شهرية .فكرية .ثقا فية
ص.ب 113 -7179بيروت ا لعد د 8 1أ يلو ل 2 0 1 3 2 4صفحة
2000ل.ل
w w w. t a h a w o l a t . n e t
ُ صراع اهل ِو َّية والفوضى
•لوحة للفنان العراقي محمد سامي
2 إرادة االنتصار... •زهير فياض بد من إدراكها والتعامل معها والتصالح ثمة حقيقة ال ّ مهمات ،وتتمثّل في أن مع تحدياتها وما تطرحه من ّ الحياة صراعٌ من أجل إثبات الوجود الفاعل الحر في كل ميادينها ،ومعتركاتها... بد من بناء كل الحسابات على قاعدة الوعي لذا ،ال ّ والفهم لهذه الثابتة في كل ما نقوم به ،وما نفعله ،وما نخطط له... ولع ّل قدرنا في هذه المنطقة من العالم ...أن نفهم بعمق هذه الحقيقة ،ألننا محكومون بأقسى أنواع الصراعات التي ،ربما ومع األسف ،شهدتها البشرية في تاريخها القديم والوسيط والمعاصر... لقد ُجبْلنا على تحدي الصراع من أجل البقاء واالستمرار ظروف... في أشرس ميدان ،وأعتى معركة ،وأقسى ْ وليس لنا خيار إال أن نكون في الميدان مقاومين بالكلمة، بالسالح ،باالقتصاد ،بالثقافة ،وليس لنا مناص من العمل الحثيث والجدي والرصين لتصليب قدرتنا مجتمعاً وأمةً وبنيةً شعبية على الصمود والفعل وجبه كل أشكال العدوان الموصوف الذي نتعرض له... ثمة تحديات كبرى تخطيناها ،وثمة تحديات أكبر تلوح في األفق ،لن نلقي السالح قبل أن ننتصر...
منرب هذا هو ق اررنا ...هذا هو خيارنا ...سنبقى نقاتل حتى النهاية ...ولن ندخر جهداً في تثمير وتفعيل وتوحيد كل الطاقات واإلمكانات كي نضمن تخطي الصعاب، والتغلب على كل األخطار التي تواجهنا بأشكالها المتعددة والمختلفة والمتلونة والمتشعبة والمتداخلة بين ما هو خارجي وبين ما هو داخلي ،بين ما هو من فعل اآلخرين ،وبين ما هو من صنع بعضنا... بالطبع ،صراعنا يرتكز على حقائق في الوعي نسعى إلى تعميمها وترسيخها وتعميقها في عقول وأذهان ،وقلوب أبناء مجتمعنا ،وناسنا وأهلنا ...كل ناسنا وكل أهلنا خارج سياقات التقسيم والتصنيف والتفريق... وأولى هذه الحقائق ...إيماننا بوحدة المجتمع ،بوحدة األمة ،بوحدة الشعب ،الذي يرتكز على عمق تاريخي وجغرافي يأبى اال الوحدة في كل حقباته ...ويرفض في الالوعي وعلى أرض الواقع ومن خالل تشابكات الحياة فض أي طرح تقسيمي الواحدة التي ال تنفصم عراها ،ير ُ تجزيئي تفتيتي ،بالرغم من كل مظاهر االنقسام التي تطفو على السطح... ما بناه أجدادنا ماضياً ،في التاريخ والجغرافيا ،لن نسمح لفئة ضالة ومضلِّلة ومضلَّلة من شعبنا أن تهدمه ،ولن ضمان مستقبلنا نسمح لقوى خارجيه أن تحطمه ،ألنه ُ ومستقبل أجيالنا التي ولدت والتي لم تولد بعد... إن وعي أجدادنا لوحدة الحياة في بالدنا من الفرات إلى النيل ،في كل سوريا الطبيعية في زمن القبائل والعشائر لن نسمح ألحد بالنيل منه في زمن «العولمة»...
العدد 81أيلول 2013
والوحدة الشعبية الحياتية التي نسجها األقدمون في كل مدينة وقرية ودسكرة ،وتمثلت في الحياة الواحدة ،والعيش الواحد ،بين األديان والطوائف والمذاهب والعشائر، ومثلت بداية تجسيد الهوية القومية الواحدة الجامعة التي تمظهرت بألف مظهر ومظهر ،لن نسمح لقلة غبية أن تقضي عليها ...ووحدة المصالح االقتصادية – تضم في أطيافها االجتماعية ودورة الحياة الواحدة التي ّ كل الناس وكل الفئات في الشعب الواحد والمجتمع الواحد واألمة الواحدة سوف تبقى شرايينها متواصلة بإرادتنا وبفعلنا وبتضحياتنا تضخ دم الحياة الدافق حباً وخي اًر وعطاء... بالرغم من كل األنواء سوف نبقى نلهج بالوحدة ،ونبشر بالوحدة ،ونعمل من أجل تجسيد هذه الوحدة في أجمل وأرقى مضامينها ومظاهرها... بالرغم من كل التحديات ،سنبقى نلهج بالمقاومة ...خيا اًر وحيداً أوحد للدفاع عن بالدنا وعن شعبنا وعن حاضرنا وعن مستقبلنا... تحديات اإلرهاب الذي يلف بالدنا من بالرغم من كل ّ عراقها الى شامها الى آخر دسكرة فيها ،سوف نبقى الرد العاصف على اإلرهاب والتكفير وكل نتاجات الفكر ّ الظالمي القذر ...الذي يزرع في بالدنا دماً وخراباً ودما اًر... ثمة حقيقة نؤمن بها ،حتى ينقطع النفس ،حقيقة أن ّ صبر ساعة ،وصبرنا سيالقي أعظم نصر في النصر ُ تاريخنا المعاصر.
عالمة يعيد طرح السؤال األبدي« :لبنان اىل أين؟» •شروق نعيم
«ان نجاح العملية التنموية يرتبط ارتباطا وثيقا بايجاد االجهزة الكفوءة على الصعيد الوطني. وبالنظر الى ذلك يمكن أن نستنتج ان عمل االدارة اللبنانية في هذا المجال يعكس سياسة الدولة لجهة عملها تحت جناح القطاع الخاص ويمكن ان يسجل.»... هذا مقطع مقتبس من كتاب لبنان الى أين؟ للدكتور حاتم عالمة وقد ورد في مستهل دراسته الشاملة التي تضمنت جميع المراحل السياسية واالقتصادية والتنموية منذ عهد المتصرفية وحتى زمننا الحاضر. الالفت في هذه الدراسة أنها تطرح موضوع التطور الذي حدث في لبنان خالل مئة عام متوازية مع المنظور التنموي البيئي وتالزمه مع التطور .فاللبناني الذي يتميز بسرعة البديهة ليس عليه سوى دراسة تاريخه بروية حتى يستطيع االستفادة من العبر ..ليعتبر! يتطرق الكتاب بأسلوب واضح ومتسلسل الى التأثيرات التي كانت وما زالت تتجاذب بلدنا الصغير المشرذم الى طوائف ومناطق ،وكل طائفة بدورها منقسمة على بدءا من عهد المتصرفية تحت حكم الخالفة نفسهاً ، تمر بمرحلة نزاعها األخير ،الى العثمانية التي كانت ّ قوى االقطاع بدوره في مرحلة االنتداب الفرنسي الذي ّ الريف حتى نمو البرجوازية الكومبرادورية الوسطية، هذه الفترة التي امتدت من العام 1861حتى الـ1915 وخلفت وراءها تراكمات ال تحصى وال تعدُ ،يعبر عنها الدكتور مسعود الضاهر قائالً« :لم يحل العام 1915 اال وكانت الرساميل الفرنسية قد شكلت 60%من الدين العمومي العثماني» كانت تكرس لتبعية فرنسية وسياسة غزو اقتصادي..
اما مرحلة ما بعد االستقالل فقد كانت مرحلة تمهيدية بعض أطرافها لتعزيز دور دولة يتقدمها االقطاع ويدعم َ فيض من الرساميل األجنبية ..وربما كان لهذا دور ٌ الحق انضمت اليه عوامل اخرى وكانت سبباً في اشعال الحرب األهلية في لبنان .ومن هذه العوامل توطين اليهود وتأسيسهم كياناً غاصباً وتشتيت الفلسطينيين ولجوء بعضهم الى لبنان واحتكاكهم باليمين المتطرف ويبقى السؤال عالقاً :ماذا نتج عن الحرب االهلية ؟ واجهت لبنان حرب أهلية دامت خمسة عشر عاما من 1975حتى .1990فتضررت جراءها وبشكل خطير جميع البنى التحتية لالقتصاد اللبناني ،وتراجع الناتج القومي إلى النصف ،وكانت له آثار جسيمة على وضع لبنان الذي ُعرف كأهم مركز تجاري ومصرفي في الشرق األوسط .أما بعد الحرب ،فيمكن ان نسجل ان الحكومة المركزية استطاعت ان تستعيد قدرتها على جباية الضرائب والسيطرة على ميناء رئيسي وبعض المرافق الحكومية .ونتيجة لذلك ،ارتفع الناتج المحلي اإلجمالي للفرد الواحد 353٪العام .1990 قبل التطرق الى الوضع الراهن ،واعتبرنا ان نظام لبنان رأسمالي حر يعتمد على المبادرة الفردية واالنفتاح على العالم الخارجي مع تحرك مناسب للرساميل والعمالة، فكيف يمكن القتصاد منفتح حر ان يتخطى قوقعة الطائفية وسجن اإلقطاع والزعامات ،عداك عن أطراف مستزلمة للخارج وقرارها يبقى وحده اآلمر الناهي؟ يحدد د.حسن صعب خمسة مؤشرات للعالقة التدويمية ّ بين نظامنا السياسي والعملية االنتخابية ،وهي :المؤشر الطائفي ،الجيلي ،الطبقي ،المالي وااليديولوجي. ومزامنة مع ترسيخ النظام الطائفي بدءاً بنظام الحكم حتى قاعدة التوظيف ،مرو اًر بقانون االنتخابات ،طرح
الكتاب فرضية الديمقراطية العلمانية ..جاء في الكتاب: «فأية ديمقراطية نعني؟ فالديمقراطية هذه هي دائرة ضيقة النتفاع فئات البرجوازية واإلقطاع السياسي من الطوائف المختلفة من خيرات البلد ضمن قانون انتخابي عاجز عن تحديث الدولة ومؤسساتها ويخول مواقع السلطة حماية نفسها من أي تجديد فعلي». قد تكون هذه النظرة تهكمية ،ولكنها تالمس الواقع الى حد كبير ،فصحوة الشعوب هي أكثر األمور تعقيداً فاالنسان ومنذ االزل تواق لتصديق النبؤات فهل فعالً ان ثبات الشعور ينتظر أسطورة االسكندر المقدوني! يقول هتلر« :اذا أردت السيطرة على الناس ،أخبرهم أنهم معرضون للخطر ،ثم حذرهم أن أمنهم معرض للتهديد، خون معارضيك وشكك في والئهم ووطنيتهم». ثم ّ يطرح د.عالمة حلوالً كمساهمة وتسوية ممكنة ،بعضها نفذ والبعض اآلخر يتطلب منظومة تنموية ومسارات متكاملة .وقد قسم شركاء هذه المنظومة الى أربع حلقات :قطاع خاص ،قطاع عام ،مجتمع مدني ودعم دولي .وفقاً لهرم المنظومة التنموية. اما عن أبعاد التطور فقد بدا واضحاً ازدياد الطلب على التعليم العالي وازدياد مؤسساته ( 40مؤسسة) ،حيث يتوقف الوزير شربل نحاس عند مصطلح «الكفاية» (اإلنفاق الحكومي على التعليم ص _ 302 .لبنان الى أين؟). يختتم د.عالمة قائالً إن المأزق هو المأزق ،فال يجب ان نقف مكتوفي اليدين وموثوقي القدمين ،بل علينا البحث عن مصير واقعي ،وذلك بتفكيك المأزق وتوزيعه الى مشكالت يمكن التفكير في حل لها .وهو مناسبة للدعوة الى قراءة اإلنجازات ال سيما مرحلة العهد الشهابي وتقرير بعثة ايرفد.
منرب
العدد 81أيلول 2013
3
سعاده والثامن من متوز •منصور عازار كتب سعاده من مغتربه القسري وقبل عودته الى الوطن رسالة هامة جداً الى رفقائه في الوطن يقول فيها :في كل هذه المدة الطويلة ،وبعد كل هذه المحن العظيمة لم يضعف ايماننا بل قوي -ايمانكم بي وايماني بكم .آمنتم بي معلماً وهادياً لالمة والناس ومخططاً وبانياً للمجتمع الجديد وقائداً للقوات الجديدة الناهضة الزاحفة بالتعاليم والمثل العليا الجديدة الى النصر وآمنت بكم امة مثالية معلمة وهادية لألمم، بناءة للمجتمع االنساني بروح التعاليم التي تحملون حرارتها المحيية وضياءها المنير الى االمم جميعها، داعية االمم الى ترك عقيدة تفسير التطور االنساني بالمبدأ الروحي وحده وعقيدة تفسيره من الجهة االخرى بالمبدأ المادي وحده؛ االقالع عن اعتبار العالم ضرورة، عالم حرب مهلكة بين القوة الروحية والقوة المادية؛ والى التسليم معنا بأن االرتقاء االنساني هو اساس روحي – مادي «مدرحي» وأن االنسانية المتفوقة هي التي تدرك هذا االساس وتشيد صرح مستقبله عليه: ليس المكابرون بالفلسفة المادية بمستغنين عن الروح وفلسفته وال المكابرون بالفلسفة الروحية بمستغنين عن المادة وفلسفتها .هذا العالم يحتاج اليوم الى فلسفة جديدة تنقذه من تخبط هذه الفلسفات وضاللها. وهذه الفلسفة الجديدة التي يحتاج اليها العالم فلسفة الموحد الجامع القوى االنسانية هي الفلسفة التفاعل ّ التي تقدمها نهضتكم. من هنا ،من هذه المفاهيم الفاصلة بين العالم القديم المنتهي والجديد المتحفز ينبري انطوان بطرس المؤرخ لمسيرة الزعيم إلى امر جلل من باحث لبس السيرة فأضحت رداء البحث المتجذر في حياة مبصر للبعيد. انطوان بطرس الراوي ألحداث عاشها ذلك المتحدر من الشوير ،ليجوب الدنيا بحثاً عن صراع ،اقتحاماً لتعمية التاريخ عن امة ،استبساالً في قتال بلوغاً لالستشهاد. انطون سعاده وفي الخامسة عشرة من عمره استغرقه انشغاله بحقيقة امته ،واستوطن انشغاله هذا مسام المدير المسؤول :سركيس أبو زيد إدارة التحرير :زهير فياض مدير التحرير :زاهر العريضي أمين التحرير :فراس الهكار العالقات العامة :عائدة سالمة اإلخراج الفني :نينار األعسر
جسده ،وخفق فؤاده ونبض الكرامة الذي اجتاحه اجتياحاً ال تعايشاً بهوادة وغدا فكره الوقاد محف ازً للسعي وراء هدفه ،ارتهن حياته للمبادئ التي وضعها وآمن بدل تبديالً من التأسيس يغير في خط سيره وال ّ بها ولم ّ الى االستشهاد. هوذا العنوان الذي اختاره انطوان بطرس ،وفيه عبر الى مضمون المرحلتين ،فأضحى قلمه عيناً ترى وذاكرة مؤداها .هذا الذي تختزن وانبرى يسوق االحداث الى ّ لم يعرف الزعيم معرفة مباشرة ،وان لم يكن منتمياً ،فهو ليدون بحبر دمه مؤمن بما استنزف سعاده من جراحهّ ، تاريخ امة في انسان ،وتاريخ انسان لمجد امة لخصها بوقفة عز فقط. المتسهد في لياليه ،المكافح في نهاراته، إنه الباحث ّ لينال من الحجة ما يقنع ،ومن الراوية ما يعلم، ومن التدوين ما يترسخ في السلوك السوري القومي االجتماعي ،نهجاً ال لبس فيه لبلوغ سدرة االيمان بحقيقة َمن نكون. هو ذا سعاده بين ايدينا منذ أبصر النور في الشوير،
هيئة التحرير: نجيب نصير ،نحاتي ميداني، أسماء وهبة ،عبير حمدان، يامن الدقر ،أدهم الدمشقي، سالم الزبيدي ،نادي قماش، عامر مالعب
توهم حقد الى أوان تفجره نو ارً في رمل بيروت ،هناك ّ جالديه انطفاءه جسداً ولم يدركوا عظمة مواقفه بحيال تاريخ ارادوه نسياً لتبرير قيام ما قام في خاصرة الوطن السوري الجنوبية فلسطين االسيرة ،من تزوير لتاريخنا، وانتهاكات لحقوقنا ،لعلهم بذلك يرهنون الوطن كله. وحتى اليوم ال تزال المحاوالت قائمة تارة في العراق، طو ارً في الشام ،تارة في شرق االردن وطو ارً في لبنان، تمت النطاكية بصلة. وانطاكية الرهينة في أيد ال ّ انها االقدار المفعولة على امتنا ،فمتى يصير قدرنا نحن الفاعل في صراعنا ال ردة الفعل المتقية شر الفاعلين. هو ذا انطوان بطرس يحفّزنا لقراءة تاريخنا ،ال طمعاً بحظوة وال خوفاً من قصاص .هو المتنكب بين أصابع يده قلماً حبره الصدق وريشته المعرفة ليقول كلمته في رجل ال يزال طليع فكر األلف سنة المنصرمة. يلم من مروج سعاده باقة من هوذا انطوان بطرس ّ زهر ،اكليالً من شوك ،وهاجس الوصول الى االنتصار، ومن هذه جميعاً يتراءى لنا في صفحات كتابه ،الزعيم، منتصب القامة ،مرفوع الهامة ،نشاهده في الكلمات وكأن الكلمة تريك ما لم تُ ِرك آلة تصوير ،ألنها الكلمة سعد وأسعدنا بسعاده المعبرة ،وكأني بأنطوان بطرس ُ اإليمان ،والرؤى ،والكتابة المبهرة وليس بتكديس الكلمات. أيها المتهافتون الى سعاده ،زورق لكم من هذا الكتاب تجوبون به في بحر الزعيم ،اعبروا من ضفة الضوء الى ضفة المعرفة ،ومن ضوء التأليف فلنتّخذ جميعاً زوادة االيام قناديل المسيرة ،ومن معرفة االستشهاد ّ اآلتية ،وقدوة ألجيال لم تولد بعد. مودة واحترام .الباحث الذي للصديق انطوان بطرسّ ، يكتشف لنا كنو ازً ربما حجبها عنا صخب العيش ،غير أنها تظل في صميم الحياة. (مستوحاة من كلمة ألقيت في حفل توقيع كتاب انطوان بطرس في نقابة الصحافة بيروت حول انطون سعاده من التأسيس الى الشهادة .)1949-1932
تصدر بالتعاون مع مكتب الداراسات العلمية برئاسة منصور عازار ،بيت الشعار ،المتن الشمالي تلفاكس04914510 : تصدر بموجب قرار رقم 82تاريخ 1981/7/6صادر عن و ازرة اإلعالم في لبنان الناشر :دار أبعاد بيروت -شارع الحم ار -بناية هيونداي -ط 4 هاتف71341622 /01751541 : توزيع :الناشرون بيروت -مشرفية سنتر فضل هلل -ط 4 هاتف و فاكس 01277088 /01277007 :خليوي03975033 :
دمشق مكتب عائدة سالمة لإلخراج الفني والتحضير الطباعي -عدوي خلف دار الشفاء -سعر العدد 25ل .س تيليفاكس 44426588 :خليويE- mail:aydasalameh@yahoo.com - 0933331402 : المواد المنشورة تعبر عن رأي أصحابها وال تعبر بالضرورة عن رأي المجلة لإلشتراك و اإلعالن االتصال على www.tahawolat.net 01751541
mail@tahawolat.net
www.khabaronline.com أبعد من الخرب
4
رأي
العدد 81أيلول 2013
عراة يقفون أمام القصري ..حفاة على طريق عربا!.. •نسيب الشامي لم تعرف أحزاب العالم على تنوع واختالف مبادئها تصح مقاربته مع وبرامجها وأهدافها ما يمكن أن ّ األحزاب في لبنان ،فاألحزاب عادة هي صناعة ساحاتها وبيئتها منها ولها وفيها تدور حركة هذه األحزاب ،وقد تحقق غاياتها وقد تفشل وقد تصل الى سدة الحكم وقد ال تصل .سعيها الى الديمقراطية والتجدد قد يأخذها الى تغيير جدي في مجتمعاتها وحتى الى نهضات تغير مسار أممها او الى عكسها في مجتمعات أخرى أقلها الى السجون والتنكيل وسوء المصير .أما أحزاب لبنان فهي في غالبيتها صناعة ورم خبيث أو أورام خبيثة عدة ،ألنها تدور بائسة في فلكها المحلي واإلقليمي معتقدة وواهمة أنها تشارك الكون في فلكه وفق نظرة عالمية تحفظ لها المكانة والدور اللبنانيين بامتياز. أحزاب لبنان قديمها وحديثها والمستحدث ،التيارات األحزاب أو الطوائف – األحزاب أو األحزاب – الطوائف األحزاب – الزواريب أو األحزاب اإلمارات ،أو األحزاب – المنتهية الصالحية أو المتجددة على عور ونقيصة، األحزاب األعضاء الخمسة ،أو حتى الرئيس وزوجته أو تلك التي يصل تعدادها إلى آالف اآلالف جميعها بحاجة الى ليلى عبد اللطيف حتى تق أر لها فنجانها أو تتنبأ لها مستقبلها ،أو قل باإليحاءات الممجوجة كل هذا ألنها خرجت من دائرة المعقول إلى دائرة الغيب ومن دائرة الضوء على تمايزه الى دائرة الظالم الدامس المدمر ،حتى باتت التوقعات والمجهول القاتم والقاتل و ّ خارطة طريقها وحاضرها ومستقبلها. أحزاب لبنان أبناء سبايا حرب حرب الكيان الذي خلق لغاية ووظيفة من صنعوه وفق مشاريعهم وخططهم للبنان والمنطقة ،ومن قبل به وفق حساباته الطائفية وطناً نهائياً ،ومن أخذته مصالحه الصغيرة إلى دجل القبول الملتبس ،إلى أولئك الذين قبلوا به بتوافقية الطرابيش الحمراء والنهائي بلسان عربي .أحزاب نشأ على زغل في كيان ،على زغل في بيئة إقليمية حاضنة لكل زغل وفي بدل عالم جعلنا في دائرة الزغل وحقل تجاربه فال هو ّ بدلنا .أحزاب لبنان لها رأي في القصير :حزب وال نحن ّ المستقبل ،القوات اللبنانية ،الكتائب اللبنانية ،الوطنيين األحرار ،التقدمي االشتراكي ،المستقلون األباطرة ،التوابع التابعة ،أمانة 14آذار العامة ،السلفيون ،جماعة النصرة ،قادة الزواريب في طرابلس ،زعماء األحياء من باب التبانة حتى تعمير صيدا ،كل هؤالء مع ثورة الشعب َّ وضد بشار األسد. السوري كل هؤالء مع التغيير إلى دولة ديمقراطية واحدة َّ وضد نظام المخابرات والتركيبة األمنية ،إو�يران موحدة، وحزب اهلل .كان حزب المستقبل أول البادئين في دعم الثورة السورية بدأها بالبطانيات والحليب والمساعدات اإلنسانية ،وراح يضعها ويوضبها في صناديق األسلحة الحديدية ليحفظها من التلف وراح الحليب والبطانيات يفسحان المجال للقاذفات والعبوات والرشاشات الحديثة، والنواظير الليلية وأحدث القناصات ،كما أفسحا المجال لدور الحزب أن ينكشف على يد معين من هنا وصقر من هنا وضاهر من هناك وسعد من هنالك والجميع بأمرة وفاء لطبيعته يتلون إال باللون األخضر ً اآلمر الذي ال ّ ودوره وارتباطاته ،وكما دعمها في سوريا راح يدعمها في لبنان بكل زعماء الزواريب في طرابلس متأبطاً ذراع دولة رئيس من هنا وسعادة نواب من هناك ومشايخ سلفيين
ومقلّدين حتى انتهى به المطاف في صيدا إلى خيبة لم يستفق حتى اللحظة من آثارها المدمرة بعد سقوط ظاهرة األسير (أحمد) إلى غير رجعة. أما بدعته األخيرة على لسان النائب بهية الحريري وبعد الهزيمة السياسية الكبرى في عب ار هي تجهل أن استحضارها عنوان دولة لبنان الكبير إنما يدل ّل على تموقعها وحزب المستقبل في خانة الموقع المذهبي وانحسار دورها السياسي إلى هذه الحدود الضيقة والتي تدلل على حقيقة الدور لحزب المستقبل .أما القوات اللبنانية فقد كانت أسيرة عفويتها السياسية وقلة خبرتها في قراءة الظواهر واألحداث فقد راحت مندفعة في زمن «الربيع العربي» وفي موسم الزرع والتموقع السياسي على وقع المشروع األميركي – التركي – الرجعي العربي أن تكون غرسة لبنانية مسيحية في حديقة هذا المشروع، ولما تفتحت هذه الغرسة الغربية العجيبة راحت تنطق ّ باسم الحكيم عبارات من نوع «فليحكم األخوان» ،وهو حكماً ال يقصد مصر تحديداً بل يريده يمتد ويتوسع حتى يصل الشام ،وهناك يجد الحكيم ضالته في سقوط نظام الرئيس األسد وربما حصار عسكري على المقاومة في لبنان وربما وربما ...وصوالً إلى حلم الرئاسة. سمير جعجع مع كتائب الفاروق وجبهة النصرة والجيش السوري الحر مع العرعور واالسعد والشقفة ،هو مع الشيطان ضد األسد وطبعاً هو مع الرافعي واألسير في لبنان ومع المرعبي والضاهر في تدخلهم في سوريا. إنه العهر السياسي ،العهر المدفوع الثمن .إنها ظواهر ما قبل القيامة ولعلها األخطر واألوقح .أما المضحك فهو ما راح يردده الحكيم بعد سقوط األخوان في مصر واألسير في لبنان ،طبعاً ما قاله ال يستحق الذكر وال الكتابة عنه النه ال يمثل إالّ سخافة الموقف وسخافة القول وسخافة االستدارة .أما الكتائب اللبنانية :فقد تمايزت لجهة عدم قبولها بالتدخل في الشؤون السورية وقد أعلنت هذا صراحة ،ولكنها لم تستطع أن تتخلى عن قراءتها الساذجة لمجمل الواقع السياسي فراح المسؤولون
والنواب يقرأون في دفتر المواقف السياسية القديمة اليمينية المتحجرة من دون رؤية واقعية وقراءة فاحصة مدققة لألحداث والحال السياسية وموقع لبنان من كل هذا .وحده النائب سامي الجميل كان الظاهرة الالفتة وعنوان هذه الظاهرة صدقه صادقاً إذا سمعته وصادقاً إذا رأيته مقنعاً لك رغم بالدة الفكر اليميني الذي يتكئ عليه ،ألنه يذهب بعيداً وجاداً وبال قفازات متقصداً إقناع الناس ،كل الناس ،بواقعيته اللبنانية وواقعيته السياسية بالحال اليمينية المأزومة والحال المسيحية المنحسرة أمام الطرح المشرقي للمسيحية عند التيار الوطني الحر والرؤية الصادقة عنده والجنرال ميشال عون ،ولكنها ظاهرة ربع الساعة األخيرة .وليت سامي الجميل يق أر في عمق الحال السياسية في لبنان والعالم العربي ويخلع ورثة الجد وزوادة األب وينعتق من لبننة عن منكبيه َ وجده وصوالً رجعياً إلى ميشال عمه بشير ّ موؤدة مع ّ شيحا حتى يصل في جرأته حدود التعاطي مع المعنى الناتج األخير في الثقافة والسياسة واالجتماع عندها يفيد من جرأته السياسية وقدرته على مخاطبة الناس وتمايزه عن غيره أكانوا في حزبه أم على مسرح اليمين اللبناني أو في المعتقل الفكري والسياسي عند 14آذار، وربما عندها يستطيع أن يكون له دور رائد كما العماد عون .وربما تكون بداية رحلته الى الواقعية القومية أو المصداقية المشرقية وطالقاً نهائياً مع الفكر االنعزالي واللبننة الموتورة والتخلف السياسي حتى ال نقول الطفولة السياسية غير الراشدة. الكتائب اللبنانية رغم خالفنا الكبير معها نعترف بتمايزها عن غيرها من أحزاب 14آذار .وأسباب هذا التمايز هو بعض االتزان السياسي واالبتعاد عن الدجل أو االنغماس في المحظور .إنه تمايز مشكور نعترف به لخصمنا السياسي ونهنئه عليه. الحزب التقدمي األشتراكي :إن القول الفصل في شؤون السياسة والحرب عند الدروز هو لوليد جنبالط الزعيم الذي رسمته الحرب اللبنانية بتداخالتها الطائفية
العدد 81أيلول 2013
وتعقيداتها رجل القرار الدرزي األقوى ،حيث ال ينازعه أي فريق أو ينافسه خصم .لقد حسم أمره في طائفته أكان على حق أو على خطأ .نقول هذا ونحن ال نشاطره في نطاق ساحته السياسية في الجبل ال رأياً في السياسة وال رؤية لمستقبل المنطقة وال للبنان ،لذا نقول إنه في الموقع السياسي الخاطئ والموقع التاريخي الخاطئ ونقول إن التناقضات التي كانت سمة عمله السياسي باتت حمالً ثقيالً عليه وعلى طائفته وعلى الجبل أن يقف زعيم درزي َّ ضد الشام في أية مرحلة تاريخية قديمة وحديثة ال تكون إال بمثابة مغامرة غير محسوبة النتائج .أن يقف زعيم درزي مع جبهة النصرة وأحمد األسير والجيش الحر ليس إال مغامرة غير محسوبة النتائج ،وقد أثبتت االحداث في القصير أو عب ار صحة ما نقول ،لقد تروى وليد جنبالط في موضوع المقاومة وحسناً فعل لقد حسم امره الى جانبها وحسناً يفعل .وربما تكون هذه أفضل االستدارات وأهمها وأكثرها نفعاً وفائدة له ولطائفته وحزبه وللبنان. ولعل في كل هذا عبرة للزعيم الجنبالطي وهو قارئ جيد ضد النظام في الشام هم للتاريخ فالذين حاول استمالتهم ّ أنفسهم على الضفة األخرى من «عين دارة» ،وهؤالء تاريخياً ممن تركوا لبنان بعد حرب طاحنة مع عائلته الجنبالطية ونفوذها وهؤالء ال تربطهم أي عالقة بدار المختارة باستثناء مرحلة كمال جنبالط والوهج الوطني الذي كان يتمتع به والممارسة الوطنية التي كان يحرص على حسن أدائها ومتابعتها وقد ختمها بالشهادة رافضاً تبديلها أو تعديلها أو حتى تلوينها بلون المراحل وزيفها. حزب الوطنيين األحرار هو حزب تابع وال يملك استقاللية في الموقف وال بالقرار وهو في منظومة 14آذار دون قيد أو شرط ،وموقفه أكان في القصير او عب ار هو خالصة التبعية للحاضنة الحريرية السيئة الذكر. التيار الوطني الحر :هو التيار الذي يتوزع مناصفة ما بين الدالالت واإلشكاليات .أما الدالالت فتمايزه عن غيره من االحزاب المسيحية بأنه انتقل عبر المشرقية التي
رأي نادى بها من الفكر المسكوني «الى الفكر القومي .الى الدين في بيئته الحاضنة ليعود بعد القصير والدور الذي يمارسه حليفه في مذكرة التفاهم «حزب اهلل» لينتقد دور الحزب ومشاركته في الحرب الدائرة في سوريا ،فباتت المشرقية عندها لتشكل إشكالية في المعنى عند التيار وقائده .تدنت المشرقية الى لباس ديني خالص مذهبي طائفي من دون أبعاد قومية فظهرت هشاشة الموقف وركاكة االستناد الفكري والسياسي .وبالتالي أولوية الشأن الكياني عنده دون سواه .إعالن التيار في أكثر يسميه بالموقف االستراتيجي من من مناسبة وفي ما ّ النزاع الدائر في المنطقة ووقوفه الى جانب المقاومة في ضد إسرائيل وهي داللة على عمق تفكيره القومي حربها ّ متمولة بالموقف المعلن والثابت من هذا الصراع .ولكن ّ يصح في الجنوب بالموقف القومي وهنا اإلشكالية كيف ّ وبالسياسة ما ال يصح في الشمال والشرق وتلك الحرب الكونية على سوريا وآثارها المحتملة المدمرة للبنان، وبالتالي على المشرقية وعلى كل التوجد الوطني والقومي والحر تبقى اإلجابة عند التيار وحتى الساعة ال جواب. طرح النسبية كقانون جيد لالنتخابات ولبنان دائرةواحدة كانت من عالمات التيار الفارقة والصريحة تعمر حتى غمرتها إشكالية القانون والصادقة ،ولكنها لم ّ األرثوذكسي حيث شهدت هذه المرحلة بانغماس التيار بالطرح المذهبي والطائفي الذي لم ينسجم مع تاريخه وطروحاته السابقة وقوف التيار الى جانب الجيش اللبناني في عبرا ،ومع حزب اهلل الذي شاطره الموقف ضد التكفيريين ،من جماعة األسير ،والنصرة، ذاتهّ ، والمستقبل وبالل بدر والمخيمات الفلسطينية وفي هذا داللة واضحة على سالمة الموقف ،أما اإلشكالية فهي في عدم قدرته على ربط الظاهرة األسدية بالحرب الكونية الدائرة في سوريا وبالتكفيريين عينهم في القصير .يسجل للتيار صدقيته في تعاطي الشأن العام .ويبقى عليه أن يزيد في قراءة المواقف القومية عمقاً ودراية حتى تكتمل
5
عنده الرؤية المطلوبة ،حتى يصبح التفاهم مع حزب اهلل من تفاهم ورقي إلى تفاهم يصب في عمق الواقع القومي وتحدياته الخطيرة. الحزب الشيوعي اللبناني :حزب عريق وتائه أما أسباب التيه فإن بعضاً من قيادييه الكبار أضاعوا بوصلة التيار فاختلط عليهم االتجاه وارتبك أمام المسار فأي قاسم مشترك بين هذا الحزب الكبير و 14آذار؟ وما هي القواسم المشتركة بين حزب العمال وكوادره الحية المناضلة وحزب المستقبل مثالً وفارس سعيد وميشال معوض؟ الحزب الشيوعي اللبناني أصيب بمرض التموقع وحرج التموقع فراح يستنسب األسهل ،فمناصرة األسير جورج ابراهيم عبداهلل والمطالبة بإطالق سراحه ودعم الحملة العالمية من أجل إنقاذه هي حملة تناسب نضال هذا الحزب العريق ،ولكن «القصير» من حيث األهمية هي أبلغ أث اًر وأكثر أهمية والحزب ينأى بنفسه في معادلة نجهلها وال نريد أن نطلق احكاماً وهذا ينسحب على كثير من مواقفه من حركة العلمانيين الى عبرا. البعث العربي االشتراكي واالتحاد وحزب التوحيد العربي وىلحزب الديمقراطي اللبناني وحزب التضامن هي أحزاب الصدى للموقف السوري إقليمياً ولحزب اهلل في الساحة المحلية ومواقفها ثابتة وصادقة وال تحتمل أي تأويل. حزب اهلل راجع مقالنا بعنوان :من القصير الى عب ار إنها السياسة والدين والقضية القومية الواحدة. الحزب السوري القومي اإلجتماعي :عقيدته تمأل الدنيا وتشغل الناس من المغرب العربي الكبير حتى فلسطين، بعضهم جاء اليها متأخ اًر وبعضهم من ينادي بالمشرقية والمشرقية ليست إال مرادفاً للقومية تعقد المؤتمرات بإسمها ُيدعى المفكرون والمثقفون ورجال الدين الى ندوات تخص بالد الشام وعروبة الشرق ،وهي جميعاً ّ ليست إال مقاربة لفكر انطون سعاده ،أما الحزب فهو في مكان آخر ،فالمطلوب منه ليس أن يكون صدى وترداداً للموقف السوري .المطلوب أن يكون لديه رؤية والناس من حوله يؤمنون بعقيدته أنها الحل وخشبة الخالص. المطلوب ان يرتفع الى مستوى المرحلة وهذا يعوزه الكثير الكثير ..سنكتب عنه في مستقبل األيام.
6 عودة اإليديولوجيا
حبث
العدد 81أيلول 2013
مل متت ،ولكنها كاجلاذبية املسيطرة على فيزياء األفكار •محمود حيدر
لم تمت اإليديولوجيا حتى تُولد ِمن جديد .تلك أبرز البديهيات التي يمكن أن تواجه الداللة التي ينطوي عليها عنوان هذه المقالة .لكننا آثرنا هذا العنوان بعد ما وقت صار فيه الكالم على هذا المفهوم أدنى إلى مر ٌ ّ منقصة فكرية .فحين غزت موجة النهايات فضاء الفكر العالمي قبل نحو عقدين من الزمن كانت اإليديولوجيا أول الضحايا .سوى أن الجدل بشأنها ما فتئ حتى عاد إلى حيويته القصوى ،مع دخول العالم وال سيما عالمنا ِّ متجدداً من احتدام الهويات العربي واإلسالمي طو اًر والعصبيات واألفكار .لذا يصير كالم على عودة هذه الكلمة «المذمومة» ،ولكن المكتظة بالسحر ،كالماً في أمر اليوم. ِ •والذي َح َملني على طرق هذا الباب أنني تذكرت قوالً للفيلسوف الفرنسي ريمون أرون ،يطابق في ِّ حده األقصى صورة العالم في محنته الحاضرة .يقول أرون: تكاد صيغة «اإليديولوجيا هي فكرة عدوي» أن تكون َّ أقل تعريفات اإليديولوجية سوءاً... َّ •لقد اخترت وأنا َّ أتهيأ لمقاربة األيديولوجيا ،أال أبدأ من سؤال غالباً ما يرفع منسوب الضجر قبل كل قراءة.. والسؤال هو :ما معنى األيديولوجيا؟ •حين يتناهى الى السامع سؤا ٌل من هذا النوع يأخذه تفكيره على الفور إلى مساحة من األجوبة ،تكتظ بما ال حصر له من التعريفات واألوصاف .ثم ال يفتأ هذا السامع حتى َّ يتنبه الى أن ما سمعه هو أدنى إلى سؤال ٍ بديهي َّ وساعتئذ يتغيا جواباً صار بديهياً أيضاً مع الوقت. التعرف عما هو معروف. لن يجد نفسه في حاجة إلى ُّ ٍ ك ،إو�ن معاش ،وك ُل معروف فما هو معاش معقو ٌل ومدر ٌ ٌ ٌ ب ُّ تعقله إو�دراكه بين حال وحال. تباينت ُرتَ ُ •كيف لنا أن نغادر إشكاليات المفهوم الذي ارتبط باإلنسان ارتباط اإلسم بالشخص ،أو تعلُّق الماهيات بوجوداتها. •لو َّ أن لنا أن نأتي بتمرين لفظي يد ّل على مفعول الكلمات في الناس وفي األشياء ،ألَتَينا باأليديولوجيا ان لنا بها مثل َّ عز نظيره في عالم المفاهيم .لكن ولَ َك َ لسنا على اليقين من أننا بإزاء األيديولوجيا أمام مفهوم اعتيادي .فلئن كان كل مفهوم على ما نعلم هو وعي بالقوة ال يغادر حصنه الذهبي إالَّ بإرادة تحيله إلى مهمة في الواقع ،فاأليديولوجيا هي الوعي واإلرادة في آن. وهي الفكرة ومجال استعمالها وتجسُّدها معاً .ال يفترقان وال يتباينان ،وال يتقدم أحدهما على اآلخر وال يتأخر. فالمفهوم من منطقة األيديولوجيا هو المهمة وأفكارها. هو الممارسة وخطابها .تنشأ الكلمات من حقل األفعال ثم لينمو هذا الحقل ويزدهر بفعل تلك الكلمات .المسألة هي إذن ،مسألة الفاعل الذي هو اإلنسان ،فإنه هو الذي يحفر في الحقل بواسطة الكلمات ،ثم ليعود الى ِّ ِّ ويعدل من فيسدده ويوعِّيه ويرشده ،أو ليضيف الحقل لغة الفاعل .وذلك في رحلة ال تنتهي إالَّ بانتهاء أفاعيل كل قضية من القضايا. • إو�ذا كانت خصيصة المفهوم ،كما في الشائع ،تكمن في ما يستدعي َّ ظنية الداللة عليه ،األمر الذي يوجب ُّ االختالف والتباين وتكثر الرؤى في شأنه .فاأليديولوجيا ال تُرى إالَّ في كونها استظها اًر سارياً على ثنائية الظن واليقين .ذلك بأن اإليديولوجيا فكرة وحدث في آن .فإذا كانت الفكرة مبعثاً للظن ،فالحدث بما هو وجود عياني ومتشخص هو مبعث لليقين .فكيف إذا كان الحدث
والفكرة متحدين في مجال واحد .واأليديولوجيا إذاً ،فكرة حادثة ،وبصفة كونها كذلك ،فإنها تثير األفكار كلما طال أمد اشتغال الفاعلين في حقولها. •هل يعني هذا ُّ تعذر التوصيف أو بلوغ معنى محدد للمفهوم؟ •نقول :إن كل صفة تكتسبها اإليديولوجيا تتأتى من فعلها .وال تتحصَّل الكلمات المؤسِّسة ألي خطاب إالَّ بفعل التبادل بين َّ النسق والفعل .بين البنية والحدث. بين خصوصيات الحيِّز االجتماعي والفاعلين فيه .إن الكلمات على -ما يبين جماعة الهيرمينوطيقا المعاصرة ُّتعد جزءاً من البنية بوصفها قيمة اختالفية ،وهي
اختبارية ،لممارسة معينة ،أو لرأي يتحرك في الواقع تقدمه لنا هذه الممارسة .فكل منظور يتم التعبير عنه من زاوية الناظر هو فع ٌل أيديولوجي بشكل ما .ويذهب جيرار ماندل (( Gerard Mendelفي تفسيره لرأي مانهايم ،الى أن الشخص األيديولوجي متعدد .ذلك أن كل إنسان هو في الوقت عينه استيهام إو�دراك .إنه حالة مركبة من ثنائيات متعاكسة متباينة في آن ،العقالنية وعقالنية ،الوعي ووعي .حياة على أرضية من الموت. ذاتية جذرية وضرورة موضوعية ،حب للذات وارتماء في ُّ وتشكل، أحضان الموضوع ،فطرية واكتساب ،مصير وكذلك استالب وحرية.
بهذا المعنى ليست سوى افتراض داللي ،كما تُ ُّ عد جزءاً من الفعل ومن الحدث .وبهذا فإن آنيتها الداللية تكون معاصرة آلنية العبارة المقدرة للتالشي. • َّ تتميز األيديولوجيا في كونها متعددة الصفات كفاعلها، أي اإلنسان المتحيِّز .كأن ُيقال مثالً هذا قول ايديولوجي وذاك قول إيديولوجي ،لكن لكل من القولين موقع مختلف ومراد مخلتف .ولقد كان من أبرز إنجازات كارل مانهايم أنه أدرك هذه المشكلة فراح يوسع مفهوم اإليديولوجيا إلى النقطة التي أصبح معها يضم الشخص نفسه الذي ينادي بهذا المفهوم ويحمله الى نطاق االحتدام نفسه .بمعنى أن المفهوم صار هو الشخص الذي يمارس عملية الفهم. أي ذاك الذي يختبر فكره وشعوره وشغفه باألمر ،إلى الحد الذي يمتلئ بكلماته ويقول :أنا هو اإليديولوجي أنا هي األيديولوجيا .سوف يدحض مانهايم بقوة وجهة متفرج مطلق ،شخص غير متورط النظر القائلة بوجود ِّ في اللعبة االجتماعية ،ويعتبرها ضرباً من المستحيل .فأن ِ نصف شيئاً بأنه أيديولوجي ،ليس أبداً أننا نصدر حكماً نظرياً مجرداً ،بل إن وصفاً كهذا ينطوي على معاينة
•واأليديولوجيا هي كذلك ،متعددة كأحوال فاعليها. لذلك يمكن القول إن فلسفتها تقوم على حضور يجمع بين البساطة والتركيب .وبين التناقض والتكامل .وهي ِّ ومتحيزة في اآلن نفسه. متفرجة لكنها متعيِّنة متعالية ِّ المتفرج مع هذا ،ال يمكن الحكم عليها في منطقة ِّ َّ المتعين السياسي المتعالي من دون أن تُرى صورتها في واالجتماعي .ثمة إذاً ،وصل ال ينفك بين المتعالي الذي هو المفهوم ،والمتحيِّز الذي هو محل االختبار للحركة والتجربة .ربما هذا هو الشيء الذي حمل كثيرين من المفسرين إلى نفي الشائعة القائلة بوجود مفهوم بسيط ِّ َّ مكونات باإلطالق .ومدعى هؤالء ،أن كل مفهوم يملك ِّ معينة ويكون محدداً بها. •اإليديولوجيا ظاهرة فلسفية •تمكث اإليديولوجيا كمفهوم على مقربة من هذه المقاربة الفلسفية .ذلك انها من أكثر المفاهيم التي تنتجها الفلسفة ،جمعاً بين البساطة والتركيب .فمن ناحية كونها مفهوماً بسيطاً ليس لأليديولوجيا مصداق مادي موضوعي بعينه .فالمفهوم البسيط ينطوي على
العدد 81أيلول 2013
استعدادات كثيرة لتوليد مصاديق واقعية ال حصر لها. وأما من ناحية كونه تركيباً فألنه يحمل من الصفات والمعاني ما يجعله حاوياً لوقائع وظواهر تبدو حال ظهورها متباينة ومتفاوتة ومتناقضة بصورة مذهلة. •لذلك ال تُعرف ماهية األيديولوجيا اال بالتثنية .أي بالمقابلة بين شيئين وأكثر .أي باتحاد الكلمات واألفعال إما على شكل تصور في الذهن ،فتصبح وجوداً بالقوة، ال تفتأ اإلرادة أن تتدخل لتنقله بشغف حميم إلى وجود بالفعل .إو�ما على نحو التمثيل لوجودات واقعية تحمل على ُّ التفكر بأمرها. َّ درك إال بالتركيب، •وألن األيديولوجيا بسيطة ال تُ َ ٍ صالت وعالقات .إو�ذن ،فهي بهذا المعنى فهي عالم َّ مولود من هذا العالم وال تقوم إال به .أي عبر تفاعل األجزاء الحية لذلك العالم .بما يمكن القول إن ثمة َشَبهاً فلسفياً بين األيديولوجيا والعالقة .إذ تبعاً لقاعدة البساطة والتركيب يبدو المفهومان وكأنهما يستويان على نصاب واحد .فالعالقة ال تحدث إالَّ بين َّ حدين وأكثر .إو�ن لم توجد الحدود فال وجود لشيء اسمه العالقة .ان العالقة على ما تنظر الفلسفة -من أوهن مقوالت الفكر بلإنها األكثر زواالً وتبدالً .ومع ذلك فهي موجودة مع كونها غير قائمة بذاتها .بها تظهر األشياء متحدة من دون أن تختلط ،ومتميزة من دون أن تتفكك .وبها تنتظم األشياء ،وتتألف فكرة الكون .إنها تقتضي الوحدة والكثرة في آن .هي واحدة ،وكثيرة بحكم خصيصة اإللفة التي حظيت بها بين البساطة والتركيب .على صعيد الفكر تربط (العالقة) بين مواضيع فكرية مختلفة وتجمعها في إدراك عقلي واحد ،تارة بسببية ،وأخرى بتشابه أو تضاد، وثالثة بقرب أو بعد .وعلى صعيد الواقع فإنها تجمع بين أقسام كيان ،أو بين كائنات كاملة محافظة عليها في تعددها .إو�ذ يستحيل تقديم توصيف محدد للعالقة حيث ال وجود مستقالً لها ،فهي كالماهية من وجه ما ،ال موجودة وال معدومة إالَّ إذا عرض عليها الوجود لتكون به ويكون بها .لذلك سيقول عنها أرسطو ،إنها واحدة من ض يظهر في الكائن بمثابة المقوالت العشر ،وهو َع َر ٌ ُّ اتجاه .إنها صوب آخر ،تطلع ،مي ٌل ،مرجعٌ ،ويقتضي دائماً لظهوره وجود كائنين متقابلين على األقل .صاحب العالقة وقطبها اآلخر ،ثم االتصال بينهما. •لو قُيِّض لنا أن نرى الى األيديولوجيا بما هي كينونة فلسفية الخترنا لها هذا التعريف :إنها علم بممارسة األفكار .أو – بتوضيح أوسع قليالً -هي العلم بجدلية ِ ِ ِ المحدثة باألشياء المحدثة لألشياء، ارتباط األفكار لألفكار .أما مجال عملها فيمكث على خط العالقة الذي يصل الفكرة بالحدث .والحادث بالفكرة التي يعيد صنعها في نشأة أخرى .أما خط العالقة ذاك ،فيشتد إو يرتخي ،ينقبض أو ينبسط ،تبعاً لحركة جوهرية تتفاعل فيها اإلرادة المنتِجة للفكرة بإرادة الموضوع الذي تقصده تلك الفكرة ِّ لتغيره .فيتحصَّل من ذلك خروج الظاهرة األيديولوجية إلى ميدان الحركة والصراع. •المعنى واالستعمال •يصعب فهم معنى األيديولوجيا بمنأى من طرائق االستعمال التي يأخذ بها الناس وهم في غمرة األحداث، أو حين يمضون بشغف الى كشف هوياتهم في الزمان والمكان المحددين. •كان فيتغنشتين يردد قوله األثير :ال تسأل عن المعنى، إسأل عن االستعمال .وهو في ذلك يسعى إلى انتزاع المعنى عن طريق االستعمال .فإن معنى األيديولوجيا بهذه الدالَّة يمكث في إجراءاتها الحادثة في حقول االختبار .من خالل االختبار تستظهر الكلمات معناها، َّ ضاجة حيث تغدو في حقل التحول الى وقائع كينونة
حبث
بالحركة .ففي اللحظة التي تستحيل فيها الكلمات ظاهرة في الواقع فإنها تخلع رداءها القديم وحروفها المنصرمة. ٍ بعدئذ أولئك الذين تلقوها سمعاً وطاعة بإلباسها ليقوم حروفاً جديدة وكلمات جديدة .فالفكرة ما إن تتمأسس حتى تفقد كلماتها تلك الحيوية الالزمة للطور الجديد الذي حلَّت فيه. •ال تهتم األيديولوجيا بالتوصيف .فهي إن فعلت ووصَّفت المشهد فسترى نفسها وضدها في آن .لذا فهي تؤثر اجتناب الرؤية الدائرية للزمان والمكان الذي تعمل فيه ،لئال يلتبس عليها األمر وتقع في االضطراب. إو�ذا حصل ووقعت في مثل هذا المحظور فقد تستغرق في سوء الرؤية ،فيلتبس الخطاب وال تعود العمارة األيديولوجية بقادرة على ضبط توترها الداخلي ،أو صون حياضها المقدس من استباحة الخارج. •من طبائع األيديولوجيا انحصار كلماتها داخل لغة «الما يجب» ال داخل لغة الـ«ما هو حاصل بالفعل». انها لغة التوكيد على الـ»ما ينبغي أن يكون» ال على الكائن بما هو كائن .ومع ذلك فهي تسعى لتستقرئ الموجود بما هو موجود من أجل ان تصدر أحكامها. وبحكم طبيعتها الجامعة بين حكم القيمة وحكم الواقع، فإنها تستخدم العقالنية العلمية التجريبية كوسيلة إلصدار الحكم على نحو أفضل. •مثل هذه الممارسة ليست ناتجة بالضرورة من َو َه ٍن مفترض ،في تعقيل ثنائية الواجب والواقع ،أو من قصور ذاتي في إدراك الخارطة التفصيلية لمجاالت االختبار. متضمن ،غالباً في إواليات الممارسة ،لكنه فالمعرفي ِّ يختفي تحت ضغط الرغبة في إيصال لغة «الما يجب» إلى التحقُّق الفعلي داخل عالقات القوى .إن المعرفي (العقالني العلمي التجريبي) هنا ينطوي اء إلزامياً ضمن عمليات التخطيط المدروسة في انطو ً الممارسة األيديولوجية ،فال يفارقها البتة .ذلك أنه يتعلق بتلك الممارسة تعلقاً ذاتياً اتحادياً بوصفه جزءاً منها، ونسقاً فاعالً في عمليات التوظيف واالستعمال .وفي سياق اشتغاله على ترسيخ منظومته الفكرية والثقافية إلبطال حجة الخصم ،يقدم الفاعل اإليديولوجي العامل المعرفي العقالني ،بما هو مادة للتوظيف ،على حكم القيمة المجرد عن البرهان .وذلك ضرب من «المواجهة بالحيلة» على طريق إفحام الخصم تمهيداً لتحقيق الغلبة عليه .حتى لتبدو الصورة وكأن المعرفي هنا يسبق األيديولوجي ،ولو أنه على الحقيقة ،يذوي فيه ،يفعل وينفعل في نطاق الممارسة .بهذا الفهم فإن أسبقية أمر بديهي ألنه من ذات األيديولوجي المعرفي هو ٌ َّ ويتبوأ الرتبة األولى في مدارجه المتعددة ،الالمتناهية. َّ والمعرفي أيضاً ،حاضر ومستدرك في الرتب والمدارج جميعاً ،فهو َّ سيال فيها من غير انقطاع .ففي كل آن يمارس األيديولوجي لعبته تكون ممارسته معقولة .أي
7 ممارسة محكومة بمعايير الحساب العقلي وميزان الخطأ والصواب .وكل معقول معروف من جانب العاقل ،متَّحد به اتحاد الوسيلة بالغاية .ولو صدف أن َّ حل الفساد في القضية التي هي حقل االختبار ،فذلك ال يعود إلى االنفصال بين المقدمة والخاتمة ،إو�نما إلى سوء التقدير في الموازين ،وفي طريقة جمع تركيب وتوليف وتوظيف العناصر الموصلة إلى الغاية. •حين يكمل األيديولوجي والدته ،يكون المعرفي قد َّ تحيز واتخذ له المحل المناسب في تلك الوالدة .لقد تحول المعرفي (العقالني) الى قابلية خالصة للتوظيف. ّ فلن يعود بمقدوره أن يتحرك إالَّ ٍّ كظل لأليديولوجي. فالعالقة بين المتقابلين ضمن هذه الحيثية هي عالقة اتصال الجزء بالكل ،والتابع بالمتّبع ،وكذلك عالقة المحتاج إلى الغني. •الصـدق والكـذب •هل نستطيع الحكم بالصدق أو الكذب على األيديولوجيا؟ ٍ •يمكن ذلك بحيثية ،ما ،وال يمكن بحيثية ما ،أخرى... •قبل أن تمارس األيديولوجيا ظهوراتها لن يكون بوسعنا الحكم عليها إن كانت كاذبة أو صادقة ،عقالنية أو غير عقالنية ،ذكية أو حمقاء ،كاشفة للحقيقة أو حاجبة لها ،مزيفة للوعي أو منتجة لوعي واقعي وحقيقي .في العالم األيديولوجي كل حكم صادر فإنما يصدر من ثنايا ُّ التحيز التي تضج بحيوية الفاعلين .فهؤالء الناس هم الذين يخلعون على األيديولوجي ،والظواهر األيديولوجية صفات الحسن والقبح ،او الزيف والحقيقة ،او العلم والجهل. •وسنرى في منطقة ُّ التحيز السياسي تحديداً كيف ُيح َك ُم على األيديولوجيا بالصدق والكذب تبعاً لفشلها ونجاحها. فعلى قاعدة الفشل والنجاح تجري األحكام ،بوصفها تقري اًر إخبارياً عن قضية غادرت كونها بنية ذهنية لتح ّل في مختبر التجربة. •ليس بالضرورة حين يتقرر الحكم بالصدق مثالً على قضية منتصرة ،أن تكون نتائجها شرعية .أو أن يكون الفاعل األيديولوجي في هذه القضية ،فاضالً أو حكيماً. المسألة هنا تدور مدار منطق القوة وميزان الغلبة .لكن على األكيد فإن الغالب األيديولوجي استطاع أن ِّ يوظف مكونات المفهوم في إطار استراتيجية مواجهة من أجل ِّ الوصول إلى الهدف .ففي فضاء األيديولوجيا توجد مراتب استعمال ال حصر لها .فقد يستطيع القوي في مرتبة كونه قوياً أن يعطي لمساحات الكذب في خطابه األيديولوجي زخماً يجعلها أكثر قابلية للتصديق. •وهكذا فإن المسألة تتعلق بالسؤال عن كيفية توظيف األفكار واألشياء وتيارات الحركة االجتماعية باتجاه المصلحة .وبين البداية وبلوغ الغاية يظهر الجهاز األيديولوجي ليحدد تلك االستراتيجية .في هذا يمكن القول ،إن معنى األيديولوجيا سيتخذ سياقاً أكثر عمقاً، طب واألفكار الخ َ ليتشكل على المصلحة .وما سي ُل ُ والكلمات سوى المخطط المعرفي الذي سيمضي الفاعل األيديولوجي على ُهداه نحو المصلحة .سواء كانت هذه المصلحة آنية أو منظورة ،أو أنها مصلحة عليا يتوقف عليها مصير مجتمع ودولة وأمة. •األيديولوجيا بمعنى أكثر تحديداً ،هي فن صناعة األفكار المؤدية إلى المصلحة. •لذلك فكل منا ينطوي على ٍ فاعل أيديولوجي وهو يختبر الحياة .او حين ينخرط في صراع من أجل االعتراف. فال مناص للناس من أيديولوجيا تعصمهم من التيه، كما ال مناص للناس في كل حين من أيديولوجي ٍّبر أو فاجر. •مدير مركز دلتا للدراسات المعمقة
8
فكر
العدد 81أيلول 2013
مجال عبد الناصر ومنهجه القياديَ ..ج َد ُل قرن •هاني الحلبي لماذا جمال عبد الناصر اآلن ..ومجدداً؟ يسوغ يبدو التساؤل مشروعاً عن المبرر العلمي الذي ّ البحث في الموضوع الناصري الذي عالجته عشرات أو مئات الدراسات ومنها أطاريح دكتوراه ورسائل دبلوم تخصصية ،لكنها لم تعالجه حسب عالقته بمعطيات تكون المنهج القيادي زمانه ومكانه عينهما وتأثيرهما في ّ الناصري وتأثيره فيهما ،وكذلك تأثيرهما في تكوين البناء االجتماعي المصري الحاضن العام الذي يستمد منه ذلك المنهج روحه وقوته المؤسسة .على األرجح رآه معظم هذه الدراسات من زاوية انقطاعه عنهما وعن البنية االجتماعية وخصائصها ،كمنظومة كلية مفارقة للزمان وللمكان وللبناء االجتماعي الناشئ فيه .وهذا ما يجدر استكشافه في بحث «جمال عبد الناصر ومنهجه القيادي ..جدل قرن. وكي يمكن تحليل المنهج القيادي الناصري واستجالء خصائصه تتم دراسة البناء االجتماعي وفلسفة القيادة وطبيعة كل منهما واألنماط التي يحفالن بها واألشكال التي يمكن أن يتمظه ار من خاللها في الواقع االجتماعي وعالقة التأثر والتأثير المتبادلة بينهما عموماً ،وفي الواقع المصري خصوصاً. وحيث افتراض أن نموذج جمال عبد الناصر القيادي، تتوفر فيه شروط اختيار النموذج األمثل لدراسة موضوعية ،فيكون قريباً بمقدار وبعيداً بمقدار ،في توفّر مالءمة القيادة الناصرية ومنهجها مع خصائص البناء االجتماعي وروائز الشخصية المصرية. يعود اختيار موضوع منهج جمال عبد الناصر القيادي ألسباب عديدة منها ،أن األحداث الجسام المعيشة تحفز القرائح والعقول على التساؤل والبحث في بحث الماهية االجتماعية المترابطة للجماعة القومية ،وفي بحث البناء االجتماعي وماهيته وتنوعاته المؤسسية وعالقاته النفسية الروحية الرابطة أنسجته االجتماعية المتباينة .وحيث يسهم البناء االجتماعي لألمة في جالء شخصيتها الذاتية المميزة بالنسبة لغيرها من األمم ،معبرة عن نفسها بقواعد ّ سلوك قومي تكون لحمة طريقتها الخاصة في حياتها وفهمها ذاتها ،بحيث يمكن وفقاً لرصد تلك القواعد تعيين فعاليات عقلها العام .ومحاولة تعيين أسباب الويل التي ِ السبب المسبِّب تعظم تدريجاً في العالم العربي ،في بحث للمأساة القومية في أبعد آفاقها وأعمق معانيها ودالالتها، خصوصاً أن جمال عبد الناصر مثّل حالة فريدة بين رؤساء الدول في نجاحه الشعبي الواسع والذي تخطى حدود دولته إلى العالم العربي واإلسالمي وما بعدهما. إن حالة تطبيق البنية النظرية المستخلصة في البناء االجتماعي وفلسفة القيادة ينبغي فحصها بعناية بالغة وبتوقع علمي مالئم إلمكانية تحقق معايير البحث للبناء االجتماعي والقيادة فيها .وينبغي في هذه الحالة أن تكون في سياقها التاريخي والمنطقي مستوفية معطيات النمو البعد عن الباحث ،ال تقربه واالكتمال ،وعلى درجة من ُ بدرجة قرابة ما تخرجه عن جادة النزاهة أو توقعه في حرج أو تهافت غرضي ،فتكون حالةً مؤثرة ذات وزن وتأثير حاسمين في سير األحداث ومجراها خالل فترة كافية من الزمن ،لرصد روائزها الحقيقية في التطبيق تتضمنه الخطب والتصريحات الفعلي ،وليس فقط في ما ّ المدبجة بأدب سياسي وبعناية بالغة. استجمع نموذج عبد الناصر إلى الفرادة خصائص أخرى
تسمح باختياره موضوعاً لدراسة أكاديمية ،فاستمرار حضوره بعد عقود من رحيله المفاجئ 28؟؟؟؟ أيلول 1970كقائد شعبي وأمل قومي يستعاد في الملمات، وتلوذ إليه أوساط شعبية واسعة الستمداد عزيمة وروحية قوية في مواجهة التحديات المصيرية .وهو حالة أصبحت بعيدة زماناً أي تسمح ،بنتيجة المذكرات التي أصدرها البارزون من الضباط األحرار ومعاصروهم والدراسات النقدية المختلفة االتجاهات وما يمكن أن تكون نشرته دول أو جهات دولية ذات عالقة .وهو حالة بعيدة مكاناً ما يم ّكن البحث من االتصاف بالدقة من دون جواذب كثيرة أو مغريات مصلحية معينة أو خشية لوم أو قمع سلطة يصبو إليها المتقربون من ذويها بالتجلّة واالحترام بحيث يوظفها القائد الممسك بالسلطة للتأثير على موضوعية البحث ،بحكم التطرق إلى قضايا ومسائل هي موضع سجال إلى اليوم.
يصح وصفه بالنزاهة «بعد اإلطالع يمكن تكوين رأي» ّ والتوازن العلمي ،بعيداً عن ثنائية الحق والباطل الصارمة وثنائية التأييد والمواالة أو المعاندة الضدية والحكم المسبق أو اإليديولوجي ،ما يمكن اعتبار نموذج جمال عبد الناصر حالة بحثية مكتملة أكثر من أية حالة رسمية في العالم العربي بدءاً من مشاركته العامة والسياسية في مظاهرات الثالثينيات ،ودخوله إلى الكلية الحربية وتأسيسه تنظيم الضباط ،فالثورة ومن ثم مشاركته اللواء محمد نجيب الحكم والقرار بالفعل ،ثم عزله نجيباً وتحديد إقامته وتوليه الحكم مطلقاً حتى رحيله وهو في قمة الذروة من االكتساح النفسي واإلعالمي للجماهير وقدرة اإلمساك بأسباب القوة وخيوط النفوذ من دون أي منازع، مصرياً على األقل .لذا فهي حالة منتقاة وليست حالة عشوائية أو يمكن الوقوع عليها بالصدفة. يشكل موضوع «جمال عبد الناصر ومنهجه القيادي.. جدل قرن» إشكالية مزدوجة الوجهة ،من وجهة أولى ما هي العوامل التي تكسب البناء االجتماعي في سياق
كينونته هوية وانتماء؟ إو�ذ يتبين القسط األوفر من هذه العوامل تبرز إشكالية أخرى في مدى تأثير البناء االجتماعي على فاعليات أنسجته وأفراده ،خصوصاً القادة منهم ،إو�لى أي مدى يمكن رصد هذا التأثير؟ من وجهة أخرى ال ُيرى البناء االجتماعي مؤث اًر وحيد االتجاه في القيادة ،لتعاظم الدور القيادي في العصر يسوغ السؤال اإلشكالي هل القيادة مؤثرة الحديث ،ما ّ في البناء االجتماعي ويمكن تعديل خصائصه تقدمياً أو رجعياً ،وفق مقاصدها وخططها؟ إذا كانت القيادة مؤثرة فإلى أي حد يبلغ هذا التأثير؟ بتبيين العالقة المتبادلة التأثير بين البناء االجتماعي والقيادة أصبح ممكناً النظر إلى موضوع البحث في النموذج الناصري المنتقى للدراسة فيه -،بوصف عبد الناصر قيادة من طراز خاص والمجتمع المصري بناء اجتماعياً بخصائصه الذاتية المحددة هويته ،-لإلجابة على السؤال التالي ما هو تأثير البناء االجتماعي المصري في فلسفة القيادة الناصرية ومنهجها؟ وما هو دور هذا المنهج القيادي الناصري في سيرورة المجتمع المصري؟ إو�لى أي مدى كان هذا المنهج تعبي اًر عنه وعن نفسيته العامة ومصالحه في الحياة؟ المحاولة في هذا البحث ،كإجابة مقترحة ،تسعى إلى اإلجابة على األسئلة اإلشكالية في فرضيتين ،في سياق بحث الماهية االجتماعية هل المجتمع بنية ضرورية اجتماعية ذات هوية وانتماء ،أم أنه ميدان فوضى عارمة تعصى على التنظيم؟ وحيث يصح بالدليل المحسوس احتمال التنظيم العام للمجتمع القومي المحدد الهوية، فلماذا تسود الفوضى بعض المجتمعات وقد تتردى بها إلى التهلكة؟ لكن التنظيم غالب على الفوضى ،فهل محدث بفعل المنظم ُيحدث التنظيم نفسه؟ التنظيم َ ِّ المنظم ومن المنطقي نفي فرضية أنه وبالتالي هو نتيجة ُيحدث نفسه؟ إذاً َمن يحدث التنظيم؟ يقيم البحث البرهان على أن التنظيم أحد مهام القيادة أية قيادة ،خصوصاً ذات البنية اإلدارية .الفرضية الثانية أين تكمن مسببات الهزيمة واالنحطاط؟ أهي في القيادة وفلسفتها؟ أم في البناء االجتماعي ذاته؟ أم في عدم انسجام هذه القيادة بالذات لبنائها االجتماعي عينه؟ وهذا يلزم عنه بحث فلسفة القيادة وعلمها وانبثاقها وأنماطها ومسوغاتها من حيث كونها ماهية وذاتاً ،ومن ثم من حيث هي أداء فكر وسلوك مؤسسة متفاعلة في منظومة المدى االجتماعي والمؤسسي .ومن ثم من حيث هي ظاهرة تاريخية قابلة الدرس والفحص ،دالة على عقل الوجود والتاريخ ونبض روحيهما في الحياة البشرية خصوصاً. في المنهج: ال شك في أن دراسة نهج عبد الناصر كحالة سابقة زمنياً ،ال يصح من دون استعادة وقائعها ومفاصلها َّ المميزة ،وهذا ما ييسره المنهج التاريخي ،إذ يسمح بإجراء تقويم لهذه الوقائع بعد نضجها الزمني وتعدد وجهات النظر الباحثة فيها من زوايا ومنطلقات متناظرة ،ما يسمح بنقدها موضوعياً ،بدقة أعمق مما لو كان البحث متزامناً وحصولها ،إنما للمنهج التاريخي عيوبه المعروفة كنسبية صحة االسترداد وكنسبية الوثائق الى مجريات الوقائع وموضوعيتها وذاتية كاتبي الوثائق وأغراضهم التي قد تزيف الوقائع عما كانت عليه .فال مناص من تقويم عيوبه واستكماله بمناهج أخرى ،أبرزها منهج
العدد 81أيلول 2013
تحليل النصوص ،عندما تعرض للبحث وثيقة ،أو نص تصريح أو خطاب أو ميثاق وحدة واتفاق وما شابه، وعطف هذا التحليل ،منهج المقارنة بين النص وشعاراته وأمانيه الالهبة وبين متحققات النهج الذي يقول به النص إو�نجازاته الفعلية في الواقع ،من دون تهويل أو انتقاص أو محاباة وتأييد لعبد الناصر ،ولم تكن تلك تكفي من دون االلتفات إلى اإلحصاء حيث توفرت األرقام في الشأن السكاني واالقتصادي والعلمنفسي واالجتماعي عموماً ،ما يفيده منهج السوسيومتري ()Sociometrie التحوط يدعم النظر بدقة الرقم والجدول مع ُّ الذي ّ لهامش الخطأ والعيب النسبي لإلحصاء ،وربط كل هذه المعطيات المحصلة بمنهجية علمية موضوعية ،مترابطة بالوصف والتصنيف والتفسير والشرح. صعوبات البحث كانت كثيرة ،أهمها جدة الموضوع القيادي في الدراسة األكاديمية الفلسفية فندرت المراجع والمصادر ذات المستوى والمنهجية الدقيقة ،وجلُّها من إصدارات مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت ،ومنها بعض حلقات سلسلة أطاريح الدكتوراه ،وشكلت عزاء كبي اًر لما تشغله في المكتبة العربية .لذا كان الزماً جمع مادة البحث من علوم إنسانية عديدة من خالل دراسة أبحاثها المختلفة لظاهرة القيادة وفق مناهجها التطبيقية، وتكييف تلك النتائج في ما يخدم البحث ويعزز التأمل فيها مقاربة ومقارنة .ثم ضخامة المنشورات التي شكل عبد الناصر وقيادته محورها المركزي كالخطابات واألحاديث الصحافية واإلذاعية والبيانات والمذكرات الشخصية مرد الضخامة إلى حجم والسياسية والصحافة و ،..ولعل ّ تأثير عبد الناصر في حقبة شديدة الحساسية واألهمية للمشروع الناصري العربي وكذلك للمشروع الصهيوني وحلفائه ،فاحتاج كل مشروع إلى إعالم ودعاية سياسية واقتصادية وحربية كاسحة ليمكن أن يحقق فو اًز بالضربة القاضية أم بالنقاط .ناهيكم عن ضخامة البروباغندا تشنها اإلذاعات العربية اإلعالنية الدعائية التي كانت ّ والعالمية ،كإذاعة لندن وكصوت أميركا إو�ذاعة صوت العرب ،فتلقي على الوقائع نقاباً سميكاً يحجب حقيقتها ومشوه للخصوم، ويغلفها بغالف سياسي براق للموالين ِّ ما يجعل لهذه الدعاية الكاسحة فعالية كسيف ذي حدين يضع البحث المكتوب أو المنقول في حينه ّ
فكر
وزمنه في موضوعية ودقة نسبيتين ويزداد احتمال عيبه باإليديولوجيا الالعلمية. وينبغي التحوط الى عيوب أخرى فصَّلت في المنهج الناصري تظهر في طغيان الشفاهية والخطابية وقلة الكتابية التي لم يمارسها عبد الناصر بنفسه ،ويرجح أنها من جراء استغراق القيادة وتركزها في شخصه. ومحذور آخر ينبغي أخذه بعين االعتبار ،وهو رسوخ عبد الناصر كأبرز األبطال القوميين في العالم العربي بسر شعبياً ،من دون تفقّه الجماهير وال حتى ُنخبها ّ هذه البطولة وبروزها ،ما يعارض بالفعل مستقبل أية دراسة جدية وحقيقية تعارض الدوغما ()Dogme المروجة بإتقان شديد لعقود خلت ،إن تعارضت السائدة و َّ معمقاً يهدف إلى تقويم تجربة مع نقد فلسفي مهما كان ّ عبد الناصر موضوعياً ،بهدف إضاءة مسار األمة التي تبقى بعد زوال أفرادها مهما عظموا ،حيث إن األمة هي الحامل ( )Le supportللتجربة الناصرية في الواقع وفي الحكم وعبر التاريخ .تعارض النقد البحثي مع الدوغما المروجة بما لها من امتداد وتصويت وقدرة على الترويج والنشر في أوساط دينية ومذهبية واسعة االنتشار يؤسس لغرابة النقد العقلي الفلسفي واستهجانه في السياسة واالعتقاد المباين للعرف السائد والتقليد! وتصبح هذه المعارضة اكثر خطورة وجسامة متى كانت تتعلق بمصر كنموذج للزعامة العربية بحجمها السكاني وموقعها ،في تأثر وتأثير متبادلين بين الموضع والموقع ومعادلة الزمان والمكان في النهج القيادي ،وفي تنازع مستمر مع أقطاب إقليميين آخرين (السعودية ،العراق- وسوريا) وعلى زعامة عربية منشودة. في بنية البحث: يحتاج البناء االجتماعي ضرورة لقيادة تنبثق عن مؤسساته وبناه المادية النفسية االجتماعية ،ما يعني أن البناء االجتماعي تلزمه قيادة لهذه البنى .والحتياج القيادة لبناء اجتماعي هو الوجود االجتماعي المعاين المحسوس بالمجتمع الحي ،تكون تعبي اًر الزماً عنه منبثقة منه ومتسقة في أنسجته الجمعية المتنوعة ومصوغة منها .هكذا تربط عالقة متبادلة بين البناء االجتماعي والقيادة ،كقطبين متالزمي الوجود والتأثير. تندرج اإلجابة المقترحة على اإلشكالية لهذا البحث في
9 سياق من مقدمة وبابين وخاتمة: .مقدمة :تعرض لقيمة موضوع بحث المنهج القيادي عند الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في هذا الواقع العام ،ومسوغات محاولة قراءة في ضوء درس البناء االجتماعي المصرية والتجربة الحضارية المصرية التاريخية العريقة وحصيلة الخصائص العامة لها ،وأبرز الصعوبات التي اعترضت البحث وأمكن عالجها، وعرض بنية البحث. .الباب األول :بعنوان «البناء االجتماعي المصري» ويتألف من أربعة فصول :الفصل األول «لمحة تاريخية في البناء االجتماعي المصري وخصائصه» العامة، الفصل الثاني «اإلقليم المصري وتأثيره» ،الفصل الثالث «في البناء االجتماعي النفسي المصري وخصائصه»، الفصل الرابع« :في خصائص الحضارة الفرعونية المصرية» بوصفه حصيلة عامة للتفاعل الطبيعي واألولي بين اإلقليم المصري والجماعة البشرية المصرية عبر التاريخ المنتج الخصائص النفسية االجتماعية لهذه الحضارة. .الباب الثاني :بعنوان «في منهج القيادة الناصرية» ويتألف من فصلين :الفصل األول بعنوان «جمال عبد الناصر مشروع قائد» تُستعرض فيه البيئة األسرية واالجتماعية والسياسية واالقتصادية التي يرجح تأثيرها في المنهج القيادي الناصري ،وتحضير واسطة الثورة التنفيذية بإنشاء «تنظيم الضباط األحرار» إو�دارة الصراع الخفي مع الملك ومن ثم العلني بعد تحول التنظيم قوة جامعة في الجيش ،عبر انتخابات نادي الضباط ،ومن ثم إطالق الثورة فجر نهار األربعاء .1952/7/23الفصل الثاني وعنوانه «جمال عبد الناصر قائداً» يستعرض فيه مفهوم القيادة الناصرية ومعاييرها المحللة والمسندة بأقوال عبد الناصر ،ودينامية القيادة ومستوياتها التنفيذية الثالثة :المركزية المصرية في قيادة فردية جماهيرية في آن ،المدى العربي في محاوالته الدؤوب لبناء دولة عربية متحدة عن طريق مشاريع االتفاقات الوحدوية الثنائية والثالثية المتعددة ،والمدى الدولي في تأسيس مبدأ الحياد اإليجابي الذي شكل نواة أولية لمنظمة عدم االنحياز ،لالانحياز إلى أحد المعسكرين الدوليين آنذاك المعسكر الرأسمالي بزعامة الواليات المتحدة والشيوعي الشرقي بزعامة االتحاد السوفياتي السابق ،إو�ظهار قيمة الديبلوماسية الناصرية في السياسة الخارجية لتجنب استخدام القوة العسكرية في المنازعات الدولية. .خاتمة :يتم التركيز فيها على الخالصات والتوصيات التي تحصلت من البحث ،فتستخلص فيها النتائج التي توصلت إليها الدراسة ،واقتراحات يمكن أن تسهم في استكمال دراسة التراث الناصري ،خدمة للمعرفة ولتصحيح المسار العربي نحو نهضة ضرورية ،وللتدليل على مفهوم «القيادة التعبيرية» كمفهوم مستنتج من الفة االنسجام بين القيادة الناصرية وخصائص مجتمعها بوصفها تعبي اًر عنه. يهدف هذا البحث إلى اإلضاءة على المنهج القيادي الناصري بموضوعية ونزاهة،ال يطعنهما الحافز الوطني وال غاية قطف العبرة من سجل التاريخ الزاخر لتقويم التجارب الكبرى وفهمها فهماً أفضل ومن خاللها االلتفات لتقويم األداء المعاصر للقيادات الراهنة في تالفيها أخطاء القيادات السابقة وما آلت إليه .هذه األخطاء التي تعظم نتائجها في التاريخ المعاصر بسبب االستهداف األجنبي الجديد ،األشد خطورة من سابقيه. (كتاب قيد الطبع عن دار أبعاد بيروت طبعة أولى .)2014
10
دين
العدد 81أيلول 2013
ظهور املسيحية الشرقية كظاهرة نضالية ضد االستعمار واالستغالل الروماني واليهود
•جورج حداد
ال بد أن نسجل (وبمعزل عن الجوانب الدينية ـ االيديولوجية ،الالهوتية والغيبية ،وبالنظر فقط من زاوية الجوانب االجتماعية ـ السياسية ـ التاريخية) أن الديانة المسيحية إنما ظهرت على وجه التحديد في سياق الصراع ضد روما االستعمارية .وفيما بعد جاء ايضاً ظهور االسالم في سياق الصراع ضد االستعمار الروماني. ومع االحترام الكلي للتفسيرات الدينية لظهور المسيحية واالسالم (حول الوجود اإللهي ،والخليقة ،وطبيعة المسيح ،وطبيعة الرسالة المحمدية ،وجميع المفاهيم الدينية الغيبية ـ الماورائية) فإن األهمية العظمى ،من زاوية النظر االجتماعية ـ القومية ـ التاريخية ،لظهور المسيحية واالسالم ،هو ظهورهما كتجسيد لنضال شعوب الشرق ضد العبودية االجنبية وخاصة االستعمار الروماني، وضد االستغاللية ـ االنحطاطية ـ العنصرية ـ الخيانية للطغمة اليهودية العليا .وهذا ما يفسر االنتشار الواسع والسريع للديانتين المسيحية واالسالمية في صفوف الشعوب التي كانت تناضل ضد االستعمار الروماني وطغيانه ووحشيته وضد انتهازية الطغمة اليهودية العليا واستغاللها وغدرها وخيانتها ،التي تعاونت عضوياً مع االستعمار الروماني حتى ضد قواعدها الجماهيرية اليهودية ذاتها .ويمكن ان نطرح مع جميع القراء السؤال المنطقي التالي: ـ لقد ولد السيد المسيح وعاش واستشهد في فلسطين. وحسب الرواية الدينية المسيحية ،هناك االلوف وعشرات اآلالف الذين رأوه وسمعوه وعايشوه .ويمكن التصديق هنا ان عشرات آالف الفلسطينيين هؤالء قد آمنوا بالسيد المسيح والمعتقدات المسيحية تحت تأثير مشاهداتهم واستماعهم للسيد المسيح ذاته ومن ثم تحت تأثير الدعوة الدينية المسيحية المباشرة. ولكن ماذا علينا أن نقول عن الماليين وعشرات الماليين من الذين تبنوا المسيحية في مصر وشمال افريقيا والمناطق اللبنانية والسورية واليمن ونجد والحجاز والخليج والعراق وآسيا الصغرى وشبه جزيرة البلقان كافة، من دون أن يشاهدوا السيد المسيح ويستمعوا اليه؟ هل يمكن تفسير هذا االنتشار الواسع للمسيحية بتأثير الدعوة الدينية الغيبية والماورائية؟ أي هل يمكن القول إن هذه الشعوب آمنت بالمسيحية من خالل االقتناع بألوهية المسيح الخ؟ وانها وقفت ضد روما واليهود كنتيجة لاليمان بألوهية المسيح؟ إن تاريخ نشوء المسيحية وانتشارها ينفيان هذا الطرح. اذ يفيدنا هذا التاريخ بوجود االختالفات والخالفات الالهوتية في صفوف الكنيسة المسيحية ذاتها .ولكن هذه االختالفات كانت وقفاً على «النخبة الكنسية» .اما جماهير المؤمنين فكانت بطبيعة الحال «كتلة سلبية» او «كتالً سلبية» في كل ما يعني الخالفات الالهوتية والتفسيرات الغيبية ـ الماورائية .وكانت تلك «الكتل السلبية» تـُحسب اوتوماتيكياً على هذا الالهوتي والزعيم الديني او ذاك .ولكن كل الكتل الجماهيرية المسيحية، وأياً كانت التفسيرات الغيبية ـ الماورائية للقادة الدينيين، كانت تقف في المعسكر المعادي لالستعمار الروماني وللخيانة والغدر اليهوديين. ونستطيع أن نخلص الى االستنتاج التالي: إن هذه الشعوب الشرقية كانت ضحية لالستعمار الروماني واالستغالل والغدر والخيانة اليهودية .وكانت في حالة صراع ونضال ضد االستعمار الروماني وضد
االستغاللية واالنحطاطية والغدرية والخيانية اليهودية. ومن خالل هذا الصراع كانت هذه الجماهير الواسعة بحاجة الى اطار تنظيمي نضالي يقوم على اساس ٍ معاد لروما وللطغمة اليهودية .وجاءت المسيحية لتلبي هذه الحاجة التاريخية لشعوب المنطقة .أي أن النضال ضد روما واليهود جاء بشعوب المنطقة الى المسيحية ،وليس العكس .فهذه الشعوب أتت الى المسيحية ليس بتأثير ظهور المسيح واإليمان بألوهيته ،بل إن قسماً كبي اًر من الجماهير اتت الى المسيحية قبل ظهور السيد المسيح. كما ان االغلبية الساحقة من الجماهير التي أتت الى المسيحية بعد ظهور السيد المسيح ،لم تأت الى الدين المسيحي ألن السيد المسيح هو «اهلل» او «ابن اهلل» او «رسول اهلل» او اي صفة دينية الهوتية اخرى ،بل وقدم الن السيد المسيح برز كمناضل ضد روما واليهود ّ حياته كإنسان في هذا السبيل .وتبني المعتقدات الماورائية المسيحية يأتي بعد الدخول في التنظيم المسيحي.
أي أن التعليم الديني المسيحي الالهوتي الغيبي ـ الماورائي يأتي ال قبل ،إو�نما بعد الدخول في المسيحية ،وليس الدخول في المسيحية يأتي بعد التعليم المسيحي الديني الغيبي. فمن خالل موقفها المعادي لالستعمار الروماني ولليهود، فإن شعوب الشرق تبنت المسيحية كعقيدة وتنظيم نضالي جامع ،ومن خالل االنخراط في المسيحية كتنظيم نضالي يقوم على رفض آليات الهيمنة الرومانية بدءاً برفض ايديولوجيا تأليه القياصرة الرومان ،ومن خالل هذا االنتماء كان يتم تبني االيمان بالغيبيات والماورائيات الدينية المسيحية ،كبديل ونقيض للمعتقدات الرومانية ومن ثم اليهودية. وكان ظهور المسيحية الشرقية أول رد فعل إنساني مضاد لالنتصار «العسكري ـ السياسي ـ األخالقي!!!»، «الروماني ـ اليهودي» ،على شعوب المنطقة ،بعد تدمير قرطاجة وغزو مصر وسوريا الطبيعية وغيرهما. ولكن روما ،وبالتعاون التام مع الطغمة العليا اليهودية، عملت على سحق المسيحية الشرقية ،من جهة ،ومن مشوه ثم على مصادرة المسيحية وتغليفها بغالف ديني ّ وتغريبها وتحويلها الى وسيلة سلطوية تطويعية بيد االمبراطورية الرومانية ،من جهة ثانية .وهكذا تم نقل مركز المسيحية من الشرق وتحديداً من فلسطين ،إلى الغرب وتحديداً الى روما ذاتها. إن الثقافة السائدة ،والمنطلقة اصالً ،بالبعد التاريخي، من الثقافة االستعمارية الرومانية التي اخذت بها الدول واالنظمة ما بعد انهيار االمبراطورية الرومانية ،ـ هذه الثقافة طرحت اطروحة خاطئة ،تنطلق أساساً من المصالح االستعمارية لالمبراطورية الرومانية كما ومن المصالح االمبريالية والصهيونية في عصرنا ،وتقول هذه الثقافة بأن المسيحية هي ظاهرة دينية ـ سماوية وحسب ،ظهرت بظهور السيد المسيح .ومع االعتراف التام بالدور الكبير الذي يمثله ظهور السيد المسيح الذي يمثل «نقلة نوعية»
او «طفرة نوعية» في تاريخ المسيحية ،فإن الدراسة المعمقة لتاريخ الشرق خصوصاً ،وعالقة الشرق والغرب ّ عموماً ،تبين ان المسيحية (كحركة دعوة وتنظيم دينية ـ فكرية ـ سياسية ـ اجتماعية) بدأت بالظهور قبل ظهور السيد المسيح بعشرات وربما مئات السنين .وهذه الحركة هي التي استقبلت ميالد السيد المسيح ،وحمت العائلة المقدسة لدى فرارها من وجه الرومان واليهود .وذلك ال ينفي بل يؤكد طبعاً أن ظهور السيد المسيح مثّل نقطة تحول كبرى في تاريخ المسيحية. وقد ظهرت الحركة المسيحية ،قبل ظهور السيد المسيح، في معمعان صراع شعوب الشرق المتحضر ضد جميع اشكال الظلم واالستبداد والعبودية واالستغالل، وباألخص ضد وحشية االستعمار الروماني للشرق، الذي ترافق مع ،وكان سبباً رئيسياً في ،تعميم النظام العبودي على أنقاض النظام المشاعي البدائي .وذلك خصوصاً بعد هزيمة قرطاجة وتدميرها على يد الغزاة الرومان ثم غزوهم للبلقان ومصر وسائر المشرق .وقد اتخذت عملية الصراع ضد االستعمار الروماني الوحشي اشكاالً كفاحية وفكرية واخالقية مختلفة ،اهمها ثورة العبيد بقيادة سبارتاكوس التراقي في 71ق.م ،.وانتشار الفلسفة الرواقية التي وضع اسسها الفيلسوف االغريقي من اصل فينيقي زينون ( 334ق.م .ـ 262ق.م،). ويسمى «زينون الرواقي» و»زينون الفينيقي» .وكانت ُ الرواقية تدعو الى العدل وتحرير العبيد والمساواة بين الناس والشعوب وتطبيق االخالق في الحياة العامة. وتالزم انتشار الرواقية مع انتشار الدعوة المسيحية ،التي كانت تدعو الى خالص البشرية من العبودية واالستغالل والتمييز الطبقي والعنصري والقومي والى حتمية ظهور المخلص بشخص المسيح .وبظهور السيد المسيح انفجر الصراع بين الحركة المسيحية والسلطة الرومانية ووقفت الطغمة اليهودية العليا الفاسدة (التي كانت تدعو الى ظهور «مسيحها» الخاص كملك قوي يجعل اليهود أسياد العالم) ،ـ وقفت الى جانب السلطة الرومانية ،ضد الجماهير اليهودية البسيطة التي تبنت الدعوة المسيحية وتخلت عن التفسير اليهودي المنحرف لمجيء السيد المسيح .وقد عملت السلطة الرومانية ،ومعها الطغمة العليا اليهودية ،على طمس الحقيقة التاريخية لظهور المسيحية المناضلة ضد االمبراطورية الرومانية .ومن ثم عملت السلطة الرومانية ،ووريثتها السلطة البيزنطية الموالية لروما والنهج االستعماري الروماني ،ـ عملت على اضطهاد المسيحية الشرقية المناضلة ،ومن ثم «تبني» المسيحية بعد تفريغها من محتواها الكفاحي وتجريدها «سماوياً» ،وتحويلها الى دين للدولة االستعمارية، إو�ضفاء الطابع اليهودي والغربي عليها وأخي اًر مصادرتها وجعل المقر العالمي المركزي للمسيحية في روما ذاتها، التي سبق لها وصلبت السيد المسيح .وفي عملية هذا النقل ذاته يوجد تبرير ،او على األقل تخفيف ،لجريمة صلب السيد المسيح. ولالسف ان السلطات االستبدادية غير العربية والعربية العميلة التي حكمت الشرق العربي باسم اإلسالم ،من المماليك الى العثمانيين والى الحكام العرب الحاليين «اإلسالميين» المزيفين ،قد تبنوا النظرة «الرومانية» الغربية الى المسيحية الشرقية ،لتبرير اضطهادها لمصلحة االنظمة واالتجاهات االستبدادية العميلة لالستعمار الغربي والصهيونية ،في الجوهر ،و»اإلسالمية» المزيفة، في المظهر.
العدد 81أيلول 2013
دراما
11
سعيد سرحان :ارتباط امسي بقناة اجلزيرة انفصام شخصية •حاوره :فراس الهكار
الممثّل اللّبناني سعيد سرحان ،عشق التمثيل مذ كان طفالً صغي ارً ،وكان متابعاً لألعمال المسرحية واألفالم السينمائية والدراما التلفزيونية. أهلته ليدرس في فرع الهندسة عالماته العالية ّ الميكانيكية وأبى إال أن يتابع العمل على موهبته، بعد ٍ عام من دراسة الهندسة وجد نفسه في التمثيل، فترك الهندسة وتابع دراسته في المجال الذي يعشقه. برع سرحان على خشبة المسرح ،عشق وأعطى، شارك في أعمال مسرحية عديدة نالت استحسان الجمهور ،ثم انتقل من المسرح إلى التقديم التلفزيوني. عاد إلى لبنان بعد سنوات من الغربة ليصنع لنفسه مساح ًة تليق به ،مدفوعاً بطموحه لتحقيق النجاح، ٍ روحه. وباحثاً عن ذاته في أعمال تالئم َ آخر ظهور للفنان سعيد سرحان كان ضمن العمل يؤرخ حقبة الدرامي الضخم (قيامة البنادق) الذي ّ مر بها لبنان. تاريخية َّ «تحوالت» التقت الفنان سعيد سرحان وكان معه هذا الحوار.
•من أنت ،وماذا تحدثنا عن البدايات؟
•اسمي سعيد سرحان ،خريج الجامعة اللبنانية قسم المسرح والتمثيل العام ،2002بدأت العمل في المسرح وقدمت أعمال مسرحية عدة مع األستاذ عصام بو ّ خالد من خالل أعماله التي تُعتبر (بالك كوميديا) عبر نصوص لها عالقة بالحروب ،وكان العمل المسرحي األول في العام 2004والذي حمل اسم (ماش) كان له عالقة بالغزو األميركي للعراق العام ،2003وقد حظي بنجاح كبير في لبنان ثم ُعرض في ميالنو وباريس حوالي 12مرة ،وتم عرضه في مهرجان قرطاج وفي دولة اإلمارات العربية المتحدة .وأُعيد عرضه في باريس عرض قبل العام 2006وفي لبنان شاءت الصدفة أن ُي َ شاركت بعمل آخر في العام 2009 حرب تموز بأيام. ُ مع األستاذ عصام بو خالد وحمل اسم (بنفسجة) وقد جاء رداً على العدوان اإلسرائيلي على غزة في العام ،2008 وهو مسرحية تحكي عن صاروخ يستهدف فوق بناء فيه شاركت في فيلم حوله إلى مقبرة جماعية .كما ُ مدنيون ُ وي َ
سينمائي باسم (فالفل) ،وبدأت العمل في قناة الجزيرة أطفال وقدمت برنامج (الدرب) الذي استمر حوالي 5 سنوات والقى نجاحاً كبي اًر ونال جائزة في مهرجان كان. تعاقدت مع شركة (زودياك ميديا كروب) العام 2010 ُ وأنتجنا برنامجاً لقناة الجزيرة أطفال بعنوان (برج الجرس) الذي ما زال ُيعرض حتى اآلن.
•أين أنت من الدراما التلفزيونية؟
للمرة األولى هذا الموسم في •صراحةً عملت في الدراما ّ العمل الدرامي الضخم (قيامة البنادق) مع مركز بيروت الصعبة وأعتقد الدولي ،وهو عمل تاريخي من األعمال ّ لتقدم الدراما التلفزيونية في لبنان .العمل أنه سيكون عتبةً ّ مشترك لبناني سوري فلسطيني وهذا يضع الفنان أمام مسؤوليات كبيرة أهمها أنك تقف أمام فنانين كبار ،في مر بها لبنان. عمل يعبر عن حقبة تاريخية مهمة ّ
أديت أنماطاً مختلفة من األعمال خالل فترة زمنية • ّ قصيرة بين المسرح والدراما والتقديم التلفزيوني والسينما ،أين وجدت نفسك أكثر؟
بيروت أنه كان فاتحة التعاون وهو الذي أنتج «زمن البرغوث» باالشتراك مع شركة سورية وصوالً إلى «قيامة البنادق» ،والدراما السورية هي األهم في العالم العربي وكان هناك محاوالت لبنانية محدودة لخلق حالة تعاون واستطاع مركز بيروت أن يرسخ هذه الحالة وينتج (الغالبون) واستمر التعاون حتى اندلعت األزمة السورية وانتقلت الخبرات السورية إلى لبنان ،واستفدنا كثي اًر ،إن كان من ناحية ترجمة النص بالشكل األنسب على الشاشة إو�ن كان من خالل إدارة التصوير وصوالً إلى الصورة واإلخراج« ،قيامة البنادق» نحن نتحدث عن عمل تاريخي ضخم غير مسبوق في لبنان إذا ما استثنينا «باب إدريس» الذي لم يرتق إلى هذا الحجم، وهذا التعاون السوري اللبناني هو الذي أنجز عمالً ضخماً القى نجاحاً كبي اًر.
•عملت في قناة الجزيرة ،وفي إطار العقد الموقع بينكما هل كان من الممكن أن تعمل بشيء مخالف لمبادئك؟ •ألنه ال يمكنني أن أعمل شيئاً مخالفاً لمبادئي تركت الجزيرة في عام في ،2010ومع أنني كنت في قناة الجزيرة أطفال وهي ال شأن لها في السياسة ،ولكن مجرد ارتباط اسمي باسم قناة الجزيرة في تلك الفترة ولّد عندي نوعاً من انفصام الشخصية ،ولم أستطع رغم العرض المغري إال أن أرفض .وكانت كيفية تعاطي الجزيرة مع ما أسمته الربيع العربي السبب األكبر في ترك العمل مع قناة الجزيرة.
•ك ّل شيء له خصوصيته ويتميز بنكهته الخاصة ،ال يمكنني أن أقارن تجربة الدراما بتجربة السينما أو المسرح مثالً .فجمالية المسرح أن يواجه الفنان الجمهور مباشرة وخاصة في المسرح التجريبي من خالل التعاطي مع الممثلين أو الجمهور أو مع الفكرة بحد ذاتها ،وتحديداً العمل مع عصام بو خالد حيث ال يوجد نص مسبق بل توجد فكرة .في السينما تجد المتعة في المشهد فال يوجد قطع لإلحساس كما في التلفزيون ،أقصد أن ليس هناك قطع ألخذ لقطة من زاوية أخرى .وهذا موجود في الدراما ،كما يلعب النص الدرامي والدور المؤدى والعمل مع قامات مثل المخرج سامر رضوان ومركز بيروت الدولي دو اًر يجعل الفنان يستفيد من تعاطي المخرج معه، فهناك إدارة للممثل بعكس ما اعتدناه في الدراما اللبنانية حيث يضطر الفنان ألداء مشاهده وحيداً ،وال يوجد حس فني بل يوجد تركيز على اإلضاءة واللون فقط .وفي أفضل المسرح والسينما واألعمال الدرامية التي النهاية ّ تُعد هادفة.
•أيهما أهم عندك الرسالة الفنية أم المردود تقدم دو ارً ال المالي ،أعني هل من الممكن أن ّ يناسبك من أجل المال؟
•«قيامة البنادق» عملك الدرامي األول ،هنا ال بد من الحذر نوعاً ما كظهور أول على جمهور التلفزيون وهي مغامرة أو مسؤولية كبيرة ،كيف تعاملت معها؟
•معظم الفنانين يتناسون المسرح بعد وصولهم للشاشة الفضية ،أين أنت من المسرح بعد سطوع نجمك في التلفزيون؟
•نعم ك ّل شيء مغامرة ،أي عمل هو مغامرة ،ولكن بالنسبة لمن يعمل في المسرح يكون تواصله مع الجمهور طبيعياً وقد تخطى هذه المرحلة؛ مرحلة الخوف ،ولم يكن هناك خوف من أن يتقبلني الجمهور أو ال ،بل كان خوفي هو هل سأعطي هذه الشخصية حقها أم ال؟ وحتى اآلن ردود الفعل جيدة بالنسبة لدوري في «قيامة البنادق» ولمسناها بشهادة كثير من الفنانين وعلى رأسهم الفنان أحمد الزين الذي ّأدينا أنا وهو أغلب المشاهد وقد شجعني كثي اًر وأبدى إعجابه بهذه الطاقة ،حسب وصفه. ّ
•الدراما اللبنانية تعاني أو يمكننا القول إنه ال توجد دراما لبنانية حقيقية ،وال يمكننا أن نتجاهل التطور الملحوظ خالل السنتين األخيرتين ،برأيك هل كان للدراما السورية دورها في ذلك؟ •ال شك طبعاً هذه من المسلمات ،وتُحسب لمركز
•أكيد ال ،ال يعنيني المال بقدر ما تعنيني رسالتي وعرضت علي أعمال كثيرة بعد «قيامة البنادق» الفنيةُ ، إال أنني رفضتها ولم أؤمن بواقعيتها أو رسالتها اإلنسانية، وربما كان فيها سبيل للشهرة السريعة والمزيد من المال، فأن أكون جزءاً من عمل مثل «قيامة البنادق» يضعني أمام مسؤوليات كبيرة وهي أن أسعى لألفضل دائماً عبر ما أقدمه.
•المسرح له الجزء األكبر من وقتي دائماً ،ونحن اآلن نحضر لعمل مسرحي جديد مع األستاذ المخرج عصام بو خالد وستستمر عروضه سنوات ،فالمسرح له أهميته الكبيرة ،من الممكن أن يأخذني االنشغال قليالً ،أما أن تأخذني النجومية ،فال ،يستحيل ذلك حتى مادياً ،ال ُيمكن أن تأخذني الدراما من المسرح ألنني أعشق المسرح الذي ُيعد أبا الفنون.
•مسرح البساط الذي يقدم في الشارع ما رأيك فيه هل يمكن أن تقدم عمالً مسرحياً في أحد شوارع بيروت؟
•من الالفت أن تسألني هذا السؤال ألن أولى تجاربي في الحقيقة كانت عروضاً ايمائية على كورنيش المنارة، وقدمنا عروضاً مسرحية في اليوبيل الذهبي لجريدة ّ السفير ،ال تستطيع أن تقيد نفسك بخشبة المسرح .أنت تستطيع أن تقدم عملك في المكان األنسب له.
12
كتاب
العدد 81أيلول 2013
«آخر رسائلي» لنسرين ...عالمة استفزاز يف جتاعيد وجهها •لويس الحايك بعد اختمار العناقيد عادت األطياب إلينا عبر األثير برسائل توهم انها آخر الرسائل وقد ظهرت بخطوط تكمل تحديها باحتراف جديد ابتكرته ولم تعرفه طباعة ثورة ّ الكتب من قبل .فهي لم تنقل خطوطها كما هي ،فحسب بل ابتكرت لها صياغة شبيهة بالصياغة المسرحية للشعر التي هي من ابتكاراتها ايضاً. «آخر رسائلي» ،بغالفه األنيق ال تظهر تجاعيده على أوراقه الصفراء ،فداخله يحمل وجهاً جديداً للتمرد بعنفوان المرأة المعذبة الصامدة بكبريائها .هذه هي نسرين كتلة نار يلفها الصقيع فتنسج من وحشتها وشاحاً يغطي عريها وترتدي ذاتها معطفاً يختفي العدم في دفئه. وتمردها الجديد ال ُّ تحده عالمات في االرض وال في موزع في مطارح حميمة تمرد بالمطلق ّ الفضاء ،ألنه ّ وفي الصمت ،وفي الظل الهارب في العراء. أفكار مشبعة بالرموز ندر طرحها في ديوان شاعرة من الطليقات الواعدات .فرموزها تنساب في صفائها كقطرات شالل يهويك رذاذه وينعشك حتى اثناء هبوب عاصفة. وهي حريصة كل الحرص على ان تأتي عباراتها سليمة بدموعك ،بل قالت استحممت على فال تقول تحممت َ الرغم من أنف نعيمة في دفاعه عن جبران .حتى الكلمة العربية المبتكرة التي ال تتناغم مع الوقع المسرحي الموسيقي الفضفاض فإنها تهملها لتلجأ الى األفضل
منها وقعاً فتكتب: حاولت يوماً ترداد هذه الكلمات) .فالترداد وجدته (هل ُ أطرب وقعاً على اذنها من الترديد الذي حرصت أن تبقيه بين قوسين ،ألنه فصيح سليم ايضاً .وعندما تبحث في األنا مع الربيع الحزين المجروح وأزهار تنبت في الخريف وفي انقالب المقاييس واألعراف وتمجيد الخالق لكل ما هو معطى وممنوح ومع األزهار البرية والوديان والسواقي .تثير انتباه القارئ بشطب الوديان المحكية بعد أن ترفع فوقها كلمة ( األودية) بالفصحى قبل أن تكمل معزوفتها وتقول: إنه الحب .الحب قولبها وجعلها امرأة .هكذا تشد القارئ بغريب المفاجآت وهي تو ّشح كتابها بأقفاص تأسر فيها الكلمات كأنها تخاف أن تفلت منها .وتو ّشيها بالعالمات وبرسوم تبحث عن مالمح غريبة ضائعة بين مدادها ووريقاتها الصفراء :مالمح أكلها الصدأ /وفي العراء هائم يبحث عن كفن / ..ألن شبح الموت لن يغيب ولن ٌ
يوقف دورانه. نسرين التي تبدو أكثر عنفاً في ديوانها «زمن العناقيد» بردات فعل توهم تسرب نقمتها في «رسائلها» ّ نجدها ّ بضعف األنثى واستجدائها واحياناً بالبكاء الصامت والنحيب .فالتجاعيد .تجاعيد الزمن هي : تجر ايامها / الشاحب دموع امرأة /مختبئة وراء وجهها ُّ /تتكلَّم موتها /تمشي مثواها األخير / توضب رجولته / ...تكويها تلملم انوثتها كل صباح / ّ سترة / ...تحضرها قهوة... خدرته سهام الحب ،نجده يصمد بالهرب هذا اإليهام ،إو�ن ّ مع العاصفة حتى ابعد الحدود: تركض األرض /تهرب /ترقص ثم تسجد لبهاء سكينة عينيك ُّ / أحب َك حجارة عتيقة /من عصر الفينيق /تحم ُل َ عتقها .../نطق قلمي حروفاً خرساء /..ـ درب الهرب خرساء .. سربت الشاعرة رسالتها الى الرجل كيف نسأل وهل ّ الشرقي «المتربع على عرش األنانية والتسلط» وكيف وتقمصه تعاقبه بتشويه صورته في المرآة المهشمة ّ محرٌم عليها أن تحرق األلم في بصراخ «امرأة معذبة» ّ داخلها واأللم إذ يستجيب لصراخه في ارتداد مريب. قمة الكون». يتطاير ً اشالء ويعلو دخانه ليصل «الى ّ فأنت ايتها األنثى المعذبة» ممنوع ان تثور فيك كل النساء النائمات ..اخفضي صوتك ِ /ستوقظين عنترة... /وكل رجل شرقي {عتعيت} متربِّع على عرش األنانية والتسلط /اخفضي صوتك يا امرأة عر ّبية /وابكي جنسك ت» .واذا زرعت بذا اًر في رحمك ص ْم ْ على فراشك «بِ َ عليك أن تموتي «بهدوء» كي تحييه ألنك لست مثله جديرة بالحياة. وفي وداع عذابها تجد مركبها االمين في حزن عينيه يحملها بال أشرعة الى بالد لم تُكتشف بعد. رسائل تجاعيدها زئبقية اللون والملمس .والكتاب بدفتيه ومطباته .والحزن وحده يأخذك في سرابية الفضاء ّ وبوجوهه المتعددة يش ّكل اللحمة والسدى لكتابها ألنه يشبك بين رسومه وشاراته وتعرجاته وتنوع عباراته وتشطيباته (شطائبه) .انه لون جديد قلب الطاولة على
اصول الكتابة والطباعة لشاعرة أتقنت لغتها وعرفت وطورته أسرار لعبتها ّ فسخرت لها مخزوناً ثقافياً صقلته ّ ثم بتجاربها وبممارسة مهاراتها على خشبة المسرحّ . ٍّ وتحد واستفزاز بالكتابة والرسم خطت خطواتها بجرأة وكل ٍّ فن من الفنون الجميلة تطاله يدها .ومع التمرد وحكايتها مع تأنيث الكلمات والعبارات فحدث وال حرج. فبعد هبوب رياح الخمسين وهي جالسة على كرسي أتت ووحيدةً تمضي /ألنها فارغ في المقهى /وحيدةً ْ تحولت الى لقمة سائغة ابتلعتها االساطير .هي ذاتها. شجرة الزيتون األصيلة .الفرس العربية األصيلة .الجمع المؤنث السالم .هذا الجمع العظيم بأية طينة ُجبل؟ وبأي يد عظيمة ُجمع؟ الحب .وحده تجنى هذا الجمع على الذكورة .فإن ومهما ّ ّ الحب .مؤه ٌل أن يجعلها امرأة. ّ
فن
العدد 81أيلول 2013
13
مسبوزيوم عمشيت الثاني للنحت والرسم يرسو بأعماله على الكورنيش البحري أنجز سمبوزيوم عمشيت الثاني للنحت والرسم أعماله مطلع آب الماضي ،وانضمت عشر منحوتات ضخمة وجديدة إلى شقيقاتها السابقات من السمبوزيوم األول العام 2011التي زينت كورنيشاً بحرياً تقوم بإنشائه بلدية المدينة وتعده ليكون موقعاً سياحياً هاماً من حيث اإلنشاء والتجهيز. كانت اإلضاءة ساطعة على الكورنيش ،مسافة أربعين كيلومت ارً إلى الشمال من بيروت ،كاشفة عن المنحوتات الجديدة ،في حضور سفراء الدول التي أتى النحاتون منها ،وجمهور حاشد ،فاطلعوا على األعمال ،وكذلك على اللوحات التشكيلية التي ركنت في ما يشبه الخيمة التي تحميها من ملوحة البحر ،ورطوبته .وأقيم حفل جرى فيه تسليم دروع التكريم للفنانين. المنظمون
ويثني النحات بيار كرم -منظم السمبوزيوم -على تطور االهتمام بالنحت في لبنان« ،رغم ضعف التجارب النحتية فيه» كما يقول ،مضيفاً إن «هناك العديد من الساعين لالنضمام لنادي النحت ،يعملون لكن انطالقاً من تجارب حرفية أكثر منها تجارب أكاديمية مما يجعل
النحت محلياً دون المستوى الراقي في العديد من دول العالم». ميز بين كرم ،المتخرج من جامعات أوكرانيا للنحتّ ، األعمال التي يقوم بها أي فنان ،و أعمال السمبوزيوم. هناك ،يعمل النحات على نحت أعماله بشروطه الخاصة، وبما يريحه ويتسع له من وقت ،لكن القدرة الفنية ألي نحات تختبر فعلياً على األرض ،فأمام النحات عشرة أيام فقط وعليه أن ينجز فيها منحوتة ضخمة ال يستطيع تحقيقها إال البارعون المحترفون». ويتابع« :لذلك ،علينا أن نختار الفنانين قبل إطالق السمبوزيوم ،ونستدرج العروض عبر وسائل االتصال االلكترونية ،أو أي وسيلة أخرى ،وقد استلمنا نحو عشرين عرضاً لهذا العام ،لكن اخترنا منها فقط عشرة مشاريع أعمال».
ويفيد كرم أنه «بعد نجاح السمبوزيوم األول ،أعدنا التجربة بطريقة أنجح في ضوء الخبرة التي اكتسبناها سابقاً .عندنا عشرة نحاتين وأربعة رسامين من دول مختلفة».
للفنون الجميلة وله مشاركات في معارض دولية متعددة. األرميني هايك توكماجيان ،تخرج من معاهد بالده للفنون الجميلة ،عضو اتحاد الفنانين األرمينيين ،مشارك في معارض عالمية متنوعة. السوري الياس نعمان ،بعد نيله شهادة الفن من جامعة دمشق ،انتقل إلى جامعة كا ار ار اإليطالية وتخرج منها بنتيجة عالية .يقيم في كارار ويعمل فيها ،شارك في معارض دولية في إيطاليا وألمانيا والب ارزيل واألرجنتين. نعمان آثر القول :إن أهمية المعرض تكمن في تفاعل التيارات الفنية المختلفة فيه ،وبين حضارات الشعوب، ويقول إنه رغم أننا نعمل في مراكز فنية عالمية هامة ،إال أن قدومنا إلى هنا ،وتعايشنا مع بعض يجعالننا نتفاعل ونطلع كل على فنون اآلخر وثقافته الفنية ،وهذا دور مهم للسمبوزيوم».
النحاتون
ذات ظهيرة ،كانت أصوات الطرق من جهة ،وآالت النحت الحديثة ،تعمل تقطيعاً ،وبت اًر لزوائد الصخور، فيعبق الجو بغبار الصخور الكلسية التي جيء بها من جبال لبنان .زوائد تغطي الصورة الحقيقية التي تخيلها الفنان في عقله لعمله ،انكب كل فنان على صخرته يزيلها كما يبحث عن ضالته في داخل الصخرة ،ال يوفر وسيلة إال ويستخدمها وصوالً إلى مبتغاه .هذا ينحت وجهاً كالسيكياً لرجل يذ ّكر بالرومان ،وذاك يستلهم منحوتات ربات الحسن القدامى محاوالً إعادة انتاجها بطريقته الخاصة ،وثمة من نحت أشكاالً تجريدية تاركاً للمشاهد إدراك المغزى الذي تختزنه. النحاتون المختارون لتحدي السباق هم: اإليطالي أدريانو سيارال ،متخرج من إحدى أهم المدن التي تضم أجمل المنحوتات الكالسيكية ،وهي نابولي، حيث تناول دراسة النحت في معهد المدينة للفنون .ثم انتقل لدراسة النحت الخشبي (الحفر). اللبناني بيار كرم ،منظم السمبوزيوم ،متخرج من جامعة أوكرانيا للفنون الجميلة ،ونال الماسترز في النحت بعد انتهاء دراسته لسبع سنوات من جامعة كييف .1992 األرجنتينية ماريا ترينيداد كامينوس ،متخرجة من األكاديمية الفنية لجامعة قرطبة ،منحوتاتها تزين مواقع وساحات عدة في دول العالم مثل األرجنتين ،وتشيلي، والمكسيك ،إو�يطاليا ،ولبنان وتركيا. اليوناني ميشال فوزونيراكيس ،درس نحت الرخام في إحدى جزر بالده ،وشارك في معارض عالمية عدة. اللبنانية تمينة سعادة ،متخرجة من معهد الفنون في جامعة الكسليك اللبنانية ،تدرس التربية الفنية ،وشاركت في معارض عدة في لبنان والخارج .أدخلت فكرة تطعيم النحت بالموزاييك. األكوادوري ماريو تابيا ،تخرج في التصوير من إحدى الجامعات المتخصصة في االكوادور ،ثم انتقل إلى إيطاليا لدراسة النحت في أكاديمية الفنون الجميلة في كا ار ار اإليطالية .حائز على جوائز عالمية عدة. األرميني آمين بتروسيان ،عضو االتحاد األرميني للفنون في يريفان ،يدرس مادة النحت في عدد من معاهد بالده، ومشارك في معارض دولية كثيرة. األوكراني ميخاليو غولوفيي ،متخرج من أكاديمية أوكرانيا
نظرة وتشكيل
يتميز السمبوزيوم بضخامة األعمال ،ومن الواضح أنه جرى التركيز على النوعية ،أما األسلوب فيتراوح بين التجريدي واالنطباعي التعبيري ،والكالسيكي النهضوي مع بعض تحديث .ويعلق كرم بقوله «إنه متنوع االتجاهات رغم أننا ال نحبذ التجريد كثي اًر ،لكن اخترنا بعض األعمال التجريدية المقنعة ،وهو على مستوى راق وفني». السمبوزيوم هذا العام أرقى فنياً ،والعدد ذاته كما في سابقه ،أي عشرة أعمال .برأي كرم أن «األعمال الفنية النحتية لم يعد لها هوية بلد محددة ،أو تتبع لمدرسة معينة ،فربما تجد في بلد ما كل أصناف وتيارات النحت، وليس هناك من خصوصية نحت لبلد معين ،خصوصاً بعد االنفتاح الواسع للعالم على بعضه .يعود لكل نحات أسلوب خاص ،والمدارس متداخلة». عندنا نحاتين عديدون ،ويبرز كل فترة جديد منهم ،وهناك تأثير من األحداث والتطورات على الحركة. تمينة سعادة ،فنانة لبنانية تشتغل في النحت الذي أدخلت عليه فكرة تطعيمه بالموزاييك ،وهي مسؤولة عن الرسم والموزاييك في السمبوزيوم ،قالت« :عندنا اربعة رسامين من بلغاريا وبيالروسيا وأرمينيا ،وروسيا .هم من المستوى الجيد ،ويتميز كل منهم بطريقة خاصة ،وقد نفذوا أعمالهم في مركز «ذاكرة عمشيت». يغلب على األعمال الطابع االنطباعي ،مع بعض رمزية، ولوحات ذات موضوعات تراثية. الرسامون هم :األرميني سورين خورينيان ،والبيالروسية أوكسانا أفدوكيمنكو ،والبلغاري بيتر ميتشيف ،والروسي ديمتري زاروف. استمرت أعمال السمبوزيوم بين 15تموز (يوليو) والرابع من آب .2013
14
دراسة
العدد 81أيلول 2013
ّ ّ صراع الذات والذاكرة عند الفرد الفسطيين يف «مفتاح لنجوى» لفاتن املر •منير حايك قد ال تكون المسألة الفلسطينية هي ما يصبو المرء في زمننا هذا إلى الكالم فيه ،وقد يكون الكالم حد ال ّنفور الذي قيل فيها بات مستهلَكاً وممالًّ إلى ّ أن ما من تكرار الكالم عينه كل يوم وكل مناسبة .إالّ ّ ماسة إلى هو مؤ ّكد ّ أن هذه المسألة ال تزال بحاجة ّ االنهماك في النضال من أجلها للوصول إلى مقاربتها على حقيقتها ،ليس في العالم فحسب ،بل في العالم ومشوهاً إلى مشوشاً ّ العربي حيث ما يزال التفكير فيها ّ أبعد الحدود .فالمقاربات السائدة ،أو التي سادت ،قد تتشعب لتشمل أخذت بنتيجة التقادم ومرور السنوات ّ تفاصيل كثيرة قد يعجز المرء عن اإللمام بها كلها، كلي نحوها ،وهذا ما يدفع بالتالي أو عن النظر بنحو ّ إلى البحث في التفاصيل واالقتصار عليها ،األمر الذي المركزية واالبتعاد عن يؤدي إلى التّشتّت عن المسألة ّ ّ اتخاذ الموقف الذي يعتمد على مشهد «يريك الكثرة في العين الواحدة» ،انطالقاً من مقولة ابن عربي الشهيرة إشكالية :الصراع من هذا المنطلق تطرح نفسها أمامنا ّ الفلسطيني وكيفية المحافظة على وجوده هوي ًة وكياناً، في ظل ما يحيط بهذا الوجود من تهديدات... طرق إلى صراع ال ّذات ً بناء على ذلك كان اختياري للتّ ّ وال ّذاكرة في الفرد الفسطيني من خالل دراسة الفضاء في رواية «مفتاح لنجوى» للكاتبة فاتن المر .انطالقاً من كون الرواية ترتبط مباشرة بواقع المخيمات وما فيه من عليمي ،وحتى الصعيد المعيشي و ّ بؤس على ّ حي والتّ ّ الص ّ ّ خصي ...وسط االنقسامات التي على صعيد الطّموح ال ّش ّ الضيق للمخيم ،واالنحرافات التي تأتيه تمأل المجتمع ّ وخارجية .وذلك من دون أن يش ّكل داخلية بنتيجة مؤثّرات ّ ّ ٍ ٍ نسيان للمسألة المركزّية المتعلّقة انفصال أو ذلك عامل بحق العودة واستعادة األرض... ّ السياق إالّ أن يلتفت إلى عاملٍ هذا في للباحث يمكن وال ّ اإلشكاليات مهم في بحث هذه الرواية ،أال وهو ربط ٍّ ّ بتطورات العصر الحاضر وأفكاره، التي يطرحها الكتاب ّ الصوت إيجابيها وسلبيها ،ومنها ّ ّ ّ الدخول في عملية تناوب ّ الروائي باستخدام واقع تقنيات العصر في التّواصل ،إلى ّ آليةً جديدةً يفيد جانب المحادثات االلكترونية التي ّ تقدم ّ ّ منها الحوار ...وال يخفى ما لهذا الجانب من ٍّ تحد للباحث السواء... والقارئ على ّ انطالقاً من ذلك ،يمكن أن يش ّكل بحثنا هذا إضاءةً الفلسطينية ي من جوانب المعاناة مكملةً لجانب محور ٍّ ّ ّ افي ر غ الج البعد مع ية ز ا و المت ادها، ر أف عات ل تط ومن ّ ّ ّ األم. وّ مني عن األرض ّ - الز ّ
السياق ّ رمزية المفتاح واإلبداع في تش ّكل ّ
مكونين التمعن في العنوان ،نالحظ ّأنه من خالل ّ ّ يتضمن ّ األول بينهما هو كلمة «مفتاح» ،مع ما يثيره هذا اثنينّ . ٍ ٍ معان مواكبة له ،فالمفتاح يقتضي حضور العنوان من الباب الذي يحضر في حالين هما الفتح واإلغالق ،كما فإنه يتّخذ قيمةً كبرى يقتضي حضور المسكن .وبالتّاليّ ، اجتماعياً، فردياً و بيعي للحياة ّ اإلنسانية ّ ّ في ّ السياق الطّ ّ ملكية الفرد لهذا يثبت ّ ي الذي ّ فهو العنصر المحور ّ المسكن ،واالحتفاظ بذاك المفتاح يعني االحتفاظ به .وهذا ٍ مسألة بأكملها ،وأعني ما يجعل منه حاالً مخيِّمةً على الفلسطينية .من هذا المنطلق ،كان المفتاح رم اًز المسألة ّ ٍ أرض الفلسطيني من من رموز العودة إلى ما يمتلكه ّ ٍ وبيت وغيرهما ،وكذلك كان رم اًز من رموز مقاومته لحال
النسيان... التّشتّت والتّآمر وضغوط ّ أما أن يكون هذا المفتاح فإن ذلك مخصصاً لنجوىّ ، ّ ّ عدة يمكن أن تضيء دالالت أمام المجال في لنا يفسح ّ ئيسية الر ة خصي ش ال بأن ّ ّ ّ ّ ائي .فهو يوحي ّ حقيقة ّ السياق ّ الرو ّ األول تقدم لنا بعدين ستكون «نجوى» التي ّ ّ دالليينّ : يتعلّق بمعنى االسم الذي يحمل عناصر المناجاة والحوار داخلي من اع الباطني وما يستتبع ذلك من إخفاء صر ٍ ّ ّ أن البعد اآلخر يشير إلى طبيعة هذه نوٍع ما .في حين ّ خصية بوصفها امرأةً ،وهو األمر الذي يشير إلى ال ّش ّ ٍ ألنها تنطلق من زاوية رؤية قد تكون مختلفةً حول الحياة ّ منطل ٍ أنثوي. ق دالليةً وبناء عليه يصبح العنوان عالمةً ّ ّ ً ٍ ٍ ٍ فلسطينية قد توجه أبصارنا نحو رؤية ترتبط بامرأة ّ عميقةً ّ قررت حمل مفتاحها لمقاومة ما عانى منه شعبها. ّ ٍ ٍ مباشر بشكل الداللة التي يحيلنا إليها العنوان تقودنا هذه ّ وكيفية تش ّكله ،فـ»مفتاح لنجوى» ائي ّ إلى ّ السياق ّ الرو ّ قصة فتاة اسمها نجوى من خالل عالقة صداقة تروي ّ بشخصي ٍة أخرى تدعى اضي ر االفت اصل و الت عبر تظهر ّ ّ ّ ٍ مختلف عن األخرى، دارين ،تنتمي ك ّل منهما إلى وسط مخيم ال بل يكاد يكون نقيضاً للوسط اآلخر .فنجوى ابنة ّ تتضمنه من مخيمات ال ّشتات بكل ما شاتيال الذي يمثّل ّ ّ ٍ ٍ بؤس ٍ حية وفقر وفقدان ّ الص ّ للحد األدنى من المواصفات ّ الراحة واألمان عناصر تحقيق ال ّذات وعوامل ّ السالمة و ّ والطّموح ،حيث ش ّكل نادي «غدنا» للفنون المتنفّس الوحيد لها؛ بينما تنحدر دارين من ٍ مدينية يطغى بيئة ّ فاهية والراحة والخلو من أي ٍ وجه من ّ الر ّ ّ عليها نوع من ّ ّ وجوه المعاناة ،أو باألحرى االبتعاد عنها ،في ظ ّل تفكيرٍ حاد. طائفي ٍّ ٍّ وطبقي ّ سرعان ما تظهر طبيعة العالقة بينهما ،وهي عالقة الحب التي تتطور بعد معرفة دارين لعالقة ّ در ّ اسية أخذت ّ ٍ فلسطيني يدعى «الدكتور برجل عمتها «رندة» ٍّ جمعت ّ عمتها التي ّ غسان الخطيب» ،إذ تكون قد طلبت منها ّ خصية ش ال هذه عن لها تبحث أن الخبيث مرضها تفاقم ّ ّ لتعطيها الرسائل الخاصة بها ولتحاول التّفتيش عن ٍ نهاية ّ ّ ٍ لقصتها .فتعمل نجوى على مساعدة صديقتها سعيدة ّ
ضح التي أبدت تعاطفاً شديداً مع المعاناة الفلسطينية ،ليتّ ّ ّ ٍ ٍ فلسطينية مسيحية أن دارين تعود بجذورها إلى عائلة ّ ّ لنا ّ أما األصل سعى أهلها إلى قطع ّ الروابط مع منبتهاّ . الحاد مع محيطها الذي نجوى فيظهر أمامنا صراعها ّ ٍ بأية وسيلة ممكنة ،نظ اًر سعت إلى االنفصال عنه ّ الفردية ،ومن محاصرةٍ ٍ للحرّية لما تعيشه من ّ طمس ّ ٍ المستمر خ ضو الر عن ال فض لها، وتقويض للطموحات ً ّ ّ ّ عقلية الخروج لحال المعاناة ،وهو األمر الذي ش ّكل لديها ّ المخيم وعن معاييره. عن حدود ّ العمة الرواية من خالل ّ تتواصل ّ عملية البحث عن حبيب ّ رندة من دون جدوى ،في حين يترافق ذلك مع معاناة تمر بها نجوى ،منها مقتل أخيها الذي كان عنص اًر في ّ مخيم نهر البارد؛ وموت في اإلسالم»، «فتح جماعة ّ عية إلى أوروبا ر ش ال جارها أثناء محاولة دخوله غير ّ ّ ٍ ٍ يائسة للتّخلّص من واقع حياة محاولة عبر تركيا في أما دارين فتعمل على مواجهة وسطها من خالل ّ المخيمّ . الحقيقية ،ما ة الفلسطيني ها جذور فة ر لمع سعيها إعالن ّ ّ يثير استهجان أهلها ،وهو األمر الذي يدفع شقيقها إلى شبابي يدعى «خيبة بن تجم ٍع ٍّ مصارحتها بانتمائه إلى ّ غوريون» هدفه العمل على مواصلة ترسيخ االنتماء الفلسطيني في األجيال الجديدة ،ويؤدي ذلك بنجوى إلى ّ جمع ،ما يعني تغيي اًر تشجيع دارين لالنخراط ّ سوياً بهذا التّ ّ لكن ذلك لم جذرّياً في نظرتها إلى انتمائها ونظرتهاّ . عملية االستقصاء تلك ،حيث يمنع الفتاتين من مواصلة ّ شخصية عملية الوصول إلى تسهّل نجوى لصديقتها ّ ّ النادي الذي يتّضح ّأنه هو نفسه «أبي فداء» مسؤول ّ «غسان الخطيب» الذي تقومان بالبحث عنه، الدكتور ّ ّ وتنجحان في جعل الحبيبين العجوزين يلتقيان .وتكون الفلسطينية من بالدعوة إلى االحتشاد على الحدود النهاية ّ ّ ّ دوليين حول العالم، ناشطين مع ضامن بالت الجهات ة ف كا ّ ّ ّ النكبة من العام التّالي. وذلك في ذكرى ّ أن الرواية قائمة بشكلٍ ً وبناء عليه ،يمكننا مالحظة ّ ّ ثنائيتين تمثالّنهما ك ّل من نجوى بين اع ر ص على أساسي ٍ ٍّ ّ المخيمات فتاة لدى ج الخرو ثنائية االنتماء و ودارين: ّ ّ
العدد 81أيلول 2013
الضياع والبحث عن ال ّذات ثنائية ّ الفلسطينية بمواجهة ّ ّ السؤال لكن ة. ني الفلسطي ها جذور من عة ز المنت الفتاة عند ََ ّّ ّ ّ الصراع؟ يبقى :كيف ّ ائي هذا ّ قدم لنا الفضاء ّ الرو ّ
المكاني :تصارع األمكنة الفضاء ّ
ألنه بأهمّي ٍة يتمتّع المكان ائي ّ ّ خاصة في العمل ّ ّ الرو ّ الحاضن الذي يغلّف األحداث ويفرض عليها طبيعته، تحدد أن الحياة اإلنسانية ال تقوم إالّ على أرض ّ ّ وكما ّ يبين لنا أنطون ظروف تلك الحياة وطبيعتها على ّ حد ما ّ الروائي ال سعاده في كتابه نشوء األمم ّ ، فإن الحدث ّ ٍ بقاع يمكن أن يقوم بال مكان أو أمكنة «تنقلنا بالخيال إلى ٍ ٍ ٍ نتوهم ّأننا نجتازها ونسكنها» .من مجهولة تجعلنا للحظة ّ الرواية يمكننا أن نجد أنفسنا خالل ّ النظر إلى األمكنة في ّ سيما تلك المتعلّقة في أماكن قد تكون مجهولةً علينا ،ال ّ ئيسية إليها. بالمخيمات الر ّ الفلسطينية وبنظرة ال ّش ّ ّ ّ خصية ّ ٍ عدة ،أتت على مستويات في لنا يتمظهر هذا أن ّ على ّ ال ّشكل التّالي:
الممر: المرجعي/ .المكان ّ ّ ٍ ٍ ٍ محدد تدور حي ٍز الرواية بشكل ٍّ مكاني ّ مباشر في ّ تُدخلنا ّ مخيم شاتيال .إذ كان بمثابة اإلطار فيه حياة نجوى ،وهو ّ خصية إلى جانب األساسي الذي ّ تقدمه لنا هذه ال ّش ّ ّ صديقتها دارين ،مع األخذ بعين االعتبار الختالف نظرة ٍّ كل منهما نحو هذا اإلطار .ويمكننا أن نرى في البداية الصدمة صورة هذا ّ المخيم بعين دارين لتعطينا نوعاً من ّ يظن المرء بسبب المشاهد التي لم تألفها العين والتي قد ال ّ تصرح لصديقتها نجوى« :لم ّأنها موجودة في األصل ،إذ ّ أتصور حتّى في أسوأ الكوابيس ،هذا الكم الهائل من ّ تسمى التي المخيفة ة ر ي ز الج هذه في الحرمان و البؤس ّ بأنه جزيرة مخيفة هذا يوصف المخيم ّ ّ ّ مخيم شاتيال» .فأن َ يعني ّأنه ال يمكن أن يكون صالحاً للعيش في األساس، المادّية لهذا العيش ،وهذا على األقل من ناحية ال ّشروط ّ العادي ليدخله المخيم بالتّالي من دائرة المكان ما أخرج ّ ّ ائي. في إطار المكان الحاضن للحدث ّ الرو ّ أن حقيقة هذا المكان تمثل أمامنا على ٍ نحو أكثر إالّ ّ الرواية إلى إغراقاً في توصيف الواقع ،عندما انتقلت ّ «الممر» المخيم كامالً بلفظة لسان نجوى التي اختصرت ّ ّ عبرت عن عمق المعاناة التي تصيب اإلنسان في التي ّ الضيق الذي يوحي باالختناق« :هل هذا المكان بسبب ّ ممر؟ أن ال ينتمي إلى تعلمين معنى أن يولد المرء في ّ وطن أو ٍ ٍ الممر المخيم هو ممر؟ منزل ّ ّ حقيقي ،بل إلى ّ ّ ٍ حيث ك ّل شيء مؤقّت ،حيث القوافل تقتات االنتظار فإن هذا التّشبيه وتحلم بالعبور» .إضافةً إلى ذلك ّ الفلسطيني بالممر المؤقّت يعطينا انطباعاً عن كون حياة ّ ّ فإن ك ّل ولذلك القائمة ما تزال مرتبطة بمسألة العودة، ّ وبناء عليه يبدو الخروج من هذه المظاهر تبدو مؤقّتة. ً «الممر» إلى رحاب المدينة ،حسب العجائز في هذا ّ بحد ذاته «الخيانة العظمى» . المخيم ،هو ّ ّ المخيم به صف يت الذي يق الض فإن ذلك، إلى ة إضاف ً ّ ّ ّ ّ الخارجية نظ اًر لكونه يأخذ بالتّفاقم بسبب العوامل ّ ٍ جذب للبائسين من مختلف الجنسيات وليس من مركز فإن المساحة المعطاة لهذا ّ الفلسطينيين فقط ،وبالتّالي ّ «الممر المؤقّت» تأخذ بالتّقلّص شيئاً فشيئاً حتّى يصبح ّ سكنياً .وهذا األمر الذي حي اًز ّ أبعد ما يكون عن كونه ّ توضحه نجوى بالقول« :ستّة آالف الجئ يعيشون ضمن ٍ السورّيين أق ّل من كيلومتر مرّبع ،باإلضافة إلى اللّ ّ بنانيين و ّ الجنسيات .ما الذي يمكن توقّعه والبؤساء من مختلف ّ
دراسة غير ذلك؟» . مخيم شاتيال فحسب ،بل وال ينطبق هذا األمر على ّ المخيمات األخرى .فالمعاناة تبقى واحدةً، يتعداه ليشمل ّ ّ والمشهد يكاد يكون واحداً لوال بعض التّغييرات الطّفيفة. وهذا ما توضحه لنا دارين من خالل استرجاعاتها الزيارات التي قامت بها إلى بعضها بحثاً ّ اخلية حول ّ الد ّ مخيم مار الياس عمتها ،ومنها دخولها إلى ّ عن حبيب ّ تتلخص مشاهداتها كانت حيث لنجوى، بمرافقة أقارب ّ [مخيم مار الياس] يضيق بأصحابه، «المخيم بالتّالي: ّ ّ يلنكيون والفقراء من مختلف يجتاحه األثيوبيون والسر ّ ّ ٍ ٍ الجنسيات ،يبحثون عن شقّة صغيرٍة قريبة من أحياء ّ الغنية .هذا ما أخبرتني به ليلى [ابنة خال نجوى] المدينة ّ الضيقة» . م المخي ة ق ز أ في جولتنا خالل ّ ّ ّ لكنها تتجاوزها لتروي وال تتوقّف مشاهداتها عند هذا ّ الحدّ ، مخيم برج البراجنة بعض حاالت البؤس التي تجري داخل ّ على سبيل المثال ال الحصر ،ومنها ضعف التّنظيم في يؤدي اإلمداد الخاص بشبكات الكهرباء والمياه ،حيث ّ ّ بالنسبة لس ّكان ة اعتيادي باتت مخاطر إلى اختالطها ّ ّ المخيم ،مع قات ر ط المخيم ،وجريان المياه اآلسنة وسط ّ ّ للزوار بك ّل صدق. ضاحكين ون ق يب انه ك س أن ّ ّ ّ ّ للرواية المرجعي الفضاء أن نلحظ ذلك، إلى ا استناد ً ّ ّ ّ يحيلنا إلى ٍ حال من البؤس تستطيع أن تغرق االنسان وقضيته التي أوصلته همه األساس ّ الفلسطيني بعيداً عن ّ ّ يقدم لنا نافذةً لبحث الذي األمر وهو »، «الممر إلى هذا ّ ّ طبيعة التّأثير الذي يمتلكه هذا المكان في ساكنيه.
15 سنة البقاء لألقوى ،فتقول« :أنا جمع البدائي الذي يتّبع ّ التّ ّ ّ نشأت في ٍ بالضرب .ك ّل الناس يقاومون القهر بنية حيث ّ ّ ُ و ٍ الزوج يضرب امرأته منه. أضعف هو ن م يضرب احد ّ َ األم تضرب أوالدها ،واألخوة يضرب بعضهم وأوالده ،و ّ كنت األضعف . »..ومن هذا المنطلق نرى بعضاً ...أنا ُ الحيز المكاني تش ّكل كيانية داخل هذا ّ دخوالً في قضايا ّ صورة عن المجتمع فيه وحتّى في محيطه كك ّل ،وأعني هنا تمثيالً لصورة مجتمعات العالم الثّالث .إذ يمكننا أن نق أر من خالل هذا المقطع حضو اًر لحال المرأة بوصفها الحلقة األضعف في المجتمع ،وبالتّالي العنصر األكثر الضغط والعنف. تلقياً لممارسات ّ ّ المكاني الذي يمثّله لإلطار ز ا تمي يلحظ ئ القار أن ًّ إالّ ّ ّ المخيم في بعض الجوانب عن غيره من المجتمعات ،إو�ن ّ ٍ هروبي ٍة تعمل على الفرار ة ر بصو نجوى لسان على ورد ّ من الواقع بدالً من مواجهته ،إو�ن كان يحضر من خالل ي .فوضع المرأة الثّغرات التي يعاني منها القانون العنصر ّ المخيم يختلف عنه في الخارج ،وهو األمر الذي يدفع في ّ نجوى إلى استغالله وفق نظرتها التّالية« :دارين العزيزة، للفلسطينيين فسحة تسمح للمرأة يحق إن القانون الجائر ّ ّ ّ مصرة على احتاللها واستغاللها أنا و جل، الر على ق فو بالت ّ ّ ّّ لبنانيةً ال ج تزو إن الفلسطيني جل فالر األقصى. الحد إلى ّ ّ ّ ّ ّ بناني المرأة من يحصل على ّ أي امتياز إذ يمنع القانون اللّ ّ
ي: . ّ فاعلية المكان /األثر القسر ّ
المكان/الممر هذا تأثيره الواضح في ال ّذات مارس ّ ائي ،ولع ّل المالحظة األولى الفلسطينية داخل ّ ّ الحيز ّ الرو ّ عملية االلتصاق بوثيقة التي نجدها في هذا التّأثير هي ّ الزرقاء» على الفلسطيني الالّجئ المسماة بـ»الوثيقة ّ ّ ّ يخبئ األثر لسان نجوى، وكأن هذا الوصف يريد أن ّ ّ لبي الذي يولّده التّعبير األصلي عنها ،والذي قد يكمن ّ الس ّ جرد من الحقوق بالت ر ك يذ الذي اإلطار من الهرب في ّ ّ ّ اإلنسانية .األمر الذي المدنية و القومية والحقوق ّ ّ الوطنية و ّ ّ بأنها الوثيقة وصف خالل من أكبر نحو على ضح يتّ ّ الممر وتدفننا فيه». «تلك التي تحشرنا في ّ الممر أو في المكان أن هذا «الحشر» في على ّ ّ طياته مجموعةً من الضيق المعروف بالمخيم يحمل في ّ ّ ّ العام فتسم الحياة ى مجر في ا سلب ر ث تؤ التي المعطيات ً ّ ّ ٍ عدة منها المجتمع المحصور داخل حدودها بمو اصفات ّ خاص بهذا العام ،ومنها ما هو ّ ما هو مشترك مع المحيط ّ الحيز .فعلى سبيل المثال ،نرى صورة المجتمع الذي ال ّ أي آخر ،ال بل ال يمكن أن يعترف ل يتقب أن يمكنه أي ر ٍ ّ ّ السياق يأتي كالم نجوى: هذا وفي به في األساس، ّ ِ بالنظرٍة «أنسيت ّأننا ننتمي إلى ٍ مجتمع ال يؤمن إالّ ّ األحادية وينسى ك ّل ما ال يرتبط مباشرةً باقتناعاته؟» . ّ أن مفهوم الحرّيات بعامة يأخذ ى نر المنطلق، هذا ومن ّ المخيم ،فإلى جانب انعدام حرّية بالتّقلّص داخل حدود ّ أن الحصار يعمل على تضييق مساحة الرأي ،نالحظ ّ ّ أن زاوية إذ ة. الفردي ة ي الحر لتشمل ا فشيئ ً الحرّية شيئاً ّ ّّ ّ ّ انتفاء حتّى في تبين لنا مها تقد التي ؤية الر ّ الراوية نجوى ّ ً ّ ّ خصية ،حيث تتداخل األصوات بين المساكن، الحرّية ال ّش ّ ّ كأنه مباح أمام ما ولتختفي خصوصية البيت ويصبح ّ ّ فسي . يحيط به من ضجيج يبعث على الخنق ّ الن ّ أن تأثير المكان يبدو أكثر تنامياً في السياق نفسه ،نجد ّ في ّ القيمية ،إذ هيكلية المجتمع نظر نجوى ليشمل األخالقية و ّ ّ ّ أن مفهوم المجتمع نفسه ينتفي لمصلحة حضور مفهوم ّ
الفلسطينية ،إن تم ّكنت الجنسية .بينما المرأة منح أبنائها ّ ّ لبناني ،تكون قد وصلت إلى المنفذ من العثور على زوج ّ الضوء». الذي يسمح لها وألوالدها بالخروج إلى ّ الرواية خصوصاً، أما التّأثير األخطر للمكان في أحداث ّ ّ ٍ عام ،فيتجلّى في الواقع بشكل الفلسطيني االنسان وفي ّ ّ ياسي المزري الذي يفصل هذا ال ّشعب االجتماعيّ - الس ّ ّ الرواية من خالل قضيته المحورّية ،والذي ّ عن ّ تقدمه لنا ّ االنقسام الحاضر داخل العائلة الواحدة« :عائلتنا صورة المتعصب الفلسطيني المف ّكك و مصغرة عن المجتمع ّ ّ ّ صدع بالت صف تت المجتمع هذا ة ر فصو كه»، لتف ّك ّ ّ ّ يتم استغالله من أجل إبعاد ياسي -الفكر ّ ّ ي الذي ّ الس ّ ال ّشعب الفلسطيني عن الخوض في الصراع على قاعدةٍ ّ ّ ٍ ٍ جاد للوصول إلى أهداف ثابتة ومن خالل تخطيط ّ الصراع الحرّية والعودة ،وذلك انطالقاً من ّ الدخول في ّ ضد اع ر الص من الحاد بين أبناء القضية الواحدة بدالً ّ ّ ّ ّ التوجهات عند األمر ف ق يتو ال و األرض. و الحقوق سالبي ّ ّ المخيم ميداناً لدخول يصبح ياسية والفكرّية القائمة ،بل ّ الس ّ ّ يبة ومريبة ،وبالتّالي لتفتّ ٍ أفكار غر ٍ ٍ وتشرٍد أكبر: أكبر ت ّ «ك ّل ٍ يوم يظهر تنظيم جديد ،ويحمل اسماً مختلفاً ووعوداً عما يمأل فراغهم بوهم جديدةّ لل ّشّبان الذين يبحثون ّ النضال ،أو جيوبهم بأموال مجهولة المصدر» .لعلّنا ّ
16
دراسة
العدد 81أيلول 2013
الخاصة المتعلّقة نرى في هذا األمر تمهيداً لظهور الحال ّ بـ»كريم» في عائلة نجوى ،إذ اتّضح لنا ّأنه انخرط في مخيم نهر البارد ،وأخذ إحدى المنظّمات ّ المتشددة في ّ ٍ ٍ بشكل مختلف عن تربية تلك العائلة وقيمها. يتصرف ّ وهنا نكتشف خطورة التّأثير ألن يكون اإلنسان جزءاً من ٍ ٍ محسوبة تغرق سكانه لسياقات غير المخيم ،فهو عرضة ّ في ٍ مآس أخرى فوق ما عرفوه ،ليس أقلّها فقدان األبناء ٍ النضال من أجل العودة مج ٍّ اني أبعد ما يكون عن ّ بشكل ّ وطرد االحتالل.
الدم: ذهنياً /ذاكرة ّ .المكان ّ
المخيم في كونته األحداث عن يدخلنا ذلك ّ ّ النقاش في ما ّ ٍ مكانية مجرد مساحة المخيم ال األذهان ،فحدود ّ ّ تضم ّ ّ تضم تاريخاً حافالً من العذابات والمآسي عادية ،بل ّ ّ والحروب .لذا نق أر من وجهة نظر دارين عن ارتباط لفظة «كأنها حرب وراء حرب ،والخيوط المخيم بالحروب: ّ ّ ٍ أوكار ممتدة إلى ع، ق نتو ا مم أطول تبدو كها تحر ّ ّ التي ّ ّ المخيمات ملعب مفتوح أمام العبين يمارسون مخفية. ّ ّ فيه اختباراتهم». ائي ،نتفاعل مع هذه الحروب من خالل في ّ السياق ّ الرو ّ غسان عملية البحث التي تقوم بها دارين عن ّ ّ الدكتور ّ الس الخيط هذا ل ك يش حيث الخطيب، ردي مسا اًر مطّرداً ّ ّ ّ المخيمات في يعرفنا بعمق المعاناة التي عاشها أهالي ّ ّ ظل المجازر ،ولكن من ز ٍ اوية تعمل على مقاربة المشاعر هني للمكان ،إذ التي تركتها فيهم .هنا يكمن الحضور ال ّذ ّ مرت على هذا ال ّشعب ارتبطت ّ أن تاريخ المجازر التي ّ ٍ بالمخيمات ،ما أثار في ذات أدق نحو على أو بالمكان، ّ ّ الفلسطيني ال ّشعور باليأس والموت. ّ يتحول تنطبق هذه الحال على والد نجوى ،حينما ّ ٍ خصية مع إلى صوت رو ٍّ ائي ليسرد علينا تجربته ال ّش ّ ِ يومياتنا ّأيام الزعتر» فيقول: ّ مجزرة «ت ّل ّ «سأحدثك عن ّ ضد الجوع ،عن انقطاع المواد الحصار ،عن صراعنا ّ بائي وعن العدس الطّّبّية [ ]...عن انقطاع ّ التيار الكهر ّ الذي غدا ،في المرحلة الثّانية من الحصار ،طعامنا الوحيد [ ]...وانقطاع الماء ...والقسطل الوحيد الذي كان يروي ثالثين ألف نسمة طوال اثنين وخمسين يوماً ..غدا كنا نخوضها دون شجاعة مصيدة [ ]...والمعارك التي ّ فعلية ،مدفوعين فقط بغريزة البقاء» .ويتابع سرده في ّ أمه فيها استشهدت التي حظات ل ال لنا ن ليبي آخر موضع ّ ّ ّ وأخته بوصفهما جزءاً من ضحايا المجزرة أثناء القصف المخيم .وهذا ما جعل المكان المذكور ،أعني «ت ّل على ّ فسي لدى والد نجوى، ّ الزعتر» ،ال يرتبط إالّ باأللم ّ الن ّ غيرت حياة نظ اًر لكونه ممثّالً لضحايا هذ المجزرة التي ّ ٍ ي ،وهو ما يعلنه بنفسه مر فيها بشكل جذر ّ ك ّل َمن ّ كنت شخصاً آخر ...هناك معلناً« :قبل ت ّل ّ الزعترُ ، عرتني فقدت الطّبقة األولى من تلك ال ّش ّ ُ خصية .بعدها ّ التّجارب من الطّبقات األخرى». ٍ بشكل أكبر في ذهن الوالد الذي تتطور ذاكرة المكان ّ ٍ يرافقه التّأثّر حتّى بعد ٍ زمن طويل على تلك األحداث، ٍ بمكان فتتضخم ال ّذاكرة لتشمل تجاربه األخرى المرتبطة ّ هنية في فكره؛ وهو المكان الذي ذ ال ته ر صو حفر آخر ّ ّ ارتبط بالمجزرة ال ّشهيرة المعروفة بـ»صب ار وشاتيال» ،وهو الرواية. المكان الذي ما يزال قائماً فيه ضمن حاضر ّ ولع ّل تعاظم منسوب األلم الذي لم يفتأ يشعر به جعله لوحشية المشاهد التي عاشها الصمت التّام ،نظ اًر ّ يؤثر ّ تضمنته هذه والتي تنقلها زوجته لدارين ،مع كل ما ّ ثم سقوط المشاهد من ذكريات إصابته ّ بالساق ،وسقوطه ّ لمدة يومين والتهامه الخبز جثّة صديقه فوقه ،واختباؤه ّ
اليابس ليسد شيئاً من جوعه. محددة في أن المكان ش ّكل ذاكرةً ّ ُيبرز هذا كلّه كيف ّ المخيم ،هي ذاكرة المأساة التي يراد لها أن أذهان أهالي ّ تكون عامالً ّأول من عوامل االنهزام واالنكسار والخوف، ألنها مأساة تسعى إلى تدمير ال ّذات إو�لى االستسالم. ّ األمر الذي أتى على لسان والد نجوى بصيغة تساؤل لبية منه« :ما الذي يمكن أن الس ّ ّ يبين تملّك تلك المشاعر ّ ِ ِ ينقذك ينقذك بعد أن تخوضي تجربةً كالمجزرة؟ ما الذي من الخوف والقرف والجنون؟. المخيم ،تمثل بعد استيعاب ك ّل ما سبق عن فضاء ّ أمامنا نجوى من جديد بسعيها إلى الفكاك من جوانب يتحول المآسي تلك ،والتي قد ّ يبرر لها البعض ذلك ،وقد ّ ٍ عام ٍة تنسحب على ال ّشريحة األكبر طموحها إلى حال ّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا: من متّحد ّ المخيم .لكن ّ المخيم أمام كيف سيبدو العالم الذي يقع خارج أسوار ّ سي َّ قدم لنا؟ القارئ؟ وكيف ُ
المكاني لـ «آخر» /فساد الج ّنة: .الحضور ّ
أن صورة العالم الخارجي بعد هذا كلّه قد يظهر للقارئ ّ المخيم ،كما بالنسبة إلى قاطني الجنة الموعودة ّ ستكون ّ ّ بالنسبة لنجوى .ولع ّل هذا ما يتّضح بالفعل كان كذلك ّ العدو بصبغته من خالل نظرتها إلى المكان الذي وسمه ّ الناحية فبدا نقيضاً سيما من ّ للمخيم من ك ّل ّ النواحي ،ال ّ ّ أن استرجاعها لرؤية األراضي المدنية -العمر ّ ّ انية ،إذ ّ ألول بناني ل ال الجنوب جهة من ة ل المحت ة الفلسطيني ّ ّ ّ ّ ّ
مرة بعد التّحرير في العام ،2000أظهر إحداث نوٍع ّ الصدمة فيها نظ اًر للفارق الكبير من حيث ال ّشكل من ّ المخيمات« :أنا لم وبين المناطق هذه بين األقل على ّ أستطع أن أنتزع نفسي من موقعي قرب ال ّشريط ،أراقب ٍ بغيظ بيوت مستعمرة المطلّة الجميلة ،طرقاتها نظيفة حدي وأشجارها المصطفّة بانتظام .األشجار ش ّكلت التّ ّ إلي ،أكثر من الطّرقات والمنازل وجنود األكبر ّ بالنسبة ّ االحتالل». تحس به نجوى يلفت نظر القارئ هنا هذا الغيظ الذي ّ ألن هذا الجانب هو الذي ش ّكل بسبب مقارنتها تلك ّ المخيم .والالفت أكثر السعي لالنفصال عن ّ دافعها إلى ّ في كالمها هذا هو التّركيز على رمزّية «األشجار» المكاني وبين المخيم حيز التي ش ّكلت ّ ّ الحد الفاصل بين ّ ّ العدو إلى جانب دقّة التّنظيم الحيز المكاني الذي يشغله ّ ّ النظافة ،وهي األمور التي افتقدتها نجوى، على الحرص و ّ ٍ ٍ بالغية بسيطة ولكن فأوضحت ذلك في شكل مقابلة ّ أن معبرة« :نحن ّ ّ أي ّ نغني وهم يزرعون ال ّشجر» ّ ، عملية إدارة أتقن العدو بينما ح بج الت احترفت شعوبنا ّ ّ ّ ّ المكان وتنظيمه ،وهذا ما ش ّكل في ذهنها هاجس الخروج عن مكان نشأتها. أن هذا الهاجس بدأ يتبلور من خالل صداقة نجوى على ّ عرف على ٍ مكان بدارين ،إذ فتحت لها الباب من أجل التّ ّ لكن الحصول على هذه الفرصة آخر مناقض لما تعرفهّ . النطرة األولى نحوها ألن ّ لم يكن كما تنشده نجوىّ ، أبرزت استهجاناً واضحاً ،وبالتّالي نوعاً من العنصرّية
العدد 81أيلول 2013
يني أو انتمائها على صعيدين :على صعيد انتمائها ّ الد ّ الوطني ،ويتّضح ذلك بقول نجوى نفسها« :كان الجميع ّ ٍ كوكب آخر ،ألم تستقبلوا كأنني قادمة من ينظرون إلي ّ ّ من قبل مسلماً في منزلكم؟ ال تشعري بالحرج .ال ّذنب ليس ِ ذنبك» .وعند الغوص في خفايا ذلك البيت بوصفه المكاني الثّاني أمام نجوى ،نالحظ تف ّككاً من النموذج ّ ّ فسية في العائلة تتجلّى في التّوتّر المتواصل الن الناحية ّ ّ ٍ تبينه ما خالل من ادها، ر أف لدى نفسي ار ر وانعدام استق ٍّ ّ الجو في بيتنا يسيطر عليها مزاج والدتي، دارين« :حال ّ أمي غارقة في المؤامرات، سواء أصافياً كان أم متقلّباًّ . يوميةٍ ٍ ترى الجميع متحالفين ّ ضدها ،وهي في مواجهة ّ ابتداء من والدي الذي راح يتلهّى عن كيدها مع الجميع، ً وبالسهرات والحفالت ،إلى زوجات ساء الن بمطاردة ّ ّ عمتي لم أعمامي اللّواتي يكلن لها ّ الصاع صاعين .حتّى ّ تشنها في الضارية التي ّ تسلم من نميمتها ومن الحروب ّ أن مكاناً كهذا ال يمكن العلن والخفاء» .ومن الواضح ّ مؤهالت أن يكون إطا اًر مثالياً للعيشّ ، ألنه ال يمتلك ّ ّ تظنها نجوى ،إو�ن بدا كذلك في الراحة التي ّ االستقرار و ّ الظّاهر. نموذجيةً، أن المكان الذي يحضر بوصفه األكثر ّ غير ّ ني بالنسبة لل ّشباب الجنة المنشودة ّ أو بوصفه ّ ّ الفلسطي ّ ٍ األوروبي ،حيث بي ،وبالتّحديد ّ ّ بعامة ،فهو العالم الغر ّ قافي كما ث ال و ي الحضار نظيم الت و اإلنسان وحقوق ة ي الحر ّ ّ ّ ّ ّ ّ هو مفترض .وقد ش ّكل الوصول إلى هذا المكان في أساسياً لكونه يمثّل الخالص من عناصر الرواية طموحاً ّ ّ الفردية ،إذ تصفه نجوى ة ي الحر ة ر ومحاص البؤس ّ ّّ الجنة» .وقد برز هذا المكان من خالل ّ بأنه «بوابة ّ فاألول سعى إلى وجالل. ياسر قيقين: ش ال تي شخصي ّ ّ ّ ٍ عية عبر تركيا ،مع ما شر غير يقة ر بط ألوروبا السفر ّ ّ الد ّجالين وخفر في ل ث تتم ة جم مخاطر من ذلك نه تضم ّ ّ ّ ّ السالمة ...وهي المخاطر التي عناصر ة ل وق احل السو ّ ّ ّ أودت بحياته أثناء رحلته الموعودة على متن زورق متّجهٍ األول الذي نحو جزيرة رودس .ما يعني ّ أن االحتمال ّ عرض ّ يقدمه هذا المكان هو الموت أو على األق ّل التّ ّ لالحتيال واالعتقال. شخصية جالل ،فقد مثّلت الذين نجحوا في أما ّ ّ األوروبية. ول الد إحدى في ار ر لالستق ا و ووصل العبور ّ ّ وانطالقاً من اعتقادات نجوى ،يجب أن تكون حياته أن حوار بالراحة و ّ االستقاللية وتحقيق ال ّذات .إالّ ّ تتّسم ّ أن هذا المكان أيضاً ليس جالل معها يوضح لها ولنا ّ المفترضة« :نجوى ،ليس الح ّل هنا أيضاً ،حيث بالجنة ّ َ النظيفة ،حيث األحياء التي تتنافس الطّرقات الواسعة و ّ الدقيق النظام ّ في زراعة األزهار ،حيث الخضرة ّ الدائمة و ّ جد واجتهد ،على والعلم والطّبابة وفرص العمل لمن ّ ظاميين» .ويشرح بالنسبة إلى س ّكان البالد ّ األق ّل ّ الن ّ للمخيم ،ولكن أن هذا المكان نقيض بالفعل ّ لها كيف ّ وحشية الوحدة وانعدام أي ليس نحو األفضل بل نحو ّ حي اًز أن هذا العالم يتضمن ّ مفهوم للمساعدة ،وكيف ّ ّ الضواحي ،مع شبيهاً فلي أي ّ ّ سماه «العالم ّ بالمخيم ّ الس ّ ٍ أساسي هو سيطرة حال الوحدة عليه . اختالف ٍّ في خالصة القول حول هذا الجانب ،يظهر لنا الحضور المكاني لآلخر أبعد ما يكون عن كونه خالصاً ،أو ّ ألنه «جنةً» ،بك ّل مستوياته ،ولذلك لم يكن هو الح ّلّ ، ّ األخالقي .فهل من االنحطاط و الفساد امل و ع ن تضم ّ ّ ثغرٍة في جدار اإلحباط هذا؟
.ف ّن ّية المكان /طريق ال ّنضال:
الرواية من خالل تحويل أمكنة صغيرة تظهر ّ الفنية في ّ
دراسة ٍ المكانية ومن ناحية الناحية إلى مساحات أوسع من ّ ّ اإلرث أو الطموحات ،وينجح ذلك باستعمال تقنية تناوب مكانيين متباعدين ظاه اًر الرواية ،ما يعطينا إطارين ّ ّ يصبان في الغاية نفسها التي يطمح إليها العمل. ولكن ّ السياق ،من خالل تيار األول ،في هذا ّ يبرز لنا المكان ّ الوعي الذي ينشط لدى دارين ليعيدنا إلى طفولتها ،إذ بالنسبة إليها كان الموضع األكثر حميميةً واطمئناناً ّ ّ الخاص جدتها حيث كانت تعيش في عالمها هو خزانة ّ ّ أن هذا اقعي .غير ّ ومستقبلها الواعد بعيداً عن عالمها الو ّ يبق على حاله في شبابها، اإلطار الضّيق لم َ المكاني ّ ّ تحول إلى بانوراما عن المسيرة األولى لعائلتها التي ّ ألنه ّ تام من قبل أبويها .لذا شرعت تبحث عنها في ظل إنكار ٍّ تقوم باإلعالن« :هذه الخزانة تحوي اليوم رسائل توقظ حبذا حب وأحالم وبطوالت وانكساراتّ . الماضي ،فيها ّ أتكوم داخلها ،كما في الماضي ،حين لو ُ استطعت أن ّ الصغير .في الخزانة حكايا كانت المساحة تتّسع لجسدي ّ عن ٍ وطن تضاءل فبات ال يتّسع لحاضرنا أو مستقبلنا، وفيها مفتاح ،كما المفتاح المعلّق عند المدخل في بيت نجوى». ٍ عملي عندما تأخذ دارين تضخم هذا الخزانة بشكل ونرى ٍّ ّ الرسائل والمذ ّكرات التي كتبها بقراءة ما وجدته فيها من ّ أبع كما فعل بعضهم. جداها ،ومنها قول ّ ّ جدها« :لم ْ بحجة األرض وضعتها داخل قميصي يوم احتفظت ّ ُ الرحيل .ما زلت أؤمن ّأنها ستفيدنا يوماً ما وستعيد لنا ّ أرضنا». الضيق هو الذي استناداً إلى ذلك ،قد يكون هذا المكان ّ الدخول في حياة نجوى بحثاً عن االنتماء دعا دارين إلى ّ الفلسطي ّنية ،كما كان له األثر في دفع إلى جذورها ّ غير في الفعل والتّفكير .األمر الذي حياة نجوى إلى التّ ّ اإللكتروني معها« :عظيم تبرزه هذه األخيرة في حوارها ّ ِ تصرين على لحس المبرد .أنت تتّبعين المسار المعاكس ّ لمساري .أنا أسعى إلى الهرب من المآسي و ِ أنت تسلكين درب اآلالم بمحض إرادتك». لكنه وقع فنياً آخرّ ، من جهتها ،أظهرت نجوى مكاناً ّ حي ٍز المرة داخل المخيم ،ما أسهم في تشكيل ّ ّ هذه ّ ٍ الحيز في مناقض لواقع هذا األخير .وقد تجلّى هذا ّ بالنسبة نادي «غدنا» الذي انضمت إليه نجوى؛ فكان ّ ّ وشخصيةً رئيسةً على ٍّ حد سواء، لها ،بوصفها راويةً ّ مما يبدو عليه. اقعي وأث اًر أبعد ّ حضو اًر أكبر من إطاره الو ّ النادي، ّ ويتبدى لنا ذلك في معرض كالمها عن مدير ّ ورفيق والدها القديم« :أبو فداء هو مدير نادي «غدنا» ٍ الضوء للفنون الذي أرتاد مع أشقّائي للتّمتّع بفسحة من ّ الدروس جافّ ًة الت ز لت في البداية وما ّ الراحة [ ]...ما ز ُ وّ ولكنني أحلم باليوم الذي سأتم ّكن فيه من أن وصعبةّ ، أفرغ عواطفي وأفكاري ألواناً وخطوطاً فوق القماش .رّبما أن هذا سيكون هذا منفذي من المتاهة» .ومن الواضح ّ بالنسبة لها، يتميز بكونه ضوءاً ّ نفسياً ّ المكان غدا بعداً ّ الحرّية واألمل ،ويحمل المنفذ الذي مع ما يعنيه ذلك من ّ يجعل المستقبل أكثر إشراقاً. ٍ ناحية أخرى ،ش ّكل هذا المكان ميداناً للعمل الفاعل ومن وللربط في تحسين واقع الحياة في ّ المخيم من جهةّ ، ٍ الفلسطينية من جهة ثانية .إذ ّأنه احتضن بالج ّذور ّ المخيم «لنشر الخضرة وإلحياء داخل شجير الت مشروع ّ ّ ٍ رسخه أجدادنا حين وصلوا إلى لبنان وغرسوا التّين تقليد ّ المخيمات ،ليتذ ّكروا األرض والبرتقال واألكي دني في ّ التي كانوا يزرعونها في ديارهم». تحول بنتيجة استناداً إلى ما سبق ،نرى ّ أن المكان قد ّ ٍ ٍ خصيات ومبادئها إلى أمكنة ّفنّية تمتلك طموحات ال ّش ّ
17 الرواية فحسب لتعطي مساحةً من األمل ّ هويتها داخل ّ َّ وترسيخاً لروح االنتماء فيها ،وهو ما يمكن أن نعده المؤثّر النضال من ي في تغيير مسار حياة نجوى نحو ّ المحور ّ القضية. أجل ّ
محورية المكان الخاتمة: ّ ٍ المكاني قد أن الفضاء تم درسه ،نجد ّ في خالصة لما ّ ّ ائي المعنون امتلك ّ أهميةً بارزةً في سياق العمل ّ الرو ّ ألن المكان هو الذي أفسح في المجال ٌ «مفتاح لنجوى»؛ ّ شخصية ما سي ال و ات، خصي ش ال لدى اع ر الص تكوين أمام ّ ّ ّ ّ ّ بالنسبة مخيم شاتيال ش ّكل ّ تحدياً ّ نجوى؛ فنشأتها داخل ّ تقسم الفضاء لها لتتخلّص من واقعها .من هذا المنطلق ّ المكاني إلى مستويات مطّردة في دوره داخل أحداث ّ المرجعي الذي أوضح لنا بؤس المستوى لها أو اية: الرو ّ ّ ّ ٍ عامة ،يليه المستوى الذي ة ر بصو مات المخي في الحال ّ ّ يبين تأثير هذا المكان في حياة األفراد ،ثم مستوى ال ّذاكرة ّ المخيمات من ذكر ٍ يات حول أهل نه ز يخت ما ن بي الذي ّ ّ المخيمات حدود ضمن دارت التي المجازر و المآسي ّ وارتبطت تسميتها بها .في حين ظهر مستوى رابع يتعلّق للمخيم من أطر تخضع لسلطة العدو، باألمكنة المناقضة ّ المخيم أو أو التي تقع ضمن المدى القريب من حدود ّ ضمن مداه البعيد .ليكون المستوى األخير هو الذي تعزز جوانب االنتماء وتهدي إلى سبيل حمل أط اًر مكانية ّ ّ النضال. ّ الرواية تسير في أن نالحظ اسة، ر الد هذه على وبناء ّ ً ّ ّ ٍّ شخصية نجوى لموقعها إعادة إلى يوصل تصاعدي خط ٍّ ّ بيعي المتمثّل في العمل من أجل العودة ،وهو ما الطّ ّ ارتبط برمزّية العنوان الذي ش ّكل بأن نجوى قد إيحاء ّ ً بقضيتها األولى وبنضالها في سبيل ح ّل عادت لاللتزام ّ المشاكل التي تصيبها ليس بوصفها فرداً ،بل بوصفها ادي في المراحل امرأةً ّ فلسطينيةً ،لذلك كان انخراطها اإلر ّ جمعية «خيبة بن غوريون» الرواية بنشاط ّ األخيرة من ّ بحد ذاتها دليالً على نجاح خططها، والتي تش ّكل هي ّ الراوية وهي الخطط التي ّ ستؤدي ،من خالل استباق ّ الفلسطينية بمناسبة ذكرى الحدود نحو الزحف دارين ،إلى ّ ّ النكبة في ٍ حدث شهدناه جميعاً وتفاعلنا معه على أرض ّ ائي و الر الفضاء بين ة ر مبتك مماهاة ل ك يش بما اقع، و ال ّ ً ً ّ ّ ٍ اقعي ،لتُختتم الرواية بوصف لش اررة تلك والفضاء الو ّ الملكية لحق «إنها ثورة المفاتيح .المفاتيح ٌ رمز ّ الثّورةّ : ّ السندات والحجج هنا لتثبت ال يسقط بالتّقادم .واألوراق و ّ حق العودة إلى البيوت واألراضي» . ّ ا أبعاد لت ك ش ى األخر العناصر أن إلى ة ر إشا وهنا ً دالليةً ّ ّ ّ الزمن كان ، المكاني الجانب عن أهمية ً ال تق ّل ألن ّ ّ ّ ّ ٍ أن استغالل عمل على نحو ٍّ السياق ،كما ّ غني في هذا ّ أساسياً في إبراز ر ا دو ى أد اصل و الت ً التقنيات الحديثة في ّ ّ ّ الرواية ،غير ّ الصراع بين نظرتين متناقضتين على مدى ّ كنت ن � و فيها، القول لتفصيل سع يت لن هنا المجال أن ّ إ ُ ّ القوية لإلقدام على هذا األمر. غبة بالر أشعر ّ ّ الدوام للبقاء في مدار المسألة على نحتاج يبقى ّأننا ّ ألن األدب قافي - ّ األدبيّ ، ّ الفلسطينية ،على المستوى الثّ ّ ٍ الفكر رف الت أشكال من شكل د مجر ي وال وجهاً ّ ّ لم يعد ّ بحد ذاته يشارك في من وجوه التّعبير ،بل فعالً مقاوماً ّ تحرير اإلنسان وبالتّالي في تحرير األرض ،انسجاماً مع مقولة سارتر ال ّشهيرة« :ليس من المهم أن يعبر لكن األوجب األديب عما يريد ،باألسلوب الذي يـبتغيهّ ، أن يكتب لجمهور تقوده الحرّية إلى التغيير الشامل نحو األفضل».
تراث
18
العدد 81أيلول 2013
أقامتها اجلامعة اللبنانية-األمريكية يف بريوت
احتفالية بصحافيات رائدات ملناسبة اليوم العاملي للمرأة احتفاء بـ»اليوم العالمي للمرأة» ،أقام «مركز التراث اللبناني» في الجامعة اللبنانية -األَميركية لقاء حوارياً مع الباحثة الجامعية الدكتورة إِلهام كالب البساط في موضوع «عندما كن يصدرن الصحف» حول مطالع الصحافة اللبنانية النسائية في لبنان ومصر بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. أضاءت الدكتورة كالب على جانب مغمور من دور المرأة في عصر النهضة ،وذلك في حضور رئيس الجامعة الدكتور جوزف جبرا ،وممثلين للرؤساء الثالثة، ومهتمين ،وأدار الحوار معها رئيس المركز الشاعر ّ هنري زغيب. في خالصة الحوار معها ،تحدثت الدكتورة كالب ،بالنص والصور عن مطالع القرن العشرين وحكم السلطان عبد الحميد الذي منع النساء من الكتابة فسبب االضطهاد والتهجير إلى مصر ،حتى أَعاد العمل بالدستور سنة 1908فأَخذت الصحف تصدر تباعاً ومعظمها في خدمة السلطنة العثمانية .وكانت بدايات التحرر مؤشر االزدهار االقتصادي كما في محالت «أوروز دي باك» الفخمة في قلب بيروت سنة 1900وافتتاح محطة سكة الحديد في ميناء بيروت سنة ،1903ثم مبادرة فاطمة المحمصاني سنة 1918برفع العلم العربي فوق سراي بيروت ،وتخرج أول دفعة من الجامعيات سنة 1927 من الجامعة األميركية في بيروت.
انتقلت الباحثة إلى مصر منوهة بحملة نابوليون سنة 1896وما حملته معها من علماء وباحثين أسسوا للنهضة الحديثة ،وظهر التشبه بالمرأة الغربية تحر اًر ومطالبة بحقوق المرأة على غرار النموذج الغربي الذي وصل إلى إصدار المرأة في فرنسا جريدة سياسية كما فعلت مارغريت دوران بتأسيسها جريدة «ال فروند» في باريس سنة .1903 بعد ذلك انتقلت كالب إلى تعداد الصحف النسائية األولى بدءاً من مصر مع «أُم الصحافيات» هند نوفل
في جريدتها «الفتاة» سنة ،1892وتتالت بعدها على اإلصدار في لبنان ومصر نساء لبنانيات ،منهن: لوي از ْحَبالين («الفردوس» ،)1896أَلكسند ار الخوري («أَنيس الجليس» ،)1898أستير أزهري («العائلة» َّ و»الزهرة» ،)1902 ،)1899مريم سعد («الهوانِم» روزي أَنطون («السيِّدات والبنات» ،)1903لبيبة هاشم («فتاة الشرق» ،)1906عفيفة كرم («العالَم الجديد» َ ،)1913سليمة أَبو راشد («فتاة لبنان» ،)1914 األَميرة نجال أَبي اللمع («الفَجر» ،)1919عفيفة ِ («الخ ْدر» ،)1919مريم الزمار («فتاة الوطن» صعب ،)1919جوليا طعمة دمشقية («الم أرَة الجديدة» ،)1921ح ُّـبوبة حداد («الحياة الجديدة» ،)1922 ماري يني («مينرفا» ،)1923أمينة الخوري المقدسي («مورد األحداث» « ،)1924روز اليوسف» (،)1925 و»المستقبل» أول جريدة سياسية تصدرها امرأة في شمال لبنان ،ثم «صوت المرأة» ( )1945مع جامعة نساء لبنان تعاقب على تحريرها فؤاد سليمان ثم إدفيك شيبوب. وختمت كالب حديثها بأن في مقاربة معاصرة أسماء تلك المجالت وأهدافها وفكرها وأَماكن صدورها ومراحل تاريخها ،تحفي اًز على قراءة جديدة تاريخ الم أرَة اللبنانية الفكري والحضاري الرائد. وفي حديث خاص بـ»الخليج» ،تناولت كالب بعض العوامل التي توافرت في القرن التاسع عشر وكانت «محبطة لقدرات المرأة بسبب القوانين العثمانية السائدة التي لم تسمح للمرأة أن تكتب أو تصدر أي مجلة ،أو توقع باسمها الصريح بحظر سلطاني ،وهذا ما جعل النساء ال يستطعن الكتابة أو يصدرن مجالت ،لذلك ذهبت النساء إلى مصر في القرن التاسع عشر ،ومن مصر أطلقت المرأة بتحد كبير نهضة نسائية صحافية هائلة رغم االمكانات القليلة لديها ،وأملها كان كبي اًر في أن تكون عنص اًر فعاالً بالنهضة التي كانت تجري في العالم العربي». وقالت عما سمح للمرأة أن تتمكن من التفلت من قوانين السلطات العثمانية أن «أغلب الصحافيات كن بنات عائالت من بيئة متعلمة ،األب واألم واألخوة كانوا إما يصدرون الصحف ،أو يكتبون روايات أو يكتبون أدبا، وشعروا أن لدى بناتهم الطموح والقدرة ،وعندما راحوا
إلى مصر ،وكانت العديد من الجرائد الرجالية تصدر، البنات اللواتي خرجن من بيوت علم وبيوت فيها طموح وبمساعدة األهل ،قدرن على تخطي الصعاب بمعرفتهن الكاملة والصحيحة للغة او اإلدارة وغيرهما ،وبمساعدة األهل الذين خصصوا لهن كبار االساتذة مثل ابراهيم اليازجي الذي درس الكاتبة ألكسند ار الخوري ،وهي كانت ذكية وفذة». بعض العوامل األخرى في النهضة النسائية الصحافية عرضتها كالب« :في القرن التاسع عشر جاءت العديد من اإلرساليات إلى لبنان ،فتحت مدارسها ،وكانت هناك مدارس وطنية ومدارس للطوائف .في هذه الفسحة الصغيرة التي كانت الفتيات يتمكن من الذهاب إليها، استطعن الذهاب إلى هذه المدارس ،وما يلفت النظر أن أغلبهن صحافيات وكن مترجمات ،وترجمن الكثير من أدب القرن التاسع عشر ،أي انهن درسن اللغات األجنبية ،وكل واحدة منهن كانت صحافية وأديبة و روائية ومترجمة في آن». كما عرضت كالب للروابط بين المجاالت المختلفة بقولها« :كان هناك حقل تالقت فيه الصحافة بالجمعيات النسائية التي أسست ،وبالصالونات التي أسستها النساء، والمؤتمرات التي كن يحضرنها ،كل هذه المواقع األربعة ساندت وبرزت بعضها إلعطاء صورة عن النهضة خصوصاً النهضة النسائية». وأوضحت كالب أن «كل صحافية وكل أديبة كان عندها صالون ،أبرزها صالون مي زيادة -صالون الثالثاء الشهير -وصالون ألكسند ار الخوري ،وصالون هند نوفل ..كل صحافية منهن كان عندها صالون مرادف لعملها الصالون األدبي .وكن يتحاورن ويتبادلن اآلراء، وكانت نقاشاتهن وأبحاثهن تنشر في صحفهن». عدد الصحافيات واألديبات أكثر من ٣٠صحافية برأي كالب« ،حيث لم تكن هناك أي وسيلة إعالمية غير الصحيفة ،وال وسيلة لقاء آخر للنساء غير الصالون في المنازل» ،خاتمة أن «تلك الخطوة للمرأة فيها جرأة كبيرة حيث كانت لها الخطابة والكتابة واألدب ،وهي كانت وسائل االتصال الممكنة للمرأة للمجتمع وللحداثة أيضا».
إصدارات
العدد 81أيلول 2013
19
احللم فالكابوس :حماولة لرواية ما مل ُي َ رو بعد من «التايتانيك»! مئة عام مرت على غرق السفينة األكثر شهرة في تاريخ البشرية (التايتانيك) ،مئة عام مرت ومئات الكتب ص ّوَرت ،من دون أن يتذكر صدرت وعشرات األفالم ُ أحد أولئك الناطقين بالعربية الذين ركبوا متنها ،أولئك الذين تحول حلمهم بالهجرة إلى الغرب كابوساً قادهم إلى الهالك. القصة التي ما زالت تشغل الناس إلى يومنا هذا ،قصة السفينة غير القابلة للغرق ،قصة الكارثة المروعة ،كارثة يرو القرن الـ .20ما زالت ناقصة! فهناك الكثير مما لم َ بعد .وها هي «ليلى سلوم إلياس» في كتابها الجديد (الحلم فالكابوس ـ السوريون الذين ركبوا متن التايتانيك)، تحاول لملمة الشذرات والتفاصيل من مزق جرائد هنا، ٍ لناج واتصال مع ابنة و أرشيف هناك ،مقابلة مع ابن ٍ لغريق ،لتصوغ وتستكمل حكايات تبدو أغرب من أي حكاية قد تسمعها. يبحث الكتاب الصادر عن (دار أطلس ـ دمشق ،بيروت) في قصص أولئك الذين غرقوا على متن التايتانيك أو الذين نجوا وتابعوا حياتهم وهم يتذكرون ليلة المأساة حتى آخر أيام حياتهم. تبدأ المؤلفة رحلة البحث من الشطر األخير من القرن التاسع عشر ،حيث البالد ترزح تحت وطأة االحتالل العثماني ،وتعاني الفقر والركود ،ومعظم شباب القرى في سوريا ولبنان يتركون قراهم ويهاجرون إلى الغرب أمالً في حياة أفضل متوقعة. تتابع المؤلفة في الفصل الثاني فتروي عن استعدادهم للسفر وتحضيراتهم له ،أما الفصل الثالث فقد خصصته لرواية قصص الناجين قصة قصة ،فتقتفي آثارهم من خالل الجرائد التي كتبت عن الحادثة وقتها ،ومن خالل مقابالت مع أبنائهم أو أحفادهم ،وحتى زيارة القرى التي هاجروا منها في لبنان وغيرها ...لتقص علينا قصصاً تبدأ من تحضيرات المسافرين والمسافرات للسفر وال
تنتهي عند النجاة من الكارثة بل تمتد إلى ما بعدها في محاولة لتوثيق حيواتهم وتوثيق اآلثار النفسية التي تركتها الكارثة عليهم. أما الفصل الرابع فكان مختصاً بالتقارير التي ُنشرت قدمت إلى جهات معينة ،تلك التقارير التي وضحت أو ّ تفاصيل غرق التايتانيك وتفاصيل ضحاياها من السوريين. في الفصل الخامس تنتقل المؤلفة إلى رواية القصة األكثر إيالماً :محاولة ركاب الدرجة الثالثة التسلل إلى قوارب النجاة التي كانت أفضلية الركوب فيها لمسافري الدرجتين األولى والثانية ،جعلتهم ينجون من الموت غرقاً ليموتوا رمياً بالرصاص من قبل ضباط السفينة.
«شهوة القيامة» اجملموعة الشعرية العاشرة لـ نعيم تلحوق
خصصت المؤلفة الفصل السادس لدور الجالية السورية في نيويورك ،ودور الصحف العربية والتقارير التي نشرتها في نيويورك. الفصل السابع الموسوم بـ»نشر المساعدات :الجالية تلم شملها» خصصته المؤلفة لتدوين وتسجيل جميع التفاصيل التي شكلت اللحمة بين أبناء الوطن الواحد في المهجر ،فعمدت إلى البحث واالستقصاء لتسجل لنا كيف تفاعل أبناء الجالية السورية مع المنكوبين وبدأوا بجمع التبرعات لمساعدتهم. ثم تتابع المؤلفة سرد حكايات ما بعد الكارثة في الفصل الثامن فتنقل األجواء التي سادت في القرى اللبنانية والسورية عند سماع نبأ الغرق ،وكيف ندبت األمهات أبناءهن وبناتهن ،والزوجات أزواجهن ،واألبناء أقاربهم. لم يبق بيت في القرى لم يفجع برحيل عزيز أو ٍ غال. ولذا تعمد المؤلفة في فصلها الثامن إلى توثيق قصص الركاب الذين قضوا في الكارثة ،فتجمع أكبر قدر ممكن من أسمائهم وتحاول التقصي عن قصصهم لتدرجها في الكتاب. ٍ بملف يحتوي صو اًر للركاب تنهي ليلى سلوم إلياس كتابها الناجين أو الذين قضوا ،استطاعت الحصول عليها من عائالتهم أو من أرشيف جرائد ذاك الزمن ،التي ما زال بعضها يصدر حتى اليوم في لبنان. أما لماذا كتبت هذا الكتاب ،فاإلجابة تحملها المقدمة التي كتبتها المؤلفة: «هذه القصة ليست جزءاً من تاريخ العالم فحسب ،بل جزء من تاريخ العرب وتاريخ قدومهم إلى أمريكا ...وقد أصبحوا جزءاً من تاريخ واحدة من أعظم الكوارث البحرية في العالم ،إذاً ال بد من أن تحفظ ذكراهم». ٍ مضن استغرقها خمس سنوات من العمل ،فقط بحث ٌ لتقول :لم ننسكم! إو�ن كل ما كان طي الكتمان لسنوات، سوف يرى النور اآلن في هذا الكتاب.
بصدور المجموعة الشعرية العاشرة «شهوة القيامة» يكون الشاعر نعيم تلحوق قد أنجز سلسلة «يغني بوحاً»، ـ»أظنه وحدي»، ّ العبارة الشعرية لمجلده الثاني ،والتي بدأها في العام 2001ب ّ «ألن جسدها»« ،شهوة القيامة» (هي وهو) ،وذلك بعد أن أنهى مجلّده األول «يرقص كف اًر»، ّ في العام 1985بسلسلة العبارة الشعرية والتي بدأت بـ»قيامة العدم»« ،هي القصيدة األخيرة»، «لكن ليس اآلن»« ،وطن الرماد»« ،هو األخير» (هي وهو). احتوت المجموعة الشعرية الجديدة «شهوة القيامة» على 28قصيدة جمعها الشاعر في لوحات ثالث :أولى بعنوان «سقوط الشهوة قبل التداعيات» وفيها أسئلة الوجود والحياة والمصير ،البداية والنهاية ،سقوط ،صدفة ،رؤيا ،شهوة القيامة ،ووصية .إلى اللوحة الثانية وهي بعنوان «احتمال الخروج من األمكنة» ،وقد جمعت بعض قصائد الشاعر في رحلته إلى ألمانيا وأوروبا واألمكنة التي زارها .وفيها قصائد :نجوم ،طريق ،بلد ،شجر النهايات ،غضب ... ،الى اللوحة الثالثة قص على عرش الكالم» وفيها تداعيات الشاعر مع األنثى وعناوين: التي وقعت تحت عنوان «ر ٌ إليها ،استدراكات ،مغفرة ،وال شيء يتركني هناك وقصائد أخرى ... ُّ تضج بوحشتي ،وينفرد ضجيجها بي ،كصمت مريب». يقول اإلهداء« :إلى ملهمتي التي الكتاب صادر في 96صفحة من القطع الصغير ،عن دار الفرات للنشر والتوزيع ،والخطوط للفنان علي عاصي. من أجواء الديوان: مرائين ودجالين بما ال ُي َعد، خ تفر أن تي ث لج يد حين أغيب ،ال أر ّ ّ ّ وال أن يتبادل شهود لعناء وصيتي، أريد لمن يجدني أن يكون بال اسم ،مثلي، ِ تؤدي إلى العراء ،أع ُده، فيحرقني عند أقرب طريق ّ سأترك في جيبي ما يكفي ،كي ينقل رمادي إلى موج البحر ،ويقول« :مات ال أحد»؟!
20 البيئة جتمعنا
متابعة
العدد 81أيلول 2013
نظام بو خزام :البيت البيئي اللبناني تفعيل السياحة البيئية •حاورته :سلوى صعب إزرافيل
رغم جمال الطبيعة في لبنان إال أن النظام البيئي ما زال يعاني من التلوث المزمن الذي يشوه المشهد البيئي في بلد يعتمد اقتصادياً على جمال طبيعته الغ ّناء التي تُشكل نواة الجذب السياحي ،وفي ظل عجز الحكومات المتعاقبة على إيجاد حلول ناجعة للمشكالت البيئية في لبنان كان ال بد من نشاط حثيث للمجتمع األهلي من خالل الجمعيات التي تُعنى بالشأن البيئي ،وتسهم بشكل فاعل في خلق حالة من التوازن وتحد من التدهور البيئي، البيت البيئي اللبناني أحد أهم المشاريع األهلية الناشطة في مجال حماية البيئة ،يضم مجموعة من الشباب الذين فرقتهم السياسة وجمعتهم البيئة في محاولة لخلق قاعدة نشطة تُعيد للبيئة ألقها، ولتسليط الضوء أكثر على هذا المشروع التنموي، التقت مجلة «تحوالت» الشيخ نظام بو خزام ،رئيس جمعية مؤسسة البيت البيئي اللبناني ،وكان معه الحوار اآلتي. •بداية ماذا يمكن أن تخبرنا عن مشروع البيت البيئي اللبناني؟
•تتضمن فكرة المشروع الذي يحمل اسم( ،البيت البيئي اللبناني) إنشاء بيت بيئي ضمن الجمعية ،ويشمل المشروع عرض العادات والتقاليد اللبنانية عند مختلف ويعنى بأمور الزراعة العضوية ،وبنك للبذور، الطوائفُ ، ومختبر للنباتات ،ومطعم بيئي ،وقسم لألشغال اليدوية بغية مساعدة النساء المحتاجات في المنطقة ،إضافة إلى حديقة حيوانات أليفة مصغرة ،ودورمات للسائحين لقضاء وقت لدينا ليتمكنوا من التعرف على البيت البيئي بشكل أكبر – أما الشق الصحي فهو شامل يتضمن دورات وورش عمل مستمرة ،ويوجد االن فكرة دورة تعليم حياكة النول ،اضافة الى دورات لغة انكليزية وكمبيوتر ورسم – وبالتالي نكون عم نبني ثقافة بيئية وتوعوية في المنطقة ،ونسعى لتحقيق رؤيتنا التي تهدف إلى بناء مجتمع ثقافي سليم.
•بالحالة الطبيعية لدى الجمعية استراتيجية جديدة كل ثالثة أعوام ،تسهم في رفع وتيرة العمل ،وأهمها التركيز على مفهوم البيئة ،والتثقيف البيئي ،وتكريس األخالق البيئية في المجتمع من خالل شعار أطلقناه هو( :بيئتنا أخالقنا) ،ومنه نمضي في طريقنا لتحقيق رؤيتنا للمشروع.
•ما هي األهداف والمرتكزات األساسية التي يقوم عليها المشروع؟
•سأجيب من حيث انتهى سؤالك ،يشكل هذا المشروع نقلة نوعية ضمن مجاله البيئي ومساهمته في السياحة، ولكن ذلك يحتاج للكثير ولن يأتي بسهولة ،إذ يلزمنا تحضيرات وتبرعات لدعم المشروع ،إضافة إلى القيام بجوالت وزيارات ،وكانت الخطوة األولى منذ شهرين بإطالق مؤتمر صحفي عن المشروع في (األونيسكو) برعاية السفيرة الدولية للبيئة (ك ارزيليال سيف) ،وبدأنا حالياً بمرحلة التنفيذ إال أن الوضع األمني المضطرب في البلد يحد من عملنا ويؤخرنا قليالً ،أما األهداف من المشروع فهي ترسيخ التوعية البيئية ،وتذكير اللبنانين باألصالة والعراقة التراثية اللبنانية ،ونشر التقاليد البيئية التي كانت موجودة بين كل الطوائف وممزوجة بين كل الطوائف .المعاناة اإلنسانية
المتعبة من قبلكم إلنجاح •هي االستراتيجيات ُ المشروع؟
•أي مشروع يحتاج لتضافر جهود ،فهل وجدتم مؤسسات مماثلة للتعاون معها ،وكيف ؟ •كما أسلفت المشروع يحتاج على جوالت وزيارات لخلق حاالت تعاون إيجابية ،وعليه تم التواصل مع عدة جهات محلية وعالمية ،وافتتحنا فرعاً خاصاً باسم (األرزة والزيتونة) في منطقة شارلو القريبة من مدينة ليون الفرنسية ،ونحن شركاء مع (فريدريش آفريت)، وأعضاء أداريين في الحركة البيئية اللبنانية ،وأعضاء للمجتمع اللبناني لحماية البيئة ،وعضو دائم للمؤتمر الوطني الدائم بو ازرة البيئة ،ومراقبين لوزراء البيئة العرب بجامعة الدول العربية ،ونحن متعاونون مع جمعية
اإلنماء االقتصادي في بعقلين ،وشركاء مع محمية (أرز الشوف) ،وأنا شخصياً عضو مؤسس باللقاء الروحي المتعدد الطوائف بالجبل ،وفي النهاية كل عمل بدون منافس أو شريك لن تشعر بأهميته وقوته.
•لكل فكرة محرض أو دافع وربما سبب تولد من خالله ،ما سبب اختياركم لهذه الفكرة؟
•هذا الكالم صحيح ،وفكرة هذا المشروع تمخضت عن عدة عوامل شخصية ،منها دراستي االكاديمية وهي التجارة ،إضافة إلى استشهاد والدي أثناء عمله باألرض حيث سقطت عليه قذيفة فارتقى شهيداً ،وكنت آنذاك أول من يراه ممداً على األرض ،كان عمري حينها 17عاماً، وكان للمشاعر دورها ،ومن بعدها فكرت أن أؤسس جمعية بيئية بعيداً عن الدمار والسالح ،وكانت (البيت اللبناني للبيئة) ،والقصد منها ان البيئة تجمع وتوحد، أما االسم فاخترناه ألن البيت اللبناني دائما مفتوح لكل الناس بمختلف جنسياتهم وطوائفهم ،وحقيقة توفقنا بعدة امور من سنتين قمنا بعمل ورشة عمل كانت بعنوان، (متنوعون متشاركون) ،وهي بين جيراننا في دير القمر واألقليم ،فتعرفوا على بعضهم ،وكونوا صداقات وروابط أسرية عميقة ،بعدها تم تأسيس اللقاء الروحي ،وبهذا نكون نعمل على تكوين بيئة سليمة نعيش ضمنها ومن خاللها نحيا بمحبة وسالم.
•مشروع تنموي يحتاج إلى تمويل ،كيف تمولون مشروع البيت البيئي؟ •التمويل معضلة بالنسبة لنا ،فال يوجد ممولين للمشروع ،ونأمل أن نحصل مستقبالً على دعم نستطيع من خالله االنطالق بقوة ،باستثناء ورش العمل التي تمولها شركة (فريدريش افريث) ألننا شركاء ،وتعتمد
العدد 81أيلول 2013
الجمعية على المتطوعين ،ولكننا نقوم بتقديم مشروع للفئات والمؤسسات المانحة ،وال يوجد لدينا عمل وظيفي بل عمل تطوعي ،ولكننا نقوم بتقديم مشروع للفئات والمؤسسات المانحة ،إو�ذا تم التوافق عليه نوظف لمدة ما ينتهي المشروع ،وتكون األولوية بالتوظيف لألعضاء المنتسبين للجمعية ،أما األعضاء الذين أنهوا دراستهم الصحية فيقومون بإعداد الدورات الصحية ،وبذلك هم يستفيدون ويفيدون غيرهم.
•بماذا ُيعنى البيت البيئي اللبناني؟
•البيت اللبناني للبيئة هو جمعية لها رؤية لبناء مجتمع بيئي سليم ،وهو متخصص بثالث مواضيع: .النفايات :نقوم بمشروع مهم جداً لمعالجة النفايات. .التربية البيئية -وهي تقوم بدورات وندوات وتأسيس نوادي بالمدارس والعمل مع جمعيات بهذا الموضوع. .التثقيف البيئي – أي األخالقيات البيئية ،وكيف على المواطن أن يتصرف ويكون لديه شرعة بيئية ،وكيف يعمل بشكل يومي بشكل مفيد للبيئة.
•ماذا تخبرنا عن النتائج التي حققها المشروع على أرض الواقع؟
•استطاع المشروع بناء قاعة تثقيفية للجمعية ،وهي أول قاعة بمنطقة الشوف بتمويل من البنك الدولي ومجلس اإلنماء واإلعمار ،وكانت أولى المناطق المستهدفة بالمشاريع التي تم تنفيذها ،ومن ثم قمنا بعمل دورة تخصصية في فرنسا تتعلق بفرز النفايات ،إضافة إلى حمالت التشجير والتنظيف الدورية ،وتم تأسيس 13 نادياً بيئياً في المدارس مستمرة بالعمل ،وناديين بقرى عنبال وعترين ،ونسعى حالياً لتأسيس نادي في اإلقليم وتحديداً في شحيم ،وأقمنا ندوات كثيرة متنوعة ومختلفة، وكل هذه النشاطات كانت تصب بأهداف بيئية.
•هل كان هناك نتائج حقيقية وملموسة للندوات التي أقيمت؟ •كانت النتائج مهمة وناجحة بشكل كبير من الناحية المعنوية ،أما من الناحية المادية فهي خجولة ،وال أخفيك تعرضت للسخرية حين بدأت المشروع ،حيث لم يكن مفهوم البيئة متداول بالشكل السليم ،بينما اليوم يوجد بلديات نتعاون معها والمجتمع المحلي يقصدك ،ونقوم بتوزيع السماد العضوي الى المزارعين ،وفي هذا العام تم التوزيع مجاناً ،وبعد 15عاماً اثبتنا وجودنا ،واثبتنا للعالم والمجتمع أن هدفنا البيئة وال نتعاطى مع السياسة ونحن بالجمعية من عدة طوائف.
•ما هي الشركات التي تتعاونون معها؟
•طبعاً ،أقمنا العديد من الشراكات مع جمعية (هيا بنا) فمن خاللها نقيم دورات اللغة االنكليزية ،ونحن شركاء مع المركز الثقافي الفرنسي.
•هل تستقبلون في الجمعية جميع الراغبين باالنتساب والعمل بعيداً عن أي حسابات أو توجهات؟
•نحن ال مشكلة لدينا تجاه أي إنسان ،فهو حر باختياره السياسي ،والبيئة تجمع كما أسلفت ،وأنا احترم أي شخص مهما كانت طائفته وسياسته ،والمهم أنه يعمل من أجل وطنه بالدرجة األولى ،وأساساً نحن في الجمعية من عدة طوائف وجنسيات وهذا ما يميزنا عن غيرنا.
متابعة
21
•هل تتابعون المنتسبين إلى البيت البيئي اللبناني بعد انتهاء دوراتهم التدريبية ،وكيف؟
•المنتسب إذا كان جامعياً او بالمدرسة نقوم بمساعدته بتخفيف األقساط ،وذلك ألنه محب للعمل االجتماعي، وقام بالمبادرة االجتماعية بشكل شخصي ،وجميع الطالب الذين يقدمون ساعات لدينا نقوم باعطائهم إفادة بعدد الساعات التي أمضوها معنا ،كما يحصل المنتسب على بطاقة انتساب إلى الجمعية ،وله حقوق وعليه واجبات ،وذلك ألنه ملتزم بميثاق اخالقي ،ونؤمن كثير من الوظائف للمنتسبين في الجمعية.
•هل يوجد رسم اشتراك معين يفرض على المنتسبين للجمعية؟
•نستقبل المنتسبين في سن 15سنة ،وال نمنحهم بطاقة انتساب حتى يبلغون 21سنة ،ألنه سن العطاء والقوة والشباب ،أما رسم االنتساب فهو 60الف ليرة لبنانية سنوياً ،نأخذ هذا المبلغ من المنتسب لكي نشعره بالمسؤولية ،وعندما يصبح عدد المتطوعين 15متطوعاً نقدم لهم دورة قيادة يتعلمون من خاللها ،كيف يكونوا قادرين على اتخاذ اي قرار؟ وما هي المراحل التي يقطعونها لتحقيق أهدافهم؟ ونكثف له ورش العمل إذا أراد أن يكون من الهيئة االدارية في الجمعية ونقدم له شهادة مصدقة بالعمل الذي قام به.
•هل يتضمن برنامج عملكم أنشطة ثقافية في إطار توعوي بيئي؟
•نعم يتضمن ،ونحن نحضر حالياً لعمل مسرحي يشارك به مجموعة من المنتسبين الهواة ،وتشرف عليه السفيرة الدولية (ك ارزيليال سيف) وهو من إخراج جون مكرزل وسيعرض خالل هذا الصيف ،ولدينا مشروع تعاون مع جمعية (الكويت لحماية البيئة) في دولة الكويت، والمشروع هو تبادل خبرات شبابية بين الدولتين ،وهذا
العمل يصب في التنمية الثقافية البيئية إذ أننا نعرف اآلخر عن عادات وتقاليد وثقافة لبنان ،حيث سيقيم المشاركين الكويتيين في بيوت الشباب اللبنانيين تسريعاً لعملية التواصل المعرفي ،ويصبح لدينا في هذه الحالة تواصل حقيقي ومميز بين الشباب العرب.
أدب
22
العدد 81أيلول 2013
«اجملتمعات اليت ختيفنا بشعة وال تنتج مبدعني»
ناديا بو فياض روائية لبنانية تدخل العاملية ناصرت القضايا االنسانية فأنصفتها العالمية .ناديا بو فياض روائية لبنانية دخلت العالمية بدخول روايتي «وكان الحب شهيداً» و»أبناء القدر» ،الى صرحين ثقافيين عالميين ،هما مكتبة جامعة ستانفورد ،في الواليات المتحدة االميركية ،ومكتبة جامعة تورنتو في كندا. بداية ،مبروك للكاتبة اللبنانية ناديا بو فياض دخولها العالمية ،ونتمنى لها المزيد من العطاء الفكري ،ومبروك للبنان وللعالم العربي ايضاً ،اللذين تعزز حضورهما في هذه المنابر ،بروايتين لروائية لبنانية. قيل عن ناديا بو فياض انها روائية يفيض قلمها بالقيم االنسانية ،غزيرة بصورها ،تعبر عن فكرتها بمزيج من الفلسفة والشعر ،وتختلط لديها السياسة بقضايا المجتمع ،تقدمها بأسلوب مشرق جذاب يتنقل بين السرد والشعر والفلسفة ،في معالجة عميقة للقضايا السياسية واالجتماعية ،وتصور الواقع كما هو من غير مواربة. ابرز ما تتميز به هذه الروائية انها تثير اشكاليات في كتابات هادفة ،تحمل القارئ على طرح اسئلة على نفسه، تخربط مفاهيمه ،وتجبره على إعادة ترتيب قناعاته في حياته وفي الحياة. كان واضحاً منذ صدور رواية «وكان الحب شهيداً» للكاتبة ناديا بو فياض ،وهي روايتها االولى ،انها تتقدم بخطوات ملموسة في عالم الرواية .هذه الرواية ،التي قال فيها الكاتب المدير العام السابق لتعاونية موظفي الدولة انور ضو ،انها شكلت لها مدخالً رائعاً الى عالم االدب،
دخلت فور صدورها الى مكتبة الجامعة االميركية في لبنان ،ثم الى مكتبتها في الكويت ،ثم برزت كإحدى افضل الروايات التي عرضت في معرض الكتاب الدولي في الكويت ،في العام ،2008ثم دخلت مؤخ اًر الى مكتبة جامعة ستانفورد ،في الواليات المتحدة االميركية. رواية « وكان الحب شهيداً»صادرة عن دار بيسان للنشر والتوزيع -لبنان ،وتقع في 285صفحة من القطع المتوسط. رواية «ابناء القدر» ،صدرت في العام ،2010وحازت اهتمام اهل الثقافة سريعاً .قدمت فيها ناديا بو فياض طرحاً اشكالياً جريئاً حول الهوية .نق أر في الرواية..« : كأن بعض المفاهيم تحبسنا في سجون ذهبية ،وما فائدة مذهبة ...ما ابشع المجتمعات السجون حتى لو كانت ّ والمفاهيم التي تخيفنا ...ما أبشع ان نخاف .»...تشترك
ناديا بو فياض مع جبران خليل جبران في ثورتها على الموروث الذي يحاول ان يقولب االنسان في المتجمد ،وتدعو الى «الحرية التي من دونها ال قالبه ّ مكان ألي إبداع ،»...وتقول «ان االبداع والخوف ال ويستشف من كتاباتها ان المجتمعات التي يتجاوران»ُ ، تخاف لن تنتج مبدعين. على صفحة الغالف كتب الناشر ،انه يتوقع ان تثير هذه الرواية جدالً في االوساط الثقافية ،إذ يصعب على مجتمعاتنا العربية أن تتقبل السؤال الجريء الذي تطرحه حول الهوية. «ابناء القدر» روايات في رواية ،تقود القارئ من دسكرة صغيرة في لبنان الى كندا ،ثم الى الكويت والعراق والواليات المتحدة ،وتأخذه الى عوالم مختلفة ،تثير فيه الدهشة والمتعة ،لتنتهي به الى طرح االسئلة الصعبة على الذات. ُمنعت رواية «ابناء القدر» في السعودية وفي الكويت، وربما كان هذا المنع سبيالً اضافياً لشهرتها .صادرة، كما رواية «وكان الحب شهيدا» ،عن دار بيسان للنشر والتوزيع ،وتقع في 385صفحة من القطع المتوسط. للكاتبة ايضاً ،اصدار شعري بعنوان «كوني انت»، صادر ايضاً عن دار بيسان للنشر والتوزيع ،في العام .2000عملت وتعمل في حقل االعالم ،متنقلة بين الصحف والمجالت واالذاعات ،ومحطتها االخيرة في عالم التلفزة .شغلت مناصب عدة رفيعة في لبنان والخارج ،أهمها صفة مستشار اعالمي.
زيتوني والذيب ضيفا أمسية يف منتدى حتوالت •فراس الهكار أقام منتدى «تحوالت» أمسية شعرية شارك فيها الشاعران ،وليد زيتوني وأمين الذيب ،وحضرها عدد من المهتمين بالشأن األدبي والثقافي. افتتح الشاعر وليد زيتوني األمسية موضحاً أن الشاعر هو ذاك المتشرد الباحث عن مفردة تائهة في فرح األطفال ،وشوق المحبين ،وارتحال الطيور ،ونبض الشارع ،ونزيف الشهداء. ورأى زيتوني أن القصيدة هي المفردة والحالة المغايرة واللحظة الشاذة االنتقائية مؤثرة ومتأثرة تبحث عن مكان لها في القاموس العام فال تجده ،تبحث عن العام انطالقا من الخاص وتعبر عن الخاص بما هو عام ،وقال: جئت حامالً سالمي الطريق طويل طويل والزمن الرمادي قاتل حين صار األنبياء بيارق ملونة على أسنة الرماح جيوش القبائل حشود العشائر تحتل كل مطرح وساح لم يبق من الحضارة إال حفنة من رياح وأكد زيتوني أن للشعر سطوة خارج المعقول ،حيث يعالج ما يتعذر على المنطق عالجه ،فيقونن التمرد ويقولب الجنون ويكشف المستور ويستر المكشوف. في زمننا المعيش الحضارة خرجت عن منطقها االيماني خرجت عن منطقها حتى الجاهلية خرجت عن منطقها...
وقال: كلما امتدت في السماء فروعي تغلغل في جذوعي اليباس أنا شجرة الدر وكيلة اهلل ساحرة الناس قتلتني مداسات المماليك وأضاف الشاعر ،عندما نفشل في إيجاد المفردة المطابقة ،المعبرة عن حالة زمنية معينة نبدأ بعملية اقتراب غير مباشر باستخدام أشكال أخرى .نحاول من خالل التصاوير والرسوم التعبيرية اللغوية ،أن نجد بديالً عن هذه المفردة ،وقال: خذيني الى حيث ينكسر الحب على أبواب خيمة وتتعرى الشمس لحظة الذهول خذيني الى حيث الكالب تطارد بقايا الوفاء وينعب فوق المكان غراب خذيني الى حيث الشرايين تعطي الوديعة دون حساب ألرسم فوق التراب خريطة أمة الذيب أما الشاعر أمين الذيب فقد أكد أن اللغة كائن حي ينمو ويموت ،وأن الحضارة حيوية الشعوب ،والوطن األرض واإلنسان ،والحرية معنى الوجود ،أما اهلل والشعر فهي مسائل غير محسومة ،وقد قال: أفرغت كأسي مثنى وثالث ورباع أدمنت إشراقي بك
حتى الضياع كيف أغفو وعاشق في داخلي يطوي الزمان مضاعفاً إن جاع ورأى الذيب أن القرآن جاء بحداثة في النص تخالف نمط الخليل بن احمد الفراهيدي ،وقد تغافل عنها األعراب وما زالوا ،وآثروا البقاء في الماضي المألوف حتى ولو ذهبوا إلى آخر اإلبداع أو آخر الطواف فلم يتذكروا أن اهلل جاءهم بكالم جديد ليس فيه رتابة ،وقال: أوضب ما تبقى من حقائب انكساري أحمله ضباب الروح وانتظر شراعاً ماجناً كي ّ واشتياقي لفضاء فيه عينيك وأبحر حيث أنت تاركاً كل المنافي وأرسو في أحضانك فهناك صارت دياري اختتمت األمسية بمناقشة القصائد التي ألقاها الشاعران، وتباينت اآلراء حول ما ألقي مما أضفى على األمسية حيوية زادت من ألق الكلمات.
شعر
العدد 81أيلول 2013
23
نــوافذ على الضوء... بالد لم تجدها على الخارطة ٌ
جـــدل في جدل ما قبل الماء األول، بتوقيت العمر المستيقظ متأخ اًر، شعوب تدحرجت ْ ٌ ِ من شقاوة عينيه على جسدها، كأنها ريح الماضي الخاوي تنثر جزيئات أنوثتها ُ فوق أنقاض الوصايا المقدسة لتبحث عن طفولة يتيمة في تفاصيل الظلمة، لتخلق كائنات برسم الحياة، في سماء ٍ حلم ربما يخطئه الكسوف.
إجهاض
أوتيت من موت بكل ما ْ آخر، تعلن نفسها خلقاً َ ال يفتنها طباق أو جناس، رف االنتظار وحيدة على ّ لمن يفك أزرار لغزها، لمن يهدر رهبنتها، كل غواية في شرع الطهارة لست أنوثة تغريك شهوتها بعد احتباس جوع، قد تقولُ : أو دوار شوق، ولست مجرد قطب أذابه عصف استواء، أو هزيمة طاردها ذكر الخلود محض نزيف يعلن والدتك أنا ُ
أنــــوثة
لن أردم أنوثتي تحت تربة الغياب، سأرفع حائط الضوء في وجه األوج، لن أسرق خيوط الشمس ألطعم صغار دمعي. َّإنما عدتي من الصباحات وعلب الحبر السائلة سأجمع ّ كأنت على خدي، يا ابن جلدي، في أقرب نسيان سأسير على سطح نسائك، سأالقي غربةً ما تفرش لي سجادها العاري من الوطن.
يشتد بي األزرق يكبرني بعشرات القبل، بمئات األقداح. لت ما ز ُ كلّما الح موجه عن َولَ ٍه األزرق اشتد بي ّ ُ ألُطبق شفاهَ الجنون على عتبة سمائه: عم بح اًر أيها المعنى سماء أيها الضياء عم ً
•الشاعرة السورية صبا قاسم
ذباح شوقك ُ في حبات الرمل في الحصى في الخضرة المستحيلة في المسا في تعاريج الطريق الطويل في خجل بنات بالدي إفصاح تلميح و ٌ ُ ِ للصميم متيمون أهل الشام ِ بساتين مرج يعاندون الجور باللين تفاح در ٌ اق و ُ مسجون يهيم القلب ٌ تاح أصفاد ٌ تحبس تر ُ ُ هواء الشام لي كفني مفتاح ولالصفاد ُ هذي الشام تنادي كل من راحوا بالدي بالد الحرن و الفرِح خوف فيها ٌ اح فيها ٌ موت و أفر ُ فيها من كل ما نجود لها فمن للشام بعد الحب؟ أشباح! ُ من للشام؟؟ نحن لها.. تجتاح تضج الروح ُ ذباح بالدي شوقك ُ عرفنا قصور الكون تاح لكن على ترابك نر ُ
•خلدون م .ريس
بالد لم تجدها على الخارطة ٌ ِ ٍ محيط النسيان مفقودة في كجزيرٍة وضوءها ..لكن نجمةٌ لها هويتُها ُ ال تصلُها األيدي ٍ منعزل عن التاريخ والمؤرخ والصارخ والمستصرخ بقيت في ِ ِ األنباء و القيد زحمة بالد نسيها أهلها في ٌ السموم تمألها وليالها بالد ٌ ُ لتشعل الدموع في االحداق كالجمر َ وأنا أمشي عشوائياً في األزقة المر كحياتي وموتي ّ ٍ ٍ أحد و يسألني بلغة مشتقة من لغتي فيوقفني ٌ األفصح ويظنها ُ يسألني :ما هو اسمك وما تفع ُل أجيبه ال اسمي لي شاعر تائهٌ في بلدي أنا ٌ أتجول تحت ضوء القمر ّ لعلي أجد ذريعةً أكتب فيها قصيدةً وكل شيء تخلى عني شيء لي سوى هذه الرياح الحارة فلم يبقى ٌ ئتي وأحالمي و الغبار الذي ّ يتجول في ر ّ فل تشاركني؟ ألقاسمك الغبار والرياح.... فيضحك مني ويحسبني مجنوناً علي و يمر ورّبما ُ يشفق َ بالد وفي أحيائها ٌ وقبل النطق بالكالم و تفتّح العيون وبين االبواب والجدران المتعبة من حمل الوجدان والمرهقة كالجفون يعلّمك الزمان إما أن تكون شاع اًر إو� ّما أن تكون مجنوناً بالد وفيها من الجمال ما يهزم التعب ومن الالشيء ومن ٌ الهوية و الالهوية أشياء ..هوية تصير عند مالمستها ففيها ٌ وكأن من في البالد استدوعوا الهوية في األشياء ّ خشية إن ماتوا تتخلدوا األرواح بالد وفيها مشيت تحت أقو ِ اس ٍ جسر ٌ ِ القرن على عمره يكتمل لم ُ كل العناوين دون إيضاح لكنه يحمل َ وعندما صارت خطاي عليه بأن األقواس ليست أقواس حديد أحسست ّ بل أقواس قزح رغم غياب األلوان تصير قاب قوسين أو أدنى وهناك ..عند ملتقى األقواس ُ من إنتهاء المادة فاألول يحملني إلى الفردوس و في الثاني مألت من األبدية األقداح شامخ شيدته األيدي رافع الر ِ أس بالد وفيها جب ٌل ٌ ٌ ليكون شاهداً على التاريخ منذ ما ُد ّون التاريخ وكأن معمار الزيغورات كان شاع اًر َ ٍ ٍ عمودية من خمسة أبيات تُق أر بالعكس كقصيدة ألني أراه فالبيت األول ينبت من األرض ثم الثالث ثم يعلوه الثاني َ َ أما الرابع قد ضاع في العدم ّ والخامس حينها قد ذاب في الدم
•يوسف السرخي
24
مشهد «وجه أمي» معرض للفنان السوري مجعة الناشف يف قصر األونيسكو
•ديمة مرشد
أقيم في قصر األونيسكو ببيروت معرض الفنان والنحات الفراتي جمعة الناشف حيث أزاح الستار عن 40عمل فني طغت عليها التعبيرية الرمزية ،ونحو 15عمالً نحتياً من الرخام والصخر .بحضور نخبة من الفنانين والمهتمين بالشأن الثقافي .يضفي اللون األخضر على لوحات الفنان جمالية خاصة ،ويبث المعرض الذي حمل اسم« :وجه أمي» األمل في نفوس من يبحر في اللوحات واخضرارها الطاغي. وقال الفنان جمعة الناشف في تصريح خاص لـ«تحوالت» :وجه أمي وجه سورية ككل ،أمي الكبرى، وجه أمي العطاء الحضارات والتاريخ والرساالت السماوية التي انطلقت من سورية ،وجه أمي األبجدية المسمارية أوغاريت والموسيقى وأورنينا كل المبدعين هم وجه أمي. ويضيف الناشف ،حاولت من خالل اللون األخضر الذي اعتمدته في لوحاتي إيصال رسالة الخير والعطاء والمحبة والسالم ،يكفينا ويكفي وطننا ما عاناه من خراب ،تعبنا من الدمار من الموت لذا حاولت استحضار كل األشياء الجمالية في األرض السورية ،وسورية هي بلد العطاء عمرها الضارب في عمق التاريخ يجعلك تؤدي الرسالة بأمانة تجاه بلد عمره أكثر من 10آالف عام قبل الميالد. وحول رمزية األسماك يوضح الفنان أنه يرمز باألسماك إلى بالد ما بين النهرين دجلة والفرات ،وقال :أنا ابن الفرات ومدلوالت السمك كثيرة منها استمرارية الحياة التكاثر والخصب إنما وظفته في لوحاتي للرمز إلى بالدي. ويؤكد الناشف أنه لم يتأثر بأي تجربة فنية ويسعى لصناعة أسلوبه الخاص ،ويرى أن عين الناقد هي التي تستطيع أن تجسد اللوحات التي أرسمها. ويدعو الفنان جميع السوريين إلى العمل على إرساء السالم ونشر الخير والمحبة في بلد الحضارة ،ويحاول جمع الوجوه كلها في وجه واحد هو وجه أمي ،ورمزية اللون األخضر من خالل الرموز التي تؤلف بين القلوب أوراق الزيتون والعمارة التاريخية والبناء والموسيقى العربية العريقة واألصالة التي تتجلى في الحروف المسمارية العربية الذي يزين اللوحات. الجدير بالذكر أن الفنان جمعة الناشف من مواليد الفرات في مدينة الرقة سوريا عام ،1969وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين ،حائز على عدة جوائز في مجال النحت منها جائزة في مهرجان بصرى عام 1985وله العديد من المشاركات في المعارض الفردية والجماعية في النحت والرسم.
العدد 81أيلول 2013