العدد :78

Page 1


‫‪2‬‬

‫منبر‬

‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫كيف نعرب اىل املستقبل؟‬ ‫زهير فياض‬ ‫ثمــة مقاييــس نســبية تؤخــذ بعيــن االعتبــار‬ ‫لقيــاس مســتوى تطــور المجتمــع ونوعيــة حياتــه‬ ‫وجــودة هــذه الحياة‪،‬هــذه المقاييــس – المؤشــرات‬ ‫تبقــى بــكل األحــوال نســبية ولــو حملــت فــي‬ ‫مضامينهــا أبعــاداً مشــدودة الــى الحقائــق المطلقــة‬ ‫المجــردة فــي عالــم الفكــر والعقــل االنســاني‪...‬‬ ‫أيــن نحــن فــي بالدنــا مــن هــذه المقاييــس؟ كيــف‬ ‫نقــرأ المؤشــرات الكميــة والنوعيــة للواقــع الــذي‬ ‫نحياه؟بــا أدنــى شــك‪ ،‬نحــن نحيــا واقع ـا ً معقــداً‬ ‫ومتشــابكا ً فــي آن‪ ،‬ونتحــرك فــي مســاحة زمنية‪،‬‬ ‫ال أدري اذا كانــت مفــردات مثــل «التاريخيــة»‬ ‫و «المصيريــة» و«الوجوديــة» تفــي بالغــرض‬ ‫فــي توصيــف مــا نحــن فيه‪...‬بالطبــع‪ ،‬مشــكالت‬ ‫عميقــة وبنيويــة فــي آن‪ ،‬تكمــن فــي عمــق مــا‬ ‫يطفــو علــى الســطح مــن مظاهــر األزمــات‪ ،‬ومــا‬ ‫تــؤدي اليــه مــن أحــداث وتطــورات تقــع فــي‬ ‫موقــع النتائــج ال األســباب‪...‬ولكن‪ ،‬ومهما اختلفنا‬ ‫فــي توصيــف األزمــات وأســبابها ونتائجهــا‬ ‫القريبــة والمتوســطة والبعيــدة‪ ،‬بيــد أن الحقيقــة‬ ‫التــي يجــب أن تقلقنــا وأن تشــكل عنــوان التحــدي‬ ‫لنــا فــي العقــل ‪...‬والوعــي‪...‬واالرادة والفعــل‪...‬‬ ‫تكمــن فــي كيــف ننظــر الــى دورنــا نحــن؟‬

‫ﺍﻟﻣﺩﻳﺭ ﺍﻟﻣﺳﺅﻭﻝ‪ :‬ﺳﺭﻛﻳﺱ ﺍﺑﻭ ﺯﻳﺩ‬ ‫ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺗﺣﺭﻳﺭ‪ :‬ﺯﻫﻳﺭ ﻓﻳﺎﺽ‬ ‫ﻣﺩﻳﺭ ﺍﻟﺗﺣﺭﻳﺭ ﺍﻟﺗﻧﻔﻳﺫﻱ‪ :‬ﺯﺍﻫﺭ ﺍﻟﻌﺭﻳﺿﻲ‬ ‫ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ‪ :‬ﻋﺎﺋﺩﺓ ﺳﻼﻣﺔ‬ ‫ﺍﻷﺧﺭﺍﺝ ﺍﻟﻔﻧﻲ‪ :‬ﻣﺣﻣﺩ ﻋﻘﻳﻠﻲ‬

‫بعيــداً عــن االنفعــال واالتكاليــة والخضــوع‬ ‫لألمــور المفعولة‪...‬واقعنــا سيئ‪...‬وسيســوء‬ ‫أكثــر اذا مــا أخذنــا المبادرة‪...‬وبادرنا‪...‬علينــا‬ ‫أن نبــادر فــي كل ميدان‪...‬وعنــدكل مفتــرق‪....‬‬ ‫الحقيقــة المــرة‪ ...‬أن أنصــاف الحلــول‪...‬أو‬ ‫الحلــول الجزئيــة الترقيعيــة لــم تعــد ناجعــة‪...‬‬ ‫وال توصــل الــى بــر األمان‪...‬انــه «زمــنٌ‬

‫مســاعد علــى اعــادة تركيــب أجــزاء الصــورة‪.‬‬

‫تأسيســي» بــكل األبعــاد ‪...‬والمعاني‪...‬فــي السياســة‬

‫أي أن ننهــض علــى قاعــدة رؤيــة للمجتمــع‪...‬‬

‫‪...‬فــي االقتصاد‪...‬فــي الثقافة‪...‬فــي األمــن ‪...‬فــي‬

‫للدولــة‪ ...‬للســلطة‪...‬للحرية‪...‬للمواطنة‪...‬للهوية‪...‬‬

‫المقاومة‪...‬فــي الســلطة‪...‬في الحكم‪...‬فــي العالقــة‬ ‫مــع اآلخر‪...‬حاضــراً ومســتقبالً‪...‬واألهم ‪...‬فــي‬

‫اذ أنــه مــن غيــر المســموح أن نســتهلك أنفســنا‬ ‫وناســنا وأهلنــا فــي حــراك ال أفــق لــه‪...‬وال رؤيــة‬

‫العالقــة مــع الذات‪...‬علــى مســتوى المعرفــة‬

‫‪...‬وال برنامــج‪...‬وال حتــى شــذرات أفــكار‪...‬‬

‫لمكنوناتهــا ‪...‬لطاقاتهــا ‪....‬لقدراتها‪...‬وفــي الكيفيــة‬

‫أمــا الحــراك ‪...‬كمــا هــو حاصــل فــي أيامنــا هــذه‪،‬‬

‫‪...‬وفــي الزمــان ‪...‬وفــي المــكان‪...‬‬

‫الــى الخلــف ‪...‬الــى الظالمية‪...‬الــى الجهــل‪...‬‬

‫والخيــار الوحيــد أمامنا‪....‬هــو النهــوض فــي أعمــق‬ ‫وأشــمل وأوســع معنــى لكلمــة «نهــوض»‪....‬‬ ‫الســبيل الوحيــد للخــروج مــن حالــة الخــواء والفــراغ‬ ‫وانعــدام الــوزن علــى مســتوى األمة‪....‬هــو فــي‬ ‫اطــاق حركــة عقالنيــة شــاملة تقــارب الحاضــر‬ ‫والمســتقبل وفــق منهجيــة ال تســقط فيهــا أي عامــل‬

‫فمرفــوضٌ‬

‫‪...‬ومــرذو ٌل‬

‫‪...‬ومقيت‪...‬الرؤيــة‬

‫كيف نعبر الى المستقبل؟؟‬

‫‪...‬حاجــة وضــرورة ‪...‬ليكتمــل المشــهد القومــي‬

‫انــه الســؤال المركــزي فــي قلــب عقــل المتنورين من‬

‫التاريخــي واالنســاني الــذي يشــكل القاعــدة‬

‫أبنــاء شــعبنا‪...‬والجواب‪...‬هو وقبــل كل شــيئ فــي‬ ‫العقل أوالً‪...‬وفي االرادة ثانياً‪ ....‬وفي الفعل ثالثاُ‪...‬‬

‫األســاس لالنطــاق باتجــاه المســتقبل‪....‬في مســيرة‬ ‫التحــرر والتنميــة واالســتقالل والتقــدم الحقيقــي‪....‬‬ ‫بعيــداً عــن مفاهيــم ظالميــة تســربت فيــاآلون‬

‫المفارقــة‪ ....‬أننــا فــي ســباق محمــوم مــع زمــن ال‬ ‫ً‬ ‫مســاحة ‪...‬فــي‬ ‫يرحــم‪ ...‬فالفســحة للتفكيــر تضيــق‬

‫ً‬ ‫ملوثــة بعــض العقــل فــي بالدنــا‪....‬‬ ‫األخيــرة‬

‫الزمــان وفــي المــكان‪...‬‬

‫فقط بالعقل النير نعبر الى المستقبل‪...‬‬

‫ﻫﻳﺋﺔ ﺍﻟﺗﺣﺭﻳﺭ‪:‬‬ ‫ﻧﺟﻳﺏ ﻧﺻﻳﺭ‪ ،‬ﻧﺣﺎﺗﻲ ﻣﻳﺩﺍﻧﻲ‪،‬‬ ‫ﺃﺳﻣﺎء ﻭﻫﺑﺔ‪ ،‬ﻋﺑﻳﺭ ﺣﻣﺩﺍﻥ‪،‬‬ ‫ﻳﺎﻣﻥ ﺍﻟﺩﻗﺭ‪ ،‬ﺍﺩﻫﻡ ﺍﻟﺩﻣﺷﻘﻲ‪،‬‬ ‫ﺳﻼﻡ ﺍﻟﺯﺑﻳﺩﻱ‪ ،‬ﻧﺎﺩﻱ ﻗﻣﺎﺵ‪،‬‬ ‫ﻋﺎﻣﺭ ﻣﻼﻋﺏ‬

‫ﺗﺻﺩﺭ ﺑﺎﻟﺗﻌﺎﻭﻥ ﻣﻊ ﻣﻛﺗﺏ ﺍﻟﺩﺍﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻣﻳﺔ ﺑﺭﺋﺎﺳﺔ ﻣﻧﺻﻭﺭ ﻋﺎﺯﺍﺭ ‪ -‬ﺑﻳﺕ ﺍﻟﺷﻌﺎﺭ‪ -‬ﺍﻟﻣﺗﻥ ﺍﻟﺷﻣﺎﻟﻲ ‪ -‬ﺗﻠﻔﺎﻛﺱ‪:‬‬ ‫ﺻﺎﺩﺭ ﻋﻥ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻷﻋﻼﻡ ﻓﻲ ﻟﺑﻧﺎﻥ‬ ‫ﺗﺻﺩﺭ ﺑﻣﻭﺟﺏ ﻗﺭﺍﺭ ﺭﻗﻡ ﺗﺎﺭﻳﺦ‬ ‫ﺍﻟﻧﺎﺷﺭ‪ :‬ﺩﺍﺭ ﺍﺑﻌﺎﺩ ﺑﻳﺭﻭﺕ ‪ -‬ﺷﺎﺭﻉ ﺍﻟﺣﻣﺭﺍ‪ -‬ﺑﻧﺎﻳﺔ ﻫﻳﻭﻧﺩﺍﻱ‪ -‬ﻁ ﻫﺎﺗﻑ‪:‬‬ ‫ﺗﻭﺯﻳﻊ‪ :‬ﺍﻟﻧﺎﺷﺭﻭﻥ ﺑﻳﺭﻭﺕ ‪ -‬ﻣﺷﺭﻓﻳﺔ ﺳﻧﺗﺭ ﻓﺿﻝ ﷲ ‪ -‬ﻁ ﻫﺎﺗﻑ ﻭ ﻓﺎﻛﺱ‪:‬‬ ‫ﺧﻠﻳﻭﻱ‪:‬‬

‫ﻝ‪ .‬ﺱ ﺗﻳﻠﻳﻔﺎﻛﺱ‪:‬‬ ‫ﺩﻣﺷﻕ ﻣﻛﺗﺏ ﻋﺎﺋﺩﺓ ﺳﻼﻣﺔ ﻟﻸﺧﺭﺍﺝ ﺍﻟﻔﻧﻲ ﻭ ﺍﻟﺗﺣﺿﻳﺭ ﺍﻟﻁﺑﺎﻋﻲ ‪ -‬ﻋﺩﻭﻱ ﺧﻠﻑ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺷﻔﺎء ‪ -‬ﺳﻌﺭ ﺍﻟﻌﺩﺩ‬ ‫‪ E- mail:aydasalameh@yahoo.com‬ﺍﻟﻣﻭﺍﺩ ﺍﻟﻣﻧﺷﻭﺭﺓ ﺗﻌﺑﺭ ﻋﻥ ﺭﺃﻱ ﺃﺻﺣﺎﺑﻬﺎ ﻭﻻ ﺗﻌﺑﺭ ﻋﻥ ﺑﺎﻟﺿﺭﻭﺭﺓ ﻋﻥ ﺭﺃﻱ ﺍﻟﻣﺟﻠﺔ‬

‫ﺧﻠﻳﻭﻱ‪:‬‬

‫ﻟﻺﺷﺗﺭﺍﻙ ﻭ ﺍﻹﻋﻼﻥ ﺍﻻﺗﺻﺎﻝ ﻋﻠﻰ‬

‫‪www.khabaronline.com‬‬ ‫ابعد من الخبر‬


‫‪3‬‬

‫منبر‬

‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫صراع أمم‪ ..‬هل يفجر اإلنسانية؟‬ ‫منصور عازار‬ ‫منذ وجد هذا الكون قام على مبدأ صراع البقاء‪.‬‬ ‫كان ولما يزل القوي يأكل الضعيف‪ ،‬والمتغيرات‬ ‫عبــر العصــور كانــت ولمــا تــزل تتركــز فــي‬ ‫تحســين وســائل القتــل والدمــار الــى جانــب‬ ‫االرتقــاء فــي ما يعــزز مظاهر الحيــاة والرفاهية‪.‬‬ ‫وبيــن هذيــن النقيضيــن وصــل عقــل االنســان‬ ‫الــى اختــراع كل انــواع القنابــل الذريــة‬ ‫والهيدروجينيــة والكيماويــة وغيرهــا مــن‬ ‫اجــل ان يســيطر علــى مــوارد الكــون‪.‬‬ ‫ومــوارد الكــون هــذه مــن انــواع متعــددة‪،‬‬ ‫وهــي التــي كانــت ومــا زالــت وســتبقى هــدف‬ ‫ســيطرة االنســان عليهــا وامتالكهــا لتصبــح‬ ‫ســاحه االقــوى فــي وجــه اخيــه االنســان‪.‬‬ ‫الحيــاة علــى الكــرة االرضيــة هــي صــراع‬ ‫متواصــل المتــاك وســائل الدمــار الــى جانــب‬ ‫وســائل البنــاء لتعزيز اســتمرارية صــراع البقاء‪.‬‬ ‫والحيــاة هــي صــراع والصــراع يحتــاج دومــا ً‬ ‫الــى وســائل جديــدة ليبقــى المــرء متفوقــا ً فــي‬ ‫وجــه أخصامــه‪.‬‬ ‫واذا نظرنــا اآلن الــى مــا يحــدث حولنــا نجــد أن‬ ‫وســائل الصراع قد توزعت على األمم الجوارح‬ ‫التــي تمتلــك مــن قــوى الدمــار اكثــر مــن غيرها‪.‬‬ ‫هــذه روســيا التــي تواجــه اليــوم اميــركا ومعهــا‬ ‫حلفاؤها من الصين المترامية االطراف الى الهند‬ ‫وعبــر البحــار الــى دول البريكــس وافريقيــا‬ ‫الغربيــة وغيرهــا مــن دول العالــم‪.‬‬ ‫فهــل هنــاك عــدا ٌء بينهــا وبيــن الواليــات المتحــدة‬ ‫االميركيــة ســوى عــداء المصالــح فــي الســيطرة‬ ‫علــى مــوارد الكــون واالختراعــات المتنوعــة‬ ‫فــي امتــاك مــا تي ّســر مــن آالت الدمــار ووســائله‬ ‫المتنوعــة‪.‬‬ ‫هــذا هــو فــي نظرنــا الســؤال الكبيــر ومعــه َمــن‬ ‫المســتفيد من شــعوب العالم الثالث وأغلبها يعاني‬ ‫المــرض والفقــر والجــوع‪ ،‬امــا شــعوب العالــم‬ ‫العربــي التــي أتخمتهــا الثــروات النفطيــة فتحــول‬ ‫عمــات اجنبيــة تســتعمل وبدورهــا لشــراء‬

‫فكانــت االديــان الموحــدة مــن بالدنــا‪ ،‬مــن عندنــا‬ ‫كذلــك االكتشــافات العلميــة المتنوعــة فــي ســائر‬ ‫العلــوم والمعــارف‪ ،‬بينمــا كانــت اوروبــا فــي‬ ‫غيبوبــة يعيــش اهلهــا فــي الكهــوف والمغــاور‬ ‫يأكلونمــن لحــوم الحيــوان واعشــاب االرض‪.‬‬ ‫واذا كانــت الصيــن قــد واكبتنــا زمنيــا ً فــي‬ ‫تأوالتهــا الفلســفية وظهــور قادتهــا المتفوقيــن‬ ‫فــان بعدهــا الجغرافــي انتظــر ظهــور اختراعــات‬ ‫كثيــرة لتســتفيد منهــا حــاالت التطــور االنســاني‬ ‫فــي تلــك الناحيــة البعيــدة مــن العالــم‪ ،‬وكان‬ ‫التفاعــل بيــن شــعوبنا فــي شــرق البحــر‬ ‫المتوســط وبينهــا تتحكــم فيــه المســافات حتــى اذا‬ ‫اســتفاقت اوروبــا مــن غيبوبتهــا اصبحــت طريق‬ ‫الحريــر الــى الصيــن مــن عندنــا‪ ،‬واســتفادت‬ ‫كماليــات واســلحة تشــوه الحيــاة الصحراويــة‬ ‫وال مجــال الســتعمالها لعــدم معرفــة أهلهــا‬ ‫فيهــا‪ ،‬ولعــدم حاجتهــم اليهــا النــه يوجــد‬ ‫مــن يقاتــل عنهــم‪ .‬صــراع االمــم هــذا هــو‬ ‫صــراع مصالــح فــي ســبيل مــن يمتلــك‬ ‫اكثــر مــن غيــره وســائل خــداع ودمــار‪،‬‬ ‫واالنســان الموجــود فــي هــذه الكــرة االرضيــة‬ ‫يعمــل جــاداً لدمــار نفســه بالوســائل المتاحــة‬ ‫لــه‪ :‬فهــل جــن جنــون العالــم لدرجــة انــه ال‬ ‫يــدرك الــى ايــن وصــل والــى ايــن هــو ذاهــب؟‬ ‫هــل يقضــي صــراع األمــم بمــا يســتنبط ويختــرع‬ ‫مــن وســائل القتــل والدمــار الــى فنــاء االنســانية؟‬ ‫هــذا مــا نــراه عندمــا نراقــب مواقــف الــدول‬ ‫وكيفيــة تحالفاتهــا واالنعكاســات علــى مــا يجــري‬ ‫فــي هــذا الكــون‪.‬‬ ‫امــام هــذا المشــهد نتســاءل مــا هــي نتائجــه‬ ‫علــى أمتنــا ومنطقتنــا فــي هــذا العالــم؟‬ ‫ان موقعنــا الجغرافــي فــي وســط هــذا العالــم‬ ‫ومواردنــا الطبيعيــة الغنيــة وظهورنــا الحضاري‬ ‫المبكــر قــد أعطانــا الريــادة فــي قيــادة العالــم‬

‫البشــرية مــن العلــوم والمعــارف واهمهــا‬ ‫الحــروف االبجديــة‪ .‬وعندمــا اشــتد ســاعد‬ ‫اوروبــا كان الحــدث االهــم فــي تاريــخ‬ ‫االنســانية هــو اكتشــاف القــارة االميركيــة‬ ‫التــي بإمكاناتهــا الجغرافيــة الهائلة وتقبل شــعوب‬ ‫اوروبــا الحيــاة فيها تطوعـا ً قد غير مجرى تاريخ‬ ‫االنســانية‪ ،‬واذا كان صــراع البقــاء هناك قد أفنى‬ ‫الشــعوب االصليــة مــن الهنــود الحمــر فــإن مــا‬ ‫وصلــت اليــه القــارة االميركيــة اليــوم هــو نقــل‬ ‫تجربتهــا مــع هــؤالء الهنــود الحمــر الــى العالــم‬ ‫كلــه!!!‬ ‫ومــع‬

‫االختراعــات‬

‫الحديثــة‬

‫المتنوّ عــة‬

‫ووســائل الدمــار الهائــل الــذي تمتلكــه بعــض‬ ‫دول األرض نعــود الــى الســؤال الخطيــر‪:‬‬ ‫هــل اصبحــت البشــرية علــى قــاب قوســين مــن‬ ‫تفجير نفسها بما اخترعته من وسائل الدمار ام أن‬ ‫ارادة االنســان ســتتدخل ثانيــة لتوقــف تجربــة‬ ‫كوبــا مــع رئيــس القــارة األميركانيــة فــي ذلــك‬ ‫الوقــت؟‬


‫‪4‬‬

‫فكر‬

‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫بين الغرب األطلسي و«القاعدة» عالقة عضوية استراتيجية‬

‫الصهيونية العربية خطفت ربيع الشعوب‬ ‫حوار ساره حمادة‬

‫ب ّيــن مصطلــح الصهيونيــة العربيــة ومصطلــح الســتار‬ ‫تــدرج‬ ‫الحديــدي األطلســي وربيــع الصهيونيــة العربيــة‬ ‫ّ‬ ‫منظومــة متكاملــة مــن المتغيــرات االجتماعيــة السياســية‬ ‫التــي تفــرض دخــول هــذه المصطلحــات فــي القامــوس‬ ‫السياســي الحديــث بمــا يتــاءم مــع واقــع الحالــة‪.‬‬ ‫“تحــوالت” فتحــت حــواراً مــع مطلــق هــذه المصطلحــات‬ ‫السياســية‪ ،‬بقصــد إعطــاء تفســير لمــا يبــدو تناقضـا ً بيــن‬ ‫شــعارات الــدول وســلوكها‪ .‬فــكان الحديــث اآلتــي مــع‬ ‫الدكتــور حســن حمــادة‪.‬‬ ‫تتحــدث دائمــا ً عــن “الصهيونيــة العربيــة” بحيــث‬ ‫أن هــذا المصطلــح بــدأ يشــق طريقــه كــي يســتقر‬ ‫فــي القامــوس السياســي المتــداول إلــى جانــب باقــي‬ ‫المصطلحــات السياســية المتعــارف عليهــا‪ .‬باختصــار‪ ،‬مــا‬ ‫هــي هــذه الصهيونيــة العربيــة؟‬ ‫ الصهيونيــة العربيــة تعكــس واقعــا ً ليــس باإلمــكان‬‫نكــران وجــوده‪ .‬بــدأت فــي ذهنــي فكــرة الصهيونيــة‬ ‫ـوار جــرى فــي األســاس‬ ‫العربيــة كمصطلــح مــن خــال حـ ٍ‬ ‫مــع وزيــر خارجيــة فرنســا األســبق ميشــال جوبــر‬ ‫‪ Micheal Jobret‬فــي العــام ‪ .1980‬كان علــيّ‬ ‫يومهــا أن أقــوم بترجمــة مقــال لجوبــر يتحــدث عــن‬ ‫القــرار الــذي اتخــذه فــي قمــة دول الســوق األوروبيــة‬ ‫المشــتركة فــي البندقيــة والــذي صــار يحمــل اســم “إعــان‬ ‫البندقيــة” والــذي اعتــرف فيــه األوروبيــون للمــرة األولــى‬ ‫بحــق الشــعب الفلســطيني فــي تقريــر مصيــره بعــد مضــي‬ ‫اثنتيــن وثالثيــن ســنة علــى النكبــة‪ ،‬أي اثنتيــن وثالثيــن‬ ‫ســنة مــن المحرقــة اليهوديــة بحــق شــعب فلســطين‪.‬‬ ‫طبعـا ً إن مجــرد مــرور نيــف وثالثــة عقــود مــن المحرقــة‬ ‫المســتدامة قبــل أن تســتفيق الــدول األوروبيــة وكان‬ ‫عددهــا يومهــا تســع دول إلــى أن شــعب فلســطين هــو‬ ‫شــعب وليــس قطعــان ماشــية وأن هــذا الشــعب يحــق‬ ‫لــه أن يعيــش كباقــي شــعوب العالــم هــو فــي حــد ذاتــه‬ ‫إدانــة لألوروبييــن وشــاهد علــى عــدم صدقيــة المبــدأ‬ ‫الــذي ال يكــون فــي التبجــح بــه والمســمى مبــدأ حقــوق‬ ‫االنســان‪ .‬المهــم أنهــم وأخيــراً‪ ،‬اعترفــوا بهــذا الحــق‪.‬‬ ‫فســألت جوبــر‪“ :‬تــرى مــا هي الخطــوة الالحقة التــي يمكن‬ ‫أن يقــدم عليهــا األوروبيــون إيجابـا ً لتعزيــز وترجمــة هــذه‬ ‫الخطــوة‪ ،‬أي هــل مــن ضغــطٍ إضافــي ســوف يمارســونه‬ ‫علــى العــدو إســرائيل ماديـاً‪ ،‬خصوصـا ً أن إعــان البندقيــة‬ ‫كان قــد أثــار غضــب إســرائيل والمنظمــات الصهيونيــة‬ ‫الدوليــة”‪ ،‬فــكان جــواب جوبــر‪“ :‬لــن يكــون هنالــك ضغــط‬ ‫إضافــي‪ ،‬ألن الــدول األوروبيــة إذا مــا ذهبــت أبعــد مــن‬ ‫ذلــك فــي االنفتــاح علــى الشــعب الفلســطيني فــإن مصالحها‬ ‫فــي الــدول العربيــة ســوف تتعــرّ ض للخطــر!!! ‪.”...‬‬ ‫هزنــي هــذا الجــواب الفظيــع وســألته هــل يُعقــل ذلــك؟‬ ‫فأجــاب‪ :‬نعــم هــذه هــي الحقيقــة‪.‬‬ ‫شــكلت هــذه اإلجابــة بالنســبة إلــيّ منطلقـا ً جديــداً لمواقــف‬ ‫الــدول العربيــة لــم أكــن منفتحــا ً عليــه قبــاً‪ ،‬إذ دلنــي‬ ‫ذلــك علــى أن الــدول العربيــة تســهم ماديــاً‪ /‬أي سياســيا ً‬ ‫واقتصادي ـا ً وعســكرياً‪ ،‬فــي حمايــة إســرائيل والمشــروع‬ ‫الصهيونــي‪ ،‬وبالتالــي فإنــه إن لــم يحــدث ضغــط عربــي‬

‫ميشــال جوبــر‪ :‬لــو مارســنا ضغوط ـاً إضافيــة عــى إرسائيــل‬ ‫فــإن ذلــك ســيعرض مصالح أوروبــا يف الدول العربيــة للخطر‪.‬‬ ‫علــى األوروبييــن فــإن هــؤالء لــن يضغطــوا علــى‬ ‫إســرائيل‪.‬‬ ‫إن قاعــدة “األوعيــة المتصلــة” وفــي حصيلــة الرصــد‬ ‫هــذا تبلــور عنــدي وجــود الصهيونيــة العربيــة ومشــهدها‪،‬‬ ‫هنــا اإلجابــة علــى ســؤالك كالتالــي‪ :‬يمكــن ألي كان أن‬ ‫يكــون صهيوني ـا ً مــن دون أن يكــون يهودي ـا ً أو إســرائيلياً‪.‬‬ ‫لقــد توســع عنــدي مفهــوم الصهيونيــة إذ صــار مرتبطــا ً‬ ‫بالســلوك وليــس فقــط باألواصــر الدينيــة‪ .‬فــكل مــن‬ ‫يســلك ســلوكا ً يخــدم فــي نهايتــه المباشــرة والمتوســطة‬ ‫والبعيــدة المــدى مصلحــة إســرائيل يكــون صهيونيــاً‪،‬‬ ‫ألنــه يكــون فــي الموقــع االســتراتيجي نفســه إلســرائيل‬ ‫وللحركــة الصهيونيــة‪ .‬وصــار هــذا المفهــوم يتأكــد يوم ـا ً‬ ‫بعــد يــوم مــن خــال ســلوك العــرب‪ ،‬أفــراداً ومجموعــات‬ ‫وحكومــات ومنظومــة “الجامعــة العربيــة”‪ .‬واأليــام التــي‬ ‫نعيشــها تؤكــد صحــة ذلــك‪ .‬نعــم علــى االنســان أن يختــار‬ ‫الموقــف الواجــب اتخــاذه فــي مواجهــة ذروة اإلجــرام‬ ‫والصهيونيــة واالســتبداد المتمثــل بدولــة إســرائيل‪ .‬فإمــا أن‬ ‫يكــون االنســان أو المجموعــات أو الحكومــات فــي موقــع‬ ‫مقاومــة التمييــز العنصــري واإلجــرام والظلــم اإلســرائيلي‬ ‫أو أن يكــون صهيونيــا ً عربيــاً‪ .‬هــذا طبعــا ً بالنســبة إلــى‬ ‫العــرب‪ ،‬والقاعــدة نفســها تنطبــق علــى باقــي بنــي االنســان‬ ‫إلــى أي ثقافــة انتمــى‪ .‬وهــذه هــي جــذور هــذا المصطلــح‪.‬‬

‫يعنــي ذلــك أن الصهيونيــة العربيــة هــي قاعــدة‬ ‫القيــاس التــي جعلتــك تســ ّمي مــا د ُرجــت تســميته‬ ‫بالربيــع العربــي‪ .‬ربيــع الصهيونيــة العربيــة؟‬ ‫نعــم‪ ،‬هــذا بالضبــط‪ .‬فعلــى ضــوء التحــوالت التــي‬ ‫بــدأت مــع مطلــع العــام ‪ ،2011‬إن مــا يحــدث هــو‬ ‫ربيــع الصهيونيــة العربيــة‪ .‬صحيــح أن هنالــك‬ ‫مطالــب وحقوقــا ً ديمقراطيــة تحــرك موجــات‬ ‫االعتــراض الشــعبي ضــد المكونــات واألنظمــة‪ ،‬إال‬

‫جــرى اختطافهــا‪ ،‬كمــا جــرى تغييــر وجهــة ســير‬ ‫االعتــراض لشــعب فــي اتجــاه الحــاالت التــي ترفــع‬ ‫عناويــن دينيــة ومنهجيــة فــي دول العربيــة عــدة‪.‬‬ ‫وهــي حــاالت ال تقــل أبــد اً مــن حيــث البطــش‬ ‫واالســتبداد عــن األنظمــة التــي كانــت قائمــة‬ ‫وجــرى إســقاطها‪.‬‬ ‫ويالحــظ هنــا أن ثمة مواكبة ورعاية وحرصا ً وحماية لهذه‬ ‫الحكومــات البديلــة مــن قبــل الواليــات المتحــدة وإســرائيل‬ ‫أوالً‪ ،‬ومــن خلفتهــا مــن قبــل حكومــات الصهيونيــة العربية‬ ‫وحكومــات “الســيانيم” األوروبييــن واألطلســية عمومــاً‪.‬‬ ‫فلــو أخذنــا األمثلــة بالتــدرج لوجدنــا حملــة تعاطف أطلســي‬ ‫وإســرائيلي مــع حركــة النهضــة فــي تونــس‪ .‬حســبنا‬ ‫اإلشــارة هنــا إلــى الخطــوة الكبيــرة التــي يفتيهــا الشــيخ‬ ‫راشــد الغنوشــي مــن جانــب بريطانيــا التــي احتضتــه‬ ‫لســنوات ورعتــه وقدمــت لــه كل التســهيالت الالزمــة‬ ‫ليعــود إلــى تونــس مكلــاً بالغــار يمتطــي جهــد وكفــاح‬ ‫النهضــة الديمقراطيــة العارمــة التــي حققهــا الشــعب‬ ‫التونســي فتقطــف حركــة النهضــة ثمــار هــذه الجهــود‬ ‫وتق ـ ّدم الــوالء للواليــات المتحــدة وإلســرائيل تمام ـا ً كمــا‬ ‫كان يفعــل الرئيــس المخلــوع زيــن العابديــن بــن علــي‪.‬‬

‫تظاهــرات الربيــع العــريب‪ :‬الصهيونيــة العربيــة خطفــت الربيــع‬ ‫وغــرت وجهــة ســره‪.‬‬ ‫أن الوقائــع تثبــت بــأن هــذه الحقــوق والمطالــب‬ ‫ال فــرق‪ ،‬اســتراتيجيا ً واقتصاديــا ً مــا بيــن الحالتيــن‪.‬‬ ‫فعلــى الصعيــد االســتراتيجي نفــذ الشــيخ الغنوشــي‬ ‫مــا كان يفتــرض بــه تنفيــذه وتوجــه إلــى واشــنطن‬ ‫وألقــى محاضــرة لتأكيــد والئــه أمــام مؤسســة واشــنطن‬ ‫انســتتيوت ‪ Washington Institute‬الصهيونيــة‬ ‫المملوكــة مــن منظمــة إيبــاك ‪ AIPAC‬التــي هــي‬ ‫اللوبــي اليهــودي األساســي فــي الواليــات المتحــدة‪.‬‬ ‫والالفــت للنظــر هنــا أن هــذه المحاضــرة كانــت ســرية‪،‬‬ ‫لكــن اإلســرائيليين تع َّمــدوا كشــف النقــاب عنهــا ولــو أدى‬ ‫ذلــك إلــى فضــح الشــيخ الغنوشــي وكشــف مــا هــو مســتور‬ ‫عنــده‪ .‬أمــا علــى الصعيــد االقتصــادي‪ ،‬فــإن حركــة‬ ‫النهضــة‪ ،‬وهــي الفــرع التونســي لمنظومــة اإلخــوان‬ ‫المســلمين الدوليــة ال تقـ ّدم أي برنامــج اقتصــادي مختلــف‬ ‫عــن النظــام االقتصــادي الــذي كان يلتــزم بــه حكــم بــن‬ ‫علــي‪ .‬وهــذا النظــام يلتحــق بمنظومــة النيوليبراليــة‬ ‫المعتمــدة مــن جانــب األوليغارشــية فــي الواليــات المتحــدة‬ ‫األميركيــة‪.‬‬


‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫‪5‬‬

‫فكر‬

‫وفي مصر األمور تختلف بعض الشيء‪ ،‬أليس كذلك؟‬ ‫‪v‬اختــاف األمــور طبيعــي نظــراً الختــاف أوضــاع‬ ‫الــدول‪ ،‬ولكــن علــى الصعيــد االســتراتيجي واالقتصــادي‬ ‫ال فــرق بيــن نظــام اإلخــوان المســلمين اليــوم فــي مصــر‬ ‫ونظــام الرئيــس المخلــوع حســني مبــارك‪ .‬اســتراتيجيا ً كان‬ ‫هــم الواليــات المتحــدة يقتصــر بأمريــن‪ :‬األول أن تبقــى‬ ‫مصــر مقيــدة بأصفــاد وجنازيــر معاهــدة كامــب دايفيــد‬ ‫مــع إســرائيل‪ .‬والثانــي أن يحافــظ نظــام اإلخــوان علــى‬ ‫التوجهــات االقتصاديــة نفســها التــي كانــت مطبقــة فــي‬ ‫النظــام الســابق‪ .‬يتغيــر األشــخاص وتتبــدل الحكومــات‬ ‫وتبقــى الحــدود االســتراتيجية واالقتصاديــة هــي نفســها‪.‬‬ ‫هــذا باإلضافــة إلــى كــون الرئيــس مرســي ابنــا مدلــا عنــد‬ ‫الواليــات المتحــدة حيــث ســبق لــه أن عمــل‪ ،‬كمهنــدس فــي‬ ‫مؤسســة النــازا ‪ Nasa‬وال يعقــل ألي انســان أن يدخــل‬ ‫إلــى الـــ ‪ Nasa‬مــا لــم يكــن مضمــون الــوالء‪ ،‬موثوق ـاً‪،‬‬ ‫مــن الســلطات األميركيــة‪ .‬ويضــاف إلــى ذلــك فــي الحالــة‬ ‫المصريــة‪ ،‬وهنــا التمايــز عــن الحالــة التونســية التمايــز‬ ‫الــذي أشــرت إليــه هــو أن نظــام اإلخــوان المســلمين ال‬ ‫يخــدم وحــدة الشــعب المصــري بــل يثيــر أزمــة بنيويــة‬ ‫داخــل هــذا المجتمــع مــا بيــن المســلمين واألقبــاط‪ ،‬ممــا‬ ‫يخـ�دم اسـ�تراتيجية الفوضـ�ى البنـ�اء ة �‪Construc‬‬ ‫‪ tive Chaos‬المعتمــدة لهــذه المنطقــة ككل بهــدف‬ ‫منــع قيــام أي اســتقرار مجتمعــي‪ ،‬وبالتالــي سياســي‪،‬‬ ‫وفــي دولــة مثــل مصــر األمــر الــذي يبقــي مصــر‬ ‫خــارج معادلــة الصــراع مــع إســرائيل والصهيونيــة‪.‬‬ ‫كانــت مصــر محكومــة مــن الصهيونيــة العربيــة‬ ‫فــي زمــن مبــارك وهــي اليــوم محكومــة فــي‬ ‫الصهيونيــة العربيــة فــي عهــد اإلخــوان‪.‬‬ ‫فــي الحــرب اإلســرائيلية علــى غــزة العــام ‪2008‬‬ ‫جــرت الحــرب علــى قاعــدة الحصــار مصــري والتمويــل‬ ‫ســعودي والمطرقــة إســرائيلية‪ ،‬والحــرب التــي جــرت قبل‬ ‫أشــهر علــى غــزة جــرت علــى قاعــدة الحصــار مصــري‬ ‫والتمويــل قطــري والمطرقــة إســرائيلية‪ .‬مــاذا تغيّــر؟‪...‬‬ ‫الجواب‪ :‬ال شيء‪.‬‬

‫اليف‪ :‬بخطاب ينارص العدو‬

‫برنارد هرني اليف‪ :‬القائد امللهم لربيع الصهيونية العربية‪.‬‬ ‫أين تضع الخصوصية الليبية في سياق هذا “الربيع”‬ ‫الوجــود للربيــع فــي هــذا المطلــق بــل الموجودهــو ربيــع‬ ‫الصهيونيــة العربيــة المقصــود كان تمزيــق ليبيا إربـا ً إرباً‪.‬‬ ‫وهــذا مــا حصــل عمليــاً‪ .‬القذافــي‪ ،‬كمــا زيــن العابديــن‪،‬‬ ‫كمــا حســني مبــارك‪ ،‬كان اســتراتيجيا ً واقتصاديـا ً مســتقراً‬ ‫داخــل المنظومــة األميركيــة اإلســرائيلية وهــو جــزء ال‬ ‫يتجــزأ مــن منظومــة الصهيونيــة العربيــة‪ .‬ليبيــا اليــوم‬ ‫محكومــة مــن اإلخــوان وهــي مقطعــة األوصــال مجــزأة‪.‬‬ ‫اســتراتيجيا ً واقتصاديــا ً لــم يدخــل أي تمويــل عليهــا‪.‬‬ ‫الحكــم الجديــد وقــع منــذ شــهر نيســان مــن العــام ‪2011‬‬ ‫علــى اتفــاق مــع كل مــن بريطانيــا وفرنســا يقضــي‬ ‫بإعطــاء كل مــن الدولتيــن ‪ % 35‬مــن النفــظ الليبــي‪.‬‬ ‫ولقــد ســرب الفرنســيون نصــر هــذه االتفاقيــة إلــى أجهــزة‬ ‫اإلعــام‪ ،‬وبموجــب هــذا النــص تتعهــد كل مــن الدولتيــن‬ ‫بحمايــة الطاقــم الحاكــم فــي طرابلــس‪ .‬العارفــون بخفايــا‬ ‫األمــور يعلمــون جيــداً أن أوســاطا أميركيــة أو أميركيــة‬ ‫الــوالء فــي باريــس هــي التــي ســربت مضمــون هــذا‬ ‫االتفــاق المشــين‪ .‬وبالمحصلــة فــإن األميركييــن اليــوم‬ ‫قامــوا بكــف يــد الفرنســيين واإلنكليــز كــي يأخــذوا هــم‬ ‫كل المكاســب‪ ،‬إال أن مــن خصوصيــات الحــدث الليبــي‬ ‫هــو انكشــاف العالقــة الوثيقــة بيــن منظمــة “القاعــدة فــي‬ ‫المغــرب اإلســامي” والحلــف األطلســي‪ .‬فجــرى تســليم‬ ‫هــذه المنظمــة الســيد عبــد الكريــم بــن بلحــاج منصــب‬ ‫اآلمــر العســكري لمنطقــة طرابلــس العاصمــة‪ .‬وجــرى‬ ‫تحويــل ليبيــا إلــى مصــ ّدر “للثــوار” فــي اتجــاه ســورية‬ ‫حتــى أن منــدوب أميــن عــام األمــم المتحــدة فــي ليبيــا‪،‬‬ ‫الســفير بــن مارتــن‪ ،‬تولــى بنفســه “نقــل الثــوار” بحــراً‪،‬‬

‫علــى متــن ســفينتين تحمــان بيــرق األمــم المتحــدة‪ ،‬إلــى‬ ‫ســوريا عبــر األراضــي التركيــة‪ .‬هكــذا بــكل وضــوح‪،‬‬ ‫وصــار الوضــع فــي ليبيــا كمــا نعــرف اليــوم‪ .‬والتصديــر‬ ‫إلــى ســورية جــرى أيض ـا ً مــن تونــس؛ حســبنا اإلشــارة‬ ‫إلــى أن فــي كل مــن ليبيــا ومصــر‪ ،‬ظهــر دور كبيــر‬ ‫للكاتــب الفرنســي اإلســرائيلي برنــارد هنــري الفــي‬ ‫‪ Bernard Henry Levy‬الــذي أطلــق علــه لقــب‬ ‫“أبــي الربيــع العربــي”‪ .‬هــذه حقائــق ال يمكــن علــى‬ ‫اإلطــاق تكذيبهــا أو التنكــر لهــا‪.‬‬

‫ولكننا شاهدنا ليفي أيضا ً في الحدث السوري!! ‪...‬‬ ‫صحيــح تمامــاً‪ .‬ففــي الســادس مــن شــهر تمــوز مــن‬ ‫العــام ‪ 2011‬وبينمــا كان الغليــان علــى أشــده فــي‬ ‫ليبيــا وفــي مصــر عقــد فــي باريــس مؤتمــر فرنســي‬ ‫صهيونــي إســرائيلي‪ ،‬بــإدارة مباشــرة مــن برنــارد‬ ‫هنــري الفــي بعنــوان “نصــرة الشــعب الســوري‬ ‫وإســقاط النظــام الديكتاتــوري”‪ .‬هنــا تكشــفت األمــور‬ ‫التــي أكدتهــا الغــارة العدوانيــة التــي شــ ّنها العــدو‬ ‫اإلســرائيلي علــى دمشــق‪ .‬تمثــل ذلــك بمشــاركة حركــة‬ ‫اإلخــوان المســلمين الســورية بالمؤتمــر الصهيونــي‬ ‫بحضــور ملهــم الدروبــي‪ ،‬القيــادي فــي حركــة اإلخــوان‬ ‫المســلمين ومســؤول العالقــات الخارجيــة وهــو‬ ‫موجــود اليــوم فــي جــدة تســتضيفه فضائيــات عربيــة‪.‬‬ ‫لألســف الشــديد أن اإلعــام المتعاطــف مــع هــذا المحــور‪،‬‬ ‫لــم تخــص مؤتمــر باريــس وال الدروبــي باالهتمــام‬


‫‪6‬‬

‫المفــروض‪ .‬إن مؤتمــر باريــس لــم يكــن أكثــر مــن رأس‬ ‫جبــل الجليــد ‪ ice burg‬فــي العالقــة مــا بيــن‬ ‫حركــة اإلخــوان‪ ،‬أو باألحــرى قيــادة اإلخــوان وليــس‬ ‫القواعــد فــي ســورية مــع إســرائيل‪ .‬لــم يطــرح أحــد علــى‬ ‫المــأ هــذا الموضــوع حــول االتصــاالت التــي كانــت‬ ‫تجــري بيــن إســرائيل وقيــادة اإلخــوان والتــي أدت إلــى‬ ‫عقــد هــذا المؤتمــر بالشــكل العلنــي الفاضــح الــذي عقــد‬ ‫فيــه‪ .‬لــم يطــرح أحــد مــا هــي المواضيــع التــي كان يتــم‬ ‫بحثهــا ومــا هــي االتفاقــات التــي عقــدت بيــن الفريقيــن‬ ‫ومــا هــي التعهــدات التــي قدمتهــا قيــادة اإلخــوان مقابــل‬ ‫الدعــم الهائــل الــذي صــارت تتلقــاه مــن جانــب الحلــف‬ ‫األطلســي وإســرائيل والــذي أكدتــه حيثيــات المواجهــات‬ ‫المحاطــة فــي ســوريا علــى امتــداد الســنتين المنصرمتيــن‪.‬‬ ‫حتــى أن الفضائيــات التــي أجــرت أحاديــث حــول أحــداث‬ ‫الســاعة مــع الدروبــي لــم تتطــرق إلــى هــذا الموضــوع‪.‬‬ ‫أليــس غريبـا ً األمــر؟! والواضــح أن منــذ مؤتمــر ‪ 6‬تمــوز‬ ‫‪ ،2011‬جــرى تســخير اإلعــام األوروبــي لتبييــض‬ ‫صــورة اإلخــوان المســلمين الــذي ســبق لهــم وتعرضــوا‬ ‫لهجمــات شرســة مــن قبــل هــذا اإلعــام فــي الماضــي‪.‬‬ ‫وقعــت الواقعــة فــي ســورية فتبيــن لمــن لــم يلحــظ األمــور‬ ‫مســبقا ً أن هــذه العالقــة عميقــة جــداً‪ .‬شــخصياً‪ ،‬اطلعــت‬ ‫علــى نــص التقريــر الــذي وزعتــه قيــادة حــزب اإلخــوان‬ ‫علــى قواعدهــا بخصــوص مؤتمــر ‪ 6‬تمــوز ‪ 2011‬لــم‬ ‫يتضمــن هــذا التقريــر أي إشــارة لحضــور صهيونــي فــي‬ ‫هــذا المؤتمــر علــى اإلطــاق‪ .‬إنهــا عينــة عــن أســلوب‬ ‫الخــداع الــذي تتعــرض لــه القواعــد مــن قبــل القيــادات‬ ‫ليــس فــي حــزب اإلخــوان المســلمين فحســب بــل فــي‬ ‫مختلــف األحــزاب أيض ـاً‪ ،‬ســواء فــي العالــم العربــي أو‬ ‫فــي العالــم أجمــع‪.‬‬ ‫نالحــظ هنــا أن العالقــة مــا بين الــدول األطلســية والقاعدة‬ ‫مجهولــة بالكامــل فــي الغــرب‪ .‬كيــف يمكن تفســير ذلك؟‬ ‫نعــم هــذا هــو الحاصــل وهــذا مــا يؤكــد رأيــي حــول‬ ‫وجــود ســتار حديــدي بــكل معنــى الكلمــة فــي الغــرب‪.‬‬ ‫إن “ســتار حديــد” و”غــرب” عبارتــان درج علــى‬ ‫اعتبارهمــا غيــر قابلتيــن للتمــازج علــى اعتبــار أن‬ ‫المتعــارف عليــه هــو أن الســتار الحديــدي كان مــن‬ ‫خصائــص المعســكر الشــرقي فــي الماضــي‪ ،‬أي المعســكر‬ ‫الســوفياتي‪ ،‬أي معســكر حلــف وارســو‪ ،‬ألن العمليــة‬ ‫األطلســية كانــت قــد قســمت العالــم إلى معســكرين‪ :‬شــرقي‬ ‫يقــع خلــف الســتار الحديــدي الــذي يرمــز إلــى الحرمــان‬ ‫مــن الحريــات‪ ،‬خصوصـا ً مــن اإلطــاع علــى مــا يجــري‬ ‫فــي العالــم‪ .....‬و”معســكر حــر” هــو الواليــات المتحــدة‬ ‫األميركيــة وكل مــا يــدور فــي فلكهــا بــدءاً بــدول الحلــف‬ ‫األطلســي‪ ،‬علــى أســاس أن هــذا “العالــم الحــر” يتمتــع‬ ‫فيــه االنســان بالحريــات العامــة والحقــوق الفرديــة كافــة‪،‬‬ ‫وأولهــا اإلطــاع علــى كل شــيء‪ ،‬ناهيــك عــن المبــادرة‬ ‫الفرديــة واالقتصــاد الحــر ‪ .....‬إلــى آخــره‪ .‬والحركــة‬ ‫الصهيونيــة هــي التــي تتولــى إدارة هــذا الســتار الحديــدي‪.‬‬ ‫لكــن واقــع الحــال الــذي تكشــف بعــد انهيــار االتحــاد‬ ‫الســوفياتي‪ ،‬كشــف ويكشــف عــن الكثيــر الكثيــر مــن‬

‫فكر‬

‫برنــارد هــري اليف يصافــح أحد املتأثريــن بالثــورة الصهيونية‬ ‫عــى ســوريا‪ ،‬التــي أخــذ الق ـرار بشــأنها يف مؤمتــر باريــس‬ ‫الصهيــوين تحــت عنــوان‬ ‫« نرصة الشعب السوري وإسقاط النظام»‪.‬‬ ‫الســتار الحديــدي فــي الغــرب أكثــر خبثــا ً مــن‬ ‫الســتار الحديــدي الــذي كان موجــوداً زمــن‬ ‫االتحــاد الســوفياتي‪.‬‬

‫الخــداع فــي هــذه الدعايــة‪ ،‬ومنهــا خدعــة اإلطــاع علــى‬ ‫كل مــا يجــري فــي العالــم وبالتالــي علــى كل مــا تقــوم‬ ‫بــه الحكومــات األطلســية‪ .‬فالرأســمالية المتوحشــة التــي‬ ‫كانــت تتحكــم بالمجتمعــات‪ ،‬فــي المنظومــة األطلســية‬ ‫وملحقاتهــا فــي دول العالــم‪ ،‬زادت مــن توحشــها ألن هــذه‬ ‫الرأســمالية باتــت تتمتــع بغطــا ٍء مــن اآلحاديــة الدوليــة‬ ‫المتمثلــة بالواليــات المتحــدة األميركيــة التــي أصبحــت‬ ‫بمثابــة رومــا األزمنــة الحديثــة‪ .‬إنهــا ســلطة اإلمبراطوريــة‬ ‫التــي ال ســلطة تعلــو عليهــا وال إرادة تــوازي إرادتهــا وال‬ ‫قــوة تحــد مــن طغيانهــا‪ .‬إن هــذه المرحلــة الجديــدة مــن‬ ‫االســتباحة الرأســمالية المتوحشــة‪ ،‬تجســد مــا بــات يعــرف‬ ‫بــــ “العولمــة”‪ .‬والعولمــة هــذه ترافقــت مــع التطــورات‬ ‫واالكتشــافات التــي حصلــت فــي ميــدان التقنيــات الحديثــة‬ ‫وأبرزهــا ميــدان المعلوماتيــة‪ .‬فرغــت الســاحة أمــام‬ ‫الرأســمالية والليبراليــة‪ ،‬فــكان مــن الطبيعــي االنتقــال إلــى‬ ‫مرحلــة تعميــم الـــــ “نيــو ليبراليــة” التــي هــي أشــرس‬ ‫أنــواع الليبراليــة المتوحشــة‪ .‬صحيــح ان شــعوب العالــم‬ ‫المســتضعفة وقعــت فريســة هــذه النيوليراليــة‪ ،‬لكنهــا لــم‬ ‫تقــع وحدهــا بــل وقعــت معهــا المجتمعــات األطلســية‪ ،‬حيث‬

‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫جــرت وتجــري اســتباحة شــعوب هــذه المجتمعــات التــي‬ ‫باتــت خاضعــة ألحــد أبشــع أوجــه اإلرهــاب‪ :‬اإلرهــاب‬ ‫االقتصــادي وإرهــاب الجهــل‪ .‬واإلعــام هــو األداة‬ ‫التــي تعمــم هــذا الجهــل‪ .‬اإلعــام الــذي كان فــي زمــن‬ ‫الرأســمالية التقليديــة يعتبــر بمثابــة “الســلطة الرابعــة”‬ ‫(إلــى جانــب الســلطات الثــاث التــي تقــوم عليهــا الدولــة‬ ‫الدســتورية‪ ،‬دولــة القانــون) هــذه الســلطة الرابعــة وقعــت‬ ‫بالكامــل فــي قبضــة الكتــل الصناعيــة العســكرية وبيــوت‬ ‫المــال‪ ،‬ليــس فــي الواليــات المتحــدة فقــط‪ ،‬حيــث هــذه‬ ‫الحالــة موجــودة منــذ أكثــر مــن قــرن مــن الزمــن‪ ،‬أي‬ ‫منــذ مــا قبــل قيــام المعســكرين بعشــرات الســنين‪ ،‬بــل‬ ‫أصبحــت متفشــية أيضــا ً فــي باقــي الــدول التــي دخلــت‬ ‫مرحلــة العولمــة بطريقـ ٍة أصبحــت فيهــا العولمــة مراوغــة‬ ‫لألمركــة‪ .‬هــذا التطــور‪ ،‬المختلــف فــي أساســه مــع القواعد‬ ‫المســماة “ديمقراطيــة” فــي أوروبــا‪ ،‬تمثــل ببــدء االنهيــار‬ ‫التدريجــي لمفهــوم دولــة القانــون لمصلحــة الســلطة الفعليــة‬ ‫التــي باتــت موجــودة خــارج المؤسســات الدســتورية بحيث‬ ‫صــارت هــذه تابعــة لتلــك‪ ،‬ممثلــة لمصالــح تلــك‪ ،‬أي‬ ‫للكتــل الصناعيــة العســكرية ولبيــوت المــال “وللمنظومــة‬ ‫الخفيــة”‪ ،‬أي االســتخبارات‪ ،‬حيــث القــرار الفعلــي‪،‬‬ ‫وبالتالــي الملكيــة الفعليــة لوســائل اإلعــام‪ .‬صــار االنســان‬ ‫األوروبــي ال يطلــع إال علــى مــا تســمح لــه بيــوت المــال‬ ‫والكتــل الصناعيــة العســكرية وال‪ .....‬بــأن يطلــع عليــه‪.‬‬ ‫لــذا وبمــا أن حكومــات الغــرب كانــت قــد شــحنت شــعوبها‬ ‫بنظريــات وإيديولوجيــات مكافحــة اإلرهــاب ال ترغب أبداً‬ ‫بــأن تطلــع شــعوبها بــأن حكوماتهــا متحالفــة مــع منظمــات‬ ‫اإلرهــاب‪ ،‬خصوصــا ً مــع منظمــة مثــل “القاعــدة”‪.‬‬ ‫هــذا يعنــي أن االنســان داخــل هــذا الســتار الحديــدي‬ ‫األطلســي الــذي هــو أشــد دهــاء ومكــراً وقســوة مــن ذاك‬ ‫الســتار الحديــدي الســوفياتي‪ ،‬هــذا االنســان بــات مســتباحا ً‬ ‫عقليـا ً ألن طبيعــة النيوليبراليــة تحولــه مــن حالــة المواطــن‬ ‫ـكل أعمــى‪ .‬فــإذا‬ ‫المســؤول إلــى حالــة المســتهلك المنقــاد بشـ ٍ‬ ‫مــا حافظــت النيوليبراليــة علــى ســطوتها وزادت منهــا فإن‬ ‫اإلنســان داخــل هــذه المنظومــة ســيفقد إنســانيته بالكامــل‬ ‫ويتحـ�ول إلـ�ى شـ�بيه بالمخلـ�وق الـ�ذي يمكـ�ن تسـ�ميت ه �‪ho‬‬ ‫‪ mo-Americus‬يحســب نفســه أنــه يعــرف كل شــيء‬ ‫فــي مــا هــو يجهــل تمامــا ً مــا يفتــرض بــه أن يعــرف‪.‬‬ ‫وهنــا يذكرنــي بالقــول الشــهير لـ”غوتيــه” ‪“ :Gotteh‬إن‬ ‫ثمــة عبوديــة ال يمكــن أبــداً االنعتــاق منهــا وهــي تلــك‬ ‫التــي يعيشــها اإلنســان‪ ،‬فعليـاً‪ ،‬ويظــن نفســه خطــأ ً أنــه حــرٌّ‬ ‫“‪ .‬وهــذه فــي واقــع الحــال الـــ ‪homo – Americus‬‬ ‫المطلــوب تعميمــه فــي أوروبــا أوالً‪ ،‬وهــي الخاضعــة‬ ‫بالكامــل إلــى االحتــال‪ ،‬ومــن ثمــة فــي العالــم‪.‬‬ ‫يتبع في العدد المقبل‬


‫‪18‬‬

‫ابداع‬

‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫‪7‬‬

‫اإلنسداد الثقافي‬

‫املرايا ـ ‪ -‬السنديان ال ينمو يف فنجان قهوة‬ ‫نجيب نصير‬ ‫مــن المؤســف ان يتــم االداء الثقافــي علــى اســاس ان‬ ‫هنــاك مجتمعــا‪ ،‬ربمــا بســبب اللغــة الــذي اطلقــت علــى هــذه‬ ‫التجمعــات البشــرية اســم مجتمعــات‪ ،‬وهــذا يتضمــن وايضــا‬ ‫القبــول بســايكس بيكــو علــى االقــل‪ ،‬بمعنــى تأســيس (دولــة)‬ ‫تــم التــدرب عليهــا فــي عصــر االنتدابــات وبإشــرافها‪ ،‬ومــا‬ ‫لبثــت هــذه الدولــة ان تفككــت ولــم يبــق منهــا اال الســلطة‬ ‫للمحافظــة علــى هــدوء وتســالم هــذا الشــكل االجتماعــي‬ ‫مــن التجمــع البشــري‪ ،‬فالدولــة كتكنولوجيــا حديثــة تحتــاج‬ ‫بالضــرورة الــى مجتمــع وبالمعنــى الحديــث ايضــاً‪ ،‬ومــع‬ ‫وصــول الرايــة الــى ايــدي المثقفيــن اســتطاعوا صنــع قطيعــة‬ ‫معرفيــة حقيقيــة مــع طــوري النهضــة والتنويــر‪ ،‬معتبريــن‬ ‫ان المجتمــع موجــود فعــاً‪ ،‬مــع العلــم انهــم لــم يجــرؤوا‬ ‫علــى تعريفــه تعريفــا ولــو تكتيكيــا‪ ،‬وهكــذا ورثــوا االمــة‪/‬‬ ‫المجتمــع‪ /‬الطبقــات (الســورية ـ العربيــة ـ االســامية ـ‬ ‫االمميــة) وراثــة مــن التنويرييــن ودافعــوا عنهــا فــي انتاجهــم‬ ‫الثقافــي كوجــود فعلــي‪ ،‬ولكنهــا وفــي حقيقتهــا كانــت وهم ـا ً‬ ‫بوهــم رغــم الصــراخ والعويــل والخطــب والمعــارك‪ ،‬اال ان‬ ‫الحقيقــة وخــال اكثــر مــن قــرن ونصــف‪ ،‬لــم يوجــد مجتمــع‪،‬‬ ‫والمنتجــات الحضاريــة لهــذه التجمعــات تشــهد بذلــك‪ ،‬وبــدت‬ ‫اســتحقاقات بدهيــة وبســيطة صعبــة المنــال وتحتــاج الــى‬ ‫قــرون لتســديدها‪ ،‬كمــا تحتــاج الــى افعــال وممارســات‬ ‫حقيقيــة‪ ،‬ال ينفــع معهــا اســتبدال المــكان او النــوع‪ ،‬فتصــرف‬ ‫(المجتمــع) مــع الثــأر او جرائــم الشــرف او العــرف والتقاليد‪،‬‬ ‫ال يحتــاج الــى معركــة مــع العولمــة‪ ،‬وتأميــن المستشــفيات‬ ‫والكهربــاء ومــاء الشــفة ال يحتــاج الــى ادارة ازمــة‪ ،‬وهــي‬ ‫اســتحقاقات بســيطة فــي حــال وجــود مجتمــع‪ ،‬فعلــى االقــل‬

‫يمنــع التراكمــات االنســدادية فــي حركتــه وأدائــه‪ ،‬حيــث‬ ‫اســتقرت الثقافــة الجماعيــة فــي ممارســتها علــى مــا ورثــت‬ ‫بالتناســل وبــدأت التطبقــات التكنولوجيــة تعطــي عكــس مــا‬ ‫هــو مطلــوب منهــا‪ ،‬والمثقفــون يحتجــون (خليــل حــاوي‬ ‫مثــاالً)‪ ،‬فبــدالً عــن تحريــر فلســطين (وربمــا غيرهــا) احتــل‬ ‫الصهاينــة بيــروت‪ ،‬وبــدالً من التصرف المعرفــي الحضاري‬ ‫مــع ميــاه نهــر النيــل وهــو شــريان الحيــاة او المــوت فــي‬ ‫مصــر اصبــح هــو نفســه مصــدراً للتلــوث واالمــراض‬ ‫ناهيــك عــن تهديــد الصهاينــة بقصــف الســد العالــي‪ ،‬وهكــذا‬ ‫دواليــك مــع كل شــيء كل شــيء‪ ،‬حتــى ليبــدو االمــر وكان‬ ‫المســألة جينيــة ال يقــوى حاملــو هــذا الجيــن علــى تحمــل‬ ‫ثقافــة جديــدة او متجــددة تســتطيع مواجــه االســتحقاقات فــي‬ ‫مكانهــا وزمانهــا وموضوعهــا‪ ،‬لتبــدو المؤسســات الثقافيــة‬ ‫قــد تغلغلــت فــي المنتجــات الثقافيــة (نهضــة او تنويــرا او‬ ‫تثقيفــا) وأعطبتهــا‪ ،‬تمامــا كمــا الفيروســات الكومبيوتريــة‪،‬‬ ‫فالفســططة‪( ،‬قســم العالــم الــى فســطاطين) هــي فــي عمــق‬ ‫التلقــي الثقافــي الــذي ال يلبــث حتــى يشــكل ردة فعــل اولــى‬ ‫واساســية تجــاه اي طــرح ايدولوجــي او تكنولوجــي يريــد‬ ‫بالبــاد والعبــاد التوجــه لتأســيس مجتمــع علــى الطريقــة‬ ‫الحديثــة‪ ،‬ولعــل البرلمانــات والمؤسســات الحكوميــة كانــت‬ ‫اولــى ضحايــا هــذه الثقافــة التــي تعتمــد الفســططة كجــزء‬ ‫مؤســس مــن مكوّ ناتهــا‪ ،‬والتــي تمتلــك مواهــب موروثــة‬ ‫كثيــرة اخــرى ادهــى مــن الفســططة‪ ،‬كعــدم المقــدرة علــى‬ ‫التجريــد (الســيارة وقوانيــن المرورمثــاالً تبســيطياً)‪ ،‬تعريــف‬ ‫الــذات علــى انهــا عكــس اآلخــر فقــط وهــذا مــا يجلــب‬

‫طهران‪ ...‬السياسة سجادة تحاك‬ ‫زاهر العريضي‬ ‫ايــن انــا؟ للوهلــة االولــى يعتريــك ســؤال عابــر وتمضــي ‪...‬‬ ‫لكــن الــى أيــن؟ المدينــة مقفلــة إنهــا تمــام الســاعة الحائــرة‬ ‫فــي ليــل طهــران والجــوع يتآكلنــي‪ ...‬روائــح التلــوث تمــأ‬ ‫رئتــيّ ‪ ...‬والطريــق الــى الفنــدق بعيــد‪ .‬المدينــة تنــام باكــراً‬ ‫هنــا‪ ...‬وانــا وطــواط ليــل رغــم أن العتمــة ترعبنــي‪ ،‬إال‬ ‫ان افضــل ســاعات الحيــاة الصاخبــة فــي ليلــي ‪ ...‬الفنــدق‬ ‫فــي هــذا الوقــت كأشــباح‪ ...‬كقصر مهجــور وتماثيــل الحياة‬ ‫فيهــا‪ ...‬حســنا ً ســأبتلع ليلــي ببعض ســجائر بال كحــول‪ ...‬كم‬ ‫ســأبوح بقصــص‪ ...‬وانــت بعيــدة‪ ،‬ســأحاول ان ارســم لك‪...‬‬ ‫ألــوّ ن هــذا المــكان ‪ ...‬أتجــوّ ل فــي أزقتــه ‪ ...‬اســتدرك لغتــه‬ ‫‪ ...‬امتــص طاقتــه‪ ...‬هــذه المدينــة فــي حدائقهــا وناســها‬ ‫تحــب الحيــاة ‪ ...‬وربمــا اكثــر مــن ذلــك ‪...‬‬ ‫كفـ ٌر أن أبــوح وأخــاف مــن اغتيالهــا لــو يتجــرأ لســاني علــى‬ ‫االلحــاد ‪ .‬حتــى اآلن مــن الصعــب أخــذ انطبــاع عنهــا ‪...‬‬ ‫مــاذا ســأقول لمــن يســألني ‪ ...‬هنــاك أشــياء مشــتركة بيننــا‪،‬‬ ‫لكــن ال أســتطيع أن أحددهــا‪ .‬فــي أكثــر األحيــان أتفاجــأ!‬ ‫أحــاول ان اســقط كل الصورالمســبقة‪ .‬وأنــا اآلن فــي‬ ‫شــوارع طهــران واكثــر مــا يثيــر انتباهــك هنــا الحجــاب‪..‬‬ ‫جميــع النســاء هنــا يلبســن حجابـاً‪ ..‬يغطيــن نصــف شــعرهن‬ ‫ويبقــى النصــف اآلخــر مكشــوفا ً ‪ ..‬كمــا يهـ ّل القمــر بنصفــه‬ ‫المضــيء احياناً‪..‬كبدرفــي الســماء هكــذا النســاء يتنقلــن‬ ‫فــي شــوارع طهــران ‪..‬امــرأة تقــود الســيارة ليــس بغريــب‬ ‫‪ ..‬امــرأة تحمــل علىكتفهــا الكاميــرا وتصــور ‪..‬تصــور‬ ‫ولكــن ‪ ‬لمن؟تلتقــط حدائــق كيفمــا تحرّ كــت‪ ...‬الحدائــق ‪ ‬هنــا‬

‫ثقافــة ‪ ...‬الــورود بألوانهــا عــادة! تلتقــط جبــاالً شــامخة فــي‬ ‫علوهــا ‪ ..‬تركــت علــى جبينهــا بعض ـا ً مــن الثلــج األبيــض‬ ‫لهــذا الربيــع! حيــن تنظــر اليهــا تظــن أنــك فــي قعــر‬ ‫الحيــاة ‪ ..‬فــي باطــن االرض ‪ ..‬كأنــك فــي وســط فنجــان‬ ‫قهوة‪ ‬وتتفاجــأ بأنــك تنظــر عاليــا ً وانــت علــى ارتفــاع‬ ‫الــف متــر وأكثــر‪ .‬هــذه الجبــال تثيــر فــي داخلــك روح‬ ‫المغامــرة‪ ...‬جنــون التســلق ! وحيــن يحدثونــك عــن كبــار‬ ‫الســن كيــف يتســاقطون ‪ ‬مــن هــذه الجبــال الشــاهقة العلــوّ‬ ‫فــي الصبــاح الباكــر بعــد أن تســلقوها بهدوئهــم تكتشــف‬ ‫للحظــات أنــك رجــل مــن كرتــون ‪ ..‬لكــن هــذا المشــهد‬ ‫لــم تلتقطــه المصــورة االيرانيــة! إيــران تذكرنــي بأميــركا‬ ‫‪ ..‬ال ابتــدع بعضــا ً مــن خرافاتــي ‪ ..‬حتــى أنــا أشــعر‬ ‫بالغرابــة لمقارنتــي ‪ ..‬ولكــن حــدث ذلــك ‪ ..‬وانــا انتقــل إلــى‬ ‫الشــارع المواجــه عبــر المصعــد الكهربائــي ألعبــر الجســر‬ ‫‪ ..‬ســمعت موســيقى رقيقــة ‪ ..‬اذنــي أخذتنــي ‪ ..‬عــازف‬ ‫يجلــس علــى الجســر يحمــل الكامنجــا ويعــزف مبتســما ً‬ ‫للعابريــن وأمامــه وعــاء للنقــود‪ ...‬فــي نيويــورك أينمــا‬ ‫التفــت داخــل محطــات الميتــرو تــرى هــذا المشــهد‪ .‬لكــن‬ ‫عازفــي الشــوارع فــي اميــركا لــو شــاهدوا كيــف امتــأ‬ ‫وعــاء عــازف طهــران فــي أميــركا ال توجــد ديمقراطيــة‬ ‫ايضــا ‪.‬ال ادري كيــف ربمــا انــت هنــاك رقــم ‪ ..‬ربمــا‬ ‫مجتمــع مركــب ربمــا »السيســتم»‪ ..‬هنــاك قانــون نعــم‪.‬‬ ‫ولكــن هنــاك عقــل اخترعغوانتانامــو ايضــاً‪ ..‬وعقــل قــام‬ ‫بحــروب وقتــل وشــرّ د واســتقوى وحاصــر ونهــب وســرق‬ ‫خيــرات امــم اخــرى ‪ ..‬ســأهرب مــن السياســة ‪..‬‬

‫المشــاكل الوهميــة (االعتمــاد علــى العواطــف وليــس‬ ‫وااليديولوجيــا ومحاربــة االثنتيــن مع ـا ً ألنهمــا تؤديــان الــى‬ ‫تغيــر القيــم بالضــرورة (الشــيوعية والقوميــة كايديولوجــا‪،‬‬ ‫والقوانيــن‪ ،‬والعالمانيــة كتكنولوجيــات)‪ ،‬عــدم المقــدرة علــى‬ ‫التنافــس وتصنيفــه عــداء مهمــا كانــت البيئــة العالمية صريحة‬ ‫وواضحــة‪ ،‬تغييــر معانــي المســميات والمصطلحــات وهــي‬ ‫مشــكلة ثقافيــة ارخــت علــى اللغــة بظاللهــا‪ ...‬العلــم والمعرفة‬ ‫والعالقــة بينهمــا‪ ،‬الفخــر بمنجــزات تجاوزهــا اإلنجــاز‬ ‫االجتماعــي الــخ‪ ..‬ويــا لألســف يمكــن تعــداد الكثيــر مــن‬ ‫البدايــات الثقافيــة التــي شــكلت حواضــن إتالفيــة عبــر إيقــاف‬ ‫تحــول العلــم الــى معرفــة وبالتالــي منــع البشــر مــن ممارســة‬ ‫الثقافــة التطوريــة االرتقائيــة‪ ،‬وبالتالــي اســتحالة الوصــول‬ ‫الــى الهــدف بســبب هــذا االنحــراف المبكــر‪ ،‬حيــث تتأبــط‬ ‫هــذه الحواضــن الثقافيــة اجوبتهــا القامعــة جاهــزة لإلشــهار‪،‬‬ ‫فالمفهــوم فلســفة ومــن تفلســف تزنــدق حتــى ولــو كان‬ ‫المفهــوم يشــكل خشــبة خــاص اولــى تجــاه ممارســة العلــم‬ ‫اي تحويلــه الــى معرفــة‪ ،‬فمــا بالنــا بالقانــون او االحــزاب‬ ‫او الدولــة بدســتورها‪ ،‬او المــرأة وحقوقهــا وايضــا ً الــخ‪.‬‬ ‫لــم تنجــح تجمعــات الشــرق االوســط البشــرية فــي تأســيس‬ ‫مجتمعــات‪ ،‬النهــا لــم تنجــح فــي الصــدق مــع ذاتهــا‪،‬‬ ‫فــي تشــخيص العلــة الدالــة علــى انهزامهــا فــي معركــة‬ ‫االســتمرار‪ ،‬بــل وضعــت معــادالت وهميــة لحلــم النهضــة‬ ‫الــذي تحقــق فــي نظرهــا عبــر توهــم هــذا الكــم مــن العــداء‬ ‫الــذي يكنــه العالــم لنــا بســبب انجازنــا (هــذا) باعتبــار أن‬ ‫الجــواب علــى الســؤال المؤســس (مــن نحــن) قــد تـ ّم تســديده‬ ‫نظريــا ً وعمليــاً‪ ...‬نحــن عكــس اآلخــر‪ ....‬أي آخــر‪.‬‬

‫علنــي ال انزلــق إلــى تفســيرات أخــرى‪ ،‬رغــم ان هيكليــة‬ ‫النظــام هنــا ايضــا ً مركبــة بطريقــة غريبــة قــد تحتــاح‬ ‫إلــى احــد غيــري ليفســرها‪ ..‬أعتــرف بفشــلي‪ .‬فهمتهــا‬ ‫علــى طريقتــي واســتمتعت بعقلــي المحــدود لفهمهــا‬ ‫ببســاطة تجمــع مــا بيــن النظــم المدنيــة والتركيبــة الهيكليــة‬ ‫والقانونيــة والمؤسســية والبعــد الروحــي والعمــق الثقافــي‬ ‫والسياســي والدينــي للدولــة‪ .‬كيــف تســتطيع دولــة دينيــة‬ ‫أن تكــون متطــورة! ســؤال مــر فــي رأســي فجــأة‪ ..‬لســت‬ ‫هنــا ألمتلــك اجوبــة‪ ..‬لدولــة تحيــك التاريــخ بصمــت‬ ‫وتحيــك السياســة بهــدوء‪ ...‬لكننــي ال أســتطيع أن أدفــن‬ ‫اســئلة كثيــرة! بالنســبة لــي مــا زال حتــى هللا ســؤاالً !‬ ‫جوابــه‪ ..‬هللا موجــود ‪ ‬فــي قلــوب مؤمنيــن كثيريــن‪...‬‬ ‫ربمــا ‪ ..‬ليــس كفــراً أن اســأل ربمــا أجمــل الطــرق‬ ‫وأعمقهــا إلــى هللا عبــر الشــك فــي وجــوده‪ ..‬عــذراً دائم ـا ً‬ ‫أخــرج مــن الكادر وأهلــوس ‪ ...‬طهران ال تنتهــي هنا‪ ..‬إنها‬ ‫البدايــة لنكتشــفها ! بعــض مــن الغبــاء والبــرودة ان تبقى هذه‬ ‫الصــورة ســجينة ‪ ..‬كأمــراة تخبــأ نصــف وجههــا او اكثــر ‪.‬‬ ‫تغلــق علــى الكثيــر من الجمال فيها ‪ ...‬علــى كثير من الحياة‬ ‫والحــب المقمــوع! هــل هــذا خوف؟ غبــاء‪ ..‬خجــل ‪ ..‬عمداً؟‬ ‫‪ ..‬ال ادري ‪ ..‬ربمــا كل ذلــك! هنــا طهــران ومزيــج مــن‬ ‫التناقــض يســاورني ‪ ...‬قــد احتــاج إلــى هدوء‪..‬وانــا علــى‬ ‫عجــل مــن امــري‪ .‬ووقتــي الينتظــر حياكــة الســجاد نحــن‬ ‫جيــل الوجبــات الســريعة! تمتلــئ أمعاؤنــا مــن دون متعــة‬ ‫بطعــم ونكهــة ولــذة ‪ ...‬ربمــا فــي عيــون بعــض العابريــن‬ ‫جــوع وثــورة أخــرى ‪ ‬وفــي داخلهــم لغــة تحتــاج ان تفــك‬ ‫عقــدة لســانها للبــوح‪ ... .‬ربمــا تشــبه اللوحــة التــي بــدأت أن‬ ‫ارســمها للتــوّ ‪ .‬أيــن انــا؟ هنــا طهــران ‪...‬أكثــر المــدن جدليــة‬ ‫هــل مــن أحــد يتجــرأ لزيارتهــا واكتشــافها !‬


‫‪8‬‬

‫فكر‬

‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫بداية التعددية القطبية يف النسق الدولي‬ ‫علوان نعيم أمين الدين‬

‫باحث في الشؤون القانونية‬

‫لقــد بــدا التغييــر الحاصــل فــي النســق الدولــي واضحـا ً‬ ‫ولــو بصــورة بطيئــة‪ ،‬فالنفــوذ االميركــي علــى العالــم لــم‬ ‫يعــد كمــا كان فــي الســنوات الثالثيــن الماضيــة‪ ،‬يقابلــه‬ ‫صعــود قــوى اخــرى موجــودة ومســتجدة تحــاول “مــلء‬ ‫الفــراغ” الدولــي‪.‬‬ ‫االمم المتحدة‪:‬‬ ‫كان مقــدرا لهــا ان تكــون «الحكومــة الدوليــة» التــي‬ ‫تديــر العالــم خاصــة بعــد ســقوط عصبــة االمــم والنتائــج‬ ‫الكارثيــة التــي افرزتهــا الحــرب العالميــة الثانيــة بشــريا ً‬ ‫واقتصاديــاً‪ .‬وكان اول التحديــات هــو الحــرب الكوريــة‬ ‫فــي حزيــران ‪ ،1950‬بعدهــا بــدأت الحــرب البــاردة‬ ‫التــي ســقطت مــع جــدار برليــن وتوحيــد االلمانيتيــن‬ ‫العــام ‪ ،1989‬وظهــور القطبيــة اآلحاديــة االميركيــة‪.‬‬ ‫مــن هنــا‪ ،‬بــرزت مســاع عــدة لتجديدهــا وتطويرهــا‪ .‬فتقــدم‬ ‫االميــن العــام لالمــم المتحــدة الســابق كوفــي انــان بعــدد مــن‬ ‫التقاريــر‪ ،‬ابرزهــا تقريــر بعنــوان «تجديــد األمــم المتحــدة‪:‬‬ ‫برنامــج لإلصــاح» فــي ‪ 23‬أيلول‪/‬ســبتمبر‪ 1997‬حيــث‬ ‫اعتبــر أن «الغــرض مــن إصــاح األمــم المتحــدة هــو‬ ‫تعزيــز مؤسســة ال غنــى عنهــا وإعدادهــا لمواجهــة تحديــات‬ ‫المســتقبل‪ .‬وليــس اإلصالح في جوهره مجــرد عملية خفض‬ ‫تكاليــف أو تقليــل عــدد الموظفيــن‪ .‬لكنهــا عمليــة تســتهدف‬ ‫تأكيــد أهميــة المنظمــة فــي عالــم متغيّــر‪ .‬وضمــان تنفيــذ‬ ‫المهــام التــي كلفتهــا بهــا الــدول األعضــاء‪ ...‬بفعاليــة وكفــاءة‬ ‫فــي حــدود المــوارد التــي تــم تخصيصهــا لهــذه الغايــات»‪.‬‬ ‫كمــا بيَّنــت المشــاكل والصعوبــات التــي تواجــه البشــرية‬ ‫مــن الحــروب واإلرهــاب إلــى الفقــر مــروراً باألمــراض‬ ‫الخطيــرة واألوبئــة مــن خــال تقريــر آخــر بعنــوان «فــي‬ ‫جــو مــن الحريــة أفســح‪ :‬صــوب تحقيــق التنميــة‪ ،‬واألمــن‪،‬‬ ‫وحقــوق اإلنســان للجميــع» تاريــخ ‪ 21‬آذار‪/‬مــارس ‪2005‬‬ ‫أكــد فيــه عــدم قــدرة «أي دولــة‪ ،‬مهمــا بلغــت قوتهــا‪ ،‬أن‬ ‫تحمــي نفســها بنفســها‪ .‬وبالمثــل‪ ،‬فليــس بإمــكان أي بلــد‪،‬‬ ‫ضعيفــا ً كان أو قويــاً‪ ،‬أن يحقــق الرخــاء مــن فــراغ‪.‬‬ ‫وفــي مقدورنــا أن نعمــل معــاً‪ ،‬بــل وعلينــا أن نقــوم‬ ‫بذلــك»‪ ،‬وكان إعصــار كاترينــا ابــرز مثــال علــى ذلــك‪.‬‬ ‫وفــي تقريــر بعنــوان «إصــدارات الواليــات وتنفيذهــا‪:‬‬ ‫تحليــل وتوصيــات لتســيير اســتعراض الواليــات» فــي ‪26‬‬ ‫آذار‪/‬مــارس ‪ 2006‬رأى األميــن العــام أنــه لــم يكــن بوســع‬ ‫مؤسســي هــذه المنظمــة التنبــؤ «بصــورة كاملــة بنطــاق‬ ‫التحديــات التــي نشــأت وتطــورت‪ ،‬ومــدى تعقيدهــا‪ .‬إن‬ ‫المهمــة التــي تقــع علــى عاتــق األمــم المتحــدة هــي مهمــة‬ ‫هائلــة‪ .‬واليــوم‪ ،‬تتــراوح الواليــات (المهــام) المنبثقــة عــن‬ ‫األجهــزة الرئيســية المختصــة مــا بيــن المســاعي الحميــدة‬ ‫لمنــع نشــوب العمليــات‪ ،‬وحفــظ الســام‪ ،‬وبنــاء الســام‪،‬‬ ‫واإلنقاذ»‪.‬وبــدأ الحديــث عــن توســيع مقاعــد مجلــس االمــن‬ ‫وضــم عــدد مــن الــدول الصاعــدة بشــريا ً واقتصاديـا ً (كالهند‬ ‫والبرازيــل مثــاً) وإيجــاد آليــة تســهل الجمعيــة العموميــة‬ ‫وتســرّ ع عملهــا‪ ،‬لكــن هــذه المحــاوالت بــاءت بالفشــل فــي‬ ‫ظــل تولــي المحافظيــن الجــدد مقاليــد الحكــم فــي الواليــات‬ ‫المتحــدة‪ .‬فلقــد كان صقــور هــذه االدارة مــن اشــد النــاس‬ ‫عــداوة لألمــم المتحــدة‪ ،‬ومــن أشــهرهم ســفير الواليــات‬ ‫المتحــدة الســابق فــي األمــم المتحــدة جــون بولتــون‪ ،‬إذ قــال‬ ‫ذات مــرة إنــه «لــو اختفــى عشــرة طوابــق مــن طوابقهــا‬ ‫الثمانيــة والثالثيــن فــإن ذلــك لــن يؤثــر فــي العالــم بشــيء»‪.‬‬ ‫وقــال أحــد المعلقيــن آنــذاك «إن هــذا الرجــل (بولتــون)‬

‫ذاهب إلى األمم المتحدة لتدمير ما تبقى منها»‪.‬‬ ‫امــا “مهنــدس” الحــرب علــى العــراق ريتشــارد بيــرل‬ ‫فيقــول “لقــد أوشــك عهــد اإلرهــاب الدولــي الــذي يتــواله‬ ‫صــدام حســين علــى نهايتــه‪ .‬سيتالشــى بســرعة لكــن ليــس‬ ‫بمفــرده‪ :‬ســيأخذ األمـــم المتحــدة معــه فــي ســقوطه‪.‬‬ ‫حســناً‪ ،‬ليــس األمـــم المتحــدة بأكملهــا‪ .‬فســينجو جــزء‬ ‫األعمــال الحســنة‪ ،‬ســتبقى بيروقراطيــات حفــظ الســام‬ ‫القليلــة الخطــر‪ ،‬وسيســتمر التفــوه بالحماقــات فــي المبنــى‬ ‫الــذي يلــوح مــن الهدســون‪ .‬مــا ســيموت فــي العــراق هــو‬ ‫فانتازيــا األمــم المتحــدة كأســاس لنظــام عالمــي جديــد”‪.‬‬ ‫إن االمــم المتحــدة لــم تعــد تصلــح ان تكــون حكومــة عالميــة‬ ‫او حتــى قطبـا ً يواجــه التفــرد االميركــي‪ ،‬ويتجلــى ذلــك فــي‬ ‫عــدد مــن االمــور‪:‬‬ ‫‪.1‬التبعيــة السياســية لــارادة االميركيــة مــن خــال تشــريع‬ ‫الحــرب التــي خاضتهــا علــى أفغانســتان والعــراق‪،‬‬ ‫اذ يعتبــر قــرار مجلــس األمــن الدولــي رقــم ‪1546‬‬ ‫الصــادر فــي ‪ 7/6/2004‬مــن أهــم األمثلــة الحيــة علــى‬ ‫ذلــك‪ ،‬فهــو يقــر بضــرورة تشــكيل حكومــة عراقيــة‬ ‫انتقاليــة موافقــا ً بذلــك علــى الطريقــة التــي أُبعــد بهــا‬ ‫النظــام الســابق اي اســتعمال القــوة دون الرجــوع اليهــا‪.‬‬ ‫‪ .2‬تجفيــف المصــادر الماليــة لالمــم المتحــدة مــن خالل عدم‬ ‫دفــع الــدول االعضــاء االشــتراكات الماليــة المتوجبــة عليهــم‬ ‫خاصــة الواليــات المتحــدة التــي تمــول مــا نســبته ‪.25%‬‬ ‫ولقــد ذكــر األخضــر اإلبراهيمــي – وزير خارجيــة الجزائر‬ ‫األســبق ‪ -‬فــي تقريــر للجنــة الدوليــة التــي شــكلها األميــن‬ ‫العــام العــام ‪ 2000‬وتقــع مهمتهــا فــي إعــداد تقريــر شــامل‬ ‫حــول عمــل األمــم المتحــدة فــي حفــظ الســام‪ ،‬أنــه يجــب‬ ‫“توفيــر االعتمــادات الماليــة المناســبة التــي تم ّكــن عمليــات‬ ‫حفــظ الســام مــن االضطــاع بمهامهــا‪ ،‬حيــث تعانــي‬ ‫إدارة عمليــات حفــظ الســام مــن نقــص حــاد فــي المــوارد‬ ‫الماليــة‪ ،‬نتيجــة تأخــر دفــع الــدول أنصبتهــا لألمــم المتحــدة”‪.‬‬ ‫‪.3‬بدايــة االنقســام السياســي فــي أجهزتهــا وخاصــة مجلــس‬ ‫االمــن الدولــي ممــا يجمــد عملــه‪.‬‬ ‫‪ ­.1‬للنظــام الدولــي‪ ،‬وهــو القانــون الدولــي الكالســيكي‪،‬‬ ‫الــذي باتــت تحــل محلــه سياســات دوليــة تســيرها اســس‬ ‫الداروينيــة االجتماعيــة»‪.‬‬ ‫‪.2‬عــدم اقتنــاع جميــع الــدول االعضــاء بــه اقتناعـا ً تامـاً‪ ،‬اذ‬ ‫اســتثنى البعــض نفســه مــن العملة الموحدة وســمات الدخول‪.‬‬ ‫‪.3‬تفكيــر بعــض الــدول باالنســحاب مــن االتحــاد‪ ،‬خاصــة‬ ‫ان اقتصادهــا يتحمــل العــبء االكبــر مــن النفقــات‪.‬‬ ‫‪.4‬االزمــات الماليــة التــي تعصــف بــدول االتحــاد‪،‬‬ ‫خاصــة االزمــة الماليــة االخيــرة فــي قبــرص‪ ،‬وقبلهــا‬ ‫اليونــان‪ ،‬وبــدأ تفاقــم المشــاكل الماليــة فــي كل مــن اســبانيا‬ ‫والبرتغــال وفرنســا فــي مســألة البطالــة تحديــداً وارتفــاع‬ ‫مســتوياتها‪ .‬وهــذه االزمــات مرشــحة للتزايــد والتفاقــم‪.‬‬ ‫‪.5‬بــروز االزمــات بيــن الــدول االعضــاء‪ ،‬خصوصــا ً‬ ‫مــا طرحتــه اليونــان اخيــراً مــن تحضيــر ملــف يطالــب‬ ‫المانيابتعويضــات ماليــة نتيجــة الحــرب العالميــة الثانيــة‪،‬‬ ‫آخــذة بالمقولــة «التاجــر المفلــس يفتــش فــي دفاتــره‬ ‫القديمــة»‪ ،‬علمــا ً ان االقتصــاد االلمانــي يعتبــر إحــدى‬ ‫رافعــات اقتصــاد االتحــاد االوروبــي بشــكل عــام وأقواهــا‪.‬‬ ‫‪.1‬منظمة شنغهاي للتعاون‪:‬‬ ‫وتضــم ســت دول‪ :‬الصيــن‪ ،‬روســيا‪ ،‬طاجيكســتان‪،‬‬ ‫اوزباكســتان‪ ،‬كازاخســتان‪ ،‬وقرقيزيــا‪ .‬وتقــع ابــرز اهدافهــا‬ ‫فــي‪:‬‬ ‫‪.1‬تعزيــز سياســات الثقــة المتبادلــة وحســن الجــوار مــا بيــن‬ ‫الــدول األعضــاء‪.‬‬

‫‪.2‬تطويــر التعــاون الفاعــل بينهــا فــي السياســة والتجــارة‬ ‫واالقتصــاد‪ ،‬والعلــوم والتكنولوجيــا والثقافــة‪ ،‬وفــي شــؤون‬ ‫التربيــة والطاقــة والنقــل والســياحة وحمايــة البيئــة‪.‬‬ ‫‪.3‬العمل على توفير السالم‬ ‫واألمن واالستقرار في المنطقة‪.‬‬ ‫‪.4‬العمــل علــى تطويــر وتقـ ّدم األفــكار للوصــول الــى نظــام‬ ‫سياســي واقتصــادي عالمــي ديمقراطــي‪ ،‬عــادل وعقالنــي‬ ‫متــوازن‪.‬‬ ‫علــى الرغــم ممــا تحققــه هــذه المنظمــة مــن إنجــازات‪ ،‬ومــا‬ ‫تحتويــه مــن ثــروات بشــرية واقتصاديــة‪،‬اال ان البعــض‬ ‫يــرى عــدداً مــن نقــاط الضعــف التــي تمنعهــا مــن تكــوّ ن‬ ‫قطــب دولــي‪ ،‬اهمهــا‪:‬‬ ‫‪.1‬إن بعــض الــدول التــي تتمتــع بصفــة مراقــب فــي‬ ‫منظمــة شــنغهاي كالباكســتان أقــرب إلــى التحالــف‬ ‫مــع الواليــات المتحــدة منهــا إلــى موســكو وبكيــن‪.‬‬ ‫‪.2‬ان المنظمــة ال يمكــن ان تكــون نــواة مشــروع قطبــي‬ ‫لضمهــا دوالً غيــر متكافئــة‪.‬‬ ‫‪.3‬التنافــس بيــن بكيــن وموســكو علــى الزعامــة داخــل‬ ‫المنظمــة‪ ،‬ووجــود خالفــات بيــن البلديــن بشــأن قضايــا‬ ‫التوســع االقتصــادي والسياســي الصيني في آســيا الوســطى‪.‬‬ ‫مجموعة البريكس‪:‬‬ ‫تضــم مجموعــة البريكــس خمس دول مــن ذوي االقتصادات‬ ‫الناشــئة‪ ،‬هــي‪ :‬البرازيــل وروســيا والهنــد والصيــن وجنــوب‬ ‫أفريقيــا‪ .‬وتضــم دول البريكــس حوالــي ‪ 45‬فــي المئــة مــن‬ ‫ســكان العالــم‪ ،‬ومســاحات جغرافيــة شاســعة‪ ،‬وثــروات‬ ‫طبيعيــة هائلــة‪ ،‬وطاقــة إنتاجيــة قويــة‪ .‬وحســب إحصائيــات‬ ‫العــام ‪ ،2010‬بلــغ إجمالــي الناتــج المحلــي لهــذه الــدول‪:‬‬ ‫الصيــن ‪ 5‬تريليونــات ونصــف تريليــون دوالر‪ ،‬والبرازيــل‬ ‫تريليونــي دوالر‪ ،‬وكل مــن الهنــد وروســيا تريليونــا ً‬ ‫و‪ 600‬مليــار دوالر‪ ،‬وجنــوب أفريقيــا ‪ 285‬مليــار دوالر‪.‬‬ ‫وخــال العــام ‪ ،2012‬بلــغ الناتــج اإلجمالــي المحلــي لــدول‬ ‫البريكــس مجتمعــة نحــو ‪ 13.6‬تريليــون دوالر بينمــا بلــغ‬ ‫مجمــوع احتياطــي النقــد األجنبــي لتلــك الــدول أربعــة‬ ‫تريليونــات دوالر‪ .‬أمــا متوســط نمو الناتــج اإلجمالي المحلي‬ ‫فــي المجموعــة فقــد بلــغ نســبته ‪ ،4%‬فيمــا بلغ المؤشــر ذاته‬ ‫فــي مجموعــة الــدول الســبع الصناعيــة الكبــرى ‪.0,7%‬‬ ‫وتســتحوذ الــدول الخمــس علــى نحــو ‪ 18%‬مــن االقتصــاد‬ ‫العالمــي بناتــج محلــي يقــارب عشــرة تريليونــات دوالر‬ ‫ســنويا‪ ،‬كمــا تســتحوذ علــى أكثــر مــن ‪ 15%‬مــن إجمالــي‬ ‫التجــارة العالميــة وأكثــر مــن ثلــث الســوق العالمــي‪ .‬ومــن‬ ‫المنتظــر أن تتجــاوز نســبة مســاهماتها اإلجماليــة ‪ 50%‬من‬ ‫إجمالــي النمــو االقتصــادي العالمــي بحلــول العــام ‪.2020‬‬ ‫احتــل مشــروع إنشــاء المصــرف اإلنمائــي الح ّيــز األكبــر‬ ‫مــن نقاشــات دول البريكــس‪ ،‬وهــو مشــروع يفتــرض أن‬ ‫يشــكل منعطف ـا ً حقيقي ـا ً فــي مســار ســحب بســاط الســيطرة‬ ‫االقتصاديــة‪ ،‬حيــث يســاعد المصــرف فــي التخلــص مــن‬ ‫التبعيــة للبنــك الدولــي واحتياطــي صنــدوق النقــد وارتبــاط‬ ‫التجــارة الدوليــة بالــدوالر االميركــي‪ ،‬ويفتــرض أن يبــدأ‬ ‫المصــرف الجديــد عملــه برأســمال قــدره ‪ 50‬مليــار دوالر‬ ‫بحســب الدراســات‪ ،‬أي ‪ 10‬مليــارات لــكل دولــة‪ .‬غيــر ان‬ ‫البعــض يــرى عــددا مــن نقــاط الضعــف تتمثــل فيمــا يلــي‪:‬‬ ‫‪.1‬أن العديــد مــن الــدول الناشــئة تخشــى مــن ان تــؤدي‬ ‫مؤسســات بريكــس الــى ترســيخ هيمنــة الصينييــن الذيــن‬ ‫يتنامــى وجودهــم‪ ،‬االمــر الــذي دعــا قــادة البريكــس الــى‬ ‫لقــاء مــع عــدد مــن القــادة األفارقــة شــمال دوربــان‪.‬‬


‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫‪.2‬فشــل دول البريكــس فــي تأســيس أجســام مشــتركة‪،‬‬ ‫حيــث اعتبــرت بعــض الصحــف أن المصــرف ســيبقى‬ ‫رمزيــاً‪ .‬وهــو مــا أشــارت إليــه مجلــة فوريــن بوليســي‬ ‫عــن االختــاف فــي نمــو الــدول الخمــس‪ ،‬حيــث أن‬ ‫جنــوب أفريقيــا ليســت مصــدر فائــدة ‪.1‬كبــرى أو إنتاجيــة‬ ‫بعكــس الهنــد أو البرازيــل‪ ،‬فاقتصــاد روســيا (علــى ســبيل‬ ‫المثــال) وهــو األصغــر بيــن الــدول االعضــاء‪ ،‬لكنــه‬ ‫يتفــوق بأربــع مــرات علــى اقتصــاد جنــوب أفريقيــا‪.‬‬ ‫‪.2‬هنــاك فروقــات شاســعة فــي ســلم أولوياتهــا‪.‬‬ ‫‪.3‬عــدم وجــود ترابــط بيــن اعضائهــا مســتويات السياســة أو‬ ‫االقتصــاد أو الثقافــة‪.‬‬ ‫‪.4‬وجــود تبايــن بيــن اعضائهــا علــى مواضيــع اقتصاديــة‪،‬‬ ‫ابرزهــا الخــاف الروســي – الصينــي حــول تســعير النفــط‬ ‫الروســي‪ ،‬وفــرض الهنــد ضرائــب علــى بعــض الســلع‬ ‫الصينيــة‪ ،‬واغــراق اســواق االعضــاء بالمنتجــات الصينيــة‬ ‫بشــكل كبيــر‪.‬‬ ‫فــي المقابــل‪ ،‬اســتطاعت مجموعــة البريكــس خــال‬ ‫الســنوات القليلــة الماضيــة أن تصنــع لنفســها مكانــة شــديدة‬ ‫األهميــة داخــل المجتمــع الدولــي‪ ،‬فهــي أســرع دول العالــم‬ ‫نمــواً حالي ـا ً وأقلهــا تأثــراً باألزمــة الماليــة‪ ،‬يحكمهــا رابــط‬ ‫مهــم ترتكــز علــى قيامــه برفــض الهيمنــة الغربيــة علــى‬ ‫االقتصــاد والسياســة العالميــة‪ ،‬وينعكــس ذلــك مــن خــال‬ ‫تبنيهــا مواقــف مشــابهة طرحتهــا فــي القمــة األخيــرة مــن‬ ‫ســوريا والنــووي اإليرانــي وأفغانســتان وقضايــا الشــرق‬ ‫األوســط‪.‬‬ ‫االتحاد الروسي‪:‬‬ ‫قــال الرئيــس الروســي فالديميــر بوتــن فــي إحــدى خطبــه‬ ‫أن «الرفيــق الذئــب (مشــيراً إلــى الواليــات المتحــدة‬ ‫االميركيــة) يــأكل وال يســتمع إلــى أحــد‪ .‬وال نيــة لديــه‬ ‫لالســتماع إلــى أحــد‪ .‬كيــف يخفــي الــكالم المبالــغ فيــه‬ ‫عــن الدفــاع عــن حقــوق اإلنســان والديمقراطيــة حيــث‬ ‫يتعلــق األمــر بالدفــاع عــن مصالحــه الخاصــة‪ ،‬حينهــا‬ ‫كل شــيء يصبــح ممكنــاً‪ ،‬وال تعــود هنــاك أي حــدود»‪.‬‬ ‫ومــع عــودة «الــدب الروســي» الــى الواجهــة الدوليــة‬ ‫مجــددا‪ ،‬بــدأ بنســج العديــد مــن العالقــات الدوليــة مــع‬ ‫عــدد مــن الــدول تعيــده الــى الواجهــة مجــدداً‪ ،‬ولعــب‬ ‫دور محــوري‪ ،‬اهمهــا‪1- :‬روســيا وايــران‪ :‬حيــت قامــت‬ ‫موســكو ببناءالمفاعــات النوويــة فــي ايــران‪ ،‬االمــر‬ ‫الــذي عــاد عليهــا بأربــاح ماليــة ضخمــة‪ ،‬وجعلهــا مــن‬ ‫المدافعيــن االول عــن البرنامــج النــووي االيرانــي ضمني ـاً‪.‬‬ ‫‪ 2‬روســيا وســورية‪ :‬حيــث ان موســكو تســتخدم مينــاء‬‫طرطــوس لصيانــة القطــع البحريــة‪ ،‬واعتبــار ســوريه‬ ‫آخــر موطــئ لهــا علــى البحــر المتوســط‪ ،‬والطمــع فــي‬ ‫االســتثمار النفطــي بعــد اكتشــاف آبــار عــدة فــي المتوســط‪.‬‬ ‫‪ 3‬روســيا والبحريــن‪ :‬صــادق رئيــس الــوزراء الروســي‬‫دميتــري مدفيديــف علــى مشــروع االتفاقيــة بيــن روســيا‬ ‫ومملكــة البحريــن حــول الترويجوالحمايــة المتبادلــة‬ ‫لالســتثمارات‪ ،‬والتــي تتضمــن تهيئــة ظــروف مالئمــة‬ ‫لالســتثمار‪ ،‬وعــدم وضــع تدابيــر مقيــدة أو غيــر معقولــة‬ ‫الســتخدام أوالمتــاك أو إللغــاء االســتثمارات علــى‬ ‫أراضيهمــا‪.‬‬ ‫‪ 4‬روسيا ومصر‪ :‬وافق الكرملين على تقديم المساعدة‬‫لمصــر فــي اطــاق برنامــج نــووي طمــوح خــال العــام‬ ‫المقبــل ويتضمــن االتفــاق بنــاء سلســلة مــن المفاعــات‬ ‫النوويــة مــن بينهــا منشــأة نوويــة علــى ســاحل البحــر‬

‫فكر‬

‫المتوســط‪ .‬وافــاد المســؤولون ان هــذا االتفــاق تــم‬ ‫التوصــل اليــه اثنــاء الزيــارة االخيــرة للرئيــس مرســي‬ ‫علــى رأس وفــد كبيــر الــى موســكو‪ ،‬حيــث تــ ّم عــرض‬ ‫التعــاون بيــن البلديــن فــي مجــال الطاقــة وزيــادة التبــادل‬ ‫التجــاري‪ ،‬وأشــار صالــح إلــى ان اول مرحلــة فــي‬ ‫البرنامــج النــووي المصــري ســوف تكــون تطويــر اول‬ ‫مفاعــل نــووي فــي منطقــة دبعــا قــرب االســكندرية وان‬ ‫شــركة روســاتوم ‪1-‬الحكوميــة الروســية ســوف تقــوم‬ ‫باعــادة تأهيــل المفاعــل المتوقــف عــن العمــل منــذ ‪ 25‬ســنة‬ ‫بســبب عــدم توفــر المــال ومعارضــة الواليــات المتحــدة‪.‬‬ ‫‪2‬روســيا واليابــان‪ :‬يســعى البلــدان الــى توقيــع اتفاقيــة‬‫صلــح تنهــي بهــا آثــار الحــرب العالميــة الثانيــة غيــر ان‬ ‫بعــض االمــور التــزال عالقــة اهمهــا قضيــة جــزر الكوريــل‬ ‫المُتنــازع عليهــا بيــن البلدين‪ ،‬اذ تم تكليــف وزارتي خارجية‬ ‫روســيا واليابــان بتنشــيط الجهــود مــن أجــل صياغــة خيــار‬ ‫مقبــول للطرفيــن لحــل المشــكلة‪ ،‬علمــا ً أن المفاوضــات‬ ‫الروســية ‪ -‬اليابانيــة حــول إعــداد معاهــدة الصلــح توقفــت‬ ‫العــام ‪ .2001‬وأشــار بوتيــن إلــى أن العالقــات بيــن البلديــن‬ ‫«تتطــور ّ‬ ‫باطــراد وفــي اتجــاه إيجابــي»‪ ،‬معربــا ً عــن‬ ‫أن روســيا بوســعها أن تلبــي حاجــة اليابــان إلــى مــوارد‬ ‫الطاقــة مــن دون أن تلحــق ضــرراً بمصالــح شــركائها‬ ‫الدائميــن‪ .‬مــن جانبــه‪ ،‬ذكــر رئيــس وزراء اليابــان شــينزو‬ ‫أن «إمكانيــات التعــاون بيــن البلديــن لــم تســتغل علــى نحــو‬ ‫كافٍ»‪ ،‬وأضــاف إن «االرتقــاء بمســتوى التعــاون ال يلبــي‬ ‫المصالــح الوطنيــة للبلديــن فحســب‪ ،‬بــل يســهم فــي تحقيــق‬ ‫االســتقرار واالزدهــار»‪ .‬وشــدد علــى أن حجــم التبــادل‬ ‫بيــن البلديــن ازداد بمقــدار ‪ 8‬أضعــاف خــال األعــوام‬ ‫العشــرة الماضيــة‪ ،‬فيمــا تضاعــف عــدد الشــركات اليابانيــة‬ ‫فــي روســيا‪ .‬كمــا و ّقعــت روســيا واليابــان عــدداً مــن‬ ‫االتفاقيــات المهمــة فــي شــتى مجــاالت التعــاون‪ ،‬اذ حــازت‬ ‫اتفاقيــات الطاقــة والتبــادل االســتثماري الحصــة األكبــر‪.‬‬ ‫وعلــى الرغــم مــن هــذه الشــبكة العنكبوتيــة للعالقــات‬ ‫االقتصاديــة خاصــة مــع دول تابعــة لواشــنطن تاريخيــا‬ ‫(اليابــان ومصــر مثــا)‪ ،‬يــرى البعــض ان هنــاك نقــاط‬ ‫ضعــف عــدة تتمثــل فــي‪:‬‬ ‫‪.1‬أن القطــاع العــام وقطــاع الخدمــات لــم يحققــا كثيــراً‬ ‫مــن التقــدم عمــا كان عليــه الوضــع فــي الســنوات األخيــرة‬ ‫لالتحــاد الســوفياتي‪.‬‬ ‫‪.2‬ان االقتصــاد الروســي يعانــي مــن مشــكالت صعبــة‪،‬‬ ‫منهــا الفســاد المالــي والبيروقراطيــة‪ ،‬فبمقارنــة أداء‬ ‫االقتصــاد الروســي مــع اقتصــادات دول البريكــس األخــرى‬ ‫يتبيــن ان االقتصــاد الروســي يفتقــد المبــادرة والديناميــة‪.‬‬ ‫‪.3‬يشــكل النفــط والغــاز مــا نســبته ‪ 70%‬مــن الصــادرات‪،‬‬ ‫فــي حيــن لــم تشــكل صــادرات اآلالت واألســلحة ســوى‬ ‫‪ 5%‬منهــا فــي العــام ‪ ،2012‬االمــر الــذي يجعــل‬ ‫االقتصــاد الروســي مرهونــا ً بأســعار النفــط والغــاز التــي‬ ‫تبقــى عرضــة لتقلبــات األســعار العالميــة‪ ،‬والتــي تشــير‬ ‫إلــى انخفــاض أســعار تلــك المــواد فــي الســنوات المقبلــة‪،‬‬ ‫وذلــك جــراء االكتشــافات الكبــرى للنفــط والغــاز فــي‬ ‫الواليــات المتحــدة‪ ،‬والتــي تســتخرج بواســطة ضــخ‬ ‫الميــاه‪ ،‬وباألســاليب األكثــر ابتــكاراً وتقدمــا ً فــي العالــم‪.‬‬ ‫‪.4‬عــدم تمتــع الســلع الصناعيــة الروســية بمزايــا تنافســية‬ ‫فــي الســوق العالميــة‪ .‬كمــا ان االســتثمارات قليلــة‪ ،‬والبنــى‬ ‫التحتيــة فــي حالــة يرثــى لهــا‪ ،‬وهــي مــن ميــراث االتحــاد‬ ‫الســوفياتي الســابق‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫الصين الشعبية‪:‬‬ ‫لقــد وضعــت الصيــن خطــة اقتصاديــة طويلــة االمــد‬ ‫مكونــة مــن ثــاث مراحــل وعلــى مــدى ‪ 50‬ســنة‪:‬‬ ‫وتقضــي‬ ‫‪2000-2010‬‬ ‫االولــى‪:‬‬ ‫المرحلــة‬ ‫بمضاعفــة اجمالــي الناتــج المحلــي الموجــود لديهــا‪.‬‬ ‫المرحلــة الثانيــة‪ 2010-2020 :‬وتقضــي بمضاعفــة الناتج‬ ‫المحلــي مــرة اخــرى وهــي المرحلــة التــي تعيشــها اليــوم‪.‬‬ ‫المرحلــة الثالثــة‪ 2020-2050 :‬وتقضــي مواكبــة‬ ‫التطــور كــي تصبــح دولــة مزدهــرة ديمقراطيــا‪ ،‬ومتمدنــة‪.‬‬ ‫ويــرى عضــو منتــدى االصــاح الصينــي تشــنغ بــي جيــان‬ ‫فــي مقــال لــه بعنــوان «الصعــود الســلمي لمكانــة الــدول‬ ‫العظمــى» ان هنــاك ثــاث مشــكالت اساســية تواجــه‬ ‫االقتصــاد الصينــي‪ ،‬وهــي‪:‬‬ ‫‪.1‬قصــور فــي المــوارد وحاجــة الصيــن الــى مصــادر‬ ‫الطاقــة‪ ،‬وهــو مــا يفســر الخــاف الــذي ظهــر مــع الفليبيــن‬ ‫وبعــض الــدول األخــرى بســبب ســيطرة االســطول‬ ‫الحربــي علــى بعــض المناطــق فــي البحــر الصينــي والتــي‬ ‫تختــزن كميــات ضخمــة مــن مــوارد الطاقــة‪ ،‬وقيامهــا‬ ‫بالتوجــه الــى افريقيــا لهــذا الغــرض ايضــا‪ ،‬مــن خــال‬ ‫االتفاقــات التــي عقدتهــا ابرزهــا توقيــع عقــد مــع موريتانيــا‬ ‫للتنقيــب علــى النفــط وشــرائها ‪ 65%‬مــن اإلنتــاج‪.‬‬ ‫‪.2‬مشــاكل بيئيــة تتمثــل فــي التلــوث المتزايــد‪ ،‬كثــرة‬ ‫النفايــات ونقــص فــي عمليــات التدويــر‪.‬‬ ‫‪.3‬مــدى القــدرة علــى التنســيق بيــن االقتصــاد والتطــور‬ ‫نــواح عديــدة (نمــو الناتــج المحلــي‬ ‫االجتماعــي مــن‬ ‫ٍ‬ ‫االجمالــي والتقــدم االجتماعــي – التطــور التكنولوجــي‬ ‫وخلــق فــرص العمــل)‪.‬‬ ‫ويــرى بــي جيــان ان علــى الصيــن تجــاوز ثــاث مراحــل‪:‬‬ ‫‪.1‬تحديــث آليــات التصنيــع غيــر المكلــف والتخفيــف‬ ‫مــن االســتهالك الزائــد للطاقــة‪ ،‬وتقليــل كميــات التلــوث‪.‬‬ ‫‪.2‬ســعي الصيــن مــن أجــل تحقيــق الســام والتنميــة‬ ‫والتعــاون مــع جميــع دول العالــم علــى عكــس المانيــا‬ ‫واليابــان اللتيــن ســببتا الحــرب العالميــة الثانيــة‪.‬‬ ‫‪.3‬تجــاوز وســائل عفــا عليهــا الزمــن للســيطرة‬ ‫االجتماعيــة‪ ،‬وبنــاء مجتمــع اشــتراكي متناغــم‪.‬‬ ‫خالصة‪:‬‬ ‫مــن خــال مــا تقــدم‪ ،‬يمكــن تســجيل المالحظــات التاليــة‪:‬‬ ‫ ليــس فــي النســق الدولــي حاليــا ايــه قطبيــة مســيطرة‬‫بــل هنــاك توزيــع للقــوى وان كانــت متفاوتــة‪.‬‬ ‫ ان المنظمــات الدوليــة مهمــا بلــغ حجمهــا (اقتصاديــا ً –‬‫جغرافيـا ً ‪ -‬بشــرياً) ال يمكــن ان تشــكل قطبـا ً دوليـاً‪ ،‬فالــدول‬ ‫بطبيعتهــا تميــل الى الســيطرة‪ ،‬وابرز مثــال تعاطي الواليات‬ ‫المتحــدة االميركيــة مــع االمــم المتحــدة كمــا ذكــر ســابقاً‪.‬‬ ‫ ان ضمــور الــدور االميركــي‪ ،‬خاصــة بعــد‬‫االزمــات االقتصاديــة (الحــروب التــي خاضتهــا –‬ ‫ازمــة ‪ 2009‬الماليــة)‪ ،‬هــي مــن االســباب االساســية‬ ‫التــي تســاعد علــى ســرعة وتصاعــد دول عــدة‪.‬‬ ‫ ســعي الــدول الــى الســيطرة علــى مــوارد الطاقــة‬‫ومحاصــرة بعضهــا عســكرياً‪ ،‬وهــو مــا يفســر اعــان‬ ‫الرئيــس بــاراك اوبامــا بضــرورة تواجــد ‪ 60%‬مــن القطــع‬ ‫البحريــة االميركيــة فــي المحيــط الهــادي لمحاصــرة الصيــن‬ ‫وزيــادة القواعــد العســكرية فــي المنطقــة‪.‬‬


‫‪10‬‬

‫دين‬

‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫المسيحية قبل ميالد المسيح وبعده ‪4/3‬‬

‫املنعطف التاريخي األساسي نحو تشكيل األمة يف العالم العربي‬

‫جورج حداد‬ ‫كاتب لبناني مستقل‬ ‫مثلــت الحــروب البونيــة (بيــن رومــا وقرطاجــة‪ ،‬والتــي انتهــت‬ ‫التحــول النهائــي مــن المرحلــة‬ ‫بتدميــر قرطاجــة التــام) نقطــة‬ ‫ّ‬ ‫المتأخــرة للمجتمــع المشــاعي البدائــي الــى مرحلــة المجتمــع‬ ‫جســدته رومــا تمامـا ً واســتعبدت بموجبــه شــعوب‬ ‫العبــودي الــذي ّ‬ ‫العالــم المتحضــر القديــم‪ .‬وظهــرت الديانــة المســيحية (اإليمــان‬ ‫بمجــيء المســيح ـ المخلــص) كــردّ فعــل علــى انتصــار رومــا‬ ‫والمجتمــع العبــودي‪ ،‬وكشــكل مــن اشــكال النضــال اإلنســاني ـ‬ ‫االجتماعــي ـ السياســي ـ االيديولوجــي ـ الدينــي ضــد العبوديــة‬ ‫الرومانيــة وضــد ملحقهــا وخادمتهــا االســتغاللية والفســادية‬ ‫اليهوديــة‪ .‬وانتشــرت العقيــدة المســيحية اول مــا انتشــرت فــي‬ ‫عــرف اليــوم بـ»الوطــن العربــي الكبيــر»‪ ،‬وكان‬ ‫البلــدان التــي ُت َ‬ ‫لهــا الفضــل االول فــي تقريــب شــعوب تلــك البلــدان وتآخيهــا‬ ‫فــي االطــار الدينــي المســيحي‪ ،‬ممــا مهــد لبلــورة االمــة العربيــة‬ ‫وظهورهــا الحقــاً‪ .‬وهــذا البحــث المتواضــع يحــاول ان يلقــي‬ ‫الضــوء علــى هــذه العمليــة التاريخيــة‪ ،‬التــي هــي مــن اكبــر‬ ‫العمليــات الحضاريــة فــي التاريــخ والتــي تؤكــد ثــاث حقائــق‬ ‫جوهريــة‪ :‬االولــى ـ حضاريــة االمــة العربيــة‪ .‬والثانيــة ـ ان االمــة‬ ‫العربيــة ولــدت فــي الكفــاح ضــد االســتعمار واالســتعباد االوروبي‬ ‫والفســاد اليهــودي‪ .‬والثالثــة ـ ان المســيحية هــي األس األساســي‬ ‫لــوالدة االمــة العربيــة‪.‬‬

‫وهــذا الوجــود المســيحي التاريخــي هــو واقــع ال يمكــن‬ ‫انــكاره‪ ،‬بصــرف النظــر عــن طبيعــة المعتقــدات المســيحية‬ ‫وصحتهــا او عــدم صحتهــا‪ ،‬بــأي مقيــاس كان‪.‬ولتوضيــح‬ ‫هــذه النقطــة المعرفيــة الجوهريــة نســتميح القــارئ عــذرا فــي‬ ‫تقديــم المثــال التالــي‪ :‬فــي المرويــات الشــعبية ان شــيخا قرويا‬ ‫كان أشــرف علــى المــوت‪ ،‬وكان لديــه ابنــاء عديديون وقطعة‬ ‫ارض ال تكفــي لتقســيمها علــى ابنائــه كــي يبنــي كل واحــد‬ ‫منهــم بيتـا ً مســتقالً‪ .‬وكــي يبــرر الشــيخ عــدم تقســيمه االرض‬ ‫فيمــا بينهــم‪ ،‬قــال الوالده انــه يتــرك لهــم كنــزاً مطمــوراً فــي‬ ‫االرض ولكنــه ال يتذكــر ايــن دفــن الكنــز‪ ،‬واوصاهــم ان‬ ‫ينقبــوا االرض بعــد مماتــه ويجــدوا الكنــز ويتقاســموه‪ .‬وفــي‬ ‫اليــوم التالــي لوفــاة الشــيخ شــرع ابنــاؤه فــي تنقيــب االرض‬ ‫الــى عمــق معيــن‪ ،‬ولمــا لــم يجــدوا شــيئا ً تابعــوا التنقيــب‬ ‫اكثــر فأكثــر‪ ،‬حتــى يئســوا او تعبــوا وتوقفــوا عــن التنقيــب‬ ‫وهــم يندبــون حظهــم مــع والدهــم «الخــرف» والــذي كــذب‬ ‫عليهــم‪ ،‬حســب زعمهم‪.‬وبالصدفــة مــرّ بهــم شــيخ آخــر مــن‬ ‫اقاربهــم‪ ،‬فحكــوا لــه حكايتهــم‪ ،‬فرثــى لحالهــم‪ ،‬ولكنــه قــال‬ ‫لهــم أخيــراً‪ ،‬ان والدهــم الشــيخ المتوفــى ال يمكــن ان يكــون‬ ‫كــذب عليهــم النــه يعرفــه عــن قــرب‪ ،‬وهــو يؤكــد صدقــه‪،‬‬ ‫خصوصــا انــه كان علــى فــراش المــوت‪ ،‬ولكــن طالمــا‬ ‫انهــم تعبــوا ونقبــوا االرض بهــذا الشــكل العميــق فليســتفيدوا‬ ‫منهــا ويزرعوهــا ويتقاســموا غلتهــا عنــد الحصــاد؛ ففعــل‬ ‫االخــوة مــا نصحهــم بــه قريبهــم الشــيخ‪ ،‬وحصلــوا علــى‬ ‫غلــة جيــدة تقاســموها فيمــا بينهــم؛ وكانــت غلتهــم أفضــل‬ ‫غلــة فــي قريتهــم نظــراً لعمــق تنقيــب االرض الــذي كانــوا‬ ‫قــد أنجــزوه‪ .‬وفــي الســنوات التاليــة كان هــؤالء االخــوة‬ ‫الباحثــون عن«الكنــز الموعــود والمفقــود» يعيــدون‬ ‫التنقيــب عم ـاً بوصيــة والدهــم المتوفــى وبنصيحــة قريبهــم‬ ‫الشــيخ‪ ،‬ويعيــدون الزراعــة‪ ،‬وال يجــدون الكنــز‪ ،‬ولكنهــم‬ ‫يحصلــون علــى افضــل الغــال‪ ،‬واصبحــوا مــن اغنــى‬ ‫اغنيــاء القريــة والمنطقــة‪ .‬فســواء كان حديــث الشــيخ المتوفى‬ ‫كذبــة؛ فربمــا حينمــا دفــن الشــيخ الكنــز فــي االرض رآه‬ ‫احــد اللصــوص واختلســه مــن حيــث ال يــدري؛ وســواء ان‬ ‫الكنــز ال يــزال موجــوداً فــي االرض ولــم يســتطع االوالد‬ ‫الوصــول اليــه؛ فــإن هــؤالء االوالد ـ ومــن حيــث يقصــدون‬ ‫او ال يقصــدون ـ تحوّ لــوا الــى مجموعــة زراعيــة هــي‬ ‫االفضــل واالرقــى واالغنــى فــي القريــة المعنيــة‪ .‬وســيكون‬ ‫مــن الســخف تمامــا ً ان يمــر احدهــم بهــؤالء االخــوة وهــم‬ ‫ينقبــون فــي أرضهمويعتنــون بزرعهــم‪ ،‬ويســخر منهــم بأنهــم‬

‫«مخدوعــون» يضيّعــون وقتهــم فــي البحــث عــن كنــز غيــر‬ ‫موجــود‪ .‬ومــع كل احترامنــا لــكل معتقــد دينــي‪ ،‬مســيحي او‬ ‫غيــر مســيحي‪ ،‬نقــول إن ليــس المهــم صحــة او عــدم صحــة‬ ‫معتقــدات االديــان عــن نفســها او عــن بعضهــا البعــض‪،‬‬ ‫واســتطرادا ليــس المهــم صحــة او عــدم صحــة المعتقــدات‬ ‫العلمانيــة وااللحاديــة والفلســفية والدينيــة عــن اي معتقــد كان‪،‬‬ ‫وبالعكــس‪ ،‬بــل المهــم هــو الســلوك االجتماعــي واالخالقــي‬ ‫واالقتصــادي والسياســي (الوطنــي والقومــي واألممــي‪،‬‬ ‫االنســاني‪ ،‬او غيــر الوطنــي والقومــي واألممــي‪ ،‬وغيــر‬ ‫االنســاني) لــكل جماعــة بشــرية‪ ،‬دينيــة او غيــر دينيــة‪.‬‬ ‫(ولبنــان هــو «نموذجــي» علــى هــذا الصعيــد‪ :‬حيــث هنــاك‬ ‫«مســلمون» و«مســيحيون»وعلمانيون»‪ :‬وطنيــون وفــي‬ ‫صــف المقاومة؛و«مســيحيون» و»علمانيــون» غيــر‬ ‫وطنييــن يقفــون فــي صــف اميــركا واســرائيل واعــداء‬ ‫للمقاومــة)‪ .‬وفــي المحصلــة التاريخيــة نــرى (كمــا فــي قصــة‬ ‫االخــوة الذيــن نقبــوا ارضهــم جيــداً بحثـا ً عــن «الكنــز») ان‬ ‫منطقــة االنتشــار االكبــر للمســيحية فــي المنطقــة العربيــة‪،‬‬ ‫قبــل ظهوراالســام‪ ،‬وبدونــه‪ ،‬وبــدون اي انتقــاص مــن دوره‬ ‫الالحــق‪ ،‬هــي المنطقــة االرقــى فــي جغرافية الخالفــة العربية‬ ‫اإلســامية‪ .‬وهــو مــا اعترفــت بــه موضوعيـا ً الخالفــة ذاتهــا‬ ‫حينمــا نقلــت مقرهــا مــن الجزيــرة الــى دمشــق‪ ،‬ثــم الــى‬ ‫بغــداد‪ .‬وحينمــا انقســمت علــى نفســها الــى خالفتيــن فــي‪:‬‬ ‫بغــداد والقاهــرة‪ .‬والســبب طبع ـا ً ليــس ديني ـا ً ـ ايماني ـاً‪ ،‬بــل‬ ‫الن مناطــق ســوريا والعــراق ومصــر كانــت ارقــى حضاريـا ً‬ ‫مــن شــبه الجزيــرة العربيــة‪ ،‬وهــي كلهــا مناطــق كانــت‪،‬‬ ‫بمعــزل عــن الســلطات الوثنيــة او «المســيحية!»‪ ،‬ذات طابــع‬ ‫شــعبي مســيحي‪.‬اي ان غالبيــة او كل الشــعب كان مســيحياً‪.‬‬ ‫وبنــاء علــى فهمنــا التاريخــي الواقعــي هــذا فإننــا نقــول انــه‬ ‫مناقشــة الفعــل التاريخــي للوجــود المســيحي كمــا هــو‪ ،‬اي‬ ‫مــن خــال معتقداتــه هــو عــن نفســه‪ ،‬ومــن خــال تنظيمــه‬ ‫ونشــاطه وحراكــه الخــاص‪ ،‬وليــس مــن خــال المعتقــدات‬ ‫واألحــكام الغيريــة والمغايــرة‪ ،‬عنــه وعليــه‪ ،‬الدينيــة او‬ ‫الفلســفية او السياســية‪ .‬ومــع كل «االحتــرام» الجتهــادات‬ ‫الســيد محمــود خليــل وكل الضاربيــن علــى طبلــه‪ ،‬ليســمح‬ ‫لنــا عطوفتــه فــي ان ننظــر فيمــا تقولــه الروايــة المســيحية‬ ‫ذاتهــا (األناجيــل المقدســة والنصــوص الكنســية) عــن والدة‬ ‫الســيد المســيح‪ ،‬ورد فعــل رومــا وعمالئهــا ويهودهــا علــى‬ ‫والدة الســيد المســيح‪ ،‬وهــروب العائلــة المقدســة الــى مصــر‪،‬‬ ‫والحقائــق التاريخيــة التــي تؤكدهــا تلــك الروايــة‪:‬‬

‫االنتماء الى الفقراء‪:‬‬

‫تقــول الروايــة المســيحية إن الســيدة مريــم العــذراء وضعــت‬ ‫الطفــل يســوع فــي مــذود‪ .‬وبصــرف النظــر عــن البحــث فــي‬ ‫الحــد الفاصــل بيــن المشــيئة االلهيــة واالمكانيــات الماديــة‬ ‫لعائلــة يوســف النجــار مــن الناصرة‪،‬فــإن الواقــع الذيتأخــذ‬ ‫بــه الروايــة المســيحية ويصدقــه المســيحيون الصادقــون هــو‬ ‫ان يســوع المســيح ولــد فقيــراً وفــي عائلــة فقيــرة‪ ،‬كأي عائلــة‬ ‫فالحيــة فقيــرة يولــد اوالدهــا ويعيشــون فــي غرفــة واحــدة‪،‬‬ ‫او خيمــة واحــدة‪ ،‬او زريبــة واحــدة مــع الحيوانــات األليفــة‬ ‫التــي تعتــاش منهــا العائلــة‪ .‬وبالرغــم مــن كل هــذا الفقــر‬ ‫المدقــع‪ ،‬فــإن الروايــة المســيحية‪ ،‬تســمّي المســيح المولــود‬ ‫«المخلــص»‪ ،‬وال تســمّيه «الملــك»‪ ،‬كمــا كان ينتظــره‬ ‫اليهــود‪ .‬وهنــاك الكثيــر مــن المســيحيين‪ ،‬ناهيــك طبع ـا ً عــن‬ ‫اعــداء المســيحية‪ ،‬الذيــن يمــرون بهــذه النقطة مــرور الكرام‪،‬‬ ‫او اللئــام‪ .‬ولكــن هــذه النقطــة هــي نقطــة جوهريــة‪ ،‬انقالبيــة‬ ‫او ثوريــة فــي التاريــخ البشــري‪ .‬اذ ان الحركــة الدينيــة‬ ‫االلهيــة التوحيديــة‪ ،‬المغايــرة للديــن او االديــان الوثنيــة عامــة‬ ‫والرومانيــة خاصــة‪ ،‬وهــي الحركــة التــي تنســب الــى ابرهيــم‬ ‫الخليــل او النبــي موســى‪ ،‬كانــت تضــم اليهــود والمســيحيين‬

‫علــى قــدم المســاواة‪ .‬وقــد عبــرت هــذه الحركــة عــن نفســها‬ ‫مــن خــال كتابــة «الكتــاب المقــدس» المشــترك‪ ،‬اي مــا‬ ‫يُســمّى «التــوراة» و»العهــد القديــم»‪ ،‬والــذي شــارك فــي‬ ‫كتابتــه مئــات الكهنــة ورجــال الديــن والمفكريــن والحاخامين‪،‬‬ ‫علــى مــدى ‪ 1500‬ســنة وأكثــر‪ .‬وكانــت تنبــؤات هــذا الكتاب‬ ‫(فــي النســخة التــي يتبناهــا اليهــود) تبشــر بمجــيء المســيح‬ ‫مــن ســالة الملــك داود‪ .‬وكان اليهــود يؤمنــون ان المســيح‬ ‫ســيأتي كملــك‪ .‬ولكــن المســيح الــذي «أتــى» وآمــن بــه‬ ‫«المســيحيون»‪« ،‬أتــى» كطفــل فقيــر يولــد فــي مــذود بقــر‪.‬‬ ‫اي ان المســيح الــذي آمــن بــه المســيحيون قــد اعلــن‪ ،‬بوالدتــه‬ ‫ذاتهــا ومنــذ لحظــة والدتــه‪ ،‬وحتــى قبــل إشــهار رســالته‪،‬‬ ‫اصطفافــه او انتمــاءه الــى الفقــراء والتعســاء والبؤســاء‪،‬‬ ‫وذلــك ليــس كإلــه او حاخــام او كاهــن او ارســتقراطي‬ ‫متعاطــف معهــم‪ ،‬بــل كأي انســان بســيط هــو واحــد منهــم‬ ‫وفيهــم‪ .‬اي‪ :‬ان المســيح الفقيــر‪ ،‬الــذي أعطــاه اإلنجيــل صفــة‬ ‫«المخلــص»‪ ،‬وضعــه االنجيــل منــذ لحظــة والدتــه بالــذات‬ ‫ضــد المجموعــة اليهوديــة‪ ،‬وضــد عمــاء رومــا‪ ،‬وضــد‬ ‫رومــا ذاتهــا‪ ،‬وضــد طبقــة األغنيــاء بكاملهــا‪ ،‬ومــن ثــم ضــد‬ ‫المجتمــع االســتغاللي ـ االســتعماري الســائد بأســره‪.‬‬

‫صراع الوجود مع اليهود وروما‪:‬‬

‫وتقــول الروايــة المســيحية إن ممثــل الســلطة الرومانيــة‬ ‫هيــرودس لمــا علــم بــوالدة الســيد المســيح فــي حالــة هــي‬ ‫غيــر الحالــة التــي كان يتوقعهــا اليهــود‪« ،‬اضطــرب هــو‬ ‫وكل اورشــليم معــه وجمــع كل رؤســاء الكهنــة وكتبــة‬ ‫الشــعب»‪ .‬ولمــا رأى «ان المجــوس قــد ســخروا بــه» اي لــم‬ ‫يرجعــوا إليــه ويخبــروه بمــكان وجــود الصبــي الــذي كان قــد‬ ‫أزمــع علــى قتلــه «غضــب جــداً وأرســل فقتــل كل صبيــان‬ ‫بيــت لحــم وجميــع تخومهــا مــن ابــن ســنتين فمــا دون علــى‬ ‫حســب الزمــان الــذي تحققــه مــن المجــوس»‪.‬‬ ‫وهــذا مــا يذكرنــا بالحصــار الرومانــي لقرطاجــة فــي‬ ‫‪146‬ق‪.‬م‪ ،‬فبعــد محاصــرة المدينــة وبــدء الهجــوم عليهامــن‬ ‫قبــل الجيــش الرومانــي بقيــادة شــيبيون «تمكــن صدربعــل‬ ‫(القرطاجــي) قائــد فــرق الخيالــة مــن تنظيــم المقاومــة‬ ‫بيــن الجيــش والشــعب وشــن هجمــات كاســحة فــي اتجــاه‬ ‫المينــاء فــي محاولــة مســتحيلة للخــروج باألطفــال والنســاء‬ ‫إلــى البحــر‪ ،‬وبعــد أن أدركــه اليــأس وضــع ســيفه علــى‬ ‫األرض وانحنــى أمــام شــيبيون طالبــا ً لهــم الرحمــة»‪.‬‬ ‫ولكــن شــيبون لــم يســتجب لــه‪« .‬إذ ذاك تقــول الروايــات‬ ‫تقدمــت زوجــة صدربعــل ورمــت بنفســها فــي النــار مــع‬ ‫طفليهــا كــي ال تحوجــه اســتعطاف الرومــان المتغطرســين‪،‬‬ ‫واندفعــت قرطاجــة تقاتــل مــن جديــد فــي آخــر معركــة وآخــر‬ ‫يــوم فيمــا أشــرف شــيبيون مــن موقعــه فــي البــرج علــى‬ ‫عمليــات القــوات الخاصــة إلشــعال النــار فــي كل بيــت»‪.‬‬ ‫وظلــت قرطاجــة تقاتــل وتشــتعل فيهــا النيــران مــدة ‪17‬‬ ‫يومــا ً حتــى د ّكــت بالكامــل (راجــع موســوعة ويكيبيديــا)‪.‬‬ ‫وبعــد مــرور ‪ 2100‬ســنة علــى تدميــر قرطاجــة وأقلّمــن‬ ‫‪ 1950‬ســنة علــى ميــاد الســيد المســيح وصــف المفكــر‬ ‫«اللبنانــي» انطــون ســعادة الصــراع مــع اليهــود‪،‬‬ ‫واســتطراداً‪ :‬الصــراع مــع «رومــا» القديمــة وكل «رومــا»‬ ‫بعدهــا حليفــة اســتراتيجية لليهــود‪ ،‬ـ وصفــه بأنــه «صــراع‬ ‫وجــود ال صــراع حــدود»‪ .‬ويضيــف ســعادة إن الصــراع‬ ‫مــع َمــن يسـمّيهم «يهــود الداخــل» هــو جــزء ال يتجــزأ مــن‬ ‫«صــراع الوجــود مــع اليهــود»‪ .‬ونذكــر هنــا ان الحاكــم‬ ‫«الرومانــي» هيــرودس لــم يكــن رومانــي القوميــة‪ ،‬ولــم‬ ‫يكــن يهوديـا ً عبرانيـاً‪ ،‬بــل كان أدوميـا ً متهــوداً‪ ،‬اي كان احــد‬ ‫كالب رومــا مــن‪« :‬يهــود الداخــل» حســب تعبيــر انطــون‬ ‫ســعادة‪ .‬ومــن المفيــد ان نذكــر هنــا ان «يهــود الداخــل» فــي‬ ‫لبنــان وســوريا نظمــوا تســليم انطــون ســعادة ومســرحية‬


‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫محاكمتــه واعدامــه فــي ‪ ،1949‬ولكــن هــذا لــم يلــغ افــكار‬ ‫انطــون ســعادة بــل أكدهــا بالملمــوس‪ .‬ذلــك ان انطــون ســعادة‬ ‫لــم يــأت بأفــكاره مــن فــراغ‪ ،‬بــل كان يقــرأ التاريــخ وقارئ ـا ً‬ ‫جيــداً لالنجيــل‪.‬‬

‫االنتشار المسيحي قبل والدة المسيح‪:‬‬ ‫الرعاة‪:‬‬

‫وتحدثنــا الروايــة المســيحية (انجيــل لوقــا) أنــه «كان فــي‬ ‫تلــك الناحيــة رعــاة يبيتــون فــي الباديــة يســهرون علــى‬ ‫رعيتهــم فــي هجعــات الليــل»‪ .‬وان مــاك الــرب ظهــر لهــم‬ ‫وأنبأهــم بــوالدة الســيد المســيح‪ .‬وأعطاهــم المــاك عالمــة‬ ‫محــددة وهــي «انكــم تجــدون طفــاً ملفوفــا ً مضجعــا ً فــي‬ ‫مذود»‪.‬وذهــب الرعــاة وســجدوا لــه‪ .‬اي بفصيــح العبــارة ان‬ ‫الســيد المســيح هــو بالتحديــد مســيح الفقــراء‪،‬وان الفقــراء هــم‬ ‫الركيــزة االولــى للمســيحية‪ ،‬الركيــزة التــي اختارهــا الــرب‬ ‫قبــل والدة الســيد المســيح‪ .‬مــن هــم هؤالءالرعــاة؟ ربمــا‬ ‫كانــوا يهــوداً عبرانييــن‪ ،‬وربمــا كانــوا كنعانيين‪،‬وربمــا كانــوا‬ ‫بــدواً‪ .‬فالعبــارة قــد تفيــد الفئــات الثالث‪.‬وحتــى لوافــادت‬ ‫الفئــات الثــاث معــا‪ ،‬فإنهــا ايضـا ً تفيدوجــود انســجام وتفاهــم‬ ‫فيمــا بينهــم؛ كمــا تفيــد انهــم كانــوا ينتظــرون «مجــيء»‬ ‫المســيح ـ المخلــص‪ ،‬وليــس المســيح ـ الملك‪،‬و َمــن ثــم كانــوا‬ ‫ينتظــرون مجــيء المســيح الفقيــر‪ ،‬وبكلمــات أدق‪:‬مجــيء‬ ‫المســيح المخلــص للفقــراء‪ .‬وهــذا مــا أكــده لهــم «مــاك‬ ‫الــرب»‪ ،‬فذهبــوا وســجدوا لــه‪ .‬وهــذه الروايــة تؤكــد انتشــار‬ ‫المســيحية فــي محيــط بيــت لحــم وفــي الباديةالقريبــة‪ ،‬قبــل‬ ‫والدة الســيد المســيح ومعهــا وبعدهــا‪ .‬وااللتبــاس الــوارد فــي‬ ‫االنجيــل حــول «قوميــة» الرعــاة يــدل أن المســيحية كانــت‬ ‫قــد بــدأت باالنتشــاربين مختلــف الفئــات‪ ،‬بمــا فــي ذلــك بيــن‬ ‫اليهــود الفقــراء (كالرعــاة الذيــن ذهبــوا وســجدوا للمســيح‬ ‫فــي المــذود‪ ،‬والحرفييــن كيوســف النجــار‪ ،‬والصياديــن‬ ‫كبطــرس)‪.‬‬

‫المجوس‪:‬‬

‫كمــا تحدثنــا الروايــة المســيحية (انجيــل متــى) «ولمــا‬ ‫ولــد يســوع فــي بيــت لحــم‪ ...‬اذا مجــوس قــد أقبلــوا مــن‬ ‫المشــرق» كــي يســجدوا للمســيح ويقدمــوا لــه الهدايــا‪.‬‬ ‫فمــن هــم هــؤالء «المجــوس»؟ اآلن‪ ،‬بعــد ســنة او عشــر‬ ‫ســنوات او مئــة ســنة‪ ،‬بــل بعــد ‪ 2013‬ســنة مــن ميالدالســيد‬ ‫المســيح‪ ،‬لــو وجهنــا هــذا الســؤال بشــكل اعتباطــي‪،‬‬ ‫النهــال علينــا ســيل مــن األجوبــة علــى لســان بعــض‬ ‫«اإلســاميين!!» التكفيرييــن‪ ،‬وبعــض بقايــا البعثييــن‬ ‫الصدامييــن‪ ،‬بــأن «المجــوس» هــم مــن الفــرس المالعيــن‪،‬‬ ‫عبــدة النــار والشــياطين‪ ،‬او مــن الشــيعة الرافضييــن‪،‬‬ ‫المؤيديــن للنصــارى «المشــركين»‪.‬ولكن مثــل هــذه األجوبــة‬ ‫ال تضــيء علــى اي مســألة اضــاءة حقيقيــة‪ ،‬بــل تتكشــف‬ ‫فقــط عــن الحقــد االعمى‪،‬الشــوفيني والمذهبــي‪ ،‬او العمــى‬ ‫بصروبصيــرة اصحابه‪.‬ولإلضــاءة‬ ‫الحاقــد‪ ،‬الــذي يُعمــي‬ ‫َ‬ ‫علــى هــذه المســألة نــرى مــن الضــروري إيــراد بعضمــا‬ ‫تقولــه المصادرالمســيحية نفســها عــن اولئــك «المجــوس»‪.‬‬ ‫فــي الموقــع االلكترونــي المســيحي‪ LINGA.ORG‬يــرد‬ ‫مــا يلــي‪( :‬أ) «تــرد كلمــة «مجــوس» فــي العهــد القديــم‬ ‫فــي نبوءتــي إرميــا ودانيــال‪ .‬فمــن رؤســاء بابــل الذيــن‬ ‫دخلــوا أورشــليم بعــد أن فتحهــا نبوخذنصــر ملــك بابــل‪،‬‬ ‫وجلســوا فــي البــاب األوســط (يــرد اســم) «نرجــل شــراصر‬ ‫رئيــس المجــوس» (إر ‪ 3 :39‬و‪ .)13‬ويــرى البعــض أن‬ ‫الكلمةالكلديــة المســتخدمة هنــا وهــي «رب موجــي» معناهــا‬ ‫«أميــر عظيــم»‪ .‬وكان الفــرس والماديــون والبابليــون‬ ‫يســتخدمون كلمــة «مجــوس» للداللةعلــى الكهنــة والحكمــاء‪.‬‬

‫دين‬

‫وكان المفــروض أنهــم رجــال حكمــاء ماهــرون فــي معرفــة‬ ‫األســرار‪ ،‬تلــك المعرفــة التــي نشــأت منــذ عصــور قديمــة‬ ‫فــي مصــر الفرعونيــة‪ ،‬وانتقلــت إلــى كلديــا وبابــل‪ .‬وكان‬ ‫المجــوس يحســبون بيــن المنجميــن‪ ،‬أي الذيــن يتنبــأون عــن‬ ‫األحــداث بقــراءة النجــوم‪.‬‬

‫( ب ) المجوس عند اليونانيين‪:‬‬

‫كانــت كلمــة «مجــوس» عنــد اليونانييــن ترتبــط بنظــام‬ ‫أجنبــي للعرافــة وبديانــة شــعب عــدو‪ ،‬قــد هزمــوه‪ ،‬وســرعان‬ ‫مــا أصبحــت نعتـا ً ألســوأ أنــواع الدجــل والخداع‪.‬كمــا تطلــق‬ ‫علــى «ســيمون الســاحر» (أع ‪ ،)9 :8‬فكلمــة «ســاحر» فــي‬ ‫الموضعيــن هــي نفــس كلمــة «ماجــوس»‪.‬‬

‫(جـ) المجوس في إنجيل متى‪:‬‬

‫يســتخدم متــى كلمــة «مجــوس» بمعناهــا الطيــب‪ ،‬حتــى انهــا‬ ‫تترجــم فــي اإلنجليزيــة إلــى «حكمــاء» (مــت ‪ 1 :2‬و‪7‬‬ ‫و‪ .)16‬ولكــن متــى ال يمدنــا بتفاصيــل كثيــرة عــن أولئــك‬ ‫المجــوس‪ ،‬إال أنهــم جــاؤوا مــن «المشــرق» (‪ 1 :2‬و‪،)2‬‬ ‫وهــي عبــارة غامضــة ال تحــدد بلــداً معين ـاً‪ ،‬وهكــذا تتــرك‬ ‫المجــال واســعا ً للتخميــن‪ .‬فقــال بعــض اآلبــاء إنهــم جــاؤوا‬ ‫مــن جنوبــي الجزيــرة العربيــة‪ ،‬وذلــك بنــاء علــى الهدايــا‬ ‫التــي قدموهــا «الذهــب واللبــان والمــرّ »‪ ،‬وكانــت تشــتهر‬ ‫بهــا هــذه البــاد‪ ،‬و(لكنهــا) ال تعتبــر «مشــرقاً» بالنســبة‬ ‫لفلســطين‪ ،‬لذلــك قــال آخــرون إنهــم جــاؤوا مــن كلديــا أو‬ ‫ميديــا أو فــارس‪ .‬ومــع أنــه ال يمكــن الجــزم بــرأي‪ ،‬إالَّ أن‬ ‫األرجــح أنهــم جــاؤوا مــن فــارس‪ ،‬حيــث كان هــذا االســم‬ ‫يطلــق علــى كهنتهــم‪ .‬وال يذكــر م ّتــى كــم كان عــدد المجــوس‬ ‫الذيــن جــاؤوا ليــروا الطفــل يســوع‪ .‬كمــا ال يذكــر أســماءهم‪.‬‬

‫(د) أهمية قصة المجوس في إنجيل متى‪:‬‬

‫تلعــب زيــارة المجــوس لبيــت لحــم دوراً هامــا ً فــي إنجيــل‬ ‫متــى‪ ،‬فمــن البدايــة تعلــن حقيقــة شــخصية الطفــل الوليــد‪...‬‬ ‫كمــا أن الحــوار بيــن المجــوس وهيــرودس ورؤســاء الكهنــة‬ ‫والكتبــة‪ ،‬يُعلــن أن يســوع كان تحقيقـا ً لنبــوة ميخا عن المســيا‪.‬‬ ‫وباإلضافــة إلــى إثبــات أن يســوع هــو المســيا الــذي طــال‬ ‫انتظــاره‪ ،‬فــإن قصــة المجــوس ‪ -‬كجــزء مــن مقدمــة‬ ‫إنجيــل متــى ‪ -‬تقــدم مواضيــع بــارزة عــدة تعــود للظهــور‬ ‫فياألصحاحــات التاليــة‪ .‬فهــي تؤكــد أوالً أن يســوع المســيح‬ ‫لــم يــأت لليهــود فقــط بــل لألمــم أيضــا ً (ممثليــن فــي‬ ‫«المجــوس مــن المشــرق»)‪ .‬كمــا كان ســجود هــؤالء األمــم‬ ‫صــورة مســبقة لإلرســالية العظمــى للكــرازة باإلنجيــل‬ ‫لجميــع األمــم (مــت ‪ ،)19 :28‬وأيضـا ً (‪ 11 :8‬و ‪:12 ،12‬‬ ‫‪ .)21‬والموضــوع الثانــي الــذي تعلنــه هــذه القصــة‪ ،‬هــو هــذا‬ ‫اإليمــان المذهــل الــذي أبــداه أولئــك المجــوس‪ ،‬والــذي كان‬ ‫ينقــض الشــعب الــذي جــاء منــه الــربّ يســوع‪ ،‬فبينمــا قــدم‬ ‫هــؤالء المجــوس الغربــاء اإلكــرام والســجود للمســيا المولــود‬ ‫فــإن هيــرودس‪ -‬ولعلــه كان بموافقــة رؤســاء الكهنــة أيضـاً‪-‬‬ ‫دبــر مؤامرتــه لقتــل الطفــل يســوع (‪6 -3 :2‬و ‪ .)16‬وهكــذا‬ ‫نجــد فــي فصــول أخــرى مــن اإلنجيــل‪ ،‬األمــم يؤمنــون‪،‬‬ ‫بينمــا لــم يؤمــن غالبيــة الشــعب اليهــودي (ارجــع إلــى ‪-5 :8‬‬ ‫‪ 19 :27 ،28 -21 :15 ،13‬و ‪ ».)54‬وفــي العــدد رقــم‬ ‫‪( 350‬كانــون االول ‪ )2006‬مــن مجلــة «صــوت الكــرازة‬ ‫باالنجيــل» (يوجــد موقــع الكترونــي باســم هذه المجلــة)‪ ،‬التي‬ ‫تصــدر باللغــة العربيــة فــي اميــركا‪ ،‬مقالــة بعنــوان «مجــوس‬ ‫الميــاد‪ :‬اول عــرب عبــدوا المســيح»‪ .‬والمقالــة هــي بقلــم‪:‬‬ ‫د‪ .‬طونــي معلــوف‪ ،‬وقامــت بترجمتهــا الــى العربيــة‪ :‬د‪.‬‬ ‫لميــس جرجــور معلــوف‪ .‬وجــاء فــي المقالــة مــا يلــي‪:‬‬ ‫«‪ .1‬كلمــة «المجــوس»‪« :‬اســتخدمت الكلمــة اليونانيــة‬ ‫‪ magos‬فــي البدايــة لإلشــارة إلــى أفــراد ســبط ميديّ تولـّــى‬

‫‪11‬‬

‫المهــام الكهنوتيــة فــي إمبراطوريــة مــادي وفــارس‪ .‬وكان‬ ‫هــؤالء الكهنــة ذوي قــدرة علــى تفســير بعــض العالمــات‬ ‫واألحــام وتضمّنــت ممارســاتهم الســحر والشــعوذة‪ .‬لكــن‬ ‫باإلضافــة إلــى هــذه االســتخدامات الســلبية‪ ،‬فقــد اســتخدمت‬ ‫الكلمــة أيضــا ً لإلشــارة إلــى «مــن يمتلــك معرفــة وحكمــة‬ ‫صــر دانيــال اليهــوديّ‬ ‫فائقتيــن»‪ .‬وهكــذا ع ّيــن الملــك نبوخذن ّ‬ ‫ً‬ ‫رئيســا ً للمجــوس‪ .‬وبهــذا المعنــى أيضــا اعتـُبـِــر موســى‬ ‫مجوســيا ً أيضــا ً فــي قصــر فرعــون‪ .‬ويشــير المــؤرخ‬ ‫يوســيفوس إلــى يهــودي اســمه ســمعان‪ ،‬دعــي مجوســياً‪،‬‬ ‫وكان مشــيراً لفيلكــس والــي اليهوديــة‪ .‬وإذا أخذنــا الكلمــة‬ ‫بمعنــى «مــن يملــك معرفــة فائقــة» فإنــه كان بيــن العــرب‬ ‫القدمــاء كثيــر مــن المجــوس‪ .‬وبالحقيقــة يعــرّ ف لنــا كتــاب‬ ‫بــاروخ (مــن القــرن الثالــث ق‪.‬م‪« ).‬أوالد هاجــر» العــرب‬ ‫بأنهــم «الذيــن يطلبــون الحكمــة علــى األرض» (بــاروخ‬ ‫‪ .)23:3‬فضــاً عــن ذلــك‪ ،‬توجــد فــي الكتــاب المقــدس‬ ‫شــواهد عــدة عــن حكمــة العــرب القدمــاء التــي لــم تفـُق ْـــها‬ ‫فــي القديــم ســوى حكمــة ســليمان (‪ 1‬ملــوك ‪.)30:4‬‬ ‫«‪ .2‬رأي الكنيســة األولى‪«:‬مــن ناحيــة ثانيــة‪ ،‬فــإن آبــاء‬ ‫الكنيســة األوليــن اعتبــروا العربيــة منشــأ ً لمجــوس االنجيــل‪،‬‬ ‫وفــي ذلــك عكســوا علــى األغلــب تقليــد الرســل‪ .‬فأكليمنــدس‬ ‫الرومانــي (‪ 96‬م) يلمّــح إلــى ذلــك فــي كتاباتــه‪ .‬أمــا‬ ‫يوســتنيانوس الشــهيد (حوالــي ‪150‬م) الــذي ولــد ونشــأ فــي‬ ‫الســامرة بفلســطين فهــو يشــير تســع مــرات إلــى المجــوس‬ ‫الذيــن أتــوا مــن العربيــة ليعبــدوا المســيح المولــود‪ .‬وبــدوره‬ ‫يبنــي ترتليانــوس القرطاجــي (حوالــي ‪ 200‬م‪ ).‬رأيــه علــى‬ ‫تقليد معروف في كل المشــرق القديم وهو أول شــخص يحدد‬ ‫هويــة هــؤالء الــزوار علــى أنهــم ملــوك أتــوا مــن العربيــة‪.‬‬ ‫«‪ .3‬الدعــم الجغرافي‪«:‬ق ـدِم المجــوس مــن المشــرق (متــى‬ ‫ُــرف فــي االزمنــة الكتابيــة بالكلمــة‬ ‫‪ )9 ،2 ،1:2‬الــذي ع ِ‬ ‫العبريــة قِــدِم وهــو المــكان الــذي ســكنت فيــه األســباط‬ ‫العربيــة المتعــددة المتحــدرة مــن إبراهيــم (تكويــن ‪-1:25‬‬ ‫‪ .)18-12 ،6‬وعندمــا ولــد المســيح كانــت تلــك المنطقــة‬ ‫مرتبطــة جغرافيــا ً وسياســيا ً بابــن إبراهيــم البكــر‪ ،‬أي‬ ‫بإســمعيل‪ .‬وال يــزال البــدو العــرب فــي أيامنــا يتحدثــون‬ ‫عــن توجههــم إلــى صحــراء العربيــة بأنــه تشــريق (ســير‬ ‫نحــو الشــرق) بغــض النظــر عــن اتجــاه ســيرهم‪ .‬وعلــى‬ ‫النقيــض مــن ذلــك فــإن القادميــن إلــى أرض فلســطين‬ ‫مــن فــارس أو بابــل أو أشــور كانــوا يدخلــون فلســطين‬ ‫مــن الشــمال؛ ولذلــك كانــت بالدهــم ُتســمّى فــي الكتــاب‬ ‫باســتمرار‪« ،‬أرض الشــمال» (إشــعياء ‪ .)31:14‬وهكــذا‬ ‫َف ِهــم القــراء اليهــود تمامــا ً مــن متــى البشــير أن المجــوس‬ ‫أتــوا مــن الصحــراء العربيــة الواقعــة شــرق نهــر األردن‪.‬‬ ‫«‪ .4‬طبيعــة الهدايا‪«:‬تمثــل الهدايــا التــي قدّمهــا المجــوس‬ ‫للمســيح مــن ذهــب ولبــان ومــرّ المصــدر الرئيســي للقــوة‬ ‫االقتصاديــة للعربيــة قديمــاً‪ .‬ومــن بيــن تلــك الهدايــا‪ ،‬كان‬ ‫اللبــان والمــرّ ينتجــان بشــكل شــبه حصــري فــي جنــوب‬ ‫الجزيــرة العربيــة‪ .‬وبحســب شــهادة المؤرخيــن اليونــان‬ ‫والرومــان‪ ،‬فــإن هــذه المــواد التجاريــة جعلــت مملكــة‬ ‫ســبأ القديمــة فــي جنــوب العربيــة أغنــى أمــة فــي العالــم‬ ‫القديــم‪ .‬ويخبرنــا المــؤرخ هيرودتــس بــأنّ عــرب الشــمال‬ ‫كانــوا يرســلون لإلمبراطــور الفارســيّ هديــة ســنوية قدرهــا‬ ‫ثالثــون طن ـا ً مــن اللبــان عربــون صداقتهــم للفــرس‪ .‬وقبيــل‬ ‫مجــيء المســيح ســيطر العــرب األنبــاط علــى تجــارة القوافــل‬ ‫التــي كانــت تضـ ّم الهدايــا التــي قدمهــا المجــوس للمســيح‪ ».‬‬ ‫(انتهى االستشهاد بمقالة د‪ .‬طوني معلوف)‪.‬‬ ‫يتبــع‬


‫‪12‬‬

‫مناسبة‬

‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫حنان بكري وقعت «أجفان عكا» يف «ة مربوطة»‬

‫عـرسنا المفقود‬

‫في يوم االسير الفلسطيني وبدعوة من جمعية «ممكن»‬ ‫وقعــت الكاتبــة واالعالميــة حنــان بكيــر كتاب«أجفــان عــكا»‬ ‫الــذي نفــد مــن المكتبــات وأعــادت الجمعيــة طباعــة نســخة‬ ‫جديــدة مــن الروايــة بالتعــاون مــع «دارنلســن»‪ .‬بحلــة‬ ‫جديــدة وضعــت تصميمهــا مــي األشــقر‪.‬‬ ‫لمناســبة يــوم األســير الفلســطيني‪ ،‬و ّقعــت الكاتبــة واإلعالمية‬ ‫الفلســطينية حنــان بكيــر كتابهــا «أجفــان عــكا» فــي مقهــى‬ ‫الـــ «ة المربوطــة» فــي بنايــة حمــرا ســكوير ســنتر‪17 ،‬‬ ‫نيســان الماضي‪.‬الحفــل هــو اعــادة توقيــع كتــاب «اجفــان‬ ‫عــكا» الــذي صــدر فــي العــام ‪ 2000‬ورغــم ذلــك شــهد‬ ‫المــكان ازدحامــا ً ثقافيــا ً وأدبيــا ً هائــاً ومنقطــع النظيــر‪،‬‬ ‫حيــث صعــب معــه التحــرك داخــل المــكان بســهولة‪.‬‬ ‫حضــر الحفــل نــواب ســابقون وممثلــون عــن ســفارة‬ ‫دولــة فلســطين وشــخصيات سياســية وفصائليــة وحزبيــة‬ ‫وثقافيــة وعمــداء جامعــات ومــدراء مــدارس وشــعراء‬ ‫وك ّتــاب وإعالميــون وأطبــاء وعــدد كبيــر مــن المثقفيــن‬ ‫الفلســطينيين والعــرب واألجانــب‪ ،‬وممثلــو مؤسســات‬ ‫حقوقيــة ودوليــة وجمعيــات لبنانيــة وفلســطينية‪ ،‬وكثــر مــن‬ ‫محبــي وعشــاق كتابــات بكيــر إضافــة الــى وســائل إعالميــة‪.‬‬ ‫مــن ابــرز الحضــور‪ :‬النائــب الســابق انطــون خليــل‪ ،‬رؤســاء‬ ‫الحــزب الســوري القومــي االجتماعــي الســابقون جبــران‬ ‫عريجــي‪ ،‬يوســف االشــقر‪ ،‬رئيــس الجامعــة الثقافيــة فــي‬ ‫العالــم المهنــدس مســعد حجــل‪ ،‬النائــب الســابق الشــاعر‬ ‫غســان مطر‪،‬عضــو المجلــس الثــوري لحركــة فتــح آمنــه‬ ‫جبريــل‪ ،‬اميــن ســر فصائــل منظمــة التحريــر الفلســطينية‬ ‫وحركــة فتــح فــي بيــروت ســمير ابــو عفــش واعضــاء‬ ‫قيــادة فتــح فــي بيــروت‪ ،‬مســؤولة جمعيــة «ممكــن» غــادة‬ ‫الفغالــي واعضــاء وعضــوات الجمعيــة الدكتــور والكاتــب‬ ‫حنيــن بــركات‪ ،‬الدكتــور نديــم محســن‪ ،‬الكاتــب واالديــب‬ ‫عبــد اللطيــف كنفانــي‪ ،‬الصحافــي ســركيس ابــو زيــد‪.‬‬ ‫تجــدر االشــارة الــى ان كتــاب «اجفــان عــكا» يأتــي بعــد‬ ‫سلســلة مــن االصــدارات للكاتبــة حنــان بكيــر‪ ،‬آخرهــا كان‬ ‫«إبحــار فــي الذاكــرة لفلســطينية» الــذي صــدر قبــل نهايــة‬ ‫العــام ‪.2012‬الكاتبــة حنــان بكيرالتــي هجّ ــرت طفلــة مــن‬ ‫مدينــة عــكا فــي العــام ‪1948‬الــى لبنــان والتــي حملــت معهــا‬ ‫همــوم شــعبها علــى مــدى ‪ 65‬عامـا ً هــي ناشــطة فــي تدويــن‬ ‫الذاكــرة الفلســطينية والدفــاع عــن المــرأة ومحاضــرة فــي‬ ‫مجال»تفاعــل الثقافــات»‪ ..‬واالندمــاج‪.‬‬ ‫يتميزاســلوبها بالكتابــة علــى المــزج بيــن التاريــخ واالدب‬ ‫وبأســلوب قصصــي وصــور قلميــة‪ .‬وقــد اســتطاعت‬ ‫مــن خــال كتاباتهــا نقــل الذاكــرة الفلســطينية مــن الجيــل‬ ‫االول الــى الجيــل الثانــي والثالــث‪ ،‬بهــدف الحفــاظ‬ ‫علــى التــراث الفلســطيني والهويــة الوطنيــة الفلســطينية‪.‬‬ ‫وبتاريــخ ‪ 11‬أيــار دعــت جمعيــة «ممكــن» فــي الشــوف الــى‬ ‫توقيــع كتــاب «أجفــان عــكا» وذلــك فــي منــزل الســيد أمــل‬ ‫ابراهيــم فــي بعقليــن‪ ،‬وكانــت فــي االســتقبال الســيدة صفيــة‬ ‫ابراهيــم مــع رئيســة وأعضــاء وعضــوات جميعــة ممكــن‪،‬‬ ‫حضــر عــدد كبيــر مــن المهتميــن والمثقفيــن ‪ ،‬كمــا حضــر‬ ‫قاضــي المذهــب الــدرزي الشــيخ فــؤاد البعينــي ورئيســة‬ ‫بلديــة عيــن وزيــن نهلــة الحســنية‪ ،‬رئيــس بلديــة بعــذران‬ ‫صــاح شــاذبك‪ ،‬نائــب رئيــس بلديــة بعقليــن جميــل راجــح ‪،‬‬ ‫والدكتــور نســيب ابــو ضرغــم ومــدراء مــدارس ومدرســين‬ ‫وعــدد مــن الجمعيــات األهليــة والنــوادي االجتماعيــة‬ ‫والثقافيــة فــي الشــوف‪ ،‬وكانــت دردشــات مــع الكاتبــة حنــان‬ ‫بكيــر مــع عــدد مــن المشــاركين كمــا عبــروا عــن الحنيــن‬ ‫الــى فلســطين واهلهــا وفرحهــم بوجودهــا فــي الشــوف‪.‬‬

‫حنان بكير‬ ‫أحلما كان ذاك العهد امي‬

‫وكان العهد ومضـًا من بقايـا‬

‫وكانت روحك السمحاء كرما ً‬

‫مرح العشايا‬ ‫على درب وفي َ‬

‫وكان لنـا أيـا أمـاه عـرس‬

‫سخي العطـف موفور العطايا‬ ‫ّ‬

‫فغاب ولم يعد للذكرى ذك ٌر‬

‫يواسيني ويهجس فـي رؤايـا‬

‫فتهت مع ال ُبعاد ورحت أسعى اليـك بكل ّ بقيـا مـن حشــايـا‬

‫«اجفان عكا» في بعقلين‬

‫هنــاك فــي مــكان مــا حيــث يلتقــي جمــال الطبيعــة‬ ‫وصفــاء الذهــن والقلــوب وحســن الملقــى واالســتقبال‬ ‫مقابــل جبــال البــاروك وتومــات نيحــا التــي تالمــس ســماء‬ ‫لبنــان‪ ،‬وفــي منــزل أُعــد قســم منــه إلحيــاء مناســبات هامــة‬ ‫ومميــزة فــي قاعتــه المتواضعــة وحديقتــه الغ ّنــاء التــي‬ ‫زينتهــا ورود مــن مختلــف االلــوان واالصنــاف واالشــجار‬ ‫المعمــرة الوارفــة الظــال‪ ،‬و ّقعــت الكاتبــه واالعالميــة‬ ‫حنــان بكيــر الطبعــة الثالثــة مــن كتابهــا «أجفــان عــكا»‬ ‫فــي بعقليــن – الشــوف مســاء الســبت ‪ 11‬ايــار ‪.2013‬‬ ‫وكتــاب عــكا‪ ،‬الــذي صــدرت طبعتــه االولــى فــي دار ابــن‬ ‫رشــد لعــام ‪ 2000‬والثانيــة فــي مدينــة عــكا ‪ 2001‬عــن‬ ‫مؤسســة األســوار والطبعــة الثالثــة فــي بيــروت –الحمــرا‬ ‫فــي مقهــى «ة المربوطــة» بتاريــخ ‪ 2013/4/17‬برعايــة‬ ‫جمعيــة «ممكــن» ودار نلــس النرويجية‪،‬كتــاب لقــى رواج ـا ً‬ ‫منقطــع النظيــر وإقبــاالً شــديداً‪.‬ويأتي توقيــع الكتــاب اليــوم‬ ‫فــي بعقليــن تحــت طلــب وإصــرار مــن ســكان هــذه المنطقــة‬ ‫الذيــن لــم يتســنَّ لهــم حضــور حفــل توقيعــه فــي الحمــرا‪.‬‬ ‫وكان فــي مقدمــة الحضــور الكبيــر والمميــز‪:‬‬ ‫قاضــي بعقليــن فضيلــة الشــيخ الدكتــور فــؤاد بعينــي‪،‬‬

‫فال روح تراودني ألحـنو‬

‫يؤجـ ُج في الحنايــا‬ ‫وال‬ ‫عـزف َّ‬ ‫ٌ‬

‫فيا أ ّمـاه مـا هذا التجني‬

‫ويـا أمـاه مـا صنـعـتْ يدايــا؟‬

‫أكان الحلم يخطو في ضباب‬

‫سر الحكـايــا؟‬ ‫وكان سرابـه َّ‬

‫رئيــس بلديــة بعــدران صــاح شــذبك‪ ،‬رئيســة بلديــة عيــن‬ ‫وزيــن نهلــه الحســينية‪ ،‬االســتاذ جميــل راجــح نائــب رئيــس‬ ‫بلديــة‪ ،‬منفــذ عــام الشــوف للحــزب الســوري القومــي‬ ‫االجتماعــي الدكتــور نســيب ابــو ضرغــم‪ ،‬مديــر بنــك‬ ‫المــوارد ســهيل حمــاده ورئيــس البلديــة جهــاد فاضــل‬ ‫ذبيــان‪ ،‬وعــدد ال يســتهان بــه مــن الكتــاب واالديبــات‬ ‫واالعالمييــن وفاعليــات بعقليــن واهاليهــا ‪ ،‬ورئيســة جمعية‬ ‫«ممكــن» الســيدة غــادة الفغالــي وعضــوات الجمعيــة ‪.‬‬ ‫انتهــى توقيــع كتــاب «اجفــان عــكا» بحفــل عشــاء أقامتــه‬ ‫المضيفــة الكريمــة صفيــة ابراهيــم فــي مطعــم «ديــوان‬ ‫الفــرح» والــذي اضفــى جــواً مــن الفــرح والســرور لــم يخل‬ ‫مــن مواقــف وطنيــة واظهــار المحبــة والتضامــن لفلســطين‬ ‫ولشــعبها‪ ،‬حيــث ارتجــل الدكتــور نســيب ابــو ضرغــم أبياتـا ً‬ ‫مــن الشــعر مادحـا ً فيهــا فلســطين والقدس ومدينــة «عكا»‪.‬‬ ‫ور ّدت الكاتبــة حنــان بكيــر‪ :‬إن «اجفــان عــكا» ســتبقى‬ ‫ســاهرة حتــى عــودة جميــع ابنائهــا والشــعب الفلســطيني الى‬ ‫مدنهــم وقراهــم التــي هجــروا منهــا ليتمتعــوا بدولتهــم الحرة‬ ‫المســتقلة‪ .‬وفــي مــكان مــا فــي مدينــة عــكا ســنغرس شــجرة‬ ‫األرز عربــون محبــة للشــعب اللبنانــي الشــقيق‪.‬‬


‫‪13‬‬

‫رسم‬

‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫الشرق األوسط بعيون دبلوماسيين روس‬

‫معرض فني يف املركز الثقايف الروسي‬

‫أطلــت الدبلوماســية الروســية علــى الجمهــور اللبنانــي‬ ‫مــن زاويــة فنيــة عبــر معــرض نظمــه المركــز الثقافــي‬ ‫الروســي فــي بيــروت تحــت عنــوان «الشــرق األوســط‬ ‫بعيــون دبلوماســيين روس» وضــم نحــو خمســين صــورة‬ ‫ولوحــة تشــكيلية‪ ،‬شــارك فيهــا أوليــغ بيلييــف‪ ،‬وســرجي‬ ‫روغوليــن‪ ،‬وكالهمــا عمــل فــي ســفارتي بلدهمــا فــي‬ ‫بيــروت ودمشــق لســنوات طويلــة‪ ،‬إضافــة إلــى مشــاركة‬ ‫دبلوماســيين آخريــن‪.‬‬ ‫غابــت الدبلوماســية عــن األعمــال المعروضــة‪ ،‬وتركــز‬ ‫اهتمام الدبلوماسيين على المعالم األثرية‪ ،‬والمناظر الجميلة‬ ‫ذات التعبيــرات واألبعــاد الخاصــة وجنحــت غالبية األعمال‬ ‫إلــى إظهــار الجانــب الجميــل والبــراق مــن مواقــع البلديــن‪.‬‬ ‫ويقــول بيلييــف فــي كلمــة إن «مــا يهمنــا أن نــرى البــاد‬ ‫التــي نحــن فيهــا بخيــر‪ ،‬ولذلــك ركزنــا علــى الجمــال فــي‬ ‫أعمالنــا‪ ،‬وأيضــا لنحــذر مــن مخاطــر مــا يجــري بصــورة‬ ‫غيــر مباشــرة‪ ،‬فمــا نــراه جميــاً وممتعــا ً اآلن قــد نــراه‬ ‫بصــورة مأســاوية الحقــا ً فيمــا لــو اســتمرت الحــروب‬ ‫واالضطرابــات قائمــة فــي هــذه البــاد‪.‬‬ ‫إنــه دعــوة للتنبــه مــن تلــك المخاطــر‪ ،‬ومــن أجــل أن يتدارك‬ ‫النــاس آثــار الحــروب‪ ،‬ويتوقفــوا عن االنجــرار إليها»‪.‬‬ ‫وصــورة أخــرى لــأرز اللبنانــي بخلفيــة ضبابيــة‪ ،‬مــع‬ ‫ظهــور لبلــدة مشمســة إلــى جانــب الصــورة‪ ،‬رآهــا‬ ‫روغوليــن أنهــا «تشــير إلــى المســتقبل المنيــر الــذي نتمنــى‬ ‫رؤيتــه للبنــان»‪.‬‬ ‫إنــه دعــوة للتنبــه مــن تلــك المخاطــر‪ ،‬ومــن أجــل أن يتدارك‬ ‫النــاس آثــار الحــروب‪ ،‬ويتوقفــوا عــن االنجــرار إليهــا»‪.‬‬ ‫وقــال روغوليــن إن «بــاد الشــرق األوســط فيهــا الكثير من‬ ‫السياســة‪ ،‬ولــم نكــن بحاجــة إلضافــة المزيــد‪.‬‬

‫مــا أحببنــا إظهــاره هــو مــا لفتنــا مــن معــان جماليــة‪ ،‬مقارنة‬ ‫مــع الجمــاالت التــي نراهــا فــي بالدنــا‪ ،‬والتركيــز علــى مــا‬ ‫يجمــع شــعوبنا مــن تعبيــرات انســانية‪ ،‬ولنقــول إننــا نتمنــى‬ ‫لهــذه البــاد المحترمــة الخيــر الــذي نتمنــاه لبلدنــا»‪.‬‬ ‫ا قدمــه المعــرض صــورة فوتوغرافيــة لبحــر هائــج يحيــط‬ ‫بموقــع يرتفــع عليــه العلــم اللبنانــي‪ ،‬ويقــول بيلييــف إن‬ ‫«الصــورة تعكــس مخاطــر االضطرابــات التــي تحــوط‬ ‫بلبنــان‪ ،‬لكــن صمــود العلــم هــو تعبيــر عــن صمــود إرادة‬ ‫اللبنانييــن فــي الخــروج مــن العاصفــة نحــو مســتقبل‬ ‫أفضــل»‪.‬‬ ‫طوشــقائق النعمــان ومــروج زهــور صفــراء التقطتهــا‬ ‫عدســات الدبلوماســيين علــى طريــق دمشــق ‪ -‬األردن‪،‬‬ ‫وأخــرى للســاحل الســوري‪ ،‬ومواقــع كالروشــة‬ ‫وقلعةالمســيلحة التــي قالــوا إنهــا تقــع علــى طريــق‬ ‫الحريــر‪ ،‬وقلعــة الشــقيف‪ ،‬وشــاالت جزيــن‪ ،‬وقلعــة‬ ‫صيــدا‪ ،‬وديــر ســيدة حماطــورة‪ ،‬ومعلــوال الســورية‪ .‬مديــر‬ ‫المركــز خيــرات أحمــدوف تحــدث عــن الهــدف مــن إقامــة‬ ‫المعــرض‪ ،‬فقــال‪:‬‬

‫«إظهــار خصوصيــة النظــرة الروســية للمنطقــة‪ ،‬فليــس كل‬ ‫النــاس ينظــرون إلى األمور بالطريقة نفســها‪ ،‬والدبلوماســيون‬ ‫المشــاركون اشــتغلوا فــي لبنــان وســوريا وهــم يحبــون‬ ‫البلديــن‪ ،‬وكيــف ينظــر كل منهــم إلــى البــاد التي يمارســون‬ ‫مهامهــم فيهــا‪ .‬كمــا نــرى أن هنــاك صــوراً روســية تضمنها‬ ‫المعــرض للمقارنــة بيــن طبيعتــي روســيا والمنطقــة‪،‬‬ ‫ونظهــر مــن خــال ذلــك شــعور الــروس تجــاه البلــد الــذي‬ ‫يقيمــون فيــه‪ .‬الثلــج والبيــوت الخشــب فــي روســيا‪ ،‬نقارنهــا‬ ‫بالبحــر والشــمس فــي لبنــان‪ ،‬والجبــال المتنوعــة‪ ،‬وكيــف‬ ‫يمكــن التمتــع بهــذه الجمــاالت التــي قــد تكــون متباينــة بيــن‬ ‫بلــد وآخــر»‪.‬‬


‫‪14‬‬

‫ادب‬

‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫تأثير المحيط والبيئة على اإلبداع اإلنساني‬

‫جربان أبدع وهو يف نيويورك‬ ‫د‪.‬فيفيان حنا الشويري‬ ‫باحثة وأستاذة جامعية‬

‫«اإلنســان ابــن بيئتــه»‪ ،‬و»اإلنســان ابــن األرض»‬ ‫ـرة نتحــدّ ث فيهــا عــن تأثيــر‬ ‫عبارتــان تتــردّ دان فــي كل مـ ّ‬ ‫المحيــط علــى البشــر وســلوكهم وأنمــاط حياتهــم‪ ،‬وهــم‬ ‫بذلــك ال يختلفــون عــن باقــي الكائنــات الح ّيــة المتأقلمــة مــع‬ ‫ـرة نتحــدث فيهــا‬ ‫بيئتهــا‪ .‬وأيضـا ً تتــردّ د العبارتــان فــي كل مـ ّ‬ ‫عــن إنتاجــات البشــر وابتكاراتهــم‪ ،‬فهــل للبيئــة والمحيــط‬ ‫مــن تأثيــر مباشــر علــى إبــداع اإلنســان؟‬

‫اإلنسان أخذ لون بشرته من األرض‬

‫اإلنســان ولــد فــي إفريقيــا أســود‪ ،‬وهــذا مــا دلّــت عليــه‬ ‫أقــدم الشــواهد عــن هيــاكل بشــرية وجــدت الــى اليــوم فــي‬ ‫كينيــا (هيــكل ‪ .)Lucy‬ومــع الترحــال تباعـاً‪ ،‬نحو الشــمال‪،‬‬ ‫إبيضّــت البشــرة تدريجيــاً‪ ،‬ومــع اســتيطان اإلنســان‬ ‫واســتقراره فــي الشــرق‪ ،‬نشــأ المتوســطي ذو البشــرة‬ ‫الســمراء وهــو اإلنســان العاقــل العاقــل (‪Cro-Magnon‬‬ ‫‪ )/Homo Sapiens Sapiens‬الــذي أبــدع الحضــارة‬ ‫فــي المشــرق القديــم‪ .‬وتشــير األبحــاث العلميــة الــى أن‬ ‫بشــرة اإلنســان تميــل للرجــوع الــى أصولهــا الســوداء‬ ‫وليــس العكــس‪ ،‬فاللــون األبيــض هــو طــارئ وعرضــي‬ ‫ّ‬ ‫وتمثــل‬ ‫وحالــة مكتســبة‪ ،‬بينمــا اللــون األســود هــو األســاس‪.‬‬ ‫الدوائــر الملوّ نــة التــي ُترفــع أثنــاء األلعــاب األولمبيــة‪ ،‬كل‬ ‫أربــع ســنوات‪ ،‬أصنــاف البشــر بحســب ألوانهم التــي تعكس‬ ‫لــون تربتهــم‪ .‬وهــذه الجغرافيــة لــم تقتصــر علــى تلويــن‬ ‫البشــرة‪ ،‬بــل ّأثــرت فــي الطبــاع وعلــى الذهنيــة‪ ،‬فاإلنســان‬ ‫المتوســطي متلــوّ ن‪َ ،‬ي ْب َيــض لونــه شــتاء ويغمــق صيفـا ً وهذا‬ ‫ّأثــر فــي طابعــه المتقلّــب تقلّــب الطقــس عنــده‪ ،‬وهــذا التقلّب‬ ‫ليــس ســلبيا ً وليــس إيجابيـا ً بالمطلــق‪ ،‬بــل جعــل المتوســطي‬ ‫مطواعــا ً أي خالّقــاً‪ ،‬هــذا إذا مــال نحــو االعتــدال وليــس‬ ‫التطــرّ ف‪ ،‬هــذا التطــرّ ف الــذي مــر ّده التضاريــس‪ ،‬فنجــد‬ ‫القســوة عنــد ســكان الجبــل والســهولة عنــد ســكان الســهل‬ ‫ومــا يتمتعــون بــه مــن النفــس الطويــل بفضــل راحــة التنقــل‬ ‫فــي أرضهــم‪ ،‬فــي حيــن أن الجبلييــن مته ّدجــة أنفاســهم‬ ‫لوعــورة تضاريســهم‪ ،‬فتغلــب علــى أغانيهــم وأهازيجهــم‬ ‫شــ ّدة اإليقــاع كمــن يضــرب فــي الصخــر‪ ،‬بينمــا يميــل‬ ‫غنــاء الســهليين الــى المواويــل والحــدا‪ ،‬علــى نســق «يــا‬ ‫ليــل يــا ليــل» التــي تطــول الــى مــا ال نهايــة فــي البــوادي‬ ‫والصحــاري‪ ،‬حيــث المخيّلــة تتطــوّ ر بفعــل التوحّ ــد فــي‬ ‫الصحــراء (الجــن والعفاريــت فــي البــوادي وعبقــر لإللهــام‬ ‫الشــعري‪ ...‬ومــا الــى هنالــك مــن مخلوقــات خفيــة مــن‬ ‫ضــرب الخيــال)؛ وكذلــك الوحــدة فــي البحــار‪ ،‬مــا جعــل‬ ‫البحــارة يخترعــون أغلــب المخلوقــات األســطورية التــي‬ ‫تخيّلــوا وجودهــا حولهــم دون أن يروهــا‪ ،‬مثــل حوريــات‬ ‫البحــر التــي تــد ّل فــي رمزيتهــا الــى الحنيــن الــى الوطــن‬ ‫والعــودة الــى كنــف العائلــة والمجتمــع‪ .‬وهــذا مــا أوجــد‬ ‫ظاهــرة أنســنة العناصــر الطبيعيــة وكلهــا تجسّــدت فــي‬ ‫الميثولوجيــا وصــارت لهــا دالالتهــا ورمزيتهــا (الحوريــات‬ ‫الحنيــن الــى الوطــن‪ ،‬للمــرأة‪ ،‬لــأم‪ /‬النباتــات شــهيدات‬ ‫الحــب ودورة الفصــول‪ ،‬موتهــا وقيامتهــا‪ /‬التحــوّ ل فــي‬ ‫الطبيعــة متمثــاً فــي التقمــص علــى هيئــة اآللهــة مثــل‬ ‫زوس وتمظهراتــه العديــدة أو بــوذا‪ /‬والتقمــص بشــكل عــام‬ ‫هــو التماهــي البشــري مــع الطبيعــة والبشــر ذكــراً وأنثــى‬ ‫فــي تمثــل الريــاح واألنــواء والعواصــف ومظاهــر‬

‫الطبيعــة األخــرى وأخــذ أوصافهــا)‪ .‬وهــذه الوحــدة أ ّدت‬ ‫الــى االبتــكار بالفطــرة وتنميــة الســليقة‪ ،‬فالراعــي أبــدع‬ ‫األلحــان دون تعلّــم‪ ،‬والشــاعر غنــى الشــعر فــي البــوادي‬ ‫والقفــار دون تعلّــم‪ ،‬وعلــى وقــع مــا أبــدع وضعــت فيمــا بعد‬ ‫األوزان والنوتــات الموســيقية‪ ،‬تمامـا ً كمــا وضعــت قوانيــن‬ ‫اللغــة بعــد األخــذ عــن كل اللهجــات واللكنــات المحليــة‪،‬‬ ‫فأضحــت لغـ ً‬ ‫ـة فصحــى لهــا قوانينهــا وقواعدهــا‪ ،‬كمــا قُونــن‬ ‫كل شــيء فــي المعاهــد‪ ،‬وحتــى نفــس البشــر التــي ق ّيــدت‬ ‫بقوانيــن علــم النفــس الحديــث الــذي يرتكــز علــى عــرض‬ ‫ووصــف األهــواء والمشــاعر والغرائــز والميــول التــي‬ ‫فطــرت عليهــا النفــس البشــرية منــذ وجودهــا‪ .‬وحركــة‬ ‫األفــاك والنجــوم احتلــت مقامــا ً كبيــراً فــي اهتمامــات‬ ‫البشــر الذيــن اتخذوهــا كدالئــل يهتــدون بهديهــا فــي حلّهــم‬ ‫وترحالهــم‪ ،‬ولتنظيــم أوقاتهــم وطقوســهم ولمعرفــة المنــاخ‬ ‫أيضــاً‪ ،‬وتعاظمــت أهميتهــا فــي حياتهــم لدرجــة أنهــم‬ ‫جعلوهــا آلهــة تس ـيّر حياتهــم وتس ـ ّدد خطاهــم ومصائرهــم‬ ‫كالنجــم الجيــد والنجــم الســيئ (طالــع جيد‪/‬طالــع ســيئ)‪ ،‬وال‬ ‫زلنــا الــى اليــوم نؤمــن باألبــراج والتنجيــم والغيــب والســحر‬ ‫رغــم كل التطــوّ ر التقنــي الــذي خــوّ ل البشــر االســتغناء عن‬ ‫مراقبــة الســماء فــي معرفــة الطــرق والوقــت والمنــاخ‪...‬‬ ‫وال ننســى المفــردات التــي اســتنبطها اإلنســان للتعبيــر عــن‬ ‫كل مــا ابتكرتــه مخيلتــه مــن أســماء ومصطلحــات وأفعــال‬ ‫وصفــات‪ ...‬تمــأ المعاجــم والقواميــس‪.‬‬

‫اإللهة األم هي األرض األم‬

‫ولع ـ ّل أهــم الرمزيــات المؤنســنة للطبيعــة علــى اإلطــاق‬ ‫المــرأة والطبيعــة‪ ،‬هــذه اإلزائيــة األزليــة بيــن الخلــق‬ ‫واألمومــة‪ ،‬فــاألرض هــي األم والمــرأة‪ ،‬هــي إلهــة األرض‬ ‫واســمها حــواء أي الحيــاة‪ ،‬واإللهــة األم تصــوّ ر غالبــا ً‬ ‫مــع الحيّــات (تماثيلهــا عديــدة فــي ســوريا وفــي جزيــرة‬ ‫كريــت)‪ ،‬والح ّيــة هــي رمــز األبديــة وتتج ـ ّدد كمــا األرض‬ ‫بخلــع جلدهــا موســمياً‪ .‬ويعــزى الــى المــرأة اكتشــاف‬ ‫الزراعــة التــي أدخلــت البشــرية فــي حقبــة تعتبــر نقلــة‬ ‫نوعيــة فــي مســيرتها الحضاريــة‪ ،‬مــن التنقــل والصيــد‬ ‫الــى االســتقرار واإلنتــاج‪ ،‬ومــن البــداوة الــى المدنيــة‪،‬‬ ‫وتحفــل كتــب الحضــارات القديمــة بالصــور الدالــة علــى‬ ‫هــذه الرمزيــة األم‪ /‬األرض‪ ،‬ولكــن الصــورة األجمــل‬ ‫علــى اإلطــاق وأكثرهــا تعبيــراً تلــك التــي ذكرهــا أحــد‬ ‫طالبــي عندمــا بادرنــي بخجــل‪ ،‬معق ّب ـا ً علــى حديثــي عــن‬ ‫األم والزراعــة‪ ،‬أن المــرأة الريفيــة فــي بعــض مناطــق‬ ‫ســوريا الزراعيــة حيــث تعمــل النســوة علــى قــدم وســاق‬ ‫مــع الرجــال‪ ،‬مــا زالــت الــى اليــوم ال تخلــع زنارهــا الــذي‬ ‫ربطــت بــه بطنهــا‪ ،‬إال بعــد أن تنبــت فيــه ســنابل القمــح‬ ‫التــي علقــت فيــه بينمــا كانــت تــرشّ األرض بالبــذار‪ ،‬وهــذا‬ ‫يعنــي أنهــا أصبحــت هــي األخــرى قريبــة مــن الوضــع‬ ‫مثلهــا مثــل األرض‪ .‬والمــرأة هــي الشــجرة أو المعبــودة‬ ‫وهــي جميــع أنــواع الــورود واألزهــار وهــي النبــات علــى‬ ‫أنواعــه والــذي قُــدس فــي المعابــد مــن خــال الزينــات‬ ‫الدقيقــة التــي ّ‬ ‫غطــت جدرانهــا (لقــد بلــغ فــن نحــت النباتــي‬ ‫فــي بعلبــك ذروة التقنيــة‪ ،‬خاصــة ورقــة العنــب البقاعيــة)‪.‬‬

‫الفن كأداة تعبير عن الطبيعة‬

‫والفنــون علــى أنواعهــا‪ ،‬والتشــكيلية منهــا علــى وجــه‬ ‫التحديــد‪ ،‬هــي األداة التعبيريــة األهــم عــن قــدرة اإلنســان‬ ‫االبتكاريــة مــن خــال نقلــه الطبيعــة وتمظهراتهــا فــي‬ ‫أعمالــه‪ ،‬ولعــ ّل التيــار الرومنســي (‪)Romantisme‬‬ ‫فــي أوروبــا‪ ،‬يشــ ّكل المحطــة الفنيــة واألدبيــة األبــرز‬ ‫فــي تعاطــي اإلنســان مــع الطبيعــة واندماجــه معهــا الــى‬ ‫أبعــد الحــدود «انظــروا الــى مشــهد الطبيعــة‪ ،‬انصتــوا‬ ‫الــى الصــوت الداخلــي‪ .‬ألــم يقــل هللا كل شــيء لعيوننــا‪،‬‬ ‫لوجداننــا‪ ،‬لحكمنــا؟» (جــان ‪ -‬جــاك روســو)؛ «لنصــوّ ر‬ ‫الطبيعــة‪ ،‬ولكــن الطبيعــة الجميلــة» (شــاتوبريان)؛ لتأتــي‬ ‫بعــد ذلــك‪ ،‬مرحلــة االنطباعيــة (‪)Impressionnisme‬‬ ‫التــي افتتحــت القــرن العشــرين‪ّ ،‬‬ ‫ممثلــة أكبــر التيــارات‬ ‫الناقلــة للطبيعــة فــي كل تحوّ التهــا وتمظهراتهــا‪ ،‬لدرجــة‬ ‫أن بعــض اإلنطباعييــن (‪Manet/Monet/van‬‬ ‫‪ )…Gogh‬واكبــوا تغيّــرات الضــوء وتأثيــره علــى‬ ‫العناصــر واألشــياء عشــرات المــرّ ات فــي اليــوم الواحــد‬ ‫ونقلــوا هــذه التغييــرات واالنطباعــات بحذافيرهــا متح ّديــن‬ ‫آالت التصويــر الفوتوغرافــي التــي كانــت قــد ابتكــرت‬ ‫مطلــع القــرن‪ ،‬كمــا وأبــرزوا أهميــة االختالفــات اللونيــة‬ ‫ومــا تتركــه مــن انطبــاع فــي اللوحــة مــن حيــث تدرّ جاتهــا‬ ‫وتموّ جاتهــا والظــال الــذي تحدثهــا‪ ...‬هــذه األلــوان‬ ‫التــي يســتعين بهــا علمــاء النفــس اليــوم مــن أجــل تأميــن‬ ‫الراحــة للمريــض‪ ،‬وعلــى رأســها األزرق‪ ،‬لــو تعلمــون!‬ ‫ومــع الرومنســيين واالنطباعييــن لــم يعــد المحتــرف هــو‬ ‫المــكان الوحيــد الــذي يعمــل فيــه الفنانــون‪ ،‬بــل التجــأوا الــى‬ ‫الطبيعــة إلغنــاء تجربتهــم لمــا تمنحــه مــن تنوّ ع ال يســمح به‬ ‫جــو المحتــرف‪ ،‬فخرجــوا مــن ظلمــة المحترفــات ليبدعــوا‬ ‫فــي الطبيعــة‪ ،‬ليــس فقــط بنقــل مشــاهدها بــل بالتعامــل مــع‬ ‫عناصرهــا‪ ،‬وأكثــر مــا لفتنــي هــذا الفنــان الســكوتلندي‪ ،‬الذي‬ ‫ّ‬ ‫مؤخــراً‪ ،‬وهــو يتعامــل مــع‬ ‫عُرضــت أعمالــه فــي وثائقــي‬ ‫الثلــج والجليــد رغــم اليقيــن أن أعمالــه ســتذوب‪ ،‬ويتعامــل‬ ‫مــع الحصــى والحجــر‪ ،‬فــي عمليــة تركيــب مســتمرة علــى‬ ‫شــاطئ البحــر حيــث المــ ّد والجــزر يدمّــران باســتمرار‬ ‫قطعــه المر ّكبــة بعنــاء‪ ،‬ويصــرّ ح أنــه يق ّدمهــا للبحــر كهديــة‪:‬‬ ‫«فمــن خــال ته ّدمهــا‪ ،‬نســتقي األشــياء التــي تغ ّيــر حياتنــا‬ ‫وتسـبّب الصدمــات»‪ .‬وكــم تكــون فرحــة هــذا الفنــان عندمــا‬ ‫يجــد أن قطعتــه الفنيــة عــادت وبــرزت بعــد الجــزر وبرونق‬ ‫أكبــر‪ ،‬وكيــف صمــدت‪ .‬ويتعامــل مــع النبــات ويتكلــم عــن‬ ‫نبتــة الســرخس (‪ )Acanthe‬الســامة‪ ،‬الصلبــة‪ ،‬القاســية‬ ‫والصعبــة العمــل والتــي تشــبه شــفرات الحالقــة ويطوّ عهــا‬ ‫حــال خروجهــا مــن األرض‪ ،‬فنقــع علــى عالــم مجهــول‬ ‫مــن خــال مالحظتــه ورصــده الدقيــق للطبيعــة ومراقبتهــا‪.‬‬ ‫ويقــول إن العمــل الحقيقــي هــو التغييــر كالــذي يحصــل‬ ‫باســتمرار فــي الطبيعــة ويتحــ ّدث كيــف تغيّــرت طريقتــه‬ ‫فــي التقــاط الصــور المجازيــة فــي مخيلتــه والحقيقيــة مــن‬ ‫خــال عدســته‪ ،‬وإننــا لندهــش لش ـ ّدة انصهــار هــذا الفنــان‬ ‫مضــن ألنــه يمتــ ّد علــى‬ ‫مــع الطبيعــة‪ ،‬ورغــم أن عملــه‬ ‫ٍ‬ ‫مســاحات واســعة‪ ،‬ولكنــه فريــد‪ ،‬لكوّ نــه يســتمد مخططــه‬ ‫مــن العناصــر كالنهــر الــذي يقــول عنــه إنــه الخــط الــذي‬ ‫يمشــي عليــه‪ ،‬والنهــر هــو نهــر المــاء ونهــر الصخــور‬ ‫ونهــر النباتــات ونهــر الشــجر ونهــر الحشــرات ونهــر كل‬


‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫شــيء‪ ...‬وخاصــة نهــر الحيــاة‪ ،‬لــذا تغلــب علــى أعمالــه‬ ‫التموّ جــات والتعرّ جــات (‪ ،)ondulation‬بحيــث يزيّــن‬ ‫كل شــيء بشــرائط ملتويــة‪ ،‬حتــى أنــه يســتفيد مــن صفــوف‬ ‫الخــراف ويعتبرهــا حيوانــات فعّالــة بشــكل غيــر معقــول‬ ‫يســتفاد مــن كل شــيء فــي تصرفاتهــا‪ ،‬ناهيــك عــن دورهــا‬ ‫فــي االقتصــاد‪ ،‬ولكــن أيضـا ً فــي تخريــب النباتــات بحيــث‬ ‫تســاعد علــى نمّوهــا كمــا وت ّغيــر معالــم المنظــر الطبيعــي‪.‬‬ ‫وأحســن مــا يقولــه‪« :‬ال أعتقــد أن األرض بحاجــة إلــي‪،‬‬ ‫بــل أنــا بحاجــة إليهــا‪ ،‬فهــي التــي تعرّ فنــي علــى جــذوري‬ ‫وعلــى نفســي»‪ .‬ومثــل هــذا الفنــان‪ ،‬أولئــك الذيــن‬ ‫يرســمون بالرمــال بشــكل إبداعــي‪ ،‬فكــم هــم مندمجــون‬ ‫مــع المــادة ويتنشــقونها كمــا يتنشــقون الهــواء ويصنعــون‬ ‫منهــا الزهريــات الجميلــة التــي تبــاع فــي األســواق‬ ‫العربيــة‪ ،‬والتــي تعكــس البيئــة التــي اســتلهموا ف ّنهــم منهــا‪.‬‬ ‫وهــذا يذ ّكرنــا بشــيللر الــذي كان يســتلهم اإلبــداع من تشـمّم‬ ‫التفــاح العفــن‪ .‬أمــا الشــاعر العربــي‪ ،‬علــيّ بــن الجهــم‪،‬‬ ‫عندمــا ضاقــت بــه الحــال‪ ،‬توجّ ــه إلــى الخليفــة المتــو ّكل‬ ‫لمدحــه متكئــا ً علــى صــور بيئتــه الصحراويــة القاســية‬ ‫التــي عاشــها لينشــده مادح ـاً‪:‬‬ ‫أنت كالكلب في حفظك للو ّد وكالتيس في قراع الخطوب‬ ‫أنــت كالدلــو‪ ،‬العدمنــاك ‪ /‬دلــواً مــن كبــار الــدال كثيــر‬ ‫الذنــوب‬ ‫وهــذه األوصــاف فــي مقــام الخليفــة أغضبــت الحضــور‪،‬‬ ‫غيــر أن المتــو ّكل بفطنتــه منحــه منــزالً فــي بســتان‬ ‫قريــب مــن الرصافــة‪ ،‬المدينــة القريبــة مــن جســر بغــداد‬ ‫والمعروفــة بخضرتهــا وســوقها‪ .‬وبعــد تأقلمــه مــع هــذه‬ ‫الطبيعــة الجديــدة‪ ،‬طلــب منــه المتــو ّكل بعــد م ّدة أن يســمعه‬ ‫مــن جديــد شــعره‪ .‬فأنشــده قصيدتــه المشــهورة التــي‪ ،‬قــال‬ ‫عنهــا الشــعراء‪« :‬لــو لــم يكــن لديــه إال هــي لكفتــه أن‬ ‫يكــون أشــعر النــاس»‪ ،‬ومطلعهــا‪:‬‬

‫عيــون المهــا بيــن الرصافــة والجســر جلبــن الهوى‬ ‫مــن حيــث أدري وال أدري‬

‫مــن الطبيعــة اســتوحى اإلنســان صناعاتــه إنّ البيئــة لهــا‬ ‫دور كبيــر فــي التصميــم المعمــاري علــى اختــاف المــواد‬ ‫الموجــودة فــي كل بيئــة وحســب طبيعــة المنــاخ التــي‬ ‫تفــرض أنواع ـا ً مختلفــة مــن المعالجــات التصميميــة مثــل‬ ‫وجهــة الريــاح وضــوء الشــمس والفتحــات المخصصــة‬ ‫للتهويــة‪ ...‬كمــا وأن الثقافــة الخاصــة بــكل بلــد تفــرض‬ ‫أنماطـا ً معيّنــة تختلــف بيــن البلــدان‪ ،‬فحيــث الثقافــة الدينيــة‬ ‫كبيــرة تكثــر المســاجد والكنائــس وأماكــن العبــادة بشــكل‬ ‫عــام‪ ،‬وهنــاك مــدن دينيــة الطابــع مثــل الفاتيــكان وم ّكــة‬ ‫وأبنيتهــا تختلــف تمامــا ً عــن األبنيــة الثقافيــة أو األبنيــة‬ ‫الخدماتيــة وغيرهــا‪ .‬وأهميــة األكــواخ البدائيــة التــي مــا‬ ‫زالــت تبنــى اليــوم لــدى الشــعوب كافــة تعكــس البيئــة التــي‬ ‫أم ـ ّدت اإلنســان بالمــادة التــي بنــى مســاكنه منهــا‪ ،‬ومثــل‬ ‫هــذه األكــواخ مــا نجــده فــي إفريقيــا‪ ،‬ومنهــا بيــوت البــردي‬ ‫فــي األهــوار فــي جنــوب العــراق‪ ،‬وهــو تــراث إنســاني مــا‬ ‫زال مســتمراً ويعــود الــى أكثــر مــن ‪ 5000‬ســنة‪ ،‬وهــي‬

‫ادب‬

‫بيــوت مــن القصــب والبــردي مبنيــة فــوق المســطحات‬ ‫المائيــة التــي تكوّ نــت مــن تر ّســبات نهــري دجلــة والفــرات‬ ‫والتــي شــهدت والدة وتطــوّ ر الحضــارة الســومرية‬ ‫العريقــة‪ .‬وهــذه البيــوت ليســت طــراز ســكن فحســب‪،‬‬ ‫إنمــا أســلوب معايشــة مــع البيئــة وتطــوّ رات المنــاخ‪.‬‬ ‫ويبيّــن كتــاب «عــرب األهــوار» الــذي عاصــر كاتبــه‬ ‫ســكان المنطقــة حياتيــاً‪« ،‬المعــدان»‪ ،‬وجــود قنــوات‬ ‫الــري لغايــة الخمســينيات مــن القــرن العشــرين مرصوفــة‬ ‫بألــواح خشــبية‪ ،‬األمــر الــذي يــد ّل علــى أســلوب التعامــل‬ ‫الســومري مــع البيئــة وتدبيــر شــؤون الميــاه فــي حــال‬ ‫ارتفــاع منســوبها فــي نهــري دجلــة والفــرات‪ ،‬إذ يســاعد‬ ‫القصــب الطيــور فــي بنــاء أعشاشــها بخــاف األســمنت‪،‬‬ ‫وهكــذا تكوّ نــت محميــات طبيعيــة مــن أشــجار وطيــور‬ ‫وأســماك‪ .‬واليــوم‪ ،‬يتــ ّم تأهيــل نصــف مســاحة هــذه‬ ‫المحميــات الطبيعيــة مــن خــال اســتعمال المــواد الطبيعيــة‬ ‫والناتجــة مــن بيئــة األهــوار كالقصــب والبــردي‪ .‬ويمكــن‬ ‫مقارنــة بيــوت األهــوار القصبيــة هــذه مــع البيــوت التــي‬ ‫اكتشــفت فــي تخــوم جبــال األلــب السويســرية قبــل قــرن‬ ‫ونصــف‪ ،‬وهــي بيــوت مصنوعــة مــن الخشــب والعظــام‬ ‫والجلــد‪ ،‬مرفوعــة علــى أعمــدة مربوطــة إلــى بعضهــا‬ ‫البعــض بواســطة جســور وعبّــارات خشــبية (‪sur‬‬ ‫‪ .)pilotis‬والمقارنــة بيــن هذيــن النمطيــن المعمارييــن تد ّل‬ ‫إلــى وجــود قواســم مشــتركة بيــن وســائل عيــش الشــعوب‬ ‫الريفيــة‪ ،‬فــي العصريــن الحجــري والبرونزي قبــل الميالد‪،‬‬ ‫ومــدى اهتمــام ســكانها بالبيئــة التــي تعاملــت معهــا كنصيــر‬ ‫وكضامــن بقــاء‪ .‬والجديــر ذكــره أن البيــوت الخشــبية‬ ‫السويســرية بُنيــت قريبــا ً مــن البحيــرات مــا جعلهــا فــي‬ ‫منــأى مــن التخريــب والعبــث وال زالــت باقيــة إلــى الوقــت‬ ‫الراهــن‪ ،‬لكنهــا مدفونــة داخــل الرمــال أو وســط البحيرات‪،‬‬ ‫أمّــا بيــوت البــردي العراقيــة‪ ،‬فهــي قائمــة حيّــة يســكنها‬ ‫عــرب األهــوار‪ ،‬إضافــة الــى الــزوارق‪ ،‬وســيلة التنقــل بين‬ ‫النهرين‪ ،‬وال تزال مستعملة وبأنواع كثيرة ومختلفة‪ .‬‬ ‫وكانــت الطبيعــة وال زالــت الملهمــة األولــى لإلنســان‬ ‫فــي ابتكاراتــه الصناعيــة‪ ،‬وحتــى فــي مجــال الصناعــات‬ ‫الثقيلــة والصناعــات الحربيــة التــي تعتمــد علــى الطبيعــة‬ ‫لتعطــي أشــكاالً آللياتهــا (الغواصــة ‪/‬الحــوت؛ المروحيــة‬ ‫األوبتيــكا‪ /‬الجــراد؛ خيــوط العنكبــوت فــي اإلطــارات‬ ‫وحريــر دود القــز؛ األفخــاخ واآلليــات والخــوذ التــي‬ ‫تغطيهــا النباتــات فــي األحــراش مــن أجــل التمويــه)‪.‬‬ ‫وتكثــر األفــام التــي تعــرض مــدى اســتعانة المخترعيــن‬ ‫بالطبيعــة والتــي ســاهمت مراقبتهــا فــي تحديــد مصيــر‬ ‫دول كبــرى منهــا علــى ســبيل المثــال األســطول اإلنكليــزي‬ ‫الــذي كان ينافــس األســطول الفرنســي فــي الوصــول الــى‬ ‫العالــم الجديــد‪ ،‬وتح ّديــه للمصاعــب وللقراصنــة‪ ،‬ففــي حيــن‬ ‫كان القائــد اإلنكليــزي يبحــث عــن الوســيلة لإلنقضــاض‬ ‫علــى العــدو الفرنســي‪ ،‬كان مــن بيــن طاقمــه طبيــب وعالــم‬ ‫مهتــم بالنباتــات واألحيــاء وتجميعهــا وتصنيفهــا‪ ،‬وكان‬ ‫هنــاك دائمـا ً مواقــف صــراع بينهمــا ألن األول ال يفهــم إال‬ ‫بالبطــش العســكري‪ ،‬بينمــا الثانــي لــه نظــرة ورؤيــة علميــة‬ ‫لألشــياء ويحتــاج الــى النــزول الــى اليابســة لجمــع األنــواع‬ ‫الجديــدة خاصــة «الطائــر الــذي ال يطيــر»‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫واحتــدم الصــراع بيــن الرجليــن‪ :‬األول ال يريــد التوقــف‬ ‫خشــية أن يســبقه الفرنســيون‪ ،‬أمــا الثانــي فــكان مغتمــا ً‬ ‫لمــروره بعــدد كبيــر مــن الجــزر وال تســنح لــه الفرصــة‬ ‫أن يعاينهــا عــن قــرب ويتعــرّ ف علــى أنــواع أحيائهــا عــن‬ ‫كثــب‪ .‬وحصــل أن أصيــب األســطول والطبيــب فــي إحدى‬ ‫المعــارك‪ ،‬فاضطــر القائــد أن يتو ّقــف فــي جزيــرة «الطائر‬ ‫الــذي ال يطيــر» حتــى يســتعيد أســطوله قدرتــه لالنطــاق‬ ‫مــن جديــد‪ .‬وفــي أســبوع النقاهــة هــذا‪ ،‬اســتغنم الطبيــب‬ ‫العالــم الفرصــة للخــروج الــى الطبيعــة وجــال فــي أرجــاء‬ ‫الجزيــرة وجمــع مــا جمــع مــن معلومــات عــن أحيائهــا‪،‬‬ ‫ولكــن األســطول الفرنســي فاجــأ اإلنكليــز بهجــوم غيــر‬ ‫متو ّقــع‪ ،‬فأســرعوا لتــدارك األمــر‪ ،‬فاحتــار القائــد كيــف‬ ‫يخلّــص ســفينته وطاقمهــا‪ ،‬فمــا كان منــه إال أن اســتمع‬ ‫لنصائــح العالــم التــي اعتمــد علــى حيــل الحشــرات‬ ‫والطيــور‪ ،‬خاصــة الطائــر الــذي ال يطيــر والــذي كان قــد‬ ‫وجــده بعــد عنــاء طويــل‪ ،‬فــي تخليــص نفســها مــن األفخاخ‬ ‫مــن خــال التمويــه‪ ،‬كأن تتحــوّ ل الحشــرة الــى عــود‬ ‫خشــبي يتماهــى مــع أغصــان الشــجرة التــي اختبــأت فيهــا‪،‬‬ ‫أو أن يتغيّــر لونهــا والــى مــا هنالــك مــن حيــل‪ ،‬وهكــذا‬ ‫كانــت الطبيعــة المعلــم الــذي منــه اســتقى القــادة الحيلــة‪،‬‬ ‫ولــوال اســتماعهم لنــداء الطبيعــة لمــا كانــوا خلصــوا‪،‬‬ ‫فالطبيعــة يســتمد منهــا اإلنســان ليــس فقــط إبداعــه‪ ،‬بــل‬ ‫خالصــه وبقــاءه أيض ـاً‪ .‬وإن المطلــع علــى مواضيــع لهــا‬ ‫عالقــة بالحــواس وأدواتهــا يعلــم أن النســبية تلعــب الــدور‬ ‫األهــم بالنســبة لحواســنا‪ ،‬فالمطابقــة معدومــة بيــن شــخص‬ ‫وآخــر‪ ،‬فمــا مــن ذوق مشــترك وال مــن نظــر مشــترك‬ ‫(وال ننســى مــرض عمــى األلــوان‪ ،) daltonisme‬وأن‬ ‫أضعــف الحــواس عنــد المــرء هــو الشــ ّم وهــو األكثــر‬ ‫عرضــة للضعــف عنــده‪ ،‬بينمــا لــدى الحيــوان الش ـ ّم هــو‬ ‫مــن أهــم الحــواس‪ ،‬فــا تجــب االســتهانة بهــذه القــدرة عنــد‬ ‫الحيــوان ومــا لهــا مــن أهميــة فــي حيــاة البشــر وضمــان‬ ‫ســامتهم خاصــة وقــت األزمــات كالــزالزل والفيضانــات‬ ‫وغيرهــا مــن الكــوارث‪ ،‬والتــي يُســتعان خاللهــا بالــكالب‬ ‫للتعــرّ ف علــى األحيــاء تحــت األنقــاض‪ ،‬فكــم مــن كلــب‬ ‫أنقــذ حيــاة آدمــيّ ! ولكــن بالمقابــل‪ ،‬كــم مــن آدمــي اهتــم‬ ‫بعالــم الحيوانــات وبيئتهــا وأثرهــا فــي حياتــه؟! وإذا مــا‬ ‫أحصينــا عــدد القنــوات العالميــة المتخصصــة بالطبيعــة‬ ‫والبيئــة‪ ،‬نجــد أن ال عــ ّد لهــا وال حصــر‪ ،‬ولكــن وال‬ ‫واحــدة منهــا عربيــة‪ ،‬واألنكــى أنــه رغــم أن الفضائيــات‬ ‫ّ‬ ‫تبــث قنواتهــا الــى العالــم العربــي‪ ،‬يبقــى الســؤال‪ :‬مــا‬ ‫هــو حجــم مشــاهدتها مــن قبــل شــعبنا؟ وهــذه إشــكالية‬ ‫بذاتهــا‪ .‬فهــل يضيّــع المشــاهدون العــرب وقتهــم بالبيئــة‬ ‫وحيواناتهــا وأحيائهــا ويهملــون المسلســات التــي تعالــج‬ ‫ـب َمــنْ و َمــنْ‬ ‫َمــنْ تــزوج َمــنْ و َمــنْ طلــق َمــنْ و َمــنْ أحـ َ‬ ‫قتــل َمــنْ و َمــنْ ‪َ ...‬مــنْ ‪...‬؟ أيعقــل أن يتــرك حريــم الســلطان‬ ‫بــدون مشــاهدين؟ وكيــف يحقــق العثمانيــون الجــدد مــا‬ ‫فشــلوا فــي تحقيقــه منــذ قــرن؟ كيــف يُهمــل التتريــك‬ ‫بهــذه البســاطة؟ وفــي هــذا التتريــك الجديــد تطبيــع جديــد‬ ‫وأقلمــة مــن نــوع خــاص‪ ،‬وبالتالــي طغيــان ثقافــة علــى‬ ‫ثقافــة‪ ،‬فأه ـاً بالعبوديــة وإن الطيــور علــى أشــكالها تقــع!‬


‫‪16‬‬

‫سعاده مناصر للبيئة‬ ‫والتلــوّ ث أنــواع وأش ـ ّده التلــوث العقلــيّ وإن تلــوّ ث البيئــة‬ ‫يلّــوث اإلبــداع وتشــويه المعالــم محبــط للخيــال ولالبتــكار‬ ‫ويوقــف اإللهــام بشــكل مخيــف‪ .‬وهــذا كريــس ِوليامــز‪ ،‬أحــد‬ ‫خبــراء البيئــة والمنــاخ وأحــد مع ـ ّدي الدراســة واألبحــاث‬ ‫فــي الشــؤون االجتماعيــة بجامعــة لنــدن يعلّــق علــى مثــل‬ ‫هــذه الحقائــق بقولــه‪« :‬لقــد أصبــح الدمــاغ البشــري فــي‬ ‫خطــر َجــرَّ ا َء الســلوكيات التــي اقترفهــا بنفســه‪ ،‬بينمــا ال‬ ‫يوجــد أي شــيء فــي النظــام البيئــي يــؤذي نفســه بنفســه»‪.‬‬ ‫ولكــن‪ ،‬هــل مــن يستشــهد بــه مــن أعالمنــا فــي موضــوع‬ ‫البيئــة؟ يســأل ســائل‪ .‬وهــذه أليزنجيــا كارولينــو أســتاذة‬ ‫التدريــس البيئــي فــي جامعــة تويوتــي كوريتيبــا‪ ،‬بارانــا‪،‬‬ ‫بالبرازيــل‪ ،‬كتبــت تحــت عنــوان «نشــوء األمــم» كتــاب‬ ‫جديــر بالدراســة واالهتمــام‪« :‬يســرّ ني بــادئ ذي بــدء أن‬ ‫ّ‬ ‫لمنظمــي ومعــ ّدي كتــاب «نشــوء األمــم»‪،‬‬ ‫أقــ ّدم التهنئــة‬ ‫تأليــف العالــم االجتماعــي أنطــون ســعاده‪ ،‬وترجمة األســتاذ‬ ‫يوســف المســمار‪ ،‬كمــا أو ّد أن أبــدي بعــض التنويهــات‬ ‫الخاصــة بموضــوع البيئــة الــذي تناولــه الكتــاب‪ ،‬مســتهلة‬ ‫بــكالم المؤلــف ســعاده حيــث يقــول‪« :‬ليــس لإلنســان‬ ‫حاجــة مــن حاجــات الحيــاة يســتطيع ســ ّدها إال ممــا هــو‬ ‫فــي األرض»‪ .‬لقــد رافــق اإلنســان تغ ّيــرات الطبيعــة منــذ‬ ‫بدايــة ظهــوره علــى األرض‪ ،‬وفــي المجتمعــات البشــرية‬ ‫البدائيــة كان تدخلــه وتأثيــره علــى الطبيعــة أقـ ّل بكثيــر ممــا‬ ‫وصــل إليــه فــي زماننــا الحالــي غيــر مســتخرج منهــا إال‬ ‫مــا كان ضروريـا ً ألوده وبقائــه علــى قيــد الحيــاة مثــل صيد‬ ‫الحيوانــات البريــة وصيــد األســماك‪ ،‬واالســتفادة مــن جلــود‬ ‫الحيوانــات للتدفئــة فــي فصــول الشــتاء القارســة‪ ،‬واســتخدام‬ ‫النباتــات لألغــراض الطبيــة وغيرهــا مــن األمــور‪ .‬ومــع‬ ‫مــرور الزمــن‪ ،‬فــإن عالقــة المجتمــع المعاصر مــع الطبيعة‬ ‫أصبحــت عالقــة تنافــر وعــدم انســجام‪ ،‬مــا س ـبّبّ ارتفاع ـا ً‬ ‫كبيــراً فــي التدهــور البيئــي (‪ )...‬نظــراً إلــى أن اكتســاب‬ ‫الرأســمال جعــل اإلنســان ينظــر إلــى الطبيعــة مــن الخــارج‬ ‫بــدالً مــن أن يعتبــر نفســه جــزءاً منهــا‪ ،‬أو بحســب مــا ع ّبــر‬ ‫عنــه ســعاده بالقــول‪« :‬يكيّــف اإلنســان األرض‪ ،‬ولكــن‬ ‫األرض نفســها تع ّيــن مــدى هــذا التك ّيــف وأشــكاله حســب‬ ‫بيئاتهــا اإلقليميــة»‪ .‬إن السياســات البيئيــة الحاليــة لبعــض‬ ‫البلــدان هــي مح ـ ّل ريبــة وشــك نظــراً للحــدود البيولوجيــة‬ ‫لكوكــب األرض التــي تجــاوزت الكثيــر مــن المجــاالت‪.‬‬ ‫ولذلــك‪ ،‬فــإن اإلدارة العامــة هــي أمــر ضــروري ســواء‬ ‫كانــت علــى الصعيــد االتحــادي الفدرالــي(‪ )...‬والشــركات‬ ‫التــي تمــارس نشــاطا ً صناعيـا ً غالبـا ً مــا يــؤ ّدي نشــاطها إلى‬ ‫التدهــور البيئــي‪ .‬وهــذه هــي اللحظــة التــي تتطلــب تغييــراً‬ ‫فــي السياســة البيئيــة العالميــة علــى مســتوى الكوكــب الــذي‬ ‫نعيــش عليــه‪ ،‬وذلــك بمســاعدة كل مجموعــة مــن األســاتذة‬ ‫األكاديمييــن والســلطات وقيــادات المجتمعــات التــي لها دور‬ ‫مهــم فــي هــذه العمليــة‪ ،‬وســوف يــؤ ّدي ذلــك إلــى تعزيــز‬ ‫المواطنــة‪ .‬نحــن بحاجــة إلــى إيجــاد األســباب والتوعيــة‬ ‫التــي تــؤ ّدي إلــى تحويــل مختلــف أشــكال المشــاركة إلــى‬ ‫إجــراءات تتحقــق فعـاً فــي الممارســة العمليــة‪ ،‬كمــا ذكــر‬ ‫فــي تقريــر «برونتالنــد»‪ ،‬والــذي هــو وثيقــة بعنــوان‪:‬‬ ‫«مســتقبلنا المشــترك» الــذي أع ّدتــه اللجنــة العالميــة‬ ‫المعنيــة بالبيئــة والتنميــة‪ .‬إن مــن الضــروري أن يكــون لنــا‬ ‫علــى هــذا الكوكــب طريقــة مــن طــرق التنميــة التــي تل ّبــي‬ ‫حاجــات الجيــل الحاضــر دون المســاس بقــدرة األجيــال‬

‫ادب‬

‫المقبلــة علــى تلبيــة احتياجاتهــا الخاصــة‪ ،‬وهــذا يعنــي‬ ‫تمكيــن النــاس فــي الحاضــر والمســتقبل مــن الوصــول إلــى‬ ‫ُــرض مــن التنميــة االجتماعيــة واالقتصاديــة‬ ‫مســتوى م ٍ‬ ‫والثقافيــة واإلنجــاز اإلنســاني الراقــي‪ ،‬والقيــام فــي الوقــت‬ ‫نفســه باســتخدام مســتدام لمــوارد األرض والحفــاظ علــى‬ ‫األنــواع الطبيعيــة ووســائل حمايــة األمكنــة والبيئــات التــي‬ ‫يعيش فيها بعض أنواع الحيوان أو النبات‪ .‬‬ ‫أختــم تنويهاتــي هــذه‪ ،‬تتابــع الباحثــة‪ ،‬بمــا توصّل إليه ســعاده‬ ‫فــي قولــه‪« :‬ال بشــر حيــث ال أرض‪ ،‬وال جماعــة حيــث‬ ‫ال بيئــة‪ ،‬وال تاريــخ حيــث ال جماعــة»‪ .‬وبنــاء علــى مــا‬ ‫تقـ ّدم‪ ،‬فــإن كتــاب «نشــوء األمــم» جديــر بــأن يقــرأ و ُيــدرس‬ ‫دراســة متأنيــة وباهتمــام كبيــر»‪( .‬المرجــع‪« ،‬النهضــة»‪،‬‬ ‫«نشــوء األمــم» لســعاده مترجمـا ً إلــى البرتغاليــة وقــراءات‬ ‫أكاديميــة حولــه)‪.‬‬

‫إبداع جبران وتقصير الجاليات!‬

‫جبــران أبــدع وهــو فــي نيويــورك‪ ،‬فصــورة بشــري ولبنــان‬ ‫وجبالــه وجــروده وثلجــه ووديانــه لــم تغــب لحظــة عــن باله‪،‬‬ ‫رغــم البعــد المكانــي والجغرافــي بيــن ســوريا وأميــركا‪،‬‬ ‫لــم تغــب صــورة بــاده وشــعبها مــن مخيلتــه‪ ،‬بــل كانــت‬ ‫مصــدر إلهــام دائــم لــه ومــن خاللهــا كتــب وصــوّ ر وأبــدع‪.‬‬ ‫ولكــن مــاذا أبــدع جبــران؟ أبــدع األ ّمــة بامتيــاز! لقــد أبــدع‬ ‫األ ّمــة الواحــدة الموحّ ــدة وهــو فــي الغربــة‪ .‬ولكــن مــاذا يفعل‬ ‫أبنــاء الوطــن فــي الغربــة اليــوم؟ أيــن دورهــم؟ هــل هــم‬ ‫مجــرد أعــداد ماليــة وانتخابيــة وزيــادة عــدد ال أكثــر وال‬ ‫أقــل؟ ألــم يظهــر مــن بينهــم الــى اليــوم جبــران واحــد يســتفيد‬ ‫مــن الحريــة حيــث يقطــن خــارج زنــار النــار الــذي يتخ ّبــط‬ ‫بــه الوطــن األم كــي يقــود هــذه األعــداد نحــو الحريــة برفــع‬ ‫الصــوت عاليـا ً ضــد التعـ ّدي الــذي تتعــرّ ض لــه األ ّمــة مــن‬ ‫الكــون أجمــع؟ إنــه ألمــر عجيــب حقــا ً هــذا النــوم الــذي‬ ‫ينغمســون فيــه‪ ،‬نــوم أهــل الكهــف الــذي طــال لــدى الجاليات‬ ‫الســورية فــي العالــم! مــا هــذا المخــدر الــذي شــربوه؟ مــا‬ ‫هــذا الــاإدراك والالوعــي الــذي يتخبّطــون بــه؟ مــا لنــا ال‬ ‫نراهــم يقلبــون الدنيــا رأســا ً علــى عقــب ليتفــادوا ضيــاع‬ ‫الوطــن وزوالــه الــى األبــد؟ نحــن نســتنكر هــذا الســكوت‬

‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫بش ّدة ولدرجة أننا نتساءل‪:‬‬ ‫هــل هــم موجــودن حقـا ً أم أنهــم مجــرد أوهــام يحكــى عنهــا؟‬ ‫وعــام يتغنــون بجبــران ويتغنــون بمــا يطبــع لــه ســنويا ً‬ ‫مــن كتــب والتــي يجتــرون أســماءها ويعرفــون قصصهــا‬ ‫ويعرفــون الحديقــة التــي تحمــل اســمه حيث يأكلون الفوشــار‬ ‫واأليــس كريــم وربمــا يرمــون الفضــات في أرضهــا! ولكن‬ ‫هــل مــن أحــد فقــه معاني كلمــات جبــران الحقيقيــة وأهدافها؟‬ ‫هــل مــن رابطــة قلمية تأخذ بيد هــؤالء المغتربيــن المتغرّ بين‬ ‫والذيــن نســوا أصولهــم؟ ولكــن هــل مــن قلــم أصــاً؟‬ ‫إن األبــداع هــو إبــداع الهويــة فــا أبــداع ال هويــة لــه‪،‬‬ ‫ومبدعــو الهويــة قلّــة فمــا مــن جبرانييــن بــل جبــران واحــد‪،‬‬ ‫أبــدع حتــى فــي نيويــورك بعيــداً عــن أرضــه األم‪ ،‬ألنــه‬ ‫حمــل الوطــن فــي عينيــه‪ ،‬حمــل هـ ّم األ ّمــة فــي قلبــه لدرجــة‬ ‫أفنــى حياتــه وصحّ تــه مــن ش ـ ّدة حزنــه عليهــا؛ حمــل أ ّمــه‬ ‫أرضــه فــي وجدانــه ولــم يكتــب إال بوحــي دموعهــا («وجــه‬ ‫أ ّمــي وجــه أمّتــي!») وبوحــي آالمهــا وخــاف علــى مصيرها‬ ‫أكثــر مــن خوفــه علــى نفســه‪ ،‬ألنــه تي ّقــن أن مصيــره مــن‬ ‫مصيرهــا وال وجــود لــه مــن دون أمّة حــرّ ة كريمة وعزيزة‪.‬‬ ‫وضحــى بشــبابه مــن أجــل تحريرهــا بقلمــه وريشــته ورفــع‬ ‫الصــوت عاليــا ً فــي بــاد االغتــراب‪ ،‬ضاربــا ً بعــرض‬ ‫الحائــط مــا تــؤول إليــه مصالحــه فيهــا! فمــاذا تفعــل الجاليات‬ ‫المليونيــة فــي الخــارج ســوى التكاثــر كالمجموعــات النمليــة‬ ‫التــي تــرواح مكانهــا منــذ األطــوار الجيولوجيــة الــى اآلن؟‬ ‫ولكــن هــل تســاءلنا لمــاذا هــذا التقاعــص ومــا أســباب‬ ‫هــذا الســكوت أمــام ضيــاع الوطــن؟ ألن كل مــن تغــرّ ب‬ ‫ذهــب وهــو قرفــان مــن بــاده وال يســتحق حتــى أن يش ـبّه‬ ‫بجبــران الــذي أجبــر علــى الرحيــل‪ ،‬وذهــب وهــو شــبعان‬ ‫ّ‬ ‫متضخــم‬ ‫مــن تــراب بــاده‪ ،‬متشــبّع مــن صــور بــاده‪،‬‬ ‫مــن جمــال بــاده‪ ،‬وهــل يكــون الفنــان غيــر ذلــك؟ وهــل‬ ‫لشــاعر أن يكــون غيــر ذلــك حتــى يســتحق هــذا اللقــب؟‬ ‫وهــل ألديــب أن يكــون أديبـا ً بــا أدب وأقلّــه معرفتــه أدبــاء‬ ‫أمّتــه التــي طالمــا تغنــى جبــران بأعمالهــم ال بــل وعرّ فنــا‬ ‫عليهــم؟ وإال كيــف أصبــح نبــيّ األمّــة لــوال حبــه لألمّــة؟‬ ‫هــذا هــو تأثيــر البيئــة علــى اإلنســان ومــا مــن ســواه تأثيــر‬ ‫ومــا من ســواه إبــداع!‬


‫كتاب‬

‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫‪17‬‬

‫«وقت للحب»‪ ..‬لندى أشقر‬

‫وطن للحب ولو كان خيمة ترحل‬

‫لويس الحايك‬

‫وقــت للحــب»‪ ..‬تخــاف عليــه الضياع«وقــت للحــب» روايــة‬ ‫بالفرنســية صــدرت العــام ‪ 2011‬للروائيــة نــدى لــن أشــقر املولــودة‬ ‫نــدى لــن ميــن‪ .‬ولــدت العــام ‪ 1975‬وبعــد حصولهــا عــى ماجســتري‬ ‫مــن كليــة اآلداب والعلــوم يف بــروت التحقــت بجامعــة الســوربون‬ ‫لتعمــق دراســاتها الفلســفية‪ .‬عاشــت طفولتهــا وشــبابها يف بلــدة‬ ‫ســاهمت مــع غــزو اإلرســاليات بوضــع االســس االوىل للفرنكفونيــة‬ ‫وبقيــت حتــى بدايــات عهــد االنتــداب‪ ،‬مدينــة االســتقطاب لقاطعــي‬ ‫املــن يصــل اليهــا الج ـران بعربــات تجرهــا الخيــول والبغــال‪ ،‬وكان‬ ‫لكهنتهــا اليــد الطــوىل يف دعــم الخطــوات االوىل للفرنكوفونيــة‪ .‬ومــن‬ ‫مشــاهري هــؤالء ابــن البلــدة الخــوري انطــون ميــن الــذي كان ير ّمــم‬ ‫للمســترشقني عربيتهــم‪ ،‬ومــن روائييهــا املعروفــن فــرج اللــه الحايــك‪،‬‬ ‫ولعــل أديبتنــا التــي تعيــش اليــوم يف فرنســا‪ ،‬وقــد أغوتهــا اعــال‬ ‫ّ‬ ‫األســاف‪ ،‬شــاءت ان تفاجئنــا بــأوىل نتاجهــا بالفرنســية واعــدة‬ ‫باملزيــد‪.‬‬

‫«وقــت للحــب» تــدور حوادثــه فــي عاصمــة االدب‬ ‫والفنــون والحــب‪ .‬فبطلــة الروايــة‪ ،‬الرســامة الحســناء‬ ‫كارال‪ ،‬تجسّــد بلوحاتهــا حكايــات مثيــرة لرجــال ونســاء‬ ‫يفتشــون عــن الحــب‪ ،‬عــن فســحة حــب‪ ،‬فيبــوؤن‬ ‫بالفشــل‪ .‬أوليــس للحــب حصــة مــن األوقــات الضائعــة‬ ‫فــي الحيــاة‪ ،‬مــن اوقــات اللهــو‪ ،‬مــن أوقــات الفــراغ‪ ،‬اال‬ ‫يســتحق الحــب ان نمنحــه مــا يســتحق ونوليــه بعــض‬ ‫االهتمــام فــا نفــرط بأوقــات حضــوره؟ هــل يوفــر لنــا‬ ‫الوقــت فرصــة االختيــار بيــن ان نحِــبّ او ان ُن َحــبّ ؟‬ ‫هــؤالء الشــخوص يتحركــون علــى أقمشــتها‪ ،‬يبحثــون‬ ‫عــن الحــب ويلهثــون وراءه‪ ،‬لكنهــم يرفضــون أي ارتبــاط‬ ‫يأســر حرياتهــم ألن الحــب المتحــرر مــن قيــود االرتبــاط‬ ‫هــو حــب ذو حديــن ‪ :‬فمــن جهــة‪ ،‬هــو الرغبــة والتماهــي‬ ‫بمشــاعر واحاســيس تمليهــا عليــه لغــة الجســد ومــن جهــة‬ ‫اخــرى‪ ،‬هــو الشــك والغيــرة ونــزوة شــهوة التملّـــك ومــا‬ ‫ينتــج عــن ذلــك كلّــه مــن تقلبــات تــؤرق صفــاء العيــش‪.‬‬ ‫لكــن كارال‪ ،‬وبعــد تعرّ ضهــا لحــادث ســير قلــب لهــا ظهــر‬ ‫المجــن‪ ،‬تجــد نفســها فــي المستشــفى محاطــة بمــاك‬ ‫وشــيطان فــي وقــت واحــد‪ :‬رجــل فــي حياتهــا أنقذتــه‬ ‫مــن المــوت وحبيــب يضـ ًّخ الحنــان فــي عروقهــا‪ .‬ومــا ان‬ ‫تغــادر المستشــفى حتــى تجــد نفســها منعزلــة فــي محترفهــا‬ ‫خائفــة مــن ان تفقــد دورهــا الحياتــي مــع الواقــع‪ ،‬فتنــزل‬ ‫مــن برجهــا العاجــي وتعــود الــى رتابــة الحيــاة اليوميــة‪.‬‬ ‫انهــا خائفــة مــن الوقــت‪ ..‬فهــل تتحقــق امنيتهــا بالفــوز بمــن‬ ‫ـر عبــر شــرح‬ ‫تحــب؟ فــي كتــاب نــدى لمعــات إنســانية تمـ ًّ‬ ‫عميــق واعــد بنضجــه وأبعــاده وبخبــرة اينعــت قبــل‬

‫اوان الحصــاد‪ .‬وبمــا ان حــوادث الروايــة يجــب أن تتــرك‬ ‫لفضــول القــارئ فــي لــذة استكشــافها‪ ،‬كان ال بــد مــن تأهيل‬ ‫افــكاره بهــذا الفضــول عبــر قــراءة ســريعة مــن الفصــل‬ ‫األخيــر للروايــة‪ .‬بعــد افتتــاح الوليمــة تقــول لوالدتهــا التــي‬ ‫دعتهــا للمشــاركة‪:‬‬ ‫ ال اشــعر بالجــوع‪ .‬ســأتناول فقــط كأس ـا ً مــن الشــراب‪.‬‬‫كانــت تبحــث فــي ك ّل مــا حولهــا عــن تلــك النظــرة الكئيبــة‬ ‫العطــوف المــأى باألســرار‪ ،‬ثــم قرّ بــت كأس الشــراب من‬ ‫شــفتيها المتعطشــتين للــدفء والحنــان وتناســت هاجــس‬ ‫فراقــه وانفصالــه عنهــا‪ .‬فقــد فاجأهــا بجلوســه الــى جنبهــا‬ ‫موجهــا اليهــا الــكالم ‪:‬‬ ‫ انــي ارغــب بالمشــي فــوق الرمــال حيــث اســمع االمــواج‬‫تتحــدث عــن نزواتهــا هـاّ ترافقينني؟‬ ‫ اني مرهقة وافضل ان ابقى جالسة على الكرسي‪.‬‬‫ أنــا مســتعد ان آتيــك بأفضــل كرســي فــي العالــم لتجلســي‬‫عليهــا‪ :‬ستجلســين علــى ركبتــي حيــث تشــعرين بالحنــان‬ ‫يحتضنــك وتنســين تعبــك‪.‬‬ ‫ هــل انــت واثــق مــن نفســك ومــن قــوى جاذبيتــك؟‬‫ انــا واثــق بأنــك ترغبيــن بالتخلــي عــن هــذه الكرســي!‬‫ آسفة أظن انك لم تفهم ما اقصد‪.‬‬‫ ال بــأس سأنســحب اذاً متمنيــا لــك قضــاء ســهرة حلــوة‬‫واودعــك فأنــا ودينــا سنســافر غــدا الــى اليونــان‪.‬‬ ‫تقول‪:‬‬ ‫وقبــل ان يفســح لــي المجــال للتفــوه بكلمــة أدارظهره‬

‫ثــم ضــاع بيــن الجمــع‪ ،‬فلــم اعــد اعــرف مــا افعــل‪ ،‬هــل‬ ‫اركــض للحــاق بــه والقبــض عليــه ام اتــرك آلمالــي ان‬ ‫ُ‬ ‫ـحري‪.‬نزعت الحــذاء ورحــت‬ ‫تســبح فــي محيــط ازرق سـ‬ ‫أمشــي علــى الرمــال الطريــة حتــى المســت اصابعــي‬ ‫فتــور ميــاه البحــر التــي أخــذت تجذبنــي اليهــا‬ ‫شــيئا ً فشــيئا ً وكأن إعصــاراً يشــدني الــى األعمــاق‪.‬‬ ‫ثم وجدته امامي وهو يقول ‪:‬‬ ‫ت ثوبك ستشعرين بجمال البحر يداعب جسدك‪...‬‬ ‫ إذا نزع ِ‬‫اذاً هو ما زال هنا ولم يرحل!‬ ‫ـ اقتربــي ســأعطيك ثوبــي‪ .‬تقـ ّدم ســليم خطــوة الــى األمــام‬ ‫فنزعـ ُ‬ ‫ـت ثوبــي بتحفــظ بعــد خروجــي مــن الميــاه ووضعتــه‬ ‫بيــن يديــه‪ ،‬فبادرنــي قائـاً‪:‬‬ ‫ انــا مــا زلــت أحبــك ولــن أعيــش بعيــداً عنك منــذ اللحظة‪.‬‬‫ انا بحاجة ان استحم هل ترافقني؟‬‫ هــل تبقيــن لحظــة مــن دون حــراك ألتمتــع بجمــال‬‫جســدك!‬ ‫تضيف كارال‪:‬‬ ‫منــذ وصولــي هــذا الصبــاح مــن كورســكا لــم أتمتــع‬ ‫بالنســيم العليــل الــذي يهــبّ علينــا عــادة مــن الجبــال‪.‬‬ ‫كنــت مســرورة بــدفء النهــار وجمــال المتوســط‪،‬‬ ‫فكيــف اســتر جســدي اآلن وقــد فقــدت ثوبــي؟‬ ‫كان ســليم يراقبنــي وأنــا أرتجــف فتقــدم منــي ليغمرنــي‬ ‫بيديــه بذراعيــه بجســده‪.‬‬ ‫ اني اشعر بالبرد‪.‬‬‫ علينــا ان ندخــل اآلن فقــد حجــزت فــي الفنــدق‬‫قريبــا ً مــن هنــا وســنكون معــا تحــت ســقف واحــد‪.‬‬ ‫ سليم‪ ،‬حكاية السقف الواحد لطالما جرّ ت علينا المصائب‬‫فهــل يمكــن ان نجــد لنــا حــاً آخــر؟ ‪ -‬ســنلغي الســقف‬ ‫ونســتبدله بخيمــة متحركــة تغمــر جســدينا اينمــا حللنــا‪...‬‬ ‫ انــا موافقــة ســنجعل هــذه الخيمــة تختــار هــي المــكان‬‫المثالــي لســكننا‪ .‬وال شــك فــي أن هــذا المــكان ســيكون‬ ‫مدينــة باريــس‪ ،‬اجمــل مــدن العالــم‪ ،‬وتكــون لنــا الوطــن‬ ‫وال ضيــر بشــعور الغربــة آنــذاك ونحــن نعيــش فيهــا‬ ‫وكأننــا فــي وطننــا األم‪ .‬فجذورنــا الصقــة بأرواحنــا تســافر‬ ‫فــي الزمــن لتكتشــف وتختــار موطأهــا بمــلء حريتهــا‪.‬‬ ‫فهــل ســيمنحنا الوقــت حريــة االختيــار كــي نحــب و ُنحــب؟‬ ‫مصائــر المحبيــن بســؤال يؤرقهــم‪.‬‬ ‫هكــذا تعلــق الباحثــ ُة‬ ‫َ‬ ‫فالحيــاة مهمــا تمــرّ بنــزوات شــيطانية ومالئكيــة وقبــل‬ ‫مراحلهــا األخيــرة‪ ،‬ال بــ ّد مــن ان ترمــي شــباكها فــي‬ ‫ســاحة آمنــة وتركــن الــى غطــاء مــا‪ ،‬ســواء أكان ســقفا ً‬ ‫مــن اإلســمنت المســلح أو خيمــة رحّ الــة تبحــث عــن مرقــد‬ ‫عنــزة‪ .‬أ ّمــا الحــب وإن رضــخ آخــر المطــاف الــى واقــع‬ ‫رتيــب‪ ،‬فــا بــد ان يظــ ّل ســؤاال قائمــا يشــغل الجــوابُ‬ ‫قلــوب المحبيــن‪.‬‬ ‫عليــه‬ ‫َ‬


‫‪18‬‬

‫كتاب‬

‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫«األكراد من العشيرة الى الدولة»‬

‫قضية على موائد الدول الكربى بال حل‬ ‫«تحوّ الت»‬ ‫فــي هــذا البحــث عــن الكــرد والمســألة الكرديــة عبــر‬ ‫العهــود يحــاول المــؤرخ والباحــث موســى ّ‬ ‫مخــول أن يبقــي‬ ‫هــذه المســألة فــي اطارهــا التاريخــي والطبيعــي وايضاحهــا‬ ‫واخراجهــا للقــارئ ضمــن منهــج علمــي أكاديمــي‪ ،‬يســتند‬ ‫الــى المراجــع الموثوقــة‪ ،‬والوثائــق التاريخيــة المح ّققــة‬ ‫والمن ّقحــة‪ ،‬بعيــداً عــن غبــار الخيــال‪ ،‬الســرد القصصــي‪،‬‬ ‫حلــم الشــعر وثــورة العاطفــة‪.‬‬ ‫يقول الكاتب‪ :‬ان المسألة الكردية تتطلب الجهد واعادة‬ ‫النظــر والتدقيــق‪ ،‬بعــد ان ظهــرت وثائــق جديــدة‪،‬‬ ‫صــة أ ّنها فــي مراحلها‬ ‫وابحاثجديــدة فــي هــذا الموضــوع‪ ،‬خا ّ‬ ‫الوســطى والحديثــة والمعاصــرة‪ ،‬هــي لعبــة سياســية دوليــة‪.‬‬ ‫وقــد ّأثــر فيهــا‪ ،‬وزاد فــي تعقيدهــا الطبيعــة‬ ‫الجغرافيــة ألرض الكــرد‪ ،‬ومــن ثــم الحــدود السياســية لهــذه‬ ‫المنطقــة‪ .‬يــرى المؤلّــف ان البقعــة التــي يتواجــد فيهــا الكــرد‬ ‫أو «كردســتان» تتقاســمها اربــع دول هــي‪:‬‬ ‫ايــران‪ ،‬العــراق‪ ،‬تركيــا‪ ،‬ســورية‪ .‬ولــكل دولــة مــن هــذه‬ ‫الــدول حدودهــا الجغرافيــة والسياســية المعتــرف بهــا دوليـا ً‬ ‫ولهــا كياناتهــا المســتقلة وأنظمتهــا ودســاتيرها المعتمــدة فــي‬ ‫حيــن فرضــت الطبيعــة الجغرافيــة‪.‬‬ ‫والواقــع الزمنــي والسياســي أن وجــود الكــرد ضمــن هــذه‬ ‫الــدول وضمــن هــذه الكيانــات‪ ،‬وهــذه االنظمــة والتــي‬ ‫ك االرتبــاط معهــا أو تعديل مواثيقهــا‪ ،‬وقوانينها‪،‬‬ ‫يحاولــون فـ ّ‬ ‫ودســاتيرها‪ ،‬والســعي إلــى إدارة ذاتيــة عنــد البعــض منهــم‪،‬‬ ‫والــى اســتقالل وانفصــال كلــي عنــد البعــض اآلخــر‪.‬‬ ‫فــي حيــن ارتضــى فريــق منهــم العيــش ضمــن هــذه الــدول‬ ‫وتحــت لوائهــا كمواطنيــن متســاوين فــي الحقــوق والواجبات‬ ‫االجتماعية والسياســية‪..‬‬ ‫وقــد اخــذت الحيــز االكبــر مــن الكتــاب‪ .‬وعمــل المــؤرخ‬ ‫مخــول فــي بحثــه جاهــداً وبنــوع خــاص علــى اظهــار‬ ‫الناحيــة الحضاريــة عنــد الكــرد بمــا تتضمنــه مــن‪ :‬لغــة‪،‬‬ ‫ثقافــة‪ ،‬ديــن‪ ،‬علــم‪ ،‬اقتصــاد‪ ،‬عــادات‪ ،‬تقاليــد‪ ،‬أنظمــة‪ ،‬أدب‬ ‫وشــعر‪ ...‬كمــا شــرح وب ّيــن ايض ـا ً فــي كتابــه هــذا عالقــة‬ ‫الكــرد بالشــعوب التــي يعيشــون بيــن ظهرانيهــا‪ ،‬ويشــكلون‬ ‫جــزءاً ال يتجــزأ منهــا‪.‬‬ ‫ويتألــف «األكــراد مــن العشــيرة الــى الدولــة» مــن ‪304‬‬ ‫صفحــات ويتضمــن ســبعة عشــر فصالً اضافة الــى المراجع‬ ‫العربيــة‪ ،‬والمراجــع المترجمة الى العربيــة والمراجع باللغة‬ ‫الفرنســية والدوريــات العربيــة والفرنســية‪ .‬وفــي كل فصــل‬ ‫مــن فصــول هــذا الكتــاب شــرح مســتفيض ومو ّســع وموثــق‬ ‫للموضــوع الــذي تناولــه المؤلــف‪ .‬وكل موضــوع مــن هــذه‬ ‫المواضيــع هــو اكبــر مــن مقالــة واقــل او اصغــر مــن كتاب‪.‬‬ ‫إنمــا قــد يغنــي القــارئ فــي اكثــر االحيــان عــن كتــاب كامل‪.‬‬ ‫وبعــد قراءتنــا لهــذا الكتــاب قــراءة متأنيــة ودقيقــة واكاديميــة‬ ‫بــكل مــا لهــذه الكلمــة مــن حصــر ومعنــى‪ ،‬تبيــن لنــا ان‬ ‫المؤلــف موســى مخــول بــذل جهــداً كبيــراً فــي دراســة‬ ‫القضيــة الكرديــة‪ ،‬وال ســيما باســتناده الــى مراجــع موثوقــة‬ ‫ودقيقــة ونــادرة احيانـا ً وقــل وجودهــا فــي المســألة الكرديــة‬ ‫التــي طمســها الغــزاة المحتلــون منــذ بدايــة تاريخهــا وال‬ ‫يزالــون يطمســونها حتــى يومنــا هــذا‪ ،‬وكأن الشــعوب‬ ‫الصغيــرة والضعيفــة فــي لعبــة األمــم هي «ســلعة للمســاومة‬ ‫والمقايضــة» وقــد تكــون احيانـا ً هبــة مــن الحاكــم الــى مــن‬ ‫يشــاء ومتــى يشــاء وكيفمــا يشــاء‪ .‬لكــن موســى مخــول فــي‬ ‫كتابــه هــذا حــاول ان يظهــر القضيــة الكرديــة كمــا هــي‬

‫علــى حقيقتهــا وإعطاءهــا مــا لهــا ومــا عليهــا عم ـاً بقــول‬ ‫المســيح «اعطــوا مــا لقيصــر لقيصــر ومــا هلل هلل»‪ ،‬فلــم‬ ‫يتــرك شــاردة او واردة اال وتطــرق اليهــا حتــى وصــل فــي‬ ‫بحثــه وتأريخــه الــى ادق االمــور واصعبهــا‪ ،‬فأوصلهــا الــى‬ ‫الشــاطئ االميــن بعــد ان أشــبعها درســا ً وبحثــا ً ومراجعــة‬ ‫وتدقيق ـا ً بــدءاً مــن الواقــع الجغرافــي لكردســتان الــى اصــل‬ ‫االكــراد ووجودهــم فــي التاريــخ الــى اللغــة الكرديــة‬ ‫واالدب الكــردي والثقافــة الكرديــة ومــن العائلــة الكرديــة‬ ‫وتقاليدهــا الــى العشــيرة الكرديــة ودورهــا فــي حيــاة الكــرد‬ ‫الــى مراحــل الحكــم الذاتــي فــي كردســتان العــراق الــى‬ ‫كردســتان واالســتقالل‪ ،‬ومــن الكــرد والديــن والكــرد والدولة‬ ‫االســامية الــى الكــرد والدولــة العثمانيــة والدولــة الفارســية‬ ‫الشاهنشــاهية‪ ،‬والجمهوريــة االســامية االيرانيــة المعاصرة‪.‬‬ ‫ومــن واقــع االكــراد فــي ايــران وســورية والعــراق وتركيــا‬ ‫الــى القضيــة الكرديــة حتــى نهايــة الحــرب العالميــة الثانيــة‬ ‫حتــى يصــل بالنهايــة الــى واقــع القضيــة الكرديــة اآلن‪.‬‬ ‫وفــي دراســتنا لكتــاب «االكــراد مــن العشــيرة الــى الدولــة»‬ ‫لمؤلفــه موســى مخــول‪ ،‬حاولنــا التركيــز علــى المنســيات‬ ‫عنــد شــعوب االرض المســتضعفة وهــي‪ :‬الفكــر‪ ،‬االدب‬ ‫والثقافــة‪ .‬وقــد دوّ نــا بعــض العينــات مــن هــذا االدب والثقافــة‬ ‫المأخــوذة مــن الكتــاب‪.‬‬ ‫في الشعر الغربي‪:‬‬ ‫«لنعقــد عهــداً فــي مــا بيننــا ‪ /‬انــت علــى قرطــك‪ /‬وانــا‬ ‫علــى خنجــري‪ /‬تعالــي ألضــع يــدي علــى جيــدك‪ /‬لتبتعــد‬ ‫ع ّنــا عيــون الشــيطان ونفــاق المفرّ قيــن‪ /‬انقشــي اســمي علــى‬ ‫الخاتــم فــي اصبعــك‪ /‬اقــرإي اســمي المنقــوش علــى خاتمــك‪/‬‬ ‫اذا متنــا فــا يتذكــروا الذنــوب التــي اقترفناهــا‪.‬‬ ‫في وصف القتال‪:‬‬ ‫ايــه ايهــا الفتيــان‪ /‬ابذلــوا مــا بوســعكم الجهــد‪ /‬ال تتركــوا‬ ‫ســاحة الوغــى‪ /‬حقـا ً هنــاك ايضـا ً الفــرار‪ /‬ولكــن الفــرار مــن‬ ‫شــيم العجائــز‪ /‬هلّــم فقــد دقــت الســاعة انهــا لحظــة حرجــة‪.‬‬ ‫وفــي الفصــل الســابع واألخيــر يــرى المؤلــف‪ :‬إن القضيــة‬ ‫الكرديــة بقيــت عقــوداً مــن الزمــن عرضــة لالســتثمار مــن‬ ‫القــوى الدوليــة واالقليميــة والمحليــة علــى الســواء وهــذه‬

‫القضيــة باالضافــة الــى كونهــا نزاع ـا ً داخلي ـا ً فــي كل مــن‪:‬‬ ‫تركيــا‪ ،‬ايــران والعــراق فــي الدرجــة االولــى‪ ،‬فانهــا ايضـا ً‬ ‫تصــدر للخــاف والتحريــك الصــراع بيــن هــذه الــدول التــي‬ ‫يجمعهــا قاســم مشــترك هــو عــدم قيــام دولــة كرديــة منفصلة‬ ‫فــي دولــة واحــدة او متحــدة فــي الــدول الثــاث‪.‬‬ ‫ويتابــع المؤلــف فيقــول‪ :‬كمــا ان الــدول الكبــرى وبخصوص‬ ‫الواليــات المتحــدة االميركيــة منهــا لــم تقــم بــأي عمــل‬ ‫بنــاء علــى إنهــاء هــذه القضيــة بطريقــة او بأخــرى‪ .‬وقــد‬ ‫كانــت حريصــة ان ال يحصــل اي اتفــاق بيــن الحــركات‬ ‫واالحــزاب الكرديــة والحكومــة العراقيــة فــي تســعينيات‬ ‫القــرن العشــرين‪ ،‬فالقــوى الخارجيــة كانــت تســتثمر هــذه‬ ‫القضيــة دافعــة باالمــور باتجــاه التباعــد والتصــادم وتشــجيع‬ ‫النزاعــات علــى حســاب التعايــش‪.‬‬ ‫والوحــدة الوطنيــة‪ ...‬ومــن المفارقــات األخــرى ان‬ ‫الحــركات الكرديــة العراقيــة وااليرانيــة والتركيــة كانــت‬ ‫عالقتهــا تســوء فــي مــا بينهــا بحســب القــرب او البعــد‬ ‫مــن الحكومــات‪ .‬ويختــم المؤلــف كتابــه بالقــول اذا اعتبــر‬ ‫االكــراد انفســهم أمــة مميــزة عــن غيرهــا مــن القوميــات‬ ‫المتواجــدة فــي المنطقــة بالحفــاظ علــى تميزهــم القومــي‪،‬‬ ‫فــإن كل الحــوادث التــي مــرت بهــا كردســتان يجــب ان‬ ‫تجعــل القيــادات الكرديــة تــدرك الحقيقــة الواضحــة التــي‬ ‫تقــول‪ :‬فــي عالــم اليــوم فــان مصالحهــم تبقــى مرتبطــة‬ ‫بمصالــح القوميــات التــي يعيشــون فيهــا‪ ...‬وعليهــم أن‬ ‫يربطــوا مصيرهــم ونضالهــم مــع مصيــر ونضــال القوميات‬ ‫األخــرى التــي يتعايشــون معهــا‪ ،‬فــإن وضــع كردســتان‬ ‫المحــاط بــدول تتأرجــح بيــن الصداقــة والتباعــد وخالفهــا‬ ‫بالــغ الغمــوض وتحيــط بهــا الشــكوك‪ ،‬وهــو مرهــون إلــى‬ ‫حــد كبيــر بتغييــر الحــكام واألنظمــة‪ ،‬كمــا ان التجــارب ال‬ ‫تثبــت ان الواليــات المتحــدة لــن تتخلــى عــن حلفائهــا وان‬ ‫االميركييــن ذرائعيــون يعيشــون واقعهــم هــم‪ ،‬وان التجربــة‬ ‫التاريخيــة أثبتــت ان القــوى الخارجيــة كان همهــا االساســي‬ ‫اضعــاف العــراق لضمــان حقــوق االكــراد وانهــم فــي لحظــة‬ ‫تناقــض يتخلــون عــن الشــعب الكــردي ويتركونــه لألقــدار‪.‬‬ ‫وهــذا الكتــاب فــي نظرنــا‪ ،‬وبعــد الدراســة التــي اوفينــاه‬ ‫اياهــا يعتبــر «معلمـا ً فــي بحــث القضيــة الكرديــة ومرجعـا ً‬ ‫موثقــا ً وموثوقــا ً للباحثيــن والدارســين والمؤرخيــن علــى‬ ‫الســواء ويتضــح أن المؤلــف موســى مخــول وضــع‬ ‫جهــداً كبيــراً ومضنيــا ً إلخراجــه للقــارئ بهــذا الشــكل‪.‬‬ ‫ويقــول المؤلــف فــي مقدمــة هــذا الكتــاب «لســت األول‬ ‫الــذي كتــب وبحــث فــي تاريــخ الكــرد والمســألة الكرديــة‬ ‫ولــن أكــون األخيــر مــن هــؤالء‪ ،‬كمــا أن هــذا الكتــاب لــن‬ ‫يكــون خاتمــة الكتــب وأكملهــا‪ .‬لكنــي قــد اكــون مــن بيــن‬ ‫الذيــن شــاركوا ويتشــاركون فــي إعــادة بحــث هــذه القضيــة‬ ‫بعــد أن ظهــرت وثائــق جديــدة بصــدد هــذا الموضــوع‬ ‫ونحــن نكمــل ونقــول ايضــاً‪ :‬إن هــذا الكتــاب كمــا ســبق‬ ‫وقلنــا هــو معلــم ومرجــع ومدمــاك جديــد فــي حائــط القضيــة‬ ‫الكرديــة وهــو جديــر بالقــراءة بــكل جديــة‪ ،‬وجديــر ان يكون‬ ‫فــي صــدر كل مكتبــة وعنــد كل قــارئ وباحــث ومثقــف‪.‬‬ ‫مالحظــة‪ :‬إن جميــع المراجــع الموجــودة فــي هــذا الكتــاب‬ ‫والتــي اســتند اليهــا البحــث موجــودة فــي مكتبــة المؤلــف‬ ‫موســى مخــول بالــذات وملــك شــخصي لــه‪.‬‬


‫‪19‬‬

‫مناسبة‬

‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫تكريم شحرور الوادي يف ذكراه املتجددة‬

‫فــي ذكــرى الشــحرور المتجــ ّددة دومــا ً برفيــف‬ ‫جناحيــه فــوق واديــه الخالــد‪ ،‬أقامــت حلقــة الحــوار‬ ‫الثقافــي مهرجانــا ً فــي بلدتــه بصالــة كنيســة مــار‬ ‫انطونيــوس‪/ ،‬لتنــدَ ه بلســان شــاعرها تلــك الــروح التقيــة‬ ‫النقيــة ‪ /‬والنــور يلحــق النــور ‪ /‬مــن جوقتــه الخالــدة ‪/‬‬ ‫مــن علــي وأنيــس ‪ /‬واميــل وطانيــوس ‪ /‬ومــن لويــس‪/‬‬ ‫اللــي رجعــوا يصلــوا وروح شــاعرنا تختــال فــوق الجــرن‬ ‫ونبيــل ابنــو ورفيــق قرابتو يشــيلوا البخور ويندهوا يســوع‪،‬‬ ‫إللــي عيَّــش اليعــازر َ‬ ‫ت يــرد ضــ ّخ الــدم بالشــحرور ‪/‬‬ ‫العميــد الفغالــي كان شــاعر العائلــة‪ ،‬العميــد رفيــق‬ ‫الفغالــي الــذي لــم تســتطع عســكريته أن تحــرم الزجــل‬ ‫مــن إبداعاتــه وإن حرمتــه مــن حــرب المنابــر وهــو‬ ‫ابــن الــوادي وســليل عائلــة الشــعراء‪ ،‬قــوّ ال ابــن قــوّ ال‪،‬‬ ‫نجــده فــي هــذا الحفــل التكريمــي يعتــرف بالجميــل لمنبــر‬ ‫اآلبــاء واألجــداد ونجــده وفيــا ً لــكل المنبرييّــن فيقــول‪:‬‬ ‫شــعر المنبــر ‪ :‬صــوت جــراس ‪ /‬ربّعهــا لحــن الشــاعر‬ ‫وشــ ّغل فينــا َ‬ ‫الخمْــسْ حــواسْ ‪ /‬وشــبّعنا حــرق مشــاعر‬ ‫ال بيكــون حســاس مــن النــاس ‪ /‬ومالــك إحساســو وشــاعر‬ ‫بيــرزح بحمــال االحســاس ‪ /‬وبيتــش بــأول‬ ‫ريـِّـــه شــعر المنبــر بالحضــار ‪ /‬بيخمّــر وبيتخمَّــر‬ ‫والشــاعر متــل الخمّــار ‪ /‬بيســكر حــدو وبيســكِر‬ ‫بنــت الخمــرة الهــا عيــار ‪ /‬بالكاســات بتتعيّــر‬ ‫امــا كاســات األشــعار ‪ /‬عياراتــا جوّ انيــة‬

‫خريش‬

‫افتتــح الحفــل نائــب رئيــس حلقــة الحــوار الشــاعر المتبحّ ر‬ ‫بعلــوم اللغــة واصولهــا صاحــب الجــوالت والصــوالت‬ ‫التــي شــهدها المؤتمــر العربــي الخامــس لألســماء‬ ‫الجغرافيــة فــي بيــروت العــام ‪ ،2010‬العميــد مــارون‬ ‫خريــش الــذي رحّ ــب بالحضــور وشــكر جميــع المشــاركين‬ ‫بإحيــاء هــذه األمســية التــي تميــزت برقيهــا الحضــاري‬ ‫فأشــاد بشــاعرنا الكبيــر مؤســس الشــعر الزجلــي فــي القرن‬ ‫العشــرين والرائــد االول الــذي ألــف وأنشــأ أول فرقــة‬ ‫زجليــة العــام ‪ . 1928‬وكانــت لفتــة شــكر منــه للشــعراء‬ ‫المشــاركين بالحفــل وللحضــور الــذي تج ّ‬ ‫شــم الصعــاب‬ ‫للوصــول الــى الــوادي وبالتخصيــص بعــض افــراد الهيئــة‬ ‫االداريــة بحلقــة الحــوار الذيــن تخلفــوا عــن الحضــور‬ ‫بســبب ازمــة الســير الخانقــة والقاتلــة كمــا أســرّ الينــا‪.‬‬ ‫وبعــد أن قــ ّدم االعتــذار عــن غيــاب االســتاذ طانيــوس‬ ‫الحلبــي رئيــس الحلقــة راعيــة الحفــل لظــروف قاهــرة‬ ‫منعتــه مــن الحضــور‪ ،‬واالعتذار عــن الغائبيــن والغائبات‪،‬‬ ‫أفــاض فــي شــرحه ألبــواب الشــعر المحكــي ومــا يتميــز‬ ‫كل بــاب منهــا بجماليــة اللــون ولــذاذة الطعــم ‪ :‬فمــن‬ ‫المع ّنــى الــى الموشــح والقــرادي والقصيــد والشــروقي‬ ‫وال ِحــدا والعتابــا والميجنــا والبغــدادي الــى إشــادته بعبقريــة‬ ‫الشــحرور المحتفــى بذكــراه‪ ،‬لينتقــل بالحديــث الــى‬

‫العميــد مــارون خريــش ‪ -‬الشــاعر نبيــل الفغالــي (ابــن الشــحرور ) ‪ -‬الشــاعر العميــد رفيــق الفغالــي‬

‫الشــاعرة هــدى الخــوري التــي أفاضــت بدورهــا بماهيــة‬ ‫هــذا اللقــاء وبشــعرائه لتنقــل همســات مــن وادي الفريكــه‪،‬‬ ‫وادياالميــن‪ ،‬الــى وادي الشــحرور‪ ،‬بلســان الشــاعر بشــاره‬ ‫ل ّبــس‪ :‬كيــف بيفلــو على غفله ؟ ‪ /‬وبيســكنو بالطابق الســفلي‬ ‫هيــك يــا بنــت الشــعر غابــو ‪ /‬ومــن بعدهــن‬ ‫قالــو لــك اســطفلي دمعِــك ســقي الشــحرور‬ ‫وترابــو ‪ /‬وصــوت اللــي كان يقلــك وقفلــي‬ ‫ص ّفــى صــدى مهوشــل علــى حســابو ‪ /‬ســمعت الصــدى‬ ‫لكــن بــا حفلــه‬ ‫مهما المدى يبعد عن شرودك ‪ /‬ما كان يتخطى مدى زنودك‬ ‫ومهمــا الصــدى يعبــر مجــال الكــون ‪ /‬يهلــك ومــا يوصــل‬ ‫علــى حــدودك‬ ‫ّ‬ ‫وردكِ لزهّر الف لون ولون ‪ /‬خلى العبير يعانق ورودك‬ ‫ويزوغ ينشر عطر هون وهون ‪ /‬يكسدر من بدادون للوادي‬ ‫يخبّر ويحكي حكاية خلودك‬

‫الخوري‬

‫وألقــت الشــاعرة هــدى الخــوري كلمــة هنــا نصهــا حرفيــا‬ ‫وقــد اختصــرت فيهــا تقديمهــا لــكل شــاعر علــى حــدة‪:‬‬ ‫للشــعر ســماوات يطلــق افــق إحداهــا االخــرى ولشــعرنا‬ ‫الشــعبي‪ ،‬زجلنــا‪ ،‬فضــاءات ترنــم انغــام اوديتنــا وســواقينا‬ ‫وتصــدح إبــاء جبالنــا وروابينــا وتنطلــق هديــرا او عت ًقــا‬ ‫فــي بحرنــا او فــي خوابينــا‪ .‬ولنــا شــموس اضــاءت‬ ‫انوارهــا حياتنــا مــن زيــت هــذه الحيــاة‪ ،‬تغــوص فــي‬

‫القــدم‪ ،‬فــي الســريانية األم مــع مــار إفــرام وتنتقــل وتغتنــي‬ ‫مــع الرهبــان‪ ،‬تتغلغــل فــي تفصيــات ثقافتنــا حتــى‬ ‫صــار الزجــل شــعر األفــراح واألتــراح‪ ،‬شــعر المجتمــع‪.‬‬ ‫وهــذا الشــعر الــذي تغنيــه أوديتنــا وروابينــا تن َّفــس عميقــا‬ ‫فــي هــذا الــوادي الجميــل‪ ،‬وادي شــحرور‪ ،‬وبزغــت‬ ‫علينــا مــن آل الفغالــي شــمس الخوريلويــس ثـ ّم ابنــه اســعد‬ ‫شــحرور هــذا الــوادي‪.‬‬ ‫لطالمــا ســاءلت نفســي ان كنــا حقـا ً نكــرم الشــعراء او ترانا‬ ‫نكــرم انفســنا وحياتنــا بهــم؟ ولطالما عرفــت الجواب‪:‬‬ ‫ان الشعراء والمبدعين هم كرامات االمم‪.‬‬ ‫لقــد جعــل اســعد الفغالــي‪ ،‬شــحرور الــوادي‪ ،‬للزجــل ســمة‬ ‫منبريــة وأركا ًنـــا للغنــاء والعــرض‪ ،‬معــه ولــدت أولــى‬ ‫جوقــات الزجــل فــي العــام ‪ 1920‬وكانــت نــواة صلبــة‬ ‫تشــكلت بعدهــا وعلــى نمطهــا جوقــات كثيــرة وبفضــل هذه‬ ‫الجوقــات صــار الزجــل احــدى ســمات الثقافــة فــي لبنــان‪.‬‬ ‫ونوّ هــت الشــاعرة بمكرمــة مــن مكرمــات فــرق الزجــل‬ ‫التــي قربــت المغتربيــن مــن وطنهــم االم بفضــل الرحــات‬ ‫التــي كانــت هــذه الفــرق تقــوم بهــا الــى المغتربــات‪ .‬وكانت‬ ‫احــدى بوادرهــا فــي الحفــل حضــور رئيــس المركــز‬ ‫اللبنانــي المكســيكي الســيد طونــي طرابلســي الــذي شــكر‬ ‫المكرِّ ميــن بلغتــه األم ثــم افــاض علــى الحضــور بلغــة‬ ‫االغتــراب بــكل مــا يجيــش فــي نفســه مــن حنيــن ذكريــات‬ ‫حميمــة دفينــة‪.‬‬


‫‪20‬‬

‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫مقابلة‬

‫ال ديمقراطية في مجتمع طائفي مسيرتنا شاقة لكنها مستمرة باستمرار التمييز في المجتمع‬

‫غانية دوغان‪ :‬تحقيق مجتمع علماني مدني ديمقراطي يحتاج إىل كثري من النضال‬ ‫حاورها هاني الحلبي‬ ‫لجنــة نــذرت نفســها أن تكــون الشــمعة التــي تنير‬ ‫طريــق التجديــد ال أن تلعــن ظلمــة االنحطــاط التــي‬ ‫تقعدنــا عــن تحســين حياتنــا لتكــون أجمــل وأروع‬ ‫مثــل بســمتها إذا فرحــت ومضيئــة بالعطــاء كحنـ ّـو‬ ‫أم علــى أســرة تعطيهــا حشاشــة الــروح بــا منــة‪،‬‬ ‫إذا ابتســمت‪.‬‬ ‫ألنها حواء الحياة‪ ،‬نســمتها تراب تنســج منه أجياالً‬ ‫جديدة ترتقي إذ تعرف أن اإلنســان مجتمع عضوي‬ ‫وليــس فــرداً وقيمــة الحــق أن يتحقق فيــه وينتصر‪.‬‬ ‫غانيــة الموصلــي دوغــان رئيســة لجنــة حقــوق‬ ‫المــرأة اللبنانيــة حاليـا ً تتابــع برامــج اللجنــة لبنــان‪،‬‬ ‫وهــي ســيدة مــن حمــص أص ـاً تعمــل فــي الشــأن‬ ‫العــام فــي لبنــان منــذ أربعــة عقــود‪.‬‬ ‫وهــي دليــل إضافــي علــى وحــدة اللحمــة الروحيــة‬ ‫اللبنانيــة الســورية واقــع حيــاة يأبــى ان تقطــع‬ ‫شــرايين تواصلــه حــدو ٌد وهميــة رســمتها إرادة‬ ‫غيــر وطنيــة‪.‬‬ ‫حــاورت “تحــوالت” دوغــان فــي تأســيس‬ ‫اللجنة‪،‬نشــاطاتها‪ ،‬إنجازاتهــا‪ ،‬وخططهــا لتطويــر‬ ‫واقــع المــرأة واإلنســان فــي لبنــان فــي حــوار هنــا‬ ‫نصــه‪ ...‬هنــا نــص الحــوار‪.‬‬

‫نتعرف إلى لجنة حقوق المرأة اللبنانية؟‬

‫هــي منظمــة نســائية ديمقراطيــة علمانيــة غيــر ربحيــة‪،‬‬ ‫تأسســت فعلي ـا ً العــام ‪ ،1947‬أمــا قانوني ـا ً فالعــام ‪1970‬‬ ‫والعمــل فيهــا تطوعــي وتنتشــر فروعهــا فــي المحافظــات‬ ‫اللبنانيــة كافــة‪.‬‬

‫متى تأسست؟‬

‫تأسســت اللجنــة مــن مجموعــة المؤسســات صــدر مرســوم‬ ‫التأســيس بأســمائهن وهــنّ ‪ :‬مــاري ابراهيــم قــاري‪ ،‬ثريــا‬ ‫عبــد القــادر خطيب‪ ،‬مــاري ملحم إده وجورجيــت ابراهيم‪،‬‬ ‫اللواتــي اســتطعنا إنجــاز تأســيس رســمي للجمعيــة باســم‬ ‫لجنــة حقــوق المــرأة اللبنانيــة فــي ‪ 5‬آذارالعــام ‪ 1970‬بعــد‬ ‫نضــال امتــد عقــوداً منــذ العــام ‪.1947‬وهنا أنتهــز الفرصة‬ ‫لتحيــة هــؤالء المناضــات بحــزم وحكمــة اللواتــي صبرنــا‬ ‫عقــودا علــى تعســف المجتمــع والســلطات الرســمية وظلــم‬ ‫التقاليــد واألعــراف المتوارثــة حتــى تمكــنّ مــن تأســيس‬ ‫نــواة انطــاق واثقــة بلجنــة حقــوق المــرأة‪ .‬وفــي أدبيــات‬ ‫تــروى حادثــة التياتروالكبيــر حيــث دعــت المؤسســات‬ ‫وناشــطات نســاء حينــذاك العتصــام دعــم لحقــوق‬ ‫المــرأة فــإذا بالســلطات حينــذاك تمنــع االعتصــام وتــزج‬ ‫بصاحبــات الدعــوة فــي الســجن فتداعــت قــوى المجتمــع‬ ‫المدنــي والثقافــي وبخاصــة المحاميــن للتطــوع دفاعــا‬ ‫عنهــن وخرجــن ظافرات‪،‬فانقلــب ســحر التقييدوالمنــع‬

‫المؤسســة األ بــرز للجنــة حقــوق المــرأة ا للبنانيــة لينــدا مطــر ورئيســة ا للجنــة الحاليــة غانيــة دو غ ـان‬

‫علــى ســاحر النظــام الطائفــي مــا شــكل زخمــا إضافيــا تفعيــل دور الشــباب والعمــل علــى الحــد مــن الهجــرة فــي‬ ‫لمســيرة انتــزاع حقــوق المــرأة‪.‬‬ ‫صفوفهــم ووضــع مــواد االتفاقيــة الدوليــة لحقــوق الطفــل‬ ‫موضــع التنفيــذ والحفــاظ علــى بيئــة صحيــة وســليمة‪.‬‬

‫ما أبرز أهداف اللجنة؟‬

‫تعمــل لجنــة حقــوق المــرأة اللبنانيــة مــن أجــل تحقيــق ســجل إنجــازات كبيــر‪ ...‬مــاذا أنجــز حتــى اآلن مــن‬ ‫أهــداف تضمنهــا نظامهــا األساســي وهــي‪ :‬تحقيــق هــذه األهــداف الواســعة؟‬ ‫المواطنــة الكاملــة‪ ،‬صيانــة اســتقالل لبنــان وســيادته‪،‬‬ ‫تعزيــز الديمقراطيــة والحريــات العامــة‪ ،‬الســعي إليجــاد‬ ‫مجتمــع علمانــي ال طائفــي‪ ،‬اســتحداث قانــون مدنــي‬ ‫إختيــاري لألحــوال الشــخصية‪ ،‬وصــول المــرأة الــى‬ ‫مواقــع القــرار السياســي‪ ،‬تطويــر موقــع المــرأة فــي عمليــة‬ ‫اإلنتــاج‪ ،‬المســاواة الفعليــة بيــن الرجــل والمــرأة‪ ،‬تنفيــذ‬ ‫اتفاقيــة القضــاء علــى جميــع أشــكال التمييــز ضــد المــرأة‬ ‫ورفــع التحفظــات عنهــا‪ ،‬حركــة نســائية موحــدة وفاعلــة‪،‬‬

‫اســتطاعت اللجنــة إقامــة سلســلة نشــاطات ســنوية منهــا‪:‬‬ ‫إحيــاء يــوم الثامــن مــن آذار‪« ،‬يــوم المــرأة العالمــي»‬ ‫منــذ العــام ‪ ،1947‬تنظيــم احتفــال لمناســبة ذكــرى‬ ‫اســتقالل لبنــان‪ ،‬وتأســيس اللجنــة‪ ،‬تنظيــم مســابقة ســنوية‬ ‫فــي الثانويــات الرســمية والخاصــة منــذ العــام ‪،1979‬‬ ‫بالتعــاون مــع وزارة التربيــة والتعليــم العالــي‪ ،‬إصــدار‬ ‫مجلــة «قضايــا المــرأة» وتحويــل مؤتمــرات اللجنــة الــى‬ ‫منابــر حــوار حــول القضايــا النســائية والوطنيــة العامــة‪.‬‬ ‫ومــن أهــم إنجازاتنــا حتــى اآلن‪ :‬إطــاق مشــغل للحياكــة‬


‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫علــى النــول فــي محافظــة البقــاع‪ ،‬إنشــاء مدرســة مهنيــة‬ ‫لتأهيــل المــرأة فــي بيــروت بالتعــاون مــع صنــدوق األمــم‬ ‫المتحــدة للمــرأة‪ ،‬إنشــاء ريــاض أطفــال ودور حضانــة‪،‬‬ ‫إنشــاء فرقــة «الغديــر» للدمــى المتحركــة‪ ،‬مســاعدة‬ ‫بعــض الشــابات علــى اســتكمال دراســتهن الجامعيــة‪،‬‬ ‫إقامــة دورات محــو األميــة فــي مختلــف المناطــق‬ ‫اللبنانيــة‪ ،‬إطــاق ميثــاق حقــوق المــرأة اللبنانيــة ووثيقــة‬ ‫الحركــة النســائية وإنشــاء مركــز حقــوق المــرأة للدراســات‬ ‫واألبحــاث‪.‬‬ ‫كذلــك أقامــت اللجنــة مؤتمــرات محليــة عــدة‪ ،‬وشــاركت‬ ‫اللجنــة فــي مؤتمــرات عربيــة وعالميــة منهــا المؤتمــر‬ ‫الخامــس عشــر لالتحــاد النســائي الديمقراطــي العالمــي‪:‬‬ ‫خالصــات ونتائــج‪ ،‬المؤتمــر الخامــس عشــر‪ ،‬المؤتمــر‬ ‫الســادس عشــر والمؤتمــر الســابع عشــر‪ .‬وأصدرنــا‬ ‫دراســات منهــا‪ :‬إنجــاز دراســة ميدانيــة حــول األم والطفــل‬ ‫لمناســبة الســنة العالميــة للطفــل (تمويــل األســكوا)‪ ،‬دراســة‬ ‫ مقارنــة فــي ضــوء «االتفاقيــة الدوليــة للقضــاء علــى‬‫جميــع أشــكال التمييــز ضــد المــرأة»‪ ،‬المــرأة اللبنانيــة‬ ‫العاملــة والموظفــة‪ ...‬الواقــع والــدور فــي القــرار النقابــي‪،‬‬ ‫حقــوق الشــباب‪ :‬الــزواج والمعوقــات اإلجتماعيــة و‬ ‫اإلقتصاديــة‪ .‬دراســة ميدانيــة وتعزيــز تمثيــل المــرأة فــي‬ ‫المجالــس المحليــة واقتــراح تطبيــق «الكوتــا» فــي لبنــان‪.‬‬ ‫وكذلــك نشــرة إعالميــة صــدر منهــا حوالــى ‪ 15‬عــدداً‬ ‫اســمها «قضايــا المــرأة» منــذ ‪ 1977‬حتــى الـــ ‪2009‬‬ ‫لكنهــا صــدرت بتقطــع‪.‬‬

‫اإلقــرار بتحقيــق الهــدف إقــرار باالنتهاءكيــف يمكن‬ ‫تحقيــق المواطنــة الكاملــة التــي قلــت إن اللجنــة‬ ‫تســعى لتحقيقهــا؟ وكيــف نعــزز الديمقراطيــة‬ ‫والحريــات؟‬

‫اإلقــرار بتحقيــق الهدف إقرار باالنتهاء‪ .‬المســيرة مســتمرة‬ ‫باســتمرار التمييــز‪ .‬واجبنــا نقــوم بــه بأمانــة وعبــر قنــوات‬ ‫متعــددة أهمهــا‪ - :‬تعزيــز ثقافــة حقــوق المــرأة بيــن النســاء‬ ‫بواســطة النشــر عبــر وســائل اإلعــام والتواصــل وكذلــك‬ ‫فــي المجتمــع‪ .‬ولقــد خطونــا خطــوات نحــو الهــدف الكبيــر‬ ‫بالتعــاون مــع المؤمنيــن مــن هيئــات وأفــراد مســتنيرين‪.‬‬ ‫نتوقــع الوصــول إلــى الغــاء هــذا التمييز مهما طــال الوقت‪.‬‬ ‫ وكذلــك عبــر القانــون ويتــم بتنزيــه القوانيــن مــن‬‫نصــوص اإلجحــاف بحــق المــرأة وحــث الدولــة علــى‬ ‫تعديــل بعــض القوانيــن واســتحداث قوانيــن جديــدة التزامـا ً‬ ‫وتنفيــذاً للمواثيــق الدوليــة وآخرهــا اتفاقيــة الســيداو بإلغــاء‬ ‫كل أشــكال التمييــز ضــد المرأة‪.‬والحقيقــة فــي كل مــا ال‬ ‫يمــسّ الطائفيــة حققــت اللجنــة الكثيــر علــى صعيــد مســاواة‬ ‫المــرأة بالرجــل فــي تعاونيــة الموظفيــن‪ ،‬إلغــاء ضريبــة‬ ‫العــازب عــن المــرأة فــي قانــون العمــل‪ ،‬إعــادة فــي النظــر‬ ‫فــي مفهــوم «جريمــة الشــرف» بتعديــل العــذر المُحــ ّل‬ ‫بالقتــل بســببها إلــى عــذر مخفــف ونحــاول إلغــاء هــذا‬ ‫العــذر أيضاً‪»...‬ألنهــم اوالدي جنســيتي حــق لهــم»‬

‫‪21‬‬

‫مقابلة‬

‫طريقنــا‬

‫ليســت‬

‫معبــدة‬

‫بالــورود‬

‫إقــرار قانــون انتخــاب عــادل‪ ..‬بشــرى هــل‬ ‫اســتطاعت اللجنــة تحقيــق هدفهــا بإلغــاء التمييــز؟‬

‫ال ديمقراطيــة فــي مجتمــع طائفــي‪ ،‬لذلــك تحقيــق مجتمــع‬ ‫علمانــي مدنــي ديمقراطــي يحتــاج إلــى كثيــر مــن النضــال‬ ‫ألنــه ال يمكــن انصــاف المــرأة فــي ظلــه‪ .‬نحــن بعيــدون‬ ‫عــن طموحنــا ولكننــا نعمــل لتحقيقــه‪ .‬الديمقراطيــة تتحقــق‬ ‫بدايــة مــن قانــون انتخــاب عصــري وفــق النظــام النســبي‬ ‫وخــارج القيــد الطائفــي‪ .‬وكذلــك تنــدرج الديمقراطيــة‬ ‫تحــت عناويــن كثيــرة فــي آليــات ضبــط المــال االنتخابــي‬ ‫والحــق باإلطاللــة اإلعالميــة‪ ...‬فإقــرار قانــون انتخابــي‬ ‫يضمــن التمثيــل العــادل يكــون بارقــة امــل واعــدة‪.‬‬

‫أيــن نحــن مــن مجتمــع علمانــي ديمقراطــي تريــده‬ ‫اللجنــة؟‬

‫فــي برنامجنــا ‪ 3‬نقــاط‪ - :‬قانــون مدنــي اختيــاري لألحــوال‬ ‫الشــخصية حيــث تحــرم المــرأة بموجــب القانــون الحالــي من‬ ‫منــح جنســيتها ألوالدهــا‪ .‬وانطلقنــا بمشــروع منــذ ســنوات‬ ‫“ألنهــم اوالدي جنســيتي حــق لهــم”‪ .‬هــو جــزء مــن حملــة‬ ‫كبيــرة‪ .‬نحــن اول مــن بدأهــا‪ ،‬وحمــدهلل كثــرت حاليــا الهيئات‬ ‫المهتمــة والفاعلــة معنــا أيضــا لتحقيــق الهــدف‪ .‬ونحــن‬ ‫نتعــاون معهــا جميعهــا فــي اســتراتيجية واحــدة لتفعيــل حــق‬ ‫المســاواة الــذي كفلــه الدســتور “اللبنانيــون متســاوون أمــام‬ ‫القانــون”‪ - .‬وعملنــا إلقــرار قانــون مدنــي اختيــاري فــي‬ ‫األحــوال الشــخصية‪ – .‬العمــل علــى إقــرار الكوتــا النســائية‪.‬‬ ‫نحــن نــرى أن المواطنــة حــق وتحقيقهــا واجــب علــى الدولة‪.‬‬ ‫وهــذا يتوفــر بــأن يحتــرم النظــام السياســي اإلنســان وحقــوق‬ ‫هــو يســاوي بيــن مواطنيــه‪ ،‬بغــض النظــر عــن دينهــم‬ ‫وطائفتهــم وجنســهم‪ ،‬فحســب الدســتور العلة في النظــام القائم‬ ‫علــى المحاصصــة والتواطــؤ بيــن الزعمــاء الطوائفييــن‪.‬‬ ‫العمــل يبــدأ مــن هنــا لتحقيــق الهــدف لتعــرف النــاس مــا‬ ‫لهــا ومــا عليهــا للدولــة بالمقابــل تقــدم الدولــة مــا لهــم وتقــوم‬ ‫بمــا عليهــا‪ .‬بتحقيــق هــذه المعادلــة البســيطة والعامــة يعطــى‬ ‫المواطــن فرصتــه وحقوقــه وهــذا يكســبه الثقــة والشــعور‬ ‫باالنتمــاء والفخــر بــه وتعزيــزه فــي نســق آليــات متناغمــة‬ ‫فــي بنيــة المواطنيــة الحديثــة‪.‬‬

‫ميداننــا مســاواة حقوقيــة هــل يمكــن تحقيــق‬ ‫المســاواة الفعليــة بيــن الرجــل والمــرأة بينمــا همــا‬ ‫متمايــزان؟‬

‫التمايــز نعتــرف بــه‪ ،‬لكنــه ليــس مــن موقــع النــوع‬ ‫االجتماعــي وظيفيــا وفيزيولوجيــا‪ .‬ال دور لنــا علــى هــذا‬ ‫الصعيــد بــل فــي جانــب التمايــز فــي الحقــوق والواجبــات‪.‬‬ ‫حملتنــا ليســت موجهــة ضــد الرجــال بــل هــي موجهــة‬ ‫للمجتمــع ككل مــن أجــل كرامتــه فقوانينــه هــي التــي تميــز‬ ‫المــرأة عــن الرجــل‪ .‬هكــذا فــإن إدراج التمايــز هــم حكــم‬ ‫فــي ضــد المســاواة التــي يكفلهــا الدســتور لفظيــاً‪ ،‬لكنــه‬ ‫لــم يقــر اإلجــراءات التنفيذيــة والرادعــة لحمايتهــا فعلي ـاً‪.‬‬ ‫ونحــن طبعـا ً نريــد المســاواة الفعليــة ألنهــا األهــم وتتجســد‬ ‫حقوقيــا ووطنيــا‪.‬‬

‫مــاذا حققــت اللجنــة علــى صعيــد إيصــال المــرأة‬ ‫إلــى مواقــع القــرار؟‬

‫ال نعتبــر أننــا حققنــا كل مــا نريــد‪ .‬لكــن حاولنــا تحقيــق‬ ‫مــا أمكــن خــال أكثــر مــن نصــف قــرن وألجيــال عــدة‬ ‫تناوبــت علــى قيــادة هــذه اللجنــة بــدءاً مــن المؤسســات‪:‬‬ ‫مــاري ابراهيــم قــاري‪ ،‬ثريــا عبــد القــادر خطيــب‪،‬‬ ‫مــاري ملحــم إده وجورجيــت ابراهيــم‪ ،‬اللواتــي اســتطعن‬ ‫إنجــاز تأســيس رســمي للجمعيــة باســم لجنــة حقــوق‬ ‫المــرأة اللبنانيــة فــي ‪ 5‬آذار العــام ‪ 1970‬بعــد نضــال‬ ‫امتــد منــذ العــام ‪ ،1947‬مــرورا بأســماء أعــام كالســيدة‬ ‫لينــدا مطــر وإميلــي فــارس ابراهيــم‪ ،‬حتــى الهيئــة الحاليــة‬ ‫التــي أتولــى رئاســتها‪ .‬كنــا وحيديــن ثــم كثرنــا حاليــا ً‬ ‫فــي باقــة مــن هيئــات عــدة فاعلــة فــي الميــدان النســائي‪.‬‬ ‫الحقيقــة أننــا لســنا متوهميــن أن طريقنــا قصيــرة ومع ّبــدة‬ ‫بالرياحيــن والــورود‪.‬‬

‫غانية ممدوح الموصلي‬

‫رئيســة لجنــة حقــوق المــرأة اللبنانيــة مــن ‪29‬‬ ‫ايــار ‪ ،2010‬مــن حمــص تولــد ‪1/1/1949‬‬ ‫بــدأت نضالهــا الطالبــي العــام ‪ 1967‬بعيــد نكســة‬ ‫‪ 5‬حزيــران‪ .‬درســت فــي جامعــة دمشــق كليــة‬ ‫اآلداب‪ ،‬متزوجــة مــن الصحافــي الراحــل محمــد‬ ‫أميــن دوغــان صاحــب جريــدة الشــعب المتوقفــة‬ ‫عــن الصــدور‪ .‬بــدأت نشــاطها النســائي العــام‬ ‫‪ 1977‬فــي لجنــة تألمهــات فــي لبنــان وبقيــت‬ ‫أمانــة ســرها حتــى العــام ‪ ،1986‬ثــم انتخبــت‬ ‫أمينــة شــؤون المــرأة في النجــدة الشــعبية اللبنانية‪.‬‬ ‫انتســابها للجنــة حقــوق المــرأة العــام ‪1987‬‬ ‫تدرجــت فــي المشــؤولية حتــى تولــت رئاســتها‪،‬‬ ‫لهــا دراســات ومحاضــرات وكتابــات عــدة عــن‬ ‫المــرأة والوطــن والمقاومةوتشــارك فــي تحريــر‬ ‫مجلــةى قضايــا المــرأة التــي تصــدر عــن اللجنــة‪،‬‬ ‫إضافــة غلــى مؤتمــرات لبنانيــة وعربيــة وعالميــة‬ ‫أهمهــا المؤتمــر العالمــي للمــرأة فــي بيجيــن العــام‬ ‫‪.1995‬‬


‫‪22‬‬

‫تحقيق‬

‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫املساواة بني حقّ الراحة وحقّ العمل‬ ‫إيليان معوّض‬

‫درجــت العــادة فــي دول أوروبيــة عــدة علــى تخصيــص‬ ‫بعــض ســاعات مــن النهــار لراحــة المواطــن وهدوئــه‪ .‬فــي‬ ‫فتــرة الظهيــرة‪ ،‬مثــا‪ ،‬أثنــاء تنــاول الطعــام أو بعــد الظهــر‪،‬‬ ‫أثنــاء ســاعات القيلولــة أو فــي المســاء بعــد ســاعات‬ ‫العمــل‪ ،‬يســعى المواطنــون إلــى احتــرام ســاعات الراحــة‬ ‫والهــدوء لــدى جيرانهــم‪ ،‬وبالتالــي علــى منــع الصــراخ‬ ‫وضجيــج األوالد ووقــف أعمــال البنــاء والتصليحــات‬ ‫المنزليــة‪ .‬هــو نــوع مــن واجبــات احتــرام الجــار جــاره‬ ‫وجانــب مــن تقاليــد مراعــاة أحــوال المرضــى والمتعبيــن‬ ‫ـرتهم‪...‬‬ ‫فــي أسـ ّ‬ ‫لكــن أن تتحــوّ ل هــذه العــادة إلــى مطلــب سياســي يحملــه‬ ‫حــزب البيئــة األلمانــي (األخضــر) فــي برامجــه االنتخابيــة‬ ‫ومطلبــا فــي نشــاطات جمعيــات الدفــاع عــن حقــوق‬ ‫اإلنســان‪ ،‬وأن تصــل حــدود هــذه المناســبة إلــى تخصيــص‬ ‫يــوم الرابــع والعشــرين مــن شــهر نيســان‪/‬أبريل فــي كل‬ ‫عــام‪ ،‬يومـا ً للراحــة‪ ،‬وأن تصــل إلــى حــدود ترتيــب بعــض‬ ‫األنصبــة والتماثيــل الكبرى ألشــخاص يتمـ ّددون للراحة في‬ ‫حدائــق المــدن األلمانيــة الكبــرى‪ ...‬فذلــك لــم يكــن متوقعـاً!‬ ‫فــي الرابــع والعشــرين مــن شــهر نيســان‪/‬أبريل هــذا العــام‬ ‫احتفــل العالــم األوروبــي كعادتــه بذكــرى «يــوم الراحــة»‪،‬‬ ‫واســتمرت هــذه الفرحــة طــوال األســبوع األخيــر مــن‬ ‫شــهر نيســان‪/‬أبريل فــي معظــم المــدن األلمانيــة واألوروبية‬ ‫وبنســب متفاوتــة (بحســب القــوّ ة الشــعبية لحــزب البيئــة‬ ‫وأنصــار جمعيــات حقــوق اإلنســان) وباتــت الراحــة مطلبـا ً‬ ‫وحقــا ً أساســيا ً فــي سلســلة الدفــاع عــن حقــوق اإلنســان‪.‬‬ ‫والمقصــود بحـ ّ‬ ‫ـق الراحــة تأميــن منــاخ الهــدوء والطمأنينــة‬ ‫وكافــة العوامــل والظــروف التــي تســمح براحــة اإلنســان‬ ‫العامــل وارتيــاح عضالتــه والتخفيــف من همومــه ومتاعبه‪.‬‬ ‫هكــذا‪ ،‬كان المنــع أو الحــ ّد‪ ،‬فــي بعــض ســاعات النهــار‪،‬‬ ‫مــن نســبة الضجيــج والصــراخ وكافــة العوامــل الخارجيــة‬ ‫التــي تــؤدي إلــى توتيــر األجــواء التــي تح ـ ّد مــن قــدرات‬ ‫العامــل المنتــج‪ ،‬ســواء بقــواه الجســدية أو الفكريــة‪ ،‬وتمنعــه‬ ‫ـق االرتيــاح والنــوم‪ ،‬تمهيــداً لممارســته حـ ّ‬ ‫مــن التمتــع بحـ ّ‬ ‫ـق‬ ‫العمــل واإلنتــاج‪ .‬ومــن هنــا‪ ،‬يتــازم الح ّقــان الشــرعيان‬ ‫ـق الراحــة‪ ،‬وعليــه‪ ،‬بــات الحـ ّ‬ ‫ـق العمــل وحـ ّ‬ ‫لإلنســان‪ ،‬حـ ّ‬ ‫ـق‬ ‫بالحصــول علــى العطلــة الســنوية‪ ،‬مــن الحقــوق الشــرعية‬ ‫صــت عليهــا جميــع قوانيــن وأنظمة العمل فــي العالم‪.‬‬ ‫التــي ن ّ‬ ‫فــي بعــض المــدن األوروبيــة الكبــرى‪ ،‬وتحــت شــعار‬ ‫«الضجّ ــة تلويــث للبيئــة» نــزل أنصــار حــزب البيئــة‬ ‫(األخضــر) وجمعيــات الدفــاع عــن الحقــوق اإلنســانية إلــى‬ ‫الســاحات وباشــروا عمليــات اســتفتاء المواطنيــن حــول‬ ‫نســبة رضاهــم عــن ضجيــج جيرانهــم ونســبة انزعاجهــم‬ ‫مــن «زماميــر» و»تشــفيط» الســيارات المســرعة‬ ‫والدراجــات الناريــة‪ ،‬فجــاءت النتائــج كاآلتــي‪ 60 :‬بالمئــة‬ ‫مــن المواطنيــن الخاضعيــن لالســتفتاء العــام حــول نســبة‬ ‫الهــدوء والراحــة فــي المدينــة أبــدوا انزعاجهــم فــي الدرجــة‬ ‫األولــى مــن جيرانهــم … دائم ـا ً تقــع المشــادات الكالميــة‬ ‫بيــن الجيــران وتصــل بعــض الخالفــات إلــى حــدود‬ ‫االتصــال بالشــرطة بســبب عــدم احتــرام حـ ّ‬ ‫ـق الراحــة‪ .‬مــن‬ ‫هنــا‪ ،‬أصــدرت نقابــة المســتأجرين األلمــان بيان ـا ً ح ـ ّددت‬ ‫فــي مضمونــه أنــواع «الضجّ ــة» المســموحة ونســبة تجاوز‬ ‫مع ّدلهــا‪ ،‬كمــا بيّنــت مــا هــو واجــب علــى المســتأجر‬

‫أن يتحمّلــه مــن أنــواع للضجيــج وأوقاتهــا‪ ،‬قبــل مبادرتــه‬ ‫إلــى الشــرطة للشــكوى الرســمية واالحتجــاج‪ .‬وإلــى‬ ‫ذلــك‪ ،‬بيّنــت بعــض االســتفتاءات األخيــرة أن ‪ 54‬بالمئــة‬ ‫مــن المواطنيــن األلمــان ينزعجــون بالدرجــة األولــى مــن‬ ‫ضجيــج حركــة الســير ومحــركات الســيارات‪ ،‬وأن كل‬ ‫ثالــث مواطــن ألمانــي ينزعــج مــن ضجّ ــة ســير القطــارات‪،‬‬ ‫وأن كل خامــس مواطــن ألمانــي ينزعــج مــن حركــة‬ ‫الطيــران الجــوي (إحصائيــة صــادرة عــن رئيــس دائــرة‬ ‫ســامة البيئــة أو فــي بريندلــي (‪. )Uwe Brendle‬‬ ‫وفــي رأي الناطقــة باســم حــزب البيئــة (األخضــر) منــى‬ ‫نويبــاور أن الضجــة المســموح بهــا هــي ‪ 65‬ديســيبل‬ ‫فــي النهــار‪ ،‬و ‪ 55‬ديســيبل فــي الليــل‪ .‬وتعتبــر بعــض‬ ‫جمعيــات الدفــاع عــن حقــوق اإلنســان فــي سويســرا‬ ‫أن ضجيــج الســيارات والمحــركات الناريــة يســاهم‬ ‫ إضافــة إلــى «تعطيــل» الراحــة ‪ -‬بتلويــث المنــاخ‬‫واإلضــرار بالحدائــق واألشــجار وصحــة اإلنســان‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫«حــق الراحــة» إلــى‬ ‫ويســعى أنصــار احتــرام‬ ‫اســتصدار قــرارات عــن المجالــس البلديــة المحليــة‪،‬‬ ‫تحــ ّدد نســب الضجيــج المســموح بهــا‪ ،‬فتمنــع بعضهــا‪،‬‬ ‫أو تحــ ّدد النســب األخــرى بحســب ســاعات النهــار‪.‬‬ ‫ويصــل الحــال ببعــض جمعيــات الدفــاع عــن حقــوق‬ ‫اإلنســان فــي بياناتهــا إلــى الربــط بيــن خطــر «الضجّ ــة»‬ ‫كعامــل معطــل لحـ ّ‬ ‫ـق اإلنســان الشــرعي بالراحــة‪ ،‬وأيضــا‪،‬‬ ‫انعكاســات خطــر الضجــة التــي يتقص ّدهــا البعــض عنوانــا‬ ‫لســرعة ســيارته أو درّ اجتــه الناريــة‪ ...‬علــى ســامة‬ ‫اإلنســان وتهديدهــا أمنــه وحياتــه‪.‬‬

‫تاريخ «عيد الراحة»‬

‫ّ‬ ‫حــق الراحــة‪ .‬إن الخالــق‬ ‫احترمــت الديانــات الســماوية‬ ‫ســبحانه تعالــى‪ ،‬خلــق العالــم فــي ســتة أيــام‪ ...‬وفــي اليــوم‬ ‫الســابع اســتراح‪ .‬مــن هنــا كانــت أيــام اآلحــاد مخصّصــة‬

‫للعطلــة واالســتراحة‪ ،‬كــي يتم ّكــن العامــل مــن الراحــة‬ ‫واســتجماع قــواه لالنطــاق يــوم اإلثنيــن إلــى عملــه‬ ‫ووظيفتــه بنشــاط وحيويــة‪ .‬ويمكــن القــول إن عيــد‬ ‫«حـ ّ‬ ‫ـق الراحــة» بــات موازيـا ً فــي الحقــوق اإلنســانية لعيــد‬ ‫ّ‬ ‫«حــق العمــل»‪ .‬إن هــذه القاعــدة نشــهدها بوضــوح‬ ‫فــي صيــرورة الطبيعــة واســتمرارية الحيــاة علــى كوكــب‬ ‫األرض‪ .‬ويبــدو ذلــك جليـا ً فــي مراقبتنا للمواســم الزراعية‪...‬‬ ‫هكــذا تكــون بعــض المواســم غنيــة النضــج وغــزارة الثمــار‪،‬‬ ‫هــي نتيجــة لموســم اســتراحة‪.‬‬ ‫إن هــذه القاعــدة ثابتــة فــي صيــرورة الكائنــات الح ّيــة حيــث‬ ‫وصلــت بعــض قوانيــن العمــل فــي بعــض الــدول التــي تحترم‬ ‫مواطنيهــا إلــى منــح العمــال نوعـا ً مــن التكريــم والتقديــر عبر‬ ‫منحهم ّ‬ ‫حق التقاعد والتعويضات بعد ســنوات العمل الطويلة‪.‬‬ ‫انطلقــت حركــة «حـ ّ‬ ‫ـق الراحــة» فــي العــام ‪ ،1996‬ومنــذ‬ ‫هــذا التاريــخ راحــت المــدن األلمانيــة الكبــرى‪ ،‬ومنهــا مدينــة‬ ‫دوســلدورف‪ ،‬وخاصــة حيــث يتواجــد أنصــار حــزب البيئــة‬ ‫وجمعيــات الدفــاع عــن حقــوق اإلنســان‪ ،‬تمــارس احتفاالتهــا‬ ‫بذكــرى احتــرام «حـ ّ‬ ‫ـق الراحــة» فــي ‪ 24‬نيســان‪/‬أبريل مــن‬ ‫ّ‬ ‫كل عــام‪ ،‬أي قبــل أســبوع مــن االحتفال الرســمي بحــق العمل‬ ‫فــي األول مــن شــهر أيار‪/‬مايــو‪ ،‬وتتواصــل االحتفــاالت فــي‬ ‫بعــض المــدن طــوال أســبوع‪ ،‬تقــام خاللهــا نــدوات الحــوار‬ ‫المباشــر مــع الجمهــور‪ ،‬وعقــد نــدوات فكريــة كمــا ينــزل‬ ‫الشــبان والصبايــا إلــى الشــوارع للقيــام بسلســلة اســتفتاءات‬ ‫شــعبية وطــرح األســئلة لمعرفة نســبة التمتع بحـ ّ‬ ‫ـق «الراحة»‬ ‫الواجــب تأمينهــا للمواطنيــن‪ ،‬خاصــة فــي ظ ـ ّل التطــورات‬ ‫التقنيــة الســريعة المتصاعــدة التــي يشــهدها العالــم‪ ...‬كل‬ ‫ذلــك انطالقـا ً مــن شــعار «الراحــة حـ ّ‬ ‫ـق شــرعي لإلنســان»‪.‬‬ ‫وفــي هــذا الســياق‪ ،‬خصّصــت بعــض وســائل اإلعــام (مجلة‬ ‫شــتيرن مثــاً) صفحاتهــا للدخــول فــي بــاب «المســموح‬ ‫والممنــوع» فــي عالــم الراحــة والضجيــج‪ ،‬وخرجــت بعشــر‬ ‫وصايــا – علــى األقــ ّل ‪ -‬متزامنــة مــع طبيعــة التطــور‬ ‫والتقــدم التقنــي فــي عصرنــا اليــوم‪ ،‬ومنهــا‪:‬‬

‫أوال‪ :‬ضجيج األطفال واألوالد‬

‫ّ‬ ‫معطــاً‬ ‫ال يعتبــر ضجيجــا ً‬ ‫ّ‬ ‫لحــق الراحــة‪ ،‬بــكاء األطفــال‬ ‫أو ضحــك األوالد ولعبهــم‪ .‬علــى الجــارّ أن يتفهّــم هــذه‬ ‫الوضعيــة‪ ...‬وجــاء فــي بيــان حــزب البيئــة (األخضــر) مــا‬ ‫معنــاه‪« :‬بقــدر مــا يكــون الولــد صغيــراً بقــدر مــا يكــون‬ ‫واجــب تحمّــل الجــار ضجيجــه كبيــراً وســموحاً‪ ...‬لكــن‬ ‫علــى عائلــة الولــد أن تــدرك أن للضجّ ــة حــدوداً معدّلهــا‬ ‫أن تبقــى «معقولــة ومحتملــة»‪ ...‬وفــي هــذا المجــال‪ ،‬فــإن‬ ‫عائلــة الطفــل الــذي يجهــش فــي البــكاء لي ـاً أن تعمــل مــا‬ ‫وســعها علــى تهدئتــه بكافــة الوســائل وعلــى الجــار أن يتفهــم‬ ‫ويتســامح‪ ...‬وفــي هــذا المجــال أيضــاً‪ ،‬أن يتفهــم الجــار‬ ‫ويتســامح حيــال بــكاء الطفــل صباحــا ً قبــل توجّ هــه إلــى‬ ‫روضــة األطفــال أو إلــى المدرســة‪( .‬قــرارات صــدرت عــن‬ ‫المجلــس البلــدي فــي مدينــة ميونيــخ فــي العــام ‪.)2004‬‬

‫ثانياً‪ :‬لعبة كرة القدم‪ ،‬قيادة الدراجات والتزحلق‬

‫اللعــب داخــل المنــازل لــه حــدود‪ ...‬إن لعبــة كــرة القــدم‬ ‫مخصّصــة للمالعــب والحدائــق والهــواء الطلــق‪ ،‬وال تجــوز‬ ‫ممارســتها داخــل جــدران المنــزل أو أروقــة المبانــي‪ ..‬كذلــك‬ ‫ركــوب الدرجــات أو التزحلــق علــى «األحذيــة ذات الدواليب‬ ‫الحديديــة»‪ ...‬إن أروقــة المبانــي ليســت مالعــب‪ ،‬وعليــه‪،‬‬ ‫ليــس جائــزاً تــرك الصغــار يلهــون ويلعبــون بمصاعــد‬ ‫المبانــي‪.‬‬


‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫‪23‬‬

‫تحقيق‬

‫ثالثاً‪ :‬طنين ساعة الحائط‬

‫تنــصّ القوانيــن أنــه يتوجّ ــب علــى مالــك شــ ّقة الســكن‬ ‫اإلعــان صراحــة فــي عقــد اإليجــار بوجــود ســاعة حائــط‬ ‫بيــن مفروشــات الشــ ّقة‪ ،‬وكذلــك الحصــول مــن المســتأجر‬ ‫ومــن جــاره فــي الســكن علــى موافقتــه‪ .‬والســبب يعــود إلــى‬ ‫انزعــاج البعــض مــن ســماع طنيــن ســاعة الحائــط كل نصف‬ ‫ســاعة (قــرار محكمــة المجلــس البلــدي لقطــاع شــبانداو فــي‬ ‫العاصمــة برليــن)‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬الهدوء في الليل‬

‫هــذه الحالــة هــي أكثــر الحــاالت احترامــا وتركيــزاً فــي‬ ‫قــرارات محاكــم مــدن الواليــات األلمانيــة‪ .‬هــذا يعنــي‬ ‫أن الصمــت والهــدوء واجــب مــا بيــن الســاعة العاشــرة‬ ‫لي ـاً والسادســة صباح ـاً‪ ،‬بمــا فــي ذلــك ممارســة أي عمــل‬ ‫يصــدر عنــه ضجيــج فــي الليــل‪ .‬وحـ ّددت بعــض قــرارات‬ ‫المجالــس البلديــة أنــواع الضجيــج والمســتوى المســموح‬ ‫بــه ليــا بتلــك التــي تبقــى محصــورة بيــن جــدران غرفــة‬ ‫واحــدة‪ ..‬أمــا فتــرة بعــد الظهــر مــا بيــن الســاعة الواحــدة‬ ‫والثالثــة فــإن الضجــة ممنوعــة‪ ،‬ولكــن ال يوجــد نــصّ‬ ‫لتحديــد مســتواها كتلــك التــي فــي الليــل‪ ،‬لكــن تقــع علــى‬ ‫الجــار مســؤولية إزعــاج جــاره فــي حــال تخطــى معــدل‬ ‫ومســتوى الضجيــج المنطقــي‪ ،‬كأن يقــوم مثــا – فــي فتــرة‬ ‫قيلولــة بعــد الظهــر ‪ -‬بإصالحــات منزليــة داخليــة بواســطة‬ ‫نشــر الخشــب ّ‬ ‫ودق المســامير أو ثقــب الجــدران المشــتركة‬ ‫بــاآلالت الكهربائيــة‪...‬‬

‫الغسالة والبرادي‬ ‫خامساً‪ :‬استخدام‬ ‫ّ‬

‫تعتمــد بعــض المنــازل علــى البــرادي التــي تحــدث ضجيجــا‬ ‫عنــد رفعهــا أو إنزالهــا وبالتالــي توقــظ النائميــن المرتاحيــن‬ ‫وكثيــراً مــا ّ‬ ‫تعطــل قدرتهــم علــى معــاودة الراحــة والنــوم‪.‬‬ ‫وهــذه حالــة كانــت ســببا ً إلــى وقــوع المشــاكل والخالفــات‬ ‫بيــن الجيــران‪ ،‬مــا دفــع مث ـاً‪ ،‬ببعــض مجالــس بلديــات‬ ‫المــدن‪ ،‬إلــى تحديــد أوقــات اســتخدام البــرادي البالســتيك أو‬ ‫الخشــبية بالســاعة العاشــرة ليـاً فــي الحـ ّد األقصــى‪ .‬وفــي‬ ‫الســياق ذاتــه‪ ،‬كان تحديــد اســتخدام الغســالة الكهربائيــة‪ ،‬أو‬ ‫المكنســة الكهربائيــة صبــاح يــوم األحــد‪ ،‬فــي حــال احتجــاج‬ ‫الجــار فــي المســكن‪.‬‬

‫ضجة االحتفاالت‬ ‫سادساً‪ّ :‬‬

‫ال يوجــد أي نــصّ أو قــرار يحــ ّدد أوقــات اســتخدامها أو‬ ‫معـ ّدل ارتفاعهــا‪ .‬لكــن درجــت العــادة علــى وضــع إعــان‬ ‫عنــد مدخــل المبنــى‪ ،‬يعلــم الجيــران بأوقــات الحفلــة‬ ‫واالعتــذار منهــم مســبقاً‪ .‬علــى أن ال يتجــاوز معــدل‬ ‫هــذا النــوع مــن المناســبات االحتفاليــة ثــاث مــرات فــي‬ ‫العــام‪ ،‬وأن ال تتخطــى مدتهــا الســاعة العاشــرة ليــاً‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬عزف الموسيقى‪ ،‬الحيوانات المنزلية‬

‫تمنــح المجالــس البلديــة المواطنيــن حـ ّ‬ ‫ـق ممارســة العــزف‬ ‫الموســيقي لكــن فــي حــدود معينــة لنوعيــة اآللــة وارتفــاع‬ ‫الصــوت أيضــا ولمــدة ســاعتين يوميــا‪ ،‬خــارج دوام القيلولة‬ ‫والليــل (الطبــل ‪ 45‬دقيقــة يوميــا وآالت العــزف الوتريــة‬ ‫ســاعتين)‪.‬أما بالنســبة لضجيــج الحيوانــات المنزليــة‪ ،‬كعواء‬ ‫الكالبومــواء الهــررة وزقزقــة العصافيــر والببغــاوات‪،‬‬

‫فكلهــا تجــري بالتراضــي بيــن ســكان المبنــى إال فــي حــال‬ ‫تضمــن عقــد اإليجــار رغبــة المســتأجر بعــدم اقتنــاء‬ ‫حيوانــات منزليــة مع ّكــرة لراحتــه‪ .‬مــن هنــا‪ ،‬كانــت‬ ‫المقتضيــات تشــير إلــى أن الجيــران بإمكانهــم احتمــال‬ ‫أصــوات الحيوانــات المنزليــة (العصافيــر والببغــاوات) بين‬ ‫الســاعة التاســعة والثانيــة عشــرة قبــل الظهــر‪ ،‬والســاعة‬ ‫الثانيــة والرابعــة بعــد الظهــر‪ ،‬ومــن الممكــن احتمــال عــواء‬ ‫الكلــب فــي لحظــات معينــة وليــس طــوال اليــوم‪ ...‬فــي هــذه‬ ‫الحــال‪ ،‬بإمــكان المســتأجر التقــدم بشــكوى إقــاق راحــة إلى‬ ‫دائــرة الشــرطة وتحميــل جــاره غرامــة إقــاق الراحــة‪.‬‬

‫ثامنـا ً‪ :‬المالهــي والمطاعم‬

‫ال توجــد قــرارات بلديــة تحــدد دوامهــا‪ ،‬ولكــن جــرت العادة‬ ‫علــى «االحتــرام المنطقــي» لحــق العامــل بالراحــة والنــوم‬ ‫واحتــرام صاحــب الملهــى بتأميــن أرباحــه‪ .‬ومــن هنــا كان‬ ‫االلتــزام بقاعــدة حـ ّ‬ ‫ـق الراحــة الذهبيــة والتــي تقضــي بعــد‬ ‫الضجيــج بعــد العاشــرة ليـاً‪.‬‬

‫تاسعاً‪ :‬الح ّمامات والمراحيض‬

‫علــى الجيــران مراعــاة راحــة بعضهــم حيــال ضجيــج‬ ‫المراحيــض وال توجــد قــرارات تمنــع الغســل واالســتحمام‬ ‫ليــاً‪ ،‬ومــن هنــا يجــري العمــل بقاعــدة تأميــن مــا يمكــن‬ ‫مــن مســتلزمات الراحــة‪ ،‬ومــن دون تعمّــد الضجــة‪.‬‬ ‫وإلــى ذلــك‪ ،‬فــإن الســكن فــي أواســط المــدن يعنــي‬ ‫بالضــرورة تحمّــل بعــض الضجيــج فــي شــبكات الميــاه‬ ‫داخــل المبنــى‪ ،‬وهــذه األمــور يصعــب ضبطهــا وتحديــد‬ ‫نســبتها لكونهــا مــن مســتلزمات المبانــي القديمــة العهــد‪،‬‬ ‫وعلــى المســتأجر معرفــة هــذه الوضعيــة‪.‬‬

‫عاشراً‪ :‬آالت التدفئة العامة‬

‫فــي بعــض األبنيــة يجــري اســتخدام آالت التدفئــة العامــة‬ ‫والتجفيــف مــن الرطوبــة الداخليــة‪ .‬ولكــن عنــد تجــاوز‬ ‫صــوت آالت التدفئــة العامــة حــ ّدا مقلقــا ومعطــا لحــق‬ ‫ّ‬ ‫حــق المســتأجر مطالبــة المؤجــر‬ ‫الراحــة والنــوم‪ ،‬فمــن‬ ‫ً‬ ‫بتخفيــض قيمــة اإليجــار نســبيا (‪AG Schöneberg‬‬ ‫‪.)109 C 256/07‬‬

‫حق الراحة من ّ‬ ‫ّ‬ ‫حق العمل‬ ‫تتفــاوت ظــروف نســبة احتــرام حـ ّ‬ ‫ـق الراحــة بيــن الــدول‪،‬‬ ‫ويتجلّــى هــذا الحــق فــي أســمى وأرقــى معانيــه بقــدر تقـ ّدم‬ ‫الــدول واحترامهــا وتقديرهــا للحقــوق اإلنســانية حيــث‬ ‫يتســاوى الح ّقــان‪ ،‬الراحــة والعمــل مــع بعضهمــا‪ .‬إن حـ ّ‬ ‫ـق‬ ‫الراحــة ال يعنــي إطالقــا الكســل وعــدم اإلنتــاج‪ .‬إنــه حـ ّ‬ ‫ـق‬ ‫وواجــب ومســؤولية‪ .‬إن مــن يطالــب بحقــه فــي الراحــة‬ ‫مطا َلــب بواجبــه فــي العمــل واإلنتــاج‪ .‬هــذه المســاواة فــي‬ ‫الحقــوق والواجبــات هــي أســمى مــا تســعى إليــه الحقــوق‬ ‫اإلنســانية فــي عصرنــا الجديــد‪.‬‬

‫مــن يطالــب بحقــه يف الراحــة مطالَــب بواجبــه يف العمــل‬ ‫واإلنتــاج‪ .‬هــذه املســاواة يف الحقــوق والواجبــات هي أســمى‬ ‫مــا تســعى إليــه الحقــوق اإلنســانية يف عرصنــا الجديــد‪.‬‬


‫‪24‬‬

‫مشهد‬

‫اﻟﻌﺪد ‪ 78‬ﺣﺰﻳﺮان ‪2013‬‬

‫مهرجان بابل للثقافات والفنون يف بريوت‬

‫انطلقــت يــوم الجمعــة ‪ 17‬أيــار الماضــي فعاليــات‬ ‫“مهرجــان بابــل للثقافــات والفنــون العالميــة الثانــي”‬ ‫تحــت شــعار (بابــل عاصمــة دائمــة للثقافــات اإلنســانية)‪.‬‬ ‫اســتمرت فعاليــات هــذا المهرجــان لمــدة ‪ 9‬أيــام بمشــاركة‬ ‫شــعراء وكتــاب قصــة ومســرحيين وســينمائيين وفنانيــن‬ ‫تشــكيليين مــن العــراق ومــن دول عربيــة وأجنبيــة مختلفــة‪.‬‬

‫الحرب مرت من هنا‪...‬‬

‫وتضمــن حفــل االفتتــاح قــراءات شــعرية للشــاعر العراقــي‬ ‫المقيــم فــي لنــدن صــاح نيــازي والشــاعر العراقــي كاظــم‬ ‫الحجــاج والشــاعر المصــري جمــال قصــاص والشــاعرة‬ ‫اليونانيــة انجليكــي ســيغوارو والشــاعر اليابانــي تنــدو‪.‬‬ ‫ثــم فعاليــة موســيقية بعنــوان أصابــع بابليــة للموســيقار العراقــي‬ ‫أحمــد مختــار‪ .‬واختتمــت الليلــة األولــى بعــرض مســرحي‬ ‫بعنــوان (عــزف نســائي) بطولــة الفنانتيــن هنــاء محمــد وأســماء‬ ‫صفــاء وإخــراج ســنان العــزاوي‪.‬‬ ‫المهرجــان – الــذي اســتضاف مســرح بابــل فعالياتــه –‬ ‫صاحبــه افتتــاح معــرض تشــكيلي بعنــوان (محاولــة فــي‬ ‫تشــكيل بابــل) لعــدد مــن الفنانيــن العراقييــن‪ ،‬إضافــة إلــى‬ ‫افتتــاح معــرض دائــم للكتــاب‪ ،‬وفعاليــات المقهــى الثقافــي‬

‫التــي اســتمرت طيلــة أيــام المهرجــان التســعة‪ .‬كمــا أقيــم‬ ‫خــال المهرجــان عــدد مــن األمســيات الشــعرية والنــدوات‬ ‫الحواريــة المختلفــة‪ ،‬إضافــة إلــى عــرض فيلميــن ســينمائيين‬ ‫األول بعنــوان (فــي أحضــان أمــي) مــن إخــراج محمــد‬ ‫الدراجــي‪ ،‬واآلخــر (كرنتينــة) مــن إخــراج عــدي رشــيد‪.‬‬ ‫وكــرم المهرجــان هــذا العــام المفكــر قاســم عبــد األميــر‬ ‫عجــام والفنــان والتشــكيلي الرائــد نــوري الــراوي‪.‬‬ ‫شــارك فــي مهرجــان بابــل للثقافــات والفنــون العالميــة الثانــي‬ ‫عــدد كبيــر مــن األدبــاء والفنانيــن والموســيقيين العراقييــن‬ ‫والعــرب واألجانــب واســتمرت الفعاليــات حتــى مســاء‬ ‫الســبت ‪ 25‬مــن ايــار الماضــي‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.