مفهوم التبادل تقدٌم: ٌتلخص مبدأ التبادل إعطاء شًء مقابل شًء آخر قد ٌكون مكافئا أو غٌر مكافئ له ،فهو إذن عطاء وأخذ أو أخذ وعطاء ،ولٌس هناك تبادل بالعطاء فقط أو باألخذ فقط ،فالسرقة والسلب لٌسا تبادالً فهما أخذ فقط، وكذلك التبرع والتصدق وتقدٌم المساعدة ...وٌنطبق األمر كذلك على كل إجبار على العطاء دون األخذ أو العكس . إن التبادل من أهم آلٌات تشكل البنٌات نتٌجة مشاركة بنٌتٌن أو أكثر فً األخذ والعطاء ،فالتبادل هو الذي ٌنشئ التجاذب وبالتالً الترابط ضمن بنٌة واحدة .أن ما معً ٌجذبك لكً تأخذه وتضمه إلٌك وكذلك ما هو معك ٌجذبنً لكً أخذه وهذا ٌنشئ قوى تؤدي إلى إجراء التبادل ،وبعد إجراء التبادل ٌنتفً التجاذب إال إذا كانت هناك قوى لتبادل جدٌد ،فتكرار األخذ والعطاء ال بد منه الستمرار التجاذب. و ال ٌقتصر التبادل على تبادل الخٌرات أو المنافع المادٌة بل ٌتعداه إلى تبادل رمزي لؤلفكار والمعتقدات وأنماط السلوك ... وٌمكن القول إن التبادل المادي ٌتضمن تبادال رمزٌا ألن كل سلعة تكون موضوعا للتبادل تحمل فً طٌاتها علة ومنطق ورؤٌة صانعها. ·فما هً أسس التبادل؟ ·ما العبلقة بٌن التبادل والمجتمع؟ ·لماذا ال ٌكتفً اإلنسان بالتبادل المادي فحسب؟ التبادل خاصٌة إنسانٌة صرف لماذا ٌتبادل اإلنسان و ال تتبادل الحٌوانات؟ ٌقول أدم سمٌث( :لم نر قط كلبٌن "ٌتفاوضان" فً أمر اقتسام قطعة عظم .لم نر أبدا أن حٌوانا ٌحاول "إفهام" حٌوان مثله ،مستخدما صوته أو حركات جسمه ،فٌقول له" :هذا لً ،وهذا لك ،سأعطٌك مالً مقابل أن تعطٌنً ما لك )... ٌنطلق أدم سمٌث من هذه المبلحظة المقارنة بٌن اإلنسان والحٌوان لٌخلص إلى أن التبادل خاصٌة إنسانٌة بامتٌاز ،ألن التبادل ٌستلزم الحوار واللغة والتفاوض والتفكٌر فً األحجام والقٌاسات والمعادالت ...وكل هذا مرتبط بالفكر والعقل .والحٌوانات ال تستطٌع مجاراة اإلنسان فً هذا المجال. وبما أن التبادل خاصٌة إنسانٌة ،فإنه ال ٌتأسس على العاطفة أو الشفقة أو الرحم ...بل ٌتأسس على مبدأ العطاء واألخذ .فكون اإلنسان اجتماعٌاٌ ،عنً الدخول فً عبلقات مع اآلخرٌن و تبادل المنافع معهم. وإذا ما اعتمد اإلنسان فقط على مساعدة اآلخرٌن وعناٌتهم به ،فإنه لن ٌضمن إشباع حاجٌاته باستمرار. لذلك ٌستحسن أن ٌقدم الفرد لآلخرٌن خدماته لقاء الحصول على خدماتهم .وبهذه الطرٌقة ٌتأسس التبادل على مبدأ الخدمات المتبادلة على أساس إشباع االحتٌاجات المتبادلة. ٌقول سمٌث"( :أعطٌنً ما أحتاجه منك ،وسأعطٌك أنت ما تحتاجه منً" .بهذه الطرٌقة ٌتم الحصول على الجزء األكبر من هذه الخدمات النافعة والضرورٌة بٌن الناس). بٌد أن ماركس ٌرى أن التبادل ٌتم على أساس مبادلة القٌمة االستعمالٌة بالقٌمة التبادلٌة للخٌرات .فالنجار لٌس بحاجة لكل تلك األبواب التً ٌخرجها للوجود بعمله .إنه بحاجة إلى خٌرات وسلع من نوع آخر .أي أن األبواب التً ٌصنعها ال تمثل بالنسبة إلٌه قٌمة استعمالٌة ،بل تمثل قٌمة استعمالٌة عند آخرٌن (سباك، بقال ،موظف .)...لذلك ٌبحث اآلخرون عن القٌم االستعمالٌة لؤلشٌاء و ٌبادلونها بالقٌم التبادلٌة لؤلشٌاء التً ٌنتجونها. لقد شكل التبادل أساس القٌم اإلنسانٌة منذ بداٌة الحٌاة االجتماعٌة .ف"لكل شًء ثمن وكل شًء ٌشترى" كما قال نٌتشه.
التبادل والروابط االجتماعٌة كٌف ٌعمل التبادل على تأسٌس الروابط االجتماعٌة؟ ٌرى كلود لٌفً ستراوس أن التبادل أو التواصل داخل كل مجتمع ٌجري على ثبلثة مستوٌات: مستوى القرابة :من خبلل الزواجمستوى االقتصاد :من خبلل المبادالت التجارٌة والنقدٌةمستوى الرموز :من خبلل اللغة واآلثار األدبٌة والفنٌةإن الدافع للمبادلة بٌن البشر هو أن قدرات البشر المختلفة والظروف المختلفة ال تسمح لهم بالحصول على كافة حاجاتهم بسهولة متساوٌة (،أرسطو ،ابن خلدون) ،فإنتاج السلع والخدمات ،أو توفرها ،غٌر متساو لدى البشر ،فاإلنسان الذي ٌسهل علٌه اإلنتاج الزراعً ٌمكن أن ٌصعب علٌه اإلنتاج الصناعً ، فلكل إنسان قدراته وظروفه التً تؤهله أو تسمح له بإنتاج أو امتبلك سلع أو خدمات دون أخرى ،وكذلك الجماعات والدول لكل منها قدراتها وظروفها التً تحدد إنتاجها وامتبلكها للسلع والخدمات ،وهذا ما ٌستدعً الحاجة للمبادلة فٌما بٌنهم .وٌجب لكً تجري مبادلة أن تختلف شدة الحاجة إلى السلع أو الخدمات المراد تبادلها ،باإلضافة إلى اختبلف الكم المتوفر منها ،فتوفر الهواء أو الماء المتاح للجمٌع مع أن الجمٌع بحاجة إلٌهما ال ٌستدعً إجراء مبادلة علٌهما ،وكذلك إذا كان لدي نقود ولدٌك أٌضا ً نقود ونحن معا ً بحاجة إلى طعام ،فلن تجري مبادلة بٌننا . كان التبادل قبل ظهور السوق مجرد إنتاج عائلً وعطاء متبادل وإعادة توزٌع .لكن مع تطور اإلنسان ظهر السوق بوصفه نظام توزٌع وتبادل ونمت معه أنماط التبادل التجاري التً جلبت معها التحضر واألخبلق المهذبة والسبلم والوئام حتى بٌن الشعوب المتباعدة والمتنافرة السٌما فً حوض البحر األبٌض المتوسط ٌ.قول مونتسكٌو " :إن األثر الطبٌعً للتجارة هو الوصول إلى السبلم .فأمتان تتفاوضانفٌما بٌنهما ،هما أمتان ترتبطان برباط متبادل ."...لكن الحدٌث عن التبادل ال ٌكتمل دون الحدٌث عن النقود ودورها األساسً فً عملٌة التبادل . ٌرى ماركس أن النقود لعبت دورا حاسما فً تارٌخ التبادل .لقد كان التبادل ٌتم بواسطة المقاٌضة قبل ظهور النقود ،أي أن طرفً التبادل ٌدخبلن إلى السوق فٌتبادالن سلعتٌن مختلفتٌن فً نفس اآلن .أي أن األخذ والعطاء ٌتمان فً لحظة واحدة .بٌد أنه مع ظهور النقود أصبح من الممكن مبادلة السلعة بمقبلها النقدي ،وتأجٌل الحصول على المقابل السلعً إلى ما بعد .وهذا ما ،مكن حسب تحلٌبلت ماركس، من تجاوز العبلقة :سلعة – نقود – سلعة (البٌع من أجل الشراء)وبروز العبلقة :نقود – سلعة – نقود (الشراء من أجل البٌع) .العبلقة األخٌرة ساهمت فً تراكم رأس المال ،وظهور نمط اإلنتاج الرأسمالً. التبادل الرمزي :الهبة نموذجا تستعمل مفردات الهبة والهدٌة والعطٌة والصدقة فً نفس المعنى ألنها تتضمن كلها معنى العطاء والمنحة. لكنها هذه المفرادات تختلف من حٌث الداللة اللغوٌة : ً ·فالهدٌة هً الشًء الذي ٌحمله ٌمنحه اإلنسان للغٌر إكراما ً له وإجبلال .إنها تتضمن معنى المنح والحمل. الغٌر المالَ الذي ٌملكه قصد بها تملٌ ُك ·وأما الهبة فهً منح من دون حمل .إنها فً األصل تملٌك ،و ٌُ َ ِ الواهب على سبٌل المعروف واإلحسان. ·وأما بالنسبة للعطٌة :فهً عطاء مع وقف التنفٌذ إلى حٌن وفاة الشخص الذي أعطاها .فالعطٌة تكون لما بعد الموت. ·وأما الصدقة :فهً منح أو عطاء ٌبتغً من وراءه صاحبه أجرا معنوٌا فً العالم اآلخر. تمنح الهبة والهدٌة وحتى العطٌة نسبٌا بغرض كسب القلوب والتعاطف والمودة ،أما الصدقة فٌبتغى بها تحقٌق المكاسب المعنوٌة فً العالم اآلخر حسب المعتقدات الدٌنٌة. فما هً وظٌفة الهبة فً التبادل الرمزي؟ فً دراسته لنظام البوتبلتش،و هً دراسة لمارسٌل موس عن بعض قبائل الهنود الحمر التً تعٌشفً
الجزء الشمالً الغربً من أمرٌكا ،وهذه القبائل هً :الكٌوكتٌل ،الهاٌدا،والتسمشٌان ،الحظ أن النظام االجتماعً ٌرتكز فً أساسه على أن ٌقوم الشخص من ذوي المكانة والمركز االجتماعً فً هذه القبائل بتوزٌع نوع معٌن من األغطٌة الصوفٌة على الضٌوففً حفل رسمً كبٌر .وبعد فترة من الزمن ٌرد الضٌوف هذه األغطٌة فً حفل رسمً كبٌرأٌضا ً بعد إضافة أعداد أخرى كبٌرة منها قد تصل إلى أضعاف ما أخذوه منه فً األصل .وهذا التبادل الذي ٌتم بٌن أفراد المجموعة ٌصاحبه دائما ً بعض الطقوسوالشعائر. وفً هذه المجتمعات تتضمن الهبات نوعا من اإللزام حٌث ٌتوجب علىالموهوب له أن ٌرد الهبة وبأحسن منها .واالمتناع عن القٌام بهذا السلوك قد ٌزعزعالمركز االجتماعً للشخص وٌقلل من هٌبته ومكانته. فهذه الطقوس تعمل على حفظحقوق أطراف العبلقة فً األخذ والرد ولذلك فإنها تحقق االستقرار وتدعم أواصرالعبلقات داخل مجتمع القبٌلة .باإلضافة إلى أن هذا النظام الشعائري ٌهدف إلى اكتساب المزٌد من الشرف والسمعة الطٌبة وذٌوع الصٌت عن طرٌق المنح واإلعطاء والمبالغة فٌالرد والدلٌل على ذلك أن الشخص كثٌراً ما ٌلجأ إلى إحراق هذه األغطٌة ذات القٌمةاالجتماعٌة العالٌة وأحٌانا ً أخرى قد ٌحرق بعض ممتلكاته لٌدلل على استهانتهباألشٌاء المادٌة وٌدعو غٌره من األشخاص الذٌن ٌحضرون حفل البوتبلتش إلى مجاراته فٌأعماله .كلما أحرق أو أتلف الشخص هذه السلع المادٌة كلما ارتفعت مكانتهفً المجتمع .وهذا هو نسق العطٌة. أن نظام البوتبلتش ٌساعد على إشباع الحاجة التً ٌشعر بها الشخص للحصول علىالمزٌد من السمعة وذٌوع الصٌت .فهو نظام شعائري تدخل فٌه الكثٌرمن الطقوسالتً ترتبط فٌها األنظمة االقتصادٌة فً المجتمعات البسٌطة ارتباطاوثٌقا باألنظمة االجتماعٌة.إن تبادل الهداٌا فً البوتبلتش ٌتم بشكئلرادي على الرغم من وجود صفة اإللزامٌة فٌه ،وإن عملٌات التبادل التخلو من أبعاد اقتصادٌة تتمثل فً وجود مفهوم القٌمة فً هذه التبادالتالتً تتم بهدف الحصول على المكانة االجتماعٌة والهٌبة أكثر منالحصول على السلع المادي.ةإن الطقوس والشعائر التً تمارس فٌالبوتبلتش تحافظ على االستقرار االجتماعٌؤلنها تنظم قضٌة األخذ والرد وتدعم أواصرالعبلقات بٌن القبائل فً الوقت الذي تحتل العبلقة بٌن السلع منزلة ثانوٌة بالنسبةللعبلقة بٌن األشخاص. أما مالٌنوفسكً ،فً دراسته لنظام تبادل الكوال الذي ٌمارس فً جزر التروبرٌاند فً المحٌط الهادي وفً بعض جزر واسترالٌا ،فقد الحظ أن الكوال نظام شعائري تتبعه بعض القبائل التً تعٌش فً منطقةجزرواحدة وتنتشر على شكل حلقة وتكون دائرة مغلقة للتبادل .وفً نطاق هذه الدائرة ٌتبادلونمجموعتٌن من السلع .مجموعة السوالفا "المحار" ومجموعة الموالً>""=<="" td