روضة المحبين

Page 1

‫روضة احملبني ونزهة املشتاقني‬ ‫البن قيم اجلوزية‬ ‫بسم هللا الرمحن الرحيم رب يسر يا كرمي احلمد هلل الذي جعل احملبة إىل الظفر باحملبوب سبيال ونصب طاعته واخلضوع‬ ‫له على صدق احملبة دليال وحرك هبا النفوس إىل أنواع الكماالت إيثارا لطلبها وحتصيال وأودعها العامل العلوي السفلي‬ ‫إلخراج كماله من القوة إىل الفعل إجيادا وإمدادا وقبوال وأثار هبا اهلمم السامية والعزمات العالية إىل أشرف غاياهتا‬ ‫ختصيصا هلا وتأهيال فسبحان من صرف عليها القلوب كما يشاء وملا يشاء بقدرته واستخرج هبا ما خلق له كل حي‬ ‫حبكمته وصرفها أنواعا وأقساما بني بريته وفصلها تفصيال فجعل كل حمبوب حملبه نصيبا خمطئا كان يف حمبته أو مصيبا‬ ‫وجعله حببه منعما أو قتيال فقسمها بني حمب الرمحن وحمب األوثان وحمب النريان وحمب الصلبان وحمب األوطان وحمب‬ ‫اإلخوان وحمب النسوان وحمب الصبيان وحمب األمثان وحمب اإلميان وحمب األحلان وحمب القرآن وفضل أهل حمبته وحمبة‬ ‫كتابه ورسوله على سائر احملبني تفضيال فباحملبة وللمحبة وجدت األرض والسموات وعليها فطرت املخلوقات وهلا حتركت‬ ‫األفالك الدائرات وهبا وصلت احلركات إىل غاياهتا واتصلت بداياهتا بنهاياهتا وهبا ظفرت النفوس مبطالبها وحصلت على‬ ‫نيل مآرهبا وختلصت من معاطبها واختذت إىل رهبا سبيال وكان هلا دون غريه مأموال وسوال وهبا نالت احلياة الطيبة وذاقت‬ ‫طعم اإلميان مل رضيت باهلل ربا‬ ‫وباإلسالم دينا ومبحمد رسوال وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له شهادة مقر بربوبيته شاهد بوحدانيته منقاد إليه‬ ‫حملبته مذع ن له بطاعته معرتف بنعمته فار إليه من ذنبه وخطيئته مؤمل لعفوه ورمحته طامع يف مغفرته بريء إليه من حوله‬ ‫وقوته ال يبتغي سواه ربا وال يتخذ من دونه وليا وال وكيال عائذ به ملتج إليه ال يروم عن عبوديته انتقاال وال حتويال وأشهد‬ ‫أن حممدا عبده ورسوله وخريته من خلقه وأمينه على وحيه وسفريه بينه وبني عباده أقرب اخللق إليه وسيلة وأعظمهم عنده‬ ‫جاها وأمسعهم لديه شفاعة وأحبهم إليه وأكرمهم عليه أرسله لإلميان مناديا وإىل اجلنة داعيا وإىل صراطه املستقيم هاديا‬ ‫ويف مرضاته وحمابه ساعيا وبكل معروف آمرا وعن كل منكر ناهيا رفع له ذكره وشرح له صدره ووضع عنه وزره وجعل‬ ‫الذلة والصغار على من خالف أمره وأقسم حبياته يف كتابه املبني وقرن امسه بامسه فإذا ذكر هللا ذكر معه كما يف اخلطب‬ ‫والتشهد والتأذين فال يصح ألحد خطبة وال تشهد وال أذان حىت يشهد أنه عبده ورسوله شهادة اليقني أغر عليه للنبوة‬ ‫خامت ‪ %‬من هللا ميمون يلوح ويشهد وضم اإلله اسم النيب إىل امسه ‪ %‬إذ قال يف اخلمس املؤذن أشهد وشق له من‬ ‫امسه ليجله ‪ %‬فذو العرش حممود وهذا حممد أرسله على حني فرتة من الرسل فهدى به إىل أقوم الطرق وأوضح السبل‬ ‫وافرتض على العباد حمبته وطاعته وتوقريه والقيام حبقوقه وسد إىل اجلنة مجيع الطرق فلم يفتح ألحد إال من طريقه فال‬ ‫مطمع يف الفوز جبزيل الثواب‬


‫والنجاة من وبيل العقاب إال ملن كان خلفه من السالكني وال يؤمن عبد حىت يكون احب إليه من نفسه وولده ووالده‬ ‫والناس أمجعني فصلى هللا ومالئكته وأنبياؤه ورسله ومجيع عباده املؤمنني عليه كما وحد هللا وعرف أمته به ودعا إليه صالة‬ ‫ال تروم عنه انتقاال وال حتويال وعلى آله الطيبني وصحبه الطاهرين وسلم تسليما كثريا أما بعد فإن هللا جل ثناؤه‬ ‫وتقدست أمساؤه جعل هذه القلوب أوعية فخريها أوعاها للخري والرشاد وشرها أوعاها للغي والفساد وسلط عليها اهلوى‬ ‫وامتحنها مبخالفته لتنال مبخالفته جنة املاؤى ويستحق من ال يصلح للجنة مبتابعته نارا تلظى وجعله مركب النفس األمارة‬ ‫بالسوء وقوهتا وغذاها وداء النفس املطمئنة وخمالفته دواها مث أوجب سبحانه وتعاىل على العبد يف هذه املدة القصرية اليت‬ ‫هي باإلضافة إىل اآلخرة كساعة من هنار أو كبلل ينال األصبع حني يدخلها يف حبر من البحار عصيان النفس األمارة‬ ‫وجمانبة هواها وردعها عن شهواهتا اليت يف نيلها رداها منعها من الركون إىل لذاهتا ومطالبة ما استدعته العيون الطاحمة‬ ‫بلحظاهتا لتنال نصيبها من كرامته وثوابه موفرا كامال وتلتذ آجال بأضعاف ما تركته هلل عاجال وأمرها بالصيام عن حمارمه‬ ‫ليكون فطرها عنده يوم لقائه وأخربها أن معظم هنار الصيام قد ذهب وأن عيد اللقاء قد اقرتب فال يطول عليها األمد‬ ‫باستبطائه كما قيل فما هي إال ساعة مث تنقضي ‪ %‬ويذهب هذا كله ويزول‬ ‫هيأها ألمر عظيم وأعدها خل طب جسيم وادخر هلا ماال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر على قلب بشر من النعيم‬ ‫املقيم واقتضت حكمته البالغة أهنا ال تصل إليه إال من طريق املكاره والنصب وال تعرب إليه إال على جسر املشقة والتعب‬ ‫فحجبه باملكروهات صيانة له عن األنفس الدنيات املؤثرة للرذائل والسفليات ومشرت إليه النفوس العلويات واهلمم‬ ‫العليات امتطت يف السري إليه ظهور العزمات فسارت يف ظهورها إىل أشرف الغايات وركب سروا والليل مرخ رواقه ‪%‬‬ ‫على كل مغرب املوارد قائم حدوا عزمات ضاعت األرض بينها ‪ %‬فصار سراهم يف ظهور العزائم أرهتم جنوم الليل ما‬ ‫يطلبونه ‪ %‬على عاتق الشعرى وهام النعائم فأموا محى ال ينبغي لسواهم ‪ %‬وما أخذهتم فيه لومة الئم أجابوا منادى‬ ‫احلبيب ملا أذن هلم حي على الفالح وبذلوا نفوسهم يف مرضاته بذل احملب بالرضا والسماح وواصلوا السري إليه بالغدو‬ ‫والرواح فحمدوا عند الوصول مسراهم وإمنا حيمد القوم السرى عند الصباح تعبوا قليال فاسرتاحوا طويال وتركوا حقريا‬ ‫واعتاضوا عظيما وضعوا اللذة العاجلة والعاقبة احلميدة يف ميزان العقل فظهر هلم التفاوت فرأوا من أعظم السفه بيع احلياة‬ ‫الطيبة الدائمة يف النعيم املقيم بلذة ساعة تذهب شهوهتا وتبقى شقوهتا‬ ‫هذا وإن من أي ام اللذات لو صفت للعبد من أول عمره إىل آخره لكانت كسحابة صيف تتقشع عن قليل وخيال‬ ‫طيف ما استتم الزيارة حىت آذن بالرحيل قال هللا تعاىل ^ أفرأيت إن متعناهم سنني مث جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغىن‬ ‫عنهم ما كانوا ميتعون ^ ومن ظفر مبأموله من ثواب هللا فكأنه مل يوتر من دهره مبا كان حياذره وخيشاه وكان عمر بن‬ ‫اخلطاب رضي هللا عنه يتمثل هبذا البيت من الشعر كأنك مل توتر من الدهر مرة ‪ %‬إذا أنت أدركت الذي أنت طالبه‬ ‫فصل وهذا مثرة العقل الذي به عرف هللا سبحانه وتعاىل وأمساؤه وصفات كماله ونعوت جالله وبه آمن املؤمنون بكتبه‬ ‫ورسله ولقائه ومالئكته وبه عرفت آيات ربوبيته وأدلة وحدانيته ومعجزات رسله وبه امتثلت أوامره واجتنبت نواهيه وهو‬ ‫الذي تلمح العواقب فراقبها وعمل مبقتضى مصاحلها وقاوم اهلوى فرد جيشه مفلوال وساعد الصرب حىت ظفر به بعد أن‬


‫كان بسهامه مقتوال وحث على الفضائل وهنى عن الرذائل وفتق املعاين وأدرك الغوامض وشد أزر العزم فاستوى على‬ ‫سوقه وقوى أزر احلزم حىت حظى من هللا بتوفيقه فاستجلب ما يزين ونفى ما يشني فإذا نزل وسلطانه أسر جنود اهلوى‬ ‫فحصرها يف حبس من ترك هلل شيئا عوضه هللا خريا منه وهنض بصاحبه إىل منازل امللوك إذا صري اهلوى امللك مبنزلة العبد‬ ‫اململوك فهي شجرة‬ ‫عرقها الفكر يف العواقب وساقها الصرب وأغصاهنا العلم وورقها حسن اخللق ومثرها احلكمة ومادهتا توفيق من أزمة األمور‬ ‫بيديه وابتداؤها منه وانتهاؤها إليه وإذا كان هذا وصفه فقبيح أن يدال عليه عدوه فيعزله عن مملكته وحيطه عن رتبته‬ ‫ويستنزله عن درجته فيصبح أسريا بعد أن كان أمريا وحمكوما بعد أن كان حاكما وتابعا بعد أن كان متبوعا ومن صرب على‬ ‫حكمه أرنعه يف رياض األماين واملىن ومن خرج عن حكمه أورده حياض اهلالك والردى قال علي بن أيب طالب رضي هللا‬ ‫عنه لقد سبق إىل جنات عدن أقوام ما كانوا بأكثر الناس صالة وال صياما وال حجا وال اعتمارا لكنهم عقلوا عن هللا‬ ‫مواعظه فوجلت منه قلوهبم واطمأنت إليه نفوسهم وخشعت له جوارحهم ففاقوا الناس بطيب املنزلة وعلو الدرجة عند‬ ‫الناس يف الدنيا وعند هللا يف اآلخرة وقال عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه ليس العاقل الذي يعرف اخلري من الشر ولكنه‬ ‫الذي يعرف خري الشرين وقالت عائشة رضي هللا عنها قد أفلح من جعل هللا له عقال وقال ابن عباس رضي هللا عنهما‬ ‫ولد لكسرى مولود فأحضر بعض املؤدبني ووضع الصىب بني يديه وقال ما خري ما أويت هذا املولود قال عقل يولد معه‬ ‫قال فإن مل يكن قال فأدب حسن يعيش به يف الناس قال فإن مل يكن قال فصاعقة حترقه وقال بعض أهل العلم ملا أهبط‬ ‫هللا تبارك وتعاىل آدم إىل األرض أتاه جربيل عليه السالم بثالثة أشياء الدين واخللق والعقل فقال إن هللا خيريك بني هذه‬ ‫الثالثة فقال يا جربيل ما رأيت أحسن من هؤالء إال يف‬ ‫اجلنة ومد ي ده إىل العقل فضمه إىل نفسه فقال لآلخرين اصعدا فقاال أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان فصارت الثالثة‬ ‫إىل آدم عليه السالم وهذه الثالثة أعظم كرامة أكرم هللا هبا عبده وأجل عطية أعطاه إياها وجعل هلا ثالثة أعداء اهلوى‬ ‫والشيطان والنفس األمارة واحلرب بينهما دول وسجال ^ وما النصر إال من عند هللا العزيز احلكيم ^ وقال وهب بن منبه‬ ‫قرأت يف بعض ما أنزل هللا تعاىل إن الشيطان مل يكابد شيئا أشد عليه من مؤمن عاقل وإنه ليسوق مائة جاهل‬ ‫فيستجرهم حىت يركب رقاهبم فينقادون له حيث شاء ويكابد املؤمن العاقل فيصعب عليه حىت ينال منه شيئا من حاجته‬ ‫قال وإزالة اجلبل صخرة صخرة أهون على الشيطان من مكابدة املؤمن العاقل فإذا مل يقدر عليه حتول إىل اجلاهل‬ ‫فيستأسره ويتمكن من قياده حىت يسلمه إىل الفضائح اليت يتعجل هبا يف الدنيا اجللد والرجم والقطع والصلب والفضيحة‬ ‫ويف اآلخرة العار والنار والشنار وإن ا لرجلني ليستويان يف الرب ويكون بينهما يف الفضل كما بني املشرق واملغرب بالعقل‬ ‫وما عبد هللا بشيء أفضل من العقل وقال معاذ بن جبل رضي هللا عنه لو أن العاقل أصبح وأمسى وله ذنوب بعدد الرمل‬ ‫كان وشيكا بالنجاة والتخلص منها ولو أن اجلاهل أصبح وأمسى وله من احلسنات وأعمال الرب عدد الرمل لكان وشيكا‬ ‫أن ال يسلم له منها مثقال ذرة قيل وكيف ذلك قال إن العاقل إذا زل تدارك ذلك بالتوبة والعقل الذي رزقه واجلاهل مبنزله‬ ‫الذي يبين ويهدم فيأتيه من جهله ما يفسد صاحل عمله وقال احلسن ال يتم دين الرجل حىت‬


‫يتم عقله وما أودع هللا امرأ عقال إال استنقذه به يوما وقال بعض احلكماء من مل يكن عقله أغلب األشياء عليه كان‬ ‫حتفه وهالكه يف أحب األشياء إليه وقال يوسف بن أسباط العقل سراج ما بطن وزينة ما ظهر وسائس اجلسد ومالك‬ ‫أمر العبد وال تصلح احلياة إال به وال تدور األمور إال عليه وقيل لعبدهللا بن املبارك ما أفضل ما أعطي الرجل بعد اإلسالم‬ ‫قال غريزة عقل قيل فإن مل يكن قال أدب حسن قيل فإن مل يكن قال أخ صاحل يستشريه قيل فإن مل يكن قال صمت‬ ‫طويل قيل فإن مل يكن قال موت عاجل ويف ذلك قيل ما وهب هللا المرئ هبة ‪ %‬أحسن من عقله ومن أدبه مها‬ ‫مجال الفىت فإن فقدا ‪ %‬ففقده للحياة أمجل به فصل وإذا كانت الدولة للعقل سامله اهلوى وكان من خدمه وأتباعه كما‬ ‫أن الدولة إذا كانت للهوى صار العقل أسريا يف يديه حمكوما عليه وملا كان العبد ال ينفك عن اهلوى ما دام حيا فإن هواه‬ ‫الزم له كان له األمر خبروجه عن اهلوى بالكلية كاملمتنع ولكن املقدور له واملأمور به أن يصرف هواه عن مراتع اهللكة إىل‬ ‫مواطن األمن والسالمة مثاله أن هللا سبحانه وتعاىل مل يأمره بصرف قلبه عن هوى النساء مجلة بل أمره بصرف ذلك‬ ‫اهلوى إىل نكاح ما طاب له منهن من واحدة إىل أربع ومن اإلماء ما شاء فانصرف جمرى اهلوى من حمل إىل حمل وكانت‬ ‫الريح دبورا فاستحالت صبا وكذلك هو الظفر والغلبة والقهر مل يأمر باخلروج عنه بل أمر بصرفه إىل الظفر والقهر والغلبة‬ ‫للباطل وحزبه وشرع له من أنواع املغالبات بالسباق وغريه‬ ‫مما ميرنه ويعده للظفر وكذلك هوى الكرب والفخر واخليالء مأذون فيه بل مستحب يف حماربة أعداء هللا وقد رأى النيب أبا‬ ‫دجانة مساك بن خرشة األنصاري يتبخرت بني الصفني فقال إهنا ملشية يبغضها هللا إال يف مثل هذا املوطن وقال إن من‬ ‫اخليالء ما حيبها هللا ومنها ما يبغض هللا فاليت حيبها اختيال الرجل يف احلرب وعند الصدقة وذكر احلديث فما حرم هللا‬ ‫على عباده شيئا إال عوضهم خريا منه كما حرم عليهم االستقسام باألزالم وعوضهم منه دعاء االستخارة وحرم عليهم‬ ‫الربا وعوضهم منه التجارة الراحبة وحرم عليهم القمار وأعاضهم منه أكل املال باملسابقة النافعة يف الدين باخليل واإلبل‬ ‫والسهام وحرم عليهم احلرير وأعاضهم منه أنواع املالبس الفاخرة من الصوف والكتان والقطن وحرم عليهم الزنا واللواط‬ ‫وأعاضهم منهما بالنكاح والتسري بصنوف النساء احلسان وحرم عليهم شرب املسكر وأعاضهم عنه باألشربة اللذيذة‬ ‫النافعة للروح والبدن وحرم عليهم مساع آالت اللهو من املعازف واملثاين وأعاضهم عنها بسماع القرآن والسبع املثاين وحرم‬ ‫عليهم اخلبائث من املطعومات وأعاضهم عنها باملطاعم الطيبات ومن تلمح‬ ‫هذا وتأمله هان عليه ترك اهلوى املردي واعتاض عنه بالنافع اجملدي وعرف حكمة هللا ورمحته ومتام نعمته على عباده فيما‬ ‫أمرهم به وهناهم عنه وفيما أباحه هلم وأنه مل يأمرهم مبا أمرهم به حاجة منه إليهم وال هناهم عنه خبال منه تعاىل عليهم بل‬ ‫أمرهم مبا أمرهم إحسانا منه ورمحة وهناهم عما هناهم عنه صيانة هلم ومحية فلذلك وضعنا هذا الكتاب وضع عقد الصلح‬ ‫بني اهلوى والعقل وإذا مت عقد الصلح بينهما سهل على العبد حماربة النفس والشيطان وهللا سبحانه املستعان وعليه‬ ‫التكالن فما كان فيه من صواب فمن هللا فهو املوفق له واملعني عليه وما كان فيه من خطإ فمين ومن الشيطان وهللا‬ ‫ورسوله من ذلك بريئان وقد جعلته تسعة وعشرين بابا‬ ‫الباب األول يف أمساء احملبة الباب الثاين يف اشتقاق هذه األمساء‬


‫ومعانيها الباب الثالث يف نسبة هذه األمساء بعضها إىل بعض‬ ‫الباب الرابع يف أن العامل العلوي والسفلي إمنا وجد باحملبة وألجلها‬ ‫الباب اخلامس يف دواعي احملبة ومتعلقها الباب السادس يف أحكام النظر وغائلته وما جيين على صاحبه‬ ‫الباب السابع يف ذكر مناظرة بني القلب والعني الباب الثامن يف ذكر الشبه‬ ‫اليت احتج هبا من أباح النظر إىل من ال حيل له االستمتاع به وأباح عشقه‬ ‫الباب التاسع يف اجلواب عما احتجت به هذه الطائفة وما هلا وما عليها يف‬ ‫هذا االحتجاج الباب العاشر يف ذكر حقيقة العشق وأوصافه وكالم الناس فيه‬ ‫الباب احلادي عشر يف العشق وهل هو اضطراري خارج عن االختيار أو أمر اختياري واختالف الناس يف ذلك وذكر‬ ‫الصواب فيه‬ ‫الباب الثاين عشر يف سكرة العشاق الباب الثالث عشر يف أن اللذة تابعة‬ ‫للمحبة يف الكمال والنقصان‬ ‫الباب الرابع عشر فيمن مدح العشق ومتناه وغبط صاحبه على ما أوتيه من مناه‬ ‫الباب اخلامس عشر فيمن ذم العشق وتربم به وما احتج به كل فريق على صحة مذهبه‬ ‫الباب السادس عشر يف احلكم بني الفريقني وفصل النزاع بني الطائفتني الباب‬ ‫السابع عشر يف استحباب ختري الصور اجلميلة للوصال الذي حيبه هللا ورسوله‬ ‫الباب الثامن عشر يف أن دواء احملبني يف كمال الوصال الذي أباحه رب‬ ‫العاملني الباب التاسع عشر يف ذكر فضيلة اجلمال وميل النفوس إليه على كل حال‬ ‫الباب العشرون يف عالمات احملبة وشواهدها الباب احلادي والعشرون يف‬ ‫اقتضاء احملبة إفراد احلبيب باحملب وعدم التشريك بينه وبني غريه فيه‬ ‫الباب الثاين والعشرون يف غرية احملبني على أحباهبم الباب الثالث‬ ‫والعشرون يف عفاف احملبني مع أحباهبم‬ ‫الباب الرابع والعشرون يف ارتكاب سبل احلرام وما يفضي إليه من املفاسد‬ ‫واآلالم‬ ‫الباب اخلامس والعشرون‬ ‫يف رمحة احملبني والشفاعة هلم إىل أحباهبم يف الوصال الذي يبيحه الدين‬ ‫الباب السادس والعشرون يف ترك احملبني أدىن احملبوبني رغبة يف أعالمها‬ ‫الباب السابع والعشرون فيمن ترك حمبوبه حراما فبذل له حالال أو أعاضه‬


‫هللا خريا منه الباب الثامن والعشرون فيمن آثر عاجل العقوبة واآلالم على لذة الوصال احلرام الباب التاسع والعشرون‬ ‫يف ذم اهلوى وما يف خمالفته من نيل املين ومسيته روضة احملبني ونزهة املشتاقني واملرغوب إىل من يقف على هذا الكتاب‬ ‫أن يعذر صاحبه فإنه علقه يف حال بعده عن وطنه وغيبته عن كتبه فما عسى أن يبلغ خاطره املكدود وسعيه اجملهود مع‬ ‫بضاعته املزجاة اليت حقيق حباملها أن يقال فيه تسمع باملعيدي خري من أن تراه وها هو قد نصب نفسه هدفا لسهام‬ ‫الراشقني وغرضا ألسنة الطاعنني فلقاريه غنمه وعلى مؤلفه غرمه وهذه بضاعته تعرض عليك وموليته هتدى إليك فإن‬ ‫صادفت كفؤا كرميا هلا لن تعدم منه إمساكا مبعروف أو تسرحيا بإحسان وإن صادفت غريه فاهلل تعاىل املستعان وعليه‬ ‫التكالن وقد رضي من مهرها بدعوة خالصة إن وافقت قبوال واستحسانا وبرد مجيل إن كان حظها احتقارا واستهجانا‬ ‫واملنصف يهب‬ ‫خطأ املخطىء إلصابته وسيئاته حلسناته فهذه سنةهللا يف عباده جزاء وثوابا ومن ذا الذي يكون قوله كله سديدا وعمله‬ ‫كله صوابا وهل ذلك إال املعصوم الذي ال ينطق عن اهلوى ونطقه وحي يوحى فما صح عنه فهو نقل مصدق عن قائل‬ ‫معصوم وما جاء عن غريه فثبوت األمرين فيه معدوم فإن صح النقل مل يكن القائل معصوما وإن مل يصح مل يكن وصوله‬ ‫إليه معلوما فصل وهذا الكتاب يصلح لسائر طبقات الناس فإنه يصلح عونا على الدين وعلى الدنيا ومرقاة للذة‬ ‫العاجلة ولذة العقىب وفيه من ذكر أقسام احملبة وأحكامها ومتعلقاهتا وصحيحها وفاسدها وآفاهتا وغوائلها وأسباهبا‬ ‫وموانعها وما يناسب ذلك من نكت تفسريية وأحاديث نبوية ومسائل فقهية وآثار سلفية وشواهد شعرية ووقائع كونية ما‬ ‫يكون ممتعا لقاريه مروحا للناظر فيه فإن شاء أوسعه جدا وأعطاه ترغيبا وترهيبا وإن شاء أخذ من هزله وملحه نصيبا فتارة‬ ‫يضحكه وتارة يبكيه وطورا يبعده من أسباب اللذة الفانية وطورا يرغبه فيها ويدنيه فإن شئت وجدته واعظا ناصحا وإن‬ ‫شئت وجدته بنصيبك من اللذة والشهوة ووصل احلبيب مساحما وهذا حني الشروع يف األبواب وهللا سبحانه الفاتح من‬ ‫اخلري كل باب وهو املسؤول سبحانه أن جيعله خالصا لوجهه الكرمي مدنيا من رضاه والفوز جبنات النعيم وهللا متويل سريرة‬ ‫العبد وكسبه وهو سبحانه عند لسان كل قائل وقلبه ^ وقل اعملوا فسريى هللا عملكم ورسوله واملؤمنون وسرتدون إىل‬ ‫عامل الغيب والشهادة فينبئكم مبا كنتم تعملون ^‬ ‫الباب األول يف أمساء احملبة ملا كان الفهم هلذا املسمى أشد وهو‬ ‫بقلوهبم أعلق كانت أمساؤه لديهم أكثر وهذا عادهتم يف كل ما اشتد الفهم له أو كثر خطوره على قلوهبم تعظيما له أو‬ ‫اهتماما به أو حمبة له فاألول كاألسد والسيف والثاين كالداهية والثالث كاخلمر وقد اجتمعت هذه املعاين الثالثة يف احلب‬ ‫فوضعوا له قريبا من ستني امسا وهي احملبة والعالقة واهلوى والصبوة والصبابة والشغف واملقة والوجد والكلف والتتيم‬ ‫والعشق واجلوى والدنف والشجو والشوق واخلالبة والبالبل والتباريح والسدم والغمرات والوهل والشجن والالعج‬ ‫واالكتئاب والوصب واحلزن والكمد واللذع واحلرق والسهد واألرق واللهف واحلنني واالستكانة والتبالة واللوعة والفتون‬ ‫واجلنون واللمم واخلبل والرسيس والداء املخامر والود واخللة واخللم والغرام واهليام والتدليه والوله والتعبد وقد ذكر له أمساء‬ ‫غري هذه وليست من أمسائه وإمنا هي من موجباته وأحكامه فرتكنا ذكرها‬


‫الباب الثاين يف اشتقاق هذه األمساء ومعانيها فأما احملبة فقيل أصلها‬ ‫الصفاء ألن العرب تقول لصفاء بياض األسنان ونضارهتا حبب األسنان وقيل مأخوذة من احلباب وهو ما يعلو املاء عند‬ ‫املطر الشديد فعلى هذا احملبة غليان القلب وثورانه عند االهتياج إىل لقاء احملبوب وقيل مشتقة من اللزوم والثبات ومنه‬ ‫أحب البعري إذا برك فلم يقم قال الشاعر حلت عليه بالفالة ضربا ‪ %‬ضرب بعري السوء إذ أحبا فكأن احملب قد لزم‬ ‫قل به حمبوبه فلم يرم عنه انتقاال وقيل بل هي مأخوذة من القلق واالضطراب ومنه مسي القرط حبا لقلقه يف األذن واضطرابه‬ ‫قال الشاعر تبيت احلية النضناض منه ‪ %‬مكان احلب تستمع السرارا وقيل بل هي مأخوذة من احلب مجع حبة وهو‬ ‫لباب الشيء وخالصه وأصله فإن احلب أصل النبات والشجر وقيل بل هي مأخوذة من احلب الذي هو إناء واسع يوضع‬ ‫فيه الشيء فيمتلئ به حبيث ال يسع غريه‬ ‫وكذلك قلب احملب ليس فيه سعة لغري حمبوبة وقيل مأخوذة من احلب وهو اخلشبات األربع اليت يستقر عليها ما يوضع‬ ‫عليها من جرة أو غريها فسمى احلب بذلك ألن احملب يتحمل ألجل حمبوبه األثقال كما تتحمل اخلشبات ثقل ما يوضع‬ ‫عليها وقيل بل هي مأخوذة من حبة القلب وهي سويداؤه ويقال مثرته فسميت احملبة بذلك لوصوهلا إىل حبة القلب‬ ‫وذلك قريب من قوهلم ظهره إذا أصاب ظهره ورأسه إذا أصاب رأسه ورآه إذا أصاب رئته وبطنه إذا أصاب بطنه ولكن يف‬ ‫هذه ا ألفعال وصل أثر الفاعل إىل املفعول وأما يف احملبة فاألثر إمنا وصل إىل احملب وبعد ففيه لغتان حب وأحب قال‬ ‫الشاعر أحب أبا مروان من أجل متره ‪ %‬وأعلم أن الرفق باملرء أرفق ووهللا لوال متره ما حببته ‪ %‬وال كان أدىن من‬ ‫عبيد ومشرق كذلك أنشده اجلوهري باإلقواء فجمع بني اللغتني ولكن يف جانب الفعل واسم الفاعل غلبوا الرباعي‬ ‫فقالوا أحبه حيبه فهو حمب ويف املفعلو غلبوا فعل فقالوا يف األكثر حمبوب ومل يقولوا حمب إال نادرا قال الشاعر ولقد‬ ‫نزلت فال تظين غريه ‪ %‬مين مبنزلة احملب املكرم‬ ‫فهذا من أفعل وأما حبيب فأكثر استعماهلم له مبعىن احملبوب قال الشاعر وما زرت ليلى أن تكون حبيبة ‪ %‬إيل وال‬ ‫دين هلا أنا طالبه وقد استعملوه مبعىن احملب قال الشاعر وما هجرتك النفس أنك عندها ‪ %‬قليل وال أن قل منك‬ ‫نصيبها ولكنهم يا أحسن الناس أولعوا ‪ %‬بقول إذا ما جئت هذا حبيبها فهذا حيتمل أن يكون مبعىن احملبوب وأن‬ ‫يكون مبعىن احملب وأما احلب بكسر احلاء فلغة يف احلب وغالب استعماله مبعىن احملبوب قال يف الصحاح احلب احملبة‬ ‫وكذلك احلب بالكسر واحلب أيضا احلبيب مثل خدن وخدين قلت وهذا نظري ذبح مبعىن مذبوح وهنب مبعىن منهوب‬ ‫ورشق مبعىن مرشوق ومنه السب ويشرتك فيه الفاعل واملفعول قال أبو عبيد السب بالكسر الكثري السباب قال اجلوهري‬ ‫وسبك الذي يسابك قال حسان ال تسبنين فلست بسيب ‪ %‬إن سيب من الرجال الكرمي والصواب أنه عبدالرمحن بن‬ ‫حسان وقد يشرتك فيه املصدر واملفعول حنو رزق ويف إعطائهم ضمة احلاء للمصدر سر لطيف فإن الكسرة أخف من‬ ‫الضمة واحملبوب أخف على قلوهبم من نفس احلب فأعطوا احلركة اخلفيفة لألخف والثقيلة لألثقل ويقال أحبه حبا وحمبة‬


‫واحملبة أم باب هذه األمساء فصل وأما كالم الناس يف حدها فكثري فقيل هي امليل الدائم بالقلب اهلائم وقيل إيثار احملبوب‬ ‫على مجيع املصحوب وقيل موافقة احلبيب‬ ‫يف املشهد واملغيب وقيل احتاد مراد احملب ومراد احملبوب وقيل إيثار مراد احملبوب على مراد احملب وقيل إقامة اخلدمة مع‬ ‫القيام باحلرمة وقيل استقالل الكثري منك حملبوبك واستكثار القليل منه إليك وقيل استيالء ذكر احملبوب على قلب احملب‬ ‫وقيل حقيق تها أن هتب كلك ملن أحببته فال يبقى لك منك شيء وقيل هي أن متحو من قلبك ما سوى احملبوب وقيل‬ ‫هي الغرية للمحبوب أن تنتقص حرمته والغرية على القلب أن يكون فيه سواه وقيل هي اإلرادة اليت ال تنقص باجلفاء وال‬ ‫تزيد بالرب وقيل هي حفظ احلدود فليس بصادق من ادعى حمبة من مل حيفظ حدوده وقيل هي قيامك حملبوبك بكل ما‬ ‫حيبه منك وقيل هي جمانبة السلو على كل حال كما قيل ومن كان من طول اهلوى ذاق سلوة ‪ %‬فإين من ليلي هلا غري‬ ‫ذائق وأكثر شيء نلته من وصاهلا ‪ %‬أماين مل تصدق كلمعة بارق وقيل نار حترق من القلب ما سوى مراد احملبوب‬ ‫وقيل ذكر احملبوب على عدد األنفاس كما قيل يراد من القلب نسيانكم ‪ %‬وتأىب الطباع على الناقل وقيل عمى‬ ‫القلب عن رؤية غري احملبوب وصممه عن مساع العذل فيه ويف احلديث حبك للشيء يعمي ويصم رواه اإلمام أمحد وقيل‬ ‫ميلك إىل احملبوب بكليتك مث إيثارك له على نفسك وروحك‬ ‫وما لك مث موافقتك له سرا وجهرا مث علمك بتقصريك يف حبه وقيل هي بذلك اجملهود فيما يرضى احلبيب وقيل هي‬ ‫سكون بال اضطراب واضطراب بال سكون فيضطرب القلب فال يسكن إال إىل حمبوبه فيضطرب شوقا إليه ويسكن عنده‬ ‫وهذا معىن قول بعضهم هي حركة القلب على الدوام إىل احملبوب وسكونه عنده وقيل هي مصاحبة احملبوب على الدوام‬ ‫كما قيل ومن عجب أين أحن إليهم ‪ %‬وأسأل عنهم من لقيت وهم معي وتطلبهم عيين وهم يف سوادها ‪%‬‬ ‫ويشتاقهم قليب وهم بني أضلعي وقيل هي أن يكون احملبوب أقرب إىل احملب من روحه كما قيل يا مقيما يف خاطري‬ ‫وجناين ‪ %‬وبعيدا عن ناظري وعياين أنت روحي إن كنت لست أراها ‪ %‬فهي أدىن إيل من كل داين وقيل هي‬ ‫حضور احملبوب عند احملب دائما كما قيل خيالك يف عيين وذكرك يف فمي ‪ %‬ومثواك يف قليب فأين تغيب وقيل هي‬ ‫أن يستوي قرب دار احملبوب وبعدها عند احملب كما قيل يا ثاويا بني اجلوانح واحلشى ‪ %‬مين وإن بعدت علي‬ ‫دياره عطفا على صب حيبك هائم ‪ %‬إن مل تصله تصدعت أعشاره ال يستفيق من الغرام وكلما ‪ %‬حجبوك عنه‬ ‫هتتكت أستاره‬ ‫وقيل هي ثبات القلب على أحكام الغرام واستلذاذ العذل فيه واملالم كما قيل وقف اهلوى يب حيث أنت فليس يل‬ ‫‪ %‬متأخر عنه وال متقدم وأهنتين فأهنت نفسي جاهدا ‪ %‬ما من يهون عليك ممن يكرم أشبهت أعدائي فصرت‬ ‫أحبهم ‪ %‬إذ كان حظي منك حظي منهم أجد املالمة يف هواك لذيذة ‪ %‬حبا لذكرك فليلمين اللوم فصل وأما العالقة‬ ‫وتسمى العلق بوزن الفلق فهي من أمسائها قال اجلوهري والعلق أيضا اهلوى يقال نظرة من ذي علق قال الشاعر ولقد‬ ‫أردت الصرب عنك فعلقين ‪ %‬علق بقليب من هواك قدمي وقد علقها بالكسر وعلق حبها بقلبه أي هويها وعلق هبا علوقا‬ ‫ومسيت عالقة لتعلق القلب باحملبوب قال الشاعر أعالقة أم الوليد بعدما ‪ %‬أفنان رأسك كالثغام املخلس فصل وأما‬


‫اهلوى فهو ميل النفس إىل الشيء وفعله هوي يهوى هوى مثل عمي يعمى عمى وأما هوى يهوي بالفتح فهو السقوط‬ ‫ومصدره اهلوي‬ ‫بالضم ويقال اهلوى أيضا على نفس احملبوب قال الشاعر إن اليت زعمت فؤادك ملها ‪ %‬خلقت هواك كما خلقت‬ ‫هوى هلا ويقال هذا هوى فالن وفالنة هواه أي مهويته وحمبوبته وأكثر ما يستعمل يف احلب املذموم كما قال هللا تعاىل‬ ‫^ وأما من خاف مقام ربه وهنى النفس عن اهلوى فإن اجلنة هي املأوى ^ ويقال إمنا مسى هوى ألنه يهوي بصاحبه وقد‬ ‫يستعمل يف احلب املمدوح استعماال مقيدا ومنه قول النيب ال يؤمن أحدكم حىت يكون هواه تبعا ملا ئت به ويف‬ ‫الصحيحني عن عروة قال كانت خولة بنت حكيم من الالئي وهنب أنفسهم للنيب فقالت عائشة رضي هللا عنها أما‬ ‫تستحي املرأة أن هتب نفسها للرجل فلما نزلت ^ ترجي من تشاء منهن ^ قلت يا رسول هللا ما أرى ربك إال يسارع يف‬ ‫هواك ويف قصة أسارى بدر قال عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه فهوي رسول هللا ما قال أبو بكر رضي هللا عنه ومل يهو ما‬ ‫قلت وذكر احلديث ويف السنن أن أعرابيا قال للنيب جئت أسألك عن اهلوى فقال املرء مع من أحب‬ ‫فصل وأما الصبوة والصبا فمن أمسائها أيضا قال يف الصحاح والصبا من الشوق يقال منه تصابا وصبا يصبو صبوة‬ ‫وصبوا أي ما ل إىل اجلهل وأصبته اجلارية وصيب صباء مثل مسع مساعا أي لعب مع الصبيان قلت أصل الكلمة من امليل‬ ‫يقال صبا إىل كذا أي مال إليه ومسيت الصبوة بذلك مليل صاحبها إىل املرأة الصبية واجلمع صبايا مثل مطية ومطايا‬ ‫والتصايب هو تعاطي الصبوة مثل التمايل وبابه والفرق بني الصبا والصبوة والتصايب أن التصايب هي تعاطي الصبا وأن تفعل‬ ‫فعل ذي الصبوة وأما الصبا فهو نفس امليل وأما الصبوة فاملرة من ذلك مثل الغشوة والكبوة وقد يقال على الصفة الالزمة‬ ‫مثل القسوة وقد قال يوسف الصديق عليه السالم ^ وإال تصرف عين كيدهن أصب إليهن وأكن من اجلاهلني ^‬ ‫فصل وأما الصبابة فقال يف الصحاح هي رقة الشوق وحرارته يقال رجل صب عاشق مشتاق وقد صببت يا رجل‬ ‫بالكسر قال الشاعر ولست تصب إلىالظاعنني ‪ %‬إذا ما صديقك مل يصبب قلت والصبابة من املضاعف من صب‬ ‫يصب والصبا والصبوة من املعتل وهم كثريا ما يعاقبون بينهما فبينهما تناسب لفظي ومعنوي قال الشاعر تشكى احملبون‬ ‫الصبابة ليتين ‪ %‬حتملت ما يلقون من بينهم وحدي‬ ‫ويقال رجل صب وامرأة صب كما يقال رجل عدل وامرأة عدل فصل وأما الشغف فمن أمسائها أيضا قال هللا تعاىل‬ ‫^ قد شغفها حبا ^ قال اجلوهري وغريه والشغاف غالف القلب وهو جلدة دونه كاحلجاب يقال شغفه احلب أي بلغ‬ ‫شغافه وقرأ ابن عباس رضي هللا عنهما ^ قد شغفها حبا ^ مث قال دخل حبه حتت الشغاف فصل وأما الشعف بالعني‬ ‫املهملة ففي الصحاح شعفه احلب أي أحرق قلبه وقال أبو زيد أمرضه وقد شعف بكذا فهو مشعوف وقرأ احلسن قد‬ ‫شعفها حبا قال بطنها حبا فصل وأما املقة فهي فعلة من ومق ميق واملقة احملبة واهلاء عوض من الواو كالعظة والعدة‬ ‫والزنة فإن أصلها فعل فحذفوا الفاء فعوضوا منها تاء التأنيث جربا للكلمة وتعويضا ملا سقط منها والفعل ومقه ميقه‬ ‫بالكسر فيهما أي أحبه فهو وامق فصل وأما الوجد فهو احلب الذي يتبعه احلزن وأكثر ما يستعمل الوجد يف احلزن‬


‫يقال منه وجد وجدا بالفتح وحنن نذكر هذه املادة وتصاريفها يقال وجد مطلوبه جيده وجودا فإن تعلق ذلك بالضالة مسوه‬ ‫وجدانا‬ ‫ووجد عليه يف الغضب موجدة ووجد يف احلزن وجدا بالفتح ووجد يف املال أي صار واجدا وجدا ووجدا ووجدا بالفتح‬ ‫والضم والكسر وجدة إذا استغىن وأما إطالق اسم الوجد على جمرد مطلق احملبة فغري معروف وإمنا يطلق على حمبة معها‬ ‫فقد يوجب احلزن فصل وأما الكلف فهو من أمساء احلب أيضا يقال كلفت هبذا األمر أي أولعت به فأنا كلف به قال‬ ‫الشاعر فتعلمي أن قد كلفت بكم ‪ %‬مث اصنعي ما شئت عن علم وأصل اللفظة من الكلفة واملشقة يقال كلفه‬ ‫تكليفا إذا أمره مبا يشق قال هللا تعاىل ^ ال يكلف هللا نفسا إال وسعها ^ ومنه تكلفت األمر جتشمته والكلفة ما يتكلف‬ ‫من نائبة أو حق واملتكلف املتعرض ملا ال يعنيه قال هللا تعاىل ^ قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من املتكلفني ^‬ ‫وقيل هو مأخوذ من األثر وهو شيء يعلو الوجه كالسمسم والكلف أيضا لون بني السواد واحلمرة وهي محرة كدرة تعلو‬ ‫الوجه واالسم الكلفة فصل وأما التتيم فهو التعبد قال يف الصحاح تيم هللا أي عبدهللا وأصله‬ ‫من قوهلم تيمه احلب إذا عبده وذهلل فهو متيم ويقال تامته املرأة قال لقيط بن زرارة تامت فؤادك لو حيزنك ما صنعت‬ ‫‪ %‬إحدى نساء بين ذهل بن شيبانا فصل وأما العشق فهو أمر هذه األمساء وأخبثها وقل ما ولعت به العرب وكأهنم‬ ‫سرتوا امسه وكنوا عنه هبذه األمساء فلم يكادوا يفصحوا به وال تكاد جتده يف شعرهم القدمي وإمنا أولع به املتأخرون ومل يقع‬ ‫هذا اللفظ يف القرآن وال يف السنة إال يف حديث سويد بن سعيد وسنتكلم عليه إن شاء هللا تعاىل وبعد فقد استعملوه يف‬ ‫كالمهم قال الشاعر وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا ‪ %‬سوى أن يقولوا إنين لك عاشق نعم صدق الواشون أنت‬ ‫حبيبة ‪ %‬إيل وإن مل تصف منك اخلالئق قال يف الصحاح العشق فرط احلب وقد عشقها عشقا مثل علم علما وعشقا‬ ‫أيضا عن الفراء قال رؤبة ومل يضعها بني فرك وعشق ‪ %‬قال ابن السراج إمنا حركه ضرورة وإمنا مل حيركه بالكسر إتباعا‬ ‫للعني كأنه كره اجلمع بني كسرتني فإن هذا عزيز يف ا ألمساء ورجل عشيق مثل فسيق أي كثري العشق والتعشق تكلف‬ ‫العشق قال الفراء يقولون امرأة حمب لزوجها وعاشق وقال ابن سيده العشق عجب احملب باحملبوب يكون يف عفاف احلب‬ ‫ودعارته يعين يف العفة والفجور وقيل العشق االسم‬ ‫والعشق املصدر وقيل هو مأخوذ من شجرة يقال هلا عاشقة ختضر مث تدق وتصفر قال الزجاج واشتقاق العاشق من ذلك‬ ‫وقال الفراء عشق عشقا وعشقا إذا أفرط يف احلب والعاشق الفاعل واملعشوق املفعول والعشيق يقال هلذا وهلذا وامرأة‬ ‫عاشق وعاشقة قال ولذ كطعم الصرخدي طرحته ‪ %‬عشية مخس القوم والعني عاشقه وقال الفراء العشق نبت لزج‬ ‫ومسي العشق الذي يكون من اإلنسان للصوقه بالقلب وقال ابن األعرايب العشقة اللبالبة ختضر وتصفر وتعلق بالذي يليها‬ ‫من األشجار فاشتق من ذلك العاشق وقد اختلف الناس هل يطلق هذا االسم يف حق هللا تعاىل فقالت طائفة من‬ ‫الصوفية ال بأس بإطالقه وذكروا فيه أثرا ال يثبت وفيه فإذا فعل ذلك عشقين وعشقته وقال مجهور الناس ال يطلق ذلك يف‬ ‫حقه سبحانه وتعاىل فال يقال إنه يعشق وال يقال عشقه عبده مث اختلفوا يف سبب املنع على ثالثة أقوال أحدها عدم‬


‫التوقيف خبالف احملبة الثاين أن العشق إفراط احملبة وال ميكن ذلك يف حق الرب تعاىل فإن هللا تعاىل ال يوصف باإلفراط‬ ‫يف الشيء وال يبلغ عبده ما يستحقه من حبه فضال أن يقال أفرط يف حبه الثالث أنه مأخوذ من التغري‬ ‫كما يقال للشجرة املذكورة عاشقة وال يطلق ذلك على هللا سبحانه وتعاىل فصل وأما اجلوى ففي الصحاح اجلوى احلرقة‬ ‫وشدة الوجد من عشق أو حزن تقول منه جوي الرجل بالكسر فهو جو مثل دو ومنه قيل للماء املتغري املننت جو قال‬ ‫الشاعر مث كان املزاج ماء سحاب ‪ %‬ال جو آجن وال مطروق فصل وأما الدنف فال تكاد تستعمله العرب يف احلب‬ ‫وإمنا ولع به املتأخرون وإمنا استعملته العرب يف املرض قال يف الصحاح الدنف بالتحريك املرض املالزم رجل دنف أيضا‬ ‫يعين بفتح النون وامرأة دنف وقوم دنف يستوي فيه املذكر واملؤنث والتثنية واجلمع فإن قلت رجل دنف بكسر النون قلت‬ ‫امرأة دنفة أنثت وثنيت ومجعت وقد دنف املريض بالكسر ثقل وأدنف باأللف مثله وأدنفه املرض يتعدى وال يتعدى فهو‬ ‫مدنف ومدنف قلت وكأهن م استعاروا هذا االسم للحب الالزم تشبيها له به وهللا أعلم فصل وأما الشجو فهو حب يتبعه‬ ‫هم وحزن قال يف الصحاح الشجو اهلم واحلزن يقال شجاه يشجوه شجوا إذا أحزنه وأشجاه يشجيه إشجاء‬ ‫إذا أغصه تقول منها مجيعا شجي بالكسر يشجى شجى قال الشاعر ال تنكروا القتل وقد سبينا ‪ %‬يف حلقكم عظم‬ ‫وقد شجينا أراد حلوقكم واشجى ما ينشب يف احللق من عظم أو غريه ورجل شج أي حزين وامرأة شجية على فعلة‬ ‫فأطلق هذا االسم على احلب للزومه كالشجى الذي يعلق باحللق وينشب فيه فصل وأما الشوق فهو سفر القلب إىل‬ ‫احملبوب وقد وقع هذا االسم يف السنة ففي املسند من حديث عمار بن ياسر أنه صلى صالة فأوجز فيها فقيل له أوجزت‬ ‫يا أبا اليقظان فقال لقد دعوت فيها بدعوات مسعتهن من رسول هللا يدعو هبن اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على اخللق‬ ‫أحبين إذا كانت احلياة خريا يل وتوفين إذا كانت الوفاة خريا يل وأسألك خشيتك يف الغيب والشهادة وأسألك كلمة احلق‬ ‫يف الغضب والرضا وأسألك القصد يف الفقر والغىن وأسألك نعيما ال ينفد وأسألك قرة عني ال تنقطع وأسألك الرضا بعد‬ ‫القضاء وأسألك برد العيش بعد املوت وأسألك لذة النظر إىل وجهك والشوق إىل لقائك يف غري ضراء مضرة وال فتنة‬ ‫مضلة اللهم زينا بزي نة اإلميان واجعلنا هداة مهتدين وجاء يف أثر إسرائيلي طال شوق األبرار إىل لقائي وأنا إىل لقائهم‬ ‫أشوق وقد قال هللا تعاىل ^ من كان يرجو لقاء هللا فإن أجل هللا آلت ^ قال بعض العارفني‬ ‫ملا علم هللا شوق احملبني إىل لقائه ضرب هلم موعدا للقاء تسكن به قلوهبم وبعد فهذه اللفظة من أمساء احلب قال يف‬ ‫الصحاح الشوق واالشتياق نزاع النفس إىل الشيء يقال شاقين الشيء يشوقين فهو شائق وأنا مشوق وشوقين فتشوقت‬ ‫إذا هيج شوقك قال الراجز يا دار مية بالدكاديك الربق ‪ %‬سقيا لقد هيجت شوق املشتأق يريد املشتاق قال سيبويه‬ ‫مهز ما ليس مبهموز ضرورة فصل واختلف يف الفرق بني الشوق واالشتياق أيهما أقوى فقالت طائفة الشوق أقوى فإنه‬ ‫صفة الزمة واالشتياق فيه نوع افتعال كما يدل عليه بناؤه كاالكتساب وحنوه وقالت فرقة االشتياق أقوى لكثرة حروفه‬ ‫وكلما قوي املعىن وزاد زادوا حروفه وحكمت فرقة ثالثة بني القولني وقالت االشتياق يكون إىل غائب وأما الشوق فإنه‬ ‫يكون للحاضر والغائب والصواب أن يقال الشوق مصدر شاقه يشوقه إذا دعاه إىل االشتياق إليه فالشوق داعية‬ ‫االشتياق ومبداه واالشتياق موجبه وغايته فإنه يقال شاقين فاشتقت فاالشتياق فعل مطاوع لشاقين واختلف أرباب‬


‫الشوق هل يزول الشوق بالوصال أو يزيد فقالت طائفة يزول فإن الشوق سفر القلب إىل احملبوب فإذا وصل إليه انتهى‬ ‫السفر وألقت عصاها واستقر هبا النوى ‪ %‬كما قر عينا باإلياب املسافر‬ ‫قالوا وألن الشوق إمنا يكون لغائب فال معىن له مع احلضور وهلذا إمنا يقال للغائب أنا إليك مشتاق وأما من مل يزل‬ ‫حاضرا مع احملب فال يوصف بالشوق إليه وقالت طائفة بل يزيد بالقرب واللقاء واستدلوا بقول الشاعر وأعظم ما يكون‬ ‫الشوق يوما ‪ %‬إذا دنت اخليام من اخليام قالوا وألن الشوق هو حرقة احملبة والتهاب نارها يف قلب احملب وذلك مما‬ ‫يزيده القرب واملواصلة والصواب أن الشوق احلادث عند اللقاء واملواصلة غري النوع الذي كان عند الغيبة عن احملب قال‬ ‫ابن الرومي أعانقها والنفس بعد مشوقة ‪ %‬إليها وهل بعد العناق تداين وألثم فاها كي تزول صبابيت ‪ %‬فيشتد ما‬ ‫ألقى من اهليمان ومل يك مقدار الذي يب من اجلوى ‪ %‬ليشفيه ما ترشف الشفتان كأن فؤادي ليس يشفي غليله ‪%‬‬ ‫سوى أن يرى الروحني متتزجان فصل وأما اخلالبة فهي احلب اخلادع وهو احلب الذي وصل إىل اخللب وهو احلجاب‬ ‫الذي بني القلب وسواد البطن ومسى احلب خالبة ألنه خيدع ألباب أربابه واخلالبة اخلديعة باللسان يقال خلبه خيلبه‬ ‫بالضم واخت لبه مثله ويف املثل إذا مل تغلب فاخلب أي فاخدع واخللبة اخلداعة من النساء قال الشاعر أودى الشباب‬ ‫وحب اخلالة اخللبة ‪ %‬وقد برئت فما بالقلب من قلبه‬ ‫قال ابن السكيت رجل خالب أي خداع كذاب ومنه الربق اخللب الذي ال غيث فيه كأنه خادع ومنه قيل ملن يعد وال‬ ‫ينجز إمن ا أنت برق خلب واخللب أيضا السحاب الذي ال مطر فيه ومنه احلديث إذا بايعت فقل ال خالبة أي ال خديعة‬ ‫واحلب أحق ما يسمى هبذا االسم ألنه يعمي ويصم وخيدع لب احملب وقلبه فصل وأما البالبل فجمع بلبلة يقال بالبل‬ ‫احلب وبالبل الشوق وهي وساوسه ومهه قال يف الصحاح البلبلة والبلبال اهلم ووسواس الصدر فصل وأما التباريح فيقال‬ ‫تباريح احلب وتباريح الشوق وتباريح اجلوى وبرح به احلب والشوق إذا اصابه منه الربح وهو الشدة قال يف الصحاح لقيت‬ ‫منه برحا بارحا أي شدة وأذى قال الشاعر أجد هذا عمرك هللا كلما ‪ %‬دعاك اهلوى برح لعينيك بارح ولقيت منه‬ ‫بنات برح وبين برح ولقيت منه الربحني والربحني بكسر الباء وضمها أي الشدائد والدواهي فصل وأما السدم بالتحريك‬ ‫فهو احلب الذي يتبعه ندم وحزن قال يف الصحاح السدم بالتحريك الندم واحلزن وقد سدم بالكسر ورجل نادم سادم‬ ‫وندمان سدمان وهو إتباع وما له هم وال سدم إال ذاك‬ ‫فصل وأما الغمرات فهي مجع غمرة والغمرة ما يغمر القلب من حب أو سكر أو غفلة قال هللا تعاىل ^ قتل اخلراصون‬ ‫الذين هم يف غمرة ساهون ^ أي يف غفلة قد غمرت قلوهبم وقال تعاىل ^ فذرهم يف غمرهتم حىت حني ^ ومنه املاء‬ ‫الغمر الكثري الذي يغطي من دخل فيه ومنه غمرات املوت أي شدائده وكذلك غمرات احلب وهو ما يغطي قلب احملب‬ ‫فيغمره ومنه قوهلم رجل غمر الرداء كناية عن السخاء ألنه يغمر العيوب أي يغطيها فال يظهر مع السخاء عيب قال‬ ‫كثري غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا ‪ %‬غلقت لضحكته رقاب املال وقال القطامي يصف سفينة نوح إىل اجلودي‬ ‫حىت صار حجرا ‪ %‬وكان لذلك الغمر احنسار أي لذلك املاء الذي غمر األرض ومن عليها فصل وأما الوهل فهو‬ ‫بتحريك اهلاء وأصله الفزع والروع يقال وهل يوهل وهو وهل ومستوهل قال القطامي يصف إبال‬


‫وترى جليضتهن عند رحيلنا ‪ %‬وهال كأن هبن جنة أولق وإمنا كان الوهل من أمساء احلب ملا فيه من الروع ومنه يقال‬ ‫مجال رائع فإن قيل ما سبب روعة اجلمال وألي شيء إذا رأى احملب حمبوبه فجأة يرتاع لذلك ويصفر لونه ويبهت قال‬ ‫الشاعر وما هو إال أن أراها فجاءة ‪ %‬فأهبت حىت ال أكاد أجيب وكثري من الناس يرى حمبوبه فيصفر ويرتعد قيل‬ ‫هذا مما خفي سببه على أكثر احملبني فال يدرون ما سببه فقيل سببه أن اجلمال سلطان على القلوب وإذا بدا راع القلوب‬ ‫بسلطانه كما يروعها امللك وحنوه ممن له سلطان على األبدان فسلطان اجلمال واحملبة على القلوب وسلطان امللوك على‬ ‫األبدان فإذا كان السلطان الذي على األبد ان يروع إذا بدا فكيف بالسلطان الذي هو أعظم منه قالوا وأيضا فإن اجلمال‬ ‫يأسر القلب فيحس القلب بأنه أسري وال بد لتلك الصورة اليت بدت له فريتاع كما يرتاع الرجل إذا أحس مبن يأسره وهلذا‬ ‫إذا أمن الناظر من ذلك مل حتصل له هذه الروعة قال الشاعر عالمة من كان اهلوى بفؤاده ‪ %‬إذا ما رأى حمبوبه يتغري‬ ‫فصل وأما الشجن فهو من أمسائه فإن الشجن احلاجة حيث كانت وحاجة احملب أشد شيء إىل حمبوبه قال الراجز‬ ‫إين سأبدي لك فيما أبدي ‪ %‬يل شجنان شجن بنجد وشجن يل ببالد السند ‪ %‬واجلمع شجون قال والنفس‬ ‫شىت شجوهنا وجيمع على أشجان قال الشاعر حتمل أصحايب ومل جيدوا وجدي ‪ %‬وللناس أشجان ويل شجن‬ ‫وحدي قد شجنتين احلاجة تشجنين شجنا إذا حبستك ووجه آخر أيضا وهو أن الشجن احلزن واجلمع أشجان وقد‬ ‫شجن بالكسر فهو شاجن وأشجنه غريه وشجنه أي أحزنه واحلب فيه األمران هذا وهذا فصل وأما الالعج فهو اسم‬ ‫فاعل من قوهلم لعجه الضرب إذا آمله وأحرق جلده قال اهلذيل ضربا أليما بسبت يلعج اجللدا ‪ %‬ويقال هو العج‬ ‫حلرقة الفؤاد من احلب فصل وأما االكتئاب فهو افتعال من الكآبة وهي سوء احلال واالنكسار من احلزن وقد كئب‬ ‫الرجل يكأب كأبة وكآبة كرأفة ورآفة ونشأة‬ ‫ونشاءة فهو كئيب وامرأة كئيبة وكأباء أيضا قال الراجز أو أن ترى كأباء مل ترب نشقي ‪ %‬واكتأب الرجل مثله ورماد‬ ‫مكتئب اللون إذا ضرب إىل السواد كما يكون وجه الكئيب والكآبة تتولد من حصول احلب وفوت احملبوب فتحدث‬ ‫بينهما حالة سيئة تسمى الكآبة فصل وأما الوصب فهو أمل احلب ومرضه فإن أصل الوصب املرض وقد وصب الرجل‬ ‫يوصب فهو وصب وأوصبه هللا فهو موصب واملوصب بالتشديد الكثري األوجاع ويف احلديث الصحيح ال يصيب املؤمن‬ ‫من هم وال وصب حىت الشوكة يشاكها إال كفر هللا هبا من خطاياه ووصب الشيء يصب وصوبا إذا دام تقول وصب‬ ‫الرجل على األمر إ ذا داوم عليه قال هللا تعاىل ^ وهلم عذاب واصب ^ وقال تعاىل ^ وله الدين واصبا ^ أي الطاعة‬ ‫دائمة فصل وأما احلزن فقد عد من أمساء احملبة والصواب أنه ليس من أمسائها وإمنا هو حالة حتدث للمحب وهي ورود‬ ‫املكروه عليه وهو خالف املسرة وملا كان احلب ال خيلو من ورود ماال يسر على قلب احملب كان احلزن من لوازمه‬ ‫ويف احلديث الصحيح أن النيب كان يقول اللهم إين أعوذ بك من اهلم واحلزن والعجز والكسل واجلنب والبخل وضلع الدين‬ ‫وغلبة الرجال فاستعاذ من مثانية أشياء كل شيئني منهما قرينان فاهلم واحلزن قرينان فإن ورود املكروه على القلب إ نكان‬ ‫ملا مضى فهو احلزن وإن كان ملا يستقبل فهو اهلم والعجز والكسل قرينان فإن ختلف العبد عن كماله إن كان من عدم‬


‫القدرة فهو العجز وإن كان من عدم اإلرادة فهو الكسل واجلنب والبخل قرينان فإن الرجل يراد منه النفع مباله أو ببدنه‬ ‫فاجلبان ال ينفع ببدنه والبخيل ال ينفع مباله وضلع الدين وغلبة الرجال قرينان فإن قهر الناس نوعان نوع حبق فهو ضلع‬ ‫الدين ونوع بباطل فهو غلبة الرجال وقد نفى هللا سبحانه وتعاىل عن أهل اجلنة اخلوف واحلزن فال حيزنون على ما مضى‬ ‫وال خيافون مما يأيت وال يطيب العيش إال بذلك واحلب يلزمه اخلوف واحلزن فصل وأما الكمد فمن أحكام احملبة يف‬ ‫احلقيقة وليس من أمسائها ولكن املتكلمون يف هذا الباب ال يفرقون بني اسم الشيء والزمه وحكمه والكمد احلزن املكتوم‬ ‫تقول منه كمد الرجل فهو كمد وكميد والكمدة تغري اللون وأكمد القصار الثوب إذا مل ينقه فصل وأما اللذع فهو من‬ ‫أحكام احملبة أيضا وأصله من لذع النار يقال‬ ‫لذعته النار لذعا أحرقته مث شبهوا لذع اللسان بلذع النار فقالوا لذعه بلسانه أي أحرقه بكالمه يقال أعوذ باهلل من لواذعه‬ ‫فصل وأما احلرق فهي أيضا من عوارض احلب وآثاره واحلرقة تكون من احلب تارة ومنه قوهلم مالك حرقة على هذا‬ ‫األمر وتكون من الغيظ ومنه يف احلديث تركتهم يتحرقون عليكم فصل وأما السهد فهو أيضا من آثار احملبة ولوازمها‬ ‫فالسهاد األرق وقد سهد الرجل بالكسر يسهد سهدا والسهد بضم السني واهلاء القليل النوم قال أبو كبري اهلذيل فأتت‬ ‫به حوش اجلنان مبطنا ‪ %‬سهدا إذا ما نام ليل اهلوجل وسهدته أنا فهو مسهد ‪ %‬فصل وأما األرق فهو أيضا من آثار‬ ‫احملبة ولوازمها فإنه السهر وقد أرقت بالكسر أي سهرت وكذلك ائرتقت على افتعلت فأنا أرق وأرقين كذا تأريقا أي‬ ‫سهرين فصل وأما اللهف فمن أحكامها وآثارها أيضا يقال هلف بالكسر يلهف‬ ‫هلفا أي حزن وحتس ر وكذلك التلهف على الشيء وقوهلم يا هلف فالن كلمة يتحسر هبا على ما فات واللهفان املتحسر‬ ‫واللهيف املضطر فصل وأما احلنني فقال يف الصحاح احلنني الشوق وتوقان النفس تقول منه حن إليه حين حنينا فهو‬ ‫حان واحلنان الرمحة تقول منه حن عليه حين حنانا ومنه قوله تعاىل ^ وحنانا من لدنا ^ وحتنن عيه ترحم والعرب تقول‬ ‫حنانك يا رب وحنانيك مبعىن واحد أي رمحتك قال امرؤ القيس ومينحها بنو مشجى بن جرم ‪ %‬معيزهم حنانك ذا‬ ‫احلنان وقال طرفة أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ‪ %‬حنانيك بعض الشر أهون من بعض ويف احلقيقة احلنني من‬ ‫آثار احلب وموجباته وحنني الناقة صوهتا يف نزاعها إىل ولدها وحنة الرجل امرأته قال وليلة ذات دجى سريت ‪ %‬ومل‬ ‫تضرين حنة وبيت قلت مسيت حنة ألن الرجل حين إليها أين كان فصل وأما االستكانة فهي أيضا من لوازم احلب‬ ‫وأحكامه ال من أمسائه املختصة‬ ‫به وأصلها اخلضوع قال هللا ت عاىل ^ فما استكانوا لرهبم وما يتضرعون ^ وقال تعاىل ^ فما وهنوا ملا أصاهبم يف سبيل هللا‬ ‫وما ضعفوا وما استكانوا ^ وأصلها استفعل من الكون وهذا االشتقاق والتصريف يطابق اللفظ وأما املعىن فاملستكن‬ ‫ساكن خاشع ضد الطائش ولكن ال يوافق السكون تصريف اللفظة فإنه إن كان افتعل كان ينبغي أن يقال استكن ألنه‬ ‫ليس يف كالمهم افتعال واحلق أنه استفعل من الكون فنقلوا حركة الواو إىل الكاف قبلها فتحركت الواو أصال وانفتح ما‬ ‫قبلها تقديرا فقلبت ألفا كاستقام والكون احلالة اليت فيها إنابة وذل وخضوع وهذا حيمد إذا كان هلل ويذم إذا كان لغريه‬ ‫ومنه احلديث أعوذ بك من احلور بعد الكور أي الرجوع عن االستقامة بعد ما كنت عليها فصل وأما التبالة فهي فعالة‬


‫من تبله إذا أفناه قال اجلوهري تبلهم الدهر وأتبلهم إذا أفناهم قال األعشى أأن رأت رجال أعشى أضر به ‪ %‬ريب‬ ‫الزمان ودهر متبل خبل أي يذهب باألهل والول د وتبله احلب أي أسقمه وأفسده قلت ومنه قول كعب بن زهري بن أيب‬ ‫سلمى بانت سعاد فقليب اليوم متبول ‪ %‬متيم عندها مل يفد مكبول‬ ‫فصل وأما اللوعة فقال يف الصحاح لوعة احلب حرقته وقد العه احلب يلوعه والتاع فؤاده أي احرتق من الشوق ومنه‬ ‫قوهلم أتان العة الفؤاد إىل جحشها قال األصمعي أي الئعة الفؤاد وهي اليت كأهنا وهلى من الفزع فصل وأما الفتون فهو‬ ‫مصدر فتنه يفتنه فتونا قال هللا تعاىل وفتناك فتونا أي امتحناك واختربناك والفتنة يقال على ثالثة معان أحدها االمتحان‬ ‫واالختبار ومنه قوله تعاىل ^ إن هي إال فتنتك ^ أي امتحانك واختبارك والثاين االفتتان نفسه يقال هذه فتنة فالن أي‬ ‫افتتانه ومنه قوله تعاىل ^ واتقوا فتنة ال تصينب الذين ظلموا منكم خاصة ^ يقال أصابته الفتنة وفتنته الدنيا وفتنته املرأة‬ ‫وأفتنته قال األعشى لئن فتنتين وهلى باألمس أفتنت ‪ %‬سعيدا فأضحى قد قلى كل مسلم وأنكر األصمعي أفتنته‬ ‫والثالث املفتون به نفسه يسمى فتنة قال هللا تعاىل ^ إمنا أموالكم وأوالدكم فتنة ^ وأما قوله تعاىل ^ مث مل تكن فتنتهم‬ ‫إال أن قالوا وهللا ربنا ما كنا مشركني ^ أي مل تكن عاقبة شركهم إال أن تربأوا منه وأنكروه وأما قوله تعاىل ^ يوم هم على‬ ‫النار ^‬ ‫^ يفتنون ذوقوا فتنتكم ^ فقيل املعىن حيرقون ومنه فتنت الذهب إذا أدخلته النار لتنظر ما جودته ودينار مفتون قال‬ ‫اخلليل والفنت اإلحراق قال هللا تعاىل ^ يوم هم على النار يفتنون ^ وورق فتني أي فضة حمرقة وافتنت الرجل وفنت إذا‬ ‫اصابته فتنة فذهب ماله أو عقله وفتنته املرأة إذا وهلته وقوله تعاىل ^ فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنني إال من هو‬ ‫صال اجلحيم ^ أي ال تفتنون على عبادته إال من سبق يف علم هللا أنه يصلى اجلحيم فذلك الذي يفنت بفتنتكم إياه وأما‬ ‫قوله تعاىل ^ فستبصر ويبصرون بأيكم املفتون ^ فقيل الباء زائدة وقيل املفتون مصدر كاملعقول وامليسور واحمللوف‬ ‫واملعسور والصواب أن يبصر مضمن معىن يشعر ويعلم قال هللا تعاىل أومل يروا أن هللا الذي خلق السموات واألرض ومل‬ ‫يعي خبلقهن بقادر فعدى فعل الرؤية بالباء ويف احلديث املؤمن أخو املؤمن يسعهما املاء والشجر ويتعاونان على الفتان‬ ‫ي روى بفتح الفاء وهو واحد وبضمها وهو مجع فاتن كتاجر وجتار واملقصود أن احلب موضع الفتون فما فنت من فنت إال‬ ‫باحملبة فصل وأما اجلنون فمن احلب ما يكون جنونا ومنه قوله‬ ‫قالت جننت مبن هتوى فقلت هلا ‪ %‬ألعشق أعظم مما باجملانني العشق ال يستفيق الدهر صاحبه ‪ %‬وإمنا يصرع اجملنون‬ ‫يف احلني وأصل املادة من السرت يف مجيع تصاريفها ومنه أجنه الليل وجن عليه إذا سرته ومنه اجلنني الستتاره يف بطن أمه‬ ‫ومنه اجلنة الستتارها باألشجار ومنه اجملن الستتار الضارب به واملضروب ومنه اجلن الستتارهم عن العيون خبالف اإلنس‬ ‫فإهنم يؤنسون أي ي رون ومنه اجلنة بالضم وهي ما استرتت به واتقيت ومنه قوله تعاىل ^ اختذوا أمياهنم جنة ^ وأجننت‬ ‫امليت واريته يف القرب فهو جنني واحلب املفرط يسرت العقل فال يعقل احملب ما ينفعه ويضره فهو شعبة من اجلنون فصل‬ ‫وأما اللمم فهو طرف من اجلنون ورجل ملموم أي به ملم ويقال أيضا أصابت فالنا من اجلن ملة وهو املس والشيء القليل‬ ‫قاله اجلوهري قلت وأصل اللفظة من املقاربة ومنه قوله تعاىل ^ الذين جيتنبون كبائر اإلمث والفواحش إال اللمم ^ وهي‬


‫الصغائر قال ابن عباس رضي هللا عنهما ما رأيت أشبه باللمم مما قال أبو هريرة رضي هللا عنه إن العني تزين وزناها النظر‬ ‫واليد تزين وزناها البطش والرجل تزين وزناها املشي والفم يزين وزناه القبل ومنه أمل بكذا أي قاربه ودنا منه وغالم ملم أي‬ ‫قارب‬ ‫البلوغ ويف احلديث إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم أي يقرب من ذلك وباجلملة فال يستبني كون اللمم من أمساء‬ ‫احل ب وإن كان قد ذكره مجاعة إال أن يقال إن احملبوب قد أمل بقلب احملب أي نزل به ومنه أملم بنا أي انزل بنا ومنه‬ ‫قوله مىت تأتنا تلمم بنا يف ديارنا ‪ %‬جتد حطبا جزال ونارا تأججا فصل وأما اخلبل فمن موجبات العشق وآثاره ال من‬ ‫أمسائه وإن ذكر من أمسائه فإن أصله الفسا د ومجعه خبول واخلبل بالتحريك اجلن يقال به خبل أي شيء من أهل األرض‬ ‫وقد خبله وخبله واختبله إذا أفسد عقله أو عضوه ورجل خمبل وهو نوع من اجلنون والفساد فصل وأما الرسيس فقد كثر‬ ‫يف كالمهم رسيس اهلوى والشوق ورسيس احلب فظن من أدخله يف أماء احلب أنه منها وليس كذلك بل الرسيس الشيء‬ ‫الثابت فرسيس احلب ثباته ودوامه وميكن أن يكون من رس احلمى ورسيسها وهو أول مسها فشبهوا رسيس احلب حبرارته‬ ‫وحرقته برسيس احلمى وكان الواجب على هؤالء أن جيعلوا األوار من أمساء احلب ألنه يضاف إليه قال الشاعر‬ ‫إذا وجدت أوار احلب يف كبدي ‪ %‬أقبلت حنو سقاء القوم أبرتد هبين بردت بربد املاء ظاهره ‪ %‬فمن لنار على‬ ‫األحشاء تتقد وقد وقع إضافة الرسيس إىل اهلوى يف شعر ذي الرمة حيث يقول إذا غري النأي احملبني مل يكد ‪%‬‬ ‫رسيس اهلوى من حب مية يربح وفيه إشكال حنوي ليس هذا موضعه فصل وأما الداء املخامر فهو من أوصافه ومسي‬ ‫خمامرا ملخالطته القلب والروح يقال خامره قال اجلوهري واملخامرة املخالطة وخامر الرجل املكان إذا لزمه وقد يكون أخذ‬ ‫من قوهلم استخمر فالن فالنا إذا استعبده وكأن العشق داء مستعبد للعاشق ومنه حديث معاذ من استخمر قوما أي‬ ‫أخذهم قهرا ومتلك عليهم فاحلب داء خمالط مستعبد فصل وأما الود فهو خالص احلب وألطفه وأرقه وهو من احلب مبنزلة‬ ‫الرأفة من الرمحة قال اجلوهري وددت الرجل أوده ودا إذا أحببته والود والود والود املودة تقول بودي أن يكون كذا وأما‬ ‫قول الشاعر أيها العائد املسائل عنا ‪ %‬وبوديك أن ترى أكفاين فإمنا أشبع كسرة الدال ليستقيم له البيت فصارت ياء‬ ‫والود الوديد مبعىن املودود واجلمع أود مثل قدح وأقدح وذئب وأذؤب ومها يتوادان وهم أوداء والودود احملب ورجال ودداء‬ ‫يستوي فيه املذكر واملؤنث لكونه وصفا‬ ‫داخال على وصف للمبالغة قلت الودود من صفات هللا سبحانه وتعاىل أصله من املودة واختلف فيه على قولني فقيل هو‬ ‫ودود مبعىن واد كضروب مبعىن ضارب وقتول مبعىن قاتل ونؤوم مبعىن نائم ويشهد هلذا القول أن فعوال يف صفات هللا‬ ‫سبحانه وتعاىل فاعل كغفور مبعىن غافر وشكور مبعىن شاكر وصبور مبعىن صابر وقيل بل هو مبعىن مودود وهو احلبيب‬ ‫وبذل ك فسره البخاري يف صحيحه فقال الودود احلبيب واألول أظهر القرتانه بالغفور يف قوله ^ وهو الغفور الودود ^‬ ‫وبالرحيم يف قوله ^ إن ريب رحيم ودود ^ وفيه سر لطيف وهو أنه حيب التوابني وأنه حيب عبده بعد املغفرة فيغفر له‬ ‫وحيبه كما قال ^ إن هللا حيب التوابني وحيب املتطهرين ^ فالتائب حبيب هللا فالود أصفى احلب وألطفه فصل وأما اخللة‬ ‫فتوحيد احملبة فاخلليل هو الذي توحد حبه حملبوبه وهي رتبة ال تقبل املشاركة وهلذا اختص هبا يف العامل اخلليالن إبراهيم‬


‫وحممد صلوات هللا وسالمه عليهما كما قال هللا تعاىل ^ واختذ هللا إبراهيم خليال ^ وصح عن النيب أنه قال إن هللا اختذين‬ ‫خليال كما اختذ إبراهيم خليال ويف الصحيح عنه لو كنت متخذا من أهل األرض خليال الختذت أبا بكر خليال ولكن‬ ‫صاحبكم خليل الرمحن ويف الصحيح أيضا إين أبرأ إىل كل خليل‬ ‫من خلته وملا كانت اخللة مرتبة ال تقبل املشاركة امتحن هللا سبحانه إبراهيم اخلليل بذبح ولده ملا أخذ شعبة من قلبه فأراد‬ ‫سبحانه أن خيلص تلك الشعبة له وال تكون لغريه فامتحنه بذبح ولده واملراد ذحبه من قلبه ال ذحبه باملدية فلما أسلما‬ ‫ألمر هللا وقدم حمبة هللا تعاىل على حمبة الولد خلص مقام اخللة وفدى الولد بالذبح وقيل إمنا مسيت خلة لتخلل احملبة‬ ‫مجيع أجزاء الروح قال قد ختللت مسلك الروح مين ‪ %‬وبذا مسي اخلليل خليال واخللة اخلليل يستوي فيه املذكر‬ ‫واملؤنث ألنه يف األصل مصدر قولك خليل بني اخللة واخللولة قال أال أبلغا خليت جابرا ‪ %‬بأن خليلك مل‬ ‫يقتل وجيمع على خالل مثل قلة وقالل واخلل الود والصديق واخلالل أيضا مصدر مبعىن اخلالة ومنه قوله تعاىل ^ ال بيع‬ ‫فيه وال خالل ^ وقال يف اآلية األخرى ^ ال بيع فيه وال خلة ^ قال امرؤ القيس ولست مبقلي اخلالل وال قايل‬ ‫‪ %‬واخلليل الصديق واألنثى خليلة واخلاللة واخلاللة واخلاللة بكسر اخلاء وفتحها وضمها الصداقة واملودة قال وكيف‬ ‫تواصل من أصبحت ‪ %‬خاللته كأيب مرحب‬ ‫وقد ظن بعض من ال علم عنده أن احلبيب أفضل من اخلليل وقال حممد حبيب هللا وإبراهيم خليل هللا وهذا باطل من‬ ‫وجوه كثرية منها إن اخللة خاصة واحملبة عامة فإن هللا حيب التوابني وحيب املتطهرين وقال يف عباده املؤمنني ^ حيبهم‬ ‫وحيبونه ^ ومنها أن النيب نفى أن يكون له من أهل األرض خليل وأخرب أن أحب النساء إليه عائشة ومن الرجال أبوها‬ ‫ومنها أنه قال إن هللا اختذين وخليال كما اختذ إبراهيم خليال ومنها أنه قال لو كنت متخذا من أهل األرض خليال‬ ‫الختذت أبا بكر خليال ولكن أخوة اإلسالم ومودته فصل وأما اخللم فهو مأخوذ من املخاملة وهي املصادقة واملودة‬ ‫واخللم الصديق واألخالم األصحاب قال الكميت إذا ابتسر احلرب أخالمها ‪ %‬كشافا وهيجت األفحل فصل وأما‬ ‫الغرام فهو احلب الالزم يقال رجل مغرم باحلب أي قد لزمه احلب وأصل املادة من اللزوم ومنه قوهلم رجل مغرم من الغرم‬ ‫أو الدين قال يف الصحاح والغرام الولوع وقد أغرم بالشيء أي أولع به والغرمي‬ ‫الذي عليه الدين يقال خذ من غرمي السوء ما سنح ويكون الغرمي أيضا الذي له الدين قال كثري عزة قضى كل ذي دين‬ ‫فوىف غرميه ‪ %‬وعزة ممطول معىن غرميها ومن املادة قوله تعاىل يف جهنم ^ إن عذاهبا كان غراما ^ والغرام الشعر ! الدائم‬ ‫الالزم والعذاب قال بشر ويوم النسار ويوم اجلفا ‪ %‬ركانا عذابا وكانا غراما وقال األعشى إن يعاقب يكن غراما‬ ‫وإن يع ‪ %‬ط جزيال فإنه ال يبايل وقال أبو عبيدة إن عذاهبا كان غراما كان هالكا ولزاما هلم وللطف احملبة عندهم‬ ‫واستعذاهبم هلا مل يكادوا يطلقون عليها لفظ الغرام وإن هلج به املتأخرون فصل وأما اهليام قال يف الصحاح هام على‬ ‫وجهه يهيم هيما وهيمانا ذهب من العشق أو غريه وقلب مستهام أي هائم واهليام بالضم أشد العطش واهليام كاجلنون‬ ‫من العشق واهليام داء يأخذ اإلبل فتهيم ال ترعى يقال ناقة هيماء قال واهليام بالكسر اإلبل العطاش الواحد هيمان وناقة‬ ‫هيمى‬


‫مثل عطشان وعطشى وقوم هيم أي عطاش وقد هاموا هياما وقوله تعاىل ^ فشاربون شرب اهليم ^ هي اإلبل العطاش‬ ‫قلت مجع أهيم هيم مثل أمحر ومحر وهو مجع فعالء أيضا كصفراء وصفر فصل وأما التدليه ففي الصحاح التدليه ذهاب‬ ‫العقل من اهلوى يقال دهله احلب أي حريه وأدهشه ودله هو يدله قال أبو زيد الدلوه الناقة ال تكاد حتن إىل إلف وال ولد‬ ‫وقد دهلت عن إلفها وعن ولدها تدله دلوها فصل وأما الوله فقال يف الصحاح الوله ذهاب العقل والتحري من شدة‬ ‫الوجد ورجل واله وامرأة واله وواهلة قال األعشى فأقبلت واهلا ثكلى على عجل ‪ %‬كل دهاها وكل عندها اجتمعا وقد‬ ‫وله يوله وهلا ووهلانا وتوله واتله وهو افتعل أدغم قال الشاعر واتله الغيور ‪ %‬والتوليه أن يفرق بني األم وولدها ويف‬ ‫احلديث ال توله والدة‬ ‫بولدها أي ال جتعل واهلا وذلك يف السبايا وناقة واله إذااشتد وجدها على ولدها واملياله اليت من عادهتا أن يشتد وجدها‬ ‫على ولدها صارت الواو يا لكسرة ما قبلها وماء موله وموله أرسل يف الصحراء فذهب وقول رؤبة به متطت غول كل‬ ‫ميلة ‪ %‬بنا حراجيج املهارى النفة أراد البالد اليت توله اإلنسان أي حتريه فصل وأما التعبد فهو غاية احلب وغاية الذل‬ ‫يقال عبده احلب أي ذهلل وطريق معبد باألقدام أي مذلل وكذلك احملب قد ذهلل احلب ووطأه وال تصلح هذه املرتبة ألحد‬ ‫غري هللا عز وجل وال يغفر هللا سبحانه ملن أشرك به يف عبادته ويغفر ما دون ذلك ملن شاء فمحبة العبودية هي أشرف‬ ‫أنواع احملبة وهي خالص حق هللا على عباده ويف الصحيح عن معاذ أنه قال كنت سائرا مع رسول هللا فقال يا معاذ فقلت‬ ‫لبيك يا رسول هللا وسعديك قال مث سار ساعة مث قال يا معاذ قلت لبيك رسول هللا وسعديك مث سار ساعة فقال يا‬ ‫معاذ قلت لبيك رسول هللا وسعديك قال أتدري ما حق هللا على عباده قلت هللا ورسوله أعلم قال حقه عليهم أن يعبدوه‬ ‫ال يشركوا به شيئا أتدري ما حق العباد على هللا إذا‬ ‫فعلوا ذلك أن ال يعذهبم بالنار وقد ذكر هللا سبحانه رسوله بالعبودية يف أشرف مقاماته وهي مقام التحدي ومقام اإلسراء‬ ‫ومقام الدعوة فقال يف التحدي ^ وإن كنتم يف ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ^ وقال يف مقام اإلسراء‬ ‫سبحان الذي أسرى بعيده ليال من املسجد احلرام وقال يف مقام الدعوة وأنه ملا قام عبدهللا يدعوه وإذا تدافع أولو العزم‬ ‫الشفاع ة الكربى يوم القيامة يقول املسيح هلم اذهبوا إىل حممد عبد غفر هللا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فنال ذلك املقام‬ ‫بكمال العبودية هلل وكمال مغفرة هللا له فأشرف صفات العبد صفة العبودية وأحب أمسائه إىل هللا اسم العبودية كما ثبت‬ ‫عن النيب أنه قال أحب األمساء إىل هللا عبدهللا وعبدالرمحن وأصدقها حارث ومهام وأقبحها حرب ومرة وإمنا كان حارث‬ ‫ومهام أصدقها ألن كل أحد ال بد له من هم وإرادة وعزم ينشأ عنه حرثه وفعله وكل أحد حارث ومهام وإمنا كان أقبحها‬ ‫حرب ومرة ملا يف مسمى هذين اإلمسني من الكراهة ونفور العقل عنهما وباهلل التوفيق‬ ‫الباب الثالث يف نسبة هذه األمساء بعضها إىل بعض هل هي بالرتادف أو‬


‫التباين فاألمساء الدالة على مسمى واحد نوعان أحدمها أن يدل عليه باعتبار الذات فقط فهذا النوع هو املرتادف‬ ‫ترادفا حمضا وهذا كاحلنطة والقمح والرب واإلسم والكنية واللقب إذا مل يكن فيه مدح وال ذم وإمنا أيت به جملرد التعريف‬ ‫والنوع الثاين أن يدل على ذات واحده باعتبار تباين صفاهتا كأمساء الرب تعاىل وأمساء كالمه وأمساء نبيه وأمساء اليوم‬ ‫اآلخر فهذا النوع مرتادف بالنسبة إىل الذات متباين بالنسبة إىل الصفات فالرب والرمحن والعزيز والقدير وامللك يدل على‬ ‫ذات واحدة باعتبار صفات متعددة وكذلك البشري والنذير احلاشر والعاقب واملاحي وكذلك يوم القيامة ويوم البعث ويوم‬ ‫اجلمع ويوم التغابن ويوم اآلزفة وحنوها وكذلك القرآن والفرقان والكتاب واهلدى وحنوها وكذلك أمساء السيف فإن تعددها‬ ‫حبسب أوصاف وإضافات خمتلفة كاملهند والعضب الصارم وحنوها وقد عرفت تباين األوصاف يف أمساء احملبة وقد أنكر‬ ‫كثري من الناس الرتادف يف اللغة وكأهنم أرادوا هذا املعىن وأنه ما من إمسني ملسمى واحد إال وبينهما فرق يف صفة أو نسبة‬ ‫أو إضافة سواء علمت لنا أو مل تعلم وهذا الذي قالوه صحيح باعتبار الواضع الواحد ولكن قد يقع الرتادف باعتبار‬ ‫واضعني خمتلفني بسمى أحدمها املسمى باسم ويسميه الواضع اآلخر باسم غريه ويشتهر الوضعان عند القبيلة الواحدة‬ ‫وهذا كثري ومن ههنا يقع االشرتاك أيضا فاألصل يف اللغة هو التباين وهو أكثر اللغة وهللا أعلم‬ ‫الباب الرابع يف أن العامل العلوي والسفلي إمنا وجد باحملبة وألجلها وأن‬ ‫حركات األفالك والشمس والقمر والنجوم وحركات املالئكة واحليوانات وحركة كل متحرك إمنا وجدت بسبب‬ ‫احلب وهذا باب شريف من أشرف أبواب الكتاب وقبل تقريره ال بد من بيان مقدمة وهي أن احلركات ثالث حركة‬ ‫إرادية وحركة طبيع ية وحركة قسرية وبيان احلصر أن مبدأ احلركة إما أن يكون من املتحرك أو من غريه فإن كان من املتحرك‬ ‫فإما أن يقارهنا شعوره وعلمه هبا أوال فإن قارهنا الشعور والعلم فهي اإلرادية وإن مل يقارهنا الشعور والعلم فهي الطبيعية‬ ‫وإن كانت من غريه فهي القسرية وإن شئت أن تقول املتحرك إما أن يتحرك بإرادته أو ال فإن حترك بإرادته فحركته إرادية‬ ‫وإن حترك بغري إرادته فإما أن تكون حركته إىل حنو مركزه أوال فإن حترك إىل جهة مركزه فحركته طبيعية وإن حترك إىل غري‬ ‫جهة مركزه فحركته قسرية إذا ثبت هذا فاحلركة اإلرادية تابعة إلرادة املتحرك واملراد إما أن يكون مرادا لنفسه أو لغريه وال‬ ‫بد أن ينتهي املراد لغريه إىل مراد لنفسه دفعا للدور والتسلسل اإلرادة إما أن تكون جللب منفعة ولذة إما للمتحرك وإما‬ ‫لغريه أو دفع أمل ومضرة إما عن املتحرك أو عن غريه والعاقل ال جيلب لغريه منفعة وال يدفع عنه مضرة إال ملا له يف ذلك‬ ‫من اللذة ودفع األمل فصارت حركته اإلرادية تابعة حملبته بل هذا حكم كل حي متحرك وأما احلركة الطبيعية فهي حركة‬ ‫الشيء إىل مستقره ومركزه وتلك تابعة للحركة اليت اقتضت خروجه عن مركزه وهي القسرية اليت إمنا تكون بقسر قاسر‬ ‫أخرجه عن مركزه إما باختياره كحركة احلجر إىل اسفل إذا رمى به‬ ‫إىل جهة فوق وإما بغري اختيار حمركه كتحريك الرياح لألجسام إىل جهة مهاهبا وهذه احلركة تابعة للقاسر وحركة القاسر‬ ‫ليست منه بل مبدؤها من غريه فإن املالئكة موكلة بالعامل العلوي والسفلي تدبره بأمر هللا عز وجل كما قال هللا تعاىل ^‬ ‫فا ملدبرات أمرا ^ وقال فاملقسمات أمر وقال تعاىل ^ واملرسالت عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا‬ ‫فامللقيات ذكرا ^ وقال ^ والنازعات غرقا والناشطات نشطا والساحبات سبحا فالسابقات سبقا فاملدبرات أمرا ^ وقد‬


‫وكل هللا سبحانه باألفالك والشمس والقمر مالئك ة حتركها ووكل بالرياح مالئكة تصرفها بأمره وهم خزنتها قال هللا تعاىل‬ ‫^ وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ^ وقال غري واحد من السلف عتت على اخلزان فلم يقدروا على ضبطها ذكره‬ ‫البخاري يف صحيحه ووكل بالقطر مالئكة وبالسحاب مالئكة تسوقه إىل حيث أمرت به وقد ثيت يف الصحيح عن النيب‬ ‫أنه قال بينا رجل بفالة من األرض إذ مسع صوتا يف سحابة يقول اسق حديقة فالن فتتبع السحابة حىت انتهت إىل‬ ‫حديقة فأفرغت ماءها فيها فنظر فإذا رجل يف احلديقة حيول املاء مبسحاة فقال له ما امسك يا عبدهللا فقال فالن اإلسم‬ ‫الذي مسعه يف السحابة فقال إين مس عت قائال يقول يف هذه السحابة اسق حديقة فالن فما تصنع يف هذه احلديقة فقال‬ ‫إىن أنظر ما خيرج منها فأجعله ثالثة أثالث‬ ‫ثلث أتصدق به وثلث انفقه على عيايل وثلث أرده فيها ووكل هللا سبحانه باجلبال مالئكة وثبت عن النيب أنه جاءه ملك‬ ‫اجلبال يسلم عليه ويستأذنه يف هال ك قومه إن أحب فقال بل أستأين هلم لعل هللا أن خيرج من أصالهبم من يعبد هللا ال‬ ‫يشرك به شيئا ووكل بالرحم ملكا يقول يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مضغة يا رب ذكر أم أنثى فما الرزق فم األجل‬ ‫وشقي أم سعيد ووكل بكل عبد أربعة من املالئكة يف هذه الدنيا حافظان عن ميينه وعن مشاله يكتبان أعماله ومعقبات‬ ‫من بني يديه ومن خلفه أقلهم اثنان حيفظونه من أمر هللا ووكل باملوت مالئكة ووكل مبساءلة املوتى مالئكة يف القبور‬ ‫ووكل بالرمحة مالئكة وبالعذاب مالئكة وباملؤمن مالئكة يثبتونه ويؤزونه إىل الطاعات أزا ووكل بالنار مالئكة يبنوهنا‬ ‫ويوق دوهنا ويصنعون أغالهلا وسالسلها ويقومون بإمرها ووكل باجلنة مالئكة يبنوهنا ويفرشوهنا ويصنعون أرائكها وسررها‬ ‫وصحافها ومنارقها وزرابيها فأمر العامل العلوي والسفلي واجلنة والنار بتدبري املالئكة بإذن رهبم تبارك وتعاىل وأمره ^ ال‬ ‫يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ^ و ^ ال يعصون هللا ما أمرهم ^‬ ‫^ ويفعلون ما يؤمرون ^ فأخرب أهنم ال يعصونه يف أمره وأهنم قادرون على تنفيذ أوامره ليس هبم عجز عنها خبالف من‬ ‫يرتك ما أمر به عجزا فال يعصى هللا ما أمره وإن مل يفعل ما أمره به وكذلك البحار قد وكلت هبا مالئكة تسجرها ومتنعها‬ ‫أن تفي ض على األرض فتغرق أهلها وكذلك أعمال بين آدم خريها وشرها قد وكلت هبا مالئكة حتصيها وحتفظها وتكتبها‬ ‫وهلذا كان اإلميان باملالئكة أحد أركان اإلميان الذي ال يتم إال به وهي مخس اإلميان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم‬ ‫اآلخر وإذا عرف ذلك عرف أن كل حركة يف العا مل فسببها املالئكة وحركتهم طاعة هللا بأمره وإرادته فريجع األمر كله‬ ‫إىل تنفيذ مراد الرب تعاىل شرعا وقدرا واملالئكة هم املنفذون ذلك بأمره ولذلك مسوا مالئكة من األلوكة وهي الرسالة فهم‬ ‫رسل هللا يف تنفيذ أوامره واملقصود أن حركات األفالك وما حوته تابعة للحركة اإلرادية املستلزمة للمحبة فاحملبة واإلرادة‬ ‫أصل كل فعل ومبداه فال يكون الفعل إال عن حمبة وإرادة حىت دفعه لألمور اليت يبغضها ويكرهها فإمنا يدفعها بإرادته‬ ‫وحمبته ألضدادها واللذة اليت جيدها بالدفع كما يقال شفى غيظه وشفى صدره والشفاء والعافية يكون للمحبوب وإن كان‬ ‫كريها مثل شرب الدواء الذي يدفع به أمل املرض فإنه وإن كان مكروها من وجه فهو حمبوب ملا فيه من زوال املكروه‬ ‫وحصول احملبوب وكذلك فعل األشياء املخالفة للهوى فإهنا وإن كانت مكروهة فإمنا تفعل حملبة وإرادة وإن مل تكن حمبوبة‬ ‫لنفسها فإهنا‬


‫مستلزمة للمحبوب لنفسه فال يرتك احلي ما حيبه ويهواه إال ملا حيبه ويهواه ولكن يرتك أضعفهما حمبة ألقوامها حمبة‬ ‫ولذلك كانت احملبة واإلرادة أصال للبغض والكراهة فإن البغيض املكروه ينايف وجود احملبوب والفعل إما أن يتناول وجود‬ ‫احملبوب أو دفع املكروه املستلزم لوجود احملبوب فعاد الفعل كله إىل وجود احملبوب واحلركة االختيارية أصلها اإلرادة‬ ‫والقسرية والطبيعية تابعتان هلا فعاد األمر إىل احلركة اإلرادية فجميع حركات العامل العلوي والسفلي تابعة لإلرادة واحملبة‬ ‫وهبا حترك العامل وألجلها فهي العلة الفاعلية والغائية بل هي اليت هبا وألجلها وجد العامل فما حترك يف العامل العلوي‬ ‫والسفلي حركة إال واإلرادة واحملبة سببها وغايتها بل حقيقة احملبة حركة نفس احملب إىل حمبوبه فاحملبة حركة بال سكون‬ ‫وكمال احملبة هو العبودية والذل واخلضوع والطاعة للمحبوب وهو احلق الذي به وله خلقت السموات واألرض والدنيا‬ ‫واآلخرة قا ل تعاىل وما خلقنا السموات واألرض وما بينهما إال باحلق وقال هللا تعاىل ^ وما خلقنا السماء واألرض وما‬ ‫بينهما باطال ^ وقال تعاىل ^ أفحسبتم أمنا خلقناكم عبثا ^ واحلق الذي خلق به وألجله اخللق هو عبادة هللا وحده‬ ‫اليت هي كمال حمبته واخلضوع والذل له ولوازم عبوديته من األمر والنهى والثواب والعقاب وألجل ذلك أرسل الرسل وأنزل‬ ‫الكتب وخلق اجلنة والنار والسموات واألرض إمنا قامت بالعدل الذي هو صراط هللا الذي هو عليه وهو أحب‬ ‫األشياء إىل هللا تعاىل قال هللا تعاىل حاكيا عن نبيه شعيب عليه السالم ^ إين توكلت على هللا ريب وربكم ما من دابة‬ ‫إال هو آخذ بناصيتها إن ريب على صراط مستقيم ^ فهو على صراط مستقيم يف شرعه وقدره وهو العدل الذي به ظهر‬ ‫اخللق واألمر والثواب والعقاب وهو احلق الذي به وله خلقت السموات واألرض وما بينهما وهلذا قال املؤمنون يف عبادهتم‬ ‫^ ربنا ما خلقت هذا باطال سبح انك ^ فنزهوا رهبم سبحانه أن يكون خلق السموات عبثا لغري حكمة وال غاية حممودة‬ ‫وهو سبحانه حيمد هلذه الغايات احملمودة كما حيمد لذاته وأوصافه فالغايات احملمودة يف أفعاله هي احلكمة اليت حيبها‬ ‫ويرضاها وخلق ما يكره الستلزامه ما حيبه وترتب احملبوب له عليه ولذلك يرتك سبحانه فعل بعض ما حيبه ملا يرتتب عليه‬ ‫من فوات حمبوب له أعظم منه أو حصول مكروه أكره إليه من ذلك احملبوب وهذا كما ثبط قلوب أعدائه عن األميان به‬ ‫وطاعته ألنه يكره طاعاهتم ويفوت هبا ما هو أحب إليه منها من جهادهم وما يرتتب عليه من املواالة فيه واملعاداة وبذل‬ ‫أ وليائه نفوسهم فيه وإيثار حمبته ورضاه على نفوسهم وألجل هذا حلق املوت واحلياة وجعل ما على األرض زينة هلا قال‬ ‫تعاىل ^ الذي خلق املوت واحلياة ليبلوكم أيكم أحسن عمال ^ وقال ^ إنا جعلنا ما على األرض زينة هلا لنبلوهم أيهم‬ ‫أحسن عمال ^‬ ‫وقال تعاىل وهو الذي خلق ال سموات واألرض يف ستة أيام وكان عرشه على املاء لبلوكم أيكم أحسن عمال فأخرب‬ ‫سبحانه عن خلق العامل واملوت واحلياة وتزيني األرض مبا عليها أنه لالبتالء واالمتحان ليخترب خلقه أيهم أحسن عمال‬ ‫فيكون عمله موافقا حملاب الرب تعاىل فيوافق الغاية اليت خلق هو هلا وخلق ألجلها العامل وهي عبوديته املتضمنة حملبته‬ ‫وطاعته وهي العمل األحسن وهو مواقع حمبته ورضاه وقدر سبحانه مقادير ختالفها حبكمته يف تقديرها وامتحن خلقه بني‬ ‫أمره وقدره ليبلوهم أيهم أحسن عمال فانقسم اخللق يف هذااالبتالء فريقني فريقا داروا مع أوامره وحمابه ووقفوا حيث‬ ‫وقف هبم األمر وحتركوا حيث حركهم األمر واستعملوا األمر يف القدر وركبو سفينة األمر يف حبر القدر وحكموا األمر على‬


‫القدر ونازعوا القدر بالقدر امتثاال ألمره واتباعا ملرضاته فهؤالء هم الناجون والفريق الثاين عارضوا بني األمر والقدر وبني‬ ‫ما حيبه ويرضاه وبني ما قدره وقضاه مث افرتقوا أربع فرق فرقة كذبت بالقدر حمافظة على األمر فأبطلت األمر من حيث‬ ‫حافظت على القدر فإن اإلميان بالقدر أصل اإلميان باألمر وهو نظام التوحيد فمن كذب بالقدر نقض تكذيبه‬ ‫إميانه وفرقة ردت األمر بالقدر وهؤالء من أكفر اخللق وهم الذين حكى هللا قوهلم يف القرآن إذ قالوا ^ لو شاء هللا ما‬ ‫أشركنا وال آباؤنا وال حرمنا ^‬ ‫من شيء وقالوا أيضا ^ لو شاء هللا ما عبدنا من دونه من شيء حنن وال آباؤنا وال حرمنا من دونه من شيء ^ وقالوا‬ ‫ايضا ^ لو شاء الرمحن ما عبدناهم ^ وقالوا أيضا ^ أنطعم من لو يشاء هللا أطعمه ^ فجعلهم هللا سبحانه وتعاىل‬ ‫بذلك مكذبني خارصني ليس هلم علم وأخرب أهنم يف ضالل مبني وفرقة دارت مع القدر فسارت بسريه ونزلت بنزوله‬ ‫ودانت به ومل تبال وافق األمر أو خالفه بل دينها القدر فاحلالل ما حل بيدها قدرا واحلرام ما حرمته قدرا وهم مع من‬ ‫غلب قدرا من مس لم أو كافر برا كان أو فاجرا وخواص هؤالء وعبادهم ملا شهدوا احلقيقة الكونية القدرية صاروا مع‬ ‫الكفار املسلطني بالقدر وهم خفراؤهم فهؤالء أيضا كفار وفرقة وقفت مع القدر مع اعرتافها بأنه خالف األمر ومل تدن‬ ‫به ولكنها اسرتسلت معه ومل حتكم عليه األمر وعجزت عن دفع القدر بالقدر اتباعا لألمر فهؤالء مفرطون وهم بني‬ ‫عاجز وعاص هلل وهؤالء الفرق كلهم مؤمتون بشيخهم إبليس فإنه أول من قدم القدر على األمر وعارضه به وقال ^ رب‬ ‫مبا أغويتين ألزينن هلم يف األرض وألغوينهم أمجعني ^ وقال ^ فبما أغويتين ألقعدن هلم صراطك املستقيم ^ فرد أمر هللا‬ ‫بقدره واحتج على ربه بالقدر وانقسم أتباعه أربع فرق كما رأيت فإبليس‬ ‫وجنوده أرسلوا بالقدر إرساال كونيا فالقدر دينهم قال هللا تعاىل ^ أمل تر أنا أرسلنا الشياطني على الكافرين تؤزهم أزا ^‬ ‫فدينهم القدر ومصريهم سقر فبعث هللا الرسل باألمر وأمرهم أن حياربوا به أهل القدر وشرع هلم من أمره سفنا وأمرهم أن‬ ‫يركبوا فيها هم وأتباعهم يف حبر القدر وخص بالنجاة من ركبها كما خص بالنجاة أصحاب السفينة وجعل ذلك آية‬ ‫للعاملني فأصحاب األمر حرب ألصحاب القدر حىت يردوهم إىل األمر وأصحاب القدر حياربون أصحاب األمر حىت‬ ‫خيرجوهم منه فالرسل دينهم األمر مع إمياهنم بالقدر وحتكيم األمر عليه وإبليس وأتباعه دينهم القدر ودفع األمر به فتأمل‬ ‫هذه املسألة يف القدر واألمر وانقسام العامل فيها إىل هذه األقسام اخلمسة وباهلل التوفيق فحركات العامل العلوي والسفلي‬ ‫وما فيهما موافقة لألمر إما األمر الد يين الذي حيبه هللا ويرضاه وإما األمر الكوين الذي قدره وقضاه وهو سبحانه مل يقدره‬ ‫سدى وال قضاه عبثا بل ملا فيه من احلكمة والغايات احلميدة وما يرتتب عليه من أمور حيب غاياهتا وإن كره أسباهبا‬ ‫ومادئها فإنه سبحانه وتعاىل حيب املغفرة وإن كره معاصي عباده وحيب السرت وإن كره ما يسرت عبده عليه وحيب العتق‬ ‫وإن كره السبب الذي يعتق عليه من النار وحيب العفو كما يف احلديث أللهم إنك عفو حتب العفو فاعف عين وإن كره‬ ‫ما يعفو عنه من األوزار وحيب التوابني وتوبتبهم وإن كره معاصيهم‬ ‫اليت يتوبون إليه منها منها وحيب اجلهاد وأهله بل هم أحب خلقه إليه وإن كره أفعال من جياهدونه وهذا باب واسع قد‬ ‫فتح لك فادخل منه يطلعك على رياض من املعرفة مونقة مات من فاتته حبسرهتا وباهلل التوفيق وهذا موضع يضيق عنه‬


‫عدة أسفار واللبيب يدخل إليه من بابه وسر هذا الباب أنه سبحانه كامل يف أمسائه وصفاته فله الكمال املطلق من مجيع‬ ‫الوجوه الذي ال نقص فيه بوجه ما وهو حيب أمساءه وصفاته وحيب ظهور آثارها يف خلقه فإن ذلك من لوازم كماله فإنه‬ ‫سبحانه وتر حيب الوتر مجيل حيب اجلمال عليم حيب العلماء جواد حيب األجواد قوي واملؤمن القوي أحب إليه من‬ ‫املؤمن الضعيف حيي حيب أهل احليا ء ويف حيب أهل الوفاء شكور حيب الشاكرين صادق حيب الصادقني حمسن حيب‬ ‫احملسنني فإذا كان حيب العفو واملغفرة واحللم والصفح والسرت مل يكن بد من تقديره لألسباب اليت تظهر آثار هذه‬ ‫الصفات فيها ويستدل هبا عباده على كما أمسائه وصفاته ويكون ذلك أدعى هلم إىل حمبته ومحده ومتجيده والثناء عليه مبا‬ ‫هو أهله فتحصل الغاية اليت خلق هلا اخللق وإن فاتت من بعضهم فذلك لفوات سبب لكماهلا وظهورها فتضمن ذلك‬ ‫الفوات املكروه له أمرا هو أحب إليه من عدمه فتأمل هذا املوضع حق التأمل وهذا ينكشف يوم القيامة للخليفة بأمجعهم‬ ‫حني جيمعهم يف صعيد واحد ويوصل إىل كل نفس ما ينبغي إيصاله إليها من اخلري والشر واللذة واألمل حىت مثقال الذرة‬ ‫ويوصل كل نفس إىل غاياهتا اليت تشهد هي أهنا أوىل هبا فحينئذ ينطق الكون‬ ‫بأمجعه حبمده تبارك وتعاىل قاال وحاال كما قال سبحانه وتعاىل ^ وترى املالئكة حافني من حول العرش يسبحون حبمد‬ ‫رهبم وقضي بينهم باحلق وقيل احلمد هلل رب العاملني ^ فحذف فاعل القول ألنه غري معني بل كل أحد حيمده على ذلك‬ ‫احلكم الذي حكم فيه فيحمده أهل السموات وأهل األرض واألبرار والفجار واإلنس واجلن حىت أهل النار قال احلسن‬ ‫أو غريه لقد دخلوا النار وإن محده لفي قل وهبم ما وجدوا عليه سبيال وهذا وهللا أعلم هو السر الذي حذف ألجله الفاعل‬ ‫يف قوله ^ قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها ^ وقوله ^ وقيل ادخال النار مع الداخلني ^ كأن الكون كله نطق‬ ‫بذلك وقاله هلم وهللا تعاىل أعلم بالصواب‬ ‫الباب اخلامس يف دواعي احملبة ومتعلقها الداعي قد يراد به الشعور الذي‬ ‫تتبعه اإلرادة وامليل فذلك قائم باحملب وقد يراد به السبب الذي ألجله وجدت احملبة وتعلقت به وذلك قائم باحملبوب‬ ‫وحنن نريد بالداعي جمموع األمرين وهو ما قام باحملبوب من الصفات اليت تدعو إىل حمبته وما قام باحملب من الشعور هبا‬ ‫واملوافقة اليت بني احملب واحملبوب وهي الرابطة بينهما وتسمى بني املخلوق واملخلوق مناسبة ومالءمة فها هنا أمور‬ ‫وصف احملبوب ومجاله وشعور احملب به واملناسبة وهي العالقة واملالءمة اليت بني احملب واحملبوب فمىت قويت الثالثة وكملت‬ ‫قويت احملبة واستحكمت ونقصان احملبة وضف عها حبسب ضعف هذه الثالثة أو نقصها فمىت كان احملبوب يف غاية اجلمال‬ ‫وشعور احملب جبماله أمت شعور واملناسبة اليت بني الروحني قوية فذلك احلب الالزم الدائم وقد يكون اجلمال يف نفسه‬ ‫ناقصا لكن هو يف عني احملب كامل فتكون قوة حمبته حبسب ذلك اجلمال عنده فإن حبك للشيء يعمي ويصم فال يرى‬ ‫احملب أحدا أحسن من حمبوبه كما حيكى أن عزة دخلت على احلجاج فقال هلا يا عزة وهللا ما أنت كما قال فيك كثري‬ ‫فقالت أيها األمري إنه مل يرين بالعني اليت رأيتين هبا وال ريب أن احملبوب أحلى يف عني حمبه وأكرب يف صدره من غريه وقد‬ ‫أفصح هبذا القائل يف قوله فوهللا ما أدري أزيدت مالحة ‪ %‬وحسنا على النسوان أم ليس يل عقل‬


‫وقد يكون اجلمال موفرا لكنه ناقص الشعور به فتضعف حمبته لذلك فلو كشف له عن حقيقته ألسر قلبه وهلذا أمر‬ ‫النساء بسرت وجوههن عن الرجال فإن ظهور الوجه يسفر عن كمال احملاسن فيقع االفتتان وهلذا شرع للخاطب أن ينظر‬ ‫إىل املخطوبة فإنه إذا شاهد حسنها ومجاهلا كان ذلك أدعى إىل حصول احملبة واأللفة بينهما كما أشار إليه النيب يف قوله‬ ‫إذا أراد أحدكم خطبة امرأة فلينظر إىل ما يدعوه إىل نكاحها فإنه أحرى أن يؤدم بينهما أي يألم ويوافق ويصلح ومنه‬ ‫األدام الذي يصل ح به اخلبز وإذا وجد ذلك كله وانتفت املناسبة والعالقة اليت بينهما مل تستحكم احملبة ورمبا مل تقع البتة‬ ‫فإن التناسب الذي بني األرواح من أقوى أسباب احملبة فكل امرىء يصبو إىل ما يناسبه وهذه املناسبة نوعان أصلية من‬ ‫أصل اخللقة وعارضة بسبب اجملاورة أو االشرتاك يف أمر من األمور فإن من ناسب قصدك قصده حصل التوافق بني‬ ‫روحك وروحه فإذا اختلف القصد زال التوافق فأما التناسب األصلي فهو اتفاق أخالق وتشاكل أرواح وشوق كل نفس‬ ‫إىل مشاكلها فإن شبه الشيء ينجذب إليه بالطبع فتكون الروحان متشاكلتني يف أصل اخللقة فتنجذب إليه بالطبع‬ ‫فتكون الروحان متشاكلتني يف أصل اخللقة فتنجذب كل منهما إىل األخرى بالطبع وقد يقع االجنذاب وامليل‬ ‫باخلاصية وهذا ال يعلل وال يعرف سببه كاجنذاب احلديد إىل احلجر املغناطيس وال ريب أن وقوع هذا القدر بني األرواح‬ ‫أعظم من وقوعه بني اجلمادات كما قيل حماسنها هيوىل كل حسن ‪ %‬ومغناطيس أفئدة الرجال وهذا الذي محل‬ ‫بعض الناس على أن قال إن العشق ال يقف على احلسن واجلمال وال يلزم من عدمه عدمه وإمنا هو تشاكل النفوس‬ ‫ومتازجها يف الطباع املخلوقة كما قيل وما احلب من حسن وال من مالحة ‪ %‬ولكنه شيء به الروح تكلف قال هذا‬ ‫القائل فحقيقته انه مرآة يبصر فيها احملب طباعة ورقته يف صورة حمبوبة ففي احلقيقة مل حيب إال نفسه وطباعه‬ ‫ومشاكله قال بعضهم حملبوبه صادفت فيك جوهر نفسي ومشاكلتها يف كل أحواهلا فانبعثت نفسي حنوك وانقادت‬ ‫إليك وإمنا هويت نفسي وهذا صحيح من وجه فإن املناسبة علة الضم شرعا وقدرا وشاهد هذا باالعتبار أن أحب‬ ‫األغذية إىل احليوان ما كان أشبه جبوهر بدنه وأكثر مناسبة له وكلما قويت املناسبة بني الغاذي والغذاء كان ميل النفس‬ ‫إليه أكثر وكلما بعدت املناسبة حصلت النفرة عنه وال ريب أن هذا قدر زائد على جمرد احلسن‬ ‫واجلمال وهلذا كانت ا لنفوس الشريفة الزكية العلوية تعشق صفات الكمال بالذات فأحب شيء إليها العلم والشجاعة‬ ‫والعفة واجلود واإلحسان والصرب والثبات ملناسبة هذه األوصاف جلوهرها خبالف النفوس اللئيمة الدنية فإهنا مبعزل عن حمبة‬ ‫هذه الصفات وكثري من الناس حيمله على اجلود واإلحسان فرط عشقه وحمبته له واللذة اليت جيدها يف بذله كما قال‬ ‫املأمون لقد حبب إيل العفو حىت خشيت أن ال أؤجر عليه وقيل لإلمام أمحد بن حنبل رمحه هللا تعاىل تعلمت هذا العلم‬ ‫هلل فقال أما هلل فعزيز ولكن شيء حبب إيل ففعلته وقال آخر إين ألفرح بالعطاء وألتذ به أكثر وأعظم مما يفرح اآلخذ مبا‬ ‫يأخذه مين ويف هذا قيل يف مدح بعض الكرماء من أبيات وتأخذه عند املكارم هزة ‪ %‬كما اهتز عند البارح الغصن‬ ‫الرطب وقال شاعر احلماسة تراه إذا ماجئته متهلال ‪ %‬كأنك تعطيه الذي أنت سائله وكثري من األجواد يعشق‬ ‫اجلود أعظم عشق فال يصرب عنه مع حاجته إىل ما جيود به وال يقبل فيه عذل عاذل وال تأخذه فيه لومة الئم وأما عشاق‬


‫العلم فأعظم شغفا به وعشقا له من كل عاشق مبعشوقه وكثري منهم ال يشغله عنه أمجل صورة من البشر وقيل المرأة الزبري‬ ‫بن بكار أو غريه هنيئا لك إذ ليست لك ضرة فقالت وهللا هلذه الكتب أضر علي من عدة ضرائر‬ ‫وحدثين أخو شيخنا عبدالرمحن بن تيمية عن أبيه قال كان اجلد إذا دخل اخلالء يقول يل اقرأ يف هذا الكتاب وارفع‬ ‫صوتك حىت امسع وأعرف من أصابه مرض من صداع ومحى وكان الكتاب عند رأسه فإذا وجد إفاقة قرأ فيه فإذا غلب‬ ‫وضعه فدخل عليه الطبيب يوما وهو كذلك فقال إن هذا ال حيل لك فإنك تعني على نفسك وتكون سببا لفوات‬ ‫مطلوبك وحدثين شيخنا قال ابتدأين مرض فقال يل الطبيب إن مطالعتك وكالمك يف العلم يزيد املرض فقلت له ال أصرب‬ ‫على ذلك وأنا أحاكمك إىل علمك أليست النفس إذا فرحت وسرت قويت الطبيعة فدفعت املرض فقال بلى فقلت له‬ ‫فإن نفسي تسر بالعلم فتقوى به الطبيعة فأجد راحة فقال هذا خارج عن عالجنا أو كما قال فعشق صفات الكمال‬ ‫من أنفع العشق وأعاله وإمنا يكون باملناسبة اليت بني الروح وتلك الصفات وهلذا كان أعلى األرواح وأشرفها أعالها‬ ‫وأشرفها معشوقا كما قيل أنت القتيل بكل من أحببته ‪ %‬فاخرت لنفسك يف اهلوى من تصطفي فإذا كانت احملبة‬ ‫باملشاكلة واملناسبة ثبتت ومتكنت ومل يزهلا إال مانع أقوى من السبب وإذا مل تكن باملشاكلة فإمنا هي حمبة لغرض من‬ ‫األغراض تزول عند انقضائه وتضمحل فمن أحبك ألمر وىل عند انقضائه فداعى احملبة وباعثها إن كان غرضا للمحب مل‬ ‫يكن حملبته بقاء وإن كان أمرا قائما باحملبوب سريع الزوال واالنتقال زالت حمبته بزواله وإن كان صفة الزمة فمحبته باقية‬ ‫ببقاء داعيها مامل يارضه يعارضه يوجب زواهلا وهو إما تغري حال يف احملب أو أذى من احملبوب فإن األذى إما أن يضعف‬ ‫احملبة أو يزيلها‬ ‫قال الشاعر خذي العفو مين تستدميي موديت ‪ %‬وال تنطقي يف سوريت حني أغضب فإين رأيت احلب يف القلب‬ ‫واألذى ‪ %‬إذ اجتمعا مل يلبث احلب يذهب وهذا موضع انقسم احملبون فيه قسمني ففرقة قالت ليس حبب صحيح ما‬ ‫يزيله األذى بل عالمة احلب الصحيح أنه ال ينقص باجلفوة وال يذهبه أذى قالوا بل احملب يلتذ بأذى حمبوبه له كما قال‬ ‫أبو الشيص وقف اهلوى يب حيث أنت فليس يل ‪ %‬متأخر عنه وال متقدم وأهنتين فأهنت نفسي جاهدا ‪ %‬ما من‬ ‫يهون عليك ممن يكرم أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ‪ %‬إذ كن حظي منك حظي منهم أجد املالمة يف هواك لذيذة‬ ‫‪ %‬حبا لذكرك فليلمين اللوم فهذا هو احلب على احلقيقة فإنه متضمن لغاية املوافقة حبيث قد اختذ مراده ومراد حمبوبه‬ ‫من نفسه فأهان نفسه موافقة إلهانة حمبوبه له وأحب أعداءه ملا أشبههم حمبوبه يف أذاه وهذا وإن كانت الطباع تأباه لكنه‬ ‫موجب احلب التام ومقتضاه وقالت فرقة بل األذى مزيل للحب فإن الطباع جمبولة على كراهة من يؤذيها كما أن القلوب‬ ‫جمبولة على حب من حيسن إليها وما ذكره أولئك فدعوى منهم واإلنصاف أن يقال جيتمع يف القلب بغض أذى‬ ‫احلبيب وكراهته وحمبته من وجه آخر فيحبه ويبغض أذاه وهذا هو الواقع والغالب منها يوارى‬ ‫املغلوب ويبقى احلكم له وقد كشف عن بعض هذا املعىن الشاعر يف قوله ولو قلت طأ يف النار أعلم أنه ‪ %‬رضا لك‬ ‫أو مدن لنا من وصالك لقدمت رجلى حنوها فوطئتها ‪ %‬هدى منك يل أو ضلة من ضاللك وإن ساءين أن نلتين‬ ‫مبساءة ‪ %‬فقد سرين أين خطرت ببالك فهذا قد أنصف حيث أخرب أنه يسوؤه أن يناله حمبوبه مبساءة ويسره خطوره‬


‫بباله ال كمن ادعى انه يلتذ بأذى حمبوبه له فإن هذا خارج عن الطباع اللهم إال أن يكون ذلك األذى وسيلة إىل رضى‬ ‫احملبوب وقربه فإنه يلتذ به إذا الحظ غايته وعاقبته فهذا يقع وقد أخربين بعض األطباء قال إين ألتذ بالدواءالكريه إذا‬ ‫علمت ما حيصل به من الشفاء وأضعه على لساين وأترشفه حمبة له ومن هذا التذاذ احملبني باملشاق اليت توصلهم إىل‬ ‫وصال حمبوهبم وقربه وكلما ذكروا روح الوصال وأن ما هم فيه طريق موصل إليه لذ هلم مقاساته وطاب هلم حتمله كما قال‬ ‫الشاعر هلا أحاديث من ذكراك تشغلها ‪ %‬عن الشراب وتلهيها عن الزاد هلا بوجهك نور تستضيء به ‪ %‬ومن‬ ‫حديثك يف أعقاهبا حادي إذا شكت من كالل السري أوعدها ‪ %‬روح اللقاء فتقوى عند ميعاد واملقصود أن احملبة‬ ‫تستدعي مشاكلة ومناسبة وقد ذكر اإلمام أمحد بن حنبل رمحه هللا تعاىل يف مسنده من حديث عائشة رضي هللا عنها أن‬ ‫امرأة‬ ‫كانت تدخل على قريش فتضحكهم فقدمت املدينة فنزلت على امرأة تضحك الناس فقال النيب على من نزلت فالنة‬ ‫فالت على فالنة املضحكة فقال األرواح جنود جمندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وأصل احلديث يف‬ ‫الصحيح وذكر لبقراط رجل من أهل النقص حيبه فاغ تم لذلك وقال ما أحبين إال وقد وافقته يف بعض أخالقه وأخذا‬ ‫املتنيب هذا املعىن فقلبه وأجاد فقال وإذا أتتك مذميت من ناقص ‪ %‬فهي الشهادة يل بأين فاضل وقال بعض األطباء‬ ‫العشق امتزاج الروح بالورح ملا بينهما من التناسب والتشاكل فإذا امتزج املاء باملاء امتنع ختليص بعضه من بعض ولذلك‬ ‫تبلغ احملبة بني الشخصني حىت يتأمل أحدمها بتأمل اآلخر ويسقم بسقمه وهو ال يشعر ويذكر أن رجال كان حيب شخصا‬ ‫فمرض فدخل عليه أصحابه يعودونه فوجدوا به خفة فانبسط معهم وقال من أين جئتم قالوا من عند فالن عدناه فقال‬ ‫أو كان عليال قالوا نعم وقد عويف فقال وهللا لقد أنكرت عليت هذه ومل أعرف هلا سببا غري أين تومهت أن ذلك لعلة نالت‬ ‫بعض من أحب ولقد وجدت يف يومي هذا راحة ففرحت طمعا أن يكون هللا سبحانه وتعاىل شفاه مث دعا بدواة فكتب‬ ‫إىل حمبوبه‬ ‫إين محمت ومل أشعر حبماك ‪ %‬حىت حتدث عوادي بشكواك فقلت ما كانت احلمى لتطرقين ‪ %‬من غري ما سبب إال‬ ‫حلماك وخصلة كنت فيها غري متهم ‪ %‬عافاين هللا منها حني عافاك حىت اتفقت نفسي ونفسك يف هذا وذاك ويف‬ ‫هذا ويف ذاك وحيكى أن رجال مرض من حيبه فعاده احملب فمرض من وقته فعويف حمبوبه فجاء يعوده فلما رآه عويف من‬ ‫وقته وأنشد مرض احلبيب فعدته ‪ %‬فمرضت من حذري عليه وأتى احلبيب يعودين ‪ %‬فربئت من نظري إليه وأنت‬ ‫إذا تأملت الوجود ال تكاد جتد اثنني يتحابان إال وبينهما مشاكلةأو اتفاق يف فعل أو حال أو مقصد فإذا تباينت‬ ‫املقاصد واألوصاف واألفعال والطرائق مل يكن هناك إال النفرة والبعد بني القلوب ويكفي يف هذا احلديث الصحيح عن‬ ‫رسول هللا مثل املؤمنني يف توادهم وترامحهم وتعاطفهم كمثل اجلسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر اجلسد‬ ‫باحلمى والسهر فإنقيل فهذا الذي ذكرمت يقتضي أنه إذا أحب شخص شخصا أن يزن اآلخر حيبه فيشرتكان يف احملبة‬ ‫والواقع يشهد خبالفه فكم من حمب غري حمبوب بل بسيف البغض مضروب قيل قد اختلف الناس يف جواب هذا السؤال‬


‫فأما أبو حممد بن حزم فإنه قال الذي أذهب إليه أن العشق اتصال بني أجزاء النفوس املقسومة يف هذه اخللقة يف أصل‬ ‫عنصرها الرفيع ال على‬ ‫ما حكاه حممد بن داود عن بعض أهل الف لسفة أن األرواح أكر مقسومة لكن على سبيل مناسبة قواها يف مقر عاملها‬ ‫العلوي وجماورهتا يف هيئة تركيبها وقد علمنا أن سر التمازج والتباين يف املخلوقات إمنا هو االتصال واالنفصال فالشكل‬ ‫إمنا يستدعي شكله واملثل إىل مثله ساكن وللمجانسة عمل حمسوس وتأثري مشاهد والتنافر يف األضداد واملوافقة يف‬ ‫األنداد والنزاع فيما تشابه موجود بيننا فكيف بالنفس وعاملها العامل الصايف اخلفيف وجوهرها اجلوهر الصعاد املعتدل‬ ‫وسنخها املهيأ لقبول االتفاق وامليل والتوق واالحنراف والشهوة والنفار وهللا تعاىل يقول هو الذي خلقكم من نفس واحدة‬ ‫وجعل من ها زوجها ليسكن إليها فجعل علة السكون أهنا منه ولو كان علة احلب حسن الصورة اجلسدية لوجب أن ال‬ ‫يستحسن األنقص من الصور وحنن جند كثريا ممن يؤثر األدىن ويعلم فلضل غريه وال جيد حميدا لقلبه عنه ولو كان للموافقة‬ ‫يف األخالق ملا أحب املرء من ال يساعده وال يوافقه فعلمنا أنه شيء يف ذات النفس ورمبا كانت احملبة لسبب من‬ ‫األسباب وتلك تفىن بفناء سببها قال ومما يؤكد هذا القول أننا قد علمنا أن احملبة ضروب فأفضلها حمبة املتحابني يف هللا‬ ‫عز وجل إما الجتهاد يف العمل وإما التفاق يف أصل املذهب وإما لفضل علم مينحه اإلنسان وحمبة القرابة وحمبة األلفة‬ ‫واالشرتاك يف املطالب وحمبة التصاحب واملعرفة وحمبة لرب يضعه املرء عند أخيه وحمبة لطمع يف جاه احملبوب وحمبة املتحابني‬ ‫لسر جيتمعان عليه يلزمهما سرته‬ ‫وحمبة لبلوغ اللذة وقضاء الوطر وحمبة العشق اليت ال علة هلا إال ما ذكرنا من اتصال النفوس وكل هذه األجناس‬ ‫فمنقضية مع انقضاء عللها وزائدة بزيادهتا وناقصة بنقصاهنا متأكدة بدنوها فاترة ببعدها حاشا حمبة العشق الصحيح‬ ‫املتمكن من النفس مث أورد هذا السؤال قال واجلواب أن نفس الذي ال حيب من حيبه مكتنفة اجلهات ببعض األعراض‬ ‫الساترة واحلجب احمليطة هبا من الطبائع األرضية فلم حتس باجلزء الذي كان متصال هبا قبل حلوهلا حيث هي ولو ختلصت‬ ‫الستويا يف االتصال واحملبة ونفس احملب متخلصة عاملة مبكان ما كان يشركها يف اجملاورة طالبة له قاصدة إليه باحثة عنه‬ ‫مشتهية ملالقاته جاذبة له لو أمكنها كاملغناطيس واحلديد وكالنار يف احلجر وأجابت طائفة أخرى أن األرواح خلقت‬ ‫على هيئة الكرة مث قسمت فأي روحني تالقيتا هناك وجتاورتا تألفتا يف هذا العامل وحتابتا وإن تنافرتا هناك تنافرتا هنا وإن‬ ‫تألفتا من وجه وتنافرتا من وجه كانتا كذلك ها هنا وهذا اجلواب مبين على األصل الفاسد الذي أصله هؤالء أن األرواح‬ ‫موجودة قبل األجساد وأهنا كانت متعارفة متجاورة هناك تتالقى وتتعارف وهذا خطأ بل الصحيح الذي دل عليه الشرع‬ ‫والعقل أن األرواح خملوقة مع األجساد وأن امللك املوكل بنفخ الروح يف اجلسد ينفخ فيه الروح إذا مضى‬ ‫على النطفة أربعة أشهر ودخلت يف اخلامس وذلك أول حدوث الروح فيه ومن قال إهنا خملوقة قبل ذلك فقد غلط وأقبح‬ ‫منه قول من قال إهنا قدمية أو توقف يف ذلك بل الصواب يف اجلواب أن يقال إن احملبة كما تقدم قسمان حمبة عرضية‬ ‫غرضية فهذه ال جيب االشرتاك فيها بل يقارهنا مقت احملبوب وبغضه للمحب كثريا إال إذا كان له معه غرض نظري غرضه‬ ‫فإنه حيبه لغرضه منه كما يكون بني الرجل واملرأة اللذين لكل منهما غرض مع صاحبه والقسم الثاين حمبة روحانية سببها‬


‫املشاكلة واالتفاق بني الروحني فهذه ال تكون إال من اجلانبني وال بد فلو فتش احملب احملبة الصادقة قلب احملبوب لوجد‬ ‫عنده من حمبته نظري ما عنده أو دونه أو فوقه فصل وإذا كانت احملبة من اجلانبني اسرتاح هبا كل واحد من احملبني وسكن‬ ‫ذلك بعض ما به وعده نوعا من الوصال وقالت امرأة من العرب حججت ومل أحجج لذنب عملته ‪ %‬ولكن لتعديين‬ ‫على قاطع احلبل ذهبت بعقلي يف هواه صغريه ‪ %‬وقد كربت سين فرد به عقلي وإال فسو احلب بيين وبينه ‪ %‬فإنك‬ ‫يا موالي توصف بالعدل وقال آخر فيا رب أشغلها حبيب كما هبا ‪ %‬شغلت فؤادي كي خيف الذي بيا وقالت امرأة‬ ‫تعاتب بعلها أسأل الذي قسم بني العباد معايشهم أن يقسم احلب بيين وبينك مث أنشدت‬ ‫أدعو الذي صرف اهلوى ‪ %‬مين إليك ومنك عين أن يبتليك مبا ابتال ‪ %‬ين أو يسل احلب مين وقال آخر فيا‬ ‫رب إن مل تقسم احلب بيننا ‪ %‬بشطرين فاجعلين على هجرها جلدا وأعقبين السلوان عنها ورد يل ‪ %‬فؤادي من‬ ‫سلمى أثبك به محدا وقال أبو اهلذيل العالف ال جيوز يف دور الفلك وال يف تركيب الطبائع وال يف الواجب وال يف‬ ‫املمكن أن يكون حمب ليس حملبوبه إليه ميل وإىل هذا املذهب ذهب أبو العباس الناشىء حيث يقول عيناك شاهدتان‬ ‫أنك من ‪ %‬حر اهلوى جتدين ما أجد بك ما بنا لكن على مضض ‪ %‬تتجلدين وما بنا جلد وقال أبو عيينه تبيت‬ ‫بنا هتذي وأهذى بذكرها ‪ %‬كالنا يقاسي الليل وهو مسهد وما رقدت إال رأتين ضجيعها ‪ %‬كذاك أراها يف الكرى‬ ‫حني أرقد تقر بذنيب حني أغفو ونلتقي ‪ %‬وأسأهلا يقظان عنه فتجحد كالنا سواء يف اهلوى غري أهنا ‪ %‬جتلد أحيانا‬ ‫وما يل جتلد وقال عروة بن أذينة إن اليت زعمت فؤادك ملها ‪ %‬خلقت هواك كما خلقت هوى هلا فبك الذي‬ ‫زعمت هبا فكالكما ‪ %‬أبدى لصاحبه الصبابة كلها فإذا تشاكلت النفوس ومتازجت األرواح وتفاعلت تفاعلت عنها‬ ‫األبدان وطلبت نظري االمتزاج واجلوار الذي بني األرواح فإن البدن آلة الروح ومركبه وهبذا ركب هللا سبحانه شهوة اجلماع‬ ‫بني الذكر واألنثى طلبا‬ ‫لال متزاج واالختالط بني البدنني كما هو بني الروحني وهلذا يسمى مجاعا وخالطا ونكاحا وإفضاء ألن كل واحد منهما‬ ‫يفضي إىل صاحبه فيزول الفضاء بينهما فإن قيل فهذا يوجب تأكد احلب باجلماع وقوته به والواقع خالفه فإن اجلماع‬ ‫يطفىء نار احملبة ويربد حرارهتا ويسكن نفس احمل ب قيل الناس خمتلفون يف هذا فمنهم من يكون بعد اجلماع أقوى حمبة‬ ‫وأمكن وأثبت مما قبله ويكون مبنزلة من وصف له شيء مالئم فأحبه فلما ذاقه كان له اشد حمبة وإليه أشد اشتياقا وقد‬ ‫ثبت يف الصحيح عن النيب يف حديث عروج املالئكة إىل رهبم أنه سبحانه يسأهلم عن عباده وهو أعلم هبم فيقولون إهنم‬ ‫يسبحونك وحيمدونك ويقدسونك فيقول وهل رأوين فيقولون ال فيقول فكيف لو رأوين تقول املالئكة لو رأوك لكانوا أشد‬ ‫تسبيحا وتقديسا ومتجيدا مث يقولون ويسألونك اجلنة فيقول وهل رأوها فيقولون ال فيقول فكيف لو رأوها فتقول املالئكة‬ ‫لو رأوها لكانوا أشد هلا طالبا وذكر احلديث ومعلوم أن حمبة من ذاق الشيء املالئم وعدم صربه عنه أقوى من حمبة من مل‬ ‫يذقه بل نفسه مفطومة عنه واملودة اليت بني الزوجني واحملبة بعد اجلماع أعظم من اليت كانت قبله والسبب الطبيعي أن‬ ‫شهوة القلب ممتزجة بلذة العني فإذا رأت العني اشتهى القلب فإذا باشر اجلسم اجلسم اجتمع شهوة القلب ولذة العني‬


‫ولذة املباشرة فإذا فارق هذه احلال كان نزاع نفسه إليها أشد وشوقه إليها أعظم كما قيل وأكثر ما يكون الشوق يوما‬ ‫‪ %‬إذا دنت الديار من الديار‬ ‫ولذلك يتضاعف األمل واحلسرة على من راى حمبوبه أو باشره مث حيل بينه وبينه فتضاعف أمله وحسرته يف مقابلة‬ ‫مضاعفة لذة من عاوده وهذا يف جانب املرأة أقوى فإهنا إذا ذاقت عسيلة الرجل وال سيما أول عسيلة مل تكد تصرب عنه‬ ‫بعد ذلك قال أمين بن خرمي مييت العتاب خالط النساء ‪ %‬وحيي اجتناب اخلالط العتابا وتزوج زهري بن مسكني‬ ‫الفهري جاري ة ومل يكن عنده ما يرضيها به فلما أمكنته من نفسها مل تر عنده ما ترضى به فذهبت ومل تعد فقال يف ذلك‬ ‫أشعارا كثرية منها تقول وقد قبلتها ألف قبلة ‪ %‬كفاك أما شيء لديك سوى القبل فقلت هلا حب على القلب حفظه‬ ‫‪ %‬وطول بكاء تستفيض له املقل فقالت لعمر هللا ما لذة الفىت ‪ %‬من احلب يف قول خيالفه الفعل وقال آخر رأت‬ ‫حيب سعاد بال مجاع ‪ %‬فقالت حبلنا حبل انقطاع ولست أريد حبا ليس فيه ‪ %‬متاع منك يدخل يف متاعي فلو‬ ‫قبلتين ألفا وألفا ‪ %‬ملا أرضيت إال باجلماع إذا ما الصب مل يك ذا مجاع ‪ %‬يرى احملبوب كالشيء املضاع مجاع‬ ‫الصب غاية كل أنثى ‪ %‬وداعية ألهل العشق داعي فقلت هلا وقد ولت تعايل ‪ %‬فإنك بعد هذا لن تراعي وإنك لو‬ ‫سألت بقاء يوم ‪ %‬خلي عن مجاعك لن تطاعي‬ ‫فقالت مرحبا بفىت كرمي ‪ %‬وال أهال بذي اخلنع الرياع إذا ما البعل مل يك ذا مجاع ‪ %‬يرى يف البيت من سقط‬ ‫املتاع وقال آخر وملا شكوت احلب قالت كذبتين ‪ %‬فكم زورة مين قصدتك خاليا فما حل فيها من إزار للذة ‪%‬‬ ‫قعدت وحاجات الفؤاد كما هيا وهل راحة للمرء يف ورد منهل ‪ %‬ويرجع بعد الورد ظمآن صاديا وقال العباس بن‬ ‫األحنف مل يصف وصل ملعشوقني مل يذقا ‪ %‬وصال جيل على كل اللذاذات وقال هدبة بن اخلشرم وهللا ما يشفي‬ ‫الفؤاد اهلائما ‪ %‬نفث الرقى وعقدك التمائما وال احلديث دون أن تالزما ‪ %‬وال اللزام دون أن تفاعما وال الفعام دون‬ ‫أن تفاقما ‪ %‬وتعلو القوائم القوائما وقال آخر قوال لعاتكة اليت ‪ %‬يف نظرة قضت الوطر‬ ‫إين أريدك للنكاح ‪ %‬وال أريدك للنظر لو كان هذا مقنعي ‪ %‬لقنعت عنها بالقمر وقال آخر دواء احلب تقبيل‬ ‫وشم ‪ %‬ووضع للبطون على البطون ورهز تذرف العينان منه ‪ %‬وأخذ باملناكب والقرون وقالت امرأة وقد طلبت‬ ‫منها احملادثة ليس هبذا أمرتين أمي ‪ %‬وال بتقبيل وال بشم لكن مجاعا قد يسلي مهي ‪ %‬يسقط منه خامتي يف‬ ‫كمي وقد كشف الشاعر سبب ذلك حيث يقول لو ضم صب إلفه ! ألفا ملا ‪ %‬أجدى وزادت لوعة‬ ‫وغرام أرواحهم من قبل ذاك تألفت ‪ %‬فتألفت من بعدها األجسام وقال املؤلف سألت فقيه احلب عن علة اهلوى‬ ‫‪ %‬وقلت له أشكو إىل الشيخ حاليا فقال دواء احلب أن تلصق احلشا ‪ %‬بأحشاء من هتوى إذا كنت خاليا وتتحدا‬ ‫من بعد ذاك تعانقا ‪ %‬وتلثمه حىت يرى لك ناهيا فتقضي حاجات الفؤاد بأسرها على األمن ما دام احلبيب مؤاتيا إذا‬ ‫كان هذا يف حالل فحبذا ‪ %‬وصالبه الرمحن تلقاه راضيا وإن كان هذا يف حرام فإنه ‪ %‬عذاب به تلقى العنا‬ ‫واملكاويا قال هؤالء وال يستحكم احلب إال بعد أن يشق الرجل رداءه وتشق املرأة املعشوقة برقعها كما قال الشاعر‬


‫إذا شق برد شق بالربد برقع ‪ %‬دواليك حىت كلنا غري النس فكم قد شققنا من رداء حمرب ‪ %‬ومن برقع عن طفلة غري‬ ‫عانس وملا بلغ بعض الظرفاء قول املأمون ما احلب إال قبلة األبيات قال كذب املأمون مث قال وباض احلب يف قليب ‪%‬‬ ‫فوا ويال إذا فرخ وما ينفعين حيب ‪ %‬إذا مل أكنس الرببخ وإن مل يضع األصل ‪ %‬ع خرجيه على املطبخ وقال ابن‬ ‫الرومي أعانقها والنفس بعد مشوقة ‪ %‬إليها وهل بعد العناق تداين وألثم فاها كي تزول صبابثي ! ‪ %‬فيشتد ما ألقى‬ ‫من اهليمان ومل يك مقدار الذي يب من اجلوى ‪ %‬ليشفيه ما ترشف الشفتان كأن فؤادي ليس يشفي غليله ‪ %‬سوى‬ ‫أن أرى الروحني متتزجان وقال الطرباين يف معجمه األوسط حدثنا بكر بن سهل حدثنا عبدهللا بن يوسف حدثنا حممد‬ ‫بن مسلم ع ن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن رجال قال يا رسول هللا عندنا يتيمة قد‬ ‫خطبها‬ ‫رجالن موسر ومعسر وهي هتوى املعسر وحنن هنوى املوسر فقال مل ير للمتحابني مثل التزويج قال أبو القاسم الطرباين مل‬ ‫يروه عن طاوس إال إبراهيم وال رواه عن إبراهيم إال حممد بن مسلم وسفيان الثوري تفرد به مؤمل بن إمساعيل عن الثوري‬ ‫انتهى وقد رواه أبو الفرج بن اجلوزي من حديث حسان بن بشر حدثنا أمحد بن حرب حدثنا ابن عيينة حدثنا عمرو عن‬ ‫جابر فذكره وقال املعاىف بن عمران حدثنا إبراهيم بن يزيد عن سليمان بن موسى عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس‬ ‫رضي هللا عنهما وحدثنا علي بن حرب الطائي حدثنا ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس وذكره الدارقطين يف‬ ‫كتاب الغرائب وقالتفرد به يزيد ابن مروان عن عمرو بن هرون عن عثمان بن األسود املكي عن إبراهيم بن ميسرة عن‬ ‫طاوس وقالت هند بنت املهلب ما رأيت لصاحلي النساء وشرارهن خريا من إحلاقهن مبن يسكن إليه من الرجال ولرب‬ ‫مسكون إليه غري طائل والسكن على كل حال أوفق وذكر احلاكم يف تاريخ نيسابور من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه‬ ‫يرفعه أربع ال يشبعن من أربع أرض من مطر وأنثى من ذكر وعني من نظر وعامل من علم وهذا باطل قطعا على رسول‬ ‫هللا وهو كثري عن أيب هريرة رضي هللا عنه وذكر الطرباين يف معجمه‬ ‫األوسط من حديث ابن عمر يرفعه فضل ما بني لذة املرأة ولذة الرجل كأثر املخيط يف الطني إال أن هللا سرتهن باحلياء‬ ‫وقال مل يروه عن ليث إال أبو املسيب سلم بن سالم عن سويد عن عبدهللا بن أسامة عن يعقوب ابن خالد عن عطاء‬ ‫عن ابن عمر رضي هللا عنهما قلت وهذا أيضا ال يصح عن رسول هللا وإسناده مظلم ال حيتج مبثله فصل ورأت طائفة‬ ‫أن اجلماع يفسد العشق ويبطله أو يضعفه واحتجت بأمور منها أن اجلماع هو الغاية اليت تطلب بالعشق فما دام العاشق‬ ‫طالبا فعشق ه ثابت فإذا وصل إىل الغاية قضى وطره وبردت حرارة طلبه وطفئت نار عشقه قالوا وهذا شأن كل طالب‬ ‫لشيء إذا ظفر به كالظمآن إذا روي واجلائع إذا شبع فال معىن للطلب بعد الظفر ومنها أن سبب العشق فكري وكلما‬ ‫قوي الفكر زاد العشق وبعد الوصول ال يبقى الفكر ومنها أنه قبل الظفر ممنوع والنفس مولعة حبب ما منعت منه كما‬ ‫قال وزادين كلفا يف احلب أن منعت ‪ %‬أحب شيء إىل اإلنسان ما منعا وقال اآلخر لوال طراد الصيد مل تك لذة‬ ‫‪ %‬فتطاردي يل بالوصال قليال قالوا وكانت اجلاهلية اجلهالء يف كفرهم ال يرجون ثوابا وال خيافون عقابا وكانوا يصونون‬ ‫العشق عن اجلماع كما ذكر أن أعرابيا علق امرأة فكان‬


‫يأتيها سنني وما جرى بينهما ريبة قال فرأيت ليلة بياض كفها يف ليلة ظلماء فوضعت يدي على يدها فقالت مه ال‬ ‫تفسد ما صلح فإنه ما نكح حب إال فسد فأخذ ذلك املأمون فقال ما احلب إال نظرة ‪ %‬وغمز كف وعضد أو‬ ‫كتب فيها رقى ‪ %‬أجل من نفث العقد ما احلب إال هكذا ‪ %‬إن نكح احلب فسد من كان هذا حبه ‪ %‬فإمنا يبغي‬ ‫الولد وهوي آخر امرأة فدام احلال بينهما يف اجتماع وحديث ونظر مث إنه جامعها فقطعت الوصل بينهما فقال لو مل‬ ‫أواقع دام يل وصلها ‪ %‬فليتين ال كنت واقعتها وقيل آلخر شكا فراق حمبوبة له أكثرت من وطئها والوطء مسأمة ‪%‬‬ ‫فارفق بنفسك إن الرفق حممود وذكر عمر بن شبة عن بعض علماء أهل املدينة قال كان الرجل حيب الفتاة فإذا ظفر هبا‬ ‫مبجلس تشاكيا وتناشدا األشعار واليوم يشري إليها وتشري إليه فيعدها وتعده فإذا التقيا مل يشك حبا ومل ينشد شعرا وقام‬ ‫إليها كأنه أشهد على نكاحها أبا هريرة رضي هللا عنه مل خيط من داخل الدهليز منصرفا ‪ %‬إال وخلخاهلا قد قارب‬ ‫الساقا قال األصمعي قلت ألعرابية ما تعدون العشق فيكم قالت العناق والضمة والغمزة واحملادثة ‪6‬‬ ‫مث قالت يا حضري فكيف هو عندكم قلت ي قعد بني شعبها األربع مث جيهدها قالت يا ابن أخي ما هذا عاشق هذا‬ ‫طالب ولد وسئل أعرايب عن ذلك فقال مص الريق ولثم الشفة واألخذ من أطايب احلديث فكيف هو فيكم أيها‬ ‫احلضري فقال العفس الشديد واجلمع بني الركبة والوريد ورهز يوقظ النائم ويشفي القلب اهلائم فقال باهلل ما يفعل هذا‬ ‫العدو الشديد فكيف احلبيب الودود وقال بعضهم احلب يطيب بالنظر ويفسد بالغمز قال هؤالء واحلب الصحيح‬ ‫يوجب إعظام احملبوب وإجالله واحلياء منه فال تطاوع نفسه أن يلقي جلباب احلياء عند حمبوبه وأن يلقيه عنه ففي ذلك‬ ‫غاية إذالله وقهره كما قيل إذا كان حظ املرء ممن حيبه ‪ %‬حراما فحظي ما حيل وجيمل حديث كماء املزن بني فصوله‬ ‫‪ %‬عتاب به حسن احلديث يفصل ولثم فم عذب اللثات كأمنا ‪ %‬جناهن شهد فت فيه القرنفل وما العشق إال عفة‬ ‫ونزاهة ‪ %‬وأنس قلوب أنسهن التغزل وإين ألستحيي احلبيب من اليت ‪ %‬تريب وأدعى للجميل فأمحل وزعم بعضهم‬ ‫أنه كان يشرط بني العشيقة والعاشق أن له من نصفها األعلى إىل سرهتا ينال منه ما يشاء من ضم وتقبيل ورشف‬ ‫والنصف األسفل حيرم عليه ويف ذلك قال شاعر القوم فللحب شطر مطلق من عقاله ‪ %‬وللبعل شطر ما يرام منيع‬ ‫وقال اآلخر هلا شطر فمن حل وبل ‪ %‬ونصف كالبحرية ما يهاج وهذا كان من دين اجلاهلية فأبطلته الشريعة‬ ‫وجعلت الشطرين كليهما للبعل والشعراء قاطبة ال يرون باحملادثة والنظر لألجنبيات بأسا وهو خمالف للشرع العقل فإن فيه‬ ‫تعريضا للطبع ملا هو جمبول على امليل إليه والطبع يسرق ويغلب وكم من مفتون بذلك يف دينه ودنياه فإن قيل فقد أنشد‬ ‫احلاكم يف مناقب الشافعي له يقولون ال تنظر وتلك بلية ‪ %‬أال كل ذي عينني ال بد ناظر وليس اكتحال العني‬ ‫بالعني ريبة ‪ %‬إذا عف فيما بني ذاك الضمائر فإن صحت عن الشافعي فإمنا أراد النظر الذي ال يدخل حتت التكليف‬ ‫كنظرة الفجأة أو النظر املباح وقد ذهب أبو بكر حممد بن داود األصفهاين إىل جواز النظر إىل من ال حيل له كما سيأيت‬ ‫كالمه إن شاء هللا تعاىل قال أبو الفرج بن اجلوزي وأخطأ يف ذلك وجر عليه خطؤه اشتهاره بني الناس وافتضاحه وذهب‬ ‫أبو حممد بن حزم إىل جواز العشق لألجنبية من غري ريبة وأخطأ يف ذلك خطأ ظاهرا فإن ذريعة العشق أعظم من ذريعة‬ ‫النظر وإذا‬


‫كان الشرع قد حرم النظر ملا يؤدي إليه من املفاسد كما سيأيت بيانه إن شاء هللا تعاىل فكيف جيوز تعاطي عشق الرجل‬ ‫ملن ال حيل له واملقصود أن هذه الفرقة رأت أن اجلماع يفسد العشق فغارت عليه مما يفسده وإن مل ترتكه ديانة وقيل‬ ‫لبعض األعراب ما ينال أحدكم من عشيقته إذا خلي هبا قال اللمس والقبل وما يشاكلها قال فهل يتطاوالن إىل اجلماع‬ ‫فقال بأيب وأمي ليس هذا بعاشق هذا طالب ولد وحيكى أن رجال عشق امرأة فقالت له يوما أنت صحيح احلب غري‬ ‫سقيمه وكانوا يسمون احلب على اخلنا ا حلب السقيم فقال نعم فقالت اذهب بنا إىل املنزل فما هو إال أن حصلت يف‬ ‫منزله فلم يكن له مهة غري مجاعها فقالت له وهو كذلك أسرفت يف وطئنا والوطء مقطعة ‪ %‬فارفق بنفسك إن الرفق‬ ‫حممود فقال هلا وهو على حاله لو مل أطأك ملا دامت حمبتنا ‪ %‬لكن فعلى هذا فعل جمهود فنفرت من حتته وقالت يا‬ ‫خبيث أراك خالف ما قلت من صحة احلب ومل جتعل مجاعي إال سببا لذهاب حبك وهللا ال ضمين وإياك سقف أبدا‬ ‫وسيأيت متام الكالم يف هذا يف باب عفاف احملبني إن شاء هللا تعاىل فصل اخلطاب بني الفريقني أن اجلماع احلرام يفسد‬ ‫احلب وال بد أن تنتهي احمل بة بينهما إىل املعاداة والتباغض والقلى كما هو مشاهد بالعيان فكل حمبة لغري هللا آخرها قلى‬ ‫وبغض فكيف إذا قارهنا ما هو من أكرب الكبائر‬ ‫وهذه عدواة بني يدي العداوة الكربى اليت قال هللا تعاىل فيها األخالء يومئذ بعضهم لبعض عدو إال املتقني وسنذكر إن‬ ‫شاء هللا تع اىل من ظفر مبحبوبه وترك قضاء وطره منه رغبة يف بقاء حمبته وخشية أن تنقلب قلى وبغضا يف الباب املوعود‬ ‫به فإن ذلك أليق به وأما اجلماع املباح فإنه يزيد احلب إذا صادف مراد احملب فإنه إذا ذاق لذته وطعمه أوجب له ذلك‬ ‫رغبة أخرى مل تكن حاصلة قبل الذوق وهلذا ال يكاد ا لبكران يصرب أحدمها عن اآلخر هذا ما مل يعرض للحب ما‬ ‫يفسده ويوجب نقله إىل غري احملبوب وأما ما احتج به اآلخرون فجوابه أن الشهوة واإلرادة مل تطفأ نارها بالكلية بل فرتت‬ ‫شهوة ذلك الوقت مث تعود أمثاهلا وإمنا يظهر هذا إذا غاب أحدمها عن حبيبه وإال فما دام مبرأى منه وهو قادر عليه مىت‬ ‫أحب فإن النفس تسكن بذلك وتطمئن به وهذا حال كل من كان حبضرته ما حيتاج إليه من طعام وشراب ولباس وهو‬ ‫قادر عليه فإن نفسه تسكن عنده فإذا حيل بينه وبينه اشتد طلبه له ونزاع نفسه إليه على أن احملب للشيء مىت أفرط يف‬ ‫تناول حمبوبه نفرت نفسه منه ورمب ا انقلبت حمبته كراهية وسيأيت مزيد بيان هلذا يف باب سلو احملبني إن شاء هللا تعاىل‬ ‫فصل ودواعي احلب من احملبوب مجاله إما الظاهر أو الباطن أو مها معا فمىت كان مجيل الصورة مجيل األخالق والشيم‬ ‫واألوصاف كان الداعي منه أقوى وداعي احلب من احملب أربعة أشياء أوهلا النظر إما بالعني أو بالقلب إذا‬ ‫وصف له فكثري من الناس حيب غريه ويفىن فيه حمبة وما رآه لكن وصف له وهلذا هنى النيب املرأة أن تنعت املرأة لزوجها‬ ‫حىت كأنه ينظر إليها واحلديث يف الصحيح الثاين االستحسان فإن مل يورث نظره استحسانا مل تقع احملبة الثالث الفكر يف‬ ‫امل نظور وحديث النفس به فإن شغل عنه بغريه مما هو أهم عنده منه مل يعلق حبه بقلبه وإن كان ال يعدم خطرات وسوانح‬ ‫وهلذا قيل العشق حركة قلب فارغ ومىت صادف هذا النظر واالستحسان والفكر قلبا خاليا متكن منه كما قيل أتاين‬ ‫هواها قبل أن أعرف اهلوى ‪ %‬فصادف قلبا خاليا فتمكنا فإن قيل فهل يتوقف على الطمع يف الوصول إىل احملبوب أم‬ ‫ال قيل الناس يف هذا على أقسام منهم من يعشق اجلمال املطلق فقلبه معلق به إن استقلت ركائبه وإن حلت مضاربه‬


‫وهذا ال يتوقف عشقه على الطمع ومنهم من يعشق اجلمال املقيد سواء طمعت نفسه يف وصاله أم مل تطمع ومنهم من‬ ‫ال يعشق إال من طمعت نفسه يف وصاله فإن يئس منه مل يعلق حبه بقلبه واألقسام الثالثة واقعة يف الناس فإذا وجد النظر‬ ‫واالستحسان والفكر والطمع هاجت بالبله وأمكن من معشوقه مقاتله واستحكم داؤه وعجز عن األطباء دواؤه تاهلل ما‬ ‫أسر اهلوى من عاشق ‪ %‬إال وعز على النفوس فكاكه وإذا كان النظر مبدأ العشق فحقيق باملطلق أن ال يعرض نفسه‬ ‫لإلسار الدائم بواسطة عينه وإذ قد أفضى بنا الكالم إىل النظر فلنذكر حكمه وغائلته‬ ‫الباب السادس يف أحكام النظر وغائلته وما جيين على صاحبه قال هللا‬ ‫تعاىل قل للمؤمنني يغضوا من أبصارهم وحيفظوا فروجهم ذلك أزكى هلم إن هللا خبري مبا يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن‬ ‫من أبصارهن وحيفظن فروجهن اآلية فلما كان غض البصر أصال حلفظ الفرج بدأ بذكره وملا كان حترميه حترمي الوسائل‬ ‫فيباح للمصلحة الراجحة وحيرم إذا خيف منه الفساد ومل يعارضه مصلحة أرجح من تلك املفسدة مل يأمر سبحانه بغضه‬ ‫مطلقا بل أمر بالغض منه وأما حفظ الفرج فواجب بكل حال ال يباح إال حبقه فلذلك عم األمر حبفظه وقد جعل هللا‬ ‫سبحانه العني مرآة القلب فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته ويف‬ ‫الصحيح أن الفضل بن عباس رضي هللا عنهما كان رديف رسول هللا يوم النحر من مزدلفة إىل مىن فمرت ظعن جيرين‬ ‫فطفق الفضل ينظر إليهن فحول رسول هللا رأسه إىل الشق اآلخر وهذا منع وإنكار بالفعل فلو كان النظر جائزا ألقره عليه‬ ‫ويف الصحيح عنه أنه قال إن هللا عز وجل كتب على ابن آدم حظه من الزىن‬ ‫أدرك ذلك ال حمالة فالعني تزين وزناها النظر واللسان يزين وزناه النطق والرجل تزين وزناها اخلطى واليد تزين وزناها البطش‬ ‫والقلب يهوى ويتمىن والفرج يصدق ذلك أو يكذبه فبدأ بزىن العني ألنه أصل زىن اليد والرجل والقلب والفرج ونبه بزىن‬ ‫اللسان بالكالم على زىن الفم بالقب ل وجعل الفرج مصدقا لذلك إن حقق الفعل أو مكذبا له إن مل حيققه وهذا احلديث‬ ‫من أبني األشياء على أن العني تعصي بالنظر أن ذلك زناها ففيه رد على من أباح النظر مطلقا وثبت عنه أنه قال يا علي‬ ‫ال تتبع النظرة النظرة فإن لك األوىل وليست لك الثانية ووقعت مسألة ما تقول السادة العلماء يف رجل نظر إىل امرأة‬ ‫نظرة فعلق حبها بقلبه واشتد عليه األمر فقالت له نفسه هذا كله من أول نظرة فلو أعدت النظر إليها لرأيتها دون ما يف‬ ‫نفسك فسلوت عنها فهل جيوز له تعمد النظر ثانيا هلذا املعىن فكان اجلواب احلمد هلل ال جيوز هذا لعشرة أوجه أحدها‬ ‫أن هللا سبحانه أمر بغض البصر ومل جيعل شفاء القلب فيما حرمه على العبد الثاين أن النيب سئل عن نظر الفجأة وقد‬ ‫علم أنه يؤثر يف القلب فأمر مبداواته بصرف البصر ال بتكرار النظر الثالث أنه صرح بأن األوىل له وليست له الثانية وحمال‬ ‫أن يكون داؤه مما له ودواؤه فيما ليس له الرابع أن الظاهر قوة األمر بالنظرة الثانية ال تناقصه والتجربة شاهدة به والظاهر‬ ‫أن األمر كما رآه أول مرة فال حتسن املخاطرة باإلعادة اخلامس أنه رمبا رأى ما هو فوق الذي يف نفسه فزاد عذابه‬ ‫السادس أن إبليس عند قصده للنظرة الثانية يقوم يف ركائبه فيزين له ما ليس حبسن لتتم البلية السابع أنه ال يعان على‬ ‫بليته إذا أعرض عن امتثال أوامر الشرع وتداوى مبا حرمه عليه بل هو جدير أن تتخلف عنه املعونة الثامن أن النظرة‬


‫األوىل سهم مسموم من سهام إبليس ومعلوم أن الثانية أشد مسا فكيف يتداوى من السم بالسم التاسع أن صاحب هذا‬ ‫املقام يف مقام معاملة احلق عز وجل يف ترك حمبوب كما زعم وهو يريد بالنظرة الثانية أن يتبني حال املنظور إليه فإن مل‬ ‫يكن مرضيا تركه فإذا يكون تركه ألنه ال يالئم غرضه ال هلل تعاىل فأين معاملة هللا سبحانه برتك احملبوب ألجله العاشر‬ ‫يتبني بضرب مثل مطابق للحال وه و أنك إذا ركبت فرسا جديدا فمالت بك إىل درب ضيق ال ينفذ وال ميكنها تستدير‬ ‫فيه للخروج فإذا مهت بالدخول فيه فاكبحها لئال تدخل فإذا دخلت خطوة أو خطوتني فصح هبا وردها إىل وراء عاجال‬ ‫قبل أن يتمكن دخوهلا فإن رددهتا إىل ورائها سهل األمر وإن توانيت حىت وجلت وسقتها داخال مث قمت جتذهبا بذنبها‬ ‫عسر عليك أو تعذر خروجها فهل يقول عاقل إن طريق ختليصها سوقها إىل داخل فكذلك النظرة إذا أثرت يف القلب‬ ‫فإن عجل احلازم وحسم املادة من أوهلا سهل عالجه وإن كرر النظر ونقب عن حماسن الصورة ونقلها إىل قلب فارغ‬ ‫فنقشها فيه متكنت احملبة وكلما تواصلت النظرات كانت كاملاء يسقي الشجرة فال تزال شجرة احلب تنمى حىت يفسد‬ ‫القلب ويعرض عن الفكر فيما أمر به فيخرج‬ ‫بصاحبه إىل احملن ويوجب ارتكاب احملظورات والفنت ويلقي القلب يف التلف والسبب يف هذا أن الناظر التذت عينه بأول‬ ‫نظرة فطلبت املعاودة كأكل الطعام ال لذيذ إذا تناول منه لقمة ولو أنه غض أوال السرتاح قلبه وسلم وتأمل قول النيب‬ ‫النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فإن السهم شأنه أن يسري يف القلب فيعمل فيه عمل السم الذي يسقاه املسموم‬ ‫فإن بادر استفرغه وإال قتله وال بد قال املروذي قلت ألمحد الرجل ينظر إىل اململوكة قال أخاف عليه الفتنة كم نظرة قد‬ ‫ألقت يف قلب صاحبها البالبل وقال ابن عباس الشيطان من الرجل يف ثالثة يف نظره وقلبه وذكره وهو من املرأة يف ثالثة‬ ‫يف بصرها وقلبها وعجزها فصل وملا كان النظر من أقرب الوسائل إىل احملرم اقتضت الشريعة حترميه وأباحته يف موضع‬ ‫احلاج ة وهذا شأن كل ما حرم حترمي الوسائل فإنه يباح للمصلحة الراجحة كما حرمت الصالة يف أوقات النهي لئال تكون‬ ‫وسيلة إىل التشبه بالكفار يف سجودهم للشمس أبيحت للمصلحة الراجحة كقضاء الفوائت وصالة اجلنازة وفعل ذوات‬ ‫األسباب على الصحيح ويف مسند اإلمام أمحد بن حنبل عن النيب أنه قال النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن‬ ‫غض بصره عن حماسن امرأة أورث هللا قلبه حالوة جيدها‬ ‫إىل يوم يلقاه أو كما قال وقال جرير بن عبدهللا رضي هللا عنهما سألت رسول هللا عن نظر الفجأة فأمرين أن أصرف‬ ‫بصري ونظرة الفجأة هي النظرة األوىل اليت تقع بغري قصد من الناظر فما مل يعتمده القلب ال يعاقب عليه فإذا نظر الثانية‬ ‫تعمدا أمث فأمره النيب عند نظرة الفجأة أن يصرف بصره وال يستدمي النظر فإن استدامته كتكريره وأرشد من ابتلي بنظرة‬ ‫الفجأة أن يداويه بإتيان امرأته وقال إن معها مثل الذي معها فإن يف ذلك التسلي عن املطلوب جبنسه والثاين أن النظر‬ ‫يثري قوة الشهوة فأمره بتنقيصها بإتيان أهله ففتنة النظر أصل كل فتنة كما ثبت يف الصحيحني من حديث أسامة بن زيد‬ ‫رضي هللا عنهما أن النيب قال ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ويف صحيح مسلم من حديث أيب سعيد‬ ‫اخلدري رضي هللا عنه ع ن النيب اتقوا الدنيا واتقوا النساء ويف مسند حممد بن إسحاق السراج من حديث علي بن أيب‬


‫طالب رضي هللا عنه عن النيب أخوف ما أخاف على أميت النساء واخلمر وقال ابن عباس رضي هللا عنهما مل يكفر من‬ ‫كفر ممن مضى إال من قبل النساء وكفر من بقي من قبل النساء‬ ‫فصل ويف غض البصر عدة فوائد أحدها ختليص القلب من أمل احلسرة فإن من أطلق نظره دامت حسرته فأضر شيء‬ ‫على القلب إرسال البصر فإنه يريه ما يشتد طلبه وال صرب له عنه وال وصول له إليه وذلك غاية أمله وعذابه قال األصمعي‬ ‫رأيت جارية يف الطواف كأهنا مهاة فجعلت أنظر إليها وأمأل عيين من حماسنها فقالت يل يا هذا ما شأنك قلت وما‬ ‫عليك من النظر فأنشأت تقول وكنت مىت أرسلت طرفك رائدا ‪ %‬لقلبك يوما أتعبتك املناظر رأيت الذي ال كله‬ ‫أنت قادر ‪ %‬عليه وال عن بعضه أنت صابر والنظرة تفعل يف القلب ما يفعل السهم يف الرمية فإن مل تقتله جرحته وهي‬ ‫مبن زلة الشرارة من النار ترمى يف احلشيش اليابس فإن مل حيرقه كله أحرقت بعضه كما قيل كل احلوادث مبداها من النظر‬ ‫‪ %‬ومعظم النار من مستصغر الشرر كم نظرة فتكت يف قلب صاحبها ‪ %‬فتك السهام بال قوس وال وتر واملرء ما‬ ‫دام ذا عني يقلبها ‪ %‬يف أعني الغيد موقوف على اخلطر يسر مقلته ما ضر مهجته ‪ %‬ال مرحبا بسرور عاد‬ ‫بالضرر والناظر يرمي من نظره بسهام غرضها قلبه وهو ال يشعر فهو إمنا يرمي قلبه ويل من أبيات يا راميا بسهام‬ ‫اللحظ جمتهدا ‪ %‬أنت القتيل مبا ترمي فال تصب وباعث الطرف يرتاد الشفاء له ‪ %‬توقه إنه يأتيك بالعطب‬ ‫وقال الفرزدق تزود منها نظرة مل تدع له ‪ %‬فؤادا ومل يشعر مبا قد تزودا فلم أر مقتوال ومل أر قاتال ‪ %‬بغري سالح‬ ‫مثلها حني أقصدا وقال آخر ومن كان يؤتى من عدو وحاسد ‪ %‬فإين من عيين أتيت ومن قليب مها اعتوراين نظرة‬ ‫مث فكرة ‪ %‬فما أبقيا يل كل من رقاد وال لب وقال آخر رماين هبا طريف فلم ختط مقليت ‪ %‬وما كل من يرمى تصاب‬ ‫مقاتله إذا مت فابكوين قتيال لطرفه ‪ %‬قتيل صديق حاضر ما يزيله وقال ابن املعتز متيم يرعى جنوم الدجى ‪%‬‬ ‫يبكي عليه رمحة عاذله عيين أشاطت بدمى يف اهلوى ‪ %‬فابكوا قتيال بعضه قاتله ومثله للمتنيب وأنا الذي اجتلب‬ ‫املنية طرفه ‪ %‬فمن املطالب والقتيل القاتل وقال أيضا يا نظرة نفت لرقاد وغادرت ‪ %‬يف حد قليب ما بقيت‬ ‫فلوال كانت من الكحالء سؤيل وإمنا ‪ %‬أجلي متثل يف فؤادي سوال وقال أيضا‬ ‫وقي األمري من العيون فإنه ‪ %‬ماال يزول ببأسه وسخائه يستأسر البطل الكمي بنظرة ‪ %‬وحيول بني فؤاده‬ ‫وعزائه وقال الصوري إذا أنت مل ترع الربوق اللواحما ‪ %‬ومنت جرى من حتتك السيل سائحا غرست اهلوى باللحظ‬ ‫مث احتقرته ‪ %‬وأمهلته مستأنسا متساحما ومل تدر حىت أينعت شجراته ‪ %‬وهبت رياح الوجد فيه لواقحا فأمسيت‬ ‫تستدعي من ال صرب عازبا ‪ %‬عليك وتستدين من النوم نازحا ودخل أصبهان مغن فكان يتغىن هبذين البيتني مساعا يا‬ ‫عباد هللا مين ‪ %‬وكفوا عن مالحظة املالح فإن احلب آخره املنايا ‪ %‬وأوله شبيه باملزاح وقال آخر وشادن ملا بدا‬ ‫‪ %‬أسلمين إىل الردى بظرفه ولطفه ‪ %‬وطرفه ملا بدا أردت أن أصيده ‪ %‬فصاد قليب وعدا وقال آخر يعاتب‬ ‫عينه وهللا يا بصري اجلاين على جسدي ‪ %‬ألطفئن بدمعي لوعة احلزن تاهلل تطمع أن أبكي هوى وضىن ‪ %‬وأنت‬ ‫تشبع من غمض ومن وسن هيهات حىت ترى طرفا بال نظر ‪ %‬كما أرى يف اهلوى شخصا بال بدن‬


‫وقال آخر يا من يرى سقمي يزيد ‪ %‬وعليت أعيت طبييب ال تعجنب فهكذا ‪ %‬جتين العيون على القلوب وقال‬ ‫آخر لواحظنا جتين وال علم عندنا ‪ %‬وأنفسنا مأخوذة باجلرائر ومل أرى أغىب من نفوس عفائف ‪ %‬تصدق أخهار‬ ‫العيون الفواجر ومن كانت األجفان حجاب قلبه ‪ %‬أذن على أحشائه بالفواقر وقال آخر ومستفتح باب البالء‬ ‫بنظرة ‪ %‬تزود منها قلبه حسرة الدهر فوهللا ما تدري أيدري مبا جنث ‪ %‬على قلبه أم أهلكته وما يدري وقال‬ ‫آخر أنا ما بني عدوين مها قليب وطريف ‪ %‬ينظر الطرف ويهوى القلب واملقصود حتفي وقال اخلفاجي رمت عينها‬ ‫عيين وراحت سليمة ‪ %‬فمن حاكم بني الكحيلة والعربى فيا طرف قد حذرتك النظرة اليت ‪ %‬خلست فما راقبت هنيا‬ ‫وال زجرا‬ ‫ويا قلب قد أرداك طريف مرة ‪ %‬فوحيك مل طاوعته مرة أخرى ويل من أبيات لعل معناها مبتكر أمل أقل لك ال‬ ‫تسرق مالحظة ‪ %‬فسارق اللحظ ال ينجو من الدرك نصبت طريف له ملا بدا شركا ‪ %‬فكان قليب أوىل منه‬ ‫بالشرك الفائدة الثانية أنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر يف العني ويف الوجه ويف اجلوارح كما أن إطالق البصر يورثه‬ ‫ظلمة تظهر يف وجهه وجوارحه وهلذا وهللا أعلم ذكر هللا سبحانه آية النور يف قوله تعاىل هللا نور السموات واألرض عقيب‬ ‫قوله قل للمؤمنني يغضوا من أبصارهم وجاء احلديث مطابقا هلذا حىت كأنه مشتق منه وهو قوله النظرة سهم مسموم من‬ ‫سهام إبليس فمن غض بصره عن حماسن امرأة أورث هللا قلبه نورا احلديث الفائدة الثالثة أنه يورث صحةالفراسة فإهنا‬ ‫من النور ومثراته وإذا استنار القلب صحت الفراسة ألن ه يصري مبنزلةاملرآة اجمللوة تظهر فيها املعلومات كما هي والنظر مبنزلة‬ ‫التنفس فيها فإذا أطلق العبد نظرة تنفست نفسه الصعداء يف مرآة قلبه فطمست نورها كما قيل مرآة قلبك ال تريك‬ ‫صالحه ‪ %‬والنفس فيها دائما تتنفس وقال شجاع الكرماين من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام املراقبة وغض‬ ‫بصره عن احملارم وكف نفسه عن الشهوات وأكل من‬ ‫احلالل مل ختطىء فراسته وكان شجاع ال ختطىء له فراسة وهللا سبحانه وتعاىل جيزى العبد على عمله مبا هو من جنسه‬ ‫فمن غض بصره عن احملارم عوضه هللا سبحانه وتعاىل إطالق نور بصريته فلما حبس بصره هلل أطلق هللا نور بصريته ومن‬ ‫أطلق بصره يف احملارم حبس هللا عنه بصريته الفائدة الرابعة أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه ويسهل عليه أسبابه وذلك‬ ‫بسبب نور القلب فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق املعلومات وانكشفت له بسرعة ونفذ من بعضها إىل بعض ومن‬ ‫أرسل بصره تكدر عليه قلبه وأظلم وانسد عليه باب العلم وطرقه الفائدة اخلامسة أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته‬ ‫فيجعل له سلطان البصري مع سلطان احلجة ويف األثر إن الذي خيالف هواه يفرق الشيطان من ظله وهلذا يوجد يف املتبع‬ ‫هلواه من ذل القلب وضعفه ومهانة النفس وحقارهتا ما جعله هللا ملن آثر هواه على رضاه قال احلسن إهنم وإن مهلجت‬ ‫هبم البغال طقطقت هبم الرباذين إن ذل املعصية لفي قلوهبم أىب هللا إال أن يذل من عصاه وقال بعض الشيوخ الناس‬ ‫يطلبون العز بأبواب امللوك وال جيدونه إال يف طاعة هللا ومن أطاع هللا فقد وااله فيما أطاعه فيه ومن عصاه فقد عاداه فيما‬ ‫عصاه فيه وفيه قسط ونصيب من فعل من عاداه مبعاصيه ويف دعاء القنوت إنه ال يذل من واليت وال يعز من‬


‫عاديت الفائدة السادسة أنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا أعظم من اللذة والسرور احلاصل بالنظر وذلك لقهره‬ ‫عدوه مبخالفته وخمالفة نفسه وهواه‬ ‫وأيضا ف إنه ملا كف لذته وحبس شهوته هلل وفيها مسرة نفسه األمارة بالسوء أعاضه هللا سبحانه مسرة ولذة أكمل منها‬ ‫كما قال بعضهم وهللا للذة العفة أعظم من لذة الذنب وال ريب أن النفس إذا خالفت هواها أعقبها ذلك فرحا وسرورا‬ ‫ولذة أكمل من لذة موافقة اهلوى مبا ال نسبة بينهما وهاهنا ميتاز العقل من اهلوى الفائدة السابعة أنه خيلص القلب من‬ ‫أسر الشهوة فإن األسري هو أسري شهوته وهواه فهو كما قيل طليق برأي العني وهو أسري ومىت أسرت الشهوة واهلوى‬ ‫القلب متكن منه عدوه وسامه سوء العذاب وصار كعصفورة يف كف طفل يسومها ‪ %‬حياض الردى والطفل يلهو و‬ ‫يلعب الفائدة الثامنة أنه يسد عنه بابا من أبواب جهنم فإن النظر باب الشهوة احلاملة على مواقعة الفعل وحترمي الرب‬ ‫تعاىل وشرعه حجاب مانع من الوصول فمىت هتك احلجاب ضري على احملظور ومل تقف نفسه منه عند غاية فإن النفس‬ ‫يف هذا الباب ال تقتع بغاية تقف عندها وذلك أن لذهتا يف الشيء اجلديد فصاحب الطارف ال يقتعه التليد وإن كان‬ ‫أحسن منه منظرا وأطيب خمربا فغض البصر يسد عنه هذا الباب الذي عجزت امللوك عن استيفاء أغراضهم‬ ‫فيه الفائدةالتاسعة أنه يقوي عقله ويزيده ويثبته فإن إطالق البصر وإرساله‬ ‫ال حيصل إال من خفة الع قل وطيشه وعدم مالحظته للعواقب فإن خاصة العقل مالحظة العواقب ومرسل النظر لو علم‬ ‫ما جتين عواقب نظره عليه ملا أطلق بصره قال الشاعر بو أعقل الناس من مل يرتكب سببا ‪ %‬حىت يفكر ما جتين‬ ‫عواقبه الفائدة العاشرة أنه خيلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة فإن إطالق البصر يوجب استحكام الغفلة عن‬ ‫هللا والدار اآلخرة ويوقع يف سكرة العشق كما قال هللا تعاىل عن عشاق الصور لعمرك إهنم لفي سكرهتم يعمهون فالنظرة‬ ‫كأس من مخر والعشق هو سكر ذلك الشراب وسكر العشق أعظم من سكر اخلمر فإن سكران اخلمر يفيق وسكران‬ ‫العشق قلما يفيق إال وهو يف عسكر األموات كما قيل سكران سكر هوى وسكر مدامة ‪ %‬ومىت إفاقته من به‬ ‫سكران وفوائد غض البصر وآفات إرساله أضعاف أضعاف ما ذكرنا وإمنا نبهتا عليه تنبيها وال سيما النظر إىل من مل‬ ‫جيعل هللا سبيال إىل قضاء الوطر منه شرعا كاملردان احلسان فإن إطالق النظر إليهم السم الناقع والداء العضال وقد روى‬ ‫احلافظ حممد بن ناصر من حديث الشعيب مرسال قال قدم وفد عبدالقيس على النيب وفيهم غالم أمرد ظاهر الوضاءة‬ ‫فأجلسه النيب وراء ظهره وقال كانت خطيئة من مضى من النظر وقال سعيد بن املسيب إذا رأيتم الرجل حيد النظر إىل‬ ‫الغالم األمرد ف اهتموه وقد ذكر ابن عدي يف كامله من حديث بقية عن الوازع عن أيب سلمة عن أيب هريرة رضي هللا عنه‬ ‫قال هنى رسول هللا أن حيد الرجل النظر إىل الغالم األمرد وكان إبراهيم النخعي وسفيان الثوري وغريمها من السلف ينهون‬ ‫عن جمالة املردان قال النخعي جمالستهم فتنة وإمنا هم مبنزلة النساء وباجلملة فكم من مرسل حلظاته رجع جبيش صربه‬ ‫مغلوال ومل يقلع حىت تشحط بينهم قتيال يا ناظرا ما أقلعت حلظاته ‪ %‬حىت تشحط بينهن قتيال‬


‫الباب السابع يف ذكر مناظرة بني القلب والعني ولوم كل منهما صاحبه واحلكم‬ ‫بينهما ملا كانت العني رائدا والقلب باعثا وطالبا وهذه هلا لذة الرؤية وهذا له لذة الظفر كانا يف اهلوى شريكي عنان‬ ‫وملا وقعا يف العناء واشرتكا يف البالء أقبل كل منهما يلوم صاحبه ويعاتبه فقال القلب للعني أنت اليت سقتين إىل موارد‬ ‫اهللكات وأوقعتين يف احلسرات مبتابعتك اللحظات ونزهت طرفك يف تلك الرياض وطلبت الشفاء من احلدق املراض‬ ‫وخالفت قول أحكم احلاكمني قل للمؤمنني وقول رسوله النظر إىل املرأة سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركه من‬ ‫خوف هللا عز وجل أثابه هللا إميانا جيد حالوته يف قلبه رواه اإلمام أمحد حدثنا هشيم حدثنا عبدالرمحن بن إسحاق عن‬ ‫حمارب بن دثار عن صلة عن حذيفة وقال عمر بن شبة حدثنا أمحد بن عبدهللا بن يونس حدثنا عنبسة بن عبدالرمحن‬ ‫القرشي حدثنا أبو احلسن املدين حدثنا علي بن أيب طالب رضي هللا عنه قال قال رسول هللا نظر الرجل يف حماسن املرأة‬ ‫سهم مسموم من سهام إبليس مسموم فمن أعرض عن ذلك السهم أعقبه هللا عبادة تسره فمن امللوم سوى من رمى‬ ‫صاحبه بالسهم املسموم أو ما علمت أنه ليس شيء أضر على اإلنسان من العني واللسان فما عطب‬ ‫أكثر من عطب إال هبما وما هلك أكثر من هلك إال بسببهما فلله كم من مورد هلكة أورداه ومصدر ردى عنه أصدراه‬ ‫فمن أحب أن حييا سعيدا أو يعي ش محيدا فليغض من عنان طرفه ولسانه ليسلم من الضرر فإنه كامن يف فضول الكالم‬ ‫وفضول النظر وقد صرح الصادق املصدوق بأن العينني تزنيان ومها أصل زىن الفرج فإهنما له رائدان وإليه داعيان وقد سئل‬ ‫رسول هللا عن نظرة الفجأة فأمر السائل أن يصرف بصره فأرشده إىل ما ينفعه ويدفع عنه ضرره وقال البن عمه علي‬ ‫رضي هللا عنه حمذرا له مما يوقع يف الفتنة ويورث احلسرة ال تتبع النظرة النظرة أوما مسعت قول العقالء من سرح ناظره‬ ‫أتعب خاطره ومن كثرت حلظاته دامت حسراته وضاعت عليه أوقاته وفاضت عرباته وقول الناظم نظر العيون إىل العيون‬ ‫هو الذي ‪ %‬جعل اهلالك إىل الفؤاد سبيال ما زالت اللحظات تغزو قلبه ‪ %‬حىت تشحط فيهن قتيال وقال‬ ‫آخر متتعتما يا مقليت بنظرة ‪ %‬وأوردمتا قليب أمر املوارد أعيين كفا عن فؤادي فإنه ‪ %‬من الظلم سعى اثنني يف قتل‬ ‫واحد فصل قالت العني ظلمتين أوال وآخرا وبؤت بإمثي باطنا وظاهرا وما أنا‬ ‫إال رسولك الداعي إليك ورائدك الدال عليك وإذا بعثت برائد حنو الذي ‪ %‬هتوى وتعتبه ظلمت الرائدا فأنت امللك‬ ‫املطاع وحنن اجلنود واألتباع أركبتين يف حاجتك خيل الربيد مث أقبلت علي بالتهديد والوعيد فلو أمرتين أن أغلق علي بايب‬ ‫وأرخي علي حجايب لسم عت وأطعت وملا رعيت يف احلمى ورتعت أرسلتين لصيد قد نصيت لك حبائله وأشراكه‬ ‫واستدارت حولك فخاخه وشباكه فغدوت أسريا بعد أن كنت أمريا وأصبحت مملوكا بعد أن كنت مليكا هذا وقد حكم‬ ‫يل عليك سيد األنام وأعدل احلكام حيث يقول إن يف اجلسد مضغة إذا صلحت صلح هلا سائر اجلسد وإذا فسدت‬ ‫فسد هلا سائر اجلسد أال وهي القلب وقال أبو هريرة رضي هللا عنه القلب ملك واألعضاء جنوده فإن طاب امللك طابت‬ ‫جنوده وإذا خبث امللك خبثت جنوده ولو أنعمت النظر لعلمت أن فساد رعيتك بفسادك وصالحها ورشدها برشادك‬ ‫ولكنك هلكت وأهلكت رعيتك ومحلت على العني ال ضعيفة خطيئتك وأصل بليتك أنه خال منك حب هللا وحب ذكره‬ ‫وكالمه وأمسائه وصفاته وأقبلت على غريه وأعرضت عنه وتعوضت حبب من سواه والرغبة فيه منه هذا وقد مسعت ما قص‬


‫عليك من إنكاره سبحانه على بين إسرائيل استبداهلم طعاما بطعام أدىن منه فذمهم على ذلك ونعاه عليهم وقال ^‬ ‫أتستبدلون الذي هو أدىن بالذي هو خري ^‬ ‫فكيف مبن استبدل مبحبة خالقه وفاطره ووليه ومالك أمره الذي ال صالح له وال فالح وال نعيم وال سرور وال فرحة وال‬ ‫جناة إال بأن يوحده يف احلب ويكون أحب إليه مما سواه فانظر باهلل مبن استبدلت ومبحبة من تعوضت رضيت لنفسك‬ ‫باحلب س يف احلش وقلوب حمبيه جتول حول العرش فلو أقبلت عليه وأعرضت عمن سواه لرأيت العجائب وألمنت من‬ ‫املتالف واملعاطب أوما علمت أنه خص بالفوز والنعيم من أتاه بقلب سليم أي سليم مما سواه ليس فيه غري حبه واتباع‬ ‫رضاه قالت وبني ذنيب وذنبك عند الناس كما بني عماي وعماك يف القياس وقد قال من بيده أزمة األمور فإهنا ال تعمى‬ ‫األبصار ولكن تعمىالقلوب اليت يف الصدور فصل فلما مسعت الكبد حتاورمها الكالم وتناوهلما اخلصام قالت أنتما على‬ ‫هالكي تساعدمتا وعلى قتلي تعاونتما ولقد أنصف من حكى مناظرتكما وعلى لساين متظلما منكما يقول طريف لقليب‬ ‫هجت يل سقما ‪ %‬والعني تزعم أن القلب أنكاها واجلسم يشهد أن العني كاذبة ‪ %‬وهي اليت هيجت للقلب‬ ‫بلواها لوال العيون وما جينني من سقم ‪ %‬ما كنت مطرحا من بعض قتالها فقالت الكبد املظلومة اتئدا ‪ %‬قطعتماين‬ ‫وما راقبتما هللا‬ ‫وقال آخر يقول قليب لطريف أن بكى جزعا ‪ %‬تبكي وأنت الذي محلتين الوجعا فقال طريف له فيما يعاتبه ‪ %‬بل‬ ‫أنت محلتين اآلمال والطمعا حىت إذا ما خال كل بصاحبه ‪ %‬كالمها بطويل السقم قد قنعا نادهتما كبدي ال تبعدا‬ ‫فلقد ‪ %‬قطعتماين مبا القيتما قطعا وقال آخر عاتبت قليب ملا ‪ %‬رأيت جسمي حنيال فألزم القلب طريف ‪ %‬وقال‬ ‫كنت الرسوال فقال طريف لقليب ‪ %‬بل كنت أنت الدليال فقلت كفا مجيعا ‪ %‬تركتماين قتيال مث قالت أنا أتوىل‬ ‫احلكم بينكما أنتما يف البلية شريكا عنان كما أنكما يف اللذة واملسرة فرسا رهان فالعني تلتذ والقلب يتمىن ويشتهي وهلذا‬ ‫قال فيكما القائل وملا سلوت احلب بشر ناظري ‪ %‬لقليب فقال القلب يل ولك اهلنا ختلصت من إحياء ليلك ساهرا‬ ‫‪ %‬وخلصتين من لوعة اهلجر والضنا كالنا مهنا بالبقاء فإن تعد ‪ %‬فال أنت يبقيك الغرام وال أنا وإن مل تدرككما‬ ‫عناية مقلب القلوب واألبصار وإال فما لك من قرة وال للقلب من قرار قال الشاعر فوهللا ما أدري أنفسي ألومها ‪%‬‬ ‫على احلب أم عيين املشومة أم قليب فإن ملت قليب قال يل العني أبصرت ‪ %‬وإن ملت عيين قالت الذنب للقلب‬ ‫فعيين وقليب قد تقامستما دمي ‪ %‬فيا رب كن عونا على العني والقلب قالت هذه وملا سقيت القلب ماء احملبة‬ ‫بكؤوسك أوقدت عليه نار الشوق فارتفع إليك البخار فتقاطر منك فشرقت بشربه أوال وشرقت حبر ناره ثانيا‬ ‫قال خذي بيدي مث اكشفي الثوب فانظري ‪ %‬ضىن جسدي لكنين أتسرت وليس الذي جيري من العني ماؤها ‪%‬‬ ‫ولكنها روح تذوب فتقطر قالت واحلاكم بينكما الذي حيكم بني الروح واجلسد إذا اختصما بني يديه فإن يف األثر‬ ‫املشهور ال تزال اخلصومة يوم القيامة بني اخلالئق حىت ختتصم الروح واجلسد فيقول اجلسد للروح أنت الذي حركتين‬ ‫وأمرتين وصرفتين وإال فأنا مل أكن أحترك وال أفعل بدونك فتقول الروح له وأنت ألذي أكلت وشربت وباشرت وتنعمت‬ ‫فأنت الذي تستحق العقوبة فريسل هللا سبحانه إليهما ملكا حيكم بينهما فيقول مثلكما مثل مقعد بصري وأعمى ميشي‬


‫دخال بستانا فقال املقعد لألعمى أنا أرى ما فيه من الثمار ولكن ال أستطيع القيام وقال األعمى أنا أستطيع القيام ولكن‬ ‫ال أبصر شيئا فقال له املقعد تعال فامحلين فأنت مت شي وأنا أتناول فعلى من تكون العقوبة فيقول عليهما قال فكذلك‬ ‫أنتما وباهلل التوفيق‬ ‫الباب الثامن يف ذكر الشبه اليت احتج هبا من أباح النظر إىل من ال حيل‬ ‫له االستمتاع به وأباح عشقه قالت هذه الطائفة بيننا وبينكم الكتاب والسنة وأقوال أئمة اإلسالم واملعقول‬ ‫الصحيح أما الكتاب فقوله تعاىل أومل ينظروا يف ملكوت السموات واألرض وما خلق هللا من شيء وهذا يعم مجيع ما‬ ‫خلق هللا فما الذي أخرج من عمومه الوجه املليح وهو من أحسن ما خلق وموضع االستدالل به واالعتبار أقوى ولذلك‬ ‫يسبح اخلالق سبحانه عند رؤيته كما قال بعض الناظرين إىل مجيل الصورة ذي طلعة سبحان فالق صبحه ‪ %‬ومماطف‬ ‫جلت ميني الغارس مرت بأرجاء اخليال طيوفه ‪ %‬فبكت على رسم السلو الدارس ورؤية اجلمال البديع تنطق ألسنة‬ ‫الناظرين بقوهلم سبحان هللا رب العاملني وتبارك هللا أحسن اخلالقني وهللا تعاىل مل خيلق هذه احملاسن عبثا وإمنا أظهرها‬ ‫ليستدل الناظر إليها على قدرته ووحدانيته وبديع صنعه فال تعطل عما خلقت له وأما السنة فاحلديث املشهور النظر‬ ‫إىل الوجه املليح عبادة‬ ‫ويف احلديث اآلخر اطلبوا اخلري من حسان الوجوه ويف هذا إرشاد إىل تصفح الوجوه وتأملها وخطب رجل امرأة‬ ‫فاستشار ال نيب يف نكاحها فقال هل نظرت إليها فقال ال قال اذهب فانظر إليها ولو كان النظر حراما ملا أطلق له أن‬ ‫ينظر فإنه ال يأمن الفتنة وأما أقوال األئمة فحكى السمعاين أن الشافعي رضي هللا عنه كتب إليه رجل يف رقعة سل‬ ‫املفىت املكي هل يف تزاور ‪ %‬ونظرة مشتاق الفؤاد جناح فأجابه الشافعي معاذ إله العرش أن يذهب التقى ‪ %‬تالصق‬ ‫أكباد هبن جراح وذكر اخلرائطي هذا السؤال واجلواب عن عطاء بن أيب رباح وأوله سألت عطاء املكي وذكر احلاكم يف‬ ‫مناقب الشافعي رضي هللا عنه من شعره يقولون ال تنظر وتلك بلية ‪ %‬أال كل ذي عينني ال بد ناظر وليس اكتحال‬ ‫العني بالعني ريبة ‪ %‬إذا عف فيما بني الضمائر وذكر االسرتباذي يف كتاب مناقب الشافعي أن رجال كتب إىل سعيد‬ ‫ابن املسيب يا سيد التابعني والربره ‪ %‬نسيت يف العشق سورة البقره فكن بفتواك مشفقا رفقا ‪ %‬باهى بك هللا أكرم‬ ‫الربره هل حرم هللا لثم خد فىت ‪ %‬أوصافه باجلمال مشتهره‬ ‫فأجابه سعيد يا سائلي عن خفي لوعته ‪ %‬عليك بالصرب حتمدن أثره وال تكن طالبا لفاحشة ‪ %‬أو كالذي ساق‬ ‫سيله مطره وراقب هللا واخش سطوته ‪ %‬وخالف الفاسقني والفجره وقبل اخلد من حبيبك ذا ‪ %‬يف كل يوم وليلة‬ ‫عشره وقال أبو العباس املربد يف الكامل قال أعرايب أنشدنيه أبو العالية سألت الفىت املكي ذا العلم ما الذي ‪ %‬حيل‬ ‫من التقبيل يف رمضان فقال يل املكي أما لزوجة ‪ %‬فسبع وأما خلة فثمان وذكر أبو بكر اخلطيب يف كتاب رواه‬ ‫مالك عن بعضهم أقول ملفت بني مكة والصفا ‪ %‬لك اخلري هل يف وصلهن حرام وهل يف صموت احلجل مهضومة‬ ‫احلشا ‪ %‬عذاب الثنايا إن لثمت أثام فقال يل املفيت وسالت دموعه ‪ %‬على اخلد من عينيه فهي تؤام أال ليتين قبلت‬


‫تلك عشية ‪ %‬ببطن مىن واحملرمون نيام وقال احلاكم يف كتاب مناقب الشافعي حدثنا أبو العالء بن كوشيار احلاري‬ ‫أنبأنا علي ب ن سليمان األخفش عن حممد بن اجلهم قال مسعت الربيع يقول حضرت الشافعي مبكة وقد دفع إليه رجل‬ ‫رقعة فيها‬ ‫أقول ملفيت خيف مكة والصفا ‪ %‬لك اخلري هل يف وصلهن حرام وهل يف صموت احلجل مهضومة احلشا ‪ %‬عذاب‬ ‫الثنايا إن لثمت أثام قال فوقع الشافعي فيها فقال يل املفيت وفاضت دموعه ‪ %‬على اخلد من عني وهن تؤام أال‬ ‫ليتين قبلت تلك عشية ‪ %‬ببطن مىن واحملرمون قيام وقال عمرو بن سفيان ابن ابنة جامع بن مرخية إنا سألنا مالكا‬ ‫وقرينه ‪ %‬ليث بن سعد عن لثام الوامق أجيوز قاال والذي خلق الورى ‪ %‬ما حرم الرمحن قبلة عاشق ذكر ذلك‬ ‫ص احب كتاب رستاق االتفاق وهو شاعر املصريني وأنشد فيه لعمرو بن سفيان هذا وكتب هبا إىل ابن عيينة قلنا‬ ‫لسفيان اهلاليل مرة ‪ %‬حرمت ضم العاشق املشتاق حلبيبه من بعد نأي ناله ‪ %‬فأجاب ال والواحد اخلالق وأنشد فيه‬ ‫جلده جامع وكتب هبا إىل علي بن زيد بن جدعان سألن ا ابن جدعان بن عمر وأخا العال ‪ %‬أحيرم لثم احلب يف ليلة‬ ‫القدر فقال لنا املكي وناهيك علمه ‪ %‬أال ال ومن قد جاء بالشفع والوتر وأنشد إلبراهيم بن املدبر وكتب هبا إىل أيب‬ ‫بكر بن عياش أحد أئمة القراء‬ ‫سألت ابن عياش وكان معلما ‪ %‬لك اخلري هل يف ضمة احلب من وزر فقال أبو بكر وال يف لثامه ‪ %‬أمل يأتنا التنزيل‬ ‫بالوضع لإلصر وأنشد آلخر وكتب هبا إىل اإلمام أمحد بن حنبل قال وزعم بعضهم أنه إسحاق بن معاذ بن زهري شاعر‬ ‫أهل مصر يف وقته سألت إمام الناس جنل ابن حنبل ‪ %‬عن الضم والتقبيل هل فيه من باس فقال إذا جل العزاء‬ ‫فواجب ‪ %‬ألنك قد أحييت عبدا من الناس وأنشد البن مرخية وكتب هبا إىل أيب حنيفة كتبت إىل النعمان يوما‬ ‫رسالة ‪ %‬نسائله عن لثم حب ممنع فقال لنا ال إمث فيه وإنه ‪ %‬شهي إذا كانت لعشر وأربع وكتب رجل إىل أيب‬ ‫جعفر الطحاوي أبا جعفر ماذا تقول فإنه ‪ %‬إذا نابنا خطب عليك املعول فال تنكرن قويل وأبشر برمحة ال ‪ %‬إله‬ ‫عن األمر الذي عنه نسأل أب احلب عار أم من احلب مهرب ‪ %‬وهل من حلا أهل الصبابة جيهل وهل مبباح فيه قتل‬ ‫متيم ‪ %‬يهاجره أحبابه وهو يوصل فرأيك يف رد اجلواب فإنين ‪ %‬مبا فيه تقضي أيها الشيخ أفعل فأجابه‬ ‫الطحاوي سأقضي قضاء يف الذي عنه تسأل ‪ %‬وأحكم بني العاشقني فأعدل فديتك ما باحلب عار علمته ‪%‬‬ ‫وللعار ترك احلب إن كنت تعقل ومهما حلا يف احلب الح فإنه ‪ %‬لعمرك عندي من ذوي اجلهل أجهل‬ ‫وليس مباحا عندنا قتل مسلم ‪ %‬بال ترة بل قاتل النفس يقتل ولكنه إن مات يف احلب مل يكن ‪ %‬له قود فيه وال‬ ‫عنه يعقل وصالك من هتوى وإن صد واجب ‪ %‬عليك كذا حكم املتيم يفعل فهذا جواب فيه عندي قناعة ‪ %‬ملا‬ ‫جئت عنه أيها الصب تسأل ويكفي أن املعتزلة من أشد الناس تعظيما للذنوب وهم خيلدون أصحاب الكبائر وال يرون‬ ‫حترمي ذلك كما ذكره احلافظ أبو القاسم ابن عساكر يف تارخيه املشهور لبعض املعتزلة سألنا أبا عثمان عمرا وواصال ‪%‬‬ ‫عن الضم والتقبيل للخد واجليد فقاال مجيعا والذي هو عادل ‪ %‬جيوز بال إمث فدع قول تفنيد وقال إسحاق بن‬ ‫شبيب سألنا شيوخ الواسطيني كلهم ‪ %‬عن الرشف والتقبيل هل فيهما إمث فقالوا مجيعا ليس إمثا لزوجة ‪ %‬وال خلة‬


‫والضم من هذه غنم وأنشد أبو احلسن علي بن إبراهيم بن حممد بن سعد اخلري يف كتابه شرح الكامل فلما أن أبيح‬ ‫لنا التالقي ‪ %‬تعانقنا كما اعتنق الصديق وهل حرجا تراه أو حراما ‪ %‬مشوق ضمه صب مشوق وقال اخلطيب يف‬ ‫تاريخ بغداد حدث نا أبو احلسن علي بن أيوب بن احلسن إمالء حدثنا أبو عبدهللا املرزباين وابن حيويه وابن شاذان قالوا‬ ‫حدثنا‬ ‫أبو عبدهللا إبراهيم بن حممد بن عرفة نفطويه بقرطبة قال دخلت على حممد بن داود األصبهاين يف مرضه الذي مات فيه‬ ‫فقلت له كيف جتدك قال حب من تعلم أورثين ما ترى فقلت له ما منعك عن االستمتاع به مع القدرة عليه قال‬ ‫االستمتاع على وجهني أحدمها النظر املباح والثاين اللذة احملظورة فأما النظر املباح فأورثين ما ترى وذكر القصة وستأيت يف‬ ‫باب عفاف العشاق واملقصود أنه مل ير النظر إىل معشوقه وال عشقه حراما وجرى على هذا املذهب أبو حممد بن حزم يف‬ ‫كتاب طوق احلمامة له قالوا وحنن حناكمكم إىل واحد يعد بآالف مؤلفة وهو شيخ اإلسالم ابن تيمية فإنه سئل ما‬ ‫تقول السادة الفقهاء رضي هللا عنهم يف رجل عاشق يف صورة وهي مصرة على هجره منذ زمن طويل ال تزيده إال بعدا‬ ‫وال يزداد هلا إال حبا وعشقه هلذ ه الصورة من غري فسق وال خىن وال هو ممن يدنس عشقه بزىن وقد أفضى به احلال إىل‬ ‫اهلالك ال حمالة إن بقي مع حمبوبه على هذه احلالة فهل حيل ملن هذه حاله أن يهجر وهل جيب وصاله علىاحملبوب املذكور‬ ‫وهل يأمث ببقائه على هجره وما جيب من تفاصيل أمرمها وما لكل واحد منهما على اآلخر من احلقوق مما يوافق الشرع‬ ‫الشريف فأجاب خبطه جبواب طويل قال يف أثنائه فالعاشق له ثالث مقامات ابتداء وتوسط وهناية أما ابتداؤه فواجب‬ ‫عليه فيه كتمان ذلك وعدم إفشائه للخلق مراعيا يف ذلك شرائط الفتوة من العفة مع القدرة فإن زاد به احلال إلىاملقام‬ ‫األوس ط فال بأس بإعالم حمبوبه مبحبته إياه فيخف بإعالمه وشكواه إليه ما جيد منه وحيذر من اطالع الناس على ذلك‬ ‫فإن زاد به األمر حىت خرج عن احلدود والضوابط التحق باجملانني واملوسوسني فانقسم العشاق‬ ‫قسمني قسم قنعوا بالنظرة بعد النظرة فمنهم من ميوت وهو كذلك وال يظهر سره ألحد حىت حمبوبه ال يدري به وقد روي‬ ‫عن النيب من عشق فعف فكتم فمات فهو شهيد والقسم الثاين أباحوا ملن وصل إىل حد خياف على نفسه منه القبلة يف‬ ‫احلني قالوا ألن تركها قد يؤدي إىل هالك النفس والقبلة صغرية وهالك النفس كبرية وإذا وقع اإلنسان يف مرضني داوى‬ ‫األخطر وال خطر أعظم من قتل النفس حىت أوجبوا على احملبوب مطاوعته على ذلك إذا علم أن ترك ذلك يؤدي إىل‬ ‫هالكه واحتجوا بقول هللا تعاىل ^ إن جتتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ^ وبقوله تعاىل ^ الذين جيتنبون‬ ‫كبائر اإلمث والفواحش إال اللمم ^ وحبديث الذي قال يا رسول هللا إين لقيت امرأة أجنبية فأصبت منها كل شيء إال‬ ‫النكاح قال أصليت معنا قال نعم قال إن هللا قد غفر لك فأنزل هللا تعاىل ^ وأقم الصالة طريف النهار وزلفا من الليل إن‬ ‫احلسنات يذهنب السيئات ^ مث قال فإن كان هذا السائل كما زعم ممن ال يدنس عشقه بزىن وال يصحبه خبىن فينظر يف‬ ‫حاله فإن كان من الطبقة األوىل‬ ‫فالنظر كاف هلم إن صدقت دعواهم وإن كان من الطبقة الثانية فال بأس بشكواه إىل حمبوبه كي يرق عليه ويرمحه وإن‬ ‫غلب عليه احلال فالتحق بالثالثة أبيح له ما ذكرنا بشرط أن ال يكون أمنوذجا لفعل القبيح احملرم فيلتحق بالكبائر ويستحق‬


‫القتل عند ذلك ويزول عنه العذر وحيق عليه كلمة العذاب انتهى ما ذكرناه من جوابه قالوا وقد جوزت طائفة من فقهاء‬ ‫السلف واخللف والعلماء استمناء اإلنسان بيده إذا خاف الزىن وقد جوزت طائفة من الفقهاء ملن خاف على نفسه يف‬ ‫الصوم الواجب من شدة الشبق أن تتشقق أ نثياه أن جيامع امرأته وبنوا على ذلك فرعا وهو إذا كان له امرأتان حائض‬ ‫وصائمة فهل يطأ هذه أو هذه على وجهني وال ريب أن النظر والقبلة والضم إذا تضمن شفاءه من دائه كان أسهل من‬ ‫االستمناء باليد والوطء يف هنار رمضان وقد جوز بعض الفقهاء للمرأة إذا خافت الزىن أن تتخذ هلا شيئا تدخله يف‬ ‫فرجها وخترجه لئال تقع يف حمظور الزىن وال ريب أن الشريعة جاءت بالتزام الدخول يف أدىن املفسدتني دفعا ألعالمها‬ ‫وتفويت أدىن املصلحتني حتصيال ألعالمها فأين مفسدة النظر والقهلة والضم من مفسدة املرض واجلنون أو اهلالك مجلة‬ ‫فهذا ما احتجت به هذه الفرقة وحنن نذكر ما هلا وما عليها يف ذلك حبول هللا وقوته وعونه‬ ‫الباب التاسع يف اجلواب عما احتجت به هذه الطائفة وما هلا وما عليها يف‬ ‫هذا االحتجاج وشبههم اليت ذكروها دائرة بني ثالثة أقسام أحدها نقول صحيحة ال حجة هلم فيها والثاين نقول كاذبة‬ ‫عمن نسب ت إليه من وضع الفساق والفجار كما سنبينه الثالث نقول جمملة حمتملة خلالف ما ذهبوا إليه فأما‬ ‫احتجاجهم بقوله تعاىل أومل ينظروا يف ملكوت السموات واألرض وما خلق هللا من شيء فهو نظري احتجاجهم بعينه على‬ ‫إباحة السماع الشيطاين الفسقي بقوله تعاىل ^ فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ^ قالوا والقول عام‬ ‫فحملوا لفظه ومعناه ما هو بريء منه وإمنا القول هاهنا ما أمرهم هللا باستماعه وهو وحيه الذي أنزله على رسوله وهو‬ ‫الذي قال فيه أفلم يدبروا القرآن وقال تعاىل ^ ولقد وصلنا هلم القول ^ فهذا هو القول الذي أمروا باتباع أحسنه كما‬ ‫قال ^ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ^ والنظر الذي أمرنا سبحانه به املؤدي إىل معرفته واإلميان به وحمبته‬ ‫واالستدالل على صدق رسله فيما أخربوا به عنه من أمسائه وصفاته وأفعاله وعقابه وثوابه ال النظر الذي يوجب تعلق‬ ‫الناظر‬ ‫بالصورة اليت حيرم عليه ا الستمتاع هبا نظرا ومباشرة فهذا النظر الذي أمر هللا سبحانه وتعاىل صاحبه بغض بصره هذا مع‬ ‫أن القوم مل يبتلوا باملردان وهم كانوا أشرف نفوسا وأطهر قلوبا من ذلك فإذا أمرهم بغض أبصارهم عن الصورة اليت تباح‬ ‫هلم يف بعض األحوال خشية االفتتان فكيف النظر إىل صورة ال تباح حبال مث يقال هلذه الطائفة النظر الذي ندب هللا إليه‬ ‫نظر يثاب عليه الناظر وهو نظر موافق ألمره يقصد به معرفة ربه وحمبته ال النظر الشيطاين ويشبه هذا االستدالل استدالل‬ ‫بعض الزنادقة املنتسبني إىل الفقه على حل الفاحشة مبملوك الرجل بقوله تعاىل ^ إال على أزواجهم أو ما ملكت أمياهنم‬ ‫فإهنم غري ملومني ^ ومعتقد ذلك كافر حالل الدم بعد قيام احلجة عليه وإمنا تسرتت هذه الطائفة هلواها وشهواهتا‬ ‫وأومهت أهنا تنظر عربة واستدالال حىت آل ببعضهم األمر إىل أن ظنوا أن نظرهم عبادة ألهنم ينظرون إىل مظاهر اجلمال‬ ‫اإلهلي ويزعمون أن هللا سبحانه وتعاىل عن قول إخوان النصارى يظهر يف تلك الصورة اجلميلة وجيعلون هذا طريقا إىل هللا‬ ‫كما وقع فيه طوائف كثرية ممن يدعي املعرفة والسلوك قال شيخنا رمحه هللا تعاىل وكفر هؤالء شر من كفر قوم لوط وشر‬


‫من كفر عباد األصنام فإن أولئك مل يقولوا إن هللا سبحانه يتجلى يف تلك الصورة وعباد األصنام غاية ما قالوه ^ ما‬ ‫نعبدهم إال ليقربونا إىل هللا زلفى ^ وهؤالء قالوا نعبدهم ألن هللا ظهر يف صورهم وحكى يل شيخنا أن‬ ‫رجال من هؤالء مر به شاب مجيل فجعل يتبعه بصره فأنكر عليه جليس له وقال ال يصلح هذا ملثلك فقال إين أرى فيه‬ ‫صفات معبودي وهو مظهر من مظاهر مجاله فقال لقد فعلت به وصنعت فقال وإن قال شيخنا فلعن هللا أمة معبودها‬ ‫موطوؤها قال وسئل أفضل متأخريهم العفيف التلمساين فقيل له إذا كان الوجود واحدا فما الفرق بني األخت والبنت‬ ‫واألجنبية حىت حتل هذه فقال اجلميع عندنا سواء ولكن هؤالء احملجوبون قالوا حرام فقلنا حرام عليكم ومن هؤالء الزنادقة‬ ‫من خيص ذلك ببعض الصور فهؤالء من جنس النصارى بل هم إخواهنم فالنظر عند هؤالء إىل الصور احملرمة عبادة ويشبه‬ ‫أن يكون هذا احلديث من وضع بعض هؤالء الزنادقة أو جمان الفساق وإال فرسول هللا بريء منه وسئل شيخنا عمن يقول‬ ‫النظر إىل الوجه احلسن عبادة ويروى ذلك عن النيب فهل ذلك صحيح أم ال فأجاب بأن قال هذا كذب باطل ومن روى‬ ‫ذلك عن النيب أو ما يشبهه فقد كذب عليه فإن هذا مل يروه أحد من أهل احلديث ال بإسناد صحيح وال ضعيف بل هو‬ ‫من املوضوعات وهو خمالف إلمجاع املسلمني فإن ه مل يقل أحد إن النظر إىل املرأة األجنبية والصيب األمرد عبادة ومن زعم‬ ‫ذلك فإنه يستتاب فإن تاب وإال قتل فإن النظر منه ما هو حرام ومنه ما هو مكروه ومنه ما هو مباح وهللا أعلم وأما‬ ‫احلديث اآلخر وهو أطلبوااخلري من‬ ‫حسان الوجوه فهذا وإن كان قد روي بإسناد إال أنه باطل مل يصح عن رسول هللا ولو صح مل يكن فيه حجة هلذه‬ ‫الطائفة فإنه إمنا أمر بطلب اخلري منهم ال بطلب وصاهلم ونيل احملرم منهم فإن الوجه اجلميل مظنة الفعل اجلميل فإن‬ ‫األخالق يف الغالب مناسبة للخلقة بينهما نسب قريب وأما أمر النيب للخاطب بأن ينظر إىل املخطوبة فذلك نظر‬ ‫للحاجة وهو مأمور به أمر استحباب عند اجلمهور وأمر إجياب عند بعض أهل الظاهر وهو من النظر املأذون فيه ملصلحة‬ ‫راجحة وهو دخول الزوج على بصرية وأبعد من ندمه ونفرته عن املرأة فالنظر املباح أنواع هذا أحدها خبالف النظر إىل‬ ‫الصورة احملرمة فصل وأما ما ذكره السمعاين عن الشافعي رمحه هللا تعاىل فمن حتريف الناقل والسائل مل يذكر لفظ‬ ‫الشافعي والبيتان هكذا مها سألت الفىت املكي يف تزاور ‪ %‬ونظرة مشتاق الفؤاد جناح فقال معاذ هللا أن يذهب التقى‬ ‫‪ %‬تالصق أكباد هبن جراح فهذا السائل هو الذي ذكر السؤال واجلواب وهو جمهول ال يعرف هل هو ثقة أم ال مث إن‬ ‫اجلواب ال يدل على مقصود هذه الفرقة بوجه ما بل هو حجة عليها فإنه هنى أن يذهب التقى تالصق هذه األكباد‬ ‫فكأنه قال‬ ‫ال تتالصق هذه األكباد لئال يذهب تالصقها التقى فالتالصق املذكور فاعل والتقى مفعول فكأنه قال ال يفعل لئال‬ ‫يذهب التال صق التقى وجواب آخر وهو أن هذا التالصق إمنا يكون غري مذهب للتقى إذا كان يف عشق مباح بل‬ ‫مستحب كعشق الزوجة واألمة وأما ما ذكروا عن سعيد بن املسيب رمحه هللا تعاىل فقد أجاب عنه سعيد نفسه فإنه ملا‬ ‫مر به مرخية هذا السائل وكان من بين كالب قال سعيد هذا من أكذب العرب قيل كيف يا أبا حممد قال أليس الذي‬ ‫يقول سألت سعيد بن املسيب مفيت املدينة ‪ %‬هل يف حب دمهاء من وزر فقال سعيد بن املسيب إمنا ‪ %‬تالم على‬


‫ما تستطيع من األمر كذب وهللا ما سألين عن شيء من هذا قط وال أفتيته وإذا كان هذا جواب سعيد يف مثل هذا فما‬ ‫جوابه ملن سأله أن يقبل حبيبا أجنبيا كل يوم وليلة عشرة فقبح هللا الفسقة الكذابني على العلماء ال سيما على مثل‬ ‫سعيد فهؤالء كلهم فسقة كاذبون أرادوا تنفيق فسقهم بالكذب على علماء وقتهم كما نفق الفاسق أبو نواس كذبه على‬ ‫إسحاق بن يوسف األزرق قال عبدهللا‬ ‫ابن حممد بن عائشة أت يت إسحاق بن يوسف األزرق يوما فلما رآين بكى قلت ما يبكيك قال هذا أبو نواس قلت ماله‬ ‫قال يا جارية ائتيين بالقرطاس فإذا فيه مكتوب يا ساحر املقلتني واجليد ‪ %‬وقاتلي منه باملواعيد توعدين الوصل مث‬ ‫ختلفين ‪ %‬وياله من خملف ملوعودي حدثين األزرق احملدث عن ‪ %‬مشر وعوف عن ابن مسعود ال خيلف الوعد غري‬ ‫كافرة ‪ %‬أو كافر يف اجلحيم مصفود كذب وهللا علي وعلى التابعني وعلى الصحابة ولو صح عن سعيد مل يكن لكم‬ ‫فيه حجة فإن سعيدا أمره بالصرب أوال ومراقبة هللا وخوف سطوته وخمالفة الفسقة مث أمره بتقبيل خد من حيبه كل يوم عشر‬ ‫مرات وه ذا قطعا إمنا أراد به من حيل له تقبيله من زوجة أو سرية فأمره أن يعتاض بقبلتها من ال حيل له وال يظن بعلماء‬ ‫اإلسالم غري هذا إال مفرط يف اجلهل أو متهم على الدين وأما ذكره املربد عن األعرايب الذي سأل املفيت املكي عن‬ ‫القبلة يف رمضان فقال للزوجة سبع وللخلة مثان فهذا املستفيت واملفيت ال يعرف واحد منهما حىت يقبل خريه ولو صح‬ ‫ذلك وعرف املستفيت واملفيت لكانت اخللة هي أمته اجلميلة وهي اليت حيل تقبيلها مثانيا فأكثر وأما أن يفيت أحد من‬ ‫أهل اإلسالم بأنه حيل تقبيل املرأة األجنبية احملرمة عليه مثانيا يف رمضان أو غريه فمعاذ هللا من ذلك وهكذا حكم األثر‬ ‫الذي ذكره اخلطيب يف كتاب رواه مالك وال يظن بعامل أنه متىن أن يقبل امرأة أجنبية وهو حمرم ببطن مىن فإن القبلة‬ ‫املذكورة تعرض احلج للفساد وتبطله عند طائفة فإن صح هذا فإمنا اراد امرأته أو أمته‬ ‫وأما األثر الذي ذكره احلاكم يف منا قب الشافعي رمحه هللا تعاىل فليس بني احلاكم وبني الربيع من حيتج به ويدل على‬ ‫أن القصة كذب ظاهر أن املستفيت زعم أن الشافعي أجاب بقوله فقال يل املفيت وفاضت دموعه وهذا إمنا هو حكاية‬ ‫املستفيت قول املفيت فمن هو احلاكي عن الشافعي فدعوا هذه األكاذيب والرتهات وأما ما ذكرمت عن عمرو بن سفيان‬ ‫ابن بنت جامع فمن ذكر هذا عن عمرو ابن سفيان ومن هو عمرو بن سفيان ابن بنت جامع بن مرخية هذا وهذا‬ ‫موضع البيتني املشهورين سألنا عن مثالة كل حي ‪ %‬فقال القائلون ومن مثاله فقلت حممد بن يزيد منهم ‪ %‬فقالوا‬ ‫زدتنا هبم جهاله وهل حيل أل حد أن يصدق عن مالك والليث بن سعد أهنما أجازا تقبيل خد املرأة األجنبية املعشوقة أو‬ ‫خد األمرد اجلميل الصورة هذا وقصة مالك مع الذي ضم صبياإليه فأفىت بضربه ستمائة سوط فمات فقال له أبو الفىت‬ ‫قتلت ابين فقال قتله هللا فمن هذا تشديده وفتواه هل يفيت جبواز تقبيل خدود املرد احلسان نعم ما حرم الرمحن قبلة عاشق‬ ‫حيل ملعشوقه مواصلته وال قبلة الرجل خد ولده كما قبل الصديق رضي هللا عنه خد ابنته عائشة رضي هللا عنها ورأى‬ ‫أعرايب النيب يقبل أحد ابين ابنته فقال وإنكم لتقبلون الصبيان إن يل عشرة من الولد ما قبلتهم فقال‬ ‫أو أملك لك إن نزع هللا الرمحة من قلبك وأما صاحب كتاب رستاق االتفاق وهو شاعر املصريني فلعمر هللا لقد‬ ‫أفسدت إذ أسندت فإنه الفاسق املاجن املسمى أبا الرقعمق ولكن ال ينكر هذا املنت هبذا اإلسناد فإنه ال يليق إال‬


‫به وأما قصة إبراهيم بن املدبر عن أيب بكر بن عياش فنقل غري مصدق عن قائل غري معصوم وأما ما ذكروا عن اإلمام‬ ‫أمحد رمحه هللا تعاىل فوالذي ال إله غريه إنه ملن أقبح الكذب عليه ولو أن هذا الكاذب الفاسق نفق هذه الكذبة بغريه‬ ‫لراج أمرها بعض الرواج ولكن من شدة جهله نفقها بأمحد ابن حنبل وهو كمن نسب إليه القول بأن القرآن خملوق أو‬ ‫تقدمي علي على أيب بكر أو تقدمي الرأي على السنة وأمثال ذلك وكذلك ما ذكره عن أيب حنيفة رمحه هللا تعاىل ولو صح‬ ‫مل يكن فيه حجة هلذه الطائفة فإنه قال ال إمث فيه إذا كانت لعشر وأربع ومل يقل إذا كانت أجنبية وحنن نقول مبا قال أبو‬ ‫حنيفة رمحه هللا تعاىل إذا كان املعشوق حالال وأما ما ذكر عن الطحاوي فال نعلم صحته وإن صح فإمنا أراد به التقبيل‬ ‫املباح فإن الرجل قد يبتلى هبجر زوجته أو أمته له فيسأل أطباء الدين وأطباء اجلسم وأطباء احلب عن دوائه فيجيبه كل‬ ‫منهم مبقتضى علمه وما عنده وقد شكى مغيث زوج بريرة حبه هلا فشفع عندها النيب أن‬ ‫تراجعه فلم تفعل وشكى إليه رجل أن امرأته ال ترد يد المس فقال طلقها فقال إين أخاف أن تتبعها نفسي فقال استمتع‬ ‫هبا ذكره اإلمام أمحد والنسائي قال بعض أهل العلم راعى النيب دفع أعلى املفسدتني بأدنامها فإنه ملا شكى إليه أهنا ال ترد‬ ‫يد المس أمره بطال قها فلما أخربه عن حبها وأنه خياف أن ال يصرب عنها ولعل حبه هلا يدعوه إىل معصية أمره أن‬ ‫ميسكها مداواة لقلبه ودفعا للمفسدة اليت خيافها باحتمال املفسدة اليت شكا منها وأجاب أبو عبيدة عنه بأهنا كانت ال‬ ‫ترد يد المس يطلب منها العطاء فكانت ال ترد يد من سأهلا شيئا من مال الزوج ورد عليه هذا التأويل بأنه ال يقال‬ ‫لطالب العطاء المس وإمنا يقال له ملتمس وأجابت طائفة أخرى عنه بأن طرآن املعصية على النكاح ال توجب فساده‬ ‫وقال النسائي هذا احلديث منكر وعندي أن له وجها غري هذا كله فإن الرجل مل يشك من املرأة أهنا تزين بكل من اراد‬ ‫ذلك منها ولو سأل عن ذلك ملا أقره رسول هللا على أن يقيم مع بغي ويكون زوج بغي ديوثا وإمنا شكى إليه أهنا ال‬ ‫جتذب نفسها ممن العبها ووضع يده عليها أو جذب ثوهبا وحنو ذلك فإن من النساء من تلني عند احلديث واللعب وحنوه‬ ‫وهي حصان عفيفة إذا أريد منها الزىن وهذا كان عا دة كثري من نساء العرب وال يعدون ذلك عيبا بل كانوا يف اجلاهلية‬ ‫يرون للزوج النصف األسفل وللعشيق النصف األعلى فللحب ما ضمت عليه نقاهبا ‪ %‬وللبعل ما ضمت عليه املآزر‬ ‫واملقصود أن القوم كانوا مع العاشق على معشوقه إذا كان يباح له وصاله وسنذكر ذلك يف باب مساعدة العشاق‬ ‫باملباح من التالق إن شاء هللا تعاىل وأما ما ذكروا عن شيوخ املعتزلة وشيوخ الواسطيني فأما أبو عثمان املذكور وهو‬ ‫عمرو بن عبيد وواصل وهو واصل بن عطاء ومها شيخا القوم ولو أفتيا بذلك لكانت فتيا من مبتدعني مذمومني عند‬ ‫السلف واخللف فكيف واملخرب بذلك رجل جمهول من املعتزلة كذب على من يعظمهما املعتزلة لينفق فسقه وأما قصة‬ ‫حممد بن داود األصبهاين فغايتها أن تكون من سعيه املعفو املغفور ال من عمله املشكور وسلط الناس بذلك على عرضه‬ ‫وهللا يغفر لنا وله فإنه تعرض بالنظر إىل السقم الذي صار به صاحب فراش وهذا لو كان ممن يباح له لكان نقصا وعيبا‬ ‫فكيف من صيب أجنيب وأرضاه الشيطان حببه والنظر إليه عن مواصلته إذا مل يطمع يف ذلك منه فنال منه ما عرف أن‬ ‫كيده ال يتجاوزه وجعله قدوة ملن يأمت به بعده كأيب حممد بن حزم الظاهري وغريه وكيد الشيطان أدق من هذا وأما أبو‬ ‫حممد فإنه على قدر يبسه وقسوته يف التمسك بالظاهر وإلغائه للمعاين واملناسبات واحلكم والعلل الشرعية امناع يف باب‬


‫العشق والنظر ومساع املالهي احملرمة فوسع هذا الباب جدا وضيق باب املناسبات واملعاين واحلكم الشرعية جدا وهو من‬ ‫احنرافه يف الطرفني حني رد احلديث الذي رواه البخاري يف صحيحه يف حترمي آالت اللهو بأنه معلق غري مسند وخفي‬ ‫عليه أن البخاري لقي من علقه عنه ومسع منه وهو هشام بن عمار وخفي عليه أن احلديث قد أسنده غري واحد من أئمة‬ ‫احلديث غري هشام بن عمار فأبطل سنة صحيحة‬ ‫ثابتة عن رسول هللا ال مطعن فيها بوجه وأما من حاكمتمونا إليه وهو شيخ اإلسالم ابن تيمية فنحن راضون حبكمه‬ ‫فأين أباح لكم النظر احملرم وعشق املردان والنساء األجانب وهل هذه إال كذب ظاهر عليه وهذه تصانيفه وفتاواه كلها‬ ‫ناطقة خبالف ما حكيتموه عنه وأما الفتيا اليت حكيتموها فكذب عليه ال تناسب كالمه بوجه ولوال اإلطالة لذكرناها‬ ‫مجيعها حىت يعلم الواقف عليها أهنا ال تصدر عمن دونه فضال عنه وقلت ملن أوقفين عليها هذه كذب عليه ال يشبه‬ ‫كالمه وكان بعض األمراء قد أوقفين عليها قدميا وهي خبط رجل متهم بالكذب وقال يل ما كنت أظن الشيخ برقة هذه‬ ‫احلاشية مث تأملتها فإذا هي كذب عليه ولوال اإلطالة لذكرنا من فتاويه ما يبني أن هذه كذب وأما ما ذكرمت من مسألة‬ ‫التزام أدىن املفسدتني لدفع أعالمها فنحن ال ننكر هذه القاعدة بل هي من أصح قواعد الشريعة ولكن الشأن يف إدخال‬ ‫هذه الصورة فيها بل حناكمكم إىل هذه القاعدة نفسها فإن احتمال مفسدة أمل احلب مع غض البصر وعدم تقبيل‬ ‫احملبوب وضمه وحنو ذلك أقل من مفسدة النظر والتقبيل فإن هذه املفسدة جتر إىل هالك القلب وفساد الدين وغاية ما‬ ‫يقدر من مفسدة اإلمساك عن ذلك سقم اجلسد أو املوت تفاديا عن التعرض للحرام فأين إحدى املفسدتني من األخرى‬ ‫على أن النظر والقبلة‬ ‫والضم ال مينع السقم واملوت احلاصل بسبب احلب فإن العشق يزيد بذلك وال يزول فما صبابة مشتاق على أمل ‪%‬‬ ‫من الوصال كمشتاق بال أمل وال ريب يف أن حمبة من له طمع أقوى من حمبة من يئس من حمبوبه وهلذا قال‬ ‫الشاعر وأبرح ما يكن احلب يوما ‪ %‬إذا دنت الديار من الديار فإن قيل فقد أباح هللا سبحانه للمضطر امليتة والدم‬ ‫وحلم اخلنزير وتناوهلا يف هذه احلال واجب عليه قال مسروق واإلمام أمحد رمحهما هللا تعاىل من اضطر إىل أكل امليتة فلم‬ ‫يأكل فمات دخل النار فغاية النظرة والقبلة والضمة أن تكون حمرمة فإذا اضطر العاشق إليها فإن مل تكن واجبة فال أقل‬ ‫من أن تكون مباحة فهذا قياس واعتبار صحيح وأين مفسدة موت العاشق إىل مفسدة ضمه ومله فاجلواب أن هذا يتبني‬ ‫بذكر قاعدة وهي أن هللا سبحانه وتعاىل مل جيعل يف العبد اضطرارا إىل اجلماع حبيث إن مل يفعله مات خبالف اضطراره‬ ‫إىل األكل والشرب واللباس فإنه من قوام الب دن الذي إن مل يباشره هلك وهلذا مل يبح من الوطء احلرام ما أباح من تناول‬ ‫الغذاء والشراب احملرم فإن هذا من قبيل الشهوة واللذة اليت هي تتمة وفضلة وهلذا ميكن اإلنسان أن يعيش طول عمره بغري‬ ‫تزوج وغري تسر وال ميكنه أن يعيش بغري طعام وال شراب وهلذا أمر النيب الشباب أن يداووا هذه الشهوة بالصوم وقال‬ ‫تعاىل عن عشاق املردان ^ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون ^‬ ‫النساء فأخرب أن احلامل على ذلك جمرد الشهوة ال احلاجة فضال عن الضرورة والشهوة اجملردة ال تلتحق بالضروريات وال‬ ‫باحلاجات واحلمية عنها خشية إفضائها إىل مرض أصعب منها جار جمرى احلمية عن تناول ما يضر من األطعمة‬


‫واألشربة وذلك ال تدعو الضرورة إىل تناوله وإن كانت النفس قد تشتهيه فالقبلة والنظر والضم وحنوها جار جمرى تناول‬ ‫الفاكهة املضرة والزفرة املضر للمحموم ومن به مرض يضره معه تناول ذلك فإذا قال املريض أنا إن مل أتناول ذلك وإال‬ ‫خشيت املوت مل يكن صادقا يف قوله وإمنا احلامل له على ذلك جمرد الشهوة ورمبا زاد تناول ذلك يف مرضه فالطبيب‬ ‫الناصح ال يفسح له فيه فكيف يفسح الشارع احلكيم الذي شريعته غاية طب القلوب واألديان وهبا حتفظ صحتها وتدفع‬ ‫موادها الفاسدة يف تناول ما يزيد الداء ويقويه وميده هذا من احملال بل الشريعة تأمر باحلمية عن أسباب هذا الداء خوفا‬ ‫من استحكامه وتولد داء آخر أصعب منه وأما مسألة من خاف تشقق أنثييه وأنه يباح له الوطء يف رمضان فهذا ليس‬ ‫على إطالقه بل إن أمكنه إخراج مائه بغري الوطء مل جيز له الوطء بال نزاع وإن مل ميكنه ذلك إال بالوطء املباح فإنه جيري‬ ‫جمرى اإلفطار لعذر املرض مث يقضي ذلك اليوم واإلفطار باملرض ال يتوقف على خوف اهلالك فكيف إذا خاف تلف‬ ‫عضو من أعضائه القاتلة بل هذا نظري من اشتد عطشه وخاف إن مل يشرب أن حيدث له داء من األدواء أو يتلف عضو‬ ‫من أعضائه فإنه جيوز له ا لشرب مث يقضي يوما مكانه فإن قيل فلو اتفق له ذلك ومل يكن عنده إال أجنبية هل يباح له‬ ‫وطؤها لئال تتلف أنثياه قيل ال يباح له ذلك ولكن له أن خيرج ماءه باستمنائه فإن تعذر عليه فهل جيوز له أن ميكنها من‬ ‫استخراج مائه بيدها هذا فيه نظر فإن أبيح جرى جمرى تطبيب املرأة األجنبية للرجل ومسها منه ما تدعو احلاجة إىل مسه‬ ‫وكذلك تطبيب الرجل للمرأة األجنبية ومسه ما تدعو احلاجة إليه وهللا أعلم وقد سئل أبو اخلطاب حمفوظ بن أمحد‬ ‫الكلوذاين يف رقعة قل أليب اخلطاب جنم اهلدى ‪ %‬وقدوة العامل يف عصره ال زلت يف فتواك مستأمنا ‪ %‬من خدع‬ ‫الشيطان أو مكره ماذا ترى يف رشإ أغيد ‪ %‬حاز اللمى والدرر يف ثغره مل حيك بدر التم يف حسنه ‪ %‬حىت حكى‬ ‫الزنبور يف حضره فهل جييز الشرع تقبيله ‪ %‬ملستهام خاف من وزره أم هل على املشتاق يف ضمه ‪ %‬من غري إدناء‬ ‫إىل صدره إمث إذا ما مل يكن مضمرا ‪ %‬غري الذي قدم من ذكره فأجاب يا أيها الشيخ األديب الذي ‪ %‬قد فاق‬ ‫أهل العصر يف شعره تسأل عن تقبيل بدر الدجى ‪ %‬وعطف زنديك على حنره‬ ‫هل ورد الشرع بتحليله ‪ %‬ملستهام خاف من وزره من قارف الفتنة مث ادعى ال ‪ %‬عصمة قد نافق يف أمره هل‬ ‫فتنة املرء سوى الضم والت ‪ %‬قبيل للحب على ثغره وهل دواعي ذلك املشتهى ‪ %‬إال عناق البدر يف خدره وبذله‬ ‫ذاك ملشتاقه ‪ %‬يزري على هاروت يف سحره وال جييز الشرع أسباب ما ‪ %‬يورط املسلم يف حظره فانج ودع عنك‬ ‫صداع اهلوى ‪ %‬عساك أن تسلم من شره هذا جواب الكلوزاين قد ‪ %‬جاءك يرجو هللا يف أجره فهذا جواب أهل‬ ‫العلم وهو مطابق ملا ذكرناه وهللا تعاىل أعلم وسئل اإلمام أبو الفرج بن اجلوزي رمحه هللا بأبيات يا أيها العامل ماذا ترى‬ ‫‪ %‬يف عاشق ذاب من الوجد من حب ظيب أغيد أهيف ‪ %‬سهل احمليا حسن القد فهل ترى تقبيله جائزا ‪ %‬يف الفم‬ ‫والعينني واخلد من غري ما فحش وال ريبة ‪ %‬بل بعناق جائز احلد إن كنت ما تفيت فإين إذا ‪ %‬أصيح من وجدي‬ ‫وأستعدي فكتب رمحه هللا تعاىل اجلواب ياذا الذي ذاب من الوجد ‪ %‬وظل يف ضر ويف جهد إمسع فدتك النفس‬ ‫من ناصح ‪ %‬بنصحه يهدي إىل الرشد لو صح منك العشق ما جئتين ‪ %‬تسألين عنه وتستعدي فالعاشق الصادق‬ ‫يف حبه ‪ %‬ما باله يسأل ما عندي‬


‫غيبه العشق فما إن يرى ‪ %‬يعيد يف العشق وال يبدي وكل ما تذكر مستفتيا ‪ %‬حرمه هللا على العبد إال ملا حلله‬ ‫ربنا ‪ %‬يف الشرع باإلبرام والعقد فعد من طرق اهلوى معرضا ‪ %‬وقف بباب الواحد الفرد وسله يشفيك وال يبتلي ‪%‬‬ ‫قلبك بالتعذيب والصد وعف يف العشق وال تبده ‪ %‬واصرب وكامت غاية اجلهد فإن متت حمتسبا صابرا ‪ %‬تفز غدا يف‬ ‫جنة اخللد‬ ‫الباب العاشر يف ذكر حقيقة العشق وأوصافه وكالم الناس فيه فالذي عليه‬ ‫األطباء قاطبة أنه مرض وسواسي شبيه باملاليخوليا جيلبه املرء إىل نفسه بتسليط فكره على استحسان بعض الصور‬ ‫والشمائل وسببه النفساين االستحسان والفكر وسببه البدين ارتفاع خبار رديء إىل الدماغ عن مين حمتقن ولذلك أكثر ما‬ ‫يعرتي العزاب وكثرة اجلماع تزيله بسرعة وقال بعض الفالسفة العشق طمع يتولد يف القلب ويتحرك وينمي مث يرتىب‬ ‫وجيتمع إليه مواد من احلرص وكلما قوي ازداد صاحبه يف االهتياج واللجاج والتمادي يف الطمع واحلرص على الطلب حىت‬ ‫يؤديه ذلك إىل الغم والقلق ويكون احرتاق الدم عند ذلك باستحالته إىل السوداء والتهاب الصفراء وانقالهبا إليها ومن‬ ‫غلبة السوداء حيصل له فسادالفكر ومع فساد الفكر يكون زوال العقل ورجاء ما ال يكون ومتين ماال يتم حىت يؤدي إىل‬ ‫اجلنون فحينئذ رمبا قتل العاشق نفسه ورمبا مات غما ورمبا نظر إىل معشوقه فمات فرحا ورمبا شهق شهقة فتختنق روحه‬ ‫فيبقى أربعة وعشرين ساعة فيظن أنه قد مات فيدفن وهو حي ورمبا تنفس الصعداء فتختنق نفسه يف تامور قلبه وينضم‬ ‫عليها القلب وال ينفرج حىت ميوت وتراه إذا ذكر له من يهواه هرب دمه واستحال لونه وقال أفالطون العشق حركة النفس‬ ‫الفارغة وقال أرسطاطاليس العشق عمى احلس عن إدراك عيوب احملبوب ومن هذا أخذ جرير قوله‬ ‫فلست براء عيب ذي الود كله ‪ %‬وال بعض ما فيه إذا كنت راضيا فعني الرضى عن كل عيب كليلة ‪ %‬ولكن عني‬ ‫السخط تبدي املساويا وقال أرسطو العشق جهل عارض صادف قلبا فارغا ال شغل له من جتارة وال صناعة وقال غريه‬ ‫هو سوء اختيار صادف نفسا فارغة قال قيس بن امللوح أتاين هواها قبل أن أعرف اهلوى ‪ %‬فصادف قلبا خاليا‬ ‫فتمكنا وقال بعضهم مل أر حقا أشبه بباطل وال باطال أشبه حبق من العشق هزله جد وجده هزل وأوله لعب وآخره‬ ‫عطب وقال اجلاحظ العشق اسم ملا فضل عن احملبة كما أن السرف اسم ملا جاوز اجلود والبخل اسم ملا جاوز االقتصاد‬ ‫فكل عشق يسمى حبا وليس كل حب يسمى عشقا واحملبة جنس والعشق نوع منها أال ترى أن كل حمبة شوق وليس كل‬ ‫شوق حمبة وقالت فرقة أخرى العشق هو االستهيام والتضرع واللوذان باملعشوق والوجد هو احلب الساكن واهلوى أن‬ ‫يهوى الشيء فيتبعه غيا كان أو رشدا واحلب حرف ينتظم هذه الثالثة وقال املأمون ليحىي بن أكثم ما العشق فقال‬ ‫سوانح تسنح للمرء فيهيم هبا قلبه وتؤثرها نفسه فقال له مثامة بن أشرس اسكت يا حيىي إمنا عليك أن جتيب يف مسألة‬ ‫طالق أو حمرم صاد ظبيا فأما هذه فمن مسائلنا حنن فقال له املأمون قل يا مثامة قال العشق جليس ممتع وأليف مؤنس‬ ‫وصاحب ملك مسالكه لطيفة ومذاهبه غامضة وأحكامه جارية ملك األبدان وأرواحها‬


‫والقلوب وخواطرها والعقول وآراءها قد أعطي عنان طاعتها وقوة تصرفها توارى عن األبصار مدخله وعمي يف القلوب‬ ‫مسلكه فقال له املأمون أحسنت يا مثامة وأمر له بألف دينار وقال بعضهم قلت جملنون قد أذهب عقله العشق أجز‬ ‫هذاالبيت وما احلب إال شعلة قدحت هبا ‪ %‬عيون املها باللحظ بني اجلوانح فقال بديها ونار اهلوى ختفى ويف‬ ‫القلب فعلها ‪ %‬كفعل الذي جاءت به كف قادح وقال األصمعي سألت أعرابيا عن العشق فقال جل وهللا عن أن‬ ‫يرى وخفي عن أبصار الورى فهو يف الصدور كامن ككمون النار يف احلجر إن قدح أوري وإن ترك توارى وقال بعضهم‬ ‫العشق نوع من اجلنون واجلنون فنون فالعشق فن من فنونه واحتج بقول قيس قالوا جننت مبن هتوى فقلت هلم ‪%‬‬ ‫ألعشق أعظم مما باجملانني العشق ال يستفيق الدهر صاحبه ‪ %‬وإمنا يصرع اجملنون يف احلني وقال آخر إذا امتزجت‬ ‫جواهر النفوس بوصف امل شاكلة أنتجت ملح نور ساطع تستضيء به النفس يف معرفة حماسن املعشوق فتسلك طريق‬ ‫الوصول إليه وقال أعرايب العشق أعظم مسلكا يف القلب من الروح يف اجلسم وأملك بالنفس من ذاهتا بطن وظهر فامتنع‬ ‫وصفه عن اللسان وخفي نعته عن البيان فهو بني السحر واجلنون لطيف املسلك والكمون وقيل العشق ملك غشوم‬ ‫مسلط ظلوم دانت له القلوب وانقادت له األلباب وخضعت‬ ‫له النفوس العقل أسريه والنظر رسوله واللحظ لفظه دقيق املسلك عسري املخرج وقيل آلخر ما تقول يف العشق فقال إن مل‬ ‫يكن طرفا من اجلنون فهو نوع من السحر وأما الفالسفة املشاؤون فقالوا هو اتفاق أخالق وتشاكل حمبات وجتانسها‬ ‫وشوق كل نفس إىل مشاكلها وجمانسها يف اخللقة القدمية قبل إهباطها إىل األجساد قلت هذا مبين على قوهلم الفاسد‬ ‫بتقدم النفوس على األبدان وعليه بىن ابن سينا قصيدته املشهورة هبطت إليك من احملل األرفع ‪ %‬ومسعت شيخنا‬ ‫حيكي عن بعض فضال ء املغاربة وهو مجال الدين بن الشريشي شارح املقامات أنه كان ينكر أن تكون هذه له قال وهي‬ ‫خمالفة ملا قرره يف كتبه من أن حدوث النفس الناطقة مع البدن وقال آخرون يف وصفه دق عن األفهام مسلكه وخفي‬ ‫عن األبصار موضعه وحارت العقول يف كيفية متكنه غري أن ابتداء حركته وعظم سلطانه من القلب مث يتغشى سائر‬ ‫األعضاء فيبدي الرعدة يف األطراف والصفرة يف األلوان والضعف يف الرأي واللجلجة يف الكالم والزلل والعثار حىت ينسب‬ ‫صاحبه إىل اجلنون وقيل أليب زهري املديين ما العشق قال اجلنون والذل وهو داء أهل الظرف ونظر عاشق إىل معشوقه‬ ‫فارتع دت فرائصه وغشي عليه فقيل حلكيم ما الذي أصابه فقال نظر إىل من حيبه فانفرج له قلبه فتحرك اجلسم بانفراج‬ ‫القلب فقيل له حنن حنب أوالدنا وأهلنا وال‬ ‫يصيبنا ذلك فقال تلك حمبة العقل وهذه حمبة الروح قال وما هو إال أن يراها فجاءة ‪ %‬فتصطك رجاله ويسقط‬ ‫للجنب وقال العشق ملك مسلط على قهر النفوس وأسر القلوب قال الشاعر ملك القلوب فأصبحت يف أسره ‪%‬‬ ‫وبودها أن ال يفك إسارها وقال أعرايب يف وصفه بالقلب وثبته وبالفؤاد وجبته وباألحشاء ناره وسائر األعضاء خدامه‬ ‫فالقلب من العاشق ذاهل والدمع منه هامل واجلسم منه ناحل مرور الليايل جتدده وإساءة احملبوب ال تفسده وقيل ليس‬ ‫هو موقوفا على احلسن واجلمال وإمنا هو تشاكل النفوس ومتازجها يف الطباع املخلوقة فيها كما قيل وما احلب من‬ ‫حسن وال من مالحة ‪ %‬ولكنه شيء به الروح تكلف وقيل أول العشق عناء وأوسطه سقم وآخره قتل كما قال ابن‬


‫الفارض رمحه هللا هو احلب فاسلم باحلشا ما اهلوى سهل ‪ %‬فما اختاره مضىن به وله عقل وعش خاليا فاحلب أوله‬ ‫عىن ‪ %‬وأوسطه سقم وآخره قتل‬ ‫الباب احلادي عشر يف العشق هل هو اضطراري خارج عن االختيار أو أمر‬ ‫اختياري واختالف الناس يف ذلك وذكر الصواب فيه فنقول اختلف الناس يف العشق هل هو اختياري أو اضطراري‬ ‫خارج عن مقدور البشر فقالت فرقة هو اضطراري وليس باختياري قالوا وهو مبنزلة حمبة الظمآن للماء البارد واجلائع‬ ‫للطعام وهذا مما ال ميلك قال بعضهم وهللا لو كان يل من األمر شيء ما عذبت عاشقا ألن ذنوب العشاق اضطرارية‬ ‫فإذا كان هذا قوله فيما تولد عن العشق من فعل اختياري فما الظن بالعشق نفسه وقال أبو حممد بن حزم قال رجل لعمر‬ ‫بن اخلطاب رضي هللا عنه يا أمري املؤمنني إين رأيت امرأة فعشقتها فقال عمر ذاك مما ال ميلك وقال كامل يف‬ ‫سلمى يلومونين يف حب سلمى كأمنا ‪ %‬يرون اهلوى شيئا تيممته عمدا أال إمنا احلب الذي صدع احلشا ‪ %‬قضاء‬ ‫من الرمحن يبلو به العبدا وقال التميمي يف كتاب امتزاج األرواح سئل بعض األطباء عن العشق فقال إن وقوعه بأهله‬ ‫ليس باختيار منهم وال حبرصهم عليه وال لذة ألكثرهم فيه ولكن وقوعه هبم كوقوع العلل املدنفة واألمراض املتلفة ال فرق‬ ‫بينه وبني ذلك وقال املدائين الم رجل رجال من أهل اهلوى فقال لو صح لذي هوى اختيار الختار أن ال يهوى ويدل‬ ‫على ذلك من السنة ما رواه‬ ‫البخاري يف صحيحه من قصة بريرة أن زوجها كان ميشي خلفها بعد فراقها له وقد صارت أجنبية منه ودموعه تسيل على‬ ‫خديه فقال النيب يا عباس أال تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا مث قال هلا لو راجعتيه فقالت أتأمرين‬ ‫فقال إمنا أنا شافع قالت ال حاجة يل فيه ومل ينهه عن عشقها يف هذه احلال إذ ذلك شيء ال ميلك وال يدخل حتت‬ ‫االختيار وقال جامع سألت سعيد بن املسيب مفيت ال ‪ %‬مدينة هل يف حب دمهاء من وزر فقال سعيد بن املسيب‬ ‫إمنا ‪ %‬يالم على ما يستطاع من األمر قالوا والعشق نوع من العذاب والعاقل ال خيتار عذاب نفسه ويف هذا قال‬ ‫املؤمل شف املؤمل يوم احلرية النظر ‪ %‬ليت املؤمل مل خيلق له بصر يكفي احملبني يف الدنيا عذاهبم ‪ %‬وهللا ال‬ ‫عذبتهم بعدها سقر فيقال إنه عمي بعد هذا وقال آخر ليس اهلوى إىل الرأي فيملكه وال إىل العقل فيدركه مث‬ ‫أنشد ليس خطب اهلوى خبطب يسري ‪ %‬ال ينبيك عنه مثل خبري ليس أمر اهلوى يدبر بالرأ ‪ %‬ي وال بالقياس‬ ‫والتفكري إمنا األمر يف اهلوى خطرات ‪ %‬حمدثات األمور بعد األمور وقال القاضي أبو عمر حممد بن أمحد بن حممد‬ ‫بن سلمان النوقايت يف كتابه‬ ‫حمنة الظراف العشاق معذورون على األحوال إذ العشق إمنا دهاهم عن غري اختيار بل اعرتاهم عن جرب واضطرار واملرء‬ ‫إمنا يالم على ما يستطيع من األمور ال على املقضي عليه واملقدور فقد قيل إن احلامل كانت ترى يوسف عليه الصالة‬ ‫والسالم فتضع محلها فكيف ترى هذه وضعته أباختيار كان ذلك أم باضطرار قال غريه وهؤالء النسوة قطعن أيديهن ملا‬ ‫بدا هلن حسن يوسف عليه السالم وما متكن حبه من قلوهبن فكيف لو شغفن حبا وكان مصعب بن الزبري إذا رأته املرأة‬


‫حاضت حلسنه ومجاله قال فيه الشاعر إمنا مصعب شهاب من الل ‪ %‬ه جتلت عن وجهه الظلماء ومن هاهنا أخذ‬ ‫أمحد بن احلسني الكندي املتنيب قوله تق هللا واسرت ذا اجلمال بربقع ‪ %‬فإن حلت حاضت يف اخلدور العواتق فإذا كان‬ ‫هذا من جمرد الرؤية فكيف باحملبة اليت ال متلك وقال هشام ابن عروة عن أبيه مات باملدينة عاشق فصلى عليه زيد بن‬ ‫ثابت فقيل له يف ذلك فقال إين رمحته ورؤي أبو السائب املخزومي وكان من العلم والدين مبكان متعلقا بأستار الكعبة‬ ‫وهو يقول اللهم ارحم العاشقني وقو قلوهبم واعطف عليهم قلوب املعشوقني فقيل له يف ذلك فقال وهللا للدعاء هلم‬ ‫أفضل من عمرة من اجلعرانة مث أنشد يا هجر كف عن اهلوى ودع اهلوى ‪ %‬للعاشقني يطيب يا هجر ماذا تريد من‬ ‫الذين جفوهنم ‪ %‬قرحى وحشو قلوهبم مجر‬ ‫متبلدين من اهلوى ألواهنم ‪ %‬مما جتن قلوهبم صفر وسوابق العربات فوق خدودهم ‪ %‬درر تفيض كأهنا قطر ويذكر‬ ‫أن النيب مر جبارية تتغىن هل علي وحيكما ‪ %‬إن هويت من حرج فتبسم وقال ال حرج إن شاء هللا قالوا وقد فسر‬ ‫كثري من السلف قوله تعاىل ربنا وال حتملنا ماال طاقة لنا به بالعشق وهذا مل يريدوا به التخصيص وإمنا أرادوا به التمثيل‬ ‫وأن العشق من حتميل ماال يطاق واملراد بالتحميل هاهنا التحميل القدري ال الشرعي األمري قالوا وقد رأينا مجاعة من‬ ‫العشاق يطوفون على من يدعو هلم أن يعافيهم هللا من العشق ولو كان اختيارا ألزالوه عن نفوسهم ومن هاهنا يتبني خطأ‬ ‫كثري من العاذلني وعذهلم يف هذه احلال مبنزلة عذل املريض يف مرضه قال‬ ‫يا عاذيل واألمر يف يده ‪ %‬هال عذلت ويف يدي األمر وإمنا ينبغي العذل قبل تعلق هذا الداء بالقلب كما قيل‬ ‫فيه يذكرين حم ولرمح شاجر ‪ %‬فهال تالحم قبل التقدم وقالت فرقة أخرى بل اختياري تابع هلوى النفس وإرادهتا بل‬ ‫هو استحكام اهلوى الذي مدح هللا من هنى عنه نفسه فقال تعاىل ^ وأما من خاف مقام ربه وهنى النفس عن اهلوى فإن‬ ‫اجلنة هي املأوى ^ فمحال أن ينهى اإلنسان نفسه عما ال يدخل حتت قدرته قالوا والعشق حركة اختيارية للنفس إىل‬ ‫حنو حمبوهبا وليس مبنزلةاحلركات االضطرارية اليت ال تدخل حتت قدرة العبد قالوا وقد ذم هللا سبحانه وتعاىل أصحاب احملبة‬ ‫الفاسدة الذين حيبون من دونه أندادا ولو كانت احملبة اضطرارية ملا ذموا على ذلك قالوا وألن احملبة إرادة قوية والعبد حيمد‬ ‫ويذم على إرادته وهلذا حيمد مريد اخلري وإن مل يفعله ويذم مريد الشر وإن مل يفعله وقد ذم هللا الذين حيبون أن تشيع‬ ‫الفاحشة يف الذين آمنوا وأخرب أن هلم عذابا أليما ولو كانت احملبة ال متلك مل يتوعدهم بالعذاب على‬ ‫ما ال يدخل حتت قدرهتم قالوا والعقالء قاطبة مطبقون على لوم من حيب ما يتضرر مبحبته وهذا فطرة فطر هللا عليها‬ ‫اخللق فلو اعتذر بأين ال أملك قليب مل يقبلوا له عذرا فصل وفصل النزاع بني الفريقني أن مبادىء العشق وأسبابه‬ ‫اختيارية داخلة حتت التكليف فإن النظر والتفكر والتعرض للمحبة أمر اختياري فإذا أتى باألسباب كان ترتب املسبب‬ ‫عليها بغري اختياره كما قيل تولع بالعشق حىت عشق ‪ %‬فلما استقل به مل يطق رأى جلة ظنها موجة ‪ %‬فلما متكن‬ ‫منها غرق متىن اإلقالة من ذنبه ‪ %‬فلم يستطعها ومل يستطق وهذا مبنزلة السكر من شرب اخلمر فإن تناول املسكر‬ ‫اختياري وما يتولد عنه السكر اضطراري فمىت كان السبب واقعا باختياره مل يكن معذورا فيما تولد عنه بغري اختياره فمىت‬ ‫كان السبب حمظورا مل يكن السكران معذورا وال ريب أن متابعة النظر واستدامة الفكر مبنزلة شرب املسكر فهو يالم على‬


‫السبب وهلذا إذا حصل العشق بسبب غري حمظور مل يلم عليه صاحبه كمن كان يعشق امرأته أو جاريته مث فارقها وبقي‬ ‫عشقها غري مفارق له فهذا ال يالم على ذلك كما تقدم يف قصة بريرة ومغيث وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة مث صرف‬ ‫بصره وقد متكن العشق من قلبه بغري اختياره على أن عليه مدافعته وصرفه‬ ‫عن قلبه بضده فإذا جاء أمر يغلبه فهناك ال يالم بعد بذل اجلهد يف دفعه ومما يبني ما قلناه أن سكر العشق أعظم من‬ ‫سكر اخلمر كما قال هللا تعاىل عن عشاق الصور من قوم لوط ^ لعمرك إهنم لفي سكرهتم يعمهون ^ وإذا كان أدىن‬ ‫السكرين ال يعذر صاحبه إذا تعاطى أسبابه فكيف يعذر صاحب السكر األقوى مع تعاطي أسبابه وإذ قد وصلنا إىل‬ ‫هذا املوضع فلنذكر بابا يف سكرة احلب وسببها‬ ‫الباب الثاين عشر يف سكرة العشاق وال بد قبل اخلوض يف ذلك من بيان‬ ‫حقيقة السكر وسببه وتولده فنقول السكر لذة يغيب معها العقل الذي يعلم به القول وحيصل معه التمييز قال هللا تعاىل‬ ‫^ يا أيها الذين آمنوا ال تقربوا الصالة وأنتم سكارى حىت تعلموا ما تقولون ^ فجعل الغاية اليت يزول هبا حكم السكران‬ ‫أن يعلم ما يقول فمىت مل يعلم ما يقول فهو يف السكر وإذا علم ما يقول خرج عن حكمه وهذا هو حد السكران عند‬ ‫مجهور أهل العلم قيل لإلمام أمحد بن حنبل رمحه هللا تعاىل مباذا يعلم أنه سكران فقال إذا مل يعرف ثوبه من ثوب غريه‬ ‫ونعله من نعل غريه ويذكر عن الشافعي رمحه هللا تعاىل أنه قال إذااختلط كالمه املنظوم وأفشى سره املكتوم وقال حممد بن‬ ‫داود األصفهاين إذا عزبت عنه اهلموم وباح بسره املكتوم فالسكر جيمع معنيني وجود لذة وعدم متييز والذي يقصد السكر‬ ‫قد يقصد أحدمها وقد يقصد كليهما فإن النفس هلا هوى وشهوات تلتذ بإدراكها والعلم مبا يف تلك اللذات من املفاسد‬ ‫العاجلة واآلجلة مينعها من تناوهلا والعقل يأمرها بأن ال تفعل فإذا زال العقل اآلمر والعلم الكاشف انبسطت النفس يف‬ ‫هواها وصادفت جماال واسعا وحرم هللا سبحانه وتعاىل السكر لشيئني ذكرمها يف كتابه من قوله‬ ‫^ إمنا يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء يف اخلمر وامليسر ويصدكم عن ذكر هللا وعن الصالة فهل أنتم‬ ‫منتهون ^ فأخرب هللا سبحانه أنه يوجب املفسدة الناشئة من النفس بواسطة زوال العقل ومينع املصلحة اليت ال تتم إال‬ ‫بالعقل وقد يكون سبب السكر أملا كما يكون لذة قال هللا تعاىل ^ يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء‬ ‫عظيم يوم تروهن ا تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات محل محلها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن‬ ‫عذاب هللا شديد ^ وقد يكون سببه قوة الفرح بإدراك احملبوب حبيث خيتلط كالمه وتتغري أفعاله حبيث يزول عقله ورمبا‬ ‫قتله الفرح بسبب طبيعي وهو انبساط دم القلب انبساطا خارجا عن العادة والدم حامل احلار الغريزي فيربد القلب بسبب‬ ‫انبساط دمه فيحدث املوت وقد جرى هذا ألمحد بن طولون أمري مصر فإنه مر بصياد يف يوم بارد وعنده بين له فرق‬ ‫عليهما وأمر غالمه أن يدفع إليه ما معه من الذهب فصبه يف حجره ومضى فاشتد فرحه به فلم حيمل ما ورد عليه من‬ ‫الفرح فقضى مكانه فعاد األمري من شأنه فوجد الرجل ميتا والصيب يبكي عند رأسه فقال من قتله فقال مر بنا رجل ال‬ ‫جزاه هللا خريا فصب يف حجر أيب شيئا فقتله مكانه فقال األمري صدق حنن قتلناه أتاه الغىن وهلة‬


‫واحدة فعجز عن احتماله فقتله ولو أعطيناه ذلك بالتدريج مل يقتله فحرض الصيب على أن يأخذ الذهب فأىب وقال وهللا‬ ‫ال أمسك شيئا قتلي أيب واملقصود أن السكر يوجب اللذة ومينع العلم فمنه السكر باألطعمة واألشربة فإن صاحبها‬ ‫حيصل له لذة وسرور هبا حيمله على تناوهلا ألهنا تغيب عنه عقله فتغيب عن اهلموم والغموم واألحزان تلك الساعة ولكن‬ ‫يغلط يف ذلك فإهنا ال تزول ولكن تتوارى فإذا صحا عادت أعظم ما كانت وأوفره فيدعوه عودها إىل العود كما قال‬ ‫الشاعر وكأس شربت على لذة ‪ %‬وأخرى تداويت منها هبا ومن الناس من يقصد هبا منفعة البدن وهو غالط فإنه‬ ‫يرتتب عليها من املضرة املتولدة عن السكر ما هو أعظم من تلك املنفعة بكثري واللذة احلاصلة بذكر هللا والصالة عاجال‬ ‫وآجال أعظم وأبقى وأدفع للهموم والغموم واألحزان وتلك اللذة أجلب شيء للهموم والغموم عاجال وآجال ففي لذة‬ ‫ذكر هللا واإلقبال عليه والصالة بالقلب والبدن من املنفعة الشريفةالعظيمة الساملة عن املفاسد الدافعة للمضار غىن وعوض‬ ‫لإلنسان الذي هو إنسان عن تلك اللذة الناقصة القاصرة املانعة ملا هو أكمل منها اجلالبة ألمل أعظم منها‬ ‫فصل ومن أسباب السكر حب الصور فإنه إذا استحكم احلب وقوي أسكر احملب وأشعارهم بذلك مشهورة كثرية وال‬ ‫سيما إذا اتصل اجلماع بذلك احلب فإن صاحبه ينقص متييزه أو يعدم يف تلك احلالة حبيث ال مييز فإن انضاف إىل ذلك‬ ‫السكر سكر الشراب حبيث جيتمع عليه سكر اهلوى وسكر اخلمر وسكر لذة اجلماع فذلك غاية السكر ومنه ما يكون‬ ‫سببه حب املال والرئاسة وقوة الغضب فإن الغضب إذا قوي أوجب سكرا يقرب من سكر اخلمر ويدخل ذلك يف‬ ‫اإلغالق الذي أبطل النيب وقوع الطالق فيه بقوله ال طالق يف إغالق رواه أبو داود وقال أظنه الغضب وفسره اإلمام أمحد‬ ‫بن حنبل رمحه هللا تعاىل أيضا بالغضب ومما يدل على صحة ذلك قوله تعاىل ^ ولو يعجل هللا للناس الشر استعجاهلم‬ ‫باخلري لقضي إليهم أجلهم ^ قال السلف يف تفسريها هو الرجل يدعو على نفسه وأهله يف وقت الغضب من غري إرادة‬ ‫منه لذلك فلو استجاب هللا دعاءه ألهلكه وأهلك من دعا عليه ولكن لرمحته ملا علم أن احلامل له على ذلك سكر‬ ‫الغضب ال جييب دعاءه ومن هذا قول الواجد لراحلته بعد يأسه منها وإيقانه باهلالك اللهم أنت‬ ‫عبدي وأنا ربك قال رسول هللا أخطأ من شدة الفرح ومل يكن بذلك كافرا لعدم قصده وذكر النيب ذلك حتقيقا لشدة‬ ‫الفرح الذي أفضى به إىل ذلك وإمنا كانت هذه األشياء قد توجب السكر ألن السكر سببه ما يوجب اللذة القاهرة اليت‬ ‫تغمر العقل وسبب اللذة إدراك احملبوب فإذا كانت احملبة قوية وإدراك احملبوب قويا والعقل ضعيفا حدث السكر لكن‬ ‫ضعف العقل يكون تارة من ضعف احملبة وتارة من قوة السبب الوارد وهلذا حيصل السكر للمبتدئني يف إدراك الرئاسة‬ ‫واملال والعشق واخلمر ماال حيصل ملن اعتاد ذلك ومتكن فيه فصل ومن أقوى أسباب السكر املوجبة له مساع األصوات‬ ‫املطربة من جهتني من جهة أهنا يف نفسها توجب لذة قوية ينغمر معها العقل ومن جهة أهنا حترم النفس إىل حنو حمبوهبا‬ ‫كائنا ما كان فيحصل بتلك احلركة الشوق والطلب مع التخيل للمحبوب وإدناء صورته إىل القلب واستيالئها على الفكرة‬ ‫لذة عظيمة تقهر العقل فت جتمع لذة األحلان ولذة األشجان وهلذا يقرن املعنيون هبذه اللذات مساع األحلان بالشراب كثريا‬ ‫ليكمل هلم السكر بالشراب والعشق والصوت املطرب فيجدون من لذة الوصال وسكره يف هذه احلال ماال جيدونه‬


‫بدوهنا فاخلمر شراب النفوس واألحلان شراب األرواح وال سيما إذا اقرتن هبا من األقوال ما فيه ذكر احملبوب ووصف‬ ‫حال احملب على مقتضىاحلال اليت‬ ‫هو فيها فيجتمع مساع األصوات الطيبة وإدراك املعاين املناسبة وذلك أقوى بكثري من اللذة احلاصلة بكل واحد منها على‬ ‫انفراده فتستويل اللذة على النفس والروح والبدن أمت استيالء فيحدث غاية السكر فكيف يدعى العذر من تعاطى هذه‬ ‫األسباب ويقول إن ما تولد عنها اضطراري غري اختياري وباهلل التوفيق‬ ‫الباب الثالث عشر يف أن اللذة تابعة للمحبة يف الكمال والنقصان فكلما‬ ‫قويت احملبة قويت اللذة بإدراك احملبوب وهذا الباب من أجل أبواب الكتاب وأنفعها ونذكر فيه بيان معرفة اللذة‬ ‫وأقسامها ومراتبها فنقول أما اللذة ففسرت بأهنا إدراك املالئم كما أن األمل إدراك املنايف قال شيخنا والصواب أن يقال‬ ‫إدراك املالئم سبب اللذة وإدراك املنايف سبب األمل فاللذة واألمل ينشآن عن إدراك املالئم واملنايف واإلدراك سبب هلما‬ ‫واللذة أظهر من كل ما تعرف به فإهنا أمر وجداين وإمنا تعرف بأسباهبا وأحكامها واللذة والبهجة والسرور وقرة العني‬ ‫وطيب النفس والنعيم ألفاظ متقاربة املعىن وهي أمر مطلوب يف اجلملة بل ذلك مقصود كل حي وذلك أمر ضروري من‬ ‫وجوده وذلك يف القاصد والغايات مبنزلة احلس والعلوم البديهية يف املبادىء واملقدمات فإن كل حي له علم وإحساس وله‬ ‫عمل وإرادة وعلم اإلنسان ال جيوز أن يكون كله نظريا استدالليا الستحالة الدور والتسلسل بل ال بد له من علم أوله‬ ‫بديهي يبده النفس ويبتدىء فيها فلذلك يسمى بديهيا وأوليا وهو من نوع ما تضطر إليه النفس ويسمى ضروريا فإن‬ ‫ا لنفس تضطر إىل العلم تارة إىل العمل أخرى وكذلك العمل االختياري املرادي له مراد فذلك املراد إما أن يراد لنفسه أو‬ ‫لشيء آخر وال جيوز أن يكون كل مراد مرادا لغريه حذرا من الدور والتسلسل فال بد من مراد مطلوب حمبوب لنفسه فإذا‬ ‫حصل املطلوب املراد احملبوب فاقرتان اللذة‬ ‫والنعمة والفرح والسرور وقرة العني به على قدر قوة حمبته وإرادته والرغبة فيه وذلك أمر ذوقي وجدي وهلذا يغلب على أهل‬ ‫اإلرادة والعمل من السالكني اسم الذوق والوجد ملا يف وجود املراد املطلوب من الذوق والوجد املوجب للفرح والسرور‬ ‫والنعيم فهاهنا ثالثة أنواع من األمساء متقاربة املعاين أحدها الشهوة واإلرادة وامليل والطلب واحملبة والرغبة وحنوها الثاين‬ ‫الذوق والوجد والوصول والظفر واإلدراك واحلصول والنيل وحنوها الثالث اللذة والفرح والنعيم والسرور وطيب النفس وقرة‬ ‫العني وحنوها وهذه األمور الثالثة متالزم فصل وإذا كانت اللذة مطلوبة لنفسها فهي إمنا تذم إذا أعقبت أملا أعظم منها أو‬ ‫منعت لذة خريا منها وحتمد إذا أعانت على اللذة الدائمة املستقرة وهي لذة الدار اآلخرة ونعيمها الذي هو أفضل نعيم‬ ‫وأجله كما قال هللا تعاىل ^ وال نضيع أجر احملسنني وألجر اآلخرة خري للذين آمنوا وكانوا يتقون ^ وقال تعاىل ^ للذين‬ ‫أحسنوا يف هذه الدنيا حسنة ولدار اآلخرة خري ولنعم دار املتقني ^ وقال تعاىل ^ بل تؤثرون احلياة الدنيا واآلخرة خري‬ ‫وأبقى ^ وقال تعاىل ^ وإن الدار اآلخرة هلي احليوان لو كانوا يعلمون ^ وقال العارفون بتفاوت ما بني األمرين لفرعون‬


‫^ فاقض م ا أنت قاض إمنا تقضي هذه احلياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر وهللا خري‬ ‫وأبقى ^ وهللا سبحانه وتعاىل إمنا خلق اخللق لدار القرار وجعل اللذة كلها بأسرها فيها كما قال هللا تعاىل ^ وفيها ما‬ ‫تشتهيه األنفس وتلذ األعني ^ وقال تعا ىل ^ فال تعلم نفس ما أخفي هلم من قرة أعني ^ وقال النيب يقول هللا تعاىل‬ ‫أعددت لعبادي الصاحلني ماال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر على قلب بشر بله ما اطلعتم أي غري ما اطلعتم عليه‬ ‫وهذا هو الذي قصده الناصح لقومه الشفيق عليهم حيث قال ^ يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إمنا هذه احلياة‬ ‫الدنيا متاع وإن اآلخرة هي دار القرار ^ فأخربهم أن الدنيا متاع يتمتع هبا إىل غريها واآلخرة هي املستقر والغاية‬ ‫فصل وإذا عرف أن لذات الدنيا ونعيمها متاع ووسيلة إىل لذات الدار اآلخرة ولذلك خلقت كما قال النيب الدنيا متاع‬ ‫وخري متاع‬ ‫الدنيا املرأة الصاحلة فكل لذة أعانت على لذات الدار اآلخرة فهي حمبوبة مرضية للرب تعاىل فصاحبها يلتذ هبا من‬ ‫وجهني من جهة تنعمه وقرة عينه هبا ومن جهة إيصاهلا له إىل مرضاة ربه وإفضائها إىل لذة أكمل منها فهذه هي اللذة‬ ‫اليت ينبغي للعاقل أن يسعى يف حتصيلها ال ال لذة اليت تعقبه غاية األمل وتفوت عليه أعظم اللذات وهلذا يثاب املؤمن على‬ ‫كل ما يلتذ به من املباحات إذا قصد به اإلعانة والتوصل إىل لذة اآلخرة ونعيمها فال نسبة بني لذة صاحب الزوجة أو‬ ‫األمة اجلميلة اليت حيبها وعينه قد قرت هبا فإنه إذا باشرها والتذ قلبه وبدنه ونفسه بوصاهلا أثيب على تلك اللذة يف مقابلة‬ ‫عقوبة صاحب اللذة احملرمة على لذته كما قال النيب ويف بضع أحدكم أجر قالوا يا رسول هللا أيأيت أحدنا شهوته ويكون‬ ‫له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها يف احلرام أكان عليه وزر قالوا نعم قال فكذلك إذا وضعها يف احلالل يكون له‬ ‫أجر واعلم أن هذه اللذة تتضاعف وتتزايد حبسب ما عند العبد من اإلقبال على هللا وإخالص العمل له والرغبة يف‬ ‫الدار اآلخرة فإن الشهوة واإلرادة املنقسمة يف الصور اجتمعت له يف صورة واحدة واخلوف واهلم والغم الذي يف اللذة‬ ‫احملرمة معدوم يف لذته فإذا اتفق له مع هذا صورة مجيلة ورزق حبها ورزقت حبه وانصرفت دواعي شهوته إليها وقصرت‬ ‫بصره عن‬ ‫النظر إىل سواها ونفسه عن التطلع إىل غريها فال مناسبة بني لذته ولذة صاحب الصورة احملرمة وهذا أطيب نعيم ينال من‬ ‫الدنيا وجعله النيب ثالث ثالثة هبا ينال خري الدنيا واآلخرة وهي قلب شاكر ولسان ذاكر وزوجة حسناء إن نظر إليها‬ ‫سرته وإن غاب عنها حفظته يف نفسها وماله فاهلل املستعان وقال القاسم بن عبدالرمحن كان عبدهللا بن مسعود رضي‬ ‫هللا عنه يقرأ القرآن فإذا فرغ قال أين العزاب فيقول ادنوا مين مث قولوا اللهم ارزقين امرأة إذا نظرت إليها ! سرتين وإذا أمرهتا‬ ‫أطاعتين وإذا غبت عنها حفظت غيبيت يف نفسها ومايل واألمل واحلزن واهلم والغم ينشأ من عدم العلم باحملبوب النافع أو‬ ‫من عدم إرادته وإيثاره مع العلم به أو من عدم إدراكه والظفر به مع حمبته وإرادته وهذا من أعظم األمل وهلذا يكون أمل‬ ‫اإلنسان يف الربزخ ويف دار ا حليوان بفوات حمبوبه أعظم من أمله بفواته يف الدنيا من ثالثة أوجه أحدها معرفته هناك بكمال‬ ‫ما فاته ومقداره الثاين شدة حاجته إليه وشوق نفسه إليه مع أنه قد حيل بينه وبينه كما قال هللا تعاىل ^ وحيل بينهم‬ ‫وبني ما يشتهون ^ الثالث حصول ضده املؤمل له فليتأمل العاقل هذا املوضع ولينزل نفسه منزلة من قد فاته أعظم حمبوب‬


‫وأنفعه وهو أفقر شىيء وأحوجه إليه فواتا ال يرجى تداركه وحصل على ضده فيا هلا من مصيبة ما أوجعها وحالة ما‬ ‫أفظعها‬ ‫فأين هذه احلال من حالة من يلتذ يف الدنيا بكل ما يقصد به وجه هللا سبحانه وتعاىل من األكل والشرب واللباس‬ ‫والنكاح وشفاء الغيظ بقهر العدو وجهاد يف سبيله فضال عما يلتذ به من معرفة ربه وحبه له وتوحيده واإلثابة إليه والتوكل‬ ‫عليه واإلقبال عليه وإخالص العمل له والرضا به وعنه والتفويض إليه وفرح القلب وسروره بقربه واألنس به والشوق إىل‬ ‫لقائه كما يف احلديث الذي صححه ابن حبان واحلاكم وأسألك لذة النظر إىل وجهك والشوق إىل لقائك وهذه اللذة ال‬ ‫تزال يف الدنيا يف زيادة مع تنقيصها بالعدو الباطن من الشيطان واهلوى والنفس والدنيا والعدو الظاهر فكيف إذا جتردت‬ ‫الروح وفارقت دار األحزان واآلفات واتصلت بالرفيق األعلى ^ مع الذين أنعم هللا عليهم من النبيني والصديقني والشهداء‬ ‫والصاحلني وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من هللا وكفى باهلل عليما ^ فإذا أفضى إىل دار النعيم فهنا لك من أنواع‬ ‫اللذة والبهجة والسرور ما ال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر على قلب بشر فبؤسا وتعسا للنفوس الوضيعة الدنيئة اليت‬ ‫ال يهزها الشوق إىل ذلك طربا وال تتقد نار إرادهتا لذلك رغبا وال تعبد عما يصد عن ذلك رهبا فبصائرها كما‬ ‫قيل خفافيش أعشاها النهار بضوئه ‪ %‬والءمها قطع من الليل مظلم جتول حول احلش إذا جالت النفوس العلوية‬ ‫حول العرش وتندس يف األحجار إذا طارت النفوس الزكية إىل أعلى األوكار‬ ‫فلم تر أمثال الرجال تفاوتوا ‪ %‬إىل الفضل حىت عد ألف بواحد فصل وكل لذة أعقبت أملا أو منعت لذة أكمل منها‬ ‫فليست بلذة يف احلقيقة وإن غالطت النفس يف االلتذاذ هبا فأي لذة آلكل طعام شهي مسموم يقطع أمعاءه عن قريب‬ ‫وهذه هي لذات الكفار والفساق بعلوهم يف األرض وفسادهم وفرحهم فيها بغري احلق ومرحهم وذلك مثل لذة العني‬ ‫اختذوا من دون هللا أولياء حيبوهنم كحب هللا فنالوا هبم مودة بينهم يف احلياة الدنيا مث استحالت تلك اللذة أعظم أمل وأمره‬ ‫ومن ذلك لذة العقائد الفاسدة والفرح هبا ولذة غلبة أهل اجلور والظلم والعدوان والزىن والسرقة وشرب املسكرات وقد‬ ‫أخرب هللا سبحانه وتعاىل أنه مل ميكنهم من ذلك خلري يريده هبم إمنا هو استدراج منه لينيلهم به أعظم األمل قال هللا تعاىل‬ ‫^ أحيسبون أمنا مندهم به من مال وبنني نسارع هلم يف اخلريات بل ال يشعرون ^ وقال تعاىل ^ فال تعجبك أمواهلم وال‬ ‫أوالدهم إمنا يريد هللا ليعذهبم هبا يف احلياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ^ فصل وأما اللذة اليت ال تعقب أملا يف‬ ‫دار القرار وال توصل إىل لذة هناك فهي لذة باطلة إال ال منفعة فيها وال مضرة وزمنها يسري ليس لتمتع النفس هبا قدر‬ ‫وهي ال بد أن تشغل عما هو خري وأنفع منها يف العاجلة واآلجلة وإن مل تشغل‬ ‫عن أصل اللذة يف اآلخرة وهذا القسم هو الذي عناه النيب بقوله كل هلو يلهو به الرجل فهو باطل إال رميه بقوسه وتأديبه‬ ‫فرسه ومالعبته أهله فإهنن من احلق رواه مسلم وهلذا كانت لذة اللعب بالدف يف العرس جائزة فإهنا تعني على النكاح‬ ‫كما تعني لذة الرمي بالقوس وتأديب الفرس على اجلهاد وكالمها حمبوب هلل فما أعان على حصول حمبوبه فهو من احلق‬ ‫وهلذا عد مالعبة الرجل امرأته من احلق إلعانتها على مقاصد النكاح الذي حيبه هللا سبحانه وتعاىل وما مل يعن على‬ ‫حمبوب الرب تعاىل فهو باطل ال فائدة فيه ولكن إذا مل يكن فيه مضرة راجحة مل حيرم ومل ينه عنه ولكن إذا صد عن ذكر‬


‫هللا وعن الصالة صار مكروها بغيضا للرب عز وجل مقيتا عنده إما بأصله وإما بالتجاوز فيه وكل ما صد عن اللذة‬ ‫املطلوبة فهو وبال على صاحبه فإنه لو اشتغل حني مباشرته له مبا ينفعه وجيلب له اللذة املطلوبة الباقية لكان خريا له‬ ‫وأنفع وملا كانت النفوس الضعيفة كنفوس النساء والصبيان ال تنقاد إىل أسباب اللذة العظمى إال بإعطائها شيئا من لذة‬ ‫اللهو واللعب حبيث لو فطمت عنه كل الفطام طلبت ما هو شر هلا منه رخص هلا من ذلك فيما مل يرخص فيه لغريها‬ ‫وهذ ا كما دخل عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه على النيب وعنده جوار يضربن بالدف فأسكتهن لدخوله وقال هذا رجل‬ ‫ال حيب الباطل فأخرب أن ذلك باطل ومل مينعهن منه ملا يرتتب هلن‬ ‫عليه من املصلحة الراجحة ويرتكن به مفسدة أرجح من مفسدته وأيضا فيحصل هلم من التأمل برتكه مفسدة هي أعظم‬ ‫من مفسدته فتمكينهم من ذلك من باب الرمحة والشفقة واإلحسان كما مكن النيب أبا عمري من اللعب بالعصفور‬ ‫حبضرته ومكن اجلاريتني من الغناء حبضرته ومكن عائشة رضي هللا عنها من النظر إىل احلبشة وهم يلعبون يف املسجد‬ ‫ومكن تلك املرأة أن تضرب على رأسه بالدف ونظائر ذل ك فأين هذا من اختاذ الشيوخ املشار إليهم املقتدى هبم ذلك‬ ‫دينا وطريقا مع التوسع فيه غاية التوسع مبا ال ريب يف حترميه ونظري هذا إعطاء النيب املؤلفة قلوهبم من الزكاة والغنيمة‬ ‫لضعف قلوهبم عن قلوب الراسخني يف اإلميان من أصحابه وهلذا أعطى هؤالء ومنع هؤالء وقال أكلهم إىل ما جعل هللا‬ ‫يف قلوهبم من الغناء واخلري ونظري هذا مزاحه مع من كان ميزح معه من األعراب والصبيان والنساء تطييبا لقلوهبم‬ ‫واستجالبا إلمياهنم وتفرحيا هلم ويف مراسيل الشعيب أن النيب مر على أصحاب الدركلة فقال خذوا يا بين أرفدة حىت تعلم‬ ‫اليهود والنصارى أن يف ديننا فسحة ذكره أبو عبيد وقال الدركلة لعبة العجم فالنيب يبذل للنفوس من األموال واملنافع ما‬ ‫يتألفها به على احلق املأمور به ويكون املبذول مما يلتذ به اآلخذ وحيبه ألن ذلك وسيلة إىل غريه وال يفعل‬ ‫ذلك مع من ال حيتاج إليه كاملهاجرين واألنصار بل يبذل هلم أنواعا أخر من اإلحسان إليهم واملنافع يف دينهم ودنياهم‬ ‫وملا كان عمر نب اخلطاب رضي هللا عنه ممن ال حيب هذا الباطل وال مساعه وال حيتاج أن يتألف مبا يتألف به غريه وليس‬ ‫مأمورا مبا أمر به النيب من التأليف على اإلميان به وطاعته بكل طريق كان إعراضه عنه كماال بالنسبة إليه وحال النيب‬ ‫رضي هللا عنه أكمل فصل إذا عرف هذا فأقسام اللذات ثالثة لذة جثمانية ولذة خيالية ومهية ولذة عقلية‬ ‫روحانية فاللذة اجلثمانية لذة األكل والشرب واجلماع وهذه اللذة يشرتك فيها مع اإلنسان احليوان البهيم فليس كمال‬ ‫اإلنسان هبذه اللذة ملشاركة أنقص احل يوانات له فيها وألهنا لو كانت كماال لكان أفضل اإلنسان وأشرفهم وأكملهم‬ ‫أكثرهم أكال وشربا ومجاعا وأيضا لو كانت كماال لكان نصيب رسل هللا وأنبيائه وأوليائه منها يف هذه الدار أكمل من‬ ‫نصيب أعدائه فلما كان األمر بالضد تبني أهنا ليست يف نفسها كامال وإمنا تكون كما ال إذا تضمنت إعانة على اللذة‬ ‫الدائمة العظمى كما تقدم فصل وأما اللذة الومهية اخليالية فلذة الرئاسة والتعاظم على اخللق والفخر واالستطالة عليهم‬ ‫وهذه اللذة وإن كان طالهبا أشرف نفوسا من طالب اللذة األوىل فإن آالمها وما توجبه من املفاسد واملضار أعظم من‬ ‫التذ اذ النفس هبا فإن صاحبها منتصب ملعاداة كل من تعاظم وترأس عليه وهلذا شروط وحقوق تفوت على صاحبها كثريا‬ ‫من لذاته احلسية وال يتم إال بتحمل مشاق وآالم أعظم منها فليست هذه يف احلقيقة بلذة وإن فرحت هبا النفس وسرت‬


‫حبصوهلا وقد قيل إنه ال حقيقة للذة يف الدنيا وإمنا غايتها دفع آالم كما يدفع أمل اجلوع والعطش وأمل الشهوة باألكل‬ ‫والشرب واجلماع ولذلك يدفع أمل اخلمول وسقوط القدر عند الناس بالرئاسة واجلاه والتحقيق أن اللذة أمر وجودي‬ ‫يستلزم دفع األمل مبا بينهما من التضاد فصل وأما اللذة العقلية الروحانية فهي كلذة املعرفة والعلم واالتصاف بصفات‬ ‫الكمال من الكرم واجلود والعفة والشجاعة والصرب واحللم واملروءة وغريها فإن االلتذاذ بذلك من أعظم اللذات وهو لذة‬ ‫النفس الفاضلة العلوية الشريفة فإذا انضمت اللذة بذلك إىل لذة معرفة هللا تعاىل وحمبته وعبادته وحده ال شريك له والرضا‬ ‫به عوضا عن ك ل شيء وال يتعوض بغريه عنه فصاحب هذه اللذة يف جنة عاجلة نسبتها إىل لذات الدنيا كنسبة لذة اجلنة‬ ‫إىل لذة الدنيا فإنه ليس للقلب والروح ألذ وال أطيب وال أحلى وال أنعم من حمبة هللا واإلقبال عليه وعبادته وحده وقرة‬ ‫العني به واألنس بقربه والشوق إىل لقائه ورؤيته وإن مثقال ذرة من هذه اللذة ال يعدل بأمثال اجلبال من لذات الدنيا‬ ‫ولذلك كان مثقال ذرة من إميان باهلل ورسوله خيلص من اخللود يف دار اآلالم‬ ‫فكيف باإلميان الذي مينع دخوهلا قال بعض العارفني من قرت عينه باهلل قرت به كل عني ومن مل تقر عينه باهلل تقطعت‬ ‫نفسه على الدنيا حسرات ويكفي يف فضل هذه اللذة وشرفها أهنا خترج من القلب أمل احلسرة على ما يفوت من هذه‬ ‫الدنيا حىت إنه ليتأمل بأعظم ما يلتذ به أهلها ويفر منه فرارهم من املؤمل وهذا موضع احلاكم فيه الذوق ال جمرد لسان العلم‬ ‫وكان بعض العارفني يقول مساكني أهل الدنيا خرجوا من الدنيا ومل يذوقوا طيب نعيمها فيقال له وما هو فيقول حمبة هللا‬ ‫واألنس به والشوق إىل لقائه ومعرفة أمسائه وصفاته وقال آخر أطيب ما يف الدنيا معرفته وحمبته وألذ ما يف اآلخرة رؤيته‬ ‫ومساع كالمه بال واسطة وقال آخر وهللا إنه ليمر بالقلب أوقات أقول فيها إن كان أهل اجلنة يف مثل هذه احلال إهنم‬ ‫لفي عيش طيب وأنت ترى حمبة من يف حمبته عذاب القلب والروح كيف توجب لصاحبها لذة يتمىن أنه ال يفارقه حبه‬ ‫كما قال شاعر احلماسة تشكى احملبون الصبابة ليتين ‪ %‬حتملت ما يلقون من بينهم وحدي فكانت لقليب لذة احلب‬ ‫كلها ‪ %‬فلم يلقها قبلي حمب وال بعدي قالت رابعة شغلوا قلوهبم حبب الدنيا عن هللا ولو تركوها جلالت يف امللكوت مث‬ ‫رجعت إليهم بطرائف الفوائد وقال سلم اخلواص تركتموه وأقبل بعضكم على بعض ولو أقبلتم عليه لرأيتم العجائب‬ ‫وقالت امرأة من‬ ‫العابدات لو طالعت قلوب املؤمنني بفكرها ما ذخر هلا يف حجب الغيوب من خري اآلخرة مل يصف هلا يف الدنيا عيش‬ ‫ومل تقر هلا يف الدنيا عني وقال بعض احملبني إن حبه عز وجل شغل قلوب حمبيه عن التلذذ مبحبة غريه فليس هلم يف الدنيا‬ ‫مع حبه عز وجل لذة تداين حمبته وال يؤملون يف اآلخرة من كرامة الثواب أكرب عندهم من النظر إىل وجه حمبوهبم وقال‬ ‫بعض السلف ما من عبد إال وله عينان يف وجهه يبصر هبما أمر الدنيا وعينان يف قلبه يبصر هبما أمر اآلخرة فإذا أراد هللا‬ ‫بعبد خريا فتح عينيه اللتني يف قلبه فأبصر هبما من اللذة والنعيم ماال خطر له مما وعد به من ال أصدق منه حديثا وإذا‬ ‫أراد به غري ذلك تركه على ما هو عليه مث قرأ ^ أم على قلوب أقفاهلا ^ ولو مل يكن للقلب املشتغل مبحبة غري هللا‬ ‫املعرض عن ذكره العقوبة إال صدؤه وقسوته وتعطيله عما خلق له لكفى بذلك عقوبة وقد روى عبدالعزيز بن أيب رواد‬ ‫عن نافع عن ابن عمر رضي هللا عنهما قال قال رسول هللا إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ احلديد قيل يا رسول هللا فما‬


‫جالؤها قال تالوة القرآن وقال بعض العارفني إن احلديد إذا مل يستعمل غشيه الصدأ حىت يفسده كذلك القلب إذا عطل‬ ‫من حب هللا والشوق إليه وذكره غلبه اجلهل حىت مييته ويهلكه وقال رجل للحسن يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قليب‬ ‫قال أذبه بالذكر وأبعد القلوب من هللا القلب القاسي وال يذهب قساوته إال حب مقلق أو خوف مزعج فإن قيل ما‬ ‫السبب الذي ألجله يلتذ احملب حببه وإن مل‬ ‫يظفر حببيبه قيل احلب يوجب حركة النفس وشدة طلبها والنفس خلقت متحركة بالطبع كحركة النار فاحلب حركتها‬ ‫الطبيعية فك ل من أحب شيئا من األشياء وجد يف حبه لذة وروحا فإذا خال عن احلب مطلقا تعطلت النفس عن حركتها‬ ‫وثقلت وكسلت وفارقها خفة النشاط وهلذا جتد الكساىل أكثر الناس مها وغما وحزنا ليس هلم فرح وال سرور خبالفأرباب‬ ‫النشاط واجلد يف العمل أي عمل كان فإن كان النشاط يف عمل هم عاملون حبسن عواقبه وحالوة غايته كان التذاذهم‬ ‫حببه ونشاطهم فيه أقوى وباهلل التوفيق‬ ‫الباب الرابع عشر فيمن مدح العشق ومتناه وغبط صاحبه على ما أوتيه من‬ ‫مناه هذا موضع انقسم الناس فيه قسمني ورمبا كان الشخص الواحد فيه جمموع احلالتني فقسم مدحوا العشق ومتنوه‬ ‫ورغبوا فيه وزعموا أن من مل يذق طعمه مل يذق طعم العيش قالوا وقد تبني أن كمال اللذة تابع لكمال احلب فأعظم‬ ‫الناس لذة بالشيء أكثرهم حمبة له وقد تقدم بقريره قالوا وقد حبب هللا سبحانه وتعاىل إىل رسله وأنبيائه نساءهم‬ ‫وسراريهم فكان آدم أبو البشر شديد احملبة حلواء وقد أخرب هللا سبحانه وتعاىل أنه خلق زوجته منه ليسكن إليها قالوا وحبه‬ ‫هلا هو الذي محله على موافقتها يف األكل من الشجرة قالوا وأول حب كان يف هذا العامل حب آدم حلواء وصار ذلك‬ ‫سنة يف ولده يف احملبة بني الزوجني قالوا وهذا داود من حمبته للنساء مجع بني مائة امرأة وكذلك ابنه سليمان قالوا وقد‬ ‫عاب اليهود عليهم لعائن هللا رسول هللا حمبة النساء وكثرة تزوجه فأنزل هللا سبحانه وتعاىل ذبا عن رسوله وإخبارا بأن ذلك‬ ‫من فضله وإنعامه عليه ^ أم حيسدون الناس على ما آتاهم هللا من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب واحلكمة وآتيناهم‬ ‫ملكا عظيما ^ قالوا وقد كان عند إبراهيم خليل الرمحن أمجل النساء سارة مث تسرى هباجر وكانت احملبة هلا قال سعد بن‬ ‫أيب وقاص رضي هللا عنه كان إبراهيم اخلليل حيب سريته هاجر حمبة‬ ‫شديدة وكان يزورها يف كل يوم على الرباق من الشام من شغفه هبا قال اخلرائطي حدثنا نصر بن داود حدثنا الواقدي‬ ‫عن حممد بن صاحل عن سعد بن إبراهيم عن عامر عن سعد عن أبيه فذكره وقد ثبت يف الصحيح من حديث الشعيب‬ ‫عن عمرو بن العاص رضي هللا عنه قال بعثين رسول هللا على جيش وفيهم أبو بكر وعمر رضي هللا عنهما فلما رجعت‬ ‫قلت يا رسول هللا من أحب الناس إليك قال وما تريد قلت أحب أن أعلم قال عائشة قلت إمنا أعين من الرجال قال‬ ‫أبوها وذكر مبارك بن فضالة عن علي بن زيد عن عمته عن عائشة أن فاطمة رضي هللا عنهم ذكرهتا عند النيب فقال هلا يا‬ ‫بنية إهنا حبيبة أبيك وأصل احلديث يف الصحيح من حديث الليث عن ابن شهاب عن حممد ابن عبدالرمحن عن عائشة‬ ‫رضي هللا عنها قالت أرسل أزواج النيب فاطمة بنت النيب إليه فدخلت وهو مضطجع معي يف مرطي فقالت يا رسول هللا‬


‫إن أزواجك يسألنك العدل يف ابنة أيب قحافة وأنا ساكنة فقال هلا رسول هللا ألست حتبني ما أحب قالت بلى قال فأحيب‬ ‫هذه وثبت يف الصحيح من حد يث محاد بن سلمة عن أيوب عن أيب قالبة عن عبدهللا بن يزيد عن عائشة رضي هللا‬ ‫عنها قالت كان رسول هللا يقسم بني نسائه فيعدل‬ ‫ويقول اللهم هذا فعلي فيما أملك فال تلمين فيما متلك وال أملك يريد أنه يطيق العدل بينهن يف النفقة عليهن والقسم‬ ‫بينهن وأما التسوية بينهن يف احملبة فليست إليه وال ميلكها وقال ابن سريين سألت عبيدة عن قوله تعاىل ^ ولن‬ ‫تستطيعوا أن تعدلوا بني النساء ولو حرصتم ^ فقال يعين احلب واجلماع وقال ابن عباس ال يستطيع أن يعدل بينهن يف‬ ‫الشهوة ولو حرص وقال أبو قيس موىل عمرو بن العاص بعثين عمرو إىل أم سلمة فقال سلها أكان رسول هللا يقبل‬ ‫أهله وهو صائم فإن قالت ال فقل هلا إن عائشة رضي هللا عنها حدثتنا أن رسول هللا كان يقبلها وهو صائم فسأهلا فقالت‬ ‫ال فأخربها مبا قال عبدهللا فقالت أم سلمة رضي هللا عنها إن رسول هللا كان إذا رأى عائشة رضي هللا عنها مل يتمالك‬ ‫عنها أما أنا فال وقال بيان الشعيب أتاين رجل فقال كل أمهات املؤمنني أحب إال عائشة فقلت أما أنت فقد خالفت‬ ‫رسول هللا كانت عائشة رضي هللا عنها أحبهن إىل قلبه وقال مصعب بن سعد فرض عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه‬ ‫ألمهات املؤمنني رضي هللا عنهن عشرة آالفعشرة آالف وزاد عائشة ألفني وقال‬ ‫إهنا حبيبة رسول هللا وكان مسروق إذا حدث عن عائشة رضي هللا عنها يقول حدثتين الصديقة بنت الصديق حبيبة‬ ‫رسول رب العاملني املربأة من فوق سبع مسوات قال أبو حممد بن حزم وقد أحب من اخللفاء الراشدين واألئمة املهديني‬ ‫كثري قال اخلرائطي واشرتى عبدهللا بن عمر جارية رومية فكان حيبها حبا شديدا فوقعت ذات يوم عن بغلة له فجعل‬ ‫ميسح الرتاب عن وجهها ويفديها وكانت تقول له أنت قالون تعين جيد مث إهنا هربت منه فوجد عليها وجدا شديدا‬ ‫وقال قد كنت أحسبين قالون فانصرفت ‪ %‬فاليوم أعلم أين غري قالون وقصة مغيث وعشقه بريرة حىت إنه كان يطوف‬ ‫وراءها ودموعه تسيل على خديه يف الصحيح وكان عروة بن أذينة شيخ مالك من العلماء الثقات الصلحاء وقفت عليه‬ ‫امرأة فقالت أنت الذي يقال له الرجل الصاحل وأنت تقول إذا وجدت هليب احلب يف كبدي ‪ %‬عمدت حنو سقاء‬ ‫القوم أبرتد هذا بردت بربد املاء ظاهره ‪ %‬فمن لنار على األحشاء تتقد وكان حممد بن سريين ينشد إذا خدرت‬ ‫رجلي تذكرت من هلا ‪ %‬فناديت لبىن بامسها ودعوت دعوت اليت لو أن نفسي تطيعين ‪ %‬أللقيت نفسي حنوها‬ ‫وقضيت‬ ‫وقال صاحل عن ابن شهاب حدثين عبيدهللا بن عبدهللا بن عتبة أن ابن مسعود رضي هللا عنه قال بينا حنن عند رسول‬ ‫هللا يف قريب من مثانني رجال ليس فيهم إال قرشي وهللا ما رأيت صفحة وجوه قط أحسن من وجوههم يومئذ قال فذكروا‬ ‫النساء فتحدثوا فيهن وحتدثت معهم حىت أحببت أن نسكت قالوا ولوال لطافة احلب ولذته ما متناه املتمنون وقال شاعر‬ ‫احلماسة تشكى احملبون الصبابة ليتين ‪ %‬حتملت ما يلقون من بينهم وحدي فكانت لقليب لذة احلب كلها ‪ %‬فلم‬ ‫يلقها قبلي حمب وال بعدي قالوا والعشق املباح مما يؤجر عليه العاشق كما قال شريك بن عبدهللا وقد سئل عن العشاق‬ ‫فقال أشدهم حبا أعظمهم أجرا وصدق وهللا إذا كان املعشوق ممن حيب هللا للعاشق قربه ووصله وقالت امرأة لن يقبل‬


‫هللا من معشوقه عمال ‪ %‬يوما وعاشقها هلفان مهجور ليست مبأجورة يف قتل عاشقها ‪ %‬لكن عاشقها يف ذاك‬ ‫مأجور وحنن نقول مىت باتت مهاجرة لفراش عاشقها الذي هو بعلها لعنتها املالئكة حىت تصبح قالوا والعشق يصفي‬ ‫العقل ويذهب اهلم ويبعث على حسن اللباس وطيب املطعم ومكارم األخالق ويعلي اهلمة وحيمل على طيب الرائحة‬ ‫وكرم العشرة وحفظ األدب واملروءة وهو بالء الصاحلني وحمنة العابدين وهو ميزان العقول وجالء األذهان وهو خلق الكرام‬ ‫كما قيل وما أحببتها فحشا ولكن ‪ %‬رأيت احلب أخالق الكرام قالوا وأرواح العشاق عطرة لطيفة وأبداهنم رقيقة‬ ‫ضعيفة وأزواجهم‬ ‫بطيئة االنقياد ملن قادها حاشا سكنها الذي سكنت إليه وعقدت حبها عليه وكالمهم ومنادمتهم تزيد يف العقول وحترك‬ ‫النفوس وتطرب األرواح وتلهو بأخبارهم أولو األلباب فأحاديث العشاق زينة جمالسهم وروح حمادثتهم ويكفي أن يكون‬ ‫األعرايب الذي ال يذكر مع امللوك وال مع الشجعان األبطال يعشق ويشتهر بالعشق فيذكر يف جمالس امللوك واخللفاء ومن‬ ‫دوهنم وتدون أخباره وتروى أشعاره ويبقى له العشق ذكرا خملدا ولوال العشق مل يذكر له اسم ومل يرفع له رأس وقال‬ ‫بعض العقالء العشق لألرواح مبنزلة الغذاء لألبدان إن تركته ضرك وإن أكثرت منه قتلك وقال ابن عبدالرب يف كتابه هبجة‬ ‫اجملالس وجد يف صحيف لبعض أهل اهلند العشق ارتياح جعل يف الروح وهو معىن تنتجه النجوم يف مطارح شعاعها‬ ‫ويتولد يف الطباع بوصلة أشكاهلا وتقبله الروح بلطيف جوهرها وهو يعد جالء القلوب وصيقل األذهان ما مل يفرط فإذا‬ ‫أفرط صار سقما قاتال ومرضا منهكا ال تنفذ فيه اآلراء وال تنجع فيه احليل والعالج منه زيادة فيه وقال أعرايب هو أنيس‬ ‫النفس وحمادث العقل جتنه الضمائر وختدمه اجلوارح وقال عبدهللا بن طاهر أمري خراسان لولده اعشقوا تظرفوا وعفوا تشرفوا‬ ‫وقال قدامة وصفه بعض البلغاء فقال يشجع اجلبان ويسخي البخيل ويصفي ذهن البليد ويفصح لسان العيي ويبعث حزم‬ ‫العاجز‬ ‫ويذل له عز امللوك وتصدع له صولة الشجاع وهو داعية األدب وأول باب تفتق به األذهان والفطن وتستخرج به دقائق‬ ‫املكايد واحليل وإليه تسرتوح اهلمم وتسكن نوافر األخالق والشيم ميتع جليسه ويؤنس أليفه وله سرور جيول يف النفوس‬ ‫وفرح يسكن يف القلوب وقيل لبعض الرؤساء ابنك قد عشق فقال احلمد هلل اآلن رقت حواشيه ولطفت معانيه وملحت‬ ‫إشاراته وظرفت حركاته وحسنت عباراته وجادت رسائله وحلت مشائله فواظب على املليح واجتنب القبيح وقيل آلخر‬ ‫ذلك فقال إذا عشق لطف وظرف ودق ورق وقيل لبعضهم مىت يكون الفىت بليعا قال إذا صنف كتابا أو وصف هوى أو‬ ‫حبيبا وقيل لسعيد بن أسلم إن ابنك شرع يف الرقيق من الشعر فقال دعوه يظرف وينظف ويلطف وقال العباس بن‬ ‫األحنف وما الناس إال العاشقون ذوو اهلوى ‪ %‬وال خري فيمن ال حيب ويعشق وقال احلسني بن مطري إن الغواين‬ ‫جنة رحياهنا ‪ %‬نضر احلياة فأين عنها نعزف لوال مالحتهن ما كانت لنا ‪ %‬دنيا نلذ هبا وال نتصرف وقال غريه وال‬ ‫خري يف الدنيا وال يف نعيمها ‪ %‬وأنت وحيد مفرد غري عاشق وقال آخر هل العيش إال أن تروح وتغتدي ‪ %‬وأنت‬ ‫بكأس العشق يف الناس نشوان‬


‫وقال العطوي ما دنت باحلب إال ‪ %‬واحلب دين الكرام وقال آخر نظرت إليها نظرة فهويتها ‪ %‬ومن ذا له عقل‬ ‫سليم وال يهوى وقال آخر وما سرين أين خلي من اهلوى ‪ %‬ولو أن يل ما بني شرق ومغرب وقال آخر وما تلفت‬ ‫إال من العشق مهجيت ‪ %‬وهل طاب عيش المرئ غري عاشق وقال آخر وال خري يف الدنيا بغري صبابة ‪ %‬وال يف‬ ‫نعيم ليس فيه حبيب وقال الكميت ما ذاق بؤس معيشة ونعيمها ‪ %‬فيما مضى أحد إذا مل يعشق ألعشق فيه‬ ‫حالوة ومرارة ‪ %‬فاسأل بذلك من تطعم أو ذوق وقال آخر وما طابت الدنيا بغري حمبة ‪ %‬وأي نعيم المرئ غري‬ ‫عاشق وقال آخر أسكن إىل سكن تلذ حببه ‪ %‬ذهب الزمان وأنت خال مفرد وقال آخر إذا أنت مل تعشق ومل‬ ‫تدر ما اهلوى ‪ %‬فأنت وعري يف الفالة سواء وقال آخر إذا أنت مل تعشق ومل تدر ما اهلوى ‪ %‬فكن حجرا من يابس‬ ‫الصخر جلمدا‬ ‫وقال آخر إذا أنت مل تعشق ومل تدر ما اهلوى ‪ %‬فقم فاعتلف تبنا فأنت محار وقال آخر إذا مل تذق يف هذه‬ ‫الدار صبوة ‪ %‬فموتك فيها واحلياة سواء وقال األقرع بن معاذ وال خري يف الدنيا إذا أنت مل تزر ‪ %‬حبيبا وال واىف‬ ‫إليك حبيب وقال آخر وما ذاق طعم العيش من مل يكن له ‪ %‬حبيب إليه يطمئن ويسكن وقال علي بن أيب كثري‬ ‫البن أيب الزرقاء هل عشقت قط حىت تكاتب وتراسل وتواعد قال ال فقال ال جييء منك شيء وكان لبعض امللوك ولد‬ ‫واحد ساقط اهلمة دينء النفس فاتر فأراد أن يرشحه للملك فسلط عليه اجلواري والقيان فعشق منهن واحدة فأعلم بذلك‬ ‫امللك فسر وأرسل إىل املعشوقة أن جتين عليه وقويل إين ال أصلح إال مللك أو عامل فلما قالت له ذلك أخذ يف التعلم وما‬ ‫عليه امللوك من أدوات امللك حىت برع يف ذلك وقال املرزباين سئل أبو نوفل هل يسلم أحد من العشق فقال نعم اجللف‬ ‫اجلايف الذي ليس ل ه فضل وال عنده فهم فأما من يف طبعه أدىن ظرف أو معه دمائة أهل احلجاز وظرف أهل العراق‬ ‫فهيهات وقال علي بن عبدة ال خيلو أحد من صبوة إال أن يكون جايف اخللقة ناقصا أو منقوص اهلمة أو على خالف‬ ‫تركيب االعتدال‬ ‫قالوا وال يكمل أحد قط إال من عشقه ألهل الكمال وتشبه هبم فالعامل يبلغ يف العلم حبسب عشقه له وكذلك صاحب‬ ‫كل صناعة وحرفة ويكفي أن العاشق يرتاح لكرمي األخالق واألفعال والشيم لتحمد مشائله عند معشوقه كما‬ ‫قال ويرتاح للمعروف يف طلب العلى ‪ %‬لتحمد يوما عند ليلى مشائله وقال أبو املنجاب رأيت يف الطواف فىت حنيف‬ ‫اجلسم بني الضعف يلوذ ويتعوذ ويقول وددت بأن احلب جيمع كله ‪ %‬فيقذف يف قليب وينغلق الصدر فال ينقضي ما‬ ‫يف فؤادي من اهلوى ‪ %‬ومن فرحي باحلب أو ينقضي العمر فقلت يا فىت أما هلذه البنية حرمة متنعك عن هذا الكالم‬ ‫فقال بلى وهللا ولكن احلب مأل قليب بفرح التذكر ففاضت الفك رة يف سرعة األوبة إىل من ال يشذ عنه معرفة ما يب‬ ‫فتمنيت املىن وهللا ما يسرين ما بقليب منه ما فيه أمري املؤمنني من امللك وإين أدعو هللا أن يثبته يف قليب عمري وجيعله‬ ‫ضجيعي يف قربي دريت به أو مل أدر هذا دعائي أو انصرف من حجيت مث بكى فقلت ما يبكيك قال خوف أن ال‬ ‫يستجاب دعائي وله قصدت وفيه رغبت مما يعطي هللا سائر خلقه مث مضى قالت هذه الفرقة وغاية ما يقدر يف أمر‬


‫العشق أنه يقتل صاحبه كما هو معروف عند مجاعة من العشاق وقد قال سويد بن سعيد احلدثاين حدثنا علي بن مسهر‬ ‫عن أيب حيىي القتات عن جماهد عن ابن عباس رضي هللا عنهما عن النيب‬ ‫أنه قال من عشق فكتم وعف وصرب فمات فهو شهيد رواه عن سويد مجاعة وقال اخلطيب حدثنا أبو احلسن علي بن‬ ‫أيوب إمالء منه حدثنا أبو عبدهللا املرزباين وابن حيوية وابن شاذان قالوا حدثنا أبو عبدهللا إبراهيم بن حممد بن عرفة‬ ‫نفطويه قال دخلت على حممد بن داود ا ألصبهاين يف مرضه الذي مات فيه فقلت له كيف جتدك فقال حب من تعلم‬ ‫أورثين ما ترى فقلت ما منعك من االستمتاع به مع القدرة عليه فقال االستمتاع على وجهني أحدمها النظر املباح والثاين‬ ‫اللذة احملظورة فأما النظر املباح فأورثين ما ترى وأما اللذة احملظورة فإنه منعين منها ما حدثين أيب حدثنا سويد بن سعيد‬ ‫حدثنا علي بن مسهر عن أيب حيىي القتات عن جماهد عن ابن عباس رضي هللا عنهما عن النيب أنه قال من عشق وكتم‬ ‫وعف وصرب غفر هللا له وأدخله اجلنة قال احلاكم أبو عبدهللا إمنا أتعجب من هذا احلديث فإنه مل حيدث به غري سويد‬ ‫وهو وداود بن علي وابنه أبو بكر ثقات مث رواه اخلطيب حدثنا األزهري حدثنا املعاىف بن زكريا حدثنا قطبة بن الفضل بن‬ ‫إبراهيم األنصاري حدثنا أمحد بن حممد بن مسروق حدثنا سويد حدثنا ابن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن‬ ‫عائشة رضي هللا عنها مرفوعا ورواه الزبري بن بكار عن عبدامللك بن عبدالعزيز بن املاجشون عن عبدالعزيز بن أيب حازم‬ ‫عن ابن أيب جنيح عن جماهد عن ابن عباس رضي هللا عنهما عن النيب به ولفظه من عشق فعف فمات فهو شهيد رواه‬ ‫أبو بكر حممد بن جعفر بن سهل اخلرائطي يف كتاب اعتالل القلوب حدثنا أبو يوسف يعقوب بن عيسى من ولد‬ ‫عبدالرمحن بن عوف عن الزبري فذكره فخرج سويد‬ ‫عن عهدة التفرد به على أنه لو تفرد به فهو ثقة احتج به مسلم يف صحيحه وقال عبدهللا بن أمحد قال يل أيب أكتب عنه‬ ‫حديث ضمام وقال البغوي كان حافظا وكان أمحد ينتقي لولديه عليه صاحل وعبدهللا فكانا خيتلفان إليه وقال مسلم ثقة‬ ‫ثقة وقال أبو حامت الرازي ويعقوب بن شيبة هو صدوق وأكثر ما عيب به التدليس وقد صرح هاهنا بالتحديث وعيب‬ ‫بأنه ذهب بصره يف آخر عمره فرمبا أدخل عليه هذا احلديث يف كتبه ولكن رواية األكابر عنه هذا احلديث كان قبل‬ ‫ذهاب بصره ألنه إمنا عمي يف آخر عمره وليس هذا بقادح يف حديثه قلت وهذا حديث باطل على رسول هللا قطعا ال‬ ‫يشبه كالمه وقد صح عنه أنه عد الشهداء ستا فلم يذكر فيهم قتيل العشق شهيدا وال ميكن أن يكون كل قتيل بالعشق‬ ‫شهيدا فإنه قد يعشق عشقا يستحق عليه العقوبة وقد أنسكر حفاظ اإلسالم هذا احلديث على سويد وقد تكلم الناس‬ ‫فيه فقال ابن املديين ليس بشيء والضرير إذا كان عنده كتب فهو عيب شديد وقال يعقوب بن شيبة صدوق مضطرب‬ ‫احلفظ وال سيما بعد ما عمي وقال البخاري كان قد عمي فيلقن ما ليس من حديثه وقال أبو أمحد اجلرجاين هذا‬ ‫احلديث أحد ما أنكر على سويد وأنكره البيهقي وأبو الفضل بن طاهر وأبو الفرج بن اجلوزي وأدخله يف كتابه‬ ‫املوضوعات وملا رواه أبو بكر األزرق عن سويد عاتبه عليه ابن املرزبان فأسقط ذكر‬ ‫النيب منه وكان سويد إذا سئل عنه ال يرفعه وهذا أحسن أحواله أن يكون موقوفا ولذلك رواه أبو حممد احلسني القاري من‬ ‫حديث أيب سعد البقال عن عكرمة عن ابن عباس رضي هللا عنهما قوله وأما سياق اخلطيب له من حديث هشام بن‬


‫عروة عن أبيه عن عائشة رضي هللا عنها فال يشك من شم رائحة احلديث أن هذا باطل على هشام عن أبيه عن عائشة‬ ‫وال حيتمل هذا املنت هذا اإلسناد بوجه والتحاكم يف ذلك إىل أهل احلديث ال إىل العارين الغرباء منه والظاهر أن ابن‬ ‫مسروق سرقه وغري إسناده وأما حديث الزبري بن بكار فمن رواية يعقوب بن عيسى وهو ضعيف ال تقوم به حجة قد‬ ‫ضعفه أهل احلديث ونسبوه إىل الكذب‬ ‫الباب اخلامس عشر فيمن ذم العشق وتربم به وما احتج به كل فريق على صحة‬ ‫مذهبه قال هللا تعاىل إخبارا عن املؤمنني ربنا ال تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا وال حتمل علينا إصرا كما محلته على‬ ‫الذين من قبلنا ربنا وال حتملنا ماال طاقة لنا به واعف عنا وقد أثىن هللا عليهم سبحانه هبذا الدعاء الذي سألوه فيه أن ال‬ ‫حيملهم ماال طاقة هلم به وقد فسر ذلك بالعشق وليس املراد اختصاصه به بل املراد أن العشق مما ال طاقة للعبد به وقال‬ ‫مكحول هو شدة الغلمة وقال النيب ال ينبغي للمرء أن يذل نفسه قال اإلمام أمحد تفسريه أن يتعرض من البالء ملا ال‬ ‫يطيق وهذا مطابق حلال العاشق فإنه أذل الناس ملعشوقه وملا حيصل به رضاه واحلب مبناه على الذل واخلضوع للمحبوب‬ ‫كما قيل إخضع وذل ملن حتب فليس يف ‪ %‬شرع اهلوى أنف يشال ويعقد وقال آخر مساكني أهل العشق حىت‬ ‫قبورهم ‪ %‬عليها تراب الذل بني املقابر‬ ‫وقال آخر قالوا عهدناك ذا عز فقلت هلم ‪ %‬ال يعجب الناس من ذل احملبينا ال تنكروا ذلة العشاق إهنم ‪%‬‬ ‫مستعبدون برق احلب راضونا قالوا وإذا اقتحم العبد حبر العشق ولعبت به أمواجه فهو إىل اهلالك أدىن منه إىل السالمة‬ ‫كما ذكر اخلرائطي أنه كان باملدينة جارية ظريفة فهويت رجال من قريش وكان ال يفارقها وال تفارقه فملها وزاد حبها له‬ ‫فسقمت وجعل موالها ال يعبأ بشكواها وال يرق هلا حىت هامت على وجهها ومزقت ثياهبا وأفضت إىل أمر عظيم فلما‬ ‫رأى ما صرت إليه عاجلها فلم ينفع فيها العالج وكانت تدور يف السكك بالليل وتقول أحلب أول ما يكون جلاجة ‪%‬‬ ‫تأيت به وتسوقه األقدار حىت إذا اقتحم الفىت جلج اهلوى ‪ %‬جاءت أمور ال تطاق كبار من ذا يطيق كما نطيق من‬ ‫اهلوى ‪ %‬غلب العزاء وباحت األسرار قال اخلرائطي وأنشدين بعض أصحابنا احلب أوله شيء يهيم به ‪ %‬قلب‬ ‫احملب فيلقى املوت كاللعب يكون مبدؤه من نظرة عرضت ‪ %‬ومزحة أشعلت يف القلب كاللهب كالنار مبدؤها من‬ ‫قدحة فإذا ‪ %‬تضرمت أحرقت مستجمع احلطب‬ ‫قالوا وكيف ميدح أمر مينع القرار ويسلب املنام ويوله العقل وحيدث اجلنون بل هو نفسه جنون كما قال بعض احلكماء‬ ‫اجلنون فنون والعشق فن من فنونه كما قال بعض العشاق قالوا جننت مبن هتوى فقلت هلم ‪ %‬ألعشق أعظم مما‬ ‫باجملانني ألعشق ال يستفيق الدهر صاحبه ‪ %‬وإمنا يصرع اجملنون يف احلني قالوا وكم من عاشق أتلف يف معشوقه ماله‬ ‫وعرضه ونفسه وضيع أهله ومصاحل دينه ودنياه قال الزبري بن بكار جاءت بدوية إىل أخت هلا فقالت كيف بك من حب‬ ‫فالن قالت حرك وهللا حبه الساكن وسكن املتحرك مث أنشأت تقول فلو أن ما يب باحلصى فلق احلصى ‪ %‬وبالريح مل‬ ‫يسمع هلن هبوب ولو أنين أستغفر هللا كلما ‪ %‬ذكرتك مل تكتب علي ذنوب فقلت وهللا ألسألنه كيف هو من حبك‬


‫فجاءته فسألته فقال إمنا اهلوى هوان ولكنه خولف بامسه وإمنا يعرف ذلك من استبكته املعامل والطلول وأنشد أبو‬ ‫الفضل الربعي قد أمطرت عيين دما فدماؤها ‪ %‬بعد الدموع من اجلفون هوامل كيف العزاء وال يزال من الضىن ‪ %‬يف‬ ‫اجلسم مين واجلوانح نازل هلفي على زمن مضى جتتازين ‪ %‬فيه صروف الدهر وهي عواقل قالوا والعشق هو الداء‬ ‫الدوي الذي تذوب معه األرواح وال يقع معه‬ ‫االرتياح بل هو حبر من ركبه غرق فإنه ال ساحل له وال جناة منه وهو الذي قال فيه القائل وما أحد يف الناس حيمد أمره‬ ‫‪ %‬فيوجد إال وهو يف احلب أمحق وما أحد ما ذاق بؤس معيشة ‪ %‬فيعشق إال ذاقها حني يعشق وقال العباس بن‬ ‫األحنف ويح احملبني ما أشقى نفوسهم ‪ %‬إن كان مثل الذي يب باحملبينا يشقون يف هذه الدنيا بعشقهم ‪ %‬ال يرزقون‬ ‫به دنيا وال دينا وقال آخر ألعشق مشغلة عن كل صاحلة ‪ %‬وسكرة العشق تنفي لذة الوسن وقال حممد بن أيب‬ ‫حممد اليزيدي كيف يطيق الناس وصف اهلوى ‪ %‬وهو جليل ما له قدر بل كيف يصفو حلليف اهلوى ‪ %‬عيش وفيه‬ ‫البني واهلجر وقال حممد بن أمية قرين احلب يأنس باهلموم ‪ %‬ويكثر فكرة القلب السقيم وأعظم ما يكون به‬ ‫اغتباطا ‪ %‬على خطر ومطلع عظيم وقال أبو متام أما اهلوى فهو العذاب فإن جرت ‪ %‬فيه النوى فأليم كل‬ ‫عذاب وقال ابن أيب حصينة والعشق جيتذب النفوس إىل الردى ‪ %‬بالطبع واحسدي ملن مل يعشق‬ ‫وقال ابن املعتز احلب داء عضال ال دواء له ‪ %‬حيار فيه األطباء النحارير قد كنت أحسب أن العاشقني غلوا ‪%‬‬ ‫يف وصفه فإذا بالقوم تقصري وقال أعرايب أال ما اهلوى واحلب بالشيء هكذا ‪ %‬يذل به طوع اللسان‬ ‫فيوصف ولكنه شيء قضى هللا أنه ‪ %‬هو املوت أو شيء من املوت أعنف فأوله سقم وآخره ضىن ‪ %‬وأوسطه شوق‬ ‫يشف ويتلف وروع وتسهيد وهم وحسرة ‪ %‬ووجد على وجد يزيد ويضعف وقال عبداحملسن الصوري ما احلب إال‬ ‫مسلك خطر ‪ %‬عسر النجاة وموطىء زلق وقال آخر وكان ابتداء الذي يب جمونا ‪ %‬فلما متكن أمسى‬ ‫جنونا وكنت أظن اهلوى هينا ‪ %‬فالقيت منه عذابا مهينا وقالت امرأة رأيت اهلوى حلوا إذا اجتمع الشمل ‪ %‬ومرا‬ ‫على اهلجران ال بل هو القتل فمن مل يذق للهجر طعما فإنه ‪ %‬إذا ذاق طعم احلب مل يدر ما الوصل وقد ذقت‬ ‫طعميه على القرب والنوى ‪ %‬فأبعده قتل وأقربه خبل‬ ‫قالوا والعشق يرتك امللك مملوكا والسلطان عبدا كما قال احلكم بن هشام بن عبدالرمحن الداخل وكان ملك‬ ‫األندلس ظل من فرط حبه مملوكا ‪ %‬ولقد كان قبل ذاك مليكا تركته جآذر القصر صبا ‪ %‬مستهاما على الصعيد‬ ‫تريكا جيعل اخلد واضعا فوق ترب ‪ %‬للذي جيعل احلرير أريكا هكذا حيسن التذلل باحلر ‪ %‬ر إذا كان يف اهلوى‬ ‫مملوكا وقال الرشيد وقد عشق ثالث جوار من جواريه ويقال إنه املأمون ملك الثالث اآلنسات عناين ‪ %‬وحللن من‬ ‫قليب بكل مكان مايل تطاوعين الربية كلها ‪ %‬وأطيعهن وهن يف عصياين ما ذاك إال أن سلطان اهلوى ‪ %‬وبه قوين‬ ‫أعز من سلطاين وقال بعض امللوك يف جارية له عشقها وكانت كثرية التجين عليه أما يكفيك أنك متلكيين ‪ %‬وأن‬ ‫الناس كلهم عبيدي وأنك لو جهدت على تاليف ‪ %‬لقلت من الرضا أحسنت زيدي وقال ابن طاهر ملك‬ ‫خراسان فإين وإن حنت إليك ضمائري ‪ %‬فما قدر حيب أن يذل له قدري وقال ابن األمحر ملك األندلس أيا ربة‬


‫اخلدر اليت أذهبت نسكي ‪ %‬على كل حال أنت ال بد يل منك فإما بذل وهو أليق باهلوى ‪ %‬وإما بعز وهو أليق‬ ‫بامللك‬ ‫قالوا وكم ممن هرب من احلب إىل مظان التلف ليتخلص من التلف بالتلف قال دعبل الشاعر كنت بالثغر فنودي‬ ‫بالنفري فخرجت مع الناس فإذا بفىت جير رحمه بني يدي فالتفت فنظر إيل فقال أنت دعبل قلت نعم قال امسع مين مث‬ ‫أنشدين فقال أنا يف أمري رشاد ‪ %‬بني غزو وجهاد بدين يغزو عدوي ‪ %‬واهلوى يغزو فؤادي مث قال كيف ترى‬ ‫قلت جيد وهللا قال فوهللا ما خرجت إال هاربا من احلب مث قاتل حىت قتل وقال أصرم بن محيد حنن قوم تليننا احلدق‬ ‫النجل ‪ %‬على أننا نلني احلديدا طوع أيدي الظباء تقتادنا العني ‪ %‬ونقتاد بالطعان األسودا تتقي سخطنا الليوث‬ ‫وخنشى ‪ %‬صولة اخلشف حني يبدي الصدودا وترانا عند الكريهة أحرا ‪ %‬را ويف السلم للغواين عبيدا قالوا ورأينا‬ ‫الداخل فيه يتمىن منه اخلالص والت حني مناص قال اخلرائطي أنشدين أبو جعفر العبدي إن هللا جناين من احلب مل‬ ‫أعد ‪ %‬إليه ومل اقبل مقالة عاذيل ومن يل مبنجاة من احلب بعدما ‪ %‬رمتين دواعي احلب بني احلبائل وقال أبو عبيدة‬ ‫احلبائل املوت قال وأنشدين أبو عبيدهللا بن الدواليب دعوت ريب دعاء فاستجاب له ‪ %‬كما دعا ربه نوح وأيوب أن‬ ‫ينزع الداء من صدري وجيعله ‪ %‬يف صدر سلمى ومحل الداء تعطيب‬ ‫أو يشف قليب سريعا من صبابته ‪ %‬فال أحن إذا حن املطاريب قالوا وكم أكبت فتنة العشق رؤوسا على مناخرها يف‬ ‫اجلحيم وأسلمتهم إىل مقاساة العذاب األليم وجرعتهم بني أطباق النار كؤوس احلميم وكم أخرجت من شاء هللا من العلم‬ ‫والدين كخروج الشعرة من العجني وكم أزالت من نعمة وأحلت من نقمة وكم أنزلت من معقل عزه عزيزا فإذا هو من‬ ‫األذلني ووضعت من شريف رفيع القدر واملنصب فإذا هو يف أسفل السافلني وكم كشفت من عورة وأحدثت من روعة‬ ‫وأعقبت من أمل وأحلت من ندم وكم أضرمت من نار حسرات أحرقت فيها األكباد وأذهبت قدرا كان للعبد عند هللا ويف‬ ‫قلوب العباد وكم جلبت من جهد البالء ودرك الشقاء وسوء القضاء ومشاتة األعداء فقل أن يفارقها زوال نعمة أو فجاءة‬ ‫نقمة أو حتويل عافية أو طروق بلية أو حدوث رزية فلو سألت النعم ما الذي أزالك والنقم ما الذي أدالك واهلموم‬ ‫واألحزان ما الذي جلبك والعافية ما الذي أبعدك وجنبك والسرت ما الذي كشفك والوجه ما الذي أذهب نورك وكسفك‬ ‫واحلياة ما الذي كردك ومشس اإلميان ما الذي كورك وعزة النفس ما الذي أذلك وباهلوان بعد اإلكرام بدلك ألجابتك‬ ‫بلسان احلال اعتبارا إن مل جتب باملقال حوارا هذه وهللا بعض جنايات العشق على أصحابه لو كانوا يعقلون ^ فتلك‬ ‫بيوهتم خاوية مبا ظلموا إن يف ذلك آلية لقوم يعلمون ^ ويكفي اللبيب‬ ‫موعظة واستبصارا ما قصه هللا سبحانه وتعاىل عليه يف سورة األعراف يف شأن أصحاب اهلوى املذموم حتذيرا واعتبارا فبدأ‬ ‫سبحانه وتعاىل هبوى إبليس احلامل له على التكرب عن طاعة هللا عز وجل يف أمره بالسجود آلدم فحمله هوى النفس‬ ‫وإعجابه هبا على أن عصى أمره وتكرب على طاعته فكان من أمره ما كان مث ذكر سبحانه هوى آدم حني رغب يف اخللود‬ ‫يف اجلنة ومحله هواه على أن أكل من الشجرة اليت هني عنها وكان احلامل له على ذلك هوى النفس وحمبتها للخلود فكان‬ ‫عاقبة ذلك اهلوى والشهوة إخراجه منها إىل دار التعب والنصب وقيل إنه إمنا أكل منها طاعة حلواء فحمله حبه هلا أن‬


‫أطاعها ودخل يف هواها وإمنا توصل إليه عدوه من طريقها ودخل عليه من باهبا فأول فتنة كانت يف هذا العامل بسبب‬ ‫النساء مث ذكر سبحانه فتنة الكفار الذين أشركوا به ما مل ينزل به سلطانا وابتدعوا يف دينه ما مل يشرعه وحرموا زينته اليت‬ ‫أخرج لعباده والطيبات من الرزق وتعبدوا له بالفواحش وزعموا أنه أمرهم هبا واختذوا الشياطني أولياء من دونه واحلامل هلم‬ ‫على ذلك كله اهلوى واحلب الفاسد وعليه حاربوا رسله وكذبوا كتبه وبذلوا أنفسهم وأمواهلم وأهليهم دونه حىت خسروا‬ ‫الدنيا واآلخرة مث ذكر سبحانه وتعاىل قصة قوم نوح وما أصارهم إليه اهلوى من الغرق يف الدنيا ودخول النار يف اآلخرة مث‬ ‫ذكر قصة عاد وما أفضى إليه هبم اهلوى من اهلالك الفظيع والعقوبة املستمرة مث قصة قوم صاحل كذلك مث قصة العشاق‬ ‫أئمة الفساق وناكحي الذكران وتاركي النسوان وكيف أخذهم وهم يف خوضهم يلعبون وقطع دابرهم‬ ‫وهم يف سكر عشقهم يعمهون وكيف مجع عليهم من العقوبات ما مل جيمعه على أمة من األمم أمجعني وجعلهم سلفا‬ ‫إلخواهنم اللوطية من املتقدمني واملتأخرين وملا جترأوا على هذه املعصية ومردوا وهنجوا إلخواهنم طريقا وقاموا بأمرها وقعدوا‬ ‫ضجت املالئكة إىل هللا من ذلك ضجيجا وعجت األرض إىل رهبا من هذا األمر عجيجا وهربت املالئكة إىل أقطار‬ ‫السموات وشكتهم إىل هللا مجيع املخلوقات وهو سبحانه وتعاىل قد حكم أنه ال يأخذ الظاملني إال بعد إقامة احلجة‬ ‫عليهم والتقدم بالوعد والوعيد إليهم فأرسل إليهم رسوله الكرمي حيذرهم من سوء صنيعهم وينذرهم عذابه األليم فأذن‬ ‫رسول هللا بالدعوة على رؤوس املإل منهم واألشهاد وصاح هبا بني أظهرهم يف كل حاضر وباد وقال فكان يف قوله هلم من‬ ‫أعظم الناصحني ^ أتأتون الفاحشة ما سبقكم هبا من أحد من العاملني ^ مث أعاد هلم القول نصحا وحتذيرا وهم يف‬ ‫سكرة عشقهم ال يعقلون ^ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ^ فأجاب العشاق جواب‬ ‫من أركس يف هواه وغيه فقلبه بعشقه مفتون و ^ قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إهنم أناس يتطهرون ^ فلما أن حان‬ ‫الوقت املعلوم وجاء ميقات نفوذ القدر احملتوم أرسل الرمحن تبارك وتعاىل لتمام اإلنعام واالمتحان إىل بيت لوط مالئكة يف‬ ‫صورة البشر وأمجل ما يكون من الصور وجاءوه يف صورة األضياف النزول بذي الصدر الرحيب ف سيء هبم‬ ‫^ وضاق هبم ذرعا وقال هذا يوم عصيب ^ وجاء الصريخ إىل اللوطية أن لوطا قد نزل به شباب مل ينظر إىل مثل‬ ‫حسنهم ومجاهلم الناظرون وال رأى مثلهم الراؤون فنادى اللوطية بعضهم يعضا أن هلموا إىل منزل لوط ففيه قضاء‬ ‫الشهوات ونيل أكرب اللذات ^ وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات ^ فلما دخلوا إليه وهجموا عليه‬ ‫قال هلم وهو كظيم من اهلم والغم وقلبه باحلزن عميد ^ يا قوم هؤالء بنايت هن أطهر لكم فاتقوا هللا وال ختزون يف ضيفي‬ ‫أليس منكم رجل رشيد ^ فلما مسع اللوطية مقاله أجابوه جواب الفاجر اجملاهر العنيد ^ لقد علمت ما لنا يف بناتك من‬ ‫حق وإنك لتعلم ما نريد ^ فقال هلم لوط مقالة املضطهد الوحيد ^ لو أن يل بكم قوة أو آوي إىل ركن شديد ^ فلما‬ ‫رأت رسل هللا ما يقاسي نبيه من اللوطية كشفوا له عن حقيقة احلال وقالوا هون عليك ^ يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا‬ ‫إليك ^ فسر نيب هللا سرور احملب وافاه الفرج بغتة على يد احلبيب وقيل له ^ فأسر بأهلك بقطع من الليل وال يلتفت‬ ‫منكم أحد إال امرأتك إنه مصيبها ما أصاهبم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ^ وملا أبوا إال مراودته عن أضيافه‬


‫ومل يرعوا حق اجلار ضرب جربيل جبناحه على وجوههم فطمس منهم األعني وأعمى األبصار فخرجوا من عنده عميانا‬ ‫يتحسسون ويقولون ستعلم غدا ما حيل بك أيها‬ ‫اجملنون فلما انشق عمود الصبح جاء النداء من عند رب األرباب أن اخسف باألمة اللوطية وأذقهم أليم العذاب فاقتلع‬ ‫القوي األمني جربيل مدائنهم على ريشة من جناحه ورفعها يف اجلو حىت مسعت املالئكة نبيح كالهبم وصياح ديكتهم مث‬ ‫قلبها فجعل عاليها سافلها وأتبعوا احلجارة من سجيل وهو الطني املستحجر الشديد وخوف سبحانه إخواهنم على لسان‬ ‫رسوله من هذا الوعيد فقال تعاىل ^ فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود‬ ‫مسومة عند ربك وما هي من الظاملني ببعيد ^ فهذه عاقبة اللوطية عشاق الصور وهم السلف وإخواهنم بعدهم على‬ ‫األثر وإن مل يكونوا قوم لوط بعينهم ‪ %‬فما قوم لوط منهم ببعيد وإهنم يف اخلسف ينتظروهنم ‪ %‬على مورد من مهلة‬ ‫وصيد يقولون ال أهال وال مرحبا بكم ‪ %‬أمل يتقدم ربكم بوعيد فقالوا بلى لكنكم قد سننتم ‪ %‬صراطا لنا يف العشق‬ ‫غري محيد أتينا به الذكران من عشقنا هلم ‪ %‬فأوردنا ذا العشق شر ورود فأنتم بتضعيف العذاب أحق من ‪%‬‬ ‫متابعكم يف ذاك غري رشيد فقالوا وأنتم رسلكم أنذرتكم ‪ %‬مبا قد لقيناه بصدق وعيد فما لكم فضل علينا فكلنا ‪%‬‬ ‫نذوق عذاب اهلون جد شديد كما كلنا قد ذاق لذة وصلهم ‪ %‬وجممعنا يف النار غري بعيد وكذلك قوم شعيب إمنا‬ ‫محلهم على خبس املكيال وامليزان فرط حمبتهم للمال وغلبهم اهلوى على طاعة نبيهم حىت أصاهبم العذاب‬ ‫وكذلك قوم فرعون مح لهم اهلوى والشهوة وعشق الرئاسة على تكذيب موسى حىت آل هبم األمر إىل ما آل وكذلك‬ ‫أهل السبت الذين مسخوا قردة إمنا أتوا من جهة حمبة احليتان وشهوة أكلها واحلرص عليها وكذلك الذي آتاه الرب تبارك‬ ‫وتعاىل آياته ^ فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ^ وقال تع اىل ^ ولو شئنا لرفعناه هبا ولكنه أخلد إىل‬ ‫األرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن حتمل عليه يلهث أو ترتكه يلهث ^ وتأمل قوله تعاىل آتيناه آياتنا فأخرب أن‬ ‫ذلك إمنا حصل له بإيتاء الرب له ال بتحصيله هو مث قال ^ فانسلخ منها ^ ومل يقل فسلخناه بل أضاف االنسالخ إليه‬ ‫وعرب عن براءته منها بلفظة االنسالخ الدالة على ختليه عنها بالكلية وهذا شأن الكافر وأما املؤمن ولو عصى هللا تبارك‬ ‫وتعاىل ما عصاه فإنه ال ينسلخ من اإلميان بالكلية مث قال ^ فأتبعه الشيطان ^ ومل يقل فتبعه فإن يف أتبعه إعالما بأنه‬ ‫أدركه وحلقه كما قال هللا تعاىل فأتبعوهم مشرقني أي حلقوهم ووصلوا إليهم مث قال ^ ولو شئنا لرفعناه هبا ^ ففي ذلك‬ ‫دليل على أن جمرد العلم ال يرفع صاحبه فهذا قد أخرب هللا سبحانه أنه آتاه آياته ومل يرفعه هبا فالرفعة بالعلم قدر زائد على‬ ‫جمرد تعلمه مث أخرب هللا عز وجل عن السبب الذي منعه أن يرفع هبا فقال ^ ولكنه أخلد إىل األرض واتبع هواه ^ وقوله‬ ‫^ أخلد إىل األرض ^ أي سكن إليها ونزل بطبعه إليها فكانت نفسه أرضية سفلية ال مساوية علوية وحبسب ما خيلد‬ ‫العبد إىل األرض يهبط من السماء قال سهل قسم هللا األعضاء من اهلوى لكل عضو منه حظا فإذا مال عضو‬ ‫منها إىل اهلوى رجع ضرره إىل القلب وللنفس سبع حجب مساوية وسبع حجب أرضية فكلما دفن العبد نفسه أرضا‬ ‫أرضا مسا قلبه مساء مساء فإذا دفن النفس حتت الثرى وصل القلب إىل العرش مث ذكر سبحانه مثل املتبع هلواه كمثل‬ ‫الكلب الذي ال يفارقه اللهث يف حاليت تركه واحلمل عليه فهكذا هذا ال يفارقه اللهث على الدنيا راغبا وراهبا واملقصود‬


‫أن هذه السورة من أوهلا إىل آخرها يف ذكر حال أهل اهلوى والشهوات وما آل إليه أمرهم فالعشق واهلوى أصل كل بلية‬ ‫قال عدي ابن ثابت كان يف زمن بين إسرائيل راهب يعبد هللا حىت كان يؤتى باجملانني يعوذهم فيربأون على يديه وإنه أيت‬ ‫بامرأة ذات شرف من قومها قد جنت وكان هلا إخوة فأتوه هبا فلم يزل الشيطان يزين له حىت وقع عليها فحملت فلما‬ ‫استبان محلها مل يزل خيوفه ويزين له قتلها حىت قتلها ودفنها فذهب الشيطان يف صورة رجل حىت أتى بعض إخوهتا فأخربه‬ ‫بالذي فعل الراهب مث أتى بقية إخوهتا رجال رجال فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول وهللا لقد أتاين آت فذكر يل شيئا كرب‬ ‫علي ذكره فذكر ذلك بعضهم لبعض حىت رفعوا ذلك إىل ملكهم فسار الناس إليه حىت استنزلوه من صومعته فأقر هلم‬ ‫بالذي فعل فأمر به فصلب فلما رفع على اخلشبة متثل له الشيطان فقال أنا الذي زينت لك هذا وألقيتك فيه فهل أنت‬ ‫مطيعي فيما أقول لك وأخلصك قال‬ ‫نعم قال تسجد يل سجدة واحدة فسجد له وقتل الرجل فهو قول هللا تعاىل ^ كمثل الشيطان إذ قال لإلنسان اكفر فلما‬ ‫كفر قال إين بريء منك إين أخاف هللا رب العاملني ^ وقال واصل موىل أيب عيينة دخلت على حممد بن سريين فقال‬ ‫يل هل تزوجت فقلت ال قال وما مينعك قلت قلة الشيء قال تزوج عبدهللا بن حممد بن سريين وال شيء له فرزقه هللا مث‬ ‫حدث أن امرأة من بين إسرائيل يقال هلا ميسونة خاصمت إىل حربين من بين إسرائيل فعلقاها قال وكان كل واحد منهما‬ ‫يكتم صاحبه ما جيد منها فأخربا أهنا يف حائط تغتسل قال فجاءا فتسورا عليها احلائط فلما رأهتما دخلت غمرا من املاء‬ ‫فوارت نفسها فقاال هلا إنك إن مل تفعلي غدونا فشهدنا عليك بالزور فأبت فشهدا عليها فلما قربت ليقام عليها احلد‬ ‫نزل الوحي على دانيال بتكذيبهما فهذا بعض فتنة العشق وقد روى شعبة عن عبدامللك بن عمري قال مسعت مصعب‬ ‫بن سعد يقول كان سعد يعلمنا هذا الدعاء ويذكره عن النيب‬ ‫اللهم إين أعوذ بك من فتنة النساء وأعوذ بك من عذاب القرب وقال احلسن بن عرفة حدثنا أبو معاوية الضرير عن ليث‬ ‫عن طاوس عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال إنه مل يكن كفر من مضى إال من قبل النساء وهو كفر من بقي‬ ‫أيضا وقد روى سفيان بن عيينة عن سليمان التيمي عن أيب عثمان النهدي عن أسامة بن زيد رضي هللا عنهما قال قال‬ ‫رسول هللا ما تركت على أميت بعدي أضر على الرجال من النساء وروى أبو إسحاق عن هبرية بن يرمي عن علي بن أيب‬ ‫طالب كرم هللا وجهه ورضي عنه قال قال رسول هللا إن أخوف ما أخاف على أميت اخلمر والنساء وقال علي بن حرب‬ ‫حدثنا سفيان بن عيينة عن علي بن زيد عن سعيد بن املسيب قال ما أيس الشيطان من أحد قط إال أتاه من قبل‬ ‫النساء وروى سفيان بن حسني عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبري عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال قيل آلدم‬ ‫ما محلك على أكل الشجرة قال يا رب زينت يل حواء قال فإين قد عاقبتها ال حتمل إال كرها وال تضع إال كرها وأدميتها‬ ‫يف الشهر مرتني‬ ‫وقال ابن عباس رضي هللا عنهما أو غريه أول فتنة بين إسرائيل كانت من قبل النساء قالوا ويكفي من مضرة العشق ما‬ ‫اشتهر من مصارع العشاق وذلك موجود يف كل زمان فهذا بعض ما احتجت به هذه الفرقة لقوهلا وحنن نعقد للحكم‬ ‫بني الطائفتني بابا مستقال بعون هللا تعاىل‬


‫الباب السادس عشر يف احلكم بني الفريقني وفصل النزاع بني الطائفتني‬ ‫فنقول العشق ال حيمد مطلقا وال يذم مطلقا وإمنا حيمد ويذم باعتبار متعلقه فإن اإلرادة تابعة ملرادها واحلب تابع‬ ‫للمحبوب فمىت كان احملبوب مما حيب لذاته أو وسيلة توصله إىل ما حيب لذاته مل تذم املبالغة يف حمبته بل حتمد وصالح‬ ‫حال احملب كذلك حبسب قوة حمبته وهلذا كان أعظم صالح العبد أن يصرف قوى حبه كلها هلل تعاىل وحده حبيث‬ ‫حيب هللا بكل قلبه وروحه وجوارحه فيوحد حمبوبه ويوحد حبه وسيأيت إن شاء هللا تعاىل يف باب توحيد احملبوب أن احملبة‬ ‫ال تصح إال بذلك فتوحيد احملبوب أن ال يتعدد حمبوبه وتوحيد احلب أن ال يبقى يف قلبه بقية حب حىت يبذهلا له فهذا‬ ‫احلب وإن مسي عشقا فهو غاية صالح العبد ونعيمه وقرة عينه وليس لقلبه صالح وال نعيم إال بأن يكون هللا ورسوله‬ ‫أحب إليه مما سوامها وأن تكون حمبته لغري هللا تابعة حملبة هللا فال حيب إال هللا كما يف احلديث الصحيح ثالث من كن فيه‬ ‫وجد هبن حالوة اإلميان من كان هللا ورسوله أحب إليه مما سوامها ومن كان حيب املرء ال حيبه إال هلل ومن كان يكره أن‬ ‫يرجع يف الكفر بعد إذ أنقذه هللا منه كما يكره أن يلقى يف النار فأخرب أن‬ ‫العبد ال جيد حالوة اإلميان إال بأن يكون هللا أحب إليه مما سواه وحمبة رسوله هي من حمبته وحمبة املرء إن كانت هلل فهي‬ ‫من حمبة هللا وإن كانت لغري هللا فهي منقصة حملبة هللا مضعفة هلا وتصدق هذه احملبة بأن يكون كراهته ألبغض األشياء إىل‬ ‫حمبوبه وهو الكفر مبنزلة كراهته إللقائه يف النار أو أشد وال ريب أن هذا من أعظم احملبة فإن اإلنسان ال يقدم على حمبة‬ ‫نفسه وحياته شيئا فإذا قدم حم بة اإلميان باهلل على نفسه حبيث لو خري بني الكفر وإلقائه يف النار الختار أن يلقى يف النار‬ ‫وال يكفر كان هللا أحب إليه من نفسه وهذه احملبة هي فوق ما جيده سائر العشاق واحملبني من حمبة حمبوهبم بل ال نظري‬ ‫هلذه احملبة كما ال مثل ملن تعلقت به وهي حمبة تقتضي تقدمي احملبوب فيها على النفس واملال والولد وتقتضي كمال اللذة‬ ‫واخلضوع والتعظيم واإلجالل والطاعة واالنقياد ظاهرا وباطنا وهذا ال نظري له يف حمبة خملوق ولو كان املخلوق من‬ ‫كان وهلذا من أشرك بني هللا وبني غريه يف هذه احملبة اخلاصة كان مشركا شركا ال يغفره هللا كما قال هللا تعاىل ^ ومن‬ ‫الناس من يتخذ من دون هللا أندادا حيبوهنم كحب هللا والذين آمنوا أشد حبا هلل ^ والصحيح أن معىن اآلية والذين آمنوا‬ ‫أشد حبا هلل من أهل األنداد ألندادهم كما تقدم بيانه أن حمبة املؤمنني لرهبم ال مياثلها حمبة خملوق أصال كما ال مياثل‬ ‫حمبوهبم غريه وكل آذى يف حمبة غريه فهو نعيم يف حمبته وكل مكروه يف حمبة غريه فهو قرة عني يف حمبته ومن ضرب حملبته‬ ‫األمثال اليت هي يف حمبة املخلوق للمخلوق كالوصل واهلجر والتجين بال سبب من احملب وأمثال ذلك مما يتعاىل هللا عنه‬ ‫علوا كبريا فهو خمطئ أقبح اخلطإوأفحشه وهو حقيق باإلبعاد واملقت واآلفة إمنا هي من‬ ‫نفسه وقلة أدبه مع حمبوبه وهللا تعاىل هنى أن يضرب عباده له األمثال فهو ال يقاس خبلقه وما ابتدع من ابتدع إال من‬ ‫ضرب األمثال له سبحانه فأصحاب الكالم احملدث املبتدع ضربوا له األمثال الباطلة يف اخلرب عنه وما يوصف به‬ ‫وأصحاب اإلرادة املنحرفة ضربوا له األمثال يف اإلرادة والطلب وكالمها على بدعة وخطإ والعشق إذا تعلق مبا حيبه هللا‬ ‫ورسوله كان عشقا ممدوحا مثابا عليه وذلك أنواع أحدها حمبة القرآن حبيث يغين بسماعه عن مساع غريه ويهيم قلبه يف‬


‫معانيه ومراد املتكلم سبحانه منه وعلى قدر حم بة هللا تكون حمبة كالمه فمن أحب حمبوبا أحب حديثه واحلديث عنه كما‬ ‫قيل إن كنت تزعم حيب ‪ %‬فلم هجرت كتايب أما تأملت ما فيه ‪ %‬من لذيذ خطايب وكذلك حمبة ذكره سبحانه‬ ‫وتعاىل من عالمة حمبته فإن احملب ال يشبع من ذكر حمبوبه بل ال ينساه فيحتاج إىل من يذكره به وكذلك حيب مساع‬ ‫أوصافه وأفعاله وأحكامه فعشق هذا كله من أنفع العشق وهو غاية سعادة العاشق وكذلك عشق العلم النافع وعشق‬ ‫أوصاف الكمال من الكرم واجلود والعفة والشجاعة والصرب ومكارم األخالق فإن هذه الصفات لو صورت صورا لكانت‬ ‫من أمجل الصور وأهباها ولو صور العلم صورة لك انت أمجل من صورة الشمس والقمر ولكن عشق هذه الصفات إمنا‬ ‫يناسب األنفس الشريفة الزكية كما أن حمبة هللا ورسوله وكالمه ودينه إمنا تناسب األرواح العلوية السمائية الزكية ال األرواح‬ ‫األرضية الدنية فإذا أردت أن تعرف قيمة العبد وقدره فانظر إىل حمبوبه ومراده واعلم أن العشق احملمود ال يعرض فيه شىيء‬ ‫من اآلفات املذكورة‬ ‫بقي هاهنا قسم آخر وهو عشق حممود يرتتب عليه مفارقة املعشوق كمن يعشق امرأته أو أمته فيفارقها مبوت أو غريه‬ ‫فيذهب املعشوق ويبقى العشق كما هو فهذا نوع من االبتالء إن صرب صاحبه واحتسب نال ثواب الصابرين وإن سخط‬ ‫وجزع فاته معشوقه وثوابه وإن قابل هذه البلوى بالرضا والتسليم فدرجته فوق درجة الصرب وأعلى من ذلك أن يقابلها‬ ‫بالشكر نظرا إىل حسن اختيار هلل له فإنه ما يقضي هللا للمؤمن قضاء إال كان خريا له فإذا علم أن هذا القضاء خري له‬ ‫اقتضى ذلك شكره هلل على ذلك اخلري الذي قضاه له وإن مل يعلم كونه خري له فليسلم للصادق املصدوق يف خربه املؤكد‬ ‫باليمني حيث يقول والذي نفسي بيده ال يقضي هللا للمؤمن من قضاء إال كان خريا له إن أصابته سراء شكر فكان خريا‬ ‫له وإن أصابته ضراء صرب فكان خريا له وليس ذلك إال للمؤمن وإميان العبد يأمره بأن يعتقد بأن ذلك القضاء خري له‬ ‫وذلك يقتضي شكر من قضاه وقدره وباهلل التوفيق‬ ‫الباب السابع عشر يف استحباب ختري الصور اجلميلة للوصال الذي حيبه هللا‬ ‫ورسوله قال هللا تعاىل تعاىل عقيب ذكره ما أحل لعباده من الزوجات واإلماء وما حرم عليهم يريد هللا ليبني لكم‬ ‫ويهدك م سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم وهللا عليم حكيم وهللا يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات‬ ‫أن متيلوا ميال عظيما يريد هللا أن خيفف عنكم وخلق اإلنسان ضعيفا أي ال يصرب عن النساء كما ذكر الثوري عن ابن‬ ‫طاوس عن أبيه ^ وخلق اإلنسان ضعيفا ^ قال إذا نظر إىل النساء مل يصرب وكذلك قال غري واحد من السلف وملا‬ ‫كانت الشهوة يف هذا الباب غالبة ال بد أن توجب ما يوجب التوبة كرر سبحانه وتعاىل ذكر التوبة مرتني فأخرب أن‬ ‫متبعي الشهوات يريدون من عباده أن مييلوا ميال عظيما وأخرب سبحانه وتعاىل أنه يريد التخفيف عنا لضعفنا فأباح لنا أن‬ ‫ننكح ما طاب لنا من أطايب النساء أربعا وأن نتسرى من اإلماء مبا شئنا وملا كان العبد له يف هذا الباب ثالثة أحوال‬ ‫حالة جهل مبا حيل له وحيرم عليه وحالة تقصري وتفريط وحالة ضعف وقلة صرب قابل سبحانه جهل عبده بالبيان واهلدى‬ ‫وتقصريه وتفريطه بالتوبة وضعفه وقلة صربه بالتخفيف‬


‫وقال عبدهللا بن أمحد يف كتاب الزهد ألبيه حدثنا أبو معمر حدثنا يوسف بن عطية عن ثابت عن أنس بن مالك‬ ‫رضي هللا عنه قال قال رسول هللا جعلت قرة عيين يف الصالة وحبب إيل النساء والطيب اجلائع يشبع والظمآن يروى وأنا‬ ‫ال أشبع من حب الصالة والنساء وأصله يف صحيح مسلم بدون هذه الزيادة ويف صحيح مسلم من حديث عروة عن‬ ‫عائشة رضي هللا عنها قالت ملا أصاب رسول هللا سبايا بين املصطلق وقعت جويرية بنت احلارث بن أيب ضرار يف السهم‬ ‫لثابت بن قيس بن الشماس أو البن عم له فكاتبت على نفسها وكانت امرأة مجيلة حلوة ال يراها أحد إال أخذت بنفسه‬ ‫فأتت رسول هللا تستعينه على كتابتها قالت فوهللا ما هو إال أن رأيتها على باب احلجرة فكرهتها وعلمت أن رسول هللا‬ ‫يرى منها ما رأيت فقالت يا رسول هللا أنا جويرية بنت احلارث بن أيب ضرار سيد قومه وقد أصابين من البالء ما مل خيف‬ ‫عليك فوقعت يف السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو البن عم له فجئت رسول هللا أستعينه قال فهل لك يف غري ذلك‬ ‫قالت وما هو‬ ‫قال أقضي كتابتك وأتزوجك قالت نعم يا رسول هللا قد فعلت وخرج اخلرب إىل الناس أن رسول هللا تزوج جويرية بنت‬ ‫احلارث فقال الناس أصهار رسول هللا فأرسلوا ما بأيديهم قالت فلقد أعتق بتزوجيه إياها مائة أهل بيت من بين املصطلق‬ ‫فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها وقال عبدهللا بن عمر رضي هللا عنهما خرج سهمي يوم جلوالء جارية‬ ‫كأن عنقها إبريق فضة فما ملكت نفس أن قمت إليها فقبلتها ويف الصحيحني من حديث أنس رضي هللا عنه قال‬ ‫قدم رسول هللا خيرب فلما فتح هللا عليه احلصن ذكر له مجال صفية بنت حيي وقد قتل زوجها وكانت عروسا فاصطفاها‬ ‫رسول هللا لنفسه فخرج هبا حىت بلغا سد الروحاء فبىن هبا مث صنع حيسا يف نطع صغري مث قال رسول هللا آذن من حولك‬ ‫فكانت تلك وليمة رسول هللا على صفية مث خرجنا إىل املدينة فرأيت رسول هللا حيوى هلا وراءه بعباءة مث جيلس عند بعريه‬ ‫فيضع ركبته‬ ‫فتضع صفية رجلها على ركبته حىت تركب وعند أيب داود يف هذه القصة قال وقع يف سهم دحية جارية مجيلة فاشرتاها‬ ‫رسول هللا بسبعة أرؤس مث دفعها إىل أم سليم تصنعها وهتيئها وتعتد يف بيتها وهي صفية بنت حيي وقال أبو عبيدة حج‬ ‫عبدامللك بن مروان ومعه خالد بن يزيد بن معاوية وكان خالد هذا من رجاالت قريش املعدودين وكان عظيم القدر عند‬ ‫عبدامللك فبينما هو يطوف بالبيت إذ بصر برملة بنت الزبري بن العوام فعشقها عشقا شديدا ووقعت بقلبه وقوعا متمكنا‬ ‫فلما أراد عبدامللك القفول هم خالد بالتخلف عنه فوقع بقلب عبدامللك هتمة فبعث إليه فسأله عن أمره فقال يا أمري‬ ‫املؤمنني رملة بنت الزبري رأيتها تطوف بالبيت فأذهلت عقلي وهللا ما أبديت إليك ما يب حىت عيل صربي ولقد عرضت‬ ‫النوم على عيين فلم تقبله والسلو على قليب فامتنع عنه فأطال عبدامللك التعجب من ذلك وقال ما كنت أقول إن اهلوى‬ ‫يستأسر مثلك قال فإين ألشد تعجبا من تعجبك مين ولقد كنت أقول إن اهلوى ال يتمكن إال من صنفني من الناس‬ ‫الشعراء واألعراب أما الشعراء فإهنم ألزموا قلوهبم الفكر يف النساء ووصفهن والتغزل فمال طبعهم إىل النساء فضعفت‬ ‫قلوهبم عن دفع اهلوى فاستسلموا إليه منقادين وأما اإلعراب فإن أحدهم خيلو بامرأته فال يكون الغالب عليه غري حبه هلا‬


‫وال يشغله عنه شيء فضعفوا عن دفع اهلوى فتمكن منهم فما رأيت نظرة حالت بيين وبني احلزم وحسنت عندي ركوب‬ ‫اإلمث مثل نظريت هذه فتبسم عبدامللك فقال أفكل هذا قد بلغ بك فقال وهللا ما عرتين هذه البلية قبل وقيت‬ ‫هذا فوجه عبدامللك إىل الزبري خيطب رملة على خالد فذكروا هلا ذلك فقالت ال وهللا أو يطلق نساءه فطلق امرأتني كانتا‬ ‫عنده وظعن هبا إىل الشام وكان يقول أليس يزيد الشوق يف كل ليلة ‪ %‬ويف كل يوم من حبيبتنا قربا خليلي ما من‬ ‫ساعة تذكراهنا ‪ %‬من الدهر إال فرجت عين الكربا أحب بين العوام طرا حلبها ‪ %‬ومن أجلها أحببت أخواهلا‬ ‫كلبا جتول خالخيل النساء وال أرى ‪ %‬لرملة خلخاال جيول وال قلبا وذكر اخلرائطي أن بشر بن مروان كان إذا ضرب‬ ‫البعث على أحد من جنده مث وجده قد أخل مبركزه أقامه على كرسي مث مسر يديه يف احلائط مث انتزع الكرسي من حتت‬ ‫رجليه فال يزال يتشحط حىت ميوت وأنه ضرب البعث على رجل عاشق حديث عهد بعرس ابنة عمه فلما صار يف مركزه‬ ‫كتب إىل ابنة عمه كتابا مث كتب يف أسفله لوال خمافة بشر أو عقوبته ‪ %‬وأن يرى بعد ذا يف الكف مسمار إذا‬ ‫لعطلت ثغري مث زرتكم ‪ %‬إن احملب إذا ما اشتاق زوار فلما ورد عليها الكتاب أجابته عنه مث كتبت يف أسفله‬ ‫ليس احملب الذي خيشى العقاب ولو ‪ %‬كانت عقوبته يف فجوة النار بل احملب الذي ال شيء يفزعه ‪ %‬أو يستقر‬ ‫ومن يهواه يف الدار فلما قرأ الكتاب قال ال خري يف احلياة بعد هذا وأقبل حىت دخل املدينة فأتى بشر بن مروان يف‬ ‫وقت غدائه فلما فرغ من غدائه أدخل عليه فقال ما الذي دعاك إىل تعطيل ثغرك أما مسعت النداء فقال امسع عذري فإما‬ ‫عفوت وإما عاقبت فقال ويلك وهل لك من عذر فقص عليه قصته وقصة ابنة عمه فقال أوىل لكما يا غالم خط على‬ ‫امسه من البعث وأعطه عشرة آالف درهم واحلق بابنة عمك سهرت ومن أهدى يل الشوق نائم ‪ %‬وعذب قليب باهلوى‬ ‫وهو سامل فواحسرتا حىت مىت أنا قائل ‪ %‬ملن المين يف حبكم أنت ظامل وحىت مىت أخفي اهلوى وأسره ‪ %‬وأدفن‬ ‫شوقي يف احلشا وأكامت أريد الذي قد سركم مبساءيت ‪ %‬ليغفل واش أو ليعذر الئم وقال آخر يب ال هبا ما أقاسي‬ ‫من جتنيا ‪ %‬ومن جوى احلب يف األحشاء أفديها وهللا يعلم أين ال أسر بأن ‪ %‬تلقى من الوجد ما القيته فيها خوف‬ ‫البكاء كما أبكي فترتكين ‪ %‬أبكي على كبدي طورا وأبكيها وقال العباس بن هشام الكليب ضرب عبدامللك بن مروان‬ ‫بعثا إىل اليمن فأقاموا سنني حىت إذا كان ذات ليلة وهو بدمشق قال وهللا ألعسن الليلة مدينة دمشق وألمسعن الناس ماذا‬ ‫يقولون يف البعث الذي أغزيت فيه‬ ‫رجاهلم وأغرمتهم أمواهلم فبينما هو يف بعض أزقتها إذ هو بصوت امرأة قائمة تصلي فتسمع إليها فلما انصرفت إىل‬ ‫مضجعها قالت اللهم مسري النجب ومنزل الكتب ومعطي الرغب أسألك أن ترد يل غائيب فتكشف به مهي وتقر به عيين‬ ‫وأسألك أن حتكم بيين وبني عبدامللك بن مروان الذي فعل بنا هذا مث أنشأت تقول تطاول هذا الليل فالعني تدمع ‪%‬‬ ‫وأرقين حزن لقليب موجع فبت أقاسي الليل أرعى جنومه ‪ %‬وبات فؤادي باجلوى يتقطع إذا غاب منها كوكب يف‬ ‫مغيبه ‪ %‬حملت بعيين كوكبا حني يطلع إذا ما تذكرت الذي كان بيننا ‪ %‬وجدت فؤادي حسرة يتصدع وكل حبيب‬ ‫ذاكر حلبيبه ‪ %‬يرجي لقاه كل يوم ويطمع فذا العرش فرج ما ترى من صبابيت ‪ %‬فأنت الذي يدعو العباد‬ ‫فيسمع دعوتك يف السراء والضر دعوة ‪ %‬على حاجة بني الشراسيف تلذع فقال عبدامللك حلاجبه تعرف هذا املنزل‬


‫قال نعم هذا منزل يزيد بن سنان قال فما املرأة منه قال زوجته فلما أصبح سأل كم تصرب املرأة عن زوجها قالوا ستة‬ ‫أشهر‬ ‫وقال جرير ب ن حازم عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبري قال كان عمر ابن اخلطاب رضي هللا عنه إذا أمسى أخذ‬ ‫درته مث طاف باملدينة فإذا رأى شيئا ينكره أنكره فبينما هو ذات ليلة يعس إذ مر بامرأة على سطح وهي تقول تطاول‬ ‫هذا الليل واخضل جانبه ‪ %‬وأرقين أن ال خليل أالعبه فوهللا لوال هللا ال رب غريه ‪ %‬حلرك من هذا السرير‬ ‫جوانبه خمافة ريب واحلياء يصدين ‪ %‬وأكرم بعلي أن تنال مراكبه مث تنفست الصعداء وقالت هلان على عمر بن‬ ‫اخلطاب ما لقيت الليلة فضرب باب الدار فقالت من هذا الذي يأيت إىل امرأة مغيبة هذه الساعة فقال افتحي فأبت فلما‬ ‫أكثر ع ليها قالت أما وهللا لو بلغ أمري املؤمنني لعاقبك فلما رأى عفافها قال افتحي فأنا أمري املؤمنني قالت كذبت ما‬ ‫أنت أمري املؤمنني فرفع هبا صوته وجهر هلا فعرفت أنه هو ففتحت له فقال هيه كيف قلت فأعادت عليه ما قالت فقال‬ ‫أين زوجك قالت يف بعث كذا وكذا فبعث إىل عامل ذ لك اجلند أن سرح فالن بن فالن فلما قدم عليه قال اذهب إىل‬ ‫أهلك مث دخل على حفصة ابنته فقال أي بنية كم تصرب املرأة عن زوجها قالت شهرا واثنني وثالثة ويف الرابع ينفد الصرب‬ ‫فجعل ذلك أجال للبعث وهذا مطابق جلعل هللا سبحانه وتعاىل‬ ‫مدة اإليالء أربعة أشهر فإنه سبحانه وتعاىل علم أن صرب املرأة يضعف بعد األربعة وال حتتمل قوة صربها أكثر من هذه‬ ‫املدة فجعلها أجال للمويل وخريها بعد األربعة إن شاءت أقامت معه وإن شاءت فسخت نكاحه فإذا مضت األربعة‬ ‫أشهر عيل صربها قال الشاعر وملا دعوت الصرب بعدك والبكا ‪ %‬أجاب البكا طوعا ومل جيب الصرب‬ ‫الباب الثامن عشر يف أن دواء احملبني يف كمال الوصال الذي أباحه رب‬ ‫العاملني قد جعل هللا سبحانه وتعاىل لكل داء دواء ويسر الوصال إىل ذلك الدواء شرعا وقدرا فمن أراد التداوي مبا‬ ‫شرعه هللا له واستعان عليه بالقدر وأتى األمر من بابه صادف الشفاء ومن طلب الدواء مبا منعه منه شرعا وإن امتحنه به‬ ‫قدرا فقد أخطأ طريق املداواة وكان كاملتداوي من داء بداء أعظم منه وقد تقدم حديث طاوس عن ابن عباس رضي هللا‬ ‫عنهما عن النيب أنه قال مل ير للمتحابني مثل النكاح وقد اتفق رأي العقالء من األطباء وغريهم يف مواضع األدوية أن‬ ‫شفا ء هذا الداء يف التقاء الروحني والتصاق البدنني وقد روى مسلم يف صحيحه من حديث أيب الزبري عن جابر رضي هللا‬ ‫عنه أن رسول هللا رأى امرأة فأتى زينب فقضى حاجته منها وقال إن املرأة تقبل يف صورة شيطان وتدبر يف صورة شيطان‬ ‫فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فإن ذلك يرد ما يف نفسه وذكر إمساعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم‬ ‫عن أيب مسلم اخلوالين رمحه هللا أنه كان يقول يا معشر خوالن زوجوا شبابكم وإماءكم فإن الغلمة أمر عارم فأعدوا عدهتا‬ ‫واعلموا أنه ليس ملنعظ إذن يريد أنه إذا‬


‫استأذن عليه فال إذن له وذكر العتيب أن رجال من ولد عثمان ورجال من ولد احلسني خرجا يريدان موضعا هلما فنزال حتت‬ ‫سرحة فأخذ أحدمها فكتب عليها خربينا خصصت بالغيث يا سر ‪ %‬ح بصدق والصدق فيه شفاء وكتب‬ ‫اآلخر هل ميوت احملب من أمل احلبب ‪ %‬ويشفى من احلبيب اللقاء مث مضيا فلما رجعا وجدا مكتوبا حتت ذلك إن‬ ‫جهال سؤالك السرح عما ‪ %‬ليس يوما عليك فيه خفاء ليس للعاشق احملب من احلبب ‪ %‬سوى لذة اللقاء‬ ‫شفاء وقال أبو جعفر العذري لسكر اهلوى أروى لعظمي ومفصلي ‪ %‬إذا سكر الندمان من لذة اخلمر وأحسن من‬ ‫قرع املثاين ونقرها ‪ %‬تراجيع صوت الثغر يقرع بالثغر وملا دعوت الصرب بعدك والبكا ‪ %‬أجاب البكا طوعا ومل جيب‬ ‫الصرب وقال عبدهللا بن صاحل كان الليث بن سعد إذا أراد اجلماع خال يف منزل يف داره ودعا بثوب يقال له اهلركان وكان‬ ‫يلبسه إذ ذاك وكان إذا خال يف ذلك املنزل علم أنه يريد أمرا وكان إذا غشي أهله قال اللهم شد يل أصله‬ ‫وارفع يل صدره وسهل علي مدخله وخمرجه وارزقين لذته وهب يل ذرية صاحلة تقاتل يف سبيلك قال وكان جهوريا فكان‬ ‫يسمع ذلك منه رضي هللا عنه وقال اخلرائطي حدثنا عمارة بن وثيمة قال حدثين أيب قال كان عبدهللا بن ربيعة من‬ ‫خيار قريش صالحا وعفة وكان ذكره ال يرقد فلم يكن يشهد لقريش خريا وال شرا وكان يتزوج املرأة فال متكث معه إال‬ ‫أياما حىت هترب إىل أهلها فقالت زينب بنت عمر بن أيب سلمة ماهلن يهربن من ابن عمهن قيل هلا إهنن ال يطقنه قالت‬ ‫فما مينعه مين فأنا وهللا العظيمة اخللق الكبرية العجز الفخمة الفرج قال فتزوجها فصربت عليه وولدت له ستة من‬ ‫الولد وقال رشيد بن سعد عن زهرة بن معبد عن حممد بن املنكدر أنه كان يدعو يف صالته اللهم قوي يل ذكري فإن‬ ‫فيه صالحا ألهلي وقال محاد بن زيد عن هشام بن حسان عن حممد بن سريين قال كان ألنس بن مالك غالم وكان‬ ‫شيخا كبريا فرافعته امرأته إىل أنس وقالت ال أطيقه ففرض له عليها ستة يف اليوم والليلة وقال علي بن عاصم حدثنا‬ ‫خالد احلذاء قال ملا خلق هللا آدم وخلق حواء قال له يا آدم اسكن إىل زوجك فقالت له حواء يا آدم ما أطيب هذا زدنا‬ ‫منه ويف الصحيح أن سليمان بن داود عليهما السالم طاف يف ليلة واحدة على تسعني امرأة ويف الصحيحني أن رسول‬ ‫هللا كان يطوف على نسائه يف الليلةالواحدة وهن تسع نسوة ورمبا كان يطوف عليهن بغسل واحد ورمبا كان يغتسل عند‬ ‫كل واحدة منهن وقال املروذي قال أبو عبدهللا يعين أمحد بن حنبل ليس العزوبة‬ ‫من أمر اإلسالم يف شيء النيب تزوج أربع عشرة ومات عن تسع ولو تزوج بشر بن احلارث لتم أمره ولو ترك الناس النكاح‬ ‫مل يكن غزو وال حج وال كذا وال كذا وقد كان النيب يصبح وما عندهم شيء ومات عن تسع وكان خيتار النكاح وحيث‬ ‫عليه وهنى عن التبتل فمن رغب عن سنة النيب فهو على غري احلق ويعقوب يف حزنه قد تزوج وولد له والنيب قال حبب‬ ‫إيل النساء قلت له فإن إبراهيم بن أدهم حيكى عنه أنه قال لروعة صاحب العيال فما قدرت أن أمت احلديث حىت صاح‬ ‫يب وقال وقعت يف بنيات الطريق أنظر ما كان عليه حممد وأصحابه مث قال بكاء الصيب بني يدي أبيه يطلب منه اخلبز‬ ‫أفضل من كذا وكذا أين يلحق املتعبد العزب انتهى كالمه وقد اختلف الفقهاء هل جيب على الزوج جمامعة امرأته‬ ‫فقالت طائفة ال جيب عليه ذلك فإنه حق له فإن شاء استوفاه وإن شاء تركه مبنزلة من استأجر دارا إن شاء سكنها وإن‬ ‫شاء تركها وهذا من أضعف األقوال والقرآن والسنة والعرف والقياس يرده أما القرآن فإن هللا سبحانه وتعاىل قال ^ وهلن‬


‫مثل الذي عليهن باملعروف ^ فأخرب أن للمرأة من احلق مثل الذي عليها فإذا كان اجلماع حقا للزوج عليها فهو حق‬ ‫على الزوج بنص القرآن وأيضا فإنه سبحانه وتعاىل أمر األزواج أن‬ ‫يعاشروا الزوجات باملعروف ومن ضد املعروف أن يكون عنده شابة شهوهتا تعدل شهوة الرجل أو تزيد عليها بأضعاف‬ ‫مضاعفة وال يذيقها لذة الوطء مرة واحدة ومن زعم أن هذا من املعروف كفاه طبعه ردا عليه وهللا سبحانه وتعاىل إمنا‬ ‫أباح لألزواج إمساك نسائهم على هذا الوجه ال على غريه فقال تعاىل ^ فإمساك مبعروف أو تسريح بإحسان ^ وقالت‬ ‫طائفة جيب عليه وطؤها يف العمر مرة واحدة ليستقر هلا بذلك الصداق وهذا من جنس القول األول وهذا باطل من وجه‬ ‫آخر فإن املقصود إمنا هو املعاشرة باملعروف والصداق دخل يف العقد تعظيما حلرمته وفرقا بينه وبني السفاح فوجوب‬ ‫املقصود بالنكاح أقوى من وجوب الصداق وقالت طائفة ثالثة جيب عليه أن يطأها يف كل أربعة أشهر مرة واحتجوا‬ ‫على ذلك بأن هللا سبحانه وتعاىل أباح للمويل تربص أربعة أشهر وخري املرأة بعد ذلك إن شاءت أن تقيم عنده وإن‬ ‫شاءت أن تفارقه فلو كان هلا حق يف الوطء أكثر من ذلك مل جيعل للزوج تركه يف تلك املدة وهذا القول وإن كان أقرب‬ ‫من القولني اللذين قبله فليس أيضا بصحيح فإنه غري املعروف الذي هلا وعليها وأما جعل مدة اإليالء أربعة أشهر فنظرا‬ ‫منه سبحانه لألزواج فإن الرجل قد حيتاج إىل ترك وطء امرأته مدة لعارض من سفر أو تأديب أو راحة نفس أو اشتغال‬ ‫مبهم فجعل هللا سبحانه وتعاىل له أجال أربعة أشهر وال يلزم من ذلك أن يكون الوطء مؤقتا يف كل أربعة أشهر‬ ‫مرة وقالت طائفة أخرى بل جيب عليه أن يطأها باملعروف كما ينفق عليها‬ ‫ويكسوها ويعاشرها باملعروف بل هذا عمدة املعاشرة ومقصودها وقد أمر هللا سبحانه وتعاىل أن يعاشرها باملعروف فالوطء‬ ‫داخل يف هذه امل عاشرة وال بد قالوا وعليه أن يشبعها وطئا إذا أمكنه ذلك كما عليه أن يشبعها قوتا وكان شيخنا رمحه هللا‬ ‫تعاىل يرجح هذا القول وخيتاره وقد حض النيب على استعمال هذا الدواء ورغب فيه وعلق عليه األجر وجعله صدقة‬ ‫لفاعله فقال ويف بضع أحدكم صدقة ومن تراجم النسائي على هذا الرتغيب يف املباضعة مث ذكر هذا احلديث ففي هذا‬ ‫كمال اللذة وكمال اإلحسان إىل احلبيبة وحصول األجر وثواب الصدقة وفرح النفس وذهاب أفكارها الرديئة عنها وخفة‬ ‫الروح وذهاب كثافتها وغلظها وخفة اجلسم واعتدال املزاج وجلب الصحة ودفع املواد الرديئة فإن صادف ذلك وجها‬ ‫حسنا وخلقا دمثا وعشقا وافرا ورغبة تامة واحتسابا للثواب فذلك اللذة اليت ال يعادهلا شيء وال سيما إذا وافقت كماهلا‬ ‫فإهنا ال تكمل حىت يأخذ كل جزء من البدن بقسطه من اللذة فتلتذ العني بالنظر إىل احملبوب واألذن بسماع كالمه‬ ‫واألنف بشم رائحته والفم بتقبيله واليد بل مسه وتعتكف كل جارحة على ما تطلبه من لذهتا وتقابله من احملبوب فإن فقد‬ ‫من ذلك شيء مل تزل النفس متطلعة إليه متقاضية له فال تسكن كل السكون ولذلك تسمى املرأة سكنا لسكون النفس‬ ‫إلينا قال هللا تعاىل ^ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ^ ولذلك فضل‬ ‫مجاع النهار على مجاع الليل ولسبب آخر طبيعي وهو أن الليل وقت تربد فيه احلواس وتطلب حظها من السكون والنهار‬ ‫حمل انتشار احلركات كما قال هللا تعاىل ^ وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا ^ وقال هللا‬ ‫تعاىل ^ هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ^ ومتام النعمة يف ذلك فرحة احملب برضاء ربه تعاىل بذلك واحتساب‬


‫هذه اللذة عنده ورجاء تثقيل ميزانه ولذلك كان أحب شيء إىل الشيطان أن يفرق بني الرجل وبني حبيبه ليتوصل إىل‬ ‫تعويض كل منهما عن صاحبه باحلرام كما يف السنن عنه أبغض احلالل إىل هللا تعاىل الطالق ويف صحيح مسلم من‬ ‫حديث جابر رضي هللا عنه عن النيب إن إبليس ينصب عرشه على املاء مث يبث سراياه يف الناس فأقرهبم منه منزلة‬ ‫أعظمهم فتنة فيقول أحدهم ما زلت به حىت زىن فيقول يتوب فيقول اآلخر ما زلت به حىت فرقت بينه وبني أهله فيدنيه‬ ‫ويلتزمه ويقول نعم أنت نعم أنت فهذ ا الوصال ملا كان أحب شيء إىل هللا ورسوله كان أبغض شيء إىل عدو هللا فهو‬ ‫يسعى يف التفريق بني املتحابني يف هللا احملبة اليت حيبها هللا ويؤلف بني االثنني يف احملبة اليت يبغضها هللا ويسخطها وأكثر‬ ‫العشاق من جنده وعسكره ويرتقي هبم احلال حىت‬ ‫يصري هو من جندهم وعسكرهم يقود هلم ويزين هلم الفواحش ويؤلف بينهم عليها كما قيل عجبت من إبليس يف خنوته‬ ‫‪ %‬وقبح ما أظهر من سريته تاه على آدم يف سجدة ‪ %‬وصار قوادا لذريته وقد أرشد النيب الشباب الذين هم مظنة‬ ‫العشق إىل أنفع أدويتهم ففي الصحيحني من حديث ابن مسعود رضي هللا عنه قال قال رسول هللا يا معشر الشباب من‬ ‫استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ويف لفظ آخر ذكره أبو عبيد حدثنا أبو معاوية عن‬ ‫األعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبدهللا رضي هللا عنه عن النيب عليكم بالباءة وذكر احلديث وبني اللفظني فرق فإن‬ ‫األول يقتضي أم ر العزب بالتزويج والثاين يقتضي أمر املتزوج بالباءة والباءة اسم من أمساء الوطء وقوله من استطاع منكم‬ ‫الباءة فليتزوج فسرت الباءة بالوطء وفسرت مبؤن النكاح وال ينايف التفسري األول إذ املعىن على هذا مؤن الباءة مث قال‬ ‫ومن مل يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء فأرشده م إىل الدواء الشايف الذي وضع هلذا األمر مث نقلهم عنه عند العجز‬ ‫إىل البدل وهو الصوم فإنه يكسر شهوة النفس ويضيق عليها جماري الشهوة فإن هذه الشهوة تقوى بكثرة الغذاء وكيفيته‬ ‫فكمية الغذاء وكيفيته يزيدان يف توليدها والصوم يضيق عليها ذلك فيصري مبنزلة وجاء الفحل وقل من أدمن الصوم إال‬ ‫وماتت شهوته أو ضعفت‬ ‫جدا والصوم املشروع يعدهلا واعتداهلا حسنة بني سيئتني ووسط بني طرفني مذمومني ومها العنة والغلمة الشديدة املفرطة‬ ‫وكالمها خارج عن االعتدال وكال طريف قصد األمور ذميم وخري األمور أوساطها واألخالق الفاضلة كلها وسط بني طريف‬ ‫إفراط وتفريط وكذلك الدين املستقيم وسط بني احنرافني وكذلك السنة وسط بني بدعتني وكذلك الصواب يف مسائل‬ ‫النزاع إذا شئت أن حتظى به فهو القول الوسط بني الطرفني املتباعدين وليس هذا موضع تفصيل هذه اجلملة فإنا مل‬ ‫نقصد له وباهلل التوفيق‬ ‫الباب التاسع عشر يف ذكر فضيلة اجلمال وميل النفوس إليه على كل حال‬ ‫إعلم أن اجلمال ينقسم قسمني ظاهر وباطن فاجلمال الباطن هو احملبوب لذاته وهو مجال العلم والعقل واجلود والعفة‬ ‫والشجاعة وهذا اجلمال الباطن هو حمل نظر هللا من عبده وموضع حمبته كما يف احلديث الصحيح إن هللا ال ينظر إىل‬ ‫صوركم وأموالكم ولكن ينظر إىل قلوبكم وأعمالكم وهذا اجلمال الباطن يزين الصورة الظاهرة وإن مل تكن ذات مجال‬


‫فتكسوا صاحبها من اجلمال واملهابة واحلالوة حبسب ما اكتست روحه من تلك الصفات فإن املؤمن يعطى مهابة وحالوة‬ ‫حبسب إميانه فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه وهذا أمر مشهود بالعيان فإنك ترى الرجل الصاحل احملسن ذا األخالق‬ ‫اجلميلة من أحلى الناس صورة وإن كان أسود أو غري مجيل وال سيما إذا رزق حظا من صالة الليل فإهنا تنور الوجه‬ ‫وحتسنه وقد كان بعض النساء تكثر صالة الليل فقل هلا يف ذلك فقالت إهنا حتسن الوجه وأنا أحب أن حيسن وجهي‬ ‫ومما يدل على أن اجلمال الباطن أحسن من الظاهر أن القلوب ال تنفك عن تعظيم صاحبه وحمبته وامليل إليه فصل وأما‬ ‫اجلمال الظاهر فزينة خص هللا هبا بعض الصور عن بعض وهي من‬ ‫زيادة اخللق اليت قال هللا تعاىل فيها ^ يزيد يف اخللق ما يشاء ^ قالوا هو الصوت احلسن والصورة احلسنة والقلوب‬ ‫كاملطبوعة على حمبته كما هي مفطورة على استحسانه وقد ثبت يف الصحيح عنه أنه قال ال يدخل اجلنة من كان يف‬ ‫قلبه مثقال ذرة من كرب قالوا يا رسول هللا الرجل حيب أن تكون نعله حسنة وثوبه حسنا أفذلك من الكرب فقال ال إن هللا‬ ‫مجيل حيب اجلمال الكرب بطر احلق وغمط الناس فبطر احلق جحده ودفعه بعد معرفته وغمط الناس النظر إليهم بعني‬ ‫االزدراء واالحتقار واالستصغار هلم وال بأس هبذا إذا كان هلل وعالمته أن يكون لنفسه أشد ازدراء واستصغارا منه هلم فأما‬ ‫إن احتقرهم لعظمة نفسه عنده فهو الذي ال يدخل صاحبه اجلنة فصل وكما أن اجلمال الباطن من أعظم نعم هللا‬ ‫تعاىل على عبده فاجلمال الظاهر نعمة منه أيضا على عبده يوجب شكرا فإن شكره بتقواه وصيانته ازداد مجاال على مجاله‬ ‫وإن استعمل مجاله يف معاصيه سبحانه قلبه له شيئا ظاهرا يف الدنيا قبل اآلخرة فتعود تلك احملاسن وحشة وقبحا وشينا‬ ‫وينفر عنه من رآه فكل من مل يتق هللا عز وجل يف حسنه ومجاله انقلب قبحا وشينا يشينه به بني الناس فحسن الباطن‬ ‫يعلو قبح الظاهر ويسرته وقبح الباطن يعلو مجال الظاهر ويسرته يا حسن الوجه توق اخلنا ‪ %‬ال تبدلن الزين بالشني‬ ‫ويا قبيح الوجه كن حمسنا ‪ %‬ال جتمعن بني قبيحني وكان النيب يدعو الناس إىل مجال الباطن جبمال الظاهر كما قال‬ ‫جرير بن عبدهللا وكان عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه يسميه يوسف هذه األمة قال قال يل رسول هللا أنت امرء قد‬ ‫حسن هللا خلقك فأحسن خلقك وقال بعض احلكماء ينبغي للعبد أن ينظر كل يوم يف املرآة فإن رأى صورته حسنة مل‬ ‫يشنها بقبيح فعله وإن رآها قبيحة مل جيمع بني قبح الصورة وقبح الفعل وملا كان اجلمال من حيث هو حمبوبا للنفوس‬ ‫معظما يف القلوب مل يبعث هللا نبيا إال مجيل الصورة حسن الوجه كرمي احلسب حسن الصوت كذا قال علي بن أيب‬ ‫طالب كرم هللا وجهه وكان الن يب أمجل خلق هللا وأحسنهم وجها كما قال الرباء بن عازب رضي هللا عنه وقد سئل أكان‬ ‫وجه رسول هللا مثل السيف قال ال بل مثل القمر ويف صفته كأن الشمس جتري يف وجهه يقول واصفه مل أر قبله وال‬ ‫بعده مثله وقال ربيعة اجلرشي قسم احلسن نصفني فبني سارة ويوسف نصف احلسن ونصف احلسن بني سائر الناس‬ ‫ويف الصحيح عنه أنه رأى يوسف ليلة اإلسراء وقد أعطي شطر احلسن وكان رسول هللا يستحب أن يكون الرسول الذي‬ ‫يرسل إليه حسن الوجه حسن‬ ‫االسم وكان يقول إذا أبردمت إيل بريدا فليكن حسن الوجه حسن االسم وقد روى اخلرائطي من حديث ابن جريج عن‬ ‫ابن أيب مليكة عن ابن عباس رضي هللا عنهما يرفعه من آتاه هللا وجها حسنا وامسا حسنا وخلقا حسنا وجعله يف موضع‬


‫غري شائن له فهو من صفوة هللا من خلقه وقال وهب قال داود يا رب أي عبادك أحب إليك قال مؤمن حسن الصورة‬ ‫قال فأي عبادك أبغض إليك قال كافر قبيح الصورة ويذكر عن عائشة رضي هللا عنها أن رسول هللا كان ينتظره نفر من‬ ‫أصحابه على الباب فجعل ينظر يف املاء ويسوي شعره وحليته مث خرج إليهم فقلت يا رسول هللا وأنت تفعل هذا قال نعم‬ ‫إذا خرج الرجل إىل إخوانه فليهىيء من نفسه فإن هللا مجيل حيب اجلمال وقال حيىي بن أيب كثري دخل رجل على معاوية‬ ‫غمصا يعين رمص العينني فحط من عطائه فقال ما مينع أحدكم إذا خرج من منزله أن يتعاهد أدمي وجهه وكانت عائشة‬ ‫بنت طلحة من أمجل أهل زماهنا أو أمجلهم فقال أنس بن مالك وهللا ما رأيت أحسن منك إال معاوية على منرب رسول‬ ‫هللا فقالت وهللا ألنا أحسن من النار يف عني املقرور يف الليلة القارة‬ ‫ودخل عليها أنس يوما يف حاجة فقال إن القوم يريدون أن يدخلو اعليك فينظروا إىل مجالك قالت أفال قلت ليس‬ ‫فألبس ثيايب وكان مصعب بن الزبري من أمجل الناس وكان حيسد الناس على اجلمال فبينا هو خيطب يوما إذ دخل ابن‬ ‫جودان من ناحية األزد وكان مجيال فأعرض بوجهه عن تلك الناحية إىل ناحية أخرى فدخل ابن محران من تلك الناحية‬ ‫وكان مجيال فرمى ببصره إىل مؤخر املسجد فدخل احلسن البصري وكان من أمجل الناس فنزل مصعب عن املنرب وخرج‬ ‫نسوة يوم العيد ينظرون إىل الناس فقيل هلن من أحسن من مر بكن قلن شيخ عليه عمامة سوداء يعنني احلسن البصري‬ ‫وأخذ مصعب ابن الزبري رجال من أصحاب املختار فأمر بضرب عنقه فقال الرجل أيها األمري ما أقبح من أن أقوم يوم‬ ‫القيامة إىل صورتك هذه احلسنة ووجهك هذا الذي يستضاء به فأتعلق بأطرافك وأقول يا رب سل مصعبا فيم قتلين فقال‬ ‫مصعب أطلقوه ف قال الرجل أيها األمري اجعل ما وهبت يل من حيايت يف خفض فقال مصعب أعطوه مائة ألف درهم‬ ‫فقال إين أشهد هللا أن لعبدالرمحن بن قيس الرقيات نصفها قال مصعب ومل ذلك قال لقوله إمنا مصعب شهاب من الل‬ ‫‪ %‬ه جتلت عن وجهه الظلماء فضحك مصعب وقال إن فيك ملوضعا للصنيعة وأمره بلزومه وقال الزبري بن بكار‬ ‫حدثنا مصعب الزبريي حدثنا عبدالرمحن بن أيب احلسن قال خرج أبو حازم يرمي اجلمار ومعه قوم متعبدون وهو يكلمهم‬ ‫وحيدثهم ويقص عليهم فبينما هو ميشي وهم معه إذ نظر إىل فتاة مسترتة خبمارها ترمي الناس بطرفها مينة ويسرة وقد‬ ‫شغلت الناس وهم ينظرون إليها مبهوتني وقد خبط بعضهم بعضا يف الطريق فرآها أبو حازم فقال يا هذه اتقي هللا فإنك‬ ‫يف مشعر من مشاعر هللا عظيم وقد فتنت الناس فاضريب خبمارك على جيبك فإن هللا عز وجل يقول ^ وليضربن خبمرهن‬ ‫على جيوهبن ^ فأقبلت تضحك من كالمه وقالت إين وهللا من الال ء مل حيججن يبغني حسبة ‪ %‬ولكن ليقتلن الربيء‬ ‫املغفال فاقبل أبو حازم على أصحابه وقال تعالوا ندعو هللا أن ال يعذب هذه الصورة احلسناء بالنار فجعل يدعو‬ ‫وأصحابه يؤمنون وقال ضمرة بن ربيعة عن عبدهللا بن شوذب دخلت امرأة مجيلة على احلسن البصري فقالت يا أبا‬ ‫سعيد ينبغي للرجال أن يتزوجوا على النساء قال نعم قالت وعلى مثلي مث أسفرت عن وجه مل ير مثله حسنا وقالت يا أبا‬ ‫سعيد ال تفتوا الرجال هبذا مث ولت فقال احلسن ما على رجل كانت هذه يف زاوية بيته ما فاته من الدنيا‬ ‫وقال عبدامللك بن قريب كنت يف بعض مياه العرب فسمعت الناس يقولون قد جاءت قد جاءت فتحول الناس فقمت‬ ‫معهم فإذا جارية قد وردت املاء ما رأيت مثلها قط يف حسن وجهها ومتام خلقها فلما رأت تشوف الناس إليها أرسلت‬


‫برقعها فكأنه غمامة غطت مشسا فقلت مل متنعيننا النظر إىل وجهك هذا احلسن فأنشأت تقول وكنت مىت أرسلت‬ ‫طرفك رائدا ‪ %‬لقلبك يوما أتعبتك املناظر رأيت الذي ال كله أنت قادر ‪ %‬عليه وال عن بعضه أنت صابر ونظر‬ ‫إليها أعرايب فقال أنا وهللا ممن قل صربه مث قال أوحشية العينني أين لك األهل ‪ %‬أباحلزن حلوا أم حملهم السهل وأية‬ ‫أرض أخرجتك فإنين ‪ %‬أراك من الفردوس إن فتش األصل قفي خربينا ما طعمت وما الذي ‪ %‬شربت ومن أين‬ ‫استقل بك الرحل ألن عالمات اجلنان مبينة ‪ %‬عليك وإن الشكل يشبهه الشكل تناهيت حسنا يف النساء فإن يكن‬ ‫‪ %‬لبدر الدجى نسل فأنت له نسل وقال آخر يا منسي احملزون أحزانه ‪ %‬ملا أتته يف املعزينا إستقبلتهن بتمثاهلا ‪%‬‬ ‫فقمن يضحكن ويبكينا‬ ‫حق هلذا الوجه أن يزدهي ‪ %‬عن حزنه من كان حمزونا وقال آخر أنريي مكان البدر إن أفل البدر ‪ %‬وقومي مقام‬ ‫الشمس ما استأخر الفجر ففيك من الشمس املنرية ضوؤها ‪ %‬وليس هلا منك التبسم والثغر وقال آخر رقادي يا‬ ‫طريف عليك حرام ‪ %‬فخل دموعا فيضهن سجام ففي الدمع إطفاء لنار صبابة ‪ %‬هلا بني أحناء الضلوع ضرام ويا‬ ‫كبدي احلرى اليت قد تصدع ‪ %‬ت من الوجد ذويب ما عليك مالم ويا وجه من ذلت وجوه أعزة ‪ %‬له وزهى عزا‬ ‫فليس يرام أجر مستجريا يف اهلوى باسطا ‪ %‬إليك يديه والعيون نيام وذكر اخلرائطي عن بعض العلويني قال بينا أنا‬ ‫عند احلسن بن هاىنء وهو ينشد ويلي على سود العيون ‪ %‬النهد الضمر البطون الناطقات عن الضمي ‪ %‬ر لنا‬ ‫بألسنة اجلفون فوقف عليه أعرايب ومعه بنيه فقال أعد علي فأعاد عليه فقال يا ابن أخي ويلك أنت وحدك من هذا‬ ‫ويلي أنا وأنت وويل ابين هذا وويل هذه اجلماعة وويل جرياننا كلهم‬ ‫وقال اخلرائطي حدثنا ميوت بن املزرع حدثنا حممد بن محيد حدثنا حممد بن سلمة قال حدثين أيب قال أتيت عبدالعزيز‬ ‫بن املطلب أسأله عن بيعة اجلن للنيب مبسجد األحزاب ما كان بدؤها فوجدته مستلقيا يتغىن فما روصة باحلزن طيبة‬ ‫الثرى ‪ %‬ميج الندى جثجاثها وعرارها بأطيب من أردان عزة موهنا ‪ %‬وقد أوقدت باملندل الرطب نارها من اخلفرات‬ ‫البيض مل تلق شقوة ‪ %‬وباحلسب املكنون صاف جنارها فإن برزت كانت لعينيك قرة ‪ %‬وإن غبت عنها مل يعمك‬ ‫عارها فقلت له أتغين أصلحك هللا وأنت يف جاللك وشرفك فقال أما وهللا ألمحلنها ركبان جند قال فوهللا ما اكرتث يب‬ ‫وعاد يتغىن فما ظبية أدماء خفاقة احلشا ‪ %‬جتوب بظلفيها متون اخلمائل بأحسن منها إذ تقول تدلال ‪ %‬وأدمعها‬ ‫تذرين حشو املكاحل متتع بذا اليوم القصري فإنه ‪ %‬رهني بأيام الصدود األطاول قال فندمت على قويل وقلت له‬ ‫أصلحك هللا أحتدثين يف هذا بشيء قال نعم حدثين أيب قال دخلت على سامل بن عبدهللا بن عمر رضي هللا عنهم‬ ‫وأشعب يغنيه‬ ‫مغريية كالبدر سنة وجهها ‪ %‬مطهرة األثواب والعرض وافر هلا حسب زاك وعرض مهذب ‪ %‬وعن كل مكروه من‬ ‫األمر زاجر من اخلفرات البيض مل تلق ريبة ‪ %‬ومل يستملها عن تقى هللا شاعر فقال له سامل زدين فغناه أملت بنا‬ ‫والليل داج كأنه ‪ %‬جناح غراب عنه قد نفض القطرا فقلت أعطار ثوى يف رحالنا ‪ %‬وما احتملت ليلى سوى طيبها‬ ‫عطرا فقال له سامل وهللا لوال أن تتداوله الرواة ألجزلت جائزتك فإنك من هذا األمر مبكان قال اخلرائطي حدثنا‬


‫العباس بن الفضل عن بعض أصحابه قال حججت سنة من السنني فإين لبالربذة إذ وقفت علينا جارية على وجهها برقع‬ ‫فقالت يا معشر احلجيج نفر من هذيل ذهب بنعمهم السيل وقعدت هبم األيام ما هبم جنعة فمن يراقب فيهم الدار‬ ‫اآلخرة ويعرف هلم حق األخوة جزاه هللا خريا قال فرضخنا هلا فقلت هلا هل قلت يف ذلك شيئا فأنشأت تقول كف‬ ‫الزمان توسدتنا عنوة ‪ %‬شلت أناملها عن األعراب قوم إذا حل العفاة بباهبم ‪ %‬ألفوا نوافلهم بغري حساب فقلنا هلا‬ ‫لو أمتعتينا بالنظر إىل وجهك فكشفت الربقع عن وجه ال وهللا ال هتتدي العقول لوصفه فلما رأتنا قد هبتنا حلسنها‬ ‫أنشأت تقول‬ ‫الدهر أبدى صفحة قد صاهنا ‪ %‬أبواي قبل مترس األيام فتمتعوا بعيونكم يف حسنها ‪ %‬واهنوا جوارحكم عن‬ ‫اآلثام مث انصرفت وكان حممد بن محيد الطوسي يهوى جارية فأرسل إليها مرة أترجة فبكت بكاء شديدا فقيل هلا يوجه‬ ‫إليك من حتبينه هبدية فتبكني هذا البكاء فغنت أهدى له أحبابه أترجة ‪ %‬فبكى وأشفق من عيافة زاجر خاف التلون‬ ‫والفراق ألهنا ‪ %‬لونان باطنها خالف الظاهر فلما جاءه الرسول أخربه عنها مبا أغاظه فكتب إليها ضيعت عهد فىت‬ ‫لغيبك حافظ ‪ %‬يف حفظه عجب ويف تضييعك وصددت عنه وماله من حيلة ‪ %‬إال الوقوف إىل أوان رجوعك إن‬ ‫تقتليه وتذهيب حبياته ‪ %‬فبحسن وجهك ال حبسن صنيعك فلما وافتها الرقعة بكت حىت رمحها من حوهلا مث اندفعت‬ ‫تقول هل لعيين إىل الرقاد شفيع ‪ %‬إن قليب من السقام مروع ال تراين خبلت عنك بدمع ‪ %‬ال وحق احلبيب مايل‬ ‫دموع إن قليب إليك صب حزين ‪ %‬فاسرتاحت إىل األنني الضلوع ليس يف العطف يا حبييب بدع ‪ %‬إمنا هجر من‬ ‫حيب بديع‬ ‫مث كتبت إليه أنا مملوكة ال أملك من أمري شيئا فإذا كان لك يف حاجة فاشرتين ألكون طوع يديك فاشرتاها فمكثت‬ ‫عنده وكانت من أحظى إمائه حىت قتل يف وقعة بابك اخلرمي فكانت تتمثل يف رثائه بقول أيب متام حممد بن محيد‬ ‫أخلقت رممه ‪ %‬أريق ماء املعايل مذ أريق دمه رأيته بنجاد السيف حمتبيا ‪ %‬يف النوم بدرا جلت عن وجهه‬ ‫ظلمه فقلت والدمع من حزن ومن كمد ‪ %‬جيري انسكابا على اخلدين منسجمه أمل متت يا شقيق النفس مذ زمن‬ ‫‪ %‬فقال يل مل ميت من مل ميت كرمه فصل وهذا فصل يف ذكر حقيقة احلسن واجلمال ما هي وهذا أمر ال يدرك إال‬ ‫بالوصف وقد قيل إنه تناسب اخللقة واعتداهلا واستواؤها ورب صورة متناسبة اخللقة وليست يف احلسن هناك وقد قيل‬ ‫احلسن يف الوجه واملالحة يف العينني وقيل احلسن أمر مركب من أشياء وضاءة وصباحة وحسن تشكيل وختطيط ودموية‬ ‫يف البشرة وقيل احلسن معىن ال تناله العبارة وال حييط به الوصف وإمنا للناس منه أوصاف أمكن التعبري عنها وقد كان‬ ‫رسول هللا يف الذروة العليا منه ونظرت إليه عائشة رضي هللا عنها مث تبسمت فسأهلا مم ذاك فقالت كأن أبا كبري اهلذيل‬ ‫إمنا عناك بقوله‬ ‫ومربإ من كل غرب حيضة ‪ %‬وفساد مرضعة وداء مغيل وإذا نظرت إىل أسرة وجهه ‪ %‬برقت كربق العارض‬ ‫املتهلل ولقي بعض الصحابة راهبا فقال صف يل حممدا كأين أنظر إليه فإين رأيت صفته يف التوراة واإلجنيل فقال مل‬ ‫يكن بالطويل البائن وال بالقصري فوق الربعة أبيض اللون مشربا باحلمرة جعدا ليس بالقطط مجته إىل شحمة أذنه صلت‬


‫اجلبني واضح اخلد أدعج العينني أقىن األنف مفلج الثنايا كأن عنقه إبريق فضة ووجهه كدارة القمر فأسلم الراهب ويف‬ ‫صفة هند بن أيب هالة له مل يكن بالطويل املمغط وال بالقصري املرتدد كان ربعة من الرجال ومل يكن باجلعد القطط وال‬ ‫بالسبط ومل يكن باملطهم وال باملكلثم وكان يف الوجه تدوير أبيض مشرب أدعج العينني أهدب األشفار جليل املشاش‬ ‫والكتد شثن الكفني والقدمني دقيق املسربة إذا مشى تقلع كأمنا ينحط من صبب وإذا التفت التفت مجيعا كأن الشمس‬ ‫جتري‬ ‫يف وجهه وكان مع هذا احلسن قد ألقيت عليه احملبة واملهابة فمن وقعت عليه عيناه أحبه وهابه وكمل هللا سبحانه له‬ ‫مراتب اجلمال ظاهرا وباطنا وكان أحسن خلق هللا خلقا وخلقا وأمجلهم صورة ومعىن وهكذا كان يوسف الصديق وهلذا‬ ‫قالت امرأة العزيز للنسوة ملا أرهتن إياه ليعذرهنا يف حمبته ^ فذلكن الذي ملتنين فيه ^ أي هذا هو الذي فتنت به وشغفت‬ ‫حببه فمن يلومين على حمبته وهذا حسن منظره مث قالت ^ ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ^ أي فمنع هذا اجلمال‬ ‫فباطنه أحسن من ظاهره فإنه يف غاية العفة والنزاهة والبعد عن اخلنا واحملب وإن غيب حمبوبه فال جيري لسانه إال مبحاسنه‬ ‫ومدحه ويتعلق هبذا قوله تعاىل يف صفة أهل اجلنة ^ ولقاهم نضرة وسرورا ^ فجمل ظواهرهم بالنضرة وبواطنهم بالسرور‬ ‫ومثله قوله ^ وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة ^ فإنه ال شيء أشهى إليهم وأقر لعيوهنم وأنعم لبواطنهم من النظر إليه‬ ‫فنضر وجوههم باحلسن ونعم قلوهبم بالنظر إليه وقريب منه قوله تعاىل وحلوا‬ ‫^ أساور من فضة ^ فهذا زينة الظاهر مث قال ^ وسقاهم رهبم شرابا طهورا ^ أي مطهرا لبواطنهم من كل أذى فهذا زينة‬ ‫الباطن ويشبهه قوله تعاىل ^ يا بين آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ^ فهذا زينة الظاهر مث قال ^ ولباس‬ ‫التقوى ذلك خري ^ فهذا زينة الباطن وينظر إليه من طرف خفي قوله تعاىل ^ وزينا السماء الدنيا مبصابيح وحفظا ^‬ ‫فزين ظاهرها باملصابيح وباطنها حبفظها من الشياطني وقريب منه قوله تعاىل ^ وتزودوا فإن خري الزاد التقوى ^ فذكر الزاد‬ ‫الظاهر والزاد الباطن وهذا م ن زينة القرآن الباطنة املضافة إىل زينة ألفاظه وفصاحته وبالغته الظاهرة ومنه قوله تعاىل آلدم‬ ‫^ إن لك أال جتوع فيها وال تعرى وأنك ال تظمأ فيها وال تضحى ^ فقابل بني اجلوع والعري دون اجلوع والظمإ وبني‬ ‫الظمإ والضحى دون الظمإ واجلوع فإن اجلوع عري الباطن وذله والعري جوع الظاهر وذله فقابل بني نفي ذل باطنه‬ ‫وظاهره وجوع باطنه وظاهره والظمأ حر الباطن والضحى حر الظاهر فقابل بينهما وسئل املتنيب عن قول امرئ‬ ‫القيس كأين مل أركب جوادا للذة ‪ %‬ومل أتبطن كاعبا ذات خلخال‬ ‫ومل أسبإ الزق الروي ومل أقل ‪ %‬خليلي كري كرة بعد إجفال فقيل له إنه عيب عليه مقابلة سيب الزق الروي بالكر وكان‬ ‫األحسن مقابلته بتبطن الكاعب مجعا بني اللذتني وكذلك مقابلة ركوب اجلواد للكر أحسن من مقابلته لتبطن الكاعب‬ ‫فقال بل الذي أتى به أحسن فإنه قابل مركوب الشجاعة مبركوب اللذة واللهو فهذا مركب الطرب وهذا مركب احلرب‬ ‫والطلب وكذلك قابل بني السباءين سباء الزق وسباء الرق قلت وأيضا فإن الشارب يفتخر بالشجاعة كما قال‬ ‫حسان ونشرهبا فترتكنا ملوكا ‪ %‬وأسدا منا ينهنهنا اللقاء وهذه مجلة اعرتاضية من ألطف االعرتاض وقيل احلسن ما‬ ‫استنطق أفواه الناظرين بالتسبيح والتهليل كما قيل ذي طلعة سبحان فالق صبحه ‪ %‬ومعاطف جلت ميني‬


‫الغارس وقال علي بن اجلهم طلعت فقال الناظرون إىل ‪ %‬تصويرها ما أعظم هللا ودنت فلما سلمت خجلت ‪%‬‬ ‫والتف بالتفاح خداها وكأن دعص الرمل أسفلها ‪ %‬وكأن غصن البان أعالها‬ ‫حىت إذا مثلت بنشوهتا ‪ %‬قرأت كتاب الباه عيناها‬

‫وقال آخر‬

‫ذو صورة بشرية قمرية ‪ %‬تستنطق األفواه‬

‫بالتسبيح وقال آخر وإذا بدت يف بعض حاجتها ‪ %‬تستنطق األفواه بالتسبيح وقال بشار تلقى بتسبيحة من‬ ‫حسن ما خلقت ‪ %‬وتستفز حشا الرائي بإرعاد ويل من أبيات يا صورة البدر وال الذي ‪ %‬صور ليس البدر‬ ‫حيكيك مين على العني وال تبخلي ‪ %‬بنظرة فالعني تفديك وإن حترجت هلذا فكم ‪ %‬قد سبح الرمحن رائيك هذا‬ ‫هبذا فارجتي أجر من ‪ %‬إن غبت عنه ظل يبكيك قال ابن شربمة كفاك من احلسن أنه مشتق من احلسنة وقال عمر بن‬ ‫اخلطاب رضي هللا عنه إذا مت بياض املرأة يف حسن شعرها فقد مت حسنها وقالت عائشة رضي هللا عنها البياض شطر‬ ‫احلسن وقال بعض السلف جعل هللا البهاء واهلوج مع الطول والدهاء والدمامة مع القصر واخلري فيما بني ذلك ومما يذم‬ ‫يف النساء املرأة القصرية الغليظة وهي اليت عناها الشاعر بقوله وأنت اليت حببت كل قصرية ‪ %‬إيل ومل تشعر بذاك‬ ‫القصائر عنيت قصريات احلجال ومل أرد ‪ %‬قصار النسا شر النساء البحاتر‬ ‫والبحاتر هن النساء القصار الغالظ وبعضهم يبالغ يف هذا حىت يفضل املهازيل على السمان أنشد الزخمشري ال‬ ‫أعشق األبيض املنفوخ من مسن ‪ %‬لكنين أعشق السمر املهازيال إين امرؤ أركب املهر املضمر يف ‪ %‬يوم الرهان فدعين‬ ‫واركب الفيال وطائفة تفضل السمان وتقول السمن نصف احلسن وهو يسرت كل عيب يف املرأة ويبدي حماسنها وخيار‬ ‫األمور أوساطها ومما يستحسن يف املرأة طول أربعة وهن أطرافها وقامتها وشعرها وعنقها وقصر أربعة يدها ورجلها‬ ‫ولساهنا وعينه ا فال تبذل ما يف بيت زوجها وال خترج من بيتها وال تستطيل بلساهنا وال تطمح بعينها وبياض أربعة لوهنا‬ ‫وفرقها وثغرها وبياض عينها وسواد أربعة أهداهبا وحاجبها وعينها وشعرها ومحرة أربعة لساهنا وخدها وشفتها مع لعس‬ ‫وإشراب بياضها حبمرة ودقة أربعة أنفها وبناهنا وخصرها وحاجبها وغلظ أربعة ساقها ومعصمها وعجيزهتا وذاك منها‬ ‫وسعة أربعة جبينها ووجهها وعينها وصدرها وضيق أربعة فمها ومنخرها وخرق أذهنا وذاك منها فهذه أحق النساء بقول‬ ‫كثري لو أن عزة خاصمت مشس الضحى ‪ %‬يف احلسن عند موفق لقضى هلا‬ ‫وقال آخر لو أبصر الوجه منها وهو منهزم ‪ %‬ليال وأعداؤه من خلفه وقفا وقال آخر يا طيب مرعى مقلة مل ختف‬ ‫‪ %‬بوجنتيها زجر حراس حلت بوجه مل يغض ماؤه ‪ %‬ومل ختضه أعني الناس وقال آخر فلم يزل خدها ركنا ألوذ به‬ ‫‪ %‬واخلال يف خدها يغين عن احلجر وقول اآلخر وأنشده املربد وأحسن من ربع ومن وصف دمنة ‪ %‬ومن جبلى طي‬ ‫ومن وصفكم سلعا تالحظ عيين عاشقني كالمها ‪ %‬له مقلة يف خد معشوقه ترعى وأنشد ثعلب خزاعية األطراف‬ ‫مرية احلشا ‪ %‬فزارية العينني طائية الفم ومكية يف الطيب والعطر دائما ‪ %‬تبدت لنا بني احلطيم وزمزم مث قال وصفها‬ ‫مبا يستحسن من كل قبيلة وقال صاحل بن حسان يوما ألصحابه هل تعرفون بيتا من الغزل يف امرأة خفرة قلنا نعم بيت‬ ‫حلامت يف زوجته ماوية يضيء هلا البيت الظليل خصاصه ‪ %‬إذا هي يوما حاولت أن تبسما‬


‫قال ما صنعتم شيئا قلنا فبيت األعشى كأن مشيتها من بيت جارهتا ‪ %‬مر السحابة ال ريث وال عجل قال جعلها‬ ‫تدخل وخترج قلنا يا أبا حممد فأي بيت هو قال قول أيب قيس بن األسلت ويكرمها جاراهتا فيزرهنا ‪ %‬وتعتل عن‬ ‫إتياهنن فتعذر قلت وأحسن من هذا كله ما قاله إبراهيم بن حممد امللقب بنفطويه رمحه هللا وخربها الواشون أن خياهلا‬ ‫‪ %‬إذا منت يغشى مضجعي ووسادي فخفرها فرط احلياء فأرسلت ‪ %‬تعريين غضىب بطول رقادي ومما يستحسن يف‬ ‫املرأة رقة أدميها ونعومة ملمسه كما قال قيس بن ذريح تعلق روحي روحها قبل خلقنا ‪ %‬ومن بعد ما كنا نطافا ويف‬ ‫املهد فزاد كما زدنا فأصبح ناميا ‪ %‬فليس وإن متنا مبنفصم العهد ولكنه باق على كل حادث ‪ %‬ومؤنسنا يف ظلمة‬ ‫القرب واللحد يكاد مسيل املاء خيدش جلدها ‪ %‬إذا اغتسلت باملاء من رقة اجللد قلت ومن املبالغة يف معىن البيت‬ ‫األخري قول أيب نواس تومهه قليب فأصبح خده ‪ %‬وفيه مكان الوهم من نظري أثر ومر بقليب خاطر فجرحته ‪ %‬ومل أر‬ ‫جسما قط جيرحه الفكر وصافحه كفي فآمل كفه ‪ %‬فمن غمز كفي يف أنامله عقر‬ ‫ويل من أبيات يدمي احلرير أدميها من مسه ‪ %‬فأدميها منه أرق وأنعم فصل فيا أيها العاشق مسعه قبل طرفه فإن‬ ‫األذن تعشق قبل العني أحيانا وجيش احملبة قد يدخل املدينة من باب السمع كما يدخلها من باب البصر واملؤمنون‬ ‫يشتاقون إىل اجلنة وما رأوها ولو رأوها لكانوا أشد هلا شوقا والصرورة يكاد قلبه يذوب شوقا إىل رؤية البيت احلرام فإن‬ ‫شاقتك هذه الصفات وأخذت بقلبك هذه احملاسن فاسم بعينيك إىل نسوة ‪ %‬مهورهن العمل الصاحل وحدث النفس‬ ‫بعشق األىل ‪ %‬يف عشقهن املتجر الرابح واعمل على الوصل فقد أمكنت ‪ %‬أسبابه ووقتها رائح فصل وقد وصف‬ ‫هللا سبحانه حور اجلنة بأحسن الصفات وحالهن بأحسن احللي وشوق اخلطاب إليهن حىت كأهنم يروهنن رؤية العني قال‬ ‫الطرباين حدثنا بكر بن سهل الدمياطي حدثنا عمرو بن هشام البريوين حدثنا سليمان بن أيب كرمية عن هشام بن حسان‬ ‫عن احلسن عن أمه عن أم سلمة رضي هللا عنها قالت قلت يا رسول هللا أخربين عن قول هللا عز وجل حور عني قال‬ ‫حور بيض عني ضخام العيون شعر احلوراء مبنزلة‬ ‫جناح النسر قلت أخربين عن قوله عز وجل ^ كأمثال اللؤلؤ املكنون ^ قال صفاؤهن صفاء الدر الذي يف األصداف‬ ‫الذي مل متسه األيدي قلت يا رسول هللا أخربين عن قوله ^ فيهن خريات حسان ^ قال خريات األخالق حسان الوجوه‬ ‫قلت أخربين عن قوله ^ كأهنن بيض مكنون ^ قال رقتهن كرقة اجللد الذي رأيت يف داخل البيضة مما يلي القشر وهو‬ ‫الغرقىء قلت يا رسول هللا أخربين عن قوله عز وجل ^ عربا أترابا ^ قال هن اللوايت قبضن يف دار الدنيا عجائز رمصا‬ ‫مشطا خلقهن هللا بعد الكرب فجعلهن عذارى عربا متعشقات متحببات أترابا على ميالد واحد قلت يا رسول هللا نساء‬ ‫الدنيا أفضل أم احلور العني قال بل نساء الدنيا أفضل من احلور العني كفضل الظهارة على البطانة قلت يا رسول هللا ومب‬ ‫ذلك قال بصالهتن وصيامهن وعبادهتن هللا ألبس هللا وجوههن النور وأجسادهن احلرير بيض األلوان خضر الثياب صفر‬ ‫احللي جمامرهن الدر وأمشاطهن الذهب يقلن حنن اخلالدات فال منوت حنن الناعمات فال نبأس أبدا حنن املقيمات فال‬ ‫نظعن أبدا أال وحنن الراضيات فال نسخط أبدا طوىب ملن كنا له وكان لنا قلت يا رسول هللا املرأة منا تتزوج الزوجني‬


‫والثالثة واألربعة مث متوت فتدخل اجلنة ويدخلون معها من يكون زوجها قال يا أم سلمة إهنا ختري فتختار أحسنهم خلقا‬ ‫فتقول أي رب إن هذا كان أحسنهم معي خلقا يف دار الدنيا فزوجنيه يا أم سلمة ذهب‬ ‫حسن اخللق خبريي الدنيا واآلخرة فصل وقد وصفهن هللا عز وجل بأهنن كواعب وهو مجع كاعب وهي املرأة اليت قد‬ ‫تكعب ثديها واستدار ومل يتدل إىل أسفل وهذا من أحسن خلق النساء وهو مالزم لسن الشباب ووصفهن باحلور وهو‬ ‫حسن ألواهنن وبياضه قالت عائشة رضي هللا عن ها البياض نصف احلسن وقال عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه إذا مت‬ ‫بياض املرأة يف حسن شعرها فقد مت حسنها والعرب متدح املرأة بالبياض قال الشاعر بيض أوانس ما مهمن بريبة ‪%‬‬ ‫كظباء مكة صيدهن حرام حيسنب من لني احلديث زوانيا ‪ %‬ويصدهن عن اخلنا اإلسالم والعني مجع عيناء وهي املرأة‬ ‫الواسعة العني مع شدة سوادها وصفاء بياضها وطول أهداهبا وسوادها ووصفهن بأهنن خريات حسان وهو مجع خرية‬ ‫وأصلها خرية بالتشديد كطيبة مث خفف احلرف وهي اليت قد مجعت احملاسن ظاهرا وباطنا فكمل خلقها وخلقها فهن‬ ‫خريات األخالق حسان الوجوه ووصفهن بالطهارة فقال ^ وهلم فيها أزواج مطهرة ^ طهرن من احليض والبول والنجو‬ ‫وكل أذى يكون يف نساء الدنيا وطهرت بواطنهن من الغرية وأذى األزواج وجتنيهن عليهم وإرادة غريهم ووصفهن بأهنن‬ ‫مقصورات يف اخليام أي ممنوعات من التربج والتبذل لغري أزواجهن بل قد قصرن على أزواجهن ال خيرجن من منازهلم‬ ‫وقصرن عليهم فال يردن سواهم ووصفهن سبحانه بأهنن قاصرات الطرف وهذه الصفة أكمل من األوىل وهلذا كن ألهل‬ ‫اجلنتني األوليني فاملرأة منهن قد قصرت طرفها على زوجها من حمبتها له ورضاها به فال يتجاوز طرفها عنه إىل غريه كما‬ ‫قيل أذود سوام الطرف عنك وماله ‪ %‬على أحد إال عليك طريق وكذلك حال املقصورات أيضا لكن أولئك‬ ‫مقصورات وهؤالء قاصرات ووصفهن سبحانه بقوله ^ أبكارا عربا أترابا ^ وذلك لفضل وطء البكر وحالوته ولذاذته على‬ ‫وطء الثيب قالت عائشة رضي هللا عنها يا رسول هللا لو مررت بشجرة قد رعي منها وشجرة مل يرع منها ففي أيهما كنت‬ ‫ترتع بعريك فقال يف اليت مل يرع منها تعين أنه مل يتزوج بكرا غريها وصح عنه أنه قال جلابر ملا تزوج امرأة ثيبا هال بكرا‬ ‫تالعبها وتالعبك فإن قيل فهذه الصفة تزول بأول وطء فتعود ثيبا قيل‬ ‫اجلواب من وجهني أحدمها أن املقصود من وطء البكر أهنا مل تذق أحدا قبل وطئها فتزرع حمبته يف قلبها وذلك أكمل‬ ‫لدوام العشرة فهذه بالنسبة إليها وأما بالنسبة إىل الواطىء فإنه يرعى روضة أنفا مل يرعها أحد قبله وقد أشار تعاىل إىل‬ ‫هذا املعىن بقوله ^ مل يطمثهن إنس قبلهم وال جان ^ مث بعد هذا تستمر له لذة الوطء حال زوال البكارة والثاين أنه قد‬ ‫روي أن أهل اجلنة كلما وطىء أحدهم امرأة عادت بكرا كما كانت فكلما أتاها وجدها بكرا وأما العرب فجمع عروب‬ ‫وهي اليت مجعت إىل حالوة الصورة حسن التأين والتبعل والتحبب إىل الزوج بدهلا وحديثها وحالوة منطقها وحسن‬ ‫حركاهتا قال البخاري يف صحيحه وأما األتراب فجمع ترب يقال فالن تريب إذا كنتما يف سن واحد فهن مستويات يف‬ ‫سن الشباب مل يقصر هبن الصغر ومل يزر هبن الكرب بل سنهن سن الشباب وشبههن تعاىل باللؤلؤ املكنون وبالبيض‬ ‫املكنون وبالياقوت واملرجان فخذ من اللؤلؤ صفاء لونه وحسن بياضه ونعومة ملمسه وخذ من البيض املكنون وهو املصون‬


‫الذي مل تنله األيدي اعتدال بياضه وشوبه مبا حيسنه من قليل صفرة خبالف األبيض األمهق املتجاوز يف البياض وخذ من‬ ‫الياقوت واملرجان حسن لونه يف صفائه وإشرابه بيسري من احلمرة‬ ‫فصل فامسع اآلن وصفهن عن الصادق املصدوق فإن مالت النفس وحدثتك باخلطبة وإال فاإلميان مدخول فروى مسلم‬ ‫يف صحيحه من حديث أيوب عن حممد بن سريين قال إما تفاخروا وإما تذاكروا الرجال يف اجلنة أكثر أم النساء فقال أبو‬ ‫هريرة رضي هللا عنه أو مل يقل أبو القاسم إن أول زمرة تدخل اجلنة على صورة القمر ليلةالبدر واليت تليها على أضواء‬ ‫كوكب دري يف السماء إضاءة لكل امرىء منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وما يف اجلنة‬ ‫أعزب وقال الطرباين يف معجمه حدثنا أمحد بن حيىي احللواين واحلسن بن علي القسوي قال حدثنا سعيد بن سليمان‬ ‫حدثنا فضل بن مرزوق عن أيب إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبدهللا رضي هللا عنه عن النيب قال أول زمرة يدخلون‬ ‫اجلنة كأن وجوههم صورة القمر ليلة البدر والزمرة الثانية على أحسن كوكب دري يف السماء لكل واحد منهم زوجتان من‬ ‫احلور العني على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ سوقهما من وراء حلومهما وحللهما كما يرى الشراب األمحر يف الزجاجة‬ ‫البيضاء قال احلافظ أبو عبدهللا املقدسي هذا عندي على شرط الصحيح‬ ‫ويف الصحيحني من حديث مهام بن منبه عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا أول زمرة تلج اجلنة صورهم‬ ‫على صورة القمر ليلة البدر ال يبصقون فيها وال ميتخطون فيها وال يتغوطون فيها آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة‬ ‫وجمامرهم األلوة ورشحهم املسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من احلسن ال اختالف‬ ‫بينهم وال تباغض قلوهبم على قلب واحد يسبحون هللا بكرة وعشية وقال اإلمام أمحد بن حنبل يف مسنده حدثنا يونس‬ ‫بن حممد حدثنا اخلزرج بن عثمان السعدي حدثنا أبو أيوب موىل عثمان بن عفان رضي هللا عنه عن أيب هريرة رضي هللا‬ ‫عنه قال قال رسول هللا قيد سوط أحدكم من اجلنة خري من الدنيا ومثلها معها ولقاب قوس أحدكم من اجلنة خري من‬ ‫الدنيا ومثلها معها ولنصيف امرأة من اجلنة خري من الدنيا ومثلها معها قال قلت يا أبا هريرة وما النصيف قال اخلمار فإذا‬ ‫كان هذا قدر اخلمار فما قدر البه ! وقال ابن وهب أخربنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه عن أيب اهليثم عن أيب‬ ‫سعيد اخلدري رضي هللا عنه قال قال رسول هللا إن الرجل يف اجلنة لتأتيه امرأة تضرب على منكبيه فينظر وجهه يف خدها‬ ‫أصفى من املرآة وإن أدىن لؤلؤة عليها لتضيء ما بني املشرق واملغرب فتسلم عليه فريد عليها السالم ويسأهلا من أنت‬ ‫فتقول أنا‬ ‫املزيد وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان فينفذها بصره حىت يرى مخ ساقها من وراء ذلك وإن عليهم‬ ‫التيجان وإن أدىن لؤلؤة عليها لتضيء ما بني املشرق واملغرب وبعض هذا احلديث يف جامع الرتمذي وهو على‬ ‫شرطه ويف صحيح البخاري من حديث أنس رضي هللا عنه أن رسول هللا قال لغدوة يف سبيل هللا أو روحة خري من‬ ‫الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم أو موضع قيده يعين سوطه خري من الدنيا وما فيها ولو اطلعت امرأة من نساء اجلنة‬ ‫إ ىل األرض ملألت ما بينهما رحيا وأضاءت ما بينهما ولنصيفها على رأسها خري من الدنيا وما فيها ويف املسند من‬ ‫حديث حممد بن سريين عن أيب هريرة رضي هللا عنه عن النيب للرجل من أهل اجلنة زوجتان من احلور العني على كل‬


‫واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب وقا ل ابن وهب حدثنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه عن أيب‬ ‫اهليثم عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه عن النيب قال إن أدىن أهل اجلنة منزلة الذي له مثانون ألف خادم واثنان‬ ‫وسبعون زوجة وينصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بني اجلابية وصنعاء رواه الرتمذي ويف معجم الطرباين من‬ ‫حديث أيب أمامة عن النيب قال خلق احلور العني من الزعفران‬ ‫فصل فإن أردت مساع غنائهن فامسع خربه اآلن ففي معجم الطرباين من حديث ابن عمر رضي هللا عنهما قال قال‬ ‫رسول هللا إن أزواج أهل اجلنة ليغنني أزواجهن بأحسن أصوات ما مسعها أحد قط إن مما يغنني به حنن اخلريات احلسان‬ ‫أزواج قوم كرام ينظرون بقرة أعيان وإن مما يغنني به حنن اخلالدات فال منتته حنن اآلمنات فال خنفنه حنن املقيمات فال‬ ‫نظعنه وقد قيل يف قوله تعاىل ^ فهم يف روضة حيربون ^ إنه السماع الطيب وال ريب أنه من احلربة وقال عبدهللا بن‬ ‫حممد البغوي حدثنا علي أنبأنا زهري عن أيب إسحاق عن عاصم عن علي رضي هللا عنه قال ^ وسيق الذين اتقوا رهبم إىل‬ ‫اجلنة زمرا ^ حىت إذا انتهوا إىل باب من أبواهبا وجدوا عنده شجرة خيرج من حتت ساقها عينان جتريان فعمدوا إىل إحدامها‬ ‫فكأمنا أمروا به فشربوا منها فأذهب هللا ما يف بطوهنم من قذى أو أذى أو بأس مث عمدوا إىل األخرى فتطهروا منها‬ ‫فجرت عليهم نضرة النعيم ومل تتغري أشعارهم بعدها أبدا ومل تشعث رؤوسهم كأمنا ادهنوا بالدهان مث انتهوا إىل خزنة‬ ‫اجلنة فقالوا ^ سالم عليكم طبتم فادخلوها خالدين ^ مث تلقاهم الولدان يطيفون هبم كما يطيف ولدان أهل الدنيا‬ ‫باحلميم يقدم عليهم من غيبته فيقولون له أبشر مبا أعد هللا تعاىل لك من الكرامة مث ينطلق غالم من أولئك الولدان إىل‬ ‫بعض أزواجه من احلور العني فيقول جاء فالن بامسه الذي كان يدعى به يف الدنيا قالت أنت رأيته قال أنا رأيته وهو‬ ‫بأثرى فيستخف إحداهن الفرح حىت تقوم على أسكفة باهبا فإذا انتهى إىل منزله نظر إىل أساس بنيانه فإذا جندل اللؤلؤ‬ ‫فوقه صرح أخضر وأمحر وأصفر من كل لون مث رفع رأسه فنظر إىل سقفه فإذا مثل الربق ولوال أن هللا عز وجل قدره ألمل‬ ‫أن يذهب بصره مث طأطأ رأسه فإذا أزواجه وأكواب موضوعة ومنارق مصفوفة وزرايب مبثوثة مث اتكأوا فقالوا احلمد هللا‬ ‫الذي هدانا هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هدانا هللا مث ينادي مناد حتيون فال متوتون أبدا وتقيمون فال تظعنون أبدا‬ ‫وتصحون فال مترضون أبدا ويف سنن ابن ماجه عن أسامة بن زيد رضي هللا عنهما قال قال رسول هللا أال هل مشمر‬ ‫للجنة فإن اجلنة ال خطر هلا هي ورب الكعبة نور يتألأل ورحيانة هتتز وقصر مشيد وهنر مطرد ومثرة‬ ‫نضيجة وزوجة حسناء مجيلة وحلل كثرية ومقام يف أبد يف دار سليمة وفاكهة وخضرة وحربة ونعمة يف حملة عالية هبية قالوا‬ ‫نعم يا رس ول هللا حنن املشمرون هلا قال قولوا إن شاء هللا فقال القوم إن شاء هللا تعاىل فصل فهذا وصفهن وحسنهن‬ ‫فامسع اآلن لذة وصاهلن وشأنه ففي مسند أيب يعلى املوصلي من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا فذكر‬ ‫حديثا طويال وفيه فأقول يا رب وعدتين الشفاعة فشفعتين يف أهل اجلنة يدخلون اجلنة فيقول هللا تعاىل قد شفعتك وأذنت‬ ‫هلم يف دخول اجلنة وكان رسول هللا يقول والذي بعثين باحلق ما أنتم يف الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل‬ ‫اجلنة بأزواجهم ومساكنهم فيدخل رجل منهم على ثنتني وسبعني زوجة مما ينشىء هللا وثنتني من ولد آدم هلما فضل على‬ ‫من أنشأ ا هلل بعبادهتما هللا يف الدنيا يدخل على األوىل منهما يف غرفة من ياقوتة على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ عليه‬


‫سبعون زوجا من سندس وإستربق وإنه ليضع يده بني كتفيها مث ينظر إىل يده من صدرها ومن وراء ثياهبا وجلدها وحلمها‬ ‫وإنه لينظر أحدكم إ ىل السلك يف قصبة الياقوت كبده هلا مرآة يعين وكبدها له مرآة فبينا هو عندها ال ميلها وال متله وال‬ ‫يأتيها من مرة إال وجدها عذراء ما يفرت ذكره وال يشتكي قبلها فبينا هو كذلك إذ نودي إنا قد عرفنا أنك ال متل وال متل‬ ‫إال أنه ال مين وال منية إال أن يكون لك أزواج غريها فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة كلما جاء واحدة قالت وهللا ما يف‬ ‫اجلنة شيء‬ ‫أحسن منك وما يف اجلنة شيء أحب إيل منك وهذا قطعة من حديث الصور الطويل الذي رواه إمساعيل بن رافع ويف‬ ‫صحيح مسلم من حديث أيب موسى األشعري رضي هللا عنه عن النيب قال إن للمؤمن يف اجلنة خليمة من لؤلؤة واحدة‬ ‫جموفة طوهلا ستون ميال للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم املؤمن فال يرى بعضهم بعضا رواه البخاري وقال ثالثون‬ ‫ميال ويف جامع الرتمذي من حديث أنس رضي هللا عنه أن رسول هللا قال يعطى املؤمن يف اجلنة قوة كذا وكذا من‬ ‫النساء قلت يا رسول هللا ويطيق ذل ك قال يعطى قوة مائة قال هذا حديث صحيح غريب ويف معجم الطرباين من‬ ‫حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال قيل يا رسول هللا هل نصل إىل نسائنا يف اجلنة فقال إن الرجل ليصل يف اليوم إىل‬ ‫مائة عذراء ويف لفظ قلنا يا رسول هللا نفضي إىل نسائنا يف اجلنة فقال إي والذي نفسي بيده إن الرجل ليفضي يف الغداة‬ ‫الواحدة إىل‬ ‫مائة عذراء قال احلافظ أبو عبدهللا املقدسي ورجال هذا احلديث عندي على شرط الصحيح ويف حديث لقيط العقيلي‬ ‫الطويل الذي رواه الطرباين وعبدهللا بن أمحد يف السنة وغريمها أنه قال قلت يا رسول هللا أو لنا فيها أزواج مصلحات قال‬ ‫الصاحلات للصاحلني تلذوهنن مثل لذاتكم يف الدنيا ويلذونكم غري أن ال توالد وذكر ابن وهب عن عمرو بن احلارث‬ ‫عن دراج عن عبدالرمحن بن حجرية عن أيب هريرة رضي هللا عنه أنه قال أنطأ يف اجلنة فقال رسول هللا نعم والذي نفسي‬ ‫بيده دمحا دمحا فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا قال احلافظ أبو عبدهللا دراج امسه عبدالرمحن بن مسعان املصري وثقه‬ ‫حيىي بن معني وأخرج عنه أبو حامت بن حبان يف صحيحه وكان بعض األئمة ينكر بعض حديثه وهللا أعلم ويف معجم‬ ‫الطرباين من حديث أيب املتوكل عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه قال قال رسول هللا إن أهل اجلنة إذا جامعوا نساءهم‬ ‫عدن أبكارا وفيه أيضا من حديث أيب أمامة رضي هللا عنه أنه مسع رسول هللا سئل هل يتناكح أهل اجلنة فقال بذكر ال‬ ‫ميل وشهوة ال تنقطع دمحا دمحا وفيه أيضا عنه أن رسول هللا سئل أجيامع أهل اجلنة قال دمحا دمحا ولكن ال مين وال‬ ‫منية‬ ‫من قصيدة للمؤلف يف وصف احلور يا خاطب احلور احلسان وطالبا ‪ %‬لوصاهلن جبنة احليوان لو كنت تدري من‬ ‫خطبت ومن طلبت ‪ %‬بذلت ما حتوي من األئمان أو كنت تعرف أين مسكنها جعلت ‪ %‬السعي منك هلا على‬ ‫األجفان أسرع وحث السري جهدك إمنا ‪ %‬مسراك هذا ساعة لزمان فاعشق وحدث بالوصال النفس وابذل ‪ %‬مهرها‬ ‫ما دمت ذا إمكان واجعل صيامك دون لقياها ويو ‪ %‬م الوصل يوم الفطر من رمضان واجعل نعوت مجاهلا احلادي‬ ‫وسر ‪ %‬حنو احلبيب ولست باملتواين وامسع إذن أوصافها ووصاهلا ‪ %‬واجعل حديثك ربة اإلحسان يا من يطوف‬


‫بكعبة احلسن اليت ‪ %‬حفت بذاك احلجر واألركان ويظل يسعى دائما حول الصفا ‪ %‬وحمسر مسعاه كل أوان ويروم‬ ‫قربان الوصال على مىن ‪ %‬واخليف حيجبه عن القربان فلذا تراه حمرما أبدا ومو ‪ %‬ضع حلة منه فليس بدان يبغي‬ ‫التمتع مفردا عن حبه ‪ %‬متجردا يبغي شفيع قران ويظل باجلمرات يرمي قلبه ‪ %‬هذي مناسكه بكل زمان والناس قد‬ ‫قضوا مناسكهم وقد ‪ %‬حثوا ركائبهم إىل األوطان وحدت هبم مهم هلم وعزائم ‪ %‬حنو املنازل ربة اإلحسان رفعت‬ ‫هلم يف السري أعالم الوصا ‪ %‬ل فشمروا يا خيبة الكسالن‬ ‫والربهان فتيمموا تلك اخليام فآنسوا ‪ %‬فيهن أقمارا بال نقصان‬

‫ورأوا على بعد خياما مشرفا ‪ %‬ت مشرقات النور‬

‫من قاصرات الطرف ال تبغي سوى ‪ %‬حمبوهبا من سائر الشبان قصرت عليه طرفها من حسنه ‪ %‬والطرف منه مطلق‬ ‫بأمان وحيار منه الطرف يف احلسن الذي ‪ %‬قد أعطيت فالطرف كاحلريان ويقول ملا أن يشاهد حسنها ‪ %‬سبحان‬ ‫معطي احلسن واإلحسان والطرف يشرب من كؤوس مجاهلا ‪ %‬فرتاه مثل الشارب النشوان كملت خالئقها وأكمل‬ ‫حسنها ‪ %‬كالبدر ليل الست بعد مثان والشمس جتري يف حماسن وجهها ‪ %‬والليل حتت ذوائب األغصان فيظل‬ ‫يععجب وهو موضع ذاك من ‪ %‬ليل ومشس كيف جيتمعان ويقول سبحان الذي ذا صنعه ‪ %‬سبحان متقن صنعة‬ ‫اإلنسان ال الليل يدرك مشسها فتغيب عند ‪ %‬جميئه حىت الصباح الثاين والشمس ال تأيت بطرد الليل بل ‪%‬‬ ‫يتصاحبان كالمها أخوان وكالمها مرآة صاحبه إذا ‪ %‬ما شاء يبصر وجهه يريان فريى حماسن وجهه يف وجهها ‪%‬‬ ‫وترى حماسنها به بعيان محر اخلدود ثغورهن آللئ ‪ %‬سود العيون فواتر األجفان والربق يبدو حني يبسم ثغرها ‪%‬‬ ‫فيضيء سقف القصر باجلدران ريانة األعطاف من ماء الشبا ‪ %‬ب فغصنها باملاء ذو جريان ملا جرى ماء النعيم‬ ‫بغصنها ‪ %‬محل الثمار كثرية األلوان فالورد والتفاح والرمان يف ‪ %‬غصن تعاىل غارس البستان والقد منها كالقضيب‬ ‫اللدن يف ‪ %‬حسن القوام كأوسط القضبان يف مغرس كالعاج حتسب أنه ‪ %‬عايل النقا أو واحد الكثبان ال الظهر‬ ‫يلحقه وليس ثديها ‪ %‬بلواحق للبطن أو بدوان‬ ‫لكنهن كواعب ونواهد ‪ %‬فثديهن كأحسن الرمان‬

‫واجليد ذو طول وحسن يف بيا ‪ %‬ض واعتدال ليس ذا‬

‫نكران يشكو احللي بعاده فله مدى السأيام ! ‪ %‬وسواس من اهلجران واملعصمان فإن تشأ شبههما ‪ %‬بسبيكتني‬ ‫عليهما كفان كالزبد لينا يف نعومة ملمس ‪ %‬أصداف در دورت بوزان والصدر متسع على بطن هلا ‪ %‬واخلصر‬ ‫منهما مغرم بثمان وعليه أحسن سرة هي زينة ‪ %‬للبطن قد غارت من األعكان حق من العاج استدار وحشوه ‪%‬‬ ‫حبات مسك جل ذو اإلتقان وإذا نزلت رأيت أمرا هائال ‪ %‬ما للصفات عليه من سلطان ال احليض يغشاه وال بول‬ ‫وال ‪ %‬شيء من اآلفات يف النسوان فخذان قد حفا به حرسا له ‪ %‬فجنابه يف عزة وصبيان قاما خبدمته هو السلطان‬ ‫بينهما ‪ %‬وحق طاعة السلطان وهو املطاع إذا هو استدعى احلبيب ‪ %‬أتاه طوعا وهو غري جبان ومجاعها فهو‬ ‫الشفاء لصبها ‪ %‬فالصب منه ليس بالضجران وإذا أتاها عادت احلسناء بكرا ‪ %‬مثل ما كانت مدى األزمان وهو‬ ‫الشهي ألذ شيء هكذا ‪ %‬قال الرسول ملن له أذنان يا رب غفرا قد طغت أقالمنا ‪ %‬يا رب معذرة من‬ ‫الطغيان أقدامها من فضة قد ركبت ‪ %‬من فوقها ساقان ملتفان والساق مثل العاج ملموم به ‪ %‬مخ العظام تناله‬


‫العينان والريح مسك واجلسوم نواعم ‪ %‬واللون كالياقوت واملرجان وكالمها يسيب العقول بنغمة ‪ %‬زادت على األوتار‬ ‫والعيدان وهي العروب بشكلها وبدهلا ‪ %‬وحتبب للزوج كل أوان‬ ‫أتراب من واحد متماثل ‪ %‬سن الشباب ألمجل الشبان بكر فلم يأخذ بكارهتا سوى ال ‪ %‬حمبوب من إنس وال من‬ ‫جان يعطى اجملامع قوة املائة اليت اج ‪ %‬متعت ألقوى واحد اإلنسان ولقد أتانا أنه يغشى بيو ‪ %‬م واحد مائة من‬ ‫النسوان ورجاله شرط الصحيح رووا هلم ‪ %‬فيه وذا يف معجم الطرباين وبذاك فسر شغلهم يف سورة ‪ %‬من بعد فاطر‬ ‫يا أخا العرفان هذا دليل أن قدر نسائهم ‪ %‬متفاوت بتفاوت اإلميان وبه يزول توهم اإلشكال عن ‪ %‬تلك النصوص‬ ‫مبنة الرمحن يف بعضها مائة أتى وأتى هبا ‪ %‬سبعون أيضا مث جا ثنتان فتفاوت الزوجات مثل تفاوت ال ‪ %‬درجات‬ ‫فاألمران خمتلفان وبقوة املائة اليت حصلت له ‪ %‬أفضى إىل مائة بال خوران وأعفهم يف هذه الدنيا هو ال ‪ %‬أقوى‬ ‫هناك لزهده يف الفاين فامجع قواك ملا هنا وغض من ‪ %‬ك الطرف واصرب ساعة لزمان ما هاهنا وهللا ما يسوى قال ‪%‬‬ ‫مة ظفر واحدة من النسوان ونصيفها خري من الدنيا وما ‪ %‬فيها إذا كانت من األمثان ال تؤثر األدىن على األعلى‬ ‫فإن ‪ %‬تفعل رجعت بذلة وهوان وإذا بدت يف حلة من لبسها ‪ %‬ومتايلت كتمايل النشوان هتتز كالغصن الرطيب‬ ‫ومحله ‪ %‬ورد وتفاح على رمان وتبخرتت يف مشيها وحيق ذا ‪ %‬ك ملثلها يف جنة الرضوان‬ ‫ووصائف من خلفها وأمامها ‪ %‬وعلى مشائلها وعن أميان كالبدر ليلة مته قد حف يف ‪ %‬غسق الدجى بكواكب‬ ‫امليزان فلسانه وفؤاده والطرف يف ‪ %‬دهش وإعجاب ويف سبحان تستنطق األفواه بالتسبيح إذ ‪ %‬تبدو فسبحان‬ ‫العظيم الشان والقلب قبل زفافها يف عرسه ‪ %‬والعرس إثر العرس متصالن حىت إذا واجهته تقابال ‪ %‬أرأيت إذ‬ ‫يتقابل القمران فسل املتيم هل حيل الصرب عن ‪ %‬ضم وتقبيل وعن فلتان وسل املتيم أين خلف صربه ‪ %‬يف أي واد‬ ‫أم بأي مكان وسل املتيم كيف حالته وقد ‪ %‬ملئت له األذنان والعينان من منطق رقت حواشيه ووج ‪ %‬ه كم به‬ ‫للشمس من جريان وسل املتيم كيف عيشته إذا ‪ %‬ومها على فرشيهما خلوان يتساقطان آللئا منثورة ‪ %‬من بني‬ ‫منظوم كنظم مجان وسل املتيم كيف جملسه مع ال ‪ %‬حمبوب يف روح ويف رحيان وتدور كاسات الرحيق عليهما ‪%‬‬ ‫بأكف أقمار من الولدان يتنازعان الكأس هذا مرة ‪ %‬واخلود أخرى مث يتكئان فيضمها وتضمه أرأيت مع ‪ %‬شوقني‬ ‫بعد البعد يلتقيان غاب الرقيب وغاب كل منكد ‪ %‬ومها بثوب الوصل مشتمالن أترامها ضجرين من ذا العيش ال ‪%‬‬ ‫وحياة ربك ما مها ضجران يا عاشقا هانت عليه نفسه ‪ %‬إذ باعها غبنا بكل هوان أترى يليق بعاقل بيع الذي ‪%‬‬ ‫يبقى وهذا وصفه بالفاين‬ ‫الباب العشرون يف عالمات احملبة وشواهدها وقبل اخلوض يف ذلك ال بد من‬ ‫ذكر أقسام لنفوس وحماهبا فنقول النفوس ثالثة نفس مساوية علوية فمحبتها منصرفة إىل املعارف واكتساب الفضائل‬ ‫والكماالت املمكنة لإلنسان واجتناب الرذائل وهي مشغوفة مبا يقرهبا من الرفيق األعلى وذلك قوهتا وغذاؤها ودواؤها‬ ‫فاشتغاهلا بغريه هو داؤها ونفس سبعية غضبية فمحبتها منصرفة إىل القهر والبغي والعلو يف األرض والتكرب والرئاسة على‬


‫الناس بالباطل فلذهتا يف ذلك وشغفها به ونفس حيوانية شهوانية فمحبتها منصرفة إىل املأكل واملشرب واملنكح ورمبا‬ ‫مجعت األمرين فانصرفت حمبتها إىل العلو يف األرض والفساد كما قال هللا تعاىل ^ إن فرعون عال يف األرض وجعل أهلها‬ ‫شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من املفسدين ^ وقال يف آخر السورة ^ تلك‬ ‫الدار اآلخرة جنعلها للذين ال يريدون علوا يف األرض وال فسادا والعاقبة للمتقني ^ واحلب يف هذا العامل دائر بني هذه‬ ‫النفوس الثالثة فأي نفس منها صادفت ما يالئم طبعها استحسنته ومالت إليه ومل تصغ فيه لعاذل ومل تأخذها فيه لومة‬ ‫الئم وكل قسم‬ ‫من هذه األقسام يرون أن ما هم فيه أوىل باإليثار وأن االشتغال بغريه واإلقبال على سواه غنب وفوات حظ فالنفس‬ ‫السماوية بينها وبني املالئكة والرفيق األعلى مناسبة طبعية هبا مالت إىل أوصافهم وأخالقهم وأعماهلم فاملالئكة أولياء‬ ‫هذا النوع يف الدنيا واآلخرة قال هللا تعاىل إن الذين قالوا ربنا هللا مث استقاموا تتنزل عليهم املالئكة أال ختافوا وال حتزنوا‬ ‫وأبشروا باجلنة اليت كنتم توعدون حنن أولياؤكم يف احلياة الدنيا ويف اآلخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما‬ ‫تدعون نزال من غفور رحيم فامللك يتوىل من يناسبه بالنصح له واإلرشاد والتثبيت والتعليم وإلقاء الصواب على لسانه‬ ‫ودفع عدوه عنه واالستغفار له إذا زل وتذكريه إذا نسي وتسليته إذا حزن وإلقاء السكينة يف قلبه إذا خاف وإيقاظه‬ ‫للصالة إذا نام عنها وإيعاد صاحبه باخلري وحضه على التصديق بالوعد وحتذيره من الركون إىل الدنيا وتقصري أمله وترغيبه‬ ‫فيما عند هللا فهو أنيسه يف الوحدة ووليه ومعلمه ومثبته ومسكن جأشه ومرغبه يف اخلري وحمذره من الشر يستغفر له إن‬ ‫أساء ويدعو له بالثبات إن أحسن وإن بات طاهرا يذكر هللا بات معه يف شعاره فإن قصده عدو له بسوء وهو نائم دفعه‬ ‫عنه‬ ‫فصل والشياطني أولياء النوع الثاين خيرجوهنم من النور إىل الظلمات قال هللا تعاىل تاهلل لقد أرسلنا إىل أمم من قبلك‬ ‫فزين هلم الشيطان أعماهلم فهو وليهم اليوم وقال تعاىل كتب عليه أنه من كواله فأنه يضله ويهديه إىل عذاب السعري وقال‬ ‫تعاىل ومن يتخذ الشيطان وليا من دون هللا فقد خسر خسرانا مبينا يعدهم ومينيهم وما يعدهم الشيطان إال غرورا أولئك‬ ‫مأواهم جهنم وال جيدون ! عنها حميصا وقال تعاىل وإذا قلنا للمالئكة اسجدوا آلدم فسجدوا إال إبليس كان من اجلن‬ ‫ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوين وهم لكم عدو بئس للظاملني بدال فهذا النوع بني نفوسهم وبني‬ ‫الشياطني مناسبة طبعية هبا ملت إىل أوصافهم وأخالقهم وأعماهلم فالشياطني تتوالهم بضد ما تتوىل املالئكة ملن ناسبهم‬ ‫فتؤزهم إىل املعاصي أزا وتزعجهم إليها إزعاجا ال يستقرون معه ويزينون هلم القبائح وخيفقوهنا على قلوهبم وحيلوهنا يف‬ ‫نفوسهم ويثقلون عليها الطاعات ويثبطوهنم عنها وبقبحوهنا يف أعينهم ويلقون على ألسنتهم أنواع القبيح من الكالم وما‬ ‫ال يفيد ويزينونه يف أمساع من يسمعه منهم‬ ‫يبيتون معهم حيث باتوا ويقيلون معهم حيث قالوا ويشاركوهنم يف أمواهلم وأوالدهم ونسائهم يأكلون معهم ويشربون‬ ‫معهم وجيامعون معهم وينامون معهم قال تعاىل ^ ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا ^ وقال تعاىل ^ ومن يعش عن‬ ‫ذكر الرمحن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإهنم ليصدوهنم عن السبيل وحيسبون أهنم مهتدون حىت إذا جاءنا قال يا ليت‬


‫بيين وبينك بعد املشرقني فبئس القرين ^ فصل وأما النوع الثالث فهم أشباه احليوان ونفوسهم أرضية سفلية ال تبايل بغري‬ ‫شهواهتا وال تريد سواها إذا عرفت هذه املقدمة فعالمات احملبة قائمة يف كل نوع حبسب حمبوبه ومراده فمن تلك العالمات‬ ‫تعرف من أي هذه األقسام هو فنذكر فصوال من عالمات احملبة اليت يستدل هبا عليها فمنها إدمان النظر إىل الشيء‬ ‫وإقبال العني عليه فإن العني باب القلب وهي املعربة عن ضمائره والكاشفة ألسراره وهي أبلغ يف ذلك من اللسان ألن‬ ‫داللتها بغري اختيار صاحبها وداللة اللسان لفظية تابعة لقصده فرتى ناظر احملب يدور مع حمبوبه كيف ما دار وجيول معه‬ ‫يف النواحي واألقطار كما قال أذود سوام الطرف عنك وماله ‪ %‬على أحد إال عليك طريق‬ ‫بل احملب يف عني احملبوب متثاله كما يف قلبه شخصه ومثاله كما قيل ومن عجب أين أحن إليهم ‪ %‬وأسأل عنهم من‬ ‫لقيت وهم معي وتطلبهم عيين وهم يف سوادها ‪ %‬ويشتاقهم قليب وهم بني أضلعي فاحملب نظره وقف على حمبوبه‬ ‫كما قال إن حيجبوها عن العيون فقد ‪ %‬حجبت عيين هلا عن البشر فصل ومنها إغضاؤه عند نظر حمبوبه إليه ورميه‬ ‫بطرفه حنو األرض وذلك من مهابته له وحيائه منه وعظمته يف صدره وهلذا يستهجن امللوك من خياطبهم وهو حيد النظر‬ ‫إليهم بل يكون خافض الطرفإىل األرض قال هللا تعاىل خمربا عن كمال أدب رسوله يف ليلة اإلسراء ^ ما زاغ البصر وما‬ ‫طغى ^ وهذا غاية األدب فإن البصر مل يزغ ميينا وال مشاال وال طمح متجاوزا إىل ما هو رائيه ومقبل عليه كاملتشارف إىل‬ ‫ما وراء ذلك وهلذا اشتد هني النيب للمصلي أن يزيغ بصره إىل السماء وتوعدهم على ذلك خبطف أبصارهم إذ هذا من‬ ‫كمال األدب مع من املصل ي واقف بني يديه بل ينبغي له أن يقف ناكس الرأس مطرقا إىل األرض ولوال أن عظمة رب‬ ‫العاملني سبحانه فوق مساواته على عرشه مل يكن فرق بني النظر إىل فوق أو إىل أسفل‬ ‫فصل ومنها كثرة ذكر احملبوب واللهج بذكره وحديثه فمن أحب شيئا أكثر من ذكره بقلبه ولسانه وهلذا أمر هللا سبحانه‬ ‫عباده بذكره على مجيع األحوال وأمرهم بذكره أخوف ما يكونون فقال تعاىل ^ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا‬ ‫واذكروا هللا كثريا لعلكم تفلحون ^ واحملبون يفتخرون بذكرهم أحباهبم وقت املخاوف ومالقاة األعداء كما قال‬ ‫قائلهم ذكرتك واخلطي خيطر بيننا ‪ %‬وقد هنلت منا املثقفة السمر وقال آخر ولقد ذكرتك والرماح كأهنا ‪ %‬أشطان‬ ‫بئر يف لبان األدهم فوددت تقبيل السيوف ألهنا ‪ %‬برقت كبارق ثغرك املتبسم ويف بعض اآلثار اإلهلية إن عبدي كل‬ ‫عبدي الذي يذكرين وهو مالق قرنه فعالمة احملبة الصادقة ذكر احملبوب عند الرغب والرهب وقال بعض احملبني يف‬ ‫حمبوبه يذكرنيك اخلري والشر والذي ‪ %‬أخاف وأرجو والذي أتوقع‬ ‫ومن الذكر الدال على صدق احملبة سبق ذكر احملبوب إىل قلب احملب ولسانه عند أول يقظة من منامه وأن يكون ذكره‬ ‫آخر ما ينام عليه كما قال قائلهم آخر شيء أنت يف كل هجعة ‪ %‬وأول شيء أنت وقت هبويب وذكر احملبوب ال‬ ‫يكون عن نسيان مستحكم فإن ذكره بالقوة يف نفس احملب ولكن لضيق احملل به يرد عليه ما يغيب ذكره فإذا زال الوارد‬ ‫عاد الذكر كما كان وأعلى أنواع ذكر احلبيب أن حيبس احملب لسانه على ذكره مث حيبس قلبه على لسانه مث حيبس قلبه‬ ‫ولسانه على شهود مذكوره وكما أن الذكر من نتائج احلب فاحلب أيضا من نتائج الذكر فكل منهما يثمر اآلخر وزرع‬ ‫احملبة إمنا يسقى مباء الذكر وأفضل الذكر ما صدر عن احملبة فصل ومن عالماهتا االنقياد ألمر احملبوب وإيثاره على مراد‬


‫احملب بل يتحد مراد احملب واحملبوب وهذا هو االحتاد الصحيح ال االحتاد الذي يقوله إخوان النصارى من املالحدة فال‬ ‫احتاد إال يف املراد وهذا االحتاد عالمة احملبة الصادقة حبيث يكون مراد احلبيب واحملب واحدا فليس مبحب صادق من له‬ ‫إرادة ختالف مراد حمبوبه منه بل هذا مريد من حمبوبه ال مريد له وإن كان مريدا له فليس مريدا ملراده فاحملبون ثالثة أقسام‬ ‫منهم من يريد من احملبوب ومنهم من يريد احملبوب ومنهم من يريد مراد احملبوب مع إرادته للمحبوب وهذا أعلى أقسام‬ ‫احملبني وزهد هذا أعلى أنواع الزهد فإنه قد‬ ‫زهد يف كل إرادة ختالف مراد حمبوبه وبني هذا وبني الزهد يف الدنيا أعظم مما بني السماء واألرض فالزهد مخسة أقسام‬ ‫زهد يف الدنيا وزهد يف النفس وزهد يف اجلاه والرئاسة وزهد فيما سوى احملبوب وزهد يف كل إرادة ختالف مراد احملبوب‬ ‫وهذا إمنا حيصل بكمال املتابعة لرسول احلبيب قال هللا تعاىل ^ قل إن كنتم حتبون هللا فاتبعوين حيببكم هللا ويغفر لكم‬ ‫ذنوبكم وهللا غفور رحيم ^ فجعل سبحانه متابعة رسوله سببا حملبتهم له وكون العبد حمبوبا هلل أعلى من كونه حمبا هلل‬ ‫فليس الشأن أن حتب هللا ولكن الشأن أن حيبك هللا فالطاعة للمحبوب عنوان حمبته كما قيل تعصي اإلله وأنت تزعم‬ ‫حبه ‪ %‬هذا حمال يف القياس بديع لو كان حبك صادقا ألطعته ‪ %‬إن احملب ملن حيب مطيع فصل ومن عالماهتا قلة‬ ‫صرب احملب عن احملبوب بل ينصرف صربه إىل الصرب على طاعته والصرب عن معصيته والصرب على أحكامه فهذا صرب‬ ‫احملب وأما الصرب عنه فصرب الفارغ عن حمبته املشغول بغريه قال والصرب حيمد يف املواطن كلها ‪ %‬وعن احلبيب فإنه ال‬ ‫حيمد فمن صرب عن حمبوبه أدى به صربه إىل فوات مطلوبه وقال بعض احملبني ما أحسن الصرب وأما على ‪ %‬أن ال‬ ‫أرى وجهك يوما فال لو أن يوما منك أو ساعة ‪ %‬تباع بالدنيا إذا ما غال‬ ‫فصل ومنها اإلقبال على حديثه وإلقاء مسعه كله إليه حب يث يفرغ حلديثه مسعه وقلبه وإن ظهر منه إقبال على غريه فهو‬ ‫إقبال مستعار يستبني فيه التكلف ملن يرمقه كما قال وأدمي حلظ حمدثي لريى ‪ %‬أن قد فهمت وعندكم عقلي فإن‬ ‫أعوزه حديثه بنفسه فأحاب شيء إليه احلديث عنه وال سيما إذا حدث عنه بكالمه فإنه يقيمه مقام خطابه كما قال‬ ‫القائل احملبون ال شيء ألذ هلم ولقلوهبم من مساع كالم حمبوهبم وفيه غاية مطلوهبم وهلذا مل يكن شيء ألذ ألهل احملبة من‬ ‫مساع القرآن وقد ثبت يف الصحيح عن ابن مسعود رضي هللا عنه قال قال يل رسول هللا اقرأ علي قلت أقرأ عليك وعليك‬ ‫أنزل قال إين أحب أن أمسعه من غريي فقرأت عليه من أول سورة النساء حىت إذا بلغت قوله تعاىل ^ فكيف إذا جئنا‬ ‫من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤالء شهيدا ^ قال حسبك اآلن فرفعت رأسي فإذا عيناه تذرفان وكان أصحاب‬ ‫رسول هللا إذا اجتمعوا أمروا قارئا أن يقرأ وهم يستمعون وكان عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه إذا دخل عليه أبو موسى‬ ‫يقول يا أبا موسى ذكرنا ربنا فيقرأ أبو موسى ورمبا بكى عمر ومر رسول هللا بأيب موسى رضي هللا عنه وهو يصلي من‬ ‫الليل فأعجبته قراءته فوقف واستمع هلا فلما غدا على رسول هللا قال لقد مررت بك البارحة وأنت تقرأ فوقفت واستمعت‬ ‫لقراءتك فقال لو أعلم أنك كنت تسمع حلربته لك حتبريا وهللا سبحانه وهو الذي تكلم بالقرآن يأذن ويستمع للقارىء‬ ‫احلسن الصوت من حمبته لسماع كالمه منه كما قال هلل أشد أذنا إىل القارئ احلسن الصوت من صاحب القينة إىل قينته‬ ‫واألذن بفتح اهلمزة والذال مصدر أذن يأذن إذا استمع قال الشاعر أيها القلب تعلل بددن ‪ %‬إن قليب يف مساع‬


‫وأذن وقال زينوا القرآن بأصواتكم وغلط من قال إن هذا من املقلوب وإن املراد زينوا أصواتكم بالقرآن فهذا وإن كان‬ ‫حقا فاملراد حتسني الصوت بالقرآن وصح عنه أنه قال ليس منا من مل يتغن بالقرآن ووهم من فسره بالغىن الذي هو ضد‬ ‫الفقر من وجوه أحدها أن ذلك املعىن إمنا يقال فيه استغىن ال تغىن والثاين أن تفسريه قد جاء يف نفس احلديث جيهر به‬ ‫هذا لفظه قال أمحد حنن أعلم هبذا من سفيان وإمنا هو حتسني الصوت به حيسنه ما استطاع الثالث أن هذا املعىن ال‬ ‫يتبادر إىل الفهم من إطالق هذا اللفظ ولو احتمله فكيف وبنية اللفظ ال حتتمله كما تقدم وبعد هذا فإذا كان من التغين‬ ‫بالصوت ففيه معنيان أحدمها جيعله له مكان الغناء‬ ‫ألصحابه من حمبته له وهلجه به كما حيب صاحب الغناء لغنائه والثاين أنه يزينه بصوته وحيسنه ما استطاع كما يزين املتغين‬ ‫غناءه بصوته وكثري من ا حملبني ماتوا عند مساع القرآن بالصوت الشجي فهؤالء قتلى القرآن ال قتلى عشاق املردان والنسوان‬ ‫فصل ومنها حمبة دار احملبوب وبيته حىت حمبة املوضع الذي حل به وهذا هو السر الذي ألجله علقت القلوب على حمبة‬ ‫الكعبة البيت احلرام حىت استطاب احملبون يف الوصول إليها هجر األوطان واألحباب ولذ هلم فيها السفر الذي هو قطعة‬ ‫من العذاب فركبوا األخطار وجابوا املفاوز والقفار واحتملوا يف الوصول غاية املشاق ولو أمكنهم لسعوا إليها على اجلفون‬ ‫واألحداق نعم أسعى إليك على جفوين ‪ %‬وإن بعدت ملسراك الطريق وسر هذه احملبة هي إضافة الرب سبحانه له‬ ‫إىل نفسه بقوله ^ وطهر بييت للطائفني ^ قال الشاعر ملا انتسبت إليك صرت معظما ‪ %‬وعلوت قدرا دون من مل‬ ‫ينسب وكل ما نسب إىل احملبوب فهو حمبوب ^ وأنه ملا قام عبد هللا يدعوه ^ ^ سبحان الذي أسرى بعبده ^ ^‬ ‫تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ^‬ ‫^ وإن كنتم يف ريب مما نزلنا على عبدنا ^ ومن فهم هذا فهم معىن قوله تعاىل بيدك اخلري وقول عبده ورسوله لبيك‬ ‫وسعديك واخلري يف يديك والشر ليس إليك وإذا كان من حيب خملوقا مثله حيب داره كما قال أمر على الديار ديار‬ ‫ليلى ‪ %‬أقبل ذا اجلدار وذا اجلدارا وما حب الديار شغفن قليب ‪ %‬ولكن حب من سكن الديارا فكيف مبن ليس‬ ‫كمثله شيء ومن ليس كمثل حمبته حمبة فصل ومنها اإلسراع إليه يف السري وحث الركاب حنوه وطي املنازل يف الوصول‬ ‫إليه واالجتهاد يف القرب والدنو منه وقطع كل قاطع يقطع عنه واطراح األشغال الشاغلة عنه والزهد فيها والرغبة عنها‬ ‫واالستهانة بكل ما يكون سببا لغضبه ومقته وإن جل والرغبة يف كل ما يدين إليه وإن شق قال الشاعر ولو قلت طأ يف‬ ‫النار أعلم أنه ‪ %‬رضا لك أو مدن لنا من وصالك لقدمت رجلي حنوها فوطئتها ‪ %‬هدى منك يل أو ضلة من‬ ‫ضاللك فصل ومنها حمبة أحباب احملبوب وجريانه وخدمه وما يتعلق به حىت حرفته وصناعته وآنيته وطعامه ولباسه قال‬ ‫أحب بين العوام طرا حلبها ‪ %‬ومن أجلها أحببت أخواهلا كلبا وقال آخر يشتاق واديها ولوال حبكم ‪ %‬ما شاقه‬ ‫واد زهت أزهاره وقال اآلخر فيا ساكين أكناف طيبة كلكم ‪ %‬إىل القلب من أجل احلبيب حبيب ويف أخبار‬ ‫العشاق أن عاشقا عشق السراويالت من أجل سراويل معشوقه فوجد يف تركته اثنا عشر محال وفردة من السراويالت ذكره‬ ‫البصري وعشق آخر اهلاوونات من أجل صوت هاون حمبوبته فوجد يف تركته عدة آالفمنها وعند الناس من هذا عجائب‬ ‫كثرية وكان أنس بن مالك رضي هللا عنه حيب الدباء كثريا ملا رأى النيب يتتبعها من جوانب القصعة فصل ومنها قصر‬


‫الطريق حني يزوره ويوايف إليه كأهنا تطوى له وطوهلا إذا انصرف عنه وإن كانت قصرية قال وكنت إذا ما جئت ليلى‬ ‫أزورها ‪ %‬أرى األرض تطوى يل ويدنو بعيدها من اخلفرات البيض ود جليسها ‪ %‬إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها‬ ‫وقال آخر وهللا ما جئتكم زائرا ‪ %‬إال وجدت األرض تطوى يل‬

‫وال انثىن عزمي عن بابكم ‪ %‬إال تعثرت‬

‫بأذيايل وقال آخر وإذا قمت عنك مل أمش إال ‪ %‬مشي عان يقاد حنو الفناء وإذا جئت كنت أسرع يف السي ‪%‬‬ ‫ر من الطري نازال يف اهلواء وقال اآلخر وتدنو الطريق إذا زرتكم ‪ %‬وتبعد إذ أنثين راجعا فصل ومنها اجنالء مهومه‬ ‫وغمومه إذا زار حمبوبه أو زاره وعودها إذا فارقه كما قال يزور فتنجلي عين مهومي ‪ %‬ألن جالء حزين يف يديه وميضي‬ ‫باملسرة حني ميضي ‪ %‬ألن حواليت فيها عليه ومن املعلوم أنه ليس للمحب فرحة وال سرور وال نعيم إال مبحبوبه ومبفارقة‬ ‫حمبوبه عذابه اآلجل والعاجل فصل ومنها البهت والروعة اليت حتصل عند مواجهة احلبيب أو عند مساع ذكره وال سيما‬ ‫إذا رآه فجأة أو طلع عليه بغتة كما قال الشاعر‬ ‫فما هو إال أن أراها فجاءة ‪ %‬فأهبت حىت ما أكاد أجيب فأرجع عن رأيي الذي كان أوال ‪ %‬وأذكر ما أعددت‬ ‫حني تغيب وقال آخر فما هو إال أن يراها فجاءة ‪ %‬فتصطك رجاله ويسقط للجنب ورمبا اضطرب عند مساع‬ ‫امسه فجأة كما قال وداع دعا إذ حنن باخليف من مىن ‪ %‬فهيج أشجان الفؤاد وما يدري دعا باسم ليلى غريها فكأمنا‬ ‫‪ %‬أطار بليلى طائرا كان يف صدري وقد اختلف يف سبب هذه الروعة والفزع واالضطراب فقيل سببه أن للمحبوب‬ ‫سلطانا على قلب حمبه أعظم من سلطان الرعية فإذا رآه فجأة راعه ذلك كما يرتاع من يرى من يعظمه فجأة فإن القلب‬ ‫معظم حملبوبه خاضع له والشخص إذا فجئه املعظم عنده راعه ذلك وقيل سببه انفراج القلب له ومبادرته إىل تلقيه فيهرب‬ ‫الدم منه فيربد ويرعد وحيدث االصفرار والرعدة ورمبا مات وباجلملة فهذا أمر ذوقي وجداين وإن مل يعرف سببه‬ ‫فصل ومنها غريته حملبوبه وعلى حمبوبه فالغرية له أن يكره ما يكره ويغار إذا عصي حمبوبه وانتهك حقه وضيع أمره فهذه‬ ‫غرية احملب حقا والدين كله حتت هذه الغرية فأقوى الناس دينا أعظمهم غرية وقد قال النيب يف احلديث الصحيح‬ ‫أتعجبون من غرية سعد ألنا أغري منه وهللا أغري‬ ‫مين فمحب هللا ورسوله يغار هلل ورسوله على قدر حمبته وإجالله وإذا خال قلبه من الغرية هلل ولرسوله فهو من احملبة أخلى‬ ‫وإن زعم أنه من احملبني فكذب من ادعى حمبة حمبوب من الناس وهو يرى غريه ينتهك حرمة حمبوبه ويسعى يف أذاه‬ ‫ومساخطه ويستهني حبقه ويستخف بأمره وهو ال يغار لذلك بل قلبه بارد فكيف يصح لعبد أن يدعي حمبة هللا وهو ال‬ ‫يغار حملارمه إذا انتهكت وال حلقوقه إذا ضيعت وأقل األقسام أن يغار له من نفسه وهواه وشيطانه فيغار حملبوبه من تفريطه‬ ‫يف حقه وارتكابه ملعصيته وإذا ترحلت هذه الغرية من القلب ترحلت منه احملبة بل ترحل منه الدين وإن بقيت فيه آثاره‬ ‫وهذه الغرية هي أصل اجلهاد واألمر باملعروف والنهي عن املنكر وهي احلاملة على ذلك فإن خلت من القلب مل جياهد‬ ‫ومل يأمر باملعروف ومل ينه عن املنكر فإنه إمنا يأيت بذلك غرية منه لربه ولذلك جعل هللا سبحانه وتعاىل عالمة حمبته‬ ‫وحمبوبيته اجلهاد فقال هللا تعاىل ^ يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأيت هللا بقوم حيبهم وحيبونه أذلة‬ ‫على امل ؤمنني أعزة على الكافرين جياهدون يف سبيل هللا وال خيافون لومة الئم ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا واسع‬


‫عليم ^ فصل وأما الغرية على احملبوب فإمنا حتمد حيث حيمد االختصاص باحملبوب ويذم االشرتاك فيه شرعا وعقال‬ ‫كغرية اإلنسان على زوجته وأمته والشيء‬ ‫الذي خيتص هو به فيغار من تعرض غريه لذكره ومشاركته له فيه وهذه الغرية ختتص باملخلوق وال تتصور يف حق اخلالق‬ ‫بل احملب لربه حيب أن الناس كلهم حيبونه ويذكرونه ويعبدونه وحيمدونه وال شيء أقر لعينه من ذلك بل هو يدعو إىل‬ ‫ذلك بقوله وعمله وملا مل مييز كثري من الصوفية بني هات ني الغريتني وقع يف كالمهم ختبيط قبيح وأحسن أمره أن يكون‬ ‫من السعي املغفور ال املشكور وكان بعض جهلتهم إذا رأى من يذكر هللا أو حيبه يغار منه ورمبا سكته إن أمكنه ويقول‬ ‫غرية احلب حتملين على هذا وإمنا ذلك حسد وبغي وعدوان ونوع معادة هلل ومراغمة لطريق رسله أخرجوها يف قالب الغرية‬ ‫وشبهوا حمبة هللا مبحبة الصور من املخلوقني وال ريب أن هذه الغرية حممودة يف حمبة من ال حتسن مشاركة احملب فيه‬ ‫وسيأيت ذلك يف باب الغرية على احملبوب فصل ومنها بذل احملب يف رضا حمبوبه ما يقدر عليه مما كان يتمتع به بدون‬ ‫احملبة وللمحب يف هذا ثال ثة أحوال أحدها بذله ذلك تكلفا ومشقة وهذا يف أول األمر فإذا قويت احملبة بذله رضا وطوعا‬ ‫فإذا متكنت من القلب غاية التمكن بذله سؤاال وتضرعا كأنه يأخذه من احملبوب حىت إنه ليبذل نفسه دون حمبوبه كما‬ ‫كان الصحابة رضي هللا عنهم يقون رسول هللا يف احلرب بنفوسهم حىت يصرعوا حوله ويل فؤاد إذا جل الغرام به ‪ %‬هام‬ ‫اشتياقا إىل لقيا معذبه‬ ‫يفديك بالنفس صب لو يكون له ‪ %‬أعز من نفسه شيء فداك به ومن آثر حمبوبه بنفسه فهو له مباله أشد إيثارا قال‬ ‫هللا تعاىل ^ النيب أوىل باملؤمنني من أنفسهم ^ وال يتم هلم مقام اإلميان حىت يكون الرسول أحب إليهم من أنفسهم‬ ‫فضال عن أبنائهم وآبائهم كما صح عنه أنه قال ال يؤمن أحدكم حىت أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أمجعني‬ ‫وقال له عمر رضي هللا عنه وهللا يا رسول هللا ألنت أحب إيل من كل شيء إال من نفسي فقال ال يا عمر حىت أكون‬ ‫أحب إليك من نفسك قال فوهللا ألنت اآلن أحب إيل من نفسي فقال اآلن يا عمر فإذا كان هذا شأن حمبة عبده‬ ‫ورسوله فكيف مبحبته سبحانه وهذا النوع من احلب ال ميكن أن يكون إال هلل ورسوله شرعا وال قدرا وإن وجد يف الناس‬ ‫من يؤثر حمبوبه بنفسه وماله فذاك يف احلقيقة إمنا هو حملبة غرضه منه فحمله حمبة غرضه على أن بذل فيه نفسه وماله‬ ‫وليست حمبته لذلك احملبوب لذاته بل لغرضه منه وهذا احملبوب له مثل وحملبته مثل وأما حمبة هللا ليس هلا مثل وال‬ ‫للمحبوب مثل وهلذا حكم الصحابة رضي هللا عنهم رسول هللا يف أنفسهم وأمواهلم فقالوا هذه أموالنا بني يديك فاحكم‬ ‫فيها مبا‬ ‫شئت وهذه نفوسنا بني يديك لو استعرضت بنا البحر خلضناه نقاتل بني يديك ومن خلفك وعن ميينك وعن مشالك‬ ‫قال قيس بن صرمة األنصاري ثوى يف قريش بضع عشرة حجة ‪ %‬يذكر لو يلقى حبيبا مؤاتيا ويعرض يف أهل املواسم‬ ‫نفسه ‪ %‬فلم ير من يؤوي ومل ير داعيا فلما أتانا واستقرت به النوى ‪ %‬وأصبح مسرورا بطيبة راضيا بذلنا له األموال‬ ‫من حل مالنا ‪ %‬وأنفسنا عند الوغى والتآسيا نعادي الذي عادى من الناس كلهم ‪ %‬مجيعا وإن كان احلبيب‬ ‫املصافيا ونعلم أن هللا ال رب غريه ‪ %‬وأن رسول هللا أصبح هاديا فاحملب وصفه اإليثار واملدعي طبعه االستئثار‬


‫فصل ومنها سروره مبا يسر به حمبوبه كائنا ما كان وإن كرهته نفسه فيكون عنده مبنزلة الدواء الكريه يكرهه طبعا وحيبه ملا‬ ‫فيه من الشفاء وهكذا احملب مع حمبوبه يسره ما يرضى به حمبوبه وإن كان كريها لنفسه وأما من كان واقفا مع ما تشتهيه‬ ‫نفسه من مراضي حمبوبه فليست حمبته صادقة‬ ‫بل هي حمبة معلولة حىت يسر مبا ساءه وسره من مراضي حمبوبه وإذا كان هذا موجودا يف حمبة اخللق بعضهم لبعض‬ ‫فاحلبيب لذاته أوىل بذلك قال أبو الشيص وقف اهلوى يب حيث أنت فليس يل ‪ %‬متأخر عنه وال متقدم وأهنتين‬ ‫فأهنت نفسي جاهدا ‪ %‬ما من يهون عليك ممن يكرم أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ‪ %‬إذ كان حظي منك حظي‬ ‫منهم أجد املالمة يف هواك لذيذة ‪ %‬حبا لذكرك فليلمين اللوم وقريب من هذا البيت األخري قول اآلخر لئن ساءين‬ ‫أن نلتين مبساءة ‪ %‬لقد سرين أين خطرت ببالك وقال اآلخر صدودك عين إن صددت يسرين ‪ %‬ومل أر قبلي عاشقا‬ ‫سر بالصد سررت به أين تيقنت أمنا ‪ %‬دعاك إليه رغبة منك يف ودي ولو كنت فيه تزهدين لساءه ‪ %‬ولكنما عتب‬ ‫احملب من الوجد فيا فرحة يل إذ رأيتك تعتيب ‪ %‬علي لذنب كان مين على عمد وقال اآلخر أهوى هواها وطول‬ ‫البعد يعجبها ‪ %‬فالبعد قد صار يل يف حبها أربا فمن رأى واهلا قبلي أخا كلف ‪ %‬ينأى إذا حبه من أرضه قربا‬ ‫وقريب من هذا قول أمحد بن احلسني يا من يعز علينا أن نفارقهم ‪ %‬وجداننا كل شيء بعدكم عدم إن كان سركم‬ ‫ما قال حاسدنا ‪ %‬فما جلرح إذا أرضاكم أمل واهتدم بعضهم هذا فقال يا من يعز علينا أن نلم هبم ‪ %‬إذ بعدنا‬ ‫عنهم قد صار قصدهم إن كان يرضيكم هذا البعاد فما ‪ %‬فيه لصبكم جرح وال أمل ولعمر هللا أكثر هذه دعاوى ال‬ ‫حقيقة هلا والصادق منهم خيرب عن علمه وإرادته ال عن حاله وصفته ولقد أحسن القائل رضوا باألماين وابتلوا حبظوظهم‬ ‫‪ %‬وخاضوا حبار احلب دعوى وما ابتلوا فهم يف السرى مل يربحوا من مكاهنم ‪ %‬وما ظعنوا يف السري عنه وقد‬ ‫كلوا وإن كان هذا هو وصف قائلها بعينه وحاله فإنه خاض حبار احلب وما ابتل فيه له قدم وأخرب عن نفسه عند‬ ‫انكشاف غطائه وطلب الرسل له لقدومه على ربه فقال وصدق إن كان منزليت يف احلب عندكم ‪ %‬ما قد لقيت فقد‬ ‫ضيعت أيامي أمنية ظفرت نفسي هبا زمنا ‪ %‬فاليوم أحسبها أضغاث أحالم‬ ‫وهذه حال كل من أحب مع هللا شيئا سواه فإنه إىل هذه الغاية يصري وال بد وسيبدو له إذا انكشف الغطاء أنه إمنا‬ ‫كان مغرورا خمدوعا بأمنية ظفرت نفسه هبا مدة حياته مث انقطعت وأعقبت احلسرة والندامة قال هللا تعاىل إذ تربأ الذين‬ ‫اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت هبم األسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتربأمنهم كما تربأوا منا‬ ‫كذلك يريهم هللا أعماهلم حسرات عليهم وما هم خبارجني من النار فاألسباب اليت تقطعت هبم هي الوصل والعالئق‬ ‫واملودات اليت كانت لغري هللا ويف غري ذات هللا وهي اليت يقدم إليها سبحانه فيجعلها هباء منثورا فكل حمبة لغريه فهي‬ ‫عذاب على صاحبها وحسرة عليه إال حمبته وحمبة ما يدعو إىل حمبته ويعني على طاعته ومرضاته فهذه هي اليت تبقى يف‬ ‫القلب يوم تبلى السرائر كما قال سيبقى لكم يف مضمر القلب واحلشا ‪ %‬سريرة حب يوم تبلى السرائر وقال‬ ‫آخر إذا تصدع مشل الوصل بينهم ‪ %‬فلمحبني مشل غري منصدع وإن تقطع حبل الوصل يومئذ ‪ %‬فللمحبني حبل‬


‫غري منقطع فصل ومنها حب الوحدة واألنس باخللوة والتفرد عن الناس وكأن احملبة قد ثبتت على ذلك فال شيء‬ ‫أحلىللمحب الصادق من خلوته وتفرده فإنه إن ظفر مبحبوبه أحب خلوته به وكره من يدخل بينهما غاية الكراهة‬ ‫وهلذا السر وهللا أعلم أمر النيب برد املار بني يدي املصلي حىت أمر بقتاله وأخرب أنه لو يدري ما عليه من اإلمث لكان وقوفه‬ ‫أربعني خريا له من مروره بني يديه وال جيد أمل املرور وشدته إال قلب حاضر بني يدي حمبوبه مقبل وقد ارتفعت األغيار‬ ‫بينه وبينه فمرور املار بينه وبني ربه مبنزلة دخول البغيض بني احملب وحمبوبه وهذا أمر احلاكم فيه الذوق فال ينكره إال من‬ ‫مل يذق وقال ابن مسعود رضي هللا عنه مرور املار بني يدي املصلي يذهب نصف أجره ذكره اإلمام أمحد وأيضا فإن‬ ‫احملب يستأنس بذكر حمبوبه وكونه يف قلبه ال يفارقه فهو أنيسه وجليسه ال يستأنس بسواه فهو مستوحش ممن يشغله عنه‬ ‫وحدثين تقي الدين بن شقري قال خرج شيخ اإلسالم ابن تيمية يوما فخرجت خلفه فلما انتهى إىل الصحراء وانفرد عن‬ ‫الناس حبيث ال يراه أحد مسعته يتمثل بقول الشاعر وأخرج من بني البيوت لعلين ‪ %‬أحدث عنك القلب بالسر‬ ‫خاليا فخلوة احملب حملبوبه هي غاية أمتيته فإن ظفر هبا وإال خال به يف سره وأوحشه ذلك من األغيار وكان قيس بن‬ ‫امللوح إذا رأى إنسانا هرب منه فإذا أراد أن يدنو منه وحيادثه ذكر له ليلى وحديثها فيأنس به ويسكن إليه وينبغي‬ ‫للمحب أن يكون كما قال يوسف إلخوته وقد طلب منهم أخاهم ^ فإن مل تأتوين به فال كيل لكم عندي وال تقربون‬ ‫^ إذا مل تكن فيكن سعدى فال أرى ‪ %‬لكن وجوها أو أغيب يف حلدي‬ ‫فصل ومنها استكانة احملب حملبوبه وخضوعه وذله له واحلب مبين على الذل وال يأنف العزيز الذي ال يذل لشيء من‬ ‫ذله حملبوبه وال يعده نقصا وال عيبا بل كثري منهم يعد ذله عزا كما قال إذا كنت هتوى من حتب ومل تكن ‪ %‬ذليال فه‬ ‫فاقرأ السالم على الوصل تذلل ملن هتوى لتكسب عزة ‪ %‬فكم عزة قد ناهلا املرء بالذل وقال اآلخر إخضع وذل ملن‬ ‫حتب فليس يف ‪ %‬شرع اهلوى أنف يشال ويعقد وقال اآلخر ويعجبين ذيل لديك ومل يكن ‪ %‬ليعجبين لوال حمبتك‬ ‫الذل وقال آخر يلذ له ذل اهلوى وخضوعه ‪ %‬ولوال اهلوى ما لذ للعاقل الذل وقال اآلخر مساكني أهل احلب‬ ‫حىت قبورهم ‪ %‬عليها تراب الذل دون املقابر ومىت استحكم الذل واحلب صار عبودية فيصري القلب احملب معبدا‬ ‫حملبوبه وهذه الرتبة ال يليق أن تتعلق مبخلوق وال تصلح إال هلل وحده‬ ‫فصل ومنها امتداد النفس وتردد األنفاس وتصاعدها وهذا نوعان أحدمها ما يقارنه حزن وهلف كما قال القائل رب‬ ‫ليل أمد من نفس العا ‪ %‬شق طوال قطعته بانتحاب وقال آخر تردد أنفاس احملب يدلنا ‪ %‬على كنه ما أخفاه من أمل‬ ‫احلب إذا خطرات احلب خامرن قلبه ‪ %‬تنفس حىت ظل متصدع القلب والثاين ما يكون سببه طربا ولذة وسبب‬ ‫وجود النوعني احنصار القلب وانفراجه بسبب الوارد الذي ورد عليه فأحدث للنفس الذي تروحه عليه الرئة كيفية مؤذية‬ ‫وطلب إخراجها فهو تنفس الصعداء وأما تنفس الراحة فإن القلب ينبسط بعد انقباضه فيدفع اهلواء احمليط به فيطلب‬ ‫اخلروج فصل ومنها هجره كل سبب يقصيه من حمبوبه ويبغضه احملبوب وارتياحه لكل سبب يدنيه منه ويستحمد به‬ ‫عنده إ ذا بلغه عنه ويف الباب عجائب للمحبني فكثري منهم هجر طعاما أو لباسا أو أرضا أو صناعة أو حالة من‬


‫احلاالت كان حمبوبه ميقتها فلم يعد إليها أبدا ومل تطاوعه نفسه بفعله البتة وكثري منهم محله احلب على اكتساب املعايل‬ ‫والفضائل وغريها مما يعلم أن احملبوب يعظمه وحيبه وهذا نوعان أيضا‬ ‫أحدمها أن يكون احملبوب مؤثرا لذلك حمبا له فاحملب يبذل جهده فيه لينال منه أعاله إن أمكنه فإن كان احملبوب‬ ‫مشغوفا جبمع املال أثر ذلك يف حمبه شغفا أشد من شغفه وإن كان مشغوفا بالعلم اجتهد احملب يف طلبه أشد من من‬ ‫اجتهاده وإن كان مشغوفا حبرفة أو صناعة حرص احملب علىتعلمها إن وجد إىل ذلك سبيال وإن كان مشغوفا بالنوادر‬ ‫واحلكايات احلسان واألخبار املستحسنة بالغ احملب يف حتفظها فاحملبة النافعة أن تقع على عشق كامل حيملك عشقه على‬ ‫طلب الكمال والبلية كل البلية أن تبتلى مبحبة فارغ بطال صفر من كل خري فيحملك حبه على التشبه به والثاين أن‬ ‫يكون احملبوب فارغا من حمبة ذلك وإيثاره ولكن احملبة تستخرج من قلب احملب عزما وإرادة وحرصا على ما يعظم به يف‬ ‫عني احملبوب وقلبه فتجده من أحرص الناس على ذلك حبسب استعداده كما قيل ويرتاح للمعروف يف طلب العلى ‪%‬‬ ‫لتحمد يوما عند ليلى مشائله وهذا قد يكون له سبب آخر وهو معاداة الناس له وتنقصهم إياه وازدراؤهم به فيحمله‬ ‫االنتخاء لنفسه والغرية هلا وحمبتها على املنافسة يف املعايل واكتساب احلمد وهذا من شرف النفس وعزهتا كما قيل من‬ ‫كان يشكر للصديق فإنين ‪ %‬أحبو بصاحل شكري األعداء هم صريوا طلب املعايل ديدين ‪ %‬حىت وطئت بنعلي‬ ‫اجلوزاء ولرمبا انتفع الفىت بعدوه ‪ %‬والسم أحيانا يكون شفاء وقال اآلخر عداي هلم فضل علي ومنة ‪ %‬فال أعدم‬ ‫الرمحن عين األعاديا‬ ‫هم حبثوا عن زليت فاجتنبتها ‪ %‬وهم نافسوين فاكتسبت املعاليا فصل ومنها االتفاق الواقع بني احملب وحمبوبه وال سيما‬ ‫إذا كانت احملبة حمبة مشاكلة ومناسبة فكثريا ما ميرض احملب مبرض حمبوبه ويتحرك حبركته وال يشعر أحدمها باآلخر ويتكلم‬ ‫احملبوب بكالم فيتكلم احملب به بعينه اتفاقا فانظر إىل قول النيب لعمر بن اخلطاب رضي هللا عنه يوم احلديبية ملا قال له‬ ‫ألسنا على احلق وعدونا على الباطل قال بلى قال فعالم نعطي الدنية يف ديننا فقال إين رسول هللا وهو ناصري ولست‬ ‫أعصيه فقال أمل تكن حتدثنا أنا نأيت البيت فنطوف به فقال قلت لك إنك تأتيه العام قال ال قال فإنك آتيه ومطوف به‬ ‫مث جاء أبا بكر الصديق رضي هللا عنه فقال له يا أبا بكر ألسنا على احلق وعدونا على الباطل قال بلى قال فعالم نعطي‬ ‫الدنية يف ديتنا ونرجع وملا حيكم هللا بيننا فقال له إنه رسول هللا وهو ناصره وليس يعصيه قال أمل يكن حيدثنا أنا نأيت‬ ‫البيت فنطوف به قال أقال لك إنك تأتيه العام قال ال قال فإنك آتيه ومعطوف به فأجاب على جواب رسول هللا حرفا‬ ‫حبرف من غري تواطؤ وال تشاعر بل موافقة حمب حملبوب هكذا وقع يف صحيح البخاري ووقع يف بعض املغازي أنه أتى أبا‬ ‫بكر أوال فقال له ذلك مث أتى رسول هللا بعده فقال له مثل ما قال أبو بكر قال السهيلي وهذا هو األوىل ويشبه أن‬ ‫يكون احملفوظ فإنه ال يظن بعمر رضي هللا عنه أن رسول هللا يقول له قوال فال يرضى به‬ ‫حىت يأيت أبا بكر رضي هللا عنه بعد ذلك والشبهة عنده مل تزل فيعيدها عليه وال يظن ذلك بعمر رضي هللا عنه ولعمري‬ ‫لقد نزع أبو القاسم بذنوب صحيح ولكن احملفوظ هو الذي وقع يف البخاري وعليه عامة أهل السري واملسانيد والسنن‬ ‫وأما ما نسب إليه عمر رضي هللا عنه فقد أجيب عنه بأنه كان يرجو النسخ وموافقة ربه له يف ذلك كما تقدم له أمثاهلا‬


‫فإنه كان يقول القول فينزل به الوحي والثاين أن املقام كان مقام حمنة وابتالء عجز عنه صرب أكثر الصحابة ومل يتسع له‬ ‫بطاهنم وداخلهم من اهلم والقلق والتحرق على أعدائهم أمر عظيم وهلذا ملا أمرهم أن حيلقوا رؤوسهم وينحرا بدهنم مل يقم‬ ‫منهم رجل واحد حىت دخل على أم سلمة مغضبا فقالت له من أغضبك أغضبه هللا فقال ومايل ال أغضب وأنا آمر‬ ‫باألمر فال أتبع وهذا يرد تأويل من تأوله على أن القوم كانوا حمسنني يف ذلك التثبت وأهنم كانوا ينتظرون النسخ فال لوم‬ ‫عليهم وهذا خطأ قبيح من هذا املعتذر بل كانت املبادرة إىل امتثال أوامره أوىل هبم ولو كانوا حمسنني يف التأخري ملا اشتد‬ ‫غضبه عليهم ولكان أوىل منهم بانتظار النسخ بل هذا من سعيهم املغفور الذي غفره هللا هلم بكمال إمياهنم ونصحهم هلل‬ ‫ورسوله وعذرهم هللا سبحانه لقوة الوارد وضعفهم عن محله حىت مل حيمله عمر رضي هللا عنه يف قوته وشدته واحتمله‬ ‫رسول هللا وأبو بكر وكان جواهبما من مشكاة واحدة وملا احتمل رسول هللا هذا احلكم الكوين األمري‬ ‫الذي حكم هللا له به ورضي به وأقر ب ه ودخل حتته طوعا وانقيادا وهو الفتح الذي فتح هللا له أثابه هللا عليه بأربعة أشياء‬ ‫مغفرة ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإمتام نعمته عليه وهدايته صراطا مستقيما ونصر هللا له نصرا عزيزا وهبذا يقع جواب‬ ‫السؤال الذي أورده بعضهم هاهنا فقال كيف يكون حكم هللا له بذلك علة هلذه األمور األربعة إذ يقول هللا تعاىل ^ إنا‬ ‫فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك هللا ما تقدم من ذنبك وما تأخر ^ اآلية وجوابه ما ذكرنا أن تسليمه هلذا احلكم والرضا‬ ‫به واالنقياد له والدخول حتته أوجب له أن آتاه هللا ذلك واملقصود إمنا هو ذكر االتفاق بني احملب واحملبوب وهذا الذي‬ ‫جرى للصديق رضي هللا عنه من أحسن املوافقة ومن هذا موافقة عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه لربه تعاىل يف عدة أمور‬ ‫قاهلا فنزل هبا الوحي كما قال وتقوى هذه املوافقة حىت يعلم احملب بكثري من أحوال حمبوبه وهو غائب عنه وهذا حبسب‬ ‫تعلق اهلمة به وتوجه القلب إليه واحتاد مراده مبراده ورمبا اقتضى ذلك اتفاقهما يف املرض والصحة والفرح واحلزن واخللق‬ ‫فإن كان مع ذلك بينهما تشابه يف اخللق الظاهر فهو الغاية يف االتفاق ولنقتصر من العالمات على هذا القدر وباهلل‬ ‫التوفيق‬ ‫الباب احلادي والعشرون يف اقتضاء احملبة إفراد احلبيب باحلب وعدم التشريك‬ ‫بينه وبني غريه فيه هذا من موجبات احملبة الصاقة وأحكامها فإن قوى احلب مىت انصرفت إىل جهة مل يبق فيها متسع‬ ‫لغريها ومن أمثال الناس ليس يف القلب حبان وال يف السماء ربان ومىت تقسمت قوى احلب بني عدة حمال ضعفت ال‬ ‫حمالة وتأمل قوله سبحانه وتعاىل ^ يا أيها النيب اتق هللا وال تطع الكافرين واملنافقني إن هللا كان عليما حكيما واتبع ما‬ ‫يوحى إليك من ربك إن هللا كان مبا تعملون خبريا وتوكل على هللا وكفى باهلل وكيال ^ كيف أمره بتقواه املتضمنة إلفراده‬ ‫بامتثال أمره وهنيه حمبة له وخشية ورجاء فإن التقوى ال تت م إال بذلك واتباع ما أوحي إليه املتضمن لرتكه ما سوى ذلك‬ ‫واتباع املنزل خاصة وبالتوكل عليه وهو يتضمن اعتماد القلب عليه وحده وثقته به وسكونه إليه دون غريه مث أتبع ذلك‬ ‫بقوله ^ ما جعل هللا لرجل من قلبني يف جوفه ^ فأنت جتد حتت هذا اللفظ أن القلب ليس له إال وجهة واحدة إذا مال‬ ‫هبا إىل جهة مل ميل إىل غريها وليس للعبد قلبان يطيع هللا ويتبع أمره ويتوكل عليه بأحدمها واآلخر لغريه بل ليس إال قلب‬


‫واحد فإن مل يفرد بالتوكل واحملبة والتقوى ربه وإال انصرف ذلك إىل غريه مث استطرد من ذلك إىل أنه سبحانه مل جيعل‬ ‫زوجة الرجل أمه واستطرد منه إىل‬ ‫أنه مل جيعل دعيه ابنه فانظر ما أحسن هذا التأصيل وهذا االستطراد الذي تسجد له العقول واأللباب وله نظائر يف القرآن‬ ‫عديدة فمنها قوله هو الذي خلقكم من نفس واحدةوجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها محلت محال خفيفا‬ ‫فمرت به فلما أثقلت دعوا هللا رهبما لئن آتيتنا صاحلا لنكونن من الشاكرين فلما آتامها صاحلا جعال له شركاء فيما آتامها‬ ‫فتعاىل هللا عما يشركون فالنفس الواحدة وزوجها آدم وحواء واللذان جعال له شركاء فيما آتامها املشركون من أوالدمها وال‬ ‫يلتفت إىل غري ذلك مما قيل إن آدم وحواء كانا ال يعيش هلما ولد فأتامها إبليس فقال إن أحببتما أن يعيش لكما ولد‬ ‫فسمياه عبد احلارث ففعال فإن هللا سبحانه اجتباه وهداه فلم يكن ليشرك به بعد ذلك ونظري هذا االستطراد قوله ^‬ ‫يسألونك عن األهلة قل هي مواقيت للناس واحلج ^ مث قال ^ وليس الرب بأن تأتوا البيوت من ظهورها ^ فإهنم كانوا‬ ‫يفعلون ذلك يف اإلحرام فلما ذكر هلم وقت اإلحرام الذي هو من فوائد األهلة استطرد منه إىل ذكر ما يفعلونه فيه وهو‬ ‫كثري جدا واملقصود أن احملبة تستلزم توحيد احملبوب فيها وقد بالغ أبو حممد بن حزم يف إنكاره على من يزعم أنه يعشق‬ ‫أكثر من واحد وقال يف ذلك شعرا وحنن نذكر كالمه وشعره قال بعد كالم طويل ومن هذا دخل الغلط على من يزعم أنه‬ ‫حيب اثنني ويعشق شخصني متغيارين وإمنا هذا من جهة الشهوة اليت ذكرنا آنفا وهي على اجملاز تسمى حمبة ال على‬ ‫التحقيق وأما نفس احملب‬ ‫فما يف امليل به فضل يصرفه من أسباب دينه ودنياه فكيف باالشتغال حبب ثان ويف ذلك أقول كذب املدعي هوى‬ ‫اثنني حتما ‪ %‬مثل ما يف األصول أكذب ماين ليس يف القلب موضع حلبيبني ‪ %‬وال أحدث األمور اثنان فكما‬ ‫العقل واحد ليس يدري ‪ %‬خالقا غري واحد رمحان فكذا القلب واحد ليس يقوى ‪ %‬غري فرد مباعد أو مدان هو‬ ‫يف شرعة املودة ذو شك ‪ %‬بعيد من صحة اإلميان وكذا الدين واحد مستقيم ‪ %‬وكفور من عنده دينان وقد اختلف‬ ‫الناس يف هذه املسألة فقالت طائفة ليس للقلب إال وجهة واحدة إذا توجه إليها مل ميكنه التوجه إىل غريها قالوا وكما أنه‬ ‫ال جيتمع فيه إرادتان معا فال يكون فيه حبان وكان الشيخ إبراهيم الرقي رمحه هللا مييل إىل هذا وقالت طائفة بل ميكن أن‬ ‫يكون له وجهتان فأكثر باعتبارين فيتوجه إىل أحدمها وال يشغله عن توجهه إىل اآلخر قالوا والقلب محال فما محلته حتمل‬ ‫فإذا محلته األثقال محلها وإن استعجزته عجز عن محل غري ما هو فيه فالقلب واسع جيتمع فيه التوجه إىل هللا سبحانه‬ ‫وإىل أمره وإىل مصاحل عباده‬ ‫وال يشغله واحد من ذلك عن اآلخر فقد كان رسول هللا قلبه متوجه يف الصالة إىل ربه وإلىمراعاة أحوال من يصلي خلفه‬ ‫وكان يسمع بكاء الصيب فيخفف الصالة خشية أن يشق على أمه أفال ترى قلبه الواسع الكرمي كيف اتسع لألمرين وال‬ ‫يظن أن هذا من خصائص النبوة فهذا عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه كان جيهز جيشه وهو يف الصالة فيتسع قلبه‬ ‫للصالة واجلهاد يف آن واحد وهذا حبسب سعة القلب وضيقه وقوته وضعفه قالوا وكمال العبودية أن يتسع قلب العبد‬ ‫لشهود معبوده ومراعاة آداب عبوديته فال يشغله أحد األمرين عن اآلخر وهذا موجود يف الشاهد فإن الرجل إذا عمل‬


‫عمال للسلطان مثال بني يديه وهو ناظر إليه يشاهده فإن قلبه يتسع ملراعاة عمله وإتقانه وشهود إقبال السلطان عليه‬ ‫ورؤيته له بل هذا شأن كل حمب يعمل حملبوبه عمال بني يديه أو ي غيبته قالوا وهذا رسول هللا بكى يوم موت ابنه إبراهيم‬ ‫فكان بكاؤه رمحة له فاتسع قلبه لرمحة الولد وللرضا بقضاء هللا ومل يشغله أحدمها عن اآلخر لكن الفضيل مل يتسع قلبه‬ ‫يوم موت ابنه لذلك فجعل يضحك فقيل له أتضحك وقد مات ابنك فقال إن هللا سبحانه قضى بقضاء فأحببت أن‬ ‫أرضى بقضائه ومعلوم أن بني هذه احل ال وحال رسول هللا حينئذ تفاوت ال يعلمه إال هللا ولكن مل يتسع قلبه ملا اتسع له‬ ‫قلب رسول هللا ونظري هذا اتساع قلب رسول هللا لغناء اجلويريتني اللتني كانتا تغنيان عند عائشة رضي هللا عنها فلم يشغله‬ ‫ذلك عن ربه ورأى فيه من مصلحة إرضاء النفوس الضعيفة مبا يستخرج منها من حمبة هللا ورسوله ودينه فإن النفوس مىت‬ ‫نالت شيئامن حظها طوعت ببذل ما عليها من احلق ومل يتسع‬ ‫قلب عمر لذلك ملا دخل فأنكره وكم بني من ترد عليه الواردات فكل منها يثري مهته وحيرك قلبه إلىاهلل كما قال‬ ‫القائل يذكرنيك اخلري والشر والذي ‪ %‬أخاف وأرجو والذي أتوقع ومن يرد عليه من الواردات فيشغله عن هللا ويقطعه‬ ‫عن سري قلبه إليه فالقلب الواسع يسري باخللق إىل هللا ما أمكنه فال يهرب منهم وال يلحق بالقفار واجلبال واخللوات بل لو‬ ‫نزل به من نزل سار به إىل هللا فإن مل يسر معه سار هو وتركه وال ينكر هذا فاحملبة الصحيحة تقتضيه وخذ هذا يف املغين‬ ‫إذا طرب فلو نزل به من نزل أطرهبم كلهم فإن مل يطربوا معه مل يدع طربه لغلظ أكبادهم وكثافة طبعهم وكان شيخنا مييل‬ ‫إىل هذا القول وهو كما ترى قوته وحجته والتحقيق أن احملبوب لذاته ال ميكن أن يكون إال واحدا ومستحيل أن يوجد‬ ‫يف القلب حمبوبان لذاهتما كما يستحيل أن يكون يف اخلارج ذاتان قائمتان بأنفسهما كل ذات منهما مستغنية عن‬ ‫األخرى من مجيع الوجوه وكما يستحيل أن يكون للعامل ربان متكافئان مستقالن فليس الذي حيب لذاته إال اإلله احلق‬ ‫الغين بذاته عن كل ما سواه وكل ما سواه فقري بذاته إليه وأما ما حيب ألجله سبحانه فيتعدد وال تكون حمبة العبد له‬ ‫شاغلة له عن حمبة ربه وال يشركه معه يف احلب فقد كان رسول هللا حيب زوجاته وأحبهن إليه عائشة رضي هللا عنها وكان‬ ‫حيب أباها وحيب عمر رضي هللا عنهم وكان حيب أصحابه وهم مراتب يف حبه هلم ومع هذا فحبه كله هلل وقوى حبه‬ ‫مجيعها منصرفة إليه سبحانه‬ ‫فإن احملبة ثالثة أقسام حمبةهللا واحملبة له وفيه واحملبة معه فاحملبة له وفيه من متام حمبته وموجباهتا ال من قواطعها فإن حمبة‬ ‫احلبيب تقتضي حمبة ما حيب وحمبة ما يعني على حبه ويوصل إىل رضاه وقربه وكيف ال حيب املؤمن ما يستعني به على‬ ‫مرضاة ربه ويتوصل به إىل حبه وقربه وأما احملبة مع هللا فهي احملبة الشركية وهي كمحبة أهل األنداد ألندادهم كما قال‬ ‫تعاىل ^ ومن الناس من يتخذ من دون هللا أندادا حيبوهنم كحب هللا والذين آمنوا أشد حبا هلل ^ وأصل الشرك الذي ال‬ ‫يغفره هللا هو الشرك يف هذه احملبة فإ ن املشركني مل يزعموا أن آهلتهم وأوثاهنم شاركت الرب سبحانه يف خلق السموات‬ ‫واألرض وإمنا كان شركهم هبا من جهة حمبتها مع هللا فوالوا عليها وعادوا عليها وتأهلوها وقالوا هذه آهلة صغار تقربنا إىل‬ ‫اإلله األعظم ففرق بني حمبة هللا أصال واحملبة له تبعا واحملبةمع شركا وعليك بتحقيق هذا املوضع فإنه مفرق الطرق بني أهل‬ ‫التوحيد وأهل الشرك وحيكى أن الفضيل دخل على ابنته يف مرضها فقالت له يا أبت هل حتبين قال نعم قالت ال إله‬


‫إال هللا وهللا ما كنت أظن فيك هذا ومل أكن أظنك حتب مع هللا أحدا ولكن أفرد هللا باحملبة واجعل يل منك الرمحة أي‬ ‫يكون حبك يل حب رحم جعلها هللا يف قلب الوالد لولده ال حمبة مع هللا فلله حق من احملبة ال يشركه فيه غريه وأظلم‬ ‫الظلم وضع تلك احملبة يف غري موضعها والتشريك بني هللا وغريه فيها فليتدبر اللبيب هذا الباب فإنه من أنفع أبواب‬ ‫الكتاب إن شاء هللا تعاىل‬ ‫الباب الثاين والعشرون يف غرية احملبني على أحباهبم ملا كان هذا الباب‬ ‫متصال بإفراد احملبوب باحملبة ومن موجباته فإن الغرية حبسب قوة احملبة وقوهتا حبسب إفراد احملبوب حسن ذكره‬ ‫بعده وأصل الغرية احلمية واألنفة والغرية نوعان غرية للمحبوب وغرية عليه فأما الغرية له فهي احلمية له والغضب له إذا‬ ‫استهني حبقه وانتقصت حرمته وناله مكروه من عدوه فيغضب له احملب وحيمى وتأخذه الغرية له باملبادرة إىل التغيري وحماربة‬ ‫من آذاه فهذه غرية احملبني حقا وهي من غريةالرسل وأتباعهم هلل ممن أشرك به واستحل حمارمه وعصى أمره وهذه الغرية‬ ‫هي ا ليت حتمل على بذل نفس احملب وماله وعرضه حملبوبه حىت يزول ما يكرهه فهو يغار حملبوبه أن تكون فيه صفة‬ ‫يكرهها حمبوبه وميقته عليها أو يفعل ما يبغضه عليه مث يغار له بعد ذلك أن يكون يف غريه صفة يكرهها ويبغضها والدين‬ ‫كله يف هذه الغرية بل هي الدين وما جاهد مؤمن نفسه وعدوه وال أمر مبعروف وال هنى عن منكر إال هبذه الغرية ومىت‬ ‫خلت من القلب خال من الدين فاملؤمن يغار لربه من نفسه ومن غريه إذا مل يكن له كما حيب والغرية تصفي القلب‬ ‫وخترج خبثه كما خيرج الكري خبث احلديد‬ ‫فصل وأما الغرية علىاحملبوب فهي أنفة احملب ومحيته أن يشا ركه يف حمبوبه غريه وهذه أيضا نوعان غرية احملب أن يشاركه‬ ‫غريه يف حمبوبه وغرية احملبوب على حمبه أن حيب معه غريه والغرية من صفات الرب جل جالله واألصل فيها قوله تعاىل ^‬ ‫قل إمنا حرم ريب الفواحش ما ظهر منها وما بطن ^ ومن غريته تعاىل لعبده وعليه حيميه مما يضره يف آخرته كما يف‬ ‫الرتمذي وغريه مرفوعا إن هللا حيمي عبده املؤمن من الدنيا كما حيمي أحدكم مريضه من الطعام والشراب ويف الصحيحني‬ ‫أن رسول هللا قال يف خطبة الكسوف وهللا يا أمة حممد ما أحد أغري من هللا أن يزين عبده أو تزين أمته ويف ذكر هذا‬ ‫الذنب خبصوصه يف خطبة الك سوف سر بديع قد نبهنا عليه يف باب غض البصر وأنه يورث نورا يف القلب وهلذا مجع هللا‬ ‫سبحانه وتعاىل بني األمر به وبني ذكر آية النور فجمع هللا سبحانه بني نور القلب بغض البصر وبني نوره الذي مثله‬ ‫باملشكاة لتعلق أحدمها باآلخر فجمع النيب بني ظلمة القلب بالزنا وبني ظلمة الوجود بكسوف الشمس وذكر أحدمها مع‬ ‫اآلخر ويف الصحيحني من حديث عبدهللا بن مسعود رضي هللا عنه قال قال رسول هللا ليس شيء أغري من هللا من أجل‬ ‫ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وال أحد أحب إليه املدح من هللا من أجل ذلك أثىن على نفسه وال أحد‬ ‫أحاب إليه العذر من هللا من أجل ذلك أرسل الرسل‬ ‫وروى الثوري عن محاد بن إبراهيم عن عبدهللا قال إن هللا عز وجل ليغار للمسلم فليغر وروي أيضا عن عبداألعلى عن‬ ‫ابن عيينة عن أمه عن عبدهللا رضي هللا عنه قال قال رسول هللا إن هللا عز وجل يغار فليغر أحدكم ويف الصحيح عنه من‬


‫حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا إن هللا يغار واملؤمن يغار وغريةهللا أن يأيت املؤمن ما حرم عليه وروى‬ ‫القعنيب عن الدراوردي عن العالء عن أبيه عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا املؤمن يغار وهللا أشد غرية‬ ‫فصل وغريةالعبد علىمحبوبه نوعان غريةممدوحة حيبها هللا وغرية مذمومة يكرهها هللا فاليت حيبها هللا أن يغار عند قيام‬ ‫الريبة واليت يكرهها أن يغار من غري ريبة بل من جمرد سوء الظن وهذه الغرية تفسد احملبة وتوقع العداوة بني احملب وحمبوبه‬ ‫ويف املسند وغريه عنه قال الغرية غريتان فغرية حيبها هللا هللا وأخرى يكرهها هللا قلنا يا رسول هللا ما الغرية اليت حيب هللا قال‬ ‫أن تؤتى معاصيه أو تنتهك حمارمه قلنا فما الغرية اليت يكره هللا‬ ‫قال غرية أحدكم يف غري كنهه ويف الصحيح عنه إن من الغرية ما حيب هللا ومنها ما يكره هللا فالغرية اليت حيبها هللا الغرية‬ ‫يف الريبة والغرية اليت يكرهها هللا الغرية يف غري ريبة ويف الصحيح عنه أنه قال أتعجبون من غرية سعد ألنا أغري منه وهللا‬ ‫أغري مين وقال عبدهللا بن شداد الغرية غريتان غرية يصلح هباالرجل أهله وغرية تدخله النار وروى عبدهللا بن هليعة عن يزيد‬ ‫بن أيب حبيب عن عبدالرمحن بن مشاسة املهري عن عبدهللا بن عمر رضي هللا عنهما أن رسول هللا دخل على مارية‬ ‫القبطية وهي حامل بإبراهيم وعندها نسيب هلا قدم معها من مصر فأسلم وكان كثريا ما يدخل على أم إبراهيم وأنه جب‬ ‫نفه فقطع ما بني رجليه حىت مل يبق قليل وال كثري فدخل رسول هللا يوما عليها فوجد عندها قريبها فوجد يف نفسه من‬ ‫ذلك شيئا كما يقع يف أنفس الناس فخرج متغري اللون فلقيه عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه فعرف ذلك يف وجهه فقال‬ ‫يا رسول هللا أراك متغري اللون فأخربه ما وقع يف نفسه من قريب مارية فمضى بسيفه فأقبل يسعى حىت دخل على مارية‬ ‫فوجد عندها قريبها ذلك فأهوى بالسيف ليقتله فلما رأى ذلك منه كشف عن نفسه فلما رآه عمر رضي هللا عنه رجع‬ ‫إىل رسول هللا فأخربه فقال إن جربيل أتاين فأخربين أن هللا عز وجل قد برأها وقريبها مما وقع يف نفسي وبشرين أن يف‬ ‫بطنها غالما وأنه أشبه اخللق يب وأمرين أن أمسيه إبراهيم‬ ‫وقال الواقدي عن حممد بن صاحل عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن أبيه قال كانت سارة عند إبراهيم‬ ‫فمكثت معه دهرا ال ترزق منه ولدا فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمتها فولدت إلبراهيم فغارت من ذلك سارة‬ ‫ووجدت يف نفسها وعتبت على هاجر فحلفت أن تقطع منها ثالثة أعضاء فقال هلا إبراهيم هل لك أن ترب ميينك قالت‬ ‫كيف أصنع قال اثقيب أذنيها واخفضيها واخلفض هو اخلتان ففعلت ذلك هبا فوضعت هاجر يف أذنيها قرطني فازدادت‬ ‫هبما حسنا فقالت سارة إمنا زدهتا مجاال فلم تقاره على كوهنا معه ووجد هبا إبراهيم وجدا شديدا فنقلها إىل مكة فكان‬ ‫يزورها كل يوم من الشام على الرباق من شغفه هبا وقلة صربه عنها ويف الصحيح من حديث محيد عن أنس رضي هللا‬ ‫عنه قال أهدى بعض نساء النيب له قصعة فيها ثريد وهو يف بيت بعض نسائه فضربت يد اخلادم فانكسرت القصعة‬ ‫فجعل النيب يأخذ الثريد ويرده يف القصعة ويقول كلوا غارت أمكم مث انتظر حىت جاءت قصعة صحيحة فأعطاها اليت‬ ‫كسرت قصعتها وقالت عائشة رضي هللا عنها ما غرت على امرأة قط ما غرت على خدجية من كثرة ذكر النيب إياها ولقد‬ ‫ذكرها يوما فقلت ما تصنع بعجوز محراء الشدقني قد أبدلك هللا خريا منها فقال وهللا ما أبدلين هللا خريا منها فانظر هذه‬ ‫الغرية‬


‫الشد يدة على امرأة بعدما ماتت وذلك لفرط حمبتها لرسول هللا كانت تغار عليه أن يذكر غريها وكذلك غريهتا من صفية‬ ‫رضي هللا عنها فإن رسول هللا ملا قدم هبا املدينة وقد اختذها لنفسه زوجة وعرس هبا يف الطريق قالت عائشة رضي هللا عنها‬ ‫تنكرت وخرجت أنظر فعرفين فأقبل إيل فانقلبت فأسرع املشي فأدركين فاحتضنين وقال كيف رأيتها قلت يهودية بني‬ ‫يهوديات تعين السيب ويف املسند من حديث األشعث بن قيس قال تضيفت بعض أصحاب النيب فقام إىل امرأته فضرهبا‬ ‫قال فحجزت بينهما فرجع إىل فراشه فقال ياأشعث احفظ عين شيئا مسعته من رسول هللا ال تسألن رجال فيم يضرب‬ ‫امرأته وذكر محاد بن زيد عن أيوب عن ابن أيب مليكة أن ابن عمر رضي هللا عنهما مسع امرأته تكلم رجال من وراء جدار‬ ‫بينها وبينه قرابة ال يعلمها ابن عمر فجمع هلا جرائد مث ضرهبا حىت أضبت حسيسا وذكر اخلرائطي عن معاذ بن جبل‬ ‫رضي هللا عنه أنه كان يأكل تفاحا ومعه امرأته فدخل عليه غالم له فناولته تفاحة قد أكلت منها فأوجعها معاذ ضربا‬ ‫ودخل يوما على امرأته وهي تطلع يف خباء أدم فضرهبا وذكر الثوري عن أشعث عن احلسن أن امرأة جاءت تشكو‬ ‫زوجها إىل النيب‬ ‫لطمها فدعا الرجل ليأخذ حقها فأنزل هللا عز وجل ^ الرجال قوامون على النساء مبا فضل هللا بعضهم على بعض ^‬ ‫فقال رسول هللا أردنا أمرا وأراد هللا أمرا وكان عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه شديد الغرية وكانت امرأته خترج فتشهد‬ ‫الصالة فيكره ذلك فتقول إن هنيتين انتهيت فيسكت امتثاال لقول رسول هللا ال متنعوا إماء هللا مساجد هللا وهو الذي‬ ‫أشا ر على النيب أن حيجب نساءه وكان عادة العرب أن املرأة ال حتتجب لنزاهتهم ونزاهة نسائهم مث قام اإلسالم على‬ ‫ذلك فقال عمر يا رسول هللا لو حجبت نساءك فإنه يدخل عليهن الرب والفاجر فأنزل هللا عز وجل آية احلجاب ورفع إىل‬ ‫عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه رجل قد قتل امرأته ومعها رجل آخر فقال أولياء املرأة هذا قتل صاحبتنا وقال أولياء‬ ‫الرجل إنه قد قتل صاحبنا فقال عمر رضي هللا عنه ما يقول هؤالء قال ضرب اآلخر فخذي امرأته بالسيف فإن كان‬ ‫بينهما أحد فقد قتلته فقال هلم عمر ما يقول فقالوا ضرب بسيفه فقطع فخذي املرأة فأصاب وسط الرجل فقطعه باثنتني‬ ‫فقال عمر رضي هللا عنه إن عادوا فعد ذكره سعيد بن منصور يف سننه وأخذ هبذا مجاعة من الفقهاء منهم اإلمام أمحد‬ ‫وأصحابه رمحهم هللا تعاىل قالوا لو وجد رجال يزين بامرأته‬ ‫فقتلهما فال قصاص عليه وال ضمان إال أن تكون املرأة مكرهة فعليه القصاص بقتلها ولكن ال يقبل قول الزوج إال‬ ‫بتصديق الويل أو بينة واختلفت الرواية عن اإلمام أمحد يف عدد البينة فروي عنه أهنا رجالن ويروى عنه ال بد من أربعة‬ ‫ووجه هذه الرواية ظاهر حديث سعد بن عبادة رضي هللا عنه أنه قال يا رسول هللا أرأيت إن وجدت رجال مع امرأيت‬ ‫أمهله حىت آيت بأربعة شهداء فقال النيب نعم فقال والذي بعثك باحلق إن كنت ألضربه بالسيف غري مصفح فقال النيب‬ ‫أال تعجبون من غرية سعد ألنا أغري منه وهللا أغري مين وذكر سعيد بن منصور عن علي بن أيب طالب رضي هللا عنه أنه‬ ‫سئل عن رجل دخل بيته فإذا مع امرأته رجل فقتلها وقتله فقال علي رضي هللا عنه إن جاء بأربعة شهداء وإال دفع برمته‬ ‫ووجه رواية االكتفاء باثنني أن البينة ليست على إقامة احلد ولكن على وجوب السبب املانع من القصاص فإن الزوج كان‬ ‫له أن يقتل املتعدي على أهله ولكن ملا أنكر أولياء القتيل طولب القاتل بالبينة فاكتفي برجلني ورفع إىل عمر رضي هللا‬


‫عنه رجل قد قتل يهوديا فسأله عن قصته فقال إن فالنا خرج غازيا وأوصاين بامرأته فبلغين أن يهوديا خيتلف إليها‬ ‫فكمنت له حىت جاء فجعل ينشد ويقول‬ ‫وأبيض غرةاإلسالم مين ‪ %‬خلوت بعرسه ليل التمام أبيت على ترائبها وميسي ‪ %‬على جرداء الحقة احلزام كأن‬ ‫مواضع الربالت منها ‪ %‬فئام ينهضون إىل فئام فقمت إليه فقتلته فأهدر عمر دمه وليس يف هذين األمرين مطلبة عمر‬ ‫رضي هللا عنه القاتل بالبينة إذ لعله تيقن ذلك أو أقر به الويل والصواب أنه مىت قام على ذلك داللة ظاهرة ال حتتمل‬ ‫الكذب أغنت عن البينة وذكر سفيان بن عيبنة عن الزهري عن القاسم بن حممد عن عبيد بن عمري أن رجال أضاف‬ ‫إنسانا من هذيل فذهبت جارية هلم حتتطب فأرادها عن نفسها فرمته بفهر فقتلته فرفع ذلك إىل عمر بن اخلطاب رضي‬ ‫هللا عنه فقال ذاك قتيل هللا ال يودى أبدا وذكر محاد بن سلمة عن القاسم بن حممد أن أبا السيارة أولع بامرأة أيب جندب‬ ‫يراودها عن نفسها فقالت ال تفعل فإن أبا جندب إن يعلم هبذا يقتلك فأىب أن ينزع فكلمت أخا أبا جندب فكلمه فأىب‬ ‫أن ينزع فأخربت بذلك أبا جندب فقال أبو جندب إين خمرب القوم أين أذهب إىل اإلبل فإذا أظلمت جئت فدخلت‬ ‫البيت فإن جاءك فأدخليه علي فودع أبو جندب القوم وأخربهم أين ذاهب إىل اإلبل فلما أظلم الليل جاء فكمن يف‬ ‫البيت وجاء أبو السيارة وهي تطحن يف ظلها فراودها عن نفسها فقالت وحيك أرأيت هذا األمر الذي تدعوين إليه هل‬ ‫دعوتك إىل شيء منه قط قال ال ولكن ال أصرب عنك قالت أدخل البيت حىت أهتيأ لك فلما دخل البيت أغلق أبو‬ ‫جندب الباب مث أخذه فدقه من عنقه إىل عجب ذنبه فذهبت املرأة إىل أخي أيب جندب فقالت ادرك الرجل فإن أبا‬ ‫جندب قاتله فجعل أخوه يناشده فرتكه ومحله أبو جندب إىل مدرجة اإلبل فألقاه فكان إذ مر به إنسان قال له ما شأنك‬ ‫فيقول وقعت من بكر فحطمين وبلغ اخلرب عم ر رضي هللا عنه فأرسل إىل أيب جندب فأخربه باألمر على وجهه فأرسل إىل‬ ‫أهل املرأة فصدقوه فجلد عمر أبا السيارة مائة جلدة وأبطل ديته وذكر العباس بن هشام الكليب عن أبيه أن عمرو بن‬ ‫محمة الدوسي أتى مكة حاجا وكان من أمجل العرب فنظرت إليه امرأة فقالت ال أدري وجهه أحسن أم فرسه وكانت له‬ ‫مجة تسمى الزينة فكان إذا جلس مع أصحابه نشرها وإذا قام عقصها فقالت له املرأة أين منزلك قال جند قالت ما أنت‬ ‫بنجدي وال هتامي فاصدقين فقال رجل من أهل السراة فيما بني مكة واليمن مث أشار إليها ارتديف خلفي ففعلت فمضى‬ ‫هبا إىل السراة وتبعها زوج ها فلم يلحقها فرجع فلما استقرت عنده قطع عروقها وقال وهللا ال تتبعني بعدي رجال أبدا مث‬ ‫ردها إىل زوجها على تلك احلال‬ ‫فصل وهللا سبحانه وتعاىل يغار على قلب عبده أن يكون معطال من حبه وخوفه ورجائه وأن يكون فيه غريه فاهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل خلقه لنفسه واختاره من بني خلقه كما يف األثر اإلهلي ابن آدم خلقتك لنفسي وخلقت كل شيء لك‬ ‫فبحقي عليك ال تشتغل مبا خلقته لك عم ما خلقتك له ويف أثر آخر خلقتك لنفسي فال تلعب وتكفلت لك برزقك‬ ‫فال تتعب يا ابن آدم اطلبين جتدين فإن وجدتين وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء وأنا خري لك من كل شيء‬ ‫ويغار على لسانه أن يتعطل من ذكره ويشتغل بذكر غريه ويغار على جوارحه أن تتعطل من طاعته وتشتغل مبعصيته‬ ‫فيقبح بالعيد أن يغار مواله احلق على قلبه ولسانه وجوارحه وهو ال يغار عليها وإذا أراد هللا بعبده خريا سلط على قلبه‬


‫إذا أعرض عنه واشتغل حبب غريه أنواع العذ اب حىت يرجع قلبه إليه وإذا اشتغلت جوارحه بغري طاعته ابتالها بأنواع البالء‬ ‫وهذا من غريته سبحانه وتعاىل على عبده وكما أنه سبحانه وتعاىل يغار على عبده املؤمن فهو يغار له وحلرمته فال ميكن‬ ‫املفسد أن يتوصل إىل حرمته غرية منه لعبده فإنه سبحانه وتعاىل يدفع عن الذين آمنوا فيدفع عن قلوهبم وجوارحهم‬ ‫وأهلهم وحرميهم وأمواهلم يتوىل سبحانه الدفع عن ذلك كله غرية منه هلم كما غاروا حملارمه من نفوسهم ومن غريهم وهللا‬ ‫تعاىل يغار على إمائه وعبيده من املفسدين شرعا وقدرا ومن أجل ذلك حرم الفواحش وشرع عليها أعظم العقوبات‬ ‫وأشنع القتالت لشدة غريته على إمائه وعبيده فإن عطلت هذه العقوبات شرعا أجراها سبحانه قدرا‬ ‫فصل ومن غريته سبحانه وتعاىل غريته على توحيده ودينه وكالمه أن حيظى به من ليس من أهله بل حال بينهم وبينه‬ ‫غرية عليه قال هللا تعاىل ^ وجعلنا على قلوهبم أكنة أن يفقهوه ويف آذاهنم وقرا ^ ولذلك ثبط سبحانه أعداءه عن متابعة‬ ‫رسوله واللحاق به غرية كما قال هللا تعاىل ^ ولكن كره هللا انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين لو خرجوا فيكم ما‬ ‫زادوكم إال خباال وألوضعوا خاللكم يبغونكم الفتنة وفيكم مساعون هلم وهللا عليم بالظاملني ^ فغار سبحانه على نبيه‬ ‫وأصحابه أن خيرج بينهم املنافقون فيسعوا بينهم بالفتنة فثبطهم وأقعدهم عنهم ومسع الشبلي رمحه هللا تعاىل قارئا يقرأ ^‬ ‫وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبني الذين ال يؤمنون باآلخرة حجابا مستورا ^ فقال أتدرون ما هذا احلجاب هذا حجاب‬ ‫الغرية وال أحد أغري من هللا يع ين أنه سبحانه وتعاىل مل جيعل الكفار أهال ملعرفته وها هنا نوع من غرية الرب سبحانه‬ ‫وتعاىل لطيف ال هتتدي إليه العقول وهو أن العبد يفتح له باب من الصفاء واألنس والوجود فيساكنه ويطمئن إليه وتلتذ‬ ‫به نفسه فيشتغل به عن املقصود فيغار عليه مواله احلق‬ ‫فيخليه منه ويرده حينئذ إليه بالفقر والذلة واملسكنة ويشهده غاية فقره وإعدامه وأنه ليس معه من نفسه شيء البتة‬ ‫فتعود عزة ذلك األنس والصفاء الوجود ذلو ومسكنة وفقرا وفاقة وذرة من هذا أحب إليه سبحانه وتعاىل وأنفع للعبد من‬ ‫اجلبال الرواسي من ذلك الصفاء واألنس اجملرد عن شهود الفقر والذ‪1‬لة واملسكنة وهذا باب ال يتسع له قلب كل أحد‬ ‫فصل ومن الغرية الغرية على دقيق العلم وماال يدركه فهم السامع أن يذكر له وهلذه الغرية قال علي بن أيب طالب رضي‬ ‫هللا عنه حدثوا الناس مبا يعرفون أحتبون أن يكذب هللا ورسوله وقال ابن مسعود رضي هللا عنه ما أنت مبحدث قوما حديثا‬ ‫ال تبلغه عقوهلم إال كان لبعضهم فتنة فالعامل يغار على علمه أن يبذله لغري أهله او يضعه يف غري حمله كما قال عيسى بن‬ ‫مرمي يا بين إسرائيل ال متنعوا احلكمة أهلها فتظلموهم وال تبذلوها لغري أهلها فتظلموها وسئل ابن عباس رضي هللا عنهما‬ ‫عن تفسري قوله تعاىل هللا الذي خلق سبع مسوات ومن األرض مثلهن فقال للسائل وما يؤمنك أين إن أخربتك بتفسريها‬ ‫كفرت فإنك تكذب به وتكذيبك هبا كفرك هبا فاملسألة الدقيقة اللطيفة اليت تبذل لغري أهلها كاملرأة حلسناء اليت هتدى‬ ‫إىل ضرير مقعد كما قيل‬ ‫خود تزف إىل ضرير مقعد وكان أبو علي إذا وقع شيء يف خالل جملسه من تشويش الوقت يقول هذا من غرية احلق‬ ‫يريد أن ال جيري ما جيري من صفاء الوقت قال الشاعر مهت بإتياننا حىت إذا نظرت ‪ %‬إىل املراة هناها وجهها‬ ‫احلسن ما كان هذا جزائي من حماسنها ‪ %‬عذبت باهلجر حىت شفين احلزن قال القشريي وقيل لبعضهم أحتب أن‬


‫تراهم قال ال قيل ومل قال أنزه ذلك اجلمال عن نظر مثلي ويف معناه أنشدوا إين ألحد ناظري عليكا ‪ %‬حىت أغض إذا‬ ‫نظرت إليكا وأراك ختطر يف مشائلك اليت ‪ %‬هي فتنيت فأغار منك عليكا قلت وهذه غرية فاسدة وغاية صاحبها أن‬ ‫يعفى عنه وأن يعد ذلك يف شطحات ه املذمومة وأما أن تعد يف مناقبه وفضائله أن يقال أحتب أن ترى هللا فيقول ال ورؤيته‬ ‫أعلى نعيم أهل اجلنة وهو سبحانه وتعاىل حيب من عبده أن يسأله النظر إليه وقبد ثبت عن النيب أنه كان من دعائه اللهم‬ ‫إين أسألك لذة النظر إىل وجهك والشوق إىل لقائك وقول هذا القائل أنزه ذلك اجلمال عن نظر مثلي من خدع‬ ‫الشيطان والنفس وهو يشبه ما حيكى عن بعضهم أنه قيل له أال تذكره فقال أنزهه أن جيري ذكره على لساين وطرد هذا‬ ‫التنزيه الفاسد أن ينزهه أن جيري كالمه على لسانه أو خيطر هو أيضا على قلبه وقد وقع بعضهم يف شيء من هذا فالموه‬ ‫فأنشد‬ ‫يقولون زرنا واقض واجب حقنا ‪ %‬وقد أسقطت حايل حقوقهم عين إذا هم رأوا حايل ومل يأنفوا هلا ‪ %‬ومل يأنفوا مين‬ ‫أنفت هلم مين وطرد هذه الغرية أن ال يزور بيته غرية على بيته أن يزوره مثله ولقد ملت شخصا مرة على ترك الصالة‬ ‫فقال يل إين ال أرى نفسي أهال أن أدخل بيته فانظر إىل تالعب الشيطان هبؤالء ومن هذا ما ذكره القشريي قال سئل‬ ‫الشبلي مىت تسرتيح فقال إذا مل أر له ذاكرا ومات ابن له فقطعت أمه شعرها فدخل هو احلمام ونور حليته حىت ذهب‬ ‫شعرها فقيل له مل فعلت هذا فقال إهنم يعزونين على الغفلة ويقولون آجرك هللا ففديت ذكرهم هلل تعاىل على الغفلة‬ ‫بلحييت وموافقة ألهلي ونظري هذا ما حيكى عن النوري رمحه هللا تعاىل أنه مسع رجال يؤذن فقال طعنة وسم املوت ومسع‬ ‫كلبا ينبح فقال لبيك وسعديك فسئل عن ذلك فقال أما ذاك فكان يذكره على راس الغفلة وأما الكلب فقال هللا تعاىل‬ ‫^ وإن من شيء إال يسبح حبمد ه ^ ومسع الشبلي مرة رجال يقول جل هللا فقال أحب أن جتله هن هذا وياعجبا ممن يعد‬ ‫هذا يف مناقب رجل وجيعله قدوة ويزين به كتابه وهل شيء أشد على قلب املؤمن وأمر عليه من أن ال يرى لربه ذاكرا‬ ‫وهل شيئ أقر لعينه من أن يرى ذاكرين هللا بكل مكان وعذر هذا القائل أنه ال يرى ذاكرا هلل حبق الذكر بل ال يرى ذاكرا‬ ‫إال والغفلة والسهوة مستولية على قلبه فيذكر ربه بلسان فارغ من القلب وحضوره يف الذكر وذلك ذكر ال يليق به فيغار‬ ‫حمبه أن يذكر هبذا الذكر فيحب أن ال يسمع أحدا‬ ‫يذكره هذا الذكر وملا اشرتك الناس يف هذا الذكر أخرب أن راحته أن ال يرى له ذاكرا هذا أحسن ما حيمل عليه كالمه‬ ‫وإال فظاهره إىل العداوة أقرب منه إىل احملبة وليس هذا حال الشبلي رمحه هللا تعاىل فإن احملبة كانت تغلب عليه ومع ذلك‬ ‫فهو من شطحاته اليت يرجى أن تغفر له بصدقه وحمبته وتوحيده ال أهنا مما حيمد عليه ويقتدى به فيه وقد أمر هللا‬ ‫سبحانه وتعاىل عباده أن يذكروه على مجيع أحواهلم وإن كان ذكرهم إياه مراتب فأعالها ذكر القلب واللسان مع شهود‬ ‫القلب للمذكور ومجعيته بكليته بأحب األذكار إليه مث دونه ذكر القلب واللسان أيضا وإن مل يشاهد املذكور مث ذكر‬ ‫القلب وحده مث ذكر اللسان وحده فهذه مراتب الذكر وبعضها أحب إىل هللا من بعض وكان طرد قول الشبلي أن‬ ‫راحته أن ال يرى هلل مصليا وال لكالمه تاليا وال يرى أحدا ينطق بالشهادتني فإن هذا كله من ذكره بل هو أعلى أنواع‬ ‫ذكره فكيف يسرتيح قلب احملب إذا مل ير من يفعل ذلك وهللا سبحانه وتعاىل حيب أن يذكر ولو كان من كافر وقال‬


‫بعض السلف إن هللا حيب أن يذكر على مجيع األحوال إال يف حال اجلماع وقضاء احلاجة وأوحى هللا عز وجل إىل موسى‬ ‫أن اذكرين على مجيع أحوالك وهللا تعاىل ال يضيع أجر ذكر اللسان اجملرد بل يثيب الذاكر وإن كان قلبه غافال ولكن‬ ‫ثواب دون ثواب قال القشريي ومسعت األستاذ أبا علي يقول يف قول النيب يف مبايعته فرسا من أعرايب وأنه استقاله‬ ‫فأقاله فقال له األعرايب عمرك هللا فمن أنت فقال له النيب امرؤ من قريش فقال له بعض‬ ‫احلاضرين كفاك جفاء أن ال تعرف نبيك قال أبو علي فإمنا قال امرؤ من قريش غرية وإال كان واجبا عليه التعرف إىل‬ ‫كل أحد أنه من هو مث إن هللا أجرى على لسان ذلك الصحايب التعريف لألعرايب فيقال من العجب أن يقال إن النيب‬ ‫غار أن يذكر أنه رسول هللا لألعرايب الذي ال يعرفه وهو كان دائما يذكر ذلك ألعدائه من الكفار سرا وجهرا ليال وهنارا‬ ‫وال يغار من ذلك فكيف يظن به أنه غار أن يعرف ذلك املسكني أنه رسول هللا هذا من خياالت القوم وترهاهتم وإمنا‬ ‫سرت عنه ذلك الوقت معرفته له حلكمة لطيفة فهمها الصحايب فصرح هبا لألعرايب وهي أن هذا األعرايب كان جافيا جلفا‬ ‫فأحب النيب أن يعرفه جفاءه وجالفته بطريق ال يبكته هبا ويعرف من نفسه أنه أهل لذلك فكأنه يقول بلسان احلال كفاك‬ ‫جفاء أن جتهلين فتسألين من أنا فلما فهم الصحايب ذلك بلطف إدراكه ودقة فهمه فبادأه به وقال كفاك جفاء أن ال‬ ‫تعرف نبيك مث ذكر القشريي كالم الشبلي أنه قال غرية اإلهلية على األنفاس أن تضيع فيما سوى هللا وهذا كالم‬ ‫حسن قال القشريي والواجب أن يقال الغرية غريتان غرية احلق على العبد وهو أن ال جيعله للخلق فيضن به عليهم‬ ‫وغرية العبد للحق وهو أن ال جيعل شيئا من أحواله وأنفاسه لغري احلق سبحانه فال يقال أنا أغار على هللا ولكن يقال أنا‬ ‫أغار هلل قال فإذا الغرية على هللا جهل ورمبا تؤدي إىل ترك الدين والغرية هلل توجب تعظيم حقوقه وتصفية األعمال له‬ ‫فمن سنة احلق مع‬ ‫أوليائه أهنم إذا ساكنوا غريا أو الحظوا شيئا أو صاحلوا بقلوهبم شيئا يشوش عليهم ذلك فيغار على قلوهبم بأن يعيدها‬ ‫خالصة لنفسه فارغة كآدم عليه السالم ملا وطن نفسه على اخللود يف اجلنة أخرجه من اجلنة وإبراهيم اخلليل عليه السالم‬ ‫ملا أعجبه إمساعيل أمره بذحبه حىت أخرجه من قلبه فلما أسلما وتله للجبني وصفى سره منه أمره بالفداء عنه وقال بعضهم‬ ‫احذروه فإنه غيور ال حيب أن يرى يف قلب عبده سواه وقيل احلق تعاىل غيور ومن غريته أنه مل جيعل إليه طريقا‬ ‫سواه وقال السري لرجل عارف يب علة باطنة فما دواؤها قال يا سري هللا غيور ال يراك تساكن غريه فتسقط من عينه‬ ‫فهذه غرية صحيحة فصل وها هنا أقسام آخر من الغرية مذمومة منها غرية حيمل عليها سوء الظن فيؤذى هبا احملب‬ ‫حمبوبه ويغري عليه قلبه بالغضب وهذه ال غرية يكرهها هللا إذا كانت يف غري ريبة ومنها غرية حتمله على عقوبة احملبوب‬ ‫بأكثر مما يستحقه كما ذكر عن مجاعة أهنم قتلوا حمبوهبم وكان ديك اجلن الشاعر له غالم وجارية يف غاية اجلمال وكان‬ ‫يهوامها مجيعا فدخل املنزل يوما فوجد اجلارية معانقة للغالم تقبله فشد عليهما فقتلهما مث جلس عند رأس اجلارية فبكاها‬ ‫طويال مث قال يا طلعة طلع احلمام عليها ‪ %‬وجىن هلا مثر الردى بيديها رويت من دمها الثرى ولطاملا ‪ %‬روى اهلوى‬ ‫شفيت من شفتيها‬


‫وأجلت سيفي يف جمال خناقها ‪ %‬ومدامعي جتري على خديها فوحق نعليها فما وطىء الثرى ‪ %‬شيء أعز علي من‬ ‫نعليها ما كان قتليها ألين مل أكن ‪ %‬أبكي إذا سقط الغبار عليها لكن خبلت على سواي حبسنها ‪ %‬وأنفت من‬ ‫نظر الغالم إليها مث جلس عند رأس الغالم فبكى وأنشأ يقول أشفقت أن يرد الزمان بغدره ‪ %‬أو أبتلى بعد الوفاء‬ ‫هبجره قمر أنا استخرجته من دجنه ‪ %‬مبوديت وجنيته من خدره فقتلته وله علي كرامة ‪ %‬ملء احلشا وله الفؤاد‬ ‫بأسره عهدي به ميتا كأحسن نائم ‪ %‬والدمع ينحر مقليت يف حنره لو كان يدري امليت ماذا بعده ‪ %‬باحلي منه بكى‬ ‫له يف قربه غصص تكاد تفيض منها نفسه ‪ %‬ويكاد خيرج قلبه من صدره فصل وقد يغار احملب على حمبوبه من نفسه‬ ‫وهذا من أعجب الغرية وله أسباب منها خشية أن يكون مفتاحا لغريه كما ذكر أن احلسن بن هاىنء وعلي بن عبدهللا‬ ‫اجلعفري اجتمعا فتناشدا فأنشد احلسن وملا بدا يل أهنا ال تودين ‪ %‬وأن هواها ليس عين مبنجلي‬ ‫متنيت أن تبلى بغريي لعلها ‪ %‬تذوق حرارات اهلوى فرتق يل فأنشده علي رمبا سرين صدودوك عين ‪ %‬يف طالبيك‬ ‫وامتناعك مين حذرا أن أكون مفتاح غريي ‪ %‬فإذا ما خلوت كنت التمين وكان بعضهم ميتنع من وصف حمبوبه‬ ‫وذكر حماسنه خشية تعريضه حلب غريه له كما قال علي بن عبسى الرافقي ولست بواصف أبدا خليال ‪ %‬أعرضه‬ ‫ألهواء الرجال وما بايل أشوق قلب غريي ‪ %‬ودون وصاله سرت احلجال وكثري من اجلهال وصف امرأته وحماسنها لغريه‬ ‫فكان ذلك سبب فراقها له واتصاهلا به فصل ومنها أن حيمله فرط الغرية على أن ينزل نفسه منزلة األجنيب فيغار على‬ ‫احملبوب من نفسه وال ينكر هذا فإن يف احملبة عجائب وقد قال أبو متام الطأيب بنفسي من أغار عليه مين ‪ %‬وأحسد‬ ‫أهله نظري إليه ولو أين قدرت طمست عنه ‪ %‬عيون الناس من حذري عليه حبيب بث يف جسمي هواه ‪%‬‬ ‫وأمسك مهجيت رهنا لديه فروحي عنده واجلسم خال ‪ %‬بال روح وقليب يف يديه‬ ‫وقال آخر يا من إذا ذكر امسه يف جملس ‪ %‬لذ احلديث به وطاب اجمللس إين ملن نظري أغار وإيت ‪ %‬بك عن‬ ‫سواي من األنام ألنفس نفسي فداؤك ولو رأيت تلددي ‪ %‬خضل املدامع مطرقا أتنفس لعلمت أين يف هواك معذب‬ ‫‪ %‬ومن احلياة وروحها مستيئس وقال علي بن نصر أفاتك أنت فاتكة بقليب ‪ %‬وحسن الوجه يفتك‬ ‫بالقلوب أصونك عن مجيع الناس يامن ‪ %‬بليت هبا فأضحت من نصييب وعن نفسي أصونك ليت نفسي ‪ %‬تقيك‬ ‫من احلوادث واخلطوب وما حق احلسان علي إال ‪ %‬صيانتهن من دنس الذنوب فصل ومنها شدة املوافقة للحبيب‬ ‫واحلبيب يكره أن ينسب حمبته إليه وأن يذكر ذلك فهو ملوافقته حملبوبه يغار عليه من نفسه كما يسره هجر حمبوبه إذا علم‬ ‫أن فيه مراده قال الشاعر سررت هبجرك ملا علم ‪ %‬ت أن لقلبك فيه سرورا ولوال سرورك ما سرين ‪ %‬وال كنت يوما‬ ‫عليه صبورا فصل ومالك الغرية وأعالها ثالثة أنواع غرية العبد لربه أن تنتهك حمارمه وتضيع حدوده وغريته على قلبه أن‬ ‫يسكن إىل غريه وأن يأنس بسواه‬ ‫وغريته على حرمته أن يتطلع إليها غريه فالغرية اليت حيبها هللا ورسوله دارت على هذه األنواع الثالثة وما عداها فإما من‬ ‫خدع الشيطان وإما بلوى من هللا كغرية املرأة على زوجها أن يتزوج عليها فإن قيل فمن أي األنواع تعدون غرية فاطمة‬ ‫رضي هللا عنها ابنة رسول هللا على علي بن أيب طالب رضي هللا عنه ملا عزم على نكاح ابنة أيب جهل وغرية رسول هللا هلا‬


‫قيل من الغرية اليت حيبها هللا ورسوله وقد أشار إليها النيب بأهنا بضعة منه وأنه يؤذيه ما آذاها ويريبه ما أراهبا ومل يكن حيسن‬ ‫ذلك االجتماع البتة فإن بنت رسول هللا ال حيسن أن جتتمع مع بنت عدوه عند رجل فإن هذا يف غاية منافرة مع أن ذكر‬ ‫النيب صهره الذي حدثه فصدقه ووعده فوىف له دليل على أن عليا رضي هللا عنه كان مشروطا عليه يف العقد إما لفظا وإما‬ ‫عرفا وحاال أن ال يريب فاطمة وال يؤذيها بل ميسكها باملعروف وليس من املعروف أن يضم إليها بنت عدو هللا ورسوله‬ ‫ويغيظها هبا وهلذا قال النيب إال أن يريد ابن أيب طالب أن يطلق ابنيت ويتزوج ابنة أيب جهل والشرط العريف احلايل كالشرط‬ ‫اللفظي عند كثري من الفقهاء كفقهاء املدينة وأمحد بن حنبل وأصحابه رمحهم هللا تعاىل على أن رسول هللا خلف عليها‬ ‫الفتنة يف دينها باجتماعها وبنت عدو هللا عنده فلم تكن غريته جملرد كراهية الطبع للمشاركة بل احلامل عليها حرمة الدين‬ ‫وقد أشار إىل هذا بقوله إين أخاف أن تفنت يف دينها وهللا أعلم بالصواب‬ ‫الباب الثالث والعشرون يف عفاف احملبني مع أحباهبم قال هللا تعاىل‬ ‫^ قد أفلح املؤمنون الذين هم يف صالهتم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم‬ ‫لفروجهم حافظون إال على أزواجهم أو ما ملكت أمياهنم فإهنم غري ملومني فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ^‬ ‫وملا أنزلت هذه اآليات على ال نيب قال قد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل اجلنة مث قرأ هذه اآليات وقال هللا‬ ‫تعاىل ^ إن اإلنسان خلق هلوعا ^ إىل قوله ^ والذين هم لفروجهم حافظون إال على أزواجهم أو ما ملكت أمياهنم‬ ‫فإهنم غري ملومني فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ^ وقال تعاىل ^ قل للمؤمنني يغضوا من أبصارهم وحيفظوا‬ ‫فروجهم ذلك أزكى هلم إن هللا خبري مبا يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن وحيفظن فروجهن ^ اآلية وقال‬ ‫تعاىل ^ وليستعفف الذين ال جيدون نكاحا حىت ^‬ ‫^ يغنيهم هللا من فضله ^ وقال تعاىل ^ وأن يستعففن خري هلن وهللا مسيع عليم ^ وقال تعاىل ^ ومرمي ابنة عمران اليت‬ ‫أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ^ فإن قيل فقد قال هللا تعاىل ^ وأنكحوا األيامى منكم والصاحلني من عبادكم‬ ‫وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم هللا من فضله ^ وقال يف اآلية اآلخرى ^ وليستعفف الذين ال جيدون نكاحا حىت يغنيهم‬ ‫هللا من فضل ه ^ فأمرهم باالستعفاف إىل وقت الغىن وأمر بتزويج أولئك مع الفقر وأخرب أنه تعاىل يغنيهم فما حممل كل‬ ‫من اآليتني فاجلواب أن قوله ^ وليستعفف الذين ال جيدون نكاحا حىت يغنيهم هللا من فضله ^ يف حق األحرار أمرهم‬ ‫هللا تعاىل أن يستعفوا حىت يغنيهم هللا من فضله فإهنم إن تزوجوا مع الفقر التزموا حقوقا مل يقدروا عليها وليس هلم من‬ ‫يقوم هبا عنهم وأما قوله وأنكحوا الأليامى منكم والصاحلني من عبادكم وإمائكم فإنه سبحانه أمرهم فيها أن ينكحوا‬ ‫األيامى وهن النساء اللوايت ال أزواج هلن هذا هو املشهور من لفظ األمي عند اإلطالق وإن استعمل يف حق الرجل بالتقييد‬ ‫مع أن العزب عند اإلطالق للرجل وإن استعمل يف حق املرأة مث أمرهم سبحانه أن يزوجوا عبيدهم وإماءهم إذا صلحوا‬ ‫للنكاح فاآلية األوىل يف حكم تزوجهم ألنفسهم والثانية يف حكم تزوجيهم لغريهم وقوله يف هذا القسم ^ إن يكونوا فقراء‬ ‫^ يعم األنواع الث الثة اليت ذكرت فيه فإن األمي تستغين بنفقة زوجها وكذلك األمة وأما العبد فإنه ملا كان ال مال له وكان‬ ‫ماله لسيده‬


‫فهو فقري ما دام رقيقا فال ميكن أن جيعل لنكاحه غاية وهي غناه ما دام عبدا بل غناه إمنا يكون إذا عتق واستغىن هبذا‬ ‫العتق واحلاجة تدعوه إىل النكاح يف الرق فأمر سبحانه بإنكاحه وأخرب أنه يغنيه من فضله إما بكسبه وإما بإنفاق سيده‬ ‫عليه وعلى امرأته فلم ميكن أن ينتظر بنكاحه الغىن الذي ينتظر بنكاح احلر وهللا أعلم ويف املسند وغريه مرفوعا ثالثة‬ ‫حق على هللا عوهنم املتزوج يريد العفاف واملكاتب يريد اآلداء وذكر الثالث فصل وقد ذكر هللا سبحانه وتعاىل عن‬ ‫يوسف الصديق من العفاف أعظم ما يكون فإن الداعي الذي اجتمع يف حقه مل جيتمع يف حق غريه فإنه كان شابا‬ ‫والشباب مركب الشهوة وكان عزبا ليس عنده ما يعوضه وكان غريبا عن أهله ووطنه واملقيم بني أهله وأصحابه يستحي‬ ‫منهم أن يعلموا به فيسقط من عيوهنم فإذا تغرب زال هذا املانع وكان يف صورة اململوك والعبد ال يأنف مما يأنف منه احلر‬ ‫وكانت املرأة ذات منصب ومجال والداعي مع ذلك أقوى من داعي من ليس كذلك وكانت هي املطالبة فيزول بذلك‬ ‫كلفة تعرض الرجل وطلبه وخوفه من عدم اإلجابة وزادت مع الطلب الرغبة التامة واملراودة اليت يزول معها ظن االمتحان‬ ‫واالختبار لتعلم عفافه من فجوره وكانت يف حمل سلطاهنا وبيتها حبيث تعرف وقت اإلمكان‬ ‫ومكانه الذي ال تناله العيون وزادت مع ذلك تغليق األبواب لتأمن هجوم الداخل على بغتة وأتته بالرغبة والرهبة ومع هذا‬ ‫كله فعف هلل ومل يطعها وقد حق هللا وحق سيدها على ذلك كله وهذا أمر لو ابتلي به سواه مل يعلم كيف كانت تكون‬ ‫حاله فإن قيل فقد هم هبا قيل عنه جوابان أحدمها أنه مل يهم هبا بل لوال أن رأى برهان ربه هلم هذاقول بعضهم يف تقدير‬ ‫اآلية والثاين وهو الصواب أن مهه كان هم خطرات فرتكه هلل فأثابه هللا عليه ومهها كان هم إصرار بذلت معه جهدها فلم‬ ‫تصل إليه فلم يستو اهلمان قال اإلمام أمحد بن حنبل رضي هللا عنه اهلم مهان هم خطرات وهم إصرار فهم اخلطرات ال‬ ‫يؤاخذ به وهم اإلصرار يؤاخذ به فإن قيل فكيف قال وقت ظهور براءته وما أبرىء نفسى قيل هذا قد قاله مجاعة من‬ ‫املفسرين وخالفهم يف ذلك آخرون أجل منهم وقالوا إن هذا من قول امرأة العزيز ال من قول يوسف عليه السالم‬ ‫والصواب معهم لوجوه أحدها أنه متصل بكالم املرأة وهو قوهلا اآلن حصحص احلق أنا راودته عن نفسه وإنه ملن‬ ‫الصادقني ذلك ليعلم أين مل أخنه بالغيب وأن هللا ال يهدي كيد اخلائنني وما أبرىء نفسي ومن جعله من قوله فإنه حيتاج‬ ‫إىل إضمار قول ال دليل عليه يف اللفظ بوجه والقول يف مثل هذا ال حيذف لئال يوقع يف اللبس فإن غايته أن حيتمل‬ ‫األمرين فالكالم األول أوىل به قطعا‬ ‫الثاين أن يوسف عليه السالم مل يكن حاضرا وقت مق التها هذه قبل كان يف السجن ملا تكلمت بقوهلا ^ اآلن‬ ‫حصحص احلق ^ والسياق صريح يف ذلك فإنه ملا أرسل امللك إليه يدعوه قال للرسول ^ ارجع إىل ربك فاسأله ما بال‬ ‫النسوة الاليت قطعن أيديهن ^ فأرسل إليهم امللك وأحضرهن وسأهلن وفيهن امرأته فشهدن برباءته ونزاهته يف غيبته ومل‬ ‫ميكنهن إال قول احلق فقال النسوة ^ حاش هلل ما علمنا عليه من سوء ^ وقالت امرأة العزيز أنا روادته عن نفسه وإنه ملن‬ ‫الصادقني فإن قيل لكن قوله ^ ذلك ليعلم أين مل أخنه بالغيب وأن هللا ال يهدي كيد اخلائنني ^ األحسن أن يكون من‬ ‫كالم يوسف عليه السالم أي إمنا كان تأخريي عن احلضور مع رسوله ليعلم امللك أين مل أخنه يف امرأته يف حال غيبته‬ ‫وأن هللا ال يهدي كيد اخلائنني مث إنه قال وما أبرىء نفسي إن النفس ألمارة بالسوء إال من رحم ريب إن ريب غفور رحيم‬


‫وهذا من متام معرفته بربه ونفسه فإنه ملا أظهر براءته ونزاهته مما قذف به أخرب عن حال نفسه وأنه ال يزكيها وال يربئها‬ ‫فإهنا أمارة بالسوء لكن رمحة ربه وفضله هو الذي عصمه فرد األمر إىل هللا بعد أن أظهر برءته قيل هذا وإن كان قد قاله‬ ‫طائفة فالصواب أنه من متام كالمها فإن الضمائر كلها يف نسق واحد يدل عليه وهو قول النسوة ^ ما علمنا عليه من‬ ‫سوء ^ وقول امرأة العزيز ^ أنا راودته عن نفسه وإنه ملن الصادقني ^ فهذه مخسة ضمائر بني بارز ومسترت مث اتصل هبا‬ ‫قوله ^ ذلك ليعلم أين مل أخنه بالغيب ^ فهذا هو‬ ‫املذكور أوال بعينه فال شيء يفصل الكالم عن نظمه ويضمر فيه قول ال دليل عليه فإن قيل فما معىن قوهلا ^ ليعلم أين مل‬ ‫أخنه بالغيب ^ قيل هذا من متام االعتذار قرنت االعتذار باالعرتاف فقالت ذلك أي قويل هذا وإقراري برباءته ليعلم أين‬ ‫مل أخنه بالكذب عليه يف غيبته وإن خنته يف وجهه يف أول األمر فاآلن يعلم أين مل أخنه يف غيبته مث اعتذرت عن نفسها‬ ‫بقوهلا وما أبرىء نفسى مث ذكرت السبب الذي ألجله مل تربىء نفسها وهي أن النفس أمارة بالسوء فتأمل ما أعجب‬ ‫أخر هذه املرأة أقرت باحلق واعتذرت عن حمبوهبا مث اعتذرت عن نفسها مث ذكرت السبب احلامل هلا على ما فعلت مث‬ ‫ختمت ذلك بالطمع يف مغفرة هللا ورمحته وأنه إن مل يرحم عبده وإال فهو عرضة للشر فوازن بني هذا وبني تقدير كون‬ ‫هذا الكالم كالم يوسف عليه السالم لفظا ومعىن وتأمل ما بني التقديرين من التفاوت وال يستبعد أن تقول املرأة هذا‬ ‫وهي على دين الشرك فإن القوم كانوا يقرون بالرب سبحانه وتعاىل وحبقه وإن أشركوا معه غريه وال تنس قول سيدها هلا يف‬ ‫أول احلال ^ واستغفري لذنبك إنك كنت من اخلاطئني ^ فصل ويف الصحيح من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال‬ ‫قال رسول هللا سبعة يظلهم هللا يف ظله يوم ال ظل إال ظله إمام عادل وشاب نشأ يف عبادة هللا ورجل قلبه معلق‬ ‫باملساجد ورجالن‬ ‫حتابا يف هللا اجتمعا على ذلك وتف رقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب ومجال فقال إين أخاف هللا رب العاملني ورجل‬ ‫تصدق بصدقة فأخفاها حىت ال تعلم مشاله ما تنفق ميينه ورجل ذكر هللا خاليا ففاضت عيناه ويف الصحيح من حديث‬ ‫أيب هريالرة وابن عمر رضي هللا عنهم عن النيب قال بينما ثالثة ميشون إذ أخذهتم السماء فأووا إىل غار يف اجلبل فاحنطت‬ ‫عليهم صخرة من اجلبل فأطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعماال صاحلة عملتموها فادعوا هللا هبا فقال بعضهم‬ ‫اللهم إنك تعلم أنه كان يل أبوان شيخان كبريان وامرأة وصبيان وكنت أرعى عليهم فإذا رحت عليهم حلبت فبدأت‬ ‫بوالدي أسقيهم ا قبل بين وأنه نآى يب الشجر فلم آت حىت أمسيت فوجدهتما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب فقمت‬ ‫عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأن أبدأ بالصبية قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي فلم أزل كذلك حىت‬ ‫طلع الفجر فإن كنت تعلم أين فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء ففرج هللا هلم فرجة وقال‬ ‫اآلخر اللهم إنه كانت يل ابنة عم فأحببتها كأشد ما حيب الرجال النساء فطلبت إليها نفسها فأبت حىت آتيها مبائة دينار‬ ‫فسعيت حىت مجعت مائة دينار فجئتها هبا فلما قعدت بني رجليها قالت يا عبدهللا اتق هللا وال تفض اخلامت إال حبقه‬ ‫فقمت عنها وتركت املائة دينار فإن كنت تعلم أين فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا من‬


‫هذه الصخرة ففرج هللا هلم فرجة فقال اآلخر اللهم إين كنت استأجرت أجريا بفرق من أرز فلما قضى عمله قال أعطين‬ ‫حقي فأعطيته فأىب أن يأخذه فزرعته ومنيته حىت اشرتيت له بقرا ورعاءها فجاءين بعد حني فقال يا هذا اتق هللا وال‬ ‫تظلمين وأعطين حقي فقلت اذهب إىل تلك البقر ورعائها فهو لك فقال اتق هللا وال هتزأ يب فقلت ال أستهزىء بك فخذ‬ ‫ذلك فأخذها وذهب فإن كنت تعلم أين فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما بقي من الصخرة ففرج هللا عنهم‬ ‫وخرجوا ميشون وق ال عبيد هللا بن موسى حدثنا شيبان بن عبدالرمحن عن األعمش عن عبدهللا بن عبدهللا الرازي عن‬ ‫سعد موىل طلحة عن ابن عمر رضي هللا عنهما قال لقد مسعت من رسول هللا حديثا لو مل أمسعه إال مرة أو مرتني حىت‬ ‫عد سبع مرات ما حدثت به ولكن مسعته أكثر من ذلك قال كان ذو الكفل من بين إسرائيل ال يتورع من ذنب عمله‬ ‫فأتته امرأة فأعطاها ستني دينارا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من املرأة أرعدت وبكت فقال ما يبكيك‬ ‫أكرهتك قالت ال ولكن هذا عمل مل أعمله قط قال فتفعلني هذا ومل تفعليه قط قالت محلتين عليه احلاجة فرتكها مث قال‬ ‫اذهيب والدنانري لك مث قال وهللا‬ ‫ال يعصي هللا ذو الكفل أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه غفر هللا لذي الكفل ويف مسند اإلمام أمحد بن‬ ‫حنبل رمحه هللا من حديث عقبة بن عامر اجلهين رضي هللا عنه قال قا رسول هللا عجب ربك من الشاب ليست له‬ ‫صبوة وذكر املربد عن أيب كامل عن إسحاق بن إبراهيم عن رجاء بن عمرو النخعي قال كان بالكوفة فىت مجيل الوجه‬ ‫شديد التعبد واالجتهاد فنزل يف جوار قوم من النخع فنظر إىل جارية منهن مجيلة فهويها وهام هبا عقله ونزل باجلارية ما‬ ‫نزل به فأرسل خيطبها من أبيها فأخربه أبوها أهنا مسماة البن عم هلا فلما اشتد عليهما ما يقاسيانه من أمل اهلوى أرسلت‬ ‫إليه اجلارية قد بلغين شدة حمبتك يل وقد اشتد بالئي بك فإن شئت زرتك وإن شئت سهلت لك أن تأتيين إىل منزيل‬ ‫فقال للرسول وال واحدة من هاتني اخللتني ^ إين أخاف إن عصيت ريب عذاب يوم عظيم ^ أخاف نارا ال خيبو سعريها‬ ‫وال خيمد هليبها فلما أبلغها الرسول قوله قالت وأراه مع هذا خياف هللا وهللا ما أحد أحق هبذا من أحد وإن العباد فيه‬ ‫ملشرتكون مث اخنلعت من الدنيا وألقت عالئقها خلف ظهرها وجعلت تتعبد وهي مع ذلك تذوب وتنحل حبا للفىت‬ ‫وشوقا إليه حىت ماتت من ذلك فكان الفىت يأيت قربها ف يبكي عنده ويدعو هلا فغلبته عينه ذات يوم على قربها فرآها يف‬ ‫منامه يف أحسن منظر فقال كيف أنت وما لقيت بعدي قالت‬ ‫نعم احملبة يا سؤيل حمبتكم ‪ %‬حب يقود إىل خري وإحسان فقال على ذلك إىل م صرت فقالت إىل نعيم وعيش ال‬ ‫زوال له ‪ %‬يف جنةاخللد ملك ليس بالفاين فقال هلا اذكريين هناك فإين لست أنساك فقالت وال أنا وهللا أنساك ولقد‬ ‫سألت موالي وموالك أن جيمع بيننا فأعين على ذلك باالجتهاد فقال هلا مىت أراك فقالت ستأتينا عن قريب فرتانا فلم‬ ‫يعش الفىت بعد الرؤيا إال سبع ليال حىت مات رمحه هللا تعاىل وذكر الزبري بن بكار أن عبدالرمحن بن أيب عمار نزل مكة‬ ‫وكان من عباد أهلها فسمي القس من عبادته فمر يوما جبارية تغين فوقف فسمع غناءها فرآها موالها فأمره أن يدخل‬ ‫عليها فأىب فقال فاقعد يف مكان تسمع غناءها وال تراها ففعل فأعجبته فقال له موالها هل لك أن أحوهلا إليك فامتنع‬ ‫بعض االمتناع مث أجابه إىل ذلك فنظر إليها فأعجبته فشغف هبا وشغفت به وعلم بذلك أهل مكة فقالت له ذات يوم‬


‫أنا وهللا أحبك فقال وأنا وهللا أحبك قالت فإين وهللا أحب أن أضع فمي على فمك قال وأنا وهللا أحب ذلك قالت فما‬ ‫مينعك فإن املوضع خال قا هلا وحيك إين مسعت هللا يقول األخالء يومئذ بعضهم لبعض عدو إالاملتقني فأنا وهللا أكره أن‬ ‫يكون صلة ما بيين وبينك يف الدنيا عداوة يف القيامة مث هنض وعيناه تذرفان بالدموع من حبها وقال عبدامللك بن قريب‬ ‫قلت ألعرايب حدثين عن ليلتك مع فالنة‬ ‫قال نعم خلوت هبا والقمر يرينيها فلما غاب أرتنيه قلت فما كان بينكما قال أقرب ما أحل هللا مما حرم هللا اإلشارة‬ ‫بغري ماباس والدنو بغري إمساس ولعمري لئن كانت األيام طالت بعدها لقد كانت قصرية معها وحسبك باحلب ما إن‬ ‫دعاين‬ ‫آخر‬ ‫ملاما‬ ‫أثاما‬

‫اهلوى لفاحشة ‪ %‬إال هناين احلياء والكرم فال إىل فاحش مددت يدي ‪ %‬وال مشت يب لريبة قدم وقال‬ ‫وصفوها فلم أزل علم الل ‪ %‬ه كئيبا مستوهلا مستهاما هل عليها يف نظرة من جناح ‪ %‬من فىت ال يزور إال‬ ‫حال فيها اإلسالم دون هواه ‪ %‬فهو يهوى وحيفظ اإلسالما ومييل اهلوى به مث خيشى ‪ %‬أن يطيع اهلوى فيلقى‬ ‫وقال احلسني بن مطري أحبك يا سلمى على غري ريبة ‪ %‬وال بأس يف حب تعف سرائره أحبك حبا ال أعنف‬

‫بعده ‪ %‬حمبا ولكين إذا ليم عاذره وقد مات قليب أول احلب مرة ‪ %‬ولو مت أضحى احلب قد مات آخره وقال‬ ‫حممد بن أيب زرعة الدمشقي إن حظي ممن أحب كفاف ‪ %‬ال صدود مقص وال إنصاف كلما قلت قد أنابت إىل‬ ‫الوص ‪ %‬ل ثناها عما أريد العفاف‬ ‫فكأين بني الصدود وبني ال ‪ %‬وصل ممن مقامه األعراف يف حمل بني اجلنان وبني النا ‪ %‬ر أرجوطورا وطورا‬ ‫أخاف وقال عثمان بن الضحاك احلزامي خرجت أريد احلج فنزلت باألبواء فإذا امرأة جالسة على باب خيمة فأعجبين‬ ‫حسنها فتمثلت بقول نصيب بزي نب أملم قبل أن يرحل الركب ‪ %‬وقل إن متلينا فما ملك القلب فقالت يا هذا‬ ‫أتعرف قائل هذا الشعر قلت نعم نصيب قالت فتعرف زينبه قلت ال قالت فأنا زينبه قلت حياك هللا قالت أما إن اليوم‬ ‫موعده من عند أمري املؤمنني خرج إليه عام أول فوعدين هذا اليوم لعلك ال تربح حىت تراه قال فبينا أنا كذلك إذا أنا‬ ‫براكب قالت ترى ذلك الراكب إين ألحسبه إياه قال فأقبل فإذا هو نصيب فنزل قريبا من اخليمة مث أقبل فسلم حىت‬ ‫جلس قريبا منها يسائلها وتسائله أن ينشدها ما أحدث فأنشدها فقلت يف نفسي حمبان طال التنائي بينهما ال بد أن‬ ‫يكون ألحدمها إىل ص احبه حاجة فقمت إىل بعريي ألشد عليه فقال على رسلك إين معك فجلست حىت هنض معي‬ ‫فتسايرنا مث التفت إيل فقال أقلت يف نفسك حمبان التقيا بعد طول التنائي فال بد أن يكون ألحدمهاإىل صاحبه حاجة‬ ‫قلت نعم قد كان ذلك قال ورب هذه البنية ما جلست منها جملسا هو أقرب من هذا وقال عمر بن شبة حدثنا أبو‬ ‫غسان قال مسعت بعض املدنيني يقول كان الرجل حيب الفتاة فيطوف بدارها حوال يفرح أن يرى من يراها فإن‬ ‫ظفر منها مبجلس تشاكيا وتناشدا األشعار واليوم يشري إليها وتشري إليه فيعدها وتعده فإذا التقيا مل يشك حبا ومل ينشد‬ ‫شعرا وقام إليها كأنه قد أشهد على نكاحها أبا هريرة رضي هللا عنه وقال حممد بن سريين كانوا يعشقون يف غري ريبة وكان‬ ‫الرجل يأيت إىل القوم يتحدث عندهم ال يستنكر له ذلك وقال هشام بن حسان لكن اليوم ال يرضون إال باملواقعة وقيل‬ ‫ألعرايب ما تعدون العشق فيكم قال القبلة والضمة والغمزة وإذا نكح احلب فسد وقال املربد كان العتيب حيب جارية تسمى‬


‫ملك فكتب إليها يا ملك قد صرت إىل خطة ‪ %‬رضيت منها فيك بالضيم ما اشتملت عيين على رقدة ‪ %‬مذ‬ ‫غبت عن عيين إىل اليوم فبت مفتوق جماري البكا ‪ %‬معطل العني عن النوم ووجدي الدهر بكم غلمة ‪ %‬فاملوت‬ ‫من نفسي على سوم يلومين الناس على حبكم ‪ %‬والناس أوىل فيك باللوم قال فكتبت إليه إن تكن الغلمة هاجت‬ ‫بكم ‪ %‬فعاجل الغلمة بالصرم ليس بك احلب ولكنما ‪ %‬تدور من هذا على كوم يقال كام الفحل يكوم كوما إذا نزا‬ ‫على احلجرة وأرادت هذه املعشوقة قول النيب يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر‬ ‫وأحصن للفرج ومن مل يستطع فعليه بالصوم‬ ‫فإنه له وجاء وقال أبو احلسن املدائين هوي يعض املسلمني جارية مبكة فأرادها فامتنعت عليه فقال على لسان عطاء‬ ‫بن أيب رباح سألت الفىت املكي هل يف تعانق ‪ %‬وقبلة مشتاق الفؤاد جناح فقال معاذ هللا أن يذهب التقى ‪%‬‬ ‫تالصق أكباد هبن جراج فقالت أهلل سألت عطاءعن ذلك فقال لك هذا فقال اللهم نعم فزارته وجعلت تقول إياك أن‬ ‫تتعدى ما أفتاك به عطاء وقال الزبري بن بكار عن عبدامللك بن عبدالعزيز املاجشون قال أنشدت حممد بن املنكدر قول‬ ‫وضاح اليمن فما تولت حىت تضرعت حوهلا ‪ %‬وأقرأهتا ما رخص هللا يف اللمم فضحك حممد وقال إن كان وضاح‬ ‫ملفتيا يف نفسه وقال األصمعي قيل ألعرايب ما كنت صانعا لو ظفرت مبن هتوى قال كنت أمتع عيين من وجهها وقليب‬ ‫من حديثها وأسرت منها ماال حيبه هللا وال يرضى كشفه إال عند حله قيل فإن خفت أن ال جتتمعا بعد ذلك قال أكل قليب‬ ‫إىل حبها وال أصري بقبيح ذلك الفعل إىل نقض عهدها قال وقيل آلخر وقد زوجت عشيقته من ابن عمها وأهلها على‬ ‫إهدائها إليه أيسرك أن تظفر هبا الليلة قال نعم والذي أمتعين هبا وأشقاين بطلبها قيل فما كنت صانعا قال كنت أطيع‬ ‫احلب يف لثمها وأعصي الشيطان يف إمثها وال أفسد‬ ‫عشق عشر سنني مبا يبقى عاره وتنشر بالقبيح أخباره يف ساعة تنفد لذهتا وتبقى تبعتها إين إذا للئيم مل يغذين أصل‬ ‫كرمي وقال عباس الدوري كان بعض أصحابنا يقول كان سفيان الثوري كثريا ما يتمثل هبذين البيتني تفىن اللذاذة ممن‬ ‫نال صفوهتا ‪ %‬من احلرام ويبقى الوزر والعار تبقى عواقب سوء يف مغبتها ‪ %‬ال خري يف لذة من بعدها النار وقال‬ ‫احلسني بن مطري ونفسك أكرم عن أمور كثرية ‪ %‬فما لك نفس بعدها تستعريها وال تقرب املرعى احلرام فإمنا ‪%‬‬ ‫حالوته تفىن ويبقى مريرها وقال اإلمام أمح د بن حنبل رضي هللا عنه الفتوة ترك ما هتوى ملا ختشى وقال اخلرائطي‬ ‫حدثنا إبراهيم بن اجلنيد حدثنا عبدهللا بن أيب بكر املقدمي حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي قال مسعت مالك بن دينار‬ ‫يقول بينا أنا أطوف إذ أنا جبارية متعبدة متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول يا رب كم من شهوة ذهبت لذهتا وبقيت‬ ‫تبعتها أيا رب أما لك أدب إال النار فما زال مقامها حىت طلع الفجر فلما رأيت ذلك وضعت يدي على رأسي خارجا‬ ‫أقول ثكلت مالكا أمه جويرية منذ الليلة قد بطلته وطائفة بالبيت والليل مظلم ‪ %‬تقول ومنها دمعها يتسجم أيا رب‬ ‫كم من شهوة قد رزئتها ‪ %‬ولذة عيش حبلها يتصرم‬ ‫أما كان يكفي للعباد عقوبة ‪ %‬وال أدبا إال اجلحيم املضرم فما زال ذاك القول منها تضرعا ‪ %‬إىل أن بدا فجر‬ ‫الصباح املقدم فشبكت مين الكف أهتف خارجا ‪ %‬على الرأس أبدى بعض ما كنت أكتم وقلت لنفسي إذا تطاول‬


‫ما هبا ‪ %‬وأعيا عليها وردها املتغنم أال ثكلتك اليوم أمك مالكا ‪ %‬جويرية أهلاك منها التكلم فمازلت بطاال هبا طول‬ ‫ليلة ‪ %‬تنال هبا حظا جسيما وتغنم وقال خمرمة بن عثمان نبئت أن فىت من العباد هوى جارية من أهل البصرة فبعث‬ ‫إيها خيطبها فامتنعت وقالت إن أردت غري ذلك فعلت فأرسل إليها سبحان هللا أدعوك إىل ماال إمث فيه وتدعينين إىل ماال‬ ‫يصلح فقالت قد أخربتك بالذي عندي فإن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر فأنشأ يقول وأسأهلا احلالل وتدع قليب ‪%‬‬ ‫إىل ماال أريد من احلرام كداعي آل فرعون إليه ‪ %‬وهم يدعونه حنو األثام فظل منعما يف اخللد يسعى ‪ %‬وظلوا يف‬ ‫اجلحيم ويف السقام فلما علمت أنه قد امتنع من الفاحشة أرسلت إليه أنا بني يديك على الذي حتب فأرسل إليها ال‬ ‫حاجة لنا فيمن دعوناه إىل الطاعة ودعانا إىل املعصية مث أنشد ال خري فيمن ال يراقب ربه ‪ %‬عند اهلوى وخيافه‬ ‫إميانا حجب التقى سبل اهلوى فأخو التقى ‪ %‬خيشى إذا واىف املعاد هوانا‬ ‫وقال عبدامللك بن مروان لليلى األخيلية باهلل هل كان بينك وبني توبة سوء قط قالت والذي ذهب بنفسه وهو قادر‬ ‫على ذهاب نفسي ما كان بيين وبينه سوء قط إال أنه قدم من سفر فصافحته فغمز يدي فظننت أنه خينع لبعض األمر‬ ‫فذلك معىن قويل وذي حاجة قلنا له ال تبح هبا ‪ %‬فليس إليها ما حييت سبيل لنا صاحب ال بنبغي أن خنونه ‪%‬‬ ‫وأنت ألخرى صاحب وخليل قالت ال والذي ذهب بنفسه ما كلمين بسوء قط حىت فرق بيين وبينه املوت وقال ابن‬ ‫أمحر بينا أنا أطوف بالبيت إذ بصرت بامرأة متربقعة تطوف بالبيت وهي تقول ال يقبل هللا من معشوقة عمال ‪ %‬يوما‬ ‫وعاشقها غضبان مهجور ليست مبأجورة يف قتل عاشقها ‪ %‬لكن عاشقها يف ذاك مأجور فقلت هلا يف هذا املوضع‬ ‫فقالت إليك عين ال يعلقك احلب قلت وما احلب قالت جل وهللا عن أن خيفى وخفي عن أن يرى فهو كالنار يف‬ ‫أحجارها إن حركته أورى وإن تركته توارى مث أنشدت تقول غيد أوانس ما مهمن بريبة ‪ %‬كظباء مكة صيدهن‬ ‫حرام حيسنب من لني احلديث أوانسا ‪ %‬ويصدهن عن اخلنا اإلسالم‬ ‫وقد روى حممد بن عبدهللا األنصاري حدثنا عبدالوارث عن حممد بن جحادة عن الوليد عن عبدالرمحن بن عوف رضي‬ ‫هللا عنه قال قال رسول هللا إذا صل ت املرأة مخسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت اجلنة وقال‬ ‫هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا أيب حدثنا ابن هليعة عن موسى بن وردان عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال‬ ‫قال رسول هللا أميا امرأة اتقت رهبا وأحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل هلا يوم القيامة ادخلي من أي أبواب اجلنة‬ ‫شئت وقال الزبري بن بكار أخربين سعيد بن حيىي بن سعيد األموي حدثين أيب أن امرأة لقيت كثري عزة فقالت تسمع‬ ‫باملعيدي خري من أن تراه قال مه رمحك هللا فأنا الذي أقول فإن أك معروق العظام فإنين ‪ %‬إذا ما وزنت القوم بالقوم‬ ‫أوزن قالت وكيف توزن بالقوم وأنت ال تعرف إال بعزة قال وهللا لئن قلت ذاك لقد رفع هللا هبا قدري وزين هبا شعري‬ ‫وإهنا لكما قلت وما روضة باحلزن طاهرة الثرى ‪ %‬ميج الندى جثجاثها وعرارها بأطيب من أردان عزة موهنا ‪ %‬وقد‬ ‫أوقدت باملندل الرطب نارها من اخلفرات البيض مل تلق شقوة ‪ %‬وباحلسب املكنون صاف جنارها فإن برزت كانت‬ ‫لعينيك قرة ‪ %‬وإن غبت عنها مل يعمك عارها‬


‫قالت أرأيت حني تذكر طيبها فلو أن زجنية ختمرت باملندل الرطب لطاب رحيها أال قلت كما قال امرؤ القيس خليلي‬ ‫مرا يب على أم جندب ‪ %‬نقضي لبانات الفؤاد املعذب أمل ترياين كلما جئت طارقا ‪ %‬وجدت هبا طيبا وإن مل‬ ‫تطيب فقال وهللا احلق خري ما قيل هو وهللا أنعت لصاحبته مين ودخلت عزة على عبدامللك بن مروان وهو ال يعرفها‬ ‫ترفع مظلمة هلا فلما مسع كالمها تعجب منه فقال له بعض جلسائه هذه عزة كثري فقال هلا عبدامللك إن أردت أن أرد‬ ‫عليك مظل متك فأنشديين ما قال فيك كثري فاستحيت وقالت وهللا ما أعرف كثريا ولكين مسعتهم حيكون عنه أنه قال‬ ‫يف قضى كل ذي دين فوقى غرميه ‪ %‬وعزة ممطول معىن غرميها فقال عبدامللك ليس عن هذا أسألك ولكن أنشديين‬ ‫من قوله وقد زعمت أين تغريت بعدها ‪ %‬ومن ذا الذي يا عز ال يتغري تغري جسمي واخلليقة كالذي ‪ %‬عهدت ومل‬ ‫خيرب بسرك خمرب قالت ما مسعت هذا ولكن مسعت الناس حيكون عنه أنه قال يف كأين أنادي صخرة حني أعرضت ‪%‬‬ ‫من الصم لو متشي هبا العصم زلت صفوح فما تلقاك إالخبيلة ‪ %‬فمن مل منها ذلك الوصل ملت فقضى حاجتها‬ ‫ورد مظلمتها وقال أدخلوها على اجلواري يأخذن من أدهبا وذكرت عنه أنه قال فيها أيضا‬ ‫وما نلت منها حمرما غري أنين ‪ %‬أقبل بساما من الثغر أفلجا وألثم فاها تارة مث تارة ‪ %‬وأترك حاجات النفوس‬ ‫حترجا وقال الزبري بن بكار عن عباس بن سهل الساعدي قال بينا أنا بالشام إذ لقيين رجل من أصحايب فقال هل لكم‬ ‫يف مجيل نعوده فدخلنا عليه وهو جيود بنفسه وما خييل إيل إال أن املوت يكرثه فنظر إيل مث قال يا ابن سهل ما تقول يف‬ ‫رجل مل يشرب اخلمر قط ومل يزن ومل يقتل نفسا يشهد أن ال إله إال هللا قلت أظنه قد جنا وأرجو له اجلنة فمن هذا الرجل‬ ‫قال أنا قلت و هللا ما أحسبك سلمت وأنت تشبب منذ عشرين سنة يف بثينة فقال ال نالتين شفاعة حممد يوم القيامة فإين‬ ‫يف أول يوم من أيام اآلخرة وآخر يوم من أيام الدنيا إن كنت وضعت يدي عليها لريبة فما برحنا حىت مات وقال عوانة‬ ‫بن احلكم كان عبداملطلب ال يسافر إال ومعه ابنه احلارث وكان أكرب ولده وكان شبيها به مجاال وحسنا فأتى اليمن وكان‬ ‫جيالس عظيما من عظمائهم فقال له لو أمرت ابنك هذا جيالسين وينادمين ففعل فعشقت امرأته احلارث فراسلته فأىب‬ ‫عليها فأحلت عليه فأخرب بذلك أباه فلما يئست منه سقته سم شهر فارحتل به عبداملطلب حىت إذا قدم مكة مات‬ ‫احلارث وذكرها هشام بن حممد بن السائب الكليب عن أبيه وذكر رثاء أبيه له بقصيدته اليت فيها‬ ‫واحلارث الفياض أكرم ماجد ‪ %‬أيام نازعه اهلمام الكاسا وملا احتضر أبو سفيان بن احلارث هذا وهو ابن عم النيب‬ ‫قال ألهله ال تبكوا علي فإين مل أتنطف خبطيئة منذ أسلمت وملا قدم عروة بن الزبري علىالوليد بن عبدامللك خرجت‬ ‫برجله اآلكلة فاجتمع رأي األطباء على نشرها وأنه إن مل يفعل سرت إىل جسمه فهلك فلما عزم على ذلك قالوا له‬ ‫نسقيك مرقدا قال ومل قالوا لئال حتس مبا يصنع قال ال بل شأنكم فنشروا ساقه باملنشار فما أزال عضوا عن عضو حىت‬ ‫فرغوا منها مث حسموها فلما نظر إليها يف أيديهم تناوهلا وقال احلمد هلل أما والذي محلين عليك إنه ليعلم أين ما مشيت‬ ‫بك إىل حرام قط وملا حضرت عمر بن أيب ربيعة الوفاة بكى عليه أخوه احلارث فقال له عمر يا أخي إن كان أسفك ملا‬ ‫مسعت من قويل قلت هلا وقالت يل فكل مملوك يل حر إن كنت كشفت حراما قط فقال احلارث احلمد هلل تعاىل طيبت‬


‫نفسي‬

‫وقال سفيان بن حممد دخلت يوما عزة على أم البنني أخت عمر بن عبدالعزيز فقالت يا عزة ما قول‬

‫كثري قضى كل ذي دين فوىف غرميه ‪ %‬وعزة ممطول معىن غرميها‬ ‫ما كان هذا الدين فقالت كنت وعدته ب قبلة فتحرجت منها فقالت أم البنني أجنزيها وعلي إمثها قالت فأعتقت أم البنني‬ ‫بكلمتها هذه أربعني رقبة وكانت إذا ذكرهتا بكت وقالت ليتين خرست ومل أتكلم هبا وملا احتضر ذو الرمة قال لقد‬ ‫مهمت مبي عشرين سنة يف غري ريبة وال فساد وكان احلارث بن خالد بن هشام املخزمي عاشقا لعائشة بنت طلحة وله‬ ‫فيها أشعار أفرد هلا ابن املرزبان كتابا فلما قتل عنها مصعب بن الزبري قيل للحارث ما مينعك اآلن منها قال وهللا ال‬ ‫يتحدث رجاالت قريش أن تشبييب هبا كان لريبة ولشيء من الباطل وقال ابن عالقة دخلت على رجل من األعراب‬ ‫خيمته وهو يئن فقلت ما شأنك قال عاشق فقلت له ممن الرجل قال من قوم إذا عشقوا ماتوا عفة فجعلت أعذله وأزهده‬ ‫فيما هو فيه فتنفس الصعداء مث قال ليس يل مسعد فأشكو إليه ‪ %‬إمنا يسعد احلزين احلزين وقال سعيد بن عقبة‬ ‫ألعرايب ممن الرجل قال من قوم إذا عشقوا ماتوا قال عذري ورب الكعبة فقلت له ومم ذاك قال يف نسائنا صباحة ويف‬ ‫رجالنا عفة وقال سفيان بن زياد قلت المرأة من عذرة ورأيت هبا هوى غالبا خفت عليها املوت منه ما بال العشق‬ ‫يقتلكم معاشر عذرة من بني أحياء العرب فقالت فينا مجال وتعفف واجلمال حيملنا على العفاف والعفاف يورثنا رقة‬ ‫القلوب والعشق يفين آجالنا وإنا نرى عيونا ال تروهنا وقال أبو عبيدة معمر بن املثىن قال رجل من بن بين فزارة لرجل‬ ‫من‬ ‫بين عذرة ما يعد موتكم من احلب مزيه وإمنا ذاك من ضعف البنية ووهن العقل وضيق الرئة فقال له العذري أما لو رأيتم‬ ‫احملاجر البلج ترشق باألعني الدعج من فوقها احلواجب الزج والشفاه السمر تفرت عن الثنايا الغر كأهنا نظم الدر جلعلتموها‬ ‫الالت والعزى ونبذمت اإلسالم وراء ظهوركم وقال بشر بن الوليد مسعت أبا يوسف يقول يف مرضه الذي مات فيه اللهم‬ ‫إنك تعلم أين مل أطأ فرجا حراما قط وأنا أعلم ومل آكل درمها حراما قط وأنا أعلم وقال إمساعيل بن إسحاق القاضي‬ ‫دخلت على املعتضد وعلى رأسه غلمان صباح الوجوه أحداث فنظرت إليهم فرآين املعتضد وأنا أتأملهم فلما أردت القيام‬ ‫أشار إيل فمكثت ساعة فلما خال قال يل أيها القاضي وهللا ما حللت سراويلي على حرام قط وقال اليزيدي جلس‬ ‫حممد بن منصور بن بسام وعلى رأسه عدة خدم مل ير قط أحسن منهم ما منهم من مثنه ألف دينار بل أكثر فجعل‬ ‫الناس ينظرون إليهم فقال حممد هم أحرار لوجه هللا إن كان هللا كتب علي ذنبا مع واحد منهم فمن عرف خالف ذلك‬ ‫منهم فليمض فإنه قد عتق وهو يف حل مما يأخذ من مايل وقال إبراهيم بن أيب بكر بن عياش شهدت أيب عند املوت‬ ‫فبكيت فقال ما يبكيك فما أتى أبوك فاحشة قط‬ ‫وقال عمر بن حفص بن غياث ملا حضرت أيب الوفاة أغمي عليه فبكيت عند رأسه فقال يل حني أفاق ما يبكيك‬ ‫قلت أبكي لفراقك وملا دخلت فيه من هذا األمر يعين القضاء قال ال تبك فإين ما حللت سراويلي على حرام قط وال‬ ‫جلس بني يدي خصمان فباليت على من توجه احلكم منهما وقال سفيان بن أمحد املصيصي شهدت اهليثم بن مجيل‬ ‫وهو ميوت وقد سجي حنو القبلة فقامت جاريته تغمز رجليه فقال اغمزيهما فإن هللا يعلم أهنما ما مشتا إىل حرام‬


‫قط وقال حممد بن إسحاق نزل السري بن دينار يف درب مبصر وكانت فيه امرأة مجيلة فتنت الناس جبماهلا فعلمت به‬ ‫املرأة فقالت ألفتننه فلما دخلت من باب الدار تكشفت وأظهرت نفسها فقال مالك فقالت هل لك يف فراش وطي‬ ‫وعيش رخي فأقبل عليها وهو يقول وكم ذي معاص نال منهن لذة ‪ %‬ومات فخالها وذاق الدواهيا تصرم لذات‬ ‫املعاصي وتنقضي ‪ %‬وتبقى تباعات املعاصي كما هيا فيا سوءتا وهللا راء وسامع ‪ %‬لعبد بعني هللا يغشى‬ ‫املعاصيا وقال عمر بن بكري قال أعرايب علقت امرأة كنت آتيها فأحدثها سنني وما جرت بيننا ريبة قط إال أين رأيت‬ ‫بياض كفيها يف ليلة ظلماء فوضعت يدي على يدها فقالت مه ال تفسد ما بيين وبينك فإنه ما نكح حب‬ ‫قط إال فسد قال فقمت وقد تصببت عرقا حياء منها ومل أعد إىل شيء من ذلك وذكر أبو الفرج وغريه أن امرأة مجيلة‬ ‫كانت مبكة وكان هلا زوج فنظرت يوما إىل وجهها يف املرآة فقالت لزوجها أترى أحدا يرى هذا الوجه وال يفتنت به قال‬ ‫نعم قالت من قال عبيد بن عمري قالت فائذن يل فيه فألفتننه قال قد أذنت لك قال فأتته كاملستفتية فخال معها يف‬ ‫ناحية من املسجد احلرام فأسفرت عن وجه مثل فلقة القمر فقال هلا يا أمة هللا استرتي فقالت إين قد فتنت بك قال إين‬ ‫سائلك عن شيء فإن أنت صدقتين نظرت يف أمرك قالت ال تسألين عن شيء إال صدقتك قال أخربيين لو أن ملك‬ ‫املوت أتاك ليقبض روحك أكان يسرك أن أقضي لك هذه احلاجة قالت اللهم ال قال صدقت قال فلو دخلت قربك‬ ‫وأجلست للمساءلة أكان يسرك أين قضيتها لك قالت اللهم ال قال صدقت قال فلو أن الناس أعطوا كتبهم وال تدرين‬ ‫أتأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك أكان يسرك أين قضيتها لك قالت اللهم ال قال صدقت قال فلو أردت املمر على‬ ‫الصراط وال تدرين هل تنجني أو ال تنجني أكان يسرك أين قضيتها لك قالت اللهم ال قال صدقت قال فلو جيء بامليزان‬ ‫وجيء بك فال تدرين أخيف ميزانك أم يثقل أكان يسرك أين قضيتها لك قالت اللهم ال قال فلو وقفت بني يدي هللا‬ ‫للمساءلة أكان يسرك أين قضيتها لك قالت اللهم ال قال صدقت قال اتسقي هللا فقد أنعم هللا عليك وأحسن إليك قال‬ ‫فرجعت إىل زوجها فقال ما صنعت قالت أنت بطال وحنن بطالون فأقبلت على الصالة والصوم والعبادة فكان زوجها‬ ‫يقول مايل ولعبيد بن عمري أفسد علي امرأيت كانت يف كل ليلة عروسا فصريها راهبة‬ ‫وقال سعيد بن عبدهللا بن راشد علقت فتاة من العرب فىت من قومها وكان عاقال فجعلت تكثر الرتدد إليه فلما طال‬ ‫عليها ذلك مرضت وتغريت واحتالت يف أن خال هلا وجهه فتعرضت إليه ببعض األمر فصرفها ودفعها عنه فتزايد املرض‬ ‫حىت سقطت على الفراش فقالت له أمه إن فالنة قد مرضت وها علينا حق قال فعوديها وقويل هلا يقول لك ما خربك‬ ‫فسارت إليها أمه وسألتها ما بك فقالت وجع يف فؤادي هو أصل عليت قالت فإن ابين يسألك عن علتك فتنفست‬ ‫الصعداء مث قالت يسائلين عن عليت وهو عليت ‪ %‬عجيب من األنباء جاء به اخلرب فانصرفت إليه أمه وأخربته وقالت‬ ‫له تريد أن تصري إليك فقال نعم فذكرت أمه هلا ذلك فبكت وقالت ويبعدين عن قربه ولقائه ‪ %‬فلما أذاب اجلسم مين‬ ‫تعطفا فلست بآت موضعا فيه قاتلي ‪ %‬كفاين سقاما أن أموت تلهفا وتزايدت هبا العلة حىت ماتت وأحب رجل‬ ‫من أهل الكوفة يسمى أبا الشعثاء امرأة مجيلة فلما علمت به كتبت إليه وقالت أليب الشعثاء حب دائم ‪ %‬ليس فيه‬ ‫هتمة ملتهم يا فؤادي فازدجر عنه ويا ‪ %‬عبث احلب به فاقعد وقم جاءين منه كالم صائد ‪ %‬ورساالت احملبني الكلم‬


‫صائد يأمنه غزالنه ‪ %‬مثل ما يأمن غزالن احلرم صل إن أحببت أن تعطى املىن ‪ %‬يا أبا الشعثاء هلل وصم مث‬ ‫ميعادك بعد املوت يف ‪ %‬جنة اخللد إن هللا رحم حيث ألقاك غالما ناشئا ‪ %‬ناعما قد كملت فيه النعم وقال‬ ‫األصمعي عن أيب سفيان بن العالء قال بصرت الثريا بعمر بن أيب ربيعة وهو يطوف حول البيت فتنكرت ويف كفها‬ ‫خلوق فزمحته فأثر اخللوق يف ثوبه فجعل الناس يقولون يا أبا اخلطاب ما هذا زي احملرم فأنشأ يقول أدخل هللا رب‬ ‫موسى وعيسى ‪ %‬جنة اخللد من مالين خلوقا مسحت كفها جبيب قميصي ‪ %‬حني طفنا بالبيت مسحا رفيقا فقال‬ ‫له عبدهللا بن ع مر مثل هذا القول يف هذا املوضع فقال له يا أبا عبدالرمحن قد مسعت مين ما قد مسعت فورب هذه البنية‬ ‫ما حللت إزاري على حرام قط وقيل لليلى األخيلية هل كان بينك وبني توبة ما يكرهه هللا قالت إذا أكون منسلخة من‬ ‫ديين إن كنت ارتكبت عظيما مث أتبعه بالكذب وقال العتيب خرجت إىل املربد فإذا بأعرايب غزل فملت إليه فذكرت‬ ‫النساء فتنفس مث قال يا ابن أخي إن من كالمهن ملا يقوم مقام املاء فيشفي من الظمأ فقلت صف يل نساءكم فقال‬ ‫نساء احلي تريد قلت نعم فأنشأ يقول‬ ‫رجح ولسن من اللوايت بالضحى ‪ %‬لذيوهلن على الطريق غبار يأنسن عند بعوهلن إذا خلوا ‪ %‬وإذا هم خرجوا فهن‬ ‫خفار قال العتيب فأخربت به أيب قال تدري من أين أخذ قوله وإن من كالمهن ما يقوم مقام املاء فيشفي من الظمأ‬ ‫قلت ال قال من قول القطامي يقتلننا حبديث ليس يعلمه ‪ %‬من يتقني وال مكنونه بادي فهن يبدين من قول يصنب‬ ‫به ‪ %‬مواقع املاء من ذي الغلة الصادي وهذه الطائفة لعفتهم أسباب أقواها إجالل اجلبار مث الرغبة يف احلور احلسان يف‬ ‫دار القرار فإن من صرف استمتاعه يف هذه الدار إىل ما حرم هللا عليه منعه من االستمتاع باحلور احلسان هناك قال من‬ ‫يلبس احلرير يف الدنيا مل يلبسه يف اآلخرة ومن شرب اخلمر يف الدنيا مل يشرهبا يف اآلخرة فال جيمع هللا للعبد لذة شرب‬ ‫اخلمر ولبس احلرير والتمتع مبا حرم هللا عليه من النساء والصبيان ولذة التمتع بذلك يف اآلخرة فليتخري العبد لنفسه إحدى‬ ‫اللذتني وليطب نفسا عن إحدامها باألخرى فلن جيعل هللا من أذهب طيباته يف حياته الدنيا واستمتع هبا كمن صام عنها‬ ‫ليوم فطره من الدنيا إذا لقي هللا ودون ذلك مرتبة أن يرتكها خوف النار فقط فإن تركها رغبة وحمبة أفضل من تركها جملرد‬ ‫خوف العقوبة‬ ‫مث أدىن من ذلك أن حيمله عليها خوف العار والشنار ومنهم من حيمله على العفة اإلبقاء على حمبته خشية ذهاهبا‬ ‫بالوصال ومنهم من حيمله عليها عفة حمبوبه ونزاهته ومنهم من حيمله عليها احلياء منه واالحتشام له وعظمته يف صدره‬ ‫ومنهم من حيمله عليها الرغبة يف مجيل الذكر وحسن األحدوثة ومنهم من حيمله عليها اإلبقاء على جاهه ومروءته وقدره‬ ‫عند حمبوبه وعند الناس ومنهم من حيمله عليها كرم طبعه وشرف نفسه وعلو مهته ومنهم من حيمله عليها لذة الظفر‬ ‫بالعفة فإن للعفة لذة أعظم من لذة قضاء الوطر لكنها لذة يتقدمها أمل حبس النفس مث تعقبها اللذة وأما قضاء الوطر‬ ‫فبالضد من ذلك ومنهم من حيمله عليها علمه مبا تعقبه اللذة احملرمة من املضار واملفاسد ومجع الفجور خالل الشر كلها‬ ‫كما ستقف عليه يف الباب الذي يلي هذا إن شاء هللا تعاىل فصل ومل يزل الناس يفتخرون بالعفة قدميا وحديثا قال‬ ‫إبراهيم بن هرمة ولرب لذة ليلة قد نلتها ‪ %‬وحرامها حبالهلا مدفوع وقال غريه إذا ما مهمنا صدنا وازع التقى ‪%‬‬


‫فوىل على أعقابه اهلم خاسئا وقال آخر أتأذنون لصب يف زيارتكم ‪ %‬فعندكم شهوات السمع والبصر ال يضمر‬ ‫السوء إن طالت إقامته ‪ %‬عف الضمري ولكن فاسق النظر‬ ‫وقال مسلم بن الوليد أال ريب يوم صادق العيش نلته ‪ %‬هبا ونداماي العفافة والنهى وقال آخر إن تريين زاين‬ ‫العينني ‪ %‬فالفرج عفيف ليس إال النظر الفا ‪ %‬تر والشعر الظريف وقال املوسوي بتنا ضجيعني يف ثويب هوى‬ ‫وتقى ‪ %‬يلفنا الشوق من فرق إىل قدم يشي بنا الطيب أحيانا وآونة ‪ %‬يضيئنا الربق جمتازا على إضم مث انثنينا وقد‬ ‫رابت ظواهرنا ‪ %‬ويف بواطننا بعد عن التهم وقال نفطويه كم قد خلوت مبن أهوى فيمنعين ‪ %‬منه احلياء وخوف هللا‬ ‫واحلذر وكم ظفرت مبن أهوى فيقنعين ‪ %‬منه الفكاهة والتجميش والنظر أهوى احلسان وأهوى أن أجالسهم ‪%‬‬ ‫وليس يل يف حرام منهم وطر كذلك احلب ال إتيان معصية ‪ %‬ال خري يف لذة من بعدها سقر وقال الشهاب حممود‬ ‫بن سليمان صاحب ديوان اإلنشاء احلليب‬ ‫هلل وقفة عاشقني تالقيا ‪ %‬من بعد طول نوى وبعد مزار يتعاطيان من الغرام مدامة ‪ %‬زادهتما بعدا من‬ ‫األوزار صدقا الغرام فلم ميل طرف إىل ‪ %‬فحش وال كف حلل إزار فتالقيا وتفرقا وكالمها ‪ %‬مل خيش مطعن عائب‬ ‫أو زار وقيل ل بثينة هذا مجيل ملا به فهل عندك من حيلة تنفسني هبا وجده فقالت ما عندي أكثرمن البكاء إىل أن ألقاه‬ ‫يف الدار األخرى أو زيارته وهو ميت حتت الثرى وقيل لعتبة بعد موت عاشقها ما كان يضرك لو أمتعتيه بوجهك قالت‬ ‫منعين من ذلك خوف العار ومشاتة اجلار وخمافة اجلبار وإن بقليب أضعاف ما بقلبه غري أين أجد سرته أبقى للمودة وأمحد‬ ‫للعاقبة وأطوع للرب وأخف للذنب وهوي فىت امرأة وهويته وشاع خربمها فاجتمعا يوما خاليني فقال هلا هلمي حنقق ما‬ ‫يقال فينا فقالت ال وهللا ال كان هذا أبدا وأنا أقرأ األخالء يومئذ بعضهم لبعض عدو إال املتقني وقيل لبعضهم وقد هوي‬ ‫جارية فطال عشقه هبا ما أنت صانع لوظفرت هبا وال يراكما إال هللا قال وهللا ال جعلته أهون الناظرين إيل ال أفعل هبا‬ ‫خاليا إال ما أفعله حبضرة أهلها حنني طويل وحلظ من بعيد وأترك ما يسخط الرب ويفسد احلب إذا كان حظ املرء ممن‬ ‫حيبه ‪ %‬حراما فحظي ما حيل وجيمل حديث كماء املزن بني فصوله ‪ %‬عتاب به حسن احلديث يفصل‬ ‫ولثم فم عذب اللثات كأمنا ‪ %‬جناهن شهد فت فيه القرنفل وما العشق إال عفة ونزاهة ‪ %‬وأنس قلوب أنسهن‬ ‫التغزل وإين ألستحيي احلبيب من اليت ‪ %‬تريب وأدعى للجميل فأمجل وقال آخر وإين ملشتاق إىل كل غاية ‪ %‬من‬ ‫اجملد يكبو دوهنا املتطاول بذول ملايل حني يبخل ذو النهى ‪ %‬عفيف عن الفحشاء قرم حالحل وما ألطف قوله حني‬ ‫يبخل ذو النهى فإن ذا النهى ال يبخل إال يف موضع البخل فأخرب هذا أنه يبذل ماله حني يبخل به ربه يف موضع‬ ‫البخل وقال عامر بن حذافة رأيت بصحار جارية قد ألصقت خدها بقرب وهي تبكي وتقول خدي يقيك خشونة‬ ‫اللحد ‪ %‬وأقل ما لك سيدي خدي يا ساكن الرتب الذي بوفاته ‪ %‬عميت علي مسالك الرشد إمسع فديتك قصيت‬ ‫فلعلين ‪ %‬أشفي بذلك غلة الوجد قال فسألتها عن صاحب القرب فقالت فىت رافقته يف الصبا مث أنشأت تقول كنا‬ ‫كزوج محائم يف أيكة ‪ %‬متنعمني بصحة وشباب فغدا الزمان مشتتا بفراقه ‪ %‬إن الزمان مفرق األحباب‬


‫قال فبكيت لرقة شعرها فأنشأت تقول تبكي عليه ولست تعرف أمره ‪ %‬فألعلمنك حاله ببيان ما كان للعافني غري‬ ‫نواله ‪ %‬فإذا استجري ففارس الفرسان ال يتبع اجلريان رفة طرفه ‪ %‬ويتابع اإلحسان للجريان عف السريرة واجلهرية‬ ‫مثلها ‪ %‬فإذا استضم أراك فتق طعان فقلت أعلميين من هو قالت سنان بن وبرة الذي يقول فيه الشاعر يا رائدا غيثا‬ ‫لنجعة قومه ‪ %‬يكفيك من غيث نوال سنان مث قالت يا هذا وهللا لوال أنك غريب ما متعك من حديثي قلت فكيف‬ ‫كان حبه لك قالت ما كان يوسدين إذا منت إال يده فمكثت معه أربعة أحوال ما توسدت غريها إال يف حال مينعه‬ ‫مانع وقال سعيد بن حيىي األموي حدثين عمي حممد بن سعيد حدثنا عبدامللك ابن عمري قال كان أخوان من ثقيف‬ ‫من بين كنة بينهما من التحاب شيء ال يعلمه إال هللا وكل واحد منهما أخوه عنده عدل نفسه فخرج األكرب منهما إىل‬ ‫سفر له وله امرأة فأوصى أخاه حباجة أهله فبينا املقيم يف دار الظاعن إذ مرت امرأة أخيه يف درع جتوز من بيت إىل بيت‬ ‫وكانت من أمجل البشر فرأى شيئا حريه فلما رأته ولت ووضعت يدها على رأسها ودخلت بيتا ووقع حبها يف قلبه فجعل‬ ‫يذوب وينحل جسمه ويتغري لونه وقدم أخوه فقال مالك يا أخي متغريا ما وجعك قال ما يب من وجع فدعا له األطباء‬ ‫فلم يقف‬ ‫أحد على دائه غري احلارث بن كلدة وكان طبيبا فقال أرى عينني صحيحتني وما أدري ما هذا الوجع وما أظنه إال عاشقا‬ ‫فقال له أخوه سبحان هللا أسألك عن وجع أخي وأنت تستهزىء يب فقال ما فعت وسأسقيه شرابا عندي فإن كان‬ ‫عاشقا فسيتبني لكم فأتاه بشراب فجعل يسقيه قليال قليال فلما أخذه الشراب هاج وقال أملا يب على األبيا ‪ %‬ت من‬ ‫خيف نزرهنه غزال ما رأيت اليو ‪ %‬م يف دور بين كنه أسيل اخلد مربوب ‪ %‬ويف منطقه غنه فقال أنت طبيب‬ ‫العرب فبمن قال سأعيد له الشراب ولعله يسمي فأعاد له الشراب فسمى املرأة فطلقها أخوه ليتزوجها فقال املريض علي‬ ‫كذا وكذا إن تزوجتها فقضى ومل يتزوجها وقال علي بن املبارك السراج حدثنا أبو مسهر عن بكر بن عبدهللا قال عرض‬ ‫احلجاج بن يوسف س جنه يوما فأيت برجل فقال ما كان جرمك فقال أصلح هللا األمري أخذين العسس وأناخمربك خبربي‬ ‫فإن كان الكذب ينجي فالصدق أوىل بالنجاة قال وما قصتك قال كنت أخا لفالن فضرب األمري عليه البعث إىل‬ ‫خراسان فكانت امرأته هتواين وأنا ال أشعر فبعثت إيل ذات يوم رسوال أن قد جاء كتاب صاحبك فهلم لتقرأه فمضيت‬ ‫إليها فجعلت تشغلين باحلديث حىت صلينا املغرب مث أظهرت يل ما يف نفسها مين ودعتين إىل السوء فأبيت ذلك فقالت‬ ‫وهللا لئن مل تفعل ألصيحن وألقولن‬ ‫إنك لص فخفتها وهللا أيها األمري على نفسي فقلت أمهليين حىت الليل فلما صليت العتمة وثقت بشدة حرس األمري‬ ‫فخرجت من عندها هاربا وكان القتل أيسر علي من خيانة أخي فلقيين عسس األمري فأخذوين وقد قلت يف ذلك شعرا‬ ‫قال وما قلت فقال رب بيضاء آنس ذات دل ‪ %‬قد دعتين لوصلها فأبيت مل يكن شأين العفاف ولكن ‪ %‬كنت‬ ‫خال لزوجها فاستحيت فأمر بإطالقه وقال الربيع بن زياد رأيت جارية عند قرب وهي تقول بنفسي فىت أوفىالربية كلها‬ ‫‪ %‬وأقواهم يف املوت صربا على احلب فقلت هلا مب صار أوفاهم وأقواهم قالت هويين فكان أهلي إن جاهر حبيب الموه‬ ‫وإن كتمه عنفوه فلما أخذه األمر قال يقولون إن جاهرت قد عضك اهلوى ‪ %‬وإن مل أبح باحلب قالوا تصربا وليس‬


‫ملن يهوى ويكتم حبه ‪ %‬من األمر إال أن ميوت فيعذرا ومل يزل يردد هذين البيتني حىت مات فوهللا يا هذا ال أبرح أو‬ ‫يتصل قربانا مث شهقت شهقة فصاح النساء وقلن قضت والذي اختار هلا الوفاة فما رأيت أسرع وال أوحى من أمرها قال‬ ‫ابن الدمينة وبتنا فويق احلي ال حنن منهم ‪ %‬وال حنن باألعداء خمتلطان وبات بقينا ساقط الطل والندى ‪ %‬من الليل‬ ‫بردا مينة عطران‬ ‫نذور بذكر هللا عنا غوى الصبا ‪ %‬إذا كان قلبانا له يردان ونصدر عن ري العفاف ورمبا ‪ %‬نقعنا غليل احلب‬ ‫بالرشفان قال أبو الفرج وشت جارية بثينة هبا إىل أبيها وأخيها وقالت هلما إن مجيال عندها فأتيا مشتملني على‬ ‫سيفيهما فرأياه خاليا حجرة منها حيدثها ويشكو إليها بثه مث قال هلا يا بثينة أرأيت ما يب من الشغف والعشق أال جتزينيه‬ ‫قالت له مباذا قال مبا يكون من املتحابني فقالت له يا مجيل أهذا تبغي وهللا لقد كنت عندي بعيدا منه فإذا عاودت‬ ‫تعريضا بريبة ال رأيت وجهي أبدا فضحك وقال وهللا ما قلت لك هذا إال ألعلم ما عندك ولو علمت أنك جتيبينين إليه‬ ‫لعلمت أنك جتيبني غريي ولو رأيت منك مساعدة لضربتك بسيفي هذا ما استمسك يف يدي إن طاوعتين نفسي أو‬ ‫هجرتك أبدا أما مسعت قويل وإين ألرضى من بثينة بالذي ‪ %‬لو أبصره الواشي لقرت بالبله بال وبأن ال أستطيع‬ ‫وباملىن ‪ %‬وباألمل املرجو قد خاب آمله وبالنظرة العجلى وباحلول تنقضي ‪ %‬أواخره ال نلتقي وأوائله فقال أبوها‬ ‫ألخيها قم بنا فما ينبغي لنا بعد هذا اليوم أن مننع هذا الرجل من إتياهنا‬ ‫الباب الرابع والعشرون يف ارتكاب سبيلي احلرام وما يفضي إليه من املفاسد‬ ‫واآلالم حقيق بكل عاقل أن ال يسلك سبيال حىت يعلم سالمتها وآفاهتا وما توصل إليه تلك الطريق من سالمة أو‬ ‫عطب وهذان السبيالن هالك األولني واآلخرين هبما وفيهما من املعاطب واملهالك ما فيهما ويفضيان بصاحبهما إىل‬ ‫أقبح الغايات وشر موارد اهللكات وهلذا جعل هللا سبحانه وتعاىل سبيل الزىن سر سبيل فقال تعاىل وال تقربوا الزىن إنه كان‬ ‫فاحشة وساء سبيال فإذا كانت هذه سبيل الزىن فكيف بسبيل اللواظ اليت تعدل الفعلة منه يف اإلمث والعقوبة أضعافها‬ ‫وأضعاف أضعافها من الزىن كما ستقف عليه إن شاء هللا تعاىل فأما سبيل الزىن فأسوأ سبيل ومقيل أهلها يف اجلحيم شر‬ ‫مقيل ومستقر أرواحهم يف الربزخ يف تنور من نار يأتيهم هلبها من حتتهم فإذا أتاهم اللهب ضجوا وارتفعوا مث يعودون إىل‬ ‫موضعهم فهم هكذا إىل يوم القيامة كما رآهم النيب يف منامه ورؤيا األنبياء وحي ال شك فيها فروى البخاري يف‬ ‫صحيحه من حديث مسرة بن جندب رضي هللا عنه قال كان رسول هللا مما يكثر أن يقول ألصحابه هل رأى أحد منكم‬ ‫من رؤيا فيقص عليه ما شاء هللا أن يقص وإنه قال لنا ذات‬ ‫غداة إنه أتاين الليلة آتيان وإهنما ابتعثاين وإهن ما قاال يل انطلق وإين انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا‬ ‫آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ راسه فيتدهده احلجر هاهنا فيتبع احلجر فيأخذه فال يرجع‬ ‫إليه حىت يصح رأسه كما كان مث يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل املرة األوىل قال قلت هلما سبحان هللا ما هذان قال قاال‬ ‫يل انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأيت أحد شقي‬


‫وجهه فيشرشر شدقه إىل قفاه ومنخره إىل قفاه وعينه إىل قفاه مث يتحول إىل اجلانب اآلخر فيفعل به مثل ما فعل باجلانب‬ ‫األول فما يف رغ من ذلك اجلانب حىت يصح ذلك اجلانب كما كان مث يعود عليه فيفعل مثل ما فعل املرة األوىل قال قلت‬ ‫سبحان هللا ما هذان قال قاال يل انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل التنور فإذا فيه لغط وأصوات قال فاطلعنا فيه فإذا‬ ‫فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم هلب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قال قلت هلما ما هؤالء قال‬ ‫قاال يل انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على هنر أمحر مثل الدم وإذا يف النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد‬ ‫مجع عنده حجارة كثرية وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح مث يأيت ذلك الذي قد مجع عنده احلجارة فيغفر له فاه فيلقمه‬ ‫حجرا فينطلق يسبح مث يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا قال قلت هلما ما هذان قال‬ ‫قاال يل انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على رجل كريه املرآة كأكره ما أنت راء رجال مرآة وإذا عنده نار حيشها ويسعى حوهلا‬ ‫قال قلت هلما ما هذا قال قاال يل انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع وإذا بني ظهري‬ ‫الروضة رجل طويل ال أكاد أرى رأسه طوال يف السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط قال قلت هلما ما‬ ‫هؤالء قال قاال يل انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على دوحة مل أر دوحة قط أعظم منها وال أحسن قال قاال يل ارق فيها‬ ‫فارتقينا فيها إىل مدينة مبنية بلنب ذهب ولنب فضة قال فأتينا باب املدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجال‬ ‫شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء قال قاال هلم اذهبوا فقعوا يف ذلك النهر قال وإذا هنر‬ ‫معرتض جيري كأن ماءه احملض يف البياض فذهبوا فوقعوا فيه مث رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا يف أحسن‬ ‫صورة قال قاال يل هذه جنة عدن وهذاك منزلك قال فسما بصري صعدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء قال قاال يل هذاك‬ ‫منزلك قال قلت هلما بارك هللا فيكما ذراين فأدخله قاال أما اآلن فال وأنت داخله قال قلت هلما فإين قد رأيت‬ ‫منذ الليلة عجبا فما هذا الذي رأيت قال قاال يل أما إنا سنخربك أما الرجل األول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه باحلجر‬ ‫فإنه الرجل يأخذ القرآن فريفضه وينام عن الصالة املكتوبة وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إىل قفاه ومنخره إىل‬ ‫قفاه وعينه إىل قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ اآلفاق وأما الرجال والنساء العراة الذين هم يف مثل‬ ‫بناء التنور فإهنم الزناة والزواين وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح يف النهر ويلقم احلجر فإنه آكل الربا وأما الرجل الكريه‬ ‫املرآة الذي عند النار حيشها ويسعى حوهلا فإنه مالك خازن جهنم وأما الرجل الطويل الذي يف الروضة فإنه إبراهيم وأما‬ ‫الولدان حوله فكل مولود مات على الفطرة قال فقال بعض املسلمني يا رسول هللا وأوالد املشركني قال وأوالد املشركني‬ ‫وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإهنم قوم خلطوا عمال صاحلا وآخر سيئا جتاوز هللا‬ ‫عنهم وقال أبو مسلم الكجي حدثنا صدقة بن جابر عن سليم بن عامر قال حدثين أبو أمامة الباهلي قال مسعت النيب‬ ‫يقول بينا أنا نائم إذ أتاين رجالن فأخذا بضبعي فأخرجاين فأتيا يب جبال وعرا وقاال يل اصعد فقلت إين ال أطيقه فقاال‬ ‫سنسهله لك قال فصعدت حىت إذا كنت يف سواء اجلبل إذا أنا بأصوات مديدة فقلت ما هذه األصوات فقاال هذا عواء‬ ‫أهل النار مث انطلق يب فإذا أنا بفوج أشد شيء انتفاخا وأنتنه رحيا وأسوأه منظرا فقلت من هؤالء فقاال هؤالء قتلى الكفار‬ ‫مث انطلق يب فإذا بفوج أشد شيء انتفاخا وأنتنه رحيا كأن‬


‫رحيهم املراحيض فقلت من هؤالء قال الزانون والزواين وقال قتيبة بن سعيد حدثنا نوح بن قيس قال حدثين أبو هارون‬ ‫العبدي عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه قال قال رسول هللا ليلة أسري يب انطلق يب إىل خلق من خلق هللا كثري نساء‬ ‫معلقات بثديهن ومنهن بأرجلهن منكسات وهلن صراخ وخوار فقلت يا جربيل من هؤالء قال هؤالء اللوايت يزنني ويقتلن‬ ‫أوالدهن وجيعلن ألزواجهن ورثة من غريهم وقال أبو نعيم الفضل بن دكني حدثنا عبدالسالم بن شداد عن غزوان بن‬ ‫جرير عن أبيه أهنم تذاكروا عند علي بن أيب طالب رضي هللا عنه الفواحش فقال هلم هل تدرون أي الزىن أعظم قالوا يا‬ ‫أمري املؤمنني كله عظيم قال ولكن سأخربكم بأعظم الزىن عند هللا هو أن يزين الرجل بزوجة الرجل املسلم فيصري زانيا وقد‬ ‫أفسد على الرجل زوجته مث قال عند ذلك إن الناس يرسل عليهم يوم القيامة ريح منتنة حىت يتأذى منها كل بر وفاجر‬ ‫حىت إذا بلغت منهم كل مبلغ وأملت أن متسك بأنفاس األمم كلهم ناداهم مناد يسمعهم الصوت ويقول هلم هل تدرون‬ ‫ما هذه الريح اليت قد آذتكم فيقولون ال ندري وهللا إال أهنا قد بلغت منا كل مبلغ فيقال أال إهنا ريح‬ ‫فروج الزناة الذين لقوا هللا بزناهم ومل يتوبوا منه مث يصرف هبم فلم يذكر عند الصرف هبم جنة وال نارا وقال اخلرائطي‬ ‫حدثنا علي بن داود القنطري حدثنا سعيد بن عفري حدثين مسلم بن علي اخلشين عن أيب عبدالرمحن عن األعمش عن‬ ‫شقيق عن حذيفة رضي هللا عنه أن رسول هللا قال يا معشر املسلمني إياكم والزىن فإن فيه ست خصال ثالث يف الدنيا‬ ‫وثالث يف اآلخرة فأما اللوايت يف الدنيا فذهاب البهاء ودوام الفقر وقصر العمر وأما اللوايت يف اآلخرة فسخط هللا وسوء‬ ‫احلساب ودخول النار ويذكر عن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال املقيم على الزىن كعابد وثن ورفعه بعضهم وهذا أوىل‬ ‫أن يشبه بعابد الوثن من مدمن اخلمر ويف املسند وغريه مرفوعا مدمن اخلمر كعابد وثن فإن الزىن أعظم من شرب اخلمر‬ ‫قال اإلمام أمحد بن حنبل رمحه هللا تعاىل ليس بعد قتل النفس أعظم من الزىن ويف الصحيحني من حديث أيب وائل عن‬ ‫عبدهللا بن مسعود رضي هللا عنه قال قلت يا رسول هللا أي الذنب أعظم عند هللا قال أن جتعل هلل ندا وهو خلقك قال‬ ‫قلت مث أي قال أن تقتل ولدك خمافة أن يطعم منك‬ ‫قال قلت مث أي قال أن تزين حبليلة جارك فأنزل هللا تصديق ذلك يف كتابه والذين ال يدعون مع هللا إهلا آخر وال يقتلون‬ ‫النفس اليت حرم هللا إال باحلق وال يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما وقال قتيبة بن سعيد حدثنا ابن هليعة عن ابن أنعم‬ ‫عن رجل عن عبدهللا بن عمرو رضي هللا عنه قال قال رسول هللا الزاين حبليلة جاره ال ينظر هللا إليه يوم القيامة وال يزكيه‬ ‫ويقول له ادخل النار مع الداخلني وذكر سفيان بن عيينة عن جامع بن شداد عن أيب وائل عن عبدهللا قال إذا خبس‬ ‫املكيال حبس القطر وإذا ظهر الزىن وقع الطاعون وإذا كثر الكذب كثر اهلرج ويف الصحيحني من حديث األعمش عن‬ ‫أيب حازم عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا ثالثة ال يكلمهم هللا يوم القيامة وال ينظر إليهم وال يزكيهم وهلم‬ ‫عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكرب وذكر سفيان الثوري عن منصور عن ربعي بن حراش عن أيب ذر‬ ‫رضي هللا عنه أن رسول هللا قال إن هللا يبغض ثالثة‬ ‫الشيخ الزاين واملقل املختال والبخيل املنان وذكر األعمش عن خيثمة عن أيب عبدالرمحن عن عبدهللا بن عمرو رضي هللا‬ ‫عنهما عن النيب قال مثل الذي جيلس على فراش املغيبة مثل الذي ينهشه األساود يوم القيامة املغيبة هي اليت قد سافر‬


‫زوجها يف جهاد أو حج أو غريمها ويف النسائي وغريه من حديث بريدة عن النيب قال حرمة نساء اجملاهدين على القاعدين‬ ‫كأمهاهتم وما من رجل من القاعدين خيلف رجال من اجملاهدين يف أهله إال نصب له يوم القيامة فيقال يا فالن هذا فالن‬ ‫فخذ من حسناته ما شئت مث التفت النيب إىل أصحابه فقال ما ترون يدع له من حسناته شيئا ويف لفظ وإذ اخلفه يف‬ ‫أهله فخانه قيل يوم القيامة هذا خانك يف أهلك فخذ من حسناته ما شئت فما ظنكم ويكفي يف قبح الزىن أن هللا‬ ‫سبحانه وتعاىل مع كمال رمحته شرع فيه أفحش القتالت وأصعبها وأفضحها وأمر أن يشهد عباده املؤمنون تعذيب فاعله‬ ‫ومن قبحه أن هللا سبحانه فطر عليه بعض احليوان البهيم الذي ال عقل له كما ذكر البخاري يف صحيحه عن عمرو بن‬ ‫ميمون األودي قال رأيت يف اجلاهلية قردا زىن بقردة فاجتمع عليهما القرود فرمجومها حىت ماتا وكنت فيمن رمجهما‬ ‫فصل والزىن جيمع خالل الشر كلها من قلة الدين وذهاب الورع وفساد املروءة وقلة الغرية فال جتد زانيا معه ورع وال وفاء‬ ‫بعهد وال صدق يف حديث وال حمافظة على صديق وال غرية تامة على أهله فالغدر والكذب واخليانة وقلةاحلياء وعدم‬ ‫املراقبة وعدم األنفة للحرم وذهاب الغرية من القلب من شعبه وموجباته ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله‬ ‫ولو تعرض رجل إىل ملك من امللوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة ومنها سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة واملقت‬ ‫الذي يبدو عليه للناظرين ومنها ظلمة القلب وطمس نوره وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له ومنها‬ ‫الفقر الالزم ويف أثر يقول هللا تعاىل أنا هللا مهلك الطغاة ومفقر الزناة ومنها أنه يذهب حرمة فاعله ويسقطه من عني ربه‬ ‫ومن أعني عباده ومنها أنه يسلبه أح سن األمساء وهو اسم العفة والرب والعدالة ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق‬ ‫والزاين واخلائن ومنها أنه يسلبه اسم املؤمن كما يف الصحيحني عن النيب أنه قال ال يزين الزاين حني يزين وهو مؤمن فسلبه‬ ‫اسم اإلميان املطلق وإن مل يسلب عنه مطلق اإلميان وسئل جعفر بن حممد عن هذا احلديث فخط دائرة يف األرض وقال‬ ‫هذه دائرة اإلميان مث خط دائرة أخرى خارجة عنها وقال هذه دائرة اإلسالم فإذا زىن العبد خرج من هذه ومل خيرج من‬ ‫هذه وال يلزم من ثبوت جزء ما من اإلميان له‬ ‫أن يسمى مؤمنا كما أن الرجل يكون معه جزء من العلم والفقه وال يسمى به عاملا فقيها ومعه جزء من الشجاعة واجلود‬ ‫وال يسمى بذلك شجاعا وال جوادا وكذلك يكون معه شيء من التقوى وال يسمى متقيا ونظائره فالصواب إجراء‬ ‫احلديث على ظاهره وال يتأول مبا خيالف ظاهره وهللا أعلم ومنها أن يعرض نفسه لسكىن التنور الذي رأى النيب فيه الزناة‬ ‫والزواين ومنها أنه يفارقه الطيب الذي وصف هللا به أهل العفاف ويستبدل به اخلبيث الذي وصف هللا به الزناة كما قال‬ ‫هللا تعاىل اخلبيثات للخبيثني واخلبيثون للخبيثات والطيبات للطيبني والطيبون للطيبات وقد حرم هللا اجلنة على كل‬ ‫خبيث بل جعلها مأوى الطيبني وال يدخلها إال طيب قال هللا تعاىل الذين تتوفاهم املالئكة طيبني يقولون سالم عليكم‬ ‫ادخلوا اجلنة مبا كنتم تعملون وقال تعاىل وقال هلم خزنتها سالم عليكم طبتم فادخلوها خالدين فإمنا استحقوا سالم‬ ‫املالئكة ودخول اجلنة بطيبهم والزناة من أخبث اخللق وقد جعل هللا سبحانه جهنم دار اخلبيث وأهله فإذا كان يوم‬ ‫القيامة ميز اخلبيث من الطيب وجعل اخلبيث بعضه على بعض مث ألقاه وألقى أهله يف جهنم فال يدخل النار طيب وال‬


‫يدخل اجلنة خبيث ومنها الوحشة اليت يضعها هللا سبحانه وتعاىل يف قلب الزاين وهي نظري الوحشة اليت تعلو وجهه‬ ‫فالعفيف على وجهه حالوة ويف قلبه أنس ومن جالسه‬ ‫استأنس به والزاين تعلو وجهه الوحشة ومن جالسه استوحش به ومنها قلة اهليبة اليت تنزع من صدور أهله وأصحابه‬ ‫وغريهم له وهو أحقر شيء يف نفوسهم وعيوهنم خبالف العفيف فإنه يرزق املهابة واحلالوة ومنها أن الناس ينظرونه بعني‬ ‫اخليانة وال يأمنه أحد عل ى حرمته وال على ولده ومنها الرائحة اليت تفوح عليه يشمها كل ذي قلب سليم تفوح من فيه‬ ‫وجسده ولوال اشرتاك الناس يف هذه الرائحة لفاحت من صاحبها ونادت عليه ولكن كما قيل كل به مثل ما يب غري‬ ‫أهنم ‪ %‬من غرية بعضهم للبعض عذال ومنها ضيقة الصدر وحرجه فإن الزناة يعاملون بضد قصودهم فإن من طلب‬ ‫لذة العيش وطيبه مبا حرمه هللا عليه عاقبه بنقيض قصده فإن ما عند هللا ال ينال إال بطاعته ومل جيعل هللا معصيته سببا إىل‬ ‫خري قط ولو علم الفاجر ما يف العفاف من اللذة والسرور وانشراح الصدر وطيب العيش لرأى أن الذي فاته من اللذة‬ ‫أضعاف أض عاف ما حصل له دع ربح العاقبة والفوز بثواب هللا وكرامته ومنها أنه يعرض نفسه لفوات االستمتاع باحلور‬ ‫العني يف املساكن الطيبة يف جنات عدن وقد تقدم أن هللا سبحانه وتعاىل إذا كان قد عاقب البس احلرير يف الدنيا حبرمانه‬ ‫لبسه يوم القيامة وشارب اخلمر يف الدنيا حبرمان ه إياها يوم القيامة فكذلك من متتع بالصور احملرمة يف الدنيا بل كل ما ناله‬ ‫العبد يف الدنيا فإن توسع يف حالله ضيق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه وإن ناله من حرام فاته نظريه يوم‬ ‫القيامة ومنها أن الزىن جيرئه على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وكسب احلرام وظلم اخللق وإضاعة أهله وعياله ورمبا قاده‬ ‫قسرا إىل سفك الدم احلرام ورمبا استعان عليه بالسحر وبالشرك وهو يدري أو ال يدري فهذه املعصية ال تتم‬ ‫إال بأنواع من املعاصي قبلها ومعها ويتولد عنها أنواع أخر من املعاصي بعدها فهي حمفوفة جبند من املعاصي قبلها وجند‬ ‫بعدها وه ي أجلب شيء لشر الدنيا واآلخرة وأمنع شيء خلري الدنيا واآلخرة وإذا علقت بالعبد فوقع يف حبائلها وأشراكها‬ ‫عز على الناصحني استنقاذه وأعىي األطباء دواؤه فأسريها ال يفدى وقتيلها ال يودى وقد وكلها هللا سبحانه بزوال النعم‬ ‫فإذا ابتلي هبا عبد فليودع نعم هللا فإهنا ضي ف سريع االنتقال وشيك الزوال قال هللا تعاىل ذلك بأن هللا مل يك مغريا نعمة‬ ‫أنعمها على قوم حىت يغريوا ما بأنفسهم وأن هللا مسيع عليم وقال تعاىل وإذا اراد هللا بقوم سوءا فال مرد له وما هلم من‬ ‫دونه من وال فصل فهذا بعض ما يف هذه السبيل من الضرر وأما سبيل األمة اللوطية فتلك سبيل اهلالكني املفضية‬ ‫بسالكها إىل منازل املعذبني الذين مجع هللا عليهم من أنواع العقوبات مامل جيمعه على أمة من األمم ال من تأخر عنهم‬ ‫وال من تقدم وجعل ديارهم وآثارهم عربة للمعتربين وموعظة للمتقني وكتب خالد بن الوليد إىل أيب بكر الصديق رضي‬ ‫هللا عنهما أنه وجد يف بعض ضواحي العرب رجال ينكح كما تنكح املرأة فجمع أبو بكر رضي هللا عنه لذلك ناسا من‬ ‫أصحاب رسول هللا وفيهم علي بن أيب طالب رضي هللا عنه فاستشارهم فكان علي رضي هللا عنه أشدهم قوال فيه فقال‬ ‫إن‬ ‫هذا مل يعمل به أمة من األمم إال أمة واحدة فصنع هللا هبم ما قد علمتم أرى أن حترقوه بالنار فأحرقوه بالنار وقال عمر‬ ‫بن اخلطاب رضي هللا عنه ومجاعة من الصحابة والتابعني يرجم باحلجارة حىت ميوت أحصن أو مل حيصن ووافقه على ذلك‬


‫اإلمام أمحد وإسحاق ومالك وقال الزهري يرجم أحصن أو مل حيصن سنه ماضية وقال جابر بن زيد يف رجل غشي رجال‬ ‫يف دبره قال الدبر أعظم حرمة من الفرج يرجم أحصن أومل حيصن وقال الشعيب يقتل أحصن أو مل حيصن وسئل ابن‬ ‫عباس عن اللوطي ما حده قال ينظر أعلى بناء يف املدينة فريمى منه منكسا مث يتبع باحلجارة ورجم علي لوطيا وافىت‬ ‫بتحريقه وكأنه رأى جواز هذا وهذا وقال إبراهيم النخعي لو كان أحد ينبغي له أن يرجم مرتني لكان ينبغي للوطي أن‬ ‫يرجم مرتني وذهبت طائفة إىل أنه يرجم إن احصن وجيلد إن مل حيصن وهذا قول الشافعي وأمحد يف رواية عنه وسعيد بن‬ ‫املسيب يف رواية عنه وعطاء بن أيب رباح قال عطاء شهدت ابن الزبري أيت بسبعة أخذوا يف اللواط أربعة منهم قد‬ ‫أحصنوا وثالثة مل حيصنوا فأمر باألربعة فأخرجوا من املسجد احلرام فرمجوا باحلجارة وأمر بالثالثة فضربوا احلد ويف املسجد‬ ‫ابن عمر وابن عباس فالصحابة اتفقوا على قتل اللوطي وإمنا اختلفوا يف كيفية قتله فظن بعض الناس أهنم متنازعون يف‬ ‫قتله وال نزاع بينهم فيه إال يف إحلاقه بالزاين أو قتله مطلقا وقد اختلف الناس يف عقوبته على ثالثة أقوال أحدها أهنا‬ ‫أعظم من‬ ‫عقوبة الزىن كما أن عقوبته يف اآلخرة أشد الثاين أهنا مثلها الثالث أهنا دوهنا وذهب بعض الشافعية إىل أن عقوبة الفاعل‬ ‫كعقوبة الزاين وعقوبة املفعول به اجللد مطلقا بكرا كان أو ثيبا قال ألنه ال يلتذ بالفعل به خبالف الفاعل وذهب بعض‬ ‫الفقهاء إىل أنه ال حد على واحد منهما قال ألن الوازع عن ذلك ما يف الطباع من النفرة عنه واستقباحه وما كان ذلك مل‬ ‫حيتج إىل أن يزجر الشارع عنه باحلد كأكل العذرة وامليتة والدم وشرب البول مث قال هؤالء إذا أكثر منه اللوطي فلإلمام‬ ‫قتله تعزيرا صرح بذلك أصحاب أيب حنيفة والصحيح أن عقوبته أغلظ من عقوبة الزاين إلمجاع الصحابة على ذلك‬ ‫ولغلظ حرمته وانتشار فساده وألن هللا سبحانه وتعاىل مل يعاقب أمة ما عاقب اللوطية قال ابن أيب جنيح يف تفسريه عن‬ ‫عمرو بن دينار يف قوله تعاىل إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم هبا من أحد من العاملني قال ما نزا ذكر على ذكر حىت‬ ‫كان قوم لوط وقال حممد بن خملد مسعت عباسا الدوري يقول بلغين أن األرض تعج إذا ركب الذكر على الذكر وذكر ابن‬ ‫أيب الدنيا بإسناده عن كعب قال كان إبراهيم يشرف على سدوم فيقول‬ ‫ويل لك سدوم يوما مالك فجاءت إبراهيم الرسل وكلمهم إبراهيم يف أمر قوم لوط قالوا يا إبراهيم أعرض عن هذا ^ قال‬ ‫^ ومل جاءت رسلنا لوطا سيء هبم وضاق هبم ذرعا فذهب هبم إىل منزله فذهبت امرأته فجاءه قومه يهرعون إليه فقال يا‬ ‫قوم هؤالء بنايت هن أطهر لكم أزوجكم هبن أليس منكم رجل رشيد وجعل لوط األضياف يف بيته وقعد على باب البيت‬ ‫وقال لو أن يل بكم قوة أو آوي إىل ركن شديد قال أي عشرية متنعين قال ومل يبعث نيب بعد لوط إال يف عز من قومه‬ ‫فلما رأت الرسل ما قد لقي لوط يف سببهم قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فاسر بأهلك بقطع من الليل وال‬ ‫يلتفت منكم أحد إال امرأتك إنه مصيبها ما أصاهبم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب فخرج عليهم جربيل عليه‬ ‫السالم فضرب وجوههم جبناحه ضربة طمست أعينهم قال والطمس أن تذهب حىت تستوي واحتمل مدائنهم حىت مسع‬ ‫أهل مساء ال دنيا نبيح كالهبم وأصوات ديوكهم مث قلبها وأمطر هللا عليهم حجارة من سجيل قال على أهل بواديهم وعلى‬


‫رعاهتم وعلى مسافريهم فلم ينفلت منهم إنسان وقال جماهد نزل جربل عليه السالم فأدخل جناحه حتت مدائن قوم لوط‬ ‫فرفعها حىت مسع أهل السماء نبيح الكالب وأصوت الدجاج والديكة مث قلبها فجعل أعالها أسفلها مث أتبعوا باحلجارة‬ ‫ويف تفسري أيب صاحل عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال أغلق لوط على ضيفه الباب فخلعوا الباب ودخلوا فطمس‬ ‫جربل أعينهم فذهبت أبصارهم فقالوا يا لوط جئتنا بالسحرة وتوعدوه فأوجس يف نفسه خيفة قال يذهب هؤالء ونؤذى‬ ‫فق الوا ال ختف إنا رسل ربك إن موعدهم الصبح قال لوط الساعة قال جربيل أليس الصبح بقريب قال فرفعت املدينة‬ ‫حتىسمع أهل السماء نبيح الكالب مث أقلبت ورموا باحلجارة وقال حذيفة بن اليمان ملا أرسلت الرسل إىل قوم لوط‬ ‫لتهلكهم قيل هلم ال هتلكوهم حىت يشهد عليهم لوط ثالث مرات وطريقهم على إبراهيم قال فأتوا إبراهيم فبشروه مبا‬ ‫بشروه فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى جيادلنا يف قوم لوط قال كان جمادلته إياهم أن قال هلم إن كان فيهم‬ ‫مخسون أهتلكوهنم قالوا ال قال أفرأيتم إن كان فيهم أربعون قالوا ال قال فثالثون قالوا ال حىت انتهى إىل عشرة أو مخسة‬ ‫فأتا لوطا وهو يف أرض يعمل فيها فحسبهم ضيفا فأقبل هبم حني أمسى إىل أهله فأتوا معه فاتلفت إليهم فقال أما ترون‬ ‫ما يصنع هؤالء قالوا وما يصنعون قال من من الناس أحد شر منهم قال فانتهى هبم إىل أهله فانطلقت العجوز السوء‬ ‫امرأته فأتت قومه فقالت لق د تضيف لوطا الليلة قوم ما رأيت قط أحسن وجوها وال أطيب رحيا منهم فأقبلوا يهرعون إليه‬ ‫حىت دفعوا الباب مث كادوا أن يقلبوه عليهم فقام ملك جبناحه فصفقه دوهنم مث أغلق الباب مث علوا األجاجري فجعل‬ ‫خياطبهم فقال هؤالء بنايت هن أطهر لكم حىت بلغ أو آوي إىل ركن شديد‬ ‫ش ديد قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فطمس جربيل أعينهم فما بقي أحد منهم تلك الليلة حىت عمي قال‬ ‫فباتوا بشر ليلة عميا ينتظرون العذاب قال وسار بأهله واستأذن جربيل عليه السالم يف هالكهم فأذن له فارتفع باألرض‬ ‫اليت كانوا عليها فألوى هبا حىت مسع أهل السماء الدنيا ضغاء كالهبم وأوقد حتتها نارا مث قلبها هبم قال فسمعت امرأته‬ ‫الوجبة وهي معه فالتفتت فأصاهبا العذاب ويف تفسري العويف عن ابن عباس رضي هللا عنهما جادل إبراهيم املالئكة يف‬ ‫قوم لوط أن يرتكوا فقال أرأيتم إن كان فيهم عشرةأبيات من املسلمني أترتكوهنم فقالت املالئكة ليس فيها عشرة أبيات وال‬ ‫مخسة وال أربعة وال ثالثة وال اثنان فحزن إبراهيم على لوط وأهل بيته و قال إن فيها لوطا قالوا حنن أعلم مبن فيها لننجينه‬ ‫وأهله إال امرأته كانت من الغابرين فذلك قوله فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى جيادلنا يف قوم لوط إن إبراهيم‬ ‫حلليم أواه منيب فقالت املالئكة يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإهنم آتيهم عذاب غري مردود فبعث هللا‬ ‫إليهم جربيل فانتسف املدينة ومن فيها بأحد جناحيه فجعل عاليها سافلها وتبعتهم احلجارة بكل أرض فأهلك هللا‬ ‫سبحانه الفاعل‬ ‫واملفعول به والساكت ال راضي والدال احملصن منهم وغري احملصن العاشق واملعشوق وأخذهم وهم يف سكرة عشقهم‬ ‫يعمهون وذكر ابن أيب داود يف تفسريه عن وهب بن منبه قال إن املالئكة حني دخلوا على لوط ظن أهنم أضياف‬ ‫ضافوه فاحتفل هلم وحرص على كرامتهم وخالفته امرأته إىل فساق قومه فأخربهتم أنه ضاف لوطا أحسن الناس وجها‬ ‫وأنضرهم مجاال وأطيبهم رحيا فكانت هذه خيانتها اليت ذكر هللا عز وجل يف كتابه وفيه عن ابن عباس رضي هللا عنهما يف‬


‫قوله فخانتامها قال وهللا ما زنتا وال بغت امرأة نيب قط فقيل له فما كانت خيانة امرأة نوح وامرأة لوط فقال أما امرأة نوح‬ ‫فكانت خترب أنه جمنون وأما امرأة لوط فإهنا كانت تدل على الضيف وقال أبو مسلم الليثي يف مسنده حثنا سليمان بن‬ ‫داود حدثنا عبدالوارث حدثنا القاسم بن عبدالرمحن حدثنا عبدهللا بن حممد بن عقيل قال مسعت جابر بن عبدهللا رضي‬ ‫هللا عنه يقول قال رسول هللا إن أخوف ما أخاف على أميت من بعدي عمل قوم لوط وقال هشام بن عمار حدثنا‬ ‫عبدالعزيز الدراوردي عن عمرو بن أيب عمرو عن عكرمة عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن رسول هللا قال لعن هللا من‬ ‫وقع على هبيمة ولعن هللا من عمل عمل قوم لوط رواه اإلمام أمحد وقال القعنيب حدثنا عبدالعزيز هو الدراوردي عن عمرو‬ ‫بن أيب عمرو موىل املطلب بن عبدهللا بن حنطب املخزومي عن عكرمة عن‬ ‫ابن عباس رضي هللا عنهما أن رسول هللا قال لعن هللا من توىل غري مواليه ولعن هللا من غري ختوم األرض ولعن هللا من كمه‬ ‫أعمى عن السبيل ولعن هللا من لعن والديه ولعن هللا من عمل عمل قوم لوط ولعن هللا من عمل عمل قوم لوط ولعن هللا‬ ‫من عمل عمل قوم لوط ثالثا ولعن هللا من ذبح لغري هللا ولعن هللا من وقع على هبيمة هذا اإلسناد على شرط‬ ‫البخاري وقال أبو داود الطيالسي حدثنا بشر بن املفضل عن خالد احلذاء عن حممد بن سريين عن أيب موسى األشعري‬ ‫رضي هللا عنه قا ل قال رسول هللا إذا باشر الرجل الرجل فهما زانيان ويف لفظ إذا أتى الرجل الرجل ويف املسند والسنن‬ ‫من حديث عكرمة عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال قال رسول هللا اقتلوا الفاعل واملفعول به ويف لفظ من وجدمتوه‬ ‫يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل واملفعول به وإسناده على شرط البخاري وروى سهيل بن أيب صاحل عن أبيه عن أيب‬ ‫هريرة رضي هللا عنه قال‬ ‫قال رسول هللا من وجدمتوه يعمل عمل قوم لوط فارمجوه أو قال فاقتلوا الفاعل واملفعول به وحرق اللوطية بالنار أربعة‬ ‫من اخللفاء أبو بكر الصديق وعلي بن أيب طالب وعبدهللا بن الزبري وهشام بن عبدامللك وقال محاد بن سلمة عن قتادة‬ ‫عن خالس عن عبيدهللا بن معمر قال يقتل اللوطي وقال سعيد بن املسيب عندنا على اللوطي الرجم أحصن أو مل حيصن‬ ‫سنة ماضية وهذا يدل على أن ذلك سنة مضى عليها العمل وقال الشعيب يقتل أحصن أو مل حيصن وقال الزهري‬ ‫وربيعة وابن هرم ز ومالك بن أنس عليه الرجم أحصن أو مل حيصن وقال بعض العلماء وإما قال سعيد بن املسيب إن‬ ‫ذلك سنة ماضية لقول النيب اقتلوا الفاعل واملفعول به ومل يقل حمصنا أو غري حمصن وحرقهم أبو بكر رضي هللا عنه بالنار‬ ‫بعد مشاورة الصحابة وأشار عليه علي بن أيب طالب رضي هللا عنه بذلك وحرقهم علي وابن الزبري كما ذكره اآلجري‬ ‫وغريه عن حممد بن املنكدر أن خالد بن الوليد كتب إىل أيب بكر أنه وجد رجال يف بعض ضواحي العرب ينكح كما‬ ‫تنكح املرأة فجمع أبو بكر لذلك اصحاب رسول هللا وفيهم علي بن أيب طالب رضي هللا عنهم فقال علي إن هذا ذنب‬ ‫مل يع مل به إال أمة واحدة ففعل هللا هبم ما قد علمتم أرى أن حترقوه بالنار فاجتمع رأي أصحاب رسول هللا أن حيرق‬ ‫بالنار فأمر به أبو بكر أن حيرق‬ ‫قال وقد حرقهم ابن الزبري وهشام بن عبدامللك وقال ابن عباس رضي هللا عنهما يرجم اللوطي بكرا كان أو ثيبا وقال‬ ‫عمر بن اخلطا ب رضي هللا عنه من عمل عمل قوم لوط فاقتلوه ومل يفرق أحد منهم بني احملصن وغره وصرح بعضهم‬


‫بعموم احلكم للمحصن وغري احملصن فلذلك قال ابن املسيب إن هذا سنة ماضية ويف مسائل إسحاق بن منصور‬ ‫الكوسج قلت ألمحد يرجم اللوطي أحصن أو مل حيصن فقال يرجم أحصن أو مل حيصن قال إسحاق بن راهويه هو كما‬ ‫قال والسنة يف الذي يعمل عمل قوم لوط أن يرجم حمصنا كان أو غري حمصن ألن النيب قال من عمل عمل قوم لوط‬ ‫فاقتلوه رواه ابن عباس عن النيب كذلك مث أفىت ابن عباس بعد النيب فيمن يعمل عمل قوم لوط أنه يرجم وإن كان بكرا‬ ‫فحكم يف ذلك مبا رواه عن النيب وكذلك روي عن علي بن أيب طالب مثل هذا القول إن اللوطي يرجم ومل يذكر حمصنا‬ ‫كان أو غري حمصن وكذلك فعل هللا سبحانه بقوم لوط وكذا يروى عن أيب بكر الصديق رضي هللا عنه أنه حرقهم بالنار‬ ‫هذا كالم إسحاق رمحه هللا وذكر اآلجري يف كتاب حترمي اللواط من حديث عبدهللا بن عمر مرفوعا سبعة ال ينظر هللا‬ ‫إليهم يوم القيامة وال يزكيهم ويقول ادخلوا النار مع الداخلني الفاعل واملفعول به والناكح يده وناكح‬ ‫البهيمة وناكح املرأة يف دبرها واجلامع بني املرأة وابنتها والزاين حبليلة جاره واملؤذي جلاره حىت يلعنه وذكر عن أنس‬ ‫مرفوعا حنوه وقال ادخلوا النار أول الداخلني إال أن يتوبوا إال أن يتوبوا إال أن يتوبوا فمن تاب تاب هللا عليه الناكح يده‬ ‫والفاعل واملفعول به ومدمن اخلمر والضارب أبويه حىت يستغيثا واملؤذي جريانه حىت يلعنوه والزاين حبليلة جاره وقال‬ ‫جماهد لو أن الذي يعمل ذلك العمل يعين عمل قوم لوط اغتسل بكل قطرة يف السماء وكل قطرة يف األرض مل يزل جنسا‬ ‫وقد ذكر هللا سبحانه عقوبة اللوطية وما حل هبم من البالء يف عشر سور من القرآن وهي سورة األعراف وهود واحلجر‬ ‫واألنبياء والفرقان والشعراء والنمل والعنكبوت والصافات واقرتبت الساعة ومجع على القوم بني عمى األبصار وخسف‬ ‫الديار والقذف باألحجار ودخول النار وقال حمذرا ملن عمل عملهم ما حل هبم من العذاب الشديد وما قوم لوط منكم‬ ‫ببعيد وقال بعض العلماء إذا عال الذكر الذكر هربت املالئكة وعجت األرض إىل رهبا ونزل سخط اجلبار جل جالله‬ ‫عليهم وغشيتهم اللعنة‬ ‫وحفت هبم الشياطني واستأذنت األرض رهبا أن ختسف هبم وثقل العرش على محلته وكربت املالئكة واستعرت اجلحيم‬ ‫فإذا جاءته رسل هللا لقبض روحه نقلوها إىل ديار إخواهنم وموضع عذاهبم فكانت روحه بني أرواحهم وذلك أضيق مكانا‬ ‫وأعظم عذابا من تنور الزناة فال كانت لذة توجب هذا العذاب األليم وتسوق صاحبها إىل مرافقة أصحاب اجلحيم‬ ‫تذهب اللذات وتعقب احلسرات وتفىن الشهوة وتبقى الشقوة وكان اإلمام أمحد بن حنبل رمحه هللا تعاىل ينشد تفىن‬ ‫اللذاذة ممن نال صفوهتا ‪ %‬من احلرام ويبقى اخلزي والعار تبقى عواقب سوء يف مغبتها ‪ %‬ال خري يف لذة من بعدها‬ ‫النار فصل وأما إن كانت الفاحشة مع ذي رحم حمرم فذلك اهللك كل اهللك وجيب قتل الفاعل بكل حال عند اإلمام‬ ‫أمحد وغريه واحتج أمحد حبديث عدي بن ثابت عن الرباء بن عازب قال لقيت خايل ومعه الراية فقلت أين تريد قال‬ ‫بعثين رسول هللا إىل رجل تزوج امرأة أبيه أضرب عنقه وآخذ ماله رواه اإلمام أمحد واحتج به وقال شعبة حدثنا الركني‬ ‫بن الربيع عن عدي بن ثابت عن الرباء‬ ‫قال رأيت أناسا ينطلقون فقلت أين تذهبون قالوا بعثنا رسول هللا إىل رجل يأيت امرأة أبيه أن نقتله وذكر عبدهللا بن‬ ‫صاحل حدثنا حيىي بن أيوب عن ابن جريج عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول هللا قال اقتلوا الفاعل واملفعول به والذي‬


‫يأيت البهيمة والذي يأيت كل ذات حمرم وقال هشام بن عمار حدثنا رفدة بن قضاعة حدثنا صاحل بن راشد قال أيت‬ ‫احلجاج برجل قد اغتصب أخته على نفسها فقال احبسوه وسلوه من هاهنا من أصحاب حممد فسألوا عبدالرمحن بن‬ ‫مطرف فقال مسعت رسول هللا يقول من ختطى احلرمتني فخطوا وسطه بالسيف وأفىت ابن عباس رضي هللا عنهما مبثل‬ ‫ذلك وقال عمر بن شبة حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أيب عن قتادة قال أيت احلجاج برجل زىن بأخته فسأل عنها عبدهللا‬ ‫فقال يضرب بالسيف فأمر به احلجاج فضرب عنقه بالسيف وذكر مجاعة عن محاد بن سلمة عن بكر بن عبدهللا املزين‬ ‫أن رجال تزوج خالته فرفع إىل عبدامللك بن مروان فقال إين ظننت أهنا حتل يل‬ ‫فقال ال جهالة يف اإلسالم وأظن أنه أمر به فقتل ويف مسائل صاحل بن أمحد قال سألت أيب عن الرجل الذي تزج ذات‬ ‫حمرم منه فقال إن كان عمدا يقتل ويؤخذ ماله وإن كان ال يعلم يفرق بينهما وأستحب أن يكون هلا ما أخذت منه وال‬ ‫يرجع عليها بشيء ويف صحيفةعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النيب قال ال يدخل اجلنة من أتى ذات حمرم‬ ‫الباب اخلامس والعشرون يف رمحة احملبني والشفاعة هلم إىل أحباهبم يف‬ ‫الوصال الذي يبيحه الدين قال هللا تعاىل من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن‬ ‫له كفل منها وكل من أعان غريه على أمر بقوله أو فعله فقد صار شفيعا له والشفاعة للمشفوع له هذا أصلها فإن الشافع‬ ‫يشفع صاحب احلاجة فيصري له شفعا يف قضائها لعجزه عن االستقالل هبا فدخل يف حكم هذه اآلية كل متعاونني على‬ ‫خري أو شر بقول أو عمل ونظريها قوله تعاىل وتعاونوا على الرب والتقوى وال تعاونوا على اإلمث والعدوان ويف الصحيح عنه‬ ‫أنه كان إذا جاءه طالب حاجة يقول اشفعوا تؤجروا ويقضي هللا على لسان رسوله ما أحب ويف صحيح البخاري أن بريرة‬ ‫ملا عتقت اختارت نفسها فكان زوجها ميشي خلفها ودموعه تسيل على حليته فقال هلا النيب لوراجعتيه فإنه أبو ولدك‬ ‫فقالت أتأمرين قال ال إمنا أنا شافع قالت فال حاجة يل فيه فهذه شفاعة من سيد الشفعاء حملب إىل حمبوبه وهي من‬ ‫أفضل الشفاعات وأعظمها أجرا عن د هللا فإهنا تتضمن اجتماع حمبوبني على ما حيبه هللا ورسوله وهلذا كان أحب ما‬ ‫إلبليس وجنوده التفريق بني هذين احملبوبني‬ ‫وتأمل قوله تعاىل يف الشفاعة احلسنة يكن له نصيب منها ويف السيئة يكن له كفل منها فإن لفظ الكفل يشعر باحلمل‬ ‫والثقل ولفظ النصيب يشعر باحلظ الذي ينصب طالبه يف حتصيله وإن كان كل منهما يستعمل يف األمرين عند االنفراد‬ ‫ولكن ملا قرن بينهما حسن اختصاص حظ اخليز بالنصيب وحظ الشر بالكفل ويف صحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه‬ ‫عن جده أن رجال على عهد رسول هللا زوج ابنة له وكان خطبها قبل ذلك عم بنتها فبلغ النيب أهنا كارهة هذا الذي‬ ‫زوجها أبوها وأنه كان يعجبها أن يتزوجها عم بنتها فأهدر النيب نكاح أبيها وزوجها عم بنتها وقد تقدم حديث عمرو بن‬ ‫دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن رجال قال يا رسول هللا يف حجري يتيمة قد خطبها رجل موسر‬ ‫ورجل معدم فنحن حنب املوسر وهي حتب املعدم فقال رسول هللا ليس للمتحابني مثل النكاح رواه سليمان بن موسى‬


‫عنه وقال خملد بن احلسني حدثنا هشام بن حسان عن حممد بن سريين قال كان عمر بن اخلطاب يعس بالليل فسمع‬ ‫صوت امرأة تغين وتقول هل من سبيل إىل مخر فأشرهبا ‪ %‬أم هل سبيل إىل نصر بن حجاج‬ ‫فقال أما وعمر حي فال فلما أصبح بعث إىل نصر بن حجاج فإذا رجل مجيل فقال اخرج فال تساكين باملدينة فخرج‬ ‫حىت أتى البصرة وكان يدخل على جماشع بن مسعود وكانت له امرأة مجيلة فأعجبها نصر فأحبها وأحبته فكان يقعد هو‬ ‫وجماشع يتحدثان واملرأة معهما فكتب هلا نصر يف األرض كتابا فقالت وأنا فعلم جماشع أهنا جواب كالم وكان جماشع ال‬ ‫يكتب واملرأة تكتب فدعا بإناء فأكفاه على املكتوب ودعا كاتبا فقرأه فإذا هو إين ألحبك حبا لو كان فوقك ألظلك‬ ‫ولو كان حتتك ألقلك وبلغ نصرا ما صنع جماشع فاستحيا ولزم بيته وضين جسمه حىت كان كالفرخ فقال جماشع المرأته‬ ‫اذهيب إليه فأسنديه إىل صدرك وأطعميه الطعام بيدك فأبت فعزم عليها فأتته فأسندته إىل صدرها وأطعمته الطعام بيدها‬ ‫فلما حتامل خرج من البصرة إن الذين خبري كنت تذكرهم ‪ %‬هم أهلكوك وعنهم كنت أهناكا ال تطلنب شفاء عند‬ ‫غريهم ‪ %‬فليس حيييك إال من توفاكا فإن قيل فهل تبيح الشريعة مثل ذلك قيل إذا تعني طريقا للدواء وجناة العبد من‬ ‫اهللكة مل يكن بأعظم من مداواة املرأة للرجل األجنيب ومداواته هلا ونظر الطبيب إىل بدن املريض ومسه بيده للحاجة وأما‬ ‫التداوي باجلماع فال يبيحه الشرع بوجه ما وأما التداوي بالضم والقبلة فإن حتقق الشفاء به كان نظري التداوي باخلمر عند‬ ‫من يبيحه بل هذا أسهل من التداوي‬ ‫باخلمر فإن شربه من الكبائر وهذا الفعل من الصغائر واملقصود أن الشفاعة للعشاق فيما جيوز من الوصال والتالق سنة‬ ‫ماضية وسعي مشكور وقد جاء عن غري واحد من اخللفاء الراشدين ومن بعدهم أهنم شفعوا هذه الشفاعة فقال‬ ‫اخلرائطي حدثنا علي بن األعرايب حدثنا أبو غسان النهدي قال مر أبو بكر الصديق رضي هللا عنه يف خالفته بطريق من‬ ‫طرق املدينة فإذا جارية تطحن برحاها وهي تقول وهويته من قبل قطع متائمي ‪ %‬متمايسا مثل القضيب الناعم وكأن‬ ‫نور البدر سنة وجهه ‪ %‬ينمي ويصعد يف ذؤابة هاشم فدق عليها الباب فخرجت إليه فقال ويلك أحرة أنت أم مملوكة‬ ‫فقالت بل مملوكة يا خليفة رسول هللا قال فمن هويت فبكت مث قالت حبق هللا إال انصرفت عين قال ال أرمي أو تعلميين‬ ‫فقالت وأنا اليت لعب الغرام بقلبها ‪ %‬فبكت حلب حممد بن القاسم فصار إىل املسجد وبعث إىل موالها فاشرتاها‬ ‫منه وبعث هبا إىل حممد بن القاسم بن جعفر بن أيب طالب وقال هؤالء فنت الرجال وكم قد مات هبن من كرمي وعطب‬ ‫عليهن من سليم‬ ‫ويذكر عن عثمان بن عفان رضي هللا عنه أنه جاءته جارية تستعدي على رجل من األنصار فقال هلا عثمان ما قصتك‬ ‫فقالت يا أمري املؤمنني كلفت بابن أخيه فما أنفك أراعيه فقال له عثمان إما أن هتبها البن أخيك أو أعطيك مثنها من‬ ‫مايل فقال أشهدك يا أمري املؤمنني أهنا له وأيت علي بن أيب طالب بغالم من العرب وجد يف دار قوم بالليل فقال له ما‬ ‫قصتك فقال لست بسارق ولكين أصدقك ت علقت يف دار الرباحي خودة ‪ %‬يذل هلا من حسنها الشمس والبدر هلا‬ ‫يف بنات الروم حسن ومنصب ‪ %‬إذا افتخرت باحلسن صدقها الفخر فلما طرقت الدار من حر مهجة ‪ %‬أتيت وفيها‬ ‫من توقدها مجر تبادر أهل الدار يل مث صيحوا ‪ %‬هو اللص حمتوما له القتل واألسر فلما مسع علي شعره رق له وقال‬


‫للمهلب بن رباح امسح له هبا ونعوضك منها فقال يا أمري املؤمنني سله من هو لنعرف نسبه فقال النهاس بن عيينة‬ ‫العجلي فقال خذها فهي لك وذكر التميمي يف كتابه املسمى بامتزاج النفوس أن معاوية بن أيب سفيان اشرتى جارية‬ ‫من البحرين فأعجب هبا إعجابا شديدا فسمعها يوما تنشد أبياتا منها وفارقته كالغصن يهتز يف الثرى ‪ %‬طريرا وسيما‬ ‫بعد ما طر شاربه فسأهلا فقالت هو ابن عمي فردها إليه ويف قلبه منها وقال سامل بن عبدهللا كانت عاتكة ابنة زيد‬ ‫حتت عبدهللا بن أيب بكر‬ ‫الصديق رضي هللا عنه وكانت قد غلبته على رأيه وشغلته عن سوقه فأمره أبو بكر بطالقها واحدة ففعل فوجد عليها‬ ‫فقعد ألبيه على طريقه وهو يريد الصالة فلما بصر بأيب بكر بكى وأنشأ يقول ومل أر مثلي طلق اليوم مثلها ‪ %‬وال‬ ‫مثلها يف غري جرم يطلق هلا خلق جزل وحلم ومنصب ‪ %‬وخلق سوي يف احلياة ومصدق فرق له أبو بكر رضي هللا‬ ‫عنه وأمره مبراجعتها فلما مات قالت ترثيه آليت ال تنفك عيين سخينة ‪ %‬عليك وال ينفك جلدي أغرا فلله عينا من‬ ‫رأى مثله فىت ‪ %‬أعف وأمضى يف اهلياج وأصربا إذا شرعت فيه األسنة خاضها ‪ %‬إىل املوت حىت يرتك الرمح‬ ‫أمحرا فلما حلت تزوجها عمر بن اخلطاب رضي هللا ع نه وأومل عليها فقال له علي بن أيب طالب رضي هللا عنه أتأذن يل‬ ‫يا أمري املؤمنني أدخل رأسي إىل عاتكة أكلمها قال نعم فأدخل علي رأسه إليها وقال يا عدية نفسها آليت ال تنفك‬ ‫عيين قريرة ‪ %‬عليك وال ينفك جلدي أصفرا فبكت فقال له عمر ما دعاك إىل هذا يا أبا احلسن كل النساء يفعلن‬ ‫هذا فلما قتل عمر قالت ترثيه عني جودي بعربة وحنيب ‪ %‬ال متلي على اجلواد النجيب‬ ‫فجعتين املنون بالفارس املعلم ‪ %‬يوم اهلياج والتثويب قل ألهل الضراء والبؤس موتوا ‪ %‬قد سقته املنون كأس‬ ‫شعوب فلما حلت تزوجها الزبري بن العوام فاستأذنت ليلة أن خترج إىل املسجد فشق ذلك عليه وكره أن مينعها لقول‬ ‫رسول هللا ال متنعوا إماء هللا مساجد هللا فأذن هلا مث انكمى يف موضع مظلم من الطريق فلما مرت وضع يده عليها فكرت‬ ‫راجعة تسبح فسبقها الزبري إلىاملنزل فلما رجعت قال هلا ما ردك عن وجهك قالت كنا خنرج والناس ناس وأما اليوم فال‬ ‫وتركت املسجد فلما قتل الزبري قالت ترثيه غدر ابن جرموز بفارس هبمة ‪ %‬يوم اللقاء وكان غري معرد يا عمرو لو‬ ‫نبهته لوجدته ‪ %‬ال طائشا رعش السنان وال اليد ثكلتك أمك إن ظفرت مبثله ‪ %‬فيما مضى حىت تروح وتغتدي كم‬ ‫غمرة قد خاضها مل يثنه ‪ %‬عنها طرادك يا ابن أم الفرقد إن الزبري لذو بالء صادق ‪ %‬مسح سجيته كرمي املشهد فلما‬ ‫حلت خطبها علي بن أيب طالب رضي هللا عنه فقالت إين ألضن بك على القتل‬ ‫وذكر اخلرائطي أن املهدي خرج إىل احلج حىت إذا كان بزبالة جلس يتغدى فأيت بدوي فناداه يا أمري املؤمنني إين عاشق‬ ‫ورفع صوته فقال للحاجب وحيك ما هذا قال إنسان يصيح إين عاشق قال أدخلوه فأدخلوه عليه فقال من عشيقتك قال‬ ‫ابنة عمي قال أوهلا أب قال نعم قال فماله ال يزوجك إياها قال هاهنا شيء يا أمري املؤمنني قال ما هو قال إين هجني‬ ‫واهلجني الذي أمه أمة ليست عربية قال له املهدي فما ي كون قال إنه عندنا عيب فأرسل يف طلب أبيها فأيت به فقال‬ ‫هذا ابن أخيك قال نعم قال فلم ال تزوجه كرميتك فقال له مثل مقالة ابن أخيه وكان من ولد العباس عنده مجاعة فقال‬ ‫هؤالء كلهم بنو العباس وهم هجن ما الذي يضرهم من ذلك قال هو عندنا عيب فقال له املهدي زوجه إياها على‬


‫عشرين ألف درهم عشرة آالف للعيب وعشرة آالف مهرها قال نعم فحمد هللا وأثىن عليه وزوجه إياها فأتى ببدرتني‬ ‫فدفعهما إليه فأنشأ الشاب يقول إبتعت ظبية بالغالء وإمنا ‪ %‬يعطي الغالء مبثلها أمثايل وتركت أسواق القباح ألهلها‬ ‫‪ %‬إن القباح وإن رخصن غوايل وذكر اخلرائطي من حديث اهليثم بن عدي عن عوانة بن احلكم أن عمر بن أيب ربيعة‬ ‫كان قد ترك الشعر ورغب عنه ونذر على نفسه بكل بيت يقوله هدى بدنة فمكث كذلك حينا مث خرج ليلة يريد‬ ‫الطواف بالبيت إذ نظر‬ ‫إىل امرأة ذات مجال تطوف وإذا رجل يتلوها كلما رفعت رجلها وضع رجله موضع رجلها فجعل ينظر إىل ذلك من‬ ‫أمرههما فلما فرغت املرأة من طوافها تبعها الرجل هنية مث رجع فلما رآه عمر وثب إليه وقال لتخربين عن أمرك قال نعم‬ ‫هذه املرأة اليت رأيت ابنة عمي وأنا هلا عاشق وليس يل مال فخطبتها إىل عمي فرغب عين وسألين املهر ماال أقدر عليه‬ ‫والذي رأيت هو حظي منها ومايل من الدنيا أمنية غريها وإمنا ألقاها عند الطواف وحظي ما رأيت من فعلي فقال له عمر‬ ‫ومن عمك قال فالن بن فالن قال انطلق معي إليه فانطلقا فاستخرجه عمر فخرج مبادرا فقال ما حاجتك يا أبا‬ ‫اخلطاب قال تزوج ابنتك فالنة من ابن أخيك فالن وهذا املهر الذي تسأله يساق إليك من مايل قال فإين قد فعلت قال‬ ‫عمر إين أحب أن ال أبرح حىت جيتمعا قال وذلك ايضا قال فلم يربح حىت مجعهما مجيعا وأتى منزله فاستلقى على فراشه‬ ‫فجعل النوم ال يأخذه وجعل جوفه جييش بالشعر فأنكرت جاريته ذلك فجعلت تسأله عن أمره وتقول وحيك ما الذي قد‬ ‫دهاك فلما أكثرت عليه جلس وأنشد تقول وليديت ملا رأتين ‪ %‬طربت وكنت قد أقصرت حينا أراك اليوم قد أحدثت‬ ‫شوقا ‪ %‬وهاج لك البكا داء دفينا بربك هل أتاك هلا رسول ‪ %‬فشاقك أم رأيت هلا خدينا فقلت شكا إيل أخ حمب‬ ‫‪ %‬كبعض زماننا إذ تعلمينا فعد علي ما يلقى هبند ‪ %‬فوافق بعض ما كنا لقينا‬ ‫وذو القلب املصاب وإن تعزى ‪ %‬يهيج حني يلقى العاشقينا وكم من خلة أعرضت عنها ‪ %‬لغري قلى وكنت هبا‬ ‫ضنينا رأيت صدودها فصددت عنها ‪ %‬ولو هام الفؤاد هبا جنونا وعرض خالد بن عبدهللا القسري سجنه يوما وكان‬ ‫فيه يزيد بن فالن البجلي فقال له خالد يف أي شيء حبست يا يزيد قال يف هتمة أصلح هللا األمري قال أفتعود إن‬ ‫أطلقتك قال نعم وكره أن يعرض بقصته لئال يفضح معشوقته فقال خالد أحضروا رجال احلي حىت نقطع يده حبضرهتم‬ ‫وكان ليزيد أخ فكتب شعرا ووجه به إىل خالد أخالد قد أعطيت يف اخللق رتبة ‪ %‬وما العاشق املسكني فينا‬ ‫بسارق أقر مبا مل يأته املرء إنه ‪ %‬رأى القطع خريا من فضيحة عاشق ولوال الذي قد خفت من قطع كفه ‪ %‬أللفيت‬ ‫يف شأن اهلوى غري ناطق إذا بدت الرايات للسبق يف العلى ‪ %‬فأنت ابن عبدهللا أول سابق فلما قرأ خالد األبيات‬ ‫علم صدق قوله فأحضر أولياء اجلارية ف قال زوجوا يزيد فتاتكم فقالوا أما وقد ظهر عليه ما ظهر فال فقال لئن مل تزوجوه‬ ‫طائعني لتزوجنه كارهني فزوجوه ونقد خالد املهر من عنده وذكر أبو العباس املربد قال كان رجل بالكوفة يدعى ليث بن‬ ‫زياد قد رىب جارية وأدهبا فخرجت بارعة يف كل فن مع مجال وافر فلم يزل معها مدة حىت تبينت منه احلاجة فقالت يا‬ ‫موالي لو بعتين كان أصلح لك مما أراك به وإن كنت ألظن أين ال أصرب عنك فقصد رجال من األغنياء يعرفها‬


‫ويعرف فضلها فباعها مبائة ألف درهم فلما قبض املال وجه هبا إىل موالها وجزع عليها جزعا شديدا فلما صارت اجلارية‬ ‫إىل سيدها نزل هبا من الوحشة لألول مامل تستطع دفعه وال كتمه فباحت به وقالت أتاين البال حقا فما أنا صانع ‪%‬‬ ‫أمصطرب للبني أم أنا جازع كفى حزنا أين على مثل مجرة ‪ %‬أقاسي جنوم الليل والقلب نازع فإن مينعوين أن أبوح حببه‬ ‫‪ %‬فإين قتيل والعيون دوامع فبلغ سيدها شعرها فدعا هب ا وأرادها فامتنعت عليه وقالت له يا سيدي إنك ال تنتفع يب‬ ‫قال ومل ذاك قالت إين ملا يب قال وما بك صفيه يل قالت أجد يف أحشائي نريانا تتوقد ال يقدر على إطفائها أحد وال‬ ‫تسأل عما وراء ذلك فرمحها ورق هلا وبعث إىل موالها فسأل عن خربه فوجد عنده مثل الذي عندها فأحضره فرد اجلارية‬ ‫عليه ووهب له من مثنها مخسني ألفا فلم تزل عنده مدة طويلة وبلغ عبدهللا بن طاهر خربمها وهو خبراسان فكتب إىل‬ ‫خليفته بالكوفة يأمره أن ينظر فإن كان هذا الشعر الذي ذكر له من قبل اجلارية أن يشرتيها له مبا ملكت ميينه فركب إىل‬ ‫موىل اجلارية فخربه مبا كتب إليه عبدهللا بن طاهر فلم جيد سيدها بدا من عرضها عليه وهو كاره فأراد األمري أن يعلم ما‬ ‫عند اجلارية فأنشأ يقول بديع حسن رشيق قد ‪ %‬جعلت مين له مالذا فأجابته اجلارية فعاتبوه فزاد عشقا ‪ %‬فمات‬ ‫شوقا فكان ماذا فعلم أهنا تصلح له فاشرتاها مبائيت ألف درهم فجهزها ومحلها إىل عبدهللا بن‬ ‫طاهر إىل خراسان فلما صارت إليه اختربها فوجدها على ما أراد فغلبته على عقله ويقال إهنا أم حممد بن عبدهللا بن‬ ‫طاهر ومل تزل ألطافها وجوائزها تأيت موالها األول حىت ماتت وقال عمر بن شبة حدثنا أيوب بن عمر الغفاري قال‬ ‫طلق عبدهللا بن ع امر امرأته ابنة سهل بن عمرو فقدمت املدينة ومعها ابنة هلا ومعها وديعة جوهر استودعها إياه فتزوجها‬ ‫احلسن بن علي بن أيب طالب رضي هللا عنه مث أراد ابن عامر احلج فأتى املدينة فلقي احلسن فقال يا أبا حممد إن يل إىل‬ ‫ابنة سهل حاجة فأحب أن تأذن يل عليها فقال احلسن ال بسي ثيابك فهذا ابن عامر يستأذن عليك فدخل عليها فسأهلا‬ ‫وديعته فجاءته هبا عليها خامته فقال هلا خذي ثلثها فقالت ما كنت آلخذ على أمانة ائتمنت عليها شيئا أبدا مث أقبل‬ ‫عليها ابن عامر فقال إن ابنيت قد بلغت فأحب أن ختلي بيين وبينها فبكت وبكت ابنتها فرق ابن عامر فقال احلسن فهل‬ ‫لكما فوهللا ما من حملل خري مين قال فوهللا ال أخرجها من عندك أبدا فكفلها حىت مات وذكر الزخمشري يف ربيع‬ ‫األبرار أن زبيدة بنت أيب جعفر قرأت يف طريق مكة على حائط أما يف عباد هللا أو يف إمائه ‪ %‬كرمي جيلي اهلم عن‬ ‫ذاهب العقل له مقلة أما املآقي فقرحة ‪ %‬وأما احلشا فالنار منه على رجل‬ ‫فنذرت أن حتتال لقائلهما حىت جتمع بينه وبني من حيبه قالت فإين لبمزدلفة إذ مسعت من ينشدمها فاستدعيت به فزعم‬ ‫أنه قاهلما يف بنت عم له وقد حلف أهلها أن ال يزوجوهها منه فوجهت إىل احلي وما زالت تبذل هلم املال حىت زوجوه‬ ‫وإذا املرأة أعشق من الرجل فكانت زبيدة تعده يف أعظم حسناهتا وتقول ما أنا بشيء أسر مين جبمعي بني ذلك الفىت‬ ‫والفتاة قال الزخمشري وهوي أمحد بن أيب عثمان الكاتب جارية لزبيدة امسها نعم حىت مرض وقال فيها أبياتا‬ ‫منها وإين لريضيين املمر بباهبا ‪ %‬وأقنع منها بالشتيمة والزجر فوهبتها له وذكر اخلرائطي أنه كان لبعض اخللفاء غالم‬ ‫وجارية من غلمانه وجواريه متحابني فكتب الغالم إليها يوما يقول ولقد رأيتك يف املنام كأمنا ‪ %‬عاطيتين من ريق فيك‬ ‫البارد وكأن كفك يف يدي وكأننا ‪ %‬بتنا مجيعا يف فراش واحد فطفقت يومي كله مرتاقدا ‪ %‬ألراك يف نومي ولست‬


‫براقد مث انتبهت ومعصماك كالمها ‪ %‬بيدي اليمني ويف ميينك ساعدي فأجابته اجلارية خريا رأيت وكل ما أبصرته‬ ‫‪ %‬ستناله مين برغم احلاسد إين ألرجو أن تكون معانقي ‪ %‬فتبيت مين فوق ثدي ناهد وأراك بني خالخلي ودماجلي‬ ‫‪ %‬وأراك بني ترائيب وجماسدي‬ ‫ونبيت ألطف عاشقني تعاطيا ‪ %‬طرف احلديث بال خمافة راصد فبلغ اخلليفة خربمها فأنكحهما وأحسن إليهما على‬ ‫شدة غريته وقال أبو الفرج بن اجلوزي رمحه هللا تعاىل مسع املهلب فىت يتغىن بشعر يف جارية له فقال املهلب لعمري إين‬ ‫للمحبني راحم ‪ %‬وإين بسرت العاشقني حقيق سأمجع منكم مشل ود مبدد ‪ %‬وإين مبا قد ترجوان خليق مث وهبها له‬ ‫ومعها مخسة آالف دينار وقال اخلرائطي كان رجل خناس عنده جارية مل يكن له مال غريها وكان يعرضها يف املواسم‬ ‫فتغاىل الناس فيها حىت بلغت مبلغا كثريا من املال وهو يطلب الزيادة فعلقها رجل فقري فكاد عقله أن يذهب فلما بلغه‬ ‫ذلك وهبها له فعوتب يف ذلك فقال إين مسعت هللا تعاىل يقول ومن أحياها فكأمنا أحىي الناس مجيعا أفال أحيي الناس‬ ‫مجيعا وقال علي بن قريش اجلرجاين شكوت بالء ال أطيق احتماله ‪ %‬وقليب مطيع للهوى غري دافع فأقسم ما تركي‬ ‫عتابك عن قلى ‪ %‬ولكن لعلمي أنه غري نافع وإين مىت مل ألزم الصرب طائعا ‪ %‬فال بد منه مكرها غري طائع‬ ‫إذا أنت مل يعطفك إال شفاعة ‪ %‬فال خري يف ود يكون بشافع وكان أبو السائب املخزومي أحد القراء والفقهاء‬ ‫فرؤي متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول اللهم ارحم العاشقني واعطف عليهم قلوب املعشوقني فقيل له يف ذلك فقال‬ ‫الدعاء هلم أفضل من عمرة من اجلعرانة وذكر أمحد بن الفضل الكاتب أن غالما وجارية كانا يف كتاب فهويها الغالم‬ ‫فلما كان يف بعض أيامه يف غفلة من الغلمان كتب يف لوح اجلارية ماذا تقولني فيمن شفه سقم ‪ %‬من طول حبك‬ ‫حىت صار حريانا فلما قرأته اجلارية أغرورقت عيناها بالدموع رمحة له وكتبت حتته إذا رأينا حمبا قد أضر به ‪ %‬طول‬ ‫الصبابة أوليناه إحسانا وذكر اهليثم بن عدي عن حممد بن زياد أن احلارث بن السليل األزدي خرج زائرا لعلقمة بن حزم‬ ‫الطائي وكان حليفا له فنظر إىل ابنة له تدعى الرباب وكانت من أمجل النساء فأعجب هبا وعشقها عشقا حال بينه وبني‬ ‫االنصراف إىل أهله فقال لعلقمة إين أتيتك خاطبا وقد ينكح اخلاطب ويدرك الطالب ومينح الراغب قال كفو كرمي فأقم‬ ‫ننظر يف أمرك مث انكفأ إىل أم جلارية فقال هلا إن احلارث سيد قومه حسبا ومنصبا وبيتا فال ينصرفن من عندنا إال حباجته‬ ‫فشاوري ابنتك وأديريها عما يف نفسها فقالت هلا أي‬ ‫بنية أي الرجال أعجب إليك الكهل اجلحجاح املفضل املياح أم الفىت الوضاح امللوك الطماح قالت الفىت الوضاح فقالت‬ ‫إن الفىت يغريك وإن الشيخ ميريك وليس الكهل الفاضل الكثري النائل كاحلديث السن الكثري املن فقالت يا أماه أحب الفىت‬ ‫كحب الرعاء أنيق الكال قالت يا بنية إن الفىت شديد احلجاب كثري العتاب قالت يا أماه أخشى من الشيخ أن يدنس‬ ‫ثيايب ويبلي شبايب ويشمت يب أترايب فلم تزل هبا األم حىت غلبتها على رأيها فتزوجها احلارث على مخسني ومائة من اإلبل‬ ‫وخادم وأل ف درهم فبىن هبا وكانت عنده أحب شيء إليه فارحتل هبا إىل أهله فإنه جلالس يوما بفناء مظلته هي إىل جانبه‬ ‫إذ أقبل فتية يعتلجون الصراع فتنفست الصعداء مث أرسلت عينيها بالبكاء فقال ما يبكيك فقالت مايل وللشيوخ‬


‫الناهضني كالفروخ فقال ثكلتك أمك قد جتوع احلرة وال تأكل بثدييها فسارت مثال أي ال تكون ظئرا وكان أول من نطق‬ ‫هبا مث قال أما وأبيك لرب غارة شهدهتا وسبية أردفتها ومخرة شربتها‬ ‫احلقي بأهلك فال حاجة يل فيك مث أنشأ يقول وعريت أن رأتين البسا كربا ‪ %‬وغاية النفس بني املوت والكرب فإن‬ ‫بقيت رأيت الشيب راغمة ‪ %‬ويف التفرق ما يقضي من العرب وإن يكن قد عال رأسي وغريه ‪ %‬صرف الزمان وتقتري‬ ‫من الشعر فقد أروح للذات الفىت جذال ‪ %‬ومهيت مل تشب فاستخربي أثري‬ ‫الباب السادس والعشرون يف ترك احملبني أدىن احملبوبني رغبة يف أعالمها‬ ‫هذا باب ال يدخل فيه إال النفوس الفاضلة الشريفة األ بية اليت ال تقنع بالدون وال تبيع األعلى باألدىن بيع العاجز‬ ‫املغبون وال ميلكها لطخ مجال مغش على أنواع من القبائح كما قال بعض األعراب وقد نظر إىل امرأة مربقعة إذا بارك‬ ‫هللا يف ملبس ‪ %‬فال بارك هللا يف الربقع يريك عيون املها مسبال ‪ %‬ويكشف عن منظر يف أشنع وقال اآلخر ال‬ ‫يغرنك ما ترى من نقاب ‪ %‬إن حتت النقاب داء دويا فالنفس األبية ال ترضى بالدون وقد عاب هللا سبحانه أقواما‬ ‫استبدلوا طعاما بطعام أدىن منه فنعى ذلك عليهم وقال أتستبدلون الذي هو أدىن بالذي هو خري وذلك دليل على‬ ‫وضاعة النفس وقلة قيمتها وقال األ صمعي خال رجل من األعراب بامرأة فهم بالريبة فلما متكن منها تنحى سليما‬ ‫وجعل يقول إن امرءا باع جنة عرضها السموات واألرض بفرت ما بني رجليك لقليل البصر باملساحة‬ ‫وقال أبو أمساء دخل رجل غيضة فقال لو خلوت هاهنا مبعصية من كان يراين فسمع صوتا مأل ما بني البيت الغيضة أال‬ ‫يعلم من خلق وهو اللطيف اخلبري وقال اإلمام أمحد حدثنا هيثم هو ابن خارجة حدثنا إمساعيل ابن عياش عن‬ ‫عبدالرمحن بن عدي البهراين عن يزيد بن ميسرة قال إن هللا تعاىل يقول أيها الشاب التارك شهوته يل املتبذل شبابه من‬ ‫أجلي أنت عندي كبعض مالئكيت وذكر إبراه يم بن اجلنيد أن رجال راود امرأة عن نفسها فقالت له أنت قد مسعت‬ ‫القرآن واحلديث فأنت أعلم قال فأغلقي األبواب فأغلقتها فلما دنا منها قالت بقي باب مل أغلقه قال أي باب قالت‬ ‫الباب الذي بينك وبني هللا فلم يتعرض هلا وذكر أيضا عن أعرايب قال خرجت يف بعض ليايل الظلم فإذا أنا جبارية كأهنا‬ ‫علم فأردهتا عن نفسها فقالت ويلك أما كان لك زاجر من عقل إذ مل يكن لك ناه من دين فقلت إنه وهللا ما يرانا إال‬ ‫الكواكب قالت فأين مكوكبها وجلس زياد موىل ابن عياش رضي هللا عنهما إىل بعض إخوانه فقال له‬ ‫يا عبدهللا فقال له قل ما تشاء قال م ا هي إال اجلنة أو النار قلت نعم قال وما بينهما منزل ينزله العباد قلت ال وهللا فقال‬ ‫وهللا إن نفسي لنفس أضن هبا على النار والصرب اليوم عن معاصي هللا خري من الصرب على األغالل وقال وهب بن منبه‬ ‫قالت امرأة العزيز ليوسف عليه السالم ادخل معي القيطون تعين السرت قال إن القيطون ال يسرتين من ريب وقال اليزيدي‬ ‫دخلت على هارون الرشيد فوجدته مكبا على ورقه ينظر فيها مكتوبة بالذهب فلما رآين تبسم فقلت فائدة أصلح هللا‬ ‫أمري املؤمنني قال نعم وجدت هذين البيتني يف بعض خزائن بين أمية فاستحسنتهما فأضفت إليهما ثالثا فقال مث‬


‫أنشدين إذا سد باب عنك من دون حاجة ‪ %‬فدعه ألخرى ينفتح لك باهبا فإن قراب البطن يكفيك مأله ‪%‬‬ ‫ويكفيك سوءات األمور اجتناهبا فال تك مبذاال لدينك واجتنب ‪ %‬ركوب املعاصي جيتنبك عقاهبا وقال أبو العباس‬ ‫الناشئ إذا املرء حيمي نفسه حل شهوة ‪ %‬لصحة أيام تبيد وتنفد فما باله ال حيتمي من حرامها ‪ %‬لصحة ما يبقى‬ ‫له وخيلد وقيل إن علي بن أيب طالب رضي هللا عنه كان ينشد هذين البيتني إقدع النفس بالكفاف وإال ‪ %‬طلبت‬ ‫منك فوق ما يكفيها إمنا طول عمرك ما عمرت ‪ %‬يف الساعة اليت أنت فيها ومن أحسن شعر العرب وكان عمرو بن‬ ‫العاص يتمثل هبما‬ ‫إذا املرء مل يرتك طعاما أحبه ‪ %‬ومل ينه قلبا غاويا حيث ميما قضى وطرا منه وغادر سبة ‪ %‬إذا ذكرت أمثاهلا متأل‬ ‫الفما وقال شعبة عن منصور عن إبراهيم كلم رجل من العباد امرأة فلم يزل هبا حىت وضع يده على فخذها فانطلق‬ ‫فوضع يده على النار حىت نشت وقال زيد بن أسلم عن أبيه كان عابد يف صومعة يتعبد فأشرف ذات يوم فرأى امرأة‬ ‫ففنت هبا فأخرج إحدى رجليه من الصومعة يريد النزول إليها مث فكر وادكر فأناب فأراد أن يعيد رجله إىل الصومعة فقال‬ ‫وهللا ال أدخل رجال خرجت تريد أن تعصي هللا يف صومعيت أبدا فرتكها خارجة من الصومعة فأصاهبا الثلج والربد والرياح‬ ‫حىت تقطعت وقال بعض السلف من كان له واعظ من قلبه زاده هللا عز وجل عزا والذل يف طاعة هللا أقرب من العز يف‬ ‫معصيته وقال أبو العتاهية لقيت أبا نواس يف املسجد اجلامع فعذلته وقلت له أما آن لك أن ترعوي وتنزجر فرفع رأسه‬ ‫إيل وقال أتراين يا عتاهي ‪ %‬تاركا تلك املالهي أتراين مفسدا بالنسك ‪ %‬عند القوم جاهي فلما أحلحت عليه يف‬ ‫العذل أنشأ يقول ال ترجع األنفس عن غيها ‪ %‬مامل يكن منها هلا زاجر‬ ‫فوددت أين قلت هذا البيت بكل شيء قلته وقال ابن السماك عن امرأة كان تسكن البادية لو طالعت قلوب املؤمنني‬ ‫بفكرها ما ذخر هلا يف حجب الغيوب من خري اآلخرة مل يصف هلم يف الدنيا عيش ومل تقر هلم عني وقال ضيغم لرجل‬ ‫إن حبه عز وجل شغل قلوب حمبيه عن التلذذ مبحبةغريه فليس هلم يف الدنيا مع حمبته عز وجل لذة تداين حمبته وال يأملون‬ ‫يف اآلخرة من كرامة الثواب أكرب عندهم من النظر إىل وجه جمبوهبم فسقط الرجل مغشيا عليه ويف مسند اإلمام أمحد‬ ‫من حديث عبدالرمحن بن جبري بن نفري عن أبيه عن النواس بن مسعان رضي هللا عنه عن رسول هللا قال ضرب هللا مثال‬ ‫صراطا مستقيما وعلى جنبيت الصراط سوران ويف السورين أبواب مفتحة وعلى األبواب ستور مرخاة وعلى رأس الصراط‬ ‫داع يقول يا أيها الناس ادخلوا الصراط وال تعرجوا وداع يدعو فوق الصراط فإذا أراد أحد فتح شيء من تلك األبواب‬ ‫قال وحيك ال تفتحه فإنك إن فتحته تلجه فالصراط اإلسالم والستور املرخاة حدود هللا واألبواب املفتحة حمارم هللا‬ ‫والداعي على رأ س الصراط كتاب هللا عز وجل والداعي من فوق الصراط واعظ هللا يف قلب كل مسلم وقال خالد بن‬ ‫معدان ما من عبد إال وله عينان يف وجهه يبصر هبما أمر الدنيا وعينان يف قلبه يبصر هبما أمر اآلخرة فإذا أراد هللا بعبد‬ ‫خريا فتح عينيه اللتني يف قلبه فأبصر هبما ما وعده هللا بالغيب وإذا أراد هللا به غري ذلك تركه على ما هو فيه مث قرأ أم‬ ‫على قلوب أقفاهلا‬


‫ويف الرتمذي عنه الكيس من دان نفسه وعمل ملا بعد املوت والعاجز من أتبع نفسه هواها ومتىن على هللا األماين ويف‬ ‫املسند من حديث فضالة بن عبيد عن النيب اجملاهد من جاهد نفسه يف ذات هللا والعاجز من أتبع نفسه هواها ومتىن على‬ ‫هللا وقال اإلمام أمحد رمحه هللا تعاىل حدثنا عبدالرمحن بن مهدي حدثنا عبدالعزيز بن مسلم عن الربيع بن أنس عن أيب‬ ‫العالية عن أيب بن كعب رضي هللا عنه قال من أصبح وأكثر مهه غري هللا فليس من هللا وقال اإلمام أمحد حدثنا‬ ‫عبدالرمحن عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار قال قال موسى يا رب من أهلك الذين‬ ‫تظلهم يف ظل عرشك قال هم الربيئة أيديهم الطاهرة قلوهبم الذين يتحابون جباليل الذين إذا ذكرت ذكروا يب وإذا ذكروا‬ ‫يب ذكرت بذكرهم الذين يسبغون الوضوء يف املكاره وينيبون إىل ذكري كما تنيب النسور إىل وكورها ويكلفون حبيب كما‬ ‫يكلف الصيب حبب الناس ويغضبون حملارمي إذا استحلت كما يغضب النمر إذا حرب وقال أمحد حدثنا إبراهيم بن‬ ‫خالد حدثين عبدهللا بن حيىي قال مسعت وهب بن منبه يقول قال موسى عليه السالم أي رب أي عبادك أحب إليك‬ ‫قال من أذكر برؤيته‬ ‫وقال أمحد حدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا هشام الدستوائي قال بلغين أن يف حكمة عيسى بن مرمي تعملون للدنيا‬ ‫وأنتم ترزقون فيها بغري عمل وال تعملون لآلخرة وأنتم ال ترزقون فيها إال بالعمل وحيكم علماء السوء األجر تأخذون‬ ‫والعمل تضيعون توشكون أن خترجوا من الدنيا إىل ظلمة القرب وضيقه وهللا عز وجل هناكم عن املعاصي كما أمركم‬ ‫بالصوم والصالة كيف يكون من أهل العلم من دنياه آثر عنده من آخرته وهو يف الدنيا أعظم رغبة كيف يكون من أهل‬ ‫العلم من مسريه إىل آخرته وهو مقبل على دنياه وما يضره أشهى إليه مما ال يضره كيف يكون من أهل العلم من اهتم هللا‬ ‫عز وجل يف قضائه فليس يرضى بشيء أصابه كيف يكون من أهل العلم من طلب العلم ليتحدث به ومل يطلبه ليعمل‬ ‫به وقال عبدهللا بن املبارك عن معمر قال الصبيان ليحىي بن زكريا اذهب بنا نلعب قال أو للعب خلقنا وقال أمحد‬ ‫حدثنا أبو ب كر احلنفي حدثنا عبداحلميد بن جعفر حدثين احلسن بن احلسن بن علي بن أيب طالب أن أمه فاطمة حدثته‬ ‫أن رسول هللا قال إن من شرار أميت الذين غذوا بالنعيم الذين يطلبون ألوان الطعام وألوان الثياب ويتشدقون‬ ‫بالكالم وقال أمحد حدثنا أبو قطن حدثنا شعبة عن أيب مسلمة عن‬ ‫أيب نضرة قال قال عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه أليب موسى يا أبا موسى شوقنا إىل ربنا قال فقرأ فقالوا الصالة فقال‬ ‫عمر أولسنا يف الصالة فصل ومالك األمر كله الرغبة يف هللا وإرادة وجهه والتقرب إليه بأنواع الوسائل والشوق إىل‬ ‫الوصول إليه وإىل لقائه فإن مل يكن للعب د مهة إىل ذلك فالرغبة يف اجلنة ونعيمها وما أعد هللا فيها ألوليائه فإن مل تكن له‬ ‫مهة عالية تطالبه بذلك فخشية النار وما أعد هللا فيها ملن عصاه فإن مل تطاوعه نفسه بشيء من ذلك فليعلم أنه خلق‬ ‫للجحيم ال للنعيم وال يقدر على ذلك بعد قدر هللا وتوفيقه إال مبخالفة هواه فهذه فصول أربعة هن ربيع املؤمن وصيفه‬ ‫وخريفه وشتاؤه وهن منازله يف سريه إىل هللا عز وجل وليس له منزلة غريها فأما خمالفة اهلوى فلم جيعل هللا للجنة طريقا غري‬ ‫خمالفته ومل جيعل للنار طريقا غري متابعته قال هللا تعاىل فأما من طغى وآثر احلياة الدنيا فإن اجلحيم هي املأوى وأما من‬ ‫خاف مقام ربه وهنى النفس عن اهلوى فإن اجلنة هي املأوى وقال تعاىل وملن خاف مقام ربه جنتان قيل هو العبد يهوى‬


‫املعصية فيذكر مقام ربه عليه يف الدنيا ومقامه بني يديه يف اآلخرة فيرتكها هلل وقد أخرب سبحانه أن اتباع اهلوى يضل عن‬ ‫سبيله فقال هللا تعاىل‬ ‫يا داود إنا جعلناك خليفة يف األرض فاحكم بني الناس باحلق وال تتبع اهلوى فيضلك عن سبيل هللا مث ذكر مآل الضالني‬ ‫عن سبيله ومصريهم فقال إن الذين يضلون عن سبيل هللا هلم عذاب شديد مبا نسوا يوم احلساب وأخرب سبحانه أن‬ ‫باتباع اهلوى يطبع على قلب العبد فقال أولئ ك الذين طبع هللا على قلوهبم واتبعوا أهواءهم وقد أخرب النيب أن العاجز هو‬ ‫الذي اتبع هواه ومتىن على هللا وذكر اإلمام أمحد من حديث راشد بن سعد عن أيب أمامة الباهلي رضي هللا عنه قال قال‬ ‫رسول هللا ما حتت ظل السماء إله يعبد أعظم عند هللا من هوى متبع وذكر من حديث جعفر بن حيان عن أيب احلكم‬ ‫عن أيب برزة األسلمي رضي هللا عنه قال قال رسول هللا أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي يف بطونكم وفروجكم‬ ‫ومضالت اهلوى ويف نسخة كثري ابن عبدهللا بن عمرو بن عوف املزين عن أبيه عن جده رضي هللا عنه قال قال رسول هللا‬ ‫إن أخوف ما أخاف على أميت حكم جائر وزلة عامل وهوى متبع‬ ‫وقيل لبعض احلكماء أي األصحاب أبر قال العمل الصاحل قيل فأي شيء أضر قال النفس واهلوى وقال بعض احلكماء‬ ‫إذا اشتبه عليك أمران فانظر أقرهبما من هواك فاجتنبه وأيت بعض امللوك بأسري عظيم اجلرم فقال لو كان هواي يف العفو‬ ‫عنك خلالفت اهلوى إىل قتلك ولكن ملا كان هواي يف قتلك خالفته إىل العفو عنك وقال اهليثم بن مالك الطائي مسعت‬ ‫النعمان بن بشري يقول علىاملنرب إن للشيطان فخوخا ومصايل وإن من مصايل الشيطان وفخوخه البطر بأنعم هللا والفخر‬ ‫بإعطاء هللا والكربياء على عباد هللا واتباع اهلوى يف غري ذات هللا ويف املسند وغريه من حديث قتادة عن أنس رضي هللا‬ ‫عنه قال قال رسول هللا ثالث مهلكات وثالث منجيات فاملهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب املرء بنفسه‬ ‫واملنجيات تقوى هللا تعاىل يف السر والعالنية والعدل يف الغضب والرضى والقصد يف الفقر والغىن ويف جامع الرتمذي من‬ ‫حديث أمساء بنت عميس رضي هللا عنها قالت مسعت رسول هللا يقول بئس العبد عبد جترب واعتدى ونسي اجلبار األعلى‬ ‫بئس العبد عبد ختيل واختال ونسي الكبري املتعال بئس العبد عبد سها وهلا ونسي املقابر والبلى بئس العبد عبد بغى وعتا‬ ‫ونسي املبدأ واملنتهى بئس العبد عبد خيتل الدنيا بالدين بئس العبد عبد خيتل الدين بالشبهات بئس العبد عبد طمع‬ ‫يقوده بئس العبد عبد هوى يضله بئس العبد عبد رغب يذله وقد أقسم النيب أنه ال يؤمن العبد حىت يكون هواه تبعا ملا‬ ‫جاء به فيكون هواه تابعا ال متبوعا فمن اتبع هواه فهواه متبوع له ومن خالف هواه ملا جاء به الرسول فهواه تابع له‬ ‫فاملؤمن هواه تابع له واملنافق الفاجر هواه متبوع له وقد حكم هللا تعاىل لتابع هواه بغري هدى من هللا أنه أظلم الظاملني‬ ‫فقال هللا عز وجل فإن مل يستجيبوا لك فاعلم أمنا يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغري هدى من هللا إن هللا ال‬ ‫يهدي القوم الظاملني وأنت جتد حتت هذا اخلطاب أن هللا ال يهدي من اتبع هواه وجعل سبحانه وتعاىل املتع قسمني ال‬ ‫ثالث هلما إما ما جاء به الرسول وإما اهلوى فمن اتبع أحدمها مل ميكنه اتباع اآلخر والشيطان يطيف بالعبد من أين‬ ‫يدخل عليه فال جيد عليه مدخال وال إليه طريقا إال من هواه فلذلك كان الذي خيالف هواه يفرق الشيطان من ظله وإمنا‬ ‫تطاق خمالفة اهلوى بالرغبة يف هللا وثوابه واخلشية من حجابه وعذابه ووجد حالوة الشفاء يف خمالفة اهلوى فإن متابعته‬


‫الداء األكرب وخمالفته الشفاء األعظم وقيل أليب القاسم اجلنيد مىت تنال النفوس مناها فقال إذا صار داؤها دواها فقيل‬ ‫له ومىت يصري داؤها دواها فقال إذا خالفت هواها ومعىن قوله يصري‬ ‫داؤها دواها أن داءها هو اهلوى فإذا خالفته تداوت منه مبخالفته وقيل إمنا مسي هوى ألنه يهوى بصاحبه إىل أسف‬ ‫السافلني واهلوى ثالثة أرباع اهلوان وهو شارع النار األكرب كما أن خمالفته شارع اجلنة األعظم وقال أبو دلف‬ ‫العجلى واسوأتا لفىت له أدب ‪ %‬يضحى هواه قاهرا أدبه يأيت الدنية وهو يعرفها ‪ %‬فيشني عرضا صائنا أربه فإذا‬ ‫ارعوى عادت بصريته ‪ %‬فبكى على احلني الذي سلبه وقال ابن املرتفق اهلذيل أين يل ما ترى واملرء يأيت ‪ %‬عزمييته‬ ‫ويغلبه هواه فيعمى ما يرى فيه عليه ‪ %‬وحيسب من يراه ال يراه فصل وأما الرغبة يف هللا وإرادة وجهه والشوق إىل‬ ‫لقائه فهي رأس مال العبد ومالك أمره وقوام حياته الطيبة وأصل سعادته وفالحه ونعيمه وقرة عينه ولذلك خلق وبه أمر‬ ‫وبذلك أرسل ت الرسل وأنزلت الكتب وال صالح للقلب وال نعيم إال بأن تكون رغبته إىل هللا عز وجل وحده فيكون هو‬ ‫وحده مرغوبه ومطلوبه ومراده كما قال هللا تعاىل فإذا فرغت فانصب وإىل ربك فارغب وقال تعاىل ولو أهنم رضوا ما‬ ‫آتاهم‬ ‫هللا ورسوله وقالوا حسبنا هللا سيؤتينا هللا من فضله ورسوله إنا إىل هللا راغبون والراغبون ثالثة أقسام راغب يف هللا وراغب‬ ‫فيما عند هللا وراغب عن هللا فاحملب راغب فيه والعامل راغب فيما عنده والراضي بالدنيا من اآلخرة راغب عنه ومن‬ ‫كانت رغبته يف هللا كفاه هللا كل مهم وتواله يف مجيع أموره ودفع عنه ماال يستطيع دفعه عن نفسهووقاه وقاية الوليد‬ ‫وصانه من مجيع اآلفات ومن آثر هللا على غريه آثره هللا على غريه ومن كان هلل كان هللا له حيث ال يكون لنفسه ومن‬ ‫عرف هللا مل يكن شيء أحب إليه منه ومل تبق له رغبة فيما سواه إال فيما يقربه إليه ويعينه على سفره إليه ومن عالمات‬ ‫املعرفة اهليبة فكلما ازدادت معرفة العبد بربه ازدادت هيبته له وخشيته إياه كما قال هللا تعاىل إمنا خيشى هللا من عباده‬ ‫العلماء أي العلماء به وقال النيب أنا أعرفكم باهلل وأشدكم له خشية ومن عرف هللا صفا له العيش وطابت له احلياة وهابه‬ ‫كل شيء وذهب عنه خوف املخلوقني وأ نس باهلل واستوحش من الناس وأورثته املعرفة احلياء من هللا والتعظيم له‬ ‫واإلجالل واملراقبة واحملبة والتوكل عليه واإلنابة إليه والرضا به والتسليم ألمره وقيل للجنيد رمحه هللا تعاىل‬ ‫إن ها هنا أقواما يقولون إهنم يصلون إىل الرب برتك احلركات فقال هؤالء تكلموا بإسقاط األعمال وهو عندي عظيم‬ ‫والذي يزين ويسرق أحسن حاال من الذي يقول هذا فإن العارفني باهلل أخذوا األعمال عن هللا وإىل هللا رجعوا فيها ولو‬ ‫بقيت ألف عام مل أنقص من أعمال الرب شيئا وقال ال يكون العارف عارفا حىت يكون كاألرض يطؤه الرب والفاجر‬ ‫وكاملطر يسقى ما حيب وماال حيب وقال حيىي بن معاذ خيرج العارف من الدنيا وال يقضي وطره من شيئني بكاؤه على‬ ‫نفسه وشوقه إىل ربه وقال بعضهم ال يكون العارف عارفا حىت لو أعطي ملك سليمان مل يشغله عن هللا طرفة عني وقيل‬ ‫العارف أنس باهلل فاستوحش من غريه وافتقر إىل هللا فأغناه عن خلقه وذل هلل فأعزه يف خلقه وقال أبو سليمان الداراين‬ ‫يفتح للعارف على فراشه ماال يفتح له وهو قائم يصلي وقال ذو النون لكل شيء عقوبة وعقوبة العارف انقطاعه عن‬ ‫ذكر هللا وباجلملة فحياة القلب مع هللا ال حياة له بدون ذلك أبدا ومىت واطأ اللسان القلب يف ذكره وواطأ القلب مراد‬


‫حبيبه منه واستقل له الكثري من قوله وعمله واستكثر له القليل من بره ولطفه وعانق الطاعة وفارق املخالفة وخرج عن كله‬ ‫حملبوبه فلم يبق منه شيء وامتأل قلبه بتعظيمه وإجالله وإيثار رضاه وعز عليه الصرب عنه وعدم القرار دون ذكره والرغبة إليه‬ ‫واالشتياق إىل لقا ئه ومل جيد األنس إال بذكره وحفظ حدوده وآثره على غريه فهو احملب حقا وقال اجلنيد مسعت احلارث‬ ‫احملاسيب يقول احملبة ميلك إىل الشيء بكليتك مث إيثارك له على نفسك وروحك ومالك مث موافقتك له سرا وجهرا مث‬ ‫علمك بتقصريك يف حبه وقيل احملبة نار يف القلب حترق ما سوى مراد احلبيب من حمبه وقيل بل هي بذل اجملهود يف رضا‬ ‫احلبيب وال تصح إال باخلروج عن رؤية احملبة إىل رؤية احملبوب ويف بعض اآلثار اإلهلية عبدي أنا وحقك لك حمب فبحقي‬ ‫عليك كن يل حمبا وقال عبدهللا بن املبارك من أعطي شيئا من احملبة ومل يعط مثله من اخلشية فهو خمدوع وقال حيىي بن‬ ‫معاذ مثقال خردلة من احلب أحب إيل من عبادة سبعني سنة بال حب وقال أبو بكر الكتاين جرت مسألة يف احملبة‬ ‫مبكة أيام املوسم فتكلم الشيوخ فيها وكان اجلنيد أصغرهم سنا فقالوا هات ما عندك يا عراقي فأطرق رأسه ودمعت عيناه‬ ‫مث قال عبد ذاهب عن نفسه متصل بذكر ربه قائم بأداء حقوقه ناظر إليه بقلبه أحرق قلبه أنوار هويته وصفا شربه من‬ ‫كأس وده فإن تكلم فباهلل وإن نطق فمن هللا وإن حترك فبأمر هللا وإن سكت فمع هللا فهو باهلل وهلل ومع هللا فبكى‬ ‫الشيوخ وقالوا ما على هذا مزيد جربك هللا يا تاج العارفني وقيل أوحى هللا إىل داود عليه السالم يا داود إين حرمت على‬ ‫القلوب بان يدخلها حيب وحب غريي فأمجع العارفون كلهم أن احملبةال تصح إال باملوافقة حىت قال بعضهم حقيقة احلب‬ ‫موافقة احملبوب يف مراضيه ومساخطه واتفق القوم أن احملبة ال تصح إال بتوحيد احملبوب‬ ‫وحيكى أن رجال ادعى االستهالك يف حمبة شخص فقال له كيف وهذا أخي أحسن مين وجها وأمت مجاال فالتفت‬ ‫الرجل إليه فدفعه الشاب وقال من يدعي هوانا ينظر إىل سوانا وذكرت احملبة عند ذي النون فقال كفوا عن هذه املسألة‬ ‫ال تسمعها النفوس فتدعيها مث أنشأ يقول اخلوف أوىل باملسي ‪ %‬ء إذا تأله واحلزن واحلب جيمل بالتق ‪ %‬ي وبالنقي‬ ‫من الدرن وقال مسنون ذهب احملبون هلل بشرف الدنيا واآلخرة إن النيب قال املرء مع من أحب فهم مع هللا يف الدنيا‬ ‫واآلخرة وقال حيىي بن معاذ ليس بصادق من ادعى حمبته مث مل حيفظ حدوده فصل فاحملبة شجرة يف القلب عروقها الذل‬ ‫للمحبوب وس اقها معرفته وأغصاهنا خشيته وورقها احلياء منه ومثرهتا طاعته ومادهتا اليت تسقيها ذكره فمىت خال احلب عن‬ ‫شيء من ذلك كان ناقصا وقد وصف هللا سبحانه نفسه بأنه حيب عباده املؤمنني وحيبونه فأخرب أهنم أشد حبا هلل‬ ‫ووصف نفسه بأنه الودود وهو احلبيب قاله البخاري والود خالص احلب فهو يود عباده املؤمنني ويودونه وقد روى‬ ‫البخاري يف صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي هللا عنه قال قال رسول هللا فيما يروى عنه ربه عز وجل أنه قال‬ ‫من أهان يل وليا فقد بارزين باحملاربة وما تقرب إيل عبدي مبثل أداء‬ ‫ما افرتضت عليه وال يزال عبدي يتقرب إيل بالنوافل حىت أحبه فإذا أحببته كنت مسعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر‬ ‫به ويده اليت يبطش هبا ورجله اليت ميشي هبا فيب يسمع ويب يبصر ويب يبطش ويب ميشي ولئن سألين ألعطينه ولئن استعاذ‬ ‫يب ألعيذنه وما ترددت عن شي أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي املؤمن يكره املوت وأكره مساءته وال بد له منه‬ ‫ويف لفظ يف غري البخاري فإذا أحببته كنت له مسعا وبصرا ويدا ومؤيدا فتأمل كمال املوافقة يف الكراهةكيف اقتضى كراهة‬


‫الرب تعاىل ملساءة عبده باملوت ملا كره العبد مساخط ربه وكمال املوافقة يف اإلرادة كيف اقتضى موافقته يف قضاء‬ ‫حوائجه وإجابة طلباته وإعاذته مما استعاذ به كما قالت عائشة رضي هللا عنها للنيب ما أرى ربك إال يسارع يف هواك وقال‬ ‫له عمه أبو طالب يا ابن أخي ما أرى ربك إال يطيعك فقال له وأنت يا عم لو أطعته أطاعك ويف تفسري ابن أيب جنيح‬ ‫عن جماهد يف قوله عز وجل واختذ هللا إبراهيم خليال قال حبيبا قريبا إذا سأله أعطاه وإذا دعاه أجابه وأوحى هللا تعاىل إىل‬ ‫موسى عليه الصالة والسالم يا موسى كن يل كما أريد أكن لك كما تريد وتأمل هذه الباء يف قوله فيب يسمع ويب يبصر‬ ‫ويب يبطش ويب ميشي كيف جتدهامبنية ملعىن قوله كنت مسعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به إىل آخره فإن مسع مسع‬ ‫باهلل وإن أبصر أبصر به وإن بطش بطش به وإن مشى مشى به وهذا حتقيق قوله تعاىل إن هللا مع الذين اتقوا والذين هم‬ ‫حمسنون وقوله وإن هللا ملع احملسنني وقوله وأن هللا مع املؤمنني وقوله فيما رواه عنه رسوله من قوله أنا مع عبدي ما ذكرين‬ ‫وحتركت يب شفتاه وهذا ضد قوله أم هلم آهلة متنعهم من دوننا ال يستطيعون نصر أنفسهم وال هم منا يصحبون فالصحبة‬ ‫اليت نفاها ها هنا هي اليت أثبتها ألحبابه وأوليائه فتأمل كيف جعل حمبته لعبده متعلقة بأداء فرائضه وبالتقرب إليه بالنوافل‬ ‫بعدها ال غري ويف هذا تعزية ملدعي حمبته بدون ذلك أنه ليس من أهلها وإمنا معه األماين الباطلة والدعاوي الكاذبة ويف‬ ‫الصحيحني من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه أن النيب قال إذا أحب هللا العبد نادى جربيل إن هللا حيب فالنا فأحبوه‬ ‫فيحبه أهل السماء مث يوضع له القبول يف األرض ويف لفظ ملسلم إن هللا إذا أحب عبدا دعا جربيل فقال إين أحب فالنا‬ ‫فأحبه قال فيحبه جربيل مث ينادي يف السماء فيقول إن هللا حيب فالنا فأحبوه فيحبه أهل السماء قال مث يوضع له القبول‬ ‫يف األرض وإذا أبغض عبدا دعا جربيل فيقول إين أبغض فالنا فأبغضه قال فيبغضه جربيل مث ينادي يف السماء إن هللا‬ ‫يبغض فالنا فأبغضوه مث يوضع له البغضاء يف األرض ويف لفظ آخر ملسلم عن سهيل بن أيب صاحل قال كنا بعرفة فمر‬ ‫عمر بن عبدالعزيز وهو‬ ‫على املوسم فقام الناس ينظرون إليه فقلت أليب يا أبت إين أرى هللا حيب عمر بن عبدالعزيز قال وما ذاك قلت ملا له‬ ‫من احلب يف قلوب الناس فق ال إين مسعت أبا هريرة رضي هللا عنه حيدث عن رسول هللا مث ذكر احلديث وأخرجه الرتمذي‬ ‫مث زاد يف آخره فذلك قول هللا تعاىل إن الذين آمنوا وعملوا الصاحلات سيجعل هلم الرمحن ودا انتهى وقال بعض السلف‬ ‫يف تفسريها حيبهم وحيببهم إىل عباده ويف الصحيحني من حديث أنس رضي هللا عنه أن رجال سأل النيب عن الساعة‬ ‫فقال وما أعددت هلا قال ال شيء إال أين أحب هللا ورسوله فقال أنت مع من أحببت قال أنس رضي هللا عنه فما‬ ‫فرحنا بشيء فرحنا بقول النيب أنت مع من أحببت قال أنس فأنا أحب النيب وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم حبيب‬ ‫إياهم وإن مل أعمل أعماهلم ويف الرتمذي عنه أن رسول هللا قال املرء مع من أحب وله ما اكتسب ويف سنن أيب داود‬ ‫عنه قال رأيت أصحاب النيب فرحوا بشيء مل أرهم فرحوا بشيء أشد منه قال رجل يا رسول هللا الرجل حيب الرجل على‬ ‫العمل من اخلري يعمل به وال يعمل مبثله فقال رسول هللا امل رء مع من أحب وهذه احملبة هلل توجب احملبة يف هللا قطعا فإن‬ ‫من حمبة احلبيب احملبة فيه والبغض فيه وقد روى مسلم يف صحيحه من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول‬


‫هللا يقول هللا تعاىل يوم القيامة أين املتحابون جباليل اليوم أظلهم يف ظلي يوم ال ظل إال ظلي ويف جامع أيب عيسى‬ ‫الرتمذي من حديث معاذ بن جبل رضي هللا عنه قال مسعت رسول هللا يقول قال هللا عز وجل املتحابون‬ ‫جباليل هلم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء ويف لفظ لغريه املتحابون جبالل هللا يكونون يوم القيامة على منابر من‬ ‫نور يغبطهم أهل اجلمع ويف املوط أ من حديث أيب إدريس اخلوالين قال دخلت مسجد دمشق فإذا فىت براق الثنايا والناس‬ ‫حوله فإذا اختلفوا يف شيء اسندوه إليه وصدروا عن رأيه فسألت عنه فقالوا هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت إليه‬ ‫فوجدته قد سبقين بالتهجري ووجدته يصلي فانتظرته حىت قضى صالته مث جئته من قبل وجهه فسلمت عليه مث قلت وهللا‬ ‫إين ألحبك يف هللا فقال آ هلل قلت هللا فقال آ هلل فقلت هللا فأخذ حببوة ردائي فجبذين إليه وقال أبشر فإين مسعت‬ ‫رسول هللا يقول قال هللا تبارك وتعاىل وجبت حمبيت للمتحابني يف واملتجالسني يف واملتزاورين يف واملتباذلني يف ويف سنن‬ ‫أيب داود من حديث أيب ذر رضي هللا عنه قال قال رسول هللا أفضل األعمال احلب يف هللا والبغض يف هللا‬ ‫وفيه أيضا عن عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه قال قال رسول هللا إن من عباد هللا ألناسا ما هم بأنبياء وال شهداء‬ ‫يغبطهم األنبياء والشهداء يوم القيامة مبكاهنم من هللا قالوا يا رسول هللا ختربنا من هم قال هم قوم حتابوا بروح هللا على‬ ‫غري أرحام بينهم وال أموال يتعاطوهنا فوهللا إن وجوههم لنور وإهنم لعلى نور وال خيافون إذا خاف الناس وال حيزنون إذا‬ ‫حزن الناس وقرأ هذه اآلية أال إن أولياء هللا ال خوف عليهم وال هم حيزنون ويف لفظ لغريه إن هلل عبادا ليسوا بأنبياء وال‬ ‫شهداء يغبطهم األنبياء مبكاهنم من هللا قالوا يا رسول هللا صفهم لنا حلهم لنا لعلنا حنبهم قال هم قوم حتابوا بروح هللا‬ ‫على غري أموال تباذلوها وال أرحام تواصلوها هم نور ووجوههم نور وعلى كراسي من نور ال خيافون إذاخاف الناس وال‬ ‫حيزنون إذا حزن الناس مث قرأ هذه اآلية أال إن أولياء هللا ال خوف عليهم وال هم حيزنون ويف صحيح مسلم من حديث‬ ‫أيب هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا قال إن رجال زار أخا له يف قرية أخرى فأرصد هللا على مدرجته ملكا فلما أتى عليه‬ ‫قال أين تريد قال أريد أخا يل يف هذه القرية قال لك عليه من نعمة ترهبا قال ال غري أين أحبه يف هللا تعاىل قال‬ ‫فإين رسول هللا إليك أن هللا قد أحبك كما أحببته فيه‬ ‫وقال رجل ملعاذ بن جبل إين أحبك يف هللا قال أحبك الذي أحببتين له ويف سنن أيب داود أن رجال كان عند رسول‬ ‫هللا فمر رجل فقال يا رسول هللا إين ألحب هذا فقال له رسول هللا أعلمته قال ال قال أعلمه فلحقه فقال إين أحبك يف‬ ‫هللا قال أحبك الذي أحببتين له وفيها أيضا عن املقدام بن معدي كرب رضي هللا عنه أن رسول هللا قال إذا أحب‬ ‫الرجل أخاه فليخربه أنه حيبه ويف الرتمذ ي من حديث يزيد بن نعامة الضيب رضي هللا عنه قال قال رسول هللا إذا آخى‬ ‫الرجل الرجل فليسأله عن امسه واسم أبيه وممن هو فإنه أوصل للمودة ويف صحيح مسلم من حديث أيب هريرة رضي هللا‬ ‫عنه أن رسول هللا قال والذي نفسي بيده ال تدخلون اجلنة حىت تؤمنوا وال تؤمنوا حىت حتابوا أوال أدلكم على شيء إذا‬ ‫فعلتموه حتاببتم أفشوا السالم بينكم وقال اإلمام أمحد حدثنا حجاج بن حممد الرتمذي حدثنا شريك عن أيب سنان عن‬ ‫عبدهللا بن أيب اهلذيل عن عمار بن ياسر أن أصحابه كانوا ينتظرونه فلما خرج قالوا ما أبطأك عنا أيها األمري قال أما‬


‫إين سوف أحدثكم أن أخا لكم ممن كان قبلكم وهو موسى قال يا رب حدثين بأحب الناس إليك قال‬

‫ومل‬

‫قال ألحبه حببك إياه قال عبد يف أقصى األرض أو طرف األرض مسع به عبد آخر يف أقصى أو طرف األرض‬ ‫ال يعرفه فإن أصابته مصيبة فكأمنا أصابته وإن شاكته شوكة فكأمنا شاكته ال حيبه إال يل فذلك أحب خلقي إيل قال يا‬ ‫رب خلقت خلقا تدخلهم النار أو تعذهبم فأوحى هللا إليه كلهم خلقي مث قال أزرع زرعا فزرعه فقال اسقه فسقاه مث قال‬ ‫قم عليه فقام عليه ما شاء هللا من ذلك فحصده ورفعه فقال ما فعل زرعك يا موسى قال فرغت منه ورفعته قال ما‬ ‫تركت منه شيئا قال ماال خري فيه أو ماال حاجة يل فيه قال فكذلك أنا ال أعذب إال من ال خري فيه فصل ولو مل‬ ‫يكن يف حمبة هللا إال أهنا تنجي حمبه من عذابه لكان ينبغي للعبد أن ال يتعوض عنها بشيء ابدا وسئل بعض‬ ‫العلماء أين جتد يف القرآن أن احلبيب ال يعذب حبيبه فقال يف قوله تعاىل وقالت اليهود والنصارى حنن أبناء هللا‬ ‫وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم اآلية وقال اإلمام أمحد حدثنا إمساعيل بن يونس عن احلسن رضي هللا عنه أن النيب‬ ‫قال وهللا ال يعذب هللا حبيبه ولكن قد يبتليه يف الدنيا وقال اإلمام أمحد حدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا أبو غالب‬ ‫قال بلغنا أن هذا الكالم يف وصية عيسى بن مرمي يا معشر احلواريني حتببوا إىل هللا ببغض أهل املعاصي وتقربوا إليه باملقت‬ ‫هلم والتمسوا رضاه بسخطهم قالوا يا نيب هللا فمن جنالس قال جالسوا من يزيد يف أعمالكم منطقه ومن تذكركم باهلل‬ ‫رؤيته ويزهدكم يف دنياكم علمه‬ ‫ويكفي يف اإلقبال على هللا تعاىل ثوابا عاجال أن هللا سبحانه وتعاىل يقبل بقلوب عباده إىل من أقبل عليه كما أنه‬ ‫يعرض بقلوهبم عمن أعرض عنه فقلوب العباد بيد هللا ال بأيديهم وقال اإلمام أمحد حدثنا حسن يف تفسري شيبان عن‬ ‫قتادة قال ذكر لنا أن هرم بن حي ان كان يقول ما أقبل عبد على هللا بقلبه إال أقبل هللا عز وجل بقلوب املؤمنني إليه حىت‬ ‫يرزقه مودهتم ورمحتهم وقد روى هذا مرفوعا ولفظه وما أقبل عبد على هللا بقلبه إال أقبل هللا غعز وجل عليه بقلوب‬ ‫عباده وجعل قلوهبم تفد إليه بالود والرمحة وكان هللا بكل خري إليه أسرع وإذا كانت القلوب جمبولة على حب من أحسن‬ ‫إليها وكل إحسان وصل إىل العبد فمن هللا عز وجل كما قال هللا تعاىل وما بكم من نعمة فمن هللا فال أألم ممن شغل قلبه‬ ‫حبب غريه دونه قال اإلمام أمحد حدثنا أبو معاوية قال حدثين األعمش عن املنهال عن عبدهللا بن احلارث قال أوحى‬ ‫هللا إىل داود عليه السالم يا داود أحببين وحبب عبادي إيل وحببين إىل عبادي قال يا رب هذا أنا أحبك وأحبب عبادك‬ ‫إليك فكيف أحببك إىل عبادك قال تذكرين عندهم فإهنم ال يذكرون مين إال احلسن ومن أفضل ما سئل هللا عز وجل‬ ‫حبه وحب من حيبهوحب عمل يقرب إىل حبه ومن أمجع ذلك أن يقول اللهم إين أسألك حبك وحب من حيبك وحب‬ ‫عمل يقربين إىل حبك اللهم ما رزقتين مما أحب فاجعله قوة يل‬ ‫فيما حتب وما زويت عين مما أحب فاجعله فراغا يل فيما حتب اللهم اجعل حبك أحب إيل من أهلي ومايل ومن املاء‬ ‫البارد على الظمأ اللهم حببين إليك وإىل مالئكتك وأنبيائك ورسلك وعبادك الصاحلني واجعلين ممن حيبك وحيب‬ ‫مالئكتك وأنبياءك ورسلك وعبادك الصاحلني اللهم أحي قليب حببك واجعلين لك كما حتب اللهم اجعلين أحبك بقليب‬ ‫كله وأرضيك جبهدي كله اللهم اجعل حيب كله لك وسعيي كله يف مرضاتك وهذا الدعاء هو فسطاط خيمة اإلسالم‬


‫الذي قيامها به وهو حقيقة شهادة أن ال إله إال هللا وأن حممدا رسول هللا والقائمون حبقيقة ذلك هم الذين هم بشهادهتم‬ ‫قائمون وهللا سبحانه تعرف إىل عباده من أمسائه وصفاته وأفعاله مبا يوجب حمبتهم له فإن القلوب مفطورة على حمبة‬ ‫الكمال ومن قام به وهللا سبحانه وتعاىل له الكمال املطلق من كل وجه الذي ال نقص فيه بوجه ما وهو سبحانه اجلميل‬ ‫الذي ال أمجل منه بل لو كان مجال اخللق كلهم على رجل واحد منهم وكانوا مجيعهم بذلك اجلمال ملا كان جلماهلم قط‬ ‫نسبة إىل مجال هللا بل كانت النسبة أقل من نسبة سراج ضعيف إىل حذاء جرم الشمس وهلل املثل األعلى وقد روى عن‬ ‫النيب قوله إن هللا مجيل حيب اجلمال عبد هللا بن عمرو بن العاص وأبو سعيد اخلدري وعبدهللا بن مسعود وعبدهللا بن عمر‬ ‫بن اخلطاب وثابت بن قيس وأبو الدرداء وأبو هريرة وأبو رحيانه رضي هللا عنهم‬ ‫ومن أمسائه احلسىن اجلميل ومن أحق باجلم ال ممن كل مجال يف الوجود فهو من آثار صنعه فله مجال الذات ومجال‬ ‫األوصاف ومجال األفعال ومجال األمساء فأمساؤه كلها حسىن وصفاته كلها كمال وأفعاله كلها مجيلة فال يستطيع بشر‬ ‫النظر إىل جالله ومجاله يف هذه الدار فإذا رأوه سبحانه يف جنات عدن أنستهم رؤيته ماهم فيه من النعيم فال يلتفتون‬ ‫حينئذ إىل شيء غريه ولوال حجاب النور على وجهه ألحرقت سبحات وجهه سبحانه وتعاىل ما انتهى إليه بصره من‬ ‫خلقه كما يف صحيح البخاري من حديث أبو موسى رضي هللا عنه قال قام فينا رسول هللا خبمس كلمات فقال إن هللا ال‬ ‫ينام وال ينبغي له أن ينام خيفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه‬ ‫النور لو كشفه ألحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه وقال عبدهللا بن مسعود رضي هللا عنه ليس عند‬ ‫ربكم ليل وال هنار نور السموات من نور وجهه وإن مقدار كل يوم من أيامكم عند هللا اثنتا عشرة ساعة فتعرض عليه‬ ‫أعمالكم باألمس فتعرض عليه أول النهار أو اليوم فينظر فيها ثالث ساعات فيطلع منها على بعض ما يكره فيغضبه‬ ‫ذلك فأول من يعلم بغضبه الذين حيملون العرش جيدونه يثقل عليهم فيسبحه الذين حيملون العرش وسرادقات العرش‬ ‫واملالئكة املقربون وسائر املالئكة وينفخ جربيل يف القرن فال يبقى شيء إال الثقلني اجلن واإلنس فيسبحونه ثالث ساعات‬ ‫حىت ميتلىء الرمحن رمحة فتلك ست ساعات مث يؤتى مبا يف األرحام فينظر فيها‬ ‫ثالث ساعات فيصوركم يف األرحام كيف يشاء ال إله إال هو العزيز احلكيم فتلك تسع ساعات مث ينظر يف أرزاق اخللق‬ ‫كلهم ثالث ساعات فيبسط الرزق ملن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم مث قرأ كل يوم هو يف شأن مث قال عبدهللا هذا‬ ‫من شأنكم وشأن ربكم تبارك وتعاىل رواه عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا موسى بن إمساعيل حدثنا محاد بن سلمة عن‬ ‫الزبري بن عبدالسالم عن أيوب بن عبدهللا الفهري عن ابن مسعود رضي هللا عنه رواه احلسن ابن إدريس عن خالد بن‬ ‫اهلياج عن أبيه عن عباد بن كثري عن جعفر بن احلارث عن معدان عن ابن مسعود رضي هللا عنه قال إن ربكم ليس عنده‬ ‫هنار وال ليل وإن السموات مملوءات نورا من نور الكرسي وإن يوما عند ربك اثنتا عشرة ساعة فرتفع فيها أعمال اخلالئق‬ ‫يف ثالث ساعات فريى فيها ما يكره فيغضبه ذلك وإن أول من يعلم بغضبه محلة العرش يرونه يثقل عليهم فيسبحون له‬ ‫ويسبح له سرادقات العرش يف ثالث ساعات من النهار حىت ميتلىء ربنا رضا فتلك ست ساعات من النهار مث يأمر‬ ‫بأرزاق اخلالئق فيعطى من يشا ء يف ثالث ساعات من النهار فتلك تسع ساعات مث يرفع إليه أرحام كل دابة فيخلق فيها‬


‫ما يشاء وجيعل املدة ملن يشاء يف ثالث ساعات من النهار فتلك اثنتا عشرة ساعة مث تال ابن مسعود رضي هللا عنه هذه‬ ‫اآلية كل يوم هو يف شأن هذا من شأن ربنا تبارك وتعاىل ويف دعاء النيب الذي دعا به يوم الطائف أعوذ بنور وجهك‬ ‫الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا واآلخرة أن حيل علي غضبك أو ينزل علي سخطك‬ ‫لك العتىب حىت ترضى وال حول وال قوة إال بك وإذا جاء سبحانه وتعاىل يوم القيامة لفصل القضاء بني عباده تشرق لنوره‬ ‫األرض كلها كما قال هللا تعاىل وأشرقت األرض بنور رهبا ووضع الكتاب وقول عبدهللا ابن مسعود رضي هللا عنه نور‬ ‫السموات واألرض من نور وجهه تفسري لقوله تعاىل هللا نور السموات واألرض ويف الصحيحني من حديث أيب بكر‬ ‫رضي هللا عنه يف استفتاح النيب قيام الليل اللهم لك احلمد أنت نور السموات واألرض ومن فيهن ويف سنن ابن ماجة‬ ‫وحرب السكرماين من حديث الفضل بن عيسى الرقاشي عن حممد بن املنكدر عن جابر بن عبدهللا رضي هللا عنهما قال‬ ‫قال رسول هللا بينا أهل اجلنة يف نعيمهم إذ سطع هلم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فيقول‬ ‫السالم عليكم يا أه ل اجلنة وذلك قوله سالم قوال من رب رحيم فريفعون رؤوسهم فينظرون إليه وينظر إليهم وال يلتفتون‬ ‫إىل شيء من النعيم حىت حيتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم وعلى ديارهم ومنازهلم لفظ حديث حرب فما ظن‬ ‫احملبني بلذة النظر إىل وجهه الكرمي يف جنات النعيم وقد كان من دعاء النيب أسألك لذة النظر إىل وجهك والشوق إىل‬ ‫لقائك ذكره اإلمام أمحد والنسائي وابن حبان يف صحيحه فامسع اآلن شأن أوليائه وأحبائه عند لقائه مث اخرت لنفسك‬ ‫أنت القتيل بكل من أحببته ‪ %‬فاخرت لنفسك يف اهلوى من تصطفي قال هشام بن حسان عن احلسن إذا نظر أهل‬ ‫اجلنة إ ىل هللا تعاىل نسوا نعيم اجلنة وقال هشام بن عمار حدثنا حممد بن سعيد بن سابور حدثنا عبدالرمحن بن سليمان‬ ‫حدثنا سعيد بن عبدهللا اجلرشي القاضي أنه مسع أبا إسحاق اهلمداين حيدث عن احلارث األعور عن علي بن أيب طالب‬ ‫رضي هللا عنه رفعه قال إن هللا إذا أسكن أهل اجلنة ا جلنة وأهل النار النار بعث إىل أهل اجلنة الروح األمني فيقول يا أهل‬ ‫اجلنة إن ربكم يقرئكم السالم ويأمركم أن تزوروه إىل فناء اجلنة وهو أبطح اجلنة تربته املسك وحصباؤه الدر والياقوت‬ ‫وشجره الذهب الرطب وورقه الزمرد فيخرج أهل اجلنة مستبشرين مسرورين فثم جيمعهم ومث كرامة هللا والنظر إىل وجهه‬ ‫وهو موعد هللا أجنزه هلم فيأذن هللا هلم يف السماع واألكل والشرب ويكسون حلل الكرامة مث ينادي مناد يا أولياء هللا هل‬ ‫بقي مما وعدكم هللا ربكم شيء فيقولون ال وقد أجنزنا ما وعدنا فما بقي شيء إال النظر إىل وجهه فيتجلى هلم الرب‬ ‫تبارك وتعاىل يف حجب فيقول يا جربيل ارفع حجايب لعبادي كي ينظروا إىل وجهي قال فريفع‬ ‫احلجاب األول فينظرون إىل نور من نور الرب فيخرون له سجدا فيناديهم الرب يا عبادي ارفعوا رؤوسكم فإهنا ليست‬ ‫بدار عمل إمنا هي دار ثواب فريفع احلجاب الثاين فينظرون أمرا هو أعظم وأجل فيخرون هلل حامدين ساجدين فيناديهم‬ ‫الرب أن ارفعوا رؤوسكم إهنا ليست بدار عمل إمنا هي دار ثواب ونعيم مقيم فريفع احلجاب الثالث فعند ذلك ينظرون‬ ‫إىل وجه رب العاملني فيقولون حني ينظرون إىل وجهه سبحانك ما عبدناك حق عبادتك فيقول كراميت أمكنتكم من النظر‬ ‫إىل وجهي وأحلتكم داري فيأذن هللا للجنة أن تكلمي فتقول طوىب ملن سكنين وطوىب ملن خيلد يف وطويب ملن أعددت له‬ ‫وذلك قوله تعاىل طوىب هلم وحسن مآب وقوله تعاىل وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة ويف الصحيحني من حديث أيب‬


‫موسى رضي هللا عنه قال قال رسول هللا جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما‬ ‫وما فيهما وما بني القوم وبني أن ينظروا إىل رهبم إال رداء الكربياء على وجهه يف جنة عدن وذكر عثمان بن سعيد‬ ‫الدارمي حدثنا أبو الربيع حدثنا جرير بن عبداحلميد عن يزيد بن أيب زياد عن عبدهللا بن احلارث عن كعب قال ما نظر‬ ‫هللا إىل اجلنة إال قال طييب ألهلك فزادت طيبا على ما كانت وما من‬ ‫يوم كان عيدا يف الدنيا إال خيرجون يف مقداره إىل رياض اجلنة ويربز هلم الرب تبارك وتعاىل وينظرون إليه وتسفى عليهم‬ ‫الريح بالطيب واملسك فال يسألون رهبم تبارك وتعاىل شيئسا إال أعطاهم فريجعون إىل أهلهم وقد ازدادوا على ما كانوا‬ ‫عليه من احلسن واجلمال سبعني ضعفا وقال عبد بن محيد أخربين شبابة عن إسرائيل حدثنا ثوير بن أيب فاختة مسعت‬ ‫ابن عمر رضي هللا عنهما يقول قال رسول هللا إن أدىن أهل اجلنة منزلة من ينظر إىل خدمه ونعيمه وسرره مسرية ألف سنة‬ ‫وأكرمهم على هللا من ينظر إىل وجهه غدوة وعشية مث تال هذه اآلية وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة رواه الرتمذي يف‬ ‫جامعه عنه وذكر عثمان بن سعيد الدارمي عن ابن عمر رضي هللا عنهما رفعه إىل النيب قال إن أهل اجلنة إذا بلغ منهم‬ ‫النعيم كل مبلغ وظهنوا أن ال نعيم أفضل منه جتلى هلم الرب تبارك وتعاىل فنظروا إىل وجه الرمحن فنسوا كل نعيم عاينوه‬ ‫حني نظروا إىل وجه الرمحن وقال احلسن البصري يف قوله تعاىل وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة قال حسنها هللا تعاىل‬ ‫بالنظر إليه سبحانه وحق هلا أن تنضر وهي تنظر إىل رهبا عز وجل قال أبو سليمان الداراين لو مل يكن ألهل‬ ‫احملبة أو قال املعرفة إال هذه اآلية وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة الكتفوا هبا وذكر النسائي من حديث الزهري عن‬ ‫سعيد بن املسيب عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال قلنا يا رسول هللا هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل تضامون ىف رؤية‬ ‫الشمس يف يوم ال غيم فيه ويف القمر ليلة البدر ال غم فيها قلنا ال قال فإنكم سرتون ربكم حىت إن أحدكم ليحاضره‬ ‫حماضرة فيقول عبدي هل تعرف ذنب كذا وكذا فيقول يارب أمل تغفر يل فيقول مبغفريت صرت إىل هذا ويف‬ ‫الصحيحني من حديث مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه قال قال رسول‬ ‫هللا إن هللا تعاىل يقول ألهل اجلنة يا أهل اجلنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك واخلري يف يديك فيقول هل رضيتم‬ ‫فيقولون وما لنا ال نرضى وقد أعطيتنا مامل تعط أحدا من خلقك فيقول أال أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون يا‬ ‫رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضواين فال أسخط عليكم أبدا ويف الصحيح والسنن واملساند‬ ‫من حديث ثابت البناين عن عبدالرمحن بن أيب ليلى عن صهيب رضي هللا عنه عن النيب قال إذا دخل أهل اجلنة اجلنة‬ ‫نادى مناد يا أهل اجلنة إن لكم‬ ‫عند هللا موعدا يريد أن ينجز كموه فيقولون ما هو أمل يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلن ويدخلنا اجلنة وجيرنا من‬ ‫النار فيكشف احلجاب فينظرون إليه فوهللا ما أعطاهم هللا شيئا أحب إليهم من النظر إليه وال أقر ألعينهم ويف صحيح‬ ‫البخاري من حديث جرير بن عبدهللا قال كنا جلوسا عند النيب إذ نظر إىل القمر ليلة البدر فقال إنكم سرتون ربكم كما‬ ‫ترون هذا القمر ال تضامون يف رؤيته فإن استطعتم أن ال تغلبوا على صالة قبل طلوع الشمس وقبل غروهبا فافعلوا ويف‬ ‫الصحيحني من حديث الزهرى عن عطاء بن يزيد الليثي عن أيب هريرة رضي هللا عنه أن الناس قالوا يا رسول هللا هل‬


‫نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول هللا هل تضارون يف القمر ليلة البدر قالوا ال يارسول هللا قال قال فهل تضارون يف‬ ‫الشمس ليس دوننا سحاب قالوا اليا رسول هللا قال فإنكم ترونه كذلك ويف لفظ فإنكم ال تضارون يف رؤية ربكم إال‬ ‫كما تضارون يف رؤيتهما وقال الرتمذي حدثنا قتيبة حدثنا عبدالعزيز بن حممد عن العالء بن عبدالرمحن عن أبيه عن أيب‬ ‫هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا قال جيمع هللا الناس يوم القيامة يف صعيد واحد مث يطلع عليهم رب العاملني تبارك‬ ‫وتعاىل فيقول ليتبع كل إنسان ما كان يعبد فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار‬ ‫ناره‬ ‫فيتبعون ما كانوا يعبدون ويبقى املسلمون فيطلع عليهم رب العاملني تبارك وتعاىل فيقول أآل تتبعون الناس فيقولون نعود‬ ‫باهلل منك نعوذ باهلل منك أهلل ربنا هذا مكاننا حىت نرى ربنا وهو يأمرهم ويثبتهم مث يتوارى مث يطلع عليهم فيقول أال‬ ‫تتبعون الناس فيقولون نعوذ باهلل منك نعوذ باهلل منك أهلل ربنا وهذا مكاننا حىت نرى ربنا وهو يأمرهم ويثبتهم قالوا وهل‬ ‫نراه يا رسول هللا قال وهل تضارون يف رؤية القمر ليلة البدر قالوا قالوا ال يا رسول هللا قال فإنكم ال تضارون يف رؤيته‬ ‫تلك الساعة قال مث يتوارى مث يطلع فيعرفهم نفسه مث يقول أنا ربكم فاتبعوين فيقوم املسلمون ويوضع الصراط فيمرون عليه‬ ‫مثل جياد اخليل والركاب وقوهلم عليه سلم سلم ويبقى أهل النار فيطرح منهم فيها فوج فيقال هل امتألت فتقول هل من‬ ‫مزيد مث يطرح فيها فوج فيقال هل امتألت فتقول هل من مزيد حىت إذا أوعبوا فيها وضع الرمحن تبارك وتعاىل فيها قدمه‬ ‫فأزوى بعضها إىل بعض وقالت قط قط فإذا أدخل هللا أهل اجلنة اجلنة وأهل النار النار أتى باملوت ملبيا فيوقف على‬ ‫السور الذي بني أهل اجلنة واهل النار مث يقال يا أهل اجلنةفيطلعون خائفني مث يقال يا أهل النار فيطلعون مستبشرين‬ ‫يرجون الشفاعة فيقال ألهل اجلنة والنار هل تعرفون هذا فيقولون هؤالء وهؤالء قد عرفناه هو املوت الذي وكل بنا‬ ‫فيضجع فيذبح ذجبا‬ ‫علىالسور مث يقال يا أهل اجلنة خلود وال موت ويا أهل النار خلود وال موت قال الرتمذي هذا حديث حسن صحيح‬ ‫وأصله يف الصحيح ني لكن هذا السياق أمجع وأخصر ويف لفظ الرتمذي فلو أن أحدا مات فرحا ملات أهل اجلنة ولو أن‬ ‫أحدا مات حزنا ملات أهل النار ويف مسند احلارث بن أيب أسامة من حديث قرة عن مالك عن زياد بن سعد حدثنا‬ ‫أبو الزبري قال مسعت جابر بن عبدهللا رضي هللا عنهما يقول مست رسول هللا يقول إذا كان يوم القيامة مجعت األمم‬ ‫ودعي كل أناس بإمامهم فجئنا آخر الناس فيقول قائل من الناس من هذه األمة قال فيشرف إلينا الناس فيقال هذه‬ ‫األمة األمينة هذه أمة حممد وهذا حممد يف أمته فينادي مناد إنكم اآلخرون األولون قال فنأيت فنتخطى رقاب الناس حىت‬ ‫نكون أقرب الناس إىل هللا تعاىل منزلة مث يدعى الناس كل أناس بإمامهم فيدعى اليهود فيقال من أنتم فيقولون حنن اليهود‬ ‫فيقول من نبيكم فيقولون نبينا موسى فيقول ما كتابكم فيقولون كتابنا التوراة فيقول ما تعبدن فيقولون نعبد عزيرا ونعبد‬ ‫هللا فيقول للمإل حوله اسلكوا هبم يف جهنم مث يدعى النصارى فيقول من أنتم فيقولون حنن النصارى فيقول من نبيكم‬ ‫فيقولون نبينا عيسى فيقول ما كتابكم فيقولون كتبنا اإلجنيل فيقول ما تعبدون فيقولون نعبد عيسى وأمه وهللا فيقول للمإل‬ ‫حوله اسلكوا هبؤالء يف جهنم فيدعى عيسى فيقول‬


‫لعيسى يا عيسى ءأنت قلت ل لناس أختذوين وأمي إهلني من دون هللا فيقول سبحانك ما يكون يل أن أقول مال ليس يل‬ ‫حبق إىل قوله ^ العزيز احلكيم ^ مث يدعى كل أناس بإمامهم وما كانوا يعبدون مث يصرخ الصارخ أيها الناس من كان يعبد‬ ‫إهلا فليتبعه تقدمهم آهلتهم منها اخلشب واحلجارة ومنها الشمس والقمر ومنها الدجال حىت تبقى املسلمون فيقف عليهم‬ ‫فيقول من أنتم فيقولون حنن املسلمون قال قال خري اسم وخري داعية فيقول من نبيكم فيقولون حممد فيقول ما كتابكم‬ ‫فيقولون القرآن فيقول ما تعبدون ! فيقولون نعبد هللا وحده ال شريك له قال سينفعكم ذلك إن صدقتم قالوا هذا يومنا‬ ‫ا لذي وعدنا فيقول أتعرفون هللا إذا رأيتموه فيقولون نعم فيقول وكيف تعرفونه ومل تروه فيقولون نعلم أنه ال عدل له قال‬ ‫فيتجلى هلم تبارك وتعاىل فيقولون أنت ربنا تباركت امساؤك وخيرون له سجدا مث ميضى النور بأهله ويف مسند اإلمام أمحد‬ ‫رضي هللا عنه من حديث أيب الزبري قال سألت جابرا عن الورود فأخربين أنه مسع رسول هللا يقول جنيء يوم القيامة على‬ ‫كوم فوق الناس فتدعى األمم بأوثاهنا وما كانت تعبد أألول فاألول مث يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول‬ ‫فيقولون ننتظر ربنا فيقول أنا ربكم فيقولون حىت ننظر إليك فيتجلى هلم يضحك فيتبعونه‬

‫ما تنتظرون‬

‫وذكر عثمان بن سعيد الدارمي أن أبا بردة بن أيب موسى األشعري أتى عمر بن عبدالعزيز فقال حدثنا أبو موسى‬ ‫األشعري رضي هللا عنه أن رسول هللا قال جيمع هللا األمم يوم القيامة يف صعيد واحدفإذا بدا له أن يصدع بني خلقه مثل‬ ‫لكل قوم ما كانوا يعبدون فيتبعوهنم حىت يقحموهم النار مث يأتينا ربنا وحنن يف مكان فيقول من أنتم فبقول حنن املؤمنون‬ ‫فيقول ما تنتظرون فنقول ننتظر ربنا فيقول من أين تعلمون انه ربكم فنقول حدثتنا الرسل أو جاءتنا الكتب فيقول هل‬ ‫تعرفونه فيقولون نعلم أنه ال عدل فيتجلى لنا ضاحكا مث يقول أبشروا معشر املسلمني فإنه ليس منكم أحد إال وقد‬ ‫جعلت مكانه يف النار يهوديا أو نصرانيا فقال عمر أليب بردة آهلل لقد مسعت أبا موسى حيدث هبذا احلديث عن رسول‬ ‫هللا قال إي وهللا الذي ال إله إال هو لقد مسعت أيب يذكره عن رسول هللا غري مرة وال مرتني وال ثالثا فقال عمر بن‬ ‫عبدالعزيز ما مسعت يف اإلسالم حديثا هو أحب إيل منه ويف الرتمذي من حديث األوزاعي حدثين حسان بن عطية‬ ‫عن سعيد ابن املسيب أنه لقي أبا هريرة رضي هللا عنه فقال أبو هريرة أسأل هللا تعاىل أن جيمع بيين وبينك يف سوق اجلنة‬ ‫فقال سعيد أو فيها سوق قال نعم أخربين رسول هللا أن أهل اجلنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعماهلم فيؤذن هلم يف‬ ‫مقدار يوم اجلمعة من أيام الدنيا فيزورون هللا تبارك وتعاىل فيربز هلم عرشه ويتبدى هلم يف روضة من رياض اجلنة فتوضع‬ ‫هلم منابر من نور‬ ‫ومنار من لؤلؤ ومنابر من ياقوت ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة وجيلس أدناهم وما فيهم دينءعلى‬ ‫كثبان املسك والكافور ما يرون أن أهل الكراسي أفضل منهم جملسا قال أبو هريرة قلت يا رسول هللا وهل نرى ربنا يوم‬ ‫القيامةقال نعم هل متارون يف رؤية الشمس والقمر ليلة البدر قلنا ال قال كذلك ال متارون يف رؤية ربكم وال يبقى يف ذلك‬ ‫اجمللس أحد إال حاضره هللا تعاىل حماضرة حىت يقول للرجل منهم يا فالن بن فالن أتذكر يوم كذا عملت كذا وكذا فيذكره‬ ‫ببعض غدراته يف الدنيا فيقول يا رب أمل تغفر يل فيقول بلى فبسعة مغفريت بلغت منزلتك هذه فبيناهم على ذلك‬ ‫غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيبا مل جيدوا مثل رحيه شيئا قط مث يقول قوموا إىل ما أعددت لكم من‬


‫الكرامة فخذوا ما اشتهيتم فنأيت سوقا قد حفت به املالئكة فيه مامل تنظرالعيون إىل مثله ومل تسمع اآلذان ومل خيطر على‬ ‫القلوب فيحمل إلينا ما اشتهينا ليس يباع فيه شيء وال يشرتى ويف ذلك السوق يلقى أهل اجلنة بعضهم بعضا فيقبل‬ ‫الرجل ذو املنزلة الرفيعة فيلقى من هو دونه وما فيهم دين فريوعه ما يرى عليه من اللباس فما ينقضي آخر حديثه حىت‬ ‫يتمثل عليه أحسن منه وذلك أنه ال ينبغي ألحد أن حيزن فيها مث ننصرف إىل منازلنا فتتلقانا أزواجنا فيقلن مرحبا وأهال‬ ‫لقد جئت وإن‬ ‫ب ك من اجلمال والطيب أكثر مما فارقتنا عليه فيقول إنا جالسنا اليوم ربنا اجلبار وحيقنا أن ننقلب مبثل ما انقلبنا وقال‬ ‫يعقوب بن سفيان يف مسنده حدثنا ابن املصفى حدثنا سويد بن عبدالعزيز حدثنا عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن‬ ‫أبيه عن جده عن علي بن أيب طالب رضي هللا عنه قال قال رسول هللا يزور أهل اجلنة الرب تبارك وتعاىل يف كل يوم مجعة‬ ‫وذكر ما يعطون قال مث يقول هللا تعاىل اكشفوا احلجب فيكشفوا حجابا مث حجابا حىت يتجلى هلم عن وجهه تبارك‬ ‫وتعاىل وكأهنم مل يرو نعمة قبل ذلك وهو قول هللا تعاىل ولدينا مزيد وذكر عثمان بن سعيد الدارمي من حديث احلسن‬ ‫رضي هللا عنه عن النيب مرسال أنه قال يأتينا ربنا يوم القيامة وحنن على مكان رفيع فيتجلى لنا ضاحكا مرسل ‪ +‬مرسل‬ ‫صحيح ‪ +‬وقال عثمان الدارمي حدثنا أبو موسى حدثنا أبو عوانة حدثنا األجلح حدثنا الضحاك بن مزاحم قال إن‬ ‫هللا يأمر السماء يوم الق يامة فتنشق مبن فيها فيحيطون باألرض ومن فيها مث يأمر السماء الثانية حىت ذكر سبع مسوات‬ ‫فيكونون سبعة صفوف قد أحاطوا بالناس مث ينزل امللك األعلى جل جالله يف هبائه ومجاله معه ماشاء من‬ ‫املالئكة وقال عثمان بن سعيد حدثنا هشام بن خالد الدمشقي وكان ثقة حدثنا حممد بن شعيب بن شاور حدثنا عمر‬ ‫بن عبدهللا موىل غفرة عن أنس بن مالك‬ ‫رضي هللا عنه قال قال رسول هللا جاءين جربيل ويف كفه مرآة فيها نكتة سوداء فقلت ما هذه يا جربيل قال هذه اجلمعة‬ ‫أرسل هبا إليك ربك فتكون هدى لك وألمتك من بعدك فقلت ومالنا فيها قال لكم فيها خري كثري أنتم اآلخرون‬ ‫السابقون يوم القيامة وفيها ساعة ال يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل هللا خريا هو له قسم إال أتاه وال خريا ليس له بقسم‬ ‫إال دخر له أفضل منه وال يستعيذ باهلل ما هو مكتوب عليه إال دفع عنه أكثر منه قلت ما هذه النكتة السوداء قال هذه‬ ‫الساعة يوم تقوم القيام ة وهو سيد األيام وحنن نسميه عندنا يوم املزيد قلت ومل تسمونه يوم املزيد يا جربيل قال ألن ربك‬ ‫اختذ يف اجلنة واديا أفيح من مسك أبيض فإذا كان يوم اجلمعة من أيام اآلخرة هبط اجلبار عن عرشه إىل كرسيه إىل ذلك‬ ‫الوادي وقد حف الكرسي مبنابر من نور جيلس عليها الصديقون والشهداء يوم القيامة مث جييء أهل الغرف حىت حيفوا‬ ‫بالكثيب مث يبدو هلم ذو اجلالل واإلكرام تبارك وتعاىل فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي وأمتمت عليكم نعميت وأحللتكم‬ ‫دار كراميت فسلوين فيقولون بأمجعهم نسألك الرضا عنا فيشهد هلم على الرضا مث يقول هلم سلوين فيسألونه حىت ينتهي‬ ‫هنمة كل عبد منهم مث يقول سلوين فيقولون حسبنا ربنا رضينا فريجع اجلبار جل جالله إىل‬ ‫عرشه فيفتح هلم بقدر إشراقهم من يوم اجلمعة ماال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر على قلب بشر ويرجع أهل‬ ‫الغرف إىل غرفهم وهي غرفة من لؤلؤة بيضاء وياقوتة محراء وزمردة خضراء ليس فيها قصم وال وصم مطردة أهنارها متدلية‬


‫فيها مثارها فيها أزواجها وخدمها ومساكنها فليسوا إىل يوم أحوج منهم إىل يوم اجلمعة ليزدادوا فضال من رهبم‬ ‫ورضوانا رواه عن أنس مجاعة منهم عثمان بن عمري بن اليقظان ومن طريقه رواه الشافعي يف مسنده وعبدهللا بن اإلمام‬ ‫أمح د يف السنة ومنهم أبو صاحل والزبري بن عدي وعلي بن احلكم البناين وعبدامللك بن عمري ويزيد الرقاشي وعبدهللا بن‬ ‫بريدة كلهم عن أنس وصححه مجاعة من احلفاظ وزاد الشافعي يف مسنده يف آخره وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم‬ ‫على العرش وساقه عثمان بن أيب شيبة من طرق وقال يف بعضها مث يتجلى هلم رهبم تبارك وتعاىل فيقول أنا الذي‬ ‫صدقتكم وعدي وأمتمت عليكم نعميت وهذا حمل كراميت إىل أن قال مث يرتفع على كرسيه ويرتفع معه النبيون والصديقون‬ ‫والشهداء ويرجع أهل الغرف إىل غرفهم وروى حممد بن الزبرقان عن مقاتل بن حيان عن أيب الزبري عن جابر رضي هللا‬ ‫عنه قال قال رسول هللا إن أهل اجلنة‬ ‫ليحتاجون إىل العلماء يف اجلنة كما حيتاجون إليهم يف الدنيا وذلك أهنم يزورون رهبم يف كل مجعة فيقول هلم متنوا فيقولون‬ ‫وما نتمىن وقد أدخلتنا اجلنة وقد أعطيتنا ما أعطيتنا فيقال هلم متنوا فيلتفتون إىل العلماء وذكر احلديث يف قصة‬ ‫اجلمعة وروى ابن منده من حديث األعمش عن أيب وائل عن حذيفة رضي هللا عنه عن النيب قصة اجلمعة بطوهلا وفيها‬ ‫يقول سلوين فيقولون أرنا وجهك رب العاملني ننظر إليك فيكشف هللا تبارك وتعاىل تلك احلجب ويتجلى هلم فينظرون‬ ‫إليه وذكر عثمان الدارمي عن حممد بن كعب القرظي أنه حدث عمر بن عبدالعزيز قال إذا فرغ هللا من أهل اجلنة والنار‬ ‫أقبل يف ظلل من الغمام واملالئكة فيسلم على أهل اجلنة يف أول درجة فريدون عليه السالم قال القرظي وهذا يف القرآن ^‬ ‫سالم قوال من رب رحيم ^ فيقول سلوين يفعل هبم ذلك يف درجهم حىت يستوي على عرشه مث تأتيهم التحف من هللا‬ ‫حتمله املالئكة إليهم وقال عبدالواحد بن زيد عن احلسن لو علم العابدون أهنم ال يرون رهبم يف اآلخرة لذابت أنفسهم‬ ‫يف الدنيا وقال هشام بن حسان عنه أنه تبارك وتعاىل يتجلى ألهل اجلنة فإذا رأوه نسوا نعيم اجلنة أعجب الصرب صرب‬ ‫احملبني قال الشاعر‬ ‫والصرب حيمد يف املواطن كلها ‪ %‬إال عليك فإنه ال حيمد وقف رجل على الشبلي فقال أي الصرب أشد على الصابرين‬ ‫قال الصرب يف هللا فقال السائل ال فقال الصرب هلل قال ال قال فالصرب مع هللا قال ال قال فما هو قال الصرب عن هللا فصرخ‬ ‫الشبلي صرخة كادت روحه تزهق قال الشاعر والصرب عنك فمذموم عواقبه ‪ %‬والصرب يف سائر األشياء حممود اخلوف‬ ‫يبعدك عن معصيته والرجاء خيرجك إىل طاعته واحلب يسوقك إليه سوقا ملا علم هللا سبحانه أن قلوب املشتاقني إليه ال‬ ‫هتدأإال بلقائه ضرب هلم أجال للقاء تسكينا لقلوهبم فقال هللا تعاىل ^ من كان يرجو لقاء هللا فإن أجل هللا آلت‬ ‫^ يامن شكى شوقه من طول فرقته ‪ %‬إصرب لعلك تلقى من حتب غدا وسر إليه بنار الشوق جمتهدا ‪ %‬عساك تلقى‬ ‫على نار الغرام هدى احملب الصادق كلما قرب من حمبوبه زاد شوقا إليه وأعظم ما يكون الشوق يوما ‪ %‬إذا دنت‬ ‫اخليام من اخليام كلما وقع بصر احملب على حمبوبه أحدثت له رؤيته شوقا على شوقه ما يرجع الطرف عنه حني يبصره‬ ‫‪ %‬حىت يعود إليه الطرف مشتاقا احملب الصادق إذا سافر طرفه يف الكون مل جيد له طريقا إال على حمبوبه‬


‫فإذا انصرف بصره عنه رجع إليه خاسئا وهو حسري‬

‫ويسرح طريف يف األنام وينثين ‪ %‬وإنسان عيين بالدموع‬

‫غريق فريجع مردودا إليك وماله ‪ %‬على أحد إال عليك طريق أقر شيء لعيون احملب خلوته بسره مع حمبوبه حدثين‬ ‫من رأى شيخنا يف عنفوان أمره خرج إىل الربية بكرة فلما أصحر تنفس الصعداء مث متثل بقول الشاعر وأخرج من بني‬ ‫البيوت لعلين ‪ %‬أحدث عنك القلب بالسر خاليا الشوق حيمل احملب على العجلة يف رضا احملبوب واملبادرة إليها على‬ ‫الفور ولو كان فيها تلفه ^ وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أوالء على أثري وعجلت إليك رب لرتضى ^ قال‬ ‫بعضهم أراد شوقا إليك فسرته بلفظ الرضا ولو قلت طأ يف النار أعلم أنه ‪ %‬رضا لك أو مدن لنا من‬ ‫وصالك لقدمت رجلي حنوها فوطئتها ‪ %‬هدى منك يل أو ضلة من ضاللك ليهنك إمساكي بكفي على احلشا ‪%‬‬ ‫ورقراق عيين خشية من زيالك‬ ‫وإن ساءين أن نلتين مبساءة ‪ %‬لقد سرين أين خطرت ببالك من عالمات احملبة الصادقة أن احملب ال يتم له سرور إال‬ ‫مبحبوبه وما دام غائبا عنه فعيشه كله منغص حنن يف أكمل السرور ولكن ‪ %‬ليس إال بكم يتم السرور عيب ما حنن‬ ‫فيه يا أهل ودي ‪ %‬أنكم غيب وحنن حضور وقال آخر من سره العيد اجلديد ‪ %‬فقد عدمت به السرورا كان‬ ‫السرور يتم يل ‪ %‬لو كان أحبايب حضورا لو قيل للمحب على الدوام ما تتمىن لقال لقاء احملبوب وملا نزلنا منزال طله‬ ‫الندى ‪ %‬أنيقا وبستانا من النور حاليا أجد لنا طيب املكان وحسنه ‪ %‬مىن فتمنينا فكنت األمانيا وقال اجلنيد‬ ‫مسعت السري يقول الشوق أجل مقام العارف إذا حتقق فيه وإذا حتقق بالشوق هلا عن كل ما يشغله عمن يشتاق إليه‬ ‫وقيل أوحى هللا تعاىل إىل داود عليه السالم قال لشبان بين إسرائيل مل تشغلون نفوسكم بغريي وأنا مشتاق إليكم ما هذا‬ ‫اجلفاء ولو يعلم املدبرون عين كيف انتظاري هلم ورفقي هبم وحمبيت لرتك معاصيهم ملاتوا شوقا إيل وانقطعت أوصاهلم من‬ ‫حمبيت هذه إراديت لل مدبرين عين فكيف إراديت للمقبلني علي وسئل اجلنيد من أي شيء بكاء احملب إذا لقي احملبوب فقال‬ ‫إمنا يكون ذلك سرورا به‬ ‫ووجدا من شدة الشوق إليه قال ولقد بلغين أن أخوين تعانقا فقال أحدمها واشوقاه وقال اآلخر وواجداه وكانت عجوز‬ ‫هلا غائب فقدم من السفر فأظهر أهلها ال فرح والسرور به فجعلت تبكي فقيل هلا ما هذا البكاء فقالت ذكرين قدوم هذا‬ ‫الفىت يوم القدوم على هللا وقال بعض احملبني قلوب املشتاقني منورة بنور هللا فإذا حترك اشتياقهم أضاء النور ما بني‬ ‫السماء واألرض فيعرضهم هللا سبحانه وتعاىل على املالئكة فيقول هؤالء املشتاقون إيل أشهدكم أين إليهم أشوق‬ ‫فصل قال ابن أيب احلواري رمحه هللا تعاىل سئل أبو سليمان الداراين رمحه هللا وأنا حاضر ما أقرب ما يتقرب به إىل هللا‬ ‫عز وجل فبكى مث قال مثلي يسأل عن هذا أقرب ما يتقرب به إليه أن يطلع على قلبك وأنت ال تريد من الدنيا واآلخرة‬ ‫إال هو وقال حيىي بن معاذ النسك هو العناية بالسرائر وإخراج ما سوى هللا من القلب وقال سهل بن عبدهللا ما من ساعة‬ ‫إال وهللا سبحانه يطلع فيها على قلوب العباد فأي قلب رأى فيه غريه سلط عليه إبليس وقال سهل بن عبدهللا من نظر‬ ‫إىل هللا عز وجل قريبا منه بعد عن قلبه كل شيء سوى هللا ومن طلب مرضاته أرضاه هللا سبحانه وتعاىل ومن أحلم قلبه‬


‫إىل هللا توىل هللا جوارحه وقال سهل أيضا حرام على قلب أن يشم رائحة اليقني وفيه سكون إىل غري هللا وحرام على قلب‬ ‫أن يدخله النور وفيه شيء مما يكره هللا وسئل يعضهم عن افضل األعمال فقال رعاية السر عن االلتفات إىل شيء‬ ‫سوى هللا عز وجل وقال مسلم تركتموه وأقبل بعضكم على بعض لو أقبلتم عليه لرأيتم العجائب فصل فإن تقاصرت‬ ‫مهتك الدنية عن ترك الفواحش حمبة هلذا احملبوب األعلى ولست هناك فاتركها حمبة للنساء الاليت وصفهن هللا يف كتابه‬ ‫وبعث رسوله داعيا إىل وصاهلن يف جنة املأوى وقد تقدم ذكر بعض صفاهتن ولذة وصاهلن فإن تقاصرت مهتك عنهن ومل‬ ‫تكن كفؤا خلطبتهن ودعتك نفسك إىل إيثار ما هاهنا عليهن فكن من عقوبته العاجلة واآلجلة على حذر واعلم أن‬ ‫العقوبات ختتلف فتارة تعجل وتارة توخر وتارة جيمع هللا على العاصي بينهما وأشد العقوبات العقوبة بسلب اإلميان‬ ‫ودوهنا العقوبة مبوت القلب وحمو لذة الذكر والقراءة والدعاء واملناجاة منه ورمبا دبت عقوبة القلب فيه دبيب الظلمة إىل‬ ‫أن ميتلئ القلب هبما فتعمى البصرية وأهون العقوبة ما كان واقعا بالبدن يف الدنيا وأهون منها ما وقع باملال ورمبا كانت‬ ‫عقوبة النظر يف البصرية أو يف البصر أو فيهما قال الفضيل يقول هللا تعاىل ابن آدم إذا كنت أقلبك يف نعميت وأنت‬ ‫تتقلب يف معصييت فاحذر لئال أصرعك بني معاصيك ابن آدم اتقين ومن حيث شئت إنك إن ذكرتين ذكرتك وإن نسيتين‬ ‫نسيتك والساعة اليت ال تذكرين فيها عليك ال لك‬ ‫وقال الفضيل أيضا ما يؤمنك أن تكون بارزت هللا تعاىل بعمل مقتك عليه فأغلق عنك أبواب املغفرة وأنت تضحك‬ ‫وقال علقمة بن مرثد بينا رجل يطوف بالبيت إذ برق له ساعد امرأة فوضع ساعده على ساعدها فالتذ به فلصقت‬ ‫ساعدامها فأتى بعض أولئك الشيوخ فقال ارجع إىل املكان الذي فعلت هذا فيه فعاهد رب البيت أن ال تعود فقعل‬ ‫فخلي عنه وقال ابن عباس وأنس رضي هللا عنهم إن للحسنة نورا يف القلب وزينا يف الوجه وقوة يف البدن وسعة يف‬ ‫الرزق وحمبة يف قلوب اخللق وإن للسيئة ظلمة يف القلب وشينا يف الوجه ووهنا يف البدن ونقصا يف الرزق وبغضة يف قلوب‬ ‫اخللق وقال احلسن ما عصى هللا عبد إال أذله هللا وقال املعتمر بن سليمان إن الرجل ليصيب الذنب يف السر فيصبح‬ ‫وعليه مذلته وقال احلسن هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم وكان شيخ من األعراب يدور على اجملالس ويقول من‬ ‫سره أن تدوم له العافية فليتق هللا وقال أبو سليمان الداراين من صفا صفا له ومن كدر كدر عليه ومن أحسن يف ليله‬ ‫كفي يف هناره ومن أحسن يف هناره كفي يف ليله ومن ترك هلل شهوة من قلبه فاهلل أكرم أن يعذب هبا قلبه وكتبت عائشة‬ ‫أم املؤمنني رضي هللا عنها إىل معاوية أما بعد فإن العامل إذا عمل مبعصية هللا عاد حامده من الناس ذاما وقال حمارب‬ ‫بن دثار إن الرجل ليذنب الذنب فيجد له يف قلبه وهنا وقال احلسني بن مطري ونفسك أكرم عن أمور كثرية ‪ %‬فما‬ ‫لك نفس بعدها تستعريها‬ ‫وال تقرب األمر احلرام فإمنا ‪ %‬حالوته تفىن ويبقى مريرها وكان سفيان الثوري يتمثل هبذين البيتني تفىن اللذاذة ممن‬ ‫ذاق صفوهتا ‪ %‬من احلرام ويبقى اإلمث والعار تبقى عواقب سوء يف مغبتها ‪ %‬ال خري يف لذة من بعدها النار‬ ‫فصل واعلم أن اجلزاء من جنس العمل والقلب معلق باحلرام كلما هم أن يفارقه وخيرج منه عاد إليه وهلذا يكون جزاؤه‬ ‫يف الربزخ ويف اآلخرة هكذا ويف بعض طرق حديث مسرة بن جندب الذي يف صحيح البخاري أن النيب قال رأيت الليلة‬


‫رجلني أتياين فأخرجاين فانطلقت معهما فإذا بيت مبين على مثل بناء التنور أعاله ضيق وأسفله واسع يوقد حتته نار فيه‬ ‫رجال ونساء عراة فإذا أوقدت النار ارتفعوا حىت يكادوا أن خيرجوا فإذا أمخدت رجعوا فيها فقلت من هؤالء قال هم الزناة‬ ‫فتأمل مطابقة هذا العذاب حلال قلوهبم يف الدنيا فإهنم كلما مهوا بالتوبة واإلقالع واخلروج من تنور الشهوة إىل فضاء‬ ‫التوبة أركسوا فيه وعادوا بعد أن كادوا خيرجون وملا كان الكفار يف سجن الكفر والشرك وضيقه وكانوا كلما مهوا‬ ‫باخلروج منه إىل فضاء اإلميان وسعته وروحه رجعوا على حوافرهم كان عقوبتهم يف اآلخرة كذلك قال هللا تعاىل ^ كلما‬ ‫أرادوا أن خيرجوا منها أعيدوا فيها ^ وقال يف موضع آخر ^ كلما أرادوا أن خيرجوا منها من غم أعيدوا فيها ^ فالكفر‬ ‫واملعاصي والفسوق كله غموم وكلما ع زم العبد أن خيرج منه أبت عليه نفسه وشيطانه ومألفه فال يزال يف غم ذلك حىت‬ ‫ميوت فإن مل خيرج من غم ذلك يف الدنيا بقي يف غمه يف الربزخ ويف القيامة وإن خرج من غمه وضيقه هاهنا خرج منه‬ ‫هناك فما حبس العبد عن هللا يف هذه الدار حبسه عنه بعد املوت وكان معذبا به هناك كما كان قلبه معذبا به يف الدنيا‬ ‫فليس العشاق والفجرة والظلمة يف لذة يف هذه الدار وإمنا هم يعذبون فيها ويف الربزخ ويف القيامة ولكن سكر الشهوة‬ ‫وموت القلب حال بينهم وبني الشعور باألمل فإذا حيل بينهم وبني ما يشتهون أحضرت نفوسهم األمل الشديد وصار‬ ‫يعمل فيها بعد ا ملوت نظري ما يعمل الدود يف حلومهم فاآلالم تأكل أرواحهم غري أهنا ال تفىن والدود يأكل‬ ‫جسومهم قال اإلمام أمحد رضي هللا عنه حدثنا إمساعيل بن عبدالكرمي قال حدثين عبدالصمد بن معقل حدثين وهب‬ ‫بن منبه قال كان حزقيل قائما فأتاه ملك فذكر حديثا طويال وفيه أنه مر بقوم أموات فقيل له ادعهم فدعاهم فأحياهم‬ ‫هللا له فقال سلهم فيم كنتم فقالوا ملا فارقنا‬ ‫احلياة لقيا ملكا يقال له ميكائيل فقال هلموا أعمالكم وخذوا أجوركم فذلك سنتنا فيكم وفيمن كان قبلكم وفيمن هو‬ ‫كائن بعدكم فنظروا يف أعمالنا فوجدونا نعبد األوثان فسلط الدود على أجسادنا وجعلت األرواح تأمل وسلط الغم على‬ ‫أرواحنا وجعلت األجساد تأمل فلم نزل كذلك نعذب حىت دعوتنا‬ ‫الباب السابع والعشرون فيمن ترك حمبوبه حراما فبذل له حالال أو أعاضه‬ ‫هللا خريا منه عنوان هذا الباب وقاعدته أن من ترك هلل شيئا عوضه هللا خريا منه كما ترك يوسف الصديق عليه السالم‬ ‫امرأة العزيز هلل واختار السجن على الفاحشة فعوضه هللا أن مكنه يف األرض يتبوأ منها حيث يشاء وأتته املرأة صاغرة‬ ‫سائلة راغبة يف الوصل احلالل فتزوجها فلما دخل هبا قال هذا خري مما كنت تريدين فتأمل كيف جزاه هللا سبحانه وتعاىل‬ ‫على ضيق السجن أن مكنه يف األرض ينزل منها حيث يشاء وأذل له العزيز امرأته وأقرت املرأة والنسوة برباءته وهذه سنته‬ ‫تعاىل يف عباده قدميا وحديثا إىل يوم القيامة وملا عقر سليمان بن داود عليهم السالم اخليل اليت شغلته عن صالة العصر‬ ‫حىت غابت الشمس سخر هللا له الريح يسري على متنها حيث أراد وملا ترك املهاجرون ديارهم هلل وأوطاهنم اليت هي أحب‬ ‫شيء إليهم أعاضهم هللا أن فتح عليهم الدنيا وملكهم شرق األرض وغرهبا ولو اتقى هللا السارق وترك سرقة املال املعصوم‬


‫هلل آلتاه هللا مثله حالال قال هللا تعاىل ^ ومن يتق هللا جيعل له خمرجا ويرزقه من حيث ال حيتسب ^ فأخرب هللا سبحانه‬ ‫وتعاىل أنه إذا اتقاه برتك أخذ ماال حيل له رزقه هللا من حيث ال حيتسب وكذلك الزاين‬ ‫لو ترك ركوب ذلك الفرج حراما هلل ألثابه هللا بركوبه أو ركوب ما هو خري منه حالال وقال اإلمام أمحد حدثنا هشيم‬ ‫حدثنا عبدالرمحن بن إسحاق عن حمارب بن د ثار عن صلة عن حذيفة بن اليمان رضي هللا عنهما قال قال رسول هللا‬ ‫النظرة إىل املرأة سهم من سهام إبليس مسموم من تركه خوف هللا أثابه هللا إميانا جيد حالوته يف قلبه وقال عمر بن شبة‬ ‫حدثنا أمحد بن عبدهللا بن يونس حدثنا عنبسة بن عبدالرمحن حدثنا أبو احلسن املدين عن علي رضي هللا عنه قال قال‬ ‫رسول هللا نظر الرجل يف حماسن املرأة سهم من سهام إبليس مسموم فمن أعرض عن ذلك السهم أعقبه هللا عبادة‬ ‫تسره وقال أبو الفرج بن اجلوزي رمحه هللا تعاىل بلغين عن بعض األشراف أنه اجتاز مبقربة فإذا جارية حسناء عليها ثياب‬ ‫سواد فنظر إليها فعلقت بقلبه فكتب إليها قد كنت أحسب أن الشمس واحدة ‪ %‬والبدر يف منظر باحلسن‬ ‫موصوف حىت رأيتك يف أثواب ثاكلة ‪ %‬سود وصدغك فوق اخلد معطوف فرحت والقلب مين هائم دنف ‪%‬‬ ‫والكبد حرى ودمع العني مذروف‬ ‫ردي اجلوب ففيه الشكر واغتنمي ‪ %‬وصل احملب الذي باحلب مشغوف ورمى بالرقعة إليها فلما قرأهتا كتبت إن‬ ‫كنت ذا حسب زاك وذا نسب ‪ %‬إن الشريف بغض الطرف معروف إن الزناة أناس ال خالق هلم ‪ %‬فاعلم بأنك يوم‬ ‫الدين موقوف واقطع رجاك حلاك هللا من رجل ‪ %‬فإن قليب عن الفحشاء مصروف فلما قرأ الرقعة زجر نفسه وقال‬ ‫أليس امرأة تكون أشجع منك مث تاب ولبس مدرعة من الصوف والتجأ إىل احلرم فبينا هو يف الطواف يوما وإذا بتلك‬ ‫اجلارية عليها درع من صوف فقالت له ما أليق هذا بالشريف هل لك يف املباح فقال قد كنت أروم هذا قبل أن أعرف‬ ‫هللا وأحبه واآلن قد شغلين حبه عن حب غريه فقالت له أحسنت مث طافت وهي تنشد فطفنا فالحت يف الطواف‬ ‫لوائح ‪ %‬غنينا هبا عن كل مرأى ومسمع وقال احلسن البصري كانت امرأة بغي قد فاقت أهل عصرها يف احلسن ال‬ ‫متكن من نفسها إال مبائة دينار وإن رجال أبصرها فأعجبته فذهب فعمل بيديه وعاجل فجمع مائة دينار فجاء فقال إنك‬ ‫قد أعججبتين فانطلقت فعملت بيدي وعاجلت حىت مجعت مائة دينار فقالت ادفعها إلىالقهرمان حىت ينقدها ويزهنا فلما‬ ‫فعل قالت ادخل وكان هلا بيت منجد وسرير من‬ ‫ذهب فقالت هلم لك فلما جلس منها جملس اخلائن تذكر مقامه بني يدي هللا فأخذته رعدة وطفئت شهوته فقال أتركيين‬ ‫ألخرج ولك املائة دينار فقالت ما بدا لك وقد رأيتين كما زعمت فأعجبتك فذهبت فعاجلت وكدحت حىت مجعت مائة‬ ‫دينار فلما قدرت علي فعلت الذي فعلت فقال ما محلين على ذلك إال الفرق من هللا وذكرت مقامي بني يديه قالت إن‬ ‫كنت صادقا فمايل زوج غريك قال ذريين ألخرج قالت ال إال أن جتعل يل عهدا أن تتزوجين فقال ال حىت أخرج قالت‬ ‫عليك عهد هللا إن إنا أتيتك أن تتزوجين قال لعل فتقنع بثوبه مث خرج إىل بلده وارحتلت املرأة بدنياها نادمة على ما كان‬ ‫منها حىت قدمت بلده فسألت عن امسه ومنزله فدلت عليه فقيل له امللكة جاءت بنفسها تسأل عنك فلما رآها شهق‬ ‫شهقة فمات فأسقط يف يدها فقالت أما هذا فقد فاتين أما له من قريب قيل بلى أخوه رجل فقري فقالت إين أتزوجك‬


‫حبا ألخيك قال فتزوجته فولدت له سبعة أبناء وقال حيىي بن عامر التيمي خرج رجل من احلي حاجا فورد بعض املياه‬ ‫ليال فإذا هو بامرأة ناشرة شعرها فأعرض عنها فقالت له هلم إيل فلم تعرض عين فقال إين أخاف هللا رب العاملني‬ ‫فتجلببت مث قالت هبت وهللا مهابا إن أوىل من شركك يف اهليبة ملن أراد أن يشركك يف املعصية مث ولت فتبعها فدخلت‬ ‫بعض خيام األعراب قال فلما أصبحت أتيت رجال من القوم فسألته عنها وقلت فتاة صفتها كذا وكذا فقال هي‬ ‫وهللا ابنيت فقلت هل أنت مزوجي هبا فقال على األكفاء فمن أنت فقلت رجل من تيم هللا قال كفو كرمي فما رمت حىت‬ ‫تزوجتها ودخلت هبا مث قلت جهزوها إىل قدومي من احلج فلما قدمنا محلتها إىل الكوفة وهاهي ذي ويل منها بنون‬ ‫وبنات قال فقلت هلا وحيك ما كان تعرضك يل حينئذ فقالت يا هذا ليس للنساء خري من األزواج فال تعجنب من امرأة‬ ‫تقول هويت فوهللا لو كان عند بعض السودان ما تريده من هواها لكان هو هواها وقال احلسن بن زيد ولينا بديار مصر‬ ‫رجل فوجد على بعض عماله فحبسه وقيده فأشرفت عليه ابنة الوايل فهويته فكتبت إليه أيها الرامي بعينيه ‪ %‬ويف‬ ‫الطرف احلتوف إن ترد وصال فقد أمكنك ‪ %‬الظيب األلوف فأجاهبا الفىت إن تريين زاين العينني ‪ %‬فالفرج‬ ‫عفيف ليس إال النظر الفا ‪ %‬تر والشعر الظريف فأجابته قد أردناك فألفيناك ‪ %‬إنسانا عفيفا فتأبيت فال زلت‬ ‫‪ %‬لقيديك حليفا فأجاهبا‬ ‫ما تأبيت ألين ‪ %‬كنت للظيب عيوفا غري أين خفت ربا ‪ %‬كان يب برا لطيفا فذاع الشعر وبلغت القصة الوايل فدعا‬ ‫به فزوجه إياها ودفعها إليه وذكر أن رجال أحب امرأة وأحبته فاجتمعا فراودته املرأة عن نفسه فقال إن أجلي ليس‬ ‫بيدي وأجلك ليس بيدك فرمبا كان األجل قد دنا فنلقى هللا عاصيني فقالت صدقت فتابا وحسنت حاهلما وتزوجت‬ ‫به وذكر بكر بن عبدهللا املزين أن قصابا ولع جبارية لبعض جريانه فأرسلها أهلها إىل حاجة يف قرية أخرى فتبعها فراودها‬ ‫عن نفسها فقالت ال تفعل ألنا أشد حبا لك مين ولكين أخاف هللا قال فأنت ختافينه وأنا ال أخافه فرجع تائبا فأصابه‬ ‫العطش حىت كاد ينقطع عنقه فإذا هو برسول لبين إسرائيل فسأله فقال مالك قال العطش فقال تعال حىت ندعو هللا حىت‬ ‫تظلنا سحابة حىت ندخل القرية قال مايل من عمل فأدعوه قال فأنا أدعوه وأمن أنت فدعا وأمن الرجل فأظلتهما سحابة‬ ‫حىت انتهيا إىل القرية فذهب القصاب إىل مكا نه فرجعت السحابة معه فرجع إليه الرسول فقال زعمت أن ليس لك عمل‬ ‫وأنا الذي دعوت وأنت أمنت فأظلتنا سحابة مث تبعتك لتخربين ما أمرك فأخربه فقال الرسول إن التائب إىل هللا ميكان‬ ‫ليس أحد من الناس مبكانه وقال حيىي بن أيوب كان باملدينة فىت بعجب عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه شأنه فانصرف‬ ‫ليلة من صالة العشاء فتمثلت له امرأة بني يديه‬ ‫فعرضت له بنفسها ففنت هبا ومضت فأتبعها حىت وقف على باهبا فأبصر وجال عن قلبه وحضرته هذه اآلية ^ إن الذين‬ ‫اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ^ فخر مغشيا عليه فنظرت إليه املرأة فإذا هو كامليت فلم‬ ‫تزل هي وجارية هلا يتعاونان عليه حىت ألقياه على باب داره فخرج أبوه فرآه ملقى على باب الدار ملا به فحمله وأدخله‬ ‫فأفاق فسأله ما أصابك يا بين فلم خيربه فلم يزل به حىت أخربه فلما تال اآلية شهق شهقة فخرجت نفسه فبلغ عمر رضي‬ ‫هللا عنه قصته فقال أ ال آذنتموين مبوته فذهب حىت وقف على قربه فنادى يا فالن ^ وملن خاف مقام ربه جنتان ^‬


‫فسمع صوتا من داخل القرب قد أعطاين ريب يا عمر وذكر احلسن هذه القصة عن عمر رضي هللا عنه على وجه آخر‬ ‫قال كان شاب على عهد عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه مالزما للمسجد والعبادة فهويته جارية فحدث نفسه هبا مث إنه‬ ‫تذكر وأبصر فشهق شهقة فغشي عليه منها فجاء عم له فحمله إىل بيته فلما أفاق قال يا عم انطلق إىل عمر فأقرئه مين‬ ‫السالم وقل له ما جزاء من خاف مقام ربه فأخرب عمر فأتاه وقد مات فقال لك جنتان ويف جامع الرتمذي من حديث‬ ‫ابن عمر رضي هللا عنهما قال قال رسول هللا كان ذو الكفل ال يتورع من ذنب عمله‬ ‫فأتته امرأة فأعطاها ستني دينارا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت فقال ما يبكيك‬ ‫أكرهتك قالت ال ولكن هذا عمل مل أعمله وإمنا محلتين عليه احلاجة قال فتفعلني هذا وأنت مل تفعليه قط مث قال اذهيب‬ ‫والدنانري لك مث قال وهللا ال يعصي هللا ذوالكفل أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه قد غفر هللا لذي الكفل‬ ‫قال الرتمذي هذا حديث حسن وقال أبو هريرة وابن عباس رضي هللا عنهم خطب رسول هللا قبل وفاته فقال يف خطبته‬ ‫ومن قدر على امرأة أو جارية حراما فرتكها خمافة من هللا أمنه هللا يوم الفزع األكرب وحرمه على النار وأدخله اجلنة وقال‬ ‫مالك بن دينار جنات النعيم بني الفردوس وبني جنات عدن فيها جوار خلقن من ورد اجلنة يسكنها الذين مهوا باملعاصي‬ ‫فلما ذكروا هللا عز وجل راقبوه فانثنت رقاهبم من خشية هللا عز وجل قال ميمون بن مهران الذكر ذكران فذكر هللا عز‬ ‫وجل باللسان حسن وأفضل منه أن تذكر هللا عز وجل عندما تشرف على معاصيه وقال قتادة رضي هللا عنه ذكر لنا أن‬ ‫نيب هللا كان يقول ال يقدر رجل على حرام مث يدعه ليس به إال خمافة هللا عز وجل إال أبدله يف عاجل الدنيا قبل اآلخرة ما‬ ‫هو خري له من ذلك وقال عبيد بن عمري صدق اإلميان وبره أن خيلو الرجل باملرأة احلسناء فيدعها ال يدعها إال هلل عز‬ ‫وجل‬ ‫وقال أبو عمران اجلوين كان رجل من بين إسرائيل ال ميتنع من شيء فجهد أهل بيت من بين إسرائيل فأرسلوا إليه جارية‬ ‫منهم تسأله ش يئا فقال ال أو متكنيين من نفسك فخرجت فجهدوا جهدا شديدا فرجعت إليه فقالت أعطنا فقال ال أو‬ ‫متكنيين من نفسك فرجعت فجهدوا جهدا كثريا فأرسلوها إليه فقال هلا ذلك فقالت دونك فلما خال هبا جعلت تنتفض‬ ‫كا تنتفض السعفة قال هلا مالك قالت إين أخاف هللا رب العاملني هذا شيء مل أصنعه قط قال أنت ختافني هللا ومل‬ ‫تصنعيه وأفعله أعاهد هللا أين ال أرجع إىل شيء مما كنت فيه فأوحى هللا إىل نيب من أنبيائهم أن فالنا أصبح يف كتب أهل‬ ‫اجلنة وذكر أن شابا يف بين إسرائيل مل يكن فيهم شاب أحسن منه كان يبيع املكاتل فبينا هو ذات يوم يطوف مبكاتله‬ ‫إذ خرجت امرأة من دار ملك من ملوك بين إسرائيل فلما رأته رجعت مبادرة فقالت البنة امللك إين رأيت شابا بالباب‬ ‫يبيع املكاتل مل أر شابا قط أحسن منه قالت أدخليه فخرجت فقالت ادخل فدخل فأغلقت الباب دونه مث قالت ادخل‬ ‫فدخل فأغلقت بابا آخر دونه مث استقبلته بنت امل لك كاشفة عن وجهها وحنرها فقال هلا استرتي عافاك هللا فقالت إنا مل‬ ‫ندعك هلذا إمنا ندعوك لكذا وراودته عن نفسه فقال هلا اتقي هللا قالت إنك إن مل تطاوعين على ما أريد أخربت امللك‬ ‫أنك إمنا دخلت تكابرين على نفسي قال هلا فضعي يل وضوءا فقالت أعلي تتعلل يا جارية ضعي له وضوءا فوق اجلوسق‬ ‫مكانا ال يستطيع أن يفر منه فلما‬


‫صار يف اجلوسق قال اللهم إين دعيت إىل معصيتك وإين أختار أن ألقي نفسي من هذا اجلوسق وال أركب معصيتك مث‬ ‫قال بسم هللا وألقى نفسه من أعاله فأهبط هللا ملكا أخذ بضبعيه فوقع قائما على رجليه فلما صار يف األرض قال اللهم‬ ‫إن شئت رزقتين رزقا يغنيين عن بيع هذه املكاتل فأرسل هللا عليه رجال من جراد من ذهب فأخذ منه حىت مأل ثوبه فلما‬ ‫صار يف ثوبه قال اللهم إن كان هذا رزقا رزقتنيه من الدنيا فبارك يل فيه وإن كان ينقصين مما يل عندك يف اآلخرة فال‬ ‫حاجة يل فيه فنودي إن هذا الذي أ عطيناك جزء من مخسة وعشرين جزءا لصربك على إلقائك نفسك فقال اللهم فال‬ ‫حاجة يل فيما ينقصين مما يل عندك يف اآلخرة فرجع اجلراد وذكر أبو الفرج بن اجلوزي عن رجل من بعض املياسري قال‬ ‫بينا أنا يوما يف منزيل إذ دخل علي خادم يل فقال يل رجل بالباب معه كتاب فقلت أدخله أو خذ كتابه فأخذ الكتاب‬ ‫منه فإذا فيه جتنبك الردى ولقيت خريا ‪ %‬وسلمك املليك من الغموم شكون بنات أحشائي إليكم ‪ %‬وما إن‬ ‫تشتكني إىل ظلوم وسألتين الكتاب إليك فيما ‪ %‬خيامرها فدتك من اهلموم وهن يقلن يا ابن اجلود إنا ‪ %‬برمنا من‬ ‫مراعاة النجوم وعندك لو مننت شفاء سقم ‪ %‬ألعضاء دمني من الكلوم‬ ‫قال فلما قرأت األبيات قلت عاشق فقلت للخادم أدخله فخرج فلم يره فارتبت يف أمره فجعل الفكر يرتدد يف قليب‬ ‫فدعوت جواري كلهن فجمعتهن فقلت هلن ما قصة هذا الكتاب فحلفن يل وقلن يا سيدنا ما نعرف هلذا الكتاب سببا‬ ‫فمن جاءك به فقلت قد فاتين وما أردت سؤالكن إال أين ظننت له هوى يف بعضكن فمن عرفت منكم أهنا صاحبته فهي‬ ‫له فلتذهب إليه ولتأخذ كتايب إليه وكتبت كتابا أشكره على فعله وأسأله عن حاله ووضعت الكتاب يف موضع من الدار‬ ‫فمكث الكتاب يف موضعه حينا ال يأخذه أحد وال أرى الرجل فاغتممت غما شديدا مث قلت لعله بعض فتياننا مث قلت‬ ‫إن هذا الفىت قد أخرب عن نفسه بالورع وقد قنع ممن حيبه بالنظر فدبرت عليه فحجبت جواري عن اخلروج فما كان إال‬ ‫يوم وبعض اآلخر إذ دخل علي اخلادم ومعه كتاب قال أرسل به إليك فالن وذكر بعض أصدقائي ففضضته فإذا فيه‬ ‫مكتوب ماذا أردت إىل روح معلقة ‪ %‬عند الرتاقي وحادي املوت حيدوها حثثت حاديها ظلما فجد هبا ‪ %‬يف السري‬ ‫حىت تولت عن تراقيها حجبت من كان حتيا عند رؤيتها ‪ %‬روحي ومن كان يشفيين ترائيها فالنفس جتنح حنو الظلم‬ ‫جاهلة ‪ %‬والقلب مين سليم ما يؤاتيها وهللا لو قيل يل تأيت بفاحسة ‪ %‬وإن عقباك دنيانا وما فيها لقلت ال والذي‬ ‫أخشى عقوبته ‪ %‬وال بأضعافها ما كنت آتيها لوال احلياء لبحنا بالذي كتمت ‪ %‬بنت الفؤاد وأبدينا متنيها‬ ‫قال فبهت وقلت ال أدري ما أحتال يف أمر هذا الرجل وقلت للخادم ال يأتيك أحد بكتاب إال قبضت عليه حىت‬ ‫تدخله علي مث مل أعرف له خربا بعد ذلك فبينا أنا أطوف بالكعبة إذا فىت قد أقبل حنوي وجعل يطوف إىل جنيب‬ ‫ويالحظين وقد صار مثل العود فلما قضيت طوايف خرجت وأتبعين فقال يا هذا أتعرفين قلت ال أنكرك لسوء قال أنا‬ ‫صاحب الكتابني فما متالكت أن قبلت رأسه وبني عينيه وقلت بأيب أنت وأمي وهللا لقد شغلت قليب وأطلت غمي بشدة‬ ‫كتمانك ألمرك فهل لك فيما سألت وطلبت قال بارك هللا لك وأقر عينيك إمنا أتيتك أستحلك من نظرة كنت نظرهتا‬ ‫على غري حكم الكتاب والسنة واهلوى داع إىل كل بالء وأستغفر هللا العظيم فقلت يا حبييب أحب أن تصري معي إىل‬ ‫منزيل فآنس بك وجت ري احلرمة بيين وبينك قال ليس إىل ذلك سبيل فقلت غفر هللا لك ذنبك وقد وهبتها لك ومعها مائة‬


‫دينار ولك يف كل سنة كذا وكذا قال بارك هللا لك فيها فلوال عهود عاهدت هللا عليها وأشياء أكدهتا علي مل يكن يف‬ ‫الدنيا شيء أحب غلي من هذا الذي تعرضه علي ولكن ليس إىل ذلك سبيل والدنيا منقطعة فقلت له فإذا أبيت أن‬ ‫تقبل مين ذلك فأخربين من هي حىت أكرمها ألجلك ما بقيت فقال ما كنت ألذكرها ألحد مث قام وتركين وذكر‬ ‫عبدامللك بن قريب قال هوي رجل من النساء جارية فاشتد حبه هلا فبعث إليها خيطبها فامتنعت وأجابته إىل غري ذلك‬ ‫فأىب وقال ال إال ما أحل هللا مث إن حمبته ألقيت يف قلبها فبذلت له ما سأل فقال ال وهللا ال حاجة يل مبن دعوهتا إىل‬ ‫طاعة هللا ودعتين إىل معصيته وحكى املربد عن شيخه أيب عثمان املازين أنه قصده بعض أهل الذمة ليقرأ‬ ‫عليه كتاب سيبويه وبذل له مائة دينار فامتنع ورده فقلت له أترد هذا القدر مع شدة فاقتك فقال إن هذا الكتاب‬ ‫يشتمل على ثالمثائة وكذا وكذا آية من كتاب هللا ولست أرى متكني هذا الذمي منها غرية على القرآن فاتفق أن غنت‬ ‫جارية حبضرة الوائق يقول العرجي أظلوم إن مصابكم رجال ‪ %‬أهدى السالم حتية ظلم فاختلف أهل جملسه يف‬ ‫إعراب رج ل فمنهم من قال هو نصب وجعله اسم إن ومنهم من رفعه على أنه خربها واجلارية أصرت على النصب‬ ‫وقالت لقنين إياه كذلك شيخي أبو عثمان املازين فأمر الواثق بإحضاره إىل بني يديه قال فلما مثلت بني يديه قال ممن‬ ‫الرجل قلت من بين مازن قال أي املوازن أمازن متيم أم مازن قيس أم مازن ربيعة قلت من مازن ربيعة فكلمين بكالم قومي‬ ‫فقال يل با امسك وقومي يقلبون امليم باء والباء ميما فكرهت أن أواجهه بلفظة مكر فقلت بكر يا أمري املؤمنني ففطن ملا‬ ‫قصدته وأعجب به فقال ما تقول يف قول الشاعر أظلوم إن مصابكم رجال ‪ %‬أهدى السالم حتية ظلم أترفع رجال أم‬ ‫تنصبه فقلت الوجه النصب يا أمري املؤمنني فقال ومل ذلك فقلت ألن مصابكم مصدر مبعىن إصابتكم فأخذ البزيدي يف‬ ‫معارضيت فقلت هو مبنزلة قولك إن ضربك زيدا ظلم فرجال مفعول مصابكم ومنصوب به والدليل عليه أن الكالم معلق‬ ‫إىل أن تقول ظلم فيتم فاستحسنه الواثق وقا ل هل لك من ولد قلت نعم يا أمري املؤمنني بنية قال فما قالت لك عند‬ ‫مسريك إلينا قلت أنشدت قول األعشى‬ ‫أيا أبتا ال ترم عندنا ‪ %‬فإنا خبري إذا مل ترم ترانا إذا أضمرتك البال ‪ %‬د جبفى وتقطع منا الرحم قال فما قلت هلا‬ ‫قال قلت قول جرير ثقي باهلل ليس له شريك ‪ %‬ومن عند اخلليفة بالنجاح فقال علي النجاح إن شاء هللا مث أمر يل‬ ‫بألف دينار وردين إىل البصرة مكرما فقال أبو العباس املربد فلما عاد إىل البصرة قال يل كيف رأيت يا أبا العباس رددنا هلل‬ ‫مائة دينار فعوضنا هللا ألفا‬ ‫الباب الثامن والعشرون فيمن آثر عاجل العقوبة واآلالم على لذة الوصال‬ ‫احلرام هذا باب إمنا يدخل منه رجالن أحدمها من متكن من قلبه اإلميان باآلخرة وما أعد هللا فيها من الثواب والعقاب‬ ‫ملن عصاه فآثر أدىن الفوتني واختار أسهل العقوبتني والثاين رجل غلب عقله على هواه فعلم ما يف الفاحشة من املفاسد‬ ‫وما يف ال عدول عنها من املصاحل فآثر األعلى على األدىن وقد مجع هللا سبحانه وتعاىل ليوسف الصديق صلوات هللا‬ ‫وسالمه عليه بني األمرين فاختار عقوبة الدنيا بالسجن على ارتكاب احلرام فقالت املرأة ولئن مل يفعل ما آمره ليسجنن‬


‫وليكونا من الصاغرين قال رب السجن أحب إيل مما يدعونين إليه وإال تصرف عين كيدهن أصب إليهن وأكن من‬ ‫اجلاهلني فاختار السجن على الفاحشة مث تربأ إىل هللا من حوله وقوته وأخرب أن ذلك ليس إال مبعونة هللا له وتوفيقه‬ ‫وتأييده ال من نفسه فقال ^ وإال تصرف عين كيدهن أصب إليهن وأكن من اجلاهلني ^ فال يركن العبد إىل نفسه وصربه‬ ‫وحاله وعفته ومىت ركن إىل ذلك ختلت عنه عصمة هللا وأحاط به اخلذالن وقد قال هللا تعاىل ألكرم اخللق عليه وأحبهم‬ ‫إليه ^ ولوال أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليال ^ وهلذا كان من دعائه يا مقلب‬ ‫القلوب ثبت قليب على دينك وكانت أكثر ميينه ال ومقلب القلوب كيف وهو الذي أنزل عليه ^ واعلموا أن هللا حيول بني‬ ‫املرء وقلبه ^ وقد جرت سنة هللا تعاىل يف خلقه أن من آثر األمل العاجل على الوصال احلرام أعقبه ذلك يف الدنيا املسرة‬ ‫التامة وإن هلك فالفوز العظم وهللا تعاىل ال يضيع ما حتمل عبده ألجله ويف بعض اآلثار اإلهلية يقول هللا سبحانه‬ ‫وتعاىل بعيين ما يتحمل املتحملون من أجلي وكل من خرج عن شيء منه هلل حفظه هللا عليه أو أعاضه هللا ما هو أجل‬ ‫منه وهلذا ملا خرج الشهداء عن نفوسهم هلل جعلهم هللا أحياء عنده يرزقون وعوضهم عن أبداهنم اليت بذلوها له أبدان طري‬ ‫خضر جعل أرواحهم فيها تسرح يف اجلنة حيث شاءت وتأوي إىل قناديل معلقة بالعرش وملا تركوا مساكنهم له عوضهم‬ ‫مساكن طيبة يف جنات عدن ذلك الفوز العظيم وقال وهب بن منبه كان عابد من عباد بين إسرائيل يتعبد يف صومعة‬ ‫فجاء رجل من بين إسرائيل إىل امرأة بغي فبذل هلا ماال وقال لعلك أن تفتنيه فجاءته يف ليلة مطرية فنادته فأشرف عليها‬ ‫فقالت آوين إليك فرتكها وأقبل على صالته فقالت يا عبد هللا آوين إليك أما ترى الظلمة واملطر فلم تزل به حىت آواها‬ ‫فاضطجعت قريبا منه فجعلت تريه حماسنها حىت دعته نفسه إليها فقال ال وهللا حىت أنظر كيف صربك على النار فتقدم‬ ‫إىل‬ ‫امل صباح فوضع إصبعا من أصابعه حىت احرتقت مث عاد إىل صالته فدعته نفسه إليها فعاود املصباح فوضع إصبعه األخرى‬ ‫حىت احرتقت فلم يزل تدعوه نفسه وهو يعود إىل املصباح حىت احرتقت أصابعه مجيعا وهي تنظر فصعقت وماتت وقال‬ ‫اإلمام أمحد حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا أمية بن شبل عن عبدهللا بن وهب قال ال أعلمه إال ذكره عن أبيه أن عابدا‬ ‫من بين إسرائيل كان يف صومعته يتعبد فإذا نفر من الغواة قالوا لو استنزلناه بشيء فذهبوا إىل امرأة بغي فقالوا هلا تعرضى‬ ‫له فجاءته يف ليلة مظلمة مطرية فقالت يا عبد هللا آوين إليك وهو قائم يصلي ومصباحه ثاقب فلم يلتفت إليها فقالت‬ ‫يا عبد هللا الظلمة والغيث آوين إليك فلم تزل به حىت أدخلها إليه فاضطجعت وهو قائم يصلي فجعلت تتقلب وتريه‬ ‫حماسن خلقها حىت دعته نفسه إليها فقال ال وهللا حىت أنظر كيف صربك على النار فدنا إىل املصباح فوضع إصبعا من‬ ‫أصابعه فيه حىت احرتقت قال مث رجع إىل مصاله قال فدعته نفسه أيضا فعاد إىل املصباح فوضع إصبعه أيضا حىت‬ ‫احرتقت أصابعه وهي تنظر إليه فصعقت فماتت فلما أصبحوا غدوا لينظروا ما صنعت فإذا هبا ميتة فقالوا يا عدو هللا يا‬ ‫مرائي وقعت عليها مث قتلتها قال فذهبوا به إىل ملكهم فشهدوا عليه فأمر بقتله فقال دعوين حتىأصلي ركعتني قال فصلى‬ ‫مث دعا فقال أي رب إين أعلم أنك مل تكن لتؤاخذين مبا مل أفعل ولكن اسألك أن ال أكون عارا على القرى بعدي قال‬ ‫فرد هللا نفسها فقالت أنظروا إىل يده مث عادت ميتة‬


‫وقال اإلمام أمحد رمحه هللا تعاىل حدثنا حممد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم قال بينما رجل عابد عند‬ ‫امرأة إذ عمد فضرب بيده على فخذها فأخذ يده فوضعها يف النار حىت نشت وقال حصني بن عبدالرمحن بلغين أن‬ ‫فىت من أهل املدينة كان يشهد الصلوات كلها مع عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه وكان عمر يتفقده إذا غاب فعشقته‬ ‫امرأة من أهل املدينة فذكرت ذلك لبعض نسائها فقالت أنا أحتال لك يف إدخاله عليك فقعدت له يف الطريق فلما مر‬ ‫هبا قالت له إين امرأة كبرية السن ويل شاة ال أستطيع أن أحلبها فلو دخلت فحلبتها يل وكانوا أرغب شيء يف اخلري‬ ‫فدخل فلم ير شاة فقالت اجلس حىت آتيك هبا فإذا املرأة قد طلعت عليه فلما رأى ذلك عمد إىل حمراب يف البيت فقعد‬ ‫فيه فأرادته عن نفسه فأىب وقال اتقي هللا أيتها املرأة فجعلت ال تكف عنه وال تلتفت إىل قوله فلما أىب عليها صاحت‬ ‫عليه فجاءوا فقالت إن هذا دخل علي يريدين عن نفسي فوثبوا عليه وجعلوا يضربونه وأوثقوه فلما صلى عمر الغداة فقده‬ ‫فبينا هو كذلك إذ جاءوا به يف وثاق فلما رآه عمر قال اللهم ال ختلف ظين به قال مالكم قالوا استغاثت امرأة بالليل‬ ‫فجئنا فوجدنا هذا الغالم عندها فضربناه وأوثقناه فقال عمر رضي هللا عنه اصدقين فأخربه بالقصة على وجهها فقال له‬ ‫عمر رضي هللا عنه أتعرف ا لعجوز فقال نعم إن رايتها عرفتها فأرسل عمر إىل نساء جرياهنا وعجائزهن فجاء هبن‬ ‫فعرضهن فلم يعرفها فيهن حىت مرت به العجوز فقال هذه يا أمري املؤمنني فرفع عمر عليها الدرة وقال أصدقيين فقصت‬ ‫عليه القصة كما قصها الفىت فقال عمر احلمد هلل الذي جعل فينا شبيه يوسف‬ ‫وقال أبو الزناد كان راهب يتعبد يف صومعته فأشرف منها فرأى امرأة ففنت هبا فأخرج رجله من الصومعة لينزل إليها‬ ‫فنزلت عليه العصمة فقال رجل خرجت من الصومعة لتعصي هللا وهللا ال تعود معي يف صومعيت فرتكها معلقة خارج‬ ‫الصومعة يسقط عليها الثلوج واألمطار حىت تناثرت وسقطت فشكر هللا ذلك من صنعه ومدحه يف بعض كتبه بذي‬ ‫الرجل وقال مصعب بن عثمان كان سليمان بن يسار من أحسن الناس وجها فدخلت عليه امرأة بيته فسألته نفسه‬ ‫فامتنع عليها فقالت إذن أفضحك فخرج هاربا عن منزله وتركها فيه وقال جابر بن نوح كنت باملدينة جالسا عند رجل‬ ‫يف حاج ة فمر بنا شيخ حسن الوجه حسن الثياب فقام إليه ذلك الرجل فسلم عليه وقال يا أبا حممد أسأل هللا أن يعظم‬ ‫أجرك وأن يربط على قلبك بالصرب فقال الشيخ وكان مييين يف الوغى ومساعدي ‪ %‬فأصبحت قد خانت مييين‬ ‫ذراعها وقد صرت حريانا من الثكل باهتا ‪ %‬أخا كلف ضاقت علي رباعها فقال له الرجل أبشر فإن الصرب معول‬ ‫املؤمن وإين ألرجو أن ال حيرمك هللا األجر على مصيبتك فقلت له من هذا الشيخ فقال رجل منا من األنصار فقلت وما‬ ‫قصته قال أصيب بابنه وكان به بارا قد كفاه مجيع ما يعنيه ومنيته عجب قلت وما كانت قال أحبته امرأة فأرسلت إليه‬ ‫تشكو حبه وتسأله الزياره وكان هلا زوج فأحلت عليه فأفشى ذلك إىل صديق‬ ‫له فقال له لو بعثت إليها بعض أهلك فوعظتها وزجرهتا رجوت أن تكف عنك فأمسك وأرسلت إليه إما أن تزورين وإما‬ ‫أن أزورك فأىب فلما يئست منه ذهبت إىل امرأة كانت تعمل السحر فجعلت هلا الرغائب يف هتييجه فعملت هلا يف ذلك‬ ‫فبينا هو ذات ليلة مع أبيه إذ خطر ذكرها بقلبه وهاج منه أمر مل يكن يعرفه واختلط فقام مسرعا فصلى واستعاذ واألمر‬ ‫يشتد فقال يا أبه أدركين بقيد فقال يا بين ما قصتك فحدثه بالقصة فقام وقيده وأدخله بيتا فجعل يضطرب وخيور كما‬


‫خيور الثور مث هدأ فإذا هو ميت والدم يسيل من منخره فصل وهذا ليس بعجيب من الرجال ولكنه من النساء أعجب‬ ‫قال أبو إدريس األودي كان رجالن يف بين إسرائيل عابدان وكانت جارية مجيلة فأحباها وكتم كل منهما صاحبه واختبأ‬ ‫كل منهما خلف شجرة ينظر إليها فبصر كل منهما سره إىل صاحبه فاتفقا على أن يراوداها فلما قربت منهما قاال هلا قد‬ ‫عرفت منزلتنا يف بين إسرائيل وإنك إن مل تؤاتينا وإال قلنا إذا أصبحنا إنا أصبنا معك رجال وإنه أفلتنا وإنا أخذناك فقالت‬ ‫ما كنت ألطيعكما يف معصية هللا فأخذاها وقاال إنا أصبنا معها رجال فأفلتنا وأقبل نيب من أنبيائهم فوضعوا له كرسيا‬ ‫فجلس عليه وقال أقضي بينكم فقاال نعم اقض بيننا ففرق بني الرجلني وقال ألحدمها خلف أي شجرة رأيتها قال شجرة‬ ‫كذا‬ ‫وكذا وقال لآلخر فقال شجرة كذا وكذا غري اليت ذكر صاحبه ونزلت نار من السماء فأحرقتهما وأفلتت املرأة وقال‬ ‫عبدهللا بن املبارك عشق هارون الرشيد جارية من جواريه فأرادها فقالت إن أباك مسين فشغف هبا وقال فيها أرى ماء‬ ‫ويب عطش شديد ‪ %‬ولكن ال سبيل إىل الورود أما يكفيك أنك متلكيين ‪ %‬وأن الناس عندي كالعبيد وأنك لو‬ ‫قطعت يدي ورجلي ‪ %‬لقلت من الرضا أحسنت زيدي فسأل أبا يوسف عن ذلك فقال أو كلما قالت جارية شيئا‬ ‫تصدق قال ابن املبارك فال أدري ممن أعجب من هارون الرشيد حيث رغب فيها أو منها حيث رغبت عنه أو من أيب‬ ‫يوسف حيث سوغ له إنياهنا وقال أبو عثمان التيمي مر رجل براهبة من أمجل النساء فافتنت هبا فتلطف يف الصعود‬ ‫إليها فراودها عن نفسها فأبت عليه وقالت ال تغرت مبا ترى وليس وراءه شيء فأىب حىت غلبها على نفسها وكان إىل‬ ‫جانبها جممرة فوضعت يدها فيها حىت احرتقت فقال هلا بعد أن قضى حاجته منها ما دعاك إىل ما صنعت قالت إنك ملا‬ ‫قهرتين على نفسي خفت أن أشاركك يف اللذة فأشاركك يف املعصية ففعلت ما رأيت فقال الرجل وهللا ال أعصي هللا أبدا‬ ‫وتاب مما كان عليه وذكر احلسني بن حممد الدامغاين أن بعض امللوك خرج يتصيد وانفرد عن‬ ‫أصحابه فمر بقرية فرأى امرأة مجيلة فراودها عن نفسها فقالت إين غري طاهر فأتطهر وآتيك فدخلت بيتها وخرجت إليه‬ ‫بكتاب فقالت انظر يف هذا حىت آتيك فنظر فيه فإذا فيه م ا أعد هللا للزاين من العقوبة فرتكها وذهب فلما جاء زوجها‬ ‫أخربته اخلرب فكره أن يقرهبا خمافة أن يكون للملك فيها حاجة فاعتزهلا فاستعدى عليه أهل الزوجة إلىامللك وقالوا إن لنا‬ ‫أرضا يف يد الرجل فال هو يعمرها وال هو يردها علينا وقد عطلها فقال امللك ما تقول فقال إين رأيت يف هذه األرض‬ ‫أسدا وأنا أختوف دخوهلا منه ففهم امللك القصة فقال اعمر أرضك فإن األسد ال يدخلها ونعم األرض أرضك وكانت‬ ‫بعض النساء املتعبدات وقعت يف نفس رجل موسر وكانت مجيلة وكانت ختطب فتأىب فبلغ الرجل أهنا تريد احلج فاشرتى‬ ‫ثالمثائة بعري ونادى من أراد ا حلج فليكرت من فالن فاكرتت منه املرأة فلما كان يف بعض الطريق جاءها فقال إما أن‬ ‫تزوجيين نفسك وإما غري ذلك فقالت وحيك اتق هللا فقال ما هو إال ما تسمعني وهللا ما أنا جبمال وال خرجت إال من‬ ‫أجلك فلما خافت على نفسها قالت وحيك انظر أبقي يف الرجال عني مل تنم فقال ال ناموا كلهم قالت أفنامت عني رب‬ ‫العاملني مث شهقت شهقة خرت ميتة وخر الرجل مغشيا عليه فلما أفاق قال وحيي قتلت نفسا ومل أبلغ شهويت وقال‬


‫وهب بن منبه كان يف بين إسرائيل رجل متعبد شديد االجتهاد فرأى يوما امرأة فوقعت يف نفسه بأول نظرة فقام مسرعا‬ ‫حىت حلقها فقال رويدك يا هذه فوقفت وعرفته فقالت ما حاجتك قال أذات زوج أنت‬ ‫قالت نعم فما تريد قال لو كان غري هذا لكان لنا رأي قالت على ذلك وما هو قال عرض بقليب من أمرك عارض قالت‬ ‫وما مينعك من إنقاذه قال وتتابعيين على ذلك قالت نعم فحلت به يف موضع فلما رأته جمدا يف الذي سأل قالت رويدك‬ ‫يا مسكني ال يسقط جاهك عنده فانتبه هلا وذهب عنه ما كان جيد فقال ال حرمك هللا ثواب فعلك مث تنحى ناحية‬ ‫فقال لنفسه اختاري إما عمى العني وإما اجلب وإما السياحة مع الوحوش فاختارت السياحة مع الوحوش فكان كذلك‬ ‫إىل أن مات وأحب رجل جارية من العرب وكانت ذا ت عقل وأدب فما زال حيتال يف أمرها حىت اجتمع معها يف ليلة‬ ‫مظلمة شديدة السواد فحادثها ساعة مث دعته نفسه إليها فقال يا هذه قد طال شوقي إليك قالت وأنا كذلك فقال هذا‬ ‫الليل قد ذهب والصبح قد اقرتب قالت هكذا تفىن الشهوات وتنقطع اللذات فقال هلا لو دنوت مين فقالت هيهات‬ ‫أخاف البعد من هللا قال فما الذي دعاك إىل احلضور معي قالت شقويت وبالئي قال هلا فمىت أراك قالت ما أنساك وأما‬ ‫االجتماع معك فما أراه يكون مث تولت قال فاستحييت مما مسعت منها وأنشد توقت عذابا ال يطاق انتقامه ‪ %‬ومل‬ ‫تأت ما ختشى به أن تعذبا وقالت مقاال كدت من شدة احليا ‪ %‬أهيم على وجهي حيا وتعجبا أال أف للحب الذي‬ ‫يورث العمى ‪ %‬ويورد نارا ال متل التلهبا فأقبل عودي فوق بدئي مفكرا ‪ %‬وقد زال عن قليب العمى فتسربا وقال ابن‬ ‫خلف أخربين أبو بكر العامري قال عشقت عاتكة املرية‬ ‫ابن عم هلا فأرادها عن نفسها فامتنعت عليه وقالت فما طعم ماء من السحاب مروق ‪ %‬حتدر من غر طوال‬ ‫الذوائب مبنعرج أو بطن واد تطلعت ‪ %‬عليه رياح الصيف من كل جانب ترقرق ماء املزن فيهن والتقت ‪ %‬عليهن‬ ‫أنفاس الرياض الغرائب نفت جرية املاء القذى عن متونه ‪ %‬فليس به عيب تراه لشارب بأطيب مما يقصر الطرف‬ ‫دونه ‪ %‬تقى هللا واستحياء تلك العواقب‬ ‫الباب التاسع والعشرون يف ذم اهلوى وما يف خمالفته من نيل املىن وقد‬ ‫تقدم ذكر اآليات يف ذلك وبعض ما ورد يف السنة اهلوى ميل الطبع إىل ما يالئمه وهذا امليل خلق يف اإلنسان لضرورة‬ ‫بقائه فإنه لوال ميله إىل املطعم واملشرب واملنكح ما أكل وال شرب وال نكح فاهلوى مستحث هلا ملا يريده كما أن الغضب‬ ‫دافع عنه ما يؤذيه فال ينبغي ذم اهلوى مطلقا وال مدحه مطلقا كما أن الغضب ال يذم مطلقا وال حيمد مطلقا وإمنا يذم‬ ‫املفرط من النوعني وهو ما زاد على جلب املنافع ودفع املضار وملا كان الغالب من مطيع هواه وشهوته وغضبه أنه ال‬ ‫يقف فيه على حد املنتفع به أطلق ذم اهلوى والشهوة والغضب لعموم غلبة الضرر ألنه يندر من يقصد العدل يف ذلك‬ ‫ويقف عنده كما أنه يندر يف األمزجة املزاج املعتدل من كل وجه بل ال بد من غلبة أحد األخالط والكيفيات عليه‬ ‫فحرص الناصح على تعديل قوى الشهوة والغضب من كل وجه وهذا أمر يتعذر وجوده إال يف حق أفراد من العامل فلذلك‬ ‫مل يذكر هللا تعاىل اهلوى يف كتابه إال ذمه وكذلك يف السنة مل جيئ إال مذموما إال ما جاء منه مقيدا كقوله ال يؤمن‬


‫أحدكم حىت يكون هواه تبعا ملا جئت به وقد قيل اهلوى كمني ال يؤمن قال الشعيب ومسي هوى ألنه يهوي بصاحبه‬ ‫ومطلقه يدعو‬ ‫إىل اللذة احلاضرة من غري فكر يف العاقبة وحيث على نيل الشهوات عاجال وإن كانت سببا ألعظم اآلالم عاجال وآجال‬ ‫فللدنيا عاقبة قبل عاقبة اآلخرة واهلوى يعمي صاحبه من مالحظتها واملروءة والدين والعقل ينهى عن لذة تعقب أملا‬ ‫وشهوة تورث ندما فكل منها يقول للنفس إذا أرادت ذلك ال تفعلي والطاعة ملن غلب أال ترى أن الطفل يؤثر ما يهوى‬ ‫وإن أداه إىل التلف لضعف ناهي العقل عنده ومن ال دين له يؤثر ما يهواه وإن أداه إىل هالكه يف اآلخرة لضعف ناهي‬ ‫الدين ومن ال مروءة له يؤثر ما يهواه وإن ثلم مروءته أو عدمها لضعف ناهي املروءة فأين هذا من قول الشافعي رمحه هللا‬ ‫تعاىل لو علمت أن املاء البارد يثلم مروءيت ملا شربته وملا امتحن املكلف باهلوى من بني سائر البهائم وكان كل وقت‬ ‫حتدث عليه حوادث جعل فيه حاكمان حاكم العقل وحاكم الدين وأمر أن يرفع حوادث اهلوى دائما إىل هذين‬ ‫احلاكمني وأن ينقاد حلكمهما وينبغي أن يتمرن على دفع اهلوى املأمون العواقب ليتمرن بذلك على ترك ما تؤذي عواقبه‬ ‫وليعلم اللبيب أن مدمين الشهوات يصريون إىل حالة ال يلتذون هبا وهم مع ذلك ال يستطيعون تركها ألهنا قد صارت‬ ‫عندهم مبنزلة العيش الذي ال بد هلم منه وهلذا ترى مدمن اخلمر واجلماع ال يلتذ به عشر معشار التذاذ من يفعله نادرا يف‬ ‫األحيان غري أن العادة مقتضية ذلك فيلقي نفسه يف املهالك لنيل ما تطالبه به العادة ولو زال عنه رين اهلوى لعلم أنه قد‬ ‫شقي من حيث قدر السعادة واغتم من حيث ظن الفرح وأمل من حيث أراد اللذة فهو كالطائر املخدوع‬ ‫حببة القمح ال هو نال احلبة وال هو ختلص مما وقع فيه فإن قيل فكيف يتخلص من هذا من قد وقع فيه قيل ميكنه‬ ‫التخلص بعون هللا وتوفيقه له بأمور أحدها عزمية حر يغار لنفسه وعليها الثاين جرعة صرب يصرب نفسه على مرارهتا‬ ‫تلك الساعة الثالث قوة نفس تشجعه على شرب تلك اجلرعة والشجاعة كلها صرب ساعة وخري عيش أدركه العبد‬ ‫بصربه الرابع مالحظته حسن موقع العاقبة والشفاء بتلك اجلرعة اخلامس مالحظته األمل الزائد على لذة طاعة‬ ‫هواه السادس إبقاؤه على منزلته عند هللا تعاىل ويف قلوب عباده وهو خري وأنفع له من لذة موافقة اهلوى السابع إيثاره‬ ‫لذة العفة وعزهتا وحالوهتا على لذة املعصية الثامن فرحه بغلبة عدوه وقهره له ورده خاسئا بغيظه وغمه ومهه حيث مل‬ ‫ينل منه أمنيته وهللا تعاىل حيب من عبده أن يراغم عدوه ويغيظه كما قال هللا تعاىل يف كتابه العزيز وال يطؤن موطئا يغبط‬ ‫الكفار وال ينالون من عدو نيال إال كتب هلم به عمل صاحل وقال ^ ليغيظ هبم الكفار ^ وقال تعاىل ^ ومن يهاجر يف‬ ‫سبيل هللا جيد يف األرض ^‬ ‫مراغما كثرية وسعة أي مكانا يراغم فيه أعداء هللا وعالمة احملبة الصادقة مغايظة أعداء احملبوب ومراغمتهم التاسع‬ ‫التفكر يف أنه مل خيلق للهوى وإمنا هيء ألمر عظيم ال يناله إال مبعصيت للهوى كما قيل قد هيأوك ألمر لو فطنت له‬ ‫‪ %‬فاربأ بنفسك أن ترعى مع اهلمل العاشر أن ال خيتار لنفسه أن يكون احليوان البهيم أحسن حاال منه فإن احليوان‬ ‫مييز بطبعه بني مواقع ما يضره وما ينفعه فيؤثر النافع على الضار واإلنسان أعطي العقل هلذا املعىن فإذا مل مييز به بني ما‬ ‫يضره وما ينفعه أو عرف ذلك وآثر ما يضره كان حال احليوان البهيم أحسن منه ويدل على ذلك أن البهيمة تصيب من‬


‫لذة املطعم واملشرب واملنكح ماال يناله اإلنسان مع عيش هينء خال عن الفكر واهلم وهلذا تساق إىل منحرها وهي‬ ‫منهمكة على شهواهتا لفقدان العلم بالعواقب واآلدمي ال يناله ما يناله احليوان لقوة الفكر الشاغل وضعف اآللة‬ ‫املستعملة وغري ذلك فلو كان نيل املشتهى فضيلة ملا خبس منه حق اآلدمي الذي هو خالصة العامل ووفر منه حظ البهائم‬ ‫ويف توفري حظ اآلدمي من العقل والعلم واملعرفة عوض عن ذلك احلادي عشر أن يسري بقلبه يف عواقب اهلوى فيتأمل‬ ‫كما أفاتت معصيته‬ ‫من فضيلة وكم أوقعت يف رذيلة وكم أكلة منعت أكالت وكم من لذة فوتت لذات وكم من شهوة كسرت جاها‬ ‫ونكست رأسا وقبحت ذكرا وأورثت ذما وأعقبت ذال وألزمت عارا ال يغسله املاء غري أن عني صاحب اهلوى‬ ‫عمياء الثاين عشر أن يتصور العاقل انقضاء غرضه ممن يهواه مث يتصور حاله بعد قضاء الوطر وما فاته وما حصل‬ ‫له فأفضل الناس من مل يرتكب سببا ‪ %‬حىت مييز ملا جتين عواقبه الثالث عشر أن يتصور ذلك يف حق غريه حق‬ ‫التصور مث ينزل نفسه تلك املنزلة فحكم الشيء حكم نظريه الرابع عشر أن يتفكر فيما تطالبه به نفسه من ذلك‬ ‫ويسأل عنه عقله ودينه خيربانه بأنه ليس بشيء قال عبدهللا بن مسعود رضي هللا عنه إذا أعجب أحدكم امرأة فليذكر‬ ‫مناتنها وهذا أحسن من قول أمحد بن احلسني لو فكر العاشق يف منتهى ‪ %‬حسن الذي يسبيه مل يسبه ألن ابن‬ ‫مسعود رضي هللا عنه ذكر احلال احلاضرة املالزمة والشاعر حال على أمر متأخر اخلامس عشر أن يأنف لنفسه من ذل‬ ‫طاعة اهلوى فإنه ما أطاع أحد هواه قط إال وجد يف نفسه ذال وال يغرت بصولة أتباع اهلوى وكربهم فهم أذل الناس بواطن‬ ‫قد أمجعوا بني فصيليت الكرب والذل السادس عشر أن يوازن بني سالمة الدين والعرض واملال واجلاه ونيل‬ ‫اللذة املطلوبة فإنه ال حيد بينهما نسبة البتة فليعلم أنه من أسفه الناس ببيعه هذا هبذا السابع عشر أن يأنف لنفسه أن‬ ‫يكون حتت قهر عدوه فإن الشيطان إذا رأى من العبد ضعف عزمية ومهة وميال إىل هواه طمع فيه وصرعه وأجلمه بلجام‬ ‫اهلوى وساقه حيث أراد ومىت أحس منه بقوة عزم وشرف نفس وعلو مهة مل يطمع فيه إال اختالسا وسرقة الثامن عشر‬ ‫أن يعلم أن اهلوى ما خالط شيئا إال أفسده فإن وقع يف العلم أخرجه إىل البدعة والضاللة وصار صاحبه من مجلة أهل‬ ‫األهواء وإن وقع يف الزهد أخرج صاحبه إىل الرياء وخمالفة السنة وإن وقع يف احلكم أخرج صاحبه إىل الظلم وصده عن‬ ‫احلق وإن وقع يف القسمة خرجت عن قسمة العدل إىل قسمة اجلور وإن وقع يف الوالية والعزل أخرج صاحبه إىل خيانة‬ ‫هللا واملسلمني حيث يويل هبوا ه ويعزل هبواه وإن وقع يف العبادة خرجت عن أن تكون طاعة وقربة فما قارن شيئا إال‬ ‫أفسده التاسع عشر أن يعلم أن الشيطان ليس له مدخل على ابن آدم إال من باب هواه فإنه يطيف به من أين يدخل‬ ‫عليه حىت يفسد عليه قلبه وأعماله فال جيد مدخال إال من باب اهلوى فيسري معه سريان السم يف األعضاء العشرون‬ ‫أن هللا سبحانه وتعاىل جعل اهلوى مضادا ملا أنزله على رسوله وجعل اتباعه مقابال ملتابعة رسله وقسم الناس إىل قسمني‬ ‫أتباع الوحي وأتباع اهلوى وهذا كثري يف القرآن كقوله تعاىل ^ فإن مل يستجيبوا لك فاعلم أمنا يتبعون أهواءهم ^‬ ‫وقوله تعاىل ^ ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ^ ونظائره احلادي والعشرون أن هللا سبحانه وتعاىل‬ ‫شبه أتباع اهلوى بأخس احليوانات صورة ومعىن فشبههم بالكلب تارة كقوله تعاىل ^ ولكنه أخلد إىل األرض واتبع هواه‬


‫فمثله كمثل الكلب ^ وباحلمر تارة كقوله تعاىل ^ كأهنم محر مستنفرة فرت من قسورة ^ وقلب صورهم إىل صورة القردة‬ ‫واخلنازير تارة الثاين والعشرون أن متبع اهلوى ليس أهال أن يطاع وال يكون إماما وال متبوعا فإن هللا سبحانه وتعاىل عزله‬ ‫عن اإلمامة وهنى عن طاعته أما عزله فإن هللا سبحانه وتعاىل قال خلليله إبراهيم ^ إين جاعلك للناس إماما قال ومن‬ ‫ذرييت قال ال ينال عهدي الظاملني ^ أي ال ينال عهدي باإلمامة ظاملا وكل من اتبع هواه فهو ظامل كما قال هللا تعاىل ^‬ ‫بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغري علم ^ وأما النهي عن طاعته فلقوله تعاىل ^ وال تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع‬ ‫هواه وكان أمره فرطا ^ الثالث والعشرون أن هللا سبحانه وتعاىل جعل متبع اهلوى مبنزلة‬ ‫عابد الوثن فقال تعاىل ^ أرأيت من اختذ إهله هواه ^ يف موضعني من كتابه قال احلسن هو املنافق ال يهوى شيئا إال ركبه‬ ‫وقال أيضا املنافق عبد هواه ال يهوى شيئا إال فعله الرابع والعشرون أن اهلوى هو حظار جهنم احمليط هبا حوهلا فمن‬ ‫وقع فيه وقع فيها كما يف الصحيحني عن النيب أنه قال حفت اجلنة باملكاره وحفت النار بالشهوات ويف الرتمذي من‬ ‫حديث أيب هريرة رضي هللا عنه يرفعه ملا خلق هللا اجلنة أرسل إليها جربيل فقال انظر إليها وإىل ما أعددت ألهلها فيها‬ ‫فجاء فنظر إليها وإىل ما أعد هللا ألهلها فيها فرجع إليه وقال وعزتك ال يسمع هبا أحد من عبادك إال دخلها فأمر هبا‬ ‫فحجبت باملكاره وقال ارجع إليها فانظر إليها فرجع فإذا هي قد حجبت باملكاره فقال وعزتك لقد خشيت أن ال‬ ‫يدخلها أحد قال اذهب إىل النار فانظر إلي ها وإىل ما أعددت ألهلها فيها فجاء فنظر إليها وإىل ما أعد هللا ألهلها فيها‬ ‫فإذا هي يركب بعضها بعضا فقال وعزتك ال يسمع هبا أحد فيدخلها فأمر هبا فحفت بالشهوات فقال ارجع فانظر إليها‬ ‫فرجع إليها فإذا هي قد حفت بالشهوات فرجع إليه فقال وعزتك لقد خشيت أن ال ينجو منها أحد قال الرتمذي ‪ +‬هذا‬ ‫حديث حسن صحيح اخلامس والعشرون أنه خياف على من اتبع اهلوى أن ينسلخ من‬ ‫اإلميان وهو ال يشعر وقد ثبت عن النيب أنه قال ال يؤمن أحدكم حىت يكون هواه تبعا ملا جئت به وصح عنه أنه قال‬ ‫أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي يف بطونكم وفروجكم ومضالت اهلوى السادس والعشرون أن اتباع اهلوى من‬ ‫املهلكات قال ثالث منجيات وثالث مهلكات فأما املنجيات فتقوى هللا عز وجل يف السر والعالنية والقول باحلق يف‬ ‫الرضا والسخط والقصد يف الغىن والفقر وأما املهلكات فهوى متبع وشح مطاع وإعجاب املرء بنفسه السابع والعشرون‬ ‫أن خمالفة اهلوى تورث العبد قوة يف بدنه وقلبه ولسانه قال بعض السلف الغالب هلواه أشد من الذي يفتح املدينة وحده‬ ‫ويف احلديث الصحيح املرفوع ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي ميلك نفسه عند الغضب وكلما مترن على خمالفة‬ ‫هواه اكتسب قوة إىل قوته الثامن والعشرون أن أغزر الناس مروءة أشدهم خمالفة هلواه قال معاوية املروءة ترك الشهوات‬ ‫وعصيان اهلوى فاتباع اهلوى يزمن‬ ‫املروءة وخمالفته تنعشها التاسع والعشرون أنه ما من يوم إال واهلوى والعقل يعتلجان يف صاحبه فأيها قوي على صاحبه‬ ‫طرده وحتكم وكان احلكم له قال أبو الدرداء إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله فإن كان عمله تبعا هلواه فيومه يوم سوء‬ ‫وإن كان هواه تبعا لعمله فيومه يوم صاحل الثالثون أن هللا سبحانه وتعاىل جعل اخلطأ واتباع اهلوى قرينني وجعل الصواب‬


‫وخمالفة اهلوى قرينني كما قال بعض السلف إذا أشكل عليك أمران ال تدري أيها أرشد فخالف أقرهبما من هواك فإن‬ ‫أقرب ما يكون اخلطأ يف متابعة اهلوى احلادي والثالثون أن اهلوى داء ودواؤه خمالفته قال بعض العارفني إن شئت‬ ‫أخربتك بدائك وإن شئت أخربتك بدوائك داؤك هواك ودواؤك ترك هواك وخمالفته وقال بشر احلايف رمحه هللا تعاىل‬ ‫البالء كله يف هواك والشفاء كله يف خمالفتك إياه الثاين والثالثون أن جهاد اهلوى إن مل يكن أعظم من جهاد الكفار‬ ‫فليس بدونه قال رجل للحسن البصري رمحه هللا تعاىل يا أبا سعيد أي اجلهاد أفضل قال جهادك هواك ومسعت شيخنا‬ ‫يقول جهاد النفس واهلوى أصل جهاد الكفار واملنافقني فإنه ال يقدر على جهادهم حىت جياهد نفسه وهواه أوال حىت‬ ‫خيرج إليهم‬ ‫الثالث والثالثون أن اهلوى ختليط وخمالفته محية وخياف على من أفرط يف التخليط وجانب احلمية أن يصرعه داؤه قال‬ ‫عبدامللك بن قريب مررت بأعرايب به رمد شديد ودموعه تسيل على خديه فقلت أال متسح عينيك قال هناين الطبيب عن‬ ‫ذلك وال خري فيمن إذا زجر ال ينزجر وإذا أمر ال يأمتر فقلت أال تشتهي شيئا فقال بلى ولكين أحتمي إن أهل النار‬ ‫غلبت شهوهتم محيتهم فهلكوا الرابع والثالثون أن اتباع اهلوى يغلق عن العبد أبواب التوفيق ويفتح عليه أبواب اخلذالن‬ ‫فرتاه يلهج بأن هللا لو وفق لكا ن كذا وكذا وقد سد على نفسه طرق التوفيق باتباعه هواه قال الفضيل ابن عياض من‬ ‫استحوذ عليه اهلوى واتباع الشهوات انقطعت عنه موارد التوفيق وقال بعض العلماء الكفر يف أربعة أشياء يف الغضب‬ ‫والشهوة والرغبة والرهبة مث قال رأيت منهن اثنتني رجال غضب فقتل أمه ورجال عشق فتنصر وكان بعض السلف يطوف‬ ‫بالبيت فنظر إىل امرأة مجيلة فمشى إىل جانبها مث قال أهوى هوى الدين واللذات تعجبين ‪ %‬فكيف يل هبوى اللذات‬ ‫والدين فقالت دع أحدمها تنل اآلخر‬ ‫اخلامس والثالثون أن من نصر هواه فسد عليه عقله ورأيه ألنه قد خان هللا يف عقله فأفسده عليه وهذا شأنه سبحانه‬ ‫وتعاىل يف كل من خانه يف أمر من األمور فإنه يفسده عليه وقال املعتصم يوما لبعض أصحابه يا فالن إذا نصر اهلوى‬ ‫ذهب الرأي ومسعت رجال يقول لشيخنا إذا خان الرجل يف نقد الدراهم سلبه هللا معرفة النقد أو قال نسيه فقال الشيخ‬ ‫هكذا من خان هللا تعاىل ورسوله يف مسائل العلم السادس والثالثون أن من فسح لنفسه يف اتباع اهلوى ضيق عليها يف‬ ‫قربه ويوم معاده ومن ضيق عليها مبخالفة اهلوى وسع عليها يف قربه ومعاده وقد أشار هللا تعاىل إىل هذا يف قوله تعاىل ^‬ ‫وجزاهم مبا صربوا جنة وحريرا ^ فلما كان يف الصرب الذي هو حبس النفس عن اهلوى خشونة وتضييق جازاهم على ذلك‬ ‫نعومة احلرير وسعة اجلنة وقال أبو سليمان الداراين رمحه هللا تعاىل يف هذه اآلية جزاهم مبا صربوا عن الشهوات السابع‬ ‫والثالثون أن اتباع اهلوى يصرع العبد عن النهوض يوم القيامة عن السعي مع الناجني كما صرع قلبه يف الدنيا عن‬ ‫مرافقتهم قال حممد بن أيب الورد إن هلل عز وجل يوما ال ينجو من شره منقاد هلواه وإن أبطأ الصرعى هنضة يوم القيامة‬ ‫صريع شهوته وإن العقول ملا جرت يف ميادين الطلب كان أوفرها حظا من يطالبها بقدر ما صحبه من الصرب والعقل‬ ‫معدن والفكر معول الثامن والثالثون أن اتباع اهلوى حيل العزائم ويوهنها وخمالفته تشدها‬


‫وتقويها والعزائم هي مركب العبد الذي يسريه إىل هللا والدار اآلخرة فمىت تعطل املركوب أوشك أن ينقطع املسافر قيل‬ ‫ليحىي بن معاذ من أصح الناس عزما قال الغالب هلواه ودخل خلف بن خليفة على سليمان بن حبيب بن املهلب وعنده‬ ‫جارية يقال هلا البدر من أحسن الناس وجها فقال له سليمان كيف ترى هذه اجلارية فقال أصلح هللا األمري ما رأت‬ ‫عيناي أحسن منها قط فقال له خذ بيدها فقال ما كنت ألفجع األمري هبا وقد رأيت شدة عجبه هبا فقال وحيك خذها‬ ‫على شدة عجيب هبا ليعلم هواي أين له غالب وأخذ بيدها وخرج وهو يقول لقد حباين وأعطاين وفضلين ‪ %‬عن غري‬ ‫مسألة منه سليمان أعطاين البدر خودا يف حماسنها ‪ %‬والبدر مل يعطه إنس وال جان ولست يوما بناس فضله أبدا ‪%‬‬ ‫حىت يغيبين حلد وأكفان التاسع والثالثون أن مثل راكب اهلوى كمثل راكب فرس حديد صعب مجوح ال جلام له‬ ‫فيوشك أن يصرعه فرسه يف خالل جريه به أو يسري به إىل مهلك قال بعض العارفني أسرع املطايا إىل اجلنة الزهد يف‬ ‫الدنيا وأسرع املطايا إىل النار حب الشهوات ومن استوى على منت هواه أسرع به إىل وادي اهللكات وقال آخر أشرف‬ ‫العلماء من هرب بدينه من الدنيا واستصعب قياده على اهلوى وقال عطاء من غلب هواه عقله وجزعه صربه‬ ‫افتضح األربعون أن التوحيد واتباع اهلوى متضادان فإن اهلوى صنم ولكل عبد صنم يف قلبه حبسب هواه وإمنا بعث هللا‬ ‫رسله بكسر األصنام وعبادته وحده ال شريك له وليس مراد هللا سبحانه كسر األصنام اجملسدة وترك‬ ‫األصن ام اليت يف القلب بل املراد كسرها من القلب أوال قال احلسن بن علي املطوعي صنم كل إنسان هواه فمن كسره‬ ‫باملخالفة استحق اسم الفتوة وتأمل قول اخلليل لقومه ^ ما هذه التماثيل اليت أنتم هلا عاكفون ^ كيف جتده مطابقا‬ ‫للتمائيل اليت يهواها القلب ويعكف عليها ويعبدها من دون هللا قال هللا تعاىل ^ أرأيت من اختذ إهله هواه أفأنت تكون‬ ‫عليه وكيال أم حتسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إال كاألنعام بل هم أضل سبيال ^ احلادي واألربعون أن‬ ‫خمالفة اهلوى مطردة للداء عن القلب والبدن ومتابعته جملبة لداء القلب والبدن فأمراض القلب كلها من متابعة اهلوى ولو‬ ‫فتشت على أمراض البدن لرأيت غالبها من إيثار اهلوى على ما ينبغي تركه الثاين واألربعون أن أصل العداوة والشر‬ ‫واحلسد الواقع بني الناس من اتباع اهلوى فمن خالف هواه أراح قلبه وبدنه وجوارحه فاسرتاح وأراح قال أبو بكر الوراق إذا‬ ‫غلب اهلوى أظل م القلب وإذا أظلم ضاق الصدر وإذا ضاق الصدر ساء اخللق وإذا ساء اخللق أبغضه اخللق وأبغضهم‬ ‫فانظر ماذا يتولد من التباغض من الشر والعداوة وترك احلقوق وغريها الثالث واألربعون أن هللا سبحانه وتعاىل جعل يف‬ ‫العبد هوى وعقال فأيهما ظهر توارى اآلخر كما قال أبو علي الثقفي من غلبه هواه توارى عنه عقله فانظر عاقبة من‬ ‫استرت عنه عقله وظهر عليه خالفه وقال علي بن سهل رمحه هللا العقل واهلوى يتنازعان فالتوفيق قرين العقل واخلذالن قرين‬ ‫اهلوى والنفس واقفة بينهما فأيهما غلب كانت النفس معه‬ ‫الرابع واألربعون أن هللا سبحانه وتعاىل جعل القلب ملك اجلوارح ومعدن معرفته وحمبته وعبوديته وامتحنه بسلطانني‬ ‫وجيشني وعونني وعدتني فاحلق والزهد واهلدى سلطان وأعوانه املالئكة وجيشه الصدق واإلخالص وجمانبة اهلوى والباطل‬ ‫سلطان وأعوانه الشياطني وجنده وعدته اتباع اهلوى والنفس واقفة بني اجليشني وال يقدم جيش الباطل على القلب إال من‬ ‫ثغرهتا وناحيتها فهي ختامر على القلب وتصري مع عدوه عليه فتكون الدائرة عليه فهي اليت تعطي عدوها عدة من قبلها‬


‫وتفتح له باب املدينة فيدخل ويتملك ويقع اخلذالن على القلب اخلامس واألربعون أن أعدى عدو للمرء شيطانه وهواه‬ ‫وأصدق صديق له عقله وامللك الناصح له فإذا اتبع هواه أعطي بيده لعدوه واستأسر له وأمشته به وساء صديقه ووليه وهذا‬ ‫هو بعينه هو جهد البالء ودرك الشقاء وسوء القضاء ومشاتة األعداء السادس واألربعون أن لكل عبد بداية وهناية فمن‬ ‫كانت بدايته اتباع اهلوى كانت هنايته الذل والصغار وا حلرمان والبالء املتبوع حبسب ما اتبع من هواه بل يصري له ذلك يف‬ ‫هنايته عذابا يعذب به يف قلبه كما قال القائل مآرب كانت يف الشباب ألهلها ‪ %‬عذابا فصارت يف املشيب‬ ‫عذابا فلو تأملت حال كل ذي حال سيئة زرية لرأيت بدايته الذهاب مع هواه وإيثاره على عقله ومن كانت بدايته‬ ‫خمالفة هواه وطاعة داعي رشده كانت هنايته العز والشرف والغىن واجلاه عند هللا وعند الناس قال أبو علي الدقاق من‬ ‫ملك شهوته يف حال شبيبته أعزه هللا تعاىل يف حال كهولته‬ ‫وقيل للمهلب بن أيب صفرة مب نلت ما نلت قال بطاعة احلزم وعصيان اهلوى فهذا يف بداية الدنيا وهنايتها وأما اآلخرة‬ ‫فقد جعل هللا سبحانه اجلنة هناية من خالف هواه والنار هناية من اتبع هواه السابع واألربعون أن اهلوى رق يف القلب‬ ‫وغل يف العنق وقيد يف الرجل ومتابعه أسري لكل سيء امللكة فمن خالفه عتق من رقه وصار حرا وخلع الغل من عنقه‬ ‫والقيد من رجله وصا ر مبنزلة رجل سامل لرجل بعد أن كان رجال فيه شركاء متشاكسون رب مستور سبته شهوة ‪%‬‬ ‫فتعرى سرته فاهنتكا صاحب الشهوة عبد فإذا ‪ %‬غلب الشهوة أضحى ملكا وقال ابن املبارك ومن البالء وللبالء‬ ‫عالمة ‪ %‬أن ال يرى لك عن هواك نزوع العبد عبد النفس يف شهواهتا ‪ %‬واحلر يشبع تارة وجيوع الثامن واألربعون أن‬ ‫خمالفة اهلوى تقيم العبد يف مقام من لو أقسم على هللا ألبره فيقضي له من احلوائج أضعاف أضعاف ما فاته من هواه فهو‬ ‫كمن رغب عن بعرة فأعطي عوضها درة ومتبع اهلوى يفوته من مصاحله العاجلة واآلجلة والعيش اهلينء ماال نسبة ملا ظفر‬ ‫به من هواه البتة فتأمل انبساط يد يوسف الصديق عليه الصالة والسالم ولسانه وقدمه ونفسه بعد خروجه من السجن ملا‬ ‫قبض نفسه عن احلرام وقال عبدالرمحن بن مهدي رأيت سفيان الثوري رمحه هللا تعاىل يف املنام فقلت له ما فعل هللا بك‬ ‫قال مل يكن إال أن وضعت يف حلدي حىت وقفت‬ ‫بني يدي هللا تبارك وتعاىل فحاسبين حسابا يسريا مث أمر يب إىل اجلنة فبينا أنا أدور بني أشجارها وأهنارها ال أمسع حسا وال‬ ‫حركة إذ مسعت قائال يقول سفيان بن سعيد فقلت سفيان بن سعيد فقال حتفظ أنك آثرت هللا عز وجل على هواك يوما‬ ‫قلت إي وهللا فأخذين النثار من كل جانب وقال عبدالرزاق بعث أبو جعفر اخلشابني حني خرج إىل مكة وقال إن رأمت‬ ‫سفيان فاصلبوه فجاءوا ونصبوا اخلشب وطلب ورأسه يف حجر الفضيل فقال له أصحابه اتق هللا عز وجل وال تشمت بنا‬ ‫األعداء فتقدم إىل األستار مث أخذها بيده وقال برئت منه إن دخلها أبو جعفر فمات قبل أن يدخل مكة فتأمل عاقبة‬ ‫خمالفة اهلوى كيف أقامه يف هذا املقام التاسع واألربعون أن خمالفة اهلوى توجب شرف الدنيا وشرف اآلخرة وعز الظاهر‬ ‫وعز الباطن ومتابعته تضع العبد يف الدنيا واآلخرة وتذله يف الظاهر ويف الباطن وإذا مجع هللا الناس يف صعيد واحد نادى‬ ‫مناد ل يعلمن أهل اجلمع من أهل الكرم اليوم أال ليقم املتقون فيقومون إىل حمل الكرامة وأتباع اهلوى ناكسو رؤسهم يف‬ ‫املوقف يف حر اهلوى وعرقه وأمله وأولئك يف ظل العرش اخلمسون أنك إذا تأملت السبعة الذين يظلهم هللا عز وجل يف‬


‫ظل عرشه يوم ال ظل إال ظله وجدهتم إمنا نالوا ذلك الظل مبخالفة اهلوى فإن اإلمام املسلط القادر ال يتمكن من العدل‬ ‫إال مبخالفة هواه والشاب املؤثر‬ ‫لعبادة هللا على داعي شبابه لوال خمالفة هواه مل يقدر على ذلك والرجل الذي قلبه معلق باملساجد إمنا محله على ذلك‬ ‫خمالفة اهلوى الداعي له إىل أماكن اللذات واملتصدق املخفي لصدقته عن مشاله لوال قهره هلواه مل يقدر على ذلك والذي‬ ‫دعته املرأة اجلميلة الشريفة فخاف هللا عز وجل وخالف هواه والذي ذكر هللا عز وجل خاليا ففاضت عيناه من خشيته‬ ‫إمنا أوصله إىل ذلك خمالفة هواه فلم يكن حلر املوقف وعرقه وشدته سبيل عليهم يوم القيامة وأصحاب اهلوى قد بلغ‬ ‫منهم احلر والعرق كل مبلغ وهم ينتظرون بعد هذا دخول سجن اهلوى فاهلل سبحانه وتعاىل املسؤول أن يعيذنا من أهواء‬ ‫نفوسنا األمارة بالسوء وأن جيعل هوانا تبعا ملا حيبه ويرضاه إنه على كل شيء قدير وباإلجابة جدير مت الكتاب واحلمد هلل‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.