روضة احملبني ونزهة املشتاقني البن قيم اجلوزية بسم هللا الرمحن الرحيم رب يسر يا كرمي احلمد هلل الذي جعل احملبة إىل الظفر باحملبوب سبيال ونصب طاعته واخلضوع له على صدق احملبة دليال وحرك هبا النفوس إىل أنواع الكماالت إيثارا لطلبها وحتصيال وأودعها العامل العلوي السفلي إلخراج كماله من القوة إىل الفعل إجيادا وإمدادا وقبوال وأثار هبا اهلمم السامية والعزمات العالية إىل أشرف غاياهتا ختصيصا هلا وتأهيال فسبحان من صرف عليها القلوب كما يشاء وملا يشاء بقدرته واستخرج هبا ما خلق له كل حي حبكمته وصرفها أنواعا وأقساما بني بريته وفصلها تفصيال فجعل كل حمبوب حملبه نصيبا خمطئا كان يف حمبته أو مصيبا وجعله حببه منعما أو قتيال فقسمها بني حمب الرمحن وحمب األوثان وحمب النريان وحمب الصلبان وحمب األوطان وحمب اإلخوان وحمب النسوان وحمب الصبيان وحمب األمثان وحمب اإلميان وحمب األحلان وحمب القرآن وفضل أهل حمبته وحمبة كتابه ورسوله على سائر احملبني تفضيال فباحملبة وللمحبة وجدت األرض والسموات وعليها فطرت املخلوقات وهلا حتركت األفالك الدائرات وهبا وصلت احلركات إىل غاياهتا واتصلت بداياهتا بنهاياهتا وهبا ظفرت النفوس مبطالبها وحصلت على نيل مآرهبا وختلصت من معاطبها واختذت إىل رهبا سبيال وكان هلا دون غريه مأموال وسوال وهبا نالت احلياة الطيبة وذاقت طعم اإلميان مل رضيت باهلل ربا وباإلسالم دينا ومبحمد رسوال وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له شهادة مقر بربوبيته شاهد بوحدانيته منقاد إليه حملبته مذع ن له بطاعته معرتف بنعمته فار إليه من ذنبه وخطيئته مؤمل لعفوه ورمحته طامع يف مغفرته بريء إليه من حوله وقوته ال يبتغي سواه ربا وال يتخذ من دونه وليا وال وكيال عائذ به ملتج إليه ال يروم عن عبوديته انتقاال وال حتويال وأشهد أن حممدا عبده ورسوله وخريته من خلقه وأمينه على وحيه وسفريه بينه وبني عباده أقرب اخللق إليه وسيلة وأعظمهم عنده جاها وأمسعهم لديه شفاعة وأحبهم إليه وأكرمهم عليه أرسله لإلميان مناديا وإىل اجلنة داعيا وإىل صراطه املستقيم هاديا ويف مرضاته وحمابه ساعيا وبكل معروف آمرا وعن كل منكر ناهيا رفع له ذكره وشرح له صدره ووضع عنه وزره وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره وأقسم حبياته يف كتابه املبني وقرن امسه بامسه فإذا ذكر هللا ذكر معه كما يف اخلطب والتشهد والتأذين فال يصح ألحد خطبة وال تشهد وال أذان حىت يشهد أنه عبده ورسوله شهادة اليقني أغر عليه للنبوة خامت %من هللا ميمون يلوح ويشهد وضم اإلله اسم النيب إىل امسه %إذ قال يف اخلمس املؤذن أشهد وشق له من امسه ليجله %فذو العرش حممود وهذا حممد أرسله على حني فرتة من الرسل فهدى به إىل أقوم الطرق وأوضح السبل وافرتض على العباد حمبته وطاعته وتوقريه والقيام حبقوقه وسد إىل اجلنة مجيع الطرق فلم يفتح ألحد إال من طريقه فال مطمع يف الفوز جبزيل الثواب
والنجاة من وبيل العقاب إال ملن كان خلفه من السالكني وال يؤمن عبد حىت يكون احب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أمجعني فصلى هللا ومالئكته وأنبياؤه ورسله ومجيع عباده املؤمنني عليه كما وحد هللا وعرف أمته به ودعا إليه صالة ال تروم عنه انتقاال وال حتويال وعلى آله الطيبني وصحبه الطاهرين وسلم تسليما كثريا أما بعد فإن هللا جل ثناؤه وتقدست أمساؤه جعل هذه القلوب أوعية فخريها أوعاها للخري والرشاد وشرها أوعاها للغي والفساد وسلط عليها اهلوى وامتحنها مبخالفته لتنال مبخالفته جنة املاؤى ويستحق من ال يصلح للجنة مبتابعته نارا تلظى وجعله مركب النفس األمارة بالسوء وقوهتا وغذاها وداء النفس املطمئنة وخمالفته دواها مث أوجب سبحانه وتعاىل على العبد يف هذه املدة القصرية اليت هي باإلضافة إىل اآلخرة كساعة من هنار أو كبلل ينال األصبع حني يدخلها يف حبر من البحار عصيان النفس األمارة وجمانبة هواها وردعها عن شهواهتا اليت يف نيلها رداها منعها من الركون إىل لذاهتا ومطالبة ما استدعته العيون الطاحمة بلحظاهتا لتنال نصيبها من كرامته وثوابه موفرا كامال وتلتذ آجال بأضعاف ما تركته هلل عاجال وأمرها بالصيام عن حمارمه ليكون فطرها عنده يوم لقائه وأخربها أن معظم هنار الصيام قد ذهب وأن عيد اللقاء قد اقرتب فال يطول عليها األمد باستبطائه كما قيل فما هي إال ساعة مث تنقضي %ويذهب هذا كله ويزول هيأها ألمر عظيم وأعدها خل طب جسيم وادخر هلا ماال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر على قلب بشر من النعيم املقيم واقتضت حكمته البالغة أهنا ال تصل إليه إال من طريق املكاره والنصب وال تعرب إليه إال على جسر املشقة والتعب فحجبه باملكروهات صيانة له عن األنفس الدنيات املؤثرة للرذائل والسفليات ومشرت إليه النفوس العلويات واهلمم العليات امتطت يف السري إليه ظهور العزمات فسارت يف ظهورها إىل أشرف الغايات وركب سروا والليل مرخ رواقه % على كل مغرب املوارد قائم حدوا عزمات ضاعت األرض بينها %فصار سراهم يف ظهور العزائم أرهتم جنوم الليل ما يطلبونه %على عاتق الشعرى وهام النعائم فأموا محى ال ينبغي لسواهم %وما أخذهتم فيه لومة الئم أجابوا منادى احلبيب ملا أذن هلم حي على الفالح وبذلوا نفوسهم يف مرضاته بذل احملب بالرضا والسماح وواصلوا السري إليه بالغدو والرواح فحمدوا عند الوصول مسراهم وإمنا حيمد القوم السرى عند الصباح تعبوا قليال فاسرتاحوا طويال وتركوا حقريا واعتاضوا عظيما وضعوا اللذة العاجلة والعاقبة احلميدة يف ميزان العقل فظهر هلم التفاوت فرأوا من أعظم السفه بيع احلياة الطيبة الدائمة يف النعيم املقيم بلذة ساعة تذهب شهوهتا وتبقى شقوهتا هذا وإن من أي ام اللذات لو صفت للعبد من أول عمره إىل آخره لكانت كسحابة صيف تتقشع عن قليل وخيال طيف ما استتم الزيارة حىت آذن بالرحيل قال هللا تعاىل ^ أفرأيت إن متعناهم سنني مث جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغىن عنهم ما كانوا ميتعون ^ ومن ظفر مبأموله من ثواب هللا فكأنه مل يوتر من دهره مبا كان حياذره وخيشاه وكان عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه يتمثل هبذا البيت من الشعر كأنك مل توتر من الدهر مرة %إذا أنت أدركت الذي أنت طالبه فصل وهذا مثرة العقل الذي به عرف هللا سبحانه وتعاىل وأمساؤه وصفات كماله ونعوت جالله وبه آمن املؤمنون بكتبه ورسله ولقائه ومالئكته وبه عرفت آيات ربوبيته وأدلة وحدانيته ومعجزات رسله وبه امتثلت أوامره واجتنبت نواهيه وهو الذي تلمح العواقب فراقبها وعمل مبقتضى مصاحلها وقاوم اهلوى فرد جيشه مفلوال وساعد الصرب حىت ظفر به بعد أن
كان بسهامه مقتوال وحث على الفضائل وهنى عن الرذائل وفتق املعاين وأدرك الغوامض وشد أزر العزم فاستوى على سوقه وقوى أزر احلزم حىت حظى من هللا بتوفيقه فاستجلب ما يزين ونفى ما يشني فإذا نزل وسلطانه أسر جنود اهلوى فحصرها يف حبس من ترك هلل شيئا عوضه هللا خريا منه وهنض بصاحبه إىل منازل امللوك إذا صري اهلوى امللك مبنزلة العبد اململوك فهي شجرة عرقها الفكر يف العواقب وساقها الصرب وأغصاهنا العلم وورقها حسن اخللق ومثرها احلكمة ومادهتا توفيق من أزمة األمور بيديه وابتداؤها منه وانتهاؤها إليه وإذا كان هذا وصفه فقبيح أن يدال عليه عدوه فيعزله عن مملكته وحيطه عن رتبته ويستنزله عن درجته فيصبح أسريا بعد أن كان أمريا وحمكوما بعد أن كان حاكما وتابعا بعد أن كان متبوعا ومن صرب على حكمه أرنعه يف رياض األماين واملىن ومن خرج عن حكمه أورده حياض اهلالك والردى قال علي بن أيب طالب رضي هللا عنه لقد سبق إىل جنات عدن أقوام ما كانوا بأكثر الناس صالة وال صياما وال حجا وال اعتمارا لكنهم عقلوا عن هللا مواعظه فوجلت منه قلوهبم واطمأنت إليه نفوسهم وخشعت له جوارحهم ففاقوا الناس بطيب املنزلة وعلو الدرجة عند الناس يف الدنيا وعند هللا يف اآلخرة وقال عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه ليس العاقل الذي يعرف اخلري من الشر ولكنه الذي يعرف خري الشرين وقالت عائشة رضي هللا عنها قد أفلح من جعل هللا له عقال وقال ابن عباس رضي هللا عنهما ولد لكسرى مولود فأحضر بعض املؤدبني ووضع الصىب بني يديه وقال ما خري ما أويت هذا املولود قال عقل يولد معه قال فإن مل يكن قال فأدب حسن يعيش به يف الناس قال فإن مل يكن قال فصاعقة حترقه وقال بعض أهل العلم ملا أهبط هللا تبارك وتعاىل آدم إىل األرض أتاه جربيل عليه السالم بثالثة أشياء الدين واخللق والعقل فقال إن هللا خيريك بني هذه الثالثة فقال يا جربيل ما رأيت أحسن من هؤالء إال يف اجلنة ومد ي ده إىل العقل فضمه إىل نفسه فقال لآلخرين اصعدا فقاال أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان فصارت الثالثة إىل آدم عليه السالم وهذه الثالثة أعظم كرامة أكرم هللا هبا عبده وأجل عطية أعطاه إياها وجعل هلا ثالثة أعداء اهلوى والشيطان والنفس األمارة واحلرب بينهما دول وسجال ^ وما النصر إال من عند هللا العزيز احلكيم ^ وقال وهب بن منبه قرأت يف بعض ما أنزل هللا تعاىل إن الشيطان مل يكابد شيئا أشد عليه من مؤمن عاقل وإنه ليسوق مائة جاهل فيستجرهم حىت يركب رقاهبم فينقادون له حيث شاء ويكابد املؤمن العاقل فيصعب عليه حىت ينال منه شيئا من حاجته قال وإزالة اجلبل صخرة صخرة أهون على الشيطان من مكابدة املؤمن العاقل فإذا مل يقدر عليه حتول إىل اجلاهل فيستأسره ويتمكن من قياده حىت يسلمه إىل الفضائح اليت يتعجل هبا يف الدنيا اجللد والرجم والقطع والصلب والفضيحة ويف اآلخرة العار والنار والشنار وإن ا لرجلني ليستويان يف الرب ويكون بينهما يف الفضل كما بني املشرق واملغرب بالعقل وما عبد هللا بشيء أفضل من العقل وقال معاذ بن جبل رضي هللا عنه لو أن العاقل أصبح وأمسى وله ذنوب بعدد الرمل كان وشيكا بالنجاة والتخلص منها ولو أن اجلاهل أصبح وأمسى وله من احلسنات وأعمال الرب عدد الرمل لكان وشيكا أن ال يسلم له منها مثقال ذرة قيل وكيف ذلك قال إن العاقل إذا زل تدارك ذلك بالتوبة والعقل الذي رزقه واجلاهل مبنزله الذي يبين ويهدم فيأتيه من جهله ما يفسد صاحل عمله وقال احلسن ال يتم دين الرجل حىت
يتم عقله وما أودع هللا امرأ عقال إال استنقذه به يوما وقال بعض احلكماء من مل يكن عقله أغلب األشياء عليه كان حتفه وهالكه يف أحب األشياء إليه وقال يوسف بن أسباط العقل سراج ما بطن وزينة ما ظهر وسائس اجلسد ومالك أمر العبد وال تصلح احلياة إال به وال تدور األمور إال عليه وقيل لعبدهللا بن املبارك ما أفضل ما أعطي الرجل بعد اإلسالم قال غريزة عقل قيل فإن مل يكن قال أدب حسن قيل فإن مل يكن قال أخ صاحل يستشريه قيل فإن مل يكن قال صمت طويل قيل فإن مل يكن قال موت عاجل ويف ذلك قيل ما وهب هللا المرئ هبة %أحسن من عقله ومن أدبه مها مجال الفىت فإن فقدا %ففقده للحياة أمجل به فصل وإذا كانت الدولة للعقل سامله اهلوى وكان من خدمه وأتباعه كما أن الدولة إذا كانت للهوى صار العقل أسريا يف يديه حمكوما عليه وملا كان العبد ال ينفك عن اهلوى ما دام حيا فإن هواه الزم له كان له األمر خبروجه عن اهلوى بالكلية كاملمتنع ولكن املقدور له واملأمور به أن يصرف هواه عن مراتع اهللكة إىل مواطن األمن والسالمة مثاله أن هللا سبحانه وتعاىل مل يأمره بصرف قلبه عن هوى النساء مجلة بل أمره بصرف ذلك اهلوى إىل نكاح ما طاب له منهن من واحدة إىل أربع ومن اإلماء ما شاء فانصرف جمرى اهلوى من حمل إىل حمل وكانت الريح دبورا فاستحالت صبا وكذلك هو الظفر والغلبة والقهر مل يأمر باخلروج عنه بل أمر بصرفه إىل الظفر والقهر والغلبة للباطل وحزبه وشرع له من أنواع املغالبات بالسباق وغريه مما ميرنه ويعده للظفر وكذلك هوى الكرب والفخر واخليالء مأذون فيه بل مستحب يف حماربة أعداء هللا وقد رأى النيب أبا دجانة مساك بن خرشة األنصاري يتبخرت بني الصفني فقال إهنا ملشية يبغضها هللا إال يف مثل هذا املوطن وقال إن من اخليالء ما حيبها هللا ومنها ما يبغض هللا فاليت حيبها اختيال الرجل يف احلرب وعند الصدقة وذكر احلديث فما حرم هللا على عباده شيئا إال عوضهم خريا منه كما حرم عليهم االستقسام باألزالم وعوضهم منه دعاء االستخارة وحرم عليهم الربا وعوضهم منه التجارة الراحبة وحرم عليهم القمار وأعاضهم منه أكل املال باملسابقة النافعة يف الدين باخليل واإلبل والسهام وحرم عليهم احلرير وأعاضهم منه أنواع املالبس الفاخرة من الصوف والكتان والقطن وحرم عليهم الزنا واللواط وأعاضهم منهما بالنكاح والتسري بصنوف النساء احلسان وحرم عليهم شرب املسكر وأعاضهم عنه باألشربة اللذيذة النافعة للروح والبدن وحرم عليهم مساع آالت اللهو من املعازف واملثاين وأعاضهم عنها بسماع القرآن والسبع املثاين وحرم عليهم اخلبائث من املطعومات وأعاضهم عنها باملطاعم الطيبات ومن تلمح هذا وتأمله هان عليه ترك اهلوى املردي واعتاض عنه بالنافع اجملدي وعرف حكمة هللا ورمحته ومتام نعمته على عباده فيما أمرهم به وهناهم عنه وفيما أباحه هلم وأنه مل يأمرهم مبا أمرهم به حاجة منه إليهم وال هناهم عنه خبال منه تعاىل عليهم بل أمرهم مبا أمرهم إحسانا منه ورمحة وهناهم عما هناهم عنه صيانة هلم ومحية فلذلك وضعنا هذا الكتاب وضع عقد الصلح بني اهلوى والعقل وإذا مت عقد الصلح بينهما سهل على العبد حماربة النفس والشيطان وهللا سبحانه املستعان وعليه التكالن فما كان فيه من صواب فمن هللا فهو املوفق له واملعني عليه وما كان فيه من خطإ فمين ومن الشيطان وهللا ورسوله من ذلك بريئان وقد جعلته تسعة وعشرين بابا الباب األول يف أمساء احملبة الباب الثاين يف اشتقاق هذه األمساء
ومعانيها الباب الثالث يف نسبة هذه األمساء بعضها إىل بعض الباب الرابع يف أن العامل العلوي والسفلي إمنا وجد باحملبة وألجلها الباب اخلامس يف دواعي احملبة ومتعلقها الباب السادس يف أحكام النظر وغائلته وما جيين على صاحبه الباب السابع يف ذكر مناظرة بني القلب والعني الباب الثامن يف ذكر الشبه اليت احتج هبا من أباح النظر إىل من ال حيل له االستمتاع به وأباح عشقه الباب التاسع يف اجلواب عما احتجت به هذه الطائفة وما هلا وما عليها يف هذا االحتجاج الباب العاشر يف ذكر حقيقة العشق وأوصافه وكالم الناس فيه الباب احلادي عشر يف العشق وهل هو اضطراري خارج عن االختيار أو أمر اختياري واختالف الناس يف ذلك وذكر الصواب فيه الباب الثاين عشر يف سكرة العشاق الباب الثالث عشر يف أن اللذة تابعة للمحبة يف الكمال والنقصان الباب الرابع عشر فيمن مدح العشق ومتناه وغبط صاحبه على ما أوتيه من مناه الباب اخلامس عشر فيمن ذم العشق وتربم به وما احتج به كل فريق على صحة مذهبه الباب السادس عشر يف احلكم بني الفريقني وفصل النزاع بني الطائفتني الباب السابع عشر يف استحباب ختري الصور اجلميلة للوصال الذي حيبه هللا ورسوله الباب الثامن عشر يف أن دواء احملبني يف كمال الوصال الذي أباحه رب العاملني الباب التاسع عشر يف ذكر فضيلة اجلمال وميل النفوس إليه على كل حال الباب العشرون يف عالمات احملبة وشواهدها الباب احلادي والعشرون يف اقتضاء احملبة إفراد احلبيب باحملب وعدم التشريك بينه وبني غريه فيه الباب الثاين والعشرون يف غرية احملبني على أحباهبم الباب الثالث والعشرون يف عفاف احملبني مع أحباهبم الباب الرابع والعشرون يف ارتكاب سبل احلرام وما يفضي إليه من املفاسد واآلالم الباب اخلامس والعشرون يف رمحة احملبني والشفاعة هلم إىل أحباهبم يف الوصال الذي يبيحه الدين الباب السادس والعشرون يف ترك احملبني أدىن احملبوبني رغبة يف أعالمها الباب السابع والعشرون فيمن ترك حمبوبه حراما فبذل له حالال أو أعاضه
هللا خريا منه الباب الثامن والعشرون فيمن آثر عاجل العقوبة واآلالم على لذة الوصال احلرام الباب التاسع والعشرون يف ذم اهلوى وما يف خمالفته من نيل املين ومسيته روضة احملبني ونزهة املشتاقني واملرغوب إىل من يقف على هذا الكتاب أن يعذر صاحبه فإنه علقه يف حال بعده عن وطنه وغيبته عن كتبه فما عسى أن يبلغ خاطره املكدود وسعيه اجملهود مع بضاعته املزجاة اليت حقيق حباملها أن يقال فيه تسمع باملعيدي خري من أن تراه وها هو قد نصب نفسه هدفا لسهام الراشقني وغرضا ألسنة الطاعنني فلقاريه غنمه وعلى مؤلفه غرمه وهذه بضاعته تعرض عليك وموليته هتدى إليك فإن صادفت كفؤا كرميا هلا لن تعدم منه إمساكا مبعروف أو تسرحيا بإحسان وإن صادفت غريه فاهلل تعاىل املستعان وعليه التكالن وقد رضي من مهرها بدعوة خالصة إن وافقت قبوال واستحسانا وبرد مجيل إن كان حظها احتقارا واستهجانا واملنصف يهب خطأ املخطىء إلصابته وسيئاته حلسناته فهذه سنةهللا يف عباده جزاء وثوابا ومن ذا الذي يكون قوله كله سديدا وعمله كله صوابا وهل ذلك إال املعصوم الذي ال ينطق عن اهلوى ونطقه وحي يوحى فما صح عنه فهو نقل مصدق عن قائل معصوم وما جاء عن غريه فثبوت األمرين فيه معدوم فإن صح النقل مل يكن القائل معصوما وإن مل يصح مل يكن وصوله إليه معلوما فصل وهذا الكتاب يصلح لسائر طبقات الناس فإنه يصلح عونا على الدين وعلى الدنيا ومرقاة للذة العاجلة ولذة العقىب وفيه من ذكر أقسام احملبة وأحكامها ومتعلقاهتا وصحيحها وفاسدها وآفاهتا وغوائلها وأسباهبا وموانعها وما يناسب ذلك من نكت تفسريية وأحاديث نبوية ومسائل فقهية وآثار سلفية وشواهد شعرية ووقائع كونية ما يكون ممتعا لقاريه مروحا للناظر فيه فإن شاء أوسعه جدا وأعطاه ترغيبا وترهيبا وإن شاء أخذ من هزله وملحه نصيبا فتارة يضحكه وتارة يبكيه وطورا يبعده من أسباب اللذة الفانية وطورا يرغبه فيها ويدنيه فإن شئت وجدته واعظا ناصحا وإن شئت وجدته بنصيبك من اللذة والشهوة ووصل احلبيب مساحما وهذا حني الشروع يف األبواب وهللا سبحانه الفاتح من اخلري كل باب وهو املسؤول سبحانه أن جيعله خالصا لوجهه الكرمي مدنيا من رضاه والفوز جبنات النعيم وهللا متويل سريرة العبد وكسبه وهو سبحانه عند لسان كل قائل وقلبه ^ وقل اعملوا فسريى هللا عملكم ورسوله واملؤمنون وسرتدون إىل عامل الغيب والشهادة فينبئكم مبا كنتم تعملون ^ الباب األول يف أمساء احملبة ملا كان الفهم هلذا املسمى أشد وهو بقلوهبم أعلق كانت أمساؤه لديهم أكثر وهذا عادهتم يف كل ما اشتد الفهم له أو كثر خطوره على قلوهبم تعظيما له أو اهتماما به أو حمبة له فاألول كاألسد والسيف والثاين كالداهية والثالث كاخلمر وقد اجتمعت هذه املعاين الثالثة يف احلب فوضعوا له قريبا من ستني امسا وهي احملبة والعالقة واهلوى والصبوة والصبابة والشغف واملقة والوجد والكلف والتتيم والعشق واجلوى والدنف والشجو والشوق واخلالبة والبالبل والتباريح والسدم والغمرات والوهل والشجن والالعج واالكتئاب والوصب واحلزن والكمد واللذع واحلرق والسهد واألرق واللهف واحلنني واالستكانة والتبالة واللوعة والفتون واجلنون واللمم واخلبل والرسيس والداء املخامر والود واخللة واخللم والغرام واهليام والتدليه والوله والتعبد وقد ذكر له أمساء غري هذه وليست من أمسائه وإمنا هي من موجباته وأحكامه فرتكنا ذكرها
الباب الثاين يف اشتقاق هذه األمساء ومعانيها فأما احملبة فقيل أصلها الصفاء ألن العرب تقول لصفاء بياض األسنان ونضارهتا حبب األسنان وقيل مأخوذة من احلباب وهو ما يعلو املاء عند املطر الشديد فعلى هذا احملبة غليان القلب وثورانه عند االهتياج إىل لقاء احملبوب وقيل مشتقة من اللزوم والثبات ومنه أحب البعري إذا برك فلم يقم قال الشاعر حلت عليه بالفالة ضربا %ضرب بعري السوء إذ أحبا فكأن احملب قد لزم قل به حمبوبه فلم يرم عنه انتقاال وقيل بل هي مأخوذة من القلق واالضطراب ومنه مسي القرط حبا لقلقه يف األذن واضطرابه قال الشاعر تبيت احلية النضناض منه %مكان احلب تستمع السرارا وقيل بل هي مأخوذة من احلب مجع حبة وهو لباب الشيء وخالصه وأصله فإن احلب أصل النبات والشجر وقيل بل هي مأخوذة من احلب الذي هو إناء واسع يوضع فيه الشيء فيمتلئ به حبيث ال يسع غريه وكذلك قلب احملب ليس فيه سعة لغري حمبوبة وقيل مأخوذة من احلب وهو اخلشبات األربع اليت يستقر عليها ما يوضع عليها من جرة أو غريها فسمى احلب بذلك ألن احملب يتحمل ألجل حمبوبه األثقال كما تتحمل اخلشبات ثقل ما يوضع عليها وقيل بل هي مأخوذة من حبة القلب وهي سويداؤه ويقال مثرته فسميت احملبة بذلك لوصوهلا إىل حبة القلب وذلك قريب من قوهلم ظهره إذا أصاب ظهره ورأسه إذا أصاب رأسه ورآه إذا أصاب رئته وبطنه إذا أصاب بطنه ولكن يف هذه ا ألفعال وصل أثر الفاعل إىل املفعول وأما يف احملبة فاألثر إمنا وصل إىل احملب وبعد ففيه لغتان حب وأحب قال الشاعر أحب أبا مروان من أجل متره %وأعلم أن الرفق باملرء أرفق ووهللا لوال متره ما حببته %وال كان أدىن من عبيد ومشرق كذلك أنشده اجلوهري باإلقواء فجمع بني اللغتني ولكن يف جانب الفعل واسم الفاعل غلبوا الرباعي فقالوا أحبه حيبه فهو حمب ويف املفعلو غلبوا فعل فقالوا يف األكثر حمبوب ومل يقولوا حمب إال نادرا قال الشاعر ولقد نزلت فال تظين غريه %مين مبنزلة احملب املكرم فهذا من أفعل وأما حبيب فأكثر استعماهلم له مبعىن احملبوب قال الشاعر وما زرت ليلى أن تكون حبيبة %إيل وال دين هلا أنا طالبه وقد استعملوه مبعىن احملب قال الشاعر وما هجرتك النفس أنك عندها %قليل وال أن قل منك نصيبها ولكنهم يا أحسن الناس أولعوا %بقول إذا ما جئت هذا حبيبها فهذا حيتمل أن يكون مبعىن احملبوب وأن يكون مبعىن احملب وأما احلب بكسر احلاء فلغة يف احلب وغالب استعماله مبعىن احملبوب قال يف الصحاح احلب احملبة وكذلك احلب بالكسر واحلب أيضا احلبيب مثل خدن وخدين قلت وهذا نظري ذبح مبعىن مذبوح وهنب مبعىن منهوب ورشق مبعىن مرشوق ومنه السب ويشرتك فيه الفاعل واملفعول قال أبو عبيد السب بالكسر الكثري السباب قال اجلوهري وسبك الذي يسابك قال حسان ال تسبنين فلست بسيب %إن سيب من الرجال الكرمي والصواب أنه عبدالرمحن بن حسان وقد يشرتك فيه املصدر واملفعول حنو رزق ويف إعطائهم ضمة احلاء للمصدر سر لطيف فإن الكسرة أخف من الضمة واحملبوب أخف على قلوهبم من نفس احلب فأعطوا احلركة اخلفيفة لألخف والثقيلة لألثقل ويقال أحبه حبا وحمبة
واحملبة أم باب هذه األمساء فصل وأما كالم الناس يف حدها فكثري فقيل هي امليل الدائم بالقلب اهلائم وقيل إيثار احملبوب على مجيع املصحوب وقيل موافقة احلبيب يف املشهد واملغيب وقيل احتاد مراد احملب ومراد احملبوب وقيل إيثار مراد احملبوب على مراد احملب وقيل إقامة اخلدمة مع القيام باحلرمة وقيل استقالل الكثري منك حملبوبك واستكثار القليل منه إليك وقيل استيالء ذكر احملبوب على قلب احملب وقيل حقيق تها أن هتب كلك ملن أحببته فال يبقى لك منك شيء وقيل هي أن متحو من قلبك ما سوى احملبوب وقيل هي الغرية للمحبوب أن تنتقص حرمته والغرية على القلب أن يكون فيه سواه وقيل هي اإلرادة اليت ال تنقص باجلفاء وال تزيد بالرب وقيل هي حفظ احلدود فليس بصادق من ادعى حمبة من مل حيفظ حدوده وقيل هي قيامك حملبوبك بكل ما حيبه منك وقيل هي جمانبة السلو على كل حال كما قيل ومن كان من طول اهلوى ذاق سلوة %فإين من ليلي هلا غري ذائق وأكثر شيء نلته من وصاهلا %أماين مل تصدق كلمعة بارق وقيل نار حترق من القلب ما سوى مراد احملبوب وقيل ذكر احملبوب على عدد األنفاس كما قيل يراد من القلب نسيانكم %وتأىب الطباع على الناقل وقيل عمى القلب عن رؤية غري احملبوب وصممه عن مساع العذل فيه ويف احلديث حبك للشيء يعمي ويصم رواه اإلمام أمحد وقيل ميلك إىل احملبوب بكليتك مث إيثارك له على نفسك وروحك وما لك مث موافقتك له سرا وجهرا مث علمك بتقصريك يف حبه وقيل هي بذلك اجملهود فيما يرضى احلبيب وقيل هي سكون بال اضطراب واضطراب بال سكون فيضطرب القلب فال يسكن إال إىل حمبوبه فيضطرب شوقا إليه ويسكن عنده وهذا معىن قول بعضهم هي حركة القلب على الدوام إىل احملبوب وسكونه عنده وقيل هي مصاحبة احملبوب على الدوام كما قيل ومن عجب أين أحن إليهم %وأسأل عنهم من لقيت وهم معي وتطلبهم عيين وهم يف سوادها % ويشتاقهم قليب وهم بني أضلعي وقيل هي أن يكون احملبوب أقرب إىل احملب من روحه كما قيل يا مقيما يف خاطري وجناين %وبعيدا عن ناظري وعياين أنت روحي إن كنت لست أراها %فهي أدىن إيل من كل داين وقيل هي حضور احملبوب عند احملب دائما كما قيل خيالك يف عيين وذكرك يف فمي %ومثواك يف قليب فأين تغيب وقيل هي أن يستوي قرب دار احملبوب وبعدها عند احملب كما قيل يا ثاويا بني اجلوانح واحلشى %مين وإن بعدت علي دياره عطفا على صب حيبك هائم %إن مل تصله تصدعت أعشاره ال يستفيق من الغرام وكلما %حجبوك عنه هتتكت أستاره وقيل هي ثبات القلب على أحكام الغرام واستلذاذ العذل فيه واملالم كما قيل وقف اهلوى يب حيث أنت فليس يل %متأخر عنه وال متقدم وأهنتين فأهنت نفسي جاهدا %ما من يهون عليك ممن يكرم أشبهت أعدائي فصرت أحبهم %إذ كان حظي منك حظي منهم أجد املالمة يف هواك لذيذة %حبا لذكرك فليلمين اللوم فصل وأما العالقة وتسمى العلق بوزن الفلق فهي من أمسائها قال اجلوهري والعلق أيضا اهلوى يقال نظرة من ذي علق قال الشاعر ولقد أردت الصرب عنك فعلقين %علق بقليب من هواك قدمي وقد علقها بالكسر وعلق حبها بقلبه أي هويها وعلق هبا علوقا ومسيت عالقة لتعلق القلب باحملبوب قال الشاعر أعالقة أم الوليد بعدما %أفنان رأسك كالثغام املخلس فصل وأما
اهلوى فهو ميل النفس إىل الشيء وفعله هوي يهوى هوى مثل عمي يعمى عمى وأما هوى يهوي بالفتح فهو السقوط ومصدره اهلوي بالضم ويقال اهلوى أيضا على نفس احملبوب قال الشاعر إن اليت زعمت فؤادك ملها %خلقت هواك كما خلقت هوى هلا ويقال هذا هوى فالن وفالنة هواه أي مهويته وحمبوبته وأكثر ما يستعمل يف احلب املذموم كما قال هللا تعاىل ^ وأما من خاف مقام ربه وهنى النفس عن اهلوى فإن اجلنة هي املأوى ^ ويقال إمنا مسى هوى ألنه يهوي بصاحبه وقد يستعمل يف احلب املمدوح استعماال مقيدا ومنه قول النيب ال يؤمن أحدكم حىت يكون هواه تبعا ملا ئت به ويف الصحيحني عن عروة قال كانت خولة بنت حكيم من الالئي وهنب أنفسهم للنيب فقالت عائشة رضي هللا عنها أما تستحي املرأة أن هتب نفسها للرجل فلما نزلت ^ ترجي من تشاء منهن ^ قلت يا رسول هللا ما أرى ربك إال يسارع يف هواك ويف قصة أسارى بدر قال عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه فهوي رسول هللا ما قال أبو بكر رضي هللا عنه ومل يهو ما قلت وذكر احلديث ويف السنن أن أعرابيا قال للنيب جئت أسألك عن اهلوى فقال املرء مع من أحب فصل وأما الصبوة والصبا فمن أمسائها أيضا قال يف الصحاح والصبا من الشوق يقال منه تصابا وصبا يصبو صبوة وصبوا أي ما ل إىل اجلهل وأصبته اجلارية وصيب صباء مثل مسع مساعا أي لعب مع الصبيان قلت أصل الكلمة من امليل يقال صبا إىل كذا أي مال إليه ومسيت الصبوة بذلك مليل صاحبها إىل املرأة الصبية واجلمع صبايا مثل مطية ومطايا والتصايب هو تعاطي الصبوة مثل التمايل وبابه والفرق بني الصبا والصبوة والتصايب أن التصايب هي تعاطي الصبا وأن تفعل فعل ذي الصبوة وأما الصبا فهو نفس امليل وأما الصبوة فاملرة من ذلك مثل الغشوة والكبوة وقد يقال على الصفة الالزمة مثل القسوة وقد قال يوسف الصديق عليه السالم ^ وإال تصرف عين كيدهن أصب إليهن وأكن من اجلاهلني ^ فصل وأما الصبابة فقال يف الصحاح هي رقة الشوق وحرارته يقال رجل صب عاشق مشتاق وقد صببت يا رجل بالكسر قال الشاعر ولست تصب إلىالظاعنني %إذا ما صديقك مل يصبب قلت والصبابة من املضاعف من صب يصب والصبا والصبوة من املعتل وهم كثريا ما يعاقبون بينهما فبينهما تناسب لفظي ومعنوي قال الشاعر تشكى احملبون الصبابة ليتين %حتملت ما يلقون من بينهم وحدي ويقال رجل صب وامرأة صب كما يقال رجل عدل وامرأة عدل فصل وأما الشغف فمن أمسائها أيضا قال هللا تعاىل ^ قد شغفها حبا ^ قال اجلوهري وغريه والشغاف غالف القلب وهو جلدة دونه كاحلجاب يقال شغفه احلب أي بلغ شغافه وقرأ ابن عباس رضي هللا عنهما ^ قد شغفها حبا ^ مث قال دخل حبه حتت الشغاف فصل وأما الشعف بالعني املهملة ففي الصحاح شعفه احلب أي أحرق قلبه وقال أبو زيد أمرضه وقد شعف بكذا فهو مشعوف وقرأ احلسن قد شعفها حبا قال بطنها حبا فصل وأما املقة فهي فعلة من ومق ميق واملقة احملبة واهلاء عوض من الواو كالعظة والعدة والزنة فإن أصلها فعل فحذفوا الفاء فعوضوا منها تاء التأنيث جربا للكلمة وتعويضا ملا سقط منها والفعل ومقه ميقه بالكسر فيهما أي أحبه فهو وامق فصل وأما الوجد فهو احلب الذي يتبعه احلزن وأكثر ما يستعمل الوجد يف احلزن
يقال منه وجد وجدا بالفتح وحنن نذكر هذه املادة وتصاريفها يقال وجد مطلوبه جيده وجودا فإن تعلق ذلك بالضالة مسوه وجدانا ووجد عليه يف الغضب موجدة ووجد يف احلزن وجدا بالفتح ووجد يف املال أي صار واجدا وجدا ووجدا ووجدا بالفتح والضم والكسر وجدة إذا استغىن وأما إطالق اسم الوجد على جمرد مطلق احملبة فغري معروف وإمنا يطلق على حمبة معها فقد يوجب احلزن فصل وأما الكلف فهو من أمساء احلب أيضا يقال كلفت هبذا األمر أي أولعت به فأنا كلف به قال الشاعر فتعلمي أن قد كلفت بكم %مث اصنعي ما شئت عن علم وأصل اللفظة من الكلفة واملشقة يقال كلفه تكليفا إذا أمره مبا يشق قال هللا تعاىل ^ ال يكلف هللا نفسا إال وسعها ^ ومنه تكلفت األمر جتشمته والكلفة ما يتكلف من نائبة أو حق واملتكلف املتعرض ملا ال يعنيه قال هللا تعاىل ^ قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من املتكلفني ^ وقيل هو مأخوذ من األثر وهو شيء يعلو الوجه كالسمسم والكلف أيضا لون بني السواد واحلمرة وهي محرة كدرة تعلو الوجه واالسم الكلفة فصل وأما التتيم فهو التعبد قال يف الصحاح تيم هللا أي عبدهللا وأصله من قوهلم تيمه احلب إذا عبده وذهلل فهو متيم ويقال تامته املرأة قال لقيط بن زرارة تامت فؤادك لو حيزنك ما صنعت %إحدى نساء بين ذهل بن شيبانا فصل وأما العشق فهو أمر هذه األمساء وأخبثها وقل ما ولعت به العرب وكأهنم سرتوا امسه وكنوا عنه هبذه األمساء فلم يكادوا يفصحوا به وال تكاد جتده يف شعرهم القدمي وإمنا أولع به املتأخرون ومل يقع هذا اللفظ يف القرآن وال يف السنة إال يف حديث سويد بن سعيد وسنتكلم عليه إن شاء هللا تعاىل وبعد فقد استعملوه يف كالمهم قال الشاعر وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا %سوى أن يقولوا إنين لك عاشق نعم صدق الواشون أنت حبيبة %إيل وإن مل تصف منك اخلالئق قال يف الصحاح العشق فرط احلب وقد عشقها عشقا مثل علم علما وعشقا أيضا عن الفراء قال رؤبة ومل يضعها بني فرك وعشق %قال ابن السراج إمنا حركه ضرورة وإمنا مل حيركه بالكسر إتباعا للعني كأنه كره اجلمع بني كسرتني فإن هذا عزيز يف ا ألمساء ورجل عشيق مثل فسيق أي كثري العشق والتعشق تكلف العشق قال الفراء يقولون امرأة حمب لزوجها وعاشق وقال ابن سيده العشق عجب احملب باحملبوب يكون يف عفاف احلب ودعارته يعين يف العفة والفجور وقيل العشق االسم والعشق املصدر وقيل هو مأخوذ من شجرة يقال هلا عاشقة ختضر مث تدق وتصفر قال الزجاج واشتقاق العاشق من ذلك وقال الفراء عشق عشقا وعشقا إذا أفرط يف احلب والعاشق الفاعل واملعشوق املفعول والعشيق يقال هلذا وهلذا وامرأة عاشق وعاشقة قال ولذ كطعم الصرخدي طرحته %عشية مخس القوم والعني عاشقه وقال الفراء العشق نبت لزج ومسي العشق الذي يكون من اإلنسان للصوقه بالقلب وقال ابن األعرايب العشقة اللبالبة ختضر وتصفر وتعلق بالذي يليها من األشجار فاشتق من ذلك العاشق وقد اختلف الناس هل يطلق هذا االسم يف حق هللا تعاىل فقالت طائفة من الصوفية ال بأس بإطالقه وذكروا فيه أثرا ال يثبت وفيه فإذا فعل ذلك عشقين وعشقته وقال مجهور الناس ال يطلق ذلك يف حقه سبحانه وتعاىل فال يقال إنه يعشق وال يقال عشقه عبده مث اختلفوا يف سبب املنع على ثالثة أقوال أحدها عدم
التوقيف خبالف احملبة الثاين أن العشق إفراط احملبة وال ميكن ذلك يف حق الرب تعاىل فإن هللا تعاىل ال يوصف باإلفراط يف الشيء وال يبلغ عبده ما يستحقه من حبه فضال أن يقال أفرط يف حبه الثالث أنه مأخوذ من التغري كما يقال للشجرة املذكورة عاشقة وال يطلق ذلك على هللا سبحانه وتعاىل فصل وأما اجلوى ففي الصحاح اجلوى احلرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن تقول منه جوي الرجل بالكسر فهو جو مثل دو ومنه قيل للماء املتغري املننت جو قال الشاعر مث كان املزاج ماء سحاب %ال جو آجن وال مطروق فصل وأما الدنف فال تكاد تستعمله العرب يف احلب وإمنا ولع به املتأخرون وإمنا استعملته العرب يف املرض قال يف الصحاح الدنف بالتحريك املرض املالزم رجل دنف أيضا يعين بفتح النون وامرأة دنف وقوم دنف يستوي فيه املذكر واملؤنث والتثنية واجلمع فإن قلت رجل دنف بكسر النون قلت امرأة دنفة أنثت وثنيت ومجعت وقد دنف املريض بالكسر ثقل وأدنف باأللف مثله وأدنفه املرض يتعدى وال يتعدى فهو مدنف ومدنف قلت وكأهن م استعاروا هذا االسم للحب الالزم تشبيها له به وهللا أعلم فصل وأما الشجو فهو حب يتبعه هم وحزن قال يف الصحاح الشجو اهلم واحلزن يقال شجاه يشجوه شجوا إذا أحزنه وأشجاه يشجيه إشجاء إذا أغصه تقول منها مجيعا شجي بالكسر يشجى شجى قال الشاعر ال تنكروا القتل وقد سبينا %يف حلقكم عظم وقد شجينا أراد حلوقكم واشجى ما ينشب يف احللق من عظم أو غريه ورجل شج أي حزين وامرأة شجية على فعلة فأطلق هذا االسم على احلب للزومه كالشجى الذي يعلق باحللق وينشب فيه فصل وأما الشوق فهو سفر القلب إىل احملبوب وقد وقع هذا االسم يف السنة ففي املسند من حديث عمار بن ياسر أنه صلى صالة فأوجز فيها فقيل له أوجزت يا أبا اليقظان فقال لقد دعوت فيها بدعوات مسعتهن من رسول هللا يدعو هبن اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على اخللق أحبين إذا كانت احلياة خريا يل وتوفين إذا كانت الوفاة خريا يل وأسألك خشيتك يف الغيب والشهادة وأسألك كلمة احلق يف الغضب والرضا وأسألك القصد يف الفقر والغىن وأسألك نعيما ال ينفد وأسألك قرة عني ال تنقطع وأسألك الرضا بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد املوت وأسألك لذة النظر إىل وجهك والشوق إىل لقائك يف غري ضراء مضرة وال فتنة مضلة اللهم زينا بزي نة اإلميان واجعلنا هداة مهتدين وجاء يف أثر إسرائيلي طال شوق األبرار إىل لقائي وأنا إىل لقائهم أشوق وقد قال هللا تعاىل ^ من كان يرجو لقاء هللا فإن أجل هللا آلت ^ قال بعض العارفني ملا علم هللا شوق احملبني إىل لقائه ضرب هلم موعدا للقاء تسكن به قلوهبم وبعد فهذه اللفظة من أمساء احلب قال يف الصحاح الشوق واالشتياق نزاع النفس إىل الشيء يقال شاقين الشيء يشوقين فهو شائق وأنا مشوق وشوقين فتشوقت إذا هيج شوقك قال الراجز يا دار مية بالدكاديك الربق %سقيا لقد هيجت شوق املشتأق يريد املشتاق قال سيبويه مهز ما ليس مبهموز ضرورة فصل واختلف يف الفرق بني الشوق واالشتياق أيهما أقوى فقالت طائفة الشوق أقوى فإنه صفة الزمة واالشتياق فيه نوع افتعال كما يدل عليه بناؤه كاالكتساب وحنوه وقالت فرقة االشتياق أقوى لكثرة حروفه وكلما قوي املعىن وزاد زادوا حروفه وحكمت فرقة ثالثة بني القولني وقالت االشتياق يكون إىل غائب وأما الشوق فإنه يكون للحاضر والغائب والصواب أن يقال الشوق مصدر شاقه يشوقه إذا دعاه إىل االشتياق إليه فالشوق داعية االشتياق ومبداه واالشتياق موجبه وغايته فإنه يقال شاقين فاشتقت فاالشتياق فعل مطاوع لشاقين واختلف أرباب
الشوق هل يزول الشوق بالوصال أو يزيد فقالت طائفة يزول فإن الشوق سفر القلب إىل احملبوب فإذا وصل إليه انتهى السفر وألقت عصاها واستقر هبا النوى %كما قر عينا باإلياب املسافر قالوا وألن الشوق إمنا يكون لغائب فال معىن له مع احلضور وهلذا إمنا يقال للغائب أنا إليك مشتاق وأما من مل يزل حاضرا مع احملب فال يوصف بالشوق إليه وقالت طائفة بل يزيد بالقرب واللقاء واستدلوا بقول الشاعر وأعظم ما يكون الشوق يوما %إذا دنت اخليام من اخليام قالوا وألن الشوق هو حرقة احملبة والتهاب نارها يف قلب احملب وذلك مما يزيده القرب واملواصلة والصواب أن الشوق احلادث عند اللقاء واملواصلة غري النوع الذي كان عند الغيبة عن احملب قال ابن الرومي أعانقها والنفس بعد مشوقة %إليها وهل بعد العناق تداين وألثم فاها كي تزول صبابيت %فيشتد ما ألقى من اهليمان ومل يك مقدار الذي يب من اجلوى %ليشفيه ما ترشف الشفتان كأن فؤادي ليس يشفي غليله % سوى أن يرى الروحني متتزجان فصل وأما اخلالبة فهي احلب اخلادع وهو احلب الذي وصل إىل اخللب وهو احلجاب الذي بني القلب وسواد البطن ومسى احلب خالبة ألنه خيدع ألباب أربابه واخلالبة اخلديعة باللسان يقال خلبه خيلبه بالضم واخت لبه مثله ويف املثل إذا مل تغلب فاخلب أي فاخدع واخللبة اخلداعة من النساء قال الشاعر أودى الشباب وحب اخلالة اخللبة %وقد برئت فما بالقلب من قلبه قال ابن السكيت رجل خالب أي خداع كذاب ومنه الربق اخللب الذي ال غيث فيه كأنه خادع ومنه قيل ملن يعد وال ينجز إمن ا أنت برق خلب واخللب أيضا السحاب الذي ال مطر فيه ومنه احلديث إذا بايعت فقل ال خالبة أي ال خديعة واحلب أحق ما يسمى هبذا االسم ألنه يعمي ويصم وخيدع لب احملب وقلبه فصل وأما البالبل فجمع بلبلة يقال بالبل احلب وبالبل الشوق وهي وساوسه ومهه قال يف الصحاح البلبلة والبلبال اهلم ووسواس الصدر فصل وأما التباريح فيقال تباريح احلب وتباريح الشوق وتباريح اجلوى وبرح به احلب والشوق إذا اصابه منه الربح وهو الشدة قال يف الصحاح لقيت منه برحا بارحا أي شدة وأذى قال الشاعر أجد هذا عمرك هللا كلما %دعاك اهلوى برح لعينيك بارح ولقيت منه بنات برح وبين برح ولقيت منه الربحني والربحني بكسر الباء وضمها أي الشدائد والدواهي فصل وأما السدم بالتحريك فهو احلب الذي يتبعه ندم وحزن قال يف الصحاح السدم بالتحريك الندم واحلزن وقد سدم بالكسر ورجل نادم سادم وندمان سدمان وهو إتباع وما له هم وال سدم إال ذاك فصل وأما الغمرات فهي مجع غمرة والغمرة ما يغمر القلب من حب أو سكر أو غفلة قال هللا تعاىل ^ قتل اخلراصون الذين هم يف غمرة ساهون ^ أي يف غفلة قد غمرت قلوهبم وقال تعاىل ^ فذرهم يف غمرهتم حىت حني ^ ومنه املاء الغمر الكثري الذي يغطي من دخل فيه ومنه غمرات املوت أي شدائده وكذلك غمرات احلب وهو ما يغطي قلب احملب فيغمره ومنه قوهلم رجل غمر الرداء كناية عن السخاء ألنه يغمر العيوب أي يغطيها فال يظهر مع السخاء عيب قال كثري غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا %غلقت لضحكته رقاب املال وقال القطامي يصف سفينة نوح إىل اجلودي حىت صار حجرا %وكان لذلك الغمر احنسار أي لذلك املاء الذي غمر األرض ومن عليها فصل وأما الوهل فهو بتحريك اهلاء وأصله الفزع والروع يقال وهل يوهل وهو وهل ومستوهل قال القطامي يصف إبال
وترى جليضتهن عند رحيلنا %وهال كأن هبن جنة أولق وإمنا كان الوهل من أمساء احلب ملا فيه من الروع ومنه يقال مجال رائع فإن قيل ما سبب روعة اجلمال وألي شيء إذا رأى احملب حمبوبه فجأة يرتاع لذلك ويصفر لونه ويبهت قال الشاعر وما هو إال أن أراها فجاءة %فأهبت حىت ال أكاد أجيب وكثري من الناس يرى حمبوبه فيصفر ويرتعد قيل هذا مما خفي سببه على أكثر احملبني فال يدرون ما سببه فقيل سببه أن اجلمال سلطان على القلوب وإذا بدا راع القلوب بسلطانه كما يروعها امللك وحنوه ممن له سلطان على األبدان فسلطان اجلمال واحملبة على القلوب وسلطان امللوك على األبدان فإذا كان السلطان الذي على األبد ان يروع إذا بدا فكيف بالسلطان الذي هو أعظم منه قالوا وأيضا فإن اجلمال يأسر القلب فيحس القلب بأنه أسري وال بد لتلك الصورة اليت بدت له فريتاع كما يرتاع الرجل إذا أحس مبن يأسره وهلذا إذا أمن الناظر من ذلك مل حتصل له هذه الروعة قال الشاعر عالمة من كان اهلوى بفؤاده %إذا ما رأى حمبوبه يتغري فصل وأما الشجن فهو من أمسائه فإن الشجن احلاجة حيث كانت وحاجة احملب أشد شيء إىل حمبوبه قال الراجز إين سأبدي لك فيما أبدي %يل شجنان شجن بنجد وشجن يل ببالد السند %واجلمع شجون قال والنفس شىت شجوهنا وجيمع على أشجان قال الشاعر حتمل أصحايب ومل جيدوا وجدي %وللناس أشجان ويل شجن وحدي قد شجنتين احلاجة تشجنين شجنا إذا حبستك ووجه آخر أيضا وهو أن الشجن احلزن واجلمع أشجان وقد شجن بالكسر فهو شاجن وأشجنه غريه وشجنه أي أحزنه واحلب فيه األمران هذا وهذا فصل وأما الالعج فهو اسم فاعل من قوهلم لعجه الضرب إذا آمله وأحرق جلده قال اهلذيل ضربا أليما بسبت يلعج اجللدا %ويقال هو العج حلرقة الفؤاد من احلب فصل وأما االكتئاب فهو افتعال من الكآبة وهي سوء احلال واالنكسار من احلزن وقد كئب الرجل يكأب كأبة وكآبة كرأفة ورآفة ونشأة ونشاءة فهو كئيب وامرأة كئيبة وكأباء أيضا قال الراجز أو أن ترى كأباء مل ترب نشقي %واكتأب الرجل مثله ورماد مكتئب اللون إذا ضرب إىل السواد كما يكون وجه الكئيب والكآبة تتولد من حصول احلب وفوت احملبوب فتحدث بينهما حالة سيئة تسمى الكآبة فصل وأما الوصب فهو أمل احلب ومرضه فإن أصل الوصب املرض وقد وصب الرجل يوصب فهو وصب وأوصبه هللا فهو موصب واملوصب بالتشديد الكثري األوجاع ويف احلديث الصحيح ال يصيب املؤمن من هم وال وصب حىت الشوكة يشاكها إال كفر هللا هبا من خطاياه ووصب الشيء يصب وصوبا إذا دام تقول وصب الرجل على األمر إ ذا داوم عليه قال هللا تعاىل ^ وهلم عذاب واصب ^ وقال تعاىل ^ وله الدين واصبا ^ أي الطاعة دائمة فصل وأما احلزن فقد عد من أمساء احملبة والصواب أنه ليس من أمسائها وإمنا هو حالة حتدث للمحب وهي ورود املكروه عليه وهو خالف املسرة وملا كان احلب ال خيلو من ورود ماال يسر على قلب احملب كان احلزن من لوازمه ويف احلديث الصحيح أن النيب كان يقول اللهم إين أعوذ بك من اهلم واحلزن والعجز والكسل واجلنب والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال فاستعاذ من مثانية أشياء كل شيئني منهما قرينان فاهلم واحلزن قرينان فإن ورود املكروه على القلب إ نكان ملا مضى فهو احلزن وإن كان ملا يستقبل فهو اهلم والعجز والكسل قرينان فإن ختلف العبد عن كماله إن كان من عدم
القدرة فهو العجز وإن كان من عدم اإلرادة فهو الكسل واجلنب والبخل قرينان فإن الرجل يراد منه النفع مباله أو ببدنه فاجلبان ال ينفع ببدنه والبخيل ال ينفع مباله وضلع الدين وغلبة الرجال قرينان فإن قهر الناس نوعان نوع حبق فهو ضلع الدين ونوع بباطل فهو غلبة الرجال وقد نفى هللا سبحانه وتعاىل عن أهل اجلنة اخلوف واحلزن فال حيزنون على ما مضى وال خيافون مما يأيت وال يطيب العيش إال بذلك واحلب يلزمه اخلوف واحلزن فصل وأما الكمد فمن أحكام احملبة يف احلقيقة وليس من أمسائها ولكن املتكلمون يف هذا الباب ال يفرقون بني اسم الشيء والزمه وحكمه والكمد احلزن املكتوم تقول منه كمد الرجل فهو كمد وكميد والكمدة تغري اللون وأكمد القصار الثوب إذا مل ينقه فصل وأما اللذع فهو من أحكام احملبة أيضا وأصله من لذع النار يقال لذعته النار لذعا أحرقته مث شبهوا لذع اللسان بلذع النار فقالوا لذعه بلسانه أي أحرقه بكالمه يقال أعوذ باهلل من لواذعه فصل وأما احلرق فهي أيضا من عوارض احلب وآثاره واحلرقة تكون من احلب تارة ومنه قوهلم مالك حرقة على هذا األمر وتكون من الغيظ ومنه يف احلديث تركتهم يتحرقون عليكم فصل وأما السهد فهو أيضا من آثار احملبة ولوازمها فالسهاد األرق وقد سهد الرجل بالكسر يسهد سهدا والسهد بضم السني واهلاء القليل النوم قال أبو كبري اهلذيل فأتت به حوش اجلنان مبطنا %سهدا إذا ما نام ليل اهلوجل وسهدته أنا فهو مسهد %فصل وأما األرق فهو أيضا من آثار احملبة ولوازمها فإنه السهر وقد أرقت بالكسر أي سهرت وكذلك ائرتقت على افتعلت فأنا أرق وأرقين كذا تأريقا أي سهرين فصل وأما اللهف فمن أحكامها وآثارها أيضا يقال هلف بالكسر يلهف هلفا أي حزن وحتس ر وكذلك التلهف على الشيء وقوهلم يا هلف فالن كلمة يتحسر هبا على ما فات واللهفان املتحسر واللهيف املضطر فصل وأما احلنني فقال يف الصحاح احلنني الشوق وتوقان النفس تقول منه حن إليه حين حنينا فهو حان واحلنان الرمحة تقول منه حن عليه حين حنانا ومنه قوله تعاىل ^ وحنانا من لدنا ^ وحتنن عيه ترحم والعرب تقول حنانك يا رب وحنانيك مبعىن واحد أي رمحتك قال امرؤ القيس ومينحها بنو مشجى بن جرم %معيزهم حنانك ذا احلنان وقال طرفة أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا %حنانيك بعض الشر أهون من بعض ويف احلقيقة احلنني من آثار احلب وموجباته وحنني الناقة صوهتا يف نزاعها إىل ولدها وحنة الرجل امرأته قال وليلة ذات دجى سريت %ومل تضرين حنة وبيت قلت مسيت حنة ألن الرجل حين إليها أين كان فصل وأما االستكانة فهي أيضا من لوازم احلب وأحكامه ال من أمسائه املختصة به وأصلها اخلضوع قال هللا ت عاىل ^ فما استكانوا لرهبم وما يتضرعون ^ وقال تعاىل ^ فما وهنوا ملا أصاهبم يف سبيل هللا وما ضعفوا وما استكانوا ^ وأصلها استفعل من الكون وهذا االشتقاق والتصريف يطابق اللفظ وأما املعىن فاملستكن ساكن خاشع ضد الطائش ولكن ال يوافق السكون تصريف اللفظة فإنه إن كان افتعل كان ينبغي أن يقال استكن ألنه ليس يف كالمهم افتعال واحلق أنه استفعل من الكون فنقلوا حركة الواو إىل الكاف قبلها فتحركت الواو أصال وانفتح ما قبلها تقديرا فقلبت ألفا كاستقام والكون احلالة اليت فيها إنابة وذل وخضوع وهذا حيمد إذا كان هلل ويذم إذا كان لغريه ومنه احلديث أعوذ بك من احلور بعد الكور أي الرجوع عن االستقامة بعد ما كنت عليها فصل وأما التبالة فهي فعالة
من تبله إذا أفناه قال اجلوهري تبلهم الدهر وأتبلهم إذا أفناهم قال األعشى أأن رأت رجال أعشى أضر به %ريب الزمان ودهر متبل خبل أي يذهب باألهل والول د وتبله احلب أي أسقمه وأفسده قلت ومنه قول كعب بن زهري بن أيب سلمى بانت سعاد فقليب اليوم متبول %متيم عندها مل يفد مكبول فصل وأما اللوعة فقال يف الصحاح لوعة احلب حرقته وقد العه احلب يلوعه والتاع فؤاده أي احرتق من الشوق ومنه قوهلم أتان العة الفؤاد إىل جحشها قال األصمعي أي الئعة الفؤاد وهي اليت كأهنا وهلى من الفزع فصل وأما الفتون فهو مصدر فتنه يفتنه فتونا قال هللا تعاىل وفتناك فتونا أي امتحناك واختربناك والفتنة يقال على ثالثة معان أحدها االمتحان واالختبار ومنه قوله تعاىل ^ إن هي إال فتنتك ^ أي امتحانك واختبارك والثاين االفتتان نفسه يقال هذه فتنة فالن أي افتتانه ومنه قوله تعاىل ^ واتقوا فتنة ال تصينب الذين ظلموا منكم خاصة ^ يقال أصابته الفتنة وفتنته الدنيا وفتنته املرأة وأفتنته قال األعشى لئن فتنتين وهلى باألمس أفتنت %سعيدا فأضحى قد قلى كل مسلم وأنكر األصمعي أفتنته والثالث املفتون به نفسه يسمى فتنة قال هللا تعاىل ^ إمنا أموالكم وأوالدكم فتنة ^ وأما قوله تعاىل ^ مث مل تكن فتنتهم إال أن قالوا وهللا ربنا ما كنا مشركني ^ أي مل تكن عاقبة شركهم إال أن تربأوا منه وأنكروه وأما قوله تعاىل ^ يوم هم على النار ^ ^ يفتنون ذوقوا فتنتكم ^ فقيل املعىن حيرقون ومنه فتنت الذهب إذا أدخلته النار لتنظر ما جودته ودينار مفتون قال اخلليل والفنت اإلحراق قال هللا تعاىل ^ يوم هم على النار يفتنون ^ وورق فتني أي فضة حمرقة وافتنت الرجل وفنت إذا اصابته فتنة فذهب ماله أو عقله وفتنته املرأة إذا وهلته وقوله تعاىل ^ فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنني إال من هو صال اجلحيم ^ أي ال تفتنون على عبادته إال من سبق يف علم هللا أنه يصلى اجلحيم فذلك الذي يفنت بفتنتكم إياه وأما قوله تعاىل ^ فستبصر ويبصرون بأيكم املفتون ^ فقيل الباء زائدة وقيل املفتون مصدر كاملعقول وامليسور واحمللوف واملعسور والصواب أن يبصر مضمن معىن يشعر ويعلم قال هللا تعاىل أومل يروا أن هللا الذي خلق السموات واألرض ومل يعي خبلقهن بقادر فعدى فعل الرؤية بالباء ويف احلديث املؤمن أخو املؤمن يسعهما املاء والشجر ويتعاونان على الفتان ي روى بفتح الفاء وهو واحد وبضمها وهو مجع فاتن كتاجر وجتار واملقصود أن احلب موضع الفتون فما فنت من فنت إال باحملبة فصل وأما اجلنون فمن احلب ما يكون جنونا ومنه قوله قالت جننت مبن هتوى فقلت هلا %ألعشق أعظم مما باجملانني العشق ال يستفيق الدهر صاحبه %وإمنا يصرع اجملنون يف احلني وأصل املادة من السرت يف مجيع تصاريفها ومنه أجنه الليل وجن عليه إذا سرته ومنه اجلنني الستتاره يف بطن أمه ومنه اجلنة الستتارها باألشجار ومنه اجملن الستتار الضارب به واملضروب ومنه اجلن الستتارهم عن العيون خبالف اإلنس فإهنم يؤنسون أي ي رون ومنه اجلنة بالضم وهي ما استرتت به واتقيت ومنه قوله تعاىل ^ اختذوا أمياهنم جنة ^ وأجننت امليت واريته يف القرب فهو جنني واحلب املفرط يسرت العقل فال يعقل احملب ما ينفعه ويضره فهو شعبة من اجلنون فصل وأما اللمم فهو طرف من اجلنون ورجل ملموم أي به ملم ويقال أيضا أصابت فالنا من اجلن ملة وهو املس والشيء القليل قاله اجلوهري قلت وأصل اللفظة من املقاربة ومنه قوله تعاىل ^ الذين جيتنبون كبائر اإلمث والفواحش إال اللمم ^ وهي
الصغائر قال ابن عباس رضي هللا عنهما ما رأيت أشبه باللمم مما قال أبو هريرة رضي هللا عنه إن العني تزين وزناها النظر واليد تزين وزناها البطش والرجل تزين وزناها املشي والفم يزين وزناه القبل ومنه أمل بكذا أي قاربه ودنا منه وغالم ملم أي قارب البلوغ ويف احلديث إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم أي يقرب من ذلك وباجلملة فال يستبني كون اللمم من أمساء احل ب وإن كان قد ذكره مجاعة إال أن يقال إن احملبوب قد أمل بقلب احملب أي نزل به ومنه أملم بنا أي انزل بنا ومنه قوله مىت تأتنا تلمم بنا يف ديارنا %جتد حطبا جزال ونارا تأججا فصل وأما اخلبل فمن موجبات العشق وآثاره ال من أمسائه وإن ذكر من أمسائه فإن أصله الفسا د ومجعه خبول واخلبل بالتحريك اجلن يقال به خبل أي شيء من أهل األرض وقد خبله وخبله واختبله إذا أفسد عقله أو عضوه ورجل خمبل وهو نوع من اجلنون والفساد فصل وأما الرسيس فقد كثر يف كالمهم رسيس اهلوى والشوق ورسيس احلب فظن من أدخله يف أماء احلب أنه منها وليس كذلك بل الرسيس الشيء الثابت فرسيس احلب ثباته ودوامه وميكن أن يكون من رس احلمى ورسيسها وهو أول مسها فشبهوا رسيس احلب حبرارته وحرقته برسيس احلمى وكان الواجب على هؤالء أن جيعلوا األوار من أمساء احلب ألنه يضاف إليه قال الشاعر إذا وجدت أوار احلب يف كبدي %أقبلت حنو سقاء القوم أبرتد هبين بردت بربد املاء ظاهره %فمن لنار على األحشاء تتقد وقد وقع إضافة الرسيس إىل اهلوى يف شعر ذي الرمة حيث يقول إذا غري النأي احملبني مل يكد % رسيس اهلوى من حب مية يربح وفيه إشكال حنوي ليس هذا موضعه فصل وأما الداء املخامر فهو من أوصافه ومسي خمامرا ملخالطته القلب والروح يقال خامره قال اجلوهري واملخامرة املخالطة وخامر الرجل املكان إذا لزمه وقد يكون أخذ من قوهلم استخمر فالن فالنا إذا استعبده وكأن العشق داء مستعبد للعاشق ومنه حديث معاذ من استخمر قوما أي أخذهم قهرا ومتلك عليهم فاحلب داء خمالط مستعبد فصل وأما الود فهو خالص احلب وألطفه وأرقه وهو من احلب مبنزلة الرأفة من الرمحة قال اجلوهري وددت الرجل أوده ودا إذا أحببته والود والود والود املودة تقول بودي أن يكون كذا وأما قول الشاعر أيها العائد املسائل عنا %وبوديك أن ترى أكفاين فإمنا أشبع كسرة الدال ليستقيم له البيت فصارت ياء والود الوديد مبعىن املودود واجلمع أود مثل قدح وأقدح وذئب وأذؤب ومها يتوادان وهم أوداء والودود احملب ورجال ودداء يستوي فيه املذكر واملؤنث لكونه وصفا داخال على وصف للمبالغة قلت الودود من صفات هللا سبحانه وتعاىل أصله من املودة واختلف فيه على قولني فقيل هو ودود مبعىن واد كضروب مبعىن ضارب وقتول مبعىن قاتل ونؤوم مبعىن نائم ويشهد هلذا القول أن فعوال يف صفات هللا سبحانه وتعاىل فاعل كغفور مبعىن غافر وشكور مبعىن شاكر وصبور مبعىن صابر وقيل بل هو مبعىن مودود وهو احلبيب وبذل ك فسره البخاري يف صحيحه فقال الودود احلبيب واألول أظهر القرتانه بالغفور يف قوله ^ وهو الغفور الودود ^ وبالرحيم يف قوله ^ إن ريب رحيم ودود ^ وفيه سر لطيف وهو أنه حيب التوابني وأنه حيب عبده بعد املغفرة فيغفر له وحيبه كما قال ^ إن هللا حيب التوابني وحيب املتطهرين ^ فالتائب حبيب هللا فالود أصفى احلب وألطفه فصل وأما اخللة فتوحيد احملبة فاخلليل هو الذي توحد حبه حملبوبه وهي رتبة ال تقبل املشاركة وهلذا اختص هبا يف العامل اخلليالن إبراهيم
وحممد صلوات هللا وسالمه عليهما كما قال هللا تعاىل ^ واختذ هللا إبراهيم خليال ^ وصح عن النيب أنه قال إن هللا اختذين خليال كما اختذ إبراهيم خليال ويف الصحيح عنه لو كنت متخذا من أهل األرض خليال الختذت أبا بكر خليال ولكن صاحبكم خليل الرمحن ويف الصحيح أيضا إين أبرأ إىل كل خليل من خلته وملا كانت اخللة مرتبة ال تقبل املشاركة امتحن هللا سبحانه إبراهيم اخلليل بذبح ولده ملا أخذ شعبة من قلبه فأراد سبحانه أن خيلص تلك الشعبة له وال تكون لغريه فامتحنه بذبح ولده واملراد ذحبه من قلبه ال ذحبه باملدية فلما أسلما ألمر هللا وقدم حمبة هللا تعاىل على حمبة الولد خلص مقام اخللة وفدى الولد بالذبح وقيل إمنا مسيت خلة لتخلل احملبة مجيع أجزاء الروح قال قد ختللت مسلك الروح مين %وبذا مسي اخلليل خليال واخللة اخلليل يستوي فيه املذكر واملؤنث ألنه يف األصل مصدر قولك خليل بني اخللة واخللولة قال أال أبلغا خليت جابرا %بأن خليلك مل يقتل وجيمع على خالل مثل قلة وقالل واخلل الود والصديق واخلالل أيضا مصدر مبعىن اخلالة ومنه قوله تعاىل ^ ال بيع فيه وال خالل ^ وقال يف اآلية األخرى ^ ال بيع فيه وال خلة ^ قال امرؤ القيس ولست مبقلي اخلالل وال قايل %واخلليل الصديق واألنثى خليلة واخلاللة واخلاللة واخلاللة بكسر اخلاء وفتحها وضمها الصداقة واملودة قال وكيف تواصل من أصبحت %خاللته كأيب مرحب وقد ظن بعض من ال علم عنده أن احلبيب أفضل من اخلليل وقال حممد حبيب هللا وإبراهيم خليل هللا وهذا باطل من وجوه كثرية منها إن اخللة خاصة واحملبة عامة فإن هللا حيب التوابني وحيب املتطهرين وقال يف عباده املؤمنني ^ حيبهم وحيبونه ^ ومنها أن النيب نفى أن يكون له من أهل األرض خليل وأخرب أن أحب النساء إليه عائشة ومن الرجال أبوها ومنها أنه قال إن هللا اختذين وخليال كما اختذ إبراهيم خليال ومنها أنه قال لو كنت متخذا من أهل األرض خليال الختذت أبا بكر خليال ولكن أخوة اإلسالم ومودته فصل وأما اخللم فهو مأخوذ من املخاملة وهي املصادقة واملودة واخللم الصديق واألخالم األصحاب قال الكميت إذا ابتسر احلرب أخالمها %كشافا وهيجت األفحل فصل وأما الغرام فهو احلب الالزم يقال رجل مغرم باحلب أي قد لزمه احلب وأصل املادة من اللزوم ومنه قوهلم رجل مغرم من الغرم أو الدين قال يف الصحاح والغرام الولوع وقد أغرم بالشيء أي أولع به والغرمي الذي عليه الدين يقال خذ من غرمي السوء ما سنح ويكون الغرمي أيضا الذي له الدين قال كثري عزة قضى كل ذي دين فوىف غرميه %وعزة ممطول معىن غرميها ومن املادة قوله تعاىل يف جهنم ^ إن عذاهبا كان غراما ^ والغرام الشعر ! الدائم الالزم والعذاب قال بشر ويوم النسار ويوم اجلفا %ركانا عذابا وكانا غراما وقال األعشى إن يعاقب يكن غراما وإن يع %ط جزيال فإنه ال يبايل وقال أبو عبيدة إن عذاهبا كان غراما كان هالكا ولزاما هلم وللطف احملبة عندهم واستعذاهبم هلا مل يكادوا يطلقون عليها لفظ الغرام وإن هلج به املتأخرون فصل وأما اهليام قال يف الصحاح هام على وجهه يهيم هيما وهيمانا ذهب من العشق أو غريه وقلب مستهام أي هائم واهليام بالضم أشد العطش واهليام كاجلنون من العشق واهليام داء يأخذ اإلبل فتهيم ال ترعى يقال ناقة هيماء قال واهليام بالكسر اإلبل العطاش الواحد هيمان وناقة هيمى
مثل عطشان وعطشى وقوم هيم أي عطاش وقد هاموا هياما وقوله تعاىل ^ فشاربون شرب اهليم ^ هي اإلبل العطاش قلت مجع أهيم هيم مثل أمحر ومحر وهو مجع فعالء أيضا كصفراء وصفر فصل وأما التدليه ففي الصحاح التدليه ذهاب العقل من اهلوى يقال دهله احلب أي حريه وأدهشه ودله هو يدله قال أبو زيد الدلوه الناقة ال تكاد حتن إىل إلف وال ولد وقد دهلت عن إلفها وعن ولدها تدله دلوها فصل وأما الوله فقال يف الصحاح الوله ذهاب العقل والتحري من شدة الوجد ورجل واله وامرأة واله وواهلة قال األعشى فأقبلت واهلا ثكلى على عجل %كل دهاها وكل عندها اجتمعا وقد وله يوله وهلا ووهلانا وتوله واتله وهو افتعل أدغم قال الشاعر واتله الغيور %والتوليه أن يفرق بني األم وولدها ويف احلديث ال توله والدة بولدها أي ال جتعل واهلا وذلك يف السبايا وناقة واله إذااشتد وجدها على ولدها واملياله اليت من عادهتا أن يشتد وجدها على ولدها صارت الواو يا لكسرة ما قبلها وماء موله وموله أرسل يف الصحراء فذهب وقول رؤبة به متطت غول كل ميلة %بنا حراجيج املهارى النفة أراد البالد اليت توله اإلنسان أي حتريه فصل وأما التعبد فهو غاية احلب وغاية الذل يقال عبده احلب أي ذهلل وطريق معبد باألقدام أي مذلل وكذلك احملب قد ذهلل احلب ووطأه وال تصلح هذه املرتبة ألحد غري هللا عز وجل وال يغفر هللا سبحانه ملن أشرك به يف عبادته ويغفر ما دون ذلك ملن شاء فمحبة العبودية هي أشرف أنواع احملبة وهي خالص حق هللا على عباده ويف الصحيح عن معاذ أنه قال كنت سائرا مع رسول هللا فقال يا معاذ فقلت لبيك يا رسول هللا وسعديك قال مث سار ساعة مث قال يا معاذ قلت لبيك رسول هللا وسعديك مث سار ساعة فقال يا معاذ قلت لبيك رسول هللا وسعديك قال أتدري ما حق هللا على عباده قلت هللا ورسوله أعلم قال حقه عليهم أن يعبدوه ال يشركوا به شيئا أتدري ما حق العباد على هللا إذا فعلوا ذلك أن ال يعذهبم بالنار وقد ذكر هللا سبحانه رسوله بالعبودية يف أشرف مقاماته وهي مقام التحدي ومقام اإلسراء ومقام الدعوة فقال يف التحدي ^ وإن كنتم يف ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ^ وقال يف مقام اإلسراء سبحان الذي أسرى بعيده ليال من املسجد احلرام وقال يف مقام الدعوة وأنه ملا قام عبدهللا يدعوه وإذا تدافع أولو العزم الشفاع ة الكربى يوم القيامة يقول املسيح هلم اذهبوا إىل حممد عبد غفر هللا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فنال ذلك املقام بكمال العبودية هلل وكمال مغفرة هللا له فأشرف صفات العبد صفة العبودية وأحب أمسائه إىل هللا اسم العبودية كما ثبت عن النيب أنه قال أحب األمساء إىل هللا عبدهللا وعبدالرمحن وأصدقها حارث ومهام وأقبحها حرب ومرة وإمنا كان حارث ومهام أصدقها ألن كل أحد ال بد له من هم وإرادة وعزم ينشأ عنه حرثه وفعله وكل أحد حارث ومهام وإمنا كان أقبحها حرب ومرة ملا يف مسمى هذين اإلمسني من الكراهة ونفور العقل عنهما وباهلل التوفيق الباب الثالث يف نسبة هذه األمساء بعضها إىل بعض هل هي بالرتادف أو
التباين فاألمساء الدالة على مسمى واحد نوعان أحدمها أن يدل عليه باعتبار الذات فقط فهذا النوع هو املرتادف ترادفا حمضا وهذا كاحلنطة والقمح والرب واإلسم والكنية واللقب إذا مل يكن فيه مدح وال ذم وإمنا أيت به جملرد التعريف والنوع الثاين أن يدل على ذات واحده باعتبار تباين صفاهتا كأمساء الرب تعاىل وأمساء كالمه وأمساء نبيه وأمساء اليوم اآلخر فهذا النوع مرتادف بالنسبة إىل الذات متباين بالنسبة إىل الصفات فالرب والرمحن والعزيز والقدير وامللك يدل على ذات واحدة باعتبار صفات متعددة وكذلك البشري والنذير احلاشر والعاقب واملاحي وكذلك يوم القيامة ويوم البعث ويوم اجلمع ويوم التغابن ويوم اآلزفة وحنوها وكذلك القرآن والفرقان والكتاب واهلدى وحنوها وكذلك أمساء السيف فإن تعددها حبسب أوصاف وإضافات خمتلفة كاملهند والعضب الصارم وحنوها وقد عرفت تباين األوصاف يف أمساء احملبة وقد أنكر كثري من الناس الرتادف يف اللغة وكأهنم أرادوا هذا املعىن وأنه ما من إمسني ملسمى واحد إال وبينهما فرق يف صفة أو نسبة أو إضافة سواء علمت لنا أو مل تعلم وهذا الذي قالوه صحيح باعتبار الواضع الواحد ولكن قد يقع الرتادف باعتبار واضعني خمتلفني بسمى أحدمها املسمى باسم ويسميه الواضع اآلخر باسم غريه ويشتهر الوضعان عند القبيلة الواحدة وهذا كثري ومن ههنا يقع االشرتاك أيضا فاألصل يف اللغة هو التباين وهو أكثر اللغة وهللا أعلم الباب الرابع يف أن العامل العلوي والسفلي إمنا وجد باحملبة وألجلها وأن حركات األفالك والشمس والقمر والنجوم وحركات املالئكة واحليوانات وحركة كل متحرك إمنا وجدت بسبب احلب وهذا باب شريف من أشرف أبواب الكتاب وقبل تقريره ال بد من بيان مقدمة وهي أن احلركات ثالث حركة إرادية وحركة طبيع ية وحركة قسرية وبيان احلصر أن مبدأ احلركة إما أن يكون من املتحرك أو من غريه فإن كان من املتحرك فإما أن يقارهنا شعوره وعلمه هبا أوال فإن قارهنا الشعور والعلم فهي اإلرادية وإن مل يقارهنا الشعور والعلم فهي الطبيعية وإن كانت من غريه فهي القسرية وإن شئت أن تقول املتحرك إما أن يتحرك بإرادته أو ال فإن حترك بإرادته فحركته إرادية وإن حترك بغري إرادته فإما أن تكون حركته إىل حنو مركزه أوال فإن حترك إىل جهة مركزه فحركته طبيعية وإن حترك إىل غري جهة مركزه فحركته قسرية إذا ثبت هذا فاحلركة اإلرادية تابعة إلرادة املتحرك واملراد إما أن يكون مرادا لنفسه أو لغريه وال بد أن ينتهي املراد لغريه إىل مراد لنفسه دفعا للدور والتسلسل اإلرادة إما أن تكون جللب منفعة ولذة إما للمتحرك وإما لغريه أو دفع أمل ومضرة إما عن املتحرك أو عن غريه والعاقل ال جيلب لغريه منفعة وال يدفع عنه مضرة إال ملا له يف ذلك من اللذة ودفع األمل فصارت حركته اإلرادية تابعة حملبته بل هذا حكم كل حي متحرك وأما احلركة الطبيعية فهي حركة الشيء إىل مستقره ومركزه وتلك تابعة للحركة اليت اقتضت خروجه عن مركزه وهي القسرية اليت إمنا تكون بقسر قاسر أخرجه عن مركزه إما باختياره كحركة احلجر إىل اسفل إذا رمى به إىل جهة فوق وإما بغري اختيار حمركه كتحريك الرياح لألجسام إىل جهة مهاهبا وهذه احلركة تابعة للقاسر وحركة القاسر ليست منه بل مبدؤها من غريه فإن املالئكة موكلة بالعامل العلوي والسفلي تدبره بأمر هللا عز وجل كما قال هللا تعاىل ^ فا ملدبرات أمرا ^ وقال فاملقسمات أمر وقال تعاىل ^ واملرسالت عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فامللقيات ذكرا ^ وقال ^ والنازعات غرقا والناشطات نشطا والساحبات سبحا فالسابقات سبقا فاملدبرات أمرا ^ وقد
وكل هللا سبحانه باألفالك والشمس والقمر مالئك ة حتركها ووكل بالرياح مالئكة تصرفها بأمره وهم خزنتها قال هللا تعاىل ^ وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ^ وقال غري واحد من السلف عتت على اخلزان فلم يقدروا على ضبطها ذكره البخاري يف صحيحه ووكل بالقطر مالئكة وبالسحاب مالئكة تسوقه إىل حيث أمرت به وقد ثيت يف الصحيح عن النيب أنه قال بينا رجل بفالة من األرض إذ مسع صوتا يف سحابة يقول اسق حديقة فالن فتتبع السحابة حىت انتهت إىل حديقة فأفرغت ماءها فيها فنظر فإذا رجل يف احلديقة حيول املاء مبسحاة فقال له ما امسك يا عبدهللا فقال فالن اإلسم الذي مسعه يف السحابة فقال إين مس عت قائال يقول يف هذه السحابة اسق حديقة فالن فما تصنع يف هذه احلديقة فقال إىن أنظر ما خيرج منها فأجعله ثالثة أثالث ثلث أتصدق به وثلث انفقه على عيايل وثلث أرده فيها ووكل هللا سبحانه باجلبال مالئكة وثبت عن النيب أنه جاءه ملك اجلبال يسلم عليه ويستأذنه يف هال ك قومه إن أحب فقال بل أستأين هلم لعل هللا أن خيرج من أصالهبم من يعبد هللا ال يشرك به شيئا ووكل بالرحم ملكا يقول يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مضغة يا رب ذكر أم أنثى فما الرزق فم األجل وشقي أم سعيد ووكل بكل عبد أربعة من املالئكة يف هذه الدنيا حافظان عن ميينه وعن مشاله يكتبان أعماله ومعقبات من بني يديه ومن خلفه أقلهم اثنان حيفظونه من أمر هللا ووكل باملوت مالئكة ووكل مبساءلة املوتى مالئكة يف القبور ووكل بالرمحة مالئكة وبالعذاب مالئكة وباملؤمن مالئكة يثبتونه ويؤزونه إىل الطاعات أزا ووكل بالنار مالئكة يبنوهنا ويوق دوهنا ويصنعون أغالهلا وسالسلها ويقومون بإمرها ووكل باجلنة مالئكة يبنوهنا ويفرشوهنا ويصنعون أرائكها وسررها وصحافها ومنارقها وزرابيها فأمر العامل العلوي والسفلي واجلنة والنار بتدبري املالئكة بإذن رهبم تبارك وتعاىل وأمره ^ ال يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ^ و ^ ال يعصون هللا ما أمرهم ^ ^ ويفعلون ما يؤمرون ^ فأخرب أهنم ال يعصونه يف أمره وأهنم قادرون على تنفيذ أوامره ليس هبم عجز عنها خبالف من يرتك ما أمر به عجزا فال يعصى هللا ما أمره وإن مل يفعل ما أمره به وكذلك البحار قد وكلت هبا مالئكة تسجرها ومتنعها أن تفي ض على األرض فتغرق أهلها وكذلك أعمال بين آدم خريها وشرها قد وكلت هبا مالئكة حتصيها وحتفظها وتكتبها وهلذا كان اإلميان باملالئكة أحد أركان اإلميان الذي ال يتم إال به وهي مخس اإلميان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وإذا عرف ذلك عرف أن كل حركة يف العا مل فسببها املالئكة وحركتهم طاعة هللا بأمره وإرادته فريجع األمر كله إىل تنفيذ مراد الرب تعاىل شرعا وقدرا واملالئكة هم املنفذون ذلك بأمره ولذلك مسوا مالئكة من األلوكة وهي الرسالة فهم رسل هللا يف تنفيذ أوامره واملقصود أن حركات األفالك وما حوته تابعة للحركة اإلرادية املستلزمة للمحبة فاحملبة واإلرادة أصل كل فعل ومبداه فال يكون الفعل إال عن حمبة وإرادة حىت دفعه لألمور اليت يبغضها ويكرهها فإمنا يدفعها بإرادته وحمبته ألضدادها واللذة اليت جيدها بالدفع كما يقال شفى غيظه وشفى صدره والشفاء والعافية يكون للمحبوب وإن كان كريها مثل شرب الدواء الذي يدفع به أمل املرض فإنه وإن كان مكروها من وجه فهو حمبوب ملا فيه من زوال املكروه وحصول احملبوب وكذلك فعل األشياء املخالفة للهوى فإهنا وإن كانت مكروهة فإمنا تفعل حملبة وإرادة وإن مل تكن حمبوبة لنفسها فإهنا
مستلزمة للمحبوب لنفسه فال يرتك احلي ما حيبه ويهواه إال ملا حيبه ويهواه ولكن يرتك أضعفهما حمبة ألقوامها حمبة ولذلك كانت احملبة واإلرادة أصال للبغض والكراهة فإن البغيض املكروه ينايف وجود احملبوب والفعل إما أن يتناول وجود احملبوب أو دفع املكروه املستلزم لوجود احملبوب فعاد الفعل كله إىل وجود احملبوب واحلركة االختيارية أصلها اإلرادة والقسرية والطبيعية تابعتان هلا فعاد األمر إىل احلركة اإلرادية فجميع حركات العامل العلوي والسفلي تابعة لإلرادة واحملبة وهبا حترك العامل وألجلها فهي العلة الفاعلية والغائية بل هي اليت هبا وألجلها وجد العامل فما حترك يف العامل العلوي والسفلي حركة إال واإلرادة واحملبة سببها وغايتها بل حقيقة احملبة حركة نفس احملب إىل حمبوبه فاحملبة حركة بال سكون وكمال احملبة هو العبودية والذل واخلضوع والطاعة للمحبوب وهو احلق الذي به وله خلقت السموات واألرض والدنيا واآلخرة قا ل تعاىل وما خلقنا السموات واألرض وما بينهما إال باحلق وقال هللا تعاىل ^ وما خلقنا السماء واألرض وما بينهما باطال ^ وقال تعاىل ^ أفحسبتم أمنا خلقناكم عبثا ^ واحلق الذي خلق به وألجله اخللق هو عبادة هللا وحده اليت هي كمال حمبته واخلضوع والذل له ولوازم عبوديته من األمر والنهى والثواب والعقاب وألجل ذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب وخلق اجلنة والنار والسموات واألرض إمنا قامت بالعدل الذي هو صراط هللا الذي هو عليه وهو أحب األشياء إىل هللا تعاىل قال هللا تعاىل حاكيا عن نبيه شعيب عليه السالم ^ إين توكلت على هللا ريب وربكم ما من دابة إال هو آخذ بناصيتها إن ريب على صراط مستقيم ^ فهو على صراط مستقيم يف شرعه وقدره وهو العدل الذي به ظهر اخللق واألمر والثواب والعقاب وهو احلق الذي به وله خلقت السموات واألرض وما بينهما وهلذا قال املؤمنون يف عبادهتم ^ ربنا ما خلقت هذا باطال سبح انك ^ فنزهوا رهبم سبحانه أن يكون خلق السموات عبثا لغري حكمة وال غاية حممودة وهو سبحانه حيمد هلذه الغايات احملمودة كما حيمد لذاته وأوصافه فالغايات احملمودة يف أفعاله هي احلكمة اليت حيبها ويرضاها وخلق ما يكره الستلزامه ما حيبه وترتب احملبوب له عليه ولذلك يرتك سبحانه فعل بعض ما حيبه ملا يرتتب عليه من فوات حمبوب له أعظم منه أو حصول مكروه أكره إليه من ذلك احملبوب وهذا كما ثبط قلوب أعدائه عن األميان به وطاعته ألنه يكره طاعاهتم ويفوت هبا ما هو أحب إليه منها من جهادهم وما يرتتب عليه من املواالة فيه واملعاداة وبذل أ وليائه نفوسهم فيه وإيثار حمبته ورضاه على نفوسهم وألجل هذا حلق املوت واحلياة وجعل ما على األرض زينة هلا قال تعاىل ^ الذي خلق املوت واحلياة ليبلوكم أيكم أحسن عمال ^ وقال ^ إنا جعلنا ما على األرض زينة هلا لنبلوهم أيهم أحسن عمال ^ وقال تعاىل وهو الذي خلق ال سموات واألرض يف ستة أيام وكان عرشه على املاء لبلوكم أيكم أحسن عمال فأخرب سبحانه عن خلق العامل واملوت واحلياة وتزيني األرض مبا عليها أنه لالبتالء واالمتحان ليخترب خلقه أيهم أحسن عمال فيكون عمله موافقا حملاب الرب تعاىل فيوافق الغاية اليت خلق هو هلا وخلق ألجلها العامل وهي عبوديته املتضمنة حملبته وطاعته وهي العمل األحسن وهو مواقع حمبته ورضاه وقدر سبحانه مقادير ختالفها حبكمته يف تقديرها وامتحن خلقه بني أمره وقدره ليبلوهم أيهم أحسن عمال فانقسم اخللق يف هذااالبتالء فريقني فريقا داروا مع أوامره وحمابه ووقفوا حيث وقف هبم األمر وحتركوا حيث حركهم األمر واستعملوا األمر يف القدر وركبو سفينة األمر يف حبر القدر وحكموا األمر على
القدر ونازعوا القدر بالقدر امتثاال ألمره واتباعا ملرضاته فهؤالء هم الناجون والفريق الثاين عارضوا بني األمر والقدر وبني ما حيبه ويرضاه وبني ما قدره وقضاه مث افرتقوا أربع فرق فرقة كذبت بالقدر حمافظة على األمر فأبطلت األمر من حيث حافظت على القدر فإن اإلميان بالقدر أصل اإلميان باألمر وهو نظام التوحيد فمن كذب بالقدر نقض تكذيبه إميانه وفرقة ردت األمر بالقدر وهؤالء من أكفر اخللق وهم الذين حكى هللا قوهلم يف القرآن إذ قالوا ^ لو شاء هللا ما أشركنا وال آباؤنا وال حرمنا ^ من شيء وقالوا أيضا ^ لو شاء هللا ما عبدنا من دونه من شيء حنن وال آباؤنا وال حرمنا من دونه من شيء ^ وقالوا ايضا ^ لو شاء الرمحن ما عبدناهم ^ وقالوا أيضا ^ أنطعم من لو يشاء هللا أطعمه ^ فجعلهم هللا سبحانه وتعاىل بذلك مكذبني خارصني ليس هلم علم وأخرب أهنم يف ضالل مبني وفرقة دارت مع القدر فسارت بسريه ونزلت بنزوله ودانت به ومل تبال وافق األمر أو خالفه بل دينها القدر فاحلالل ما حل بيدها قدرا واحلرام ما حرمته قدرا وهم مع من غلب قدرا من مس لم أو كافر برا كان أو فاجرا وخواص هؤالء وعبادهم ملا شهدوا احلقيقة الكونية القدرية صاروا مع الكفار املسلطني بالقدر وهم خفراؤهم فهؤالء أيضا كفار وفرقة وقفت مع القدر مع اعرتافها بأنه خالف األمر ومل تدن به ولكنها اسرتسلت معه ومل حتكم عليه األمر وعجزت عن دفع القدر بالقدر اتباعا لألمر فهؤالء مفرطون وهم بني عاجز وعاص هلل وهؤالء الفرق كلهم مؤمتون بشيخهم إبليس فإنه أول من قدم القدر على األمر وعارضه به وقال ^ رب مبا أغويتين ألزينن هلم يف األرض وألغوينهم أمجعني ^ وقال ^ فبما أغويتين ألقعدن هلم صراطك املستقيم ^ فرد أمر هللا بقدره واحتج على ربه بالقدر وانقسم أتباعه أربع فرق كما رأيت فإبليس وجنوده أرسلوا بالقدر إرساال كونيا فالقدر دينهم قال هللا تعاىل ^ أمل تر أنا أرسلنا الشياطني على الكافرين تؤزهم أزا ^ فدينهم القدر ومصريهم سقر فبعث هللا الرسل باألمر وأمرهم أن حياربوا به أهل القدر وشرع هلم من أمره سفنا وأمرهم أن يركبوا فيها هم وأتباعهم يف حبر القدر وخص بالنجاة من ركبها كما خص بالنجاة أصحاب السفينة وجعل ذلك آية للعاملني فأصحاب األمر حرب ألصحاب القدر حىت يردوهم إىل األمر وأصحاب القدر حياربون أصحاب األمر حىت خيرجوهم منه فالرسل دينهم األمر مع إمياهنم بالقدر وحتكيم األمر عليه وإبليس وأتباعه دينهم القدر ودفع األمر به فتأمل هذه املسألة يف القدر واألمر وانقسام العامل فيها إىل هذه األقسام اخلمسة وباهلل التوفيق فحركات العامل العلوي والسفلي وما فيهما موافقة لألمر إما األمر الد يين الذي حيبه هللا ويرضاه وإما األمر الكوين الذي قدره وقضاه وهو سبحانه مل يقدره سدى وال قضاه عبثا بل ملا فيه من احلكمة والغايات احلميدة وما يرتتب عليه من أمور حيب غاياهتا وإن كره أسباهبا ومادئها فإنه سبحانه وتعاىل حيب املغفرة وإن كره معاصي عباده وحيب السرت وإن كره ما يسرت عبده عليه وحيب العتق وإن كره السبب الذي يعتق عليه من النار وحيب العفو كما يف احلديث أللهم إنك عفو حتب العفو فاعف عين وإن كره ما يعفو عنه من األوزار وحيب التوابني وتوبتبهم وإن كره معاصيهم اليت يتوبون إليه منها منها وحيب اجلهاد وأهله بل هم أحب خلقه إليه وإن كره أفعال من جياهدونه وهذا باب واسع قد فتح لك فادخل منه يطلعك على رياض من املعرفة مونقة مات من فاتته حبسرهتا وباهلل التوفيق وهذا موضع يضيق عنه
عدة أسفار واللبيب يدخل إليه من بابه وسر هذا الباب أنه سبحانه كامل يف أمسائه وصفاته فله الكمال املطلق من مجيع الوجوه الذي ال نقص فيه بوجه ما وهو حيب أمساءه وصفاته وحيب ظهور آثارها يف خلقه فإن ذلك من لوازم كماله فإنه سبحانه وتر حيب الوتر مجيل حيب اجلمال عليم حيب العلماء جواد حيب األجواد قوي واملؤمن القوي أحب إليه من املؤمن الضعيف حيي حيب أهل احليا ء ويف حيب أهل الوفاء شكور حيب الشاكرين صادق حيب الصادقني حمسن حيب احملسنني فإذا كان حيب العفو واملغفرة واحللم والصفح والسرت مل يكن بد من تقديره لألسباب اليت تظهر آثار هذه الصفات فيها ويستدل هبا عباده على كما أمسائه وصفاته ويكون ذلك أدعى هلم إىل حمبته ومحده ومتجيده والثناء عليه مبا هو أهله فتحصل الغاية اليت خلق هلا اخللق وإن فاتت من بعضهم فذلك لفوات سبب لكماهلا وظهورها فتضمن ذلك الفوات املكروه له أمرا هو أحب إليه من عدمه فتأمل هذا املوضع حق التأمل وهذا ينكشف يوم القيامة للخليفة بأمجعهم حني جيمعهم يف صعيد واحد ويوصل إىل كل نفس ما ينبغي إيصاله إليها من اخلري والشر واللذة واألمل حىت مثقال الذرة ويوصل كل نفس إىل غاياهتا اليت تشهد هي أهنا أوىل هبا فحينئذ ينطق الكون بأمجعه حبمده تبارك وتعاىل قاال وحاال كما قال سبحانه وتعاىل ^ وترى املالئكة حافني من حول العرش يسبحون حبمد رهبم وقضي بينهم باحلق وقيل احلمد هلل رب العاملني ^ فحذف فاعل القول ألنه غري معني بل كل أحد حيمده على ذلك احلكم الذي حكم فيه فيحمده أهل السموات وأهل األرض واألبرار والفجار واإلنس واجلن حىت أهل النار قال احلسن أو غريه لقد دخلوا النار وإن محده لفي قل وهبم ما وجدوا عليه سبيال وهذا وهللا أعلم هو السر الذي حذف ألجله الفاعل يف قوله ^ قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها ^ وقوله ^ وقيل ادخال النار مع الداخلني ^ كأن الكون كله نطق بذلك وقاله هلم وهللا تعاىل أعلم بالصواب الباب اخلامس يف دواعي احملبة ومتعلقها الداعي قد يراد به الشعور الذي تتبعه اإلرادة وامليل فذلك قائم باحملب وقد يراد به السبب الذي ألجله وجدت احملبة وتعلقت به وذلك قائم باحملبوب وحنن نريد بالداعي جمموع األمرين وهو ما قام باحملبوب من الصفات اليت تدعو إىل حمبته وما قام باحملب من الشعور هبا واملوافقة اليت بني احملب واحملبوب وهي الرابطة بينهما وتسمى بني املخلوق واملخلوق مناسبة ومالءمة فها هنا أمور وصف احملبوب ومجاله وشعور احملب به واملناسبة وهي العالقة واملالءمة اليت بني احملب واحملبوب فمىت قويت الثالثة وكملت قويت احملبة واستحكمت ونقصان احملبة وضف عها حبسب ضعف هذه الثالثة أو نقصها فمىت كان احملبوب يف غاية اجلمال وشعور احملب جبماله أمت شعور واملناسبة اليت بني الروحني قوية فذلك احلب الالزم الدائم وقد يكون اجلمال يف نفسه ناقصا لكن هو يف عني احملب كامل فتكون قوة حمبته حبسب ذلك اجلمال عنده فإن حبك للشيء يعمي ويصم فال يرى احملب أحدا أحسن من حمبوبه كما حيكى أن عزة دخلت على احلجاج فقال هلا يا عزة وهللا ما أنت كما قال فيك كثري فقالت أيها األمري إنه مل يرين بالعني اليت رأيتين هبا وال ريب أن احملبوب أحلى يف عني حمبه وأكرب يف صدره من غريه وقد أفصح هبذا القائل يف قوله فوهللا ما أدري أزيدت مالحة %وحسنا على النسوان أم ليس يل عقل
وقد يكون اجلمال موفرا لكنه ناقص الشعور به فتضعف حمبته لذلك فلو كشف له عن حقيقته ألسر قلبه وهلذا أمر النساء بسرت وجوههن عن الرجال فإن ظهور الوجه يسفر عن كمال احملاسن فيقع االفتتان وهلذا شرع للخاطب أن ينظر إىل املخطوبة فإنه إذا شاهد حسنها ومجاهلا كان ذلك أدعى إىل حصول احملبة واأللفة بينهما كما أشار إليه النيب يف قوله إذا أراد أحدكم خطبة امرأة فلينظر إىل ما يدعوه إىل نكاحها فإنه أحرى أن يؤدم بينهما أي يألم ويوافق ويصلح ومنه األدام الذي يصل ح به اخلبز وإذا وجد ذلك كله وانتفت املناسبة والعالقة اليت بينهما مل تستحكم احملبة ورمبا مل تقع البتة فإن التناسب الذي بني األرواح من أقوى أسباب احملبة فكل امرىء يصبو إىل ما يناسبه وهذه املناسبة نوعان أصلية من أصل اخللقة وعارضة بسبب اجملاورة أو االشرتاك يف أمر من األمور فإن من ناسب قصدك قصده حصل التوافق بني روحك وروحه فإذا اختلف القصد زال التوافق فأما التناسب األصلي فهو اتفاق أخالق وتشاكل أرواح وشوق كل نفس إىل مشاكلها فإن شبه الشيء ينجذب إليه بالطبع فتكون الروحان متشاكلتني يف أصل اخللقة فتنجذب إليه بالطبع فتكون الروحان متشاكلتني يف أصل اخللقة فتنجذب كل منهما إىل األخرى بالطبع وقد يقع االجنذاب وامليل باخلاصية وهذا ال يعلل وال يعرف سببه كاجنذاب احلديد إىل احلجر املغناطيس وال ريب أن وقوع هذا القدر بني األرواح أعظم من وقوعه بني اجلمادات كما قيل حماسنها هيوىل كل حسن %ومغناطيس أفئدة الرجال وهذا الذي محل بعض الناس على أن قال إن العشق ال يقف على احلسن واجلمال وال يلزم من عدمه عدمه وإمنا هو تشاكل النفوس ومتازجها يف الطباع املخلوقة كما قيل وما احلب من حسن وال من مالحة %ولكنه شيء به الروح تكلف قال هذا القائل فحقيقته انه مرآة يبصر فيها احملب طباعة ورقته يف صورة حمبوبة ففي احلقيقة مل حيب إال نفسه وطباعه ومشاكله قال بعضهم حملبوبه صادفت فيك جوهر نفسي ومشاكلتها يف كل أحواهلا فانبعثت نفسي حنوك وانقادت إليك وإمنا هويت نفسي وهذا صحيح من وجه فإن املناسبة علة الضم شرعا وقدرا وشاهد هذا باالعتبار أن أحب األغذية إىل احليوان ما كان أشبه جبوهر بدنه وأكثر مناسبة له وكلما قويت املناسبة بني الغاذي والغذاء كان ميل النفس إليه أكثر وكلما بعدت املناسبة حصلت النفرة عنه وال ريب أن هذا قدر زائد على جمرد احلسن واجلمال وهلذا كانت ا لنفوس الشريفة الزكية العلوية تعشق صفات الكمال بالذات فأحب شيء إليها العلم والشجاعة والعفة واجلود واإلحسان والصرب والثبات ملناسبة هذه األوصاف جلوهرها خبالف النفوس اللئيمة الدنية فإهنا مبعزل عن حمبة هذه الصفات وكثري من الناس حيمله على اجلود واإلحسان فرط عشقه وحمبته له واللذة اليت جيدها يف بذله كما قال املأمون لقد حبب إيل العفو حىت خشيت أن ال أؤجر عليه وقيل لإلمام أمحد بن حنبل رمحه هللا تعاىل تعلمت هذا العلم هلل فقال أما هلل فعزيز ولكن شيء حبب إيل ففعلته وقال آخر إين ألفرح بالعطاء وألتذ به أكثر وأعظم مما يفرح اآلخذ مبا يأخذه مين ويف هذا قيل يف مدح بعض الكرماء من أبيات وتأخذه عند املكارم هزة %كما اهتز عند البارح الغصن الرطب وقال شاعر احلماسة تراه إذا ماجئته متهلال %كأنك تعطيه الذي أنت سائله وكثري من األجواد يعشق اجلود أعظم عشق فال يصرب عنه مع حاجته إىل ما جيود به وال يقبل فيه عذل عاذل وال تأخذه فيه لومة الئم وأما عشاق
العلم فأعظم شغفا به وعشقا له من كل عاشق مبعشوقه وكثري منهم ال يشغله عنه أمجل صورة من البشر وقيل المرأة الزبري بن بكار أو غريه هنيئا لك إذ ليست لك ضرة فقالت وهللا هلذه الكتب أضر علي من عدة ضرائر وحدثين أخو شيخنا عبدالرمحن بن تيمية عن أبيه قال كان اجلد إذا دخل اخلالء يقول يل اقرأ يف هذا الكتاب وارفع صوتك حىت امسع وأعرف من أصابه مرض من صداع ومحى وكان الكتاب عند رأسه فإذا وجد إفاقة قرأ فيه فإذا غلب وضعه فدخل عليه الطبيب يوما وهو كذلك فقال إن هذا ال حيل لك فإنك تعني على نفسك وتكون سببا لفوات مطلوبك وحدثين شيخنا قال ابتدأين مرض فقال يل الطبيب إن مطالعتك وكالمك يف العلم يزيد املرض فقلت له ال أصرب على ذلك وأنا أحاكمك إىل علمك أليست النفس إذا فرحت وسرت قويت الطبيعة فدفعت املرض فقال بلى فقلت له فإن نفسي تسر بالعلم فتقوى به الطبيعة فأجد راحة فقال هذا خارج عن عالجنا أو كما قال فعشق صفات الكمال من أنفع العشق وأعاله وإمنا يكون باملناسبة اليت بني الروح وتلك الصفات وهلذا كان أعلى األرواح وأشرفها أعالها وأشرفها معشوقا كما قيل أنت القتيل بكل من أحببته %فاخرت لنفسك يف اهلوى من تصطفي فإذا كانت احملبة باملشاكلة واملناسبة ثبتت ومتكنت ومل يزهلا إال مانع أقوى من السبب وإذا مل تكن باملشاكلة فإمنا هي حمبة لغرض من األغراض تزول عند انقضائه وتضمحل فمن أحبك ألمر وىل عند انقضائه فداعى احملبة وباعثها إن كان غرضا للمحب مل يكن حملبته بقاء وإن كان أمرا قائما باحملبوب سريع الزوال واالنتقال زالت حمبته بزواله وإن كان صفة الزمة فمحبته باقية ببقاء داعيها مامل يارضه يعارضه يوجب زواهلا وهو إما تغري حال يف احملب أو أذى من احملبوب فإن األذى إما أن يضعف احملبة أو يزيلها قال الشاعر خذي العفو مين تستدميي موديت %وال تنطقي يف سوريت حني أغضب فإين رأيت احلب يف القلب واألذى %إذ اجتمعا مل يلبث احلب يذهب وهذا موضع انقسم احملبون فيه قسمني ففرقة قالت ليس حبب صحيح ما يزيله األذى بل عالمة احلب الصحيح أنه ال ينقص باجلفوة وال يذهبه أذى قالوا بل احملب يلتذ بأذى حمبوبه له كما قال أبو الشيص وقف اهلوى يب حيث أنت فليس يل %متأخر عنه وال متقدم وأهنتين فأهنت نفسي جاهدا %ما من يهون عليك ممن يكرم أشبهت أعدائي فصرت أحبهم %إذ كن حظي منك حظي منهم أجد املالمة يف هواك لذيذة %حبا لذكرك فليلمين اللوم فهذا هو احلب على احلقيقة فإنه متضمن لغاية املوافقة حبيث قد اختذ مراده ومراد حمبوبه من نفسه فأهان نفسه موافقة إلهانة حمبوبه له وأحب أعداءه ملا أشبههم حمبوبه يف أذاه وهذا وإن كانت الطباع تأباه لكنه موجب احلب التام ومقتضاه وقالت فرقة بل األذى مزيل للحب فإن الطباع جمبولة على كراهة من يؤذيها كما أن القلوب جمبولة على حب من حيسن إليها وما ذكره أولئك فدعوى منهم واإلنصاف أن يقال جيتمع يف القلب بغض أذى احلبيب وكراهته وحمبته من وجه آخر فيحبه ويبغض أذاه وهذا هو الواقع والغالب منها يوارى املغلوب ويبقى احلكم له وقد كشف عن بعض هذا املعىن الشاعر يف قوله ولو قلت طأ يف النار أعلم أنه %رضا لك أو مدن لنا من وصالك لقدمت رجلى حنوها فوطئتها %هدى منك يل أو ضلة من ضاللك وإن ساءين أن نلتين مبساءة %فقد سرين أين خطرت ببالك فهذا قد أنصف حيث أخرب أنه يسوؤه أن يناله حمبوبه مبساءة ويسره خطوره
بباله ال كمن ادعى انه يلتذ بأذى حمبوبه له فإن هذا خارج عن الطباع اللهم إال أن يكون ذلك األذى وسيلة إىل رضى احملبوب وقربه فإنه يلتذ به إذا الحظ غايته وعاقبته فهذا يقع وقد أخربين بعض األطباء قال إين ألتذ بالدواءالكريه إذا علمت ما حيصل به من الشفاء وأضعه على لساين وأترشفه حمبة له ومن هذا التذاذ احملبني باملشاق اليت توصلهم إىل وصال حمبوهبم وقربه وكلما ذكروا روح الوصال وأن ما هم فيه طريق موصل إليه لذ هلم مقاساته وطاب هلم حتمله كما قال الشاعر هلا أحاديث من ذكراك تشغلها %عن الشراب وتلهيها عن الزاد هلا بوجهك نور تستضيء به %ومن حديثك يف أعقاهبا حادي إذا شكت من كالل السري أوعدها %روح اللقاء فتقوى عند ميعاد واملقصود أن احملبة تستدعي مشاكلة ومناسبة وقد ذكر اإلمام أمحد بن حنبل رمحه هللا تعاىل يف مسنده من حديث عائشة رضي هللا عنها أن امرأة كانت تدخل على قريش فتضحكهم فقدمت املدينة فنزلت على امرأة تضحك الناس فقال النيب على من نزلت فالنة فالت على فالنة املضحكة فقال األرواح جنود جمندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وأصل احلديث يف الصحيح وذكر لبقراط رجل من أهل النقص حيبه فاغ تم لذلك وقال ما أحبين إال وقد وافقته يف بعض أخالقه وأخذا املتنيب هذا املعىن فقلبه وأجاد فقال وإذا أتتك مذميت من ناقص %فهي الشهادة يل بأين فاضل وقال بعض األطباء العشق امتزاج الروح بالورح ملا بينهما من التناسب والتشاكل فإذا امتزج املاء باملاء امتنع ختليص بعضه من بعض ولذلك تبلغ احملبة بني الشخصني حىت يتأمل أحدمها بتأمل اآلخر ويسقم بسقمه وهو ال يشعر ويذكر أن رجال كان حيب شخصا فمرض فدخل عليه أصحابه يعودونه فوجدوا به خفة فانبسط معهم وقال من أين جئتم قالوا من عند فالن عدناه فقال أو كان عليال قالوا نعم وقد عويف فقال وهللا لقد أنكرت عليت هذه ومل أعرف هلا سببا غري أين تومهت أن ذلك لعلة نالت بعض من أحب ولقد وجدت يف يومي هذا راحة ففرحت طمعا أن يكون هللا سبحانه وتعاىل شفاه مث دعا بدواة فكتب إىل حمبوبه إين محمت ومل أشعر حبماك %حىت حتدث عوادي بشكواك فقلت ما كانت احلمى لتطرقين %من غري ما سبب إال حلماك وخصلة كنت فيها غري متهم %عافاين هللا منها حني عافاك حىت اتفقت نفسي ونفسك يف هذا وذاك ويف هذا ويف ذاك وحيكى أن رجال مرض من حيبه فعاده احملب فمرض من وقته فعويف حمبوبه فجاء يعوده فلما رآه عويف من وقته وأنشد مرض احلبيب فعدته %فمرضت من حذري عليه وأتى احلبيب يعودين %فربئت من نظري إليه وأنت إذا تأملت الوجود ال تكاد جتد اثنني يتحابان إال وبينهما مشاكلةأو اتفاق يف فعل أو حال أو مقصد فإذا تباينت املقاصد واألوصاف واألفعال والطرائق مل يكن هناك إال النفرة والبعد بني القلوب ويكفي يف هذا احلديث الصحيح عن رسول هللا مثل املؤمنني يف توادهم وترامحهم وتعاطفهم كمثل اجلسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر اجلسد باحلمى والسهر فإنقيل فهذا الذي ذكرمت يقتضي أنه إذا أحب شخص شخصا أن يزن اآلخر حيبه فيشرتكان يف احملبة والواقع يشهد خبالفه فكم من حمب غري حمبوب بل بسيف البغض مضروب قيل قد اختلف الناس يف جواب هذا السؤال
فأما أبو حممد بن حزم فإنه قال الذي أذهب إليه أن العشق اتصال بني أجزاء النفوس املقسومة يف هذه اخللقة يف أصل عنصرها الرفيع ال على ما حكاه حممد بن داود عن بعض أهل الف لسفة أن األرواح أكر مقسومة لكن على سبيل مناسبة قواها يف مقر عاملها العلوي وجماورهتا يف هيئة تركيبها وقد علمنا أن سر التمازج والتباين يف املخلوقات إمنا هو االتصال واالنفصال فالشكل إمنا يستدعي شكله واملثل إىل مثله ساكن وللمجانسة عمل حمسوس وتأثري مشاهد والتنافر يف األضداد واملوافقة يف األنداد والنزاع فيما تشابه موجود بيننا فكيف بالنفس وعاملها العامل الصايف اخلفيف وجوهرها اجلوهر الصعاد املعتدل وسنخها املهيأ لقبول االتفاق وامليل والتوق واالحنراف والشهوة والنفار وهللا تعاىل يقول هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل من ها زوجها ليسكن إليها فجعل علة السكون أهنا منه ولو كان علة احلب حسن الصورة اجلسدية لوجب أن ال يستحسن األنقص من الصور وحنن جند كثريا ممن يؤثر األدىن ويعلم فلضل غريه وال جيد حميدا لقلبه عنه ولو كان للموافقة يف األخالق ملا أحب املرء من ال يساعده وال يوافقه فعلمنا أنه شيء يف ذات النفس ورمبا كانت احملبة لسبب من األسباب وتلك تفىن بفناء سببها قال ومما يؤكد هذا القول أننا قد علمنا أن احملبة ضروب فأفضلها حمبة املتحابني يف هللا عز وجل إما الجتهاد يف العمل وإما التفاق يف أصل املذهب وإما لفضل علم مينحه اإلنسان وحمبة القرابة وحمبة األلفة واالشرتاك يف املطالب وحمبة التصاحب واملعرفة وحمبة لرب يضعه املرء عند أخيه وحمبة لطمع يف جاه احملبوب وحمبة املتحابني لسر جيتمعان عليه يلزمهما سرته وحمبة لبلوغ اللذة وقضاء الوطر وحمبة العشق اليت ال علة هلا إال ما ذكرنا من اتصال النفوس وكل هذه األجناس فمنقضية مع انقضاء عللها وزائدة بزيادهتا وناقصة بنقصاهنا متأكدة بدنوها فاترة ببعدها حاشا حمبة العشق الصحيح املتمكن من النفس مث أورد هذا السؤال قال واجلواب أن نفس الذي ال حيب من حيبه مكتنفة اجلهات ببعض األعراض الساترة واحلجب احمليطة هبا من الطبائع األرضية فلم حتس باجلزء الذي كان متصال هبا قبل حلوهلا حيث هي ولو ختلصت الستويا يف االتصال واحملبة ونفس احملب متخلصة عاملة مبكان ما كان يشركها يف اجملاورة طالبة له قاصدة إليه باحثة عنه مشتهية ملالقاته جاذبة له لو أمكنها كاملغناطيس واحلديد وكالنار يف احلجر وأجابت طائفة أخرى أن األرواح خلقت على هيئة الكرة مث قسمت فأي روحني تالقيتا هناك وجتاورتا تألفتا يف هذا العامل وحتابتا وإن تنافرتا هناك تنافرتا هنا وإن تألفتا من وجه وتنافرتا من وجه كانتا كذلك ها هنا وهذا اجلواب مبين على األصل الفاسد الذي أصله هؤالء أن األرواح موجودة قبل األجساد وأهنا كانت متعارفة متجاورة هناك تتالقى وتتعارف وهذا خطأ بل الصحيح الذي دل عليه الشرع والعقل أن األرواح خملوقة مع األجساد وأن امللك املوكل بنفخ الروح يف اجلسد ينفخ فيه الروح إذا مضى على النطفة أربعة أشهر ودخلت يف اخلامس وذلك أول حدوث الروح فيه ومن قال إهنا خملوقة قبل ذلك فقد غلط وأقبح منه قول من قال إهنا قدمية أو توقف يف ذلك بل الصواب يف اجلواب أن يقال إن احملبة كما تقدم قسمان حمبة عرضية غرضية فهذه ال جيب االشرتاك فيها بل يقارهنا مقت احملبوب وبغضه للمحب كثريا إال إذا كان له معه غرض نظري غرضه فإنه حيبه لغرضه منه كما يكون بني الرجل واملرأة اللذين لكل منهما غرض مع صاحبه والقسم الثاين حمبة روحانية سببها
املشاكلة واالتفاق بني الروحني فهذه ال تكون إال من اجلانبني وال بد فلو فتش احملب احملبة الصادقة قلب احملبوب لوجد عنده من حمبته نظري ما عنده أو دونه أو فوقه فصل وإذا كانت احملبة من اجلانبني اسرتاح هبا كل واحد من احملبني وسكن ذلك بعض ما به وعده نوعا من الوصال وقالت امرأة من العرب حججت ومل أحجج لذنب عملته %ولكن لتعديين على قاطع احلبل ذهبت بعقلي يف هواه صغريه %وقد كربت سين فرد به عقلي وإال فسو احلب بيين وبينه %فإنك يا موالي توصف بالعدل وقال آخر فيا رب أشغلها حبيب كما هبا %شغلت فؤادي كي خيف الذي بيا وقالت امرأة تعاتب بعلها أسأل الذي قسم بني العباد معايشهم أن يقسم احلب بيين وبينك مث أنشدت أدعو الذي صرف اهلوى %مين إليك ومنك عين أن يبتليك مبا ابتال %ين أو يسل احلب مين وقال آخر فيا رب إن مل تقسم احلب بيننا %بشطرين فاجعلين على هجرها جلدا وأعقبين السلوان عنها ورد يل %فؤادي من سلمى أثبك به محدا وقال أبو اهلذيل العالف ال جيوز يف دور الفلك وال يف تركيب الطبائع وال يف الواجب وال يف املمكن أن يكون حمب ليس حملبوبه إليه ميل وإىل هذا املذهب ذهب أبو العباس الناشىء حيث يقول عيناك شاهدتان أنك من %حر اهلوى جتدين ما أجد بك ما بنا لكن على مضض %تتجلدين وما بنا جلد وقال أبو عيينه تبيت بنا هتذي وأهذى بذكرها %كالنا يقاسي الليل وهو مسهد وما رقدت إال رأتين ضجيعها %كذاك أراها يف الكرى حني أرقد تقر بذنيب حني أغفو ونلتقي %وأسأهلا يقظان عنه فتجحد كالنا سواء يف اهلوى غري أهنا %جتلد أحيانا وما يل جتلد وقال عروة بن أذينة إن اليت زعمت فؤادك ملها %خلقت هواك كما خلقت هوى هلا فبك الذي زعمت هبا فكالكما %أبدى لصاحبه الصبابة كلها فإذا تشاكلت النفوس ومتازجت األرواح وتفاعلت تفاعلت عنها األبدان وطلبت نظري االمتزاج واجلوار الذي بني األرواح فإن البدن آلة الروح ومركبه وهبذا ركب هللا سبحانه شهوة اجلماع بني الذكر واألنثى طلبا لال متزاج واالختالط بني البدنني كما هو بني الروحني وهلذا يسمى مجاعا وخالطا ونكاحا وإفضاء ألن كل واحد منهما يفضي إىل صاحبه فيزول الفضاء بينهما فإن قيل فهذا يوجب تأكد احلب باجلماع وقوته به والواقع خالفه فإن اجلماع يطفىء نار احملبة ويربد حرارهتا ويسكن نفس احمل ب قيل الناس خمتلفون يف هذا فمنهم من يكون بعد اجلماع أقوى حمبة وأمكن وأثبت مما قبله ويكون مبنزلة من وصف له شيء مالئم فأحبه فلما ذاقه كان له اشد حمبة وإليه أشد اشتياقا وقد ثبت يف الصحيح عن النيب يف حديث عروج املالئكة إىل رهبم أنه سبحانه يسأهلم عن عباده وهو أعلم هبم فيقولون إهنم يسبحونك وحيمدونك ويقدسونك فيقول وهل رأوين فيقولون ال فيقول فكيف لو رأوين تقول املالئكة لو رأوك لكانوا أشد تسبيحا وتقديسا ومتجيدا مث يقولون ويسألونك اجلنة فيقول وهل رأوها فيقولون ال فيقول فكيف لو رأوها فتقول املالئكة لو رأوها لكانوا أشد هلا طالبا وذكر احلديث ومعلوم أن حمبة من ذاق الشيء املالئم وعدم صربه عنه أقوى من حمبة من مل يذقه بل نفسه مفطومة عنه واملودة اليت بني الزوجني واحملبة بعد اجلماع أعظم من اليت كانت قبله والسبب الطبيعي أن شهوة القلب ممتزجة بلذة العني فإذا رأت العني اشتهى القلب فإذا باشر اجلسم اجلسم اجتمع شهوة القلب ولذة العني
ولذة املباشرة فإذا فارق هذه احلال كان نزاع نفسه إليها أشد وشوقه إليها أعظم كما قيل وأكثر ما يكون الشوق يوما %إذا دنت الديار من الديار ولذلك يتضاعف األمل واحلسرة على من راى حمبوبه أو باشره مث حيل بينه وبينه فتضاعف أمله وحسرته يف مقابلة مضاعفة لذة من عاوده وهذا يف جانب املرأة أقوى فإهنا إذا ذاقت عسيلة الرجل وال سيما أول عسيلة مل تكد تصرب عنه بعد ذلك قال أمين بن خرمي مييت العتاب خالط النساء %وحيي اجتناب اخلالط العتابا وتزوج زهري بن مسكني الفهري جاري ة ومل يكن عنده ما يرضيها به فلما أمكنته من نفسها مل تر عنده ما ترضى به فذهبت ومل تعد فقال يف ذلك أشعارا كثرية منها تقول وقد قبلتها ألف قبلة %كفاك أما شيء لديك سوى القبل فقلت هلا حب على القلب حفظه %وطول بكاء تستفيض له املقل فقالت لعمر هللا ما لذة الفىت %من احلب يف قول خيالفه الفعل وقال آخر رأت حيب سعاد بال مجاع %فقالت حبلنا حبل انقطاع ولست أريد حبا ليس فيه %متاع منك يدخل يف متاعي فلو قبلتين ألفا وألفا %ملا أرضيت إال باجلماع إذا ما الصب مل يك ذا مجاع %يرى احملبوب كالشيء املضاع مجاع الصب غاية كل أنثى %وداعية ألهل العشق داعي فقلت هلا وقد ولت تعايل %فإنك بعد هذا لن تراعي وإنك لو سألت بقاء يوم %خلي عن مجاعك لن تطاعي فقالت مرحبا بفىت كرمي %وال أهال بذي اخلنع الرياع إذا ما البعل مل يك ذا مجاع %يرى يف البيت من سقط املتاع وقال آخر وملا شكوت احلب قالت كذبتين %فكم زورة مين قصدتك خاليا فما حل فيها من إزار للذة % قعدت وحاجات الفؤاد كما هيا وهل راحة للمرء يف ورد منهل %ويرجع بعد الورد ظمآن صاديا وقال العباس بن األحنف مل يصف وصل ملعشوقني مل يذقا %وصال جيل على كل اللذاذات وقال هدبة بن اخلشرم وهللا ما يشفي الفؤاد اهلائما %نفث الرقى وعقدك التمائما وال احلديث دون أن تالزما %وال اللزام دون أن تفاعما وال الفعام دون أن تفاقما %وتعلو القوائم القوائما وقال آخر قوال لعاتكة اليت %يف نظرة قضت الوطر إين أريدك للنكاح %وال أريدك للنظر لو كان هذا مقنعي %لقنعت عنها بالقمر وقال آخر دواء احلب تقبيل وشم %ووضع للبطون على البطون ورهز تذرف العينان منه %وأخذ باملناكب والقرون وقالت امرأة وقد طلبت منها احملادثة ليس هبذا أمرتين أمي %وال بتقبيل وال بشم لكن مجاعا قد يسلي مهي %يسقط منه خامتي يف كمي وقد كشف الشاعر سبب ذلك حيث يقول لو ضم صب إلفه ! ألفا ملا %أجدى وزادت لوعة وغرام أرواحهم من قبل ذاك تألفت %فتألفت من بعدها األجسام وقال املؤلف سألت فقيه احلب عن علة اهلوى %وقلت له أشكو إىل الشيخ حاليا فقال دواء احلب أن تلصق احلشا %بأحشاء من هتوى إذا كنت خاليا وتتحدا من بعد ذاك تعانقا %وتلثمه حىت يرى لك ناهيا فتقضي حاجات الفؤاد بأسرها على األمن ما دام احلبيب مؤاتيا إذا كان هذا يف حالل فحبذا %وصالبه الرمحن تلقاه راضيا وإن كان هذا يف حرام فإنه %عذاب به تلقى العنا واملكاويا قال هؤالء وال يستحكم احلب إال بعد أن يشق الرجل رداءه وتشق املرأة املعشوقة برقعها كما قال الشاعر
إذا شق برد شق بالربد برقع %دواليك حىت كلنا غري النس فكم قد شققنا من رداء حمرب %ومن برقع عن طفلة غري عانس وملا بلغ بعض الظرفاء قول املأمون ما احلب إال قبلة األبيات قال كذب املأمون مث قال وباض احلب يف قليب % فوا ويال إذا فرخ وما ينفعين حيب %إذا مل أكنس الرببخ وإن مل يضع األصل %ع خرجيه على املطبخ وقال ابن الرومي أعانقها والنفس بعد مشوقة %إليها وهل بعد العناق تداين وألثم فاها كي تزول صبابثي ! %فيشتد ما ألقى من اهليمان ومل يك مقدار الذي يب من اجلوى %ليشفيه ما ترشف الشفتان كأن فؤادي ليس يشفي غليله %سوى أن أرى الروحني متتزجان وقال الطرباين يف معجمه األوسط حدثنا بكر بن سهل حدثنا عبدهللا بن يوسف حدثنا حممد بن مسلم ع ن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن رجال قال يا رسول هللا عندنا يتيمة قد خطبها رجالن موسر ومعسر وهي هتوى املعسر وحنن هنوى املوسر فقال مل ير للمتحابني مثل التزويج قال أبو القاسم الطرباين مل يروه عن طاوس إال إبراهيم وال رواه عن إبراهيم إال حممد بن مسلم وسفيان الثوري تفرد به مؤمل بن إمساعيل عن الثوري انتهى وقد رواه أبو الفرج بن اجلوزي من حديث حسان بن بشر حدثنا أمحد بن حرب حدثنا ابن عيينة حدثنا عمرو عن جابر فذكره وقال املعاىف بن عمران حدثنا إبراهيم بن يزيد عن سليمان بن موسى عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس رضي هللا عنهما وحدثنا علي بن حرب الطائي حدثنا ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس وذكره الدارقطين يف كتاب الغرائب وقالتفرد به يزيد ابن مروان عن عمرو بن هرون عن عثمان بن األسود املكي عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس وقالت هند بنت املهلب ما رأيت لصاحلي النساء وشرارهن خريا من إحلاقهن مبن يسكن إليه من الرجال ولرب مسكون إليه غري طائل والسكن على كل حال أوفق وذكر احلاكم يف تاريخ نيسابور من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه يرفعه أربع ال يشبعن من أربع أرض من مطر وأنثى من ذكر وعني من نظر وعامل من علم وهذا باطل قطعا على رسول هللا وهو كثري عن أيب هريرة رضي هللا عنه وذكر الطرباين يف معجمه األوسط من حديث ابن عمر يرفعه فضل ما بني لذة املرأة ولذة الرجل كأثر املخيط يف الطني إال أن هللا سرتهن باحلياء وقال مل يروه عن ليث إال أبو املسيب سلم بن سالم عن سويد عن عبدهللا بن أسامة عن يعقوب ابن خالد عن عطاء عن ابن عمر رضي هللا عنهما قلت وهذا أيضا ال يصح عن رسول هللا وإسناده مظلم ال حيتج مبثله فصل ورأت طائفة أن اجلماع يفسد العشق ويبطله أو يضعفه واحتجت بأمور منها أن اجلماع هو الغاية اليت تطلب بالعشق فما دام العاشق طالبا فعشق ه ثابت فإذا وصل إىل الغاية قضى وطره وبردت حرارة طلبه وطفئت نار عشقه قالوا وهذا شأن كل طالب لشيء إذا ظفر به كالظمآن إذا روي واجلائع إذا شبع فال معىن للطلب بعد الظفر ومنها أن سبب العشق فكري وكلما قوي الفكر زاد العشق وبعد الوصول ال يبقى الفكر ومنها أنه قبل الظفر ممنوع والنفس مولعة حبب ما منعت منه كما قال وزادين كلفا يف احلب أن منعت %أحب شيء إىل اإلنسان ما منعا وقال اآلخر لوال طراد الصيد مل تك لذة %فتطاردي يل بالوصال قليال قالوا وكانت اجلاهلية اجلهالء يف كفرهم ال يرجون ثوابا وال خيافون عقابا وكانوا يصونون العشق عن اجلماع كما ذكر أن أعرابيا علق امرأة فكان
يأتيها سنني وما جرى بينهما ريبة قال فرأيت ليلة بياض كفها يف ليلة ظلماء فوضعت يدي على يدها فقالت مه ال تفسد ما صلح فإنه ما نكح حب إال فسد فأخذ ذلك املأمون فقال ما احلب إال نظرة %وغمز كف وعضد أو كتب فيها رقى %أجل من نفث العقد ما احلب إال هكذا %إن نكح احلب فسد من كان هذا حبه %فإمنا يبغي الولد وهوي آخر امرأة فدام احلال بينهما يف اجتماع وحديث ونظر مث إنه جامعها فقطعت الوصل بينهما فقال لو مل أواقع دام يل وصلها %فليتين ال كنت واقعتها وقيل آلخر شكا فراق حمبوبة له أكثرت من وطئها والوطء مسأمة % فارفق بنفسك إن الرفق حممود وذكر عمر بن شبة عن بعض علماء أهل املدينة قال كان الرجل حيب الفتاة فإذا ظفر هبا مبجلس تشاكيا وتناشدا األشعار واليوم يشري إليها وتشري إليه فيعدها وتعده فإذا التقيا مل يشك حبا ومل ينشد شعرا وقام إليها كأنه أشهد على نكاحها أبا هريرة رضي هللا عنه مل خيط من داخل الدهليز منصرفا %إال وخلخاهلا قد قارب الساقا قال األصمعي قلت ألعرابية ما تعدون العشق فيكم قالت العناق والضمة والغمزة واحملادثة 6 مث قالت يا حضري فكيف هو عندكم قلت ي قعد بني شعبها األربع مث جيهدها قالت يا ابن أخي ما هذا عاشق هذا طالب ولد وسئل أعرايب عن ذلك فقال مص الريق ولثم الشفة واألخذ من أطايب احلديث فكيف هو فيكم أيها احلضري فقال العفس الشديد واجلمع بني الركبة والوريد ورهز يوقظ النائم ويشفي القلب اهلائم فقال باهلل ما يفعل هذا العدو الشديد فكيف احلبيب الودود وقال بعضهم احلب يطيب بالنظر ويفسد بالغمز قال هؤالء واحلب الصحيح يوجب إعظام احملبوب وإجالله واحلياء منه فال تطاوع نفسه أن يلقي جلباب احلياء عند حمبوبه وأن يلقيه عنه ففي ذلك غاية إذالله وقهره كما قيل إذا كان حظ املرء ممن حيبه %حراما فحظي ما حيل وجيمل حديث كماء املزن بني فصوله %عتاب به حسن احلديث يفصل ولثم فم عذب اللثات كأمنا %جناهن شهد فت فيه القرنفل وما العشق إال عفة ونزاهة %وأنس قلوب أنسهن التغزل وإين ألستحيي احلبيب من اليت %تريب وأدعى للجميل فأمحل وزعم بعضهم أنه كان يشرط بني العشيقة والعاشق أن له من نصفها األعلى إىل سرهتا ينال منه ما يشاء من ضم وتقبيل ورشف والنصف األسفل حيرم عليه ويف ذلك قال شاعر القوم فللحب شطر مطلق من عقاله %وللبعل شطر ما يرام منيع وقال اآلخر هلا شطر فمن حل وبل %ونصف كالبحرية ما يهاج وهذا كان من دين اجلاهلية فأبطلته الشريعة وجعلت الشطرين كليهما للبعل والشعراء قاطبة ال يرون باحملادثة والنظر لألجنبيات بأسا وهو خمالف للشرع العقل فإن فيه تعريضا للطبع ملا هو جمبول على امليل إليه والطبع يسرق ويغلب وكم من مفتون بذلك يف دينه ودنياه فإن قيل فقد أنشد احلاكم يف مناقب الشافعي له يقولون ال تنظر وتلك بلية %أال كل ذي عينني ال بد ناظر وليس اكتحال العني بالعني ريبة %إذا عف فيما بني ذاك الضمائر فإن صحت عن الشافعي فإمنا أراد النظر الذي ال يدخل حتت التكليف كنظرة الفجأة أو النظر املباح وقد ذهب أبو بكر حممد بن داود األصفهاين إىل جواز النظر إىل من ال حيل له كما سيأيت كالمه إن شاء هللا تعاىل قال أبو الفرج بن اجلوزي وأخطأ يف ذلك وجر عليه خطؤه اشتهاره بني الناس وافتضاحه وذهب أبو حممد بن حزم إىل جواز العشق لألجنبية من غري ريبة وأخطأ يف ذلك خطأ ظاهرا فإن ذريعة العشق أعظم من ذريعة النظر وإذا
كان الشرع قد حرم النظر ملا يؤدي إليه من املفاسد كما سيأيت بيانه إن شاء هللا تعاىل فكيف جيوز تعاطي عشق الرجل ملن ال حيل له واملقصود أن هذه الفرقة رأت أن اجلماع يفسد العشق فغارت عليه مما يفسده وإن مل ترتكه ديانة وقيل لبعض األعراب ما ينال أحدكم من عشيقته إذا خلي هبا قال اللمس والقبل وما يشاكلها قال فهل يتطاوالن إىل اجلماع فقال بأيب وأمي ليس هذا بعاشق هذا طالب ولد وحيكى أن رجال عشق امرأة فقالت له يوما أنت صحيح احلب غري سقيمه وكانوا يسمون احلب على اخلنا ا حلب السقيم فقال نعم فقالت اذهب بنا إىل املنزل فما هو إال أن حصلت يف منزله فلم يكن له مهة غري مجاعها فقالت له وهو كذلك أسرفت يف وطئنا والوطء مقطعة %فارفق بنفسك إن الرفق حممود فقال هلا وهو على حاله لو مل أطأك ملا دامت حمبتنا %لكن فعلى هذا فعل جمهود فنفرت من حتته وقالت يا خبيث أراك خالف ما قلت من صحة احلب ومل جتعل مجاعي إال سببا لذهاب حبك وهللا ال ضمين وإياك سقف أبدا وسيأيت متام الكالم يف هذا يف باب عفاف احملبني إن شاء هللا تعاىل فصل اخلطاب بني الفريقني أن اجلماع احلرام يفسد احلب وال بد أن تنتهي احمل بة بينهما إىل املعاداة والتباغض والقلى كما هو مشاهد بالعيان فكل حمبة لغري هللا آخرها قلى وبغض فكيف إذا قارهنا ما هو من أكرب الكبائر وهذه عدواة بني يدي العداوة الكربى اليت قال هللا تعاىل فيها األخالء يومئذ بعضهم لبعض عدو إال املتقني وسنذكر إن شاء هللا تع اىل من ظفر مبحبوبه وترك قضاء وطره منه رغبة يف بقاء حمبته وخشية أن تنقلب قلى وبغضا يف الباب املوعود به فإن ذلك أليق به وأما اجلماع املباح فإنه يزيد احلب إذا صادف مراد احملب فإنه إذا ذاق لذته وطعمه أوجب له ذلك رغبة أخرى مل تكن حاصلة قبل الذوق وهلذا ال يكاد ا لبكران يصرب أحدمها عن اآلخر هذا ما مل يعرض للحب ما يفسده ويوجب نقله إىل غري احملبوب وأما ما احتج به اآلخرون فجوابه أن الشهوة واإلرادة مل تطفأ نارها بالكلية بل فرتت شهوة ذلك الوقت مث تعود أمثاهلا وإمنا يظهر هذا إذا غاب أحدمها عن حبيبه وإال فما دام مبرأى منه وهو قادر عليه مىت أحب فإن النفس تسكن بذلك وتطمئن به وهذا حال كل من كان حبضرته ما حيتاج إليه من طعام وشراب ولباس وهو قادر عليه فإن نفسه تسكن عنده فإذا حيل بينه وبينه اشتد طلبه له ونزاع نفسه إليه على أن احملب للشيء مىت أفرط يف تناول حمبوبه نفرت نفسه منه ورمب ا انقلبت حمبته كراهية وسيأيت مزيد بيان هلذا يف باب سلو احملبني إن شاء هللا تعاىل فصل ودواعي احلب من احملبوب مجاله إما الظاهر أو الباطن أو مها معا فمىت كان مجيل الصورة مجيل األخالق والشيم واألوصاف كان الداعي منه أقوى وداعي احلب من احملب أربعة أشياء أوهلا النظر إما بالعني أو بالقلب إذا وصف له فكثري من الناس حيب غريه ويفىن فيه حمبة وما رآه لكن وصف له وهلذا هنى النيب املرأة أن تنعت املرأة لزوجها حىت كأنه ينظر إليها واحلديث يف الصحيح الثاين االستحسان فإن مل يورث نظره استحسانا مل تقع احملبة الثالث الفكر يف امل نظور وحديث النفس به فإن شغل عنه بغريه مما هو أهم عنده منه مل يعلق حبه بقلبه وإن كان ال يعدم خطرات وسوانح وهلذا قيل العشق حركة قلب فارغ ومىت صادف هذا النظر واالستحسان والفكر قلبا خاليا متكن منه كما قيل أتاين هواها قبل أن أعرف اهلوى %فصادف قلبا خاليا فتمكنا فإن قيل فهل يتوقف على الطمع يف الوصول إىل احملبوب أم ال قيل الناس يف هذا على أقسام منهم من يعشق اجلمال املطلق فقلبه معلق به إن استقلت ركائبه وإن حلت مضاربه
وهذا ال يتوقف عشقه على الطمع ومنهم من يعشق اجلمال املقيد سواء طمعت نفسه يف وصاله أم مل تطمع ومنهم من ال يعشق إال من طمعت نفسه يف وصاله فإن يئس منه مل يعلق حبه بقلبه واألقسام الثالثة واقعة يف الناس فإذا وجد النظر واالستحسان والفكر والطمع هاجت بالبله وأمكن من معشوقه مقاتله واستحكم داؤه وعجز عن األطباء دواؤه تاهلل ما أسر اهلوى من عاشق %إال وعز على النفوس فكاكه وإذا كان النظر مبدأ العشق فحقيق باملطلق أن ال يعرض نفسه لإلسار الدائم بواسطة عينه وإذ قد أفضى بنا الكالم إىل النظر فلنذكر حكمه وغائلته الباب السادس يف أحكام النظر وغائلته وما جيين على صاحبه قال هللا تعاىل قل للمؤمنني يغضوا من أبصارهم وحيفظوا فروجهم ذلك أزكى هلم إن هللا خبري مبا يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن وحيفظن فروجهن اآلية فلما كان غض البصر أصال حلفظ الفرج بدأ بذكره وملا كان حترميه حترمي الوسائل فيباح للمصلحة الراجحة وحيرم إذا خيف منه الفساد ومل يعارضه مصلحة أرجح من تلك املفسدة مل يأمر سبحانه بغضه مطلقا بل أمر بالغض منه وأما حفظ الفرج فواجب بكل حال ال يباح إال حبقه فلذلك عم األمر حبفظه وقد جعل هللا سبحانه العني مرآة القلب فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته ويف الصحيح أن الفضل بن عباس رضي هللا عنهما كان رديف رسول هللا يوم النحر من مزدلفة إىل مىن فمرت ظعن جيرين فطفق الفضل ينظر إليهن فحول رسول هللا رأسه إىل الشق اآلخر وهذا منع وإنكار بالفعل فلو كان النظر جائزا ألقره عليه ويف الصحيح عنه أنه قال إن هللا عز وجل كتب على ابن آدم حظه من الزىن أدرك ذلك ال حمالة فالعني تزين وزناها النظر واللسان يزين وزناه النطق والرجل تزين وزناها اخلطى واليد تزين وزناها البطش والقلب يهوى ويتمىن والفرج يصدق ذلك أو يكذبه فبدأ بزىن العني ألنه أصل زىن اليد والرجل والقلب والفرج ونبه بزىن اللسان بالكالم على زىن الفم بالقب ل وجعل الفرج مصدقا لذلك إن حقق الفعل أو مكذبا له إن مل حيققه وهذا احلديث من أبني األشياء على أن العني تعصي بالنظر أن ذلك زناها ففيه رد على من أباح النظر مطلقا وثبت عنه أنه قال يا علي ال تتبع النظرة النظرة فإن لك األوىل وليست لك الثانية ووقعت مسألة ما تقول السادة العلماء يف رجل نظر إىل امرأة نظرة فعلق حبها بقلبه واشتد عليه األمر فقالت له نفسه هذا كله من أول نظرة فلو أعدت النظر إليها لرأيتها دون ما يف نفسك فسلوت عنها فهل جيوز له تعمد النظر ثانيا هلذا املعىن فكان اجلواب احلمد هلل ال جيوز هذا لعشرة أوجه أحدها أن هللا سبحانه أمر بغض البصر ومل جيعل شفاء القلب فيما حرمه على العبد الثاين أن النيب سئل عن نظر الفجأة وقد علم أنه يؤثر يف القلب فأمر مبداواته بصرف البصر ال بتكرار النظر الثالث أنه صرح بأن األوىل له وليست له الثانية وحمال أن يكون داؤه مما له ودواؤه فيما ليس له الرابع أن الظاهر قوة األمر بالنظرة الثانية ال تناقصه والتجربة شاهدة به والظاهر أن األمر كما رآه أول مرة فال حتسن املخاطرة باإلعادة اخلامس أنه رمبا رأى ما هو فوق الذي يف نفسه فزاد عذابه السادس أن إبليس عند قصده للنظرة الثانية يقوم يف ركائبه فيزين له ما ليس حبسن لتتم البلية السابع أنه ال يعان على بليته إذا أعرض عن امتثال أوامر الشرع وتداوى مبا حرمه عليه بل هو جدير أن تتخلف عنه املعونة الثامن أن النظرة
األوىل سهم مسموم من سهام إبليس ومعلوم أن الثانية أشد مسا فكيف يتداوى من السم بالسم التاسع أن صاحب هذا املقام يف مقام معاملة احلق عز وجل يف ترك حمبوب كما زعم وهو يريد بالنظرة الثانية أن يتبني حال املنظور إليه فإن مل يكن مرضيا تركه فإذا يكون تركه ألنه ال يالئم غرضه ال هلل تعاىل فأين معاملة هللا سبحانه برتك احملبوب ألجله العاشر يتبني بضرب مثل مطابق للحال وه و أنك إذا ركبت فرسا جديدا فمالت بك إىل درب ضيق ال ينفذ وال ميكنها تستدير فيه للخروج فإذا مهت بالدخول فيه فاكبحها لئال تدخل فإذا دخلت خطوة أو خطوتني فصح هبا وردها إىل وراء عاجال قبل أن يتمكن دخوهلا فإن رددهتا إىل ورائها سهل األمر وإن توانيت حىت وجلت وسقتها داخال مث قمت جتذهبا بذنبها عسر عليك أو تعذر خروجها فهل يقول عاقل إن طريق ختليصها سوقها إىل داخل فكذلك النظرة إذا أثرت يف القلب فإن عجل احلازم وحسم املادة من أوهلا سهل عالجه وإن كرر النظر ونقب عن حماسن الصورة ونقلها إىل قلب فارغ فنقشها فيه متكنت احملبة وكلما تواصلت النظرات كانت كاملاء يسقي الشجرة فال تزال شجرة احلب تنمى حىت يفسد القلب ويعرض عن الفكر فيما أمر به فيخرج بصاحبه إىل احملن ويوجب ارتكاب احملظورات والفنت ويلقي القلب يف التلف والسبب يف هذا أن الناظر التذت عينه بأول نظرة فطلبت املعاودة كأكل الطعام ال لذيذ إذا تناول منه لقمة ولو أنه غض أوال السرتاح قلبه وسلم وتأمل قول النيب النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فإن السهم شأنه أن يسري يف القلب فيعمل فيه عمل السم الذي يسقاه املسموم فإن بادر استفرغه وإال قتله وال بد قال املروذي قلت ألمحد الرجل ينظر إىل اململوكة قال أخاف عليه الفتنة كم نظرة قد ألقت يف قلب صاحبها البالبل وقال ابن عباس الشيطان من الرجل يف ثالثة يف نظره وقلبه وذكره وهو من املرأة يف ثالثة يف بصرها وقلبها وعجزها فصل وملا كان النظر من أقرب الوسائل إىل احملرم اقتضت الشريعة حترميه وأباحته يف موضع احلاج ة وهذا شأن كل ما حرم حترمي الوسائل فإنه يباح للمصلحة الراجحة كما حرمت الصالة يف أوقات النهي لئال تكون وسيلة إىل التشبه بالكفار يف سجودهم للشمس أبيحت للمصلحة الراجحة كقضاء الفوائت وصالة اجلنازة وفعل ذوات األسباب على الصحيح ويف مسند اإلمام أمحد بن حنبل عن النيب أنه قال النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن غض بصره عن حماسن امرأة أورث هللا قلبه حالوة جيدها إىل يوم يلقاه أو كما قال وقال جرير بن عبدهللا رضي هللا عنهما سألت رسول هللا عن نظر الفجأة فأمرين أن أصرف بصري ونظرة الفجأة هي النظرة األوىل اليت تقع بغري قصد من الناظر فما مل يعتمده القلب ال يعاقب عليه فإذا نظر الثانية تعمدا أمث فأمره النيب عند نظرة الفجأة أن يصرف بصره وال يستدمي النظر فإن استدامته كتكريره وأرشد من ابتلي بنظرة الفجأة أن يداويه بإتيان امرأته وقال إن معها مثل الذي معها فإن يف ذلك التسلي عن املطلوب جبنسه والثاين أن النظر يثري قوة الشهوة فأمره بتنقيصها بإتيان أهله ففتنة النظر أصل كل فتنة كما ثبت يف الصحيحني من حديث أسامة بن زيد رضي هللا عنهما أن النيب قال ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ويف صحيح مسلم من حديث أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه ع ن النيب اتقوا الدنيا واتقوا النساء ويف مسند حممد بن إسحاق السراج من حديث علي بن أيب
طالب رضي هللا عنه عن النيب أخوف ما أخاف على أميت النساء واخلمر وقال ابن عباس رضي هللا عنهما مل يكفر من كفر ممن مضى إال من قبل النساء وكفر من بقي من قبل النساء فصل ويف غض البصر عدة فوائد أحدها ختليص القلب من أمل احلسرة فإن من أطلق نظره دامت حسرته فأضر شيء على القلب إرسال البصر فإنه يريه ما يشتد طلبه وال صرب له عنه وال وصول له إليه وذلك غاية أمله وعذابه قال األصمعي رأيت جارية يف الطواف كأهنا مهاة فجعلت أنظر إليها وأمأل عيين من حماسنها فقالت يل يا هذا ما شأنك قلت وما عليك من النظر فأنشأت تقول وكنت مىت أرسلت طرفك رائدا %لقلبك يوما أتعبتك املناظر رأيت الذي ال كله أنت قادر %عليه وال عن بعضه أنت صابر والنظرة تفعل يف القلب ما يفعل السهم يف الرمية فإن مل تقتله جرحته وهي مبن زلة الشرارة من النار ترمى يف احلشيش اليابس فإن مل حيرقه كله أحرقت بعضه كما قيل كل احلوادث مبداها من النظر %ومعظم النار من مستصغر الشرر كم نظرة فتكت يف قلب صاحبها %فتك السهام بال قوس وال وتر واملرء ما دام ذا عني يقلبها %يف أعني الغيد موقوف على اخلطر يسر مقلته ما ضر مهجته %ال مرحبا بسرور عاد بالضرر والناظر يرمي من نظره بسهام غرضها قلبه وهو ال يشعر فهو إمنا يرمي قلبه ويل من أبيات يا راميا بسهام اللحظ جمتهدا %أنت القتيل مبا ترمي فال تصب وباعث الطرف يرتاد الشفاء له %توقه إنه يأتيك بالعطب وقال الفرزدق تزود منها نظرة مل تدع له %فؤادا ومل يشعر مبا قد تزودا فلم أر مقتوال ومل أر قاتال %بغري سالح مثلها حني أقصدا وقال آخر ومن كان يؤتى من عدو وحاسد %فإين من عيين أتيت ومن قليب مها اعتوراين نظرة مث فكرة %فما أبقيا يل كل من رقاد وال لب وقال آخر رماين هبا طريف فلم ختط مقليت %وما كل من يرمى تصاب مقاتله إذا مت فابكوين قتيال لطرفه %قتيل صديق حاضر ما يزيله وقال ابن املعتز متيم يرعى جنوم الدجى % يبكي عليه رمحة عاذله عيين أشاطت بدمى يف اهلوى %فابكوا قتيال بعضه قاتله ومثله للمتنيب وأنا الذي اجتلب املنية طرفه %فمن املطالب والقتيل القاتل وقال أيضا يا نظرة نفت لرقاد وغادرت %يف حد قليب ما بقيت فلوال كانت من الكحالء سؤيل وإمنا %أجلي متثل يف فؤادي سوال وقال أيضا وقي األمري من العيون فإنه %ماال يزول ببأسه وسخائه يستأسر البطل الكمي بنظرة %وحيول بني فؤاده وعزائه وقال الصوري إذا أنت مل ترع الربوق اللواحما %ومنت جرى من حتتك السيل سائحا غرست اهلوى باللحظ مث احتقرته %وأمهلته مستأنسا متساحما ومل تدر حىت أينعت شجراته %وهبت رياح الوجد فيه لواقحا فأمسيت تستدعي من ال صرب عازبا %عليك وتستدين من النوم نازحا ودخل أصبهان مغن فكان يتغىن هبذين البيتني مساعا يا عباد هللا مين %وكفوا عن مالحظة املالح فإن احلب آخره املنايا %وأوله شبيه باملزاح وقال آخر وشادن ملا بدا %أسلمين إىل الردى بظرفه ولطفه %وطرفه ملا بدا أردت أن أصيده %فصاد قليب وعدا وقال آخر يعاتب عينه وهللا يا بصري اجلاين على جسدي %ألطفئن بدمعي لوعة احلزن تاهلل تطمع أن أبكي هوى وضىن %وأنت تشبع من غمض ومن وسن هيهات حىت ترى طرفا بال نظر %كما أرى يف اهلوى شخصا بال بدن
وقال آخر يا من يرى سقمي يزيد %وعليت أعيت طبييب ال تعجنب فهكذا %جتين العيون على القلوب وقال آخر لواحظنا جتين وال علم عندنا %وأنفسنا مأخوذة باجلرائر ومل أرى أغىب من نفوس عفائف %تصدق أخهار العيون الفواجر ومن كانت األجفان حجاب قلبه %أذن على أحشائه بالفواقر وقال آخر ومستفتح باب البالء بنظرة %تزود منها قلبه حسرة الدهر فوهللا ما تدري أيدري مبا جنث %على قلبه أم أهلكته وما يدري وقال آخر أنا ما بني عدوين مها قليب وطريف %ينظر الطرف ويهوى القلب واملقصود حتفي وقال اخلفاجي رمت عينها عيين وراحت سليمة %فمن حاكم بني الكحيلة والعربى فيا طرف قد حذرتك النظرة اليت %خلست فما راقبت هنيا وال زجرا ويا قلب قد أرداك طريف مرة %فوحيك مل طاوعته مرة أخرى ويل من أبيات لعل معناها مبتكر أمل أقل لك ال تسرق مالحظة %فسارق اللحظ ال ينجو من الدرك نصبت طريف له ملا بدا شركا %فكان قليب أوىل منه بالشرك الفائدة الثانية أنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر يف العني ويف الوجه ويف اجلوارح كما أن إطالق البصر يورثه ظلمة تظهر يف وجهه وجوارحه وهلذا وهللا أعلم ذكر هللا سبحانه آية النور يف قوله تعاىل هللا نور السموات واألرض عقيب قوله قل للمؤمنني يغضوا من أبصارهم وجاء احلديث مطابقا هلذا حىت كأنه مشتق منه وهو قوله النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن غض بصره عن حماسن امرأة أورث هللا قلبه نورا احلديث الفائدة الثالثة أنه يورث صحةالفراسة فإهنا من النور ومثراته وإذا استنار القلب صحت الفراسة ألن ه يصري مبنزلةاملرآة اجمللوة تظهر فيها املعلومات كما هي والنظر مبنزلة التنفس فيها فإذا أطلق العبد نظرة تنفست نفسه الصعداء يف مرآة قلبه فطمست نورها كما قيل مرآة قلبك ال تريك صالحه %والنفس فيها دائما تتنفس وقال شجاع الكرماين من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام املراقبة وغض بصره عن احملارم وكف نفسه عن الشهوات وأكل من احلالل مل ختطىء فراسته وكان شجاع ال ختطىء له فراسة وهللا سبحانه وتعاىل جيزى العبد على عمله مبا هو من جنسه فمن غض بصره عن احملارم عوضه هللا سبحانه وتعاىل إطالق نور بصريته فلما حبس بصره هلل أطلق هللا نور بصريته ومن أطلق بصره يف احملارم حبس هللا عنه بصريته الفائدة الرابعة أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه ويسهل عليه أسبابه وذلك بسبب نور القلب فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق املعلومات وانكشفت له بسرعة ونفذ من بعضها إىل بعض ومن أرسل بصره تكدر عليه قلبه وأظلم وانسد عليه باب العلم وطرقه الفائدة اخلامسة أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته فيجعل له سلطان البصري مع سلطان احلجة ويف األثر إن الذي خيالف هواه يفرق الشيطان من ظله وهلذا يوجد يف املتبع هلواه من ذل القلب وضعفه ومهانة النفس وحقارهتا ما جعله هللا ملن آثر هواه على رضاه قال احلسن إهنم وإن مهلجت هبم البغال طقطقت هبم الرباذين إن ذل املعصية لفي قلوهبم أىب هللا إال أن يذل من عصاه وقال بعض الشيوخ الناس يطلبون العز بأبواب امللوك وال جيدونه إال يف طاعة هللا ومن أطاع هللا فقد وااله فيما أطاعه فيه ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه وفيه قسط ونصيب من فعل من عاداه مبعاصيه ويف دعاء القنوت إنه ال يذل من واليت وال يعز من
عاديت الفائدة السادسة أنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا أعظم من اللذة والسرور احلاصل بالنظر وذلك لقهره عدوه مبخالفته وخمالفة نفسه وهواه وأيضا ف إنه ملا كف لذته وحبس شهوته هلل وفيها مسرة نفسه األمارة بالسوء أعاضه هللا سبحانه مسرة ولذة أكمل منها كما قال بعضهم وهللا للذة العفة أعظم من لذة الذنب وال ريب أن النفس إذا خالفت هواها أعقبها ذلك فرحا وسرورا ولذة أكمل من لذة موافقة اهلوى مبا ال نسبة بينهما وهاهنا ميتاز العقل من اهلوى الفائدة السابعة أنه خيلص القلب من أسر الشهوة فإن األسري هو أسري شهوته وهواه فهو كما قيل طليق برأي العني وهو أسري ومىت أسرت الشهوة واهلوى القلب متكن منه عدوه وسامه سوء العذاب وصار كعصفورة يف كف طفل يسومها %حياض الردى والطفل يلهو و يلعب الفائدة الثامنة أنه يسد عنه بابا من أبواب جهنم فإن النظر باب الشهوة احلاملة على مواقعة الفعل وحترمي الرب تعاىل وشرعه حجاب مانع من الوصول فمىت هتك احلجاب ضري على احملظور ومل تقف نفسه منه عند غاية فإن النفس يف هذا الباب ال تقتع بغاية تقف عندها وذلك أن لذهتا يف الشيء اجلديد فصاحب الطارف ال يقتعه التليد وإن كان أحسن منه منظرا وأطيب خمربا فغض البصر يسد عنه هذا الباب الذي عجزت امللوك عن استيفاء أغراضهم فيه الفائدةالتاسعة أنه يقوي عقله ويزيده ويثبته فإن إطالق البصر وإرساله ال حيصل إال من خفة الع قل وطيشه وعدم مالحظته للعواقب فإن خاصة العقل مالحظة العواقب ومرسل النظر لو علم ما جتين عواقب نظره عليه ملا أطلق بصره قال الشاعر بو أعقل الناس من مل يرتكب سببا %حىت يفكر ما جتين عواقبه الفائدة العاشرة أنه خيلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة فإن إطالق البصر يوجب استحكام الغفلة عن هللا والدار اآلخرة ويوقع يف سكرة العشق كما قال هللا تعاىل عن عشاق الصور لعمرك إهنم لفي سكرهتم يعمهون فالنظرة كأس من مخر والعشق هو سكر ذلك الشراب وسكر العشق أعظم من سكر اخلمر فإن سكران اخلمر يفيق وسكران العشق قلما يفيق إال وهو يف عسكر األموات كما قيل سكران سكر هوى وسكر مدامة %ومىت إفاقته من به سكران وفوائد غض البصر وآفات إرساله أضعاف أضعاف ما ذكرنا وإمنا نبهتا عليه تنبيها وال سيما النظر إىل من مل جيعل هللا سبيال إىل قضاء الوطر منه شرعا كاملردان احلسان فإن إطالق النظر إليهم السم الناقع والداء العضال وقد روى احلافظ حممد بن ناصر من حديث الشعيب مرسال قال قدم وفد عبدالقيس على النيب وفيهم غالم أمرد ظاهر الوضاءة فأجلسه النيب وراء ظهره وقال كانت خطيئة من مضى من النظر وقال سعيد بن املسيب إذا رأيتم الرجل حيد النظر إىل الغالم األمرد ف اهتموه وقد ذكر ابن عدي يف كامله من حديث بقية عن الوازع عن أيب سلمة عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال هنى رسول هللا أن حيد الرجل النظر إىل الغالم األمرد وكان إبراهيم النخعي وسفيان الثوري وغريمها من السلف ينهون عن جمالة املردان قال النخعي جمالستهم فتنة وإمنا هم مبنزلة النساء وباجلملة فكم من مرسل حلظاته رجع جبيش صربه مغلوال ومل يقلع حىت تشحط بينهم قتيال يا ناظرا ما أقلعت حلظاته %حىت تشحط بينهن قتيال
الباب السابع يف ذكر مناظرة بني القلب والعني ولوم كل منهما صاحبه واحلكم بينهما ملا كانت العني رائدا والقلب باعثا وطالبا وهذه هلا لذة الرؤية وهذا له لذة الظفر كانا يف اهلوى شريكي عنان وملا وقعا يف العناء واشرتكا يف البالء أقبل كل منهما يلوم صاحبه ويعاتبه فقال القلب للعني أنت اليت سقتين إىل موارد اهللكات وأوقعتين يف احلسرات مبتابعتك اللحظات ونزهت طرفك يف تلك الرياض وطلبت الشفاء من احلدق املراض وخالفت قول أحكم احلاكمني قل للمؤمنني وقول رسوله النظر إىل املرأة سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركه من خوف هللا عز وجل أثابه هللا إميانا جيد حالوته يف قلبه رواه اإلمام أمحد حدثنا هشيم حدثنا عبدالرمحن بن إسحاق عن حمارب بن دثار عن صلة عن حذيفة وقال عمر بن شبة حدثنا أمحد بن عبدهللا بن يونس حدثنا عنبسة بن عبدالرمحن القرشي حدثنا أبو احلسن املدين حدثنا علي بن أيب طالب رضي هللا عنه قال قال رسول هللا نظر الرجل يف حماسن املرأة سهم مسموم من سهام إبليس مسموم فمن أعرض عن ذلك السهم أعقبه هللا عبادة تسره فمن امللوم سوى من رمى صاحبه بالسهم املسموم أو ما علمت أنه ليس شيء أضر على اإلنسان من العني واللسان فما عطب أكثر من عطب إال هبما وما هلك أكثر من هلك إال بسببهما فلله كم من مورد هلكة أورداه ومصدر ردى عنه أصدراه فمن أحب أن حييا سعيدا أو يعي ش محيدا فليغض من عنان طرفه ولسانه ليسلم من الضرر فإنه كامن يف فضول الكالم وفضول النظر وقد صرح الصادق املصدوق بأن العينني تزنيان ومها أصل زىن الفرج فإهنما له رائدان وإليه داعيان وقد سئل رسول هللا عن نظرة الفجأة فأمر السائل أن يصرف بصره فأرشده إىل ما ينفعه ويدفع عنه ضرره وقال البن عمه علي رضي هللا عنه حمذرا له مما يوقع يف الفتنة ويورث احلسرة ال تتبع النظرة النظرة أوما مسعت قول العقالء من سرح ناظره أتعب خاطره ومن كثرت حلظاته دامت حسراته وضاعت عليه أوقاته وفاضت عرباته وقول الناظم نظر العيون إىل العيون هو الذي %جعل اهلالك إىل الفؤاد سبيال ما زالت اللحظات تغزو قلبه %حىت تشحط فيهن قتيال وقال آخر متتعتما يا مقليت بنظرة %وأوردمتا قليب أمر املوارد أعيين كفا عن فؤادي فإنه %من الظلم سعى اثنني يف قتل واحد فصل قالت العني ظلمتين أوال وآخرا وبؤت بإمثي باطنا وظاهرا وما أنا إال رسولك الداعي إليك ورائدك الدال عليك وإذا بعثت برائد حنو الذي %هتوى وتعتبه ظلمت الرائدا فأنت امللك املطاع وحنن اجلنود واألتباع أركبتين يف حاجتك خيل الربيد مث أقبلت علي بالتهديد والوعيد فلو أمرتين أن أغلق علي بايب وأرخي علي حجايب لسم عت وأطعت وملا رعيت يف احلمى ورتعت أرسلتين لصيد قد نصيت لك حبائله وأشراكه واستدارت حولك فخاخه وشباكه فغدوت أسريا بعد أن كنت أمريا وأصبحت مملوكا بعد أن كنت مليكا هذا وقد حكم يل عليك سيد األنام وأعدل احلكام حيث يقول إن يف اجلسد مضغة إذا صلحت صلح هلا سائر اجلسد وإذا فسدت فسد هلا سائر اجلسد أال وهي القلب وقال أبو هريرة رضي هللا عنه القلب ملك واألعضاء جنوده فإن طاب امللك طابت جنوده وإذا خبث امللك خبثت جنوده ولو أنعمت النظر لعلمت أن فساد رعيتك بفسادك وصالحها ورشدها برشادك ولكنك هلكت وأهلكت رعيتك ومحلت على العني ال ضعيفة خطيئتك وأصل بليتك أنه خال منك حب هللا وحب ذكره وكالمه وأمسائه وصفاته وأقبلت على غريه وأعرضت عنه وتعوضت حبب من سواه والرغبة فيه منه هذا وقد مسعت ما قص
عليك من إنكاره سبحانه على بين إسرائيل استبداهلم طعاما بطعام أدىن منه فذمهم على ذلك ونعاه عليهم وقال ^ أتستبدلون الذي هو أدىن بالذي هو خري ^ فكيف مبن استبدل مبحبة خالقه وفاطره ووليه ومالك أمره الذي ال صالح له وال فالح وال نعيم وال سرور وال فرحة وال جناة إال بأن يوحده يف احلب ويكون أحب إليه مما سواه فانظر باهلل مبن استبدلت ومبحبة من تعوضت رضيت لنفسك باحلب س يف احلش وقلوب حمبيه جتول حول العرش فلو أقبلت عليه وأعرضت عمن سواه لرأيت العجائب وألمنت من املتالف واملعاطب أوما علمت أنه خص بالفوز والنعيم من أتاه بقلب سليم أي سليم مما سواه ليس فيه غري حبه واتباع رضاه قالت وبني ذنيب وذنبك عند الناس كما بني عماي وعماك يف القياس وقد قال من بيده أزمة األمور فإهنا ال تعمى األبصار ولكن تعمىالقلوب اليت يف الصدور فصل فلما مسعت الكبد حتاورمها الكالم وتناوهلما اخلصام قالت أنتما على هالكي تساعدمتا وعلى قتلي تعاونتما ولقد أنصف من حكى مناظرتكما وعلى لساين متظلما منكما يقول طريف لقليب هجت يل سقما %والعني تزعم أن القلب أنكاها واجلسم يشهد أن العني كاذبة %وهي اليت هيجت للقلب بلواها لوال العيون وما جينني من سقم %ما كنت مطرحا من بعض قتالها فقالت الكبد املظلومة اتئدا %قطعتماين وما راقبتما هللا وقال آخر يقول قليب لطريف أن بكى جزعا %تبكي وأنت الذي محلتين الوجعا فقال طريف له فيما يعاتبه %بل أنت محلتين اآلمال والطمعا حىت إذا ما خال كل بصاحبه %كالمها بطويل السقم قد قنعا نادهتما كبدي ال تبعدا فلقد %قطعتماين مبا القيتما قطعا وقال آخر عاتبت قليب ملا %رأيت جسمي حنيال فألزم القلب طريف %وقال كنت الرسوال فقال طريف لقليب %بل كنت أنت الدليال فقلت كفا مجيعا %تركتماين قتيال مث قالت أنا أتوىل احلكم بينكما أنتما يف البلية شريكا عنان كما أنكما يف اللذة واملسرة فرسا رهان فالعني تلتذ والقلب يتمىن ويشتهي وهلذا قال فيكما القائل وملا سلوت احلب بشر ناظري %لقليب فقال القلب يل ولك اهلنا ختلصت من إحياء ليلك ساهرا %وخلصتين من لوعة اهلجر والضنا كالنا مهنا بالبقاء فإن تعد %فال أنت يبقيك الغرام وال أنا وإن مل تدرككما عناية مقلب القلوب واألبصار وإال فما لك من قرة وال للقلب من قرار قال الشاعر فوهللا ما أدري أنفسي ألومها % على احلب أم عيين املشومة أم قليب فإن ملت قليب قال يل العني أبصرت %وإن ملت عيين قالت الذنب للقلب فعيين وقليب قد تقامستما دمي %فيا رب كن عونا على العني والقلب قالت هذه وملا سقيت القلب ماء احملبة بكؤوسك أوقدت عليه نار الشوق فارتفع إليك البخار فتقاطر منك فشرقت بشربه أوال وشرقت حبر ناره ثانيا قال خذي بيدي مث اكشفي الثوب فانظري %ضىن جسدي لكنين أتسرت وليس الذي جيري من العني ماؤها % ولكنها روح تذوب فتقطر قالت واحلاكم بينكما الذي حيكم بني الروح واجلسد إذا اختصما بني يديه فإن يف األثر املشهور ال تزال اخلصومة يوم القيامة بني اخلالئق حىت ختتصم الروح واجلسد فيقول اجلسد للروح أنت الذي حركتين وأمرتين وصرفتين وإال فأنا مل أكن أحترك وال أفعل بدونك فتقول الروح له وأنت ألذي أكلت وشربت وباشرت وتنعمت فأنت الذي تستحق العقوبة فريسل هللا سبحانه إليهما ملكا حيكم بينهما فيقول مثلكما مثل مقعد بصري وأعمى ميشي
دخال بستانا فقال املقعد لألعمى أنا أرى ما فيه من الثمار ولكن ال أستطيع القيام وقال األعمى أنا أستطيع القيام ولكن ال أبصر شيئا فقال له املقعد تعال فامحلين فأنت مت شي وأنا أتناول فعلى من تكون العقوبة فيقول عليهما قال فكذلك أنتما وباهلل التوفيق الباب الثامن يف ذكر الشبه اليت احتج هبا من أباح النظر إىل من ال حيل له االستمتاع به وأباح عشقه قالت هذه الطائفة بيننا وبينكم الكتاب والسنة وأقوال أئمة اإلسالم واملعقول الصحيح أما الكتاب فقوله تعاىل أومل ينظروا يف ملكوت السموات واألرض وما خلق هللا من شيء وهذا يعم مجيع ما خلق هللا فما الذي أخرج من عمومه الوجه املليح وهو من أحسن ما خلق وموضع االستدالل به واالعتبار أقوى ولذلك يسبح اخلالق سبحانه عند رؤيته كما قال بعض الناظرين إىل مجيل الصورة ذي طلعة سبحان فالق صبحه %ومماطف جلت ميني الغارس مرت بأرجاء اخليال طيوفه %فبكت على رسم السلو الدارس ورؤية اجلمال البديع تنطق ألسنة الناظرين بقوهلم سبحان هللا رب العاملني وتبارك هللا أحسن اخلالقني وهللا تعاىل مل خيلق هذه احملاسن عبثا وإمنا أظهرها ليستدل الناظر إليها على قدرته ووحدانيته وبديع صنعه فال تعطل عما خلقت له وأما السنة فاحلديث املشهور النظر إىل الوجه املليح عبادة ويف احلديث اآلخر اطلبوا اخلري من حسان الوجوه ويف هذا إرشاد إىل تصفح الوجوه وتأملها وخطب رجل امرأة فاستشار ال نيب يف نكاحها فقال هل نظرت إليها فقال ال قال اذهب فانظر إليها ولو كان النظر حراما ملا أطلق له أن ينظر فإنه ال يأمن الفتنة وأما أقوال األئمة فحكى السمعاين أن الشافعي رضي هللا عنه كتب إليه رجل يف رقعة سل املفىت املكي هل يف تزاور %ونظرة مشتاق الفؤاد جناح فأجابه الشافعي معاذ إله العرش أن يذهب التقى %تالصق أكباد هبن جراح وذكر اخلرائطي هذا السؤال واجلواب عن عطاء بن أيب رباح وأوله سألت عطاء املكي وذكر احلاكم يف مناقب الشافعي رضي هللا عنه من شعره يقولون ال تنظر وتلك بلية %أال كل ذي عينني ال بد ناظر وليس اكتحال العني بالعني ريبة %إذا عف فيما بني الضمائر وذكر االسرتباذي يف كتاب مناقب الشافعي أن رجال كتب إىل سعيد ابن املسيب يا سيد التابعني والربره %نسيت يف العشق سورة البقره فكن بفتواك مشفقا رفقا %باهى بك هللا أكرم الربره هل حرم هللا لثم خد فىت %أوصافه باجلمال مشتهره فأجابه سعيد يا سائلي عن خفي لوعته %عليك بالصرب حتمدن أثره وال تكن طالبا لفاحشة %أو كالذي ساق سيله مطره وراقب هللا واخش سطوته %وخالف الفاسقني والفجره وقبل اخلد من حبيبك ذا %يف كل يوم وليلة عشره وقال أبو العباس املربد يف الكامل قال أعرايب أنشدنيه أبو العالية سألت الفىت املكي ذا العلم ما الذي %حيل من التقبيل يف رمضان فقال يل املكي أما لزوجة %فسبع وأما خلة فثمان وذكر أبو بكر اخلطيب يف كتاب رواه مالك عن بعضهم أقول ملفت بني مكة والصفا %لك اخلري هل يف وصلهن حرام وهل يف صموت احلجل مهضومة احلشا %عذاب الثنايا إن لثمت أثام فقال يل املفيت وسالت دموعه %على اخلد من عينيه فهي تؤام أال ليتين قبلت
تلك عشية %ببطن مىن واحملرمون نيام وقال احلاكم يف كتاب مناقب الشافعي حدثنا أبو العالء بن كوشيار احلاري أنبأنا علي ب ن سليمان األخفش عن حممد بن اجلهم قال مسعت الربيع يقول حضرت الشافعي مبكة وقد دفع إليه رجل رقعة فيها أقول ملفيت خيف مكة والصفا %لك اخلري هل يف وصلهن حرام وهل يف صموت احلجل مهضومة احلشا %عذاب الثنايا إن لثمت أثام قال فوقع الشافعي فيها فقال يل املفيت وفاضت دموعه %على اخلد من عني وهن تؤام أال ليتين قبلت تلك عشية %ببطن مىن واحملرمون قيام وقال عمرو بن سفيان ابن ابنة جامع بن مرخية إنا سألنا مالكا وقرينه %ليث بن سعد عن لثام الوامق أجيوز قاال والذي خلق الورى %ما حرم الرمحن قبلة عاشق ذكر ذلك ص احب كتاب رستاق االتفاق وهو شاعر املصريني وأنشد فيه لعمرو بن سفيان هذا وكتب هبا إىل ابن عيينة قلنا لسفيان اهلاليل مرة %حرمت ضم العاشق املشتاق حلبيبه من بعد نأي ناله %فأجاب ال والواحد اخلالق وأنشد فيه جلده جامع وكتب هبا إىل علي بن زيد بن جدعان سألن ا ابن جدعان بن عمر وأخا العال %أحيرم لثم احلب يف ليلة القدر فقال لنا املكي وناهيك علمه %أال ال ومن قد جاء بالشفع والوتر وأنشد إلبراهيم بن املدبر وكتب هبا إىل أيب بكر بن عياش أحد أئمة القراء سألت ابن عياش وكان معلما %لك اخلري هل يف ضمة احلب من وزر فقال أبو بكر وال يف لثامه %أمل يأتنا التنزيل بالوضع لإلصر وأنشد آلخر وكتب هبا إىل اإلمام أمحد بن حنبل قال وزعم بعضهم أنه إسحاق بن معاذ بن زهري شاعر أهل مصر يف وقته سألت إمام الناس جنل ابن حنبل %عن الضم والتقبيل هل فيه من باس فقال إذا جل العزاء فواجب %ألنك قد أحييت عبدا من الناس وأنشد البن مرخية وكتب هبا إىل أيب حنيفة كتبت إىل النعمان يوما رسالة %نسائله عن لثم حب ممنع فقال لنا ال إمث فيه وإنه %شهي إذا كانت لعشر وأربع وكتب رجل إىل أيب جعفر الطحاوي أبا جعفر ماذا تقول فإنه %إذا نابنا خطب عليك املعول فال تنكرن قويل وأبشر برمحة ال %إله عن األمر الذي عنه نسأل أب احلب عار أم من احلب مهرب %وهل من حلا أهل الصبابة جيهل وهل مبباح فيه قتل متيم %يهاجره أحبابه وهو يوصل فرأيك يف رد اجلواب فإنين %مبا فيه تقضي أيها الشيخ أفعل فأجابه الطحاوي سأقضي قضاء يف الذي عنه تسأل %وأحكم بني العاشقني فأعدل فديتك ما باحلب عار علمته % وللعار ترك احلب إن كنت تعقل ومهما حلا يف احلب الح فإنه %لعمرك عندي من ذوي اجلهل أجهل وليس مباحا عندنا قتل مسلم %بال ترة بل قاتل النفس يقتل ولكنه إن مات يف احلب مل يكن %له قود فيه وال عنه يعقل وصالك من هتوى وإن صد واجب %عليك كذا حكم املتيم يفعل فهذا جواب فيه عندي قناعة %ملا جئت عنه أيها الصب تسأل ويكفي أن املعتزلة من أشد الناس تعظيما للذنوب وهم خيلدون أصحاب الكبائر وال يرون حترمي ذلك كما ذكره احلافظ أبو القاسم ابن عساكر يف تارخيه املشهور لبعض املعتزلة سألنا أبا عثمان عمرا وواصال % عن الضم والتقبيل للخد واجليد فقاال مجيعا والذي هو عادل %جيوز بال إمث فدع قول تفنيد وقال إسحاق بن شبيب سألنا شيوخ الواسطيني كلهم %عن الرشف والتقبيل هل فيهما إمث فقالوا مجيعا ليس إمثا لزوجة %وال خلة
والضم من هذه غنم وأنشد أبو احلسن علي بن إبراهيم بن حممد بن سعد اخلري يف كتابه شرح الكامل فلما أن أبيح لنا التالقي %تعانقنا كما اعتنق الصديق وهل حرجا تراه أو حراما %مشوق ضمه صب مشوق وقال اخلطيب يف تاريخ بغداد حدث نا أبو احلسن علي بن أيوب بن احلسن إمالء حدثنا أبو عبدهللا املرزباين وابن حيويه وابن شاذان قالوا حدثنا أبو عبدهللا إبراهيم بن حممد بن عرفة نفطويه بقرطبة قال دخلت على حممد بن داود األصبهاين يف مرضه الذي مات فيه فقلت له كيف جتدك قال حب من تعلم أورثين ما ترى فقلت له ما منعك عن االستمتاع به مع القدرة عليه قال االستمتاع على وجهني أحدمها النظر املباح والثاين اللذة احملظورة فأما النظر املباح فأورثين ما ترى وذكر القصة وستأيت يف باب عفاف العشاق واملقصود أنه مل ير النظر إىل معشوقه وال عشقه حراما وجرى على هذا املذهب أبو حممد بن حزم يف كتاب طوق احلمامة له قالوا وحنن حناكمكم إىل واحد يعد بآالف مؤلفة وهو شيخ اإلسالم ابن تيمية فإنه سئل ما تقول السادة الفقهاء رضي هللا عنهم يف رجل عاشق يف صورة وهي مصرة على هجره منذ زمن طويل ال تزيده إال بعدا وال يزداد هلا إال حبا وعشقه هلذ ه الصورة من غري فسق وال خىن وال هو ممن يدنس عشقه بزىن وقد أفضى به احلال إىل اهلالك ال حمالة إن بقي مع حمبوبه على هذه احلالة فهل حيل ملن هذه حاله أن يهجر وهل جيب وصاله علىاحملبوب املذكور وهل يأمث ببقائه على هجره وما جيب من تفاصيل أمرمها وما لكل واحد منهما على اآلخر من احلقوق مما يوافق الشرع الشريف فأجاب خبطه جبواب طويل قال يف أثنائه فالعاشق له ثالث مقامات ابتداء وتوسط وهناية أما ابتداؤه فواجب عليه فيه كتمان ذلك وعدم إفشائه للخلق مراعيا يف ذلك شرائط الفتوة من العفة مع القدرة فإن زاد به احلال إلىاملقام األوس ط فال بأس بإعالم حمبوبه مبحبته إياه فيخف بإعالمه وشكواه إليه ما جيد منه وحيذر من اطالع الناس على ذلك فإن زاد به األمر حىت خرج عن احلدود والضوابط التحق باجملانني واملوسوسني فانقسم العشاق قسمني قسم قنعوا بالنظرة بعد النظرة فمنهم من ميوت وهو كذلك وال يظهر سره ألحد حىت حمبوبه ال يدري به وقد روي عن النيب من عشق فعف فكتم فمات فهو شهيد والقسم الثاين أباحوا ملن وصل إىل حد خياف على نفسه منه القبلة يف احلني قالوا ألن تركها قد يؤدي إىل هالك النفس والقبلة صغرية وهالك النفس كبرية وإذا وقع اإلنسان يف مرضني داوى األخطر وال خطر أعظم من قتل النفس حىت أوجبوا على احملبوب مطاوعته على ذلك إذا علم أن ترك ذلك يؤدي إىل هالكه واحتجوا بقول هللا تعاىل ^ إن جتتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ^ وبقوله تعاىل ^ الذين جيتنبون كبائر اإلمث والفواحش إال اللمم ^ وحبديث الذي قال يا رسول هللا إين لقيت امرأة أجنبية فأصبت منها كل شيء إال النكاح قال أصليت معنا قال نعم قال إن هللا قد غفر لك فأنزل هللا تعاىل ^ وأقم الصالة طريف النهار وزلفا من الليل إن احلسنات يذهنب السيئات ^ مث قال فإن كان هذا السائل كما زعم ممن ال يدنس عشقه بزىن وال يصحبه خبىن فينظر يف حاله فإن كان من الطبقة األوىل فالنظر كاف هلم إن صدقت دعواهم وإن كان من الطبقة الثانية فال بأس بشكواه إىل حمبوبه كي يرق عليه ويرمحه وإن غلب عليه احلال فالتحق بالثالثة أبيح له ما ذكرنا بشرط أن ال يكون أمنوذجا لفعل القبيح احملرم فيلتحق بالكبائر ويستحق
القتل عند ذلك ويزول عنه العذر وحيق عليه كلمة العذاب انتهى ما ذكرناه من جوابه قالوا وقد جوزت طائفة من فقهاء السلف واخللف والعلماء استمناء اإلنسان بيده إذا خاف الزىن وقد جوزت طائفة من الفقهاء ملن خاف على نفسه يف الصوم الواجب من شدة الشبق أن تتشقق أ نثياه أن جيامع امرأته وبنوا على ذلك فرعا وهو إذا كان له امرأتان حائض وصائمة فهل يطأ هذه أو هذه على وجهني وال ريب أن النظر والقبلة والضم إذا تضمن شفاءه من دائه كان أسهل من االستمناء باليد والوطء يف هنار رمضان وقد جوز بعض الفقهاء للمرأة إذا خافت الزىن أن تتخذ هلا شيئا تدخله يف فرجها وخترجه لئال تقع يف حمظور الزىن وال ريب أن الشريعة جاءت بالتزام الدخول يف أدىن املفسدتني دفعا ألعالمها وتفويت أدىن املصلحتني حتصيال ألعالمها فأين مفسدة النظر والقهلة والضم من مفسدة املرض واجلنون أو اهلالك مجلة فهذا ما احتجت به هذه الفرقة وحنن نذكر ما هلا وما عليها يف ذلك حبول هللا وقوته وعونه الباب التاسع يف اجلواب عما احتجت به هذه الطائفة وما هلا وما عليها يف هذا االحتجاج وشبههم اليت ذكروها دائرة بني ثالثة أقسام أحدها نقول صحيحة ال حجة هلم فيها والثاين نقول كاذبة عمن نسب ت إليه من وضع الفساق والفجار كما سنبينه الثالث نقول جمملة حمتملة خلالف ما ذهبوا إليه فأما احتجاجهم بقوله تعاىل أومل ينظروا يف ملكوت السموات واألرض وما خلق هللا من شيء فهو نظري احتجاجهم بعينه على إباحة السماع الشيطاين الفسقي بقوله تعاىل ^ فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ^ قالوا والقول عام فحملوا لفظه ومعناه ما هو بريء منه وإمنا القول هاهنا ما أمرهم هللا باستماعه وهو وحيه الذي أنزله على رسوله وهو الذي قال فيه أفلم يدبروا القرآن وقال تعاىل ^ ولقد وصلنا هلم القول ^ فهذا هو القول الذي أمروا باتباع أحسنه كما قال ^ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ^ والنظر الذي أمرنا سبحانه به املؤدي إىل معرفته واإلميان به وحمبته واالستدالل على صدق رسله فيما أخربوا به عنه من أمسائه وصفاته وأفعاله وعقابه وثوابه ال النظر الذي يوجب تعلق الناظر بالصورة اليت حيرم عليه ا الستمتاع هبا نظرا ومباشرة فهذا النظر الذي أمر هللا سبحانه وتعاىل صاحبه بغض بصره هذا مع أن القوم مل يبتلوا باملردان وهم كانوا أشرف نفوسا وأطهر قلوبا من ذلك فإذا أمرهم بغض أبصارهم عن الصورة اليت تباح هلم يف بعض األحوال خشية االفتتان فكيف النظر إىل صورة ال تباح حبال مث يقال هلذه الطائفة النظر الذي ندب هللا إليه نظر يثاب عليه الناظر وهو نظر موافق ألمره يقصد به معرفة ربه وحمبته ال النظر الشيطاين ويشبه هذا االستدالل استدالل بعض الزنادقة املنتسبني إىل الفقه على حل الفاحشة مبملوك الرجل بقوله تعاىل ^ إال على أزواجهم أو ما ملكت أمياهنم فإهنم غري ملومني ^ ومعتقد ذلك كافر حالل الدم بعد قيام احلجة عليه وإمنا تسرتت هذه الطائفة هلواها وشهواهتا وأومهت أهنا تنظر عربة واستدالال حىت آل ببعضهم األمر إىل أن ظنوا أن نظرهم عبادة ألهنم ينظرون إىل مظاهر اجلمال اإلهلي ويزعمون أن هللا سبحانه وتعاىل عن قول إخوان النصارى يظهر يف تلك الصورة اجلميلة وجيعلون هذا طريقا إىل هللا كما وقع فيه طوائف كثرية ممن يدعي املعرفة والسلوك قال شيخنا رمحه هللا تعاىل وكفر هؤالء شر من كفر قوم لوط وشر
من كفر عباد األصنام فإن أولئك مل يقولوا إن هللا سبحانه يتجلى يف تلك الصورة وعباد األصنام غاية ما قالوه ^ ما نعبدهم إال ليقربونا إىل هللا زلفى ^ وهؤالء قالوا نعبدهم ألن هللا ظهر يف صورهم وحكى يل شيخنا أن رجال من هؤالء مر به شاب مجيل فجعل يتبعه بصره فأنكر عليه جليس له وقال ال يصلح هذا ملثلك فقال إين أرى فيه صفات معبودي وهو مظهر من مظاهر مجاله فقال لقد فعلت به وصنعت فقال وإن قال شيخنا فلعن هللا أمة معبودها موطوؤها قال وسئل أفضل متأخريهم العفيف التلمساين فقيل له إذا كان الوجود واحدا فما الفرق بني األخت والبنت واألجنبية حىت حتل هذه فقال اجلميع عندنا سواء ولكن هؤالء احملجوبون قالوا حرام فقلنا حرام عليكم ومن هؤالء الزنادقة من خيص ذلك ببعض الصور فهؤالء من جنس النصارى بل هم إخواهنم فالنظر عند هؤالء إىل الصور احملرمة عبادة ويشبه أن يكون هذا احلديث من وضع بعض هؤالء الزنادقة أو جمان الفساق وإال فرسول هللا بريء منه وسئل شيخنا عمن يقول النظر إىل الوجه احلسن عبادة ويروى ذلك عن النيب فهل ذلك صحيح أم ال فأجاب بأن قال هذا كذب باطل ومن روى ذلك عن النيب أو ما يشبهه فقد كذب عليه فإن هذا مل يروه أحد من أهل احلديث ال بإسناد صحيح وال ضعيف بل هو من املوضوعات وهو خمالف إلمجاع املسلمني فإن ه مل يقل أحد إن النظر إىل املرأة األجنبية والصيب األمرد عبادة ومن زعم ذلك فإنه يستتاب فإن تاب وإال قتل فإن النظر منه ما هو حرام ومنه ما هو مكروه ومنه ما هو مباح وهللا أعلم وأما احلديث اآلخر وهو أطلبوااخلري من حسان الوجوه فهذا وإن كان قد روي بإسناد إال أنه باطل مل يصح عن رسول هللا ولو صح مل يكن فيه حجة هلذه الطائفة فإنه إمنا أمر بطلب اخلري منهم ال بطلب وصاهلم ونيل احملرم منهم فإن الوجه اجلميل مظنة الفعل اجلميل فإن األخالق يف الغالب مناسبة للخلقة بينهما نسب قريب وأما أمر النيب للخاطب بأن ينظر إىل املخطوبة فذلك نظر للحاجة وهو مأمور به أمر استحباب عند اجلمهور وأمر إجياب عند بعض أهل الظاهر وهو من النظر املأذون فيه ملصلحة راجحة وهو دخول الزوج على بصرية وأبعد من ندمه ونفرته عن املرأة فالنظر املباح أنواع هذا أحدها خبالف النظر إىل الصورة احملرمة فصل وأما ما ذكره السمعاين عن الشافعي رمحه هللا تعاىل فمن حتريف الناقل والسائل مل يذكر لفظ الشافعي والبيتان هكذا مها سألت الفىت املكي يف تزاور %ونظرة مشتاق الفؤاد جناح فقال معاذ هللا أن يذهب التقى %تالصق أكباد هبن جراح فهذا السائل هو الذي ذكر السؤال واجلواب وهو جمهول ال يعرف هل هو ثقة أم ال مث إن اجلواب ال يدل على مقصود هذه الفرقة بوجه ما بل هو حجة عليها فإنه هنى أن يذهب التقى تالصق هذه األكباد فكأنه قال ال تتالصق هذه األكباد لئال يذهب تالصقها التقى فالتالصق املذكور فاعل والتقى مفعول فكأنه قال ال يفعل لئال يذهب التال صق التقى وجواب آخر وهو أن هذا التالصق إمنا يكون غري مذهب للتقى إذا كان يف عشق مباح بل مستحب كعشق الزوجة واألمة وأما ما ذكروا عن سعيد بن املسيب رمحه هللا تعاىل فقد أجاب عنه سعيد نفسه فإنه ملا مر به مرخية هذا السائل وكان من بين كالب قال سعيد هذا من أكذب العرب قيل كيف يا أبا حممد قال أليس الذي يقول سألت سعيد بن املسيب مفيت املدينة %هل يف حب دمهاء من وزر فقال سعيد بن املسيب إمنا %تالم على
ما تستطيع من األمر كذب وهللا ما سألين عن شيء من هذا قط وال أفتيته وإذا كان هذا جواب سعيد يف مثل هذا فما جوابه ملن سأله أن يقبل حبيبا أجنبيا كل يوم وليلة عشرة فقبح هللا الفسقة الكذابني على العلماء ال سيما على مثل سعيد فهؤالء كلهم فسقة كاذبون أرادوا تنفيق فسقهم بالكذب على علماء وقتهم كما نفق الفاسق أبو نواس كذبه على إسحاق بن يوسف األزرق قال عبدهللا ابن حممد بن عائشة أت يت إسحاق بن يوسف األزرق يوما فلما رآين بكى قلت ما يبكيك قال هذا أبو نواس قلت ماله قال يا جارية ائتيين بالقرطاس فإذا فيه مكتوب يا ساحر املقلتني واجليد %وقاتلي منه باملواعيد توعدين الوصل مث ختلفين %وياله من خملف ملوعودي حدثين األزرق احملدث عن %مشر وعوف عن ابن مسعود ال خيلف الوعد غري كافرة %أو كافر يف اجلحيم مصفود كذب وهللا علي وعلى التابعني وعلى الصحابة ولو صح عن سعيد مل يكن لكم فيه حجة فإن سعيدا أمره بالصرب أوال ومراقبة هللا وخوف سطوته وخمالفة الفسقة مث أمره بتقبيل خد من حيبه كل يوم عشر مرات وه ذا قطعا إمنا أراد به من حيل له تقبيله من زوجة أو سرية فأمره أن يعتاض بقبلتها من ال حيل له وال يظن بعلماء اإلسالم غري هذا إال مفرط يف اجلهل أو متهم على الدين وأما ذكره املربد عن األعرايب الذي سأل املفيت املكي عن القبلة يف رمضان فقال للزوجة سبع وللخلة مثان فهذا املستفيت واملفيت ال يعرف واحد منهما حىت يقبل خريه ولو صح ذلك وعرف املستفيت واملفيت لكانت اخللة هي أمته اجلميلة وهي اليت حيل تقبيلها مثانيا فأكثر وأما أن يفيت أحد من أهل اإلسالم بأنه حيل تقبيل املرأة األجنبية احملرمة عليه مثانيا يف رمضان أو غريه فمعاذ هللا من ذلك وهكذا حكم األثر الذي ذكره اخلطيب يف كتاب رواه مالك وال يظن بعامل أنه متىن أن يقبل امرأة أجنبية وهو حمرم ببطن مىن فإن القبلة املذكورة تعرض احلج للفساد وتبطله عند طائفة فإن صح هذا فإمنا اراد امرأته أو أمته وأما األثر الذي ذكره احلاكم يف منا قب الشافعي رمحه هللا تعاىل فليس بني احلاكم وبني الربيع من حيتج به ويدل على أن القصة كذب ظاهر أن املستفيت زعم أن الشافعي أجاب بقوله فقال يل املفيت وفاضت دموعه وهذا إمنا هو حكاية املستفيت قول املفيت فمن هو احلاكي عن الشافعي فدعوا هذه األكاذيب والرتهات وأما ما ذكرمت عن عمرو بن سفيان ابن بنت جامع فمن ذكر هذا عن عمرو ابن سفيان ومن هو عمرو بن سفيان ابن بنت جامع بن مرخية هذا وهذا موضع البيتني املشهورين سألنا عن مثالة كل حي %فقال القائلون ومن مثاله فقلت حممد بن يزيد منهم %فقالوا زدتنا هبم جهاله وهل حيل أل حد أن يصدق عن مالك والليث بن سعد أهنما أجازا تقبيل خد املرأة األجنبية املعشوقة أو خد األمرد اجلميل الصورة هذا وقصة مالك مع الذي ضم صبياإليه فأفىت بضربه ستمائة سوط فمات فقال له أبو الفىت قتلت ابين فقال قتله هللا فمن هذا تشديده وفتواه هل يفيت جبواز تقبيل خدود املرد احلسان نعم ما حرم الرمحن قبلة عاشق حيل ملعشوقه مواصلته وال قبلة الرجل خد ولده كما قبل الصديق رضي هللا عنه خد ابنته عائشة رضي هللا عنها ورأى أعرايب النيب يقبل أحد ابين ابنته فقال وإنكم لتقبلون الصبيان إن يل عشرة من الولد ما قبلتهم فقال أو أملك لك إن نزع هللا الرمحة من قلبك وأما صاحب كتاب رستاق االتفاق وهو شاعر املصريني فلعمر هللا لقد أفسدت إذ أسندت فإنه الفاسق املاجن املسمى أبا الرقعمق ولكن ال ينكر هذا املنت هبذا اإلسناد فإنه ال يليق إال
به وأما قصة إبراهيم بن املدبر عن أيب بكر بن عياش فنقل غري مصدق عن قائل غري معصوم وأما ما ذكروا عن اإلمام أمحد رمحه هللا تعاىل فوالذي ال إله غريه إنه ملن أقبح الكذب عليه ولو أن هذا الكاذب الفاسق نفق هذه الكذبة بغريه لراج أمرها بعض الرواج ولكن من شدة جهله نفقها بأمحد ابن حنبل وهو كمن نسب إليه القول بأن القرآن خملوق أو تقدمي علي على أيب بكر أو تقدمي الرأي على السنة وأمثال ذلك وكذلك ما ذكره عن أيب حنيفة رمحه هللا تعاىل ولو صح مل يكن فيه حجة هلذه الطائفة فإنه قال ال إمث فيه إذا كانت لعشر وأربع ومل يقل إذا كانت أجنبية وحنن نقول مبا قال أبو حنيفة رمحه هللا تعاىل إذا كان املعشوق حالال وأما ما ذكر عن الطحاوي فال نعلم صحته وإن صح فإمنا أراد به التقبيل املباح فإن الرجل قد يبتلى هبجر زوجته أو أمته له فيسأل أطباء الدين وأطباء اجلسم وأطباء احلب عن دوائه فيجيبه كل منهم مبقتضى علمه وما عنده وقد شكى مغيث زوج بريرة حبه هلا فشفع عندها النيب أن تراجعه فلم تفعل وشكى إليه رجل أن امرأته ال ترد يد المس فقال طلقها فقال إين أخاف أن تتبعها نفسي فقال استمتع هبا ذكره اإلمام أمحد والنسائي قال بعض أهل العلم راعى النيب دفع أعلى املفسدتني بأدنامها فإنه ملا شكى إليه أهنا ال ترد يد المس أمره بطال قها فلما أخربه عن حبها وأنه خياف أن ال يصرب عنها ولعل حبه هلا يدعوه إىل معصية أمره أن ميسكها مداواة لقلبه ودفعا للمفسدة اليت خيافها باحتمال املفسدة اليت شكا منها وأجاب أبو عبيدة عنه بأهنا كانت ال ترد يد المس يطلب منها العطاء فكانت ال ترد يد من سأهلا شيئا من مال الزوج ورد عليه هذا التأويل بأنه ال يقال لطالب العطاء المس وإمنا يقال له ملتمس وأجابت طائفة أخرى عنه بأن طرآن املعصية على النكاح ال توجب فساده وقال النسائي هذا احلديث منكر وعندي أن له وجها غري هذا كله فإن الرجل مل يشك من املرأة أهنا تزين بكل من اراد ذلك منها ولو سأل عن ذلك ملا أقره رسول هللا على أن يقيم مع بغي ويكون زوج بغي ديوثا وإمنا شكى إليه أهنا ال جتذب نفسها ممن العبها ووضع يده عليها أو جذب ثوهبا وحنو ذلك فإن من النساء من تلني عند احلديث واللعب وحنوه وهي حصان عفيفة إذا أريد منها الزىن وهذا كان عا دة كثري من نساء العرب وال يعدون ذلك عيبا بل كانوا يف اجلاهلية يرون للزوج النصف األسفل وللعشيق النصف األعلى فللحب ما ضمت عليه نقاهبا %وللبعل ما ضمت عليه املآزر واملقصود أن القوم كانوا مع العاشق على معشوقه إذا كان يباح له وصاله وسنذكر ذلك يف باب مساعدة العشاق باملباح من التالق إن شاء هللا تعاىل وأما ما ذكروا عن شيوخ املعتزلة وشيوخ الواسطيني فأما أبو عثمان املذكور وهو عمرو بن عبيد وواصل وهو واصل بن عطاء ومها شيخا القوم ولو أفتيا بذلك لكانت فتيا من مبتدعني مذمومني عند السلف واخللف فكيف واملخرب بذلك رجل جمهول من املعتزلة كذب على من يعظمهما املعتزلة لينفق فسقه وأما قصة حممد بن داود األصبهاين فغايتها أن تكون من سعيه املعفو املغفور ال من عمله املشكور وسلط الناس بذلك على عرضه وهللا يغفر لنا وله فإنه تعرض بالنظر إىل السقم الذي صار به صاحب فراش وهذا لو كان ممن يباح له لكان نقصا وعيبا فكيف من صيب أجنيب وأرضاه الشيطان حببه والنظر إليه عن مواصلته إذا مل يطمع يف ذلك منه فنال منه ما عرف أن كيده ال يتجاوزه وجعله قدوة ملن يأمت به بعده كأيب حممد بن حزم الظاهري وغريه وكيد الشيطان أدق من هذا وأما أبو حممد فإنه على قدر يبسه وقسوته يف التمسك بالظاهر وإلغائه للمعاين واملناسبات واحلكم والعلل الشرعية امناع يف باب
العشق والنظر ومساع املالهي احملرمة فوسع هذا الباب جدا وضيق باب املناسبات واملعاين واحلكم الشرعية جدا وهو من احنرافه يف الطرفني حني رد احلديث الذي رواه البخاري يف صحيحه يف حترمي آالت اللهو بأنه معلق غري مسند وخفي عليه أن البخاري لقي من علقه عنه ومسع منه وهو هشام بن عمار وخفي عليه أن احلديث قد أسنده غري واحد من أئمة احلديث غري هشام بن عمار فأبطل سنة صحيحة ثابتة عن رسول هللا ال مطعن فيها بوجه وأما من حاكمتمونا إليه وهو شيخ اإلسالم ابن تيمية فنحن راضون حبكمه فأين أباح لكم النظر احملرم وعشق املردان والنساء األجانب وهل هذه إال كذب ظاهر عليه وهذه تصانيفه وفتاواه كلها ناطقة خبالف ما حكيتموه عنه وأما الفتيا اليت حكيتموها فكذب عليه ال تناسب كالمه بوجه ولوال اإلطالة لذكرناها مجيعها حىت يعلم الواقف عليها أهنا ال تصدر عمن دونه فضال عنه وقلت ملن أوقفين عليها هذه كذب عليه ال يشبه كالمه وكان بعض األمراء قد أوقفين عليها قدميا وهي خبط رجل متهم بالكذب وقال يل ما كنت أظن الشيخ برقة هذه احلاشية مث تأملتها فإذا هي كذب عليه ولوال اإلطالة لذكرنا من فتاويه ما يبني أن هذه كذب وأما ما ذكرمت من مسألة التزام أدىن املفسدتني لدفع أعالمها فنحن ال ننكر هذه القاعدة بل هي من أصح قواعد الشريعة ولكن الشأن يف إدخال هذه الصورة فيها بل حناكمكم إىل هذه القاعدة نفسها فإن احتمال مفسدة أمل احلب مع غض البصر وعدم تقبيل احملبوب وضمه وحنو ذلك أقل من مفسدة النظر والتقبيل فإن هذه املفسدة جتر إىل هالك القلب وفساد الدين وغاية ما يقدر من مفسدة اإلمساك عن ذلك سقم اجلسد أو املوت تفاديا عن التعرض للحرام فأين إحدى املفسدتني من األخرى على أن النظر والقبلة والضم ال مينع السقم واملوت احلاصل بسبب احلب فإن العشق يزيد بذلك وال يزول فما صبابة مشتاق على أمل % من الوصال كمشتاق بال أمل وال ريب يف أن حمبة من له طمع أقوى من حمبة من يئس من حمبوبه وهلذا قال الشاعر وأبرح ما يكن احلب يوما %إذا دنت الديار من الديار فإن قيل فقد أباح هللا سبحانه للمضطر امليتة والدم وحلم اخلنزير وتناوهلا يف هذه احلال واجب عليه قال مسروق واإلمام أمحد رمحهما هللا تعاىل من اضطر إىل أكل امليتة فلم يأكل فمات دخل النار فغاية النظرة والقبلة والضمة أن تكون حمرمة فإذا اضطر العاشق إليها فإن مل تكن واجبة فال أقل من أن تكون مباحة فهذا قياس واعتبار صحيح وأين مفسدة موت العاشق إىل مفسدة ضمه ومله فاجلواب أن هذا يتبني بذكر قاعدة وهي أن هللا سبحانه وتعاىل مل جيعل يف العبد اضطرارا إىل اجلماع حبيث إن مل يفعله مات خبالف اضطراره إىل األكل والشرب واللباس فإنه من قوام الب دن الذي إن مل يباشره هلك وهلذا مل يبح من الوطء احلرام ما أباح من تناول الغذاء والشراب احملرم فإن هذا من قبيل الشهوة واللذة اليت هي تتمة وفضلة وهلذا ميكن اإلنسان أن يعيش طول عمره بغري تزوج وغري تسر وال ميكنه أن يعيش بغري طعام وال شراب وهلذا أمر النيب الشباب أن يداووا هذه الشهوة بالصوم وقال تعاىل عن عشاق املردان ^ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون ^ النساء فأخرب أن احلامل على ذلك جمرد الشهوة ال احلاجة فضال عن الضرورة والشهوة اجملردة ال تلتحق بالضروريات وال باحلاجات واحلمية عنها خشية إفضائها إىل مرض أصعب منها جار جمرى احلمية عن تناول ما يضر من األطعمة
واألشربة وذلك ال تدعو الضرورة إىل تناوله وإن كانت النفس قد تشتهيه فالقبلة والنظر والضم وحنوها جار جمرى تناول الفاكهة املضرة والزفرة املضر للمحموم ومن به مرض يضره معه تناول ذلك فإذا قال املريض أنا إن مل أتناول ذلك وإال خشيت املوت مل يكن صادقا يف قوله وإمنا احلامل له على ذلك جمرد الشهوة ورمبا زاد تناول ذلك يف مرضه فالطبيب الناصح ال يفسح له فيه فكيف يفسح الشارع احلكيم الذي شريعته غاية طب القلوب واألديان وهبا حتفظ صحتها وتدفع موادها الفاسدة يف تناول ما يزيد الداء ويقويه وميده هذا من احملال بل الشريعة تأمر باحلمية عن أسباب هذا الداء خوفا من استحكامه وتولد داء آخر أصعب منه وأما مسألة من خاف تشقق أنثييه وأنه يباح له الوطء يف رمضان فهذا ليس على إطالقه بل إن أمكنه إخراج مائه بغري الوطء مل جيز له الوطء بال نزاع وإن مل ميكنه ذلك إال بالوطء املباح فإنه جيري جمرى اإلفطار لعذر املرض مث يقضي ذلك اليوم واإلفطار باملرض ال يتوقف على خوف اهلالك فكيف إذا خاف تلف عضو من أعضائه القاتلة بل هذا نظري من اشتد عطشه وخاف إن مل يشرب أن حيدث له داء من األدواء أو يتلف عضو من أعضائه فإنه جيوز له ا لشرب مث يقضي يوما مكانه فإن قيل فلو اتفق له ذلك ومل يكن عنده إال أجنبية هل يباح له وطؤها لئال تتلف أنثياه قيل ال يباح له ذلك ولكن له أن خيرج ماءه باستمنائه فإن تعذر عليه فهل جيوز له أن ميكنها من استخراج مائه بيدها هذا فيه نظر فإن أبيح جرى جمرى تطبيب املرأة األجنبية للرجل ومسها منه ما تدعو احلاجة إىل مسه وكذلك تطبيب الرجل للمرأة األجنبية ومسه ما تدعو احلاجة إليه وهللا أعلم وقد سئل أبو اخلطاب حمفوظ بن أمحد الكلوذاين يف رقعة قل أليب اخلطاب جنم اهلدى %وقدوة العامل يف عصره ال زلت يف فتواك مستأمنا %من خدع الشيطان أو مكره ماذا ترى يف رشإ أغيد %حاز اللمى والدرر يف ثغره مل حيك بدر التم يف حسنه %حىت حكى الزنبور يف حضره فهل جييز الشرع تقبيله %ملستهام خاف من وزره أم هل على املشتاق يف ضمه %من غري إدناء إىل صدره إمث إذا ما مل يكن مضمرا %غري الذي قدم من ذكره فأجاب يا أيها الشيخ األديب الذي %قد فاق أهل العصر يف شعره تسأل عن تقبيل بدر الدجى %وعطف زنديك على حنره هل ورد الشرع بتحليله %ملستهام خاف من وزره من قارف الفتنة مث ادعى ال %عصمة قد نافق يف أمره هل فتنة املرء سوى الضم والت %قبيل للحب على ثغره وهل دواعي ذلك املشتهى %إال عناق البدر يف خدره وبذله ذاك ملشتاقه %يزري على هاروت يف سحره وال جييز الشرع أسباب ما %يورط املسلم يف حظره فانج ودع عنك صداع اهلوى %عساك أن تسلم من شره هذا جواب الكلوزاين قد %جاءك يرجو هللا يف أجره فهذا جواب أهل العلم وهو مطابق ملا ذكرناه وهللا تعاىل أعلم وسئل اإلمام أبو الفرج بن اجلوزي رمحه هللا بأبيات يا أيها العامل ماذا ترى %يف عاشق ذاب من الوجد من حب ظيب أغيد أهيف %سهل احمليا حسن القد فهل ترى تقبيله جائزا %يف الفم والعينني واخلد من غري ما فحش وال ريبة %بل بعناق جائز احلد إن كنت ما تفيت فإين إذا %أصيح من وجدي وأستعدي فكتب رمحه هللا تعاىل اجلواب ياذا الذي ذاب من الوجد %وظل يف ضر ويف جهد إمسع فدتك النفس من ناصح %بنصحه يهدي إىل الرشد لو صح منك العشق ما جئتين %تسألين عنه وتستعدي فالعاشق الصادق يف حبه %ما باله يسأل ما عندي
غيبه العشق فما إن يرى %يعيد يف العشق وال يبدي وكل ما تذكر مستفتيا %حرمه هللا على العبد إال ملا حلله ربنا %يف الشرع باإلبرام والعقد فعد من طرق اهلوى معرضا %وقف بباب الواحد الفرد وسله يشفيك وال يبتلي % قلبك بالتعذيب والصد وعف يف العشق وال تبده %واصرب وكامت غاية اجلهد فإن متت حمتسبا صابرا %تفز غدا يف جنة اخللد الباب العاشر يف ذكر حقيقة العشق وأوصافه وكالم الناس فيه فالذي عليه األطباء قاطبة أنه مرض وسواسي شبيه باملاليخوليا جيلبه املرء إىل نفسه بتسليط فكره على استحسان بعض الصور والشمائل وسببه النفساين االستحسان والفكر وسببه البدين ارتفاع خبار رديء إىل الدماغ عن مين حمتقن ولذلك أكثر ما يعرتي العزاب وكثرة اجلماع تزيله بسرعة وقال بعض الفالسفة العشق طمع يتولد يف القلب ويتحرك وينمي مث يرتىب وجيتمع إليه مواد من احلرص وكلما قوي ازداد صاحبه يف االهتياج واللجاج والتمادي يف الطمع واحلرص على الطلب حىت يؤديه ذلك إىل الغم والقلق ويكون احرتاق الدم عند ذلك باستحالته إىل السوداء والتهاب الصفراء وانقالهبا إليها ومن غلبة السوداء حيصل له فسادالفكر ومع فساد الفكر يكون زوال العقل ورجاء ما ال يكون ومتين ماال يتم حىت يؤدي إىل اجلنون فحينئذ رمبا قتل العاشق نفسه ورمبا مات غما ورمبا نظر إىل معشوقه فمات فرحا ورمبا شهق شهقة فتختنق روحه فيبقى أربعة وعشرين ساعة فيظن أنه قد مات فيدفن وهو حي ورمبا تنفس الصعداء فتختنق نفسه يف تامور قلبه وينضم عليها القلب وال ينفرج حىت ميوت وتراه إذا ذكر له من يهواه هرب دمه واستحال لونه وقال أفالطون العشق حركة النفس الفارغة وقال أرسطاطاليس العشق عمى احلس عن إدراك عيوب احملبوب ومن هذا أخذ جرير قوله فلست براء عيب ذي الود كله %وال بعض ما فيه إذا كنت راضيا فعني الرضى عن كل عيب كليلة %ولكن عني السخط تبدي املساويا وقال أرسطو العشق جهل عارض صادف قلبا فارغا ال شغل له من جتارة وال صناعة وقال غريه هو سوء اختيار صادف نفسا فارغة قال قيس بن امللوح أتاين هواها قبل أن أعرف اهلوى %فصادف قلبا خاليا فتمكنا وقال بعضهم مل أر حقا أشبه بباطل وال باطال أشبه حبق من العشق هزله جد وجده هزل وأوله لعب وآخره عطب وقال اجلاحظ العشق اسم ملا فضل عن احملبة كما أن السرف اسم ملا جاوز اجلود والبخل اسم ملا جاوز االقتصاد فكل عشق يسمى حبا وليس كل حب يسمى عشقا واحملبة جنس والعشق نوع منها أال ترى أن كل حمبة شوق وليس كل شوق حمبة وقالت فرقة أخرى العشق هو االستهيام والتضرع واللوذان باملعشوق والوجد هو احلب الساكن واهلوى أن يهوى الشيء فيتبعه غيا كان أو رشدا واحلب حرف ينتظم هذه الثالثة وقال املأمون ليحىي بن أكثم ما العشق فقال سوانح تسنح للمرء فيهيم هبا قلبه وتؤثرها نفسه فقال له مثامة بن أشرس اسكت يا حيىي إمنا عليك أن جتيب يف مسألة طالق أو حمرم صاد ظبيا فأما هذه فمن مسائلنا حنن فقال له املأمون قل يا مثامة قال العشق جليس ممتع وأليف مؤنس وصاحب ملك مسالكه لطيفة ومذاهبه غامضة وأحكامه جارية ملك األبدان وأرواحها
والقلوب وخواطرها والعقول وآراءها قد أعطي عنان طاعتها وقوة تصرفها توارى عن األبصار مدخله وعمي يف القلوب مسلكه فقال له املأمون أحسنت يا مثامة وأمر له بألف دينار وقال بعضهم قلت جملنون قد أذهب عقله العشق أجز هذاالبيت وما احلب إال شعلة قدحت هبا %عيون املها باللحظ بني اجلوانح فقال بديها ونار اهلوى ختفى ويف القلب فعلها %كفعل الذي جاءت به كف قادح وقال األصمعي سألت أعرابيا عن العشق فقال جل وهللا عن أن يرى وخفي عن أبصار الورى فهو يف الصدور كامن ككمون النار يف احلجر إن قدح أوري وإن ترك توارى وقال بعضهم العشق نوع من اجلنون واجلنون فنون فالعشق فن من فنونه واحتج بقول قيس قالوا جننت مبن هتوى فقلت هلم % ألعشق أعظم مما باجملانني العشق ال يستفيق الدهر صاحبه %وإمنا يصرع اجملنون يف احلني وقال آخر إذا امتزجت جواهر النفوس بوصف امل شاكلة أنتجت ملح نور ساطع تستضيء به النفس يف معرفة حماسن املعشوق فتسلك طريق الوصول إليه وقال أعرايب العشق أعظم مسلكا يف القلب من الروح يف اجلسم وأملك بالنفس من ذاهتا بطن وظهر فامتنع وصفه عن اللسان وخفي نعته عن البيان فهو بني السحر واجلنون لطيف املسلك والكمون وقيل العشق ملك غشوم مسلط ظلوم دانت له القلوب وانقادت له األلباب وخضعت له النفوس العقل أسريه والنظر رسوله واللحظ لفظه دقيق املسلك عسري املخرج وقيل آلخر ما تقول يف العشق فقال إن مل يكن طرفا من اجلنون فهو نوع من السحر وأما الفالسفة املشاؤون فقالوا هو اتفاق أخالق وتشاكل حمبات وجتانسها وشوق كل نفس إىل مشاكلها وجمانسها يف اخللقة القدمية قبل إهباطها إىل األجساد قلت هذا مبين على قوهلم الفاسد بتقدم النفوس على األبدان وعليه بىن ابن سينا قصيدته املشهورة هبطت إليك من احملل األرفع %ومسعت شيخنا حيكي عن بعض فضال ء املغاربة وهو مجال الدين بن الشريشي شارح املقامات أنه كان ينكر أن تكون هذه له قال وهي خمالفة ملا قرره يف كتبه من أن حدوث النفس الناطقة مع البدن وقال آخرون يف وصفه دق عن األفهام مسلكه وخفي عن األبصار موضعه وحارت العقول يف كيفية متكنه غري أن ابتداء حركته وعظم سلطانه من القلب مث يتغشى سائر األعضاء فيبدي الرعدة يف األطراف والصفرة يف األلوان والضعف يف الرأي واللجلجة يف الكالم والزلل والعثار حىت ينسب صاحبه إىل اجلنون وقيل أليب زهري املديين ما العشق قال اجلنون والذل وهو داء أهل الظرف ونظر عاشق إىل معشوقه فارتع دت فرائصه وغشي عليه فقيل حلكيم ما الذي أصابه فقال نظر إىل من حيبه فانفرج له قلبه فتحرك اجلسم بانفراج القلب فقيل له حنن حنب أوالدنا وأهلنا وال يصيبنا ذلك فقال تلك حمبة العقل وهذه حمبة الروح قال وما هو إال أن يراها فجاءة %فتصطك رجاله ويسقط للجنب وقال العشق ملك مسلط على قهر النفوس وأسر القلوب قال الشاعر ملك القلوب فأصبحت يف أسره % وبودها أن ال يفك إسارها وقال أعرايب يف وصفه بالقلب وثبته وبالفؤاد وجبته وباألحشاء ناره وسائر األعضاء خدامه فالقلب من العاشق ذاهل والدمع منه هامل واجلسم منه ناحل مرور الليايل جتدده وإساءة احملبوب ال تفسده وقيل ليس هو موقوفا على احلسن واجلمال وإمنا هو تشاكل النفوس ومتازجها يف الطباع املخلوقة فيها كما قيل وما احلب من حسن وال من مالحة %ولكنه شيء به الروح تكلف وقيل أول العشق عناء وأوسطه سقم وآخره قتل كما قال ابن
الفارض رمحه هللا هو احلب فاسلم باحلشا ما اهلوى سهل %فما اختاره مضىن به وله عقل وعش خاليا فاحلب أوله عىن %وأوسطه سقم وآخره قتل الباب احلادي عشر يف العشق هل هو اضطراري خارج عن االختيار أو أمر اختياري واختالف الناس يف ذلك وذكر الصواب فيه فنقول اختلف الناس يف العشق هل هو اختياري أو اضطراري خارج عن مقدور البشر فقالت فرقة هو اضطراري وليس باختياري قالوا وهو مبنزلة حمبة الظمآن للماء البارد واجلائع للطعام وهذا مما ال ميلك قال بعضهم وهللا لو كان يل من األمر شيء ما عذبت عاشقا ألن ذنوب العشاق اضطرارية فإذا كان هذا قوله فيما تولد عن العشق من فعل اختياري فما الظن بالعشق نفسه وقال أبو حممد بن حزم قال رجل لعمر بن اخلطاب رضي هللا عنه يا أمري املؤمنني إين رأيت امرأة فعشقتها فقال عمر ذاك مما ال ميلك وقال كامل يف سلمى يلومونين يف حب سلمى كأمنا %يرون اهلوى شيئا تيممته عمدا أال إمنا احلب الذي صدع احلشا %قضاء من الرمحن يبلو به العبدا وقال التميمي يف كتاب امتزاج األرواح سئل بعض األطباء عن العشق فقال إن وقوعه بأهله ليس باختيار منهم وال حبرصهم عليه وال لذة ألكثرهم فيه ولكن وقوعه هبم كوقوع العلل املدنفة واألمراض املتلفة ال فرق بينه وبني ذلك وقال املدائين الم رجل رجال من أهل اهلوى فقال لو صح لذي هوى اختيار الختار أن ال يهوى ويدل على ذلك من السنة ما رواه البخاري يف صحيحه من قصة بريرة أن زوجها كان ميشي خلفها بعد فراقها له وقد صارت أجنبية منه ودموعه تسيل على خديه فقال النيب يا عباس أال تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا مث قال هلا لو راجعتيه فقالت أتأمرين فقال إمنا أنا شافع قالت ال حاجة يل فيه ومل ينهه عن عشقها يف هذه احلال إذ ذلك شيء ال ميلك وال يدخل حتت االختيار وقال جامع سألت سعيد بن املسيب مفيت ال %مدينة هل يف حب دمهاء من وزر فقال سعيد بن املسيب إمنا %يالم على ما يستطاع من األمر قالوا والعشق نوع من العذاب والعاقل ال خيتار عذاب نفسه ويف هذا قال املؤمل شف املؤمل يوم احلرية النظر %ليت املؤمل مل خيلق له بصر يكفي احملبني يف الدنيا عذاهبم %وهللا ال عذبتهم بعدها سقر فيقال إنه عمي بعد هذا وقال آخر ليس اهلوى إىل الرأي فيملكه وال إىل العقل فيدركه مث أنشد ليس خطب اهلوى خبطب يسري %ال ينبيك عنه مثل خبري ليس أمر اهلوى يدبر بالرأ %ي وال بالقياس والتفكري إمنا األمر يف اهلوى خطرات %حمدثات األمور بعد األمور وقال القاضي أبو عمر حممد بن أمحد بن حممد بن سلمان النوقايت يف كتابه حمنة الظراف العشاق معذورون على األحوال إذ العشق إمنا دهاهم عن غري اختيار بل اعرتاهم عن جرب واضطرار واملرء إمنا يالم على ما يستطيع من األمور ال على املقضي عليه واملقدور فقد قيل إن احلامل كانت ترى يوسف عليه الصالة والسالم فتضع محلها فكيف ترى هذه وضعته أباختيار كان ذلك أم باضطرار قال غريه وهؤالء النسوة قطعن أيديهن ملا بدا هلن حسن يوسف عليه السالم وما متكن حبه من قلوهبن فكيف لو شغفن حبا وكان مصعب بن الزبري إذا رأته املرأة
حاضت حلسنه ومجاله قال فيه الشاعر إمنا مصعب شهاب من الل %ه جتلت عن وجهه الظلماء ومن هاهنا أخذ أمحد بن احلسني الكندي املتنيب قوله تق هللا واسرت ذا اجلمال بربقع %فإن حلت حاضت يف اخلدور العواتق فإذا كان هذا من جمرد الرؤية فكيف باحملبة اليت ال متلك وقال هشام ابن عروة عن أبيه مات باملدينة عاشق فصلى عليه زيد بن ثابت فقيل له يف ذلك فقال إين رمحته ورؤي أبو السائب املخزومي وكان من العلم والدين مبكان متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول اللهم ارحم العاشقني وقو قلوهبم واعطف عليهم قلوب املعشوقني فقيل له يف ذلك فقال وهللا للدعاء هلم أفضل من عمرة من اجلعرانة مث أنشد يا هجر كف عن اهلوى ودع اهلوى %للعاشقني يطيب يا هجر ماذا تريد من الذين جفوهنم %قرحى وحشو قلوهبم مجر متبلدين من اهلوى ألواهنم %مما جتن قلوهبم صفر وسوابق العربات فوق خدودهم %درر تفيض كأهنا قطر ويذكر أن النيب مر جبارية تتغىن هل علي وحيكما %إن هويت من حرج فتبسم وقال ال حرج إن شاء هللا قالوا وقد فسر كثري من السلف قوله تعاىل ربنا وال حتملنا ماال طاقة لنا به بالعشق وهذا مل يريدوا به التخصيص وإمنا أرادوا به التمثيل وأن العشق من حتميل ماال يطاق واملراد بالتحميل هاهنا التحميل القدري ال الشرعي األمري قالوا وقد رأينا مجاعة من العشاق يطوفون على من يدعو هلم أن يعافيهم هللا من العشق ولو كان اختيارا ألزالوه عن نفوسهم ومن هاهنا يتبني خطأ كثري من العاذلني وعذهلم يف هذه احلال مبنزلة عذل املريض يف مرضه قال يا عاذيل واألمر يف يده %هال عذلت ويف يدي األمر وإمنا ينبغي العذل قبل تعلق هذا الداء بالقلب كما قيل فيه يذكرين حم ولرمح شاجر %فهال تالحم قبل التقدم وقالت فرقة أخرى بل اختياري تابع هلوى النفس وإرادهتا بل هو استحكام اهلوى الذي مدح هللا من هنى عنه نفسه فقال تعاىل ^ وأما من خاف مقام ربه وهنى النفس عن اهلوى فإن اجلنة هي املأوى ^ فمحال أن ينهى اإلنسان نفسه عما ال يدخل حتت قدرته قالوا والعشق حركة اختيارية للنفس إىل حنو حمبوهبا وليس مبنزلةاحلركات االضطرارية اليت ال تدخل حتت قدرة العبد قالوا وقد ذم هللا سبحانه وتعاىل أصحاب احملبة الفاسدة الذين حيبون من دونه أندادا ولو كانت احملبة اضطرارية ملا ذموا على ذلك قالوا وألن احملبة إرادة قوية والعبد حيمد ويذم على إرادته وهلذا حيمد مريد اخلري وإن مل يفعله ويذم مريد الشر وإن مل يفعله وقد ذم هللا الذين حيبون أن تشيع الفاحشة يف الذين آمنوا وأخرب أن هلم عذابا أليما ولو كانت احملبة ال متلك مل يتوعدهم بالعذاب على ما ال يدخل حتت قدرهتم قالوا والعقالء قاطبة مطبقون على لوم من حيب ما يتضرر مبحبته وهذا فطرة فطر هللا عليها اخللق فلو اعتذر بأين ال أملك قليب مل يقبلوا له عذرا فصل وفصل النزاع بني الفريقني أن مبادىء العشق وأسبابه اختيارية داخلة حتت التكليف فإن النظر والتفكر والتعرض للمحبة أمر اختياري فإذا أتى باألسباب كان ترتب املسبب عليها بغري اختياره كما قيل تولع بالعشق حىت عشق %فلما استقل به مل يطق رأى جلة ظنها موجة %فلما متكن منها غرق متىن اإلقالة من ذنبه %فلم يستطعها ومل يستطق وهذا مبنزلة السكر من شرب اخلمر فإن تناول املسكر اختياري وما يتولد عنه السكر اضطراري فمىت كان السبب واقعا باختياره مل يكن معذورا فيما تولد عنه بغري اختياره فمىت كان السبب حمظورا مل يكن السكران معذورا وال ريب أن متابعة النظر واستدامة الفكر مبنزلة شرب املسكر فهو يالم على
السبب وهلذا إذا حصل العشق بسبب غري حمظور مل يلم عليه صاحبه كمن كان يعشق امرأته أو جاريته مث فارقها وبقي عشقها غري مفارق له فهذا ال يالم على ذلك كما تقدم يف قصة بريرة ومغيث وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة مث صرف بصره وقد متكن العشق من قلبه بغري اختياره على أن عليه مدافعته وصرفه عن قلبه بضده فإذا جاء أمر يغلبه فهناك ال يالم بعد بذل اجلهد يف دفعه ومما يبني ما قلناه أن سكر العشق أعظم من سكر اخلمر كما قال هللا تعاىل عن عشاق الصور من قوم لوط ^ لعمرك إهنم لفي سكرهتم يعمهون ^ وإذا كان أدىن السكرين ال يعذر صاحبه إذا تعاطى أسبابه فكيف يعذر صاحب السكر األقوى مع تعاطي أسبابه وإذ قد وصلنا إىل هذا املوضع فلنذكر بابا يف سكرة احلب وسببها الباب الثاين عشر يف سكرة العشاق وال بد قبل اخلوض يف ذلك من بيان حقيقة السكر وسببه وتولده فنقول السكر لذة يغيب معها العقل الذي يعلم به القول وحيصل معه التمييز قال هللا تعاىل ^ يا أيها الذين آمنوا ال تقربوا الصالة وأنتم سكارى حىت تعلموا ما تقولون ^ فجعل الغاية اليت يزول هبا حكم السكران أن يعلم ما يقول فمىت مل يعلم ما يقول فهو يف السكر وإذا علم ما يقول خرج عن حكمه وهذا هو حد السكران عند مجهور أهل العلم قيل لإلمام أمحد بن حنبل رمحه هللا تعاىل مباذا يعلم أنه سكران فقال إذا مل يعرف ثوبه من ثوب غريه ونعله من نعل غريه ويذكر عن الشافعي رمحه هللا تعاىل أنه قال إذااختلط كالمه املنظوم وأفشى سره املكتوم وقال حممد بن داود األصفهاين إذا عزبت عنه اهلموم وباح بسره املكتوم فالسكر جيمع معنيني وجود لذة وعدم متييز والذي يقصد السكر قد يقصد أحدمها وقد يقصد كليهما فإن النفس هلا هوى وشهوات تلتذ بإدراكها والعلم مبا يف تلك اللذات من املفاسد العاجلة واآلجلة مينعها من تناوهلا والعقل يأمرها بأن ال تفعل فإذا زال العقل اآلمر والعلم الكاشف انبسطت النفس يف هواها وصادفت جماال واسعا وحرم هللا سبحانه وتعاىل السكر لشيئني ذكرمها يف كتابه من قوله ^ إمنا يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء يف اخلمر وامليسر ويصدكم عن ذكر هللا وعن الصالة فهل أنتم منتهون ^ فأخرب هللا سبحانه أنه يوجب املفسدة الناشئة من النفس بواسطة زوال العقل ومينع املصلحة اليت ال تتم إال بالعقل وقد يكون سبب السكر أملا كما يكون لذة قال هللا تعاىل ^ يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم تروهن ا تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات محل محلها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب هللا شديد ^ وقد يكون سببه قوة الفرح بإدراك احملبوب حبيث خيتلط كالمه وتتغري أفعاله حبيث يزول عقله ورمبا قتله الفرح بسبب طبيعي وهو انبساط دم القلب انبساطا خارجا عن العادة والدم حامل احلار الغريزي فيربد القلب بسبب انبساط دمه فيحدث املوت وقد جرى هذا ألمحد بن طولون أمري مصر فإنه مر بصياد يف يوم بارد وعنده بين له فرق عليهما وأمر غالمه أن يدفع إليه ما معه من الذهب فصبه يف حجره ومضى فاشتد فرحه به فلم حيمل ما ورد عليه من الفرح فقضى مكانه فعاد األمري من شأنه فوجد الرجل ميتا والصيب يبكي عند رأسه فقال من قتله فقال مر بنا رجل ال جزاه هللا خريا فصب يف حجر أيب شيئا فقتله مكانه فقال األمري صدق حنن قتلناه أتاه الغىن وهلة
واحدة فعجز عن احتماله فقتله ولو أعطيناه ذلك بالتدريج مل يقتله فحرض الصيب على أن يأخذ الذهب فأىب وقال وهللا ال أمسك شيئا قتلي أيب واملقصود أن السكر يوجب اللذة ومينع العلم فمنه السكر باألطعمة واألشربة فإن صاحبها حيصل له لذة وسرور هبا حيمله على تناوهلا ألهنا تغيب عنه عقله فتغيب عن اهلموم والغموم واألحزان تلك الساعة ولكن يغلط يف ذلك فإهنا ال تزول ولكن تتوارى فإذا صحا عادت أعظم ما كانت وأوفره فيدعوه عودها إىل العود كما قال الشاعر وكأس شربت على لذة %وأخرى تداويت منها هبا ومن الناس من يقصد هبا منفعة البدن وهو غالط فإنه يرتتب عليها من املضرة املتولدة عن السكر ما هو أعظم من تلك املنفعة بكثري واللذة احلاصلة بذكر هللا والصالة عاجال وآجال أعظم وأبقى وأدفع للهموم والغموم واألحزان وتلك اللذة أجلب شيء للهموم والغموم عاجال وآجال ففي لذة ذكر هللا واإلقبال عليه والصالة بالقلب والبدن من املنفعة الشريفةالعظيمة الساملة عن املفاسد الدافعة للمضار غىن وعوض لإلنسان الذي هو إنسان عن تلك اللذة الناقصة القاصرة املانعة ملا هو أكمل منها اجلالبة ألمل أعظم منها فصل ومن أسباب السكر حب الصور فإنه إذا استحكم احلب وقوي أسكر احملب وأشعارهم بذلك مشهورة كثرية وال سيما إذا اتصل اجلماع بذلك احلب فإن صاحبه ينقص متييزه أو يعدم يف تلك احلالة حبيث ال مييز فإن انضاف إىل ذلك السكر سكر الشراب حبيث جيتمع عليه سكر اهلوى وسكر اخلمر وسكر لذة اجلماع فذلك غاية السكر ومنه ما يكون سببه حب املال والرئاسة وقوة الغضب فإن الغضب إذا قوي أوجب سكرا يقرب من سكر اخلمر ويدخل ذلك يف اإلغالق الذي أبطل النيب وقوع الطالق فيه بقوله ال طالق يف إغالق رواه أبو داود وقال أظنه الغضب وفسره اإلمام أمحد بن حنبل رمحه هللا تعاىل أيضا بالغضب ومما يدل على صحة ذلك قوله تعاىل ^ ولو يعجل هللا للناس الشر استعجاهلم باخلري لقضي إليهم أجلهم ^ قال السلف يف تفسريها هو الرجل يدعو على نفسه وأهله يف وقت الغضب من غري إرادة منه لذلك فلو استجاب هللا دعاءه ألهلكه وأهلك من دعا عليه ولكن لرمحته ملا علم أن احلامل له على ذلك سكر الغضب ال جييب دعاءه ومن هذا قول الواجد لراحلته بعد يأسه منها وإيقانه باهلالك اللهم أنت عبدي وأنا ربك قال رسول هللا أخطأ من شدة الفرح ومل يكن بذلك كافرا لعدم قصده وذكر النيب ذلك حتقيقا لشدة الفرح الذي أفضى به إىل ذلك وإمنا كانت هذه األشياء قد توجب السكر ألن السكر سببه ما يوجب اللذة القاهرة اليت تغمر العقل وسبب اللذة إدراك احملبوب فإذا كانت احملبة قوية وإدراك احملبوب قويا والعقل ضعيفا حدث السكر لكن ضعف العقل يكون تارة من ضعف احملبة وتارة من قوة السبب الوارد وهلذا حيصل السكر للمبتدئني يف إدراك الرئاسة واملال والعشق واخلمر ماال حيصل ملن اعتاد ذلك ومتكن فيه فصل ومن أقوى أسباب السكر املوجبة له مساع األصوات املطربة من جهتني من جهة أهنا يف نفسها توجب لذة قوية ينغمر معها العقل ومن جهة أهنا حترم النفس إىل حنو حمبوهبا كائنا ما كان فيحصل بتلك احلركة الشوق والطلب مع التخيل للمحبوب وإدناء صورته إىل القلب واستيالئها على الفكرة لذة عظيمة تقهر العقل فت جتمع لذة األحلان ولذة األشجان وهلذا يقرن املعنيون هبذه اللذات مساع األحلان بالشراب كثريا ليكمل هلم السكر بالشراب والعشق والصوت املطرب فيجدون من لذة الوصال وسكره يف هذه احلال ماال جيدونه
بدوهنا فاخلمر شراب النفوس واألحلان شراب األرواح وال سيما إذا اقرتن هبا من األقوال ما فيه ذكر احملبوب ووصف حال احملب على مقتضىاحلال اليت هو فيها فيجتمع مساع األصوات الطيبة وإدراك املعاين املناسبة وذلك أقوى بكثري من اللذة احلاصلة بكل واحد منها على انفراده فتستويل اللذة على النفس والروح والبدن أمت استيالء فيحدث غاية السكر فكيف يدعى العذر من تعاطى هذه األسباب ويقول إن ما تولد عنها اضطراري غري اختياري وباهلل التوفيق الباب الثالث عشر يف أن اللذة تابعة للمحبة يف الكمال والنقصان فكلما قويت احملبة قويت اللذة بإدراك احملبوب وهذا الباب من أجل أبواب الكتاب وأنفعها ونذكر فيه بيان معرفة اللذة وأقسامها ومراتبها فنقول أما اللذة ففسرت بأهنا إدراك املالئم كما أن األمل إدراك املنايف قال شيخنا والصواب أن يقال إدراك املالئم سبب اللذة وإدراك املنايف سبب األمل فاللذة واألمل ينشآن عن إدراك املالئم واملنايف واإلدراك سبب هلما واللذة أظهر من كل ما تعرف به فإهنا أمر وجداين وإمنا تعرف بأسباهبا وأحكامها واللذة والبهجة والسرور وقرة العني وطيب النفس والنعيم ألفاظ متقاربة املعىن وهي أمر مطلوب يف اجلملة بل ذلك مقصود كل حي وذلك أمر ضروري من وجوده وذلك يف القاصد والغايات مبنزلة احلس والعلوم البديهية يف املبادىء واملقدمات فإن كل حي له علم وإحساس وله عمل وإرادة وعلم اإلنسان ال جيوز أن يكون كله نظريا استدالليا الستحالة الدور والتسلسل بل ال بد له من علم أوله بديهي يبده النفس ويبتدىء فيها فلذلك يسمى بديهيا وأوليا وهو من نوع ما تضطر إليه النفس ويسمى ضروريا فإن ا لنفس تضطر إىل العلم تارة إىل العمل أخرى وكذلك العمل االختياري املرادي له مراد فذلك املراد إما أن يراد لنفسه أو لشيء آخر وال جيوز أن يكون كل مراد مرادا لغريه حذرا من الدور والتسلسل فال بد من مراد مطلوب حمبوب لنفسه فإذا حصل املطلوب املراد احملبوب فاقرتان اللذة والنعمة والفرح والسرور وقرة العني به على قدر قوة حمبته وإرادته والرغبة فيه وذلك أمر ذوقي وجدي وهلذا يغلب على أهل اإلرادة والعمل من السالكني اسم الذوق والوجد ملا يف وجود املراد املطلوب من الذوق والوجد املوجب للفرح والسرور والنعيم فهاهنا ثالثة أنواع من األمساء متقاربة املعاين أحدها الشهوة واإلرادة وامليل والطلب واحملبة والرغبة وحنوها الثاين الذوق والوجد والوصول والظفر واإلدراك واحلصول والنيل وحنوها الثالث اللذة والفرح والنعيم والسرور وطيب النفس وقرة العني وحنوها وهذه األمور الثالثة متالزم فصل وإذا كانت اللذة مطلوبة لنفسها فهي إمنا تذم إذا أعقبت أملا أعظم منها أو منعت لذة خريا منها وحتمد إذا أعانت على اللذة الدائمة املستقرة وهي لذة الدار اآلخرة ونعيمها الذي هو أفضل نعيم وأجله كما قال هللا تعاىل ^ وال نضيع أجر احملسنني وألجر اآلخرة خري للذين آمنوا وكانوا يتقون ^ وقال تعاىل ^ للذين أحسنوا يف هذه الدنيا حسنة ولدار اآلخرة خري ولنعم دار املتقني ^ وقال تعاىل ^ بل تؤثرون احلياة الدنيا واآلخرة خري وأبقى ^ وقال تعاىل ^ وإن الدار اآلخرة هلي احليوان لو كانوا يعلمون ^ وقال العارفون بتفاوت ما بني األمرين لفرعون
^ فاقض م ا أنت قاض إمنا تقضي هذه احلياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر وهللا خري وأبقى ^ وهللا سبحانه وتعاىل إمنا خلق اخللق لدار القرار وجعل اللذة كلها بأسرها فيها كما قال هللا تعاىل ^ وفيها ما تشتهيه األنفس وتلذ األعني ^ وقال تعا ىل ^ فال تعلم نفس ما أخفي هلم من قرة أعني ^ وقال النيب يقول هللا تعاىل أعددت لعبادي الصاحلني ماال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر على قلب بشر بله ما اطلعتم أي غري ما اطلعتم عليه وهذا هو الذي قصده الناصح لقومه الشفيق عليهم حيث قال ^ يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إمنا هذه احلياة الدنيا متاع وإن اآلخرة هي دار القرار ^ فأخربهم أن الدنيا متاع يتمتع هبا إىل غريها واآلخرة هي املستقر والغاية فصل وإذا عرف أن لذات الدنيا ونعيمها متاع ووسيلة إىل لذات الدار اآلخرة ولذلك خلقت كما قال النيب الدنيا متاع وخري متاع الدنيا املرأة الصاحلة فكل لذة أعانت على لذات الدار اآلخرة فهي حمبوبة مرضية للرب تعاىل فصاحبها يلتذ هبا من وجهني من جهة تنعمه وقرة عينه هبا ومن جهة إيصاهلا له إىل مرضاة ربه وإفضائها إىل لذة أكمل منها فهذه هي اللذة اليت ينبغي للعاقل أن يسعى يف حتصيلها ال ال لذة اليت تعقبه غاية األمل وتفوت عليه أعظم اللذات وهلذا يثاب املؤمن على كل ما يلتذ به من املباحات إذا قصد به اإلعانة والتوصل إىل لذة اآلخرة ونعيمها فال نسبة بني لذة صاحب الزوجة أو األمة اجلميلة اليت حيبها وعينه قد قرت هبا فإنه إذا باشرها والتذ قلبه وبدنه ونفسه بوصاهلا أثيب على تلك اللذة يف مقابلة عقوبة صاحب اللذة احملرمة على لذته كما قال النيب ويف بضع أحدكم أجر قالوا يا رسول هللا أيأيت أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها يف احلرام أكان عليه وزر قالوا نعم قال فكذلك إذا وضعها يف احلالل يكون له أجر واعلم أن هذه اللذة تتضاعف وتتزايد حبسب ما عند العبد من اإلقبال على هللا وإخالص العمل له والرغبة يف الدار اآلخرة فإن الشهوة واإلرادة املنقسمة يف الصور اجتمعت له يف صورة واحدة واخلوف واهلم والغم الذي يف اللذة احملرمة معدوم يف لذته فإذا اتفق له مع هذا صورة مجيلة ورزق حبها ورزقت حبه وانصرفت دواعي شهوته إليها وقصرت بصره عن النظر إىل سواها ونفسه عن التطلع إىل غريها فال مناسبة بني لذته ولذة صاحب الصورة احملرمة وهذا أطيب نعيم ينال من الدنيا وجعله النيب ثالث ثالثة هبا ينال خري الدنيا واآلخرة وهي قلب شاكر ولسان ذاكر وزوجة حسناء إن نظر إليها سرته وإن غاب عنها حفظته يف نفسها وماله فاهلل املستعان وقال القاسم بن عبدالرمحن كان عبدهللا بن مسعود رضي هللا عنه يقرأ القرآن فإذا فرغ قال أين العزاب فيقول ادنوا مين مث قولوا اللهم ارزقين امرأة إذا نظرت إليها ! سرتين وإذا أمرهتا أطاعتين وإذا غبت عنها حفظت غيبيت يف نفسها ومايل واألمل واحلزن واهلم والغم ينشأ من عدم العلم باحملبوب النافع أو من عدم إرادته وإيثاره مع العلم به أو من عدم إدراكه والظفر به مع حمبته وإرادته وهذا من أعظم األمل وهلذا يكون أمل اإلنسان يف الربزخ ويف دار ا حليوان بفوات حمبوبه أعظم من أمله بفواته يف الدنيا من ثالثة أوجه أحدها معرفته هناك بكمال ما فاته ومقداره الثاين شدة حاجته إليه وشوق نفسه إليه مع أنه قد حيل بينه وبينه كما قال هللا تعاىل ^ وحيل بينهم وبني ما يشتهون ^ الثالث حصول ضده املؤمل له فليتأمل العاقل هذا املوضع ولينزل نفسه منزلة من قد فاته أعظم حمبوب
وأنفعه وهو أفقر شىيء وأحوجه إليه فواتا ال يرجى تداركه وحصل على ضده فيا هلا من مصيبة ما أوجعها وحالة ما أفظعها فأين هذه احلال من حالة من يلتذ يف الدنيا بكل ما يقصد به وجه هللا سبحانه وتعاىل من األكل والشرب واللباس والنكاح وشفاء الغيظ بقهر العدو وجهاد يف سبيله فضال عما يلتذ به من معرفة ربه وحبه له وتوحيده واإلثابة إليه والتوكل عليه واإلقبال عليه وإخالص العمل له والرضا به وعنه والتفويض إليه وفرح القلب وسروره بقربه واألنس به والشوق إىل لقائه كما يف احلديث الذي صححه ابن حبان واحلاكم وأسألك لذة النظر إىل وجهك والشوق إىل لقائك وهذه اللذة ال تزال يف الدنيا يف زيادة مع تنقيصها بالعدو الباطن من الشيطان واهلوى والنفس والدنيا والعدو الظاهر فكيف إذا جتردت الروح وفارقت دار األحزان واآلفات واتصلت بالرفيق األعلى ^ مع الذين أنعم هللا عليهم من النبيني والصديقني والشهداء والصاحلني وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من هللا وكفى باهلل عليما ^ فإذا أفضى إىل دار النعيم فهنا لك من أنواع اللذة والبهجة والسرور ما ال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر على قلب بشر فبؤسا وتعسا للنفوس الوضيعة الدنيئة اليت ال يهزها الشوق إىل ذلك طربا وال تتقد نار إرادهتا لذلك رغبا وال تعبد عما يصد عن ذلك رهبا فبصائرها كما قيل خفافيش أعشاها النهار بضوئه %والءمها قطع من الليل مظلم جتول حول احلش إذا جالت النفوس العلوية حول العرش وتندس يف األحجار إذا طارت النفوس الزكية إىل أعلى األوكار فلم تر أمثال الرجال تفاوتوا %إىل الفضل حىت عد ألف بواحد فصل وكل لذة أعقبت أملا أو منعت لذة أكمل منها فليست بلذة يف احلقيقة وإن غالطت النفس يف االلتذاذ هبا فأي لذة آلكل طعام شهي مسموم يقطع أمعاءه عن قريب وهذه هي لذات الكفار والفساق بعلوهم يف األرض وفسادهم وفرحهم فيها بغري احلق ومرحهم وذلك مثل لذة العني اختذوا من دون هللا أولياء حيبوهنم كحب هللا فنالوا هبم مودة بينهم يف احلياة الدنيا مث استحالت تلك اللذة أعظم أمل وأمره ومن ذلك لذة العقائد الفاسدة والفرح هبا ولذة غلبة أهل اجلور والظلم والعدوان والزىن والسرقة وشرب املسكرات وقد أخرب هللا سبحانه وتعاىل أنه مل ميكنهم من ذلك خلري يريده هبم إمنا هو استدراج منه لينيلهم به أعظم األمل قال هللا تعاىل ^ أحيسبون أمنا مندهم به من مال وبنني نسارع هلم يف اخلريات بل ال يشعرون ^ وقال تعاىل ^ فال تعجبك أمواهلم وال أوالدهم إمنا يريد هللا ليعذهبم هبا يف احلياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ^ فصل وأما اللذة اليت ال تعقب أملا يف دار القرار وال توصل إىل لذة هناك فهي لذة باطلة إال ال منفعة فيها وال مضرة وزمنها يسري ليس لتمتع النفس هبا قدر وهي ال بد أن تشغل عما هو خري وأنفع منها يف العاجلة واآلجلة وإن مل تشغل عن أصل اللذة يف اآلخرة وهذا القسم هو الذي عناه النيب بقوله كل هلو يلهو به الرجل فهو باطل إال رميه بقوسه وتأديبه فرسه ومالعبته أهله فإهنن من احلق رواه مسلم وهلذا كانت لذة اللعب بالدف يف العرس جائزة فإهنا تعني على النكاح كما تعني لذة الرمي بالقوس وتأديب الفرس على اجلهاد وكالمها حمبوب هلل فما أعان على حصول حمبوبه فهو من احلق وهلذا عد مالعبة الرجل امرأته من احلق إلعانتها على مقاصد النكاح الذي حيبه هللا سبحانه وتعاىل وما مل يعن على حمبوب الرب تعاىل فهو باطل ال فائدة فيه ولكن إذا مل يكن فيه مضرة راجحة مل حيرم ومل ينه عنه ولكن إذا صد عن ذكر
هللا وعن الصالة صار مكروها بغيضا للرب عز وجل مقيتا عنده إما بأصله وإما بالتجاوز فيه وكل ما صد عن اللذة املطلوبة فهو وبال على صاحبه فإنه لو اشتغل حني مباشرته له مبا ينفعه وجيلب له اللذة املطلوبة الباقية لكان خريا له وأنفع وملا كانت النفوس الضعيفة كنفوس النساء والصبيان ال تنقاد إىل أسباب اللذة العظمى إال بإعطائها شيئا من لذة اللهو واللعب حبيث لو فطمت عنه كل الفطام طلبت ما هو شر هلا منه رخص هلا من ذلك فيما مل يرخص فيه لغريها وهذ ا كما دخل عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه على النيب وعنده جوار يضربن بالدف فأسكتهن لدخوله وقال هذا رجل ال حيب الباطل فأخرب أن ذلك باطل ومل مينعهن منه ملا يرتتب هلن عليه من املصلحة الراجحة ويرتكن به مفسدة أرجح من مفسدته وأيضا فيحصل هلم من التأمل برتكه مفسدة هي أعظم من مفسدته فتمكينهم من ذلك من باب الرمحة والشفقة واإلحسان كما مكن النيب أبا عمري من اللعب بالعصفور حبضرته ومكن اجلاريتني من الغناء حبضرته ومكن عائشة رضي هللا عنها من النظر إىل احلبشة وهم يلعبون يف املسجد ومكن تلك املرأة أن تضرب على رأسه بالدف ونظائر ذل ك فأين هذا من اختاذ الشيوخ املشار إليهم املقتدى هبم ذلك دينا وطريقا مع التوسع فيه غاية التوسع مبا ال ريب يف حترميه ونظري هذا إعطاء النيب املؤلفة قلوهبم من الزكاة والغنيمة لضعف قلوهبم عن قلوب الراسخني يف اإلميان من أصحابه وهلذا أعطى هؤالء ومنع هؤالء وقال أكلهم إىل ما جعل هللا يف قلوهبم من الغناء واخلري ونظري هذا مزاحه مع من كان ميزح معه من األعراب والصبيان والنساء تطييبا لقلوهبم واستجالبا إلمياهنم وتفرحيا هلم ويف مراسيل الشعيب أن النيب مر على أصحاب الدركلة فقال خذوا يا بين أرفدة حىت تعلم اليهود والنصارى أن يف ديننا فسحة ذكره أبو عبيد وقال الدركلة لعبة العجم فالنيب يبذل للنفوس من األموال واملنافع ما يتألفها به على احلق املأمور به ويكون املبذول مما يلتذ به اآلخذ وحيبه ألن ذلك وسيلة إىل غريه وال يفعل ذلك مع من ال حيتاج إليه كاملهاجرين واألنصار بل يبذل هلم أنواعا أخر من اإلحسان إليهم واملنافع يف دينهم ودنياهم وملا كان عمر نب اخلطاب رضي هللا عنه ممن ال حيب هذا الباطل وال مساعه وال حيتاج أن يتألف مبا يتألف به غريه وليس مأمورا مبا أمر به النيب من التأليف على اإلميان به وطاعته بكل طريق كان إعراضه عنه كماال بالنسبة إليه وحال النيب رضي هللا عنه أكمل فصل إذا عرف هذا فأقسام اللذات ثالثة لذة جثمانية ولذة خيالية ومهية ولذة عقلية روحانية فاللذة اجلثمانية لذة األكل والشرب واجلماع وهذه اللذة يشرتك فيها مع اإلنسان احليوان البهيم فليس كمال اإلنسان هبذه اللذة ملشاركة أنقص احل يوانات له فيها وألهنا لو كانت كماال لكان أفضل اإلنسان وأشرفهم وأكملهم أكثرهم أكال وشربا ومجاعا وأيضا لو كانت كماال لكان نصيب رسل هللا وأنبيائه وأوليائه منها يف هذه الدار أكمل من نصيب أعدائه فلما كان األمر بالضد تبني أهنا ليست يف نفسها كامال وإمنا تكون كما ال إذا تضمنت إعانة على اللذة الدائمة العظمى كما تقدم فصل وأما اللذة الومهية اخليالية فلذة الرئاسة والتعاظم على اخللق والفخر واالستطالة عليهم وهذه اللذة وإن كان طالهبا أشرف نفوسا من طالب اللذة األوىل فإن آالمها وما توجبه من املفاسد واملضار أعظم من التذ اذ النفس هبا فإن صاحبها منتصب ملعاداة كل من تعاظم وترأس عليه وهلذا شروط وحقوق تفوت على صاحبها كثريا من لذاته احلسية وال يتم إال بتحمل مشاق وآالم أعظم منها فليست هذه يف احلقيقة بلذة وإن فرحت هبا النفس وسرت
حبصوهلا وقد قيل إنه ال حقيقة للذة يف الدنيا وإمنا غايتها دفع آالم كما يدفع أمل اجلوع والعطش وأمل الشهوة باألكل والشرب واجلماع ولذلك يدفع أمل اخلمول وسقوط القدر عند الناس بالرئاسة واجلاه والتحقيق أن اللذة أمر وجودي يستلزم دفع األمل مبا بينهما من التضاد فصل وأما اللذة العقلية الروحانية فهي كلذة املعرفة والعلم واالتصاف بصفات الكمال من الكرم واجلود والعفة والشجاعة والصرب واحللم واملروءة وغريها فإن االلتذاذ بذلك من أعظم اللذات وهو لذة النفس الفاضلة العلوية الشريفة فإذا انضمت اللذة بذلك إىل لذة معرفة هللا تعاىل وحمبته وعبادته وحده ال شريك له والرضا به عوضا عن ك ل شيء وال يتعوض بغريه عنه فصاحب هذه اللذة يف جنة عاجلة نسبتها إىل لذات الدنيا كنسبة لذة اجلنة إىل لذة الدنيا فإنه ليس للقلب والروح ألذ وال أطيب وال أحلى وال أنعم من حمبة هللا واإلقبال عليه وعبادته وحده وقرة العني به واألنس بقربه والشوق إىل لقائه ورؤيته وإن مثقال ذرة من هذه اللذة ال يعدل بأمثال اجلبال من لذات الدنيا ولذلك كان مثقال ذرة من إميان باهلل ورسوله خيلص من اخللود يف دار اآلالم فكيف باإلميان الذي مينع دخوهلا قال بعض العارفني من قرت عينه باهلل قرت به كل عني ومن مل تقر عينه باهلل تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ويكفي يف فضل هذه اللذة وشرفها أهنا خترج من القلب أمل احلسرة على ما يفوت من هذه الدنيا حىت إنه ليتأمل بأعظم ما يلتذ به أهلها ويفر منه فرارهم من املؤمل وهذا موضع احلاكم فيه الذوق ال جمرد لسان العلم وكان بعض العارفني يقول مساكني أهل الدنيا خرجوا من الدنيا ومل يذوقوا طيب نعيمها فيقال له وما هو فيقول حمبة هللا واألنس به والشوق إىل لقائه ومعرفة أمسائه وصفاته وقال آخر أطيب ما يف الدنيا معرفته وحمبته وألذ ما يف اآلخرة رؤيته ومساع كالمه بال واسطة وقال آخر وهللا إنه ليمر بالقلب أوقات أقول فيها إن كان أهل اجلنة يف مثل هذه احلال إهنم لفي عيش طيب وأنت ترى حمبة من يف حمبته عذاب القلب والروح كيف توجب لصاحبها لذة يتمىن أنه ال يفارقه حبه كما قال شاعر احلماسة تشكى احملبون الصبابة ليتين %حتملت ما يلقون من بينهم وحدي فكانت لقليب لذة احلب كلها %فلم يلقها قبلي حمب وال بعدي قالت رابعة شغلوا قلوهبم حبب الدنيا عن هللا ولو تركوها جلالت يف امللكوت مث رجعت إليهم بطرائف الفوائد وقال سلم اخلواص تركتموه وأقبل بعضكم على بعض ولو أقبلتم عليه لرأيتم العجائب وقالت امرأة من العابدات لو طالعت قلوب املؤمنني بفكرها ما ذخر هلا يف حجب الغيوب من خري اآلخرة مل يصف هلا يف الدنيا عيش ومل تقر هلا يف الدنيا عني وقال بعض احملبني إن حبه عز وجل شغل قلوب حمبيه عن التلذذ مبحبة غريه فليس هلم يف الدنيا مع حبه عز وجل لذة تداين حمبته وال يؤملون يف اآلخرة من كرامة الثواب أكرب عندهم من النظر إىل وجه حمبوهبم وقال بعض السلف ما من عبد إال وله عينان يف وجهه يبصر هبما أمر الدنيا وعينان يف قلبه يبصر هبما أمر اآلخرة فإذا أراد هللا بعبد خريا فتح عينيه اللتني يف قلبه فأبصر هبما من اللذة والنعيم ماال خطر له مما وعد به من ال أصدق منه حديثا وإذا أراد به غري ذلك تركه على ما هو عليه مث قرأ ^ أم على قلوب أقفاهلا ^ ولو مل يكن للقلب املشتغل مبحبة غري هللا املعرض عن ذكره العقوبة إال صدؤه وقسوته وتعطيله عما خلق له لكفى بذلك عقوبة وقد روى عبدالعزيز بن أيب رواد عن نافع عن ابن عمر رضي هللا عنهما قال قال رسول هللا إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ احلديد قيل يا رسول هللا فما
جالؤها قال تالوة القرآن وقال بعض العارفني إن احلديد إذا مل يستعمل غشيه الصدأ حىت يفسده كذلك القلب إذا عطل من حب هللا والشوق إليه وذكره غلبه اجلهل حىت مييته ويهلكه وقال رجل للحسن يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قليب قال أذبه بالذكر وأبعد القلوب من هللا القلب القاسي وال يذهب قساوته إال حب مقلق أو خوف مزعج فإن قيل ما السبب الذي ألجله يلتذ احملب حببه وإن مل يظفر حببيبه قيل احلب يوجب حركة النفس وشدة طلبها والنفس خلقت متحركة بالطبع كحركة النار فاحلب حركتها الطبيعية فك ل من أحب شيئا من األشياء وجد يف حبه لذة وروحا فإذا خال عن احلب مطلقا تعطلت النفس عن حركتها وثقلت وكسلت وفارقها خفة النشاط وهلذا جتد الكساىل أكثر الناس مها وغما وحزنا ليس هلم فرح وال سرور خبالفأرباب النشاط واجلد يف العمل أي عمل كان فإن كان النشاط يف عمل هم عاملون حبسن عواقبه وحالوة غايته كان التذاذهم حببه ونشاطهم فيه أقوى وباهلل التوفيق الباب الرابع عشر فيمن مدح العشق ومتناه وغبط صاحبه على ما أوتيه من مناه هذا موضع انقسم الناس فيه قسمني ورمبا كان الشخص الواحد فيه جمموع احلالتني فقسم مدحوا العشق ومتنوه ورغبوا فيه وزعموا أن من مل يذق طعمه مل يذق طعم العيش قالوا وقد تبني أن كمال اللذة تابع لكمال احلب فأعظم الناس لذة بالشيء أكثرهم حمبة له وقد تقدم بقريره قالوا وقد حبب هللا سبحانه وتعاىل إىل رسله وأنبيائه نساءهم وسراريهم فكان آدم أبو البشر شديد احملبة حلواء وقد أخرب هللا سبحانه وتعاىل أنه خلق زوجته منه ليسكن إليها قالوا وحبه هلا هو الذي محله على موافقتها يف األكل من الشجرة قالوا وأول حب كان يف هذا العامل حب آدم حلواء وصار ذلك سنة يف ولده يف احملبة بني الزوجني قالوا وهذا داود من حمبته للنساء مجع بني مائة امرأة وكذلك ابنه سليمان قالوا وقد عاب اليهود عليهم لعائن هللا رسول هللا حمبة النساء وكثرة تزوجه فأنزل هللا سبحانه وتعاىل ذبا عن رسوله وإخبارا بأن ذلك من فضله وإنعامه عليه ^ أم حيسدون الناس على ما آتاهم هللا من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب واحلكمة وآتيناهم ملكا عظيما ^ قالوا وقد كان عند إبراهيم خليل الرمحن أمجل النساء سارة مث تسرى هباجر وكانت احملبة هلا قال سعد بن أيب وقاص رضي هللا عنه كان إبراهيم اخلليل حيب سريته هاجر حمبة شديدة وكان يزورها يف كل يوم على الرباق من الشام من شغفه هبا قال اخلرائطي حدثنا نصر بن داود حدثنا الواقدي عن حممد بن صاحل عن سعد بن إبراهيم عن عامر عن سعد عن أبيه فذكره وقد ثبت يف الصحيح من حديث الشعيب عن عمرو بن العاص رضي هللا عنه قال بعثين رسول هللا على جيش وفيهم أبو بكر وعمر رضي هللا عنهما فلما رجعت قلت يا رسول هللا من أحب الناس إليك قال وما تريد قلت أحب أن أعلم قال عائشة قلت إمنا أعين من الرجال قال أبوها وذكر مبارك بن فضالة عن علي بن زيد عن عمته عن عائشة أن فاطمة رضي هللا عنهم ذكرهتا عند النيب فقال هلا يا بنية إهنا حبيبة أبيك وأصل احلديث يف الصحيح من حديث الليث عن ابن شهاب عن حممد ابن عبدالرمحن عن عائشة رضي هللا عنها قالت أرسل أزواج النيب فاطمة بنت النيب إليه فدخلت وهو مضطجع معي يف مرطي فقالت يا رسول هللا
إن أزواجك يسألنك العدل يف ابنة أيب قحافة وأنا ساكنة فقال هلا رسول هللا ألست حتبني ما أحب قالت بلى قال فأحيب هذه وثبت يف الصحيح من حد يث محاد بن سلمة عن أيوب عن أيب قالبة عن عبدهللا بن يزيد عن عائشة رضي هللا عنها قالت كان رسول هللا يقسم بني نسائه فيعدل ويقول اللهم هذا فعلي فيما أملك فال تلمين فيما متلك وال أملك يريد أنه يطيق العدل بينهن يف النفقة عليهن والقسم بينهن وأما التسوية بينهن يف احملبة فليست إليه وال ميلكها وقال ابن سريين سألت عبيدة عن قوله تعاىل ^ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بني النساء ولو حرصتم ^ فقال يعين احلب واجلماع وقال ابن عباس ال يستطيع أن يعدل بينهن يف الشهوة ولو حرص وقال أبو قيس موىل عمرو بن العاص بعثين عمرو إىل أم سلمة فقال سلها أكان رسول هللا يقبل أهله وهو صائم فإن قالت ال فقل هلا إن عائشة رضي هللا عنها حدثتنا أن رسول هللا كان يقبلها وهو صائم فسأهلا فقالت ال فأخربها مبا قال عبدهللا فقالت أم سلمة رضي هللا عنها إن رسول هللا كان إذا رأى عائشة رضي هللا عنها مل يتمالك عنها أما أنا فال وقال بيان الشعيب أتاين رجل فقال كل أمهات املؤمنني أحب إال عائشة فقلت أما أنت فقد خالفت رسول هللا كانت عائشة رضي هللا عنها أحبهن إىل قلبه وقال مصعب بن سعد فرض عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه ألمهات املؤمنني رضي هللا عنهن عشرة آالفعشرة آالف وزاد عائشة ألفني وقال إهنا حبيبة رسول هللا وكان مسروق إذا حدث عن عائشة رضي هللا عنها يقول حدثتين الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول رب العاملني املربأة من فوق سبع مسوات قال أبو حممد بن حزم وقد أحب من اخللفاء الراشدين واألئمة املهديني كثري قال اخلرائطي واشرتى عبدهللا بن عمر جارية رومية فكان حيبها حبا شديدا فوقعت ذات يوم عن بغلة له فجعل ميسح الرتاب عن وجهها ويفديها وكانت تقول له أنت قالون تعين جيد مث إهنا هربت منه فوجد عليها وجدا شديدا وقال قد كنت أحسبين قالون فانصرفت %فاليوم أعلم أين غري قالون وقصة مغيث وعشقه بريرة حىت إنه كان يطوف وراءها ودموعه تسيل على خديه يف الصحيح وكان عروة بن أذينة شيخ مالك من العلماء الثقات الصلحاء وقفت عليه امرأة فقالت أنت الذي يقال له الرجل الصاحل وأنت تقول إذا وجدت هليب احلب يف كبدي %عمدت حنو سقاء القوم أبرتد هذا بردت بربد املاء ظاهره %فمن لنار على األحشاء تتقد وكان حممد بن سريين ينشد إذا خدرت رجلي تذكرت من هلا %فناديت لبىن بامسها ودعوت دعوت اليت لو أن نفسي تطيعين %أللقيت نفسي حنوها وقضيت وقال صاحل عن ابن شهاب حدثين عبيدهللا بن عبدهللا بن عتبة أن ابن مسعود رضي هللا عنه قال بينا حنن عند رسول هللا يف قريب من مثانني رجال ليس فيهم إال قرشي وهللا ما رأيت صفحة وجوه قط أحسن من وجوههم يومئذ قال فذكروا النساء فتحدثوا فيهن وحتدثت معهم حىت أحببت أن نسكت قالوا ولوال لطافة احلب ولذته ما متناه املتمنون وقال شاعر احلماسة تشكى احملبون الصبابة ليتين %حتملت ما يلقون من بينهم وحدي فكانت لقليب لذة احلب كلها %فلم يلقها قبلي حمب وال بعدي قالوا والعشق املباح مما يؤجر عليه العاشق كما قال شريك بن عبدهللا وقد سئل عن العشاق فقال أشدهم حبا أعظمهم أجرا وصدق وهللا إذا كان املعشوق ممن حيب هللا للعاشق قربه ووصله وقالت امرأة لن يقبل
هللا من معشوقه عمال %يوما وعاشقها هلفان مهجور ليست مبأجورة يف قتل عاشقها %لكن عاشقها يف ذاك مأجور وحنن نقول مىت باتت مهاجرة لفراش عاشقها الذي هو بعلها لعنتها املالئكة حىت تصبح قالوا والعشق يصفي العقل ويذهب اهلم ويبعث على حسن اللباس وطيب املطعم ومكارم األخالق ويعلي اهلمة وحيمل على طيب الرائحة وكرم العشرة وحفظ األدب واملروءة وهو بالء الصاحلني وحمنة العابدين وهو ميزان العقول وجالء األذهان وهو خلق الكرام كما قيل وما أحببتها فحشا ولكن %رأيت احلب أخالق الكرام قالوا وأرواح العشاق عطرة لطيفة وأبداهنم رقيقة ضعيفة وأزواجهم بطيئة االنقياد ملن قادها حاشا سكنها الذي سكنت إليه وعقدت حبها عليه وكالمهم ومنادمتهم تزيد يف العقول وحترك النفوس وتطرب األرواح وتلهو بأخبارهم أولو األلباب فأحاديث العشاق زينة جمالسهم وروح حمادثتهم ويكفي أن يكون األعرايب الذي ال يذكر مع امللوك وال مع الشجعان األبطال يعشق ويشتهر بالعشق فيذكر يف جمالس امللوك واخللفاء ومن دوهنم وتدون أخباره وتروى أشعاره ويبقى له العشق ذكرا خملدا ولوال العشق مل يذكر له اسم ومل يرفع له رأس وقال بعض العقالء العشق لألرواح مبنزلة الغذاء لألبدان إن تركته ضرك وإن أكثرت منه قتلك وقال ابن عبدالرب يف كتابه هبجة اجملالس وجد يف صحيف لبعض أهل اهلند العشق ارتياح جعل يف الروح وهو معىن تنتجه النجوم يف مطارح شعاعها ويتولد يف الطباع بوصلة أشكاهلا وتقبله الروح بلطيف جوهرها وهو يعد جالء القلوب وصيقل األذهان ما مل يفرط فإذا أفرط صار سقما قاتال ومرضا منهكا ال تنفذ فيه اآلراء وال تنجع فيه احليل والعالج منه زيادة فيه وقال أعرايب هو أنيس النفس وحمادث العقل جتنه الضمائر وختدمه اجلوارح وقال عبدهللا بن طاهر أمري خراسان لولده اعشقوا تظرفوا وعفوا تشرفوا وقال قدامة وصفه بعض البلغاء فقال يشجع اجلبان ويسخي البخيل ويصفي ذهن البليد ويفصح لسان العيي ويبعث حزم العاجز ويذل له عز امللوك وتصدع له صولة الشجاع وهو داعية األدب وأول باب تفتق به األذهان والفطن وتستخرج به دقائق املكايد واحليل وإليه تسرتوح اهلمم وتسكن نوافر األخالق والشيم ميتع جليسه ويؤنس أليفه وله سرور جيول يف النفوس وفرح يسكن يف القلوب وقيل لبعض الرؤساء ابنك قد عشق فقال احلمد هلل اآلن رقت حواشيه ولطفت معانيه وملحت إشاراته وظرفت حركاته وحسنت عباراته وجادت رسائله وحلت مشائله فواظب على املليح واجتنب القبيح وقيل آلخر ذلك فقال إذا عشق لطف وظرف ودق ورق وقيل لبعضهم مىت يكون الفىت بليعا قال إذا صنف كتابا أو وصف هوى أو حبيبا وقيل لسعيد بن أسلم إن ابنك شرع يف الرقيق من الشعر فقال دعوه يظرف وينظف ويلطف وقال العباس بن األحنف وما الناس إال العاشقون ذوو اهلوى %وال خري فيمن ال حيب ويعشق وقال احلسني بن مطري إن الغواين جنة رحياهنا %نضر احلياة فأين عنها نعزف لوال مالحتهن ما كانت لنا %دنيا نلذ هبا وال نتصرف وقال غريه وال خري يف الدنيا وال يف نعيمها %وأنت وحيد مفرد غري عاشق وقال آخر هل العيش إال أن تروح وتغتدي %وأنت بكأس العشق يف الناس نشوان
وقال العطوي ما دنت باحلب إال %واحلب دين الكرام وقال آخر نظرت إليها نظرة فهويتها %ومن ذا له عقل سليم وال يهوى وقال آخر وما سرين أين خلي من اهلوى %ولو أن يل ما بني شرق ومغرب وقال آخر وما تلفت إال من العشق مهجيت %وهل طاب عيش المرئ غري عاشق وقال آخر وال خري يف الدنيا بغري صبابة %وال يف نعيم ليس فيه حبيب وقال الكميت ما ذاق بؤس معيشة ونعيمها %فيما مضى أحد إذا مل يعشق ألعشق فيه حالوة ومرارة %فاسأل بذلك من تطعم أو ذوق وقال آخر وما طابت الدنيا بغري حمبة %وأي نعيم المرئ غري عاشق وقال آخر أسكن إىل سكن تلذ حببه %ذهب الزمان وأنت خال مفرد وقال آخر إذا أنت مل تعشق ومل تدر ما اهلوى %فأنت وعري يف الفالة سواء وقال آخر إذا أنت مل تعشق ومل تدر ما اهلوى %فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا وقال آخر إذا أنت مل تعشق ومل تدر ما اهلوى %فقم فاعتلف تبنا فأنت محار وقال آخر إذا مل تذق يف هذه الدار صبوة %فموتك فيها واحلياة سواء وقال األقرع بن معاذ وال خري يف الدنيا إذا أنت مل تزر %حبيبا وال واىف إليك حبيب وقال آخر وما ذاق طعم العيش من مل يكن له %حبيب إليه يطمئن ويسكن وقال علي بن أيب كثري البن أيب الزرقاء هل عشقت قط حىت تكاتب وتراسل وتواعد قال ال فقال ال جييء منك شيء وكان لبعض امللوك ولد واحد ساقط اهلمة دينء النفس فاتر فأراد أن يرشحه للملك فسلط عليه اجلواري والقيان فعشق منهن واحدة فأعلم بذلك امللك فسر وأرسل إىل املعشوقة أن جتين عليه وقويل إين ال أصلح إال مللك أو عامل فلما قالت له ذلك أخذ يف التعلم وما عليه امللوك من أدوات امللك حىت برع يف ذلك وقال املرزباين سئل أبو نوفل هل يسلم أحد من العشق فقال نعم اجللف اجلايف الذي ليس ل ه فضل وال عنده فهم فأما من يف طبعه أدىن ظرف أو معه دمائة أهل احلجاز وظرف أهل العراق فهيهات وقال علي بن عبدة ال خيلو أحد من صبوة إال أن يكون جايف اخللقة ناقصا أو منقوص اهلمة أو على خالف تركيب االعتدال قالوا وال يكمل أحد قط إال من عشقه ألهل الكمال وتشبه هبم فالعامل يبلغ يف العلم حبسب عشقه له وكذلك صاحب كل صناعة وحرفة ويكفي أن العاشق يرتاح لكرمي األخالق واألفعال والشيم لتحمد مشائله عند معشوقه كما قال ويرتاح للمعروف يف طلب العلى %لتحمد يوما عند ليلى مشائله وقال أبو املنجاب رأيت يف الطواف فىت حنيف اجلسم بني الضعف يلوذ ويتعوذ ويقول وددت بأن احلب جيمع كله %فيقذف يف قليب وينغلق الصدر فال ينقضي ما يف فؤادي من اهلوى %ومن فرحي باحلب أو ينقضي العمر فقلت يا فىت أما هلذه البنية حرمة متنعك عن هذا الكالم فقال بلى وهللا ولكن احلب مأل قليب بفرح التذكر ففاضت الفك رة يف سرعة األوبة إىل من ال يشذ عنه معرفة ما يب فتمنيت املىن وهللا ما يسرين ما بقليب منه ما فيه أمري املؤمنني من امللك وإين أدعو هللا أن يثبته يف قليب عمري وجيعله ضجيعي يف قربي دريت به أو مل أدر هذا دعائي أو انصرف من حجيت مث بكى فقلت ما يبكيك قال خوف أن ال يستجاب دعائي وله قصدت وفيه رغبت مما يعطي هللا سائر خلقه مث مضى قالت هذه الفرقة وغاية ما يقدر يف أمر
العشق أنه يقتل صاحبه كما هو معروف عند مجاعة من العشاق وقد قال سويد بن سعيد احلدثاين حدثنا علي بن مسهر عن أيب حيىي القتات عن جماهد عن ابن عباس رضي هللا عنهما عن النيب أنه قال من عشق فكتم وعف وصرب فمات فهو شهيد رواه عن سويد مجاعة وقال اخلطيب حدثنا أبو احلسن علي بن أيوب إمالء منه حدثنا أبو عبدهللا املرزباين وابن حيوية وابن شاذان قالوا حدثنا أبو عبدهللا إبراهيم بن حممد بن عرفة نفطويه قال دخلت على حممد بن داود ا ألصبهاين يف مرضه الذي مات فيه فقلت له كيف جتدك فقال حب من تعلم أورثين ما ترى فقلت ما منعك من االستمتاع به مع القدرة عليه فقال االستمتاع على وجهني أحدمها النظر املباح والثاين اللذة احملظورة فأما النظر املباح فأورثين ما ترى وأما اللذة احملظورة فإنه منعين منها ما حدثين أيب حدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر عن أيب حيىي القتات عن جماهد عن ابن عباس رضي هللا عنهما عن النيب أنه قال من عشق وكتم وعف وصرب غفر هللا له وأدخله اجلنة قال احلاكم أبو عبدهللا إمنا أتعجب من هذا احلديث فإنه مل حيدث به غري سويد وهو وداود بن علي وابنه أبو بكر ثقات مث رواه اخلطيب حدثنا األزهري حدثنا املعاىف بن زكريا حدثنا قطبة بن الفضل بن إبراهيم األنصاري حدثنا أمحد بن حممد بن مسروق حدثنا سويد حدثنا ابن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي هللا عنها مرفوعا ورواه الزبري بن بكار عن عبدامللك بن عبدالعزيز بن املاجشون عن عبدالعزيز بن أيب حازم عن ابن أيب جنيح عن جماهد عن ابن عباس رضي هللا عنهما عن النيب به ولفظه من عشق فعف فمات فهو شهيد رواه أبو بكر حممد بن جعفر بن سهل اخلرائطي يف كتاب اعتالل القلوب حدثنا أبو يوسف يعقوب بن عيسى من ولد عبدالرمحن بن عوف عن الزبري فذكره فخرج سويد عن عهدة التفرد به على أنه لو تفرد به فهو ثقة احتج به مسلم يف صحيحه وقال عبدهللا بن أمحد قال يل أيب أكتب عنه حديث ضمام وقال البغوي كان حافظا وكان أمحد ينتقي لولديه عليه صاحل وعبدهللا فكانا خيتلفان إليه وقال مسلم ثقة ثقة وقال أبو حامت الرازي ويعقوب بن شيبة هو صدوق وأكثر ما عيب به التدليس وقد صرح هاهنا بالتحديث وعيب بأنه ذهب بصره يف آخر عمره فرمبا أدخل عليه هذا احلديث يف كتبه ولكن رواية األكابر عنه هذا احلديث كان قبل ذهاب بصره ألنه إمنا عمي يف آخر عمره وليس هذا بقادح يف حديثه قلت وهذا حديث باطل على رسول هللا قطعا ال يشبه كالمه وقد صح عنه أنه عد الشهداء ستا فلم يذكر فيهم قتيل العشق شهيدا وال ميكن أن يكون كل قتيل بالعشق شهيدا فإنه قد يعشق عشقا يستحق عليه العقوبة وقد أنسكر حفاظ اإلسالم هذا احلديث على سويد وقد تكلم الناس فيه فقال ابن املديين ليس بشيء والضرير إذا كان عنده كتب فهو عيب شديد وقال يعقوب بن شيبة صدوق مضطرب احلفظ وال سيما بعد ما عمي وقال البخاري كان قد عمي فيلقن ما ليس من حديثه وقال أبو أمحد اجلرجاين هذا احلديث أحد ما أنكر على سويد وأنكره البيهقي وأبو الفضل بن طاهر وأبو الفرج بن اجلوزي وأدخله يف كتابه املوضوعات وملا رواه أبو بكر األزرق عن سويد عاتبه عليه ابن املرزبان فأسقط ذكر النيب منه وكان سويد إذا سئل عنه ال يرفعه وهذا أحسن أحواله أن يكون موقوفا ولذلك رواه أبو حممد احلسني القاري من حديث أيب سعد البقال عن عكرمة عن ابن عباس رضي هللا عنهما قوله وأما سياق اخلطيب له من حديث هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة رضي هللا عنها فال يشك من شم رائحة احلديث أن هذا باطل على هشام عن أبيه عن عائشة وال حيتمل هذا املنت هذا اإلسناد بوجه والتحاكم يف ذلك إىل أهل احلديث ال إىل العارين الغرباء منه والظاهر أن ابن مسروق سرقه وغري إسناده وأما حديث الزبري بن بكار فمن رواية يعقوب بن عيسى وهو ضعيف ال تقوم به حجة قد ضعفه أهل احلديث ونسبوه إىل الكذب الباب اخلامس عشر فيمن ذم العشق وتربم به وما احتج به كل فريق على صحة مذهبه قال هللا تعاىل إخبارا عن املؤمنني ربنا ال تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا وال حتمل علينا إصرا كما محلته على الذين من قبلنا ربنا وال حتملنا ماال طاقة لنا به واعف عنا وقد أثىن هللا عليهم سبحانه هبذا الدعاء الذي سألوه فيه أن ال حيملهم ماال طاقة هلم به وقد فسر ذلك بالعشق وليس املراد اختصاصه به بل املراد أن العشق مما ال طاقة للعبد به وقال مكحول هو شدة الغلمة وقال النيب ال ينبغي للمرء أن يذل نفسه قال اإلمام أمحد تفسريه أن يتعرض من البالء ملا ال يطيق وهذا مطابق حلال العاشق فإنه أذل الناس ملعشوقه وملا حيصل به رضاه واحلب مبناه على الذل واخلضوع للمحبوب كما قيل إخضع وذل ملن حتب فليس يف %شرع اهلوى أنف يشال ويعقد وقال آخر مساكني أهل العشق حىت قبورهم %عليها تراب الذل بني املقابر وقال آخر قالوا عهدناك ذا عز فقلت هلم %ال يعجب الناس من ذل احملبينا ال تنكروا ذلة العشاق إهنم % مستعبدون برق احلب راضونا قالوا وإذا اقتحم العبد حبر العشق ولعبت به أمواجه فهو إىل اهلالك أدىن منه إىل السالمة كما ذكر اخلرائطي أنه كان باملدينة جارية ظريفة فهويت رجال من قريش وكان ال يفارقها وال تفارقه فملها وزاد حبها له فسقمت وجعل موالها ال يعبأ بشكواها وال يرق هلا حىت هامت على وجهها ومزقت ثياهبا وأفضت إىل أمر عظيم فلما رأى ما صرت إليه عاجلها فلم ينفع فيها العالج وكانت تدور يف السكك بالليل وتقول أحلب أول ما يكون جلاجة % تأيت به وتسوقه األقدار حىت إذا اقتحم الفىت جلج اهلوى %جاءت أمور ال تطاق كبار من ذا يطيق كما نطيق من اهلوى %غلب العزاء وباحت األسرار قال اخلرائطي وأنشدين بعض أصحابنا احلب أوله شيء يهيم به %قلب احملب فيلقى املوت كاللعب يكون مبدؤه من نظرة عرضت %ومزحة أشعلت يف القلب كاللهب كالنار مبدؤها من قدحة فإذا %تضرمت أحرقت مستجمع احلطب قالوا وكيف ميدح أمر مينع القرار ويسلب املنام ويوله العقل وحيدث اجلنون بل هو نفسه جنون كما قال بعض احلكماء اجلنون فنون والعشق فن من فنونه كما قال بعض العشاق قالوا جننت مبن هتوى فقلت هلم %ألعشق أعظم مما باجملانني ألعشق ال يستفيق الدهر صاحبه %وإمنا يصرع اجملنون يف احلني قالوا وكم من عاشق أتلف يف معشوقه ماله وعرضه ونفسه وضيع أهله ومصاحل دينه ودنياه قال الزبري بن بكار جاءت بدوية إىل أخت هلا فقالت كيف بك من حب فالن قالت حرك وهللا حبه الساكن وسكن املتحرك مث أنشأت تقول فلو أن ما يب باحلصى فلق احلصى %وبالريح مل يسمع هلن هبوب ولو أنين أستغفر هللا كلما %ذكرتك مل تكتب علي ذنوب فقلت وهللا ألسألنه كيف هو من حبك
فجاءته فسألته فقال إمنا اهلوى هوان ولكنه خولف بامسه وإمنا يعرف ذلك من استبكته املعامل والطلول وأنشد أبو الفضل الربعي قد أمطرت عيين دما فدماؤها %بعد الدموع من اجلفون هوامل كيف العزاء وال يزال من الضىن %يف اجلسم مين واجلوانح نازل هلفي على زمن مضى جتتازين %فيه صروف الدهر وهي عواقل قالوا والعشق هو الداء الدوي الذي تذوب معه األرواح وال يقع معه االرتياح بل هو حبر من ركبه غرق فإنه ال ساحل له وال جناة منه وهو الذي قال فيه القائل وما أحد يف الناس حيمد أمره %فيوجد إال وهو يف احلب أمحق وما أحد ما ذاق بؤس معيشة %فيعشق إال ذاقها حني يعشق وقال العباس بن األحنف ويح احملبني ما أشقى نفوسهم %إن كان مثل الذي يب باحملبينا يشقون يف هذه الدنيا بعشقهم %ال يرزقون به دنيا وال دينا وقال آخر ألعشق مشغلة عن كل صاحلة %وسكرة العشق تنفي لذة الوسن وقال حممد بن أيب حممد اليزيدي كيف يطيق الناس وصف اهلوى %وهو جليل ما له قدر بل كيف يصفو حلليف اهلوى %عيش وفيه البني واهلجر وقال حممد بن أمية قرين احلب يأنس باهلموم %ويكثر فكرة القلب السقيم وأعظم ما يكون به اغتباطا %على خطر ومطلع عظيم وقال أبو متام أما اهلوى فهو العذاب فإن جرت %فيه النوى فأليم كل عذاب وقال ابن أيب حصينة والعشق جيتذب النفوس إىل الردى %بالطبع واحسدي ملن مل يعشق وقال ابن املعتز احلب داء عضال ال دواء له %حيار فيه األطباء النحارير قد كنت أحسب أن العاشقني غلوا % يف وصفه فإذا بالقوم تقصري وقال أعرايب أال ما اهلوى واحلب بالشيء هكذا %يذل به طوع اللسان فيوصف ولكنه شيء قضى هللا أنه %هو املوت أو شيء من املوت أعنف فأوله سقم وآخره ضىن %وأوسطه شوق يشف ويتلف وروع وتسهيد وهم وحسرة %ووجد على وجد يزيد ويضعف وقال عبداحملسن الصوري ما احلب إال مسلك خطر %عسر النجاة وموطىء زلق وقال آخر وكان ابتداء الذي يب جمونا %فلما متكن أمسى جنونا وكنت أظن اهلوى هينا %فالقيت منه عذابا مهينا وقالت امرأة رأيت اهلوى حلوا إذا اجتمع الشمل %ومرا على اهلجران ال بل هو القتل فمن مل يذق للهجر طعما فإنه %إذا ذاق طعم احلب مل يدر ما الوصل وقد ذقت طعميه على القرب والنوى %فأبعده قتل وأقربه خبل قالوا والعشق يرتك امللك مملوكا والسلطان عبدا كما قال احلكم بن هشام بن عبدالرمحن الداخل وكان ملك األندلس ظل من فرط حبه مملوكا %ولقد كان قبل ذاك مليكا تركته جآذر القصر صبا %مستهاما على الصعيد تريكا جيعل اخلد واضعا فوق ترب %للذي جيعل احلرير أريكا هكذا حيسن التذلل باحلر %ر إذا كان يف اهلوى مملوكا وقال الرشيد وقد عشق ثالث جوار من جواريه ويقال إنه املأمون ملك الثالث اآلنسات عناين %وحللن من قليب بكل مكان مايل تطاوعين الربية كلها %وأطيعهن وهن يف عصياين ما ذاك إال أن سلطان اهلوى %وبه قوين أعز من سلطاين وقال بعض امللوك يف جارية له عشقها وكانت كثرية التجين عليه أما يكفيك أنك متلكيين %وأن الناس كلهم عبيدي وأنك لو جهدت على تاليف %لقلت من الرضا أحسنت زيدي وقال ابن طاهر ملك خراسان فإين وإن حنت إليك ضمائري %فما قدر حيب أن يذل له قدري وقال ابن األمحر ملك األندلس أيا ربة
اخلدر اليت أذهبت نسكي %على كل حال أنت ال بد يل منك فإما بذل وهو أليق باهلوى %وإما بعز وهو أليق بامللك قالوا وكم ممن هرب من احلب إىل مظان التلف ليتخلص من التلف بالتلف قال دعبل الشاعر كنت بالثغر فنودي بالنفري فخرجت مع الناس فإذا بفىت جير رحمه بني يدي فالتفت فنظر إيل فقال أنت دعبل قلت نعم قال امسع مين مث أنشدين فقال أنا يف أمري رشاد %بني غزو وجهاد بدين يغزو عدوي %واهلوى يغزو فؤادي مث قال كيف ترى قلت جيد وهللا قال فوهللا ما خرجت إال هاربا من احلب مث قاتل حىت قتل وقال أصرم بن محيد حنن قوم تليننا احلدق النجل %على أننا نلني احلديدا طوع أيدي الظباء تقتادنا العني %ونقتاد بالطعان األسودا تتقي سخطنا الليوث وخنشى %صولة اخلشف حني يبدي الصدودا وترانا عند الكريهة أحرا %را ويف السلم للغواين عبيدا قالوا ورأينا الداخل فيه يتمىن منه اخلالص والت حني مناص قال اخلرائطي أنشدين أبو جعفر العبدي إن هللا جناين من احلب مل أعد %إليه ومل اقبل مقالة عاذيل ومن يل مبنجاة من احلب بعدما %رمتين دواعي احلب بني احلبائل وقال أبو عبيدة احلبائل املوت قال وأنشدين أبو عبيدهللا بن الدواليب دعوت ريب دعاء فاستجاب له %كما دعا ربه نوح وأيوب أن ينزع الداء من صدري وجيعله %يف صدر سلمى ومحل الداء تعطيب أو يشف قليب سريعا من صبابته %فال أحن إذا حن املطاريب قالوا وكم أكبت فتنة العشق رؤوسا على مناخرها يف اجلحيم وأسلمتهم إىل مقاساة العذاب األليم وجرعتهم بني أطباق النار كؤوس احلميم وكم أخرجت من شاء هللا من العلم والدين كخروج الشعرة من العجني وكم أزالت من نعمة وأحلت من نقمة وكم أنزلت من معقل عزه عزيزا فإذا هو من األذلني ووضعت من شريف رفيع القدر واملنصب فإذا هو يف أسفل السافلني وكم كشفت من عورة وأحدثت من روعة وأعقبت من أمل وأحلت من ندم وكم أضرمت من نار حسرات أحرقت فيها األكباد وأذهبت قدرا كان للعبد عند هللا ويف قلوب العباد وكم جلبت من جهد البالء ودرك الشقاء وسوء القضاء ومشاتة األعداء فقل أن يفارقها زوال نعمة أو فجاءة نقمة أو حتويل عافية أو طروق بلية أو حدوث رزية فلو سألت النعم ما الذي أزالك والنقم ما الذي أدالك واهلموم واألحزان ما الذي جلبك والعافية ما الذي أبعدك وجنبك والسرت ما الذي كشفك والوجه ما الذي أذهب نورك وكسفك واحلياة ما الذي كردك ومشس اإلميان ما الذي كورك وعزة النفس ما الذي أذلك وباهلوان بعد اإلكرام بدلك ألجابتك بلسان احلال اعتبارا إن مل جتب باملقال حوارا هذه وهللا بعض جنايات العشق على أصحابه لو كانوا يعقلون ^ فتلك بيوهتم خاوية مبا ظلموا إن يف ذلك آلية لقوم يعلمون ^ ويكفي اللبيب موعظة واستبصارا ما قصه هللا سبحانه وتعاىل عليه يف سورة األعراف يف شأن أصحاب اهلوى املذموم حتذيرا واعتبارا فبدأ سبحانه وتعاىل هبوى إبليس احلامل له على التكرب عن طاعة هللا عز وجل يف أمره بالسجود آلدم فحمله هوى النفس وإعجابه هبا على أن عصى أمره وتكرب على طاعته فكان من أمره ما كان مث ذكر سبحانه هوى آدم حني رغب يف اخللود يف اجلنة ومحله هواه على أن أكل من الشجرة اليت هني عنها وكان احلامل له على ذلك هوى النفس وحمبتها للخلود فكان عاقبة ذلك اهلوى والشهوة إخراجه منها إىل دار التعب والنصب وقيل إنه إمنا أكل منها طاعة حلواء فحمله حبه هلا أن
أطاعها ودخل يف هواها وإمنا توصل إليه عدوه من طريقها ودخل عليه من باهبا فأول فتنة كانت يف هذا العامل بسبب النساء مث ذكر سبحانه فتنة الكفار الذين أشركوا به ما مل ينزل به سلطانا وابتدعوا يف دينه ما مل يشرعه وحرموا زينته اليت أخرج لعباده والطيبات من الرزق وتعبدوا له بالفواحش وزعموا أنه أمرهم هبا واختذوا الشياطني أولياء من دونه واحلامل هلم على ذلك كله اهلوى واحلب الفاسد وعليه حاربوا رسله وكذبوا كتبه وبذلوا أنفسهم وأمواهلم وأهليهم دونه حىت خسروا الدنيا واآلخرة مث ذكر سبحانه وتعاىل قصة قوم نوح وما أصارهم إليه اهلوى من الغرق يف الدنيا ودخول النار يف اآلخرة مث ذكر قصة عاد وما أفضى إليه هبم اهلوى من اهلالك الفظيع والعقوبة املستمرة مث قصة قوم صاحل كذلك مث قصة العشاق أئمة الفساق وناكحي الذكران وتاركي النسوان وكيف أخذهم وهم يف خوضهم يلعبون وقطع دابرهم وهم يف سكر عشقهم يعمهون وكيف مجع عليهم من العقوبات ما مل جيمعه على أمة من األمم أمجعني وجعلهم سلفا إلخواهنم اللوطية من املتقدمني واملتأخرين وملا جترأوا على هذه املعصية ومردوا وهنجوا إلخواهنم طريقا وقاموا بأمرها وقعدوا ضجت املالئكة إىل هللا من ذلك ضجيجا وعجت األرض إىل رهبا من هذا األمر عجيجا وهربت املالئكة إىل أقطار السموات وشكتهم إىل هللا مجيع املخلوقات وهو سبحانه وتعاىل قد حكم أنه ال يأخذ الظاملني إال بعد إقامة احلجة عليهم والتقدم بالوعد والوعيد إليهم فأرسل إليهم رسوله الكرمي حيذرهم من سوء صنيعهم وينذرهم عذابه األليم فأذن رسول هللا بالدعوة على رؤوس املإل منهم واألشهاد وصاح هبا بني أظهرهم يف كل حاضر وباد وقال فكان يف قوله هلم من أعظم الناصحني ^ أتأتون الفاحشة ما سبقكم هبا من أحد من العاملني ^ مث أعاد هلم القول نصحا وحتذيرا وهم يف سكرة عشقهم ال يعقلون ^ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ^ فأجاب العشاق جواب من أركس يف هواه وغيه فقلبه بعشقه مفتون و ^ قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إهنم أناس يتطهرون ^ فلما أن حان الوقت املعلوم وجاء ميقات نفوذ القدر احملتوم أرسل الرمحن تبارك وتعاىل لتمام اإلنعام واالمتحان إىل بيت لوط مالئكة يف صورة البشر وأمجل ما يكون من الصور وجاءوه يف صورة األضياف النزول بذي الصدر الرحيب ف سيء هبم ^ وضاق هبم ذرعا وقال هذا يوم عصيب ^ وجاء الصريخ إىل اللوطية أن لوطا قد نزل به شباب مل ينظر إىل مثل حسنهم ومجاهلم الناظرون وال رأى مثلهم الراؤون فنادى اللوطية بعضهم يعضا أن هلموا إىل منزل لوط ففيه قضاء الشهوات ونيل أكرب اللذات ^ وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات ^ فلما دخلوا إليه وهجموا عليه قال هلم وهو كظيم من اهلم والغم وقلبه باحلزن عميد ^ يا قوم هؤالء بنايت هن أطهر لكم فاتقوا هللا وال ختزون يف ضيفي أليس منكم رجل رشيد ^ فلما مسع اللوطية مقاله أجابوه جواب الفاجر اجملاهر العنيد ^ لقد علمت ما لنا يف بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد ^ فقال هلم لوط مقالة املضطهد الوحيد ^ لو أن يل بكم قوة أو آوي إىل ركن شديد ^ فلما رأت رسل هللا ما يقاسي نبيه من اللوطية كشفوا له عن حقيقة احلال وقالوا هون عليك ^ يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ^ فسر نيب هللا سرور احملب وافاه الفرج بغتة على يد احلبيب وقيل له ^ فأسر بأهلك بقطع من الليل وال يلتفت منكم أحد إال امرأتك إنه مصيبها ما أصاهبم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ^ وملا أبوا إال مراودته عن أضيافه
ومل يرعوا حق اجلار ضرب جربيل جبناحه على وجوههم فطمس منهم األعني وأعمى األبصار فخرجوا من عنده عميانا يتحسسون ويقولون ستعلم غدا ما حيل بك أيها اجملنون فلما انشق عمود الصبح جاء النداء من عند رب األرباب أن اخسف باألمة اللوطية وأذقهم أليم العذاب فاقتلع القوي األمني جربيل مدائنهم على ريشة من جناحه ورفعها يف اجلو حىت مسعت املالئكة نبيح كالهبم وصياح ديكتهم مث قلبها فجعل عاليها سافلها وأتبعوا احلجارة من سجيل وهو الطني املستحجر الشديد وخوف سبحانه إخواهنم على لسان رسوله من هذا الوعيد فقال تعاىل ^ فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظاملني ببعيد ^ فهذه عاقبة اللوطية عشاق الصور وهم السلف وإخواهنم بعدهم على األثر وإن مل يكونوا قوم لوط بعينهم %فما قوم لوط منهم ببعيد وإهنم يف اخلسف ينتظروهنم %على مورد من مهلة وصيد يقولون ال أهال وال مرحبا بكم %أمل يتقدم ربكم بوعيد فقالوا بلى لكنكم قد سننتم %صراطا لنا يف العشق غري محيد أتينا به الذكران من عشقنا هلم %فأوردنا ذا العشق شر ورود فأنتم بتضعيف العذاب أحق من % متابعكم يف ذاك غري رشيد فقالوا وأنتم رسلكم أنذرتكم %مبا قد لقيناه بصدق وعيد فما لكم فضل علينا فكلنا % نذوق عذاب اهلون جد شديد كما كلنا قد ذاق لذة وصلهم %وجممعنا يف النار غري بعيد وكذلك قوم شعيب إمنا محلهم على خبس املكيال وامليزان فرط حمبتهم للمال وغلبهم اهلوى على طاعة نبيهم حىت أصاهبم العذاب وكذلك قوم فرعون مح لهم اهلوى والشهوة وعشق الرئاسة على تكذيب موسى حىت آل هبم األمر إىل ما آل وكذلك أهل السبت الذين مسخوا قردة إمنا أتوا من جهة حمبة احليتان وشهوة أكلها واحلرص عليها وكذلك الذي آتاه الرب تبارك وتعاىل آياته ^ فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ^ وقال تع اىل ^ ولو شئنا لرفعناه هبا ولكنه أخلد إىل األرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن حتمل عليه يلهث أو ترتكه يلهث ^ وتأمل قوله تعاىل آتيناه آياتنا فأخرب أن ذلك إمنا حصل له بإيتاء الرب له ال بتحصيله هو مث قال ^ فانسلخ منها ^ ومل يقل فسلخناه بل أضاف االنسالخ إليه وعرب عن براءته منها بلفظة االنسالخ الدالة على ختليه عنها بالكلية وهذا شأن الكافر وأما املؤمن ولو عصى هللا تبارك وتعاىل ما عصاه فإنه ال ينسلخ من اإلميان بالكلية مث قال ^ فأتبعه الشيطان ^ ومل يقل فتبعه فإن يف أتبعه إعالما بأنه أدركه وحلقه كما قال هللا تعاىل فأتبعوهم مشرقني أي حلقوهم ووصلوا إليهم مث قال ^ ولو شئنا لرفعناه هبا ^ ففي ذلك دليل على أن جمرد العلم ال يرفع صاحبه فهذا قد أخرب هللا سبحانه أنه آتاه آياته ومل يرفعه هبا فالرفعة بالعلم قدر زائد على جمرد تعلمه مث أخرب هللا عز وجل عن السبب الذي منعه أن يرفع هبا فقال ^ ولكنه أخلد إىل األرض واتبع هواه ^ وقوله ^ أخلد إىل األرض ^ أي سكن إليها ونزل بطبعه إليها فكانت نفسه أرضية سفلية ال مساوية علوية وحبسب ما خيلد العبد إىل األرض يهبط من السماء قال سهل قسم هللا األعضاء من اهلوى لكل عضو منه حظا فإذا مال عضو منها إىل اهلوى رجع ضرره إىل القلب وللنفس سبع حجب مساوية وسبع حجب أرضية فكلما دفن العبد نفسه أرضا أرضا مسا قلبه مساء مساء فإذا دفن النفس حتت الثرى وصل القلب إىل العرش مث ذكر سبحانه مثل املتبع هلواه كمثل الكلب الذي ال يفارقه اللهث يف حاليت تركه واحلمل عليه فهكذا هذا ال يفارقه اللهث على الدنيا راغبا وراهبا واملقصود
أن هذه السورة من أوهلا إىل آخرها يف ذكر حال أهل اهلوى والشهوات وما آل إليه أمرهم فالعشق واهلوى أصل كل بلية قال عدي ابن ثابت كان يف زمن بين إسرائيل راهب يعبد هللا حىت كان يؤتى باجملانني يعوذهم فيربأون على يديه وإنه أيت بامرأة ذات شرف من قومها قد جنت وكان هلا إخوة فأتوه هبا فلم يزل الشيطان يزين له حىت وقع عليها فحملت فلما استبان محلها مل يزل خيوفه ويزين له قتلها حىت قتلها ودفنها فذهب الشيطان يف صورة رجل حىت أتى بعض إخوهتا فأخربه بالذي فعل الراهب مث أتى بقية إخوهتا رجال رجال فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول وهللا لقد أتاين آت فذكر يل شيئا كرب علي ذكره فذكر ذلك بعضهم لبعض حىت رفعوا ذلك إىل ملكهم فسار الناس إليه حىت استنزلوه من صومعته فأقر هلم بالذي فعل فأمر به فصلب فلما رفع على اخلشبة متثل له الشيطان فقال أنا الذي زينت لك هذا وألقيتك فيه فهل أنت مطيعي فيما أقول لك وأخلصك قال نعم قال تسجد يل سجدة واحدة فسجد له وقتل الرجل فهو قول هللا تعاىل ^ كمثل الشيطان إذ قال لإلنسان اكفر فلما كفر قال إين بريء منك إين أخاف هللا رب العاملني ^ وقال واصل موىل أيب عيينة دخلت على حممد بن سريين فقال يل هل تزوجت فقلت ال قال وما مينعك قلت قلة الشيء قال تزوج عبدهللا بن حممد بن سريين وال شيء له فرزقه هللا مث حدث أن امرأة من بين إسرائيل يقال هلا ميسونة خاصمت إىل حربين من بين إسرائيل فعلقاها قال وكان كل واحد منهما يكتم صاحبه ما جيد منها فأخربا أهنا يف حائط تغتسل قال فجاءا فتسورا عليها احلائط فلما رأهتما دخلت غمرا من املاء فوارت نفسها فقاال هلا إنك إن مل تفعلي غدونا فشهدنا عليك بالزور فأبت فشهدا عليها فلما قربت ليقام عليها احلد نزل الوحي على دانيال بتكذيبهما فهذا بعض فتنة العشق وقد روى شعبة عن عبدامللك بن عمري قال مسعت مصعب بن سعد يقول كان سعد يعلمنا هذا الدعاء ويذكره عن النيب اللهم إين أعوذ بك من فتنة النساء وأعوذ بك من عذاب القرب وقال احلسن بن عرفة حدثنا أبو معاوية الضرير عن ليث عن طاوس عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال إنه مل يكن كفر من مضى إال من قبل النساء وهو كفر من بقي أيضا وقد روى سفيان بن عيينة عن سليمان التيمي عن أيب عثمان النهدي عن أسامة بن زيد رضي هللا عنهما قال قال رسول هللا ما تركت على أميت بعدي أضر على الرجال من النساء وروى أبو إسحاق عن هبرية بن يرمي عن علي بن أيب طالب كرم هللا وجهه ورضي عنه قال قال رسول هللا إن أخوف ما أخاف على أميت اخلمر والنساء وقال علي بن حرب حدثنا سفيان بن عيينة عن علي بن زيد عن سعيد بن املسيب قال ما أيس الشيطان من أحد قط إال أتاه من قبل النساء وروى سفيان بن حسني عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبري عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال قيل آلدم ما محلك على أكل الشجرة قال يا رب زينت يل حواء قال فإين قد عاقبتها ال حتمل إال كرها وال تضع إال كرها وأدميتها يف الشهر مرتني وقال ابن عباس رضي هللا عنهما أو غريه أول فتنة بين إسرائيل كانت من قبل النساء قالوا ويكفي من مضرة العشق ما اشتهر من مصارع العشاق وذلك موجود يف كل زمان فهذا بعض ما احتجت به هذه الفرقة لقوهلا وحنن نعقد للحكم بني الطائفتني بابا مستقال بعون هللا تعاىل
الباب السادس عشر يف احلكم بني الفريقني وفصل النزاع بني الطائفتني فنقول العشق ال حيمد مطلقا وال يذم مطلقا وإمنا حيمد ويذم باعتبار متعلقه فإن اإلرادة تابعة ملرادها واحلب تابع للمحبوب فمىت كان احملبوب مما حيب لذاته أو وسيلة توصله إىل ما حيب لذاته مل تذم املبالغة يف حمبته بل حتمد وصالح حال احملب كذلك حبسب قوة حمبته وهلذا كان أعظم صالح العبد أن يصرف قوى حبه كلها هلل تعاىل وحده حبيث حيب هللا بكل قلبه وروحه وجوارحه فيوحد حمبوبه ويوحد حبه وسيأيت إن شاء هللا تعاىل يف باب توحيد احملبوب أن احملبة ال تصح إال بذلك فتوحيد احملبوب أن ال يتعدد حمبوبه وتوحيد احلب أن ال يبقى يف قلبه بقية حب حىت يبذهلا له فهذا احلب وإن مسي عشقا فهو غاية صالح العبد ونعيمه وقرة عينه وليس لقلبه صالح وال نعيم إال بأن يكون هللا ورسوله أحب إليه مما سوامها وأن تكون حمبته لغري هللا تابعة حملبة هللا فال حيب إال هللا كما يف احلديث الصحيح ثالث من كن فيه وجد هبن حالوة اإلميان من كان هللا ورسوله أحب إليه مما سوامها ومن كان حيب املرء ال حيبه إال هلل ومن كان يكره أن يرجع يف الكفر بعد إذ أنقذه هللا منه كما يكره أن يلقى يف النار فأخرب أن العبد ال جيد حالوة اإلميان إال بأن يكون هللا أحب إليه مما سواه وحمبة رسوله هي من حمبته وحمبة املرء إن كانت هلل فهي من حمبة هللا وإن كانت لغري هللا فهي منقصة حملبة هللا مضعفة هلا وتصدق هذه احملبة بأن يكون كراهته ألبغض األشياء إىل حمبوبه وهو الكفر مبنزلة كراهته إللقائه يف النار أو أشد وال ريب أن هذا من أعظم احملبة فإن اإلنسان ال يقدم على حمبة نفسه وحياته شيئا فإذا قدم حم بة اإلميان باهلل على نفسه حبيث لو خري بني الكفر وإلقائه يف النار الختار أن يلقى يف النار وال يكفر كان هللا أحب إليه من نفسه وهذه احملبة هي فوق ما جيده سائر العشاق واحملبني من حمبة حمبوهبم بل ال نظري هلذه احملبة كما ال مثل ملن تعلقت به وهي حمبة تقتضي تقدمي احملبوب فيها على النفس واملال والولد وتقتضي كمال اللذة واخلضوع والتعظيم واإلجالل والطاعة واالنقياد ظاهرا وباطنا وهذا ال نظري له يف حمبة خملوق ولو كان املخلوق من كان وهلذا من أشرك بني هللا وبني غريه يف هذه احملبة اخلاصة كان مشركا شركا ال يغفره هللا كما قال هللا تعاىل ^ ومن الناس من يتخذ من دون هللا أندادا حيبوهنم كحب هللا والذين آمنوا أشد حبا هلل ^ والصحيح أن معىن اآلية والذين آمنوا أشد حبا هلل من أهل األنداد ألندادهم كما تقدم بيانه أن حمبة املؤمنني لرهبم ال مياثلها حمبة خملوق أصال كما ال مياثل حمبوهبم غريه وكل آذى يف حمبة غريه فهو نعيم يف حمبته وكل مكروه يف حمبة غريه فهو قرة عني يف حمبته ومن ضرب حملبته األمثال اليت هي يف حمبة املخلوق للمخلوق كالوصل واهلجر والتجين بال سبب من احملب وأمثال ذلك مما يتعاىل هللا عنه علوا كبريا فهو خمطئ أقبح اخلطإوأفحشه وهو حقيق باإلبعاد واملقت واآلفة إمنا هي من نفسه وقلة أدبه مع حمبوبه وهللا تعاىل هنى أن يضرب عباده له األمثال فهو ال يقاس خبلقه وما ابتدع من ابتدع إال من ضرب األمثال له سبحانه فأصحاب الكالم احملدث املبتدع ضربوا له األمثال الباطلة يف اخلرب عنه وما يوصف به وأصحاب اإلرادة املنحرفة ضربوا له األمثال يف اإلرادة والطلب وكالمها على بدعة وخطإ والعشق إذا تعلق مبا حيبه هللا ورسوله كان عشقا ممدوحا مثابا عليه وذلك أنواع أحدها حمبة القرآن حبيث يغين بسماعه عن مساع غريه ويهيم قلبه يف
معانيه ومراد املتكلم سبحانه منه وعلى قدر حم بة هللا تكون حمبة كالمه فمن أحب حمبوبا أحب حديثه واحلديث عنه كما قيل إن كنت تزعم حيب %فلم هجرت كتايب أما تأملت ما فيه %من لذيذ خطايب وكذلك حمبة ذكره سبحانه وتعاىل من عالمة حمبته فإن احملب ال يشبع من ذكر حمبوبه بل ال ينساه فيحتاج إىل من يذكره به وكذلك حيب مساع أوصافه وأفعاله وأحكامه فعشق هذا كله من أنفع العشق وهو غاية سعادة العاشق وكذلك عشق العلم النافع وعشق أوصاف الكمال من الكرم واجلود والعفة والشجاعة والصرب ومكارم األخالق فإن هذه الصفات لو صورت صورا لكانت من أمجل الصور وأهباها ولو صور العلم صورة لك انت أمجل من صورة الشمس والقمر ولكن عشق هذه الصفات إمنا يناسب األنفس الشريفة الزكية كما أن حمبة هللا ورسوله وكالمه ودينه إمنا تناسب األرواح العلوية السمائية الزكية ال األرواح األرضية الدنية فإذا أردت أن تعرف قيمة العبد وقدره فانظر إىل حمبوبه ومراده واعلم أن العشق احملمود ال يعرض فيه شىيء من اآلفات املذكورة بقي هاهنا قسم آخر وهو عشق حممود يرتتب عليه مفارقة املعشوق كمن يعشق امرأته أو أمته فيفارقها مبوت أو غريه فيذهب املعشوق ويبقى العشق كما هو فهذا نوع من االبتالء إن صرب صاحبه واحتسب نال ثواب الصابرين وإن سخط وجزع فاته معشوقه وثوابه وإن قابل هذه البلوى بالرضا والتسليم فدرجته فوق درجة الصرب وأعلى من ذلك أن يقابلها بالشكر نظرا إىل حسن اختيار هلل له فإنه ما يقضي هللا للمؤمن قضاء إال كان خريا له فإذا علم أن هذا القضاء خري له اقتضى ذلك شكره هلل على ذلك اخلري الذي قضاه له وإن مل يعلم كونه خري له فليسلم للصادق املصدوق يف خربه املؤكد باليمني حيث يقول والذي نفسي بيده ال يقضي هللا للمؤمن من قضاء إال كان خريا له إن أصابته سراء شكر فكان خريا له وإن أصابته ضراء صرب فكان خريا له وليس ذلك إال للمؤمن وإميان العبد يأمره بأن يعتقد بأن ذلك القضاء خري له وذلك يقتضي شكر من قضاه وقدره وباهلل التوفيق الباب السابع عشر يف استحباب ختري الصور اجلميلة للوصال الذي حيبه هللا ورسوله قال هللا تعاىل تعاىل عقيب ذكره ما أحل لعباده من الزوجات واإلماء وما حرم عليهم يريد هللا ليبني لكم ويهدك م سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم وهللا عليم حكيم وهللا يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن متيلوا ميال عظيما يريد هللا أن خيفف عنكم وخلق اإلنسان ضعيفا أي ال يصرب عن النساء كما ذكر الثوري عن ابن طاوس عن أبيه ^ وخلق اإلنسان ضعيفا ^ قال إذا نظر إىل النساء مل يصرب وكذلك قال غري واحد من السلف وملا كانت الشهوة يف هذا الباب غالبة ال بد أن توجب ما يوجب التوبة كرر سبحانه وتعاىل ذكر التوبة مرتني فأخرب أن متبعي الشهوات يريدون من عباده أن مييلوا ميال عظيما وأخرب سبحانه وتعاىل أنه يريد التخفيف عنا لضعفنا فأباح لنا أن ننكح ما طاب لنا من أطايب النساء أربعا وأن نتسرى من اإلماء مبا شئنا وملا كان العبد له يف هذا الباب ثالثة أحوال حالة جهل مبا حيل له وحيرم عليه وحالة تقصري وتفريط وحالة ضعف وقلة صرب قابل سبحانه جهل عبده بالبيان واهلدى وتقصريه وتفريطه بالتوبة وضعفه وقلة صربه بالتخفيف
وقال عبدهللا بن أمحد يف كتاب الزهد ألبيه حدثنا أبو معمر حدثنا يوسف بن عطية عن ثابت عن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال قال رسول هللا جعلت قرة عيين يف الصالة وحبب إيل النساء والطيب اجلائع يشبع والظمآن يروى وأنا ال أشبع من حب الصالة والنساء وأصله يف صحيح مسلم بدون هذه الزيادة ويف صحيح مسلم من حديث عروة عن عائشة رضي هللا عنها قالت ملا أصاب رسول هللا سبايا بين املصطلق وقعت جويرية بنت احلارث بن أيب ضرار يف السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو البن عم له فكاتبت على نفسها وكانت امرأة مجيلة حلوة ال يراها أحد إال أخذت بنفسه فأتت رسول هللا تستعينه على كتابتها قالت فوهللا ما هو إال أن رأيتها على باب احلجرة فكرهتها وعلمت أن رسول هللا يرى منها ما رأيت فقالت يا رسول هللا أنا جويرية بنت احلارث بن أيب ضرار سيد قومه وقد أصابين من البالء ما مل خيف عليك فوقعت يف السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو البن عم له فجئت رسول هللا أستعينه قال فهل لك يف غري ذلك قالت وما هو قال أقضي كتابتك وأتزوجك قالت نعم يا رسول هللا قد فعلت وخرج اخلرب إىل الناس أن رسول هللا تزوج جويرية بنت احلارث فقال الناس أصهار رسول هللا فأرسلوا ما بأيديهم قالت فلقد أعتق بتزوجيه إياها مائة أهل بيت من بين املصطلق فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها وقال عبدهللا بن عمر رضي هللا عنهما خرج سهمي يوم جلوالء جارية كأن عنقها إبريق فضة فما ملكت نفس أن قمت إليها فقبلتها ويف الصحيحني من حديث أنس رضي هللا عنه قال قدم رسول هللا خيرب فلما فتح هللا عليه احلصن ذكر له مجال صفية بنت حيي وقد قتل زوجها وكانت عروسا فاصطفاها رسول هللا لنفسه فخرج هبا حىت بلغا سد الروحاء فبىن هبا مث صنع حيسا يف نطع صغري مث قال رسول هللا آذن من حولك فكانت تلك وليمة رسول هللا على صفية مث خرجنا إىل املدينة فرأيت رسول هللا حيوى هلا وراءه بعباءة مث جيلس عند بعريه فيضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبته حىت تركب وعند أيب داود يف هذه القصة قال وقع يف سهم دحية جارية مجيلة فاشرتاها رسول هللا بسبعة أرؤس مث دفعها إىل أم سليم تصنعها وهتيئها وتعتد يف بيتها وهي صفية بنت حيي وقال أبو عبيدة حج عبدامللك بن مروان ومعه خالد بن يزيد بن معاوية وكان خالد هذا من رجاالت قريش املعدودين وكان عظيم القدر عند عبدامللك فبينما هو يطوف بالبيت إذ بصر برملة بنت الزبري بن العوام فعشقها عشقا شديدا ووقعت بقلبه وقوعا متمكنا فلما أراد عبدامللك القفول هم خالد بالتخلف عنه فوقع بقلب عبدامللك هتمة فبعث إليه فسأله عن أمره فقال يا أمري املؤمنني رملة بنت الزبري رأيتها تطوف بالبيت فأذهلت عقلي وهللا ما أبديت إليك ما يب حىت عيل صربي ولقد عرضت النوم على عيين فلم تقبله والسلو على قليب فامتنع عنه فأطال عبدامللك التعجب من ذلك وقال ما كنت أقول إن اهلوى يستأسر مثلك قال فإين ألشد تعجبا من تعجبك مين ولقد كنت أقول إن اهلوى ال يتمكن إال من صنفني من الناس الشعراء واألعراب أما الشعراء فإهنم ألزموا قلوهبم الفكر يف النساء ووصفهن والتغزل فمال طبعهم إىل النساء فضعفت قلوهبم عن دفع اهلوى فاستسلموا إليه منقادين وأما اإلعراب فإن أحدهم خيلو بامرأته فال يكون الغالب عليه غري حبه هلا
وال يشغله عنه شيء فضعفوا عن دفع اهلوى فتمكن منهم فما رأيت نظرة حالت بيين وبني احلزم وحسنت عندي ركوب اإلمث مثل نظريت هذه فتبسم عبدامللك فقال أفكل هذا قد بلغ بك فقال وهللا ما عرتين هذه البلية قبل وقيت هذا فوجه عبدامللك إىل الزبري خيطب رملة على خالد فذكروا هلا ذلك فقالت ال وهللا أو يطلق نساءه فطلق امرأتني كانتا عنده وظعن هبا إىل الشام وكان يقول أليس يزيد الشوق يف كل ليلة %ويف كل يوم من حبيبتنا قربا خليلي ما من ساعة تذكراهنا %من الدهر إال فرجت عين الكربا أحب بين العوام طرا حلبها %ومن أجلها أحببت أخواهلا كلبا جتول خالخيل النساء وال أرى %لرملة خلخاال جيول وال قلبا وذكر اخلرائطي أن بشر بن مروان كان إذا ضرب البعث على أحد من جنده مث وجده قد أخل مبركزه أقامه على كرسي مث مسر يديه يف احلائط مث انتزع الكرسي من حتت رجليه فال يزال يتشحط حىت ميوت وأنه ضرب البعث على رجل عاشق حديث عهد بعرس ابنة عمه فلما صار يف مركزه كتب إىل ابنة عمه كتابا مث كتب يف أسفله لوال خمافة بشر أو عقوبته %وأن يرى بعد ذا يف الكف مسمار إذا لعطلت ثغري مث زرتكم %إن احملب إذا ما اشتاق زوار فلما ورد عليها الكتاب أجابته عنه مث كتبت يف أسفله ليس احملب الذي خيشى العقاب ولو %كانت عقوبته يف فجوة النار بل احملب الذي ال شيء يفزعه %أو يستقر ومن يهواه يف الدار فلما قرأ الكتاب قال ال خري يف احلياة بعد هذا وأقبل حىت دخل املدينة فأتى بشر بن مروان يف وقت غدائه فلما فرغ من غدائه أدخل عليه فقال ما الذي دعاك إىل تعطيل ثغرك أما مسعت النداء فقال امسع عذري فإما عفوت وإما عاقبت فقال ويلك وهل لك من عذر فقص عليه قصته وقصة ابنة عمه فقال أوىل لكما يا غالم خط على امسه من البعث وأعطه عشرة آالف درهم واحلق بابنة عمك سهرت ومن أهدى يل الشوق نائم %وعذب قليب باهلوى وهو سامل فواحسرتا حىت مىت أنا قائل %ملن المين يف حبكم أنت ظامل وحىت مىت أخفي اهلوى وأسره %وأدفن شوقي يف احلشا وأكامت أريد الذي قد سركم مبساءيت %ليغفل واش أو ليعذر الئم وقال آخر يب ال هبا ما أقاسي من جتنيا %ومن جوى احلب يف األحشاء أفديها وهللا يعلم أين ال أسر بأن %تلقى من الوجد ما القيته فيها خوف البكاء كما أبكي فترتكين %أبكي على كبدي طورا وأبكيها وقال العباس بن هشام الكليب ضرب عبدامللك بن مروان بعثا إىل اليمن فأقاموا سنني حىت إذا كان ذات ليلة وهو بدمشق قال وهللا ألعسن الليلة مدينة دمشق وألمسعن الناس ماذا يقولون يف البعث الذي أغزيت فيه رجاهلم وأغرمتهم أمواهلم فبينما هو يف بعض أزقتها إذ هو بصوت امرأة قائمة تصلي فتسمع إليها فلما انصرفت إىل مضجعها قالت اللهم مسري النجب ومنزل الكتب ومعطي الرغب أسألك أن ترد يل غائيب فتكشف به مهي وتقر به عيين وأسألك أن حتكم بيين وبني عبدامللك بن مروان الذي فعل بنا هذا مث أنشأت تقول تطاول هذا الليل فالعني تدمع % وأرقين حزن لقليب موجع فبت أقاسي الليل أرعى جنومه %وبات فؤادي باجلوى يتقطع إذا غاب منها كوكب يف مغيبه %حملت بعيين كوكبا حني يطلع إذا ما تذكرت الذي كان بيننا %وجدت فؤادي حسرة يتصدع وكل حبيب ذاكر حلبيبه %يرجي لقاه كل يوم ويطمع فذا العرش فرج ما ترى من صبابيت %فأنت الذي يدعو العباد فيسمع دعوتك يف السراء والضر دعوة %على حاجة بني الشراسيف تلذع فقال عبدامللك حلاجبه تعرف هذا املنزل
قال نعم هذا منزل يزيد بن سنان قال فما املرأة منه قال زوجته فلما أصبح سأل كم تصرب املرأة عن زوجها قالوا ستة أشهر وقال جرير ب ن حازم عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبري قال كان عمر ابن اخلطاب رضي هللا عنه إذا أمسى أخذ درته مث طاف باملدينة فإذا رأى شيئا ينكره أنكره فبينما هو ذات ليلة يعس إذ مر بامرأة على سطح وهي تقول تطاول هذا الليل واخضل جانبه %وأرقين أن ال خليل أالعبه فوهللا لوال هللا ال رب غريه %حلرك من هذا السرير جوانبه خمافة ريب واحلياء يصدين %وأكرم بعلي أن تنال مراكبه مث تنفست الصعداء وقالت هلان على عمر بن اخلطاب ما لقيت الليلة فضرب باب الدار فقالت من هذا الذي يأيت إىل امرأة مغيبة هذه الساعة فقال افتحي فأبت فلما أكثر ع ليها قالت أما وهللا لو بلغ أمري املؤمنني لعاقبك فلما رأى عفافها قال افتحي فأنا أمري املؤمنني قالت كذبت ما أنت أمري املؤمنني فرفع هبا صوته وجهر هلا فعرفت أنه هو ففتحت له فقال هيه كيف قلت فأعادت عليه ما قالت فقال أين زوجك قالت يف بعث كذا وكذا فبعث إىل عامل ذ لك اجلند أن سرح فالن بن فالن فلما قدم عليه قال اذهب إىل أهلك مث دخل على حفصة ابنته فقال أي بنية كم تصرب املرأة عن زوجها قالت شهرا واثنني وثالثة ويف الرابع ينفد الصرب فجعل ذلك أجال للبعث وهذا مطابق جلعل هللا سبحانه وتعاىل مدة اإليالء أربعة أشهر فإنه سبحانه وتعاىل علم أن صرب املرأة يضعف بعد األربعة وال حتتمل قوة صربها أكثر من هذه املدة فجعلها أجال للمويل وخريها بعد األربعة إن شاءت أقامت معه وإن شاءت فسخت نكاحه فإذا مضت األربعة أشهر عيل صربها قال الشاعر وملا دعوت الصرب بعدك والبكا %أجاب البكا طوعا ومل جيب الصرب الباب الثامن عشر يف أن دواء احملبني يف كمال الوصال الذي أباحه رب العاملني قد جعل هللا سبحانه وتعاىل لكل داء دواء ويسر الوصال إىل ذلك الدواء شرعا وقدرا فمن أراد التداوي مبا شرعه هللا له واستعان عليه بالقدر وأتى األمر من بابه صادف الشفاء ومن طلب الدواء مبا منعه منه شرعا وإن امتحنه به قدرا فقد أخطأ طريق املداواة وكان كاملتداوي من داء بداء أعظم منه وقد تقدم حديث طاوس عن ابن عباس رضي هللا عنهما عن النيب أنه قال مل ير للمتحابني مثل النكاح وقد اتفق رأي العقالء من األطباء وغريهم يف مواضع األدوية أن شفا ء هذا الداء يف التقاء الروحني والتصاق البدنني وقد روى مسلم يف صحيحه من حديث أيب الزبري عن جابر رضي هللا عنه أن رسول هللا رأى امرأة فأتى زينب فقضى حاجته منها وقال إن املرأة تقبل يف صورة شيطان وتدبر يف صورة شيطان فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فإن ذلك يرد ما يف نفسه وذكر إمساعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أيب مسلم اخلوالين رمحه هللا أنه كان يقول يا معشر خوالن زوجوا شبابكم وإماءكم فإن الغلمة أمر عارم فأعدوا عدهتا واعلموا أنه ليس ملنعظ إذن يريد أنه إذا
استأذن عليه فال إذن له وذكر العتيب أن رجال من ولد عثمان ورجال من ولد احلسني خرجا يريدان موضعا هلما فنزال حتت سرحة فأخذ أحدمها فكتب عليها خربينا خصصت بالغيث يا سر %ح بصدق والصدق فيه شفاء وكتب اآلخر هل ميوت احملب من أمل احلبب %ويشفى من احلبيب اللقاء مث مضيا فلما رجعا وجدا مكتوبا حتت ذلك إن جهال سؤالك السرح عما %ليس يوما عليك فيه خفاء ليس للعاشق احملب من احلبب %سوى لذة اللقاء شفاء وقال أبو جعفر العذري لسكر اهلوى أروى لعظمي ومفصلي %إذا سكر الندمان من لذة اخلمر وأحسن من قرع املثاين ونقرها %تراجيع صوت الثغر يقرع بالثغر وملا دعوت الصرب بعدك والبكا %أجاب البكا طوعا ومل جيب الصرب وقال عبدهللا بن صاحل كان الليث بن سعد إذا أراد اجلماع خال يف منزل يف داره ودعا بثوب يقال له اهلركان وكان يلبسه إذ ذاك وكان إذا خال يف ذلك املنزل علم أنه يريد أمرا وكان إذا غشي أهله قال اللهم شد يل أصله وارفع يل صدره وسهل علي مدخله وخمرجه وارزقين لذته وهب يل ذرية صاحلة تقاتل يف سبيلك قال وكان جهوريا فكان يسمع ذلك منه رضي هللا عنه وقال اخلرائطي حدثنا عمارة بن وثيمة قال حدثين أيب قال كان عبدهللا بن ربيعة من خيار قريش صالحا وعفة وكان ذكره ال يرقد فلم يكن يشهد لقريش خريا وال شرا وكان يتزوج املرأة فال متكث معه إال أياما حىت هترب إىل أهلها فقالت زينب بنت عمر بن أيب سلمة ماهلن يهربن من ابن عمهن قيل هلا إهنن ال يطقنه قالت فما مينعه مين فأنا وهللا العظيمة اخللق الكبرية العجز الفخمة الفرج قال فتزوجها فصربت عليه وولدت له ستة من الولد وقال رشيد بن سعد عن زهرة بن معبد عن حممد بن املنكدر أنه كان يدعو يف صالته اللهم قوي يل ذكري فإن فيه صالحا ألهلي وقال محاد بن زيد عن هشام بن حسان عن حممد بن سريين قال كان ألنس بن مالك غالم وكان شيخا كبريا فرافعته امرأته إىل أنس وقالت ال أطيقه ففرض له عليها ستة يف اليوم والليلة وقال علي بن عاصم حدثنا خالد احلذاء قال ملا خلق هللا آدم وخلق حواء قال له يا آدم اسكن إىل زوجك فقالت له حواء يا آدم ما أطيب هذا زدنا منه ويف الصحيح أن سليمان بن داود عليهما السالم طاف يف ليلة واحدة على تسعني امرأة ويف الصحيحني أن رسول هللا كان يطوف على نسائه يف الليلةالواحدة وهن تسع نسوة ورمبا كان يطوف عليهن بغسل واحد ورمبا كان يغتسل عند كل واحدة منهن وقال املروذي قال أبو عبدهللا يعين أمحد بن حنبل ليس العزوبة من أمر اإلسالم يف شيء النيب تزوج أربع عشرة ومات عن تسع ولو تزوج بشر بن احلارث لتم أمره ولو ترك الناس النكاح مل يكن غزو وال حج وال كذا وال كذا وقد كان النيب يصبح وما عندهم شيء ومات عن تسع وكان خيتار النكاح وحيث عليه وهنى عن التبتل فمن رغب عن سنة النيب فهو على غري احلق ويعقوب يف حزنه قد تزوج وولد له والنيب قال حبب إيل النساء قلت له فإن إبراهيم بن أدهم حيكى عنه أنه قال لروعة صاحب العيال فما قدرت أن أمت احلديث حىت صاح يب وقال وقعت يف بنيات الطريق أنظر ما كان عليه حممد وأصحابه مث قال بكاء الصيب بني يدي أبيه يطلب منه اخلبز أفضل من كذا وكذا أين يلحق املتعبد العزب انتهى كالمه وقد اختلف الفقهاء هل جيب على الزوج جمامعة امرأته فقالت طائفة ال جيب عليه ذلك فإنه حق له فإن شاء استوفاه وإن شاء تركه مبنزلة من استأجر دارا إن شاء سكنها وإن شاء تركها وهذا من أضعف األقوال والقرآن والسنة والعرف والقياس يرده أما القرآن فإن هللا سبحانه وتعاىل قال ^ وهلن
مثل الذي عليهن باملعروف ^ فأخرب أن للمرأة من احلق مثل الذي عليها فإذا كان اجلماع حقا للزوج عليها فهو حق على الزوج بنص القرآن وأيضا فإنه سبحانه وتعاىل أمر األزواج أن يعاشروا الزوجات باملعروف ومن ضد املعروف أن يكون عنده شابة شهوهتا تعدل شهوة الرجل أو تزيد عليها بأضعاف مضاعفة وال يذيقها لذة الوطء مرة واحدة ومن زعم أن هذا من املعروف كفاه طبعه ردا عليه وهللا سبحانه وتعاىل إمنا أباح لألزواج إمساك نسائهم على هذا الوجه ال على غريه فقال تعاىل ^ فإمساك مبعروف أو تسريح بإحسان ^ وقالت طائفة جيب عليه وطؤها يف العمر مرة واحدة ليستقر هلا بذلك الصداق وهذا من جنس القول األول وهذا باطل من وجه آخر فإن املقصود إمنا هو املعاشرة باملعروف والصداق دخل يف العقد تعظيما حلرمته وفرقا بينه وبني السفاح فوجوب املقصود بالنكاح أقوى من وجوب الصداق وقالت طائفة ثالثة جيب عليه أن يطأها يف كل أربعة أشهر مرة واحتجوا على ذلك بأن هللا سبحانه وتعاىل أباح للمويل تربص أربعة أشهر وخري املرأة بعد ذلك إن شاءت أن تقيم عنده وإن شاءت أن تفارقه فلو كان هلا حق يف الوطء أكثر من ذلك مل جيعل للزوج تركه يف تلك املدة وهذا القول وإن كان أقرب من القولني اللذين قبله فليس أيضا بصحيح فإنه غري املعروف الذي هلا وعليها وأما جعل مدة اإليالء أربعة أشهر فنظرا منه سبحانه لألزواج فإن الرجل قد حيتاج إىل ترك وطء امرأته مدة لعارض من سفر أو تأديب أو راحة نفس أو اشتغال مبهم فجعل هللا سبحانه وتعاىل له أجال أربعة أشهر وال يلزم من ذلك أن يكون الوطء مؤقتا يف كل أربعة أشهر مرة وقالت طائفة أخرى بل جيب عليه أن يطأها باملعروف كما ينفق عليها ويكسوها ويعاشرها باملعروف بل هذا عمدة املعاشرة ومقصودها وقد أمر هللا سبحانه وتعاىل أن يعاشرها باملعروف فالوطء داخل يف هذه امل عاشرة وال بد قالوا وعليه أن يشبعها وطئا إذا أمكنه ذلك كما عليه أن يشبعها قوتا وكان شيخنا رمحه هللا تعاىل يرجح هذا القول وخيتاره وقد حض النيب على استعمال هذا الدواء ورغب فيه وعلق عليه األجر وجعله صدقة لفاعله فقال ويف بضع أحدكم صدقة ومن تراجم النسائي على هذا الرتغيب يف املباضعة مث ذكر هذا احلديث ففي هذا كمال اللذة وكمال اإلحسان إىل احلبيبة وحصول األجر وثواب الصدقة وفرح النفس وذهاب أفكارها الرديئة عنها وخفة الروح وذهاب كثافتها وغلظها وخفة اجلسم واعتدال املزاج وجلب الصحة ودفع املواد الرديئة فإن صادف ذلك وجها حسنا وخلقا دمثا وعشقا وافرا ورغبة تامة واحتسابا للثواب فذلك اللذة اليت ال يعادهلا شيء وال سيما إذا وافقت كماهلا فإهنا ال تكمل حىت يأخذ كل جزء من البدن بقسطه من اللذة فتلتذ العني بالنظر إىل احملبوب واألذن بسماع كالمه واألنف بشم رائحته والفم بتقبيله واليد بل مسه وتعتكف كل جارحة على ما تطلبه من لذهتا وتقابله من احملبوب فإن فقد من ذلك شيء مل تزل النفس متطلعة إليه متقاضية له فال تسكن كل السكون ولذلك تسمى املرأة سكنا لسكون النفس إلينا قال هللا تعاىل ^ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ^ ولذلك فضل مجاع النهار على مجاع الليل ولسبب آخر طبيعي وهو أن الليل وقت تربد فيه احلواس وتطلب حظها من السكون والنهار حمل انتشار احلركات كما قال هللا تعاىل ^ وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا ^ وقال هللا تعاىل ^ هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ^ ومتام النعمة يف ذلك فرحة احملب برضاء ربه تعاىل بذلك واحتساب
هذه اللذة عنده ورجاء تثقيل ميزانه ولذلك كان أحب شيء إىل الشيطان أن يفرق بني الرجل وبني حبيبه ليتوصل إىل تعويض كل منهما عن صاحبه باحلرام كما يف السنن عنه أبغض احلالل إىل هللا تعاىل الطالق ويف صحيح مسلم من حديث جابر رضي هللا عنه عن النيب إن إبليس ينصب عرشه على املاء مث يبث سراياه يف الناس فأقرهبم منه منزلة أعظمهم فتنة فيقول أحدهم ما زلت به حىت زىن فيقول يتوب فيقول اآلخر ما زلت به حىت فرقت بينه وبني أهله فيدنيه ويلتزمه ويقول نعم أنت نعم أنت فهذ ا الوصال ملا كان أحب شيء إىل هللا ورسوله كان أبغض شيء إىل عدو هللا فهو يسعى يف التفريق بني املتحابني يف هللا احملبة اليت حيبها هللا ويؤلف بني االثنني يف احملبة اليت يبغضها هللا ويسخطها وأكثر العشاق من جنده وعسكره ويرتقي هبم احلال حىت يصري هو من جندهم وعسكرهم يقود هلم ويزين هلم الفواحش ويؤلف بينهم عليها كما قيل عجبت من إبليس يف خنوته %وقبح ما أظهر من سريته تاه على آدم يف سجدة %وصار قوادا لذريته وقد أرشد النيب الشباب الذين هم مظنة العشق إىل أنفع أدويتهم ففي الصحيحني من حديث ابن مسعود رضي هللا عنه قال قال رسول هللا يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ويف لفظ آخر ذكره أبو عبيد حدثنا أبو معاوية عن األعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبدهللا رضي هللا عنه عن النيب عليكم بالباءة وذكر احلديث وبني اللفظني فرق فإن األول يقتضي أم ر العزب بالتزويج والثاين يقتضي أمر املتزوج بالباءة والباءة اسم من أمساء الوطء وقوله من استطاع منكم الباءة فليتزوج فسرت الباءة بالوطء وفسرت مبؤن النكاح وال ينايف التفسري األول إذ املعىن على هذا مؤن الباءة مث قال ومن مل يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء فأرشده م إىل الدواء الشايف الذي وضع هلذا األمر مث نقلهم عنه عند العجز إىل البدل وهو الصوم فإنه يكسر شهوة النفس ويضيق عليها جماري الشهوة فإن هذه الشهوة تقوى بكثرة الغذاء وكيفيته فكمية الغذاء وكيفيته يزيدان يف توليدها والصوم يضيق عليها ذلك فيصري مبنزلة وجاء الفحل وقل من أدمن الصوم إال وماتت شهوته أو ضعفت جدا والصوم املشروع يعدهلا واعتداهلا حسنة بني سيئتني ووسط بني طرفني مذمومني ومها العنة والغلمة الشديدة املفرطة وكالمها خارج عن االعتدال وكال طريف قصد األمور ذميم وخري األمور أوساطها واألخالق الفاضلة كلها وسط بني طريف إفراط وتفريط وكذلك الدين املستقيم وسط بني احنرافني وكذلك السنة وسط بني بدعتني وكذلك الصواب يف مسائل النزاع إذا شئت أن حتظى به فهو القول الوسط بني الطرفني املتباعدين وليس هذا موضع تفصيل هذه اجلملة فإنا مل نقصد له وباهلل التوفيق الباب التاسع عشر يف ذكر فضيلة اجلمال وميل النفوس إليه على كل حال إعلم أن اجلمال ينقسم قسمني ظاهر وباطن فاجلمال الباطن هو احملبوب لذاته وهو مجال العلم والعقل واجلود والعفة والشجاعة وهذا اجلمال الباطن هو حمل نظر هللا من عبده وموضع حمبته كما يف احلديث الصحيح إن هللا ال ينظر إىل صوركم وأموالكم ولكن ينظر إىل قلوبكم وأعمالكم وهذا اجلمال الباطن يزين الصورة الظاهرة وإن مل تكن ذات مجال
فتكسوا صاحبها من اجلمال واملهابة واحلالوة حبسب ما اكتست روحه من تلك الصفات فإن املؤمن يعطى مهابة وحالوة حبسب إميانه فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه وهذا أمر مشهود بالعيان فإنك ترى الرجل الصاحل احملسن ذا األخالق اجلميلة من أحلى الناس صورة وإن كان أسود أو غري مجيل وال سيما إذا رزق حظا من صالة الليل فإهنا تنور الوجه وحتسنه وقد كان بعض النساء تكثر صالة الليل فقل هلا يف ذلك فقالت إهنا حتسن الوجه وأنا أحب أن حيسن وجهي ومما يدل على أن اجلمال الباطن أحسن من الظاهر أن القلوب ال تنفك عن تعظيم صاحبه وحمبته وامليل إليه فصل وأما اجلمال الظاهر فزينة خص هللا هبا بعض الصور عن بعض وهي من زيادة اخللق اليت قال هللا تعاىل فيها ^ يزيد يف اخللق ما يشاء ^ قالوا هو الصوت احلسن والصورة احلسنة والقلوب كاملطبوعة على حمبته كما هي مفطورة على استحسانه وقد ثبت يف الصحيح عنه أنه قال ال يدخل اجلنة من كان يف قلبه مثقال ذرة من كرب قالوا يا رسول هللا الرجل حيب أن تكون نعله حسنة وثوبه حسنا أفذلك من الكرب فقال ال إن هللا مجيل حيب اجلمال الكرب بطر احلق وغمط الناس فبطر احلق جحده ودفعه بعد معرفته وغمط الناس النظر إليهم بعني االزدراء واالحتقار واالستصغار هلم وال بأس هبذا إذا كان هلل وعالمته أن يكون لنفسه أشد ازدراء واستصغارا منه هلم فأما إن احتقرهم لعظمة نفسه عنده فهو الذي ال يدخل صاحبه اجلنة فصل وكما أن اجلمال الباطن من أعظم نعم هللا تعاىل على عبده فاجلمال الظاهر نعمة منه أيضا على عبده يوجب شكرا فإن شكره بتقواه وصيانته ازداد مجاال على مجاله وإن استعمل مجاله يف معاصيه سبحانه قلبه له شيئا ظاهرا يف الدنيا قبل اآلخرة فتعود تلك احملاسن وحشة وقبحا وشينا وينفر عنه من رآه فكل من مل يتق هللا عز وجل يف حسنه ومجاله انقلب قبحا وشينا يشينه به بني الناس فحسن الباطن يعلو قبح الظاهر ويسرته وقبح الباطن يعلو مجال الظاهر ويسرته يا حسن الوجه توق اخلنا %ال تبدلن الزين بالشني ويا قبيح الوجه كن حمسنا %ال جتمعن بني قبيحني وكان النيب يدعو الناس إىل مجال الباطن جبمال الظاهر كما قال جرير بن عبدهللا وكان عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه يسميه يوسف هذه األمة قال قال يل رسول هللا أنت امرء قد حسن هللا خلقك فأحسن خلقك وقال بعض احلكماء ينبغي للعبد أن ينظر كل يوم يف املرآة فإن رأى صورته حسنة مل يشنها بقبيح فعله وإن رآها قبيحة مل جيمع بني قبح الصورة وقبح الفعل وملا كان اجلمال من حيث هو حمبوبا للنفوس معظما يف القلوب مل يبعث هللا نبيا إال مجيل الصورة حسن الوجه كرمي احلسب حسن الصوت كذا قال علي بن أيب طالب كرم هللا وجهه وكان الن يب أمجل خلق هللا وأحسنهم وجها كما قال الرباء بن عازب رضي هللا عنه وقد سئل أكان وجه رسول هللا مثل السيف قال ال بل مثل القمر ويف صفته كأن الشمس جتري يف وجهه يقول واصفه مل أر قبله وال بعده مثله وقال ربيعة اجلرشي قسم احلسن نصفني فبني سارة ويوسف نصف احلسن ونصف احلسن بني سائر الناس ويف الصحيح عنه أنه رأى يوسف ليلة اإلسراء وقد أعطي شطر احلسن وكان رسول هللا يستحب أن يكون الرسول الذي يرسل إليه حسن الوجه حسن االسم وكان يقول إذا أبردمت إيل بريدا فليكن حسن الوجه حسن االسم وقد روى اخلرائطي من حديث ابن جريج عن ابن أيب مليكة عن ابن عباس رضي هللا عنهما يرفعه من آتاه هللا وجها حسنا وامسا حسنا وخلقا حسنا وجعله يف موضع
غري شائن له فهو من صفوة هللا من خلقه وقال وهب قال داود يا رب أي عبادك أحب إليك قال مؤمن حسن الصورة قال فأي عبادك أبغض إليك قال كافر قبيح الصورة ويذكر عن عائشة رضي هللا عنها أن رسول هللا كان ينتظره نفر من أصحابه على الباب فجعل ينظر يف املاء ويسوي شعره وحليته مث خرج إليهم فقلت يا رسول هللا وأنت تفعل هذا قال نعم إذا خرج الرجل إىل إخوانه فليهىيء من نفسه فإن هللا مجيل حيب اجلمال وقال حيىي بن أيب كثري دخل رجل على معاوية غمصا يعين رمص العينني فحط من عطائه فقال ما مينع أحدكم إذا خرج من منزله أن يتعاهد أدمي وجهه وكانت عائشة بنت طلحة من أمجل أهل زماهنا أو أمجلهم فقال أنس بن مالك وهللا ما رأيت أحسن منك إال معاوية على منرب رسول هللا فقالت وهللا ألنا أحسن من النار يف عني املقرور يف الليلة القارة ودخل عليها أنس يوما يف حاجة فقال إن القوم يريدون أن يدخلو اعليك فينظروا إىل مجالك قالت أفال قلت ليس فألبس ثيايب وكان مصعب بن الزبري من أمجل الناس وكان حيسد الناس على اجلمال فبينا هو خيطب يوما إذ دخل ابن جودان من ناحية األزد وكان مجيال فأعرض بوجهه عن تلك الناحية إىل ناحية أخرى فدخل ابن محران من تلك الناحية وكان مجيال فرمى ببصره إىل مؤخر املسجد فدخل احلسن البصري وكان من أمجل الناس فنزل مصعب عن املنرب وخرج نسوة يوم العيد ينظرون إىل الناس فقيل هلن من أحسن من مر بكن قلن شيخ عليه عمامة سوداء يعنني احلسن البصري وأخذ مصعب ابن الزبري رجال من أصحاب املختار فأمر بضرب عنقه فقال الرجل أيها األمري ما أقبح من أن أقوم يوم القيامة إىل صورتك هذه احلسنة ووجهك هذا الذي يستضاء به فأتعلق بأطرافك وأقول يا رب سل مصعبا فيم قتلين فقال مصعب أطلقوه ف قال الرجل أيها األمري اجعل ما وهبت يل من حيايت يف خفض فقال مصعب أعطوه مائة ألف درهم فقال إين أشهد هللا أن لعبدالرمحن بن قيس الرقيات نصفها قال مصعب ومل ذلك قال لقوله إمنا مصعب شهاب من الل %ه جتلت عن وجهه الظلماء فضحك مصعب وقال إن فيك ملوضعا للصنيعة وأمره بلزومه وقال الزبري بن بكار حدثنا مصعب الزبريي حدثنا عبدالرمحن بن أيب احلسن قال خرج أبو حازم يرمي اجلمار ومعه قوم متعبدون وهو يكلمهم وحيدثهم ويقص عليهم فبينما هو ميشي وهم معه إذ نظر إىل فتاة مسترتة خبمارها ترمي الناس بطرفها مينة ويسرة وقد شغلت الناس وهم ينظرون إليها مبهوتني وقد خبط بعضهم بعضا يف الطريق فرآها أبو حازم فقال يا هذه اتقي هللا فإنك يف مشعر من مشاعر هللا عظيم وقد فتنت الناس فاضريب خبمارك على جيبك فإن هللا عز وجل يقول ^ وليضربن خبمرهن على جيوهبن ^ فأقبلت تضحك من كالمه وقالت إين وهللا من الال ء مل حيججن يبغني حسبة %ولكن ليقتلن الربيء املغفال فاقبل أبو حازم على أصحابه وقال تعالوا ندعو هللا أن ال يعذب هذه الصورة احلسناء بالنار فجعل يدعو وأصحابه يؤمنون وقال ضمرة بن ربيعة عن عبدهللا بن شوذب دخلت امرأة مجيلة على احلسن البصري فقالت يا أبا سعيد ينبغي للرجال أن يتزوجوا على النساء قال نعم قالت وعلى مثلي مث أسفرت عن وجه مل ير مثله حسنا وقالت يا أبا سعيد ال تفتوا الرجال هبذا مث ولت فقال احلسن ما على رجل كانت هذه يف زاوية بيته ما فاته من الدنيا وقال عبدامللك بن قريب كنت يف بعض مياه العرب فسمعت الناس يقولون قد جاءت قد جاءت فتحول الناس فقمت معهم فإذا جارية قد وردت املاء ما رأيت مثلها قط يف حسن وجهها ومتام خلقها فلما رأت تشوف الناس إليها أرسلت
برقعها فكأنه غمامة غطت مشسا فقلت مل متنعيننا النظر إىل وجهك هذا احلسن فأنشأت تقول وكنت مىت أرسلت طرفك رائدا %لقلبك يوما أتعبتك املناظر رأيت الذي ال كله أنت قادر %عليه وال عن بعضه أنت صابر ونظر إليها أعرايب فقال أنا وهللا ممن قل صربه مث قال أوحشية العينني أين لك األهل %أباحلزن حلوا أم حملهم السهل وأية أرض أخرجتك فإنين %أراك من الفردوس إن فتش األصل قفي خربينا ما طعمت وما الذي %شربت ومن أين استقل بك الرحل ألن عالمات اجلنان مبينة %عليك وإن الشكل يشبهه الشكل تناهيت حسنا يف النساء فإن يكن %لبدر الدجى نسل فأنت له نسل وقال آخر يا منسي احملزون أحزانه %ملا أتته يف املعزينا إستقبلتهن بتمثاهلا % فقمن يضحكن ويبكينا حق هلذا الوجه أن يزدهي %عن حزنه من كان حمزونا وقال آخر أنريي مكان البدر إن أفل البدر %وقومي مقام الشمس ما استأخر الفجر ففيك من الشمس املنرية ضوؤها %وليس هلا منك التبسم والثغر وقال آخر رقادي يا طريف عليك حرام %فخل دموعا فيضهن سجام ففي الدمع إطفاء لنار صبابة %هلا بني أحناء الضلوع ضرام ويا كبدي احلرى اليت قد تصدع %ت من الوجد ذويب ما عليك مالم ويا وجه من ذلت وجوه أعزة %له وزهى عزا فليس يرام أجر مستجريا يف اهلوى باسطا %إليك يديه والعيون نيام وذكر اخلرائطي عن بعض العلويني قال بينا أنا عند احلسن بن هاىنء وهو ينشد ويلي على سود العيون %النهد الضمر البطون الناطقات عن الضمي %ر لنا بألسنة اجلفون فوقف عليه أعرايب ومعه بنيه فقال أعد علي فأعاد عليه فقال يا ابن أخي ويلك أنت وحدك من هذا ويلي أنا وأنت وويل ابين هذا وويل هذه اجلماعة وويل جرياننا كلهم وقال اخلرائطي حدثنا ميوت بن املزرع حدثنا حممد بن محيد حدثنا حممد بن سلمة قال حدثين أيب قال أتيت عبدالعزيز بن املطلب أسأله عن بيعة اجلن للنيب مبسجد األحزاب ما كان بدؤها فوجدته مستلقيا يتغىن فما روصة باحلزن طيبة الثرى %ميج الندى جثجاثها وعرارها بأطيب من أردان عزة موهنا %وقد أوقدت باملندل الرطب نارها من اخلفرات البيض مل تلق شقوة %وباحلسب املكنون صاف جنارها فإن برزت كانت لعينيك قرة %وإن غبت عنها مل يعمك عارها فقلت له أتغين أصلحك هللا وأنت يف جاللك وشرفك فقال أما وهللا ألمحلنها ركبان جند قال فوهللا ما اكرتث يب وعاد يتغىن فما ظبية أدماء خفاقة احلشا %جتوب بظلفيها متون اخلمائل بأحسن منها إذ تقول تدلال %وأدمعها تذرين حشو املكاحل متتع بذا اليوم القصري فإنه %رهني بأيام الصدود األطاول قال فندمت على قويل وقلت له أصلحك هللا أحتدثين يف هذا بشيء قال نعم حدثين أيب قال دخلت على سامل بن عبدهللا بن عمر رضي هللا عنهم وأشعب يغنيه مغريية كالبدر سنة وجهها %مطهرة األثواب والعرض وافر هلا حسب زاك وعرض مهذب %وعن كل مكروه من األمر زاجر من اخلفرات البيض مل تلق ريبة %ومل يستملها عن تقى هللا شاعر فقال له سامل زدين فغناه أملت بنا والليل داج كأنه %جناح غراب عنه قد نفض القطرا فقلت أعطار ثوى يف رحالنا %وما احتملت ليلى سوى طيبها عطرا فقال له سامل وهللا لوال أن تتداوله الرواة ألجزلت جائزتك فإنك من هذا األمر مبكان قال اخلرائطي حدثنا
العباس بن الفضل عن بعض أصحابه قال حججت سنة من السنني فإين لبالربذة إذ وقفت علينا جارية على وجهها برقع فقالت يا معشر احلجيج نفر من هذيل ذهب بنعمهم السيل وقعدت هبم األيام ما هبم جنعة فمن يراقب فيهم الدار اآلخرة ويعرف هلم حق األخوة جزاه هللا خريا قال فرضخنا هلا فقلت هلا هل قلت يف ذلك شيئا فأنشأت تقول كف الزمان توسدتنا عنوة %شلت أناملها عن األعراب قوم إذا حل العفاة بباهبم %ألفوا نوافلهم بغري حساب فقلنا هلا لو أمتعتينا بالنظر إىل وجهك فكشفت الربقع عن وجه ال وهللا ال هتتدي العقول لوصفه فلما رأتنا قد هبتنا حلسنها أنشأت تقول الدهر أبدى صفحة قد صاهنا %أبواي قبل مترس األيام فتمتعوا بعيونكم يف حسنها %واهنوا جوارحكم عن اآلثام مث انصرفت وكان حممد بن محيد الطوسي يهوى جارية فأرسل إليها مرة أترجة فبكت بكاء شديدا فقيل هلا يوجه إليك من حتبينه هبدية فتبكني هذا البكاء فغنت أهدى له أحبابه أترجة %فبكى وأشفق من عيافة زاجر خاف التلون والفراق ألهنا %لونان باطنها خالف الظاهر فلما جاءه الرسول أخربه عنها مبا أغاظه فكتب إليها ضيعت عهد فىت لغيبك حافظ %يف حفظه عجب ويف تضييعك وصددت عنه وماله من حيلة %إال الوقوف إىل أوان رجوعك إن تقتليه وتذهيب حبياته %فبحسن وجهك ال حبسن صنيعك فلما وافتها الرقعة بكت حىت رمحها من حوهلا مث اندفعت تقول هل لعيين إىل الرقاد شفيع %إن قليب من السقام مروع ال تراين خبلت عنك بدمع %ال وحق احلبيب مايل دموع إن قليب إليك صب حزين %فاسرتاحت إىل األنني الضلوع ليس يف العطف يا حبييب بدع %إمنا هجر من حيب بديع مث كتبت إليه أنا مملوكة ال أملك من أمري شيئا فإذا كان لك يف حاجة فاشرتين ألكون طوع يديك فاشرتاها فمكثت عنده وكانت من أحظى إمائه حىت قتل يف وقعة بابك اخلرمي فكانت تتمثل يف رثائه بقول أيب متام حممد بن محيد أخلقت رممه %أريق ماء املعايل مذ أريق دمه رأيته بنجاد السيف حمتبيا %يف النوم بدرا جلت عن وجهه ظلمه فقلت والدمع من حزن ومن كمد %جيري انسكابا على اخلدين منسجمه أمل متت يا شقيق النفس مذ زمن %فقال يل مل ميت من مل ميت كرمه فصل وهذا فصل يف ذكر حقيقة احلسن واجلمال ما هي وهذا أمر ال يدرك إال بالوصف وقد قيل إنه تناسب اخللقة واعتداهلا واستواؤها ورب صورة متناسبة اخللقة وليست يف احلسن هناك وقد قيل احلسن يف الوجه واملالحة يف العينني وقيل احلسن أمر مركب من أشياء وضاءة وصباحة وحسن تشكيل وختطيط ودموية يف البشرة وقيل احلسن معىن ال تناله العبارة وال حييط به الوصف وإمنا للناس منه أوصاف أمكن التعبري عنها وقد كان رسول هللا يف الذروة العليا منه ونظرت إليه عائشة رضي هللا عنها مث تبسمت فسأهلا مم ذاك فقالت كأن أبا كبري اهلذيل إمنا عناك بقوله ومربإ من كل غرب حيضة %وفساد مرضعة وداء مغيل وإذا نظرت إىل أسرة وجهه %برقت كربق العارض املتهلل ولقي بعض الصحابة راهبا فقال صف يل حممدا كأين أنظر إليه فإين رأيت صفته يف التوراة واإلجنيل فقال مل يكن بالطويل البائن وال بالقصري فوق الربعة أبيض اللون مشربا باحلمرة جعدا ليس بالقطط مجته إىل شحمة أذنه صلت
اجلبني واضح اخلد أدعج العينني أقىن األنف مفلج الثنايا كأن عنقه إبريق فضة ووجهه كدارة القمر فأسلم الراهب ويف صفة هند بن أيب هالة له مل يكن بالطويل املمغط وال بالقصري املرتدد كان ربعة من الرجال ومل يكن باجلعد القطط وال بالسبط ومل يكن باملطهم وال باملكلثم وكان يف الوجه تدوير أبيض مشرب أدعج العينني أهدب األشفار جليل املشاش والكتد شثن الكفني والقدمني دقيق املسربة إذا مشى تقلع كأمنا ينحط من صبب وإذا التفت التفت مجيعا كأن الشمس جتري يف وجهه وكان مع هذا احلسن قد ألقيت عليه احملبة واملهابة فمن وقعت عليه عيناه أحبه وهابه وكمل هللا سبحانه له مراتب اجلمال ظاهرا وباطنا وكان أحسن خلق هللا خلقا وخلقا وأمجلهم صورة ومعىن وهكذا كان يوسف الصديق وهلذا قالت امرأة العزيز للنسوة ملا أرهتن إياه ليعذرهنا يف حمبته ^ فذلكن الذي ملتنين فيه ^ أي هذا هو الذي فتنت به وشغفت حببه فمن يلومين على حمبته وهذا حسن منظره مث قالت ^ ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ^ أي فمنع هذا اجلمال فباطنه أحسن من ظاهره فإنه يف غاية العفة والنزاهة والبعد عن اخلنا واحملب وإن غيب حمبوبه فال جيري لسانه إال مبحاسنه ومدحه ويتعلق هبذا قوله تعاىل يف صفة أهل اجلنة ^ ولقاهم نضرة وسرورا ^ فجمل ظواهرهم بالنضرة وبواطنهم بالسرور ومثله قوله ^ وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة ^ فإنه ال شيء أشهى إليهم وأقر لعيوهنم وأنعم لبواطنهم من النظر إليه فنضر وجوههم باحلسن ونعم قلوهبم بالنظر إليه وقريب منه قوله تعاىل وحلوا ^ أساور من فضة ^ فهذا زينة الظاهر مث قال ^ وسقاهم رهبم شرابا طهورا ^ أي مطهرا لبواطنهم من كل أذى فهذا زينة الباطن ويشبهه قوله تعاىل ^ يا بين آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ^ فهذا زينة الظاهر مث قال ^ ولباس التقوى ذلك خري ^ فهذا زينة الباطن وينظر إليه من طرف خفي قوله تعاىل ^ وزينا السماء الدنيا مبصابيح وحفظا ^ فزين ظاهرها باملصابيح وباطنها حبفظها من الشياطني وقريب منه قوله تعاىل ^ وتزودوا فإن خري الزاد التقوى ^ فذكر الزاد الظاهر والزاد الباطن وهذا م ن زينة القرآن الباطنة املضافة إىل زينة ألفاظه وفصاحته وبالغته الظاهرة ومنه قوله تعاىل آلدم ^ إن لك أال جتوع فيها وال تعرى وأنك ال تظمأ فيها وال تضحى ^ فقابل بني اجلوع والعري دون اجلوع والظمإ وبني الظمإ والضحى دون الظمإ واجلوع فإن اجلوع عري الباطن وذله والعري جوع الظاهر وذله فقابل بني نفي ذل باطنه وظاهره وجوع باطنه وظاهره والظمأ حر الباطن والضحى حر الظاهر فقابل بينهما وسئل املتنيب عن قول امرئ القيس كأين مل أركب جوادا للذة %ومل أتبطن كاعبا ذات خلخال ومل أسبإ الزق الروي ومل أقل %خليلي كري كرة بعد إجفال فقيل له إنه عيب عليه مقابلة سيب الزق الروي بالكر وكان األحسن مقابلته بتبطن الكاعب مجعا بني اللذتني وكذلك مقابلة ركوب اجلواد للكر أحسن من مقابلته لتبطن الكاعب فقال بل الذي أتى به أحسن فإنه قابل مركوب الشجاعة مبركوب اللذة واللهو فهذا مركب الطرب وهذا مركب احلرب والطلب وكذلك قابل بني السباءين سباء الزق وسباء الرق قلت وأيضا فإن الشارب يفتخر بالشجاعة كما قال حسان ونشرهبا فترتكنا ملوكا %وأسدا منا ينهنهنا اللقاء وهذه مجلة اعرتاضية من ألطف االعرتاض وقيل احلسن ما استنطق أفواه الناظرين بالتسبيح والتهليل كما قيل ذي طلعة سبحان فالق صبحه %ومعاطف جلت ميني
الغارس وقال علي بن اجلهم طلعت فقال الناظرون إىل %تصويرها ما أعظم هللا ودنت فلما سلمت خجلت % والتف بالتفاح خداها وكأن دعص الرمل أسفلها %وكأن غصن البان أعالها حىت إذا مثلت بنشوهتا %قرأت كتاب الباه عيناها
وقال آخر
ذو صورة بشرية قمرية %تستنطق األفواه
بالتسبيح وقال آخر وإذا بدت يف بعض حاجتها %تستنطق األفواه بالتسبيح وقال بشار تلقى بتسبيحة من حسن ما خلقت %وتستفز حشا الرائي بإرعاد ويل من أبيات يا صورة البدر وال الذي %صور ليس البدر حيكيك مين على العني وال تبخلي %بنظرة فالعني تفديك وإن حترجت هلذا فكم %قد سبح الرمحن رائيك هذا هبذا فارجتي أجر من %إن غبت عنه ظل يبكيك قال ابن شربمة كفاك من احلسن أنه مشتق من احلسنة وقال عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه إذا مت بياض املرأة يف حسن شعرها فقد مت حسنها وقالت عائشة رضي هللا عنها البياض شطر احلسن وقال بعض السلف جعل هللا البهاء واهلوج مع الطول والدهاء والدمامة مع القصر واخلري فيما بني ذلك ومما يذم يف النساء املرأة القصرية الغليظة وهي اليت عناها الشاعر بقوله وأنت اليت حببت كل قصرية %إيل ومل تشعر بذاك القصائر عنيت قصريات احلجال ومل أرد %قصار النسا شر النساء البحاتر والبحاتر هن النساء القصار الغالظ وبعضهم يبالغ يف هذا حىت يفضل املهازيل على السمان أنشد الزخمشري ال أعشق األبيض املنفوخ من مسن %لكنين أعشق السمر املهازيال إين امرؤ أركب املهر املضمر يف %يوم الرهان فدعين واركب الفيال وطائفة تفضل السمان وتقول السمن نصف احلسن وهو يسرت كل عيب يف املرأة ويبدي حماسنها وخيار األمور أوساطها ومما يستحسن يف املرأة طول أربعة وهن أطرافها وقامتها وشعرها وعنقها وقصر أربعة يدها ورجلها ولساهنا وعينه ا فال تبذل ما يف بيت زوجها وال خترج من بيتها وال تستطيل بلساهنا وال تطمح بعينها وبياض أربعة لوهنا وفرقها وثغرها وبياض عينها وسواد أربعة أهداهبا وحاجبها وعينها وشعرها ومحرة أربعة لساهنا وخدها وشفتها مع لعس وإشراب بياضها حبمرة ودقة أربعة أنفها وبناهنا وخصرها وحاجبها وغلظ أربعة ساقها ومعصمها وعجيزهتا وذاك منها وسعة أربعة جبينها ووجهها وعينها وصدرها وضيق أربعة فمها ومنخرها وخرق أذهنا وذاك منها فهذه أحق النساء بقول كثري لو أن عزة خاصمت مشس الضحى %يف احلسن عند موفق لقضى هلا وقال آخر لو أبصر الوجه منها وهو منهزم %ليال وأعداؤه من خلفه وقفا وقال آخر يا طيب مرعى مقلة مل ختف %بوجنتيها زجر حراس حلت بوجه مل يغض ماؤه %ومل ختضه أعني الناس وقال آخر فلم يزل خدها ركنا ألوذ به %واخلال يف خدها يغين عن احلجر وقول اآلخر وأنشده املربد وأحسن من ربع ومن وصف دمنة %ومن جبلى طي ومن وصفكم سلعا تالحظ عيين عاشقني كالمها %له مقلة يف خد معشوقه ترعى وأنشد ثعلب خزاعية األطراف مرية احلشا %فزارية العينني طائية الفم ومكية يف الطيب والعطر دائما %تبدت لنا بني احلطيم وزمزم مث قال وصفها مبا يستحسن من كل قبيلة وقال صاحل بن حسان يوما ألصحابه هل تعرفون بيتا من الغزل يف امرأة خفرة قلنا نعم بيت حلامت يف زوجته ماوية يضيء هلا البيت الظليل خصاصه %إذا هي يوما حاولت أن تبسما
قال ما صنعتم شيئا قلنا فبيت األعشى كأن مشيتها من بيت جارهتا %مر السحابة ال ريث وال عجل قال جعلها تدخل وخترج قلنا يا أبا حممد فأي بيت هو قال قول أيب قيس بن األسلت ويكرمها جاراهتا فيزرهنا %وتعتل عن إتياهنن فتعذر قلت وأحسن من هذا كله ما قاله إبراهيم بن حممد امللقب بنفطويه رمحه هللا وخربها الواشون أن خياهلا %إذا منت يغشى مضجعي ووسادي فخفرها فرط احلياء فأرسلت %تعريين غضىب بطول رقادي ومما يستحسن يف املرأة رقة أدميها ونعومة ملمسه كما قال قيس بن ذريح تعلق روحي روحها قبل خلقنا %ومن بعد ما كنا نطافا ويف املهد فزاد كما زدنا فأصبح ناميا %فليس وإن متنا مبنفصم العهد ولكنه باق على كل حادث %ومؤنسنا يف ظلمة القرب واللحد يكاد مسيل املاء خيدش جلدها %إذا اغتسلت باملاء من رقة اجللد قلت ومن املبالغة يف معىن البيت األخري قول أيب نواس تومهه قليب فأصبح خده %وفيه مكان الوهم من نظري أثر ومر بقليب خاطر فجرحته %ومل أر جسما قط جيرحه الفكر وصافحه كفي فآمل كفه %فمن غمز كفي يف أنامله عقر ويل من أبيات يدمي احلرير أدميها من مسه %فأدميها منه أرق وأنعم فصل فيا أيها العاشق مسعه قبل طرفه فإن األذن تعشق قبل العني أحيانا وجيش احملبة قد يدخل املدينة من باب السمع كما يدخلها من باب البصر واملؤمنون يشتاقون إىل اجلنة وما رأوها ولو رأوها لكانوا أشد هلا شوقا والصرورة يكاد قلبه يذوب شوقا إىل رؤية البيت احلرام فإن شاقتك هذه الصفات وأخذت بقلبك هذه احملاسن فاسم بعينيك إىل نسوة %مهورهن العمل الصاحل وحدث النفس بعشق األىل %يف عشقهن املتجر الرابح واعمل على الوصل فقد أمكنت %أسبابه ووقتها رائح فصل وقد وصف هللا سبحانه حور اجلنة بأحسن الصفات وحالهن بأحسن احللي وشوق اخلطاب إليهن حىت كأهنم يروهنن رؤية العني قال الطرباين حدثنا بكر بن سهل الدمياطي حدثنا عمرو بن هشام البريوين حدثنا سليمان بن أيب كرمية عن هشام بن حسان عن احلسن عن أمه عن أم سلمة رضي هللا عنها قالت قلت يا رسول هللا أخربين عن قول هللا عز وجل حور عني قال حور بيض عني ضخام العيون شعر احلوراء مبنزلة جناح النسر قلت أخربين عن قوله عز وجل ^ كأمثال اللؤلؤ املكنون ^ قال صفاؤهن صفاء الدر الذي يف األصداف الذي مل متسه األيدي قلت يا رسول هللا أخربين عن قوله ^ فيهن خريات حسان ^ قال خريات األخالق حسان الوجوه قلت أخربين عن قوله ^ كأهنن بيض مكنون ^ قال رقتهن كرقة اجللد الذي رأيت يف داخل البيضة مما يلي القشر وهو الغرقىء قلت يا رسول هللا أخربين عن قوله عز وجل ^ عربا أترابا ^ قال هن اللوايت قبضن يف دار الدنيا عجائز رمصا مشطا خلقهن هللا بعد الكرب فجعلهن عذارى عربا متعشقات متحببات أترابا على ميالد واحد قلت يا رسول هللا نساء الدنيا أفضل أم احلور العني قال بل نساء الدنيا أفضل من احلور العني كفضل الظهارة على البطانة قلت يا رسول هللا ومب ذلك قال بصالهتن وصيامهن وعبادهتن هللا ألبس هللا وجوههن النور وأجسادهن احلرير بيض األلوان خضر الثياب صفر احللي جمامرهن الدر وأمشاطهن الذهب يقلن حنن اخلالدات فال منوت حنن الناعمات فال نبأس أبدا حنن املقيمات فال نظعن أبدا أال وحنن الراضيات فال نسخط أبدا طوىب ملن كنا له وكان لنا قلت يا رسول هللا املرأة منا تتزوج الزوجني
والثالثة واألربعة مث متوت فتدخل اجلنة ويدخلون معها من يكون زوجها قال يا أم سلمة إهنا ختري فتختار أحسنهم خلقا فتقول أي رب إن هذا كان أحسنهم معي خلقا يف دار الدنيا فزوجنيه يا أم سلمة ذهب حسن اخللق خبريي الدنيا واآلخرة فصل وقد وصفهن هللا عز وجل بأهنن كواعب وهو مجع كاعب وهي املرأة اليت قد تكعب ثديها واستدار ومل يتدل إىل أسفل وهذا من أحسن خلق النساء وهو مالزم لسن الشباب ووصفهن باحلور وهو حسن ألواهنن وبياضه قالت عائشة رضي هللا عن ها البياض نصف احلسن وقال عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه إذا مت بياض املرأة يف حسن شعرها فقد مت حسنها والعرب متدح املرأة بالبياض قال الشاعر بيض أوانس ما مهمن بريبة % كظباء مكة صيدهن حرام حيسنب من لني احلديث زوانيا %ويصدهن عن اخلنا اإلسالم والعني مجع عيناء وهي املرأة الواسعة العني مع شدة سوادها وصفاء بياضها وطول أهداهبا وسوادها ووصفهن بأهنن خريات حسان وهو مجع خرية وأصلها خرية بالتشديد كطيبة مث خفف احلرف وهي اليت قد مجعت احملاسن ظاهرا وباطنا فكمل خلقها وخلقها فهن خريات األخالق حسان الوجوه ووصفهن بالطهارة فقال ^ وهلم فيها أزواج مطهرة ^ طهرن من احليض والبول والنجو وكل أذى يكون يف نساء الدنيا وطهرت بواطنهن من الغرية وأذى األزواج وجتنيهن عليهم وإرادة غريهم ووصفهن بأهنن مقصورات يف اخليام أي ممنوعات من التربج والتبذل لغري أزواجهن بل قد قصرن على أزواجهن ال خيرجن من منازهلم وقصرن عليهم فال يردن سواهم ووصفهن سبحانه بأهنن قاصرات الطرف وهذه الصفة أكمل من األوىل وهلذا كن ألهل اجلنتني األوليني فاملرأة منهن قد قصرت طرفها على زوجها من حمبتها له ورضاها به فال يتجاوز طرفها عنه إىل غريه كما قيل أذود سوام الطرف عنك وماله %على أحد إال عليك طريق وكذلك حال املقصورات أيضا لكن أولئك مقصورات وهؤالء قاصرات ووصفهن سبحانه بقوله ^ أبكارا عربا أترابا ^ وذلك لفضل وطء البكر وحالوته ولذاذته على وطء الثيب قالت عائشة رضي هللا عنها يا رسول هللا لو مررت بشجرة قد رعي منها وشجرة مل يرع منها ففي أيهما كنت ترتع بعريك فقال يف اليت مل يرع منها تعين أنه مل يتزوج بكرا غريها وصح عنه أنه قال جلابر ملا تزوج امرأة ثيبا هال بكرا تالعبها وتالعبك فإن قيل فهذه الصفة تزول بأول وطء فتعود ثيبا قيل اجلواب من وجهني أحدمها أن املقصود من وطء البكر أهنا مل تذق أحدا قبل وطئها فتزرع حمبته يف قلبها وذلك أكمل لدوام العشرة فهذه بالنسبة إليها وأما بالنسبة إىل الواطىء فإنه يرعى روضة أنفا مل يرعها أحد قبله وقد أشار تعاىل إىل هذا املعىن بقوله ^ مل يطمثهن إنس قبلهم وال جان ^ مث بعد هذا تستمر له لذة الوطء حال زوال البكارة والثاين أنه قد روي أن أهل اجلنة كلما وطىء أحدهم امرأة عادت بكرا كما كانت فكلما أتاها وجدها بكرا وأما العرب فجمع عروب وهي اليت مجعت إىل حالوة الصورة حسن التأين والتبعل والتحبب إىل الزوج بدهلا وحديثها وحالوة منطقها وحسن حركاهتا قال البخاري يف صحيحه وأما األتراب فجمع ترب يقال فالن تريب إذا كنتما يف سن واحد فهن مستويات يف سن الشباب مل يقصر هبن الصغر ومل يزر هبن الكرب بل سنهن سن الشباب وشبههن تعاىل باللؤلؤ املكنون وبالبيض املكنون وبالياقوت واملرجان فخذ من اللؤلؤ صفاء لونه وحسن بياضه ونعومة ملمسه وخذ من البيض املكنون وهو املصون
الذي مل تنله األيدي اعتدال بياضه وشوبه مبا حيسنه من قليل صفرة خبالف األبيض األمهق املتجاوز يف البياض وخذ من الياقوت واملرجان حسن لونه يف صفائه وإشرابه بيسري من احلمرة فصل فامسع اآلن وصفهن عن الصادق املصدوق فإن مالت النفس وحدثتك باخلطبة وإال فاإلميان مدخول فروى مسلم يف صحيحه من حديث أيوب عن حممد بن سريين قال إما تفاخروا وإما تذاكروا الرجال يف اجلنة أكثر أم النساء فقال أبو هريرة رضي هللا عنه أو مل يقل أبو القاسم إن أول زمرة تدخل اجلنة على صورة القمر ليلةالبدر واليت تليها على أضواء كوكب دري يف السماء إضاءة لكل امرىء منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وما يف اجلنة أعزب وقال الطرباين يف معجمه حدثنا أمحد بن حيىي احللواين واحلسن بن علي القسوي قال حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا فضل بن مرزوق عن أيب إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبدهللا رضي هللا عنه عن النيب قال أول زمرة يدخلون اجلنة كأن وجوههم صورة القمر ليلة البدر والزمرة الثانية على أحسن كوكب دري يف السماء لكل واحد منهم زوجتان من احلور العني على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ سوقهما من وراء حلومهما وحللهما كما يرى الشراب األمحر يف الزجاجة البيضاء قال احلافظ أبو عبدهللا املقدسي هذا عندي على شرط الصحيح ويف الصحيحني من حديث مهام بن منبه عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا أول زمرة تلج اجلنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر ال يبصقون فيها وال ميتخطون فيها وال يتغوطون فيها آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة وجمامرهم األلوة ورشحهم املسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من احلسن ال اختالف بينهم وال تباغض قلوهبم على قلب واحد يسبحون هللا بكرة وعشية وقال اإلمام أمحد بن حنبل يف مسنده حدثنا يونس بن حممد حدثنا اخلزرج بن عثمان السعدي حدثنا أبو أيوب موىل عثمان بن عفان رضي هللا عنه عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا قيد سوط أحدكم من اجلنة خري من الدنيا ومثلها معها ولقاب قوس أحدكم من اجلنة خري من الدنيا ومثلها معها ولنصيف امرأة من اجلنة خري من الدنيا ومثلها معها قال قلت يا أبا هريرة وما النصيف قال اخلمار فإذا كان هذا قدر اخلمار فما قدر البه ! وقال ابن وهب أخربنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه عن أيب اهليثم عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه قال قال رسول هللا إن الرجل يف اجلنة لتأتيه امرأة تضرب على منكبيه فينظر وجهه يف خدها أصفى من املرآة وإن أدىن لؤلؤة عليها لتضيء ما بني املشرق واملغرب فتسلم عليه فريد عليها السالم ويسأهلا من أنت فتقول أنا املزيد وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان فينفذها بصره حىت يرى مخ ساقها من وراء ذلك وإن عليهم التيجان وإن أدىن لؤلؤة عليها لتضيء ما بني املشرق واملغرب وبعض هذا احلديث يف جامع الرتمذي وهو على شرطه ويف صحيح البخاري من حديث أنس رضي هللا عنه أن رسول هللا قال لغدوة يف سبيل هللا أو روحة خري من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم أو موضع قيده يعين سوطه خري من الدنيا وما فيها ولو اطلعت امرأة من نساء اجلنة إ ىل األرض ملألت ما بينهما رحيا وأضاءت ما بينهما ولنصيفها على رأسها خري من الدنيا وما فيها ويف املسند من حديث حممد بن سريين عن أيب هريرة رضي هللا عنه عن النيب للرجل من أهل اجلنة زوجتان من احلور العني على كل
واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب وقا ل ابن وهب حدثنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه عن أيب اهليثم عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه عن النيب قال إن أدىن أهل اجلنة منزلة الذي له مثانون ألف خادم واثنان وسبعون زوجة وينصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بني اجلابية وصنعاء رواه الرتمذي ويف معجم الطرباين من حديث أيب أمامة عن النيب قال خلق احلور العني من الزعفران فصل فإن أردت مساع غنائهن فامسع خربه اآلن ففي معجم الطرباين من حديث ابن عمر رضي هللا عنهما قال قال رسول هللا إن أزواج أهل اجلنة ليغنني أزواجهن بأحسن أصوات ما مسعها أحد قط إن مما يغنني به حنن اخلريات احلسان أزواج قوم كرام ينظرون بقرة أعيان وإن مما يغنني به حنن اخلالدات فال منتته حنن اآلمنات فال خنفنه حنن املقيمات فال نظعنه وقد قيل يف قوله تعاىل ^ فهم يف روضة حيربون ^ إنه السماع الطيب وال ريب أنه من احلربة وقال عبدهللا بن حممد البغوي حدثنا علي أنبأنا زهري عن أيب إسحاق عن عاصم عن علي رضي هللا عنه قال ^ وسيق الذين اتقوا رهبم إىل اجلنة زمرا ^ حىت إذا انتهوا إىل باب من أبواهبا وجدوا عنده شجرة خيرج من حتت ساقها عينان جتريان فعمدوا إىل إحدامها فكأمنا أمروا به فشربوا منها فأذهب هللا ما يف بطوهنم من قذى أو أذى أو بأس مث عمدوا إىل األخرى فتطهروا منها فجرت عليهم نضرة النعيم ومل تتغري أشعارهم بعدها أبدا ومل تشعث رؤوسهم كأمنا ادهنوا بالدهان مث انتهوا إىل خزنة اجلنة فقالوا ^ سالم عليكم طبتم فادخلوها خالدين ^ مث تلقاهم الولدان يطيفون هبم كما يطيف ولدان أهل الدنيا باحلميم يقدم عليهم من غيبته فيقولون له أبشر مبا أعد هللا تعاىل لك من الكرامة مث ينطلق غالم من أولئك الولدان إىل بعض أزواجه من احلور العني فيقول جاء فالن بامسه الذي كان يدعى به يف الدنيا قالت أنت رأيته قال أنا رأيته وهو بأثرى فيستخف إحداهن الفرح حىت تقوم على أسكفة باهبا فإذا انتهى إىل منزله نظر إىل أساس بنيانه فإذا جندل اللؤلؤ فوقه صرح أخضر وأمحر وأصفر من كل لون مث رفع رأسه فنظر إىل سقفه فإذا مثل الربق ولوال أن هللا عز وجل قدره ألمل أن يذهب بصره مث طأطأ رأسه فإذا أزواجه وأكواب موضوعة ومنارق مصفوفة وزرايب مبثوثة مث اتكأوا فقالوا احلمد هللا الذي هدانا هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن هدانا هللا مث ينادي مناد حتيون فال متوتون أبدا وتقيمون فال تظعنون أبدا وتصحون فال مترضون أبدا ويف سنن ابن ماجه عن أسامة بن زيد رضي هللا عنهما قال قال رسول هللا أال هل مشمر للجنة فإن اجلنة ال خطر هلا هي ورب الكعبة نور يتألأل ورحيانة هتتز وقصر مشيد وهنر مطرد ومثرة نضيجة وزوجة حسناء مجيلة وحلل كثرية ومقام يف أبد يف دار سليمة وفاكهة وخضرة وحربة ونعمة يف حملة عالية هبية قالوا نعم يا رس ول هللا حنن املشمرون هلا قال قولوا إن شاء هللا فقال القوم إن شاء هللا تعاىل فصل فهذا وصفهن وحسنهن فامسع اآلن لذة وصاهلن وشأنه ففي مسند أيب يعلى املوصلي من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا فذكر حديثا طويال وفيه فأقول يا رب وعدتين الشفاعة فشفعتين يف أهل اجلنة يدخلون اجلنة فيقول هللا تعاىل قد شفعتك وأذنت هلم يف دخول اجلنة وكان رسول هللا يقول والذي بعثين باحلق ما أنتم يف الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل اجلنة بأزواجهم ومساكنهم فيدخل رجل منهم على ثنتني وسبعني زوجة مما ينشىء هللا وثنتني من ولد آدم هلما فضل على من أنشأ ا هلل بعبادهتما هللا يف الدنيا يدخل على األوىل منهما يف غرفة من ياقوتة على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ عليه
سبعون زوجا من سندس وإستربق وإنه ليضع يده بني كتفيها مث ينظر إىل يده من صدرها ومن وراء ثياهبا وجلدها وحلمها وإنه لينظر أحدكم إ ىل السلك يف قصبة الياقوت كبده هلا مرآة يعين وكبدها له مرآة فبينا هو عندها ال ميلها وال متله وال يأتيها من مرة إال وجدها عذراء ما يفرت ذكره وال يشتكي قبلها فبينا هو كذلك إذ نودي إنا قد عرفنا أنك ال متل وال متل إال أنه ال مين وال منية إال أن يكون لك أزواج غريها فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة كلما جاء واحدة قالت وهللا ما يف اجلنة شيء أحسن منك وما يف اجلنة شيء أحب إيل منك وهذا قطعة من حديث الصور الطويل الذي رواه إمساعيل بن رافع ويف صحيح مسلم من حديث أيب موسى األشعري رضي هللا عنه عن النيب قال إن للمؤمن يف اجلنة خليمة من لؤلؤة واحدة جموفة طوهلا ستون ميال للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم املؤمن فال يرى بعضهم بعضا رواه البخاري وقال ثالثون ميال ويف جامع الرتمذي من حديث أنس رضي هللا عنه أن رسول هللا قال يعطى املؤمن يف اجلنة قوة كذا وكذا من النساء قلت يا رسول هللا ويطيق ذل ك قال يعطى قوة مائة قال هذا حديث صحيح غريب ويف معجم الطرباين من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال قيل يا رسول هللا هل نصل إىل نسائنا يف اجلنة فقال إن الرجل ليصل يف اليوم إىل مائة عذراء ويف لفظ قلنا يا رسول هللا نفضي إىل نسائنا يف اجلنة فقال إي والذي نفسي بيده إن الرجل ليفضي يف الغداة الواحدة إىل مائة عذراء قال احلافظ أبو عبدهللا املقدسي ورجال هذا احلديث عندي على شرط الصحيح ويف حديث لقيط العقيلي الطويل الذي رواه الطرباين وعبدهللا بن أمحد يف السنة وغريمها أنه قال قلت يا رسول هللا أو لنا فيها أزواج مصلحات قال الصاحلات للصاحلني تلذوهنن مثل لذاتكم يف الدنيا ويلذونكم غري أن ال توالد وذكر ابن وهب عن عمرو بن احلارث عن دراج عن عبدالرمحن بن حجرية عن أيب هريرة رضي هللا عنه أنه قال أنطأ يف اجلنة فقال رسول هللا نعم والذي نفسي بيده دمحا دمحا فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا قال احلافظ أبو عبدهللا دراج امسه عبدالرمحن بن مسعان املصري وثقه حيىي بن معني وأخرج عنه أبو حامت بن حبان يف صحيحه وكان بعض األئمة ينكر بعض حديثه وهللا أعلم ويف معجم الطرباين من حديث أيب املتوكل عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه قال قال رسول هللا إن أهل اجلنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكارا وفيه أيضا من حديث أيب أمامة رضي هللا عنه أنه مسع رسول هللا سئل هل يتناكح أهل اجلنة فقال بذكر ال ميل وشهوة ال تنقطع دمحا دمحا وفيه أيضا عنه أن رسول هللا سئل أجيامع أهل اجلنة قال دمحا دمحا ولكن ال مين وال منية من قصيدة للمؤلف يف وصف احلور يا خاطب احلور احلسان وطالبا %لوصاهلن جبنة احليوان لو كنت تدري من خطبت ومن طلبت %بذلت ما حتوي من األئمان أو كنت تعرف أين مسكنها جعلت %السعي منك هلا على األجفان أسرع وحث السري جهدك إمنا %مسراك هذا ساعة لزمان فاعشق وحدث بالوصال النفس وابذل %مهرها ما دمت ذا إمكان واجعل صيامك دون لقياها ويو %م الوصل يوم الفطر من رمضان واجعل نعوت مجاهلا احلادي وسر %حنو احلبيب ولست باملتواين وامسع إذن أوصافها ووصاهلا %واجعل حديثك ربة اإلحسان يا من يطوف
بكعبة احلسن اليت %حفت بذاك احلجر واألركان ويظل يسعى دائما حول الصفا %وحمسر مسعاه كل أوان ويروم قربان الوصال على مىن %واخليف حيجبه عن القربان فلذا تراه حمرما أبدا ومو %ضع حلة منه فليس بدان يبغي التمتع مفردا عن حبه %متجردا يبغي شفيع قران ويظل باجلمرات يرمي قلبه %هذي مناسكه بكل زمان والناس قد قضوا مناسكهم وقد %حثوا ركائبهم إىل األوطان وحدت هبم مهم هلم وعزائم %حنو املنازل ربة اإلحسان رفعت هلم يف السري أعالم الوصا %ل فشمروا يا خيبة الكسالن والربهان فتيمموا تلك اخليام فآنسوا %فيهن أقمارا بال نقصان
ورأوا على بعد خياما مشرفا %ت مشرقات النور
من قاصرات الطرف ال تبغي سوى %حمبوهبا من سائر الشبان قصرت عليه طرفها من حسنه %والطرف منه مطلق بأمان وحيار منه الطرف يف احلسن الذي %قد أعطيت فالطرف كاحلريان ويقول ملا أن يشاهد حسنها %سبحان معطي احلسن واإلحسان والطرف يشرب من كؤوس مجاهلا %فرتاه مثل الشارب النشوان كملت خالئقها وأكمل حسنها %كالبدر ليل الست بعد مثان والشمس جتري يف حماسن وجهها %والليل حتت ذوائب األغصان فيظل يععجب وهو موضع ذاك من %ليل ومشس كيف جيتمعان ويقول سبحان الذي ذا صنعه %سبحان متقن صنعة اإلنسان ال الليل يدرك مشسها فتغيب عند %جميئه حىت الصباح الثاين والشمس ال تأيت بطرد الليل بل % يتصاحبان كالمها أخوان وكالمها مرآة صاحبه إذا %ما شاء يبصر وجهه يريان فريى حماسن وجهه يف وجهها % وترى حماسنها به بعيان محر اخلدود ثغورهن آللئ %سود العيون فواتر األجفان والربق يبدو حني يبسم ثغرها % فيضيء سقف القصر باجلدران ريانة األعطاف من ماء الشبا %ب فغصنها باملاء ذو جريان ملا جرى ماء النعيم بغصنها %محل الثمار كثرية األلوان فالورد والتفاح والرمان يف %غصن تعاىل غارس البستان والقد منها كالقضيب اللدن يف %حسن القوام كأوسط القضبان يف مغرس كالعاج حتسب أنه %عايل النقا أو واحد الكثبان ال الظهر يلحقه وليس ثديها %بلواحق للبطن أو بدوان لكنهن كواعب ونواهد %فثديهن كأحسن الرمان
واجليد ذو طول وحسن يف بيا %ض واعتدال ليس ذا
نكران يشكو احللي بعاده فله مدى السأيام ! %وسواس من اهلجران واملعصمان فإن تشأ شبههما %بسبيكتني عليهما كفان كالزبد لينا يف نعومة ملمس %أصداف در دورت بوزان والصدر متسع على بطن هلا %واخلصر منهما مغرم بثمان وعليه أحسن سرة هي زينة %للبطن قد غارت من األعكان حق من العاج استدار وحشوه % حبات مسك جل ذو اإلتقان وإذا نزلت رأيت أمرا هائال %ما للصفات عليه من سلطان ال احليض يغشاه وال بول وال %شيء من اآلفات يف النسوان فخذان قد حفا به حرسا له %فجنابه يف عزة وصبيان قاما خبدمته هو السلطان بينهما %وحق طاعة السلطان وهو املطاع إذا هو استدعى احلبيب %أتاه طوعا وهو غري جبان ومجاعها فهو الشفاء لصبها %فالصب منه ليس بالضجران وإذا أتاها عادت احلسناء بكرا %مثل ما كانت مدى األزمان وهو الشهي ألذ شيء هكذا %قال الرسول ملن له أذنان يا رب غفرا قد طغت أقالمنا %يا رب معذرة من الطغيان أقدامها من فضة قد ركبت %من فوقها ساقان ملتفان والساق مثل العاج ملموم به %مخ العظام تناله
العينان والريح مسك واجلسوم نواعم %واللون كالياقوت واملرجان وكالمها يسيب العقول بنغمة %زادت على األوتار والعيدان وهي العروب بشكلها وبدهلا %وحتبب للزوج كل أوان أتراب من واحد متماثل %سن الشباب ألمجل الشبان بكر فلم يأخذ بكارهتا سوى ال %حمبوب من إنس وال من جان يعطى اجملامع قوة املائة اليت اج %متعت ألقوى واحد اإلنسان ولقد أتانا أنه يغشى بيو %م واحد مائة من النسوان ورجاله شرط الصحيح رووا هلم %فيه وذا يف معجم الطرباين وبذاك فسر شغلهم يف سورة %من بعد فاطر يا أخا العرفان هذا دليل أن قدر نسائهم %متفاوت بتفاوت اإلميان وبه يزول توهم اإلشكال عن %تلك النصوص مبنة الرمحن يف بعضها مائة أتى وأتى هبا %سبعون أيضا مث جا ثنتان فتفاوت الزوجات مثل تفاوت ال %درجات فاألمران خمتلفان وبقوة املائة اليت حصلت له %أفضى إىل مائة بال خوران وأعفهم يف هذه الدنيا هو ال %أقوى هناك لزهده يف الفاين فامجع قواك ملا هنا وغض من %ك الطرف واصرب ساعة لزمان ما هاهنا وهللا ما يسوى قال % مة ظفر واحدة من النسوان ونصيفها خري من الدنيا وما %فيها إذا كانت من األمثان ال تؤثر األدىن على األعلى فإن %تفعل رجعت بذلة وهوان وإذا بدت يف حلة من لبسها %ومتايلت كتمايل النشوان هتتز كالغصن الرطيب ومحله %ورد وتفاح على رمان وتبخرتت يف مشيها وحيق ذا %ك ملثلها يف جنة الرضوان ووصائف من خلفها وأمامها %وعلى مشائلها وعن أميان كالبدر ليلة مته قد حف يف %غسق الدجى بكواكب امليزان فلسانه وفؤاده والطرف يف %دهش وإعجاب ويف سبحان تستنطق األفواه بالتسبيح إذ %تبدو فسبحان العظيم الشان والقلب قبل زفافها يف عرسه %والعرس إثر العرس متصالن حىت إذا واجهته تقابال %أرأيت إذ يتقابل القمران فسل املتيم هل حيل الصرب عن %ضم وتقبيل وعن فلتان وسل املتيم أين خلف صربه %يف أي واد أم بأي مكان وسل املتيم كيف حالته وقد %ملئت له األذنان والعينان من منطق رقت حواشيه ووج %ه كم به للشمس من جريان وسل املتيم كيف عيشته إذا %ومها على فرشيهما خلوان يتساقطان آللئا منثورة %من بني منظوم كنظم مجان وسل املتيم كيف جملسه مع ال %حمبوب يف روح ويف رحيان وتدور كاسات الرحيق عليهما % بأكف أقمار من الولدان يتنازعان الكأس هذا مرة %واخلود أخرى مث يتكئان فيضمها وتضمه أرأيت مع %شوقني بعد البعد يلتقيان غاب الرقيب وغاب كل منكد %ومها بثوب الوصل مشتمالن أترامها ضجرين من ذا العيش ال % وحياة ربك ما مها ضجران يا عاشقا هانت عليه نفسه %إذ باعها غبنا بكل هوان أترى يليق بعاقل بيع الذي % يبقى وهذا وصفه بالفاين الباب العشرون يف عالمات احملبة وشواهدها وقبل اخلوض يف ذلك ال بد من ذكر أقسام لنفوس وحماهبا فنقول النفوس ثالثة نفس مساوية علوية فمحبتها منصرفة إىل املعارف واكتساب الفضائل والكماالت املمكنة لإلنسان واجتناب الرذائل وهي مشغوفة مبا يقرهبا من الرفيق األعلى وذلك قوهتا وغذاؤها ودواؤها فاشتغاهلا بغريه هو داؤها ونفس سبعية غضبية فمحبتها منصرفة إىل القهر والبغي والعلو يف األرض والتكرب والرئاسة على
الناس بالباطل فلذهتا يف ذلك وشغفها به ونفس حيوانية شهوانية فمحبتها منصرفة إىل املأكل واملشرب واملنكح ورمبا مجعت األمرين فانصرفت حمبتها إىل العلو يف األرض والفساد كما قال هللا تعاىل ^ إن فرعون عال يف األرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من املفسدين ^ وقال يف آخر السورة ^ تلك الدار اآلخرة جنعلها للذين ال يريدون علوا يف األرض وال فسادا والعاقبة للمتقني ^ واحلب يف هذا العامل دائر بني هذه النفوس الثالثة فأي نفس منها صادفت ما يالئم طبعها استحسنته ومالت إليه ومل تصغ فيه لعاذل ومل تأخذها فيه لومة الئم وكل قسم من هذه األقسام يرون أن ما هم فيه أوىل باإليثار وأن االشتغال بغريه واإلقبال على سواه غنب وفوات حظ فالنفس السماوية بينها وبني املالئكة والرفيق األعلى مناسبة طبعية هبا مالت إىل أوصافهم وأخالقهم وأعماهلم فاملالئكة أولياء هذا النوع يف الدنيا واآلخرة قال هللا تعاىل إن الذين قالوا ربنا هللا مث استقاموا تتنزل عليهم املالئكة أال ختافوا وال حتزنوا وأبشروا باجلنة اليت كنتم توعدون حنن أولياؤكم يف احلياة الدنيا ويف اآلخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزال من غفور رحيم فامللك يتوىل من يناسبه بالنصح له واإلرشاد والتثبيت والتعليم وإلقاء الصواب على لسانه ودفع عدوه عنه واالستغفار له إذا زل وتذكريه إذا نسي وتسليته إذا حزن وإلقاء السكينة يف قلبه إذا خاف وإيقاظه للصالة إذا نام عنها وإيعاد صاحبه باخلري وحضه على التصديق بالوعد وحتذيره من الركون إىل الدنيا وتقصري أمله وترغيبه فيما عند هللا فهو أنيسه يف الوحدة ووليه ومعلمه ومثبته ومسكن جأشه ومرغبه يف اخلري وحمذره من الشر يستغفر له إن أساء ويدعو له بالثبات إن أحسن وإن بات طاهرا يذكر هللا بات معه يف شعاره فإن قصده عدو له بسوء وهو نائم دفعه عنه فصل والشياطني أولياء النوع الثاين خيرجوهنم من النور إىل الظلمات قال هللا تعاىل تاهلل لقد أرسلنا إىل أمم من قبلك فزين هلم الشيطان أعماهلم فهو وليهم اليوم وقال تعاىل كتب عليه أنه من كواله فأنه يضله ويهديه إىل عذاب السعري وقال تعاىل ومن يتخذ الشيطان وليا من دون هللا فقد خسر خسرانا مبينا يعدهم ومينيهم وما يعدهم الشيطان إال غرورا أولئك مأواهم جهنم وال جيدون ! عنها حميصا وقال تعاىل وإذا قلنا للمالئكة اسجدوا آلدم فسجدوا إال إبليس كان من اجلن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوين وهم لكم عدو بئس للظاملني بدال فهذا النوع بني نفوسهم وبني الشياطني مناسبة طبعية هبا ملت إىل أوصافهم وأخالقهم وأعماهلم فالشياطني تتوالهم بضد ما تتوىل املالئكة ملن ناسبهم فتؤزهم إىل املعاصي أزا وتزعجهم إليها إزعاجا ال يستقرون معه ويزينون هلم القبائح وخيفقوهنا على قلوهبم وحيلوهنا يف نفوسهم ويثقلون عليها الطاعات ويثبطوهنم عنها وبقبحوهنا يف أعينهم ويلقون على ألسنتهم أنواع القبيح من الكالم وما ال يفيد ويزينونه يف أمساع من يسمعه منهم يبيتون معهم حيث باتوا ويقيلون معهم حيث قالوا ويشاركوهنم يف أمواهلم وأوالدهم ونسائهم يأكلون معهم ويشربون معهم وجيامعون معهم وينامون معهم قال تعاىل ^ ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا ^ وقال تعاىل ^ ومن يعش عن ذكر الرمحن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإهنم ليصدوهنم عن السبيل وحيسبون أهنم مهتدون حىت إذا جاءنا قال يا ليت
بيين وبينك بعد املشرقني فبئس القرين ^ فصل وأما النوع الثالث فهم أشباه احليوان ونفوسهم أرضية سفلية ال تبايل بغري شهواهتا وال تريد سواها إذا عرفت هذه املقدمة فعالمات احملبة قائمة يف كل نوع حبسب حمبوبه ومراده فمن تلك العالمات تعرف من أي هذه األقسام هو فنذكر فصوال من عالمات احملبة اليت يستدل هبا عليها فمنها إدمان النظر إىل الشيء وإقبال العني عليه فإن العني باب القلب وهي املعربة عن ضمائره والكاشفة ألسراره وهي أبلغ يف ذلك من اللسان ألن داللتها بغري اختيار صاحبها وداللة اللسان لفظية تابعة لقصده فرتى ناظر احملب يدور مع حمبوبه كيف ما دار وجيول معه يف النواحي واألقطار كما قال أذود سوام الطرف عنك وماله %على أحد إال عليك طريق بل احملب يف عني احملبوب متثاله كما يف قلبه شخصه ومثاله كما قيل ومن عجب أين أحن إليهم %وأسأل عنهم من لقيت وهم معي وتطلبهم عيين وهم يف سوادها %ويشتاقهم قليب وهم بني أضلعي فاحملب نظره وقف على حمبوبه كما قال إن حيجبوها عن العيون فقد %حجبت عيين هلا عن البشر فصل ومنها إغضاؤه عند نظر حمبوبه إليه ورميه بطرفه حنو األرض وذلك من مهابته له وحيائه منه وعظمته يف صدره وهلذا يستهجن امللوك من خياطبهم وهو حيد النظر إليهم بل يكون خافض الطرفإىل األرض قال هللا تعاىل خمربا عن كمال أدب رسوله يف ليلة اإلسراء ^ ما زاغ البصر وما طغى ^ وهذا غاية األدب فإن البصر مل يزغ ميينا وال مشاال وال طمح متجاوزا إىل ما هو رائيه ومقبل عليه كاملتشارف إىل ما وراء ذلك وهلذا اشتد هني النيب للمصلي أن يزيغ بصره إىل السماء وتوعدهم على ذلك خبطف أبصارهم إذ هذا من كمال األدب مع من املصل ي واقف بني يديه بل ينبغي له أن يقف ناكس الرأس مطرقا إىل األرض ولوال أن عظمة رب العاملني سبحانه فوق مساواته على عرشه مل يكن فرق بني النظر إىل فوق أو إىل أسفل فصل ومنها كثرة ذكر احملبوب واللهج بذكره وحديثه فمن أحب شيئا أكثر من ذكره بقلبه ولسانه وهلذا أمر هللا سبحانه عباده بذكره على مجيع األحوال وأمرهم بذكره أخوف ما يكونون فقال تعاىل ^ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا هللا كثريا لعلكم تفلحون ^ واحملبون يفتخرون بذكرهم أحباهبم وقت املخاوف ومالقاة األعداء كما قال قائلهم ذكرتك واخلطي خيطر بيننا %وقد هنلت منا املثقفة السمر وقال آخر ولقد ذكرتك والرماح كأهنا %أشطان بئر يف لبان األدهم فوددت تقبيل السيوف ألهنا %برقت كبارق ثغرك املتبسم ويف بعض اآلثار اإلهلية إن عبدي كل عبدي الذي يذكرين وهو مالق قرنه فعالمة احملبة الصادقة ذكر احملبوب عند الرغب والرهب وقال بعض احملبني يف حمبوبه يذكرنيك اخلري والشر والذي %أخاف وأرجو والذي أتوقع ومن الذكر الدال على صدق احملبة سبق ذكر احملبوب إىل قلب احملب ولسانه عند أول يقظة من منامه وأن يكون ذكره آخر ما ينام عليه كما قال قائلهم آخر شيء أنت يف كل هجعة %وأول شيء أنت وقت هبويب وذكر احملبوب ال يكون عن نسيان مستحكم فإن ذكره بالقوة يف نفس احملب ولكن لضيق احملل به يرد عليه ما يغيب ذكره فإذا زال الوارد عاد الذكر كما كان وأعلى أنواع ذكر احلبيب أن حيبس احملب لسانه على ذكره مث حيبس قلبه على لسانه مث حيبس قلبه ولسانه على شهود مذكوره وكما أن الذكر من نتائج احلب فاحلب أيضا من نتائج الذكر فكل منهما يثمر اآلخر وزرع احملبة إمنا يسقى مباء الذكر وأفضل الذكر ما صدر عن احملبة فصل ومن عالماهتا االنقياد ألمر احملبوب وإيثاره على مراد
احملب بل يتحد مراد احملب واحملبوب وهذا هو االحتاد الصحيح ال االحتاد الذي يقوله إخوان النصارى من املالحدة فال احتاد إال يف املراد وهذا االحتاد عالمة احملبة الصادقة حبيث يكون مراد احلبيب واحملب واحدا فليس مبحب صادق من له إرادة ختالف مراد حمبوبه منه بل هذا مريد من حمبوبه ال مريد له وإن كان مريدا له فليس مريدا ملراده فاحملبون ثالثة أقسام منهم من يريد من احملبوب ومنهم من يريد احملبوب ومنهم من يريد مراد احملبوب مع إرادته للمحبوب وهذا أعلى أقسام احملبني وزهد هذا أعلى أنواع الزهد فإنه قد زهد يف كل إرادة ختالف مراد حمبوبه وبني هذا وبني الزهد يف الدنيا أعظم مما بني السماء واألرض فالزهد مخسة أقسام زهد يف الدنيا وزهد يف النفس وزهد يف اجلاه والرئاسة وزهد فيما سوى احملبوب وزهد يف كل إرادة ختالف مراد احملبوب وهذا إمنا حيصل بكمال املتابعة لرسول احلبيب قال هللا تعاىل ^ قل إن كنتم حتبون هللا فاتبعوين حيببكم هللا ويغفر لكم ذنوبكم وهللا غفور رحيم ^ فجعل سبحانه متابعة رسوله سببا حملبتهم له وكون العبد حمبوبا هلل أعلى من كونه حمبا هلل فليس الشأن أن حتب هللا ولكن الشأن أن حيبك هللا فالطاعة للمحبوب عنوان حمبته كما قيل تعصي اإلله وأنت تزعم حبه %هذا حمال يف القياس بديع لو كان حبك صادقا ألطعته %إن احملب ملن حيب مطيع فصل ومن عالماهتا قلة صرب احملب عن احملبوب بل ينصرف صربه إىل الصرب على طاعته والصرب عن معصيته والصرب على أحكامه فهذا صرب احملب وأما الصرب عنه فصرب الفارغ عن حمبته املشغول بغريه قال والصرب حيمد يف املواطن كلها %وعن احلبيب فإنه ال حيمد فمن صرب عن حمبوبه أدى به صربه إىل فوات مطلوبه وقال بعض احملبني ما أحسن الصرب وأما على %أن ال أرى وجهك يوما فال لو أن يوما منك أو ساعة %تباع بالدنيا إذا ما غال فصل ومنها اإلقبال على حديثه وإلقاء مسعه كله إليه حب يث يفرغ حلديثه مسعه وقلبه وإن ظهر منه إقبال على غريه فهو إقبال مستعار يستبني فيه التكلف ملن يرمقه كما قال وأدمي حلظ حمدثي لريى %أن قد فهمت وعندكم عقلي فإن أعوزه حديثه بنفسه فأحاب شيء إليه احلديث عنه وال سيما إذا حدث عنه بكالمه فإنه يقيمه مقام خطابه كما قال القائل احملبون ال شيء ألذ هلم ولقلوهبم من مساع كالم حمبوهبم وفيه غاية مطلوهبم وهلذا مل يكن شيء ألذ ألهل احملبة من مساع القرآن وقد ثبت يف الصحيح عن ابن مسعود رضي هللا عنه قال قال يل رسول هللا اقرأ علي قلت أقرأ عليك وعليك أنزل قال إين أحب أن أمسعه من غريي فقرأت عليه من أول سورة النساء حىت إذا بلغت قوله تعاىل ^ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤالء شهيدا ^ قال حسبك اآلن فرفعت رأسي فإذا عيناه تذرفان وكان أصحاب رسول هللا إذا اجتمعوا أمروا قارئا أن يقرأ وهم يستمعون وكان عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه إذا دخل عليه أبو موسى يقول يا أبا موسى ذكرنا ربنا فيقرأ أبو موسى ورمبا بكى عمر ومر رسول هللا بأيب موسى رضي هللا عنه وهو يصلي من الليل فأعجبته قراءته فوقف واستمع هلا فلما غدا على رسول هللا قال لقد مررت بك البارحة وأنت تقرأ فوقفت واستمعت لقراءتك فقال لو أعلم أنك كنت تسمع حلربته لك حتبريا وهللا سبحانه وهو الذي تكلم بالقرآن يأذن ويستمع للقارىء احلسن الصوت من حمبته لسماع كالمه منه كما قال هلل أشد أذنا إىل القارئ احلسن الصوت من صاحب القينة إىل قينته واألذن بفتح اهلمزة والذال مصدر أذن يأذن إذا استمع قال الشاعر أيها القلب تعلل بددن %إن قليب يف مساع
وأذن وقال زينوا القرآن بأصواتكم وغلط من قال إن هذا من املقلوب وإن املراد زينوا أصواتكم بالقرآن فهذا وإن كان حقا فاملراد حتسني الصوت بالقرآن وصح عنه أنه قال ليس منا من مل يتغن بالقرآن ووهم من فسره بالغىن الذي هو ضد الفقر من وجوه أحدها أن ذلك املعىن إمنا يقال فيه استغىن ال تغىن والثاين أن تفسريه قد جاء يف نفس احلديث جيهر به هذا لفظه قال أمحد حنن أعلم هبذا من سفيان وإمنا هو حتسني الصوت به حيسنه ما استطاع الثالث أن هذا املعىن ال يتبادر إىل الفهم من إطالق هذا اللفظ ولو احتمله فكيف وبنية اللفظ ال حتتمله كما تقدم وبعد هذا فإذا كان من التغين بالصوت ففيه معنيان أحدمها جيعله له مكان الغناء ألصحابه من حمبته له وهلجه به كما حيب صاحب الغناء لغنائه والثاين أنه يزينه بصوته وحيسنه ما استطاع كما يزين املتغين غناءه بصوته وكثري من ا حملبني ماتوا عند مساع القرآن بالصوت الشجي فهؤالء قتلى القرآن ال قتلى عشاق املردان والنسوان فصل ومنها حمبة دار احملبوب وبيته حىت حمبة املوضع الذي حل به وهذا هو السر الذي ألجله علقت القلوب على حمبة الكعبة البيت احلرام حىت استطاب احملبون يف الوصول إليها هجر األوطان واألحباب ولذ هلم فيها السفر الذي هو قطعة من العذاب فركبوا األخطار وجابوا املفاوز والقفار واحتملوا يف الوصول غاية املشاق ولو أمكنهم لسعوا إليها على اجلفون واألحداق نعم أسعى إليك على جفوين %وإن بعدت ملسراك الطريق وسر هذه احملبة هي إضافة الرب سبحانه له إىل نفسه بقوله ^ وطهر بييت للطائفني ^ قال الشاعر ملا انتسبت إليك صرت معظما %وعلوت قدرا دون من مل ينسب وكل ما نسب إىل احملبوب فهو حمبوب ^ وأنه ملا قام عبد هللا يدعوه ^ ^ سبحان الذي أسرى بعبده ^ ^ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ^ ^ وإن كنتم يف ريب مما نزلنا على عبدنا ^ ومن فهم هذا فهم معىن قوله تعاىل بيدك اخلري وقول عبده ورسوله لبيك وسعديك واخلري يف يديك والشر ليس إليك وإذا كان من حيب خملوقا مثله حيب داره كما قال أمر على الديار ديار ليلى %أقبل ذا اجلدار وذا اجلدارا وما حب الديار شغفن قليب %ولكن حب من سكن الديارا فكيف مبن ليس كمثله شيء ومن ليس كمثل حمبته حمبة فصل ومنها اإلسراع إليه يف السري وحث الركاب حنوه وطي املنازل يف الوصول إليه واالجتهاد يف القرب والدنو منه وقطع كل قاطع يقطع عنه واطراح األشغال الشاغلة عنه والزهد فيها والرغبة عنها واالستهانة بكل ما يكون سببا لغضبه ومقته وإن جل والرغبة يف كل ما يدين إليه وإن شق قال الشاعر ولو قلت طأ يف النار أعلم أنه %رضا لك أو مدن لنا من وصالك لقدمت رجلي حنوها فوطئتها %هدى منك يل أو ضلة من ضاللك فصل ومنها حمبة أحباب احملبوب وجريانه وخدمه وما يتعلق به حىت حرفته وصناعته وآنيته وطعامه ولباسه قال أحب بين العوام طرا حلبها %ومن أجلها أحببت أخواهلا كلبا وقال آخر يشتاق واديها ولوال حبكم %ما شاقه واد زهت أزهاره وقال اآلخر فيا ساكين أكناف طيبة كلكم %إىل القلب من أجل احلبيب حبيب ويف أخبار العشاق أن عاشقا عشق السراويالت من أجل سراويل معشوقه فوجد يف تركته اثنا عشر محال وفردة من السراويالت ذكره البصري وعشق آخر اهلاوونات من أجل صوت هاون حمبوبته فوجد يف تركته عدة آالفمنها وعند الناس من هذا عجائب كثرية وكان أنس بن مالك رضي هللا عنه حيب الدباء كثريا ملا رأى النيب يتتبعها من جوانب القصعة فصل ومنها قصر
الطريق حني يزوره ويوايف إليه كأهنا تطوى له وطوهلا إذا انصرف عنه وإن كانت قصرية قال وكنت إذا ما جئت ليلى أزورها %أرى األرض تطوى يل ويدنو بعيدها من اخلفرات البيض ود جليسها %إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها وقال آخر وهللا ما جئتكم زائرا %إال وجدت األرض تطوى يل
وال انثىن عزمي عن بابكم %إال تعثرت
بأذيايل وقال آخر وإذا قمت عنك مل أمش إال %مشي عان يقاد حنو الفناء وإذا جئت كنت أسرع يف السي % ر من الطري نازال يف اهلواء وقال اآلخر وتدنو الطريق إذا زرتكم %وتبعد إذ أنثين راجعا فصل ومنها اجنالء مهومه وغمومه إذا زار حمبوبه أو زاره وعودها إذا فارقه كما قال يزور فتنجلي عين مهومي %ألن جالء حزين يف يديه وميضي باملسرة حني ميضي %ألن حواليت فيها عليه ومن املعلوم أنه ليس للمحب فرحة وال سرور وال نعيم إال مبحبوبه ومبفارقة حمبوبه عذابه اآلجل والعاجل فصل ومنها البهت والروعة اليت حتصل عند مواجهة احلبيب أو عند مساع ذكره وال سيما إذا رآه فجأة أو طلع عليه بغتة كما قال الشاعر فما هو إال أن أراها فجاءة %فأهبت حىت ما أكاد أجيب فأرجع عن رأيي الذي كان أوال %وأذكر ما أعددت حني تغيب وقال آخر فما هو إال أن يراها فجاءة %فتصطك رجاله ويسقط للجنب ورمبا اضطرب عند مساع امسه فجأة كما قال وداع دعا إذ حنن باخليف من مىن %فهيج أشجان الفؤاد وما يدري دعا باسم ليلى غريها فكأمنا %أطار بليلى طائرا كان يف صدري وقد اختلف يف سبب هذه الروعة والفزع واالضطراب فقيل سببه أن للمحبوب سلطانا على قلب حمبه أعظم من سلطان الرعية فإذا رآه فجأة راعه ذلك كما يرتاع من يرى من يعظمه فجأة فإن القلب معظم حملبوبه خاضع له والشخص إذا فجئه املعظم عنده راعه ذلك وقيل سببه انفراج القلب له ومبادرته إىل تلقيه فيهرب الدم منه فيربد ويرعد وحيدث االصفرار والرعدة ورمبا مات وباجلملة فهذا أمر ذوقي وجداين وإن مل يعرف سببه فصل ومنها غريته حملبوبه وعلى حمبوبه فالغرية له أن يكره ما يكره ويغار إذا عصي حمبوبه وانتهك حقه وضيع أمره فهذه غرية احملب حقا والدين كله حتت هذه الغرية فأقوى الناس دينا أعظمهم غرية وقد قال النيب يف احلديث الصحيح أتعجبون من غرية سعد ألنا أغري منه وهللا أغري مين فمحب هللا ورسوله يغار هلل ورسوله على قدر حمبته وإجالله وإذا خال قلبه من الغرية هلل ولرسوله فهو من احملبة أخلى وإن زعم أنه من احملبني فكذب من ادعى حمبة حمبوب من الناس وهو يرى غريه ينتهك حرمة حمبوبه ويسعى يف أذاه ومساخطه ويستهني حبقه ويستخف بأمره وهو ال يغار لذلك بل قلبه بارد فكيف يصح لعبد أن يدعي حمبة هللا وهو ال يغار حملارمه إذا انتهكت وال حلقوقه إذا ضيعت وأقل األقسام أن يغار له من نفسه وهواه وشيطانه فيغار حملبوبه من تفريطه يف حقه وارتكابه ملعصيته وإذا ترحلت هذه الغرية من القلب ترحلت منه احملبة بل ترحل منه الدين وإن بقيت فيه آثاره وهذه الغرية هي أصل اجلهاد واألمر باملعروف والنهي عن املنكر وهي احلاملة على ذلك فإن خلت من القلب مل جياهد ومل يأمر باملعروف ومل ينه عن املنكر فإنه إمنا يأيت بذلك غرية منه لربه ولذلك جعل هللا سبحانه وتعاىل عالمة حمبته وحمبوبيته اجلهاد فقال هللا تعاىل ^ يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأيت هللا بقوم حيبهم وحيبونه أذلة على امل ؤمنني أعزة على الكافرين جياهدون يف سبيل هللا وال خيافون لومة الئم ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا واسع
عليم ^ فصل وأما الغرية على احملبوب فإمنا حتمد حيث حيمد االختصاص باحملبوب ويذم االشرتاك فيه شرعا وعقال كغرية اإلنسان على زوجته وأمته والشيء الذي خيتص هو به فيغار من تعرض غريه لذكره ومشاركته له فيه وهذه الغرية ختتص باملخلوق وال تتصور يف حق اخلالق بل احملب لربه حيب أن الناس كلهم حيبونه ويذكرونه ويعبدونه وحيمدونه وال شيء أقر لعينه من ذلك بل هو يدعو إىل ذلك بقوله وعمله وملا مل مييز كثري من الصوفية بني هات ني الغريتني وقع يف كالمهم ختبيط قبيح وأحسن أمره أن يكون من السعي املغفور ال املشكور وكان بعض جهلتهم إذا رأى من يذكر هللا أو حيبه يغار منه ورمبا سكته إن أمكنه ويقول غرية احلب حتملين على هذا وإمنا ذلك حسد وبغي وعدوان ونوع معادة هلل ومراغمة لطريق رسله أخرجوها يف قالب الغرية وشبهوا حمبة هللا مبحبة الصور من املخلوقني وال ريب أن هذه الغرية حممودة يف حمبة من ال حتسن مشاركة احملب فيه وسيأيت ذلك يف باب الغرية على احملبوب فصل ومنها بذل احملب يف رضا حمبوبه ما يقدر عليه مما كان يتمتع به بدون احملبة وللمحب يف هذا ثال ثة أحوال أحدها بذله ذلك تكلفا ومشقة وهذا يف أول األمر فإذا قويت احملبة بذله رضا وطوعا فإذا متكنت من القلب غاية التمكن بذله سؤاال وتضرعا كأنه يأخذه من احملبوب حىت إنه ليبذل نفسه دون حمبوبه كما كان الصحابة رضي هللا عنهم يقون رسول هللا يف احلرب بنفوسهم حىت يصرعوا حوله ويل فؤاد إذا جل الغرام به %هام اشتياقا إىل لقيا معذبه يفديك بالنفس صب لو يكون له %أعز من نفسه شيء فداك به ومن آثر حمبوبه بنفسه فهو له مباله أشد إيثارا قال هللا تعاىل ^ النيب أوىل باملؤمنني من أنفسهم ^ وال يتم هلم مقام اإلميان حىت يكون الرسول أحب إليهم من أنفسهم فضال عن أبنائهم وآبائهم كما صح عنه أنه قال ال يؤمن أحدكم حىت أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أمجعني وقال له عمر رضي هللا عنه وهللا يا رسول هللا ألنت أحب إيل من كل شيء إال من نفسي فقال ال يا عمر حىت أكون أحب إليك من نفسك قال فوهللا ألنت اآلن أحب إيل من نفسي فقال اآلن يا عمر فإذا كان هذا شأن حمبة عبده ورسوله فكيف مبحبته سبحانه وهذا النوع من احلب ال ميكن أن يكون إال هلل ورسوله شرعا وال قدرا وإن وجد يف الناس من يؤثر حمبوبه بنفسه وماله فذاك يف احلقيقة إمنا هو حملبة غرضه منه فحمله حمبة غرضه على أن بذل فيه نفسه وماله وليست حمبته لذلك احملبوب لذاته بل لغرضه منه وهذا احملبوب له مثل وحملبته مثل وأما حمبة هللا ليس هلا مثل وال للمحبوب مثل وهلذا حكم الصحابة رضي هللا عنهم رسول هللا يف أنفسهم وأمواهلم فقالوا هذه أموالنا بني يديك فاحكم فيها مبا شئت وهذه نفوسنا بني يديك لو استعرضت بنا البحر خلضناه نقاتل بني يديك ومن خلفك وعن ميينك وعن مشالك قال قيس بن صرمة األنصاري ثوى يف قريش بضع عشرة حجة %يذكر لو يلقى حبيبا مؤاتيا ويعرض يف أهل املواسم نفسه %فلم ير من يؤوي ومل ير داعيا فلما أتانا واستقرت به النوى %وأصبح مسرورا بطيبة راضيا بذلنا له األموال من حل مالنا %وأنفسنا عند الوغى والتآسيا نعادي الذي عادى من الناس كلهم %مجيعا وإن كان احلبيب املصافيا ونعلم أن هللا ال رب غريه %وأن رسول هللا أصبح هاديا فاحملب وصفه اإليثار واملدعي طبعه االستئثار
فصل ومنها سروره مبا يسر به حمبوبه كائنا ما كان وإن كرهته نفسه فيكون عنده مبنزلة الدواء الكريه يكرهه طبعا وحيبه ملا فيه من الشفاء وهكذا احملب مع حمبوبه يسره ما يرضى به حمبوبه وإن كان كريها لنفسه وأما من كان واقفا مع ما تشتهيه نفسه من مراضي حمبوبه فليست حمبته صادقة بل هي حمبة معلولة حىت يسر مبا ساءه وسره من مراضي حمبوبه وإذا كان هذا موجودا يف حمبة اخللق بعضهم لبعض فاحلبيب لذاته أوىل بذلك قال أبو الشيص وقف اهلوى يب حيث أنت فليس يل %متأخر عنه وال متقدم وأهنتين فأهنت نفسي جاهدا %ما من يهون عليك ممن يكرم أشبهت أعدائي فصرت أحبهم %إذ كان حظي منك حظي منهم أجد املالمة يف هواك لذيذة %حبا لذكرك فليلمين اللوم وقريب من هذا البيت األخري قول اآلخر لئن ساءين أن نلتين مبساءة %لقد سرين أين خطرت ببالك وقال اآلخر صدودك عين إن صددت يسرين %ومل أر قبلي عاشقا سر بالصد سررت به أين تيقنت أمنا %دعاك إليه رغبة منك يف ودي ولو كنت فيه تزهدين لساءه %ولكنما عتب احملب من الوجد فيا فرحة يل إذ رأيتك تعتيب %علي لذنب كان مين على عمد وقال اآلخر أهوى هواها وطول البعد يعجبها %فالبعد قد صار يل يف حبها أربا فمن رأى واهلا قبلي أخا كلف %ينأى إذا حبه من أرضه قربا وقريب من هذا قول أمحد بن احلسني يا من يعز علينا أن نفارقهم %وجداننا كل شيء بعدكم عدم إن كان سركم ما قال حاسدنا %فما جلرح إذا أرضاكم أمل واهتدم بعضهم هذا فقال يا من يعز علينا أن نلم هبم %إذ بعدنا عنهم قد صار قصدهم إن كان يرضيكم هذا البعاد فما %فيه لصبكم جرح وال أمل ولعمر هللا أكثر هذه دعاوى ال حقيقة هلا والصادق منهم خيرب عن علمه وإرادته ال عن حاله وصفته ولقد أحسن القائل رضوا باألماين وابتلوا حبظوظهم %وخاضوا حبار احلب دعوى وما ابتلوا فهم يف السرى مل يربحوا من مكاهنم %وما ظعنوا يف السري عنه وقد كلوا وإن كان هذا هو وصف قائلها بعينه وحاله فإنه خاض حبار احلب وما ابتل فيه له قدم وأخرب عن نفسه عند انكشاف غطائه وطلب الرسل له لقدومه على ربه فقال وصدق إن كان منزليت يف احلب عندكم %ما قد لقيت فقد ضيعت أيامي أمنية ظفرت نفسي هبا زمنا %فاليوم أحسبها أضغاث أحالم وهذه حال كل من أحب مع هللا شيئا سواه فإنه إىل هذه الغاية يصري وال بد وسيبدو له إذا انكشف الغطاء أنه إمنا كان مغرورا خمدوعا بأمنية ظفرت نفسه هبا مدة حياته مث انقطعت وأعقبت احلسرة والندامة قال هللا تعاىل إذ تربأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت هبم األسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتربأمنهم كما تربأوا منا كذلك يريهم هللا أعماهلم حسرات عليهم وما هم خبارجني من النار فاألسباب اليت تقطعت هبم هي الوصل والعالئق واملودات اليت كانت لغري هللا ويف غري ذات هللا وهي اليت يقدم إليها سبحانه فيجعلها هباء منثورا فكل حمبة لغريه فهي عذاب على صاحبها وحسرة عليه إال حمبته وحمبة ما يدعو إىل حمبته ويعني على طاعته ومرضاته فهذه هي اليت تبقى يف القلب يوم تبلى السرائر كما قال سيبقى لكم يف مضمر القلب واحلشا %سريرة حب يوم تبلى السرائر وقال آخر إذا تصدع مشل الوصل بينهم %فلمحبني مشل غري منصدع وإن تقطع حبل الوصل يومئذ %فللمحبني حبل
غري منقطع فصل ومنها حب الوحدة واألنس باخللوة والتفرد عن الناس وكأن احملبة قد ثبتت على ذلك فال شيء أحلىللمحب الصادق من خلوته وتفرده فإنه إن ظفر مبحبوبه أحب خلوته به وكره من يدخل بينهما غاية الكراهة وهلذا السر وهللا أعلم أمر النيب برد املار بني يدي املصلي حىت أمر بقتاله وأخرب أنه لو يدري ما عليه من اإلمث لكان وقوفه أربعني خريا له من مروره بني يديه وال جيد أمل املرور وشدته إال قلب حاضر بني يدي حمبوبه مقبل وقد ارتفعت األغيار بينه وبينه فمرور املار بينه وبني ربه مبنزلة دخول البغيض بني احملب وحمبوبه وهذا أمر احلاكم فيه الذوق فال ينكره إال من مل يذق وقال ابن مسعود رضي هللا عنه مرور املار بني يدي املصلي يذهب نصف أجره ذكره اإلمام أمحد وأيضا فإن احملب يستأنس بذكر حمبوبه وكونه يف قلبه ال يفارقه فهو أنيسه وجليسه ال يستأنس بسواه فهو مستوحش ممن يشغله عنه وحدثين تقي الدين بن شقري قال خرج شيخ اإلسالم ابن تيمية يوما فخرجت خلفه فلما انتهى إىل الصحراء وانفرد عن الناس حبيث ال يراه أحد مسعته يتمثل بقول الشاعر وأخرج من بني البيوت لعلين %أحدث عنك القلب بالسر خاليا فخلوة احملب حملبوبه هي غاية أمتيته فإن ظفر هبا وإال خال به يف سره وأوحشه ذلك من األغيار وكان قيس بن امللوح إذا رأى إنسانا هرب منه فإذا أراد أن يدنو منه وحيادثه ذكر له ليلى وحديثها فيأنس به ويسكن إليه وينبغي للمحب أن يكون كما قال يوسف إلخوته وقد طلب منهم أخاهم ^ فإن مل تأتوين به فال كيل لكم عندي وال تقربون ^ إذا مل تكن فيكن سعدى فال أرى %لكن وجوها أو أغيب يف حلدي فصل ومنها استكانة احملب حملبوبه وخضوعه وذله له واحلب مبين على الذل وال يأنف العزيز الذي ال يذل لشيء من ذله حملبوبه وال يعده نقصا وال عيبا بل كثري منهم يعد ذله عزا كما قال إذا كنت هتوى من حتب ومل تكن %ذليال فه فاقرأ السالم على الوصل تذلل ملن هتوى لتكسب عزة %فكم عزة قد ناهلا املرء بالذل وقال اآلخر إخضع وذل ملن حتب فليس يف %شرع اهلوى أنف يشال ويعقد وقال اآلخر ويعجبين ذيل لديك ومل يكن %ليعجبين لوال حمبتك الذل وقال آخر يلذ له ذل اهلوى وخضوعه %ولوال اهلوى ما لذ للعاقل الذل وقال اآلخر مساكني أهل احلب حىت قبورهم %عليها تراب الذل دون املقابر ومىت استحكم الذل واحلب صار عبودية فيصري القلب احملب معبدا حملبوبه وهذه الرتبة ال يليق أن تتعلق مبخلوق وال تصلح إال هلل وحده فصل ومنها امتداد النفس وتردد األنفاس وتصاعدها وهذا نوعان أحدمها ما يقارنه حزن وهلف كما قال القائل رب ليل أمد من نفس العا %شق طوال قطعته بانتحاب وقال آخر تردد أنفاس احملب يدلنا %على كنه ما أخفاه من أمل احلب إذا خطرات احلب خامرن قلبه %تنفس حىت ظل متصدع القلب والثاين ما يكون سببه طربا ولذة وسبب وجود النوعني احنصار القلب وانفراجه بسبب الوارد الذي ورد عليه فأحدث للنفس الذي تروحه عليه الرئة كيفية مؤذية وطلب إخراجها فهو تنفس الصعداء وأما تنفس الراحة فإن القلب ينبسط بعد انقباضه فيدفع اهلواء احمليط به فيطلب اخلروج فصل ومنها هجره كل سبب يقصيه من حمبوبه ويبغضه احملبوب وارتياحه لكل سبب يدنيه منه ويستحمد به عنده إ ذا بلغه عنه ويف الباب عجائب للمحبني فكثري منهم هجر طعاما أو لباسا أو أرضا أو صناعة أو حالة من
احلاالت كان حمبوبه ميقتها فلم يعد إليها أبدا ومل تطاوعه نفسه بفعله البتة وكثري منهم محله احلب على اكتساب املعايل والفضائل وغريها مما يعلم أن احملبوب يعظمه وحيبه وهذا نوعان أيضا أحدمها أن يكون احملبوب مؤثرا لذلك حمبا له فاحملب يبذل جهده فيه لينال منه أعاله إن أمكنه فإن كان احملبوب مشغوفا جبمع املال أثر ذلك يف حمبه شغفا أشد من شغفه وإن كان مشغوفا بالعلم اجتهد احملب يف طلبه أشد من من اجتهاده وإن كان مشغوفا حبرفة أو صناعة حرص احملب علىتعلمها إن وجد إىل ذلك سبيال وإن كان مشغوفا بالنوادر واحلكايات احلسان واألخبار املستحسنة بالغ احملب يف حتفظها فاحملبة النافعة أن تقع على عشق كامل حيملك عشقه على طلب الكمال والبلية كل البلية أن تبتلى مبحبة فارغ بطال صفر من كل خري فيحملك حبه على التشبه به والثاين أن يكون احملبوب فارغا من حمبة ذلك وإيثاره ولكن احملبة تستخرج من قلب احملب عزما وإرادة وحرصا على ما يعظم به يف عني احملبوب وقلبه فتجده من أحرص الناس على ذلك حبسب استعداده كما قيل ويرتاح للمعروف يف طلب العلى % لتحمد يوما عند ليلى مشائله وهذا قد يكون له سبب آخر وهو معاداة الناس له وتنقصهم إياه وازدراؤهم به فيحمله االنتخاء لنفسه والغرية هلا وحمبتها على املنافسة يف املعايل واكتساب احلمد وهذا من شرف النفس وعزهتا كما قيل من كان يشكر للصديق فإنين %أحبو بصاحل شكري األعداء هم صريوا طلب املعايل ديدين %حىت وطئت بنعلي اجلوزاء ولرمبا انتفع الفىت بعدوه %والسم أحيانا يكون شفاء وقال اآلخر عداي هلم فضل علي ومنة %فال أعدم الرمحن عين األعاديا هم حبثوا عن زليت فاجتنبتها %وهم نافسوين فاكتسبت املعاليا فصل ومنها االتفاق الواقع بني احملب وحمبوبه وال سيما إذا كانت احملبة حمبة مشاكلة ومناسبة فكثريا ما ميرض احملب مبرض حمبوبه ويتحرك حبركته وال يشعر أحدمها باآلخر ويتكلم احملبوب بكالم فيتكلم احملب به بعينه اتفاقا فانظر إىل قول النيب لعمر بن اخلطاب رضي هللا عنه يوم احلديبية ملا قال له ألسنا على احلق وعدونا على الباطل قال بلى قال فعالم نعطي الدنية يف ديننا فقال إين رسول هللا وهو ناصري ولست أعصيه فقال أمل تكن حتدثنا أنا نأيت البيت فنطوف به فقال قلت لك إنك تأتيه العام قال ال قال فإنك آتيه ومطوف به مث جاء أبا بكر الصديق رضي هللا عنه فقال له يا أبا بكر ألسنا على احلق وعدونا على الباطل قال بلى قال فعالم نعطي الدنية يف ديتنا ونرجع وملا حيكم هللا بيننا فقال له إنه رسول هللا وهو ناصره وليس يعصيه قال أمل يكن حيدثنا أنا نأيت البيت فنطوف به قال أقال لك إنك تأتيه العام قال ال قال فإنك آتيه ومعطوف به فأجاب على جواب رسول هللا حرفا حبرف من غري تواطؤ وال تشاعر بل موافقة حمب حملبوب هكذا وقع يف صحيح البخاري ووقع يف بعض املغازي أنه أتى أبا بكر أوال فقال له ذلك مث أتى رسول هللا بعده فقال له مثل ما قال أبو بكر قال السهيلي وهذا هو األوىل ويشبه أن يكون احملفوظ فإنه ال يظن بعمر رضي هللا عنه أن رسول هللا يقول له قوال فال يرضى به حىت يأيت أبا بكر رضي هللا عنه بعد ذلك والشبهة عنده مل تزل فيعيدها عليه وال يظن ذلك بعمر رضي هللا عنه ولعمري لقد نزع أبو القاسم بذنوب صحيح ولكن احملفوظ هو الذي وقع يف البخاري وعليه عامة أهل السري واملسانيد والسنن وأما ما نسب إليه عمر رضي هللا عنه فقد أجيب عنه بأنه كان يرجو النسخ وموافقة ربه له يف ذلك كما تقدم له أمثاهلا
فإنه كان يقول القول فينزل به الوحي والثاين أن املقام كان مقام حمنة وابتالء عجز عنه صرب أكثر الصحابة ومل يتسع له بطاهنم وداخلهم من اهلم والقلق والتحرق على أعدائهم أمر عظيم وهلذا ملا أمرهم أن حيلقوا رؤوسهم وينحرا بدهنم مل يقم منهم رجل واحد حىت دخل على أم سلمة مغضبا فقالت له من أغضبك أغضبه هللا فقال ومايل ال أغضب وأنا آمر باألمر فال أتبع وهذا يرد تأويل من تأوله على أن القوم كانوا حمسنني يف ذلك التثبت وأهنم كانوا ينتظرون النسخ فال لوم عليهم وهذا خطأ قبيح من هذا املعتذر بل كانت املبادرة إىل امتثال أوامره أوىل هبم ولو كانوا حمسنني يف التأخري ملا اشتد غضبه عليهم ولكان أوىل منهم بانتظار النسخ بل هذا من سعيهم املغفور الذي غفره هللا هلم بكمال إمياهنم ونصحهم هلل ورسوله وعذرهم هللا سبحانه لقوة الوارد وضعفهم عن محله حىت مل حيمله عمر رضي هللا عنه يف قوته وشدته واحتمله رسول هللا وأبو بكر وكان جواهبما من مشكاة واحدة وملا احتمل رسول هللا هذا احلكم الكوين األمري الذي حكم هللا له به ورضي به وأقر ب ه ودخل حتته طوعا وانقيادا وهو الفتح الذي فتح هللا له أثابه هللا عليه بأربعة أشياء مغفرة ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإمتام نعمته عليه وهدايته صراطا مستقيما ونصر هللا له نصرا عزيزا وهبذا يقع جواب السؤال الذي أورده بعضهم هاهنا فقال كيف يكون حكم هللا له بذلك علة هلذه األمور األربعة إذ يقول هللا تعاىل ^ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك هللا ما تقدم من ذنبك وما تأخر ^ اآلية وجوابه ما ذكرنا أن تسليمه هلذا احلكم والرضا به واالنقياد له والدخول حتته أوجب له أن آتاه هللا ذلك واملقصود إمنا هو ذكر االتفاق بني احملب واحملبوب وهذا الذي جرى للصديق رضي هللا عنه من أحسن املوافقة ومن هذا موافقة عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه لربه تعاىل يف عدة أمور قاهلا فنزل هبا الوحي كما قال وتقوى هذه املوافقة حىت يعلم احملب بكثري من أحوال حمبوبه وهو غائب عنه وهذا حبسب تعلق اهلمة به وتوجه القلب إليه واحتاد مراده مبراده ورمبا اقتضى ذلك اتفاقهما يف املرض والصحة والفرح واحلزن واخللق فإن كان مع ذلك بينهما تشابه يف اخللق الظاهر فهو الغاية يف االتفاق ولنقتصر من العالمات على هذا القدر وباهلل التوفيق الباب احلادي والعشرون يف اقتضاء احملبة إفراد احلبيب باحلب وعدم التشريك بينه وبني غريه فيه هذا من موجبات احملبة الصاقة وأحكامها فإن قوى احلب مىت انصرفت إىل جهة مل يبق فيها متسع لغريها ومن أمثال الناس ليس يف القلب حبان وال يف السماء ربان ومىت تقسمت قوى احلب بني عدة حمال ضعفت ال حمالة وتأمل قوله سبحانه وتعاىل ^ يا أيها النيب اتق هللا وال تطع الكافرين واملنافقني إن هللا كان عليما حكيما واتبع ما يوحى إليك من ربك إن هللا كان مبا تعملون خبريا وتوكل على هللا وكفى باهلل وكيال ^ كيف أمره بتقواه املتضمنة إلفراده بامتثال أمره وهنيه حمبة له وخشية ورجاء فإن التقوى ال تت م إال بذلك واتباع ما أوحي إليه املتضمن لرتكه ما سوى ذلك واتباع املنزل خاصة وبالتوكل عليه وهو يتضمن اعتماد القلب عليه وحده وثقته به وسكونه إليه دون غريه مث أتبع ذلك بقوله ^ ما جعل هللا لرجل من قلبني يف جوفه ^ فأنت جتد حتت هذا اللفظ أن القلب ليس له إال وجهة واحدة إذا مال هبا إىل جهة مل ميل إىل غريها وليس للعبد قلبان يطيع هللا ويتبع أمره ويتوكل عليه بأحدمها واآلخر لغريه بل ليس إال قلب
واحد فإن مل يفرد بالتوكل واحملبة والتقوى ربه وإال انصرف ذلك إىل غريه مث استطرد من ذلك إىل أنه سبحانه مل جيعل زوجة الرجل أمه واستطرد منه إىل أنه مل جيعل دعيه ابنه فانظر ما أحسن هذا التأصيل وهذا االستطراد الذي تسجد له العقول واأللباب وله نظائر يف القرآن عديدة فمنها قوله هو الذي خلقكم من نفس واحدةوجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها محلت محال خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا هللا رهبما لئن آتيتنا صاحلا لنكونن من الشاكرين فلما آتامها صاحلا جعال له شركاء فيما آتامها فتعاىل هللا عما يشركون فالنفس الواحدة وزوجها آدم وحواء واللذان جعال له شركاء فيما آتامها املشركون من أوالدمها وال يلتفت إىل غري ذلك مما قيل إن آدم وحواء كانا ال يعيش هلما ولد فأتامها إبليس فقال إن أحببتما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد احلارث ففعال فإن هللا سبحانه اجتباه وهداه فلم يكن ليشرك به بعد ذلك ونظري هذا االستطراد قوله ^ يسألونك عن األهلة قل هي مواقيت للناس واحلج ^ مث قال ^ وليس الرب بأن تأتوا البيوت من ظهورها ^ فإهنم كانوا يفعلون ذلك يف اإلحرام فلما ذكر هلم وقت اإلحرام الذي هو من فوائد األهلة استطرد منه إىل ذكر ما يفعلونه فيه وهو كثري جدا واملقصود أن احملبة تستلزم توحيد احملبوب فيها وقد بالغ أبو حممد بن حزم يف إنكاره على من يزعم أنه يعشق أكثر من واحد وقال يف ذلك شعرا وحنن نذكر كالمه وشعره قال بعد كالم طويل ومن هذا دخل الغلط على من يزعم أنه حيب اثنني ويعشق شخصني متغيارين وإمنا هذا من جهة الشهوة اليت ذكرنا آنفا وهي على اجملاز تسمى حمبة ال على التحقيق وأما نفس احملب فما يف امليل به فضل يصرفه من أسباب دينه ودنياه فكيف باالشتغال حبب ثان ويف ذلك أقول كذب املدعي هوى اثنني حتما %مثل ما يف األصول أكذب ماين ليس يف القلب موضع حلبيبني %وال أحدث األمور اثنان فكما العقل واحد ليس يدري %خالقا غري واحد رمحان فكذا القلب واحد ليس يقوى %غري فرد مباعد أو مدان هو يف شرعة املودة ذو شك %بعيد من صحة اإلميان وكذا الدين واحد مستقيم %وكفور من عنده دينان وقد اختلف الناس يف هذه املسألة فقالت طائفة ليس للقلب إال وجهة واحدة إذا توجه إليها مل ميكنه التوجه إىل غريها قالوا وكما أنه ال جيتمع فيه إرادتان معا فال يكون فيه حبان وكان الشيخ إبراهيم الرقي رمحه هللا مييل إىل هذا وقالت طائفة بل ميكن أن يكون له وجهتان فأكثر باعتبارين فيتوجه إىل أحدمها وال يشغله عن توجهه إىل اآلخر قالوا والقلب محال فما محلته حتمل فإذا محلته األثقال محلها وإن استعجزته عجز عن محل غري ما هو فيه فالقلب واسع جيتمع فيه التوجه إىل هللا سبحانه وإىل أمره وإىل مصاحل عباده وال يشغله واحد من ذلك عن اآلخر فقد كان رسول هللا قلبه متوجه يف الصالة إىل ربه وإلىمراعاة أحوال من يصلي خلفه وكان يسمع بكاء الصيب فيخفف الصالة خشية أن يشق على أمه أفال ترى قلبه الواسع الكرمي كيف اتسع لألمرين وال يظن أن هذا من خصائص النبوة فهذا عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه كان جيهز جيشه وهو يف الصالة فيتسع قلبه للصالة واجلهاد يف آن واحد وهذا حبسب سعة القلب وضيقه وقوته وضعفه قالوا وكمال العبودية أن يتسع قلب العبد لشهود معبوده ومراعاة آداب عبوديته فال يشغله أحد األمرين عن اآلخر وهذا موجود يف الشاهد فإن الرجل إذا عمل
عمال للسلطان مثال بني يديه وهو ناظر إليه يشاهده فإن قلبه يتسع ملراعاة عمله وإتقانه وشهود إقبال السلطان عليه ورؤيته له بل هذا شأن كل حمب يعمل حملبوبه عمال بني يديه أو ي غيبته قالوا وهذا رسول هللا بكى يوم موت ابنه إبراهيم فكان بكاؤه رمحة له فاتسع قلبه لرمحة الولد وللرضا بقضاء هللا ومل يشغله أحدمها عن اآلخر لكن الفضيل مل يتسع قلبه يوم موت ابنه لذلك فجعل يضحك فقيل له أتضحك وقد مات ابنك فقال إن هللا سبحانه قضى بقضاء فأحببت أن أرضى بقضائه ومعلوم أن بني هذه احل ال وحال رسول هللا حينئذ تفاوت ال يعلمه إال هللا ولكن مل يتسع قلبه ملا اتسع له قلب رسول هللا ونظري هذا اتساع قلب رسول هللا لغناء اجلويريتني اللتني كانتا تغنيان عند عائشة رضي هللا عنها فلم يشغله ذلك عن ربه ورأى فيه من مصلحة إرضاء النفوس الضعيفة مبا يستخرج منها من حمبة هللا ورسوله ودينه فإن النفوس مىت نالت شيئامن حظها طوعت ببذل ما عليها من احلق ومل يتسع قلب عمر لذلك ملا دخل فأنكره وكم بني من ترد عليه الواردات فكل منها يثري مهته وحيرك قلبه إلىاهلل كما قال القائل يذكرنيك اخلري والشر والذي %أخاف وأرجو والذي أتوقع ومن يرد عليه من الواردات فيشغله عن هللا ويقطعه عن سري قلبه إليه فالقلب الواسع يسري باخللق إىل هللا ما أمكنه فال يهرب منهم وال يلحق بالقفار واجلبال واخللوات بل لو نزل به من نزل سار به إىل هللا فإن مل يسر معه سار هو وتركه وال ينكر هذا فاحملبة الصحيحة تقتضيه وخذ هذا يف املغين إذا طرب فلو نزل به من نزل أطرهبم كلهم فإن مل يطربوا معه مل يدع طربه لغلظ أكبادهم وكثافة طبعهم وكان شيخنا مييل إىل هذا القول وهو كما ترى قوته وحجته والتحقيق أن احملبوب لذاته ال ميكن أن يكون إال واحدا ومستحيل أن يوجد يف القلب حمبوبان لذاهتما كما يستحيل أن يكون يف اخلارج ذاتان قائمتان بأنفسهما كل ذات منهما مستغنية عن األخرى من مجيع الوجوه وكما يستحيل أن يكون للعامل ربان متكافئان مستقالن فليس الذي حيب لذاته إال اإلله احلق الغين بذاته عن كل ما سواه وكل ما سواه فقري بذاته إليه وأما ما حيب ألجله سبحانه فيتعدد وال تكون حمبة العبد له شاغلة له عن حمبة ربه وال يشركه معه يف احلب فقد كان رسول هللا حيب زوجاته وأحبهن إليه عائشة رضي هللا عنها وكان حيب أباها وحيب عمر رضي هللا عنهم وكان حيب أصحابه وهم مراتب يف حبه هلم ومع هذا فحبه كله هلل وقوى حبه مجيعها منصرفة إليه سبحانه فإن احملبة ثالثة أقسام حمبةهللا واحملبة له وفيه واحملبة معه فاحملبة له وفيه من متام حمبته وموجباهتا ال من قواطعها فإن حمبة احلبيب تقتضي حمبة ما حيب وحمبة ما يعني على حبه ويوصل إىل رضاه وقربه وكيف ال حيب املؤمن ما يستعني به على مرضاة ربه ويتوصل به إىل حبه وقربه وأما احملبة مع هللا فهي احملبة الشركية وهي كمحبة أهل األنداد ألندادهم كما قال تعاىل ^ ومن الناس من يتخذ من دون هللا أندادا حيبوهنم كحب هللا والذين آمنوا أشد حبا هلل ^ وأصل الشرك الذي ال يغفره هللا هو الشرك يف هذه احملبة فإ ن املشركني مل يزعموا أن آهلتهم وأوثاهنم شاركت الرب سبحانه يف خلق السموات واألرض وإمنا كان شركهم هبا من جهة حمبتها مع هللا فوالوا عليها وعادوا عليها وتأهلوها وقالوا هذه آهلة صغار تقربنا إىل اإلله األعظم ففرق بني حمبة هللا أصال واحملبة له تبعا واحملبةمع شركا وعليك بتحقيق هذا املوضع فإنه مفرق الطرق بني أهل التوحيد وأهل الشرك وحيكى أن الفضيل دخل على ابنته يف مرضها فقالت له يا أبت هل حتبين قال نعم قالت ال إله
إال هللا وهللا ما كنت أظن فيك هذا ومل أكن أظنك حتب مع هللا أحدا ولكن أفرد هللا باحملبة واجعل يل منك الرمحة أي يكون حبك يل حب رحم جعلها هللا يف قلب الوالد لولده ال حمبة مع هللا فلله حق من احملبة ال يشركه فيه غريه وأظلم الظلم وضع تلك احملبة يف غري موضعها والتشريك بني هللا وغريه فيها فليتدبر اللبيب هذا الباب فإنه من أنفع أبواب الكتاب إن شاء هللا تعاىل الباب الثاين والعشرون يف غرية احملبني على أحباهبم ملا كان هذا الباب متصال بإفراد احملبوب باحملبة ومن موجباته فإن الغرية حبسب قوة احملبة وقوهتا حبسب إفراد احملبوب حسن ذكره بعده وأصل الغرية احلمية واألنفة والغرية نوعان غرية للمحبوب وغرية عليه فأما الغرية له فهي احلمية له والغضب له إذا استهني حبقه وانتقصت حرمته وناله مكروه من عدوه فيغضب له احملب وحيمى وتأخذه الغرية له باملبادرة إىل التغيري وحماربة من آذاه فهذه غرية احملبني حقا وهي من غريةالرسل وأتباعهم هلل ممن أشرك به واستحل حمارمه وعصى أمره وهذه الغرية هي ا ليت حتمل على بذل نفس احملب وماله وعرضه حملبوبه حىت يزول ما يكرهه فهو يغار حملبوبه أن تكون فيه صفة يكرهها حمبوبه وميقته عليها أو يفعل ما يبغضه عليه مث يغار له بعد ذلك أن يكون يف غريه صفة يكرهها ويبغضها والدين كله يف هذه الغرية بل هي الدين وما جاهد مؤمن نفسه وعدوه وال أمر مبعروف وال هنى عن منكر إال هبذه الغرية ومىت خلت من القلب خال من الدين فاملؤمن يغار لربه من نفسه ومن غريه إذا مل يكن له كما حيب والغرية تصفي القلب وخترج خبثه كما خيرج الكري خبث احلديد فصل وأما الغرية علىاحملبوب فهي أنفة احملب ومحيته أن يشا ركه يف حمبوبه غريه وهذه أيضا نوعان غرية احملب أن يشاركه غريه يف حمبوبه وغرية احملبوب على حمبه أن حيب معه غريه والغرية من صفات الرب جل جالله واألصل فيها قوله تعاىل ^ قل إمنا حرم ريب الفواحش ما ظهر منها وما بطن ^ ومن غريته تعاىل لعبده وعليه حيميه مما يضره يف آخرته كما يف الرتمذي وغريه مرفوعا إن هللا حيمي عبده املؤمن من الدنيا كما حيمي أحدكم مريضه من الطعام والشراب ويف الصحيحني أن رسول هللا قال يف خطبة الكسوف وهللا يا أمة حممد ما أحد أغري من هللا أن يزين عبده أو تزين أمته ويف ذكر هذا الذنب خبصوصه يف خطبة الك سوف سر بديع قد نبهنا عليه يف باب غض البصر وأنه يورث نورا يف القلب وهلذا مجع هللا سبحانه وتعاىل بني األمر به وبني ذكر آية النور فجمع هللا سبحانه بني نور القلب بغض البصر وبني نوره الذي مثله باملشكاة لتعلق أحدمها باآلخر فجمع النيب بني ظلمة القلب بالزنا وبني ظلمة الوجود بكسوف الشمس وذكر أحدمها مع اآلخر ويف الصحيحني من حديث عبدهللا بن مسعود رضي هللا عنه قال قال رسول هللا ليس شيء أغري من هللا من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وال أحد أحب إليه املدح من هللا من أجل ذلك أثىن على نفسه وال أحد أحاب إليه العذر من هللا من أجل ذلك أرسل الرسل وروى الثوري عن محاد بن إبراهيم عن عبدهللا قال إن هللا عز وجل ليغار للمسلم فليغر وروي أيضا عن عبداألعلى عن ابن عيينة عن أمه عن عبدهللا رضي هللا عنه قال قال رسول هللا إن هللا عز وجل يغار فليغر أحدكم ويف الصحيح عنه من
حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا إن هللا يغار واملؤمن يغار وغريةهللا أن يأيت املؤمن ما حرم عليه وروى القعنيب عن الدراوردي عن العالء عن أبيه عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا املؤمن يغار وهللا أشد غرية فصل وغريةالعبد علىمحبوبه نوعان غريةممدوحة حيبها هللا وغرية مذمومة يكرهها هللا فاليت حيبها هللا أن يغار عند قيام الريبة واليت يكرهها أن يغار من غري ريبة بل من جمرد سوء الظن وهذه الغرية تفسد احملبة وتوقع العداوة بني احملب وحمبوبه ويف املسند وغريه عنه قال الغرية غريتان فغرية حيبها هللا هللا وأخرى يكرهها هللا قلنا يا رسول هللا ما الغرية اليت حيب هللا قال أن تؤتى معاصيه أو تنتهك حمارمه قلنا فما الغرية اليت يكره هللا قال غرية أحدكم يف غري كنهه ويف الصحيح عنه إن من الغرية ما حيب هللا ومنها ما يكره هللا فالغرية اليت حيبها هللا الغرية يف الريبة والغرية اليت يكرهها هللا الغرية يف غري ريبة ويف الصحيح عنه أنه قال أتعجبون من غرية سعد ألنا أغري منه وهللا أغري مين وقال عبدهللا بن شداد الغرية غريتان غرية يصلح هباالرجل أهله وغرية تدخله النار وروى عبدهللا بن هليعة عن يزيد بن أيب حبيب عن عبدالرمحن بن مشاسة املهري عن عبدهللا بن عمر رضي هللا عنهما أن رسول هللا دخل على مارية القبطية وهي حامل بإبراهيم وعندها نسيب هلا قدم معها من مصر فأسلم وكان كثريا ما يدخل على أم إبراهيم وأنه جب نفه فقطع ما بني رجليه حىت مل يبق قليل وال كثري فدخل رسول هللا يوما عليها فوجد عندها قريبها فوجد يف نفسه من ذلك شيئا كما يقع يف أنفس الناس فخرج متغري اللون فلقيه عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه فعرف ذلك يف وجهه فقال يا رسول هللا أراك متغري اللون فأخربه ما وقع يف نفسه من قريب مارية فمضى بسيفه فأقبل يسعى حىت دخل على مارية فوجد عندها قريبها ذلك فأهوى بالسيف ليقتله فلما رأى ذلك منه كشف عن نفسه فلما رآه عمر رضي هللا عنه رجع إىل رسول هللا فأخربه فقال إن جربيل أتاين فأخربين أن هللا عز وجل قد برأها وقريبها مما وقع يف نفسي وبشرين أن يف بطنها غالما وأنه أشبه اخللق يب وأمرين أن أمسيه إبراهيم وقال الواقدي عن حممد بن صاحل عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن أبيه قال كانت سارة عند إبراهيم فمكثت معه دهرا ال ترزق منه ولدا فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمتها فولدت إلبراهيم فغارت من ذلك سارة ووجدت يف نفسها وعتبت على هاجر فحلفت أن تقطع منها ثالثة أعضاء فقال هلا إبراهيم هل لك أن ترب ميينك قالت كيف أصنع قال اثقيب أذنيها واخفضيها واخلفض هو اخلتان ففعلت ذلك هبا فوضعت هاجر يف أذنيها قرطني فازدادت هبما حسنا فقالت سارة إمنا زدهتا مجاال فلم تقاره على كوهنا معه ووجد هبا إبراهيم وجدا شديدا فنقلها إىل مكة فكان يزورها كل يوم من الشام على الرباق من شغفه هبا وقلة صربه عنها ويف الصحيح من حديث محيد عن أنس رضي هللا عنه قال أهدى بعض نساء النيب له قصعة فيها ثريد وهو يف بيت بعض نسائه فضربت يد اخلادم فانكسرت القصعة فجعل النيب يأخذ الثريد ويرده يف القصعة ويقول كلوا غارت أمكم مث انتظر حىت جاءت قصعة صحيحة فأعطاها اليت كسرت قصعتها وقالت عائشة رضي هللا عنها ما غرت على امرأة قط ما غرت على خدجية من كثرة ذكر النيب إياها ولقد ذكرها يوما فقلت ما تصنع بعجوز محراء الشدقني قد أبدلك هللا خريا منها فقال وهللا ما أبدلين هللا خريا منها فانظر هذه الغرية
الشد يدة على امرأة بعدما ماتت وذلك لفرط حمبتها لرسول هللا كانت تغار عليه أن يذكر غريها وكذلك غريهتا من صفية رضي هللا عنها فإن رسول هللا ملا قدم هبا املدينة وقد اختذها لنفسه زوجة وعرس هبا يف الطريق قالت عائشة رضي هللا عنها تنكرت وخرجت أنظر فعرفين فأقبل إيل فانقلبت فأسرع املشي فأدركين فاحتضنين وقال كيف رأيتها قلت يهودية بني يهوديات تعين السيب ويف املسند من حديث األشعث بن قيس قال تضيفت بعض أصحاب النيب فقام إىل امرأته فضرهبا قال فحجزت بينهما فرجع إىل فراشه فقال ياأشعث احفظ عين شيئا مسعته من رسول هللا ال تسألن رجال فيم يضرب امرأته وذكر محاد بن زيد عن أيوب عن ابن أيب مليكة أن ابن عمر رضي هللا عنهما مسع امرأته تكلم رجال من وراء جدار بينها وبينه قرابة ال يعلمها ابن عمر فجمع هلا جرائد مث ضرهبا حىت أضبت حسيسا وذكر اخلرائطي عن معاذ بن جبل رضي هللا عنه أنه كان يأكل تفاحا ومعه امرأته فدخل عليه غالم له فناولته تفاحة قد أكلت منها فأوجعها معاذ ضربا ودخل يوما على امرأته وهي تطلع يف خباء أدم فضرهبا وذكر الثوري عن أشعث عن احلسن أن امرأة جاءت تشكو زوجها إىل النيب لطمها فدعا الرجل ليأخذ حقها فأنزل هللا عز وجل ^ الرجال قوامون على النساء مبا فضل هللا بعضهم على بعض ^ فقال رسول هللا أردنا أمرا وأراد هللا أمرا وكان عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه شديد الغرية وكانت امرأته خترج فتشهد الصالة فيكره ذلك فتقول إن هنيتين انتهيت فيسكت امتثاال لقول رسول هللا ال متنعوا إماء هللا مساجد هللا وهو الذي أشا ر على النيب أن حيجب نساءه وكان عادة العرب أن املرأة ال حتتجب لنزاهتهم ونزاهة نسائهم مث قام اإلسالم على ذلك فقال عمر يا رسول هللا لو حجبت نساءك فإنه يدخل عليهن الرب والفاجر فأنزل هللا عز وجل آية احلجاب ورفع إىل عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه رجل قد قتل امرأته ومعها رجل آخر فقال أولياء املرأة هذا قتل صاحبتنا وقال أولياء الرجل إنه قد قتل صاحبنا فقال عمر رضي هللا عنه ما يقول هؤالء قال ضرب اآلخر فخذي امرأته بالسيف فإن كان بينهما أحد فقد قتلته فقال هلم عمر ما يقول فقالوا ضرب بسيفه فقطع فخذي املرأة فأصاب وسط الرجل فقطعه باثنتني فقال عمر رضي هللا عنه إن عادوا فعد ذكره سعيد بن منصور يف سننه وأخذ هبذا مجاعة من الفقهاء منهم اإلمام أمحد وأصحابه رمحهم هللا تعاىل قالوا لو وجد رجال يزين بامرأته فقتلهما فال قصاص عليه وال ضمان إال أن تكون املرأة مكرهة فعليه القصاص بقتلها ولكن ال يقبل قول الزوج إال بتصديق الويل أو بينة واختلفت الرواية عن اإلمام أمحد يف عدد البينة فروي عنه أهنا رجالن ويروى عنه ال بد من أربعة ووجه هذه الرواية ظاهر حديث سعد بن عبادة رضي هللا عنه أنه قال يا رسول هللا أرأيت إن وجدت رجال مع امرأيت أمهله حىت آيت بأربعة شهداء فقال النيب نعم فقال والذي بعثك باحلق إن كنت ألضربه بالسيف غري مصفح فقال النيب أال تعجبون من غرية سعد ألنا أغري منه وهللا أغري مين وذكر سعيد بن منصور عن علي بن أيب طالب رضي هللا عنه أنه سئل عن رجل دخل بيته فإذا مع امرأته رجل فقتلها وقتله فقال علي رضي هللا عنه إن جاء بأربعة شهداء وإال دفع برمته ووجه رواية االكتفاء باثنني أن البينة ليست على إقامة احلد ولكن على وجوب السبب املانع من القصاص فإن الزوج كان له أن يقتل املتعدي على أهله ولكن ملا أنكر أولياء القتيل طولب القاتل بالبينة فاكتفي برجلني ورفع إىل عمر رضي هللا
عنه رجل قد قتل يهوديا فسأله عن قصته فقال إن فالنا خرج غازيا وأوصاين بامرأته فبلغين أن يهوديا خيتلف إليها فكمنت له حىت جاء فجعل ينشد ويقول وأبيض غرةاإلسالم مين %خلوت بعرسه ليل التمام أبيت على ترائبها وميسي %على جرداء الحقة احلزام كأن مواضع الربالت منها %فئام ينهضون إىل فئام فقمت إليه فقتلته فأهدر عمر دمه وليس يف هذين األمرين مطلبة عمر رضي هللا عنه القاتل بالبينة إذ لعله تيقن ذلك أو أقر به الويل والصواب أنه مىت قام على ذلك داللة ظاهرة ال حتتمل الكذب أغنت عن البينة وذكر سفيان بن عيبنة عن الزهري عن القاسم بن حممد عن عبيد بن عمري أن رجال أضاف إنسانا من هذيل فذهبت جارية هلم حتتطب فأرادها عن نفسها فرمته بفهر فقتلته فرفع ذلك إىل عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه فقال ذاك قتيل هللا ال يودى أبدا وذكر محاد بن سلمة عن القاسم بن حممد أن أبا السيارة أولع بامرأة أيب جندب يراودها عن نفسها فقالت ال تفعل فإن أبا جندب إن يعلم هبذا يقتلك فأىب أن ينزع فكلمت أخا أبا جندب فكلمه فأىب أن ينزع فأخربت بذلك أبا جندب فقال أبو جندب إين خمرب القوم أين أذهب إىل اإلبل فإذا أظلمت جئت فدخلت البيت فإن جاءك فأدخليه علي فودع أبو جندب القوم وأخربهم أين ذاهب إىل اإلبل فلما أظلم الليل جاء فكمن يف البيت وجاء أبو السيارة وهي تطحن يف ظلها فراودها عن نفسها فقالت وحيك أرأيت هذا األمر الذي تدعوين إليه هل دعوتك إىل شيء منه قط قال ال ولكن ال أصرب عنك قالت أدخل البيت حىت أهتيأ لك فلما دخل البيت أغلق أبو جندب الباب مث أخذه فدقه من عنقه إىل عجب ذنبه فذهبت املرأة إىل أخي أيب جندب فقالت ادرك الرجل فإن أبا جندب قاتله فجعل أخوه يناشده فرتكه ومحله أبو جندب إىل مدرجة اإلبل فألقاه فكان إذ مر به إنسان قال له ما شأنك فيقول وقعت من بكر فحطمين وبلغ اخلرب عم ر رضي هللا عنه فأرسل إىل أيب جندب فأخربه باألمر على وجهه فأرسل إىل أهل املرأة فصدقوه فجلد عمر أبا السيارة مائة جلدة وأبطل ديته وذكر العباس بن هشام الكليب عن أبيه أن عمرو بن محمة الدوسي أتى مكة حاجا وكان من أمجل العرب فنظرت إليه امرأة فقالت ال أدري وجهه أحسن أم فرسه وكانت له مجة تسمى الزينة فكان إذا جلس مع أصحابه نشرها وإذا قام عقصها فقالت له املرأة أين منزلك قال جند قالت ما أنت بنجدي وال هتامي فاصدقين فقال رجل من أهل السراة فيما بني مكة واليمن مث أشار إليها ارتديف خلفي ففعلت فمضى هبا إىل السراة وتبعها زوج ها فلم يلحقها فرجع فلما استقرت عنده قطع عروقها وقال وهللا ال تتبعني بعدي رجال أبدا مث ردها إىل زوجها على تلك احلال فصل وهللا سبحانه وتعاىل يغار على قلب عبده أن يكون معطال من حبه وخوفه ورجائه وأن يكون فيه غريه فاهلل سبحانه وتعاىل خلقه لنفسه واختاره من بني خلقه كما يف األثر اإلهلي ابن آدم خلقتك لنفسي وخلقت كل شيء لك فبحقي عليك ال تشتغل مبا خلقته لك عم ما خلقتك له ويف أثر آخر خلقتك لنفسي فال تلعب وتكفلت لك برزقك فال تتعب يا ابن آدم اطلبين جتدين فإن وجدتين وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء وأنا خري لك من كل شيء ويغار على لسانه أن يتعطل من ذكره ويشتغل بذكر غريه ويغار على جوارحه أن تتعطل من طاعته وتشتغل مبعصيته فيقبح بالعيد أن يغار مواله احلق على قلبه ولسانه وجوارحه وهو ال يغار عليها وإذا أراد هللا بعبده خريا سلط على قلبه
إذا أعرض عنه واشتغل حبب غريه أنواع العذ اب حىت يرجع قلبه إليه وإذا اشتغلت جوارحه بغري طاعته ابتالها بأنواع البالء وهذا من غريته سبحانه وتعاىل على عبده وكما أنه سبحانه وتعاىل يغار على عبده املؤمن فهو يغار له وحلرمته فال ميكن املفسد أن يتوصل إىل حرمته غرية منه لعبده فإنه سبحانه وتعاىل يدفع عن الذين آمنوا فيدفع عن قلوهبم وجوارحهم وأهلهم وحرميهم وأمواهلم يتوىل سبحانه الدفع عن ذلك كله غرية منه هلم كما غاروا حملارمه من نفوسهم ومن غريهم وهللا تعاىل يغار على إمائه وعبيده من املفسدين شرعا وقدرا ومن أجل ذلك حرم الفواحش وشرع عليها أعظم العقوبات وأشنع القتالت لشدة غريته على إمائه وعبيده فإن عطلت هذه العقوبات شرعا أجراها سبحانه قدرا فصل ومن غريته سبحانه وتعاىل غريته على توحيده ودينه وكالمه أن حيظى به من ليس من أهله بل حال بينهم وبينه غرية عليه قال هللا تعاىل ^ وجعلنا على قلوهبم أكنة أن يفقهوه ويف آذاهنم وقرا ^ ولذلك ثبط سبحانه أعداءه عن متابعة رسوله واللحاق به غرية كما قال هللا تعاىل ^ ولكن كره هللا انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين لو خرجوا فيكم ما زادوكم إال خباال وألوضعوا خاللكم يبغونكم الفتنة وفيكم مساعون هلم وهللا عليم بالظاملني ^ فغار سبحانه على نبيه وأصحابه أن خيرج بينهم املنافقون فيسعوا بينهم بالفتنة فثبطهم وأقعدهم عنهم ومسع الشبلي رمحه هللا تعاىل قارئا يقرأ ^ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبني الذين ال يؤمنون باآلخرة حجابا مستورا ^ فقال أتدرون ما هذا احلجاب هذا حجاب الغرية وال أحد أغري من هللا يع ين أنه سبحانه وتعاىل مل جيعل الكفار أهال ملعرفته وها هنا نوع من غرية الرب سبحانه وتعاىل لطيف ال هتتدي إليه العقول وهو أن العبد يفتح له باب من الصفاء واألنس والوجود فيساكنه ويطمئن إليه وتلتذ به نفسه فيشتغل به عن املقصود فيغار عليه مواله احلق فيخليه منه ويرده حينئذ إليه بالفقر والذلة واملسكنة ويشهده غاية فقره وإعدامه وأنه ليس معه من نفسه شيء البتة فتعود عزة ذلك األنس والصفاء الوجود ذلو ومسكنة وفقرا وفاقة وذرة من هذا أحب إليه سبحانه وتعاىل وأنفع للعبد من اجلبال الرواسي من ذلك الصفاء واألنس اجملرد عن شهود الفقر والذ1لة واملسكنة وهذا باب ال يتسع له قلب كل أحد فصل ومن الغرية الغرية على دقيق العلم وماال يدركه فهم السامع أن يذكر له وهلذه الغرية قال علي بن أيب طالب رضي هللا عنه حدثوا الناس مبا يعرفون أحتبون أن يكذب هللا ورسوله وقال ابن مسعود رضي هللا عنه ما أنت مبحدث قوما حديثا ال تبلغه عقوهلم إال كان لبعضهم فتنة فالعامل يغار على علمه أن يبذله لغري أهله او يضعه يف غري حمله كما قال عيسى بن مرمي يا بين إسرائيل ال متنعوا احلكمة أهلها فتظلموهم وال تبذلوها لغري أهلها فتظلموها وسئل ابن عباس رضي هللا عنهما عن تفسري قوله تعاىل هللا الذي خلق سبع مسوات ومن األرض مثلهن فقال للسائل وما يؤمنك أين إن أخربتك بتفسريها كفرت فإنك تكذب به وتكذيبك هبا كفرك هبا فاملسألة الدقيقة اللطيفة اليت تبذل لغري أهلها كاملرأة حلسناء اليت هتدى إىل ضرير مقعد كما قيل خود تزف إىل ضرير مقعد وكان أبو علي إذا وقع شيء يف خالل جملسه من تشويش الوقت يقول هذا من غرية احلق يريد أن ال جيري ما جيري من صفاء الوقت قال الشاعر مهت بإتياننا حىت إذا نظرت %إىل املراة هناها وجهها احلسن ما كان هذا جزائي من حماسنها %عذبت باهلجر حىت شفين احلزن قال القشريي وقيل لبعضهم أحتب أن
تراهم قال ال قيل ومل قال أنزه ذلك اجلمال عن نظر مثلي ويف معناه أنشدوا إين ألحد ناظري عليكا %حىت أغض إذا نظرت إليكا وأراك ختطر يف مشائلك اليت %هي فتنيت فأغار منك عليكا قلت وهذه غرية فاسدة وغاية صاحبها أن يعفى عنه وأن يعد ذلك يف شطحات ه املذمومة وأما أن تعد يف مناقبه وفضائله أن يقال أحتب أن ترى هللا فيقول ال ورؤيته أعلى نعيم أهل اجلنة وهو سبحانه وتعاىل حيب من عبده أن يسأله النظر إليه وقبد ثبت عن النيب أنه كان من دعائه اللهم إين أسألك لذة النظر إىل وجهك والشوق إىل لقائك وقول هذا القائل أنزه ذلك اجلمال عن نظر مثلي من خدع الشيطان والنفس وهو يشبه ما حيكى عن بعضهم أنه قيل له أال تذكره فقال أنزهه أن جيري ذكره على لساين وطرد هذا التنزيه الفاسد أن ينزهه أن جيري كالمه على لسانه أو خيطر هو أيضا على قلبه وقد وقع بعضهم يف شيء من هذا فالموه فأنشد يقولون زرنا واقض واجب حقنا %وقد أسقطت حايل حقوقهم عين إذا هم رأوا حايل ومل يأنفوا هلا %ومل يأنفوا مين أنفت هلم مين وطرد هذه الغرية أن ال يزور بيته غرية على بيته أن يزوره مثله ولقد ملت شخصا مرة على ترك الصالة فقال يل إين ال أرى نفسي أهال أن أدخل بيته فانظر إىل تالعب الشيطان هبؤالء ومن هذا ما ذكره القشريي قال سئل الشبلي مىت تسرتيح فقال إذا مل أر له ذاكرا ومات ابن له فقطعت أمه شعرها فدخل هو احلمام ونور حليته حىت ذهب شعرها فقيل له مل فعلت هذا فقال إهنم يعزونين على الغفلة ويقولون آجرك هللا ففديت ذكرهم هلل تعاىل على الغفلة بلحييت وموافقة ألهلي ونظري هذا ما حيكى عن النوري رمحه هللا تعاىل أنه مسع رجال يؤذن فقال طعنة وسم املوت ومسع كلبا ينبح فقال لبيك وسعديك فسئل عن ذلك فقال أما ذاك فكان يذكره على راس الغفلة وأما الكلب فقال هللا تعاىل ^ وإن من شيء إال يسبح حبمد ه ^ ومسع الشبلي مرة رجال يقول جل هللا فقال أحب أن جتله هن هذا وياعجبا ممن يعد هذا يف مناقب رجل وجيعله قدوة ويزين به كتابه وهل شيء أشد على قلب املؤمن وأمر عليه من أن ال يرى لربه ذاكرا وهل شيئ أقر لعينه من أن يرى ذاكرين هللا بكل مكان وعذر هذا القائل أنه ال يرى ذاكرا هلل حبق الذكر بل ال يرى ذاكرا إال والغفلة والسهوة مستولية على قلبه فيذكر ربه بلسان فارغ من القلب وحضوره يف الذكر وذلك ذكر ال يليق به فيغار حمبه أن يذكر هبذا الذكر فيحب أن ال يسمع أحدا يذكره هذا الذكر وملا اشرتك الناس يف هذا الذكر أخرب أن راحته أن ال يرى له ذاكرا هذا أحسن ما حيمل عليه كالمه وإال فظاهره إىل العداوة أقرب منه إىل احملبة وليس هذا حال الشبلي رمحه هللا تعاىل فإن احملبة كانت تغلب عليه ومع ذلك فهو من شطحاته اليت يرجى أن تغفر له بصدقه وحمبته وتوحيده ال أهنا مما حيمد عليه ويقتدى به فيه وقد أمر هللا سبحانه وتعاىل عباده أن يذكروه على مجيع أحواهلم وإن كان ذكرهم إياه مراتب فأعالها ذكر القلب واللسان مع شهود القلب للمذكور ومجعيته بكليته بأحب األذكار إليه مث دونه ذكر القلب واللسان أيضا وإن مل يشاهد املذكور مث ذكر القلب وحده مث ذكر اللسان وحده فهذه مراتب الذكر وبعضها أحب إىل هللا من بعض وكان طرد قول الشبلي أن راحته أن ال يرى هلل مصليا وال لكالمه تاليا وال يرى أحدا ينطق بالشهادتني فإن هذا كله من ذكره بل هو أعلى أنواع ذكره فكيف يسرتيح قلب احملب إذا مل ير من يفعل ذلك وهللا سبحانه وتعاىل حيب أن يذكر ولو كان من كافر وقال
بعض السلف إن هللا حيب أن يذكر على مجيع األحوال إال يف حال اجلماع وقضاء احلاجة وأوحى هللا عز وجل إىل موسى أن اذكرين على مجيع أحوالك وهللا تعاىل ال يضيع أجر ذكر اللسان اجملرد بل يثيب الذاكر وإن كان قلبه غافال ولكن ثواب دون ثواب قال القشريي ومسعت األستاذ أبا علي يقول يف قول النيب يف مبايعته فرسا من أعرايب وأنه استقاله فأقاله فقال له األعرايب عمرك هللا فمن أنت فقال له النيب امرؤ من قريش فقال له بعض احلاضرين كفاك جفاء أن ال تعرف نبيك قال أبو علي فإمنا قال امرؤ من قريش غرية وإال كان واجبا عليه التعرف إىل كل أحد أنه من هو مث إن هللا أجرى على لسان ذلك الصحايب التعريف لألعرايب فيقال من العجب أن يقال إن النيب غار أن يذكر أنه رسول هللا لألعرايب الذي ال يعرفه وهو كان دائما يذكر ذلك ألعدائه من الكفار سرا وجهرا ليال وهنارا وال يغار من ذلك فكيف يظن به أنه غار أن يعرف ذلك املسكني أنه رسول هللا هذا من خياالت القوم وترهاهتم وإمنا سرت عنه ذلك الوقت معرفته له حلكمة لطيفة فهمها الصحايب فصرح هبا لألعرايب وهي أن هذا األعرايب كان جافيا جلفا فأحب النيب أن يعرفه جفاءه وجالفته بطريق ال يبكته هبا ويعرف من نفسه أنه أهل لذلك فكأنه يقول بلسان احلال كفاك جفاء أن جتهلين فتسألين من أنا فلما فهم الصحايب ذلك بلطف إدراكه ودقة فهمه فبادأه به وقال كفاك جفاء أن ال تعرف نبيك مث ذكر القشريي كالم الشبلي أنه قال غرية اإلهلية على األنفاس أن تضيع فيما سوى هللا وهذا كالم حسن قال القشريي والواجب أن يقال الغرية غريتان غرية احلق على العبد وهو أن ال جيعله للخلق فيضن به عليهم وغرية العبد للحق وهو أن ال جيعل شيئا من أحواله وأنفاسه لغري احلق سبحانه فال يقال أنا أغار على هللا ولكن يقال أنا أغار هلل قال فإذا الغرية على هللا جهل ورمبا تؤدي إىل ترك الدين والغرية هلل توجب تعظيم حقوقه وتصفية األعمال له فمن سنة احلق مع أوليائه أهنم إذا ساكنوا غريا أو الحظوا شيئا أو صاحلوا بقلوهبم شيئا يشوش عليهم ذلك فيغار على قلوهبم بأن يعيدها خالصة لنفسه فارغة كآدم عليه السالم ملا وطن نفسه على اخللود يف اجلنة أخرجه من اجلنة وإبراهيم اخلليل عليه السالم ملا أعجبه إمساعيل أمره بذحبه حىت أخرجه من قلبه فلما أسلما وتله للجبني وصفى سره منه أمره بالفداء عنه وقال بعضهم احذروه فإنه غيور ال حيب أن يرى يف قلب عبده سواه وقيل احلق تعاىل غيور ومن غريته أنه مل جيعل إليه طريقا سواه وقال السري لرجل عارف يب علة باطنة فما دواؤها قال يا سري هللا غيور ال يراك تساكن غريه فتسقط من عينه فهذه غرية صحيحة فصل وها هنا أقسام آخر من الغرية مذمومة منها غرية حيمل عليها سوء الظن فيؤذى هبا احملب حمبوبه ويغري عليه قلبه بالغضب وهذه ال غرية يكرهها هللا إذا كانت يف غري ريبة ومنها غرية حتمله على عقوبة احملبوب بأكثر مما يستحقه كما ذكر عن مجاعة أهنم قتلوا حمبوهبم وكان ديك اجلن الشاعر له غالم وجارية يف غاية اجلمال وكان يهوامها مجيعا فدخل املنزل يوما فوجد اجلارية معانقة للغالم تقبله فشد عليهما فقتلهما مث جلس عند رأس اجلارية فبكاها طويال مث قال يا طلعة طلع احلمام عليها %وجىن هلا مثر الردى بيديها رويت من دمها الثرى ولطاملا %روى اهلوى شفيت من شفتيها
وأجلت سيفي يف جمال خناقها %ومدامعي جتري على خديها فوحق نعليها فما وطىء الثرى %شيء أعز علي من نعليها ما كان قتليها ألين مل أكن %أبكي إذا سقط الغبار عليها لكن خبلت على سواي حبسنها %وأنفت من نظر الغالم إليها مث جلس عند رأس الغالم فبكى وأنشأ يقول أشفقت أن يرد الزمان بغدره %أو أبتلى بعد الوفاء هبجره قمر أنا استخرجته من دجنه %مبوديت وجنيته من خدره فقتلته وله علي كرامة %ملء احلشا وله الفؤاد بأسره عهدي به ميتا كأحسن نائم %والدمع ينحر مقليت يف حنره لو كان يدري امليت ماذا بعده %باحلي منه بكى له يف قربه غصص تكاد تفيض منها نفسه %ويكاد خيرج قلبه من صدره فصل وقد يغار احملب على حمبوبه من نفسه وهذا من أعجب الغرية وله أسباب منها خشية أن يكون مفتاحا لغريه كما ذكر أن احلسن بن هاىنء وعلي بن عبدهللا اجلعفري اجتمعا فتناشدا فأنشد احلسن وملا بدا يل أهنا ال تودين %وأن هواها ليس عين مبنجلي متنيت أن تبلى بغريي لعلها %تذوق حرارات اهلوى فرتق يل فأنشده علي رمبا سرين صدودوك عين %يف طالبيك وامتناعك مين حذرا أن أكون مفتاح غريي %فإذا ما خلوت كنت التمين وكان بعضهم ميتنع من وصف حمبوبه وذكر حماسنه خشية تعريضه حلب غريه له كما قال علي بن عبسى الرافقي ولست بواصف أبدا خليال %أعرضه ألهواء الرجال وما بايل أشوق قلب غريي %ودون وصاله سرت احلجال وكثري من اجلهال وصف امرأته وحماسنها لغريه فكان ذلك سبب فراقها له واتصاهلا به فصل ومنها أن حيمله فرط الغرية على أن ينزل نفسه منزلة األجنيب فيغار على احملبوب من نفسه وال ينكر هذا فإن يف احملبة عجائب وقد قال أبو متام الطأيب بنفسي من أغار عليه مين %وأحسد أهله نظري إليه ولو أين قدرت طمست عنه %عيون الناس من حذري عليه حبيب بث يف جسمي هواه % وأمسك مهجيت رهنا لديه فروحي عنده واجلسم خال %بال روح وقليب يف يديه وقال آخر يا من إذا ذكر امسه يف جملس %لذ احلديث به وطاب اجمللس إين ملن نظري أغار وإيت %بك عن سواي من األنام ألنفس نفسي فداؤك ولو رأيت تلددي %خضل املدامع مطرقا أتنفس لعلمت أين يف هواك معذب %ومن احلياة وروحها مستيئس وقال علي بن نصر أفاتك أنت فاتكة بقليب %وحسن الوجه يفتك بالقلوب أصونك عن مجيع الناس يامن %بليت هبا فأضحت من نصييب وعن نفسي أصونك ليت نفسي %تقيك من احلوادث واخلطوب وما حق احلسان علي إال %صيانتهن من دنس الذنوب فصل ومنها شدة املوافقة للحبيب واحلبيب يكره أن ينسب حمبته إليه وأن يذكر ذلك فهو ملوافقته حملبوبه يغار عليه من نفسه كما يسره هجر حمبوبه إذا علم أن فيه مراده قال الشاعر سررت هبجرك ملا علم %ت أن لقلبك فيه سرورا ولوال سرورك ما سرين %وال كنت يوما عليه صبورا فصل ومالك الغرية وأعالها ثالثة أنواع غرية العبد لربه أن تنتهك حمارمه وتضيع حدوده وغريته على قلبه أن يسكن إىل غريه وأن يأنس بسواه وغريته على حرمته أن يتطلع إليها غريه فالغرية اليت حيبها هللا ورسوله دارت على هذه األنواع الثالثة وما عداها فإما من خدع الشيطان وإما بلوى من هللا كغرية املرأة على زوجها أن يتزوج عليها فإن قيل فمن أي األنواع تعدون غرية فاطمة رضي هللا عنها ابنة رسول هللا على علي بن أيب طالب رضي هللا عنه ملا عزم على نكاح ابنة أيب جهل وغرية رسول هللا هلا
قيل من الغرية اليت حيبها هللا ورسوله وقد أشار إليها النيب بأهنا بضعة منه وأنه يؤذيه ما آذاها ويريبه ما أراهبا ومل يكن حيسن ذلك االجتماع البتة فإن بنت رسول هللا ال حيسن أن جتتمع مع بنت عدوه عند رجل فإن هذا يف غاية منافرة مع أن ذكر النيب صهره الذي حدثه فصدقه ووعده فوىف له دليل على أن عليا رضي هللا عنه كان مشروطا عليه يف العقد إما لفظا وإما عرفا وحاال أن ال يريب فاطمة وال يؤذيها بل ميسكها باملعروف وليس من املعروف أن يضم إليها بنت عدو هللا ورسوله ويغيظها هبا وهلذا قال النيب إال أن يريد ابن أيب طالب أن يطلق ابنيت ويتزوج ابنة أيب جهل والشرط العريف احلايل كالشرط اللفظي عند كثري من الفقهاء كفقهاء املدينة وأمحد بن حنبل وأصحابه رمحهم هللا تعاىل على أن رسول هللا خلف عليها الفتنة يف دينها باجتماعها وبنت عدو هللا عنده فلم تكن غريته جملرد كراهية الطبع للمشاركة بل احلامل عليها حرمة الدين وقد أشار إىل هذا بقوله إين أخاف أن تفنت يف دينها وهللا أعلم بالصواب الباب الثالث والعشرون يف عفاف احملبني مع أحباهبم قال هللا تعاىل ^ قد أفلح املؤمنون الذين هم يف صالهتم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إال على أزواجهم أو ما ملكت أمياهنم فإهنم غري ملومني فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ^ وملا أنزلت هذه اآليات على ال نيب قال قد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل اجلنة مث قرأ هذه اآليات وقال هللا تعاىل ^ إن اإلنسان خلق هلوعا ^ إىل قوله ^ والذين هم لفروجهم حافظون إال على أزواجهم أو ما ملكت أمياهنم فإهنم غري ملومني فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ^ وقال تعاىل ^ قل للمؤمنني يغضوا من أبصارهم وحيفظوا فروجهم ذلك أزكى هلم إن هللا خبري مبا يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن وحيفظن فروجهن ^ اآلية وقال تعاىل ^ وليستعفف الذين ال جيدون نكاحا حىت ^ ^ يغنيهم هللا من فضله ^ وقال تعاىل ^ وأن يستعففن خري هلن وهللا مسيع عليم ^ وقال تعاىل ^ ومرمي ابنة عمران اليت أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ^ فإن قيل فقد قال هللا تعاىل ^ وأنكحوا األيامى منكم والصاحلني من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم هللا من فضله ^ وقال يف اآلية اآلخرى ^ وليستعفف الذين ال جيدون نكاحا حىت يغنيهم هللا من فضل ه ^ فأمرهم باالستعفاف إىل وقت الغىن وأمر بتزويج أولئك مع الفقر وأخرب أنه تعاىل يغنيهم فما حممل كل من اآليتني فاجلواب أن قوله ^ وليستعفف الذين ال جيدون نكاحا حىت يغنيهم هللا من فضله ^ يف حق األحرار أمرهم هللا تعاىل أن يستعفوا حىت يغنيهم هللا من فضله فإهنم إن تزوجوا مع الفقر التزموا حقوقا مل يقدروا عليها وليس هلم من يقوم هبا عنهم وأما قوله وأنكحوا الأليامى منكم والصاحلني من عبادكم وإمائكم فإنه سبحانه أمرهم فيها أن ينكحوا األيامى وهن النساء اللوايت ال أزواج هلن هذا هو املشهور من لفظ األمي عند اإلطالق وإن استعمل يف حق الرجل بالتقييد مع أن العزب عند اإلطالق للرجل وإن استعمل يف حق املرأة مث أمرهم سبحانه أن يزوجوا عبيدهم وإماءهم إذا صلحوا للنكاح فاآلية األوىل يف حكم تزوجهم ألنفسهم والثانية يف حكم تزوجيهم لغريهم وقوله يف هذا القسم ^ إن يكونوا فقراء ^ يعم األنواع الث الثة اليت ذكرت فيه فإن األمي تستغين بنفقة زوجها وكذلك األمة وأما العبد فإنه ملا كان ال مال له وكان ماله لسيده
فهو فقري ما دام رقيقا فال ميكن أن جيعل لنكاحه غاية وهي غناه ما دام عبدا بل غناه إمنا يكون إذا عتق واستغىن هبذا العتق واحلاجة تدعوه إىل النكاح يف الرق فأمر سبحانه بإنكاحه وأخرب أنه يغنيه من فضله إما بكسبه وإما بإنفاق سيده عليه وعلى امرأته فلم ميكن أن ينتظر بنكاحه الغىن الذي ينتظر بنكاح احلر وهللا أعلم ويف املسند وغريه مرفوعا ثالثة حق على هللا عوهنم املتزوج يريد العفاف واملكاتب يريد اآلداء وذكر الثالث فصل وقد ذكر هللا سبحانه وتعاىل عن يوسف الصديق من العفاف أعظم ما يكون فإن الداعي الذي اجتمع يف حقه مل جيتمع يف حق غريه فإنه كان شابا والشباب مركب الشهوة وكان عزبا ليس عنده ما يعوضه وكان غريبا عن أهله ووطنه واملقيم بني أهله وأصحابه يستحي منهم أن يعلموا به فيسقط من عيوهنم فإذا تغرب زال هذا املانع وكان يف صورة اململوك والعبد ال يأنف مما يأنف منه احلر وكانت املرأة ذات منصب ومجال والداعي مع ذلك أقوى من داعي من ليس كذلك وكانت هي املطالبة فيزول بذلك كلفة تعرض الرجل وطلبه وخوفه من عدم اإلجابة وزادت مع الطلب الرغبة التامة واملراودة اليت يزول معها ظن االمتحان واالختبار لتعلم عفافه من فجوره وكانت يف حمل سلطاهنا وبيتها حبيث تعرف وقت اإلمكان ومكانه الذي ال تناله العيون وزادت مع ذلك تغليق األبواب لتأمن هجوم الداخل على بغتة وأتته بالرغبة والرهبة ومع هذا كله فعف هلل ومل يطعها وقد حق هللا وحق سيدها على ذلك كله وهذا أمر لو ابتلي به سواه مل يعلم كيف كانت تكون حاله فإن قيل فقد هم هبا قيل عنه جوابان أحدمها أنه مل يهم هبا بل لوال أن رأى برهان ربه هلم هذاقول بعضهم يف تقدير اآلية والثاين وهو الصواب أن مهه كان هم خطرات فرتكه هلل فأثابه هللا عليه ومهها كان هم إصرار بذلت معه جهدها فلم تصل إليه فلم يستو اهلمان قال اإلمام أمحد بن حنبل رضي هللا عنه اهلم مهان هم خطرات وهم إصرار فهم اخلطرات ال يؤاخذ به وهم اإلصرار يؤاخذ به فإن قيل فكيف قال وقت ظهور براءته وما أبرىء نفسى قيل هذا قد قاله مجاعة من املفسرين وخالفهم يف ذلك آخرون أجل منهم وقالوا إن هذا من قول امرأة العزيز ال من قول يوسف عليه السالم والصواب معهم لوجوه أحدها أنه متصل بكالم املرأة وهو قوهلا اآلن حصحص احلق أنا راودته عن نفسه وإنه ملن الصادقني ذلك ليعلم أين مل أخنه بالغيب وأن هللا ال يهدي كيد اخلائنني وما أبرىء نفسي ومن جعله من قوله فإنه حيتاج إىل إضمار قول ال دليل عليه يف اللفظ بوجه والقول يف مثل هذا ال حيذف لئال يوقع يف اللبس فإن غايته أن حيتمل األمرين فالكالم األول أوىل به قطعا الثاين أن يوسف عليه السالم مل يكن حاضرا وقت مق التها هذه قبل كان يف السجن ملا تكلمت بقوهلا ^ اآلن حصحص احلق ^ والسياق صريح يف ذلك فإنه ملا أرسل امللك إليه يدعوه قال للرسول ^ ارجع إىل ربك فاسأله ما بال النسوة الاليت قطعن أيديهن ^ فأرسل إليهم امللك وأحضرهن وسأهلن وفيهن امرأته فشهدن برباءته ونزاهته يف غيبته ومل ميكنهن إال قول احلق فقال النسوة ^ حاش هلل ما علمنا عليه من سوء ^ وقالت امرأة العزيز أنا روادته عن نفسه وإنه ملن الصادقني فإن قيل لكن قوله ^ ذلك ليعلم أين مل أخنه بالغيب وأن هللا ال يهدي كيد اخلائنني ^ األحسن أن يكون من كالم يوسف عليه السالم أي إمنا كان تأخريي عن احلضور مع رسوله ليعلم امللك أين مل أخنه يف امرأته يف حال غيبته وأن هللا ال يهدي كيد اخلائنني مث إنه قال وما أبرىء نفسي إن النفس ألمارة بالسوء إال من رحم ريب إن ريب غفور رحيم
وهذا من متام معرفته بربه ونفسه فإنه ملا أظهر براءته ونزاهته مما قذف به أخرب عن حال نفسه وأنه ال يزكيها وال يربئها فإهنا أمارة بالسوء لكن رمحة ربه وفضله هو الذي عصمه فرد األمر إىل هللا بعد أن أظهر برءته قيل هذا وإن كان قد قاله طائفة فالصواب أنه من متام كالمها فإن الضمائر كلها يف نسق واحد يدل عليه وهو قول النسوة ^ ما علمنا عليه من سوء ^ وقول امرأة العزيز ^ أنا راودته عن نفسه وإنه ملن الصادقني ^ فهذه مخسة ضمائر بني بارز ومسترت مث اتصل هبا قوله ^ ذلك ليعلم أين مل أخنه بالغيب ^ فهذا هو املذكور أوال بعينه فال شيء يفصل الكالم عن نظمه ويضمر فيه قول ال دليل عليه فإن قيل فما معىن قوهلا ^ ليعلم أين مل أخنه بالغيب ^ قيل هذا من متام االعتذار قرنت االعتذار باالعرتاف فقالت ذلك أي قويل هذا وإقراري برباءته ليعلم أين مل أخنه بالكذب عليه يف غيبته وإن خنته يف وجهه يف أول األمر فاآلن يعلم أين مل أخنه يف غيبته مث اعتذرت عن نفسها بقوهلا وما أبرىء نفسى مث ذكرت السبب الذي ألجله مل تربىء نفسها وهي أن النفس أمارة بالسوء فتأمل ما أعجب أخر هذه املرأة أقرت باحلق واعتذرت عن حمبوهبا مث اعتذرت عن نفسها مث ذكرت السبب احلامل هلا على ما فعلت مث ختمت ذلك بالطمع يف مغفرة هللا ورمحته وأنه إن مل يرحم عبده وإال فهو عرضة للشر فوازن بني هذا وبني تقدير كون هذا الكالم كالم يوسف عليه السالم لفظا ومعىن وتأمل ما بني التقديرين من التفاوت وال يستبعد أن تقول املرأة هذا وهي على دين الشرك فإن القوم كانوا يقرون بالرب سبحانه وتعاىل وحبقه وإن أشركوا معه غريه وال تنس قول سيدها هلا يف أول احلال ^ واستغفري لذنبك إنك كنت من اخلاطئني ^ فصل ويف الصحيح من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا سبعة يظلهم هللا يف ظله يوم ال ظل إال ظله إمام عادل وشاب نشأ يف عبادة هللا ورجل قلبه معلق باملساجد ورجالن حتابا يف هللا اجتمعا على ذلك وتف رقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب ومجال فقال إين أخاف هللا رب العاملني ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حىت ال تعلم مشاله ما تنفق ميينه ورجل ذكر هللا خاليا ففاضت عيناه ويف الصحيح من حديث أيب هريالرة وابن عمر رضي هللا عنهم عن النيب قال بينما ثالثة ميشون إذ أخذهتم السماء فأووا إىل غار يف اجلبل فاحنطت عليهم صخرة من اجلبل فأطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعماال صاحلة عملتموها فادعوا هللا هبا فقال بعضهم اللهم إنك تعلم أنه كان يل أبوان شيخان كبريان وامرأة وصبيان وكنت أرعى عليهم فإذا رحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي أسقيهم ا قبل بين وأنه نآى يب الشجر فلم آت حىت أمسيت فوجدهتما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأن أبدأ بالصبية قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي فلم أزل كذلك حىت طلع الفجر فإن كنت تعلم أين فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء ففرج هللا هلم فرجة وقال اآلخر اللهم إنه كانت يل ابنة عم فأحببتها كأشد ما حيب الرجال النساء فطلبت إليها نفسها فأبت حىت آتيها مبائة دينار فسعيت حىت مجعت مائة دينار فجئتها هبا فلما قعدت بني رجليها قالت يا عبدهللا اتق هللا وال تفض اخلامت إال حبقه فقمت عنها وتركت املائة دينار فإن كنت تعلم أين فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا من
هذه الصخرة ففرج هللا هلم فرجة فقال اآلخر اللهم إين كنت استأجرت أجريا بفرق من أرز فلما قضى عمله قال أعطين حقي فأعطيته فأىب أن يأخذه فزرعته ومنيته حىت اشرتيت له بقرا ورعاءها فجاءين بعد حني فقال يا هذا اتق هللا وال تظلمين وأعطين حقي فقلت اذهب إىل تلك البقر ورعائها فهو لك فقال اتق هللا وال هتزأ يب فقلت ال أستهزىء بك فخذ ذلك فأخذها وذهب فإن كنت تعلم أين فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما بقي من الصخرة ففرج هللا عنهم وخرجوا ميشون وق ال عبيد هللا بن موسى حدثنا شيبان بن عبدالرمحن عن األعمش عن عبدهللا بن عبدهللا الرازي عن سعد موىل طلحة عن ابن عمر رضي هللا عنهما قال لقد مسعت من رسول هللا حديثا لو مل أمسعه إال مرة أو مرتني حىت عد سبع مرات ما حدثت به ولكن مسعته أكثر من ذلك قال كان ذو الكفل من بين إسرائيل ال يتورع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستني دينارا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من املرأة أرعدت وبكت فقال ما يبكيك أكرهتك قالت ال ولكن هذا عمل مل أعمله قط قال فتفعلني هذا ومل تفعليه قط قالت محلتين عليه احلاجة فرتكها مث قال اذهيب والدنانري لك مث قال وهللا ال يعصي هللا ذو الكفل أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه غفر هللا لذي الكفل ويف مسند اإلمام أمحد بن حنبل رمحه هللا من حديث عقبة بن عامر اجلهين رضي هللا عنه قال قا رسول هللا عجب ربك من الشاب ليست له صبوة وذكر املربد عن أيب كامل عن إسحاق بن إبراهيم عن رجاء بن عمرو النخعي قال كان بالكوفة فىت مجيل الوجه شديد التعبد واالجتهاد فنزل يف جوار قوم من النخع فنظر إىل جارية منهن مجيلة فهويها وهام هبا عقله ونزل باجلارية ما نزل به فأرسل خيطبها من أبيها فأخربه أبوها أهنا مسماة البن عم هلا فلما اشتد عليهما ما يقاسيانه من أمل اهلوى أرسلت إليه اجلارية قد بلغين شدة حمبتك يل وقد اشتد بالئي بك فإن شئت زرتك وإن شئت سهلت لك أن تأتيين إىل منزيل فقال للرسول وال واحدة من هاتني اخللتني ^ إين أخاف إن عصيت ريب عذاب يوم عظيم ^ أخاف نارا ال خيبو سعريها وال خيمد هليبها فلما أبلغها الرسول قوله قالت وأراه مع هذا خياف هللا وهللا ما أحد أحق هبذا من أحد وإن العباد فيه ملشرتكون مث اخنلعت من الدنيا وألقت عالئقها خلف ظهرها وجعلت تتعبد وهي مع ذلك تذوب وتنحل حبا للفىت وشوقا إليه حىت ماتت من ذلك فكان الفىت يأيت قربها ف يبكي عنده ويدعو هلا فغلبته عينه ذات يوم على قربها فرآها يف منامه يف أحسن منظر فقال كيف أنت وما لقيت بعدي قالت نعم احملبة يا سؤيل حمبتكم %حب يقود إىل خري وإحسان فقال على ذلك إىل م صرت فقالت إىل نعيم وعيش ال زوال له %يف جنةاخللد ملك ليس بالفاين فقال هلا اذكريين هناك فإين لست أنساك فقالت وال أنا وهللا أنساك ولقد سألت موالي وموالك أن جيمع بيننا فأعين على ذلك باالجتهاد فقال هلا مىت أراك فقالت ستأتينا عن قريب فرتانا فلم يعش الفىت بعد الرؤيا إال سبع ليال حىت مات رمحه هللا تعاىل وذكر الزبري بن بكار أن عبدالرمحن بن أيب عمار نزل مكة وكان من عباد أهلها فسمي القس من عبادته فمر يوما جبارية تغين فوقف فسمع غناءها فرآها موالها فأمره أن يدخل عليها فأىب فقال فاقعد يف مكان تسمع غناءها وال تراها ففعل فأعجبته فقال له موالها هل لك أن أحوهلا إليك فامتنع بعض االمتناع مث أجابه إىل ذلك فنظر إليها فأعجبته فشغف هبا وشغفت به وعلم بذلك أهل مكة فقالت له ذات يوم
أنا وهللا أحبك فقال وأنا وهللا أحبك قالت فإين وهللا أحب أن أضع فمي على فمك قال وأنا وهللا أحب ذلك قالت فما مينعك فإن املوضع خال قا هلا وحيك إين مسعت هللا يقول األخالء يومئذ بعضهم لبعض عدو إالاملتقني فأنا وهللا أكره أن يكون صلة ما بيين وبينك يف الدنيا عداوة يف القيامة مث هنض وعيناه تذرفان بالدموع من حبها وقال عبدامللك بن قريب قلت ألعرايب حدثين عن ليلتك مع فالنة قال نعم خلوت هبا والقمر يرينيها فلما غاب أرتنيه قلت فما كان بينكما قال أقرب ما أحل هللا مما حرم هللا اإلشارة بغري ماباس والدنو بغري إمساس ولعمري لئن كانت األيام طالت بعدها لقد كانت قصرية معها وحسبك باحلب ما إن دعاين آخر ملاما أثاما
اهلوى لفاحشة %إال هناين احلياء والكرم فال إىل فاحش مددت يدي %وال مشت يب لريبة قدم وقال وصفوها فلم أزل علم الل %ه كئيبا مستوهلا مستهاما هل عليها يف نظرة من جناح %من فىت ال يزور إال حال فيها اإلسالم دون هواه %فهو يهوى وحيفظ اإلسالما ومييل اهلوى به مث خيشى %أن يطيع اهلوى فيلقى وقال احلسني بن مطري أحبك يا سلمى على غري ريبة %وال بأس يف حب تعف سرائره أحبك حبا ال أعنف
بعده %حمبا ولكين إذا ليم عاذره وقد مات قليب أول احلب مرة %ولو مت أضحى احلب قد مات آخره وقال حممد بن أيب زرعة الدمشقي إن حظي ممن أحب كفاف %ال صدود مقص وال إنصاف كلما قلت قد أنابت إىل الوص %ل ثناها عما أريد العفاف فكأين بني الصدود وبني ال %وصل ممن مقامه األعراف يف حمل بني اجلنان وبني النا %ر أرجوطورا وطورا أخاف وقال عثمان بن الضحاك احلزامي خرجت أريد احلج فنزلت باألبواء فإذا امرأة جالسة على باب خيمة فأعجبين حسنها فتمثلت بقول نصيب بزي نب أملم قبل أن يرحل الركب %وقل إن متلينا فما ملك القلب فقالت يا هذا أتعرف قائل هذا الشعر قلت نعم نصيب قالت فتعرف زينبه قلت ال قالت فأنا زينبه قلت حياك هللا قالت أما إن اليوم موعده من عند أمري املؤمنني خرج إليه عام أول فوعدين هذا اليوم لعلك ال تربح حىت تراه قال فبينا أنا كذلك إذا أنا براكب قالت ترى ذلك الراكب إين ألحسبه إياه قال فأقبل فإذا هو نصيب فنزل قريبا من اخليمة مث أقبل فسلم حىت جلس قريبا منها يسائلها وتسائله أن ينشدها ما أحدث فأنشدها فقلت يف نفسي حمبان طال التنائي بينهما ال بد أن يكون ألحدمها إىل ص احبه حاجة فقمت إىل بعريي ألشد عليه فقال على رسلك إين معك فجلست حىت هنض معي فتسايرنا مث التفت إيل فقال أقلت يف نفسك حمبان التقيا بعد طول التنائي فال بد أن يكون ألحدمهاإىل صاحبه حاجة قلت نعم قد كان ذلك قال ورب هذه البنية ما جلست منها جملسا هو أقرب من هذا وقال عمر بن شبة حدثنا أبو غسان قال مسعت بعض املدنيني يقول كان الرجل حيب الفتاة فيطوف بدارها حوال يفرح أن يرى من يراها فإن ظفر منها مبجلس تشاكيا وتناشدا األشعار واليوم يشري إليها وتشري إليه فيعدها وتعده فإذا التقيا مل يشك حبا ومل ينشد شعرا وقام إليها كأنه قد أشهد على نكاحها أبا هريرة رضي هللا عنه وقال حممد بن سريين كانوا يعشقون يف غري ريبة وكان الرجل يأيت إىل القوم يتحدث عندهم ال يستنكر له ذلك وقال هشام بن حسان لكن اليوم ال يرضون إال باملواقعة وقيل ألعرايب ما تعدون العشق فيكم قال القبلة والضمة والغمزة وإذا نكح احلب فسد وقال املربد كان العتيب حيب جارية تسمى
ملك فكتب إليها يا ملك قد صرت إىل خطة %رضيت منها فيك بالضيم ما اشتملت عيين على رقدة %مذ غبت عن عيين إىل اليوم فبت مفتوق جماري البكا %معطل العني عن النوم ووجدي الدهر بكم غلمة %فاملوت من نفسي على سوم يلومين الناس على حبكم %والناس أوىل فيك باللوم قال فكتبت إليه إن تكن الغلمة هاجت بكم %فعاجل الغلمة بالصرم ليس بك احلب ولكنما %تدور من هذا على كوم يقال كام الفحل يكوم كوما إذا نزا على احلجرة وأرادت هذه املعشوقة قول النيب يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن مل يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء وقال أبو احلسن املدائين هوي يعض املسلمني جارية مبكة فأرادها فامتنعت عليه فقال على لسان عطاء بن أيب رباح سألت الفىت املكي هل يف تعانق %وقبلة مشتاق الفؤاد جناح فقال معاذ هللا أن يذهب التقى % تالصق أكباد هبن جراج فقالت أهلل سألت عطاءعن ذلك فقال لك هذا فقال اللهم نعم فزارته وجعلت تقول إياك أن تتعدى ما أفتاك به عطاء وقال الزبري بن بكار عن عبدامللك بن عبدالعزيز املاجشون قال أنشدت حممد بن املنكدر قول وضاح اليمن فما تولت حىت تضرعت حوهلا %وأقرأهتا ما رخص هللا يف اللمم فضحك حممد وقال إن كان وضاح ملفتيا يف نفسه وقال األصمعي قيل ألعرايب ما كنت صانعا لو ظفرت مبن هتوى قال كنت أمتع عيين من وجهها وقليب من حديثها وأسرت منها ماال حيبه هللا وال يرضى كشفه إال عند حله قيل فإن خفت أن ال جتتمعا بعد ذلك قال أكل قليب إىل حبها وال أصري بقبيح ذلك الفعل إىل نقض عهدها قال وقيل آلخر وقد زوجت عشيقته من ابن عمها وأهلها على إهدائها إليه أيسرك أن تظفر هبا الليلة قال نعم والذي أمتعين هبا وأشقاين بطلبها قيل فما كنت صانعا قال كنت أطيع احلب يف لثمها وأعصي الشيطان يف إمثها وال أفسد عشق عشر سنني مبا يبقى عاره وتنشر بالقبيح أخباره يف ساعة تنفد لذهتا وتبقى تبعتها إين إذا للئيم مل يغذين أصل كرمي وقال عباس الدوري كان بعض أصحابنا يقول كان سفيان الثوري كثريا ما يتمثل هبذين البيتني تفىن اللذاذة ممن نال صفوهتا %من احلرام ويبقى الوزر والعار تبقى عواقب سوء يف مغبتها %ال خري يف لذة من بعدها النار وقال احلسني بن مطري ونفسك أكرم عن أمور كثرية %فما لك نفس بعدها تستعريها وال تقرب املرعى احلرام فإمنا % حالوته تفىن ويبقى مريرها وقال اإلمام أمح د بن حنبل رضي هللا عنه الفتوة ترك ما هتوى ملا ختشى وقال اخلرائطي حدثنا إبراهيم بن اجلنيد حدثنا عبدهللا بن أيب بكر املقدمي حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي قال مسعت مالك بن دينار يقول بينا أنا أطوف إذ أنا جبارية متعبدة متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول يا رب كم من شهوة ذهبت لذهتا وبقيت تبعتها أيا رب أما لك أدب إال النار فما زال مقامها حىت طلع الفجر فلما رأيت ذلك وضعت يدي على رأسي خارجا أقول ثكلت مالكا أمه جويرية منذ الليلة قد بطلته وطائفة بالبيت والليل مظلم %تقول ومنها دمعها يتسجم أيا رب كم من شهوة قد رزئتها %ولذة عيش حبلها يتصرم أما كان يكفي للعباد عقوبة %وال أدبا إال اجلحيم املضرم فما زال ذاك القول منها تضرعا %إىل أن بدا فجر الصباح املقدم فشبكت مين الكف أهتف خارجا %على الرأس أبدى بعض ما كنت أكتم وقلت لنفسي إذا تطاول
ما هبا %وأعيا عليها وردها املتغنم أال ثكلتك اليوم أمك مالكا %جويرية أهلاك منها التكلم فمازلت بطاال هبا طول ليلة %تنال هبا حظا جسيما وتغنم وقال خمرمة بن عثمان نبئت أن فىت من العباد هوى جارية من أهل البصرة فبعث إيها خيطبها فامتنعت وقالت إن أردت غري ذلك فعلت فأرسل إليها سبحان هللا أدعوك إىل ماال إمث فيه وتدعينين إىل ماال يصلح فقالت قد أخربتك بالذي عندي فإن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر فأنشأ يقول وأسأهلا احلالل وتدع قليب % إىل ماال أريد من احلرام كداعي آل فرعون إليه %وهم يدعونه حنو األثام فظل منعما يف اخللد يسعى %وظلوا يف اجلحيم ويف السقام فلما علمت أنه قد امتنع من الفاحشة أرسلت إليه أنا بني يديك على الذي حتب فأرسل إليها ال حاجة لنا فيمن دعوناه إىل الطاعة ودعانا إىل املعصية مث أنشد ال خري فيمن ال يراقب ربه %عند اهلوى وخيافه إميانا حجب التقى سبل اهلوى فأخو التقى %خيشى إذا واىف املعاد هوانا وقال عبدامللك بن مروان لليلى األخيلية باهلل هل كان بينك وبني توبة سوء قط قالت والذي ذهب بنفسه وهو قادر على ذهاب نفسي ما كان بيين وبينه سوء قط إال أنه قدم من سفر فصافحته فغمز يدي فظننت أنه خينع لبعض األمر فذلك معىن قويل وذي حاجة قلنا له ال تبح هبا %فليس إليها ما حييت سبيل لنا صاحب ال بنبغي أن خنونه % وأنت ألخرى صاحب وخليل قالت ال والذي ذهب بنفسه ما كلمين بسوء قط حىت فرق بيين وبينه املوت وقال ابن أمحر بينا أنا أطوف بالبيت إذ بصرت بامرأة متربقعة تطوف بالبيت وهي تقول ال يقبل هللا من معشوقة عمال %يوما وعاشقها غضبان مهجور ليست مبأجورة يف قتل عاشقها %لكن عاشقها يف ذاك مأجور فقلت هلا يف هذا املوضع فقالت إليك عين ال يعلقك احلب قلت وما احلب قالت جل وهللا عن أن خيفى وخفي عن أن يرى فهو كالنار يف أحجارها إن حركته أورى وإن تركته توارى مث أنشدت تقول غيد أوانس ما مهمن بريبة %كظباء مكة صيدهن حرام حيسنب من لني احلديث أوانسا %ويصدهن عن اخلنا اإلسالم وقد روى حممد بن عبدهللا األنصاري حدثنا عبدالوارث عن حممد بن جحادة عن الوليد عن عبدالرمحن بن عوف رضي هللا عنه قال قال رسول هللا إذا صل ت املرأة مخسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت اجلنة وقال هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا أيب حدثنا ابن هليعة عن موسى بن وردان عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا أميا امرأة اتقت رهبا وأحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل هلا يوم القيامة ادخلي من أي أبواب اجلنة شئت وقال الزبري بن بكار أخربين سعيد بن حيىي بن سعيد األموي حدثين أيب أن امرأة لقيت كثري عزة فقالت تسمع باملعيدي خري من أن تراه قال مه رمحك هللا فأنا الذي أقول فإن أك معروق العظام فإنين %إذا ما وزنت القوم بالقوم أوزن قالت وكيف توزن بالقوم وأنت ال تعرف إال بعزة قال وهللا لئن قلت ذاك لقد رفع هللا هبا قدري وزين هبا شعري وإهنا لكما قلت وما روضة باحلزن طاهرة الثرى %ميج الندى جثجاثها وعرارها بأطيب من أردان عزة موهنا %وقد أوقدت باملندل الرطب نارها من اخلفرات البيض مل تلق شقوة %وباحلسب املكنون صاف جنارها فإن برزت كانت لعينيك قرة %وإن غبت عنها مل يعمك عارها
قالت أرأيت حني تذكر طيبها فلو أن زجنية ختمرت باملندل الرطب لطاب رحيها أال قلت كما قال امرؤ القيس خليلي مرا يب على أم جندب %نقضي لبانات الفؤاد املعذب أمل ترياين كلما جئت طارقا %وجدت هبا طيبا وإن مل تطيب فقال وهللا احلق خري ما قيل هو وهللا أنعت لصاحبته مين ودخلت عزة على عبدامللك بن مروان وهو ال يعرفها ترفع مظلمة هلا فلما مسع كالمها تعجب منه فقال له بعض جلسائه هذه عزة كثري فقال هلا عبدامللك إن أردت أن أرد عليك مظل متك فأنشديين ما قال فيك كثري فاستحيت وقالت وهللا ما أعرف كثريا ولكين مسعتهم حيكون عنه أنه قال يف قضى كل ذي دين فوقى غرميه %وعزة ممطول معىن غرميها فقال عبدامللك ليس عن هذا أسألك ولكن أنشديين من قوله وقد زعمت أين تغريت بعدها %ومن ذا الذي يا عز ال يتغري تغري جسمي واخلليقة كالذي %عهدت ومل خيرب بسرك خمرب قالت ما مسعت هذا ولكن مسعت الناس حيكون عنه أنه قال يف كأين أنادي صخرة حني أعرضت % من الصم لو متشي هبا العصم زلت صفوح فما تلقاك إالخبيلة %فمن مل منها ذلك الوصل ملت فقضى حاجتها ورد مظلمتها وقال أدخلوها على اجلواري يأخذن من أدهبا وذكرت عنه أنه قال فيها أيضا وما نلت منها حمرما غري أنين %أقبل بساما من الثغر أفلجا وألثم فاها تارة مث تارة %وأترك حاجات النفوس حترجا وقال الزبري بن بكار عن عباس بن سهل الساعدي قال بينا أنا بالشام إذ لقيين رجل من أصحايب فقال هل لكم يف مجيل نعوده فدخلنا عليه وهو جيود بنفسه وما خييل إيل إال أن املوت يكرثه فنظر إيل مث قال يا ابن سهل ما تقول يف رجل مل يشرب اخلمر قط ومل يزن ومل يقتل نفسا يشهد أن ال إله إال هللا قلت أظنه قد جنا وأرجو له اجلنة فمن هذا الرجل قال أنا قلت و هللا ما أحسبك سلمت وأنت تشبب منذ عشرين سنة يف بثينة فقال ال نالتين شفاعة حممد يوم القيامة فإين يف أول يوم من أيام اآلخرة وآخر يوم من أيام الدنيا إن كنت وضعت يدي عليها لريبة فما برحنا حىت مات وقال عوانة بن احلكم كان عبداملطلب ال يسافر إال ومعه ابنه احلارث وكان أكرب ولده وكان شبيها به مجاال وحسنا فأتى اليمن وكان جيالس عظيما من عظمائهم فقال له لو أمرت ابنك هذا جيالسين وينادمين ففعل فعشقت امرأته احلارث فراسلته فأىب عليها فأحلت عليه فأخرب بذلك أباه فلما يئست منه سقته سم شهر فارحتل به عبداملطلب حىت إذا قدم مكة مات احلارث وذكرها هشام بن حممد بن السائب الكليب عن أبيه وذكر رثاء أبيه له بقصيدته اليت فيها واحلارث الفياض أكرم ماجد %أيام نازعه اهلمام الكاسا وملا احتضر أبو سفيان بن احلارث هذا وهو ابن عم النيب قال ألهله ال تبكوا علي فإين مل أتنطف خبطيئة منذ أسلمت وملا قدم عروة بن الزبري علىالوليد بن عبدامللك خرجت برجله اآلكلة فاجتمع رأي األطباء على نشرها وأنه إن مل يفعل سرت إىل جسمه فهلك فلما عزم على ذلك قالوا له نسقيك مرقدا قال ومل قالوا لئال حتس مبا يصنع قال ال بل شأنكم فنشروا ساقه باملنشار فما أزال عضوا عن عضو حىت فرغوا منها مث حسموها فلما نظر إليها يف أيديهم تناوهلا وقال احلمد هلل أما والذي محلين عليك إنه ليعلم أين ما مشيت بك إىل حرام قط وملا حضرت عمر بن أيب ربيعة الوفاة بكى عليه أخوه احلارث فقال له عمر يا أخي إن كان أسفك ملا مسعت من قويل قلت هلا وقالت يل فكل مملوك يل حر إن كنت كشفت حراما قط فقال احلارث احلمد هلل تعاىل طيبت
نفسي
وقال سفيان بن حممد دخلت يوما عزة على أم البنني أخت عمر بن عبدالعزيز فقالت يا عزة ما قول
كثري قضى كل ذي دين فوىف غرميه %وعزة ممطول معىن غرميها ما كان هذا الدين فقالت كنت وعدته ب قبلة فتحرجت منها فقالت أم البنني أجنزيها وعلي إمثها قالت فأعتقت أم البنني بكلمتها هذه أربعني رقبة وكانت إذا ذكرهتا بكت وقالت ليتين خرست ومل أتكلم هبا وملا احتضر ذو الرمة قال لقد مهمت مبي عشرين سنة يف غري ريبة وال فساد وكان احلارث بن خالد بن هشام املخزمي عاشقا لعائشة بنت طلحة وله فيها أشعار أفرد هلا ابن املرزبان كتابا فلما قتل عنها مصعب بن الزبري قيل للحارث ما مينعك اآلن منها قال وهللا ال يتحدث رجاالت قريش أن تشبييب هبا كان لريبة ولشيء من الباطل وقال ابن عالقة دخلت على رجل من األعراب خيمته وهو يئن فقلت ما شأنك قال عاشق فقلت له ممن الرجل قال من قوم إذا عشقوا ماتوا عفة فجعلت أعذله وأزهده فيما هو فيه فتنفس الصعداء مث قال ليس يل مسعد فأشكو إليه %إمنا يسعد احلزين احلزين وقال سعيد بن عقبة ألعرايب ممن الرجل قال من قوم إذا عشقوا ماتوا قال عذري ورب الكعبة فقلت له ومم ذاك قال يف نسائنا صباحة ويف رجالنا عفة وقال سفيان بن زياد قلت المرأة من عذرة ورأيت هبا هوى غالبا خفت عليها املوت منه ما بال العشق يقتلكم معاشر عذرة من بني أحياء العرب فقالت فينا مجال وتعفف واجلمال حيملنا على العفاف والعفاف يورثنا رقة القلوب والعشق يفين آجالنا وإنا نرى عيونا ال تروهنا وقال أبو عبيدة معمر بن املثىن قال رجل من بن بين فزارة لرجل من بين عذرة ما يعد موتكم من احلب مزيه وإمنا ذاك من ضعف البنية ووهن العقل وضيق الرئة فقال له العذري أما لو رأيتم احملاجر البلج ترشق باألعني الدعج من فوقها احلواجب الزج والشفاه السمر تفرت عن الثنايا الغر كأهنا نظم الدر جلعلتموها الالت والعزى ونبذمت اإلسالم وراء ظهوركم وقال بشر بن الوليد مسعت أبا يوسف يقول يف مرضه الذي مات فيه اللهم إنك تعلم أين مل أطأ فرجا حراما قط وأنا أعلم ومل آكل درمها حراما قط وأنا أعلم وقال إمساعيل بن إسحاق القاضي دخلت على املعتضد وعلى رأسه غلمان صباح الوجوه أحداث فنظرت إليهم فرآين املعتضد وأنا أتأملهم فلما أردت القيام أشار إيل فمكثت ساعة فلما خال قال يل أيها القاضي وهللا ما حللت سراويلي على حرام قط وقال اليزيدي جلس حممد بن منصور بن بسام وعلى رأسه عدة خدم مل ير قط أحسن منهم ما منهم من مثنه ألف دينار بل أكثر فجعل الناس ينظرون إليهم فقال حممد هم أحرار لوجه هللا إن كان هللا كتب علي ذنبا مع واحد منهم فمن عرف خالف ذلك منهم فليمض فإنه قد عتق وهو يف حل مما يأخذ من مايل وقال إبراهيم بن أيب بكر بن عياش شهدت أيب عند املوت فبكيت فقال ما يبكيك فما أتى أبوك فاحشة قط وقال عمر بن حفص بن غياث ملا حضرت أيب الوفاة أغمي عليه فبكيت عند رأسه فقال يل حني أفاق ما يبكيك قلت أبكي لفراقك وملا دخلت فيه من هذا األمر يعين القضاء قال ال تبك فإين ما حللت سراويلي على حرام قط وال جلس بني يدي خصمان فباليت على من توجه احلكم منهما وقال سفيان بن أمحد املصيصي شهدت اهليثم بن مجيل وهو ميوت وقد سجي حنو القبلة فقامت جاريته تغمز رجليه فقال اغمزيهما فإن هللا يعلم أهنما ما مشتا إىل حرام
قط وقال حممد بن إسحاق نزل السري بن دينار يف درب مبصر وكانت فيه امرأة مجيلة فتنت الناس جبماهلا فعلمت به املرأة فقالت ألفتننه فلما دخلت من باب الدار تكشفت وأظهرت نفسها فقال مالك فقالت هل لك يف فراش وطي وعيش رخي فأقبل عليها وهو يقول وكم ذي معاص نال منهن لذة %ومات فخالها وذاق الدواهيا تصرم لذات املعاصي وتنقضي %وتبقى تباعات املعاصي كما هيا فيا سوءتا وهللا راء وسامع %لعبد بعني هللا يغشى املعاصيا وقال عمر بن بكري قال أعرايب علقت امرأة كنت آتيها فأحدثها سنني وما جرت بيننا ريبة قط إال أين رأيت بياض كفيها يف ليلة ظلماء فوضعت يدي على يدها فقالت مه ال تفسد ما بيين وبينك فإنه ما نكح حب قط إال فسد قال فقمت وقد تصببت عرقا حياء منها ومل أعد إىل شيء من ذلك وذكر أبو الفرج وغريه أن امرأة مجيلة كانت مبكة وكان هلا زوج فنظرت يوما إىل وجهها يف املرآة فقالت لزوجها أترى أحدا يرى هذا الوجه وال يفتنت به قال نعم قالت من قال عبيد بن عمري قالت فائذن يل فيه فألفتننه قال قد أذنت لك قال فأتته كاملستفتية فخال معها يف ناحية من املسجد احلرام فأسفرت عن وجه مثل فلقة القمر فقال هلا يا أمة هللا استرتي فقالت إين قد فتنت بك قال إين سائلك عن شيء فإن أنت صدقتين نظرت يف أمرك قالت ال تسألين عن شيء إال صدقتك قال أخربيين لو أن ملك املوت أتاك ليقبض روحك أكان يسرك أن أقضي لك هذه احلاجة قالت اللهم ال قال صدقت قال فلو دخلت قربك وأجلست للمساءلة أكان يسرك أين قضيتها لك قالت اللهم ال قال صدقت قال فلو أن الناس أعطوا كتبهم وال تدرين أتأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك أكان يسرك أين قضيتها لك قالت اللهم ال قال صدقت قال فلو أردت املمر على الصراط وال تدرين هل تنجني أو ال تنجني أكان يسرك أين قضيتها لك قالت اللهم ال قال صدقت قال فلو جيء بامليزان وجيء بك فال تدرين أخيف ميزانك أم يثقل أكان يسرك أين قضيتها لك قالت اللهم ال قال فلو وقفت بني يدي هللا للمساءلة أكان يسرك أين قضيتها لك قالت اللهم ال قال صدقت قال اتسقي هللا فقد أنعم هللا عليك وأحسن إليك قال فرجعت إىل زوجها فقال ما صنعت قالت أنت بطال وحنن بطالون فأقبلت على الصالة والصوم والعبادة فكان زوجها يقول مايل ولعبيد بن عمري أفسد علي امرأيت كانت يف كل ليلة عروسا فصريها راهبة وقال سعيد بن عبدهللا بن راشد علقت فتاة من العرب فىت من قومها وكان عاقال فجعلت تكثر الرتدد إليه فلما طال عليها ذلك مرضت وتغريت واحتالت يف أن خال هلا وجهه فتعرضت إليه ببعض األمر فصرفها ودفعها عنه فتزايد املرض حىت سقطت على الفراش فقالت له أمه إن فالنة قد مرضت وها علينا حق قال فعوديها وقويل هلا يقول لك ما خربك فسارت إليها أمه وسألتها ما بك فقالت وجع يف فؤادي هو أصل عليت قالت فإن ابين يسألك عن علتك فتنفست الصعداء مث قالت يسائلين عن عليت وهو عليت %عجيب من األنباء جاء به اخلرب فانصرفت إليه أمه وأخربته وقالت له تريد أن تصري إليك فقال نعم فذكرت أمه هلا ذلك فبكت وقالت ويبعدين عن قربه ولقائه %فلما أذاب اجلسم مين تعطفا فلست بآت موضعا فيه قاتلي %كفاين سقاما أن أموت تلهفا وتزايدت هبا العلة حىت ماتت وأحب رجل من أهل الكوفة يسمى أبا الشعثاء امرأة مجيلة فلما علمت به كتبت إليه وقالت أليب الشعثاء حب دائم %ليس فيه هتمة ملتهم يا فؤادي فازدجر عنه ويا %عبث احلب به فاقعد وقم جاءين منه كالم صائد %ورساالت احملبني الكلم
صائد يأمنه غزالنه %مثل ما يأمن غزالن احلرم صل إن أحببت أن تعطى املىن %يا أبا الشعثاء هلل وصم مث ميعادك بعد املوت يف %جنة اخللد إن هللا رحم حيث ألقاك غالما ناشئا %ناعما قد كملت فيه النعم وقال األصمعي عن أيب سفيان بن العالء قال بصرت الثريا بعمر بن أيب ربيعة وهو يطوف حول البيت فتنكرت ويف كفها خلوق فزمحته فأثر اخللوق يف ثوبه فجعل الناس يقولون يا أبا اخلطاب ما هذا زي احملرم فأنشأ يقول أدخل هللا رب موسى وعيسى %جنة اخللد من مالين خلوقا مسحت كفها جبيب قميصي %حني طفنا بالبيت مسحا رفيقا فقال له عبدهللا بن ع مر مثل هذا القول يف هذا املوضع فقال له يا أبا عبدالرمحن قد مسعت مين ما قد مسعت فورب هذه البنية ما حللت إزاري على حرام قط وقيل لليلى األخيلية هل كان بينك وبني توبة ما يكرهه هللا قالت إذا أكون منسلخة من ديين إن كنت ارتكبت عظيما مث أتبعه بالكذب وقال العتيب خرجت إىل املربد فإذا بأعرايب غزل فملت إليه فذكرت النساء فتنفس مث قال يا ابن أخي إن من كالمهن ملا يقوم مقام املاء فيشفي من الظمأ فقلت صف يل نساءكم فقال نساء احلي تريد قلت نعم فأنشأ يقول رجح ولسن من اللوايت بالضحى %لذيوهلن على الطريق غبار يأنسن عند بعوهلن إذا خلوا %وإذا هم خرجوا فهن خفار قال العتيب فأخربت به أيب قال تدري من أين أخذ قوله وإن من كالمهن ما يقوم مقام املاء فيشفي من الظمأ قلت ال قال من قول القطامي يقتلننا حبديث ليس يعلمه %من يتقني وال مكنونه بادي فهن يبدين من قول يصنب به %مواقع املاء من ذي الغلة الصادي وهذه الطائفة لعفتهم أسباب أقواها إجالل اجلبار مث الرغبة يف احلور احلسان يف دار القرار فإن من صرف استمتاعه يف هذه الدار إىل ما حرم هللا عليه منعه من االستمتاع باحلور احلسان هناك قال من يلبس احلرير يف الدنيا مل يلبسه يف اآلخرة ومن شرب اخلمر يف الدنيا مل يشرهبا يف اآلخرة فال جيمع هللا للعبد لذة شرب اخلمر ولبس احلرير والتمتع مبا حرم هللا عليه من النساء والصبيان ولذة التمتع بذلك يف اآلخرة فليتخري العبد لنفسه إحدى اللذتني وليطب نفسا عن إحدامها باألخرى فلن جيعل هللا من أذهب طيباته يف حياته الدنيا واستمتع هبا كمن صام عنها ليوم فطره من الدنيا إذا لقي هللا ودون ذلك مرتبة أن يرتكها خوف النار فقط فإن تركها رغبة وحمبة أفضل من تركها جملرد خوف العقوبة مث أدىن من ذلك أن حيمله عليها خوف العار والشنار ومنهم من حيمله على العفة اإلبقاء على حمبته خشية ذهاهبا بالوصال ومنهم من حيمله عليها عفة حمبوبه ونزاهته ومنهم من حيمله عليها احلياء منه واالحتشام له وعظمته يف صدره ومنهم من حيمله عليها الرغبة يف مجيل الذكر وحسن األحدوثة ومنهم من حيمله عليها اإلبقاء على جاهه ومروءته وقدره عند حمبوبه وعند الناس ومنهم من حيمله عليها كرم طبعه وشرف نفسه وعلو مهته ومنهم من حيمله عليها لذة الظفر بالعفة فإن للعفة لذة أعظم من لذة قضاء الوطر لكنها لذة يتقدمها أمل حبس النفس مث تعقبها اللذة وأما قضاء الوطر فبالضد من ذلك ومنهم من حيمله عليها علمه مبا تعقبه اللذة احملرمة من املضار واملفاسد ومجع الفجور خالل الشر كلها كما ستقف عليه يف الباب الذي يلي هذا إن شاء هللا تعاىل فصل ومل يزل الناس يفتخرون بالعفة قدميا وحديثا قال إبراهيم بن هرمة ولرب لذة ليلة قد نلتها %وحرامها حبالهلا مدفوع وقال غريه إذا ما مهمنا صدنا وازع التقى %
فوىل على أعقابه اهلم خاسئا وقال آخر أتأذنون لصب يف زيارتكم %فعندكم شهوات السمع والبصر ال يضمر السوء إن طالت إقامته %عف الضمري ولكن فاسق النظر وقال مسلم بن الوليد أال ريب يوم صادق العيش نلته %هبا ونداماي العفافة والنهى وقال آخر إن تريين زاين العينني %فالفرج عفيف ليس إال النظر الفا %تر والشعر الظريف وقال املوسوي بتنا ضجيعني يف ثويب هوى وتقى %يلفنا الشوق من فرق إىل قدم يشي بنا الطيب أحيانا وآونة %يضيئنا الربق جمتازا على إضم مث انثنينا وقد رابت ظواهرنا %ويف بواطننا بعد عن التهم وقال نفطويه كم قد خلوت مبن أهوى فيمنعين %منه احلياء وخوف هللا واحلذر وكم ظفرت مبن أهوى فيقنعين %منه الفكاهة والتجميش والنظر أهوى احلسان وأهوى أن أجالسهم % وليس يل يف حرام منهم وطر كذلك احلب ال إتيان معصية %ال خري يف لذة من بعدها سقر وقال الشهاب حممود بن سليمان صاحب ديوان اإلنشاء احلليب هلل وقفة عاشقني تالقيا %من بعد طول نوى وبعد مزار يتعاطيان من الغرام مدامة %زادهتما بعدا من األوزار صدقا الغرام فلم ميل طرف إىل %فحش وال كف حلل إزار فتالقيا وتفرقا وكالمها %مل خيش مطعن عائب أو زار وقيل ل بثينة هذا مجيل ملا به فهل عندك من حيلة تنفسني هبا وجده فقالت ما عندي أكثرمن البكاء إىل أن ألقاه يف الدار األخرى أو زيارته وهو ميت حتت الثرى وقيل لعتبة بعد موت عاشقها ما كان يضرك لو أمتعتيه بوجهك قالت منعين من ذلك خوف العار ومشاتة اجلار وخمافة اجلبار وإن بقليب أضعاف ما بقلبه غري أين أجد سرته أبقى للمودة وأمحد للعاقبة وأطوع للرب وأخف للذنب وهوي فىت امرأة وهويته وشاع خربمها فاجتمعا يوما خاليني فقال هلا هلمي حنقق ما يقال فينا فقالت ال وهللا ال كان هذا أبدا وأنا أقرأ األخالء يومئذ بعضهم لبعض عدو إال املتقني وقيل لبعضهم وقد هوي جارية فطال عشقه هبا ما أنت صانع لوظفرت هبا وال يراكما إال هللا قال وهللا ال جعلته أهون الناظرين إيل ال أفعل هبا خاليا إال ما أفعله حبضرة أهلها حنني طويل وحلظ من بعيد وأترك ما يسخط الرب ويفسد احلب إذا كان حظ املرء ممن حيبه %حراما فحظي ما حيل وجيمل حديث كماء املزن بني فصوله %عتاب به حسن احلديث يفصل ولثم فم عذب اللثات كأمنا %جناهن شهد فت فيه القرنفل وما العشق إال عفة ونزاهة %وأنس قلوب أنسهن التغزل وإين ألستحيي احلبيب من اليت %تريب وأدعى للجميل فأمجل وقال آخر وإين ملشتاق إىل كل غاية %من اجملد يكبو دوهنا املتطاول بذول ملايل حني يبخل ذو النهى %عفيف عن الفحشاء قرم حالحل وما ألطف قوله حني يبخل ذو النهى فإن ذا النهى ال يبخل إال يف موضع البخل فأخرب هذا أنه يبذل ماله حني يبخل به ربه يف موضع البخل وقال عامر بن حذافة رأيت بصحار جارية قد ألصقت خدها بقرب وهي تبكي وتقول خدي يقيك خشونة اللحد %وأقل ما لك سيدي خدي يا ساكن الرتب الذي بوفاته %عميت علي مسالك الرشد إمسع فديتك قصيت فلعلين %أشفي بذلك غلة الوجد قال فسألتها عن صاحب القرب فقالت فىت رافقته يف الصبا مث أنشأت تقول كنا كزوج محائم يف أيكة %متنعمني بصحة وشباب فغدا الزمان مشتتا بفراقه %إن الزمان مفرق األحباب
قال فبكيت لرقة شعرها فأنشأت تقول تبكي عليه ولست تعرف أمره %فألعلمنك حاله ببيان ما كان للعافني غري نواله %فإذا استجري ففارس الفرسان ال يتبع اجلريان رفة طرفه %ويتابع اإلحسان للجريان عف السريرة واجلهرية مثلها %فإذا استضم أراك فتق طعان فقلت أعلميين من هو قالت سنان بن وبرة الذي يقول فيه الشاعر يا رائدا غيثا لنجعة قومه %يكفيك من غيث نوال سنان مث قالت يا هذا وهللا لوال أنك غريب ما متعك من حديثي قلت فكيف كان حبه لك قالت ما كان يوسدين إذا منت إال يده فمكثت معه أربعة أحوال ما توسدت غريها إال يف حال مينعه مانع وقال سعيد بن حيىي األموي حدثين عمي حممد بن سعيد حدثنا عبدامللك ابن عمري قال كان أخوان من ثقيف من بين كنة بينهما من التحاب شيء ال يعلمه إال هللا وكل واحد منهما أخوه عنده عدل نفسه فخرج األكرب منهما إىل سفر له وله امرأة فأوصى أخاه حباجة أهله فبينا املقيم يف دار الظاعن إذ مرت امرأة أخيه يف درع جتوز من بيت إىل بيت وكانت من أمجل البشر فرأى شيئا حريه فلما رأته ولت ووضعت يدها على رأسها ودخلت بيتا ووقع حبها يف قلبه فجعل يذوب وينحل جسمه ويتغري لونه وقدم أخوه فقال مالك يا أخي متغريا ما وجعك قال ما يب من وجع فدعا له األطباء فلم يقف أحد على دائه غري احلارث بن كلدة وكان طبيبا فقال أرى عينني صحيحتني وما أدري ما هذا الوجع وما أظنه إال عاشقا فقال له أخوه سبحان هللا أسألك عن وجع أخي وأنت تستهزىء يب فقال ما فعت وسأسقيه شرابا عندي فإن كان عاشقا فسيتبني لكم فأتاه بشراب فجعل يسقيه قليال قليال فلما أخذه الشراب هاج وقال أملا يب على األبيا %ت من خيف نزرهنه غزال ما رأيت اليو %م يف دور بين كنه أسيل اخلد مربوب %ويف منطقه غنه فقال أنت طبيب العرب فبمن قال سأعيد له الشراب ولعله يسمي فأعاد له الشراب فسمى املرأة فطلقها أخوه ليتزوجها فقال املريض علي كذا وكذا إن تزوجتها فقضى ومل يتزوجها وقال علي بن املبارك السراج حدثنا أبو مسهر عن بكر بن عبدهللا قال عرض احلجاج بن يوسف س جنه يوما فأيت برجل فقال ما كان جرمك فقال أصلح هللا األمري أخذين العسس وأناخمربك خبربي فإن كان الكذب ينجي فالصدق أوىل بالنجاة قال وما قصتك قال كنت أخا لفالن فضرب األمري عليه البعث إىل خراسان فكانت امرأته هتواين وأنا ال أشعر فبعثت إيل ذات يوم رسوال أن قد جاء كتاب صاحبك فهلم لتقرأه فمضيت إليها فجعلت تشغلين باحلديث حىت صلينا املغرب مث أظهرت يل ما يف نفسها مين ودعتين إىل السوء فأبيت ذلك فقالت وهللا لئن مل تفعل ألصيحن وألقولن إنك لص فخفتها وهللا أيها األمري على نفسي فقلت أمهليين حىت الليل فلما صليت العتمة وثقت بشدة حرس األمري فخرجت من عندها هاربا وكان القتل أيسر علي من خيانة أخي فلقيين عسس األمري فأخذوين وقد قلت يف ذلك شعرا قال وما قلت فقال رب بيضاء آنس ذات دل %قد دعتين لوصلها فأبيت مل يكن شأين العفاف ولكن %كنت خال لزوجها فاستحيت فأمر بإطالقه وقال الربيع بن زياد رأيت جارية عند قرب وهي تقول بنفسي فىت أوفىالربية كلها %وأقواهم يف املوت صربا على احلب فقلت هلا مب صار أوفاهم وأقواهم قالت هويين فكان أهلي إن جاهر حبيب الموه وإن كتمه عنفوه فلما أخذه األمر قال يقولون إن جاهرت قد عضك اهلوى %وإن مل أبح باحلب قالوا تصربا وليس
ملن يهوى ويكتم حبه %من األمر إال أن ميوت فيعذرا ومل يزل يردد هذين البيتني حىت مات فوهللا يا هذا ال أبرح أو يتصل قربانا مث شهقت شهقة فصاح النساء وقلن قضت والذي اختار هلا الوفاة فما رأيت أسرع وال أوحى من أمرها قال ابن الدمينة وبتنا فويق احلي ال حنن منهم %وال حنن باألعداء خمتلطان وبات بقينا ساقط الطل والندى %من الليل بردا مينة عطران نذور بذكر هللا عنا غوى الصبا %إذا كان قلبانا له يردان ونصدر عن ري العفاف ورمبا %نقعنا غليل احلب بالرشفان قال أبو الفرج وشت جارية بثينة هبا إىل أبيها وأخيها وقالت هلما إن مجيال عندها فأتيا مشتملني على سيفيهما فرأياه خاليا حجرة منها حيدثها ويشكو إليها بثه مث قال هلا يا بثينة أرأيت ما يب من الشغف والعشق أال جتزينيه قالت له مباذا قال مبا يكون من املتحابني فقالت له يا مجيل أهذا تبغي وهللا لقد كنت عندي بعيدا منه فإذا عاودت تعريضا بريبة ال رأيت وجهي أبدا فضحك وقال وهللا ما قلت لك هذا إال ألعلم ما عندك ولو علمت أنك جتيبينين إليه لعلمت أنك جتيبني غريي ولو رأيت منك مساعدة لضربتك بسيفي هذا ما استمسك يف يدي إن طاوعتين نفسي أو هجرتك أبدا أما مسعت قويل وإين ألرضى من بثينة بالذي %لو أبصره الواشي لقرت بالبله بال وبأن ال أستطيع وباملىن %وباألمل املرجو قد خاب آمله وبالنظرة العجلى وباحلول تنقضي %أواخره ال نلتقي وأوائله فقال أبوها ألخيها قم بنا فما ينبغي لنا بعد هذا اليوم أن مننع هذا الرجل من إتياهنا الباب الرابع والعشرون يف ارتكاب سبيلي احلرام وما يفضي إليه من املفاسد واآلالم حقيق بكل عاقل أن ال يسلك سبيال حىت يعلم سالمتها وآفاهتا وما توصل إليه تلك الطريق من سالمة أو عطب وهذان السبيالن هالك األولني واآلخرين هبما وفيهما من املعاطب واملهالك ما فيهما ويفضيان بصاحبهما إىل أقبح الغايات وشر موارد اهللكات وهلذا جعل هللا سبحانه وتعاىل سبيل الزىن سر سبيل فقال تعاىل وال تقربوا الزىن إنه كان فاحشة وساء سبيال فإذا كانت هذه سبيل الزىن فكيف بسبيل اللواظ اليت تعدل الفعلة منه يف اإلمث والعقوبة أضعافها وأضعاف أضعافها من الزىن كما ستقف عليه إن شاء هللا تعاىل فأما سبيل الزىن فأسوأ سبيل ومقيل أهلها يف اجلحيم شر مقيل ومستقر أرواحهم يف الربزخ يف تنور من نار يأتيهم هلبها من حتتهم فإذا أتاهم اللهب ضجوا وارتفعوا مث يعودون إىل موضعهم فهم هكذا إىل يوم القيامة كما رآهم النيب يف منامه ورؤيا األنبياء وحي ال شك فيها فروى البخاري يف صحيحه من حديث مسرة بن جندب رضي هللا عنه قال كان رسول هللا مما يكثر أن يقول ألصحابه هل رأى أحد منكم من رؤيا فيقص عليه ما شاء هللا أن يقص وإنه قال لنا ذات غداة إنه أتاين الليلة آتيان وإهنما ابتعثاين وإهن ما قاال يل انطلق وإين انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ راسه فيتدهده احلجر هاهنا فيتبع احلجر فيأخذه فال يرجع إليه حىت يصح رأسه كما كان مث يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل املرة األوىل قال قلت هلما سبحان هللا ما هذان قال قاال يل انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأيت أحد شقي
وجهه فيشرشر شدقه إىل قفاه ومنخره إىل قفاه وعينه إىل قفاه مث يتحول إىل اجلانب اآلخر فيفعل به مثل ما فعل باجلانب األول فما يف رغ من ذلك اجلانب حىت يصح ذلك اجلانب كما كان مث يعود عليه فيفعل مثل ما فعل املرة األوىل قال قلت سبحان هللا ما هذان قال قاال يل انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل التنور فإذا فيه لغط وأصوات قال فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم هلب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قال قلت هلما ما هؤالء قال قاال يل انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على هنر أمحر مثل الدم وإذا يف النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد مجع عنده حجارة كثرية وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح مث يأيت ذلك الذي قد مجع عنده احلجارة فيغفر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح مث يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا قال قلت هلما ما هذان قال قاال يل انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على رجل كريه املرآة كأكره ما أنت راء رجال مرآة وإذا عنده نار حيشها ويسعى حوهلا قال قلت هلما ما هذا قال قاال يل انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع وإذا بني ظهري الروضة رجل طويل ال أكاد أرى رأسه طوال يف السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط قال قلت هلما ما هؤالء قال قاال يل انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على دوحة مل أر دوحة قط أعظم منها وال أحسن قال قاال يل ارق فيها فارتقينا فيها إىل مدينة مبنية بلنب ذهب ولنب فضة قال فأتينا باب املدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء قال قاال هلم اذهبوا فقعوا يف ذلك النهر قال وإذا هنر معرتض جيري كأن ماءه احملض يف البياض فذهبوا فوقعوا فيه مث رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا يف أحسن صورة قال قاال يل هذه جنة عدن وهذاك منزلك قال فسما بصري صعدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء قال قاال يل هذاك منزلك قال قلت هلما بارك هللا فيكما ذراين فأدخله قاال أما اآلن فال وأنت داخله قال قلت هلما فإين قد رأيت منذ الليلة عجبا فما هذا الذي رأيت قال قاال يل أما إنا سنخربك أما الرجل األول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه باحلجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فريفضه وينام عن الصالة املكتوبة وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إىل قفاه ومنخره إىل قفاه وعينه إىل قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ اآلفاق وأما الرجال والنساء العراة الذين هم يف مثل بناء التنور فإهنم الزناة والزواين وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح يف النهر ويلقم احلجر فإنه آكل الربا وأما الرجل الكريه املرآة الذي عند النار حيشها ويسعى حوهلا فإنه مالك خازن جهنم وأما الرجل الطويل الذي يف الروضة فإنه إبراهيم وأما الولدان حوله فكل مولود مات على الفطرة قال فقال بعض املسلمني يا رسول هللا وأوالد املشركني قال وأوالد املشركني وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإهنم قوم خلطوا عمال صاحلا وآخر سيئا جتاوز هللا عنهم وقال أبو مسلم الكجي حدثنا صدقة بن جابر عن سليم بن عامر قال حدثين أبو أمامة الباهلي قال مسعت النيب يقول بينا أنا نائم إذ أتاين رجالن فأخذا بضبعي فأخرجاين فأتيا يب جبال وعرا وقاال يل اصعد فقلت إين ال أطيقه فقاال سنسهله لك قال فصعدت حىت إذا كنت يف سواء اجلبل إذا أنا بأصوات مديدة فقلت ما هذه األصوات فقاال هذا عواء أهل النار مث انطلق يب فإذا أنا بفوج أشد شيء انتفاخا وأنتنه رحيا وأسوأه منظرا فقلت من هؤالء فقاال هؤالء قتلى الكفار مث انطلق يب فإذا بفوج أشد شيء انتفاخا وأنتنه رحيا كأن
رحيهم املراحيض فقلت من هؤالء قال الزانون والزواين وقال قتيبة بن سعيد حدثنا نوح بن قيس قال حدثين أبو هارون العبدي عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه قال قال رسول هللا ليلة أسري يب انطلق يب إىل خلق من خلق هللا كثري نساء معلقات بثديهن ومنهن بأرجلهن منكسات وهلن صراخ وخوار فقلت يا جربيل من هؤالء قال هؤالء اللوايت يزنني ويقتلن أوالدهن وجيعلن ألزواجهن ورثة من غريهم وقال أبو نعيم الفضل بن دكني حدثنا عبدالسالم بن شداد عن غزوان بن جرير عن أبيه أهنم تذاكروا عند علي بن أيب طالب رضي هللا عنه الفواحش فقال هلم هل تدرون أي الزىن أعظم قالوا يا أمري املؤمنني كله عظيم قال ولكن سأخربكم بأعظم الزىن عند هللا هو أن يزين الرجل بزوجة الرجل املسلم فيصري زانيا وقد أفسد على الرجل زوجته مث قال عند ذلك إن الناس يرسل عليهم يوم القيامة ريح منتنة حىت يتأذى منها كل بر وفاجر حىت إذا بلغت منهم كل مبلغ وأملت أن متسك بأنفاس األمم كلهم ناداهم مناد يسمعهم الصوت ويقول هلم هل تدرون ما هذه الريح اليت قد آذتكم فيقولون ال ندري وهللا إال أهنا قد بلغت منا كل مبلغ فيقال أال إهنا ريح فروج الزناة الذين لقوا هللا بزناهم ومل يتوبوا منه مث يصرف هبم فلم يذكر عند الصرف هبم جنة وال نارا وقال اخلرائطي حدثنا علي بن داود القنطري حدثنا سعيد بن عفري حدثين مسلم بن علي اخلشين عن أيب عبدالرمحن عن األعمش عن شقيق عن حذيفة رضي هللا عنه أن رسول هللا قال يا معشر املسلمني إياكم والزىن فإن فيه ست خصال ثالث يف الدنيا وثالث يف اآلخرة فأما اللوايت يف الدنيا فذهاب البهاء ودوام الفقر وقصر العمر وأما اللوايت يف اآلخرة فسخط هللا وسوء احلساب ودخول النار ويذكر عن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال املقيم على الزىن كعابد وثن ورفعه بعضهم وهذا أوىل أن يشبه بعابد الوثن من مدمن اخلمر ويف املسند وغريه مرفوعا مدمن اخلمر كعابد وثن فإن الزىن أعظم من شرب اخلمر قال اإلمام أمحد بن حنبل رمحه هللا تعاىل ليس بعد قتل النفس أعظم من الزىن ويف الصحيحني من حديث أيب وائل عن عبدهللا بن مسعود رضي هللا عنه قال قلت يا رسول هللا أي الذنب أعظم عند هللا قال أن جتعل هلل ندا وهو خلقك قال قلت مث أي قال أن تقتل ولدك خمافة أن يطعم منك قال قلت مث أي قال أن تزين حبليلة جارك فأنزل هللا تصديق ذلك يف كتابه والذين ال يدعون مع هللا إهلا آخر وال يقتلون النفس اليت حرم هللا إال باحلق وال يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما وقال قتيبة بن سعيد حدثنا ابن هليعة عن ابن أنعم عن رجل عن عبدهللا بن عمرو رضي هللا عنه قال قال رسول هللا الزاين حبليلة جاره ال ينظر هللا إليه يوم القيامة وال يزكيه ويقول له ادخل النار مع الداخلني وذكر سفيان بن عيينة عن جامع بن شداد عن أيب وائل عن عبدهللا قال إذا خبس املكيال حبس القطر وإذا ظهر الزىن وقع الطاعون وإذا كثر الكذب كثر اهلرج ويف الصحيحني من حديث األعمش عن أيب حازم عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا ثالثة ال يكلمهم هللا يوم القيامة وال ينظر إليهم وال يزكيهم وهلم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكرب وذكر سفيان الثوري عن منصور عن ربعي بن حراش عن أيب ذر رضي هللا عنه أن رسول هللا قال إن هللا يبغض ثالثة الشيخ الزاين واملقل املختال والبخيل املنان وذكر األعمش عن خيثمة عن أيب عبدالرمحن عن عبدهللا بن عمرو رضي هللا عنهما عن النيب قال مثل الذي جيلس على فراش املغيبة مثل الذي ينهشه األساود يوم القيامة املغيبة هي اليت قد سافر
زوجها يف جهاد أو حج أو غريمها ويف النسائي وغريه من حديث بريدة عن النيب قال حرمة نساء اجملاهدين على القاعدين كأمهاهتم وما من رجل من القاعدين خيلف رجال من اجملاهدين يف أهله إال نصب له يوم القيامة فيقال يا فالن هذا فالن فخذ من حسناته ما شئت مث التفت النيب إىل أصحابه فقال ما ترون يدع له من حسناته شيئا ويف لفظ وإذ اخلفه يف أهله فخانه قيل يوم القيامة هذا خانك يف أهلك فخذ من حسناته ما شئت فما ظنكم ويكفي يف قبح الزىن أن هللا سبحانه وتعاىل مع كمال رمحته شرع فيه أفحش القتالت وأصعبها وأفضحها وأمر أن يشهد عباده املؤمنون تعذيب فاعله ومن قبحه أن هللا سبحانه فطر عليه بعض احليوان البهيم الذي ال عقل له كما ذكر البخاري يف صحيحه عن عمرو بن ميمون األودي قال رأيت يف اجلاهلية قردا زىن بقردة فاجتمع عليهما القرود فرمجومها حىت ماتا وكنت فيمن رمجهما فصل والزىن جيمع خالل الشر كلها من قلة الدين وذهاب الورع وفساد املروءة وقلة الغرية فال جتد زانيا معه ورع وال وفاء بعهد وال صدق يف حديث وال حمافظة على صديق وال غرية تامة على أهله فالغدر والكذب واخليانة وقلةاحلياء وعدم املراقبة وعدم األنفة للحرم وذهاب الغرية من القلب من شعبه وموجباته ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله ولو تعرض رجل إىل ملك من امللوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة ومنها سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة واملقت الذي يبدو عليه للناظرين ومنها ظلمة القلب وطمس نوره وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له ومنها الفقر الالزم ويف أثر يقول هللا تعاىل أنا هللا مهلك الطغاة ومفقر الزناة ومنها أنه يذهب حرمة فاعله ويسقطه من عني ربه ومن أعني عباده ومنها أنه يسلبه أح سن األمساء وهو اسم العفة والرب والعدالة ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاين واخلائن ومنها أنه يسلبه اسم املؤمن كما يف الصحيحني عن النيب أنه قال ال يزين الزاين حني يزين وهو مؤمن فسلبه اسم اإلميان املطلق وإن مل يسلب عنه مطلق اإلميان وسئل جعفر بن حممد عن هذا احلديث فخط دائرة يف األرض وقال هذه دائرة اإلميان مث خط دائرة أخرى خارجة عنها وقال هذه دائرة اإلسالم فإذا زىن العبد خرج من هذه ومل خيرج من هذه وال يلزم من ثبوت جزء ما من اإلميان له أن يسمى مؤمنا كما أن الرجل يكون معه جزء من العلم والفقه وال يسمى به عاملا فقيها ومعه جزء من الشجاعة واجلود وال يسمى بذلك شجاعا وال جوادا وكذلك يكون معه شيء من التقوى وال يسمى متقيا ونظائره فالصواب إجراء احلديث على ظاهره وال يتأول مبا خيالف ظاهره وهللا أعلم ومنها أن يعرض نفسه لسكىن التنور الذي رأى النيب فيه الزناة والزواين ومنها أنه يفارقه الطيب الذي وصف هللا به أهل العفاف ويستبدل به اخلبيث الذي وصف هللا به الزناة كما قال هللا تعاىل اخلبيثات للخبيثني واخلبيثون للخبيثات والطيبات للطيبني والطيبون للطيبات وقد حرم هللا اجلنة على كل خبيث بل جعلها مأوى الطيبني وال يدخلها إال طيب قال هللا تعاىل الذين تتوفاهم املالئكة طيبني يقولون سالم عليكم ادخلوا اجلنة مبا كنتم تعملون وقال تعاىل وقال هلم خزنتها سالم عليكم طبتم فادخلوها خالدين فإمنا استحقوا سالم املالئكة ودخول اجلنة بطيبهم والزناة من أخبث اخللق وقد جعل هللا سبحانه جهنم دار اخلبيث وأهله فإذا كان يوم القيامة ميز اخلبيث من الطيب وجعل اخلبيث بعضه على بعض مث ألقاه وألقى أهله يف جهنم فال يدخل النار طيب وال
يدخل اجلنة خبيث ومنها الوحشة اليت يضعها هللا سبحانه وتعاىل يف قلب الزاين وهي نظري الوحشة اليت تعلو وجهه فالعفيف على وجهه حالوة ويف قلبه أنس ومن جالسه استأنس به والزاين تعلو وجهه الوحشة ومن جالسه استوحش به ومنها قلة اهليبة اليت تنزع من صدور أهله وأصحابه وغريهم له وهو أحقر شيء يف نفوسهم وعيوهنم خبالف العفيف فإنه يرزق املهابة واحلالوة ومنها أن الناس ينظرونه بعني اخليانة وال يأمنه أحد عل ى حرمته وال على ولده ومنها الرائحة اليت تفوح عليه يشمها كل ذي قلب سليم تفوح من فيه وجسده ولوال اشرتاك الناس يف هذه الرائحة لفاحت من صاحبها ونادت عليه ولكن كما قيل كل به مثل ما يب غري أهنم %من غرية بعضهم للبعض عذال ومنها ضيقة الصدر وحرجه فإن الزناة يعاملون بضد قصودهم فإن من طلب لذة العيش وطيبه مبا حرمه هللا عليه عاقبه بنقيض قصده فإن ما عند هللا ال ينال إال بطاعته ومل جيعل هللا معصيته سببا إىل خري قط ولو علم الفاجر ما يف العفاف من اللذة والسرور وانشراح الصدر وطيب العيش لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف أض عاف ما حصل له دع ربح العاقبة والفوز بثواب هللا وكرامته ومنها أنه يعرض نفسه لفوات االستمتاع باحلور العني يف املساكن الطيبة يف جنات عدن وقد تقدم أن هللا سبحانه وتعاىل إذا كان قد عاقب البس احلرير يف الدنيا حبرمانه لبسه يوم القيامة وشارب اخلمر يف الدنيا حبرمان ه إياها يوم القيامة فكذلك من متتع بالصور احملرمة يف الدنيا بل كل ما ناله العبد يف الدنيا فإن توسع يف حالله ضيق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه وإن ناله من حرام فاته نظريه يوم القيامة ومنها أن الزىن جيرئه على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وكسب احلرام وظلم اخللق وإضاعة أهله وعياله ورمبا قاده قسرا إىل سفك الدم احلرام ورمبا استعان عليه بالسحر وبالشرك وهو يدري أو ال يدري فهذه املعصية ال تتم إال بأنواع من املعاصي قبلها ومعها ويتولد عنها أنواع أخر من املعاصي بعدها فهي حمفوفة جبند من املعاصي قبلها وجند بعدها وه ي أجلب شيء لشر الدنيا واآلخرة وأمنع شيء خلري الدنيا واآلخرة وإذا علقت بالعبد فوقع يف حبائلها وأشراكها عز على الناصحني استنقاذه وأعىي األطباء دواؤه فأسريها ال يفدى وقتيلها ال يودى وقد وكلها هللا سبحانه بزوال النعم فإذا ابتلي هبا عبد فليودع نعم هللا فإهنا ضي ف سريع االنتقال وشيك الزوال قال هللا تعاىل ذلك بأن هللا مل يك مغريا نعمة أنعمها على قوم حىت يغريوا ما بأنفسهم وأن هللا مسيع عليم وقال تعاىل وإذا اراد هللا بقوم سوءا فال مرد له وما هلم من دونه من وال فصل فهذا بعض ما يف هذه السبيل من الضرر وأما سبيل األمة اللوطية فتلك سبيل اهلالكني املفضية بسالكها إىل منازل املعذبني الذين مجع هللا عليهم من أنواع العقوبات مامل جيمعه على أمة من األمم ال من تأخر عنهم وال من تقدم وجعل ديارهم وآثارهم عربة للمعتربين وموعظة للمتقني وكتب خالد بن الوليد إىل أيب بكر الصديق رضي هللا عنهما أنه وجد يف بعض ضواحي العرب رجال ينكح كما تنكح املرأة فجمع أبو بكر رضي هللا عنه لذلك ناسا من أصحاب رسول هللا وفيهم علي بن أيب طالب رضي هللا عنه فاستشارهم فكان علي رضي هللا عنه أشدهم قوال فيه فقال إن هذا مل يعمل به أمة من األمم إال أمة واحدة فصنع هللا هبم ما قد علمتم أرى أن حترقوه بالنار فأحرقوه بالنار وقال عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه ومجاعة من الصحابة والتابعني يرجم باحلجارة حىت ميوت أحصن أو مل حيصن ووافقه على ذلك
اإلمام أمحد وإسحاق ومالك وقال الزهري يرجم أحصن أو مل حيصن سنه ماضية وقال جابر بن زيد يف رجل غشي رجال يف دبره قال الدبر أعظم حرمة من الفرج يرجم أحصن أومل حيصن وقال الشعيب يقتل أحصن أو مل حيصن وسئل ابن عباس عن اللوطي ما حده قال ينظر أعلى بناء يف املدينة فريمى منه منكسا مث يتبع باحلجارة ورجم علي لوطيا وافىت بتحريقه وكأنه رأى جواز هذا وهذا وقال إبراهيم النخعي لو كان أحد ينبغي له أن يرجم مرتني لكان ينبغي للوطي أن يرجم مرتني وذهبت طائفة إىل أنه يرجم إن احصن وجيلد إن مل حيصن وهذا قول الشافعي وأمحد يف رواية عنه وسعيد بن املسيب يف رواية عنه وعطاء بن أيب رباح قال عطاء شهدت ابن الزبري أيت بسبعة أخذوا يف اللواط أربعة منهم قد أحصنوا وثالثة مل حيصنوا فأمر باألربعة فأخرجوا من املسجد احلرام فرمجوا باحلجارة وأمر بالثالثة فضربوا احلد ويف املسجد ابن عمر وابن عباس فالصحابة اتفقوا على قتل اللوطي وإمنا اختلفوا يف كيفية قتله فظن بعض الناس أهنم متنازعون يف قتله وال نزاع بينهم فيه إال يف إحلاقه بالزاين أو قتله مطلقا وقد اختلف الناس يف عقوبته على ثالثة أقوال أحدها أهنا أعظم من عقوبة الزىن كما أن عقوبته يف اآلخرة أشد الثاين أهنا مثلها الثالث أهنا دوهنا وذهب بعض الشافعية إىل أن عقوبة الفاعل كعقوبة الزاين وعقوبة املفعول به اجللد مطلقا بكرا كان أو ثيبا قال ألنه ال يلتذ بالفعل به خبالف الفاعل وذهب بعض الفقهاء إىل أنه ال حد على واحد منهما قال ألن الوازع عن ذلك ما يف الطباع من النفرة عنه واستقباحه وما كان ذلك مل حيتج إىل أن يزجر الشارع عنه باحلد كأكل العذرة وامليتة والدم وشرب البول مث قال هؤالء إذا أكثر منه اللوطي فلإلمام قتله تعزيرا صرح بذلك أصحاب أيب حنيفة والصحيح أن عقوبته أغلظ من عقوبة الزاين إلمجاع الصحابة على ذلك ولغلظ حرمته وانتشار فساده وألن هللا سبحانه وتعاىل مل يعاقب أمة ما عاقب اللوطية قال ابن أيب جنيح يف تفسريه عن عمرو بن دينار يف قوله تعاىل إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم هبا من أحد من العاملني قال ما نزا ذكر على ذكر حىت كان قوم لوط وقال حممد بن خملد مسعت عباسا الدوري يقول بلغين أن األرض تعج إذا ركب الذكر على الذكر وذكر ابن أيب الدنيا بإسناده عن كعب قال كان إبراهيم يشرف على سدوم فيقول ويل لك سدوم يوما مالك فجاءت إبراهيم الرسل وكلمهم إبراهيم يف أمر قوم لوط قالوا يا إبراهيم أعرض عن هذا ^ قال ^ ومل جاءت رسلنا لوطا سيء هبم وضاق هبم ذرعا فذهب هبم إىل منزله فذهبت امرأته فجاءه قومه يهرعون إليه فقال يا قوم هؤالء بنايت هن أطهر لكم أزوجكم هبن أليس منكم رجل رشيد وجعل لوط األضياف يف بيته وقعد على باب البيت وقال لو أن يل بكم قوة أو آوي إىل ركن شديد قال أي عشرية متنعين قال ومل يبعث نيب بعد لوط إال يف عز من قومه فلما رأت الرسل ما قد لقي لوط يف سببهم قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فاسر بأهلك بقطع من الليل وال يلتفت منكم أحد إال امرأتك إنه مصيبها ما أصاهبم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب فخرج عليهم جربيل عليه السالم فضرب وجوههم جبناحه ضربة طمست أعينهم قال والطمس أن تذهب حىت تستوي واحتمل مدائنهم حىت مسع أهل مساء ال دنيا نبيح كالهبم وأصوات ديوكهم مث قلبها وأمطر هللا عليهم حجارة من سجيل قال على أهل بواديهم وعلى
رعاهتم وعلى مسافريهم فلم ينفلت منهم إنسان وقال جماهد نزل جربل عليه السالم فأدخل جناحه حتت مدائن قوم لوط فرفعها حىت مسع أهل السماء نبيح الكالب وأصوت الدجاج والديكة مث قلبها فجعل أعالها أسفلها مث أتبعوا باحلجارة ويف تفسري أيب صاحل عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال أغلق لوط على ضيفه الباب فخلعوا الباب ودخلوا فطمس جربل أعينهم فذهبت أبصارهم فقالوا يا لوط جئتنا بالسحرة وتوعدوه فأوجس يف نفسه خيفة قال يذهب هؤالء ونؤذى فق الوا ال ختف إنا رسل ربك إن موعدهم الصبح قال لوط الساعة قال جربيل أليس الصبح بقريب قال فرفعت املدينة حتىسمع أهل السماء نبيح الكالب مث أقلبت ورموا باحلجارة وقال حذيفة بن اليمان ملا أرسلت الرسل إىل قوم لوط لتهلكهم قيل هلم ال هتلكوهم حىت يشهد عليهم لوط ثالث مرات وطريقهم على إبراهيم قال فأتوا إبراهيم فبشروه مبا بشروه فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى جيادلنا يف قوم لوط قال كان جمادلته إياهم أن قال هلم إن كان فيهم مخسون أهتلكوهنم قالوا ال قال أفرأيتم إن كان فيهم أربعون قالوا ال قال فثالثون قالوا ال حىت انتهى إىل عشرة أو مخسة فأتا لوطا وهو يف أرض يعمل فيها فحسبهم ضيفا فأقبل هبم حني أمسى إىل أهله فأتوا معه فاتلفت إليهم فقال أما ترون ما يصنع هؤالء قالوا وما يصنعون قال من من الناس أحد شر منهم قال فانتهى هبم إىل أهله فانطلقت العجوز السوء امرأته فأتت قومه فقالت لق د تضيف لوطا الليلة قوم ما رأيت قط أحسن وجوها وال أطيب رحيا منهم فأقبلوا يهرعون إليه حىت دفعوا الباب مث كادوا أن يقلبوه عليهم فقام ملك جبناحه فصفقه دوهنم مث أغلق الباب مث علوا األجاجري فجعل خياطبهم فقال هؤالء بنايت هن أطهر لكم حىت بلغ أو آوي إىل ركن شديد ش ديد قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فطمس جربيل أعينهم فما بقي أحد منهم تلك الليلة حىت عمي قال فباتوا بشر ليلة عميا ينتظرون العذاب قال وسار بأهله واستأذن جربيل عليه السالم يف هالكهم فأذن له فارتفع باألرض اليت كانوا عليها فألوى هبا حىت مسع أهل السماء الدنيا ضغاء كالهبم وأوقد حتتها نارا مث قلبها هبم قال فسمعت امرأته الوجبة وهي معه فالتفتت فأصاهبا العذاب ويف تفسري العويف عن ابن عباس رضي هللا عنهما جادل إبراهيم املالئكة يف قوم لوط أن يرتكوا فقال أرأيتم إن كان فيهم عشرةأبيات من املسلمني أترتكوهنم فقالت املالئكة ليس فيها عشرة أبيات وال مخسة وال أربعة وال ثالثة وال اثنان فحزن إبراهيم على لوط وأهل بيته و قال إن فيها لوطا قالوا حنن أعلم مبن فيها لننجينه وأهله إال امرأته كانت من الغابرين فذلك قوله فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى جيادلنا يف قوم لوط إن إبراهيم حلليم أواه منيب فقالت املالئكة يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإهنم آتيهم عذاب غري مردود فبعث هللا إليهم جربيل فانتسف املدينة ومن فيها بأحد جناحيه فجعل عاليها سافلها وتبعتهم احلجارة بكل أرض فأهلك هللا سبحانه الفاعل واملفعول به والساكت ال راضي والدال احملصن منهم وغري احملصن العاشق واملعشوق وأخذهم وهم يف سكرة عشقهم يعمهون وذكر ابن أيب داود يف تفسريه عن وهب بن منبه قال إن املالئكة حني دخلوا على لوط ظن أهنم أضياف ضافوه فاحتفل هلم وحرص على كرامتهم وخالفته امرأته إىل فساق قومه فأخربهتم أنه ضاف لوطا أحسن الناس وجها وأنضرهم مجاال وأطيبهم رحيا فكانت هذه خيانتها اليت ذكر هللا عز وجل يف كتابه وفيه عن ابن عباس رضي هللا عنهما يف
قوله فخانتامها قال وهللا ما زنتا وال بغت امرأة نيب قط فقيل له فما كانت خيانة امرأة نوح وامرأة لوط فقال أما امرأة نوح فكانت خترب أنه جمنون وأما امرأة لوط فإهنا كانت تدل على الضيف وقال أبو مسلم الليثي يف مسنده حثنا سليمان بن داود حدثنا عبدالوارث حدثنا القاسم بن عبدالرمحن حدثنا عبدهللا بن حممد بن عقيل قال مسعت جابر بن عبدهللا رضي هللا عنه يقول قال رسول هللا إن أخوف ما أخاف على أميت من بعدي عمل قوم لوط وقال هشام بن عمار حدثنا عبدالعزيز الدراوردي عن عمرو بن أيب عمرو عن عكرمة عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن رسول هللا قال لعن هللا من وقع على هبيمة ولعن هللا من عمل عمل قوم لوط رواه اإلمام أمحد وقال القعنيب حدثنا عبدالعزيز هو الدراوردي عن عمرو بن أيب عمرو موىل املطلب بن عبدهللا بن حنطب املخزومي عن عكرمة عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن رسول هللا قال لعن هللا من توىل غري مواليه ولعن هللا من غري ختوم األرض ولعن هللا من كمه أعمى عن السبيل ولعن هللا من لعن والديه ولعن هللا من عمل عمل قوم لوط ولعن هللا من عمل عمل قوم لوط ولعن هللا من عمل عمل قوم لوط ثالثا ولعن هللا من ذبح لغري هللا ولعن هللا من وقع على هبيمة هذا اإلسناد على شرط البخاري وقال أبو داود الطيالسي حدثنا بشر بن املفضل عن خالد احلذاء عن حممد بن سريين عن أيب موسى األشعري رضي هللا عنه قا ل قال رسول هللا إذا باشر الرجل الرجل فهما زانيان ويف لفظ إذا أتى الرجل الرجل ويف املسند والسنن من حديث عكرمة عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال قال رسول هللا اقتلوا الفاعل واملفعول به ويف لفظ من وجدمتوه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل واملفعول به وإسناده على شرط البخاري وروى سهيل بن أيب صاحل عن أبيه عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول هللا من وجدمتوه يعمل عمل قوم لوط فارمجوه أو قال فاقتلوا الفاعل واملفعول به وحرق اللوطية بالنار أربعة من اخللفاء أبو بكر الصديق وعلي بن أيب طالب وعبدهللا بن الزبري وهشام بن عبدامللك وقال محاد بن سلمة عن قتادة عن خالس عن عبيدهللا بن معمر قال يقتل اللوطي وقال سعيد بن املسيب عندنا على اللوطي الرجم أحصن أو مل حيصن سنة ماضية وهذا يدل على أن ذلك سنة مضى عليها العمل وقال الشعيب يقتل أحصن أو مل حيصن وقال الزهري وربيعة وابن هرم ز ومالك بن أنس عليه الرجم أحصن أو مل حيصن وقال بعض العلماء وإما قال سعيد بن املسيب إن ذلك سنة ماضية لقول النيب اقتلوا الفاعل واملفعول به ومل يقل حمصنا أو غري حمصن وحرقهم أبو بكر رضي هللا عنه بالنار بعد مشاورة الصحابة وأشار عليه علي بن أيب طالب رضي هللا عنه بذلك وحرقهم علي وابن الزبري كما ذكره اآلجري وغريه عن حممد بن املنكدر أن خالد بن الوليد كتب إىل أيب بكر أنه وجد رجال يف بعض ضواحي العرب ينكح كما تنكح املرأة فجمع أبو بكر لذلك اصحاب رسول هللا وفيهم علي بن أيب طالب رضي هللا عنهم فقال علي إن هذا ذنب مل يع مل به إال أمة واحدة ففعل هللا هبم ما قد علمتم أرى أن حترقوه بالنار فاجتمع رأي أصحاب رسول هللا أن حيرق بالنار فأمر به أبو بكر أن حيرق قال وقد حرقهم ابن الزبري وهشام بن عبدامللك وقال ابن عباس رضي هللا عنهما يرجم اللوطي بكرا كان أو ثيبا وقال عمر بن اخلطا ب رضي هللا عنه من عمل عمل قوم لوط فاقتلوه ومل يفرق أحد منهم بني احملصن وغره وصرح بعضهم
بعموم احلكم للمحصن وغري احملصن فلذلك قال ابن املسيب إن هذا سنة ماضية ويف مسائل إسحاق بن منصور الكوسج قلت ألمحد يرجم اللوطي أحصن أو مل حيصن فقال يرجم أحصن أو مل حيصن قال إسحاق بن راهويه هو كما قال والسنة يف الذي يعمل عمل قوم لوط أن يرجم حمصنا كان أو غري حمصن ألن النيب قال من عمل عمل قوم لوط فاقتلوه رواه ابن عباس عن النيب كذلك مث أفىت ابن عباس بعد النيب فيمن يعمل عمل قوم لوط أنه يرجم وإن كان بكرا فحكم يف ذلك مبا رواه عن النيب وكذلك روي عن علي بن أيب طالب مثل هذا القول إن اللوطي يرجم ومل يذكر حمصنا كان أو غري حمصن وكذلك فعل هللا سبحانه بقوم لوط وكذا يروى عن أيب بكر الصديق رضي هللا عنه أنه حرقهم بالنار هذا كالم إسحاق رمحه هللا وذكر اآلجري يف كتاب حترمي اللواط من حديث عبدهللا بن عمر مرفوعا سبعة ال ينظر هللا إليهم يوم القيامة وال يزكيهم ويقول ادخلوا النار مع الداخلني الفاعل واملفعول به والناكح يده وناكح البهيمة وناكح املرأة يف دبرها واجلامع بني املرأة وابنتها والزاين حبليلة جاره واملؤذي جلاره حىت يلعنه وذكر عن أنس مرفوعا حنوه وقال ادخلوا النار أول الداخلني إال أن يتوبوا إال أن يتوبوا إال أن يتوبوا فمن تاب تاب هللا عليه الناكح يده والفاعل واملفعول به ومدمن اخلمر والضارب أبويه حىت يستغيثا واملؤذي جريانه حىت يلعنوه والزاين حبليلة جاره وقال جماهد لو أن الذي يعمل ذلك العمل يعين عمل قوم لوط اغتسل بكل قطرة يف السماء وكل قطرة يف األرض مل يزل جنسا وقد ذكر هللا سبحانه عقوبة اللوطية وما حل هبم من البالء يف عشر سور من القرآن وهي سورة األعراف وهود واحلجر واألنبياء والفرقان والشعراء والنمل والعنكبوت والصافات واقرتبت الساعة ومجع على القوم بني عمى األبصار وخسف الديار والقذف باألحجار ودخول النار وقال حمذرا ملن عمل عملهم ما حل هبم من العذاب الشديد وما قوم لوط منكم ببعيد وقال بعض العلماء إذا عال الذكر الذكر هربت املالئكة وعجت األرض إىل رهبا ونزل سخط اجلبار جل جالله عليهم وغشيتهم اللعنة وحفت هبم الشياطني واستأذنت األرض رهبا أن ختسف هبم وثقل العرش على محلته وكربت املالئكة واستعرت اجلحيم فإذا جاءته رسل هللا لقبض روحه نقلوها إىل ديار إخواهنم وموضع عذاهبم فكانت روحه بني أرواحهم وذلك أضيق مكانا وأعظم عذابا من تنور الزناة فال كانت لذة توجب هذا العذاب األليم وتسوق صاحبها إىل مرافقة أصحاب اجلحيم تذهب اللذات وتعقب احلسرات وتفىن الشهوة وتبقى الشقوة وكان اإلمام أمحد بن حنبل رمحه هللا تعاىل ينشد تفىن اللذاذة ممن نال صفوهتا %من احلرام ويبقى اخلزي والعار تبقى عواقب سوء يف مغبتها %ال خري يف لذة من بعدها النار فصل وأما إن كانت الفاحشة مع ذي رحم حمرم فذلك اهللك كل اهللك وجيب قتل الفاعل بكل حال عند اإلمام أمحد وغريه واحتج أمحد حبديث عدي بن ثابت عن الرباء بن عازب قال لقيت خايل ومعه الراية فقلت أين تريد قال بعثين رسول هللا إىل رجل تزوج امرأة أبيه أضرب عنقه وآخذ ماله رواه اإلمام أمحد واحتج به وقال شعبة حدثنا الركني بن الربيع عن عدي بن ثابت عن الرباء قال رأيت أناسا ينطلقون فقلت أين تذهبون قالوا بعثنا رسول هللا إىل رجل يأيت امرأة أبيه أن نقتله وذكر عبدهللا بن صاحل حدثنا حيىي بن أيوب عن ابن جريج عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول هللا قال اقتلوا الفاعل واملفعول به والذي
يأيت البهيمة والذي يأيت كل ذات حمرم وقال هشام بن عمار حدثنا رفدة بن قضاعة حدثنا صاحل بن راشد قال أيت احلجاج برجل قد اغتصب أخته على نفسها فقال احبسوه وسلوه من هاهنا من أصحاب حممد فسألوا عبدالرمحن بن مطرف فقال مسعت رسول هللا يقول من ختطى احلرمتني فخطوا وسطه بالسيف وأفىت ابن عباس رضي هللا عنهما مبثل ذلك وقال عمر بن شبة حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أيب عن قتادة قال أيت احلجاج برجل زىن بأخته فسأل عنها عبدهللا فقال يضرب بالسيف فأمر به احلجاج فضرب عنقه بالسيف وذكر مجاعة عن محاد بن سلمة عن بكر بن عبدهللا املزين أن رجال تزوج خالته فرفع إىل عبدامللك بن مروان فقال إين ظننت أهنا حتل يل فقال ال جهالة يف اإلسالم وأظن أنه أمر به فقتل ويف مسائل صاحل بن أمحد قال سألت أيب عن الرجل الذي تزج ذات حمرم منه فقال إن كان عمدا يقتل ويؤخذ ماله وإن كان ال يعلم يفرق بينهما وأستحب أن يكون هلا ما أخذت منه وال يرجع عليها بشيء ويف صحيفةعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النيب قال ال يدخل اجلنة من أتى ذات حمرم الباب اخلامس والعشرون يف رمحة احملبني والشفاعة هلم إىل أحباهبم يف الوصال الذي يبيحه الدين قال هللا تعاىل من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكل من أعان غريه على أمر بقوله أو فعله فقد صار شفيعا له والشفاعة للمشفوع له هذا أصلها فإن الشافع يشفع صاحب احلاجة فيصري له شفعا يف قضائها لعجزه عن االستقالل هبا فدخل يف حكم هذه اآلية كل متعاونني على خري أو شر بقول أو عمل ونظريها قوله تعاىل وتعاونوا على الرب والتقوى وال تعاونوا على اإلمث والعدوان ويف الصحيح عنه أنه كان إذا جاءه طالب حاجة يقول اشفعوا تؤجروا ويقضي هللا على لسان رسوله ما أحب ويف صحيح البخاري أن بريرة ملا عتقت اختارت نفسها فكان زوجها ميشي خلفها ودموعه تسيل على حليته فقال هلا النيب لوراجعتيه فإنه أبو ولدك فقالت أتأمرين قال ال إمنا أنا شافع قالت فال حاجة يل فيه فهذه شفاعة من سيد الشفعاء حملب إىل حمبوبه وهي من أفضل الشفاعات وأعظمها أجرا عن د هللا فإهنا تتضمن اجتماع حمبوبني على ما حيبه هللا ورسوله وهلذا كان أحب ما إلبليس وجنوده التفريق بني هذين احملبوبني وتأمل قوله تعاىل يف الشفاعة احلسنة يكن له نصيب منها ويف السيئة يكن له كفل منها فإن لفظ الكفل يشعر باحلمل والثقل ولفظ النصيب يشعر باحلظ الذي ينصب طالبه يف حتصيله وإن كان كل منهما يستعمل يف األمرين عند االنفراد ولكن ملا قرن بينهما حسن اختصاص حظ اخليز بالنصيب وحظ الشر بالكفل ويف صحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجال على عهد رسول هللا زوج ابنة له وكان خطبها قبل ذلك عم بنتها فبلغ النيب أهنا كارهة هذا الذي زوجها أبوها وأنه كان يعجبها أن يتزوجها عم بنتها فأهدر النيب نكاح أبيها وزوجها عم بنتها وقد تقدم حديث عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن رجال قال يا رسول هللا يف حجري يتيمة قد خطبها رجل موسر ورجل معدم فنحن حنب املوسر وهي حتب املعدم فقال رسول هللا ليس للمتحابني مثل النكاح رواه سليمان بن موسى
عنه وقال خملد بن احلسني حدثنا هشام بن حسان عن حممد بن سريين قال كان عمر بن اخلطاب يعس بالليل فسمع صوت امرأة تغين وتقول هل من سبيل إىل مخر فأشرهبا %أم هل سبيل إىل نصر بن حجاج فقال أما وعمر حي فال فلما أصبح بعث إىل نصر بن حجاج فإذا رجل مجيل فقال اخرج فال تساكين باملدينة فخرج حىت أتى البصرة وكان يدخل على جماشع بن مسعود وكانت له امرأة مجيلة فأعجبها نصر فأحبها وأحبته فكان يقعد هو وجماشع يتحدثان واملرأة معهما فكتب هلا نصر يف األرض كتابا فقالت وأنا فعلم جماشع أهنا جواب كالم وكان جماشع ال يكتب واملرأة تكتب فدعا بإناء فأكفاه على املكتوب ودعا كاتبا فقرأه فإذا هو إين ألحبك حبا لو كان فوقك ألظلك ولو كان حتتك ألقلك وبلغ نصرا ما صنع جماشع فاستحيا ولزم بيته وضين جسمه حىت كان كالفرخ فقال جماشع المرأته اذهيب إليه فأسنديه إىل صدرك وأطعميه الطعام بيدك فأبت فعزم عليها فأتته فأسندته إىل صدرها وأطعمته الطعام بيدها فلما حتامل خرج من البصرة إن الذين خبري كنت تذكرهم %هم أهلكوك وعنهم كنت أهناكا ال تطلنب شفاء عند غريهم %فليس حيييك إال من توفاكا فإن قيل فهل تبيح الشريعة مثل ذلك قيل إذا تعني طريقا للدواء وجناة العبد من اهللكة مل يكن بأعظم من مداواة املرأة للرجل األجنيب ومداواته هلا ونظر الطبيب إىل بدن املريض ومسه بيده للحاجة وأما التداوي باجلماع فال يبيحه الشرع بوجه ما وأما التداوي بالضم والقبلة فإن حتقق الشفاء به كان نظري التداوي باخلمر عند من يبيحه بل هذا أسهل من التداوي باخلمر فإن شربه من الكبائر وهذا الفعل من الصغائر واملقصود أن الشفاعة للعشاق فيما جيوز من الوصال والتالق سنة ماضية وسعي مشكور وقد جاء عن غري واحد من اخللفاء الراشدين ومن بعدهم أهنم شفعوا هذه الشفاعة فقال اخلرائطي حدثنا علي بن األعرايب حدثنا أبو غسان النهدي قال مر أبو بكر الصديق رضي هللا عنه يف خالفته بطريق من طرق املدينة فإذا جارية تطحن برحاها وهي تقول وهويته من قبل قطع متائمي %متمايسا مثل القضيب الناعم وكأن نور البدر سنة وجهه %ينمي ويصعد يف ذؤابة هاشم فدق عليها الباب فخرجت إليه فقال ويلك أحرة أنت أم مملوكة فقالت بل مملوكة يا خليفة رسول هللا قال فمن هويت فبكت مث قالت حبق هللا إال انصرفت عين قال ال أرمي أو تعلميين فقالت وأنا اليت لعب الغرام بقلبها %فبكت حلب حممد بن القاسم فصار إىل املسجد وبعث إىل موالها فاشرتاها منه وبعث هبا إىل حممد بن القاسم بن جعفر بن أيب طالب وقال هؤالء فنت الرجال وكم قد مات هبن من كرمي وعطب عليهن من سليم ويذكر عن عثمان بن عفان رضي هللا عنه أنه جاءته جارية تستعدي على رجل من األنصار فقال هلا عثمان ما قصتك فقالت يا أمري املؤمنني كلفت بابن أخيه فما أنفك أراعيه فقال له عثمان إما أن هتبها البن أخيك أو أعطيك مثنها من مايل فقال أشهدك يا أمري املؤمنني أهنا له وأيت علي بن أيب طالب بغالم من العرب وجد يف دار قوم بالليل فقال له ما قصتك فقال لست بسارق ولكين أصدقك ت علقت يف دار الرباحي خودة %يذل هلا من حسنها الشمس والبدر هلا يف بنات الروم حسن ومنصب %إذا افتخرت باحلسن صدقها الفخر فلما طرقت الدار من حر مهجة %أتيت وفيها من توقدها مجر تبادر أهل الدار يل مث صيحوا %هو اللص حمتوما له القتل واألسر فلما مسع علي شعره رق له وقال
للمهلب بن رباح امسح له هبا ونعوضك منها فقال يا أمري املؤمنني سله من هو لنعرف نسبه فقال النهاس بن عيينة العجلي فقال خذها فهي لك وذكر التميمي يف كتابه املسمى بامتزاج النفوس أن معاوية بن أيب سفيان اشرتى جارية من البحرين فأعجب هبا إعجابا شديدا فسمعها يوما تنشد أبياتا منها وفارقته كالغصن يهتز يف الثرى %طريرا وسيما بعد ما طر شاربه فسأهلا فقالت هو ابن عمي فردها إليه ويف قلبه منها وقال سامل بن عبدهللا كانت عاتكة ابنة زيد حتت عبدهللا بن أيب بكر الصديق رضي هللا عنه وكانت قد غلبته على رأيه وشغلته عن سوقه فأمره أبو بكر بطالقها واحدة ففعل فوجد عليها فقعد ألبيه على طريقه وهو يريد الصالة فلما بصر بأيب بكر بكى وأنشأ يقول ومل أر مثلي طلق اليوم مثلها %وال مثلها يف غري جرم يطلق هلا خلق جزل وحلم ومنصب %وخلق سوي يف احلياة ومصدق فرق له أبو بكر رضي هللا عنه وأمره مبراجعتها فلما مات قالت ترثيه آليت ال تنفك عيين سخينة %عليك وال ينفك جلدي أغرا فلله عينا من رأى مثله فىت %أعف وأمضى يف اهلياج وأصربا إذا شرعت فيه األسنة خاضها %إىل املوت حىت يرتك الرمح أمحرا فلما حلت تزوجها عمر بن اخلطاب رضي هللا ع نه وأومل عليها فقال له علي بن أيب طالب رضي هللا عنه أتأذن يل يا أمري املؤمنني أدخل رأسي إىل عاتكة أكلمها قال نعم فأدخل علي رأسه إليها وقال يا عدية نفسها آليت ال تنفك عيين قريرة %عليك وال ينفك جلدي أصفرا فبكت فقال له عمر ما دعاك إىل هذا يا أبا احلسن كل النساء يفعلن هذا فلما قتل عمر قالت ترثيه عني جودي بعربة وحنيب %ال متلي على اجلواد النجيب فجعتين املنون بالفارس املعلم %يوم اهلياج والتثويب قل ألهل الضراء والبؤس موتوا %قد سقته املنون كأس شعوب فلما حلت تزوجها الزبري بن العوام فاستأذنت ليلة أن خترج إىل املسجد فشق ذلك عليه وكره أن مينعها لقول رسول هللا ال متنعوا إماء هللا مساجد هللا فأذن هلا مث انكمى يف موضع مظلم من الطريق فلما مرت وضع يده عليها فكرت راجعة تسبح فسبقها الزبري إلىاملنزل فلما رجعت قال هلا ما ردك عن وجهك قالت كنا خنرج والناس ناس وأما اليوم فال وتركت املسجد فلما قتل الزبري قالت ترثيه غدر ابن جرموز بفارس هبمة %يوم اللقاء وكان غري معرد يا عمرو لو نبهته لوجدته %ال طائشا رعش السنان وال اليد ثكلتك أمك إن ظفرت مبثله %فيما مضى حىت تروح وتغتدي كم غمرة قد خاضها مل يثنه %عنها طرادك يا ابن أم الفرقد إن الزبري لذو بالء صادق %مسح سجيته كرمي املشهد فلما حلت خطبها علي بن أيب طالب رضي هللا عنه فقالت إين ألضن بك على القتل وذكر اخلرائطي أن املهدي خرج إىل احلج حىت إذا كان بزبالة جلس يتغدى فأيت بدوي فناداه يا أمري املؤمنني إين عاشق ورفع صوته فقال للحاجب وحيك ما هذا قال إنسان يصيح إين عاشق قال أدخلوه فأدخلوه عليه فقال من عشيقتك قال ابنة عمي قال أوهلا أب قال نعم قال فماله ال يزوجك إياها قال هاهنا شيء يا أمري املؤمنني قال ما هو قال إين هجني واهلجني الذي أمه أمة ليست عربية قال له املهدي فما ي كون قال إنه عندنا عيب فأرسل يف طلب أبيها فأيت به فقال هذا ابن أخيك قال نعم قال فلم ال تزوجه كرميتك فقال له مثل مقالة ابن أخيه وكان من ولد العباس عنده مجاعة فقال هؤالء كلهم بنو العباس وهم هجن ما الذي يضرهم من ذلك قال هو عندنا عيب فقال له املهدي زوجه إياها على
عشرين ألف درهم عشرة آالف للعيب وعشرة آالف مهرها قال نعم فحمد هللا وأثىن عليه وزوجه إياها فأتى ببدرتني فدفعهما إليه فأنشأ الشاب يقول إبتعت ظبية بالغالء وإمنا %يعطي الغالء مبثلها أمثايل وتركت أسواق القباح ألهلها %إن القباح وإن رخصن غوايل وذكر اخلرائطي من حديث اهليثم بن عدي عن عوانة بن احلكم أن عمر بن أيب ربيعة كان قد ترك الشعر ورغب عنه ونذر على نفسه بكل بيت يقوله هدى بدنة فمكث كذلك حينا مث خرج ليلة يريد الطواف بالبيت إذ نظر إىل امرأة ذات مجال تطوف وإذا رجل يتلوها كلما رفعت رجلها وضع رجله موضع رجلها فجعل ينظر إىل ذلك من أمرههما فلما فرغت املرأة من طوافها تبعها الرجل هنية مث رجع فلما رآه عمر وثب إليه وقال لتخربين عن أمرك قال نعم هذه املرأة اليت رأيت ابنة عمي وأنا هلا عاشق وليس يل مال فخطبتها إىل عمي فرغب عين وسألين املهر ماال أقدر عليه والذي رأيت هو حظي منها ومايل من الدنيا أمنية غريها وإمنا ألقاها عند الطواف وحظي ما رأيت من فعلي فقال له عمر ومن عمك قال فالن بن فالن قال انطلق معي إليه فانطلقا فاستخرجه عمر فخرج مبادرا فقال ما حاجتك يا أبا اخلطاب قال تزوج ابنتك فالنة من ابن أخيك فالن وهذا املهر الذي تسأله يساق إليك من مايل قال فإين قد فعلت قال عمر إين أحب أن ال أبرح حىت جيتمعا قال وذلك ايضا قال فلم يربح حىت مجعهما مجيعا وأتى منزله فاستلقى على فراشه فجعل النوم ال يأخذه وجعل جوفه جييش بالشعر فأنكرت جاريته ذلك فجعلت تسأله عن أمره وتقول وحيك ما الذي قد دهاك فلما أكثرت عليه جلس وأنشد تقول وليديت ملا رأتين %طربت وكنت قد أقصرت حينا أراك اليوم قد أحدثت شوقا %وهاج لك البكا داء دفينا بربك هل أتاك هلا رسول %فشاقك أم رأيت هلا خدينا فقلت شكا إيل أخ حمب %كبعض زماننا إذ تعلمينا فعد علي ما يلقى هبند %فوافق بعض ما كنا لقينا وذو القلب املصاب وإن تعزى %يهيج حني يلقى العاشقينا وكم من خلة أعرضت عنها %لغري قلى وكنت هبا ضنينا رأيت صدودها فصددت عنها %ولو هام الفؤاد هبا جنونا وعرض خالد بن عبدهللا القسري سجنه يوما وكان فيه يزيد بن فالن البجلي فقال له خالد يف أي شيء حبست يا يزيد قال يف هتمة أصلح هللا األمري قال أفتعود إن أطلقتك قال نعم وكره أن يعرض بقصته لئال يفضح معشوقته فقال خالد أحضروا رجال احلي حىت نقطع يده حبضرهتم وكان ليزيد أخ فكتب شعرا ووجه به إىل خالد أخالد قد أعطيت يف اخللق رتبة %وما العاشق املسكني فينا بسارق أقر مبا مل يأته املرء إنه %رأى القطع خريا من فضيحة عاشق ولوال الذي قد خفت من قطع كفه %أللفيت يف شأن اهلوى غري ناطق إذا بدت الرايات للسبق يف العلى %فأنت ابن عبدهللا أول سابق فلما قرأ خالد األبيات علم صدق قوله فأحضر أولياء اجلارية ف قال زوجوا يزيد فتاتكم فقالوا أما وقد ظهر عليه ما ظهر فال فقال لئن مل تزوجوه طائعني لتزوجنه كارهني فزوجوه ونقد خالد املهر من عنده وذكر أبو العباس املربد قال كان رجل بالكوفة يدعى ليث بن زياد قد رىب جارية وأدهبا فخرجت بارعة يف كل فن مع مجال وافر فلم يزل معها مدة حىت تبينت منه احلاجة فقالت يا موالي لو بعتين كان أصلح لك مما أراك به وإن كنت ألظن أين ال أصرب عنك فقصد رجال من األغنياء يعرفها
ويعرف فضلها فباعها مبائة ألف درهم فلما قبض املال وجه هبا إىل موالها وجزع عليها جزعا شديدا فلما صارت اجلارية إىل سيدها نزل هبا من الوحشة لألول مامل تستطع دفعه وال كتمه فباحت به وقالت أتاين البال حقا فما أنا صانع % أمصطرب للبني أم أنا جازع كفى حزنا أين على مثل مجرة %أقاسي جنوم الليل والقلب نازع فإن مينعوين أن أبوح حببه %فإين قتيل والعيون دوامع فبلغ سيدها شعرها فدعا هب ا وأرادها فامتنعت عليه وقالت له يا سيدي إنك ال تنتفع يب قال ومل ذاك قالت إين ملا يب قال وما بك صفيه يل قالت أجد يف أحشائي نريانا تتوقد ال يقدر على إطفائها أحد وال تسأل عما وراء ذلك فرمحها ورق هلا وبعث إىل موالها فسأل عن خربه فوجد عنده مثل الذي عندها فأحضره فرد اجلارية عليه ووهب له من مثنها مخسني ألفا فلم تزل عنده مدة طويلة وبلغ عبدهللا بن طاهر خربمها وهو خبراسان فكتب إىل خليفته بالكوفة يأمره أن ينظر فإن كان هذا الشعر الذي ذكر له من قبل اجلارية أن يشرتيها له مبا ملكت ميينه فركب إىل موىل اجلارية فخربه مبا كتب إليه عبدهللا بن طاهر فلم جيد سيدها بدا من عرضها عليه وهو كاره فأراد األمري أن يعلم ما عند اجلارية فأنشأ يقول بديع حسن رشيق قد %جعلت مين له مالذا فأجابته اجلارية فعاتبوه فزاد عشقا %فمات شوقا فكان ماذا فعلم أهنا تصلح له فاشرتاها مبائيت ألف درهم فجهزها ومحلها إىل عبدهللا بن طاهر إىل خراسان فلما صارت إليه اختربها فوجدها على ما أراد فغلبته على عقله ويقال إهنا أم حممد بن عبدهللا بن طاهر ومل تزل ألطافها وجوائزها تأيت موالها األول حىت ماتت وقال عمر بن شبة حدثنا أيوب بن عمر الغفاري قال طلق عبدهللا بن ع امر امرأته ابنة سهل بن عمرو فقدمت املدينة ومعها ابنة هلا ومعها وديعة جوهر استودعها إياه فتزوجها احلسن بن علي بن أيب طالب رضي هللا عنه مث أراد ابن عامر احلج فأتى املدينة فلقي احلسن فقال يا أبا حممد إن يل إىل ابنة سهل حاجة فأحب أن تأذن يل عليها فقال احلسن ال بسي ثيابك فهذا ابن عامر يستأذن عليك فدخل عليها فسأهلا وديعته فجاءته هبا عليها خامته فقال هلا خذي ثلثها فقالت ما كنت آلخذ على أمانة ائتمنت عليها شيئا أبدا مث أقبل عليها ابن عامر فقال إن ابنيت قد بلغت فأحب أن ختلي بيين وبينها فبكت وبكت ابنتها فرق ابن عامر فقال احلسن فهل لكما فوهللا ما من حملل خري مين قال فوهللا ال أخرجها من عندك أبدا فكفلها حىت مات وذكر الزخمشري يف ربيع األبرار أن زبيدة بنت أيب جعفر قرأت يف طريق مكة على حائط أما يف عباد هللا أو يف إمائه %كرمي جيلي اهلم عن ذاهب العقل له مقلة أما املآقي فقرحة %وأما احلشا فالنار منه على رجل فنذرت أن حتتال لقائلهما حىت جتمع بينه وبني من حيبه قالت فإين لبمزدلفة إذ مسعت من ينشدمها فاستدعيت به فزعم أنه قاهلما يف بنت عم له وقد حلف أهلها أن ال يزوجوهها منه فوجهت إىل احلي وما زالت تبذل هلم املال حىت زوجوه وإذا املرأة أعشق من الرجل فكانت زبيدة تعده يف أعظم حسناهتا وتقول ما أنا بشيء أسر مين جبمعي بني ذلك الفىت والفتاة قال الزخمشري وهوي أمحد بن أيب عثمان الكاتب جارية لزبيدة امسها نعم حىت مرض وقال فيها أبياتا منها وإين لريضيين املمر بباهبا %وأقنع منها بالشتيمة والزجر فوهبتها له وذكر اخلرائطي أنه كان لبعض اخللفاء غالم وجارية من غلمانه وجواريه متحابني فكتب الغالم إليها يوما يقول ولقد رأيتك يف املنام كأمنا %عاطيتين من ريق فيك البارد وكأن كفك يف يدي وكأننا %بتنا مجيعا يف فراش واحد فطفقت يومي كله مرتاقدا %ألراك يف نومي ولست
براقد مث انتبهت ومعصماك كالمها %بيدي اليمني ويف ميينك ساعدي فأجابته اجلارية خريا رأيت وكل ما أبصرته %ستناله مين برغم احلاسد إين ألرجو أن تكون معانقي %فتبيت مين فوق ثدي ناهد وأراك بني خالخلي ودماجلي %وأراك بني ترائيب وجماسدي ونبيت ألطف عاشقني تعاطيا %طرف احلديث بال خمافة راصد فبلغ اخلليفة خربمها فأنكحهما وأحسن إليهما على شدة غريته وقال أبو الفرج بن اجلوزي رمحه هللا تعاىل مسع املهلب فىت يتغىن بشعر يف جارية له فقال املهلب لعمري إين للمحبني راحم %وإين بسرت العاشقني حقيق سأمجع منكم مشل ود مبدد %وإين مبا قد ترجوان خليق مث وهبها له ومعها مخسة آالف دينار وقال اخلرائطي كان رجل خناس عنده جارية مل يكن له مال غريها وكان يعرضها يف املواسم فتغاىل الناس فيها حىت بلغت مبلغا كثريا من املال وهو يطلب الزيادة فعلقها رجل فقري فكاد عقله أن يذهب فلما بلغه ذلك وهبها له فعوتب يف ذلك فقال إين مسعت هللا تعاىل يقول ومن أحياها فكأمنا أحىي الناس مجيعا أفال أحيي الناس مجيعا وقال علي بن قريش اجلرجاين شكوت بالء ال أطيق احتماله %وقليب مطيع للهوى غري دافع فأقسم ما تركي عتابك عن قلى %ولكن لعلمي أنه غري نافع وإين مىت مل ألزم الصرب طائعا %فال بد منه مكرها غري طائع إذا أنت مل يعطفك إال شفاعة %فال خري يف ود يكون بشافع وكان أبو السائب املخزومي أحد القراء والفقهاء فرؤي متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول اللهم ارحم العاشقني واعطف عليهم قلوب املعشوقني فقيل له يف ذلك فقال الدعاء هلم أفضل من عمرة من اجلعرانة وذكر أمحد بن الفضل الكاتب أن غالما وجارية كانا يف كتاب فهويها الغالم فلما كان يف بعض أيامه يف غفلة من الغلمان كتب يف لوح اجلارية ماذا تقولني فيمن شفه سقم %من طول حبك حىت صار حريانا فلما قرأته اجلارية أغرورقت عيناها بالدموع رمحة له وكتبت حتته إذا رأينا حمبا قد أضر به %طول الصبابة أوليناه إحسانا وذكر اهليثم بن عدي عن حممد بن زياد أن احلارث بن السليل األزدي خرج زائرا لعلقمة بن حزم الطائي وكان حليفا له فنظر إىل ابنة له تدعى الرباب وكانت من أمجل النساء فأعجب هبا وعشقها عشقا حال بينه وبني االنصراف إىل أهله فقال لعلقمة إين أتيتك خاطبا وقد ينكح اخلاطب ويدرك الطالب ومينح الراغب قال كفو كرمي فأقم ننظر يف أمرك مث انكفأ إىل أم جلارية فقال هلا إن احلارث سيد قومه حسبا ومنصبا وبيتا فال ينصرفن من عندنا إال حباجته فشاوري ابنتك وأديريها عما يف نفسها فقالت هلا أي بنية أي الرجال أعجب إليك الكهل اجلحجاح املفضل املياح أم الفىت الوضاح امللوك الطماح قالت الفىت الوضاح فقالت إن الفىت يغريك وإن الشيخ ميريك وليس الكهل الفاضل الكثري النائل كاحلديث السن الكثري املن فقالت يا أماه أحب الفىت كحب الرعاء أنيق الكال قالت يا بنية إن الفىت شديد احلجاب كثري العتاب قالت يا أماه أخشى من الشيخ أن يدنس ثيايب ويبلي شبايب ويشمت يب أترايب فلم تزل هبا األم حىت غلبتها على رأيها فتزوجها احلارث على مخسني ومائة من اإلبل وخادم وأل ف درهم فبىن هبا وكانت عنده أحب شيء إليه فارحتل هبا إىل أهله فإنه جلالس يوما بفناء مظلته هي إىل جانبه إذ أقبل فتية يعتلجون الصراع فتنفست الصعداء مث أرسلت عينيها بالبكاء فقال ما يبكيك فقالت مايل وللشيوخ
الناهضني كالفروخ فقال ثكلتك أمك قد جتوع احلرة وال تأكل بثدييها فسارت مثال أي ال تكون ظئرا وكان أول من نطق هبا مث قال أما وأبيك لرب غارة شهدهتا وسبية أردفتها ومخرة شربتها احلقي بأهلك فال حاجة يل فيك مث أنشأ يقول وعريت أن رأتين البسا كربا %وغاية النفس بني املوت والكرب فإن بقيت رأيت الشيب راغمة %ويف التفرق ما يقضي من العرب وإن يكن قد عال رأسي وغريه %صرف الزمان وتقتري من الشعر فقد أروح للذات الفىت جذال %ومهيت مل تشب فاستخربي أثري الباب السادس والعشرون يف ترك احملبني أدىن احملبوبني رغبة يف أعالمها هذا باب ال يدخل فيه إال النفوس الفاضلة الشريفة األ بية اليت ال تقنع بالدون وال تبيع األعلى باألدىن بيع العاجز املغبون وال ميلكها لطخ مجال مغش على أنواع من القبائح كما قال بعض األعراب وقد نظر إىل امرأة مربقعة إذا بارك هللا يف ملبس %فال بارك هللا يف الربقع يريك عيون املها مسبال %ويكشف عن منظر يف أشنع وقال اآلخر ال يغرنك ما ترى من نقاب %إن حتت النقاب داء دويا فالنفس األبية ال ترضى بالدون وقد عاب هللا سبحانه أقواما استبدلوا طعاما بطعام أدىن منه فنعى ذلك عليهم وقال أتستبدلون الذي هو أدىن بالذي هو خري وذلك دليل على وضاعة النفس وقلة قيمتها وقال األ صمعي خال رجل من األعراب بامرأة فهم بالريبة فلما متكن منها تنحى سليما وجعل يقول إن امرءا باع جنة عرضها السموات واألرض بفرت ما بني رجليك لقليل البصر باملساحة وقال أبو أمساء دخل رجل غيضة فقال لو خلوت هاهنا مبعصية من كان يراين فسمع صوتا مأل ما بني البيت الغيضة أال يعلم من خلق وهو اللطيف اخلبري وقال اإلمام أمحد حدثنا هيثم هو ابن خارجة حدثنا إمساعيل ابن عياش عن عبدالرمحن بن عدي البهراين عن يزيد بن ميسرة قال إن هللا تعاىل يقول أيها الشاب التارك شهوته يل املتبذل شبابه من أجلي أنت عندي كبعض مالئكيت وذكر إبراه يم بن اجلنيد أن رجال راود امرأة عن نفسها فقالت له أنت قد مسعت القرآن واحلديث فأنت أعلم قال فأغلقي األبواب فأغلقتها فلما دنا منها قالت بقي باب مل أغلقه قال أي باب قالت الباب الذي بينك وبني هللا فلم يتعرض هلا وذكر أيضا عن أعرايب قال خرجت يف بعض ليايل الظلم فإذا أنا جبارية كأهنا علم فأردهتا عن نفسها فقالت ويلك أما كان لك زاجر من عقل إذ مل يكن لك ناه من دين فقلت إنه وهللا ما يرانا إال الكواكب قالت فأين مكوكبها وجلس زياد موىل ابن عياش رضي هللا عنهما إىل بعض إخوانه فقال له يا عبدهللا فقال له قل ما تشاء قال م ا هي إال اجلنة أو النار قلت نعم قال وما بينهما منزل ينزله العباد قلت ال وهللا فقال وهللا إن نفسي لنفس أضن هبا على النار والصرب اليوم عن معاصي هللا خري من الصرب على األغالل وقال وهب بن منبه قالت امرأة العزيز ليوسف عليه السالم ادخل معي القيطون تعين السرت قال إن القيطون ال يسرتين من ريب وقال اليزيدي دخلت على هارون الرشيد فوجدته مكبا على ورقه ينظر فيها مكتوبة بالذهب فلما رآين تبسم فقلت فائدة أصلح هللا أمري املؤمنني قال نعم وجدت هذين البيتني يف بعض خزائن بين أمية فاستحسنتهما فأضفت إليهما ثالثا فقال مث
أنشدين إذا سد باب عنك من دون حاجة %فدعه ألخرى ينفتح لك باهبا فإن قراب البطن يكفيك مأله % ويكفيك سوءات األمور اجتناهبا فال تك مبذاال لدينك واجتنب %ركوب املعاصي جيتنبك عقاهبا وقال أبو العباس الناشئ إذا املرء حيمي نفسه حل شهوة %لصحة أيام تبيد وتنفد فما باله ال حيتمي من حرامها %لصحة ما يبقى له وخيلد وقيل إن علي بن أيب طالب رضي هللا عنه كان ينشد هذين البيتني إقدع النفس بالكفاف وإال %طلبت منك فوق ما يكفيها إمنا طول عمرك ما عمرت %يف الساعة اليت أنت فيها ومن أحسن شعر العرب وكان عمرو بن العاص يتمثل هبما إذا املرء مل يرتك طعاما أحبه %ومل ينه قلبا غاويا حيث ميما قضى وطرا منه وغادر سبة %إذا ذكرت أمثاهلا متأل الفما وقال شعبة عن منصور عن إبراهيم كلم رجل من العباد امرأة فلم يزل هبا حىت وضع يده على فخذها فانطلق فوضع يده على النار حىت نشت وقال زيد بن أسلم عن أبيه كان عابد يف صومعة يتعبد فأشرف ذات يوم فرأى امرأة ففنت هبا فأخرج إحدى رجليه من الصومعة يريد النزول إليها مث فكر وادكر فأناب فأراد أن يعيد رجله إىل الصومعة فقال وهللا ال أدخل رجال خرجت تريد أن تعصي هللا يف صومعيت أبدا فرتكها خارجة من الصومعة فأصاهبا الثلج والربد والرياح حىت تقطعت وقال بعض السلف من كان له واعظ من قلبه زاده هللا عز وجل عزا والذل يف طاعة هللا أقرب من العز يف معصيته وقال أبو العتاهية لقيت أبا نواس يف املسجد اجلامع فعذلته وقلت له أما آن لك أن ترعوي وتنزجر فرفع رأسه إيل وقال أتراين يا عتاهي %تاركا تلك املالهي أتراين مفسدا بالنسك %عند القوم جاهي فلما أحلحت عليه يف العذل أنشأ يقول ال ترجع األنفس عن غيها %مامل يكن منها هلا زاجر فوددت أين قلت هذا البيت بكل شيء قلته وقال ابن السماك عن امرأة كان تسكن البادية لو طالعت قلوب املؤمنني بفكرها ما ذخر هلا يف حجب الغيوب من خري اآلخرة مل يصف هلم يف الدنيا عيش ومل تقر هلم عني وقال ضيغم لرجل إن حبه عز وجل شغل قلوب حمبيه عن التلذذ مبحبةغريه فليس هلم يف الدنيا مع حمبته عز وجل لذة تداين حمبته وال يأملون يف اآلخرة من كرامة الثواب أكرب عندهم من النظر إىل وجه جمبوهبم فسقط الرجل مغشيا عليه ويف مسند اإلمام أمحد من حديث عبدالرمحن بن جبري بن نفري عن أبيه عن النواس بن مسعان رضي هللا عنه عن رسول هللا قال ضرب هللا مثال صراطا مستقيما وعلى جنبيت الصراط سوران ويف السورين أبواب مفتحة وعلى األبواب ستور مرخاة وعلى رأس الصراط داع يقول يا أيها الناس ادخلوا الصراط وال تعرجوا وداع يدعو فوق الصراط فإذا أراد أحد فتح شيء من تلك األبواب قال وحيك ال تفتحه فإنك إن فتحته تلجه فالصراط اإلسالم والستور املرخاة حدود هللا واألبواب املفتحة حمارم هللا والداعي على رأ س الصراط كتاب هللا عز وجل والداعي من فوق الصراط واعظ هللا يف قلب كل مسلم وقال خالد بن معدان ما من عبد إال وله عينان يف وجهه يبصر هبما أمر الدنيا وعينان يف قلبه يبصر هبما أمر اآلخرة فإذا أراد هللا بعبد خريا فتح عينيه اللتني يف قلبه فأبصر هبما ما وعده هللا بالغيب وإذا أراد هللا به غري ذلك تركه على ما هو فيه مث قرأ أم على قلوب أقفاهلا
ويف الرتمذي عنه الكيس من دان نفسه وعمل ملا بعد املوت والعاجز من أتبع نفسه هواها ومتىن على هللا األماين ويف املسند من حديث فضالة بن عبيد عن النيب اجملاهد من جاهد نفسه يف ذات هللا والعاجز من أتبع نفسه هواها ومتىن على هللا وقال اإلمام أمحد رمحه هللا تعاىل حدثنا عبدالرمحن بن مهدي حدثنا عبدالعزيز بن مسلم عن الربيع بن أنس عن أيب العالية عن أيب بن كعب رضي هللا عنه قال من أصبح وأكثر مهه غري هللا فليس من هللا وقال اإلمام أمحد حدثنا عبدالرمحن عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار قال قال موسى يا رب من أهلك الذين تظلهم يف ظل عرشك قال هم الربيئة أيديهم الطاهرة قلوهبم الذين يتحابون جباليل الذين إذا ذكرت ذكروا يب وإذا ذكروا يب ذكرت بذكرهم الذين يسبغون الوضوء يف املكاره وينيبون إىل ذكري كما تنيب النسور إىل وكورها ويكلفون حبيب كما يكلف الصيب حبب الناس ويغضبون حملارمي إذا استحلت كما يغضب النمر إذا حرب وقال أمحد حدثنا إبراهيم بن خالد حدثين عبدهللا بن حيىي قال مسعت وهب بن منبه يقول قال موسى عليه السالم أي رب أي عبادك أحب إليك قال من أذكر برؤيته وقال أمحد حدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا هشام الدستوائي قال بلغين أن يف حكمة عيسى بن مرمي تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغري عمل وال تعملون لآلخرة وأنتم ال ترزقون فيها إال بالعمل وحيكم علماء السوء األجر تأخذون والعمل تضيعون توشكون أن خترجوا من الدنيا إىل ظلمة القرب وضيقه وهللا عز وجل هناكم عن املعاصي كما أمركم بالصوم والصالة كيف يكون من أهل العلم من دنياه آثر عنده من آخرته وهو يف الدنيا أعظم رغبة كيف يكون من أهل العلم من مسريه إىل آخرته وهو مقبل على دنياه وما يضره أشهى إليه مما ال يضره كيف يكون من أهل العلم من اهتم هللا عز وجل يف قضائه فليس يرضى بشيء أصابه كيف يكون من أهل العلم من طلب العلم ليتحدث به ومل يطلبه ليعمل به وقال عبدهللا بن املبارك عن معمر قال الصبيان ليحىي بن زكريا اذهب بنا نلعب قال أو للعب خلقنا وقال أمحد حدثنا أبو ب كر احلنفي حدثنا عبداحلميد بن جعفر حدثين احلسن بن احلسن بن علي بن أيب طالب أن أمه فاطمة حدثته أن رسول هللا قال إن من شرار أميت الذين غذوا بالنعيم الذين يطلبون ألوان الطعام وألوان الثياب ويتشدقون بالكالم وقال أمحد حدثنا أبو قطن حدثنا شعبة عن أيب مسلمة عن أيب نضرة قال قال عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه أليب موسى يا أبا موسى شوقنا إىل ربنا قال فقرأ فقالوا الصالة فقال عمر أولسنا يف الصالة فصل ومالك األمر كله الرغبة يف هللا وإرادة وجهه والتقرب إليه بأنواع الوسائل والشوق إىل الوصول إليه وإىل لقائه فإن مل يكن للعب د مهة إىل ذلك فالرغبة يف اجلنة ونعيمها وما أعد هللا فيها ألوليائه فإن مل تكن له مهة عالية تطالبه بذلك فخشية النار وما أعد هللا فيها ملن عصاه فإن مل تطاوعه نفسه بشيء من ذلك فليعلم أنه خلق للجحيم ال للنعيم وال يقدر على ذلك بعد قدر هللا وتوفيقه إال مبخالفة هواه فهذه فصول أربعة هن ربيع املؤمن وصيفه وخريفه وشتاؤه وهن منازله يف سريه إىل هللا عز وجل وليس له منزلة غريها فأما خمالفة اهلوى فلم جيعل هللا للجنة طريقا غري خمالفته ومل جيعل للنار طريقا غري متابعته قال هللا تعاىل فأما من طغى وآثر احلياة الدنيا فإن اجلحيم هي املأوى وأما من خاف مقام ربه وهنى النفس عن اهلوى فإن اجلنة هي املأوى وقال تعاىل وملن خاف مقام ربه جنتان قيل هو العبد يهوى
املعصية فيذكر مقام ربه عليه يف الدنيا ومقامه بني يديه يف اآلخرة فيرتكها هلل وقد أخرب سبحانه أن اتباع اهلوى يضل عن سبيله فقال هللا تعاىل يا داود إنا جعلناك خليفة يف األرض فاحكم بني الناس باحلق وال تتبع اهلوى فيضلك عن سبيل هللا مث ذكر مآل الضالني عن سبيله ومصريهم فقال إن الذين يضلون عن سبيل هللا هلم عذاب شديد مبا نسوا يوم احلساب وأخرب سبحانه أن باتباع اهلوى يطبع على قلب العبد فقال أولئ ك الذين طبع هللا على قلوهبم واتبعوا أهواءهم وقد أخرب النيب أن العاجز هو الذي اتبع هواه ومتىن على هللا وذكر اإلمام أمحد من حديث راشد بن سعد عن أيب أمامة الباهلي رضي هللا عنه قال قال رسول هللا ما حتت ظل السماء إله يعبد أعظم عند هللا من هوى متبع وذكر من حديث جعفر بن حيان عن أيب احلكم عن أيب برزة األسلمي رضي هللا عنه قال قال رسول هللا أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي يف بطونكم وفروجكم ومضالت اهلوى ويف نسخة كثري ابن عبدهللا بن عمرو بن عوف املزين عن أبيه عن جده رضي هللا عنه قال قال رسول هللا إن أخوف ما أخاف على أميت حكم جائر وزلة عامل وهوى متبع وقيل لبعض احلكماء أي األصحاب أبر قال العمل الصاحل قيل فأي شيء أضر قال النفس واهلوى وقال بعض احلكماء إذا اشتبه عليك أمران فانظر أقرهبما من هواك فاجتنبه وأيت بعض امللوك بأسري عظيم اجلرم فقال لو كان هواي يف العفو عنك خلالفت اهلوى إىل قتلك ولكن ملا كان هواي يف قتلك خالفته إىل العفو عنك وقال اهليثم بن مالك الطائي مسعت النعمان بن بشري يقول علىاملنرب إن للشيطان فخوخا ومصايل وإن من مصايل الشيطان وفخوخه البطر بأنعم هللا والفخر بإعطاء هللا والكربياء على عباد هللا واتباع اهلوى يف غري ذات هللا ويف املسند وغريه من حديث قتادة عن أنس رضي هللا عنه قال قال رسول هللا ثالث مهلكات وثالث منجيات فاملهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب املرء بنفسه واملنجيات تقوى هللا تعاىل يف السر والعالنية والعدل يف الغضب والرضى والقصد يف الفقر والغىن ويف جامع الرتمذي من حديث أمساء بنت عميس رضي هللا عنها قالت مسعت رسول هللا يقول بئس العبد عبد جترب واعتدى ونسي اجلبار األعلى بئس العبد عبد ختيل واختال ونسي الكبري املتعال بئس العبد عبد سها وهلا ونسي املقابر والبلى بئس العبد عبد بغى وعتا ونسي املبدأ واملنتهى بئس العبد عبد خيتل الدنيا بالدين بئس العبد عبد خيتل الدين بالشبهات بئس العبد عبد طمع يقوده بئس العبد عبد هوى يضله بئس العبد عبد رغب يذله وقد أقسم النيب أنه ال يؤمن العبد حىت يكون هواه تبعا ملا جاء به فيكون هواه تابعا ال متبوعا فمن اتبع هواه فهواه متبوع له ومن خالف هواه ملا جاء به الرسول فهواه تابع له فاملؤمن هواه تابع له واملنافق الفاجر هواه متبوع له وقد حكم هللا تعاىل لتابع هواه بغري هدى من هللا أنه أظلم الظاملني فقال هللا عز وجل فإن مل يستجيبوا لك فاعلم أمنا يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغري هدى من هللا إن هللا ال يهدي القوم الظاملني وأنت جتد حتت هذا اخلطاب أن هللا ال يهدي من اتبع هواه وجعل سبحانه وتعاىل املتع قسمني ال ثالث هلما إما ما جاء به الرسول وإما اهلوى فمن اتبع أحدمها مل ميكنه اتباع اآلخر والشيطان يطيف بالعبد من أين يدخل عليه فال جيد عليه مدخال وال إليه طريقا إال من هواه فلذلك كان الذي خيالف هواه يفرق الشيطان من ظله وإمنا تطاق خمالفة اهلوى بالرغبة يف هللا وثوابه واخلشية من حجابه وعذابه ووجد حالوة الشفاء يف خمالفة اهلوى فإن متابعته
الداء األكرب وخمالفته الشفاء األعظم وقيل أليب القاسم اجلنيد مىت تنال النفوس مناها فقال إذا صار داؤها دواها فقيل له ومىت يصري داؤها دواها فقال إذا خالفت هواها ومعىن قوله يصري داؤها دواها أن داءها هو اهلوى فإذا خالفته تداوت منه مبخالفته وقيل إمنا مسي هوى ألنه يهوى بصاحبه إىل أسف السافلني واهلوى ثالثة أرباع اهلوان وهو شارع النار األكرب كما أن خمالفته شارع اجلنة األعظم وقال أبو دلف العجلى واسوأتا لفىت له أدب %يضحى هواه قاهرا أدبه يأيت الدنية وهو يعرفها %فيشني عرضا صائنا أربه فإذا ارعوى عادت بصريته %فبكى على احلني الذي سلبه وقال ابن املرتفق اهلذيل أين يل ما ترى واملرء يأيت %عزمييته ويغلبه هواه فيعمى ما يرى فيه عليه %وحيسب من يراه ال يراه فصل وأما الرغبة يف هللا وإرادة وجهه والشوق إىل لقائه فهي رأس مال العبد ومالك أمره وقوام حياته الطيبة وأصل سعادته وفالحه ونعيمه وقرة عينه ولذلك خلق وبه أمر وبذلك أرسل ت الرسل وأنزلت الكتب وال صالح للقلب وال نعيم إال بأن تكون رغبته إىل هللا عز وجل وحده فيكون هو وحده مرغوبه ومطلوبه ومراده كما قال هللا تعاىل فإذا فرغت فانصب وإىل ربك فارغب وقال تعاىل ولو أهنم رضوا ما آتاهم هللا ورسوله وقالوا حسبنا هللا سيؤتينا هللا من فضله ورسوله إنا إىل هللا راغبون والراغبون ثالثة أقسام راغب يف هللا وراغب فيما عند هللا وراغب عن هللا فاحملب راغب فيه والعامل راغب فيما عنده والراضي بالدنيا من اآلخرة راغب عنه ومن كانت رغبته يف هللا كفاه هللا كل مهم وتواله يف مجيع أموره ودفع عنه ماال يستطيع دفعه عن نفسهووقاه وقاية الوليد وصانه من مجيع اآلفات ومن آثر هللا على غريه آثره هللا على غريه ومن كان هلل كان هللا له حيث ال يكون لنفسه ومن عرف هللا مل يكن شيء أحب إليه منه ومل تبق له رغبة فيما سواه إال فيما يقربه إليه ويعينه على سفره إليه ومن عالمات املعرفة اهليبة فكلما ازدادت معرفة العبد بربه ازدادت هيبته له وخشيته إياه كما قال هللا تعاىل إمنا خيشى هللا من عباده العلماء أي العلماء به وقال النيب أنا أعرفكم باهلل وأشدكم له خشية ومن عرف هللا صفا له العيش وطابت له احلياة وهابه كل شيء وذهب عنه خوف املخلوقني وأ نس باهلل واستوحش من الناس وأورثته املعرفة احلياء من هللا والتعظيم له واإلجالل واملراقبة واحملبة والتوكل عليه واإلنابة إليه والرضا به والتسليم ألمره وقيل للجنيد رمحه هللا تعاىل إن ها هنا أقواما يقولون إهنم يصلون إىل الرب برتك احلركات فقال هؤالء تكلموا بإسقاط األعمال وهو عندي عظيم والذي يزين ويسرق أحسن حاال من الذي يقول هذا فإن العارفني باهلل أخذوا األعمال عن هللا وإىل هللا رجعوا فيها ولو بقيت ألف عام مل أنقص من أعمال الرب شيئا وقال ال يكون العارف عارفا حىت يكون كاألرض يطؤه الرب والفاجر وكاملطر يسقى ما حيب وماال حيب وقال حيىي بن معاذ خيرج العارف من الدنيا وال يقضي وطره من شيئني بكاؤه على نفسه وشوقه إىل ربه وقال بعضهم ال يكون العارف عارفا حىت لو أعطي ملك سليمان مل يشغله عن هللا طرفة عني وقيل العارف أنس باهلل فاستوحش من غريه وافتقر إىل هللا فأغناه عن خلقه وذل هلل فأعزه يف خلقه وقال أبو سليمان الداراين يفتح للعارف على فراشه ماال يفتح له وهو قائم يصلي وقال ذو النون لكل شيء عقوبة وعقوبة العارف انقطاعه عن ذكر هللا وباجلملة فحياة القلب مع هللا ال حياة له بدون ذلك أبدا ومىت واطأ اللسان القلب يف ذكره وواطأ القلب مراد
حبيبه منه واستقل له الكثري من قوله وعمله واستكثر له القليل من بره ولطفه وعانق الطاعة وفارق املخالفة وخرج عن كله حملبوبه فلم يبق منه شيء وامتأل قلبه بتعظيمه وإجالله وإيثار رضاه وعز عليه الصرب عنه وعدم القرار دون ذكره والرغبة إليه واالشتياق إىل لقا ئه ومل جيد األنس إال بذكره وحفظ حدوده وآثره على غريه فهو احملب حقا وقال اجلنيد مسعت احلارث احملاسيب يقول احملبة ميلك إىل الشيء بكليتك مث إيثارك له على نفسك وروحك ومالك مث موافقتك له سرا وجهرا مث علمك بتقصريك يف حبه وقيل احملبة نار يف القلب حترق ما سوى مراد احلبيب من حمبه وقيل بل هي بذل اجملهود يف رضا احلبيب وال تصح إال باخلروج عن رؤية احملبة إىل رؤية احملبوب ويف بعض اآلثار اإلهلية عبدي أنا وحقك لك حمب فبحقي عليك كن يل حمبا وقال عبدهللا بن املبارك من أعطي شيئا من احملبة ومل يعط مثله من اخلشية فهو خمدوع وقال حيىي بن معاذ مثقال خردلة من احلب أحب إيل من عبادة سبعني سنة بال حب وقال أبو بكر الكتاين جرت مسألة يف احملبة مبكة أيام املوسم فتكلم الشيوخ فيها وكان اجلنيد أصغرهم سنا فقالوا هات ما عندك يا عراقي فأطرق رأسه ودمعت عيناه مث قال عبد ذاهب عن نفسه متصل بذكر ربه قائم بأداء حقوقه ناظر إليه بقلبه أحرق قلبه أنوار هويته وصفا شربه من كأس وده فإن تكلم فباهلل وإن نطق فمن هللا وإن حترك فبأمر هللا وإن سكت فمع هللا فهو باهلل وهلل ومع هللا فبكى الشيوخ وقالوا ما على هذا مزيد جربك هللا يا تاج العارفني وقيل أوحى هللا إىل داود عليه السالم يا داود إين حرمت على القلوب بان يدخلها حيب وحب غريي فأمجع العارفون كلهم أن احملبةال تصح إال باملوافقة حىت قال بعضهم حقيقة احلب موافقة احملبوب يف مراضيه ومساخطه واتفق القوم أن احملبة ال تصح إال بتوحيد احملبوب وحيكى أن رجال ادعى االستهالك يف حمبة شخص فقال له كيف وهذا أخي أحسن مين وجها وأمت مجاال فالتفت الرجل إليه فدفعه الشاب وقال من يدعي هوانا ينظر إىل سوانا وذكرت احملبة عند ذي النون فقال كفوا عن هذه املسألة ال تسمعها النفوس فتدعيها مث أنشأ يقول اخلوف أوىل باملسي %ء إذا تأله واحلزن واحلب جيمل بالتق %ي وبالنقي من الدرن وقال مسنون ذهب احملبون هلل بشرف الدنيا واآلخرة إن النيب قال املرء مع من أحب فهم مع هللا يف الدنيا واآلخرة وقال حيىي بن معاذ ليس بصادق من ادعى حمبته مث مل حيفظ حدوده فصل فاحملبة شجرة يف القلب عروقها الذل للمحبوب وس اقها معرفته وأغصاهنا خشيته وورقها احلياء منه ومثرهتا طاعته ومادهتا اليت تسقيها ذكره فمىت خال احلب عن شيء من ذلك كان ناقصا وقد وصف هللا سبحانه نفسه بأنه حيب عباده املؤمنني وحيبونه فأخرب أهنم أشد حبا هلل ووصف نفسه بأنه الودود وهو احلبيب قاله البخاري والود خالص احلب فهو يود عباده املؤمنني ويودونه وقد روى البخاري يف صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي هللا عنه قال قال رسول هللا فيما يروى عنه ربه عز وجل أنه قال من أهان يل وليا فقد بارزين باحملاربة وما تقرب إيل عبدي مبثل أداء ما افرتضت عليه وال يزال عبدي يتقرب إيل بالنوافل حىت أحبه فإذا أحببته كنت مسعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده اليت يبطش هبا ورجله اليت ميشي هبا فيب يسمع ويب يبصر ويب يبطش ويب ميشي ولئن سألين ألعطينه ولئن استعاذ يب ألعيذنه وما ترددت عن شي أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي املؤمن يكره املوت وأكره مساءته وال بد له منه ويف لفظ يف غري البخاري فإذا أحببته كنت له مسعا وبصرا ويدا ومؤيدا فتأمل كمال املوافقة يف الكراهةكيف اقتضى كراهة
الرب تعاىل ملساءة عبده باملوت ملا كره العبد مساخط ربه وكمال املوافقة يف اإلرادة كيف اقتضى موافقته يف قضاء حوائجه وإجابة طلباته وإعاذته مما استعاذ به كما قالت عائشة رضي هللا عنها للنيب ما أرى ربك إال يسارع يف هواك وقال له عمه أبو طالب يا ابن أخي ما أرى ربك إال يطيعك فقال له وأنت يا عم لو أطعته أطاعك ويف تفسري ابن أيب جنيح عن جماهد يف قوله عز وجل واختذ هللا إبراهيم خليال قال حبيبا قريبا إذا سأله أعطاه وإذا دعاه أجابه وأوحى هللا تعاىل إىل موسى عليه الصالة والسالم يا موسى كن يل كما أريد أكن لك كما تريد وتأمل هذه الباء يف قوله فيب يسمع ويب يبصر ويب يبطش ويب ميشي كيف جتدهامبنية ملعىن قوله كنت مسعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به إىل آخره فإن مسع مسع باهلل وإن أبصر أبصر به وإن بطش بطش به وإن مشى مشى به وهذا حتقيق قوله تعاىل إن هللا مع الذين اتقوا والذين هم حمسنون وقوله وإن هللا ملع احملسنني وقوله وأن هللا مع املؤمنني وقوله فيما رواه عنه رسوله من قوله أنا مع عبدي ما ذكرين وحتركت يب شفتاه وهذا ضد قوله أم هلم آهلة متنعهم من دوننا ال يستطيعون نصر أنفسهم وال هم منا يصحبون فالصحبة اليت نفاها ها هنا هي اليت أثبتها ألحبابه وأوليائه فتأمل كيف جعل حمبته لعبده متعلقة بأداء فرائضه وبالتقرب إليه بالنوافل بعدها ال غري ويف هذا تعزية ملدعي حمبته بدون ذلك أنه ليس من أهلها وإمنا معه األماين الباطلة والدعاوي الكاذبة ويف الصحيحني من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه أن النيب قال إذا أحب هللا العبد نادى جربيل إن هللا حيب فالنا فأحبوه فيحبه أهل السماء مث يوضع له القبول يف األرض ويف لفظ ملسلم إن هللا إذا أحب عبدا دعا جربيل فقال إين أحب فالنا فأحبه قال فيحبه جربيل مث ينادي يف السماء فيقول إن هللا حيب فالنا فأحبوه فيحبه أهل السماء قال مث يوضع له القبول يف األرض وإذا أبغض عبدا دعا جربيل فيقول إين أبغض فالنا فأبغضه قال فيبغضه جربيل مث ينادي يف السماء إن هللا يبغض فالنا فأبغضوه مث يوضع له البغضاء يف األرض ويف لفظ آخر ملسلم عن سهيل بن أيب صاحل قال كنا بعرفة فمر عمر بن عبدالعزيز وهو على املوسم فقام الناس ينظرون إليه فقلت أليب يا أبت إين أرى هللا حيب عمر بن عبدالعزيز قال وما ذاك قلت ملا له من احلب يف قلوب الناس فق ال إين مسعت أبا هريرة رضي هللا عنه حيدث عن رسول هللا مث ذكر احلديث وأخرجه الرتمذي مث زاد يف آخره فذلك قول هللا تعاىل إن الذين آمنوا وعملوا الصاحلات سيجعل هلم الرمحن ودا انتهى وقال بعض السلف يف تفسريها حيبهم وحيببهم إىل عباده ويف الصحيحني من حديث أنس رضي هللا عنه أن رجال سأل النيب عن الساعة فقال وما أعددت هلا قال ال شيء إال أين أحب هللا ورسوله فقال أنت مع من أحببت قال أنس رضي هللا عنه فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النيب أنت مع من أحببت قال أنس فأنا أحب النيب وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم حبيب إياهم وإن مل أعمل أعماهلم ويف الرتمذي عنه أن رسول هللا قال املرء مع من أحب وله ما اكتسب ويف سنن أيب داود عنه قال رأيت أصحاب النيب فرحوا بشيء مل أرهم فرحوا بشيء أشد منه قال رجل يا رسول هللا الرجل حيب الرجل على العمل من اخلري يعمل به وال يعمل مبثله فقال رسول هللا امل رء مع من أحب وهذه احملبة هلل توجب احملبة يف هللا قطعا فإن من حمبة احلبيب احملبة فيه والبغض فيه وقد روى مسلم يف صحيحه من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه قال قال رسول
هللا يقول هللا تعاىل يوم القيامة أين املتحابون جباليل اليوم أظلهم يف ظلي يوم ال ظل إال ظلي ويف جامع أيب عيسى الرتمذي من حديث معاذ بن جبل رضي هللا عنه قال مسعت رسول هللا يقول قال هللا عز وجل املتحابون جباليل هلم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء ويف لفظ لغريه املتحابون جبالل هللا يكونون يوم القيامة على منابر من نور يغبطهم أهل اجلمع ويف املوط أ من حديث أيب إدريس اخلوالين قال دخلت مسجد دمشق فإذا فىت براق الثنايا والناس حوله فإذا اختلفوا يف شيء اسندوه إليه وصدروا عن رأيه فسألت عنه فقالوا هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت إليه فوجدته قد سبقين بالتهجري ووجدته يصلي فانتظرته حىت قضى صالته مث جئته من قبل وجهه فسلمت عليه مث قلت وهللا إين ألحبك يف هللا فقال آ هلل قلت هللا فقال آ هلل فقلت هللا فأخذ حببوة ردائي فجبذين إليه وقال أبشر فإين مسعت رسول هللا يقول قال هللا تبارك وتعاىل وجبت حمبيت للمتحابني يف واملتجالسني يف واملتزاورين يف واملتباذلني يف ويف سنن أيب داود من حديث أيب ذر رضي هللا عنه قال قال رسول هللا أفضل األعمال احلب يف هللا والبغض يف هللا وفيه أيضا عن عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه قال قال رسول هللا إن من عباد هللا ألناسا ما هم بأنبياء وال شهداء يغبطهم األنبياء والشهداء يوم القيامة مبكاهنم من هللا قالوا يا رسول هللا ختربنا من هم قال هم قوم حتابوا بروح هللا على غري أرحام بينهم وال أموال يتعاطوهنا فوهللا إن وجوههم لنور وإهنم لعلى نور وال خيافون إذا خاف الناس وال حيزنون إذا حزن الناس وقرأ هذه اآلية أال إن أولياء هللا ال خوف عليهم وال هم حيزنون ويف لفظ لغريه إن هلل عبادا ليسوا بأنبياء وال شهداء يغبطهم األنبياء مبكاهنم من هللا قالوا يا رسول هللا صفهم لنا حلهم لنا لعلنا حنبهم قال هم قوم حتابوا بروح هللا على غري أموال تباذلوها وال أرحام تواصلوها هم نور ووجوههم نور وعلى كراسي من نور ال خيافون إذاخاف الناس وال حيزنون إذا حزن الناس مث قرأ هذه اآلية أال إن أولياء هللا ال خوف عليهم وال هم حيزنون ويف صحيح مسلم من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا قال إن رجال زار أخا له يف قرية أخرى فأرصد هللا على مدرجته ملكا فلما أتى عليه قال أين تريد قال أريد أخا يل يف هذه القرية قال لك عليه من نعمة ترهبا قال ال غري أين أحبه يف هللا تعاىل قال فإين رسول هللا إليك أن هللا قد أحبك كما أحببته فيه وقال رجل ملعاذ بن جبل إين أحبك يف هللا قال أحبك الذي أحببتين له ويف سنن أيب داود أن رجال كان عند رسول هللا فمر رجل فقال يا رسول هللا إين ألحب هذا فقال له رسول هللا أعلمته قال ال قال أعلمه فلحقه فقال إين أحبك يف هللا قال أحبك الذي أحببتين له وفيها أيضا عن املقدام بن معدي كرب رضي هللا عنه أن رسول هللا قال إذا أحب الرجل أخاه فليخربه أنه حيبه ويف الرتمذ ي من حديث يزيد بن نعامة الضيب رضي هللا عنه قال قال رسول هللا إذا آخى الرجل الرجل فليسأله عن امسه واسم أبيه وممن هو فإنه أوصل للمودة ويف صحيح مسلم من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا قال والذي نفسي بيده ال تدخلون اجلنة حىت تؤمنوا وال تؤمنوا حىت حتابوا أوال أدلكم على شيء إذا فعلتموه حتاببتم أفشوا السالم بينكم وقال اإلمام أمحد حدثنا حجاج بن حممد الرتمذي حدثنا شريك عن أيب سنان عن عبدهللا بن أيب اهلذيل عن عمار بن ياسر أن أصحابه كانوا ينتظرونه فلما خرج قالوا ما أبطأك عنا أيها األمري قال أما
إين سوف أحدثكم أن أخا لكم ممن كان قبلكم وهو موسى قال يا رب حدثين بأحب الناس إليك قال
ومل
قال ألحبه حببك إياه قال عبد يف أقصى األرض أو طرف األرض مسع به عبد آخر يف أقصى أو طرف األرض ال يعرفه فإن أصابته مصيبة فكأمنا أصابته وإن شاكته شوكة فكأمنا شاكته ال حيبه إال يل فذلك أحب خلقي إيل قال يا رب خلقت خلقا تدخلهم النار أو تعذهبم فأوحى هللا إليه كلهم خلقي مث قال أزرع زرعا فزرعه فقال اسقه فسقاه مث قال قم عليه فقام عليه ما شاء هللا من ذلك فحصده ورفعه فقال ما فعل زرعك يا موسى قال فرغت منه ورفعته قال ما تركت منه شيئا قال ماال خري فيه أو ماال حاجة يل فيه قال فكذلك أنا ال أعذب إال من ال خري فيه فصل ولو مل يكن يف حمبة هللا إال أهنا تنجي حمبه من عذابه لكان ينبغي للعبد أن ال يتعوض عنها بشيء ابدا وسئل بعض العلماء أين جتد يف القرآن أن احلبيب ال يعذب حبيبه فقال يف قوله تعاىل وقالت اليهود والنصارى حنن أبناء هللا وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم اآلية وقال اإلمام أمحد حدثنا إمساعيل بن يونس عن احلسن رضي هللا عنه أن النيب قال وهللا ال يعذب هللا حبيبه ولكن قد يبتليه يف الدنيا وقال اإلمام أمحد حدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا أبو غالب قال بلغنا أن هذا الكالم يف وصية عيسى بن مرمي يا معشر احلواريني حتببوا إىل هللا ببغض أهل املعاصي وتقربوا إليه باملقت هلم والتمسوا رضاه بسخطهم قالوا يا نيب هللا فمن جنالس قال جالسوا من يزيد يف أعمالكم منطقه ومن تذكركم باهلل رؤيته ويزهدكم يف دنياكم علمه ويكفي يف اإلقبال على هللا تعاىل ثوابا عاجال أن هللا سبحانه وتعاىل يقبل بقلوب عباده إىل من أقبل عليه كما أنه يعرض بقلوهبم عمن أعرض عنه فقلوب العباد بيد هللا ال بأيديهم وقال اإلمام أمحد حدثنا حسن يف تفسري شيبان عن قتادة قال ذكر لنا أن هرم بن حي ان كان يقول ما أقبل عبد على هللا بقلبه إال أقبل هللا عز وجل بقلوب املؤمنني إليه حىت يرزقه مودهتم ورمحتهم وقد روى هذا مرفوعا ولفظه وما أقبل عبد على هللا بقلبه إال أقبل هللا غعز وجل عليه بقلوب عباده وجعل قلوهبم تفد إليه بالود والرمحة وكان هللا بكل خري إليه أسرع وإذا كانت القلوب جمبولة على حب من أحسن إليها وكل إحسان وصل إىل العبد فمن هللا عز وجل كما قال هللا تعاىل وما بكم من نعمة فمن هللا فال أألم ممن شغل قلبه حبب غريه دونه قال اإلمام أمحد حدثنا أبو معاوية قال حدثين األعمش عن املنهال عن عبدهللا بن احلارث قال أوحى هللا إىل داود عليه السالم يا داود أحببين وحبب عبادي إيل وحببين إىل عبادي قال يا رب هذا أنا أحبك وأحبب عبادك إليك فكيف أحببك إىل عبادك قال تذكرين عندهم فإهنم ال يذكرون مين إال احلسن ومن أفضل ما سئل هللا عز وجل حبه وحب من حيبهوحب عمل يقرب إىل حبه ومن أمجع ذلك أن يقول اللهم إين أسألك حبك وحب من حيبك وحب عمل يقربين إىل حبك اللهم ما رزقتين مما أحب فاجعله قوة يل فيما حتب وما زويت عين مما أحب فاجعله فراغا يل فيما حتب اللهم اجعل حبك أحب إيل من أهلي ومايل ومن املاء البارد على الظمأ اللهم حببين إليك وإىل مالئكتك وأنبيائك ورسلك وعبادك الصاحلني واجعلين ممن حيبك وحيب مالئكتك وأنبياءك ورسلك وعبادك الصاحلني اللهم أحي قليب حببك واجعلين لك كما حتب اللهم اجعلين أحبك بقليب كله وأرضيك جبهدي كله اللهم اجعل حيب كله لك وسعيي كله يف مرضاتك وهذا الدعاء هو فسطاط خيمة اإلسالم
الذي قيامها به وهو حقيقة شهادة أن ال إله إال هللا وأن حممدا رسول هللا والقائمون حبقيقة ذلك هم الذين هم بشهادهتم قائمون وهللا سبحانه تعرف إىل عباده من أمسائه وصفاته وأفعاله مبا يوجب حمبتهم له فإن القلوب مفطورة على حمبة الكمال ومن قام به وهللا سبحانه وتعاىل له الكمال املطلق من كل وجه الذي ال نقص فيه بوجه ما وهو سبحانه اجلميل الذي ال أمجل منه بل لو كان مجال اخللق كلهم على رجل واحد منهم وكانوا مجيعهم بذلك اجلمال ملا كان جلماهلم قط نسبة إىل مجال هللا بل كانت النسبة أقل من نسبة سراج ضعيف إىل حذاء جرم الشمس وهلل املثل األعلى وقد روى عن النيب قوله إن هللا مجيل حيب اجلمال عبد هللا بن عمرو بن العاص وأبو سعيد اخلدري وعبدهللا بن مسعود وعبدهللا بن عمر بن اخلطاب وثابت بن قيس وأبو الدرداء وأبو هريرة وأبو رحيانه رضي هللا عنهم ومن أمسائه احلسىن اجلميل ومن أحق باجلم ال ممن كل مجال يف الوجود فهو من آثار صنعه فله مجال الذات ومجال األوصاف ومجال األفعال ومجال األمساء فأمساؤه كلها حسىن وصفاته كلها كمال وأفعاله كلها مجيلة فال يستطيع بشر النظر إىل جالله ومجاله يف هذه الدار فإذا رأوه سبحانه يف جنات عدن أنستهم رؤيته ماهم فيه من النعيم فال يلتفتون حينئذ إىل شيء غريه ولوال حجاب النور على وجهه ألحرقت سبحات وجهه سبحانه وتعاىل ما انتهى إليه بصره من خلقه كما يف صحيح البخاري من حديث أبو موسى رضي هللا عنه قال قام فينا رسول هللا خبمس كلمات فقال إن هللا ال ينام وال ينبغي له أن ينام خيفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه ألحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه وقال عبدهللا بن مسعود رضي هللا عنه ليس عند ربكم ليل وال هنار نور السموات من نور وجهه وإن مقدار كل يوم من أيامكم عند هللا اثنتا عشرة ساعة فتعرض عليه أعمالكم باألمس فتعرض عليه أول النهار أو اليوم فينظر فيها ثالث ساعات فيطلع منها على بعض ما يكره فيغضبه ذلك فأول من يعلم بغضبه الذين حيملون العرش جيدونه يثقل عليهم فيسبحه الذين حيملون العرش وسرادقات العرش واملالئكة املقربون وسائر املالئكة وينفخ جربيل يف القرن فال يبقى شيء إال الثقلني اجلن واإلنس فيسبحونه ثالث ساعات حىت ميتلىء الرمحن رمحة فتلك ست ساعات مث يؤتى مبا يف األرحام فينظر فيها ثالث ساعات فيصوركم يف األرحام كيف يشاء ال إله إال هو العزيز احلكيم فتلك تسع ساعات مث ينظر يف أرزاق اخللق كلهم ثالث ساعات فيبسط الرزق ملن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم مث قرأ كل يوم هو يف شأن مث قال عبدهللا هذا من شأنكم وشأن ربكم تبارك وتعاىل رواه عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا موسى بن إمساعيل حدثنا محاد بن سلمة عن الزبري بن عبدالسالم عن أيوب بن عبدهللا الفهري عن ابن مسعود رضي هللا عنه رواه احلسن ابن إدريس عن خالد بن اهلياج عن أبيه عن عباد بن كثري عن جعفر بن احلارث عن معدان عن ابن مسعود رضي هللا عنه قال إن ربكم ليس عنده هنار وال ليل وإن السموات مملوءات نورا من نور الكرسي وإن يوما عند ربك اثنتا عشرة ساعة فرتفع فيها أعمال اخلالئق يف ثالث ساعات فريى فيها ما يكره فيغضبه ذلك وإن أول من يعلم بغضبه محلة العرش يرونه يثقل عليهم فيسبحون له ويسبح له سرادقات العرش يف ثالث ساعات من النهار حىت ميتلىء ربنا رضا فتلك ست ساعات من النهار مث يأمر بأرزاق اخلالئق فيعطى من يشا ء يف ثالث ساعات من النهار فتلك تسع ساعات مث يرفع إليه أرحام كل دابة فيخلق فيها
ما يشاء وجيعل املدة ملن يشاء يف ثالث ساعات من النهار فتلك اثنتا عشرة ساعة مث تال ابن مسعود رضي هللا عنه هذه اآلية كل يوم هو يف شأن هذا من شأن ربنا تبارك وتعاىل ويف دعاء النيب الذي دعا به يوم الطائف أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا واآلخرة أن حيل علي غضبك أو ينزل علي سخطك لك العتىب حىت ترضى وال حول وال قوة إال بك وإذا جاء سبحانه وتعاىل يوم القيامة لفصل القضاء بني عباده تشرق لنوره األرض كلها كما قال هللا تعاىل وأشرقت األرض بنور رهبا ووضع الكتاب وقول عبدهللا ابن مسعود رضي هللا عنه نور السموات واألرض من نور وجهه تفسري لقوله تعاىل هللا نور السموات واألرض ويف الصحيحني من حديث أيب بكر رضي هللا عنه يف استفتاح النيب قيام الليل اللهم لك احلمد أنت نور السموات واألرض ومن فيهن ويف سنن ابن ماجة وحرب السكرماين من حديث الفضل بن عيسى الرقاشي عن حممد بن املنكدر عن جابر بن عبدهللا رضي هللا عنهما قال قال رسول هللا بينا أهل اجلنة يف نعيمهم إذ سطع هلم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فيقول السالم عليكم يا أه ل اجلنة وذلك قوله سالم قوال من رب رحيم فريفعون رؤوسهم فينظرون إليه وينظر إليهم وال يلتفتون إىل شيء من النعيم حىت حيتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم وعلى ديارهم ومنازهلم لفظ حديث حرب فما ظن احملبني بلذة النظر إىل وجهه الكرمي يف جنات النعيم وقد كان من دعاء النيب أسألك لذة النظر إىل وجهك والشوق إىل لقائك ذكره اإلمام أمحد والنسائي وابن حبان يف صحيحه فامسع اآلن شأن أوليائه وأحبائه عند لقائه مث اخرت لنفسك أنت القتيل بكل من أحببته %فاخرت لنفسك يف اهلوى من تصطفي قال هشام بن حسان عن احلسن إذا نظر أهل اجلنة إ ىل هللا تعاىل نسوا نعيم اجلنة وقال هشام بن عمار حدثنا حممد بن سعيد بن سابور حدثنا عبدالرمحن بن سليمان حدثنا سعيد بن عبدهللا اجلرشي القاضي أنه مسع أبا إسحاق اهلمداين حيدث عن احلارث األعور عن علي بن أيب طالب رضي هللا عنه رفعه قال إن هللا إذا أسكن أهل اجلنة ا جلنة وأهل النار النار بعث إىل أهل اجلنة الروح األمني فيقول يا أهل اجلنة إن ربكم يقرئكم السالم ويأمركم أن تزوروه إىل فناء اجلنة وهو أبطح اجلنة تربته املسك وحصباؤه الدر والياقوت وشجره الذهب الرطب وورقه الزمرد فيخرج أهل اجلنة مستبشرين مسرورين فثم جيمعهم ومث كرامة هللا والنظر إىل وجهه وهو موعد هللا أجنزه هلم فيأذن هللا هلم يف السماع واألكل والشرب ويكسون حلل الكرامة مث ينادي مناد يا أولياء هللا هل بقي مما وعدكم هللا ربكم شيء فيقولون ال وقد أجنزنا ما وعدنا فما بقي شيء إال النظر إىل وجهه فيتجلى هلم الرب تبارك وتعاىل يف حجب فيقول يا جربيل ارفع حجايب لعبادي كي ينظروا إىل وجهي قال فريفع احلجاب األول فينظرون إىل نور من نور الرب فيخرون له سجدا فيناديهم الرب يا عبادي ارفعوا رؤوسكم فإهنا ليست بدار عمل إمنا هي دار ثواب فريفع احلجاب الثاين فينظرون أمرا هو أعظم وأجل فيخرون هلل حامدين ساجدين فيناديهم الرب أن ارفعوا رؤوسكم إهنا ليست بدار عمل إمنا هي دار ثواب ونعيم مقيم فريفع احلجاب الثالث فعند ذلك ينظرون إىل وجه رب العاملني فيقولون حني ينظرون إىل وجهه سبحانك ما عبدناك حق عبادتك فيقول كراميت أمكنتكم من النظر إىل وجهي وأحلتكم داري فيأذن هللا للجنة أن تكلمي فتقول طوىب ملن سكنين وطوىب ملن خيلد يف وطويب ملن أعددت له وذلك قوله تعاىل طوىب هلم وحسن مآب وقوله تعاىل وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة ويف الصحيحني من حديث أيب
موسى رضي هللا عنه قال قال رسول هللا جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما وما بني القوم وبني أن ينظروا إىل رهبم إال رداء الكربياء على وجهه يف جنة عدن وذكر عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا أبو الربيع حدثنا جرير بن عبداحلميد عن يزيد بن أيب زياد عن عبدهللا بن احلارث عن كعب قال ما نظر هللا إىل اجلنة إال قال طييب ألهلك فزادت طيبا على ما كانت وما من يوم كان عيدا يف الدنيا إال خيرجون يف مقداره إىل رياض اجلنة ويربز هلم الرب تبارك وتعاىل وينظرون إليه وتسفى عليهم الريح بالطيب واملسك فال يسألون رهبم تبارك وتعاىل شيئسا إال أعطاهم فريجعون إىل أهلهم وقد ازدادوا على ما كانوا عليه من احلسن واجلمال سبعني ضعفا وقال عبد بن محيد أخربين شبابة عن إسرائيل حدثنا ثوير بن أيب فاختة مسعت ابن عمر رضي هللا عنهما يقول قال رسول هللا إن أدىن أهل اجلنة منزلة من ينظر إىل خدمه ونعيمه وسرره مسرية ألف سنة وأكرمهم على هللا من ينظر إىل وجهه غدوة وعشية مث تال هذه اآلية وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة رواه الرتمذي يف جامعه عنه وذكر عثمان بن سعيد الدارمي عن ابن عمر رضي هللا عنهما رفعه إىل النيب قال إن أهل اجلنة إذا بلغ منهم النعيم كل مبلغ وظهنوا أن ال نعيم أفضل منه جتلى هلم الرب تبارك وتعاىل فنظروا إىل وجه الرمحن فنسوا كل نعيم عاينوه حني نظروا إىل وجه الرمحن وقال احلسن البصري يف قوله تعاىل وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة قال حسنها هللا تعاىل بالنظر إليه سبحانه وحق هلا أن تنضر وهي تنظر إىل رهبا عز وجل قال أبو سليمان الداراين لو مل يكن ألهل احملبة أو قال املعرفة إال هذه اآلية وجوه يومئذ ناضرة إىل رهبا ناظرة الكتفوا هبا وذكر النسائي من حديث الزهري عن سعيد بن املسيب عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال قلنا يا رسول هللا هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل تضامون ىف رؤية الشمس يف يوم ال غيم فيه ويف القمر ليلة البدر ال غم فيها قلنا ال قال فإنكم سرتون ربكم حىت إن أحدكم ليحاضره حماضرة فيقول عبدي هل تعرف ذنب كذا وكذا فيقول يارب أمل تغفر يل فيقول مبغفريت صرت إىل هذا ويف الصحيحني من حديث مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه قال قال رسول هللا إن هللا تعاىل يقول ألهل اجلنة يا أهل اجلنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك واخلري يف يديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا ال نرضى وقد أعطيتنا مامل تعط أحدا من خلقك فيقول أال أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضواين فال أسخط عليكم أبدا ويف الصحيح والسنن واملساند من حديث ثابت البناين عن عبدالرمحن بن أيب ليلى عن صهيب رضي هللا عنه عن النيب قال إذا دخل أهل اجلنة اجلنة نادى مناد يا أهل اجلنة إن لكم عند هللا موعدا يريد أن ينجز كموه فيقولون ما هو أمل يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلن ويدخلنا اجلنة وجيرنا من النار فيكشف احلجاب فينظرون إليه فوهللا ما أعطاهم هللا شيئا أحب إليهم من النظر إليه وال أقر ألعينهم ويف صحيح البخاري من حديث جرير بن عبدهللا قال كنا جلوسا عند النيب إذ نظر إىل القمر ليلة البدر فقال إنكم سرتون ربكم كما ترون هذا القمر ال تضامون يف رؤيته فإن استطعتم أن ال تغلبوا على صالة قبل طلوع الشمس وقبل غروهبا فافعلوا ويف الصحيحني من حديث الزهرى عن عطاء بن يزيد الليثي عن أيب هريرة رضي هللا عنه أن الناس قالوا يا رسول هللا هل
نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول هللا هل تضارون يف القمر ليلة البدر قالوا ال يارسول هللا قال قال فهل تضارون يف الشمس ليس دوننا سحاب قالوا اليا رسول هللا قال فإنكم ترونه كذلك ويف لفظ فإنكم ال تضارون يف رؤية ربكم إال كما تضارون يف رؤيتهما وقال الرتمذي حدثنا قتيبة حدثنا عبدالعزيز بن حممد عن العالء بن عبدالرمحن عن أبيه عن أيب هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا قال جيمع هللا الناس يوم القيامة يف صعيد واحد مث يطلع عليهم رب العاملني تبارك وتعاىل فيقول ليتبع كل إنسان ما كان يعبد فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره فيتبعون ما كانوا يعبدون ويبقى املسلمون فيطلع عليهم رب العاملني تبارك وتعاىل فيقول أآل تتبعون الناس فيقولون نعود باهلل منك نعوذ باهلل منك أهلل ربنا هذا مكاننا حىت نرى ربنا وهو يأمرهم ويثبتهم مث يتوارى مث يطلع عليهم فيقول أال تتبعون الناس فيقولون نعوذ باهلل منك نعوذ باهلل منك أهلل ربنا وهذا مكاننا حىت نرى ربنا وهو يأمرهم ويثبتهم قالوا وهل نراه يا رسول هللا قال وهل تضارون يف رؤية القمر ليلة البدر قالوا قالوا ال يا رسول هللا قال فإنكم ال تضارون يف رؤيته تلك الساعة قال مث يتوارى مث يطلع فيعرفهم نفسه مث يقول أنا ربكم فاتبعوين فيقوم املسلمون ويوضع الصراط فيمرون عليه مثل جياد اخليل والركاب وقوهلم عليه سلم سلم ويبقى أهل النار فيطرح منهم فيها فوج فيقال هل امتألت فتقول هل من مزيد مث يطرح فيها فوج فيقال هل امتألت فتقول هل من مزيد حىت إذا أوعبوا فيها وضع الرمحن تبارك وتعاىل فيها قدمه فأزوى بعضها إىل بعض وقالت قط قط فإذا أدخل هللا أهل اجلنة اجلنة وأهل النار النار أتى باملوت ملبيا فيوقف على السور الذي بني أهل اجلنة واهل النار مث يقال يا أهل اجلنةفيطلعون خائفني مث يقال يا أهل النار فيطلعون مستبشرين يرجون الشفاعة فيقال ألهل اجلنة والنار هل تعرفون هذا فيقولون هؤالء وهؤالء قد عرفناه هو املوت الذي وكل بنا فيضجع فيذبح ذجبا علىالسور مث يقال يا أهل اجلنة خلود وال موت ويا أهل النار خلود وال موت قال الرتمذي هذا حديث حسن صحيح وأصله يف الصحيح ني لكن هذا السياق أمجع وأخصر ويف لفظ الرتمذي فلو أن أحدا مات فرحا ملات أهل اجلنة ولو أن أحدا مات حزنا ملات أهل النار ويف مسند احلارث بن أيب أسامة من حديث قرة عن مالك عن زياد بن سعد حدثنا أبو الزبري قال مسعت جابر بن عبدهللا رضي هللا عنهما يقول مست رسول هللا يقول إذا كان يوم القيامة مجعت األمم ودعي كل أناس بإمامهم فجئنا آخر الناس فيقول قائل من الناس من هذه األمة قال فيشرف إلينا الناس فيقال هذه األمة األمينة هذه أمة حممد وهذا حممد يف أمته فينادي مناد إنكم اآلخرون األولون قال فنأيت فنتخطى رقاب الناس حىت نكون أقرب الناس إىل هللا تعاىل منزلة مث يدعى الناس كل أناس بإمامهم فيدعى اليهود فيقال من أنتم فيقولون حنن اليهود فيقول من نبيكم فيقولون نبينا موسى فيقول ما كتابكم فيقولون كتابنا التوراة فيقول ما تعبدن فيقولون نعبد عزيرا ونعبد هللا فيقول للمإل حوله اسلكوا هبم يف جهنم مث يدعى النصارى فيقول من أنتم فيقولون حنن النصارى فيقول من نبيكم فيقولون نبينا عيسى فيقول ما كتابكم فيقولون كتبنا اإلجنيل فيقول ما تعبدون فيقولون نعبد عيسى وأمه وهللا فيقول للمإل حوله اسلكوا هبؤالء يف جهنم فيدعى عيسى فيقول
لعيسى يا عيسى ءأنت قلت ل لناس أختذوين وأمي إهلني من دون هللا فيقول سبحانك ما يكون يل أن أقول مال ليس يل حبق إىل قوله ^ العزيز احلكيم ^ مث يدعى كل أناس بإمامهم وما كانوا يعبدون مث يصرخ الصارخ أيها الناس من كان يعبد إهلا فليتبعه تقدمهم آهلتهم منها اخلشب واحلجارة ومنها الشمس والقمر ومنها الدجال حىت تبقى املسلمون فيقف عليهم فيقول من أنتم فيقولون حنن املسلمون قال قال خري اسم وخري داعية فيقول من نبيكم فيقولون حممد فيقول ما كتابكم فيقولون القرآن فيقول ما تعبدون ! فيقولون نعبد هللا وحده ال شريك له قال سينفعكم ذلك إن صدقتم قالوا هذا يومنا ا لذي وعدنا فيقول أتعرفون هللا إذا رأيتموه فيقولون نعم فيقول وكيف تعرفونه ومل تروه فيقولون نعلم أنه ال عدل له قال فيتجلى هلم تبارك وتعاىل فيقولون أنت ربنا تباركت امساؤك وخيرون له سجدا مث ميضى النور بأهله ويف مسند اإلمام أمحد رضي هللا عنه من حديث أيب الزبري قال سألت جابرا عن الورود فأخربين أنه مسع رسول هللا يقول جنيء يوم القيامة على كوم فوق الناس فتدعى األمم بأوثاهنا وما كانت تعبد أألول فاألول مث يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول فيقولون ننتظر ربنا فيقول أنا ربكم فيقولون حىت ننظر إليك فيتجلى هلم يضحك فيتبعونه
ما تنتظرون
وذكر عثمان بن سعيد الدارمي أن أبا بردة بن أيب موسى األشعري أتى عمر بن عبدالعزيز فقال حدثنا أبو موسى األشعري رضي هللا عنه أن رسول هللا قال جيمع هللا األمم يوم القيامة يف صعيد واحدفإذا بدا له أن يصدع بني خلقه مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون فيتبعوهنم حىت يقحموهم النار مث يأتينا ربنا وحنن يف مكان فيقول من أنتم فبقول حنن املؤمنون فيقول ما تنتظرون فنقول ننتظر ربنا فيقول من أين تعلمون انه ربكم فنقول حدثتنا الرسل أو جاءتنا الكتب فيقول هل تعرفونه فيقولون نعلم أنه ال عدل فيتجلى لنا ضاحكا مث يقول أبشروا معشر املسلمني فإنه ليس منكم أحد إال وقد جعلت مكانه يف النار يهوديا أو نصرانيا فقال عمر أليب بردة آهلل لقد مسعت أبا موسى حيدث هبذا احلديث عن رسول هللا قال إي وهللا الذي ال إله إال هو لقد مسعت أيب يذكره عن رسول هللا غري مرة وال مرتني وال ثالثا فقال عمر بن عبدالعزيز ما مسعت يف اإلسالم حديثا هو أحب إيل منه ويف الرتمذي من حديث األوزاعي حدثين حسان بن عطية عن سعيد ابن املسيب أنه لقي أبا هريرة رضي هللا عنه فقال أبو هريرة أسأل هللا تعاىل أن جيمع بيين وبينك يف سوق اجلنة فقال سعيد أو فيها سوق قال نعم أخربين رسول هللا أن أهل اجلنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعماهلم فيؤذن هلم يف مقدار يوم اجلمعة من أيام الدنيا فيزورون هللا تبارك وتعاىل فيربز هلم عرشه ويتبدى هلم يف روضة من رياض اجلنة فتوضع هلم منابر من نور ومنار من لؤلؤ ومنابر من ياقوت ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة وجيلس أدناهم وما فيهم دينءعلى كثبان املسك والكافور ما يرون أن أهل الكراسي أفضل منهم جملسا قال أبو هريرة قلت يا رسول هللا وهل نرى ربنا يوم القيامةقال نعم هل متارون يف رؤية الشمس والقمر ليلة البدر قلنا ال قال كذلك ال متارون يف رؤية ربكم وال يبقى يف ذلك اجمللس أحد إال حاضره هللا تعاىل حماضرة حىت يقول للرجل منهم يا فالن بن فالن أتذكر يوم كذا عملت كذا وكذا فيذكره ببعض غدراته يف الدنيا فيقول يا رب أمل تغفر يل فيقول بلى فبسعة مغفريت بلغت منزلتك هذه فبيناهم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيبا مل جيدوا مثل رحيه شيئا قط مث يقول قوموا إىل ما أعددت لكم من
الكرامة فخذوا ما اشتهيتم فنأيت سوقا قد حفت به املالئكة فيه مامل تنظرالعيون إىل مثله ومل تسمع اآلذان ومل خيطر على القلوب فيحمل إلينا ما اشتهينا ليس يباع فيه شيء وال يشرتى ويف ذلك السوق يلقى أهل اجلنة بعضهم بعضا فيقبل الرجل ذو املنزلة الرفيعة فيلقى من هو دونه وما فيهم دين فريوعه ما يرى عليه من اللباس فما ينقضي آخر حديثه حىت يتمثل عليه أحسن منه وذلك أنه ال ينبغي ألحد أن حيزن فيها مث ننصرف إىل منازلنا فتتلقانا أزواجنا فيقلن مرحبا وأهال لقد جئت وإن ب ك من اجلمال والطيب أكثر مما فارقتنا عليه فيقول إنا جالسنا اليوم ربنا اجلبار وحيقنا أن ننقلب مبثل ما انقلبنا وقال يعقوب بن سفيان يف مسنده حدثنا ابن املصفى حدثنا سويد بن عبدالعزيز حدثنا عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أيب طالب رضي هللا عنه قال قال رسول هللا يزور أهل اجلنة الرب تبارك وتعاىل يف كل يوم مجعة وذكر ما يعطون قال مث يقول هللا تعاىل اكشفوا احلجب فيكشفوا حجابا مث حجابا حىت يتجلى هلم عن وجهه تبارك وتعاىل وكأهنم مل يرو نعمة قبل ذلك وهو قول هللا تعاىل ولدينا مزيد وذكر عثمان بن سعيد الدارمي من حديث احلسن رضي هللا عنه عن النيب مرسال أنه قال يأتينا ربنا يوم القيامة وحنن على مكان رفيع فيتجلى لنا ضاحكا مرسل +مرسل صحيح +وقال عثمان الدارمي حدثنا أبو موسى حدثنا أبو عوانة حدثنا األجلح حدثنا الضحاك بن مزاحم قال إن هللا يأمر السماء يوم الق يامة فتنشق مبن فيها فيحيطون باألرض ومن فيها مث يأمر السماء الثانية حىت ذكر سبع مسوات فيكونون سبعة صفوف قد أحاطوا بالناس مث ينزل امللك األعلى جل جالله يف هبائه ومجاله معه ماشاء من املالئكة وقال عثمان بن سعيد حدثنا هشام بن خالد الدمشقي وكان ثقة حدثنا حممد بن شعيب بن شاور حدثنا عمر بن عبدهللا موىل غفرة عن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال قال رسول هللا جاءين جربيل ويف كفه مرآة فيها نكتة سوداء فقلت ما هذه يا جربيل قال هذه اجلمعة أرسل هبا إليك ربك فتكون هدى لك وألمتك من بعدك فقلت ومالنا فيها قال لكم فيها خري كثري أنتم اآلخرون السابقون يوم القيامة وفيها ساعة ال يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل هللا خريا هو له قسم إال أتاه وال خريا ليس له بقسم إال دخر له أفضل منه وال يستعيذ باهلل ما هو مكتوب عليه إال دفع عنه أكثر منه قلت ما هذه النكتة السوداء قال هذه الساعة يوم تقوم القيام ة وهو سيد األيام وحنن نسميه عندنا يوم املزيد قلت ومل تسمونه يوم املزيد يا جربيل قال ألن ربك اختذ يف اجلنة واديا أفيح من مسك أبيض فإذا كان يوم اجلمعة من أيام اآلخرة هبط اجلبار عن عرشه إىل كرسيه إىل ذلك الوادي وقد حف الكرسي مبنابر من نور جيلس عليها الصديقون والشهداء يوم القيامة مث جييء أهل الغرف حىت حيفوا بالكثيب مث يبدو هلم ذو اجلالل واإلكرام تبارك وتعاىل فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي وأمتمت عليكم نعميت وأحللتكم دار كراميت فسلوين فيقولون بأمجعهم نسألك الرضا عنا فيشهد هلم على الرضا مث يقول هلم سلوين فيسألونه حىت ينتهي هنمة كل عبد منهم مث يقول سلوين فيقولون حسبنا ربنا رضينا فريجع اجلبار جل جالله إىل عرشه فيفتح هلم بقدر إشراقهم من يوم اجلمعة ماال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر على قلب بشر ويرجع أهل الغرف إىل غرفهم وهي غرفة من لؤلؤة بيضاء وياقوتة محراء وزمردة خضراء ليس فيها قصم وال وصم مطردة أهنارها متدلية
فيها مثارها فيها أزواجها وخدمها ومساكنها فليسوا إىل يوم أحوج منهم إىل يوم اجلمعة ليزدادوا فضال من رهبم ورضوانا رواه عن أنس مجاعة منهم عثمان بن عمري بن اليقظان ومن طريقه رواه الشافعي يف مسنده وعبدهللا بن اإلمام أمح د يف السنة ومنهم أبو صاحل والزبري بن عدي وعلي بن احلكم البناين وعبدامللك بن عمري ويزيد الرقاشي وعبدهللا بن بريدة كلهم عن أنس وصححه مجاعة من احلفاظ وزاد الشافعي يف مسنده يف آخره وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش وساقه عثمان بن أيب شيبة من طرق وقال يف بعضها مث يتجلى هلم رهبم تبارك وتعاىل فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي وأمتمت عليكم نعميت وهذا حمل كراميت إىل أن قال مث يرتفع على كرسيه ويرتفع معه النبيون والصديقون والشهداء ويرجع أهل الغرف إىل غرفهم وروى حممد بن الزبرقان عن مقاتل بن حيان عن أيب الزبري عن جابر رضي هللا عنه قال قال رسول هللا إن أهل اجلنة ليحتاجون إىل العلماء يف اجلنة كما حيتاجون إليهم يف الدنيا وذلك أهنم يزورون رهبم يف كل مجعة فيقول هلم متنوا فيقولون وما نتمىن وقد أدخلتنا اجلنة وقد أعطيتنا ما أعطيتنا فيقال هلم متنوا فيلتفتون إىل العلماء وذكر احلديث يف قصة اجلمعة وروى ابن منده من حديث األعمش عن أيب وائل عن حذيفة رضي هللا عنه عن النيب قصة اجلمعة بطوهلا وفيها يقول سلوين فيقولون أرنا وجهك رب العاملني ننظر إليك فيكشف هللا تبارك وتعاىل تلك احلجب ويتجلى هلم فينظرون إليه وذكر عثمان الدارمي عن حممد بن كعب القرظي أنه حدث عمر بن عبدالعزيز قال إذا فرغ هللا من أهل اجلنة والنار أقبل يف ظلل من الغمام واملالئكة فيسلم على أهل اجلنة يف أول درجة فريدون عليه السالم قال القرظي وهذا يف القرآن ^ سالم قوال من رب رحيم ^ فيقول سلوين يفعل هبم ذلك يف درجهم حىت يستوي على عرشه مث تأتيهم التحف من هللا حتمله املالئكة إليهم وقال عبدالواحد بن زيد عن احلسن لو علم العابدون أهنم ال يرون رهبم يف اآلخرة لذابت أنفسهم يف الدنيا وقال هشام بن حسان عنه أنه تبارك وتعاىل يتجلى ألهل اجلنة فإذا رأوه نسوا نعيم اجلنة أعجب الصرب صرب احملبني قال الشاعر والصرب حيمد يف املواطن كلها %إال عليك فإنه ال حيمد وقف رجل على الشبلي فقال أي الصرب أشد على الصابرين قال الصرب يف هللا فقال السائل ال فقال الصرب هلل قال ال قال فالصرب مع هللا قال ال قال فما هو قال الصرب عن هللا فصرخ الشبلي صرخة كادت روحه تزهق قال الشاعر والصرب عنك فمذموم عواقبه %والصرب يف سائر األشياء حممود اخلوف يبعدك عن معصيته والرجاء خيرجك إىل طاعته واحلب يسوقك إليه سوقا ملا علم هللا سبحانه أن قلوب املشتاقني إليه ال هتدأإال بلقائه ضرب هلم أجال للقاء تسكينا لقلوهبم فقال هللا تعاىل ^ من كان يرجو لقاء هللا فإن أجل هللا آلت ^ يامن شكى شوقه من طول فرقته %إصرب لعلك تلقى من حتب غدا وسر إليه بنار الشوق جمتهدا %عساك تلقى على نار الغرام هدى احملب الصادق كلما قرب من حمبوبه زاد شوقا إليه وأعظم ما يكون الشوق يوما %إذا دنت اخليام من اخليام كلما وقع بصر احملب على حمبوبه أحدثت له رؤيته شوقا على شوقه ما يرجع الطرف عنه حني يبصره %حىت يعود إليه الطرف مشتاقا احملب الصادق إذا سافر طرفه يف الكون مل جيد له طريقا إال على حمبوبه
فإذا انصرف بصره عنه رجع إليه خاسئا وهو حسري
ويسرح طريف يف األنام وينثين %وإنسان عيين بالدموع
غريق فريجع مردودا إليك وماله %على أحد إال عليك طريق أقر شيء لعيون احملب خلوته بسره مع حمبوبه حدثين من رأى شيخنا يف عنفوان أمره خرج إىل الربية بكرة فلما أصحر تنفس الصعداء مث متثل بقول الشاعر وأخرج من بني البيوت لعلين %أحدث عنك القلب بالسر خاليا الشوق حيمل احملب على العجلة يف رضا احملبوب واملبادرة إليها على الفور ولو كان فيها تلفه ^ وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أوالء على أثري وعجلت إليك رب لرتضى ^ قال بعضهم أراد شوقا إليك فسرته بلفظ الرضا ولو قلت طأ يف النار أعلم أنه %رضا لك أو مدن لنا من وصالك لقدمت رجلي حنوها فوطئتها %هدى منك يل أو ضلة من ضاللك ليهنك إمساكي بكفي على احلشا % ورقراق عيين خشية من زيالك وإن ساءين أن نلتين مبساءة %لقد سرين أين خطرت ببالك من عالمات احملبة الصادقة أن احملب ال يتم له سرور إال مبحبوبه وما دام غائبا عنه فعيشه كله منغص حنن يف أكمل السرور ولكن %ليس إال بكم يتم السرور عيب ما حنن فيه يا أهل ودي %أنكم غيب وحنن حضور وقال آخر من سره العيد اجلديد %فقد عدمت به السرورا كان السرور يتم يل %لو كان أحبايب حضورا لو قيل للمحب على الدوام ما تتمىن لقال لقاء احملبوب وملا نزلنا منزال طله الندى %أنيقا وبستانا من النور حاليا أجد لنا طيب املكان وحسنه %مىن فتمنينا فكنت األمانيا وقال اجلنيد مسعت السري يقول الشوق أجل مقام العارف إذا حتقق فيه وإذا حتقق بالشوق هلا عن كل ما يشغله عمن يشتاق إليه وقيل أوحى هللا تعاىل إىل داود عليه السالم قال لشبان بين إسرائيل مل تشغلون نفوسكم بغريي وأنا مشتاق إليكم ما هذا اجلفاء ولو يعلم املدبرون عين كيف انتظاري هلم ورفقي هبم وحمبيت لرتك معاصيهم ملاتوا شوقا إيل وانقطعت أوصاهلم من حمبيت هذه إراديت لل مدبرين عين فكيف إراديت للمقبلني علي وسئل اجلنيد من أي شيء بكاء احملب إذا لقي احملبوب فقال إمنا يكون ذلك سرورا به ووجدا من شدة الشوق إليه قال ولقد بلغين أن أخوين تعانقا فقال أحدمها واشوقاه وقال اآلخر وواجداه وكانت عجوز هلا غائب فقدم من السفر فأظهر أهلها ال فرح والسرور به فجعلت تبكي فقيل هلا ما هذا البكاء فقالت ذكرين قدوم هذا الفىت يوم القدوم على هللا وقال بعض احملبني قلوب املشتاقني منورة بنور هللا فإذا حترك اشتياقهم أضاء النور ما بني السماء واألرض فيعرضهم هللا سبحانه وتعاىل على املالئكة فيقول هؤالء املشتاقون إيل أشهدكم أين إليهم أشوق فصل قال ابن أيب احلواري رمحه هللا تعاىل سئل أبو سليمان الداراين رمحه هللا وأنا حاضر ما أقرب ما يتقرب به إىل هللا عز وجل فبكى مث قال مثلي يسأل عن هذا أقرب ما يتقرب به إليه أن يطلع على قلبك وأنت ال تريد من الدنيا واآلخرة إال هو وقال حيىي بن معاذ النسك هو العناية بالسرائر وإخراج ما سوى هللا من القلب وقال سهل بن عبدهللا ما من ساعة إال وهللا سبحانه يطلع فيها على قلوب العباد فأي قلب رأى فيه غريه سلط عليه إبليس وقال سهل بن عبدهللا من نظر إىل هللا عز وجل قريبا منه بعد عن قلبه كل شيء سوى هللا ومن طلب مرضاته أرضاه هللا سبحانه وتعاىل ومن أحلم قلبه
إىل هللا توىل هللا جوارحه وقال سهل أيضا حرام على قلب أن يشم رائحة اليقني وفيه سكون إىل غري هللا وحرام على قلب أن يدخله النور وفيه شيء مما يكره هللا وسئل يعضهم عن افضل األعمال فقال رعاية السر عن االلتفات إىل شيء سوى هللا عز وجل وقال مسلم تركتموه وأقبل بعضكم على بعض لو أقبلتم عليه لرأيتم العجائب فصل فإن تقاصرت مهتك الدنية عن ترك الفواحش حمبة هلذا احملبوب األعلى ولست هناك فاتركها حمبة للنساء الاليت وصفهن هللا يف كتابه وبعث رسوله داعيا إىل وصاهلن يف جنة املأوى وقد تقدم ذكر بعض صفاهتن ولذة وصاهلن فإن تقاصرت مهتك عنهن ومل تكن كفؤا خلطبتهن ودعتك نفسك إىل إيثار ما هاهنا عليهن فكن من عقوبته العاجلة واآلجلة على حذر واعلم أن العقوبات ختتلف فتارة تعجل وتارة توخر وتارة جيمع هللا على العاصي بينهما وأشد العقوبات العقوبة بسلب اإلميان ودوهنا العقوبة مبوت القلب وحمو لذة الذكر والقراءة والدعاء واملناجاة منه ورمبا دبت عقوبة القلب فيه دبيب الظلمة إىل أن ميتلئ القلب هبما فتعمى البصرية وأهون العقوبة ما كان واقعا بالبدن يف الدنيا وأهون منها ما وقع باملال ورمبا كانت عقوبة النظر يف البصرية أو يف البصر أو فيهما قال الفضيل يقول هللا تعاىل ابن آدم إذا كنت أقلبك يف نعميت وأنت تتقلب يف معصييت فاحذر لئال أصرعك بني معاصيك ابن آدم اتقين ومن حيث شئت إنك إن ذكرتين ذكرتك وإن نسيتين نسيتك والساعة اليت ال تذكرين فيها عليك ال لك وقال الفضيل أيضا ما يؤمنك أن تكون بارزت هللا تعاىل بعمل مقتك عليه فأغلق عنك أبواب املغفرة وأنت تضحك وقال علقمة بن مرثد بينا رجل يطوف بالبيت إذ برق له ساعد امرأة فوضع ساعده على ساعدها فالتذ به فلصقت ساعدامها فأتى بعض أولئك الشيوخ فقال ارجع إىل املكان الذي فعلت هذا فيه فعاهد رب البيت أن ال تعود فقعل فخلي عنه وقال ابن عباس وأنس رضي هللا عنهم إن للحسنة نورا يف القلب وزينا يف الوجه وقوة يف البدن وسعة يف الرزق وحمبة يف قلوب اخللق وإن للسيئة ظلمة يف القلب وشينا يف الوجه ووهنا يف البدن ونقصا يف الرزق وبغضة يف قلوب اخللق وقال احلسن ما عصى هللا عبد إال أذله هللا وقال املعتمر بن سليمان إن الرجل ليصيب الذنب يف السر فيصبح وعليه مذلته وقال احلسن هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم وكان شيخ من األعراب يدور على اجملالس ويقول من سره أن تدوم له العافية فليتق هللا وقال أبو سليمان الداراين من صفا صفا له ومن كدر كدر عليه ومن أحسن يف ليله كفي يف هناره ومن أحسن يف هناره كفي يف ليله ومن ترك هلل شهوة من قلبه فاهلل أكرم أن يعذب هبا قلبه وكتبت عائشة أم املؤمنني رضي هللا عنها إىل معاوية أما بعد فإن العامل إذا عمل مبعصية هللا عاد حامده من الناس ذاما وقال حمارب بن دثار إن الرجل ليذنب الذنب فيجد له يف قلبه وهنا وقال احلسني بن مطري ونفسك أكرم عن أمور كثرية %فما لك نفس بعدها تستعريها وال تقرب األمر احلرام فإمنا %حالوته تفىن ويبقى مريرها وكان سفيان الثوري يتمثل هبذين البيتني تفىن اللذاذة ممن ذاق صفوهتا %من احلرام ويبقى اإلمث والعار تبقى عواقب سوء يف مغبتها %ال خري يف لذة من بعدها النار فصل واعلم أن اجلزاء من جنس العمل والقلب معلق باحلرام كلما هم أن يفارقه وخيرج منه عاد إليه وهلذا يكون جزاؤه يف الربزخ ويف اآلخرة هكذا ويف بعض طرق حديث مسرة بن جندب الذي يف صحيح البخاري أن النيب قال رأيت الليلة
رجلني أتياين فأخرجاين فانطلقت معهما فإذا بيت مبين على مثل بناء التنور أعاله ضيق وأسفله واسع يوقد حتته نار فيه رجال ونساء عراة فإذا أوقدت النار ارتفعوا حىت يكادوا أن خيرجوا فإذا أمخدت رجعوا فيها فقلت من هؤالء قال هم الزناة فتأمل مطابقة هذا العذاب حلال قلوهبم يف الدنيا فإهنم كلما مهوا بالتوبة واإلقالع واخلروج من تنور الشهوة إىل فضاء التوبة أركسوا فيه وعادوا بعد أن كادوا خيرجون وملا كان الكفار يف سجن الكفر والشرك وضيقه وكانوا كلما مهوا باخلروج منه إىل فضاء اإلميان وسعته وروحه رجعوا على حوافرهم كان عقوبتهم يف اآلخرة كذلك قال هللا تعاىل ^ كلما أرادوا أن خيرجوا منها أعيدوا فيها ^ وقال يف موضع آخر ^ كلما أرادوا أن خيرجوا منها من غم أعيدوا فيها ^ فالكفر واملعاصي والفسوق كله غموم وكلما ع زم العبد أن خيرج منه أبت عليه نفسه وشيطانه ومألفه فال يزال يف غم ذلك حىت ميوت فإن مل خيرج من غم ذلك يف الدنيا بقي يف غمه يف الربزخ ويف القيامة وإن خرج من غمه وضيقه هاهنا خرج منه هناك فما حبس العبد عن هللا يف هذه الدار حبسه عنه بعد املوت وكان معذبا به هناك كما كان قلبه معذبا به يف الدنيا فليس العشاق والفجرة والظلمة يف لذة يف هذه الدار وإمنا هم يعذبون فيها ويف الربزخ ويف القيامة ولكن سكر الشهوة وموت القلب حال بينهم وبني الشعور باألمل فإذا حيل بينهم وبني ما يشتهون أحضرت نفوسهم األمل الشديد وصار يعمل فيها بعد ا ملوت نظري ما يعمل الدود يف حلومهم فاآلالم تأكل أرواحهم غري أهنا ال تفىن والدود يأكل جسومهم قال اإلمام أمحد رضي هللا عنه حدثنا إمساعيل بن عبدالكرمي قال حدثين عبدالصمد بن معقل حدثين وهب بن منبه قال كان حزقيل قائما فأتاه ملك فذكر حديثا طويال وفيه أنه مر بقوم أموات فقيل له ادعهم فدعاهم فأحياهم هللا له فقال سلهم فيم كنتم فقالوا ملا فارقنا احلياة لقيا ملكا يقال له ميكائيل فقال هلموا أعمالكم وخذوا أجوركم فذلك سنتنا فيكم وفيمن كان قبلكم وفيمن هو كائن بعدكم فنظروا يف أعمالنا فوجدونا نعبد األوثان فسلط الدود على أجسادنا وجعلت األرواح تأمل وسلط الغم على أرواحنا وجعلت األجساد تأمل فلم نزل كذلك نعذب حىت دعوتنا الباب السابع والعشرون فيمن ترك حمبوبه حراما فبذل له حالال أو أعاضه هللا خريا منه عنوان هذا الباب وقاعدته أن من ترك هلل شيئا عوضه هللا خريا منه كما ترك يوسف الصديق عليه السالم امرأة العزيز هلل واختار السجن على الفاحشة فعوضه هللا أن مكنه يف األرض يتبوأ منها حيث يشاء وأتته املرأة صاغرة سائلة راغبة يف الوصل احلالل فتزوجها فلما دخل هبا قال هذا خري مما كنت تريدين فتأمل كيف جزاه هللا سبحانه وتعاىل على ضيق السجن أن مكنه يف األرض ينزل منها حيث يشاء وأذل له العزيز امرأته وأقرت املرأة والنسوة برباءته وهذه سنته تعاىل يف عباده قدميا وحديثا إىل يوم القيامة وملا عقر سليمان بن داود عليهم السالم اخليل اليت شغلته عن صالة العصر حىت غابت الشمس سخر هللا له الريح يسري على متنها حيث أراد وملا ترك املهاجرون ديارهم هلل وأوطاهنم اليت هي أحب شيء إليهم أعاضهم هللا أن فتح عليهم الدنيا وملكهم شرق األرض وغرهبا ولو اتقى هللا السارق وترك سرقة املال املعصوم
هلل آلتاه هللا مثله حالال قال هللا تعاىل ^ ومن يتق هللا جيعل له خمرجا ويرزقه من حيث ال حيتسب ^ فأخرب هللا سبحانه وتعاىل أنه إذا اتقاه برتك أخذ ماال حيل له رزقه هللا من حيث ال حيتسب وكذلك الزاين لو ترك ركوب ذلك الفرج حراما هلل ألثابه هللا بركوبه أو ركوب ما هو خري منه حالال وقال اإلمام أمحد حدثنا هشيم حدثنا عبدالرمحن بن إسحاق عن حمارب بن د ثار عن صلة عن حذيفة بن اليمان رضي هللا عنهما قال قال رسول هللا النظرة إىل املرأة سهم من سهام إبليس مسموم من تركه خوف هللا أثابه هللا إميانا جيد حالوته يف قلبه وقال عمر بن شبة حدثنا أمحد بن عبدهللا بن يونس حدثنا عنبسة بن عبدالرمحن حدثنا أبو احلسن املدين عن علي رضي هللا عنه قال قال رسول هللا نظر الرجل يف حماسن املرأة سهم من سهام إبليس مسموم فمن أعرض عن ذلك السهم أعقبه هللا عبادة تسره وقال أبو الفرج بن اجلوزي رمحه هللا تعاىل بلغين عن بعض األشراف أنه اجتاز مبقربة فإذا جارية حسناء عليها ثياب سواد فنظر إليها فعلقت بقلبه فكتب إليها قد كنت أحسب أن الشمس واحدة %والبدر يف منظر باحلسن موصوف حىت رأيتك يف أثواب ثاكلة %سود وصدغك فوق اخلد معطوف فرحت والقلب مين هائم دنف % والكبد حرى ودمع العني مذروف ردي اجلوب ففيه الشكر واغتنمي %وصل احملب الذي باحلب مشغوف ورمى بالرقعة إليها فلما قرأهتا كتبت إن كنت ذا حسب زاك وذا نسب %إن الشريف بغض الطرف معروف إن الزناة أناس ال خالق هلم %فاعلم بأنك يوم الدين موقوف واقطع رجاك حلاك هللا من رجل %فإن قليب عن الفحشاء مصروف فلما قرأ الرقعة زجر نفسه وقال أليس امرأة تكون أشجع منك مث تاب ولبس مدرعة من الصوف والتجأ إىل احلرم فبينا هو يف الطواف يوما وإذا بتلك اجلارية عليها درع من صوف فقالت له ما أليق هذا بالشريف هل لك يف املباح فقال قد كنت أروم هذا قبل أن أعرف هللا وأحبه واآلن قد شغلين حبه عن حب غريه فقالت له أحسنت مث طافت وهي تنشد فطفنا فالحت يف الطواف لوائح %غنينا هبا عن كل مرأى ومسمع وقال احلسن البصري كانت امرأة بغي قد فاقت أهل عصرها يف احلسن ال متكن من نفسها إال مبائة دينار وإن رجال أبصرها فأعجبته فذهب فعمل بيديه وعاجل فجمع مائة دينار فجاء فقال إنك قد أعججبتين فانطلقت فعملت بيدي وعاجلت حىت مجعت مائة دينار فقالت ادفعها إلىالقهرمان حىت ينقدها ويزهنا فلما فعل قالت ادخل وكان هلا بيت منجد وسرير من ذهب فقالت هلم لك فلما جلس منها جملس اخلائن تذكر مقامه بني يدي هللا فأخذته رعدة وطفئت شهوته فقال أتركيين ألخرج ولك املائة دينار فقالت ما بدا لك وقد رأيتين كما زعمت فأعجبتك فذهبت فعاجلت وكدحت حىت مجعت مائة دينار فلما قدرت علي فعلت الذي فعلت فقال ما محلين على ذلك إال الفرق من هللا وذكرت مقامي بني يديه قالت إن كنت صادقا فمايل زوج غريك قال ذريين ألخرج قالت ال إال أن جتعل يل عهدا أن تتزوجين فقال ال حىت أخرج قالت عليك عهد هللا إن إنا أتيتك أن تتزوجين قال لعل فتقنع بثوبه مث خرج إىل بلده وارحتلت املرأة بدنياها نادمة على ما كان منها حىت قدمت بلده فسألت عن امسه ومنزله فدلت عليه فقيل له امللكة جاءت بنفسها تسأل عنك فلما رآها شهق شهقة فمات فأسقط يف يدها فقالت أما هذا فقد فاتين أما له من قريب قيل بلى أخوه رجل فقري فقالت إين أتزوجك
حبا ألخيك قال فتزوجته فولدت له سبعة أبناء وقال حيىي بن عامر التيمي خرج رجل من احلي حاجا فورد بعض املياه ليال فإذا هو بامرأة ناشرة شعرها فأعرض عنها فقالت له هلم إيل فلم تعرض عين فقال إين أخاف هللا رب العاملني فتجلببت مث قالت هبت وهللا مهابا إن أوىل من شركك يف اهليبة ملن أراد أن يشركك يف املعصية مث ولت فتبعها فدخلت بعض خيام األعراب قال فلما أصبحت أتيت رجال من القوم فسألته عنها وقلت فتاة صفتها كذا وكذا فقال هي وهللا ابنيت فقلت هل أنت مزوجي هبا فقال على األكفاء فمن أنت فقلت رجل من تيم هللا قال كفو كرمي فما رمت حىت تزوجتها ودخلت هبا مث قلت جهزوها إىل قدومي من احلج فلما قدمنا محلتها إىل الكوفة وهاهي ذي ويل منها بنون وبنات قال فقلت هلا وحيك ما كان تعرضك يل حينئذ فقالت يا هذا ليس للنساء خري من األزواج فال تعجنب من امرأة تقول هويت فوهللا لو كان عند بعض السودان ما تريده من هواها لكان هو هواها وقال احلسن بن زيد ولينا بديار مصر رجل فوجد على بعض عماله فحبسه وقيده فأشرفت عليه ابنة الوايل فهويته فكتبت إليه أيها الرامي بعينيه %ويف الطرف احلتوف إن ترد وصال فقد أمكنك %الظيب األلوف فأجاهبا الفىت إن تريين زاين العينني %فالفرج عفيف ليس إال النظر الفا %تر والشعر الظريف فأجابته قد أردناك فألفيناك %إنسانا عفيفا فتأبيت فال زلت %لقيديك حليفا فأجاهبا ما تأبيت ألين %كنت للظيب عيوفا غري أين خفت ربا %كان يب برا لطيفا فذاع الشعر وبلغت القصة الوايل فدعا به فزوجه إياها ودفعها إليه وذكر أن رجال أحب امرأة وأحبته فاجتمعا فراودته املرأة عن نفسه فقال إن أجلي ليس بيدي وأجلك ليس بيدك فرمبا كان األجل قد دنا فنلقى هللا عاصيني فقالت صدقت فتابا وحسنت حاهلما وتزوجت به وذكر بكر بن عبدهللا املزين أن قصابا ولع جبارية لبعض جريانه فأرسلها أهلها إىل حاجة يف قرية أخرى فتبعها فراودها عن نفسها فقالت ال تفعل ألنا أشد حبا لك مين ولكين أخاف هللا قال فأنت ختافينه وأنا ال أخافه فرجع تائبا فأصابه العطش حىت كاد ينقطع عنقه فإذا هو برسول لبين إسرائيل فسأله فقال مالك قال العطش فقال تعال حىت ندعو هللا حىت تظلنا سحابة حىت ندخل القرية قال مايل من عمل فأدعوه قال فأنا أدعوه وأمن أنت فدعا وأمن الرجل فأظلتهما سحابة حىت انتهيا إىل القرية فذهب القصاب إىل مكا نه فرجعت السحابة معه فرجع إليه الرسول فقال زعمت أن ليس لك عمل وأنا الذي دعوت وأنت أمنت فأظلتنا سحابة مث تبعتك لتخربين ما أمرك فأخربه فقال الرسول إن التائب إىل هللا ميكان ليس أحد من الناس مبكانه وقال حيىي بن أيوب كان باملدينة فىت بعجب عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه شأنه فانصرف ليلة من صالة العشاء فتمثلت له امرأة بني يديه فعرضت له بنفسها ففنت هبا ومضت فأتبعها حىت وقف على باهبا فأبصر وجال عن قلبه وحضرته هذه اآلية ^ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ^ فخر مغشيا عليه فنظرت إليه املرأة فإذا هو كامليت فلم تزل هي وجارية هلا يتعاونان عليه حىت ألقياه على باب داره فخرج أبوه فرآه ملقى على باب الدار ملا به فحمله وأدخله فأفاق فسأله ما أصابك يا بين فلم خيربه فلم يزل به حىت أخربه فلما تال اآلية شهق شهقة فخرجت نفسه فبلغ عمر رضي هللا عنه قصته فقال أ ال آذنتموين مبوته فذهب حىت وقف على قربه فنادى يا فالن ^ وملن خاف مقام ربه جنتان ^
فسمع صوتا من داخل القرب قد أعطاين ريب يا عمر وذكر احلسن هذه القصة عن عمر رضي هللا عنه على وجه آخر قال كان شاب على عهد عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه مالزما للمسجد والعبادة فهويته جارية فحدث نفسه هبا مث إنه تذكر وأبصر فشهق شهقة فغشي عليه منها فجاء عم له فحمله إىل بيته فلما أفاق قال يا عم انطلق إىل عمر فأقرئه مين السالم وقل له ما جزاء من خاف مقام ربه فأخرب عمر فأتاه وقد مات فقال لك جنتان ويف جامع الرتمذي من حديث ابن عمر رضي هللا عنهما قال قال رسول هللا كان ذو الكفل ال يتورع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستني دينارا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت فقال ما يبكيك أكرهتك قالت ال ولكن هذا عمل مل أعمله وإمنا محلتين عليه احلاجة قال فتفعلني هذا وأنت مل تفعليه قط مث قال اذهيب والدنانري لك مث قال وهللا ال يعصي هللا ذوالكفل أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه قد غفر هللا لذي الكفل قال الرتمذي هذا حديث حسن وقال أبو هريرة وابن عباس رضي هللا عنهم خطب رسول هللا قبل وفاته فقال يف خطبته ومن قدر على امرأة أو جارية حراما فرتكها خمافة من هللا أمنه هللا يوم الفزع األكرب وحرمه على النار وأدخله اجلنة وقال مالك بن دينار جنات النعيم بني الفردوس وبني جنات عدن فيها جوار خلقن من ورد اجلنة يسكنها الذين مهوا باملعاصي فلما ذكروا هللا عز وجل راقبوه فانثنت رقاهبم من خشية هللا عز وجل قال ميمون بن مهران الذكر ذكران فذكر هللا عز وجل باللسان حسن وأفضل منه أن تذكر هللا عز وجل عندما تشرف على معاصيه وقال قتادة رضي هللا عنه ذكر لنا أن نيب هللا كان يقول ال يقدر رجل على حرام مث يدعه ليس به إال خمافة هللا عز وجل إال أبدله يف عاجل الدنيا قبل اآلخرة ما هو خري له من ذلك وقال عبيد بن عمري صدق اإلميان وبره أن خيلو الرجل باملرأة احلسناء فيدعها ال يدعها إال هلل عز وجل وقال أبو عمران اجلوين كان رجل من بين إسرائيل ال ميتنع من شيء فجهد أهل بيت من بين إسرائيل فأرسلوا إليه جارية منهم تسأله ش يئا فقال ال أو متكنيين من نفسك فخرجت فجهدوا جهدا شديدا فرجعت إليه فقالت أعطنا فقال ال أو متكنيين من نفسك فرجعت فجهدوا جهدا كثريا فأرسلوها إليه فقال هلا ذلك فقالت دونك فلما خال هبا جعلت تنتفض كا تنتفض السعفة قال هلا مالك قالت إين أخاف هللا رب العاملني هذا شيء مل أصنعه قط قال أنت ختافني هللا ومل تصنعيه وأفعله أعاهد هللا أين ال أرجع إىل شيء مما كنت فيه فأوحى هللا إىل نيب من أنبيائهم أن فالنا أصبح يف كتب أهل اجلنة وذكر أن شابا يف بين إسرائيل مل يكن فيهم شاب أحسن منه كان يبيع املكاتل فبينا هو ذات يوم يطوف مبكاتله إذ خرجت امرأة من دار ملك من ملوك بين إسرائيل فلما رأته رجعت مبادرة فقالت البنة امللك إين رأيت شابا بالباب يبيع املكاتل مل أر شابا قط أحسن منه قالت أدخليه فخرجت فقالت ادخل فدخل فأغلقت الباب دونه مث قالت ادخل فدخل فأغلقت بابا آخر دونه مث استقبلته بنت امل لك كاشفة عن وجهها وحنرها فقال هلا استرتي عافاك هللا فقالت إنا مل ندعك هلذا إمنا ندعوك لكذا وراودته عن نفسه فقال هلا اتقي هللا قالت إنك إن مل تطاوعين على ما أريد أخربت امللك أنك إمنا دخلت تكابرين على نفسي قال هلا فضعي يل وضوءا فقالت أعلي تتعلل يا جارية ضعي له وضوءا فوق اجلوسق مكانا ال يستطيع أن يفر منه فلما
صار يف اجلوسق قال اللهم إين دعيت إىل معصيتك وإين أختار أن ألقي نفسي من هذا اجلوسق وال أركب معصيتك مث قال بسم هللا وألقى نفسه من أعاله فأهبط هللا ملكا أخذ بضبعيه فوقع قائما على رجليه فلما صار يف األرض قال اللهم إن شئت رزقتين رزقا يغنيين عن بيع هذه املكاتل فأرسل هللا عليه رجال من جراد من ذهب فأخذ منه حىت مأل ثوبه فلما صار يف ثوبه قال اللهم إن كان هذا رزقا رزقتنيه من الدنيا فبارك يل فيه وإن كان ينقصين مما يل عندك يف اآلخرة فال حاجة يل فيه فنودي إن هذا الذي أ عطيناك جزء من مخسة وعشرين جزءا لصربك على إلقائك نفسك فقال اللهم فال حاجة يل فيما ينقصين مما يل عندك يف اآلخرة فرجع اجلراد وذكر أبو الفرج بن اجلوزي عن رجل من بعض املياسري قال بينا أنا يوما يف منزيل إذ دخل علي خادم يل فقال يل رجل بالباب معه كتاب فقلت أدخله أو خذ كتابه فأخذ الكتاب منه فإذا فيه جتنبك الردى ولقيت خريا %وسلمك املليك من الغموم شكون بنات أحشائي إليكم %وما إن تشتكني إىل ظلوم وسألتين الكتاب إليك فيما %خيامرها فدتك من اهلموم وهن يقلن يا ابن اجلود إنا %برمنا من مراعاة النجوم وعندك لو مننت شفاء سقم %ألعضاء دمني من الكلوم قال فلما قرأت األبيات قلت عاشق فقلت للخادم أدخله فخرج فلم يره فارتبت يف أمره فجعل الفكر يرتدد يف قليب فدعوت جواري كلهن فجمعتهن فقلت هلن ما قصة هذا الكتاب فحلفن يل وقلن يا سيدنا ما نعرف هلذا الكتاب سببا فمن جاءك به فقلت قد فاتين وما أردت سؤالكن إال أين ظننت له هوى يف بعضكن فمن عرفت منكم أهنا صاحبته فهي له فلتذهب إليه ولتأخذ كتايب إليه وكتبت كتابا أشكره على فعله وأسأله عن حاله ووضعت الكتاب يف موضع من الدار فمكث الكتاب يف موضعه حينا ال يأخذه أحد وال أرى الرجل فاغتممت غما شديدا مث قلت لعله بعض فتياننا مث قلت إن هذا الفىت قد أخرب عن نفسه بالورع وقد قنع ممن حيبه بالنظر فدبرت عليه فحجبت جواري عن اخلروج فما كان إال يوم وبعض اآلخر إذ دخل علي اخلادم ومعه كتاب قال أرسل به إليك فالن وذكر بعض أصدقائي ففضضته فإذا فيه مكتوب ماذا أردت إىل روح معلقة %عند الرتاقي وحادي املوت حيدوها حثثت حاديها ظلما فجد هبا %يف السري حىت تولت عن تراقيها حجبت من كان حتيا عند رؤيتها %روحي ومن كان يشفيين ترائيها فالنفس جتنح حنو الظلم جاهلة %والقلب مين سليم ما يؤاتيها وهللا لو قيل يل تأيت بفاحسة %وإن عقباك دنيانا وما فيها لقلت ال والذي أخشى عقوبته %وال بأضعافها ما كنت آتيها لوال احلياء لبحنا بالذي كتمت %بنت الفؤاد وأبدينا متنيها قال فبهت وقلت ال أدري ما أحتال يف أمر هذا الرجل وقلت للخادم ال يأتيك أحد بكتاب إال قبضت عليه حىت تدخله علي مث مل أعرف له خربا بعد ذلك فبينا أنا أطوف بالكعبة إذا فىت قد أقبل حنوي وجعل يطوف إىل جنيب ويالحظين وقد صار مثل العود فلما قضيت طوايف خرجت وأتبعين فقال يا هذا أتعرفين قلت ال أنكرك لسوء قال أنا صاحب الكتابني فما متالكت أن قبلت رأسه وبني عينيه وقلت بأيب أنت وأمي وهللا لقد شغلت قليب وأطلت غمي بشدة كتمانك ألمرك فهل لك فيما سألت وطلبت قال بارك هللا لك وأقر عينيك إمنا أتيتك أستحلك من نظرة كنت نظرهتا على غري حكم الكتاب والسنة واهلوى داع إىل كل بالء وأستغفر هللا العظيم فقلت يا حبييب أحب أن تصري معي إىل منزيل فآنس بك وجت ري احلرمة بيين وبينك قال ليس إىل ذلك سبيل فقلت غفر هللا لك ذنبك وقد وهبتها لك ومعها مائة
دينار ولك يف كل سنة كذا وكذا قال بارك هللا لك فيها فلوال عهود عاهدت هللا عليها وأشياء أكدهتا علي مل يكن يف الدنيا شيء أحب غلي من هذا الذي تعرضه علي ولكن ليس إىل ذلك سبيل والدنيا منقطعة فقلت له فإذا أبيت أن تقبل مين ذلك فأخربين من هي حىت أكرمها ألجلك ما بقيت فقال ما كنت ألذكرها ألحد مث قام وتركين وذكر عبدامللك بن قريب قال هوي رجل من النساء جارية فاشتد حبه هلا فبعث إليها خيطبها فامتنعت وأجابته إىل غري ذلك فأىب وقال ال إال ما أحل هللا مث إن حمبته ألقيت يف قلبها فبذلت له ما سأل فقال ال وهللا ال حاجة يل مبن دعوهتا إىل طاعة هللا ودعتين إىل معصيته وحكى املربد عن شيخه أيب عثمان املازين أنه قصده بعض أهل الذمة ليقرأ عليه كتاب سيبويه وبذل له مائة دينار فامتنع ورده فقلت له أترد هذا القدر مع شدة فاقتك فقال إن هذا الكتاب يشتمل على ثالمثائة وكذا وكذا آية من كتاب هللا ولست أرى متكني هذا الذمي منها غرية على القرآن فاتفق أن غنت جارية حبضرة الوائق يقول العرجي أظلوم إن مصابكم رجال %أهدى السالم حتية ظلم فاختلف أهل جملسه يف إعراب رج ل فمنهم من قال هو نصب وجعله اسم إن ومنهم من رفعه على أنه خربها واجلارية أصرت على النصب وقالت لقنين إياه كذلك شيخي أبو عثمان املازين فأمر الواثق بإحضاره إىل بني يديه قال فلما مثلت بني يديه قال ممن الرجل قلت من بين مازن قال أي املوازن أمازن متيم أم مازن قيس أم مازن ربيعة قلت من مازن ربيعة فكلمين بكالم قومي فقال يل با امسك وقومي يقلبون امليم باء والباء ميما فكرهت أن أواجهه بلفظة مكر فقلت بكر يا أمري املؤمنني ففطن ملا قصدته وأعجب به فقال ما تقول يف قول الشاعر أظلوم إن مصابكم رجال %أهدى السالم حتية ظلم أترفع رجال أم تنصبه فقلت الوجه النصب يا أمري املؤمنني فقال ومل ذلك فقلت ألن مصابكم مصدر مبعىن إصابتكم فأخذ البزيدي يف معارضيت فقلت هو مبنزلة قولك إن ضربك زيدا ظلم فرجال مفعول مصابكم ومنصوب به والدليل عليه أن الكالم معلق إىل أن تقول ظلم فيتم فاستحسنه الواثق وقا ل هل لك من ولد قلت نعم يا أمري املؤمنني بنية قال فما قالت لك عند مسريك إلينا قلت أنشدت قول األعشى أيا أبتا ال ترم عندنا %فإنا خبري إذا مل ترم ترانا إذا أضمرتك البال %د جبفى وتقطع منا الرحم قال فما قلت هلا قال قلت قول جرير ثقي باهلل ليس له شريك %ومن عند اخلليفة بالنجاح فقال علي النجاح إن شاء هللا مث أمر يل بألف دينار وردين إىل البصرة مكرما فقال أبو العباس املربد فلما عاد إىل البصرة قال يل كيف رأيت يا أبا العباس رددنا هلل مائة دينار فعوضنا هللا ألفا الباب الثامن والعشرون فيمن آثر عاجل العقوبة واآلالم على لذة الوصال احلرام هذا باب إمنا يدخل منه رجالن أحدمها من متكن من قلبه اإلميان باآلخرة وما أعد هللا فيها من الثواب والعقاب ملن عصاه فآثر أدىن الفوتني واختار أسهل العقوبتني والثاين رجل غلب عقله على هواه فعلم ما يف الفاحشة من املفاسد وما يف ال عدول عنها من املصاحل فآثر األعلى على األدىن وقد مجع هللا سبحانه وتعاىل ليوسف الصديق صلوات هللا وسالمه عليه بني األمرين فاختار عقوبة الدنيا بالسجن على ارتكاب احلرام فقالت املرأة ولئن مل يفعل ما آمره ليسجنن
وليكونا من الصاغرين قال رب السجن أحب إيل مما يدعونين إليه وإال تصرف عين كيدهن أصب إليهن وأكن من اجلاهلني فاختار السجن على الفاحشة مث تربأ إىل هللا من حوله وقوته وأخرب أن ذلك ليس إال مبعونة هللا له وتوفيقه وتأييده ال من نفسه فقال ^ وإال تصرف عين كيدهن أصب إليهن وأكن من اجلاهلني ^ فال يركن العبد إىل نفسه وصربه وحاله وعفته ومىت ركن إىل ذلك ختلت عنه عصمة هللا وأحاط به اخلذالن وقد قال هللا تعاىل ألكرم اخللق عليه وأحبهم إليه ^ ولوال أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليال ^ وهلذا كان من دعائه يا مقلب القلوب ثبت قليب على دينك وكانت أكثر ميينه ال ومقلب القلوب كيف وهو الذي أنزل عليه ^ واعلموا أن هللا حيول بني املرء وقلبه ^ وقد جرت سنة هللا تعاىل يف خلقه أن من آثر األمل العاجل على الوصال احلرام أعقبه ذلك يف الدنيا املسرة التامة وإن هلك فالفوز العظم وهللا تعاىل ال يضيع ما حتمل عبده ألجله ويف بعض اآلثار اإلهلية يقول هللا سبحانه وتعاىل بعيين ما يتحمل املتحملون من أجلي وكل من خرج عن شيء منه هلل حفظه هللا عليه أو أعاضه هللا ما هو أجل منه وهلذا ملا خرج الشهداء عن نفوسهم هلل جعلهم هللا أحياء عنده يرزقون وعوضهم عن أبداهنم اليت بذلوها له أبدان طري خضر جعل أرواحهم فيها تسرح يف اجلنة حيث شاءت وتأوي إىل قناديل معلقة بالعرش وملا تركوا مساكنهم له عوضهم مساكن طيبة يف جنات عدن ذلك الفوز العظيم وقال وهب بن منبه كان عابد من عباد بين إسرائيل يتعبد يف صومعة فجاء رجل من بين إسرائيل إىل امرأة بغي فبذل هلا ماال وقال لعلك أن تفتنيه فجاءته يف ليلة مطرية فنادته فأشرف عليها فقالت آوين إليك فرتكها وأقبل على صالته فقالت يا عبد هللا آوين إليك أما ترى الظلمة واملطر فلم تزل به حىت آواها فاضطجعت قريبا منه فجعلت تريه حماسنها حىت دعته نفسه إليها فقال ال وهللا حىت أنظر كيف صربك على النار فتقدم إىل امل صباح فوضع إصبعا من أصابعه حىت احرتقت مث عاد إىل صالته فدعته نفسه إليها فعاود املصباح فوضع إصبعه األخرى حىت احرتقت فلم يزل تدعوه نفسه وهو يعود إىل املصباح حىت احرتقت أصابعه مجيعا وهي تنظر فصعقت وماتت وقال اإلمام أمحد حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا أمية بن شبل عن عبدهللا بن وهب قال ال أعلمه إال ذكره عن أبيه أن عابدا من بين إسرائيل كان يف صومعته يتعبد فإذا نفر من الغواة قالوا لو استنزلناه بشيء فذهبوا إىل امرأة بغي فقالوا هلا تعرضى له فجاءته يف ليلة مظلمة مطرية فقالت يا عبد هللا آوين إليك وهو قائم يصلي ومصباحه ثاقب فلم يلتفت إليها فقالت يا عبد هللا الظلمة والغيث آوين إليك فلم تزل به حىت أدخلها إليه فاضطجعت وهو قائم يصلي فجعلت تتقلب وتريه حماسن خلقها حىت دعته نفسه إليها فقال ال وهللا حىت أنظر كيف صربك على النار فدنا إىل املصباح فوضع إصبعا من أصابعه فيه حىت احرتقت قال مث رجع إىل مصاله قال فدعته نفسه أيضا فعاد إىل املصباح فوضع إصبعه أيضا حىت احرتقت أصابعه وهي تنظر إليه فصعقت فماتت فلما أصبحوا غدوا لينظروا ما صنعت فإذا هبا ميتة فقالوا يا عدو هللا يا مرائي وقعت عليها مث قتلتها قال فذهبوا به إىل ملكهم فشهدوا عليه فأمر بقتله فقال دعوين حتىأصلي ركعتني قال فصلى مث دعا فقال أي رب إين أعلم أنك مل تكن لتؤاخذين مبا مل أفعل ولكن اسألك أن ال أكون عارا على القرى بعدي قال فرد هللا نفسها فقالت أنظروا إىل يده مث عادت ميتة
وقال اإلمام أمحد رمحه هللا تعاىل حدثنا حممد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم قال بينما رجل عابد عند امرأة إذ عمد فضرب بيده على فخذها فأخذ يده فوضعها يف النار حىت نشت وقال حصني بن عبدالرمحن بلغين أن فىت من أهل املدينة كان يشهد الصلوات كلها مع عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه وكان عمر يتفقده إذا غاب فعشقته امرأة من أهل املدينة فذكرت ذلك لبعض نسائها فقالت أنا أحتال لك يف إدخاله عليك فقعدت له يف الطريق فلما مر هبا قالت له إين امرأة كبرية السن ويل شاة ال أستطيع أن أحلبها فلو دخلت فحلبتها يل وكانوا أرغب شيء يف اخلري فدخل فلم ير شاة فقالت اجلس حىت آتيك هبا فإذا املرأة قد طلعت عليه فلما رأى ذلك عمد إىل حمراب يف البيت فقعد فيه فأرادته عن نفسه فأىب وقال اتقي هللا أيتها املرأة فجعلت ال تكف عنه وال تلتفت إىل قوله فلما أىب عليها صاحت عليه فجاءوا فقالت إن هذا دخل علي يريدين عن نفسي فوثبوا عليه وجعلوا يضربونه وأوثقوه فلما صلى عمر الغداة فقده فبينا هو كذلك إذ جاءوا به يف وثاق فلما رآه عمر قال اللهم ال ختلف ظين به قال مالكم قالوا استغاثت امرأة بالليل فجئنا فوجدنا هذا الغالم عندها فضربناه وأوثقناه فقال عمر رضي هللا عنه اصدقين فأخربه بالقصة على وجهها فقال له عمر رضي هللا عنه أتعرف ا لعجوز فقال نعم إن رايتها عرفتها فأرسل عمر إىل نساء جرياهنا وعجائزهن فجاء هبن فعرضهن فلم يعرفها فيهن حىت مرت به العجوز فقال هذه يا أمري املؤمنني فرفع عمر عليها الدرة وقال أصدقيين فقصت عليه القصة كما قصها الفىت فقال عمر احلمد هلل الذي جعل فينا شبيه يوسف وقال أبو الزناد كان راهب يتعبد يف صومعته فأشرف منها فرأى امرأة ففنت هبا فأخرج رجله من الصومعة لينزل إليها فنزلت عليه العصمة فقال رجل خرجت من الصومعة لتعصي هللا وهللا ال تعود معي يف صومعيت فرتكها معلقة خارج الصومعة يسقط عليها الثلوج واألمطار حىت تناثرت وسقطت فشكر هللا ذلك من صنعه ومدحه يف بعض كتبه بذي الرجل وقال مصعب بن عثمان كان سليمان بن يسار من أحسن الناس وجها فدخلت عليه امرأة بيته فسألته نفسه فامتنع عليها فقالت إذن أفضحك فخرج هاربا عن منزله وتركها فيه وقال جابر بن نوح كنت باملدينة جالسا عند رجل يف حاج ة فمر بنا شيخ حسن الوجه حسن الثياب فقام إليه ذلك الرجل فسلم عليه وقال يا أبا حممد أسأل هللا أن يعظم أجرك وأن يربط على قلبك بالصرب فقال الشيخ وكان مييين يف الوغى ومساعدي %فأصبحت قد خانت مييين ذراعها وقد صرت حريانا من الثكل باهتا %أخا كلف ضاقت علي رباعها فقال له الرجل أبشر فإن الصرب معول املؤمن وإين ألرجو أن ال حيرمك هللا األجر على مصيبتك فقلت له من هذا الشيخ فقال رجل منا من األنصار فقلت وما قصته قال أصيب بابنه وكان به بارا قد كفاه مجيع ما يعنيه ومنيته عجب قلت وما كانت قال أحبته امرأة فأرسلت إليه تشكو حبه وتسأله الزياره وكان هلا زوج فأحلت عليه فأفشى ذلك إىل صديق له فقال له لو بعثت إليها بعض أهلك فوعظتها وزجرهتا رجوت أن تكف عنك فأمسك وأرسلت إليه إما أن تزورين وإما أن أزورك فأىب فلما يئست منه ذهبت إىل امرأة كانت تعمل السحر فجعلت هلا الرغائب يف هتييجه فعملت هلا يف ذلك فبينا هو ذات ليلة مع أبيه إذ خطر ذكرها بقلبه وهاج منه أمر مل يكن يعرفه واختلط فقام مسرعا فصلى واستعاذ واألمر يشتد فقال يا أبه أدركين بقيد فقال يا بين ما قصتك فحدثه بالقصة فقام وقيده وأدخله بيتا فجعل يضطرب وخيور كما
خيور الثور مث هدأ فإذا هو ميت والدم يسيل من منخره فصل وهذا ليس بعجيب من الرجال ولكنه من النساء أعجب قال أبو إدريس األودي كان رجالن يف بين إسرائيل عابدان وكانت جارية مجيلة فأحباها وكتم كل منهما صاحبه واختبأ كل منهما خلف شجرة ينظر إليها فبصر كل منهما سره إىل صاحبه فاتفقا على أن يراوداها فلما قربت منهما قاال هلا قد عرفت منزلتنا يف بين إسرائيل وإنك إن مل تؤاتينا وإال قلنا إذا أصبحنا إنا أصبنا معك رجال وإنه أفلتنا وإنا أخذناك فقالت ما كنت ألطيعكما يف معصية هللا فأخذاها وقاال إنا أصبنا معها رجال فأفلتنا وأقبل نيب من أنبيائهم فوضعوا له كرسيا فجلس عليه وقال أقضي بينكم فقاال نعم اقض بيننا ففرق بني الرجلني وقال ألحدمها خلف أي شجرة رأيتها قال شجرة كذا وكذا وقال لآلخر فقال شجرة كذا وكذا غري اليت ذكر صاحبه ونزلت نار من السماء فأحرقتهما وأفلتت املرأة وقال عبدهللا بن املبارك عشق هارون الرشيد جارية من جواريه فأرادها فقالت إن أباك مسين فشغف هبا وقال فيها أرى ماء ويب عطش شديد %ولكن ال سبيل إىل الورود أما يكفيك أنك متلكيين %وأن الناس عندي كالعبيد وأنك لو قطعت يدي ورجلي %لقلت من الرضا أحسنت زيدي فسأل أبا يوسف عن ذلك فقال أو كلما قالت جارية شيئا تصدق قال ابن املبارك فال أدري ممن أعجب من هارون الرشيد حيث رغب فيها أو منها حيث رغبت عنه أو من أيب يوسف حيث سوغ له إنياهنا وقال أبو عثمان التيمي مر رجل براهبة من أمجل النساء فافتنت هبا فتلطف يف الصعود إليها فراودها عن نفسها فأبت عليه وقالت ال تغرت مبا ترى وليس وراءه شيء فأىب حىت غلبها على نفسها وكان إىل جانبها جممرة فوضعت يدها فيها حىت احرتقت فقال هلا بعد أن قضى حاجته منها ما دعاك إىل ما صنعت قالت إنك ملا قهرتين على نفسي خفت أن أشاركك يف اللذة فأشاركك يف املعصية ففعلت ما رأيت فقال الرجل وهللا ال أعصي هللا أبدا وتاب مما كان عليه وذكر احلسني بن حممد الدامغاين أن بعض امللوك خرج يتصيد وانفرد عن أصحابه فمر بقرية فرأى امرأة مجيلة فراودها عن نفسها فقالت إين غري طاهر فأتطهر وآتيك فدخلت بيتها وخرجت إليه بكتاب فقالت انظر يف هذا حىت آتيك فنظر فيه فإذا فيه م ا أعد هللا للزاين من العقوبة فرتكها وذهب فلما جاء زوجها أخربته اخلرب فكره أن يقرهبا خمافة أن يكون للملك فيها حاجة فاعتزهلا فاستعدى عليه أهل الزوجة إلىامللك وقالوا إن لنا أرضا يف يد الرجل فال هو يعمرها وال هو يردها علينا وقد عطلها فقال امللك ما تقول فقال إين رأيت يف هذه األرض أسدا وأنا أختوف دخوهلا منه ففهم امللك القصة فقال اعمر أرضك فإن األسد ال يدخلها ونعم األرض أرضك وكانت بعض النساء املتعبدات وقعت يف نفس رجل موسر وكانت مجيلة وكانت ختطب فتأىب فبلغ الرجل أهنا تريد احلج فاشرتى ثالمثائة بعري ونادى من أراد ا حلج فليكرت من فالن فاكرتت منه املرأة فلما كان يف بعض الطريق جاءها فقال إما أن تزوجيين نفسك وإما غري ذلك فقالت وحيك اتق هللا فقال ما هو إال ما تسمعني وهللا ما أنا جبمال وال خرجت إال من أجلك فلما خافت على نفسها قالت وحيك انظر أبقي يف الرجال عني مل تنم فقال ال ناموا كلهم قالت أفنامت عني رب العاملني مث شهقت شهقة خرت ميتة وخر الرجل مغشيا عليه فلما أفاق قال وحيي قتلت نفسا ومل أبلغ شهويت وقال
وهب بن منبه كان يف بين إسرائيل رجل متعبد شديد االجتهاد فرأى يوما امرأة فوقعت يف نفسه بأول نظرة فقام مسرعا حىت حلقها فقال رويدك يا هذه فوقفت وعرفته فقالت ما حاجتك قال أذات زوج أنت قالت نعم فما تريد قال لو كان غري هذا لكان لنا رأي قالت على ذلك وما هو قال عرض بقليب من أمرك عارض قالت وما مينعك من إنقاذه قال وتتابعيين على ذلك قالت نعم فحلت به يف موضع فلما رأته جمدا يف الذي سأل قالت رويدك يا مسكني ال يسقط جاهك عنده فانتبه هلا وذهب عنه ما كان جيد فقال ال حرمك هللا ثواب فعلك مث تنحى ناحية فقال لنفسه اختاري إما عمى العني وإما اجلب وإما السياحة مع الوحوش فاختارت السياحة مع الوحوش فكان كذلك إىل أن مات وأحب رجل جارية من العرب وكانت ذا ت عقل وأدب فما زال حيتال يف أمرها حىت اجتمع معها يف ليلة مظلمة شديدة السواد فحادثها ساعة مث دعته نفسه إليها فقال يا هذه قد طال شوقي إليك قالت وأنا كذلك فقال هذا الليل قد ذهب والصبح قد اقرتب قالت هكذا تفىن الشهوات وتنقطع اللذات فقال هلا لو دنوت مين فقالت هيهات أخاف البعد من هللا قال فما الذي دعاك إىل احلضور معي قالت شقويت وبالئي قال هلا فمىت أراك قالت ما أنساك وأما االجتماع معك فما أراه يكون مث تولت قال فاستحييت مما مسعت منها وأنشد توقت عذابا ال يطاق انتقامه %ومل تأت ما ختشى به أن تعذبا وقالت مقاال كدت من شدة احليا %أهيم على وجهي حيا وتعجبا أال أف للحب الذي يورث العمى %ويورد نارا ال متل التلهبا فأقبل عودي فوق بدئي مفكرا %وقد زال عن قليب العمى فتسربا وقال ابن خلف أخربين أبو بكر العامري قال عشقت عاتكة املرية ابن عم هلا فأرادها عن نفسها فامتنعت عليه وقالت فما طعم ماء من السحاب مروق %حتدر من غر طوال الذوائب مبنعرج أو بطن واد تطلعت %عليه رياح الصيف من كل جانب ترقرق ماء املزن فيهن والتقت %عليهن أنفاس الرياض الغرائب نفت جرية املاء القذى عن متونه %فليس به عيب تراه لشارب بأطيب مما يقصر الطرف دونه %تقى هللا واستحياء تلك العواقب الباب التاسع والعشرون يف ذم اهلوى وما يف خمالفته من نيل املىن وقد تقدم ذكر اآليات يف ذلك وبعض ما ورد يف السنة اهلوى ميل الطبع إىل ما يالئمه وهذا امليل خلق يف اإلنسان لضرورة بقائه فإنه لوال ميله إىل املطعم واملشرب واملنكح ما أكل وال شرب وال نكح فاهلوى مستحث هلا ملا يريده كما أن الغضب دافع عنه ما يؤذيه فال ينبغي ذم اهلوى مطلقا وال مدحه مطلقا كما أن الغضب ال يذم مطلقا وال حيمد مطلقا وإمنا يذم املفرط من النوعني وهو ما زاد على جلب املنافع ودفع املضار وملا كان الغالب من مطيع هواه وشهوته وغضبه أنه ال يقف فيه على حد املنتفع به أطلق ذم اهلوى والشهوة والغضب لعموم غلبة الضرر ألنه يندر من يقصد العدل يف ذلك ويقف عنده كما أنه يندر يف األمزجة املزاج املعتدل من كل وجه بل ال بد من غلبة أحد األخالط والكيفيات عليه فحرص الناصح على تعديل قوى الشهوة والغضب من كل وجه وهذا أمر يتعذر وجوده إال يف حق أفراد من العامل فلذلك مل يذكر هللا تعاىل اهلوى يف كتابه إال ذمه وكذلك يف السنة مل جيئ إال مذموما إال ما جاء منه مقيدا كقوله ال يؤمن
أحدكم حىت يكون هواه تبعا ملا جئت به وقد قيل اهلوى كمني ال يؤمن قال الشعيب ومسي هوى ألنه يهوي بصاحبه ومطلقه يدعو إىل اللذة احلاضرة من غري فكر يف العاقبة وحيث على نيل الشهوات عاجال وإن كانت سببا ألعظم اآلالم عاجال وآجال فللدنيا عاقبة قبل عاقبة اآلخرة واهلوى يعمي صاحبه من مالحظتها واملروءة والدين والعقل ينهى عن لذة تعقب أملا وشهوة تورث ندما فكل منها يقول للنفس إذا أرادت ذلك ال تفعلي والطاعة ملن غلب أال ترى أن الطفل يؤثر ما يهوى وإن أداه إىل التلف لضعف ناهي العقل عنده ومن ال دين له يؤثر ما يهواه وإن أداه إىل هالكه يف اآلخرة لضعف ناهي الدين ومن ال مروءة له يؤثر ما يهواه وإن ثلم مروءته أو عدمها لضعف ناهي املروءة فأين هذا من قول الشافعي رمحه هللا تعاىل لو علمت أن املاء البارد يثلم مروءيت ملا شربته وملا امتحن املكلف باهلوى من بني سائر البهائم وكان كل وقت حتدث عليه حوادث جعل فيه حاكمان حاكم العقل وحاكم الدين وأمر أن يرفع حوادث اهلوى دائما إىل هذين احلاكمني وأن ينقاد حلكمهما وينبغي أن يتمرن على دفع اهلوى املأمون العواقب ليتمرن بذلك على ترك ما تؤذي عواقبه وليعلم اللبيب أن مدمين الشهوات يصريون إىل حالة ال يلتذون هبا وهم مع ذلك ال يستطيعون تركها ألهنا قد صارت عندهم مبنزلة العيش الذي ال بد هلم منه وهلذا ترى مدمن اخلمر واجلماع ال يلتذ به عشر معشار التذاذ من يفعله نادرا يف األحيان غري أن العادة مقتضية ذلك فيلقي نفسه يف املهالك لنيل ما تطالبه به العادة ولو زال عنه رين اهلوى لعلم أنه قد شقي من حيث قدر السعادة واغتم من حيث ظن الفرح وأمل من حيث أراد اللذة فهو كالطائر املخدوع حببة القمح ال هو نال احلبة وال هو ختلص مما وقع فيه فإن قيل فكيف يتخلص من هذا من قد وقع فيه قيل ميكنه التخلص بعون هللا وتوفيقه له بأمور أحدها عزمية حر يغار لنفسه وعليها الثاين جرعة صرب يصرب نفسه على مرارهتا تلك الساعة الثالث قوة نفس تشجعه على شرب تلك اجلرعة والشجاعة كلها صرب ساعة وخري عيش أدركه العبد بصربه الرابع مالحظته حسن موقع العاقبة والشفاء بتلك اجلرعة اخلامس مالحظته األمل الزائد على لذة طاعة هواه السادس إبقاؤه على منزلته عند هللا تعاىل ويف قلوب عباده وهو خري وأنفع له من لذة موافقة اهلوى السابع إيثاره لذة العفة وعزهتا وحالوهتا على لذة املعصية الثامن فرحه بغلبة عدوه وقهره له ورده خاسئا بغيظه وغمه ومهه حيث مل ينل منه أمنيته وهللا تعاىل حيب من عبده أن يراغم عدوه ويغيظه كما قال هللا تعاىل يف كتابه العزيز وال يطؤن موطئا يغبط الكفار وال ينالون من عدو نيال إال كتب هلم به عمل صاحل وقال ^ ليغيظ هبم الكفار ^ وقال تعاىل ^ ومن يهاجر يف سبيل هللا جيد يف األرض ^ مراغما كثرية وسعة أي مكانا يراغم فيه أعداء هللا وعالمة احملبة الصادقة مغايظة أعداء احملبوب ومراغمتهم التاسع التفكر يف أنه مل خيلق للهوى وإمنا هيء ألمر عظيم ال يناله إال مبعصيت للهوى كما قيل قد هيأوك ألمر لو فطنت له %فاربأ بنفسك أن ترعى مع اهلمل العاشر أن ال خيتار لنفسه أن يكون احليوان البهيم أحسن حاال منه فإن احليوان مييز بطبعه بني مواقع ما يضره وما ينفعه فيؤثر النافع على الضار واإلنسان أعطي العقل هلذا املعىن فإذا مل مييز به بني ما يضره وما ينفعه أو عرف ذلك وآثر ما يضره كان حال احليوان البهيم أحسن منه ويدل على ذلك أن البهيمة تصيب من
لذة املطعم واملشرب واملنكح ماال يناله اإلنسان مع عيش هينء خال عن الفكر واهلم وهلذا تساق إىل منحرها وهي منهمكة على شهواهتا لفقدان العلم بالعواقب واآلدمي ال يناله ما يناله احليوان لقوة الفكر الشاغل وضعف اآللة املستعملة وغري ذلك فلو كان نيل املشتهى فضيلة ملا خبس منه حق اآلدمي الذي هو خالصة العامل ووفر منه حظ البهائم ويف توفري حظ اآلدمي من العقل والعلم واملعرفة عوض عن ذلك احلادي عشر أن يسري بقلبه يف عواقب اهلوى فيتأمل كما أفاتت معصيته من فضيلة وكم أوقعت يف رذيلة وكم أكلة منعت أكالت وكم من لذة فوتت لذات وكم من شهوة كسرت جاها ونكست رأسا وقبحت ذكرا وأورثت ذما وأعقبت ذال وألزمت عارا ال يغسله املاء غري أن عني صاحب اهلوى عمياء الثاين عشر أن يتصور العاقل انقضاء غرضه ممن يهواه مث يتصور حاله بعد قضاء الوطر وما فاته وما حصل له فأفضل الناس من مل يرتكب سببا %حىت مييز ملا جتين عواقبه الثالث عشر أن يتصور ذلك يف حق غريه حق التصور مث ينزل نفسه تلك املنزلة فحكم الشيء حكم نظريه الرابع عشر أن يتفكر فيما تطالبه به نفسه من ذلك ويسأل عنه عقله ودينه خيربانه بأنه ليس بشيء قال عبدهللا بن مسعود رضي هللا عنه إذا أعجب أحدكم امرأة فليذكر مناتنها وهذا أحسن من قول أمحد بن احلسني لو فكر العاشق يف منتهى %حسن الذي يسبيه مل يسبه ألن ابن مسعود رضي هللا عنه ذكر احلال احلاضرة املالزمة والشاعر حال على أمر متأخر اخلامس عشر أن يأنف لنفسه من ذل طاعة اهلوى فإنه ما أطاع أحد هواه قط إال وجد يف نفسه ذال وال يغرت بصولة أتباع اهلوى وكربهم فهم أذل الناس بواطن قد أمجعوا بني فصيليت الكرب والذل السادس عشر أن يوازن بني سالمة الدين والعرض واملال واجلاه ونيل اللذة املطلوبة فإنه ال حيد بينهما نسبة البتة فليعلم أنه من أسفه الناس ببيعه هذا هبذا السابع عشر أن يأنف لنفسه أن يكون حتت قهر عدوه فإن الشيطان إذا رأى من العبد ضعف عزمية ومهة وميال إىل هواه طمع فيه وصرعه وأجلمه بلجام اهلوى وساقه حيث أراد ومىت أحس منه بقوة عزم وشرف نفس وعلو مهة مل يطمع فيه إال اختالسا وسرقة الثامن عشر أن يعلم أن اهلوى ما خالط شيئا إال أفسده فإن وقع يف العلم أخرجه إىل البدعة والضاللة وصار صاحبه من مجلة أهل األهواء وإن وقع يف الزهد أخرج صاحبه إىل الرياء وخمالفة السنة وإن وقع يف احلكم أخرج صاحبه إىل الظلم وصده عن احلق وإن وقع يف القسمة خرجت عن قسمة العدل إىل قسمة اجلور وإن وقع يف الوالية والعزل أخرج صاحبه إىل خيانة هللا واملسلمني حيث يويل هبوا ه ويعزل هبواه وإن وقع يف العبادة خرجت عن أن تكون طاعة وقربة فما قارن شيئا إال أفسده التاسع عشر أن يعلم أن الشيطان ليس له مدخل على ابن آدم إال من باب هواه فإنه يطيف به من أين يدخل عليه حىت يفسد عليه قلبه وأعماله فال جيد مدخال إال من باب اهلوى فيسري معه سريان السم يف األعضاء العشرون أن هللا سبحانه وتعاىل جعل اهلوى مضادا ملا أنزله على رسوله وجعل اتباعه مقابال ملتابعة رسله وقسم الناس إىل قسمني أتباع الوحي وأتباع اهلوى وهذا كثري يف القرآن كقوله تعاىل ^ فإن مل يستجيبوا لك فاعلم أمنا يتبعون أهواءهم ^ وقوله تعاىل ^ ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ^ ونظائره احلادي والعشرون أن هللا سبحانه وتعاىل شبه أتباع اهلوى بأخس احليوانات صورة ومعىن فشبههم بالكلب تارة كقوله تعاىل ^ ولكنه أخلد إىل األرض واتبع هواه
فمثله كمثل الكلب ^ وباحلمر تارة كقوله تعاىل ^ كأهنم محر مستنفرة فرت من قسورة ^ وقلب صورهم إىل صورة القردة واخلنازير تارة الثاين والعشرون أن متبع اهلوى ليس أهال أن يطاع وال يكون إماما وال متبوعا فإن هللا سبحانه وتعاىل عزله عن اإلمامة وهنى عن طاعته أما عزله فإن هللا سبحانه وتعاىل قال خلليله إبراهيم ^ إين جاعلك للناس إماما قال ومن ذرييت قال ال ينال عهدي الظاملني ^ أي ال ينال عهدي باإلمامة ظاملا وكل من اتبع هواه فهو ظامل كما قال هللا تعاىل ^ بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغري علم ^ وأما النهي عن طاعته فلقوله تعاىل ^ وال تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ^ الثالث والعشرون أن هللا سبحانه وتعاىل جعل متبع اهلوى مبنزلة عابد الوثن فقال تعاىل ^ أرأيت من اختذ إهله هواه ^ يف موضعني من كتابه قال احلسن هو املنافق ال يهوى شيئا إال ركبه وقال أيضا املنافق عبد هواه ال يهوى شيئا إال فعله الرابع والعشرون أن اهلوى هو حظار جهنم احمليط هبا حوهلا فمن وقع فيه وقع فيها كما يف الصحيحني عن النيب أنه قال حفت اجلنة باملكاره وحفت النار بالشهوات ويف الرتمذي من حديث أيب هريرة رضي هللا عنه يرفعه ملا خلق هللا اجلنة أرسل إليها جربيل فقال انظر إليها وإىل ما أعددت ألهلها فيها فجاء فنظر إليها وإىل ما أعد هللا ألهلها فيها فرجع إليه وقال وعزتك ال يسمع هبا أحد من عبادك إال دخلها فأمر هبا فحجبت باملكاره وقال ارجع إليها فانظر إليها فرجع فإذا هي قد حجبت باملكاره فقال وعزتك لقد خشيت أن ال يدخلها أحد قال اذهب إىل النار فانظر إلي ها وإىل ما أعددت ألهلها فيها فجاء فنظر إليها وإىل ما أعد هللا ألهلها فيها فإذا هي يركب بعضها بعضا فقال وعزتك ال يسمع هبا أحد فيدخلها فأمر هبا فحفت بالشهوات فقال ارجع فانظر إليها فرجع إليها فإذا هي قد حفت بالشهوات فرجع إليه فقال وعزتك لقد خشيت أن ال ينجو منها أحد قال الرتمذي +هذا حديث حسن صحيح اخلامس والعشرون أنه خياف على من اتبع اهلوى أن ينسلخ من اإلميان وهو ال يشعر وقد ثبت عن النيب أنه قال ال يؤمن أحدكم حىت يكون هواه تبعا ملا جئت به وصح عنه أنه قال أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي يف بطونكم وفروجكم ومضالت اهلوى السادس والعشرون أن اتباع اهلوى من املهلكات قال ثالث منجيات وثالث مهلكات فأما املنجيات فتقوى هللا عز وجل يف السر والعالنية والقول باحلق يف الرضا والسخط والقصد يف الغىن والفقر وأما املهلكات فهوى متبع وشح مطاع وإعجاب املرء بنفسه السابع والعشرون أن خمالفة اهلوى تورث العبد قوة يف بدنه وقلبه ولسانه قال بعض السلف الغالب هلواه أشد من الذي يفتح املدينة وحده ويف احلديث الصحيح املرفوع ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي ميلك نفسه عند الغضب وكلما مترن على خمالفة هواه اكتسب قوة إىل قوته الثامن والعشرون أن أغزر الناس مروءة أشدهم خمالفة هلواه قال معاوية املروءة ترك الشهوات وعصيان اهلوى فاتباع اهلوى يزمن املروءة وخمالفته تنعشها التاسع والعشرون أنه ما من يوم إال واهلوى والعقل يعتلجان يف صاحبه فأيها قوي على صاحبه طرده وحتكم وكان احلكم له قال أبو الدرداء إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله فإن كان عمله تبعا هلواه فيومه يوم سوء وإن كان هواه تبعا لعمله فيومه يوم صاحل الثالثون أن هللا سبحانه وتعاىل جعل اخلطأ واتباع اهلوى قرينني وجعل الصواب
وخمالفة اهلوى قرينني كما قال بعض السلف إذا أشكل عليك أمران ال تدري أيها أرشد فخالف أقرهبما من هواك فإن أقرب ما يكون اخلطأ يف متابعة اهلوى احلادي والثالثون أن اهلوى داء ودواؤه خمالفته قال بعض العارفني إن شئت أخربتك بدائك وإن شئت أخربتك بدوائك داؤك هواك ودواؤك ترك هواك وخمالفته وقال بشر احلايف رمحه هللا تعاىل البالء كله يف هواك والشفاء كله يف خمالفتك إياه الثاين والثالثون أن جهاد اهلوى إن مل يكن أعظم من جهاد الكفار فليس بدونه قال رجل للحسن البصري رمحه هللا تعاىل يا أبا سعيد أي اجلهاد أفضل قال جهادك هواك ومسعت شيخنا يقول جهاد النفس واهلوى أصل جهاد الكفار واملنافقني فإنه ال يقدر على جهادهم حىت جياهد نفسه وهواه أوال حىت خيرج إليهم الثالث والثالثون أن اهلوى ختليط وخمالفته محية وخياف على من أفرط يف التخليط وجانب احلمية أن يصرعه داؤه قال عبدامللك بن قريب مررت بأعرايب به رمد شديد ودموعه تسيل على خديه فقلت أال متسح عينيك قال هناين الطبيب عن ذلك وال خري فيمن إذا زجر ال ينزجر وإذا أمر ال يأمتر فقلت أال تشتهي شيئا فقال بلى ولكين أحتمي إن أهل النار غلبت شهوهتم محيتهم فهلكوا الرابع والثالثون أن اتباع اهلوى يغلق عن العبد أبواب التوفيق ويفتح عليه أبواب اخلذالن فرتاه يلهج بأن هللا لو وفق لكا ن كذا وكذا وقد سد على نفسه طرق التوفيق باتباعه هواه قال الفضيل ابن عياض من استحوذ عليه اهلوى واتباع الشهوات انقطعت عنه موارد التوفيق وقال بعض العلماء الكفر يف أربعة أشياء يف الغضب والشهوة والرغبة والرهبة مث قال رأيت منهن اثنتني رجال غضب فقتل أمه ورجال عشق فتنصر وكان بعض السلف يطوف بالبيت فنظر إىل امرأة مجيلة فمشى إىل جانبها مث قال أهوى هوى الدين واللذات تعجبين %فكيف يل هبوى اللذات والدين فقالت دع أحدمها تنل اآلخر اخلامس والثالثون أن من نصر هواه فسد عليه عقله ورأيه ألنه قد خان هللا يف عقله فأفسده عليه وهذا شأنه سبحانه وتعاىل يف كل من خانه يف أمر من األمور فإنه يفسده عليه وقال املعتصم يوما لبعض أصحابه يا فالن إذا نصر اهلوى ذهب الرأي ومسعت رجال يقول لشيخنا إذا خان الرجل يف نقد الدراهم سلبه هللا معرفة النقد أو قال نسيه فقال الشيخ هكذا من خان هللا تعاىل ورسوله يف مسائل العلم السادس والثالثون أن من فسح لنفسه يف اتباع اهلوى ضيق عليها يف قربه ويوم معاده ومن ضيق عليها مبخالفة اهلوى وسع عليها يف قربه ومعاده وقد أشار هللا تعاىل إىل هذا يف قوله تعاىل ^ وجزاهم مبا صربوا جنة وحريرا ^ فلما كان يف الصرب الذي هو حبس النفس عن اهلوى خشونة وتضييق جازاهم على ذلك نعومة احلرير وسعة اجلنة وقال أبو سليمان الداراين رمحه هللا تعاىل يف هذه اآلية جزاهم مبا صربوا عن الشهوات السابع والثالثون أن اتباع اهلوى يصرع العبد عن النهوض يوم القيامة عن السعي مع الناجني كما صرع قلبه يف الدنيا عن مرافقتهم قال حممد بن أيب الورد إن هلل عز وجل يوما ال ينجو من شره منقاد هلواه وإن أبطأ الصرعى هنضة يوم القيامة صريع شهوته وإن العقول ملا جرت يف ميادين الطلب كان أوفرها حظا من يطالبها بقدر ما صحبه من الصرب والعقل معدن والفكر معول الثامن والثالثون أن اتباع اهلوى حيل العزائم ويوهنها وخمالفته تشدها
وتقويها والعزائم هي مركب العبد الذي يسريه إىل هللا والدار اآلخرة فمىت تعطل املركوب أوشك أن ينقطع املسافر قيل ليحىي بن معاذ من أصح الناس عزما قال الغالب هلواه ودخل خلف بن خليفة على سليمان بن حبيب بن املهلب وعنده جارية يقال هلا البدر من أحسن الناس وجها فقال له سليمان كيف ترى هذه اجلارية فقال أصلح هللا األمري ما رأت عيناي أحسن منها قط فقال له خذ بيدها فقال ما كنت ألفجع األمري هبا وقد رأيت شدة عجبه هبا فقال وحيك خذها على شدة عجيب هبا ليعلم هواي أين له غالب وأخذ بيدها وخرج وهو يقول لقد حباين وأعطاين وفضلين %عن غري مسألة منه سليمان أعطاين البدر خودا يف حماسنها %والبدر مل يعطه إنس وال جان ولست يوما بناس فضله أبدا % حىت يغيبين حلد وأكفان التاسع والثالثون أن مثل راكب اهلوى كمثل راكب فرس حديد صعب مجوح ال جلام له فيوشك أن يصرعه فرسه يف خالل جريه به أو يسري به إىل مهلك قال بعض العارفني أسرع املطايا إىل اجلنة الزهد يف الدنيا وأسرع املطايا إىل النار حب الشهوات ومن استوى على منت هواه أسرع به إىل وادي اهللكات وقال آخر أشرف العلماء من هرب بدينه من الدنيا واستصعب قياده على اهلوى وقال عطاء من غلب هواه عقله وجزعه صربه افتضح األربعون أن التوحيد واتباع اهلوى متضادان فإن اهلوى صنم ولكل عبد صنم يف قلبه حبسب هواه وإمنا بعث هللا رسله بكسر األصنام وعبادته وحده ال شريك له وليس مراد هللا سبحانه كسر األصنام اجملسدة وترك األصن ام اليت يف القلب بل املراد كسرها من القلب أوال قال احلسن بن علي املطوعي صنم كل إنسان هواه فمن كسره باملخالفة استحق اسم الفتوة وتأمل قول اخلليل لقومه ^ ما هذه التماثيل اليت أنتم هلا عاكفون ^ كيف جتده مطابقا للتمائيل اليت يهواها القلب ويعكف عليها ويعبدها من دون هللا قال هللا تعاىل ^ أرأيت من اختذ إهله هواه أفأنت تكون عليه وكيال أم حتسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إال كاألنعام بل هم أضل سبيال ^ احلادي واألربعون أن خمالفة اهلوى مطردة للداء عن القلب والبدن ومتابعته جملبة لداء القلب والبدن فأمراض القلب كلها من متابعة اهلوى ولو فتشت على أمراض البدن لرأيت غالبها من إيثار اهلوى على ما ينبغي تركه الثاين واألربعون أن أصل العداوة والشر واحلسد الواقع بني الناس من اتباع اهلوى فمن خالف هواه أراح قلبه وبدنه وجوارحه فاسرتاح وأراح قال أبو بكر الوراق إذا غلب اهلوى أظل م القلب وإذا أظلم ضاق الصدر وإذا ضاق الصدر ساء اخللق وإذا ساء اخللق أبغضه اخللق وأبغضهم فانظر ماذا يتولد من التباغض من الشر والعداوة وترك احلقوق وغريها الثالث واألربعون أن هللا سبحانه وتعاىل جعل يف العبد هوى وعقال فأيهما ظهر توارى اآلخر كما قال أبو علي الثقفي من غلبه هواه توارى عنه عقله فانظر عاقبة من استرت عنه عقله وظهر عليه خالفه وقال علي بن سهل رمحه هللا العقل واهلوى يتنازعان فالتوفيق قرين العقل واخلذالن قرين اهلوى والنفس واقفة بينهما فأيهما غلب كانت النفس معه الرابع واألربعون أن هللا سبحانه وتعاىل جعل القلب ملك اجلوارح ومعدن معرفته وحمبته وعبوديته وامتحنه بسلطانني وجيشني وعونني وعدتني فاحلق والزهد واهلدى سلطان وأعوانه املالئكة وجيشه الصدق واإلخالص وجمانبة اهلوى والباطل سلطان وأعوانه الشياطني وجنده وعدته اتباع اهلوى والنفس واقفة بني اجليشني وال يقدم جيش الباطل على القلب إال من ثغرهتا وناحيتها فهي ختامر على القلب وتصري مع عدوه عليه فتكون الدائرة عليه فهي اليت تعطي عدوها عدة من قبلها
وتفتح له باب املدينة فيدخل ويتملك ويقع اخلذالن على القلب اخلامس واألربعون أن أعدى عدو للمرء شيطانه وهواه وأصدق صديق له عقله وامللك الناصح له فإذا اتبع هواه أعطي بيده لعدوه واستأسر له وأمشته به وساء صديقه ووليه وهذا هو بعينه هو جهد البالء ودرك الشقاء وسوء القضاء ومشاتة األعداء السادس واألربعون أن لكل عبد بداية وهناية فمن كانت بدايته اتباع اهلوى كانت هنايته الذل والصغار وا حلرمان والبالء املتبوع حبسب ما اتبع من هواه بل يصري له ذلك يف هنايته عذابا يعذب به يف قلبه كما قال القائل مآرب كانت يف الشباب ألهلها %عذابا فصارت يف املشيب عذابا فلو تأملت حال كل ذي حال سيئة زرية لرأيت بدايته الذهاب مع هواه وإيثاره على عقله ومن كانت بدايته خمالفة هواه وطاعة داعي رشده كانت هنايته العز والشرف والغىن واجلاه عند هللا وعند الناس قال أبو علي الدقاق من ملك شهوته يف حال شبيبته أعزه هللا تعاىل يف حال كهولته وقيل للمهلب بن أيب صفرة مب نلت ما نلت قال بطاعة احلزم وعصيان اهلوى فهذا يف بداية الدنيا وهنايتها وأما اآلخرة فقد جعل هللا سبحانه اجلنة هناية من خالف هواه والنار هناية من اتبع هواه السابع واألربعون أن اهلوى رق يف القلب وغل يف العنق وقيد يف الرجل ومتابعه أسري لكل سيء امللكة فمن خالفه عتق من رقه وصار حرا وخلع الغل من عنقه والقيد من رجله وصا ر مبنزلة رجل سامل لرجل بعد أن كان رجال فيه شركاء متشاكسون رب مستور سبته شهوة % فتعرى سرته فاهنتكا صاحب الشهوة عبد فإذا %غلب الشهوة أضحى ملكا وقال ابن املبارك ومن البالء وللبالء عالمة %أن ال يرى لك عن هواك نزوع العبد عبد النفس يف شهواهتا %واحلر يشبع تارة وجيوع الثامن واألربعون أن خمالفة اهلوى تقيم العبد يف مقام من لو أقسم على هللا ألبره فيقضي له من احلوائج أضعاف أضعاف ما فاته من هواه فهو كمن رغب عن بعرة فأعطي عوضها درة ومتبع اهلوى يفوته من مصاحله العاجلة واآلجلة والعيش اهلينء ماال نسبة ملا ظفر به من هواه البتة فتأمل انبساط يد يوسف الصديق عليه الصالة والسالم ولسانه وقدمه ونفسه بعد خروجه من السجن ملا قبض نفسه عن احلرام وقال عبدالرمحن بن مهدي رأيت سفيان الثوري رمحه هللا تعاىل يف املنام فقلت له ما فعل هللا بك قال مل يكن إال أن وضعت يف حلدي حىت وقفت بني يدي هللا تبارك وتعاىل فحاسبين حسابا يسريا مث أمر يب إىل اجلنة فبينا أنا أدور بني أشجارها وأهنارها ال أمسع حسا وال حركة إذ مسعت قائال يقول سفيان بن سعيد فقلت سفيان بن سعيد فقال حتفظ أنك آثرت هللا عز وجل على هواك يوما قلت إي وهللا فأخذين النثار من كل جانب وقال عبدالرزاق بعث أبو جعفر اخلشابني حني خرج إىل مكة وقال إن رأمت سفيان فاصلبوه فجاءوا ونصبوا اخلشب وطلب ورأسه يف حجر الفضيل فقال له أصحابه اتق هللا عز وجل وال تشمت بنا األعداء فتقدم إىل األستار مث أخذها بيده وقال برئت منه إن دخلها أبو جعفر فمات قبل أن يدخل مكة فتأمل عاقبة خمالفة اهلوى كيف أقامه يف هذا املقام التاسع واألربعون أن خمالفة اهلوى توجب شرف الدنيا وشرف اآلخرة وعز الظاهر وعز الباطن ومتابعته تضع العبد يف الدنيا واآلخرة وتذله يف الظاهر ويف الباطن وإذا مجع هللا الناس يف صعيد واحد نادى مناد ل يعلمن أهل اجلمع من أهل الكرم اليوم أال ليقم املتقون فيقومون إىل حمل الكرامة وأتباع اهلوى ناكسو رؤسهم يف املوقف يف حر اهلوى وعرقه وأمله وأولئك يف ظل العرش اخلمسون أنك إذا تأملت السبعة الذين يظلهم هللا عز وجل يف
ظل عرشه يوم ال ظل إال ظله وجدهتم إمنا نالوا ذلك الظل مبخالفة اهلوى فإن اإلمام املسلط القادر ال يتمكن من العدل إال مبخالفة هواه والشاب املؤثر لعبادة هللا على داعي شبابه لوال خمالفة هواه مل يقدر على ذلك والرجل الذي قلبه معلق باملساجد إمنا محله على ذلك خمالفة اهلوى الداعي له إىل أماكن اللذات واملتصدق املخفي لصدقته عن مشاله لوال قهره هلواه مل يقدر على ذلك والذي دعته املرأة اجلميلة الشريفة فخاف هللا عز وجل وخالف هواه والذي ذكر هللا عز وجل خاليا ففاضت عيناه من خشيته إمنا أوصله إىل ذلك خمالفة هواه فلم يكن حلر املوقف وعرقه وشدته سبيل عليهم يوم القيامة وأصحاب اهلوى قد بلغ منهم احلر والعرق كل مبلغ وهم ينتظرون بعد هذا دخول سجن اهلوى فاهلل سبحانه وتعاىل املسؤول أن يعيذنا من أهواء نفوسنا األمارة بالسوء وأن جيعل هوانا تبعا ملا حيبه ويرضاه إنه على كل شيء قدير وباإلجابة جدير مت الكتاب واحلمد هلل