات حلمة ايديولوجية‪/‬دينية‪/‬‬ ‫سماوية (فوق بشرية)‪ ،‬تبشر وتنادي بوجود “قوة خالقة”‬ ‫فوق االمبراطور او امللك او الطبقة السائدة او اجليوش‬ ‫“االرضية!”‪ ،‬وان هذه “القوة اخلالقة” ستتجسد كبشر‪،‬‬ ‫لتنتصر على العذاب بالعذاب‪ ،‬وعلى املوت باملوت‪ ،‬ولتحرر‬ ‫كل البشر من اخلطيئة ومن العبودية التي هي جتسيد‬ ‫للخطيئة وعقاب عليها‪.‬‬ ‫وقد انتشرت هذه “الدعوة” او “اجلماعة املنظمة‬ ‫املسيحية” صاحبة هذه الدعوة في ثالث دوائر كبرى هي‪:‬‬ ‫‪1‬ـ الدائرة “العربية” (نقول “العربية” بشكل مشروط‪،‬‬ ‫عن تلك املرحلة‪ ،‬حتى ال نقع حتت مقصلة بعض “العروبيني”‬ ‫السخفاء و”ابناء عمومتهم” من اليهود السفالء)‪ ،‬التي‬ ‫امتد فيها االنتشار “املسيحي القدمي” (قبل ميالد املسيح)‬ ‫من شواطئ البحر االبيض املتوسط‪ ،‬الى شواطئ احمليط‬ ‫االطلسي‪ ،‬الى شواطئ البحر االحمر‪ ،‬الى شواطئ احمليط‬ ‫الهندي‪ ،‬الى شواطئ اخلليج العربي‪( .‬يوجد دراسة قيمة‬ ‫في شكل كتاب للباحث واملؤرخ العراقي فاضل الربيعي‬ ‫بعنوان “املسيح العربي‪ ،‬النصرانية في اجلزيرة العربية‬ ‫والصراع البيزنطي ـ الفارسي”‪ .‬ويعتبر فاضل الربيعي انه‬ ‫يوجد شكالن للمسيحية وهما ما يسميه‪ :‬النصرانية‬ ‫(مسيحية عيسى بن مرمي) واملسيحية الرسولية (نسبة‬ ‫الى بولس الرسول)‪ .‬وهو يعرض النتشار “النصرانية” في‬


‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫اليمن واجلزيرة العربية والعراق والشام‪ .‬ويستنتج من هذا‬ ‫الكتاب ان “النصرانية” ذابت في “االسالم”‪ ،‬وان املسيحية‬ ‫الراهنة (التي تقول باملسيح ابن الرب واملسيح ـ االله)‬ ‫هي املسيحية “الرسولية”‪ ،‬علما ان “العامة” درجت على‬ ‫املطابقة بني “النصرانية” و”املسيحية”)‪ .‬ونحن ال ندخل هنا‬ ‫في نقاش مع فاضل الربيعي‪ .‬ولكن ما يهمنا هو ان باحثا‬ ‫ومؤرخا رصينا مثله يؤكد انتشار املسيحية (“النصرانية”)‬ ‫في اجلزيرة العربية والعراق والشام‪.‬‬ ‫والعامل االساس في انتشار “املسيحية القدمية” في‬ ‫َسبي ـ العنصري وباالخص‬ ‫هذه الدائرة هو التقارب الن َ‬ ‫التقارب اللغوي واحلضاري بني الشعوب االساسية في هذه‬ ‫املنطقة‪ .‬والكثير من املؤرخني يعتبرون ان هذا التقارب يعود‬ ‫الى جذر «قومي اصلي» واحد لتلك الشعوب هو‪ :‬االمة‬ ‫العربية القدمية ـ االم‪ ،‬واللغة العربية القدمية ـ االم‪ ،‬التي‬ ‫تطلق عليها بعض التسميات غير دقيقة السمات مثل‪:‬‬ ‫العرب العاربة‪ ،‬او اللغة السامية ـ االم‪ .‬وقد ساعد هذا‬ ‫َسبي ـ العنصري واحلضاري على انتشار اللغة‬ ‫التقارب الن َ‬ ‫االرامية (اللغة التي تكلم بها وبشر بها السيد املسيح)‬ ‫في كل تلك املنطقة في مرحلة تاريخية معينة‪ .‬وكان‬ ‫ظهور املسيحية االولى (الدعوة الى االميان مبجيء املسيح‬ ‫ـ اخمللص وانتظار ظهوره) كدعوة وكتنظيم سري حديدي‬ ‫معاد للسلطة الرومانية‪ ،‬محفزا رئيسيا لتشديد التقارب‬ ‫بني شعوب املنطقة “العربية” الشاسعة‪ .‬وفي مسار‬ ‫تاريخي الحق‪ ،‬بعد ميالد السيد املسيح وانتظام احلركة‬ ‫املسيحية وتوسعها‪ ،‬فإن هذا التنظيم متخض عن ظهور‬ ‫الكنيسة (التي قاموسيا تفيد معنى مرادفا او قريبا من‪:‬‬ ‫“اجلماعة”‪“ ،‬اجلامع”‪“ ،‬اجملموعة” ‪ ،‬التجمع”‪ ,‬الخ‪ .).‬وقد كسر‬ ‫ظهور اجلماعة املسيحية‪ ،‬ومن ثم الكنيسة اجلامعة‪ ،‬كل‬ ‫اشكال العداء القدمية بني دول وشعوب املنطقة‪ .‬وبوجود‬ ‫الكنيسة املسيحية الشرقية (“العربية”) وجد الول مرة‬ ‫في التاريخ رابط “مجتمعي”‪ ،‬اخوي‪ ،‬منظم ومتني بني‬ ‫تلك الشعوب‪ .‬ولعلنا ال نخطئ اذا قلنا ان هذا الرابط‪ ،‬اي‬ ‫“املسيحية الشرقية “العربية” وكنيستها (جامعها‪ ،‬او‬ ‫جامعتها) هي املدماك املنظم املتني االول لظهور االمة‬ ‫العربية والقومية العربية الكبرى في املسار التاريخي‬ ‫الالحق‪ .‬وبعض “االسالميني!” املزيفني والتكفيريني الذين‬ ‫يناصبون اليوم املسيحية واملسيحيني العداء‪ ،‬امنا يعملون‬ ‫ـ بوعي او بدون وعي ـ الى تدمير االساس االول واالمنت‬ ‫للعروبة واالمة العربية والقومية العربية واحلضارة العربية‪،‬‬ ‫وبالتالي هم يعملون ـ بقصد او بغير قصد ـ اللغاء وجود‬ ‫االمة العربية عن اخلريطة احلضارية والتاريخية للعالم‪،‬‬ ‫لصالح “االسالم!” املزيف “العثماني” او “اجلنكيزخاني” او‬ ‫“التيمورلنكي” ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ الدائرة الثانية التي انتشرت فيها “الدعوة” و” اجلماعة‬ ‫املنظمة املسيحية” هي‪ :‬الدائرة الهيلينية‪ ،‬التي امتدت‬ ‫من ليبيا ومصر وسوريا‪ ،‬الى كيليكيا وارمينيا وجورجيا‬ ‫والقوقاز‪ ،‬الى انطاكيا واسيا الصغرى‪ ،‬والى بالد البلقان‬ ‫(االغريق واملقدون وااللبان والبلغار والصرب والكروات)‪.‬‬ ‫والعامل االساس في انتشار “املسيحية القدمية” في‬ ‫هذه الدائرة هو التفاعل بني احلضارة االغريقية واحلضارات‬ ‫االقليمية القبطية و”السورية” و”العراقية”‪ ،‬وهو التفاعل‬ ‫الذي نشأت عنه احلضارة “الكوسموبوليتية” التي سميت‬ ‫تاريخيا “احلضارة الهيلينية” او “الهلينستية”‪ ،‬التي تنطلق‬ ‫من احلضارة االغريقية ولكنها ال تتطابق معها كما يعتقد‬ ‫البعض بل هي اوسع واغنى منها بكثير‪.‬‬ ‫وجتسد االساطير االغريقية التفاعل احلضاري في اطار‬ ‫الهيلينية‪ .‬ومن هذه االساطير اسطورة تقول ان زيوس‬ ‫كبير اآللهة االغريق خطف “اوروبا” ابنة امللك الفينيقي‬ ‫اجينور وتزوجها‪ ،‬واطلق االسم الفينيقي “اوروبا” على‬ ‫القارة االوروبية‪ .‬وتقول اسطورة ثانية ان “نختنبو” اخر‬ ‫فراعنة مصر الذي طرده الفرس من بالده هرب الى مقدونيا‪،‬‬ ‫وكان ساحرا‪ ،‬وقد التقى والدة االسكندر االكبر وكانت‬ ‫عاقرا‪ ،‬فخدعها بأن كبير اآللهة زيوس سيضاجعها بصورة‬ ‫افعوان كي حتمل‪ ،‬وقام هو مبضاجعتها بهذه الصورة فولدت‬ ‫االسكندر‪ .‬ولهذا يسمى االسكندر احيانا «ابن االلهني»‪،‬‬

‫دين‬

‫زيوس والفرعون الهارب‪ ،‬باعتبار ان املصريني القدماء كانوا‬ ‫ينظرون الى الفرعون كإله‪.‬‬ ‫ومن ابرز االمثلة احلضارية ـ التاريخية على التفاعل‬ ‫احلضاري لشعوب املنطقة مع احلضارة االغريقية‪ ،‬مثالن‬ ‫هما‪:‬‬ ‫االول ـ اخذ االبجدية الفينيقية من قبل االغريق‪،‬‬ ‫وتأسيس االبجدية االغريقية عليها (ومن االبجدية‬ ‫االغريقية أخذت االبجدية “الكيريلية” التي اشتقت منها‬ ‫كل االبجديات السالفية‪ ،‬من جهة‪ ،‬واالبجدية الالتينية‬ ‫التي اشتقت منها غالبية االبجديات االوروبية من جهة‬ ‫ثانية‪ .‬ومن تاريخ نشوء االبجديات ذاته جند االنشقاق‬ ‫الى شرق ـ غرب‪ ،‬وجند الصلة الوثيقة بني الشرق العربي‬ ‫واالغريق والسالفيني (الروس والبلغار والصربيني الخ)‪.‬‬ ‫واملثل الثاني الكبير هو ظهور الفلسفة الرواقية التي‬ ‫اسسها الفيلسوف زينون الفينيقي (‪ 335‬ق‪.‬م ـ ‪ 264‬ق‪.‬م)‬ ‫الذي ولد في قبرص وعلم في اثينا‪ .‬وقد دعت الرواقية الى‬ ‫رفض االستغالل والظلم والعبودية‪ ،‬والى سيادة االخالق‬ ‫واحلرية والتآخي البشري كقوانني طبيعية فوق القوانني‬ ‫املدنية‪ .‬ومن وجهة نظر فلسفية ـ فكرية ـ ايديولوجية‪،‬‬ ‫فإن الرواقية مهدت لظهور وانتشار املسيحية و»تسلحها‬ ‫الفكري»‪ .‬ومن هذه الزاوية نظر ميكن اعتبار الرواقية انها‬ ‫املقدمة الفلسفية والفكرية و»االم املرضع» للمسيحية‬ ‫القدمية‪ .‬وانا شخصيا اميل الى االعتقاد ان تعفف هنيبعل‬ ‫عن مهاجمة وتدمير روما بعد السحق الكامل جليشها‬ ‫في معركة كاناي (‪ 216‬ق‪.‬م) امنا يعود الى تأثره باملبادئ‬ ‫التي كانت تدعو اليها الفلسفة الرواقية‪ .‬وهنيبعل كما‬ ‫هو معروف كان على اطالع على الفلسفة والثقافة‬ ‫االغريقيني‪ .‬وكان معلمه االغريقي مالزما له‪.‬‬ ‫‪3‬ـ الدائرة الثالثة النتشار “الدعوة” و”التنظيم”‬

‫‪15‬‬

‫املسيحيني هي‪ :‬الدائرة السالفية (الروس واالوكران والبلغار‬ ‫والصرب والكروات وغيرهم)‪ .‬وقد اضطلع البلغار بدور‬ ‫مركزي كناقل رئيسي في هذه الدائرة‪ ،‬فيما اضطلع الروس‬ ‫بدور اجلسم االكبر والثقل االساسي في هذه الدائرة‪ .‬وميكن‬ ‫رسم اخلط البياني التالي‪ :‬من املسيحيني العرب (من‬ ‫سوريا الطبيعية اكثر حتديدا) انتقلت الدعوة والتنظيم‬ ‫املسيحيان الى االغريق‪ ،‬كما انتقلت االبجدية‪ .‬وعن‬ ‫االغريق اخذ البلغار االبجدية واملسيحية‪ ،‬وعن البلغار اخذ‬ ‫الروس والشعوب السالفية “املسيحية الشرقية» االخرى‬ ‫االبجدية و”املسيحية الشرقية”‪ .‬وتقول الرواية التاريخية‬ ‫شبه االسطورية ان االخوين القديسني “كيريل” و”ميتودي”‬ ‫(وهما من اصل يوناني‪ ،‬ولكنهما تبلغرا) هما اللذان صاغا‬ ‫االبجدية البلغارية القدمية استنادا الى االبجدية اليونانية‬ ‫القدمية‪ ،‬وهما اللذان ترجما الكتاب املقدس من اليونانية الى‬ ‫البلغارية القدمية‪ ،‬وهما اللذان نقال الديانة املسيحية من‬ ‫اليونان الى بلغاريا‪ ،‬ومنها الى الروس والشعوب السالفية‬ ‫االخرى‪ .‬وقد اتخذت الكنائس الشرقية (العربية واليونانية‬ ‫والبلغارية والروسية واالوكرانية وغيرها) خطا مستقال‬ ‫عن البابوية في روما‪ ،‬وهو اخلط الذي تبلور اخيرا في ما‬ ‫يسمى “الكنيسة االرثوذكسية”‪ ،‬بعد انشقاق الكنيسة‬ ‫الى “كاثوليكية” (غربية) و ”ارثوذكسية” (شرقية) وقد وقع‬ ‫االنشقاق في سنة ‪ 1054‬بعد مدة طويلة من اجلفاء بني‬ ‫روما والكنيسة اليونانية‪ .‬وقد دعت روما اليها القديس‬ ‫كيريل (الذي كا يعرف ايضا بلقب “الفيلسوف”) لالنضمام‬ ‫الى الكرسي الروماني‪ .‬وقد توفي القديس كيريل سنة ‪869‬‬ ‫في روما وال يزال قبره هناك‪ ،‬ولكنه امتنع عن املوافقة على‬ ‫خضوع الكنائس الشرقية لروما‪.‬‬ ‫* كاتب لبناني مستقل‬ ‫ـ يتبــع ـ‬


‫‪16‬‬

‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫شعر‬ ‫جمانة معالوي لـ"تحوالت"‪:‬‬

‫''حب بطعم القهوة'' سيرة امرأة عاشقة تؤرخ الصباح‬ ‫ٌ‬

‫حوار احمد محمود القاسم‬

‫ضمن سلسلة اللقاءات واحلوارات‪ ،‬الثقافية‪ ،‬التي أقوم‬ ‫بها‪ ،‬منذ فترة بعيدة‪ ،‬مع مجموعة من السيدات العربيات‪،‬‬ ‫من احمليط الى اخلليج‪ ،‬بهدف تسليط الضوء عليهن‪،‬‬ ‫وإظهار رق ّيهن ومدى تقدم املرأة العربية وفكرها وقيمها‬ ‫ومبادئها‪ ،‬واحترامها الرجل وخصوصيته‪ ،‬أتناول في هذه‬ ‫اللقاءات أيضاً‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬دور املرأة في اجملتمعات‪ ،‬التي‬ ‫تعيش فيها‪ ،‬ومدى تق ُّدمها‪ ،‬ونيلها حقوقها االجتماعية‬ ‫واالقتصادية والسياسية‪ ،‬إضافة الى معرفة الدور‬ ‫والنشاطات الشخصية التي تقوم بها‪ ،‬املُتحاوَرْ معها‪،‬‬ ‫على الصعيد الشخصي واالجتماعي‪ ،‬وافكارها وهواياتها‬ ‫وطبيعة شخصيتها‪ ،‬واجملال الذي تخدم فيه‪ ،‬وكتاباتها‬ ‫املتنوعة ايضاً‪ ،‬وكيفية فهمها واقعها املعاش‪ ،‬كان لقائي‬ ‫هذه املرَّة‪ ،‬في هذا احلوار‪ ،‬مع الكاتبة والشاعرة اللبنانية‬ ‫وممثلة املسرح جمانة معالوي‪ ،‬وهي شخصية تتصف‬ ‫بالقوة وبالذكاء واجلرأة والصراحة‪ ،‬والروح االجتماعية‬ ‫العالية‪ ،‬واحليوية والنشاط‪ ،‬وتعدد املواهب لديها‪،‬‬ ‫والطموحات اجليدة‪.‬‬ ‫كعادتي مع كل من أحاورهن كان سؤالي األول لها هو‪:‬‬ ‫ مَن جمانة معالوي؟‬‫‪ #‬أنا امرأة لبنانية‪ ،‬عمري ثالثون عاما ً تقريباً‪ ،‬شاعرة‪،‬‬ ‫أعيش في كان في فرنسا‪ ،‬أعمل أخصائية بصرية منذ‬ ‫اصدرت ديواني الشعري‬ ‫ست سنوات‪ ،‬متزوجة‪،‬‬ ‫أكثر من ْ‬ ‫ُ‬ ‫‹›حب بطعم القهوة›› الصادر عن دار أبعاد‪ .‬وأنا‬ ‫األول‪ ،‬باسم‬ ‫ٌ‬ ‫بصدد العمل على إصدارات جديدة‪.‬‬ ‫ ما هواياتك املفضلة؟‬‫‪ #‬باالضافة الى الكتابة‪ ،‬تأتي القراءة‪ ،‬التي هي أساس‬ ‫كتاباتي‪ ،‬لتكون هوايتي ومتعتي‪ ،‬كما أنني أمارس التمثيل‬ ‫املسرحي‪ ،‬في كان‪ ،‬ولي عروض عدة في هذا اجملال‪ ،‬يضاف‬ ‫الى ذلك‪ ،‬عزفي املتواضع على البيانو‪ ،‬وعشقي السفر‪.‬‬ ‫ ما هي األفكار‪ ،‬واملبادئ‪ ،‬والقيم‪ ،‬التي تؤمنني بها؟‬‫‪ #‬من الصعب الكالم عن املبادئ‪ ،‬والقيم‪ ،‬التي أؤمن بها‬ ‫ببعض السطور‪ ،‬لكنني سأختصر‪ ،‬أنا إمرأة أؤمن بحرية‬ ‫اإلنسان‪ ،‬رجالً كان أم امرأة‪ ،‬فاهلل خلقنا لنكون أحراراً‪ ،‬من‬ ‫دون أذية اآلخرين طبعاً‪ ،‬فكلما ازددنا حرية‪ ،‬ازداد بالتالي‬ ‫فهمنا لألمور‪ ،‬وانفتاحنا‪ ،‬الذي يزيل عن افكارنا‪ ،‬عفن‬ ‫التقوقع‪ ...‬أؤمن بأن إرادة املرء‪ ،‬هي أساس النجاح‪ ،‬بل هي‬ ‫نصف النجاح‪ ،‬والنصف اآلخر حتدده قدراتنا وكفاءتنا‪ .‬أما‬ ‫بالنسبة للوطن‪ ،‬فدعونا من الدين‪ ،‬ودعوا السياسة وحدها‬ ‫حتكم‪ ،‬كي نعيش بنعيم الوطن‪ ،‬ونحب اهلل أكثر‪ .‬وطني‬ ‫مجموعة عاهرات‪ ،‬تبدأ بالسياسة وتنتهي بالصحافة‪ ،‬مع‬ ‫احترامي لبعض وسائل اإلعالم النظيفة‪ ،‬والويل لوطن‪،‬‬ ‫يناقش بقانون االنتخاب االرثوذكسي بجدية‪ ،‬بل يفكر فيه‬ ‫مجرد التفكير‪...‬‬ ‫ هل ميكن القول إن جمانة معالوي‪ ،‬ذات شخصية‬‫قوبة‪ ،‬وجريئة‪ ،‬وصريحة‪ ،‬ومتفائلة؟‬ ‫‪ #‬أنا من األشخاص الذين ال يخجلون من قول احلقيقة‪،‬‬ ‫بعضهم ال يخجل من النقد‪ ،‬أنا ال أخجل‪ ،‬ال من النقد‪،‬‬ ‫وال من املدح‪ ،‬نعم‪ ،‬أنا جريئة‪ ،‬واعتبر أنه من واجبي‪ ،‬أمام‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬قول كل ما أفكر به‪ ،‬وإ ْن اعتبره البعض‪ُ ،‬جرأة‬ ‫فائضة‪ ،‬ولكن‪ ،‬ما نفع التفكير بشي ْء‪ ،‬وقول نصفه‬ ‫أو أقل؟ اهلل أنعم علينا باحلواس اخلمس‪ ،‬فمن اجلميل‬ ‫استخدامها‪ ...‬قولنا للحقيقة‪ ،‬أجمل من إخفائها‪ ،‬فأنا‬ ‫ال أحب التعقيدات والوشوشة‪ ...‬أما بالنسبة للتفاؤل‪،‬‬ ‫فأنا إمرأة جدا ً متفائلة‪ ،‬لديها إرادة قوية في حتقيق ما‬ ‫تريد‪ ،‬هناك ما ال ميكنني السيطرة عليه‪ ،‬كأحداث القضاء‬ ‫والقدر‪ ،‬خارج هذا النطاق‪ ،‬أنا متفائلة‪ ،‬ألنني أمسك بزمام‬ ‫األمور‪ ،‬الى ح ٍد ما‪ ،‬وحده عدم القدرة على التحكم مبا‬

‫يحصل لنا‪ ،‬يزرع التشاؤم‪ ،‬وهذا ما يحصل لنا في أوطاننا‬ ‫لألسف‪.‬‬ ‫ هل تؤمنني بحرية واستقالل املرأة‪ ،‬اجتماعياً‬‫واقتصادياً وسياسياً؟‬ ‫‪ #‬إن استقالل املرأة‪ ،‬هو أحد أهم قواعد اجملتمع‬ ‫الصحيح‪ ،‬فمن البديهي‪ ،‬أن نكون مع استقالل املرأة على‬ ‫كل الصعد‪ ،‬إذا كنا نؤمن باملساواة بينها وبني الرجل‪.‬‬ ‫اجتماعياً‪ ،‬يجب أن تعلم كل إمرأة‪ ،‬بأنها قادرة على تثبيت‬ ‫وجودها‪ ،‬مبا متلك من كفاءة‪ ،‬وصفات‪ ،‬كأ ْي رجل‪ ،‬ومن هذا‬ ‫املنطلق‪ ،‬ال ميكن أن حتصل املرأة‪ ،‬على استقالل نصفي‪،‬‬ ‫أي ان استقاللها االقتصادي مثالً‪ ،‬هو اخلطوة األولى‬ ‫باجتاه االستقالل االجتماعي‪ ،‬والسياسي‪ ،‬وغيره من أنواع‬ ‫االستقالل‪.‬‬ ‫ ما هي عالقتك بالتمثيل املسرحي‪ ،‬وهل ممكن‬‫شرح دورك في مسرحية‪ ،‬مثلت بها‪ ،‬ونبذة بسيطة‬ ‫جداً‪ ،‬عن املسرحية؟‬ ‫‪ #‬منذ صغري‪ ،‬وأنا أحب التمثيل املسرحي‪ ،‬خاص ًة‪ ،‬وقد‬ ‫لعبت في مسرحيات عدة في املدرسة والثانوية في لبنان‪،‬‬ ‫أكملت في هذا اجملال‪ ،‬وأصبحت‬ ‫وعند وصولي الى فرنسا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أتابع دروس املسرح ليالً‪ ،‬بعد عملي األساسي‪ ،‬أخصائية‬ ‫بصرية‪ ،‬الفنان الذي يدربنا‪ ،‬ويكتب املسرحيات التي‬ ‫منثلها‪ ،‬هو مخرج وكاتب مسرحي‪ ،‬له خمسة كتب في‬ ‫السوق الفرنسية‪ ،‬واسمه باتريك دو بوتير‪ ،‬النفحة العامة‬ ‫للعروض‪ ،‬هي اجتماعية كوميدية‪ ،‬يعبرها بعض الدراما‪،‬‬ ‫لعبت مر ًة دور الفتاة الرسامة املغرمة‪ ،‬بصديقها صانع‬ ‫ُ‬ ‫الفخار‪ ،‬الذي يقرِّر أن يفتح مصنعه لعامة الناس‪ ،‬فتأتيه‬ ‫الزيارات احملببة‪ ،‬وغير احملببة‪ ،‬والصحافة التي تهتم بلعب‬ ‫أصبحت‬ ‫كرة القدم‪ ،‬أكثر بكثير من احلرف اليدوية‪ ،‬التي‬ ‫ْ‬ ‫نادرة‪ ،‬علما ً أن في بعض القرى الفرنسية‪ ،‬هناك اهتمام‬ ‫بهذا النوع من الفن‪.‬‬ ‫ ما عالقتك بالقراءة والكتابة‪ ،‬وهل لك كتب‬‫ومقاالت منشورة او مطبوعة؟‬ ‫جت كتاباتي‬ ‫‪ #‬أنا في األصل كاتبة وشاعرة‪ ،‬هاوية‪ ،‬ت َّو ُ‬ ‫‹›حب بطعم القهوة›› الصادر عن دار (أبعاد) واملوزع‬ ‫بديوان‬ ‫ٌ‬ ‫(من الفرات للتوزيع) ومن (فيرجن ميجاستور) وسط املدينة‬ ‫في لبنان‪ ،‬أعمل حالياً‪ ،‬على إصدار ديوان جديد‪ ،‬كما أنني‬ ‫بصدد كتابة رواية‪ ،‬لكن كما تعلمون‪ ،‬فالروايات تتطلب‬ ‫وقتا ً أطول‪ ،‬وتركيزا ً أكثر‪ ،‬لكنني أستمتع جدا ً بكتابتها‪...‬‬ ‫لدي مقاالت وقصائد شعرية تُنشر لي من فترة الى أخرى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫في بعض الصحف اللبنانية‪ ،‬كـ»النهار» ومجلة «حتوالت»‬ ‫وغيرها‪ ،‬أتكلم فيها عن الوطن‪ ،‬واحلب واجملتمع‪ ...‬ففي‬ ‫قصيدة من قصائدي بعنوان‪ :‬حدود ذاكرة‪ ،‬كتبت‪:‬‬ ‫للذاكرة حدود‪ ،‬ولذاكرتي معك‪ ،‬حدود مفتوحة‪ ،‬حدود‬ ‫حتدها صور‪ ،‬ال يستهويها‬ ‫ال تتوقف عند قبلة‪ ،‬وذاكرة ال ّ‬ ‫ارتباك‪ ،‬وال رعشة حلظات‪ ،‬ع ّلمت أظافرها بأيامي‪ ،‬أيا ٌم‬ ‫مضت‪ ،‬كان فيها للياسمني رائحة‪ ،‬ولألقحوان لو ٌن آخر…‬ ‫ْ‬ ‫رفضت أن تكون‬ ‫للذاكرة حدود‪ ،‬ولقصتي معك ذكريات‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫مجرد ذكريات‪ ،‬صفحة نطويها‪ ،‬لنعطيها نهاية‪ ،‬رفضت أن‬ ‫رفضت أن تتوقف‬ ‫تكون‪ ،‬مجرد حكاية‪ ...‬سرد قص ٍة وحنني‪،‬‬ ‫َ‬ ‫عند احلب‪ …،‬إال لتكون حالة‪ ،‬حدودي معك‪ ،‬حدود أحالمي‪،‬‬ ‫تعدت حدود‬ ‫وذكراك‬ ‫حلم ويقظة‪ ،‬ذكرى جميلة‪ ،‬جريئة‪ّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫املنطق‪ ،‬وسارت في صحارى‪ ،‬ال تعرف اخلطوط‪ .‬لذكراك‬ ‫أسوارٌ من ورق‪ ،‬جنودها الرياح… وحرسها عاصفة‪ ،‬فكيف‬ ‫لي أن أذكرك للحظات‪ ،‬والعمر ال يكفي لذكراك‪ ،‬فأنت‬ ‫جدتي‪ ،‬يكفي أن‬ ‫رجل الذكرى‪ ،‬صور الطفولة أنت‪،‬‬ ‫قصص ّ‬ ‫ُ‬ ‫تعبر مرة‪ ،‬لتبقى دائماً‪ ،‬في الذاكرة دائماً‪ ،‬دون حدود…‬ ‫‪ -‬ما مضمون كتابات‪ ،‬وملن تكتبني‪ ،‬وما هي الرسالة‬

‫التي تودين إيصالها للقارئ؟‬ ‫‪ #‬ديواني األول‪ ،‬تكلمت فيه عن احلب‪ ،‬كما يوحي‬ ‫‹›حب بطعم القهوة››‪ ،‬أردت فيه أن أع َّبر عما تشعر‬ ‫عنوانه‬ ‫ٌ‬ ‫به أي امرأة عاشقة‪ ،‬اجتاه حبيبها‪ ،‬في مواقف اجتماعية‪،‬‬ ‫تدور حولنا في كل يوم‪ ،‬فأنا قلت مثالً في قصيدة ‹›حتى‬ ‫في اليوغا››‪:‬‬ ‫ما نفع اليوغا‪ ،‬إن لم تطلق سراح فكري‪ ،‬ما نفعها‪ ،‬إذا‬ ‫كنت ستجلس على كتفي‪ ،‬وأنا أمد يدي الى أعلى‪ ،‬أحاول‬ ‫كلمات قلتها‪ ،‬وأخرى لم‬ ‫أن أطير‪ ،‬وأنت توشوش في أذني‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تقلها بعد… أريد أن أسمع املوسيقى‪ ،‬أستمتع بعذوبتها‪،‬‬ ‫فدعك من محاولة اختراق مسامات جلدي‪ ،‬دعك من‬ ‫السباحة في تع ُّرقي‪ ،‬واشتمام كنزتي املبلَّلة‪ ،‬دعني على‬ ‫أرتب أموري‪ ،‬مع نفسي املرهقة وجسدي املتعب‬ ‫األقل‪ُ ،‬‬ ‫وكثير من الراحة‪ ،‬دعك من متثيل دور‬ ‫بقليل من التفكير‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫املدرِّب‪ ،‬واسترجل عن سجادتي الزرقاء‪ ،‬واترك لي بعض‬ ‫اللحظات‪ ،‬ألستعيد طاقتي‪ ،‬ألشلح إرهاقي‪ ،‬وعندها‬ ‫فقط‪ ،‬سأعيدك الى كتفي‪ ،‬لتوشوش في أذني «قصائد‬ ‫من وردٍ وموسيقى»‪.‬‬ ‫ قرأت‪ :‬أنك حتبني الليل‪ ،‬ملاذا؟ وهل تكرهني النهار؟‬‫قلت على صفحتي ‹›في ظلي يسكن ظلك‪ ...‬وفي‬ ‫ظلك‪ ،‬تسكن ظالل وظالل‪ ...‬وأنا يا حبيبي أحب الليل››‪،‬‬ ‫في الليل‪ ،‬يكمن كل السحر واخليال‪ ،‬نحن نشعر باألشياء‪،‬‬ ‫بطريقة مختلفة ليالً‪ ،‬رمبا ألن العتمة‪ ،‬متحو كل ما ال‬ ‫يعنينا‪ ،‬فتترك لنا أقرب األشياء الى قلبنا‪ ،‬أعشق الكتابة‬ ‫ليالً‪ ،‬ولكنني احتاج للنهار‪ ،‬ألرى وأتشرب ما سيكون‬ ‫موضوع كتابتي‪ ،‬في الليل الحقاً‪ ...‬قالت وهذه احدى‬ ‫قصائدي لك‪ ،‬بعنوان‪( :‬هالوين) أرجو ان تتذوقها‪:‬‬ ‫تعالوا الى سهرتي‪ ،‬فأنا منذ غيابه‪ ،‬أخاف الليل‪ ،‬وأخاف‬ ‫أيضا ً من مرآتي‪ ،‬ومن مالمحي الرمادية‪ ،‬تعالوا‪ ،‬اسهروا‪،‬‬ ‫اضحكوا‪ ،‬فرمبا حتتلون أماكني املظلمة‪ ،‬بالقليل من‬ ‫الفرح‪ ،‬وألوانكم الفاقعة‪ ...‬رمبا تكسرون املرايا‪ ،‬ومتوهون‬ ‫وجهي‪ ،‬فنعود أطفال ليلة عيد الصليب‪ ،‬نضحك‪ ،‬نرقص‪،‬‬ ‫نركض‪ ...‬ولكنكم في آخر الليل ستذهبون‪ ،‬فأحلق بكم‬ ‫لم؟ ترودن بضحكة‪.‬‬ ‫سائل ًة َ‬ ‫‹›انتهى هالوين››‪ ...‬فتعود صورتك ترافقني‪ ،‬ألكتشف‬ ‫عشقي املم ّوه لليل‪...‬‬ ‫ ملاذا أسميت ديوانك‪ّ :‬‬‫حب بطعم القهوة؟ وليس‬ ‫«حب بطعم‪ :‬الشاي» مثال؟ هل ألنك حتبني القهوة‬ ‫كثيراً؟‬


‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫قلت في مقدمة ديواني‪ :‬ألنني ال أحب الصباح‪ ،‬دون‬ ‫قهوتي املُرَّة‪ ،‬ألنني أتل َّذذ بسخونتها املستفزة‪ ،‬وألن بها‬ ‫أستعيد طاقتي‪ ،‬لبدء نهاراتي امللفوفة بأشرطة الهدايا‪،‬‬ ‫السوداء منها والبيضاء‪ ...‬وألنها تذكرني بك‪ ،‬وبطعم‬ ‫‹›حب بطعم القهوة»‪ .‬أنا فعالً‬ ‫اخترت عنوان كتابي‪،‬‬ ‫حبك‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫أحب القهوة كثيرا‪ ،‬وامتنى أن يكون للحب‪ ،‬في حياة كل‬ ‫شخص منا‪ ،‬بطعمه املفضل‪ ،‬أكان شاياً‪ ،‬أو نبيذاً‪ ،‬أو غيره‬ ‫من األطعمة‪ ...‬قالت‪ ،‬وهذه قصيدة من ديواني‪ ،‬بطعم‬ ‫القهوة‪ ،‬كتبت‪:‬‬ ‫مشمعة‬ ‫لن تدخل طقوسي‪ ،‬أيها احلالم‪ ،‬فأبوابي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يلتذ بوحدتي‪ ،‬ال حتاول‪ ...‬لن‬ ‫بالنبيذ األحمر‪ ،‬والكأس‬ ‫أعطيك كلمة السر‪ ،‬لن أبارك مجيئك‪ ،‬حتى أنني لن أزرع‬ ‫على وجهي التحية‪ .‬وإن بالغت في احملاولة‪ ،‬ودخلت خلسة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫سأمنحك‬ ‫فسأشعلك ناراً‪ ،‬وأسميك طقسي اجلديد‪.‬‬ ‫تقدم‬ ‫قدرتي اجلهنمية‪ ،‬لتعجن السحب باملوج‪ ،‬تخبزه‪ ،‬ثم ّ‬ ‫ّ‬ ‫القش حول خصري‪،‬‬ ‫الرغيف قربانا ً للعشق‪ .‬تعال‪ ،‬راقص‬ ‫كتفي‪ ،‬لكن حذار ِ أن تنطفئ‪ ،‬وتخرج من‬ ‫واملس جلي َد‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫احلالم اجلميل‪.‬‬ ‫طقوسي‪ ،‬أيها‬ ‫ُ‬ ‫تابعت وقالت لي‪ :‬لكن وال يهمك‪ :‬بعد اليوم سيتغير‬ ‫طعم قهوتك‪ ،‬سأكون في قطعة السكر‪ ،‬في نظرات‬ ‫املا ّرين‪ ،‬واجلالسني‪ ،‬على تلك الطاولة‪ ،‬الغيورة‪.‬‬ ‫ ما هو رأيك باحلب بشكل عام‪ ،‬والصداقة‪ ،‬واحلب‪،‬‬‫والزواج‪ ،‬عبر صفحات التواصل االجتماعي؟‬ ‫احلب‪ ،‬هو أجمل النعم‪ ،‬ومن الصعب الوقوف بوجه‬ ‫مصاعب احلياة‪ ،‬إن لم نكن ننعم بصفة احلب واحملبة‪،‬‬ ‫وإن لم نكن منلك أصدقا ًء حقيقيني‪ ...‬أما بالنسبة‬ ‫لهذه العالقات عبر صفحات التواصل االجتماعي‪ ،‬فأنا‬ ‫لت بالوعي الكامل‪ ،‬خلطورة إعطائها‬ ‫أشجعها‪ ،‬إذا تكلَّ ْ‬ ‫صورة قد ال تتناسب أحياناً‪ ،‬مع طبيعة األشخاص‪ ،‬لذا‪،‬‬ ‫فإن رؤية األشخاص على حقيقتهم‪ ،‬ال بد أن تكون وجها ً‬ ‫لوجه الحقاً‪ .‬أما بالنسبة لي‪ ،‬فقد أفادتني صفحات‬ ‫التواصل االجتماعي‪ ،‬للتعرف إلى أصدقاء ُج ُدد‪ ،‬نتقاسم‬ ‫األفكار واالهتمامات نفسها‪ ،‬كما ساعدتني على نشر ما‬ ‫اكتب‪ ،‬وأظن‪ ،‬أنه لوال وجود صفحات التواصل االجتماعي‪،‬‬ ‫أبصرت النور‪.‬‬ ‫ملا كانت كتابتي‪ ،‬قد‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫وتخلف‬ ‫ بشكل عام‪ ،‬قناعتي‪ ،‬بأنه وراء كل عذاب‬‫امرأة ورجل‪ ،‬ماذا تقولني؟‬ ‫ُّ‬ ‫قناعتي‪ ،‬بأن وراء كل تخلف إمرأة‪ ،‬املرأة نفسها‪ ،‬فهي‬ ‫من تختار زوجها‪ ،‬وهي من تسمح له مبسحها‪ ،‬إن لم تكن‬ ‫بدرجة وعي معني‪ ،‬وكما قلت في مقال سابق‪ ،‬حتت عنوان‬ ‫‹› حتت اجملهر››‪ :‬ما نحن عليه اليوم‪ ،‬هو نتيجة قرار‪ ،‬أخذناه‬ ‫في محط ٍة ما من رحلتنا‪ ،‬في هذه احلياة‪ ،‬ونحن بكامل‬ ‫قوانا العقلية‪ ...‬أعلم أن بعض اجملتمعات‪ ،‬حتاول حتطيم‬ ‫املرأة‪ ،‬واعطاءها دورا ً هزيالً‪ ،‬ولكن‪ ،‬أين املرأة من كل هذا؟‬ ‫وهل السهولة‪ ،‬هي ما تدعوها للسكوت؟‬ ‫ يقال إن الرجل‪ ،‬ميلك جسده‪ ،‬ويعتبره ملكية‬‫خاصة به‪ ،‬وكذلك املرأة‪ ،‬ولكل فرد في اجملتمع‪ ،‬حق‬ ‫التصرف مبلكيته اخلاصة‪ ،‬هل تؤيدين حق املرأة‪،‬‬ ‫بالتصرّف بجسدها‪ ،‬كما تشاء؟‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ #‬اجلسد‪ ،‬ملكية خاصة طبعا‪ ،‬رجال كان أم إمرأة‪،‬‬ ‫وحرية التصرف به حق‪ ،‬طاملا هذا الشي ْء‪ ،‬ال يؤذي اآلخرين‪.‬‬ ‫وقالت لي‪ :‬عندما تفقد جنونك‪ ،‬تصبح األشياء عادية‪،‬‬ ‫وكمون‪ ،‬وأنا يا حبيبي‪ ،‬ما تعودت‬ ‫واملشاعر ينقصها ٌ‬ ‫ملح ّ‬ ‫املقايضة‪ ،‬على طعم مشاعري‪ ،‬وال على سخونتها‪...‬‬ ‫ ما هي طموحاتك وأحالمك في العام ‪2013‬؟‬‫‪ #‬أحالمي ال تنتهي‪ ،‬وال طموحاتي‪ ،‬امتنى أن يعطيني‬ ‫العام ‪ 2013‬ما اعطاني إياه العام ‪ ،2012‬وهو إصدار جديد‪،‬‬ ‫وأن يعطيني وقتا ً أكثر‪ ،‬ألكتب أكثر‪ ،‬فأنا أتساءل أحيانا ً‬ ‫قائل ًة ‹›إن وجود الياء في آخر الكالم يعني امللكية‪ ،‬حسناً‪،‬‬ ‫يعم السالم‬ ‫ولكن لِ َم وقتي ليس ملكي؟؟››‪ .‬كما امتنَّى أن ّ‬ ‫في جميع البالد العربية‪ ،‬يكفي عنفاً‪ ،‬فالعنف‪ ،‬أصبح جزءا ً‬ ‫وطن‪ ،‬هو األمان ألبنائه‪ ،‬ولكننا‬ ‫من طبيعتنا‪ ،‬وأقل ما يعطيه ٌ‬ ‫لألسف‪ ،‬ما عدنا جنده‪ ،‬ولذا‪ ،‬فنحن مشردون في كل بقاع‬ ‫العالم‪ ،‬إن لم يكن بعضنا مشردا ً داخل الوطن ذاته‪...‬‬

‫شعر‬

‫‪17‬‬

‫روبير غانم ‪ ...‬فيلسوف كينونة‬ ‫لويس الحايك‬ ‫الشعر وفي املسرح والفلسفة‪ ،‬لكنه لم يصل الى‬ ‫نتيجة ترضيه أو تكشف عن مرساة ألنه وجد نفسه في‬ ‫الضياع “فلم يعرف شيئاً”‪ ،‬لكنه عاد عودة اإلبن الضال‬ ‫املرش ِد ّ‬ ‫لكل مخلوق يبحث عن املصير‬ ‫الى احضان اإلميان‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫العصي املستأثر بألغازه‪ ،‬املتَكر ِ بسطوة اخلالق القاهر‬ ‫ّ‬ ‫املاكر الالشريك له في اخللق ومعرفة خلقه‪.‬‬ ‫وما ض ّر ان تكون التجربة عنصرا ً مضافا ً في اللعبة‬ ‫حتيي مواتها وحترك دورانها فال يقتلنا صمت الهرب‬ ‫والهزمية!‬ ‫صحيح ان شاعر الكينونة وفيلسوفها لم يستطع‬ ‫ان يحرر الكلمة من عقالها كما كان يرغب لتشهد والد َة‬ ‫قصيدتـِه التي أرادها‪ ،‬مع من حاولوا كتابتها بدورهم‬ ‫“توصالً الى املعرفة”!! فقال‪:‬‬ ‫“هل الذي تقرأونه هو القصيدة التي يجب ان تكتب‪ ،‬أي‬ ‫املوعودة واملنتظرة منذ بداية البشرية على هذا الكوكب‬ ‫أمطار خريفية تغمر األرض القدمية‪ ،‬تنعش ترابها اجلميل‪ ...،‬أنا أشك في ذلك‪ ،‬لكن يبقى لي شرف احملاولة‪،‬‬ ‫الطيني وتنثر أزهارها البريَّة على نعش يحمله مريض ألنه حتى األسماء الشعرية التي عمل َق ْت تاريخ الشعر‬ ‫َّ‬ ‫متعب ليض َّم ُه الى رفاقه قبل موعد الرحيل‪.‬‬ ‫في العصور كلها‪ ،‬لم تبهرني‪ ،‬ألنها‪ ،‬بالرغم من العبقرية‬ ‫بيدر في كفرمالت يكتب عن ازمنة احلريق وفؤاد التي ترشح من نتاجها اإلبداعي‪ ،‬بقيت تكتب من اخلارج‪،‬‬ ‫رفقه‪ ،‬في بيت شباب التي اختارها من بني بلدات العالم مع إعجابي وتقديري العظيم لبالغتها وسم ّو بيانها‬ ‫لتكون مالذه األخير‪ ،‬يكتب عن رفاق سبقوه‪ ،‬هرولوا قبله ومحاوالت توغلها في املاوراء‪ ...‬منذ ما قبل هوميروس‪،‬‬ ‫الى املصير‪ ،‬بعضهم جيران حضنهم وحضنوه وكانت مرورا ً باملتنبي واملع ّري وشكسبير وراسني ودانتي وغوته‬ ‫الشمس في كل لقاء من لقاءاتهم تعاند املغيب‪.‬‬ ‫وبودلير‪.”...‬‬ ‫لم تسمح سنوات االستراحة بالتعارف ألن املسافة‬ ‫هنا كدت أصرخ‪ :‬رويدا ً رويداً!! لوال قفلة أوقفتني‬ ‫القريبة بيننا كانت‬ ‫مندات ٍ بالدموع واألحزان وعبور عند نقلة في بوحها استراحة محارب عائد من معركة‬ ‫ّ‬ ‫شيخوخة جتمع في دربها لقمة املقابر من الساحة دنكوشيتية خاسرة‪“ :‬ونحن حتاول ّيون‪ ،‬لكن القصيدة‬ ‫الكبرى والبالطة والنبع حتى ساحة القديس انطونيوس املنتظرة منذ بداية الكتابة الشعرية حتى اليوم‪ ،‬لم تولد‬ ‫ابو الرهبان مسجلة زياراتها على عتبات ّ‬ ‫كل كنيسة من بعد‪ ...‬لقد حاولت وما توصلت”‪.‬‬ ‫كنائس الضيعة في عرس من أعراس املوت‪ .‬وكان قيصر‪،‬‬ ‫علينا نحن ان نقرر كما قلت‪ ،‬ايها الشاعر الهداف‬ ‫كلما غاب واحد يسأل‪ :‬أين رحل ثم صرنا جميعا ً نسأل‪ :‬الالمتناهي في كون المتنا ٍه‪ ،‬وما ض ّر مادامت احملاوالت‬ ‫هجاسا ً وفي يده‬ ‫اين رحلوا والساحات توالي مسيرتها وهي تنوص شيئا ً متاحة لكل شاعر يدخل املعركة ّ‬ ‫حداسا ً ّ‬ ‫فشيئا ً وتطوى بهاجس الرحيل‪.‬‬ ‫توجه الرؤية الى بهاءات املستحيل‪.‬‬ ‫بوصلة ّ‬ ‫السؤال األبدي بدأ مع أول رؤيا كانت عاجزة عن إيجاد‬ ‫في الكونية‪ ،‬قصيدة الكتاب‪ ،‬يتالشى جوهر الوجود‬ ‫حل لسر واحد من اسرار اخللق فكانت األساطير التي منها بتناسخ جزئي‪“ :‬نتناسخ بعضنا”‪ ،‬وإذ نتك ّرر متحو الكتابات‬ ‫ولد الشاعر وفي جعبته الف جواب وجواب‪ .‬الشاعر‬ ‫النبي سابقاتِها أي ان العودة تفقد دالالت وجودها السابق‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫يهيم في واديه‪ ،‬يعاند حضورُه املستحي َل في زمن‬ ‫المرئي فالناس حصيلة تراكمات تختمر وتتوالد وكان مجيئهم‬ ‫ٍّ‬ ‫كرائيه وفي مكان ّ‬ ‫تلفه ضبابية الهواجس وسرابية الوعد الى الفضاء الفارغ قبل األرض واألكوان‪.‬‬ ‫الهارب وهي تدعوه الى الرحيل‪.‬‬ ‫هذه “القصيدة” بصياغتها الشعرية التي ال ميكن ان‬ ‫في هذا الوجود الهائم يخترق األمل فضاءه املل ّبد جتمعها حدود أو رؤيا‪ ،‬تغرقنا في ضياع متمرد على الوجود‬ ‫بالسواد بغريب األلوان‬ ‫وشهي األحلان فتنتشي األرض وحقيقة الوجود‪ ،‬وتوغرنا في كينونات تنزع عنا قناع األرض‬ ‫ّ‬ ‫برؤياه اجلديدة وتصهل األكوان‪.‬‬ ‫لتلبسنا قناع كوكب آخر‪ ،‬وهذا هو اإلدهاش في إبداعيات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بني‬ ‫فيفتش‬ ‫ا‬ ‫مشوش‬ ‫ا‬ ‫غامض‬ ‫صهيل يتلقاه الشاعر‬ ‫“سجل في (كينونته) حروفا ً من التخ ُّيالت‬ ‫الذي‬ ‫غامن‬ ‫روبير‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫األبجديات عن أحرف تعبر عنه‪ ،‬تكشف غطاءه فيحاول وما ارتوى وبقي العالم ألغازا ومفازات وهطوال ألمطار لن‬ ‫العبور بتراكيب جديدة فيبوء بالفشل ويعود الصهيل جتيء”‪.‬‬ ‫الشعر‪ ،‬كل ِّ‬ ‫من جديد يستح ّثه الى التم ُّرد بتغيير ِّ‬ ‫الشعر‪،‬‬ ‫هل لنا ان نسترسل اكثر او نستسلم مع شاعرنا‬ ‫فيغدو «قلقاً‪ ،‬يخطو نحو املطلقْ يكشف كل املغلقْ ملغامرات كينونته والعدم ساطع وعظيم والكون يتساقط‬ ‫احلد من الدهشة والصمت‬ ‫يكشف عصور البرد‪ ...‬ليروي عما بعد» ويبقى الصهيل قصائد وانبهارات‪ ...‬عند هذا ّ‬ ‫مغمورا ً بهشاشة ريشة وقلم ولون‪.‬‬ ‫مشرعات تبعث ُر العتبات واألبواب‬ ‫ينقلنا التأمل بالكون الى‬ ‫ّ‬ ‫بد أن‬ ‫وهل ييأس وفي اللغة أغوار ال بد من التوغل فيها‪ ،‬وجتعلنا نغوص في األعماق بفهم جديد مبتكر إذ ال ّ‬ ‫ومن أجدر من روبير غامن بلعبة‬ ‫التشهد وهو املالك ناصية نعترف بفضل شاعر سخّ ر قدراته اللغوية لتغيير الشعر‬ ‫ّ‬ ‫اللغة مبهارة س ّباح استهواه الغوص ومهارة رسام أتقن بتغيير صياغاته العتيقة اآلسنة التي بات من الضروري‬ ‫لعبة االنطباع قبل املروق الى غياهب خياالته‪.‬‬ ‫ان تتحرك مبسؤولية وبإبداعات جديدة تسمح للكاتب ان‬ ‫فيلسوف الكينونة اجلديدة حاول فك رموزها في ينفض عنها الغبار املتراكم منذ القدم‪.‬‬


‫‪18‬‬

‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫كتاب‬

‫“القاموس الجديد المعدل”‪ :‬وعاء ثقافي جديد للغة تخاطب عالمية‬ ‫ساره حمادة‬ ‫الكتاب هو وعاء املعلومات الذي ال ميكن االستغناء‬ ‫عنه‪ ،‬ينقل لنا تاريخ احلضارات والتطور البشري من‬ ‫مختلف العصور‪ ،‬بني أوراقه املكتوبة أو املطبوعة تكمن‬ ‫مجموعات كبيرة من النصوص الدينية‪ ،‬األدبية‪ ،‬الشعرية‪،‬‬ ‫العلمية وغيرها ‪ ،...‬وهنا نستذكر قول اجلاحظ‪“ :‬الكتاب‬ ‫هو اجلليس الذي ال يُطريك‪ ،‬والصديق الذي ال يقليك‪،‬‬ ‫والرفيق الذي ال َيَلَّك‪ ،‬واملستميح الذي ال يؤذيك‪ ،‬واجلار‬ ‫الذي ال يستبطئك‪ ،‬والصاحب الذي ال يريد استخراج ما‬ ‫عندك بامللق‪ ،‬وال يعاملك باملكر‪ ،‬وال يخدعك بالنفاق”‪.‬‬ ‫وفي إطار احلديث عن الكتاب‪ ،‬في السابع من الشهر‬ ‫اجلاري أقيم في املهرجان اللبناني للكتاب الذي تقيمه‬ ‫احلركة الثقافية في انطلياس‪ ،‬حفل توقيع كتاب جديد‬ ‫بعنوان “القاموس اجلديد املعدل””‪The New and Revised‬‬ ‫‪ ”Dictionary‬لصاحب املؤسسة العربية للدراسات ما بني‬ ‫الشرق والغرب الدكتور سمير اخلادم واملستشرق اإليطالي‬ ‫البروفيسور مارتنيانو رونكاليا‪ ،‬حيث أن هذا الكتاب من‬ ‫الكتب القليلة التي تعنى بترجمة املصطلحات الدولية‬ ‫والدبلوماسية والكلمات الدارجة إلى لغات عدة‪ ،‬وهذا‬ ‫الكتاب وضعته املؤسسة في خدمة الكتاب والباحثني‬ ‫والسياسيني والديبلوماسيني واملفاوضني ورجال اإلعالم‪.‬‬ ‫فجاءت مقدمة الكتاب شارحة اللغة على أنها‬ ‫كالكائن احلي تنشأ وتنمو ثم تشيخ وأحيانا ً متوت أو تندثر‬ ‫كاللغة الفينيقية واآلرامية والسريانية وغيرها‪ .‬وتك ّلم‬ ‫عن اللغة العربية على أن اهلل حباها مبعجزة القرآن‬ ‫الكرمي الذي أنزل بلسان عربي فأعطاها زخما ً مستمرا ً إلى‬ ‫يوم الدين‪ ،‬وهذا ما جعلها غنية بثروتها التي ال تنضب‬ ‫من الكلمات واملفردات والتعابير‪ .‬وإذا أردنا أن ننظر في‬ ‫معنى عبارة مأخوذة من مخطوطة أم مؤلف عائد للقرون‬ ‫املتعددة‬ ‫الوسطى لوجب علينا الغوص في املعاجم‬ ‫ّ‬ ‫األجزاء العائدة لتلك الفترة ألن النظر في قاموس حديث‬ ‫قد ال يفي باملطلوب لكون العبارة قد ال تكون موجودة‬ ‫فيه أو لكون املعنى املُعطى لها ال يتناسب مع سياق‬ ‫النص وروحه‪.‬‬

‫فميزة هذه احلقبة من القرن الواحد والعشرين‬ ‫األساسية هي سهولة االتصاالت عبر أجهزة اإلعالم املرئية‬ ‫واملسموعة وقد ساعد على ذلك التطور التكنولوجي‬ ‫في وسائل االتصاالت السلكية والالسلكية وأجهزتها‪،‬‬ ‫خاصة تلك التي ترتكز على البث اإلذاعي والتلفزيوني‬ ‫بواسطة األقمار االصطناعية واحملطات الوسيطة مما أتاح‬ ‫لكل فرد مشاهدة محطات التلفزة العاملية التي تبث‬ ‫برامجها وأخبارها على مدار الساعة‪.‬‬ ‫إن التبصر في مجرى األمور في منطقة الشرق‬ ‫األوسط يظهر لنا بوضوح أننا في خضم مرحلة من‬ ‫التغييرات الكبيرة ومن املباحثات واملفاوضات مع العدو‬ ‫اإلسرائيلي بهدف الوصول إلى سالم شامل وعادل‬ ‫في املنطقة أو على األقل االتفاق على ترتيبات أمنية‬ ‫مقبولة‪ ،‬وهذا الواقع اجلديد أوجب وجود لغة للتخاطب‬ ‫الدولي العام‪ ،‬مبختلف وجوهه‪ ،‬وهنا قد يتبادر إلى الذهن‬ ‫ألول وهلة أنها لغة التخاطب الدبلوماسي ‪Langage‬‬ ‫‪ Diplomatique‬ولكنها في احلقيقة أعمق وأشمل من‬ ‫ذلك ألنها تضم في الواقع التعابير واملعاني العائدة‬ ‫لواقع احلال واألحداث والتخاطب على صعيد األمم املتحدة‬ ‫ومؤسساتها وعلى صعيد الدول وسفاراتها وبعثاتها‬ ‫باإلضافة إلى ما يحتاجه املفاوض في مباحثات السالم‬ ‫حتى ال يقع في احملظور‪.‬‬ ‫فالعبارات واملفردات اخملتارة للغة التخاطب لهذه‬ ‫املرحلة هي مأخوذة أساسا ً من اللغة الالتينية املعتمدة‬ ‫حاليا ً في اللغة اإلجنليزية للتعبير عن واقع احلال‪ ،‬كما أن‬ ‫أكثرها منتقى من اللغة اإلجنليزية وبعضها من اللغة‬ ‫الفرنسية واإليطالية ودليل االختيار للعبارة املنتقاة هو‬ ‫طابعها العاملي‪.‬‬ ‫ورتب هذا الكتاب العبارات حسب الترتيب األبجدي‬ ‫استنادا ً للنص اإلجنليزي الذي اعتُمد كأساس وفي‬ ‫مقابل كل عبارة عبارة مرادفة لها باللغة الفرنسية‬ ‫واللغة العربية والفارسية نظرا ً ألهمية هذه اللغة وملا‬ ‫تلعبه إيران من دور بارز على الصعيد العربـي واإلسالمي‬ ‫والدولي‪.‬‬

‫خبر أون الين‬ ‫أبعد من الخبر‬

‫‪www.khabaronline.com‬‬

‫جريدة سياسية الكترونية‬ ‫تنشر الخبر كما هو وتوضيء‬ ‫عليه بتحليالت مختلفة‬

‫فهذا الكتاب ميكن أن يكون مستندا ً ومرجعا ً يعتمد‬ ‫عليه ويؤخذ به في حال وقوع خالف في تفسير معنى أي‬ ‫تعبير من التعابير املتداولة في لغة التخاطب اجلديدة‪.‬‬ ‫فالكتاب يساعد على تطوير العقل ويزيد في اإلصالح‬ ‫وفي اإلجادة‪ ،‬وهو بداية نعيم جديد من خالل نشر ثقافة‬ ‫جديدة وتأسيس جملتمع جديد قابل على التطور‪ ،‬فينقل‬ ‫لنا احلوادث التاريخية كي نتفادى الوقوع في األخطاء‬ ‫مجدداً‪ ،‬على األمل أن جيلنا اجلديد سوف يط ِّور نفسه‬ ‫ويجدد ذاكرته من خالل مطالعة الكتب والتمسك‬ ‫بتاريخه وأصوله‪.‬‬

‫تحوالت مشرقية‬ ‫***‬ ‫مع تحوالت الشهرية‬

‫قريباً تصدر تحوالت فصلياً‬

‫من بيروت وفلسطين‬ ‫وفيها دراسات وابحاث معمقة‬


‫‪19‬‬

‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫تناهض فكرة "المرأة قنبلة جنسية"‬

‫أدب‬

‫فضيلة الفاروق لـ “تحوالت”‪ :‬أدنت في “أقاليم‬ ‫الخوف” األنظمة والجماعات الجهادية‬ ‫حاورتها‪ :‬أسماء وهبة‬

‫مثيرة للجدل بآرائها ونصوصها األدبية ومقاالتها‪.‬‬ ‫تعبر عن ما يعبر في كل امرأة‪ .‬تبوح به دون خوف أو تردد‬ ‫بغض النظر عن النتائج واحلروب التي قد تدفع إليها ألنها‬ ‫"فقط" قالت ما يختلف عن السائد وما قد يتعارض مع‬ ‫القاعدة سواء كانت صحيحة أو خطأ! وهذا ما يبدو‬ ‫جليا من خالل كل إصدارتها الروائية مثل "تاء اخلجل"‪،‬‬ ‫"اكتشاف الشهوة" وأخيرا "أقاليم اخلوف" التي خلطت‬ ‫فيها بني السياسة والدين واحلب واجلنس والعائلة‪.‬‬ ‫اخترت عنوان "أقاليم اخلوف" ليتصدر غالف روايتك‬ ‫األخيرة‪ .‬ماذا كان املقصود من ذلك؟‬ ‫أردت الهروب من اإليحاءات اجلسدية‪ ،‬ومن العناوين‬ ‫التي تفسر مضمون الرواية‪ ،‬أو التي جتعلك تستخلصني‬ ‫محتواها‪ .‬أردت التركيز على موضوع أوسع هو‪ :‬وضع‬ ‫املرأة في املفهوم اإلسالمي اجلديد‪ .‬لذا قصدت بـعنوان‬ ‫"أقاليم اخلوف"‪ :‬األقاليم اإلسالمية الناشئة في عاملنا‬ ‫العربي‪ .‬في البداية أردت تسمية الرواية "شرق محمد"‪،‬‬ ‫لكن تراجعت عن األمر حتى ال أسبب مشكلة لنفسي‬ ‫أو للناشر‪ .‬كان هدفي من هذا العمل تبيان سبب انتشار‬ ‫بعض التفسيرات اخلاطئة لإلسالم‪ ،‬خصوصا أن بعضها‬ ‫يطال املثقفني لذلك أردت أن يكون الصحفيني محور‬ ‫الرواية من خالل شخصية بطلة العمل "مارغريت"‪ ،‬التي‬ ‫جاءت إلى الشرق مشبعة بالثقافة الغربية بعد أن فقدت‬ ‫والديها في تفجير إرهابي‪ .‬ومن هنا انطلقت للحديث عن‬ ‫احلروب في دارفور والعراق والسودان وكوسوفو من خالل‬ ‫العمل الصحفي الذي يشرع الباب أمام النقاش والكتابة‬ ‫بسهولة عن الكثير من التفاصيل بسبب اتساع رقعة‬ ‫العمل الصحفي املكانية‪.‬‬ ‫ورد في الرواية جملة مفتاحية هي‪" :‬ال أحد يعرف‬ ‫الشرق كما أعرفه أنا"‪ ..‬كيف ترى فضيلة الفاروق الشرق؟‬

‫أحمل الشرق في جذوري‪ .‬هو كل األخالق والقيم‬ ‫السامية‪ .‬وهذا ما ترجمته في الرواية من خالل إعجاب‬ ‫"مارغريت" بالشاب الشرقي ورائحة العطر والبخور‬ ‫واألفكار العربية‪ .‬هذا هو الشرق النقي اخلام الذي يجب‬ ‫أن ال نحوره أو نزيفه‪ .‬مبعنى آخر جاءت "مارغريت" إلى‬ ‫الشرق باحثة عن بقايا ألف ليلة وليلة‪ .‬لكن لألسف لم‬ ‫تعد هذه الصورة اخلرافية موجودة!‬ ‫ملاذا أدنت احلجاب في الرواية؟‬ ‫لقد تربينا منذ الصغر أن جسد الفتاة عورة‪ .‬لذا يجب‬ ‫أن تغطيه دائما‪ .‬وإذا خرجت إلى الشارع ننبهها بأن ال‬ ‫تثير الرجل حتى ال يعتدي عليها‪ ،‬وكأنها قنبلة جنسية‬ ‫ال أقل وال أكثر‪ .‬ومع مرور الوقت تترسخ هذه الفكرة في‬ ‫ذهن الفتاة فال تستطيع التحرر منها‪ ،‬خصوصا أننا نربي‬ ‫أوالدنا في الشرق على عدم تقبل جسد األنثى والرجل‬ ‫بسبب مفهومنا اخلاطىء حول اجلسد الذي يختصر في‬ ‫اجلنس‪ ،‬أما احلجاب فهو ليس جزء من هوية دينية بل‬ ‫كرسه اجملتمع والعادات والتقاليد‪ .‬ولألسف لقد انتكست‬ ‫منظومة األخالق لدينا‪ .‬وهذه الهجمة على احلجاب‬ ‫ليست دينية بل خوفا من الرجل‪ .‬لذلك دور املثقف هنا‬ ‫مهم إلعطاء أفكار جديدة من أجل تنوير اجملتمع‪.‬‬ ‫هل يوجد اليوم فكر تنويري؟‬ ‫هناك من يحاول القيام بهذا الدور مثل املثقف‬ ‫اجلزائري محمد أراكون‪ ،‬الذي خرج من اجلزائر ألنه أمازيغي‬ ‫بربري‪ ،‬ثم سعى من خالل كتاباته إعطاء مفهوم علمي‬ ‫معاصر لإلسالم‪ ،‬وشرح القرآن بطريقة عصرية وليس‬ ‫على طريقة تفسير البخاري! مثال يستطيع أراكون‬ ‫أن يفسر سبب تعدد زيجات الرسول بطريقة علمية‬ ‫تخولنا مواجهة الغرب‪ .‬من هنا أدنت في الرواية األنظمة‬ ‫واجلماعات اجلهادية‪.‬‬ ‫ما هو مفهومك للجهاد؟‬ ‫هناك اجلهاد احلقيقي القائم على احلقيقة والفكرة‬ ‫اإلسالمية اإلميانية الصرفة‪ .‬وهناك اجلهاد املزيف الذي‬ ‫يعني قتل اآلخر اخملتلف‪ .‬وهذا ما عايشناه في اجلزائر‪.‬‬ ‫فمثال يحق لي قتل اآلخر الذي يعمل موظفا في الدولة‬ ‫على قاعدة أنه يعمل مع الطاغوت‪ .‬ويحق لي أن أحرق‬ ‫فتاة مختلفة عني ألنها ليست محجبة‪ ،‬في الوقت الذي‬ ‫ال توجد آية قرآنية تنص على قتل غير احملجبات‪ .‬وال يوجد‬ ‫ما يسمى بـ "حد احلجاب"‪ .‬ونسينا في وسط هذا كله‬ ‫أن اإلسالم ليس دين سطحي بل اعتنى بتكوين الداخل‬ ‫اإلنساني‪.‬‬ ‫أال ترين أن احلركات اجلهادية وسيلة للدفاع عن الذات؟‬ ‫هي طريقة بدائية للدفاع عن النفس! هي أسلوب‬ ‫نحول من خالله إنسان إلى آلة قتل بعد إقناعه بأن‬ ‫هذا هو طريقه إلى اجلنة‪ .‬وهذه مغالطة كبيرة‪ ،‬ألن اهلل‬ ‫سبحانه وتعالى أعطانا نعمة احلياة‪ ،‬فيجب احلفاظ‬ ‫عليها‪ .‬وليس أخذ أنفسنا نحو الهالك‪ ،‬وتفجير أجسادنا‬ ‫دون قيمة باسم اجلهاد‪.‬‬ ‫ماذا أردت أن تقولي من خالل شخصية "مارغريت"‬ ‫في رواية "أقاليم اخلوف"؟‬ ‫هي اختصار للشرق املشوه الذي يعتبر نفسه غربي‬ ‫وعصري‪ .‬في الوقت الذي عجزنا عن حل مشاكلنا‪.‬‬ ‫وهذا قمة جناح اإلستعمار والواليات املتحدة األمريكية‬ ‫وإسرائيل‪.‬‬ ‫كيف رسمت العالقة بني بطلي الرواية "محمد"‬ ‫و"مارغريت"؟‬ ‫هي عالقة جنسية رومانسية‪ .‬أردت من خاللها‬

‫توضيح معنى اجلنس كفعل جنسي وكفعل مهني أيضا‪.‬‬ ‫في البداية‪ ،‬اغتصب "محمد" "مارغريت" معتقدا أنه‬ ‫بذلك جنح في إذاللها‪ ،‬دون أن يعرف أنه سيحبها فيما‬ ‫بعد وسيترك كل شيء من أجلها‪ .‬لذلك اخترعت نهاية‬ ‫ذات أبعاد رمزية حتى يكتشف القارىء أن في قمة العنف‬ ‫قد تبدأ احلياة! أردت أن اقول أننا جميعا أبناء اجلنس رغم‬ ‫أننا ندين اجلنس دائما! ولم أتردد في رسم مشهد جنسي‬ ‫واضح في الرواية يعكس طبيعة العالقة بني "محمد"‬ ‫و"مارغريت"‪ ،‬الذي استغل اجلنس لإلقتصاص منها‬ ‫ليتحول األمر الحقا إلى حب جارف!‬ ‫أليس احلديث عن اجلنس يدخل ضمن اإلستهالك؟‬ ‫أنا ال أكتب ألصدقائي أو النخبة أو من يشبهني‪ ،‬بل‬ ‫ملن ال يتقاطعون مع افكاري! أكتب ملن يتوج أربعة نساء‬ ‫وميارس اجلنس كل ليلة مع إحداهن ثم يحاسبني على‬ ‫كتابة سطرين عن اجلنس! ولألسف هناك التباس حول‬ ‫مفهوم اجلسد واجلنس‪ ،‬وبالتالي ال نكتشف أجسادنا إال‬ ‫في وقت متأخر‪ .‬وهذا ما حدث معي على سبيل املثال‪.‬‬ ‫لقد اكتشفت معنى اجلسد في سن اخلامسة والثالثني‪،‬‬ ‫وحينها عرفت أنني كنت أعيش لآلخرين‪ ،‬وأختار مالبسي‬ ‫على طريقتهم حتى أفوز برضاهم دون أن أفعل أي شيء‬ ‫لنفسي‪ .‬عشت إلرضاء أمي وأبي وزوجي ومن ثم العائلة‬ ‫واآلن ابني‪ .‬لم يكن جسدي وسيلة للتعبير عن نفسي‪،‬‬ ‫خصوصا أن خجلي كان مينعني من القيام بهذا األمر! لقد‬ ‫نشأت في بيئة محافظة‪ .‬أرتدي احلذاء الرياضي الرجالي‬ ‫إلي‬ ‫والبنطلون والقميص الواسع‪ .‬أصاب بالتوتر إذا نظر ّ‬ ‫أحدهم بطريقة جنسية‪ .‬وفي إحدى املرات أثناء عودتي‬ ‫من اجلامعة في اجلزائر عند الساعة السادسة والنصف‬ ‫ركض ورائي أحدهم‪ .‬كان الشارع فارغا والكهرباء‬ ‫مقطوعة‪ .‬لكن ظهر أبي فجأة فأوسعه ضربا‪ ،‬في الوقت‬ ‫الذي متنيت فيه أن يقتله ألنني أعرف ماذا كان يريد أن‬ ‫يفعله بي‪ .‬وعند عودتي إلى البيت شعرت باخلجل من أبي‬ ‫وما كان ميكن أن يحدث جلسدي وسمعتي وشرفي لوال‬ ‫ظهوره دون سابق إنذار!‬


‫‪20‬‬

‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫فكر‬

‫عن رحمانية التحاور‬ ‫محمود حيدر*‬ ‫أي نوع من احلوار ميكن األخذ به كسبيل إلى تواصل‬ ‫ال ريب فيه؟‬ ‫إذا كانت الغاية من أي حوار هي إجناز اتفاق حول‬ ‫مشتركات‪ ،‬فقد يكون احلوار نفسه هو مادة اخلالف بني‬ ‫املتحاورين‪.‬‬ ‫وغالبا ً ما تظهر هذه املفارقة‪ ،‬عندما يكون التحاور‬ ‫محكوما ً على اجلملة باملصالح البحتة‪ .‬لكن ثمة منظورا‬ ‫آخر للقضية‪ ،‬ميكن أن يُخرجها من دائرة اإلشكال‪ ،‬هو‬ ‫املنظور الذي يرى إلى احلوار بوصفه عملية أخالقية‬ ‫ومعرفية ذات وظيفة مركبة‪ :‬أن تتعرف الذات الى هويتها‬ ‫أوالً‪ ،‬ثم تخطو لتتع ّرف إلى صورة الغير الذي يقوم باملهمة‬ ‫نفسها‪ ،‬ثم لينشأ جراء ذلك ما يشبه التناظر املتكافئ‬ ‫بني ضفتني‪.‬‬ ‫ضمن هذا احملل من الفهم‪ ،‬ال يبدو الغير (أي اآلخر) إالّ‬ ‫ما تنطوي عليه الذات من قيم لتبلغ متامها‪ .‬فاحلوار في‬ ‫هذه املنطقة املعرفية‪ ،‬إمنا هو صيرورة األنا إلى الغير‪ ،‬حتى‬ ‫لَتنبسطا معاً‪ ،‬وبواسطة التحاور‪ ،‬على الرضى والقبول‪.‬‬ ‫األمر يعود إلى تك ّثر أوجه استعمال مصطلح احلوار‪،‬‬ ‫وبسبب من سوء توظيفه في حقول النزاعات السياسية‬ ‫والثقافية واالجتماعية والعقائدية‪ ،‬فقد حلقت به‬ ‫التباسات شتى‪ .‬حتى إننا جنده في أحوال كثيرة‪ ،‬كما لو‬ ‫كان اصطالحا ً يوضع في غير منازله املفترضة‪ ،‬ال سيما‬ ‫حني يجري حتويره وتدويره‪ ،‬وفقا ً لضرورات احتدام املصالح‪.‬‬ ‫فاآلليات اإلجمالية التي ينبغي توافرها لكي ميضي‬ ‫املتحاورون إلى غاياتهم‪ ،‬ينبغي لها أن تتأسس على‬ ‫منظومة معرفية قوامها االعتراف‪ ،‬والتكافؤ‪ ،‬والرضى‪.‬‬ ‫ذلك أن التحاور في أحواله‪ ،‬ومبانيه‪ ،‬وغاياته‪ ،‬قائم‬ ‫على االعتراف والتقابل الس ّوي‪ ،‬وحق كل فريق‪ ،‬سواء‬ ‫كان فردا ً أو جماعة‪ ،‬في املشاركة املتساوية املتكافئة‬ ‫في تقرير الصياغة النهائية‪ ،‬لشكل ومضمون املسألة‬

‫التي يجري احلوار بشأنها‪ .‬لذا‪ ،‬فإن استقامة احلوار على‬ ‫صراط التوازن‪ ،‬واالعتراف‪ ،‬واالحترام‪ ،‬وكذلك حرمة جتاوز‬ ‫حدود الغير‪ ،‬تفترض مراعاة جملة من الشروط والقواعد‬ ‫واآلليات ميكن إجمالها على النحو التالي‪:‬‬ ‫أوالً؛ يُفترض أن يكون اللقاء مباشرا ً بني املتحاورين‪،‬‬ ‫وعلى هذا فإن العالقة األفقية بني ضفتي التحاور‪ ،‬هي‬ ‫التي ينبغي توفيرها أوال ً لكي يجري التالقي والتواصل‬ ‫سوي‪ .‬إن الرغبة في احلوار‪ ،‬هي جدلية معرفية‬ ‫نحو‬ ‫ّ‬ ‫على ٍ‬ ‫مركبة‪ ،‬تكتمل باكتشاف مستمر للذات من خالل‬ ‫العالقة مع الغير‪ ،‬وبالتوازي مع استكشاف مستمر وغير‬ ‫نهائي له‪.‬‬ ‫ثانياً؛ املوضوعات املشتركة التي يتم التداول بشأنها‪،‬‬ ‫تستلزم لغة مشتركة وواضحة لسائر أطراف احلوار‪،‬‬ ‫وأن تكون اللغة التي يستخدمها كل طرف‪ ،‬مفهومة‬ ‫وواضحة بالنسبة إلى محاوره‪ .‬مبعنى أوضح؛ أن تنأى‬ ‫تلك اللغة عن الغموض والكمون والريبة‪ ،‬ما يفسد على‬ ‫املتحاور بلوغ غايته الفضلى‪.‬‬ ‫ثالثاً؛ النظر إلى الغير مبا هو غير‪ ،‬له وجوده وشخصيته‪،‬‬ ‫وله م ّيزاته السالبة واملوجبة‪ .‬ومبعنى مح َّدد وصريح؛ أن‬ ‫تكون لدي القناعة الكاملة‪ ،‬بأن الغير الذي يشاطرني‬ ‫تبادل الكلمات‪ ،‬هو كيان مستقل بذاته‪ ،‬منفصل عني‬ ‫ومتصل بي في اآلن عينه‪.‬‬ ‫ولئن لم أستطع النظر إليه من هذه الزاوية‪ ،‬فسأكون‬ ‫كمن يحاور كائنا ً أبتكره وفق ما أريد‪ ،‬كأن أصطنعه‬ ‫لنفسي وأهوائي‪ .‬من هنا‪ ،‬نستطيع أن نفهم معنى‬ ‫كلمة “املساواة”‪ ،‬التي تتبوأ موقعيتها احلاسمة في‬ ‫فلسفة احلوار‪.‬‬ ‫رابعاً؛ اجتناب إسقاط ما متتلئ به “ذواتنا” من‬ ‫مس ّلمات‪ ،‬على “ذوات” الغير‪ .‬فلو فعلنا ذلك‪ ،‬الستحال‬

‫التحاور مجرد صد ًي للمتكلم األول‪ ،‬في حني يصبح من‬ ‫يناظرنا مجرد سامع لألصداء‪ .‬فاحلوار هو حادث معنوي‬ ‫بني حالتني إنسانيتني‪ ،‬تسعيان إلى أن تك ِّونا معا ً صورة‬ ‫واحدة‪.‬‬ ‫ولسوف ننجز املزيد من الفهم املتبادل‪ ،‬كلما قطعنا‬ ‫مسافة إضافية على الطريق الطويل‪ ،‬املكتظ برحمانبة‬ ‫التساؤل‪ .‬فاحلقيقة التي نتغ َّيا أمرها‪ ،‬سوف تأتينا حني‬ ‫نقترب منها على مبدأ النظر إلى الغير بعني القبول‪ ،‬ال‬ ‫بعني االختصام واإلقصاء والعدوان‪.‬‬ ‫خامساً؛ االحترام‪ ..‬ونقطة البداية هنا تكمن في أن‬ ‫أقبل من أراه أمامي انطالقا ً من حيث هو‪ ،‬ال من حيث‬ ‫أريد له أن يكون‪ .‬إنني أقبله انطالقا ً من كينونته‪ ،‬كما‬ ‫هو موجود وحاضر أمامي‪ .‬أن أحترم الغير‪ ،‬هو أن أراه حيث‬ ‫هو‪ ،‬خارجا ً عن أي اتهام‪ ،‬وبالتالي أن أنظر إليه خارجا ً عن‬ ‫أي ن ّية منّي بتغييره‪.‬‬ ‫سادساً؛ الفردانية‪ ،‬إذ ال نستطيع القول إننا نتحاور‬ ‫كطرفني‪ ،‬إن نحن نظرنا إلى الغير انطالقا ً من تعميم‬ ‫يُخرجه من فرادته‪ ،‬فهذا الغير هو كائن له هويته‬ ‫الشخصية الكاملة‪ ،‬من قبل أن يكون مجرد كائن‬ ‫في جماعة‪ .‬إ ّن هذا يجعلنا نقف أمام بعض‪ ،‬ككيانني‬ ‫متقابلني متكافئني‪ ،‬دون أن يذوى الواحد منا في اآلخر‪.‬‬ ‫علي أن‬ ‫فكما يجب أن أنظر وأرى الغير كما هو‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫إلي كما أنا‪ ،‬وليس كما تنعكس‬ ‫أسهم في أن ينظر الغير ّ‬ ‫أحوالنا وصورنا من خالل التعميمات واألحكام املسبقة‪.‬‬ ‫على أرض رؤية الغير كنظير وجودي لذاتنا‪ ،‬بل كشبيه‬ ‫لنا في اخلَلق‪ ،‬سوف يتأسس معنى جديد للحوار يقوم‬ ‫في آن‪ ،‬على الواجبية األخالقية‪ ،‬مثلما يقوم على ضرورة‬ ‫االجتماع الذي يحكم عاملنا اآلن‪.‬‬ ‫تلك تأمالت وجدنا لها محالً من اجلدوى‪ ،‬وسط ضوضاء‬ ‫الكالم على دميقراطية التحاور بني األفراد واجلماعات‬ ‫والدول‪ .‬بينما تظهر لنا الصورة على غير ما تنطوي عليه‬ ‫الص َغر‪ ،‬أو في‬ ‫من مقاصد‪ ،‬سواء في القضايا املتناهية ِ‬ ‫القضايا الكبرى التي تعصف باإلنسانية املعاصرة‪.‬‬ ‫*رئيس حترير «مدارات غربية»‬ ‫‪mahmoudhaidar327@gmail.com‬‬

‫مناقشة “ثورات قلقة مقاربات سوسيواستراتيجية للحراك العربي”‬

‫حيدر‪“:‬مستهدفون ألننا منطقة القيم والطاقة”‬ ‫نظم منتدى “حتوالت” محاضرة حتدث فيها الكاتب‬ ‫محمود حيدر عن كتاب أشرف على إعداده بعنوان‬ ‫“ثورات قلقة مقاربات سوسيو إستراتيجية للحراك‬ ‫العربي“ وهو مشاركة مجموعة من الباحثني العرب‬ ‫والتي جرت في مركز دلتا ومركز التنمية للحضارة وقال‬ ‫حيدر إن احلراك –احلدث مايزال مفتوح على الفهم لكثرة‬ ‫ماحمل من الشهيات ولفت إلى سمات مقارنة احلراك‬ ‫العربي وماذا حمل في ذاته إلثباته مما نفق بصد د تعريف‬ ‫لهذا احلدث وحمل العوملة مسؤولية مفاتيح معرفية‬ ‫جديدة مشيرا ً إلى أنه الميكن تسميته ما يجري بالثورة‪.‬‬ ‫وذكر أن هناك إضطرابات في فهم مايجري ولكن‬ ‫فإن مايدعو إلى التفاؤل وصول هذا احلدث العربي وميكن‬ ‫أن يفتح على نشوء حضاري لهذه األمة كما يفتح على‬ ‫سؤول النهضة مجددا ً ‪ ،‬مستبعدا ً وصف مايحصل بأنه‬ ‫حراك تقدمي فإن نحن في قلب اإلحتدام وموازين القوى‬ ‫التي حتدد النتائج ‪.‬‬ ‫وطالب بالنظر إلى األمور وحتديد اخلصم اآلتي في‬ ‫احلداثة اإلستعمارية ولفت لى سقوط اإليديولوجيات‬ ‫التقليدية أو ظهور إيديولوجيات مستعمرة التكشف‬

‫عن حالها دائما ً تتولى صناعة الثورات ومنها نظرية‬ ‫الفوضى اخلالقة والتي تهدف إلى جتديد الهيمنة وسأل‬ ‫ملاذا إستهداف منطقتنا العربية وقال ألنها منطقة‬ ‫حيوية وألنها منطقة القيم والقدرات والطاقة مختصرا ً‬ ‫هذا املثلث النفط وإسرائيل وإسالم سياسي‪ ،‬وتابع تبدو‬ ‫هذه املنطقة مقلوبة فإن لديها جذبا ً خلصم والتغلب‬ ‫عليه وإعتبر أن القرن الذي سيطلق مفاهيم جديدة‬ ‫وتتعلق مباهية التغيير في املنطقة‪ .‬ورأى إن الثورات‬ ‫العربية جاءت في وقت متأخر جدا ً وصف الثورة اإليرانية‬ ‫بأنها آخر الثورات في مرحلة بعد احلداثة ‪ ،‬أسفاُ الى‬ ‫حصول الثورات العربية في هذه الظروف بالذات وراى أن‬ ‫اإلخوان املسلمني في السلطة وغيرهم من القوى ليس‬ ‫مبقدورهم التحكم مبجريات مايحصل وأنه لن يكون‬ ‫هناك مستقر ألي مشهد على األقل على املدى املنظور‬ ‫وذلك لعدم وجود مرجعات لهذا احلراك وقارن بني بوش‬ ‫اإلبن الذي أتى حقبة أميركية وبني أوباما الذي الميكن أن‬ ‫يبني حربا ً والسالما ً في الوضع املأزوم‪.‬‬ ‫وحتدث عن وجود تيارين في التيار السياسي السني‬ ‫يتمثل باإلخوان املسلمني ومن جهة النب الدنية من جهة‬

‫ثانية في حني أن الكتلة الشيعية لديها مخزون ينطوي‬ ‫في وضوح في الرؤية ولديها مشروع وأهداف وإدراك‬ ‫عملي على الصعيد السياسي وختم حيدر قائالً إن‬ ‫العالم واسع بني إما اإلستقرار وإما البربرية‬


‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫شعر‬

‫طالل بن سلطان آل سعود لـ"تحوالت"‪:‬‬

‫أنا موقظ المحظورات بقصائدي‪..‬‬ ‫وال يروق لي الفيديو الكليب‬

‫حاورته‪ :‬عبير حمدان‬

‫للشـاعر السـعـودي سمو األمير طـالل بن سلطـان‬ ‫آل سعود خطوات حثيثة يخطوها بني كلماته وتعابيره‬ ‫ليجد لها أماكن ترسخ في ذهن القارئ العربي‪ ،‬خصوصا ً أنه‬ ‫يجمل التعبير ويبقيه‬ ‫يسعى من خالل الشعر احلديث أن ّ‬ ‫على سج ّيته بريئا ً واضحا ً ومتكامل املعنى‪.‬‬ ‫خالل نصه بعض القصائد واألفكار والنثريات كان لـ”حتوالت”‬ ‫لقاء مقتضب وقفت من خالله على بعض ما قد يجذب‬ ‫الشاعر الى الكالم ليجتذب به أسماع اجلمهور املتلهف‬ ‫لكلمات شاعرية مع ّبرة‪.‬‬ ‫فكانت البداية سؤاال ً تعريفيا ً عن مفهوم الشعر في العصر‬ ‫احلالي الذي بات مادة نادرة سواء أكان شعرا ً مقروءا ً أم شعرا ً‬ ‫مسموعاً‪ ،‬فهل ال تزال ترضي الذواقة وجتذب املستمع الى‬ ‫قصائدك؟‬ ‫أشعر بالرضا نوعا ً ما عن األعمال األدبية ومنها القصائد التي‬ ‫أقدمها للجمهور الذي يقابلها بالسعادة والتفاعل الكبير‪.‬‬ ‫ألني أسعى من خالل الكلمة أن أكون قريبا ً منهم أالمس‬ ‫ما قد يخاجلهم من شعور ومشاكل وحتى قضايا إنسانية‪.‬‬ ‫ـ ما هي املواضيع التي تعتمدها عادة؟‬ ‫قيل لي إني موقظ احملظورات من خالل قصائدي أو مقاالتي‬ ‫في مواضيع تخص (سحر اجلن والزئبق األحمر والسادية‬ ‫والعهر والفساد اإلداري وقضايا غيرها) أسلط الضوء عليها‬ ‫ألنها جذرية تتفرع منها مشاكل متعددة ولم يجرؤ أحد‬ ‫على تناولها بشكل أدبي مباشر‪ .‬والهدف من طرحها هو‬ ‫إحياء قيم اجملتمع من جديد بإظهار فداحة اخلطايا‪.‬‬ ‫_ هل برأيك الشعر النبطي ميكن أن يخرج من محليته إذا ما‬ ‫بسطت معانيه وتعابيره ليصير مفهوم اللكنة؟‬ ‫ّ‬ ‫نعم الشعر النبطي مبا يطلق عليه اللهجة البيضا املفهومة‬ ‫عند شريحة واسعة قادر على إجتياح أذواق شعوب الوطن‬ ‫العربي كافة‪ ،‬ولم يعد كما كان شعرا ً محصورا ً بل كل‬ ‫الشعوب العربية تطلبه وتستمتع مبعانيه‪.‬‬ ‫_ أال تعتقد أن األغنية خصوصا ً إذا حلنت بشكل يحفظ حق‬ ‫الكلمة فيها يزيد من انتشار القصائد املغناة؟ على سبيل‬ ‫املثال ال احلصر قصائد نزار قباني صارت اكثر انتشارا ً بعدما‬ ‫غناها قدميا ً عبد احلليم وك ّرت السبحة بعده‪..‬‬ ‫االنتشار الذي أبحث عنه للقصيدة بعيد عن خط الغناء‬ ‫ُجل طموحي هو إعادة مجد القصيدة بلسان شاعرها أو‬

‫( مشهد درامي )‬

‫جمهورها‪ .‬هناك فرق بني قصائد تصبح مغناة وقصائد تُلقى‬ ‫كأدب على لسان شاعرها ومن يحبها‪.‬‬ ‫_ لم يفهم البعض موقفك من القصائد املغناة حني ذكرت‬ ‫(ال أحبذ اعتماد هذه الطريقة للوصول الى اجلمهور)؟‬ ‫موقفي واضح أن غناء القصائد يحقق انتشارا ً واسعا ً‬ ‫للشاعر لتضعه وسط األضواء بغض النظر عن شعره إذا‬ ‫كان جيدا أو غير جيد‪.‬‬ ‫ولكنها تبعده بعدا ً كبيرا ً عن جمالية مفهوم الشعر‬ ‫التجريدي وعذوبة إلقاء كلمته وفقدان احلالة الشعرية‪،‬‬ ‫والبعد عن هدف أمة إقرأ في نشر اللغة العربية التي ننتمي‬ ‫إليها‪.‬‬ ‫_ بدأت فكرة انتشار قصائد مسجلة بصوت شاعرها‬ ‫تنتشر‪ ،‬فهل ستعتمد هذه الطريقة لتستغني يوما ً عن‬ ‫كتابة الدواوين الشعرية؟‬ ‫هذة نعمة وهبها لي اخلالق عزوجل‪ .‬صوتي وطريقة تطويعه‬ ‫من خالل أدائي في إلقاء قصائدي يعطي شعورا ً وخياال ً أكبر‬ ‫فيها لدى املستمع يختلف عن رؤيتها وهي مكتوبة وأنوه‬ ‫أن الرؤيتني (القصائد املسجلة والديوان الشعري) ال تلغي‬ ‫إحداهما األخرى بل على العكس تتكامالن‪.‬‬ ‫_ هل ميكن أن تعتمد طريقة الفيديو كليب لتصوير القصائد‬ ‫ليصل التعبير في عصر الصورة الى املشاهد العربي في كل‬ ‫دول االنتشار؟‬ ‫ال تروق لي فكرة الفيديو الكليب أن أظهر فيه ال أريد لهذه‬ ‫الطريقة مرافقتي في مسيرتي الشعرية‪ .‬أخترت أن أكون‬ ‫شاعر مسرح ‪ ...‬صالون أدبي ‪ ...‬مهرجان ثقافي أدبي‪ ،‬وجتدونني‬ ‫موجودا ً بني قصائدي الصوتية واملقروءة وبني صوري‪.‬‬ ‫_ ما أحدث ما قد تهديه للقراء؟‬ ‫أختاروا بنشر قصيدة (ال أريد زئبقا ً أحمر) أو بنشر مشهد‬ ‫السوط)‬ ‫درامي بقلمي (حكمة َ‬ ‫قصيدة ( ال أريد زئبقا ً أحمر)‬ ‫من أطلَق ال َبخور ؟!!‬ ‫ومتتم تعاوي َذ تثيرني ‪...‬‬ ‫مس احملظور ؟!‬ ‫من ّ‬ ‫وقدم زئبقا ً أحمر يغريني‬ ‫بطالسم‬ ‫من وَ َكلني‬ ‫ٍ‬ ‫بت فأوقدت حضرتي‬ ‫دَ ْ‬

‫السوط األسود على جسدها الرشيق الذهبي‬ ‫إن ضربات َ‬ ‫كانت أشد من احلكم املبرم اجلائر الذي أقره احلاكم عليها‪.‬‬ ‫هناك استغل اجلالد املهمة التي ُوكل بها ووجد فيها فرصته إلفراغ شهوته الغليظة املكبوتة جتاه جميلة ال يستطيع‬ ‫الفوز بها في الوضع الطبيعي‪ .‬واستبدت النقمة اجلالد وجار على كامل جسدها باجللد املبرح فهذا مخرج لذيذ يطفئ‬ ‫من خالله عجزه عن اقتناء ذلك اجلمال‪ .‬فهو يعاقبه غريزيا ً في ظل أوامر نظامية اوكلت للحفاظ على برتوكوالت القانون!‬ ‫في هذا العقاب فاق عدد اجللدات العدد املقرر به حكما ً ‪ .‬وجاء مستوى قساوة كل جلده ما يعادل عشر جلدات طغياناً‪.‬‬ ‫ظهرها املمزق وردفها الدامي جعال صدرها يتنهد أمالً مشوهاً‪.‬‬ ‫السوط األسود الذي وجدته على األرض حلظة دخولي صدفة‪.‬‬ ‫قال لي شاكيا ً َ‬ ‫كل هذا املشهد في حديث دار بيني وبينه! مجب ُر أنا على تصديقه!‬ ‫فاجلمادات ال تكذب أبدا ً كما البشر وال تٌخفي نياتها!‬ ‫أمام هذه الكارثة األخالقية رأيت هناك زاوية من جهنم ركن إليها احلاكم واجلالد وهما يتقاسمان اخلمر والنسيان ‪.‬‬ ‫ومرآة عيونها من الويالت تسند ظهرها النحيل على أنقاض جدار رمادي! بعد انقضاء العقوبة‪.‬‬ ‫قلت لها‪ :‬جميلتي ‪ ..‬يا أيتها اجلميلة ‪!..‬‬ ‫أرجوك فلينهض بك اجلمال مجددا ً لقد شاء القدر أن تدفعي الثمن غاليا َ أرجوك فلتشتري جمال أوقاتك مجددا‪ً.‬‬ ‫السوط‪ :‬ال ُتملوا أحكامكم وتنفيذها أهواءكم الشخصية‪.‬‬ ‫حكمة َ‬

‫رياح نيراني‬ ‫انتشرت ُ‬ ‫البخور يجول وإني أجو ُل‬ ‫ها أنت يا بُنَي آدم جتلبني ‪.‬‬ ‫سمعا ً وطاعة وبك سهال ً‬ ‫‪..‬‬ ‫أرصدة األموال جتري كاألنهار إليك‬ ‫ُسحبت كل العمالت والتحف لعينيك‬ ‫مهالً أريد عمرا ً هنيا ً‬ ‫‪..‬‬ ‫كنوز األرض وبحورها ‪ ..‬مشتاقة إليك‬ ‫ثرواتها ‪ ,‬جواهرها ‪ ..‬راحتها كفيك‬ ‫مهالً أريد ِخالً وَ ِفيا ً‬ ‫‪..‬‬ ‫ال أريد زئبقا ً أحمر‬ ‫‪..‬‬ ‫يدا ً واحد ًة أبثُ بها ال ِفرقة وأجعلها متاثيل متعددة‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫حالك‬ ‫كل من عان َد وصالك أَولِ ْف ُه ظالً يتبع‬ ‫عدوك أحوله حذاؤك وصديقك قبعة لرأسك‬ ‫مهالً أريد ضميرا ً حيا ً‬ ‫‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ي لك الصعاب ومن يعارضك أحبسه بقوقعة‬ ‫أُلَ ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ترقيك ستجدها غدا ً باملوافقة موقعة‬ ‫مراسيم‬ ‫لك ُملك وصواع و صوجلان عندك مجمعة‬ ‫مهالً أريد حكما ً تقيا ً‬ ‫‪..‬‬ ‫ال أريد زئبقا ً أحمر‬ ‫‪....‬‬ ‫أمجادا ً تنتظ ُر قدومك‪ ,‬أسفارا ً تسعد يومك‬ ‫بلدانا ً طيفية تعانق بها الشمس وأخرى تودعها بهمس‬ ‫عربات قزحية مبلكان وجيا ٌد تأخذك حيث املَرجان‬ ‫مهالً أريد جسدا ً صحيا ً‬ ‫‪..‬‬ ‫بشوق تناديك‪.‬‬ ‫ِحسان اإلنس واجلان‬ ‫ٍ‬ ‫كسحر الشفق إذا ما رأيتهم تخ ُر جاثيا ً ب َ ِكيا ً جلمالهم‬ ‫أسقي ظمأ شهواتك وأكثر مما يفوق طموحاتك‬ ‫مهالً أريد ُحبا ً نقيا ً‬ ‫‪..‬‬ ‫ال أريد زئبقا ً أحمر‬ ‫‪..‬‬ ‫أف منك يا بني آدم نفد صبري‬ ‫ٍ‬ ‫جلأت لغير اهلل كفرا ً ولم حتقق لي أمرا ً ألدفننك فورا ً‬ ‫في الزئبق األحمر‬

‫‪21‬‬


‫‪22‬‬

‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫ذكرى‬

‫في ذكرى غيابه السابعة‬

‫دار نلسن تستعيد المبدع عصام محفوظ‬ ‫كانت التحية مستحقة للشاعر والكاتب واملسرحي‬ ‫والصحافي عصام محفوظ في دار الندوة وبدعوة من دار‬ ‫نلسن للنشر في الذكرى الساعبة لرحيله ومبناسبة‬ ‫فوز مسرحيته الديكتاتور بجائزة القاسمي ‪ -‬الشارقة‬ ‫لألفضل عمل مسرحي عربي ‪ 2012‬وبرؤية اخراجية‬ ‫جديدة من لينا أبيض واداء جوليا قصار وعايده صبرا ‪.‬‬ ‫بداية كانت كلمة التقدمي من سليمان بختي الذي‬ ‫قال ‪:‬‬ ‫نتذكر عصام محفوظ أحد أبرز أعالم املسرح اللبناني‬ ‫العربي احلديث‪ .‬عصام العصامي الذي درس على نفسه‬ ‫وجاء من جديدة مرجعيون ووجد مكانه في مهب املدينة‬ ‫وحراكها احلدثي‪ .‬دخل فقيرا ً حاملا ً متمردا ً الى املدينة وخرج‬ ‫مقهورا ً حزينا ً وغنيا ً بريادته وآثاره وحب الناس له‪ .‬شارك‬ ‫في مجلة شعر وحركة املسرح احلديث وترك اكثر من ‪46‬‬ ‫مؤلفا في الشعر واملسرح والنقد واحلوار والترجمة‪.‬‬ ‫عرفناه عن قرب في جريدة « النهار» وقرأناه وصادقناه‬ ‫وصدقناه‪ .‬سكنته هواجس احلرية والعدالة والنهضة‪.‬‬ ‫كان عصام محفوظ الغريق‪ ،‬بحسب الشاعر شوقي أبي‬ ‫شقرا‪ ،‬كان الغريق ولكن في بحر االدب والشعر والنقد‬ ‫واملسرح‪ ،‬والغريق امللهم ولكن في الضحك على العالم‬ ‫وكأنه شجرة تصفق للريح‪ .‬وكان الالمباالة واحلزن املقهور‬ ‫ولكن يصفق للجمال واللذة والطرب‪ .‬وتساءل بختي ملاذا‬ ‫لم يكرم عصام محفوظ حتى االن‪ .‬لم تنتشر أعماله‬ ‫الكاملة‪ .‬لم يطلق اسمه على شارع في قريته او في‬ ‫بيروت‪ .‬وها اليوم بعد سبع على رحيله و ‪ 43‬سنة على‬ ‫تأليفه «الديكتاتور» ومعه الدليل ان العمل االصيل ال‬ ‫مير عليه الزمن اال ليزيده ملعانا ً وتوهجاً‪ .‬ويأتي التقدير‬ ‫من خارج الدائرة عالمة تكريس وعالمة استئناف لدورة‬ ‫واهميته‪ .‬في املسرح واستئناف لدور لبنان الثقافي‬ ‫والنهضوي والتنويري في العالم العربي‪.‬‬ ‫ثم حتدثت اخملرجة لينا ابيض عن عالقتها مبسرح‬ ‫عصام محفوظ كعالقة شغف وليس طمع‪ .‬وتوقفت‬ ‫عند مميزات مسرحه املتني احلاضر واملليء باملعاني واالبعاد‬ ‫واللصيق بهويته ولغته‪ .‬وان التغيير االساسي في‬ ‫املسرحية لم يأت في الرؤية االخراجية فحسب بل في‬ ‫اداء جوليا قصار وعايدة صبرا لدورين ذكوريني‪ .‬وذكرت ان‬ ‫العرض في الشارقة وقطر ولم يحذف منه شيئا ً ووجد‬ ‫جتاوبا ً رمبا لتزامنه مع رياح الثورات العربية‪ .‬وكان حوار‬ ‫بينها واجلمهور واسئلة ومداخالت من بشارة مرهج‬

‫وياسني رفاعية وفوزي محيدلي وزياد كاج وعبداهلل عبود‬ ‫ورؤوف قبيسي‪.‬‬ ‫ثم حتدثت الشاعرة صباح زوين عن عصام محفوظ‬ ‫الشاعر في قصيدته اخملتلفة املكتنزة الغنية مبحمول‬ ‫مسرحي واسطوري وتراثي وأسى وحزين‪ .‬وهذا يدل على‬ ‫ذاتيته وثقافيته املوسوعة وغنى احساسه وموقفه من‬ ‫القصيدة والعالم والوجود‪.‬‬ ‫وكان الكالم للدكتورة ندى صعب التي رأت ان اللغة‬ ‫املسرحية عند عصام محفوظ جذبت طالب املسرح في‬ ‫اجلامعة اللبنانية االميركية أكانت عامية أم فصحى‪ .‬وان‬ ‫محفوظ كان يبدل اللغة تبعا ً للموقف واملستوى واالطار‪.‬‬ ‫وذكرت انها خاضت جتربة ميدانية في ترجمة مسرحية‬ ‫الديكتاتور الى االنكليزية مع الدكتور روبرت مايلز بهدف‬ ‫ان تصبح املسرحية جزءا ً من التراث العاملي وتلعب على‬ ‫مسارح العالم‪ .‬وانها اكتشفت في النص صعوبة في‬ ‫الترجمة لقوة حضوره في لغته اصالً‪ .‬وهذه ميزة النص‬ ‫املؤسس ‪.‬‬ ‫واخيرا ً قرأت الفنانة جوليا قصار مختارات من قصائد‬ ‫عصام محفوظ ورأينا كيف كانت الكلمات تصعد من‬ ‫أعماق الروح الى تعابير الوجه الى اآلخر في إداء مسرحي‬ ‫عميق ونضر ومتوهج‪.‬‬ ‫س‪.‬ب‪.‬‬

‫يارا سعد توقع “البحث عن منفذ”‬ ‫عقد في مقر نقابة الصحافة‪ ،‬وبدعوة من دار نلسن‬ ‫للنشر حفل توقيع كتاب “ البحث عن منفذ” بالفرنسية‬ ‫للكاتبة يارا سعد وسط حشد من االصدقاء واالعالميني‪.‬‬ ‫حتدث في البداية ناشر الكتاب سليمان بختي فقال‪:‬‬ ‫“ان جتربة يارا سعد في هذا الكتاب هي مغامرة وتعبير‬ ‫عن وعي لدى جيل ميثل حساسية جديدة وجو مغاير‬ ‫واسئلة مختلفة” واضاف “ هذه االصوات جديرة بان‬ ‫تسمع ويصغي اليها النها حني تكتب اليوم فألن عينها‬ ‫على املستقبل واأليام االتية”‬ ‫ثم حتدثت الكاتبة يارا سعد فقالت ان ما دفعها الى‬ ‫الكتابة ليس املديح واالعجاب وال الشغف باللغة بل هو‬ ‫الوعي باملسؤولية جتاه ظلم واقع على االخرين‪ ،‬ظلم ال‬ ‫نستطيع ان نفعل حياله شيئاً‪ .‬اذا لم نصرخ نكون في‬

‫الورطة وفي الظلمة ‪ .‬الكتابة هي بقعة الضوء وصرخة‬ ‫احلرية” وشكرت أخيرا ً الفنان اللبناني أمني الباشا الذي‬ ‫أهدى الكاتبة لوحة الغالف وزينه بالرسوم الداخلية‪.‬‬ ‫وحتدث أخيرا ً نقيب الصحافة محمد البعلبكي وقال‬ ‫‪“ :‬هذا الكتاب يحمل املتعة واالفادة في املضمون ويحمل‬ ‫الذوق واالناقة في الشكل‪.‬‬ ‫عنوان الكتاب هو “البحث عن منفذ” والواقع اننا‬ ‫كلنا في لبنان اليوم نبحث عن منفذ ‪ ،‬نبحث عن خالص‪،‬‬ ‫نبحث عن تغيير ما‪ ،‬عن أفق جديد‪ .‬كتبت يارا سعد بهذه‬ ‫الروح‪ ،‬روح البحث ‪ ،‬روح التخطي والتجاوز‪ ،‬روح الشباب‪،‬‬ ‫اللقاء والتحلق حول الكلمة والكتاب‪ ،‬وكذلك عبارات‬ ‫روح التجدد‪ ،‬روح العطاء”‪.‬‬ ‫في قاعة غصت باالصدقاء وبصور النقباء الذين احملبة والصداقة في االهداء والشكر‪.‬‬ ‫س‪ .‬ب‪.‬‬ ‫سبقوا وقعت يارا سعد كتابها وشاركت اجلميع فرح‬


‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫أحالم جثة‬

‫ال ‪ ،‬وال آذان فئران‬ ‫شعري الطوفان اآلخر‬ ‫فردوس‬ ‫فردوس دون مالئكة ودون‬ ‫عاطف خليل الحكيم‬ ‫سور‬ ‫عيناك البراءة … «برقة»‬ ‫باحث وأستاذ جامعي‬ ‫حنيبعل‪ ،‬ابن أليسار‬ ‫وخالد‪ ،‬ابن احلسني‬ ‫وصالح‪ ،‬ابن خالد‬ ‫أفتّش في دفاتر الشعراء‬ ‫رصاصة قرار‬ ‫وسعادة‪ ،‬ابن حنيبعل‬ ‫علي‪ ،‬آتيك هبوبا ً‬ ‫أسائل األوتار‬ ‫مات امليزان‬ ‫نادي ّ‬ ‫أركع في املعابد‬ ‫فأنا حمل يجذبه صوت مات العقاب ومات اجلحيم‬ ‫ً‬ ‫أبتهل‬ ‫الناقوس‬ ‫غدا الثامن من متوز عيد‬ ‫شحذوني كلمة‬ ‫أال ليتني مجنون‪ ،‬أال عيد مشاعل الضمير‬ ‫كلمة‪ّ ،‬‬ ‫علي بوحي‬ ‫ليتني مجنون‬ ‫املصير ينتفض مثل لدغ‬ ‫ّ‬ ‫تصدقوا ّ‬ ‫حورية اجلمال تريد أن أقول يا ناس الشعر‬ ‫املصير يفرش جناحيه‬ ‫فيها شعرا ً‬ ‫ً‬ ‫الوحي‬ ‫هاكم حورية‬ ‫شكال للوطن‬ ‫ليرقى القصيد إلى مطاف فوق صهوة سمراء‬ ‫شكالً لعينيك‬ ‫الشهداء‬ ‫سرجها الغيوم‬ ‫لترقى قصيدتي إلى‬ ‫إمنا سم ّوها أرقى‬ ‫صوالتها جنوم‬ ‫مطاف الشهداء‬ ‫ً‬ ‫لترقى‬ ‫ا‬ ‫شعاع‬ ‫تهبط‬ ‫سم ّوها أرقى‬ ‫هل تختفي تالفيف لوحة قصيدتي إلى مطاف‬ ‫اجلدار‬ ‫الشهداء‬ ‫طوامث النوى‬ ‫حتى أغوص إلى أعماق سم ّوها أرقى‬ ‫قلبي صديد‪ ،‬ص َّد‬ ‫النهر؟‬ ‫إرزما‪ ،‬أنادي عليك‬ ‫قلب الشجرة‬ ‫قسما ً بالريح وزخ ّات املطر أال يا راقي املوت‬ ‫أغاني الطير دوائي‬ ‫بالشمس وصالة احلجر‬ ‫يا راقي جنازتي‬ ‫أريج الزهر رجائي‬ ‫بالبسمات وأرجوحة القدر أح ّلفك مبنطقها في‬ ‫ً‬ ‫األسرار‬ ‫اللوحة مليئة‬ ‫السهل‬ ‫بسندس‬ ‫ا‬ ‫قسم‬ ‫الناطقني‬ ‫أال يا أسرار!‬ ‫ونشيد الوديان‬ ‫بالكفن والطاس والصابون‬ ‫أريد صورة حورية الوحي‬ ‫بغمز الذرى وتخلخل باحلناء والريح‬ ‫لترقى قصيدة إلى مطاف األلوان‬ ‫علي‪ ،‬أرجوك ال‬ ‫إن نادت‬ ‫ّ‬ ‫الشهداء‬ ‫اإلنسان‬ ‫وابن‬ ‫باحملبة‬ ‫توقظني‬ ‫سم ّوها أرقى‬ ‫وشيبة النسر الذهبي‬ ‫ال تسترجعني للروح‬ ‫متوز يا متوز‬ ‫ال‪ ،‬وال تغسل جسدي‬ ‫ّ‬ ‫سد عموره‬ ‫ضائع في بحر عينيك يا‬ ‫ما الضروري في الغسل‪،‬‬ ‫محطم ّ‬ ‫ً‬ ‫األخضر‬ ‫بالقدر‬ ‫ا‬ ‫ساخر‬ ‫يا‬ ‫وما الكمالي؟‬ ‫لغز عينيك سحيق الغور يا صانع القدر‬ ‫أصرخ في الرجال‪ :‬هيا‬ ‫لغز عمره من الزمان نهتف لك باسم احلرية‪ ،‬احملوه‬ ‫ماليني‬ ‫أننا كلنا شهداء‬ ‫أسرعوا يا رجال‬ ‫احتجوا‪ ،‬اختلق حججا ً‬ ‫صور‬ ‫في‬ ‫التاريخ‬ ‫مخاض‬ ‫على‬ ‫نصلب‬ ‫ليت‬ ‫أال‬ ‫وإن‬ ‫ّ‬ ‫التاريخ يزحف وئيداً‪ ،‬واثق شمسك يا جبني املشرق و ّلد أعذارا ً‬ ‫اخلطى‬ ‫والشموس‬ ‫قل لهم مثالً أنهم تأخروا‬ ‫بالدي يا بالدي‬ ‫استشهدوا‬ ‫للتاريخ‪ ،‬في الدفن‪...‬‬ ‫على‬ ‫أشفقي‬ ‫ارحميني‪،‬‬ ‫يشـهد‬ ‫التاريــخ‬ ‫آكام عظيمة ستقع‬ ‫ضعفي‬ ‫مكتـوب في عينيها‬ ‫آثام فظيعة ستلمع‬ ‫أستجيرك بحبي‬ ‫عيناهـا نشــور‬ ‫وأمراض ستتفشى‬ ‫بحبك األبناء‬ ‫طوفان األحرار‬ ‫وطاعون سيسري‬ ‫اختاري‬ ‫لك اخليار‪،‬‬ ‫االستمرار‬ ‫همزة‬ ‫ويحكم‪ ،‬يا رجال إلى‬ ‫بني حبي وحبك‬ ‫رمبا شعري طوفان جديد‬ ‫اللحد‬ ‫أح ّلفك بدمي‪ ،‬هبيني يا أرض أخرجي أثقالك‬ ‫نخّ ي فيهم همم الرفوش‬ ‫ويا سماء أخرجي أحمالك ثم ضع فوق صدري صخرا ً‬ ‫القوة‬ ‫كبير ا ً‬ ‫هبيني القوة فأنا أعرف يهوه‪ ،‬يهوه …‬ ‫الدرب إلى فلسطني‬ ‫َ‬ ‫علي التراب‬ ‫خسئت لن تبني سفينة ثم ّ‬ ‫أهل ّ‬ ‫ثم فوق التراب ضع صخرا ً‬ ‫م ّزقيني‪ ،‬فأنا ورقة رفض نوح‬ ‫لن تبنيها بشكل آذان أتان عظيما ً‬ ‫بني يديك‬

‫نافذة‬ ‫إياكم أن تتأففوا!‬ ‫ال شيء مستحيل‬ ‫وما من مستحيل إال‬ ‫اجلهل‬ ‫استعينوا بالعلم‬ ‫استعيروا آالت اجلرف‬ ‫اآللة ليست وخما ً‬ ‫وأفاع‬ ‫ثم آتوا بعقارب‬ ‫ٍ‬ ‫وحجروها عند قبري‬ ‫ّ‬ ‫وأنا‪ ،‬بدوري من هناك‬ ‫سأرسل جيوشا ً من اجلن‬ ‫والعفاريت‪،‬‬ ‫وشمطاء بيضاء‬ ‫أنيابها عكاز‬ ‫جتاعيدها مخابئ تخبئ‬ ‫عيونها‬ ‫قعيدة تخفي شراهتها‬ ‫بتخمتها‬ ‫ثم يا راقي املوت‪،‬‬ ‫ال أريد مع الليل منسيا ً‬ ‫في عزلتي‬ ‫وال أحجبة أريد‪ ،‬وال كتابات‬ ‫وحروزا ً‬ ‫فاسدة‪ ...‬انتهى تاريخها‬ ‫إنها ال تقي الشرير‬ ‫وتلك الطقوس واآليات‬ ‫وهذه البسمالت‪ ،‬والذكر‬ ‫واألسماء‬ ‫برمتها وضيعة‪ ،‬ال قيمة‬ ‫فيها‬ ‫ال شيء ذا قيمة‬ ‫ويا راقي املوت قل حلادي‬ ‫املوت‬ ‫أن يهجو وال ميدح‬ ‫الهم؟‬ ‫أن يقدح‪ ،‬وما‬ ‫ّ‬ ‫ويا صديقي‪ ،‬يا أيها الراقي‪،‬‬ ‫قل للنسوة الناحبات‪:‬‬ ‫أال كفكفن دموعكن‬ ‫أال كفى صك وجوهكن‬ ‫فأنا لست قتيالً‬ ‫ولم يؤ ّد بي األنني‬ ‫ولم أضاجع السنني‬ ‫أنا‪ ،‬شهيد‬ ‫وسيفا ً أريد‬ ‫غدا ً يعلو صوت الشهيد‬ ‫تف ّر الوحوش‬ ‫وتهرب األفاعي‬ ‫وأزيح الصخر‬ ‫وأطلع من بني األموات‬ ‫شاهينا ً‬ ‫نسرا ً زوبعيا ً‬ ‫لترقى قصيدتي إلى‬ ‫مطاف الشهداء‬ ‫سم ّوها أرقى‬ ‫حول مائدة احلرب‬ ‫الكل سكارى‬

‫‪23‬‬

‫أشرعة ألكترونية‬ ‫أمين الذيب‬

‫في وعينا البصري جتاوز للون والشكل واحلركة ‪ ،‬يتبدل‬ ‫املعنى تباعا ً ‪ ،‬يتوالد من تراكم اللحظات والتجارب‬ ‫كخبرة تسعى الى البلوغ عبر اإلنقالب على الشكل ‪،‬‬ ‫هذا القلق املعرفي نقلنا من العصر احلجري الى عصر‬ ‫يهدم االشكال‬ ‫التواصل االلكتروني ‪ ،‬إزميل ينحت بالزمن ّ‬ ‫واملعاني لينبعث في مدى الكون إستدارة دائمة احلدوث‬ ‫وكأمنا يعبث عن جدارة مبقدس ال يُجيب عن شغفه ‪.‬‬ ‫‪1‬ـ‬ ‫مللت‬ ‫أما‬ ‫ِ‬ ‫من الشروق‬ ‫ومن الغياب‬ ‫من املعاني‬ ‫حني يحويها‬ ‫الضباب‬ ‫ما عاد يُغريني‬ ‫سكون اهلل‬ ‫يك‬ ‫ر‬ ‫وال حتى تع ّ ِ‬ ‫معنى الوجود‬ ‫إستراح في قلقي‬ ‫ووديعتي في احلب‬ ‫غابت في‬ ‫السراب ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ‬ ‫وكأنك‬ ‫ِ‬ ‫حينا ً أُنثى‬ ‫تُ ُ‬ ‫سك السماء‬ ‫وتوزع وهج النجوم‬ ‫وأحيانا ً‬ ‫معنى‬

‫ينام في صمتي‬ ‫ويُغلقُ نوافذ‬ ‫الكالم ‪.‬‬ ‫‪3‬ـ‬ ‫أزهرت‬ ‫ِ‬ ‫في قلقي‬ ‫ما قبل اليباس‬ ‫بلهفة أو لهفتني‬ ‫وزرعت بعض الياسمني‬ ‫وبضع لون من سماء‬ ‫وإستعرت من سنيني‬ ‫ِ‬ ‫كبرياء‬ ‫وصبغت الكون‬ ‫ِ‬ ‫ألوانا ً‬ ‫وأحلانا ً وأحالما ً‬ ‫وأمنت الشمس‬ ‫ِ‬ ‫في حضن الضياء‬ ‫ومألت كأسي‬ ‫ِ‬ ‫إرتواء‬ ‫وبعد أن ُكنّا سنابل‬ ‫كيف صرنا‬ ‫غرباء ‪.‬‬

‫والقنابل مدام‬ ‫وأعطى األطفال عنقود‬ ‫متوز‪ ،‬يا أشم الشمم!‬ ‫املصانع‬ ‫يا أبي اإلباء!‬ ‫وكأس اخلوابي‬ ‫نقرع كأسك عاليا ً‬ ‫أطفال بالدي‪ ،‬أكبر من‬ ‫التموزيون دونهم البشر‬ ‫اآللهة‬ ‫يعصرون العنب وحيا ً‬ ‫أكبر من اجلراح‬ ‫ً‬ ‫ويشربون الدماء خمرا‬ ‫فلسطني أكبر!‬ ‫لترقى قصيدتي إلى بيروت أكبر‪ ،‬أكبر!‬ ‫مطاف الشهداء‬ ‫سوريا أكبر‪ ،‬أكبر‪ ،‬أكبر!‬ ‫ك ّبروا‪ ،‬وزيدوا تكبيرا ً‬ ‫سم ّوها أرقى‬ ‫األرز سجادة صالة‬ ‫سقط اإلله عن كرسي الثلج وضوء‬ ‫متوز إمام الصالة‬ ‫العرش‬ ‫ّ‬ ‫واملصلون شهداء‬ ‫استقال‬ ‫ً‬ ‫صرخ الردى‬ ‫حامالً بيده سوطا‬ ‫شفته السفلى برطمة دوى احلق‪ ،‬احلق دوى‬ ‫تلعق سيجارا ً كوبيا ً‬ ‫لترقى قصيدتي إلى‬ ‫مطاف الشهداء‬ ‫َجلَ َد حواء سوطني‬ ‫سم ّوها أرقى!‬ ‫وآدم ثالث ًة‬


‫‪24‬‬

‫العدد ‪ 76‬آذار ‪2013‬‬

‫مشهد‬

‫خريجو الجامعة األميركية يعرضون‬ ‫استضافت اجلامعة األميركية في بيروت معرضا‬ ‫للفنون جملموعة من خريجيها احتشدت فيه أعمال‬ ‫من مختلف املشارب الفنية‪ .‬واملعرض هو األول من‬ ‫نوعه في اجلامعة‪ ،‬يستذكر محطات هامة من مراحل‬ ‫ازدهار األنشطة الفنية اخملتلفة‪ ،‬إن جلهة نوعية الفنون‬ ‫ومدارسها‪ ،‬أم لتاريخ األعمال وما تشير إليه مضامينها‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى أعوام زخرت بالدينامية واإلبداع الفنيني‪.‬‬ ‫اشترك في تنظيم املعرض جمعية خريجي اجلامعة‪،‬‬ ‫واملنظمة الدولية خلريجي اجلامعة‪ ،‬وضم أعماال ً فنية‬ ‫ألكثر من ستني خريجا ً من لبنان ودول الشرق األوسط‬

‫وشمال أفريقيا وأوروبا والواليات املتحدة‪ .‬وشملت األعمال‬ ‫املعروضة لوحات ومنحوتات وصورا‬‪‪‬فوتوغرافية وخزفيات‬ ‫وتصميم مجوهرات‪.‬‬ ‫من الفنانني اللبنانيينال بارزين الذين شاركوا‪ :‬ستيليو‬ ‫سكامنغا‪ ،‬وهوغيت كاالن‪ ،‬ولينا كيليكيان‪ ،‬ودايفد‬ ‫كوراني‪ ،‬وكميل زخريا‪ ،‬وخليل مفرج إلى جانب أعمال‬ ‫ملواهب ناشئة مثل فنانة التجهيز (أواألعمال املركبة) رمي‬ ‫عقل‪ ،‬واخل ّزافة نور علي‪ ،‬اللتني تعمالن في لندن‪.‬‬ ‫واملعرض يعكس االهتمام الذي أولته اجلامعة‬ ‫األميركية في بيروت‪ ،‬والذي اعتمدته مؤخراً‪ ،‬في تشجيع‬

‫وحفظ التراث الثقافي للفنون في لبنان‪ ،‬واملنطقة وكان‬ ‫أبرز احملطات التي تعبر عن هذا التوجه بشكل واضح‬ ‫إقامة معرض ألعمال خليل الصليبي‬ ‫(‪ ،)1928-1870‬أحد مؤسسي الفن احلديث في لبنان‪،‬‬ ‫في صالة عرض اجلامعة تعبيرا عن مخطط بعيد املدى‬ ‫جلعل احلرم اجلامعي حاضنا ً‬ ‫للفن احلديث واملعاصر‪ ،‬على‬ ‫ّ‬ ‫ما كرر رئيس اجلامعة بيتر دورمان في أكثر من مناسبة‪.‬‬ ‫األعمال املعروضة كانت في مجاالت الرسم‪ ،‬والنحت‪،‬‬ ‫والتصوير الفوتوغرافي‪ ،‬وتصميم اجلواهر‪ ،‬والتجهيز‬ ‫والسيراميك‪.‬‬

‫‪ -2‬صورة مأسور في إبداعه لهانيا طيارة‪.‬‬

‫‪ -1‬لوحة حروفيات شعر لرنا خوري‪.‬‬

‫‪ -5‬تانغو ألولغا مجذوب‪.‬‬

‫‪ -3‬نصب بيروت لكامل حوا‪.‬‬

‫‪ -6‬كورنيش بيروت جلبران يازجي‪.‬‬

‫‪ -8‬بوسترات املعرض‪.‬‬

‫‪ -4‬بورتريه ملكرديش بولدوكيان‪.‬‬

‫‪ -7‬وجه صبي هندي ملايا سركيس‪.‬‬

‫‪ -9‬لقطة عامة جلانب من املعرض‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.