بقلم :سارة عاصي أصوات من غوينيفير
اللوحة -جان كوليير ( )0011بعنوان الملكة غوينفير في عيد قطف الزهور
غو ِ ِ س ِد ْايل من مطولتها الشعرية ِ - ين ِفير استحضار من الشاعرة سارة ت ْ كنت ملكة وأضعت تاجي.
كنت زوجة وكسرت عهودي. كنت عاشقة ودمرت عشيقي. لم يعد لدي من خراب أكثر ألفعله. لشهر مضى كنت ملكة. ِ كانت األمهات يرفعن أطفالهن لي عندما على حصاني كنت أعبر شوارع كاميلوت. وكن يبتسمن .وكان العالم يبتسم أية أعين ستبتسم لي اآلن؟ يهرب العالم مني وأنا لست مختلفة عن التي كانت من قبل ملكة. كنت ملكة والذي أحبني جعل مني .أمرأة لليلة ونهار .واليوم أمضي منزوعة التا ِج إلى األبد )(1 يشعُّ السحر من عيني أعرف أني لست الساحرةْ. ولم ْ
البحر. يرتعد الشاطئ من ْ ِ تغرق. المياه ملك ٌة في ْ
ِ الغياب. الرمال وجهي ورسم وعلى ْ وعينا حبيبي في الصحراء
ِ الرمال يبحث عني. وقعٌ على )(2 ِ للملكة أن تحلم في ليالي الصيف، ليس ِ الناعمة لكنه السحر ،يا ليل ،مفتتنا بأضو ِائك ِ كالنوم الغرب .يرفرف عندي الحمراء تعبر ْ على غس ِ القلب. ق ْ
الممر أسمع الخطى ،خلفي ،في ْ الصوت. سرِه إلى ي ِشي الحلم ِب ِّ ْ
ِ أكن حالمة عندما آه في يقظتي لم ْ القلب. أخبرني القلب سره إلى ْ
الممر أمامي تشير الزهور في ِّ
إلي -أال أنظري خلف ِك! أعرف يا لون الزهور خطاه ،مسحة من رؤى العشي ِة .ال ،ليس ِ الصيف. للملكة أن تحلم في ليالي ْ هي الرؤى مرفرفة أمامي .أتغاشى األرض .إلهي أين ساقطة إلى ْ
رأيت السقوط؟ في ِ المسرع خطوِه ِ
أم في ِ يديه إلي ترفعني فأرى وجهه الحب قبل .أهو ُّ الذي لم أره من ْ
ِ ِ ِ اليقظة؟ الحلم أو رؤى يقظة في أم سقطتي األخيرة إلى ِ يديه ِ الضياء حمراء في رؤى الغرب! تعبر الليل من ْ )(3 أيا رياح ِ احملي لحظة الف ار ِ ق ِ الرياح. وجهك يا أرض في صدى يرسم ِ ِ لقاء. ولن أبكي ففي فراقنا ٌ
ِ كما كان من ِ اق، قبل في اللقاء فر ْ أبدا يعود في لحظة من عنا ِ ق.
ِ ِ خيوطك أه يا لحظة أحيكها من ِ أرتديه يحمل صمتي. ثوبا أسود أيا أرض اسمعي ،اسمعي يا أرض ِ األخير يتهادى: صوت صمتي أنا التي أضعت تاجي سأبقى هتافا لفراق ِ تفتحت أخير ْ على ممرِاته أبدي ٌة
اللقاء. تسكنها لحظ ٌة من ْ )(4 انتهى شغف الريح بالحكاية. وشارف الرحيل النهاية .تحمل ِ العالم في منزل بين يديك صور ِ بن ْيناه من ور ِ اللعب. ق
منز ٌل من بقايا سحر يتداعى. أنظر العوالم مكومة صو ار في الور ِ ق تخلطها بالكلمات. تقل لي! عميق ٌة لعبة الكالمِ ! ال ,ال ْ
ِ اذهب .هي اسحب الورقة و ْ ِ صورة ِ الجديد الذي به أغيب، عالمك وفيه تحيا! )(5 اندثر. شالل سحر و ْ
ِ امض. في الماء ٌ طيف و ٌ
الشجر- وشجن يهمس في ٌ ْ ِ سقوط المدينة لم يبق إال الرياح. بعد هل تتسلق الريح من أجلي؟ صخور شاهق ٌة تعبر منها الرياح في ِ ٌ
إلى وطن يومض في المياه. ِ وفي ور ِ الشجر حفيف رحيل. ق ِ الضفاف طيف صحارى يلوح. وعلى هو لم يك شالل سحر. رمال! كان ْ )(6 ِ الوجه الفارس .ولم أر .سقط ْت خوذة ْ .تهالك درعه الواقي .وال جسم فيه ِ اء؟ أكنت مليكة الوهم؟ قبال من هو ْ بالحب أم أنني شبح امرأة حلم ْت ِّ
مساء! ربما ،مثله أنا ،ال جسد ذات ْ الضفاف لي .جني ٌة باكي ٌة عند ْ
أتتْها في ِ ليلة صيف رؤى من ولكنهم طويل. ........عناق ْ ْ ِ المدينة يريدون حرقي. في األشباح؟ أيسقط الطيف أتحرق ْ وحصون؟ مدنا ْ
..............ال ,ال أنا ملك ٌة ساقط ٌة هج ْرت ِ الصيف. عرشي لرؤى
اء! أحببت فارسا من هو ْ )(7 ذهب .عبر خطيئتي إلى ِ خيارِه يموت .الوحيد -قات ٌل أو ْ ْ وودعني. أكان علي ،يا ملكي ،أن أجيب الوداع؟ هو ليس لي .ليس ْ لي .وأنت تقول أنني ساقط ٌة ملوث ْة! سأقتل نفسي! ال .لن تموت الروح تبقى الخطيئة ،في ِ العار. والخزي و ْ ِ األيام مرتع هي السنون تنمو في ِ
ِ الحياة ،أنا ،ساقط ٌة الشهور .وفي و ْ ملوث ْة!
لكنني لن أسكن السقوط. ِ العالم في الخطيئةْ؟ تكن دائم ٌة مسالك ألم ْ ِ ملك ٌة ،أنا ،انتصر ْت في ِ العالم عارها .رديفة ِ ِ السقوط والهزيمة. مسالك في
)(8 اء .أتسمع أيها الضارب في الصحر ْ ِ الضوء يسقط من مدار ِ السماء ات ِ تقو ِس ِه إلى الرمل؟ يطلق من ُّ الرمال. الهمس ،مدمدما فوق ْ ِ المنازل المبحرِة في هو صرير صواري افذ المشر ِ المدائن ،والنو ِ ِ عة إلى ممر ِ ات الز ِ هور عند الغس ِ ق األو ِل. ِ الرمال هذيان تهمس موجة الضو ِء في ْ ا ْنظ ِر النور الذي سقط .مثلي أنا
ِ الرملِ ، عاري ٌة. ساقط ٌة ،قريب ٌة من ِ اللهيب، ليس بينك وبينه إال سطوح ِ اب. وأرصفة الموانئ القادمة في السر ْ ِ الرمال. انحناء اتبع الصوت واجفا يتلوى في ِ ْ
هو جسدي -طلقة ِ المغيب. النار األخيرِة عند ْ األخير أحمر يتردد من لقانا ٌ ْ غسق ٌ ِ اء. ن ْب ِحر ثانية دمدم ٌة من الهمس في الهو ْ )(9 الراهبة تقرع الباب .لماذا السكوت؟ ِ أينك ِ غوِن ِفير .كنت نائمة سيدتي،
وأنحني .أر ِ إذن ،نتعشى اك مساء ْ سوية .سيدتيِ ، لك ما تشائين
ِ أحب الزجاج مني .تنظر في الغرفةُّ .
الملون .أيقون ٌة جديدةٌ هي من ِ يديك؟ نعم سيدتي .وتمضي. ْ قديس ٌة صامت ٌة .أيقون ٌة من يدي على
ِ القديم من زجاج ملو ْن. النافذ ْة .وجه لِقايا
ِ أحمر ظال ٌل من اللون تفترش األرض .هنا ٌ من مغيب مضى .وأزرق يبتعد على
البعيد .أفترش البعد في الناظرين .كحبي ْ ْ ِ الشمس. األرض .أسافر في حمرِة زرقة ْ ْ ترميني عند ِ هور .أسرق العطر ممر الز ْ حيث كان لقانا.
عابر مر بي. هو ٌ شفق ٌ حلم هو اآلن في أذكر منه ارتمائيْ .أم ٌ غرفتي عفرتْه ظالل النو ِ افذ على األرض؟ ِ الشمس أحبك .صارخ ٌة .تمتد من حمرِة إلى ِ ِ الوهم الملون قربي. زرقة عابر مر بي. هو ٌ شفق ٌ
ِ األول سرقت أنا ،يا حبيبي ،في لقائنا من مو ِ ِ اكب الز ِ الممر عط ار. هور عند سجين حبي هو اآلن في زجاجي الملون. أيقون ٌة ساحرةٌ من ِ ِ انكسار يد سارقة .في
الزجاج أطلق سراح اللقاء .أنا لم ِ أرتم إلى ِ ْ
يدك يوما .كان ذلك وهما في ِ ممر المغيب. من شظايا لقاء ولِ ْدت حلما .وفي شظايا
أحبك .الزجاج المكس ِر أعود كاذبة بأني لم ِ ْ أنا قديسة ال ثم .أيقونتي من عب ِ ق ِ المكسر. العطر أتت وتعود نتفا من لقاء ْ ْ )(10 ِ لقاء في البدء كان الدالل ْةٌ . الغياب .هو على معبر في ْ الغسق القادم في الوالد ْة.
وأنت مثل جنين تكورت في جسد كنت ،أخبئ رحمي. ٌ
ِ تمر دروب الغواي ْة. فيه معب ار كي ُّ الممر أمامي. مثل هذا ِّ التقينا .ال .ال تراه. حيث ْ نص. دعني أريك .هنا جزء ِّ ترى المدن .محروق ٌة .وأنا
الخائن ْة .وهنا الزهر .لم يبق مغلق معبر ٌ منه إال رماداٌ . النص في لقاء بعيد .هنا ُّ
يروي .كيف الجنين تهاوى من يد ساقط ْة. ِ البدء كان الدالل ْة .وأنت! في أتيت؟ من أي شرق لماذا ْ ِ السقوط نجوت إلي؟ بعد للغرب. كنت تسارع خطوك ْ الرحيل .وها أنت كنت جنين ْ عدت .من الشر ِ ق .وأنا قد ْ نص عراء .من الخل ِ ق في ُّ ِ دروب الخطايا. .احر ِ ق النص ِ البدء كان سقوط الشارة! في ()11 السر. غريب ٌة هذه ْ المياه .كاتمة ْ لآللهة الذين مضوا .على ِ ِ الموج. لغة ْ تبوح؟ بماذا ْ
بخطوك على ِ الرمل. جسد امرأة في ْ ِ بقيظك كأنه السحب ماطرة. اء. يبعثر وجهها في الهو ْ
المياه .كتوم ٌة. شقي ٌة هذه ْ شقي تنظر طيفها. نبي ٌ وأنت ٌ الريح. على ْ
تحملها الريح. ِ المياه الشقي ْة. يا رياح إحمليها.
إلى ِ عميق. قعر بئر ْ عميق. مثل أيقونتي .من زجاج ْ
وذابت. رما ٌل ْ عل ْقتها على حائطي. ِ خبأت في ِ المدينة عند الظهيرْة. نارها سقوط ووجهي شراع السقو ْط.
الموج. يعلو على ْ ِ الرمل. خالصك في يشق دروب ْ
الرياح البعيدةْ. وعلى قدميك تعلو صواري ِ
قراءة في أصوات من غوينيفر لما حسن
(اللوحة :رسم غوستاف دوري وهي صور من كتاب الفريد تينيسون "جنان الملك آرثر" وهو مطولة شاعرية من القرن 91 عن حياة آرثر وغوينيفير وفرسان الطاولة المستديرة).
امرأة و حب ،هما كل ما تحتاج كي تولد األسطورة .ينهل من نبعها المبدعون ك ّتاباً ،شعراء و فنانين .كل مرة بلبوس جديد ،بمقولة جديدة و رمزية توافق غاية المبدع أو طابع العصر. Chretien deغوينيفر ،كملكة عشقت فارسا ً من بالط زوجها الملك آرثر -وُ لدت كقصة في قصيدة لـ وتوالى حضورها في مسرحيات وقصائد وروايات تختلف باختالف الرؤى .رغم أن /النسلوتTroyes / الحبيب في القصة لم يوجد في الوثائق التاريخية الرسمية ،إال أن خراب كاميلوت و انهيار عرش آرثر لم يكن ليروى بألق أكثر من جعله نتيجة لخيانة امرأة ..شمّاعة لجشع الرجال! غوينيفر – التي يجادَل بأنها "
الهة السلطة في عرش انكلترا " يحارب الرجال لكسبها .لقّ َبت أيضا ً بـ " عروس الزهور " ممثلة لفصل الربيع – خرجت من عرش كاميلوت لتح ّل أسطورة تستعيد عرش ربّات الخصب و الخلق األ ُ َول ..و لعنتها أيضا ً! الشاعرة سارة عاصي في قصيدتها " أصوات من غوينيفر " تكتب نسختها من هذه األسطورة ،تروي ّ تخطت إطار الزمان والمكان لتروي رحلة المرأة - مفاصل الحكاية ضمن مقاطع ،تزخر أبياتها برمزيّة الملكة و المرأة – األسطورة .ينساب النص بلغة شفافة ،تتوالد موسيقاها الداخلية من ر ّقة األلفاظ والقدرة التصويرية الهائلة لدى الشاعرة – و يبدو تسكين األحرف ضمن األبيات كانقباض صورة لتولد أخرى. يظهر حضور العناصر األربعة ( الماء – الهواء – التراب – و النار ) عودة الشاعرة إلى أساسيات الخلق لتنسج أسطورتها ،وتشكيلها لشخصية غوينيفر من كل هذه العناصر في تحوالتها المختلفة ،بما لهذه العناصر من رمزية وبعد نفسي .لرمزية اللون أيضا ً حضور أغنى أبعاد المشهد الشعري و دالالته خاصة من حيث التضارب بين حرارة اللون األحمر و بين برودة األزرق كما توحي القراءة. أعرف أني لست منذ المقطع األول ،يبدو تجسّد التحول األسطوري لغوينيفر " يشعُّ السحر من عيني /ولم ْ الساحرْة " .تعبّر غربة العناصر – المنتمية كل إلى األخرى – عن وحشة قاسية " يرتعد الشاطئ من البحر "..كأن الحكاية ولدت مع وحشة القلب " ملكة تغرق " لتولد امرأة ..أما الحبيب فيأخذ من عنصر التراب ما ّديته ليوجّ ه عينه شطر الصحراء بحثا ً عن حبيبته ،بما للصحراء من أبعاد العطش ،القسوة ،و الالمحدودية ! -2لكن الملكة ال تنسى في غربتها بأن رسوخ الواجب أهم من اشباع العاطفة " ليس للملكة أن تحلم في ليالي الصيف " ،تتكرر هذه الجملة في سياق النص ،تدغدغ في ذاكرتنا األدبية " حلم ليلة صيف " لشكسبير ،بما تحمل من خيال وعشق ومرح ،تظهر توق الملكة لقصة تخرج فيها من ماديتها لترقص في أرض الحلم " لك ّنه السحر يا ليل "..و ُتقلق أضواء الليل الحمراء زرقة غسق القلب مه ّددة سكينته، فاألحمر – الشغف يوازي برمزيته قوة األحمر – الخطر .توق كهذا أخرج الرغبة من قوقعة الحلم لتتجسد ب يمشي في الموكب خلفها ،فارس يحميها في ممر الزهور ،لتتواطأ هذه الكائنات الرقيقة مع الملكة حدسا ً بح ٍ " أال انظري خلفك "..بعكس أورفيوس الذي كلفته نظرة الى الخلف ،ح َّب ُه إلى األبد ..انها رأفة الربيع مع الحياة والحب ككينونة واحدة ..لكن ..في حياة الملكات ال شيء بالمجان! فها هي الملكة " أتغاشى ساقطة ٌ استجابة لنداء على األرض " ليأتي الفارس المنقذ تفتح عينيها على وجهه كأن بهما غبار الحب فتقع به.. القلب ..و في هذا المشهد بُعد أعمق إذ يوحي سقوطها على األرض بسقوط اآللهة األنثى الى عالم الفانين، نذير بخطر كما هو بعاطفة " حمراء تعبر الليل -3 "..ومن لحم و دم ،ال تخلو هذه السقطة من ٍ امرأةٌ من ٍ تهب الصوت جناحاً ،و صدى ،بتواطؤ مع عنصر التراب /األرض /الما ّدة – يبدو يحمل الحكايا كالريح؟ ِ العناق ا ّتحاد نقيضين يخلق ّ كالً يتماهى فيه الضد مع ض ّده ،قطبا تيّار حياة تسري بينهما إلى األبد " ففي ِ ِ لقاء/.كما كان من ِ اق/،أبدا يعود في لحظة من عنا ِ ق " -4لكن الصلة التي بدت قبل في اللقاء فر ْ فراقنا ٌ سحرية إذ جمعتها بالحبيب تبدو اآلن هشة كعالم من ورق ،تتجلى غوينيفر كقارئة غيب أدركت انسحاب ِ العالم من تحت قدميها ،فتاجها البهي أضحى على رأسه ..الحبيب /الرجل " صورة ِ الجديد الذي به عالمك أغيب/،وفيه تحيا! " مما يشي على مستوى األسطورة ببداية عصر الرجل -اإلله على حساب األنثى –
اآللهة -5 .يتجسد في المقطع الخامس هذا الهبوط التدريجي لألنثى كرمز وكموقع ،لكن بها بقية من رمق ،ال زالت عناصر الطبيعة متشبثة بتالبيب ربّتها ،تض ّج بلغتها الناعمة تواطؤاً معها " ..في المياه طيف وامض /و شجن يهمس في الشجر "..و في لحظات التحول الكبرى تتبعثر العناصر لتستعير كل من ماهية األخرى ما يشي بعبثية الكون و استنفار العناصر في لحظات كهذه " هل تتسلق الريح من أجلي؟ /في صخور شاهق ٌة تعبر منها .. "..ذاك الذي بدا شالل سحر لم يكن إال رغبة/صراعاً يملك مادية الرياح ِ ٌ
الرمال ،شهوة الجسد شهوة السلطة ،أينها من رؤى امرأة من ماء؟ -6هنا تعود الحكاية للتجسد في فارس هرب لحظة افتضاح أمر العالقة ،حيث يقرر العاشقان أن األفضل للجميع أن يفترقا ،لكن األوان قد فات،
فهرب الحبيب تاركاً حبيبته تواجه العنيها ،خيبة دمرت صورته في عين غوينيفر ،لتشكك بكل ما مرت به من حب ،على سوية أعمق تهاوت في عينيها صورة الفارس -المنقذ ،يتالشى كيانها و كيانه المادي " ربما، الضفاف" ما بدى سح اًر على أرض الواقع هو خيانة ،جريمة حكم مثله أنا ،ال جسد/لي .جني ٌة باكي ٌة عند ْ سمي بخيانة لم يكن إال توق قلب وحيد على الملكة اثرها بالحرق ،هنا تالمس الشاعرة عصب القضية ،فما ّ الضفاف/أتتْها في ِ طويل " ليلة صيف رؤى من/عناق إليجاد وطن في قلب نصفه اآلخر " جني ٌة باكي ٌة عند ْ ْ تتجاوز األنثى هنا بكيانها كطيف أو شبح ،طهارة عدم ارتكاب اإلثم إلى براءة عدم إدراك ماهيته! تعود للذهن مرة أخرى عشتار -إنانا ..صورة العاشقة التي تدمر حبيبها و كل شيء بعدما كانت األصل -7 .تستمر الحكاية في تحدي " النسلوت" لمن وشى به ليخرج من نزال حتى الموت في مقابل تحرير غوينيفر من مصير الحرق .تحررت من حرق الجسد ،لكن حرق الروح والكرامة يبقى مع صورتها المشوهة في أعين ِ الشهور " األيام /و مرتع الجميع ،في زمن يمضي رتيباً ،ال منفذ فيه لنفَس مختلف " هي السنون تنمو في ِ ْ
لكن الملكة هنا تجد القوة للتمرد على صورتها الجديدة " لن أسكن السقوط " .تنتصر معنوياً باعتبار نفسها
خالدة خلود فطرة الكون على الخطيئة ..فما بالها بحكم الفانين؟! -8في المقطع الثامن كما على مر الحكاية تخاطب الشاعرة الرجل ككائن ينتمي للتراب ،تذكره بعنصر النار المتمثل بالضوء الساقط على الرمل فاتحة بعداً آخر لكلمة ساقطة التي وصمت الملكة " ا ْنظ ِر النور الذي سقط .مثلي أنا /ساقط ٌة ،قريبة من الرمل " تعود غوينيفر كرمز أسطوري و تغدو األرض ،جسدها الرمال ،تتصالح أخي اًر مع طبيعتها األرضية ،الصلبة الكيان ،التواقة للخصب ،و تطلق جسدها مرة أخرى " طلقة النار األخيرة عند المغيب " ليغدو شمساً ،الشمس ذاتها التي عبدتها الشعوب كذكر ،و أنصفتها اللغة العربية كمانحة للحياة ،كأنثى! " -9الراهبة تقرع الباب " في الكنيسة حيث اعتزلت غوينيفر ،بعد حديث لبق تعود لذاكرتها الجريحة عن اللقاء ،حضور اللون في
الزجاج يخلق صورة سحرية تأخذ من تضاد حمرة الشمس و زرقة األرض التي تَذكرها في بيت الحق بـ " زرقة الوهم الملون" في سخرية ربما -مما يعتبر واقعاً لها كامرأة عليها التزام البرود و الوفاء المطلق ،حيث تقمصت "حمرة الشمس" أن هذا الواقع المتوقع غدا وهماً اآلن؛ بل ربما كان وهماً ولم تدرك ذلك حتى ّ
وعاشت مجد الحكاية .يبدو كل شيء اآلن كحلم لحظة غروب ،تنفث سارة عاصي الشك في الخط الفاصل
حلم هو اآلن في/غرفتي بين الحقيقة والوهم ،يتخلخل ،تعبر النهائية االحتماالت " أذكر منه ارتمائيْ .أم ٌ عفرتْه ظالل النو ِ يبق من ألق الحكاية إال ذكرى في اإلحساس افذ "..."..كان ذلك وهما في ممر المغيب " لم َ وفي الحواس " ،من مواكب الزهور عند الممر عط ار " .و تبدو غوينيفر هنا المعشوقة الحلم ،فينوس في
السماء ،البعيدة العاشقة دونما بوح "من شظايا لقاء ولِدت حلما .و في شظايا /الزجاج المكسر أعود كاذبة بأني لم أحبك " -11تعود الشاعرة الى تجلّي غوينيفر -عشتار القديم كآلهة أم و في الصلوات إليها كانت األم والعشيقة في آن " وأنت مثل جنين تكورت في/رحمي .جسدا كنت ،أخبئ ِ تمر دروب /فيه معب ار كي ُّ
الغواي ْة " ،تخاطب القارئ عن تاريخها الذي تحكيه أوراق اتهمت األنثى بكل الشرور و جعلتها رّبة الحرائق بعدما كانت رّبة الخلق ،طمس قيمتها األبدية ٍ كأم أمام تحجيمها كرمز للمتعة ،لإلثم و الفجور" ..هنا النص/يروي .كيف الجنين تهاوى/من يد ساقط ْة" ،تمضي الشاعرة في ملحمتها ،تصف مجيء عصر ُّ
ِ السقوط/كنت تسارع مجسداً بالشمس ،كما يبدو في خطابها " من أي شرق/نجوت إلي؟ بعد عبادة الذكر ّ
ِ أنا/نص عراء .من الخل ِ في/دروب ق حواء ،تتحول إلى رمز للخطيئة" و خطوك ُّ ْ للغرب" و تجسد غوينيفر هنا ّ الخطايا " " ،احرق النص " تتابع ،فالخلق لم يبدأ بكلمة ،بل بإشارة ..سقطت! -11نعود إلى عنصر المياه الطاغي في القصيدةَ ،لم ال؟ ألم يخلق الكون في أساطير الخلق األولى من الماء؟ أوليست مياه البدء و ماء الرحم من طينة واحدة؟ فما بالها تصمت عن اآللهة " الذين مضوا ،" ..وان ِ ِ اء". نطقت " بماذا تبوح ؟" بدنس األنثى أن واقَ َعها رجل " بقيظك كأنه السحب ماطرة/.يبعثر وجهها في الهو ْ
بعدما كان يحتفي بالوالدة المرتقبة؟ ..هذه المياه غيم يطالعه الباحثون عن وحي يهبط من السماء ،فما لها إال صديقتها الريح في لحظة تحول جديدة ،تحملها لتهطل في بئر عميق يحفظ السر ،يتماهى عنصر التراب/
الرمال في الماء ،أصل األشياء و الطاغي الحضور في القصيدة ،تخرج المرأة من أسطورتها ،تعلقها كفانوس يحمل عنصر النار المنذر في أي لحظة بالضوء ..و الحريق ،في لحظة تتوسط فيها الشمس – الجديدة -
ِ وذابت/.عل ْقتها على حائطي/.خبأت في ِ المدينة عند الظهيرة " ،و بعدما بدأت نارها سقوط السماء " رما ٌل ْ القصيدة بملكة تغرق ،ها هي تمضي كسفينة نوح حين يغرق كل شيء ،تحويك بأمومة ،تمنحك رسوخ ِ الرياح الرمل/.وعلى قدميك تعلو سواري خالصك في وسع سماء " يشق دروب ِ ْ األرض ،لتمتد قامتك َ
البعيدةْ.".
يرتفع منسوب الشاعرية و الشجن في القصيدة حيث خلفية المشهد دوماً غسق -شفق -غياب – رحيل – مغيب ،وان كان المتحمسون الفرويديون سيجدون في الغروب كلحظة لقاء رم اًز التصال جنسي يوحي به انغماس الشمس في البحر ،إال أن سياق القصيدة وتفاصيلها يجعل حدوث اتصال كهذا أم اًر ثانوياً ،بل مشكوكاً بأمره ،إذ يبدو أثير الحكاية ،صدى الحكاية و رمزيتها ،أهم لدى الشاعرة من الحكاية نفسها .و مع غياب القمر في القصيدة رغم تجسيده لحقبة األنثى اآللهة ،تبدو سارة عاصي باحثة عن أصل الضوء ،كما يجسد الغروب نسجت عالمها من أصل العناصر و وصلت إسقاطاتها لألنثى األصل .فال يعنيها انعكاس .و ّ الحاضر ربما حالة ِسحر منشود ،نقطة تحول من ليل إلى نهار ،بل و تصالح بينهما ،بداية نهاية و نهاية تحوالت اللون الغنية و روعة العناق األبدي بين شمس و بحر :جنين أحمر في قلب هادئ. بدايةّ ، تحول أسطوري أخير تبدو " أصوات من غوينيفر " غناء سيرينة تتوسط البحر ،تنثر بذرة االلهام، و في ّ ترمي سالل الغواية ،تش ّد البحّ ار كي يمضي الى "وطن يومض في المياه " ،يسبح في الرحم المق ّدس ،يعود طاهراً من جديد!
بقلم :سارة عاصي
اللوحة :جون كوليير -عرافة ِد ْلفَ ْي – 9919
صورة على جدار مسرح الفنون الحديثة ليتني ُّ مت يومها. بالدماء. غارق ٌة ْ
ِ اء. عيناي ثابتتان في الهو ْ
الغرباء. لكان بيتي متحفا .يزوره ْ كانت .يقولون. زاحف ٌة ْ أين؟ إلى ْ هنالك .ربما.
ِ الحائط. يشيرون إلى
الجدار. كانت صورةٌ معلق ٌة على ْ ْ الغبار. من ثم أنفض عني ْ أقفز من نافذةْ.
المساء. وأمضي إلى حيث يأتي ْ ِ أالقيه في موعد. وأمشي.
أسكن في ِ الليل أحالمه الخاطف ْة. أوزع منها لرو ِاد مقهى قصاصات منهم من ورق مخملي .أذكر ْ ِ بالحائط. عيونا تحدق ماذا ِ فعلت؟ هل كان يوم ِك حلوا؟ نعم .كان نها ار جميال. ْ
ِ األرض في غرفتي. كنت على صورةٌ ساقط ْة.
مقفل. أمت .وبيتي ْ لكنني ْلم ْ ِ للحائط. في الليل أنظر
أسود كالهاوي ْة .وأسقط منها. النهار. إلى حيث يأتي ْ
في غرفتي صورةٌ فارغ ْة.
عيون تحدق في الزاوية. ٌ بسكين. وأطعن صدري ْ فتهوي إلي العيون. ويأتي الصراخ: ممثل ٌة رائع ْة. وأيد تصفق:
تتقن أدوارها البارع ْة.
وأهوي بدوري إلى الصورِة الساقط ْة. وأنظر لِل ِ ب حولي. ون أحمر يخض ُّ وأزحف.
األرض. خدي على ْ
وعين ُّ ترف بإغماضة. ٌ للحلم الز ِ ِ احف وعين تحدق ٌ على الس ِ حنة القاني ْة.
يسيل أمامي إلى الصورِة الدامي ْة.
إضاءة على نص صورة على جدار مسرح الفنون الحديثة ناريمان منصور
ً ّ المبطن الملغوم ،مما يضع القارئ المهتم المفصل ،ومنها جملة من المفاهيم منها المباشر يحتمل النقد ّ بكال الحالتين أمام تساؤالت قد تنتهي بنتائج فاعلة على مستوى اإلدراك الفردي ومن ثم قد يت ّم نقلها إلى المستوى العام باتجاه طرح مرتكز تفاعلي يتناوله المتل ّقي بمختلف اتجاهاته واهتماماته ،فيتم تشكيل عالمة قد تكون فارقة أو واهية باهتة ،وهذا يعتمد على المادة الخاضعة للنقد بداية ومن ث ّم عمل ّية النقد وصوالً إلى من يتلقاها وكلّه يتمحور حول المرتكز التفاعلي الذي ت ّم خلقه. هنا في نص سارة عاصي "صورة على جدار مسرح الفنون الحديثة" الحظت وجود هذه العناصر كلّها. إنّ العنوان وحده كفيل بتقديم فكرة مبدئية عن هذا ..نص يحتوي نقداً الذعاً ،ثم النص ذاته يخضع لنقدنا يحضر لمرتكز كقراء لنصل بالتتالي إلى تقديم – وهذا ما نقوم به هنا – هذا التقديم الذي من الممكن أن ّ تفاعلي تدور حوله وضمنه أفقيا ً وبالعمق غاية الكاتب وما يصل إليه المتلقي.
هذا النص
بالتصور من البديهي أننا نستطيع تناول أي نص بتفصيل وتحليل لك ّننا نكون هنا قد صادرنا حق القارئ ّ وبناء الرأي ولو جزئيا ً .لذلك ووفقا ً لرؤيتنا هنا ،نجد أن اإلضاءة الشمولية هي األكثر فائدة وهذا ال يمكن للنص بإدراك محوريته والجهة التي يهدفها. أن ُينجز إال بطرق معينة،ولمس البنية العامة ّ هذه الصورة على جدار مسرح الفنون الحديثة دامية مليئة بالعنف تتشابك فيها وتتفرع معطيات الحالة النفسية لمن تبدو كممثلة على خشبة هذا المسرح وما هو إال الحياة .صورة دامية تحتوي آالما ً كبيرة ترغب بالموت عل ّ ماينتج بعدها هو متحف يزوره غرباء ال نعرفهم .وال تعرفهم كاتبة النص حتى .هذا انعكاس لغربة نرصدها على طول النص وعرضه وما بين سطوره وفي أعمق ثناياه. تتحول إلى كون قائم بكيانه لنرصد تتع ّمق الغربة أكثر عندما ُتدخلنا سارة عاصي إلى قلب غرفتها التي ّ "كوزموبوليتانية" من نوع معاصر تعكس حالة الفراغ أمام جمهور افتقد لإلحساس بعمق األلم البشري. أمام صراع وجودي قوامه الزحف ربما لوصول إلى هدف ما رغم دموية المشهد .وكانت سابقا ً قد استحضرت بيتها ومن ث ّم مقهى توزع لرواده قصاصات من ورق مخملية .هذه العوالم كلّها تعكس غربة كاتبتنا وانتقادها الداللي باإلشارة لمجتمع بتفاصيله. أمام هذه الخطوط العريضة التي قدمناها ُندرك ونصل للمسؤولية التي تتبناها كاتبتنا هنا من خالل هذا النص المك ّثف بصوره وحرك ّيته المسرحية المتمثلة بصورة! لنجد أنفسنا معها أمام هذه المسؤولية لكن؛ أال يجب علينا التوضيح أكثر واإلشارة بشكل مباشر إلى هذه المسؤولية ولمن نتجه بها أم نترك األمور مشرعة الستنتاجات قد يصل إليها المعنيون أو ال يصلون؟! من المؤكد أن الحياة تختبرنا بتجاربها فكيف إذا كانت التجربة تحمل هذا الثقل من العنف الدّامي المشرع خلونا مسلكيا ً ووجدانيا ً من أية أبوابه ونوافذه أمام أعين أجيال ستأتي لترصد وتعيش وتعايش و ُتدين ّ حركة تقدّم حلوالً اجتماعية حقيقية ُتنهي بعد أن تعالج دمو ّية عصرنا وعنف ّيته بل وتحولنا إلى جمهور أبله يص ّفق لهذا العنف وهذا الدم وأكثر من هذا ُيصادر الحلم الذي قرأناه في نص سارة عاصي حلما ً زاحفا ً على السحنة القانية. جملة حوارية كبيرة وهامة تضعنا بالمواجهة معها سارة عاصي من خالل نص راديكالي جديد يؤرخ لموهبة تنمو تدريجيا ً ّ تستحق منا اإلهتمام والقراءة واإلشارة إلى إيجابياتها وسلبياتها وتح ّفز أمامنا خلق تفاعل ثقافي نحن مسؤولون عنه من مواقعنا جميعا ً خصوصا ً أنها صوت يأتينا من المغترب ويرصد وقوة و بمصداقية نلحظها من خالل كثافة المشاعر التي تصلنا بشكل مباشر إشكالياتنا اإلجتماعية بتفنيد ّ وغير مباشر بعد قراءتنا لها.
قلم :سارة عاصي مرثية إلى صديق
الصورة من فيلم "تشابكات ما بعد الظهر" للمخرجة مايا د ِِرنْ من العام 3441
1
I أكن أعرف في صغري لم ْ
أن وجهك الباسم كان معب ار ِ ِ الخطيئة تحملها عجالت ليقين ِ ِ الشكوك التي أروقة كرس ِيك في تكن بسمتك إال كفنا صلبتك .لم ْ
وكنا ,عندما نشرب قهوتنا وأسمع صوتك ,كنت أنا عرافة أنحت المسامير دفنك. وأتلو مراسم ْ II حذفك هذا اليوم. وأنت المشلول على كرسيك المكسورِة. حذفك. ِ ِ ِ ِ المطحون. اللون وعود خريف مقعد في ربيعٌ ٌ
وأنا ألعب الدور .أجلس على كرسيك. أكسر المزهرية القديمة. ِ بباقة الز ِ اء. وأرمي هر في الهو ْ تعال .تعال. ِ المحتجب. أنا ربيعك ِ اللون المبعثرِة. اح تسكنه إشارات نو ٌ III م ْذ رحلت ،أضعت عالما كنت أنا فيه. أخذ مكانك الهواء .وحيدةٌ هي الذاكرة أمام سحر؟ أن أقول ْ تالشيك .هل هو ٌ ِ القبعة؟ أو أن أحرك قطعة من ثيابك اظهر من ْ القيك .من أين لي أن أطحن فأ ْ ِ بيادر العو ِ ِ المجهولة. الم قمح
وأعجنه ,وأخبزه .علني أجدك. من أين لي. من ِ أية قصيدة ذاهبة خرجت .أنا لم ِ أكن إلهة الخل ِ ق وال الموت .إنما إيماءةٌ ْ مقعدةٌ تحاكي كرسيك المكسور
ِ الطريق .ربما في ِ سفر رصيف على ْ تلتقيك. قصيدة آتية ْ --------------------------------------------
2 بعود ثقا ِبك إلى ِ تحترق األرض عندما رميت ِ كلمت ِك األخيرِة. لم ْ ِ ِ ركام. ترنح العالم مثل دخان سيجارِتكْ . وزفرت آخر أنفاسك مثل ْ الغبار. من براكين هامدة تنفث سحب ْ
كنت صغيرة، أذكر أنت الذي قلت لي لما ٌ أن أباك بنى منزال نابضا.
ِ ِ البيت. المدخل ربع ليرْة .لرب ِة عتبة دفن تحت ْ سألتك .من ربة ِ البيت؟ ِ أجب ْت. أنتْ . ِ ِ ِ الورقية. أقاصيصك اللهو وقتها .أبني ناعورة من أنا كنت ربة كرسيك المكسر ْ. تطوف فوق ِّ فصل شهقة تعلو على كتفيك. ِ وفصل ِ األرض في دورِة المقعدين. زفير انحدار إلى وموت. وأنا ،أعرف اآلن ،أني لست إلهة خلق ْ البيوت. م ْذ رحلت أصبحت عراف ٌة تق أر في زوايا ْ ِ عيني ِديما. أرسم من وجهك النائم في ْ أمزجها مع ما تبقى من ِ ِ سجائرك ن ْقشا. رماد ِ أوردة معصمي وشما. أدقُّه في
وأحمل مطرقة. العتبات. أكسر فيها المداخل و ْ أنقِّب عن ِ وجه إله ِتك.
ألشهق من ِ فمها ِحمما. ومن ِ بيتك المتداعي نبضا. ِ ِ جديد المحطمة نار عهد عتبات هيكلِك .وأزفر ,نفاث ٌة كالثعابين ,من ْ ------------------------------------------------3 I غريبة كانت وحشتك في ِ بالد الظهيرةْ. الرجال. حيث ترتدي اآللهة معطف ْ
وكنت أرى الدخان األسود من ِ ِ الجبل قمة ترسله إيماءة يدك فوق النار. السطوح. وكنت أشعل النار على ْ وأرسل إسمي إليك.
كنت مقعدا تشد الرحال على الطر ِ ق الصاعدة. البيوت. وأنا أتسلق الساللم خلف ْ
ِ كي ألتقيك .في ِ القمم العالي ْة. حلم األرض ساقطة إلى لتطلق منها سحابة ِ اسمك يظلل إسمي. في ِ بالد الظهيرِة واآللهة.
II
اج. أنت كنت إله الظ ْ الل .وأنا سيدة األدر ْ
كنت مثل كرسيك .أتسلق الساللم الخشبية المكسرةْ. الصاعدة إلى ِ ِ ِ الدخان. بالد في طريقي
ِ ِ ِ وحري ِ النار. ق الشجر وايماءة اليد فوق ْ
-----------------------------------------------4 كنت أسمع في ِ حديثك صدى. تهب لزمجرة من رياح بعيدةُّْ . السه ِب وتأتي إلى حيث على ُّ ِ الفريسة تبتدأ المدن .مثل
تعوي .ال .ال أنت .بل الطر ِ ق. ِ فصول اء .عند أنت كنت نزيل العو ْ التحو ِل .ولم ِ ترتد معطفا يقيك ِ دروب تنكسر عند اصف .ولم العو ْ ْ
أي فصل أتى؟ كان صوت السؤال ُّ - الخريف إلى ِ ِ لونه األولي. انكسار ِ ِ الفصول العشب .تساءل أي في ِ األرض مثلك. أتى .ومضى .إلى
ُّ بالزمهرير. يشق التراب شتاء. كان ٌ ْ ِ هبوب وأنا أرتدي معطفك وأرحل عند المطر .أق أر اللون في شقو ِ اب. ق التر ْ ْ ِ العصافير إلى دليل طريق في هجرِة ِ قوس قزح أسودا. حيث تبني لها منزال. حيث أنا اآلن في هجرتي. ألتقيك. كي ْ ---------------------------------------------5 ِ القاتل في جذوع الشجر األول. رحلت بعد أن نفذت رصاصة وأنت كنت نزيل الحرائق في الحقول .تعجن من غبار الفحم و"المشحرة" خب از ألفواه أوالدك الجائعين. نلتقي حيث تشاء السهوب. في رحاب األفق الوارف. حيث تشاء الرياح التي تحمل طبقات المدن المهاجرة. في مواكب عرش كرسيك الكسير .حيث ال زلت تخبز البسمة الداكنة على الوجوه. للمقعدين. الذي يجرون كراسيهم المكسرة في وطن الشظايا. والحاقدين.
وأنا ،مثلك ،مقعدة .أجر متاعا فقي ار وأشالء قتلى. ِ وصيفة عرشك في شرفات المدائن حيث يعلو الحريق. فوق السهوب. يعلو. صواري دخان. يلقي الرحال على النائمين. قوس قزح أسود. للجباه التي ما عرفت غير عبور المياه العميقة. فوق .فوق .يعلو. على الريح. نلتقي حيث تحملنا السهوب. في الهواء. بعد حين. --------------------------------------------------------6 أنت كنت شاعر هذه األرض. تكتب كلمة واحدة. ولم ْ
تنتظر عربات القطارات المسافرة. ولم ْ
أنت سافرت على تراب الحدائق. مداو ار عجلة كرسيك الذي تصطك مفاصله. مثل كواكب تتفكك. وما انتظرتك غير هذه العربات. وكان كرسيك دائما األخير. تنظر إلى الخلف. إلى الزنود القوية .واألوجه الباسمة. ترشرش ماء الورد .وزهر البرتقال. على المقعدين. ---------------------------------------------7 ِ حساباتها. أسقطتْك السماء من كان يوما ماط ار فهويت أمامي. السجائر. ودخلت .بسمتك تقتحم دخان ْ جلست امامي .نشرب القهوة. الحاد .ليس م ار. أذكر طعمها ْ األسفلت. هي المياه تجري مريرة على ْ الخلق. كأنها األرض منتهى ْ األنبياء. وهذا المقهى رسالة ْ
بأس. قلت لي :نرتقي ْ للمياه .سوداء! ال ْ كان ذات مساء ماطر.
ِ تتراءى لي الضفادع تقفز في ِ الموحلة. البرك أذكر أني كنت مالكا .أبيض مثل غيم قديم. السطح. أبحر على ْ
اآلن. أذكر ثوبي .الذي غاب عني مثلك ْ للمقعدين. كرسيك. ردائي الجديد مثل ِّ ْ
لونه يرتعد أمام أبو ِ أقفلت. اب المقاهي التي ْ
ِ الصخر. الماء الذي شق دربه في مثلك اآلن أنا .مقعدةٌ أبحر في ْ ِ ِ الحاد. بطعمها بسمتك مثل ْ
ِ األرض. طريقها إلى الجديد .وهو ْت في ثوبي ْ ْ ترك ْت لونها .مثل ْ ---------------------------
إضاء على نص مرثية إلى صديق قلم :حسن عبدهللا ابراهيم
العنوان بسيط بل مطروق جداً ال يوحي بالكثير .بل يوحي بالرتابة حيث أننا أمام رثاء لصديق، وهل من شاعر ليس لديه صديق يرثيه! فكيف إذا كنا نعيش في شرق ال تنتهي مراثيه على المستوى الفردي والجمعي؟ نحن الب ّكائين كيف لنا أن يجذبنا عنوان آخر للبكاء! لكن كل ما يبدو هنا مختلف: على غير العادة المتبعة في أن تكون قصائد الرِّ ثاء من الشكل العمودي ،اختارت سارة عاصي قصيدة النثر أو الشعر المنثور أو النثرية كحامل لرثائها ،وهذا بح ّد ذاته تح ٍّد اختارته بملء إرادتها، ولها كل الحق في ذلك. لكن سارة عاصي من أول سطر شعري لها تفك ذلك اللغز عنها وعن ذلك الصديق ،اللغز أو التساؤل الذي أثاره العنوان. هل هو صديق بعمرها؟ هل هو َمـثـَ ٌل أعلى أم هل هو صديق يمثل حالة إنسانية مكثفة؟ فبدأت تقول في بداية المقطع األول : "لم أكن أعرف في صغري أن وجهك الباس َم كان معبراً
ليقين الخطيئة تحملها عجالت كرسيك في أروقة الشكوك التي صلبتك". هنا ندرك أن الصديق يكبرها بمقاييس السنين فتجيبنا عن تساؤل واح ٍد لتفتح لنا تساؤالت عدة ،فمن هو ذلك الصديق إذن .وماذا يمثل لدى سارة عاصي. للخطيئة يقين .هذا يعني أنك ترتكب خطأ ً لكن يقينك يحدوك لإلستمرار ،حتى لو كان في هذا اإلستمرار احتمال في أن ال تحدث الخطيئة ،فإن مجرد وجود احتمال في أنّ ثمن هذا اإلستمرار هو تمضية بقية حياتك على كرسي مدولب فإن اإلستمرار هو الخطيئة بعينها. ف ألن يغير حياته إلى فما الذي يدفع شخصا ً ما للسير بين المخاطر وهو الذي يدرك أن احتماالً واحداً كا ٍ األبد. إن السبب في رأيي هو أن الحياة التي قـُيـِّــضت لهذا الصديق موجودة بين تلك المخاطر -األلغام -فراح يمارسها أو يبحث عنها ألن ال بديل متوفر لديه. لذلك كان وج ُهه باسما ً وكأنه كان في كل لحظة يتوقع ما سوف يحصل له ،بل إن الحياة كانت جديرة بأن تعاش هكذا ،إنها إرادة الحياة. لذلك كان وجهه المبتسم جسراً عبر عليه " يقين الخطيئة" الخطيئة التي تجسدت في إعاقة جاثمة على كسري مدولب ،هذا الكرسي الذي حمل "يقين الخطيئة " في "أروقة الشكوك التي صلبتك". سارة عاصي تقلب الموازين .أن يكون لإليمان يقين فهذا أمر طبيعي بل أن يمرّ اإليمان في أروقة الشكوك فهذا أمر طبيعي أيضا ً . بل إن أكثر اإليمان يقينا ً هو اإليمان الذي مرّ في مراحل الشك. لكن أن يكون للخطيئة يقين فهنا المفارقة بل وأن يمر يقين الخطيئة في أروقة الشكوك فالمفارقة جميلة ومدهشة. يقين الخطيئة ِويزيده يقينا ً على يقين. إذاً هو الشك الذي يكرُّ س َ لذا هذا الشك ليس ندماً ،كيف يندم من دفعته إرادة الحياة إلى ارتياد مخاطرها. "لم تكن بسمتك إال كفنا ً" إنها ابتسامة الطيب العارف .اإلبتسامة البيضاء النقية وربما الشاردة أو الباردة كالكفن. "وكنـّا ،عندما نشرب قهوتنا وأسمع صوتك، ُ كنت أنا عرافة أنحت المسامير ،وأتلو مراسم دفنك".
سارة عاصي تنقلنا من الداخل إلى الخارج. تقفز بنا إلى جلسات القهوة مع الصديق وهي تتوقع موته. موت بعضنا بعض ،لكن أن ننظر إلى جليسنا على أنه سوف يرحل فهذا ْ َ حدسٌ أو خوف زائد كلنا نتوقع على صديق أو أن الصديق كان يعاني من حالة صحية ما غير إعاقته. لذلك كانت "العرّ افة "سارة عاصي تشرب القهوة مع صديقها وهي تودعه في كل نظرة وتصنع له المسامير وتتلو مراسم دفنه. فكانت تعزيه وتأخذ بخاطره وتشرب قهوة العزاء مرات ومرات قبل فِعْ ل الموت نفسه. وأنا ال أحسدها أبداً على فناجين قهوتها تلك. ال يسعني إغفال المفردة الموحية ( أنحت المسامير) كانت كلمة المسامير مفردة معبرة وكافية عن النعش الذي تصنعه دون أن تأتي على ذكره.
المقطع الثاني : "حذفك هذا اليوم وأنت المشلول على كرسيك المكسورة حذفك" وصف يبدو للوهلة األولى بأنه عادي ،بأن هذا اليوم من عمر الزمن قد ألغاك فقبض روحك .لكن في النص إدانة ّ شخص مقع ٍد على كرسي . مبطنة لهذا اليوم الذي استقوى على ٍ فتعيد سارة في نهاية السطر الشعري كلمة " حذفك " فتشحن جملتها بطاق ٍة شعرية شعورية إنفعالية عالية جداً ،مع التأكيد على فعل اإلدانة . وأنا شخصيا ً ال أتوقع أن تكون الكرسي مكسورة ماديا ً،أي فيها عطل ما ،بل هي كرسي مكسورة الخاطر على صديق لم يفارقها منذ زمن. هنا تسقط سارة مشاعرها على الكرسي المدولب . سارة عاصي ( العرّ افة ) هي المكسورة على فراق صديق لها. فما حال األصدقاء "غير العرافين" إذاً! هنا تظهر المأساة أكثر عمقا ً في نفس سارة . "ربيع مقع ٌد في خري ِ ف وعو ِد اللون المطحون"
ترى سارة عاصي في صديقها الذي يكبرها في العمر ترى ربيعا ً مقعداً في خريف وعو ِد ...إلخ .هو ربيع األمل المقعد ،الطاقة المقعدة ،فتنقلنا من حالة الجسد المقعد في كرسي إلى حالة األمل أو الربيع المقعد " في خريف وعو ِد اللون المطحون". خريف َط َحن وشوّ ه كل األلوان ،خريف سرق األمل ،سرق كل ما هو جميل . " وأنا ألعب الدور أجلس على كرسيك. أكسر المزهرية القديمة. وأرمي بباقة الزهر في الهواء. تعال .تعال أنا ربيعك المحتجب ح تسكنه إشارات اللون المبعثرة " نوا ٌ عار من أية بالغة عندما تفيض شحنة سارة العاطفية تجلس على الكرسي تكسر ترمي وتعبر عن حزن ٍ لغوية لتفرُغ الساحة لبالغة الحزن وحده. كسرت سارة في أحد أسطرها الشعرية قاعدة هامة في الشعر المنثور وهو التكثيف ،فكان يمكن لها أن تقول( :وأرمي بباقة الزهر) وتسكت ،فال داعي لكلمتي ( في الهواء) ألن الرمي حتما ً سيكون في الهواء. لكن حزن سارة وصدرها المفعم بالعواطف الجياشة دفعها لتفريغ صدرها من شحنة عاطفية كبيرة فخرجت هذه الشحنة مع كلمتـَي :في الهواء. تبني على طريقتها العفوية. فكانت موفّقة في ذلك .أن تهدم بمعول الصدق كي َ
سارة تصل إلى قمة الشحن العاطفي فتنادي صديقها : ( تعال .تعال أنا ربيعك المحتجب) من م ّنا لم ينادي الميْت أنْ :قــُــ ْم قـــم .من منا لم يحل ْم بأن الميت حقا ً قام.
ثم تغريه في العودة لتقول له :أنا ربيعك المحتجب ،هنا يندمج فعل اإلغراء مع الصدق وهذان فعالن ال يجتمعان عادة .لكن هذه المناداة مكسورة ،ربيعها مكسور ،هي ربيعه المحتجب لكنها أيضا ً هي : ح تسكنه إشارات اللون المبعثرة ). ( نوا ٌ األلوان الرامزة إلى األمل واإلشراق والتفاؤل عند سارة هي ألوان مطحونة تارة وتارة ألوان مبعثرة. والداللة كافية هنا. III أضعت عالما ً ُ ُ َ كنت أنا فيه. رحلت، مذ َ أخذ مكا َنك الهوا ُء .وحيدةٌ هي الذاكرةُ أما َم تالشيك .هل هو ٌ سحر؟ أن أقول َ ً قطعة من ثياب َك اظهر من القبعةِ؟ أو أن أحر َك فأُالقيك .من أين لي أن أطحنَ العوالم المجهول ِة. بيادر قمح َ ِ ِ ُ وأخبزه .علني أجد َك. وأعج ُنه, من أينَ لي.
َ خرجت .أنا لم من أي ِة قصيدة ذاهبة ُ ت .إنما إيماءةٌ الخلق وال المو ِ إلهة أكن ِ المكسور ُمقعدةٌ ُتحاكي كرس َّيك َ سفر على رصيفِ الطريق .ربما في ِ قصيدة آتية تلتقيك. مقطع حزين وجميل ،متدفق ورقراق ،فبعد رحيل الصديق في قطار الموت ،أضاعت شاعرتنا العالم الذي هي فيه ،إنه إحساس بالضياع من هول الصدمة وهو شعور معروف عند تلقي الخبر ،لكنها تعبر عن ذلك بطريقة خاصة.
فهي تنظر إلى الحيّز المكاني الذي كان يشغله الصديق فال ترى سوى الفراغ /الهواء ،حتى الذاكرة فارغة غير قادرة على استحضار أي شيء. هنا تعود سارة إلى مناداة صديقها بعفوية واعية لكنها جميلة جداً فتقول له: "تعال .تعال أنا ربيعك المحتجب". طريقة يظهر فيها الوعي مجبوالً باألمنية المستحيلة فتستحضر ذاكرتها معجزات السحرة واألساطير معا ً. فكان تساؤلها تساؤالً واعيا ً ( :هل هو سحر؟ أن أقول إظهر من القبعة) فلعلّه يستطيع أن يظهر من قبعة اإلخفاء المعروفة. أو ربما تجده بين قطعة من مالبسه وهي كل ما تبقى من ذكراه ماديا ً . هي تدري أن شيئا ً من ذلك لن يحدث فتلجأ إلى قصة الخلق ،إلى األسطورة القديمة لتعجنه – ليس من طين كما فعل اإلله -بل من قمح عوالم مجهولة – قمح خاص قمح سحري من غير عالمنا ،وتدري استحالة ذلك فتستدرك لتقول" :من أي لي ".فتلخص كل عجزها أمام الموت في عبارة" :من أين لي" ،وليس أمام القارئ إال أن يتعاطف مع هذا العجز. صديق سارة خرج من قصيدة الحياة ،عندما مات لم تكن تقصد سارة أن تـُحْ يي أو تـَنعي صديقهابقصيدتها بل كانت تو ّد أن تشير إشارة مكسورة للحدث مكسورة ككرسي صديقها المكسور. ربما في قصيدة ِرثاء آتية سوف تلتقي سارة صديقها لقا ًء حقيقيا ً تفرغ فيه كل حزنها ،أو قصيدة تستطيع أن تشعر سارة أنها نعت صديقها بما يليق بحزنها وذلك عندما يخف قليالً هذا الحزن. َ ثقاب َك إلى كل ِم َتكِ األخير ِة. األرض عندما "لم تحترق ُ رميت بعو ِد ِ دخان سيجارتِ َك .وزفر َ ت آخ ُر أنفاسِ ك مثل َ ركام. تر َّن َح العال ُم مثل َ ِ ُ سحب الغبار". تنفث من براكينَ هامدة َ س له عندما قال الصديق كلمته األخيرة وقد تكون كلمة أثناء اإلحتضار وقد تكون الكلمة هي نفسها آخر نـفـَ ٍ في الحياة. عندها لم تحترق األرض لكن العالم تر ّنح كتر ّنح دخان سجائره ،كانت أنفاسه األخيرة أنفاس بركان أطلق كل ما لديه من "ركام" ،نعم ركام وليس أكثر من كلمة معبرة هنا ،ما هذا الركام الذي في صدر ذلك الصديق. تقوم سارة بوصف آخر أنفاس الحياة دون أن تغيب ذاتها ومشاعرها عن الحدث فالعالم يترنح مثل دخان سيجارته .تدمج سارة بين الذاتية والموضوعية بسالسة مطلقة وناجحة. قلت لي لما ٌ أنت الذي َ أذكر َ كنت صغير ًة، " ُ أن أبا َك بنى منزالً نابضا ً. َ ربع ليرة .لر َّب ِة البيت. تحت عتب ِة د َفنَ المدخل َ ِ
سألت َك .من ر َّب ُة البيتِ؟ أن ِ ت .أجبت". استذكار واضح جداً لحدث صغير بين سارة وصديقها الراحل .لكنه في السياق العام هو استراحة المكلوم من النواح والندب .وهو نفسه استراحة للقارئ من فيض مشاعر وكنايات لغوية دفاقة .هو نفسه اإليقاع الداخلي لسارة في أن تلتقط أنفاسها بهدوء "ذكرى". "أنا ُ اللهو وق َتها .أبني ناعور ًة من أقاصيصِ ك الورقي ِة. كنت ر َّب ُة ِ تطوف َ فوق كرسي َك المكسر. ُ فصل ُ شهقة تعلو على كتفي َك. األرض في دور ِة المقعدين. ير انحدار إلى ِ وفصل ُ زف ِ َ ُ إلهة خلق وموت. لست أعرف اآلنَ ،أني وأنا، ُ ٌ ُ َ عرافة تقرأ ُ في زوايا البيوت. أصبحت رحلت مذ النائم في عي َن َّي ِد َي َما ً. أرس ُم من وجه َك ِ سجائرك َنق َ شا. أمزجها مع ما تب َّقى من رما ِد ُ ِ أد ُّقه في أورد ِة معصمي َو َ ش َما". ماذا تبني سارة من أقاصيص صديقها الورقية ،نواعير فوق كرسيّه المكسور فيشهق اندهاشا ً ثم يزفر شهقته ربما اللتقاط لعبة سارة. تجربتها في موت صديقها جعلتها عرافة تكشف شبح الموت المختبئ في زوايا البيوت رغم أنه ليس لها يد في الموت والحياة. في أكثر من موقع في النص ال تنفك سارة تؤكد أن ال يد لها في الموت والحياة لكأنها تعبر عن عجزها أمام الموت الذي سلبها أعز صديق لديها. ثم أن سارة تصنع وشما ً لها لكنه وشم غير مصنوع كالعادة من الرماد ودماء الموشوم في موضع الوشم – كما كان يفعل أجدادنا في الريف – بل هو وشم مصنوع من رماد سجائر صديقها ومن اخضرار صورته المعلّقة دوما في عينيها ،وهو وشم في أوردة معصمها فهو وشم مرئي دوما ً لها ولآلخرين ،وفوق الوريد حيث يكون الوشم أكثر وضوحا ً حيث مجرى الدم. ً مطرقة. "وأحمل ُ أكس ُر فيها المداخل َ والعتبات. ّ ب عن وج ِه إلَ َهتِ َك. أنق ُ َ ألشهق من فمِها ِ ح َمما ً.
المتداعي َن َبضا. ومن بيتِ َك َ .وأزفر ,ن َّف ٌ اثة كالثعابينَ ,من عتبا ِ نار عهد جديد" ت هيكلِ َك المحطم ِة َ ُ
تكسر سارة عتبة البيت التي دفنت فيها ربع ليرة (لربة البيت= اإللهة سارة) كي ترى وجهها هي وتتنفسه ُني البيت منه ،لتستمد منه القوة فتعيدنا إلى مقطع سابق يتحدث كيف بنى أبُ ناراً وتشهق النبض الذي ب َ صديقها ذلك البيت. باعتقادي أن هذا المقطع يصلح أكثر لو كان يلي مباشرة المقطع الذي يتحدث عن المنزل النابض وبناؤه. 1 I ُ "غريبة كانت وحش ُتك في بال ِد الظهيرة. ُ معطف الرجال. حيث ترتدي اآللهة َ ُ الجبل وكنت أرى الدخانَ األسودَ من قم ِة ِ ترسلُه إيماءةُ يد َك َ فوق النار. ُ النار على السطوح. وكنت أشعل ُ َ وأرسل ُ إسمي إلي َك. َ الطرق الصاعدة. كنت مقعداً تش ُد الرحال َ على ِ ُ خلف البيوت. أتسلق السالل َم وأنا َ ً القمم العالية. ساقطة إلى حلم األرض ِ كي ألتقي َك .في ِ َ َ سحابة اس ِم َك يظلل ُ إسمي. لتطلق منها في بال ِد الظهير ِة واآللهة". نعم فالصديق المقعد في كرسيه المكسور غريب في بالد الشمس حيث كل شيء واضح .والرجال األقوياء واألصحاء هم معاطف اآللهة فال مكان في هذه البالد للضعيف المقعد بالد موحشة ماديا ً و معنويا ً ال ضمانة فيها للحياة من أحد. وهناك تواصل دائم بين سارة وصديقها بالنار والدخان فما هو هذا التواصل!! هل هو دخان رحيل الصديق .وهل هو النار التي أشعلتها هي من بخور له .هل هو دخان ذكراه ،وهل هي نار حزنها؟
تقوم الشاعرة بمفارقة فالصديق يشد كرسيه المدولب المكسور صعوداً ويجهد في ذلك فتقول :تشد الرحال، هل هي رحال الرحيل إلى العلياء؟ بينما هي برشاقة طفلة صغيرة تتسلق الساللم خلف البيوت كي تلتقيه هو الغريب في بالد الشمس التي ال ترحم الضعفاء لكن اسمه يظلّلها ويحقق لها الطمأنينة. يبدو أن هذا المقطع يتحدث عن الصديق عندما كان حيا ً وبنفس الوقت عندما مات دون فيصل واضح في الحدث بين الشخصيتين. II كنت إل َه ّ "أنت َ َ الظالل .وأنا سيدةُ األدراج. َ ُ ُ الخشبية المكسرة. أتسلق السالل َم كنت مثل ُ كرسي َك. الدخان. في طريقي الصاعد ِة إلى بال ِد ِ الشجر وإيماء ِة الي ِد فوق النار". وحريق ِ ِ هو من تستظل باسمه كإل ٍه للظالل ،لإلحتواء كحضن وهي سيدة تسلق األدراج إلى جبل الدخان الذي يصنعه بإيماءة من يده فوق النار. 4 ُ صدى. "كنت أسم ُع في حديثِك ً تهب لزمجرة من رياح بعيدة. ُّ ُ س ُه ِ حيث ب وتأتي إلى على ال ُّ تبتدأ ُ المدنُ .مثل َ الفريس ِة تعوي .ال .ال َ الطرق. أنت .بل ِ أنت َ َ فصول كنت نزيل ُ العواء .عن َد ِ التحو ِل .ولم ترت ِد معطفا ً يقي َك ّ العواصف .ولم تنكسر عندَ درو ِ ب ُ صوت أي فصل أتى؟ كان السؤال ُّ - انكسار الخري ِ األولي. ف إلى لون ِه ّ َ في العش ِ الفصول ب .تساءل َ أي ِ األرض مثلُ َك. أتى .ومضى .إلى ِ ُّ التراب بالزمهرير. يشق كانَ شتا ٌء. َ وأنا أرتدي معطف َك وأرحل ُ عند هبو ِ ب شقوق التراب. المطر .أقرأ ُ اللونَ في ِ العصافير إلى دليل ُ طريق في هجر ِة ِ قوس قزح أسودا. ِ
ُ حيث تبني لها منزال. ُ حيث أنا اآلن في هجرتي. كي ألتقيك". ماض يوحي لنا بأنه بريّ نقي ط ّيب تصل رياح في حديث الصديق شيء من زمجرة الماضي البعيدٍ . الدروب تعوي .فكل تلك الرياح الماضي إلى المدن التي هي عكس البرية .تلك الرياح تجعل في مسيرها َ مؤلمة.إنه عواء الطريق وليس عواء الرياح حين تهب .عواء ألم ألنه عواء الفريسة. نعتقد لوهلة أن الصديق هو من يعوي ثم توضّح لنا الشاعرة أن الطريق هو الذي يعوي بفعل الرياح ،رياح الماضي المؤلم ،ال فرق هنا بين عواء الطريق وعواء الصديق .لكن كلمة عواء ال يليق إطالقها على صديق ،ولكن ألنها مفردة معبرة وتخدم المعنى ألصقت الشاعرة صفة العواء بالطريق ،فعلت ذلك بلعبة فنيّة ذات داللة شاعرية .هنا تظهر صنعة شعرية في المقطع لكنها صنعة لم تؤثر سلبا ً على التدفق العاطفي لموضوع الرثاء .لكن كلما تقدمنا في القصيدة ي ّتضح أن الذات الواعية للشاعرة أصبحت أكثر وضوحا ً على نفي صف ِة العواء عن الصديق لتقول َ كنت نزيل العواء عند فصول التحول. قلتها ،ثم تؤكد َ توحي لنا الجملة الشعرية بعواء الذئاب عند تحول القمر إلى بدر ،الوقت الذي ُترتكب فيه كل الجرائم ويستفيق فيه مصاصو الدماء ،حيث كل شيء يدعو إلى الخوف والعواء .لم يكن الصديق جاهزاً لتحمل ( فصول العواء) التي حدثت في حياته فال معطف لديه وال شيء يقيه البرد (مجازيا ً) ثم تنتقل إلى التعبير غير المجازي ،ولم تنكسر عند دروب السؤال. هنا أصبحت الصورة واضحة فالصديق أصبح مقعداً وواجه تحوالً في حياته المعيشية وواجه ضنكا َ في العيش ،فتتساءل ما هذا الفصل الذي أتى منه الخريف الذي ظهر في العشب األخضر الذي هو رمز الحياة. ليصبح التساؤل هو :أي فصل أتى ومضى مثلك في األرض. فتختم الشاعرة مقطعها الشعري متساءلة لتأخذنا من قصة الصديق وتغير حاله أو فصوله إلى الفصل األخير من حياته وهو؛ رحيله . هناك تساؤل ضمنيٌّ فالفصول تتبدل وال تموت فأي فصل رحل نهائيا ً مثلك إلى األرض. يبدو أن رحيل صديق الشاعرة كان في فصل الشتاء والبرد قارس يشقق التربة وعندما تمطر كانت تتدثر به ( بذكراه ) وترحل . كل هذا البرد كانت ذكراه هي الدفء الوحيد لها. كانت شقوق األرض التي عملها البرد القارس إشارات واضحة دالة للعصافير المهاجرة إلى قوس قزح أسود .الشاعرة هي العصفورة المهاجرة وقوس قزح األسود هو داللة على عالم مشاعرها الحزينة التي رحلت إليها وال يصحبها إال ذكرى صديقها .والتي لن تخرج منها بل سوف تبني منزالً دائما ً لها هناك .ثم تقفل المقطع بالتصريح" :حيث أنا اآلن في هجرتي كي ألتقيك".
القفلة هنا لم تخدم المعنى ألن المعنى ذو داللة واضحة كما أشرنا لكن بالقفلة تلك ظهرت ذات الشاعرة مرة أخرى ألنك مهما تكلمت عن الحزن ببالغة فال بد من التصريح بأنك حزين حزين ،ومن حضر ندب أم إلبنها مثالً يستطيع أن يلتقط ذلك المشهد.
5 َ القاتل في جذوع الشجر األول. "رحلت بعد أن نفذت رصاصة ِ وأنت َ َ كنت نزيل الحرائق في الحقول .تعجن من غبار الفحم و"المشحرة" خبزاً ألفواه أوالدك الجائعين. نلتقي حيث تشاء السهوب. في رحاب األفق الوارف. حيث تشاء الرياح التي تحمل طبقات المدن المهاجرة. في مواكب عرش كرسيك الكسير .حيث ال زلت تخبز البسمة الداكنة على الوجوه. للمقعدين. الذي يجرون كراسيهم المكسرة في وطن الشظايا. والحاقدين. وأنا ،مثلك ،مقعدة .أجر متاعا ً فقيراً وأشالء قتلى. وصِ يفة عرشك في شرفات المدائن حيث يعلو الحريق. فوق السهوب. يعلو. صواري دخان. يلقي الرحال على النائمين. قوس قزح أسود. للجباه التي ما عرفت غير عبور المياه العميقة. فوق .فوق .يعلو. على الريح. نلتقي حيث تحملنا السهوب. في الهواء. بعد حين".
لم يمت الصديق خالل المعركة بل بعد أن استقرّ الرصاص القاتل في جذوع األشجار. غم أرضي ال أعلم .لكن سارة تشير إلى الرصاص القاتل في جذوع األشجار، قد يكون قد مات بقذيفة أو بلُ ٍ رصاص ال يقتل األحياء من البشر بل يقتل الحياة؛ كل الحياة التي أشارت إليها سارة بأنها األشجار الواقفة أبداً. إذن أصيب الصديق وهو يضع في مشحرته الفحم كي يقوت عائلته ومن المؤكد أنه كان يستخدم األشجار القتيلة التي أصابتها القذائف .إنه صديق يحول األشجار الميتة إلى سبب آخر للحياة ليطعم عائلته. تعود ذات كاتبتنا لتظهر في النص حيث تلتقي صديقها في السهوب واألفق الوارف ،وهو موقع أشبه بالجنة منه على األرض .موطن اختارته رياح القدر .حيث برحيل صديقها ترحل المدن معه في موكب تشييعه لكرسيه المكسور الذي هو عـَـرْ ضٌ ،إنه موكب جنائزي يليق بالملوك. " واالبتسامات الحزينة على وجوه (المقعدين) " .في وطن هو كذلك مقعد بالشظايا والحقد. سؤال :هل المشيعون أيضا ً مقعدون؟ ليس بالضرورة ،هنا تحول سارة اإلقعاد إلى إقعاد أشمل وأوسع إنه ذو معنى مجازي. فهذه هي سارة السليمة جسديا ً تصف نفسها بالمقعدة فهي ذات متاع فقير وأشالء ،ورغم ذلك هي وصيفة عرشه الذي هو كرسيه المتنقل على منصة شرفات مدن الحرائق. تدخل ذاتها في النص بشفافية فهي وصيفة صديقها الميت والداللة جميلة وواضحة. والحريق يعلو فوق المدن والدخان يصل إلى السهوب حين يمكن للغافلين النائمين عما يحدث أن يروه. إن الجباه دليل الكرامة -الجباه التي خاضت أعماق الحياة -نصيبها هوقوس قزح أسود قاتم ال ألوان لألمل فيه. 6 "أنت َ َ كنت شاعر هذه األرض. ً كلمة واحدة. ولم تكتب ولم تنتظر عربات القطارات المسافرة. َ َ سافرت على تراب الحدائق. أنت مداوراً عجلة كرسيك الذي تصطك مفاصله. مثل كواكب تتفكك. وما انتظرت َك غير هذه العربات.
وكان كرسيك دائما ً األخير. تنظر إلى الخلف. إلى الزنود القوية .واألوجه الباسمة. ترشرش ماء الورد .وزهر البرتقال. على المقعدين". صديق سارة ملتصق باألرض .شاعر دون أن يكتب شعراً ،عبارة تختصر عالقته الوثيقة باألرض ...فلم يرحل أو يهاجر في عربات القطارات المسافرة ،بل تن ّقل على تراب األرض الخضراء وهو على كرسيه ب يتفكك .صورة واضحة الجمال ورائعة .فعالقة الصديق وثيقة بهكذا المهلهل التي تصطك مفاصله ككوك ٍ عربات ،وكرسيه هو آخر عربة ركبها .يبدو أنه نفس الكرسي /العرش في الموكب الجنائزي الذي يشيعه المقعدون وهو صانع ماء الورد يرشه على المقعدين المشيعين له. هنا تقلب الشاعرة الصورة فالميت هو من يرش ماء الورد على المشيعين وليس العكس كما يحدث عادة في الجنائز .لكأنه بموته يشيع أيضا ً مش ّيعيه المقعدين ،فصديق سارة رمز يموت بموته كل شي يرمز له .أو أنه صديق ذو قيمة عاطفية كبيرة لها بحيث مات كل شيء بموته ومن ضمنهم المشيعون. 7 "أس َق َطت َك السما ُء من حساباتِها. كان يوما ً ماطراً َ فهويت أمامي. ُ ودخلت .بسم ُت َك تقتح ُم دخانَ السجائر. َ نشرب القهو َة. جلست امامي. ُ أذكر طع َمها الحاد .ليس مراً. ُ هي المياهُ تجري مرير ًة على األسفلت. َ األرض منتهى الخلق. كأنها ُ ُ رسالة األنبياء. وهذا المقهى َ سوداء! ال بأس. قلت لي :نرتقي للمياه. َ َ ذات مساء ماطر. كانَ الضفادع تقف ُز في البركِ الموحل ِة. تتراءى لي ُ أذكر أني ُ أبيض مثل غيم قديم. كنت مالكا ً. َ أبحر على السطح. ُ غاب عني مثل َك اآلن. أذكر ثوبي .الذي َ ُ ردائي الجدي ُد مثل ُ كرسي َك .للمقعدين. َ لو ُن ُه يرتع ُد أما َم أبوا ِ ب المقاهي التي أقفلت. مثلُ َك اآلنَ أنا .مقعدةٌ أبحر في الماءِ الذي َّ شق در َب ُه في الصخر. ُ
مثل ُ بسمتِ َك بطعمِها الحاد. َت َر َكت لو َنها .مثل َ ثوب َي الجديد .وه ََوت في طريقِها إلى األرض".
لو كان صديق سارة غير مقعد في كرسيه المكسور لك ّنا قلنا أنه كان واقفا ً ثم جلس أمامها .لكنه جالس دوما ً ألنه مقعد في كرسيه المكسور. رغم ذلك فهو قد هوى أمامها ،يبدو أن السماء حين أسقطته من حساباتها ومدت في عمره المقعد ورمت به إليها .فهوى أمامها. ثم جلسا في يوم ماطر متقابلين هو يدخن وهما يشربان القهوة الثقيلة الحادة الطعم رغم أنها محالة وليست مرة .هنا وصف ،لكنه يمهد لحالة أخرى فالمياه مرة الطعم وهي تسيل على اإلسفلت األسود الصلب القاحل بال حياة ،أو هي مياه سوداء –القهوة -حادة وهي تسيل إلى إسفلت داخلنا أو في جوفنا. إن عدم حصر المعنى في بع ٍد واح ٍد هو أجمل ما يهدينا إياه الشعر ،إنه إطالق جميل للمعنى. إنها جلسة في مقهانا الخاص حيث تنزل أو تكتب رسائل األنبياء إنه المقهى الوحي المقدس الذي يرسل رسائله إلى األرض ،أكمل وآخر الخلق. ماذا أقول بعدها! تتدفق سارة برمزية موحية كتدفق الماء الذي يعرف طريقه عن ظهر حب. المساء ممطر ،وهي ال ترى بل يتراءى لها طقس الشتاء الخارجي ،فضفادع تنق وبرك موحلة ،مالك وغيم أبيض قديم وهي تبحر كمالك على السطح. هنا تظهر الذات الواعية أكثر عند سارة دون أن تفقد زمام التدفق الشعري في بقية المقطع. وهذا يُحسب لها جداً .فسارة تعقد مقارنة بين ثوبها األبيض الذي كانت فيه كالمالك والذي غاب اليوم بفعل الزمن .وبين غياب صديقها اآلن. مقارنة بين ثوبها الجديد وكرسي صديقها الجديد. أجمل ما في المقارنة أنها تخبرنا أن ليس كل جديد جميل أو خير .هي مقارنة للمفارقة وليس للتشبيه. هو ثوب مثل كرسيه .ثم تفاجئك سارة بكلمة ( :للمقعدين) .إذن إنه ثوب جديد للمقعدين غير الثوب األبيض الخاص بالمالئكة .حيث تفقد سارة بهجة الثوب الجديد .التي ال يمكن لها أن تحاكي ثوبها القديم األبيض حيث كان صديقها حيا ً أو سليما ً معافى. ثوب ذو لون ما ،يرتجف حزناً ،خوفاً ،ألما ً ..أمام المقهى أو المكان الذي كانا يشربان فيه القهوة والذي أقفل برحيله ،هذا المكان ال يعني شيئا ً بدون صديقها.
بدأت سارة تخبرنا عن نتائج موت صديقها دون أن تفقد تدفقها الشعري الجميل .فهي تشق دربها في الحياة وهي مقعدة مثله .بل مثل بسمته بطعمها الحاد .البسمة التي تخلت عن إشراقها كما تخلى ثوبها الجديد عن لونه ،بسمة سقطت نحو األرض ربما في نظرة وداع إلى صديقها .أو ألنها ابتسامة منكسرة .
- 3رغم أن سارة أكثرت من األفعال الحسية ( :تحمل ،صلبتك ،نشرب .أنحت ،أتلو ،حذفك ،ألعب، أجلس ،أكسر ،أرمي ،تسكن ).إال أنها استخدمت عدداً ال بأس منه من تلك المفردات بطريقة موحية ضمن التراكيب مثل" :لم تنكسر عند دروب السؤال" ،فهو انكسا ٌر معنوي. "نلتقي ..حيث تشاء الرياح التي تحمل طبقات المدن المهاجرة". " يلقي الرحال على النائمين". فخرجت المفردة من معناها القاموسي ل ُتنشئ رابطا ً بين الشاعر والنص والمتلقي .وهذا طبعا ً يحسبُ لها. مسار واحد تتداخل فيه مشاعر النص لتتحرك باتجاه لحظة - 2إن نص سارة بالعموم يتحرك ضمن ٍ شعرية صافية. فال تبدو سارة أنها تستنفر طاقاتها العقلية رغم أن ذاتها الواعية تنبثق من ال ّنص في أكثر من موضع أشرنا إليه .فتبدو أنها ال تحاول أن تصقل قصيدتها باستنفار طاقاتها العقلية أو أنها بذكاء استطاعت أن تخفي ذلك مما أعطى النص عفوية تتناسب مع موضوع الرثاء ،فأغنى ذلك العفوي َة التي يتدفق بها الحزن وهذا جميل. - 1تكرّ ر الكاتبة صف َة الكرسي بأنه مكسور مع أن صفة الكرسي بأنه مدولب فهو للمقعدين ،تبدو أكثر رفقا ً وتجعلنا متضامنين أكثر مع الصديق الراحل .لكن يبدو أن سارة وجدت في مفردة " المكسور" صفة لنفسها المكسورة هي .فراحت ترددها في كامل النص .فظهرت ذات الشاعرة محتجبة بذكاء. - 4اإليقاع : أ -اعتمدت سارة قصيدة النثر أو النثرية في نصها الشعري.لكن من حيث اإليقاع الخارجي وتحديداً الوزن العروضي نجد أن مقطعها األول يكاد أن يكون موزونا ً عروضيا ً على تفعيلة " فاعالتن " وما يلحقها من جوازات مثل فعلن .مما أغنى مطلع قصيدتها بالموسيقى الخارجية فكان افتتاح جيد للنص الشعري بالمجمل. ب -إن اإليقاع الكيفي الذي يقوم على النبرة في الكلمة يغيب في مقطعها األول ويح ّل محلّه االنسياب العادي للجملة الشعرية ،أما على مستوى التنغيم الذي يحدد أصوات الجمل بانحدارها وصعودها فنجد أن الشاعرة تبدأ مقطعها بجملة طويلة تنتهي بنقطة كعالمة ترقيم .وكأنها "آه" طويلة ترفض أن تقف عند أية عالمة ترقيم أخرى غير النقطة .ينطبق ذلك على باقي المقطع.
قامت سارة في جملتها ( :لم تكن بسمتك إال كفنا وكناً )....،بوضع الفاصلة بعد " كنـــّا " وليس قبلها ،وكأنها تؤكد على الجناس اللفظي بين الكلمات ( تكن ،كفناً ،ك ّنا ) ك ِجناس لفظي خدم اإليقاع الخارجي للقصيدة .ثم كأنها أرادت بوضع الفاصلة هنا أن تنضم بسرعة إلى صديقها الذي عبرت عنه بابتسامته ،كأنها تفضّل اإلنضمام البتسامته أكثر من انضمامها لجلسة القهوة تعبيراً عن اللهفة. ج -لم يكن للفراغ دو ٌر في تحقيق اإليقاع الداخلي بل كان الدور لعالمات الترقيم. د -تقوم سارة في المقطع الثاني بإغناء اإليقاع على المستوى الصوتي باستخدام التكرار ( حذفك هذا اليوم ...حذفك) ( تعال .تعال. ).... وعلى المستوى الداللي للكلمة باستخدام الطباق ( ربيع ،خريف) . إن الجملة الشعرية أو اآله الطويلة في المقطع األول تتحول في المقطع الثاني إلى نبرات متتالية لجمل قصيرة ( :أجلس على كرسيك ...أكسر المزهرية ، ...أرمي بباقة الورد )....ليرتفع إيقاع القصيدة الخارجي والداخلي عما كان عنه في المقطع األول ،ثم قفلت المقطع موسيقيا ً وليس بالغيا ً بجملة شعرية تتهادى : ُ اللون المبعثر ِة.). إشارات ح تسك ُن ُه (نوا ٌ ِ ُ أضعت) عالما ً " ...وبين هـ -تستخدم سارة -في المقطع الثالث -على المستوى الداللي طباق يحدث بين "( ْ قصدت بها ( حل ،وجد) " (أخذ) مكانك الهواء.)...مع مالحظة اإلنزياح في معنى كلمة أخذ والتي المناقضة لكلمة أضعت ،وكذلك اإلنزياح في داللة ( وأطحن قمح البيادر ...وأعجنه) الذي يذكرنا بطين الخلق. ثم تقول ( :من أيّ قصيدة ذاهبة خرجت) هنا "خرجت" بمعنى أتيت أو طلعت فهو أتى من قصيدة ذاهبة ،إنه طباق آخر يظهر بعد أخذ االنزياح الداللي للمفردة. يتكرر ذلك في مثل :الخلق /الموت ،سفر/أالقيك. في هذا المقطع تح ّقق سارة إيقاعها الداخلي باختيار األلفاظ واإلنسجام بينها بشكل جيد سواء من حيث الصوت أو من حيث الدالالت التي تجرها وراءها. ز -في أمكنة أخرى من القصيدة تحقق سارة إيقاعها الداخلي بنفس الطريقة لكنها أكثر داللة ،كمثال عن الطباق الذي حققته في المعنى أكثر منه في اللفظة ( :وزفرت آخر أنفاسك مثل ركام /كم براكين هامدة تنفث سحب الغبار) .هنا طباق داللي بين البراكين التي ترمز إلى اإلنفجار والثورة وبين هامدة ،إذن براكين هامدة!!! لكنها ليست هامدة بل إنها تنفث سحب الغبار فتأخذنا الداللة إلى مدى الضغط الهائل داخل البركان الذي يعبر عنه الدخان المنفوث. األرض في دور ِة المقعدين) هذا انحدار إلى زفير ح -تقول في المقطع الثاني ( :وفصل شهيق ...وفصل ِ ٍ ِ الزفير المنحدر إلى األرض يغنيه من حيث اإليقاع حركات الكسر الممدود والطويل في الجملة الشعرية .
ثم تقول ( :إني لست آلهة خلق وموت) وهنا كسر آخر فأنا ضعيفة ليس بيدي قصة الخلق والموت وهنا أيضا ً طباق بين الخلق والموت. و -ال يمكننا تتبّع اإليقاع جملة جملة وإال طالت القراءة .ولكن عموما ً اعتمدت سارة مايلي : 3
2 1
4 5
6
لم ُيع ِِر النص أهمية كبيرة للفراغ أو البياض في تقسيم اإليقاع الداخلي للقصيدة .فكان حزنا ً يريد أنيقول وينوح ال أن يبكي بصمت المتعبين المرهقين. ولم يكن يسمح ن َف َسها الشعري في أن تستخدم الفراغ في التعبير عن حزنها الدفاق فكانت أقرب إلى العفوية وأبعد عن الصنعة والتكلف. تراوحت جملتها الشعرية بين الطويلة والقصيرة في تنغيم يخدم الحالة الشعورية بل يعبر عنهابصدق ويغني اإليقاع كثيراً . استخدمت طباق الكلمات وطباق الداللة كما أشرنا سابقا ً .ونزيد لنقول عن جملتها ( :الزنود القويةواألوجه الباسمة ) وليس األوجه العابسة التي تتوافق من حيث المعنى مع الزنود القوية .إذن هو طباق داللي بين الزنود القوية وبين الوجوه الباسمة. استخدت جناس التكرار :تعال .تعال – حذفك ...حذفك – فوق فوق. إن التكثيف الموسيقي تحقق عند سارة عن طريق عالقة الكلمات ببعضها وعن طريق دالالت الكلمةوالجملة الشعرية ،فكان تكثيفا ً َح ّق لها أن تكون قصيدة نثرية تعالج موضوعا ً صعبا ً هو الرثاء الذي احتكرته قصيدة العمود . بقي أن نذكر أن سارة التي تعيش وراء البحار تعلمت اللغة العربية بجهد ذاتي وهذا إبداع ال يمكنإغفاله فيما يتعلق بنتاجها الشعري اإلبداعي.
دراسة حول الشـــعر العــربــي القصيدة العمودية – قصيدة التفعيلة – الشعر الحر م.حسن عبدا هلل إبراهيم
كان الوصف والمديح والغزل من أهم مواضيع الشعر العربي العمودي وكثي ار ما ض ِّمـن الغزل في مطالع قصائد الوصف والمديح كوقوف على األطالل وكثي ار أيضا ما كان يشكل معظم جسد القصيدة العمودية حتى ولو كان موضوعها األساسي ال يمت إلى األطالل بصلة .وبسبب أن األحبة لم يقلعوا بعد عن عادة الموت تراجعت قصائد المديح لصالح الرثاء ,وظل الوصف حاض ار سواء في وصف الممدوح أو الحبيبة لذا سوف آخذ موضوع الوصف هذا كمثال أساس. في عصر لم توجد فيه بعد محطات الذاعة المسموعة والقنوات المصورة والصحف المكتوبة كان الخبر بحاجة إلى وسيلة انتقال هي المسافرين ,ووسلية تخليد هي الشاعر الناطق بلسان القبيلة ومنبرها العالمي فاحتفل العرب متفاخرين بوالدة شاعر في القبيلة ,حيث أخذ الشاعر دور العالمي ,فالشاعر األقوى يمتلك لقبيلته قناة مسموعة أوسع انتشا ار ,من هنا كانت كلمة شاعر ضيقة ال يمكنها أن تعبر عن كل المهام المنوطة بالشاعر كما أنها لم تكن دقيقة فليس ما يكتبه الشاعر كان دوما متعلقا بشعوره الذاتي بل كان يمليه
عليه انتماؤه القبلي والواجبات الملقاة عليه منذ أول احتفال بوالدته الشعرية .فهو (الكامي ار) التي تلتقط صور المعارك فتصفها من الخارج ,صحيح أنه يقوم بذلك بنوع من الفخر باالنتماء لكنه ال يختلف عن كامي ار الصحفي الذي يقوم بالتقاط المشاهد التي تتفق مع اتجاه الوكالة الصحافية التي يعمل لديها. وما أنا إال من غزيـة إن غو ْت شد غزية ِ أرشد غويت وان ت ْر ْ حتى المديح اعتمد على المبالغة في تعظيم شأن الممدوح وكانت الغرابة والدهاش أهم من الصدق ,كما في قول أبي النواس _ في عجز البيت " : -وتخافك النطف التي لم تخل ِ ق" حتى في قول عنترة متغزال: وددت تقبيل السيوف ألنها ِ المتبسم لمعت كبارق ثغرك نجد هنا الرغبة واضحة في المجيء بصورة جديدة مدهشة ,فال يمكن لفارس في المعركة وهو يجندل الفرسان أن تنتابه الرغبة في تقبيل السيوف ألن لمعانها كلمعان ثغر الحبيبة ,نستطيع أن نتفهم كيف يرى العاشق كل الكون جميال وأن الصحراء مرج أخضر فقط ألن حبيبته تسكن فيها ,لكن هذه المبالغة الجميلة والصورة األخاذة ال تجعلنا نصدق أن ذلك الشعور قد راود حقا عنترة وهو في خضم المعركة. تبرر له أن يقول بقالب شعري أشياء ال صلة لها بشعوره إال أن الواجبات الجمة التي كانت ملقاة على عاتق الشاعر عموما كانت ِّ الذاتي . إضافة إلى ذلك فبسبب البنية العروضية غير المرنة للشعر العمودي يضطر الشاعر إلى استخدام جمل شعرية بهدف الحشو وذلك لكي يكمل الجملة العروضية ,أشبه ذلك بأن يكون لديك مقطوعة موسيقية جاهزة اسمها ( البحر الفالني) وال يطلب منك فقط أن تؤلف جميع أغانيك عليها بل وأن تراعي في التأليف الطول الثابت للجمل الموسيقية ,أما في شعر التفعيلة فإن الموسيقى تمشي مع النص الشعري جنبا إلى جنب وال تفرض عليه في التأليف طول الجملة الشعرية ,بل أن الجملة الشعرية المقفاة يمكن لها أن تكتمل مع اكتمال التفعيلة الواحدة أو قبل اكتمالها ويمكن أن تغيب القافية طويال وأن تدور السطور الشعرية حتى ليفوق طولها طول بيت شعري عمودي على البحر الطويل بل أزيد بكثير .فبحور العروض تملي عليك أنفاسك الشعرية أما قصيدة التفعيلة والشعر الحر فهما أكثر رحابة وأوسع صد ار . واذا كان شعر التفعيلة غريبا عن الجزيرة العربية فهو ليس كذلك في العراق وبالد الشام على أقل تقدير.
ومدن تظهر العراقة هنا في أنه بالرغم من أن مدنا عريقة في الموسيقى مثل حلب غنـت (أمان ،أمان) متأثرة باألتراك بينما بقي الريف ٌ أخرى يغني الدلعونا والميجنا والليـا والسكابا والعتابا التي ينتهي كل شطر رابع فيها من ألف وباء ساكنة وتختلف من حيث القافية عن
األشطر الثالثة التي تسبقها وهي بذلك سبقت من حيث الشكل قصيدة التفعيلة التي كتبها بدر شاكر السياب ونازك المالئكة ,على الرغم من االختالف حول أسبقية الواحد على اآلخر. كان هذا اللون الشعبي من الغناء هو أساس نشوء التربيع والتخميس في الشعر العمودي وذلك أبان الدولة العربية المت ارمية األطراف واطالعها على تراث شعبي غني يختلف عن الشعر الشعبي الذي عرفته الجزيرة العربية والذي يقتصر على الشعر العمودي العامي والمستخدم إلى اليوم باسم
( الشعر النبطي),
فالخلفية الثقافية والتاريخية والحضارية عموما لألقاليم العربية فيها من االختالف ما يجعل من أمر ما مقبوال هنا ومستهجنا هناك .قال لحن ،فقال له ( :إنني خلقت قبل العروض) والشعر العربي القديم مليء بأبيات شعرية أحدهم ألبي العتاهية أن بيت شعره هذا فيه ٌ لشعراء كبار ال تستطيع أن تنسبها لسم بحر معين لكننا نجلُّـها وبنفس الوقت ال نستطيع أن نجل قصيدة تفعيلة سليمة عروضيا , فنحن اليوم نقف مع العروض أكثر من أهل العروض.
بعد اختراع آلة التصوير وخاصة الملونة منها تراجعت مدارس الرسم التصويرية حتى تالشت ،ألن ريشة اآللة كانت أدق
وأرشق في التقاط اللحظة .كذلك عندما تولت وسائل العالم األخرى مسؤولية نقل الحدث والتسويق له أو ضده تقلصت مهام الشاعر وانكفأ إلى واجبه األوحد وهو الشعر المعبر عن ذاته الداخلية والتي ينطلق منها إلى الخارج فلم تعد كلمة شاعر
ضيقة عليه بل أصبحت أدق وصفا له ،بل إن المدنية الحديثة زادت من سرعة إنكفاء الشاعر إلى ذاته وسؤاله عن معنى كرد فعل على الحركات الشعوبية آنذاك. وجوده فكتب قصائده انطالقا من ال نتماء إلى الذات بدل القبيلة أو بدال من الكتابة ِّ
فالشكالية اليوم ليست كما تظهر في أنها إشكالية بين الشعر العمودي والتفعيلة والشعر الحر ،المشكلة أن الشعر العمودي اليوم ما زال يتكلم إما عن مواضيع األمس واما عن مواضيع اليوم متناسيا أن الكامي ار وغيرها من وسائل العالم قد تم اختراعها. شعر وليست نظم.إضافة إلى أن القصيدة العمودية اليوم ما زال الشاعر العمودي يلقي قصيدته دون أن نراه فيها لنقول عنها أنها ٌ ما زالت تستخدم نفس طرق البالغة القديمة من تقديم وتأخير وجناس وألفاظ جزلة فإذا كان الخطب جلل استخدمت الطاء والجيم
وقوافي الراء والقاف واذا كان الموضوع وجدانيا استخدمت السين والميم وهكذا ،كل ذلك في قالب معدني ثابت من العروض . ال يمكن ألحد أن يحتكر طرق التعبير وأن يصادر محاولة البحث عن ينابيع أخرى في اللغة طالما أنها كائن حي تموت بعض مفرداته لتولد أخرى ،ويتغير مدلول الكلمة عما كانت عليه ،فالسيارة قديما كانت تعني القافلة التي تسير(ووجدته سيارة في البئر)(سورة يوسف) ،أما اليوم فهي تعني بكل وضوح عربة ميكانيكية تسير على أربع عجالت ال أكثر وال أقل. ثم أنه جميعنا يعرف أن البحر الطويل -وقبل اكتشاف الفراهيدي للعروض – استنبطه العرب أثناء التأليف وهم على ظهورالبل يحدونها به في مسيرهم فجاء البحر يتفق إيقاعا مع مشيتها ،وكذلك فإن بحر الخبب أتى اسمه من مشية الخيل حين تخب خبا .أي أن العرب كانت تكتب على أوزان تتفق مع تواتر وتوتر حيواناتها التي هي جزء هام جدا من بيئتها.فمن األ ْولى اليوم أن
يكتب الشاعر وفقا لتوتره الذاتي الذي صاغته بيئته الجديدة والمدنية الحديثة من أن يكتب وفقا لتوتر مواشيه التي هجرها منذ مدة طويلة .بهذا كان العرب القدماء أكثر منا انسجاما واخالصا لبيئتهم التي عاشوا فيها وتعايشوا معها. نظم ،بينما حين تسقط هذه الشاعرية عن شعر التفعيلة أو المفارقة أنه حين تسقط الشاعرية عن الشعر العمودي نقول عنه أنه ٌ الشعر الحر بشكل خاص نقول أنهما خراب ،ومؤامرة على التراث ووباء وافد إلينا .
تكن كل االحترام ولدت وهي ُّ على الرغم من أن قصيدة التفعيلة لم تكن ثورة على القديم كما نظن بل كانت تغيي ار طفيفا، ْ والتبجيل للشعر العمودي ،يكفي لدراك ذلك مراجعة ديوان نازك المالئكة حتى تتملكنا الدهشة لهذا الهجوم الشرس الذي القته هي وبدر شاكر السياب ،دون أن ننسى أن قصيدة التفعيلة آنذاك لم تكن تمتلك نفس الجرأة التي تمتلكها اليوم.
لكن أولياء الشعر العمودي كانوا آباء يريدون أبناء نسخة طبق األصل عنهم ولم يكن هذا األب متساهال في الرجوع خطوة إلى الوراء حين كبر األبناء ،كان حقا الرأس الذي رفض أن يشيب رغم تقدمه في السن . بقي كل من الوزن والقافية في الشعر العمودي والتفعيلة يلعبان دور المنقذ للسيء من القصائد بحيث أصبح بالمكان القول عن قصيدة ما :إنها لحن جميل لكن معنى القصيدة /األغنية غير موفق .واذا كانت القصيدة المعنية تلقى من على المنبر فإن استعراضية القصيدة العمودية خصوصا تشغلنا عن التقاط ِقي ِمها ،فلم يك ْن خلو هذه القصيدة من القيم الالزمة يشكل لها فضيحة تذكر مع أنها تلقى في العراء أمام جمع غفير.
وردت في الدوريات المحلية في سورية آراء اعتبرت "أن قصيدة النثر هي طفرة لن تؤسس الستمرارية أو تطور وانما هي محاولة للخروج عن المألوف"
وأنا ال أستطيع أن آخذ الحدث مبتو ار عن روابطه الجغرافية واالجتماعية ،لذلك علينا أن نعود بذاكرتنا إلى قصة الشاعر األعرابي ( علي بن الجهم ) حين قال مادحا أبو جعفر المنصور :
ِ للعهد وانك كالكلب في حفاظك
ِ الخطوب وكالتيس في قراع
فثارت عليه الحاشية لكن المنصور طلب أن يلقى الشاعر بين الجواري وفي حياة المدينة بعدها قال قصيدته العذبة الشهيرة : عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري وال أدري. وقال المنصور عبارته الشهيرة أيضا) :صحيح أن للبيئة تأثير على العبقرية). ي الحمراء حين دخل العرب األندلس دخلوا بالدا تفوق بالدهم خضرة وماء ووجها حسنا فخلفوا فيها تحفا معمارية مثل قصر ْ
وغرناطة اللذين لم يبنوا لهما مثيل في أية بقعة عربية حتى في بالد الشام ،وخلفوا شع ار سمي بالموشحات خرج على رتابة الشعر
العمودي فحدث لهم ما حدث لصاحبنا الشاعر ( علي بن الجهم ) حتى أنهم كتبوا قصائد فيها الكثير من المفردات األندلسية دون أن تخطر لهم فكرة المؤامرة ،هذه الفكرة التي ال تولد إال من واقع الشعور بالضعف. شت ديـه أ ْلب ِديـه أ ْ
ديـه ذا العـ ْنصـر حقا
ـج ِب ْ شـترى موا المدب ْ
وأشـق الرمـح شقـا
مثلما ولد هذا الفن الجديد في البيئة الجديدة تراجع هذا الفن عند خروج العرب من األندلس إلى بيئتهم السابقة ،ولم يكن سبب ـلعت من تربتها األم أما الشعر العمودي بقي في تراجع الموشحات هو في كونها طفرة على الشعر العمودي .إن الموشحات اقت ْ تربته التي ولد فيها. صودر كتاب ( الشعر الجاهلي) لطه حسين ألنه حاول أن يق أر التراث حسب منهج ديكارت الفلسفي في أن يبدأ الباحث بحثهمتجردا تجردا كامال من أفكاره المسبقة عنه .فإلى اليوم ما زال التراث – ومن ضمنه الشعر الذي هو ديوان العرب -يشكل في الوعينا طوطما غير قابل للمس ،بينما كانت العرب تأكل أصنامها عند الحاجة أو تحطمها رغم أنها مستوردة استيرادا من بالد الشام.
أما قصيدة النثر أو الشعر الحر فلكونها ال تمخر بحر العروض وال تقف في موانئ القافية ظن البعض أن عليها أن تبرهن
شاعريتها ،وأسقطها البعض اآلخر من كونها شع ار ،بينما كان األجدر بنا أن نحاول أن نكتشف سر هذه الشاعرية في
قصيدة تجرأت علينا وخلعت مالبس الشعر التقليدية وأصرت على كونها شع ار .لن أقول كما قال البعض أن شاعرية الشعر
الحر تكمن في الموسيقا الداخلية والقوافي الداخلية أيضا والتضاد اللفظي كل ذلك جيد لكن قصيدة النثر تشترك مع الشعر العمودي والتفعيلة في كل هذا ،إضافة إلى أن هذا القول يعبر عن عدم القدرة بعد على سبر ماهية هذه القصيدة كما أنه
يحاول أن يوصل رسالة توفيقية -مقصودة أو غير مقصودة -تقول :إن قصيدة النثر لم تهجر الموسيقا والقافية بل أن لها موسيقاها وقوافيها الخاصة بها مثلها مثل الشعر العمودي ،يكفي أن نراجع الكتابات الشعرية -والنثرية أيضا -لرائد الشعر
الحر "محمد الماغوط" لنرى كيف يهرب من القافية حتى وان أتت هي لتلتقي به حتى في كتاباته النثرية .حين قال":آه يا
لقمة العيش الصغيرة ،أنت إسرائيل الكبرى " ألم يكن باستطاعته وبكل بساطة أن يقول " أه يا لقمة العيش الصغرى ,أنت
إسرائيل الكبرى.
وحاول البعض اآلخر الربط بين الشعر الحر والتداعيات الرومانسية الال واعية في دراسة لـ(أغاني القبة) للشاعر( خير الدين األسدي ) لكنني أعتقد أن هذا التداعي هو صفة من صفات االتجاه الرومانسي الذي ساد وقتئذ وال يصف الشعر الحر ،يمكن للشعر الحر أن يكون رومانسيا ورمزيا وغامضا ومشتتا ومتماسكا ومباش ار وموحيا ،فهو تهزه نفس الرياح التي تهز
أنواع الشعر األخرى دون أن يفقد خصوصيته.
إن عدم الوصول – حتى عالميا -إلى تعريف محدد للشعر يعني ضمنا العتراف بأن الوزن والقافية فقط ال يجعالن من النص شع ار ،وطالما أن هنالك قصائد موزونة ومقفاة وهي ليست شع ار بل نظما فإنه احتمال وارد بقوة أال يكون الوزن
والقافية أحد األسس التي تبني عليه شاعرية النص األدبي .بل هو نوع من التجويد الذي استحسن لفترة طويلة في عصر
كان إطراب النفس فيه يتم ذاتيا في معظمه وليس خارجيا عن طريق المذياع ،جميل أن يبقى هذا التجويد لكن غير الجميل
أن يحتكر ساحة الشعر لنفسه مانعا أية منافسة .
ثم أن مقولة :أن الشعر يقول الكثير بكالم قليل فهذه أيضا صفة من صفات الشعر وليست تعريفا له ،و إال لكان القرآن الكريم شع ار بسبب غزارة معانيه المعبر عنها بإيجاز بليغ. ثم أن هنالك مقولة أخرى تحاول أن تنفي صفة الشعر عن قصيدة النثر اعتمادا على اسمها المؤلف من " لفظتين غير متجانستين" هما " قصيدة النثر" دون الغوص في الدعائم األخرى _ غير العروض والقافية_ التي تجعل من النص شع ار ،دون أن ننسى الكم الهائل من القصائد العمودية التي ال تحمل قيمة فنية أو جديدا ما ولكن شفعت لها الموسيقى والقافية فكانتا ستا ار لمواهب ال تطلب السترة . واذا كانت قصيدة النثر تقليدا للغرب وليست استجابة لتغير البنى االجتماعية والثقافية -كما قال البعض-فهذا يعني أن نكتفي بالشعر آت . " ...فالمقالة تقليد وكذلك العمودي من جهة وبالمقامات الهمزانية والخطب العصماء على شاكلة " ما فات مات وكل ما هو آت ْ المسرح و الرواية فهم جميعا صنوف أدبية وافدة .واذا كانت عبارة " الشعر ديوان العرب " شديدة الحضور في مخزوننا الثقافي العربي دت في بيئة فألنها ولدت في بيئة صحراوية عموما وال تسمح بتسجيل آثار العرب على الصروح الشاهقات والنقوش المدفونة ،فهي ولِ ْ فرضت عليهم البيئة ِف ْعل التنقل .دون أن ننسى أن يرتحل عنها المقيم ليقيم في مكان آخر وليس أسهل من الشعر ليحمل أخبار أناس ْ ديوان العرب المقصود يعود في جلِّـه إلى الشعر الجاهلي والجزيرة العربية متناسيا العرب الذين يعيشون خارج الجزيرة وفي بيئة حضرية جميلة الطبيعة كما في بالد الشام والعراق. كما أنني وقعت على شهادات مختصرة ومكثفة اتسمت باالنفتاح على قصيدة النثر مما يبقي باب األمل مفتوحا على أننا انتقلنا من مرحلة الخوض في نقاش حول جنس هذا المولود الفضائي الغريب وشرعيته إلى النقاش الجاد حول مكامن الشاعرية وأسسها وخصوصية هذه القصيدة. أقول هذا بالرغم من أنني كاتب لقصيدة التفعيلة أكثر من النثر لكنني غير محصن ضد النفعال مع القصيدة الجميلة مهما كان نوعها واسمها حتى القصائد التي بعض أسطرها عبارة عن أشكال هندسية أو رسومات بسيطة لكنها معبرة بكثافة مدهشة كما فعلت الشاعرة العراقية " كوال لة نوري" في مجموعتها "الدولفين" . استسهلت فنون أخرى كثيرة تم التعدي عليها. وكما قالت إحدى الشهادات هناك من استسهل قصيدة النثر كما ْ ماذا يعني أن يكتب موظف متقاعد كتابا في التداوي باألعشاب وهو لم يمارسها سابقا ،ألم تبدل الخيـاطة اسمها في كثير من األحيان ليصبح مصممة أزياء. صحيح هم كثر من تجرؤوا و أدلوا بدلوهم في مجاالت ال تناسبهم ولكن ما يهم هو من رفع دلوه ممتأل ماء كي نقول أن هذه البئر صالحة للشرب. وفي معرض استسهال البعض لقصيدة النثر ،أريد أن أورد مثاال قد يعتقد البعض أنه مثا ٌل غير موفق كوني أسوقه في ِ معرض الدفاع عن قصيدة النثر ،والذي هو دفاع عن حرية التعبير والتجريب أكثر منه دفاعا عن جنس أدبي معين،
كلنا يعلم أن مخزوننا الشعبي يقر بأن الوقوع عن ظهر حمار أشد أذى وايالما من الوقوع عن ظهر حصان أو جمل ،رغم أن قوائم األول ُّ أقل ارتفاعا ،وطبعه ومزاجه أقل جموحا بكثير. ولكن لو أتينا بشخص لم يسبق له أن امتطى دابة في حياته وخيرناه بين هذه األنواع الثالثة فسوف يختار ركوب الحمار وال ريب ،غاضا بصره عن األنواع األخرى .لماذا ألنه يستسهله فهو أقل مخافة مقارنة مع غيره ،ناسيا أو متناسيا أن الوقوع عن متنه يعني ضر ار أكبر ،وناسيا أيضا أنه حتى لو أجاد امتطاءه فسوف يبقى في نظر المحيط راكبا حما ار ال أكثر وال أقل. صدقوني هذا ما حدث تماما مع المتعدين على قصيدة النثر ،أنهم استسهلوها فخبــوا عبابها دون أن يأخذوا بعين االعتبار أن فشلهم سوف يطيح بهم إطاحة ال وقوفا بعدها في عالم الشعر. ألنهم أساسا لم يركبوا متنا معتبـ ار في نظر المحيط األدبي ،ثم أنهم حتى لو أجادوا فإن إجادتهم هذه لن تكون ذات تقدير كبير ألن هذا الجنس األدبي الذي اختاروه ما زال ينظر إليه على أنه ينتمي إلى غير عالم الشعر. فلو أنهم ركبوا جمـل الشعر العمودي وسقطوا لقال قائل هذا نظم وليس شعر وبالتالي لحفظ ماء وجه صاحبه ،أما أن يسقط عن ِ ِ حمار الشعر الحر فتلك ثالثة األثافي وكبيرة الكبائر لراكب لم يستطع أن يمتطي مجرد "حمار" . ظهر لكمال وجه المقارنة أقول :إن قصيدتا النثر والتفعيلة هما أشد فائدة في البناء في عصرنا هذا مقارنة مع قصيدة العمود،أل نهما الصدر األرحب في استيعاب نفـس العصر وايقاعه وتنوع تجاربه وهواجسه ومتطلباته لكن تحتاج إلى فارس كرار ، وليس إلى غر فر ْار.
فالمشكلة تكمن فيمن استسهل قصيدة النثر تحديدا ،وفيمن أتاح لهؤالء في تصدر الدوريات األدبية والصحف اليومية ،وفيمنقصروا عن دراسة هذا الجنس األدبي الجديد .فبقي جنسا متهما بالهزيمة سلفا ،فإذا ما انتصر جولة هلـ ْلـنا له ولكاتبه كما
حصل مع الماغوط .ولكن هذا لم يشفع لقصيدة النثر فنحن قوم ما زال يحكمنا المثل القائل " الهزيمة يتيمة ،وللنصر ألف
أب "
ظهرت قصيدة النثر تحديا ألدوات قياسنا المستخدمة في التفريق بين النص العادي والنص الشعري وخصوصا لتلك المقولة القديمة الساذجة التي تقول :بأن الشعر هو الكالم الموزون المقفى .اعتاد طالب مدارسنا في امتحانات اللغة العربية على السؤال الشهير( :اشرح األبيات التالية وأعرب ما تحته خط ....الخ).هذا السؤال ال يصلح في الشعر الحر
وال يستطيع الحاطة به ,علينا ابتداع أسئلة خاصة بالشعر الحر ال تنطبق في معظمها على سواه وعندما نستطيع ذلك يمكننا القول أننا بدأنا في اكتشاف أدوات قياس شعرية جديدة .الشعر الحر امرأة جميلة من دون زينة وتمس شغاف
القلب لكننا اعتدنا االنجذاب إلى النساء المتزينات.
بالمناسبة للنقاد هنا فرصة تاريخية -نعم تاريخية -لن تتكرر بسهولة هي أن يكتشفوا الشعر الحر وأنا في شغف لإلطالع على اكتشافهم المنتظر ،فيكون لهم فضل السبق إلى ذلك .أن يكتشفوه ويعبروا عن اكتشافهم بكلمات بسيطة بعيدا عن التعابير القاموسية الجافة .ال أن تبقى الدراسات النقدية سائرة خلف أسماء بارزة ومعروفة .جيد أن تق أر كتابا بعنوان ( الفضاء الشعري عند نزار قباني) لكن نزار كونه عظيما لن يجعل ذاك الكتاب عظيما فنزار قباني موجود بقوة خاصة في الوسط الجماهيري سواء في السر أو في العلن ،دون أن ننسى أنه هوجم كثي ار قبل أن يفرض نفسه.
ال أدعي أنني قرأت كما هائال من كتب النقد ولكنك تصاب بالحباط وأنت تق أر سلسلة كتب ( نظرية الشعر العربي) وآراء مؤسسي مجموعة أبولو والديوان ،وطريقة تهجم بعضهم على القصيدة العمودية بدال من تسليط الضوء بعمق كاف على نتاجاتهم هم .واألسوأ من ذلك أنك تدخل في متاهة الرد والرد على الرد دون المساس عن قرب كاف بالموضوع الرئيس كل ذلك في خضم جدل بيزنطي ال ينتهي .فبـذل من قبلهم جهد كبير في إثبات عدم شاعرية أحمد شوقي ووروده معان معاكسة تماما لما يريد قوله وكأن ذلك كاف لصدار حكم العدام على القصيدة العمودية ،وقع رواد الشعر غير العمودي في نفس الخطأ الذي وقع فيه رافضوه وهو إلغاء اآلخر. يميل النسان إلى ألفة القديم والريبة من الجديد لذا نجد أن الضجة التي أثيرت ضد شعر التفعيلة أيام نازك المالئكة وبدر شاكر السياب تثار مجددا ضد الشعر الحر ،والمشكلة أنه ك ٌل تحصن داخل رأيه ال يحاول االنفتاح على اآلخر .األول يريد الحفاظ على التراث والثاني يريد ب ْعث هذا التراث .وال ثنان يبكونه معا ،فأرجو أال ينطبق علينا قول الشاعر ت.س.إليوت خاتما قصيدته (الرجال الجوف) (:
وي ،ولكن بنشيج). هكذا ينتهي العالم /ليس ِبد ٍّ
سوف يتجاوزنا الشعر الحر على أيدي مبدعين مثل محمد الماغوط إلى أن يظهر تيار شعري جديد فننقل السجال إلى ساحة أخرى ،نحن ال نتقبل شيئا إال حين يـ ْفـرض نفسه علينا كأمر واقع ،وهذا ليس من صفات المجتمع المبدع الباحث دوما عن التجديد أو غير الواقف في الحاضر فما بالك في الماضي.
ٌ غرف بال رائحة ماجدة حسن
**** الغرفةُ بجدار وحيد * ٍ يعل ُ ق على صدره ِخطايا ال ّزمن المسامير دبيبٌ للحواس بعضُ ِ بعضُ الوجوه ِصورةٌ لم تكتبْ بعد بنقوش الغطاء * في الغرف ِة سري ٌر يتمطّى ِ ت الليل تاركا ً مناما ِ تفس ُر وج َع المرايا وامرأةٌ تح ّ ض ُر لعوا ِء الخوف لجا َم الجسد قبّلها وكانَ بابُ الغرف ِة موصداًعلى بوم ٍة سكرى *
عندما طارت فراشةُ الشفتين ب الكأس كان النها ُر قد أطل َ ق تشاؤمهُ في ثقو ِ وقع األلسن ِة....سقطَ الجناحان وعلى ِ ٌ جنون...شم ٌع مغل ُ ق العينين * الغرف بعضُ ِ زوايا شاردةٌ عن أني ِن األرواح بعناق حشرتين تتسلى ِ ..من كهوف العهد األول ت..التسمع* غرفتهُ الصوتيةُ مجهزةٌ بمجسا ٍ ٌ مكبرات غزت رئتيها عناكبُ اليأس قي َل في الهوا ِء خيوط ٌ تتشاب ُ َ وقت الصدى ك !...لكنها تنحلُّ بلمس ِة ضوء حائط قلبي* كتب على َ ِ أحبك ِ حول غرف ِة الروح حينَ طافَ الهوا ُم َ صاد َر آخ َر األجنحة الحمراء كانَ دمي حينها يع ّد لح ّمام زفاف ِه ..دميةً قطنية ّ لكن طرحة َ الوحل ِ ْ السفر الجائعة !.....امتصت مياهَ ِ ميل طفيف * البح ُر غرفةٌ زرقاء..قليلةُ اإلنحنا ِء مع ٍ مرودةٌ لزمن الوجد ...في بكا ِء كح ِل العاشقين ّ لوقر الريح ت اليكف عن اإلنصا ِ ِ ..عندما تسل ُخ عن سقف ِه األمواج بسملة َالسّماء
َ ...أنت ...والقصيدة* أنا غرفةٌ يلزمها عكا ٌز راب ٌع ..لتمشي الهوينى َ لهاث الخطا تحتوي على حاف ِة النوافذ السكون ت تهرّبُ تمتما ِ ِ خار َج مالذ ِالمساء كثيراً ما تغل ُ فجر التشهّي ق أصابعها قبي َل ِ ق باقي القصائ ُد لتغر َ ..في نومها القرمز ّ ي بين غرفتي ووجعكَ * دمعةٌ دائريةٌ تبسطُ كفيها شال الفراق كي اليغز ُل الضحى َ مشرو ُ ع ضحك ٍة بريّة كلما ف ّر غزا ٌل من وري ِد الليل .اصطادتهُ الحروف ****
بقلم :شذا برغوث سلمى
سلمى ..سلمى ..يتكرر النداء في الغرفة ،في المطبخ ،في الشارع ...سلمى. وتتلفت مذعورة وال تجد أحداً ..تسرع خطاها إن كانت تسير ..تنهي حمامها قبل انتهائها ،إن كانت تستحم ..تترك ما تفعله ..تهرب من النداء الشبح ..الالشيء. في األيام الثالثة السابقة تكثفت النداءات أكثر مما كانت من قبل عشر سنوات، تغص في طعامها ..سلمى ..سلمى.. والصوت يناديها ...مرعوبة تفزع من نومها.. ّ تشرد في حصة الدرس تنبهها المعلمة والنداء يعلو على صوت المعلمة أحياناً ،فال تنتبه لدرسها ،تو ّبخها ..تبكي بحيرة وحرقة ،تتمنى أن تحكي لها معاناتها ،أن تنام على صدرها ..أن تشكو لها تسألها المساعدة .. بحاجة هي إلى صدر حنون ..إلى يد تمسح شعرها ..دمعها ..تطبطب عليها.. تحضنها ،وهي الفاقدة للعالقة بتلك التي يسمونها أما ً ..هي ال تعرف لماذا؟! هل سر ما؟ لماذا تكرهها أمها؟! لماذا تضربها؟ ..تع ّنفها؟ ..تقسو عليها هناك ٌ
دائماً؟! ..قد تكون متعبة أو غاضبة من أمر ما ..أو أنها تشاجرت مع أبي! إن كان كذلك ،إذاً لماذا ال تقسو على أخي؟ لماذا ّ تدلّل؟!.. عقلها الصغير يحترق بحثا ً عن إجابة ،وقلبها يتفتت ..يمرض بالكره ألمها.. ألخيها ..لكل الناس ،حتى أبوها الذي ال ينتبه لما يجري لها... ضائعة هي والصوت يمغنطها إليه ،تدور فيه وحوله ويلتف حولها ..يخنقها. دائخة ..غارقة في لزوجته وقرفه .ال هي تخرج منه وال هو يتركها ..عقلها الطفل يفيدها أنها لو اجتهدت في دروسها ستحظى بحب أمها ،وعندئذ ستحكي لها كل شيء ،ستغتسل بحنانها من تلك اللزوجة ،وتتخلص من الرعب .تدرس وتدرس.. تلحظ المعلمة تقدمها ..تثني عليها ..تتخافت النداءات وتتباعد المسافات بينها وأمها التي ما زالت ال تدري عنها شيئاً ،وال تغ ّير من تعاملها معها. تعاود النداءات نشاطها ،واأليام تمضي وهي تلف في الدوامة ،وتنعزل عمن حولها ،وتفقد رغبتها في الكالم. اليوم حصلت على الشهادة الثانوية ..تن ّبهت لتجد نفسها صبية كبيرة مكتملة مدرسة ،لكنها مازالت طفلة تضربها أمها، األنوثة ،وستدخل الجامعة وقد تصبح ّ وما زال النداء يحاصرها ،وما زال يأتي لزيارة أهلها ..كانت تضطرب وتنكمش وقد تبلل نفسها وهي منزوية بعيداً في الغرفة ..تزداد كرها ً ألمها حين تناديها: تعالي سلمى على عمو. مازالت تقول له (عمو) وكلها يرتجف وعيناها مثبتتان في األرض ،لم تر وجهه منذ ذاك اليوم حين طرق الباب ذات ظهيرة وفتحته له ،وقد تركتها أمها لتطوي الغسيل وذهبت لتشرب القهوة أو تدخن النرجيلة مع صديقاتها. تواً ..لم تستنكر دخوله ..اقترب أبعدها حين عرف أنها وحيدة وأن أمها ذهبت ّ ّ متعطشة للحنان ..احتضنها لبدت في قربها إليه ..لم تجفل، مسد شعرهاّ .. منهاّ ، حضنه ،نظرت إليه ببراءة سنواتها العشر ..ابتسمت ،ثم حاولت التملّص لتطوي نصرفه رائحة الغسيل كي ال تغضب أمها ..شدّها إليه ..استنكرت وش ّمت في ّ بقوة ..جحظت عيناه وتهدّل غريبة زنخة لم تعجبها ..فحاولت الفكاك منه ..شدّها ّ فمه ولهث مثل كلب ..تشنجت ..لم تقو على مقاومته ..صار وحشا ً كريها ً مرعبا ً.. اغتال طفولتهاّ ..لوثها بزناخته ..امتقعت وتج ّمدت عيناها واحمر لسانها.. تسارعت حركاته وهو يتلفت صوب الباب .أوقفها أمامه وأشار إلى عنقها ..إذا أخبر ِ ت أحداً سوف أذبحك .فهمت وخرج مسرعا ً. لم تستوعب ما جرى ..لماذا يكرهني إلى هذا الحد؟ ولماذا يؤذيني؟ حاولت المشي لتكمل طي الثياب ...دارت بها األرض ،تقيأت.
عادت أمها لتجدها مسمرة في مكانها لم تكمل طي الثياب ..ضربتها ..بليدة.. ماذا كنت تفعلين؟! بكت ،بكت ..صرخت وشدت شعرها ..دهشت أمها لردة فعلها هذه المرة.. مرضت ..أحضروا لها طبيبا ً .أياما ً وأياما ً وهي ترفض الشفاء ..ترفض الذهاب إلى المدرسة ..خائفة من كل ّ شيء ومن الشيء ..تفزع من نومها ..تتل ّمس عنقها.. تمر أمها إلى جانبها ..وتتمسك بها عند خروجها ..ال تريد أن تبقى ترتجف حين ّ وحيدة ..عيناها فزعتان. بعدها صارت األصوات تناديها :سلمى ..سلمى .صوته البشع األجش :سلمى.. سلمى .صوت أمها الغاضبة دائماً ،وهي تتلفت بهلع وال تجد أحداً ..تهرب من ذعرها وتر ّقبها الدائم إلى كتبها ،وهاهي قد نالت الثانوية. هذا اليوم وقد وجدوه م ّيتا ً .انفعل الجميع لسماع الخبرّ .. تأزموا ..تنفست الصعداء ..ابتسمت ..ك ّ شرت ..السافل تفو ..بصقته بعيداً بصوته البشع وواجهت أمها مستجمعة شجاعتها :ال تبكي ذلك السافل وانتبهي لنفسك. فوجئت أمها ..ه ّمت بالكالم ..تركتها وخرجت.
بقلم :شذا برغوث نداء
طق ..طق ..طق ..منذ أنفاس الصبح األولى كانت تتوسط الشارع الطويل الخالي ،والمدينة مازالت ناعسة ،يمزق طبلتي أذنيها صوت عكازك الرباعي. عجوالً تتحدى الطريق والسكون والنعاس ..طق ..طق ..طق ..تالحقه رجالك الرخوتان الطويلتان, حافيتين تنسحالن على اإلسفلت ..يرتفع رأسك وصدرك إلى األعلى حيويا ً باسما ً ..زمن مضى لم تبتسم فيه شفتاك ،وال التمع فيه سنك الذهبي الذي أحببناه صغاراً ..نفتح فمك لنراه بوضوح ,وسعيداً تعض أصابعنا الصغيرة ,ونضمك لتضمنا ،وتطوح بنا في الهواء لتلقفنا من جديد ,يملؤنا الذعر والفرح. ً طق ..طق ..طق ..تجاه النهر تمشي بأرجلك الست قابضا على وجه عكازك بقوة وتحد ,وكأنك تقول له: أنا من سيقودك ..لن تقودني أنت ..مازالت يداي قويتين. مازلت قادراً رغم ارتخاء ركبتيك ..كأنك في رهان مع النهر ..كأنه قد قال لك لن تبلغني بعد اليوم ..وكأنك لم تفلق مياهه بجسدك آالفا ً من المرات ،لم يسبقك يوما ً أحد من السابحين ,وقد تخدعهم وتخدع النهر ,حين تغيب تحت المياه فيخاف عليك الرفاق ويتصايحون ,وال يكاد النهر يفرح بانتصاره حتى تخرج له لسانك عند ضفته البعيدة. ً ً طق ..طق ..طق ..مبهوراً كنت بالصباح والشارع والبيوت ...زمن مضى ..طويال جدا تخاله ,لم تر فيه الشوارع وال البيوت وال السماء ..للحظات توقفت أمام بناء جديد ما كان في ذاكرتك قبالً, ُترى متى شيدوه؟! هل شيدوه يوم شيدوا لي عكازي؟! ..ليس مهما ً ..المهم أن تكمل رحلتك ..حلمك أن تمضي في الشارع ..أن تبلغ النهر .كثيراً ما تكرر حلمك ورجالك ميتتان على سريرك ..إلى متى؟؟ وتشتعل الكلمات على لسانك لتطال الدنيا والذين حولك وتسب عجزك ومرضك ،ويسكت كل من حولك حزنا ً أو خوفا ً ..نعم ،كنا نخافك وأنت عاجز ,ليس خوف الجبان ،بل خوف المحب ،فما كنت يوما ً ظالما ً ,كنا نقدر شعورك ونعذرك ،ونتمنى أن نعيرك أرجلنا لتمشي بها ،أو تركض ولو مرة واحدة .كانت غصة تعترض حلوقنا .كلماتك القاسية ..أين منها كلماتك الحانية ونحن نضع
رؤوسنا على ركبتيك ,وأنت تمرر أصابعك على وجوهنا وكأنك تحفظ مالمحنا؟ تغمض لنا عيوننا، وكنا نغفو كل يوم دون أن نعرف نهاية الحكاية. يا لركبتيك! ما الذي أضعفهما؟! شعور بالذنب ينتابني ،هل نحن السبب حين كنت تركض خلف الحياة لتمسك بها ألجلنا؟ أم وأنت تمشي على أربع في ليالي الشتاء فيما نحن نمتطيك فتلف بنا حول المدفأة المزروعة وسط الغرفة ونحن نحدو لك /بعير السوداني ،/وتقهقه عاليا ً وتقلبنا على السجادة، وتنهض يغطي وجهك ندى المحبة والدفء؟! طق ..طق ...طق ..طويل طريقك إلى النهر ،وأنت بستة أرجل ..أربعة منها تطقطق لتسحب اثنتين خلفهما ,ما كان طويالً قبالً يوم كان لك اثنتان. ترى هل كنت تعرف إلى أين أنت ذاهب ،وأنت تبدو في عالم آخر ..سعيداً شارداً ,متعجالً ,كأنما نداء خفي يهتف بك /تعـال ..تعـال ..تعـال /ال تتأخر؟. هل اشتاقك النهر؟ أم اشتاقتك الشطآن؟ أم هي األسماك التي كنت تلعب معها لعبة الصياد فتضع لها الطعم وحين تخرج عالقة في سنارتك تلمسها وتبتسم وترميها من جديد؟ ويهيأ لك أنك تسمع صوتها السحري( ..سأمممنحك جوووهرة) ...كما في الحكايات. كنت مذبذبا ً بين حبك للصيد ورقة عواطفك ,فال أنت تقلع عن الصيد ،وال تستطيع أكل سمكة اصطدتها بيديك... هل ناداك النهر حنيناً؟ أم هو مثل شخص غادر نظنه صديقا ً فتكشف األيام لنا زيفه وغدره؟ ناداك ليتشفى بك ,عاجزاً مثقل الجسد برجلين رخوتين فارقتهما الحياة ,وأبقتهما كذكرى مؤلمة لرجلين قويتين كانتا يوما ً. طق ..طق ..طق ..مازلت سائراً وطويل دربك ..والنهر يبتعد وأنت تحث أرجلك خلفه... يركض ...تحاول الركض .لكن كيف والركض حركة متناوبة بين رجلين؟! وأرجلك تحركها يداك. تنهضها عن األرض من ثم ترجعها ساحبا ً خلفها رجلين طويلتين بمفاصل ميتة. النهر صار قريبا ً .هل لحقت به أم أنه توقف مبكراً مثل األرنب الذي سابق السلحفاة ,ليدعك تقترب ثم يركض من جديد؟ ..أم أنه أشفق عليك؟ ..وهل للنهر قلب رحيم؟! وهو الغادر أبداً!! .مازلت حثيثا ً تمشي تجاه النهر ,صرت قريبا ً. لقد توقف النهر ،الح شاطئه بشعره األخضر الطويل المشعث مثل ساحرة تنهض من فراشها. طق ..طق ..خطوتان ,التماع المياه ساكنا ً ,رائقا ً ,رائعا ً عليل النسمات ..يزداد اقترابا ً ,تزداد اقترابا ً ..الشيء سوى المياه ...تباطأت خطواتك .هل هو التعب؟ أم أنك تستمتع بمنظر المياه التي طال عطش عينيك وتوق روحك إليها. ال متسكعين على الشاطئ ,ال سابحين في النهر.... ً ً من بعيد يلوح الجسر المعلق ,يتمدد مثل مهرج تعب ,متوسدا إحدى الضفتين ،وملقيا على الضفة األخرى قدميه المحشورتين بخفين أحمرين. زورق بعيد يتهادى في مكانه .قد يكون فيه صياد ...أين أنت أيتها األسماك الصديقة؟ أهديني ركبتين بدالًًَ من جوهرة ،ها أنا أحتاج إليك ،نفذي وعدك. بطيئا ً ما زلت تتقدم ،تتزود من نداوة الصبح. ها أنت تدوس الرمل أخيراً ,تتخيله ينزلق تحت قدميك ,تسترجع إحساسك بالرمل من ذاكرة عتيقة ,وتفرح بوهم شعورك ..خطوة أخرى ..ما عادت أرجلك تطقطق ،فالرمل ال يفضح األسرار ..كان يدري أنك آت خلسة عن عيون المدينة ,وشرطة المنزل /ال تستطيع –ال يمكن ـ ال يسمح الطبيب../
ابتسمت متقدما ً خطوة أخرى ,متلذذاً بتباطئك ..سابحة عيناك على النعومة الرائقة واللمعان الرائع.. تستدعي إحساسك القديم بالبرودة اللذيذة على جلدك ..تغمض عينيك كي ال تفلت اللحظة .تبزغ سمكاتك الصديقة حاملة شيئا ً تلفه في شبكة .يطير قلبك على متن ابتسامة ذات أجنحة .يفلت عكازك الرباعي .تسقط متدحرجا ً .هل كنت غافياً؟! أم كنت حالماً؟! أم أنك كنت ذاهبا ً لتأخذ هديتك؟! أخيراً صار إحساسك بملمس الماء حقيقيا ً على جلدك .سعيداً جداً كنت لحظتها ,مشرعا ً ذراعيك, رافعا ً رأسك .تحضن المياه فتحضنك ..تغيبك ...ترى هل ستظهر على الضفة البعيدة لتخرج للنهر لسانك؟؟ الضفة تمل انتظارك ...تأخرت كثيراً. لن تبلغها أبداً ..لن تخرج لسانك ..لن ترى هدية األسماك ...قد تكون ركبتين أو تكون جوهرة. هادئا ً عاد النهر يسترخي ..غادراً كان إذاً ..وسعيداً كنت .ال يهمك غدره أو وفاؤه .أبقيت له عكازك على الشاطئ األقرب ،بدالً من لسانك تخرجه له على الشاطئ البعيد. لغزاً سيبقى عكازك مزروعاً ،يحار في حلّه الجميع ..ما الذي أتى بك؟! ما الذي أتى بك؟!.... ويضحك النهر منهم محتفظا ً بسرك ..ال وفاء.