العدد:82

Page 1

‫شهرية ‪ .‬فكرية ‪ .‬ثقا فية‬

‫ص‪.‬ب ‪ 113 -7179‬بيروت‬ ‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬ ‫‪ 2 4‬صفحة‬

‫‪ 2000‬ل‪.‬ل‬

‫‪w w w. t a h a w o l a t . n e t‬‬

‫  •عرس البربارة في الحمرا‪ :‬فرحة في زمن الفوضى‬

‫هل كان موسى عربانيا أم هو فرعون اخلاسر؟‬ ‫ً‬ ‫يهودا إلنقاذهم أم قاد أتباع أخناتون!‬ ‫وهل قاد‬ ‫سليم سامل‬ ‫‪5‬‬

‫حوار مع الروائية سحر خليفة‬ ‫منري احلايك‬

‫جيوبوليتيك الطوائف ‪ -‬وليد زيتوني‬

‫‪7‬‬ ‫مبـادرة وحـدة القومييـن‬

‫‪12‬‬

‫لتفعيـل دورهم فـي ّ‬ ‫الصـراع لتحـرير األرض واملواطن‬

‫‪16‬‬


‫منرب‬

‫‪2‬‬

‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫التحديات اآلنية وموجبات العمل‪..‬‬ ‫  •زهير فياض‬ ‫ان تسارع وتيرة األحداث في بالدنا‪ ،‬من تطورات‬ ‫الوضع المآساوي في الشام الى التفجيرات األكثر‬ ‫مآساوية في العراق‪ ،‬مرو ارً بحالة الال استقرار‬ ‫التي يعيشها لبنان والتي ترقى الى مستوى الحرب‬ ‫النفسية التي أرهقت اللبنانيين وأدت الى حالة‬ ‫من الجمود على مختلف المستويات السياسية‬ ‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وصوالً الى خطورة‬ ‫ما يجري في فلسطين من تهويد لألرض وبناء‬ ‫المستوطنات وتهديد المعالم الدينية من مسيحية‬ ‫ومحمدية بالهدم والتدمير الممنهج وسط حالة من‬ ‫فقدان التوازن الداخلي على مستوى أمتنا وحالة‬ ‫من الصمت المريب والم ِ‬ ‫خجل في آن في عالمنا‬ ‫ُ‬ ‫العربي واالسالمي‪.‬‬ ‫في ظل كل هذه التداعيات التي نعيشها يومياً‪ ،‬ثمة‬ ‫أسئلة تطفو على السطح حول المستقبل والمصير‬ ‫واتجاهات المستقبل؟‬ ‫أسئلة تمتلك مشروعيتها في ظل حجم المخاطر‬ ‫وهول األحداث التي نعيش وقائعها اليومية بكل‬ ‫مآساويتها وسوداويتها وقساوتها وآثارها على‬ ‫االنسان حاض ارً ومستقبالً‪....‬‬ ‫أسئلة تتناسل وتتشعب في الزمان والمكان‪ ،‬لتفرض‬ ‫على كاهلنا تحديات االستجابة واالجابة لمضامين‬ ‫التحديات التي تطرحها‪....‬‬

‫المدير المسؤول‪ :‬سركيس أبو زيد‬ ‫إدارة التحرير‪ :‬زهير فياض‬ ‫مدير التحرير‪ :‬زاهر العريضي‬ ‫العالقات العامة‪ :‬عائدة سالمة‬ ‫اإلخراج الفني‪ :‬نينار األعسر‬

‫فاألسئلة ليست اال بداية الطريق على مستوى العقل‬ ‫والفعل اليجاد الحلول وتلمس طريق الخالص من‬ ‫هذا المستنقع اآلسن الذي نتخبط فيه‪....‬‬ ‫ماذا بعد؟؟؟ سؤال محوري مركزي يقفز الى الذهن‪...‬‬ ‫معطوفاً على سؤال موجبات العمل باتجاه االنعتاق‬ ‫من هذه المساحة المظلمة وتلمس الطريق الى‬ ‫نهاية النفق‪...‬‬ ‫بالرغم من كل سوداوية الصورة‪ ،‬اال أن قراءة‬ ‫موضوعية وذاتية معمقة لخارطة توزع القوى على‬ ‫مساحة الصراع األساسية وعلى امتداداتها االقليمية‬ ‫والدولية‪ ،‬تجعلنا أكثر ثقة بأننا نمتلك عناصر قوة‬ ‫ال بد من ترتيبها وتصنيفها وتنظيمها وتوظيفها في‬ ‫معركة الحفاظ على الوجود‪.‬‬ ‫بالطبع‪ ،‬ثمة مخاطر حقيقية ما تزال حتى اللحظة‬ ‫تتهددنا‪ ،‬وثمة تهديدات واقعية ال بد من جبهها‬ ‫معقود‬ ‫والتصدي لها‪...‬اال أن الرهان األساسي‬ ‫ٌ‬ ‫وبنى سياسية واقتصادية‬ ‫علينا شعباً ومجتمعاً وأم ًة ً‬ ‫واجتماعية‪ ،‬وقوى حية ال بد في النهاية أن تأخذ زمام‬ ‫المبادرة وتقلب كل الموازين والمعادالت الستاتيكية‪،‬‬ ‫تعب َر تعبي ارً أصيالً وأميناً عن الدينامية الحقيقية‬ ‫وأن ّ‬ ‫التي يختزنها هذا الشعب بكل مكوناته‪...‬‬ ‫ان قدرة انساننا على المقاومة هائلة‪ ،‬وأحداث‬ ‫العقود األخيرة منذ نكبة فلسطين الى يومنا هذا ‪،‬‬

‫هيئة التحرير‪:‬‬ ‫نجيب نصير‪ ،‬نجاتي ميداني‪،‬‬ ‫أسماء وهبة‪ ،‬عبير حمدان‪،‬‬ ‫يامن الدقر‪ ،‬أدهم الدمشقي‪،‬‬ ‫سالم الزبيدي‪ ،‬نادي قماش‪،‬‬ ‫عامر مالعب‬

‫شاهد حي على هذه القدرة على الصمود واستيعاب‬ ‫ٌ‬ ‫الضربات والصدمات والنكسات‪ ،‬بيد أن السؤال الذي‬ ‫يرتسم اليوم في األذهان يتصل بتوقيت االنتقال‬ ‫من حالة الدفاع الى الهجوم المعاكس لتحقيق‬ ‫االنجازات االيجابية على مستوى دحر المؤامرة‪،‬‬ ‫وافشال الخطط المعادية‪ ،‬وفرض خططنا ومشاريعنا‬ ‫ورؤيتنا وأحالمنا في الواقع المرتجى لهذه األمة‪...‬‬ ‫ال يكفي رصد مخططات األعداء‪...‬حان الوقت‬ ‫لوضع مخططات البناء واالنشاء والتعمير الذاتية‬ ‫التي نطرحها نحن على أنفسنا وعلى شعبنا‬ ‫من أجل بناء الدولة والمجتمع وقبل كل شيئ‬ ‫«االنسان»‪...‬‬ ‫أما خارطة الطريق فواضحة ‪...‬المقاومة أوالً‪...‬أي‬ ‫بناء المجتمع المقاوم على قواعد وطنية واضحة‪،‬‬ ‫وتزخيم الفعل المقاوم ورفد حركات المقاومة بكل‬ ‫مقومات االنتصار ‪...‬وكذلك ايالء االصالح األهمية‬ ‫القصوى‪...‬واعادة طرح البرامج االصالحية الشاملة‬ ‫في السياسة واالقتصاد واالجتماع والثقافة والتربية‬ ‫على قواعد ومرتكزات االنتماء الوطني والقومي‬ ‫المدني‪...‬والدفاع عن هذه البرامج وتفعيلها في‬ ‫كل مستويات الممكن‪...‬‬ ‫وايجاد األطر المالئمة لقيادة المرحلة حاض ارً‬ ‫ومستقبالً‪...‬كي ال تتجاوزنا األحداث‪...‬‬

‫تصدر بالتعاون مع مكتب الدراسات العلمية برئاسة منصور عازار‪ ،‬بيت الشعار‪ ،‬المتن الشمالي‬ ‫تلفاكس‪04914510 :‬‬ ‫تصدر بموجب قرار رقم ‪ 82‬تاريخ ‪ 1981/7/6‬صادر عن و ازرة اإلعالم في لبنان‬ ‫الناشر‪ :‬دار أبعاد بيروت ‪ -‬شارع الحم ار ‪ -‬بناية هيونداي ‪ -‬ط ‪4‬‬ ‫هاتف‪71341622 /01751541 :‬‬ ‫توزيع‪ :‬الناشرون بيروت ‪ -‬مشرفية سنتر فضل هلل ‪ -‬ط ‪4‬‬ ‫هاتف و فاكس‪ 01277088 /01277007 :‬خليوي‪03975033 :‬‬

‫دمشق مكتب عائدة سالمة لإلخراج الفني والتحضير الطباعي ‪ -‬عدوي خلف دار الشفاء ‪ -‬سعر العدد ‪ 25‬ل‪ .‬س‬ ‫تيليفاكس‪ 44426588 :‬خليوي‪E- mail:aydasalameh@yahoo.com - 0933331402 :‬‬ ‫المواد المنشورة تعبر عن رأي أصحابها وال تعبر بالضرورة عن رأي المجلة‬ ‫لإلشتراك و اإلعالن االتصال على ‪www.tahawolat.net 01751541‬‬

‫‪mail@tahawolat.net‬‬

‫‪www.khabaronline.com‬‬ ‫أبعد من الخرب‬


‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫منرب‬

‫‪3‬‬

‫االسرتاتيجية السورية تنتصر وتستعيد ملحمة تاريخ‬ ‫  •منصور عازار‬ ‫تسجل فلسفتنا التاريخية العميقة أن ال نهضة يمكن‬ ‫تستمد روحها وقوتها من تاريخ شعبنا‬ ‫تحقيقها إن لم‬ ‫ّ‬ ‫السياسي والثقافي والقومي‪ ،‬وفي رأس هذا التاريخ‬ ‫الروحي لشعبنا ملحمة انتصار الخير على الشر‪ ،‬خيرنا‬ ‫نحن على شرهم هم‪ ،‬في معركة إنسانية مستمرة‪.‬‬ ‫تستعيد سوريا اليوم قيمة هذه الفلسفة وتسطر ملحمة‬ ‫استراتيجية تاريخية جديدة بانتصارها المذهل على‬ ‫استراتيجيات أعدائها الكثر في حرب كونية عليها‬ ‫قادتها الواليات المتحدة األميركية ومعها معظم دول‬ ‫أوروبا مباشرة وبالواسطة‪ ،‬بحيث لم يتمكنوا من تحقيق‬ ‫أهدافهم بإخضاع سوريا لسيطرتهم‪ ،‬وهذا يعود إلى‬ ‫إرادة السوريين وثباتهم وتماسكهم مع قيادتهم صفاً‬ ‫واحداً في مواجهة المؤامرة الخطيرة‪ ،‬وقوة الجيش‬ ‫السوري الملتزم بعقيدة وحدة سوريا الدولة واألرض‬ ‫والشعب والمؤسسات للحفاظ على سوريا منيعة‪ ،‬ونسيج‬ ‫تحالفات عالمية أمنتها الدولة السورية مع روسيا‬ ‫فعدل‬ ‫إو�يران والصين والبرازيل والهند وجنوبي أفريقيا‪ّ ،‬‬ ‫وجهة الحرب على سوريا إلى هزيمة ألعدائها الذين‬ ‫خطّطوا لحرب التخريب بعصابات مسلحة مستوردة‬ ‫حشدوها ومجهزة بكل وسائل الفتك والقتل والتدمير‬ ‫واستباحة المحرمات والقيم التاريخية لشعبنا من كل‬ ‫لسان وأمة من كل أنحاء العالم‪ ،‬حيث ينتشر الفقر‬ ‫والخرافة واإلحباط والنقمة على الواقع‪.‬‬ ‫هذه صورة إجمالية مكثفة لواقع العدوان الدولي على‬ ‫بالد الشام والذي دفنته إلى غير رجعة إرادة الشعب‬ ‫السوري والجيش السوري والقيادة السورية وسقط‬ ‫جبابرة العدوان وشخوصه غير مأسوف عليهم في شر‬ ‫ما ارتكبوا‪ ،‬وأخذوا يدفعون تقسيطاً ونقداً فشلهم الذريع‬ ‫من سمعتهم ورصيدهم الدولي وفي شعوبهم وصوالً إلى‬ ‫إجبارهم على التنحي والخسران‪.‬‬ ‫هذا االنتصار التاريخي السوري االستراتيجي م ّكن‬ ‫سوريا حالياً من استعادة المبادرة في الميدان العسكري‬ ‫والداخلي السوري وفي ميدان التنازع الديبلوماسي‬ ‫واالستراتيجي في المؤسسات الدولية وعلى مستوى‬ ‫العالم‪ ،‬فعزز هذا االنتصار مكانتها وعزز شرعية الدولة‬ ‫الوطنية والدولية كدولة تاريخية راسخة وشخصية قومية‬ ‫متميزة رائدة واستعادت االحترام الدولي‪ ،‬فأصبحت سوريا‬ ‫في موقع تفاوضي قوي جداً في مناورات المفاوضات‬ ‫الدولية القائمة س ارً وعلناً إليجاد الحل العادل والمطلوب‬ ‫تحقيقه في جنيف ‪.2‬‬ ‫وللتاريخ نسجل للمرة األولى تفرض سوريا نفسها‬ ‫شريكاً أساسياً في االستراتيجية الدولية آلسيا الغربية‬ ‫شريكاً ال يمكن االستغناء عنه وال يمكن تجاهله‪ ،‬بحيث‬ ‫غدت معيار مستقبل الشرق األدنى كله وواقعه‪ .‬بينما‬ ‫كانت المؤامرات الدولية علينا تتم خلف الكواليس بمعزل‬ ‫عن أي دور لنا فيها‪ ،‬فنكون الضحية الوحيدة دائماً‬ ‫وموضوع التقسيم الوحيد دائماً‪.‬‬ ‫االنتصار السوري وضع حداً نهائياً لفلسفة الضحية‬ ‫ويثبت هذا االنتصار‬ ‫السورية مرة واحدة إو�لى األبد‪ّ .‬‬ ‫من جديد القاعدة الذهبية في الحياة الدولية وهي أن‬ ‫القوة هي القول الفصل في معارك التسويات‪ ،‬وأن ال‬ ‫مصير للضعفاء سوى الهزيمة وال مصير لألقوياء‬ ‫سوى االنتصار‪ ،‬فمن اعتاد أن يكون ضعيفاً حكم على‬

‫يقرر أن يكون قوياً ويعمل لتعضيد‬ ‫ومن ّ‬ ‫نفسه بالذ ّل‪َ ،‬‬ ‫القوة العامة في الشعب‪ ،‬قوة مادية وفكرية واقتصادية‬ ‫قرر انتصاره قبل‬ ‫ونفسية وسياسية وعسكرية وأخالقية‪ّ ،‬‬ ‫أن يحارب‪.‬‬ ‫ويبدو واقع األقوياء المنتصرين وواقع الضعفاء‬ ‫المهزومين جلياً في رقعة الشطرنج السورية والدولية‪،‬‬ ‫وهو ما يعبر عنه واقع تبدل المواقع الدولية بعد الحرب‬ ‫على سوريا عما كان قبلها‪ ،‬ففي قطر حصل تغيير‬ ‫تنح إجباري‬ ‫جذري على مستوى قيادة اإلمارة بصورة ٍّ‬ ‫وكف صالحيات‪ ،‬وفي تركيا ارتباك وتشوش‬ ‫وعزل‬ ‫ّ‬ ‫كبير وبداية التفاف لمواكبة التغيير ونقل األقدام من‬ ‫نسق إلى نسق‪ ،‬لكن ببطء‪ ،‬وهذا كشف المملكة العربية‬ ‫السعودية في شدة عدائها وحقدها البدوي على الشعب‬ ‫السوري ومكانته وقيادته ومقومات الحياة في سوريا‬ ‫كلها‪.‬‬ ‫وتلفت المتابع المدقق ظاهرةُ تكالب القوى الغربية‬ ‫والعربية الصهيونية‪ ،‬وهي ظاهرة غريبة بالفعل عن‬ ‫قيم اإلنسانية الراقية‪ ،‬اجتماع معظم العالم الصناعي‬ ‫الغربي على شعب ٍ‬ ‫نام عريق في قيم وتاريخه‪ ،‬متماسك‬ ‫في وحدته‪ ،‬مندمج في مكوناته‪ ،‬قاهر كل المحن التي‬ ‫عصفت به‪ ،‬تحالف دولي ليخرب نسيجه االجتماعي‬ ‫بما استقدم من فلول شبه بشرية بوهم ديني وخرافي‬ ‫وليدمر كل بناه المدنية التحتية والفوقية كافة ويعيده‬ ‫إلى مرحلة نمو بدائية‪ ،‬بالمجازر والذبح واإلرهاب‬ ‫ففرغت غالبية المدن والقرى والدساكر السورية إلى‬ ‫بلدان الجوار لتحدث فيها أزمة اجتماعية اقتصادية‬ ‫سكنية أمنية وتدفع بمعظم عمالها إلى بطالة متفاقمة‪،‬‬ ‫تحمل مسؤوليته بنبل مشهود كما‬ ‫لكن الشعب السوري ّ‬ ‫في كل محن تاريخه الجلي ودفع ضريبة الفقر والنزوح‬ ‫والعذاب والدم والشهادة‪ ،‬فكان االنتصار المدوي الذي‬ ‫شكل ملحمة العصر الراهن‪.‬‬ ‫االنتصار السوري الذي جعل الدولة السورية تستعيد‬

‫تماسكها وتشكل قطب الرحى ومحور الدورة السورية‪،‬‬ ‫فضح بالمقابل تهافت المعارضة السورية المفككة‬ ‫معارضات ال يجمعها سوى حقد شخصي او حزبي‬ ‫محدود وضيق األفق فال مشروع جامعاً وال خطة نظامية‬ ‫وتبزه بخدمة سوريا‪،‬‬ ‫معاكسة تتقدم على خطط النظام ّ‬ ‫ففقدت أي تأثير جدي في سير األحداث‪ .‬واقتصر دورها‬ ‫على وظيفة وكالة محلية او إقليمية لالرتزاق بالدم‬ ‫ماالً وسالحاً إلطالة الصراع الدامي في بالد الشام وهز‬ ‫استقرار الدول المجاورة بتفاقم آثار هذا الصراع فيها‬ ‫بحرب استنزاف دولي ووطني تكون تمهيداً لحرب إبادة‬ ‫لسوريا ومحيطها التاريخي‪.‬‬ ‫االنتصار السوري وصمود الشعب السوري امتحان‬ ‫تاريخي جديد أكد فيه الشعب السوري أنه شعب‬ ‫المالحم المعيشة والحقائق الدامغة المحسوسة ومؤهل‬ ‫لحياة سامية ينشدها‪ ،‬وأنه زاخر بالقوة المؤمنة أنها‬ ‫سيدة على أرضها وقادرة أن تقرر وتفعل وتفرض‬ ‫إرادتها أولى‪ ،‬ومن كان هذا واقعه وطبيعته تعاون معه‬ ‫حلفاؤه ودعموه كحليف قوي موثوق ُيحسب له حساب‬ ‫في استراتيجية القوى والصراع‪ ،‬هذه القوة السورية‬ ‫غيرت وجه التاريخ‪ ،‬تاريخ‬ ‫فعلت اليوم‪ ،‬وكلما فعلت ّ‬ ‫سوريا وتاريخ اإلنسانية جمعاء لحقبة مديدة مقبلة‪،‬‬ ‫وهذه القوة ال يمكن ان تفعل إال إذا كانت واعية فاهمة‬ ‫ذاتها وحقيقتها ومستقلة عن أية إرادة اخرى لتستطيع‬ ‫مواجهة طواغيت الكون‪ ،‬وفي طليعتهم إسرائيل‪.‬‬ ‫اآلن يقف الشعب السوري عتيداً بانتصاره موفور‬ ‫الكرامة واثقاً من حكمة قيادته وحنكتها كمعبر أوفى‬ ‫متوحدة به وفيه‪ ،‬يقف الشعب‬ ‫عنه وكإرادة مخلصة له‬ ‫ّ‬ ‫السوري‪ ،‬بقيادته التاريخية‪ ،‬شريكاً قوياً ومفاوضاً صعباً‬ ‫وذكياً بين الدول واألمم التي تستحق الحياة وتصنع‬ ‫مستقبلها بنفسها‪.‬‬ ‫االنتصار السوري ملحمة هذا العصر‪ ،‬عصر تنازع‬ ‫األمم البقاء ومقدرات القوة والسيطرة‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫رأي‬

‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫أمريكا يف ُي ْس ِر َها َو ُع ْس ِر َها‬ ‫  •محمود حيدر‬ ‫جعلت المجتمع األميركي المتعدد أكثر المجتمعات‬ ‫العالمية قدرة على امتصاص الصراعات الطبقية‪ ،‬أو‬ ‫النزاعات الناتجة من ديناميات التمييز العنصري‪ ،‬أو‬ ‫حركات االحتجاج السياسي الناجمة من التداعيات‬ ‫الكارثية لحروب أميركا في العالم‪.‬‬ ‫عامل رابع‪:‬‬ ‫شكلت حالة االلتحام بين ديناميات الواقع االقتصادي‬ ‫االجتماعي واالتجاه السياسي المحافظ‪ ،‬عنص اًر إضافي ًا‬ ‫في توليد نظام تعددي أثبت جدواه في احتوائه للتغيرات‬ ‫غير العادية‪ .‬هذا النظام التعددي هو نظام مرن إلى‬ ‫َّ‬ ‫بخاصية بنيوية‬ ‫درجة استثنائية‪ .‬إذ بسبب من تمتعه‬ ‫قادرة على التوليد واالبتكار‪ ،‬فإنه أفلح في الغالب في‬ ‫تفسير إشارات التحذير التي كان يطلقها التوتر السياسي‬ ‫االجتماعي المتصاعد‪..‬‬ ‫عامل خامس‪:‬‬ ‫إذا كانت إحدى أبرز سمات الظاهرة التاريخية األميركية‬ ‫هي القدرة على التواؤم مع تقلُّب األحوال واألزمنة‪ ،‬فذلك‬ ‫يعود في شطر وازن منه إلى حيوية الالهوت الديني‬ ‫البروتستانتي الذي ساهم في والدة الظاهرة‪ .‬ذلك‪ ،‬أنه‬ ‫الالهوت الوحيد الذي امتاز بالقدرة على التحول إلى‬ ‫التدين الحاد والعلمنة الحادة‪،‬‬ ‫«دين مدني» يجمع بين ّ‬ ‫ضمن وعاء عجيب التركيب من التنوعات العرقية‬ ‫واإلثنية والدينية والثقافية والحضارية‪.‬‬ ‫المدوي‪ ،‬والمأزق الجيو ‪ -‬استراتيجي‬ ‫بين االنهيار اآللي ِّ‬ ‫في الشرق األوسط‪ ،‬ناهيك عن االضطراب المتمادي في‬ ‫إدارة الصراعات الدولية‪ ،‬يبدو العالم كله وأميركا بوجه‬ ‫خاص‪ ،‬في لحظة مراجعة حاسمة‪ .‬وفي هذه اآلونة على‬ ‫تنص ُّ‬ ‫ب التساؤالت في الجملة‪ ،‬ضمن ما‬ ‫وجه الخصوص‪ّ ،‬‬ ‫يجوز تسميته بـ»وعاء البحث عن صورة أميركا المقبلة»‪.‬‬ ‫العقل األميركي بما ُيشهد له من قدرة على ُّ‬ ‫التكيف مع‬ ‫مرشح للقيام اليوم بتظهير هذه القدرة‪.‬‬ ‫األزمات الكبرى‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وهناك من الخبراء ممن يتابعون السيرة الذاتية الحالية‬ ‫للواليات المتحدة‪َ ،‬من يميل إلى ترجيح أهلية النخب‬ ‫السياسية واالقتصادية األميركية لجهة ابتكار مخارج‬ ‫لألزمة الراهنة‪ .‬بينما ينحو آخرون في أميركا وخارجها‬ ‫نحواً مخالفاً‪ .‬ذلك أن اإلعصار النقدي الذي يضرب‬ ‫المال العالمي يندرج ضمن مروحة متعددة األضالع من‬ ‫عناصر الوهن طفقت ُّ‬ ‫تلف الواليات المتحدة مع بداية‬ ‫القرن الواحد والعشرين‪.‬‬ ‫لو أخذنا «بفلسفة ُّ‬ ‫التكيف» كآلية تحليلية‪ ،‬سوف نقع في‬ ‫الفكر االستراتيجي األميركي على طائفة من العوامل‬ ‫التكوينية من شأنها أن تجعل من أميركا دولة مؤهلة‬ ‫للجواب على إشكاليات استعادة حيويتها كدولة عالمية‪.‬‬ ‫عامل أول‪:‬‬ ‫اعتقاد األميركيين بأن ال مناص من االعتراف بعمق‬ ‫المشكلة‪ ،‬خصوصاً حين تكون المشكلة ضخمة‬ ‫وخطيرة كالتي يعيشونها اليوم‪ .‬إن هذا االعتقاد مبسوط‬ ‫في األصل على قاعدة قوامها‪ :‬إن لم يتم االعتراف‬ ‫بالمشاكل التي تواجه أميركا‪ ،‬إو�ن لم يتم التنبؤ بها‪ ،‬فإن‬

‫المخاطر ستكون أعظم‪ .‬وبحسب فقهاء الفكر السياسي ـ‬ ‫فإن االعتراف بالحقائق هو من السمات التأسيسية لألمة‬ ‫األميركية‪ .‬فربما كانت أميركا المعاصرة ـ على ما يقول‬ ‫هؤالء ـ هي األكثر انتقاداً لنفسها من أي دولة أخرى‪.‬‬ ‫فالتقارير القومية غالباً ما تكشف إخفاقات المجتمع‪،‬‬ ‫وتتضمن انتقادات كبيرة لنواقص القومية‪ ،‬وكلها تعكس‬ ‫كثر من التأمل في ذاته‪.‬‬ ‫مزاجاً قومياً ُي ُ‬ ‫عامل ٍ‬ ‫ثان‪:‬‬ ‫الذين يعاينون التجربة األميركية الحديثة‪ ،‬وتحديداً تلك‬ ‫التي جرت خالل القرن العشرين المنصرم‪ ،‬يحيلون‬ ‫أسباب القدرة على احتواء األزمات‪ ،‬إلى التزام الشعب‬ ‫األميركي فكرة التغيير الديمقراطي‪ .‬وتالياً إلى كون التقليد‬ ‫األميركي الخاص بالحوار الداخلي الحر‪ ،‬وبالتعبير‬ ‫المفتوح عن عدم االتفاق‪ ،‬أو االختالف في إطار هرم‬ ‫تنظيمي صارم‪ ،‬شكل عامالً مهماً وحاسماً في تطوير‬ ‫هذا التجاوب للتغيير‪ .‬بل أكثر من ذلك‪ ،‬فإن هذين‬ ‫العاملين السابقين َّأديا إلى احتواء حركات االحتجاج‪،‬‬ ‫اليسارية والدينية المحافظة وتحويلها إلى فائض تاريخي‬ ‫يخدم عقيدة التفوض األميركية‪.‬‬ ‫عامل ثالث‪:‬‬ ‫رغم وجود العنف السياسي واالجتماعي‪ ،‬إما بسبب‬ ‫العنصرية األنكلوساسكونية‪ ،‬أو ألسباب تتعلق بالتفاوتات‬ ‫الطبقية‪ ،‬وغياب العدل االجتماعي‪ ،‬فإن الحياة األميركية‬ ‫ظلت مفعمة بالنمو السريع الذي أحدثته التكنولوجيا‬ ‫وتطورات العلوم‪ ،‬وأخي اًر ثورة المعلوماتية واالتصاالت‪.‬‬ ‫ذلك ما ولَّد ضروباً من السكينة السوسيو ـ اقتصادية‬

‫عامل سادس‪:‬‬ ‫إلى تحقُّق التالؤم والتناسب في جدلية الديني ـ العلماني‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫التكيف‪،‬‬ ‫كان ثمة مركب تكويني آخر في أطروحة‬ ‫َّ‬ ‫المركب الخاص للقومية األميركية‪ .‬فالمعروف أن‬ ‫هو‬ ‫قومية األميركيين لم تظهر على نصاب ما ألفَته أوروبا‬ ‫حين أطلقت إمبرياليتها الحديثة‪ .‬ذلك أن قومية أميركا‬ ‫ب على الجمع بين عمومية المفهوم‬ ‫هي من طراز تَ​َرَّك َ‬ ‫وخصوصية المكان‪ .‬بل يمكن القول أن القومية األميركية‬ ‫هي قومية مفارقة للمفهوم الكالسيكي كما عرفناه في‬ ‫أوروبا القرن السابع عشر‪ ،‬وهي متحدة معه في الوقت‬ ‫عينه‪ .‬في الجانب المعرفي األنثروبولوجي المخصوص‬ ‫تعني الهوية القومية األميركية الوالء للفكرة‪.‬‬ ‫وهذه األخيرة ـ أي الفكرة ـ تعني أن أميركا بوصفها رسالة‬ ‫حضارية‪ ،‬هي في آن‪ ،‬جغرافيا ذات بعد ميتافيزيقي‪.‬‬ ‫وعلى هذا النحو غدا الوالء للفكرة الزماً منح الوالء إلى‬ ‫حاملي تلك الفكرة‪ ،‬باعتبارهم الصنف البشري الخاص‬ ‫المؤهل لحمل هذه الرسالة‪ .‬وهم ـ بحسب التنظير‬ ‫العقائدي األميركي ـ االنكلوساكسون البيض البروتستانت‬ ‫(‪.)Wasp‬‬ ‫صحيح أن أكثر األمم لديها ما يكفي من الزعم بأنها‬ ‫الشعب المختار‪ .‬لكن ال يوجد أمة في التاريخ الحديث‬ ‫تهيمن عليها فكرة‪ ،‬أن لها مهمة خاصة في هذا العالم‬ ‫كأميركا‪ .‬ولذا فليس من العجيب في شيء أن يتحدث‬ ‫األميركيون دوماً عن عراقة دولتهم باعتبارها أقدم‬ ‫دولة حديثة في العالم‪ ،‬وبالتالي أقدم جمهورية‪ ،‬وأقدم‬ ‫مدون‪،‬‬ ‫ديمقراطية‪ ،‬وأقدم نظام فيديرالي‪ ،‬بل وأقدم دستور َّ‬ ‫وبأن لديهم أيضاً وأيضاً‪ ،‬أقدم أحزاب سياسية حقيقية‪.‬‬


‫رأي‬

‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫‪5‬‬

‫سفر اخلروج اإلسرائيلي من مصر‪ ..‬تهافت جديد‬

‫هل كان موسى عربانيا أم هو فرعون اخلاسر؟‬ ‫ً‬ ‫يهودا إلنقاذهم أم قاد أتباع أخناتون!‬ ‫وهل قاد‬ ‫  •سليم سالم‬ ‫كان االعتقاد السائد حتى وقت قريب ان التوراة تشكل‬ ‫تاريخ العالم القديم بما حوت من اسماء ووقائع وحكايات‬ ‫شكلت ما يمكن ان نسميه وجدانية التاريخ‪ ،‬غير ان‬ ‫االكتشافات االركيولوجية التي تدفقت امام الباحثين منذ‬ ‫العقد الثالث من القرن الماضي‪ ،‬وخاصة منذ اكتشاف‬ ‫حجر الرشيد الذي كان المفتاح في فك رموز اللغة‬ ‫الهيروغليفية‪ ،‬قد اثارت الكثير من التساؤالت حول صحة‬ ‫ان تكون حكايات التوراة تاريخاً بالمعنى العلمي للكلمة‪.‬‬ ‫وبدأ العلماء اعادة النظر في كل التصورات التي اعتبرت‬ ‫تاريخاً للبشرية في القديم‪.‬‬ ‫كان سفر الخروج الذي يصف خروج اليهود من مصر‬ ‫بقيادة موسى يشكل االساس الذي بنيت عليه في ما‬ ‫بعد األساطير حول كينونة الشعب اليهودي ومن ثم‬ ‫التوجهات السياسية التي قادت في االخير الى خلق‬ ‫الحركة الصهيونية‪ .‬واذا كان المبنى الديني قد ترسخ‬ ‫على مدى خمسة وثالثين قرناً حتى اواسط القرن‬ ‫العشرين المنصرم‪ ،‬فقد جاءت البحوث والحفريات واعادة‬ ‫قراءة التاريخ على ضوء تلك االكتشافات لتبر از الكثير‬ ‫من الحقائق العلمية وتسلط الضوء من جديد على ذلك‬ ‫التاريخ القديم‪ ،‬اعتمادا على الحفريات وقراءة النقوش في‬ ‫المعابد المصرية القديمة ومن ثم اعتماد اسس البحث‬ ‫العلمي والمنطقي في تلك الحكايات‪.‬‬ ‫كل المهتمين بتشكل التاريخ اليهودي على ضوء ما‬ ‫ورد في التوراة وفي سفر الخروج بشكل خاص‪ ،‬كانوا‬ ‫يتجاوزون او يتجاهلون مسألتين أساسيتين في ذلك‬ ‫التاريخ‪ .‬االولى هي كيفية او صحة انتقال العبرانيين‬ ‫من السيادة والسيطرة عن طريق يوسف الذي تبوأ اعظم‬ ‫المراتب وامتلك القدرة ليكون مسستشار الفرعون في امور‬ ‫الدولة كافة‪ ،‬الى مرحلة العبودية التي يتحدث عنها سفر‬ ‫الخروج‪ .‬والثانية كانت في تفسير ظروف الخروج وكيف‬ ‫امكن – حسب الرواية التوراتية – تجميع كل اليهود‬ ‫المنتشرين في انحاء مصر وقيادتهم لعبور الصحراء من‬ ‫دون ان يتنبه الفرعون او احد من رجاله او حتى من‬ ‫اعداء يوسف الذين كانوا يتربصون به حسداً وغيره مما‬ ‫وصل اليه من نفوذ‪ .‬وهناك نقطة اخرى ال يتقبلها العقل‬ ‫اطالقاً‪ .‬تقول المعلومات التاريخية ان ما بين وصول‬ ‫يوسف الى مصر بعد أن عثروا عليه في الصحراء‪،‬‬ ‫وخروج اليهود من مصر قرابة الثالثمئة وخمسين سنة‬ ‫او اقل قليال‪ ..‬واذا افترضنا ان اخوة يوسف التسعة او‬ ‫العشرة قد عاشوا جميعا في مصر وتزوجوا وانجب كل‬ ‫واحد منهم عشرة اوالد وان كل واحد من اولئك االبناء‬ ‫قد انجب ايضا عشرة اوالد وهكذا‪ ،‬واذا انقصنا اعداد‬ ‫الموتى طول تلك السنوات‪ ،‬فهل يمكن لعقل ان يصدق‬ ‫ان الذين خرجوا مع موسى من اليهود العبرانيين بلغ‬ ‫عديدهم ستمئة الف رجل‪ ،‬عدا النساء واالطفال! هذه‬ ‫ليست اسطورة بل خرافة‪.‬‬ ‫ترسخ في الذهن العام للبشرية ان يوسف الذي بيع كعبد‬ ‫ّ‬ ‫بعد ان عثرت عليه احدى القوافل في جب في صحراء‪،‬‬ ‫وبعد سلسلة من السجن والتنقل وتفسير االحالم للفرعون‪،‬‬ ‫استقر مستشا ار لفرعون وتولى اقتصاد مصر بنجاح‬ ‫واستدعى اخوته وأنعم عليهم‪ .‬من االكيد ان اخوة يوسف‬ ‫المكرم وابناءهم واحفادهم قد القوا كل تكريم من الشعب‬ ‫المصري ومن الكهنة بشكل خاص‪.‬‬

‫كيف انقلب االمر فصاروا عبيدا في حاجة لمخلص‬ ‫ينقذهم من ظلم فرعون؟ مثل ذلك الوهم ال يحدث بين‬ ‫ليلة وضحاها بل ربما يمتد الجيال‪ ،‬فاين تفسير ذلك‬ ‫االنتقال؟ هذا اذا تقبلنا ما تقوله التوراة كحقيقة واقعة‪.‬‬ ‫التوراة تصمت عند هذه المسألة وكتبة التوراة يتجاهلون‬ ‫كل ما حدث في تلك المرحلة من تاريخ مصر ألن‬ ‫االشارة الى المؤامرات والدسائس في بالط فرعون وفي‬ ‫صفوف الكهنة‪ ،‬والنزاع الدامي بين أنصار االله أمون‬ ‫وأتباع االله أتون يكشفان وال شك ضعف حكاية سفر‬ ‫الخروج وهزالها‪.‬‬ ‫السؤال الذي يطرحه علماء االركيولوجيا الجدد هو التالي‪:‬‬ ‫هل صحيح ان الذين خرجوا مع موسى من ارض مصر‬ ‫كانوا من اليهود؟ وقبل ذلك‪ :‬هل صحيح ان موسى نفسه‬ ‫كان عبرانياً؟‬ ‫هنا نعود الى اثنين من الباحثين اليهود وقد امضيا اكثر‬ ‫من عشرين سنة في دراسة اآلثار والنقوش المصرية‬ ‫القديمة وكل ما يتعلق بحكاية الخروج‪ ،‬والظروف‬ ‫المضطربة التي كانت سائدة يومذاك في مصر‪ ،‬ووضعا‬ ‫خالصة بحوثهم في كتاب عنوانه‪« :‬أسرار الخروج»‪.‬‬ ‫كان ذلك قبل اكثر من عشر سنين وقلة من المؤرخين‬ ‫اهتم‬ ‫العرب والمعنيين بكل هذا الموضوع وتداعياته من ّ‬ ‫بدراسة او حتى مطالعة الكتاب‪ ،‬ولو من باب العلم‬ ‫بالشيء وال الجهل به‪.‬‬ ‫صباح» وضعا نتائح‬ ‫صباح»‪ ،‬و»روجيه‬ ‫«ميسود‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بحوثهما واكتشافاتهما االركيولوجية في هذا الكتاب‬ ‫الذي يستحق ليس القراءة فحسب بل الدراسة والتعمق‬ ‫واالستدالل للوصول الى النتائج المترتبة على تلك‬ ‫االكتشافات‪ ،‬واولى تلك النتائج المحتمة هي اعادة النظر‬ ‫في التاريخ اليهودي كله‪ ،‬وكذلك اعادة النظر في القيمة‬

‫التاريخية لسفر الخروج من االساس‪ .‬النتيجة هي ان‬ ‫التوراة ال تصح أبداً ان تكون تاريخ العالم وال تاريخ‬ ‫اليهود ايضاً‪.‬‬ ‫القصة كما توصل اليها هذان الباحثان تروي بكثير من‬ ‫التفاصيل النزاع الذي استشرى بين الكهنة من اتباع‬ ‫اإلله أمون والكهنة من اتباع اإلله أتون‪ ،‬الذي توصل‬ ‫اليه الفرعون اخناتون ‪ -‬أخن أتون ‪ -‬ودعا الى ما يشبه‬ ‫التوحيد من حيث قوة وسيطرة اإلله أتون ‪ -‬واستطاع‬ ‫السيطرة على مقدرات مصر وعلى المعابد هناك‪ ،‬فاختفت‬ ‫فتقدم‬ ‫ولو ظاهرياً معالم االله أمون وضعف مركز كهنته ّ‬ ‫كهنة أتون – اله الواحد – القوي‪ .‬ولكن مؤامرات كهنة‬ ‫امون لم تتوقف‪ ،‬وادت في األخير الى اغتيال اخناتون‬ ‫وهو في الخامسة والثالثين من العمر ونشبت معارك‬ ‫ونزاعات دموية بين الفريقين ودبت الفوضى في البالد‬ ‫كلها‪ ،‬ولكن اتباع اتون كانوا يملكون الذهب والثروات‬ ‫الطائلة‪.‬‬ ‫الكتاب يروي بكثير من الدقة والتفصيل الكثير من تلك‬ ‫االحداث الى ان يقول انه تمت تسوية – او صفقة‬ ‫بمفهوم هذا العصر – بين الفريقين‪ ،‬يغادر اتباع اتون –‬ ‫التوحيديون – بموجبها مقارهم ومدنهم ومزارعهم على أن‬ ‫يحملوا معهم كل الذهب والثروات واالموال والماشية التي‬ ‫يملكون‪ ،‬وان يغادروا الى ما يشبه المنفى – الى ارض‬ ‫فلسطين التي كانت يومذاك تحت الحكم المصري – أي‬ ‫والية مصرية‪ ،‬وكانوا يعرفون انها ارض خير تدر لبناً‬ ‫وعسالً‪ .‬لم يكن الخروج هرباً بل نتيجة اتفاق‪ ،‬وكل ما‬ ‫في االمر ان يغادر اتباع االله أتون ارض مصر الى‬ ‫ارض كانت تعتبر والية مصرية خاضعة لفرعون مصر‪.‬‬ ‫الذين خرجوا مع الفرعون تحتموس ‪ -‬وتحت قيادته هم‬ ‫مصريون من أتباع االله اتون – وكان خروجهم باتفاق‪،‬‬ ‫وقد رافقتهم فرق من الجيش المصري للتأكد من مغادرتهم‬ ‫حدود مصر‪ .‬هنا يمكن ان نفهم القول ان عدد الخارجين‬ ‫بلغ ستمئة الف رجل عدا النساء واالطفال‪ .‬كانوا من‬ ‫اتباع اخناتون وديانة اخناتون ومن اتباع االله أتون‪.‬‬ ‫ماذا يعني كل ذلك؟ الجيش المصري لم يطارد الخارجين‬ ‫بل تتبعهم للتأكد من مغادرتهم تلك المناطق‪ .‬وتاريخ مصر‬ ‫بكل اآلثار والحفريات وورق البردى وبكل النقوش يعتبر‬ ‫أكمل تاريخ قديم من حيث تسلسل األحداث والسالالت‬ ‫الحاكمة ليس فيه اي اشارة الى فرعون او جيش مصري‬ ‫يغرق في البحر او النهر‪ .‬تاريخ كل فرعون من فراعنة‬ ‫مصر القديمة كامل من حيث األحداث والوالدة والزواج‬ ‫والموت والتحنيط وما الى ذلك‪ ،‬كما هو كامل من حيث‬ ‫الحروب واالنتصارات واالنكسارات وغيرها لكل فرد من‬ ‫تلك السالالت او العائلة الحاكمة‪ .‬فال فرعون مات غرقاً‬ ‫وال جيش مصر أطبقت عليه امواج البحر فهلك‪.‬‬ ‫اذن‪ ،‬االستنتاج المنطقي كما يدل تسلسل االحداث وكما‬ ‫تكشف كل الدراسات‪ ،‬يشير الى ان الذين غادروا مصر‬ ‫في تلك الحقبة كانوا تحت قيادة فرعون مصر «تحتموس‬ ‫– تيحت موس» وانه اختصر اسمه بالجزء األخير منه‬ ‫– موس ‪ -‬الذي اضيف اليه حسب الكتابات اليونانية‬ ‫حرف «س» فصار موسس ويلفظ موسز – ‪Moses‬‬ ‫– موسى‪ ،‬كما يفعل ابناء هذا العصر في كل مكان‬ ‫ويصبح اسم دانيال – داني‪ ،‬واسم انطونيو – طوني‪،‬‬ ‫واسم محمد – حموده‪ ،‬وهلم جرا‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫رأي‬

‫القديم البراهام او ليوسف او لموسى‪ ،‬كما يروى في‬ ‫سفر الخروج‪ .‬التاريخ المصري كله ال يحمل اي اشارة‬ ‫الى وجود اليهود هناك وال الى موسى او ابراهام‪ ،‬وقصة‬ ‫الخروج التوراتية ليست سوى حكاية مقتبسة تصور اوهاماً‬ ‫وسرقة تاريخ‪.‬‬ ‫اذا كان علينا ان نتقبل حكاية التوراة‪ ،‬فكيف نفسر ان‬ ‫جماعة عاشت في مصر اربعمئة سنة تقريباً‪ ،‬لم تترك‬ ‫اث اًر وال اشارة في كل التاريخ المصري واآلثار المصرية‬ ‫والنقوش والكتابات القديمة؟‬ ‫نعم‪ ،‬لماذا ال يوجد في كل التاريخ المصري القديم اي‬ ‫اشارة لـ»شعب» يقال انه عاش وعمل واندمج في المجتمع‬ ‫المصري طول اربعمئة عام؟‬ ‫المؤلفان يختتمان دراستهما التي استمرت عشرين عاماً‬ ‫في هذا الكتاب بالقول ان ابراهام هو اخناتون وان موسى‬ ‫هو الفرعون رعمسيس او تحتموس ويؤكدان ‪ -‬نتيجة تلك‬ ‫الدراسة – ان الخروج لم يكن سوى صفقة او تسوية تمت‬ ‫بين الكهنة‪ ،‬يغادر بموجبها اتباع االله «أتون» االرض‬ ‫المصرية الى اقليم خاضع لمصر هو فلسطين! فاعتبر‬ ‫اتباع االله المنتصر أمون انهم تخلصوا من اتباع اخناتون‬ ‫المؤمنين باإلله أتون‪ ،‬واعتبر المغادرون انهم انتصروا اذ‬ ‫غادروا الى ارض تدر لبناً وعسالً وحملوا ثرواتهم معهم‬ ‫التي اشار اليها سفر الخروج بالقول ان النساء العبرانيات‬ ‫استعرن اواني الذهب والفضة من المصريين وهربن بها‪،‬‬ ‫وهي حكاية مهلهلة ال اساس لها‪.‬‬

‫اول من شكك في القيمة التاريخية لرواية التوراة في سفر‬ ‫الخروج كان يهودياً ايضاً هو سيغموند فرويد الذي قال‬ ‫ان موسى لم يكن عبرانياً بل مصرياً‪ .‬كان ذلك قبل اكثر‬ ‫صباح في كتابهما‬ ‫من ثالثين سنة‪ .‬وجاء ميسود‪ ،‬وروجيه ّ‬ ‫األخير ليثبتا ان الذين خرجوا من ارض مصر الى اقليم‬ ‫فلسطين‪ ،‬الذي كان والية مصرية‪ ،‬كانوا مصريين ال‬ ‫عالقة لهم بالعبرانيين‪ ،‬فقد كانوا من المؤمنين بديانة‬ ‫«اخناتون « التوحيدية ‪ -‬حسب مفهوم ذلك العصر‪،‬‬ ‫وباالله «أتون»‪.‬‬ ‫يقول المؤلفان ان العبرانيين في مصر لم يكونوا عبيداً ولم‬ ‫يهربوا للنجاة بأرواحهم كما يقول سفر الخروج في التوراة‪.‬‬ ‫فئة منهم كانت من اتباع اخناتون فخرجت مع الخارجين‬ ‫– المنفيين‪ ،‬حسب الصفقة التي تمت بين الكهنة‪ ،‬وفئة‬ ‫اخرى من العبرانيين كانت من اتباع االله أمون‪ ،‬بقيت‬ ‫في مصر ولم تغادر‪ .‬وكلمة «شعب اهلل المختار التي‬ ‫كانت تطلق على سكان مدينة او اقليم «أخيت أتون»‬ ‫كانت تعني المصريين من سكان ذلك االقليم‪.‬‬ ‫الكتاب مليء بالمعلومات التاريخية الموثقة اما بالكتابات‬ ‫والنقوش القديمة في المعابد المصرية‪ ،‬أو بالتحليل‬ ‫المنطقي واالستنتاج العلمي الذي يفترض كل االحتماالت‪.‬‬ ‫يقول الكتاب – اسرار الخروج – ان التوراة لم تُدرس حتى‬ ‫اليوم كعنصر أساسي من علم المصريات‪ ،‬رغم ان القسم‬ ‫االكبر من حكاية التوراة قد حدث في مصر القديمة‪،‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فال أثر اطالقاً في كل التاريخ الفرعوني‬

‫صنع اجملتمعات‬ ‫  •نجيب نصير‬ ‫لم يعد مقبوالً بعد عصر األنوار‪ ،‬النظر الى المجتمعات‬ ‫(بالمعنى الحديث للكلمة) على أنها نتاج طبيعي للتجمع‬ ‫البشري‪ ،‬الذي ينتج عادات وتقاليد وأخالقاً وفولكلو اًر‬ ‫متشابهاً أو حتى متجانساً‪ ،‬فالمجتمع أصبح قضية‬ ‫جديدة تماما ومختلفة عما ورثت البشرية من تجمعات‬ ‫بشرية تحكمها المصالح البدائية وأهمها التسالم (القاعدة‬ ‫المؤسسة للوجود اإلنساني)‪ ،‬والتسالم هو قوة فيزيائية‬ ‫جماعية تخضع للتراكمات الحقوقية االستنسابية التي‬ ‫تميز هذه التجمعات الالإرادية التي تحكم بها‪ ،‬حيث‬ ‫هي اآلن ال بالسيئة وال بالجيدة بل مجرد مادة تاريخية‬ ‫يمكن التعريج عليها في سبيل العلم واإلطالع‪ ،‬وأصبح‬ ‫من الضروري تجاوزها إلى رحاب (المجتمع) بالمعنى‬ ‫العلمي الحديث للحصول على التسالم كقيمة بدئية‬ ‫مؤسسة للمجتمع‪ ،‬فالمجتمع بالمعنى الطبيعي الذي‬ ‫يوجد بالتناسل والتجاور إلخ قد تجاوزته البشرية‪ ،‬الى‬ ‫المجتمع المصنع ليس حسب الوصفات العلمية بل‬ ‫حسب الضرورات التكنولوجية‪ ،‬فالمجتمع نفسه أصبح‬ ‫تكنولوجياً (أداة) الوجود الجماعي الواعي‪ ،‬ومن دون هذه‬ ‫التكنولوجيا التي عليها أن تكون متسقة مع مستلزمات‬ ‫اإلنتاج‪ ،‬لن يكون هناك إنتاج‪ ،‬وبالتالي ليس هناك ال‬ ‫لزوم وال ضرورة وال إمكانية لحضور (مجتمع) واضح‬ ‫المعالم ومتمايز‪ ،‬ومن هنا يبدو فقدان التسالم بأي شكل‬ ‫من اإلشكال مقنناً كان أم فوضوياً‪ ،‬فإن وجود المجتمع‬ ‫مشكوك بأمره سلفاً‪ ،‬وبالتالي ليس هناك كالم عن إنتاج‬ ‫واستمرار بل بحث في شكل الفناء المرغوب أو المجبر‬ ‫عليه هذا التجمع البشري الذي يسعى إلى تسالم بدئي‪،‬‬

‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫ولكن ال إنتاج لديه يستحق وجود مجتمع ومن ثم دولة‬ ‫يمكنها حماية هذه الثروة وحماية توزيعها‪.‬‬ ‫من السذاجة توصيف تجمع بشري بالمجتمع (في القرن‬ ‫‪ ،)21‬ما لم يرشد ويهيكل هذا التجمع قصدياً‪ ،‬وباإلرادة‬ ‫كي يتحول الى شبكة مصالح متوازنة‪ ،‬وتنافسية في‬ ‫آن معاً‪ ،‬حيث لم يوجد علم االجتماع على تطوراته‬ ‫الباهرة (كمثال)‪ ،‬كي يتحول الى مجرد كتب للقراءة‬ ‫والتلذذ بالمعلومات‪ ،‬ولم يوجد علماء االجتماع كي‬ ‫يصبحوا نخبة ثقافية يشار إليها بالبنان‪ ،‬بل أنوجد هذا‬ ‫العلم وهؤالء العلماء‪ ،‬كي يمارسوا دو اًر إنتاجياً تطبيقياً‬

‫في الواقع له وقعه وآثاره واستشرافاته‪ ،‬بحيث يمكنهم‬ ‫تكنولوجياً (بالمعنى الجماعي التساندي) أن يقوموا‬ ‫بتصنيع مجتمع حسب ضرورات المرحلة اإلنتاجية التي‬ ‫تحاصرها التنافسات‪ ،‬وعدم االستفادة من علم االجتماع‬ ‫وبشكل واضح وملموس‪ ،‬يمكن اعتباره إحدى عالمات‬ ‫الفشل العضوي للمجتمعات‪ ،‬خصوصاً تلك التي تبحث‬ ‫عن التسالم كمرحلة بدئية قبل اإلنتاج‪.‬‬ ‫اليوم وبعد كل هذه اإلنهاكات التي تتعرض لها وتعرض‬ ‫نفسها لها (المجتمعات) الناطقة بالعربية‪ ،‬هل يمكن‬ ‫اعتبارها مجتمعات بالمعنى الحديث والعملي للكلمة؟‬ ‫سؤال ال بد من طرحه أمام هذه «الخلطبيطة» التاريخانية‬ ‫التناسلية لهذه التجمعات البشرية‪ ،‬التي تريد قس اًر أن‬ ‫تصف نفسها بالمجتمعات‪ ،‬فعلى الرغم من وضوح‬ ‫وعالنية وعمومية المستلزمات الصناعية الالزمة إلنتاج‬ ‫مجتمع‪ ،‬إال أن هذه الشعوب ال ترضخ وال تقتنع بها‬ ‫ال بل تعتمد على عكسها تماماَ وتتوهم أن هذا التجمع‬ ‫البشري مجتمع‪ ،‬ثم تتحايل على فنائها المتكرر بمزيج‬ ‫من عقد اإلضطهاد والكذب على الذات‪ ،‬وتوهم االكتمال‬ ‫بدالالت تاريخانية يستحيل إعادة إنتاجها حتى في‬ ‫المختبرات‪ ،‬معتبرة أن تجريب هذا الشكل أو ذاك من‬ ‫حقها (كمجتمعات) مستقلة ذات كرامة أو خصوصية إلخ‪،‬‬ ‫وكأن التجريب باإلنسان مباح ومستحسن ومجاني!!!‬ ‫هل يمكن اعتبار وجود هذه الكتل السكانية وجوداً‬ ‫مجتمعياً؟ وبالتالي يمكن التعويل عليه في حياة طبيعية‬ ‫متسقة مع تكنولوجيات العصر ومتعاضدة معها؟ سؤال‬ ‫على كل لبيب طرحه وهو ينظر الى أحوال العالم العربي‬ ‫هذه األيام‪ ...‬هناك عطب مؤكد في مؤسسات وجود هذه‬ ‫التجمعات‪ ،‬التي ال تنتج إال المشاكل القاتلة في سعيها‬ ‫لمعالجة نفسها‪.‬‬


‫حبث‬

‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫‪7‬‬

‫جيوبولتيك الطوائف ‪ -‬حالة وصفية‬ ‫  •وليد زيتوني‬ ‫تتماشى هذه القراءة مع الحالة الستاتيكية الوصفية‬ ‫للمنظومة المفاهيمية التي تهتم بالظواهر االجتماعية‬ ‫السياسية‪ ،‬وتشكل مدخالً الى فهم وتفسير هذه الظواهر‬ ‫وديناميات عملها بوجود محرضات ذاتية أو موضوعية‪،‬‬ ‫تساعد في تحديد المسارات الممكنة لحركتها ووجودها‬ ‫في المستقبل ‪.‬‬ ‫تستوجب المرحلة الحالية‪ ،‬وهي مرحلة حراك دولي كبير‪،‬‬ ‫مرحلة انتقال من نظام عالمي الى نظام عالمي آخر‪ ،‬آن‬ ‫نعيد فهمنا لدينامياتنا الذاتية وموقعها في ظل الديناميات‬ ‫الخارجية‪ ،‬التي بالتأكيد ستؤثر سلباً او ايجاباً على حركتنا‬ ‫وربما على وجودنا في المقتبل من التاريخ‪ .‬في االنتقال‬ ‫السابق للنظام العالمي من الثنائية القطبية‪ ،‬المتمثل‬ ‫بالحرب الباردة‪ ،‬الى النظام األميركي األوحد‪ ،‬المرتكز‬ ‫على الهيمنة والسيطرة للواليات المتحدة االميركية‪ ،‬كانت‬ ‫منطقة البلقان هي الضحية المباشرة االولى الستقرار‬ ‫هذا النظام‪ .‬غير أنه لم يتسن له االستمرار طويالً في‬ ‫السيطرة كمحصلة لجشعه المطلق وظهور قوى كامنة‬ ‫او ظنها غير قادرة على استعادة المنافسة مرحلياً على‬ ‫االقل‪ .‬فعادت الى الواجهة مسألة الصراع من أجل تثبيت‬ ‫وقائع جديدة فرضتها االحداث الجارية التي لم تستقر‬ ‫على صورة نهائية بعد للنظام العالمي المقبل‪ ،‬وان كان‬ ‫من المرجح وصوله الى عالم متعدد االقطاب‪.‬‬ ‫تشكل منطقة الشرق االوسط‪ ،‬وتحديداً المشرق العربي‪،‬‬ ‫المواقع األكثر سخونة‪ ،‬وعليها يدور الصراع لما تختزنه‬ ‫من ثروات طبيعية‪ ،‬وما تتمتع به من بيئة جيواستراتيجية‬ ‫مهمة في عملية السيطرة على منابع النفط والغاز‬ ‫الطبيعي وبالتالي ممرات تدفق هذه الثروة‪.‬‬ ‫يصنف من المناطق «المتشظية»‪،‬‬ ‫والمشرق العربي‬ ‫ّ‬ ‫من حيث تماسكها القومي نظ ار لوجود اثنيات وطوائف‬ ‫عدة‪ ،‬وهو ما ينسحب على جميع كياناتها السياسية‬ ‫بدون استثناء وان بنسب متفاوتة‪ ،‬مما شكل مدخالً‬ ‫هاماً لمرور الجيواستراتيجيات الدولية واالقليمية عبر‬ ‫الطوائف وبعض االثنيات التي نحت باتجاه خلق واقع‬ ‫كياني مستقل لها‪ ،‬تداخل فيها المشروع المحلي بالمشروع‬ ‫الخارجي‪ ،‬وتداخلت فيها الجغرافية بالديموغرافيا‪.‬‬ ‫تسود في المشرق العربي ثالثة انماط من الجماعات‬ ‫التي تتعاطى مع المفاصل التاريخية الكبرى‪ ،‬تستند فيها‬ ‫الى قراءة ذاتية لمكامن قوتها وضعفها‪ ،‬والى رؤيتها‬ ‫لمشاريعها المستقبلية؛ غير ان هذا التقسيم النمطي ال‬ ‫ينسحب على طائفة باكملها‪ ،‬وال يقتصر على طائفة‬ ‫بمفردها‪ ،‬انما هو توصيف يتناول حتى الجماعات التي‬ ‫تحمل مشاريع سياسية خارج طوائفها‪ .‬هذه الفئات‪ ،‬او‬ ‫االنماط هي على الشكل التالي ‪:‬‬ ‫النمط االول‪ :‬يعتمد على االنتظار وكسب الوقت لتحقيق‬ ‫مشاريعهم الذاتية وهم جماعة فقدت الثقة بقوتها الذاتية‪.‬‬ ‫«قوة لبنان بضعفه» هي افضل مثال يمكن ان يندرج في‬ ‫هذا السياق‪ ،‬وهو ما صبغ مرحلة تاريخية اساسية في‬ ‫السياسة اللبنانية‪.‬‬ ‫النمط الثاني‪ :‬وهي الجماعات التي تعاني من مشكلة‬ ‫تحديد الهوية وبالتالي يخرجون عن حساباتهم للوقت‬ ‫في عملية استثمارهم قوتهم التي يعتدون بها وهؤالء قد‬ ‫يعيشون في حالة تباعد حقيقية عن مجتمعاتهم‪.‬‬ ‫النمط الثالث‪ :‬وهي الجماعات التي تعرف تماماً ماذا‬ ‫تريد على صعيد هويتها ومشاريعها وتستفيد من الوقت‬

‫والظروف المحيطة لتنشيط ديناميتها وقوتها‪ ،‬وتسعى‬ ‫بشكل دائم إلبراز دورها ورسالتها في مجتمعها ومن‬ ‫خالله إليجاد مراكز متقدمة في دوائر القرار التي تعلوها‪.‬‬ ‫استنادا لما تقدم سنحاول وألسباب منهجية فقط قراءة واقع‬ ‫الطوائف الجيبولتيكي في لبنان كنموذج رغم التداخل‬ ‫المباشر مع المحيط القومي‪ ،‬وفي حالة ستاتيكية صرفة‪،‬‬ ‫مفسحين المجال امام دراسات اخرى للتحليل والتفسير‬ ‫وصوالً الى وضع حل للمشكالت المعقدة الناشئة عن‬ ‫هذا الواقع‪.‬‬

‫جيوبولتيك الطوائف‪ :‬ربيع الموحدين الدروز‬ ‫ج ّذرت ثقافة المستعمر في بالدنا مفهوم الطائفية‪،‬‬ ‫وحولّت هذا المفهوم الى كيان يتغ ّذى من االنغالق‬ ‫والتقوقع‪ ،‬ويعيش على حلم الفرادة والنزوع الى االستقالل‪.‬‬ ‫حلم يتغلغل في يوميات بني جلدتها عقيدة وممارسة‪.‬‬ ‫يطفو الى السطح حيناً ويخبو احياناً‪ ،‬تبعاً للظروف‪ ،‬او‬ ‫باألحرى تبعاً لحاجة اآلخر المستعمر لجذوة حراكها او‬ ‫حاجته إلبقائها نا اًر تحت الرماد ‪.‬‬ ‫طائفة الموحدين الدروز‪ ،‬واحدة من الطوائف التي حاول‬ ‫يروض حراكها ويقولّب وجودها ويموضعها‬ ‫المستعمر أن ّ‬ ‫في سياق مشاريعه‪ ،‬لما تتمتع به من صالبة وطنية‬ ‫وقوة شكيمة ونخوة ومروءة وتضامن في وجه األخطار‪.‬‬ ‫أعطاها كما اعطى غيرها حي اًز سياسياً مستقالً في‬ ‫خريطة «سايكس‪ -‬بيكو» على امتداد جبل العرب‪ ،‬اال‬ ‫ان الشهامة الدرزية‪ ،‬وايمان الموحدين بانتمائهم القومي‬ ‫ووعيهم مخططات المستعمر‪ ،‬جعلهم يرفضون هذه‬ ‫الدولة المصطنعة‪ ،‬بل اكثر من ذلك‪ ،‬جعلهم طليعة‬ ‫المجاهدين دفاعاً عن الوطن‪ ،‬كل الوطن‪ ،‬فكانت ثورة‬ ‫‪ 1925‬بقيادة سلطان باشا االطرش نموذجاً في الغيرية‬ ‫الوطنية ومحطة مشرقة في تاريخ بالدنا‪.‬‬ ‫طائفة الموحدين الدروز‪ ،‬الممتدة من ساحل البحر‬ ‫االبيض المتوسط في الشوف مرو اًر بمعظم جبل لبنان‬ ‫الى وادي التيم والجليل والجوالن وجبل العرب وصوالً‬ ‫الى الزرقا في االردن‪ ،‬ظلت تحت انظار المستعمر ورقة‬ ‫يمكن استخدامها‪ ،‬بعدما سلك المشروع حلماً في ذهن‬ ‫احد القادة االقطاعيين من دروز الكيان اللبناني‪ ،‬مستفيدا‬ ‫من ضغوط المشاريع الغربية والصهيونية الساعية لتقسيم‬ ‫المنطقة الى دويالت طائفية‪ ،‬معتب اًر ان الوقت قد حان‪،‬‬ ‫ليكون جزءاً فاعالً في مشروع التفتيت والتمزيق‪ ،‬آمال ان‬ ‫تكون الدولة الدرزية التي تراود حلمه هدية وثمناً لموقفه‪،‬‬ ‫متماهيا مع موقف «االمير فخرالدين المعني» في معركة‬ ‫«مرج دابق»‪ ،‬مستجدياً إمارته بتقبيله األرض بين قدمي‬ ‫السلطان العثماني «سليم االول» مرات سبع‪.‬‬ ‫وليد جنبالط‪ ،‬االقطاعي بالمضمون والجوهر‪ ،‬االشتراكي‬ ‫بالشكل والمظهر‪ ،‬القابض على السلطة اباً عن جد‪،‬‬ ‫سليل التعاون مع الخارج‪ ،‬من األتراك الى التوسكانييين‬ ‫مرو اًر بالفرنسيين وصوالً الى المحافظين الجدد والقدماء‬ ‫في اميركا‪ ،‬يطالب ويدعو الى «الربيع العربي»‪ ،‬يعطي‬ ‫دروساً في الديموقراطية‪ ،‬يعلم في حقوق االنسان‪،‬‬ ‫يحاضر في العدالة االجتماعية‪ ،‬يتواضع امام هيبة‬ ‫القانون‪ ،‬يحرص على سيادة الدولة‪.‬‬ ‫مزق العلم اللبناني في بيروت‬ ‫وليد جنبالط نفسه من ّ‬ ‫وهجر المسيحيين‬ ‫وقاتل وقتل ابناءها السنة‪ ،‬ومن قتل ّ‬

‫في الجبل‪ .‬وليد جنبالط من احتوى واضعف الحالة‬ ‫الوطنية في اقطاعته‪ ،‬ومنع الوطنييين من أخذ حقوقهم‪،‬‬ ‫ما دفع «الياس عطاهلل» حليفه األقرب‪ ،‬أن يترشح عن‬ ‫مقعد نيابي في طرابلس‪.‬‬ ‫وليد جنبالط لم يفتح طريقاً واحداً في الجبل‪ .‬وليد جنبالط‬ ‫لم يفتح مدرسة واحدة‪ ،‬لم يفتح مصنعاً أو مؤسسة‪ ،‬لم‬ ‫يفتح مستشفى بل لم يفتح مستوصفاً من كفرسلوان حتى‬ ‫الدامور‪ ،‬لدرجة ان جرحاه في ‪ 7‬ايار التي افتعلها نقلوا‬ ‫الى مستشفى الساحل‪ .‬يقبض وليد جنبالط مئات ماليين‬ ‫الدوالرات من السعودية وقطر وليبيا وغيرها وال يدفع‬ ‫مليوناً واحداً منها الستمرار مستشفى الجبل‪.‬‬ ‫وليد جنبالط حين ازدادت عقاراته عشرات األضعاف‬ ‫في كفريا وجبل الشيخ ووادي التيم‪ ،‬بيعت أوقاف الطائفة‬ ‫الدرزية في بيروت‪ ،‬وبيعت عقارات الدروز في الشويفات‬ ‫وعرمون وبشامون والمتن األعلى وعاليه ألصحاب‬ ‫االموال الخليجية‪.‬‬ ‫وليد جنبالط‪ ،‬رفض استثمار االموال الفائضة عن ترميم‬ ‫مقام «السيد عبداهلل» في عبيه في اي مشروع يعطي‬ ‫مردوداً لهذا الصرح او ان يغ ّذي اليتيم الدرزي‪ .‬رغم انها‬ ‫اموال جمعت بجهد ابناء الطائفة واموال الطائفة ومصاغ‬ ‫نساء الطائفة واشغال ارامل الطائفة‪.‬‬ ‫وطوعها بقوة‬ ‫وليد جنبالط‪ ،‬الذي حكم الطائفة الدرزية ّ‬ ‫السالح وشبيحة الحزب االشتراكي‪ ،‬فرض الناطور‬ ‫والموظف ورئيس االركان والنواب والوزراء في الحكومات‬ ‫المتالحقة‪ .‬ينظّر في اسقاط الديكتاتوريات العربية‪ .‬وهو‬ ‫القيم على الطائفة بقوة السالح وقوة المال منذ خمسة‬ ‫ّ‬ ‫وثالثين عاماً‪ .‬ال يقبل التبديل وال التعديل‪ ،‬وال يسمح‬ ‫للرأي اآلخر حتى من أتباعه‪.‬‬ ‫في الطائفة الدرزية رجاالت مميزون عديدون‪ ،‬وعقول‬ ‫نيرة كثيرة‪ ،‬وابطال مناضلون‪ ،‬يعشقون الحرية‪ ،‬وشباب‬ ‫يمتلكون قوة التغيير والتقدم‪.‬‬ ‫‪ ..‬وليد جنبالط‪ ،‬انتهى عصر الديكتاتوريات‪ ،‬الربيع‬ ‫الدرزي مقبل‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫فكر‬

‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫تأثريات العوملة االقتصادية على قومية الدول‬ ‫  •علوان نعيم امين الدين‬ ‫قد يرى البعض بأن العولمة (بالمعنيين التجاري‬ ‫واالقتصادي) حديثة العهد نسبياً‪ ،‬ولكن عند النظر الى‬ ‫التاريخ البعيد يتضح لنا أنها ضاربة في التاريخ منذ‬ ‫القدم‪ ،‬إو�ن كانت غير معروفة المالمح كما هي عليه‬ ‫اليوم‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬وصل الفنيقيون الى اقاصي‬ ‫افريقيا الشمالية عبر التجارة‪ ،‬واسسوا مملكة قرطاج في‬ ‫تونس التي بقيت مهيمنة على العالم القديم وشواطئ‬ ‫المتوسط وصوالً الى شواطئ المحيط االطلسي‪ ،‬ناهيك‬ ‫عن تجارة الصين‪ ،‬والهند وما يعرف بـ»طريق الحرير»‪.‬‬ ‫‪ .1‬أبرز منظمات وأدوات العولمة االقتصادية‪:‬‬ ‫يرى الكسندر دوغين في كتابه اسس الجيوبوليتيكا ـ‬ ‫مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي‪ ،‬ان ابرز منظمات العولمة‬ ‫االقتصادية يمكن اختصارها بثالث «وتتمتع بحرية كبيرة‬ ‫نسبياً في التخطيط والبحوث اذ انها كانت معفاة من‬ ‫َّ‬ ‫المحددة والشكلية التي ترافق نشاطات منظمة‬ ‫االجراءات‬ ‫االمم المتحدة‪ ،‬وما اليها»‪.‬‬ ‫وهذه المنظمات هي‪:‬‬ ‫‪ .‬مجلس العالقات الدولية ‪Council of Foreign‬‬ ‫‪ :)Relations (C.F.R‬لقد عملت هذه المنظمة على‬ ‫صياغة االستراتيجية االميركية على الصعيد العالمي‪،‬‬ ‫حيث َّ‬ ‫عد من أهم أهدافها توحيد الكرة االرضية إو�قامة‬ ‫الحكومة العالمية‪ .‬ويذكر دوغين ان اعضاء هذه المنظمة‬ ‫المبجلين الرفيعي المستوى‬ ‫كانوا «في الوقت نفسه من‬ ‫ّ‬ ‫في الماسونية االسكوتلندية»‪.‬‬ ‫‪ .‬نادي يبلديربيرغ‪ :‬اسس العام ‪ 1954‬وانتسب اليه‬ ‫بعض من اعضاء مجلس العالقات الدولية (‪)C.F.R‬‬ ‫االميركيين‪ .‬وقد تأسس النادي بمبادرة من عدد من‬ ‫أثرياء العالم ومن أصحاب النفوذ والسلطة‪ .‬ويعود اسمه‬ ‫إلى فندق بلدربيغ في قرية أوستيربيك بهولندا حيث‬ ‫عقد فيه أول اجتماع‪ .‬ويمثل األوروبيون ثلثي أعضاء‬ ‫المجموعة والبقية من الواليات المتحدة‪ .‬وتعقد اجتماعات‬ ‫المجموعة بشكل سنوي في اوروبا‪ ،‬ومرة كل أربع سنوات‬ ‫يتم‬ ‫في الواليات المتحدة االميركية أو في كندا‪ .‬حيث ّ‬ ‫حجز فندق االجتماع كامالً ويضرب حوله نطاق كامل‬ ‫من السرية وتمنع وسائل اإلعالم من االقتراب‪ ،‬وال يتم‬ ‫تقديم بيانات للصحافة حول االجتماعات‪ .‬كما أن على‬ ‫أعضاء المجموعة أن يقوموا بأداء قسم السرية‪.‬‬ ‫‪ .‬اللجنة الثالثية (‪ :)Trilateral‬اسسها ناشطو نادي‬ ‫يبلديربيرغ العام ‪ 1973‬ولها مقر رئيس في الواليات‬ ‫المتحدة االميركية ومكتبان آخران في كل من اوروبا‬ ‫واليابان‪ .‬وسميت كذلك نسبة الى االسس الجيوبوليتيكية‬ ‫المؤسسة وهي‪:‬‬ ‫• المجال (القاري) االميركي بشقيه الشمالي والجنوبي؛‬ ‫• المجال االوروبي؛‬ ‫• مجال المحيط الهادي الذي تسيطر عليه اليابان‪.‬‬ ‫وعلى رأس هذه المجموعة يقف المصرفي الكبير ديفيد‬ ‫روكفلر صاحب تشيز مانهاتن بانك‪ ،‬وكل من زبيغيف‬ ‫بريجنسكي (مستشار وكالة االمن القومي السابق) وهنري‬ ‫كسينجر (وزير خارجية سابق)‪.‬‬ ‫ويرى دوغين ان الهدف االساس من هذه المنظمات‬ ‫«يتمثل في االنتقال الى النظام العولمي الواحد تحت‬ ‫السيطرة االستراتيجية الغربية‪ ...‬وصيغت من اجل تحقيق‬ ‫ذلك نظم موازية تتكون من السياسيين‪ ،‬والصحافيين‬

‫والمثقفين والماليين والمحللين وما الى ذلك‪ ،‬والذي كان‬ ‫عليهم ان يمهدوا التربة قبل ان يتم االعالن بصورة‬ ‫واسعة عن هذا النظام العالمي للحكومة العالمية‪ ،‬أن‬ ‫يمكنه بدون هذا اإلعداد ان يصطدم بمقاومة نفسية قوية‬ ‫من طرف الشعوب والدول التي ال ترغب في تذويب‬ ‫خصوصيتها في البوتقة العالمية»‪.‬‬ ‫باالضافة الى ما سبق‪ ،‬يرى الخبير االقتصادي اللبناني‬ ‫غالب ابو مصلح ان هناك مؤسسات دولية (البنك الدولي‬ ‫وصندوق النقد الدولي ومجلس االمن في اوقات معينة)‬ ‫تنفذ السياسات االقتصادية لبعض الدول الكبرى‪ ،‬ومع‬ ‫تغير الواقع الدولي «أصبح من غير المقبول ان تمتلك‬ ‫اميركا وحدها حق النقض في البنك الدولي‪ ،‬وان تحتكر‬ ‫ارادته‪ ،‬ومن غير المقبول ان تحتكر اوروبا حاكمية‬ ‫صندوق النقد الدولي‪ ،‬ومن غير المقبول أن يتحول البنك‬ ‫والصندوق الدوليان اداتين المبريالية اميركية‪ ،‬ولخدمة‬ ‫مصالح الهيمنة االميركية في العالم»‪.‬‬ ‫تبقى اليد االهم للعولمة االقتصادية يتمثل فيما يعرف‬ ‫بـ»الشركات متعددة الجنسية او العابرة للقارات»‪ ،‬حيث‬ ‫قامت دول عدة بشن الحروب (مثال‪ :‬حرب العراق‬ ‫االخيرة ‪ )2003‬لتمكين هذه الشركات من استغالل‬ ‫الموارد والسيطرة على المواد االساسية (شركات النفط)‬ ‫وتصريف انتاجها (كارتالت السالح) وتأمين وظائف‬ ‫(شركات الحماية التي دخلت الحروب بجانب الجيوش‬ ‫كشركة بالك ووتر العالمية) في تلك الدول‪ .‬اما بالنسبة‬ ‫لتعريف الشركات المتعددة الجنسية فقد ظهرت تعريفات‬ ‫كثيرة‪ ،‬منها أنها مؤسسة ذات فرع أو شركة منتسبة أو‬ ‫شركة تابعة أجنبية واحدة أو أكثر وتنخرط في االستثمار‬ ‫في أصول إنتاجية أو مبيعات أو إنتاج أو تشغيل الفروع‬ ‫والتسهيالت األجنبية‪ .‬وتصوغ الشركات متعددة الجنسية‬ ‫«معظم خططها واستراتيجياتها وسياساتها في المركز‬ ‫الرئيسي لها ويكون ضمن مجال قومي معين (دولة‬ ‫معينة) تدعى بالدولة األم‪ .‬وبالرغم من ذلك فإن حجم‬ ‫نشاطات الشركة مثل‪ :‬النشاط الصناعي أو التجاري‬ ‫أو المعلوماتي قد يتجاوز الحدود السياسية والوطنية‬ ‫واإلقليمية لهذه الدولة التي تعمل على أرضها (الدولة‬ ‫األم) ويتوسع هذا النشاط حتى يصل مداه إلى ٍ‬ ‫دول‬ ‫أخرى تسمى بالدول المضيفة»‪.‬‬ ‫ويرى ابو مصلح ان هذه الشركات جندت حكومات عدة‬ ‫لخدمتها محلياً ودولياً‪ ،‬اذ «تم نقل سلطات عدة واتخاذ‬ ‫الق اررات في مجال السياسة كما في االنتاج واالستهالك‪،‬‬ ‫من الحكومات والجماهير‪ ،‬الى مجالس ادارة الشركات‬ ‫الكبرى‪ ،‬بحيث تم افراغ الدورة السياسية من محتواها‬ ‫الديمقراطي الى حد بعيد‪ ،‬وحول الديمقراطية التي‬ ‫تمارس فعلياً في البلدان الرأسمالية المركزية‪ ،‬ديمقراطية‬ ‫شكالنية»‪.‬‬ ‫‪ .2‬أثر العولمة االقتصادية على الدول‪:‬‬ ‫من خالل ما سبق‪ ،‬يمكن التوصل الى تأثيرات العولمة‬ ‫على صعيد المجتمع الدولي‪ ،‬او الدولة االم (مركز هذه‬ ‫الشركات والمنظمات)‪ ،‬أخي اًر على بقية دول العالم االقل‬ ‫نمواً اقتصادياً‪.‬‬ ‫‪ .‬على الصعيد العالمي‪:‬‬ ‫• ترك السوق للتحكم في االقتصاد (عرض وطلب) وعدم‬ ‫وجود قواعد حمائية تضبط ايقاع التأثيرات السلبية التي‬ ‫قد تنتج؛‬

‫• قصور الطلب عن العرض يشكل قوة إنتاجية معطلة‪،‬‬ ‫بحيث سيؤدي الى تراكم اإلنتاج وهبوط اسعاره مما‬ ‫يستتبع كساداً سيسبب اض ار اًر بالطبقات الكادحة؛‬ ‫• عدم توزيع الثروات واالستفادة منها بشكل عادل‪،‬‬ ‫بحيث تحتكر هذه الشركات الموارد والمداخيل بنسبة‬ ‫عالية ومرتفعة جداً؛‬ ‫• فشل االمم المتحدة لتكون حكومة عالمية بعد انشائها‬ ‫العام ‪ ،1945‬حيث كان من المراد لها ان تشكل صمام‬ ‫امان للدول التي عانت من االستعمار واالنتداب؛‬ ‫‪ .‬على صعيد البلد االم‪:‬‬ ‫• المساهمة في تمويل الحمالت االنتخابية للمرشحين‪،‬‬ ‫حيث يصبحون االدوات السياسية لتنفيذ المخططات‬ ‫والسياسات االقتصادية لهذه الشركات لضمان استمرارهم‬ ‫في الحياة العامة؛‬ ‫• السيطرة على وسائل االعالم وصناعة الرأي العام‬ ‫طورت‬ ‫وتشكيله على اساس مصالحها الذاتية‪ ،‬فلقد ّ‬ ‫الشركات الصناعية الكبرى «استعمالها وسائل اإلعالم‪،‬‬ ‫ليس لبيع منتجاتها فقط بل لبيع صورتها‪ ...‬اشترت‬ ‫وسائل اعالم رئيسة مثل (‪ )CNN‬وغيرها‪ ...‬إن سيطرة‬ ‫الشركات على العملية السياسية في العالم اصبحت‬ ‫اكبر من اي وقت مضى‪ ،‬فالشركات بطبيعتها ليست‬ ‫مؤسسات ديمقراطية‪ ...‬ولكنها امسكت بالساحة السياسية‬ ‫التي اخالها المواطنون‪ ،‬واالحزاب السياسية‪ ،‬والمؤسسات‬ ‫الوسيطة االخرى‪ ...‬وان العملية الديمقراطية بحد ذاتها‬ ‫اصبحت تحت سيطرة المال»؛‬ ‫• افراغ الحياة السياسية من مضومنها الحقيقي المتمثل‬ ‫في تأمين حقوق المواطنين بكافة اشكالها واالنتقال الى‬ ‫تحقيق ارباح مالية لهذه الشركات تضمن عودتهم مجدداً‬ ‫الى كرسي الحكم‪ ،‬ضاربين بقواعد ومبادئ الديمقراطية‬ ‫عرض الحائط؛‬ ‫• اضعاف مؤسسات الحماية االجتماعية او حتى‬ ‫االستغناء عنها فهي بحسب رأي الليبراليين الجدد تعتبر‬ ‫هد اًر للمال العام‪ ،‬فالفقر هو مسؤولية الفقراء وليس‬ ‫المجتمع‪ ،‬وعدم توظيف الشخص مرده الى عدم كفاءته؛‬ ‫• رجوع الدولة الى منطق «الدولة الحارسة» ومبدأ عدم‬ ‫التدخل وابقاء اهتماماتها ضمن االمن والخارجية والدفاع‬ ‫(وكثي اًر ما تتحكم فيهم او في بعضهم مجالس ادارة بعض‬ ‫من هذه الشركات ايضاً)؛‬ ‫• العودة الى كنف الدولة إلنقاذ او حمايتها عندما يهدد‬ ‫وجودها حتى ولو تم انقاذها على حساب المال العام‪،‬‬ ‫وهو ما حصل عندما قدمت حكومة الواليات المتحدة‬ ‫مبلغ ثمانين مليار دوالر لشركة اميركان انترناشيونال‬ ‫غروب ‪American International Group AIG‬‬ ‫لمنعها من االفالس والتأثير على االقتصاد االميركي؛‬ ‫• حماية هذه الشركات قانونياً من خالل العقود المبرمة مع‬ ‫الدول او الشركات االخرى وانشاء مجالس التحكيم على‬ ‫غرار مركز التحكم التجاري الدولي في واشنطن ومراكز‬ ‫عديدة في باريس‪ ،‬حيث تلجأ الشركات عند ابرامها للعقود‬ ‫بوضع بند للتحكيم في العقود‪ ،‬واعطاء المراكز التحكيمية‬ ‫في بلدانها الحق في نظر الدعاوى والحكم بتعويضات قد‬ ‫تكون خيالية احياناً‪ ،‬وهو ما حصل مع جمهورية مصر‬ ‫العربية في كثير من الخالفات التي نشأت بين الدولة‬ ‫وبعض هذه الشركات الكبرى‪ .‬ان هذا المنطق يفرض‬ ‫نتيجة مفادها عدم وجود آلية للقدرة على محاسبة هذه‬


‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫الشركات لكونها تحظى بدعم دولها القوية؛‬ ‫• توفير الغطاء األمني لها عبر انتشار القواعد‬ ‫العسكرية في العالم لحمايتها‪ ،‬فنهاك «اكثر من ‪750‬‬ ‫قاعدة عسكرية في العالم لحماية شركاتها وامتيازات‬ ‫هذه الشركات‪ ،‬وخطوط إمدادها والمواد الخام االساسية‬ ‫المنتشرة في انحاء الكرة االرضية»؛‬ ‫• ضرب النقابات العمالية بصفتها قوة من قوى الضغط‬ ‫على السياسات الحكومية لتغييرها او تعديلها؛‬ ‫• تحرير سوق العمل وانتهاك حقوق العمال المتمثلة‬ ‫في نواح عدة ابرزها الضمان الصحي‪ ،‬والحد االدنى‬ ‫لالجور‪ ،‬وتوقيع عقود عمل تعتمد على مدة العمل فقط‬ ‫من دون ان يكون لها صفة الديمومة‪ ،‬وهذا ما يزيد من‬ ‫خوف العمال على مستقبلهم‪.‬‬ ‫‪ .‬التأثيرات على الدول األخرى‪:‬‬ ‫• انتهاك سيادة الدول وحقوقها؛‬ ‫• التأثير على االقتصاد الوطني بغية تحقيق المصالح‬ ‫الخاصة للشركات‪ ،‬اذ يرى غالب ابو مصلح انها ستقل‬ ‫من القدرة الشرائية فيها‪ ،‬االمر الذي يقلل الطلب على‬ ‫السلع ورؤوس االموال‪ ،‬مما يؤدي الى زيادة البطالة‬ ‫واتساع الفروق في المداخيل‪ ،‬ونمو للدينين العام‬ ‫والخاص‪ ،‬واخي اًر الوصول الى ازمة مالية‪ ،‬على غرار‬ ‫ما تشهده بعض الدول التي مرت بمثل هذا السيناريو‬ ‫(لبنان مثالً)؛‬ ‫• التأثير على النقد واسعار صرف العمالت‪ ،‬وما‬ ‫يمكن ذكره هنا ما حدث في ستينيات القرن الماضي‬ ‫عندما وجدت الشركات االميركية نفسها في موقع غير‬ ‫تنافسي مع الشركات االوروبية واليابانية‪« ،‬فلجأت الى‬

‫فكر‬ ‫الدولة لحمايتها من المنافسة الخارجية‪ ،‬واخذت الحماية‬ ‫االميركية اشكاال عدة‪ .‬منها الضغط على المانيا واليابان‬ ‫لرفع اسعار صرف عملتيها‪ ،‬وتخفيض سعر صرف‬ ‫الدوالر لرفع القدرة التنافسية النتاج الشركات االميركية‬ ‫داخل السوق المحلية وخارجها»؛‬ ‫• رفع الحواجز الجمركية عن منتجاتها إو�بقائها في دولها‬ ‫خصوصاً في فترات الركود‪ ،‬وهذا ما اوضحه مايكل‬ ‫تانزر اذا اعتبر انه «عندما يكون االقتصاد الكوني كله‬ ‫راكداً او قيد التقليص‪ ،‬فإن بعض الشركات تعاني اكثر‬ ‫من المنافسة‪ ،‬وتلجأ بشكل متزايد الى استخدام سلطة‬ ‫الدولة لحماية اسواقها المحلية‪ .‬وبصورة مشابهة فإن‬ ‫الدولة تعمل بجهد أكبر لترويج مصالح الشركات التابعة‬ ‫لبلدانها‪ ،‬وذلك بأن تتبع خط الحماية من الداخل‪ ،‬وان‬ ‫تدفع ‪ -‬في الوقت نفسه ‪ -‬باتجاه كسر نطاق الحماية‬ ‫في البلدان االضعف وخاصة العالم الثالث»‪ .‬وغالباً‬ ‫ما يكون سبب االقفال قانونياً (مثل عدم مطابقة السلع‬ ‫الواردة للمواصفات‪ ،‬اسباب صحية او بيئية‪ ،‬االغراق)‬ ‫لمنع مساءلتها او إحراجها؛‬ ‫• عدم قدرة شركات الدول االخرى من استثمار القطاعات‬ ‫نفسها (النفط‪ ،‬االتصاالت‪ ،‬مولدات الطاقة) او حتى‬ ‫االقل من تلك التي تقوم بها تلك الشركات الكبرى‪.‬‬ ‫ويبرز هنا عدد من االمثلة كرفض الواليات المتحدة‬ ‫للتعاقد مع شركة اماراتية لصيانة وخدمة المرافئ فيها‬ ‫باعتبارها مناطق وقطاعات استراتيجية‪ ،‬ومنع بيع شركة‬ ‫«الند روفر» البريطانية الى «بي ام دبليو» االلمانية‬ ‫باعتبارها رم اًز قومياً للصناعة االنجليزية؛‬ ‫• هجرة اليد العاملة من الدول الضعيفة اقتصادياً الى‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ليبانولوجية‬ ‫اللبنانية (‪ )1984-1946‬منرب من أجل بلورة‬ ‫الندوة‬ ‫  •أمين الياس‬

‫يناقش الباحث اللبناني أمين الياس أطروحة دكتوراه‬ ‫في التاريخ لنيل دبلوم الدكتوراه في التاريخ بعنوان‪:‬‬ ‫اللبنانية (‪ )1984-1946‬منبر من أجل بلورة‬ ‫الندوة‬ ‫ّ‬ ‫المتوسطي‪ ،‬في جامعة لو‬ ‫بي و‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ليبانولوجية في إطارها العر ّ‬ ‫مان الفرنسية (– ‪Université du Maine, Le Mans‬‬ ‫‪ .)France‬وتتألف هيئة التحكيم من األساتذة‪ :‬دومينيك‬ ‫آفون‪ ،‬بروفيسور في جامعة لو مان (فرنسا)‪ ،‬كرم رزق‪،‬‬ ‫بروفيسور في جامعة الروح القدس ـ الكسليك (لبنان)‪،‬‬ ‫حكيم‪ ،‬بروفيسور في الجامعة اللبنانية (لبنان)‪،‬‬ ‫أنطوان ّ‬ ‫برنارد إيبيرجيه‪ ،‬بروفيسور في معهد الدراسات المتعلّقة‬ ‫باإلسالم وبالمجتمعات في العالم اإلسالمي (فرنسا)‪،‬‬ ‫آن ـ لور دوبون‪ ،‬أستاذة محاضرة في جامعة السوربون‬ ‫(فرنسا)‪.‬‬ ‫لمناسبة مناقشة أطروحة أمين الياس هذه‪ ،‬تنشر‬ ‫«تحوالت» دراسة موجزة للباحث الياس عن موضوع‬ ‫األطروحة وتاريخ الندوة اللبنانية‪.‬‬ ‫األول من أيلول ‪ 1920‬والثاني والعشرون من تشرين‬ ‫ّ‬ ‫مفصليان ش ّكال التعبير‬ ‫الثاني ‪ 1943‬هما تاريخان‬ ‫ّ‬ ‫يخية نحو‬ ‫األمة في مسيرته التار ّ‬ ‫األبرز للبنان الكيان و ّ‬ ‫الدولية إو�برازها في محيطها‬ ‫شخصيته‬ ‫بْل َورة‬ ‫القومية و ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األول‬ ‫العربي والمتوسطي ومن ّ‬ ‫ثم العالمي‪ .‬في التاريخ ّ‬ ‫مجرد‬ ‫أخذ لبنان شكله الجيوسياسي النهائي‬ ‫ليتحول من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫«مسألة مطروحة على القانون الدولي» إلى العب له‬ ‫أن‬ ‫شخصيته‬ ‫القانونية المعترف بها ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األهم من هذا ّ‬ ‫دولياً‪ .‬و ّ‬ ‫سياسياً بكيانه عن محيطه الجغرافي القريب‪،‬‬ ‫لبنان استق ّل‬ ‫ّ‬ ‫خاصة الموارنة‬ ‫مهم من أبنائه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وكان ذلك بإرادة جزء ّ‬

‫أما التاريخ الثاني فقد استَ ْك َمل فيه لبنان استقالله‪،‬‬ ‫منهم‪ّ .‬‬ ‫ضد االنتداب الفرنسي‪ .‬كانت تلك االنتفاضة‬ ‫بانتفاضته ّ‬ ‫وليدة االتفاق ‪ -‬الميثاق الذي ُبدئ َببْل َورته سنة ‪1936‬‬ ‫ليتبناه في صيف‬ ‫مع كاظم الصلح ويوسف السودا‪ّ ،‬‬ ‫يطانية‪ٌّ ،‬‬ ‫كل من بشارة الخوري‬ ‫‪ ،1943‬وبرعاية عر ّبية وبر ّ‬ ‫أهمية هذا التاريخ في التقاء إرادة‬ ‫ورياض الصلح‪ .‬تكمن ّ‬ ‫اللبنانيين‪ ،‬المطالبين بلبنان الكبير ورافضيه سابقاً‪،‬‬ ‫ك ّل‬ ‫ّ‬ ‫نهائياً بـلبنان الكيان المستق ّل «ذي الوجه‬ ‫على القبول‬ ‫ّ‬ ‫العربي» والمنفتح دائماً على الحضارة والثقافة الغر ّبيتَين‪،‬‬ ‫ُقرت العام ‪َّ 1920‬‬ ‫وتثبتَت العام ‪1936‬‬ ‫بحدوده التي أ َّ‬ ‫نسية‪.‬‬ ‫بالمعاهدة‬ ‫اللبنانية ‪ -‬الفر ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللبنانيون أنفسهم‬ ‫للمرة األولى في تاريخهم السياسي‪ ،‬وجد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أسياد مصيرهم ضمن ٍ‬ ‫خاص بهم‪ُ ،‬معترف‬ ‫كيان‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫أح‬ ‫ٍّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ودولياً‪ ،‬وغير مرتبط ال بدولة احتالل عثماني‬ ‫به عر ّبياً‬ ‫ّ‬ ‫وال بدولة انتداب فرنسي‪ .‬تزامن هذا الحدث الضخم مع‬ ‫الثقافية‬ ‫لبنانية‪ ،‬وريثة عصر النهضة‬ ‫األدبية و ّ‬ ‫ّ‬ ‫بروز نخبة ّ‬ ‫السياسية التي عرفها جبل لبنان وبيروت والقاهرة في‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫استمرت حتى‬ ‫النصف الثاني من القرن التاسع عشر و ّ‬ ‫أوائل القرن العشرين‪.‬‬ ‫ي ولد ميشال أسمر العام‬ ‫الجو‬ ‫ْ‬ ‫السياسي والفكر ّ‬ ‫وسط هذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 1914‬في عائلة متواضعة‪ .‬مدفوعاً بما يعتبره خليل رامز‬ ‫«حب القلم»‪،‬‬ ‫األصلية»‪ ،‬خطيئة‬ ‫سركيس بـ»الخطيئة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مال األسمر منذ حداثته إلى العمل الثقافي‪ ،‬ال رغبة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تطور مع الوقت‬ ‫إرضاء‬ ‫بترف فكري‪ ،‬بل‬ ‫ً‬ ‫لعطش أدبي ّ‬ ‫الثقافية‬ ‫وثقافياً بلبنان‪ .‬فمنذ تجربته‬ ‫ليصبح التزاماً فكرّياً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫امتدت ما بين‬ ‫التي‬ ‫عشر»‬ ‫اإلثني‬ ‫ـ»ندوة‬ ‫األولى المتمثّلة ب‬ ‫ّ‬

‫‪9‬‬ ‫الدول الغنية وحرمانها من أهم موارد التطور وهو‬ ‫العنصر البشري‪.‬‬ ‫‪ .3‬عودة الدول الى لعب دور قومي‪:‬‬ ‫قد يكون من المهم ان تقوم الدول بلعب دور قومي بعد‬ ‫ان فقدت الكثير منه‪ ،‬يتمثل في‪:‬‬ ‫‪ .‬االشراف على المرافق المهمة استراتيجياً والحيوية من‬ ‫حيث حجم تأثيرها على الدولة (اقتصادياً‪ ،‬سياسياً‪ ،‬امنياً)؛‬ ‫‪ .‬التشجيع على االستثمار في قطاعات االنتاج وتحسين‬ ‫نوعيته كي تستطيع السلع من المنافسة؛‬ ‫‪ .‬التركز على «صناعة» العنصر البشري المتخصص‬ ‫لرفع مستوى وتقنيات االنتاج؛‬ ‫‪ .‬تقديم التسهيالت للمشاريع الجديدة والعمل على‬ ‫تشجيع االنتاج الفكري وعدم هجرة االدمغة؛‬ ‫‪ .‬سن التشريعات والقوانين بغية تحقيق المصلحة العامة؛‬ ‫‪ .‬تفعيل دور النقابات وتحسين شروط العمل (عقود‬ ‫العمل‪ ،‬تفعيل دور العامل في مجالس االدارة من خالل‬ ‫تشكيل لجان تتشارك في وضع سياسة العمل واطر‬ ‫تحسينه مما يدر نفعاً على العمال واصحاب العمل)؛‬ ‫‪ .‬تأمين العامل في جميع المجاالت كي يستطيع االنتاج‬ ‫(الصحة‪ ،‬االجور‪ ،‬التعويضات‪... ،‬الخ)؛‬ ‫‪ .‬اتباع سياسات التقشف لحل االزمات عبر ترشيد‬ ‫االنفاق والتخفيف من الهدر؛‬ ‫‪ .‬فتح اسواق الدول عبر االتفاقيات الثنائية العادلة‬ ‫للطرفين؛‬ ‫‪ .‬حماية ومراقبة الدول للشركات التي تعمل في الخارج من‬ ‫الغبن واالستغالل‪ ،‬وايجاد آليه عادلة لمحاسبتها في حال‬ ‫خرقها لالتفاقيات واالعراف التجارية المتعارف عليها‪.‬‬ ‫  •باحث في الشؤون الدولية‬

‫انتهاء بمشروع الندوة اللبنانية الذي‬ ‫‪ 1935‬و‪ ،1941‬و ً‬ ‫عين ْيه‬ ‫نصب َ‬ ‫أسسه في العام ‪ ،1946‬وضع األسمر ْ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافي‪ :‬لبنان‪ .‬فجيل األسمر هو‬ ‫لعمله‬ ‫ا‬ ‫أساسي‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫محو‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫نج ْيم‪ ،‬ويوسف السودا‪،‬‬ ‫بولس‬ ‫ضم‬ ‫الذي‬ ‫ذاك‬ ‫بعد‬ ‫الثاني‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وميشال شيحا‪ ،‬وبشارة الخوري‪ ،‬إو�ميل ّإده‪ ،‬وهكتور خالط‪،‬‬ ‫وع َمر ْبيهم‪ ،‬وشارل‬ ‫ورياض الصلح‪ ،‬وكاظم الصلح‪ُ ،‬‬ ‫دور اآلباء المؤسِّسين للبنان‪.‬‬ ‫قُرم‪ ،‬وغيرهم الذين لعبوا َ‬ ‫ِ‬ ‫اإلشكالي منذ ن ْشأته كان «يشتَغل» في نفوس‬ ‫هذا الكيان‬ ‫ّ‬ ‫عية وجوده وعلى‬ ‫الجدد‪ .‬فمن نز ٍ‬ ‫اع على شر ّ‬ ‫هؤالء ّ‬ ‫الشبان ُ‬ ‫«لبنانية» و»سورّية» و»عر ّبية» منذ العام‬ ‫بين‬ ‫هويته ما‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دستور في العام ‪ ،1926‬فمحاو ِ‬ ‫الت توفي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ق‬ ‫‪ ،1920‬إلى‬ ‫ٍ‬ ‫في العام ‪ ،1936‬فميثا ٍ‬ ‫استقالل في العام ‪،1943‬‬ ‫ق و‬ ‫ورث جيل األسمر هذا الخوف من المجهول حول وجود‬ ‫لبنان ومصيره‪ .‬متمسِّكاً بالميثا ِ‬ ‫أساسياً من دعائم‬ ‫ق ركناً‬ ‫ّ‬ ‫استمر لوال‬ ‫بأن لبنان ما كان وما‬ ‫البلد‪ ،‬اقتنع األسمر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ك يوماً‬ ‫اتفاق بشارة الخوري ورياض الصلح‪ ،‬وهو لم ينف ّ‬ ‫أن‬ ‫أن لبنان ال يمكنه ْ‬ ‫على التشديد «لدى الجميع على ّ‬ ‫المسيحي والمسلم‪.‬‬ ‫بجناحيه»‬ ‫يطير إال‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫في هذا األطروحة يحاول أمين الياس أن يستخرج من‬ ‫محاضرات الندوة اللبنانية الخطوط األساسية لما اصطلح‬ ‫يعرفها‬ ‫على تسميته بـ»ليبانولوجية» أو «علم لبنان»‪ ،‬كما ّ‬ ‫مسرة في كتاباته‪ .‬وبشكل مو ٍاز فإنه‬ ‫األستاذ أنطوان ّ‬ ‫ابتداء‬ ‫مفصل لتاريخ الندوة اللبنانية‬ ‫سوف يقوم بعرض‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫من انطالقها في العام ‪ 1946‬على يد مؤسسها ميشال‬ ‫لتتحول مع‬ ‫أسمر مبادرة وطموحاً ومغامرة ثقافية فردية‬ ‫ّ‬ ‫حد تعبير األستاذ الكبير‬ ‫الوقت «ثقة مجموع» – على ّ‬ ‫خليل رامز سركيس – ومشروعاً جماعياً وطنياً هدفه بناء‬ ‫لبنان‪ ،‬الفكرة والكيان والوطن والشعب والهوية والرسالة‬ ‫والدولة‪ ،‬بالثقافة والفكر‪.‬‬ ‫  •دكتور في التاريخ‬


‫أدب‬

‫‪10‬‬

‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫الصورة واملعنى يف شعر نعيم تلحوق‬ ‫  •أ‪.‬د‪ .‬مها خير بك ناصر‬ ‫اإلنسانية التي رسمها‬ ‫إن التجربة‬ ‫ّ‬ ‫هل يمكن القول ّ‬ ‫بعضا من فيض‬ ‫نعيم تلحوق في دواوينه الشعرّية كانت‬ ‫ً‬ ‫المعاني العاصفة في ذاكرته وفي حضوره اليقيني والواعي‬ ‫لغوية تبحث عن مستقر لها في‬ ‫أم كانت محض خطوط ّ‬ ‫ثقافي أنكر ماهيته؟‬ ‫خضم فعل‬ ‫ّ‬ ‫ؤرخ لها بأزمنة‬ ‫تظهر عملية رصد ّ‬ ‫أن دواوين الشعر ُي ّ‬ ‫ولكنها عالمة ال ترتبط‬ ‫يريدها الناشر عالمة والدة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المتقدم‬ ‫يحده مكان‪ ،‬فهو الواحد‬ ‫ّ‬ ‫ألن الزمان ال ّ‬ ‫بالزمان‪ّ ،‬‬ ‫المتمرد على النظر والوقوف‬ ‫على الك ّل‪ ،‬والمتحرك‬ ‫ّ‬ ‫الحقيقي الوحيد في وجودنا‪ ،‬ولذلك لن‬ ‫والتأمل‪ّ ،‬إنه الفعل‬ ‫ّ‬ ‫يكون تأريخ الدواوين الشعرّية التي كتبت عواصف نعيم‬ ‫تلحوق ورعده وثورته وحزنه وألمه وهدوء عواصفه عالمة‬ ‫تؤسس لوالدات النهاية لها‬ ‫والدة بل هي محطات إبداع ّ‬ ‫األول (قيامة العدم ‪)1986‬‬ ‫ً‬ ‫بدءا من إصدار الديوان ّ‬ ‫ملتبسا هو (هي‬ ‫اسما‬ ‫نعيم‬ ‫منحه‬ ‫أخ‬ ‫له‬ ‫صار‬ ‫الذي‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫القصيدة األخيرة ‪ )1990‬فكيف تكون نهاية في بداية ما‬ ‫زالت تفيض بوالدات شعرّية أنجبت‪( :‬لكن‪ ...‬ليس اآلن‬ ‫‪ - 1992‬وطن الرماد ‪ - 1994‬هو األخير ‪- 1999‬‬ ‫كفر‬ ‫بوحا ‪ - 2005‬يرقص ًا‬ ‫أظنه وحدي ‪ - 2001‬يغني ً‬ ‫ألن جسدها ‪ - 2012‬شهوة القيامة ‪)2013‬؟‬ ‫‪ّ - 2007‬‬ ‫تشير العناوين إلى انتصار الذات المذ ّكرة على عدم‬ ‫ألن‬ ‫كانه الشاعر قبل أن ينطقه الشعر بـ»قيامة العدم»‪ ،‬و ّ‬ ‫حركية‪ ،‬فلقد جاء العنوان‬ ‫ألنها ترمز إلى‬ ‫القيامة‬ ‫ّ‬ ‫مؤنث‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬ ‫اعيا بسلطة التوليد‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫اعت‬ ‫ة»‬ ‫ر‬ ‫األخي‬ ‫«القصيدة‬ ‫الثاني‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫النفسي أراد إلغاءه وعي‬ ‫اليقيني‬ ‫النسوي‪ ،‬هذا االعتراف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويضخم الذات‪ ،‬ويفصح عن إرادة‬ ‫غبة‪،‬‬ ‫الر‬ ‫يقمع‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ذكور ّ‬ ‫ي‬ ‫تطمح إلى تكريس ذكوريتها في فضاء‬ ‫ثقافي‪ /‬فكر ّ‬ ‫ّ‬ ‫فرض عناوين ترشح بذكورّية تُسند فاعليتها إلى غائب‬ ‫بوحا وترقص‬ ‫أخير يظنه الشاعر‬ ‫مجس ًدا وحدةً تغني ً‬ ‫ّ‬ ‫كفرا‪ ،‬ولكي يطهّر ذاته الظاهرة من أدران الرقص والكفر‬ ‫ً‬ ‫«ألن جسدها» ليكون عودة إلى قيامة‬ ‫ان‬ ‫و‬ ‫بعن‬ ‫انه‬ ‫و‬ ‫دي‬ ‫وسم‬ ‫ّ‬ ‫تقدم على‬ ‫تشهّاها في عدم كانه‪ .‬فهل أحال ك ّل ما ّ‬ ‫جسد امرأة وعلى شهوة القيامة‪ /‬العدم؟ إو�ذا كان العنوان‬ ‫اللغوي فهل استطاعت لغة‬ ‫باب عبور إلى عتبات البوح‬ ‫ّ‬ ‫الديوان الشعرّية أن تقوم بدور وسيط منحاز؟‬ ‫استمدت‬ ‫اللغوية‬ ‫أن الصور‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تؤ ّكد لغة دواوين نعيم تلحوق ّ‬ ‫النفسية‬ ‫أنساقها وألوانها من طبيعة اللحظات‬ ‫االجتماعية و ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإليدولوجية الثاوية في‬ ‫الثقافية والفكرّية و‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫السياسية و ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوعي متفاعل ومنفعل مع وعي يجيد قراءة الحاضر‬ ‫ويسعى إلى استشراف المستقبل‪ ،‬واالستشراف ال يكون‬ ‫إبداعية قادرة على اإلفادة من التجارب‬ ‫من دون طاقات‬ ‫ّ‬ ‫فروضا شعرّية تتمايز‬ ‫والمعارف والمعطيات التي تنتج‬ ‫ً‬ ‫لغوية جديدة ومغايرة وقابلة للتأويل والتفسير‬ ‫بأنساق‬ ‫ّ‬ ‫اللفظي‬ ‫التشكيل‬ ‫بين‬ ‫العالقة‬ ‫كانت‬ ‫فكيف‬ ‫اآلتي‪،‬‬ ‫وقراءة‬ ‫ّ‬ ‫الداللية‬ ‫اللغوية الشعرّية وبين المعاني وقيمها‬ ‫أي الصورة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإليحائية؟‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫غنية‬ ‫شحن نعيم تلحوق دواوينه الشعرّية بعناوين‬ ‫داخلية ّ‬ ‫ّ‬ ‫بدالالت تغري بالتفسير والتأويل‪ ،‬وتوحي‪ ،‬في الوقت‬ ‫الداخلية‬ ‫معمقّة تتناول العناوين‬ ‫ّ‬ ‫عينه‪ ،‬بإجراء دراسات ّ‬ ‫الداللية‪ ،‬وسيكون التركيز على عناوين الديوان‬ ‫وقيمها‬ ‫ّ‬ ‫األخير «شهوة القيامة»‪ ،‬وعلى قراءة بعض الصور‬ ‫الشعرّية التي ارتبطت بالعناوين‪ ،‬لكونها مفاتيح عبور‬ ‫تكشف عن ثقافة نعيم تلحوق ومعتقداته ورؤاه وتطلعاته‪.‬‬ ‫تكشف مقدمة الديوان عن قلق الشاعر‪ ،‬وعن خوفه‬

‫متعجبا «هل‬ ‫على عالقة الصورة بالمعنى‪ ،‬فيتساءل‬ ‫ً‬ ‫هم تعبها‪ ،‬فسقطت في الالمعنى؟!»‪،‬‬ ‫صادرت الحروف ّ‬ ‫يقدم جو ًابا عن أسئلة ال تجد‬ ‫مستقرها إالّ‬ ‫ثم يحاول أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نصية خطوطها عناصر اللغة القادرة وحدها‬ ‫في أنساق ّ‬ ‫على احتضان أسئلة الوجود‪ ،‬فيقول‪« :‬فنذهب إلى اللغة‬ ‫مكرسين‬ ‫لنحمي إيقاعنا من السقوط‪ ...‬ونبدأ بالمعنى ّ‬ ‫فكرة الخالص من الجسد‪ ،‬قبل أن نبدأ بمحاورته‪ ،‬وقبل‬ ‫أن نضيف عليه أسئلة الوجود‪ ،»...‬فكيف تجلّت معاني‬ ‫الصور اللغة الشعرّية في ديوان «شهوة القيامة»؟‬ ‫يضع الشاعر عناوين الديوان ضمن ثالث لوحات‪ ،‬ويسم‬ ‫لغوية‪ ،‬فأطلق على اللوحة‬ ‫اإلطار العام لك ّل لوحة بصورة ّ‬ ‫ثم منح ك ّل‬ ‫األولى اسم «سقوط الشهوة قبل التداعيات»‪ّ ،‬‬ ‫صور‬ ‫ًا‬ ‫اسما‪ ،‬فاحتوت اللوحة األولى‬ ‫جزء من هذه اللوحة ً‬ ‫لفظية هي‪« :‬سؤال – سقوط ‪ -‬قيامة الشهوة ‪ -‬بداية‬ ‫ّ‬ ‫الشهوة ‪ -‬بداية النهاية ‪ -‬صدفة ‪ -‬يا أنت – تساؤالت‬ ‫– رؤيا – مصير – ماء – صديق ‪ -‬أكثر ‪ ...‬أقل‬ ‫ وصية»‪ ،‬ووسم اللوحة الثانية بـ»احتمال الخروج من‬‫وتضمنت عناوين هي‪« :‬شجر النهايات ‪-‬‬ ‫األمكنة»‬ ‫ّ‬ ‫بيني وبينك ‪ -‬هنا هناك – نجوم ‪ -‬لحظات الصدفة‬ ‫أما اللوحة الثالثة الموسومة‬ ‫ طريق – بلد ‪ -‬غضب»‪ّ ،‬‬‫بـ»رقص على عرش الكالم» فلقد احتوى الصور اللفظية‬ ‫التالية‪« :‬إليها – رقص – مغفرة – ال شيء يتركني هناك‬ ‫– استدراكات – جنة ‪.»2‬‬ ‫توحي عناوين اللوحات بأن الشاعر انتصر على الشهوة‬ ‫بالسؤال والتجربة والتساؤل والرؤيا التي قادته إلى مصير‬ ‫تجسد في صديق وليس أصدقاء ليكتب‬ ‫نتج عنه ماء حياة ّ‬ ‫وصية قوامها أظلة ونجوم وحركية زمن إلى حيث هي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المحتجب‪ ،‬فتتجلّى أنا الشاعر في رقص‬ ‫المحبوب‬ ‫أي‬ ‫ُ‬ ‫مشفوعا بالمغفرة واالستدراك‪،‬‬ ‫قصا‬ ‫ً‬ ‫من دون كفر لكونه ر ً‬ ‫انبثاق عن ّأول‬ ‫جنة ليست أصالً بل هي‬ ‫ٌ‬ ‫فيصل إلى ّ‬ ‫ألن هذه الجنة الثانية جنة مبتكرة لها خصائص‬ ‫سابق‪ّ ،‬‬ ‫امتدادا‬ ‫ابتكرها الشاعر ورسم فضاءاتها بالكلمات فكانت‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫المضمرة‬ ‫روحيا لقصيدة «إليها» إو�جابة عن ك ّل األسئلة ُ‬ ‫اللغوية‪.‬‬ ‫في تراكيب الصور‬ ‫ّ‬ ‫كلي يستعصي‬ ‫تكشف قصيدة «إليها» عن استسالم ّ‬ ‫معه أن يعرف الشاعر نفسه‪ ،‬فيطلب من المعشوق أن‬ ‫يعيره بعضه ليعرف حاله «أعيريني بعضي‪ ،‬ألسألك‬ ‫ٍّ‬ ‫محب‬ ‫ألن كليته تذوب وتتالشى في ذات‬ ‫كيف حالي»‪ّ ،‬‬ ‫ووطنية‬ ‫وجدانية‬ ‫مستتر يأخذ صورة أنثى تختزل معاني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نسانية‪ ،‬فهل هي هاجر بك ّل رمزيتها‬ ‫ودينية و‬ ‫اجتماعية إو� ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسانية؟ وهل يرى في‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫يخي‬ ‫ر‬ ‫التا‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫الديني‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫العاطفي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صوفية الحالّج؟ وهل الوصول إلى‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫بعض‬ ‫روحه‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫الباطنية عبور آني أم ارتحال يؤرخ له‬ ‫المحب‬ ‫معاني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الديني في حقيقة‬ ‫الموروث‬ ‫يقول‬ ‫وماذا‬ ‫الزمان؟‬ ‫بسير‬ ‫ّ‬ ‫الجثث وانتقال األرواح؟‬ ‫كما من األسئلة‬ ‫يطرح نعيم تلحوق في هذه القصيدة ً‬ ‫واإلشكاليات التي أجاب عن بعضها من خالل رسمه‬ ‫خطوط القصيدة األخيرة‪ ،‬وهذه المعرفة يريدها لمستقبل‬ ‫تكرر في‬ ‫يجهله فيكثر من استخدام حرف السين الذي ّ‬ ‫القصيدة اثنتي عشرة مرة» ألسألك – مساء – مسك –‬ ‫باسما ‪ -‬تستبدلين‬ ‫استحمي ‪ -‬ال تسمحي ‪ -‬عابسة ‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫لكأنه ربط‬ ‫تسير»‪،‬‬ ‫جسدي‪-‬‬ ‫‬‫استدركي‬ ‫‬‫شمسك‬ ‫‬‫ّ‬ ‫معرفة اآلتي برمزية هذا العدد المتمايز بقيم ال حصر لها‪.‬‬ ‫تشير القصيدة األخيرة «جنة ‪ »2‬إلى أن ذات الشاعر‬

‫ولكن الوصول ارتبط‬ ‫ّ‬ ‫العرفانية تحاول العبور منها إليها‪ّ ،‬‬ ‫التحول والتغيير‪ ،‬ليحيل هذا‬ ‫كيمائية‬ ‫يرفض‬ ‫بأصل‬ ‫ّ‬ ‫فض الشاعر على قراءة تفاصيل الموروث حرفًا حرفًا‪،‬‬ ‫الر ُ‬ ‫لكونه الجسد األساس في عملية االنتماء إلى وطن رسمه‬ ‫تحول من «نائم على‬ ‫في قصيدة «إليها» غفارة أحالم‪ّ ،‬‬ ‫ثم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫«وطن سهران» متمايز باتساع الرؤيا‬ ‫باب الشمس» إلى‬ ‫ي والثقافي والديني‪ ،‬وطن يرتاح‬ ‫التلون الحضار ّ‬ ‫وبجمال ّ‬ ‫ألن الشاعر ربط وجود جنته المبتكرة‬ ‫الزمن‪،‬‬ ‫في حضنه‬ ‫ّ‬ ‫ثم توظيفه من أجل خلق‬ ‫بقراءة واعية للموروث‪ ،‬ومن ّ‬ ‫أسس لها في ثالث‬ ‫فضاء‬ ‫إنساني قوامه ثالثة مرتكزات ّ‬ ‫ّ‬ ‫لوحات هي‪« :‬سقوط الشهوة قبل التداعيات» و»احتمال‬ ‫ألن‬ ‫الخروج من األمكنة» و»رقص على عرش الكالم»‪ّ ،‬‬ ‫أي خروج من أزمة التداعيات مشروط بطرح األسئلة‬ ‫ّ‬ ‫وبقراءة الموروث بك ّل أشكاله‪ ،‬وبابتكار آليات جديدة‬ ‫تغري بالتحريض على شهوة قيامة ترفض التقليد وتدعو‬ ‫فسر‬ ‫إلى قراءة جديدة تشرح معنى التقوى الحقيقية‪ ،‬وتُ ّ‬ ‫دالالت «كن» وتفهم حقيقة دخول العالم «ثقب اإلبرة»‬ ‫يدعي المعرفة وهو بعيد منها بعد الكافر‬ ‫فالعالم اليوم ّ‬ ‫ألن الكافر ال يدخل الجنة حتى يدخل الجمل‬ ‫من الجنة‪ّ ،‬‬ ‫ثقب اإلبرة‪.‬‬ ‫تظهر لغة نعيم تلحوق الشعرّية ّأنها تقوم بدور وسيط‬ ‫ألنه استطاع أن يختار صوره من زاوية معينة‪،‬‬ ‫منحاز‪ّ ،‬‬ ‫النفسية‬ ‫وأن يربطها بطبيعة اللحظات‬ ‫االجتماعية و ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإليدولوجية التي يعيشها‪،‬‬ ‫الثقافية والفكرّية و‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫السياسية و ّ‬ ‫ّ‬ ‫وصوفية‬ ‫باطنية فكرّية وعقائدية‬ ‫بعضا من‬ ‫فعكست‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫تعيشها ذات الشاعر المستترة وراء لغة الكالم المحكي‪،‬‬ ‫المتجلية في الصور ومعانيها ودالالتها‪ ،‬فيتك ّشف‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫اللغوية على‬ ‫ته‬ ‫ر‬ ‫قد‬ ‫وتظهر‬ ‫‪،‬‬ ‫اإلنساني‬ ‫و‬ ‫الروحي‬ ‫الجانب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التقاط صور المخيال وتوظيفها في طرح الرؤى واألفكار‪،‬‬ ‫وفي رسم العالقة بين ظاهر الصورة ودالالتها‪ ،‬أي بين‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يضج بالرموز والدالالت‬ ‫مستتر‬ ‫متجل وباطن‬ ‫ظاهر‬ ‫ّ‬ ‫والحقائق‪.‬‬ ‫اإلنسانية التي رسمها نعيم تلحوق‬ ‫هكذا‪ ،‬هل التجربة‬ ‫ّ‬ ‫بعضا من فيض المعاني‬ ‫في دواوينه الشعرّية كانت‬ ‫ً‬ ‫العاصفة في ذاكرته‪ ،‬وفي حضوره اليقيني والواعي ولم‬ ‫لغوية تبحث عن مستقر لها في‬ ‫تكن محض خطوط ّ‬ ‫ثقافي‬ ‫ألنها نتاج فعل‬ ‫خضم فعل‬ ‫ثقافي أنكر ماهيته‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يحرض على التأسيس والتأصيل والتحديث واالنتماء إلى‬ ‫ّ‬ ‫اليقينية؟‬ ‫بعيدا من المؤثرات غير‬ ‫موروث حقيقي ً‬ ‫ّ‬


‫فن‬

‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫«عيون الشام يف بريوت» ‪ ...‬يامسني سوري بألوان مبدعة‬ ‫  •تحوالت ‪ -‬محمد الحاجم‬

‫ألول مرة في و ازرة السياحة في بيروت‪ ،‬إستضافت‬ ‫قاعتها الزجاجية ملتقى “عيون الشام في بيروت” الذي‬ ‫افتتح في تمام الساعة السادسة من مساء يوم األثنين في‬ ‫‪ 4‬تشرين الثاني بتظاهرة فنية تشكيلية وأدبية تستمر لغاية‬ ‫‪ 15‬من الشهر الجاري‪.‬‬ ‫إفتتح المعرض برعاية الناقد الفني العربي اللبناني محمد‬ ‫عقل ممثالً لوزير السياحة وبدعم من «منبر الميادين‬ ‫لإلبداع العربي» والناقد العربي مؤيد منيف والناقد‬ ‫التشكيلي السوري عبود سلمان‪.‬‬ ‫السوريون مرة أخرى في الحم ار ‪ ..‬يلقون بألوانهم في‬ ‫قصة تعيد حكايا الفينيقين وأرجوانهم ‪ ..‬كما يلقون‬ ‫أبجديات أوغاريت ‪ ..‬ومحاوالت العقل األنساني األول‬ ‫‪..‬وفي كرنفالية اليتقنها سواهم ‪ ..‬ألقيت قصائد تجسدت‬ ‫فيها صور الوطن والحنين وجماليات عشق الحياة‬ ‫في بلدهم سورية الحبيبة‪ ،‬تحت هذه المسميات كانت‬ ‫االفتتاحية بأمسية شعرية للشاعر السوري د‪.‬محمد خالد‬ ‫الشاكر الذي ألقى مجموعة من قصائده ‪ ،‬التي حاول‬ ‫من خاللها أن يغسل وجه بالده ‪ ،‬ويعيد لبيروت وشارع‬ ‫الحم ار خطوات السوريون الذين مروا ‪ ..‬منذ نزار قباني‬ ‫‪ ..‬وأدونيس ‪ ..‬ومحمد الماغوط ‪..‬وغيرهم ‪.‬‬ ‫وبإلقائية أضفت على القصائد مشهدية مميزة‪ ،‬عاش‬ ‫جمهور القاعة الزجاجية حالة من التماهي مع الشاعر‬ ‫الذي كنا نق أر احتراقاته مع وطنه والحرف‪.‬‬ ‫من أجواء القصائد نقتطف‪ :‬وجع على القلب من عشق‬ ‫رجيم ‪ ..‬وجع على الدرب في مدن الزبد وجع على الهمس‬ ‫في زمن الزعاق ‪ ..‬ياطائر السعد ‪/ ..‬الرغبة تغادرني‬ ‫‪/ ..‬كأني لست ِحالً بهذا البلد ‪ /.. ..‬ياطائر السعد من‬

‫ٍ‬ ‫نصر فرحنا‬ ‫كان يعرف أن ماكان يكون ‪/ ..‬دم بال‬ ‫كما نشتهي وعدنا كما يشتهون ‪/ ..‬واآلخرون على‬ ‫غناء الريح كنا نايهم ‪/ ..‬ماهمهم نحن إال معابر ‪/..‬‬ ‫أو مقابر ‪/ ..‬أو جبهة للريح ‪/ ..‬حاصل أو تحصيل‬ ‫حاصل ‪/ ..‬كنا أو النكون سواء وسواء عدنا أو النعود‬ ‫‪ /..‬شهداء أو قتلى سواء ‪ /‬صرخةٌ أو صدى ‪ /‬فكرةٌ‬ ‫أو هراء ‪ /‬وردة تحت أقدام العساكر ‪ / ..‬أو وردة في‬ ‫يد عاشق ‪...‬‬ ‫كما تحدث الدكتور أحمد جاسم الحسين (جامعة‬ ‫دمشق) عن مكانة اإلبداع والفن التشكيلي وعالقتهما‬ ‫باألدب والفن والمجتمع منوهاً أن الفن مهم جداً في‬ ‫حياة المجتمع وأن الفن له لحظة الفوز األخيرة‪.‬‬ ‫كما تحدث الناقد الفني محمد عقل عن مكانة ياسمين‬ ‫الشام في أرض الشام‪.‬‬ ‫وقدم في بطاقة التعريف بـ»عيون الشام» كتب الناقد‬ ‫السعودي مؤيد منيف‪« :‬وهكذا تتوالى التظاهرات‬ ‫التشكيلية التي يقيمها (منبر الميادين لالبداع العربي)‬ ‫في لبنان‪ ..‬وهو منبر للثقافة والفن والفكر مستقل‬ ‫باهدافه وانشطته وشموليات طرحه العربي حول‬ ‫مشروعية الحلم واالبداع العربي واهمية ان يبقى الفن‬ ‫التشكيلي العربي متحدياً الصعاب والهزائم والنكسات‬ ‫ناشداً االبداع السامي‪ .‬نسعى لتقديم األفضل وباقل‬ ‫االمكانيات المتاحة وفي ظل مشاريع شخصية‪..‬‬ ‫نريدها ان تكون وطناً للجميع وللمبدعين الذين هم‬ ‫اساس بناء الحضارة االنسانية‪ .‬ومن هنا انطلقنا بالفن‬ ‫التشكيلي العربي والسوري منه اآلن ‪ ..‬في هذه العيون‬ ‫الشامية التي تقيم وتحط الرحال في بيروت عاصمة‬

‫‪11‬‬ ‫الجمال والحضارة والتاريخ ‪ ..‬ليكون ياسمين الشام ارضاً‬ ‫للحب وااللفة والحياة ‪..‬‬ ‫وقد اقامنا العديد من المناسبات التشكيلية العربية في‬ ‫اكثر من عاصمة عربية كان الفن واالدب هم لنا ومسرح‬ ‫لالبداع ‪ ..‬كما في انشطتنا الفنية والثقافية والتشكيلية في‬ ‫الرياض وجدة والخرطوم واالسكندرية والالذقية وحلب‬ ‫والجوف ودمشق والدمام وبيروت وصيدا»‪ .‬وتابع‪.:‬‬ ‫ينطلق هذا النشاط االبداعي الهام وهذه المرة لصالح‬ ‫بلدنا جميعا سوريا والمبدعون السوريون والذي نريد من‬ ‫خالل اللوحة والشعر والموسيقا ‪.‬ان نقدم شيئاً جميال‬ ‫ولطيفا وانسانيا بغض النظر عن مدى حجم امكانياتنا‬ ‫المتواضعة لهذا وهي امكانيات افراد عشاق وال اكثر في‬ ‫حالة انسانية خالصة‪.‬‬ ‫برنامج المعرض‬ ‫تتخلل المعرض ندوات لإلضاءة على واقع الحركة‬ ‫التشكيلية السورية‪ ،‬وذلك من خالل جانب مخصص‬ ‫لصور رواد تشكيليين سوريين راحلين‪ ،‬يكون نواة ندوة‬ ‫نقدية يتحدث فيها الناقد التشكيلي عبود سلمان حول‬ ‫أهمية بقاء الدور اإلبداعي في أي أزمة تعصف بالبالد‪،‬‬ ‫وأهمية معادلة الجمال ضد كل أشكال القبح واإلبادة‬ ‫والتهميش‪ ،‬مع ضرورة المحافظة على المكتسبات‬ ‫الجمالية السورية وتعميق دور المعارض الفنية التشكيلية‬ ‫لخدمة حياة المجتمع وأهداف دورة الحياة‪.‬‬ ‫الفنانون المشاركون في المعرض عبد اهلل بصمه جي‬ ‫ محمود سالم ‪ -‬اسماعيل سلمان ‪ -‬جالل شيخو ‪-‬‬‫رحاب بيطار ‪ -‬غازي عانا – عبير وهيب ‪-‬مصطفى‬ ‫آوسي ‪ -‬حكمت داود ‪ -‬مجد ابو كرم ‪ -‬غسان‬ ‫اسماعيل ‪ -‬عبود سلمان ‪ -‬فادي العويد ‪ -‬رضوان‬ ‫باقي ‪ -‬سامي الكسار ‪ -‬خالد الوردي – ياسين مزاوي‬ ‫– نهاد عبد القادر ‪ -‬إياس جعفر‪.‬‬

‫الفكر والغذاء‪ ...‬عالقة تكامل‬ ‫  •د‪.‬عاطف خليل الحكيم‬ ‫يفعل الفكر فعله في الروح مثلما يفعل الغذاء فعله في‬ ‫الجسد‪ ،‬فإذا كان الغذاء فاسداً كان الجسد فاسداً‪ ،‬وهكذا‬ ‫الفكر فإذا كان الفكر فاسداً كان الروح فاسداً‪.‬‬ ‫ولكن شخصين يتناوالن الغذاء عينه ويعتنقان الفكر‬ ‫عينه‪ ،‬فلماذا هذا شخص فاسد ولماذا ذاك شخص‬ ‫صالح؟‬ ‫هذا فاسد ألنه لم يتناول الغذاء في مواعيده‪ ،‬وأيضاً لم‬ ‫يتناول الفكر في مواعيده‪.‬‬ ‫هذا فاسد ألنه لم ينم ال على غذائه وال على فكره‪.‬‬ ‫ينوع في‬ ‫ينوع في غذائه‪ ،‬وكذلك لم ّ‬ ‫هذا فاسد ألنه لم ّ‬ ‫فكره‪ .‬فالفكر بحاجة للمقارنة ليفعل فعله في الروح‪.‬‬ ‫هذا فاسد‪ ،‬ألنه لم ُيلحق بغذائه ماء‪ ،‬ال ولم يلحق بفكره‬ ‫شراباً‪.‬‬ ‫هذا فاسد ألن فكره وسيلة من أجل مصلحة فردية‪،‬‬ ‫شخصية‪.‬‬ ‫الجهل طريق الفساد‪ ،‬وأول خطوة في طريق الفساد األنا‪.‬‬ ‫األنا سرطان أعمى يأتي على األعضاء وعلى الجوارح‬ ‫وعلى الروح‪.‬‬ ‫ال تقتل األنا ذاتها وحسب‪ ،‬إنما تقتل الناس‪ ،‬ك ّل الناس‬ ‫أجمعين‪.‬‬ ‫من أحيا األنا قتل الناس أجمعين ومن أماتها أحيا الناس‬ ‫أجمعين‪.‬‬ ‫إذا نويت عمالً فسل نفسك أوالً‪ :‬من ينفع هذا العمل‬ ‫الناس أم ينفع األنا؟ فإذا كان عملك يعود بالمنفعة على‬

‫الناس فاقدم‪ .‬إو�الّ تراجع واعلم أن التراجع يحتاج إلى قوة‬ ‫مضاعفة عن قوة اإلقدام‪.‬‬ ‫تحولت إلى‬ ‫إن أكلت لقمة‬ ‫َ‬ ‫شبعت وحدك‪ ،‬إو�ن أطعمتها ّ‬ ‫محبة‪ ،‬إلى وطن‪ ،‬إلى مجتمع وأمة‪ ،‬إلى دولة قوية‪.‬‬ ‫ما أكل امرئ أكلة إالّ وصنع له عدواً‪ ،‬وما أطعمها إالّ‬ ‫وصنعت له حليفاً!‬

‫عجب!‬

‫عجب! يجتمع األميون‪ ،‬وكل االحترام والتقدير لألميين‪،‬‬ ‫باسم ِ‬ ‫الشعر‪ ،‬فيشعرون ويكتبون وينشرون‪ ...‬بينما يغطّ‬ ‫المتعلّمون المتخصصون في علوم األدب والفن في نوم‬ ‫عقيم‪.‬‬ ‫عجب‪ ،‬عجب! يتمحور الجهلة‪ ،‬وكل اإلجالل للجهلة‪،‬‬ ‫حول األدب‪ :‬الرواية‪ ،‬النثر‪ ،‬القصة‪ ...‬ويؤلفون وينشرون‪.‬‬ ‫في حين ينام المتعلّمون المتخصصون نوم أهل الكهف‬ ‫ويشخرون ويهلوسون‪.‬‬ ‫عجب‪ ،‬عجب‪ ،‬عجب! ويلتقي العمال والعتالة‪ ،‬والتقدير‬ ‫ويؤسسون‬ ‫لهم‪ ،‬حول طاولة المصير والوطن والحرية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫النوادي واألحزاب واألحالف‪ ،‬أما أهل العلم والفكر‬ ‫والفلسفة ممن يدعون العلم والفكر والفلسفة‪ ،‬فيلتقون حول‬ ‫طاولة الجدل والثرثرة‪ ،‬ومثلهم في ذلك في القرآن الكريم‪:‬‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ون}‪.‬‬ ‫{ َكُب َر َم ْقتًا ع ْن َد الله أ ْ‬ ‫َن تَقُولُوا َما لاَ تَ ْف َعلُ َ‬ ‫أجل‪ ،‬إن بالءنا األعظم في المتعلمين أصحاب‬ ‫فيون والعمال‪ ،‬ويعقدون‬ ‫الشهادات‪ ...‬ويتنادى الحر ّ‬ ‫مؤتمرات الفكر ويحيون حلقات الحوار والدراسات من‬

‫أجل الوطن إو�نقاذ المواطنين من براثن الجهل‪ ...‬بينما‬ ‫المتعلّمون الجامعيون الهون يتجادلون حول‪« :‬كسرة‬ ‫ضمة‪ ،‬أو فتحة سكون»‪ .‬أما إذا توقّد فيهم الذكاء‪،‬‬ ‫وحاشا للذكاء منهم! فإنهم يتحاورون حول بحور الخليل‪،‬‬ ‫ويظنون أن بحور الخليل ملح وأمواج‪ ،‬فيكشفون عن‬ ‫مفاتنهم ويتنافسون سباحة‪ ،‬وأمهرهم سباحة يغرق في‬ ‫قطرة ندى‪.‬‬ ‫عجب‪ ،‬عجب‪ ،‬عجب‪ ،‬عجب!‬ ‫أيها المتعلمون‪ ،‬يا أصحاب الشهادات‪ ،‬ماذا تنتظرون؟‬ ‫أيها الشعراء واألدباء والرواة‪ ،‬ماذا تنتظرون؟‬ ‫أيها الرياضيون والمهندسون واألطباء‪ ،‬ماذا تنتظرون؟‬ ‫أيها الفالسفة والمفكرون‪ ،‬ماذا تنتظرون؟‬ ‫هل تنتظرون من الناس أن ينقذوا وطنكم؟‬ ‫هل دارت األيام وأصبح المتعلمون جهلة‪ ،‬والجهلة‬ ‫مثقفين!؟‬ ‫عجب‪ ،‬عجب‪ ،‬عجب‪ ،‬عجب‪ ،‬عجب‪ ،‬عجب!‬ ‫هل سمعتم آخر حديث؟ هل لكم آذان وتسمعون؟ إذا‬ ‫أبقت لكم الصواريخ والقنابل آذان‪ ،‬فاسمعوا‪ :‬إن أول من‬ ‫يهرب أثناء الحرب هم العسكريون‪ ،‬العسكريون الضباط‬ ‫وليس الجنود‪ :‬عقداء وعمداء وأعمدة‪ ...‬يهرب الضباط‬ ‫ويختبئون في أقبية المدارس وتحت انحناءات األدراج‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬بعدما تهدأ أوار الحرب‪ ،‬ترجع تلك النجوم‪...‬‬ ‫وتتصدر المقاعد األولى في الصفوف األمامية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عجب‪!...‬‬


‫‪12‬‬

‫كتاب‬

‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫سحر خليفة تطلق «أرض ومسا» اجتاه حنو النبع «حلم سعاده»‬ ‫  •حاورها منير الحايك‬ ‫توجت الكاتبة الفلسطينية سحر خليفة مسيرة عطاء‬ ‫بسلسلة ذهبية تربط بين عالمين علوي وارضي فكانت‬ ‫«أرض وسما» عالقة بين واقع قائم معيش وحلم منشود‬ ‫غير متحقق لحد اللحظة إال في وجدان مؤمنين‪.‬‬ ‫تعود خليفة إلى حياة أنطون سعادة وسيرته تستلهمهما‬ ‫نموذجاً محللة مفككة وجامعة من فسيفساء ِعبر نسيج‬ ‫قصة حلم‪.‬‬ ‫بمناسبة صدور «أرض وسما» كان لـ»تحوالت» حديث‬ ‫مع خليفة‪ .‬هنا نصه‪..‬‬ ‫سأبدأ معك د‪ .‬سحر خليفة من حيث أنهيت حواري في‬ ‫العام ‪ ،2010‬في أثناء جوالتك التي قمت بها و ِ‬ ‫أنت‬ ‫تحضرين لروايتك األخيرة «أرض وسماء»‪ ،‬والتي تحدثت‬ ‫فيها عن أن هذه الرواية ستكون الشخصية التاريخية فيها‬ ‫ِ‬ ‫سألتك‪:‬‬ ‫أنطون سعاده‪.‬‬

‫ِ‬ ‫استطعت أن تعطي سعاده المفكر النهضوي‬ ‫  •هل‬ ‫الكبير حقه الكامل في نص روائي واحد؟‬

‫‪ .‬ال أدعي أني استطعت‪ ،‬وال أعتقد أن بإمكان أي‬ ‫روائي أو كاتب سيرة أن يفعل ذلك‪ .‬هذا رجل كبير ًّ‬ ‫جدا‬ ‫اجتمعت فيه صفات كثيرة متنوعة‪ ،‬وكانت حياته مليئة‬ ‫باإلنجازات والمنعطفات والتحديات‪ .‬حاولت قدر اإلمكان‬ ‫أن أستخلص وأوجز‪ ،‬فركزت على النقاط المحورية‪ ،‬سواء‬ ‫من حيث بناء شخصيته أو تجربته إو�نجازاته‪ ،‬وربما يكون‬ ‫ما فعلته مقدمة ألعمال أكثر وأشمل‪ ،‬سواء من قبلي أو‬ ‫من قبل آخرين‪.‬‬

‫  •خليفة تتلقى درع تكريم من مؤسسة سعادة للثقافة‬

‫منظور بنورامي شبه موضوعي للفكر والفعل واألحداث‪.‬‬ ‫باختصار‪ ،‬هذه لعبة أدبية معروفة لم أخترعها‪ ،‬لكني‬ ‫استفدت منها وطبقتها‪ ،‬وآمل أن أكون قد نجحت في‬ ‫ذلك‪.‬‬

‫ • ِ‬ ‫بدأت صفحة الرواية األولى بقول الزعيم الذي‬ ‫ِ‬ ‫اقتبست منه عنوان الرواية «اقتتالنا على السماء‬ ‫أفقدنا األرض»‪ .‬لماذا هذا القول من دون غيره من‬ ‫أقوال سعاده وأفكاره؟‬

‫‪ًّ .‬‬ ‫فنيا‪ ،‬الشخصيات هي عماد الرواية‪ .‬فال رواية بدون‬ ‫شخصيات أساسية وثانوية‪ .‬ولوال وجود الشخصيات التي‬ ‫أشرت اليها العتبرنا أرض وسماء سيرة حياتية لشخصية‬ ‫تاريخية‪ .‬لكن وجودها‪ ،‬وتفاعالتها مع الشخصية الرئيسية‪،‬‬ ‫أي سعاده‪ ،‬هي ما نقل العمل من السيرة إلى الرواية‪.‬‬ ‫فهذه شخصيات مختلقة‪ ،‬غير حقيقية‪ ،‬لكنها فعلت‬ ‫مفعول الكومبارس‪ ،‬أو المختبر والمحك لتأثير أفكار‬ ‫سعاده وفعاله وتفاعالته‪ .‬من خاللها‪ ،‬وبعيونها المختلفة‬ ‫نرى سعاده‪ ،‬كل من وجهة نظره‪ ،‬وبذلك نحصل على‬

‫‪ .‬ألن سعاده هو البطل الرئيسي‪ .‬وكما قلت سابقًا‪ ،‬أنا‬ ‫ألن فكره ونضاله األنسب‬ ‫اخترت الكتابة عنه اآلن‪ّ ،‬‬ ‫لهذا الوقت‪ .‬الطائفية اآلن تحيط بنا في كل قطر ومن‬ ‫كل جانب‪ .‬انظر الى العراق‪ ،‬وسوريا ومصر ولبنان‬ ‫وكل بقعة في العالم العربي‪ ،‬ماذا ترى؟ وأين هو الربيع‬ ‫العربي؟ ماذا حل به؟ لعنة الطائفية أصابته وجعلت منه‬ ‫خريفًا‪ ،‬بل شتاء موغالً بالبرد والجمود والتصحر‪ .‬وما لم‬ ‫نقاومها‪ ،‬كما فعل سعاده‪ ،‬فمصيرنا مظلم شديد السواد‪،‬‬ ‫وهذا ما حذر منه سعاده‪ ،‬واستشهد أثناء مقاومته‪.‬‬

‫ • ِ‬ ‫قلت في حوارنا السابق إنك قرأت «سعاده»‬ ‫ِ‬ ‫حديثًا‪ .‬بعد ما قر ِ‬ ‫كتبت‪ .‬من هو أنطون‬ ‫أت وما‬ ‫سعاده حسب رؤيتك؟‬

‫‪ .‬ألن هذا القول هو محور هذا الزمن الرديء‪ .‬نحن‬ ‫ما زلنا نعاني من لعنة الطائفية‪ ،‬بل من مضاعفاتها‪.‬‬ ‫باألمس كانت الصراعات بين األديان وأصبحت اآلن‬ ‫بين تفرعات األديان‪ .‬وأنطون سعاده كان من أوائل من‬ ‫نبهوا لخطورة الطائفية وضرورة التصدي لها‪ .‬لهذا اخترت‬ ‫الكتابة عنه في هذا الظرف‪ .‬في هذا الوقت بالذات‪ ،‬نحن‬ ‫أشد ما نكون بحاجة لمراجعة فكر سعاده ونضاالته‪.‬‬

‫  •«أرض وسماء» هي الجزء الثالث واألخير‬ ‫أيضا «أصل وفصل» و‬ ‫ضمت ً‬ ‫من الثالثية التي ّ‬ ‫«حبي األول»‪ .‬ما الذي أردت إيصاله من خالل‬ ‫الشخصيات التي نجدها في الروايات الثالث مثل‪:‬‬ ‫ربيع‪ ،‬أمين‪ ،‬لي از ونضال‪...‬؟‬

‫أصبحت أقرب إلى السيرة‪ .‬ما السبب؟‬

‫  •يقول ربيع عن الخال المريض أمين في بداية‬ ‫الرواية‪« :‬أخلص للحب وللثورة‪ ،‬هذا ما كان‪ .‬لو كل‬ ‫«هنا» التي‬ ‫الرجال كانوا مثله هل كنا هنا؟» ما هي الـ ُ‬ ‫تقصدينها؟‬ ‫‪ .‬أقصد ما كنا هنا في هذه الحال من االنحدار والتخبط‬ ‫والتبعثر‪ .‬أهناك أسوأ مما نحن اآلن فيه؟ فلسطين محتلة‪،‬‬ ‫العراق مدمرة‪ ،‬سوريا في وضع جهنمي شديد السواد‪،‬‬ ‫ومصر تعاني األمرين من اإلخوان والفقر والتشرذم‬ ‫والفوضى‪ ،‬واليمن والصومال والسعودية‪ .‬أتريدني‬ ‫أن أشرح لك ما هي السعودية وما هو مفعول النظام‬ ‫السعودي والوهابية؟ شر البلية ما ُيضحك‪..‬‬

‫  •نالحظ في «أرض وسماء» حيازة حياة أنطون‬ ‫سعاده على المساحة األكبر من العمل‪ ،‬حتى‬

‫يلخص في بضع كلمات‬ ‫‪ .‬سعاده أكبر وأغنى من أن ّ‬ ‫أو أسطر‪ .‬حتى روايتي التي تزيد عن ‪ 400‬صفحة ال‬ ‫تستطيع أن تلخصه أو تجمله‪ .‬ال بد من قراءة الرواية‬ ‫وجدت في شخصية‬ ‫حتى تُعرف وجهة نظري وماذا‬ ‫ُ‬ ‫سعاده وكيف رسمته‪ .‬أنا أدعو الجميع لقراءتها‪ .‬هذه‬ ‫دعوة‪ ،‬بل ٍّ‬ ‫تحد‪.‬‬

‫  •تقول نضال لربيع معاتب ًة‪« :‬استبدلتني بغربة‬ ‫كندا‪ ...‬وقبل كندا بحلم سعاده»‪ .‬ما هو حلم سعاده‬ ‫برأيك؟‬

‫‪ .‬حلم سعاده هو مشروع نهضوي تحرري حداثي متكامل‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫سياسيا فقط‪ ،‬بمعنى أنه نظر إلى‬ ‫مفكرا‪ ،‬ال‬ ‫كان سعاده ً‬ ‫تفاصيل الحياة والجزئيات‪ .‬وبمعنى أن حلمه لم ينحصر‬ ‫في التحرر السياسي فقط‪ .‬ثورته ضمت السياسي‬ ‫واالجتماعي واالقتصادي والديني والثقافي‪ .‬حلم سعاده‬ ‫كان أن ينقل مجتمعنا إلى طور حداثي متقدم فنتحرر‬ ‫من الشعاراتية الفارغة والغيبية الضبابية والعشوائية‬ ‫المتخبطة‪ .‬على كل حال‪ ،‬سعاده مات‪ ،‬لكن حلمه لم‬ ‫يمت ألنه أورثه ألجيال‪ .‬وقدي ًـما قيل‪َ :‬من خلّف ما مات‪.‬‬


‫كتاب‬

‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫  •ماذا أرادت سحر خليفة أن تقول في «أرض‬ ‫وسماء»؟‬

‫‪ .‬أردت أن أقول‪ :‬فلنتعلم من التاريخ وأخطائه‪ .‬نحن ما زلنا‬ ‫نلف وندور في حلقات مفرغة من حيث هيمنة السياسيين‬ ‫ّ‬ ‫التسلطيين النفعيين عديمي الكفاءة والنزاهة‪ ،‬ومن حيث‬ ‫االنقسام الطائفي وصراعاته‪ ،‬وتراجعنا االجتماعي‬ ‫وانهياراته‪ ،‬والخضوع إلرادة الغرب وشيوخ العشائر والقبائل‪.‬‬ ‫كانت لدينا ثورات عظيمة‪ ،‬وثوار عظام جاءوا بأرقى األفكار‬ ‫والنظريات والممارسات‪ .‬لكن الجو المتخلف‪ ،‬بحكامه‬ ‫الخاضعين إلرادة األجنبي ومصالحهم‪ ،‬إو�رادات المؤسسات‬ ‫الدينية الموغلة في التخلف والرجعية واألنانية‪ ،‬وقصور‬ ‫معظم الشرائح االجتماعية عن اللحاق بركب التحديث‬ ‫والتقدم‪ ،‬هزمنا كما هزم سعاده‪ .‬لو أن سعاده لم ُيهزم‪ ،‬ولم‬ ‫يمت قبل أوانه‪ ،‬ولو عاش ليحقق أحالمه في الدولة المدنية‬ ‫الحديثة‪ ،‬هل كان لبنان كما هو اآلن؟ هل كانت سوريا في‬ ‫هذا الدمار والرعب والعبثية؟ هل كنا أضعنا فلسطين؟ هل‬ ‫كنا خسرنا العراق؟ كل هذه األسئلة وأكثر تدور في ذهني‬ ‫اآلن‪ ،‬وال بد أنها تدور في ذهن الكثيرين أمثالي‪ .‬أنا أحاول‬ ‫البحث عن أجوبة مدفونة في التاريخ‪ ،‬حتى أعرف ويعرف‬ ‫الكثيرون أمثالي لماذا نحن في هذه الحال‪ ،‬ماذا فعلنا؟ أو‬ ‫باألحرى‪ ،‬ماذا لم نفعل حتى اآلن‪ .‬بماذا قصرنا؟ لماذا‬ ‫تعثرنا‪ .‬ما هي األسباب والنتائج؟‬

‫‪13‬‬

‫أيضا‪ ،‬هم بحاجة للتنظيم‪ .‬األحزاب والتنظيمات ضرورة ليست سياسية‬ ‫الربيع العربي وأطاحوا باألنظمة العتيقة‪ ،‬لكن ً‬ ‫فقط‪ ،‬بل وجودية‪ .‬الشعب بحاجة لقيادة تخطط وتبرمج وتوحد الصف‪ .‬ومن أين تأتي القيادة؟ من الجيش؟ هذا مرفوض‪.‬‬ ‫طبعا مرفوض‪ .‬تنزل من السماء؟ انتهى عصر المعجزات‪ .‬إذن من أين؟ قل لي من أين؟‬ ‫من المؤسسات الدينية؟ ً‬

‫  •كلمة أخيرة‪:‬‬

‫ومفكر عر ًّبيا ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫فذا حقه‪ ،‬وأن أكون قد حكيت‬ ‫ًا‬ ‫لبنانيا‬ ‫‪ .‬في روايتي األخيرة‪ ،‬أرض وسماء‪ ،‬آمل أن أكون قد وفيت بطالً‬ ‫قصته وتجربته بتجرد وفهم واستيعاب‪ .‬إو�ن قصرت‪ ،‬فليفعل غيري ما قصرت في فهمه أو رسمه‪ .‬فهذا رجل بحاجة‬ ‫وشبهه‬ ‫ألكثر من راوية ورواية‪ .‬وبالنسبة لي‪ ،‬يكفيني ًا‬ ‫شبهه البعض بجيفارا‪ّ ،‬‬ ‫فخر أني فتحت نافذة أدبية على رجل ّ‬ ‫البعض بأرسطو حين قتلوه ألفكاره‪ ،‬إذ قال لنا قبل رحيله‪ ،‬كأنه يعرف ما ح ّل بنا‪ ،‬ويحل بنا‪ ،‬إن اقتتالنا على السماء‬ ‫يفقدنا األرض‪ ،‬وبفضل الدين كما فُسر وكما استثمر‪ ،‬عدنا قبائل غلفها الجهل والتناحر‪.‬‬

‫‪ ...‬وتوقع «أرض ومسا» يف األونيسكو‬

‫  •«أمين» المناضل القومي االجتماعي يموت في‬ ‫تتخرج من الجامعة ويجتمع‬ ‫نهاية الرواية‪ّ .‬‬ ‫ولكن ابنته ّ‬ ‫التخرج‪ .‬أنا شخصيًّا رأيتُك تعلنين وفاة‬ ‫الك ّل في حفل‬ ‫ّ‬ ‫وتحملين جيلنا الشاب مسؤولية‬ ‫المؤسسات الحزبية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫حق؟‬ ‫حمل الشعلة واالنطالق من جديد‪ .‬فهل أنا على ّ‬

‫‪ .‬لماذا تقول هذا؟ أنا لم أعلن وفاة المؤسسات الحزبية‪.‬‬ ‫تـقول هذا ألن أمين الحزبي مات في نهاية الرواية؟ لكنه‬ ‫وفي لم يتخل في يوم ما عن مبادئه إو�يمانه‪.‬‬ ‫مات كمناضل ّ‬ ‫رغم استشهاد سعاده‪ ،‬وتشتت الحزب بعد الضربات‬ ‫المتالحقة التي مني بها‪ ،‬والهزائم‪ ،‬إال أن أمين مات ًّ‬ ‫وفيا‬ ‫لحزبه وزعيمه‪ .‬إو�ن أردت أن تعرف إن كنت أؤمن بأهمية‬ ‫األحزاب‪ ،‬رغم أني لم أكن حزبية في يوم ما‪ ،‬فأنا أقول‬ ‫بملء الفم أن األحزاب والتنظيمات الحزبية ضرورية ًّ‬ ‫جدا‪،‬‬ ‫خصوصا اآلن‪ ،‬في هذا الوقت حيث االنفالت والتشرذم‬ ‫ً‬ ‫هما السمة الغالبة على مجتمعاتنا العربية‪ .‬وحين انفجر‬ ‫الربيع العربي في محاولة لتعديل المسار ماذا رأينا؟ رأينا‬ ‫التنظيمات اإلسالموية والسلفية هي التي تقطف ثمار ربيعنا‬ ‫المزعوم‪ .‬األحزاب المفتتة المتشرذمة للقوميين واليساريين‬ ‫واللبراليين‪ ،‬بتشتتهم‪ ،‬حين جاء وقت الفرز بواسطة‬ ‫الصندوق‪ ،‬هزموا أمام وحدة وتنظيم اإلسالمويين‪ .‬وأكبر‬ ‫وأبرز مثال على ذلك هو ما حدث في مصر حين وصل‬ ‫إلى الحكم رجل يفتقر لكل مقومات الزعامة والقيادة‪ .‬لماذا؟‬ ‫ألن من نزلوا لمنافسته‪ ،‬وكلهم أفضل منه بما ال ُيقاس‪،‬‬ ‫مثير للسخرية‬ ‫نزلوا مشتتين متشرذمين ومنفلشين‪ .‬أليس ًا‬ ‫الصباحي وعمر موسى‬ ‫واألسى أن ترى مرسي يفوز على‬ ‫ّ‬ ‫والسيد البدوي وأبو العز وأكثر من عشرة آخرين كانوا كلهم‬ ‫أذكى وأثقف وأكثر خبرة من مرسي الغبي والقاصر؟ لماذا‬ ‫فاز وهم خسروا؟ ألنهم نزلوا مشتتين‪ ،‬أليس كذلك؟ بمعنى‬ ‫منظما متماس ًكا‬ ‫أن مرسي القاصر فاز ألنه يمثل حزًبا‬ ‫ً‬ ‫في مقابل تشتتهم‪ .‬هذه باختصار وجهة نظري‪ .‬أنا مع‬ ‫التنظيم والتوحيد ولم الشمل‪ .‬ال يمكن أن نفوز سواء في‬ ‫مواجهة اإلسالمويين والسلفيين أو اإلرادات األجنبية ونحن‬ ‫منفلشون مشتتون ومتشرذمون بهذا الشكل‪ .‬أما بالنسبة‬ ‫للشباب ودوره الريادي فهذا واقع‪ .‬الشباب هم من فجروا‬

‫  •سحر خليفة‪ ،‬ابوفخر‪ ،‬شريح وحمادة‬

‫  •«تحوالت» محمد الحاجم‬ ‫برعاية مؤسسة سعادة الثقافية وبدعوة من مجلة تحوالت ودار اآلداب في بيروت‪ ،‬وقعت الكاتبة‬ ‫الفلسطينية سحر خليفة «أرض وسماء» في قصر األونيسكو‪.‬‬ ‫تخللت الحفل كلمات للباحث صقر أبو فخر والدكتور محمود شريح والدكتور حسن حماده الذين تحدثوا‬ ‫عن تجربة الكاتبة ونبذة عن حياتها‪.‬‬ ‫وفي كلمة للكاتبة سحر خليفة التي تحدثت عن كتابها الجديد ومضمونه أشارت إلى أنه يحمل عنوان‬ ‫«أرض وسماء» وهو مبتكر من قول لمؤسس الحزب السوري القومي اإلجتماعي أنطون سعاده الذي‬ ‫حارب الطائفية ووضع فك ارً لخروج االمة من ظالمها كما قالت «نحن ما زلنا نعاني لعنة الطائفية‪.‬‬ ‫نبهوا إلى خطورة الطائفية‪ .‬لهذا اخترت الكتابة عنه‪ ،‬فما أشد حاجتنا‬ ‫وأنطون سعادة كان من أوائل من ّ‬ ‫إلى مراجعة فكر سعادة ونضاالته»‪.‬‬ ‫تخلل الحفل عزف مقطوعات كالسيكسة للعازف ربال مالعب‪.‬‬


‫‪14‬‬

‫نقد‬

‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫لقد أفقدونا املعنى احلقيقي لكلمة ثورة‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتحرر االستعماري عند «املثقفني»!‬ ‫التحرر االجتماعي‬ ‫اخللط بني‬

‫  •د‪.‬فيفيان حنا الشويري‬

‫الخطأ األكبر أنه لم تُدرج في المناهج التعليمية وال في‬ ‫أي من الخطط التربوية التي تلت االستقالل المزعوم‪،‬‬ ‫مادة عن االستعمار الذي ُبلي به الشرق لقرون طويلة‬ ‫في تاريخه‪ .‬وكيف تُدرج برامج هكذا والوطن ما زال يرزح‬ ‫ومتعددة‪ ،‬أهمها‬ ‫تحت هذا االستعمار إو�ن بأشكال جديدة‬ ‫ّ‬ ‫الشكل الخفي أو بعبارة أخرى غير المباشر‪ ،‬فليس ك ّل‬ ‫أشد االستعمار خطورة استعمار‬ ‫استعمار عسكرياً‪ ،‬إو�ن ّ‬ ‫العقول والقلوب ذاك الذي يرمي الى التجهيل وسلب‬ ‫الهوية والحضارة‪ .‬وهناك بعض الجماعات التي ما زالت‬ ‫تدفع جزية لهذا الغرب دون معرفة منها وهذا من البالء‬ ‫األعظم على شعوبنا!‬ ‫حد اآلن هؤالء الذين ما زالوا‬ ‫إن أغرب ما تسمعه الى ّ‬ ‫يلتزمون تعنتاً بعبارة «الربيع العربي» وهي عبارة ليست‬ ‫متجددة استعملها‬ ‫جديدة على القاموس االستعماري‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬ ‫متعددة في السابق في محاوالته‬ ‫مرات ّ‬ ‫المستعمر المحتل ّ‬ ‫إخضاع الشرق‪ .‬والسؤال الذي يفرض نفسه‪ :‬هل يدرك‬ ‫المتعنتون معنى كلمة ربيع؟ هل الربيع دماء‬ ‫هؤالء‬ ‫ّ‬ ‫دماء‪ ،‬فبئس ما كتب عنه الشعراء وبئس‬ ‫برأيهم؟ إو�ذا كان ً‬ ‫عرف به الربيع في كتاباتهم الذابلة والتي لم تعد تزهر‬ ‫ما ّ‬ ‫بشيء‪ ،‬واألولى تغيير مفهوم الربيع وتعريفه من جديد‪:‬‬ ‫وتجدد لحياة األرض بعد موت‪ ،‬الى موت‬ ‫من اخضرار‬ ‫ّ‬ ‫أسود كما نرى من الربيع الذي فلقوا آذاننا ونفوسنا في‬ ‫التحدث عنه دون هوادة!‬ ‫ّ‬ ‫أال يرى هؤالء الربيعيون ما يحدث؟ أين يرون زهو اًر؟ أو‬ ‫لعلّنا أُصبنا بعمى األلوان ولم نعد نرى ما يرونه هم؟ أال‬ ‫يشاهدون بأم عينهم ما يجري وما جرى وما سوف يجري‬ ‫وما يرافق ذلك من أنهار دماء؟ هال توقفوا برهة عن‬ ‫تعنتهم وأقاموا ولو مقارنة بسيطة استناداً على مقابلة بين‬ ‫ّ‬ ‫ما يجري في مختلف بلدان العالم العربي والشبه الكبير‬ ‫مسبباتها ونتائجها ذات الوجه‬ ‫بين األحداث‪ ،‬واألهم بين ّ‬ ‫الواحد؟‬ ‫عجباً! المستعمر يقول إننا وحدة متكاملة ذات مصير‬ ‫مجزأة ال‬ ‫أسود واحد وأبناء األرض‬ ‫يصرون أننا أجزاء ّ‬ ‫ّ‬ ‫عالقة لبعضنا ببعض! عجباً! الغرب يد ّل علينا دون‬ ‫مصرون‬ ‫تمييز بين «فلتان» و»علتان»‪ ،‬وأبناء الوطن‬ ‫ّ‬ ‫أننا مختلفون اختالف األرض والسماء! عجباً! القوى‬ ‫المسيطرة على العالم تعمل جاهدة للتخلّص منا ككتلة‬ ‫يصرون على التخلّص من بعضهم‬ ‫واحدة وأبناء األرض ّ‬ ‫البعض‪ ،‬والواحد من الثاني‪ ،‬والفئة من األخرى ولكأن‬ ‫زخات‬ ‫معرضة لكل ّ‬ ‫الواحدة فوق رأسها مظلة والثانية ّ‬

‫تصويب‬ ‫د‪.‬لؤي زيتوني ً‬ ‫بدال من منري حايك‬ ‫وقع خطأ في العدد السابق من تحوالت في دراسة‬ ‫نشرت في الصفحتين ‪ 14‬و ‪ 15‬بعنوان «صراع‬ ‫الذات والذاكرة عند الفرد الفلسطيني في «مفتاح‬ ‫لنجوى» لفاتن المر» ونسبت للزميل منير حايك‪.‬‬ ‫والصحيح ان الدراسة هي للزميل الدكتور لؤي‬ ‫زيتوني‪ ،‬فاقتضى التصويب واالعتذار‪.‬‬

‫الكون من ويالت وفناء! عجباً من هؤالء المتعاملين‬ ‫الرخصاء كيف هم معتدون بأنفسهم! من أين لكم بتلك‬ ‫الحد ُغسلت‬ ‫الثقة بالنفس‪ ،‬باهلل عليكم أجيبونا؟! ألهذا ّ‬ ‫الحد وصلت بكم العبودية أن تتعاموا عما‬ ‫عقولكم؟ ألهذا ّ‬ ‫يجري على أرضكم وفي قلب منازلكم؟ أال ترون إال الربيع‬ ‫مخيلتكم؟ أال ترون النار والسواد والدمار‬ ‫الذي صنعته ّ‬ ‫والقتل واستباحة األعراض واإلبادات الجماعية والفردية‬ ‫والحضارة التي تدمر؟ ما هذا الحلم الربيعي الذي تعمهون‬ ‫الحد وصل بكم إيمانكم بالغيب‪ ،‬تحلمون بمستقبل‬ ‫به؟ ألهذا ّ‬ ‫مشرق مخضوضر غيبي‪ ،‬متى زمنه هذا المستقبل واألهم‬ ‫أين مكانه‪ ،‬في الواقع أم في الخيال؟ هل حصوله بعد‬ ‫الفناء أم قبله وهل سوف تقوم لكم معه قيامة؟ أمن أجل‬ ‫تحضرون أرضاً محروقة للمستعمر‬ ‫هذا الربيع المزعوم‬ ‫ّ‬ ‫الذي آواكم واستعملكم لغايته من أجل تسليمكم زمام‬ ‫السلطة في أرضكم تقيمون عليها دوالً ملؤها الخضار‬ ‫يتم تخريبها بالكامل‪ ،‬وبعد أن‬ ‫والربيع واالزدهار بعد أن ّ‬ ‫ماتت أشجارها وتربتها وحجرها ونفوسها وصروحها‪ ،‬وبعد‬ ‫دمرت كل أسس‬ ‫أن عشش األلم في الصدور وبعد أن ّ‬ ‫المتحضرة؟‬ ‫األخالق التي عليها تبنى المجتمعات والدول‬ ‫ّ‬ ‫أكان التتر الهمجيون من أهل البالد حتى يالمون على‬ ‫دمروها؟ أكان المغول من أهل بالدنا‬ ‫حرقهم أرضنا التي ّ‬ ‫حتى نعتب عليهم ألنهم أحرقوا أخضرها ويابسها دون‬ ‫أسف ورحلوا منهزمين وأصبحوا نكرة ونسياً منسياً ألنهم لم‬ ‫يستفيدوا من خضار وربيع بالدنا‪ ،‬بالد الهالل الخصيب؟‬ ‫أكان البيزنطيون أكثر والء من والء أهل األرض حتى‬ ‫يخرج هرقل آسفاً على سوريا وهو يقول والدمعة تمطر‬ ‫من عينيه‪ :‬سالم عليك سوريا! يا بالد الشام المأسوف‬ ‫(بتصرف)‪ .‬هل كان الرومان قبلهم من هذه‬ ‫عليها!‬ ‫ّ‬ ‫عدد من أباطرتهم على أبوابها؟ هل‬ ‫األرض حتى يقتل ٌ‬ ‫كان اإلسكندر‪ ،‬رغم كون والده من الفراعنة كما يقال‪ ،‬من‬ ‫أرضنا حتى يحاصر عواصمها الكبرى شهو اًر وينأى عنها‬ ‫وهي تحترق كرامة مع أهلها‪ ،‬كيما ال تستسلم؟ هل كان‬ ‫كل من أتى الستعمارنا من أرضنا حتى يموت فوق ترابها‬ ‫ولكأنه ُّ‬ ‫يمت لها بصلة؟ هل أصبحتم أيها المأجورون‬ ‫القتلة أكثر ملكية من الملك نفسه؟ حسبهم أنهم هم‬ ‫مستعمرون وماتوا من أجل غاياتهم لحبهم لسوريا! نعم‪،‬‬ ‫أحبوها ألنهم عرفوا قيمتها‪ ،‬إنما أنتم‪ ،‬أبناؤها الحقيقيون‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تدمرونها وتحرقونها بأيديكم وأيدي أعدائها من دون‬ ‫لماذا‬ ‫ّ‬ ‫أن تفقهوا لقيمتها من معنى؟ عجب! ما هي غايتكم‪،‬‬ ‫أعلمونا؟ تقولون الحرية ولكن ممن؟ تقولون «ربيع»‪،‬‬ ‫حرة على‬ ‫ولكن كيف ومتى ولمن؟ أتحلمون بحياة كريمة ّ‬ ‫أرض أجدادكم وقد أصبحت خراباً ودما اًر ولم يبق من‬ ‫قيمتها التي من أجلها استخدمكم المحتل حتى نبتة تنبت‬ ‫في أرضها لكثرة ما استعملت أيديكم من أدوات التدمير‬ ‫والفناء (علي وعلى أعدائي يا رب‪ ،‬منهجكم!) فكل‬ ‫الوسائل باتت لديكم مباحة من أجل الوصول الى هدفكم‬ ‫تعنتكم والتزامكم بموقفكم االعتباطي والذي‬ ‫وهو تحقيق ّ‬ ‫سميتموه ربيعاً! أال كان األجدى تسميته دما اًر وكفانا خبثاً‬ ‫ّ‬ ‫ورددتموها‬ ‫وكفانا تالعباً بالمفردات التي اصطنعوها لكم ّ‬ ‫كاألغبياء الجهالء‪ :‬من ربيع الى ثورة الى حرية الى‬ ‫عبارت وشعارات أفرغتموها كلها من مضامينها؟! فمن‬ ‫مصدقكم بعد إن أنتم صعدتم المنابر تخطبون وتهتفون‬ ‫بهذه القيم التي ال تفقهون شيئاً من معانيها أصالً! أين‬ ‫تدعون الحرية باسم الثورة الربيعية‬ ‫مصداقيتكم يا من ّ‬

‫مرة بغير لغة القتل‪ ،‬هل تستطيعون؟‬ ‫تلك؟ أجيبونا ولو ّ‬ ‫هل تمتلكون عبارات غير تلك التي ال تحمل إال معاني‬ ‫التجبر الذي فطرتم عليه في‬ ‫ّ‬ ‫التكبر و ّ‬ ‫التعنت والعناد و ّ‬ ‫معاهد الغرب؟ لو سؤل من يستخدمك من الغربيين‬ ‫المستعمرين‪ :‬كيف تريد أن تؤول إليك سوريا أو الشرق‬ ‫كله لقال‪ :‬بجماله وحضارته وصروحه ومعالمه ومكتباته‬ ‫يتحسر‬ ‫ك عندي‪،‬‬ ‫وذلك لمعرفته بأهميته وهو اآلن‪ ،‬وال ش ّ‬ ‫ّ‬ ‫من همجيتكم المدمرة وقلبه يعتصر على ما تحرقون‪،‬‬ ‫فهو يبغي احتالل األرض لغناها‪ ،‬اسألوا أوباما ذلك‬ ‫المتحدر من الالحضارة‪ ،‬فحتى هو صرخ‪ :‬مدهش حقاً!‬ ‫يتجول بين معالم البتراء األبية التي لو نطق‬ ‫عندما راح ّ‬ ‫الصخر األشم فيها للعن هذا الزائر الذي جاءها معتب اًر‬ ‫ومتمنياً سلبها ليس‬ ‫أنها أرض الصهاينة أي أرضه‬ ‫ّ‬ ‫جمالها فقط‪ ،‬وليس ألنها خالية من كل أثر عظيم‪ ،‬فهو‬ ‫يعرف قيمتها وعراقتها وكم تساوي في حساب التاريخ‪،‬‬ ‫فهل عرفتم أنتم شيئاً قبل تدمير ما تبقى لنا من حضارة‬ ‫أجدادانا التي علمت الدنيا الفكر والمعرفة؟ أنتم تعرفون‬ ‫شيئاً واحداً ليس أكثر وهو رقم حسابكم الذي ينمو بتزايد‬ ‫غير طبيعي مما تحصلون عليه من مكافأة وأموال من‬ ‫الزفت األسود‪ ،‬بترول الشؤم الذي مهمته تلطيخ كرامة‬ ‫العرب وتسويد قلوبهم قبل وجوههم السوداء أصالً النتفاء‬ ‫أي حب للجمال فيها!‬ ‫لقد صرخ نابليون من فوق قمة هرم خوفو بجنوده إثر‬ ‫غزوه مصر‪« :‬أربعون قرناً من الحضارة تنظر إليكم!‬ ‫أي انتبهوا واحترموا األرض التي دخلتموها‪ ،‬إنها أرض‬ ‫حضارة عريقة! ونحا بذلك نحو اإلسكندر الذي ذهل من‬ ‫حضارة ما أسماه معلّموه اإلغريق‪ ،‬وعلى رأسهم أرسطو‪،‬‬ ‫وتبجح «بربرية»‪ ،‬فاستنكر تعاليمهم وأمر بتغيير‬ ‫بغباء ّ‬ ‫المفردات تلك المجحفة بحق الشرق الحضاري‪ ،‬فلم يعجب‬ ‫احترامه للشرق أنداده ومرافقيه في الغزو‪ ،‬فانقلبوا عليه‬ ‫لمرة ما قيمة الشرق؟ لو فهمتم‬ ‫وقتلوه! أما أنتم فهل فهمتم ّ‬ ‫لما كانت لديكم أصالً عقدة النقص هذه إزاء الغرب ولما‬ ‫لويتم أعناقكم خنوعاً وذالً ولما ركعتم لخدمته!‬

‫تعددت األسماء والغرب االستعماري واحد‬ ‫ّ‬ ‫درس‬ ‫غالباً ما يحكى عن القانون الروماني الذي ما زال ُي ّ‬ ‫في كليات الحقوق العالمية الى اليوم كقاعدة في علم‬ ‫الحقوق ونحن نفتخر به ألن واضع أسسه هو أحد أعالم‬ ‫مدرسة الحقوق التي كانت في بيروت‪ ،‬بابيان والذي كان‬ ‫رائداً في هذا المجال وعلّم في روما‪ .‬وغالباً ما يحكى‬ ‫عن الدستور الروماني وخاصة نظام الحكم الذي نهجت‬ ‫نهجه أغلب الدول الغربية ذات التاريخ الطويل وحتى‬ ‫الحديثة المنشأ‪ ،‬مثل الواليات المتحدة األميركية وهي‬ ‫التي نسخت النظام الروماني نسخاً كلياً والقائم على‬ ‫خولها‬ ‫مبدأ‬ ‫ّ‬ ‫التوسع واإلمبريالية بواسطة القوة‪ .‬وهذا ما ّ‬ ‫أن تصبح القوة العسكرية والحربية والسياسية األولى في‬ ‫العالم المعاصر وصار لها من السيطرة ما كان لروما‬ ‫سابقاً وما كان ألوروبا اإلفرنجية‪ ،‬ثم ما حظيت به من‬ ‫توسع نحو العالم الجديد أبان عهود االستعمار اإلسباني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يليه الفرنسي والبريطاني الطويل األمد قبل دخول القوة‬ ‫األميركية على الخط وتبوئها الصدارة العالمية بعد أن‬ ‫زجها فيه هتلر خالل‬ ‫نشلت أوروبا من المأزق الذي ّ‬ ‫الحرب العالمية الثانية‪ .‬والمهم من هذا العرض المختصر‬


‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫مفصالً هنا‪ ،‬أن الغرب ما زال‬ ‫جداً‪ ،‬إذ ال مجال لبحثه‬ ‫ّ‬ ‫الغرب واالستعمار الغربي ما زال االستعمار الغربي ولم‬ ‫تتغير إال األسماء فقط! أما الخطط والمهمات االنفالشية‬ ‫التوسعية والمطامع في احتالل األرض وأرض‬ ‫واألهداف‬ ‫ّ‬ ‫الشرق تحديداً‪ ،‬فما برحت هي هي ولم تحد عن المبدأ‬ ‫الروماني شعرة واحدة! ال بل لقد قويت النزعة االستبدادية‬ ‫أمنته التكنولوجيا الحربية‬ ‫أكثر وأكثر‪ ،‬ليس فقط بفضل ما ّ‬ ‫أمنته‬ ‫مدمرة ورادعة‪ ،‬بل بفضل ما ّ‬ ‫مقومات هجومية ّ‬ ‫من ّ‬ ‫تحديداً نزعات المشرقيين وأهواؤهم وفطرتهم العاطفية‬ ‫المتزمتة و ِّ‬ ‫المجزأة‪ ،‬وتكالبهم على المادة والمال‬ ‫التدينية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والمظاهر والعتو بها‪ ،‬وكذلك بعدهم كل البعد عن الفهم‬ ‫القومي االجتماعي وتعلقهم بقشور الطقوس والعادات‬ ‫شجعها‬ ‫المنغلقة‪ ،‬والعنصرية القبيلية المتطرفة والتي ّ‬ ‫وغ ّذاها الغرب الطامع بأرضهم‪ ،‬فأمنوا له أرضية خصبة‬ ‫لنجاح أهدافه‪ ،‬فما من سالح أقوى من سالح الجهل‪،‬‬ ‫والشرق العربي جاهل بامتياز!‬

‫المشكلة ليست بالمصطلحات بل بفهمها‬ ‫وفهمها يعني فهم التاريخ ولكن ما هي نسبة من يق أر‬ ‫التاريخ جيداً‪ ،‬واألهم من يتعظ منه؟‬ ‫الكل يريد الوطن‪ ،‬الكل يدافع عن الوطن‪ ،‬الكل يكيل‬ ‫الشتائم على الك ّل من أجل الوطن! الكل يقتل الكل داخل‬ ‫الوطن وباسم الوطن! فإذا كان الكل مع الوطن وليس‬ ‫ضد الوطن وكان الكل متفقاً على حب الوطن‪ ،‬فلماذا‬ ‫الخصام والخالف إذن؟ وما هو مصدرهما؟ المصدر‬ ‫السبب هو أن الكل يستعمل قيم الوطن ويوظّفها حسب‬ ‫أهوائه ومصالحه وكم ُيدفع له!‬ ‫التجرد التام‪ ،‬نعرض لهذه المعضلة‬ ‫ونحن من باب‬ ‫ّ‬ ‫وندرس هذه الظاهرة بموضوعية وعلمية ولقد وضعنا‬ ‫نفسنا موضع الدارس والباحث للوصول الى تحديد من‬ ‫يقول الحقيقة بين طرفي النزاع‪ ،‬حتى نخرج بفهم لهذا‬ ‫اللغط الحاصل‪ ،‬فخلصنا الى أن هناك جهالً محدقاً على‬ ‫صعيد المفاهيم واألخالق وخاصة أن هناك غياباً كلياً‬ ‫للمعرفة بالتاريخ الصحيح وبالتالي بالهوية الحقة عند‬ ‫أحد يعرف أمثولة أنه أُكل الثور األبيض‬ ‫الطرفين! فال َ‬ ‫صححوا مسار األلوان‬ ‫يوم أُكل الثور األسود‪ ،‬أو العكس‪ّ ،‬‬ ‫ما شئتم فسيان وال فرق!‬ ‫وخلصنا أيضاً‪ ،‬الى أن من يستعين بالغرب هو الخاسر‬ ‫األكبر ألنه سوف يقضي على نفسه قبل أن تقضي‬ ‫حركته‪ ،‬فال مصلحة لها متى وصلت‬ ‫عليه اليد التي ّ‬ ‫بحق وطنها‪ ،‬إذ كيف‬ ‫الى غايتها بإبقاء عمالة خائنة‬ ‫ّ‬ ‫يبقي المستعمر على اليد التي نفذت مآربه؟ كيف يأمن‬ ‫ثمة من يذهب الى أن‬ ‫الى من ّ‬ ‫خرب بيته بيده؟ وهناك ّ‬ ‫البعض من المتعاملين مع الغرب يستخدم هذا الغرب‬ ‫للوصول الى مبتغاه بإزالة الظلم الالحق به في وطنه‬ ‫يسوي حساباته‬ ‫بسبب زعيم دكتاتوري ظالم‪ ،‬ومن ثم ّ‬ ‫مع هذا الغرب المأجور له! فهل الغرب بهذا الغباء كي‬ ‫ال يفطن لحيل من هذا النوع من قبل خونة أوطانهم؟‬ ‫والحقيقة أنه قد خلط هؤالء المدعون ثقافة التغيير‬ ‫الفوضوي والذين يديرون الزمر المتعاملة مع المستعمر‬ ‫بين االستعمار الغربي واالستعمار االجتماعي المتمثّل‬ ‫بدكتاتور من جلدتهم لم يستطيعوا اإلطاحة به إال من‬ ‫خالل االستعانة بقوى غربية حتى ولو كان المستعمر‬ ‫طامعاً باألرض وحتى لو كانت الشياطين نفسها وحتى‬ ‫لو كانت الصهيونية نفسها وكل االستعمار الغربي!‬ ‫فصار ابن الوطن عدواً والمحتل الطامع صديقاً على‬ ‫تجرد إال‬ ‫قاعدة «عدو عدوي صديقي»‪ .‬ونحن ّ‬ ‫نرد وبكل ّ‬ ‫من إخالصنا لوطننا‪ ،‬أنه حتى ولو كان الديكتاتور ظالماً‬

‫نقد‬

‫فهو ألف رحمة من المحتل الغربي‪ ،‬أما سبل التخلّص‬ ‫منه فهي كثيرة ولكنكم لم تفعلوا أيها المستعينون بالغرب‬ ‫ردة فعلكم إزاء أعماله الوحشية‬ ‫شيئاً إزاء ذلك‪ ،‬ولم تكن ّ‬ ‫إال الهروب والتبكبك واالرتماء في أحضان الشيطان وهذا‬ ‫ضعف منكم وليس قوة منه! والغرب قد استغل ضعفكم‬ ‫هذا أحسن استغالل‪ ،‬فحالتكم تشبه تماماً المرأة التي‬ ‫هجرت زوجها الظالم لترتمي في أحضان من هو أظلم‪،‬‬ ‫فراح يشبعها تعنيفاً وتجريحاً وشماتة‪ ،‬أين منها ظالمة‬ ‫األول الذي بدا مالكاً إزاء الثاني! والمستعمر الغربي قوي‬ ‫بكل ما للكلمة من معنى لذا ال مجال إليجاد ثغرة تنفذون‬ ‫تدعون‪ ،‬فهل‬ ‫من خاللها للتخلّص منه بعد استعماله كما ّ‬ ‫يستعين الضعيف بمن هو أضعف منه أم بأقوى؟ والغرب‬ ‫قوي إو�ال لما أعانكم‪ ،‬وال مجال للتخلّص منه أو استعمال‬ ‫الحيلة معه‪ ،‬بل المصير لكل متعامل معه هو هالك‬ ‫المتعامل الخائن لوطنه ولعرضه ولدينه!‬ ‫يهمنا جمع أبناء‬ ‫ونحن إذ ال نريد أن نكون طرفاً‪ ،‬بل ّ‬ ‫األمة الواحدة‪ ،‬إال أننا ال يمكن أن نرى‬ ‫الوطن الواحد‪ ،‬بل ّ‬ ‫الحقيقة ونتعامى عنها وهي واضحة وضوح الشمس!‬ ‫وذلك أننا نستد ّل على مظاهر التعامل مع الغرب من‬ ‫خالل أدلّة دامغة تسمى بعلم األوطان خيانة وليس رأي‬ ‫أو وجهة نظر‪ ،‬وال تدخل في معادلة المنطق من أجل‬ ‫تقبلها أو عذرها ولو على مضض عند الذين اتخذوا من‬ ‫ّ‬ ‫الوطنية ديناً ومنهجاً وصراطاً ورفضوا وضع رقابهم تحت‬ ‫سكين العمالة وأبوا إال الدفاع عن شرف الوطن ومصير‬ ‫أهله‪ ،‬فهل يتساوى الذين يعلمون والذين ال يعلمون؟ هل‬ ‫يستطيع من يرى الحقيقة أن يعذر من يبيع الوطن لقاء‬ ‫بضعة من الفضة؟ والدليل على التعامل مع الغرب‪،‬‬ ‫في األزمة السورية الحالية والتي جهد المستعمر إحالل‬ ‫الفوضى والخراب فيها‪ ،‬كثير‪:‬‬ ‫  • علم رسمته فرنسا وفرنسا دولة من الغرب االستعماري‬ ‫وسبق أن اندحرت من دمشق عاصمة سوريا ولها أطماع‬ ‫بالعودة والسيطرة‪ ،‬ومن يرفع هذا العلم يتعاون معها على‬ ‫ذلك وهذا دليل تعامل وخيانة‪ ،‬فمن ينكر؟!‬ ‫ •إن القوى التي تدافع عن الثورة قابعة في الخارج في‬ ‫أندية االستعمار الغربي‪ ،‬وهذا تعامل فاضح‪ ،‬وفي أقسى‬ ‫حاالت التفاؤل لن يديرها الغرب نحو مصلحتها بل نحو‬ ‫مصلحته هو أال وهي االستيالء على أرضها!‬ ‫ •إن أنكى ما يكون في عملية التضليل هذه هو‬ ‫استعمال المفاهيم والقيم بازدواجية المعايير في حين‬ ‫تتحمل االزدواجية ألنها صافية‬ ‫أن القيمة الحقّة ال‬ ‫ّ‬ ‫إو�ال النتفى كونها قيمة‪ ،‬واألمثلة على ذلك كثيرة فيما‬ ‫اتخذته الجماعات الثورية من أسماء لفيالقها وفرقها‪ :‬فمن‬ ‫سرية عمر بن الخطاب أو جماعة خالد بن‬ ‫سمى نفسه ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوليد أو أعطى نفسه الحق أن يكون من أتباع محمد‬ ‫الرسول الى آخره من األلقاب واألنساب‪ ،‬ومنطقياً‪ ،‬هذا‬ ‫يتعارض كلياً مع الحقيقة التاريخية لهؤالء األشخاص‬ ‫المكنى بهم ودليلنا أنهم حاربوا الغرب المتمثّل بروما‬ ‫ّ‬ ‫ضدها‪ ،‬وروما ما زالت اليوم قائمة‬ ‫ بيزنطيا وجاهدوا ّ‬‫يتبنى من يتعامل مع‬ ‫فكيف‬ ‫ي‪،‬‬ ‫بشكل الغرب االستعمار‬ ‫ّ‬ ‫الغرب االستعماري اليوم هذه األسماء التي حاربت الغرب‬

‫‪15‬‬ ‫﴿غلبت‬ ‫وحررت أرضها من براثن احتالله؟ ُ‬ ‫وقضت عليه ّ‬ ‫الروم‪( ،﴾...‬سورة الروم‪ ،‬اآلية‪ )1‬فالرسول محمد حارب‬ ‫أشد عبارت االحترام‪،‬‬ ‫كن لقادة العرب ّ‬ ‫روما وهرقل قائدها ّ‬ ‫وتابع الخلفاء والقادة العرب بعد الرسول محمد مسيرته‬ ‫في نضالهم ضد الروم والتاريخ يشهد على ذلك بكل‬ ‫جير نفسه لخدمة الغرب رمو اًز‬ ‫وثائقه‪ ،‬فكيف يتخذ من ّ‬ ‫قومية شريفة كهذه شعارات لقضيته الربيعية المزعومة؟‬ ‫اللهم إال إذا كانت لديه‪ ،‬وهذا محال‪ ،‬أدلّة عن تعامل‬ ‫تلك الرموز الكبرى مع الغرب ونحن ال ندري بها‪ ،‬وهي‬ ‫حرفت أمجاد العرب ورجاالتهم‬ ‫تلك الوثائق‬ ‫المزورة التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتي يعتمد عليها الجهلة ومنهم «مثقفو» الثورة الربيعية‬ ‫زورها‬ ‫الحالية وهم ينتهجون نهجها منذ عقود‪ ،‬والسؤال من ّ‬ ‫ولفّقها لهم؟! ال أيها األعزاء من مواطنينا المضللين‪،‬‬ ‫الغرب يعرف تماماً قيمة هؤالء القادة ولكنه أوعز إليكم‬ ‫تدمير حضارتكم ورموزها للقضاء عليكم‪ ،‬وهذا أكبر دليل‬ ‫على ازدرائهم بكم ومن ثم رميكم في مزبلة التاريخ بعد‬ ‫يبين لنا المنطق أن كل من تعامل مع‬ ‫استعمالكم! وهكذا ّ‬ ‫الغرب هو خائن ليس إال!‬

‫ال مثقفين وال جهلة مأجورين‪ ،‬بل تجار بالجملة!‬ ‫مد يده الستئصال الديكتاتور‬ ‫يردون الجميل لمن ّ‬ ‫إنهم ّ‬ ‫ويعممون هذه التجربة‬ ‫الذي عانوا من جنونه لسنين عديدة ّ‬ ‫على أبناء جلدتهم لنجاحها‪ ،‬فيهبون أنفسهم وأعراضهم‬ ‫وأرضهم بكل ما أوتوا من كرم مشرقي أصيل يمتاز به‬ ‫وفاء لعطاءات من ساندهم على دحر‬ ‫الشرق العريق‪ً ،‬‬ ‫هذا العدو األكبر‪ ،‬والتخلّص من السلطان الذي استعبدهم‬ ‫مؤخ اًر‪ ،‬ولم أكن ألصدق ّترهات‬ ‫طويالً‪ ،‬هذا ما فقهته ّ‬ ‫كهذه‪ ،‬حتى كنت في جلسة ثقافية مع أحد «المثقفين»‬ ‫ولن أقول جنسيته ألن هذه الجنسية براء من الخونة من‬ ‫أشباهه وحتى نعتهم بها أصبح شيئاً كثي اًر عليهم! هؤالء‬ ‫«المثقفون» الذين يمتازون بأنهم يلقون المحاضرات من‬ ‫تعرف‬ ‫دون تحضير وال ورقة بين أيديهم‪ ،‬ولكأنه هكذا ّ‬ ‫الثقافة الجليلة! ما كنت ألتخيل التخاذل لو لم أسمع‬ ‫آراءه التي أفرغها بكل بساطة وبضحكة عريضة حين‬ ‫بالسب واللعن والشتيمة يكافأ‬ ‫قال وبصراحة إنه ما‬ ‫ّ‬ ‫حرر الوطن من دكتاتوريين نهبوا األرض‬ ‫األميركي الذي ّ‬ ‫ورد‬ ‫هم‬ ‫شكر‬ ‫هو‬ ‫يكون‬ ‫ما‬ ‫ل‬ ‫فأق‬ ‫الخالئق‪،‬‬ ‫والبشر واستعبدوا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حد‬ ‫نكن‪ ،‬على ّ‬ ‫الجميل لهم على هذه المساعدة‪« ،‬نحن ّ‬ ‫تعبيره‪ ،‬الشكر العميق واالحترام الكبير لهذا الغرب الذي‬ ‫وحررنا من الطاغوت»! فتخيلوا!‬ ‫بديموقراطيته خلّصنا ّ‬ ‫نعم بديمقراطيته الصاروخية الكيماوية التدميرية ينصف‬ ‫بالسب‬ ‫الغرب المظلومين هؤالء إنصافاً وعدالً‪ ،‬فهل يكافأ‬ ‫ّ‬ ‫أم بوهبه األرض مقابل عطاءاته؟ فكروا ملياً باألمر‬ ‫تجرد وموضوعية من فضلكم‪ ،‬ألننا عجزنا‬ ‫وأجيبونا بكل ّ‬ ‫الكالم!‬ ‫عن‬ ‫ّ‬ ‫تجار رقيق يبادلون األرض والوطن مقابل التخلص من‬ ‫ظالم! يبادلون العرض بالجملة وليس بالمفرق فهم ال صبر‬ ‫لهم على الفتات وال يفقهون اال بالكميات الكبيرة‪ ،‬وهل‬ ‫أضاع حنا بعل بالده بغير تآمر وتكالب تجار قرطاجة‬ ‫الذين قبضوا ثمن خيانتهم من روما ورفضوا إمداده بما‬ ‫يلزم من أجل اجتياحها وهو على بعد كيلومترات منها؟‬ ‫(وليس بسبب دماثة أخالقة كما يقول القائلون!) وهل‬ ‫صلب المسيح بغير أمر من تجار الهيكل الذين نعتهم‬ ‫باألفاعي وضربهم بالسوط ونادى بطردهم من بيت أبيه‬ ‫بعد أن باعوه بثالثين من الفضة؟ وهل يتحرك الربيعيون‬ ‫السود اليوم إال بالبترودوالر الملطخ بالدم؟‬ ‫تاجر بك يا وطني‪ ،‬بضاعة رخيصة بخسة‪ ،‬فهل سوف‬ ‫ُي َ‬ ‫يبقى من يشتريك؟‬ ‫  •أستاذة جامعية وباحثة‬


‫أحزاب‬

‫‪16‬‬

‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫مبـادرة وحـدة القومييـن‬

‫لتفعيـل دورهم فـي ّ‬ ‫الصـراع لتحـرير األرض واملواطن‬ ‫ُولـدت مبادرة وحدة السوريين القوميين االجتماعيين نتيجة معاناة مجموع القوميين المنضوين في صفوف التنظيمات الثالثة وقوميي الشتات‪ ،‬ونتيجة الشرذمة‬ ‫والمخاطر الكبيرة الحاصلة على الصعيدين القومي العام والحزبي الخاص‪.‬‬ ‫ورويداً رويداً‪ ،‬اتخذ الحراك زخماً وحيوية نتيجة التفاف القوميين االجتماعيين حول فكرة الوحدة‪ ،‬والعمل على تجسيدها عملياً‪.‬‬ ‫ولهذه الغاية‪ ،‬وعلى أساس أن الوحدة ال يمكن أن تتم إال على أساس مشروع نضالي يومي‪.‬‬ ‫خلصت المبادرة‪ ،‬الى عقد ورشة عمل في أوتيل «كراون بال زا» – بيروت بتاريخ ‪ ، 17/08/2013‬حضرها حوالي المئة عضو‪ ،‬وبعد حوار بناء تم االتفاق على‬ ‫نص المذكرة الموجهة الى قيادة التنظيمات الثالثة‪ ،‬وعلى مضمون النداء الموجه الى القوميين‪ ،‬و جرت تسمية لجنة للمتابعة ولجان تحضيرية تخصصية عدة‪.‬‬ ‫تم توزيع المذكرة على القيادات الحزبية الثالث في أوائل أيلول ‪ 2013‬حيث التقى أعضاء في لجنة المتابعة بقيادة التنظيم الذي يترأسه الدكتور علي حيدر الذي‬ ‫ّ‬ ‫تسلّم المذكرة‪ ،‬وأبدى ايجابية وتجاوباً‪.‬‬ ‫أسها عصام المحايري وبعض أعضاء المجلس كذلك أظهر‬ ‫كما التقى أعضاء من لجنة المتابعة بـ زهير قتالن رئيس المجلس األعلى لدى المؤسسة التي يتر ّ‬ ‫وتم االتفاق على متابعة البحث‪.‬‬ ‫المسؤولون ايجابية وتجاوباً ّ‬ ‫من جهة اخرى‪ ،‬رفض أسعد حردان بصفته رئيس المؤسسة الحزبية الثالثة اللقاء بالوفد المشكل من لجنة المتابعة لتسليمه المذكرة‪.‬‬ ‫فو ِز َعت المذكرة على بعض أعضاء المجلس األعلى في التنظيم األخير‪.‬كما جرى توزيع المذكرة على رؤساء الحزب السابقين‪.‬‬ ‫تابعت اللجنة أعمالها‪ُ ،‬‬ ‫والهمية المبادرة ننشر نص المذكرة ومقالة غسان مطر والمسودة االولية للمبادرة‪.‬‬

‫املسودة األولية للمبادرة‬ ‫في تحديد المعنى‬ ‫في الواقع‪ ،‬المؤمنون بالعقيدة السورية القومية االجتماعية‬ ‫موزعون في‪:‬‬ ‫‪ .1‬تنظيمات حزبية مختلفة (أسعد حردان‪ ،‬علي حيدر‪،‬‬ ‫عصام المحايري )‪.‬‬ ‫‪ .2‬في جمعيات ومؤسسات مدنية غير مرتبطة مباشرة‬ ‫بالمؤسسات الحزبية القائمة‪.‬‬ ‫‪ .3‬قوميون غير عاملين وقد اصبح عددهم في تزايد‪.‬‬ ‫‪ .‬المقصود بوحدة القومين ليس االلتحاق او انتظام‬ ‫افراد او مجموعات باحدى المؤسسات القائمة وليست‬ ‫ايضاً توحيد تنظيمين او اكثر على قاعدة المحاصصة‬ ‫والمساومة والمصالحات الفوقية بين قيادات وبعد‬ ‫تدخالت خارجية كما حصل سابقاً و كما قد يحصل من‬ ‫قبل مساعي وسطاء‪.‬‬ ‫‪ .‬المعنى العميق لوحدة القومين وفق المبادرة الحالية هي‬ ‫دعوة جميع المؤمنيين بالعقيدة السورية القومية االجتماعية‬ ‫الى الوحدة على قاعدة وحدة العقيدة وصياغة رؤية‬ ‫قومية حضارية للمرحلة و وضع برنامج عملي يعيد‬ ‫القوميين الى ساحات النضال الفعلية وذلك عبر مؤتمر‬ ‫حقيقي جامع يعبر عن ارادتهم الحرة‪..‬‬ ‫التحديات المصيرية تضع األمة بين الحياة والموت‬ ‫وتضع القومين أمام الخيارات التالية ‪:‬‬ ‫‪ .1‬وحدة القومين على مشروع نضال‪ ،‬عملي‪ ،‬سوري‬ ‫قومي‪.‬‬ ‫‪ .2‬االلتزام بحكم النظام بإحدى المؤسسات القاصرة‪.‬‬ ‫‪ .3‬العمل في احدى جمعيات المجتمع المدني‪.‬‬ ‫‪ .4‬األستسالم للتشرذم واالنتظار‪.‬‬

‫في األسـباب الموجبة‬ ‫‪ .1‬لم تتمكن المؤسسات القائمة من تجسيد وحدة القومين‬ ‫وفعلهم على المستويين القومي و االجتماعي لذلك نشهد‬

‫حاالت التمرد واالهمال وبالتالي فقدت جميع المؤسسات‬ ‫عملياً شرعية كونها المؤسسة الحزبية الوحيدة التي تعبر‬ ‫عن ارادة القوميين وتطلعاتهم مما يستوجب اعادة بناء‬ ‫الحزب الواحد‪.‬‬ ‫‪ .2‬تواجه االمة حرباً ضد وجودها سيادة ومجتمعاً مما‬ ‫يستلزم توحيد القوى الحية في االمة انطالقاً من وحدة‬ ‫القوميين من اجل صياغة حرب تحرير قومية تعبر عن‬ ‫المقاومة القومية الشاملة ضد االحتالل والفساد معاً‬ ‫وبوجه الحروب الظالمية الجديدة‪.‬‬ ‫‪ .3‬يؤمن القوميون بان عقيدة سعادة هي الحل الوحيد‬ ‫لمقاومة ونهضة االمة‪ ،‬لكن المؤسسات الحزبية‬ ‫القائمة مقصرة وغير قادرة على تجسيد الرد الحضاري‬ ‫المطلوب كما ان المواطنين والقوى الحية في االمة ال‬ ‫تقدم على النهضة وال تلتف حولها طالما هي مفككة‬ ‫متشرذمة عاجزة عن توحيد ابنائها لذلك البد من اعادة‬ ‫االعتبارلفعل العقيدة التي هي الحل الوحيد لنهضة االمة‬ ‫من خالل اعادة االعتبار الى وحدة المؤسسة الملتزمة‬ ‫بعقيدة تساوي وجود األمة‪.‬‬ ‫‪ .4‬العقيدة هي الحل النظري هي حل بالقوة وال تصبح‬ ‫ثم‬ ‫حالً بالفعل اال عندما تتجسد في انسان جديد ومن ّ‬ ‫في مؤسسة واحدة فاعلة قادرة على تغير مجرى التاريخ‪.‬‬

‫من أين نبدأ‬ ‫العقيدة واحدة لكن قراءاتنا لها متباينة ومختلفة لذلك‬ ‫السؤال المطروح هو‪:‬‬ ‫كيف نعيها ونق أر الواقع المتحرك على قاعدة فكر سعادة‪.‬‬ ‫يجب االنطالق من القواعد التي حددها سعادة وهي ‪:‬‬ ‫‪ .1‬مصلحة سوريا فوق كل مصلحة‪.‬‬ ‫‪ .2‬المبادئ للشعوب وليست الشعوب للمبادئ‪.‬‬ ‫‪ .3‬العقل هو الشرع االعلى‪.‬‬ ‫‪ .4‬االلتزام بالعلم وتطوراته‪.‬‬ ‫‪ .5‬قانون االحوال والظروف منهج سعادة في قراءة‬

‫االنجيل والقران وبالتالي هو قاعدة لفهم العقيدة‬ ‫مما يتطلب جهد واجتهاد وتفكير و ابداع قراءة متقاربة‬ ‫للواقع على قاعدة العقيدة انطالقاً من االعتراف‬ ‫بتعدد القراءات لتعدد المستويات و المواقع مما يستلزم‬ ‫تفعيل العمل الثقافي الجامع ألنه المكان الصالح لالجتهاد‬ ‫والتفكيروليس للتكفير‪.‬‬

‫في اآلليـات‬ ‫‪ .1‬اطالق نداء الى جميع القوميين من اجل المبادرة‬ ‫والعمل في سبيل وحدة القوميين والمشروع القومي‬ ‫الصحيح من اجل وحدة االمة واالنخراط في الصراع‬ ‫في حرب تحرير قومية تحرر االرض والمواطن‪.‬‬ ‫يتضمن النداء االسباب الموجبة وآليات العمل من اجل‬ ‫حشد القوميين في لجان عمل تحقق الغاية المطلوبة‬ ‫وتصل بهم الى مؤتمر حقيقي وموحد يضع المشروع‬ ‫المعبر عن العقيدة والغاية‪.‬‬ ‫‪ .2‬تسلم مذكرة خطية للمسؤولين في ألمؤسسات القائمة‬ ‫وللفعاليات القومية من رؤساء حزب سابقين ورؤساء‬ ‫مجلس اعلى وقادة الرأي والطلب منهم دعم المبادرة‬ ‫وافساح المجال امام مشاركة القوميين في لجان العمل‪.‬‬ ‫‪ .3‬تشكيل لجان العمل وفق خارطة طريق الى مؤتمر‬ ‫الوحدة‪ :‬أ‪ .‬لجنة قومية سياسية‪.‬‬ ‫ب‪ .‬لجنة دستورية تنظيمية‪.‬‬ ‫ج‪ .‬لجنة عقائدية ثقافية ( نقد ذاتي )‪.‬‬

‫فـي التنفيـذ‬ ‫تتولى لجنة متابعة التحضير واطالق هذه المبادرة عبر‬ ‫صياغة النداء وتعميمه وتسليم المذكرة للمعنيين‬ ‫ومتابعة التواصل من اجل تشكيل اليات العمل التي سبق‬ ‫ذكرها وفق مواصفات محددة والمباشرة بعملها على ان‬ ‫تبقى مفتوحة امام مشاركة المؤهلين المهتمين ‪.‬‬


‫أحزاب‬

‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫‪17‬‬

‫نص املذكرة اليت وجهت اىل القيادات احلزبية‬ ‫الموضوع‬

‫مذكرة حول المبادرة الهادفة الى توحيد السوريين‬ ‫القوميين االجتماعيين في مؤسسة حزبية واحدة جامعة‬ ‫تحمل مشروعاً نضالياً قومياً مستمداً من مفاهيم‬ ‫العقيدة السورية القومية االجتماعية وأسسها‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬ملخص راهن للواقع‬

‫أ‪ .‬في واقع األمة‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪ .1‬تقف األمة السورية اليوم أكثر من أي وقت مضى‬ ‫ما بين الحياة والموت نتيجة مؤامرة أميركية غربية على‬ ‫وحدتها وهويتها ووجودها وشدة الخطر تتمثل في انهيار‬ ‫متعاظم وسريع لكل روابط الوحدة المجتمعية على كامل‬ ‫جغرافيا الوطن وبين جميع مكوناته بحيث يكاد يصبح‬ ‫نصف الشعب السوري يتبادل القتل والذبح والتهجير مع‬ ‫نصفه اآلخر‪.‬‬ ‫‪ .2‬ينتشر هذا الموت لرابطة الوحدة المجتمعية متخطياً‬ ‫دول الكيانات وأغلب مؤسساتها مستهدفاً بشكل واضح‬ ‫كوامن القوة في المجتمع والوطن وأولها قوة المقاومة‬ ‫في وجه العدو اليهودي الصهيوني وبهذا يصبح الهدف‬ ‫األول لهذا االنهيار والتفكك هو االلتفاف على عدم القدرة‬ ‫على مواجهة المقاومة الى التحول لمواجهتها ببعض‬ ‫شعبها تسهيالً لتصفية المسألة الفلسطينية والمسائل‬ ‫القومية األخرى‪.‬‬ ‫ولهذا يصبح العمل على البناء المستمر للوحدة المجتمعية‬ ‫عامل أساسي وأولي في بناء قدرات مقاومة العدو‪.‬‬ ‫‪ .3‬ضرب المقومات االقتصادية وتدمير البنى التحتية‬ ‫ونهب الموارد واضعاف واغراق دول الكيانات بالديون‬ ‫وانتشار الفساد وتعميم الفقر والهجرة والخوف والفوضى‪.‬‬ ‫‪ .4‬االمعان في ضرب الهوية والثقافة القوميتين‪ ،‬ونشر‬ ‫مفاهيم وقيم ثقافية غريبة عن تاريخنا وتراثنا الثقافي بما‬ ‫فيه الفهم العام للدين ودوره‪.‬‬ ‫ب‪ .‬في واقع السوريين القوميين االجتماعين ‪ :‬تشرذم‬ ‫وشتات وفرص‪:‬‬ ‫‪ .1‬أدى المؤتمر األخير للمؤسسة الحزبية التي يرأسها‬

‫عصام المحايري الى ما يؤكد على أزمة انقسام وتشرذم‬ ‫بين مؤسسات حزبية ثالث تعمل تحت اسم الحزب‬ ‫السوري القومي االجتماعي ويلتزم فيها سوريون قوميون‬ ‫اجتماعيون ال يعترفون بمؤسسة حزبية غير التي ينتمون‬ ‫اليها‪.‬‬ ‫‪ .2‬تترافق شرذمة المؤسسات مع شتات واسع ومتعاظم‬ ‫بأي‬ ‫من السوريين القوميين االجتماعيين غير ملتزمين ٍ‬ ‫من المؤسسات الثالث و بعضهم يعمل ضمن جمعيات‬ ‫مدنية أو مجموعات قومية هامشية مع التزام واضح‬ ‫ألغلبهم بالعقيدة وبالنضال‪.‬‬ ‫‪ .3‬انتج سياق الشرذمة والشتات ظواهر سلبية عديدة‬ ‫بعضها مشترك ما بين المؤسسات وبعضها منفرد أهمها‬ ‫أزمة في المفاهيم القومية لجهة العقيدة ومفهوم النضال‬ ‫بين أبناء الشعب فضالً عن التقوقع والفساد اضافةً الى‬ ‫مفهوم تقليدي للعمل السياسي داخل دول الكيانات محدود‬ ‫الدور وقاصر في خدمته لمصلحة األمة‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫متنام لثقة الشعب والمجتمع بالمؤسسات‬ ‫‪ .4‬فقدان‬ ‫الحزبية ودورها بسبب الغياب الفعلي عن مصالح‬ ‫المجتمع والشعب وانعدام التأثير في األحداث الجارية‬ ‫على ساحة الوطن على المستويات كافة‪ ،‬والنتشار صورة‬ ‫ال تشبه بأي حال الصورة الراسخة في الذاكرة الجماعية‬ ‫للشعب عن السوريين القوميين‪ ،‬لجهة انخراطهم الجدي‬ ‫والملتزم بالنضال‪ ،‬والتزامهم النظام واألخالق ‪..‬‬ ‫‪ .5‬هذا مع االشارة الى أن أمام الحزب فرصة كبيرة للنمو‬ ‫والعمل والتأثير نتيجة تولد قناعة عامة بسقوط جغرافيا‬ ‫الكيانات لدى قسم كبير من شعبنا ووعيه حقيقة هوية‬ ‫األمة السورية في خضم الصراعات القائمة على أرضنا‪.‬‬

‫ثانيـاً‪ :‬في المبـادرة‬

‫أ‪ .‬مفهوم الوحدة‪:‬‬ ‫‪ .1‬نقصد بالوحدة وفق هذه المبادرة وحدة السوريين‬ ‫القوميين الى أي مؤسسة حزبية انتموا أو في أي شتات‬ ‫وجدوا‪ ،‬وحدة السوريين القوميين المنتجة لمؤسسة واحدة‬ ‫تحمل مشروعاً قومياً حقيقياً يساهم القوميون من خالله‬

‫في أعمال نضالية يومية‪.‬‬ ‫‪ .2‬ال نقصد بالوحدة بأي حال من األحوال وحدة فوقية‬ ‫بين مؤسسات حزبية تقوم على التسويات والمحاصصة‬ ‫والمصالحات الفارغة من اي مشروع نضالي قومي على‬ ‫ما درجت العادة‪.‬‬ ‫‪ .3‬يعتبر « مؤتمر الوحدة « المصنع الذي سوف يصيغ‬ ‫ويصنع‪ ،‬وفق األفكار واألسس المعلنة‪ ،‬مؤسسة الوحدة‬ ‫والذي سوف يشارك السوريون القوميون االجتماعيون‪،‬‬ ‫في صياغة مشروعها النضالي المرتكز الى مفاهيم‬ ‫العقيدة والنظام والمستهدف عمالً وجهاداً سالمة األمة‬ ‫ووحدة المجتمع‪.‬‬ ‫ب‪ .‬فـي اآلليـات‪:‬‬ ‫‪ .1‬تعتبر المذكرة دعوة مبدئية الى المؤسسات الحزبية‬ ‫الثالث العتبار وحدة السوريين القوميين أولوية قصوى‪،‬‬ ‫وللمبادرة الى االشتراك واالنخراط في (مبادرة الوحدة)‪.‬‬ ‫‪ .2‬اطالق نداء الى السوريين القوميين االجتماعيين‬ ‫للمبادرة واالنخراط ضمن (مبادرة الوحدة) ويتضمن النداء‬ ‫شرحاً لواقع األمة والحزب ولمفهوم الوحدة وآللياتها‪.‬‬ ‫‪ .3‬استناداً الى المذكرة والنداء تشكل لجنة تكون مهمتها‬ ‫التحضير }لمؤتمر الوحدة { وتطلق عملها بإعالن‬ ‫واضح عن المؤتمر يتضمن اسمه وتاريخ انعقاده‬ ‫وبرنامجه وأهدافه وهيكلته‪ ،‬كما تطلق عمل لجان الدرس‬ ‫أو ورش العمل التحضيرية التي من المفترض أن تشمل‬ ‫المواضيع الدستورية واالدارية والثقافية والسياسية والتي‬ ‫سترفع الى المؤتمر نتائج واقتراحات درسها وعملها‪.‬‬ ‫‪ .4‬يعقد المؤتمر بالتاريخ والبرنامج واألشكال المحددة‬ ‫أعاله‪ ،‬ويدرس األوراق المرفوعة من اللجان والورش‪،‬‬ ‫ويطلق آلية مشروع الوحدة لصياغة الرؤية والبرنامج‬ ‫النضالي‪.‬‬ ‫إن مصير األمة اليوم أكثر من أي وقت مضى يتطلب‬ ‫منكم ق اررات مفصلية حاسمة ومصيرية‪ ،‬ان التجاوب‬ ‫واالنخراط في سياق (مبادرة الوحدة) بحسب ما تضمنته‬ ‫هذه المذكرة هو أهم وأولى الق اررات التي ينتظرها شعبنا‬ ‫والسوريون القوميون االجتماعيون على حد سواء‪.‬‬


‫أحزاب‬

‫‪18‬‬

‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫مبـادرة القوميني االجتماعيني ‪ -‬نداء إىل الشجعان‬ ‫  •غسان مطر‬ ‫تروع األمة‪ ،‬من‬ ‫إذا كانت االحداث الكبيرة التي ّ‬ ‫فلسطين الى العراق الى الشام‪ ،‬تحجب ما عداها‪،‬‬ ‫فألن لهذه االحداث سطوة دموية تجعل الخوف‬ ‫على الوجود والمصير يحتل كل مساحات القلق‬ ‫واالسئلة‪.‬‬ ‫هذا الخوف الذي دفع البعض الى الهجرة والبعض‬ ‫اآلخر الى اليأس‪ ،‬والبعض الثالث الى الصمت‬ ‫أو الى قول خجول في المجزرة التي تستهدف‬ ‫األمة في وحدتها وحيويتها ومخزونها االنساني‬ ‫الحضاري‪ ،‬هذا الخوف عينه هو الذي حمل جمعاً‬ ‫من السوريين القوميين االجتماعيين القلقين‬ ‫المؤمنين بالحياة وبالمستقبل‪ ،‬على طرح السؤال‬ ‫نفسه الذي طرحه معلمهم وقائدهم انطون سعاده‬ ‫قبل ثمانين عاما‪ ،‬وهو‪« :‬ما الذي جلب على أمتي‬ ‫هذا الويل؟» ف أروا‪ ،‬كما كل بصير‪ ،‬أن االنقسامات‬ ‫في المجتمع عموماً‪ ،‬وفي حزبهم تحديداً‪ ،‬هي من‬ ‫أهم العوامل التي م ّكنت المؤامرة من اختراق نسيج‬ ‫المناعة الهش والعبث بأسس المجتمع فر ازً طائفياً‬ ‫ومذهبياً إو�تنياً‪ ،‬ال قيامة بعده لوحدة الحياة‪.‬‬ ‫انطالقاً من هذه الرؤية كان التنادي الى مبادرة «وحدة‬ ‫القوميين االجتماعيين» رداً على منطق التفتيت الواغل‬ ‫في الجسد والروح‪.‬‬ ‫الحزب السوري القومي االجتماعي الذي تأسس السترجاع‬ ‫السيادة القومية التي استباحتها معاهدة سايكس – بيكو‪،‬‬ ‫سرعه وعد بلفور‪ ،‬هذا‬ ‫ولمنع اغتصاب فلسطين الذي ّ‬ ‫الحزب اليوم مصاب بمفاعيل سايكس – بيكو‪ ،‬منقسم‬ ‫تدعي أن مرجعيتها العقيدة الواحدة‬ ‫الى ثالثة أحزاب ّ‬ ‫والمبادئ الواحدة‪.‬‬ ‫واذا كان هذا االنقسام ليس جديداً‪ ،‬فبعضه موروث‬ ‫وبعضه مستحدث‪ ،‬إالّ أنه‪ ،‬في تداعياته‪ ،‬يفقد الحزب‬

‫والمؤتمر العام سيكون االطار االمثل للمناقشة والنقد‬ ‫والمراجعة في كل شأن من شؤون الحزب‪ ،‬من انبثاق‬ ‫السلطة‪ ،‬الى تنظيم االدارة‪ ،‬الى المشروع السياسي‪ ،‬مع‬ ‫ما يفترضه ذلك من تصويبات وتعديالت‪ ،‬وصوالً الى‬ ‫قيادة واحدة ومؤسسات واحدة لحزب واحد يتن ّكب مسؤولية‬ ‫المواجهة مع أعداء الداخل والخارج‪.‬‬

‫في نظر الناس‪ ،‬صدقيته وشرعية ما ينادي به‪ ،‬إذ كيف‬ ‫يحقق وحدة األمة حزب ال يستطيع أن يحقق وحدته؟‬ ‫ومن دون الدخول والغوص والتحليل في أسباب االنقسام‬ ‫وخلفياته‪ ،‬نرى أن من أهم ما يفرضه الواقع الصعب‬ ‫على كل ٍ‬ ‫منتم الى فكر الحزب ونهجه‪ ،‬أن ينتفض‬ ‫على هذا الواقع ويبادر الى تأييد مبادرة وحدة القوميين‬ ‫االجتماعيين‪ ،‬انتصا اًر لقيم النهضة‪ ،‬واستعادة لحيوية‬ ‫لغيرت مجرى التاريخ‪.‬‬ ‫وقوة لو فُعلت ّ‬

‫تعد لمؤتمر‬ ‫فمبادرة «وحدة القوميين االجتماعيين» التي ّ‬ ‫عام‪ ،‬تدعو اليه المسؤولين في االحزاب الثالثة‪،‬‬ ‫والقوميين االجتماعيين المنكفئين عن العمل الحزبي‬ ‫ألسباب شتى‪ ،‬ترى أن ما تشهده الساحة القومية من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومآس دموية‪ ،‬ال يسمح بالترف والتنظير وتبادل‬ ‫تشظ‬ ‫التهم‪ ،‬وال يجوز أن تتغلّب ازاءه االنانيات والمصالح‬ ‫الشخصية على المصلحة القومية األعلى‪.‬‬ ‫إنها فرصة للترفع والعطاء‪ ،‬يأبى الوجدان القومي إال‬ ‫االستجابة لها‪.‬‬

‫إن مبادرة «وحدة القوميين االجتماعيين» ال تؤمن‬ ‫بالتسويات الفوقية‪ ،‬فمثل هذه التسويات ُج ّربت وفشلت‪.‬‬ ‫إنها تسعى الى وحدة تنبثق من ارادة القوميين االجتماعيين‬ ‫التي هي صاحبة القرار‪ ،‬خصوصاً في أمر مصيري‬ ‫كالذي تنشده المبادرة‪ .‬ولذلك ننطلق من دعوة الى حل‬ ‫التنظيمات القائمة‪ ،‬إو�عداد آلية ديموقراطية تعيد تشكيل‬ ‫القيادتين التشريعية والتنفيذية‪ ،‬ومؤسسات المحاسبة‬ ‫والقضاء تثبيتاً لمبدأ الكفاءة والشفافية‪.‬‬ ‫نحن نعرف أننا مقبلون على مهمة شاقة‪ .‬فالفردية التي‬ ‫دعا سعاده الى وأدها‪ ،‬لم تزل لها فينا رؤوس وأنياب‬ ‫ومخالب‪ .‬والتعصب الفئوي القاتل ينهش وعي الكثيرين‬ ‫منا‪ ،‬والمصالح الخاصة‪ ،‬لها في حسابات بعضنا‬ ‫مساحات وأبواب‪ ،‬لكن رهاننا هو على وجدان القوميين‬ ‫االجتماعيين واستشعارهم االخطار المحدقة بحزبهم‬ ‫وبأمتهم‪.‬‬ ‫واذا كانت العواصف القاتلة تش ّل العقل أحياناً‪ ،‬وتطفو‬ ‫وتسطو غريزة البقاء الفردي‪ ،‬فيلجأ الخائفون الى االقبية‬ ‫حيث الظن بأن النجاة حضن دافئ‪ ،‬فان هذه العواصف‬ ‫نفسها‪ ،‬تشحذ في المؤمنين المنذورين لقضية تساوي‬ ‫وجودهم‪ ،‬همماً إو�رادات‪ ،‬ال تقوى عليها شياطين الجحيم‪.‬‬ ‫مبادرة «وحدة القوميين االجتماعيين» صرخة الى واجب‬ ‫عظيم‪ .‬والنصر للشجعان دائماً‪.‬‬ ‫  •نشرت في النهار بتاريخ ‪2013/10/25‬‬

‫«يف املشرق واملشرقية» لغسان الشامي‬ ‫أصدر الزميل غسان الشامي‪ ،‬كتابه الجديد بعنوان «في المشرق والمشرقية»‪.‬‬ ‫تضمن الكتاب توطئة وفصوالً عدة منها‪ :‬المشرق‪/‬المصطلح‪ ،‬التكون التاريخي للمشرق‪ ،‬المشرق واإلغريق والرومان‪،‬‬ ‫المسيحية في المشرق‪ ،‬الشأن الديني في المشرق بين المسيحية واإلسالم‪ ،‬المشرق والنهضة العربية‪ ،‬المشرق واألمم‬ ‫المجاورة‪ ،‬مستقبل المسلمين والمسيحيين المشرقيين في كلمة سواء‪ ،‬آفاق المشرق المعاصر وخاتمة‪.‬‬ ‫والزميل الشامي كاتب وصحافي ومقدم برنامج أجراس الشرق على قناة الميادين‪.‬‬


‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫أحزاب‬

‫‪19‬‬

‫«املشرقية» تلتقي وعقيدة أنطون سعاده وتالمذته منقسمون‬ ‫  •رياض عيد‬ ‫منذ توقيع وزي ار خارحية انكلت ار وفرنسا اتفاقية سايكس‬ ‫بيكو العام ‪ 1916‬التي قسمت سوريا الى الكيانات القائمة‬ ‫حالياً‪ ،‬وبعد صدور «وعد بلفور» الذي وعد اليهود بوطن‬ ‫قومي في فلسطين‪ ،‬رسم هذان الحدثان خريطة التوازنات‬ ‫وغي ار وجه االمة السورية والمنطقة‬ ‫التي حكمت المشرق ّ‬ ‫وشكال من حينها حتى اآلن عنواناً للصراع األساسي لما‬ ‫يسمى حالياً «الشرق االوسط»‪.‬‬ ‫وبعد االزمة االقتصادية التي عصفت بالعالم العام‬ ‫‪ 1929‬وفي بداية ثالثينيات القرن الماضي‪ ،‬كان العالم‬ ‫يعيش المرحلة االنتقالية الواقعة بين حالة من الثبات‬ ‫طر عليها‪ ،‬إلى الحالة الجديدة‬ ‫الم َسي َ‬ ‫النسبي والتناقضات ُ‬ ‫الفاصلة بين بداية الحرب الكونية الثانية ونهاية نتائج‬ ‫الحرب العالمية االولى‪.‬‬ ‫في تلك المرحلة كانت المانيا ودول المحور تحاول نسف‬ ‫تبعات معاهدتي سان ريمون ولوزان وشروطهما المذلة‪،‬‬ ‫وكان العالم يتحضر للحرب الكونية الثانية‪ .‬يومها التقط‬ ‫المفكر الرؤيوي انطون سعاده‪ ،‬اللحظة التاريخية وأسس‬ ‫الحزب السوري القومي االجتماعي ظناً منه انه بانشغال‬ ‫العالم بالصراع في اوروبا والتهيئة للحرب يستطيع ان‬ ‫يقتل سايكس بيكو ووعد بلفور وهما جنينان‪ ،‬لكن انتصار‬ ‫الحلفاء وحسم المعركة في اوروبا‪ ،‬باالضافة الى ضعف‬ ‫الحزب وهو في مرحلة التأسيس و ِ‬ ‫التآمر ممن أسماهم‬ ‫سعاده بيهود الداخل اضاعوا تلك اللحظة واستشهد الزعيم‬ ‫وتبدد الحلم‪ ،‬إلى حد ما‪.‬‬ ‫اآلن تبدو توازنات العالم والمنطقة مستدعية اعادة ترتيب‬ ‫جديد‪ ،‬يشبه كثي اًر ترتيبات معاهدة «سايكس ‪ -‬بيكو»‪،‬‬ ‫ما اشبه هذه اللحظة التاريخية التي نعيشها اليوم بتلك‪.‬‬ ‫العالم يمر بمرحلة صفرية بين نظامين‪ ،‬نظام عالمي‬ ‫احادي االستقطاب سقط الى غير رجعة بعد الكارثة‬ ‫االقتصادية التي عصفت بالنظام الرأسمالي العام ‪2008‬‬ ‫فأفقرته وال تزال تداعياتها من دون حل‪ ،‬ونظام عالمي‬ ‫جديد متعدد االقطاب قيد التشكل‪ ،‬ظهر بعد انتقال‬ ‫مركز الثقل االقتصادي والسياسي من الغرب الى الشرق‬ ‫وتحديدا الى جنوب آسيا بسبب الثورة االقتصادية التي‬ ‫احدثتها الصين‪ ،‬وبدأت بمزاحمة اميركا على احتالل‬ ‫المركز االول اقتصادياً وسياسياً على مستوى الكون‪.‬‬ ‫وبعد بروز الصراع على الغاز كمادة نظيفة للطاقة نتيجة‬ ‫تبني توصيات قمة االرض (في ريودجنيرو العام ‪1992‬‬ ‫ومؤتمر كيوتو في اليابان) بضرورة تخفيف انبعاث ثاني‬ ‫اوكسيد الكربون بنسبة ‪ 20%‬قبل ‪ 2020‬والتحذير من‬ ‫كارثة ستحل بالكرة االرضية ان لم تلتزم الدول الصناعية‬ ‫بهذا االمر‪ ،‬والتزام اوروبا بهذه المقررات مما جعلها اكبر‬ ‫سوق ناشئ للغاز حيث تعتمد اوروبا على الغاز الروسي‬ ‫كمورد اساسي لتأمين حاجتها من الطاقة‪.‬‬ ‫وبعد اكتشاف هيئة المسح الجيولوجي الكميات الكبيرة من‬ ‫النفط والغاز في سوريا والساحل الشرقي للمتوسط‪ .‬بات‬ ‫العالم بأسره بشكل عام‪ ،‬وقارة آسيا وسورية بشكل خاص‬ ‫يمران في منعطف خطير‪ ،‬ولحظة سياسية ومصيرية‬ ‫فاصلة‪ .‬وبعد القرار االميركي التصدي الحتكار شركة‬ ‫غاز بروم الروسية لسوق الغاز في اوروبا‪ ،‬إو�نشائها مع‬ ‫حلفائها شركة غاز نابوكو التي ستحمل غاز الخليج‬ ‫ومصر واسرائيل ومحاولة تمريراألنابيب بسوريا حتى تركيا‬ ‫حتى اوروبا لتحريرها من احتكار غاز بروم‪ .‬وبعد القرار‬ ‫االميركي االنسحاب من الشرق االوسط واالتجاه نحو‬

‫الشرق االقصى ووسط آسيا وجنوبها للتصدي للعمالق‬ ‫الصيني‪ ،‬واعتماد االدارة االميركية االطلسي واالسالم‬ ‫السياسي والتكفيري لرعاية مصالحها ومصالح اسرائيل في‬ ‫المنطقة‪ ،‬بتمويل وتسليح من دول الخليج العربي وتركيا‪،‬‬ ‫واستهدافهم سوريا والمنطقة لتدميرها بحرب كونية تخاض‬ ‫فيها وعليها بجيش من التكفيريين استقدم من اكثر من‬ ‫‪ 83‬دولة لضرب موقع سوريا الممانع والمقاوم للمشاريع‬ ‫االميركية االطلسية االسرائيلية‪.‬وألن سوريا بموقعها‬ ‫الجيواستراتيجي كعقدة طرق انابيب الغاز العالمية‪ ،‬وبوابة‬ ‫طريق الحرير الصينية اآلسيوية الى اوروبا‪ ،‬وكمحطة‬ ‫لخط سكك الحديد السريع الذي يصل شنقهاي بساحل‬ ‫سوريا على المتوسط‪ .‬اصبحت نقطة صدام جيوبوليتيكي‬ ‫بين محورين‪ :‬االمحور االميركي االطلسي الخليجي من‬ ‫جهة الذي لم يعد متمسكاً بسايكس بيكو بعد ان استنفدت‬ ‫اهدافها ويود تقسيم المقسم الى كيانات اثنية مذهبية‬ ‫جديدة تتصدى اليران بإشعالها الحرب السنية الشيعية‪،‬‬ ‫التي تخدم بقاء اسرائيل‪ ،‬وتقيم سداً في وجه المصالح‬ ‫الروسية الصينية الطاقوية في المنطقة وتسيطر على‬ ‫مسارات الغاز لتحرير اوروبا من هيمنة غاز بروم‪.‬‬ ‫ومحور المقاومة‪ ،‬الذي يقابل المحور األول‪ ،‬الممتد‬ ‫من لبنان الى سوريا الى العراق الى ايران حتى الصين‬ ‫وروسيا والذي يعتبر معركة سوريا هي معركته في‬ ‫الصميم وعلى نتائجها يترتب تبلور نظام عالمي جديد‬ ‫متعدد االقطاب‪ ،‬والسيطرة على معركة الطاقة والغاز‬ ‫ومساراته التي على نتائجها يتحدد من يتحكم بمصير‬ ‫الكون‪ ،‬بعد تسمية هذا القرن بالقرن الذهبي للغاز‪ .‬وعلى‬ ‫معركة سوريا ايضا يتوقف مصير ما ُسمي بالربيع العربي‬ ‫غب الطلب) غايته‬ ‫(وهو ربيع اميركي اطلسي اسرائيلي ّ‬ ‫تفتيت المنطقة مذهبياً وضرب استقرار روسيا والصين‬ ‫بتحريك االقليات السنية الموجودة فيهما‪ .‬وبالتالي أصبح‬ ‫الدفاع عن سوريا هو دفاع عن االمن القومي والطاقوي‬ ‫واالقتصادي لمحور المقاومة‪ ،‬والذي تكمن مصلحته‬ ‫بالتصدي لتقسيم المنطقة ومنع تأجيج الحرب الطائفية‬ ‫والمذهبية فيها ألنها ستتأثر بها في الصميم‪.‬‬ ‫وفي زمن تخاض الحرب الكونية على المجتمع السوري‬ ‫لتفتيته إو�سقاطه بقوى التكفير العالمية المأجورة الميركا‬ ‫واسرائيل بعد ترويض االنظمة العربية واحتوائها‪ ،‬كمرحلة‬ ‫اخيرة من تصفية القضية القومية‪ .‬وفي زمن سقوط‬ ‫سايكس بيكو لمصلحة مشروع مذهبي اثني جديد يخدم‬ ‫اسرائيل ويستبيح خيرات بالدنا من غاز ونفط‪.‬‬ ‫وفي زمن سقوط الكيانية التي ارتبطت منذ نشأتها‬ ‫باالستعمار‪ ،‬وسقوط الليبرالية التي أفلست العالم‪ ،‬وفي‬ ‫زمن سقوط االسالم السياسي بشقيه االخواني والتكفيري‬ ‫بفكرهما الجاهلي القبلي‪ ،‬وافالس العروبة الوهمية التي لم‬ ‫تستطع حماية االمة وتحقيق الحرية والعدالة االجتماعية‪،‬‬ ‫وحولت الجامعة العربية الى حصان طروادة تستدرج‬ ‫االطلسي الحتالل سوريا قلب االمة النابض‪.‬‬ ‫وفي زمن يطرح محور المقاومة والمثقفين السوريين‬ ‫والعرب وكل النخب والعامة‪ ،‬وحدة الجبهة الشمالية‬ ‫الشرقية المقاومة من لبنان الى العراق‪ ،‬ويطرحون‬ ‫«المشرقية» اي وحدة بالد المشرق العربي او وحدة‬ ‫بالد الشام او السوق المشرقية االقتصادي او وحدة‬ ‫الهالل السوري الخصيب كمشروع نضالي استراتيجي‬ ‫وجيوسياسي يتالقى ويتكامل مع مصالح روسيا والصين‬

‫وايران‪( .‬وهذه كلها تسميات ترمز لوحدة األمة السورية‬ ‫التي نادى وعمل واستشهد من اجلها أنطون سعاده)‪.‬‬ ‫وفي زمن تمزيق المقاومة البطلة حدود سايكس بيكو‬ ‫وتحويل لبنان من خاصرة رخوة ضعيفة للشام الى درع‬ ‫قوي ناصر لها في حرب الوجود التي تخوضها‪ .‬يبرز‬ ‫فكر سعاده الوحدوي الجذري المقاوم كمنقذ وحيد لحال‬ ‫االمة من الموت المحتم‪ ،‬وكعالج ناجع إلعادة وحدة‬ ‫االمة والمجتمع ومنع تفتيتهما‪.‬‬ ‫ان التصدي للحالة التكفيرية ال يكون بسحقها عسكرياً‬ ‫فقط‪ .‬بل بفكر مدني جامع موحد كفكر سعاده الذي نادى‬ ‫بفصل الدين عن الدولة إو�لغاء الحواجز بين مختلف‬ ‫المذاهب والطوائف واقامة الدولة المدنية العصرية الحرة‬ ‫القوية العادلة التي تحقق المواطنة والمساواة بين كل‬ ‫مكونات المجتمع وتساهم في صيانة وحدته‪ ،‬وتطمئن‬ ‫االقليات في سوريا التي تعيش هاجس الخوف جراء‬ ‫التصفيات على الهوية‪ .‬واقامة االقتصاد القومي على‬ ‫اساس االنتاج مكان االقتصاد الريعي وتحقيق العدالة‬ ‫االجتماعية وضرب االحتكار واعادة انماء الريف الزراعي‬ ‫بتحقيق اإلنماء المتوازن وضرب الفساد والمفسدين‪.‬‬ ‫وكما عملت سكك الحديد في بداية تأسيس اميركا‬ ‫كشرايين الدماء االقتصادية التي ضخت ضرورة وحدة‬ ‫الواليات المتحدة االميركية‪ .‬ستكون لطريق الحرير‬ ‫وخط سكك الحديد السريع الذي يصل الصين بسوريا‪،‬‬ ‫وخطوط الغاز التي تصل غاز ايران الى الساحل السوري‬ ‫على المتوسط‪ ،‬وغاز المتوسط الى الصين عبر سوريا‬ ‫والعراق وايران وباكستان بعد انتهاء الحرب في سوريا‬ ‫واستغالل غاز الساحل السوري (الذي يعتبر من اكبر‬ ‫حقول الغاز في العالم) سيكون لتلك األنابيب األثر‬ ‫البالغ في تسريع وحدة الهالل الخصيب كضرورة وحاجة‬ ‫سياسية واقتصادية واستراتيجية عالمية لمحور المقاومة‪،‬‬ ‫الى جانب كونها ضرورة قومية اجتماعية وجغرافية من‬ ‫الجانب العقدي لفكرنا‪.‬‬ ‫سوريا امام مخاض كبير‪ ،‬سترسم نتائج الحرب فيها‬ ‫خرائط وتوازنات جديدة قد تحكم المنطقة لفترة طويلة‪.‬‬ ‫أميركا وأزالمها في المنطقة يتساقطون ويحاولون‬ ‫االستعجال لركوب قطار الحل‪ .‬محور المقاومة منتصر‬ ‫والمتوسط اصبح بحيرة روسية والمشرق سيكون منطقة‬ ‫نفوذه ومصلحتُه ان يتوحد‪.‬‬ ‫هكذا يتقدم فكر سعاده ليشكل راهنية للحل‪ ،‬ال يجوز‬ ‫لحزب سعادة ان يبقى مقسماً‪ .‬كيف يمكن ان يطرح‬ ‫فكر سعاده كحل وحدوي لحال االمة المقسمة وحزب‬ ‫الوحدة القومية عاجز عن إنجاز وحدته‪ .‬اي مصداقية‬ ‫للقوميين الذين يتشاركون مع المشرقيين العمل لتحقيق‬ ‫وحدة المشرق وهم منقسمون ال يغلّبون مصالح االمة‬ ‫على مصالح تنظيماتهم الضيقة‪.‬‬ ‫لم يكن الحزب السوري القومي االجتماعي منذ تأسيسه‬ ‫غاية بحد ذاته بل وسيلة لتحقيق غايات االمة الكبرى‬ ‫بالوحدة والحرية والديمقراطية واالستقالل والعدالة‬ ‫االجتماعية واالقتصادية‪.‬‬ ‫لقد باتت وحدة القوميين ومن ضمن هذا المشروع‬ ‫النضالي وهذه القراءة أكثر من ضرورة وملحة فهل نلتقط‬ ‫هذه الفرصة؟‬ ‫إن االمة بحالها الراهنة التعيسة تناشدنا وتستحلفنا‬ ‫إلنقاذها فهل من يسمع ويستجيب؟‬


‫كتاب‬

‫‪20‬‬

‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫حسن مرتضى يوقع «ونبقى معه» يف صور برعاية فياض‬ ‫  •تحوالت ‪ -‬صور‬ ‫برعاية محافظ الجنوب السابق حليم فياض‪ ،‬أقام منفذية‬ ‫الحزب «السوري القومي االجتماعي» في صور‪ ،‬احتفاال‬ ‫حاشدا لمناسبة حفل توقيع كتاب «ونبقى معه» للكاتب‬ ‫حسن مرتضى‪ ،‬في مطعم يا ار في صور‪ ،‬في حضور‬ ‫النائبين عبد المجيد صالح وعلي خريس‪ ،‬رئيس أساقفة‬ ‫صور للموارنة المطران شكر اهلل نبيل الحاج‪ ،‬رئيس دائرة‬ ‫التربية في الجنوب باسم عباس‪ ،‬منفذ عام صور في‬ ‫الحزب السوري القومي االجتماعي الدكتور محمود ابو‬ ‫خليل‪ ،‬فاعليات سياسية وثقافية واجتماعية وروحية وأدبية‬ ‫وأحزاب وقوى لبنانية وفلسطينية وحشد من المهتمين‪.‬‬ ‫بداية النشيد الوطني ثم النشيد القومي‪ ،‬وقدم للحفل محمد‬ ‫اسماعيل‪.‬‬

‫االرادة وبلغة جميلة عذبة ومشوقة‪ ،‬وسماء على أجنحة‬ ‫االنتماء الصادق الى فضاءات من نضال الوطني الال‬ ‫محدود فمن افكار الزعيم سعادة ومواقفه الجريئة‪ ،‬الى‬ ‫فجر الوعي القومي الى انهار الشهداء التي تهدر في‬ ‫ارض الجنوب مرددة لحن االنتصار»‪.‬‬

‫خيراهلل‬

‫أما األديب شوقي خير اهلل فسرد مواقف الكاتب مرتضى‬ ‫أيام رفقته‪ ،‬أيام الصبا ووطنيته وقوميته التي يحتذى‬ ‫بها‪ .‬وقال‪« :‬حسن مرتضى يرافق أقداره وترافقه الكلمة‬ ‫وتوحي له ما ينظر من بالغة في أزمات المصير‪،‬‬ ‫لذلك كتابه بين أيديكم‪ ،‬ويكفي أنه يرتل البالغة ترتيالً‬ ‫ويبحبح المعاني على ما أمر من مواريثه القديمة القديمة‬ ‫والحديثة»‪.‬‬

‫ابو خليل‬

‫ثم ألقى ابو خليل كلمة قال فيها‪« :‬أعتلي المنبر بعد ان‬ ‫طال بي التجوال بين الحرف والمعنى‪ ،‬أفال رفعت بيارق‬ ‫لدي ارادة‪ ،‬هكذا أنا اليوم ضال ومصاب‬ ‫نصر وال كسرت ّ‬ ‫برحاب هذا المنبر»‪.‬‬ ‫أضاف‪« :‬ان سنديانة صور العتيقة المتوائمة مع جميزات‬ ‫الشواكير‪ ،‬فطعم النضال عتقها ومن وحي تعاليمنا في‬ ‫االرض ضاربة جذورها ال تحيد‪ .‬هي المالذ اآلمن‬ ‫والحضن الدافئ والغصن المثمر الذي امتد على خلفية‬ ‫ايمانه»‪.‬‬ ‫وتابع‪« :‬كثرت األلقاب وأطلق على السنديان الصلب‬ ‫فيسرنا في هذه‬ ‫عشرات التسميات‪ ،‬اما نحن القوميون‬ ‫ّ‬ ‫المناسبة أمران‪ :‬شرف دائم أال وهو شرف االنتماء الى‬ ‫النهضة القومية االجتماعية نهضة تساوي وجودنا‪،‬‬ ‫وشرف إطالق اسم الرفيق حسن مرتضى على هذه‬ ‫السنديانة‪ ،‬فتستحق اللقب عن جدارة لما تتمتع به من‬ ‫قيم»‪.‬‬ ‫وختم‪« :‬إن مبادئنا وتعاليمنا بالسياسة بمفهومها‪ ،‬هي‬ ‫فن خدمة المصلحة الوطنية والقومية‪ .‬فمن خالل مسيرة‬ ‫مناضلينا يسهل الحكم علينا‪ .‬كيف ال وبعض االمور‬ ‫ما زالت على حالها‪ ،‬أفكار مقسمة وجيوش مدمرة‬ ‫وعدو مغتصب ما زال حائماً على أرضنا‪ ،‬وال نميز‬ ‫بين عدو وصديق ومقاوم ومقيت وحر وسجين‪ ،‬وما‬ ‫عبور اإلرهاب باسم الدين من جانب قتلة السيد المسيح‬ ‫وحماة الخفافيش ولبسة الطرابيش‪ ،‬إال دليل ساطع على‬ ‫صحة عقيدتنا واستسراف شرعيتنا‪ .‬لهذا تبقى دعوتنا‬ ‫قائمة لكل المواطنين األعزاء‪ ،‬ان صدر النهضة القومية‬ ‫االجتماعية رحب ويتسع لكل حر في أمتنا»‪.‬‬

‫غنيمة‬

‫كما تحدث باسم بلدية صور جورج غنيمة‪ ،‬فقال «ان‬ ‫كتاب مرتضى أفضى في زواياه ما لم يكتبه األدباء‬ ‫والشعراء من جمالية في المعنى واالدب»‪.‬‬ ‫وقال‪« :‬في صومعة الحقيقة االولى تمسك به‪ ،‬تتلبسه‪،‬‬ ‫تطارده وتداهمه بفضول العارف وهو يحترف بانقطاع‬ ‫وانصراف وشغف كلي أصول تحقيق التزواج الخالق بين‬ ‫المعنى والمبنى في عمارة الكالم»‪.‬‬

‫عباس‬

‫بدوره قال باسم عباس «ان حسن مرتضى صفر وسفر‪،‬‬ ‫صفر ثمين وسفر جميل‪ ،‬صفر حامل بالقيم االنسانية‬ ‫النبيلة ومن المعاني المحفورة في صخر التجربة بإزميل‬

‫مرتضى‬

‫بدوره‪ ،‬قال الكاتب مرتضى شاك اًر‪« :‬ال يسعني إال أن‬ ‫أفرغ معكم كلمات شكري وامتناني إو�صراري على االلتزام‬ ‫في متابعة مسيرتنا المستمرة للعبور بأمتنا من هذا النفق‬ ‫المظلم الى رحب الفضاء والى فجر ال غسق بعده‬ ‫والسالم»‪.‬‬ ‫وفي الختام‪ ،‬وقع الكاتب مرتضى كتابه للحضور‪.‬‬

‫نص كلمة حليم فياض‬ ‫«عندما طلب مني الصديق السيد حسن مرتضى أن أتكلم في هذه المناسبة‪ ،‬استجبت لطلبه بسرور‬ ‫وامتنان‪ ،‬لما تبعثه في خاطري أيام أمضيتها في هذه الربوع‪ ،‬منذ حوالي الخمسين سنة‪ ،‬من ذكريات وشؤون‬ ‫وشجون‪ .‬بالطبع قليلون منكم واكبوا تلك الحقبة‪ .‬واالمتنان للفرصة التي أتيحت لي لتقديم التحية لصور‬ ‫وأبنائها – صور التاريخ والصمود – صور الحاضر وآفاقه الواسعة في المقاومة‪ ،‬وبناء المجتمع المقاوم‪.‬‬ ‫وفي الشغف بالكرامة الوطنية والسيادة الحقيقية‪.‬‬ ‫الكتاب الذي نحن بصدده اليوم هو فريد في بابه‪ .‬هل هو سيرة حياة المؤلف وتوثيق قناعاته القومية ونضاله‬ ‫المستمر؟ أم هو مجموعة سير لعدد كبير من أبناء النهضة الذين واكبهم وتقاسم معه معاناة الجهاد‪ .‬إن‬ ‫هذا الكتاب هو اإلثنين معاً‪ ،‬باالضافة الى لمسة توثيقية لحقبة مألى باألحداث‪ .‬كل ذلك في قالب من‬ ‫الصياغة األدبية البالغية التي ترقى الى الشعر بصوره إو�بداعاته‪.‬‬ ‫ينضح هذه الكتاب بهموم الوطن والناس‪ .‬وهذا يملي علينا ان نرى الى ما يحدث اليوم على صعيد‬ ‫االوضاع الوطنية والسياسية‪ .‬ألسنا في ليل طويل آن له ان ينجلي؟‬ ‫بصبح وما األصباح منك بأمثل»‬ ‫«اال ايها الليل الطويل أال أنجلي‪،‬‬ ‫هذا الليل قد ينجلي يوماً ما‪ .‬ولكن هل سيكون اإلصباح أمثل منه وأفضل؟‬ ‫ولمعرفة الجواب نلقي نظرة سريعة على مؤشرات هذا االصباح‪ :‬أصحاب الحل والربط‪ ،‬هل يتعاطون بالحد‬ ‫االدنى من روح المسؤولية والتجرد عن المصالح اآلنية؟ هل يتصرفون بالحد االدنى بما يعمق الوحدة‬ ‫المجتمعية‪ ،‬ويعمل على بناء المجتمع الواحد الذي يبقى الممر اإلجباري الوحيد لبناء الدولة الواحدة؟ هل‬ ‫هناك أي نذر إصالحية فيما يتعلق بتجديد النخب الفاعلة‪ ،‬وال أقول الحاكمة‪ ،‬لجهة قانون انتخاب عصري‬ ‫او اصالحات بنيوية في نظام الحكم؟ هذا النظام الذي يعمل على انتاج الشلل والعقم والهزال‪.‬‬ ‫هل هناك بلد في العالم الواسع‪ ،‬حكومته ال تجتمع‪ ،‬وال أقول ال تحكم‪ ،‬تستقيل وتبقى‪ .‬تستألف وال تؤلف‪.‬‬ ‫مددوا له‪ .‬مجلس اذا دعي لالجتماع سلّطت االقلية سيف المقاطعة‪.‬‬ ‫ومجلس نيابي ال يجتمع‪ ،‬اذن لماذا ّ‬ ‫فتسير بالفراغ‪ ،‬بفراغ يمأل الفراغ‪.‬‬ ‫وانتفت أي جدوى من النقاش والديمقراطية والتصويت ‪ .‬إدارات تشغر‪ّ ،‬‬ ‫سير برعاية الزبائنية السياسية‪ ،‬وبدافع الرشوة‬ ‫ادارات تسير على قاعدة «سيري فعين اهلل ترعاك»‪ .‬بل تُ ّ‬ ‫واالبتزاز‪.‬‬ ‫أستميحكم عذ اًر ان أضع أمامكم هذه الصورة السوداء‪ .‬ولكنني أتكلم من حرقة القلب‪ .‬انطلقت مسيرتي في‬ ‫الشأن العام من هذه المدينة‪ ،‬وعلى بعد خطوات من هذا المكان‪ ،‬وكلي ثقة بأني سأسهم‪ ،‬ضمن دوري‪،‬‬ ‫في بناء مجتمع جديد ودولة حديثة قادرة وعادلة‪ .‬وهذا هو شأن السيد حسن ورفاقه الكثيرين‪ .‬ولكن ماذا‬ ‫كانت النتيجة حتى اآلن؟ وماذا تحقق من االهداف واآلمال‪ ،‬رغم ان االنطالقة كانت على أسس راسخة‪،‬‬ ‫وأن المسيرة كانت في المسار السليم‪ .‬ورغم الجهود والتضحيات واالرادات الجبارة‪ .‬ولكن هذه االرادات تبقي‬ ‫على األمل‪ ،‬كما قال أحدهم‪ :‬أمام تشاؤم العقل ال بد من تفاؤل االرادة‪ .‬وعزاؤنا جميعاً ان مشروع سعاده‬ ‫النهضوي سيبقى نبراساً لألجيال الطالعة‪ .‬وعزاؤك يا صديقي حسن أنك بقيت معه»‪.‬‬


‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫إصدارات‬

‫«تفاصيل» باسكال صوما‪..‬‬ ‫شعر تعرية وحب‬

‫«يكرب الشوق ليصري إمرأة»‬ ‫لوفيق غريزي‬

‫صدر عن الدار العربية للعلوم الناشرون ديوان‬ ‫«تفاصيل» للشاعرة باسكال صوما‪.‬‬ ‫يحتوي الديوان على قصائد مشاغبة عدة فيها الكثير‬ ‫من الغزل البعيد عن االرتحال الرومنسي‪ ،‬بل المتماهي‬ ‫مع االنكسارات والهفوات واألخطاء الجميلة‪ .‬شعر تعرية‬ ‫أكثر منه شعر حب خجول أو عذري أو هادئ‪ .‬وشاعرة‬ ‫ال تذهب إلى التأمالت الروحانية بقدر ما تستقي لغتها‬ ‫من اليوميات والوقائع والتفاصيل المؤلمة والممتعة في‬ ‫آن‪ .‬تهرب من الوزن واإليقاع الخارجي لتسكن إلى نفس‬ ‫ضاجة بفوضى الحواس‪ .‬تستهتر بآليات الغزل العام‬ ‫لتدخل الغزل إلى بيتها من باب ضيق تتربص خلفه‬ ‫بالعشاق‪ ،‬مع مزيد من السخرية والفكاهة‪.‬‬ ‫وجاء في اإلهداء «لن أبدأ بالكذب‪...‬لن أهدي‬ ‫«تفاصيل» ألي منكم بل لنفسي أوالً وثانياً لنساء ورجال‬ ‫ويتقمصون‬ ‫يولدون ويكبرون ويعشقون وينجبون ويموتون‬ ‫ّ‬ ‫ويموتون مجدداً‪ ..‬في قصائدي‪.»..‬‬ ‫ومن بعض عناوين الديوان نذكر منها‪ :‬سأقول احبك‪،‬‬ ‫إمرأة من االمس‪ ،‬عاجزة‪ ،‬انا ألغار‪ ،‬تحت الدوش أتعرى‬ ‫ألبكي‪ ،‬أحبك حباً فاشياً‪ ،‬في قصيدة تحت عنوان (أحبك‬ ‫حباً فاشياً)‪.‬‬ ‫تقول الشاعرة صوما‪:‬‬ ‫أنا امرأة من زمن هتلر‪...‬‬ ‫ظن هتلر أ ّنها انتحرت‪...‬‬ ‫وربما أكون العشيقة التي ّ‬ ‫أقود حزباً فاشياً‬ ‫أعلن الحرب متى شئت‬ ‫أحتلّك‬ ‫أحررك‬ ‫ّ‬ ‫أتوسد نيرانك‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫وأوهمك أ ّني انتحرت»‪.‬‬ ‫إن عالقة الشاعرة مع الرجل التي هي أرضية نصها بدت‬ ‫وكأنها عالقة استكشافية وحلمية تخلق نفسها باالتكاء‬ ‫على حواس الرغبة وتعالقات األشياء بأناها الشاعرة التي‬ ‫هي أشبه بالنداء الداخلي الثقيل‪ ،‬نداء كل حواء إلى‬ ‫آدمها عبر «تفاصيل»‪.‬‬

‫صدرت عن دار نلسن للنشر الطبعة األولى من ديوان‬ ‫«يكبر الشوق ليصير إمرأة» للشاعر وفيق غريزي وفيه‬ ‫قصائد متعددة ومتنوعة تجمع بين الحب‪ ،‬والشوق‪،‬‬ ‫والحنين‪ ،‬فيرسم في قصائده بريشة من الكلمات المتنوعة‬ ‫والمفردات المتناسقة األساسية التي تعبر عن الواقع‪.‬‬ ‫ديوان «يكبر الشوق ليصير إمرأة» يرفع الستار عن‬ ‫هواجس المرء الداخلية‪...‬‬ ‫وجاء في اإلهداء «كم أحبك‪ ،‬وأنت مضطجعة على‬ ‫بحر من الأللئ الى توهجات جسدك تنتظر الشمس‬ ‫بشهوة عذراء تقبل كنوزك الخفية أهداب األثير‪ ،‬فمك‬ ‫حبة عقيق»‪.‬‬ ‫وقدم الديوان الشاعر فؤاد الخشن فكتب «وفيق غريزي‬ ‫فر من أنغام االوزان ومسامير‬ ‫بعد التقيد بالشكل التحليلي ّ‬ ‫القوافي‪ ،‬إلى األغنية التي تبقى بال وزن وبال قافية‪،‬‬ ‫شارداً وراء فم «كحبة العقيق المتنامية في الصغر وحب‬ ‫يرى فيه النجم الذي يضيء سماواته»‪.‬‬ ‫ومن عناوين قصائد الديوان‪ :‬ثلوج لرحيل القسري‪،‬‬ ‫األغراض المنفتحة للعطاء‪ ،‬ولدت في اللحظات‬ ‫الحاضرة‪ ،‬لقاح اإلله‪ ،‬الحواس الهائمة وزنابق القمر‪..‬‬

‫وهنا ننشر قصيدة «ممرات الذاكرة» هدية لزوار موقعنا‪:‬‬ ‫أنت جرح نازف داخل كياني‪،‬‬ ‫أرق ليلي الطويل‪،‬‬ ‫دموعي المنسبة على شفاه الزهور‪،‬‬ ‫صدى خطواتك البعيد‪.‬‬ ‫ذاتي تسبقني عبر ممرات الذاكرة‪،‬‬ ‫في مسارات الحياة‬ ‫أحاول اللحاق بها‪،‬‬ ‫بأقدام من خشب‪،‬‬ ‫بأقدام من خشب‪.‬‬ ‫لن أبحث عنها بعد انقضاء‬ ‫النهار‬ ‫تالشت جميع األشياء‬ ‫رحلت‪ ...‬خلفت وراءها ليالً يساهر‬ ‫السماء الغاصة بالنجوم‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫«نور حتت سيف العتم» لـ لؤي‬ ‫زيتوني‬

‫صدر عن دار بيسان للتوزيع والنشر رواية لألديب لؤي‬ ‫زيتوني‪« ،‬نور تحت سيف العتم» للكاتب لؤي زيتوني‪.‬‬ ‫يثير زيتوني في الرواية مسألة في غاية األهمية وهي‬ ‫التربية األسرية وأهميتها في صالح األفراد وبالتالي‬ ‫المجتمعات‪ ،‬فإن صلُح الفرد‪ ،‬صلُح المجتمع‪ ،‬ولكن‬ ‫كيف يكون هذا واألهل منشغلون عن أوالدهم؟‬ ‫في «نور تحت سيف العتم» نق أر حكاية خاصة‪ ،‬أبطالها‬ ‫ما زالوا في طور البلوغ‪ ،‬نو ار ‪ 15‬عاماً وجهاد ‪ 12‬عاماً‪.‬‬ ‫يسافر أهل نو ار إلى خارج البالد وتبقى وحيدة تنشد‬ ‫الحنان والعاطفة فال تجدهما‪ ،‬فتتعرض لتجربة مع زميل‬ ‫في مثل عمرها (فارس) يستغلها‪ .‬وهنا يبدأ الروائي‬ ‫برسم طريق شخصيات روائية بأسلوب أدبي برهافة‬ ‫وصدق إو�حساس ومسؤولية‪ ،‬فيكشف عن سلبيات إهمال‬ ‫األوالد في هذه السن الحرجة لما لها من تأثير في بناء‬ ‫الشخصية وتكوين ذوات األفراد وزرع الثقة في نفوسهم‪،‬‬ ‫وعدم تركهم يصارعون في الحياة بمفردهم‪ .‬تقول نورا‪:‬‬ ‫«ما هو مستقبلي؟ وأي مستقبل هذا الذي يتحكم فيه‬ ‫أمثال فارس‪ ،‬أليس هناك في كل البالد من يستطيع‬ ‫مساعدتي؟ وأي أهل أولئك الذين ال يسألون عني وعن‬ ‫كل مشاكلي وأنا وحيدة هنا من دون معين في سبيل‬ ‫بعض المال؟‪ ...‬وهنا تلجأ الطالبة إلى أستاذها «مجد»‬ ‫الذي يتعرض هو اآلخر لهمجية فارس ورفاقه‪ ،‬ولكنه‬ ‫يقف إلى جانبها ويشحذ في نفسها القوة للمواجهة وعدم‬ ‫الخضوع‪ ،‬يقول لها‪« :‬تعرفين أن مكتبي هذا سيبقى كما‬ ‫عهدته على الدوام‪ ،‬موضع ثقتك وأملك‪ ،‬لكن عليك أن‬ ‫تعرفي أن الحياة صراع متواصل ال نفرضه بل مفروض‬ ‫علينا‪ ،‬فإما أن نستسلم ونزول‪ ،‬أو أن نجابهه ولو لم ننل‬ ‫درجة االنتصار‪ ...‬عودي إلى ذاتك وحاولي استعادة‬ ‫التفكير في قوتك الداخلية التي تجعلك قادرة على القيام‬ ‫بالخيار الصائب‪ ،‬وتذكري القيم التي طالما تحدثنا عنها‬ ‫لتشريف الحياة‪ .»...‬فهل تستطيع هذه الفتاة الصغيرة‬ ‫مواجهة الحياة بمفردها أم أن أحداثاً ومغامرات ال طاقة‬ ‫لها بها سوف تواجهها في حياتها شاءت أم أبت‪ ،‬وهل‬ ‫يأخذ الحب الحقيقي إلى قلبها سبيالً وتستعيد ثقتها‬ ‫بنفسها‪ .‬هذا ما سوف تكشفه أحداث الرواية والتي تطرح‬ ‫موضوعات متعددة حول قضايا هامة‪ ،‬التربية‪ ،‬الحب‪،‬‬ ‫الصداقة‪ ،‬التعاون مع اآلخرين والنجاح في الحياة‪ ،‬فهل‬ ‫هذا يعني أننا يجب أن نعيد النظر في طرق تربية أوالدنا‪،‬‬ ‫خصوصاً أنهم يتعرضون بالمؤثرات الخارجية من إعالم‬ ‫إو�نترنت وغيرها من اختراقات تؤثر في عقول األبناء‪.‬‬ ‫سؤال تحاول «نور تحت سيف العتم» أن تجيب عنه‪.‬‬ ‫  •إعداد سلوى صعب‬


‫شعر‬

‫‪22‬‬

‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫سوريا الثقافة‪ُ ..‬‬ ‫غري سوريا احلرب!‬

‫هل تستطيع الفنون أن تتحول إىل خشبة خالص للسوريني؟‬

‫  •زيد قطريب‬

‫ظاهرة باتت تطفو بقوة على سطح المشهد السوري‬ ‫الذي ركن طويالً لألنباء العاجلة وأخبار االنفجارات‬ ‫والسيارات المفخخة‪ ،‬فالواضح أن السوريين بدأوا بالتقاط‬ ‫أنفاسهم أخي اًر ليعودوا إلى خيار العمل على الثقافة والدفاع‬ ‫عن الحياة بالفن‪ ،‬واألهم من ذلك كله هو العودة إلى‬ ‫الجذور الفكرية والثقافية لألزمة التي يبدو أنها األسلوب‬ ‫األنجع في معالجة الكثير من تفاصيل ما يجري على‬ ‫األرض‪ ..‬فاليوم ال تكاد صحيفة أو موقع ألكتروني يخلو‬ ‫من خبر عن جمعية ثقافية جديدة تهتم بالفنون وورشات‬ ‫العمل والتدريب على األساليب والتقنيات الخاصة بكل‬ ‫فن‪ ،‬فعدا عن النشاطات الرسمية التي تصاعدت بشكل‬ ‫الفت في هذه المرحلة بدءاً من دار األوب ار إلى صاالت‬ ‫السينما وصاالت المعارض التشكيلية‪ ،‬فإن جزءاً مهماً‬ ‫من النشاطات األهلية الثقافية بدأ يأخذ دوره بشكل واضح‬ ‫وكأنه ردة فعل على مشهد عسكري وعنفي مناقض أخذ‬ ‫مجده في المرحلة السابقة وبات عليه اليوم أن يسمع‬ ‫صوتاً آخر‪ ،‬هو الوجه األكثر رصانة وحضارة حتى في‬ ‫حاالت الخالف واالختالف‪..‬‬ ‫الالفت اليوم أن تبدأ بعض األحزاب باإلعالن عن‬ ‫نشاطات ثقافية ومعارض في الحدائق العامة‪ ،‬كذلك‬ ‫األمر بالنسبة لجمعيات فنية بدأت تتكاثر بشكل كبير في‬ ‫اآلونة األخيرة حيث شهد مشغل مصطفى علي بدمشق‬ ‫معرضين لجمعية «نحنا» األول فني خاص بالتصوير‬ ‫والثاني موسيقي قدمت فيه فرقة «نبض» المنبثقة من‬ ‫الجمعية بعض األعمال لمجموعة من الشباب والشابات‬

‫  •جلسة من لقاء «ثالثاء شعر»‬

‫في الموسيقا واألغاني‪ ..‬على الجانب اآلخر تتابع‬ ‫مجموعات أخرى لقاءاتها األسبوعية الدورية بشكل فيه‬ ‫الكثير من التصميم على االستمرار‪ ،‬فقد اشتهر لقاء‬ ‫أربعاء «شعر وخمر» كل أسبوع في دمشق القديمة‬ ‫أو نادي الصحافيين‪ ،‬كذلك هناك لقاء أسبوعي خاص‬ ‫بالشعر اسمه «ثالثاء شعر» يعقد كل ثالثاء في أحد‬ ‫مقاهي باب توما‪ ،‬إو�ذا ما استرجعنا ما فعله مشروع‬ ‫«ومضة» الذي قدم حتى اآلن أغنيتين في شوارع دمشق‬ ‫األولى في سوق الشعالن والثانية في شارع الحمراء‪،‬‬ ‫نستطيع أن نتصور حجم التصاعد في هذه األعمال التي‬ ‫يقوم عليها في الغالب مجموعة شباب بمبادرات فردية‬ ‫شاؤوا أن ُيسمعوا صوتهم عبر الفنون والثقافة بعدما تعب‬ ‫الفر على صعيد الحرب‪..‬‬ ‫الجميع من أعمال الكر و ّ‬ ‫يقول بعض الشباب أن المشكلة التي تعانيها سوريا اليوم‬

‫هي ثقافية بامتياز‪ ،‬لذلك كان من الطبيعي اللجوء إلى‬ ‫الفنون كخيار في معالجة مختلف التفاصيل ألن الفن‬ ‫ليس من شأنه أن يعيد صهر المجتمع بأهدافه وأمنياته‬ ‫وأحالمه وحسب‪ ،‬بل إن ذلك سيساعد في فتح باب‬ ‫الحوار المنطقي الرحيب حول مفاهيم الدين والسياسة‬ ‫والحرية وعالقة ألوان الطيف االجتماعي مع بعضه‬ ‫كمزيج ُيراد له أن يتشظى في حرب وانقسامات ال أحد‬ ‫يعلم بالضبط إلى أين ستصل بالبلد‪..‬‬ ‫يستطيع الشباب السوريون اليوم أن يسهروا رغم مخاطر‬ ‫الطريق على أطراف باب توما‪ ،‬حيث اعتادت قذائف‬ ‫الهاون أن تصل حتى الكنيسة المريمية‪ ،‬وبإمكان الشعراء‬ ‫القادمين من حي الميدان ونهر عيشة وأطراف المتحلق‬ ‫الجنوبي‪ ،‬أال يكترثوا كثي اًر بالوقت المتأخر من الليل‬ ‫عندما يحسمون أمرهم باالستماع إلى الموسيقا في دار‬ ‫األوب ار بساحة األمويين‪ ،‬أو حين يحيون إحدى أمسياتهم‬ ‫الشعرية في أحد مقاهي المدينة القديمة‪ ،‬حتى الشباب‬ ‫الشعراء في لقاء «ثالثاء شعر» اختاروا شعا اًر للقائهم‬ ‫األسبوعي منذ أن بدأت التهديدات األميركية بقصف‬ ‫دمشق‪ ،‬وهو «ال تتركوا دمشق وحيدة في الحرب»‪..‬‬ ‫تلك العناوين والمفردات والنشاطات تشكل جانباً آخر‬ ‫من ذهنية السوريين وخياراتهم في هذه المرحلة‪ ..‬البعض‬ ‫يقول أنه انتصار للعامل السوري المراهن دائماً على‬ ‫الثقافة‪ ،‬والبعض اآلخر يؤكد أنها حالة من المجابهة‬ ‫والدفاع عن الجمال في ظل ما نراه على الشاشات يومياً‬ ‫من خراب وبشاعة وقتل!‬

‫إسكندر حبش يغزل الوجدان شعرا على أنغام املوسيقى‬ ‫  •تحوالت ‪ -‬محمد الحاجم‬ ‫أقيمت في الصالون الثقافي لـ«مقهى زوايا»‪ ،‬أمسية‬ ‫شعرية للشاعر إسكندر حبش‪ ،‬قدم األمسية الشاعر‬ ‫شوقي بزيغ‪ ،‬وألقى حبش مجموعة من قصائده الوجدانية‬ ‫والغزلية على انغام الموسيقى الهادئة برفقة الفنان طارق‬ ‫بشاشة‪.‬‬ ‫جاءت القصائد معبرة من خالل كلماتها ورهافة الحس‬ ‫ونضج اإلبداع في التكوين الشعري خالل الصور‬ ‫الشعرية النابعة عن عمق تجربة الشاعر‪ ،‬حيث تفاعل‬ ‫معها الحضور بشكل كبير‪.‬‬

‫يوسف حبو‪ ..‬ربيع اغتاله تشرين زمانه‬ ‫حبو‪ ،‬ربيع قيم‪ ،‬اغتاله تشرين زمانه‪.‬‬ ‫يوسف ّ‬ ‫سكب الندى على‬ ‫الكالم على يوسف حبو‪ ،‬هو إياه‬ ‫ُ‬ ‫أزاهر‪ ،‬أزاهر ٍ‬ ‫أياد ِملؤها العطاء‪ ،‬وغيرة ال تَ َم ّل من‬ ‫ْ‬ ‫ولي نعمة‪ .‬تقشف‬ ‫مؤازرة السائلين‪ .‬عاش كفافاً وهو ُّ‬ ‫وهو على ُيسر‪ .‬ترّهب للخير بدون نذور‪ .‬في سلوكيته‬ ‫مبرة وصمت‪ .‬هو صمت الخميرة المتماهية‬ ‫االجتماعية ّ‬ ‫في طحين لتستحيل لقمة جائعين‪ .‬تفانى في خدمة‬ ‫لمهمة‬ ‫مهمة ّ‬ ‫مجتمعه الصغير‪ ،‬بلدته مزرعة يشوع‪ .‬ومن ّ‬ ‫وغدت‬ ‫أبلى البالء الحسن‪ .‬استنفر جهداً‪ ،‬وامتطى إرادة‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫أي حجر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بصمات عمرانه زخرفاً راقياً من الذوق على ّ‬ ‫ألي حجر‪.‬‬ ‫و ّ‬

‫  •أنطوان زكا‬

‫  •الراحل يوسف حبو‬

‫محرضه اإليمان وثوابه الرضى‪ .‬وفي‬ ‫رقيبه الضمير‪ّ ،‬‬ ‫غفلة من زمانه اقتنصه المرض‪ ،‬فمشى مسيرة آالمه‬ ‫بصبر المستشهدين‪ ،‬ال بتسليم الذاهبين إلى موت‪.‬‬ ‫غيابه في طهران‪ ،‬حيث أضيئت له آخر شمعة أمل‪،‬‬ ‫تلف جسداً‬ ‫ترك حزناً عليه‪ .‬رجع إلى الوطن باقة ورد ّ‬ ‫أنهكه السعي‪ ،‬فاستراح في ضمائر عارفيه‪.‬‬ ‫يوسف حبو‪ ،‬لك‪ ،‬ولزوجتك عايدة‪ ،‬وولديك إيليو وجورج‪،‬‬ ‫ولوالدتك الثكلى ماري‪ ،‬وأخيك ميشال وأخواتك‪ ،‬نفح‬ ‫العطر من صداقة َربِينا عليها‪ ،‬فغدت بصمة إلفة ال‬ ‫يزورها البعد وال االنكفاء‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أحبة‪.‬‬ ‫فقد‬ ‫على‬ ‫ين‬ ‫ر‬ ‫المقهو‬ ‫عتب‬ ‫لك‬ ‫الخيبة‪،‬‬ ‫زمن‬ ‫يا‬ ‫ّ‬ ‫اللوعة لوعة فراق وفي الغد لقاء في رحاب رّبما أرحب‬ ‫من هذه الدنيا‪ ،‬وسالم عليك‪.‬‬


‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬

‫تكريم‬

‫‪23‬‬

‫روز غريب الرائدة واملجُ َحف حبقها‪ ..‬يف ندوة وفاء‬ ‫  •تحوالت ‪ -‬سلوى صعب‬ ‫نظمت دار نلسن ودار الندوة ندوة تكريمية بعنوان‬ ‫«تحية الى روز غريب» األديبة والناقدة واالستاذة‬ ‫الجامعية سبع سنوات على رحيلها (‪-1909‬‬ ‫‪ )2006‬في دار الندوة – رأس بيروت وتحدثت‬ ‫فيها السيدة أنيسة نجار‪ ،‬الروائية إملي نصراهلل‪،‬‬ ‫الشاعرة هدى النعماني‪ ،‬الد كتورميشال جحا‪،‬‬ ‫وخص الشاعر شوقي أبي‬ ‫والباحث محمود شريح‬ ‫ّ‬ ‫شق ار الندوة برسالة وجدانية في المناسبة‪.‬‬ ‫بختي‬ ‫أدار الندوة وقدمها سليمان بختي وقال في مستهلها‪:‬‬ ‫لماذا روز غريب؟ ألنها علم من اعالم النهضة وقتطرة‬ ‫عاليه يستفيء في ظلها كل غمامة وعابر سبيل وطالب‬ ‫معرفة‪ .‬وألن هناك أكثر من ست وخمسين سنة في‬ ‫التعليم الثانوي والجامعي وأكثر من ‪ 75‬مؤلفاً في االدب‬ ‫والنقد وقصص االطفال‪ .‬وأكثر من ثالثين سنة في حقل‬ ‫دراسات المرأة وبينها سبع سنوات رئيسة تحرير لمجلة‬ ‫«الرائدة»‪ .‬كتبت روز غريب في مجلة «المكشوف»‬ ‫و»األديب» و»صوت المرأة» و»النهار»‪ .‬وكتبت أيضاً‬ ‫القصائد واالغاني لالطفال‪.‬‬ ‫أعطت روز غريب عمرها كله ومواهبها للمجتمع‪،‬‬ ‫لقضية العلم والتنوير والنهضة والتقدم‪ .‬تركت الضوء‬ ‫الذي يجعلنا نستدل‪ .‬وماذا بعد كل هذا العطاء واللوعة؟‬ ‫بذمة َمن كل هذا الدين؟‬ ‫بعد سبع سنوات على غيابها لم نفعل شيئاً‪ .‬أؤمن ان‬ ‫تكريم المبدع بنشر أعماله‪ .‬ماذا عن كتبها وانتاجها‬ ‫المفقود ومخطوطاتها ومقاالتها غير الموثقة؟ ماذا بعد؟‬ ‫كأن الزمن تريث على الكالم‪ .‬مجرد صمت مريب‬ ‫مخيف مخجل‪ .‬لم يطلق اسمها على شارع او مدرسة او‬ ‫مكتبة في مسقط رأسها في الدامور (لم يحضر أحد من‬ ‫بلدية الدامور) او في بيروت حيث نجحت وتألقت‪ .‬لم‬ ‫يطلق اسمها على منحة في الجامعة اللبنانية االميركية‬ ‫ودرست او على برنامج او على محاضرة‬ ‫حيث درست ّ‬ ‫سنوية او على جائزة او على مقعد او على شجرة (لم‬ ‫يحضر أحد من الجامعة اللبنانية األميركية)‪ .‬لماذا كل‬ ‫هذا اإلحجاف والنكران بحق العطاء والورد والبنفسج‬ ‫والتواضع والتفاني‪.‬‬ ‫وختم «هذا الكالم برسمنا جميعاً المؤسسات الثقافية‬ ‫والمجتمع المدني وو ازرة الثقافة وبلدية الدامور وبلدية‬ ‫بيروت ودور النشر‪ ،‬تركت لنا روز غريب كل ذلك‬ ‫الحصاد الجميل ورحلت بصمت وخفر ولم نترك لها حتى‬ ‫الذكرى كأنها من عالم آخر وكأننا من كوكب آخر»‪.‬‬

‫نجار‬ ‫أما انيسة نجار التي حملت المئة عام على كاهلها‬ ‫لتقول كلمة طيبة بصديقة ورائدة ولتشهد لها «عملت‬ ‫روز غريب سنتين معي يوم كنت مديرة ثانوية في‬ ‫مدينة الموصل – العراق وكانت مثاالً لألدب والتفاني‬ ‫واالخالص في العمل والمرجع المتواضع في الملمات‪.‬‬ ‫معاً اسسنا الحركة االجتماعية النسائية‪ .‬امتلكت روز أذناً‬ ‫موسيقية رائعة وكتبت القصص واالغاني لالطفال من‬

‫قلبها وقامت بتلحينها ومنها المعروفة التي غناها أطفالنا‬ ‫«كلن عندن سيارات وجدي عندو حمار»‪ .‬روز غريب‬ ‫قيمة ال تتكرر في عطاء ال حدود له‪.‬‬ ‫النعماني‬ ‫وتحدثت الشاعرة هدى النعماني عن روز غريب االقحوانة‬ ‫الراهبة والمترهبة‪ ،‬المنطوية والمتعددة‪ ،‬الباحثة ابداً على‬ ‫رمز الجمال في دهشة االطفال وفي الجمال القاسي‬ ‫والقصي عند المرأة وفي الدراسات التربوية واالدبية التي‬ ‫جعلت من حياتها الفنية مثال ٍّ‬ ‫تحد ومرآة احتذاء كمصدر‬ ‫فخر واعتزاز للبنان‪ .‬ماذا نقول عنها وفي فكرها كثير‬ ‫من اليمام ينطلق مبتهجاً بخطوط بيانية تحكي ببساطة‬ ‫عن السمو والجالل والرفعة‪ .‬كتبت كثي اًر ورغم مؤلفاتها‬ ‫القيمة دونت في سجلها مالحظة عظيمة يجب‬ ‫ودراساتها ّ‬ ‫ان تخلد «ال تساوي حياتي ابتسامة طفل»‪ .‬فأين روز‬ ‫غريب مما يحيط بنا من أخطار اليوم‪ .‬وأين هي أجنحتها‬ ‫لتغمرنا بالدفء وتدفعنا الى شاطئ االمان»‪.‬‬ ‫نصراهلل‬ ‫وقالت االديبة إملي نصراهلل في كلمتها في صفات روز‬ ‫غريب «أمانة مطلقة ال تساوم‪ ،‬تواضع الى حد أنكار‬ ‫الذات‪ ،‬عقل علمي مشع‪ .‬عالقة مميزة وشخصية متفردة‬ ‫من جيل الريادة‪ .‬والى جانب اهتمامها في الكتابة والتأليف‬ ‫نشطت في العمل االجتماعي في القرى الريفية النائية‪.‬‬ ‫كانت أول امرأة تتصدى للنقد االدبي‪ .‬ودراستها عن‬ ‫مي زيادة تعتبر من أهم المراجع الموضوعية في سيرة‬ ‫مي االديبة‪ .‬عانت بعد الحرب الشرسة في لبنان فقدان‬ ‫المكان واألمان‪ .‬خسرت بيتها ومكتبتها ومخطوطات‬ ‫معدة للنشر‪ .‬وازداد ذهولي حين قالت «في إمكاني‬ ‫إعادة كتابتها»‪ .‬في كل حياتها وما أعطت بقيت روز‬ ‫غريب المفكرة الموضوعية والباحثة المعتمدة على العقل‬ ‫والتجربة وصفاء الرؤية‪.‬‬

‫شريح‬ ‫وتناول الباحث محمود شريح مفهوم النقد عند روز‬ ‫غريب المرتكز على مقدرة الحكم المكتسبة بدقة النظر‬ ‫والممارسة‪ .‬وكيف طبقت هذا النقد على شعر توفيق‬ ‫صايغ وغزل عمر أبو ريشة‪ .‬وشرح شريح كيف توقفت‬ ‫غريب في اثرها المرجعي «تمهيد في النقد الحديث»‬ ‫عند االسس الذاتية للنقد ومبدأ الالنهائية الذي أشاعه‬ ‫كانط‪ .‬وختم شريح ترى غريب ان الوحدة كانت غالبة في‬ ‫الصنيع الفني مهما اختلفت انواعه فهي ضرورة الزمة‬ ‫في النقد والبحث العلمي‪ .‬تمهيد روز غريب في النقد‬ ‫مدخل الى عالم رحب من المعرفة‪.‬‬

‫جحا‬ ‫ومما قاله الدكتور ميشال جحا في كلمته ‪:‬‬ ‫«غالباً ما كنت اشاهدها جالسة منطوية على نفسها على‬ ‫مقعد في حرم الجامعة اللبنانية االميركية حيث كانت‬ ‫تدرس في ظل شجرة وارفة الظالل وفي يديها كتاب‪.‬‬ ‫مارست التعليم الثانوي والجامعي ومارست التأليف في‬ ‫مواضيع شتى تاريخية وادبية ونقدية وقصص‪ .‬ومن أهم‬ ‫كتبها «في عالم جبران» و»أضواء على الحركة النسائية‬ ‫المعاصرة» و»المعني الكبير» و»النقد الجمالي وأثره‬

‫على النقد العربي» و»تمهيد في النقد الحديث» و»البيان‬ ‫الحديث في علوم البالغة والعروض» و» مي زيادة‬ ‫التوهج واألفول»‪.‬‬ ‫لم تكن روز غريب متحمسة للتيارات الحديثة المستجلبة‬ ‫من الغرب أمثال البنيوية والتفكيكية وصرعات الحداثة‬ ‫وما بعد الحداثة‪ ،‬انها مع االصالة الن االصيل هو الذي‬ ‫يبقى على الدهر‪.‬‬ ‫عرفت روز غريب بتواضعها الجم وابتعادها عن‬ ‫االضواء‪ .‬وفي سنة ‪ 2006‬رحلت روز غريب بعد حياة‬ ‫مديدة مثمرة»‪.‬‬

‫أبي شق ار‬ ‫وارسل الشاعر شوقي أبي شق ار كلمة تحية الى روز غريب‬ ‫«لفضلها المعرفي ولروحها الكبيرة والنفتاحها الثابت‬ ‫واألكيد على حركات التجدد في الشعر واالدب والثقافة‬ ‫والفنون‪ .‬انها روز غريب عاشت الكلمة والحياة الجديدة‬ ‫والحداثة في النص وما يمس االنسان والفتاة المعاصرة‬ ‫والمرأة المعاصرة التي تعلو فوق العادي وتلقط الثمرة من‬ ‫شجرة المعرفة‪ .‬كانت المعلمة واألديبة والحارسة وتحولت‬ ‫ذلك القنديل في مدار التربية واألدب واللبناني عامة‪،‬‬ ‫ومن‬ ‫حيث طالما ألقت الشعاع تلو الشعاع على مبدعيه َ‬ ‫هم يستحقون‪ .‬وكانت ناقدة أخذت النقد الى موضعه من‬ ‫الحلم في ذلك االسلوب الصافي والنقي‪ .‬وعمدت الى‬ ‫التأليف انطالقاً من الموهبة الذاهبة الى األوسع دائماً‪.‬‬ ‫وهي كانت وحيدة في عمرها وفي نضجها وجريئة صوب‬ ‫الحق‪ ،‬صوب الجمال ذي الحضور القوي في بالها وفي‬ ‫مدى هذه الفانية‪ .‬كتبت الى النشء الى الصغار فصوالً‬ ‫من القصص في قالب من الجدية ومن المحبة‪ .‬ولعلها‬ ‫وهي المتحفظة في الظاهر وضعت قلبها أفكا اًر والواناً‬ ‫خصبة للقارئ وظلت تلك الصبية حتى وهي عتي»‪.‬‬ ‫واختتمت الندوة بمداخالت من كل من جوليندا أبو النصر‬ ‫وبشارة مرهج إو�لهام كالب البساط وأمين الباشا‪.‬‬


‫مشهد‬

‫‪24‬‬

‫عيد الرببارة يف شارع احلمرا ‪ ...‬فرح التنكر والتنافس‬ ‫  •تحوالت ‪ -‬محمد الحاجم‬ ‫شهد شارع الحم ار آخر شهر تشرين األول الماضي‬ ‫احتفال عيد البربارة فتنافس فيه أصحاب الحانات‬ ‫ضجت المالهي والنوادي في‬ ‫والنوادي الليلية‪ ،‬حيث‬ ‫ّ‬ ‫شارع الحم ار باحتفاالت سادتها اجواء تنكرية حاول كل‬ ‫مشترك جاهداً أن يكون لباسه التنكري أفضل ليلفت‬ ‫األضواء وينال التصفيق‪ .‬أزياء غريبة في مهرجان حلم‪:‬‬ ‫مضحك‪ ،‬مرعبة‪ ،‬موحية‪ ،‬أشعلت جو االحتفال بفرح‬ ‫سينتظره المشاركون العام المقبل‪.‬‬

‫العدد ‪ 82‬تشرين الثاني ‪2013‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.