Philanthropy Age Issue 14 Arabic Edition

Page 1

‫مكرسة للعمل الخريي الفعال‬

‫سواء في مجال توفير‬ ‫التعليم أو محاربة‬ ‫الفقر‪ ،‬تعرف عىل‬ ‫القادة من النساء‬ ‫التي تعمل عىل اإلرتقاء‬ ‫بالقطاع غير الربحي‬ ‫في الشرق األوسط‬ ‫إىل آفاق جديدة‬




‫من موقعنا عىل اإلنترنت‬

‫محتوى إضافي متوفر باللغة اإلنجليزية فقط‬ ‫كسب الحرب‬

‫القصور في المشاركة‬

‫حملة عالمية إنطلقت في بعض أفقر المجتمعات و الدول‬ ‫ضد األمراض المدارية المهملة طويالً‪ ،‬مثل مرض الدودة‬ ‫الغينية وداء الفيالريات اللمفي والتراخوما‪ ،‬بدأت تحرز تقدماً‬

‫في الوقت الذي أصبح مفهوماً عالمياً بأن إحداث األثر‬ ‫االجتماعي يبدأ في قاعة اجتماعات الشركة‪ .‬ما زالت‬ ‫الشركات في منطقة الشرق األوسط تجد صعوبة كبيرة في‬ ‫تحويل نواياها الحسنة إلى أفعال لها أثر على أرض الواقع‬

‫ص‪30.‬‬

‫ص‪72.‬‬

‫مستقبل العطاء‬

‫الجيل القادم‬

‫ماهي اإلتجاهات والتيارات التي تساعد على تشكيل مشهد‬ ‫العطاء في منطقة الشرق األوسط؟ وما الذي يعدنا به‬ ‫المستقبل؟ أجابنا على هذه األسئلة وغيرها مجموعة من‬ ‫الخبراء خالل إجتماع عقد في دبي حول مستقبل العطاء‬

‫يعمل رواد المشاريع اإلجتماعية على تطويع التكنولوجيا‬ ‫لخدمة القضايا اإلنسانية‪ ،‬سواء من جهة تحديد المواقع‬ ‫الجغرافية للمحتاجين‪ ،‬أو توفير بدائل رقمية للخدمات‬ ‫المصرفية التي يفتقد لها الماليين‬

‫ص‪48.‬‬

‫ص‪78.‬‬

‫مأساة اليمن‬

‫بينما تتفشى األمراض والجوع في البلد العربي األشد فقراً‪،‬‬ ‫وأصبح نحو ‪ 22‬مليون يمني بحاجة للمساعدات‪ ،‬فإن السالم‬ ‫وحده هو الذي سيمنع انزالق اليمن نحو كارثة أكبر ومزيد‬ ‫من الفوضى والضياع‬

‫نقل راية العطاء إىل الجيل القادم‬

‫تحدثنا رائدة األعمال والعطاء‪ ،‬منى المؤيد‪ ،‬المدير العام‬ ‫لواحدة من أقدم الشركات العائلية في البحرين‪ ،‬عن‬ ‫أعمالها في التمويل الصغير‪ ،‬ودعم العمال الوافدين‪،‬‬ ‫وتراث العطاء التي ورثته من أسرتها‬

‫‪Beyond the grid‬‬ ‫‪Meet Pawame, the UAE-based startup‬‬ ‫‪bringing solar power to Sub-Saharan African‬‬ ‫‪– and with it, social and financial inclusion‬‬

‫ص‪60.‬‬

‫ريادة العطاء في الصين‬

‫يمضي قطاع األعمال الخيرية الناشئ في الصين‪ ،‬بخطى‬ ‫ثابتة وواثقة‪ ،‬وفق ما تفيدنا به رائدة األعمال تشاي ميكوين‪،‬‬ ‫مؤسسة أول منظمة خيرية خاصة في البالد‬

‫ص‪66.‬‬

‫ص‪54.‬‬

‫‪Learning curve‬‬ ‫‪Dubai's ruler aims to boost the education of‬‬ ‫‪up to 50 million young Arabs with the launch‬‬ ‫‪of a video-led digital learning platform‬‬

‫ص‪54.‬‬

‫‪Knowledge is power‬‬ ‫‪Philanthropy University plans to upskill 5,000‬‬ ‫‪civil society organisations, and impact the‬‬ ‫‪lives of 100m people, by 2020. We learn how‬‬

‫‪Discover more at:‬‬ ‫‪www.philanthropyage.com‬‬

‫ص‪30.‬‬

‫ص‪66.‬‬

‫‪/ @philanthropyage‬‬

‫زمن العطاء‬

‫‪05‬‬


‫المحتويات‬

‫النساء القادة‬

‫بعد مضي عقود من الزمن على دخول المرأة إلى ساحة العمل‪ ،‬لم يتمكن‬ ‫سوى عدد صغير منهم من تولي مناصب عليا في قطاع األعمال‪ .‬لكن المشهد‬ ‫يختلف في قطاع المنظمات غير الربحية‪ ،‬حيث تنحسر الفجوة بين الجنسين‪.‬‬ ‫تعرف في هذا العدد على النساء اللواتي تبوأن مناصب قيادية‪ ،‬وهم يشاركون‬ ‫في إحداث التغيير اإليجابي في مجتمعات منطقة الشرق األوسط‬

‫مشاركة أقوى‬

‫بدأت مؤسسات القطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية‬ ‫تجد لها صوتاً يسمع في سعيها للمشاركة بإحداث التغيير اإلجتماعي‬ ‫واالقتصادي في المملكة‪ .‬تطلعنا في هذه المقالة صاحبة السمو الملكي‬ ‫األميرة البندري بنت عبدالرحمن الفيصل‪ ،‬الرئيس التنفيذي لمؤسسة‬ ‫الملك خالد الخيرية‪ ،‬على اآلفاق الواسعة التي يتيحها القطاع الربحي‬ ‫لما فيه خير المملكة وشعبها‬

‫ص‪24.‬‬ ‫الصفحات الثابتة‬ ‫اللحظة �������������������������������� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ‪08‬‬

‫حقائق مهمة ������������������������� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ‪10‬‬ ‫دروس في الحياة �������������������� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ‪12‬‬

‫نافذة عىل العالم �������������������� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ‪14‬‬

‫ص‪34.‬‬

‫ص‪60.‬‬ ‫‪04‬‬

‫زمن العطاء‬

‫في غضون يوم ���������������������� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ‪16‬‬

‫رأي ������������������������������������ � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ‪20‬‬

‫إحداث الفرق ������������������������� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ‪82‬‬

‫الخطوة التالية ���������������������� � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ‪85‬‬


‫تصدر مجلة زمن العطاء عن تتش الين إف زي‪-‬إل إل سي‬ ‫ال يتحمل الناشرون مسوولية أي خطأ أو حذف في محتوى هذه المجلة مهما‬ ‫كان سببه‪ ،‬وال تُ عبر اآلراء الواردة في هذه المجلة عن رأي الناشرين‪ .‬كما ال‬ ‫يتحمل الناشرون مسؤولية المنتجات والخدمات المعلن عنها في هذه المجلة‪.‬‬ ‫تخضع هذه المجلة لحقوق النشر والتوزيع‪ ،‬وعليه‪ ،‬ال يسمح بإعادة استعمال‬ ‫أي جزء من هذه المجلة بأي شكل من األشكال بما في ذلك الصور أو أي‬ ‫نوع من االستغالل اإللكتروني بدون موافقة خطية من مالكي حقوق النشر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬باستثناء ما يسمح به طبقا للقوانين الجاري العمل بها‪.‬‬

‫تتش الين إف زي‪-‬إل إل سي‬ ‫‪ ,412‬مكاتب اللوفت‪2B ,‬‬ ‫مدينة دبي لإلعالم‬ ‫صندوق بريد ‪ ,502034‬دبي‬ ‫اإلمارات العربية المتحدة‬ ‫هاتف‪+971 (0)4 568 3650 :‬‬

‫المساهمون‬

‫مع جزيل الشكر…‬

‫تتش الين إف زي‪-‬إل إل سي‬ ‫‪ ,402‬المبنى رقم ‪3‬‬ ‫المنطقة اإلعالمية ‪Twofour54‬‬ ‫صندوق بريد ‪ ,77826‬أبوظبي‬ ‫اإلمارات العربية المتحدة‬ ‫هاتف‪+971 (0)2 234 4598 :‬‬

‫‪www.touchline.ae‬‬

‫فريق زمن العطاء‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫ليونارد ستال‬ ‫‪leonard@touchline.ae‬‬

‫مديرة القطاع غير الربحي‬ ‫جوان بالد‬ ‫‪joanne@touchline.ae‬‬

‫مدير المحتوى‬ ‫أندرو وايت‬

‫محرر اللغة العربية‬ ‫فواز جراح‬

‫المدير اإلبداعي‬ ‫مات والكر‬

‫مدير اإلنتاج‬ ‫أنس البني‬

‫مصمم أول‬ ‫رالف مانكاو‬ ‫ليام ياو‬

‫مدير العمليات‬ ‫محمد خلف ألله‬

‫جيسيكا هوالند‬

‫تكتب الصحفية المستقلة جيسيكا هوالند‬ ‫في الشؤون الثقافة العالمية والتكنولوجيا‬ ‫واالقتصاد واألعمال لصالح مؤسسات‬ ‫إعالمية مثل الـ "غارديان" و "إنديبندنت"‬ ‫و "أنتربرينور"‪ .‬وفي مقالتها في هذا‬ ‫العدد تجري هوالند مقابلة مع أقدم‬ ‫العاملين في منظمة هالو ترست التي‬ ‫تعمل على نزع األلغام‪ ،‬كما تقابل بعض‬ ‫الفاعلين في مجال ريادة األعمال التي‬ ‫تجمع ما بين األرباح والسعي إلحداث‬ ‫التغيير االجتماعي اإليجابي‪.‬‬

‫بيتر غيست‬

‫يعمل الصحفي والمصور بيتر غيست‬ ‫من مقر عمله في جنوب شرق آسيا على‬ ‫تغطية شؤون التنمية والبيئة وحقوق‬ ‫اإلنسان في مختلف أنحاء آسيا وأفريقيا‬ ‫والشرق األوسط وأميركا الالتينية‪ ،‬ونشرت‬ ‫أعماله في مطبوعات بارزة مثل األتالنتيك‪،‬‬ ‫ونيوزويك‪ ،‬ووايرد‪ ،‬وجريدة الفايننشل‬ ‫تايمز‪ .‬يطلعنا في هذا العدد على الصعوبات‬ ‫التي تواجهها الشركات بشكل عام في‬ ‫منطقة الشرق األوسط وهي تحوّل خططها‬ ‫المتعلقة باالستدامة إلى أفعال‪.‬‬

‫تتش الين إف زي‪-‬إل إل سي‬ ‫الرئيس التنفيذي لمجلس اإلدارة‬ ‫ليونارد ستال‬

‫الرئيس التنفيذي والشريك‬ ‫وليد الطيب جبارة‬

‫مدير النشر والشريك‬ ‫سالم الشيخ‬

‫لالشتراك في المجلة‪:‬‬ ‫كريستين سانشيز‬ ‫‪kristine@touchline.ae‬‬

‫مديرة تطوير األعمال‬ ‫منى محمود‬ ‫‪mona@touchline.ae‬‬

‫المساهمون‪:‬‬ ‫بول رايدنغ‪ ،‬جيسيكا هوالند‪ ،‬بيتر غيست‪ ،‬كاتي بوشر‪ ،‬جايسون سيمونز‪،‬‬ ‫هولي إكزلي‬ ‫الصور‪ :‬هالو ترست‪ ،‬جيتي إميجيز؛؛ ماغنوم فوتوز؛ جون مارسالند‬ ‫‪:ISSN‬‮ ‪‭2306-0328‬‬ ‫توزيع‪GLS Media Services :‬‬ ‫تمت الطباعة في‪ Emirates Printing Press :‬في دبي‬

‫الراعي المؤسس‪:‬‬

‫كاتي بوشر‬

‫تكتب كاتي بوشر عن الثقافة والفنون‬ ‫واإلبتكار من مقرها في دولة اإلمارات‬ ‫العربية المتحدة‪ ،‬ونشرت مقاالتها في‬ ‫مؤسسات اعالمية إقليمية مثل جريدة‬ ‫ناشونال ومجلة فيجن‪ .‬تحاور بوشر في هذا‬ ‫العدد مجموعة من النساء العربيات اللواتي‬ ‫يقدن بعض المؤسسات األكثر إبتكاراً في‬ ‫المجال غير الربحي‪.‬‬

‫هولي إيغزلي‬

‫هولي إيغزلي رسامة مستقلة تعيش‬ ‫وتعمل في حي "بيك دستريكت" في‬ ‫المملكة المتحدة‪ .‬تختص إيغزلي‬ ‫بالرسم في مجال األغذية والحياة البرية‬ ‫والكاريكاتور باستخدام األلوان المائية‪.‬‬ ‫ونشرت أعمالها في مطبوعة لونلي بالنيت‬ ‫ومجلة هيئة اإلذاعة البريطانية الخاصة‬ ‫بالحياة البرية‪ ،‬بي بي سي وايلداليف‪ .‬وفي‬ ‫هذا العدد تقدم رسومات حول المواهب‬ ‫الشابة التي تنفح حياة جديدة في فضاء‬ ‫ريادة األعمال االجتماعية‪.‬‬

‫زمن العطاء‬

‫‪07‬‬



‫زمن العطاء‬

‫‪09‬‬


‫اللحظة ‪2018-09-17 /‬‬

‫أجراس المدارس تدق ألطفال الالجئين‬ ‫رائد عطاء إماراتي يطلق صندوقاً بقيمة‬ ‫‪ 27.2‬مليون دوالر إلعادة األطفال العرب‬ ‫الالجئين إلى مقاعد الدراسة‬

‫ً‬ ‫غالبا ما يكون التعليم أول‬ ‫عند إندالع الحرب‪،‬‬ ‫المتضررين واألخير الذي يتعافى‪ .‬وتعطل تعليم ما يقرب‬ ‫‪ 75‬مليون من األطفال والنشء في البلدان المتضررة من‬ ‫جـ ــراء األزم ـ ــة‪ ،‬م ــع اح ـت ـمــال ضـئـيــل ل ـل ـعــودة إل ــى ال ـمــدرســة‬ ‫ب ـ ــدوام ك ــام ــل‪ .‬ي ـت ـعــرض الـتـعـلـيــم ل ـضــربــة م ــزدوج ــة تـصـيــب‬ ‫ال ـ ــاج ـ ـئ ـ ـي ـ ــن ال ـ ـش ـ ـب ـ ــاب ح ـ ـي ـ ــث مـ ـ ــن ال ـ ـم ـ ـم ـ ـكـ ــن أن يـ ـفـ ـقـ ــدوا‬ ‫منازلهم ومستقبلهم‪.‬‬ ‫يهــدف إحــدى الصناديــق النقديــة اإلقليميــة الكبــرى إلــى‬ ‫مســاعدة ‪ 15000‬مــن الشــباب النازحيــن علــى العــودة إلــى‬ ‫الفصل الدراسي‪ ،‬من خالل فتح فرص مهنية وتعليمية في‬ ‫األردن ولبنان واإلمارات العربية المتحدة‪ .‬ويمثل الصندوق‬ ‫الذي تم تمويله من قبل رجل األعمال اإلماراتي عبد العزيز‬ ‫ً‬ ‫تمويل بقيمة ‪ 27.2‬مليون دوالر (‪ 100‬مليون درهم‬ ‫الغرير‪،‬‬ ‫إماراتــي)‪ ،‬يمتــد علــى مــدى ثــاث ســنوات‪ ،‬وهــو األكبــر مــن‬ ‫نوعه في المنطقة العربية‪.‬‬ ‫يقول الغرير‪ ،‬وهو أيضاً رئيس مجلس إدارة مؤسسة‬ ‫عبــد اللــه الغريــر للتعليــم‪" :‬لــدى فاعلــي الخيــر دور يلعبونه‬ ‫في المساعدة على دعم أحد التحديات األكثر صعوبة في‬ ‫منطقتنا‪ :‬وهو النقص في فرص التعليم للشباب الذين هم‬ ‫في أمس الحاجة إليها‪" .‬إن الشباب الذين توقف تعليمهم‬ ‫بسبب الصراع يستحقون فرصة إلعادة بناء حياتهم وتأمين‬ ‫مستقبل جيد‪".‬‬ ‫شــهدت الجولــة األولــى مــن تقديــم المنــح فــي ســبتمبر‬ ‫الصــارم جمــع ‪ 12.3‬مليــون دوالر للمنظمــات‪ ،‬مــن ضمنهــا‬ ‫منظمــة األمــم المتحــدة للطفولــة (اليونيســف)‪ ،‬ومنظمــة‬ ‫‪ ،Luminus Education‬ومشــروع الشــباب فــي لبنــان‬ ‫(‪ ،)ULYP‬من أجل منح ‪ 6500‬من األطفال والشباب الالجئين‬ ‫إمكانيــة للحصــول علــى التدريــب المهنــي وكســب المهــارات‬ ‫‪08‬‬

‫زمن العطاء‬

‫والدعــم والمنــح الدراســية والتعليــم‪ .‬يشــترك الصنــدوق في‬ ‫اإلمارات العربية المتحدة مع جمعية الهالل األحمر اإلماراتي‬ ‫ومفوضية األمم المتحدة لشــؤون الالجئين لدفع الرســوم‬ ‫المدرســية ل ‪ 800‬طفــل نــازح يعيشــون فــي البلــد‪ ،‬ولكنهــم‬ ‫خارج المدرسة‪.‬‬ ‫وعلى الصعيد العالمي‪ ،‬فإن أقل من اثنين في المائة‬ ‫مــن إجمــال دعــم المانحيــن يذهــب إلــى التعليــم فــي حــاالت‬ ‫الطوارئ‪ ،‬بالرغم من االحتياجات المتزايدة‪ .‬من هذا التمويل‪،‬‬ ‫يتــم إنفــاق الكثيــر علــى التعليــم االبتدائــي أكثــر مــن التعليــم‬ ‫الثانــوي أو المهنــي‪ .‬إن ‪ 23‬فــي المائــة فقــط مــن المراهقيــن‬ ‫الالجئيــن مســجلين فــي المــدارس الثانويــة‪ ،‬مقارنــة بنســبة‬ ‫‪ 84‬فــي المائــة علــى مســتوى العالــم‪ .‬وفــي التعليــم العالــي‪،‬‬ ‫تنخفــض معــدالت االلتحــاق بيــن الالجئيــن إلــى ‪ 1‬فــي المائــة‬ ‫فقــط‪ .‬تقــدر منظمــة اليونيســف أن الصــراع الســوري وحــده‬ ‫قــد تــرك مليونــي طفــل خــارج المدرســة ‪ ،‬كمــا أن اآلالف مــن‬ ‫الشباب غير قادرين على مواصلة تعليمهم‪.‬‬ ‫باإلضافــة إلــى وجــود تأثيــر طويــل األجــل علــى تعليــم‬ ‫الطــاب ‪ -‬تشــير البيانــات إلــى أنــه مــن غيــر المرجــح علــى‬ ‫األطفــال الذيــن غابــوا ثــاث ســنوات أو أكثــر عــن الدراســة أن‬ ‫يعاودوا اإللتحاق ‪ -‬فإن التداعيات االجتماعية واالقتصادية‬ ‫لذلك قاسية‪ .‬يعتقد أنه في عام ‪ ،2030‬في جميع البلدان‬ ‫المنخفضــة والمتوســطة الدخــل‪ ،‬ســيفتقر أكثــر مــن نصــف‬ ‫أطفال العالم والشباب إلى المهارات أو المؤهالت األساسية‬ ‫الالزمة إلعداد قوى عاملة حديثة وتأمين مستقبل مستدام‪.‬‬ ‫يقول رئيس مفوضية األمم المتحدة لشؤون الالجئين‬ ‫في دولة اإلمارات‪ ،‬توبي هوارد‪" :‬لم يعد يكفي االعتماد على‬ ‫المنظمات اإلنسانية لتوفير الدعم المعيشي‪ ،‬يجب إشراك‬ ‫شركاء جدد في مجاالت التعليم والمعيشة"‪.‬‬


‫تنامي الثروات الخاصة‬

‫‪ 8.9‬تريليون دوالر‬

‫زادت الثروات التي يملكها أغنى أثرياء‬ ‫العالم بنسبة ‪ 19‬بالمئة في عام ‪2017‬‬ ‫لتصل إلى ‪ 8.9‬تريليون دوالر‬

‫‪%‬24‬‬

‫معدل النمو في فئة األشخاص فائقي‬ ‫الثراء في منطقة الشرق األوسط وشمال‬ ‫أفريقيا‪ ،‬والذين بلغ عددهم ‪ 52‬ملياردير‬

‫‪%‬75‬‬

‫أكثر من ثلثي المليارديرات في الشرق‬ ‫األوسط وشمال أفريقيا هم عصاميون‪،‬‬ ‫صنعوا ثرواتهم بأنفسهم‬

‫سكان العالم المغيبون‬

‫‪70‬مليون‬

‫عدد األشخاص‬ ‫العالقين في أزمات‬ ‫إنسانية مهملة على‬ ‫مستوى العالم‬

‫التضخم السكاني‬ ‫في أفريقيا‬

‫نشرت‬

‫مؤسسة بيل وميليندا‬ ‫جـيـتــس تـقــريــر ح ــذرت فـيــه عن‬ ‫مـ ـ ـخـ ـ ــاطـ ـ ــر أن ي ـ ـع ـ ـي ـ ــق ال ـ ـن ـ ـمـ ــو‬ ‫السكاني في بعض أشد بلدان‬ ‫العالم فقراً التقدم في مكافحة الفقر والمرض‪.‬‬ ‫علــى الرغــم مــن وجــود مليــار شــخص يكافحــون لرفــع‬ ‫أنفسهم فوق خط الفقر في السنوات الـ ‪ 18‬الماضية‪ ،‬وجد‬ ‫التقرير أن التزايد السريع في عدد السكان‪ ،‬السيما في أجزاء‬ ‫من أفريقيا‪ ،‬يهدد بمضاعفة الجهود المبذولة‪ .‬وقد أوضح‬ ‫التقريــر أن عقــوداً مــن التقــدم المذهــل فــي مكافحــة الفقــر‬ ‫ّ‬ ‫التوقــف‪ .‬إذا اســتمر منحــى‬ ‫والمــرض قــد يكــون علــى وشــك‬ ‫المســار الحالــي‪ ،‬فــإن عــدد الفقــراء فــي العالــم لــن يتراجــع‬ ‫بل ويمكن أن يبدأ بالتصاعد‪.‬‬ ‫ومــع تضاعــف عــدد الســكان فــي أفريقيــا بحلــول عــام‬ ‫‪ ،2050‬وعــدد الســكان فــي بعــض أفقــر البلــدان فــي القــارة‪،‬‬ ‫وخاصــة نيجيريــا وجمهوريــة الكونغــو الديمقراطيــة‪ ،‬فــإن‬ ‫هاتيــن الدولتيــن قــد تحويــان قريبــاً ‪ 40‬فــي المائــة من الناس‬ ‫األشد فقراً في العالم‪.‬‬

‫يولد المزيد من األطفال في المناطق التي يصعب فيها‬ ‫العيش حياة صحية ومنتجة على حســب ما أشــار التقرير‪.‬‬ ‫إن العمــل علــى خلــق الفــرص للشــباب عــن طريــق تحســين‬ ‫الرعايــة الصحيــة والوصــول للتعليــم ســيكون مفتــاح لتغييــر‬ ‫إتجاه هذا المسار‪ .‬سلط التقرير الضوء على تحديد النسل‬ ‫بكونــه عامــل محــوري‪ ،‬مشــيراً إلــى أنــه إذا تمكنــت كل امــرأة‬ ‫في أفريقيا جنوب الصحراء من إنجاب عدد األطفال الذي‬ ‫تريــده‪ ،‬فــإن الزيــادة المتوقعــة فــي عــدد الســكان قــد تصــل‬ ‫إلى ‪ 30‬في المائة‪.‬‬ ‫وأوضح التقرير إن الفتيات المتعلمات يملن إلى العمل‬ ‫بشكل أكثر‪ ،‬وكسب المزيد من المال‪ ،‬وتوسيع آفاق التفكير‪،‬‬ ‫كمــا يتزوجــن وينجبــن أطفــال فــي وقــت الحــق بأعــداد أقــل‪،‬‬ ‫ويفضلن االستثمار في كل طفل‪.‬‬ ‫يعتبر االستثمار في رأس المال البشر إحدى المحركات‬ ‫االقتصادية‪ :‬تظهر البيانات أن الفروقات في مستويات الصحة‬ ‫والتعليم تصل إلى نسبة ‪ 30‬في المائة في حصة الفرد من‬ ‫الناتج المحلي اإلجمالي بين البلدان‪.‬‬ ‫يتتبع التقرير‪ ،‬بعنوان "حماة الهدف"‪ 18 ،‬مؤشراً على‬ ‫أهــداف التنميــة المســتدامة لألمــم المتحــدة (‪ ،)SDGs‬بمــا‬ ‫فــي ذلــك وفيــات األطفــال واألمهــات‪ ،‬وحــاالت عــدم إكتمال‬ ‫النمو‪ ،‬وفيروس نقص المناعة‪ ،‬والمالريا‪ ،‬والفقر المعدم‪،‬‬ ‫واإلندماج المالي‪ ،‬والصرف الصحي‪.‬‬ ‫تهــدف خطــة مؤسســة جيتــس إلــى نشــر التقريــر ســنوياً‬ ‫حتــى عــام ‪" .2030‬إن هدفنــا يبقــى كمــا هــو‪ ،‬قيــاس التقــدم‬ ‫المحقق ومحاولة تحفيز المزيد منه"‪.‬‬

‫هبات خاصة للدول النامية‬

‫تعهدت كو‪-‬إمباكت‪ ،‬وهي مجموعة‬ ‫عالمية من رواد العطاء‪ ،‬باستثمار‬ ‫‪ 500‬مليون دوالر لتعزيز الصحة‬ ‫وتحسين التعليم وتنشيط الفرص‬ ‫االقتصادية في البلدان النامية‪ .‬وسوف‬ ‫تقوم المجموعة التي تضم بين أعضائها‬ ‫جيف سكول‪ ،‬وروميش وادواني‪،‬‬ ‫وبيل وميلندا غيتس‪ ،‬بربط القادة‬ ‫االجتماعيين بالمحسنين والشركاء‬ ‫ومصادر التمويل‪ ،‬وسوف تتشارك‬ ‫بتقديم منح تصل إلى ‪ 50‬مليون دوالر‬ ‫على مدى خمس سنوات‪ .‬وهي بذلك‬ ‫تهدف إلى إنشاء نموذج جديد للعمل‬ ‫الخيري التعاوني يجمع المعرفة‬ ‫والموارد معاً من أجل إحداث تغيير في‬ ‫منظومة العطاء‬

‫واحد من أصل ثالثة‬ ‫وهم يمثلون ما يقارب‬ ‫ثلث إجمالي األشخاص‬ ‫الذين يحتاجون إلى‬ ‫مساعدة حول العالم‬ ‫والبالغ عددهم ‪220‬‬ ‫مليون شخص‬

‫‪%‬2‬‬

‫يحصلون على جزء بسيط‬ ‫جداً من أموال اإلغاثة‪ ،‬يقدر‬ ‫بأقل من ‪ 5‬المئة‬

‫‪ 5.25‬مليار‬

‫إعتلت دولة اإلمارات‬ ‫ً‬ ‫عالميا‬ ‫المرتبة األوىل‬ ‫في العام ‪ 2017‬كأكبر‬ ‫دولة مانحة للمساعدات‬ ‫التنموية مقارنة بالدخل‬ ‫القومي‪ ،‬وبلغت قيمة‬ ‫هذه المساعدات أكثر‬ ‫من ‪ 5‬مليار دوالر شملت‬ ‫‪ 147‬دولة‬ ‫زمن العطاء‬

‫‪11‬‬


‫حقائق مهمة‬

‫قول مقتبس‬

‫"تقديم العطاء شأن‪ ،‬وتقديمه‬ ‫بطريقة صحيحة شأن آخر‬ ‫مختلف جداً‪ .‬ولكي نتمكن من‬ ‫معالجة القضايا االجتماعية‬ ‫المعقدة في عصرنا هذا‪ ،‬البد أن‬ ‫يكون عطاؤنا استراتيجياً"‬ ‫صاحبة السمو الملكي األميرة البندري بنت عبدالرحمن الفيصل‪ ،‬الرئيس التنفيذي‬ ‫لمؤسسة الملك خالد الخيرية‪ ،‬خالل لقاء حول ريادة العطاء في دبي‬

‫‪100‬‬

‫مليون دوالر‬

‫تعهدت دولة اإلمارات العربية المتحدة بتقديم ‪100‬‬ ‫مليون دوالر لصندوق عالمي مخصص لدعم تعليم‬ ‫األطفال في أشد دول العالم فقراً‪ .‬وسوف يساهم هذا‬ ‫المبلغ‪ ،‬الذي سيدفع على مدى ثالث سنوات‪ ،‬في جهود‬ ‫صندوق "الشراكة العالمية للتعليم" الهادفة إلى جمع‬ ‫‪ 3.1‬مليار دوالر على مدى العامين القادمين لضمان‬ ‫التحاق ‪ 870‬مليون طفل بالفصول الدراسية‪ ،‬في ما قد‬ ‫يصل إلى ‪ 89‬دولة من الدول النامية‪ .‬ويشار إلى أن حصة‬ ‫التعليم من المساعدات العالمية قد تقلصت ألكثر من‬ ‫عقد من الزمن‪ .‬وحذر البنك الدولي من وجود نحو ‪260‬‬ ‫مليون طفل في العالم خارج المدرسة‪ ،‬وأن نصف‬ ‫الطالب الذين يذهبون إلى المدرسة ال يتعلمون‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫زمن العطاء‬

‫فجوة الثقة تحجب هبات كبيرة‬

‫ذكر أحد التقارير أن قيمة الهبات‬ ‫اإلضافية التي يمكن أن يقدمها كبار رواد‬ ‫العطاء في آسيا قد تصل إلى ‪ 507‬مليار‬ ‫دوالر لو كانت ثقتهم في وكاالت التنمية‬ ‫أكبر‪ .‬وكشف "مؤشر عمل الخير"‬ ‫(‪ )Doing Good Index‬أن االعتقاد‬ ‫السائد بعدم شفافية أو موثوقية‬ ‫المنظمات غير الربحية اإلقليمية كان‬ ‫العامل الرئيسي في إحجام المانحين‬ ‫األثرياء عن تقديم الهبات‪ .‬وتضم آسيا‬ ‫أكبر عدد من المليارديرات في العالم‪،‬‬ ‫تم تقديره بـنحو ‪ 637‬ملياردير عام‬ ‫‪ ،2017‬ومن المتوقع أن تزداد ثرواتهم‬ ‫خالل السنوات القادمة‪.‬‬

‫‪507‬‬

‫‪ 1.5‬تريليون دوالر‬

‫يبلغ حجم األصول التي‬ ‫تمتلكها المؤسسات اإلنسانية‬ ‫مجتمعة حول العالم نحو‬ ‫‪ 1.5‬تريليون دوالر‪ ،‬وفق‬ ‫تقديرات جامعة هارفرد التي‬ ‫شملت ‪ 39‬بلداً‪ ،‬وركزت على‬ ‫الواليات المتحدة (‪)%‬60‬‬ ‫وأوروبا (‪)%‬40‬‬

‫مليار دوالر‬

‫‪13‬‬

‫توقعت دراسة صادر عن جامعة كولومبيا‬ ‫أن تشهد العديد من المدن حول العالم ـ‬ ‫من جنيف في وسط أوروبا إلى شينزين في‬ ‫جنوب الصين ـ زيادات حادة في درجات‬ ‫الحرارة على مدار العقد المقبل أو نحوه‪،‬‬ ‫وذلك بسبب ظاهرة االحتباس الحراري التي‬ ‫ستصبح تأثيراتها أكثر استقراراً‪ .‬وأفادت‬ ‫الدراسة أن ‪ 13‬مدينة عالمية ستشهد‬ ‫زيادات في الحرارة قد تتجاوز درجتين‬ ‫مئويتين‪ ،‬ما يعرضها ألخطار متزايدة ناجمة‬ ‫عن ظواهر الطقس المتطرفة مثل العواصف‬ ‫والفيضانات‪ .‬وذكر التقرير أن وضع خطط‬ ‫تتناسب مع ظروف كل مدينة على حدة‬ ‫سيكون شأناً حاسماً لمساعدة تلك المدن‬ ‫على التخفيف من عواقب تغير المناخ‪.‬‬

‫‪ 700‬مليون‬

‫أدت المساعدات الصحية‬ ‫العالمية إىل إنقاذ حياة نحو‬ ‫‪ 700‬مليون شخص خالل‬ ‫ً‬ ‫عاما الماضية‪ ،‬وفق‬ ‫الـ‪25 ‬‬ ‫مجموعة ‪One Campaign‬‬ ‫التي تفيد بأنه هناك حاجة‬ ‫لمزيد من التمويل‬ ‫واإلرادة‪ ‬السياسية‬


‫عليك تطوير شراكات قوية‪ .‬والنظر إىل‬ ‫المنافسين كشركاء محتملين‪ .‬فالتعاون مع‬ ‫اآلخرين يقوي مهمتك‪ ،‬ويقربك أكثر باتجاه‬ ‫تحقيق النجاح المشترك معهم‪.‬‬

‫‪04‬‬

‫ً‬ ‫طموحا‬ ‫إذا لم تكن قد جربت الفشل‪ ،‬فأنت لست‬ ‫بما يكفي‪ ،‬ألن الفشل جزء أساسي من النجاح‪ .‬وكل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتكرارا‪ .‬وإذا ما‬ ‫مرارا‬ ‫األشخاص الناجحين يفشلون‬ ‫ّ‬ ‫فشلت‪ ،‬فانهض‪ ،‬وفتش عن الخطأ وتعلم منه‪.‬‬

‫افسح المجال في منظمتك للحوار بين األجيال‪ .‬فشباب اليوم‬ ‫هم أفضل أمل لدينا لتحويل ثقافة الحرب والعنف إىل ثقافة‬ ‫سالم وازدهار‪ .‬وإذا ما زودنا الشباب بفرص تفاعلية ومحفزة في‬ ‫منظماتنا‪ ،‬فمن المرجح أن نراهم ينجذبون نحو مبادئ عدم العنف‬ ‫والمساواة والتعاطف والنزاهة‪ ،‬وتعزيزها في مجتمعاتهم‪.‬‬

‫‪05‬‬

‫‪06‬‬

‫ال يزال تقديم المنح في المنطقة العربية‬ ‫هو االستثناء بدالً من أن يكون القاعدة‪ .‬إذ‬ ‫يختار العديد من المحسنين إنشاء وإدارة‬ ‫برامجهم الخيرية الخاصة‪ ،‬بدالً من‬ ‫تقديم األموال للمنظمات غير الحكومية‬ ‫أو المنظمات غير الربحية الموجودة‬ ‫على أرض الواقع‪ .‬وفي هذه الحالة‬ ‫فإنهم يختارون المشي بسرعة‪ ،‬بدالً‬ ‫من بلوغ مسافات أبعد‪.‬‬ ‫‪05‬‬

‫تشهد المنطقة العربية بزوغ أعمال الشركات االجتماعية‪،‬‬ ‫أو الشركات التي تمزج بين الربح والهدف االجتماعي‪.‬‬ ‫وهذا أمر إيجابي‪ ،‬ألنه يوسع نطاق رأس المال المتاح‬ ‫لمعالجة المشاكل االجتماعية بما يتجاوز التبرعات‬ ‫الخيرية التي كان مقتصراً عليها‪ .‬ولكن هذه الفرصة‬ ‫ستذهب هدراً إذا اقتصرت أعمال هذه الشركات على‬ ‫تقديم الخدمات فقط‪ :‬فنحن بحاجة إلى معالجة أسباب‬ ‫عدم المساواة االجتماعية‪ ،‬وليس أعراضها فقط‪.‬‬

‫ُ‬ ‫افترضت لسنوات عديدة وجود عدسة موحدة يمكن من‬ ‫لقد‬ ‫خاللها النظر إىل عالم األعمال الخيرية العربية‪ .‬ولكن عالم األعمال‬ ‫الخيرية العربية الواقعي‪ ،‬هو مزيج معقد يتكون من مصادر‬ ‫التمويل والوسطاء والمستفيدين‪ ،‬وهو يختلف بشكل كبير من‬ ‫دول مجلس التعاون الخليجي‪ ،‬إىل المغرب العربي‪ ،‬أو بالد الشام‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جميعا هو تقاليدنا األصيلة في العطاء االجتماعي‬ ‫لكن ما يوحدنا‬ ‫العابرة لجميع الحدود وجميع األديان وجميع األفراد‪.‬‬

‫‪04‬‬

‫‪06‬‬

‫رسوم‪ :‬رالف مانكاو‬

‫زمن العطاء‬

‫‪13‬‬


‫دروس من الحياة‬

‫المحسنون وقادة الصناعة يشاركون اآلخرين نصائحهم‬ ‫حول العطاء الذكي‪ ،‬ويعممون خبراتهم التي اكتسبوها‬ ‫خالل مسيرتهم في العمل الخيري‪.‬‬ ‫برايان روش‬

‫المدير التنفيذي لمؤسسة هيومن ثريد‬

‫إذا أردنا أن تعمل المؤسسات غير الربحية‬ ‫كما تعمل الشركات التجارية الربحية‪ ،‬فعلينا‬ ‫منحها الموارد الالزمة للقيام بذلك‪ .‬ليست‬ ‫لدينا مشكلة في االستثمار في شركات ربحية‬ ‫بهامش ربح ضئيل أو بدون ربح‪ ،‬ولكننا نتوقع‬ ‫من المنظمات غير الحكومية أن تنقذ العالم‪،‬‬ ‫وأن تنفق ‪ 10‬في المئة فقط من مواردها عىل‬ ‫إدارة وتشغيل عملياتها‪.‬‬

‫‪01‬‬

‫المدير التنفيذي لمؤسسة هيومن ثريد‪،‬‬

‫وهي مؤسسة دولية غير ربحية تعمل‬

‫عليك أن تتعلم متى تقول "ال"‪ .‬فالتحدي الذي تواجهه‬ ‫العديد من المنظمات‪ ،‬خاصة الشابة منها‪ ،‬هو قبول‬ ‫كل فرصة تأتي في طريقها‪ .‬وقولك "ال" في حينه‪،‬‬ ‫سيسمح لك بتركيز مواردك ‪-‬البشرية والمالية‪ -‬لتحقيق‬ ‫رسالتك بفعالية‪.‬‬

‫افعل كل ما يمكنك فعله إلحداث‬ ‫فرق‪ .‬قد ال تتمكن من تغيير العالم‪،‬‬ ‫ولكن قد تتمكن من تغيير حياة‬ ‫شخص واحد‪.‬‬

‫عىل نشر الوعي حول كرامة اإلنسان‬

‫واالتجار بالبشر من خالل المعارض‬

‫التفاعلية‪ ،‬والبرامج التعليمية‪ ،‬وحمالت‬ ‫التوعية العالمية‪.‬‬

‫‪02‬‬

‫الدكتور عطاالله كتاب‬

‫المؤسس والرئيس لـمؤسسة "ساند‬ ‫الستشارات األعمال الخيرية في العالم‬ ‫العربي"‬

‫من السذاجة االعتقاد أن المحسنين قادرون عىل‬ ‫تغيير العالم‪ .‬فمهمتهم ال تتمثل في إحداث التغيير‬ ‫ً‬ ‫وطرقا جديدة ترشد‬ ‫بأنفسهم‪ ،‬بل بتقديمهم نماذج‬ ‫اآلخرين وتمكنهم من توسيع نطاقها‪.‬‬

‫‪03‬‬

‫ال تفترض أبداً أن ما تعتقد أنه سيجعل‬ ‫الناس سعداء‪ ،‬سوف يجعلهم سعداء‬ ‫بالفعل‪ .‬والحل هنا بسيط‪ :‬استطلع آراءهم‪.‬‬ ‫امنح أولئك الذين تسعى إلى مساعدتهم‬ ‫الفرصة للتعبير عن آرائهم في العملية‪،‬‬ ‫ومك ّنهم من مواصلة تحسين حياتهم خارج‬ ‫نطاق استثمارك‪.‬‬

‫‪02‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬أنصح بمراعاة‬ ‫المثل اإلفريقي القائل‪" :‬إذا‬ ‫كنت تريد المشي بسرعة‪،‬‬ ‫فامشي وحدك‪ .‬ولكن إذا كنت‬ ‫ً‬ ‫بعيدا‪ ،‬فامشي‬ ‫تريد المشي‬ ‫بصحبة اآلخرين"‪.‬‬

‫المدير التنفيذي لمؤسسة هيومن ثريد‪،‬‬

‫وهي مؤسسة دولية غير ربحية تعمل‬ ‫عىل نشر الوعي حول كرامة اإلنسان‬

‫واالتجار بالبشر من خالل المعارض‬

‫التفاعلية‪ ،‬والبرامج التعليمية‪ ،‬وحمالت‬ ‫التوعية العالمية‪.‬‬

‫‪01‬‬ ‫‪12‬‬

‫زمن العطاء‬

‫‪03‬‬


‫التفاصيل‬ ‫الفجوة بين أثرياء العالم وفقرائه ما زالت تتسع‪.‬‬ ‫فقد أشار تقرير نشرته أوكسفام إلى أن ‪ 4‬دوالرات‬ ‫مــن كل ‪ 5‬تــم تداولهــا فــي العــام ‪ 2017‬إنتهــت‬ ‫فــي جيــوب أغنــى واحــد بالمئــة مــن ســكان العالــم‪ ،‬بينمــا لــم‬ ‫يكســب فيــه النصــف األفقــر أي شــيء‪ .‬وفــي الوقــت الــذي عانــى‬ ‫فيه مئات ماليين الناس من أجور عمل تكاد ال تكفي لتأمين‬ ‫لقمــة العيــش‪ ،‬إزدادت أعــداد المليارديــرات بمعــدل قياســي‬ ‫تمثل بظهور ملياردير جديد كل يومين من أيام السنة‪ .‬حذرت‬ ‫أوكسفام من أن ظاهرة ازدياد عدد المليار ديرات ال يجب أن‬ ‫تحسب كمؤشر على إزدهار اقتصاد العالم‪ ،‬بل على العكس‬ ‫فهــي دليــل علــى قصــور وخلــل فــي اقتصــاد يعتمــد علــى عمالــة‬ ‫تتلقى أجوراً متدنية جداً‪ .‬إن إعادة تصميم هذا المشهد لكي‬ ‫يخدم األكثرية‪ ،‬وليس القلة من الناس‪ ،‬له ثمنه ـ لكن الثمن‬ ‫المترتب على اقتصاد مختل قد يكون أكبر بكثير‪.‬‬

‫‪03‬‬

‫‪0101‬الحقائق باألرقام‬ ‫إرتفــع عــدد األشــخاص الذيــن يمتلــك الواحــد منهــم ثــروة تعــادل‬ ‫المليــار دوالر ومــا فــوق إلــى ‪ 2,043‬شــخص بعــد أن شــهد العــام‬ ‫الماضي معدالً قياسياً بظهور ما معدله ملياردير واحد كل يومين‪.‬‬ ‫وقد نمت ثروات نادي كبار األغنياء هذا‪ ،‬والذي تتشكل غالبيته‬ ‫العظمى من الرجال‪ ،‬بمقدار ‪ 762‬مليار دوالر خالل العام ـ وهو‬ ‫مبلغ من شأنه إنهاء حاالت الفقر المدقع حول العالم سبع مرات‪.‬‬ ‫وخالل العقد المنتهي بنهاية العام ‪ 2015‬كانت ثروات أصحاب‬ ‫المليارات قد نمت بمعدل ‪ 13‬بالمئة في العام‪ ،‬بينما لم يتعدى‬ ‫معدل نمو أجور العمال خالل تلك الفترة ‪ 2‬بالمئة‪ .‬وبقي الواحد‬ ‫بالمئــة مــن ســكان العالــم الذين يشــكلون أثــرى األثرياء يمتلكون‬ ‫ثروات تتعدى قيمتها ما يمتلكه كل ما تبقى من سكان العالم‪.‬‬ ‫‪0202‬في أسفل الهرم‬ ‫يبقى القول بأن أولئك الذين يصنعون مالبسنا‪ ،‬والذين ير ّكبون‬ ‫مكونــات هواتفنــا النقالــة‪ ،‬وغيرهــم ممــن يزرعــون مــا نأكلــه‪ ،‬هــم‬ ‫بالفعل من يدفع ثمن عدم المساواة العالمية من خالل توفيرهم‬ ‫لنا إلمدادت مستمرة من المنتجات الزهيدة الثمن‪ .‬وفي الوقت‬ ‫الــذي تتراكــم فيــه األمــوال لــدى األقليــة الفاحشــة الثــراء‪ ،‬ينــوء‬ ‫العمــال متدنــي األجــور تحــت وطــأة الفقــر المتزايــد وظروف عمل‬ ‫تزداد سوءاً‪ ،‬وهم يعيشون على جزء ال يذكر من الدخل العالمي‬ ‫المتنامي‪ .‬وتشير التقديرات إلى أن مداخيل العاملين في أسفل‬ ‫الهــرم االقتصــادي إرتفعــت بمقــدار يتدنــى عــن الثالثــة دوالرات‬ ‫خالل الـ ‪ 25‬عاماً الماضية‪ .‬وعلى سبيل المثال‪ ،‬ما يكسبه الرئيس‬ ‫التنفيذي لدى أية دار من أكبر خمسة دور أزياء في العالم خالل‬ ‫ما يزيد قليال ً عن أربعة أيام عمل يعادل ما يحصله العامل في‬ ‫مصنع مالبس في بنغالديش على مدى العمر‪ .‬لذا فإن الحصول‬ ‫على وظيفة لهؤالء العمال ال يعني بالضرورة الخروج من دائرة‬ ‫الفقر‪ ،‬إذ يبقى معظمهم مع أسرهم في صراع دائم مع الحياة‪.‬‬ ‫‪0303‬كسر القالب‬ ‫تحصل أعداد كبيرة من أفقر الفئات على لقمة عيشها من العمل‬ ‫فــي الزراعــة والعمليــات الصغيــرة الحجــم إلنتــاج األغذيــة‪ ،‬وهــذا‬ ‫يبقيهــم عالقيــن فــي دوامــة الفقــر ضمــن قيــود نظــام غذائــي يوفــر‬ ‫لهم أدنى مستوى للعيش في غياب البدائل‪ .‬على سبيل المثال‪،‬‬ ‫ال يحصل مزارعي الكاكاو اليوم على أكثر من ‪ 6‬بالمئة من سعر‬ ‫لوح الشوكوالته في السوق‪ ،‬مقارنة بـ ‪ 18‬بالمئة في الثمانينات‪.‬‬

‫‪04‬‬

‫‪0404‬عدم المساواة ضمن عدم المساواة‬ ‫تعــد النســاء والشــباب مــن أكثــر الفئــات المتضــررة مــن التفــاوت‬ ‫الضخــم فــي المداخيــل‪ ،‬فمــا يقــارب مــن نصــف القــوى العاملــة‬ ‫الشبابية في العالم عاطلة عن العمل أو تعمل بمداخيل ضئيلة‬ ‫ال تخرجهــا مــن دائــرة الفقــر ـ فهنــاك أكثــر مــن ‪ 500‬مليــون شــاب‬ ‫وشابة يعيشون على أقل من دوالرين في اليوم‪ .‬والنساء بالتحديد‬ ‫دوماً يحصلن على أجور أدنى وحقوق أقل من الرجال‪ ،‬وغالباً‬ ‫يضطررن لقبول وظائف مؤقتة تفتقر إلى كل أشكال االستقرار‬ ‫واألمــان‪ .‬ويكمــن الحــل فــي تحقيــق مقــدار معقــول مــن المســاواة‬ ‫االجتماعية وتصغير الفجوة في المداخيل بعض الشيء في رفع‬ ‫األجور وتحسين شروط العمل لهاتين الفئتين‪.‬‬ ‫زمن العطاء‬

‫‪15‬‬


‫نافذة عىل العالم‬

‫الفجوة بين الفقر والثراء‬ ‫ً‬ ‫اتساعا‬ ‫تزداد‬ ‫عادت مسألة عدم المساواة العالمية مجدداً إلى األضواء بعد‬ ‫أن كشفت أحدث اإلحصاءات أن الثروة التي يملكها أغنى ‪42‬‬ ‫شخصاً تعادل ما يملكه أفقر ‪ 3.7‬مليار إنسان‬

‫‪01‬‬

‫‪14‬‬

‫زمن العطاء‬

‫رسومات‪ :‬شون لووس‬

‫‪02‬‬


‫تأسســت منظمــة ها لــو ترســت فــي أفغانســتان فــي‬ ‫العــام ‪ ،1988‬عندمــا كانــت البــاد مــا تــزال تحــت وطــأة‬ ‫االحتــال الســوفييتي‪ ،‬وكانــت العاصمــة كا بــول تــرزح‬ ‫تحت الحصار‪ .‬كنت حينها أتابع دراسة الطب في ظروف‬ ‫معيشية صعبة‪ ،‬إذ كانت الكهرباء نادرة وفرص العمل‬ ‫قليلة‪ .‬لكن الريف األفغاني كان األكثر تضرراً من الحرب‬ ‫واإلقتتــال‪ ،‬كمــا كان مزروعــاً باأللغــام علــى نطــاق واســع‪.‬‬ ‫بدأت منظمة هالو عملها في مجال التوعية بمخاطر‬ ‫األلغام انطالقاً من العيادات الصغيرة المختصة بصحة‬ ‫األمهــات واألطفــال فــي كابــول‪ .‬هنــاك كنــا نــرى أطفــاالً‬ ‫مصابون بحروق بالغة‪ ،‬ونساءً وأطفاالً مبتوري األرجل‪،‬‬ ‫والكثيــر مــن اإلصابــات المروعــة‪ ،‬وباعتبــاري طبيبــاً‪ ،‬فأنــا‬ ‫أعلــم أن الوقايــة خيــر مــن العالج‪.‬‬ ‫كانت أفغانستان أول بلد ينطلق منه برنامج منظمتنا‬ ‫إلزالــة األلغــام‪ ،‬ثــم بدأنــا برنامجاً آخر في كمبوديا‪ ،‬ومع‬ ‫مــرور الوقــت أصبحــت هالــو ترســت أكبــر منظمــة إنســانية‬ ‫إلزالــة األلغــام فــي العالم‪.‬‬ ‫تعمــل هالــو ترســت علــى تنظيــف مــا يتــراوح بيــن ‪25‬‬ ‫إلــى ‪ 28‬كيلومتــر مربــع مــن حقــول األلغــام كل عــام فــي‬ ‫أفغانســتان‪ ،‬إضا فــة إ لــى مالييــن األمتــار المربعــة مــن‬ ‫ســاحات المعــارك‪ ،‬مــا يعــادل تفكيــك عــدة مئــات مــن‬ ‫األلغــام وإزالــة نحــو ‪ 100‬طــن مــن الذخيــرة الحية شــهرياً‪.‬‬ ‫كما نواجه تحدٍ آخر يتمثل بوجود مناطق واسعة مزروعة‬ ‫باأللغــام المضــادة للمركبــات‪ ،‬وهــذه يصعــب اكتشــافها‪.‬‬ ‫إزالة األلغام ليست علماً معقداً لكنها تحتاج الكثير‬ ‫من اليد العاملة‪ ،‬إذ تتم عملية الكشف عن األلغام متراً‬

‫بمتر بشكل يدوي‪ ،‬ثم ُتعزل وتدمر‪ .‬إنها مهمة محفوفة‬ ‫بالمخاطــر‪ ،‬لكــن إذا خضــع العامــل للتدريــب الصحيــح‬ ‫والكافي‪ ،‬وارتدى معدات الحماية الالزمة‪ ،‬فليس األمر‬ ‫أكثر خطورة من العمل في إنشاء الطرق‪ .‬وقد تقع بعض‬ ‫الحــوادث‪ ،‬لكنهــا نــادرة فــي العموم‪.‬‬

‫‪0101‬تم تطهري نحو ‪ 80‬باملئة‬ ‫من املواقع الخطرة من ألغامها‬ ‫ومتفجراتها‪ ،‬لكنه ال يزال أمامنا‬ ‫املزيد من العمل‬

‫‪0202‬إرتفعت نسبة اإلعاقات‬ ‫الجسدية البالغة إىل ما يقارب‬ ‫‪ 2.7‬باملئة من معظم سكان‬ ‫أفغانستان‪ ،‬جزء كبري منها‬ ‫بسبب األلغام والعبوات غري‬ ‫املنفجرة‬

‫عملنا مكلِف بشكل عام‪ ،‬فميزانيتنا السنوية تتجاوز‬ ‫‪ 22‬مليــون دوالر‪ ،‬يذهــب حوالــي ثلثيهــا كرواتــب لعمــال‬ ‫تفكيك األلغام‪ .‬لكن بمجرد مسح األراضي وإزالة األلغام‬ ‫منهــا وتنظيفهــا ترتفــع قيمتهــا‪ .‬نعمــل أحيانــاً علــى مســح‬ ‫بعــض األراضــي بكلفــة ‪ 0.40‬دوالر للمتر المربع الواحد‪،‬‬ ‫وهذا سعر رخيص جداً‪ .‬لكن بمجرد أن يتم إخالء قرية‬ ‫مــا مــن األلغــام‪ ،‬تتحســن الحيــاة فيهــا بشــكل كبيــر‪،‬إذ مــا‬ ‫تلبــث أن تبــدأ فيهــا عمليــات بنــاء الطرق والبيوت وتزدهر‬ ‫األعمــال التجاريــة وتتزايــد مدخــوالت الناس‪.‬‬ ‫أهم جانب في عملنا هو حرصنا على الحياد‪ ،‬فبدون‬ ‫دعــم المجتمــع‪ ،‬ال يمكننــا العمــل‪ .‬ونحــن نعتمــد علــى‬ ‫األفغــان فــي كل نشــاطاتنا هنــا‪ ،‬ولدينــا حاليــاً أكثــر مــن‬ ‫‪ 3,300‬موظــف غالبتهــم العظمــى مــن األفغــان‪ .‬ونوظــف‬ ‫العمال من المجتمعات المتأثرة باأللغام والتي غالباً ما‬ ‫تكون نائية ومهمشة‪ ،‬حيث مستويات التوظيف والدخل‬ ‫والتعليــم متدنيــة‪.‬‬ ‫يعــد مجلــس الشــورى الجســم األ بــرز فــي النســيج‬ ‫االجتماعي في أية قرية‪ ،‬لذا نحن نتوجه إليهم ونحدثهم‬ ‫عن عملنا ومعاييرنا‪ ،‬ونطلب مساعدتهم في البحث عن‬ ‫أشخاص غير منخرطين في النزاعات‪ ،‬ولم يرتكبوا جرائم‬

‫وليســوا مدمنيــن علــى المخــدرات‪ .‬ويرشــح لنــا مجلــس‬ ‫الشورى العمال المناسبين‪ ،‬والذين بذلك يحظون باحترام‬ ‫الجميــع‪ ،‬حتــى مــن قبــل جماعــات المعارضــة المســلحة‪.‬‬ ‫تعــد مهمــة إزالــة األلغــام فــي الثقافــة األفغانيــة مــن‬ ‫تخصص الرجال‪ ،‬ويخضع العمال من أجل هذه المهمة‬ ‫لــدورة تدريبيــة مدتهــا أربعــة أ ســابيع يصبحــوا بعد هــا‬ ‫جاهزيــن للعمــل الميدانــي‪ .‬ندفــع لــكل عامــل ‪ 300‬دوالر‬ ‫في الشهر‪ ،‬كما نعلمهم القراءة والكتابة وندربهم على‬ ‫اإلســعافات األوليــة‪ ،‬وهــذا يمكــن أن يصبــح مصــدراً آخــر‬

‫للدخل بالنســبة لهم‪ .‬بهذه الطريقة‪ ،‬تخلق عملية إزالة‬ ‫األلغــام وظائــف آلالف الشــباب العاطليــن عــن العمــل في‬ ‫سن القتال‪ ،‬والذين قد يكونون حطباً لنار الحرب‪ .‬وبما‬ ‫أن الفقر يســاهم في تكريس حالة عدم االســتقرار لذلك‬ ‫فــإن القضــاء عليــه أمــر حاســم مــن أجــل تحقيــق الســام‬ ‫واالســتقرار في أفغانســتان‪.‬‬ ‫مــا تــزال أفغانســتان إحــدى أكثــر البلــدان المزروعــة‬ ‫باأللغام في العالم‪ .‬فمن بين ‪ 400‬مقاطعة‪ ،‬هناك ‪250‬‬ ‫مقاطعــة تعانــي مــن وجــود حقــول ألغــام فــي أراضيها‪.‬‬ ‫زمن العطاء‬

‫‪17‬‬


‫في غضون يوم‬

‫حقول الموت‬ ‫في أفغانستان‬ ‫عقود من الصراع الدموي في أفغانستان ّ‬ ‫خلفت وراءها العديد من المآسي من بينها ما‬ ‫تركته الحرب من قنابل وذخائر حية ومناطق شاسعة مزروعة باأللغام‪ .‬تعمل منظمة هالو‬ ‫ترست منذ ‪ 30‬عاماً في هذا البلد على تفكيك األلغام وإتالف ماليين القذائف والذخائر‬ ‫التي يمكن أن تتفجر في أي لحظة‪ ،‬حتى بعد مرور عقود من الزمن على توقف القتال‪ .‬في‬ ‫مقالته هذه يقول الدكتور فريد همايون‪ ،‬مدير هالو ترست في أفغانستان‪ ،‬أن المنظمة ما‬ ‫تزال بحاجة إلى الدعم والتمويل إلكمال مهمتها الطويلة‬

‫لدينا‬

‫قول مأثور في اللغة الدارية‬ ‫مفــاده أننــا ســلخنا البقــرة كلهــا إال‬ ‫ذيلها‪ .‬لقد بقي الذيل فقط‪ .‬عملية‬ ‫إزالــة األلغــام فــي أفغانســتان تشــبه‬ ‫ذلــك‪ ،‬فقــد تــم إنجــاز ‪ 80‬بالمئة مــن العمل‪ ،‬أي أننا قطعنا‬ ‫شــوطاً طويـا ً فــي مهمتنــا‪ ،‬لكنــه يتوجــب علينــا اآلن إنهاءهــا‬ ‫بشكل كامل‪.‬‬

‫فــي أي صــراع مســلح‪ ،‬تســتخدم الفصائــل المتنازعــة‬ ‫مختلف أنواع األسلحة المتوفرة لها ضد بعضها البعض‪.‬‬ ‫فهنــاك القنابــل وقذائــف المدفعيــة وحتــى ألغامــاً يدويــة‬ ‫الصنع‪ ،‬لكن وكما هو معروف‪ ،‬فليس كل ما يتم إطالقه‬ ‫أو إ ســقاطه مــن الجــو ينفجــر‪ ،‬وبالتا لــي تحولــت هــذه‬ ‫المساحات الواسعة من األرض التي شهدت الصراع إلى‬ ‫مناطق خطرة بل مميتة لسكانها العائدين إلى مساكنهم‬ ‫وأراضيهــم بعــد توقــف القتــال فيها‪.‬‬ ‫واليــوم يصــل عــدد ضحايــا األلغــام والعبــوات غيــر‬ ‫المنفجــرة فــي أفغانســتان إلــى مــا معدلــه ‪ 180‬مدنيــاً كل‬ ‫شــهر‪ .‬تعــود بعــض هــذه األلغــام إلــى أزمنــة الصراعــات‬ ‫الســابقة‪ ،‬مثــل الغــزو الســوفييتي والحــروب األهليــة‪،‬‬ ‫وبعضهــا حديــث تزرعــه جماعــات المعارضــة المســلحة‪.‬‬ ‫وتتميــز كل حقبــة مــن تلــك الحقبــات بعبواتهــا الناســفة‬ ‫وألغامهــا الخاصــة بهــا‪ ،‬لكــن أثرهــا مجتمعــة كبيــر جــداً‪.‬‬ ‫تشكل الزراعة حوالي ‪ 70‬بالمئة من الدخل الوطني‬ ‫في أفغانستان‪ ،‬لكن األلغام تعيق المزارعين عن العمل‬ ‫فــي أراضيهــم‪ ،‬فضـا ً عــن األضــرار التــي تلحقهــا فــي البنية‬ ‫التحتية وأثرها السلبي على مشهد التعليم‪ ،‬وبالطبع على‬ ‫المدنيين من قتلى وإعاقات جســدية وجرحى‪ .‬فتتســبب‬ ‫هــذه األلغــام فــي فقــدان عائــات لمعيلهــا الوحيــد‪ ،‬كمــا‬ ‫تدفــع أحيانــاً الســكان إلــى النــزوح مــن قــرى بأكملهــا‪ ،‬مــا‬ ‫يجعل تأثيرها بالغ الخطورة على المجتمعات المحلية‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫زمن العطاء‬

‫بقلم‪ :‬جيسيكا هوالند‬


Water.org empowers women to get safe water by helping them access small, affordable loans to install water connections and toilets. We believe empowering women is critical because though they aren’t trying to change the world, they will.

Donate to Water.org


‫في غضون يوم‬ ‫التحديــان الرئيســيان اللــذان نواجههمــا فــي إكمــال‬ ‫مهمتنــا همــا‪ :‬التمويــل‪ ،‬واألمــن‪ .‬فلألســف‪ ،‬التمويــل آخذ‬ ‫فــي التراجــع‪ ،‬ألن المانحــون يحولــون أموالهــم للتخفيــف‬ ‫مــن مآســي صراعــات أخــرى فــي الشــرق األوســط‪ ،‬وفــي‬ ‫أماكــن أخــرى مــن العالــم‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى مــا تــزال‬ ‫هنالك حقول ألغام ال يمكننا النفاذ إليها ألسباب أمنية‬ ‫وحفاظاً على ســامة العاملين‪ .‬إن مهمتنا إلزالة األلغام‬ ‫فــي أفغانســتان هــي ناجحــة لغا يــة اليــوم بفضــل اللــه‪.‬‬ ‫لكننا بحاجة للمزيد من الدعم إلســتكمال هذه المهمة‪.‬‬ ‫هناك قصة حقيقية أريد أن أرويها‪ .‬قبل خمســة عشــر‬ ‫عامــاً زرت قريــة بالقــرب مــن الحــدود مــع طاجيكســتان‪،‬‬ ‫وكانــت مزروعــة باأللغــام بشــكل كثيــف‪ .‬كان مســجد القرية‬ ‫مدمــراً‪ ،‬ولــم يبــق فيهــا ســوى عــدد قليــل مــن النــاس‪ .‬قمنــا‬ ‫بتطهيــر األرض ثــم حفرنــا بئــراً لهــم‪ ،‬ودفعنــا أجــور ترميــم‬ ‫المســجد‪ .‬بعــد عاميــن عــدت لزيــارة القريــة‪ ،‬فلــم أعرفهــا!‬ ‫كانــت تعــج بالنــاس وهــم مشــغولون بأعمالهــم‪ ،‬وبقطعــان‬ ‫المواشي‪ .‬رأيت أطفاالً يجلسون تحت ظالل األشجار‪ .‬فعدت‬ ‫بذاكرتــي للمآســي التــي كانــوا يواجهونهــا قبــل عاميــن؛ لقــد‬ ‫تالشت كلها وأصبحت حياتهم طبيعية اآلن‪ ،‬وعاد التفاؤل‬ ‫بالمستقبل إلى نفوس هؤالء الناس من جديد‪ .‬كان أثر هذا‬ ‫المشهد عظيماً‪ ،‬وفرحتي ال توصف‪ .‬البهجة التي أراها في‬ ‫وجــوه النــاس مــن جــراء عملنــا هــذا هــي مــا يشــجعني علــى‬ ‫المواظبة‪ ‬واالستمرار‪— . .‬‬

‫"تخلق عملية إزالة األلغام وظائف آلالف‬ ‫الشباب العاطلين عن العمل في سن القتال‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حطبا لنار الحرب"‬ ‫والذين قد يكونون‬

‫‪0101‬تم تسجيل ما يزيد عن‬ ‫‪ 23,500‬حالة إصابة من جراء‬ ‫إنفجار األلغام خالل الفرتة‬ ‫املمتدة بني عامي ‪ 1979‬و‪2015‬‬

‫‪0202‬تتطلع أفغانستان إىل أن‬ ‫تصبح خالية من األلغام بحلول‬ ‫العام ‪2023‬‬

‫‪18‬‬

‫زمن العطاء‬


‫يكتشــفوا المواهــب والمزايــا الذاتيــة لهــم ومواطــن شــغفهم‬ ‫والكتشاف أنفسهم حقاً‪ ،‬خارج ما تتوقع منهم العائلة‪.‬‬ ‫ال تخشــى مــن التجريــب العقالنــي حتــى تجــد مــا يالئــم‬ ‫عائلتــك بالضبــط‪ .‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬تبنــي نظــام عمــل ما‪،‬‬ ‫اتباع حمية معينة‪ ،‬اختيار دورات تعليمية وفترات تدريب‬ ‫علمت في اآلونة األخيرة أن شيخاً‬ ‫ُ‬ ‫لدى شركات أخرى‪ .‬ولقد‬ ‫لعائلــة خليجيــة أخــذ ابنــه األكبــر فــي رحلــة إلــى الصحــراء‪،‬‬ ‫حيث تركه تحت رعاية قبيلة لعدّ ة أشهر‪ .‬هكذا اكتسب ابنه‬ ‫فهماً عميقاً وتقديراً عالياً لعادات وتقاليد وثقافة بلده‪ ،‬التي‬ ‫انبثقت من رحمها عائلته في نهاية المطاف‪.‬‬ ‫الوصي على ثروتها‪:‬‬ ‫االتحاد قوة ‪ -‬تعد وحدة األسرة هي‬ ‫ّ‬ ‫ولذلك ال بد أن تتمتع هذه الوحدة بالمرونة‪ .‬والحفاظ على‬ ‫الثروة ال يعني االكتفاء بتطبيق آليات حوكمة رسمية مثل‬ ‫األعــراف العائليــة والهيــاكل اإلدارية ُ‬ ‫وخطط التوريث‪ ،‬مع‬ ‫أنهــا عناصــر ال غنــى عنهــا‪ .‬بــل يعني أيضاً ‪-‬وهذا األهم‪ -‬أن‬ ‫يقضي أفراد العائلة وقتهم معاً‪ ،‬وأن يتواصلوا بشكل فعّ ال‬ ‫ومســتمر‪ ،‬وأن يمــدوا جســور الثقــة بيــن األجيــال‪ .‬وهــذا ما‬ ‫يصعب تحقيقه ويزداد صعوبة يوماً بعد آخر نظراً الزدياد‬ ‫عدد أفراد العائلة وانتشارهم في مختلف أنحاء العالم‪.‬‬ ‫ولذلك نوصي بأن ُترسي عالقات وثيقة بين أفراد العائلة‬ ‫الصغيــرة والكبيــرة مــن خــال إنشــاء تقاليــد وأعــراف عائليــة‬ ‫خاصة‪ ،‬ومشاركة الخبرات بين بعضكم البعض‪ .‬من بين تلك‬ ‫تولي بعض العائالت‬ ‫التقاليد واألعراف على سبيل المثال‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الثرية إفطار الصائمين في رمضان والتبرع باألغذية للفئات‬ ‫المحرومة أو التطوع والعمل في الجمعيات المحلية‪ .‬بعض‬ ‫العائــات األخــرى تلتقــي معــاً لتــزور المشــاريع قيــد اإلنجــاز‬ ‫التي أطلقتها عائلتهم‪ ،‬أو يزوروا مكتب أعمال العائلة من‬ ‫الشركات والمؤسسات‪ .‬إن تعزيز مفهوم العطاء وفعله في‬ ‫عائلتــك يعتبــر أداة فعالــة للغايــة توطــد العالقات والروابط‬ ‫وتوحّ ــد األســرة‪ .‬لذلــك ال تســتهن بــه أو تظنــه مجــرد حــدث‬ ‫هامشي على قارعة العمل األساسي‪.‬‬

‫"العمل الخيري يوفر وسيلة‬ ‫لحشد جهود أفراد األسرة‬ ‫حول هدف مشترك ويرسخ‬ ‫القيم المشتركة بينهم"‬

‫نبذة عن الكاتب‬

‫أندرو داوست هو مؤسس شركة االستشارات بلينيتيود‬ ‫بارتنرز (‪ .)Plenitude Partners‬وهو أيضاً الشريك‬ ‫المؤسس لـ"كور فنتر" (‪ ،)Kore Venture‬وهو برنامج غير‬ ‫ربحي موجه لمساعدة الشباب في العائالت ذات الثروات‬ ‫الكبيرة على االستعداد إلدارة الثروة وقيادة أعمال العائلة‪.‬‬ ‫وقبل ذلك‪ ،‬شغل السيد دوست منصب نائب رئيس قسم‬ ‫االستراتيجية بشركة ليغاتوم (‪ ،)Legatum‬وهي شركة‬ ‫استثمارات خاصة‪ ،‬تولى فيها إدارة محفظة األعمال الخيرية‬ ‫التابع للشركة‪.‬‬

‫تخصيص جزء كبري من ثروتك‬ ‫لعمل الخري له أثر دائم يف‬ ‫تحسني العالم من حولك‪،‬‬ ‫سواء كان يف التخفيف من حدة‬ ‫العمالة شبه القسرية أو تعليم‬ ‫األجيال القادمة‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وفعــل المشــاركة ‪ -‬عندمــا تتوصــل إلــى‬ ‫وحــد الصفــوف‬ ‫ـام واحد ألســرتك‪ ،‬دعه يتجلى من خالل ما‬ ‫وضع هدف سـ ٍ‬ ‫تستثمر فيه‪ .‬وهذا ما ال يقتصر فحسب على قطاع األعمال‬ ‫الخيريــة‪ ،‬حيــث تتبــرع دون توقــع عائــد علــى مــا تقدمــه‪ .‬بــل‬ ‫يشمل أيضاً قطاع األعمال التجارية‪ ،‬حيث يمكنك أن تحقق‬ ‫تأثيــراً اجتماعيــاً عظيمــاً وفــي ذات الوقــت جنــي عوائــد ماليــة‬ ‫مجزية في حال استثمرت أموالك بفطنة وذكاء‪ ،‬وهذا ما‬ ‫تحققه بالفعل مكاتب العائالت التي تدير الثروات األسرية‬ ‫متنام في جميع أرجاء العالم‪.‬‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫حيــث تشــير اإلحصائيــات الحاليــة إلــى أن ثلــث المكاتــب‬ ‫العائليــة تســتثمر أموالهــا بشــكل ينجــر عنهــا آثــار اجتماعيــة‬ ‫إيجابية يدعى استثمار األثر االجتماعي‪ ،‬وفق التقرير العالمي‬ ‫لمكاتب العائالت في سنة ‪ ،2018‬وما يقارب نصفها يخطط‬ ‫لزيــادة اســتثماراته المســتدامة فــي غضــون العــام المقبــل‪،‬‬ ‫ويعــزى جــزء كبيــر مــن الفضــل فــي هــذا التوجــه إلــى جيــل‬ ‫األلفيــة الــذي تحركــه األهــداف الســامية مــن هــذه العائــات‬ ‫الثرية‪ ،‬والذي شرع في إدارة بعض أصولها‪.‬‬ ‫فإن لم تكن قد نظمت بعد مجموعة من أفراد أسرتك‬ ‫لوضع استراتيجية األسرة في قطاع األعمال الخيرية واإلشراف‬ ‫علــى التبرعــات‪ ،‬فســارع وقــم بذلــك‪ .‬ألن هــذا ســيلمّ شــمل‬ ‫العائلة حول هدف سام‪ ،‬ومن شأنه أيضاً مساعدتهم على‬ ‫إظهار ‪-‬وتحقيق‪ -‬القيم المشتركة للعائلة‪ .‬وما من عجب إن‬ ‫عرفنا أن العائالت األكثر اتحاداً وازدهاراً تحافظ بصورة أفضل‬ ‫على أصولها المالية‪ ،‬ولها نصيب أعلى من الحظ في اتخاذ‬ ‫قرارات استثمارية ‪-‬وخيرية‪ -‬على حد سواء تخلق إرثاً يدوم‬ ‫لعدة أجيال‪ ،‬وطبعاً ال يتوقف على الجيل الثالث‪—.‬‬ ‫زمن العطاء‬

‫‪21‬‬


‫رأي‬

‫بناء إرث خالد‬ ‫ُ‬ ‫لألجيال القادمة‬

‫يقول أندرو داوست أن المشاركة في األعمال الخيرية من شأنها‬ ‫تعميق الروابط وتوطيد العالقات بين أفراد العائالت الثرية أكثر من‬ ‫الثروات التي يتشاركون بها‬

‫قد‬

‫ً‬ ‫ســببا لالنقســامات‪.‬‬ ‫تكون الثروة‬ ‫فكمــا قــال كاتــب المســرحيات األمريكــي‬ ‫مــارك تويــن ذات مــرة‪" :‬لــن تفهــم حقــاً‬ ‫أقاربــك علــى وجــه اليقيــن إال إن كان بينــك‬ ‫وبينهــم إرث تتقاســمونه‪ "،‬مشــيراً بتلميــح ذكــي إلــى أن‬ ‫الميــراث المالــي قــد يتســبب فــي تصــدع صــروح العائــات‪،‬‬ ‫وبــث الشــحناء والبغضــاء بيــن أفرادهــا‪ .‬وهــذا هــو مبعــث‬ ‫القلق الجديد بالنسبة لفئة صغيرة ـ لكن في تزايد مستمر‬ ‫ـ مــن العائــات الثريــة فــي منطقــة الشــرق األوســط وشــمال‬ ‫أفريقيــا‪ ،‬تلــك المنطقــة التــي تقــع الكثيــر مــن ثــروات‬ ‫العائــات الغنيــة بيــن يــدي جيلهــا األول‪ ،‬وحيــث عــدد‬ ‫أصحاب المليارات نما بنسبة ‪ 25‬العام ‪.2017‬‬ ‫وإذا ما نظرنا عن كثب سنجد أن بناء الثروات هذا غالباً‬ ‫مــا يكــون مدفوعــاً برغبــة إعــداد العائلــة‪ ،‬كوحــدة واحــدة‪،‬‬ ‫إلنجــاب أجيــال تتمتــع بالغنــى والوفــرة واالزدهــار‪ .‬ومــع أن‬ ‫عــدداً كبيــراً جــداً مــن هــذه العائــات محترفــة وبارعــة فعـا ً‬ ‫في ميدان األعمال التجارية وخلق الثروة إال أنها ال "تزدهر"‬ ‫معاً كوحدة عائلية واحدة ينعم جميع أفرادها بالمكتسبات‬ ‫المحققــة‪ .‬وألن وحــدة األســرة هــي التــي تكــون عـ ً‬ ‫ـادة الوصـ ّـي‬ ‫على إرث مؤسس العائلة وأصوله المالية‪ ،‬يتسبب انفصام‬ ‫الروابط بين أفراد األسرة إلى تفتت األصول وضياع الثروة‪،‬‬ ‫حيث يحدث ذلك غالباً في غضون ثالثة أجيال‪.‬‬

‫وألن هذه الظاهرة عالمية ومعروفة تماماً‪ ،‬وضعت لها‬ ‫المجتمعات في جميع أنحاء العالم كلمة خاصة بها تعبّر‬ ‫عنها‪ .‬ففي الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬يشيرون إلى هذا‬ ‫المفهوم بقولهم "بدأت األسرة بقميص العمل وعادت إلى‬ ‫قميص العمل" في ثالثة أجيال؛ أو في انكلترا بقولهم "بدأت‬ ‫األسرة بقباقيب وانتهت إلى قباقيب"‪ ،‬وكالهما يشيران إلى‬ ‫تواضع اللباس المرتدى كناية على رجوع الوضع المالي إلى‬ ‫مــا كان عليــه‪ .‬أمــا فــي اليابــان فلديهــم المثــل الــذي يقول أن‬ ‫"الجيــل الثالــث يخـ ّرب البيــت"‪ ،‬فــي حيــن يقــال فــي الصيــن‬ ‫مثــل يعبــر مباشــرة عــن الموضــوع بقولهــم "ال تــدوم الثــروة‬ ‫لثالثة أجيال"‪ .‬ال بد أن الصورة اتضحت اآلن‪.‬‬ ‫تضيع الثروة ألن العائلة تفشل في الحفاظ عليها‪،‬‬ ‫وتضيع معها أيضاً القيم المشتركة والهدف العام الذي‬ ‫ظافر الجهود لخلق الثروة في األساس‪ .‬ومكمن الخلل هنا‬ ‫هــو ضعــف وتهلهــل الروابــط العائليــة‪ ،‬ال ســوء التخطيط‬ ‫المالــي‪ .‬إذاً مــا الــذي ينبغــي علــى العائــات الثريــة فعلــه‬ ‫لتجنب حلول لعنة "األجيال الثالثة" عليها؟ كيف ينبغي‬ ‫علــى العائــات الثريــة الكبيــرة التصــرف لتجنــب النزاعــات‬ ‫والصراعــات‪ ،‬ولضمــان اســتمرارية الرخــاء واالزدهار على‬ ‫مـ ّر األجيــال‪ ،‬وبنــاء إرث شــامخ مجيــد ذو معنــى عميــق؟‬ ‫وإ لــى أي مــدى يشــكل قطــاع األعمــال الخير يــة عنصــراً‬ ‫اســتراتيجياً لتحقيــق هــذا الهــدف؟‬

‫من املقدر أن ينتقل أكرث من‬ ‫‪ 3.4‬تريليون دوالر من الرثوات‬ ‫العائلية إىل جيل الورثة خالل‬ ‫العقدين القادمني‬

‫إيجاد قضية مشتركة ‪ -‬ال تعتبر الثروة بحد ذاتها "قوة‬ ‫موحــدة" فــي العائلــة‪ .‬وهــذا مــا يصــدق أكثــر عنــد انتقــال‬ ‫ِ‬ ‫األصول المالية من الجيل األول إلى الجيل التالي‪ ،‬الذي‬ ‫يعــدّ جيـا ً نشــأ أفــراده فــي النعمــة وتفيــؤوا ظــال الوفــرة‪.‬‬ ‫ذلك أن العائالت الثرية نادراً ما تستند في تحركاتها على‬ ‫المعايير المالية لوحدها‪ :‬بل يتحرك العديد من أفرادها‬ ‫بدافــع الشــعور بالمســؤولية تجــاه مجتمعاتهــم المحليــة‬ ‫وشــعوبهم (علــى نطــاق أوســع)‪ ،‬ويــرون أن الغــرض مــن‬ ‫الثــروة هــو تمكيــن اآلخريــن من تحســين حياتهم واالرتقاء‬ ‫بها‪ ،‬وليس التنعم بها لوحدهم‪.‬‬ ‫وهنا تبرز أهمية العمل الخيري كونه يوفر وسيلة تنافس‬ ‫شريف بين أفراد العائلة الثرية بحيث يحشدها حول هدف‬ ‫واحد ويرسخ القيم المشتركة بينهم‪ .‬بهذا الصدد‪ ،‬يوضح‬ ‫العمــل الخيــري لألفــراد الشــباب مــن هــذه العائــات الثريــة‬ ‫أن الثــروة والغنــى ليســت "هويــة" للفــرد‪ ،‬بــل هــي "وســيلة"‬ ‫يمكن استخدامها لجعل العالم مكاناً أفضل‪ .‬على الصعيد‬ ‫العملـ ّـي‪ ،‬يتيــح العمــل الخيــري لهــؤالء األفــراد الشــباب مــن‬ ‫العائلــة فرصــة المشــاركة فــي الوصايــة طويلــة األجــل علــى‬ ‫األصــول الماليــة للعائلــة‪ ،‬ممــا يجعلهــم يضعــون حجــر‬ ‫األســاس مبكــراً لتعلــم فعــل ذلــك بكفاءة عاليــة وخلق تأثير‬ ‫إيجابــي مســتدام‪ .‬إذاً ِجــد هدفــاً أســمى لعائلتــك يحتشــدون‬ ‫حولــه‪ .‬بعــض األمثلــة علــى ذلــك‪ :‬التصــديّ لمشــكلة االتجــار‬ ‫بالبشر‪ .‬دعم ورعاية الالجئين‪ .‬وال تنسى أن تسخير ثروتك‬ ‫من أجل عمل الخير‪ ،‬يرتقي بحياتك لمستوى آخر تماماً‪.‬‬ ‫بناء الشخصية أوالً‪ ،‬ثم الكفاءة ‪ -‬على مستوى العالم‪،‬‬ ‫نقف حالياً على مشارف انتقال عظيم للثروات‪ .‬فوفق تقرير‬ ‫أخير أصدره مصرف "يو بي إس"‪ ،‬من المتوقع انتقال ثروة‬ ‫ما يقارب ‪ 40‬بالمئة من ثروات أصحاب المليارات حالياً‪،‬‬ ‫والمقدرة بنحو ‪ 3.4‬تريليون دوالر‪ ،‬إلى الجيل التالي من‬ ‫الورثة في غضون عقدين من الزمان‪ .‬بهذا الصدد‪ ،‬تعتمد‬ ‫العائالت ذات الثروات الكبيرة على وجه خاص‪ ،‬والمجتمع‬ ‫األوسع بشكل عام‪ ،‬على قدرتهما على استخدام نفوذهما‬ ‫ورؤوس أموالهما بحكمة‪.‬‬ ‫وأهــم صفــة تميــز القيادة القوية والنشــطة للعائلة هي‬ ‫التمتع بشخصية سليمة‪ ،‬والتي تتشكل بطبيعة الحال منذ‬ ‫الطفولــة وعلــى مــر الســنين مــن خــال تجــارب الحياة‪ .‬لذلك‬ ‫ينبغي عليك أن ّ‬ ‫تعلم أطفالك منذ سن صغيرة قِيم عائلتك‬ ‫وقصتهــا "مــن نحــن؟‪ ،‬كيــف وصلنــا إلــى مــا نحــن عليــه اآلن"‬ ‫وتعلمهم كذلك ما هو الخير وما هو الش ّر‪ .‬وتوجههم نحو‬ ‫الفرص التي توفر تجربة عملية‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬امنحهم مبالغ‬ ‫مالية صغيرة من رأس المال كي يديرونها فيما يتعلق بالتبرع‬ ‫للقطاع الخيري واالستثمار التجاري‪ ،‬وأفسح لهم المجال‬ ‫كي يتعلموا من أخطائهم‪ّ .‬‬ ‫وفر لهم بيئة تتميز بالحرية لكي‬

‫‪20‬‬

‫زمن العطاء‬



‫صورة واحدة‬ ‫تختصر ألف كلمة‬ ‫اإلغاثة من الكوارث ما تزال أقرب ما تكون فناً منها علماً‪.‬‬ ‫ففي اندفاعها إليصال المعونات العاجلة من غذاء وماء‬ ‫وأدوية ولوازم ضرورية أخرى إلى موقع الكارثة‪ ،‬غالباً ما‬ ‫تؤدي عمليات المنظمات اإلغاثية إلى تكرار أو إزدواجية في‬ ‫الجهود‪ ،‬وإختناقات مرورية على مسارات اإلمداد‪ ،‬فضال ً‬ ‫عن إغراق الموقع ببعض أصناف المواد اإلغاثية‪ .‬في هذا‬ ‫اإلطار‪ ،‬نظر الخبراء العاملين في المدينة العالمية للخدمات‬ ‫اإلنسانية في دبي في هذه المسألة‪ ،‬وهم يعتقدون أنهم قد‬ ‫وجدوا الحل‪.‬‬ ‫يتمثل هذا الحل في مبادرة "بنك البيانات اللوجستية‬ ‫للخدمات اإلنسانية"‪ ،‬وهو بوابة إلكترونية تهدف إلى توفير‬ ‫معلومات دقيقة وآنية يتم تحديثها مباشرة‪ ،‬ساعة بساعة‪،‬‬ ‫حول كميات وأماكن تواجد مخزونات المواد اإلغاثية‪.‬‬ ‫وكانت سمو األميرة هيا بنت الحسين قد أعلنت عن هذه‬ ‫البوابة في القمة العالمية للحكومات التي عقدت في فبراير‬ ‫الماضي‪ .‬وستكون البوابة أشبه ما يكون بسلسلة توريد حية‬ ‫توفر إمكانية رصد وتتبع شحنات اإلغاثة خالل نقلها من‬ ‫المستودعات إلى الموانئ والمطارات وعبر الحدود‪ ،‬وبذلك‬ ‫تساعد وكاالت اإلغاثة والمنظمات اإلنسانية في ترشيد‬ ‫وتنسيق استجابتهم للحاالت الطارئة‪.‬‬ ‫وستبدأ منصة بنك البيانات بعملية رصد حركة شحنات‬ ‫المساعدات في دبي هذا العام قبل أن توسع تغطيتها‬ ‫لتشمل مراكز المساعدات اإلنسانية حول العالم في‬ ‫عام ‪ .2019‬وقد عبر كبار الفاعلين في مجال المساعدات‬ ‫العالمية عن دعمهم للمنصة‪ ،‬كان على رأسهم األمم‬ ‫المتحدة وبرنامج األغذية العالمي‪ .‬وقالت سمو األميرة هيا‬ ‫في كلمتها‪" :‬يسعدنا أن نقدم هذه المنصة الفعالة التي‬ ‫تم تطويرها في دولة اإلمارات لخدمة اإلنسانية في مختلف‬ ‫أنحاء المنطقة والعالم‪ ،‬ال سيما في األوقات التي يكون فيها‬ ‫الناس أشد حاجة إلى مثل هذا الدعم"‪.‬‬ ‫قد نكون عاجزين حالياً عن منع األزمات السياسية‬ ‫والصراعات الدموية‪ ،‬أو تجنب أثر الكوارث الطبيعية والتغير‬ ‫المناخي‪ ،‬لكننا ال شك قادرين على رفع مستوى وفعالية‬ ‫استجابتنا لها‪.‬‬ ‫فيليبيه لوبيز ‪ /‬جيتي إيميجز‬

‫‪22‬‬

‫زمن العطاء‬


‫‪TAK‬‬ ‫‪OFF‬‬ ‫‪176‬‬

‫مؤسسة‬ ‫إنسانية‬

‫‪8‬‬

‫منظمات غير ربحية‬ ‫وجامعات ومعاهد‬

‫رسومات بيانية‪:‬‬

‫مات ووكر‬

‫‪521‬‬

‫لجنة تنمية‬ ‫إجتماعية‬

‫‪949‬‬

‫جمعية‬ ‫خيرية‬

‫‪%‬23.4‬‬

‫ما يقارب من ربع المنظمات‬ ‫غير الربحية تتخذ من مدينة‬ ‫ً‬ ‫مقرا لها‬ ‫الرياض‬

‫بدأت مؤسسات القطاع غير الربحي‬ ‫ً‬ ‫صوتا يسمع في‬ ‫السعودي تجد لها‬ ‫سعيها للمشاركة بإحداث التغيير‬ ‫اإلجتماعي واالقتصادي اإليجابي في‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا‬ ‫المملكة‪ ،‬هذا وفق تقرير أصدرته‬ ‫مؤسسة الملك خالد الخيرية‬

‫‪ 147‬مليون دوالر‬

‫قيمة التمويل الحكومي‬ ‫السنوي للمنظمات‬ ‫غير الربحية‬

‫زمن العطاء‬

‫‪25‬‬


‫‪KING‬‬ ‫‪F‬‬ ‫‪47,038‬‬

‫موظق يعمل في‬ ‫القطاع غير الربحي‬ ‫السعودي‬

‫‪235‬‬

‫جمعية تعاونية‬

‫‪2030‬‬

‫مشاركة أقوى‬

‫رؤية المملكة ‪2030‬‬

‫تدعو القطاع غير الربحي‬ ‫للمساهمة بنسبة ‪ 5‬بالمئة‬ ‫في الناتج المحلي اإلجمالي‬ ‫للمملكة بحلول عام ‪،2030‬‬ ‫مقارنة بالنسبة الحالية التي‬ ‫تتدنى عن الواحد بالمئة‬

‫‪%‬10.4‬‬

‫معدل نمو القطاع غير‬ ‫ً‬ ‫سنويا‬ ‫الربحي السعودي‬

‫‪5‬‬

‫مستشفيات‬ ‫غير ربحية‬

‫مليون‬

‫عدد المتطوعين الذين‬ ‫سيتم استقطابهم بحلول‬ ‫العام ‪2030‬‬

‫‪ 67.5‬مليون دوالر‬

‫‪2,598‬‬

‫عدد المنظمات غير الربحية‬

‫‪ 4.7‬مليار دوالر‬

‫القيمة التقديرية‬ ‫لمساهمة القطاع‬ ‫غير الربحي في االقتصاد‬ ‫بحلول العام ‪2030‬‬

‫‪24‬‬

‫زمن العطاء‬

‫إنفاق المؤسسات الخيرية‬ ‫السعودية عىل األجور‬ ‫والرواتب في العام الواحد‬


‫‪ 11.9‬مليون دوالر‬

‫المعدل الوسطي لميزانية‬ ‫المؤسسات الخيرية في عام‬ ‫‪ 2018‬في المملكة العربية‬ ‫السعودية‪ ،‬مقارنة بـ ‪10.8‬‬ ‫مليون دوالر في عام ‪2015‬‬

‫ً‬ ‫قيمة‬ ‫وتجدر اإلشارة بأن مجال العمل اإلنساني ينتج‬ ‫يصعب قياسها من جهة دعمه لشبكة الحماية اإلجتماعية‬ ‫الســعودية‪ .‬تتضــح هــذه القيمــة‪ ،‬علــى ســبيل المثــال‪ ،‬فــي‬ ‫التعامــل مــع مشــكلة بطالــة الشــباب‪ ،‬وتدريــب األفــراد في‬ ‫منازلهم على مهارات العمل‪ ،‬وتثقيف الناس على مبادئ‬ ‫اإلدارة المالية الشخصية ـ وجميع هذه األمور تعود بفوائد‬ ‫مضاعفة على االقتصاد الوطني‪ .‬ففضال ً عن التوفير المباشر‬ ‫للوظائــف‪ ،‬تــؤدي هــذه االســهامات فــي تمكيــن المواطنيــن‬ ‫العادييــن إلــى دعــم االقتصــاد بطــرق غير مباشــرة‪.‬‬ ‫لكــن النمــو عامــل حاســم فــي رؤيــة المملكــة العربيــة‬ ‫الســعودية ‪ 2030‬والتــي تتطلــب خطتهــا مــن القطــاع غيــر‬ ‫الربحي أن يحقق معدل نمو فائق يتراوح بين ‪ 31‬و ‪ 39‬بالمئة‬ ‫سنوياً لكي تصل مساهمته بالنهاية إلى ‪ 5‬بالمئة من الناتج‬ ‫اإلجمالي المحلي‪ .‬وعلى الرغم من أن األهداف المرســومة‬ ‫تعد طموحة‪ ،‬إال أنها تشكل عامال ً محفزاً للقطاع‪ ،‬حسب‬ ‫ما ترى األميرة البندري‪.‬‬ ‫وتقول‪" :‬أعتقد أننا ال نبالغ حينما نقول أن تلك األهداف‬ ‫تشكل طفرة كبيرة في الطريقة التي تنظر بها الحكومة اليوم‬ ‫نسبة النساء في القوى‬ ‫العاملة‬

‫إلــى القطــاع‪ ،‬إذ كانــت النظــرة الســائدة فــي الماضــي هــي أنــه‬ ‫محــدود اإلمكانيــات‪ .‬أمــا اآلن فهــذا الموقــف يؤكــد علــى أن‬ ‫القطاع وسيلة مجدية للتغيير"‪.‬‬

‫إعادة النظر في مفهوم العطاء‬ ‫من الواضح أن مفهوم العطاء لم يتطور لدى عامة الناس‬ ‫مثلمــا هــو الحــال بالنســبة للحكومــة‪ .‬وعلــى الرغــم مــن أن‬ ‫العطاء الممنهج له تاريخ قديم في المملكة‪ ،‬إذ تعود نشأة‬ ‫القطاع غير الربحي إلى تاريخ تأسيس جمعية اإلسعاف الطبي‬ ‫الوطني في مكة المكرمة عام ‪ ،1935‬فإن ذلك العطاء كان‬ ‫قائماً بشكل كبير على مبدأ اإلحسان‪ .‬فغالبيته كان يقدم على‬ ‫شكل صدقات للفئات المحتاجة في المجتمع السعودي‪.‬‬ ‫لكــن علــى مــدى العشــرة ســنوات الماضيــة تصــدرت‬ ‫مؤسسة الملك خالد الجهود الساعية لتعطيل المفاهيم‬ ‫الســائدة فــي القطــاع الغيــر ربحــي واســتبدالها بمفاهيــم‬ ‫القطاع غير الربحي السعودي‬

‫القطاع الخاص السعودي‬

‫تمثيل نسائي‬

‫‪%‬14.9‬‬

‫تمثيل نسائي‬

‫‪%‬42.8‬‬

‫تمثيل ذكوري‬

‫‪%‬85.1‬‬

‫تمثيل ذكوري‬

‫‪%‬57.2‬‬

‫عصرية‪ ،‬ما شمل هذا بناء القدرات‪ ،‬التركيز على النتائج‪،‬‬ ‫وإعداد نماذج العطاء القائم على البراهين‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن المنظمات غير الربحية تفكر اليوم‬ ‫بمــا هــو أبعــد مــن مجــرد الصدقــات‪ ،‬تبقــى غالبيــة الســكان‬ ‫بمنــأى عــن هــذا النهــج‪ .‬فالعديد من الســعوديين يفضلون‬ ‫تقديم عطاءهم مباشرة للمستفيدين‪ ،‬إعتقاداً منهم بأن‬ ‫التكاليف التشــغيلية للمنظمات غير الربحية تشــكل هدراً‬ ‫لجزء من تبرعاتهم‪.‬‬ ‫وأشار تقرير "إتجاهات القطاع الغير ربحي السعودي"‬ ‫أيضاً إلى أن المشاركين في االستبيان الذين أفادوا بأنهم‬ ‫يقدمون التبرعات يتبرع الواحد منهم بما يقارب معدله من‬ ‫‪ 3,862‬دوالر في العام الواحد‪ .‬لكنه نحو ‪ 20‬بالمئة فقط‬ ‫مــن هــذه المبالــغ يتــم التبــرع بها من خالل المنظمات غير‬ ‫الربحية‪ .‬وكما ترى األميرة البندري‪ ،‬فإن التعامل مع هذه‬ ‫المشكلة أو مسألة تصحيح النظرة لعمل المنظمات غير‬ ‫الربحية يكمن جزئياً في مشاركة البيانات‪ ،‬وتوضيح دور‬ ‫هذه المنظمات في الدفع بالتغيير االجتماعي‪.‬‬ ‫وتقــول‪" :‬لــو اســتطعنا أن نقيــم األثــر الــذي تحدثــه‬ ‫المنظمــات غيــر الربحيــة بشــكل كمــي؛ ولــو اســتطعنا أن‬ ‫نبرهــن باألرقــام مــا الــذي ينجــزه القطاع على أرض الواقع‪،‬‬ ‫يمكننا حينها أن نوضح بالدليل القاطع ضرورة االستعانة‬ ‫بموظفين مؤهلين لتحقيق تلك اإلنجازات"‪ .‬وتضيف قائلة‪:‬‬ ‫"يتوجب علينا كقطاع أن نتوجه للجمهور لننقل لهم صورة‬ ‫واضحــة حــول القيمــة التــي نحملهــا‪ ،‬وأهميــة تعاونهــم‬ ‫معنا‪ .‬هذه المسؤولية تقع على عاتق كل مؤسسة خيرية‬ ‫ومنظمة غير ربحية‪.‬‬ ‫وجــد التقريــر أن المنظمــات الخيريــة الســعودية تنفق‬ ‫بمعدل حوالي ثالثة أرباع دخلها على المساعدات واألنشطة‪.‬‬ ‫تمثل النفقات العامة نسبة ‪ 22‬في المائة من المصروفات‪.‬‬ ‫يتــم تمويــل الجمعيــات الخيريــة بشــكل رئيســي مــن قبــل‬ ‫المحسنين ـ بنسبة ‪ 30‬في المائة‪ ،‬وتمثل التبرعات الحصة‬ ‫األكبر من الدخل ـ والدعم الحكومي‪ ،‬الذي يشكل نسبة ‪27‬‬ ‫في المائة‪ .‬وهدا الدعم الحكومي يقارب المستوى السائد‬ ‫في الواليات المتحدة األميركية والمملكة المتحدة حيث‬ ‫يشكل نحو ثلث تمويل الجمعيات الخيرية‪.‬‬ ‫بالنسبة للمنظمات فيما بينها‪ ،‬يذهب ‪ 64‬في المائة‬ ‫مــن دخلهــا لتمويــل البرامــج والمنــح‪ ،‬حيث تبلغ التكاليف‬ ‫التشغيلية ‪ 36‬في المائة‪ .‬ويبلغ متوسط الميزانية السنوية‬ ‫‪ 11.9‬مليون دوالر‪ ،‬لكن حوالي ‪ 40‬في المائة من المؤسسات‬ ‫التي تم استطالعها حذرت من أنها تتوقع انخفاض الميزانية‬ ‫بنسبة كبيرة في المستقبل‪.‬‬

‫المزيد‬ ‫زمن العطاء‬

‫‪27‬‬


‫"علينا أن نتحدى أنفسنا‬

‫ونضطلع بدورنا أمام الجميع‪،‬‬ ‫لنحدث الفرق بكل شفافية"‬ ‫األميرة البندري الفيصل‬

‫قطاع سريع النمو‬

‫بعد‬

‫إنقضاء عامين منذ أن أعلنت‬ ‫الـ ـمـ ـمـ ـلـ ـك ــة الـ ـعـ ــربـ ـيـ ــة ال ـ ـس ـ ـعـ ــوديـ ــة ع ــن‬ ‫خ ـط ـت ـه ــا ال ـط ـم ــوح ــة الـ ـهـ ــادفـ ــة ل ـت ـن ــوي ــع‬ ‫اق ـ ـت ـ ـص ـ ــاده ـ ــا والـ ـ ـنـ ـ ـهـ ـ ــوض ب ــال ـم ـم ـل ـك ــة‬ ‫لمواجهة تحديات المستقبل‪ ،‬بــدأت هــذه المساعي تؤتي‬ ‫ث ـم ــاره ــا‪ .‬بـ ــدءاً ب ــإص ــاح ــات واس ـع ــة ال ـن ـط ــاق‪ ،‬وم ـ ــروراً بـفـتــح‬ ‫الباب أمــام القطاع الخاص إلمتالك حصص في الشركات‬ ‫الـ ـحـ ـك ــومـ ـي ــة‪ ،‬وغـ ـيـ ــرهـ ــا مـ ــن الـ ـخـ ـطـ ــوات الـ ـج ــريـ ـئ ــة‪ ،‬ت ـع ـمــل‬ ‫المملكة على بناء نظام اجتماعي واقتصادي جديد لتهيئة‬ ‫البالد لحقبة ما بعد النفط‪.‬‬ ‫ضمــن هــذا التوجــه‪ ،‬تــم عمليــاً اإلعتــراف بالقطــاع غيــر‬ ‫الربحــي ألول مــرة علــى أنــه قــوة دافعــة للتغييــر االقتصادي‬ ‫غير مستغلة بشكل كامل‪ .‬ومن شأن هذه النظرة الجديدة‬ ‫أيضاً أن تغير اإلنطباع التقليدي السائد لدى عامة الناس بأن‬ ‫القطاع ال يتعدى كونه سبيالً لإلحسان وتقديم الصدقات‪.‬‬ ‫واليوم تدعوا الخطط الحكومية القطاع غير الربحي إلى زيادة‬ ‫نسبة مساهمته في الناتج المحلي اإلجمالي للمملكة من‬ ‫المعدل الحالي الذي يتدنى عن الواحد بالمئة إلى خمسة‬ ‫بالمئة على مدى الـ ‪ 12‬سنة القادمة‪ ،‬ما يضع القطاع غير‬ ‫الربحي بمصاف القطاعين العام والخاص من جهة قدرته‬ ‫على أن يكون محركاً للنمو االقتصادي في المملكة‪ .‬وبما أن‬ ‫هذا القطاع كان لغاية اليوم غائباً عموماً عن دوائر النقاش‬ ‫السياســي الوطنــي‪ ،‬فإنهــا اآلن فرصــة ثمينــة لتبرهــن فيهــا‬ ‫المنظمات غير الربحية عن قدرتها على التعامل مع بعض‬ ‫أهم القضايا وأكثرها تعقيداً التي تواجه المجتمع السعودي‪.‬‬ ‫ويدعم هذه الفكرة تقرير صدر مؤخراً بعنوان "إتجاهات‬ ‫القطــاع الغيــر ربحــي الســعودي"‪ ،‬أعدتــه مؤسســة الملــك‬ ‫خالــد الخيريــة‪ ،‬وهــو مبنــي علــى دراســة مســحية شــملت‬ ‫جميع أنحاء المملكة‪ .‬ويوضح التقرير كيف يوظف القطاع‬ ‫غيــر الربحــي مفاهيــم االبتــكار ليعيــد إنتــاج نفســه كمحــرك‬ ‫للتغييــر االجتماعــي المســتدام‪ .‬وتقــوم الدراســة علــى رصد‬ ‫وتقييــم األثــر االقتصــادي والتنمــوي لعمــل المنظمــات غيــر‬ ‫الربحية‪ ،‬والعمل التطوعي وممارسات العطاء واإلحسان‬ ‫لدى المواطنين السعوديين‪ .‬كما تبرز الدراسة‪ ،‬وألول مرة‪،‬‬ ‫دور القطاع في دعم سوق العمل بالوظائف والمساهمة‬ ‫في الدفع باالقتصاد بشكل عام‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫زمن العطاء‬

‫وبينما تندر البيانات الشــاملة والدقيقة حول القطاع‬ ‫غير الربحي عالمياً‪ ،‬يوفر التقرير نظرة شاملة حول المشهد‬ ‫الحالــي للقطــاع‪ ،‬فضـاً عــن تحديــد المؤشــرات التــي يمكن‬ ‫من خاللها قياس معدالت النمو‪ .‬وفي هذا السياق علقت‬ ‫صاحبــة الســمو الملكــي األميــرة البنــدري بنــت عبدالرحمــن‬ ‫الفيصل‪ ،‬الرئيس التنفيذي لمؤسسة الملك خالد‪ ،‬قائلة‬ ‫أن التقريــر يســاهم فــي تحديــد خارطــة الطريــق نحــو تنميــة‬ ‫القطاع وتطويره‪.‬‬ ‫وأضافــت‪" :‬تمثــل لنــا المعلومــات الناتجــة عن التقرير‬ ‫خط األساس الذي يمكننا اإلستناد إليه كمرجع في عملية‬ ‫رصــد التغييــر الــذي نــراه علــى األرض وقياســه كميــاً‪ .‬وهــو‬ ‫يكشــف لنا عن نقاط القوة لدينا كقطاع لكي نبني عليها‪،‬‬ ‫كما يحدد لنا مواقع الضعف لكي نعالجها"‪.‬‬

‫كشف التقرير عن عدة أمور كان من أبرزها أن القطاع غير‬ ‫الربحــي قــد تفــوق علــى كال القطاعيــن العــام والخــاص غيــر‬ ‫النفطي ليصبح أسرع مساهم في الناتج األجمالي المحلي‬ ‫السعودي ـ وأن كان مؤلفو التقرير قد أوضحوا أن هذا النمو‬ ‫هو من منطلق ضيق‪ .‬كما تفوقت نسبة النمو هذه معدل نمو‬ ‫االقتصاد بشكل عام خالل الخمس سنوات الماضية‪ ،‬بعد‬ ‫أن حقق القطاع غير الربحي معدل نمو قدره ‪ 10.4‬بالمئة‪.‬‬ ‫وهناك نتائج أخرى ملفتة أيضاً؛ فبينما عانت اقتصادات‬ ‫دول الخليــج مــن معــدالت نمــو متواضعــة وأســعار نفــط‬ ‫متدنية‪ ،‬أظهرت المنظمات غير الربحية مرونة وقدرة عالية‬ ‫علــى التكيــف‪ ،‬إذ تمكنــت مــن توفيــر وظائــف جديــدة بوتيــرة‬ ‫أسرع من القطاع الخاص‪ .‬ووفق التقديرات التي وردت في‬ ‫التقريــر‪ ،‬فــإن الجمعيــات الخيريــة والمنظمات غير الربحية‬ ‫تنفــق نحــو ‪ 253.2‬مليــون ريــال ســعودي (مــا يعــادل ‪67.5‬‬ ‫مليــون دوالر) ســنوياً علــى رواتــب وأجــور موظفيها‪ ،‬والذين‬ ‫يبلغ عددهم ‪ 47,038‬شخصاً‪.‬‬

‫مصادر تمويل المؤسسات‬ ‫اإلنسانية السعودية‬

‫مصادر تمويل الجمعيات‬ ‫الخيرية السعودية‬

‫هبات وقفية‬

‫‪%‬30‬‬

‫تبرعات‬

‫تبرعات‪ /‬صدقات‬

‫‪%‬5.6‬‬

‫تبرعات عينية‬

‫رأس المال‬

‫‪%‬22‬‬

‫تمويل حكومي‬

‫زكاة‬

‫عوائد استثمارية‬

‫مصادر أخرى‬

‫‪%‬9.2‬‬

‫‪%‬20‬‬

‫‪%‬13‬‬

‫‪%‬30‬‬

‫‪%‬8‬‬

‫‪%‬27‬‬

‫دخل من أنشطة أخرى‬

‫‪%‬6‬‬

‫زكاة‬

‫‪%‬11‬‬

‫مصادر أخرى‬

‫‪%‬18‬‬


‫‪ 1,419‬دوالر‬

‫معدل األجور الشهرية في‬ ‫القطاع غير الربحي‪ ،‬مقارنة‬ ‫بـ ‪ 1,187‬دوالر في القطاع‬ ‫الخاص‬

‫"يتوجب علينا كقطاع أن نتوجه للجمهور‬

‫لننقل لهم صورة واضحة حول القيمة التي‬ ‫نحملها‪ ،‬وأهمية تعاونهم معنا"‬ ‫األميرة البندري الفيصل‬

‫بالوقــت‪ ،‬ســيكون لهــذا أثــر قــوي فــي تشــجيع النــاس علــى‬ ‫المشــاركة الشــخصية علــى نطــاق واســع‪ ،‬بــدالً مــن تبرعهــم‬ ‫بالمال فقط"‪ .‬وتضيف‪" :‬إن تحقيق هدف الوصول إلى مليون‬ ‫متطوع هو أمر صعب ولكنه قابل للتنفيذ إذا أنشأنا أنظمة‬ ‫تطوعية مناسبة ضمن المدارس والجامعات"‪ .‬وتؤكد األميرة‬ ‫البنــدري علــى أن العمــل الخيــري أصبــح جــزءاً ال يتجــزأ مــن‬ ‫النسيج االجتماعي في المملكة‪ .‬فتقول‪" :‬الرغبة في العطاء‬ ‫موجودة ـ انها مجرد مسألة تحفيز ذلك بالشكل الصحيح‪".‬‬

‫مسار المستقبل‬ ‫إن إطالق كامل اإلمكانات لمشهد القطاع غير الربحي‪ ،‬وفتح‬ ‫طرق جديدة لالبتكار‪ ،‬يتطلب تعاون القطاعات فيما بينها‪.‬‬

‫ويوصي تقرير "إتجاهات القطاع الغير ربحي السعودي" بوضع‬ ‫هيكليــة للجنــة مســتقلة قــادرة علــى رفــع مســتوى الحوكمــة‬ ‫والتنظيم وعملية مشاركة التقارير فيما بين المنظمات غير‬ ‫الربحية‪ ،‬فضال ً عن مساهمتها في جذب الدعم من الشركات‬ ‫ومؤسسات الدولة للتقدم بقضيتها‪ .‬يشرف على هذا القطاع‬ ‫حالياً وزارة العمل والتنمية االجتماعية‪.‬‬ ‫وعند يتم وضع آلية فعالة أكثر في متابعة أثر القطاع‬ ‫غيــر الربحــي علــى االقتصــاد مــن جهــة خلــق فــرص العمــل‪،‬‬ ‫واإلنفــاق االجتماعــي‪ ،‬والمســاهمة فــي تحقيــق األهــداف‬ ‫الوطنيــة للمملكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬فهــذا مــن شــأنه أن‬ ‫يســاعد فــي تثبيــت مكانــة المنظمــات غيــر الربحيــة كشــركاء‬ ‫رئيسيين في التغيير االجتماعي‪.‬‬ ‫وتعلق هنا األميرة البندري‪ ،‬قائلة‪" :‬إن هذا سيساعد‬ ‫أيضــاً فــي حســم الجــدل الدائــر بأنــه ليــس مــن الضروري أن‬ ‫تكون الحكومة الجهة الوحيدة المسؤولة عن التنفيذ‪ ،‬بل‬

‫أن المنظمات غير الربحية قادرة وسيكون لها األثر في هذا‬ ‫المجــال"‪ .‬كمــا تعتقــد األميــرة أن التغييــر فــي إســتراتيجية‬ ‫المسؤولية االجتماعية وسياسات التمويل لدى الشركات‬ ‫سيعطي القطاع دفعة قوية نحو اإلحترافية‪.‬‬ ‫كجهات مانحة‪ ،‬يمكن للشركات أن تلعب دوراً رائداً‬ ‫فــي تشــجيع المنظمــات غيــر الربحيــة علــى المحافظــة‬ ‫علــى مســتوى عــال مــن الشــفافية وإعــداد تقاريــر أفضــل‬ ‫عــن األثــر الــذي تحدثــه أعمالها‪.‬‬ ‫وتوضح األميرة البندري قائلة‪" :‬تتبع المنظمات غير‬ ‫الربحية مصدر التمويل‪ .‬فإذا كان قطاع الشركات أكثر‬ ‫مسؤولية في عطائه‪ ،‬أعتقد أن ذلك سيؤثر سريعاً على‬ ‫نهــج هــذه المنظمــات بطريقــة إيجابيــة"‪.‬‬ ‫لكن األهم من ذلك هو أنه يتوجب على المنظمات‬ ‫غيــر الربحيــة أن ترتــب هيكلهــا التنظيمي بنفســها‪ .‬ووفقاً‬ ‫للتقريــر‪ ،‬يشــمل ذلــك إعــادة تحديــد أهدافهــا وبرامجهــا‬ ‫وأنشــطتها لتتماشــى مــع خارطــة الطريــق لرؤيــة المملكــة‬ ‫‪ 2030‬والتركيــز علــى النتائــج أكثــر مــن المخرجــات‪ .‬وفــوق‬ ‫كل ذلــك‪ ،‬فــإن هــذا يعنــي تحقيــق نتائــج تلبــي االحتياجــات‬ ‫العاجلة‪ ،‬وتكون مستدامة على المدى الطويل‪.‬‬ ‫تتابع األميرة البندري بالقول‪" :‬علينا أن نتحدى أنفسنا‬ ‫ونضطلــع بدورنــا أمــام الجميــع‪ ،‬لنحــدث الفــرق‪ ،‬ونكــون‬ ‫محاســبين عــن األثــر الــذي نحدثــه‪ .‬كمــا تحتــاج المنظمــات‬ ‫أيضــاً إلــى التفكيــر أكثــر فــي طــرق اســتثماراتها‪ ،‬أو كيفيــة‬ ‫تحقيــق االســتدامة‪ .‬فــإن أيــة منظمــة تعتمــد أساســاً علــى‬ ‫جمع األموال تكون تحت رحمة الوضع اإلقتصادي ومزاج‬ ‫وتوجهات الجهات المانحة"‪.‬‬ ‫يبقــى القــول بأنــه ضمــن المشــهد ســريع التغيــر فــي‬ ‫المملكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬يحظــى القطــاع غيــر الربحــي‬ ‫بفرصــة مميــزة لرفــع مكانتــه وتوســيع نطاقــه واالعتــراف بــه‬ ‫كعامل محوري في عملية التنوع االقتصادي‪ .‬كما ويمثل‬ ‫هذا فصالً جديداً للقطاع‪ ،‬ما سيدر بالمنفعة على المجتمع‬ ‫السعودي لسنوات عديدة في المستقبل‪.‬‬ ‫وتختتم األميرة البندري بقولها‪" :‬ما يثير الحماس هو‬ ‫أننا في مرحلة تغيير‪ ،‬وأشعر أن المستقبل مشرق‪ .‬على‬ ‫مــدى ســنوات عديــدة‪ ،‬حظيــت الحكومــة والقطــاع الخاص‬ ‫بالكثيــر مــن االهتمــام‪ ،‬ولــم تكــن المنظمــات غيــر الربحيــة‬ ‫مــن اإلهتمامــات ســوى خــال العاميــن الماضييــن‪ .‬لذلــك‬ ‫قــد نكــون بدأنــا مــن الصفــوف الخلفيــة‪ ،‬لكننــا نعمــل علــى‬ ‫تقريب المسافات بأسرع ما يمكن‪— .‬‬

‫زمن العطاء‬

‫‪29‬‬


‫التوجه العالمي‬ ‫نسبة مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي‬ ‫اإلجمالي في عدد من الدول‬ ‫ً‬ ‫حاليا‬ ‫ تم حساب القيمة باستخدام المعادلة المعتمدة‬ ‫في المملكة العربية السعودية ‬

‫ تم حساب القيمة باستخدام أحدث معادلة معتمدة من‬ ‫قبل األمم المتحدة‬

‫تشكيل المجتمع‬

‫‪28‬‬

‫زمن العطاء‬

‫‪%‬5.5‬‬ ‫‪%‬5.1‬‬

‫‪%‬5.1‬‬

‫‪%‬3.3‬‬

‫‪%‬2.8‬‬ ‫‪%‬2.2‬‬

‫‪%‬2.0‬‬

‫‪%‬1.9‬‬

‫‪%‬1.6‬‬ ‫‪%‬1.2‬‬

‫اليابان‬

‫جمهورية التشيك‬

‫نيوزيلندا‬

‫فرنسا‬

‫تايالند‬

‫بلجيكا‬

‫كرغيزستان‬

‫‪%‬0.8‬‬

‫‪%‬0.5‬‬

‫كندا‬

‫‪%‬0.8‬‬

‫‪%‬0.9‬‬ ‫‪%‬0.7‬‬

‫الواليات المتحدة األميركية‬

‫يتقــدم أيضــاً القطــاع غيــر الربحــي علــى غيــره مــن القطاعــات‬ ‫مــن جهــة توجهــات المملكــة على الصعيد االجتماعي بعدة‬ ‫جوانب‪ .‬فمع مضاعفة الحكومة للجهود المبذولة لجذب‬ ‫النســاء إلــى القــوى العاملة‪ ،‬قــادت المنظمات غير الربحية‬ ‫هذا التوجه من مبدأ تكافؤ الفرص‪ .‬فتشــغل النســاء اليوم‬ ‫حوالــي ‪ 43‬فــي المائــة مــن إجمالــي الوظائف في القطاع غير‬ ‫الربحي‪ ،‬أي أعلى من أي قطاع آخر؛ بينما تقل نسبة مشاركة‬ ‫النساء في شركات القطاع الخاص إلى دون الـ ‪ 15‬في المائة‪.‬‬ ‫لكن األمر المثير للدهشة الذي كشف عنه التقرير هو‬ ‫أن الوظائف في القطاع غير الربحي تدفع أجور أعلى‪ ،‬وتوفر‬ ‫ســاعات عمــل أقــل مقارنـ ًـة بالقطــاع الخــاص‪ .‬لكنــه نــادراً مــا‬ ‫ينظر إلى القطاع الثالث كخيار لمسار مهني واعد للشباب‬ ‫الســعودي‪ ،‬الــذي يفضــل عــادة وظائــف القطــاع العــام‪ ،‬ثــم‬ ‫القطــاع الخــاص‪ .‬لكــن االســتفادة مــن هــذه الميــزة يمكــن أن‬ ‫تساعد المنظمات غير الربحية على زيادة فرصها في توظيف‬ ‫أفضل الكفاءات الشبابية‪.‬‬ ‫"نحــن بحاجــة إلى تســليط الضــوء على القيمة المميزة‬ ‫التي تتوفر للشباب من خالل انضمامهم إلى القطاع‪ .‬وهذا‬ ‫يعني الحديث عن األجور وعن ساعات العمل‪ "،‬كما تقول‬ ‫األميرة البندري‪" .‬واآلن بعد أن توفرت لدينا هذه البيانات ـ‬ ‫والتي كان يشــكل الحصول عليها في الســابق تحدياً كبيراً ـ‬ ‫أصبح بإمكاننا نقل صورة واضحة للكفاءات الشابة لكي ترى‬ ‫فعالية هذا القطاع في تحقيق مستقبل مهني‪".‬‬ ‫وسيكون هناك دافع آخر يتمثل في إطالق برامج جامعية‬ ‫في مجال إدارة المنظمات غير الربحية والدراسات الخيرية‪،‬‬ ‫إلنشاء جيل جديد من الخبراء من ذوي التوجه االستراتيجي‬ ‫في القطاع‪ .‬ومن الشؤون األخرى ذات األولوية في القطاع‬ ‫هــي تكثيــف الطلــب علــى التطــوع‪ .‬ويقــدر أنــه هنــاك ‪ 11‬ألــف‬ ‫ســعودي يتبرعــون ب ـ ‪ 100‬ســاعة مــن وقتهــم كل عــام لفعــل‬ ‫الخيــر‪ ،‬وبحلــول عــام ‪ ،2030‬تأمــل الحكومــة فــي تضخيــم‬ ‫عددهم ليصل إلى مليون شخص‪.‬‬ ‫كما تعتقد األميرة البندري بأن تحقيق هذا الهدف من‬ ‫شأنه أن ينتج تحوالً إجتماعياً في ثقافة العطاء في المملكة‪،‬‬ ‫من خالل تشــجيع مشــاركة المجتمع على نطاق واســع في‬ ‫الرعاية االجتماعية‪ .‬وربما تكون أسرع طريقة لتحقيق ذلك‬ ‫هي وضع العمل االجتماعي في صلب النظام التعليمي‪.‬‬ ‫تقول األميرة‪" :‬متى ما بدأت تترسخ عندنا ثقافة التطوع‬

‫‪%‬7.1‬‬

‫‪%‬7.1‬‬


‫كسب‬ ‫الحرب‬

‫تؤثر األمراض املدارية املهملة‬ ‫عىل حياة نحو ‪ 1.5‬مليار‬ ‫شخص حول العالم‪ ،‬من‬ ‫ضمنهم األطفال‬

‫المصور‪ :‬لورينزو ميلوني‬

‫زمن العطاء‬

‫‪31‬‬


‫في‬

‫شهر مـــارس الــمــاضــي‪ ،‬حققت‬ ‫أح ــدث دول ــة فــي ال ـعــالــم ن ـصــراً تــاريـخـيــاً‪.‬‬ ‫فـ ـق ــد أعـ ـلـ ـن ــت جـ ـنـ ــوب الـ ـ ـسـ ـ ــودان‪ ،‬ال ـت ــي‬ ‫أرهـ ـقـ ـتـ ـه ــا ال ـ ـح ـ ــرب األهـ ـلـ ـيـ ــة وال ـم ـج ــاع ــة‬ ‫والنزوح‪ ،‬أنها أوقفت انتشار مرض الــدودة الغينية داخل‬ ‫حــدودهــا‪ ،‬مسجلة انـتـصــاراً كـبـيــراً فــي الـسـبــاق الـهــادف إلــى‬ ‫اسـتـئـصــال هــذا الـمــرض‪ ،‬لـيـكــون الـثــانــي بـعــد الـجــدري الــذي‬ ‫يتم القضاء عليه نهائياً في جميع أنحاء العالم‪.‬‬

‫وفــي هــذا اإلطــار‪ ،‬صــرح الدكتــور ريــك غــاي كــوك‪ ،‬وزير‬ ‫الصحة في البالد‪ ،‬للصحفيين‪ ،‬قائالً‪" :‬نحن اليوم سعداء‬ ‫جداً بهذا اإلنجاز‪ ،‬خاصة أننا نعلم جيداً طبيعة هذا المرض‬ ‫وحجم المعاناة التي سببها‪ .‬المهم اآلن أن األجيال القادمة‬ ‫لن تعرف عنه إال في كتب التاريخ فقط"‪.‬‬ ‫مرض دودة غينيا‪ ،‬الذي يعرف أيضاً باسم داء التنينات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مجتمعة‬ ‫هو واحد من أصل ‪ 18‬مرضاً موهناً أو منهكاً ُتعرف‬

‫باســم "األمــراض المداريــة المهملــة" (‪ .)NTD‬وتصيــب هــذه‬ ‫المجموعــة مــن األمــراض المالييــن مــن أشــد النــاس فقــراً‬

‫فــي العالــم بإعاقــات مؤقتــة أو دائمــة مثــل العمــى والعجــز‬ ‫والتشوه‪ ،‬وترميهم في مطب العوز واإلقصاء االجتماعي‪،‬‬ ‫كما أنها تستنزف مليارات الدوالرات من اقتصادات البلدان‬ ‫النامية كل عام‪ .‬وتنتشر هذه األمراض في أكثر بقاع العالم‬ ‫تهميشاً‪ ،‬كالمناطق النائية والريفية ومناطق النزاع‪ ،‬حيث‬ ‫النظــم الصحيــة ضعيفة‪-.‬وعلــى الرغــم مــن إمكانيــة الوقايــة‬ ‫والمعالجة لغالبيتها‪ ،‬إال أنها التزال آفة تنهك المجتمعات‪.‬‬

‫تعــد األمــراض المداريــة المهملــة مــن أعــراض وأســباب‬ ‫الفقر معاً‪ .‬منها‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬داء الفيالريات اللمفي‬ ‫(‪ ،)lymphatic filariasis‬المعــروف بــداء الفيــل‪ ،‬الــذي‬ ‫يســببه طفيلــي ينتقــل مــن إنســان إلــى آخــر عــن طريــق لســعة‬ ‫بعوضــة‪ .‬يغــزو هــذا الطفيلــي الجهــاز اللمفــاوي للجســم‬ ‫المضيف‪ ،‬وينموا ليصبح دودة راشدة‪ .‬وتؤدي العدوى إلى‬ ‫تــورم ضخــم وانســداد وحمــى شــديدة‪ ،‬مــا يتــرك المصابيــن‬ ‫يعانــون مــن آالم شــديدة‪ ،‬تمنعهــم مــن ممارســة العمــل أو‬ ‫الذهاب إلى المدرسة‪ ،‬فضال ً عن تشوهات جسدية‪ ،‬وغالباً‬ ‫ما يتم تجنبهم من قبل مجتمعاتهم‪.‬‬

‫"حملة عالمية إنطلقت مؤخراً‬

‫ضد األمراض المدارية المهملة‬ ‫طويالً في بعض المجتمعات‬ ‫األكثر فقراً في العالم بدأت‬ ‫تحرز تقدماً"‬

‫أمــا دودة غينيــا فتنتقــل عــن طريــق شــرب الميــاه الملوثــة‬ ‫بالبراغيــث التــي تحمــل يرقــات الــدودة‪ ،‬وتنمــو اليرقــة داخــل‬ ‫الجسم المصاب إلى ما ال يقل عن متر‪ ،‬قبل أن تندفع للخروج‬ ‫عن طريق الجلد على مدى عدة أسابيع‪ .‬وال يوجد حالياً عالج‬ ‫للمرض‪ ،‬إال أنه يمكن تسريع إخراج الدودة الناشئة من الجسم‬ ‫باســتخدام عصا خشــبية صغيرة توضع مكان اإلصابة لتلتف‬ ‫حولها الدودة ويسهل بذلك سحبها والقضاء عليها‪.‬‬ ‫تصيــب هــذه األمــراض الفقــراء منــذ العصــور القديمــة‪،‬‬ ‫ولكــن مدّ هــا بــدأ باإلنحســار‪ .‬فعلــى مدى عــدة عقود‪ ،‬يعمل‬ ‫تجمع عالمي بهدوء من أجل تسريع القضاء على األمراض‬ ‫المدارية المهملة‪ ،‬ما أدى إلى الحد من انتقال العدوى‬

‫‪30‬‬

‫زمن العطاء‬

‫بقلم‪:‬‬

‫جوان بالد‬


‫ودفــع معدالتهــا إلــى مســتويات منخفضــة جديــدة‪ .‬وقــد‬ ‫توســعت عمليــات التحالــف ضــد األمــراض المهملــة بفضــل‬ ‫التمويل الجيد والتبرع باألدوية واإلرادة السياسية‪- ،‬فضال ً‬ ‫عــن الدعــم الــذي يقدمــه جيش من العاملين الصحيين في‬ ‫الخطوط األمامية‪ ،‬لتصبح حملة القضاء على تلك األمراض‬ ‫إحدى أنجح مبادرات الصحة العامة في التاريخ‪.‬‬ ‫وقــد تــم إنجــاز الكثيــر منــذ إجتماع لندن الذي عقد قبل‬ ‫خمــس ســنوات والــذي تعهــد فيــه خبــراء الصحــة والتنميــة‬ ‫والجهات المانحة والجمعيات الخيرية وشركات األدوية‪،‬‬ ‫بالعمل معاً للسيطرة والقضاء على عشرة أمراض مدارية‬ ‫مهملــة بحلــول عــام ‪ .2020‬فقــد إنخفــض عــدد األشــخاص‬ ‫المصابين بهذه األمراض إلى ‪ 1.5‬مليار شخص‪ ،‬بعد أن كانوا‬ ‫حوالــي مليــاري شــخص عــام ‪ .2011‬وقــد اســتطاعت خمــس‬ ‫دول القضاء على مرض التراخوما‪ ،‬وهو‪-‬الســبب الرئيســي‬ ‫بإصابــات العمــى فيهــا‪ .‬كمــا تخلصــت غالبيــة دول أميــركا‬ ‫الالتينيــة مــن العمــى النهــري‪ ،‬فــي حيــن أصبحــت مصــر فــي‬ ‫مارس الماضي أحدث دولة تخلو من داء الفيالريات اللمفي‪.‬‬ ‫ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬ســاعدت عمليــات تحســين أنظمــة‬ ‫الصحة العامة ورصد األمراض‪ ،‬العاملين في مجال الصحة‬ ‫على الوصول إلى المرضى في أكثر من ‪ 130‬دولة‪ ،‬ما ساهم‬ ‫بنهاية عام ‪ 2016‬في تزويد أكثر من مليار شخص بجرعات‬ ‫للوقاية من العدوى بمرض النوم والجذام وغيرها‪.‬‬

‫ترتكز أكرث من ‪ 40‬باملئة من‬

‫األمراض املدارية املهملة يف‬

‫العالم يف دول أفريقيا جنوب‬

‫الصحراء الكربى‬

‫لقد كان العمل الخيري المحرك الرئيسي لهذا النجاح‪.‬‬ ‫إذ قاد مركز كارتر‪ ،‬وهو مؤسسة أنشأها الرئيس األميركي‬ ‫السابق جيمي كارتر عام ‪ ،1982‬الجهود العالمية للقضاء‬ ‫علــى مــرض دودة غينيــا‪ .‬وعندمــا بــدأت المؤسســة حملتهــا‬ ‫عام ‪ ،1986‬كان عدد اإلصابات حول العالم يقدّ ر بنحو ‪3.5‬‬ ‫مليون حالة سنوياً‪ .‬فيما تم االبالغ خالل العام الماضي عن‬ ‫‪ 30‬حالة فقط‪ ،‬في كل من تشاد وإثيوبيا‪.‬‬ ‫كمــا اســتثمرت مؤسســة بيــل وميلينــدا غيتــس مالييــن‬ ‫الــدوالرات لتمويــل األدويــة وأدوات التشــخيص‪ ،‬ولتشــديد‬ ‫عمليات رصد األوبئة‪ ،‬ومكافحة ناقالت األمراض ـ ما يشمل‬ ‫كبح الحشرات والديدان التي تنشر األمراض المدارية المهملة‪.‬‬ ‫وقــدم العديــد مــن المانحيــن اآلخريــن دعماً ســخياً ـ كان من‬ ‫ضمنهــم ولــي عهــد أبوظبــي‪ ،‬الــذي أعلــن العــام الماضــي عن‬ ‫رصد مبلغ ‪ 100‬مليون دوالر ضمن صندوق يهدف إلى القضاء‬ ‫على مرض عمى األنهار وداء الفيالريات اللمفي ـ إلى جانب‬ ‫أدوية بقيمة ‪ 17‬مليار دوالر تبرع بها "شركاء الصناعة"‪ ،‬أي‬ ‫الشركات المهتمة بالقضاء على األمراض المدارية المهملة‪.‬‬ ‫سوف يكون الميل األخير من رحلة القضاء على األمراض‬ ‫المداريــة المهملــة‪ ،‬هــو األصعــب‪ .‬فمــع تراجــع انتشــار تلــك‬ ‫األمــراض‪ ،‬يمكــن للزخــم السياســي والتمويــل أن يتراجعــا‬ ‫بشكل أسرع‪ .‬وستركز الخطوات النهائية على التعامل مع‬ ‫أخر جيوب هذه األمراض‪ ،‬وإيجاد أدوات جديدة للتشخيص‬ ‫والعالج ودعم عمليات رصدها‪ .‬ويتطلب هذا جهداً مضنياً‬ ‫ودعمــاً مــن كافــة الشــركاء مــن أجــل القضــاء المبــرم علــى‬ ‫األمراض المدارية المهملة‪ .‬وهو هدف سيكون للمرة األولى‬ ‫في متناول اإلنسانية‪— .‬‬

‫المصور‪ :‬باولو باليغرين‬

‫زمن العطاء‬

‫‪33‬‬


‫‪32‬‬

‫زمن العطاء‬


‫زمن العطاء‬

‫‪35‬‬


‫قيـــادات‬ ‫نســـائية‬

‫تعمل عىل اإلرتقاء‬ ‫بالقطاع غير الربحي في‬ ‫الشرق األوسط إىل آفاق‬ ‫جديدة‪ ،‬سواء في مجال‬ ‫توفير التعليم أو محاربة‬ ‫الفقر أو غيرها‬

‫رسوم‪ :‬بول رايدينغ‬

‫‪34‬‬

‫زمن العطاء‬


‫حين‬

‫غــادرت نــورا سليم القطاع‬ ‫الخاص قبل ثــاث سنوات لتترأس‬ ‫واحـ ـ ـ ـ ــدة م ـ ــن أعـ ـ ـ ــرق الـ ـمـ ــؤسـ ـسـ ــات‬ ‫ال ـخ ـي ــري ــة ال ـع ــائ ـل ـي ــة فـ ــي م ـص ــر‪ ،‬لــم‬ ‫ُيـجـمــع مـمــن حــولـهــا عـلــى حـســن تـلــك الـخـطــوة لمستقبلها‪.‬‬ ‫وتـ ـق ــول ن ـ ــورا ع ــن ذلـ ــك م ـب ـت ـس ـم ـ ًـة‪" :‬ك ـ ــان رأي ال ـب ـع ــض أن‬ ‫انضمامي للمؤسسة هو خطوة كبيرة للوراء في مسيرتي‬ ‫المهنية‪ ،‬بينما كنت أراها فرصة نادرة لتولي ّ‬ ‫دفة القيادة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إذ أن ال ـن ـس ــاء ف ــي م ـص ــر‪ ،‬وخ ـص ــوص ــاً ال ـش ــاب ــات‪ ،‬ن ـ ــادرا مــا‬ ‫يحصلن على مثل هذه الفرص"‪.‬‬ ‫ُتشــرف نــورا ســليم‪ ،‬بموجــب منصبهــا كمد يــر تنفيــذي‬ ‫لمؤسســة ســاويرس للتنميــة االجتماعيــة‪ ،‬علــى مؤسســة‬ ‫تتمثل رسالتها بالجرأة في االستثمار الهادف إلى التغيير‬ ‫المســتدام‪ .‬تعمــل مؤسســة ســاويرس لمكافحــة الفقــر‬ ‫فــي أنحــاء مصــر‪ ،‬حيــث يعيش نحو نصف الســكان تحت‬ ‫خــط الفقــر أو بجــواره‪ .‬كمــا تســعى لخلــق فــرص العمــل‪،‬‬ ‫وتحســين جــودة التعليــم‪ ،‬ومنــح المصرييــن المهمشــين‬ ‫فرصة للنجاح‪ .‬وتستثمر المؤسسة ما يزيد عن ‪ 150‬مليون‬ ‫جنيه مصري (‪ 8.4‬مليون دوالر) سنوياً في برامج التنمية‬ ‫االجتماعية‪ ،‬يتم تخصيص أكثر من ثلثيها لمساعدة أفقر‬ ‫المجتمعــات فــي مصر‪.‬‬

‫بل في عموم قطاع العمل الخيري في مصر"‪ .‬وهي تقدّ ر‬ ‫وجــود أكثــر مــن ‪ 40‬أ لــف منظمــة غيــر حكوميــة تعمــل‬ ‫ميدانياً في مصر‪ ،‬وتشمل كامل الطيف من المجموعات‬ ‫الشــعبية الصغيــرة إلــى المنظمــات الناضجــة التــي تركــز‬ ‫علــى األثــر‪" :‬نحــن‪ ،‬فــي تقديمنــا للمنــح‪ ،‬نعمــل عــن كثــب‬ ‫مــع المســتفيدين ونحــرص علــى تقديــم دعــم مخصــص‬ ‫يناســب احتياجاتهــم"‪.‬‬ ‫في بعض األحيان‪ ،‬هذا يعني استكشاف أشياء جديدة‪.‬‬ ‫وقــد جربــت مؤسســة ســاويرس نمــاذج مبتكــرة للتنميــة‪،‬‬ ‫ودعمت المبادرات الواعدة وساعدت على توسيع نطاقها‪.‬‬ ‫ففي صعيد مصر‪ ،‬والذي يجســد المعاناة التي يعيشــها‬ ‫أهل الريف الفقراء‪ ،‬كانت المؤسسة شريكاً منذ مرحلة‬ ‫مبكــرة فــي مشــروع بــدأ في العــام ‪ 2012‬لتجريب وتطبيق‬ ‫مقاربات ّ‬ ‫تدخل جديدة لتحسين اإلنتاجية الزراعية‪ ،‬وذلك‬ ‫من خالل استخدام طرق جديدة أكثر فاعلية في الزراعة‪.‬‬ ‫كمــا تهــدف "مبــادرة التنميــة الزراعيــة المســتدامة" هــذه‬ ‫التــي تــدار مــن قبل الشــبكة المصريــة للتنمية المتكاملة‪،‬‬ ‫والتــي تجمــع عــدة شــركاء‪ ،‬إلــى تقليــص عــدد العمــال‬

‫وبطبيعة عمل هذه المؤسسة التي تقدم المنح المالية‪،‬‬ ‫فإن ذلك يترجم إلى تمويل للمنظمات والمبادرات التي‬ ‫تتعامــل مــع مختلــف جوانــب عــدم المســاواة‪ .‬تشــتمل‬ ‫محفظة مؤسسة ساويرس للتنمية االجتماعية على ذراع‬ ‫للقــروض الصغيــرة تــؤدي أعمالهــا مــن خــال شــركاء مــن‬ ‫المنظمــات غيــر الحكوميــة لمســاعدة الفئــات الضعيفــة‬ ‫والمحرومة على بدء أعمال تجارية صغيرة أو توسيعها‪،‬‬ ‫وعلى مشاريع رعاية صحية لمساعدة الفقراء‪ ،‬فضال ً عن‬ ‫برامج تدريبية لتوجيه الشباب المصري وتحسين قابليته‬ ‫للتوظيــف‪ ،‬وكذلــك اســتثمارات مجتمعيــة متنوعــة منهــا‬ ‫افتتــاح المــدارس وتوفيــر اإلســكان والرعايــة علــى المــدى‬ ‫البعيــد لألطفــال المشــردين‪.‬‬

‫وعن ذلك تقول نورا‪" :‬لطالما كان من أهدافنا األساسية‬ ‫أن نرتقي بمستوى المهنية ليس في مؤسستنا فحسب‪،‬‬

‫وفي السنوات الخمس األولى للمشروع‪ ،‬تمّ تدريب أكثر‬ ‫من ‪ 2,500‬شخص على أساليب زراعة جديدة كي يعمل‬ ‫هؤالء على نشر تلك التقنيات وتحفيز تب ّنيها في قراهم‪،‬‬ ‫وبالتالــي توفيــر مئــات فــرص العمــل‪ .‬ومــن شــواهد نجــاح‬ ‫المبادرة أن الحكومة ومنظمات غير حكومية أخرى تبنت‬ ‫نمــاذج عملهــا وطبقتهــا علــى نطاق أوســع‪.‬‬ ‫تقول نورا سليم‪" :‬هذا النمط من التعاون بالغ األهمية‪،‬‬ ‫إذ نرى أن العديد من الجهات الفاعلة في مجال التنمية‬ ‫تستهدف ذات األولويات‪ ،‬مثل بطالة الشباب والرعاية‬ ‫الصحيــة والفقــر‪ .‬مــا يعنــي وجــود فرصــة لتحقيــق أ ثــر‬ ‫أكبــر مــن خــال تنســيق الجهــود واالســتفادة مــن نقــاط‬ ‫القوة لدى كل مشارك‪ .‬كما أن الشراكات مع الحكومة‬ ‫يمكــن أن تكــون رائعــة‪ ،‬خاصــة أن مشــاريعها مــن أكثــر‬ ‫المشــاريع التــي تطبــق علــى نطــاق واســع"‪.‬‬ ‫وعلــى ســبيل المثــال‪ ،‬فقــد انضمــت مؤسســة ســاويرس‬ ‫للتنمية االجتماعية إلى وزارة الصحة وغيرها من الجهات‬ ‫الفاعلة في حملة واسعة لمكافحة انتشار التهاب الكبد‬ ‫"‪ "C‬بيــن جامعــي القمامــة فــي أفقــر أحيــاء العاصمــة‬ ‫القاهــرة‪ ،‬إذ تعانــي مصــر مــن أعلــى معــدل انتشــار عالمي‬ ‫لهذا المرض الذي ينتقل عبر الدم‪ ،‬والذي يمكن أن يؤدي‬ ‫إلى فشل الكبد وسرطان الكبد‪ ،‬وخصوصاً في المناطق‬ ‫الريفيــة الفقيــرة التــي تعتبــر األكثــر تضــرراً‪ .‬ويعــد جامعي‬ ‫القمامــة األكثــر عرضــة لخطــر العــدوى بفيــروس التهــاب‬ ‫الكبــد "‪ ."C‬بــدأ المشــروع بتنظيــم حملــة توعيــة واســعة‬ ‫النطــاق شــملت زيــارات منزليــة فــي منطقــة منشــية ناصــر‬ ‫بالقاهــرة لتثقيــف األســر بأســاليب الوقايــة مــن المــرض‪،‬‬ ‫وإجــراء فحوصــات لنحــو ‪ 10‬آالف شــخص للكشــف عــن‬ ‫اإلصابــات‪ .‬كمــا تــمّ النفــذ إلــى آالف األشــخاص اآلخريــن‬ ‫مــن خــال نــدوات هدفهــا خفــض معــدالت العــدوى مــن‬ ‫خالل تحسين المعرفة وتحفيز تغييرات سلوكية دائمة‪.‬‬ ‫وترى نورا سليم في المشروع مثاالً جيداً للعمل الخيري‬ ‫المســتدام الذي تســعى له مؤسســتها‪.‬‬

‫وتوضــح نــورا ذلــك قائلــة‪" :‬نحــن نعمــل مــع أفقــر الفقــراء‬ ‫الذيــن يعيشــون فــي قاعــدة الهــرم‪ ،‬وجوهــر عملنــا هــو‬ ‫التمكيــن االقتصــادي ومــا يتبعــه مــن منافع غير مباشــرة‪،‬‬ ‫إذ أننا نؤمن بالتنمية المستدامة‪ ،‬وهذا ما نطمح إليه"‪.‬‬

‫ونظــراً ألن نمــوذج عمــل مؤسســة ســاويرس للتنميــة‬ ‫االجتماعيــة يعتمــد علــى الشــركاء المنفذيــن‪ ،‬فإن تقديم‬ ‫األمــوال غالبــاً مــا يقتــرن بتوفيــر الدعــم لتطويــر مهــارات‬ ‫المنظمــات غيــر الربحيــة المحليــة وتعزيــز أثرهــا‪ ،‬إذ يتــم‬ ‫تدر يــب الحاصليــن علــى المنــح فــي مجــاالت التخطيــط‬ ‫االســتراتيجي والتمويــل وتتبــع البيانــات وتقييمهــا وغيرهــا‬ ‫مــن الممارســات‪ ،‬وذلــك ســعياً لبنــاء قطــاع غيــر ربحــي‬ ‫يتصــف بالذكاء واالســتقرار‪.‬‬

‫الزراعيين من ذوي األجور المتدنية عبر توليد فرص عمل‬ ‫خارج الحقول‪ .‬وشمل ذلك المزارع السمكية المتكاملة‬ ‫وإعادة تدوير النفايات الزراعية وشبكات تجهيز األلبان‪،‬‬ ‫لمســاعدة العمــال علــى االســتفادة مــن مصــادر جديــدة‬ ‫للدخــل وتدريبهــم علــى ممارســات الزراعــة المســتدامة‪.‬‬

‫"إن جوهر عملنا هو‬ ‫التمكين االقتصادي‬ ‫وما يتبعه من منافع‬ ‫غير مباشرة"‬

‫تسعى المؤسسة في غالبية أعمالها إلى تحقيق األهداف‬ ‫بعيــدة المــدى‪ ،‬إذ ال يمكــن حـ ّـل المشــاكل االجتماعيــة‬ ‫المســتعصية مثــل مشــكلة بطالــة الشــباب فــي مصــر بيــن‬ ‫عشــية وضحا هــا‪ .‬ولذ لــك فقــد ا شــتمل نهــج مؤسســة‬ ‫ســاويرس للتنميــة االجتماعيــة علــى تخطيــط احتياجــات‬ ‫ســوق العمــل‪ ،‬و مــن ثــمّ تكييــف برامــج التعليــم لديهــا‬ ‫لمواءمــة تلــك االحتياجــات‪ .‬ونتيجــة لذلــك‪ ،‬أصبــح لــدى‬ ‫المؤسســة معهــد للتمريــض وآخــر للضيافــة‪ ،‬وكالهمــا‬ ‫قطاعــان يحتاجــان لقــوة عاملــة أكبــر‪ ،‬مــن أجــل تمكيــن‬ ‫الطــاب بالمهــارات الالزمــة وتحســين وضعهــم فــي مــكان‬ ‫العمــل‪ .‬وقــد القــى هــذا النهــج نجاحــاً حتــى اآلن‪ ،‬فقــد‬

‫زمن العطاء‬

‫‪37‬‬


‫في‬

‫مجالس إدارة المؤسسات في‬ ‫أن ـ ـحـ ــاء الـ ـعـ ــالـ ــم‪ ،‬تـ ـظـ ـ ّـل ال ـ ـم ـ ـسـ ــاواة ب ـيــن‬ ‫ال ـج ـن ـس ـي ــن ش ـ ـع ـ ــاراً أكـ ـثـ ــر م ـن ـه ــا ح ـق ـي ـقــة‬ ‫واقـ ـعـ ــة‪ .‬ف ـح ـت ــى ب ـع ــد ع ـق ــود م ــن دخ ــول‬ ‫الـ ـم ــرأة م ـك ــان ال ـع ـم ــل‪ ،‬ل ــم ت ـص ــل سـ ــوى ن ـس ـبــة ض ـئ ـي ـلــة مــن‬ ‫النساء إلى قمة هرم القيادة المؤسسية‪ .‬لكن على األقل‪،‬‬ ‫فـ ــإن ال ـق ـط ــاع غ ـي ــر ال ــرب ـح ــي ي ـش ـه ــد ت ـق ـل ـص ــاً ت ــدري ـج ـي ــاً ل ـهــذه‬ ‫ال ـف ـجــوة‪ ،‬إذ تـشـغــل ال ـن ـســاء نـحــو ‪ 40‬بــالـمـئــة م ــن مـنــاصــب‬ ‫الـ ـقـ ـي ــادة فـ ــي ه ـ ــذا الـ ـقـ ـط ــاع‪ ،‬مـ ــا ي ـج ـع ـل ــه واح ـ ـ ــداً مـ ــن ث ــاث ــة‬ ‫ق ـطــاعــات فـقــط عـلــى مـسـتــوى ال ـعــالــم اق ـتــربــت فـيـهــا ال ـمــرأة‬ ‫م ــن الـ ـمـ ـس ــاواة ب ــال ــرج ــل ف ــي ال ــرت ــب ال ـع ـل ـي ــا‪ ،‬ل ـت ـك ــون م ـث ــاالً‬ ‫يحتذى به لبقية القطاعات‪ .‬إذ قد تسارعت وتيرة توظيف‬ ‫ال ـك ـف ــاءات الـنـســائـيــة ف ــي ه ــذا ال ـق ـطــاع تــدري ـج ـيــاً م ـنــذ ال ـعــام‬ ‫‪ ،2007‬ما ساعد على رفع نسبة مشاركة المرأة في القوى‬ ‫العاملة للقطاع غير الربحي إلى ‪ 57‬بالمئة‪.‬‬

‫لكــن علــى الرغــم مــن البصمــات التــي تضعهــا المــرأة بشــكل‬ ‫متعاظم في هذا الميدان‪ ،‬فإن بعض العوائق ما تزال قائمة‪،‬‬ ‫إذ وجــدت إحــدى الدراســات أن احتمــال تولــي امــرأة منصــب‬ ‫القيادة في مؤسسة غير ربحية ينخفض كلما زادت ميزانية‬ ‫تلك المؤسسة‪ .‬ففي المجموعات ذات التمويل الكبير (تلك‬ ‫التي تبلغ ميزانياتها ‪ 10‬ماليين دوالر أو أكثر)‪ ،‬نجد المرأة‬ ‫تشــغل منصــب الرئيــس التنفيــذي فــي أقــل من ثلثها‪ .‬وحتى‬ ‫أولئــك اللواتــي ينجحــن فــي االرتقاء إلى أعلى مراتب الســلم‬ ‫ً‬ ‫عادة على أجر أقل في المتوسط‬ ‫الوظيفي‪ ،‬فإنهن يحصلن‬ ‫عن نظرائهن الرجال‪.‬‬ ‫وتؤكــد ميســاء جلبــوط‪ ،‬الرئيــس التنفيــذي لمؤسســة‬ ‫عبداللــه الغريــر للتعليــم فــي اإلمــارات العربيــة المتحــدة‪،‬‬ ‫أن "التحديات التي نراها على المستوى العالمي تنعكس‬ ‫أيضاً هنا في المنطقة العربية‪ .‬وعلى الرغم من أن الصورة‬ ‫الحاليــة ليســت مثاليــة‪ ،‬إال أن وصــول المزيــد مــن النســاء‬ ‫إلى مناصب عليا ّ‬ ‫يمكنهن أيضاً من توظيف وتوجيه وترقية‬ ‫المزيد من النساء‪ ،‬ثم تبدأ دورة جديدة‪ .‬ما يعني وجود‬ ‫أثــر إيجابــي متعاظــم"‪.‬‬ ‫بشكل عام‪ ،‬تحقق المرأة في منطقة الشرق األوسط مكاسب‬ ‫ملحوظة‪ .‬وفي الصفحات التالية‪ّ ،‬‬ ‫نسلط الضوء على عدد‬ ‫من المنظمات غير الربحية األكثر ديناميكية في المنطقة‪:‬‬ ‫مــن أول مؤسســة للتمويــل الخيــري للمشــاريع إلــى أكبــر‬ ‫صنــدوق خــاص للتعليــم‪ .‬تتولــى النســاء شــؤون القيــادة فــي‬ ‫جميع هذه المؤسســات كي تضيء درب التغيير الشــامل‪،‬‬ ‫بما في ذلك دعم المشاريع االجتماعية وتحفيز خلق فرص‬ ‫العمــل فــي المجتمعــات المهمشــة‪ ،‬وهــن ال يتــرددن فــي‬ ‫االبتكار وتحمل المخاطر‪.‬‬ ‫تتصدى هذه المؤسسات لبعض أصعب المعضالت االجتماعية‬ ‫فــي المنطقــة‪ .‬وفــي قطــاع كان حتــى وقــت قريــب مرادفــاً‬ ‫للجمعيات الخيرية‪ ،‬فإن هؤالء النسوة يحملن راية التحول‬ ‫نحــو نمــوذج العمــل الخيــري االســتراتيجي الــذي يركــز علــى‬ ‫النتائج الملموسة‪ .‬وهذا بحد ذاته جدير باالحتفاء والتقدير‬ ‫على الرغم من الصعوبات والعقبات‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫زمن العطاء‬

‫ً‬ ‫معا من‬ ‫أجل التغيير‬ ‫اإليجابي‬

‫نورا سليم هي المديرة التنفيذية لمؤسسة ساويرس‬ ‫للتنمية االجتماعية‪ ،‬والتي تعمل على مساعدة وتمكين‬ ‫أفقر المجتمعات في مصر ودعم التنمية الشاملة‬


‫ال‬

‫يــوجــد حــل ســحــريّ لــعــدم الــمــســاواة‬ ‫االق ـت ـصــاديــة واالج ـت ـمــاع ـيــة‪ .‬لـكــن إتــاحــة الـتـعـلـيــم‬ ‫على نطاق واســع يُعد من أكثر وسائل التدخل‬ ‫فـ ـع ــالـ ـي ــة‪ .‬وت ـ ـق ـ ــول مـ ـيـ ـس ــاء جـ ـلـ ـبـ ــوط‪ ،‬ال ــرئ ـي ــس‬ ‫ال ـت ـن ـف ـيــذي ل ـمــؤس ـســة ع ـبــدال ـلــه ال ـغ ــري ــر لـلـتـعـلـيــم‪ ،‬وم ـقــرهــا‬ ‫دولة اإلمارات‪" :‬التعليم هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن‬ ‫تـعـطـيــه لـلـشـخــص وال يـمـكــن أن ُي ـسـ َـلــب م ـنــه‪ .‬إن ــه الـمـفـتــاح‬ ‫لفرص عمل أفضل وحياة أفضل وتنمية مستدامة أفضل‪.‬‬ ‫وال يضاهيه أي شيء آخر من حيث العائد االقتصادي"‪.‬‬

‫مع أن االســتثمار في التعليم ليس باألمر الجديد‪ ،‬لكن‬ ‫مؤسسة عبدالله الغرير للتعليم تمتاز بجرأتها وضخامة‬ ‫جهودهــا‪ .‬إذ أن مخصصاتهــا التــي تبلــغ ‪ 1.1‬مليــار دوالر‬ ‫تضعهــا بيــن أكبــر المؤسســات الخير يــة التعليميــة فــي‬ ‫العا لــم‪ .‬وتتضمــن تفاصيــل خطــة المؤسســة مســاعدة‬ ‫‪ 15‬أ لــف شــاب و شــابة عــرب مــن الفئــات المجتمعيــة‬ ‫المحرومــة للدخــول إلــى جامعــات رائــدة بحلــول العــام‬ ‫‪ ،2025‬ومساعدة اآلالف غيرهم من خالل برامج تعليمية‬ ‫مبتكــرة عبــر اإلنترنــت‪.‬‬

‫ســتديره مؤسســة عبداللــه الغريــر للتعليــم‪ ،‬عــن دورة‬ ‫منــح أوليــة يبلــغ مجموعهــا ‪ 12.3‬مليــون دوالر فــي شــهر‬ ‫ســبتمبر‪ ،‬حيــث ســتكون وكالــة األمــم المتحــدة للطفولــة‬ ‫(اليونيســف) والهــال األحمــر اإلماراتــي ومشــروع توحيــد‬ ‫الشــباب اللبنانــي مــن بيــن المنظمــات المســتفيدة منهــا‪.‬‬ ‫وتشرح ميساء قائلة‪" :‬لقد أدركنا أنه ال يمكننا االكتفاء‬ ‫بتحقيق مكاسب صغيرة‪ ،‬بل يجب أن نكون أكثر طموحاً‬

‫وجــرأة‪ .‬فهنــاك أجيــال مــن شــباب هــذه المنطقــة معرضة‬ ‫للتهميــش إذا لــم يحصلــوا علــى الدعــم الــازم‪ .‬ونحــن ال‬ ‫نريــد أن نخــذل هؤالء الناشــئة"‪.‬‬ ‫لكن مؤسسة عبدالله الغرير للتعليم ال تستطيع وحدها‬ ‫تحقيق ذلك‪ .‬لذا فإنها تركز بشكل كبير على النفوذ‪ ،‬سواء‬ ‫من خالل العثور على شركاء أو بناء القدرات في قطاع‬ ‫التعليــم أو تســخير التقنيــة لتوســيع دائــرة المســتفيدين‪.‬‬

‫ويتجاوز نهج المؤسسة المساعدات المالية‪ :‬فالباحثون‬ ‫يستفيدون من التدريب العملي‪ ،‬وتطوير المهارات العامة‪،‬‬ ‫والتوجيــه واإلرشــاد‪ .‬وفــي هــذه المنطقــة التــي تعانــي مــن‬ ‫معدالت عالية لبطالة الشباب على مستوى العالم‪ ،‬فإن‬ ‫هذه المكاسب هي األكبر أثراً‪ .‬والغاية الكبرى للمؤسسة‬ ‫هــي تغييــر مســار حيــاة هــؤالء الطــاب‪ ،‬وبالتالــي‪ ،‬كتابــة‬ ‫قصة جديدة لمســتقبل الشــرق األوســط‪.‬‬

‫اســتهدفت مؤسســة عبداللــه الغريــر أيضــاً ســدّ الفجــوة‬ ‫فــي توفيــر التعليــم لليافعيــن والشــباب‪ ،‬وهــي شــريحة‬ ‫تجتــذب القليــل جــداً مــن اإلنفــاق العالمــي علــى التعليــم‪.‬‬ ‫وفــي يونيــو‪ ،‬تعهــد عبــد العزيــز الغريــر‪ ،‬رئيــس مجلــس‬ ‫إدارة مؤسســة عبداللــه الغريــر للتعليــم‪ ،‬بتقديــم مبلــغ‬ ‫‪ 27.2‬مليــون دوالر علــى مــدى ثــاث ســنوات لزيــادة فــرص‬ ‫التعليــم الثانــوي والمهنــي والعالــي لنحــو ‪ 15‬ألــف الجــئ‬ ‫فلسطيني وسوري خارج مقاعد الدراسة‪ ،‬ومساعدتهم‬ ‫علــى إيجــاد فــرص التوظيــف‪ .‬وقــد أعلــن الصنــدوق الــذي‬

‫فتقول‪" :‬توجد فرصة مهمة لتغيير طريقة عمل الخير‪،‬‬ ‫بشكل ّ‬ ‫يمكننا من تحقيق نتائج تماثل ما نراه على مستوى‬ ‫العالم‪ .‬فاألعمال الخيرية الخاصة تسمح لنا باالستثمار‬ ‫أكثــر فــي االبتــكار‪ ،‬وتحمّ ــل قــدر أكبــر مــن المخا طــرة‪،‬‬ ‫ومعالجة الفجوات وجمع شركاء متنوعين للعمل معاً‬ ‫مــن أجــل الخيــر على نطاق أوســع"‪.‬‬ ‫وتــرى ميســاء أن العطــاء فــي العالــم العربــي يقــف علــى‬ ‫أعتاب هذا التغيير‪" :‬لقد تحوّل العمل الخيري من فعل‬ ‫شــخصي خــاص يقتصــر علــى الدوافــع الدينية‪ ،‬إلى العب‬ ‫رئيسي في التصدي للتحديات االجتماعية واالقتصادية"‪.‬‬ ‫وبالنســبة للقطــاع غيــر الربحــي علــى نطــاق أوســع‪ ،‬قــد‬ ‫يصبــح هــذا التوجــه نحــو العطــاء الــذي يركــز علــى النتائــج‬ ‫بمثابــة القــوة الدافعــة لالرتقــاء بمســتوى المهنيــة فيــه‪.‬‬ ‫كمــا ســتكون هنــاك حاجــة إلــى معاييــر أعلــى إذا كان هــذا‬ ‫القطاع يريد منافسة قطاع الشركات لتوظيف واستبقاء‬ ‫الموهوبيــن مــن هــذا الجيل‪.‬‬

‫تقــول ميســاء جلبــوط‪" :‬مــا يــزال التعليــم العالــي الجيــد‬ ‫مقتصــراً إلــى حــد كبيــر علــى العائــات الميســورة‪ ،‬بينمــا‬ ‫نجد أن ‪ 35‬بالمئة من الطالب المستفيدين من مؤسسة‬ ‫عبدالله الغرير هم أول من يدخل الجامعة في أسرهم‪.‬‬ ‫فالعديد من الشباب الموهوبين المتميزين والطموحين‬ ‫يأتــون من األســر األكثــر حرماناً"‪.‬‬ ‫ومنذ إطالقها قبل عامين وحتى اليوم‪ ،‬ساعدت مؤسسة‬ ‫عبداللــه الغريــر للتعليــم نحــو ‪ 800‬طالــب مــن ‪ 18‬دولــة‬ ‫عربية‪ ،‬وأقامت ‪ 16‬شــراكة مع جامعات في عشــر دول‪.‬‬ ‫ونظــراً للطلــب الهائــل علــى المنــح الدراســية‪ ،‬إذ ســجل‬ ‫أكثــر مــن ‪ 72‬ألــف طالــب أنفســهم فــي البوابــة اإللكترونيــة‬ ‫للمؤسســة‪ ،‬فقــد قــررت المؤسســة مضاعفــة عــدد المنــح‬ ‫الدراسية التي تقدمها هذا العام لتصل إلى ‪ 1,500‬منحة‪.‬‬

‫وعلى نطاق أوسع‪ ،‬تأمل مؤسسة عبدالله الغرير للتعليم‬ ‫في الوصول إلى نموذج من العطاء االستراتيجي المتمحور‬ ‫حول األثر‪ ،‬والذي يمكنه‪ ،‬في حال تبنيه على نطاق واسع‬ ‫فــي الشــرق األوســط‪ ،‬أن يســاهم فــي إطــاق التحــول علــى‬ ‫مســتوى المنطقــة مــن التبرعــات الخيريــة التقليديــة إلــى‬ ‫العطــاء االســتراتيجي الب ّنــاء والمســتدام‪ .‬فهــذا النمــط مــن‬ ‫العطاء يستخدم العمل الخيري كمختبر للتطوير‪ ،‬إذ يتم‬ ‫استكشاف االبتكارات وتمويلها واختبارها في األماكن التي‬ ‫تتجنبهــا الحكومــات والشــركات‪ ،‬قبــل تطويرهــا علــى نطاق‬ ‫واســع‪ .‬والفكــرة‪ ،‬كمــا تقــول ميســاء‪ ،‬هــي تحســين طريقــة‬ ‫العمل الخيري‪ ،‬وتحقيق تقدم حقيقي على صعيد معالجة‬ ‫أكبــر القضايــا التــي تواجــه المنطقــة‪.‬‬

‫وتضيف ميساء‪" :‬نحن نعمل بشكل مباشر على جبهات‬ ‫أصعب المشــاكل التي تواجهها المنطقة‪ ،‬لكنّ المشــهد‬ ‫العــام ليــس مثاليــاً‪ .‬فنحــن بحاجــة لالســتثمار فــي تطويــر‬ ‫مســتوى المهــارات والمهنيــة فــي هــذا القطــاع‪ .‬وكلنــا نريد‬ ‫رؤيــة المزيــد مــن العمــل الخيــري‪ ،‬لكــن نهــج هــذا العمــل‬ ‫وغايتــه ال تقــل أهميــة عــن حجمــه"‪.‬‬

‫"كلنا نرغب برؤية‬ ‫المزيد من ريادة‬ ‫العطاء‪ ،‬لكن ما ال‬ ‫يقل أهمية هو كيف‬ ‫يتم هذا العطاء‬ ‫وألي هدف"‬

‫كما تؤكد ميساء على أن المرأة العربية كانت دائماً في‬ ‫طليعــة التغييــر االجتماعــي‪ ،‬وهــي ثقافــة امتــدت لتثمــر‬ ‫اليــوم عــن حضــور قــوي للمــرأة فــي القطــاع غيــر الربحــي‪.‬‬ ‫والتحــدي األكثــر إلحاحــاً اآلن هــو فتــح أماكــن العمــل فــي‬ ‫جميــع الصناعــات للســماح للنســاء بالقيــادة والنجــاح‪.‬‬ ‫"نحن بحاجة لتعزيز حضور المرأة في مواقع المسؤولية‬ ‫في كل قطاع‪ .‬وإذا أراد القطاع الخاص لعب دور أكبر في‬ ‫األعمال الخيرية‪ ،‬فإنه يحتاج لمزيد من النساء في تلك‬ ‫المناصــب المؤثــرة‪ .‬كمــا أننــا بحاجــة للمزيــد مــن رائــدات‬ ‫األعمال الناجحات على المستوى المالي‪ ،‬إذ أن ترك أثر‬ ‫إيجابــي ليــس حكــراً علــى القطــاع غيــر الربحــي‪ ،‬بــل يمكــن‬ ‫صنــع الفــارق مــن أي قطاع"‪.‬‬

‫زمن العطاء‬

‫‪39‬‬


‫تم توظيف جميع المتخرجين من أول دفعتين للطالب‬ ‫فــي معهــد التمريض‪.‬‬ ‫تقول نورا‪" :‬كان هدفنا في الحقيقة هو تســليط الضوء‬ ‫على نماذج تعليم فني يمكن أن تثمر عن فرص توظيف‬ ‫جيدة بأجور أفضل‪ .‬وخصوصاً أن الناس في مصر ينظرون‬ ‫إلــى التعليــم الفنــي علــى أنــه أقــل شــأناً‪ ،‬ما يدفــع العديد‬ ‫مــن الشــباب لمحاولــة االلتحــاق بالجامعــات‪ .‬وقــد أ ّدى‬ ‫هــذا إ لــى وجــود عــدد كبيــر مــن الخريجيــن الجامعييــن‬ ‫الذ يــن ال يمتلكــون بالضــرورة المهــارات التــي يطلبهــا‬ ‫أصحــاب العمــل"‪.‬‬ ‫تم إنشاء مؤسسة ساويرس للتنمية االجتماعية في العام‬ ‫‪ 2001‬بهبــة مــن عائلــة ســاويرس‪ ،‬ومــا تــزال تعتمــد علــى‬ ‫هــذه الهبــة إلــى جانــب التبرعات من أجــل تمويل أعمالها‬ ‫حتــى اليــوم‪ .‬وتمتــاز المؤسســة بتحديــد ســقف للنفقــات‬ ‫العامــة عنــد نســبة ‪ 10‬بالمئــة فقــط مــن مجمــل التمويل‪،‬‬ ‫حيــث ّ‬ ‫تمثــل هــذه القاعــدة جــزءاً مــن عهــد المؤسســة بــأن‬ ‫تكــون رائــدة فــي مجــال الشــفافية المالية‪.‬‬ ‫وعن ذلك تقول نورا‪" :‬ال أرى أي سبب يمنع المؤسسات‬ ‫في العالم العربي من العمل بنهج مؤسسة بيل وميليندا‬ ‫غيتــس‪ .‬وال أقصــد هنــا مســتوى التمو يــل‪ ،‬بــل أفضــل‬ ‫الممارســات فــي الحوكمــة والشــفافية واألثــر‪ ،‬إذ أن عــدم‬ ‫وجــود معاييــر [ملزمــة] هــو مــن أكثــر األمــور التــي تســبب‬ ‫اإلربــاك فــي هــذا القطــاع‪ ،‬وال توجــد متطلبــات تنظيميــة‬ ‫تفــرض علــى المؤسســات اإلبــاغ عــن إنفاقها"‪.‬‬ ‫ال شــك أن إصــاح هــذه المســألة سيســاهم فــي تحســين‬ ‫ســمعة القطاع غير الربحي في مصر‪ ،‬وهذا أمر ســتكون‬ ‫ً‬ ‫خاصة بالنســبة للمؤسســات التي‬ ‫له آثار إيجابية كبيرة‪،‬‬ ‫تســعى للحصــول علــى الدعــم المالــي‪ .‬وتقــول نــورا‪" :‬أنــا‬ ‫أالحظ اليوم تنامي المشاريع الخيرية الخاصة مصر‪ .‬وإذا‬ ‫علــم المتبرعــون بوجــود منظمــات جديــرة بالثقــة وتعمــل‬ ‫بكفــاءة‪ ،‬فقــد يختــارون توجيه أموالهم إليها‪ .‬كما أعتقد‬ ‫أننا سنرى تصاعد اهتمام الكفاءات الشابة بهذا القطاع‬ ‫ألنهــم يــرون اليــوم منظمــات تعمــل بمهنيــة عاليــة ويمكن‬ ‫أن تقــدم لهــم فرصــاً جيــدة للتطــور الوظيفــي"‪.‬‬ ‫من جانبها‪ ،‬تر ّكز مؤسسة ساويرس للتنمية االجتماعية بشكل‬ ‫كبيــر علــى األثــر‪ .‬ففــي العــام ‪ ،2015‬تعاونــت مع مختبر عبد‬ ‫اللطيف جميل لمكافحة الفقر‪ ،‬وهو شبكة بحوث عالمية‪،‬‬ ‫لقياس أثر عملها الرئيسي على المدى الطويل‪ .‬ومن المقرر‬ ‫أن يتم نشر نتائج دراستين بحثيتين (وفق المعيار الذهبي‬ ‫في األبحاث) في أوائل العام ‪.2019‬‬ ‫وتختتــم نــورا حديثهــا بالقــول‪" :‬نحــن نأمــل أن يظهر ذلك‬ ‫بالفعل أثر األدوات المختلفة التي نستخدمها‪ .‬على سبيل‬ ‫المثــال‪ ،‬تفتــرض نظريتنــا أن التمكيــن االقتصــادي يــؤدي‬ ‫إلــى تحســين تمكيــن المــرأة مــن حيــث حقوقهــا الماليــة‬ ‫واالجتماعيــة والسياســية‪ .‬ولكننــا ننتظــر نتائــج األبحــاث‬ ‫للتحقــق مــن ذلك"‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫زمن العطاء‬

‫صنع قادة‬ ‫المستقبل‬

‫ميساء جلبوط هي الرئيس التنفيذي لمؤسسة عبدالله‬ ‫الغرير للتعليم‪ ،‬والتي تقدم المنح الدراسية والتدريب‬ ‫على المهارات وغيرها من أوجه الدعم لمساعدة‬ ‫الشباب العربي الواعد الذي يعاني من نقص الفرص‬ ‫على تحقيق النجاح‬


‫أفعال تقودها‬ ‫األبحاث‬

‫الدكتورة ناتاشا ريدج هي المديرة التنفيذية لمؤسسة‬ ‫الشيخ سعود بن صقر القاسمي لبحوث السياسة العامة‪،‬‬ ‫المكلفة بدعم التنمية والتقدم في إمارة رأس الخيمة‬ ‫واإلمارات العربية المتحدة بشكل عام‬

‫في‬

‫دولة اإلمارات العربية المتحدة‪،‬‬ ‫يرتبط مستوى النجاح الدراسي بالوضع‬ ‫ال ـمــالــي ل ــأه ــل‪ .‬كــانــت تـلــك ه ــي الـنـتـيـجــة‬ ‫األولية لورقة البحث التي تم نشرها في‬ ‫س ـب ـت ـم ـبــر‪ ،‬وأظـ ـهـ ــرت أن اإلم ــارات ـي ـي ــن م ــن ش ــري ـح ــة ال ــدخ ــل‬ ‫المنخفض يـتــأخــرون بشكل كبير عــن أقــرانـهــم األثــريــاء من‬ ‫جهة المستوى في الرياضيات والعلوم والقراءة‪ .‬وأشارت‬ ‫الــدراســة إلــى أن أس ــوأ الـمـتــأثــريــن هــم الــذكــور األق ــل دخ ـاً‪،‬‬ ‫واقـتــرحــت تــوجـيــه اسـتـثـمــارات لــدعــم هــؤالء ومـنــع تسربهم‬ ‫خارج النظام المدرسي‪.‬‬

‫صدرت هذه الدراسة عن مؤسسة الشيخ سعود بن صقر‬ ‫القاسمي لبحوث السياسة العامة‪ ،‬وهي مؤسسة بحثية‬ ‫مقرهــا رأس الخيمــة‪ ،‬ورســالتها دعــم التقــدّ م الموجّ ــه‬ ‫باألدلــة علــى مســتوى اإلمــارة والدولة‪.‬‬ ‫وتعتمد هذه المؤسسة نهجاً مؤلفاً من ّ‬ ‫شقين‪ :‬أولهما هو‬ ‫العمل لتقديم أبحاث حديثة عن مسائل السياسة العامة‬ ‫ذات األهميــة بالنســبة للتنميــة فــي إمــارة رأس الخيمــة‪،‬‬ ‫وغالباً بالتعاون مع باحثين وجامعات وشركاء خارجيين‪.‬‬ ‫ثــم يتــم اســتنباط النتائــج للمســاعدة فــي اقتــراح وتوجيــه‬ ‫القرارات المتعلقة بالسياسات والتخطيط‪ ،‬واالنتقال من‬ ‫البحــث إلــى العمــل مــن أجــل المصلحــة العامة‪.‬‬ ‫وتوضح ناتاشا ريدج‪ ،‬المديرة التنفيذية للمؤسسة قائلة‪:‬‬ ‫"هدفنــا هــو مســاعدة اإلمــارات علــى الوصــول إلــى أقصــى‬ ‫قدراتهــا التنافســية‪ .‬ولذلــك فــإن التحــدي الرئيســي يكمــن‬ ‫فــي وضــع نتائــج هــذه األبحــاث فــي أيدي صنــاع القرار كي‬ ‫يتــم التصــرف على أساســها"‪.‬‬

‫أعوام وحملة تمويل جماعي ناجحة‪ ،‬أصبحت "سفرة"‬ ‫شركة طعام ناجحة ومزدهرة لديها شاحنة طعام تمنح‬ ‫الالجئــات وســيلة لبنــاء الثقــة بالنفــس وتطويــر المهــارات‬ ‫وكسب األرباح‪ .‬وتدعم الفنار اآلن مريم شعار وجمعية‬ ‫برنامج المرأة في تشغيل مركز لرعاية األطفال في مخيم‬ ‫برج البراجنة‪ ،‬كي تمنح فرص توظيف لمزيد من النساء‪.‬‬ ‫وتقول ميرنا عطا الله‪" :‬ندعم حالياً ‪ 18‬استثماراً من بينها‬ ‫‪ 11‬مبــادرة تقودهــا النســاء‪ .‬ومــن الجوانــب التــي نهتم بها‬ ‫في شــراكاتنا وجود رئيس تنفيذي يســتحق الدعم‪ ،‬وقد‬ ‫وجدنــا أن المــرأة تمتــاز بالعزيمــة واإلصــرار علــى تحقيــق‬ ‫النجــاح لمبادراتهــن‪ ،‬مهمــا كانــت العوائــق التــي تقــف في‬ ‫طريقهن‪ .‬كما تشير بياناتنا إلى معدل يقارب ‪ 100‬بالمئة‬ ‫إلعــادة تســديد القــروض الصغيــرة التــي تمنــح للنســاء"‪.‬‬ ‫تحمل هذه االستثمارات قيمة مضافة‪ .‬فمن خالل التمويل‬ ‫والتدريــب اإلداري والمنافــع التــي ُتقــدم للمســتفيدين‪،‬‬ ‫تؤمــن ميرنــا عطــا اللــه بــأن مؤسســة الفنار تســاعد النســاء‬ ‫علــى تجــاوز الحواجــز الثقافيــة واالقتصاد يــة‪ .‬فتقــول‪:‬‬ ‫"نحن نعمل لتمكين جيل جديد من قادة األعمال‪ ،‬ممن‬ ‫يهتمون بالفعل بتغيير المجتمع إلى األفضل‪ .‬وهم قدوة‬ ‫لآلخرين بأن األعمال يمكن أن تكون خيّرة ومستدامة"‪.‬‬

‫تطمــح الخطــط الوطنيــة فــي دولــة اإلمــارات لتحويلها إلى‬ ‫مركــز عالمــي لألعمــال واالبتــكار بحلــول العــام ‪،2021‬‬ ‫ً‬ ‫مدعومة باقتصاد قوي ومتنوع يأخذ بزمامه قادة إماراتيون‬ ‫المعــون‪ .‬وتقــول ناتاشــا‪" :‬إن تحقيــق ذلــك يتطلــب إعــادة‬ ‫ضبط النظام المدرسي كي يستطيع توليد المواهب التي‬ ‫يحتاجها مثل هذا االقتصاد‪ .‬وكان ذلك من غايات إطالق‬ ‫المؤسســة فــي العــام ‪ 2009‬مــن قبــل الشــيخ ســعود بــن‬ ‫صقــر آل القاســمي‪ ،‬حاكــم رأس الخيمــة‪.‬‬ ‫وتوضــح ناتاشــا قائلــة‪" :‬إن التزامنــا الرئيســي هــو تحســين‬ ‫جــودة التعليــم‪ ،‬وخاصــة فــي المــدارس الحكوميــة‪ .‬ففــي‬ ‫التصنيــف العالمــي‪ ،‬ســجّ لت دولــة اإلمــارات تقييمــاً أدنــى‬ ‫مــن متوســط منظمــة التعــاون االقتصــادي والتنميــة فــي‬ ‫مواضيع العلوم والقراءة والرياضيات‪ .‬بينما يطمح سمو‬ ‫حاكم رأس الخيمة إلى تحسين قدرات الطالب اإلماراتيين‬ ‫حتى يتمكنوا من تولي مناصب قيادية في المستقبل من‬ ‫خــال التعليــم الجيــد والتطويــر الكامــل إلمكاناتهــم"‪.‬‬

‫زمن العطاء‬

‫‪41‬‬


‫االستثمار‬ ‫من أجل النمو‬

‫ميرنا عطا الله هي المديرة التنفيذية لمؤسسة الفنار‬ ‫للعمل الخيري االستثماري‪ ،‬والتي تعمل من خالل‬ ‫مشاريع اجتماعية مبتكرة لتحسين أوضاع الفئات‬ ‫المجتمعية متدنية الدخل‬

‫ربما‬

‫ّ‬ ‫البط أول حل يتبادر‬ ‫ال يكون‬ ‫ل ــأذه ــان لـمـشـكـلــة األرامـ ــل الـعــاطــات‬ ‫عــن الـعـمــل فــي مـصــر‪ .‬لـكـنــه‪ ،‬بالنسبة‬ ‫ألول م ـ ــؤس ـ ـس ـ ــة ل ـ ـل ـ ـع ـ ـمـ ــل ال ـ ـخ ـ ـي ـ ــري‬ ‫االستثماري في العالم العربي‪ ،‬يمكن أن يشكل جزءاً من‬ ‫العالج‪ .‬إنّ نموذج تربية البط بأعداد كبيرة‪ ،‬والذي يجري‬ ‫اختباره حالياً من قبل مؤسسة تمكين األرامــل في شمال‬ ‫الـبــاد‪ ،‬هــو واح ــد مــن االسـتـثـمــارات الـتــي دعـمـتـهــا مؤسسة‬ ‫الـ ـفـ ـنـ ــار ومـ ـقـ ــرهـ ــا ل ـ ـنـ ــدن ب ـ ـهـ ــدف مـ ـسـ ــاعـ ــدة ال ـ ـن ـ ــاس ال ــذي ــن‬ ‫يـعـيـشــون فــي قــاعــدة ال ـهــرم االق ـت ـصــادي عـلــى ال ـخ ــروج من‬ ‫دائرة الفقر‪.‬‬ ‫وتشرح المديرة التنفيذية للمؤسسة ميرنا عطا الله‪" :‬تبيّن‬ ‫خطــة األعمــال أنّ المصرييــن يســتهلكون ‪ 85‬مليــون بطــة‬ ‫ســنوياً‪ ،‬لكنهــم يربــون منهــا ‪ 11‬مليــون بطــة فقــط‪ ،‬ويتــم‬ ‫اســتيراد الباقــي‪ .‬لذلــك ســاعدنا فــي إنشــاء أول سلســلة‬ ‫قيمــة لتربيــة البــط فــي البــاد‪ ،‬بــإدارة األرامل‪ ،‬الســتغالل‬ ‫هــذه الفجــوة في الســوق"‪.‬‬ ‫وتضيف ميرنا‪" :‬تتألف السلسلة من عدد من المشاريع‬ ‫كاف إلعالة هؤالء‬ ‫الصغيرة‪ .‬وهدف كل منها هو تحقيق ربح ٍ‬ ‫النســوة وأســرهن‪ ،‬إذ قدمنا مســاعدات تمويل لمحفظة‬ ‫القــروض الصغــرى لهــذه المؤسســة كــي تســتطيع تقديــم‬ ‫التدريــب الــازم للنســاء مــن أجــل إعــادة تدويــر قروضهــن‬ ‫وتغطيــة التكاليــف ثــم تحســين الدخــل"‪.‬‬ ‫هذا هو باختصار نموذج عمل مؤسسة الفنار‪ :‬فهي تدعم‬ ‫المشــاريع االجتماعيــة القاعديــة التــي تجمــع بيــن إمكانية‬ ‫التوســع والجــدوى الماليــة والقــدرة علــى إحــداث تغييــر‬ ‫اجتماعــي مســتدام فــي العالــم العربــي‪ .‬وتشــمل محفظــة‬ ‫المؤسسة ‪ 18‬مبادرة في أنحاء مصر ولبنان‪ ،‬مع التركيز‬ ‫على االستثمارات التي تساعد النساء واألطفال‪ ،‬وتسعى‬ ‫لدعم المؤسسات الصغيرة كي تنمو إلى "كيانات مؤهلة‬ ‫لالســتثمار ذي األثــر االجتماعــي‪.‬‬ ‫وتوضــح ميرنــا عطــا اللــه‪" :‬إذا كانــت المؤسســة الناشــئة‬ ‫تبحث عن التمويل فقط وال شيء غيره‪ ،‬فلسنا الشريك‬ ‫األفضــل لهم"‪.‬‬ ‫انطلقت مؤسسة الفنار في العام ‪ ،2004‬لكنها ما تزال‬ ‫بيــن عــدد قليــل جــداً مــن مؤسســات التمو يــل الخيــري‬ ‫للمشــاريع الناشــئة في المنطقة‪ ،‬حيث تسـ ّ‬ ‫ـخر ميزانيتها‬ ‫السنوية البالغة ‪ 1.68‬مليون دوالر للعثور على مشاريع‬ ‫ذات أثــر اجتماعــي ومســاعدتها علــى التوســع‪.‬‬ ‫ويركــز هــذا النــوع مــن العطــاء علــى النتائــج‪ ،‬لذلــك فــإن‬ ‫تقد يــم التمو يــل يترا فــق مــع مكالمــات وز يــارات دور يــة‬ ‫ودعم منتظم من موظف مكلف بالمتابعة في مؤسسة‬ ‫الفنــار‪ .‬وتوضــح ميرنــا قائلــة‪" :‬تســتخدم المؤسســة‬ ‫التطبيقــات الرقميــة لتشــجيع المســتفيدين علــى‬ ‫تتبــع بياناتهــم واالســتجابة لهــا في الزمن الحقيقي‪،‬‬ ‫بــدالً مــن معاينتهــا فــي تقار يــر فصليــة للمانحيــن‪،‬‬

‫‪40‬‬

‫زمن العطاء‬

‫حيــث تســاعد هــذه البيانــات فــي توجيــه تحســين األداء‬ ‫وتنميــة األعمــال"‪.‬‬ ‫تقول مؤسسة الفنار أن المشاريع التي تدعمها تؤثر في‬ ‫المتوسط على حياة أشخاص أكثر بنسبة ‪ 39‬بالمئة خالل‬ ‫فتــرة االســتثمار فيهــا‪ ،‬كمــا تولــد ذاتيــاً دخـا ً أكبــر بنســبة‬ ‫‪ 36‬بالمئة على أســاس ســنوي‪.‬‬ ‫تر ّكز المؤسسة على المنظور بعيد المدى في استثماراتها‪،‬‬ ‫حيــث تبــدأ مــع عــام تجريبــي للتمويــل يخــدم أيضــاً كفتــرة‬ ‫أطــول إلجــراءات العنايــة الواجبــة‪ .‬وإذا أثبتــت الشــراكة‬ ‫مالءمتها‪ ،‬تقدّ م الفنار تمويال ً لمدة ثالث سنوات إضافية‪.‬‬ ‫وهذا يريح المؤسسات المستفيدة من ضغوط الموافقات‬ ‫السنوية على المنح‪ ،‬ويسمح لها بالتركيز بدالً من ذلك‬ ‫علــى أثرهــا ونتائجها‪.‬‬ ‫وتضيــف ميرنــا‪" :‬أعتقــد أنــه مــن غيــر المنصــف أن نطالــب‬ ‫مؤسســة مــا بالتفكيــر البعيــد المــدى وتحمّ ــل مخا طــر‬ ‫جريئــة إذا كنــا نخطــط لســحب دعمهــا فــي العــام التالــي"‪.‬‬ ‫كمــا تــرى ميرنــا أن العمــل الخيــري االســتثماري يكمــل‬ ‫دور المعونــات التقليديــة عــن طريــق فتــح الســوق أمــام‬ ‫المجتمعات المتدنية الدخل‪ .‬وفي أنحاء الشرق األوسط‪،‬‬ ‫مــن المناطــق الفقيــرة فــي مصــر إلــى مخيمــات الالجئيــن‬ ‫فــي لبنــان‪ ،‬تســمح هــذه اآلليــة بوضــع الســكان الفقــراء‬ ‫كمســتخدمين نهائييــن بــدالً مــن أن يكونــوا مســتفيدين‪،‬‬ ‫مــا يدعــم نموذجــاً أكثــر اســتدامة للتنميــة‪.‬‬ ‫وهــي تصــف ذلــك بأنــه "تحــول فــي العقليــة‪ ،‬ففي العديد‬ ‫مــن األماكــن المهمشــة تزدهــر األســواق‪ :‬إذ أن الفقــراء‬ ‫هــم أيضــاً عمــاء للخدمــات وتجــب معاملتهم وتقديرهم‬ ‫على هذا األســاس"‪.‬‬ ‫كمــا يســاعد هــذا النهــج فــي معالجــة مســألة تراجــع اهتمــام‬ ‫المانحين ألنهم يستطيعون تتبع أثر تبرعاتهم‪" .‬إذ يمكنهم‬ ‫رؤيــة األثــر المتزايــد ألموالهــم علــى المشــهد العــام‪ ،‬وكيــف‬ ‫أنهــم يســاهمون فــي شــيء عظيــم‪ .‬إن عمــل الخيــر يحظــى‬ ‫بمكانة كبيرة في منطقتنا وثقافتنا‪ ،‬لكن الهدف هو تطبيقه‬ ‫بحيث يذهب أثره أبعد من أي منحة أو تبرع منفرد"‪ ،‬وفق‬ ‫ما تفيد به ميرنا‪.‬‬ ‫"ســفرة"‪ ،‬وهــي شــركة‬ ‫ومــن األمثلــة علــى ذلــك مبــادرة ِ‬ ‫متخصصة بتقديم الطعام في بيروت‪ ،‬حيث كانت الشركة‬ ‫من بنات أفكار مريم شعار‪ ،‬الالجئة الفلسطينية التي تدير‬ ‫جمعية برنامج المرأة في مخيم برج البراجنة في لبنان‪.‬‬ ‫وتوفــر هــذه المنظمــة غيــر الحكوميــة التعليــم والتدريــب‬ ‫على المهارات‪ ،‬كما تقدم القروض الصغيرة للنساء في‬ ‫المخيمــات‪ ،‬حيــث الحظــت مريــم وجــود فرصــة إلطــاق‬ ‫وحــدة لتقديــم الطعــام مــن أجــل دعــم أنشــطة المنظمــة‬ ‫فضـا ً عــن تزويــد النســاء بمصــدر للدخــل‪ .‬وبدعـ ٍـم مــن‬ ‫مؤسسة الفنار‪ ،‬تم إطالق "سفرة" وهي كلمة تستخدم‬ ‫فــي اللغــة الدارجــة بمعنــى "مائدة الطعام"‪ .‬وبعد أربعة‬


‫تعمل‬

‫جيل جديد‬ ‫مـن أبطال‬ ‫األعمال‬

‫الدكتورة إيمان بيبرس هي مؤسِّ سة منظمة أشوكا العالم‬ ‫العربي ومديرتها اإلقليمية‪ ،‬والمنظمة هي الذراع المحلي‬ ‫لشبكة عالمية من رواد األعمال االجتماعية‪ ،‬وهي تعمل‬ ‫من أجل معالجة أكبر التحديات في المنطقة‬

‫إيــــمــــان ب ــي ــب ــرس فــي‬ ‫ص ـن ــاع ــة ال ـت ـغ ـي ـي ــر‪ .‬وب ـص ـف ـت ـهــا‬ ‫الـمــؤســس والـمــديــر اإلقليمي‬ ‫لـ ـمـ ـنـ ـظـ ـمـ ــة أش ـ ـ ــوك ـ ـ ــا ال ـ ـعـ ــالـ ــم‬ ‫ال ـع ــرب ــي‪ ،‬وه ــي ال ـ ــذراع الـمـحـلـيــة لـشـبـكــة عــالـمـيــة م ــن رواد‬ ‫األع ـم ــال االجـتـمــاعـيــة تـضــم أكـثــر مــن ‪ 3,500‬شـخــص‪ ،‬فــإن‬ ‫هــدف ـهــا ه ــو ال ـع ـثــور ع ـلــى أو ت ـطــويــر أش ـخ ــاص لــدي ـهــم أف ـكــار‬ ‫وح ــواف ــز لـلـتـصــدي ألك ـبــر ال ـت ـحــديــات ال ـتــي ت ــواج ــه الـمـنـطـقــة‬ ‫ال ـعــرب ـيــة‪ .‬ويـبـلــغ ع ــدد أع ـض ــاء الـشـبـكــة ف ــي مـنـطـقــة الـشــرق‬ ‫األوس ــط وشـمــال أفــريـقـيــا ‪ 110‬زم ـي ـاً‪ ،‬بـمــن فـيـهــم مهندس‬ ‫مـ ـص ــري ي ـع ـم ــل ع ـل ــى زي ـ ـ ــادة ت ــوف ـي ــر ال ـم ـس ــاك ــن م ـن ـخ ـف ـضــة‬ ‫ال ـت ـك ـل ـف ــة‪ ،‬وم ـب ـت ـك ــر ف ـل ـس ـط ـي ـنــي ي ـس ـ ّ‬ ‫ـخ ــر الـ ــزراعـ ــة ال ـم ـح ـم ـيــة‬ ‫ل ـ ـم ـ ـس ـ ــاع ـ ــدة ال ـ ــاج ـ ـئ ـ ـي ـ ــن ع ـ ـل ـ ــى خ ـ ـف ـ ــض اع ـ ـت ـ ـم ـ ــاده ـ ــم ع ـل ــى‬ ‫ال ـم ـس ــاع ــدات ال ـغ ــذائ ـي ــة‪ ،‬وغ ـي ــره ــم ال ـك ـث ـيــر‪ .‬وت ـق ــول إي ـم ــان‪:‬‬ ‫"ن ـحــن ن ـحــاول ب ـنــاء مـجـتـمــع مــن ق ــادة الـتـغـيـيــر يـضــم نخبة‬ ‫رواد األعـ ـم ــال االج ـت ـم ــاع ـي ــة ف ــي ال ـع ــال ــم‪ ،‬وال ــذي ــن ي ــزرع ــون‬ ‫األمل والتفاؤل لدى كل من يجلس معهم"‪.‬‬

‫يخضــع زمــاء أشــوكا لعمليــة تدقيــق متعــددة المراحــل‬ ‫قبــل الحصــول علــى التمويــل والتوجيــه واالســتفادة مــن‬ ‫شبكة تغطي ‪ 91‬بلداً‪ .‬وإذا نجحوا في االنضمام للشبكة‪،‬‬ ‫فــإنّ نســبة ‪ 75‬بالمئــة منهــم ســتكون لهــم مشــاريع رابحــة‬ ‫أو مســتدامة ماليــاً‪ .‬وتشــرح إيمــان بيبــرس‪" :‬هــؤالء صناع‬ ‫تغيير منهجي وهم ينشئون صناعات جديدة‪ ,‬رغم أنهم‬ ‫يســبحون ضــد التيار"‪.‬‬ ‫ومــن المشــاريع الالفتــة ألعضــاء الشــبكة شــركة غلــوورك‬ ‫للتوظيف في المملكة العربية السعودية‪ ،‬والتي نجحت‬ ‫بإدخال أكثر من ‪ 30‬ألف امرأة إلى سوق العمل‪ ،‬واشترتها‬ ‫شــركة ســاس القابضــة فــي عامهــا األول بمبلــغ ‪ 16‬مليــون‬ ‫دوالر‪ .‬وشركة "كير ويذ لوف" للرعاية الصحية المنزلية‬ ‫في مصر‪ ،‬والتي منحت أكثر من ‪ 10‬آالف شخص فرصة‬ ‫العمــل كمقدمــي رعايــة للمســنين فــي البــاد‪.‬‬

‫وتوضــح إيمــان ذلــك بالقــول‪" :‬األمــر بســيط جــداً‪ :‬إذا لــم‬ ‫تســتثمر فــي حـ ّـل المشــاكل الهيكليــة‪ ،‬فلــن يكــون لديــك‬ ‫ســوق مســتقر لبيــع منتجاتــك‪ .‬وممــا ســاهم فــي الوضــع‬ ‫الــذي وصــل لــه العالــم العربــي اليــوم عــدم االســتثمار فــي‬ ‫األفكار الجديدة في مجاالت التعليم والوعي والتسامح"‪.‬‬ ‫و هــي تقــول أن المانحيــن يتــرددون بشــكل خــاص فــي‬ ‫االعتراف بالمؤسسات غير الربحية كشركاء فاعلين في‬ ‫تحقيق التغيير االجتماعي واالقتصادي‪" .‬ينفق المحسنون‬ ‫ماليين الدوالرات لبناء مستشفيات أو مساجد‪ ،‬لكنهم‬ ‫يرفضــون المؤسســات غيــر الربحيــة ويرونهــا جمعيــات‬ ‫خيريــة غيــر فعالــة‪ .‬إنهــم يريــدون تغييــر العالــم‪ ،‬لكنهــم‬ ‫ال يؤمنــون بــدور المؤسســات غيــر الربحيــة فــي تحقيــق‬ ‫التغييــر المنشــود‪ .‬ويعتقــد الكثيــرون أن منهــج األعمــال‬ ‫يمكنه حل كل شيء‪ ،‬لكنه ال يستطيع فبعض المشاكل‬ ‫تتطلــب نهجــاً مختلفــاً"‪.‬‬ ‫إلــى جانــب ذلــك‪ُ ،‬يســاء فهــم االســتثمار االجتماعــي أيضــاً‬

‫ألن المؤسســات غيــر الربحيــة تســتخدم بشــكل متزايــد‬ ‫لغــة األعمــال التجاريــة‪ ،‬بالحديــث عــن النطــاق واالبتــكار‬ ‫والمخاطر‪ ،‬بينما تتوقع الجهات المانحة غالباً ترجمة ما‬ ‫تقدمه من تمويالت إلى إحصاءات بسيطة توضح مستوى‬ ‫العائد عليها‪ .‬لكن ليست جميع العوائد االجتماعية قابلة‬ ‫للقياس بسهولة مثل عدد اللقاحات التي تم تقديمها أو‬ ‫الوجبات التي تم التبرع بها‪ ،‬على الرغم من أن عوائدها‬ ‫الحقيقيــة علــى المــدى الطويــل كبيــرة‪.‬‬

‫تقول الدكتورة إيمان‪" :‬يعمل بعض زمالئنا وفق نموذج‬ ‫أعمــال ربحــي‪ ،‬بينمــا يعمــل البعــض اآلخــر بطريقــة غيــر‬ ‫هادفة للربح ولكنها استراتيجية أيضاً‪ .‬ونحن نرى الكثير‬ ‫مــن األفــكار الجديــدة الواعدة"‪.‬‬ ‫غير أن الجهات المانحة في منطقة الشرق األوسط وشمال‬ ‫أفريقيــا مــا تــزال متــرددة فــي االســتثمار فــي تلــك األفــكار‪،‬‬ ‫حيث تأتي الغالبية العظمى من تمويالت أشوكا العالم‬ ‫العربي من مانحين في الواليات المتحدة وأوروبا‪ ،‬على‬ ‫الرغم من الجهود المستمرة لجمع األموال محلياً‪ ،‬وهذا‬ ‫يعكس ما تعتقد إيمان أنه سوء فهم كبير لدور القطاع‬ ‫االجتماعــي فــي تمكيــن المجتمــع‪ .‬وتقــول أن الغــرض مــن‬ ‫القطــاع الثالــث هــو التدخــل فــي األماكــن التــي ال تســتطيع‬ ‫فيها الشركات ذلك‪ ،‬وإضافة تفكير جديد إلى جهود حل‬ ‫المشــاكل الملحّ ــة التــي تزيــد مــن عواقــب عــدم المســاواة‬ ‫وعــدم االســتقرار والتطــرف‪ .‬بالنســبة للشــركات وقــادة‬ ‫األعمــال‪ ،‬فــإن المســاعدة فــي تمويــل هــذا العمــل ليــس‬ ‫مجـ ّرد مســألة خيريــة‪ ،‬بــل هــو لحماية أســواقهم‪.‬‬

‫"يريد المحسنون‬ ‫تغيير العالم‪ ،‬لكنهم‬ ‫ال يؤمنون بدور‬ ‫المؤسسات غير‬ ‫الربحية في تحقيق‬ ‫التغيير المنشود"‬

‫زمن العطاء‬

‫‪43‬‬


‫يتطلب تغيير وضع التعليم لألفضل نهجاً متعدد الجوانب‪،‬‬ ‫حيث تقدّ م المؤسسة خدمات من بينها دورات لتدريب‬ ‫المعلمين وبرامج تبادل ومنح لتحسين المدارس وفرص‬ ‫تعليــم مباشــر للشــباب المعرضيــن لخطــر الرســوب أو‬ ‫المحروميــن‪ ،‬فضـا ً عــن تقديــم المنــح الدراســية للطــاب‬ ‫معلم‪ ،‬يمثلون تقريباً‬ ‫ّ‬ ‫الموهوبين‪ .‬وقد أكمل نحو ‪1,500‬‬ ‫نصــف الــكادر التعليمــي للمــدارس العامــة فــي إمارة رأس‬ ‫الخيمــة‪ ،‬دورة واحــدة علــى األقــل مــن دورات التطويــر‬ ‫المهنــي المجانيــة التــي تســتمر لمــدة ‪ 10‬أســابيع‪.‬‬

‫"هدفنا هو مساعدة‬ ‫اإلمارات على الوصول‬ ‫إلى أقصى قدراتها‬ ‫التنافسية"‬

‫تعقــد هــذه الــدورات خــارج ســاعات العمــل‪ ،‬ويتــم تتبــع‬ ‫المعلمين المشاركين فيها لتقييم أثر مهاراتهم الجديدة‬ ‫في الفصول الدراسية‪ .‬كما يتوافر الدعم من األقران عبر‬ ‫شــبكة مدرســية أنشــأتها المؤسسة وتضم ‪ 1,520‬معلماً‪.‬‬ ‫وتضيــف ناتاشــا‪" :‬لقــد لمســنا تغييــراً حقيقيــاً فــي نظــرة‬ ‫المجتمــع للمعلميــن كمهنييــن محترفيــن"‪.‬‬

‫وتقول‪" :‬على الرغم من درايتنا الواسعة بالتمويل الخيري‬ ‫للمشــاريع الناشــئة واالســتثمارات ذات األثــر االجتماعــي‪،‬‬ ‫لكننــي أعتقــد بضــرورة الحــذر فــي التعامــل معهــا وعــدم‬ ‫نســيان أن الفــرس تجـ ّر العربــة وليــس العكــس"‪.‬‬

‫"من الرائع أن نرى المرأة تقود المؤسسات غير الربحية‬ ‫في المنطقة نحو تنفيذ برامج حقيقية‪ .‬وقد ساعد ذلك‬ ‫بالفعــل فــي تحفيــز تمو يــل البرامــج المتعلقــة بتطو يــر‬ ‫المــرأة وتمكينهــا‪ .‬لكننــي أحـ ّـذر مــن التركيــز بشــكل مفــرط‬ ‫على المرأة فقط‪ ،‬إذ يجب علينا أيضاً أن نفكر في كيفية‬ ‫تعزيــز مشــاركة الرجــل فــي مثــل هــذه البرامــج‪ .‬فهــذا مــن‬ ‫التحديــات فــي هــذه المنطقــة‪ ،‬حيــث نــرى فــي كثيــر مــن‬ ‫األحيان صورة سلبية عن الرجل‪ ،‬وخصوصاً من الخارج"‪.‬‬

‫تعمــل مؤسســة الشــيخ ســعود بــن صقــر القاســمي أيضــاً‬

‫للوصــول إلــى الفئــات الضعيفــة والمهــددة‪ ،‬مثل الطالب‬ ‫الذكور المهددين بالطرد من المدرسة والشباب الجانحين‬ ‫مــن نــزالء المؤسســات العقابيــة‪ ،‬إذ شــارك ‪ 124‬ســجيناً‬ ‫في دوراتها التنموية خالل العام الماضي‪ .‬وفي مدرســة‬ ‫ثانوية محلية‪ ،‬نجحت تجربة إلعادة إشــراك الذكور في‬ ‫ّ‬ ‫التعلــم برفــع معــدالت الحضــور إلــى نحــو ‪ 100‬بالمئــة‪،‬‬ ‫بعدما كانت سابقاً نحو ‪ 40‬بالمئة فقط من المشاركين‪.‬‬

‫الشمولية هي من السمات التي تشترك فيها العديد من‬ ‫برامج المؤسسة‪ ،‬إذ تنظم مهرجاناً سنوياً للفنون الجميلة‪،‬‬ ‫يُعد بمثابة معرض جماهيري للفنانين الصاعدين‪ ،‬فضال ً‬ ‫عــن صالــة عــرض مجانيــة فــي مقر المؤسســة‪.‬‬

‫وتتفيد ناتاشا بقولها‪" :‬عدد من هؤالء الفتيان كانوا على‬ ‫وشك الطرد النهائي من المدرسة‪ ،‬لكنهم أصبحوا اآلن‬ ‫طالباً مثاليين بعدما أدركوا الغاية من المدرسة والتعليم"‪.‬‬ ‫على مدى السنوات الماضية‪ ،‬توسّ ع نطاق تركيز المؤسسة‬ ‫إلى مخرجات اجتماعية أخرى غير التعليم‪ ،‬مثل الصحة‬ ‫العامــة ومشــاركة المجتمــع والثقافــة والفنــون‪ .‬و هــي‬ ‫تســتخدم البحــوث أيضــاً الستكشــاف الفجــوات فــي البيئة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬ومعالجة القضايا الشائكة المحتملة‪ ،‬حيث‬ ‫بحثت في عدة مسائل مثل تأثير غياب اآلباء العرب على‬ ‫النجــاح الدراســي لألطفــال‪ ،‬ومســائل أخــرى قــد تغفــل‬ ‫المؤسســات الحكوميــة عــن التدقيــق فيهــا‪ .‬وكانــت تلــك‬ ‫الورقــة البحثيــة قــد خلصــت إلــى وجــود وفــرة مــن الفــرص‬ ‫للشــباب اإلماراتييــن الموهوبيــن‪ ،‬فــي مقابــل نــدرة فــي‬ ‫البرامج التي تستهدف البيئة والشباب المهددين‪ ،‬وغياب‬ ‫شــبه تــام لبرامــج تلبيــة االحتياجــات المتزايــدة للمســنين‬ ‫فــي دولة اإلمارات‪.‬‬

‫أو دولــة اإلمــارات‪ .‬وقــد ســاعدت هــذه الحلقــة مــن إعــادة‬ ‫االستثمار على بناء ثروة من المعرفة في مواضيع متنوعة‬ ‫مثــل ســندات المشــاريع ذات األثــر االجتماعــي والوقــود‬ ‫الحيــوي‪ ،‬فــي إمــارة تغفل عنها عيون الباحثين األجانب‪.‬‬ ‫وتقــول ناتاشــا‪" :‬هــذه لمحــة عــن كيفيــة عمــل مؤسســة‬ ‫القاســمي لتعظيــم األثــر ودفــع عجلــة التنميــة في اإلمارة‪.‬‬ ‫فعندمــا حصلــت علــى درجــة الدكتــوراه في العام ‪،2007‬‬ ‫كان مــن الصعــب العثــور علــى أي مقــاالت بحثيــة تتحدث‬ ‫عــن التعليــم فــي اإلمــارات العربيــة المتحــدة‪ .‬لكننــا عملنــا‬ ‫جاهدين لبناء قدرات الباحثين المحليين وتوليد مجموعة‬ ‫جيــدة مــن األبحاث"‪.‬‬

‫تقــدم المؤسســة أيضــاً منحــاً لطــاب وطالبــات الدكتــوراه‬ ‫بشــرط تنفيــذ جــزء مــن بحوثهــم فــي إمــارة رأس الخيمــة‬

‫هذا النموذج المستند على األدلة يعني أيضاً أن المؤسسة‬ ‫تخــرج أحيانــاً عــن التفكيــر الســائد فــي اتجاهــات التنميــة‬

‫‪42‬‬

‫فــي تقديــم مبــادرات مــن أجــل الصالح العام‪.‬‬

‫وبينمــا يميــل الغــرب إلــى تصويــر النســاء والفتيــات فــي‬ ‫العالم العربي على أنهن يفتقرن إلى الفرص‪ ،‬فإن ناتاشا‬ ‫ريدج تتحدث عن شــكل آخر من االنحياز الجنســي‪ .‬ففي‬ ‫معظم أنحاء الشرق األوسط‪ ،‬تتفوق اإلناث على الذكور‬ ‫فــي جميــع مســتويات التعليــم‪ ،‬مــن المرحلــة االبتدائيــة‬ ‫إلــى الدراســات العليــا‪ ،‬لكــن العديــد من المؤسســات غير‬ ‫الربحية في المنطقة ما تزال تعاني في العثور على تمويل‬ ‫لمبــادرات تســتهدف تطويــر الشــباب الذكــور المحرومين‪.‬‬

‫ً‬ ‫قائلة‪" :‬نحن ال نخبر المدرسين‬ ‫وتتحدث ناتاشا عن ذلك‬ ‫بمــا يحتاجــون إليــه‪ ،‬بــل نقــدم لهــم اســتبياناً فــي بدايــة‬ ‫كل عــام لفهــم ا لــدورات التــي يطلبونهــا ثــم نســتجيب‬ ‫لتلــك االحتياجــات‪ .‬كمــا أننــا نعمل أيضاً مع وزارة التربية‬ ‫لدعــم برامجها"‪.‬‬

‫زمن العطاء‬

‫االجتماعيــة‪ .‬فعلــى ســبيل المثــال‪ ،‬تتخــذ ناتاشــا موقفــاً‬ ‫متشككاً إزاء الدور الذي يمكن أن يلعبه التمويل الخاص‬

‫كمــا يتــم تنظيــم فعاليــات شــهرية متنوعــة منهــا دروس‬ ‫فــي الطيــران والتجد يــف بيــن أ شــجار القــرم فــي رأس‬ ‫الخيمــة للمقيميــن‪ ،‬مــا يســاعد علــى تعزيــز الروابــط بيــن‬ ‫فئــات المجتمــع فــي بلــد تتجــاوز فيــه نســبة الوافد يــن‬ ‫إ لــى المواطنيــن خمســة أضعــاف‪ .‬وتو ضــح ناتا شــا أن‬ ‫"سمو الشيخ حاكم رأس الخيمة حريص على أن تكون‬ ‫اإلمــارة مجتمعــاً متكامـا ً يعتبرهــا النــاس بلد هــم مهمــا‬ ‫كان أصلهــم‪ .‬ويتــم تنظيــم هــذه الفعاليــات كــي تقـ ّرب‬ ‫النــاس مــن بعضهــم"‪.‬‬ ‫كمــا تحــرص ناتاشــا علــى توفيــر فــرص تالقــح األفــكار بيــن‬ ‫عالــم األعمــال التجاريــة والقطــاع غيــر الربحــي‪ ،‬مــن أجــل‬ ‫تعزيــز أثــر القطــاع الثالــث والمســاعدة فــي جــذب مواهــب‬ ‫جديــدة إليه‪.‬‬ ‫وتقــول‪" :‬نحــن نشــجع التقــاء القطاعيــن معــاً ألن ذلــك‬ ‫يؤدي إلى تحسين كل منهما‪ .‬كما أننا نريد رؤية المزيد‬ ‫مــن النســاء فــي الشــركات التجاريــة والمزيــد مــن الرجــال‬ ‫فــي القطــاع غيــر الربحــي‪ ،‬ألن ذلــك يحقــق توازنــاً أفضــل‪،‬‬ ‫ونحــن بحاجــة إلــى عقليــة شــمولية فــي كال المجاليــن"‪.‬‬


‫يعد‬

‫ً‬ ‫خدمـــة‬ ‫التعليـــم فـــي األردن‬ ‫محــدودة التوافــر‪ ،‬إذ أن ســنوات مــن‬ ‫الفوضــى علــى حــدود المملكــة مــع‬ ‫ســوريا والعــراق وضعــت االقتصــاد‬ ‫األردنــي تحــت ضغــط كبيــر‪ ،‬كمــا أدت اســتضافة نحــو ‪1.3‬‬ ‫مليــون الجــئ أدى إلــى زيــادة ســكانية كبيــرة واســتنزاف‬ ‫لموارد البالد‪.‬‬

‫كل هــذا أدى إلــى تــآكل قــدرة األردن علــى توفيــر التعليــم‬ ‫لمجموعــات مثــل األطفــال فــي ســنّ مــا قبــل المدرســة‬ ‫والالجئيــن والشــباب الذيــن يريــدون اكتســاب مهــارات‬ ‫مهنيــة‪ .‬وفــي بلــد تناهــز فيــه نســبة البطالــة ‪ 18‬بالمئــة‪،‬‬ ‫وتراجــع نمــوه االقتصــادي فــي العــام الماضــي إلــى نســبة‬ ‫‪ 2‬بالمئــة‪ ،‬فــإن ذلــك ينطــوي علــى مخاطــر بعيــدة المــدى‪.‬‬ ‫وتقول هيفاء العطية‪ ،‬الرئيس التنفيذي السابق لمؤسسة‬ ‫الملكة رانيا للتعليم والتنمية‪" :‬عندما أنظر إلى األردن‪،‬‬ ‫أرى فرصة سكانية وفرصة اقتصادية‪ ،‬فقد تسببت أفواج‬ ‫الالجئين بطفرة في عدد السكان‪ ،‬ما جعل مواكبة زيادة‬ ‫الطلــب علــى الخدمــات أمــراً صعبــاً‪ .‬لكــن إذا ُتركــت هــذه‬ ‫الشــريحة مــن المجتمــع دون أمــل أو مســاعدة‪ ،‬ودون‬ ‫فرصــة فــي التعليــم‪ ،‬فــإن هــذه الفرصــة للنمــو ســتتحول‬ ‫إلى مشــكلة"‪.‬‬ ‫أطلقــت مؤسســة الملكــة رانيــا للتعليــم والتنميــة تطبيقــاً‬ ‫رقمياً مجانياً يهدف لتطوير مهارات الحساب والمهارات‬

‫االجتماعية في مرحلة ما قبل المدرسة كاستجابة للفرص‬ ‫المحــدودة فــي الحصــول علــى تعليــم جيــد فــي الطفولــة‬ ‫المبكرة‪ ،‬إذ أن نسبة األطفال الصغار الذين يذهبون إلى‬ ‫الحضانــة فــي األردن ال تتجــاوز ‪ 25‬بالمئــة‪.‬‬

‫وقد تم تنزيل هذا التطبيق الذي تمّ تفعيله في ديسمبر‬ ‫الماضــي أكثــر مــن ‪ 300‬ألــف مــرة‪ ،‬وتــم تســجيل أكثــر مــن‬ ‫‪ 3.2‬مليون جلسة تعلم ضمنه‪ .‬وهو يهدف إلى المساعدة‬ ‫ّ‬ ‫التعلــم الفعلية‪.‬‬ ‫فــي ســدّ النقــص فــي مراكــز‬ ‫وتقــول هيفــاء‪ ،‬التــي تركــت منصبهــا فــي شــهر أغســطس‬ ‫الماضي بعد خمس ســنوات فيه‪" :‬أعتقد أن ذلك يظهر‬ ‫ّ‬ ‫تعطــش النــاس لهــذا النــوع مــن الخدمــات‪ .‬فهــو يســمح‬ ‫ّ‬ ‫لألطفــال بالتعلــم مــن خــال اللعــب‪ ،‬كمــا أ نــه تطبيــق‬ ‫مجانــي‪ ،‬ويحفــز مشــاركة األهــل فــي تعلــم أبنائهــم‪ .‬وإذا‬ ‫كنــا ال نســتطيع تســجيل جميــع األطفــال فــي المــدارس‬ ‫العامــة‪ ،‬فأقــل مــا يمكننــا هــو تقديم مــا يمكننا من دعم‪،‬‬ ‫بينمــا تعمــل الحكومــة علــى توفيــر التعليــم للجميــع"‪.‬‬ ‫سوف نجد الكثير من أعمال مؤسسة الملكة رانيا للتعليم‬ ‫والتنمية تجمع بين التقنية والتعليم‪ ،‬حيث تم إطالقها‬ ‫فــي العــام ‪ 2013‬مــن قبــل ملكــة األردن رانيــا العبــد اللــه‬ ‫بهدف االرتقاء بالتعلم إلى آفاق جديدة من خالل إيجاد‬ ‫وتحفيــز وتوســيع نطــاق حلــول مبتكــرة وفعالــة مــن حيــث‬ ‫التكلفة لما يتعرض له التعليم في األردن من تحديات‪.‬‬ ‫وإلــى جانــب احتضــان األفــكار الجديــدة لتغييــر التعليــم‪،‬‬

‫"نحن نستقصي ثالثة‬ ‫أمور أساسية عبر‬ ‫األسئلة التالية‪ :‬هل‬ ‫المشروع مؤثر‪ ،‬وهل‬ ‫هو قابل للتوسع‪،‬‬ ‫وهل هو مستدام؟"‬

‫تســتثمر المؤسســة فــي البحــوث لتوجيــه عملهــا‪ ،‬حيــث‬ ‫يمكــن تطبيــق المبــادرات التــي تكتســب زخمــاً فــي األردن‬ ‫فــي مناطــق أخــرى من الشــرق األوســط وخارجه‪.‬‬ ‫وتقول هيفاء‪" :‬األردن هو مختبرنا‪ ،‬لكن عملنا ينطبق على‬ ‫المجتمعات العربية سواءً تلك المتواجدة في اليونان أو‬ ‫ألمانيــا أو المملكــة العربيــة الســعودية وأكثــر مــن ذلــك"‪.‬‬ ‫كانت هذه االستراتيجية الحافز وراء برنامج إدراك‪ ،‬وهو‬ ‫أول دورة جماعيــة مفتوحــة علــى اإلنترنــت وغيــر ربحيــة‬ ‫باللغــة العربيــة علــى مســتوى المنطقــة‪ ،‬حيــث تــم بناؤها‬ ‫باســتخدام تقنيــات مفتوحــة المصــدر مــن تطويــر جامعــة‬ ‫هارفــارد ومعهــد ماساتشوســتس للتقنيــة‪ .‬وتتطــرق هــذه‬ ‫الــدورات إلــى موضوعــات متنوعــة منها مهارات التوظيف‬ ‫وعلم الروبوتات والدعم العالجي‪ ،‬وهي مصممة لمنح‬ ‫الدارسين العرب منصة مجانية للتعليم المستمر‪ .‬وفي‬ ‫األعــوام الثــاث التــي تلــت إطــاق البرنامــج‪ ،‬اشــترك فــي‬ ‫ّ‬ ‫متعلــم‪ ،‬وانضمــوا إلــى منحنــى‬ ‫إدراك أكثــر مــن مليــون‬ ‫التعلــم الرقمــي ا لــذي كان حتــى ذلــك الحيــن يتجاهــل‬ ‫الناطقيــن بالعربيــة إلــى حــد كبيــر بســبب نــدرة المحتــوى‪.‬‬ ‫وتتابــع هيفــاء حديثهــا قائلــة‪" :‬أردنــا تقديــم دورات تثــري‬ ‫حيــاة النــاس‪ :‬ســواء مــن خــال مســاعدتهم فــي الحصول‬ ‫على وظائف‪ ،‬أو تطوير مهاراتهم‪ ،‬أو العودة للتعلم بعد‬ ‫انقطاع كما هي حال العديد من العرب النازحين الذين ال‬ ‫يستطيعون دخول المدرسة أو الجامعة‪ .‬فمثالً‪ ،‬لو كنت‬ ‫امرأة في المملكة العربية السعودية‪ ،‬أو شاباً في اليمن‬ ‫يرغــب فــي مواصلــة التعلــم‪ ،‬فنحــن نجعــل ذلــك ممكنــاً"‪.‬‬ ‫كما تفرعت المنصة لتوفر التعليم لألطفال‪ ،‬حيث حظيت‬ ‫بمنحــة قدرهــا ‪ 3‬مالييــن دوالر مــن مؤسســة غوغــل غيــر‬ ‫الربحية كي تقدّ م التعلم التفاعلي للطالب في الصفوف‬

‫من السادس إلى الثاني عشر‪ ،‬وذلك بإنشاء فصل دراسي‬ ‫افتراضــي قائــم علــى محتــوى تعليمــي وأدوات وألعــاب‬ ‫باللغــة العربيــة‪ .‬ويهــدف الموقــع إلــى أن يكــون مصــدراً‬ ‫ليــس لألطفــال فحســب‪ ،‬بــل أيضــاً للمعلميــن والمــدارس‬ ‫التــي تفتقــر للمــوارد فــي جميــع أنحــاء المنطقــة‪.‬‬ ‫وعن ذلك تقول هيفاء‪" :‬هذه حلول رائعة تسخر التقنية‬ ‫من أجل المساعدة في إصالح النظام التعليمي وتوسيع‬ ‫نطاقــه‪ .‬وهــي الســبيل األمثــل للمســاعدة فــي دولــة مثــل‬ ‫األردن‪ ،‬حيــث تزدحــم المــدارس وتضطــر للعمــل علــى‬ ‫فترتيــن أو ثــاث فتــرات يوميــاً فــي محاولــة الســتيعاب‬ ‫الطلبــة الالجئيــن"‪.‬‬ ‫ويرجــع جــزء مــن األفضليــة التنافســية التــي تمتــاز بهــا‬ ‫مؤسســة الملكــة رانيــا إلــى شــخصية مؤسســتها‪ ،‬فســمو‬ ‫الملكة رانيا من أشهر الناشطين في دعم التعليم‪ ،‬وقد‬ ‫ســخرت منصبهــا وشــهرتها علــى مــدى ســنوات للضغــط‬ ‫مــن أجــل اإلصــاح‪ .‬وتشــمل محفظــة تمويــل المؤسســة‬ ‫شــركاء مــن األردن وخارجهــا‪ .‬ففــي شــهر ما يــو‪ ،‬قــدّ م‬ ‫جــاك مــا‪ ،‬مؤســس شــركة "علــي بابــا" الصينيــة العمالقــة‬ ‫مبلــغ ‪ 3‬مالييــن دوالر لدعــم أعمــال المؤسســة‪ ،‬فــي حين‬ ‫تساهم مبيعات نماذج التعلم عبر اإلنترنت التي طورتها‬ ‫المؤسســة فــي دعم أنشــطتها‪.‬‬ ‫كما تعدّ الشراكات مع كيانات مثل وزارة التنمية الدولية‬ ‫البريطانيــة ووزارة التربيــة والتعليــم األردنية مهمة أيضاً‪.‬‬ ‫وفضـا ً عــن ذلــك‪ ،‬يعمــل فريــق المؤسســة أيضــاً لتقديــم‬ ‫أعمال المؤسسة وفق أرقى المعايير‪ ،‬باستخدام أدوات‬ ‫من بينها مجموعات المراقبة العشوائية وأدوات قياس‬ ‫النتائج وتتبع األثر‪ .‬وتضيف هيفاء‪" :‬في كل مشروع تدخل‬ ‫فيــه المؤسســة‪ ،‬نحــن نســتقصي ثالثــة أمــور أساســية عبر‬ ‫األســئلة التاليــة‪ :‬هــل هــو مؤثــر‪ ،‬وهــل هــو قابــل للتوســع‪،‬‬ ‫وهــل هو مســتدام؟"‪.‬‬ ‫إلى جانب ذلك‪ ،‬فإن المؤسسة مستعدة أيضاً للدخول‬ ‫في مشاريع ومبادرات بعيدة المدى‪ ،‬ففي شهر سبتمبر‪،‬‬ ‫كشفت المؤسسة النقاب عن مسابقة لشركات التعليم‬ ‫الناشئة في المنطقة‪ ،‬حيث قدمت ثالث منح تبلغ قيمتها‬ ‫اإلجمالية ‪ 200‬ألف دوالر دعماً لريادة األعمال واالبتكار‬ ‫فــي هــذا القطاع‪.‬‬ ‫وتنطبــق عقليــة النمــو ذاتهــا علــى فريــق عمــل المؤسســة‪،‬‬ ‫والذي تمثل النساء أكثر من نصفه‪ ،‬حيث تمتاز مؤسسة‬ ‫الملكــة رانيــا للتعليــم والتنميــة بثقافــة داخليــة قويــة فــي‬ ‫جانب التوجيه واإلرشاد‪ ،‬ونجد الكثير من أعضاء فريق‬ ‫اإلدارة العليا‪ ،‬بمن فيهم الرئيس التنفيذي الجديد‪ ،‬هم‬ ‫مــن موظفيهــا الــذي ّ‬ ‫ترقــوا عبــر درجــات الســلم الوظيفــي‪.‬‬ ‫وعن ذلك تقول هيفاء العطية‪" :‬كانت رؤيتي دائماً هي‬ ‫أن أترك مؤسسة الملكة رانيا للتعليم والتنمية في أيدي‬ ‫هــؤالء الشــباب الذيــن يؤمنــون برســالتها ويســتطيعون‬ ‫تحقيقهــا‪ .‬و قــد حرصــت علــى مســاعدتهم وتوجيههــم‬ ‫واستثمرت فيهم‪ ،‬وأعتقد أنهم أناس رائعون"‪—.‬‬

‫زمن العطاء‬

‫‪45‬‬


‫وتقــول إيمــان عــن ذلــك‪" :‬إن المنظمــات التــي تعمــل مــع‬ ‫الزوجات اللواتي يتعرضن للضرب‪ ،‬أو الجانحين األحداث‪،‬‬ ‫أو تشجع التسامح في المناطق الريفية‪ ،‬لن تتمكن أبداً‬ ‫مــن قيــاس العائــد بصــورة ماليــة‪ .‬لكــن االســتثمار فــي مثل‬ ‫تلــك المنظمــات ينبغــي اعتبــاره ضريبــة اجتماعيــة‪ .‬انهــا‬ ‫ليست صدقات أو تبرعات‪ ،‬لكنها في الوقت ذاته مساهمة‬ ‫بالغــة األهميــة فــي بنــاء مجتمــع متناغــم"‪.‬‬ ‫على مدى ثالثة عقود من العمل التنموي‪ ،‬لعبت إيمان‬ ‫بيبــرس دوراً فــي الثــورة الهادئــة لقطــاع المنظمــات غيــر‬ ‫الربحيــة فــي منطقــة الشــرق األوســط‪ .‬ففــي الســنوات‬ ‫األولــى بعــد إطــاق أشــوكا فــي العــام ‪ ،2003‬كانــت إيمــان‬ ‫تع ّرف المؤسسة على أنها "تستثمر في تمويل المشاريع‬ ‫االجتماعية"‪ ،‬ما حيّر المانحين الذين لم يكونوا يعرفون‬ ‫الكثيــر عــن مصطلــح ريــادة األعمــال االجتماعيــة‪.‬‬ ‫أما اليوم‪ ،‬فهي تقول أن القطاع تقدم بخطوات كبيرة‪،‬‬ ‫ويرجع جزء كبير من ذلك إلى موجة القيادات النسائية‬ ‫اللواتــي ســاعدن فــي إضفــاء الطابــع المهنــي علــى العمــل‬ ‫غيــر الربحي‪.‬‬ ‫"إنهن نساء عظيمات يجمعن بين المؤهالت التعليمية‬ ‫والدرايــة وحســن التصــرف‪ ،‬وســاهمن فــي تحقيــق تحــول‬ ‫جــذري فــي هــذا القطــاع‪ ،‬إذ لــم يعــد مجرد شــبكة لتوزيع‬ ‫الصدقــات كمــا كان فــي جيــل أمهاتنــا‪ ،‬حيــن اقتصــر دور‬ ‫المرأة على تقبيل األطفال‪ .‬بل نرى اليوم شخصيات نسائية‬ ‫قوية ومؤسســات غير حكومية قوية تحقق أثراً عميقاً"‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬فــإنّ عــدد النســاء اللواتــي يشــغلن مناصــب‬ ‫عليا في القطاع غير الربحي يوضح أيضاً عوائق األعمال‬ ‫والسياسة التي ما تزال تقف في وجههن‪ ،‬إذ تشغل النساء‬ ‫أقــل مــن ‪ 2‬بالمئــة مــن مقاعــد مجالــس اإلدارة فــي دول‬ ‫الخليــج العربيــة‪ ،‬وفقــاً لبيانــات منظمــة العمــل الدوليــة‪،‬‬ ‫فــي حيــن يتــراوح حضــور المــرأة علــى المســتوى التنفيــذي‬ ‫مــن ‪ 17‬بالمئــة فــي اإلمــارات إلــى ‪ 7‬بالمئــة فقــط فــي قطر‪.‬‬ ‫وتقــول إيمــان‪" :‬ليــس لدينــا نــادي أخويــة للفتيــات‪ ،‬أو‬ ‫عالقات مع شبكات تمويل‪ ،‬ونحن ال نتحكم في األموال"‪.‬‬ ‫ونتيجــة لذلــك‪ ،‬فــإن القطــاع غيــر الربحــي األكثــر انفتاحــاً‬ ‫يوفــر للنســاء الطموحــات فرصــة أكبــر للقيــادة بالمقارنــة‬ ‫مع عالم األعمال التجارية‪ .‬وتســاهم ديناميكية الســلطة‬ ‫ذاتهــا فــي تهميــش القطــاع ووصفــه بأنــه مجــرد تبرعــات‬ ‫خيرية أو شكل مبهرج لتقديم الرعاية‪ ،‬كما تقول إيمان‪.‬‬ ‫فــي حيــن أن القطــاع الخــاص الــذي يهيمــن عليــه الذكــور‬ ‫يمتلك الموارد والنفوذ‪ ،‬ويموّل فقط األعمال التي يراها‬ ‫مناسبة‪ ،‬فإن القطاع غير الربحي يعاني من أجل الحصول‬ ‫على الثبات المطلوب لتحمل المخاطر واالبتكار وتقديم‬ ‫حلول جديدة للمشاكل القديمة‪" .‬يرجع األمر في نهاية‬ ‫المطــاف إلــى تســاؤل بســيط‪ :‬مــن بيــده المــال والنفــوذ؟‬ ‫عندمــا يلتقــي كثيــر مــن المانحيــن الرجــال بــي أو بمنظمــة‬ ‫غير ربحية تقودها امرأة‪ّ ،‬‬ ‫فإنهم يفترضون دون تمحيص‬

‫‪44‬‬

‫زمن العطاء‬

‫أنّ األمــر يتعلــق بالتبرعــات والعمــل الخيــري التقليــدي‪.‬‬ ‫ويقترحــون علـ ّـي التحــدث إلــى زوجاتهــم‪ .‬يجــب أن ترتقــي‬ ‫بيئة األعمال التجارية عن هذه األفكار المسبقة كي ترانا‬ ‫علــى حقيقتنــا وتعتــرف باألثــر الــذي نحققــه"‪.‬‬ ‫ويتطلــب إ صــاح ذلــك تغييــر الســرد وتثقيــف المنطقــة‬ ‫عــن الفــارق بيــن العمــل الخيــري التقليــدي واالســتثمار‬ ‫االجتماعــي‪ .‬كمــا يعنــي أيضــاً اســتهداف الجيــل التالــي‬ ‫وترســيخ فكــرة المســؤولية االجتماعيــة فــي المــدارس‪.‬‬ ‫فــي مصــر‪ ،‬تعمــل أشــوكا العالــم العربــي مــع ‪ 20‬مدرســة‬ ‫في برنامج "ابدأ التقمص العاطفي"‪ ،‬والذي يهدف إلى‬ ‫االرتقاء بالذكاء العاطفي لقادة المستقبل‪ .‬وترغب إيمان‬ ‫بيبرس في توســيع هذا العمل ليشــمل الجامعات أيضاً‪.‬‬ ‫وتقول‪" :‬نحن جميعاً نتشارك مسؤولية تغيير المجتمع‬ ‫نحــو األفضــل‪ .‬ومــن مصلحــة الجميــع أن نبــدأ بذلــك"‪.‬‬

‫االبتكار من‬ ‫أجـل التأثير‬

‫هيفاء العطية هي الرئيس التنفيذي السابق لمؤسسة الملكة‬ ‫رانيا للتعليم والتنمية‪ ،‬والتي تهدف إلى تطوير التعليم في‬ ‫األردن وعموم المنطقة‬



‫صورة واحدة‬ ‫تختصر ألف كلمة‬ ‫خالل حديث له في العام ‪ 2009‬حول مرض المالريا في‬ ‫أحد مؤتمرات "تيد" (‪ )TED Talk‬أطلق رائد العطاء العالمي‬ ‫بيل غيتس مجموعة من البعوض في قاعة المؤتمر‪ ،‬ما‬ ‫أدهش الحضور الذين تلقى بعضهم اللسعات‪ .‬لكن رسالة‬ ‫ملياردير التكنولوجيا كانت واضحة ما فيه الكفاية عندما قال‬ ‫لجمهوره‪" :‬ليس هناك أي مبرر ألن يختبر الفقراء وحدهم‬ ‫غير سواهم هذه التجربة"‪.‬‬ ‫تصيب عدوى المالريا نحو ‪ 21‬مليون شخص حول‬ ‫العالم كل عام‪ ،‬غالبيتهم يعيشون في أفقر الدول‪ .‬وما‬ ‫يقارب نصف المليون من هذه اإلصابات التي تسببها لسعة‬ ‫البعوض تكون مميتة‪ ،‬ما يجعل هذه الحشرة الصغيرة‬ ‫أخطر فصائل الحيوانات على وجه األرض‪ .‬لكن إن سارت‬ ‫األمور كما يسعى لها غيتس فسوف تتضائل مخاوف الناس ـ‬ ‫إن كانو أغنياء أم فقراء ـ من اإلصابة بالمالريا‪.‬‬ ‫وتعهد غيتس بتقديم هبة بقيمة ‪ 31‬مليون دوالر إلى‬ ‫صندوق القضاء على المالريا في أميركا الوسطى‪ ،‬الذي‬ ‫يهدف إلى إنهاء المرض في سبع دول في المنطقة باإلضافة‬ ‫إلى جمهورية الدومنيون‪ .‬ويدعم أيضاً هذه الخطة التي‬ ‫ستدوم لفترة خمسة أعوام كل من مؤسسة كارلوس‬ ‫سليم الخيرية وبنك إنتر أميريكن للتنمية‪ ،‬ما من شأنه‬ ‫جلب تمويالت جديدة بقيمة ‪ 83.6‬مليون دوالر لمساعدة‬ ‫المنطقة في حملتها للقضاء على المالريا‪ .‬وقد شهدت‬ ‫المنطقة تراجعاً بنسبة ‪ 90‬بالمئة في إصابات المالريا منذ‬ ‫العام ‪.2000‬‬ ‫وتسعى "المبادرة اإلقليمية للقضاء على المالريا" إلى ردم‬ ‫الفجوتين التمويلية والفنية‪ ،‬وتعزيز أنظمة الرعاية الصحية‬ ‫في المنطقة‪ ،‬فضال ً عن تقديم البرهان على أنه باإلمكان‬ ‫القضاء فعلياً على المالريا باستخدام الوسائل المتوفرة‪،‬‬ ‫حسب ما أفاد به غيتس‪ .‬وسيكون لنجاح هذه المبادرة‬ ‫صدى في الجهود الرامية لمكافحة أمراض أخرى مثل حمى‬ ‫الدنغ وفيروس زيكا‪ .‬قد يكون القضاء على المالريا بالكامل‬ ‫في المنطقة هدفاً طموحاً‪ ،‬لكنه يبدو أن المبادرة جادة جداً‬ ‫في مساعيها‪.‬‬ ‫باوال برونشتاين ‪ /‬جيتي إيميجز‬

‫‪46‬‬

‫زمن العطاء‬


‫قطاع‬

‫العمــل الخيــري العالمي‬ ‫هــو اليــوم فــي مرحلــة حرجــة؛‬ ‫فالهجــرات الجماعيــة‪ ،‬والتغيــر‬ ‫المناخــي‪ ،‬وخطــر إنشــار األوبئة‬ ‫علــى نطــاق واســع‪ ،‬فضـا ً عــن عــدم المســاواة المتنامــي علــى‬ ‫عــدة أصعــدة‪ ،‬هــي جــزء مــن عشــرات التحديــات البالغــة‬ ‫التعقيــد والتــي تتخطــى الحــدود بيــن الــدول لتؤثــر علينــا‬ ‫جميعــاً أينمــا كنــا‪ .‬ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬فــإن النمــو االقتصــادي‬ ‫الضعيــف يحــول األنظــار مجدداً نحو العطــاء الخيري الخاص‬ ‫أمال ً بأن يساعد على ردم الفجوة في اإلنفاق العام‪ .‬هذه هي‬ ‫بعــض األســباب التــي تدفــع بأعــداد أكبــر مــن األفــراد الســتباق‬ ‫األمور واستخدام ثروتهم ونفوذهم إليجاد طروحات جديدة‬ ‫ومبتكــرة للتعامــل مــع التحديــات العالميــة‪ ،‬والدفــع بعجلــة‬ ‫التغييــر االجتماعــي الفعــال‪ .‬وبمــا يتســمون بــه مــن همّ ــة‬ ‫وحمــاس‪ ،‬يتصــدر اليــوم هــؤالء األفــراد عمليــة تغييــر مشــهد‬ ‫العطاء والعمل الخيري‪.‬‬ ‫قــد تكــون إحــدى أكبــر التحديات التي تواجه رواد العطاء‬ ‫هي أنه ليس هناك من نموذج أو قالب واحد يمكنهم اتباعه‬ ‫لضمــان أن يكــون عطاؤهــم موثــراً بالفعــل ومســتداماً‪ .‬وغالبــاً‬ ‫مــا تكــون هنــاك تباينــات ـ وحتــى تناقضــات أحيانــاً ـ فــي الطــرق‬ ‫التــي يعتمدهــا رواد العطــاء وهــم يحاولــون إحــداث الفــرق فــي‬ ‫المجتمع‪ .‬وضمن المساعي الهادفة لإلحاطة بهذا الموضوع‬ ‫وتحديــد المفاهيــم التــي ستســاهم فــي تشــكيل وتقــدم القطــاع‬ ‫الخيــري علــى مــدى الســنوات العشــر القادمــة‪ ،‬نظــم القيمــون‬ ‫على البرنامج الدولي غير الربحي "أجندة المستقبل" سلسلة‬ ‫من ورشــات العمل شــاركت فيه ثمان مدن من حول العالم‪.‬‬ ‫وضمــت ورشــات العمــل مــا يزيــد عــن ‪ 200‬خبيــر مــن القطــاع‬ ‫الخيري واألكاديمي والحكومي واألعمال‪ ،‬إجتمعوا سوية في‬ ‫مدن شملت دبي‪ ،‬وكوااللمبور‪ ،‬ولندن‪ ،‬وممباي‪ ،‬وسنغافورة‪،‬‬ ‫وواشنطن‪ ،‬لتبادل ومناقشة األفكار حول مستقبل العطاء‪.‬‬ ‫تســلط هــذه المقالــة الضــوء علــى أبــرز المواضيــع التــي تــم‬ ‫بحثهــا فــي هــذا الشــأن فــي دبــي‪ ،‬فضال ً عــن تقديم تصور حول‬ ‫المسار الذي يمكن أن يسلكه عالم العطاء في دولة اإلمارات‬ ‫العربية المتحدة من جهة تطوره وتأقلمه مع متطلبات العصر‬ ‫على مدى العقد القادم من الزمن‪.‬‬ ‫زمن العطاء‬

‫‪49‬‬


‫مستقبل‬ ‫األعمال الخيرية‬

‫بقلم‪ :‬كارولين ديوينغ‬

‫طرحت مجلة زمن العطاء بعض األفكار والتيارات المؤثرة‬ ‫على قطاع العمل الخيري في دولة اإلمارات العربية المتحدة‬ ‫على مجموعة من الخبراء في هذا المجال‪ ،‬وطلبت منهم‬ ‫أن يرتبوا هذه المؤثرات وفقاً ألهميتها بنظرهم في تشكيل‬ ‫هذا القطاع في المستقبل القريب والمتوسط‪ .‬تنقل لكم‬ ‫هذه المقالة خالصة آرائهم‬ ‫‪48‬‬

‫زمن العطاء‬


‫الوعــي بالقضايــا االجتماعيــة بشــكل واســع‪ ،‬مــا سيشــجع‬ ‫الحكومات على التخفيف من قيودها على انتقال األموال‪،‬‬ ‫وهذا بدوره سيمنح الجمهور حرية أوسع في أن يدعموا‬ ‫مباشــرة القضيــة التــي تهمهــم أكثــر مــن غيرهــا‪ .‬وفي نفس‬ ‫الوقــت ســتوفر التطبيقــات الذكيــة للبيانــات إمكانيــة أن‬ ‫يتتبع المانحون مسار تبرعاتهم ويرصدون األثر اإليجابي‬ ‫الــذي تحدثــه فــي القضيــة التــي يدعمونهــا‪ ،‬وهذا سيشــكل‬ ‫ضغطاً على المنظمات غير الربحية ألن ترفع من مستوى‬ ‫شفافيتها من جهة كيفية وموقع إنفاق أموال المانحين‪.‬‬ ‫التفكير الجماعي‬ ‫كما شدد الخبراء المشاركون على أهمية التعاون الوثيق‬ ‫بين الفاعلين في مجال العمل الخيري في دولة اإلمارات‪،‬‬ ‫والفوائد الناتجة عن تجميع المعلومات الالزمة ومشاركتها‬ ‫وتبادل المعرفة بطريقة فعالة وعند الطلب‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫مــن إنهــم نوهــوا بوجــود جهــود حســنة للتعــاون‪ ،‬إال أنهــم‬ ‫إتفقوا على أن مشهد العطاء في الشرق األوسط ما يزال‬ ‫مشتتاً بشكل ال يسمح إلحداث األثر المطلوب‪ ،‬كما أشاروا‬ ‫إلى أنه في غياب إرادات متكاتفة‪ ،‬بدأت تظهر العديد من‬ ‫المبادرات على المستوى الشعبي‪ ،‬وهي تسعى ألن تحقق‬ ‫النجاح حيث فشلت المساعدات التقليدية‪.‬‬ ‫أحــد األســباب التــي طرحــت لهــذا التشــتت يتمثــل بفقــدان‬ ‫الثقة بين المنظمات المتنافسة‪ ،‬وهو ما يجعل مستوى‬ ‫تبــادل المعلومــات علــى حــده األدنــى‪ .‬كمــا أن الشــح فــي‬ ‫المعلومــات المحليــة الدقيقــة يزيــد جهــود رواد العطــاء‬ ‫صعوبــة عندمــا يحاولــون تقديــر حجــم ونــوع احتياجــات‬ ‫المجتمعات المحلية‪ .‬ويعد هذا السبب الرئيسي لتوجيه‬ ‫عدد من المانحين هباتهم إلى الخارج‪ ،‬إذ أنهم ال يشعرون‬ ‫بثقــة تامــة أن المنظمــات غيــر الحكوميــة المحليــة تمتلــك‬ ‫الفعالية الكافية إلحداث األثر‪.‬‬ ‫ال شك أن النفاذ إلى البيانات الدقيقة والصحيحة سيساعد‬ ‫فــي معالجــة هــذه المشــكلة‪ ،‬كمــا قــد يــؤدي إلــى نقلــة وإن‬ ‫كانــت تدريجيــة فــي مشــهد العمــل الخيــري مــن وحــدات‬ ‫تشغيلية معزولة عن بعضها البعض إلى عمل تعاوني في‬ ‫مختلف المجاالت‪ ،‬سواء كان من جهة جمع التبرعات‪ ،‬أو‬ ‫تخصيص التمويل‪ ،‬أو تقديم الخدمات‪ .‬وهذا يوفر أيضاً‬ ‫الفرصة للمانحين ألن يكوّنوا صورة أوضح حول المنظمات‬ ‫القادرة على تطوير وتقديم الحلول للتحديات المحلية‪.‬‬ ‫ويعتقد الكثيرون أن هذه الشفافية والمشاركة من شأنها‬ ‫أن تشــجع الشــركات والجامعــات والمؤسســات الدينيــة‬ ‫علــى العمــل بشــكل أوثــق مــع المنظمــات غيــر الحكوميــة‬ ‫والمشاريع االجتماعية بهدف خلق قيمة مشتركة‪ .‬وال شك‬ ‫أن توفر المعلومات والبيانات سيتيح المجال ألن تتعاون‬

‫الحكومــات مــع أصحــاب المصلحــة فــي صنــع سياســات‬ ‫فعالــة‪ .‬ويبقــى القــول أن تبــادل المعلومــات حــول أفضــل‬ ‫الممارسات وقصص النجاح عبر حدود الدول سيقلل من‬ ‫إزدواجية الجهود وأثر أكبر لكل دوالر ينفق‪.‬‬ ‫بين األهداف العالمية وحاجات المنطقة‬ ‫تضاربت آراء الخبراء حول الدور الذي ممكن أن تلعبه أهداف‬ ‫التنمية المستدامة التي أعلنتها األمم المتحدة في تشكيل‬ ‫مشــهد العطــاء فــي المنطقــة‪ .‬ففــي الوقــت الــذي أجمعــت‬ ‫األكثرية على أن األهداف‪ ،‬والتي تشمل إنهاء المعاناة من‬ ‫الجوع حول العالم وتبني نهج لالستدامة‪ ،‬يمكنها أن تكون‬ ‫بمثابة خطوط عريضة للفاعلين في القطاع الخاص‪ .‬لكن‬ ‫البعض اآلخر اعتبر أن الطبيعة العالمية لألهداف تجعلها‬ ‫تحيــد بالجهــود عــن التحديــات المحليــة الملحة‪ ،‬وتصرف‬ ‫أنظارالناس عن حاجات حقيقية في المنطقة‪.‬‬ ‫وبالنتيجة‪ ،‬إعتبر المشاركون أنه قد يكون من المجدي أن‬ ‫يتم تقييم األهداف العالمية من وجهة نظر إقليمية لكي‬ ‫يتم تسخيرها لمعالجة تحديات المنطقة‪ .‬وهذا سيتطلب‬ ‫وضوحاً في رؤية مشاكل المنطقة وعالقاتها مع بعضها‬ ‫البعض‪ ،‬فضال ً عن شفافية عالية ومحاسبة دقيقة حول‬ ‫مسار المبادرات‪ .‬الوضوح في الرؤية سيشجع الحكومات‬ ‫فــي المنطقــة علــى تخفيــف القوانيــن التــي تحكــم عمليــات‬ ‫تمويل الحشود مثل "جست غيفينغ" و "غو فند مي"‪.‬‬

‫الدولييــن‪ ،‬أو المواطنيــن المدعوميــن مــن الجماهيــر‪ ،‬هي‬ ‫ضرورية لنجاح الجهود‪.‬‬ ‫نظرة إلى المستقبل‬ ‫سوف يشهد قطاع العمل الخيري تغييرات كبيرة على مدى‬ ‫العقد القادم‪ ،‬ومن دوافع ذلك‪ :‬التقنية الرقمية‪ ،‬واهتمام‬ ‫جيــل األلفيــة‪ ،‬وضغوطــات عــدم المســاواة االجتماعيــة‪،‬‬ ‫والتحــول العالمــي جنوبــاً وشــرقاً فــي القــوة االقتصاديــة‪.‬‬ ‫ومــع تغيــر توجهــات وســلوكيات العالقــات االجتماعيــة‬ ‫لتواكــب العصــر الحديــث الــذي غــدا أكثــر اتصــاالً واعتمــاداً‬ ‫علــى البيانــات‪ ،‬ســتتغير أيضــاً ســمات وتوجهــات األعمــال‬ ‫الخيريــة‪ .‬وعلــى الرغــم مــن بعــض المخــاوف‪ ،‬فإننــا نلمس‬ ‫قدراً كبيراً من الحماسة إزاء مستقبل العطاء في المنطقة‬ ‫العربيــة‪ ،‬مــع اإليمــان بــأنّ الســعي لمعالجــة التحديــات‬ ‫االجتماعية سيمهد لظهور حلول تعاونية منهجية واسعة‬ ‫النطاق وبعيدة المدى‪.‬‬ ‫ربما أصبح عمل الخير على أكمل وجه أكثر صعوبة من‬ ‫أيّ وقــت مضــى‪ ،‬لكــنّ عــدد النــاس الذيــن يحاولــون ذلــك‪،‬‬ ‫بطرق عديدة ومختلفة‪ ،‬هو أيضاً أكبر من السابق‪ .‬وستكون‬ ‫القيــادة الرشــيدة والناجحــة‪ ،‬ســواءً مــن قبــل الحكومــات‬ ‫أو النخــب العالميــة أو حتــى المواطنيــن المدعوميــن بقوة‬ ‫المجتمع‪ ،‬شرطاً أساسياً لنجاح هذه المحاوالت‪.‬‬

‫وفضال ً عن تأثير هذا في تمكين الجمهور من دعم القضايا‬ ‫األقرب لهم‪ ،‬ســيكون بإمكان الشــركات أن تبني على هذا‬ ‫النهــج مــن خــال إطــاق مبــادرات التبــرع بمبالــغ تماثــل مــا‬ ‫يتبرع به موظفيها‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬أو إقامة عروض‬ ‫تجارية تشجع على التبرع‪.‬‬ ‫وخلــص الخبــراء إلــى أن الزخــم الــذي تحدثــه التكنولوجيــا‬ ‫الرقمية‪ ،‬وإهتمام جيل األلفية‪ ،‬فضال ً عن تنامي الضغط‬ ‫من عدم المساواة االجتماعية‪ ،‬ستتضافر جميعها لتحدث‬ ‫تغييرات مهمة خالل العقد القادم من الزمن‪ .‬ومع التغير‬ ‫المرتقب في مواقف وسلوكيات المجتمع وهو يزداد ترابطاً‬ ‫مع بعضه البعض عبر التكنولوجيا الرقمية التي تحركها‬ ‫المعلومــات والبيانــات‪ ،‬ال بــد أن يتغيــر مشــهد القطــاع‬ ‫الخيــري‪ .‬وعلــى الرغــم مــن بعــض التحفظــات‪ ،‬فقــد غلــب‬ ‫علــى المشــاركين التفــاؤل والحمــاس بالنســبة لمســتقبل‬ ‫العطاء في العالم العربي‪.‬‬ ‫ورافــق هــذا التفــاؤل قناعــة بأنــه مــع ســعينا للتعامــل مــع‬ ‫التحديات االجتماعية‪ ،‬سوف تتبلور الحلول طويلة المدى‬ ‫المبنية على التعاون الواسع والمنظم‪ .‬وال شك أن القيادة‬ ‫الحكيمــة‪ ،‬ســواء أتــت مــن الحكومــات‪ ،‬أو كبــار الفاعليــن‬

‫إن الشح في المعلومات المحلية‬ ‫الدقيقة يزيد جهود رواد العطاء‬ ‫صعوبة عندما يحاولون تقدير‬ ‫اإلحتياجات المحلية‪ ،‬ويعد هذا السبب‬ ‫الرئيسي لتوجيه عدد من المانحين‬ ‫هباتهم إلى الخارج‬

‫زمن العطاء‬

‫‪51‬‬


‫عصر العطاء الجديد‬ ‫نشــهد فــي حقبتنــا الجديــدة هــذه ظهــور محــركات رئيســية‬ ‫للتغيير‪ ،‬ربما كان من أهمها التكنولوجيا الرقمية‪ ،‬والتي‬ ‫بــدأن توفــر قنــوات موثوقــة وأكثــر فعاليــة لجمــع التبرعات‬ ‫وحشــد التمويــل‪ ،‬مــع الميــزات اإلضافيــة المحتملــة مثــل‬ ‫إمكانية أن يتعقب المتبرع العائد على االستثمار مباشرة‬ ‫وفي الوقت الفعلي‪ .‬كما أن التكنولوجيا تسمح باستخدام‬ ‫البيانــات بطريقــة تســاعد علــى جــذب ومشــاركة المانحيــن‬ ‫بشكل أوسع وأعمق‪ ،‬وتضمن الشفافية‪.‬‬

‫يمثل جيل األلفية موجة جديدة من‬ ‫ريادة العطاء بحكم نشأته وتآلفه الكامل‬ ‫مع ًالبيئة ًالرقمية‪ ،‬فإن هذا الجيل يمتلك‬ ‫وعيا عالميا‪ ،‬وهو مترابط مع بعضه‬ ‫البعض أكثر من أي جيل سابق‬

‫ـس متزايــد بضــرورة التغييــر‪،‬‬ ‫ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬هنــاك حـ ّ‬ ‫يرافقــه مشــاركة متناميــة وطمــوح مــن بعــض الجهــات‬ ‫النافــذة‪ ،‬تتخطــى مســألة منــح األمــوال إلــى اهتمــام بحــل‬ ‫بعض المشاكل العالمية المستعصية‪ ،‬مثل عالج األمراض‬ ‫ومكافحــة الفقــر ورفــع مســتويات الجهوزيــة لإلغاثــة مــن‬ ‫الكوارث وتحديات التغير المناخي‪ .‬وهناك أيضاً جو عام‬ ‫من الثقة بأن جيل اإللفية سيزعزع نظام العالم الحالي‪.‬‬ ‫بحكم نشــأته وتآلفه الكامل مع البيئة الرقمية‪ ،‬فإن هذا‬ ‫الجيل يمتلك وعياً عالمياً‪ ،‬وهو مترابط مع بعضه اجتماعياً‬ ‫أكثر من أي جيل سابق‪ .‬العديد من أفراد هذا الجيل يؤمن‬ ‫بــأن إحــداث األثــر مــن خــال العمل الخيري يتم من خالل‬ ‫حشــد التمويــل‪ ،‬والتركيــز علــى هــدف مشــترك‪ ،‬وشــفافية‬ ‫أكثر‪ ،‬فضال ً عن التركيز على النتائج‪ .‬والجدير بالمالحظة‬ ‫أيضــاً أن العديــد منهــم يدركــون أن هنــاك ضــرورة ملحــة‬ ‫للعمل أبعد بكثير من مجرد االســتجابة ألوضاع وأزمات‬ ‫قائمة‪ ،‬بل إيجاد حلول موضوعية وشاملة وطويلة األمد‬ ‫لضمان التغيير المستدام‪.‬‬

‫دور الحكومات‪ ،‬بين اإليجابي والسلبي‬ ‫بشكل عام‪ ،‬هناك نظرتان إثنتان متضاربتان حول ما يسمى‬ ‫بتدخــل أو مشــاركة الحكومــات فــي المبــادرات اإلنســانية‬ ‫حســب مــا تبيــن خــال ورشــات عمل "أجندة المســتقبل"‪.‬‬ ‫فالبعض يرى أموراً إيجابية في هذا التدخل مثل أن تتولى‬ ‫الحكومة دوراً قيادياً في الجهود‪ ،‬وأن توفر الوضوح في‬ ‫التوجــه‪ ،‬فضـا ً عــن أن وجودهــا يســمح يتظافــر الجهــود‬ ‫والتعــاون الحثيــث‪ .‬أمــا بالنســبة للعديــد غيرهــم‪ ،‬فهــم‬ ‫يشــعرون بــأن التدخــل الحكومــي يفتقــد بشــكل عــام إلــى‬ ‫الكياســة أو الحصافــة‪ ،‬ويعتقــدون أنــه بغــض النظــر عــن‬ ‫النوايــا الحســنة لــدى الحكومــات فــإن هــذا غالبــاً مــا يــؤدي‬ ‫إلــى اســتبعاد بعــض الجوانــب المهمــة أو تجــاوز رغبــات‬ ‫المجتمع المدني‪.‬‬ ‫ويشير بعضهم على سبيل المثال إلى أنه عندما تم اإلعالن‬ ‫عن تكريس عام الخير في دولة اإلمارات في ‪ ،2017‬وفيما‬ ‫تــم وصــف الحملــة علــى أنهــا مصممــة لإلحتفــاء بفضائــل‬

‫‪50‬‬

‫زمن العطاء‬

‫وحسنات العطاء‪ ،‬وتعزيز مكانة العمل الخيري في قلب‬ ‫األمــة‪ ،‬فــإن الجمعيــات والمنظمــات التــي تــم ادراجهــا فــي‬ ‫قائمــة التصفيــة لالســتفادة مــن الحملــة اســتبعدت عــدة‬ ‫قضايــا جديــرة بالدعــم‪ .‬والنتيجــة غيــر المقصــودة لهــذا‬ ‫العمــل هــو أنــه بعــض المؤسســات التــي شــملت منظمــات‬ ‫غيــر حكوميــة معروفــة ومنظمــات مجتمــع مدنــي صغيــرة‬ ‫واجهت صعوبات كبيرة وهي تحاول جمع التبرعات‪.‬‬ ‫يتباين نفوذ الحكومات أو تأثيرها على المشهد الخيري من‬ ‫دولة إلى أخرى‪ ،‬إذ بدأت تتجه بعض الحكومات بشكل‬ ‫متزايد نحو تبني طرق مبتكرة لسد العجز بالتمويل‪ .‬وبشكل‬ ‫مغايــر لمــا هــو عليــه الحــال فــي دولــة اإلمــارات‪ ،‬تســتخدم‬ ‫الهند عامل الضرائب لحث قطاع الشركات على المشاركة‬ ‫بشــكل فعــال فــي عمــل الخيــر‪ .‬غالبــاً مــا تتــم اإلشــارة إلــى‬ ‫النموذج الهندي على أنه واحد من أكثر التجارب الملفتة‬ ‫للنظــر فــي العالــم الســاعية لترويج العطــاء الخاص‪ ،‬على‬ ‫عكــس النمــوذج المعتمــد تاريخيــاً فــي الواليــات المتحــدة‬ ‫والذي يشجع على العطاء من خالل اإلعفاءات الضريبية‪.‬‬ ‫أين هي مصلحة األعمال؟‬ ‫إختلفــت طريقــة التفكيــر فــي دبــي عمــا هــي عليــه فــي دول‬ ‫أخرى من جهة سلوك القطاع الخاص‪ ،‬ففي الوقت الذي‬ ‫يعتقد الكثيرون في الواليات المتحدة وأوروبا أن مصلحة‬ ‫األعمــال تتماشــى مــع عمــل الخيــر‪ ،‬وأن مســتوى العطــاء‬

‫المؤسسي سيشهد ارتفاعاً خالل العقد القادم من الزمن‪،‬‬ ‫كان الخبراء في دبي أقل ثقة بهذا المنحى‪ .‬فمن ناحية‪،‬‬ ‫أجمعــوا علــى أن الشــركات فــي دولــة اإلمــارات فــي وضــع‬ ‫يسمح لها بأن تكون بمثابة حاضنة للتغيير االجتماعي من‬ ‫خالل الشراكات مع المنظمات غير الربحية‪ ،‬وأنها قادرة‬ ‫علــى تقديــم الكثيــر فــي مجــال عمــل الخيــر‪ ،‬فضـا ً عــن أنــه‬ ‫هنــاك آفاقــاً ألن تقــدم نمــاذج أعمــال تجاريــة جديــدة ذات‬ ‫وعي اجتماعي إن هي ركزت على هذا الموضوع‪.‬‬ ‫لكنهــم مــن ناحيــة أخــرى ال يتوقعــون أن تصبــح الشــركات‬ ‫استباقية في نهجها أكثر مما هي عليه اآلن‪ ،‬معللين ذلك‬ ‫لوجود تحديات تنظيمية تعيق من تقدم عمل الشركات‬ ‫فــي هــذا المجــال‪ .‬أمــا علــى صعيــد المــرأة‪ ،‬فقــد تباينــت‬ ‫اآلراء كثيراً بين الخبراء في المنطقة وزمالئهم في مواقع‬ ‫أخرى مثل ممباي وكوااللمبور ولندن‪ ،‬فالتوقعات هي أن‬ ‫المرأة لن يتنامى دورها في صياغة وتشكيل مشهد العمل‬ ‫الخيري في منطقة الشرق األوسط على المدى المنظور‪.‬‬ ‫إعادة هندسة القطاع‬ ‫ال يمكــن تطويــر نظــام العمــل الخيــري القائــم فــي منطقــة‬ ‫الشرق األوسط من خالل محاولة تحسين عمليات وآليات‬ ‫العطاء‪ ،‬بل من خالل إعادة هندسة النظام بأكمله‪ ،‬هذا‬ ‫حسب رأي عدد من الخبراء المشاركين‪ .‬وأشاروا إلى أنه‬ ‫هنــاك تشــريعات صارمــة تعيــق تقــدم قطــاع العطــاء فــي‬ ‫المنطقة‪ ،‬وهي ال تحدّ من أنشطة بعض المنظمات غير‬ ‫الربحية فحسب‪ ،‬بل تستبعد أيضاً من المعادلة الجمهور‬ ‫ـ والــذي يضــم بيــن صفوفــه العديــد مــن األفــراد الذيــن لــو‬ ‫إختلفــت الظــروف لمــا تــرددوا بالتبــرع بوقتهــم وخبراتهــم‬ ‫وأموالهــم؛ وعلــى ســبيل المثــال‪ ،‬مــن خــال مبــادرات‬ ‫العطاء "من النظير إلى النظير" أو حمالت تمويل الحشود‪.‬‬ ‫وأجمــع العديــد مــن الخبــراء علــى أن النظــام الحالــي فــي‬ ‫منطقــة الشــرق األوســط يحــد مــن عمليــة تكويــن األفــكار‬ ‫من مستوى الفئات المتواجدة في الميدان وصعوداً إلى‬ ‫مســتوى التخطيــط وإتخــاذ القــرارات‪ ،‬كمــا أنــه يحــد مــن‬ ‫تبــادل المعــارف‪ ،‬وإدارة التفاصيــل الصغيــرة لــرأس المال‬ ‫الخيــري‪ .‬وعلــى ســبيل المثــال‪ ،‬أشــار الخبــراء إلــى أن دبــي‬ ‫تحظــر جمــع التبرعــات أو حمــات التمويــل مــن دون إذن‬ ‫مســبق مــن الدوائــر الحكوميــة المختصــة‪ ،‬مــا يحــد كثيــراً‬ ‫مــن أنشــطة المنظمــات غيــر الحكوميــة المتعلقــة بجمــع‬ ‫التبرعات في دولة اإلمارات‪.‬‬ ‫وأشار المشاركون في ورشات العمل في دبي إلى أن هذه‬ ‫األمور تجعل الوضع الحالي غير مستدام‪ .‬وبإعتقدهم أنه‬ ‫خالل العشر سنوات القادمة سيؤدي الضغط المتصاعد‬ ‫من الجمهور‪ ،‬خاصة بفضل اإلعالم الرقمي‪ ،‬إلى انتشار‬


‫لندن‬

‫اتفق الخبراء على أن تنامي ثروات كبار األغنياء‬ ‫في المملكة المتحدة‪ ،‬والعمل الخيري المدفوع‬ ‫بالعاطفة‪ ،‬والفوائد المشكوك بها لزيادة البيانات‬ ‫مــن حيــث الكــمّ علــى حســاب النــوع‪ّ ،‬‬ ‫تمثــل أبــرز‬ ‫العقبــات أمــام هــذا القطــاع‪ .‬فــي مقابــل ذلــك‪،‬‬ ‫فإنّ زيادة التنوع الثقافي في المملكة المتحدة‬ ‫ســيكون لــه أثــر إيجابــي علــى العطــاء‪ .‬كمــا أشــار‬ ‫الخبــراء لوجــود عــدد مــن الفــرص الطيبــة‪ ،‬منهــا‬ ‫تحســين تبــادل نمــاذج العمــل وزيــادة التعــاون‪،‬‬ ‫فضال ً عن دور المرأة المتنامي في هذا المجال‪.‬‬

‫أكسفورد‬

‫يقول الخبراء في أكسفورد أنّ المنظمات الخيرية‬ ‫مطالبــة بز يــادة ا ســتخدام البيانــات لتحســين‬ ‫الشــفافية‪ .‬و ُيعــدّ ذلــك‪ ،‬باإلضافــة إلــى تنامــي‬ ‫النظــرة الســلبية للمجتمــع إزاء مصــادر الثــروة‪،‬‬ ‫ودور الــذكاء االصطناعــي فــي تســهيل األعمــال‬ ‫الخيرية الممولة من حمالت سياسية‪ ،‬من بين‬ ‫التحديات الكبيرة التي يواجهها القطاع‪ .‬كما أن‬ ‫خــروج أغنــى األثريــاء مــن المنظومــة التقليديــة‪،‬‬ ‫وإنشــاءهم لمؤسســات خاصــة بهــم‪ ،‬هــو مــن‬ ‫القضايا الجديرة باالهتمام‪.‬‬

‫كيتو‬

‫تشــمل التحديــات الناشــئة التــي يواجههــا قطــاع‬ ‫العمل الخيري في أميركا الالتينية تغير أولويات‬ ‫العطاء بسبب الهجرة الجماعية‪ ،‬وانقطاع االتصال‬ ‫بين المانحين والمستفيدين‪ .‬ويُعد التركيز المتزايد‬ ‫للشركات على التأثير االجتماعي من أبرز الفرص‪.‬‬ ‫كمــا أشــار الخبــراء إلــى أنّ العطــاء الداخلــي فــي‬ ‫الجنوب‪ ،‬والتوجه المتزايد إلى توحيد أســاليب‬ ‫إعــداد التقاريــر‪ ،‬وتأثيــر الحكومات المتزايد على‬ ‫نطــاق العمــل الخيــري وتوجيهــه‪ ،‬ســتكون مــن‬ ‫القضايا المستقبلية الجديرة بالمتابعة‪.‬‬

‫واشنطن العاصمة‬

‫قال الخبراء في واشنطن أن الجيل الناشئ أكثر‬ ‫رغبة في التغيير والتأثير‪ .‬لكن مع تراجع التمويل‬ ‫الحكومــي فــإن علــى أصحــاب العمــل الخيــري‬ ‫فــي الواليــات المتحــدة التركيــز أكثــر علــى تلبيــة‬ ‫االحتياجات المحلية‪ ،‬وأصبح يُنظر إلى األهمية‬ ‫المتزايدة للبيانات على أنها فرصة سانحة‪ ،‬كما‬ ‫هي الحال مع إمكانات العطاء اإلســامي‪ .‬أشــار‬ ‫الخبراء أيضاً إلى أن تعزيز التعاون بين الناخبين‬ ‫والسياســيين وبيــن الشــركات الخاصــة يجــب أن‬ ‫يكون من جوانب التركيز المهمة في المستقبل‪.‬‬

‫زمن العطاء‬

‫‪53‬‬


‫نظرة معمقة‬ ‫ما يلي هي أبرز النقاط التي حددها الخبراء في‬ ‫كل مدينــة مضيفــة حــول التحديــات والفــرص‬ ‫والشؤون الناشئة في ريادة العطاء‬

‫كوااللمبور‬

‫إن زيادة توافر المنح والقروض الصغيرة للنساء‪،‬‬ ‫وتعزيز الشفافية في تدفقات التمويل‪ ،‬ورعاية‬ ‫رأس المال الطبيعي‪ ،‬من أبرز القضايا اتي تواجه‬ ‫القطــاع الخيــري‪ .‬بينمــا تشــمل الفــرص المتاحــة‬ ‫تنامي مشاركة المرأة في صنع القرارات المهمة‪،‬‬ ‫والتمويل المشترك بين المؤسسات التي تعمل‬ ‫من أجل أهداف متشابهة‪ .‬أمّ ا الموضوعات الناشئة‬ ‫الجديــرة بالمتابعــة فــي هــذه المجموعــة فكانــت‬ ‫تحســين الشــفافية الرقميــة‪ ،‬والــدور المتنامــي‬ ‫للعمل الخيري الديني‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫زمن العطاء‬

‫سنغافورة‬

‫يرى الخبراء أن اهتمام الشركات المتزايد باألثر‬ ‫االجتماعــي‪ ،‬واإلمكانــات الناجمــة عــن تعمّ ــق‬ ‫المشــاركة الرقمية‪ ،‬هي من القضايا التي يجب‬ ‫أن يستفيد منها القطاع‪ .‬كما يشيرون إلى فرص‬ ‫متاحة منها زيادة التمويل من منظمات تركز على‬ ‫النتائج لدى المستفيدين‪ ،‬وتحسين التعاون بين‬ ‫المنظمــات الخيريــة‪ .‬أمّ ــا المســائل التــي تســتحق‬ ‫المتابعة فتشمل كيفية تنمية التمويل الجماعي‬ ‫في ظل قوانين مكافحة غسل األموال‪ ،‬فضال ً عن‬ ‫دور الحكومة في صياغة السياسات‪.‬‬

‫مومباي‬

‫تمثــل التكلفــة العاليــة إلعــداد مواهــب جيــدة‬ ‫وتحســين قــدرات العمــل الخيــري‪ ،‬إلــى جانــب‬ ‫تحســين التواصــل مــع جيــل األلفيــة األكثــر وعيــاً‬ ‫اجتماعياً‪ ،‬أبرز التحدّيات التي تواجه القطاع‪ .‬وفي‬ ‫المقابل‪ ،‬تشمل الفرص المتاحة تنامي البيانات‪،‬‬ ‫وتحسين التعاون‪ ،‬وتوسيع المشاركة الرقمية‪.‬‬ ‫أما أبرز القضايا الناشئة فتشمل االهتمام المتزايد‬ ‫للمنظمات بحل المشاكل عالية الخطورة‪ ،‬وتأثير‬ ‫الحكومة المتنامي على مجاالت تركيز المحسنين‬ ‫من خالل الضرائب‪.‬‬

‫دبي‬

‫مــن األولويــات التــي حددهــا الخبــراء فــي دبــي‪:‬‬ ‫ضرورة التنسيق بين الجهود المنفردة‪ ،‬وتحفيز‬ ‫العطاء الفعال‪ .‬كما أشاروا إلى وجود عدد من‬ ‫الفرص السانحة مثل اإلمكانات الهائلة للتمويل‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬فضال ً عن تعزيز الشفافية‪ ،‬من أجل‬ ‫دفــع المزيــد مــن المبــادرات المحليــة‪ ،‬خصوصــاً‬ ‫مــع انتقــال الثقــل واألثــر االقتصــادي إلــى الجيــل‬ ‫التالي‪ .‬أما مجاالت التركيز المستقبلية فتشمل‬ ‫تنامي التأثير الحكومي‪ ،‬فضال ً عن ميل المتبرعين‬ ‫الخليجيين إلى العطاء للخارج‪.‬‬


‫المصور‬ ‫جون مارسالند‬

‫بقلم‬ ‫كاتي بوشر‬

‫زمن العطاء‬

‫‪55‬‬


‫نقل الراية‬ ‫من جيل إلى آخر‬ ‫تشغل منى المؤيد منصب المدير العام لواحدة من أقدم‬ ‫الشركات العائلية في البحرين‪ ،‬وتعود أصول نشاطها في عالم‬ ‫الخير إلى نهج العطاء الذي تبناه والداها طيلة حياتهما‬

‫في‬

‫العام ‪ 1940‬قرر يوسف خليل المؤيد ترك عمله في صناعة‬ ‫اللؤلــؤ المتعثــرة فــي البحريــن وتأســيس عمــل حــر صغيــر فــي تجــارة‬ ‫األجهــزة الكهربائيــة‪ ،‬لكنــه طالمــا وضــع نصــب عينيــه مســاعدة‬ ‫المحتاجين‪ .‬تقول ابنته منى المؤيد‪" :‬كان والدي يحقق ربحاً صغيراً ال‬ ‫يتجــاوز ‪ 100‬دينــار بحرينــي (حوالــي ‪ 265‬دوالرا)‪ ،‬وكان مــن عادتــه أن يقتطــع ‪ 3‬بالمئــة مــن‬ ‫ذلــك الربــح ويعطيــه ألمــي لتوزعــه علــى الفقــراء‪ .‬لقــد دأب علــى فعــل هــذا الشــيء‬ ‫طوال حياته"‪.‬‬ ‫هــذا التقليــد مســتمر حتــى وقتنــا الحاضــر‪ ،‬إنمــا علــى نطــاق أوســع؛ إذ تعــد مجموعــة‬ ‫"يوســف خليــل المؤيــد وأوالده" اليــوم واحــدة مــن أقــدم الشــركات العائليــة فــي البحريــن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تشغل حوالي ‪ 8‬آالف عامل وموظف‪ ،‬وتعمل في طيف واسع من األعمال التجارية‬ ‫وهي‬ ‫تتصــدره تجــارة الســيارات واإلنشــاءات‪ .‬وتتبــرع الشــركة بنســبة ‪ 3‬بالمئــة مــن صافــي أرباحهــا‬ ‫السنوية لألعمال الخيرية‪ ،‬باإلضافة إلى مئات الساعات التي يكرسها موظفو المجموعة‬ ‫لصالح العمل التطوعي الخيري‪ ،‬ما يعني أن النشاط الخيري ركن أساسي في ثقافتها‪ .‬في‬ ‫العــام ‪ ،2013‬أضفــت المجموعــة طابعــاً رســمياً علــى تبرعاتهــا وذلــك بتأســيس لجنة يوســف‬ ‫وعائشــة المؤيــد لألعمــال الخيريــة التــي "أطلقنــا عليهــا اســم والدينــا"‪ ،‬كمــا توضــح منــى‪.‬‬ ‫وتحولــت هــذه اللجنــة إلــى منبــر لمســاعدة األشــخاص المحروميــن فــي البحريــن وخارجهــا‪.‬‬ ‫وهــي تنشــط فــي قطاعــات التعليــم والرعايــة الصحيــة ورعايــة المســنين‪ ،‬مدعومــة بميزانيــة‬ ‫سنوية تقارب المليون دوالر‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫زمن العطاء‬


‫كما هو الوضع في باقي دول الخليج‪،‬‬ ‫تشــكل العمالــة المهاجــرة العمــود‬ ‫الفقــري لســوق العمــل فــي البحريــن‪.‬‬ ‫وفــي العــام ‪ 2017‬بلــغ عــدد العمــال‬ ‫المنزلييــن فــي المملكــة ‪100,000‬‬ ‫عامل‪ ،‬شكلت النساء ‪ 76,249‬منهم‬

‫دينار‪ ،‬وبمرور الزمن حصلت على ثالثة أو أربعة قروض‬ ‫إضافية‪ ،‬قامت بتسديدها بالكامل‪ .‬وهي تدير اآلن ثالث‬ ‫ريــاض ألعاب أخرى"‪.‬‬ ‫ووفق بيانات البنك فإن معدل سداد القروض يقارب‬ ‫‪ 96‬بالمئة‪ .‬وتتوقع منى أن يحقق البنك أرباحاً هذا العام‪.‬‬ ‫تقول منى‪" :‬العديد من الناس الذين نمنحهم القروض‬ ‫هــم ربــات بيــوت أو شــباب يفتقــدون إلــى العمــل‪ .‬منحهــم‬ ‫ـف بالغــرض‪ ،‬فالهــدف هــو مســاعدتهم علــى‬ ‫الهبــات لــن يـ ِ‬ ‫مســاعدة أنفســهم ورفــع مســتوى حياتهــم"‪.‬‬

‫ال تقتصر هذه الجهود على مساعدة البحرينيين من‬ ‫ذوي الدخل المتدني‪ ،‬بل تمتد لتشمل العمالة األجنبية‪.‬‬ ‫وكمــا هــو الحــال فــي دول الخليــج األخــرى‪ ،‬فــإن العمــال‬ ‫الوافديــن غيــر المهــرة يشــكلون جزئيــاً قــوة دعــم القتصــاد‬ ‫البــاد حيــث يشــغلون ‪ 95‬بالمئــة مــن الوظائــف فــي قطــاع‬ ‫البنــاء والخدمــات المنزليــة‪.‬‬ ‫يتــم تحويــل جــزء كبيــر مــن رواتــب هــذه العمالــة إلــى‬ ‫بالدها‪ ،‬حيث تســاعد هذه التحويالت المالية في تعزيز‬ ‫االزدهار في اقتصاديات دول عديدة مثل النيبال والفليبين‪.‬‬

‫وعــادة مــا يتــم توظيــف العمــال فــي المنطقــة مــن خــال‬ ‫نظام الكفيل‪ ،‬الذي تعرض النتقادات كثيرة من جماعات‬ ‫حقــوق اإلنســان العالميــة التــي تقــول إن ذلــك النظــام‬ ‫يســاهم فــي تكريــس الوضــع الراهــن الــذي يتســم بظــروف‬ ‫العمــل الســيئة واألجــور المتدنيــة‪ .‬وقــد اســتجابت دول‬ ‫الخليــج لهــذه االنتقــادات مــن خــال ســن قوانيــن صارمــة‬ ‫لمكافحــة ممارســات التوظيــف غيــر القانونيــة‪ ،‬وحمايــة‬ ‫حقــوق العمــال‪ ،‬لكنهــا لــم تصــل بعــد إلــى حــد التغييــر‬ ‫الشــامل فــي نظــام الكفاالت‪.‬‬

‫زمن العطاء‬

‫‪57‬‬


‫تقــول منــى المؤيــد عــن ذلــك‪" :‬إنهــا ثقافــة نحــاول أن‬ ‫نرســخها بيــن موظفينــا‪ .‬إذا نشــأ المــرء علــى هــذا النهــج‪،‬‬ ‫فإنه سيعيد حتماً جزءاً مما يكسبه إلى المجتمع‪ .‬الفكرة‬ ‫هــي مســاعدة اآلخرين"‪.‬‬ ‫وهذا النهج ينطبق فعال ً على منى‪ ،‬فقد تربت وهي‬ ‫طفلــة فــي هــذا الجــو‪ ،‬حيــث كان العطــاء أمــراً مســلماً بــه‬ ‫فــي حيــاة أســرتها‪ ،‬وتضاعفــت وتيــرة وحجــم هــذا العطــاء‬ ‫مع نجاح أعمال العائلة‪ .‬في البداية كانت والدتها تشتري‬ ‫الكتــب المدرســية أو وحــدات تكييــف الهــواء للعائــات‬ ‫الفقيــرة حولهــا‪ .‬تقــول منــى‪" :‬كانــت والدتــي معروفــة فــي‬ ‫المجتمــع‪ ،‬يأتــي النــاس إلــى منزلهــا حيــث كانــت تعتنــي‬ ‫بأطفالهــم‪ .‬كانــت الحيــاة بســيطة للغايــة حينهــا"‪.‬‬ ‫تطــور هــذا النهــج بمــرور الزمــن وتحــول إلــى تبرعــات‬ ‫كبيــرة موجهــة لمشــاريع مجتمعيــة متنوعــة‪ .‬فقــد مولــت‬ ‫أســرة المؤيــد وحــدة إلعــادة تأهيــل مدمنــي المخــدرات‬ ‫والكحــول فــي البحريــن‪ ،‬ومركــزاً مختصــاً بأمــراض الكلــى‬ ‫وزراعتها‪ ،‬كما قدمت األسرة مليون دينار بحريني لدعم‬ ‫وحدة غسيل كلى‪ .‬ويجري حالياً إعداد خطة لبناء مركز‬ ‫تقاعــد لخدمــة كبــار الســن بتكلفــة مليونــي دوالر‪.‬‬ ‫تقــول منــى‪ " :‬شــجعنا وا لــدي دائمــاً علــى االهتمــام‬ ‫بالفقــراء والمحروميــن‪ ،‬كان مــن صفاتــه أنــه ال يرفــض‬ ‫طلبــاً ألي شــخص يحتــاج المســاعدة"‪.‬‬ ‫منــى واحــدة بيــن ســتة أشــقاء‪ ،‬كســر والدهــا التقاليد‬ ‫أوالً عندما أرسلها وأخواتها‪ ،‬كما فعل مع أبنائه‪ ،‬لتلقي‬ ‫دراســاتهم الجامعيــة فــي أوروبــا‪ ،‬ومن ثم حثهــم جميعاً‬ ‫علــى االنضمــام إلــى شــركة العائلــة‪ .‬وعندمــا تولــت منــى‬ ‫منصب المدير العام في العام ‪ ،،2001‬أصبحت واحدة‬ ‫بين بضعة نساء في دول الخليج العربية اللواتي يشرفن‬ ‫علــى شــركة عائليــة‪ .‬قبــل ذلــك بعــام‪ ،‬كانــت أول بحرينيــة‬ ‫يتــم انتخابهــا عضــواً فــي مجلــس إدارة شــركة مدرجــة فــي‬ ‫البورصة‪ ،‬وهي مجموعة ‪ BMMI‬البحرينية‪ ،‬كما أصبحت‬ ‫منى اليوم عضوة في مجالس إدارة عدة جمعيات خيرية‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى الهبات التي تقدمها شركة المؤيد‪ ،‬فإن‬ ‫منــى تمنــح مــا ال يقــل عــن ‪ 5‬بالمئــة مــن دخلهــا الشــخصي‬ ‫للجمعيات الخيرية‪ ،‬مســتهدفة المنظمات غير الربحية‬ ‫المحلية‪ ،‬وكذلك الجهات الفاعلة في مجال المساعدات‬ ‫العالمية‪ ،‬مثل مفوضية األمم المتحدة لشؤون الالجئين‬ ‫ووكالــة األطفــال التابعــة لألمــم المتحــدة‪.‬‬ ‫تشــرح منــى وجهــة نظرهــا قائلــة‪" :‬أشــعر حقــاً بــأن‬ ‫القطــاع الخــاص لديــه مســؤولية تجــاه خد مــة النــاس‪،‬‬ ‫فلدينا ثروة كبيرة في هذا البلد‪ ،‬ونحن عالوة على ذلك‬ ‫ال ندفــع الضرائــب بــل إن الحكومــة تســاعدنا‪ ،‬لــذا يجــب‬ ‫علينــا أن نــرد الجميــل للمجتمــع"‪.‬‬ ‫تعــد الشــركات العائليــة‪ ،‬التــي تمثــل ‪ 90‬بالمئــة مــن‬ ‫اقتصــاد القطــاع الخــاص فــي دول مجلــس الخليــج‪ ،‬أهــم‬ ‫الفاعلين في القطاع الخيري وكبار المانحين للجمعيات‬ ‫الخيريــة المحليــة‪ .‬وتؤكــد علــى هــذا تقديــرات مؤسســة‬ ‫"ستراتيجي آند" االستشارية التي تشير إلى أن أكبر ‪100‬‬

‫‪56‬‬

‫زمن العطاء‬

‫"أنا ال أرى نفعاً‬ ‫بمجرد منح النقود‬ ‫للمحتاجين‪ ،‬فبدالً من‬ ‫إعطائهم سمكة‪ ،‬يجب‬ ‫أن نعلمهم كيفية‬ ‫صيد األسماك"‬

‫شركة عائلية في المنطقة تساهم بما ال يقل عن ‪ 7‬مليار‬ ‫دوالر من رأس المال الخيري السنوي‪ ،‬لكن تأثيرها يبقى‬ ‫ضعيفــاً بســبب االفتقــار للتخطيــط فــي عطائهــا‪ .‬إن إطــاق‬ ‫إمكانات هذا القطاع يتطلب التحول نحو العمل الخيري‬ ‫التنمــوي‪ ،‬ال العطــاء لمجــرد العطــاء‪.‬‬ ‫تعلــق منــى قائلــة‪" :‬أنــا أفضــل عــدم إعطــاء النقــود‬ ‫للمحتاجين‪ ،‬فبدالً من إعطائهم سمكة‪ ،‬يجب أن نعلمهم‬ ‫كيفيــة صيد األســماك"‪.‬‬ ‫تؤمن منى بالقدرة الكبيرة للقروض "البالغة الصغر"‬ ‫على تحقيق نقلة نوعية في حياة الناس‪ ،‬فترى أن إعطاء‬ ‫الفقراء قروضاً صغيرة غير مضمونة يمكنهم من ممارسة‬ ‫أعمال تد ّر عليهم الدخل وتساعدهم على انتشال أنفسهم‬ ‫مــن الفقــر‪ .‬هنــاك اليــوم نحــو ‪ 2.5‬مليــار شــخص بالــغ ال‬ ‫يمتلــك حســاباً مصرفيــاً‪ ،‬مــا يحــد مــن قــدرة هــؤالء علــى‬ ‫ادخار األموال واقتراضها وتحويلها والتحوط من األزمات‬ ‫الماليــة عنــد وقوعهــا‪ .‬وبالنســبة لهــؤالء األشــخاص‪ ،‬فــإن‬ ‫نمــوذج اإلقــراض الصغيــر ـ الــذي يســمح بتقديــم قــروض‬ ‫دون ضمانــات ـ يمكــن أن يكــون مدخـا ً لالســتفادة مــن‬ ‫الخدمــات الماليــة الرســمية‪.‬‬ ‫هــذه هــي الفكــرة وراء إنشــاء "بنــك اإلبــداع للتمويــل‬ ‫متناهي الصغر"‪ ،‬الذي تتولى منى رئاسة مجلس إدارته‪،‬‬ ‫وتعــد شــركة ‪ YKL & Sons‬مــن كبــار المســاهمين فيــه‪.‬‬ ‫يقدم بنك اإلبداع قروضاً صغيرة لذوي الدخل المحدود‬ ‫من البحرينيين‪ ،‬تبدأ من ‪ 200‬دينار بحريني وتصل حتى‬ ‫‪ 5,000‬دينار‪ ،‬دون الحاجة ألي ضمان‪ ،‬مع نسبة فائدة‬ ‫منخفضة‪ .‬ساهم برنامج الخليج العربي للتنمية‪ ،‬ومقره‬ ‫الســعودية‪ ،‬بتوفيــر الرأســمال التأسيســي للبنــك‪ .‬ومنــذ‬ ‫إنشائه في العام ‪ 2009‬قدم بنك اإلبداع قروضاً ألكثر من‬

‫‪ 9,500‬شخص‪ ،‬ضموا ‪ 5,000‬امرأة‪ ،‬تجاوزت قيمتها ‪11‬‬ ‫مليون دينار بحريني‪ .‬يشمل عمالء البنك شركات ناشئة‬ ‫صغيرة تبحث عن تمويل يمكنها من التوسع‪ ،‬وصناعات‬ ‫منزليــة تقــوم بهــا النســاء‪ .‬وخــال الســنين القليلــة منــذ‬ ‫إنشــائه حصــد البنــك العديــد مــن قصــص النجاح‪.‬‬ ‫تســرد منــى بإختصــار بعــض هــذه القصــص‪ ،‬قائلــة‪:‬‬ ‫"هنــاك ســيدة بــدأت مــن ال شــيء‪ ،‬اقترضــت ‪ 300‬دينــار‪،‬‬ ‫واآلن لديهــا ثال ثــة متاجــر لبيــع التوا بــل‪ .‬أنشــأت امــرأة‬ ‫أخــرى روضــة صغيــرة لألطفــال بعــد أن اقترضــت ‪2,000‬‬


When you have been locked out for so long...

...a job is not ‘just a job.’

It is dignity, hope, and a stake in the future of a stable society. The Middle East and North Africa is the hardest place on the planet for youth to become employed. Education For Employment (EFE) is the leading nonprofit that nurtures the potential in Arab youth to thrive in life through their jobs. Since 2006, over 60,000 EFE alumni - 55% of them young women - have been connected to the world of work.

Learn how you can help thousands more: ww www.efe.org | @EFE_Global | @EFE_UAE


‫فــي العــام ‪ ،2005‬ســاعدت منــى فــي تأســيس جمعيــة‬ ‫حمايــة العمــال الوافديــن (‪ )MWPS‬فــي البحريــن‪ ،‬وهــي‬ ‫منظمــة غيــر حكوميــة مكرســة لمكافحــة اســتغالل العمــال‬ ‫الوافدين ذوي األجور المنخفضة‪ .‬وتعتبر األولى من نوعها‬ ‫في دول مجلس التعاون الخليجي‪ ،‬وقد استدعى إحداث‬ ‫هــذه الجمعيــة مراجعــة واســعة لموضــوع حقــوق العمــال‬ ‫الوافدين‪ ،‬وأعاد الموضوع إلى دائرة النقاش واالهتمام العام‪.‬‬ ‫تشــرح منى وجهة نظرها قائلة‪" :‬شــعرنا أننا بحاجة‬ ‫إلى جمعية لحماية العمال وخدم المنازل الذين يتقاضون‬ ‫أجوراً متدنية‪ .‬وبالنسبة للخادمات والمربيات على وجه‬ ‫الخصــوص ال توجــد قوانيــن عمــل لحمايتهــن‪ ،‬وغالبــاً مــا‬ ‫يعملــن لســاعات طويلــة متواصلــة"‪.‬‬ ‫تقــدم جمعيــة حمايــة العمــال الوافديــن مجموعــة‬ ‫كاملــة مــن المســاعدات‪ ،‬مــن العــاج الطبــي والخدمــات‬ ‫القانونيــة‪ ،‬إلــى تمويــل رســوم التأشــيرات وتذاكــر الطيران‬ ‫للعودة إلى الوطن‪ .‬كما تدير الجمعية ملجئاً في المنامة‪،‬‬ ‫كان مــأوىً ل ـ ‪ 181‬خادمــة فــي العــام الماضــي‪ ،‬معظمهــن‬ ‫مــن إثيوبيــا والهنــد وكينيــا‪ .‬كانــت شــكوى ‪ 95‬بالمئــة مــن‬ ‫تلــك العامــات تتعلــق بعــدم حصولهــن علــى يوم عطلة‪،‬‬ ‫في حين اشتكى ثلثهن من اإلساءة الجسدية‪ .‬بينما أفاد‬ ‫أكثر من ‪ 75‬بالمئة بأن جوازات سفرهم سُ حبت منهم لدى‬ ‫وصولهــم إلــى البحريــن‪ .‬كمــا تعمل الجمعية مع العمال‬ ‫من أجل تحســين ظروف عملهم‪ ،‬وتدافع عن حقوقهم‬ ‫مــن خــال المســاعدة فــي تعزيــز التشــريعات الوقائيــة‪.‬‬ ‫تقــول منــى‪" :‬علينــا أن نشــيد بالبحريــن التي ســمحت‬ ‫لنــا بتأســيس هــذه الجمعيــة وإدارة نشــاطاتها‪ ،‬فــا يوجــد‬ ‫مثلهــا فــي أي دولــة خليجيــة أخــرى"‪ .‬وتشــير منــى إلــى أن‬ ‫البحرين"نشطة جداً في مجال المنظمات غير الحكومية‬ ‫والعمــل الخيــري‪ .‬وبالنســبة لبلــد عــدد ســكانه أقــل مــن‬ ‫مليــون شــخص‪ ،‬فنحــن نعتبــر نشــطون للغايــة‪ ،‬وهــذا‬ ‫جــزء مــن ثقافتنــا المحليــة"‪.‬‬ ‫تشــغل منــى حاليــاً منصــب رئيســة شــرف جمعيــة‬ ‫حماية العمال الوافدين‪ ،‬وكانت رئيســة مجلس إدارتها‬ ‫لنحــو ســت ســنوات‪ ،‬وهــي مــا زالــت تؤدي دوراً نشــطاً في‬ ‫حمــات جمــع األمــوال لمشــاريع الجمعيــة‪" .‬لقــد حققنــا‬ ‫تقدماً كبيراً‪ ،‬لكن ما يزال هناك الكثير مما يجب القيام‬ ‫بــه"‪ ،‬كمــا تقول‪.‬‬ ‫على الصعيد اإلقليمي‪ ،‬يتطور مشهد العمل الخيري‬ ‫أيضــاً‪ .‬إذ تشــهد المنطقــة حركــة ـ وإن كانــت بطيئــة ـ نحــو‬ ‫العطاء الهادف إلى تحقيق نتائج واضحة ومحددة؛ هذا‬ ‫بالتوازي مع زيادة االنفتاح بين كبار المانحين الخليجيين‬ ‫الذيــن طالمــا نظــروا إلــى العمــل الخيــري علــى أنــه مســألة‬ ‫خاصــة تبقــى طــي الكتمــان‪ .‬وهــذا‪ ،‬بــدوره‪ ،‬أصبــح يشــجع‬ ‫اآلخريــن علــى توســيع عطائهــم‪ ،‬كمــا تعتقــد منــى‪.‬‬ ‫تقول‪" :‬كان والدي في األيام الخوالي يردد [الحديث‬ ‫النبوي الشهير عن السبعة أشخاص الذين يظلهم الله في‬ ‫ظله يوم القيامة] قائالً‪’ ،‬ورجل تصدق بصدقة فأخفاها‬ ‫حتى ال تعلم شماله ما تنفق يمينه‘‪ .‬لكننا ندرك اآلن أنه‬ ‫عندما نتحدث عن عطاءنا ومبادرتنا بمساعدة المحتاجين‬ ‫فهــذا يشــجع اآلخريــن علــى فعــل الشــيء ذاتــه‪ .‬خــذ بيــل‬ ‫غيتس على سبيل المثال‪ :‬لقد شجع أثرياء آخرين‪ ،‬أمثال‬ ‫‪58‬‬

‫زمن العطاء‬

‫بلغ حجم القروض التي منحها‬ ‫"بنك اإلبداع للتمويل متناهي‬ ‫الصغر"‪ ،‬والذي ترتأسه منى‪،‬‬ ‫نحو ‪ 29‬مليون دوالر استفاد‬ ‫منها العمالء من ذوي الدخل‬ ‫املتدين يف البحرين‪ ،‬شملوا‬ ‫أصحاب أعمال ناشئة ومشاريع‬ ‫تقودها النساء‬

‫وارين بافيت‪ ،‬على المبادرة للعطاء‪ .‬ولو أنه كتم أعماله‬ ‫الخيريــة فلــن يعــرف بهــا أحــد ولــن يصبــح قــدوة لمانحيــن‬ ‫جدد‪ .‬إن اإلفصاح عن مبادرات العطاء يســاعد في نشــر‬ ‫ثقافــة العطــاء لــدى اآلخرين"‪.‬‬ ‫وعلــى صعيــد آخــر‪ ،‬تمكنــت منــى مــن االســتفادة مــن‬ ‫موقعهــا ومكانتهــا فــي المجتمــع لقيــادة حملــة مــن أجــل‬ ‫مســاواة المــرأة بالرجــل فــي ســوق العمــل‪ .‬فاســتطاعت‬ ‫خالل ست سنوات‪ ،‬عبر منصبها كرئيسة لجمعية سيدات‬ ‫األعمــال البحرينيــة‪ ،‬أن تحشــد الــرأي وتضغــط بقــوة مــن‬ ‫أجــل المســاواة فــي األجــور والرواتــب‪ ،‬وأوصلــت صــوت‬ ‫النســاء إلــى الــوزارة للتعبيــر عــن مطالبهــن بإزالــة قيــود‬ ‫قانــون العمــل التــي كانــت تمنــع النســاء مــن تولــي بعــض‬ ‫الوظائــف‪ .‬تقــول منــى عــن ذلــك‪" :‬فــي الوقــت الــذي نقــف‬ ‫ً‬ ‫ـاو‪ ،‬فــإن النــاس فــي‬ ‫فيــه نظريــا أمــام القانــون بشــكل متسـ ٍ‬ ‫الواقــع يميــزون بيــن الرجــل والمــرأة‪ .‬ففــي الوقــت الــذي‬

‫يمنــح فيــه أربــاب العمــل الوظيفة لرجــل‪ ،‬يفكرون مرتين‬ ‫قبل إعطائها المرأة‪ .‬هذا األمر ليس مقتصراً على العالم‬ ‫العربــي‪ ،‬بــل نجــده فــي أوروبا أيضاً"‪.‬‬ ‫تهدف ممارسات التوظيف المتبعة في شركة المؤيد‬ ‫إلى تجاوز مثل هذه الحواجز غير المرئية‪ .‬تقول منى في‬ ‫هــذا الخصــوص‪" :‬نحــن نوظــف الكثيــر مــن البحرينيــات‪،‬‬ ‫وهــن متفانيــات ومخلصــات جــداً فــي عملهن"‪.‬‬ ‫وبالنظــر إلــى المســتقبل‪ ،‬تســعى منــى إلــى تخصيــص‬ ‫جزء أكبر من وقتها للنشاطات الخيرية‪ ،‬مدفوعة بوعي‬ ‫أكبــر بالمشــكالت القائمــة وعــدم المســاواة االجتماعيــة‪.‬‬ ‫وتقــول‪" :‬كلمــا تقدمــت فــي العمــر‪ ،‬أدركــت إلــى أي مــدى‬ ‫كنت محظوظة في حياتي‪ ،‬وإلى أي مدى يعاني اآلخرون‬ ‫فــي أنحــاء العالــم مــن ســوء حظوظهــم فــي الحيــاة‪ .‬ربمــا‬ ‫هــذه عالمــة علــى التقــدم في العمر‪ .‬الحياة قصيرة‪ ،‬لكن‬ ‫هــذا يجعلنــي أرغــب فــي إعطــاء المزيــد"‪— .‬‬


‫زمن العطاء‬

‫‪61‬‬


‫مأساة‬ ‫اليمن‬

‫بينما تتفشى المجاعة واألمراض في‬ ‫ً‬ ‫فقرا‪ ،‬فإن السالم‬ ‫البلد العربي األشد‬ ‫وحده هو الذي سيمنع انزالق اليمن‬ ‫أكثر فأكثر نحو الكارثة‬ ‫‪60‬‬

‫زمن العطاء‬

‫المصور‬ ‫لورينزو ميلوني‬


‫زمن العطاء‬

‫‪63‬‬


‫ً‬ ‫تاريخيــا باســم "اليمــن‬ ‫البلــد الــذي كان يعــرف‬ ‫الســعيد"‪ ،‬لــم يعــد كذلــك‪ .‬لقــد تركــت ثــاث ســنوات مــن‬ ‫الحــرب الطاحنــة والجــوع والبــؤس هــذا البلــد علــى شــفا‬ ‫االنهيــار‪ ،‬وزاد الوضــع ســوءاً بتفشــي الكوليــرا األســرع‬ ‫انتشــاراً فــي التاريــخ‪ ،‬وأصبــح اليمــن معتمــداً كليــاً علــى‬ ‫المســاعدات‪ .‬وباتــت األمــراض والمجاعــة حاليــاً تنافــس‬ ‫إطــاق النــار والقنابــل مــن حيــث كونهــا أكبــر األخطــار التــي‬ ‫تهــدد حيــاة المدنييــن‪ ،‬مــا يســرع مــن تفاقــم األزمــة التــي‬ ‫وصفتهــا األمــم المتحــدة بعبــارة "أســوأ أزمــة إنســانية‬ ‫في العالم"‪.‬‬ ‫يمكــن ســرد قصــة هــذا البلــد العربي األشــد فقراً من خالل‬ ‫اإلحصاءات‪ :‬فقد مضى على النزاع المسلح أكثر من ‪1,200‬‬ ‫ّ‬ ‫وخلف أكثر من ‪ 10‬آالف قتيل‪ .‬وشهد البلد نحو ‪1.2‬‬ ‫يوم‪،‬‬ ‫مليون حالة إصابة بالكوليرا ومرض الخناق‪ ،‬واستفحال‬ ‫أمراض أخرى يسببها الفقر؛ هذا مع نقص مخزون الغذاء‬ ‫والوقود والمياه النظيفة والرعاية الصحية‪.‬‬ ‫لقد ولد أكثر من ثالثة ماليين طفل خالل الحرب‪ ،‬يعاني‬ ‫مــا يقــارب مــن ‪ 1.8‬مليــون منهــم مــن ســوء التغذيــة الــذي‬ ‫يجعلهــم أكثــر عرضــة للعــدوى مــن مختلــف األمــراض‪.‬‬ ‫فضال ً عن كل هذا نزح حوالي مليوني شخص عن ديارهم‪.‬‬ ‫تقــول ميريتكســيل ريالنــو‪ ،‬ممثلــة اليونيســيف فــي اليمــن‪:‬‬ ‫"ينشأ جيل كامل من أطفال اليمن‪ ،‬وهم ال يعرفون شيئاً‬ ‫سوى العنف‪ .‬ومن المرجح أن يحمل الناجون من الصراع‬ ‫ندوباً جسدية ونفسية لبقية حياتهم"‪.‬‬

‫مشــاكل اليمــن متجــذرة‪ .‬فقســم كبيــر مــن البــاد صحــراء‬ ‫قاحلــة‪ ،‬والميــاه نــادرة‪ ،‬وخاصــة التــي تحتاجهــا الزراعــة‪.‬‬ ‫وقــد اعتمــد اليمــن‪ ،‬حتــى مــا قبــل الحــرب‪ ،‬علــى الــواردات‬ ‫لســد الكثيــر مــن احتياجاتــه مــن المــواد الغذائيــة والوقــود‬ ‫والماء‪ ،‬وتوقع الخبراء منذ فترة طويلة أن تكون صنعاء‬ ‫أول عاصمة يصيبها الجفاف‪.‬‬ ‫لقد أدى الصراع‪ ،‬الذي بدأ بانقالب بطيء قام به المتمردون‬ ‫الحوثيون عام ‪ ،2015‬إلى خنق تدفق اإلمدادات التجارية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بعيدة‬ ‫ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع األساسية وجعلها‬ ‫عن متناول معظم المواطنين‪ .‬كما منع الحصار البحري‬ ‫والجوي أحياناً وصول اإلغاثة اإلنسانية‪ ،‬تاركاً حوالي ‪22‬‬ ‫مليون يمني في حاجة للمساعدات‪.‬‬ ‫لغايــة اليــوم‪ ،‬كانــت المملكــة العربيــة الســعودية ودولــة‬ ‫اإلمارات العربية المتحدة من أكثر الدول استجابة لدعوات‬ ‫تمويــل المســاعدات‪ .‬ووفــق بيانــات األمــم المتحــدة‪ ،‬فقــد‬ ‫وفرت الدولتان لجارتهما ‪ 55.7‬بالمئة من إجمالي التمويل‬ ‫المطلوب والذي بلغ ‪ 2.98‬مليار دوالر للعام ‪.2018‬‬ ‫لكن الوصول إلى أولئك العالقين في المناطق التي يسيطر‬ ‫عليها الحوثيون عملية معقدة ومحفوفة بالمخاطر‪ .‬ولهذا‬ ‫فإن السالم‪ ،‬وليس المعونة‪ ،‬هو الحل الوحيد لألزمة في‬ ‫اليمنــن‪ ،‬فمــع اســتمرار وتيــرة الحــرب‪ ،‬يدفــع المواطنــون‬ ‫العاديون الثمن‪— .‬‬ ‫‪62‬‬

‫زمن العطاء‬

‫أدى الصراع املسلح الذي إندلع‬ ‫يف مارس ‪ 2015‬إىل تدين الناتج‬ ‫املحيل اإلجمايل للفرد الواحد‬ ‫بنسبة ‪ 61‬باملئة عىل مدى ثالثة‬ ‫أعوام‪ ،‬ما جعل أكرث من ثلثي‬ ‫سكان اليمن يعانون من الفقر‬ ‫األضرار التي ألحقت يف البنية‬ ‫التحتية حرمت ما يزيد عن‬ ‫نصف السكان من املياه النظيفة‬ ‫إرتفعت أسعار املواد الغذائية‬ ‫بنسبة ‪ 96‬باملئة خالل أعوام‬ ‫الحرب‪ ،‬ما جعل ‪ 13‬مليون‬ ‫يمني عىل أبواب املجاعة‬


‫أطلقت األمم املتحدة نداءً‬ ‫لجميع أطراف النزاع تدعوهم‬ ‫فيه لإلستفادة من فرصة‬ ‫تحقيق السالم قبيل إنعقاد‬ ‫املحادثات يف السويد يف ديسمرب‬

‫كما ناشدت األمم املتحدة‬ ‫املجتمع الدويل لزيادة حجم‬ ‫املساعدات‪ ،‬وتوفري الغذاء‬ ‫والوقود واملواد الضرورية األخرى‬ ‫لنحو ‪ 22‬مليون يمني بحاجة‬ ‫ماسة لإلعانة‬

‫زمن العطاء‬

‫‪65‬‬


Your Zakat for Refugees? Yes. Millions of refugees are poor, needy, in debt and away from home. They meet four out of eight categories for recipients of Zakat funds. Join the UNHCR Zakat Programme which provides an efficient, trusted and compliant route to ensure that 100% of Zakat contributions go directly to the most vulnerable of refugees. For more information please contact: Shadi Ghrawi, Corporate & Islamic Philanthropy Officer, ghrawi@unhcr.org Or visit zakat.unhcr.org


‫يمضي قطاع األعمال الخيرية الناشئ في‬ ‫الصين‪ ،‬بخطى ثابتة وواثقة‪ ،‬وفق ما تقوله‬ ‫رائدة األعمال تشاي ميكوين‪ ،‬مؤسسة أول‬ ‫منظمة خيرية خاصة في البالد‪.‬‬

‫زمن العطاء‬

‫‪67‬‬


‫ريادة العطاء في الصين‬

‫آفاق واعدة‬

‫بقلم‪ :‬جوان بالد‬

‫‪66‬‬

‫زمن العطاء‬


‫على األشخاص المناسبين الذين هم في حاجة إليها حقاً‪.‬‬ ‫وعبــر نشــاطاتنا هــذه نحــاول أن نلفــت إنتبــاه الحكومــة إلــى‬ ‫هذه المشاكل‪ ،‬ونناشدها بوضع قوانين وتشريعات لحلها‬ ‫أو الحــدّ منهــا‪ .‬إننــا ال نــود أن نكــون مجــرد مؤسســة خيريــة‬ ‫أخــرى‪ ،‬بــل نــود أن نكــون مؤسســة خيريــة اســتراتيجية ذات‬ ‫تأثير إيجابي طويل األجل‪ .‬وإلى جانب ما نقدمه من ماديات‬ ‫وأمور ملموسة نود أن نلهم الناس على الصعيد المعنوي‬ ‫لنغيــر حياتهــم إلــى األفضــل ويحــذوا حذونــا فــي تغييــر حياة‬ ‫اآلخرين نحو األحسن هم بدورهم‪ ،‬وهكذا دواليك‪ .‬ولذلك‬ ‫نحتاج إلى الصبر والتأني وأنا أنظر إلى عمل مؤسستنا على‬ ‫أنه رحلة تدريجية ذات مراحل"‪.‬‬ ‫لكــن مــع معرفــة أن قطــاع األعمــال الخيريــة فــي الصيــن‬ ‫متأخر جداً عن النمو االستثنائي الذي شهدته ثروات القطاع‬ ‫الخاص‪ ،‬يعدّ كالم تشاي هنا طموحاً عالياً بدل كونه مجرد‬ ‫تصريــح عــادي‪ .‬فعلــى الرغــم مــن أن الصين هي موطن أكبر‬

‫عــدد مــن أصحــاب المليــارات فــي العالــم‪ ،‬إذ تشــهد البــاد‬ ‫التحــاق فرديــن جــدد مــن أبنائهــا بنــادي أصحــاب المليــارات‬ ‫كل أســبوع‪ ،‬وفــق مجلــة فوربــس‪ ،‬إال أن معــدالت األعمــال‬ ‫الخيريــة فيهــا مــن بيــن أدنــى المعــدالت العالميــة‪ .‬إذ أنه في‬ ‫حفل خيري أقيم سنة ‪ 2010‬في بكين‪ ،‬نظمه كل من بيل‬ ‫غيتــس ووارن بافيــت‪ ،‬ودعــوا إليــه خمســين ثريــاً مــن أثــرى‬ ‫أثرياء الصين‪ ،‬حظى بتغطية إعالمية الفتة فقط ألن عدد‬ ‫الغائبين عنه كان كبيراً!‬ ‫إن هذا ال يعني بالضرورة أن أثرياء الصين ال يتسمون‬ ‫بالكــرم والســخاء‪ .‬ألنــه حتــى لــو كانــت الثقافــة المعاصــرة‬ ‫اآلن تصــور لنــا العمــل الخيــري كأنــه مفهــوم غربــي‪ ،‬إال أن‬ ‫العطــاء واإلحســان يضــرب بجــذوره العميقــة فــي الثقافــة‬ ‫الصينية‪ .‬إذ أن اإلحسان‪ ،‬يعدّ أحدى المعتقدات الرئيسية‬ ‫فــي الكونفوشــية والبوذيــة‪ ،‬إضافــة إلــى أن األعمــال التــي‬ ‫تســاهم فــي جعــل المجتمــع أكثــر تناغمــاً وانســجاماً تحظــى‬

‫"ال زلنا دولة‬ ‫نامية‪ ،‬تعاني من‬ ‫هوة عميقة بين‬ ‫الطبقة الغنية‬ ‫والفقيرة‪ .‬وهناك‬ ‫الكثير مما يمكننا‬ ‫المساعدة به"‬

‫عال وتقدير كبير ضمن الفلســفة الصينية للحياة‪.‬‬ ‫بإحترام ٍ‬ ‫ولذلــك نــرى أن الكــوارث الطبيعيــة الكبــرى تجعــل ســحائب‬ ‫الخير من ماليين الصينيين تهطل بغزارة‬ ‫على سبيل المثال عندما ضرب زلزال سيتشوان المدمر‬ ‫العام ‪ ،2008‬تجاوزت التبرعات الخيرية المقدمة مبلغ ‪14‬‬ ‫مليار دوالر‪ ،‬إال أن هذه التبرعات كانت قصيرة المدى‪ .‬وال‬ ‫يوجــد اســتيعاب كامــل وإدراك عميــق للــدور الذي يمكن أن‬ ‫تؤديــه األعمــال الخيريــة علــى المــدى الطويــل فــي التصــدي‬ ‫للمشكالت االجتماعية المعقدة‪.‬‬ ‫بهذا الصدد‪ ،‬تقول تشاي‪" :‬حتى وقت قريب‪ ،‬لم يكن‬ ‫الناس يُطالبون بالتبرع إال عند حدوث كارثة طبيعية‪ ،‬ولذلك‬ ‫ليــس مــن المســتغرب أن يكــون النــاس غيــر معتاديــن علــى‬ ‫األنواع األخرى من األعمال الخيرية‪ .‬إال أننا ال زلنا دولة نامية‪،‬‬ ‫تعانــي مــن هــوة عميقــة بيــن الطبقــة الغنيــة والفقيــرة‪ .‬وعــدا‬ ‫المســاعدات المقدمــة خــال األزمــات والكــوارث الطبيعيــة‪،‬‬ ‫هناك الكثير مما يمكننا القيام بفعله"‪.‬‬ ‫كمــا أن النمــو البطــيء الــذي يعانــي منــه قطــاع األعمــال‬ ‫الخيرية في الصين يشير أيضاً إلى تفاقم المشكال التي تنخر‬ ‫في جسد المجتمع المدني الصيني‪ ،‬الذي يعاني‪ ،‬من ضمن‬ ‫وحس االلتزام في‬ ‫أمور أخرى‪ ،‬من االفتقار إلى البنى التحتية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫قطاع األعمال الخيرية‪ ،‬ومحدودية ُطرق عمل الخير ودفع‬ ‫التبرعات‪ .‬ولذلك ما من عجب أن تتعالى أصوات المانحين‬ ‫األثريــاء شـ ً‬ ‫ـاكية مــن غمــوض القوانيــن واللوائــح التنظيميــة‬ ‫للعمل الخيري‪ ،‬وطول وتعقد اإلجراءات اإلدارية العقيمة‪.‬‬ ‫وممــا يزيــد الطيــن بلــة‪ ،‬الشــعور بعــدم الثقــة والشــك‬ ‫حس‬ ‫الذي يحمله الشعب الصيني لألعمال الخيرية‪ :‬وهو ّ‬ ‫ترسخ وتعمّ ق أكثر جراء سلسلة من الفضائح التي أزيح عنها‬ ‫الستار ضمن كبرى المؤسسات الخيرية التابعة للحكومة‪،‬‬ ‫انكشف أولها سنة ‪.2011‬‬ ‫تشير إحدى الدراسات إلى أن عدد المؤسسات الخيرية‬ ‫المسجلة في الصين والتي تفي بمعايير الشفافية واإلفصاح‬ ‫المعتمدة دولياً في هذا القطاع ال يتجاوز ُ‬ ‫الثلث من مجموع‬ ‫المؤسسات الخيرية‪ .‬ولهذا من الوارد أن يجد األثرياء ورواد‬ ‫األعمال الذين يودون النشاط في هذا القطاع أنفسهم عرضة‬ ‫للشك من عامة الناس وسوء الظن بشأن دوافعهم لدخول‬ ‫هذا المجال‪ ،‬وهذا ما يضع على عاتقهم عبئاً جديداً يجعلهم‬ ‫يكافحــون لكــي يضمنــوا أن تســتخدم أموالهــم الموجهــة‬ ‫لألعمــال الخيريــة بشــكل مناســب وللصالــح العــام بالفعــل‪.‬‬ ‫وكمــا قــال جــاك مــا‪ ،‬المؤســس المشــارك لعمــاق التجــارة‬ ‫اإللكترونيــة "علــي بابــا"‪ ،‬لجمهــوره مــن الطلبــة فــي جامعــة‬ ‫بكين سنة ‪" :2015‬إن تقديم التبرعات للمؤسسات الخيرية‬ ‫في الصين‪ ،‬أكثر صعوبة من كسب المال"‪.‬‬ ‫إال أن هــذه الصــورة القاتمــة للوضــع بــدأت تنجلــي شــيئاً‬ ‫فشــيئاً‪ ،‬وهذا ما نلمســه في صدور قانون مُ حدّث لألعمال‬ ‫الخيرية‪ ،‬وإلى النشاط الطليعي لرواد أعمال كبار في هذا‬ ‫المجال مثل تشاي وجاك ما‪ ،‬الذي تملك مؤسسته الخيرية ‪2‬‬ ‫بالمئة من أسهم مجموعة علي بابا‪ .‬وفي الفترة ما بين ‪2010‬‬ ‫و‪ ،2016‬تجاوزت التبرعات التي قدمها أكبر ‪ 100‬فاعل خير‬ ‫ً‬ ‫حققة ‪ 4.6‬مليار‬ ‫في الصين ثالثة أضعاف ما كانت عليه‪ ،‬مُ‬ ‫دوالر‪ .‬ووفق وكالة األبحاث هورون ومقرها في شانغهاي‪،‬‬ ‫فأنه خالل اإلثني عشر شهراً األخيرة وحتى مارس‪ ،‬تبرع ‪76‬‬ ‫مواطن صيني بأكثر من ‪ 5‬مليون دوالر لمبادرات ومشاريع‬ ‫خيريــة فــي قطــاع التعليــم والرعايــة الصحيــة والقضــاء علــى‬ ‫الفقر‪ .‬كما أن العديد من هؤالء المحسنين تبنوا المنهج‬

‫‪76‬‬

‫عدد املانحني الصينيني الذين‬ ‫وهبوا ما يزيد عن ‪ 5‬مليون دوالر‬ ‫لقضايا إنسانية خالل العام‬ ‫املنتهي يف مارس ‪2018‬‬

‫زمن العطاء‬

‫‪69‬‬


‫حظي الناشط الشهير في مجال األعمال الخيرية‬ ‫أندرو كارنيجي بمعجبة غير متوقعة‪ ،‬هي تشاي ميكوين‪.‬‬ ‫ومــع أن رئيســة مجموعــة هيونــغ كونــغ الصينيــة الخاصــة‬ ‫تفصلهــا مئــة ســنة عــن كارنيجــي‪ ،‬وينتميــان إلــى ثقافتيــن‬ ‫مختلفتيــن تمامــاً‪ ،‬إال أنهــا تــرى فيــه القــدوة والنمــوذج فــي‬ ‫مجال العمل الخيري الحديث‪.‬‬ ‫بهــذا الصــدد‪ ،‬تقــول رائــدة األعمــال التــي تتخــذ مدينــة‬ ‫غوانــزو مقــراً لهــا "لــم أحظــى فــي حياتــي كلهــا بــأي مُ رشــد أو‬ ‫شخص يمكنني االقتداء به والتعلم منه قبل أن أشرع في‬ ‫دخــول عالــم األعمــال الخيريــة‪ ،‬إال أن فلســفة كارنيجــي فــي‬ ‫العطاء وعمل الخير والحياة ككل ألهمتني أيما إلهام‪ .‬لذلك‬ ‫أعتز أنني أتعلم منه وأقتدي به"‪.‬‬ ‫قبل عام مضى‪ ،‬كانت تشاي معروفة على نطاق واسع‬ ‫بمهاراتهــا فــي ميــدان التجــارة أكثــر مــن شــهرتها باألعمــال‬ ‫الخيرية‪ .‬كونها المؤسِ سة المشاركة لمجموعة شركات ذات‬ ‫أنشطة متعددة في الخدمات المالية والعقارات والتجارة‬ ‫بالتجزئــة وغيرهــا الكثيــر‪ ،‬وكإحــدى أعضــاء طبقــة أصحــاب‬ ‫المليارات سريعة النمو في الصين‪ ،‬كانت وال شك عنصراً‬ ‫هامــاً فــي النمــو االقتصــادي المدهش الذي حققته وال تزال‬ ‫تحققه الصين‪ .‬إال أن براعتها في العمل الخيري التي نمت‬ ‫بمرور الزمن‪ ،‬جنباً إلى جنب مع نجاحها التجاري لم تحظى‬ ‫بالصــدى اإلعالمــي الــذي يليــق بهــا‪ ،‬إلــى أن فــازت بميداليــة‬ ‫كارنيجي لألعمال الخيرية للعام ‪ .2017‬حيث أدى حصولها‬ ‫علــى الجائــزة إلــى شــهرة عالميــة واعتــراف دولــي بجهودهــا‬ ‫التي بذلتها لتعزيز قطاع األعمال الخيرية داخل الصين‪.‬‬ ‫تعلق تشاي على ذلك بقولها‪" :‬ألهمني فوزي بالجائزة‬ ‫ودفعنــي لتشــجيع رواد األعمــال اآلخريــن لاللتفــات إلى هذا‬ ‫المجال وزيادة مشاركتهم في قطاع األعمال الخيرية‪ .‬إنني‬ ‫أود أن أرى الجيل القادم يعتمد هذه الثقافة الخيرية بحيث‬ ‫تصبح جزءاً من نمط حياتهم"‪.‬‬ ‫يذكــر أن تشــاي كانــت ممولــة صبــورة لقطــاع األعمــال‬ ‫الخيريــة الــذي ينمــو ببــطء وفتــور فــي الصيــن‪ .‬حيث أسســت‬ ‫تشــاي أول منظمــة خيريــة خاصــة فــي الصيــن ســنة ‪،2005‬‬ ‫وذلــك بعــد قرابــة عقــد مــن الزمــن علــى تقديمهــا للحكومــة‬ ‫مقترحــاً بإنشــاء مؤسســة خاصــة لنشــاطاتها الخيريــة‪ .‬وقــد‬ ‫قدمــت تشــاي هــذا المقتــرح‪ ،‬بعــد ســنوات مــن التبرعــات‬ ‫الدؤوبــة التــي منحتهــا للمؤسســات الخيريــة الصينيــة شــبه‬ ‫الحكومية‪،‬رغــم اتســام هــذه المؤسســات بالغمــوض بشــأن‬ ‫كيــف وأيــن تنفــق هــذه األمــوال‪ ،‬إال أن مقترحهــا ُرفــض علــى‬ ‫أســاس أن األفــراد الخــواص غيــر مســموح لهــم بتأســيس‬ ‫منظمات اجتماعية في الصين‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫زمن العطاء‬

‫وتوضــح تشــاي بقولهــا‪" :‬إن الحكومــة لــم تكــن جاهــزة‬ ‫علي أن أستسلم للواقع‪ .‬لكن في قرارة‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬وكان ّ‬ ‫نفسي كنت أدرك أنه في ظل جني رواد األعمال لألموال‪،‬‬ ‫بحس المسؤولية وضرورة المساهمة الخيرية‬ ‫ومع شعورهم‬ ‫ّ‬ ‫كعرفان بالجميل للمجتمع الذي ساهم في ازدهارهم‪ ،‬ال‬ ‫بــد أن تســمح الحكومــة فــي نهايــة المطــاف لألفــراد بالعمــل‬ ‫في القطاع الخيري‪ .‬لقد كانت ضرورة وليس خياراً‪ .‬وهكذا‬ ‫طمأنت نفسي وقررت أن أنتظر الوقت المناسب‪ ،‬وأن أصبح‬ ‫أول من يؤسس منظمة خيرية خاصة في البالد"‪.‬‬ ‫لحسن الحظ‪ ،‬نالت تشاي ثمار ما صبرت ألجله‪ ،‬وآتت‬ ‫مثابرتها أكلها‪ .‬وقد نجحت المنظمة الخيرية هيونغ كونغ‪،‬‬ ‫المسجلة تحت رقم ‪ 001‬بوزارة الشؤون المدنية بالصين‪،‬‬ ‫منذ تأسيسها في الوصول إلى ‪ 2‬مليون مستفيد من نشاطاتها‬ ‫الخيرية وذلك عبر مبادراتها في التعليم والقضاء على الفقر‬ ‫واإلغاثــة فــي حــاالت الكــوارث‪ .‬كمــا تمكنــت المنظمــة أيضــاً‬

‫مــن بنــاء أكثــر مــن ‪ 1,500‬مكتبــة مدرســية‪ ،‬ووفــرت قروضــاً‬

‫مُ ّ‬ ‫صغرة للكثير من النساء لينطلقن في مشاريعهن‪ ،‬وقدمت‬ ‫التمويــات الالزمــة لأليتــام‪ ،‬واألمهــات العازبات‪ ،‬واألطفال‬ ‫ذوي االحتياجات الخاصة والمسنين‪ ،‬كما دفعت تكاليف‬ ‫الدراســة الجامعيــة للطلبــة الفقــراء‪ .‬أمــا عــن مصــدر تمويــل‬ ‫مؤسسة هيونغ كونغ الخيرية فيعود بالكامل إلى تبرعات‬ ‫تشاي من شركتها وأفراد عائلتها‪" ،‬ألنه قانوناً ال يُسمح لك‬ ‫بجمع التبرعات من عموم الناس"‪ ،‬تقول تشاي‪ .‬وهي اآلن‬ ‫تنفق حوالي ‪ 4.4‬مليون دوالر (‪ 30‬مليون يوان) سنوياً لدعم‬ ‫برامج ومبادرات مؤسستها الخيرية‪ ،‬التي من ضمنها تقديم‬ ‫التبرعــات للمؤسســات الخيريــة الحكوميــة األخرى‪ .‬ومع أن‬ ‫هذه التحويالت المالية بشكل تبرعات تبدو عملية بسيطة‬ ‫وميسورة‪ ،‬لكنها ليست كذلك‪.‬‬ ‫إذ تقــول تشــاي‪" :‬هدفنــا فــي المؤسســة الخيريــة هــو‬ ‫التصــدي للمشــاكل االجتماعيــة‪ ،‬والتأكــد أن أموالنــا ُتنفــق‬


‫فــي قطــاع األعمــال التجاريــة فــي نشــاطاتهم ومبادراتهم في‬ ‫قطاع األعمال الخيرية‪ .‬في هذا السياق‪ ،‬تمثل أنظمة الدفع‬ ‫عبر الهواتف المحمولة مثل "وي شات باي" من مجموعة‬ ‫تينســنت‪ ،‬و"علــي بــاي" مــن مجموعــة علــي بابــا‪ ،‬قنــوات‬ ‫مباشــرة للتبــرع للمؤسســات الخيريــة‪ ،‬ومــن شــأنها زيــادة‬ ‫فعاليــة الحمــات العامــة لجمــع التبرعــات‪ .‬يعــد هــذا النهــج‬ ‫اتجاهاً سائداً من شأنه زيادة نشر الوعي فيما يتعلق بالعطاء‬ ‫واألعمال الخيرية بين الشباب الصيني‪ ،‬الذي بدوره سيضخ‬ ‫أفكاراً جديدة ومتحفزة في القطاع الناشئ‪.‬‬ ‫وفي هذا الصدد‪ ،‬تقول تشاي‪" :‬يتقن الشباب الصيني‬ ‫اليــوم اســتخدام هــذه التقنيــات للتأثير علــى الجمهور ولفت‬

‫انتباههــم‪ .‬واألمــر األكثــر أهميــة أن لديهــم رغبــة حقيقيــة‬ ‫بالمساهمة في التصديّ للمشاكل االجتماعية"‪.‬‬ ‫فــي الوقــت الحالــي‪ ،‬تحــرص تشــاي بهمــة ونشــاط علــى‬ ‫إشراك أبنائها في أعمالها الخيرية‪ ،‬حيث يرأس إبنها حالياً‬ ‫مجموعــة مــن المتطوعيــن يمثــل أعضائهــا الجيل الثاني من‬ ‫الشــركات العائليــة‪ .‬وتضيــف تشــاي "أن هــؤالء هــم قــادة‬ ‫المستقبل‪ ،‬ومن الضروري بالنسبة لهم أن يجربوا العمل‬ ‫في القطاع الخيري‪ ،‬ويدركوا مدى أهميته"‪.‬‬ ‫بالنسبة لرائدة األعمال تشاي‪ ،‬تؤمن أن شباب الصين‬ ‫الواعي اجتماعياً هو مفتاح تطوير قطاع األعمال الخيرية في‬ ‫البــاد‪ .‬فباســتثناء التبرعــات التــي يقدمها أثرى األثرياء لهذا‬

‫القطاع‪ ،‬تعتبر تشاي أن ظهور جيل من أصحاب الشركات‬ ‫الذيــن يؤمنــون بـ ٍّ‬ ‫ـكل مــن التأثيــر االجتماعــي وتحقيــق النجاح‬ ‫التجاري‪ ،‬من شأنه أن يكون محركاً حقيقياً الزدهار المجتمع‬ ‫وترسيخ المساواة بين أفراده وردم الهوة بين الطبقات‪ .‬وهو‬ ‫نموذج تأمل تشاي ذاتها أن تنتهجه‪.‬‬ ‫وتقــول فــي ختــام حديثهــا‪" :‬أننــي أصبحــت أرى عملــي‬ ‫التجاري اآلن بشكل مختلف‪ .‬حيث كنت أرى العمل التجاري‬ ‫من قبل كوسيلة لكسب المال‪ ،‬أما اآلن فأنا أرى أن نجاح‬ ‫الشــركة المالي يعني إمكانية المشــاركة الفعالة في منحه‬ ‫لمن يســتحقونه‪ .‬وهكذا أصبح العمل الخيري بالنســبة لي‬ ‫المعنى والمغزى الذي تتمحور حوله حياتي كلها"‪— .‬‬

‫زمن العطاء‬

‫‪71‬‬


‫تشاي (يف الصورة إىل اليسار)‬ ‫التي نشأت يف ضواحي مدينة‬ ‫غوانجهو‪ ،‬ألهمتها زيارة إىل‬ ‫قرية ريفية فقرية عىل املبادرة‬ ‫بأول عمل عطاء كبري لها حني‬ ‫قدمت التمويل إلنشاء مدرسة‬ ‫ألطفال القرية‬

‫"مستقبالً‪ ،‬أعتقد أن معظم األعمال‬ ‫الخيرية في الصين ستأتي من القطاع‬ ‫الخاص بدل القطاع العام"‬

‫العملــي التطبيقــي ال النظــري فــي القيــام باألعمــال الخيريــة‬ ‫المجتمعية‪ ،‬وذلك لتجنب التخلي عن تحكمهم بالتبرعات‬ ‫التي يقدمونها وأوجه وأماكن إنفاقها‪.‬‬ ‫وتوضــح تشــاي هــذا بقولهــا‪" :‬بعــد تأســيس المنظمــة‬ ‫الخيرية األولى في البالد سنة ‪ ،2005‬أصبح لدينا اآلن أكثر‬ ‫من ‪ 3,900‬منظمة‪ ،‬وهذا الرقم يتجاوز المؤسسات الخيرية‬ ‫الحكومية‪ .‬الخبر السعيد اآلخر أن معدل نمو تأسيس هذه‬ ‫المنظمات يشارف ‪ 30‬بالمئة سنوياً"‪.‬‬ ‫تعكس هذه النسبة الفكرة بأن األعمال الخيرية كانت‬ ‫تجــول فــي ذهــن المواطنيــن مــن رواد األعمــال لفتــرة طويلــة‬ ‫من الزمن‪ ،‬كما أنها تعدّ مؤشراً طيباً على الطبيعة الذاتية‬ ‫الخ ّيــرة المتأصلــة فيهــم‪ .‬ذلــك أن العديــد مــن رواد العطــاء‬ ‫األثرياء في الصين وصلوا إلى مكانتهم الحالية انطالقاً من‬ ‫الصفر تقريباً وذلك بفضل االزدهار االقتصادي طويل األمد‬ ‫الذي حظيت به البالد‪ ،‬وهم يحملون بين جوانحهم دافعاً‬ ‫ملحاً لوضع جزء من ثروتهم وطاقتهم ليحظى اآلخرون بما‬ ‫نجحوا هم في تحقيقه‪ .‬والباب األول واألشهر للقيام بذلك‬ ‫يتمثل في "التعليم"‪ .‬بالنســبة لرائدة األعمال تشــاي‪ ،‬التي‬ ‫ترعرعــت فــي غوانــزو‪ ،‬كانــت شــرارة االنطالق لها هي زيارتها‬ ‫لقريــة ريفيــة صغيــرة وفقيــرة‪ ،‬دفعتهــا لتقديــم أول تبــرع‬ ‫كبير لها لبناء مدرسة يتعلم فيها أطفال القرية‪ .‬منذ ذلك‬ ‫الحين‪ ،‬موّلت تشاي شخصياً وعبر مؤسستها الخيرية أكثر‬ ‫من ‪ 300‬مدرسة‪ ،‬حصلت بموجبها كل مدرسة على مبلغ‬ ‫يتراوح ما بين الـ ‪ 30,000‬دوالر و‪ 146,000‬دوالر‪ .‬أما مشاريع‬ ‫مؤسستها الخيرية‪ ،‬فقد كان من أولها مشروع يدعى ‘األلوف‬ ‫الخمســة’‪ ،‬تعهــدت المؤسســة بموجبــه بتأســيس ‪1,000‬‬ ‫مكتبــة مدرســية‪ ،‬وتقديــم التمويــل الــازم ل ـ ‪ 1,000‬يتيــم‪،‬‬ ‫وعائلة محتاجة‪ ،‬وطالب جامعي‪ ،‬وتوظيف ‪ 1,000‬متطوع‪.‬‬ ‫وقــد تــم إدراج تحديــث جديــد فــي المشــروع يهــدف إلــى‬ ‫توفيــر عــاج إعتــام عدســة العيــون أللــف مواطــن مُ ّســن كل‬ ‫عام‪ ،‬األمر الذي يعتبر المبادرة الخيرية الرائدة عالمياً في‬

‫‪70‬‬

‫زمن العطاء‬

‫مجال عالج ضعف البصر‪ .‬ومع تباطؤ النمو االقتصادي في‬ ‫الصين‪ ،‬يمكن لمثل هذه المشاريع أن تستند على المجتمع‬ ‫المدني ألداء دوره في التصدي للمشاكل المتجذرة فيه مثل‬ ‫نقص التعليم في المناطق الريفية‪ ،‬وتوسيع مدى الوصول‬ ‫لخدمات الرعاية الصحية‪ ،‬والمهمة العظمى المتمثلة في‬ ‫إنقاذ حوالي ‪ 30‬مليون مواطن صيني من معاناة الفقر‪ .‬في‬ ‫هذا السياق‪ ،‬تؤمن تشاي أن المحسنين األثرياء يودون أن‬ ‫يكونوا شركاء للحكومة للتصدي لهذه المشاكل‪ ،‬في حال‬ ‫أفسحت لهم الحكومة المزيد من المجال لذلك‪ .‬وتعبر عن‬ ‫ذلك بقولها‪" :‬مستقبالً‪ ،‬أعتقد أن معظم األعمال الخيرية‬ ‫في الصين ستأتي من القطاع الخاص بدل القطاع العام"‪.‬‬ ‫مع ذلك ال زال المحسنون األثرياء في الصين يواجهون‬ ‫كماً معتبراً من التحديات أمام نشاطاتهم‪ .‬فالقيود القانونية‬ ‫المفروضــة علــى عمليــات جمــع التبرعــات ال زالــت شــديدة‬ ‫الصعوبة حتى بالنسبة للمنظمات غير الحكومية المعتمدة‬ ‫والتي تحتاج لهذا التمويل لتسيّر نشاطاتها‪ ،‬من جانب آخر‬ ‫تسبب قانون حكومي آخر يقضي بأال تتجاوز التكاليف اإلدارية‬ ‫للمؤسسات الخيرية نسبة ‪ 10‬بالمئة من رأسمالها بتعطيل‬ ‫عمليــة تطويــر قطــاع األعمــال الخيريــة وجعلــه أكثــر احترافيــة‬ ‫ومهنية‪ .‬فإضافة إلى تسبب هذا القانون الذي يحدّ التكاليف‬ ‫اإلدارية بعدم قدرة المؤسســات الخيرية على توظيف طاقم‬ ‫عمل كفؤ ومؤهل‪ ،‬ساهم أيضاً في إفقار قطاع األعمال الخيرية‬ ‫ّ‬ ‫ككل من المواهب المُ حترفة ذات الكفاءة العالية‪ .‬فضال ً عن‬ ‫هذا‪ ،‬ال زال قطاع األعمال الخيرية في حاجة أيضاً إلى المزيد‬ ‫من الحوافز المالية والضريبية التي تشجع التبرعات والعطاء‪،‬‬ ‫كما تشير تشاي التي ساهمت بقوة في الضغط على سياسة‬ ‫الضرائب التفضيلية الصينية لتشمل التبرعات لألعمال الخيرية‪.‬‬ ‫وأخيراً وليس آخر‪ ،‬تقول تشاي‪ ،‬يقع على عاتق المؤسسات‬ ‫الخيرية نفسها مسؤولية أداء دور حاسم في تعزيز الشفافية‬ ‫ً‬ ‫قائلة "ال‬ ‫وكسب ثقة الجمهور بشأن ما يقومون به‪ .‬وتعرب‬ ‫زال النــاس متوجســون مــن الكيفيــة التــي تنفــق بهــا التبرعات‪:‬‬

‫لذلك نحن‪ ،‬بصفتنا مؤسسات خيرية‪ ،‬بحاجة إلى أن نكون‬ ‫أكثر انفتاحاً فيما يخص نشاطاتنا وتأثيرنا المجتمعي إن أردنا‬ ‫أن نبني ونرسخ الثقة بنا والمصداقية في عملنا"‪.‬‬ ‫بهذا الصدد‪ ،‬من األرجح أن تكون التقنية أداة مساعدة‬ ‫على تمهيد الطريق للنشاط بفعالية أكبر في درب األعمال‬ ‫الخيريــة فــي أمــة تعــدّ البلــد األكبــر علــى مســتوى العالم من‬ ‫ناحيــة عــدد مســتخدمي اإلنترنــت‪ ،‬ومــن ناحيــة ســرعة نمــو‬ ‫ســوق التجــارة اإللكترونيــة‪ .‬وهــذا ليــس مســتغرباً‪ ،‬إذ أن‬ ‫العديــد مــن األثريــاء الصينييــن الذيــن التحقــوا حديثــاً بنــادي‬ ‫أصحــاب المليــارات‪ ،‬كســبوا ثروتهــم مــن هــذا القطــاع‪ ،‬وهــا‬ ‫هم اآلن يستخدمون نفس الطرق التي أدت بهم إلى النجاح‬


‫‪%‬17‬‬

‫نسبة كبار التنفيذيين في الشركات العالمية‬ ‫ً‬ ‫خططا‬ ‫الذين يفيدون بأن شركاتهم قد وضعت‬ ‫للمساهمة في تحقيق "أهداف التنمية المستدامة"‬ ‫بحلول عام ‪ ،2030‬وفق ما أشار له استبيان أجرته‬ ‫وكالة ديلويت اإلستشارية‬

‫أمضت تينا بيك نحو ست سنوات وهي تحاول‬ ‫اق ـن ــاع ال ـش ــرك ــات ف ــي مـنـطـقــة ال ـش ــرق األوسـ ــط ب ــأن يـعـيــدوا‬ ‫ال ـ ـن ـ ـظ ـ ــر فـ ـ ــي دوره ـ ـ ـ ـ ــم فـ ـ ــي ال ـ ـم ـ ـج ـ ـت ـ ـمـ ــع‪ .‬وتـ ـ ــركـ ـ ــز وكـ ــالـ ـتـ ـهـ ــا‬ ‫االسـ ـتـ ـشـ ــاريـ ــة‪( Sustainability Platform ،‬م ـن ـص ــة‬ ‫االسـتــدامــة)‪ ،‬على تغيير الـنـظــرة الـســائــدة لــدى الـعــديــد من‬ ‫ال ـ ـشـ ــركـ ــات ف ـ ــي ال ـم ـن ـط ـق ــة‪ ،‬وال ـ ـت ـ ــي تـ ـ ــرى أن ال ـم ـس ــؤول ـي ــة‬ ‫االج ـ ـت ـ ـمـ ــاع ـ ـيـ ــة ل ـ ـل ـ ـشـ ــركـ ــات عـ ـ ـبـ ـ ــارة عـ ـ ــن ع ـ ـمـ ــل خـ ـ ـيـ ـ ــري‪ ،‬ال‬ ‫استثماراً حقيقياً‪.‬‬ ‫تــدعــم رســالــة بـيــك ه ــذه أدل ــة مـتـنــامـيــة كـثـيــرة تـثـبــت أن‬ ‫االستدامة ال تضعف األداء المالي للشركات‪ ،‬بل على العكس‪،‬‬ ‫فـهــي تـحـسـنــه‪ .‬وعـلــى الــرغــم مــن أن الـحــديــث عــن مـفــاهـيــم‬ ‫االستدامة بدأ يدور في أروقة الشركات في الشرق األوسط‪،‬‬ ‫مـثــل مـفــاهـيــم "الـمـخــرجــات الـثــاثــة لــأعـمــال" (الـمـجـتـمـعــي‬ ‫والبيئوي والمالي)‪ ،‬و "االقتصاد الدائري"‪ ،‬إال أن بيك تعتزم‬ ‫مغادرة المنطقة وتأسيس عمل لها في الهند‪.‬‬ ‫وتقول‪" :‬أصبح العثور على مشاريع مميزة أمراً يزداد‬ ‫صعوبة يوماً بعد يوم"‪ ،‬لكنها تضيف‪" :‬إال أن الحوار [بين‬ ‫صفوف المدراء] قد تغيير بشكل واضح‪ .‬فقبل ست سنوات‬ ‫لــم يتطرق أحــد إلــى هــذا الموضوع بتاتاً‪ .‬أمــا الـيــوم‪ ،‬فنحن‬ ‫نشهد تحوالً في الوعي‪ ،‬رغم أنني لم أرى بعد انتشاراً لهذه‬ ‫المفاهيم كما كنت أود أن أراه‪ ..‬والسبب هو أن الموضوع‬ ‫مــا ي ــزال اخـتـيــاري‪ ،‬والـعــديــد مــن الـشــركــات مــا ت ــزال تفضل‬ ‫االبتعاد عنه"‪.‬‬ ‫في الوقت الذي ما تزال فيه اقتصادات المنطقة مثقلة‬ ‫تحت وطأة اجراءات التقشف وأسعار النفط المتدنية‪ ،‬أصبح‬ ‫من الصعب تبرير الميزانيات الخاصة بالمسؤولية االجتماعية‬ ‫لـلـشــركــات‪ ،‬خــاصــة أن الـشــركــات تــرى فــي الـمــوضــوع "شــأنــاً‬ ‫حسناً لكنه ليس ضرورياً"‪ ،‬حسب قول بيك‪ .‬وتوضح‪" :‬لن‬ ‫يكون من السهل إقناع هذه الشركات بأهمية الموضوع إلى‬ ‫يتم إعداد مجموعة كافية من دراسات الحالة من منطقة‬ ‫الشرق األوسط تبرهن عن األثر اإليجابي الذي يحدثه التنوع‬ ‫واإلشراك واألثر االجتماعي على المردود النهائي لألعمال"‪.‬‬ ‫تكتسب اليوم الفكرة التي مفادها أن األعمال التجارية‬ ‫ال يجب أن تقتصر منافعها فقط على المساهمين فيها تأييداً‬ ‫متزايداً بين رؤساء الشركات حول العالم‪ .‬لكن الفكرة في‬ ‫أن تكون الشركات محرك للتغيير االجتماعي اإليجابي وفي‬ ‫ذات الوقت مصدر لجني األرباح لم تختمر بما فيه الكفاية‬ ‫لتصبح جزءاً من ثقافة األعمال في منطقة الشرق األوسط‪.‬‬ ‫هناك القليل من الرؤساء التنفيذيين الذين استطاعوا أن‬ ‫يـتــرجـمــوا رغـبـتـهــم ف ــي الـتـغـيـيــر إل ــى ف ـعـ ِـل ل ــه أث ــر م ــن خــال‬ ‫أعمالهم اليومية‪ .‬ومــا يزيد هــذا المنحى تعقيداً هــو تطور‬ ‫مفهوم المسؤولية االجتماعية للشركات من مجرد تقديم‬ ‫المال لقضايا محقة إلى أسلوب متكامل يرى في االستدامة‬ ‫مزايا تنافسية وضرورة استراتيجية‪.‬‬

‫زمن العطاء‬

‫‪73‬‬


‫القصور في‬ ‫بدأ رؤساء الشركات حول العالم يدركون‬ ‫صحة المقولة بأن إحداث األثر االجتماعي يبدأ‬ ‫في قاعة اجتماعات الشركة وعلى مستوى‬ ‫القيمين عليها‪ .‬لكن الشركات في منطقة‬ ‫الشرق األوسط ما زالت تجد صعوبة كبيرة في‬ ‫تقليص الفجوة بين نواياها الحسنة وتحويل‬ ‫هذه النوايا إلى أفعال لها أثر على أرض الواقع‪.‬‬

‫المشاركة‬

‫‪72‬‬

‫زمن العطاء‬


‫"العطاء وحده ال‬ ‫يجب‬ ‫بل‬ ‫يكفي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عليك أن تكون جزءا‬ ‫من االقتصاد المؤثر"‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬هناك بعض الشركات التي تعد‬ ‫ق ـ ـ ــدوة م ـ ــن جـ ـه ــة الـ ـت ــزامـ ـه ــا ف ـ ــي مـ ـجـ ــال االس ـ ـت ـ ــدام ـ ــة ض ـمــن‬ ‫قطاعاتها‪ ،‬وإن على حساب األربــاح على الـمــدى القصير أو‬ ‫الـمـتــوســط‪ .‬فبينما يستثمر طـيــران االت ـحــاد فــي إيـجــاد بــدائــل‬ ‫لــوقــود الـطـيــران الـتـقـلـيــدي‪ ،‬عـمــدت شــركــة م ـطــارات أبــوظـبــي‬ ‫إلــى إج ــراء تقييم شــامــل ل ــدورة حـيــاة مجمل أصــولـهــا بهدف‬ ‫رف ــع ك ـفــاءة اسـتـخــدامـهــا لـلـطــاقــة‪ .‬فــي غـضــون ذل ــك‪ ،‬أف ــادت‬ ‫شركة اإلمارات العالمية لأللمنيوم بأنها تعمل على استثمار‬ ‫ما يقارب من مليار دوالر في تطوير وتبني تقنيات تهدف إلى‬ ‫رفــع كـفــاءة الـطــاقــة وخـفــض الـهــدر واالنـبـعــاثــات الـغــازيــة في‬ ‫منشآتها‪ .‬أمــا شركة مــوانــئ دبــي العالمية‪ ،‬واحــدة مــن أكبر‬ ‫مـشـغـلــي ال ـمــوانــئ ف ــي ال ـعــالــم‪ ،‬فـقــد اسـتـثـمــرت ف ــي حــاضـنــة‬ ‫للشركات الناشئة تعمل على تقديم اإلرشاد والدعم خالل‬ ‫المراحل المبكرة من إطالق الشركات‪ ،‬فضال ً عن النفاذ إلى‬ ‫صندوق تمويل رأس المال المغامر بقيمة ‪ 60‬مليون دوالر‪.‬‬ ‫وتأمل موانئ دبي العالمية أن تصبح هذه الشركات الناشئة‬ ‫في المستقبل مـصــدراً لــإمــدادات والمعدات‪ ،‬وتساهم في‬ ‫تنمية االقتصاد الوطني‪.‬‬ ‫وب ـعــض ال ـشــركــات األخ ــرى تـبـنــت أس ـلــوب الـتـغـيـيــر من‬ ‫خ ــال تـعـطـيــل الـمـفــاهـيــم الـتـقـلـيــديــة‪ .‬ه ــذا مــا فـعـلـتــه شــركــة‬ ‫"كــريــم" الـصــاعــدة الـتــي تـقــدم خــدمــة تــوصـيــل الـعـمــاء من‬ ‫خالل مشاركتهم ذات الرحلة‪ ،‬عندما ربطت خدمتها بقضية‬

‫تمكين المرأة في المملكة العربية السعودية‪ .‬فالشركة توفر‬ ‫فرص العمل للنساء من دون أن تخالف الحظر على قيادة‬ ‫الـسـيــارات المفروض على الـمــرأة فــي المملكة‪ .‬وبـهــذا فهي‬ ‫تتقدم ـ وإن كان ببطء ـ نحو تحقيق المساواة بين الجنسين‬ ‫وتمكين النساء والفتيات‪.‬‬ ‫إن نسبة مشاركة الـمــرأة في ساحة العمل في منطقة‬ ‫الشرق األوسط هي األدنى منها في أي منطقة أخرى بالعالم‪،‬‬ ‫ما يعد بشكل عام عقبة أمام النمو والفرص االقتصادية‪ .‬ولفهم‬ ‫حجم هذه المشكلة الفرص الهائلة الضائعة يمكن النظر في‬ ‫دراسة أعدتها وكالة ماكينزي في عام ‪ ،2015‬والتي خلصت إلى‬ ‫أنه لو حققت دول الشرق األوسط وشمال أفريقيا المساواة‬ ‫الكاملة بين الرجل والمرأة في القوى العاملة‪ ،‬الستطاعت‬ ‫هذه الدول أن تضيف ما يقدّر بـ ‪ 2.7‬تريليون دوالر على الناتج‬ ‫المحلي اإلجمالي في المنطقة بحلول العام ‪.2025‬‬ ‫وال شك في أن اإللتزام بتحقيق أهداف التنمية المستدامة‬ ‫من شأنه أن يؤدي إلى بروز فرص مماثلة‪ .‬في ديسمبر الماضي‬ ‫أف ــاد تـقــريــر ص ــادر عــن لـجـنــة األعـمــال والـتـنـمـيــة المستدامة‬ ‫فــي األم ــم الـمـتـحــدة أنــه إذا مـنـحــت الـحـكــومــات والـشــركــات‬ ‫فــي الـمـنـطـقــة األولــويــة لــاسـتـثـمــارات الـمـسـتــدامــة‪ ،‬سيكون‬ ‫بــإم ـكــان ـهــم إت ــاح ــة ف ــرص أع ـم ــال ف ــي ال ـش ــرق األوسـ ــط تـقــدر‬ ‫قيمتها بنحو ‪ 430‬مليار دوالر‪ ،‬وأخــرى في شمال أفريقيا‬ ‫بقيمة تقارب ‪ 207‬مليار دوالر‪.‬‬

‫لـكــن حـجــم ه ــذه االسـتـثـمــارات سـيـتـطـلــب مــرونــة عــالـيــة‬ ‫وقبوالً كامال ً من قبل حكومات المنطقة‪ ،‬فسيتوجب على‬ ‫صانعي السياسة أن يغيروا نمط تفكيرهم‪ ،‬والذين يستندون‬ ‫تـقـلـيــديــاً إل ــى فـكــرة مـفــادهــا ب ــأن حــل الـمـشــاكــل االجـتـمــاعـيــة‬ ‫وتوفير الخدمات األساسية هو حكر على الدولة وحدها‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق‪ ،‬يقول توفيق جيالسي‪ ،‬الوزير السابق‬ ‫في الحكومة التونسية‪ ،‬والذي يشغل حالياً منصب بروفيسور‬ ‫في االستراتيجيات وإدارة التكنولوجيا في المعهد العالمي‬ ‫لـلـتـطــويــر اإلداري (‪ )IMD‬الـمـتـخـصــص ب ــإدارة األع ـمــال في‬ ‫سويسرا‪" :‬أنا شخصياً أومن بأن [االستدامة] مسألة يجب‬ ‫على الحكومات أن تبادر بها وتقودها‪ .‬وإن لم تضع الحكومات‬ ‫هذه المسألة في أولوية أجنداتها‪ ،‬ال أظن أنه يمكن تحقيق‬ ‫شيء يذكر في هذا المجال على أرض الواقع‪ .‬نحن بحاجة‬ ‫لنظام بيئي جديد بالكامل للتعامل مع هذه المسألة"‪.‬‬ ‫على مدى سنوات طويلة لم تعط الحكومات الحوكمة‬ ‫المؤسسية واالستدامة‪ ،‬أو المساواة االقتصادية‪ ،‬حقها‪،‬‬ ‫ولم تضع هذه األمور في مكان متقدم في سلم أولوياتها‪،‬‬ ‫هذا حسب ما يفيد به جيالسي‪ ،‬الذي يقول أن هذه المسألة‬ ‫لم ُتعد "ضرورة ملحة"‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن جيالسي ليس حقاً متفائال ً بأن هذا‬ ‫الــوضــع سيتغير فــي المستقبل القريب‪ ،‬إال إنــه يــرى بــوادر‬ ‫التغيير في المملكة العربية السعودية‪ ،‬على سبيل المثال‪،‬‬ ‫حيث يعمل ولي العهد الجديد بنهجه اإلصالحي على تغيير‬ ‫الوضع القائم‪ .‬فيقول‪" :‬نشهد اليوم ظهور جيل جديد من‬ ‫القادة الذين نشأوا في حقبة مختلفة‪ ،‬وأكملوا تعليمهم‬ ‫في مكان مختلف‪ .‬فمتى ما عــادوا لبالدهم سيتساءلون‪،‬‬ ‫ألسنا فــي الـقــرن الــواحــد والـعـشــريــن؟"‪ ،‬وهــو بـهــذا يتحدث‬ ‫عن قرار الحكومة السعودية برفع الحظر على قيادة المرأة‬ ‫للسيارات إبتداءً من يونيو ‪ .2018‬ويضيف جيالسي قائالً‪:‬‬ ‫"هذا تغيير جذري لم أتوقع حصوله في فترة حياتنا؛ لكنه‬ ‫حصل بالفعل"‪.‬‬ ‫قد يكون التغيير الناتج عن توالي األجيال أقوى محرك‬ ‫للتغيير الحقيقي في عالم األعمال في المنطقة‪ .‬تمثل أعمال‬ ‫الشركات العائلية نحو ‪ 80‬بالمئة من الناتج المحلي غير‬ ‫النفطي فــي المنطقة‪ ،‬وهـنــاك ث ــروات كـبـيــرة بـيــد الـعــائــات‬ ‫التي جنتها خالل فترات حديثة نسبياً‪ .‬اليوم‪ ،‬هذه الشركات‬ ‫العائلية‪ ،‬واألموال الطائلة التي بحوزتها‪ ،‬على وشك أن يرثها‬ ‫جيل جديد يتحلى بمفاهيم وآراء مختلفة‪ ،‬غالبيته يرى في‬ ‫االستدامة واألرباح وجهان لعملة واحدة‪.‬‬ ‫وب ــدوره‪ ،‬يـعـلــق بـيـتــر فــوجــل‪ ،‬الـبــروفـيـســور فــي مـجــال‬ ‫ريـ ــادة األع ـم ــال ال ـعــائ ـل ـيــة ف ــي ال ـم ـع ـهــد ال ـعــال ـمــي لـلـتـطــويــر‬ ‫اإلداري‪" :‬يـمـتـلــك ال ـج ـيــل ال ـق ــادم عـقـلـيــة مـخـتـلـفــة ف ــي مــا‬ ‫يتعلق بنظرته إلى االقتصاد العالمي وطريقة تعاملنا مع‬ ‫بيئتنا وكوكبنا‪ .‬ونظراً إلنتقال القدرات والسلطة إلى هذا‬ ‫الجيل‪ ،‬فنحن على وشك أن نشهد تغييراً في المواقف‬ ‫والسلوك بمرور الزمن"‪.‬‬ ‫ويبقى القول بأنه على الشركات أن تتعامل مع جيل‬ ‫الـشـبــاب عـلــى أنـهــم أصـحــاب المصلحة والمستثمرين كما‬ ‫هم العمالء والموظفين ـ أو يمكن القول بأنهم المنافسين‪.‬‬ ‫وتـخـتـتــم تـيـنــا بـيــك بـقــولـهــا‪" :‬ف ــي الـحـقـيـقــة‪ ،‬الـشــركــات‬ ‫الصغيرة ومتوسطة الحجم هي التي تتسم بالوعي االجتماعي‬ ‫هنا‪ ،‬وأعتقد أن هذا ما سيدفع الشركات الكبيرة في النهاية‬ ‫للتحرك‪ .‬لكن هذه الشركات الناشئة هي التي ستكون الرائدة‬ ‫في إحداث األثر االجتماعي"‪— .‬‬

‫زمن العطاء‬

‫‪75‬‬


‫األثر‬ ‫اإليجابي‬

‫‪%‬92‬‬

‫ع ـل ــى ال ــرغ ــم م ــن أن ال ـم ـس ــؤول ـي ــن ف ــي ال ـش ــرك ــات‬ ‫يقولون بأنهم ال يعلمون كيف يمكنهم المساعدة‬ ‫ف ــي تـحـقـيــق "أهـ ــداف الـتـنـمـيــة ال ـم ـس ـتــدامــة" عـلــى‬ ‫ً‬ ‫تقريبا يدعمون أجندة‬ ‫أفضل وجه‪ ،‬فإن معظمهم‬ ‫األهداف‪ ،‬وذلك وفق استبيان ديلويت‬

‫ويعلق إستيبان غوميز نادال‪ ،‬رئيس مجموعة‬ ‫قيادة الفكر في شركة باالديوم االستشارية‪ ،‬بقوله‪" :‬لقد‬ ‫الحظنا تغيراً في التعامل مع الموضوع نحو أسلوب أكثر‬ ‫تـكــامـاً‪ ،‬يـكــون األث ــر االجـتـمــاعــي متضمناً فــي اسـتــراتـيـجـيــات‬ ‫الـشــركــة"‪ .‬وكــانــت بــاالديــوم ج ــزءاً مــن إئـتــاف ضــم مـصــارفــاً‬ ‫ومــؤس ـســات خـيــريــة أط ـلــق ال ـع ــام ال ـمــاضــي س ـن ــدات خــاصــة‬ ‫ب ـت ـط ــوي ــر ال ـع ـن ــاي ــة ال ـص ـح ـي ــة ب ـه ــدف خ ـف ــض م ـع ــدل وف ـي ــات‬ ‫الــرضــع فــي مـقــاطـعــة راجـسـتــان فــي الـهـنــد‪ .‬ويـضـيــف ن ــادال‪:‬‬ ‫"لقد بدأت الشركات تدرك أن العطاء وحده ال يكفي‪ ،‬بل‬ ‫يجب عليها أن تكون جزءاً من 'االقتصاد المؤثر'"‪.‬‬ ‫ساعدت أهداف التنمية المستدامة التي أعلنتها األمم‬ ‫المتحدة في عام ‪ 2015‬العديد من الشركات في تكوين أطر‬ ‫عمل جديدة لجهودها االجتماعية‪ .‬وشملت هذه األهداف‪،‬‬

‫‪74‬‬

‫زمن العطاء‬

‫والتي بلغ عددها ‪ 17‬هدفاً‪ ،‬إنهاء الجوع‪ ،‬ومكافحة الفقر‪،‬‬ ‫وتـحـقـيــق ال ـم ـســاواة بـيــن الـجـنـسـيــن عـلــى مـسـتــوى الـعــالــم‪،‬‬ ‫والملفت للنظر أن اإلعالن يعتبر أن القطاع الخاص شريك‬ ‫ال غـنــى عـنــه لتحقيق تـلــك األه ــداف‪ .‬وكــان لـلـقـطــاع الـخــاص‬ ‫حـضــور خــال جـلـســات صـيــاغــة األه ــداف‪ ،‬وتـحــدث الـعــديــد‬ ‫مــن ممثلي المشاريع االجتماعية الصغيرة إلــى مسؤولين‬ ‫في كبرى الشركات متعددة الجنسيات عن توجيه أعمالهم‬ ‫نحو دعم أهداف التنمية المستدامة‪.‬‬ ‫وبينما لقي اإلعالن عن األهداف الدعم من قادة أعمال‬ ‫دوليين معروفين بمواقفهم المناصرة للقضايا اإلنسانية‪،‬‬ ‫من أمثال الرئيس التنفيذي لشركة يونيليفر‪ ،‬بول بولمان‪،‬‬ ‫برز داعمون جدد‪ ،‬قد يكون بعضهم غير متوقع بتاتاً‪ .‬ومن‬ ‫أبــرز األصــوات الجديدة الداعمة لــأهــداف كــان صــوت الري‬

‫فـنــك‪ ،‬رئـيــس مجلس اإلدارة ومــؤســس شــركــة بــاك روك‪،‬‬ ‫التي تعد أكبر صندوق استثماري في العالم‪ ،‬والذي نشر‬ ‫رســالــة مـفـتــوحــة لـكــافــة الـشــركــات يــدعــوهــم فيها إلــى تهيئة‬ ‫أوضاعهم ليعملوا بما فيه مصلحة المجتمع‪.‬‬ ‫فكتب في رسالته‪" :‬المجتمع يطالب الشركات‪ ،‬سواء‬ ‫كانت خاصة أو عامة‪ ،‬بأن تعمل على خدمة أغراض اجتماعية‪.‬‬ ‫لـكــي تنجح وتــزدهــر عـلــى الـمــدى الـطــويــل‪ ،‬ينبغي عـلــى كل‬ ‫شركة ليس فقط أن تحقق أداءً مالياً جيداً‪ ،‬بل أن تبرهن‬ ‫عن مساهمتها اإليجابية في المجتمع"‪.‬‬ ‫وكانت الرسالة بنظر الكثيرين بمثابة إنــذار للشركات‬ ‫مفاده‪ :‬إما أن تنظموا أوضاعكم اجتماعياً أو تخسروا فرصة‬ ‫التمويل من صندوق قيمته ‪ 1.7‬تريليون دوالر تعمل شركة‬ ‫بالك روك على إدارته بالكامل لصالح عمالئها‪ .‬لكن السؤال‬ ‫األك ـثــر صـعــوبــة ل ــدى غــالـبـيــة رؤس ــاء الـشــركــات هــو مـعــرفــة‬ ‫كيفية اإلمتثال لهذا المطلب‪ ،‬حسب ما أشار له استبيان‬ ‫أجري مؤخراً‪ .‬فقد كشف استطالع عالمي لرأي نحو ‪350‬‬ ‫مسؤول تنفيذي نشرت نتائجه شركة ديلويت في شهر يناير‬ ‫أن ‪ 92‬بالمئة من المشاركين مهتمين بدعم أجندة األمم‬ ‫الـمـتـحــدة الـســاعـيــة لـتـحـقـيــق أه ــداف الـتـنـمـيــة الـمـسـتــدامــة‪،‬‬ ‫كما أشــار ‪ 65‬بالمئة منهم بــأن االسـتــدامــة والنمو الشامل‬ ‫لـلـجـمـيــع هـمــا م ــن أك ـثــر ال ـمــواض ـيــع ال ـحــاحــاً بــالـنـسـبــة لـهــم‪.‬‬ ‫لـكــن مــا ال يـتـعــدى عــن ‪ 17‬بالمئة مــن المجيبين يعتقدون‬ ‫بأنه لديهم حالياً برامج تساهم في تحقيق أهداف التنمية‬ ‫المستدامة في العام ‪.2030‬‬ ‫وكان للشركات في منطقة الشرق األوسط آراء مشابهة‪،‬‬ ‫وف ــق اسـتـبـيــان أجــرتــه فــي ال ـعــام ‪" 2016‬م ـب ــادرة ب ـيــرل" غير‬ ‫الــربـحـيــة ال ـتــي تـتـخــذ مــن دول ــة اإلمـ ــارات الـعــربـيــة الـمـتـحــدة‬ ‫مـقــراً لـهــا‪ ،‬والـتــي تـحــث الـشــركــات فــي منطقة الخليج على‬ ‫تطبيق معايير الحوكمة المؤسسية وإعداد التقارير وفقها‬ ‫لتحقيق المساءلة والشفافية‪ .‬وقد خلص ذلك االستبيان‬ ‫إلى أن ثلثي قادة األعمال المشاركون قد بحثوا في أجندة‬ ‫األمــم المتحدة‪ ،‬و نحو ‪ 64‬بالمئة أفــادو بــأن شركاتهم قد‬ ‫ألزمت نفسها ببعض التعهدات ذات الصلة‪.‬‬ ‫كما عبّر غالبية المشاركين في االستبيان‪ ،‬ما نسبته‬ ‫‪ 92‬بالمئة‪ ،‬عن إعتقادهم بأن العمل على تحقيق أهداف‬ ‫الـتـنـمـيــة الـمـسـتــدامــة سـيـكــون ل ــه إن ـع ـكــاســات إيـجــابـيــة عـلــى‬ ‫أعمالهم‪ .‬إضافة إلى هذا‪ ،‬أفاد نحو ‪ 82‬بالمئة منهم بأنهم‬ ‫وجدوا فرص نمو حقيقية في هذا العمل‪ .‬لكن هذه الفئة‬ ‫مــن الـمـشــاركـيــن فــي االسـتـبـيــان إعـتـبــروا أنفسهم أقـلـيــة بين‬ ‫بــاقــي الـشــركــات‪ ،‬فـمــا نسبته واحــد فـقــط مــن أصــل خمسة‬ ‫مشاركين قالوا أنه لديهم قناعة قوية بأن غالبية الشركات‬ ‫ف ــي دول م ـج ـلــس ال ـت ـع ــاون ال ـخ ـل ـي ـجــي س ـت ـك ــون ق ــد ن ـفــذت‬ ‫مبادرات مرتبطة بأهداف التنمية المستدامة بحلول العام‬ ‫‪ ،2021‬وهـ ــذا ي ــؤك ــد م ــرة أخـ ــرى ع ـلــى ات ـس ــاع ال ـف ـج ــوة بـيــن‬ ‫النوايا الحسنة والتعقيدات المرتبطة بتحويل هذه النوايا‬ ‫إل ــى أف ـعــال تـســاهــم فــي الـمـســاعــي الـعــالـمـيــة إلي ـجــاد حـلــول‬ ‫مستدامة لبعض األزمات األكثر إلحاحاً‪.‬‬ ‫وتعليقاً على هذا‪ ،‬تقول كارال كوفيل‪ ،‬المديرة التنفيذية‬ ‫لـ"مبادرة بيرل"‪" :‬نعم‪ ،‬إنهم على علم بالموضوع؛ ونعم‪،‬‬ ‫هناك إهتمام بالموضوع؛ لكن المسألة تقتصر على إدراج‬ ‫عملية بهذا الخصوص ضمن ممارساتهم ألعمالهم"‪ .‬ومن‬ ‫وج ـه ــة ن ـظــر كــوف ـيــل ف ــإن األم ـ ــور س ـتــأخــذ م ـج ــراه ــا ف ــي هــذا‬ ‫الشأن وإن كان ببطء‪ ،‬فتقول‪" :‬األمر يتعلق بعملية التطور‬ ‫الطبيعي للشركات"‪.‬‬



‫صورة واحدة‬ ‫تختصر ألف كلمة‬ ‫تعد كوارث المجاعات من أكثر األزمات التي يصعب‬ ‫التنبؤ بها أو منع حدوثها‪ .‬ففي عالمنا الذي يضم شخصاً‬

‫يفتقر للطعام من بين كل تسعة أشخاص‪ ،‬فإن فهم‬ ‫الظروف التي قد تجعل نقص اعتيادي في األغذية أن يتفاقم‬ ‫ويصبح بحجم كارثة هو شأن ضروري جداً لتفعيل استجابة‬ ‫باكرة وفعالة‪.‬‬ ‫اآلن أصبح البنك الدولي يمتلك أداة جديدة يمكنها‬ ‫الحيولة دون وقوع المجاعات قبل أن تبدأ‪ ،‬وهي الذكاء‬ ‫اإلصطناعي‪ .‬وبعد مضي عام منذ أن وقعت حاالت نقص‬ ‫حاد في الغذاء في عدد من الدول مثل جنوب السودان‪،‬‬ ‫واليمن‪ ،‬وأفغانستان‪ ،‬كادت أن تعرض حياة ‪ 20‬مليون‬ ‫إنسان للخطر‪ ،‬يقود البنك اليوم تحالفاً يضم األمم‬ ‫المتحدة‪ ،‬وجوجل وأمازون‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬يسعى إلى تطويع‬ ‫التكنولوجيا بهدف منع المجاعات في المستقبل‪.‬‬ ‫وتعتمد ما يسمى بـ "آلية مكافحة المجاعة" (‪Famine‬‬ ‫‪ )Action Mechanism‬على مجموعة من البيانات حول‬ ‫عدة عوامل منها الفيضانات‪ ،‬والجفاف‪ ،‬والمحاصيل مع‬ ‫وسائل اإلعالم اإلجتماعية‪ ،‬والتقارير اإلخبارية حول مواضيع‬ ‫محددة مثل حاالت عدم االستقرار السياسي وتضخم أسعار‬ ‫األغذية‪ .‬ثم يتم استخدام هذه البيانات ضمن معادالت‬ ‫تساعد على إنشاء نظام إنذار مبكر‪ .‬وعندما تصل مؤشرات‬ ‫األزمات الغذائية إلى حد معين‪ ،‬تعمل اآللية على التنبيه‬ ‫إلى ضرورة توجيه التمويل للمناطق المعرضة للمجاعة‪،‬‬ ‫وحث الحكومات على التدخل‪ .‬وإذا أثبتت نجاحها سوف‬ ‫تصبح اآللية وسيلة للتنبؤ بالزمان والمكان المحتمل لوقوع‬ ‫المجاعة‪ ،‬ما ّ‬ ‫يمكن من إنقاذ أرواح الماليين‪.‬‬ ‫ألبيرت غونزاليس فران ‪ /‬جيتي إيميجز‬

‫‪76‬‬

‫زمن العطاء‬


‫كانت‬

‫ألعاب الفيديو‬ ‫في خدمة القضايا‬ ‫اإلنسانية‬

‫سابا سليم وارسي ‪ -‬البحرين‬

‫رائدة األعمال البحرينية‪،‬‬ ‫سـ ــابـ ــا س ـل ـي ــم وارس ـ ـ ـ ــي‪ ،‬م ــول ـع ــة‬ ‫دائـمــاً بــألـعــاب الـفـيــديــو‪ ،‬مـنــذ أن‬ ‫كــانــت فــي الـســابـعــة مــن عمرها‪.‬‬ ‫وهــي لم يكن لديها أدنــى فكرة أنــه خــال عملها في مجال‬ ‫االستشارات اإلدارية في بداية الثالثينات من عمرها وبينما‬ ‫كــانــت تمر فــي تجربة البحث عــن ال ــذات‪ ،‬حسب وصفها‪،‬‬ ‫س ـ ــوف ت ـ ـ ــدرك أن تـ ـط ــوي ــر أل ـ ـع ـ ــاب فـ ـي ــدي ــو ج ـ ــدي ـ ــدة ه ـ ــو مــا‬ ‫ستكرس كل وقتها له‪.‬‬ ‫وتقول‪" :‬أتاني اإللهام بأن كل المهارات التي طورتها‬ ‫ضمــن ممارســتي لهواياتــي المحببــة‪ ،‬مثــل الموســيقى‪،‬‬ ‫والرسم‪ ،‬والكتابة‪ ،‬جميعها تلعب دوراً في عملية تطوير‬ ‫ألعاب الفيديو‪ .‬والحقيقة هي أن هذه األلعاب تتميز بأنها‬ ‫جامعة وشمولية أكثر من أية فنون أخرى‪ ،‬وأدركت أنني‬ ‫قادرة على استخدام هذا الفن بهدف رفع مستوى الوعى‬ ‫حــول مشــاكل حقيقيــة يعانــي منهــا العالــم"‪.‬‬ ‫إبتدأت وارسي تشغل وقتها بالتأمل في فكرة تطوير‬ ‫ألعاب الفيديو بعد أن ألهمها فيلم وثائقي يدور موضوعه‬ ‫حول االستوديوهات المستقلة العاملة في مجال تطوير‬ ‫هذه األلعاب‪ ،‬وأدركت حينها أن أن مطوري األلعاب ال‬ ‫يعملون فقط لدي الشركات العمالقة‪ .‬وشاركت وارسي‬ ‫فــي ورشــات عمــل نظمهــا أعضــاء مجتمــع تطويــر ألعــاب‬ ‫الفيديــو فــي البحريــن الــذي علــى الرغــم مــن صغــر حجمه‬ ‫فهو يتميز بنشاطه العالي‪ ،‬كما شاركت مرتين في تحدي‬ ‫ينظــم محليــاً يجمــع فــرق مطوريــن يتبــارون علــى تطويــر‬ ‫لعبــة فيديــو بســيطة ضمــن وقــت قصير‪.‬‬ ‫وتقــول عــن مشــاركتها فــي ذلــك التحــدي‪" :‬فــي المرة‬ ‫األولــى أخفقنــا بشــكل كبيــر‪ ،‬لكننــا فزنــا فــي المــرة الثانيــة‬ ‫بالجائــزة الثالثــة‪ ،‬وذلــك عــن لعبة اســمها "هوبفل" (‪ful‬‬ ‫ـ‪ )Hope‬يــدور موضوعهــا عــن اإلحبــاط‪ .‬تبــدأ اللعبــة مثــل‬ ‫العديد غيرها ألعاب الفيديو‪ ،‬حيث تتطلب من الالعبين‬ ‫تخطي مجموعة من العقبات‪ ،‬لكن الفرق هو أنها تطرح‬ ‫على الالعب الخيار بين مواصلة اللعبة مع األمل أو بدونه‪.‬‬ ‫ولكــن مــن دون األمــل تــزداد اللعبــة صعوبة بشــكل كبير‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وفرت الجائزة دفقاً من الحماس لوارسي‪ ،‬ما جعلها‬ ‫تباشــر بتطويــر لعبــة جديــدة اســمتها "موســى"‪ ،‬ومثــل‬ ‫اللعبــة الســابقة تســعى "موســى" لنشــر الوعــي بمســألة‬ ‫أخــرى‪ ،‬وهــي األزمــة العالميــة لالجئين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يحل الالعب في هذه اللعبة محل ـ أو يتخذ "أفاتار" ـ‬ ‫موسى‪ ،‬الطفل الالجئ الذي يرعى أخيه الصغير ويخوض‬ ‫معه صراعاً من أجل البقاء‪ .‬وبعد ثالثة أسابيع من تطوير‬ ‫النموذج األولي للعبة‪ ،‬تم عرضها خالل فعاليات مؤتمر‬ ‫"آي جــي إن" أللعــاب الفيديــو (‪ )IGN Covention‬فــي‬ ‫البحريــن عــام ‪ ،2017‬حيــث حضيــت بإهتمــام كبيــر مــن‬ ‫المشاركين‪ ،‬إذ أفاد ‪ 96‬بالمئة منهم بأنه من المرجح أن‬ ‫يشتروا نسخة منها لدى إصدارها‪ .‬وتقول وارسي‪" :‬لقد‬ ‫أحــب الحضــور فكــرة اللعبــة كونهــا مبنيــة علــى مشــكلة‬ ‫حقيقيــة‪ .‬لــذا أصبــح شــغلي الشــاغل أن أكمــل تطو يــر‬ ‫اللعبــة‪ ،‬وأعمــل هــذا بــدوام كامل"‪.‬‬ ‫وتواصــل وارســي إجــراء تحســينات وإضافــات علــى‬ ‫اللعبة قبل موعد إطالقها تجارياً والمقرر في العام ‪،2019‬‬ ‫وهي تسعى لإلتصال بمنظمات إنسانية مثل المفوضية‬ ‫الســامية لألمم المتحدة لشــؤون الالجئين للتعرف أكثر‬

‫على حقيقة معاناة األطفال الالجئين‪ .‬وتوضح قائلة‪" :‬أريد‬ ‫أن تتصف روايتي في اللعبة باألصالة‪ ،‬أي ّ‬ ‫أل تجعل من‬ ‫الالجئين ضحايا أو تقلل من شأنهم وكرامتهم‪ .‬وسيكون‬ ‫موســى مخترعــاً‪ ،‬وســيتوجب علــى الالعبيــن أن يخترعــوا‬ ‫شــيئاً مــا لكــي ينتقلــوا للمســتوى التالــي مــن اللعبــة‪ .‬أنــا ال‬ ‫أريــد أن أصـوّر الالجئيــن علــى أنهــم بؤســاء أو عاجزيــن"‪.‬‬ ‫وبينما تحافظ وارسي على وظيفتها في االستشارات‬ ‫اإلدارية خالل ساعات العمل‪ ،‬فهي قد أسست شركة ناشئة‬ ‫بإسم ‪( The Stories Studio‬أو "استوديو الروايات")‪،‬‬ ‫بهــدف إ طــاق اللعبــة وتســويقها‪ ،‬و هــي حاليــاً تعــرض‬ ‫خطــة عمــل شــركتها علــى بنــك البحريــن للتنميــة أمـا ً فــي‬ ‫الحصــول علــى التمويــل‪ .‬وشــركة وارســي هــي واحــدة مــن‬ ‫خمــس شــركات بحرينيــة تــم إختيارهــا للمرحلــة النهائيــة‬ ‫من مسابقة ملتقى االستثمار السنوي للشركات الناشئة‬ ‫(‪ )AIM Startup Competition‬التي تعقد في أبريل‬ ‫مــن كل عــام فــي دبي‪.‬‬ ‫وســتركز شــركة ‪ The Stories Studio‬علــى تطويــر‬ ‫األلعاب التي تتطرق إلى مواضيع من واقع الحياة بهدف‬ ‫نشــر الوعي حولها‪ ،‬مثل عدم المســاواة والظلم وقضايا‬ ‫عالميــة غيرهــا‪ ،‬ومــن المرجــح أن يــدور موضــوع إحــدى‬ ‫هــذه األلعــاب حــول التغيــر المناخــي‪ .‬وتعتقــد وارســي أن‬ ‫ألعــاب الفيديــو‪ ،‬كونهــا تمثــل بطبيعتهــا تجــارب غامــرة‪،‬‬ ‫فهي تساعد الالعبين على إنشاء صلة قوية وعميقة مع‬ ‫مختلــف القضايــا أكثــر ممــا بقــدرة الوســائل األخــرى مثــل‬ ‫الكتب واألفالم السينمائية‪ .‬فتقول‪" :‬في ألعاب الفيديو‬ ‫يصبــح الالعــب محــور اللعبــة وشــخصيتها الرئيســية‪ ،‬مــا‬ ‫يعنــي أن الالعــب يســتثمر أكثــر بكثيــر مــن ذاتــه عاطفيــاً‬ ‫ومعنويــاً فــي اللعبــة"‪ .‬وتضيــف‪ّ :‬‬ ‫"أثــرت بــي بعــض ألعــاب‬ ‫الفيديو إلى درجة أنني أفرطت في البكاء‪ .‬فلهذه األلعاب‬ ‫القــدرة علــى اإللهــام بمشــاعر التعا طــف والحــث علــى‬ ‫العمــل اإليجابــي"‪.‬‬

‫إتضح لي أنه بإمكاني‬ ‫استخدام الفيديو لنشر‬ ‫الوعي حول المشاكل‬ ‫الحقيقية في العالم‬

‫زمن العطاء‬

‫‪79‬‬


‫الجيل القادم‬

‫يعمل رواد المشاريع اإلجتماعية على تطويع التكنولوجيا لخدمة القضايا اإلنسانية‪ ،‬سواء من جهة إيصال‬ ‫المساعدات للذين هم بحاجة ماسة لها‪ ،‬أو توفير بدائل رقمية للخدمات المصرفية التي يفتقد لها الماليين‪،‬‬ ‫أو غيرها من األمور التي من شأنها تغيير العالم إلى األفضل‪ ،‬كما تفيد به التقارير التالية‬

‫لكي‬

‫تحديد المواقع في‬ ‫غياب العناوين‬

‫كريس شيلدريك ‪ -‬المملكة المتحدة‬

‫‪78‬‬

‫زمن العطاء‬

‫تتمكن المنظمات اإلنسانية‬ ‫م ـ ـ ــن إي ـ ـ ـص ـ ـ ــال م ـ ـس ـ ــاع ـ ــدات ـ ـه ـ ــا ح ـي ــث‬ ‫الـحــاجــة أش ــد لـهــا‪ ،‬هــي بـحــاجــة أوالً‬ ‫ل ـت ـحــديــد ال ـم ــوق ــع ب ــدق ــة‪ .‬ف ــال ـك ــوارث‬ ‫تـضــرب فــي أي م ـكــان‪ ،‬وإن لــم تـكــن مــواقـعـهــا ضـمــن نـطــاق‬ ‫مخططات الـمــدن أو الـطــرق الرئيسية‪ ،‬على سبيل المثال‬ ‫فـ ــي األري ـ ـ ــاف أو م ـخ ـي ـم ــات ال ــاج ـئ ـي ــن‪ ،‬يـ ـك ــون ح ـي ـن ـه ــا مــن‬ ‫الصعب جــداً تحديد تلك المواقع بدقة‪ .‬وقد يصعب هذا‬ ‫األمــر أيضاً فــي الــدول سريعة النمو حيث تفتقد الشوارع‬ ‫وال ـم ـب ــان ــي ال ـح ــدي ـث ــة ف ــي ال ـم ــدن إلـ ــى ال ـم ـس ـم ـي ــات واألرق ـ ــام‬ ‫ل ـف ـت ــرات ط ــوي ـل ــة‪ .‬مـ ــن ن ــاح ـي ــة أخـ ـ ــرى‪ ،‬ت ــوف ــر ال ـت ـك ـنــولــوج ـيــا‬ ‫إحداثيات أي موقع على الكرة األرضـيــة‪ ،‬وذلــك من خالل‬ ‫الـنـظــام الـعــالـمــي لـتـحــديــد الـمــواقــع بــاسـتـخــدام اإلحــداثـيــات‬ ‫الـمـتـعــددة األرق ــام (‪،)coordinates multi digit GPS‬‬ ‫ل ـ ـك ـ ــن اسـ ـ ـتـ ـ ـخـ ـ ــدام هـ ـ ـ ــذا الـ ـ ـنـ ـ ـظ ـ ــام ل ـ ـي ـ ــس ب ـ ـ ــاألم ـ ـ ــر الـ ـيـ ـسـ ـي ــر‬ ‫لمعظم الناس‪.‬‬ ‫طــورت الشــركة النا شــئة "دبليــو ثــري دبليــو" (أو‬ ‫‪ )What3words‬حـا ً مثاليــاً وذكيــاً ببســاطته لهــذه‬ ‫المســألة‪ ،‬وهو يعتمد على تقســيم ســطح الكرة األرضية‬ ‫إلــى شــبكة مكونــة مــن مربعــات بضلــع طولــه ثالثــة أمتــار‪،‬‬ ‫ثــم يتــم منــح كل مربــع اســماً تعريفيــاً فريــداً (‪ )tag‬مكونــاً‬ ‫من ثالث كلمات‪ ،‬يمكن ألي شخص أن يتذكره ويشاركه‬ ‫مع اآلخرين ليحدد موقعه بدقة في أي مكان في العالم‪.‬‬ ‫ويقــول كريــس شــيلدريك‪ ،‬المؤســس المشــارك ل ـ "دبليــو‬ ‫ثــري دبليــو"‪" :‬نحــن نطمــح بــأن يتــم اعتمــاد نظامنــا هــذا‬ ‫كمقيــاس عالمــي لتبــادل إحداثيــات المواقــع"‪.‬‬ ‫ولتجنب االلتباس الذي قد ينتج عن تشابه االسماء‪،‬‬ ‫حرصــت الشــركة علــى أن تكــون هــذه األماكن بعيدة جداً‬ ‫عــن بعضهــا‪ .‬فعلــى ســبيل المثــال‪ ،‬يضــم بــرج خليفــة فــي‬ ‫دبي ضمن موقعه األسم "‪،"tools.chapters.diagram‬‬ ‫بينما االسم المشابه كثيراً "‪"took.chapters.diagram‬‬ ‫يرمز لموقع في فنيزويال‪ .‬كما استبعد نظام التسمية في‬ ‫قوائمــه األســماء التــي تلفــظ بنفــس الطريقــة لكنهــا تكتــب‬ ‫بشــكل مختلــف‪ ،‬أو الكلمــات والصفــات الزائــدة والتــي ال‬ ‫تضيف شيئاً على المعنى‪ ،‬فضال ً عن األسماء التي تحمل‬ ‫أكثر من معنى‪ .‬ويطبق نظام التسمية حالياً في ‪ 14‬لغة‪،‬‬ ‫تتضمــن العربيــة واألردو والهنديــة‪.‬‬ ‫أمضى شيلدريك نحو ستة أشهر إلعداد أول إصدارة‬ ‫من النظام‪ ،‬كما تم تقديم طلب براءة إختراع للتقنيات‬ ‫الرئيسية المستخدمة فيه في العام ‪ .2013‬وبعد جولتين‬ ‫من التمويل األولي في عامي ‪ 2013‬و‪ ،2014‬حصدت خاللها‬ ‫"دبليو ثري دبليو" مبلغ ‪ 2.25‬مليون جنيه استرليني (‪3.11‬‬ ‫مليون دوالر) من عدة مستثمرين كان على رأسهم "إنتل‬ ‫كابيتال"‪ ،‬تالها الجولتين الثانية والثالثة بتمويل رئيسي‬ ‫مــن كل مــن أراميكــس ودايملــر علــى التوالــي عامــي ‪2016‬‬ ‫و‪ ،2017‬لكن الشركة لم تفصح عن قيمة هذه التمويالت‪.‬‬ ‫ويوضــح شــيلدريك بــأن التحــدي األكبــر لــم يكــن فــي‬ ‫عملية تصميم وتطوير البرمجيات الخاصة بالنظام‪ ،‬بل‬ ‫فــي بنــاء قاعــدة صلبــة مــن المســتخدمين‪ .‬وتطلــب هــذه‬ ‫المسعى التواصل مع الجهات الشريكة في محاولة لدمج‬ ‫نظــام العنونــة المقتــرح ضمــن صفحــات إتمــام معامــات‬ ‫الشــراء علــى مواقــع التســوق اإللكترونــي‪ ،‬أو مــع نظــام‬ ‫مالحــة الســيارة‪ ،‬أو إدخالــه ضمــن عمليــات المنظمــات‬

‫بوجود ‪ 4‬مليار شخص‬ ‫في‪ ‬العالم يفتقرون إلى‬ ‫عنوان منزلي واضح‪ ،‬يمكن‬ ‫لهذه األداة أن تساعد‬ ‫على إحداث التغيير‬ ‫اإلجتماعي اإليجابي‬

‫اإلنســانية‪ ،‬أو ضمــن خدمــات لمؤسســات أخــرى‪.‬‬ ‫وقــد أدخلــت منظمــة األمــم المتحــدة نظــام "دبليــو‬ ‫ثــري دبليــو" ضمــن تطبيقهــا الخــاص بإعــداد التقاريــر عــن‬ ‫الكــوارث‪ ،‬مــا يجعــل مصــدر كل صــورة وتقرير يرســل من‬ ‫منطقــة الكارثــة محــدد جغرافيــاً بالعنــوان الثالثــي‪ .‬كمــا‬ ‫استخدمت النظام أيضاً شركة أنظمة إنفينيتم اإلنسانية‬ ‫المتخصصــة بأنظمــة االســتجابة الســريعة للكــوارث فــي‬ ‫هايتــي عند مــا ضربهــا اإلعصــار "ماثيــو"‪ ،‬باإلضافــة إلــى‬ ‫منظمــة الصليــب األحمــر الفليبينــي‪ ،‬ومؤسســة "غايتــواي‬ ‫هيلث" التي توفر العناية الصحية للمجتمعات المحلية‬ ‫فــي قــرى جنــوب أفريقيا‪.‬‬ ‫واليــوم‪ ،‬لــدى شــركة "دبليــو ثــري دبليــو" مكاتــب فــي‬ ‫جوهانســبرغ وفــي أوالن باتــار‪ ،‬منغوليــا‪ ،‬وهــي تســتعد‬ ‫لفتــح مكاتــب أخــرى لهــا فــي مواقــع مختلفة‪.‬‬ ‫وال شــك بأنــه مــع توســع اســتخدام المركبــات ذاتيــة‬ ‫القيــادة‪ ،‬والطائــرات بــدون طيــار‪ ،‬واألنظمــة التشــغيلية‬ ‫المفعلــة عــن طريــق األوامــر الشــفوية‪ ،‬ســيكون ل ـ "دبليــو‬ ‫ثري دبليو" دور تحويلي كبير‪.‬ولن يقتصر هذا الدور على‬ ‫تبســيط وترشــيد العمليــات اللوجســتية وعمليــات النقــل‬ ‫والتوصيــل عبــر كل القطاعــات االقتصاديــة تقريبــاً‪ ،‬بــل‬ ‫سيســهم فــي خلــق التغييــر االجتماعــي اإليجابــي‪ .‬ويختتم‬ ‫شــيلدريك بقولــه‪" :‬نحــن نتطلــع ألن نثبــت علــى نطــاق‬ ‫واســع كيــف يمكــن لنظــام عنونــة دقيــق أن يخفــض مــن‬ ‫األثر البيئوي لألعمال‪ ،‬ويخفف من الضغط على المدن‬ ‫المكتضة‪ ،‬ويغذي النمو االقتصادي في الدول النامية‪،‬‬ ‫فضـا ً دوره عــن فــي إنقاذ األرواح"‪.‬‬


Be inspired.

A Philanthropy Age initiative

www.howtodogood.global

Available at Amazon.com


‫الجيل القادم‬

‫كان‬

‫رأس المال‬ ‫اإلجتماعي‬

‫أحمد وديع ‪ -‬الكويت‬

‫‪80‬‬

‫زمن العطاء‬

‫أحــمــد وديــــع‪ ،‬رائـــد األعــمــال‬ ‫الكويتي‪ ،‬يتابع دراساته العليا ضمن‬ ‫ب ــرن ــام ــج الـمــاجـسـتـيــر ف ــي تـكـنــولــوجـيــا‬ ‫الـمـعـلــومــات فــي ألـمــانـيــا‪ ،‬وف ــي نفس‬ ‫ال ــوق ــت يـ ـح ــاول إدخ ـ ــار الـ ـم ــال إلق ــام ــة ح ـف ــل زواجـ ـ ــه‪ .‬أت ـتــه‬ ‫الـفـكــرة حينها ألول مــرة بتأسيس شــركــة ناشئة فــي مجال‬ ‫ال ـ ـت ـ ـك ـ ـن ـ ــول ـ ــوج ـ ـي ـ ــا أطـ ـ ـلـ ـ ــق ع ـ ـل ـ ـي ـ ـهـ ــا اس ـ ـ ـ ــم "م ـ ـ ــان ـ ـ ــي ف ـ ـي ـ ـل ـ ـلـ ــوز"‬ ‫(‪ .)Moneyfellows‬ل ــو كـ ــان ودي ـ ــع ف ــي ب ـل ــده ف ــي ذل ــك‬ ‫ال ــوق ــت‪ ،‬لـتـمـكــن بـكــل سـهــولــة م ــن ال ـمـشــاركــة بـمــا يـسـمــى بـ‬ ‫"الـ ـجـ ـمـ ـعـ ـيـ ــة" حـ ـيـ ــث يـ ـلـ ـتـ ــزم بـ ــدف ـ ـعـ ــات شـ ـه ــري ــة م ـ ــع ب ـق ـي ــة‬ ‫المشاركين ويحصل على الـمــال الــذي يحتاجه ربما بفترة‬ ‫أقـصــر بـكـثـيــر‪ .‬وه ــذا ال ـنــوع مــن الـبــدائــل الـشـعـبـيــة والـعـمـلـيــة‬ ‫لـحـســابــات اإلدخ ــار مـنـتـشــر بـشـكــل واس ــع لـيــس فــي منطقة‬ ‫الـشــرق األوس ــط فـحـســب‪ ،‬بــل فــي الـهـنــد وأفــريـقـيــا ومناطق‬ ‫أخـ ــرى م ــن ال ـع ــال ــم‪ ،‬خ ــاص ــة ف ــي األم ــاك ــن ال ـت ــي تـفـتـقــر إلــى‬ ‫الخدمات المصرفية األساسية‪.‬‬ ‫الفكرة وراء هذه الممارسة التقليدية بسيطة جداً‪ ،‬إذ تتفق‬ ‫مجموعة من األصدقاء أو المعارف على إنشــاء نا ٍد لإلدخار‬ ‫أو جمعية بين بعضهم‪ ،‬تنظم إثرها اجتماعات دورية‪ ،‬غالباً‬ ‫مــا تكــون شــهرية‪ ،‬يتــم خاللهــا جمــع مبلــغ متفــق عليــه ســلفاً‬ ‫مــن كل مشــارك وتســليفه لشــخص واحــد منهــم بالتــداول‪.‬‬ ‫وتستخدم مثل هذه الدفعات عادة لتسديد أقساط مدرسة‬ ‫األوالد أو شــراء آلــة مــا‪ ،‬أو تمويــل عمــل تجــاري أو غيرهــا مــن‬ ‫األمــور التــي تتطلــب دفعــة كاملــة لمبلــغ ال يقــوى أي مشــارك‬ ‫على توفيره لوحده في فترة قصيرة‪ .‬ويستمر المشاركون بهذا‬ ‫النشاط حتى يكون كل واحد منهم قد حصل على دفعته‪.‬‬ ‫يطبق مفهوم الجمعية بشكل ناجح ضمن المجتمعات‬ ‫عال من‬ ‫المحلية الصغيرة المتماسكة والتي تتميز بمستوى ٍ‬ ‫الثقة بين أفرادها‪ .‬لكن وديع كان بعيداً عن وطنه‪ ،‬ولم يكن‬ ‫لديه في ألمانيا عدد كاف من األصدقاء الذين تجمعه بهم‬ ‫روابط الثقة‪ .‬ومع ذلك تمكن بالنهاية من تشــكيل جمعية‬ ‫تضــم أصدقــاء وأقــارب فــي وطنــه‪ ،‬باإلســتعانة بخدمــات‬ ‫"ويســترن يونيــون" للتحويــات الماليــة عبــر الحــدود‪ ،‬لكــن‬ ‫رسوم الحواالت كانت مرتفعة بشكل كبير‪.‬‬ ‫ويوضــح وديــع‪" :‬مــن هنــا أتــت فكــرة الملتقــى الرقمــي‪،‬‬ ‫حيث يمكنني أن استعرض الجمعيات المتواجدة في ألمانيا‬ ‫وخارجها‪ ،‬وأجد مشاركين من معارفي وغيرهم من الغرباء"‪.‬‬ ‫وأدرك وديع أنه من خالل تيسير أمور أولئك الذين ال يمتلكون‬ ‫حساباً مصرفياً على اإلدخار وأقتراض المال‪ ،‬فأن هذه األداة‬ ‫قادرة على المساهمة في إنتشال الناس المعوزين من الفقر‪.‬‬ ‫وقرر وديع أن يطلق منصة إلكترونية تسمح ألي شخص‬ ‫بأن ينشئ جمعية عن بعد تضم معارفه وأقاربه؛ وأن أثبت‬ ‫المشــاركون فــي الجمعيــة مصداقيتهــم وأنهــم محــط ثقــة‪،‬‬ ‫سيسمح لهم في نفس الوقت باإلدخار مع المشاركين الغرباء‬ ‫من حول العالم‪ .‬وتستخدم المنصة مجموعة من المعايير‬ ‫لتقييم مصداقية المشاركين تضم معلومات وشروط أوسع‬ ‫من النماذج المعتمدة عادة في تقييم الجدارة اإلئتمانية‪،‬‬ ‫وتشــمل تقديم وثائق من رب العمل وإثبات دفع الفواتير‪.‬‬ ‫ويتــم اســتقطاع رســوم بســيطة لصالــح المنصــة فــي كل مرة‬ ‫يسحب المشارك المال لحسابه الخاص‪.‬‬ ‫فــي منتصــف العــام ‪ 2016‬إنتقــل وديــع مــن ألمانيــا إلــى‬ ‫المملكــة المتحــدة لإلنضمــام إلــى برنامــج مســرع لألعمــال‬ ‫يختص في تكنولوجيا المال في لندن‪ ،‬بهدف تطوير فكرته‪،‬‬

‫العديد من الناس يرغبون‬ ‫في االستثمار بشركات لها‬ ‫بعد مختلف‪ ،‬وأثر في‬ ‫حياة‪ ‬الناس‬

‫وتمكــن بالنهايــة مــن الحصــول علــى تمويــل أولــي بقيمــة‬ ‫‪ 180,000‬دوالر‪ .‬كان هــذا التمويــل كافيــاً إلطــاق النســخة‬ ‫التجريبية للمنصة‪ ،‬والتي تضم اآلن نحو ‪ 2,600‬مستخدم‪.‬‬ ‫وفــي العــام ‪ 2017‬فــازت منصــة "مانــي فيللــوز" بالمرتبــة‬ ‫األولــى فــي مســابقة "منتــدى إم آي تــي للشــركات العربيــة‬ ‫الناشــئة"‪ ،‬كمــا حظيــت الشــركة الناشــئة فــي بدايــة عــام‬ ‫‪ 2018‬بتمويــل إجمالــي بلغــت قيمتــه ‪ 600,000‬دوالر مــن‬ ‫مجموعــة مــن المســتثمرين كان علــى رأســهم "دي أي آي"‬ ‫(‪ )Dubai Angel Investors‬و ‪ ،Startups 500‬ما ساهم‬ ‫في إطالق النسخة المطورة من الموقع مؤخراً للجمهور‪.‬‬ ‫وتركز المنصة حالياً على السوق المصرية فقط‪ ،‬ويعود‬ ‫السبب إلى أن نحو ‪ 90‬بالمئة من سكان مصر ليس لهم حساب‬ ‫مصرفي‪ .‬لكن الشركة تخطط للتوسع في دولة اإلمارات العربية‬ ‫المتحدة والمملكة العربية السعودية خالل السنوات القليلة‬ ‫القادمة‪ .‬وعلى الرغم من أن التعامل مع بلد واحد يعني التعامل‬ ‫مع مجموعة قوانين تنظيمية واحدة‪ّ ،‬إل أن حتى ذلك ال يضمن‬ ‫سهولة سير األعمال ووجود عوائق صعبة يجب تخطيها‪.‬‬ ‫ويشرح وديع ذلك قائالً‪" :‬لقد إنتظرنا فترة طويلة فقط ليتم‬ ‫تحديد اإلطار القانوني الذي يندرج نموذج عملنا ضمنه‪ .‬ولم‬ ‫يكن هناك من مسار واضح وصريح يمكننا اتباعه للحصول على‬ ‫الموافقات المطلوبة‪ ،‬لذا كان علينا أن نخلق مثل هذا المسار‬ ‫[مــع الســلطات التنظيميــة المختصــة]‪ .‬تطلبــت هــذه المســألة‬ ‫جهداً ووقتاً ليس باستطاعة الشركات الناشئة عادة تحمله"‪.‬‬ ‫كمــا أن الحصــول علــى التمويــل هــو عقبــة أخــرى تشــبه‬ ‫"معضلــة البيضــة والدجاجــة" حســب مــا يقــول وديــع الــذي‬ ‫يضيــف‪" :‬أنــت بحاجــة للتمويــل لتغطيــة تكاليــف الدراســة‬ ‫واإلستشــارات القانونيــة‪ ،‬لكــن المســتثمرين لــن يســتثمروا‬ ‫في شركة لم يتم تنظيمها وإطالقها أو لم تستكمل جميع‬ ‫معامالتها القانونية‪ .‬وهذه كانت مسألة صعبة"‪.‬‬ ‫لكن من ناحية أخرى يتابع وديع قائالً‪" :‬العديد من الناس‬ ‫يرغبون في االستثمار بشركات لها بعد مختلف‪ ،‬وأثر في حياة‬ ‫الناس‪ .‬ففئات الســكان التي تفتقد للخدمات المصرفية هي‬ ‫بالفعل تطبق مفهوم الجمعيات لترتيب أوضاعها؛ وبمعنى‬ ‫آخر فإن هؤالء الناس قد أثبتوا عملياً نجاح هذا النموذج ودوره‬ ‫فــي تحســين أحوالهــم‪ .‬مــا نفعلــه نحــن هــو توســيع نطــاق هــذا‬ ‫النموذج ورفع مستوى فعاليته"‪— .‬‬


‫"يقول لي ذوي النهج التقليدي في التفكير أن‬ ‫االستثمار االجتماعي هو عبارة عن صنع المال على‬ ‫حساب الفقراء‪ ،‬لكن هذه الطريقة الخاطئة للنظر في‬ ‫الموضوع‪ .‬االستثمار في الناس‪ ،‬والخدمات واحداث األثر‬ ‫هو ما يحدث الفرق"‬ ‫اإلمتداد الرقمي للصراعات‪ .‬يتعلق نطاق عملنا التقليدي‬ ‫في اللجنة الدولية للصليب األحمر بالتعامل مع الحروب‬ ‫والفاعلين فيها واألسلحة المستخدمة والقانون اإلنساني‬ ‫الدولــي‪ .‬لكــن اليــوم بقــدر مــا تشــن الحــروب باألســلحة‬ ‫والقنابل‪ ،‬فهي أيضاً تدور رحاها بشكل مخفي في الفضاء‬ ‫السيبراني ـ إلى درجة أنك لن تتمكن حقاً من تحديد هوية‬ ‫الفاعليــن أو حــدود ذاك الصــراع‪ .‬ولــم يعــد اليــوم مفهــوم‬ ‫الحرب أو السالم واضح المعالم‪ .‬وأعمال العنف السيبراني‬ ‫هي من بين التطورات طويلة األمد التي تؤثر بشكل كبير‬ ‫على طريقة عملنا‪.‬‬

‫يقول لي ذوي النهج التقليدي في التفكير أن االستثمار‬ ‫االجتماعي هو عبارة عن صنع المال على حساب الفقراء‪،‬‬ ‫لكــن هــذه الطريقــة الخاطئــة للنظــر فــي الموضــوع‪ .‬نحــن‬ ‫نحــاول اســتخدام المــوارد الشــحيحة المتوفــرة بهــدف‬ ‫تعظيــم أثرهــا‪ .‬إذا أردنــا أن نــردم الفجــوة فهذا ال يمكن أن‬ ‫يتــم مــن خــال تحويــل نقــود المانحيــن إلــى خدمــات‪ ،‬كما‬ ‫أنه لن يكون كافياً‪ .‬لكن ما يحدث الفرق هو االستثمار في‬ ‫الناس‪ ،‬والخدمات واحداث األثر‪.‬‬

‫إذا نظرت إلى قطاع العمل اإلنساني بمجمله‪ ،‬شامالً‬

‫األمــم المتحــدة‪ ،‬والصليــب األحمــر‪ ،‬والمنظمــات غيــر‬ ‫الحكومية‪ ،‬ووكاالت اإلغاثة العالمية‪ ،‬لوجدت أن إجمالي‬ ‫الميزانيات المخصصة لهذا القطاع تتراوح بشكل عام بين‬ ‫‪ 27‬و ‪ 30‬مليــار دوالر فــي الســنة ـ بينمــا كانــت قيمتهــا قبــل‬ ‫عشــرة أعــوام نحــو مليــاري دوالر فقــط‪ .‬هــذا تزايــد ضخــم‪،‬‬ ‫ما يؤكد على أن النزاعات المسلحة تتسع رقعتها ويعمق‬ ‫أثرها‪ .‬وفي الوقت الذي تتنامى فيه اإلحتياجات اإلنسانية‬ ‫بشــكل متســارع وتصاعــدي‪ ،‬ال تتســع ســبل تلبيــة هــذه‬ ‫اإلحتياجــات إال بنســبة صغيــرة؛ وتبقــى الحصيلــة هــي أن‬ ‫الفجــوة آخــذة باإلتســاع‪ .‬والمفارقــة التــي تدعــو إلــى القلــق‬ ‫هــي أن وكاالت اإلغاثــة تبــذل جهــوداً أكبــر كل شــهر‪ ،‬ومــع‬ ‫هــذا تســتمر األوضــاع بالتراجــع بشــكل عــام‪ .‬وهذهــا وضــع‬ ‫معقــد تصعــب إدارتــه‪ ،‬وهــو غيــر قابــل لإلســتدامة‪ ،‬ال مــن‬ ‫جانب الجهات المانحة إن كانت جهات حكومية أو خاصة‪.‬‬

‫أجــرت اللجنــة الدوليــة للصليــب األحمــر دراســة العــام‬ ‫الماضــي بهــدف قيــاس مســتوى معرفــة النــاس بالقانــون‬ ‫اإلنســاني الدولــي فــي كل مــن الــدول المتقدمــة ومناطــق‬ ‫النزاعات‪ .‬كشفت الدراسة أن المجتمعات التي تعيش في‬ ‫الــدول المتأثــرة بالحــروب وأعمــال العنــف هــي علــى درايــة‬ ‫بمعاهدة جنيف بشــكل أكبر بكثير عن المجتمعات فس‬

‫سويســرا أو الواليــات المتحــدة علــى ســبيل المثــال‪ .‬وهــذا‬ ‫شــيء مشــجع‪ ،‬إذ إنــك إن كنــت فــي بيئــة مســالمة فلــن‬ ‫تكــون بحاجــة لمعرفــة هــذه األشــياء‪ ،‬أما إن كنت معرضاً‬ ‫ألعمال العنف فمعرفتك للقانون قد توفر لك الحماية‪.‬‬ ‫ال يمكن لإلنسان التخفيف من وطأة وآثار أعمال العنف‪،‬‬ ‫لكن يمكنه تغيير سلوكه‪ ،‬رغم أن هذا عمل صعب‪ .‬لكن ما‬ ‫يشجعني ويبعث في األمل هو القدرة على التحمل والمرونة‬ ‫العالية التي أشهدها بين الفئات المتضررة ومستوى اإلبتكار‬ ‫في سعيهم إليجاد الحلول بأنفسهم‪ ،‬فضال ً عن إدراك مدى‬ ‫تدني الموارد الكافية لدعم هذا النهج‪ .‬باستخدامك لتمويل‬ ‫متواضــع لكــن موجــه ألغراض محددة‪ ،‬وتحليك بمصداقية‬ ‫قوية بين الفاعلين في المجال اإلنساني‪ ،‬يمكنك المساهمة‬ ‫بشكل فعال دعم هذه األنشطة وتحسين حياة هؤالء الناس‬ ‫حتى في أصعب الظروف‪ .‬إنه أمر مشجع جداً حقاً‪— .‬‬

‫"ال يمكن لإلنسان التخفيف من‬ ‫وطأة وآثار أعمال العنف‪ ،‬لكن‬ ‫يمكنه تغيري سلوكه"‬

‫التمويــل المبتكــر مــن شــأنه أن يغيــر النمــوذج المتبــع‬ ‫عالمياً في مســألة المســاعدات اإلنســانية‪ .‬طرحت اللجنة‬ ‫الدولية للصليب األحمر العام الماضي سندات األثر اإلنساني‪،‬‬ ‫جمعت من خالله ‪ 27.5‬مليون دوالر لبناء وتشغيل ثالثة‬ ‫مراكز لتأهيل ذوي اإلعاقات في أفريقيا على مدى خمسة‬ ‫أعوام‪ .‬كانت تلك فرصة للحصول على التمويل ألغراض‬ ‫اجتماعية من القطاع الخاص‪ ،‬وأيضاً إلختبار نموذج عمل‬ ‫اقتصادي جديد‪ .‬كما أننا نبحث في استخدام نظم التأمين‬ ‫بهــدف التشــخيص المبكــر للتحديــات الصحيــة‪ ،‬فضال ً عن‬ ‫االستثمار المؤثر وقطاع العمل الخيري‪ .‬ويدور اآلن الحديث‬ ‫كثيراً حول استخدامات جديدة لألدوات المالية‪ ،‬كما أن‬ ‫هناك إدراك متزايد بأنه ال يمكن لجهة واحدة أن تضطلع‬ ‫وحدها بهذه المسؤولية‪.‬‬ ‫هنــاك تقــارب متزايــد فــي المصالــح بيــن القائميــن علــى‬ ‫قطاع المساعدات وشركات المنتجات والخدمات الرقمية‪،‬‬ ‫وخاصة في ما يتعلق بتجميع البيانات وتخزينها وارتباط‬ ‫هذه التكنولوجيا بالهويات الرقمية‪ .‬لنتصور‪ ،‬على سبيل‬ ‫المثــال‪ ،‬لــو أنــه خــال خمس ســنوات تملــك الناس كفاية‬ ‫من الثقة ألن يعمدو إلى تخزين بياناتهم الصحية ووثائقهم‬ ‫الثبوتية في مكان ما في الفضاء السيبراني‪ ،‬حيث يمكنهم‬ ‫استرجاعها وقت الضرورة‪ .‬يمكن لهذه العملية أن تلعب‬ ‫دوراً إيجابياً مهماً في المسائل المتعلقة بإعادة لم شمل‬ ‫األسر‪ ،‬والعثور على األشخاص المفقودين‪ ،‬وتوفير الرعاية‬ ‫الصحية المطلوبة‪ .‬وهذه المفاهيم جميعها واعدة‪.‬‬ ‫زمن العطاء‬

‫‪83‬‬


‫إحداث الفرق‬

‫مستقبل اإلغاثة والمساعدات‬

‫التكنولوجيــا تغيــر الطريقــة التــي تشــن فيهــا الحــروب‪ ،‬كمــا تغيــر األســلوب الــذي يتــم مــن خاللــه تقديــم اإلغاثــة‬ ‫للمحتاجيــن‪ .‬لمواكبــة هــذه التطــورات‪ ،‬يتوجــب علــى قطــاع المســاعدات اإلنســانية أن يعيــد اختــراع نفســه‪ ،‬هــذا‬ ‫مــا يقولــه بيتــر موريــر‪ ،‬رئيــس اللجنــة الدوليــة للصليــب األحمــر‬

‫اكتسبت الحروب طبيعة مختلفة كثيراً عما كانت عليه‬ ‫في الماضي‪ ،‬وأصبحت آثارها أعمق وأشمل‪ .‬فهي ال تقتل‬ ‫أو تترك اإلعاقات في اإلنسان فحسب‪ ،‬بل أصبحت أكثر‬ ‫ممــا ســبق تدمــر البنيــة التحتيــة والنظــم المجتمعيــة مثــل‬ ‫العناية الصحية والصرف الصحي والتعليم‪ ،‬وهذا يتطلب‬ ‫أنمــاط أخــرى مــن العمــل اإلنســاني‪ .‬فبينمــا تدعــو الحاجــة‬ ‫المباشرة إلى إنقاذ األرواح واالستجابة السريعة لمتطلبات‬ ‫اإلغاثة األساســية‪ ،‬يتوجب علينا في ذات الوقت اإلســراع‬ ‫فــي إعــادة تاهيــل النظــم التــي يلحــق بهــا الضــرر‪ ،‬وإعانــة‬ ‫الفئات المتضررة على األخذ بزمام األمور ليحاولوا التحكم‬ ‫بمستقبلهم رغم المصاعب‪.‬‬ ‫لقد شهدنا في سوريا العام الماضي عودة نحو ‪600,000‬‬ ‫أسرة إلى بيوتهم‪ ،‬لكن في نفس الوقت نزح نحو ‪ 1.3‬مليون‬ ‫‪82‬‬

‫زمن العطاء‬

‫آخرون من مناطقهم بسبب المعارك‪ .‬هؤالء النازحون الجدد‬ ‫هم بحاجة لغذاء وماء ومأوى وعناية طبية ـ أي كل شيء‪.‬‬ ‫أما العائدون إلى ديارهم‪ ،‬فهم بحاجة للدعم من جهة تأهيل‬ ‫مرافــق الرعايــة الصحيــة‪ ،‬والنفــاذ إلــى المــاء‪ ،‬والمــدارس‪،‬‬ ‫واألنشــطة االقتصاديــة‪ .‬كفاعلــون فــي قطــاع المســاعدات‬ ‫نحــن فــي عصرنــا هــذا بحاجــة للعمــل علــى المــدى القصيــر‬ ‫والطويل أيضاً ـ وهذا شيء جديد علينا في العمل اإلنساني‪.‬‬ ‫تعمل اللجنة الدولية للصليب األحمر في أكثر من ‪80‬‬ ‫بلداً‪ ،‬وتوظف نحو ‪ 16,000‬شخص‪ .‬العام الماضي ناشدنا‬ ‫المانحيــن بتقديــم هبــات بقيمــة إجماليــة تتجــاوز الملياري‬ ‫دوالر ـ ما شكل زيادة بنسبة ‪ 11‬بالمئة عن ميزانيتنا الميدانية‬ ‫للعام الذي سبقه ـ وهذا يعكس جزئياً حقيقة أننا نعمل‬ ‫في أماكن ال تذهب إليها غالبية المنظمات األخرى‪ .‬جزء‬

‫ال يمكن لإلنسان التخفيف من‬ ‫وطأة وآثار أعمال العنف‪ ،‬لكن‬ ‫يمكنه تغيري سلوكه‬

‫كبيــر مــن النمــو فــي حجــم عملياتنــا تســتحوذ عليــه بعــض‬ ‫المناطق األكثر هشاشة‪ ،‬مثل أرياف أفغانستان وجنوب‬ ‫الصومــال‪ ،‬وبعــض المناطــق فــي ســوريا والعــراق حيــث ال‬ ‫يتواجد أحد غيرنا‪ .‬في اليمن‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬ال يوجد‬ ‫إال القليــل مــن مقدمــي المســاعدات الدولييــن علــى مقربة‬ ‫من الفئات األكثر إحتياجاً للمساعدة‪ .‬لكنه حتى بالنسبة‬ ‫لهــؤالء فقــد إزداد الوضــع صعوبــة مــع تصاعــد فــي عمليــة‬ ‫تسييس األزمة‪ ،‬إذ أن الحفاظ على موقف حيادي غير متحيز‬ ‫بات أمراً عسيراً بالنسبة للعديد من األطراف‪ ،‬بالرغم من‬ ‫أهمية هذا الحياد إليصال المساعدات‪ .‬وبالنسبة اللجنة‬ ‫الدوليــة للصليــب األحمــر‪ ،‬أعتقــد أن هــذه المســألة كانــت‬ ‫دائماً في جوهر أعمالنا على مدى الـ ‪ 150‬عاماً الماضية‪،‬‬ ‫وهــو محاولتنــا أن نحصــل علــى إجمــاع بحــده األدنــى بيــن‬ ‫األطراف المتقاتلة حول األمور اإلنسانية‪.‬‬


‫الخطوة التالية‬

‫التقارير الواردة في هذه الصفحات هي مجرد نقطة االنطالق‪ ،‬فعلى الرغم من أن العديد من المنظمات والمؤسسات‬ ‫التي نسلط عليها الضوء تبذل يومياً ما في وسعها إلنقاذ حياة الناس وتغيرها لألفضل‪ ،‬إال أنها تحتاج إلى الدعم من‬ ‫أجل االستمرار‪ .‬إن كنت ترغب في معرفة المزيد عن هذه القضايا‪ ،‬أو المساهمة في حلها ال تتردد في االتصال بنا‬ ‫أو‪ ‬بالمنظمات المعنية التخاذ خطوة جادة وتبدأ رحلتك في عالم العطاء‪.‬‬

‫تراث الحرب‬

‫تكبير األثر‬

‫األطفال أو ً‬ ‫ال‬

‫حقول األلغام هي تذكار قاتل لويالت الحروب‪ ،‬فهي تهدر‬ ‫األرواح وتصيب الناس باإلعاقات على مدى عقود بعد إنتهاء‬ ‫النزاعات‪ ،‬واألسوأ هو أن ما يقارب نصف الضحايا المدنيين‬ ‫لأللغام هم من األطفال‪ .‬في سعيها للمساهمة في حل هذه‬ ‫المعضلة تعمل مؤسسة "هالو ترست" منذ ‪ 30‬عام على نزع‬ ‫األلغام والتخلص من الذخائر والقنابل التي لم تنفجر في‬ ‫مناطق النزاعات المسلحة حول العالم لتتمكن المجتمعات‬ ‫المحلية من العودة لحياتها الطبيعية‪.‬‬

‫كونها أول مؤسسة عربية تطلق في مجال عمل الخير المغامر‪،‬‬ ‫تطأ منظمة "الفنار" أرضاً غير مطروقة‪ ،‬لكنها تعتمد على‬ ‫استراتيجية واضحة تسعى إلى تعزيز وتكبير أثر أهم المشاريع‬ ‫االجتماعية المبتكرة في المنطقة لتحفيز التغيير االجتماعي‪.‬‬ ‫وتتنوع أساليبها من توفير القروض البالغة الصغر للنساء في‬ ‫مخيمات الالجئين في لبنان إلى منصة رقمية تدرب اللالجئين‬ ‫المتحدثين باللغة العربية ألن يصبحوا معلمين ومعلمات‬ ‫لغة‪ ،‬والعديد من المشاريع األخرى التي تدفع بالتغيير‬ ‫لألفضل‪.‬‬

‫األطفال هم األمل بحياة أفضل‪ ،‬ولهذا السبب تتعامل منظمة‬ ‫األمم المتحدة لرعاية لطفولة (اليونيسيف) مع مختلف‬ ‫المصاعب وهي تحاول تحرير األطفال في ‪ 190‬بلداً من دوامة‬ ‫الفقر والعنف‪ .‬وقد اتسع نطاق عملها ليشمل العديد من‬ ‫الجبهات؛ من إغاثة الالجئين السوريين إلى حشد الرأي ضد‬ ‫زواج األطفال في أفريقيا‪ .‬وتتلخص مهمة اليونيسيف بدعوتها‬ ‫العالم إلى إتخاذ الخطوات الالزمة لمنح األطفال الفرصة‬ ‫ببداية حياتهم بشكل جيد وفي بيئة تدعم نموهم وتطورهم‬ ‫ألن العناية الصحيحة المبكرة في حياة األطفال تبني األسس‬ ‫المتينة لمستقبل مشرق لهم وللعالم‪.‬‬

‫‪www.halotrust.org‬‬

‫‪www.alfanar.org.uk‬‬

‫‪www.unicef.org‬‬

‫خط النهاية‬

‫بوابات التغيير‬

‫إنقاذ األرواح‬

‫أطلق مشروع "إيند فند" في العام ‪ 2012‬كأول مبادرة خيرية‬ ‫خاصة تهدف إلى القضاء على ما يسمى باألمراض المدارية‬ ‫المهملة (‪ .)NTDs‬ومنذ ذلك الحين قدمت المبادرة العالج أو‬ ‫اللقاح إلى أكثر من ‪ 140‬مليون شخص‪ ،‬وأجرت نحو ‪10,000‬‬ ‫عملية جراحية‪ ،‬باإلضافة إلى تدريب ما يزيد عن ‪900,000‬‬ ‫عامل صحي‪ ،‬في حربها ضد هذه األمراض التي تصيب‬ ‫المجتمعات الفقيرة وتزيدها فقراً‪.‬‬

‫أطلقت مؤسسة بيل وميليندا غيتس في العام ‪ 2017‬مبادرة‬ ‫‪"( Gatekeepers‬حراس البوابات") مدفوعة بفكرة أن "التنمية‬ ‫قابلة للتحقيق لكنها ليست نتيجة حتمية بحد ذاتها"‪ .‬وتضم‬ ‫المبادرة نخبة من قادة المجتمع ورواد التغيير والشركاء‬ ‫العالميين‪ ،‬وهي تهدف إلى تسريع عملية تحقيق أهداف األمم‬ ‫المتحدة للتنمية المستدامة‪.‬‬

‫تم إنشاء اللجنة الدولية للصليب األحمر في العام ‪ 1864‬إلغاثة‬ ‫ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة‪ ،‬ومنذ ذلك الحين عملت‬ ‫المنظمة الغير ربحية على تقديم العون ألكثر المجتمعات‬ ‫عرضة للمخاطر في العالم‪ .‬وتدير اللجنة اليوم عمليات إلنقاذ‬ ‫األرواح في ‪ 80‬بلداً‪ ،‬وإلعادة بناء المجتمعات وسبل العيش‬ ‫في المناطق المتضررة بالحروب أو الكوارث الطبيعية‪.‬‬

‫‪www.end.org‬‬

‫‪www.globalgoals.org/goalkeepers‬‬

‫‪www.icrc.org‬‬ ‫زمن العطاء‬

‫‪85‬‬


How many lives will you change this year?

Start counting.

Insaan philanthropists change the lives of many, for better, for good. We use our field experience to connect people and track human change.

insaangroup.org



‫صورة واحدة‬ ‫تختصر ألف كلمة‬ ‫التغير المناخي لم يعد حدث مستقبلي أو مشكلة يمكن‬ ‫النظر بها الحقاً‪ .‬ما يؤكد على هذا هو حجم األضرار التي‬ ‫سببتها الكوارث المرتبطة بإضطرابات المناخ حول العالم‬ ‫في السنوات األخيرة‪ .‬في الواليات المتحدة وحدها خلفت‬ ‫األعاصير والعواصف العام الماضي أضراراً بقيمة ‪ 306‬مليار‬ ‫دوالر‪ ،‬وهو رقم قياسي لم يسجل سابقاً في التاريخ الموثق‬ ‫للواليات المتحدة‪ .‬وفي جنوب آسيا‪ ،‬وخالل العام ذاته‪،‬‬ ‫تسببت أمطار المونسون اإلستوائية الغزيرة ـ وهي األسوأ‬ ‫خالل عقد من الزمن ـ في مقتل أكثر من ‪ 1,400‬شخصاً‪،‬‬ ‫وخسارة ماليين آخرين لمنازلهم ومزارعهم‪ .‬أما في سيراليون‬ ‫فقد غمرت اإلنهيارات الطينية قرى بأكملها في واحدة من‬ ‫أسوأ كوارث الفيضانات التي شهدتها القارة األفريقية منذ‬ ‫سنين طويلة‪.‬‬ ‫وتقدر الدراسات أنه إذا استمرت األمور على وتيرتها‬ ‫الحالية‪ ،‬فسيشهد مستوى سطح البحر ارتفاعاً بمقدار‬ ‫قدم واحد‪ ،‬ما سيشكل خطراً على العديد من المدن‬ ‫الساحلية حول العالم‪ ،‬من شانغهاي إلى ماليه‪ .‬وستكون‬ ‫الدول الفقيرة واقتصاداتها الضعيفة األكثر عرضة لمخاطر‬ ‫الفيضانات أو الجفاف والكوارث المناخية األخرى بسبب‬ ‫بنيتها التحتية الهشة‪ ،‬وإمكانياتها المادية المتدنية‪،‬‬ ‫واعتمادها على الزراعة‪ .‬وتداعيات مثل هذه الكوارث ـ سواء‬ ‫كانت على شكل موجات من الهجرة‪ ،‬أو النزاعات بسبب‬ ‫حالة عدم االستقرار‪ ،‬أو تدهور األحوال االقتصادية ـ ستمتد‬ ‫إلى ما بعد حدود الدول الفقيرة المتضررة‪.‬‬ ‫كوارث العام الماضي منحتنا تصور عن شكل التحديات‬ ‫المقبلة‪ ،‬وأثرها المتوقع على الدول الغنية والفقيرة على‬ ‫حد سواء‪ .‬وأصبحت المسألة المطروحة اليوم ال تتعلق‬ ‫بمعالجة تغير المناخ أكثر مما هي تدور حول بناء عالم قادر‬ ‫على تحمل آثاره‪.‬‬ ‫جوناس بنديكسن ‪ /‬ماغنوم فوتوز‬

‫‪86‬‬

‫زمن العطاء‬


MEDICAL MEDICAL CARE CARE FOR FORTHOSE THOSEWHO WHO NEED NEED IT IT MOST. MOST. INDEPENDENT. INDEPENDENT.NEUTRAL. NEUTRAL. IMPARTIAL. IMPARTIAL.

WWW.MSF-ME.ORG WWW.MSF-ME.ORG


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.