محمود شاهين اْلَملِ ُ ك ُلمقماْن )(1 محاولة انتحار حين عزم الديب لمقمان على النتحار – قبل أن يغدو ملكا ً – لم يخبر أحداً بنّيته .ألمقى نظرة عابرة على أفراد أسرته ،وحّياهم بحركة بطيئة من يد ه ،وخرج دون أن يتفّو ه بكلمة. ظّن ت ابنته أنه يحاول الخروج من العزلة التي فرضها على نفسه منذ أعوام ،وظّن ابنه أّنه يزداد إمعاناً في عزلته ،وما خروجه إل للسير وحيداً ُبعيد اليصيل كي يحّر ك ساقيه، وربما يستمقبل غروب الشمس. زوجته لم تفّكر في شيء ،فهي لم تكن يوماً قادرة على أن تفهم ما يدور في خلد ه ،وُكّلما ظّن ت شيئا ً فعل نمقيضه. يّمم وجهه شطر الصحراء حيث عاش طفولته في مكان مشابه .أح ّ س بها تشّد ه إليها بمقوة. كان ت الشمس قد أخذت تجنح إلى الغروب ،وخيوط أشعتها تتكّسر على ظهر ه .أدر ك أنها غاب ت حين توقف ت أشعتها عن سلق ظهر ه بحرارتها ،وحين رأى بعد قليل عتمة الغسق تحّل شيئا ً فشيئًا. ظّل يسير طوال الليل مجتازاً بعض الحمقول والبساتين والراضي غير المزروعة. ُبعيد الفجر ،استمقبلته الصحراء فاتحة ذراعيها .توّق ف للحظات متنفسا ً بعمق ،وتابع سير ه المتهالك إلى أن أخذ ال ّ ظالم يتبدد من حوله .جلس على كثيب من الّرمل وفّكر لبرهة في الطريمقة التي سينتحر بها .سيحفر لنفسه قبراً ويستلمقي فيه ،ويطلق النار على رأسه من المسّد س الصغير الذي يحمله .ول شك أّن الريح والعوايص ف ستذرو الّرمال عليه لتدفنه خالل بضعة أيام ،إذا لم تنهش الوحوش جسد ه ،وإذا حالفه الحظ ستهب ريح قوية قد تدفنه خالل بضع ساعات. »لم تكن الفكرة حسنة ،لكنها قد تكون أفضل من حالة اليأ س والحباط التي ويصل إليها!« وابتسم ساخراً من نفسه ،لهذا الحرص الذي ل معنى له بعد النتحار ،فإن ُدفن أو لم يدفن ،إن نهش ت الطيور لحمه أو افترسته الوحوش فالمر سّيان ،لسيما وأن في ممقدور الوحوش أن تخرج جثته من تح ت الرمال. أقلع عن التفكير في العواقب وشرع في حفر الّرمل بيديه .لم تكن المهّمة شاّقة .وحين باغتته أشعة الشمس وهي تطّل من خل ف الجبال الشرقية البعيدة ،كان قد حفر نص ف المقبر. أخذت الرض تمقسو قلي ً ال ،فاستعان بخنجر ه الذي رافمقه منذ أكثر من يثاليثين عامًا ،منذ
كان يصبياً يعدو خل ف المقطيع في جبال المقد س. نشب الخنجر بشيء ما ،شّد ه بمقوة وإذا بجمجمة تتدحرج بين قدميه .ارتعد جسد ه للحظات ،تمالك أعصابه وهو يرفعها بيديه ويتأملها» ،أي قدر هذا الذي ساقه إلى هذا المكان بالذات ،وما الذي كان عليه يصاحب هذ ه الجمجمة؟«. شعر أنه سيسترسل في تساؤلت كثيرة ،فألمقى الجمجمة على ممقربة منه واستأن ف الحفر. أخرج بمقايا عظام» .لشك أنها للجسد ذاته!«. أح ّ س بالخنجر يصطدم بجسم يصلب .حفر من حوله وأبعد التراب ليجد نفسه أمام قممقم من نحا س .رفعه برفق ،كان محكم الغال.ق .عالج التراب المتحّجر حول الغطاء برأ س الخنجر إلى أن حَّرر ه .أدار ه بمقوة وببطء لتخّوفه من أن يندفع من المقممقم جنّي ما ،لكثرة ما قرأ عن الجن السجناء والمقماقم المريصودة في كتب التراث العربي .وحمقا ً كان تخّوفه في محّله ،فما أن رفع الغطاء حتى انبعث من المقممقم دخان هائل طاول عنان السماء. انطرح الديب لمقمان على ظهر ه من هول الرعب الذي انتابه .لم تمر سوى لحظات حتى انجلى الّدخان عن جّني عمال.ق ،قدما ه تنغرسان في الرض ورأسه يتسامق عاليا ً في السماء ،وراح يهت ف بصوت هائل: »ها! أمر مولي العظيم لمقمان محرر أرواح الجان! عبد ك الُمطيع ودرعك المنيع »شمنهور الجّبار« ملك ملو ك الجن الُحمر في سائر الكوان والمصار!!«. ولم يكد يفرغ من كالمه إل وأيصوات هائلة تتردد من كافة أرجاء الكون ،هاتفة بصوت واحد يثالث مرات »ها ..ها ..ها.«!.. تمالك الديب لمقمان نفسه وجلس .تساءل وهو ما يزال تح ت وطأة الدهشة: »ما هذ ه اليصوات يا ملك الملو ك؟« »هذ ه أيصوات أتباعي وأتباع أتباعي من ملو ك الجن يجددون ولَء هم لي ،ويبتهجون بتحريري من السجن بعد أن أعلمتهم بذلك يا مولي« »الحمد ل على سالمتك« »سّلم ا مولي العظيم« »أنا لس ت عظيما ً أيها الملك« »إن من يحرر ملك ملو ك الجان من سجنه لن يكون إلّ عظيما ً يا مولي« »وا إّني أشك في ذلك أيها الملك .لكن كي ف عرف ت اسمي؟« »حين حكم علّي الملك سليمان بالسجن أبلغني أّنه لن ُيفرج عني قبل يثاليثة آل ف عام على يد ّ ي أديب فلسطيني ُيدعى لمقمان!« »يثاليثة آل ف عام وأن ت تمقبع في هذا المقممقم؟« »نعم يا مولي« »ولماذا سجنك سليمان؟« وطأطأ ملك الملو ك رأسه خجالً وما لبث أن تكّلم: »وقع ت في غرام بعض نسائه يا مولي!« »لس ت قليالً أيها الملك ،وهل ُكّن مغرمات بك أيضًا؟«
»نعم يا مولي« »من منهن؟ ابنة الفرعون أم بلمقيس ملكة سبأ؟« »هاتان كانتا منهن يا مولي .لكني أغرم ت بالفلسطينية عستارت أكثر من الجميع ،وهي التي ُكِشف ت عالقتي معها« »عستارت؟ هذا السم يكاد يكون اسم آلهة فلسطينية أيها الملك« »نعم ،كان اسمها مشتمقا ً من اسم اللهة يا مولي« »وماذا فعل بها هي؟« »قطع رأسها أمامي يا مولي وقال أنه سيدفنها معي ،والحق إنني ل أعر ف فيما إذا فعل ذلك بعد أن سجنني في المقممقم« »لمقد عثرت على جمجمة وبمقايا ُرفات قبل أن أعثر على قممقمك ،لعّلها لها؟« »أين الجمجمة يا مولي؟« »ها هي أيها الملك« رفع الديب لمقمان الجمجمة بيديه ونهض ليعطيها له .فوجئ به يتضاءل إلى أن أيصبح بحجم إنسان وبهيئة مال ك .مّد يدين مرتعشتين وأخذ الجمجمة برفق وعينا ه تذرفان الّدموع. وق ف الديب لمقمان يصامتا ً محتارًا ،فيما راح الملك شمنهور يريثي محبوبته ببضع كلمات: »الحبيبة الغالية عستارت ،سّيدة السواحل والجبال ،عرو س البوادي والنهار ،فاتنة مدينة الّسالم ،هل غدا رأسك الجميل رفاتا ً وجسد ك المعطاء رميمًا؟!« ورفع الملك شمنهور يد ه وإذا بتابوت من الذهب الخالص يتموضع إلى جانبه .ألمقى نظرة نحو الديب لمقمان وهت ف متوّس ً ال: »هل يأذن لي مولي العظيم بدفن ُرفات محبوبتي؟« »أن ت حر فيما تفعل أيها الملك« وفتح الملك شمنهور التابوت وإذا به يتلل بالجواهر وقد فرش بالحرير الخضر .جمع الديب لمقمان الّرفات مع الملك ووضعا ه في التابوت ،يثم أغلمقا ه بإحكام. أشار الملك بحركة من يد ه وإذا بالمقبر ينفتح والتابوت يرتفع برفق ليأخذ مكانه فيه. وبحركة يثانية ُأهيل التراب في المقبر ،وبثالثة انتصب فوقه ضريح من حجر المرمر، وبرابعة شّيدت فوقه قّبة هائلة خضراء مر ّ يصعة بالياقوت والزمّرد يعلوها هالل من الذهب تتوسطه نجمة سداسية الشكل ،ويرتكز على شمعدان من الذهب بطول يثاليثة أذرع. كان الديب لمقمان واقفاً في دهشة وذهول لما شاهد ه من قدرات الملك شمنهور الخارقة، ولم يعد يعر ف فيما إذا كان في ُحلم أم يمقظة. أخذ الملك شمنهور المقممقم وأخرج منه خاتما ً قّدمه للديب لمقمان. »ما هذا أيها الملك؟« »هذا الخاتم الذي نمقش ت عليه كل ال ّ طالسم التي تتحّكم بحرّيتيَ ،من ملكه امتلكني ومن
فمقد ه فمقدني!« أطر.ق الديب لمقمان للحظة متفّكرًا. »قل لي أيها الملك؟« »أمر مولي العظيم« »هل أن ت حمقيمقة أم خيال ،وهل أنا في ُحلم أم يمقظة؟« »عفواً مولي ،أن ت بكامل يمقظتك وأنا حمقيمقة كما ترى!« »المشكلة أنني ل أقتنع بوجود الجن والشياطين وحتى اللهة نفسها ،وما جئ ت إلى هنا إل لنتحر بعد أن غدت حياتي ل تطا.ق!« »ولماذا يا مولي أيصبح ت حياتك ل تطا.ق؟« »لنهم أفمقدوني حمقي فيها أيها الملك ،بل أفمقدوني مبررات وجودي نفسها .حتى الفمقراء الذين بددت مالي عليهم أو أدنته لهم اختفوا من وجودي ،اليصدقاء منهم وغير اليصدقاء ،كّلهم تبّخروا في الهواء! وحتى ال ّ صدور الكاعبة الدافئة الحنونة التي كان ت تب ّ ث إكسير الحياة في روحي ذبل ت وذوت أو اختف ت .لم يعد يثمة شيء يشّدني إلى هذ ه الحياة الخاوية أيها الملك!« »مولي العظيم ،سأحضر لك من المال ما تعجز الّسفن عن حمله ،وسأضع بين يديك من النساء ما تعجز اللغة عن ويص ف جمالهن ،وسأوجد لك من اليصدقاء من تأنس بحضور ه ،ويأسر ك بحسن معشر ه ،ويأخذ ك بشمولّية معرفته« »آ ه أيها الملك ،ليس ت المشكلة في المال والنساء ،واليصدقاء فحسب ،فهؤلء لم يكونوا غايتي ذات يوم ،رّبما كانوا ضرورة من ضرورات الحياة ،أما الغاية فمقد كان ت أسمى، وكان تحمقيمقها يصعبا ً إلى حد يدفع ال ّ طموحين من أمثالي إلى النتحار!« »وماذا كان طموح مولي لعّلني أقدر على تحمقيمقه؟« »إنه طموح بسيط ومشروع أيها الملك :أن نح ّ ب بعضنا نحن معشر البشر ،وأن نحب لغيرنا ما نحّبه لنفسنا ،وأن نعمل من أجل الخرين بالمقدر الذي يعمل به الخرون من أجلنا ،وأن ننبذ الشر من بيننا ،ونصلح ما أفسد أرواحنا ،وشّو ه جمال إنسانيتنا ،أن نّتحد في مواجهة الخطار المحيمقة بكوكبنا ،أن نمنح النسان حريته ،أن نسّخر العلم والمعرفة لخدمة البشرية وإطالة عمر النسان ،ل لتدميرها وقتل النسان ،أن نوجد نظاما ً عصريا ً يسمو بالبشرية من حضيضها ،أن ننمقذ ماليين الجوعى في العالم .لمقد أخفمق ت في تحمقيق شيء أيها الملك ،حتى طموحاتي القل شأنا ً كأن أرى بلدي محرراً من المحتّلين ،أخفق جميع العرب والمسلمون والمقوى المحبة للسالم والحرية في تحمقيمقه ،أو حتى أن أعيش ضمن الحد الدنى من الُحّرّية الذي يتيح لي نشر كتبي وأفكاري وإبداء رأيي وممارسة الحب مع من تحّبني! لم يتحمقق لي أي شيء من كل هذا وذا ك أيها الملك ،أي شيء على الطال.ق ،ولم يعد هنا ك أي معنى لهذ ه الحياة ،ولو في نظري .والحق أنني أش ّ ك في أنك قادر على تحمقيق أحالمي هذ ه ،رغم قناعتي أنك قادر على فعل المعجزات .لذلك أرجو ك أن تأخذ خاتمك هذا وتنصر ف إلى حيث تريد ،وتعيش حياتك بحرية خارج السر. وتدعني أنتحر بسالم ،وكم أنا سعيد بتحريري لك،بعد يثاليثة آل ف عام من المقهر .ل أظن
أنني فعل ت ما هو أجمل من هذا في حياتي ،وإن حدث ذلك بمحض الصدفة .ول أظن أن يثمة بطولة في المسألة« »مولي .مولي العظيم!« »أرجو ك أيها الملك أل تخاطبني مولي ،لنني أكر ه أن أكون سيداً لحد ،ول تعظمني لنني لم أممق ت في حياتي أحداً أكثر من المع ّ ظمين دون أن يكونوا عظماء .يثم إنني وبالتأكيد،لس ت عظيما ً ولس ت بطالً ولس ت نابغة ،إنني إنسان متنّور بعض الشيء ،حاول أن يلِّم بثمقافة البشرية بالمقدر الذي أتاحه له وقته« »مولي!« »أرجو ك« »لمقد اعتدت تعظيم من يتحّكمون بطلسمي أيها الديب لمقمان ،ومع ذلك سأحاول إن استطع ت!« »أشكر ك أيها الملك ،لتحاول ،لن يكون المر يصعباً كما أظن ،لمقد فعل ت ذلك الن« »حسنا ً أيها الديب! ما أوّد قوله فيما يتعّلق بخيبة أملك ،وتبديد طموحاتك ،وسعيك إلى النتحار ،هو أن الشر أزلي فلمقد خلق ا النسان وخلق الشيطان ،خلق حّواء وخلق الفعى ،خلق »قابيل« وخلق »هابيل« من ضمن ما خلق ،إّنه سّر ه وإحدى معجزاته يا مولي ،عفواً أيها الديب لمقمان!« »أي سٍر هذا وأية معجزة أيها الملك؟ إذا كان ا يعر ف أن الشيطان سيضلل النسان، فلماذا خلمقه؟ وإذا خلمقه دون أن يعر ف ما الذي سيفعله ،فلماذا جعله يمقوم بأفعاله البغيضة؟ لماذا لم يردعه؟ لماذا لم يمقتله بعد فعلته الولى؟ وإذا كان يعر ف أن »قابيل« سيمقتل »هابيل« فلماذا خلمقه أيضًا ،وإذا لم يكن يعر ف حين خلمقه ،فلماذا أتاح له أن يمقتل أخا ه؟! قل لي أيها الملك؟« »إنه سّر ه .سّر ه أيها الديب لمقمان« »سّر ه أن يكون خيراً وشراً في آن واحد؟ ما هي الحكمة في ذلك؟ سّر ه أيضا ً أن ينزل كَّل هذا العذاب بأيوب لمجّرد أن يختبر إيمانه ،وليمقنع الشيطان بهذا اليمان؟! هل أغوا ه الشيطان هو أيضاً حتى أتاح له أن ينزل كل هذا العذاب الفظيع بأّيوب؟ أي إله هذا الذي ل يعر ف مدى إيمان إنسان خلمقه إلّ بهذ ه الطريمقة البشعة؟! من الفضل لك أيها الملك أن تعر ف أنه سّرنا نحن معشر النس ،وإن شئ ت النس والجن ،الذين أوجدوا ا والشيطان ،قابيل وهابيل ،آدم والفعى ،الخير والشر!« »مولي أرجو ك!« »ها أن ت تعود لمخاطبتي »مولي« أيها الملك« »إن من يجرؤ على طرح هذ ه التساؤلت الكبيرة والجابات الخطيرة ل يكون إل إلها ً أو نبيا ً يا مولي!« »ولماذا ل يكون أديبا ً أو عالما ً أو فيلسوفا ً أيها الملك؟« »لن هؤلء ل يرقون إلى مرتبة اللهة والنبياء يا مولي« »ولماذا ل يرقون؟«
»هذا ما عرفته في عهد ما قبل سجني يا مولي« »عهد ما قبل سجنك؟ لعّلك تتحدث عن آلهة ما قبل سجنك؟ ولعّلك كن ت تعبد اللهة عشتاروت أو ِعناة أو بعل أو إيل؟« »أجل ،لمقد عبدت هؤلء جميعا ً وعبدت غيرهم يا مولي« »من عبدت أيها الملك؟« »عبدت الشمس والمقمر والزهرة يا مولي ،وعبدت الله »آبسو« قبل أن يمقتله أولد ه، وعبدت »تيامه« ومردوخ وعشتار ،وآنو وإنانا وإنليل ،وجلجامش ورع وأوزيريس وإيزيس وحور س ،وعبدت كثيرين غيرهم يا مولي ،إلى أن جاء ُسليمان وجعلني أتر ك الجميع حتى »إيل« ،وأتبع »يهو ه« إلى أن تر ك هو عبادته ولم يعد يسأل عن معبودي!« »حتى يهو ه عبدته أيها الملك؟« »أجل يا مولي« »وهل تر ك سليمان عبادة يهو ه حمقا ً أيها الملك؟« »أجل يا مولي .لمقد انحاز إلى عبادة البعل والعشتاروت وإيل وغيرهم من آلهة الفلسطينيين والصيدونيين والسبأيين والمصريين والبابليين« »عجيب أمر ك أن ت وسليمان أيها الملك ،فأنتما كأجدادنا ُكّلما أتاهم أحد بإله جديد آمنوا به .ما رأيك أننا الن في كوكب الرض نكفر بكل هؤلء اللهة ،الذين جاؤوا في ذلك الزمن ،ول نؤمن بأي منهم ،ما عدا »يهو ه« فهنا ك بعض من يؤمنون به!« »هل أيصبحتم جميعا ً غير مؤمنين يا مولي؟« »بالعكس إن آل ف الماليين منا ما يزالون مؤمنين« »بمن يا مولي؟« »ببعض اللهة والنبياء الذين جاءوا بعد زمنك أيها الملك أو ببعض الديان والفلسفات« »وهل جاء آلهة وديانات أخرى يا مولي؟« »أكثر مما تتخيل من اللهة والنبياء والفالسفة الدينيون وال ّ طوائ ف ،وما إلى ذلك ،ففي الهند مث ً ال جاء الهندو س بـ »براهما« و»فشنو« و»شيفا« والبوذيون بـ »سد هارتا جوتاما الملمقب بوذا« والجينّيون بـ »مهاويرا« وفي الصين جاء الطاوّيون بـ »لوتس« و»كونفوشيو س« و»شوانغ تسو« وفي بالد الفر س جاء الزرادشتيون بـ »زرادش ت« وفي اليونان جاؤوا بآلهة أكثر من أعدها لك ،منها »أورانو س ،غايا ،زيو س ،كرونو س، هيرا ،هاد س ،ديمتر ،وأفرودي ت« والرومان كذلك والعديد من شعوب العالم ،جاؤوا بآلهة كثيرة .أما عندنا ،فجاء الصابئة المندائّيون والالت والعّزى وُهبل ومناة وإسا ف ونائلة والعشرات غيرهم ،وجاء يسوع المسيح ،والمانوّيون والحنا ف ،يثم جاء النبي محمد الذي أتى بالدين السالمي ،وتوّق ف ظهور الديانات أو قّل منذ ذلك الزمن ،فمقد تعددت الطوائ ف والمذاهب والديان ،حتى تحّول بعضنا إلى تمقديس الشيطان نفسه واعتبرو ه يصنواً للله ،بل واّدعوا أنه هو من خلق النسان وليس ا!« »ولماذا توق ف أو قَّل ظهور اللهة والنبياء يا مولي؟« »لن محمد كان من الذكاء والعبمقرية بحيث سما بالدين السالمي إلى مكانة يستحيل أن
يرقى إليها أي دين آخر سماوي .لمقد جّرد مفهوم الله إلى أبعد حدود المطلق ،حين جعله موجوداً في كل زمان ومكان ،فهل يثمة ما هو أعظم منه .وهل يمكن أن يأتي أحد بمن هو أعظم منه؟!« »ل أظن يا مولي ،وإن كن ت ل أفهم في الُمطلق! لكني فهم ت معنى أن يكون هذا الله موجوداً في كل زمان ومكان ،لهذا هو عظيم .اللهة الذين عرفتهم لم يكونوا بعظمته. لكن ماذا يعبد العالم اليوم يا مولي؟« »هنا ك ديانات كثيرة أيها الملك ،لكن أشهرها وأكثرها انتشارًا ،المسيحية والسالم والبوذية والهندوسية والطاوّية والكونفوشيوسّية .ويثمة ماليين وربما عشرات أو مئات الل ف فمقط من العلمانيين أو المتنورين بعض الشيء أمثالي .ل يؤمنون بأي من هذ ه الديانات ،إل بمقدر ما هي تصّورات للبشر أنفسهم عن الوجود ،ويعتبرون في نظر المتدّينين زنادقة وملحدين!« »وأنا يا مولي ،ما وضعي الن بين هذ ه الديانات ُكّلها وبين المتنورين؟« »سؤالك وجيه أيها الملك ،لكن الشمس حمي ت ،وأنا عطش ت وجع ت وشّوب ت ،وأريد أن أنتحر ،والمقبر الذي حفرته لنفسي بني ت عليه ضريحا ً وقّبة لمحبوبتك ،لذلك سأطلب إليك أن تحفر لي قبراً بدلً منه« »مولي! سأفعل لك ما لم يفعله مالئكي أو جنّي وربما إله لبشر ،ولن أدعك تنتحر حتى لو اضطررت للعودة إلى سجني!« وحر ك ملك الملو ك شمنهور الجّبار يد ه في الهواء وإذا بالمكان يتحّول إلى روضة من الجنان ،انبثمق ت منها مئات الشجار المثمرة والنباتات المختلفة ،والورود والزهور الجميلة .وتخللتها ينابيع ،يجري فيها ماء كالسلسبيل ،وعم ت أرجاءها نوافير من الّذهب، تر ّ ش الماء رذاذاً في التجاهات ُكّلها ،وعّرش ت فوقها أقوا س قزح ،وظللتها غيمة زرقاء ندّية ،وفرش ت ممراتها بالسجاد والديباج ،وأفردت فيها أرائك مجللة بالحرير الموّشى بخيوط الذهب ،وامتدت في منتصفها مائدة بأطيب المأكولت ،في أواٍن من الذهب الخالص ،كان بينها ظباء محّمرة وفراخ بط ممقّمرة وخرا ف مشوّية وجديان ممقلّية، وفرّوج محشو بالرز والصنوبر واللوز ،وطيور حجل ،وفراخ حمام ،وسمك وإقريد س وسلطات من كل أنواع الخضار ،وفواكه ل يوجد مثلها إل في الجنان العادنة ،وخمور لذيذة معّتمقة من زمن سليمان .وقد أحاط ت المائدة عشر فتيات حورّيات من بنات ملو ك الجان ،كأّنهن مالئكّيات أو من حور العين يرتدين يثيابا ً من الحرير الحمر الّشفا ف، ويتزيّن بأجمل الجواهر ،وقد أطلمقن شعورهن على ظهورهن ،وكّن دارعات ال ّ صدور، ضامرات الخصور ،ممتلئات الردا ف ،ممتشمقات المقوام ،منتصبات السيمقان ،بعيون سود وخضر وزر.ق مكّحلة ،بأجمل اللوان مشّكلة ،خدودهن موّردة ،وأنوفهن من أجمل ما أبدع الخالق من ّ ضدة .وشفاههن حمر كشمقائق الّنعمان ،وأعناقهن كرقاب الغزلن، ونهودهن جامحة كذكور اليمام ،وأيصابع أيديهن كأعواد الغيصالن أو قضبان الخيزران، وأظفارهن ُتبر.ق كاللؤلؤ مخ ّ ضبة بالمرجان ،سبحان الخالق الدّيان ،وقد تضّوع ت منهن رائحة العطور الّنفاذة بالعنبر ،من عبمق ت في أنفه قال ا أكبر! فيا سعد من حواهن ،وإلى
يصدر ه ضّمهن وألمقاهن .ينسى أمه وأبا ه ،وأّيام شمقا ه ،والبي ت الذي رّبا ه ،والبلد الذي حوا ه ،وحّتى من خلمقه وسّوا ه!. بدا الديب لمقمان كأنه في حلم ،إذ ليس من المعمقول أن تأتي الجنة إليه بهذ ه السهولة .كان يمق ف في غاية الدهشة حين خاطبه ملك الملو ك: »تفضل يا مولي ،يسّرني أن تكون ضيفا ً على أّول مائدة لي بعد يثاليثة آل ف عام من السجن .آخر مائدة لي كان ت مع الغالية عستارت ،وهي المائدة التي أودت بي إلى السجن وبعستارت إلى الموت ،فمقد كان جواسيس ُسليمان لنا بالمريصاد« »هل تحاول إغوائي كي أك ّ ف عن النتحار أيها الملك؟« »أظّن أن محاولة إغوائك ستكون أكبر من أن تتخّيلها يا مولي فيما لو أردت ذلك!« »وهل يثمة ما هو ُمغٍو أكثر مما أرى؟« »هذا ل شيء يا مولي!« وتمقّدم ت فتاتان يخلب جمالهما العمقول .فمقّدمهما ملك الملو ك للديب لمقمان: »الميرة الحورية »نور السماء« أجمل جميالت الجن من بين الحورّيات ،وابنة أكبر ملو ك الجن من بعدي الملك »حامينار« العظيم« وأشار إلى الفتاة الثانية وتابع: ..والميرة »ظل المقمر« ابنة يثاني أكبر ملو ك الجن ،يمكن أن تعتبرهما خليلتيك وتفعل بهما ما تشاء يا مولي ،فهما في خدمتك وتح ت أمر ك ،وإن شئ ت غيرهما من هؤلء أو من غيرهن جلب ت لك« »أشكر ك ،تكفيني الميرة »نور السماء« وحدها ،فمن يحوز على هذا الجمال الخار.ق قد يستحيل عليه أن يفكر في غير ه ،وإن كن ت أرى فيه ما يمكن أن يغويني ويثنيني عن النتحار!« »آمل ذلك يا مولي« وهتف ت الميرة نور السماء: »شكراً لمولي لهذا الطراء »شكراً لمولي لهذا الطراء الذي لم أسمع أجمل منه وآمل أن يتّوج بثني مولي عن النتحار« »حتى لو انتحرت أّيتها الميرة ،سأنتحر سعيداً لنني حظي ت بمشاهدة جمال مثل جمالك قبل انتحاري« فمقاطعهما ملك الملو ك طالباً إليهما الجلو س واستئنا ف الحديث. أخذ الديب لمقمان والميرة »نور السماء« مجلسيهما إلى المائدة ،فيما جلس الملك شمنهور والميرة »ظل المقمر« في مواجهتهما. كان ت فتاتان تمقفان خل ف كل ايثنين للخدمة فيما توّزع ت باقي الفتيات على المائدة. مال ت الميرة نور السماء برأسها نحو الديب لمقمان وهمس ت بصوت عذب ،أحس به يدغدغ مسامات جسد ه: »ماذا يرغب مولي؟«
التف ت الديب لمقمان إليها فغدا وجهه قريباً من وجهها ،وشعر بالحياة تدعو ه إليها بكل جبروتها ،همس بصوت خفي ف: »أرغب أن تكوني مليكة قلبي ،بل وملكة الرض ُكلها ،وأكون أنا حارسك!« نّدت شفتاها عن ابتسامة لم ير الديب أجمل منها في حياته: »شكراً للطفك يا مولي .هل تفضل الخمر أم عصير الفواكه أم حليب ال ّ ظباء ،قبل تناول الطعام؟« ت حليب الظباء؟« »هل قل ِ »أجل يا مولي« »أنا لم أذقه في حياتي ،ومع ذلك سأجّرب ،ول مانع بكأ س من عصير البرتمقال أيضًا« »أمر مولي« مّدت الميرة نور السماء يدها إلى إبريق ذهبي ،غير أن إحدى الفتاتين الواقفتين سارع ت إلى أخذ البريق فيما راح ت الخرى تمقّدم عصير البرتمقال. تذّو.ق الديب لمقمان الحليب بتناول رشفة يصغيرة ،وحين وجد أنه أطيب من أي خمر، رفع الكأ س إلى فمه وراح يتجرعها إلى أن أنهاها. أح ّ س بحاجة ماّسة إلى سيجارة .التف ت إلى نور السماء ليجد أنها تنتظر أوامر ه: »نفذت سجائري منذ ال ّ صباح ،هل لي بسيجارة أيتها الميرة؟« »أي نوع تف ّ ضل يا مولي؟« »ماذا لديك؟« »كل أنواع الّسجاير والسيجار يا مولي« »هل لديك سيجار »هافانا« مث ً ال؟« وقام ت الميرة بحركة من يدها لتتموضع أمامه علبة مفتوحة من السيجار لم يعر ف كي ف ظهرت على الطاولة! ولم يعد قادراً على تصديق ما يجري ،إذ لم يبق إل أن يطلب إحضار فيدل كاسترو نفسه ليتناول معه الفطور فيما لو أراد .وشرع يتساءل في سريرته: »ل ُيعمقل أن تحدث كل هذ ه المعجزات في الواقع .على أية حال إذا كان كل هذا ُحلما ً فال بُّد له من نهاية ،ويا ليته جاء من قبل لينتحر في هذ ه الصحراء! لكن لعّل الحلم ابتدأ من البي ت ،وهو الن ُهنا ك في الّسرير ويغ ّ ط في نوٍم عميق! مستحيل أن يكون عبور الصحراء حلمًا ،لمقد سار طوال الليل ،وتوّرم ت قدما ه .إذا كان هنا ك حلم ما ،فلم يبدأ إل بعد فتح المقممقم!« ألمقى نظرة نحو ملك الملو ك ،كان يلتهم الطعام بشراهة فظيعة ويشرب الخمر من الباريق ومعظم الفتيات يمقمن بخدمته. س ملك الملو ك به ينظر نحو ه ،فهت ف وفمه يمتلئ بالطعام: أح َّ »عفواً يا مولي ،أنا لم آكل منذ يثاليثة آل ف عام« »يصّحة وعافية« »لماذا ل تأكل يا مولي؟«
»سآكل« وأشار إلى فتاة تمق ف على ممقربة منه أن تمقدم له شريحة من لحم الغزال وبعض شرائح الخيار والبندورة والفلفل الخضر. لم يذ.ق في حياته أطيب وأشهى من هذا الطعام ،وعبثاً حاول أن يطرح التساؤلت الجنونية التي راح ت تنهال على دماغه: »إذا كان ما يجري ليس حلمًا ،فهذا يعني أن الجن حمقيمقة وليسوا وهمًا ،وأن الشيطان والمالئكة والمردة حمقيمقة أيضًا ،وأن هؤلء يتمّتعون بمقدرات خارقة ويحيون في نعيم أين منه نحن معشر النس ،دون أي رقيب أو حسيب! وإذا كان خل ف هؤلء قوة خالمقة فلماذا ف ّ ضلهم ا علينا نحن البشر؟!« قطع تساؤلته ملك الملو ك حين سأل: »ألن تجيبني عن سؤالي حول وضعي الن يا مولي؟« »سأجيبك أيها الملك: أن ت في نظر المسلمين كافر ما لم تسلم .وفي نظر المسيحيين جاهل وُمضّلل ما لم تؤمن بالب والبن والروح المقد س ،وفي نظر البوذيين روح يتنازعها الشر وتسعى إلى ملذاتها ول سبيل إلى هدايتك ما لم تنبذ مسراتك وعالم ملّذاتك وتدخل عالم الزهد والتمقش ف إلى حد مغر.ق في الفمقر وقتل الغرائز ،كأن تتخلى حتى عن مالبسك وتنام على الريصفة وتح ت الشجار ول تمار س الجنس ،وتتوّحد بروحك وجسد ك مع بوذا!« »أرجو ك يا مولي أف ّ ضل العودة إلى قممقمي أو أبمقى كما أنا على أن أتبع هذا الدين« »المر ل يختل ف كثيراً في الديان الثالث الخرى ،أقصد الهندوسّية والطاوية والكونفوشيوسّية ،إذ عليك أن تتخلى عن الكثير من مكتسباتك الدنيوية أو عن بعضها في أحسن الحوال« »أنا لن أتخّلى عن شيء يا مولي ،فكل مكتسباتي وإمكانياتي حق لي!« »هذا غير ممكن ول في أي دين أيها الملك ،ربما يمقبل بك عبدة الشيطان!« »أعبد الشيطان يا مولي؟ مستحيل! أنا ل أكر ه أحداً أكثر مما أكرهه!« »إذن ابق كما أن ت الن بال دين ،أو ُعد لعبادة يهو ه وإيل وعشتاروت وغيرهم ،طالما أّنك كن ت تعبدهم« »يا مولي ،أنتم معشر البشر تخّليتم عنهم ،وتريدني أنا وأتباعي أن نعود إلى عبادتهم بعد يثاليثة آل ف عام؟! هذ ه ليس ت عدالة يا مولي! ماذا عنكم أنتم ،أقصد المتنّورين أل تضّمني إليكم إذا أردت؟« وراح الديب لمقمان يضحك. »لماذا تضحك يا مولي؟« »لنك في نظرنا مجرد وهم أيها الملك!« »وهم يا مولي؟ أل تراني أمامك؟« »لكن الخرين لم يرو ك ،وحتى لو كن ت حمقيمقة ،فنحن ل نشّكل طائفة أو دينا ً أو حزبًا، يمكن أن تطلق علينا جزافا ً »تيارًا« وإذا شئ ت النضمام إلى هذا التيار ،يتوجب عليك
قراءة أل ف كتاب على القل من الكتب المختارة في الفلسفة والّديانات والساطير وعلم الجتماع وعلم النفس والدب والتاريخ وغير ذلك« »أل ف كتاب يا مولي ،هذ ه لن أقرأها في قرن« »إذن تنضم إلينا بعد قرن ،وإن كان في تأخير انضمامك إلينا خسارة كبيرة لنا ل يمكن تعويضها ،فإذا ما تبّين أنك حمقيمقة ،فمقد تساعدنا بمقوا ك الخارقة وعمقلك الذي ستصير عليه على تغيير مجرى الحياة على كوكب الرض« »بماذا تنصحني يا مولي؟« »أي دين تختار؟« »أجل يا مولي« »لماذا تصر على أن تتبع دينا ً ما؟« »لنني اعتدت على أن أتبع دينا ً ما يا مولي!« »حسنًا ،إن شئ ت رأيي فأنا شخصياً ورغم إلحادي ،أحب يسوع المسيح ومريم العذراء، وأجّل محمدًا وأفتخر به ،وأحترم بوذا ومهاويرا وبراهما ولوتس وكونفوشيو س وشوانغ تسو وزرادش ت!« أطر.ق ملك الملو ك لبرهة يثم هت ف: »سأدخل السالم يا مولي« »لَِم اخترت السالم دون غير ه أيها الملك؟« »لحساسي أنه دين حق .ولنني وجدت في كالمك ما يدفعني إليه أكثر مما يدفعني إلى الديانات الخرى!« »حمقا ً هل بدا كالمي كذلك؟« »هذا ما بدا لي يا مولي« »حسناً أيها الملك ،إذا رأي ت ذلك فليكن« »ماذا يتوجب علي أن أفعل يا مولي؟« »عليك أن تفعل الكثير أيها الملك ،لكن الن وعلى الفور يتوّجب عليك أن تنهض وترفع ُسّبابتيك وتردد بعدي :أشهد أن ل إله إل ا وأشهد أن محمداً رسول ا« ونهض ملك الملو ك ،وفوجئ الديب لمقمان بالميرة نور السماء والميرة ظل المقمر والفتيات الخريات يمقفن في خشوع ويهتفن مع ملك الملو ك وهن يرفعن ُسّباباتهن: »أشهد أن ل إله إل ا وأشهد أن محمداً رسول ا« وحين انتهوا كان يثمة أيصوات هائلة تتردد في الصحراء والسماء والرض ومن كافة الرجاء: »أشهد أن ل إله إل ا وأشهد أن محمداً رسول ا« تساءل الديب لمقمان بدهشة: »ما هذ ه اليصوات التي يضّج بها الكون أيها الملك ُمعلنة إسالمها؟« »إنها أيصوات أتباعي وأتباع أتباعي من الجن وقد دخلوا السالم معي يا مولي« »وهل جميع الجن أتباعك؟«
»ل يا مولي فأتباعي من الجان الُحمر فمقط« »وهل هنا ك جان غير حمر؟« يصفر ،وجان خضر ،وجان زر.ق يا مولي« »هنا ك جان سود ،وجان ُ »ما شاء ا! وكم عدد أتباعك أيها الملك شمنهور؟« »أنا يا مولي أحكم على مائة أل ف ملك جّبار ،وكل ملك منهم يحكم مائة أل ف جّني مغوار ،وكل مغوار من هؤلء جميعاً تتبعه حاشية كبيرة من الرجال والنساء والبنين والبنات والحفاد والقارب والخدم والعوان والجواري والغلمان!« »يا للهول! كل هذا الجمع الهائل من أتباعك أيها الملك؟« »نعم يا مولي« »يبدو أنني أدخل ت إلى السالم هذا اليوم أكثر مما أدخل المسلمون إليه في أل ف وأربعمائة عام« »هذا سيكسبك رضا ا يا مولي العظيم« »العظيم أيضًا ،أل يكفيك أن تخاطبني مولي ،في السالم ليس يثمة عظيم ومولًى إل ا ،وإن غدا كل ضباط الجيش والشرطة في عصرنا مهما يصغروا أسيادًا ،وكل الّزعماء -والمسلمين منهم بشكل خاص – مهما جهلوا ُعظماء .ماعدا ملكا ً واحداً أطلق على نفسه »خادم الحرمين!« يثم كفا ك شرب خمر ،فهو في نظر المسلمين »رجس من عمل الشيطان« »رجس يا مولي« »أجل رجس أيها الملك!« »وماذا عن أرجاسي التي اقترفتها قبل السالم يا مولي؟« ب ما قبله« حسب قول رسول ا ،أما ما بعد ه فعليك أن تلتزم بأركانه »السالم يج ّ الخمسة ،ويثمة سنن وشرائع ينبغي عليك التمقّيد بها وإل لن تكون مسلما ً حمقًا!« »ومتى ستطلعني على كل ذلك يا مولي؟« »إذا لم أنتحر ،أو إذا أّجل ت انتحاري أو تخلي ت عنه ،سأطلعك« »هل هذا يعني أنك بدأت التفكير في العدول عن النتحار يا مولي؟« »وما زل ت أفكر فيه أيضا ً أيها الملك« وقطع ت حوارهما الميرة نور السماء: »أن ت لم تأكل يا مولي« »بل أكل ت كثيرًا ،أنا في العادة ل آكل في الصباح ،لكني سرت طول الليل ،لذلك شعرت بالجوع« »ما رأيك بتفاحة؟« »طالما أنها من يد ك ممكن ،يثم إنني أريد شرابا ً ساخنًا .شاي إذا وجد« »أمر مولي« »لم أخبر ك أن اسمك جميل حمقًا« »هذا من جمال لط ف مولي!«
»أين تسكنين أيتها الميرة؟« »في العالم الّسفلي يا مولي!« »الّسفلي؟ مع الموتى؟« »بل مع الجن يا مولي« »لكن أين ،تح ت الرض ،وعلينا أن نجتاز بوابات ضخمة ،ونتلو تعاويذ وكلمات سحرية كي تفتح لنا هذ ه البواب ،إذا ما أردنا زيارتكم؟!« »ل يا مولي ،ستجد نفسك وكأنك على كوكب آخر والرض تعلو ك!« »وهل جميع الجن يمقيمون في العالم السفل؟« »ل يا مولي ،يثمة من يعيشون في السموات وفي الكواكب الخرى وعوالمها الّسفلى، إنهم موجودون في كل مكان تمقريبًا ،لكنهم ل يظهرون على معشر النس إل بإرادتهم، أو باستحضار ال ّ طالسم والرواح!« سكر ملك الملو ك ،ولم ينتبه له الديب لمقمان إل وهو ُيجلس الميرة »ظل المقمر« في ُحضنه وُيعّري فخذيها ويصدرها ،هت ف له: »مهلك ،ربما هذا حرام في السالم يا ملك الملو ك« ويبدو أن المر لم ير.ق له ،فمقد هت ف منفع ً ال: »ُأ ف ما هذا ،هل كل شيء في السالم رجس وحرام ،كان عند سّيدي سليمان سبعمائة امرأة ويثاليثمائة سرّية!« »ذا ك قبل السالم ،أما اليوم وحسب الشريعة السالمية ل يحق لك من الزوجات إلّ مثنى ويثالث ورباع ،على أن تعدل فيما بينهن!« »أربع؟ أربع فمقط يا مولي ،لعّلك تمقصد في اليوم؟« »في اليوم أيها الملك؟! في العمر ُكّله .ويمكنك أن تستبدلهن إذا شئ ت ،لكن يجب أن يتم المر حسب سّنة ا ورسوله! وُيمقال أن النبي »محمد« أحَّل متعتين ،هما متعة الحج وزواج المتعة ،غير أن الخليفة عمر بن الخطاب منعهما فيما بعد ،والحج هو أحد أركان السالم الخمسة ،سأعّلمك إّيا ه فيما بعد ،إذا لم أنتحر طبعًا!« »وما الممقصود بهما يا مولي؟« ّ »أن تتزوج امرأة لتتمتع بجمالها لبعض الوق ت ،ويثمة بعض الطوائ ف السالمية التي تبيح هذا الزواج ،أما عن متعة الحج ،فهي وكما أعر ف ،أن تمار س الجنس خالل موسم الحج ،ويمقال أن النبي في حجة الوداع قد قال» :ابدأوا بما بدأ ا عز وجل به« ،فأتى الصفا فبدا به ،يثم طا ف بين الصفا والمروة سبعًا ،فلما قضى طوافه عند المروة ،قام فخطب في أيصحابه وأمرهم أن يحّلوا ويجعلوها عمرة ،وليتمّتعوا بالحج. الحديث في هذ ه المسائل يطول أيها الملك ،وآمل أن ُيتاح لي أن ُأحّديثك عن ذلك ذات يوم إذا لم أنتحر!« »أرجو أل تنتحر يا مولي قبل أن تعّلمني السالم« »آمل ذلك أيها الملك« »وماذا عن الّسراري يا مولي ،أل يح ّ ق لي أن أقتني من الّسراري ما أريد وأفعل بهّن
ما أشاء؟« »إن شئ ت الحق ،يثمة ما ُيشير في كتاب ا إلى ما تملكه أيمان المسلمين ،وقد فّسر بعضهم ذلك حسب أهوائهم وطّبمقو ه ،فالخليفة هارون الرشيد كان لديه أجمل الّسراري وبعدد أيام السنة« »هذا ما أبحث عنه يا مولي فهؤلء الحوريات من الجواري!« »إذن يمكنك أن تفعل ما بدا لك أيها الملك!« »آ ه يا مولي ،يثاليثة آل ف عام وأنا محروم من متعة النساء« »الحق معك ،يجب أن تعّوض!« ونهض ملك الملو ك حامالً الميرة »ظل المقمر« يبن يديه وهو يعضوضها ،طرحها فو.ق فراش ويثير من الديباج على ممقربة من الديب لمقمان ،فصرخ الخر به: »ليس ُهنا يا ملك الملو ك« »أين إذن يا موليُ ،كنا نفعل ذلك معاً بالل ف في معبد الشمس في سبأ وفي معبد عشتار في بابل وأمام هيكل البعل وعشتروت حّتى أمام خيمة تابوب يهو ه« »أن ت الن في محراب السالم ولس ت في أي من معابد الجنس الممقد س هذ ه ،ينبغي أن تستتر عن أعين الخرين!« »أستتر يا مولي ،هل استتر النبي وأيصحابه حين تمّتعوا بالحج عند المروة؟ وا إني ل أعر ف كي ف تفهم السالم ،يثّم كي ف تكون ُملحداً يا مولي وتحرص على تعاليم السالم كَّل هذا الحرص؟!« »إن شئ ت الحق ،ل أعر ف فيما إذا استتر الّنبي ورفاقه حين تمّتعوا بالحج ،لكني أعر ف أن طمقو س الحج هي أقرب إلى الُعري الجماعي منها إلى التسّتر ،يثم أيها الملك أن ت من اختار السالم وأرى أن من واجبي تجاهك أن أعّلمك إيا ه على ُأيصوله وأطلب إليك التمقيد بتعاليمه ولو قدر المكان!« »ليكن يا مولي ،سآخذ الفتيات وأبتعد عنك إلى تح ت شجرة ،أدعو ك لن تتمتع بجمال الميرة نور السماء يا مولي ،وتنسى أمر النتحار ولو لبعض الوق ت« »سأحاول لكن ل تتأخر أريد أن أحسم المسألة ،إذ ل ُيعمقل أن أظّل معلمقا ً بين هاجسي الحياة والموت« ولم يعر ه الملك شمنهور آذاناً يصاغية ،حمل الفتاة وأشار إلى الخريات أن يتبعنه ،شرع في تعريتهن تح ت شجرة على مرأى منهما. مّدت الميرة نور السماء يدها وضّم ت الديب لمقمان .قّبلها قبلتين خفيفتين على خّدها وعنمقها وألمقى رأسه على يصدرها ،همس: »لم أكن أعر ف أن يثمة حوريات بين الجن ،هل كلكن بهذا الجمال؟« »ل يا مولي ،فثمة من هُّن قبيحات« »يبدو أنك ما تزالين يصغيرة ،كم عمر ك؟« »ستة آل ف عام يا مولي!« لم يصّد.ق الديب لمقمان ما سمعه ،رفع رأسه عن يصدر الميرة وتساءل بدهشة:
»هل تمقولين الصد.ق أيتها الميرة؟« »نحن ل نعر ف الكذب يا مولي!« »ستة آل ف عام! هل ُيعمقل هذا؟ يبدو أنك بجيل شمنهور ملك الملو ك« صغر« »نعم أنا بجيله وكّنا نتداعب معا ً في ال ّ »ولم تتزوجي؟« »ل ،لمقد اخترت مسامرة الملو ك يا مولي ،مع أن كثيرين طلبوني للزواج ولم أقبل« »أنا لس ت ملكًا ..لماذا أحضرو ك لي؟« »ُأحضرت إليك من قبل ملك الملو ك نفسه يا مولي« أطر.ق الديب لمقمان للحظات وهو يعيد رأسه إلى يصدر الميرة لينعم بلّذة الد فء ،فمقد ضّمته برفق وراح ت تملس على يصلعته وكأّنه طفل! »كم من الّسنين تحيون أيتها الميرة؟« »نحن ل نموت يا مولي ول نشيخ ،إل بعد آل ف آل ف العوام!« يصعق الديب لمقمان للمرة الثانية: ُ ّ »ل تموتون ول تشيخون ،وتنعمون بُكل ملذات الحياة وطّيباتها ،وتحوزون قدرات خارقة ،ونحن معشر النس نشمقى منذ آل ف الّسنين كي ُنطيل متوسط عمر النسان بضعة أعوام ،ونؤّجل شيخوخته بضعة أعوام دون جدوى .أي أسرار هذ ه التي تكتن ف الوجود من حولنا .لمقد قيل لنا »ُكّل من عليها فان ويبمقى وجه رّبك ذو الجالل والكرام« »أظن أّن الممقصود بمن عليها يا مولي من ُهم على وجه الرض وليس من تحتها أو أسفلها ،وليس من هم في السموات أيضًا ،يثم إن ذلك لن يحدث إل يوم المقيامة« »وهل تفمقهين في السالم يا نور السماء؟« ُ »قليالً يا مولي ،فمقد زرت مّكة ورأي ت محّمدًا ،وحضرت »بدرًا« و»أُحدًا« وشهدت فيما بعد حروب الّردة وحرب الجمل بين علي وعائشة وغير ذلك!« »ولم ُتسلمي؟« »ارتأى ملوكنا أن ننتظر فك أسر ملكهم كي يمقرروا أمرهم ،رغم أن بعض ال ّ طوائ ف الخرى من الجن قد أسلم ت منذ يصدر السالم وحارب ت مع محّمد .على أية حال أنتم معشر البشر تظّلون متفّوقين علينا بالعمقل والروح والخُلق والجمال« »كي ف أيتها الميرة ،أنا لم أَر بين بني البشر من هي أجمل منك ،ويبدو أنك تفهمين مثلنا ،أّما أرواحنا وأخالقنا فمقد فسدت وتعّفن ت منذ زمن طويل ،ول أظّن أن يثّمة أمالً في إيصالحها« »يا مولي ،ل يغّرنك جمالي ،فثّمة بين النس من هُّن أجمل مّني ،يثّم إّن عمقلي يصغير ومعرفتي سطحيّة ،ول أملك المقدرة على المحاكمة الخ ّ القة .أنا أكاد أكون مجّرد مشاِهدة ومتلمقية لكل ما يجري حولي ،ومنّفذة لرادة من يتحّكمون بي« »أيتها الميرة نور الّسماء ،يثمة أمم تعيش بيننا نحن البشر لم تفّكر منذ آل ف الّسنين، بعضها توّق ف عمقلها عند أفكار مّر عليها أكثر من يثاليثة آل ف عام ،وبعضها منذ أل ف وأربعمائة عام ونّي ف!«
»لعّلهم من الجن يا مولي وهم ل يعرفون!« »بل من النس ،فهم ل يملكون أية قدرات خارقة« انبعث ت آهات ويصرخات الفتيات من تح ت الشجرة التي لجأ إليها ملك الملو ك .نظر الديب لمقمان والميرة نور الّسماء ،وإذا به يكّوم الفتيات التسع تحته في أوضاع عجيبة وقد أخذ شكله شكل مارد يصغير ،وانمقض عليهن كوحش وراح ينهش أجسادهن ويطعن هذ ه يثم تلك بمقضيب كهراوة الفأ س ،وهو يزأر كأسد. يصرخ به الديب لمقمان: »ل تفتك بالفتيات يا ملك الملو ك« قطع الملك زئير ه ليهت ف بصوت هائل دون أن يلتف ت أو يتوّق ف عن الطعن: »ل تخ ف يا مولي ،إنّهن يحببن ذلك مهما عن ف ،فهن جنّيات!« ضحك الديب لمقمان لول مرة دون أن يفار.ق الحزن محيا ه ،وأمعن في الضحك حين تخّيل للحظات ملك الملو ك يأخذ شكله الجّني الكبر ويشِهُر عضواً كالصاروخ ويشرع في طعن الُفروج ..تساَءل ت الميرة عّما يضحكه فتساءل بدور ه: »هل تمارسون الحب وأنتم في أشكالكم الجّنية الضخمة؟« ضحك ت الميرة وهي تهت ف: »بل إّن ُمعظمنا ل يمارسونه إلّ كذلك يا مولي!« أطبق الديب لمقمان راحتي يديه على جبينه وهو يتساءل ضاحكًا: »غير ممكن! إّن خيالي بالكاد يمقارب الشكل الذي تبدون عليه حينئذ« »لن تحتاج إلى الخيال يا مولي ،سترى ذلك كثيراً إذا بمقي ت على قيد الحياة!« »أظن أنني لن ُأسر لمشاهدة كائنات بحجم الجبال تطبق على بعضها!« »ل تستطيع أن تحكم قبل أن ترى يا مولي« ت بهذا الحجم الهائل؟« »وهل أن ت تمارسين الحب أيضا ً وأن ِ »أحيانا ً يا مولي« »وما الحجم الذي تبدين فيه حينئذ؟« »أستطيع أن أبدو بأحجام مختلفة ،يصغيرة جداً وكبيرة جدًا ،فأنا قادرة أن أبدو أيصغر مما أنا عليه الن ،كأن أكون طفلة في العاشرة مثالً وبحجم إنسّية ،أو آخذ شكلي الجّني الكبر وسأكون حينئذ بحجم جبل كبير!« »وكم يكون حجم نهد ك حينئذ؟« »حجم حلمة نهدي تكون حينئذ بحجم قُّبة يا مولي!!« »وهل في ممقدوري حينئذ أن أجلس على تلك الحلمة لداعب نهد ك يثم أتدحرج وأتمقّلب عليه« »بالتأكيد يا مولي« وأغر.ق الديب لمقمان في الضحك ،ولم يمقدر على التوق ف ليكمل الحوار مع الميرة، فخرج الكالم من فمه كلمة كلمة وقد تخلله ضحك لم يضحك مثله في حياته وهو يتمّثل تلك الصورة الُخرافّية:
»أتوّسل..إليك..أ ّ ل..تظهري ..أمامي ..بهذا ..الحجم ..كي ..ل ..أضطر ..إلى استخدام.. مصعد ..للتنّمقل من ..عضو ..في جسد ك ..إلى عضو آخر!!« »سأنّمقلك بيدي يا مولي!« »وأية متعة ستجدينها معي وأنا لن أكون بالنسبة إلى حجمك أكبر من فأر أو بعوضة؟!« »ما أدرا ك ،قد نجد في ذلك متعة فريدة؟!« »أية متعة هذ ه؟ لكن ،أل تستطيعين تكبيري لبدو بحجمك؟« »ل أعر ف يا مولي ،فأنا لم أختبر قواي من قبل في هذ ه المسألة« »خسارة ،إذا لم نتمكن من تكبير نفسي بأي شكل من أجلك!« »قد نجد حالً إذا ما رغبنا في ذلك ذات يوم يا مولي« »آمل ذلك أيتها الميرة« وهتف ت الميرة نور السماء وهي تضّمه إليها من جديد: »ماذا في ميسوري الن أن أفعل لسعد مولي وأرا ه يضحك ويبتسم دائمًا« »ل أظن أّن في ممقدور ك أن تبلغي بي السعادة التي أنشدها ،ومع ذلك فإّن وجود ك معي يريحني ويتيح لمسحة من السعادة أن تتسلل إلى نفسي ،الن أشعر أنني متعب جداً وأتمنى لو أنام قليالً إلى أن يفرغ الملك من مضاجعاته ،رّبما ستكون هذ ه رغبتي الخيرة قبل أن أوّدع هذ ه الّدنيا« »أمر مولي« وحّرك ت الميرة نور الّسماء يدها في الهواء ،وإذا بسرير واسع مكلل بالحرير والديباج وتظّلله أزهار المقرنفل والياسمين والجوري ،ينتصب تح ت شجرة زيزفون وارفة الظالل ..ولم يتنّبه الديب لمقمان لذلك إل والميرة تحمله بين يديها وتضجعه عليه وتمقّبله على جبينه وتضطجع إلى جانبه وتهمس في أذنه: »أل تشعر يا مولي برغبة في مواقعتي ،هذا يساعد ك على أن تنام براحة وهدوء« س بأنفاسها العطرة تسري كالخّدر في جسد ه: أح َّ »إن ذلك ليسعدني أيتها الميرة ،لكني متعب جدًا ،والمواقعة عندي تتم عادة في ظل قدسّية خا ّ يصة ،ل يتاح لي الن توفيرها ،وأعد ك إذا ما عدل ت عن النتحار أن نفعل ذلك، ق إلى جانبي إلى أن أنهض من النوم ،فوجود ك يدخل الطمأنينة إلى نفسي« لكن اب ِ »أمر مولي« وبادلته قبالت خفيفة ساحرة ،وراح ت تملس على ما تبّمقى من شعر حول يصلعته إلى أن غفا. |||||||| ||||||| |||||| |||||
|||| |||
رؤيا شيطانية! أقبل ملك ملو ك الجان الُحمر »شمنهور الجّبار« يتعتعه الّسكر والنها ك من جّراء المعركة الجنسّية التي خاضها مع الفتيات الّتسع اللواتي بََدون منهكات بدورهن ،وحين رأى الديب لمقمان نائماً والميرة »نور السماء« تضطجع إلى جانبه ظّن أنه واقعها، فأشار إليها أن تنهض ليواقعها بدور ه ،فتأّب ت عليه ورجته أن يسك ت كي ل يزعج مولها ومول ه. امتعض الملك شمنهور وتفّو ه ببضع كلمات نابية جرح ت شعور الميرة نور السماء، فنهض ت عن السرير بهدوء واقتادت الملك شمنهور من يد ه لتبعد ه عن مرقد الديب لمقمان ،وخاطبته بصوت خفيض: ت على يديه من سجنك ال ّ »لماذا أيها الملك توّد أن تخون الرجل العظيم الذي خرج َ طويل، أل يكفيك ما ضاجع ت من حورّيات الجن هذا اليوم ،والل ف غيرهن قبل سجنك؟ أل يكفيك أنك ضاجع ت »بلمقيس« وابنة فرعون و»عستارت« ومئات السّيدات والّسراري من نسوة سليمان ،والمئات غيرهن من بنات النس؟! وإذا كن ت تظن أّنك تنتمقم من سليمان لمقسوته معك وتجّبر ه عليك ،فبماذا قسا عليك هذا الرجل الطّيب الذي لم يعرض عليك إل أن تكون ُحّراً طليمقا ً دون أن ُيسّخر ك أحد من النس أو حتى المالئكة أو الشياطين أو الجن لخدمته؟!« ويبدو أن الملك شمنهور أدر ك أن يثمة سوء تفاهم في المسألة: »عفواً أيتها الميرة ،هل اتخذ ك مولي زوجة له أو جارية أو خليلة؟!« »حتى لو لم يتخذني إل مجّرد خادمة له ،ألم يكن من الحرى أن تعر ف رأيه في المر قبل أن تطلب مواقعتي؟« أطر.ق الملك شمنهور للحظات ويبدو أّنه ندم: »أعتذر أّيتها الميرة نور السماء ،أعد ك أن هذا لن يتكرر يثانية دون موافمقة مولي وموافمقتك!« »أعر ف مدى طيبتك أّيها الملك ،لكنك في بعض الحيان تخرج عن طور ك« وتناهى يصوت الديب لمقمان يصارخا ً مناديا ً نور الّسماء ،فأحاط ت الجنّيات سرير ه وهرع ت الميرة وهي تهت ف »أمر مولي« كان الديب لمقمان يلهث والعر.ق يتصبب من وجهه .شرع ت الجنّيات يهّوين عليه بمنّشات من ريش الّنعام فيما نور السماء تجف ف عرقه بمنديل من الحرير الناعم الخفي ف. طلب ماء فأسمقته بنفسها ،يثم أمسك يدها ووضعها على يصدر ه .حّر ك عينيه في محجريهما باحثاً عن الملك شمنهور فشاهد ه يمق ف خل ف الفتيات المتحّلمقات حول سرير ه. تساَءل ت الميرة نور السماء والملك شمنهور عّما إذا ُيعاني من شيء ،فتنّهد وهت ف بصوت خفيض:
»رأي ت ُحلما ً رهيبًا ،شاهدت نفسي في حضرة ا والّنبي محمد ويسوع المسيح ومريم العذراء ،وعشتاروت وإيل ورع وآبسو ومردوخ وزيو س ومئات اللهة والنبياء، تجّول ت في العوالم الّسفلّية والعلوّية ،قابل ت آل ف العظماء والمفّكرين من الفالسفة والدباء والعلماء ،شاهدت الجّنة والنار ،شاهدت أكوانا ً غير كوننا وفيها بش ٌر متمقّدمون علينا بآل ف الّسنين ،ويعيشون في رفا ه عظيم ،وشاهدت أكوانا ً عجيبة متخّلفة عّنا، ويحكمها آلهة ل يرحمون ،خض ت معهم ُحروباً مهولة .شاهدت ماليين السما ك الطائرة في فضاء ما ،وشاهدت خيو ً ل طائرة بأجنحة يركبها المالئكة ،وشاهدت ظباء يركبها الشياطين .التمقي ت الشيطان إبليس فمقادني إلى أكوان وعوالم ساحرة .شاهدت فيها ض كالجّنة في كوكب مجهول .شاهدت مخلوقات لم أعر ف ما هي ،إلى أن قادني إلى رو ٍ فيه مئات الفتيات العاريات اللواتي لم أَر أجمل منهن ،ولم أسمع يوما ً عن جمال بهذا المقدر من الّروعة والكمال حتى لدى حواري الجّنة ،وما أن ألمقاني بين حشد منهن حتى انمق ّ ض ت علّي إحداهن وطرحتني فوقها ،وفيما كن ت أغر.ق في جمال جسدها راح ت تتحّول إلى أفعى مرعبة تلت ف حول جسدي وعنمقي ،فصرخ ت لنهض من نومي وأجد نفسي ُهنا على الَّسرير!« هتف ت الميرة نور السماء: »رّبما تكون أضغاث أحالم يا مولي« فهت ف ملك الملو ك: »بل إنها بعض العوالم التي سأقّلك إليها يا مولي« ونهض الديب لمقمان ليجلس في السرير ويهت ف: »ويحك أّيها الملك ،حمقاً لمقد خلدت إلى النوم وأنا أفّكر عّما إذا في ممقدور ك أن تنمقلني إلى بعض هذ ه العوالم ،إذا ما عدل ت عن النتحار« »سأفعل كل ما بوسعي يا مولي« »هل في ممقدور ك أن تمقّلني إلى هذ ه العوالم أّيها الملك؟« »إن لم يكن جميعها فمعظمها يا مولي« »ماذا تمقصد بمعظمها؟« »ل أجزم فيما إذا سنتمّكن من الويصول إلى العرش اللهي والسماء السابعة ،أو حّتى الجّنة والنار« »أمر مؤس ف إذا لم نتمّكن أيها الملك« »سأحاول بكل طاقتي يا مولي« »وما هي العوالم التي تجزم بممقدرتك على الويصول إليها أيها الملك؟« »جميع العوالم الّسفلى ومعظم العوالم الُعليا ،لكن لماذا ستجّشم نفسك كل هذا العناء يا مولي« »يمكنك المقول أنني أسعى لضافة شيء إلى الحمقيمقة أيها الملك« »أي حمقيمقة يا مولي؟« »الحمقيمقة المطلمقة التي أمضى النسان دهوراً من عمر ه في البحث عنها«
»لم أفهم يا مولي« »الحمقيمقة التي ما بعدها حمقيمقة أّيها الملك ،حمقيمقتي ،حمقيمقتك ،حمقيمقتنا ،حمقيمقة النبياء، اللهة ،حمقيمقة الوجود برّمته!« »وهل يجدي الويصول إلى الحمقيمقة أو شيء منها نفعا ً يا مولي؟« »كي ف ل يجدي أّيها الملك؟ أل يجدي أن نعر ف أنفسنا ونعر ف العالم من حولنا بشكل أفضل؟ أل يجدي أن نعر ف الغاية التي وجدنا نحن من أجلها؟ أل يجدي أن نعر ف سَّر هذا الوجود؟!« »وهل هذا بعض ما دفع مولي إلى النتحار؟« »ل أّيها الملك ،إن منعي من الَّسعي إلى الحمقيمقة ،وإضافة شيء إليها هو أهم السباب التي دفعتني إلى النتحار ،فأنا كأديب أدرك ت أّن غايتي في هذا العالم هي البحث عن هذ ه الحمقيمقة ،وهذا ل يتأتى لي إلّ عبر الّدراسة والبحث والتفكير ،ومن يثّم كتابة ما فّكرت فيه يصل ت إليه ،المؤس ف أّيها الملك أن بالدنا تمنع الكتابة التي من هذا النوع ،انطالقا ً وما تو َّ من أّن النا س تو ّ يصلوا بوساطة النبياء والمرسلين إلى حمقيمقة ا وحمقيمقة الوجود كمخلو.ق من قبل هذا الله ،وينبغي علينا أن نؤمن بذلك ،شئنا أم أبينا ،وينبغي علينا أن نؤمن بالّسالطين الذين يؤمنون بذلك شئنا أم أبينا ،مما أدى إلى أن يفمقد وجودنا غايته ،ولنغدو مجّرد ببغاوات ،نردد الكالم ذاته الذي يرددونه منذ آل ف السنين ،ونهت ف بالَّتعابير ذاتها التي ما تزال سارية المفعول ،ونتضاجع حسب الّشرائع ذاتها ،ونأكل ونشرب وننجب حسب ما تجيز ه هذ ه الشرائع ،لمقد ويصل ت المور إلى حد غدا فيه الواحد مّنا مثل الخر، نسخة طبق اليصل عنه ،يفّكر بطريمقته ،ويتكّلم بطريمقته ،حّتى غدونا نتكّلم معا ً في آن واحد ،ونضرط معًا ،ونتبول معًا ،ونتبّرز معًا ،ونتضاجع معًا ،والنّسوة منا يحملن ويلدن معًا ،إلى آخر ما هنالك من هذا التناسخ الفظيع!! أنا شخصيا ً ب ّ ت ممقتنعا ً أنه لم يعد ُهنا ك أية قيمة لوجودي ،حتى لو ُأسكن ت المقصور ،وُأضجع ت ضامرات الخصور ،وُأسمقي ت صد ف الغريبة التي شاَءت أن أعثر عليك أطيب الخمور ،لذلك قررت النتحار ،ولول ال ّ وأحرر ك أّيها الملك ،لكن ت الن في عالم الموات ،مع أنني مازل ت أش ّ ك أيها الملك ،أّن كَّل ما يجري ليس أكثر من حلم عجيب« »ولَِم ويصل ت المور بكم إلى هذا الحد يا مولي ،ولم ألغيتم عمقولكم التي ف ّ ضلكم ا عّنا بها؟« »فهمنا المقايصر للديانات أّيها الملك ،وافتمقارنا إلى ُحّرية العمقل والّزعماء العظماء ،منذ رحيل الّنبي محّمد!« »أل ف وأربعمائة عام ،ولم يظهر بينكم عظيم واحد بعد محّمد يا مولي؟« »للس ف لم يظهر ،حتى في الكرة الرضية ُكّلها لم يظهر ،لمقد فسد النسان أيها الملك، وبلغ أرذل مستويات النحطاط!« ُ »اعتبرني يا مولي ومنذ هذ ه اللحظة طوع يديك ،إن شئ ت أمّلكك الرض بما عليها، وإن شئ ت أنمقلك إلى العوالم ا ُ لخرى« »ُقل َ ت إن شئ ت تمّلكني الرض أيها الملك؟«
»أجل يا مولي« »كي ف؟« »نزح ف عليها بأل ف أل ف جّني مغوار!« »هل ستعيدنا إلى البطش أّيها الملك؟ أنا هارب من البطش والمقمع!« »ألم تمقل إّن النسان فسد يا مولي؟« »لكن إيصالحه لن يتّم بالبطش أيها الملك« »ولماذا تصلحه يا مولي طالما أنه فسد ،اقتله وأرح نفسك منه! ألم تخبرني أنه أفمقد ك مبررات وجود ك؟ ألم تخبرني أّنه غدر بك وسلب أرضك ومالك ولم يعد يتعّر ف عليك؟!« »ومع ذلك لن أبطش به أّيها الملك ،ولن أبطش حتى بالّسالطين الذين أذاقونا المهانة والذّل ألوانًا« »إذن لن تفعل شيئا ً بكوكب الرض يا مولي؟« »بل سأفعل الكثير ،لكن ليس من ُهنا ،من الكوكب الذي سأقيم عليه في الفضاء الخارجي .الن أريد أن أعر ف شيئا ً عن مدى قّوتك ،لن في نّيتي أن أفعل شيئا ً لبناء الرض قبل أن تمقّلني إلى الفضاء الخارجي« »أمر مولي« أخرج الديب لمقمان مسّدسه: »هل تعر ف ما هذا أّيها الملك؟« »ل يا مولي« وهتف ت الميرة نور السّماء: »أنا أعر ف يا مولي .إنه سالح قاتل رأيته مع معشر النس« »هل تجيدين استخدامه؟« »أجل يا مولي« ومّد يد ه بالمسّد س طالبا ً إليها أن تطلق منه طلمقة. يصّوب ت الميرة نحو كا س زجاجّية على المائدة وأطلمق ت النار ،تنايثرت الكأ س واندلق الخمر. هت ف الملك شمنهور بدهشة: »أنا لم أَر هذا الّسالح في عهد سليمان يا مولي« »لم تَر شيئا ً بعد من السلحة الفّتاكة ،التي في ممقدورها أن تدّمر كوكب الرض بكامله عشرين مّرة!« »ألم تمقل أّن عمقل النسان توّق ف يا مولي؟« »لم أقصد أّنه توق ف في كل مكان أيها الملك ،كما لم أقصد أنه توّق ف عن التفكير في المجالت ُكّلها ،المهم الن أنني أريد ك أن تع ّ طل هذا السالح دون أن تمّسه« »هذا شيء أكبر من طاقتي حّتى لو أخذته بيدي يا موليُ ،مرني أن أزلزل الجبال ،أن أهدم المدن ،أن أنمقلك إلى السماء أن«..
وقاطعه الديب لمقمان: »غريب أمر ك أيها الملك ،تستطيع أن تفعل كل هذ ه المعجزات ،ول تستطيع أن تسك ت مسّدسًا؟« »للس ف يا مولي« هتف ت الميرة نور السماء وقد أدرك ت ما ينوي الديب لمقمان أن يفعله: »لدي فكرة يا مولي« »ما هي؟« »خذ المسّد س يا مولي« ولم يكد الديب لمقمان يأخذ المسّد س من يدها حّتى اختف ت عن النظار واختطف ت المسّد س من يد ه وراح ت تحّلق في الهواء ،فبدا للديب لمقمان وكأنه طائر .تابعه وهو يبتعد في الفضاء ،ولم يعر ف كي ف ظهرت الميرة نور السماء في اللحظة ذاتها ووقف ت أمامه ملّوحة بالُمسّد س لتعيد ه إليه. ت عظيمة أّيتها الميرة ،لو لم تفعلي هذا لعدت إلى حالة اليأ س والتفكير في النتحار. »أن ِ لكن ،أخبريني ،هل يجرحكم الّريصاص أو يمقتلكم فيما لو ُأطلق عليكم؟« »أجل يا مولي ،ولذلك اختفي ت« »مسألة الختفاء هذ ه ترو.ق لي ،فلن يتمكن أحد من إطال.ق النار عليكم« »والن ،هل عدل مولي عن النتحار فع ً ال؟« ودون تردد هت ف: »أجل أّيتها الميرة ،يمكنك أن تمقولي لالنتحار وداعًا ،ومرحبا ً بالحياة من جديد« وألمق ت نفسها عليه وراح ت تعانمقه ،يثم عانمقه ملك الملو ك بدور ه ،ورفعه بين يديه كطفل. فيما كان الكون يضّج بزغاريد هائلة ترددت من كل الرجاء. »أشكركم أّيها الملك ،لم أشعر بالّرغبة في الحياة كما أشعر بها الن ،ويا ليتنا نكون أيصدقاء ،فأنا ل أريدكم خدما ً أو عبيداً أو أعوانًا ،لعلكم تساعدوني في أمور قد أعجز عن إيجاد حلول لها ،ولعّلكم تعّوضونني عّما أيصابني من غدر اليصدقاء وقهر الُحّكام ،وكب ت الُحرّيات وكتم النفا س ،وخبث بعض النا س وأطماع وأحمقاد ونفا.ق الخرين« »إن عمقولنا لصغيرة يا مولي ،لكن يشّرفنا ويسعدنا أن تجعلنا أيصدقاء لك« »ما أدرا ك أن عمقلي أكبر من عمقلك أيها الملك ،أظن لو أّنك قرأت الكتب التي قرأتها لستوعبتها أكثر مّني ،ولكان عمقلك على الغلب أكبر من عمقلي؟« »قد أعارضك حينئذ يا مولي ،وقد اختل ف معك« »ستكون حينئذ الصديق الذي أطمح أن يكون ،فالمعارضة والختال ف من أهم عوامل تطّور البشر ،وقد كان النبي محمد من أكبر المعارضين والمختلفين« هتف ت الميرة نور الّسماء وكأّنها ل ُتصّد.ق: »هل حمقا ً ستجعلني يصديمقتك يا مولي؟« »لن تكوني يصديمقتي فحسب ،بل مليكة قلبي أيضا ً أّيتها الميرة ،إن كان ذلك ُيسّر ك« »لن يسعدني شيء أكثر من البمقاء إلى جانب مولي«
ونهض الديب لمقمان عن الّسرير ومّد يد ه الُيمنى إلى نبته من الورد الجوري فايصطدم ت أيصابعه بشوكها فانبجس الّدم منها: »سنتعاهد بالّدم على ال ّ صداقة والوفاء البديين أّيها العزيزان« مّد ملك الملو ك والميرة نور السماء يديهما ليفعال كما فعل ،وتصافح الثاليثة لتمتزج دماؤهم معًا ،فيما فتيات الجن الخريات واقفات يتفّرجن ،ويشهدن على ما جرى. قّدم ت الميرة نور الّسماء خاتمها السحري إلى الديب لمقمان فشكرها وهو يلبسه في بنصر ه الُيسرى ،بينما لبس خاتم الملك شمنهور في بنصر ه الُيمنى ،وبدت الميرة نور الّسماء قلمقة بعض الشيء ،وكذلك الملك شمنهور ،فتساءل الديب لمقمان عّما بهما، فأجاب الملك شمنهور متوّجسًا: »أخا ف يا مولي أن يبطل العهد الذي قطعنا ه بيننا!« »كي ف سيبطل أّيها الملك؟« »إذا ما استولى أحد من النس على خاتمي وخاتم الميرة سنصبح طوع يديه!« بدأ المقلق يراود نفس الديب لمقمان ،فتساءل: »أل يمكنكما رفض أوامر ه ،أو عدم الذعان له؟« »يستحيل يا مولي ،إل إذا ُأبطل مفعول ال ّ طالسم التي على الخاتمين« »ومن يمقدر على ذلك؟« »ا يا مولي ،إنه الوحيد المقادر على ذلك ،بعد موت الملك سليمان« »وهل سليمان هو من وضع طالسم خاتم الميرة نور الّسماء أيضًا؟« »نعم يا مولي ،فمعظم الجن المطلسمين ،وضع ت طالسمهم من قبل سليمان وبعون ا، حسبما قيل لنا« »أنا حمقا ً في ُحلم ،بل كابو س ،أو رّبما في حالة جنون ،ولم أعد أعر ف أي إله هذا الذي تتحديثان عنه ،أهو الشمس أم المقمر أم يهو ه أم مردوخ أم عشتار أم يسوع أم إله محمد أم حتى زيو س؟!« وأخرجته الميرة نور السماء من حيرته حين هتف ت: »ليس هنا ك فر.ق من يكون يا مولي ،المهم أّنه إله وأّنه يتحّكم بأسرار طالسمنا« »لكن أليس بوسعكما أن تعصيا أمر ه كما فعل إبليس؟« »ممكن يا مولي ،لكننا ل نعر ف ماذا ستكون عاقبة المر« ت بطوفان جديد يغر.ق العالم ،أو ليغضب عليكما كما غضب على »ماذا ستكون؟ ليأ ِ إبليس ،ولتذهبا معي ومع إبليس إلى الجحيم ،لماذا أنتما حريصان على أن تدخال الجّنة، يثم هل نسيتما أّنكما تتحالفان مع ملحد ولو في نظر المؤمنين ،ورّبما في نظر إلهكم أيضًا، وربما يكون قد حكم عليكما بالهال ك منذ الن« كان الديب لمقمان قد أخذ ينفعل وكأّنه يدر ك أّنه سيفمقد الخاتمين ذات يوم ،فبادرت الميرة نور السماء إلى مسح الَعَر.ق عن جبينه وتهدئته: »لو نجزم أنه لن يمقوم بتجريدنا من قوانا الخارقة لفعلنا يا مولي ،فلماذا نستبق المور منذ الن ،إذ ليس من الّسهل أن يسلب أحد الخاتمين منك ،يثم إننا قد نتويصل إلى فك
طالسمهما ،طالما أننا سنمقوم برحالت إلى العوالم الخرى ،وإذا فشل كل شيء وحدث ما أبدينا تخّوفنا منه ،ما أدرا ك فمقد نتمّرد إذا كان لبّد من التمّرد« »حسناً أيتها الميرة ،أريد أن أعر ف شيئا ً واحداً فمقط« »ما هو يا مولي؟« »ماذا لو أننا دفّنا الخاتمين ُهنا في الصحراء أو أبمقيتهما معكما؟« »لن نسمعك إذا ُكّنا بعيدين عنك يا مولي ،أي أّن قدرتك على التحّكم بنا ستكون محدودة« س المر إذن ،ولنشرع في الخطوة الولى على كوكب »مشكلة ،حمقا ً مشكلة ،لنن َ الرض« فهت ف ملك الملو ك: »ما هي يا مولي؟« »أريد أن تب ّ ث جيوشك الجّبارة في كافة أرجاء الرض لتنزع كافة أنواع السلحة التي بين أيدي الجيوش والبشر .سارع إلى المناطق التي يدور الن فيها قتال في العالم ،إّيا ك أن تبمقي قطعة سالح مهما كان ت وفي أي مكان« وقاطعه الملك شمنهور: »حّتى سالح أبناء قومك يا مولي ،هل أنزعه؟« »طبعا ً أيها الملك ،انزعه .وليسِر عليهم ما يسري على الجميع ،هل تريد النا س إذا ما عرفوا أن يمقولوا أّن الديب لمقمان ف ّ ضل أبناء قومه على الخرين ،يثّم ل تخ ف عليهم إنهم يجيدون استخدام الحجارة إذا ما اضطروا إلى الّدفاع عن أنفسهم ،على أية حال تصالح ت فئة منهم مع اليهود ويبدو أنهم سيتصالحون جميعا ً معهم ،كما تصالحوا من قبل في عهد سليمان« صلح حينذا ك ،يا مولي .وذبح الفلسطينيون خمسين جمالً للله إيل »لمقد حضرت ال ّ وخمسين عجالً لعشتاروت ،وخمسين كبشا ً لبعل ،أّما اليهود فمقد ذبحوا مائة عجل ومائة ب جمل للله يهو ه! لكن هل عادوا وتحاربوا يا مولي؟ ما أعرفه أّن الملك سليمان أح َّ نساءهم وتزّوج منهم قرابة مائة ،ومن محبته لنسائهم تخّلى عن عبادة يهو ه وعبد آلهتهم، وتبعه مئات الل ف من اليهود»أجل أيها الملك عادوا إلى الحروب الطاحنة التي أودت بحياة مئات الل ف« »هل أبدأ يا مولي؟« »مه ً ال ،ماذا ستفعل بالمقواعد الضخمة وحامالت الطائرات والمفاعالت النووّية والصواريخ بعيدة المدى والعابرة للمقارات ،والبوارج والّسفن الحربية الكبيرة ومصانع السلحة؟!« »ل يوجد شيء يعجز أعواني عن معالجته إذا لم يمقدروا على حمله يا مولي ،يمكن أن نضع ُحّراسا ً دائمين على ما هو يثمقيل جداً وكبير« »هذ ه فكرة حسنة أيها الملك ،لكن ماذا ستفعل بما هو تح ت ميا ه البحار والمحيطات كالغّوايصات؟«
»ستغوص جيوشي إليها يا مولي وتنزعها من أعما.ق الميا ه« »عظيمة جيوشك هذ ه أيها الملك .لكن اسمع ،إّيا ك وسفك الّدماء ،ل أريد الجيوش أن تؤذي أحدًا ،ول أريد أية دماء على الطال.ق ،حتى نمقطة دم واحدة ل أريد ،وليكن جنود ك لطفاء في نزع السالح ،أظن أن البشر شاهدوا من الّدماء خالل هذا المقرن ما يكفي لل ف عام قادمة ،يمكنك أن تباشر أيها الملك« »هل يرغب مولي العظيم في رؤية الجيوش قبل انطالقتها؟« »سأكون سعيداً أيها الملك« وأخذ ملك الملو ك شمنهور الجّبار شكله العظم خالل طرفة عين ،فبدا للديب لمقمان كطود هائل. هتف ت الميرة نور السماء: »لنصعد ونمق ف على كتفه يامولي ،لنتمّكن من رؤية الجيوش بشكل أفضل« ولم يكد الديب لمقمان يوافق إلّ والميرة تأخذ بيد ه وتطير به ،ليمقفا على كت ف ملك الملو ك .هت ف متسائ ً ال: »هل حمقاً نحن الن نمق ف على كت ف ملك الملو ك أم أننا نمق ف على هضبة؟« ضحك ت الميرة وطلب ت إليه أن يضع يد ه على ُأذنيه لن الملك شمنهور سيصرخ يصوتا ً يستدعي به جيوش الجن. أطبق الديب لمقمان بيديه على أذنيه ،وكذلك فعل ت الميرة نور السماء. أرعد يصوت ملك الملو ك هاتفاً »ها« فارتج ت الرض من كافة الرجاء لهول الصوت. أخذت الجيوش العمالقة تكتسح الصحراء من كل التجاهات كظالل حّل ت خالل لحظة غروب أخيرة .كان ت أحجام الجنود أكبر من أحجام البشر ويرتدون زيّا ً أحمر ،وقد امتطوا خيولً حمراً مجّنحة ،ووقفوا في يصفو ف فائمقة النتظام ،وقد تسّلحوا بالرماح والّسيو ف ولبسوا الدروع. رفع الجميع رماحهم إلى أعلى وهتفوا بصوت واحد ضّج ت له الصحراء »ها .ها .ها«. هت ف الديب لمقمان في سّر ه »مستحيل أن يكون هذا حمقيمقة ،حّتى في السراء والمعراج لم يحدث مثل هذا الذي أرا ه ،إنه حلم بالتأكيد« هت ف ملك الملو ك مرة يثانية »ها« وإذا بالفضاء يعج بمئات آل ف الجان المجّنحين الذين حجبوا ضوء الشمس ،وقد توّقفوا في الفضاء في يصفو ف كبيرة ُمرّبعة .هتفوا وهم يفردون أجنحتهم »ها .ها .ها«. هت ف ملك الملو ك العبارة بدور ه وراح يخاطب الجيوش بلغة الجن ،فيما بادرت الميرة نور السماء إلى الترجمة للديب لمقمان: ّ ّ »أشكر من أعما.ق قلبي ،الملو ك الُحمر ،والطوائ ف الحمر ،والجيوش الُحمر ،الذين ظلوا مخلصين لي ،وحافظين للعهد وأوفياء له ،رغم غيابي ال ّ طويل ،في غياهب سجون الملك سليمان الجّبار.. يا أبناء الجن الِعظام ،إنني إذ أدين اليوم بحّريتي لبن النس البار الديب لمقمان العظيم، الذي فّك أسري ،وأتاح لي تلّمس طريق الحرية ،بعد يثاليثة آل ف عام من الحشر الفظيع،
لعلن تتويجه ملكاً أعلى على جميع الجن الحمر ،وأطلب إليهم ،أن يكونوا في خدمته، ويطيعوا أمر ه ،ويمقّدموا له ُكّل ما يستطيعون وا على ما نمقول شهيد! عاش ملك ملو ك الملو ك الديب لمقمان العظيم!« ترددت في مخّيلة الديب لمقمان بعض الكلمات وايصفا ً بها ملك الملو ك: »لولم يكن جّنيا ً ويخاطب جنّا ً لمقل ت أّنه قادم من قصر دكتاتور ما على الرض« دّوت الصحراء والسماء بالهتا ف الذي أطلمقه ملك الملو ك وُأنِكَس ت الّرماح والّسيو ف وُأسبل ت الجنحة تحّية للديب لمقمان الذي مّد يد ه اليمنى وراح يحيي الجيوش الجّرارة. كان الملو ك يصطفون أفواجا ً أفواجاً أمام جيوشهم وقد وق ف خلفهم قادة الجيوش ونّوابهم يثم آل ف آل ف الجنود. يصرخ ملك الملو ك يصرخة ُأخرى بالجيوش وإذا بها تتهّيأ في حركة استعداد. أيصدر الملك شمنهور أوامر ه بنزع السالح من أيدي بني البشر ووضعه تح ت حراسة مشددة ،متمقّيدًا بالتعليمات التي أشار إليها الديب لمقمان .وما أن أنهى إيصدار أوامر ه، حتى أومأ بحركة من يد ه وهو يهت ف »ها« فشرع ت الجيوش في الختفاء من السماء وعن وجه الرض ،بنفس الطريمقة التي اكتسحتها بها ،لتختفي خالل لحظات وكأنها لم تكن. وأطر ف ما حدث بعد ذلك أن الديب لمقمان أح ّ س بيد وكأنها تصافح يد ه وتطلمقها ،يثّم بمسّدسه ينتزع من تح ت حزامه ويبتعد عنه في الفضاء ،غير أن الميرة نور السماء والملك شمنهور تحّديثا بلغة الجن فتوّق ف المسد س في الفضاء. أدر ك الديب لمقمان أن أحد جنود الجن قد أخذ مسّدسه فاندهش أشد الندهاش لهذ ه الّدقة الفائمقة التي يتمّتع بها جنود الجن في تطبيق الوامر .إذ لم يدر في خلد ه حين أبدى رغبته إلى ملك الملو ك بنزع الّسالح ،أّن أّول قطعة سالح ستنتزع من أيدي البشر ستكون مسّدسه الذي نسي أّنه يحمله. هت ف ملك الملو ك: »هل يسمح مولي للجندي بأخذ سالحه؟« »إّنه ليس في حاجة لطلب الّسماح أيها الملك ،لمقد قام بواجبه خير قيام ،وأرجو أن تكاِفئه على حسن يصنيعه« وأشار ملك الملو ك بحركة من يد ه وإذا بالجندي يظهر في الفضاء والمسّد س في يد ه. خاطبه بلغة الجن .أّدى الجندي الّتحية بحركة من يد ه وانصر ف محّلمقا ً دون أن يختفي إلى أن توارى عن النظار. »عّينته قائداً على أل ف جندي ووهبته إحدى بنات الملو ك يا مولي« »حسنا ً فعل ت أّيها الملك« كان الصوت يأتي من فم ملك الملو ك وكأّنه جعجعة قادمة من سفح جبل .نظراً لطول عنمقه وعلّو رأسه وضخامته ،وابتعاد فمه عن الديب لمقمان. »لو أّنك تعود إلى الشكل النساني أيها الملك ،إن شكلك الحالي ُيرعبني!« قهمقه ملك الملو ك وهو يتضاءل فيما الميرة نور السماء تأخذ بيد الديب لمقمان وتنزل به
إلى الرض. وق ف ملك الملو ك في هيئة إنسي أضف ت عليه جمالً فائمقًا ،مما حدا بالديب لمقمان أن يطلب إليه أن يبمقى دائما ً في هذ ه الهيئة. »أمر مولي ملك ملو ك ملو ك الجن الحمر العظيم!« »أل يكفي أيها الملك ما فعلته وما ستفعله من أجلي حتى تكافئني وتجعلني ملكا ً عليك وعلى ملو ك الجن؟« »لو أمرني مولي أن أطّوع النس وطوائ ف الجن جميعا ً لخدمته لفعل ت« »أنا لم أفعل شيئا ً أيها الملك أستحّق عليه كل هذا الكرام ،الذي يبدو أمامه حتى إكرام ا للنبياء ضئي ً ال ،ويبدو لي لو أّنك عرف ت بعض بني البشر الذين عرفتهم لفّكرت أل ف مّرة قبل أن تمقّدم لي أّية مكافأة!« »هل أجحفو ك حّمقك وغدورا بك وقابلو ك بالسوء إلى هذا الحد يا مولي؟« »أجل أّيها الملك ،لم يؤلمني شيء في حياتي أكثر مما آلمني غدر اليصدقاء ،بعد شمقائي من أجلهم وعطفي عليهم ومحّبتي لهم! إّن عس ف النظمة كان يبدو لي أمام ذلك أمراً ممقبو ً ل« »هل ُأحضر لك هؤلء الخسيسين وأمثالهم لتمقت ّ ص منهم يا مولي؟« »ل أيها الملك ،إّني ل أسعى إلى المقصاص والنتمقام ،بل إلى إيصالح ما فسد في البشر، وزرع المحّبة والخير في نفوسهم بدلً من الّشرور واليثام .وإّني لمل أن أتمكن أنا بدوري من قتل الّشر وشهوة النتمقام في نفسي أيضًا« »وهل يوجد بين بني البشر من هم بهذ ه الوضاعة والخّسة والّنذالة يا مولي؟« »أجل أيها الملك ورّبما أكثر مما نتصّور أنا وأن ت ،فحاذر ،حاذر من أن أغدر بك أّيها الملك وأعيد ك إلى المقممقم!« »أنا وايثق من أّنك لن تفعلها يا مولي« »كن ت طيبا ً وعلى نّيتي مثلك ،لكني كن ت أتخوز.ق دائما ً أّيها الملك ،مشكلتي معك أني ل أعر ف بماذا سأكافئك الن أو في المستمقبل« »مكافأتك لي أن تظّل طّيبا ً معي ومع الميرة نور الّسماء كما أن ت يا مولي« »هل تريان أنني طيب حمقاً أيها الملك ،أنا في نظر كثيرين شّرير لنني ملحد وزان« »أجل يا مولي ،إنني ل أرى فيك إل الطيبة مهما ألحدت وزني ت« وهتف ت الميرة نور السماء: »وأنا لم أَر من هو أطيب منك بين النس والجن يا مولي ،إني أرى نور المحّبة يشّع من عينيك ويلوح على جبينك!« »أشكركما أّيها العزيزان ،لمقد أعدتماني إلى الحياة بكل أّبهتها وجمالها ،وآمل أن أظّل طّيبا ً وعند حسن ظّنكما .ماذا سنفعل الن أيها الملك؟« »ما يأمر به مولي« »هل شرع ت الجيوش في نزع السلحة؟« »انظر إلى السماء لترى يا مولي«
نظر الديب لمقمان نحو السماء فشاهد آل ف الّدبابات والمجنزرات والمصّفحات والليات والطائرات والمدافع والزوار.ق وال ّ صواريخ والطوربيدات والغّوايصات والبناد.ق ،وغير ذلك ،من كافة أنواع السلحة ،تمقذ ف في الفضاء بشكل عشوائي ،وكأن ريحا ً عاتية تعص ف بها .فمقد كان ت محمولة على ظهور الجن أو على أكتافهم أو بأيديهم. أح ّ س الديب لمقمان بفرح غامر وهو يهت ف في سريرته: »اليوم ستوّدع البشرية المقتل والحروب وسفك الّدماء إلى غير رجعة« ونظر نحو ملك الملو ك: »أين أمرت الجيوش أن تمقذ ف بكل هذ ه السلحة أّيها الملك ،أراها توغل بعيداً في الفضاء« »أمرتهم أن يمقذفوها على المقمر يا مولي« »حسنا ً فعل ت .ح ّ ضر لي نفسك للخطوة الثانية أيها الملك« »أنا جاهز يا مولي« »سننطلق إلى الفضاء ونبحث عن كوكب ذي حياة نمقيم عليه ،لكن خارج المجموعة الشمسّية إذا أمكن .هنا ك سننظم شؤوننا وننظر في أمور البشر ونشرع في رحالتنا إلى الكوان والعوالم المجهولة« »هل يسمح لي مولي بايصطحاب الميرة ظل المقمر والحورّيات الخريات؟« »هذا حمقك أيها الملك ،لكن ألسن كثيرات عليك؟« وراح ملك الملو ك يضحك: »كثيرات يا مولي؟! إني أشعر بشهوة تدفعني لمواقعة آل ف الّنساء من الجن والنس!« »أي حرمان هذا الذي تعاني منه أيها الملك؟ لكن ،هل هُّن راضيات أم أّنك ترغمهن على مرافمقتك؟« »ل يا مولي ،إنهّن راضيات قانعات ،وكّن يحلمن بويصالي والتمقّرب إلّي ،أل ترى الّسعادة تطّل من عيونهن .سأكتفي بهن الن ،لكني سأحضر إحدى وتسعين أميرة وحورية فيما بعد لكملهّن على المائة!« »مائة؟ تريد مائة حورّية وأميرة أيها الملك؟« »ُسليمان كان إنسياً يا مولي وكان لديه أل ف ،فهل تستكثر مائة على ملك الملو ك شمنهور الجبار؟« »أن ت محق أيها الملك ،ليكّن عشرة آل ف إن شئ ت« »أشكر مولي« »هيا أرني كي ف ستمقّلنا إلى الفضاء الّسحيق!« »هل لي بسؤال يا مولي؟« »تف ّ ضل« »لماذا توّد البتعاد عن كوكب الرض مع أن أهلك وذويك ومعارفك يمقيمون عليه؟« »لمقد أتعبني أبناء هذا الكوكب أيها الملك ،حتى أهلي وأقاربي أتعبوني ،ولم أعد قادراً على التوايصل مع النا س ،طالما هم على هذ ه الحال ،سأعود إليهم إذا ما استطع ت
إيصالحهم وقتل الشر في نفوسهم وإغناء المحّبة والخير ،وإذا ما احتج ت إلى رؤية أحدهم أو بعضهم ،سأحضرهم إلى كوكبنا ،وقد نمقوم ببعض الزيارات ،المهم أن تدعنا ننصر ف الن« انصر ف ملك الملو ك إلى التجوال في الّروضة المسحورة وهو يتفّو ه بكلمات من لغة الجن ويحّر ك يديه أعلى وأسفل ،وفجأة انفعل وراح يصرخ معّنفًا ،يثّم أسرع في خطو ه إلى أن بلغ جانب الّروض ووق ف في مواجهة الصحراء .توّق ف عن الكالم وأخذ يرقب الفضاء بمقلق وتوّجس. ظهرت في الّسماء مركبة فضائية بحجم فند.ق ضخم ،لم يكن لها أي يصوت ،ولم تكن تخّل ف وراءها أي لهب ،وقد رافمقها آل ف الجن المحّلمقين عن جانبيها ومن خلفها. ح ّ ط ت في الصحراء على ممقربة منهم ،فيما ظّل الجن يحّلمقون في الفضاء .بدت المركبة للديب لمقمان كنسٍر هائل يضّم جناحيه لالنمقضاض على فريسته ،وقد ارتكزت على قاعدتين كبيرتين بدتا كمقدمي إنسان دون أيصابع ،وانتصب باقي الجسم في الفضاء لينتهي س كالمنمقار ال ّ طويل. إلى رأ ٍ »من أين أتي ت بهذ ه المركبة الهائلة أيها الملك؟« »إنها مركبة مسحورة يا مولي« »مسحورة وتفعل كل هذ ه المعجزات العلمّية؟« »أجل يا مولي« »وهل فيها رائد أم أنها تطير وحدها؟« »أجل يا مولي ،فيها رائد ومساعدون وفيها خدم وغر ف نوم ،وفيها كل أجهزة التصالت والرؤية واللتمقاط والبث والتصوير والستشعار والتشويش ،وفيها مسبح وحديمقة ويصالة رياضة ،ومطابخ ويصالت طعام وأروقة وقاعات ومتنّزهات ،وكل ما يخطر على البال ،ومعظم هذ ه الكلمات لم أسمع بها إل قبل لحظات ول أعر ف ماذا تعني يا مولي!!« »وتمقولون أّن عمقولكم يصغيرة؟! لكن لماذا بدوت منفعالً قبل قدوم المركبة؟« »لني لم أرد أن تمقطع هذ ه المسافات البعيدة محمولً على كت ف أحد الجن يا مولي، فطلب ت إلى كل الملو ك أن يبحثوا عن أحدث مركبات الكون ويأتوني بواحدة مثلها« »هل هذا يعني أّن هذ ه المركبة مسحورة عن أحدث مركبة في الكون؟« »نعم يا مولي« »وهل مثيالتها من يصنع بشر أم من يصنع جن؟« »بل من يصنع بشر يا مولي ،فنحن معشر الجن ل نستطيع أن نفعل مثل هذ ه الختراعات ،أو أننا ل نحاول ذلك لننا نطير ونستطيع الذهاب إلى أي مكان« »وأين يمقيم هؤلء البشر أيها الملك؟« »قالوا لي أّنهم يمقيمون على كوكب في الفضاء البعيد يا مولي!« »لبّد لي من زيارة هؤلء ،ولبّد لي من معرفة أسراركم أّيها الجن ،فأنتم تفعلون المعجزات ومع ذلك تعجزون عن بعض الختراعات ،وتعجزون عن إبطال مفعول
السلحة ،وبالتأكيد تعجزون عن إحياء الموتى ،أم لعّلكم تستطيعون؟« »ل يا مولي ،هذا ما ل يمقدر عليه إل ا« »وهل تستطيعون أن تميتوا الحياء؟« »بالمقتل فمقط يا مولي ،إذ ليس بإمكاننا أن نمقول لكائن ما »ُم ت« فيموت ،أو »ِع ْ ش« فيعيش« »لكنك تستطيع أن تمسخ كائنا ً ما إلى آخر ،كأن تحّول إنسيا ً إلى سحلية مث ً ال« »بالتأكيد يا مولي ،لنني أعرفهما وشاهدتهما بعيني!« »وماذا عن الحياة والموت ،فأن ت ترى الحياة أمام عينيك ،وبالتأكيد شاهدت الموت؟« »لكني ل أعر ف ِسّر الحياة ول أعر ف سّر الموت يا مولي« »حمقا ً إّنك تحّيرني أيها الملك أن ت ومعشر الجّن ،لبّد لي من معرفة طاقاتكم كي أعر ف ما هي حدود المقّوة التي بين يدي« »سأخبر مولي بذلك متى أراد ،لكن ل يوجد بين الجن الحمر من هو بممقدرتي .فأنا المقادر القوى بين هؤلء ،ولهذا كن ت ملك ملوكهم« »هذا ما ُيسعدني أيها الملك ،هل ننطلق الن؟« »تف ّ ضل يا مولي« اقترب الديب لمقمان وملك الملو ك والميرة نور الّسماء من المركبة فانفتح باب جانبي نزل منه سّلم قصير وأطّل ت منه فتاة ذات جمال أّخاذ. أحن ت الفتاة رأسها احتراماً وأشارت بيدها إلى داخل المركبة أن تف ّ ضلوا. يصعد الديب لمقمان ودخل المركبة ليجد نفسه في ما بدا له ممقصورة إمبراطورية .تبعه ملك الملو ك والميرة نور السماء فالجّنيات التسع. »ل بأ س بهذ ه الممقصورة يا مولي ،آمل أن تكون الّرحلة مريحة« »آمل ذلك أيها الملك ،لكن أين قائد المركبة؟« »إنه يمق ف معنا يا مولي!« »ألن نرى شكله؟« »لن تتسع المركبة لحجمه الحمقيمقي يا مولي!« »ليظهر في شكل إنسي كما أنتم أّيها الملك« ولم يكد الديب لمقمان ينهي كالمه ،إل وقائد المركبة يمق ف أمامه ويمد يد ه مصافحا ً ومرّحبا ً ومعّرفا ً بنفسه: »قائد مركبة الّنجوم الرائد عزيزون يا مولي!« تأّمله الديب لمقمان للحظة وهو يدر ك أن هذا ليس شكله الحمقيمقي. »قل لي أيها الرائد« »أمر مولي« »ما هي سرعة مركبتك؟« »ما هي أقصى سرعة تعرفونها أنتم معشر البشر من سّكان الرض يا مولي؟« »سرعة الضوء أيها الرائد ،لكن إّيا ك أن تمقول لي أن مركبتك ستنطلق بسرعة الضوء،
لن هذا سيكون أكبر من أن يحتمله العمقل!« ضحك ،وظل يضحك إلى أن زجر ه ملك الملو ك وطلب إليه ألّ وشرع رائد المركبة في ال ّ يضحك في حضرة مول ه. »سأنطلق بسرعة خيالية يا مولي إذا كان الفضاء أمامي خاليًا!« دهش الديب لمقمان الذي لم يسمع تعبيراً كهذا في حياته. »كي ف تكون الّسرعة الخيالية أيها الرائد؟« »الّسرعة التي ل يمكن أن يدركها إل العمقل الخار.ق يا مولي!« »اضرب لي مثالً عن مدى هذ ه السرعة« »يمكنك أن تضع يا مولي رقما ً تمقريبياً يزيد أل ف ضع ف على القل عن سرعة الضوء، وهذ ه الّسرعة قابلة للزيادة أو النمقصان حسب حال الفضاء الذي أجتاز ه ،وحسب الّسرعة التي أقرر أنا النطال.ق بها« همد الديب لمقمان على ممقعد خلفه واحتضن رأسه بيديه وراح يجزم لنفسه أنه حمقا ً في ت به إل كابو س ،وشرع يلعن في نفسه الساعة التي فّكر فيها في النتحار ،والتي لم تأ ِ إلى هذا المكان بالذات ،ليجد نفسه في هذ ه الورطة الخيالية العجيبة ،التي رّبما لم يكن في حاجة إليها. رفع رأسه وألمقى نظرات مصحوبة بدهشة شديدة نحو قائد المركبة: »هل تعر ف أيها الرائد أن سرعة الضوء مائة وستة ويثمانون أل ف ميل في الثانية ،وأننا إذا انطلمقنا بهذ ه السرعة سنبلغ المقمر الذي يبعد عّنا قرابة مائتين وأربعين أل ف ميل خالل يثانية وربع فمقط ،وسنبلغ الشمس التي تبعد عّنا قرابة يثاليثة وتسعين مليون ميل خالل يثماني دقائق وربع؟!« وقاطعه رائد المركبة بتواضٍع جم ينّم عن معرفة علمّية عالية ،ويثمقة عالية بالنفس: »وسنحتاج يا مولي إلى أربع سنوات ونص ف لنصل إلى أقرب نجم إليكم بعد الشمس!« »تمقول أربع سنوات ونص ف؟« »إذا انطلمقنا بسرعة الضوء يا مولي!« وأطر.ق الديب لمقمان للحظات يفّكر ،أدر ك أّن الجنّي على حق .كي ف غاب ت هذ ه المسألة عن باله؟ لبّد من النطال.ق بسرعة خيالية كما أشار المقائد ،خايصة وأنه ف ّ ضل أن ينمقل إلى كوكب خارج المجموعة الشمسّية التي يتبعها كوكب الرض ،وهذا يحتاج إلى سرعات تفو.ق التصّور ،ربما كسرعة الُبرا.ق الذي أيصعد النبي »محمد« إلى السماء. »هل قل ت لي أنه في ممقدور ك أن تبطئ سرعة مركبتك إذا ما شئ ت ذلك أيها الرائد؟« »إن في ممقدوري كل شيء يامولي ،حتى أن أجعلها تنطلق بسرعة الطائر« »هذا عظيم أيها الرائد ،لنني أريد أن ألمقي نظرة أخيرة على هذا الكوكب البائس الذي أنتمي إليه ،يا لي ت لو تجعلنا نتغّدى على كوكب الزهرة ونتعّشى على المّريخ ونفطر على المشتري ،أو قد نوّدع هذ ه المجموعة من المّريخ وننطلق إلى ما نريد دون أن نمقترب من المشتري وزحل وأورانو س ونبتون وبلوتون ،فهي وحسب ما اكتش ف علماؤنا ليس ت يصالحة للحياة ،ول رغبة لدي الن لمشاهدتها عن قرب«
»إني خائ ف عليك من علمائكم يا مولي ،وآمل أن يطرح مولي علمهم جانبا ً وأن يطلق العنان لخياله ،ويحلم بما يريد وما يرغب في تحمقيمقه ،دون الخضوع إلى سلطان العلم وغائية المنطق ،فهو بهذا يمقترب مّنا معشر الجن ،ويفّكر بعمقليتنا المقادرة على تحمقيق الحالم ويصنع المعجزات ،وتمقّبل حدويثها ،والهم من ذلك إمكانية حدويثها!« »شكراً للنصيحة أيها الرائد ،هل ننطلق؟« »ليكن يا مولي« »ماذا يتوّجب علينا أن نفعل؟« »افعل ماتريد يامولي ،اجلس أوانهض ،اذهب إلى الحديمقة ،أو إلى المسبح .لن تشعر بما هو غير عادي يا مولي ،وكأّنك جالس على الرض!« س أن تنطلق ببطء لنني أريد أن أوّدع كوكب الرض« »ل تن َ »سأنطلق ببطء يا مولي ،يمكنكم الّنظر من النافذة إلى ما تريدون ،ويثّمة منظار يمكنكم الستعانة به« أقفل ت الفتاة التي استمقبلتهم باب المركبة ،جلس الديب لمقمان والميرة نور السماء على أريكتين متمقابلتين بجوار نافذة ،فيما تحّلق ملك الملو ك مع جواريه والميرة »ظل المقمر« حول مائدة مستديرة وأشار إلى فتاة في المركبة أن تحضر لهم خمرًا. ألمقى الديب لمقمان نظرة عبر النافذة فشاهد آل ف الجن يحّلمقون حول المركبة ،فخاطب ملك الملو ك متسائ ً ال: »لم أحضرت هؤلء الجن لمرافمقتنا أيها الملك؟« »للحراسة والّدفاع يا مولي ،فمقد نتعّرض إلى هجوم من النس أو الجن!« »وهل سيظّلون ظاهرين؟« »يف ّ ضل يا مولي كي يرعبوا أّية قوى معادية قد تفّكر في مهاجمتنا« »يبدو أّنك خطط ت لكل شيء أيها الملك« »بل أعواني هم من خططوا ولس ت أنا يا مولي« س ،ل أريد سفك دماء« »لكن ل تن َ »حّتى الكائنات الفضائية ل تريد أن نسفك دماءها إذا ما هاجمتنا يا مولي؟!« »الن نحن بمثابة غزاة للفضاء أيها الملك ،فبأي حق تريدنا أن نسفك دماء أبنائه؟!« »ل أعر ف أين ستودي بنا طيبتك يا مولي؟ آمل أل تمقودنا إلى الهال ك!« »لس ت متشائماً يا مولي لكني ل أعر ف ماذا سنفعل إذا ما هوجمنا« »لكّل حادث حديث أيها الملك ،قد نحّل أكبر الشكالت بكلمة طّيبة« »بكلمة طّيبة يا مولي؟« »نعم أيها الملك ،فللكلمة في بعض الحيان قوة سحرّية ل تضاهيها أية قّوة« »اعذرني يا مولي ،أنا لم أعد أفهم شيئا ً مما تمقوله« »بل تفهم أيها الملك وتعر ف أن ما يكمن خل ف طلسمك وطالسم الجن جميعا ً ليس إل بضع كلمات!« أدر ك ملك الملو ك أّن الديب لمقمان على حق ،يثمة سحر ما للكلمة كان يجهله لو لم يلف ت
انتباهه إليه. »أن ت محق يا مولي ،وإن كن ت أشك أن الكلمة ستكون مجدية في كل الوقات ..أظن أن المركبة انطلمق ت وأن رحلتنا قد بدأت ،لنشرب نخب انطالقتنا!«
»أجل أيها الملك عادوا إلى الحروب الطاحنة التي أودت بحياة مئات الل ف« »هل أبدأ يا مولي؟« »مه ً ال ،ماذا ستفعل بالمقواعد الضخمة وحامالت الطائرات والمفاعالت النووّية والصواريخ بعيدة المدى والعابرة للمقارات ،والبوارج والّسفن الحربية الكبيرة ومصانع السلحة؟!« »ل يوجد شيء يعجز أعواني عن معالجته إذا لم يمقدروا على حمله يا مولي ،يمكن أن نضع ُحّراسا ً دائمين على ما هو يثمقيل جداً وكبير« »هذ ه فكرة حسنة أيها الملك ،لكن ماذا ستفعل بما هو تح ت ميا ه البحار والمحيطات كالغّوايصات؟« »ستغوص جيوشي إليها يا مولي وتنزعها من أعما.ق الميا ه« »عظيمة جيوشك هذ ه أيها الملك .لكن اسمع ،إّيا ك وسفك الّدماء ،ل أريد الجيوش أن تؤذي أحدًا ،ول أريد أية دماء على الطال.ق ،حتى نمقطة دم واحدة ل أريد ،وليكن جنود ك لطفاء في نزع السالح ،أظن أن البشر شاهدوا من الّدماء خالل هذا المقرن ما يكفي لل ف عام قادمة ،يمكنك أن تباشر أيها الملك« »هل يرغب مولي العظيم في رؤية الجيوش قبل انطالقتها؟« »سأكون سعيداً أيها الملك« وأخذ ملك الملو ك شمنهور الجّبار شكله العظم خالل طرفة عين ،فبدا للديب لمقمان كطود هائل. هتف ت الميرة نور السماء: »لنصعد ونمق ف على كتفه يامولي ،لنتمّكن من رؤية الجيوش بشكل أفضل« ولم يكد الديب لمقمان يوافق إلّ والميرة تأخذ بيد ه وتطير به ،ليمقفا على كت ف ملك الملو ك .هت ف متسائ ً ال: »هل حمقاً نحن الن نمق ف على كت ف ملك الملو ك أم أننا نمق ف على هضبة؟« ضحك ت الميرة وطلب ت إليه أن يضع يد ه على ُأذنيه لن الملك شمنهور سيصرخ يصوتا ً يستدعي به جيوش الجن. أطبق الديب لمقمان بيديه على أذنيه ،وكذلك فعل ت الميرة نور السماء. أرعد يصوت ملك الملو ك هاتفاً »ها« فارتج ت الرض من كافة الرجاء لهول الصوت. أخذت الجيوش العمالقة تكتسح الصحراء من كل التجاهات كظالل حّل ت خالل لحظة غروب أخيرة .كان ت أحجام الجنود أكبر من أحجام البشر ويرتدون زيّا ً أحمر ،وقد امتطوا خيولً حمراً مجّنحة ،ووقفوا في يصفو ف فائمقة النتظام ،وقد تسّلحوا بالرماح والّسيو ف ولبسوا الدروع. رفع الجميع رماحهم إلى أعلى وهتفوا بصوت واحد ضّج ت له الصحراء »ها .ها .ها«. هت ف الديب لمقمان في سّر ه »مستحيل أن يكون هذا حمقيمقة ،حّتى في السراء والمعراج لم يحدث مثل هذا الذي أرا ه ،إنه حلم بالتأكيد« هت ف ملك الملو ك مرة يثانية »ها« وإذا بالفضاء يعج بمئات آل ف الجان المجّنحين الذين
حجبوا ضوء الشمس ،وقد توّقفوا في الفضاء في يصفو ف كبيرة ُمرّبعة .هتفوا وهم يفردون أجنحتهم »ها .ها .ها«. هت ف ملك الملو ك العبارة بدور ه وراح يخاطب الجيوش بلغة الجن ،فيما بادرت الميرة نور السماء إلى الترجمة للديب لمقمان: »أشكر من أعما.ق قلبي ،الملو ك الُحمر ،وال ّ طوائ ف الحمر ،والجيوش الُحمر ،الذين ظّلوا مخلصين لي ،وحافظين للعهد وأوفياء له ،رغم غيابي ال ّ طويل ،في غياهب سجون الملك سليمان الجّبار.. يا أبناء الجن الِعظام ،إنني إذ أدين اليوم بحّريتي لبن النس البار الديب لمقمان العظيم، الذي فّك أسري ،وأتاح لي تلّمس طريق الحرية ،بعد يثاليثة آل ف عام من الحشر الفظيع، لعلن تتويجه ملكاً أعلى على جميع الجن الحمر ،وأطلب إليهم ،أن يكونوا في خدمته، ويطيعوا أمر ه ،ويمقّدموا له ُكّل ما يستطيعون وا على ما نمقول شهيد! عاش ملك ملو ك الملو ك الديب لمقمان العظيم!« ترددت في مخّيلة الديب لمقمان بعض الكلمات وايصفا ً بها ملك الملو ك: »لولم يكن جّنيا ً ويخاطب جنّا ً لمقل ت أّنه قادم من قصر دكتاتور ما على الرض« دّوت الصحراء والسماء بالهتا ف الذي أطلمقه ملك الملو ك وُأنِكَس ت الّرماح والّسيو ف وُأسبل ت الجنحة تحّية للديب لمقمان الذي مّد يد ه اليمنى وراح يحيي الجيوش الجّرارة. كان الملو ك يصطفون أفواجا ً أفواجاً أمام جيوشهم وقد وق ف خلفهم قادة الجيوش ونّوابهم يثم آل ف آل ف الجنود. يصرخ ملك الملو ك يصرخة ُأخرى بالجيوش وإذا بها تتهّيأ في حركة استعداد. أيصدر الملك شمنهور أوامر ه بنزع السالح من أيدي بني البشر ووضعه تح ت حراسة مشددة ،متمقّيدًا بالتعليمات التي أشار إليها الديب لمقمان .وما أن أنهى إيصدار أوامر ه، حتى أومأ بحركة من يد ه وهو يهت ف »ها« فشرع ت الجيوش في الختفاء من السماء وعن وجه الرض ،بنفس الطريمقة التي اكتسحتها بها ،لتختفي خالل لحظات وكأنها لم تكن. وأطر ف ما حدث بعد ذلك أن الديب لمقمان أح ّ س بيد وكأنها تصافح يد ه وتطلمقها ،يثّم بمسّدسه ينتزع من تح ت حزامه ويبتعد عنه في الفضاء ،غير أن الميرة نور السماء والملك شمنهور تحّديثا بلغة الجن فتوّق ف المسد س في الفضاء. أدر ك الديب لمقمان أن أحد جنود الجن قد أخذ مسّدسه فاندهش أشد الندهاش لهذ ه الّدقة الفائمقة التي يتمّتع بها جنود الجن في تطبيق الوامر .إذ لم يدر في خلد ه حين أبدى رغبته إلى ملك الملو ك بنزع الّسالح ،أّن أّول قطعة سالح ستنتزع من أيدي البشر ستكون مسّدسه الذي نسي أّنه يحمله. هت ف ملك الملو ك: »هل يسمح مولي للجندي بأخذ سالحه؟« »إّنه ليس في حاجة لطلب الّسماح أيها الملك ،لمقد قام بواجبه خير قيام ،وأرجو أن تكاِفئه على حسن يصنيعه«
وأشار ملك الملو ك بحركة من يد ه وإذا بالجندي يظهر في الفضاء والمسّد س في يد ه. خاطبه بلغة الجن .أّدى الجندي الّتحية بحركة من يد ه وانصر ف محّلمقا ً دون أن يختفي إلى أن توارى عن النظار. »عّينته قائداً على أل ف جندي ووهبته إحدى بنات الملو ك يا مولي« »حسنا ً فعل ت أّيها الملك« كان الصوت يأتي من فم ملك الملو ك وكأّنه جعجعة قادمة من سفح جبل .نظراً لطول عنمقه وعلّو رأسه وضخامته ،وابتعاد فمه عن الديب لمقمان. »لو أّنك تعود إلى الشكل النساني أيها الملك ،إن شكلك الحالي ُيرعبني!« قهمقه ملك الملو ك وهو يتضاءل فيما الميرة نور السماء تأخذ بيد الديب لمقمان وتنزل به إلى الرض. وق ف ملك الملو ك في هيئة إنسي أضف ت عليه جمالً فائمقًا ،مما حدا بالديب لمقمان أن يطلب إليه أن يبمقى دائما ً في هذ ه الهيئة. »أمر مولي ملك ملو ك ملو ك الجن الحمر العظيم!« »أل يكفي أيها الملك ما فعلته وما ستفعله من أجلي حتى تكافئني وتجعلني ملكا ً عليك وعلى ملو ك الجن؟« »لو أمرني مولي أن أطّوع النس وطوائ ف الجن جميعا ً لخدمته لفعل ت« »أنا لم أفعل شيئا ً أيها الملك أستحّق عليه كل هذا الكرام ،الذي يبدو أمامه حتى إكرام ا للنبياء ضئي ً ال ،ويبدو لي لو أّنك عرف ت بعض بني البشر الذين عرفتهم لفّكرت أل ف مّرة قبل أن تمقّدم لي أّية مكافأة!« »هل أجحفو ك حّمقك وغدورا بك وقابلو ك بالسوء إلى هذا الحد يا مولي؟« »أجل أّيها الملك ،لم يؤلمني شيء في حياتي أكثر مما آلمني غدر اليصدقاء ،بعد شمقائي من أجلهم وعطفي عليهم ومحّبتي لهم! إّن عس ف النظمة كان يبدو لي أمام ذلك أمراً ممقبو ً ل« »هل ُأحضر لك هؤلء الخسيسين وأمثالهم لتمقت ّ ص منهم يا مولي؟« »ل أيها الملك ،إّني ل أسعى إلى المقصاص والنتمقام ،بل إلى إيصالح ما فسد في البشر، وزرع المحّبة والخير في نفوسهم بدلً من الّشرور واليثام .وإّني لمل أن أتمكن أنا بدوري من قتل الّشر وشهوة النتمقام في نفسي أيضًا« »وهل يوجد بين بني البشر من هم بهذ ه الوضاعة والخّسة والّنذالة يا مولي؟« »أجل أيها الملك ورّبما أكثر مما نتصّور أنا وأن ت ،فحاذر ،حاذر من أن أغدر بك أّيها الملك وأعيد ك إلى المقممقم!« »أنا وايثق من أّنك لن تفعلها يا مولي« »كن ت طيبا ً وعلى نّيتي مثلك ،لكني كن ت أتخوز.ق دائما ً أّيها الملك ،مشكلتي معك أني ل أعر ف بماذا سأكافئك الن أو في المستمقبل« »مكافأتك لي أن تظّل طّيبا ً معي ومع الميرة نور الّسماء كما أن ت يا مولي« »هل تريان أنني طيب حمقاً أيها الملك ،أنا في نظر كثيرين شّرير لنني ملحد وزان«
»أجل يا مولي ،إنني ل أرى فيك إل الطيبة مهما ألحدت وزني ت« وهتف ت الميرة نور السماء: »وأنا لم أَر من هو أطيب منك بين النس والجن يا مولي ،إني أرى نور المحّبة يشّع من عينيك ويلوح على جبينك!« »أشكركما أّيها العزيزان ،لمقد أعدتماني إلى الحياة بكل أّبهتها وجمالها ،وآمل أن أظّل طّيبا ً وعند حسن ظّنكما .ماذا سنفعل الن أيها الملك؟« »ما يأمر به مولي« »هل شرع ت الجيوش في نزع السلحة؟« »انظر إلى السماء لترى يا مولي« نظر الديب لمقمان نحو السماء فشاهد آل ف الّدبابات والمجنزرات والمصّفحات والليات والطائرات والمدافع والزوار.ق وال ّ صواريخ والطوربيدات والغّوايصات والبناد.ق ،وغير ذلك ،من كافة أنواع السلحة ،تمقذ ف في الفضاء بشكل عشوائي ،وكأن ريحا ً عاتية تعص ف بها .فمقد كان ت محمولة على ظهور الجن أو على أكتافهم أو بأيديهم. أح ّ س الديب لمقمان بفرح غامر وهو يهت ف في سريرته: »اليوم ستوّدع البشرية المقتل والحروب وسفك الّدماء إلى غير رجعة« ونظر نحو ملك الملو ك: »أين أمرت الجيوش أن تمقذ ف بكل هذ ه السلحة أّيها الملك ،أراها توغل بعيداً في الفضاء« »أمرتهم أن يمقذفوها على المقمر يا مولي« »حسنا ً فعل ت .ح ّ ضر لي نفسك للخطوة الثانية أيها الملك« »أنا جاهز يا مولي« »سننطلق إلى الفضاء ونبحث عن كوكب ذي حياة نمقيم عليه ،لكن خارج المجموعة الشمسّية إذا أمكن .هنا ك سننظم شؤوننا وننظر في أمور البشر ونشرع في رحالتنا إلى الكوان والعوالم المجهولة« »هل يسمح لي مولي بايصطحاب الميرة ظل المقمر والحورّيات الخريات؟« »هذا حمقك أيها الملك ،لكن ألسن كثيرات عليك؟« وراح ملك الملو ك يضحك: »كثيرات يا مولي؟! إني أشعر بشهوة تدفعني لمواقعة آل ف الّنساء من الجن والنس!« »أي حرمان هذا الذي تعاني منه أيها الملك؟ لكن ،هل هُّن راضيات أم أّنك ترغمهن على مرافمقتك؟« »ل يا مولي ،إنهّن راضيات قانعات ،وكّن يحلمن بويصالي والتمقّرب إلّي ،أل ترى الّسعادة تطّل من عيونهن .سأكتفي بهن الن ،لكني سأحضر إحدى وتسعين أميرة وحورية فيما بعد لكملهّن على المائة!« »مائة؟ تريد مائة حورّية وأميرة أيها الملك؟« »ُسليمان كان إنسياً يا مولي وكان لديه أل ف ،فهل تستكثر مائة على ملك الملو ك
شمنهور الجبار؟« »أن ت محق أيها الملك ،ليكّن عشرة آل ف إن شئ ت« »أشكر مولي« »هيا أرني كي ف ستمقّلنا إلى الفضاء الّسحيق!« »هل لي بسؤال يا مولي؟« »تف ّ ضل« »لماذا توّد البتعاد عن كوكب الرض مع أن أهلك وذويك ومعارفك يمقيمون عليه؟« »لمقد أتعبني أبناء هذا الكوكب أيها الملك ،حتى أهلي وأقاربي أتعبوني ،ولم أعد قادراً على التوايصل مع النا س ،طالما هم على هذ ه الحال ،سأعود إليهم إذا ما استطع ت إيصالحهم وقتل الشر في نفوسهم وإغناء المحّبة والخير ،وإذا ما احتج ت إلى رؤية أحدهم أو بعضهم ،سأحضرهم إلى كوكبنا ،وقد نمقوم ببعض الزيارات ،المهم أن تدعنا ننصر ف الن« انصر ف ملك الملو ك إلى التجوال في الّروضة المسحورة وهو يتفّو ه بكلمات من لغة الجن ويحّر ك يديه أعلى وأسفل ،وفجأة انفعل وراح يصرخ معّنفًا ،يثّم أسرع في خطو ه إلى أن بلغ جانب الّروض ووق ف في مواجهة الصحراء .توّق ف عن الكالم وأخذ يرقب الفضاء بمقلق وتوّجس. ظهرت في الّسماء مركبة فضائية بحجم فند.ق ضخم ،لم يكن لها أي يصوت ،ولم تكن تخّل ف وراءها أي لهب ،وقد رافمقها آل ف الجن المحّلمقين عن جانبيها ومن خلفها. ح ّ ط ت في الصحراء على ممقربة منهم ،فيما ظّل الجن يحّلمقون في الفضاء .بدت المركبة للديب لمقمان كنسٍر هائل يضّم جناحيه لالنمقضاض على فريسته ،وقد ارتكزت على قاعدتين كبيرتين بدتا كمقدمي إنسان دون أيصابع ،وانتصب باقي الجسم في الفضاء لينتهي س كالمنمقار ال ّ طويل. إلى رأ ٍ »من أين أتي ت بهذ ه المركبة الهائلة أيها الملك؟« »إنها مركبة مسحورة يا مولي« »مسحورة وتفعل كل هذ ه المعجزات العلمّية؟« »أجل يا مولي« »وهل فيها رائد أم أنها تطير وحدها؟« »أجل يا مولي ،فيها رائد ومساعدون وفيها خدم وغر ف نوم ،وفيها كل أجهزة التصالت والرؤية واللتمقاط والبث والتصوير والستشعار والتشويش ،وفيها مسبح وحديمقة ويصالة رياضة ،ومطابخ ويصالت طعام وأروقة وقاعات ومتنّزهات ،وكل ما يخطر على البال ،ومعظم هذ ه الكلمات لم أسمع بها إل قبل لحظات ول أعر ف ماذا تعني يا مولي!!« »وتمقولون أّن عمقولكم يصغيرة؟! لكن لماذا بدوت منفعالً قبل قدوم المركبة؟« »لني لم أرد أن تمقطع هذ ه المسافات البعيدة محمولً على كت ف أحد الجن يا مولي، فطلب ت إلى كل الملو ك أن يبحثوا عن أحدث مركبات الكون ويأتوني بواحدة مثلها«
»هل هذا يعني أّن هذ ه المركبة مسحورة عن أحدث مركبة في الكون؟« »نعم يا مولي« »وهل مثيالتها من يصنع بشر أم من يصنع جن؟« »بل من يصنع بشر يا مولي ،فنحن معشر الجن ل نستطيع أن نفعل مثل هذ ه الختراعات ،أو أننا ل نحاول ذلك لننا نطير ونستطيع الذهاب إلى أي مكان« »وأين يمقيم هؤلء البشر أيها الملك؟« »قالوا لي أّنهم يمقيمون على كوكب في الفضاء البعيد يا مولي!« »لبّد لي من زيارة هؤلء ،ولبّد لي من معرفة أسراركم أّيها الجن ،فأنتم تفعلون المعجزات ومع ذلك تعجزون عن بعض الختراعات ،وتعجزون عن إبطال مفعول السلحة ،وبالتأكيد تعجزون عن إحياء الموتى ،أم لعّلكم تستطيعون؟« »ل يا مولي ،هذا ما ل يمقدر عليه إل ا« »وهل تستطيعون أن تميتوا الحياء؟« »بالمقتل فمقط يا مولي ،إذ ليس بإمكاننا أن نمقول لكائن ما »ُم ت« فيموت ،أو »ِع ْ ش« فيعيش« »لكنك تستطيع أن تمسخ كائنا ً ما إلى آخر ،كأن تحّول إنسيا ً إلى سحلية مث ً ال« »بالتأكيد يا مولي ،لنني أعرفهما وشاهدتهما بعيني!« »وماذا عن الحياة والموت ،فأن ت ترى الحياة أمام عينيك ،وبالتأكيد شاهدت الموت؟« »لكني ل أعر ف ِسّر الحياة ول أعر ف سّر الموت يا مولي« »حمقا ً إّنك تحّيرني أيها الملك أن ت ومعشر الجّن ،لبّد لي من معرفة طاقاتكم كي أعر ف ما هي حدود المقّوة التي بين يدي« »سأخبر مولي بذلك متى أراد ،لكن ل يوجد بين الجن الحمر من هو بممقدرتي .فأنا المقادر القوى بين هؤلء ،ولهذا كن ت ملك ملوكهم« »هذا ما ُيسعدني أيها الملك ،هل ننطلق الن؟« »تف ّ ضل يا مولي« اقترب الديب لمقمان وملك الملو ك والميرة نور الّسماء من المركبة فانفتح باب جانبي نزل منه سّلم قصير وأطّل ت منه فتاة ذات جمال أّخاذ. أحن ت الفتاة رأسها احتراماً وأشارت بيدها إلى داخل المركبة أن تف ّ ضلوا. يصعد الديب لمقمان ودخل المركبة ليجد نفسه في ما بدا له ممقصورة إمبراطورية .تبعه ملك الملو ك والميرة نور السماء فالجّنيات التسع. »ل بأ س بهذ ه الممقصورة يا مولي ،آمل أن تكون الّرحلة مريحة« »آمل ذلك أيها الملك ،لكن أين قائد المركبة؟« »إنه يمق ف معنا يا مولي!« »ألن نرى شكله؟« »لن تتسع المركبة لحجمه الحمقيمقي يا مولي!« »ليظهر في شكل إنسي كما أنتم أّيها الملك«
ولم يكد الديب لمقمان ينهي كالمه ،إل وقائد المركبة يمق ف أمامه ويمد يد ه مصافحا ً ومرّحبا ً ومعّرفا ً بنفسه: »قائد مركبة الّنجوم الرائد عزيزون يا مولي!« تأّمله الديب لمقمان للحظة وهو يدر ك أن هذا ليس شكله الحمقيمقي. »قل لي أيها الرائد« »أمر مولي« »ما هي سرعة مركبتك؟« »ما هي أقصى سرعة تعرفونها أنتم معشر البشر من سّكان الرض يا مولي؟« »سرعة الضوء أيها الرائد ،لكن إّيا ك أن تمقول لي أن مركبتك ستنطلق بسرعة الضوء، لن هذا سيكون أكبر من أن يحتمله العمقل!« ضحك ،وظل يضحك إلى أن زجر ه ملك الملو ك وطلب إليه ألّ وشرع رائد المركبة في ال ّ يضحك في حضرة مول ه. »سأنطلق بسرعة خيالية يا مولي إذا كان الفضاء أمامي خاليًا!« دهش الديب لمقمان الذي لم يسمع تعبيراً كهذا في حياته. »كي ف تكون الّسرعة الخيالية أيها الرائد؟« »الّسرعة التي ل يمكن أن يدركها إل العمقل الخار.ق يا مولي!« »اضرب لي مثالً عن مدى هذ ه السرعة« »يمكنك أن تضع يا مولي رقما ً تمقريبياً يزيد أل ف ضع ف على القل عن سرعة الضوء، وهذ ه الّسرعة قابلة للزيادة أو النمقصان حسب حال الفضاء الذي أجتاز ه ،وحسب الّسرعة التي أقرر أنا النطال.ق بها« همد الديب لمقمان على ممقعد خلفه واحتضن رأسه بيديه وراح يجزم لنفسه أنه حمقا ً في ت به إل كابو س ،وشرع يلعن في نفسه الساعة التي فّكر فيها في النتحار ،والتي لم تأ ِ إلى هذا المكان بالذات ،ليجد نفسه في هذ ه الورطة الخيالية العجيبة ،التي رّبما لم يكن في حاجة إليها. رفع رأسه وألمقى نظرات مصحوبة بدهشة شديدة نحو قائد المركبة: »هل تعر ف أيها الرائد أن سرعة الضوء مائة وستة ويثمانون أل ف ميل في الثانية ،وأننا إذا انطلمقنا بهذ ه السرعة سنبلغ المقمر الذي يبعد عّنا قرابة مائتين وأربعين أل ف ميل خالل يثانية وربع فمقط ،وسنبلغ الشمس التي تبعد عّنا قرابة يثاليثة وتسعين مليون ميل خالل يثماني دقائق وربع؟!« وقاطعه رائد المركبة بتواضٍع جم ينّم عن معرفة علمّية عالية ،ويثمقة عالية بالنفس: »وسنحتاج يا مولي إلى أربع سنوات ونص ف لنصل إلى أقرب نجم إليكم بعد الشمس!« »تمقول أربع سنوات ونص ف؟« »إذا انطلمقنا بسرعة الضوء يا مولي!« وأطر.ق الديب لمقمان للحظات يفّكر ،أدر ك أّن الجنّي على حق .كي ف غاب ت هذ ه المسألة عن باله؟ لبّد من النطال.ق بسرعة خيالية كما أشار المقائد ،خايصة وأنه ف ّ ضل أن ينمقل
إلى كوكب خارج المجموعة الشمسّية التي يتبعها كوكب الرض ،وهذا يحتاج إلى سرعات تفو.ق التصّور ،ربما كسرعة الُبرا.ق الذي أيصعد النبي »محمد« إلى السماء. »هل قل ت لي أنه في ممقدور ك أن تبطئ سرعة مركبتك إذا ما شئ ت ذلك أيها الرائد؟« »إن في ممقدوري كل شيء يامولي ،حتى أن أجعلها تنطلق بسرعة الطائر« »هذا عظيم أيها الرائد ،لنني أريد أن ألمقي نظرة أخيرة على هذا الكوكب البائس الذي أنتمي إليه ،يا لي ت لو تجعلنا نتغّدى على كوكب الزهرة ونتعّشى على المّريخ ونفطر على المشتري ،أو قد نوّدع هذ ه المجموعة من المّريخ وننطلق إلى ما نريد دون أن نمقترب من المشتري وزحل وأورانو س ونبتون وبلوتون ،فهي وحسب ما اكتش ف علماؤنا ليس ت يصالحة للحياة ،ول رغبة لدي الن لمشاهدتها عن قرب« »إني خائ ف عليك من علمائكم يا مولي ،وآمل أن يطرح مولي علمهم جانبا ً وأن يطلق العنان لخياله ،ويحلم بما يريد وما يرغب في تحمقيمقه ،دون الخضوع إلى سلطان العلم وغائية المنطق ،فهو بهذا يمقترب مّنا معشر الجن ،ويفّكر بعمقليتنا المقادرة على تحمقيق الحالم ويصنع المعجزات ،وتمقّبل حدويثها ،والهم من ذلك إمكانية حدويثها!« »شكراً للنصيحة أيها الرائد ،هل ننطلق؟« »ليكن يا مولي« »ماذا يتوّجب علينا أن نفعل؟« »افعل ماتريد يامولي ،اجلس أوانهض ،اذهب إلى الحديمقة ،أو إلى المسبح .لن تشعر بما هو غير عادي يا مولي ،وكأّنك جالس على الرض!« س أن تنطلق ببطء لنني أريد أن أوّدع كوكب الرض« »ل تن َ »سأنطلق ببطء يا مولي ،يمكنكم الّنظر من النافذة إلى ما تريدون ،ويثّمة منظار يمكنكم الستعانة به« أقفل ت الفتاة التي استمقبلتهم باب المركبة ،جلس الديب لمقمان والميرة نور السماء على أريكتين متمقابلتين بجوار نافذة ،فيما تحّلق ملك الملو ك مع جواريه والميرة »ظل المقمر« حول مائدة مستديرة وأشار إلى فتاة في المركبة أن تحضر لهم خمرًا. ألمقى الديب لمقمان نظرة عبر النافذة فشاهد آل ف الجن يحّلمقون حول المركبة ،فخاطب ملك الملو ك متسائ ً ال: »لم أحضرت هؤلء الجن لمرافمقتنا أيها الملك؟« »للحراسة والّدفاع يا مولي ،فمقد نتعّرض إلى هجوم من النس أو الجن!« »وهل سيظّلون ظاهرين؟« »يف ّ ضل يا مولي كي يرعبوا أّية قوى معادية قد تفّكر في مهاجمتنا« »يبدو أّنك خطط ت لكل شيء أيها الملك« »بل أعواني هم من خططوا ولس ت أنا يا مولي« س ،ل أريد سفك دماء« »لكن ل تن َ »حّتى الكائنات الفضائية ل تريد أن نسفك دماءها إذا ما هاجمتنا يا مولي؟!« »الن نحن بمثابة غزاة للفضاء أيها الملك ،فبأي حق تريدنا أن نسفك دماء أبنائه؟!«
»ل أعر ف أين ستودي بنا طيبتك يا مولي؟ آمل أل تمقودنا إلى الهال ك!« »لس ت متشائماً يا مولي لكني ل أعر ف ماذا سنفعل إذا ما هوجمنا« »لكّل حادث حديث أيها الملك ،قد نحّل أكبر الشكالت بكلمة طّيبة« »بكلمة طّيبة يا مولي؟« »نعم أيها الملك ،فللكلمة في بعض الحيان قوة سحرّية ل تضاهيها أية قّوة« »اعذرني يا مولي ،أنا لم أعد أفهم شيئا ً مما تمقوله« »بل تفهم أيها الملك وتعر ف أن ما يكمن خل ف طلسمك وطالسم الجن جميعا ً ليس إل بضع كلمات!« أدر ك ملك الملو ك أّن الديب لمقمان على حق ،يثمة سحر ما للكلمة كان يجهله لو لم يلف ت انتباهه إليه. »أن ت محق يا مولي ،وإن كن ت أشك أن الكلمة ستكون مجدية في كل الوقات ..أظن أن المركبة انطلمق ت وأن رحلتنا قد بدأت ،لنشرب نخب انطالقتنا!« )(3 يصعود إلى الفضاء انطلمق ت المركبة في اتجا ه شبه عمودي إلى أعلى .تساءل الديب لمقمان عّما إذا كان ت المركبة مرئية أيضاً من قبل البشر ،فأجابته الميرة نور السماء أنها مرئية وأنه ليس في ممقدورهم حجبها عن النظار ،فتخّو ف من أن تطلق دولة ما يصاروخا ً عليها مما لم يتم نزعه بعد ،فسال ملك الملو ك: »هل فرغ ت الجيوش من نزع السلحة ووضع الخرى تح ت السيطرة أيها الملك؟« »أجل يا مولي ،وعادت معظم الجيوش إلى قواعدها« »ألم ُتر.ق أّية دماء أيها الملك؟« »ول نمقطة يا مولي« »أحسن ت ،وأحسن ت جيوشك العظيمة أّيها الملك« ارتفع ت المركبة عاليًا ،كان واضحاً أن الرائد ينطلق ببطء .أخذ الديب لمقمان ينظر عبر النافذة ويرقب الرض ،فوجئ بمنظار ينتصب أمام عينيه .بدت له المقد س وكأنه يرقبها من أعلى قمم جبل الزيتون ،مّرت في مخّيلته لمحات سريعة من ذكريات طفولته ويصبا ه في شوارعها .شعر أّنه سيبكي فهرب ماّراً بجبل المنطار حيث أّيام الّرعي والفداء فيما بعد! استمقر قليالً يرقب عّمان ،وما لبث أن أشاح نظراته إلى دمشق .قفزت يصورة ابنته وابنه وزوجته إلى مخّيلته ،تبعتها يصور بعض اليصدقاء والذكريات ،ولم يتنّبه لنفسه إل والدموع تغرور.ق في عينيه ،وحين هتف ت الميرة نور الّسماء قائلة» :أن ت تبكي يا مولي؟« أجهش بالبكاء ،ولم يعد ينظر عبر النافذة. أخرج ت الميرة نور السماء منديلها وراح ت تمسح دموعه ،فيما ملك الملو ك يهت ف متسائ ً ال: »ألم تمقل أّنهم أذاقو ك المّرين وأّنهم أفِسدوا يا مولي ،فلَِم تذر ف الدمع عليهم؟!«
»ل أعر ف أيها الملك ،نادرة هي اليام التي لم أذر ف فيها الّدموع ،ولبسط المسائل ،فما بالك وأنا أغادر َمن سيظّلون أهلي وأقاربي وأيصدقائي وأبناء موطني وكوكبي مهما فعلوا ،ويبدو أنني عاجز عن كرههم ،بل ل سبيل إلى نزع محبتهم من قلبي ،يثّم كي ف أنسى الرض التي ولدت وترعرع ت بين أحضانها ،في سهولها ووديانها ،في جبالها وهضابها ،وفي تاللها وروابيها؟!! َأوِعزا إلى رائد المركبة أن يسرع ،يبدو أنني ل أستطيع النظر إلى الرض دون أن أبكي« انتمقل ت الميرة نور السماء إلى جانبه وضّمته إلى ُحضنها كطفل ،فأخذ يديها وقّبلهما. اندفع ت المركبة بسرعة هائلة يثّم أبطأت لينطلق يصوت الرائد يرطن بالعربّية المشوبة بالجنّية: »إذا شئ ت أن تلمقي نظرة على المقمر يا مولي فنحن الن في مدار ه« »هل بلغنا المقمر أيتها الميرة؟« »نعم يا مولي ،ولو لم يبطئ الرائد لكّنا الن في مدار الزهرة!« ألمقى الديب لمقمان نظرة على المقمر ،كان ت السلحة تنتظم في يصفو ف هائلة الطول والعرض .وكادت أن تغ ّ طي سطح المقمر ،وقد وضع كّل نوع على حدة. تساءل ملك الملو ك وهو ينظر من نافذة أيضًا: »لم أكن أتصّور أن لديكم كل هذ ه السلحة يا مولي ،سالحنا كان بسيطا ً في عهد سليمان« »أين أن ت وأين سليمان أّيها الملك ،فنحن الن في عهد زّنيم« وأشار إليهم لمتابعة النطال.ق نحو الّزهرة. نّدت حركة ما في المركبة ،فاندفع ت بسرعة هائلة .وبدلً من الحسا س بهذ ه السرعة، شعر الديب لمقمان بعد لحظات وكأن المركبة توقف ت ،حاول طرد بعض التساؤلت من مخّيلته فلم ُيفلح ،فراح يستجمع معلوماته البسيطة عن الكون والسرعة وقوانين الجاذبّية وما إلى ذلك ،ليجد نفسه يغر.ق في متاهة لن يخرج منها عاق ً ال .فمقرر تناسي كل شيء والستسالم للقدار الجنّية! بل إنه أقسم في نفسه أل يتساءل حتى لو رأى نفسه يتناول طعام الغداء في أتون الشمس دون أن يحتر.ق ،أو يرى نفسه يسير بخطًى يثابتة على كوكب ما ،مع أّنه غدا بوزن الريشة. ألمقى يد ه فو.ق يد الميرة نور السماء وحاول أن يغفو بعض الوق ت .لم يكد يغفو حّتى هاجمته الحالم الفظيعة .رأى سّكان الرض ُيغزون من قبل قوة كونية جّبارة مسّلحة بأسلحة فتاكة ول يجدون السالح للدفاع عن أنفسهم .يصواريخ عمالقة تد ّ ك عوايصم العالم لتحيلها إلى ركام. استيمقظ مذعوراً حين كان ت باريس تدمّر على مرأى منه .نظر إلى جانبه ،يد ه ما تزال ُملمقاة على يد الميرة نور السماء ،والملك شمنهور يجلس على مائدته يداعب بعض الجنّيات فيما أخريات ُيدللنه ويتراقصن من حوله. »ما بك يا مولي؟« »يبدو أّنه ل سبيل إلى النوم أّيتها الميرة ،ويبدو أنني اتخذت قراراً أحمق بنزع أسلحة
دول الرض ووضع المقواعد تح ت سلطة الجن .أليس في ميسوري التصال بالرض أو مشاهدتها لمعرفة ما يجري؟« »سأنمقل رغبتكم إلى قائد المركبة يا مولي« وأخذت جهازاً يصغيراً راح ت تخاطب عبر ه قائد المركبة. »إنه يحاول يا مولي« أخذت بعض الّستائر المعلمقة على جدارن الممقصورة تنفتح ُيمنة ويسرة أو إلى أعلى، لتبدو عشرات الجهزة والكاميرات المبثويثة في الجدران ،وشاشة شبه تلفزيونية في مواجهته .ظهرت بعض ال ّ صور المختلفة لكوكب الرض على الشاشة. انطلق يصوت قائد المركبة: »استطعنا السيطرة على كافة مح ّ طات البث التلفزيوني في كوكب الرض ،ليأُمر مولي ،ماذا ُيريد أن يرى؟« »أرني موسكو أيها المقائد« »هاهي موسكو يا مولي!« ظهرت موسكو على الشاشة ببعض شوارعها وأحيائها :هاهي الساحة الحمراء، الكرملين ،البولشوي ،المتح ف ،جامعة موسكو ،شارع جوركي ،النا س يتجّولون وليس يثمة ما يشير إلى وجود حرب .مّرت في مخّيلة الديب لمقمان بعض يصور ذكرياته الجميلة في المدينة. »حسناً فعل ت أيها الرائد ،أرني باريس ولندن وبّكين وواشنطن ونيويور ك ودلهي ودمشق وبيروت وبغداد وطهران والمقد س!« راح ت يصور العوايصم تظهر على التوالي ،لم يبُد ُهنا ك ما يعّكر يصفوها ،اطمأن الديب لمقمان وهو يحاول إقناع نفسه أنه حَّمل ُحلمه ما لم يكن وارداً أن يحدث ،وأنه مجّرد حلم عابر ل غير. كان ت يصور المدن والعوايصم ما تزال تتوالى بمرافمقة عز ف أجش على الناي! أبدى الديب لمقمان رغبته إلى الميرة نور السماء في أن تمقوم ببث رسالة إلى أبناء كوكب الرض ،فأبدت حماسها وسرورها ،غير أن الديب لمقمان طلب أن تبث الكلمة إلى الّشعوب عبر أجهزة التلفاز والراديو حسب لغة كل شعب وفي آن واحد ،ولم يكن قادراً على تنفيذ هذ ه المهمة المعمقدة إل ملك الملو ك ،الذي كان قد حمل نساَء ه ودخل بهن إلى ممقصورة في المركبة كي يبتعد عن أعين الديب لمقمان والميرة نور السماء .خاطبته الميرة بالتخاطر الجنّي طالبة إليه الحضور ،فمقدم على الفور شبه عاٍر: »اعذرني يا مولي ،يثاليثة آل ف عام ،ل أرا ك ا عذابات سجني ،الحياة دون نساء الجن والنس ل تطا.ق ،أليس كذلك يا مولي؟« »ل أعر ف أيها الملك ،فأنا لم أعر ف نساء الجن بعد ،أما نساء النس فكن ت أمضي أعواما ً في بعض سنّي ُعمري دون أن أتمّكن من موايصلة إحداهن ،ومع ذلك كن ت أحتمل الحياة ،وإن شعرت أنه يتاح للحيوانات أن تمار س حّمقها الكامل فيها بشكل استحال علّي أن أرقى إليه ،يثّم إنني الن في أمر البشرّية ولس ت في أمر النساء«
»ُمرني يا مولي« »سّخر لي طاقاتك الجّبارة لنمقل كلمة إلى البشرية بكل لغات العالم في آن واحد« يصم ت ملك الملو ك لحظة هو يفر ك عينيه ويهرش رأسه وما لبث أن هت ف: »ل أعر ف كي ف يمكن أن يتم هذا ،ول أعر ف كي ف يخطر على بال مولي مثل هذ ه الطلبات المعمقدة ،ول أعر ف أيضاً لماذا يمقلمقه مصير البشرية بهذا المقدر .نّفذت أمر ك يا مولي يمكنك مخاطبة بشرّيتك بكل لغاتها الحّية ،هل أستطيع العودة إلى فتياتي يا مولي ،تركتهن كما خلمقهن ا ،إنها المرة الولى في الفضاء الخارجي وبعد«.. »وبعد يثاليثة آل ف عام ،لمقد عرف ت ذلك أّيها الملك« »وقد ل تتكرر يا مولي!« راح الديب لمقمان يضحك من طرافة ملك الملو ك ول مبالته العجيبة ،والبساطة الشديدة التي يحمقق بها المعجزات التي يطلبها منه ،حتى ليبدو عليه وكأنه لم يفعل شيئًا ،أو لم يطلب شيئا ً من أحد. هتف ت الميرة نور السماء: »لمقد دخلنا مدار الزهرة يا مولي ،هل نهبط على الكوكب أم ندور حوله؟« » لنبق في الفضاء إلى أن نوّجه الرسالة ،ليخف ف السرعة« »أشرت إليه يا مولي« »حسناً أيتها الميرة ،ستظهرين وحد ك على شاشة التلفاز وتوجهين الرسالة التي سأنمقلها لك« »ليكن يا مولي« وراح ينّمقلها ما ستمقوله ،ليجد أنها حفظ ت كل جملة بمجّرد انتهائه منها ،وحفظ ت الرسالة ُكّلها قبل الظهور على الشاشة. ُسل َ ط ت إحدى الكاميرات عليها .اختف ت يصور مدن الرض عن الشاشة لتظهر يصورتها، ابتسم ت بموّدة ،وظّل ت يصامتة للحظة فيما ابتسامتها تحّلق عبر الشاشة لتضفي عليها روعة أّخاذة .نطمق ت بصوت عذب: »أعزاؤنا أبناء كوكب الرض .بالسالم نحييكم وبالمحّبة نلمقاكم ،وبالمل المشر.ق نطّل عليكم ونمّد أيدينا بالورود لكم .نحن رسل الخالص البشري .رسل المحّبة والسالم .رسم المعّذبين واليائسين ،رسل البائسين والمشّردين والفمقراء والجوعى .رسل الثكلى والحزانى واليتام والمرضى ،رسل الحق والحرية والعدالة ،رسل الطامحين إلى المحّبة والسالم بين بني البشر ،رسل الباحثين عن الخلود النساني ،رسل رافعي نامو س العلم والمعرفة ،رسل محّبي الحياة ،رسل الساعين إلى الجمال السمى ،رسل الطامحين إلى الكمال ،رسل الهادفين إلى وحدة البشر على كوكب الرض ،رسل المكّدين للرقي بمكانة النسان. أيها العزاء ..نحن لسنا آلهة ولسنا أنبياء ،نحن بشر مثلكم ،شاَءت الظرو ف أن نفوقكم علماً ومعرفة ،ومعذرة إذا ما اضطررنا مرغمين إلى السيطرة على أجهزة بّثكم الذاعية والتلفزيونية لبضع دقائق كي نبّلغ رسالتنا لكم.
ويسّرنا أيها الحبة أن نعلن لكم بدء عصر جديد هذا اليوم ،بعد أن قام ت قّواتنا الخفّية بنزع سالح دول الرض كافة ونمقلته إلى المقمر .ووضع ت مح ّ طات وقواعد أسلحة الَّدمار الشامل وجميع مصانع السالح تح ت سيطرتها ،دون أن تريق نمقطة دٍم واحدة من دماء أبناء الرض العزاء. لمقد وّلى عهد الّريصايصة أيها الحّبة وجاء عهد الكلمة ،فتحاوروا وتناقشوا ،وتشاجروا بالكلمة إن شئتم ،وليكن شعاركم المحبة ،ونبذ الكر ه ووأد الفساد وإيصالح الّنفس ،ولتكن غايتكم الّرقي بالعدالة النسانية ونشدان المعرفة وتطوير العلوم. استمعوا إلى الُعظماء من الدباء فيكم ،والعلماء بينكم ،والفالسفة منكم ،ول تأخذوا كثيراً برأي الحكام والكهنة وال ّ طوائ ف والحزاب ،وأيصحاب رؤو س الموال ،فهم في الغالب ليسوا على حق. إننا إذ نوّدعكم أّيها الحبة على أمل اللمقاء بكم ،لن ندعوكم إل إلى ما دعاكم إليه العظماء من آلهتكم ورسلكم وأنبيائكم وقادتكم ومصلحيكم من قبل ،فأحّبوا بعضكم ،أحّبوا بعضكم، ومعذرة مّرة أخرى لضطرارنا إلى استغالل أجهزتكم ومح ّ طاتكم. بالمحّبة لقيناكم ..وبالمحّبة نوّدعكم« .. أحّبتكم :رسل الخالص! وأشار الديب لمقمان بيد ه ،فاختف ت يصورة الميرة نور السماء من على الشاشة وألغي ت السيطرة ليعود الب ّ ث الرضي العادي. عانق الميرة مهنئا ً إّياها لنجاحها الفائق في تمقديم الّرسالة. ظهرت على الشاشة يصورة مذيع عربي .اعتذر من المشاهدين معتبراً ما جرى مجّرد خلل فّني ،غير أن الحيرة التي كان ت مرتسمة على وجهه فضح ت زيفه ،خايصة حين أعلن أّنه سيتر ك المشاهدين مع آيات من الذكر الحكيم! أشار الديب لمقمان إلى الميرة نور السماء أن تبحث عن مح ّ طة أخرى .توال ت بعض الصور ،ظهر الرئيس كلينتون وإلى جانبه وزير الدفاع المريكي على الشاشة ،أشار إليها بالتوق ف. أكد الرئيس كلينتون للعالم أن ما جرى ليس خيالً بل حمقيمقة ،وأن كوكب الرض واقع الن تح ت هيمنة قوى كونية متفّوقة مجهولة وغير ديممقراطية! وليس أمام العالم إل التحاد لمواجهتها ،وحين ُسئل عّما يمقصد بمواجهتها وعدم ديممقراطيتها ،وكي ف يمكن أن يتم اّتحاد دول الرض ،أجاب بأنه لبُّد من فعل شيء كإعالن موق ف موّحد لدول العالم، وأنها ليس ت ديممقراطية لنها تريد أن تفرض إرادتها على سّكان الرض دون أخذ رأيهم، أما عن التحاد فيمكن أن يتم بتوحيد الّدول كافة وانتخاب زعيم للعالم! وانسحب الّرئيس كلينتون تاركا ً الحديث لوزير الّدفاع الذي أعلن أسفه لنزع الّسالح بالمقوة ،حتى وإن كان ت قّوة سلمّية وأّكد أن المعلومات التي ويصل ت من الشر.ق الوسط عن هبوط وإقالع مركبة فضائية عمالقة يرافمقها آل ف الجنود الطائرين ،هي معلومات مؤكدة ،إذ أن أجهزة الّريصد المريكية شاهدت ذلك بالفعل ،ولم تمقدر على فعل شيء، لن السالح كان قد وضع تح ت السيطرة أو نزع من المقّوات ،وأعلن الوزير عن اعتمقاد ه
أن هذ ه المركبة لبّد وأن تكون قد ايصطحب ت معها بشرًا ،وأن البيان الذي بُ ّ ث للعالم قد يكون من فعلهم! وأبدى دهشته لهذ ه المعجزة التي جعل ت البشر يسمعون الفتاة ُكّل بلغته، وأّكد أن هذ ه المسألة يستحيل أن تحدث علميًّا ،مما يشير إلى قوى خارقة ،قد تكون إلهّية، وهي التي قام ت بنزع السلحة بطريمقة ل يتصّورها العمقل البشري. ولم يجب وزير الّدفاع سوى عن سؤال واحد يتعّلق بالكيفية التي تسيطر بها هذ ه المقوى على المصانع وأسلحة الّدمار الشامل ،إذ قال :يثمة قّوة خفّية تصد المرء عن أي شيء حربي يحاول مَّد يد ه إليه ،حّتى لو كان زّراً في جهاز إلكتروني ،ولم يعد أمام العاملين سوى مغادرة مواقع عملهم ،وانسحب الوزير معتذراً عن الجابة على أية أسئلة أخرى. ب منه مسّدسه ،قال: ظهرت على الشاشة ممقابلة مع ُشرطي أمريكي يتحّدث كي ف ُسلِ َ »أحسس ت بحركة ماتصطدم بمقراب المسّد س ،وحين نظرت رأي ت المقراب ٌيفّتح والمسّد س يخرج ،اعتمقدت أّنها ي ٌد شيطانية ،مددت يدي لقبض عليها ،لكني لم أقبض غير الهواء، وتابع ت المسّد س وهو يبتعد ،ولم تمر سوى لحظة حين شاهدت آل ف المسّدسات والبناد.ق الطائرة في سماء نيويور ك« همس ت الميرة نور السماء معلنة أن رائد المركبة هبط على كوكب الزهرة .أشار الديب لمقمان إليها أن تمهله قلي ً ال ليتابع ما يرا ه على الشاشة ،وطلب كأ س بيرة. ظهر ضابط أمريكي وراح يتحّدث كي ف سلب ت دّبابته: »كن ت أجلس في دّبابتي أدّخن سيجارة حشيش ،أحسس ت بيد خفّية تدغدغ خّدي يثم تحملني بلط ف وتضعني إلى جانب الّدبابة ،وخالل لحظة شاهدت الّدبابة تطير وهي تنمقلب رأسا ً على عمقب. اعتمقدت أّن ما يجري هو محض خيال بتأيثير سيجارة الحشيش ،فُرح ت أضحك ،وحين شاهدت كل دّبابات المقاعدة وآلياتها ومدافعها تطير في الّسماء وكأّن عايصفة تمقذ ف بها، أغرق ت في الضحك ،وحين شاهدت الجنود والضباط ينظرون إلى السماء هلعين مذعورين ،تبّول ت على نفسي من شّدة الضحك ،أما حين يصفّعني أحدهم كفّا ً وهو يتساءل عّما يضحكني وينعتني بالحمق ،كدت أموت من الضحك ،لنني أدرك ت أنه ل يستطيع أن يتخّيل الصورة التي أراها ،ويبدو أّنه ُأغمي علّي من الضحك بعد ذلك ،ولم أستيمقظ إل في المستشفى ،لدر ك أّن ما جرى حمقيمقة وليس خيالً أو وهما ً مبعثه سيجارة الحشيش. وحين ُسئل الضابط عن شعور ه الن ،أجاب أّنه سعيد وفرح جداً لنه لن يمقتل أحداً بعد اليوم ،وأن لحظات الّسعادة التي أح ّ س بها حينئذ كان ت أمتع لحظات حياته ،غير أّنه استدر ك مشيراً إلى أّنه لو لم يكن واقعاً تح ت تأيثير سيجارة الحشيش لما أح ّ س بالسعادة والفرح إلى هذا الحد ،ولما عاش هذ ه اللحظات الممتعة التي يستحيل أن تنسى ،كما عاشها وبهذ ه الصورة. وحين استفسرت منه المذيعة أن يو ّ ضح ما يمقصد ه أجاب: »كن ت أظن أن ما يجري هو من فعل خيالي وحدي ،وأّنه نابع من ذاتي ويعّبر عن
رغبات في نفسي ،وأن النا س ل يرونه مثلي ول يشعرون به طبعًا!« ضابط آخر لم يكن محششاً أجاب أنه أيصيب بالهلع وكاد أن يجن وهو يرى السالح المريكي يمقذ ف بعيداً في السماء ،وأنه الن ليس سعيداً وليس غاضبا ً طالما أن السالح ُنزع من الرض ُكّلها. وراح ت المذيعة تتحدث عن الهلع وعشرات آل ف حالت النهيار العصبي المتفاوتة التي أيصاب ت كثيرين من النا س في العالم. انمقبض الديب لمقمان للحظات ،ولم يأخذ راحته إل بعد أن أّكدت المذيعة أّن كافة الحالت تمكن معالجتها بسهولة. ظهرت مذيعة أخرى لتمقّدم بعض ال ّ صور التي ُأمكن أخذها للمركبة وللكيفية التي نزع بها الّسالح ،فراح ت الشاشة تعرض آل ف أنواع السلحة الحربّية المتمقاذفة في الفضاء .كان ت مشاهد خيالّية حمقًا ،وأشبه ما تكون بعوايص ف هوجاء تمقذ ف بكل هذا الّركام إلى العالي. ابتسم الديب لمقمان وهو يتمّنى في سّر ه أن يكون كل هذا الذي يجري حمقيمقة ،وأن ل يستيمقظ لحظة ليدر ك أّنه مجّرد خيال أو حلم عجيب طويل. أخبر الميرة أّنه جائع وأّنه يف ّ ضل تناول الغداء داخل المركبة لنه يريد متابعة ما يجري على كوكب الرض .وألمقى نظرة على ساعته ليدر ك أّنه لم يعد لتوقيتها ُهنا أي معنى لختالفه عن توقي ت الرض. جاءت مضيفة المركبة وسأل ت عما يحّبون أن يأكلوا ،فمقال الديب لمقمان »أي شيء« وتابع ما تبّثه الشاشة. انته ت مشاهد نزع الّسالح وأعلن ت المذيعة أنهم سيعيدون عرض تسجيل الكلمة الموجهة إلى كوكب الرض كما أذاعتها الفتاة »ساحرة الجمال« التي ظهرت على الشاشة. »إنهم يمقولون عنك »الفتاة ساحرة الجمال« أيتها الميرة« »وهل أنا كذلك يا مولي؟« ت تعرفين ذلك أيتها الميرة« »أن ِ »آمل أن أظَّل ساحرة في عينيك يا مولي« »بل ساحرتي أيضا ً أيتها الميرة« وامتدت مائدة كبيرة عليها أنواع متعددة من الطعمة والمشروبات .أبدى الديب لمقمان رغبته في أن يتناول الجميع الطعام معه ونهض ليجلس إلى المائدة .أح ّ س أن وزنه قد نمقص قرابة عشر كيلو غرامات ،لبّد أن هذا حدث نتيجة لجاذبية الزهرة التي تمقل عن جاذبية الرض .وكان ت الحرارة مرتفعة بعض الشيء ،وشعر أن تنّفسه لم يعد كما يرام، ويبدو أن الجن لم يشعروا بما كان يشعر به .أوعز إلى قائد المركبة فاتخذ إجراءات سريعة لمعالجة المر ،حتى عاد الجو وكأّنه على الرض. فوجئ الديب لمقمان بأكثر من مائة جّني وجّنية يعملون على المركبة. أفردت موائد لستيعاب الجميع ،وما أن جلسوا حتى رفع الديب لمقمان كأسه وشرب نخبهم. كان ت الميرة نور السماء بادية على الشاشة وهي تمقّدم الرسالة.
سألها الديب لمقمان: »ما رأيك بكلمات الرسالة أّيتها الميرة؟« »إنها جميلة ومعّبرة وتبعث الطمأنينة في نفو س النا س يا مولي« »وأن ت أّيها الملك ما رأيك؟« »أرى أنها تحمل إلى النا س من المحّبة ما هو أكثر من الممكن ،وتدعو إلى المحّبة بما هو أكثر من الممكن أيضًا ،وتطالب بتحمقيق محّبة غير ممكنة!« »لَِم أن ت متشائم أيها الملك؟« »عش ت يثاليثة آل ف عام هي نص ف عمري خارج الّسجن .لم أَر فيهما إل المقتل وسفك الدماء حتى من اللهة أنفسهم ،ولم يحمقق أحد المحّبة التي كان يسعى إليها بعض اللهة الخرين ،وأظن أن تجربة البشر في يثاليثة آل ف العوام التي قضيتها في السجن لم تغّير من المر شيئًا ،رغم دعوات اللهة والنبياء والّرسل الالحمقين!« »كان ذلك في المقدم أيها الملك ،أما الن وبعد أن عان ت المم من ويالت الحروب أظّن أن المر سيختل ف ،وقد تحمقق البشرية بالمحّبة ما لم تحمقمقه يوما ً بالحروب« »ل أظن يا مولي أّنه يمكن تحمقيق المحبة بالمحّبة؟!« »ويحك أيها الملك ،وهل يمكن تحمقيق المحبة بالحرب؟!« »ل يا مولي ،وبالحرب أيضا ً لن تتحمقق المحبة« »بَم إذن أيها الملك؟« »يبدو لي أن الحياة ستبمقى كما هي عليه يا مولي .حب وحرب ،سعادة وشمقاء ،ورد وشو ك ،حرّية وسجن ،عدالة وظلم ،وإذا كن ت تحّبني فإن محّبتي لن تحول دون أن يأتي أحد ما ويعيدني إلى قممقمي الّرهيب أو يسّخرني لفعل الّشر!« »آ ه أيها الملك ،أن ت حمقا ً لم تؤمن بي بعد ،أو أّنك لم تأخذ برسالتي ،وإلّ لما أيثمقل ت على نفسي برؤيتك ال ّ ظالمية« »عفواً يا مولي ،لم أؤمن بإنسي كما آمن ت بك ،ولم ُأخلص لنسي كما أخلص ت لك ،وقد عاهدتك على الوفاء ،وسأعمل على أن أظّل وفياً لك حتى بعد موتك ،وما رأيي يا مولي إل رؤيةً ِلما مضى وما يدور الن ،وما قد يدور في المستمقبل رغما ً عّني وعنك!« »نحن نحاول أيها الملك ،لعّل معشر البشر يحمقمقون المحّبة وكل ما هو أسمى للحياة، بالمحّبة ذاتها ،وهم حتى لو فشلوا لن يخسروا شيئًا ،ولن تسفك دماؤهم كما فعل ت الحروب« »وكي ف يمكن أن يتغّلبوا على نوازع الشر وشهوة النتمقام في نفوسهم يا مولي؟« »بالّسعي إلى المحّبة ونبذ الكر ه والحمقد ،والسيطرة على نوازع الشر ،والتغّلب على رغبة النتمقام ،كما أحاول أنا وأسعى لن أسيطر وأتغّلب ،لو تعر ف كم أحمل في بطينتي من نوازع ورغبات تدميرّية هائلة ،لم تكن تتيح لي الخالد إلى النوم إل على يصواريخ عمالقة أتخّيلها تد ك تل أبيب وواشنطن ولندن وغيرها من المدن التي كن ت أرى فيها موطناً للظلم .كن ت أرى نفسي أشنق بعض الزعماء من أرجلهم ،وُأجلس النتهازيين والمنافمقين وال ّ طواغي ت على الخوازيق ،وأمسخ بعض الدباء والّسفهاء إلى جراذين
وقطط ،وبعض رجال الدين إلى خنازير وأبمقار ،والن ّ صابين والمحتالين واللصوص إلى ض مضجعي ،غير قرود وكالب ،والحق أن هذ ه النوازع ماتزال تضّج في دخيلتي وتمق ّ أنني ُأحاول بكل طاقتي قتلها ونبذها ،أو السيطرة والتغّلب عليها ،أو حتى سحمقها إن استطع ت ،وأظّن أن البشر إذا لم ينووا قتل نوازع الشر في دواخلهم ،لن يتمّكنوا من إحالل المحّبة في نفوسهم والّسعي إليها بها ،وبها فمقط ،وهذا ما ُأحاول أن أفعله ،لعَّل المحّبة تفعل ما لم ولن تفعله الحروب ،وإني لمتفائل بذلك ،وأكاد أرى حياة جديدة ومستمقبالً جميالً ينتظر البشرية« »ل تنفعل يا مولي ،أعدكم أنني سأظّل مخلصا ً لكم وسأعمل بكّل قواي على تحمقيق أمنياتكم« »أشكر ك أيها الملك« »نخب مولي!« ورفع الديب لمقمان كأ س بيرة فيما رفع ملك الملو ك جّرة من الخمر المعّتق وأفرغها في جوفه. »معذرة يا مولي ،يبدو أنني لن أتمّكن من تر ك الخمر حسب ما يمليه علّي الدين السالمي!« »هذ ه مشكلتك وليس ت مشكلتي أيها الملك!« »ألم تكن مسلما ً يا مولي قبل أن تصبح نورانيًا؟« »بل ومازل ت حسب هوّيتي وانتمائي أيها الملك ،لكّني قد ُأعتبر في نظر بعض المتدّينين مرتداً عن السالم ،وعمقوبتي هي العدام« »العدام يا مولي؟« »نعم أيها الملك العدام« »وهل كل المسلمين يتمقّيدون بعدم شرب الخمر ،واليمان بال يا مولي؟« »ل أيها الملك ،فهنا ك الماليين ممن يسكرون ،وهنا ك الل ف ممن ألحدوا رغم اعتمقادهم بوجود ا! لكن السالم ليس المتناع عن الخمر وحسب أيها الملك« »عن ماذا أيضا ً يا مولي؟« »عن أكل لحم الخنزير مث ً ال« »أو ه يا مولي ،لَِم لْم تخبرني من قبل ،فنحن الن نأكل لحم خنزير؟« »لم أعر ف أّن على المائدة لحم خنزير ،يثّم إنني أشرت إليك بعدم تناول الخمر ولم تذعن إلّي ،ول أظن أّنك قادر على التمقّيد بأي ركن من أركان السالم أيها الملك!« »وما هي أركانه يا مولي؟« ّ »عدا الشهادتين عليك أن تصوم وتصلي وتحّج إلى البي ت الحرام وتزّكي« »أيصوم يا مولي؟ أي ل آكل ول أشرب؟« »أجل أيها الملك تصوم طوال النهار لمّدة شهر وخالل ذلك ينبغي عليك أل تضاجع النساء أيضًا« »مولي أن ت تمقسو علّي ول تراعي آل ف الّسنين المقاسية التي أمضيتها في قممقم
سليمان!« »أنا أقسو عليك أيها الملك؟ أن ت الذي أردت أن تكون مسلمًا ،وكان في ممقدور ك أن تظّل على عبادة »إيل« أو حتى »يهو ه« الذي رّبما غضب عليك وقد ينتمقم منك لدخولك السالم!« »ل يا مولي ،سأدخل السالم ،نحن معشر الجن اعتدنا تغيير ديننا ،وإذا ارتكب ت بعض المعايصي أرجو أن يسامحني ا ..هل ُهنا ك أشياء ُأخرى يتوّجب علي المتناع عنها يا مولي؟« »أشياء كثيرة أّيها الملك ،من أهّمها ،أل تمقتل الّنفس التي حّرم ا إل بالحق ،وأل تسر.ق، وأل تنكح الممقّربات إليك ،كأمك وأختك وبنتك وخالتك وعّمتك« »لكن أجدادكم المقدماء كانوا ينكحونهن يا مولي ،ونحن مانزال ننكحهن حين نريد ذلك!« »لمقد حّرم السالم ذلك ،وإذا تريد أن تصبح مسلما ً حمقا ً عليك أن تبّلغ قومك وكفاكم ارتكاب حماقات!« »سأفعل يا مولي« فرغوا من تناول الطعام ،أبدى الديب لمقمان رغبته في الخروج من المركبة ومشاهدة المكان ،سأل رائد المركبة عن ال ّ طمقس في الخارج ،أخبر ه أنه حار نسبيًّا ،لكن السماء ملّبدة بالغيوم ،مما يخف ف من حرارة الجو. »وهل يثمة حياة على الكوكب أيها المقائد؟« »نعم يا مولي ،فمقد شاهدت وأنا أحّلق عشرات المدن والمقرى« تناسى الديب لمقمان ما يعرفه من معلومات علمّية عن الكوكب تناقض كل ما يجري، وتساءل: »وماذا عن المكان الذي نحن فيه الن؟« »قف ٌر يا مولي إل من بعض النباتات الصغيرة المتنايثرة« »لننزل وننظر ما حولنا« هبط ملك الملو ك أّولً يثم الديب لمقمان ،كان آل ف الحّرا س والمرافمقين من الجن يحّلمقون في السماء في جماعات جماعات ،وكان ال ّ طمقس حاّراً رغم أن السماء ملّبدة بالغيوم غير الممطرة ،وبدا المكان كما لو أّنه وهدة من كوكب الرض ،أحاط ت به بعض الّتالل والجبال ،وتنايثرت فيه النباتات غير المثمرة ،لم يذكر الديب لمقمان أّنه شاهد ما يشبه هذ ه النباتات على الرض ،اقترب من إحداها وانحنى ليشّمها ،لم يكن لها أية رائحة .أشار إلى الرائد أن يعود بهم إلى المركبة ليتجّولوا في سماء الكوكب لستكشا ف أحواله. جلس إلى جانب الرائد فيما جلس ت الميرة نور السماء إلى يمينه ،أقلع ت المركبة بسرعة تمّكنه من الرؤية ،ظهرت سلسلة من الجبال المكسّوة بالغابات ،حّلق الرائد فوقها لبعض الوق ت فيما أخذ الديب لمقمان يرقبها بمنظار ،لم تكن غريبة عن الشجار التي تنب ت على الرض ،وحين دقق النظر شاهد حيوانات تشبه إلى حد كبير الحيوانات الموجودة على ب في بحر شاسع ،بدت على ممقربة من شواطئه الرض ،ورأى نهرًا يختر.ق الغابات يص ّ
بعض المقرى المتنايثرة على سفوح الجبال ،كان ت تشبه إلى حد كبير قرى كوكب الرض، لول أّن سطوحها كان ت مخروطية ومدببة ،وبدت في البحر بعض الّسفن والمقوارب .أشار إلى الرائد أن يهبط بالمركبة أكثر ،شاهد بشراً سوداً وسمراً يشبهون أبناء الرض غير أن حجومهم كان ت أكبر بممقدار يسير. تساءل ت الميرة نور السماء عن سبب كبر حجومهم ،فأجابها الديب لمقمان واقعيا ً على الفور: »ربما لتتناسب حجومهم وحركاتهم مع جاذبّية أرضهم أّيتها الميرة!« وفيما كان يتأملهم عبر المنظار رأى بينهم من يلّوحون لهم بأيديهم ،أح ّ س بفرح غامر وهو يهت ف: »إنهم أنا س مسالمون ،ويبدو أنهم لم يرتابوا من ظهورنا« »فهتف ت الميرة: »بل إنهم خائفون يا مولي وينشدون مّنا السالم ،تأّمل الّرعب على وجوههم« دقق الديب لمقمان النظر عبر منظار ه ليجزم بما قالته الميرة ،كان يثمة أطفال يصرخون ويعدون ُهنا وُهنا ك ُمختبئين ،حّتى الذين يلّوحون من الكبار ،كان الرعب يرتسم على وجوههم. أشار إلى قائد المركبة أن يرتفع في الفضاء ويزيد السرعة ليعيد إليهم الطمأنينة. أخذ المقائد يحّلق فو.ق الكوكب على ارتفاع شاهق ،ليشاهدوا مئات المدن والمقرى والمطارات وخطوط الموايصالت والموانئ ،جزم الديب لمقمان أّنه ل يوجد عند ُسكان الكوكب ما هو حربي ،إذ لم يطلق في اتجاههم شيء ،ولم تصعد إليهم أية طائرات حربّية ،ولم تنطلق نحوهم أّية يصواريخ ،وهم على الغلب ليسوا متخّلفين لن لديهم ما ُيشير إلى حضارة حديثة. تمّكن قائد المركبة من التصال بهم ،غير أن لغتهم لم تكن مفهومة ،وحين تن ّ ص ت الديب لمقمان بلغ أسماعه ما يشبه جر س اللغة الفرنسية! »أين ملك الملو ك؟« »أمر مولي« »أين قوا ك الخارقة؟ ترجم لي هذ ه اللغة التي تصلنا عبر الجهاز« »معذرة يا مولي فمقوانا اللغوية لم تدر ك حتى الن إل لغات الرض ،ولغات الجن والعوالم الّسفلى!« أدر ك الديب لمقمان للحظات أنه في عالم واقعي ،إذ لو كان في عالم خيالي لما عجز ملك الملو ك عن ترجمة أية لغة!! »حاول أيها الملك« »مفاتيح لغة أهل السماوات ليس ت تح ت سيطرتنا يا مولي!« »ما العمل؟ لبّد من وسيلة« أشارت الميرة نور السماء بإرسال رسالة لهم بعّدة لغات ،فأخبرها المقائد أّنه أرسل رسائل بثاليثين لغة من لغات النس والجن دون جدوى.
»هل أرسل ت بالعربّية؟« »أجل يا مولي« »متى تعّلمتها؟« »هذا اليوم يا مولي!!« أراد الديب لمقمان أن يعّلق على المسألة ،غير أنه لم يفعل لدراكه أّنه أمام جن يصنعون المعجزات ،رغم اعتمقادهم أن عمقولهم يصغيرة. »هل أرسل ت بالفرنسية والنكليزية والصينية والروسية والسبانية واللمانية واليابانية؟!« »أرسل ت حتى بالردّية والفارسّية والتركية يا مولي!« »ماذا قل ت في رسالتك؟« »نحن ضيو ف مسالمون من كوكب الرض أجيبونا من فضلكم« »يبدو أننا سنمقلع إلى المّريخ دون التصال بهم« »وهل يهّمك التصال بهم يا مولي؟« »وكي ف ل يهّمني ،ربما أجد لديهم أجوبة عن كل السئلة التي يضّج بها رأسي ،رّبما أجد لديهم نظاما ً حياتيا ً متكامالً وراقياً أفيد منه أبناء الرض ،ولو كن ت أعر ف أنني سأجد فريصة للعودة إليهم لّجل ت المر« »ولماذا لن تتمكن يا مولي ،يمكننا أن نزورهم بعد أن نعر ف الكوكب الذي سنستمقر عليه« »أظن أن أشغالي ستكون كثيرة ،ويخالجني إحسا س أنني سأقتل على الكوكب الذي سأستمقر عليه ،وأن الكوكب الذي أُمّر عنه لن أعود إليه!« »ومن سيمقتلك يا مولي؟« »ل أعر ف!« »لن يكون قتلك يسيراً وأن ت في حمايتنا يا مولي« »لكن ليس مستحيالً أيتها الميرة« وأطر.ق الديب لمقمان للحظات والمركبة تجوب سماء الزهرة ،هت ف: »هل حاول ت التمقاط أي بث تلفزيوني لديهم أيها الرائد؟« »ل يا مولي ،سأحاول الن« وأخذ يعبث ببعض الزرار ،ظهر أمامه على شاشة يصغيرة يصورة امرأة تتحّدث بالنكليزية. »هذ ه من كوكب الرض أيها الرائد ،حاول أيضًا« وظّل الرائد يحاول إلى أن التمقط الرسال ،كان ُيعرض على الشاشة ما يبدو أنه فيلم تلفزيوني ،أشار الديب لمقمان إلى الرائد أن يسيطر على أجهزة البث والرسال ،وطلب إلى الميرة أن تردد كلمة »سالم« ببعض لغات العالم.
ظهرت الميرة نور السماء على الشاشة وهي تبتسم وتلّوح بيدها وتردد »سالم ..سالم.. سالم« ظهرت على الشاشة فتاة سمراء جميلة تحمل بيدها باقة ورد وغصن زيتون ،وهي تردد وتلّوح »سالم ..سالم ..سالم« »لمقد نجحنا أيتها الميرة« »وطلب إلى المقائد أن يهبط بهدوء في أكبر مدينة يراها ،فمقد تكون العايصمة ،وطلب إلى ملك الملو ك أن يبمقي الحّرا س والمرافمقين ُمحّلمقين في الفضاء كي ل يرعبوا سّكان الكوكب ،وأعلن أنه في حاجة إلى مالبس نظيفة ،إذ ل ُيعمقل أن ينزل على كوكب الزهرة بمالبس النتحار التي كان يرتديها على الرض. وانتصب ت أمام الديب لمقمان مرآة ليجد نفسه في زي جنرال تنتظم النجوم والتيجان والّسيو ف على كتفيه ،وتتدّلى على يصدر ه النياشين والوسمة. »أعوذ بال منك أيها الملك ،ألم تجد ما هو أفضل من هذا الزي؟ اقذ ف به عن جسدي إلى الجحيم!« شرع ت الميرة في الضحك فيما كان الديب لمقمان يمقذ ف بالنياشين إلى الرض .وبدا ملك الملو ك غير موافق على رأي الديب لمقمان ،فمقد بدا له جنرالً لم ير مثيالً له في عهد سليمان .هت ف حين أدر ك أن ل مجال للجنرالّية: »وأنا ما أدراني أّنك ل تحب أزياء الجنرالت يا مولي؟« ي ملك يعلو رأسه تاج ضخم من الّذهب ،أح ّ شاهد الديب لمقمان نفسه في ز ّ س أّنه سيكسر عنمقه .زفر متأففاً وراح يستنجد بالميرة نور السماء ،متخّليا ً عن ملك الملو ك وأزيائه السلطوّية. أيصبغ ت الميرة عليه زيّاً أبيض أقرب إلى أزياء الّرهبان ،بدا فيه كالمال ك لشّدة بياضه. »هذا معمقول أيتها الميرة وإن كان ُيضفي علّي وقاراً كهنوتيا ً ل أحّبذ ه« تبّدت لهم من ممقصورة المركبة مدينة كبيرة ذات أبنية عالية مخروطية الشكل ،تتخللها شوارع عريضة تسير فيها حافالت مختلفة الشكال ،كان بعضها يشبه حافالت الرض إلى حد كبير. ظهرت في الفضاء طائرة عمودية ،يلّوح أحدهم براية حمراء من نافذتها ،أدركوا أّنها تشير إليهم أن يتبعوها ،قادتهم إلى مطار كبير على ممقربة من المدينة وهبط ت أمامهم ليهبطوا بعدها. حين أطّل الديب لمقمان من باب المركبة شاهد عشرات الطفال الّسمر يلّوحون بباقات من الورد وأغصان الزيتون ،وعلى مسافة من المركبة ايصط ّ ف بضعة رجال ونساء. لّوح الديب لمقمان بيد ه محيياً ونزل تتبعه الميرة نور السماء فملك الملو ك فمقائد المركبة فالخرون. تمقّدم رجل طويل كهل تبدو عليه الهيبة ،يرتدي المالبس الّسودَ ،مّد يد ه ُمرّحبا ً ومصافحا ً وهو يهت ف بصوت خفيض »سالم« ويرسم على شفتيه ابتسامة. يصافحه الديب لمقمان وتمقّبل باقة ورد وغصن زيتون من أحد الطفال.
كان جميع المستمقبلين سوداً وسمراً وطوال المقامة ،ولم تكن مالمح وجوههم تختل ف عن مالمح وجو ه سّكان الرض. ايصطحبوهم إلى يصالون ضيافة كبير تزّينه الّرسوم والمنحوتات والنمقوش والثرّيات الجميلة المنيرة ،وقد فرش بأرائك ويثيرة ،وبدا جو الصالون أقرب ما يكون إلى جو الرض ،حّتى أن المالبس التي ارتداها السكان بدت أقرب إلى مالبس أهل الرض. قّدم ت مجموعة من الفتيات شرابا ً بطعم عصير البرتمقال ،ولََغ منه ملك الملو ك إبريمقا ً كامالً وراح يتأّمل جمال الفتيات السود الذي لم ير له مثيالً من قبل ،وأضمر في نفسه أن يْبدي رغبته فيا بعد للديب لمقمان لعّله يتيح له مواقعة بعضهن أو واحدة منهن على القل. كان الرجل الكهل يفتح يديه ويبتسم بموّدة بين لحظة وأخرى ُمرّحبًا ،فيحني الديب لمقمان رأسه ويومئ مبتسما ً بموّدة بدور ه ،ونظراً لطول شعر ذقنه وشاربيه فإّن ابتسامته كان ت بالكاد ُتلمح من قبل الخرين. نظر الديب لمقمان إلى ملك الملو ك هامسًا: »لبّد من حل مشكلة اللغة أيها الملك« »أعطني يصحيفة مكتوبة منها وسأسّخر جميع الجن الذين في الكون لفك رموزها وفهمها يا مولي« كان يثمة رجل بين الجالسين يبدو عليه أّنه رجل معرفة ،يضع بعض ال ّ صحائ ف إلى جانبه ،أشار إليه الديب لمقمان أن يعطيه واحدة منها ،فأعطا ه. بدت أحرفها تجريدّية تمامًا ،وأقرب ما تكون إلى الحر ف الالتيني ،أعطاها لملك الملو ك الذي أعطاها بدور ه لرائد المركبة ،وما أن نظر هذا الخير إليها وهّز رأسه موحيا ً بفهمها حتى أعطاها للميرة نور الّسماء التي أمعن ت النظر إليها لبضع لحظات يثّم راح ت تخاطب رجل المعرفة معّرفة بهم. ارتسم ت الدهشة على وجو ه الجميع من ُسّكان الزهرة ،وخا ّ يصة الّرجل الكهل الذي أذهله هذا التطّور الُمدهش لهل الرض. الديب لمقمان ،حاول أن يخفي دهشته كي يجّنب نفسه الحديث عن المعجزات أمام سّكان الكوكب ،غير أّنه همس إلى ملك الملو ك متسائ ً ال: »أّية عبمقرية هذ ه التي أتاح ت لكم أن تعّلموا الميرة لغة مجهولة خالل لحظة أّيها الملك؟« »ببساطة يا مولي سّخرت عشرة آل ف عالم من علماء الجن الذين يمقولون أّن يثانية تفكير واحدة لي واحد منهم تعادل تفكير سنة لعلماء الرض جميعًا! يثّم إّن الميرة لم تتعلم إل نطق اللغة يا مولي ولم تتعّلم قراءتها وكتابتها!« »وكي ف ذلك وهي لم تسمعها بل شاهدتها مكتوبة؟« »كما أتحّدث معك بالعربّية دون أن أجيد قراءتها وكتابتها« »لكن ُربما سمعتها ومارستها من قبل« »ل ل! لم أسمعها يا مولي سمع ت ما هو قريب منها«
»الحوار معكم معشر الجن حول معجزاتكم يبدو كمقبض الريح ،ما ل أفهمه أّنكم تظنون أن عمقولكم يصغيرة« »ُعلماء الجن يا مولي يمقولون أننا لو أردنا أن نحّجم المعرفة لجعلناها بحجم الكون، ووجودنا نحن معشر الجن ليس أكثر من ذّرة رمل في محيط هذا الكون ،لذلك فإن معرفتنا ل تتجاوز جزءاً يصغيراً جداً من هذ ه الذّرة!« ولول مرة يندهش الديب لمقمان بشكل مغاير ،إذ أح ّ س أن المتحّدث هو نفسه وليس ملك الملو ك. »علماؤكم عمقالنّيون أكثر من علمائنا أّيها الملك ،يبدو لي أنني بدأت الن إدرا ك أسرار معجزاتكم التي قد تبدو لي إنجازات عمقلّية وعمقالنية أمام رؤيتك هذ ه ،أو تفسير ك لمعرفتكم ،من الن فصاعداً سأعتبر عمقلي يصغيراً إلى حد يفو.ق التصّور أمام عمقولكم!« »عفواً مولي« »ل داعي للمعذرة أّيها الملك« »كان ت الميرة نور الّسماء تتحّدث إلى »رجل المعرفة« ويبدو أّنهما تفاهما بشكل حسن. »يمكنك أن تبدأ الحديث يا مولي« ت والَّرجل« »ماذا تحديثتما أن ِ »تعارفنايا مولي .أخبرته أننا رسل مسالمون من النس والجن من كوكب الرض نبحث عن الحمقيمقة والكمال والحياة السمى ،يمقودنا أديب من النس« ت« »حسنا ً فعل ِ »أخبرني أّنهم كوكب مسالم ،يعيشون في دولة واحدة يبلغ عدد سكانها أربعة مليارات نسمة ،يمقودهم مجلس رعاية ،يرأسه »الراعي الكبر« الّرجل الجالس إلى يسار ك .عن نفسه قال أّنه كبير أعضاء المجلس المعرفي ،هذا كل شيء يا مولي« أدر ك الديب لمقمان أنهم أّمة متمقّدمة على أبناء الرض بمقرون ،إن لم يكن آل ف الّسنين، وشرع يتحّدث إلى الراعي الكبر ،فيما الميرة نور السماء تترجم: »ُيسعدنا أن نكون بينكم لنتعّر ف إليكم ونطّلع على ما بلغتمو ه من شأو الحضارة الكونّية، إننا ننتمي إلى كوكب ما يزال يتلّمس طريمقه إلى الحضارة ،تتنازعه الّشرور واليثام، وتتمقاسمه الّشعوب والمم ،وتسفك فيه الّدماء ،وتلّوث سماَء ه وبحار ه الّسموم ،وتستشري فيه المراض الفّتاكة ،إننا لنأمل أن تفيدونا بتطّور تاريخكم المعرفي في مختل ف شؤون الحياة« »أهالً ومرحباً بكم في كوكبنا المسالم ،لمقد ُأسعدنا بحضوركم وتشّرفنا بمعرفة غاياتكم صغير ،الذي أرهمقته النبيلة ،وقد زدتمونا إيماناً بما حمقمقنا وفعلنا على هذا الكوكب ال َّ الحروب وخّرب ت فيه النفو س ذات دهر! ..يفرحنا قدومكم إلينا ووجودكم بيننا ،إذ يثير فينا المل والتفاؤل بالمستمقبل ،لوجود أمم وكواكب تسعى لتفيد من تجارب الكواكب الخرى ،وتمقّرب فيما بينها كما نسعى نحن، لمقد حال فمقر كوكبنا وسعينا إلى رفا ه مواطننا دون التصال حتى الن بالكواكب وإقامة عالقات طّيبة معها ،ومع ذلك تمّكنا من معرفة بعض القمار والنجوم المحيطة بكوكبنا،
وتمّكنا من ريصد ُعطارد ،وتبّين لنا أن ل حياة متمقّدمة عليه ،بعكس المّريخ .وكّنا نعر ف منذ زمن أّن يثّمة حياة على كوكبكم ،وفشلنا في إيجاد وسيلة للتفاهم معكم ،بعد أن أرسلنا بعض المركبات الفضائية إليه .إننا لنأمل طالما أّنكم بلغتم هذا الشأو من المقدرة على التصال بالكواكب والكوان الخرى ،أن تحيطونا علماً في المستمقبل بأحوال هذ ه الكواكب والكوان ،وما بلغه شأن الحياة عليها ،وبإمكانية الّتعاون فيما بيننا وبينها لبلوغ ذرى متمقّدمة في المعرفة والّرقي بالحضارة الكونّية. ما يدهشني بعض الشيء أّيها الديب المحترم ،وأيها الضيو ف العّزاء ،هذ ه الفجوة الهائلة بين تفّوقكم العلمي وتخّلفكم الجتماعي ،إذ كي ف استطعتم الصعود إلى الكون الشاسع الهائل ،وبهذ ه البساطة في الوق ت الذي ماتزال أممكم متخّلفة وتتنازعها الّشرور واليثام؟ كان بإمكاننا أن نفعل أكثر مما فعلنا في مجال الفضاء ،لكّنه كان سيتم على حساب قوت أبنائنا ورفاهية أّمتنا ،ولكن الن وبعد أن حمقمقنا تمقّدما ً ممقبولً في الّرفا ه الجتماعي ،أخذنا نسّخر قدرًا أكبر من طاقاتنا وقدراتنا لتطوير علوم الفضاء والتصالت أكثر مما هي عليه« »شكراً لحديثكم الشّيق والغني أّيها الراعي الكبر .الحق أن تطّور بعض شعوبنا جاء بمعزل عن تطّور الّشعوب الخرى ،وكان في الغالب على حساب هذ ه الّشعوب ،وعلى حساب الشعب المتطّور نفسه أيضًا ،لذلك حصل هذا الّتفاوت المعرفي بين التطّور العلمي والتمقّدم الجتماعي« »أظن أّنكم متعبون أّيها الديب ،سننمقلكم إلى بي ت الضيافة ،لتأخذوا قسطا ً من الراحة. سنلتمقي على مائدة العشاء ،السّيد »شاهل بيل« كبير أعضاء المجلس المعرفي في كوكبنا ،سيتوّلى إطالعكم على كّل ما توّدون الطالع عليه« نهض »الراعي الكبر« وأتباعه لينصرفوا ،فيما رافق »شاهل بيل« الديب لمقمان ومرافمقيه إلى بي ت الضيافة .أقّلتهم حافلة شبيهة بمقطار يصغير يسير بالطاقة الحرارّية، وايصط ف على جانب الشارع الذي سلكو ه آل ف البشر وهم يلّوحون بأيديهم ويرفعون باقات من الورود. ُ أخبر الديب لمقمان ملك الملو ك أّنهم سيؤجلون انطالقهم إلى المريخ والكواكب الخرى إلى أن ي ّ طلع على شيء من تطّور المعرفة على الزهرة. ُأفرد للديب لمقمان جناح خاص هو والميرة نور السماء وكذلك لمقائد المركبة وملك الملو ك ،وتوّزع باقي العاملين في المركبة على العديد من غر ف بي ت الضيافة. ناموا جميعاً إلى ما قبل طعام العشاء ،ماعدا الديب لمقمان الذي كان قلمقًا ،وساورته بعض الحالم المضطربة والمشّوشة ،فلم ينم إلّ قرابة ساعتين بتوقي ت أهل الرض ،ونهض على أمل أن يلتمقي »شاهل بيل« ويطلب إليه أن يحّديثه عن تاريخ الكوكب وحياته المعايصرة. انتظر إلى أن نهض ت الميرة نور السماء من نومها وأشار إليها باستدعائه. جلسوا في شرفة بي ت ال ّ ضيافة يحتسون شرابا ً ساخنًا .كان جنود الجن يحّلمقون في السماء
أسرابا ً أسرابًا ،وقد أطلق سّكان الكوكب بعض الطائرات التي ل تحدث يصوتًا ،كان ت تحّلق في سماء المدينة راسمة مناظر جميلة. جلس ت الميرة نور السماء بين اليثنين وهّيأت نفسها للترجمة ،كان رجل المعرفة ينظر إلى جنود الجن بين مصّد.ق ومكّذب ،ويختلس النظرات إلى جمال الميرة نور السماء بين لحظة وأخرى ،دون أن يجزم أيضاً أنه يمكن أن يوجد جمال بهذا المقدر الخار.ق. هت ف مترددًا: »نحن أيتها الميرة لم نعد نؤمن بوجود الجن حسب الصورة السطورية التي قّدم ت لنا عنهم منذ أكثر من أل ف عام ونّي ف ،ويبدو أن حضوركم بيننا سيجعلنا نعيد النظر في بعض مفاهيمنا ،فهل أنتم حمقيمقة فع ً ال؟!« تدّخل الديب لمقمان متسائ ً ال عما يمقوله رجل المعرفة ،فأخبرته الميرة بالمر ،فلم يعر ف ماذا يمقول ،فهو حتى الن ل يعر ف إذا كان كل ما يجري حمقيمقة أم خيا ً ل ،أم حلمًا! »بماذا ستجيبين أيتها الميرة؟« »بما يشير به علّي مولي« »قولي له ما تشائين« نطمق ت الميرة بضع كلمات أطر.ق بعدها رجل المعرفة متفكراً ل يلوي على شيء، فسألها الديب لمقمان عّما قالته له: »قل ت له يا مولي إذا كان يرى وجودنا الن حمقيمقة فنحن حمقيمقة ،وإذا كان يرا ه خيالً فنحن خيال!« ت! لو فّكرت مائة عام لما خطرت لي هذ ه الجابة!« »أحسن ِ أشاح نظراته نحو رجل المعرفة: »حّديثني أيها العالم؟« »عن ماذا أيها الديب؟« »عن تطّور الحياة على كوكبكم ،عن معتمقداتكم ،عن تاريخكم المعايصر ،عن حضارتكم، عن كل شيء إذا ليس في المر ما يزعجك« »ليس في المر ما يزعج أيها الديب لمقمان ،لكن هذا يحتاج إلى زمن طويل« »ل أظن أّن المر كذلك إذا أجدت الختصار« »سأحاول :يرى علماؤنا أن عمر كوكبنا منذ أن انفصل عن الشمس يزيد عن سبعة مليارات من العوام – أعوامنا نحن طبعاً – وأن أوائل الحياة بدأت بالظهور عليه منذ حوالي أربعة مليارات من هذ ه العوام ،وقد مّر كوكبنا بكل الّدهور التي مّرت على الكواكب الخرى .في البدء ظهرت الحياة في الماء ،وبعد تشّكل اليابسة انتمقل ت الحياة إليها ،أّول الكائنات الحّية كان ت تشّكل الخاليا التي ظهر منها النبات يثّم الحيوان فالنسان. وجد النسان على كوكبنا منذ قرابة أربعين مليون عام من أعوامنا ،ومّر بأطوار مختلفة استغرق ت ماليين الّسنين ،إلى أن اكتش ف النار قبل قرابة مليون سنة ،وأّدى اكتشافها إلى إحداث تطّور هام في حياته .وقبل حوالي مائة أل ف عام ظهر على كوكبنا النسان العاقل ،الذي راح يدّجن الحيوانات ،كالماعز والكالب ،ويشّذب الحجارة ،ويحفر
الكهو ف ،وينح ت التمايثيل ،وينمقش الّرسوم على جدران المغاور والكهو ف ،ويكتش ف الزراعة خالل العوام الالحمقة ،حّتى تو ّ يصل قبل قرابة يثاليثين أل ف عام إلى بناء المدن واكتشا ف الّنحا س والبرونز وبدء الكتابة الرمزية« »تبدو لي أيها العالم وكأنك تتحّدث عن كوكب الرض ،لول أسبمقّية التطور لديكم ،مع أن سنتكم تمقّل عن سنتنا حوالي الُخمسين!« »حتى الن لم يثب ت لدينا أن تطّور الحياة على كوكب يختل ف عنه على كوكب آخر ،إل من حيث التطّور النوعي المرتبط بالعوامل الجيولوجية والمناخّية والمكتسبات المعرفّية فيما بعد .أرسلنا إلى كوكبكم بعض المركبات الفضائّية ،لكننا أدركنا أن الّتفاهم معكم مستحيل ،حين شاهدنا كثرة السلحة التدميرية لديكم ،وكثرة الحروب التي فتك ت بالماليين من أبناء كوكبكم خالل المقرن الحالي وما تزال تفتك ،مما يشير إلى أّنكم لم تتفمقوا فيما بينكم ،فكي ف ستتفمقون معنا؟ لمقد تجاوزنا هذ ه الحمقبة منذ خمسة آل ف عام!!« »تمقصد أنكم لم تتحاربوا فيما بينكم؟« »بل لم نعد نصنع السالح على الطال.ق حتى للصيد! نزعنا ه من الكوكب ُكّله واستخدمنا ه في كل ما يخدم تمقّدمنا وحضارتنا« أدر ك الديب لمقمان أّن الخطوة التي قام بها على الرض منذ ساعات سبمقه إليها أبناء كوكب الّزهرة منذ حوالي يثاليثة آل ف عام بتوقي ت الرض ،أي حين كان ُسليمان يسو.ق الريح إلى سبأ كانوا ُهم يبدأون الحضارة ما بعد الحديثة ،أو حضارة ما بعد الساطير والحروب الشرسة! ولول مّرة في حياته أح ّ س الديب لمقمان أّنه متخّل ف ،وتمّنى في سّر ه أن يجد كوكبا ً في هذا الكون أكثر تخّلفا ً من كوكب الرض البائس أو بمستوا ه الحضاري على القل ،لعّله ُيعّزي نفسه بذلك ،ول يرى نفسه يصغيراً أمام أبناء الكواكب!! »زدني علما ً ومعرفة بحضارة كوكبكم أّيها العالم« »نحن نسّميها حضارة الّسالم لكثرة ما عانينا من تخّل ف الحروب ،لمقد مّر إنساننا بعصور مختلفة عانى فيها أكثر مما عانيتم ،وإذا كنتم قد استخدمتم قنبلتين نوويتين في حروبكم، فنحن استعملنا سبعًا! لمقد ُقتل مّنا في الحروب أكثر من نص ف مليار إنسان أيها الديب، ق أّمة من أمم كوكبنا إل ودفع ت يثمنا ً باهظاً للويصول إلى الحضارة الحديثة« بحيث لم تب َ »ُعد لي إلى الوراء أّيها العالم ،ل ُتضّيع بعض الحمقب التاريخية التي مررتم بها ،حّديثني عن أديانكم وعن المم والحروب بشيء من التفصيل« »لمقد عبد أجدادنا أيها الديب أّول ما عبدوا الشمس والرض وعطارد والمّريخ!« »هل عبدتم كوكبنا؟« »أجل أيها الديب لمقمان!« »أريد أن أعر ف هذ ه السماء كما ُتعر ف بلغتهم أيتها الميرة« »الرض ُيطلمقون عليها »إرد« والشمس »زو س« والمّريخ »لميش« وعطارد »أنارد« أما كوكبهم الزهرة ،فيسّمونه »سوهار«!« »حسنًا ،وهل أقام أجدادكم معابد لها على الرض؟«
»أجل أيها الديب ،أقاموا لها معابد ،كانوا يمارسون فيها طمقوسا ً من الجنس الجماعي للتمقّرب إليها ،كما أقاموا لها ُنصبا ً وتمايثيل ،وأيصبغوا عليها بعض الّرموز ،واشتّمقوا منها آلهة ُأخرى ،للرض والسماء والعوايص ف والمطار والنهار والبحار والخير والشر والحب والحكمة والنار والعوالم الّسفلى والعوالم الُعليا وما إلى ذلك ،وراحوا يتنازعون عليها ،فهؤلء يعزون هذا الله لهم ،وهؤلء يعزونه لهم ،فدارت بينهم الحروب ،وكل شعب ينتصر يسو.ق فتيات وأبناء الّشعب الخر ويمقّدمهم قرابين لللهة! ومن أفظع ما يصل إلينا أنه قّدم في يوم واحد مليون ضحّية للله »كون« قطع ت رؤوسهم جميعا ً يثّم و َ أحرق ت جثثهم! وحين كان ت شعوبنا تفني بعضها كان ت تمقّدم أبناءها وبناتها كمقرابين. في عصور لحمقة ،أخذت بعض شعوبنا ترفع زعماَء ها إلى مراتب اللهة ،وخا ّ يصة بعد موتهم ،إلى أن ظهرت لدينا ديانات توحيدية سماوّية وغير سماوّية ،حيث ظهر عندنا أكثر من أل ف نبي ومرسل ومصلح اجتماعي ،وكم من حروب طاحنة دارت بين أمم هذ ه الديان ،إلى أن أخذ كّل دين ينشق على نفسه حسب ال ّ صراعات التي كان ت تدور بين شعوب المة نفسها وأديانها حسب فهم كل طائفة وفمقا ً للدين نفسه. قبل حوالي عشرة آل ف عام بدأ عندنا ظهور الدباء والفالسفة والعلماء الذين ل يؤمنون بوجود آلهة بالمعاني السابمقة ،فأعدم معظمهم على الخوازيق أو قطع ت رؤوسهم، وبعضهم قطع ت ألسنتهم أو قوائمهم يصلبوا ،أو دفنوا أحياء أو جلدوا حتى الموت كي يرتدعوا ،غير أن كل هذ ه الفظائع لم أو ُ تحد من تطّور الفكر الواقعي عبر العصور ،ومنذ حوالي سبعة آل ف سنة ونحن ل نعبد أحدًا ،ول ننتظر جّنة ول نارًا ،فالجّنة والنار موجودان على كوكبنا ،فإّما أن نجعل منه جّنة أو نحّوله إلى نار تلتهمنا! لم نحمقق هذ ه الخطوات في اتجا ه الجنة بيسر ،فمقد عشنا أكثر من أل ف عام ونحن نطّور آلة الحرب إلى أن أيصبح ت مرعبة إلى حدود الخيال ،بحيث أيصبح في ممقدورها أن تدّمر كوكبنا وكوكب الرض وكوكبي عطارد والمريخ مائة مّرة! وكم من الشعوب الفمقيرة التي أبيدت عن آخرها على كوكبنا من جّراء هذ ه اللة الفظيعة ،إلى أن ارتفع يصوت العمقل بين أممنا وشعوبنا التي كان ت تعيش في أكثر من مائة وسبعين دولة .وبعد خمسمائة عام من طرح فكرة السالم وتوحيد شعوب الكوكب ،تحمقق الحلم .كان ذلك منذ خمسة آل ف عام ،وما يزال هذا اليوم الّرمزي عيداً قوميا ً لدينا« »ماذا عن تطّوركم الجتماعي والقتصادي أيها العالم ،هل مررتم بعصور المشاعّية والّر.ق والقطاع والبورجوازية والرأسمالية والمبريالية؟!« »نعم أيها الديب ،مررنا بكل هذ ه العصور ،وقد ويصل التطّور الرأسمالي لدى بعض دولنا إلى درجات هائلة من الثراء ،مما دفع بعض هذ ه الّدول إلى المطالبة بالحد من رأ س المال وفرض ال ّ ضرائب الباهظة عليه ،غير أن ذلك لم يحد من مشاكل كل دولة، فلجأت بعض الدول إلى رأسمالية الدولة ،بتأميم ال ّ صناعة والتجارة والزراعة ووضعها تح ت سيطرتها« »ولم ينجح هذا النظام؟«
»بل انهار انهياراً فظيعًا ،رغم أّنه حمقق إنجازات جيدة« »ولَِم انهار هذا الّنظام؟« »لنه لم يعر ف كي ف يعِدل بين مواطنيه ،وكان ت الغلبية الساحمقة تعيش دون مستوى الفمقر ،بينما الدولة تعيش يثراًء فاحشًا. بعض الدول النامية اختارت ال ّ طريمقين ،رأ س المال الُحر الذي يملكه النا س ،ورأسمالية الدولة ،بل وأضاف ت طريمقا ً يثالثاً هو رأ س المال المشتر ك ،الذي تشار ك فيه الدولة والنا س ،وقد أتاح هذا النظام للصوص والمستغّلين ما لم يتحه أي نظام آخر ،فاستلبوا رأسمال الدولة ووظفو ه لحسابهم ،مما جعل بعض الّدول تصبح متسّولة على أعتاب الّدول الغنّية« وراح الديب لمقمان يضحك ،مما دفع رجل المعرفة إلى التساؤل ،فأخبر ه أنه تذّكر تجربة بعض دول كوكب الرض. »أظن أن الحديث عن الماضي يطول أيها الديب« »دعنا نتحّدث عن نظامكم الحالي« »نحن حالياً وممقارنة بالنظمة السابمقة نعيش في نظام الال دولة!« »وهل يعمقل هذا أيها العالم؟« »ولماذا ل ُيعمقل؟ يمكن أن تطلق مجازياً على نظامنا اسم دولة ،أّما نحن فنسّميه »الّنظام المعرفي« ونسّمي الّسلطة الُعليا عندنا »مجلس الّرعاية« وهو يتكون من يثاليثة آل ف عضو نصفهم من الّنساء ينتخبون كل خمس سنوات ،يرأسه شخص مرة كل خمس سنوات أيضًا ،وعلى هذا الشخص حين يرّشح نفسه لرئاسة المجلس أن يكون فو.ق السّتين من عمر ه وأن يكون حائزاً على أعلى شهادة ُعليا في مجالت العلوم أو الداب، وأن يكون قد حمقق إنجازاً عظيما ً واحداً على القل خالل سنّي حياته ،وأن يوافق المجلس بالغلبّية على ترشيحه ،ومن يثّم عليه أن يحوز على يثمقة أّمة الكوكب بأغلبية الثلثين، وهذ ه الشروط نفسها تنطبق على أعضاء مجلس الّرعاية جميعًا« »كّنا أمما ً وشعوبا ً تنتمي إلى مئات المقومّيات ،ونتحّدث مئات اللغات ،لكن مع توحيد ُدول الكوكب ،أخذت هذ ه الَّنزعات تتالشى واللغات تنديثر ،وُكّلنا الن نعتبر أنفسنا »سوهاريين« نسبة إلى الكوكب ،ونتحّدث اللغة السوهارّية .وقد اشتمقمقنا هذ ه اللغة من معظم لغاتنا السابمقة ،اعتماداً على اللغات الكثر انتشارًا ،غير أن تعبير »المم السوهارّية« ما يزال دارجا ً دون أن يكون له أي دللت تعصبّية لهذ ه المة أو تلك. مررنا أيضا ً بالنظمة المبراطورية والملكّية والجمهورية والفيدرالية التحادّية وغير ذلك ،إلى أن انتهينا إلى الّنظام المعرفي الحالي الذي ألغى الجيوش وأجهزة المن والستخبارات والّسجون وجميع الوزارات غير الفاعلة ،كوزارة الدفاع ووزارة الخارجّية ووزارة المالّية وغيرها ،وما لدينا الن هو دوائر تهتم بالشؤون المختلفة« شعر الديب لمقمان أنه ينتمقل من عالم الجن إلى عالم ل يمقّل خيالّية ،ولم يجد مفّراً من التساؤل: »قل لي أيها العالم ،هل أنتم حمقيمقة أم خيال؟«
انتهز رجل المعرفة الُفريصة ليكيل بما كيل إليه: »إذا كنتم ترون أّن وجودنا حمقيمقة أيها الديب فنحن حمقيمقة ،وإذا كنتم ترون أننا خيال فنحن خيال!« أسمقط في يد الديب لمقمان ،ولم يجد إل أن يضحك ،فضحك ت الميرة نور السماء وضحك »شاهل بيل« رجل المعرفة. »لكن أيها العالم ،يمكن أن أقتنع أّنكم ل تحتاجون إلى إدارة للدفاع أو للخارجية أو للمن، لكن كي ف سأقتنع أنكم ل تحتاجون لدارة للمال مث ً ال؟« »لمقد ألغينا وجود المال منذ ألفي عام ،ول ترا ه أمتنا إل في المتح ف أيها الديب!« عاد الديب لمقمان إلى تنبيه نفسه في سّر ه إلى أنه ومنذ أن خرج إليه ملك الملو ك من المقممقم وهو يتعامل مع عالم خيالي ،قد ل يحدث إل في الحالم ،فإما أن يرفض هذ ه الحمقيمقة ويخرج من هذا الكابو س الطويل ،أو يتمقّبلها ويخوض غمارها. »ل يوجد لديكم مال أيها العالم« »على الطال.ق أيها الديب!« »ول شرطة ول سجون ول مخابرات!« »أبدًا ،أبدًا« »والمواطن عندكم كي يعمل أو يصبح عضواً في اتحاد ما كاتحاد الُكّتاب ل يحتاج إلى شهادة ُحسن سلو ك ول حكم عليه وما إلى ذلك من الويثائق والشهادات؟« »أبداً أبدًا!« »وإذا ما دخل إلى مطعم ليأكل ،هل يأكل مّجانًا؟« »إن كوكبنا هو بمثابة بي ت كبير ،وكل مطعم فيه هو بمثابة يصالة طعام لهذا البي ت ،وكل مواطن فيه هو ابن لهذا البي ت ويمكن أن يأكل ما ُيريد مما هو موجود في هذ ه الصالة دون الحاجة إلى المال ،أو الحاجة إلى تمقديم أي شيء ُممقابل ذلك ،وهذا ينطبق على كل متطّلبات الحياة ،بما في ذلك البي ت والكهرباء والماء والّسفر والقامة والتنّز ه والسياحة والتعليم والتثمقي ف وما إلى ذلك« »وهل استطعتم تحمقيق عدالة بين مواطنيكم في ذلك؟« »بشكل نسبي نعم ،إذ ل يوجد في بي ت »الراعي الكبر« من وسائل الراحة ومتطلبات الحياة ،ما هو غير موجود في بي ت أي مواطن« بدا للديب لمقمان أنه أمام نظام يطّبق بعض أفكار أفالطون وماركس وسبينوزا وروّسو وغيرهم ،فتساءل: »هل نظامكم المعرفي هذا ،هو نتاج لتطّور فكركم المعرفي أّيها العالم؟« ت من فراغ ،وكم خضنا من الهوال وواجهنا »بالتأكيد أيها الديب ،فنظامنا الحالي لم يأ ِ الّنكسات حّتى حمقمقنا ذلك« أدر ك الديب لمقمان أّن سؤاله لم يكن يخلو من سذاجة ،ومع ذلك استمّر في طرح السئلة الساذجة أو شبه الساذجة: ضع ت أسس النظام الرقى ،أي الحالي ،منذ أن اّتحدت أمم وشعوب الكوكب ،أي »هل ُو ِ
منذ خمسة آل ف عام ،أم فمقط منذ أن ألغيتم نظام الّنمقد أي منذ ألفي عام؟« »في مفهومنا نحن يتغّير الشكل باستمرار ،لكن يمكن المقول أّنه مّر على نظامنا الحالي، بما حمقمقه من خطوات هائلة من التطّور قرابة أل ف عام فمقط ،وهذا ل ينفي أن نزع السالح فالتحاد كانا الخطوة الولى في طريق حضارتنا الحديثة« »وهل مّرت فترة طويلة بين نزع الّسالح والتحاد أيها العالم؟« »ل ،بل فترة قصيرة جدًا ،إلى حد أننا ألغيناها من التاريخ وُرحنا نحتفل بالمناسبة في يوم واحد« وألمقى رجل المعرفة نظرة على ساعته وهت ف: »لمقد اقترب موعد حفل العشاء مع الراعي الكبر أيها الديب ،ينبغي أن ننصر ف، سنكمل حديثنا فيما بعد«
)(4 ليلة راقصة على الكوكب سوهار كان ال ّ ّ ظالم قد حل ،وكان جنود الجن يحلمقون في سماء المدينة في فوجين متمقابلين مطلمقين من أفواههم ُكرات نارّية ملتهبة في اّتجا ه بعضهم البعض ،وكان ت الكرات تصطدم في منتص ف المسافة الفايصلة بين الفوجين وتتبعثر في شظايا تتنايثر في السماء لتشّكل جّواً عجائبيًا. لم يعر ف الديب لمقمان كي ف وجد نفسه يعود إلى أسئلته الواقعّية الحممقاء ،متذكراً بعض معلومات الفلكيين التي تشير إلى أن الشمس قد ل تغيب عن جانب من كوكب الّزهرة بينما يظل الجانب الخر ُمظلمًا ،وهم هبطوا في الجانب المشمس ،فكي ف حّل الليل؟ يثم كم مضى عليه بالضبط منذ النطال.ق من الرض؟ فهل يحسب ذلك بتوقي ت أهل الرض ،أم بتوقي ت أهل الزهرة؟ راح يهّز رأسه متذمراً من نفسه كما يبدو ،فتساءل ت الميرة نور السماء عما به وهي تأخذ بذراعه وتمقود ه: »إني أحاول عبثاً نسيان أسئلة الواقع ،هل لديك قوة ما قادرة على أن تنسيني أسئلة الواقع أّيتها الميرة؟« »للس ف ل يا مولي ،فأنا ل أعر ف فرقاً بين الواقع والخيال ،فما هو واقعي يمكن أن يكون خيالياً في لحظة ما ،وما هو خيالي يمكن أن يكون واقعيا ً في لحظة ُأخرى!« »لماذا تعّمقدين المور أيتها الميرة؟« »بل أن ت الذي تعّمقدها يا مولي؟« »أنا أيتها الميرة؟« »أكيد يا مولي!« »كي ف؟«
»بأسئلتك غير المقادرة على الحسم بين الواقع والخيال ،فهل أنا الن برأيك واقع أم خيال؟« ت خيال ،قطعا ً خيال!« »أن ِ ضغط ت بلط ف على ذراعه والتصمق ت بجانبه وضّم ت رأسها إلى رأسه ليتهّدل شعرها على جبينه وتداعب أنفاسها العطرة أنفه. أح ّ س بمقشعريرة لذيذة تسري في جسد ه كدبيب الّنمل: »أمتأكد أن ت يا مولي؟!« ت واقع ،بل حمقيمقة لم أعش ما هو أجمل منها« »ل! أن ِ وأخذ يدها وقّبلها. هبطوا من بي ت الضيافة .كان ت السماء تضّج بما يبدو لعبة حربّية أشعل فتيلها جنود الجن .أح ّ س الديب لمقمان أن هذ ه اللعبة قد تثير لدى ُسّكان الزهرة المسالمين بعض الّريبة ،فطلب ملك الملو ك فامتثل أمامه: »أوِعز إلى جنود ك أن يلعبوا غير هذ ه اللعبة الّسخيفة ،أو دعهم يفعلون شيئا ً ُيفرح النا س ويبعث البهجة في نفوسهم« »أمر مولي« وأشار ملك الملو ك بحركة من يد ه وإذا بالكرات والشظايا النارّية المتنايثرة في الفضاء تتالشى تباعا ً واحدة إيثر ُأخرى وبسرعة هائلة ،لتعّم السماء موسيمقى راقصة وتتدّلى منها قناديل ُمضيئة كالثرّيات المتللئة ،وتمل فضاءها عشرات آل ف الفتيات من بنات الجن اللواتي شرعن في ُمراقصة الجنود ،فيما امتّدت آل ف الموائد العاِمرة بأشهى المأكولت س من المخمل الزر.ق تدّل ت منها مصابيح حمر مضيئة، وأطيب الخمور ،وأحيط ت بكرا ٍ مما أضفى على السماء جّواً بهيجًا. »أحسن ت أيها الملك ،وإن كن ت أيثرت فينا الّرغبة لتناول عشاءنا في السماء« »ليتفضل مولي وليدُع الراعي الكبر وجميع مواطنيه من الزهرة إلى وليمة في السماء« »فكرة عظيمة أّيها الملك ،سنفعلها غداً لنرّد لهم الدعوة ،ل يصح أن نفعلها اليوم ونحن نلّبي دعوتهم« »غ ّ ص ت يصالة الستمقبال في »قصر الرعّية« الذي ُدعي إليه الديب ُلمقمان وأعوانه بمقرابة عشرة آل ف مدعو من كبار المقوم في كوكب الزهرة. وقد استمقبل الراعي الكبر وزوجته وكبار المسؤولين في الكوكب الديب لمقمان والميرة نور السماء وملك الملو ك والميرة ظل المقمر وقائد المركبة ويصديمقته بحفاوة بالغة على مدخل المقصر ،يثّم دخل الجميع إلى يصالة طعام كبيرة بحيث اّتسع ت لكل هذا الحشد. وقد وقف ت في يصدر الصالة مجموعة من الفتيات يلّوحن بباقات من الورود فيما كان ت فرقة موسيمقية تعز ف موسيمقى هادئة. أخذ الديب لمقمان والراعي الكبر مجلسيهما إلى مائدة طويلة وقد جلس ت الميرة نور السماء بينهما كي ُيتاح لها أن تترجم ما يدور بين اليثنين من حديث ،فيما جلس ملك
الملو ك وقائد المركبة والميرة ظل المقمر عن يمين الديب لمقمان .أما رجل المعرفة »شاهل بيل« وبعض رجالت مجلس الّرعّية فمقد جلسوا مع زوجاتهم في مواجهة الديب لمقمان .وقد جلس ت زوجة الراعي الكبر عن يسار ه وراح ت توّزع ابتسامات هادئة على كل من تمقع عيناها عليه. ُأفرد على المائدة أنواع عديدة من الممقّبالت والّسلطات واللحومات الباردة وبعض أنواع العصير والمشروبات الروحّية التي لم يبُد أنها مختلفة عّما ُيمقّدم على الرض. كان الديب لمقمان متشّوقاً لمحاورة الراعي الكبر فشرع في الحديث على الفور فيما الميرة نور السماء تترجم: »هل لي أن أعر ف كي ف بنيتم نظامكم أّيها الراعي الكبر؟« »بالمحّبة والتعاون أّيها الديب ،حين أنهك ت الحروب المدّمرة كوكبنا ،لم يجد أجدادنا غير نزع الّسالح من الكواكب وإعالن الحرب بالمحّبة!« »ماذا تمقصدون بإعالن الحرب أّيها الراعي الكبر؟« »ما لم يستطيعوا تحمقيمقه بالحروب المدّمرة سعوا إلى تحمقيمقه بحروب المحّبة!« »وهل من الجائز أن تسّموا ما جرى حربًا؟« »مجازيا ً نعم ،يصحيح أنها كان ت حرباً من نوع آخر ،لكنها كان ت قاسية على إنساننا الذي وجب عليه التغّلب على نوازع الشر في نفسه ،وهذ ه مسألة لم تكن هّينة« »معذرة أّيها الراعي الكبر ماذا تمقصدون بنوازع الشر وكي ف حددتموها؟« »اعتبر أجدادنا أن كل نزوع ذاتي في الشخصّية يمكن أن يسيء إلى الخرين ولو بمقدر يسير هو نزوع شّراني« »وهل هذا ينطبق على بعض الّسلو ك أيضًا؟« »ليس يثمة سلو ك في نظرنا إل ومبعثه نزوع في الشخصّية أو له عالقة بشكل أو بآخر بهذا الّنزوع« »وهل بلغ النسان الن لديكم هذا الشأو السامي من قتل نوازع الشر؟« »لمقد خاض إنساننا هذا الصراع منذ آل ف العوام ،وما يزال يخوضه حّتى الن ،ولو بشكل أسهل وأيسر من ذي قبل ،لن معرفته نم ت وتطّورت إلى حد غدا فيه يدر ك جيداً ما معنى أن تمقول له أّن وجود ه رهن بوجود الخر ،وأّن ذاته ل تتحمقق إل باندغامها في الذات الخرى ،والعكس يصحيح!« »هل تمقصدون بوجود الخر والذات الخرى النسان؟« »النسان لدينا ولغاية الن ُهو أرقى الكائنات والموجودات ،لكن ذاته ل تنفصل عن ذوات الكائنات والموجودات ا ُ لخرى ،وهي بدورها ل تنفصل ذواتها عنه ،هو جزء منها وهي جزء منه ،إّن ذاته موجودة في النسان والّنبات والحيوان والطير والمائيات والجماد ،في الماء والهواء والتراب والنار ،في الحجر والصخر والطين ،في النهر والجبل والحمقل ،في الفضاء والكواكب والنجوم ،وهذا ما نسّميه الذات الُكّلية« بدا الديب لمقمان وكأّنه يستمع إلى بعض أفكار »لوتس« و»شوانغ تسو« و»ابن عربي« مع بعض التطوير الجوهري عليها.
»عفواً أيها الراعي الكبر إذا ما أزعجتكم بأسئلتي« »ل أبدًا ،أن ت ل تزعجني ،تف ّ ضل واسأل ما تشاء« »هل تمقصدون بمقولكم لغاية الن أّن فكركم هذا قابل للتطوير في المستمقبل؟« »نعم هذا ما أقصد ه بالضبط ،وليس في المستمقبل فحسب ،بل الن ،فنحن نفّكر دائمًا، وأحياناً نضطر إلى تغيير بعض المفاهيم وليس تطويرها فحسب ،ونعتمقد بإمكانية ظهور فكر في المستمقبل يمكن أن يرقى على فكرنا وفهمنا للوجود« »كي ف يمكن أن نلمس أيثر فكركم الراهن على إنسانكم؟« »تلمس هذا في اّتحادنا في أّمة واحدة ،بعد أن كّنا مئات المم ،تلمسه في المستوى الحضاري الذي ويصلنا إليه .النسان عندنا نادراً ما يشتم الخر لّنه يدر ك أنه يشتم ذاته، وحين يحب الخر يدر ك أّنه يحب ذاته ،لذلك فهو ل يكر ه الخر لنه سيكر ه ذاته ،ول يمقطع الشجرة أو يمقتلع النبتة لنه يدر ك أنه يمقتطع ويمقتلع شيئا ً من ذاته ،ول يمقتل الطير والحيوان لّنه يمقتل شيئاً في ذاته ،وإذا ما اقتطعنا أو اقتلعنا أو قتلنا ،فال نفعل ذلك إل للضرورات الُمباحة ،كأن نذبح الغنام والبمقار لكل لحمها« وأطر.ق الديب لمقمان للحظات ُيفكر ،تساءل الراعي الكبر: »ما رأيك بفكرنا أّيها الديب لمقمان؟« »إن شئ ت الحق أنا ممقتنع إلى حد كبير بفكرة استحالة تحمقيق الذات النسانية بمعزل عن الذات النسانية ا ُ لخرى ،أو أن وجودها ل يتحمقق بمعزل عن الوجود الخر ،إل أنني ل أدر ك كي ف يمكن أن تكون ذاتي جزءاً من الّذات البعوضّية أو الصرايصيرية أو الّذبابية مث ً ال ،وهي جزء من ذاتي ،وبالتالي ل يتحمقق وجودي إل بها ،ول يتحمقق وجودها إل بي ،أم لعّل هذ ه الكائنات ل توجد على كوكبكم؟!« وشرع الراعي الكبر في ضحك رزين ،وما لبث أن أجاب: »ل بل توجد أيها الديب ،بعض فالسفتنا يفّسرون ذلك بوجود الحياة في هذ ه الكائنات، واشتراكنا معها فيها ،وبعضهم يعزونها إلى نوازع الشر ،ويعتبرونها جزءاً من ذاتنا الّشرانّية ،وأّنه ينبغي المقضاء عليها ،على أية حالة ،إن أفضل الدوية لدينا لمعالجة بعض الجروح والمقروح هي التي يشتر ك فيها مسحو.ق بعض الحشرات المجففة ،كالنحل والصرايصير والنمل وغيرها!!« »الحشرات المجففة؟« »أجل أّيها الديب!« »عجيب! كي ف خطر مثل هذا المر على بال أطبائكم؟!« »نحن ل نتر ك شيئا ً إل ونفكر فيه ونجّربه« »ماذا عن تمقّدم علوم الطب عندكم أيها الراعي الكبر؟« »قضينا على المراض ُكّلها ،إذ يندر أن يموت إنسان لدينا ،من جّراء مرض ما ،وهذا أّدى إلى تمقليل عدد المستشفيات ،ونحن الن نحاول أن نجد عالجا ً للشيخوخة لعّلنا نوق ف الموت ،بعد أن أطلنا معّدل عمر النسان إلى الضع ف« »تمقول إلى الضع ف أّيها الراعي الكبر؟«
»نعم ،كّنا نعيش حوالي مائة ويثاليثين سنة الن نعيش حوالي مائتين وستين!« عاد الديب لمقمان إلى الحسا س بالدونّية أمام هذا التطّور المذهل ،فنهض رافعا ً كأسه ليشرب نخب أبناء »سوهار«! وق ف الّنا س جميعاً ورفعوا كؤوسهم وشربوا النخب. كان ت الموسيمقى تنساب بهدوء من آلت بعضها شبيه باللت الموسيمقية على الرض، وما لبث ت أن رافمقتها أيصوات الفتيات التي انطلمق ت بنعومة وهدوء. أطر.ق الديب لمقمان مصغياً سمعه ،ورغم الغرا.ق في ال ّ صور التجريدّية التي كان ت تبعثها الموسيمقى إل أنه أح ّ س بها تنشد الخلود .ظل مصغيا ً إلى أن انته ت الممقطوعة، ليصّفق بحرارة مع الحضور. نظر نحو الميرة نور الّسماء فالراعي الكبر .شعر أّنه أرهق الميرة بالترجمة ولم يدعها تأكل شيئًا .طلب إليها أن تترجم حواراً أخيراً قبل تناول ال ّ طعام ،فوافمق ت بسرور. »عفوًا أيها الراعي الكبر ..ما هي رؤيتكم للموت ،وهل تؤمنون بالبعث والحياة ا ُ لخرى؟« »كان بعض أجدادنا يرون فيه حياة وراحة أبدّيتين ،حّتى أن الموتى كانوا يصطحبون معهم إلى المقبور بعض ما يحتاجون إليه من متاعهم وممتلكاتهم إلى تلك الحياة ،وبعضهم الخر كان يرى أّن أرواحنا تحّل في كائنات أخرى وأّنه ل يموت إلّ الجسد ،وبعضهم كان يرى أن الروح تصعد إلى السماوات ،وآخرون كانوا يرون أن الروح تحّل في مولود إنسي آخر ،وبعضهم كان يرى فيه حمقا ً ل مفّر منه نحو بعث منتظر وحياة ُأخرى في الجّنة وعذاب في النار ،وبعضهم كان يرى أّيها الديب لمقمان أن الموت هو نهاية المطا ف ول يتبعه أي شيء آخر على الطال.ق ،ونحن الن نتبع هذا العتمقاد« استغرب الديب لمقمان أن يسمع هذا العتمقاد الخير فهت ف: »أل ترى أّيها الراعي الكبر أن اعتمقادكم الحالي يتناقض مع فلسفتكم الراهنة ،فأنتم تميتون الذات التي يفترض أن تكون مّتحدة مع الذات الخرى الكلّية؟!« »ل أظن أيها الديب ،ليس يثمة تناقض ،فما يموت ُهو الذات الشهوانّية الجزئية ،أما الذات الروحّية فتبمقى خالدة بما حمقمقه النسان من معرفة وجمال وعمل خ ّ ال.ق« »الن اختل ف المر ،وإن كن ت أرى حسب ما فهمته من فلسفتكم أّن ما أطلمقتم عليه »الذات الشهوانية الجزئية« فمقاطعه الراعي الكبر قائ ً ال: »أو بتعبير أد.ق أيها الديب ،الجانب الشهواني الجزئي في الذات!« »ليكن أيها الراعي الكبر ،فهذا الجانب ل ينفصل عن الذات الفردّية التي هي بدورها جزء من الذات الُكّلية المطلمقة وتتحد معها ،إلى حد يستحيل معه الفصل بين ذات جزئية وأخرى كونّية ،لّتحاد الكل بالجزء والجزء بالكل!« »نحن ولغاية الن نمقول بإمكانّية ذلك ،كما أن ت مستمقل عّني وأنا مستمقل عنك رغم اشتراكنا بذات ُكلّية واحدة« »على أية حال أيها الراعي الكبر ،ما يريحني أّنكم وأجدادكم فّكرتم ومازلتم تفّكرون بما
فّكرنا فيه نحن وأجدادنا .الفار.ق أّنكم أفدتم من فكركم ،بينما نحن أضعنا فكرنا هباًء ،بل إن بعضنا اعتبر ه عبئاً علينا أو زندقة وإلحادًا ،أو جنونا ً وتخريفًا ،أعتذر مرة ُأخرى لكثرة أسئلتي أيها الراعي الكبر ،وأعتذر للميرة نور السماء لما بذلته من جهد كبير في الترجمة« |||||||| هت ف الراعي الكبر قاطعا ً على الديب لمقمان أّية تساؤلت ممكنة: »أكل لحوم هذ ه الحيوانات من الضرورات الُمباحة أّيها الديب« تمتم الديب لمقمان: »أظن أنني أدرك ت ذلك أيها الراعي الكبر« ظهرت على مسرح يصالة الطعام مجموعة من الفتيات يرتدين أزياء شعبية ملّونة وشرعن في تمقديم رقصات فولكلورّية. ّ تنّبه المحتفلون إلى فتاتين وشاّبين دخلوا يصالة الطعام وقدموا إلى مائدة الراعي الكبر وضيوفه ،كان ت إحدى الفتاتين بيضاء جنّية تسير مع إنسّي أسود والخرى سمراء إنسّية تسير مع جّني أبيض. وق ف الجنّيان خل ف ملك الملو ك فيما وق ف النسيان خل ف الراعي الكبر وطلبا منه شيئا ً ما: نظر الراعي الكبر إلى الديب لمقمان. »مواطنو كوكبنا يرغبون في أن ينزل الجن من السماء ويمرحوا معهم« نظر الديب لمقمان نحو ملك الملو ك متسائالً فهت ف الخر: »إنها رغبة الجن أيضا ً يا مولي« تخّو ف الديب لمقمان من أن يكون جنود الجن أفظاظا ً مع نساء الكوكب. »لكن دعهم يتعاملون بلط ف مع النسّيات أيها الملك ،وامنع عليهم أن يأخذوا أي شكل يصُغر!« جّني مهما َ وبدا أن ملك الملو ك انزعج لسوء الظن الذي أبدا ه الملك غير المتّوج الديب لمقمان: »اطمئن يا مولي ،فأن ت ل تعر ف مدى لط ف الجن حين يريديون أن يكونوا لطفاء!« »حسناً أيها الملك ،لينزلوا وليحتفلوا ويمرحوا ويبتهجوا ،لكن ل تدعهم ينزلون بأيديهم، ليحضر كل جنّي وجنّية بعض الهدايا لبناء الكوكب« »أمر مولي« ولم يعر ف الديب لمقمان أن ملك الملو ك سيفعل ما ل يمقدر عليه إل اللهة العظمى ،فمقد أمر بأن ينزل على الكوكب أربعة مليارات جّني ِنصفهم من الناث ،أي بعدد ُسكان الكوكب ،وأن يحضر كل جّني معه ما يمكنه أن يهديه للسكان من الُحلي والجواهر وأفخر أنواع القمشة والملبوسات ،وأشهى الطعمة والمشروبات ،ولم تمر سوى لحظات حّتى أنيرت سماء الكوكب بمصابيح إضافّية ،كأنها النجوم والقمار ،ومدت في كل مكان ،في الشوارع والساحات ،في الحدائق والمتنّزهات ،وفي كل قرية ومدينة مئات آل ف الموائد العامرة ،ويصدح ت الموسيمقى من أقصى الكوكب إلى أقصا ه ،وأقيم ت
حلمقات الرقص وجلسات الّلهو والّسمر ،وحفالت الغناء وال ّ طرب. وفي يصالة الطعام التي يجلس فيها الراعي الكبر وضيوفه ،فوجئ الجميع بالّستائر ترفع والجدران تختفي وزجاج الواجهات ُيفتح ،ويصالة ال ّ طعام تتمدد وتتسع ،لتفرد فيها مئات الموائد الكبيرة ،وليظهر الل ف من فتيات الجن اللواتي َبدْون كحور العين والل ف من الشباب الذين بدوا كالولدان المخّلدين ،وراحوا ينثرون الُحلي والجواهر على الحضور، ولينطلق يصوت ملك الملو ك داعياً الجميع إلى المرح والفرح ونسيان الهموم والتَُرح! فنهض الجميع يرقصون ،فاختلط النسّيون بالجّنيات والنسيات بالجنيين ولم يبق أحد جالساً إل الديب لمقمان والميرة نور السماء التي كان ت تضّم رأ س الديب لمقمان إلى كتفها ،وتنظر إلى جمهور الراقصين ،الّسكارى منهم وغير الّسكارى ،وحين حان ت التفاتة منها إلى وجه الديب لمقمان ،رأته حزينا ً والّدموع تترقر.ق في عينيه يثم تنزلق على وجنتيه ،فضّمته بحنان شديد ،واحتوت رأسه تح ت ذقنها وراح ت تمسح الدموع عن وجنتيه وهي تسأله: »أية هموم هذ ه التي تجرؤ على القتراب من قلب مولي وأعجز أنا عن مواجهتها؟!« »هموم أهلي وأبناء موطني وأبناء كوكبي أّيتها الميرة ،الجوع ،المقتل ،الموت، المراض ،الكر ه ،الحمقد ،وملك الملو ك يلمقي بكل ما لدى الجن لبناء الزهرة حّتى دون أن يسألني رأيي!« »مولي ،سنسّخر جن السماوات والرض وكل الكواكب ليمطروا ذهبا ً وماسا ً على أّية رقعة في الرض تريدها. ودع ت على الفور ملك الملو ك بالّتخاطر الجنّي وإذا به يجثو أمام الديب لمقمان ويضع يديه على قدميه ويهت ف باكيا ً غاضبا ً من جراء ما فعل: »ليغفر لي مولي ،وليأمر أين يرغب أن تمطر الّسماء ذهبًا ،وإذا شاء سأغر.ق له الرض بالجواهر على أل أرى دموعه« »هل تعر ف فلسطين أّيها الملك؟« »وهل هنا ك أحد ل يعر ف فلسطين يا مولي ،وهل أنسى حبيبتي عستارت؟!« »أمطر عليها قدر ما تستطيع ،أمطر على غّزة والضّفة الغربّية أكثر من باقي المناطق!« »أمر مولي« »وهل تعر ف كوبا؟« »سأجعل أعواني يعرفونها يا مولي« »أمطر عليها آل ف الطنان من الّذهب والما س ،وإذا طلب فيدل أي شيء آخر ،فاعطو ه أكثر مما يريد« »أمر مولي! إن فلسطين وكوبا ،بجبالهما وسهولهما وشوارعهما وحدائمقهما وأسطح بناياتهما ،تغرقان الن بالّذهب والما س يا مولي« »أحسن ت أيها الملك! وروسيا ..أمطر على روسيا!« »أمر مولي!«
»على الهند وباكستان وبانغالدش« »أمر مولي« »على سوريا والردن ولبنان ومصر والسودان وبغداد والجزائر والمغرب والصومال، أو أقول لك ،على كل الّدول الفمقيرة في المقارتين السيوّية والفريمقية« »أمر مولي« »وعلى أستراليا« »أمر مولي« »هل نفذت أوامري؟« »لو ترى حال هذ ه المقارات الن يا مولي ،أخا ف أن يجن الفمقراء من الفرح!« »ل تغرقهم كثيراً بالجواهر!« »ل لن ُأغرقهم ،أّية أوامر أخرى يا مولي؟« »أفّكر في الفمقراء في الّدول الغنّية ،أليس في ممقدور ك أن تمطر عليهم وحدهم شيئًا؟!« »الفمقراء وحدهم يا مولي؟« »أجل فالغنياء ل يمقنعون!« »سنجد بعض المشّمقة في معرفة الفمقراء من الغنياء يا مولي« »تدّبر المر،ل أريد أن أرى فمقراء على الرض« »أمر مولي« »هل نّفذت أّيها الملك؟« »على الفور يا مولي« وأطر.ق الديب لمقمان للحظات ورأسه ُملمقى على يصدر الميرة نور السماء وعينا ه تنظران إلى ملك الملو ك الجايثي على قدميه ،وما لبث أن شرع في الُبكاء والضحك معًا. هت ف ملك الملو ك: »أيتها السموات ما الذي ألّم بمولي؟!« وهتف ت نور السماء وهي تحتويه إليها وتطّوقه بيديها ظاّنة أن الشيطان يوسو س في نفسه: »أبعد ا الشيطان عنك ،وكل ك برعايته وعنايته يا مولي« وفوجئ ت بالديب لمقمان يغر.ق بالبكاء والضحك حين سمع ما قالته: »ل عليك أّيتها الميرة ،ربما هذا من تأيثير الخمرة السوهارّية« »ما هذ ه الخمرة التي تضحكك وتبكيك يا مولي؟ إّنه الشيطان ،يوسو س في نفسك، ويدعو ك إلى تكذيب ما يحدث ،ويهمس في أسماعك ،مّدعيا ً أن الفلسطينيين في غّزة قد ل يجدون ما يأكلونه ،وأّن الكوبيين مايزالون فمقراء إلى حد قد ل يمّكنهم من تناول أكثر من وجبة طعام بائسة في اليوم ،وأّن الشعب الروسي أُِذل ،وأّن الجوعى في الهند وبعض دول أفريمقيا وآسيا ،مازالوا يتسّولون في الّشوارع ،وينامون على الريصفة!!« »كفى ،كفى ،أّيتها الميرة ،ليذهب الشيطان إلى الجحيم ،إّنه كّذاب لئيم ،وهّيا هّيا ،قومي لنرقص ،وأن ت أّيها الملكُ ،عد إلى الرقصُ ،عد إلى حورّياتك وفتياتك ونسائك ،لكن
اسمع ،أريد أن يستيمقظ فيدل ليجد المقصر الجمهوري بكل غرفه ويصالته وأروقته ممتلئا ً بالّذهب والما س وكل أنواع الجواهر ،ولبأ س من أن تفعل ذلك في غّزة والمقد س أيضًا! مفهوم أّيها الملك؟« »مفهوم يا مولي« »هيا أيتها الميرة ،لنرقص ،لنرقص ،لنرقص بجنون ،لم أرقص منذ عشر سنوات ،منذ أن أقبل الخري ف منذراً بطي سنّي عمري ،ولم أفرح منذ عشر سنوات ،ولم أذ.ق رضاب الفتيات منذ عشر سنوات ،ولم يضّمني يصدر عاشمقة منذ عشر سنوات ،لتزغرد فتيات النس والجن ،ولتضّج السموات والرض بصدح الموسيمقى ،وليتردد يصدى الغاني والناشيد من أخاديد الكون ،ولتد.ق أقدام النس والجن تخوم اليابسة؟!« نهض الديب لمقمان ليرقص كما لم يرقص في حياته برفمقة الميرة نور الّسماء .وظّل يرقص والميرة تحّلق معه لتذهل برقصها وجمالها الحضور ،وتبعث في نفسه الفرح والّسرور ،وهي تدور من حوِله كفراشة ،ليحط رأسها على يصدر ه تارة وتأخذ رأسه إلى يصدرها تارة ،يلّفها وتلّفه ،يدور بها فتدور به ،يطويها وتطويه ،يضّمها وتضّمه ،يشبك يديها وتشبك يديه ،يكاتفها وتكاتفه ،يراكبها وتراكبه ،يراِئسها وترائسه ،يواجهها وتواجهه ،يجانبها وتجانبه ،يخاددها وتخادد ه ،يدابرها وتدابر ه ،يباعدها وتباعد ه .تدور حول نفسها كمغزل ،وهو إليها مبتهجا ً ُيمقبل! وحين تعب دون أن تتعب هي ،فتح لها ذراعيه ،فألمق ت نفسها عليه ،فضّمها وحواها ،وبكل ما في قلبه من محّبة وحنان غمرها ورعاها ،فأحّس ت الميرة نور السماء بما لم تحس به ِمْن مشاعر مع أي ِمَن الجن من قبل ،فطّوقته بيديها ،والتحم ت بجسد ه حّتى غدت وكأّنها قطعة منه ،ودمع ت عيناها فرحًا ،وسط تصفيق الجميع وفرحة النس والجن ،وبهجة الراعي الكبر وأعضاء مجلس الّرعاية والمجلس المعرفي وكبار الُعلماء والدباء وآل ف الحضور! رفع ملك الملو ك شمنهور الجّبار دنّا ً كبيراً من الخمر ،وهت ف بصوت هائل بلغة أهل الكوكب! »نخب مولي العظيم الملك لمقمان ،وأميرة المشر.ق والمغرب ،أميرة العوالم العلوّية والعوالم الّسفلّية ،الميرة نور الّسماء« فهرع الجميع إلى كؤوسهم ،فيما رفع من كانوا على الموائد كؤوسهم ،وأحضروا كأسين للديب لمقمان والميرة نور الّسماء ،وشرب الجميع كؤوسهم ،وشرب ملك الملو ك دّن الخمر عن آخر ه!. قبل انصرافه ،دعا الديب لمقمان الراعي الكبر ورعّيته إلى وليمة عشاء في اليوم التالي ،وعاد إلى بي ت الضيافة ،فيما ظّل ملك الملو ك وقائد المركبة وطاقمها في الحفل الذي استمّر حتى الصباح. |||||||| حين استيمقظ قبيل الظهيرة إيثر كابو س فظيع ،قطع عليه لّذة النوم الجميل الذي كان يغطّ
فيه ،ألفى الديب لمقمان الميرة نور السماء مستيمقظة ومستلمقية إلى جنبه ،بثياب النوم الحريرية وترممقه بنظراتها ،همس لها: ت في نوِمك؟« »هل هنئ ِ »بوجود مولي« »َمن يجد الَهناء بالّنوم على غطيطي؟« »أنا يا مولي!« »لو كن ت مكانك لما احتمل ت نفسي« »بل لكان ت السعادة تغمر ك يا مولي!« »ُهراء!« »وماذا عن نوِمك يا مولي؟« »أظن أنني نم ت أجمل نومة في حياتي لول أّنها انته ت إلى كابو س كالعادة« »لَِم تحلُم دائما ً يا مولي؟« »رّبما لنني ل أستطيع التخلص من هذا المقلق الذي ُيالزمني دومًا« »أن َ ت تفّكر كثيراً يا مولي؟« »وكي ف يمكن أن أتوّق ف عن التفكير؟« »بالراحة والسترخاء وإشغال عمقلك بمسائل ل تبعث على المقلق« »هل في ممقدور ك أن تساعديني على فعل ذلك؟« »سأحاول يا مولي ،لن أدعك تنام بعد الن دون أن أعمل على إراحة أعصابك« »وعمقلي كي ف سأريحه؟!« »إراحة العصاب تريح العمقل أيضا ً يا مولي« »سأكون شاكراً أّيتها الميرة وإن كن ت أظن أّن ليس يثّمة ما ُيريح أعصابي أكثر من ممارسة الحب ،وقد فعلنا ،ومع ذلك حلم ت« »ستعر ف في حينه يا مولي .الن أخبرني بماذا حِلم ت؟« »جئ ت بيتي على الرض فوجدت ابني وابنتي وأّمهما ُحزناء يبكون!« »لَِم يا مولي؟« ّ »كانوا جوعى ،لم يكن عندهم إل بمقايا نمقود حين غادرتهم ،ولم ينلهم من ُكّل الذهب والجواهر التي أُنزل ت على المدينة ،بل البلد كّله ،قطعة واحدة ،لمقد استولى النا س على الجواهر ُكّلها ،ولم يتركوا لهم شيئًا!« »ألم يحاولوا يا مولي؟« »حاولوا ،لكن دون جدوى ،كان النا س يتلّمقفون الجواِهر من السماء ببراعة قبل أن تصل إلى الرض ،ويبدو أّنهم لم يكونوا بارعين في اللمق ف والتلّمق ف ،ما أحزنني أكثر أّيتها الميرة أّنه لم يكن لديهم أي طعام أو شراب ،وكانوا جائعين« »لَِم لْم يمقترضوا من الجيران أو من معارفهم يا مولي؟« »يبدو أّن كبرياءهم أب ت ذلك ،فمقد عّودتهم أن يعطوا ل أن يأخذوا ،وإذا كان لبّد من الخذ ،فليكن أقل مما أعطوا .كانوا يرون النا س يأخذون ِمّني ويأكلون على مائدتي ،ولم
يروني أتطّفل ذات يوم على مائدة أحد ،أو رأوا أحداً يعطيني ،إلى أن تبدد كل ما لدي من مال ،ولم يعد أحد يتعّر ف علّي ،حتى أّن جر س هاتفي لم يعد يرن ،مع أّنه لم يكن يتوّق ف عن الّرنين إل للرد عليه ،تصّوري أّنهم لم يحاولوا حتى مطالبة بعض المدينين لي بنمقود!« »وهل كانوا يعرفون أّنك من تسّبب ت في إنزال الّذهب والجواهر يا مولي؟!« »ل ،لو أّنهم عرفوا لكان ت مصيبة لن يمقدروا على احتمالها« »وماذا فعل ت يا مولي؟« »أحسس ت برغبة هائلة في النتمقام ،فّكرت في استدعاء ملك الملو ك كي يستعيد الجواهر من هؤلء الجاحدين وأن يكّومها في جبل ويضعها تح ت حراسة الجن ،ويتر ك هؤلء يتوّسلون ويتحّسرون مدى الحياة ،دون أن ينالوا شيئا ً حّتى لو ماتوا قهراً وجوعًا!« »ولم تستدعه يا مولي؟« »ل ،لم أستدعه« »ولم تنّفذ رغبتك في النتمقام؟« »ل ،لم أكن قادراً على تنفيذها أيتها الميرة ،بل رح ت أتوّسل لكّل اللهة والنبياء أن يساعدوني للتغّلب على هذ ه الشهوة لالنتمقام« »وهل تغّلب ت؟« »أظّن ذلك« »وهل ترك ت أسرتك تتضّور جوعًا؟!« »لم أرغب في استدعاء ملك الملو ك أمامهم ،كي ل يعرفوا أنني وراء كل ما جرى ت أو إحضار ملك الملو ك، ويجري ،فخرج ت إلى الخالء ،وعبثاً حاول ت إحضار ك أن ِ بح ّ ظي البائس ،ومصير أولدي التعساء ،إلى أن استيمقظ ت من نومي« فرح ت أند ُ وفوجئ الديب لمقمان بملك الملو ك يمق ف أمام السرير بثياب الّنوم وهو يهت ف بانفعال: »ُمرني يا موليُ ،مرني لنزل مصيبة بالمدينة التي جعل ت أولد ك يكابدون ويالت الفمقر والجوع؟!!« »وأن ت كي ف عرف ت بالُحلم أيها الملك؟« »أخبرتني الميرة نور السماء يا مولي؟« »لكّنه كان مجّرد أضغاث أحالم أّيها الملك!« وفوجئ الديب لمقمان بالميرة نور السماء تهت ف: »للس ف كان حمقيمقة يا مولي ،لم تحصل أسرتك على شيء وهي الن دون طعام!« ونهض الديب لمقمان ليجلس في الّسرير وليهت ف» :ل ،ل ،غير ممكن ،مستحيل!« يثم غمر وجهه براحتي يديه وهو يهّز رأسه بانفعال شديد ،جاهداً لن يكب ت اللم في دخيلته. لجلج يصوت ملك الملو ك متلعثمًا: »هل أنتمقم لَك أشد انتمقام يا مولي؟« وران يصم ت فظيع ،كان الديب لمقمان خالله ما يزال تح ت وقع الصدمة ،يكب ت أيثر انفعالته ،ويجاهد للسيطرة على نفسه ،وقد ضّم ت الميرة نور السماء رأسه إلى
يصدرها ،وهتف ت إلى الملك شمنهور: »إيا ك أن تمقدم على فعل شيء دون أن يأذن مول ك أّيها الملك« »لن تشعر نفس مولي بالطمأنينة ما لم أنتمقم له من هؤلء الجشعين ،الغّدارين، المرابين ،المنافمقين ،البخالء ،من معشر النس ،الذين لن يرتدعوا دون أن يدفعوا يثمن أهوائهم!« استكان الديب لمقمان إلى يصدر الميرة نور السماء ورفع يديه عن وجهه لينظر إلى ملك الملو ك ويهت ف دون أي انفعال: »ل أّيها الملك ،ل تفعل شيئًا ،وإّيا ك أن تفّكر في النتمقام ،لمقد عش ت كفلسطيني أهوالً أيصعب وأمر مما ل يمقا س ،بما تعيشه ُأسرتي الن ،ولم أسَع إلى النتمقام وإن فّكر ُ ت فيه! أرسل من يأخذ لسرتي شيئاً من المؤونة والطعام واللبا س والجواهر أيضًا« »لو أنك عش ت لّذة النتمقام ،لو أّنك جّربتها ولو مّرة يا مولي ،لما أمرتني أن أفعل ذلك فمقط!« ُ »بل جّربتها أيها الملك وإن في مسائل ليس ت ذات شأن ،ول أريد أن أجّربها الن في مسائل تتعّلق بمصير البشر« »إّني لس ت خائفاً عليك إل من هؤلء البشر الذين تؤيثرهم على نفسك يا مولي« »ل أظن أّن في ممقدورهم أن يفعلوا بي كفلسطيني أكثر مما فعلوا ،هذا إذا لم أستطع دفعهم إلى التغلب على نوازع الشر في نفوسهم!« »ل أظن أّن هنا ك من يمقدر على ما تريد غير ا يا مولي« »سأسعى للمقائه وإقناعه أّيها الملك ،كي يساعدني لتحمقيق ذلك« »وإذا لم تتمكن يا مولي؟« »سأسعى بالحسنى والمحبة وعمل الخير أّيها الملك« »أشك أّنها ستجدي شيئا ً يا مولي!« »أرجو ك أّيها الملك ،إّني في حاجة إلى من ُيغني في نفسي المل والتفاؤل بالخير، ولس ت في حاجة إلى من يدّمر هذا المل وينّمي بذور الحمقد ،فال تدعني أغضب عليك، اذهب ونّفذ ما أشرت به عليك ،واتر ك أمر النا س لي« »اعذرني يا مولي ،فأنا ل أحتمل أن أرى دخيلتك تتمّز.ق أمام عينّي وأنا المقادر على إراحة نفسك ،وإعادة الطمأنينة إلى جّوانّيتك وبطينتك« »ل عليك أيها الملك ،أنا بخير ،وهذ ه مسألة سهلة أمام الهوال التي ستواجهنا ،وإذا لم نتغّلب على هذ ه فلن نتغّلب على ما هو أكثر قسوة وفظاعة وإيالما ً للنفس« »ليس ت المشكلة مشكلة أسرتك يا مولي ،فلمقد عرف ت من أتباعي أّنك كفلسطيني تحمل في دخيلتك من اللم ما تنوء الجبال بحمله!« »هل تتجسس علّي أّيها الملك؟« »معاذ ا يا مولي! لكن دفعتني رغبة عارمة لن أعر ف ما حل بأهل محبوبتي عستارت خالل العوام الثاليثة آل ف التي أمضيتها في قممقم ُسليمان ،فعرف ت أّنهم قاسوا من الهوال ما لم يمقاسه بشر قط ،بدءاً بمقتل جميع نسائهم ورجالهم وأطفالهم وحيواناتهم
في أريحا – وهذا ما شاهدته بعيني – مروراً بممقتل »ُجلّيات« ويصلب يسوع المسيح، وانتهاًء بالمجازر الحديثة في المقرن العشرين ،التي تّوج ت بمجزرة الحرم البراهيمي!« »وهل عرف ت كل هذا التاريخ أّيها الملك؟« »ولَِم ل أعرفه يا مولي طالما أن أعواني خارج المقماقم شاهدوا كل الحداث وشهدوا عليها ،ولو سأل ت الميرة نور السماء عّما شهدته من أحداث ،لحّديثتك بما تنفطر له المقلوب!« »آ ه ،أرجو ك أيها الملك ،أنا أعر ف الماضي كّله ،وعرف ت مئات المجازر وشهدت مئات المجازر ،وأريد أن أنسى ،أنسى تمامًا ،ول أتذّكر شيئًا ،ول أريد أن أفكر إل في المستمقبل ،في المستمقبل ،هل فهم ت؟ ليس الفلسطينيون وحدهم من عاشوا المجازر وويالت الحروب والمآسي ،كل شعوب الرض عاش ت مآسيها وويالتها ،والن ل أمل إل في المستمقبل ،وليس بما خّلفته أحمقاد الماضي!!« »معذرة يامولي ،وإني لتضّرع إلى ا ،أن يكون دائما ً إلى جانبك ،وُيلهمك المقوة وال ّ صبر والعون ،للتغلب على الماضي ،ورسم طر.ق المستمقبل« وانصر ف ملك الملو ك ،فيما غمر الديب لمقمان رأسه في يصدر الميرة نور السماء وشرع في الُبكاء .احتوته الميرة بكل جسدها وحنانها إلى أن غدا جزءاً منها: »لن أدع نسيم الشرور ته ّ ب حيث يكون مولي ،ولن أتيح للجاحدين أن يطفئوا البتسامات الوادعة أمام خطا ه ،ويطمسوا نذر المحّبة التي تنوء بها شغا ف قلبه ،ويطفئوا شموع المل المنيرة في أعما.ق نفسه ،إّني أرى المحّبة تفرد أسارير أجنحتها على قلوب النا س ،وابتسامات الفرح ترتسم محّلمقة على شفا ه البشر ،وبشائر الّسعادة تطّل ملّوحة من عيون الطفال .ليطمئن قلب مولي ،ولتغمر نفسه نسائم الهناء ،ولترقص لمرآى عينيه أجمل الورود .هي ذي المال الجميلة تلج غياهب الحاسيس وتناغي أحالم المحبة« »ما أعظمك أّيتها الحورية الميرة ،ما أجمل هذا الحنان الدافق من نبل قلبك ،كم أتمنى أن يصحو هذا العالم من ُسباته لينُعم بفيض محّبتك ود فء حنانك ،يستظّل بفيء ابتسامتك ،ويستنير برجاحة عمقلك ،ويستكين إلى ابتهالت الّروح المنسدلة حّتى من حرير شعر ك ،فمّدي يد ك يا مليكة قلبي وامسحي براحتها على جبين هذا العالم ،لعّله يستعيد محّبته من غياهب ال ّ ضياع وظلمات الحمقاد« ق على وجهك ،كي »سأفعل يا مولي كل ما تشاء أن أفعله ،فاخلد إلى الراحة ،واستل ِ تتيح لشو.ق أيصابع يد ّ ي أن يلثم أسرار جسد ك!« استلمقى الديب لمقمان على وجهه وإن على مضض ،كما أشارت الميرة نور السماء! لكن ما أن أح ّ س بدبيب أناملها يحبو على أسارير ظهر ه بكل هذا الّشو.ق ،وأيصابعها ّ تداعب عضالت جسد ه ،وتِسلها عضلة إيثر عضلة ،حّتى استسلم لخدٍر لذيذ ،راح يسري في شرايين جسمه ومسامات جلد ه ،ويدعو ه لن يبمقى مطروحا ً في الّسرير لساعة ُأخرى، ولو لم يكن ُهنا ك أشياء كثيرة تنتظر ه لبمقي مطروحا ً اليوم بطوله. س وكأّنه طرح عن كاهله حمالً يثمقي ً حين نهض ،أح ّ ال ،وأّنه غدا كطائر خفي ف الوزن
)(5 حمقيمقة وخيال وجن وخوازيق! وهم يتناولون إفطارهم في شرفة بي ت الضيافة ،أبدى الديب لمقمان رغبته في أن يبمقى على اّتصال مع كوكب الرض لي ّ طلع على ما يجري عليه ،فأوعزت الميرة نور السماء إلى قائد المركبة ،الذي جاء بطاقم من الجن وطلب إليهم أن يبمقوا في المركبة لتشغيل أجهزة التصال وريصد كل ما يجري على الكوكب. جاء »شاهل بيل« رجل المعرفة ترافمقه زوجته »سلمنار« .كان ت امرأة سمراء فاتنة الجمال ،يصافح ت الديب لمقمان والميرة نور السماء بتهذيب جّم ،كان بوّد الديب لمقمان أن يطمئن عّما إذا َمّرت الليلة بسالم. »آمل أن تكون الليلة قد مّرت بسالم على أبناء كوكبكم« بادرت السيدة سلمنار إلى المقول: »ل أظن أن أبناء الكوكب سعدوا في حياتهم كما سعدوا هذ ه الليلة« »وهل انته ت السعادة الن؟« »ل أيها الديب ،فالجن ما يزالون معنا« وتنّبه الديب لمقمان إلى ما يظن أنه انتهى بمرور الليل ،وراح يتساءل في سريرته عّما سيجري ،متخّوفاً من أن يمقوم الجن بإفساد أبناء الكوكب وجعلهم يغرقون في اللهو والمرح وتر ك العمل .ورّبما يزرعون الشّر في نفوسهم بعد أن قاومو ه آل ف الّسنين. »وأين هم الن يا سّيدتي؟« »في المنازل ،في المطاعم ،في الحدائق ،في الكروم والبساتين والحمقول والغابات ،على سفوح الجبال وفي الودية والمروج والخاديد والّشعاب وعلى شواطئ النهار والبحار والمحيطات« ت من أّن المور تجري على ما يرام ،وأنه ليس يثمة مشاكل على كوكبكم؟« »أوايثمقة أن ِ فمقال شاهل بيل: »يثمة مشاكل ل تستحق التوّق ف عندها ،كالفراط في تناول الكحول والغرا.ق في الملّذات الجسدّية« »ألن يسبب كل هذا مشاكل كالغيرة مث ً ال ،قد تؤدي إلى المقتل أو سفك الدماء ،أو مجّرد الّشجار باليدي؟« »ليس أبناء كوكبنا من يستخدمون شيئا ً للذى حتى أيديهم ،إّن أقصى ما يفعلونه حين يغضبون ،هو أن يرفعوا أيصواتهم بعض الشيء!« »ومتى كانوا يرفعون قبضاتهم أو يشهرون سكاكينهم أو ما شابه ذلك؟« »مررنا بهذ ه المرحلة منذ مئات العوام ،واستطعنا التغّلب عليها!«
»غريب ،كل شيء مررتم به وتجاوزتمو ه ،أل تعانون من شيء الن؟« »أشياء ل تستحق الذكر!« »وبّم يمتاز أحدكما عن الخر؟« »بمدى معرفته ،بتفّوقه في ميادين العلوم والداب والفنون ،بتفانيه وإبداعه في عمله، بسمّو نفسه ،بتهذيب لغته وحسن نطمقه ومنطمقه ،برقّي سلوكه ،بمدى محّبته للخرين، ومدى اّتحاد ه بالذات الُكلّية أو الكونّية .يثمة جوانب كثيرة في حياتنا تمّيز النسان عن الخر أيها الديب لمقمان« وخطر للديب لمقمان أن يسأل: »هل الذات الكلّية أو الكونّية هذ ه ،هي بمثابة ا عندكم؟« »يمكنك أن تعتبرها مجازاً كذلك ،أما إن شئ ت الّدقة فالذات الكلية هي الوجود ،وبعض فالسفتنا يعتبرونها المادة ،لنها أيصل الوجود وأيصل كل شيء ،وبعضهم يعتبرونها خاليصة الحياة وروحها التي ينتظم الوجود فيها!« »وهل تمقيسون مدى اّتحاد النسان بالذات الكلية أو اقترانه بها أو اقترابه منها ،بمدى ما يحمقمقه من إبداع في مختل ف مجالت الحياة؟« »بكل تأكيد نعم!« »هل يمكن المقول أن العلم والبداع هما بمثابة يصالة لهذ ه الذات؟« »مجازيًّا ،أو إلى حد ما ،نعم!« »وبَم ُيكافأ النسان المتفّو.ق لديكم ،أو أّنه ل ُيكاَفأ؟« »ل ،بل ُيكافأ بأن نحمقق له رغباته على الكوكب« »حتى لو طلب أن يعيش وحد ه في قصر ،وأن يكون لديه العشرات من الخدم ،وأن يتنّمقل يصة أينما يشاء ومتى يشاء ،وأن يتناول طعاما ً خا ّ بوسائط نمقل خا ّ يصا ً على سبيل المثال؟!« »نعم ،يثمة إمكانّية لذلك ،لكن ما يجعل النسان المبِدع عندنا ل يمقدم على طلبات تمّيز ه كثيراً عن الخرين ،هو اعتمقاد ه أّن الخرين جزء منه ،جزء من ذاته ،لذا ليس من اليسير عليه أن يرى نفسه ممّيزاً إلى حد كبير عنهم ،يمكن أن يكون ممّيزاً بشكل نسبي ،وُتلّبى بعض رغباته العادّية« »كي أفهمكم بشكل جّيد أيها العالم ،أريد أن أبّسط المسألة بمثال من عندي: لعتبر أن كوكبكم بي ت ريفي ،يمقطنه أب وأم وأولدهما ،ولعتبر أن الب هو أهم المبدعين في هذا البي ت ،فهو ل يمّيز نفسه عن أولد ه وزوجته إل بمقدر ل يبعد ه عنهم، وهو يحرص على جمال البي ت لنه بيته ،وعلى الكتاب الذي في المكتبة لنه جزء من ذاكرته ،وعلى الجدران لنها تحميه وتحمي البي ت ،وعلى نمقاء الهواء الذي يدخل البي ت كي يبمقيه نظيفا ً من الّشوائب والملّويثات ،وعلى الهواء نفسه طبعا ً لنه يتنّفسه ،وعلى النباتات والشجار حول المنزل لهمّية الكسجين الذي تفرز ه ،وعلى جمال زهور الحديمقة لنها ُتريح نفسه ،وعلى الكرم والبستان لّنه يأكل منهما الخضار والفواكه، وعلى الخضار والفواكه بحد ذاتها لّنه ل غنى له عنها ،وعلى العشاب لّنه يستخرج
منها الّدواء ،وعلى الحيوانات لنه يأكل لحمها ويشرب حليبها ،وعلى التراب لنه ل غنى عنه للنبات ،وعلى الماء لعدم إمكانية استمرار الحياة دونه ،وعلى المكان لضرورته ،وعلى الّزمان لستحالة الحياة خارجه ،وعلى الفراغ والتساع لحرّية الحركة ،وعلى الفضاء للتحليق ،وعلى النار للطهي ،وعلى الحرارة لنمّو الحياة ،وعلى النور للرؤية ،والنور مستمد من الشمس ،والشمس مركز لمجموعة كونّية ل تنفصل بدورها عن مجموعة كونّية أخرى ،إلى آخر ما ُهنالك من الموجودات والكائنات والملموسات والعنايصر والشياء وضرورتها للحياة ،ولعتبر أّن كل فرد في هذ ه السرة يحمل هذ ه الرؤية البوّية ،فهل أكون قد رسم ت مثالً مبّسطا ً لفهم فلسفتكم المعرفّية؟!« أطر.ق شاهل بيل قلي ً ال: »أجل يمكنكم ذلك ،رغم أّنكم بّسطتم المر إلى حد كبير ،فالمسألة أعمقد من هذا التبسيط!« »المشكلة أيها العالم أّنكم من كوكب آخر ،ول أعر ف أفكاركم الدينّية ول فلسفاتكم المادّية والعلمانّية وأنظمة حكمكم السابمقة ،ول تعرفون أفكارنا وفلسفاتنا نحن أبناء الرض ،وإل لما كان ُهنا ك أّية مشّمقة في الحوار ،لكن يبدو لي أّنكم عرفتم معظم ما مررنا به ،بل وما نزال نعيشه من أفكار دينّية وفلسفّية وأنظمة حكم ،وأنا أناقشكم على ضوء معرفتي المتواضعة لدياننا وفلسفاتنا ،فأنا أديب ولس ت فيلسوفًا ،وأمضي ت نص ف عمري في تعلمّ اللغات وقراءة الّروايات والمسرحّيات والشعر ،والستماع إلى الموسيمقى والغناء ومشاهدة السينما ومن يثّم الكتابة ،ولم أخصص للفلسفة والديان والساطير وعلم الّنفس والتاريخ والفضاء والفكر والسياسة والقتصاد والّنبات والطب إل النص ف الخر. كم بوّدي التعّر ف إليكم أكثر ،والتجّول في مدينتكم ،وزيارة متاحفكم ومصانعكم ،ول أعر ف فيما إذا سيسمح وقتي بذلك ،إذ يثّمة كوكب بائس يزخر بالمشاكل ،تركته خلفي يعيش حالة ترّقب وقلق بعد أن نزع ت سالحه« ظهرت في السماء كوكبة من الجن تحمل فتيات من النس وكوكبة من الجنّيات تحمل شبابا ً من النس ،كانوا يحّلمقون على ارتفاع منخفض ولجلجة ضحكاتهم تتناهى إلى السماع. هتف ت السيدة سلمنار: »أترى أيها الديب كم ُهم سعداء؟!« »حمقًا ،يبدون سعداء ،لكن ألن نؤّخركم عن أعمالكم؟!« »سنع ّ طل عن العمل ونحتفل ما دمتم في ضيافتنا!« »أهَو الراعي الكبر الذي أشار بذلك؟« »نعم ،لكنها كان ت رغبة الجميع« سأل الديب لمقمان الميرة نور السماء عّما إذا تعب ت من الترجمة ،فنف ت ذلك ،فطلب إليها أن تسأل السيدة »سلمنار« عّما يعنيه اسمها بلغة أهل »سوهار« فسألتها فأجاب ت: »سلمنار ..أي الّسالمة من النار ،إذا كان المسّمى أنثى ،أما إذا كان ذكراً فيذّكر المعنى، وهو اسم قديم كان يرتبط بدين سابق لنا ،كان أتباعه يؤمنون بوجود الجّنة والنار في حياة
أخرى!« »وشاهل بيل؟« »شاهد الحمقيمقة!« »يبدو لي أن لغتكم المقديمة هذ ه كان ت قريبة من العربّية التي أتحّدث بها أنا يا سيدتي« »معظم اللغات عندنا كان ت متمقاربة ،ول يستبعد أن تكون متمقاربة مع لغاتكم أيضًا« وتدّخل شاهل بيل متسائالً عّما إذا يوّد الديب لمقمان النهوض للتجّول في المدينة ،على أن يتابعوا الحديث خالل التجوال ،فوافق الخر على الفكرة ،ونهض متسائالً عن ملك الملو ك ،فانبثق أمامه بلمح البصر. »أين أن ت أيها الملك؟« »مع الجميالت يا مولي ،تناولنا الفطور في جناحي« »أما زلن ُهن ُهن أم أّنك استبدلتهن أو أضف ت إليهن؟!« »ل لم أستبدلهن يا مولي ،لكني أرح ت بعضهن ،وأتي ت بغيرهن أيضا ً من بنات الملو ك، وبنات!« وتردد ملك الملو ك وبدا خجالً بعض الشيء لّول مرة: »وبنات الـ ماذا أيها الملك؟« »وبنات النس يا مولي ،ايصطحب ت معي تسعا ً من ليلة المس!« ف الديب لمقمان دهشته من قدرة ملك الملو ك على ايصطياد فتيات النس أيضًا. ولم يخ ِ »لكن إيا ك أن تمشكلنا مع ُمضيفينا أيها الملك؟« »أبداً يا مولي ،كانوا ُسعداء ،وهُّن الن سعيدات ،ولول خوفي منك ليصطحب ت مائة منهن!« »مائة؟ هل ُيعمقل هذا؟!« »مولي ..أن ت تنسى أنني جنّي ولس ُ ت إنسيًا ،ول تعر ف أن طاقتي الجنسّية ُتعادل طاقة مائة أل ف رجل ،يثّم إنهّن جميالت وممتعات يا مولي ،وأنا خلفي يثاليثة!« »أعر ف يثاليثة آل ف عام من المقهر والحرمان! لكني حمقاً لم أكن أعر ف طاقتك الخارقة هذ ه ،رغم توّقعي ذلك ،على أية حال يكفيك ِتسع إنسّيات ،واختر من الجنّيات ما يحلو س أن تدع النسّيات ينصرفن متى شئن!« لك ،ول تن َ »لمقد وقعن في ُحّبي يا مولي ،ول يصّدقن حتى الن أنهن خليالت ملك ملو ك الجن« ابتسم الديب لمقمان وهو يأخذ بيد الميرة نور السماء ويهّمان للنزول من البي ت. »هل أرسل ت ما طلبته منك إلى أسرتي؟« »نعم يا مولي ،أرسل ت لهم جنيّا ً في شكل إنسّي اّدعى أّنه يصديمقك ومرسل من قبلك، وقّدم لهم حمولة شاحنة مما طلبته ،وأخبرهم أّنك بخير وتسّلم عليهم ،وستعود إليهم قريبًا، وهم الن في غاية السعادة« »أشكر ك أيها الملك ،أل تريد أن تتجّول معنا أن َ ت وخليالتك؟« ويبدو أن ملك الملو ك كان قد حزم أمر ه على ما هو أجمل ،فمقد أجاب على الفور: »ل ،ليسمح لي مولي ،فمقد دعوت الفتيات ومن يرغبن في دعوته لتناول الغداء على
المّريخ!« »على المريخ أيها الملك؟!« »أجل يا مولي ،لقنعهن أني ملك ملو ك ،وأنني قادر على فعل المعجزات« »ومتى ستعودون؟« »قبيل اليصيل يا مولي« »وإذا ما احتج ت إليك؟« »ما عليك إل أن تهت ف باسمي يا مولي لتجدني أمامك« »وإذا ما واجهتكم مشكالت على المريخ؟« »وهل يثمة مشاكل يمكنها أن تعترض طريمقي يا مولي وأنا خارج المقممقم؟« »لكن إيا ك وسفك الّدماء« »حتى لو اضطررت إلى ذلك يا مولي؟« »اعمل على أل تضطر« »وحتى لو كان مسببو المشاكل من غير النس؟« »حتى لو كانوا من الجن أو الطيور أو الحيوانات أو النباتات أو السما ك!« »وإذا كانوا من المالئكة والشياطين؟« »حتى لو كانوا كذلك ،ل ُنريد أعداء أيها الملك ،إذا وجدت الكوكب مأهولً بكائنات ما، فابحث عن أرض خالية ،وإذا لحق بك أحد اهرب بضيوفك« »أمر مولي« س أننا دعونا مواطني الّزهرة على حفل عشاء في السماء« »ل تن َ س يا مولي ،أوعزت إلى مليونين من مهرة الجن للتحضير للحفل« »لم أن َ »ماذا ستفعل بالمليونين أيها الملك؟« »سترى في المساء يا مولي« »هل ستمقلب الدنيا رأسا ً على عمقب؟« »ل لن أقلبها يا مولي« »حسنًا ،سنظل قلمقين إلى أن تعودوا« »ل تمقلق يا مولي« نزل الديب لمقمان والميرة نور السماء والعاِلم »شاهل بيل« والسيدة »سلمنار« وراحوا يتجّولون في شوارع المدينة التي بدت واسعة ونظيفة وجميلة وتزّينها النباتات والزهور والشجار المختلفة ،وكان ت شبه خالية من الحافالت ،وقد ُأقفل ت جميع الّدوائر والمؤسسات والحواني ت لحتفال سّكان الكوكب بضيوفهم من أبناء الجن ،وكان ُهنا ك بعض الشباب والفتيات يتجّولون في الشوارع أو ينتشرون في الحدائق والمتنّزهات. توقفوا في ساحة كبيرة تنتصب فيها مئات التمايثيل المختلفة لنساء ورجال ،قال شاهل بيل: »إن هذ ه التمايثيل هي لمبدعين ومتفّوقين في تاريخنا ،ومعظم الساحات وسطوح بعض البنية عندنا يمقام عليها مثل هذ ه التمايثيل«
نظر الديب لمقمان إلى أعلى البنايات ،كان ت التمايثيل تحيط قواعد الشكال المخروطية والهرمية التي تعلو أسطح البنايات. »لكن ،ما هي الغاية من هذ ه الشكال الساممقة للسطوح عندكم؟« »إنها بالدرجة الولى ترمز للتطّلع إلى المعرفة ،وهي مستوحاة من الخوازيق التي كانوا يجلسون عليها العظماء والمفّكرين من أجدادنا« »ولماذا كانوا يخوزقونهم؟!« »لختالفهم معهم في أمور الدين والمذاهب والمعتمقدات والفكار والنظم السياسّية وغير ذلك« »وهل كان ت الخالفات تبلغ حد الخوزقة؟« »والحروب أيضًا« »هل كان الخال ف في العادة يدور بين دين ودين آخر ،أو فكر وفكر آخر ،أم بين تابعي الدين أو الفكر ذاته؟« »حدث عندنا كل ما يمكنك أن تتخّيله من يصراعات حّتى بين الب وابنه« »وكي ف تجاوزتم هذ ه المرحلة؟« »كثرة الصراعات وما كان ينجم عنها من ضحايا أّدت إلى ظهور نظام رأسمالي ديممقراطي ،أتاح الحوار بين الفكار المختلفة ،وأتاح ظهور أحزاب وأفكار جديدة ،حتى بلغ المر في بعض القطار إنشاء حزب في كل قرية ،ولم يعد في ممقدور أي جماعة أو أي حزب الويصول إلى السلطة إ ّ ل بالتحال ف مع أحزاب أخرى ،غير أن هذ ه المرحلة لم تدم ،فلمقد غدت الشعوب واعية ولم يعد في ممقدور أحد الويصول إلى الّسلطة مهما كان ديممقراطيا ً وعلمانيا ً ومتفانيا ً في خدمة الشعب!« »وهل ُيعمقل هذا؟« »ولماذا ل ُيعمقل؟« »يمكن أن تتحد الحزاب جميعا ً وتنجح في النتخابات« »لمقد اّتحدت! أقصى اليمين مع أقصى اليسار ،وأكثر الحزاب تناقضا ً فيما بينها ولم تنجح ،لن أكثرية الشعوب لم تعد تؤمن بالحزاب وال ّ طوائ ف!« »وبماذا أيصبح ت تؤمن؟« »بالمعرفة ،بالعلم ،بالعمل ،بالمحّبة!« »ألم تكن الحزاب تؤمن بالمعرفة؟« »بلى ،لكن انطالقاً من فهمها للمعرفة ،فالمؤمن كان يرى أن ا هو مصدر الخلق، والعلماني كان يرى أن المادة هي المصدر« »ولَِم رفض ت الشعوب الماديين؟« »لن النتماء الحزبي ظل في معظم جوانبه أقوى من النتماء المعرفي ،إلى أن أيصبح المادّيون شبه لهوتيين ،ل يمقبلون أي نمقد لفكارهم!« »هل هذا يعني أنه ل يوجد لديكم أحزاب الن؟« »أبدًا ،نحن الن نرى أنه كي تفّكر بشكل ُحر يجب أن تكون حّرًا ،وخارج أي انتماء
مهما كان!« »وكأنك تتحدث في الالمعمقول أيها العالم؟« »لماذا؟« »أليس السلو ك المعرفي للفرد إذا جازت التسمية ،انتماء للمعرفة بشكل أو بآخر؟« »أجل!« »إذاً ُعدنا إلى هذ ه الدّوامةُ ،عدنا إلى النتماء حتى لو كان معرفيًا« »لكنه غير ممقّيد« »بالعكس ،أنا أرى أنه ممقّيد ولو نسبيًا ،فكل ما يتناقض مع المعرفة التي حددت أطرها وأسسها وقوانينها ،أو لنمقل رسم ت أو وضع ت من قبل الفرد أو المجتمع أو الّسلطة، سيكون في مجال شك ،وقد ُيلغى ول يؤخذ به!« »هل تو ّ ضح لي ذلك أفضل بمثال من أمثلتك المبّسطة كي أعر ف ماذا تمقصد بالضبط؟« »انظر إلى الّسماء أيها العالم؟« ونظر »شاهل بيل« والسيدة »سلمنار« والميرة نور السماء إلى السماء ،فشاهدوا الجن والنس يحّلمقون في جماعات ،ويمقومون بطمقو س عجيبة في الفضاء ،إما يلعبون ،أو يمارسون الحب ،أو يرقصون ،أو يغّنون أو يتمتعون بالتحليق في الفضاء. »هل شاهدت وتأّكدت مما يجري أيها العالم؟« »نعم« ُ »أل يتناقض هذا مع الطر التي وضعتموها للمعرفة أو مع رؤيتكم المعرفية؟!« وأطر.ق شاهل بيل للحظات ،وما لبث أن هت ف ليفحم الديب لمقمان: »ل أيها الديب لمقمان ،إنه ل يتناقض أبدا!!« »لمقد أفحمتني أيها العالم ،رغم أنني شخصياً أرى أن كل هذا الذي يجري الن خيال يتناقض تماما ً مع معرفتي!« »لمقد قلتها بنفسك أّيها الديب ،ومع ذلك ترى في المسألة تناقضا ً مع معرفتك!« »كي ف؟« »قل ت إنه خيال ،ونسي ت أنك لم تعر ف أنه خيال إل انطالقا ً من معرفة حصل ت عليها، ولها أطر في عمقلك ،إذن فهو ل يتناقض مع معرفتك!!« وأطر.ق الديب لمقمان مفّكراً يثّم هت ف: »لفترض أنه حمقيمقة ،فهل سيتناقض حينئذ؟!« »بالتأكيد ل!« »متى سيتناقض إذن؟« »حين نرى أن هذا حمقيمقة ما بعدها حمقيمقة ،أو خيال ما بعد ه خيال!« »هل هذا يعني أنه ل يوجد حمقيمقة يثابتة وحمقيمقة خيالّية أو متخّيلة؟!« »بشكل نسبي يوجد ،أما بشكل ُمطلق فال ،فكل حمقيمقة تخضع لزمانها ومكانها وحركتها وسكونها وعوالمها ومكّوناتها« »يبدو أن الحق معك أيها العالم ،فأنتم توِغلون في الُمطلق والالنهائي ،هل في ميسوري
المقول الن ،إن ما يجري الن خيال بمقدر ما هي معرفتكم حمقيمقة؟« »لكن قولك هذا قد يحتمل أكثر من تأويل ،ومع ذلك يمكنني المقول "نعم«. »لنُعد بحوارنا إلى الوراء أيها العالِْم ،حين ظهرت عندكم ديكتاتوريات ملكّية أو جمهورية ،أو اتحادية ،ذات حزب واحد ،أو أحزاب متعددة«
فمقاطعه شاهل بيل: »ديكتاتورية الحزاب المتعددة والمتحالفة خوزق ت من أجدادنا أكثر مما خوزق ت النظمة السابمقة ،البروليتاري منها والرأسمالي!« »أريد أن أعر ف ماذا جرى في هذ ه المرحلة الفايصلة بين تلك الّنظم المختلفة ،ونظامكم الحالي ،فبعد سمقوط الحزاب والطوائ ف وغيرها ،ألم يرّشح العلمانيون والمستمقلون أنفسهم للسلطة؟« »بلى ،لكن الحزاب أخذت تغتالهم ،فلم يعد أحد يرّشح نفسه ،وعاش ت البالد بعد ذلك حالة من الفوضى ،ورغم فوضويتها ،كان ت أفضل من أي نظام سابق!« »هل حدث ذلك في بعض الدول على الكوكب أم كي ف؟« »بدأ بدولة ديممقراطية كبرى يحكمها حزب واحد ليبرالي ،يثم انهارت خلفها دول أخرى، إلى أن انهارت الدول الرأسمالية الليبرالية ُكّلها ،لتتبعها النظمة المختلفة ا ُ لخرى في كافة أنحاء الكوكب ،ولم يعد هنا ك مفر من نهوض ُحكم الشعب في الدول المختلفة ،ولم يكن من العسير فيما بعد أن تجد هذ ه الشعوب والمم الكثير من النمقاط المشتركة في أفكارها ،فعمل ت على التمقريب فيما بينها إلى أن قررت التحاد في نظام الال دولة ،الذي يمكن أن نطلق عليه مجازاً اسم دولة« »لدي سؤال من مئات السئلة التي تلّح علّي ،سأسأله قبل أن ننتمقل إلى الخطوة الالحمقة. أريد أن أعر ف شيئاً أكثر عن الديممقراطية التي كان ت سائدة في دول الكوكب المختلفة والتي رفضتها الّشعوب« »كل نظام وكل حزب ،كان يف ّ صل ديممقراطية على ممقاسه! ديممقراطية تتيح له أن يبمقى في الّسلطة ،حتى الملو ك والجنرالت ابتكروا ديممقراطيات تتالءم مع مصالحهم« وشرع الديب لمقمان في الضحك وهو يحّلق بخياله في كوكب الرض. »لننتمقل إلى المرحلة الالحمقة التي شّكل ت بدايات النظام المعرفي الحالي .كي ف وجد أجدادكم أن يثمة ما هو مشتر ك بين الفكر الالهوتي والفكر العلماني مث ً ال؟!« »في الفكر الالهوتي يثمة خالق هو ا وهو موجود منذ الزل ،وفي الفكر العلماني يثمة ماّدة موجودة منذ الزل أيضًا ،جاء منها الخلق ،وانطالقا ً من هاتين النمقطتين تَّم التعّمق في كافة المسائل ،وأخذت الّرؤى تتعّمق وتتطّور إلى أن ويصل ت إلى ما ويصل ت إليه لتشمل كافة نواحي الحياة«
»لكن كي ف حللتم مشكلة الخلق ،بين من يرى أن الوجود مخلو.ق من خالق وبين من يرى أن الوجود أزلي وغير مخلو.ق؟« صبها ،لم يكن من ال ّ »حين تَّم تحرير العمقول من تع ّ صعب على أجدادنا أن ينطلمقوا من الَعَدم ،ليمقنعوا أجدادنا الخرين بالمعمقولية تفكيرهم« »آمل أن تو ّ ضح لي ذلك أيها العالم« »القرار بالخلق ينجم عنه القرار بالعَدم قبل ُكّل شيء ،فإذا لم يكن ُهنا ك إلّ العدم ،فهل كان ا عدمًا ،وهل جاء من هذا العدم؟ يثَّم كي ف يمكن أن يأتي عد ٌم من العَدم ،والدهى ق هذا العدم وجوداً بهذا الحجم الهائل من الَعَدم وليس من ماّدة ما؟!. من ذلك أن َيخلِ َ لم يجد الالهوتيون تأوي ً ال لذلك ،فاقتنعوا بالوجود الزلي للمادة من تلمقاء نفسها ودون أن يخلمقها أحد ،خايصة وأنه كان هنا ك من سبمقهم من المتصّوفة والفالسفة الالهوتيين من اعتمقد بأسبمقّية المادة ،بل وأسبمقّية الوجود،واّتحاد ا بنفسه بهذا الوجود ُكّله وعدم انفصاله عنه ،إل بمقدر انفصال ا عن أنبيائه ،والشخص عن ذاته ،واللوحة عن راسمها، والمنحوتة عن ناحتها ،والمقصيدة عن ناظمها ،إلى آخر ما هنالك من خالمقين ومخلوقات، أو من ذات وانعكاساتها ،أو تجلياتها. لماذا تنظر إلّي بهذ ه الدهشة أيها الديب؟« »أشعر أحياناً وكأنك يصاعد من كوكب الرض إلى كوكب الزهرة ،بل أحيانا ً أشعر أّنك أنا لول أنني مازل ت أنتمي إلى هذ ه النظمة البائسة على كوكب الرض« »يبدو لي أن البشر جميعاً في الكواكب والكوان المختلفة ،مّروا بأنماط متشابهة من التطّور ،لكن عزلتهم عن بعضهم ،لم تتح لهم الفادة من معار ف غيرهم« »لكن ،نحن على الرض لسنا معزولين عن بعضنا ،والّدول المتطّورة نسبيا ً عندنا تعتبر أّن ما ويصل ت إليه من تطّور في بعض مجالت العلوم والتكنولوجيا ،أسرا ٌر هامة ل تتيح لية دولة أخرى وحتى لمواطنيها الطالع عليها« »لمقد مررنا بما هو أسوأ من ذلك!« »لنعد إلى الخوازيق أّيها العالم ،والتي جلس بعض أجدادنا أيضا ً عليها ،وما نزال نحن نجلس ،وإن اختل ف شكل الجلو س والخوزقة! أظن أنك لم تكمل لي حديثك عنها ولماذا هي ساممقة؟« »ساممقة ،لتعطي دللة على الّسمو والشموخ والخلود ،أو لتوحي بالرفعة والمقوة ،وعدا عن الجمالية التي تضفيها على البناء بحد ذاته ،وعلى المدينة بشكل عام ،فهي تمقاوم ال ّ صواعق والعوايص ف والعايصير والمطار الغزيرة وغيرها من العوامل الطبيعّية الخرى ،التي قد تؤّيثر على عمر البناء« »ولَِم استوحيتم الشكل من الخازو.ق وما عالقته بالمفاهيم التي تحّديث ت عنها ،والدللت التي أشرت إليها؟« »الخازو.ق عند أجدادنا كان يرمز إلى عضو الذكورة والمقّوة الجنسية ،وكانوا يرون أن الغريزة الجنّسية بحد ذاتها وما تدفع إليه من فعل جنسي ،وما ينجم عن ذلك من حياة مسألة ممقّدسة«
»وهل تحترمون هذ ه النظرة الن؟« »بالتأكيد ،ونمار س الجنس بحرّية كما ترى ،شريطة توّفر المقبول لدى الطرفين ،أو لدى الطرا ف المختلفة« »ولم تضعوا شروطا ً أخرى« »ل ،أو أنها شروط ليس ت بذي أهمّية« »حتى لو كان بعض الطرا ف متزّوجين؟« »ل يوجد عندنا زواج حسب بعض المفاهيم التي طّبمقها أجدادنا ،الزواج عندنا الن هو اّتفا.ق ايثنين على حياة مشتركة لزمن غير محدد ،قد يكون شهرًا ،وقد يكون العمر ُكّله!« »وماذا عن تكوين السرة؟« »إذا أنجبا يكون الولد أولدهما طبعًا!« »وإذا اختلفا عليهم من يأخذهم؟« »ل يأخذهم أحد ،فهم أولد اليثنين ،وقد يعيشون مع الم أو مع الب ،أو في مؤسسات رعاية الطفال ،والغالبية العظمى تختار هذا الحل ،لنه الفضل لدى الجميع ،وقد يأتي الباء معاً أو منفردين ،ويصطحبونهم في رحالت أو زيارات وما إلى ذلك .وانفصال الّرجل والمرأة عندنا ل يعني أّنهما ابتعدا أحدهما عن الخر ،فهما يّتحدان بالذات الجمعّية« »أن ت تستخدم تعبير الذات الجمعّية لول مّرة« »هي جزء أكبر من الذات الفردّية أو الخايصة أو الصغرى ،وأقل من الذات الكّلية أو الكونّية ،إن التسميات ليس ت مهمة لدينا ،المهم هو الدللت« »وماذا عن الخيانة الّزوجية؟« »ل يوجد عندنا خيانة ،إذا اشتهى أو رغب أحد ال ّ طرفين طرفا ً يثالثا ً وهذا يحدث دائمًا، فهي حق طبيعي له ،وإعالم الطر ف الثاني أو عدم إعالمه مرتبط بالتفا.ق الخاص بينهما ،وهذا التفا.ق قابل في كل لحظة للتغيير واللغاء من قبل أي طر ف!« »هل هذا يعني أّنه ل يوجد عندكم رغبات غير مشروعة« »بل يوجد كثير ،فكل ايثنين لهما شرعهما الخاص بهما ،ويثمة بيننا من يتعاهدون على الحب والخالص إلى البد!« »وماذا عن المحّرمات الجنسية لديكم؟« »ل يوجد عندنا محّرمات بالمعنى الديني السابق ،يوجد ما هو مكرو ه وما هو غير مرغوب .المكرو ه ،مضاجعة الم والبن ت والخ ت والخالة والعمة ،وغير المرغوب مضاجعة ابنة العم والخال والخالة والعمة ،وأّية فتاة من السرة ذاتها مهما كان ت قرابتها، خا ّ يصة إذا ما كان هد ف المضاجعة هو النجاب! يثّم إن الفتضاض للفتاة غير مرغوب قبل سن العشرين ،واليالج للفتى قبل السن ذاتها أيضًا ،ونمقصد من ذلك ،أن يصل الفتى والفتاة إلى سن النضج الذي يتيح لهما إدرا ك أبعاد الُعالقة ،لكن الرغبات الغريزّية العفوية والتي يعّبر عنها الطفال مع بعضهم بالمداعبة والمالمسة والتمقبيل ،فهذ ه تعتبر مشروعة مهما كان سن ال ّ طفل ،لكن يتم إرشاد الطفال من قبل البوين أو المؤسسة
الراعية إلى كيفية ممارستها وشروط هذ ه الممارسة حتى ل يؤذي الطفال بعضهم ،أو يتناقلوا المراض. كذلك مكرو ه جداً عندنا أن يمقوم رجل بالغ بممارسة هذ ه المداعبات لمن هُّن دون سن الثامنة عشرة ،وهذا ينطبق على الّنساء البالغات في تعاملهن مع الفتيان ال ّ صغار .أظن أن سن الثامنة عشرة يمقارب سن الرابعة عشرة على كوكبكم!« »غريب أّيها العالم!« »ما هو الغريب؟« »حالنا على الرض ،فأنظمتنا رغم العديد من الّشرائع التي تتبعها ،لم تضع حلولً ترقى إلى حلولكم في هذ ه المسائل ،إذ يثّمة مشّرعون من أممنا ،أتاحوا الزواج من يصغيرات في سن التاسعة ،ومداعبتهن وتفخيذهن وهن في السادسة ،بل وذهب بعض الالهوتيين لدينا إلى إتاحة ذلك حتى مع الّرضيعة ،وأوغلوا في الخيال إلى حّد تصورواً فيه رجالً يمكن أن يطأ طفلة يصغيرة ويخّرب جسدها ،كأن يش ّ ق َمهبلها على شرجها ومجرى بولها، بحيث يصبح الثالث مجرى واِحدًا!!« »ولماذا تصّوروا ذلك؟« »لكي يعاقبو ه إذا ما تجاوز المداعبة إلى الفتضاض أو التدمير!!« »هل يعمقل أن تحدث مثل هذ ه اليثام عندكم؟« »بل ما هو أسوأ ،إذ ل يوجد في معظم دولنا أية يثمقافة جنسّية أو توعية وتوجيه جنسي للطفال ،فيعيشون طفولتهم بأشكال عشوائية ،إلى حد قد يضاجع الخوة أخواتهم والخوات إخوتهن ،وأحياناً النوع مع ذاته كأن تمار س الناث الّسحا.ق ،أو يمار س الّذكور اللواط ،والمصيبة أّن هؤلء الطفال ما أن يكبروا قليالً حتى يواجهوا عالم الحجاب والمنع والمحّرمات غير المعمقولة ،مما يؤّدي إلى يصدمات نفسّية تدميرّية فظيعة تورث الطفل أمراضا ً مزمنة ل ينجو منها إل المقّلة!« »يبدو لي أنكم متخّلفون كثيراً أيها الديب ،فما تتحّدث عنه شيء فظيع عندنا« »للس ف ل يوجد في كوكبنا إل الفظائع ،وإن تسّتر بالخال.ق الزائفة!« »لكن لماذا ل يوجد توجيه جنسي للطفال عندكم؟« »المسألة تتعّلق بالتخّل ف ،فالتحّدث مع الطفال ،بل ومع الكبار ،عن هذ ه المور يعتبر عيبا ً وعارًا ،وينمو الطفل ويكبر أحياناً دون أن يعر ف حدود العيب والعار والحرام ،أو يعرفها ويطّبمقها بشكل خاطئ .مما ينعكس على سلوكه وحياته الجنسّية ،كأن يصاب بالبرود البدي ،وهذ ه الحالة تصيب النساء عندنا أكثر مما تصيب الّرجال ،إذ يثمة نساء يتزوجن وينجبن أطفا ً ل ويشخن دون أن يعرفن ما هي الذروة الجنسية ،بل دون أن يسمعن بها!« »لماذا ل تحّديثنا عّما تعرفه أن ت معايشة من قصص كوكبكم ،فمقد نفيد منها بعض الشيء!« س أعرفها لما يصّدق ت« »لو حّديثتك عن مآ ٍ وهتف ت السّيدة سلمنار:
»أنا سأيصّد.ق ،يا لي ت لو تحّديثنا شيئًا!« »وأنا سأيصّد.ق بالتأكيد أيها الديب لمقمان!« »لكن هذ ه مسائل تحتاج إلى زمن وأنا متعب وفي عجلة من أمري« »اختصر أّيها الديب!« »قصة واحدة فمقط!« »ليكن وبعدها سنرى!« »عرف ت شابًا ،كان يتردد على الطبيب النفساني ،وكم سألته عّما يعاني منه ،فلم يمقبل مصارحتي ،حّتى طبيبه الذي كان يصديمقي لم يمقبل أن يمقول لي شيئا ً عّما ُيعاني منه ،إلى أن عجز جميع الطباء عن معالجة حالته ،كان يثمة أيثر عميق في نفسه ،يخز ه ويجرحه ويؤّنبه باستمرار ،لم يستطع تجاوز ه ،ودفعه مراراً إلى النتحار ،إل أنه كان يجد من ينمقذ ه في كل مّرة. فوجئ ت به ذات يوم يأتي إلّي راغباً في مصارحتي واستشارتي في المر .كان كبير تسعة ُأخوة من الّذكور والناث ،وقد افتر س إخوته الثمانية ذكوراً وإنايثا ً مستغالً يصغرهم ،فما أن يبلغ أحدهم الخامسة أو السادسة حّتى يفترسه!« »ماذا تمقصد بالفترا س يا مولي؟« »الغتصاب الجنسي أيتها الميرة« »وظّل يمار س معهم إلى أن كبروا وبلغوا ،وكان هو قد تخّرج من الجامعة .ويبدو أن الحسا س بالذنب لم يتعّمق لديه إل بعد أن رفض ت أخواته الّزواج ممن تمقّدموا إليهن« »ولماذا رفضن؟« »لنهن لسن عذراوات ،والعذرّية شرط أساسي للفتاة في بعض دولنا أّيها العالم ،فتلجأ بعض الفتيات غير العذراوات عندنا إلى إجراء عملّية رتق عند الطبيب ،كي تمقنع العريس بعذريتها وطهارتها ليلة الزفا ف!! المهم! لم يعد هذا الشاب قادراً على مواجهة طالبي نسبه بعد وفاة أبيه ،كما لم يعد قادراً على مواجهة إخوته وأخواته ،فهرب إلى العايصمة« »وماذا فعل ت له؟« ّ »كان ت مصيبة أكبر من أن أقدر على حلها ،وأكبر من كل الكالم الذي يمكن أن أنصحه به ،وتمّني ت لو أّنه لم يخبرني ،لمقد ب ّ ت أخا ف على أولدي وأولد النا س منه .لكنه لم يعد يأتي إلّي ،إلى أن عرف ت أنه عاد ليمقيم مع أسرته ،بناء على نصيحة الطباء ،شريطة أن يلتزم الّسلو ك الَّسوي مع إخوته وأخواته ،لعّله يتحسن ويستطيع مواجهة واقعه. »وهل واجهُه؟« صد ف أو ربما القدار ،تلعب دوراً هاما ً في إنمقاذ كثيرين من ظروفهم »يبدو أّن ال ّ الصعبة« »ماذا حدث؟« ب حريق هائل – أيثناء نومهم – في البي ت ،وكان هو المستيمقظ الوحيد« »لمقد ش َّ »وما أسباب الحريق؟«
»انفجار اسطوانة غاز ،كان باب المطبخ مغلمقا ً والسطوانة تهّرب الغاز ،وحين دخل إلى المطبخ وضغط على زر الكهرباء ليضيء النور ه ّ ب الحريق ،لتتفجر السطوانة ولتنتشر النار في البي ت ُكّله. تفانى في إنمقاذ إخوته وأخواته .قيل لي أنه كان يل ّ ف أحدهم بحرام ويحمله إلى الخارج ويعود ليمقتحم الحريق ،وينمقذ آخر ،إلى أن أنمقذ الجميع ،واحتر.ق هو .مات ت الم فيما بعد من جّراء الحريق ،وتشّوه ت إحدى الفتيات« »أل يمكن أن يكون هو قد دّبر الحريق بمقصد التطهير من عذاب الضمير ،والتكفير عن الّذنب ،خايصة وأنه كان مصراً على إنمقاذ الجميع ليحتر.ق هو ويموت« »هذا وارد أّيها العالم ،وقد فّكرت أنا في المر حين سمع ت المقصة ،وعرف ت أن إخوته حزنوا عليه كثيرًا!!« »وماذا بعد أيها الديب؟« »يمكنك أن تعتبر هذ ه المقصة كأسوأ نموذج للتربية الجنسية عندنا« »يا لي ت لو تحّديثنا قصصاً أخرى عن هذ ه المسائل ،فنحن مانزال نوليها ُجّل اهتمامنا، ول نظن أننا حّتى الن نسلك الطريق الفضل ،وخا ّ يصة فيما يتعّلق بالجنس عند الطفال، أو بين الكبار وال ّ صغار« ً ّ »لدي مئات المقصص ،وكلها حمقيمقّية وليس ت من خيالي ،لكني لس ُ ت مهيّأ لمق ّ صها حتى بهذا السلوب غير المقصصي ،ول توجد لدي رغبة في الحديث ،أف ّ ضل الستماع إليكم وال ّ طالع على عوالمكم« »ستطّلع على كل شيء تريد ه أّيها الديب ،لكن أرحنا قليالً وتحّدث أن ت!« »هل تعب ت من الحديث؟« »إلى حد ما!« »سأحديثك بعض المقصص ،لكن لنذهب إلى مطعم ما ،أريد أن أرى مطاعمكم وأتناول قليالً من البيرة« »ليكن أيها الديب« |
)(6 ب ّ طيخ وبغال وزنى أبوي!! ايصطحبهما شاهل بيل والسّيدة سلمنار إلى مطعم ،ظن الديب لمقمان أّنه أرقى مطاعم المدينة وأجملها .كان المطعم يعّج بالمئات من النس وضيوفهم من الجن ،الذين كان معظمهم يرقصون رقصات جنونّية على مسرح المطعم ،وبين الموائد والممرات، والظري ف أن بعض الطهاة والّندل كانوا يرقصون أيضا ً حتى وهم يمقومون بتمقديم الطلبات وتحضير ال ّ طعام .وبدا أن النسيات كن مسرورات للغاية ببهلوانّيات الجن
وشمقلباتهم على المسرح ،خا ّ يصة حين يمسك جّني ما إنسّية ويمقّلبها بين يديه أو يشمقلبها رأساً على عمقب ،أو يمددها على كتفيه ويدور بها ،أو يحملها على راحة يد ه ،وهي تستجيب لكل ذلك بمتعة فريدة! رّحب مدير المطعم بهم وأفرد لهم طاولة بعيدة بعض الشيء عن الضجيج والضوضاء. تأّمل الديب لمقمان الراقصين والمبتهجين إنسا ً وجنًّا ،وما لبث أن شرع في التساؤلت كالعادة: »هل يتاح لي مواطن عندكم أن يتناول طعاما ً مجانا ً في مطعم كهذا؟« »أنا أختل ف معك أّيها الديب حول كلمة مّجانًا ،فهذا المواطن يعمل ويتعب ومن حّمقه أن يأكل ويشرب ما يشاء في أي مطعم ،مع أّن مستوى المطاعم ل يختل ف عنه من مطعم إلى آخر ،فُكّلها درجة أولى إن شئ ت التصني ف ،وكّلها تمقّدم الطعام ذاته والمشروبات ذاتها وبالطريمقة ذاتها ،والسائد أكثر لدينا هو الخدمة الذاتية ،لذلك تجد الندل قليلين عندنا!« »لكن!« فمقاطعه شاهل بيل قائ ً ال: »أنسي ت أنه جاء دورنا لالستماع إليك؟« ّ »ليكن! لكن سأختصر لقول ،إن المشاكل في كوكبنا أكثر من أن تحصى ،وفيما يتعلق بالمسألة الجنسية ،تجد نساء عندنا ورغم المقناع الخالقي يضاجعن أبناءهن ،ورجالً يضاجعون بناتهم ،ويثمة من يضاجعون البهائم والحيوانات وحتى الفواكه والخضار، ويثمة من يخونون نساَء هم ،ويثمة من يخّن رجالهن ،ويثمة من يتزّوجون امرأة كل أسبوع على سّنة ا ورسوله ،ويثمة من لديهم مئات الجواري والغلمان!« ال ،مه ً »مه ً ال أيها الديب ،ماذا تمقصد بمضاجعة البهائم والفواكه والخضار؟!« »يا عزيزي ..عندنا في الري ف يلجأ أبناء الفالحين إلى مضاجعة الجحشات والبغالت والبمقار والمعز والّنعاج والخنازير .وفي المدينة ،ورّبما في الري ف أيضًا ،تلجأ النسوة إلى الخيار والجزر والموز والكوسا والفّمقو س والباذنجان ،وحتى الّزجاجات السطوانية والصّبار!« »الصّبار؟« »نعم! ذات مرة فعلتها فتاة من قريتنا لم تجد غير ال ّ صبار لن شوكه يثيرها أفضل من أي فاكهة ُأخرى!« »وأن ت ماذا أدرا ك أيها الديب؟« »هي قال ت لي حين رأي ت شفريها متوّرمين!« وراح السيد شاهل بيل وزوجته يضحكان ،فيما الديب لمقمان يتابع: »لكن إن شئتما الطر ف ،فهو ما فعله أحد المراهمقين في بلدتنا مع البطيخة ،حيث يثمقب في قشرها دائرة بحجم عضو ه ،وحفر لها حفرة في الرض كي تستمقر فيها واستلمقى فوقها .كان أمتع شيء في هذ ه المضاجعة ،هو إحساسه بتمّز.ق ُلب البطيخة أمام ضغط عضو ه ،فمقد كان يشعر أّنه يفتض بكارة عذراء«
كان رجل المعرفة يضحك هو والسيدة سلمنار والميرة نور السماء والديب لمقمان يتحّدث ببراءة الطفال: » وذات يوم أمعن هذا المراهق في الخيال ،فأحضر بطيخة وبرتمقالتين!« فتساءل شاهل بيل: »ولَِم أحضر البرتمقالتين؟« »كي يجعل منهما نهدين يرضعهما وهو يفتض بكارة البطيخة!« »وهل حفر لهما أيضًا؟« »ل ،يثمقبهما فمقط ،وأمسكهما بيديه ،وراح يمت ّ صهما واحدة إيثر ُأخرى وهو يضطجع فو.ق البطيخة ،التي لم يكن يتركها إل وهي مثمقوبة وُمخردقة من كل مكان!« »فع ً ال هذ ه قصص حمقيمقية ول يمكن أن تكون من الخيال أيها الديب لمقمان! لكن ،ألم يثر ك هذا المراهق أو يدفعك لن تفعل مثله؟!« وراح الديب لمقمان يبتسم ،فمقد كان يتحّدث عن نفسه ،فهو يصاحب هذ ه الفكار في زمن مراهمقته ،وخجل من أن يمقول ذلك لشاهل بيل ،فهت ف: ب وعار!« »ل عيب! أنا كن ت ممقتنعا ً أن هذا عي ٌ وحين أح ّ س الديب لمقمان أنه ل يجيد الكذب أضا ف بعض الحمقيمقة من خياله: »وإن شئ ت الحق أغواني ذات مرة ،فمقد كان شيطاناً في ابتكار أساليب للمتعة ،ففعلتها، لكني لم أكررها حين عجز خيالي عن تمثل عذراء بدلً من البطيخة! أما هو اللعين! فكان خياُله خصبًا ،وكان يخاطب الفتاة المتخّيلة بأقذع الكلمات وأسفلها ،وهو يمار س كل العن ف مع البطيخة ،وكان يتمّثل رّدة فعل الفتاة وهي تتوّسل إليه وإلى إلهه وإلى عضو ه أل يكون معها عنيفا ً إلى هذا الحد ،ويمقّلد ذلك بصوته ،ليبدو كممثل يمقوم بدورين في آن واحد!!« وفيما كان الجميع يضحكون ،هت ف شاهل بيل: »ل ،هذا مسرح متكامل ول ينمقصه شيء!« وبدت الميرة نور السماء خجلة بعض الشيء وإن كان ت تضحك ،أما السيدة سلمنار، فمقد كان ت تضحك بملء فيها ،وكأنها تستمع إلى حكايات من بالد وا.ق الوا.ق! »أن ت جميل أيها الديب ،ل تعر ف كم أجد فائدة في قصصك هذ ه ،نحن عندنا نعطي جائزة لكل مراهق يحديثنا عن سلوكه وطباعه بصد.ق ،حتى إذا وضعنا حلولً راعينا فيها غرائز النسان وسلوكه!« »شكراً لهذا الطراء أيها العالم« »معذرة أيها الديب لم أقصد« »بل اقصد يا عزيزي ،فنحن في كوكب الرض نموت ونحن في سن المراهمقة!!« فتح شاهل بيل فمه دهشة: »ماذا تمقصد أيها الديب؟« »الكب ت يالزمنا منذ طفولتنا وحّتى وفاتنا ،فال تستغرب أن يحدث معنا في الكبر ما كان يحدث معنا في ال ّ صغر نظراً لعدم وجود النساء ،أو لعَدم توّفر الحرية الجنسية ،وكم من
النساء والرجال لدينا ل يجدون غير العادة السّرية والبطيخ وما أدرا ك ما البطيخ؟!!« »إن مجتمعكم لفظيع حمقًا!« »حتى في المجتمعات التي فيها حرّية جنسية مطلمقة لدينا ،تجد معظم النسوة يفضلن ممارسة العادة السّرية على ممارسة الجنس مع أزواجهن على سبيل المثال وهذا ينطبق على نسبة كبيرة من الرجال« »هذا موجود عندنا أيضا ً لكن بنسب قليلة جدًا ،رغم أن الباعث على ذلك ليس الكب ت في معظم الحالت ،بل الهروب من روتينية الطمقس الجنسي ،والرغبة في إيجاد ممارسة ليس ت موجودة في الواقع!« »الكثرية من المتزوجين عندنا يتمّثلون نساء غير زوجاتهم خالل الممارسة معهن، وهن كذلك أيضًا ،أي أنهم يمارسون عادة سرية مع بعضهم البعض ،وهذا يساعد على إطالة أمد الزواج الفاشل!« »هذ ه الحالت شبه معدومة عندنا لن في ممقدورهما كزوجين النفصال بسهولة ،إل إذا كانا في سن الشيخوخة ول يحّبذان النفصال« وسادت لحظات من الصم ت .هت ف بعدها شاهل بيل: »وماذا عن الممارسات مع الحيوانات؟!« فهت ف الديب لمقمان: »ل! هذ ه مسألة مخجلة ،فال تحرجني!« »أنا ل أرى فيها ما هو مخجل أيها الديب لمقمان ،أن ت تتحّدث عن مجتمع مكبوت تكّبله الشرائع والمقوانين والعادات ،ومن الطبيعي أن يبحث الفرد فيه عن متنّفس لغرائز ه ،وقد مررنا بكل ما تتحدث عنه« »حمقا ً هل مررتم بذلك؟« »وأسوأ مما تتصّور« »سأحّديثكم بعض المقصص الخرى لكن باختصار!« »موافمقون!« »هذا المراهق اللعين الذي كان يصديمقي! فاجأني حين قال لي أن البغلة ألّذ من البطيخة والنعجة أيضًا! وراح يحّديثني .قال لي :إن بغلتهم لم تكن مرّوضة كما يجب لصغر سّنها، فما أن يمقترب منها حتى تضّم أذنيها إلى رأسها وتكّشر عن أسنانها وتهجم عليه لتع ّ ضه، أما حين كان يمقترب منها أبو ه أو أخو ه ،فمقد كان ت تتمّلس بهما وتحك رأسها بأكتافهما! ولم يكن قادرًا على اكتشا ف هذا السر ،إلى أن كان ذات غروب وطلب إليه أبو ه أن يصطحب البغلة إلى البئر ليسمقيها ،لنها لم تشرب طول النهار .كان ت البغلة تمر في فترة سفاد ،فلم تضم ُأذنيها ولم تكّشر عن أنيابها ،ولم تستدر لترفسه بخلفيتيها ،فأضمر في نفسه أن يفعلها معها على البئر. أبطأ في الطريق إلى البئر كي يحل الغسق ول يرا ه أحد ..وما أن ويصل إلى البئر وأسمقى البغلة حتى حل الغسق وخّف ت الرؤية .راح يداعب البغلة بأن ملس بيديه على رأسها يثم عنمقها ،فصدرها! فظهرها فبطنها وهي تستجيب ،إلى أن بلغ قائمتيها الخلفيتين فأشبعهما
ملساً قبل أن ينتمقل إلى حيائها ،ويالمسه ويداعبه لتستجيب وترتخي وتستسلم كّلية وتشرع في يثني قوائمها ،فأشرع هو عضو ه و»سفدها«! وبعد ذلك الغسق راح ت البغلة تتمّلس به كّلما اقترب منها!!« ضحك شاهل بيل إلى أن استلمقى على قفا ه! وضحك ت السيدة سلمنار والميرة نور السماء ،أما الديب لمقمان ،فمقد شرب كأ س بيرة وراح يرقب الضحك!! حين توقفوا عن الضحك ،هت ف الديب لمقمان: »أظن أن هذا يكفي أيها العالم؟« »واحدة أخرى فمقط ،أريدها من حياتك أن ت وفي الِكَبر!!« »ل! لن أحديثكم عن حماقاتي ل في ال ّ صغر ول في الكبر ،كفانا بطيخا ً وبرتمقالً وا أعلم ماذا ارتكب ت من حماقات قبل وبعد ذلك ،سأحديثكم عن حماقات من عرفتهن من بعض النساء« »على أن تحّديثنا عن حياتك فيما بعد« »حياتي تحتاج إلى مجّلدات ،وليس الن وقتها ،لكن لبأ س بنت ف منها« »ليكن ،نحن نمقبل بأي شيء منك« »كان لي يصديمقة شهوانية من بلد متحضر جداً على كوكبنا ،وكان أبوها ضابطا ً في الجيش يعمل في بلد آخر متخل ف يستعمر ه البلد المتح ّ ضر! قال ت لي أنها ذهب ت لزيارة أبيها ذات يوم في ذا ك البلد ،وكان يمقيم مع أختها التي تكبرها بعامين ،كان عمرها عند الزيارة ايثنتي عشرة سنة .فوجئ ت بأبيها ليالً يداعبها ويمقّبلها بشهوة فيما كان ت أختها نائمة ،فاستجاب ت له ،فعّراها وافت ّ ضها ،وظل يضاجعها كل يوم، واكتشف ت فيما بعد أنه يضاجع أختها أيضًا ،وقد افتضها وهي في العاشرة .ويثابر على مضاجعة اليثنتين إلى أن تزّوجتا ،وقد حمل ت يصديمقتي منه قبل زواجها ،فأرغمها على الجهاض. الطري ف في المر أن هذ ه الخيرة »يصديمقتي« ظل ت تشتهي أباها ،وكان ت تضاجعه ُكلما زارته ،إلى أن كبر وشاخ .ما أدهشني أنها لم تكن تكرهه ،ولم تكن تحمقد عليه ،بل كان ت تحّبه ،ولم تناقشه يوماً في ما يجري بينهما أو بينه وبين أختها ،ولم تكن غاضبة من نفسها أيضًا ،أو تعتبر أنها فعل ت منكراً أو ارتكب ت إيثمًا ،وكان ت ترى في قصة النبي لوط ل يحتذى ،وكان ت ابنتا هذا النبي قد أسمقتا ه خمراً الواردة في كتاب ممقد س عندنا ،مثا ً وضاجعتا ه ،وأنجبتا منه نسالً ُنسب إلى ابنيهما منه. وأطر ف ما في المر ،أنها حاول ت أن تضاجع أباها حين زارته في أحد أعياد ميالد ه وهو في سن الشيخوخة ،فلم يحدث معه انتصاب رغم كل محاولتها لستثارته .وقد فّسرت لي ذلك ،بأنه ربما نوع من الثأر أو الرغبة المكبوتة في النتمقام ،ولم أوافمقها على ذلك!« »وهل هذ ه العالقات استثنائية في مجتمعاتكم أيها الديب لمقمان؟« »هي استثنائية ،ربما لنها تجري بشكل سّري في المجتمعات المختلفة ،لتحريمها من قبل الشرائع والمقوانين المدنّية«
»وماذا أيضًا؟« »عرف ت امرأة كان ت تداعب ابنها منذ الصغر وما أن بلغ سن المراهمقة حتى كان أفضل عشيق لها .لكن حين بلغ وكبر وحاول أن يتزوج ويستمقل بنفسه ،دهمته وهو نائم وق ّ طعته بالساطور إرباً ووضعته في كيس ودفنته في حديمقة المنزل .ارتاب الجيران في أمرها. فاعتمقل ت واعترف ت بجريمتها .حكموا عليها بالعدام!« »هذ ه قصة مرعبة أيها الديب ،حّديثنا عن البيئة التي نشأت فيها« »نشأت في بيئة ريفية تغر.ق في الجهل حتى ُأذنيها ،فمقد كان أجدادنا يلبسون نساَء هم حزام العّفة حين يذهبون إلى الحج أو يغيبون عن البي ت لبضعة أيام ،وبعضهم كان يرغم زوجته على ارتدائه حتى لو غاب بضع ساعات فمقط .وبعضهم كان يخيط فرج زوجته إلى أن يعود من سفر ه .غير أن النسوة المحّنكات كّن يمقمن بفك الخيوط ول يعدنها إل حين اقتراب عودة الزوج ،ويروى عن جّدتي أنها فوجئ ت بجّدي يعود مبكراً من موسم الحج ،فهرع ت لستمقباله وهي تزغرد وتصّفق فرحا ً وتغني: وتمق ّ طعن ُقطبانه!« »من فرحتك يا بو علي أي أن خيوط فرجها تمق ّ طع ت من شّدة الفرح! أما ذوات الحزام .فكّن يصنعن مفتاحا ً سريا ً ويمقمن بفتح قفل الحزام بمجّرد انطال.ق قافلة الحج! وما يزال بعض الرجال عندنا يمقفلون أبواب المنازل على زوجاتهم حين النصرا ف إلى العمل .تعّرف ت على واحدة من هؤلء ،كان ت قد عمل ت نسخة سرية من المفتاح ،وكن ت أزورها بين فترة وأخرى وزوجها في العمل ،إلى أن اكتشف ت أنها تضاجع رجالً كثيرين لالنتمقام من زوجها الحمق ،فلم أعد أرغب في مواقعتها. وما تزال بعض المجتمعات لدينا تمقوم بختان المرأة لتخفي ف الشهوة الجنسّية لديها. فالمفهوم الشائع عند بعض مجتمعاتنا أن طاقة المرأة الجنسية تعادل طاقة عشرات الرجال .ولذلك يلجؤون إلى مختل ف الوسائل للحد منها .وهم في الغالب يمقضون عليها نهائيًا ،سواء بهذ ه الطر.ق الوحشية أو بالتربية الخاطئة التي تحايصر الطفل من طفولته إلى يصبا ه يثّم بلوغه. في هذ ه البيئة التي تشغل فروج النساء حّيزاً كبيراً من تفكيرها ،نشأت ،ولو تعر ف أيها العالم كم من العصي الغليظة تكّسرت على كتفي ،وكم من الحبال الرفيعة المفتولة والمدهونة بالزي ت نهش ت من لحم ظهري ،لكفرت بهذا الكوكب الذي ولدت فيه« »ومن كان يضربك بالعصي والحبال؟« »أبي ،ومن هنا ك غير أبي والُسلطة فيما بعد أيها العالم ،ل أرْتك الذات الُكلية عصي أبي وحباله المدهونة بالزي ت« »ولماذا كان أبو ك يدهن الحبال بالزي ت؟« »وأرباب كوكبنا ُكّلهم أنني أحياناً لم أكن أعر ف حتى لماذا يضربني تحديدًا! ما أعرفه
تماما ً أنني كن ت متخّوفاً من أن يمقتلني كما قتل أحد إخوتي ،فمقد شّكل لي هذا التخّو ف كابوسا ً ظّل يالحمقني إلى أن هرب ت من البي ت على إيثر ضربة من هراوة فأ س أرادها أن تشق رأسي ،لكني أملته فكسرت كتفي« »وهل قَتََل أخا ك حمقًّا؟« »أجل .كان أبي يضرب لتفه سبب ،لخفاقي – من جراء الهواء – في إشعال النار من عود يثمقاب واحد على سبيل المثال .أما الضربة الفأسية المقاضية التي كان قد جندل أخي بمثيلها ،فمقد سددها لنني اختلس ت من محفظة نمقود ه خمسة عشر قرشا ً كي أذهب إلى »المقد س« لقص شعري وآكل الكنافة!« »وأين تمقع المقد س هذ ه أيها الديب؟« »تمقع في موطني ،وهي مسمقط رأسي!« »ماذا تعني بمسمقط رأسك يا مولي؟« »ماذا أيتها الميرة ،هل بدأت تنسين اللغة العربية؟« »اعذرني يا مولي ،فأنا جّنية ولم أمار س العربية كثيرًا!« »اعتبريه مكان ولدتي ،مع أن المعنى الحرفي ل يخلو من طرافة« »السيد شاهل بيل يريد أن يعر ف المعنى الحرفي!« »المكان الذي لمس فيه رأسي الرض لّول مرة« »ماذا تمقصد يا مولي؟« »أقصد حين نزل ت من فرج أّمي!« وراحوا يضحكون فتساءل الديب لمقمان: »هل في هذا ما ُيضحك يا جماعة؟« »أن ت جميل حمقاً أيها الديب لمقمان ،لم يخطر هذا على بالنا ،فالمولود عندنا رّبما ل يالمس رأسه الرض حتى بعد سنة من الولدة« »هذا عندكم أما في قريتنا فالمر مختل ف!« »ولماذا كان أبو ك يضربكم بهذ ه المقسوة؟« »يبدو لي أّنه كان يكرهنا كرها ً شديداً لشّكه أننا أولد حرام ،ولم يكن ينادي أمي إل »يا شرموطة« أو »يا عاهرة« وهو يكيل لها فردات الحذية أو الحجارة إذا كانا في الحمقل! أما نحن فكثيراً ما كان ينعتنا »أولد الشرموطة« والحق إنني في طفولتي المبّكرة ،كن ت أشاهد أّمي عارية مع رجل قد ل يشبه أبي ،وقد انطبع ت هذ ه الصورة الضبابية في ذاكرتي وعاش ت زمنا ً طوي ً ال! وكان ت أمي امرأة طّيبة كثيراً وضعيفة جّدًا ،ويستطيع أي رجل بمقليل من الرغام واللط ف والخبث أن يضاجعها ،وأذكر أنها تعرض ت ذات مرة لمحاولة اغتصاب من قبل شاب ،وكم توسل ت إلّي وهي تبكي وترتج ف أل ُأخبر أبي بما حدث ،بل أن ل أخبر ه أن أحداً قد زارنا في البي ت ،فمقد كان ت تف ّ ضل أن تستر نفسها وتذعن ولو على مضض لي متحّرش أو مغتصب ،إذا ما تمادى في محاولته ،على أن تثير فضيحة قد تؤدي إلى حتفها في مجتمع ل يرحم .ويمكن لمجّرد مشاهدة فتاة فيه
تتحّدث إلى شاب على انفراد أن يمقيم الدنيا ويمقعدها وتسيل له دماء كثيرة بريئة ،وقد يؤّدي إلى حرب عشائرّية أو قبلّية .إن الهة بل »الّنة« التي ل أنساها في حياتي ولن أنساها هي »أّنة« أمي وهي تغربل الّزبل في مهجع الغنام ،ومخيلتها تستعرض بعض يصور حياتها .كان ت تتوق ف للحظات وتوجم وهي تطلق نظراتها إلى الرض وكأنها تريد أن تخترقها بها لتعر ف ما تحتها ،يثّم تئن من أعما.ق أعماقها ،وتكرر الّنة يثالث مرات متتالية ،يزداد فيها التفّجع واللم ليبلغ ذروته في الّنة الثالثةُ .كن ُ س في هذ ه الّنة ما ت أح ّ لم أح ّ س به في جميع المرايثي التي قرأتها في حياتي ،يبدو أنها كان ت تريثي فيها الحياة برّمتها ،وهي تتمثل كل اللم التي عاشتها. كان ت هذ ه النة مزيجا ً من التأّو ه والنين ولم أسمع مثيالً لها في حياتي ،لكني سمع ت ما يمقاربها من فراش الحتضار حين زرت بعد يثاليثين عاما ً يصديمقة مريضة بالسرطان، وحين شاهدت أّماً فلسطينية تئن على فمقد ابنها في مجزرة »يصبرا وشاتيال«!« وكان ت عينا الديب لمقمان قد دمعتا وهو يتذّكر أّمه ،فيما خيم الصم ت على شاهل بيل والسيدة سلمنار والميرة نور السماء .مسح الديب لمقمان دموعه وأجاب على استفسار »شاهل بيل« عن مجزرة »يصبرا وشاتيال« يثم عاد ليتابع الحديث عن المقرية: »أما ما يجري سراً خل ف هذا الستار الواهي والخال.ق الزائفة ،فهو ل يصّد.ق إلى حد يدفع َمن هو مثل أبي إلى الّتفاخر – أمامي وأمام أمي وبعض إخوتي فمقط – بأنه زنى مع يثمانين امرأة في بلدتنا التي ل يتجاوز عدد سكانها خمسة آل ف نسمة حينئذ .مع أن أبي، كان يصوم ويصّلي ويؤم النا س في الصالة ،خايصة في عيدي »رمضان« و»الضحى« وهذان عيدان دينّيان عندنا – فتصّور؟!«»هرب ت – إيثر فأسّية أبي – من هذا العالم الُمرعب ،وترك ت قطيعنا الذي كن ت أرعا ه إلى غير رجعة ،والحق أنني هرب ت إلى عالم أكثر ُرعبًا ،ويمكنك أن تمقول أيها العالم أن كتفي الخر قد ُكسر أيضًا ،لكثرة ما انهال على جسدي من عصي وهراوات وسياط في السجون الجميلة! مّرت أيام كن ت أترّحم فيها على فأسّية أبي وحباله الزيتية أمام عصيهم وسياطهم وكراسيهم الكهربائية وغير الكهربائية وخوازيمقهم ونيران سجائرهم و»بوابيرهم« التي كن ت ُأرغم على الجلو س عليها لتسلخ مؤّخرتي بنارها!« »ولماذا سجن ت أيها الديب؟« »لنني أيصبح ت متمّرداً ومخّربا ً ومجرمًا!« »ماذا تمقصد أيها الديب لمقمان؟« »عمل ت في السياسة أيها العالم وأيصبح ت فدائيًا!« »وهل هذ ه مسألة توجب السجن والتعذيب؟« »يا أخي أن ت في الكوكب سوهار وتنعم بالمحار ول تعر ف شيئا ً عن كوكب الرض السّيار! نعم يا عزيزي ..يثمة دول لدينا المثل السائد لدى شعوبها والذي تحرص على تحفيظه لبنائها قبل أن يرفعوا رؤوسهم هو »السياسة تعاسة!« وإن شئ ت أمثالً أخرى »امش الحيط الحيط وقول يا رب الّستر!« و»الك ف ما بيالطم مخرز!« و يا ويل من
ينسى هذ ه المثال مثلي ويمقود ه غرور ه إلى أن يصبح سياسيًا!« »وأين سجن ت أيها الديب؟« »ل! كل شيء إل هذا السؤال .أن ت حمقاً تبحث عن المحظورات وتدور حول الممنوعات أيها العالم ،ونحن نتعب ونشمقى وننتحر حتى على الور.ق ول نعر ف أين ننشر انتحاراتنا، حتى »الناقد« المتبّجحة بـ »إبداع الكاتب وحّرية الكتاب« ل تنشر آهاتنا الملتاعة!!* لنمقل في المشتري! ُسجن ت هنا ك في المشتري لنني اشتغل ت في التعاسة وكتب ت أدبا ً يزخر بالّنجاسة« »مولي مولي! لم أفهم جّيداً وكأّنك تهذي!« »الهذيان ضرورة أيتها الميرة ،فإذا لم نهِذ سنجّن ،وإذا جننا سنطق ،وإذا طمقمقنا سننفلق، وإذا انفلمقنا سنموت ،وإذا ُمتنا سيشم ت بنا الَّسدنة الّزنيمون من كتبة العروش والمعابد، وهنا تكمن الطاّمة الكبرى! فهم يغتبطون بتكميم أفواهنا وبالحصار المضروب على حركاتنا وسكناتنا وما يّدعون أنه إفالسنا ويصم ت أقالمنا!« »مولي! إن الكالم يندفع من فيك كالسيل وأنا لم أعد قادرة على متابعة ما تمقول ،ل تنفعل يا مولي وأرح نفسك!« »هل نحضر لك طبيبا ً أيها الديب لمقمان؟« »ل ل ،شكراً يا سّيدتي أنا بخير ،إّنها مجّرد حالة عارضة من النفعال تنتابني كّلما فمقدت السيطرة على خط استوائي المتأرجح!!« ضل الّذهاب إلى بي ت ال ّ »هل تف ّ ضيافة؟« »لم نّر شيئا ً من المدينة أّيها العالم« »سترى ما تريد طالما أن ت في ضيافتنا« »أريد أن أرى متاحفكم وآيثاركم ومعابد أجدادكم أم أنّكم هدمتموها؟« »ل ،لم نهدم شيئًا ،لكننا لم نبِن منذ آل ف السنين« »أليس بينكم من ينظر إلى الذات الكّلية نظرة لهوتية؟!« »كان هذا قبل تعميق الفكر واستيعابه ،أما الن فال« »وهل يشعر النسان بامتالء روحي ول يح ّ س بخواء ما في نفسه؟« ّ »الذات الكلّية عندنا هي الروح وكّلما اتحد النسان بها كلما ازداد إحساسه بالشباع الروحي ،غير أن هذا التحاد ل يتم عن طريق شعائر دينية أو سلو ك معّين ،لن العمل ومحّبة الخر والّتفاني والّسعي إلى ما هو أجمل وأسمى ،أيصبح بحد ذاته شعائر دينّية أو بديالً لها ،وأيصبح الوجود برّمته هو المعبد أو بديالً له!« »وهل يمكن المقول ولو مجازاً أّن الحالة الرقى والسمى عندكم لتحاد الذات الفردّية بالذات الجمعّية بالذات الكلّية ،هي اتحاد العبد بالمعبود بالمعبد بالعمل؟« »لكن دون إسباغ المعنى الالهوتي عليها« »أل يتيح ذلك لبعض الدّجالين أن يّدعوا اّتحادهم بالذات الكلّية ،مما قد يدفع بعض النا س إلى تمقديسهم؟« »حدث مثل هذا من قبل أما الن فهو شبه مستحيل«
»لماذا؟« »لن فهم فلسفتنا تعّمق عند النا س ،إلى حد عدم فصل الذات الفردّية عن الذات الكّلية، فهي ذات واحدة ونحن نجاز ف – إذا جاز التعبير – بتجزيئها ،حين نؤكد أن الذات الفردية تتحد أو تبتعد عن الذات الكلّية بالمقدر الذي تمقترب فيه هذ ه الذات منها أو تبتعد عنها بعملها ،والنا س عندنا يعرفون أن هذا فكرنا وفكر أجدادنا نحن ولم ينزله علينا أي إله ،وهو نتاج لتطّور معرفي بدأ منذ آل ف الّسنين ،يثم إنه ينبغي على من يريد أن يّدعي ذلك التحاد أن يمقوم بأعمال جّبارة ملموسة ومحسوسة ،بدءاً من أعظم النجازات العلمية أو الفنّية أو الدبية ،وانتهاًء بالّتفاني في خدمة النا س ومحّبتهم« »هل لك أن تضرب لي بعض المثلة على ذلك ،ولتكن من حياة الراعي الكبر عندكم؟« »الراعي الكبر عندنا لم يمقل يوما ً أنه اّتحد بالذات الكلّية ،رغم أّنه عّمق فكرة عدم انفصال الذات الفردية عن الذات الكلّية الكونية الكبرى ،واعتبرهما واحدة ،لكن التصّرفات السّيئة للفرد تمقود ه إلى أن يبتعد بذاته عن هذ ه الذات ،وإذا ما ساءت أعماله كثيرًا فإنها تؤدي إلى انفصال ذاته عنها ،لكن دون العزل التام أو النفصال المطلق، وبهذا المعنى ُيصبح كل فرد مّتحداً بالذات الكلّية. والراعي الكبر عندنا يحمل أعلى شهادتين في الطب الدماغي والجهاز العصبي ،وقد طّور خاليا الجهاز المناعي النفسي ،وخاليا الجهاز المناعي الفيزيولوجي في جسم النسان ،وطّور الخاليا البداعية في الّدماغ!« »يبدو لي أنني لن أخرج من كوكبكم إل مجنوناً أيها العالم شاهل ،عن ماذا تتحدث أن ت؟« »هل كالمي غير مفهوم أيها الديب؟« »هل يعني كالمك أنكم اكتشفتم من قبل جهازاً للمناعة النفسية في جسم النسان ،وأّنكم استطعتم فرز خاليا الّدماغ أيضا ً من قبل ،وأّنكم تعملون على تطويرها ،أكثر مما طّورتموها؟!« »نعم أيها الديب فكالمي واضح جّدًا« »في الحمقيمقة هو واضح إلى حد يدفعني إلى عدم التصديق ،فنحن حتى الن ل نعر ف أنه يوجد جهاز مناعي نفسي في الجسم ،وبالتأكيد لم ولن نستطيع فرز خاليا الّدماغ لمعرفة الخاليا المخت ّ صة بالبداع وُنمقدم على تطويرها ،يكفي أننا اكتشفنا كريات الدم البيض، وقد نمقوم بتطويرها بعد أل ف عام إن شاءت البساطير العظيمة التي لعن ت رّبنا ورب آبائنا! آخ لو أن الذات الُكلية تبعث إليكم ببسطار عظيم من عندنا لتعرفوا قيمة الحضارة الُبسطارية!« »أنا في الحمقيمقة لم أعد أفهم ما تمقصد أيها الديب؟!« »وهل من الضروري أن تفهموا كل شيء عندنا ،نحن أيضا ً نتجاوزكم بآل ف العوام من الحضارة الُبسطارية!!« »مولي أنا لم أفهم أيضاً ماذا تعني بالحضارة الُبسطارّية؟!« »ل! أنتم ستفهمون أيتها الميرة ،طالما تّوجني ملك الملو ك ملكا ً عليكم ،ستفهمون حتما ً
يا معشر الجن!« كان شاهل بيل والسيدة سلمنار يضحكان دون أن يفهما جيدًا ،هتف ت السيدة سلمنار لتشير إلى أنها قد فهم ت: »لمقد مّر كوكبنا بتخّل ف أكثر من التخّل ف الذي يعيشه كوكبكم الن أيها الديب لمقمان!« وهنا أراد الديب لمقمان أن يمقلب لها دماغها! فهو لم يخرج من حالته النفعالية التي تأتيه كنوبات بين يوم وآخر وأحياناً بين ساعة وأخرى ،ليفمقد السيطرة على توازن ما ُيسّميه خ ّ طه الستوائي المتأرجح! »أنا كن ت أكذب عليكم أيتها السيدة سلمنار ،كي ل تكتشفوا سر المعجزات الحضارية التي ويصل إليها كوكبنا ،والّدليل على ذلك وجودي معكم ،وتحليق الجن في السماء، ودعوة ملك الملو ك لبعض فتياتكم وشبابكم إلى غداء على المّريخ ،وإذا تشائين الن أن تتناولي طعام الغداء على كوكب يبعد عن كوكبكم مليون سنة ضوئية ونعود قبل المساء فتف ّ ت والسيد شاهل بيل كي تعرفا شيئا ً يسيراً من معجزات الحضارة ضلي ،أن ِ الُبسطارّية!!« »وانمقلب رأ س السيدة سلمنار حمقًا ،فراح ت تحاور الديب لمقمان بجدّية وإن أحّس ت أنه من غير الالئق أن يكذب عليهم ويّدعي أن كوكب الرض متخّل ف! »الحمقيمقة أيها الديب لمقمان أنني كن ت أظن أن كوكبكم متمقّدم علينا ،خايصة بعد زيارتكم .ق إلى هذا المستوى من لنا ،وتمكنكم من فك رموز لغتنا والتحّدث بها ،نحن فعالً لم نر َ الحضارة .ففي مجال الفضاء لم تستطع مرايصدنا إل رؤية الكواكب والّسدائم الواقعة على بعد أل ف مليون سنة ضوئية!!!« أح ّ س الديب لمقمان أنه ارتكب حماقة فظيعة ،فمقد بدا شاهل بيل في حالة من الذهول، وبدلً من التوّق ف عن هذ ه الحماقات ،راح الديب لمقمان يغر.ق فيها أكثر: »فمقط؟ أل ف مليون سنة ضوئية فمقط يا سيدتي ،مرايصدنا نحن أحص ت حّبات الرمال الموجودة على كوكب يبعد عشرة آل ف مليون سنة ضوئية يا سيدتي ،نعم عشرة آل ف مليون سنة عداً وهدرًا ،وعرفنا أن يثمة كواكب تضّج بالحياة على بعد خمسمائة أل ف مليون سنة ضوئية ،وأنا في طريمقي إليها فور انتهاء زيارتي لكوكبكم ،وسأقيم على واحد منها ،وأدعوكم لزيارتي أيضًا!!!« »لكن هذ ه إعجازات علمية أكبر من أن يتصّورها العمقل أيها الديب لمقمان!« »إنه إعجاز ُخرافة الحضارة الُبسطارّية يا سيدتي ،وهو حمقا ً أعظم وأعمقد وأكبر من أن يستوعبه عمقل بشري ،أو يصّدقه ،عفواً مع احترامي الشديد لعمقولكم ،وما بلغتمو ه من تمقّدم لبأ س به في مضمار الحضارة!!« بدت الدهشة الشديدة والذهول وهما يكتسحان وجهي شاهل بيل والسيدة سلمنار ،إلى حد أدر ك فيه الديب لمقمان أنهما انزعجا ،وأن الجو قد ينمقلب رأسا ً على عمقب بين لحظة وأخرى: »قولي لي يا سيدتي ،أنتم ل تعرفون الكذب؟!« »نعرفه لكننا ل نمارسه ولم نعتد على سماعه ،حتى أن الكلمة تكاد ُتلغى من قواميسنا!«
»والُمزاح أل تعرفونه أيضًا؟« »إذا كن ت تمقصد الكالم ال ّ طري ف فنحن نعرفه!« »ل ،ليس الكالم ال ّ طري ف فحسب ،يبدو أنكم ل تعرفونه أيضًا! هل تسمحين لي بتمقبيل يد ك؟« »لماذا؟« »لكي أعتذر!« »تعتذر عن ماذا أيها الديب؟« »سأقول لك بعد أن أقّبل يد ك!« ومّدت السيدة سلمنار يدها ،نهض الديب لمقمان وانحنى ،وأخذ يدها وقبلها: »أعتذر بشدة أيتها السيدة .فمقد كن ت أكذب عليكما وأمزح معكما ،من شدة غيظي وقهري!« راح شاهل بيل يضحك ،فيما هي فتح ت فاها تعّجباً من هذا الكذب الموغل في الخيال، وظّل ت على هذ ه الحال للحظات إلى أن هتف ت: »لكن اسمح لي أيها الديب لمقمان فوجود ك معنا يثب ت أنكم متمقّدمون علينا فعالً ل قولً في مجال الفضاء!« »ل يا سّتي ،فأنتم أرسلتم مركبات إلى كوكبنا أيضا ً لكنكم لم تتمكنوا من الّتوايصل معنا والتحدث إلينا ،يثم إن طاقم مركبتنا جّني وليس إنسيًّا!« »حتى تمكنكم من تسخير الجن مسألة ليس ت سهلة وفي غاية التعمقيد ،فنحن كدنا أن ننسى الجن!« »أتوسل إليك أن تظّلوا ناسيين ،فهذ ه مسألة لها ُعالقة بالساطير والخرافات أكثر مما لها ُعالقة بالعلم!« »وما أدرا ك .فمقد تكون الخرافة حمقيمقة وقد تكون علما ً يصرفًا؟!« »يبدو أننا سنبدأ يثانية من حيث انتهي ت في حواري مع السيد شاهل ،لذا سأختصر لقول، يمكنك أن تعتبري ذلك علما ً وحمقيمقة ،لكني أنا شخصياً عاجز عن إدرا ك حمقيمقتها وقوانينها العلمّية ،ودعينا نكمل حوارنا حول تمقّدمكم أنتم!!« »ليكن أيها الديب لمقمان ،لكن اسمح لي أن أقول ،أنني لو لم أكن أعلم أن المعرفة هي أكبر من طاقتنا كبشر على إدرا ك أبعادها المطلمقة ليثار حوار ك معي ،ووجود ك ووجود أعوانك معنا ،فّي الجنون بالتأكيد!!« »أحمد ذاتكم الُكّلية لتفهمك معجزاتنا! هل في ممقدوري متابعة حواري مع السيد شاهل بيل؟« »بالتأكيد أيها الديب لمقمان« ارتفع ت موسيمقى يصاخبة في المطعم وجّن الراقصون من النس والجن ،فعّلق الديب لمقمان:
»بالمناسبة ،موسيمقاكم ورقصكم هذا يذكرانني بموسيمقانا الصاخبة ورقصنا الجنوني على كوكب الرض ،يبدو لي أنكم في هذا المضمار لم تتجاوزونا أبدًا« »هذ ه موسيمقى للشباب والمراهمقين أيها الديب وليس ت لي ولك!« »حتى لو كان ت للطفال فأنا ل أحّبها ،بل أشعر أنها تزعجني وتثير أعصابي« »هل أطلب إليهم أن يغّيروها؟« »ل ،دعهم يمرحون فلن نفرض مزاجنا عليهم ،يثّم يبدو أن الجن منشرحون لها أكثر منكم .عن ماذا كنا نتحّدث سابمقًا؟!« »عن تطّورنا في علم الطب والجسد« »آ ه نعم! ماذا كن ت سأسأل؟ أجل! هل يعني تطّوركم هذا أيها العالم أنه في ممقدوركم أن تنجبوا العلماء والدباء والمبدعين متى شئتم؟!« »إلى حد ما نعم! نحن في طريمقنا إلى تحمقيق ذلك تمامًا!« »لو لم أحمل مسؤولية هذا الكوكب البائس ،لطلب ت اللجوء النساني على كوكبكم، وأرح ت نفسي ِمن كّل هذا العناء!« »نحن نرّحب بك في أي وق ت!« »إذا ما فشل ت في تحمقيق أحالمي سأعود لعيش بينكم أيها العالم« »أهالً بك متى شئ ت« »أكمل لي حديثك عن الراعي الكبر أيها العالم ،اضرب لي مثالً ملموسا ً عن فهمه وتطبيمقه للعدالة ،وتفانيه في محبة النا س« »يثّمة نوع من الّسمك ل يأكل منه الراعي الكبر حتى الن لن أبناء الكوكب لم يأكلوا منه جميعاً لندرة وجود ه ،ونعمل الن على الكثار منه بعد أن وجدنا المناخ المالئم لذلك!« »غير معمقول!« »ولماذا غير معمقول أيها الديب ،يبدو أنكم ل تدركون على كوكبكم ما معنى أن يكون النسان راعيا ً أو زعيماً لمة ،فلو كن ت مع أسرتك وأرسل لكم الجيران طبمقا ً يصغيراً من ال ّ طهي أل تفضل أولد ك على نفسك ،وتتر ك حصتك الصغيرة لهم؟!« »ربما ممكن!« »رّبما؟! أنتم حمقّا ً ل تدركون معنى المسؤولية!« »نحن ل ندر ك؟ سامحتك الذات الكونية ،فأولد بعض زعمائنا مث ً ال ،حسابهم في البنو ك الخارجية أكثر من حساب آبائهم ،انطالقا ً من المسؤولية التي يتحّملها الباء في تفضيل البناء وأفراد الشعب على أنفسهم! وقد ل تصّد.ق إذا ما قل ت لك أن بعض زعمائنا ل ينامون الليل من كثرة التفكير في مصير الشعوب ،فمثالً تمقتضي الحرية أن يكون عدد السّجون عندنا أكثر من عدد الحدائق ،وإل لن يعر ف المواطن معنى الحرية ،ويمقتضي ضبط سلو ك الفرد في معظم أوطاننا أن يكون هنا ك رجل مخابرات لكل خمسة مواطنين على الكثر وإل لن يكون منضبطًا! يحق لك أن تضحك ،لكن لبّد أن نلحق بكم ،بل وسنتجاوزكم ،وربما نستعمر كوكبكم،
فأنتم ل تمتلكون قوى خارقة خرافّية مثلنا ،تصّور أن أّول عمل يصغير قم ت به ،هو أنني جمع ت السلحة كّلها ووضعتها على المقمر خالل دقائق ،وأمطرت على الكوكب ذهبا ً وماساً خالل دقائق ،ويصعدت إليكم خالل دقائق ،وذات دقائق سأنفخ في روح البشرّية على كوكبنا لتمقفز مائة أل ف عام إلى المام ،وفي هذ ه الحال سنتمقّدم عليكم آل ف آل ف العوام!« »آمل ذلك أيها الديب ،لكن إياكم أن تفّكروا في استعمارنا ،فمقد استعمرنا بعضنا ما فيه الكفاية ،وإذا ما فّكرتم بذلك ،فلن نفهمه إل إغراقا ً في تخّلفكم!« »عفواً أن ت مِحق! إذ ل يعمقل أن نكون حينئذ متمقّدمين عليكم وتراودنا فكرة الستعمار، سنّتحد معكم ،وبما أنني أنا من حّمقق هذ ه المعجزات الخارقة ،يح ّ ق لي أن أرّشح نفسي لمنصب الراعي الكبر في الكوكبين وربما في الكواكب التي ل تعد التي سنوّحدها!« »أنا سأعطيك يصوتي حينئذ أيها الديب لمقمان« »أشكر ك .آخ! يبدو أنني لن أذهب لنال قسطاً من الراحة أيها العالم ،أريد أن أعر ف كل شيء .وأن أرى كل شيء ويبدو أنني سأمكث عندكم أكثر مما توّقع ت إذا لم أغّير رأيي وأتابع رحلتي .قل لي هل تحترمون المفّكرين من أجدادكم الوائل ،وأنبياءكم ودياناتكم المقديمة؟« »طبعاً هذا شيء عادي ،لكننا ل نمقّدسهم ،نجّل العظماء منهم ونحترمهم ،وخايصة من رقوا منهم بالفكر الديني إلى ذرى الُمطلق بحيث جعلو ه يمقترب من فكرنا الحالي ،إننا ننظر إليهم نظرتنا الن إلى الراعي الكبر الذي ل يحتل مرتبة قدسّية رغم ما حمقمقه من منجزات عظيمة ،ورغم سلوكه الراقي في المجالت المختلفة .مثالً هو الوحيد بين زعماء كوكبنا الذي أمضى عمر ه مع زوجة واحدة ،مع أنه خلص في بعض أبحايثه إلى أن من مارسوا الُحب مع نساء أكثر أو العكس عاشوا زمنا ً أطول ،ومع ذلك ل يرى أحد مّنا أّنه يجب أن نف ّ ضله على الخرين ممن سبمقو ه وكانوا مولعين بالّنساء« »لكن الجميع يحّبونه ويحترمونه« »ل ،يثمة من ل يحّبه ول يحترمه إلّ بمقدر ارتباطه معه بالذات الجمعّية والذات الكونّية، ومدى إحساسه بهذا الرتباط!« »هل ُيعاد تجديد انتخابه بعد الفترة الولى؟« »ل ،هذا غير وارد في دستورنا ،هي فترة واحدة غير قابلة للتجديد« »حّتى لو أ ّ يصر الشعب على بمقائه في سّدة الحكم؟« »حّتى الن لم يصر الشعب عندنا على بمقاء زعيم في سّدة الحكم ،خالفا ً للدستور« »رّبما لن الشعب يخا ف عودة الدكتاتورّية!« »ل ،هذا غير وارد ،الشعب يريد التجديد الدائم ،والبحث عّما هو أسمى وأجمل وأرقى!« »وماذا عن حدود الديممقراطّية ،هل لديكم يصح ف معارضة مث ً ال؟« »بل ل يوجد لدينا إلّ يصح ف المعارضة ،إذ ليس يثّمة يصحيفة خا ّ يصة بمجلس الّرعاية، فهو يعر ف أنه سينتهي بعد خمس سنوات ولن يعود يثانية إلى السلطة!« »فع ً ال ،إن نظامكم حّيرني ،وبماذا تعارض هذ ه الصح ف؟«
»ُكَلها تمقّدم رؤى جديدة لتطوير العلوم والداب والفنون وأجهزة إدارة الحكم« »أكثرها معارضة ماذا تريد؟« »إلغاء مجلس الّرعاية وإلغاء منصب الراعي الكبر« »وما البديل الذي تطرحه؟« »الال نظام والحرّية المطلمقة« »كي ف الال نظام؟ وما هي حدود الحرّية المطلمقة؟« »إن شئ ت رأيي ،ل يوجد حياة خارج الّنظام ،ول يوجد حرّية ُمطلمقة« »ومع ذلك أرى أّنكم قطعتم شوطا ً كبيراً في هذا المجال ،بحيث قد يستحيل أن يأتي نظام موغل في المطلق أكثر منه« »إنهم يريدون إلغاء المسؤولية ،وأن يفعل المرء ما ُيريد ه« »حتى في أن يمقتل؟« »ل طبعًا« »ماذا إذن؟« »مطاِلب يتعّلق معظمها بالمتعة الجنسية وإشباع الّرغبات وما إلى ذلك« »لكن كل هذ ه المسائل متحمقمقة في كوكبكم« »يثمة من يطالب بإلغاء الحياة المشتركة المحددة بين الّرجل والمرأة ،إذ يعتبر هذا نوعا ً من الزواج ،والزواج في نظر هؤلء مؤسسة فاشلة لُبد من سحمقها ،وجعل الرجل يتمّتع بجسد أي امرأة يريدها وفي أي وق ت ،وهذا ينطبق على الّنساء أيضًا ،ويثمة من يطالب بمداعبة الصغيرات والصغار وما إلى ذلك حّتى لو كانوا في سن الّرضاعة! والفتضاض بدءاً من سن الثانية عشرة!« »قطعًا ،لّبد أن يكون لهؤلء جذور كوكبّية أرضية .هل ُهنا ك من يؤيدهم؟« »أقلّية ل تذكر« »لكن ،أل يشّكل هؤلء نوعا ً من التحّزب؟« »ل!« »ومح ّ طات التلفاز والذاعات من يسيطر عليها؟« »عاملون من مختل ف الطرا ف ،وهي مفتوحة للجميع ،وأقل المتحّديثين فيها ،هم مجلس الّرعاية والراعي الكبر!« »وإذا ما انتمقد أو شتم أحدهم الراعي الكبر أو مجلس الّرعاية عبر الذاعة أو التلفاز أو الصحافة ،ماذا تفعلون له؟« »ل شيء .فهذا من حّمقه ،لكن لغتنا شّذب ت منذ زمن ،ولم يعد فيها كلمات نابية كثيرة ،يثّم إن فلسفتنا تح ّ ط من مكانة النسان كّلما تدّنى في لغته وسلوكه ووعيه ،وترفع من مكانته، ُكّلما ارتمقى ،على أية حال نحن نخطط لكي ل يكون لدينا خالل فترة قريبة إل النسان الكامل ،بعد أن أيصبحنا نتحّكم بمعظم الجينات الورايثية والموّريثات الخرى ،ومعظم خاليا الّدماغ والعصاب وما إلى ذلك« ونهض الديب لمقمان وهو يهت ف:
»سأذهب لرتاح وإ ّ ل سأجن بما حمقمقتمو ه من منجزات ،لكن قل لي ،ما الذي تستطيعون الن زراعته في جسم النسان من أعضاء؟« »كل شيء تمقريبًا!« »تمقول كل شيء؟« »تمقريبًا! حتى الّدماغ والخصيتين!« »هل هذا يعني أّن المجانين عندكم قد يزرع لهم أدمغة جديدة إذا ما فشلتم في عالجهم؟« »بالتأكيد« »لم يبق إلّ أن تمقول لي أّنكم تصنعون الدمغة؟« »طبعًا ،لمقد أخبرتك قبل قليل أننا تدخلنا كثيراً في شؤون تطوير الدماغ ،وفي المستمقبل المقريب لن يكون لدينا إل الدماغ الذي نريد« »ولن يبمقى أمامكم إل التحكم التام في خلق البشر!!« »هذا ما سنحمقمقه ذات زمن!« ت ،وأنا أشعر أّن دماغي لم يعد يحتمل، »قومي أيتها الميرة يجب أن نرتاح ،فأن ت تعب ِ وكي أحتمل فيما بعد ،ينبغي أن أبمقى مدركاً أنني أعيش في خيال ،على أّية حال ،لم تعد ُهنا ك قوة قادرة على إقناعي أن هذا واقع!« »أن َ ت هكذا تنس ف كل ما تو ّ يصلنا إليه أيها الديب لمقمان!« »أنا لم أنس ف أيها العالم ،أن ت أوغل ت في الخيال ،حّتى أكثر مما يمقتضيه التوّحد مع الذات الكّلية!!« »ستعر ف أنني لم أوغل حين تدر ك أن النفس النسانية تتو.ق دوما ً إلى الكمال ،إلى ما هو أجمل وأرقى وأسمى ،وُكّلما قطع ت شوطاً في المعرفة تجاوزته إلى شوط آخر ،وُكّلما عاش ت لحظة سعادة دّمرتها لتبحث عّما هو أجمل وأكثر سعادة منها ،إنه سر هذ ه الصيرورة المعّمقدة بين الذات والطبيعة ،أو بين الذات النسانية والذات الكونية ،يمكنك أن تنصر ف أيها الديب!« وعاد الديب لمقمان ليجلس! »ماذا أرا ك جلس ت؟« »كم بوّدي أن أنصر ف ،لو لم أجد نفسي مشدوداً إليك بأل ف حبل!« »سأقطعها لك أيها الديب!« »ل أظن أن في ممقدور ك أن تفعل ذلك أيها العالم ،فهي حبال مسحورة! هل تريد أن تمقول لي أن الّسعي الدائم إلى ما هو أجمل هو دأب النسان عندكم؟« »نعم هذا يصحيح وأظن أننا تطّرقنا إليه أيها الديب لمقمان: »وما هو الجمل في نظر ك ،أقصد متى يبلغ النسان ذروة الجمال والكمال؟« »حين يحمقق انسجامه الكامل مع الوجود!« »هل تمقصد اّتحاد ه بالذات الكلّية؟« »بل ذروة الكيفّية التي توّحد ه بالذات الكلّية ،نحن نرى ،أّن هذا الكون مسّير حسب نظام غاية في الدّقة ،ولول ذلك ليصطدم ت ماليين الكواكب والنجوم واحدها بالخر ،ودّمر
الكون وانته ت الحياة ،وكل ما في هذا الكون من كائنات عدا النسان ،حمقق انسجامه الكامل مع هذا النظام ،ولم يشذ عنه إل النسان ،الذي ما يزال يسعى لتحمقيق هذا النسجام!« »ولَِم شّذ عنه النسان دون باقي الكائنات؟« »لنه لم يمقبل بواقعه كما ُهو ،أراد أن يحمقق انسجاما ً أرقى ،أو توازنا ً متكافئا ً مع هذا النظام ،فارتكب من الحماقات ما ل ُيحصى!« »ومتى سيحمقق النسان ذلك النسجام حسب رأيك؟« »رّبما خالل آل ف الّسنين ،ورّبما خالل مئات الل ف ،ورّبما خالل ماليين ،ورّبما يدّمر نفسه ويدّمر الكون المحيط به دون أن يبلغ هذا الكمال من النسجام« »أشكر ك أّيها العالم ،يبدو أنني سأنصر ف ،لنال قسطا ً من الراحة رغم السئلة الكثيرة التي تلّح علّي .يثمة سؤال أخير يتعّلق بالغاية التي تنشؤون عليها أجيالكم ،فهل ينشأ النسان عندكم على أن غايته في الحياة هي البحث عن الكمال ،أو لنمقل البحث عن السمى والجمل والكثر تكام ً ال ،للويصول ذات يوم إلى أقرب حدود الكمال المطلق؟!« »بالتأكيد أيها الديب ،وأظن أننا تطّرقنا إلى ذلك أيضًا ،إنما بشكل آخر ،والنسان عندنا دون هذ ه الغاية لن يكون إنسانًا! ل مجال بيننا للنسان الكسول الخمول المستكين إلى الماضي والَّسَل ف!« »وماذا عن متطّلبات الحياة ،كالطعام والّشراب والّسكن والعمل والجنس وما إلى ذلك؟« »كل هذ ه المسائل حق طبيعي له وليس ت غاية ،ل يوجد عندنا إنسان غايته أن يعمل ويأكل ويشرب ويتزّوج وينجب أولداً ويتعّبد لمعبود ما ،لمقد مررنا بهذ ه الحمقبة منذ آل ف العوام ،وقد تجد النسان عندنا يعمل في مهنة ل تحتاج إلى إبداع أو معرفة ،لكنك إذا ما دخل ت إلى بيته ستجد فيه مكتبة قد ل تمقل عن مكتبتي ،وقد يفهم في مختل ف مجالت المعرفة بمقدر ما أفهم أو أكثر!« »بالمناسبة هل تحددون النسل عندكم؟« »نعم ،ل ُيسمح بإنجاب أكثر من طفلين عندنا ،ومعظم المهات ل ينجبن أكثر من طفل« »لماذا تمقول المهات وليس الباء والمهات؟« »لن دور الباء عندنا يثانوي ،إذ يثمة نساء ينجبن دون زواج أو من مضاجعة عابرة ،أو يلمقحن أنفسهن في المختبرات« »وهؤلء الطفال إلى من ينسبون؟« »إلى أّمهاتهم في الغالب« »قل لي ،هل تحمل المرأة عندكم تسعة أشهر؟« »ل ،كان ت كذلك ،لكننا عملناها يثمانية والن نحاول أن نعملها سبعة ،وفي المستمقبل لن تكون أكثر من يثاليثة أشهر وكلما قصرت فترة الحمل كّلما زاد عمر النسان!!!« بدا الديب لمقمان وكأّنه سيجن حمقًا .ألمقى نظرة على الميرة نور السماء وسألها: »نساء الجن أّيتها الميرة كم شهراً يحملن؟!« »تسعة يا مولي«
ونظر إلى رجل المعرفة وخاطبه بتوّسل: »يا رجل حّتى نساء الجن يحملن تسعة أشهر ،أرجو ك ،أستحلفك بذاتك الكونّية أو الكلّية، أن تكون واقعيا ً بعض الشيء ،وأن ل تحّديثني بما ل يحتمله عمقلي الصغير ،وأل تغرقني في الخيال أكثر مما أنا غار.ق فيه ،بل أكثر مما يغر.ق فيه المجانين من بعض المؤّلفين!!« »المشكلة أيها الديب أّنك ترى الحمقيمقة خيالً ول تريد أن ترى الخيال حمقيمقة ،وآمل أل يضيع عمقلك بينهما!« »أن ت تحّيرني حمقًا ،لَِم تساءل ت بالمس عن الحمقيمقة والخيال حين تساءل ت عن حمقيمقتنا كجن وإنس على كوكبكم ،ولَِم أجبتنا بما أجابتك به الميرة نور السماء حين تساَءلنا نحن فيما بعد عن حمقيمقة أو خيال ما يجري على كوكبكم؟« »في المّرة الولى كن ت أختبر مدى معرفتكم ،وفي الثانية ،أجبتكم على قدر فهمكم!!« »والن أيها العالم؟« »الن أجيبكم حسب معرفتي أنا ،لذلك يصعب عليكم تصديمقي!« »وهل نحن الن حمقيمقة في نظر ك؟« »نعم ،لكن بمقدر ما أنتم خيال!« »ل! غير معمقول! هّيا أيتها الميرة ،دعينا نذهب ،أعاهد ك أّيها العالم أنني لن أطر.ق حديث الحمقيمقة والخيال يثانية ،وسأبذل كل جهدي لتصديق ما سأسمعه منك!« | )(7 حرب جّنية وغزل كوني! لم يذهب الديب لمقمان إلى بي ت الضيافة ،كان قلمقاً على كوكب الرض ،فاقترح على الميرة نور السماء أن يذهبا إلى المركبة الفضائية لمتابعة أحوال كوكب الرض. وتناول الغداء ُهنا ك. وّدعا شاهل بيل والسيدة سلمنار على أمل اللمقاء بهما مساًء في حفل العشاء. أخذت الميرة نور السماء بيد الديب لمقمان وانطلمق ت به في السماء على مرأى السيدة سلمنار وشاهل بيل وبعض أبناء الكوكب الذين أيصيبوا بالدهشة من جّراء ما حدث .فمقد انطلق أحدهما إلى جانب الخر وكأّنهما يصاروخان ،وشّمقا عنان الفضاء بسرعة هائلة إلى أن نزل على سطح المركبة. تلّمقى الديب لمقمان النباء الواردة من كوكب الرض بارتياح نسبي شابهُ المقلق الشديد، فمقد خرج مئات الماليين من النا س بمسيرات دينية مهيبة سادها جّو الخشوع واليمان، وراح ت تطو ف شوارع مدن العالم مؤّيدة »رسل الخالص« والجراء الذي قاموا به بنزع سالح دول الرض .وأقام مئات الماليين الصلوات للهتهم ،في الكنائس والمساجد والمعابد والُكُنس ،وعلى قمم الجبال وفي السهول ،حتى أن معظم الّشعوب أمض ت الليل ُكّله على قمم الجبال وهي تنير الضواء وتشعل النيران وتوقد المشاعل وتمقيم ال ّ صلوات
وكأّنها تلّمق ت رسالة سماوية من آلهتها رغم تأكيد الديب لمقمان في رسالته إلى أبناء الرض على أن ما جرى كان من فعل بشر وليس من فعل آلهة. كان الديب لمقمان يتابع أخبار الكوكب وهو ينتمقل من مح ّ طة تلفزيونية إلى أخرى ويطلب إلى قائد المركبة أن يريه بعض المدن والعوايصم ليجزم بصّحة ما يجري ،وهو يع ّ ض بأسنانه على شفته الّسفلى تارة وعلى إحدى ُسّبابتيه تارة أخرى ،وقد أخذ المقلق ينتابه بعض الشيء. نظر إلى الميرة نور السماء وهت ف: »غريب تعّلق هؤلء البشر بالدين واللهة ،هل ُيعمقل أّنهم لم يسألوا أنفسهم كي ف يتعّبدون لللهة مع أّنهم تلّمقوا رسالة من بشر؟ وعرفوا أن السلحة نزع ت من قبل بشر ،وأن الجواهر التي أنزل ت على الكوكب كان ت بالتأكيد من فعل هؤلء البشر أنفسهم؟! حمقّا ً أكاد أعجز عن معرفة الكيفّية التي يفّكرون بها« »إنهم يعجزون عن تفسير ما يجري يا مولي فيعزونه إلى آلهتهم« »لكن ألم يسألوا أنفسهم أي إله منهم هذا الذي أوحى إلينا بما أوحى؟ لو أنهم يؤمنون بإله واحد لما أيثمقل ت دماغي بالسئلة ،ولما احترت في تصرفاتهم وردود أفعالهم .المسلمون يمقولون إن هذا من فعل إله محّمد ،وأن الساعة آتية لريب فيها! والمسيحيون يمقولون أنه من فعل يسوع المسيح ،وأنه عاد كما وعد ليخّلص البشرّية ،واليهود يمقولون أنه من فعل ا وا هو »يهو ه« الذي خاطب موسى في مدين قائ ً ال» :أنا الّرب ،وأنا ظهرت لبراهيم واسحق ويعمقوب بأني الله المقادر على كل شيء ،وأما باسمي »يهو ه« فلم ُأعر ف عندهم!!« بم كان ُيعر ف إذن ،بـ »إيل« الذي ماتزال أسماء مثل» :إسرائيل« و»جبرائيل« و»ميكائيل« و»إسرافيل« وغيرها ترتبط به؟! هل ُيعمقل أن يكون هذا الله هو الذي فعل معجزتّي نزع السالح وإنزال الجواهر؟! تصّوري ،حتى الهنود يمقولون أّنه من فعل »بوذا« و»براهما« و»مهاويرا« ،والصينيون يمقولون أنه من فعل »لوتس« و»كونفوشيو س« ،والحال ذاتها مع شعوب الرض جميعًا ،انصحيني أّيتها الميرة ماذا أفعل؟!« »ماذا يمقولون عني يا مولي؟« »اعتبر ك بعضهم حورّية من حواري الجّنة وقد أمر ك ا ببث رسالته إلى العالم بعد أن سيطر على أجهزة التصالت ،تصّوري أن يحدث مثل هذا رغم تأكيدنا على أننا بشر؟!!!« »لكن يا مولي ،إن شئ ت الحمقيمقة أّنه ل يوجد بشر إل أن ت ،وأن ما جرى هو من فعل جن أكثر مما هو من فعل بشر!!!« »أنا أتحّدث عّما قلنا ه في الرسالة« »لن ُيصد.ق النا س أن هذ ه المعجزات هي من فعل بشر لستحالة ذلك عليهم!« »هل كان يجب أن أقول أنها من فعل جن كي يصّدقوا ،هذا إذا اقتنعوا« »وا ل أعر ف يا مولي ،لكن ما الذي ُيضير مولي في ذلك؟« »يستحيل أن تتحد شعوب الرض وهي تتبع مئات الديان والمذاهب ،فإما إلغاؤها ،أو
الستعاضة عنها بدين واحد يجمع فيما بينها ،يأخذ من هذا الدين وذا ك ما هو أفضل ،أو يستوحي دينا ً جديداً منها ،والفضل أن يأتي فكر جديد يستوعب هذ ه الديان ويمقنع الشعوب بصوابه ،وهو في الحمقيمقة موجود ،لكنه يحتاج إلى يصوغ جديد وتعميم على النا س!« »تمقصد الفكر العلماني التنويري يا مولي؟« »أجل أيتها الميرة« »لعّلك أخطأت في يصوغ مفردات الّرسالة التي وجهتها إلى أبناء الكوكب« »هذا ما أفّكر فيه أّيتها الميرة .يبدو لي أنني أخطأت في يصوغ بعض فمقراتها ،فمقد فّكرت فيها على عجل ،لكني أّكدت فيها على العلم والمعرفة والّرقي والمحّبة وعدم اليصغاء إلى رجال الكهنوت وغيرهم« »واختتمتها بأن دعوتهم إلى ما دعا إليه العظماء من آلهتهم وأنبيائهم ومصلحيهم!« »هل يمكن أن تكون هذ ه الفمقرة قد هدم ت كل شيء بذكر اللهة والنبياء والرسل والمصلحين؟!« »ممكن يا مولي ،خايصة وأن الرسالة بُّلغ ت بطريمقة لم يمقدر عليها حتى اللهة من قبل! فمقد بُّلغ ت إلى جميع البشر بجميع لغاتهم ،وليس بلغة واحدة كما في الديانات السماوية وغير السماوية!« »لكن هذ ه المسألة تحديداً كان يجب أن تدفعهم إلى إله جديد على القل!« »يبدو لي أن البشرية لم تصُح من هول ال ّ صدمة بعد ،ولم يكن أمامها كرّدة فعل عفوّية غير العودة إلى دياناتها والتمّسك بآلهتها ،لن ما جرى يظل في كل الحوال معجزات إلهية خارقة!« ت محّمقة أّيتها الميرة ،بماذا تنصحينني؟« »أن ِ »لتتر ك البشرية على كوكب الرض لبضعة أسابيع تفّكر وتعلل يا مولي إلى أن تصحو ،وأن ت ترقبها بهدوء وترٍو من العالي ،وبعد ذلك تمقرر ماذا ستفعل على ضوء ما سينجم عن يصحوتها!« »آ ه أيتها الميرة ،لمقد أزح ت عن كاهلي عبئا ً يثمقيالً لبعض الوق ت ،أشكر لك رجاحة عمقلك« »العفو يا مولي« »أظن أن بإمكاننا أن نأكل شيئا ً الن« »أمر مولي« كان الجميع في المركبة قد تناولوا طعام الغداء فلم ُيفرد إل مائدة للديب لمقمان والميرة نور السماء .أفردت في حديمقة المركبة على جانب مسبح يصغير تحيط به وتعلو ه نوافير مائية أضف ت على الجو سحراً أّخاذًا .وكان الطمقس حاّراً بعض الشيء ،مما دفع الديب لمقمان والميرة نور السماء إلى نزع يثيابهما والبمقاء باللبسة الداخلية الخفيفة ،فجلسا إلى المائدة كعاشمقين موّلهين ،وراحا يضّمان واحدهما الخر ،ويتبادلن العنا.ق والمقبالت والهمسات والضحكات ،في طمقس ليس يثمة ما هو أجمل منه ول أمتع ،ل أبهج ول
أعذب ،فطاب بينهما الغزل ،وراحا يجّذفان ليبحرا على ضفا ف الوله ،ويغرقا في لّجة الغرام ،فهمس الديب لمقمان في أذن الميرة نور السماء ،بعد أن ألمقمها قطعة يصغيرة من فخذ حجٍل مشوي ،وهي تلمقي رأسها على كتفه اليسر: »ل أظن أن يثّمة في الوجود من هو أكثر سعادة مّني ،إّن هذ ه اللحظات الممتعة التي أمضيها معك ،كافية لن تمحو عذابات العمر كّله وتحيلها إلى سعادة وهناء« ت كأّنه لح ٌن عذب: فهتف ت الميرة نور السماء بصو ٍ »لتظل نذر السعادة وبشائر الفرح محّلمقة في سماء مولي وُحّبي ،وليهنأ قلبه بلذائذ العيش ،وشغ ف المسّرة ،ولتبعد عن نفسه حزائن التراح ،وليعّم ظالم لياليه نور السموات ،وضوء نهار ه أشّعة الّشمو س الكونيّة!« »ما أجمل الكلمات حين تنساب من شفتيك العذبتين شهداً يا مليكة قلبي ،ما أجمل عينيك حين ترممقاني بلظى الشو.ق ودفق الحنان ،ما أعذب روحك وهي تماهي بروحها روحي، وكأّن ا يحّل في قلبينا ويشطر نفسه إلى نصفين ،نص ف لي ونص ف لك ،ويناشدنا أن نحرص على وجود ه في جسدينا ،نكل ه بدفق مشاعرنا ،وأسمى خفمقات ُحّبنا ،وملء نبضات قلبينا« »مولي وحّبي ،لتهن الصعاب أمام خطا قدميك ،ولترممقك اللهة بعيون المحبة ،ولتسّخر قواها الّشمولية لتحمقيق أمانيك الّنبيلة ،لتحرسك بكل قوى الكينونة الخفّية ،ولُيفرد ظّلك على الرض كما في السماوات ،وليمّجد اسمك كّل من في الكوان ،ولترفر ف رايات محبتك مع سدائم كل النجوم ،ولتذد الّشهب والنياز ك عن يصفاء عينيك ،ولتمسح حورّيات الّسماء دموعهما التي طالما سال ت عطفا ً وحزنا ً وشوقا ً للبشر والمعّذبين« »حبيبتي ..ل تغرقيني في بحار الُح ّ ب وغياهب الوَله ،فأنا ظمئ إلى النسيان ،والتفّيؤ في ظالل الرموش الهديبة ،والوجنات التي ير ّ ف وميضها بطي ف الهوى ،فال تكِوني على قلب يصاغته الكينونة على تؤدة ذّرة ذّرة للمحّبة!!« »مولي وسّيدي ،حّبي ونور عيني ،ضيا قلبي ومهجتي ،روحي وأحالمي ،الّنسمات التي تداعب خصالت شعري ،الحنّو الذي يغّل ف شغا ف قلبي ،خذني إلى رحاب فؤاد ك الّدافق بالحنان ،ضّمني إلى جوانح يصدر ك الّناسغ بروح الَّسرمدية ،وامنحني قبسا ً من فيض ُحّبك ،أطّل به على ُسهب الكوان« »يا مليكة روحي ،كّلما ضممتك إلى يصدري سرت الحياة في جسدي قطرة قطرة، وغاب الفناء عن دخيلتي دهورًا ،فدعيني أغر.ق في سرمدّية حّبك اللهي ،ورّقة مشاعر ك الّسماوية ،فكّلما نمقل ت رأسي من كتفك إلى كتفك الخر ،أحسس ت بطي ف ُحبك ينمقلني من كون إلى كون .وكّلما يصافح ت وجنتي نهداً من نهديك ضع ُ ت في عالم الكوان ،فارحمي قلبا ً ضعيفا ً ضاع بنهٍد كوني ل يرحم ،تتدفق من مساماته أكاسير الحياة ينابيع وأنهارًا« وفيما كانا يتبادلن هذ ه الكلمات من الغزل الّرفيع ،ويلتحمان بجسديهما ليكادا أن يصبحا جسداً واحدًا ،قاطعهما يصوت قائد المركبة وقطع عليهما يصفاء خلوتهما وجمالها ،حين هت ف:
»عفواً مولي ملك الملو ك لمقمان ،عفواً أيتها الميرة نور الّسماء« فرفع الديب لمقمان رأسه عن رأ س الميرة ونظر بعينين هائمتين سارحتين ،نحو قائد المركبة ،فيما ظّل ت الميرة نور السماء ملتحمة بجسد ه ،وُملمقية رأسها على يصدر ه: »ماذا أيها المقائد؟« »ملك الملو ك يا مولي في أزمة على كوكب مجهول ،فمقد تعّرض لهجوم مباغ ت من قوى إلهية جّبارة ،ويستأذنك باستخدام المقوة للدفاع عن نفسه وضيوفه« وحين سمع ت الميرة نور السماء كالم قائد المركبة ،رفع ت رأسها عن يصدر الديب لمقمان دون أن تتكّلم: »أوضح لي كالمك أيها الرائد« »ايصطحب ملك الملو ك في دعوته إلى المّريخ قرابة عشرة آل ف إنسان من كوكب الزهرة ،لكنه وجد الكوكب مأهولً وتخّو ف من حدوث مشاكل بينه وبين سّكانه ،فذهب إلى المشترى فوجد ه مأهو ً ل بأقوام مجهولة ،فانتمقل بضيوفه بالسرعة الخارقة الُعظمى وح ّ ط على كوكب بعيد مجهول ،عليه بعض الحياة البدائية .وفيما كانوا يرقصون ويمرحون .فوجئوا بالفضاء على مسافة أميال منهم يعّج بآل ف المقوى اللهية المجّنحة، التي شرع ت في إيثارة العوايص ف نحوهم .فسّخر ملك الملو ك قوا ه الّدفاعية بأن أقام أطواداً جبارة فعصف ت بها وهدمتها ،فأقام أطواداً أكبر منها فعصف ت بها ،وما يزال حّتى الن يمقيم الطواد أمامها وهي تعص ف بها وتهدمها وتتمقدم نحوهم بمقوى خارقة وعوايص ف عاتية ل يمقدر عليها غير اللهة ،وإذا لم تتح له أن يستخدم قوا ه الهجومية التدميرية ،فإّن هذ ه المقوى ستفتك بهم!« زفر الديب لمقمان تأففا ً وهو يدر ك أن ما كان متخّوفا ً منه قد حصل. »أليس أمامه أية وسيلة للهرب بضيوفه؟« »إّنه محايصر من كل الجهات يا مولي ،وقد أقام حتى الن عشرين سّداً منيعا ً بين السماء وأرض الكوكب ،فدّمرت جميعها ،ومازال يمقيم السدود والحواجز والطواد الجّبارة لعاقة تمقّدمها ،ولم يبق بينه وبينها غير بضعة أميال« »ألم يحاول التفاهم معها؟« »ليس هنا ك أي مجال للتفاهم يا مولي ،إنها قوى شريرة ل ترحم!« »ما رأيك أيتها الميرة؟« »ارحمه يا مولي .وأذن له باللجوء إلى قوا ه التدميرية ،إّنه ينفجر غيظا ً وغضبا ً الن!« »أليس في ممقدوري أن أرا ه وأرى هذ ه المقوى أّيها الرائد؟« »يمكن ذلك إذا ما انتمقل ت إلى ممقصورة التصالت يا مولي« وهرع الديب لمقمان والميرة نور السماء إلى الممقصورة ليشاهدا الهول على الشاشة. كان ضيو ف ملك الملو ك يتمقوقعون على أنفسهم بين أشجار غابة ،فيما يحاول ملك الملو ك ويصديمقاته الجنّيات تهدئتهم وطمأنتهم دون جدوى ،وعلى مسافة بضعة أميال منهم ،كان ت الطواد الهائلة التي ينصبها ملك الملو ك في طريق تلك المقوى تنهار تباعا ً وكأنها أكوام من الصفيح ،وقد بدت تلك القوام للديب لمقمان أقرب ما تكون إلى السود
العمالقة المجّنحة ،كان حجم الواحد منها بحجم جبل ،وحين شاهدها أدر ك أنه ل مفَّر من استخدام قّوة تدميرية هائلة لردعها ،فأعطى إشارته إلى ملك الملو ك ،الذي كان يتوّسل يصارخًا: »مولي مولي! هل تمقبل أن تفتك قوى العداء بمو ّ ل ك وضيوفه؟!« وما أن أعطى الديب لمقمان إشارته حّتى أشار ملك الملو ك بحركة من يد ه ويصرخ يصرخة هائلة ،فاندفع ت عوايص ف نارّية في اتجا ه هذ ه المقوى .فأطلمق ت هي عوايصفها غير النارّية لمواجهتها ،فايصطدم ت العوايص ف بعضها ببعض لتكتسح العوايص ف النارّية العوايص ف الخرى وتحرقها وهي تعص ف بها وتتمقاذفها في الفضاء في اتجا ه ُمطلمقيها لتحرقهم ،لكن ما أن ُأحر.ق الفوج المهاجم من هذ ه المقوى ،حتى فوجئ ملك الملو ك بظهور فوج آخر يمقذ ف العايصير الجّبارة المحّملة بالميا ه التي راح ت تطفئ العوايص ف النارية التي يطلمقها ،فأمر ملك الملو ك قوا ه الجنّية بأن تهُ ّ ب أعايصير نارّية من خل ف هذ ه المقوى ،ومن فوقها ومن أمامها وعن يسارها وعن يمينها وفي وسطها ،فهّب ت أعايصير نارّية هائلة من كل مكان ،وراح ت تلتهم كل ما يمق ف في طريمقها وكأنه هشيم ،وتحيل الميا ه إلى نار حمراء ،تفور ليتصاعد منها دخان ويمل عنان السماء ،وسط يصراخ ملك الملو ك الذي ارتعدت منه الجبال ،وزلزل ت منه بعض الكواكب والجرام ،وهو يأخذ شكله الجّني! أدر ك ملك الملو ك أّنه هَزم هذ ه المقوى شَّر هزيمة وأبادها عن آخرها ،فمقهمقه بملء فيه فرحًا ،ليرتج الكوكب الواق ف عليه من شّدة قهمقهته ،وراح يعلن وهو يدر ك أن الديب لمقمان يسمعه ويرا ه: »أشكر ك يا مولي إذ أتح ت لي أن أخوض حرباً ضد قوى خارقة وأنتصر عليها بيسر بعد يثاليثة آل ف عام من ظالم السجن« كان الديب لمقمان مايزال في غاية الدهشة والذهول لهول ما رأى ،فهت ف مخاطبا ً ملك الملو ك الذي كان مايزال في شكله الجني الهائل: »حسناً أيها الملك ،يكفيك الن هذ ه الحرب .ايصطحب ضيوفك وعد إلينا ،قبل أن تخرج إليك قوى ُأخرى قد تهزمك« »مولي ،لمقد كان ت هذ ه على الغلب قوى آلهّية وهزمتها ،فأّية آلهة يمكن أن تهزمني بعدها؟« »ما أدرا ك أنها قوى آلهية أيها الملك؟« »وهل يمقدر على هذ ه العوايص ف والعايصير التي دّمرت الطواد التي أقمتها أمامها غير اللهة أو عظماء الجن يا مولي؟« ّ »ربما يوجد آلهة وجن قادرون على تدمير الكوان كلها أيها الملك ،فُعد قبل أن يظهر إليك أحدهم!« »مولي ،لكن ضيوفي لم يتمّتعوا بعد كما أريد!« »يكفيهم الّرعب الذي أيصابهم ،فسارع إلى إعادتهم قبل أن يتحّول يومهم إلى عزاء« »أمر مولي ،سأكون عندكم فور انتهائهم من إعداد أنفسهم للعودة«
»كم تبعد عّنا أّيها الملك؟« »أعواني يمقولون أننا نبعد عنكم حوالي مائة أل ف سنة ضوئية يا مولي!« »ا يخرب بيتك يا بعيد! وهل أن َ ت وايثق من أنك ستعود إلينا هذا المساء وقبل حفل العشاء؟!« »سامحتك اللهة يا مولي ،ألم ننطلق من عندكم قبيل الظهيرة ،وتأّخرنا بعض الوق ت على كوكبي المّريخ والمشتري؟« »لن يهدأ لي بال قبل أن أرا ك وأرى ضيوفك على الكوكب« »انتظر بضع دقائق ريثما يعّدون أنفسهم وستراني عندكم يا مولي« »سأنتظر ولن أغادر مكاني قبل أن أراكم ُهنا« أنهى ضيو ف ملك الملو ك الذين معظمهم من الفتيات ،أنهوا تهيئة أنفسهم للعودة ،فمقد حملوا أمتعتهم ووقفوا متأهبين وملك الملو ك يمق ف أمامهم. أشار ملك الملو ك بالحركة المعتادة من يد ه واختفى ليختفي الضيو ف جميعًا! فوجئ الديب لمقمان به يدخل عليه ممقصورة المركبة بعد لحظة هاتفًا ،وقد أخذ شكله النسي: »السالم على مولي ملك الملو ك الديب لمقمان« نظر الديب لمقمان إليه وهو يدر ك أنه ما يزال يعيش هذا الكابو س الجميل منذ أن خرج عليه ملك الملو ك من المقممقم الذي عثر عليه في المقبر الذي أعّد ه لنفسه كي ينتحر فيه: »وعليك السالم أيها الملك ،أين ضيوفك؟« »انظر من النافذة تراهم يا مولي« وألمقى الديب لمقمان نظرة عبر النافذة ،ليرى آل ف الفتيات وبعض الّشباب يحملون حمقائب يصغيرة على أكتافهم وظهورهم ويخرجون من أرض المطار وكأن طائرة أنزلتهم للتو. »ما ل أفهمه أّيها الملك أّنك تستطيع العودة إلّي بهذ ه الّسرعة ول تستطيع الهرب بضيوفك من المقوى التي هاجمتك ،هل لك أن تفهمني ذلك؟« »لّني محايصر من كل الجهات يا مولي حتى من الّسماء فكي ف سأتجاوزها؟« أطر.ق الديب لمقمان قلي ً ال ،ويبدو أّنه اقتنع: »حسناً أيها الملك ،أن ت تعر ف أنني ل أحب الحروب ،وأتمّنى أل تمقع في أي مكان في الكون ،ومع ذلكُ ،أهنُّئك بانتصار ك على المقوى التي واجهتك« فأحنى ملك الملو ك رأسه وهو يهت ف: »أشكر مولي الذي أعر ف أنه لن يتر ك مو ّ ل ه ُيمقتل من ِقبل أية قوى ُمعادية دون أن يتيح له استخدام قوا ه الجّبارة« »هذ ه مسألة ليس ت في حاجة إلى تأكيد أّيها الملك ،فأن ت يصديمقي وقد تعاهدنا على ذلك، ولن أسمح لّية قوة مهما كان ت أن تمقهر ك وتذّلك ،طالما في ممقدوري وممقدور ك أن نواجهها ،وإذا ل مناص من الحروب فلتكن! ما يؤلمني أنني ضعي ف أمامك ،خا ّ يصة إذا ما احتج ت إلّي ذات يوم ،ولم أقدر على مساعدتك ،كي ف لي أن أمتلك قوى خارقة
تستطيع إنمقاذ ك في وق ت الضيق؟« »هذا ما سأعمل عليه يا مولي« »وهذا ما سأعمل عليه أنا أيضا ً إذا ما التمقي ت ا يومًا« »أشكر ك من أعما.ق قلبي يا مولي« »أنا لم أفعل لك شيئا ً حتى الن يستحق الّشكر أيها الملك« »أرجو ك يا مولي ..لَِم هذا التفاني والتواضع؟« ي تفاٍن وأي تواضع أّيها الملك؟« »أ ّ »لَِم تنسى دائما ً أنك من أعادني إلى الحّرية؟« يصدفة وليس ت تفانيا ً أو تواضعا ً أو حّتى »أو ه أّيها الملك ،ألم أقل لك أّنها كان ت مجّرد ُ محّبة؟« »ل يا مولي فكل شيء كان مرسومًا!« »كي ف أّيها الملك؟« »ألم أقل لك أن الملك سليمان أبلغني أّنه لن ُيفرج عني إلّ على يديك؟« »أجل أيها الملك« ت إلّي بمحض الصدفة ،كان ممقّدراً لك أن تأتي إلى ُهنا ك« »إذن فأن ت لم تأ ِ »إذن فالفضل يعود إلى من ساقني إلى ُهنا ك« »ل يا مولي« »لماذا ل؟« »حين عثرت على المقممقم ألم يخطر ببالك أّنه قد يكون فيه جّني سجين؟« »بلى ،ولم يخطر ببالي أي شيء آخر غير هذا أيها الملك!« »ومع ذلك فتح ت المقممقم يا مولي؟« »وهل تراني أتر ك سجيناً في سجن حمقير كهذا ،وأنا لم أكر ه في حياتي شيئا ً أكثر من السجون ،ولم أذ.ق المّرين إل في الّسجون؟« »مع أنك تفرج عن جّني قد يؤذيك يا مولي« »هذا ما تخّوف ت منه أيها الملك ،ومع ذلك فتح ت المقممقم ببطء ،إنما دون أي تردد كما أذكر« »هذا أن ت يا مولي ،حين خلمقك ا ،شاء أل يزرع في نفسك إل المحبة والخير وإحالل الحق ،وجعل الشرور في غير ك ،وإن كن ت أخا ف عليك يا مولي فال أخا ف إل من هذ ه الطيبة« »بل لتخ ف أيضاً من الشر الذي زرعه الخرون في نفسي ،لكني متفائل أيها الملك ،لبّد أن ينتصر الخير يوما ً فأّيام الشر لن تدوم« »آمل ذلك يا مولي ،مع أنني متشائم وتراود نفسي الوساو س والشكو ك« س عظيم بأن العالم ممقدم على الخير والمحّبة وإحمقا.ق »اطمئن أيها الملك ،يخالجني إحسا ٌ العدالة« »آمل أن يكون إحساسك يصادقا ً يا مولي«
»والن هل تسمح لي قبل انصرافي أن أطلب منك طلبا ً وأز ّ ف إليك نبأ يا مولي؟« »ماذا لديك أّيها الملك؟« »سنستغل مناسبة حفل العشاء في السماء هذا المساء ونمقوم بتتويجك رسميا ً ملكا ً على الجن الحمر بحضور الملو ك جميعاً ونمقيم لك وللميرة نور السماء حفل زفا ف ونتّوجها ملكة أيضًا!!« نظر الديب لمقمان إلى الميرة نور السماء التي كان ت تجلس بصم ت وخجل: »هل خططتما معا ً لهذ ه الليلة أيها الملك؟« »في الحمقيمقة يا مولي ،كّنا نود أن نمقيم التتويج والّزواج على الكوكب الذي سنمقيم عليه، لكن نزولنا على الزهرة وحدوث مناسبة الحفل التي ستمقام ،والتي ليس من السهولة تكرارها جعلنا نغّير رأينا« »سأكون سعيداً بإعالن زواجي من الميرة نور السماء أّيها الملك ،لكني أشك في أنني سأكون سعيداً بتتويجي رسميا ً ملكا ً عليكم ،فأنا ل ُأحب الملو ك ،ول أطمح أن أكون ملكًا، ولم أعترض حين أعلن ت ذلك لعدم أخذي المر مأخذ الجد ،ولن عالقتي بالجن كان ت وما تزال عبر ك أن ت« »هذا اليوم ستلبس المقالدة السحرية المطلسمة يا مولي ،وتستطيع بعد ذلك أن تصدر أوامر ك إلى أي ملك من ملو ك الجن أو إلى ملو ك الجن الحمر جميعا ً دون أن تسألني رأيي« »وماذا سأفعل بمائة أل ف ملك يحكمون مائة أل ف جيش إن لم يكن مائة أل ف دولة؟« »يمكنك أن تستولي بهم على الكوان ُكّلها يا مولي« »لكن ليس لدي أية رغبة في الستيالء على أحد ،وأف ّ ضل لو أنكم تعفوني من ذلك أيها الملك« »إنها رغبتي ورغبة الميرة نور السماء ورغبة ملو ك الجن جميعا ً بل ورغبة رعايانا يا مولي« »لكن ماذا بوسعي أن ُأقدم لكم ،وكي ف أقدر على حّل مشاكلكم وأنا ل أعر ف عنها شيئا ً أيها الملك؟ يثم أل ترى أنه من الظلم أن يحكم إنسّي جنًّا؟!« »مولي ،نحن نضع يثمقتنا بك ونجزم أنك لن تظلمنا ،بل ولن نجد من هو أكثر عدالة منك ليحكم فيما بيننا بالعدل« »إّني أشّك في ذلك أيها الملك ،فأنا لم أكن أعر ف فيما إذا كن ت عادلً حّتى بين أفراد ُأسرتي الصغيرة ،فكي ف أعر ف أنني سأعدل فيما بينكم ،خايصة وأنا ل أعر ف عن عدالتكم شيئًا« »مولي ،لتكن عدالتك عدالتنا ،ولتكن شرائعك قوانيننا ،ولتكن أحكامك وتوجيهاتك ومفاهيمك ناموسا ً ونبراسا ً لنا« »ألن تجدوا في ذلك ظلما ً أيها الملك؟« »نحن نرضى بهذا الظلم يا مولي«
وأطر.ق الديب لمقمان للحظات يثم نظر إلى الميرة نور السماء ،فرأى التوّسل في عينيها، وأح ّ س للحظات أنه يمكن أن يمقبل بالملكّية ولو من أجل عينيها! ُ »ليكن أّيها الملك ،وآمل أن أقدر على أن أعدل فيما بينكم وأحمقق أمانيكم« وألمق ت الميرة نور السماء نفسها بين أحضانه ،فضّمها إليه ،فيما ملك الملو ك يهت ف: »عاش مولي العظيم« وراح الديب لمقمان يضحك وهو يملس على شعر الملكة المنتظرة نور السماء ويهت ف فيما الملك شمنهور يغادر: »وا لن تمقتلني إل بتعظيمك هذا أيها الملك« ولم يعّمقب الملك شمنهور على ما سمعه ،فبادرت الميرة نور السماء إلى المقول: »أن ت لس ت ممن يمقتلهم التعظيم ،لنك لس ت في حاجة إلى من يع ّ ظمك يا مولي« »ماذا تمقصدين أيتها الميرة؟« »أليس كالمي واضحا ً يا مولي؟« »هل تمقصدين أنني في قرارة نفسي أقتنع بذاتي كما أنا ول أطمح في أّية منايصب أو ألمقاب يصبغها علّي الخرون؟« »ويمكنني أن أضي ف إلى ذلك أّنك في قرارة نفسك ترى أّنك إنسان عظيم ،وأن أي تعظيم لن يرقى إلى هذ ه العظمة التي تستشعرها في نفسك!« فوجئ الديب لمقمان بكالم الميرة الذي لم يعر ف كي ف تو ّ يصل ت إليه: »لنفترض أن وجهة نظر ك يصحيحة ،أل يمكن أن يكون هذا غروراً َمَرضيًّا« »ل! ما لمسته حتى الن أّنه يثمقة عالية بالنفس وليس غروراً يا مولي« »كي ف لمس ت ذلك أيتها الميرة؟« »من يثق بنفسه ،أو بعظمة نفسه وسمّوها إن شئ ت يا مولي ،ل يشعر بالحاجة إلى التعظيم الهوج من أحد ،ول يسعى إلى المنايصب الهزيلة في نظر ه والعظيمة في نظر الخرين ،كمنايصب الّزعماء ملوكاً كانوا أم رؤساء ،أباطرة ،أو حتى أنبياء وآلهة!« »لكّني كن ت أحلم بأن أكون أديبا ً عظيما ً أيتها الميرة؟« »هذا حلم إنسانّي مشروع يا مولي ،وليس طموحا ً في منصب أو سلطة« »وسلطة الدب على الّنفس أليس ت ُسلطة؟« »لكنها ُسلطة جميلة يا مولي ،سلطة لن تسيء إلى أحد ،ولن يكرهها أحد ،سلطة تشّذب النفس وتسمو بها إلى الُعال« »المؤس ف أن تنصيبي ملكا ً سيمنعني من الكتابة« »ستجد وقتا ً لتكتب ،سنعّين لك مئات المساعدين كي تتفّرغ للكتابة!« ت تثيرين في نفسي الحالم المقتيلة ،وتعيديني إلى اليام »آ ه ما أجملك أيتها الميرة ،أن ِ الخوالي التي كن ت أعاني فيها من الّزمن الفايصل بين قلمي وخيالي!« »ماذا تمقصد يا مولي؟« »لم أكن أعر ف كي ف أوّفق بين بطء قلمي المقاتل وسرعة الضوء التي ينطلق بها عمقلي، فما أفّكر فيه في دقيمقة أحتاج رّبما إلى مائة سنة للتعبير عنه! ما يحزنني أنني سأموت
وأنا لم أكتب أكثر من واحد في المليون مما يدور في دماغي ،وكثيراً ما أشعر أّن اللغة، أّية لغة مهما عظم ت ،عاجزة عن التعبير عّما يدور تماماً في الخيال ،أو يكتن ف أعما.ق النفس« »سنحاول أن نحّل هذ ه المشاكل قدر المكان يا مولي؟« »هل سنجد حالً لمقلمي الذي يسير ببطء النملة؟« »ببطء النملة يا مولي؟« »بل إن أبطأ أنواع النمل أسرع منه ،لنني أكتب كل قِ ّ صة أو رواية يثالث مّرات، وبعض الفصول أكتبها أربع أو خمس مّرات ،يثم إّنك لن تحتمليني إذا ما ُعدت إلى الكتابة!« »لماذا يا مولي؟« »لنني أكون كالمجنون وأعيش في عزلة شبه تاّمة لعّدة أشهر ،وأحيانا ً سنوات!« »ولماذا تكون كالمجنون يا مولي« »لن الفر.ق بين الديب والمجنون شعرة واحدة!« »كي ف؟« »المجنون قد يبكي ويضحك ويغضب ويمار س العادة العلنية أمام النا س ،أما الديب فيغلق باب غرفته على نفسه ،ويشرع تارة في الُبكاء ،وتارة في ال ّ ضحك ،وتارة في الغضب ،وتارة في ممارسة العادة السرّية مع أجمل جميالت الخيال الذي يجّسد ه عمقله!!« »وهل ستلجأ إلى هذ ه العادة وأنا إلى جانبك يا مولي؟« »أظن أنني لن ألجأ يا حبيبتي ،لن خيالي لم يجّسد من هي أجمل منِك حتى الن!« »وماذا عن الفيلسو ف يا مولي؟« »الفيلسو ف يظّل واجما ً وساهمًا ،فيبدو وكأّنه يحّد.ق في الجدران ،أو يوِغل في المطلق، هذا إضافة إلى ما ذكرته عن الديب!« »أن ت ل توجم وتسهم؟« »كثيرًا! إلى حد أنني ألبس حذائي على »البجاما« ،وأهّم للخروج من البي ت ،لجد ابنتي تصرخ بي »سالمة عمقلك يا بابا هل ستخرج إلى الشارع بالبجاما؟« فأضحك على نفسي وأعود وأنا أدر ك أن الشعرة الفايصلة بين المجنون والديب قد بدأت تتجاوز حدود الدب ،وأتمنى أل يحدث ذلك ذات يوم!« ودفن ت الميرة نور السماء رأسها في يصدر ه وهي تهمس: »ُأحب يصدقك يا مولي ،لم أَر في حياتي من هَُو أيصد.ق منك ،أشعر أحيانا ً وكأّنك طفل يتحّدث عن نفسه« »أنا طفل في الثامنة والربعين يا حبيبتي!« »أما أنا فطفلة عمرها سّتة آل ف عام يا حبيبي« »لكن كالمك عن العظمة والعظماء كالم خطير ول يمكن أن يصدر عن أطفال ،ول أظن أنني سأسمع من بني الجن ما هو أخطر منه أيتها الميرة«
»أعر ف أّنه خطير يا مولي ،لكن ليس عليك« »لكنه خطير على الزعماء والنبياء واللهة ،فهم ل يشبعون من تعظيمهم ،ول يكتفون بترديد آيات التعظيم والتكبير والتأليه حّتى لو رددت كل يثانية مدى سرمدّية الّزمن ،ومن أفوا ه البشر والحيوانات ،ومن أغصان الّنباتات!« »أجل يا مولي ،إني أعر ف ذلك!« »ول تنسي أّنك الن مسلمة وينبغي عليك أن ترددي الّشهادتين خمس مّرات على القل في اليوم ،وأن تصّلي ل والّنبي خمس مّرات في اليوم ،وأن تطّبمقي فرائض الدين السالمي ا ُ لخرى« »أظن أنه يفترض في ا ومحّمد وهما بهذ ه العظمة أل يكونا في حاجة إلى شهادتي ويصلواتي ،بل وأل يكونا في حاجة إلى شهادات ويصلوات الّنا س جميعًا!« ت بهذا تلحدين أّيتها الميرة!« »أن ِ »بالعكس ،أنا أدعوهما لن يكونا بمستوى عظمتهما ،ول أظن أّن ُكّل من يمقول رأيه ُيصبح ملحداً يا مولي!« »أنا لم أقل إل رأيي ،ومع ذلك اعتبرت من قبل بعضهم ملحدًا« »هؤلء جَهلة يا مولي!« »جهلة؟! أل تعرفين أيضا ً أّنك بمقولك هذا تطعنين في الديان ،بل وتشيرين إلى ما ُيسّميه بعض أطباء المراض النفسّية عمقدة النمقص أو الّشعور بالّدونية ورّبما جنون العظمة عند بعض الّزعماء ،بل عند اللهة والّرسل جميعًا ،وتدعين إلى إلغاء الصلوات بل والمساجد والشهادتين وأركان السالم كلها ،وبالتالي إلغاء السالم ،والمسيحية واليهودّية وكل الديان!!« ّ »أجل يا مولي إني أطعن في الديان ُكلها وأشير إلى بعض الّسلبيات لدى آلهتها وأنبيائها ،لكني ل أدعو إلى إلغائها بمقدر ما أدعوها إلى أن ترقى بوعيها وسلوكها إلى ذرى الكمال!« »الديان يثابتة ول تتغير أيتها الميرة ،والنبياء قالوا ما لديهم وما أنزل عليهم ،أو اّدعوا أّنه ُأنزل عليهم ،ورحلوا ،وليس في المكان إجراء أي تغيير ،فإما أن نمقتنع ونظل مؤمنين ،أو ل نمقتنع ونغدو ملحدين ،ليس يثمة أي مجال للحلول الوسط« »وهل جاءت الديان من أجل اللهة أم من أجل البشر يا مولي؟!« »لنمقل أّنها جاءت من أجل البشر!« »إذا جاءت من أجل البشر ،فلَِم ل يتدّخل البشر أنفسهم في بلورة مفاهيمها كي تتالءم مع ظرو ف حياتهم؟!« »لن اللهة والنبياء ل يمقبلون بذلك وإن ُذكر أن الّنبي محّمد قد قال أّن الّمة السالمّية في حاجة كل مائة عام إلى من ُيصلح لها أمور دينها« »إذن ليمقم اللهة والنبياء ديناً لهم في السموات وليتركوا من على الرض والكواكب وما تحتها وشأنهم!« وراح الديب لمقمان يضحك ،فتساءل ت الميرة:
»لم تضحك يا مولي؟« »هل هذا قولك الفصل في مسألة الدين أيتها الميرة؟« »نعم يا مولي« »لكن إلى ماذا تستندين حين تبّتين في المسألة بهذا الطال.ق؟« »إضافة إلى ما قلته يا مولي ،فإني أستند إلى أكثر من عشرين أل ف عام من استبدال اللهة ،فعمري ستة آل ف عام ،وعمر أبي أكثر من ايثني عشر أل ف عام ،وعمر جّدي أكثر من خمسة وعشرين أل ف عام ،وكل اللهة الذين عايشناهم ،انتهوا إلى غير رجعة، وانته ت معهم مفاهيمهم وتعاليمهم ،وكّنا نغّير معظم مفاهيمنا أو بعضها ،مع اكتشا ف أو ظهور كل إله ،ونمقول إن هذا هو الله الخير الحق ،لنكتش ف بعد حمقبة من الّزمن أننا على خطأ ،بل لنكتش ف أّن كل هؤلء اللهة انتهوا أو رحلوا ونحن بمقينا أحياء ،مما يؤكد أنهم لم يكونوا آلهة ،وأننا نحن الذين يصّدقناهم ،أو أوجدناهم ،أو تصّورناهم ،أو رفعناهم إلى مراتب اللهة ،بل ونحن من وضع سننهم وشرائعهم ورحنا نطّبمقها على أنفسنا ،مع أّن بعضهم كانوا بشراً ضعفاء ،وعاجزين عن فعل أي شيء ذي قيمة سامية!!« لم يصّد.ق الديب لمقمان أن الميرة نور السماء يمكن أن تكون متب ّ صرة إلى هذا الحد، فضّمها إلى يصدر ه بشّدة وهت ف: ت بهذا التفكير الخير بدأت تمقتربين مّنا أيتها الميرة ،ول أستبعد أن تنضّمي إلينا »أن ِ يومًا« »تمقصد المتنّورين يا مولي؟« »نعم« »بماذا أختل ف عنكم يا مولي؟« »نحن ل نمقتنع بوجود اللهة أيص ً ال أيتها الميرة ،ونرى أن الحياة وجدت وحدها، وطّورت نفسها بنفسها ،ولم يخلمقها أو يطّورها أحد .أي أّن الوجود بحد ذاته لم يكن له غاية ،وليس يثمة وجود آخر غير ه ،سواء كان ذلك قبله أو بعد ه .وما جاء من آلهة ت ومعبودين ليسوا أكثر من تصّورات وأفكار بدائّية أوجدها البشر ،وحتى الجن كما أشر ِ ت ،خالل سعيهم الدائب للبحث عن سّر الخلق وما خل ف الوجود!!« أن ِ »لكنك قل ت أّنك ستسعى للمقاء ا ،فكي ف تسعى للمقاء من ل تمقتنع بوجود ه يا مولي؟« »لعّلني أكتش ف أنني على خطأ ولو بنسبة واحد في البليون!« »وإذا ما اكتشف ت أنك على خطأ وأّن هنا ك إلهاً ما خل ف هذا الوجود ،هل ستؤمن به يا مولي؟!« »إذا ما اقتنع ت بصدقه وعدالته ويصواب أفكار ه ،سأكون أكثر المؤمنين به والمخلصين له« »تمقصد يصدقا ً وعدالًة ويصواب أفكار أفضل مما ويصل إلى البشر؟!« »بالتأكيد ،فإذا كان ت الفكار والتعاليم المتناقضة التي ويصل ت إلى البشر ،هي أفكار آلهة، فهذ ه مصيبة فظيعة ،وأظن أنني لن أتأّنى عن هدم عروش هؤلء اللهة إذا وجدت إلى ذلك سبي ً ال!!«
»أظن أن لديك الن من المقوة ما يمّكنك من هدم عرش أي إله مستبد يا مولي!« »آمل ذلك أيتها الميرة ،وآمل أن أتمّكن من هدم عروش الستبداد في دول الرض قبل أن أهدم عروش الستبداد في السماوات« »وكي ف ستهدهم كل هذ ه العروش دون أن تريق دما ً يا مولي؟« »طالما لدي قوى تمكنني من ذلك لن يكون المر عسيرًا« »هل اقتنع ت بفكرة الذات الكلية السائدة في كوكب الّزهرة؟« »حّتى الن ل ،مع أّنها تزخر بكل ما هو عظيم وساٍم وخ ّ ال.ق« »ونظام الال نمقد والال دولة أو النظام بشكل عام؟« »أيضا ً حّتى الن لم أقتنع به ،لكن ما حمقمقه هذا النظام من إنجازات حضارية وِمن ُرقي في الّسلو ك النساني ،مسائل لبّد من التوّق ف عندها والتفكير فيها طوي ً ال« »أل ترى أّن فكرة الذات الكلّية تلتمقي مع الفكر العلماني بعدم اعتمادها مبدأ الخلق والخالق؟!« »أجل تلتمقي كثيرًا ،لكنها تختل ف بإيجاد فكرة أو مبدأ الذات الُكّلية والذات الفردية ،والذات الجمعّية« »أظن أن جلستنا طال ت يا مولي ،وأن ت في حاجة إلى الّراحة ،فأمامك حفل عشاء وحفل تتويج وحفل زفا ف!« »فعالً أيتها الميرة دعينا ننال هنا في المركبة قسطا ً من الراحة لنني تعب ت حمقًا« »لكن ،أل يرغب مولي في دعوة بعض زعماء الرض وبعض أقاربه وأيصدقائه إلى حفل تتويجه وزفافه« »آ ه ،فكرتك عظيمة لكنها جاءت متأخرة أيتها الميرة ،كان يجب أن ُنفكر في هذا من قبل ،لو ُكّنا نعر ف أنني سأتّوج وأتزوج .كم كان بوّدي أن أدعو كلينتون وفيدل وميتران وميجر وكول ويلتسين ويصّدام والسد والحسن والحسين وخامنئي ومبار ك والمقذافي وفهد وعرفات وغيرهم ،لكن الن ،ل أظن أن هذا من الالئق قبل سويعات من بدء الحفل ،قد نفعل ذلك في مناسبة قادمة!!« |||||||| أقام ملك الملو ك الّدنيا وأقعدها ،فمقد نصب روضا ً في السماء تمقّدر مساحته بآل ف الميال المرّبعة .وأرسا ه على قواعد يصلبة شامخة ،وقد أقامه فو.ق منطمقة شبه يصحراوية وخالية من السكان كي ل تحجب الشمس عن أبناء الكوكب ،فيما لو أرادوا أن يبمقو ه بعد انتهاء الحفل ،وقد أنزل ت منه آل ف آل ف المصاعد والساللم المتحركة للصعود والنزول، ووزع ت في ممراته آل ف أنواع الورود والّزهور ونباتات الزينة والشجار المثمرة وغير المثمرة ،وسط آل ف النوافير الملونة التي كان ت ترّذ الماء في كل التجاهات لتتغّير ألوانه مرة كل يثانية من الزمن ،ليظهر في أكثر من عشرين لونا ً متتابعًا ،وكان يثّمة العديد من شاللت الميا ه الذهبّية التي تنحدر إلى العرش من الجهات الربع ،وتتجّمع صة الرئيسية وتندفع من نوافير موّزعة حول من ّ في بركة من حول المن ّ صة العرش التي أقيم ت في منتص ف الّروض وُأحيط بها مسرح هائل فرش ت أرضيته بخشب البنو س
الهندي! وقد ُمّدت في الروض آل ف آل ف الموائد على أرضية من بالط المرمر تخللتها آل ف المسارح المعّدة للرقص ،وقد حفل ت الموائد بكل ما لّذ وطاب وكّل ما يمكن أن يشتهيه المرء من طعام وشراب ،ونصب عليها بعض المناظير الممقّربة لكي يتاح للذين يجلسون بعيدين عن منطمقة العرش عشرات الميال أن يرقبوا ما يجري عبرها ،إذا لم يكتفوا بمشاهدة ما يجري على شاشات الّنمقل والبث الكبيرة التي بُّث ت في مختل ف أنحاء الّروض لتنمقل ُكّل ما يجري ضمن الّروض ُكّله بالصوت والصورة. وكان ت الرضّية ترتفع تدريجيا ً ُكّلما ابتعدت المسافة عن العرش كي يتاح للجميع الرؤية المباشرة إذا ما أرادوا. وقد انتصب العرش على قاعدة مرّبعة من حجر المرمر مجللة بالديباج وتوّسطه كرسيان من العاج المر ّ يصع بالجواهر النفيسة والمجلل بمخمل أخضر اللون !،وسط سماء مكشوفة لم يعلوها إل آلت التصوير والل ف من الثرّيات الملّونة التي كان ت تتلل في سماء الّروض. وقد انتشرت في كل مكان بين الموائد وحول من ّ صة العرش وبين الورود والّزهور مئات الل ف من حورّيات الجن الفاتنات اللواتي ارتدين المالبس الحريرّية الطويلة الّشفافة، وعّرين أيديهن ويصدورهن وظهورهن ،وكّن يتخ ّ طمن ُهنا وهنا ك وهن يعددن الموائد ويفردن أنواع الطعام والشراب ،أو يضفين عليها لمساتهن السحرية لتبدو في أجمل شكل. ُبعيد الغروب ،أوعز ملك الملو ك إلى مئات الل ف من بنات الجن وشبابهم أن يمقفوا على أبواب المصاعد والّساللم ومداخل الّروض ليستمقبلوا المدعويين ،ويدّلوهم على أماكن جلوسهم ،ومن كان مكاُنه بعيداً ُأعّدت له عربة سحرّية على شكل حمامة بيضاء ذات جناحين أخضرين لتمقّله إليه. وكان ملك الملو ك قد دعا إلى الحفل يثاليثاً من زوجاته السابمقات بينهن زوجته الولى، وبعض أولد ه وبناته والملو ك المائة أل ف وزوجاتهم بمن فيهم والدي الميرة نور السماء والميرة ظل المقمر التي قرر أن يتزوجها ،كما دعا العشرة الكبار من ملو ك كل من الجن صفر والزر.ق والّسود والخضر وزوجاتهم ،وكان ينوي أن يمقيم تحالفا ً معهم لكي ال ّ يكونوا عونا ً للجان الُحمر وللديب لمقمان ،خا ّ يصة وأّنه كان يعر ف أن كبار الشياطين والبالسة هم من الجان السود ،وكان يريد أن يكسب وّد هؤلء تحديداً أكثر من غيرهم، مع أنه ل يحّبهم لما يسمعه عنهم من أعمال شائنة ،غير أنه كان يظن أنهم يمكن أن يمقّدموا عونا ً هاماً للديب لمقمان لمقدراتهم الخارقة ،حتى في ممقارعة ُكّليي المقدرة من اللهة ،وكان يثمة ما يكّدر يصفو ملك الملو ك ،فمقد عر ف من الملك »حامينار« والد صفر الجّبار »دامردا س« كان قد طلب منه يد الميرة نور السماء أن ملك ملو ك الجن ال ّ الميرة نور السماء غير أنها أب ت الزواج منه متذّرعة بعدم رغبتها في الزواج ،وحّبها للحرية ومسامرة من تشاء من الملو ك ،فهدد بمقتلها أو شن حرب على الجان الحمر إذا ما سمع أنها تزوج ت من غير ه ذات يوم ،ولشك أّنه سيفاجأ بزواجها من الديب لمقمان هذ ه
الليلة ،ول أحد يعر ف ما الذي ستكون عليه حاله حين يراها تف ّ ضل إنسيّا ً عليه وعلى ملو ك الجّن جميعًا. وقد اقترح ملك الملو ك على الديب لمقمان أل يشار ك في استمقبال كبار الضيو ف ،لن المر سيكون ُمرهمقا ً له ،وتوّلى هو والملك حامينار والد الميرة نور السماء والعشرة الكبار من أتباعهما استمقبال كبار الضيو ف من كوكب الّزهرة ومن ملو ك الجن ،بمن فيهم الملك دامردا س ملك ملو ك الجن ال ّ صفر الجّبار ،وطالب يد الميرة نور السماء من أبيها. في المركبة ،أقدم ت الميرة نور السماء وأربع من أميرات الجن الحورّيات ،على تشذيب شعر رأ س الديب لمقمان وذقنه وشاربيه وأدخلنه الحّمام وحّممنه يثّم ضَّمخنه بأطايب المسك والعنبر وألبسنهُ ُحّلة ملكّية بيضاء من حرائر السماء ،ووّشحنه بوشاح أخضر ُزّين بالزمّرد والياقوت. وقد ارتدت الميرة نور السماء حّلة بيضاء أيضا ً وتوّشح ت بوشاح أحمر ُزّين بالجواهر ذاتها ،وزادت على ذلك بأن زّين ت أيصابع يديها ومعصميها وزنديها وعضديها وجيدها بأيثمن الجواهر ،وعّلمق ت في أذنيها قرطين على شكل يثرّيتين من الما س الّنمقي ،الذي ل تشوبه أية شائبة ،وتطّيب ت بعطور نّفاذة تضّوع ت رائحتها الزكّية في المركبة كّلها وما حولها!! طلب الديب لمقمان ملك الملو ك ليسأله عّما إذا حضر النس والجن جميعًا ،وعّما إذا أحسن الستمقبال لكبار المدعوين ،فأبلغه أن المور سارت على ما يرام ،ولم يخبر ه بِسّر الملك »دامردا س« لكنه أخبر الميرة نور السماء التي ف ّ ضل ت أن يبمقى المر سّراً على الديب لمقمان ،كي ل ينشغل باله ،وأشارت إلى ملك الملو ك أن يأخذ احتياطاته ويضع بعض جيوش الجن الحمر على ُأهبة الستعداد وأن يوكل إليهم حراسة الفضاء المحيط بكوكب الزهرة تحّسبا ً لية حماقات متهّورة قد يمقدم عليها الملك »دامردا س« ،فأعلن لها أّنه احتاط لكّل شيء ،مع أنه يستبعد أن يمقوم الملك دامردا س برّدة فعل طائشة وهو في ضيافتهم وبين ملو ك الجن وزعماء النس. تساءل الديب لمقمان قبل أن ينطلق موكبه إلى الحفل عّما إذا يتوّجب عليه مصافحة كبار الضيو ف ،فأعلن الملك شمنهور أّن ذلك قد يستغر.ق معه يوماً بكامله ،فمقال الديب لمقمان: »لكن ليس من المعمقول أل أيصافح الملك »حامينار« الذي سيزّوجني ابنته والراعي الكبر الذي ُأقيم الحفل على شرفه!« »هؤلء ستصافحهم بعد التتويج يا مولي ،يثم إّنهم يجلسون على المائدة التي سنجلس عليها ،وستحيي باقي الجماهير الجنّية والنسّية بيديك من على العرش الطائر الذي ستنطلق عليه إلى هنا ك ،وسيحّلق فو.ق منطمقة الّروض كّلها« »قل لي ،من يجلس أيضاً على المائدة التي سنجلس عليها أّيها الملك؟« »أنا وعشرة من كابر ملوكي وأربعة ملو ك ملو ك جن آخرين وأربعون ملكا ً من كبار ملوكهم وزوجاتهم ،وبعض زوجاتي السابمقات وكبرى بناتي والميرة ظل المقمر والراعي الكبر وزوجته وشاهل بيل وزوجته ونائب الراعي الكبر وزوجته« »وكم تعداد هؤلء أيها الملك؟«
»قرابة مائتين يا مولي!« »ولَِم ل أيصافحهم قبل التتويج؟« »لنهم سيضطّرون إلى مصافحتك بعد ه وفي هذ ه الحال ستمضي ليلتك في المصافحات!« »أل ترى أّن المناسبة تستأهل ذلك؟ فلن أتّوج ملكا ً لملو ك الملو ك كّل يوم ،ولن أتزّوج من أميرة حورّية ستغدو ملكة هذ ه الليلة كل يوم؟!« »يمكنك أن تفعل ما يُسر ك يا مولي!« »أرا ك زعل ت!« »ل يا مولي ،إن ما يرضيك يرضيني!« »سأفعل كما رسم َ ت أن ت أيها الملك فأن ت ُمصيب!« »شكراً يا مولي!« »هل يتوّجب علّي أن ألمقي كلمة ولو قصيرة بعد التتويج؟« »ُيف ّ ضل هذا يا مولي« »وماذا سأقول فيها أيها الملك؟« »هذا ما ل أخا ف عليك منه يا مولي!« »وا إني ل أخا ف شيئا ً أكثر من الكالم!« »اسم ا عندما يخرج من فمك يبدو جميالً يا مولي!« »رّبما لننا خصمان لدودان!« دخل ت فتاتان تحمالن تاجين مر ّ يصعين بالجواهر ،هت ف الديب لمقمان: »ما هذا هل ستتوجنا منذ الن أيها الملك؟« »هذان تاجان عادّيان يا مولي ،ستظهران بهما أمام المليارات من المدعوين ،إذ ليس من الالئق أن نتر ك رأسيكما حاسرين على حالهما!!« أخذ الديب لمقمان تاج الميرة نور السماء ووضعه على رأسها ،فأضفى على جمالها جمالً آخر ،تأّملها الديب لمقمان للحظات وهت ف: »آ ه ما أجملك ،ل أظن أن الملوكّية وجدت إل من أجلك ،فهي ل تليق إل بك! ليتني حاول ت النتحار وأنا في عنفوان الّشباب ولم أنتظر حّتى خري ف الُعمر ،كي أكون جديراً بك!!« فهتف ت الميرة نور السماء: يصلعك »وهل يهون عليك أن تدعني أنتظر قرابة يثاليثين عاماً لرى جمال شيبك ووقار َ ورزانة حضور ك ورجاحة عمقلك يا مولي؟« »وما جمال الّشيب ووقار ال ّ صلع ورزانة الحضور ورجاحة العمقل أمام عنفوان الّشباب أّيتها الميرة ،لو عرفتني وأنا أسير في شوارع دمشق ،ممشو.ق المقوام ،مفتول العضالت ،بارز »النهدين« طويل الَّشعر ،مفتوح ال ّ طو.ق دارع الصدرُ ،أعّلق بلدي مصلوباً على يصدري في سنسال يلت ف حول عنمقي وأتأبط بعض الكتب والحسناوات يالحمقنني ينشدن قربي ووّدي ،لغّيرت رأيك!«
»ل أظن أنني كن ت سأغّير رأيي يا مولي!« وقطع حوارهما ملك الملو ك بصوته الفظ: »أعطني رأسك الن أيها الملك فمقد أدركنا الوق ت« واستدار الديب لمقمان هاتفًا: »ها ك رأسي أيها الملك ،فمن الجدى له أن يغدو رأ س ملك على أن يظّل رأ س أديب يصر ما يدور فيه الّرقباء والمخبرون وسدنة الّسالطين!!« ُيحا ِ نظر الديب لمقمان إلى نفسه في المرآة فرأى التاج يتلل على رأسه فأيمقن أّنه غدا حمقا ً ملكًا ،رغم هذا الُهتا ف اليمقظ في قرارة نفسه ،الذي يذّكر ه دائما ً أّنه قطعا ً في ُحلم لن تكون له نهاية كما يبدو ،فهت ف مخاطبا ً رأسه: »آمل أل تؤول إلى الُخواء والغرور ،وتجنح إلى التسّلط والتكّبر والستبداد ،أّيها الرأ س الذي طالما تصارع ت فيك الهواجس ،وأيثمقلتك ُنبل الفكار!« فسارع ت الميرة نور السماء إلى المقول: »لن يؤول رأ س مولي إل إلى الكمال ،ولن تأخذ ه يوما ً أّبهة الملو ك ،مع أّني لم أَر من هو أبهى وأكثر مهابة من مولي بالّزي الملكي« »هذا ما يبدو لك أيتها الميرة ..هل ننطلق إلى الحفل الملكي؟« »أجل يا مولي ..كي ل نتأخر!« »هّيا إذن إلى العرش الطائر أّيتها الملكة!« | تتويج في السماء انطلق الموكب من المركبة على عرش طائر مكشو ف إضاءته كنور الّنهار .وق ف الملك لمقمان والملكة نور السماء في وسطه فيما أحاطته يثماني من حوريات الجن بينهن الميرة ظل المقمر ،وقد جلسن واضعات أيمانهن على خدودهن ،وحّلق إلى جوانبه الربعة في أسراب منتظمة أربعمائة جّني يمتطون الخيول المجّنحة ،وقد طار ملك الملو ك وبعض مرافمقيه ليسبمقوهم إلى روض الجنان. وما أن أطّل العرش الطائر على سماء الّروض حّتى ضّج ت السماوات الُعليا بمقرع ال ّ طبول وإطال.ق السهم النارية الملّونة بالماليين ،ويصدح ت الموسيمقى من كافة أرجاء الكون وضّج ُكّل من في الّروض بالنهوض والتصفيق الحاد وزغردت حورّيات الجن فيما لّوح الملك لمقمان بيد ه وكذلك فعل ت الملكة نور السماء. راح العرش يحّلق في سماء الروض ماّراً فو.ق المدعوين ،الذين نا ف عددهم على عشرة مليارات مدعو من الجن والنس ،وُكّلما كان العرش يمقترب من مكان ،كان تصفيق الموجودين فيه يزداد حّدة. صفر الميرة نور السماء ،طار وحين شاهد الملك »دامردا س« ملك ملو ك الجن ال ّ يصوابه وامتل قلبه بالغضب وأح ّ س أّنه سيتفّجر غيظا ً وقهرًا ،فانتفض في مجلسه وراح يهّز رأسه بشّدة حتى أح ّ س من كانوا يحيطون به بهول ما ألّم به دون أن يعرفوا السبب،
ماعدا بعض ملو ك الجن الذين كانوا يعرفون ق ّ صته ،ولم تمر سوى برهة من الزمن حتى اندلع ت عوايص ف نارّية أحاط ت سماء كوكب الزهرة من كل الّنواحي ،على مسافة ل تبعد أكثر من خمسين أل ف ميل عنه ،فانتفض ملك الملو ك شمنهور الجّبار بدور ه ،وقد ب في رأسه الجنون ،فأمر جيوشه بأن ُته ّ د ّ ب العايصير الملتهبة في مواجهتها ،فكان على ُبعد حوالي يثاليثين أل ف ميل من كوكب الّزهرة أن هدرت العايصير الشمنهورية الملتهبة في مواجهة العوايص ف الدامرداسّية النارّية وراحتا تنطلمقان بسرعات جنونية هائلة لمواجهة بعضهما .وحين نظر الملك دامردا س إلى الملك شمنهور ورآ ه ينظر إليه هو والملك حامينار والد الميرة نور الّسماء ،أيمقن أّنهما عرفا أّنه هو من يمق ف خل ف هذ ه العوايص ف النارّية الجبارة ،فأشاح وجهه عنهما ليبعد الش ّ ك عن نفسه ،فظّل ملك الملو ك يحّد.ق إليه ويبتسم بخبث. كّل هذا والنا س ومعظم الجن ل يدرون بما يجري ،والملك لمقمان والملكة نور السماء يحّلمقان في سماء الّروض ،لكن ما أن التمق ت العايصير بالعوايص ف على ُبعد حوالي أربعين أل ف ميل من الكوكب حّتى ارتّج ت السماء وأرض الزهرة وهدرت الّرعود وهوت الصواعق وتنايثرت الّشهب والنياز ك .والتمع ت البرو.ق الهائلة ،فنظر النا س والجن وإذا بالفا.ق البعيدة من حول الكوكب تلتهب بنار كونّية هائلة ،فارتعب كثيرون، وأدر ك الملك لمقمان أّن يثّمة أمراً خطيراً يجري ،فتساءل موّجها ً كالمه إلى الملكة نور السماء وهما يحّلمقان في سماء الّروض ،فحاول ت الملكة نور الّسماء أن تمقلل من شأن ما يجري مع أّنها كان ت متخّوفة من أن يتحّول ليل الحفل إلى حرب ضرو س تحر.ق الخضر واليابس: »ليس يثمة ما يستوجب أن يشغل بال مولي ،إنهم بعض ملو ك الجن يستعرضون قواهم يا مولي!« »ولَم لم يستعرضوها إلّ الن؟« »سأخبر ك فيما بعد يا مولي!« »لكني قلق أيتها الملكة ،لمقد أحسس ت بالسماء ترتج ،وها هو الفق أينما نظرت يلتهب بالنار وتتصاعد منه الّشهب ،وكأن براكين قد تفّجرت فيه« »ل عليك يا مولي ،فجيوشك تحر س السماوات حّتى إلى ما وراء حدود كوكب الزهرة، وليس يثمة قوة قادرة على تجاوز أعايصيرها النيرانّية الهائلة ،فال تمقلق« وجاهد الملك لمقمان ليحتفظ برباطة جأشه فيما كان العرش يهبط في الروض وسط تصفيق الجميع وتحليق الُحرا س من الجن في السماء. أخذ الملك لمقمان بيد الملكة نور السماء ويصعدا بضع درجات تتبعهما الحورّيات الثماني، ليمقفا على العرش الروضي الذي كان يدور ببطء شديد كي يرا ه الحضور من كل الجهات ،فيما جلس ت الحوريات على أطرافه وأعدن وضع أيديهن على خدودهن. يصعد ملك الملو ك والملك حامينار تتبعهما حورّيتان تحمالن تاجين ذهبيين مر ّ يصعين بالما س على طبمقين ذهبيين. عّر ف الملك شمنهور الملك لمقمان على الملك »حامينار« فتصافحا بحرارة والملك لمقمان
يهت ف: »إنه ليشّرفني ويسعدني هذا التمقّرب إلى أسرة جاللتكم أيها الملك« »إنه لفخر لنا ولسرتنا ولملو ك وأمم الجن الحمر قاطبة يا مولي« رفع ملك الملو ك التاج العادي عن رأ س الملك لمقمان ليتوّجه بالتاج الملكي ويلّبسه المقالدة السحرّية ،فيما تّوج الملك حامينار الملكة نور السماء وسط وقو ف الجميع وتصفيمقهم. جلس الملك لمقمان والملكة نور السماء على كرسّيي العرش ،وكان بريق الجواهر يشّع من رأسيهما من جّراء انعكا س الضواء عليه ،فيما العرش يدور بهما ببطء ليتسّنى للجميع مشاهدتهما .وقد وق ف ملك الملو ك والملك حامينار خلفهما. ما أن أنهى العرش دورته حّتى نهض الملك لمقمان وشرع في إلمقاء كلمة قصيرة بمناسبة التتويج: »يصاحبات الجاللة الملكات ،أيصحاب الجاللة الملو ك.. يصاحبات الّنيافة السّيدات ،يصاحب المهابة الّراعي الكبر.. يصاحبات المعالي العالمات ،أيصحاب الّنامو س الُعلماء والدباء ورجال المعرفة.. أيتها الحوريات الفاتنات ،أيها الشباب العزاء: من المقلب أقول لكم أهالً ومرحبًا ،وعميق شكرنا لتشريفنا بحضوركم ،واسمحوا لي أن ُأحيي يصاحب المهابة الراعي الكبر ،وأبناء كوكب الزهرة العظماء ،الذين حّمقمقوا على كوكبهم معجزات حمقيمقية لم ير.ق إليها بشر معروفون حتى الن ،وليستميحونا عذراً لستغالل الحفل الممقام على شرفهم لقامة حفلّي التتويج والّزفا ف. ضّج الروض بتصفيق حار استمّر لكثر من دقيمقتين على إيمقاع الموسيمقى.. واسمحوا لي أّيها العزاء من أبناء الّزهرة ،أن أهّنئ أبناء المم الجنّية ،وملو ك المم الجنّية ،ونساء وفتيات وحورّيات وشباب المم الجنّية ،بإطال.ق سراح ملك الملو ك شمنهور الجّبار بعد يثاليثة آل ف عام من المقهر والحرمان في سجون الطاغية ُسليمان!!! وراح الجن يصّفمقون بأيديهم ويدّقون الرض بأرجلهم فرحًا ،فيما ملك الملو ك يلّوح بيديه. وإّني أّيها الحّبة من أبناء الجن لعاهدكم ،أل يبمقى جنّي في قممقم إذا ما استطعنا الويصول إليه ومعرفة مكانه! وإني لعاهدكم أيها الحبة بأن ينتهي عهد المقماقم والسجون إلى البد وأل يعود يثانية ،وأن يوّلي عهد الّسجود والّركوع إلى غير رجعة«. ُجّن ت الجماهير الجنّية والنسّية وراح ت تصفق بأيديها وتد.ق الرض بأرجلها ،وتطلق المفرقعات في الفضاء ،فيما الفق البعيد يلتهب باحتدام الصراع بين العوايص ف والعايصير ،وجعل الملك لمقمان الحناجر تبّح من الهتا ف حين يصرخ طالبا ً إلى الجماهير الجنّية أن تهت ف بعد ه: »فليسمقط سليمان! وعهد ُسليمان ،إلى البد!!« انطلمق ت مئات الزغاريد من أفوا ه الحورّيات لتصاحب الُهتا ف ،فيما اندفع النسّيون من أبناء الزهرة إلى الُهتا ف مع الجن ..وما أن هدأ الُهتا ف حتى تابع الملك لمقمان: »وإّني أّيها الحّبة ،يا من أوليتموني يثمقة أنا عاجز عن حملها ،وتخالج نفسي الريبة بأن
كاهلي سينوء بها ،لعاهدكم على أن أعمل على تغيير الصورة التي رسم ت لكم في أذهان أبناء النس وبعض الجن في كل الكواكب ،لتحل محّلها يصورتكم الّنبيلة وأعمالكم الخّيرة«. اهترأت الك ّ ف من التصفيق ،وبّح ت الحناجر من الهتا ف ،وهمس ملك الملو ك من خل ف الملك لمقمان: »وتمقول أنك ل تعر ف مشاكل أبناء الجن يا مولي؟« »وإني قبل أن أوّدعكم أّيها الحّبة لدعوكم لن تحيطوني علما ً بما ل أعرفه من مشاكلكم لعّلنا نستطيع معا ً وسوياً أن نجد الحلول لها ،وإّنا على ذلك لمقادرون. وإني أيها الحبة ،لدعوكم منذ اليوم إلى أن ترفعوا هاماتكم وأل تحنوا رؤوسكم لكائن أبدًا ،وأل تسجدوا أو تركعوا لكائن أبدًا ،بشراً كان أم إلهًا ،جنا ً أو مالكًا!« وتوّق ف الملك لمقمان للحظات يرقب هيجان جماهير الجن والنس ،التي راح ت تهت ف بملء حناجرها: »عاش ملك الملو ك لمقمان العظيم« فرفع الديب لمقمان يد ه ،فتوّقف ت الجماهير: »بل قولوا عاش لمقمان رسول الحرية ،عاش لمقمان رسول الخالص ،لني سأدعوكم أيضا ً إلى نبذ تعظيم الّزعماء ،فال عظيم بعد اليوم إل أنتم ،ول مولى بعد اليوم غيركم« هاج ت الجماهير وماج ت كالبحار متالطمة المواج. »واتركوا أّيها الحبة كلمات التعظيم والتبجيل ،نتداولها نحن الّزعماء فيما بيننا في المناسبات الّرسمية من قبيل اللياقة والحترام« »عاش لمقمان رسول الحرية .عاش لمقمان رسول الخالص« »وأويصيكم أيها الحبة ،أن تحّبوا بعضكم ،وأل تدعوا الُكر ه يراود نفوسكم ،وأل ُتكرهوا أخاكم على ما ل يرضا ه ،وأن تتشاوروا فيما بينكم ،وأن تأخذوا برأي الغلبية ،وأن تسعوا إلى الحمقيمقة ،وتبحثوا عن المعرفة ،وتبدوا رأيكم في كل ما يتعّلق بحياتكم ،وما يكتن ف الوجود من حولكم ،وأل تدعوا للخو ف سبيالً إلى نفوسكم. وإني لويصيكم أّيها الحّبة بأبناء كوكب الّزهرة الذين أولوا ضيافتنا كل الكرم والّرعاية، فمّدوا أيديكم لهم كّلما دع ت حاجتهم إليكم ،وكونوا لهم إخوة وعونا ً وسنداً في الّسراء ضراء ،وأفيدوا من تجربتهم الخ ّ وال ّ القة ،في الّسمّو بالحياة النسانية.. عاش ت أمم الجن والنس! فهتف ت الجماهير خل ف الملك لمقمان مرّددة ما يمقوله. عاش ت وحدة الكواكب! عاش ت الحرّية .عاش ت المحّبة« يصّفمق ت الجماهير طويالً بعد انتهاء الكلمة .وبادر كبار المدعّوين إلى تهنئة الملكين بال ّ صعود تباعا ً إلى العرش وملك الملو ك يعّر ف الملك لمقمان على كبار ملو ك الجن، وكان آخر الناهضين للتهنئة الملك دامردا س والملو ك العشرة من أتباعه ،وكان ت العايصير الملتهبة تخوض يصراعا ً مريراً مع العوايص ف النارّية ،وقد أفلح ت في
احتوائها وجعلها تدور في فلكها إل أنها لم تتمكن من إيمقا ف هبوبها. وكان الملك دامردا س قد أضمر أن يشعل فتيل حرب ل تبمقي ول تِذر بمجّرد انتهاء مراسم التتويج ،وقد استدعته ُأيصول الضيافة واللياقة الملكية ألّ ينصر ف دون أن يستأذن ويهّنئ الملك لمقمان بتتويجه. يصافح الملك دامردا س الملك لمقمان بوجه ُمتجّهم ،ولم يصافح الملكة نور السماء التي كان ت تمق ف على أعصابها! وطلب على الفور الذن بالنصرا ف متذّرعا ً بانشغاله بشؤون ممالكه ،فأدر ك الملك لمقمان أّن في المر شيئا ً رهيبًا ،فاستوقفه هاتفا ً بحزم: »ليسمح لي يصاحب الجاللة الملك أن أبدي أسفي وعجزي عن الّسماح له وليصحاب الجاللة ملوكه بالنصرا ف ما لم نمقم بواجب ضيافتهم وإكرام ممقامهم الجاللي!« فوجئ الملك دامردا س بهذا التهذيب الجّم وجمال النطق مما لم يعتد على سماعه من معظم ملو ك الجن ،فأجاب بلهجة مهّذبة بعض الشيء لكنها ل تخلو من استفزاز جعل دخيلة الملك شمنهور تضطرم بالنار: »ليسمح لي جاللتكم بإبداء شّكي في ممقدرته على إكرام ممقامنا ورأب ال ّ صدع الذي زرعه قومه في نفوسنا« أدر ك الملك لمقمان أّن المسألة في غاية الخطورة ،وأن هذا الملك ربما ُأهين ،وقد يبغي شيئا ً كبيرًا لرضائه ،ربما ل يمقل عن مملكة من ممالك الجن الحمر ،وأدر ك أن الحرب المستعرة في الفا.ق البعيدة بين العوايص ف والعايصير ،لم يشعل فتيلها أحد غير ه: »اسمح لي أن أقول لكم أيها الملك العظيم أننا نحن معشر العرب من أبناء الرض ل يثير اللم في نفوسنا أكثر مما يثير ه إزعاج الضي ف أو إهانته ،ول أظن أيها الملك العظيم أّني بتتويجي اليوم ملكاً على ملو ك الجن الحمر قاد ٌر على أن أتخلى عن إنسيتي وعادات آبائي وأجدادي ،فإن أساء إلى شخصك ،أو أهان ممقامك السامي أحد من قومي وأن ت في ضيافتي ،فأخبرني ،وإن شئ ت نصراً على عدو فاطلب لتجد جيوشي طوع يديك ،وإن شئ ت نفوذاً أو جاها ً أو سلطة فإّني أضع جميع ممالكي تح ت نفوذ ك ،وإن شئ ت دما ً فإني مستعّد لن أقّدم دمي قربانا ً على مذبح إكراِمك على أن تبرح ضيافتي متكّدراً غاضبا ً مهمومًا« أدر ك الملك دامردا س أنه أمام ملك عظيم إن لم يكن مجنونا ً أو مّدعيًا ،فمقرر أن يختبر يصد.ق أقواله: »عفواً جاللة الملك ،إن مطلبي لصغير أمام ما تعرضه من عظيم كرمك« »اطلب تنْل أيها الملك« »إّني لفي ريبة من أن يتراجع جاللتكم« »ُأشهد على نفسي جاللة الملك شمنهور وجاللة الملك حامينار ،وجاللة الملكة نور السماء وأيصحاب الجاللة الملو ك العشرة من أتباعكم« »ولن تغضب جاللتكم؟« »بل سأكون سعيداً بتلبية طلب جاللتكم« ويصمم الملك دامردا س على طلب يد الملكة نور السماء التي أخذ قلبها ينبض بسرعة
شديدة فيما أخذ قلب أبيها وقلب ملك الملو ك يتأّججان غضبًا: »لمقد سبق لي وأن تمقدم ت بطلب يد الملكة نور السماء من أبيها ،فأب ت مبدية عدم رغبتها في الزواج ،إلى أن فوجئ ت هذا المساء بمقرانها من جاللتكم ،إّنه ليشّرفني أيها الملك أن أتمقّدم بطلب يدها من جاللتكم« راَن يصم ت فظيع شمل جميع الواقفين على من ّ صة العرش ،وبدا الملك لمقمان وَكأنّهُ لم ُيفاجأ إطالقاً بالطلب ،ألمقى نظرة نحو الملكة نور السماء وابتسامة طفيفة مشحونة بالثمقة العالية بالنفس ترتسم على شفتيه ،أدرك ت الملكة نور السماء مغزاها على الفور ،فمّد يد ه إليها فأخذتها بيدها ،فمقّدمها نحو الملك دامردا س قائ ً ال: »إّنه ليشّرفني وُيسعدني أن أهب جاللتكم قطعة من قلبي ،ولو أنكم طلبتم قلبي نفسه وممالك الجن الحمر جميعًا ،لكان ذلك أهون علّي ،فهنيئا ً لجاللتكم بدّرة الكوان وفاتنة الزمان الملكة نور السماء ،وإّني لمل أيها الملك أن تحيطوها برعايتكم ،وتشملوها بعنايتكم ،وتغمروها بفيض مشاعركم ،وتصونوها بأهداب عيونكم!« ومّد الملك دامردا س يد ه ليأخذ بيد الملكة نور السماء ويمقّربها إليه ويوقفها إلى جانبه دون أن يفل ت يدها ،وقد أدر ك ،أنه أمام ملك عظيم لم يسمع عن مثيل لكرمه بين النس والجن .فهت ف بصوت غاية في التأّيثر والنفعال فيما كان الصم ت يطبق على رؤو س الجميع: »إّني أيها الملك العظم لعجز عن إيجاد الكلمات الالئمقة بشكر ممقامكم الجلل ،والّثناء على كرمكم العظيم ،وإّني لو قّدم ت لكم ممالكي في المشر.ق والمغرب والسماوات الُعليا والُسفلى ،وكل نسائي وكريماتي وجوار ّ ي ،لما استطع ت أن أفيكم عظمة كرمكم ،وشهامة نبلكم ،لذا أعلن أمام مهابة جاللتكم بتشّرفي بمقبول هبتكم الملكة الجليلة نور السماء ،التي هي حمقا ً ُدّرة الكوان وفاتنة الزمان ،واتخاذها أختاً لي وشريكة في الحكم ،ومالكة للمقالدة السماوية لقوام الجن ال ّ صفر ،وتمقديمها في الوق ت نفسه هبة مني لجاللتكم لعّلني بهذا ُأقابل عظمة كرمكم بما تستحق أن يمقابلها أو يضاهيها ،وحتى ل ُيمقال بين معشر الجن والنس ،أّن الملك دامردا س ،كافأ نبل الكرم وعظمته بما هو أقل منه ُنبالً وعظمة« وقّدم الملك دامردا س الملكة نور السماء نحو الملك لمقمان ،ليأخذ بيدها يثانية وسط دهشة صعداء ،وخمدت النيران التي كان ت تضطرم في أفئدتهم ،وامتلت الجميع الذين تنّفسوا ال ّ نفوسهم غبطة ،وأعجبوا بحكمة الملك لمقمان العظيمة التي فاق ت حكمة سليمان .وحّل ت قضية كبيرة ،وأوقف ت حربا ً كونّية مرعبة ،وحّول ت ملكا ً جباراً من عدٍو لدود إلى يصديق ودود ونصير دائم خالل لحظات. وكان الملك شمنهور والملك دامردا س قد رفعا يديهما وأعطيا إشارة وق ف الحرب، فهدأت العوايص ف النارّية والعايصير الملتهبة التي كان ت تتصارع بجنون على مسافة من محيط كوكب الزهرة. عادت الملكة نور السماء لتأخذ مكانها إلى جانب الملك لمقمان الذي بادر إلى المقول: »إني حمقا ً لق ف عاجزاً عن النطق والتعبير عما يكتن ف نفسي ،وأنا أتمقّبل من جليل عظمتكم أجمل دّرة عرفتها الكوان ،فأّنى للغات أن تسمو بلواعج الّنفس حين تفيض
بعظائم المشاعر؟!« »إن عظمة كرمكم ،كان ت خير تعبير عن فيض مشاعركم أيها الملك العظيم .اسمحوا لي أن ُأعّبر عن فرحتي بتتويجكما ،بإهداء الملكة نور السماء المقالدة الّسماوية ،وإهدائكم صفر« المقالدة السحرّية للجن ال ّ ودون أن يسأل الملك لمقمان عن سّر هذ ه المقالدة ،مّد عنمقه بعد عنق الملكة نور السماء ليلّبسه الملك دامردا س إّياها ،غير أنه هت ف: »بَِم سأقدر على مكافأتكم أيها الملك العظيم؟« »يصداقتكم لي وزواجكم من ُأختي في العهد هي أكبر مكافأة أيها الملك« نزل الجميع عن من ّ صة العرش وانضموا إلى مائدة كبار الملو ك حيث يجلس الراعي الكبر وشاهل بيل والسيدة سلمنار .وقد رغب الملك لمقمان في الجلو س إلى جانب الراعي الكبر ،فأدر ك ملك الملو ك ،أّنهما سيمضيان الليلة في الحوارات الفكرّية ،فهت ف: »اسمح لي يا مولي ،هذ ه الليلة ليلة فرح وسنحتفل أيضا ً بانعتاقي من الّسجن ولمقائي بزوجاتي وبناتي وأولدي وملوكي وممالكي ،وليس بتتويجكما وزواجكما فمقط ،ولن ندعكم أن ت والراعي الكبر والملكة نور السماء تمضونها في الحوارات الفكرّية والفلسفّية« لم يجد الملك لمقمان بُّداً من الذعان فجلس في مواجهة الراعي الكبر وزوجته،وكان إلى جانبيهما السيد شاهل بيل والسيدة سلمنار ونائب الراعي الكبر وزوجته ،وبعض الكبار من ضيو ف النس ،وجلس إلى يسار الملك لمقمان الملكة نور السماء فأبوها الملك حامينار فزوجته الملكة »شامنهار« فابنتهما الميرة ظل السماء ،يثّم بعض الملو ك والملكات ،وجلس إلى يمينه الميرة ظل المقمر ،فالملك شمنهور ،فزوجته الولى الملكة »نسيم الريح« فالملك دامردا س ،فزوجته الملكة »ظل السحاب« فبعض الملو ك وزوجاتهم. ش جّرارة ،من أمم الجن وما أن أخذ الجميع أماكنهم حتى عّم ت سماء الروض جيو ّ جميعًا ،وكان كل جيش يمر محّلمقاً بعد الخر ،تركب أفواج منه الخيول المجّنحة ،وأفواج أخرى يحّلق جنودها بأجنحة ،وأفواج تركب ال ّ ظباء ،وأفواج تركب الّزرافات ،وأفواج تحّلق دون أجنحة ودون أن تركب شيئًا ،وتمقوم بألعاب بهلوانية في الفضاء ،وحركات شيطانية وسط إضاءة ملونة باهرة وأسهم نارّية ساحرة ،وأسما ك طائرة وغزلن رامحة وطيور في السماوات ُمغّردة ،وجّن يأخذون أشكالً مختلفة ،وموسيمقى فرحة تصدح من كافة الرجاء ..وكان أكبر الفواج المحّلمقة ،فوج الجن الّسود الذي أخذ شكله الجنّي ،فبدا كل جنّي فيه بحجم جبل هائل ،وحين مّر من فو.ق الروض ،غ ّ طا ه من أقصا ه إلى أقصا ه وحجب الفق من كافة التجاهات ،وكان أفراد ه يحملون بعض الكواكب والقمار على ظهورهم ،فأدهشوا الجميع بجبروتهم! وتوال ت الستعراضات الجنّية في السماء فظهرت أفواج من الجن الخضر ،أخذت شكل النس ،وسارت في طوابير فائمقة النتظام وكأنها تسير على الرض ،وكان يسمع لها وقع خطا مما أدهش الجميع!
أما آخر الفواج التي حّلمق ت في السماء فمقد كان ت أفواج الجن الزر.ق الذين عملوا العجب، فمقد حّلق السرب الول في شكل بشر يثابتين كاليصنام في يص ّ ف مْنتظم ،ودون أن تنم عنهم أية حركة ،وهم يمقفون على أهبة الستعداد ويرتدون زيا ً عسكريا ً أزر.ق ،تبعهم فوج من آل ف اليمامات الزر.ق التي حّلمق ت في مشهد منتظم أّخاذ فاردة أجنحتها دون أن تر ّ ف بها ..تال ه سرب من الحورّيات يحّلمقن طائرات بمالبس شّفافة بدت كلون البحر، وكّن يفردن أيديهن ويضممن أرجلهن ..تالهن سرب من الفاعي العمالقة لهن رؤو س حورّيات وشعور طويلة كان ت متدّلية في الفضاء ،فأدهشن الجميع بجمال وجوههن وطول قاماتهن الفعوانّية! واختتم العرض الّسمائي بمشهد غاية في الجمال ،لكّل أنواع الحوريات ومن جميع طوائ ف الجن .حورّيات في شكل جّنيات وحورّيات في شكل إنسي وحورّيات البحر اللواتي أجسامهن أجسام أسما ك ورؤوسهن رؤو س إنسّيات أو جّنيات ،بعضهن بأجنحة وبعضهن بال أجنحة ،وحورّيات لهن أجسام غزالت ورؤو س إنسّيات وحورّيات لهن ع ورؤو س جّنيات ،وحورّيات لهن رؤو س إنسّيات وأجسام حمام وحورّيات أجسام أفا ٍ لهن رؤو س إنسّيات وأجسام خيول.. وحين انته ت الستعراضات السمائية ،وخال الجو إل من الُحّرا س والمرافمقين ،أراد الملك لمقمان أن تحضر فرقة من حورّيات الجن للرقص ،فنظر إلى ملك الملو ك ،طالبا ً إليه أن يرفع العرش من مكانه كي تتسع يصالة الّرقص ،فأخبر ه ملك الملو ك أّنه الن ليس في حاجة إليه بعد أن ارتدى المقالدة الّسحرية ،ما عليه إل أن يشير بحركة من يد ه حّتى ينّفذ على الفور كل ما انتوا ه في عمقله ،فلم ُيصّد.ق الملك لمقمان نفسه ،إل بعد أن أشار بيد ه ليختفي العرش من المكان وتبدو يصالة المسرح المستديرة للعيان وقد أعّدت للرقص والمرح .فأشار الملك لمقمان بحركة يثانية من يد ه لتظهر على المسرح مائة فاتنة من الجّنيات الحوريات ،بالزياء الحريرّية الّشفافة المقصيرة رافالت ،وعن الكتا ف والّنهود والفخاذ حاسرات ،طويالت الّشعور ،نحيالت الخصور ،موّردات الخدود ،جامحات ش سابالت ..ووجاٍن ناعسات، النهود ،كحيالت العيون .في ظالل الجفون ،برمو ٍ شامخات النو ف ،رقيمقات الّشفو ف! غزلنيات العنا.ق ،يصغيرات الشدا.ق ،كاعبات ال ّ صدور ،آسرات الُخصور ،مكتنزات الردا ف ،ظبيانّيات الظال ف. أفخاذهن ممتلئات ،وسيمقانهن ممشوقات ،وركبهن بآيات الجمال ممسوحات. المخفي منهّن أعظم من كل عظيم ،من خلمقة إله ذّوا.ق أو شيطان رجيم!! رحن يتهادين على المسرح كاليمام ،ويتمايلن يمنة ويسرة بانسجام ،يتخ ّ ت طمن كحجال ٍ شاردات ،ويتمقافزن كظبيات جافالت ،يمقبلن كأطيا ف الحالم ،ويدبرن كأنواٍر في ال ّ ظالم، ففتّن برقصهن الحضور ،وبجمالهن الملك شمنهور ،الذي أخذ ِدنّا ً من الخمر وشرب نخب الملك لمقمان ،يثم همس يخاطبه »أستحلفك بنور السماء وبكل أقوامك من الجن يا مولي كي ف أحضرت هؤلء الفاتنات، ل أذكر أنني في حياتي طلب ت راقصات من الجن ،إل وقل ت لهم ،ائتوني بأجمل
الراقصات ،فلم يحضروا من هُّن أجمل منهن« راح الملك لمقمان يضحك وهو يهت ف: »هذا سر المهنة أّيها الملك!« فغَر الملك شمنهور فمه دهشةً وحيرةً وهو يكاد أل يصّد.ق ما يسمعه: »هل بدأت تفهم في أسرار الجن أكثر مّني يا مولي؟« »ل! العفو أيها الملك« »أين الّسر إذن؟« »لمقد أملي ت عليهم موايصفات جمال الراقصات اللواتي أريدهن وأعمارهن وأطوالهن واللبا س الذي يرتدينه والّرقص الذي يؤدينه« أطر.ق الملك شمنهور للحظة يفّكر. »هل فعل ت كل هذا خالل تلك اللحظة التي أشرت بيد ك فيها يا مولي؟« »بالتأكيد« »هذا ما أعجز أنا عنه يا مولي ،حتى أنني ل أستطيع أن أتخّيل ،ألم أقل لك أنكم معشر النس أكفأ مّنا بعمقولكم وقوة خيالكم؟« »آمل ذلك أيها الملك« »بل وإّني لمل يا مولي أن تحمقق باستخدام هذ ه المقالدة كل المعجزات التي نعجز نحن عن تحمقيمقها .لكن يا مولي!« وبدا الملك شمنهور متردداً بعض الشيء ،فمقد كان ت الميرة »ظل المقمر« تجلس بينه وبين الملك لمقمان ،وكانا يتحديثان بتمقريب رأسيهما أمامها ،وهي تستند بظهرها إلى الوراء كي تتيح لهما الحديث ،وكان كما يبدو خجالً بعض الشيء من أن تسمعه. »ماذا أيها الملك؟« خفض ملك الملو ك يصوته: »إن شئ ت الحق ،أنا أخجل منك ومن الميرة ظل المقمر ومن نسائي وعشيمقاتي وجوار ّ ي، مع أّنهن يعرفنني على حمقيمقتي!« »عرف ت ماذا تريد أيها الملك؟« »أتوّسل إليك يا مولي أن تبمقي هؤلء الراقصات الفاتنات ول تأمر بإعادتهن من حيث أتين ،لمضي معهن ولو ليلة واحدة!« »لكنهن كثيرات أيها الملك!« »بل ُهن قليالت بعد يثاليثة آل ف عام يا مولي!« »أليس في ممقدور ك أن تطلبهن إذا ما يصرفتهن؟« »هذا ما ل أستطيعه يا مولي أرجو ك!« »حتى لو أمرت الجن بإحضار الراقصات اللواتي أحضروهّن إلّي« وأدر ك الملك شمنهور أنه ل يشّغل عمقله أحيانًا: »آ ه فع ً ال ،كي ف غاب هذا المر عن بالي يا مولي؟« »ل أعر ف!«
»لمقد لف ّ ت انتباهي إلى ما يريح عمقلي يا مولي ،ليس علّي بعد الن إل أن ُألحظ وأرقب طلباتك ،لحصل على ما هو أجمل وأكثر كما ً ل!« »لكن دون إكرا ه أّيها الملك ،إّيا ك والكرا ه ،ضاجع من تريد برضاها وليس رغما ً عنها!!« »واللهة إّني لم ُأكِر ه ُأنثى في حياتي يا مولي ،إل هؤلء اللواتي يحببن!« »يحببن ماذا أيها الملك؟« »يحببن العن ف والغتصاب يا مولي ،ول يجدن متعتهن إل بهما!« »حتى عندكم؟! كن ت أظن أن هؤلء بين النس فمقط« »أو ه يا مولي لو أّنك!!« »أيها الملك أنا لم أفعل ذلك مع النسّيات فهل سأفعله مع الجّنيات ،ل قدرة لي على هذ ه الّرغبات ،حتى في الحالت التي كن ت فيها أنا ال ّ ضحّية ،لم أقدر على ذلك!« »وهل تفعل النسوة ذلك عندكم يا مولي؟« »أحياناً تفرض امرأة نفسها عليك بفظاظة ووقاحة وأن ت ل رغبة لك فيها ..لكن أل يوجد عند ك مشكلة غير الّنساء الن أيها الملك؟« »واللهة كّلها التي عبدتها والتي سأعبدها أّنه ل يوجد عندي غيرها يا مولي« »اليام أمامك وأظن أّنك ستمقر ف الّنساء ،غير معمقول هذا الذي فعله بك ُسليمان!« »قتلني يا مولي ،قتلني!« »الن قل لي ،هل تعر ف شيئاً عن ممقدرة هذ ه المقالدة التي ألبسني إّياها الملك دامردا س؟« »بالمناسبة يا مولي أنا لم أكن أعر ف أنك عظيم إلى هذا المقدر؟« »أو ه هَلكتني بتعظيمك هذا يا أخي ،أل يكفي ما أسمعه وسأسمعه من تعظيم بعد الن؟« »مولي ،لو كن ت أنا مكانك لما استطع ت تفادي الحرب ال ّ ضرو س التي لن تمقضي على الماليين من الجن فحسب ،بل على ُسّكان كوكب الزهرة أيضًا .ما يدهشني يا مولي أنك كسب ت الحرب وجعل ت الملك دامردا س حليفا ً ونصيراً لنا ،ببضع كلمات بليغة ،ورباطة جأش ،ورجاحة عمقل ل غير ،الغريب أنك أيضاً أرغم ت الملك دامردا س على أن يتحّدث بلغة مهّذبة لم أسمعها منه في حياتي ما قبل السجن« »ألم أقل لك أّن الكلمة الطّيبة قد تفعل أفضل مما تفعله الحروب أيها الملك ،بل ما يستحيل على الحروب أن تفعله؟!« »أظن أنك قل ت لي ذلك يا مولي« »نحن معشر النس والجن ل ينمقصنا إل التغّلب على الشر في نفوسنا وزرع المحبة والخير ،وساعتئذ لن يكون هنا ك إل السالم والعدالة والمحّبة!« »وهل كن ت تفعل ذلك خالل حوار ك مع الملك دامردا س؟« »أجل أيها الملك ،قذف ت بالشر بعيداً وقررت خوض المعركة بالمحبة ،والكلمة الطّيبة، وأنا أرى الفق البعيد يضطرم بالعوايص ف والعايصير الملتهبة!« »وهل كن ت وايثمقا ً من النصر؟« »نعم! كن ت وايثمقا ً أنني سأنتصر أّيها الملك ،واسأل الميرة نور السماء حين ابتسم ت لها
أدرك ت على الفور ما أقصد ه« »لكن كي ف عرفَ ْ ت؟!« »لنها نور السماء وليس ت أن ت! يثاليثة آل ف عام جعل ت عمقلك جامدًا ،سأعّلمك الشطرنج كي تحّر ك عمقلك وتنّشطه قلي ً ال!« »والشيطان يا مولي؟ ماذا لو تدّخل الشيطان بينكما أن ت والملك دامردا س ،وضللكما، وزرع المزيد من نوازع الشر في نفسيكما ،فماذا كان سيحصل حينئذ؟!« »أين هو الشيطان أّيها الملك ،إنه فينا نحن ،في أنفسنا ،وما لم نتفّو.ق عليه ،وما لم نمقتله في دواِخلنا لن نعر ف طعم السالم والمحّبة والخير والسعادة« »مولي! ملو ك الشياطين معنا على المائدة وليسوا في نفوسنا ،وربما يعرفون ويسمعون كل ما يدور بيني وبينك الن ،ول أعر ف كي ف هداهم ا ولم يتدّخلوا بينك وبين الملك دامردا س؟!« »ماذا تمقول أيها الملك؟« »على مائدتك يا مولي كل أنواع الجن ،الشياطين منهم والطيبين ،البالسة والمالئكة، المردة والعفاري ت ،الخيار والشرار!« »أريد الشياطين تحديداً من ُهم؟« »إنهم السود وإن لم يكونوا سودًا ،بل ُسمرًا ،وقد هنأو ك ويصافحو ك!!« »هل تمقصد ذا ك المِلك السمر الجميل »إبليس« وأعوانه من الملو ك الذين يجلسون إلى جانبه؟!« »كن ت أظن أنه مجرد اسم على مسّمى ،هل ُيعمقل أن يكون هذا النسان الجميل هو إبليس الشيطان نفسه؟!« »على الرجح أنه هو يا مولي!« »يجب أن أجلس معه وأتحّدث إليه« »اليام قادمة يا مولي ،لم العجلة؟« »أيها الملك ،هل ُيعمقل أن يكون إبليس جالسا ً إلى مائدتي ول أتحّدث إليه ،إبليس الذي كن ت أظن أنني ما أن فّتح ت عينّي على الّدنيا حتى ظهر أمامي ،وأغواني لكي أفعل كذا ي دون أن أجلس معه طوي ً وكذا حتى مع البطيخة ،هل ُيعمقل أن أدعه يفل ت من يد ّ ال؟!« »أقسم لك يا مولي أنني سأدعك تمّل من التحدث إليه ،لكن هذ ه الليلة نحن في وضع خاص ،ورّبما هو يريد أن يتمّتع بالّسهر والخمر والنساء!« »إني ل ألُمس في هيئته إل الوقار أيها الملك ،ومع ذلك فأن ت محق ،فاللمقاء معه يحتاج إلى جو غير هذا الجو ،ينبغي أن نكون وحدنا لنتحاور طوي ً ال ،لكن لو يتاح لي أن ُأرحب به كما يليق بممقامه!« »وهل سترّحب به أيضا ً يا مولي؟« »طبعاً أيها الملك ،أليس ضيفنا هو وأعوانه؟« »لن أخفي عليك يا مولي ،فأنا ل ُأحبه ول أحب قومه ،وما دعوتهم إل من أجِلك!!« »من أجلي؟«
»طبعا ً يا مولي ،لعّلك تعر ف منه ذات يوم شيئاً من الحمقيمقة التي تبحث عنها ،وما دعوته اليوم إل لتتعّر ف إليه ،وستتاح لك الفريصة للترحيب به ،فالليل أمامنا طويل« »أشكر ك أيها الملك« كان ت الملكة نور السماء تتحّدث إلى أبيها وأّمها ،أّما الميرة »ظل المقمر« فمقد وجدت نفسها محشورة بين ملك الملو ك والملك لمقمان ،وهما يتحديثان وهي يصامتة ،حتى أّنهما لم ُيتيحا لها أن تأكل أو تشرب شيئًا ،فبادر الملك لمقمان إلى العتذار منها ،فسارع ت إلى المقول: »لكن الملك لم يجبك عن سر المقالدة يا مولي!« »آ ه أشكر ك أّيتها الميرة ،لمقد نسي ت حمقّاً أنني سأل ت الملك شمنهور عن سر هذ ه المقالدة التي أهداني إّياها الملك دامردا س« فهت ف الملك شمنهور: »ل أعر ف عن أسرارها الكثير يا مولي ،لكن تسخير طاقاتها ل يختل ف عن تسخير طاقات قالدتنا ،فما أن تنوي شيئا ً يتعّلق بها وأن ت تلمسها أو تمسكها حّتى تنّفذ ه لك، وستكتش ف حدود قدراتها الكلّية عبر الممارسة ،لكن إيا ك أن تغضب على المقالدتين أو تطّوح بهما أو تمقطعهما أو تدو س عليهما أو تحطمهما!!« »ماذا سيحدث حينئذ أيها الملك؟« »إن عّنف ت إحدى المقالدتين عّنف ت جميع الجن التابعين لها ،وإن طّوح ت بها طّوح ت بهم، وإن ق ّ طعتها مّزق ت أجسادهم ،وإن ُدس ت عليها ُدس ت على أحشائهم ،وهذ ه أسرار ل يعرفها إل الجن واللهة ومن يحملون الُحلّي والدوات المسحورة يا مولي« جحظ ت عينا الملك لمقمان ،وأح ّ س أّنه سيفمقد يصوابه ذات يوم إذا لم يظل مدركا ً أّنه يعيش في عالم ُمدهش قد يتعرض فيه لما هو مدهش ومعجز وخار.ق للمألو ف كل لحظة ،ولم يدر ك حدود أبعاد تتويجه ملكا ً على الجن الُحمر إل الن ،فلمقد غدت أرواح هؤلء ورّبما أرواح الجن ال ّ صفر أيضا ً بين يديه!« تنّفس ملء رئتيه قبل أن يهت ف: »شيء جّيد أنك أخبرتني أيها الملك ،كن ت في لحظة غضب أو انفعال سأفعل شيئا ً من ذلك ،خا ّ يصة إذا لم تستجب إحدى المقالدتين لي ،أو عجزت عن تحمقيق طلبي« »يجب أن تضع في اعتبار ك يا مولي أّنهما تعجزان عن فعل كل ما يعجز أتباعهما فعله« لني لم أكن أفّكر في اختيار طلبي ،كن ت ُأيصِدر أوامري »لكن كي ف لي أن أعر ف حدود قدراتهما وقدرات أتباعهما؟« »بالتجربة يا مولي ،أنا مثالً لم أكن أعر ف أّن لدى عامة الجن فتيات بهذا الجمال الذي يرقص أمامنا على المسرح الن ،فمقط« »التجربة وحدها ل تكفي أيها الملك ،لبّد لي من معرفة المقدرات التي بين يدي أو تح ت تصّرفي كي ُأقرر على ضوئها ماذا بوسعي أن أفعل« انته ت الويصلة الولى من رقص الفتيات ،يصّفق الحضور بحما س شديد ،أشار الملك
لمقمان بحركة من يد ه فابتعدت الفتيات جانبًا ،وقد أفردت لهن مائدة كبيرة من ال ّ طعام والّشراب ليجلسن إليها.. )(9 ولدة وتنبؤات مأساوية! أطر.ق الملك لمقمان قليالً قبل أن ُيشير بحركة يثانية من يد ه ،فمقد أضمر أن يدعو إلى حفل تتويجه وزفافه كل من :عشتار وإيزيس وعشتاروت وعناة وتيامه وإنانا وأيثينا وأفرودي ت والعذراء ،ودليلة ،والمجدلّية ،ورحاب ،وكليوباترا ،وزّنوبية ،وبلمقيس ،وعائشة ،وزينب، وخديجة ،وماريا ،وهيلين الطروادّية ،وابنتها هرميونة ،وبنلوب ،وغيرهن من اللهات والنسوة المشهورات في التاريخ ،وما أن أنهى تعدادهن في مخّيلته ،حتى أشار بحركة من يد ه ،فلم يظهر على المسرح أحد ،فأشار يثانية فلم يظهر أحد ،فثالثة فلم يظهر أحد، فمقد احتار الجن في أمرهم وعجزوا عن تلبية ال ّ طلب ،فأبلغوا ملك الملو ك ،فالتف ت إلى الملك لمقمان ليرا ه يجاهد ليكتم غيظه ،فهت ف: »ماذا فعل ت يا مولي ،أربك ت الجن وجعل ت الفوضى تد ّ ب في يصفوفهم بطلباتك التعجيزية!« »وهل هنا ك طلبات تعجيزية على الجن أيها الملك؟« »أجل يا مولي ،ألم أقل لك أننا ل نمقدر على إحياء الموتى ،وهؤلء اللواتي طلبتهن من الموتى!« »لكن بعضهن من اللهة ،هل ُمْتن هُّن الخريات؟!« »إن لم يمتن ،فإّن قوانا لم تستطع بلوغهن يا مولي!« »أليس في وسعكم أن تعرفوا ما إذا كّن مّيتات أو على قيد الحياة أّيها الملك؟!« »ليس بهذ ه الّسهولة يا مولي!« »لكني قرأت عن جّني ُيدعى »مفستوفيلس« جاء بهيلين الطروادّية وخاطفها باريس وغيرهما« »ربما أستحضر أرواحهم يا مولي لكنه لم يحييهم!« »هل هذا يعني أّنه في ممقدوركم استحضار أرواح بعض هؤلء اللواتي طلبتهن؟« »كل من هُْم من البشر نستطيع استحضار أرواحهم يا مولي!« »هذا عظيم! يعني إذا طلب ت روح »زيو س« مثالً وحضرت ،فهذا يعني أّنه كان بشراً ولم يكن إلهًا« »هذا يصحيح يا مولي« »وإذا طلب ت روح »هيلين« ولم تحضر ،فهذا يعني أّنها شخصّية خيالّية ،وليس لها روح!« »بالضبط يا مولي« »وإذا أردت إيجاد روح لشخصّية خيالّية أل يمكن أن يتَّم ذلك؟« »ل! ل ُيمكن يا مولي!«
»وإذا أردت تجسيداً لها حسب موايصفات معّينة ُأمليها أنا؟« »ممكن أن تتمقّمصها إحدى فتيات الجن يا مولي إذا كان ت أنثى ،أما إذا كان ت ذكراً فيمكن أن يتمقّمصها ذكر!« »حسن ،فيما يتعلق بالشخصيات الحمقيمقية ،هل لك أن تمقول لي ما هو الفر.ق بين استحضار الّروح واستحضار الجسد؟« »الجسد اليصلي ل ُيستحضر يا مولي!« »ما الذي ُيستحضر إذن؟« »جسد بال روح يا مولي« »عجيب أمر ك أيها الملك ،كي ف تمقول أّنكم تستطيعون استحضار الرواح ،وكي ف يمكن استحضار أجساد بال أرواح؟!« »الروح والجسد ل ينفصالن يا مولي ،إّنهما ُكّل واحد ،وما نستحضر ه هو روح وهمّية بجسد وهمي!« »تمقصد بال حياة!« »أجل يا مولي« »وهل يمكن أن نتحّدث مع هذ ه الروح وأن نمار س شيئا ً مع هذا الجسد؟« »يمكن أن تتحدث يا مولي ،لكن ل يمكن أن تمار س شيئا ً مع الجسد لّنه وهم!« »حتى أن ت ستجنني أّيها الملك ،كي ف يمكنني أن أتحّدث مع الروح ول أستطيع أن أمار س شيئا ً مع الجسد؟!« »ل أعر ف يا مولي« »جيد أنك ل تعر ف أيها الملك ،لنك ُقدتنا إلى حوار عمقيم!« »أن ت الذي طلب ت مّنا طلبات خارقة يا مولي!« »طّيب! هل تظن أّن ُهنا ك بين الجن من يستطيعون استحضار الرواح الحّية ،أي القرب إلى إحياء الموتى؟!« »أظن أّن الشياطين يستطيعون فعل ذلك يا مولي!« »يحيون الموتى؟« »هذا ما أسمعه يا مولي!« »حسناً أيها الملك ،ماذا لو استحضرت الن بعض الرواح النسّية ،حسب إمكانياتكم طبعًا ،إذ ليس لدي إمكانّيات شيطانّية ،ول أعر ف فيما إذا كان ت المكانيات الدامرداسّية قادرة على ذلك ،لعّلني أعر ف كي ف ستظهر هذ ه الرواح الوهمّية!!« »أرجو ك أل تفعل ذلك يا مولي ،ويمكنك أن تمقوم به وحد ك فيما بعد ،لتعر ف الفر.ق بين الوهم والحمقيمقة!« »لماذا أيها الملك؟« »ستثير الرعب في قلوب الجميع إنسا ً وجنًّا« »هل تخافون الرواح أنتم أيضًا؟« »كثيراً يا مولي«
»لَِم تخافونها؟« »لن لها قدسّية في نفوسنا يا مولي!« »ليكن أيها الملك ،سأتر ك ذلك إلى ما بعد« »أح ّ س الملك لمقمان بخيبة أمل ،فعادت نفسه إلى مساورة المقلق ،ومّد يد ه الُيسرى على كتفي الملكة نور السماء وضّمها إليه وكأّنه يبحث عن المان والعزاء والخالد إلى الطمأنينة. ألمق ت الملكة رأسها على كتفه وهي تأخذ يد ه إلى ُحضنها وتحتويها بيديها وتستغر.ق في سكون وتأّمل ،وكان الملك لمقمان قد تنّبه إلى أّنه أهملها لبعض الوق ت ،فضّم رأسها وقّبل شعرها بمقدر ما أتاح له التاج الملكي وراح يهمس لها: »أعتذر يا حبيبتي لطالتي الكالم مع ملك الملو ك« »ل عليك يا حبيبي فمقد كن ت في شو.ق للتحّدث إلى أّمي وأبي وأختي ولم أشعر بابتعاد ك عّني« »ُأحاول أن أنسى ما يجول في ذهني وأتوّحد بفيض ُحّبك ،غير أّن مخّيلتي الهوجاء تسو.ق أمامي الّرؤى والتخّيالت المستحيلة حّتى على قدراتكم الخارقة!« »أعلم أّن طموحات حبيبي أعظم من أن تحمقمقها خوار.ق الجن ،لكني سأعمل على تحمقيق المستحيل كي يهنأ قلب حبيبي« ي ،هل تعديني أل تخاطبيني إل »ما أجمل كلمة حبيبي وهي تنثال من شفتيك كنسيم ند ّ حبيبي« »أعد مولى قلبي أل تنطق شفتاي ول يدور على لساني إل اسم حبيبي وكل الكالم الجميل« »المسرح خال من الراقصات أل ترغب حبيبتي أن أقّدم لها ما ُيضفي على فرح مهجتها فرحًا« »أرغب أن أرى ما يجول في أعما.ق حبيبي معزوفا ً بألحان الموسيمقى« »إن ما يجول في أعما.ق نفسي لكبر من أن تعزفه موسيمقى الكوان كّلها يا حبيبتي ،ولن تجدي فيه غير الحزن واللم والعذابات ،ولو أّن عزفي جميل لسمعتك لحنا ً يصّور بعض ما يدور في نفسي« »هل تجيد العز ف يا حبيبي؟« »أعز ف بشكل سيئ على الناي يا حبيبتي« »أسمعنا شيئا ً ونحن من سيحكم« »أرجو ك يا حبيبتي أن تعفيني كي ل أجلد ك وأجلد عشرة مليارات ضي ف بعزفي البائس الحزين« »هل يعدني حبيبي أن يسمعني عزفه يومًا« »أعد ك يا حبيبتي« »ومع ذلك أرجو حبيبي أن يطلب إلى فرقة موسيمقية أن تعز ف لحنا ً مما يجول في نفسه« »سيكون ذلك مأساوياً يا حبيبتي ،إذا ما أجاد العازفون التعبير عن بعض ما يعتلج في
نفسي وتضطرم به أغوار قلبي« ب أن أرى شيئا ً ملّحنا ً من أعما.ق حبيبي« »أح ّ »وما ذنب ضيوفنا كي نغرقهم بلواعج أحزاني؟« »بل وأحزاني يا حبيبي« »وهل يحزن الجّن أيضا ً يا حبيبتي؟« »نحن ل نختل ف عن البشر إل بمقوانا الخارقة يا حبيبي« وأشار الملك لمقمان بحركة من يد ه فظهرت على المسرح فرقة موسيمقية تضّم أكثر من مائتي عاز ف معظمهم من عازفي الناي والرغول والعود والكمان واليمقاع والطبل والبز.ق والمقانون ،وغير ذلك من اللت الموسيمقية الشرقّية والغربّية ،وقد ظهرت خلفهم فرقة كورال من عشرات المغّنيات. ضّج الحضور بالتصفيق الحار وانحنى العازفون والمغنّيات احتراما ً وشرعوا في أخذ أماكنهم. كان الجميع يصامتين فأشار الديب ُلمقمان بحركة من يد ه ،فانساب لحن منفرد على ناي أجش ،راح يتصاعد عاليا ً ليحّلق في سماوات الكوان ،يعبر الكواكب والقمار ،النجوم والمذّنبات ،البحار والمحيطات ،الصحاري والّسهوب والجبال ،قاطعا ً مئات آل ف آل ف الميال ليجوب سماء فلسطين ،ويرفر ف في سماء المقد س ،ويشرع في الهبوط ليحط في حمقل حصاد ،ولترافمقه النايات الخرى بألحانها الجّشة ،ولتنطلق اليمقاعات بضربات خفيفة متواترة منذرة بولدة »ابن الّشمقاء« وفي رواية أخرى رواها الب أنه »ابن الّزنى« الذي سُيدعى »لمقمان«: كان ت أّمه تحصد في الحمقل حين جاءها المخاض ،وكان ت الشمس تتأّلق وهي تطّل من خل ف جبال المقد س الشرقّية لترسل أشّعتها معانمقة أبراج الكنائس وقباب المساجد. انطلق يصوت مغّنيات الكورال منخفضا ً بطيئا ً رتيبًا: في الحمقل كان ت تحصد حين جاءها المخاض في الحمقل كان ت تحصد وضع ت يدها على بطنها وتأّوه ت ،وما لبث ت أن انطرح ت أرضا ً وراح ت ُتزِحُر وموجات الطلق تدهمها واحدة إيثر ُأخرى. ضّج ت كل اللت الموسيمقّية في يصخب راح يعلو تارة وينخفض قليالً تارة ويستصرخ جائراً تارة أخرى وسط لّجة الكورال: انطرح ت أرضا ً تأّوه ت الم وانطرح ت أرضا ً راح ت ُتزِحُر الّم راح ت ُتزِحُر وموجات الطلق تدهمها اندفع »ابن الشمقاء« من فرج أّمه وراح يصرخ باكياً حين ايصطدم رأسه بالرض. تصاعدت أنغام فرحة رافمقها يصوت الكورال:
ولد ابُن الشمقاء في الحمقِل ولد ابن الّشمقاء وراح يصرُخ، يصدم رأُسه الرض حين َ راح يصُرخ س وكان ت أشعة الشم ِ س تعانق أبراج الكنائ ِ وقبب المساجد في مدينة المقد س بلغ ت النغام ذروة تصاعدها ،وما لبث ت أن عادت إلى الخفوت والتباطؤ شيئا ً فشيئا ً إلى أن أخذت تتصاعد في توّتر وتوّجس ،فما أن مسح ت الّم الوليد وأرضعته من يثديها ب إليها أن تنهض لتستأن ف الحصاد. ولّفعته حّتى أوعز ال ُ ألمقته في حذٍل بين غمور الحصاد ،وظّللته بمنديل فرشته على عيدان منتصبة من المقصب لتعمل له ُخ ّ صًا .ونهض ت تحصد المقمح. مسحته ولّفعته ومن يثديها أرضعته وعادت إلى الحصاد ب حين أوعز إليها ال ُ عادت إلى الحصاد تاركة الطفل في المهد ص تح ت الُخ ّ بين غمور الَّزرع انداح ت النغام سارحة في غياهب المقدر المجهول ،وما لبث ت أن أخذت تتواتر ،منذرة بالشؤم والّرعب ،فحين جاءت الّم تعدو إلى الوليد في قيلولة الغداء ،وسط َحّر المقيظ، وجدت أفعى تلت ف حول جسد ه في المهد ،فلم تمقدر على الصراخ كي ل تخي ف الفعى وتلدغ الطفل ،ولم تمقدر على فعل أي شيء ،فراح ت تدوُر حوَل الُخ ّ ص حانية الظهر والّرعب يستولي عليها لتبدو وكأنها أيصيب ت بالصمم والبكم والصرخات المتوّجسة المستغيثة ُتكب ُ ت في أعماقها أو تتالشى قبل أن تصل إلى شفتيها. انطلق يصوت الكورال منذراً بالّرعب: أجل أفعى حين جاءت تعدو وسط حّر المقيِظ وجدت في َمهِد ه أفعى تلت ف حول جسد ه فُأيصيب ت بال ّ صمم والبكم
صراخ ولم تمقدر على ال ّ ساد الضطراب والمقلق والّتوجس ألحان الموسيمقى المتصارعة ،وانطلق نمق ٌر رتيب على اليمقاع رافمقته آها ٌ ت على الّناي. مّدت الّم يديها ،متوّجسة مّدت يديها ،لتأخذ الطفل من أحضان الفعى ،لكن الفعى كان ت تلت ف حول رجليه وتتمدد على بطنه وتلمقي رأسها على يصدر ه ،فأّنى لها أن تأخذ ه، فأعادت يديها وجث ت على ركبتيها إلى جانب المهد ،وراح ت تناشد الفعى متوّسلة إليها بال والنبياء أل تفجعها بوليدها: متوّسلة إليها راح ت الّم تناشد الفعى متوّسلة إليها: أستحلفك بال المقدير بالعذراء وإبراهيم الخليل بمحّمد وموسى وابن الجليل أل تفجعيني بمن في المهد يصغير أل تفجعيني بمن في المهد يصغير كان ت الموسيمقى تنوح بمرافمقة الكورال متوّسلة بكل ما في اللحان والنغام من قدرة على التعبير عن التوّسل والستغايثات. أخذت الفعى تف ّ ك طّيات جسدها من حول جسد الوليد وتنزل رأسها عن يصدر ه ،وما لبث ت أن غادرت الِحذل وانساب ت بين غمور الحصاد. شرع ت الموسيمقى في استعادة أجواء الفرح فاستعاد الكورال فرحُه: حّل ت الفعى نفسها من حول الجسد ال ّ صغير حّل ت الفعى نفسها وغادرت الِحذَل غادرت المهَد وانساب ت بين غمور الحصاد أوغل ت النغام في الفرح ،فمقد أخذت الم الوليد ،وضّمته إلى يصدرها ،وعانمقته ،ودارت به حول نفسها فرحة به: بالحضن أخذت وليدها بالحضِن أخذت الّم وليدها وضّمته وعانمقته ودارت به حول نفسها فرحة بِه غير أن الموسيمقى أخذت تخف ت أنغامها شيئا ً فشيئا ً وتعود إلى التوّتر وال ّ صراع يثانية ،فمقد أقبل الب والحايصدون من الحمقل ،فرأوا الفعى في طريمقهم ،فانحنوا يأخذون الحجارة
بأيديهم ويرجمونها كي يمقتلوها ،فحايصروها من كّل الجهات: من كل الجهات حايصر الب والحايصدون الفعى بالحجارة من كل الجهات ..حايصروها حين رأوها فاستغايث ت الفعى بالم هاتفة »أجيريني« والتجأت إلى غمِر زرع ،سمع ت الم استغايثتها فألمق ت الوليد في الحذِل واندفع ت تعدو يصارخة بالب والحايصدين »ل ،ل تمقتلوها« بالم استغايث ت بالم استجارت بالم استغايث ت الفعى واستجارت فصرخ ت: ل تمقتلوها ل تمقتلوها يصرخ ت الّم بالب والحايصدين ل تمقتلوها أستحلفكم بال ل تمقتلوها واندفع ت تعدو نحو الفعى اندفع ت الّم تعدو ب وآخرون توّق ف بعض الحايصدين عن رمي الحجارة نحو الفعى ،فيما استمّر ال ُ برجمها ،غير أّن المق ّ ش كان يحميها من وقع الحجارة على جسدها ،اندفع ت الم لتلمقي نفسها فو.ق الغمِر حيث الفعى ،فأيصابتها بعض الحجارة التي كان يمقذفها الب والحايصدون: فو.ق الِغمِر حيث الفعى اندفع ت الّم وطرح ت نفسها فأيصابتها بعض الحجارة ب والحايصدين بعض حجارة ال ِ أيصابتها يصراخ الب »لَِم أّيتها العاهرة ،لَِم أّيتها الزانية، تصارع ت أنغام الموسيمقى بجنون وسط ُ لم تدافعين عن أفعى ،هل طار عمقلك ،أم لّنك أفعى مثلها؟!« أيتها الزانية أيتها العاهرة ب قال ال ُ
لم تدافعين عن أفعى أّيتها الزانية هل طار عمقلك أم لنك أفعى لنك أفعى مثلها أّيتها العاهرة؟! أغرق ت اللحان في التوّحد باللم ،معّبرة عن عذابات الم ،فبكى جميع ال ّ ضيو ف ،عشرة مليارات من النس والجن شرعوا في البكاء والتوّحد مع الموسيمقى والنغام ،حّتى الملك شمنهور ،كان أكثر الحاضرين ُحزنًا ،فتحّول الجو ،من جّو فرح قبل اللحان إلى جّو عذابات وآلم خاللها ،وراح الملك شمنهور يصرخ باكيًا: »لم يا مولي تعيدني إلى تذّكر أّيام ُحزني في سجني ال ّ طويل ،لَِم تدعني أبكي على نفسي بعَد أن حررتني ،لَِم ل تدعني أعيش الفرح وأنسى أّيام البؤ س والّشمقاء واللم ،أستحلفك بمليكة قلبك نور الّسماء أن توِق ف هذ ه الموسيمقى لّن نياط قلبي تمق ّ طع ت من فرط الحزن« وارتفع يصوت الكورال ،لُيعيد الملك شمنهور إلى الصم ت والدموع: إلى ُحضنها حمل ت الّم الفعى إلى ُحضنها وسارت بها إلى أطرا ف الحمقل سارت بها وهنا ك في أطرا ف الحمقِل أطلمقتها في أطرا ف الحمقل أطلمق ت الّم الفعى إلى حال سبيلها إلى حال سبيلها أطلمقتها-أخذت أجواء الفرح تعود إلى النغام شيئا ً فشيئاً فيما كان ت الملكة نور السماء تتشّبث بجسد الملك لمقمان وتبكي معه ،لتختلج دموعهما في أسمى لحظات التوّحد ،فيما شرع يصوت الكورال ينشد ُمرددًا: بيد أّنها قبل أن تنطلق قبل أن تنطلق الفعى إلى حال سبيلها وقف ت على ذيلها على ذيلها وقف ت الفعى وخاطب ت الّم: »لمقمان« سيدعى ابُنك
ويكون غالما ً فصبيّا ً وسيغر.ق في دروب البؤ س في دروب البؤ س والشمقاء سيغر.ق ابُنك ويكون فدائيًا! ويكون يصحفيًا! قبل أن يغدو أديبا ً كبيراً أديبا ً كبيراً سيغدو ابُنك وسيغدو ملكا ً عظيما ً ملكا ً عظيما ً سيغدو ابُنك ويحكم على الكوان على الكوان سيحكم ابُنك قبل أن يواجه قدر ه ويرحل عن الّدنيا راح ت الموسيمقى توغل في الفرح مّجسدةً أحاسيس الم بعد تنبؤات الفعى ،لتعيد البسمة إلى الحزناء والباكين من ماليين المستمعين والمشاهدين ..وما لبث ت أن أخذت تبطئ شيئا ً فشيئا ً لتتوق ف. نهض الماليين ليصفمقوا بحرارة ،ووقف ت الفرقة لتحّية الجمهور ،ووق ف الملك لمقمان ورفع تاجه عن رأسه وقلبه رأساً على عمقب وهو ينحني احتراماً لعضاء الفرقة ،وما لبث أن تر ك المائدة وهرع ليعانق العازفين والمنشدات اللواتي استطعن أن ينمقلن بالكلمة كل ما كان يدور في خياله ،وكذلك فعل ت الملكة نور السماء ،وسط جنون التصفيق وحرارة الّدموع التي راح ت تنهمر على الوجنات. وأمر الملك لمقمان أن تكون هذ ه الفرقة ،الفرقة الخا ّ يصة بالمقصر الملكي ،على أن تأتي فيما بعد إلى الكوكب الذي سيمقيم عليه.. وما أن أنهى الملك لمقمان والملكة نور السماء تهنئة الفرقة بالنجاح الذي حمقمقته حّتى أشار إليها أن تعز ف ألحاناً راقصة ،وعاد هو والميرة ليجلسا في مكانهما. شرع ت موسيمقى فرحة راقصة تتصاعد شيئا ً فشيئًا ،فأخذ النا س يتحّولون من الُحزن إلى الفرح ،وما لبث ت الموسيمقى أن استفّزت ُكّل حواّسهم ،فنهضوا جميعاً إلى الرقص ،عشرة مليارات من النس والجن نهضوا إلى الّرقص ،لتضّج بهم كل يصالت ومسارح الروض وحدائمقه وممراته .إنس مع إنسيات وإنس مع جنّيات وجن مع جنّيات ،وجن مع إنسيات، ُكّلهم نهضوا إلى المرح والفرح والرقص ،كّلهم ُدفعوا إلى اللهو حين ناداهم من أعماقهم هاجس ،طالبا ً إليهم التمّتع بالفرح بعد أن تحسسوا ويالت الحزن .فراحوا يغرقون في اللهو الُمجوني والّرقص الجنوني ،ماعدا الملك لمقمان والملكة نور السماء ،اللذان اّتحدا في جسد واحد بعد أن نهض ت الملكة لتجلس في حضن الملك ليحتويها بكل جسد ه، وفيض مشاعر ه ،ويتمّنى لو أنه في ممقدور ه أن يش ّ ق جوانح يصدر ه ليبمقيها فيه.
همس ت الملكة وهي تطّوقه بيديها لتداعب أنفاسها ُأذنه: »هل كان ت هذ ه حمقاً ولدة حبيبي ،كن ت خائفة أن تلدغك الفعى« قّبل ُأذنها قبالت خفية وهمس: »إذا يصدق ت أمي يا حبيبتي« انتعش جسدها وقشعريرة لذيذة تجتاحه من جّراء تمقبيلها على أذنها والهمس فيها. »أكان ت ولدة حبيبي مخيفة إلى هذا الحد؟!« »لم تكن ولدتي إل بداية شمقاء يستحيل أن يحتمله بشر يا حبيبتي« »ومع ذلك احتمله حبيبي« »لن كل ما تعّرض ت له من شمقاء بعد ذلك ل يختل ف كثيراً عن شمقاء الولدة وال ّ طفولة، بل كان أرحم في بعض الحيان« »متى سيحديثني حبيبي عن حياته؟« »ل أعر ف ،رّبما ُأحديثك عن شيء منها ،أما عنها ُكّلها فهذ ه مسألة طويلة تحتاج إلى روايات! فهنا ك فترة الطفولة وحتى سن المراهمقة وهربي من بي ت أبي ،وهي أقسى ما عشته .تأتي شمقاواتي الخرى حتى سن ما بعد العشرين ،حيث فترة النضال التي ُكّلف ت فيها بمهام يصعبة ،ودخل ت الّسجون ..ومن يثّم تحّولي إلى الصحافة والدب منذ سن الرابعة والعشرين ،أي نص ف عمري الن ،وهذ ه الفترة شهدت الكثير من الحداث ،ففيها تزّوج ت مّرتين وعشمق ت كثيرات ،وارتكب ت حماقات مع عاهرات وغير عاهرات من النسّيات! وكتب ت بعض المقصص والروايات ..أما الهم في حياتي فهو ما يبدأ بمحاولة انتحاري وعثوري على ملك الملو ك وقدومك إلّي وزواجي منك وتتويجي ملكًا ،وما ل أعر ف إلى أين سينتهي« »هل ستكتب ذلك إذا ما أتيح لك؟« »تمقصدين حياتي كّلها؟« »ممكن ،لماذا ل أكتبها إذا ما ُأتيح لي ذلك ،أظن أن فيها ما يمكنه أن يفيد البشر ،خا ّ يصة إذا ما تحّديث ت بصد.ق ،فالدب دون يصد.ق ليس له أّية قيمة حمقيمقية يا حبيبتي« »وهل ستكتب عّني يا حبيبي؟« »وهل يعمقل أن أنسى روحي يا حبيبتي؟« »إذن ستكتب عّني بشكل جميل« »ل أظن أنني سأكتب في حياتي أجمل مما سأكتبه عنك يا حبيبتي« »متى سأقرأ بعض كتابات حبيبي السابمقة؟« »بعد أن نأتي بها من الرض« »هل فيها شيء من حياتك؟« »كثير يا حبيبتي ،فأنا ل أستطيع الكتابة خارج حياتي وأفكاري ،فأزّج بشيء منها في أدبي ،أو أستوحي منها« »لكن هل سيصّد.ق المقُّراء أّنك تزّوج ت من حورّية جنّية وأيصبح ت ملك ملو ك؟!« ولَِم ل يصّدقون طالما أّن هذا هو ما َحَدث بالفعل يا حبيبتي؟ سيصّدقون قطعًا،
وسيصّدقون أنني سُأنجب من هذ ه الحورّية طفالً نصفه العلى مال ك جّني ،ونصفه السفل إنسي ،فنحن شعوب المعجزات يا حبيبتي ،ول نصّد.ق غير المعجزات ،وقد يصّدقنا أن ا نفخ في فرج فلسطينية لتنجب لنا يسوع المسيح ،ويصدقنا أن الّنبي محمد يصعد إلى السماء السابعة والتمقى ا ،فلَم ل نصّد.ق أنني سأنجب منك نسالً جديداً يوّحد بين النس والجن في الجسد والعمقل ،وهذا ما سيحدث بالفعل إذا يصدق ت تنبؤاتي يا حبيبتي!!« وغمرت الملكة نور الّسماء فرحة كبيرة وراح ت تطّو.ق عنق الملك لمقمان فيما هو يحتضنها ويتابع: »وسيتكّلم هذا الفتى في المهد وسندعو ه »قاِهر الكوان«« »ل يا حبيبي هذا السم ل يعجبني« ت« »سّمِه أن ِ »سنسّميه قمر الّزمان!« »ل! ُأريد اسما ً جديداً وليس من أل ف ليلة وليلة!« »طيب! نسّميه غيث السماء« »غيث السماء؟« »أليس جمي ً ال؟« »غيث ومطر وأعايصير وعوايص ف وسحب ،أل يوجد غير هذ ه التسميات؟« »آ ه! ذّكرتني ،سُحب ،سنسميه »سحب السماء« يا حبيبي ،أنا فعالً أح ّ ب هذ ه التسميات!« »يبدو أّنك تصّرين على أن يظل السم ممقترنا ً باسِمك« »أليس جميالً هذا الخير؟« »يعني ،ل بأ س به ،ما رأيك أن نحل الموضوع بيننا؟« »وهل سنتشاجر منذ الن على تسمية الُغالم يا حبيبي؟« »ل يا حبيبتي لن نتشاجرُ ،كن ت أوّد أن نجمع السماء أيضا ً ونسميه "ُسحب السماوات!"« »المير ُسحب السماوات ابن الملك لمقمان ابن الملكة نور السماء! جميل يا حبيبي ،أنا موافمقة« »عظيم ،إيا ك أن تتراجعي!« »ل لن أتراجع ،وماذا بعد؟« »تريدين أن أتنبأ بمستمقبله بعد ذلك؟« »بل وبمستمقبلنا أيضا ً يا حبيبي« »وهل أنتم تحّبون الحالم والتنبؤات مثلنا معشر النس؟« »إنها المرة الولى التي أحلم فيها في حياتي يا حبيبي ،أكمل أرجو ك!« »يا حرام يا حبيبتي ،سأحُلم لك كل يوم!« »هّيا احلم لي يا حبيبي أرجو ك« وراح الملك لمقمان يرب ت على ظهرها وهي تستكين إلى ُحضنه كطفل ،فيما كان الّرقص على أشّد ه في الّروض.
»سيكون ابننا المير ُسحب السموات ،أجمل غلمان السموات والرض ،بحيث ل تنظر إلى جماله امرأة إل وُيغمى عليها ،ونظراً لن نصفه جّني ونصفه الخر إنسي ،فإن ب!« آل ف النساء والفتيات من النس والجن سيغرمن به وينتحرن في سبيل ُحّبه حين يش ّ »ولماذا ينتحرن يا حبيبي؟« ب كل واحدة ستغرم به ،فال تحتمل »لّنهن سيغرمن به ،وهو ل يستطيع طبعاً أن يح َّ الحياة بعد ذلك فتنتحر!! إنسّيات وجّنيات سينتحرن ،بالسكاكين والسيو ف سينتحرن، وبإلمقاء أنفسهن من سطوح المنازل والبنايات سينتحرن ،وبمقذ ف أنفسهن من السموات إلى الكواكب سينتحرن ،أو حّتى سينتحرن خنمقا ً بالغازات!« وقاطع أحالمهما يصوت ملك الملو ك هاتفا ً وهو ينحني عليهما: »ألن ترقصا يا مولي؟« نظر إليه الملك لمقمان بطر ف عينيه وزجر ه: »يا أخي حل عن سمانا قطع ت حبال أحالمنا!« نمقَز الملك شمنهور خوفاً واستمقام في وقفته وهو ل ُيصّد.ق أنه يمكن لمول ه أن يتكّلم بهذ ه اللغة وهذ ه اللهجة ،فظّل محّدقاً بدهشة إلى أن زجر ه الملك لمقمان يثانية: »خلص قل ت لك ِحل!« دار الملك شمنهور على عمقبيه وانصر ف دون أن يعلم ما ألَّم بمول ه. »أين ويصلنا يا حبيبتي؟« »عند هؤلء الفتيات والنسوة اللواتي سينتحرن من أجل سحب السموات ،لكن!« »لكن ماذا يا حبيبتي؟« ب الموت!« »لو أّنهن ل ينتحرن ،فأنا ل أح ّ »وماذا سأفعل يا حبيبتي إذا كان جمال المير سيخلب عمقولهن ،ويثنيهن عن رشدهن؟!« »طّيب ،أكمل لي ماذا سيحدث بعد ذلك؟« فهت ف الملك لمقمان دون تردد وكأنه يهت ف بما هو عادي: »سأواجه قَدري يا حبيبتي!« ورفع ت الملكة نور السماء رأسها عن عنمقه وهتف ت بدهشة: »ماذا تمقصد يا حبيبي؟« »سأموت يا حبيبتي ،وعلى الرجح سُأقتل!« وراح ت تضرب بمقبضة يدها ال ّ صغيرة على كتفه وهي تهت ف: »ل،ل،ل ُأريد ك أن ُتمقتل أو تموت ،ول أريد أن تحلم لي مثل هذ ه الحالم« »يا حبيبتي حّتى لو لم ُأقتل ،سأموت لنني لن أعيش مثلك أل ف العوام أو إلى البد!« »ل أرجو ك يا حبيبي أل تفّكر في ذلك ،قد نجد إكسيراً ُيطيل عمر ك!« »لن ُيطيل عمري يا حبيبتي إل يثمرة لعينة آكُلها من شجرة الحياة التي زرعها ا في الجّنة!« »قد نصل إلى الجّنة يا حبيبي وتأكل من يثمر الشجرة حتى تشبع!« »آمل ذلك يا حبيبتي«
»حّديثني عن ابننا« وراح ت تطّو.ق عنمقه وتلتحم بجسد ه. »يا حبيبتي هذ ه مجرد أحالم وتنبؤات وليس من المؤكد أن تكون قدرًا« »ومع ذلك ،ل أريد موتا ً فيها« »لكن أنا م ّ ت وانتهى أمري يا حبيبتي ،ول يصح أْن نغير الحالم على مزاجنا!« وأسلم ت الملكة نور السماء قدرها إليه وراح ت تلتحم بجسد ه وكأّنه سيرحل عنها الن، فيما هو يتابع تنبؤاته المرعبة: »سيستلم ملك الملو ك الحكم من بعدي على كل الكواكب التي ستكون تح ت سلطتي بما فيها كوكب الرض ،ويعيث فيها خرابا ً ودمارًا ،ويشرع في شّن حروب مرعبة، وانتمقامات فظيعة ،ومسوخات مخيفة ،ليفتك بآل ف الماليين من البشر« وبالكاد حّتى همس ت الملكة: »ولَم سيفعل كّل هذا الدمار يا حبيبي؟« »انتمقاماً لممقتلي يا حبيبتي ،فالنا س الذين أحببتهم سيمقتلونني غيلة وغدرًا ،ولن يحتمل ملك الملو ك ذلك فيشرع في تدمير العالم« س على شعرها برفق ويتابع: وشعر الملك لمقمان بالملكة تتجّمد بين أحضانه ،فراح يمل ُ ت في البداية بعض أفعالِه على مضض ،لنك ستمقاومين الرغبة في النتمقام، »تمقبلين أن ِ خا ّ يصة وأنك كن ت تعرفين أنني كن ت أعر ف أنني سأقضي نحبي على أيدي بني البشر، ومع ذلك حافظ ت على جمال إنسانّيتي ولم ألّوث يد ّ ي بدماء البشر ،وحين ينتصر الخير في نفسك تحاولين عبثاً ردع ملك الملو ك ،فحمقد ه سيكون عظيما ً وانتمقامه لممقتلي سيكون فظيعًا ،بحيث لن يبمقى طفل في الرض وبعض الكواكب ا ُ لخرى لن يبكي أّمه وأبا ه، وأخته وأخا ه ،ويعيش الليالي ال ّ طويلة على الملح والماء! فينشب يصراع بينك وبينه ،ل يلبث أن يتحّول إلى يصراع على السلطة ،يثّم يتحّول إلى حرب ضرو س ،تدوم بضعة أعوام ،يهزمك فيها هزائم منكرة ،ويمقضي على كل جيوشك وجيوش أبيِك وجيوش الملك دامردا س ،وجيوش كل الملو ك الذين سينضمون إليك، ب بعض الملو ك واللهة من أيصدقائي في الكواكب والكوان لنجدتك ،فيتم لك النصر فيه ّ على أيديهم بعد حروب طاحنة ،تمقتلين فيها الملك شمنهور الجبار وتهزمين جيوشه شر هزيمة وتستلمين الّسلطة ،وتمقدمين على إعادة ترتيب أوضاع الكواكب ،وتنادين بالّسير على طريمقي ،ونشر المحّبة وإحالل الّسالم بين البشر والبشر ،وبين الجّن والجن ،وبين الجن والبشر ،وبين البشر والجن واللهة ،فيعّم السالم وتسود المحّبة« كان ت الملكة نور السماء قد أخذت تتعّر.ق وهي تتوّحد بجسد الملك ُلمقمان ،وتمقاِوم بكّل قوتها النفعالت التي ُيثيرها حديث أحالمه وتنبؤاته في نفسها ،وما أن توّق ف عن الحديث ،حّتى أح ّ س بأنفاسها تهمس متوّسلة: »وابننا يا حبيبي ،ماذا حدث لبننا بعد كّل هذ ه الفظائع واللم؟« »سيعيش في كنفك يا حبيبتي إلى أن يبلغ أشّد ه ويؤتى قدراً وافراً من الِعلم والحكمة!« »وماذا سيحدث بعد ذلك؟«
»ستتنازلين له عن العرش« »وهل سيتبع طريمقتي وطريمقتك في الحكم؟« »أجل .وستفخرين به كثيرًا ،وسيكون ملكا ً عظيما ً وعالما ً وحكيما ً كبيرًا ،وتسود المحّبة والّسالم في عهد ه كما لم يسودا من قبل« وراح ت تتنّفس بعمق مستشعرة بعض الراحة والطمأنينة يثّم همس ت: »سأعمل بُكل ما أوتي ت من ممقدرة لتغيير مجرى هذا المقدر الذي رسمته مخّيلتك ،ولن أسمح بأن ُترا.ق نمقطة دم!« »يا حبيبتي ،الممقّدر ل مفّر منه .أنا لم أسمع أّن أحداً استطاع مواجهة قدر ه أو الهروب منه ،وما عليِك إل أن تكملي كتابة سيرة حياتنا لنني سأكون قد شرع ت في كتابتها وويصل ت فيها إلى ما قبل ممقتلي ،أكملي كتابتها فمقد يكون فيها فائدة وعبرة للبشر، وسأطلق على الّرواية الولى منها اسمي ،وحين تتّمين كتابتها بتشييع جنازتي ،اشرعي في كتابة الّرواية الثانية وأفضل أن يحمل عنوانها »ملك الملو ك« لنها ستتحّدث عن حروبه وأهواله مع الكواكب والبشر .ومن يثّم ستأتي الّرواية الثالثة التي تتحّدث عن فترة ُحكمك وأف ّ ضل أن أسميها »الملكة نور السماء« أما الرواية الرابعة والخيرة فستكون بعنوان »الملك سحب السماوات« وهذ ه تتحدث عن الحمقبة التي سيحكم فيها ابننا، وستنشر وهو على قيد الحياة ،وسيمقرأ النس والجن جميعاً سيرة حياتنا ويحتفظون بها مدى الّدهر ،لتتناقلها الجيال!!« »لو أنك يا حبيبي أويصلتني إلى هذ ه النهايات السعيدة دون أن تتنبأ بموتك وموت ملك الملو ك وهذ ه الحروب المدّمرة واللم الفظيعة ،لكن ت عش ت ُحلما ً جمي ً ال« »أنا آس ف يا حبيبتي ،فحتى أحالمنا ،ل ُيتاح لنا أن نتحّكم في وقائعها معظم الحيان« وضّمته بشّدة يثانية وهي تهت ف: »أنا خائفة يا حبيبي« »لماذا يا حبيبتي؟« »لن ما تنبأت به الفعى لّمك قد حدث فع ً ال ،وأخا ف أن ل أقدر أنا على تغيير مجرى المقدر ،ويحدث ما تنبأت به أن ت في ُحلمك!« »يا حبيبتي ،حتى لو حدث ،فهو لن يحدث قريبًا ،فِلم تفكرين فيه منذ الن ،تخّيلي أنني عش ت يثمانية وأربعين عاماً حتى تحمقمق ت نبوءات الفعى لّمي بأنني سأكون ملكًا ،ولم تتحمقق إل في اللحظة التي يئس ت فيها من الحياة وقررت النتحار!« »لن أحتمل ذلك حتى لو لم يحدث إل بعد أل ف عام ،ل أعر ف بأّية قّوة خارقة سأواجه محنتي فيك!« وقّبلها قبلة حاّرة لتصحو على نفسها وتنسى هذا الُحلم الفظيع ،لكن ما أن أتى ملك الملو ك بعد لحظات حّتى راح ت تنظر إليه بعينّي الّريبة ،وتغمر رأسها في عنق الملك لمقمان، وغدا من المستحيل عليها بعد هذ ه التنبؤات الفظيعة أن تنسى أن الملك لمقمان سيموت وأّن حروباً طاحنة ستنشب بينها وبين ملك الملو ك ،فصمم ت على الّشروع في تغيير مجرى المقدر ،بمجّرد ما تتاح لها الفريصة ،لتظل الحياة سعيدة وجميلة.
كان ت فرقة الموسيمقى قد ُأنهك ت من جّراء العز ف ،وكذلك ُأنهك الراقصون دون أن يتوقفوا ،إلى أن جاء ملك الملو ك ليذّكر الملك لمقمان بأّنه نسي أن يوق ف الفرقة عن العز ف! »أو ه أّيها الملك حمقّا ً نسي ت!« ورفع الملك لمقمان يد ه ،فراح ت الموسيمقى تختتم ويصلتها ال ّ طويلة ،ليعّم التصفيق كافة أرجاء الّروض ويعود النس والجن إلى موائد ال ّ طعام والّشراب ،ليأكلوا كما لم يأكلوا من قبل ،وليشربوا كما لم يشربوا من قبل ،وليتبادلوا العنا.ق والمقبل كما لم يتبادلوهما من قبل. (10 رؤية شيطانية وآيات رّبانّية! نهض الملك »دامردا س« هاتفا ً منتشيا ً بما شرب من خمر: »لنشرب نخب مليكنا العظيم لمقمان« نهض الملك حامينار والملك إبليس والملك شمنهور والراعي الكبر وباقي الملو ك والملكات والمراء والميرات والنس والجن جميعاً وشربوا النخب ،وأرا.ق الماليين منهم الخمر على رؤوسهم ،وقد دّب ت في رؤوسهم النشوة وغاب ت عن معظمهم الصحوة، ونهض الملك »إبليس« وخطا بوقار شديد وبهيئة مالئكية إنسّية أذهل ت الحضور إلى أن وق ف على ممقربة من الملك لمقمان وهت ف بأدب جم ،وهو ينحني احترامًا: »عفواً أيها الملك العظيم« التف ت الملك لمقمان ليرا ه واقفا ً خاِشعا ً ُمنحنيا ً بهذا التهذيب الفائق ،فنهض عن ُكرسّيه ص ف على ويصافحه بحرارة ،فيما نهض ت الملكة نور السماء وأشارت إلى من في ال َّ المائدة أن ينهضوا احتراما ً للملك ،ودعا ه الملك ُلمقمان إلى الجلو س مكانه ،غير أّن الملك إبليس أبى طالبا ً التحّدث إليه بكلمة فمقط ،فأقسم الملك لمقمان أل ُيبيح له الحديث إل إذا جلس مكانه ،فأذعن الملك إبليس وجلس مكان الملك ُلمقمان ،ونهض ت الميرة »ظل المقمر« ليجلس الملك لمقمان مكانها. وحين عاد الجميع إلى أماكنهم ،هت ف الملك لمقمان مرّحبا ً بالملك إبليس: »أل ف أهالً ومرحباً بكم أيها الملك العظيم ،لكم تمل قلبي الغبطة وتغمر كياني بهجة الّسعادة بالّتشّر ف بالجلو س إلى جانب عظمتكم!« ولم يشعر الشيطان أنه موضع احترام وبهذا المقدر العظيم ،منذ أن حّرم ا عليه ُدخول الجّنة والسماء السابعة ،وأحّل اللعنة عليه والّتعوذ منه ،فعجز عن إيجاد الكلمات المناسبة للتعبير عن شكر ه وامتنانه ،فراح يرد مرتبكا ً متلعثما ً في البداية ،لكن ما لبث أن تكّلم بما يليق بالمناسبة: »إّني لم أشعر بالخجل والّتواضع في حياتي إل أمام عظمتكم أّيها الملك ،وإّني لشكر لكم ُحسن استمقبالكم لي ،وتمقديركم الفائق لشخصي ،وأنا المكرو ه من الجميع ،والملعون من الجميع ،من النس والجن ،من المالئكة واللهة ،دون أن أقتر ف ذنبا ً أو آتي سوءًا ،بل
أتي ت خلمقا ً جميالً بهيًّا ،وإّني لشكر لكم ،من أعما.ق قلبي دعوتكم لي ولزوجتي وبعض ملوكي ،لحضور حفل تتويجكم وزفافكم .وإني ما نهض ُ ت الن ودنوت من مجلسكم إل لطلب إليكم ،أن تسمحوا لي أن أعرض مسرحّية قصيرة تتحّدث عن بعض مأساتي« فهت ف الملك لمقمان على الفور: »إنه لمن دواعي سروري ،أن أرى قبساً من خلمقكم البداعي أيها الملك العظيم« وأشار الملك ُلمقمان إلى الملكة نور السماء ،أن تنهض بنفسها وتدعو الملكة »بليسة« زوجة الملك »إبليس« لتجلس معهم .وأشار إلى ملك الملو ك أن ينهض ليجلس ُهو والميرة ظل المقمر مكاني الملكين ،فنهض ملك الملو ك مصطحبا ً الميرة ظل المقمر – ب في نفسه لتخّوفه من أن يمقوم »إبليس« بإغواء التي كان ت ماتزال واقفة – والَّريبة تد ّ الملك لمقمان ،وقود ه في ضروب ال ّ ضالل. أبدت الملكة »بليسة« امتنانها البالغ للملكة »نور السماء« فيما جلس ت الملكة نور الّسماء إلى جانب الملك إبليس مكان ملك الملو ك. أشار الملك إبليس بحركة من يد ه ،فأطفَِئ ت النوار ،كّل النوار في كافة أنحاء الروض ُأطفَِئ ت وعّم ظالم حالك .وأشار بحركة يثانية ،فعّم الفضاء والروض نور أحمر خاف ت، وتشّكل في الفضاء كو ٌن مصَّغر بعض الشيء ،عّمته مئات الكواكب والقمار والّنجوم والّشهب والنياز ك ،فيما انبعث ت موسيمقى كونّية خفيفة على الناي ،بمرافمقة بعض اللت الموسيمقية ا ُ لخرى. كان ت هذ ه الكواكب ،في بداية تشّكلها وتكّونها ،فمقد بدت غازات هائلة تتصارع فيها كالعوايص ف والعايصير ،ويتصاعد منها بخار هائل ودخان كثي ف ،ليعّما الفضاء، ويشّكال ُسحبا ً تغ ّ طي الكون. وكان يثمة كوكب وحيد كبير ،بدت عليه بوادر حياة ،فمقد تشّكل ت فوقه أرض يبا س، تخللتها النهار ،وانتشرت على أجزاء منها واحات الشجار ،وانداح ت على ُمعظمها ميا هُ المحيطات والبحار ،وانتشر آل ف الل ف من المالئكة ال ّ صغار فو.ق يباسها ،وراحوا يستصلحون الرض ويثرون تربتها ،ويزرعونها بالّنباتات والشجار. كان الكوكب يحّلق سابحا ً في الكون ،وقد لّفه ضباب كثي ف ،فراح يزهو بجماله ،وبوجود حياة عليه دون غير ه من الكواكب الدائرة حول نفسها في الفضاء .وكان يثّمة مال ك هائل الحجم جميل الشكل ،وسيم الوجه بهّي الطلعة ،يحّلق بجناحين كبيرين في سماء الكوكب، ط على العشاب ،ويتخ ّ ضباب ،ويح ّ يعبر سحب ال ّ طم مرحًا ،ويستلمقي فرحًاُ ،يعانق الشجار ويداعب الّثمار ،ويمرح مع يصغار المالئكة من أبنائه ،يمّهد التراب ويزيل الحجارة ،يسمقي النباتات بيديه ،ويحفر بينها قنوات ،وما يلبث أن يطير محّلمقا ً يثّم يغطس في ميا ه النهار ليخرج من ميا ه البحار .وما يلبث أن يغطس في ميا ه البحار ليخرج من ميا ه المحيطات ،وقد ابتّل بالماء ،فراح يهطُُل من جسمه وجناحيه ،وكان ُكّلما هبط في بحٍر أو نهٍر أو محيط ،فاض ت شطآنه لتغمر الرض اليبا س. وفيما كان الحضور يرقبون بذهول ،هذا الجّو الساحر الّخاذ ،وبهجة هذا المال ك بأرضه صغار ،وإذا بمال ك عمال.ق له أربعة وتمّتعه بها وعنايته لها ،مع أتباعه من المالئكة ال ّ
أجنحة ،قدما ه تغوران في أسافل الكون ورأسه يختفي في العالي يظهر للعيان ،وُكلما دنا منه كوكب عليه بعض يبا س ،أبعد ه عنه بطر ف يد ه وكأّنه يبعد ُكرة أطفال ،وإذا كان غازيّاً ينفخ عليه نفخة يصغيرة من فمه ينجم عنها إعصار ،يغّير اّتجا ه دوران الكوكب. ت هائل ،ترددت أيصداؤ ه من أرجاء الكون: وما لبث هذا المال ك أن هت ف بصو ٍ »يا ميكائيل!« ّ فظهر مال ك يصغير بالممقارنة مع ذا ك .كان يطير بجناحين ويحلق في مسرح السماء ،وما لبث أن توّق ف وهت ف: »أمر أخي الملك إسرافيل ،ممقرئ الوامر الرّبانّية من اللوح المحفوظ ،نافخ الرواح في الجساد ،الموّكل بالّنفخ في الصور يوم المقيامة!!« »أه ً ال بأخي ميكائيل مانح الرزا.ق والحكمة ،الباعث على الكمال!« »ُمرني أّيها الملك الكبير« »أوحى إلهك إلّي بأّنه ُيريد شيئاً من أديم الرض ،فاهبط إليها وائتني بطين نمقّي منها!« »ماذا ُيريد ا من ال ّ طين أيها الملك الكبير؟« »هذا شأنه أّيها الملك!« »أستحلفك به ألم يخبر ك؟« »قال إّنه سيخلق إنسيًّا!« »أهذا كائن جديد أم ماذا أّيها الملك الكبير؟« »ماذا سيكون إن لم يكن كائنًا؟« »ولَِم سيخلمقه من أديم الرض أُيها الملك الكبير؟« »قال إن الملك إبليس أول ه عنايته إلى أن غدا أفضل من أديم الجّنة« »سأهبط حالً أيها الملك الكبير« »رافمقتك السالمة أيها الملك ميكائيل« وراح المَلك ميكائيل يحّلق هابطاً من العالي ،يعبر الفضاء ،ماّراً بالكواكب والّنجوم، ُمجتازاً الّسحب والغيوم. تسّمر الماليين من الحضور في ممقاعدهم ،وتناسوا ال ّ طعام والّشراب والّنساء ،ووجد الملك لمقمان نفسه يتحّول إلى عيون وآذان ،فها هو الن يرى ،وجها ً من أوجه الحمقيمقة التي يبحث عنها. كان المَلك ميكائيل قد بلغ سماء الرض ،وأخذ يجتاز سحبها وغيومها ،مختفيا ً تارة بين الّسحب والغيوم ،وبادياً تارة أخرى ،إلى أن هبط ليلُّفه ال ّ ضباب ،وراح يجوب فو.ق سطح الرض ،متلفتا ً ُيمنة ويسرة ،فيما كان مال ك الرض يحّلق في ناحية بعيدة منها ،يغطس في البحار ويخرج من المحيطات. ح ّ ط المَلك ميكائيل إلى جانب نهٍر كبيٍر ُيشبه نهر النيل ،وراح يجمع الطين من شاطئه، مختاراً ما هو الفضل منه. وفيما كان َمال ك الرض يخرج من ميا ه المحيط ،هاتفه هاجس الرض: »أن ت ُهنا تمرُح في مياهي أّيها المال ك ،فيما آخرون ،يسطون على أديمي دون أن
تدري« فصرخ المال ك بأعلى يصوته وهو يحّلق عاليا ً ناِظراً إلى الرض: »من يجرؤ على الَّسطو على أديِمك ،وأن ت في رعايتي أّيتها العزيزة على قلبي؟« »إّنه يصنو ك ميكائيل ،يجثو ُهنا ك إلى جانب وريدي الوسط ويجمع أديمي من حاّفته!« »ل أّيتها العزيزة على قلبي لن أدعه يأخذ من أديمك مثمقال ذّرة!« وطار المال ك بسرعات هائلة ،إلى أن ح ّ ط أمام المَلك ميكائيل ،وزجر ه بصوت هائل: »ما الذي تفعله بعزيزة قلبي أيها المال ك ميكائيل؟!« »أهالً بأخي المَلك إبليس ،وكيل الرض وحارسها ،وراعي الحياة فيها ،وباعث الخير لها ،والساهر دوماً على بهجتها وازدهارها وكمالها .إّني اجمع أديما ً ل أيها المال ك!« »ألم يكن جديراً بك أن ُتحّيي وتسّلم وتطلب الديم من والي الرض وسّيدها أّيها المال ك؟!« »معذرة أّيها المال ك إبليس« ت الجّنة وسطو ُ »ما موقفك لو أنني أتي ُ ت على أرزاقك وسّر حكمتك ،وقدرتك على بعث الكمال ،حتى لو كن ت مرسالً من قبل ا؟!« »أظّن أنني سأغضب منك أّيها المال ك!« »وأنا غضب ت ِمنك ،فإذا كن ت حمقا ً ُمرسالً من قبل ا أو من قبل إسرافيل ،فاذهب س لسوِء تصّرفك فحسب ،بل لن ا أويصاني وبّلغهما أّني أرفض أن ُأعطيك شيئًا ،لي َ حين أوكلني بالرض أن أيصون أديمها وألّ أفّرط بذّرة من ترابها أو نمقطة من مائها حّتى له! يثّم إّن الّتراب يمل العديد من الكواكب ا ُ لخرى والجنان والسموات ،فلماذا ل ُيريد ه إل من الكوكب الذي خّول وليته إلّي؟! ..أل يعني هذا أّنه يحاول اختبار مدى حريصي عليه وتمّسكي بأديمه ويصوني لترابه؟!« »ستغضب وجه ا أّيها المال ك!« ضب وجه ا إذا حريص ُ ت على تنفيذ ويصايا ه؟ وعاني ت مع أتباعي ما عاني ت، »لَِم ُأغ ِ لل ف آل ف الّسنين ،كي أظَّل أمينا ً على عهد ه ،ووفياً له ،وها أنذا مازل ت أشمقى في هذ ه الرض إلى أن يصارت فرجة للناظرين ،تنفيذاً لتعاليمه وويصايا ه؟« وغضب الملك ميكائيل وطار محّلمقا ً في سماء المسرح الّسماوي ليختفي في العالي بين الّسحب والغيوم ،ولم تمر سوى لحظات حّتى ظهر مال ك آخر راح يهبط من العالي ليح ّ ط على الرض على ممقربة من المال ك إبليس ،ويهت ف: »السالم على أخي المال ك إبليس وكيل الرض وحارسها وراعيها« »وعلى أخي المال ك جبريل المكين والروح المين الّسالم« »لَِم أغضب ت ا أيها المال ك الُمِكّد ،ولم ترسل إليه بأديم الرض مع المال ك ميكائيل؟« »هل قابل ت ا أيها المال ك النبيل ،أم خاطبك بصوته أم أوحى لك بذلك؟!« »ل أيها المال ك ،أبلغني المال ك إسرافيل« »ماذا قال لك أّيها المين؟« »قال إّنك أبي ت أن تعطي ميكائيل أديماً من باطن الرض ،وأن ا غضب لذلك ،فمقرر
ضر الديم« أن يرسلني أنا كي ُأح ِ »أتظّن أّيها الّروح المين أّن إسرافيل يطمع بجمال الرض ويدّبر مكيدة لي كي ُيبّين ل أّني لس ت جديراً بأن أكون وكيالً وحارسا ً وراعيا ً لها؟!« »واِ إني أيها الَملَ ُ ئ الوامر الَّربانية ،وأمين اللوح ك الجميُل ل أجرؤ على الَّشِك بممقر ِ المحفوظ ونافخ الّروح في الكائنات ومن سينفخ في الصوِر يوم المقيامة؟!« »أو لعَّل ا يريد أن يختبر مدى وفائي له وحريصي على تنفيذ ويصايا ه؟!« »وهل ُيمكن أن يُشَّك الخالق في مدى وفائك وحريصك ،يا باعث الخير وواهب الحياة الّدنيا؟!« »وا إّني لفي حيرة ِمن أمري أّيها الروح المين ،بَم تنصحني أّيها المكين؟!« »إني خائ ف عليك أيها المكّد الَجِلد ،يا من شمقي ت آل ف الّسنين وأن ت تولي الرض ُحّبك، وتكلؤها برعايتك وتغمرها بعنايتك ،وتمنحها نسيم الخير من روِحك ،إلى أن فاض ت من ينابيعها وأخاديدها روعة الحياة ،إن أعطيتني الطين وكان باعث المر مكيدة من إسرافيل أو اختباراً من ا ،غضب عليك ا في الحالين!« »إني أتوَّسل إليك أن تجد لي مخرجا ً أّيها الروح المقُُد س« »ليس أماَمك إل أن تصَّر على عهد ك ل بالوفاء والخالص ما ُدم ت حيًّا« وطار المال ك جبريل محّلمقاً في العالي دون أن يأخذ طينا ً من أديم الرض ،ولم يكد يختفي حتى ظهر مال ك آخر وهبط على الرض ليمق ف في مواجهة المال ك إبليس ويهت ف بصوت ف ّ ظ مسّلمًا: »الّسالم على المال ك إبليس باعث الخير وراعي الحياة ،وكيل الرض وحارسها« »وعلى قابض أرواح الكائنات ،ومفّر.ق الّنفو س ومسّكن الحركات مَلك الموت عزرائيل السالم!!!« »لَِم هذا اليصرار العنيد على إغضاب وجه ا أيها المال ك؟« »أنا ل أفهم أّيها المَلك ،كي ف ُيصبح عندكم الخالص إلى الله إنكاراً ورفضا ً وإغضابًا؟!« »إني الّرسول الخير كي ترسل إلى ا أديماً أيها المال ك ،وإل سيغضب منك ويحّل لعنته عليك!« »هل أبلغك هو ذلك؟« »ل .أبلغني إسرافيل« »إّني ل أيثِ ُ ق بمن خلمقه ا كما خلمقني ،بعد أن أويصاني الخالق ألّ أفّرط بذّرة من تراب الرض حتى له ،يؤسفني أن أعيد ك خائبا ً أيها المال ك« »ستندم على سوء أفعالك أّيها المال ك!« »لن أندَم على ما لم أقترفه أيها المال ك ،وأظّن أّن في ممقدور ا أن يخاطبني أو يظهر لي دون وسطاء إذا هو في حاجة إلى أديم من التراب الذي أوكلني به!« وطار المال ك عزرائيل غاضباً ليختفي في العالي ،وفيما المال ُ س يجوب الرض ك إبلي ُ قلمقا ً محتاراً في أمر ه ،دّوى يصوت هائل عذب جميل كاِمل ،تردد يصدا ه من أرجاء الكون
وتبددت من أمامه ُسحب الغيوم وسدائم ال ّ ضباب .قال: ت إليك رعايته حين كن ت مالكا ً .ق ،تضّن علّي بأديم منحتك ترابه ،وأوكل ُ »لَِم أيها العا ُ تمقيًّا؟!« توّق ف المال ك إبليس ونظر نحو السماء .قال: »َمن الهات ُ ف؟« قال: »من سيكون أيها العا ُ .ق إذا لم يكن إلَهك الذي خلمقك ُغالما ً وجعلك مالكا ً زكيًّا؟!« قال المال ك إبليس: »لَِم تغّير يصوتك يا إلهي؟!« قال: »يصوتي أّيها العا.ق لم يتغّير ،أن ت الذي تغّيرت ويصار يصوتي لدنك منسيًّا« قال المال ك: »ل َأظن أّني سأنسى يصوت من خاطبني في الجّنة ِعشّيا ،ومنحني الرض وأوكلني يصونها ورعايتها لجعل منها جنائن وأوجد فيها يثمراً شهيًّا!« قال: »أتشكك حتى بصوتي أيها العا.ق ،ليتني لم أهبَك جمالً مالئكيًّا!!« قال المال ك: »إني أشكك بالصوت التي إلّي دويًّا ،فإن كن ت إلهي أرني اليوم نفسك كي ل أظّل في ِريبة من أمري وأظَّل حزينا ً شمقيًا!!« قال: »أَو تكفر بي أيضا ً أيها العا.ق ،ليتني خلمقتك كائنا ً وحشيًّا!« قال المال ك: »بل ليطمئن قلبي ،إذ في نفسي شهوة تدفعني لن أعر ف شكل من جعلني جميالً بهّيا!« قال: »لو أرسل ت لي طينا ً لخلق منه اليوم إنسيًا ،لريتك شيئا ً من نفسي أيها الّسامُع اليصّم يصبحا ً وِعشيًّا ،أما وقد عصي ت أمري فلن تراني ما والمبصُر العمى ،ولجعلتك تراني ُ دم َ ض والكواكب والسموات الّدنيا، ت حيًا ،وليحّرم عليك ملكوتي ولتظّل هائما ً في الر ِ ولتحَّل لعنتي عليك ،فأن َ ت منذ اليوم جنيًّا!« وتوّق ف الصوت الهائل ،ولم يعد ُيسمع .راح المال ك إبليس يجوب الرض محتاراً قلمقًا، تتصارع في مخّيلته الهواجس: »هل حمقا ً كان هذا يصوت ا ،وهل حمقا ً كان يريد الّتراب ليخلق إنسيًا؟!« وأطر.ق للحظات ُيفّكر ،وما لبث أن استأن ف حوار ه مع نفسه: »حمقاً كان هذا يصوت ا ،ماذا دهاني وشّوش ذاكرتي ،ل يتكّلم بهذ ه اللغة ذات الموسيمقى المتفّردة إل ا ،حتى أّنه منحني َملََكتها وجعلني ُأجيبه بها كي أفهم وأقتنع ،لكني لم أفهم ولم أقتنع ،لمقد كن ت أسمع يصوته ورّبما أرى يصورته ،وإل ما معنى أن ينعتني بالسامع
اليصم والمبصر العمى؟ وها أنا أفمقد َمَلكة اللغة التي منحني إّياها خالل مخاطبته! حمقا ً كان الصوت يصوته ،وربما التبس علي لّنه يخاطبني من بعيد ،ولم أكن قريبا ً منه كما في الجّنة .يا إلهي ،يا من خلمقتني في أجمل شكل وأوكل ت إلّي رعاية الرض ،ماذا سأفعل كي أرضيك؟! ماذا لو حاول ت أنا بنفسي خلق هذا النسي؟ ألن أحافظ على عهدي لك بأن أيصون تراب الرض وماَء ها ،وألن أكون قد أرحتك من عناء عملية الخلق ،إذا كن ت تريد حمقّا ً أن تخلق إنسيًا؟ أجل أجل سأفعل ذلك!« وشرع المَلك إبليس يجمع أفضل ما يعرفه من أديم الرض .من شاطئ النيل )وريد الرض الوسط( جمع ،من شاطئ الفرات )وريد الرض الثاني( جمع ،وحمل ما جمعه إلى شاطئ الردن )شريان الرض اليصغر( حيث جمع من هنا ك أغنى التراب ،وأهاله فو.ق ما أحضر ه من شاطئ النيل والفرات .ومن مكانه على شاطئ الردن ،مّد يد ه إلى بحيرة الملح وغر ف من مائها َغرفة يصغيرة ،سكب منها فو.ق الكومة ،ورشق الباقي في الّنهر ،وما لبث أن شرع يتعّر.ق بشّدة ليهطل من جسد ه عر.ق غزير راح يسكب منه على الكومة ،فسكب عليها ضعفي ما أحضر ه من الماء المالح من بحيرة الملح ،يثم فصد ساعد ه ،فانبجس الدم منه ،فأضا ف إليها من دمه أربعة أضعا ف ما أضافه من الماء المالح والَعَر.ق ،ففاض ت الحفرة التي عملها وسط الكومة ،فاض ت بالعر.ق والّدم والماء المالح. سّمى المال ك إبليس بال قائ ً ال» :بسم ا الرحمن الرحيم« وشرع في خلط الكومة وعجنها بيديه إلى أن امتص ت العر.ق والدماء والملح ،فغر ف عليها من ماء النهر العذب البارد واستأن ف الخلط بيديه ،وراح يعجن إلى أن غدت الجبلة كتلة واحدة لدنة لّينة. وبدا الملك إبليس محتاراً وهو يردد: »لكن على أّية شاكلة تريد أن أجبله يا إلهي؟« وحين أدر ك أن ا لم يخلق من هو أجمل منه راح يهت ف: »على شاكلتي ،فأن ت لم تخلق من هو أجمل مّني ،أجل سأجبله على شاكلتي« »وسّمى بال يثانية وشرع يجبل تمثالً على شاكلته ،وهو يذكر اسم ا ،فصنعه واقفا ً على يصنع أنثى له .وما أن قدميه ،وحين رأى أّنه حسن ،وأن لديه المزيد من الطين ،شرع في ُ أنهاها حّتى أوقفها إلى جانبه ،وراح يتأّمل جمال التمثالين وهو في غاية الفرح والدهشة لجمال ما جبله .وما لبث أن استدار نحو الشمس وهو يتطاول واقفا ً على رؤو س أيصابع قدميه ،ليبلغ رأسه عنان السماء ،ولتتكسر أشعة الشمس على وجهه .شهق شهيمقا ً عميمقا ً أخذ معه ممقداراً من حرارة الشمس وراح ينفثه على التمثالين ليجّفا ،وما أن جففهما حّتى شرع ينادي بأعلى يصوته: »يا إسرافيل ،يا نافخ الرواح في الجساد ،إن كان إلهك يريد حمقا ً أن يخلق إنسًا ،فها أنذا قد أرحته وخلمق ت ذكراً وأنثى ،وأسميتهما آدم وحّواء ،وإّني أناشد ك أن تنفخ في جسديهما روح الحياة البدّية ،لينطلمقا في الرض وينجبا نسالً زكيًا ،وسأرعاهما وأرعى نسلهما ماُدم ت حيًا!« غير أن أحداً لم يستجب إليه ،فراح يصرخ باكيا ً وبأعلى يصوته مناديًا:
»يا إلهي ،يا إسرافيل ،لَِم ل تجيباني؟ ها أنذا قد أرحتك يا إلهي وخلمق ت إنسا ً إن كن ت تريد ذلك ،لم ل تجيباني؟!« وما لبث أن شرع في ُبكاء مرير ،وكأنه رضيع ُحِرم من يثدي أّمه ،وأخذ يخاطب التمثالين: »معذرة أّيها الجميالن ،لمقد أبى ا وإسرافيل أن ينفخا في جسديكما روح الحياة البدية، سأنفخ في جسديكما روح الحياة الّدنيا« ب في جسد آدم وشرع ينفخ في فم آدم وأنفه والدموع تنزلق على وجنتيه ،وبدأت الحياة تد ّ شيئا ً فشيئا ً إلى أن دّب ت في كاّفة أنحاء جسد ه ،وحين رأى الملك إبليس أّنه فائق الحسن والجمال ،سجد أمامه وهو يهت ف: »عظيم أن دّب ت في جسد ك الحياة أّيها المخلو.ق الجميل« ونهض وشرع ينفخ في فم حّواء وأنفها إلى أن دّب ت الحياة في جسدها ،وما أن تأّمل جمالها حتى راح يرقص فرحا ً ويصّفق بيديه ويمقفز عاليًا ،وما لبث أن هت ف: »هّيا انطلمقا في الرضُ ،كال من طّيباتها وتناكحا ،وأنجبا نسالً كثيرًا« ضباب ،الذي كان يل ّ انطلق آدم وحّواء يتجّولن في الرض عاريين ،بين سحب ال ّ ف كوكب الرض ،لكن ما أن ابتعدا بعض الشيء والمال ك إبليس يرقبهما من بعيد ،حّتى هبط عليهما من السماء مال ك هائل مجّنح ،وحملهما وطار بهما عاليًا ،فصرخ المال ك إبليس هاتفًا: »ل! من هذا الذي يجرؤ على اختطا ف من جبلتهما بيدي من طين أرضي الذي مزجته بدمي وعرقي ونفخ ت فيه من روحي ،إّني أعوذ بال منك كائنا ً من تكون!!« فجاء ه هات ف من السماء: »يا إبليس ،رأى ا أن خلمقك حسن فطلب أن نرفعه إلى الجنان« »ل ل أن ت تكذب أيها الهات ف ،لمقد أويصاني ا أل أفّرط بذّرة من تراب الرض ،فكي ف بمن خلمقته وأحييته من طينها؟!« وطار المال ك إبليس بأقصى سرعة ليلحق بالمال ك ويخّلص المخلوقين ،بيد أّنه لم يتمّكن من اللحا.ق به ،وحين بلغ السماء السابعة وهو يصعد خلفه ايصطدم رأسه بها ليعود المقهمقرى إلى الرض. جلس المال ك إبليس ينهل التراب ويذّر ه على نفسه ،وينت ف شعر رأسه ويلطم بمقبضته على يصدر ه ويندب ح ّ ظه الّتعس يصارخا ً باكيا ً نائحا ً بأعلى يصوته ومن أعما.ق ُجرحه. ُأضيئ ت أنوار المسرح السماوي الكوني وأضواء الّروض دفعة واحدة ،وضّج آل ف الماليين من الحضور بالتصفيق الحار ،فيما شرع الممثلون الجن الذين قاموا بأدوار إبليس وجبريل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل وآدم وحّواء بالظهور على المسرح ،وهم ينحنون تحّية واحتراما ً للجمهور واحداً بعد الخر .وقد استمقبل الممثل الضخم الهائل الذي قام بدور المال ك إبليس بتصفيق حار ،ويصراخ وهتا ف وُبكاء وعويل لم يشهد المسرح الكوني مثيالً له ،وراح الملك ُلمقمان ُيعانق المِلك إبليس إلى جانبه ويهنُّئه على العرض المؤيثر الجميل ،وآيثار الحزن والتأيثر ما تزال بادية على وجهه والدموع تترقر.ق
في عينيه ،فيما اندفع آل ف الُمشاهدين والمشاهدات من الجن والنسيات ،يمطرون الممثلين بالورود ،ويغمرونهم بالمقبالت ،مما دفع الملك شمنهور إلى العتمقاد بأن إبليس أغوى الحضور جميعا ً وحاد بهم عن جادة ال ّ صواب. وكان ت فرحة المِلك إبليس كبيرة لتعاط ف المِلك لمقمان معه ،وتأيثر ه لمأساته ،وإعجابه وإعجاب آل ف الماليين بالعرض ،فراح يشكر ه من أعما.ق قلبه على الفريصة العظيمة التي أتاحها له بتمقديم هذا العرض على المسرح السماوي وأمام هذا الجمهور الهائل. وأمر الملك لمقمان بدعوة الممثلين إلى الحفل وإكرامهم خير إكرام ،وأمّر بضّمهم إلى فرقة المسرح الملكي بعد موافمقة المِلك إبليس. وراح الملك لمقمان يحاِور المِلك إبليس حول العرض محاولً أن يعر ف منه باقي المق ّ صة: »في الحمقيمقة أيها الملك العظيم أنني يصعدت إلى السماء هربا ً من الظلم والعذابات وسعيا ً وراء الحمقيمقة ،وها أن ت تصدمني بعرضك الجميل والمؤّيثر ،ولكتش ف أّن الظلم ُأحيق بك منذ بدايات الخلق ،وأن ممقدرتك العظيمة وحمقيمقتك الّنبيلة ُ طمستا وُأهملتا ،وحّل ت بك اللعنات والعمقوبات دون أن تمقتر ف ذنبًا ،ونسج ت حولك الكاذيب والفتراءات دون أن تأتي سوءًا ،بل أتي ت إعجازاً عظيمًا ..لكن ماذا جرى بعد ذلك أّيها الملك العظيم ،هل تأّكدت من أّن ا هو حمقاً من كان يريد التراب وهو من أيصعد آدم وحّواء إلى السماء السابعة؟!« »أجل أيها الملك العظيم ،تأّكدت من ذلك حين عرف ت أّنه وضعهما في الجّنة ،فرح ت أتوّسل إليه أن يعفو عّني ويغفر لي ،فأنا لم أتصّر ف بما تصّرف ت به إل تنفيذاً لويصايا ه، ولم أخلق آدم وحّواء إل لريحه من عملّية الخلق ،وأيصون تراب الرض الذي أويصاني به ،فأبى ،أبى أيها الملك ولم يذعن لي ولتوّسالتي وآهاتي .ونظراً لن آدم وحّواء كانا ِمن خلمقي فمقد منعهما من أكل أيثمار شجرتي الحياة والمعرفة .وحين أخبرني أخي جبريل بذلك ،لم أيصّد.ق ،ولم أعر ف كي ف أيصل إليهما ،فمقد منعني من ال ّ صعود إلى الجّنة، وحّولني إلى جّني بعد أن كن ت مالكًا ،وحرمني من فلذتي كبدي اللذين خلمقتهما بيدي.. فكان أن أرسل ت لهما الفعى لتدعوهما إلى تناول أيثمار الشجرتين ،ليعرفا الخير من ظهما وح ّ الشر ،وتكتب لهما الحياة البدية ،ولسوء ح ّ ظي أيضًا ،لم يأكال إل من شجرة المعرفة ،فمقد اكتش ف ا فعلتهما ،فغضب عليهما وعلى الفعى ،وطردهما من الجّنة – كما طرد الفعى – وأعادهما إلى الرض حيث أنا« كن ت فرحا ً بعودتهما وحزينا ً لّنهما عادا إلّي بحياة قصيرة ،هي الحياة التي وهبتهما أنا إّياها ،وهاتفني يصوت إسرافيل من العالي: »خذهما أّيها العا.ق .هذا ما يمقوله لك ا ،فهاهو ُيعيد خلمقك إليك ،هل كن ت تريدهما أن ينعما مثله بالحياة البدّية؟! أل يكفيك أّنك أطعمتهما من شجرة المعرفة؟ سيزرع كراهّيتك في نفسيهما كي ل تجني منهما ومن نسلهما إل العذابات واللعنات التي ستظّل ب على رأسك مادام ت الحياة!« تنص ّ فرح ت أيصرخ أيها الملك: »ل ،ل ،إني أتوّسل إليه ،وأناشد ه برحمته وعظمة جبروته أل يفعل ،أل يكفي أنه
حرمهما متعة الحياة البدّية؟« غير أن أحداً لم يستجب إلّي أيها الملك العظيم ،وهاأنذا أعيش مأساتي وسط ماليين ب على رأسي وتمق ّ اللعنات وماليين الّتعاويذ التي تحايصرني وتنص ّ ض مضجعي وتثمقل ي قوة يمكنها أن تنمقذني من هذا على نفسي وتدّمر كياني كل لحظة ،وكّل طرفة عين ،فأ ّ العذاب ،وتعيد إلّي بعض حّمقي في حياة كريمة ،وتنهي هذا النزاع البدي بيني وبين ا، وتمحو هذ ه الكراهية التي زرعها نحوي في نفو س من خلمق ت بيد ّ ي ،ومنحته دمي وعرقي ليسريا في جسد ه مدى الحياة؟!!« وراح الملك لمقمان يضّم الملك إبليس إليه بموّدة وتعاط ف بالغين ،مما دفع ملك الملو ك وبعض الحضور إلى الجزم بأن الشيطان أغوى الملك لمقمان وضّلله عن الحق .وكان الملك لمقمان يهت ف إلى الملك إبليس بكل خلجات نفسه: »كم أنا حزين لمأساتك أيها الملك العظيم ،وكم يعتصر اللم قلبي وأنا أرى مبدعا ً وخالمقا ً عظيما ً ونبي ً ال مثلك ،يكتوي بنار اللم ،التي يعجز الخلق كّله من إنس وجن وآلهة وحيوان ونبات عن احتمال وطئها على النفو س ،إّني لعاهد ك أّيها الملك العظيم أن أعمل بكّل ما أستطيعه على تغيير يصورتك في أذهان الخلق ووعيهم وعمقولهم ،لعّلني ُأعيد إليك شيئا ً من حمقيمقتك النبيلة ،وإّني لعاهد ك إذا ما قابل ُ ت ا يوما ً أن أطرح قضّيتك أمامه ،وأطلب التوبة لك والعفو عنك ،وإعادة حّمقك المهضوم إليك ،رغم قناعتي أّنك لم تمقتر ف سوءاً يستحق أن تتوب عنه« »لمقد حاول أخي الحبيب جبريل ذلك دون جدوى أيها الملك العظيم« ع اليأ س يستولي على أعما.ق نفسك ،ليكن المل هاجسك ،والتفاؤل »ومع ذلك ل تد ِ بالمستمقبل وإحمقا.ق الحق ونشدان العدالة غاياتك ،فثّمة بين البشر والجن من يحّبك ،ويثّمة من يرى أّنك حمقاً مظلوم ،ولم يشتمك منذ أن أدر ك الحياة ،ولمقد كن ت أنا أحد هؤلء النا س« »كن ت أعر ف ذلك أيها الملك ،ولهذا أحبب ت أن أعرض عليك مأساتي« »إذن ل تيأ س ،يثّم هل أبلغك جبريل أّنه رأى ا ،وأّنه فعالً عرض عليه توبتك والعفو عنك؟!« »لم َير أح ٌد منا ا منذ أن وجد أيها الملك ،ولم يجرؤ أحد منذ بدء الخليمقة على الّدعاء أّنه رآ ه ،إننا وفي أحسن الحوال نسمع هاتفا ً يهت ف إلينا يمقول إّنه ا! إّن ا ما يزال لغزاً على المالئكة والجّن والنس أيها الملك! نحن نعتمقد بوجود ه ،ويرى بعضنا أن أفعالنا وردود هذ ه الفعال تحدث بوحي منه!!« »لبُّد لنا من حّل هذا اللغز أّيها الملك العظيم ،فثّمة من لم يعودوا خائفين من البحث عن الحمقيمقة وسبر أغوار الخليمقة!« »كم أنا سعيد لتعّرفي إليك ولمقائي بك ،لم يبعث أحد المل في نفسي كما بعثته أن ت« وضّج ت موسيمقى يصاخبة فانفصال عن بعضهما. كان جميع الحضور ينظرون إليهما بدهشة وقد عّم الصم ت جو الحفل فغدا كمأتم ،فأمر ملك الملو ك بموسيمقى يصاخبة للرقص ،فنهض الماليين من النس والجن ،من الرجال
والنساء ،من الشباب والفتيات ،من الشائبين والشائبات ،من خريفي العمار والخريفّيات ،من الطاعنين والطاعنات ،نهضوا إلى الرقص ،وقد دارت النشوة في رؤوسهم وترّنح ت أجسادهم من شّدة الّسكر ،فأخذوا ينزعون يثيابهم ،آل ف الماليين نزعوا يثيابهم وراحوا يرقصون عراة ،بجنون راحوا يرقصون ،إنس وجّن كانوا يرقصون ،وما لبث ت الجساد أن غرق ت بالجساد والسيمقان بالفخاذ ،فراحوا يتبادلون المقبل ويتعانمقون ،في ممرات الروض ،في حدائمقه وتح ت أشجار ه ،على مسارحه ومراقصه ،فو.ق المناضد وتحتها ،بين الورود وعلى الشجار ،على التراب والحشائش، فو.ق البالط وعلى الّسجاد ،وسط يصخب الموسيمقى ولّجة ضوضاء الّروض ،لتختلط الهات بالتغّنجات ،والتأّوهات بالصرخات ،والبتسامات بالضحكات ،والنين بالفرح، والعط ف بالمقسوة ،والّرفق بالعن ف ،والمتعة باللم ،والمقبلة بالع ّ ضة ،والتطّهر بالفسق، والجمال بالمقبح ،والستغايثة باللطمة ،والهناء بالّتعاسة ،والجنون بالتعّمقل ،والّسكون بالحركة ،والتوّسل بالّزجر ،واللين بالشّدة ،والفرح بالّترح ،والّنعومة بالخشونة ،والرأفة باللعنة ،والّنبل بالحمقارة ،والكرم بالبخل ،والمل باليأ س ،والسعادة بالّشمقاء ،واللذة بالعذابات ،والعدالة بال ّ ظلم ،والّسالم بالَعداء ،واللحن بال ّ ضجة ،والود بالنمقمة ،والورد بالشو ك ،وال ّ طهارة بالّنجاسة ،والحب بالكر ه ،والجسد بالخر ،والذات بالكل ،والكل بالذات ،والخير بالشر ،والموت بالحياة .ليتوّحد كل ذلك في ملكوت رّباني تستصرخ فيه الجساد تطهرها ،والرواح غاياتها ،والغايات وسائلها ،والوسائل أسباب اّتباعها!! آل ف الماليين من الجن والنس ،راحوا ينشرون ما يكتن ف دواخلهم ،ويهتكون أستار سرائرهم ،ويخرجون ما في بطائنهم ،وما تنوء به نفوسهم ،من النوازع والّرغبات ،من المكبوتات والمخبوءات ،ليظهروا للوجود على حمقيمقتهم ،ليواجهوا بصد.ق وتحّد مكنونات س شابه ذواتهم ،وليتخّلصوا من تبكي ت ضمائرهم ،وليتطّهروا من أيثمقال أرجاسهم ،في طمق ٍ التعّمقل والجنون ،العشق والمجون ،الحبور والفجور ،ولم تشهد السموات والكواكب مثيالً له منذ أن وجدت!! (10 رؤية شيطانية وآيات رّبانّية! نهض الملك »دامردا س« هاتفا ً منتشيا ً بما شرب من خمر: »لنشرب نخب مليكنا العظيم لمقمان« نهض الملك حامينار والملك إبليس والملك شمنهور والراعي الكبر وباقي الملو ك والملكات والمراء والميرات والنس والجن جميعاً وشربوا النخب ،وأرا.ق الماليين منهم الخمر على رؤوسهم ،وقد دّب ت في رؤوسهم النشوة وغاب ت عن معظمهم الصحوة، ونهض الملك »إبليس« وخطا بوقار شديد وبهيئة مالئكية إنسّية أذهل ت الحضور إلى أن وق ف على ممقربة من الملك لمقمان وهت ف بأدب جم ،وهو ينحني احترامًا: »عفواً أيها الملك العظيم«
التف ت الملك لمقمان ليرا ه واقفا ً خاِشعا ً ُمنحنيا ً بهذا التهذيب الفائق ،فنهض عن ُكرسّيه ص ف على ويصافحه بحرارة ،فيما نهض ت الملكة نور السماء وأشارت إلى من في ال َّ المائدة أن ينهضوا احتراما ً للملك ،ودعا ه الملك ُلمقمان إلى الجلو س مكانه ،غير أّن الملك إبليس أبى طالبا ً التحّدث إليه بكلمة فمقط ،فأقسم الملك لمقمان أل ُيبيح له الحديث إل إذا جلس مكانه ،فأذعن الملك إبليس وجلس مكان الملك ُلمقمان ،ونهض ت الميرة »ظل المقمر« ليجلس الملك لمقمان مكانها. وحين عاد الجميع إلى أماكنهم ،هت ف الملك لمقمان مرّحبا ً بالملك إبليس: »أل ف أهالً ومرحباً بكم أيها الملك العظيم ،لكم تمل قلبي الغبطة وتغمر كياني بهجة الّسعادة بالّتشّر ف بالجلو س إلى جانب عظمتكم!« ولم يشعر الشيطان أنه موضع احترام وبهذا المقدر العظيم ،منذ أن حّرم ا عليه ُدخول الجّنة والسماء السابعة ،وأحّل اللعنة عليه والّتعوذ منه ،فعجز عن إيجاد الكلمات المناسبة للتعبير عن شكر ه وامتنانه ،فراح يرد مرتبكا ً متلعثما ً في البداية ،لكن ما لبث أن تكّلم بما يليق بالمناسبة: »إّني لم أشعر بالخجل والّتواضع في حياتي إل أمام عظمتكم أّيها الملك ،وإّني لشكر لكم ُحسن استمقبالكم لي ،وتمقديركم الفائق لشخصي ،وأنا المكرو ه من الجميع ،والملعون من الجميع ،من النس والجن ،من المالئكة واللهة ،دون أن أقتر ف ذنبا ً أو آتي سوءًا ،بل أتي ت خلمقا ً جميالً بهيًّا ،وإّني لشكر لكم ،من أعما.ق قلبي دعوتكم لي ولزوجتي وبعض ملوكي ،لحضور حفل تتويجكم وزفافكم .وإني ما نهض ُ ت الن ودنوت من مجلسكم إل لطلب إليكم ،أن تسمحوا لي أن أعرض مسرحّية قصيرة تتحّدث عن بعض مأساتي« فهت ف الملك لمقمان على الفور: »إنه لمن دواعي سروري ،أن أرى قبساً من خلمقكم البداعي أيها الملك العظيم« وأشار الملك ُلمقمان إلى الملكة نور السماء ،أن تنهض بنفسها وتدعو الملكة »بليسة« زوجة الملك »إبليس« لتجلس معهم .وأشار إلى ملك الملو ك أن ينهض ليجلس ُهو والميرة ظل المقمر مكاني الملكين ،فنهض ملك الملو ك مصطحبا ً الميرة ظل المقمر – ب في نفسه لتخّوفه من أن يمقوم »إبليس« بإغواء التي كان ت ماتزال واقفة – والَّريبة تد ّ الملك لمقمان ،وقود ه في ضروب ال ّ ضالل. أبدت الملكة »بليسة« امتنانها البالغ للملكة »نور السماء« فيما جلس ت الملكة نور الّسماء إلى جانب الملك إبليس مكان ملك الملو ك. أشار الملك إبليس بحركة من يد ه ،فأطفَِئ ت النوار ،كّل النوار في كافة أنحاء الروض ُأطفَِئ ت وعّم ظالم حالك .وأشار بحركة يثانية ،فعّم الفضاء والروض نور أحمر خاف ت، وتشّكل في الفضاء كو ٌن مصَّغر بعض الشيء ،عّمته مئات الكواكب والقمار والّنجوم والّشهب والنياز ك ،فيما انبعث ت موسيمقى كونّية خفيفة على الناي ،بمرافمقة بعض اللت الموسيمقية ا ُ لخرى. كان ت هذ ه الكواكب ،في بداية تشّكلها وتكّونها ،فمقد بدت غازات هائلة تتصارع فيها كالعوايص ف والعايصير ،ويتصاعد منها بخار هائل ودخان كثي ف ،ليعّما الفضاء،
ويشّكال ُسحبا ً تغ ّ طي الكون. وكان يثمة كوكب وحيد كبير ،بدت عليه بوادر حياة ،فمقد تشّكل ت فوقه أرض يبا س، تخللتها النهار ،وانتشرت على أجزاء منها واحات الشجار ،وانداح ت على ُمعظمها ميا هُ المحيطات والبحار ،وانتشر آل ف الل ف من المالئكة ال ّ صغار فو.ق يباسها ،وراحوا يستصلحون الرض ويثرون تربتها ،ويزرعونها بالّنباتات والشجار. كان الكوكب يحّلق سابحا ً في الكون ،وقد لّفه ضباب كثي ف ،فراح يزهو بجماله ،وبوجود حياة عليه دون غير ه من الكواكب الدائرة حول نفسها في الفضاء .وكان يثّمة مال ك هائل الحجم جميل الشكل ،وسيم الوجه بهّي الطلعة ،يحّلق بجناحين كبيرين في سماء الكوكب، ط على العشاب ،ويتخ ّ ضباب ،ويح ّ يعبر سحب ال ّ طم مرحًا ،ويستلمقي فرحًاُ ،يعانق الشجار ويداعب الّثمار ،ويمرح مع يصغار المالئكة من أبنائه ،يمّهد التراب ويزيل الحجارة ،يسمقي النباتات بيديه ،ويحفر بينها قنوات ،وما يلبث أن يطير محّلمقا ً يثّم يغطس في ميا ه النهار ليخرج من ميا ه البحار .وما يلبث أن يغطس في ميا ه البحار ليخرج من ميا ه المحيطات ،وقد ابتّل بالماء ،فراح يهطُُل من جسمه وجناحيه ،وكان ُكّلما هبط في بحٍر أو نهٍر أو محيط ،فاض ت شطآنه لتغمر الرض اليبا س. وفيما كان الحضور يرقبون بذهول ،هذا الجّو الساحر الّخاذ ،وبهجة هذا المال ك بأرضه صغار ،وإذا بمال ك عمال.ق له أربعة وتمّتعه بها وعنايته لها ،مع أتباعه من المالئكة ال ّ أجنحة ،قدما ه تغوران في أسافل الكون ورأسه يختفي في العالي يظهر للعيان ،وُكلما دنا منه كوكب عليه بعض يبا س ،أبعد ه عنه بطر ف يد ه وكأّنه يبعد ُكرة أطفال ،وإذا كان غازيّاً ينفخ عليه نفخة يصغيرة من فمه ينجم عنها إعصار ،يغّير اّتجا ه دوران الكوكب. ت هائل ،ترددت أيصداؤ ه من أرجاء الكون: وما لبث هذا المال ك أن هت ف بصو ٍ »يا ميكائيل!« فظهر مال ك يصغير بالممقارنة مع ذا ك .كان يطير بجناحين ويحّلق في مسرح السماء ،وما لبث أن توّق ف وهت ف: »أمر أخي الملك إسرافيل ،ممقرئ الوامر الرّبانّية من اللوح المحفوظ ،نافخ الرواح في الجساد ،الموّكل بالّنفخ في الصور يوم المقيامة!!« »أه ً ال بأخي ميكائيل مانح الرزا.ق والحكمة ،الباعث على الكمال!« »ُمرني أّيها الملك الكبير« »أوحى إلهك إلّي بأّنه ُيريد شيئاً من أديم الرض ،فاهبط إليها وائتني بطين نمقّي منها!« »ماذا ُيريد ا من ال ّ طين أيها الملك الكبير؟« »هذا شأنه أّيها الملك!« »أستحلفك به ألم يخبر ك؟« »قال إّنه سيخلق إنسيًّا!« »أهذا كائن جديد أم ماذا أّيها الملك الكبير؟« »ماذا سيكون إن لم يكن كائنًا؟« »ولَِم سيخلمقه من أديم الرض أُيها الملك الكبير؟«
»قال إن الملك إبليس أول ه عنايته إلى أن غدا أفضل من أديم الجّنة« »سأهبط حالً أيها الملك الكبير« »رافمقتك السالمة أيها الملك ميكائيل« وراح المَلك ميكائيل يحّلق هابطاً من العالي ،يعبر الفضاء ،ماّراً بالكواكب والّنجوم، ُمجتازاً الّسحب والغيوم. تسّمر الماليين من الحضور في ممقاعدهم ،وتناسوا ال ّ طعام والّشراب والّنساء ،ووجد الملك لمقمان نفسه يتحّول إلى عيون وآذان ،فها هو الن يرى ،وجها ً من أوجه الحمقيمقة التي يبحث عنها. كان المَلك ميكائيل قد بلغ سماء الرض ،وأخذ يجتاز سحبها وغيومها ،مختفيا ً تارة بين الّسحب والغيوم ،وبادياً تارة أخرى ،إلى أن هبط ليلُّفه ال ّ ضباب ،وراح يجوب فو.ق سطح الرض ،متلفتا ً ُيمنة ويسرة ،فيما كان مال ك الرض يحّلق في ناحية بعيدة منها ،يغطس في البحار ويخرج من المحيطات. ح ّ ط المَلك ميكائيل إلى جانب نهٍر كبيٍر ُيشبه نهر النيل ،وراح يجمع الطين من شاطئه، مختاراً ما هو الفضل منه. وفيما كان َمال ك الرض يخرج من ميا ه المحيط ،هاتفه هاجس الرض: »أن ت ُهنا تمرُح في مياهي أّيها المال ك ،فيما آخرون ،يسطون على أديمي دون أن تدري« فصرخ المال ك بأعلى يصوته وهو يحّلق عاليا ً ناِظراً إلى الرض: »من يجرؤ على الَّسطو على أديِمك ،وأن ت في رعايتي أّيتها العزيزة على قلبي؟« »إّنه يصنو ك ميكائيل ،يجثو ُهنا ك إلى جانب وريدي الوسط ويجمع أديمي من حاّفته!« »ل أّيتها العزيزة على قلبي لن أدعه يأخذ من أديمك مثمقال ذّرة!« وطار المال ك بسرعات هائلة ،إلى أن ح ّ ط أمام المَلك ميكائيل ،وزجر ه بصوت هائل: »ما الذي تفعله بعزيزة قلبي أيها المال ك ميكائيل؟!« »أهالً بأخي المَلك إبليس ،وكيل الرض وحارسها ،وراعي الحياة فيها ،وباعث الخير لها ،والساهر دوماً على بهجتها وازدهارها وكمالها .إّني اجمع أديما ً ل أيها المال ك!« »ألم يكن جديراً بك أن ُتحّيي وتسّلم وتطلب الديم من والي الرض وسّيدها أّيها المال ك؟!« »معذرة أّيها المال ك إبليس« ت الجّنة وسطو ُ »ما موقفك لو أنني أتي ُ ت على أرزاقك وسّر حكمتك ،وقدرتك على بعث الكمال ،حتى لو كن ت مرسالً من قبل ا؟!« »أظّن أنني سأغضب منك أّيها المال ك!« »وأنا غضب ت ِمنك ،فإذا كن ت حمقا ً ُمرسالً من قبل ا أو من قبل إسرافيل ،فاذهب س لسوِء تصّرفك فحسب ،بل لن ا أويصاني وبّلغهما أّني أرفض أن ُأعطيك شيئًا ،لي َ حين أوكلني بالرض أن أيصون أديمها وألّ أفّرط بذّرة من ترابها أو نمقطة من مائها حّتى له! يثّم إّن الّتراب يمل العديد من الكواكب ا ُ لخرى والجنان والسموات ،فلماذا ل ُيريد ه
إل من الكوكب الذي خّول وليته إلّي؟! ..أل يعني هذا أّنه يحاول اختبار مدى حريصي عليه وتمّسكي بأديمه ويصوني لترابه؟!« »ستغضب وجه ا أّيها المال ك!« ضب وجه ا إذا حريص ُ ت على تنفيذ ويصايا ه؟ وعاني ت مع أتباعي ما عاني ت، »لَِم ُأغ ِ لل ف آل ف الّسنين ،كي أظَّل أمينا ً على عهد ه ،ووفياً له ،وها أنذا مازل ت أشمقى في هذ ه الرض إلى أن يصارت فرجة للناظرين ،تنفيذاً لتعاليمه وويصايا ه؟« وغضب الملك ميكائيل وطار محّلمقا ً في سماء المسرح الّسماوي ليختفي في العالي بين الّسحب والغيوم ،ولم تمر سوى لحظات حّتى ظهر مال ك آخر راح يهبط من العالي ليح ّ ط على الرض على ممقربة من المال ك إبليس ،ويهت ف: »السالم على أخي المال ك إبليس وكيل الرض وحارسها وراعيها« »وعلى أخي المال ك جبريل المكين والروح المين الّسالم« »لَِم أغضب ت ا أيها المال ك الُمِكّد ،ولم ترسل إليه بأديم الرض مع المال ك ميكائيل؟« »هل قابل ت ا أيها المال ك النبيل ،أم خاطبك بصوته أم أوحى لك بذلك؟!« »ل أيها المال ك ،أبلغني المال ك إسرافيل« »ماذا قال لك أّيها المين؟« »قال إّنك أبي ت أن تعطي ميكائيل أديماً من باطن الرض ،وأن ا غضب لذلك ،فمقرر ضر الديم« أن يرسلني أنا كي ُأح ِ »أتظّن أّيها الّروح المين أّن إسرافيل يطمع بجمال الرض ويدّبر مكيدة لي كي ُيبّين ل أّني لس ت جديراً بأن أكون وكيالً وحارسا ً وراعيا ً لها؟!« »واِ إني أيها الَملَ ُ ئ الوامر الَّربانية ،وأمين اللوح ك الجميُل ل أجرؤ على الَّشِك بممقر ِ المحفوظ ونافخ الّروح في الكائنات ومن سينفخ في الصوِر يوم المقيامة؟!« »أو لعَّل ا يريد أن يختبر مدى وفائي له وحريصي على تنفيذ ويصايا ه؟!« »وهل ُيمكن أن يُشَّك الخالق في مدى وفائك وحريصك ،يا باعث الخير وواهب الحياة الّدنيا؟!« »وا إّني لفي حيرة ِمن أمري أّيها الروح المين ،بَم تنصحني أّيها المكين؟!« »إني خائ ف عليك أيها المكّد الَجِلد ،يا من شمقي ت آل ف الّسنين وأن ت تولي الرض ُحّبك، وتكلؤها برعايتك وتغمرها بعنايتك ،وتمنحها نسيم الخير من روِحك ،إلى أن فاض ت من ينابيعها وأخاديدها روعة الحياة ،إن أعطيتني الطين وكان باعث المر مكيدة من إسرافيل أو اختباراً من ا ،غضب عليك ا في الحالين!« »إني أتوَّسل إليك أن تجد لي مخرجا ً أّيها الروح المقُُد س« »ليس أماَمك إل أن تصَّر على عهد ك ل بالوفاء والخالص ما ُدم ت حيًّا« وطار المال ك جبريل محّلمقاً في العالي دون أن يأخذ طينا ً من أديم الرض ،ولم يكد يختفي حتى ظهر مال ك آخر وهبط على الرض ليمق ف في مواجهة المال ك إبليس ويهت ف بصوت ف ّ ظ مسّلمًا: »الّسالم على المال ك إبليس باعث الخير وراعي الحياة ،وكيل الرض وحارسها«
»وعلى قابض أرواح الكائنات ،ومفّر.ق الّنفو س ومسّكن الحركات مَلك الموت عزرائيل السالم!!!« »لَِم هذا اليصرار العنيد على إغضاب وجه ا أيها المال ك؟« »أنا ل أفهم أّيها المَلك ،كي ف ُيصبح عندكم الخالص إلى الله إنكاراً ورفضا ً وإغضابًا؟!« »إني الّرسول الخير كي ترسل إلى ا أديماً أيها المال ك ،وإل سيغضب منك ويحّل لعنته عليك!« »هل أبلغك هو ذلك؟« »ل .أبلغني إسرافيل« »إّني ل أيثِ ُ ق بمن خلمقه ا كما خلمقني ،بعد أن أويصاني الخالق ألّ أفّرط بذّرة من تراب الرض حتى له ،يؤسفني أن أعيد ك خائبا ً أيها المال ك« »ستندم على سوء أفعالك أّيها المال ك!« »لن أندَم على ما لم أقترفه أيها المال ك ،وأظّن أّن في ممقدور ا أن يخاطبني أو يظهر لي دون وسطاء إذا هو في حاجة إلى أديم من التراب الذي أوكلني به!« وطار المال ك عزرائيل غاضباً ليختفي في العالي ،وفيما المال ُ س يجوب الرض ك إبلي ُ قلمقا ً محتاراً في أمر ه ،دّوى يصوت هائل عذب جميل كاِمل ،تردد يصدا ه من أرجاء الكون وتبددت من أمامه ُسحب الغيوم وسدائم ال ّ ضباب .قال: ت إليك رعايته حين كن ت مالكا ً .ق ،تضّن علّي بأديم منحتك ترابه ،وأوكل ُ »لَِم أيها العا ُ تمقيًّا؟!« توّق ف المال ك إبليس ونظر نحو السماء .قال: »َمن الهات ُ ف؟« قال: »من سيكون أيها العا ُ .ق إذا لم يكن إلَهك الذي خلمقك ُغالما ً وجعلك مالكا ً زكيًّا؟!« قال المال ك إبليس: »لَِم تغّير يصوتك يا إلهي؟!« قال: »يصوتي أّيها العا.ق لم يتغّير ،أن ت الذي تغّيرت ويصار يصوتي لدنك منسيًّا« قال المال ك: »ل َأظن أّني سأنسى يصوت من خاطبني في الجّنة ِعشّيا ،ومنحني الرض وأوكلني يصونها ورعايتها لجعل منها جنائن وأوجد فيها يثمراً شهيًّا!« قال: »أتشكك حتى بصوتي أيها العا.ق ،ليتني لم أهبَك جمالً مالئكيًّا!!« قال المال ك: »إني أشكك بالصوت التي إلّي دويًّا ،فإن كن ت إلهي أرني اليوم نفسك كي ل أظّل في ِريبة من أمري وأظَّل حزينا ً شمقيًا!!«
قال: »أَو تكفر بي أيضا ً أيها العا.ق ،ليتني خلمقتك كائنا ً وحشيًّا!« قال المال ك: »بل ليطمئن قلبي ،إذ في نفسي شهوة تدفعني لن أعر ف شكل من جعلني جميالً بهّيا!« قال: »لو أرسل ت لي طينا ً لخلق منه اليوم إنسيًا ،لريتك شيئا ً من نفسي أيها الّسامُع اليصّم يصبحا ً وِعشيًّا ،أما وقد عصي ت أمري فلن تراني ما والمبصُر العمى ،ولجعلتك تراني ُ دم َ ض والكواكب والسموات الّدنيا، ت حيًا ،وليحّرم عليك ملكوتي ولتظّل هائما ً في الر ِ ولتحَّل لعنتي عليك ،فأن َ ت منذ اليوم جنيًّا!« وتوّق ف الصوت الهائل ،ولم يعد ُيسمع .راح المال ك إبليس يجوب الرض محتاراً قلمقًا، تتصارع في مخّيلته الهواجس: »هل حمقا ً كان هذا يصوت ا ،وهل حمقا ً كان يريد الّتراب ليخلق إنسيًا؟!« وأطر.ق للحظات ُيفّكر ،وما لبث أن استأن ف حوار ه مع نفسه: »حمقاً كان هذا يصوت ا ،ماذا دهاني وشّوش ذاكرتي ،ل يتكّلم بهذ ه اللغة ذات الموسيمقى المتفّردة إل ا ،حتى أّنه منحني َملََكتها وجعلني ُأجيبه بها كي أفهم وأقتنع ،لكني لم أفهم ولم أقتنع ،لمقد كن ت أسمع يصوته ورّبما أرى يصورته ،وإل ما معنى أن ينعتني بالسامع اليصم والمبصر العمى؟ وها أنا أفمقد َمَلكة اللغة التي منحني إّياها خالل مخاطبته! حمقا ً كان الصوت يصوته ،وربما التبس علي لّنه يخاطبني من بعيد ،ولم أكن قريبا ً منه كما في الجّنة .يا إلهي ،يا من خلمقتني في أجمل شكل وأوكل ت إلّي رعاية الرض ،ماذا سأفعل كي أرضيك؟! ماذا لو حاول ت أنا بنفسي خلق هذا النسي؟ ألن أحافظ على عهدي لك بأن أيصون تراب الرض وماَء ها ،وألن أكون قد أرحتك من عناء عملية الخلق ،إذا كن ت تريد حمقّا ً أن تخلق إنسيًا؟ أجل أجل سأفعل ذلك!« وشرع المَلك إبليس يجمع أفضل ما يعرفه من أديم الرض .من شاطئ النيل )وريد الرض الوسط( جمع ،من شاطئ الفرات )وريد الرض الثاني( جمع ،وحمل ما جمعه إلى شاطئ الردن )شريان الرض اليصغر( حيث جمع من هنا ك أغنى التراب ،وأهاله فو.ق ما أحضر ه من شاطئ النيل والفرات .ومن مكانه على شاطئ الردن ،مّد يد ه إلى بحيرة الملح وغر ف من مائها َغرفة يصغيرة ،سكب منها فو.ق الكومة ،ورشق الباقي في الّنهر ،وما لبث أن شرع يتعّر.ق بشّدة ليهطل من جسد ه عر.ق غزير راح يسكب منه على الكومة ،فسكب عليها ضعفي ما أحضر ه من الماء المالح من بحيرة الملح ،يثم فصد ساعد ه ،فانبجس الدم منه ،فأضا ف إليها من دمه أربعة أضعا ف ما أضافه من الماء المالح والَعَر.ق ،ففاض ت الحفرة التي عملها وسط الكومة ،فاض ت بالعر.ق والّدم والماء المالح. سّمى المال ك إبليس بال قائ ً ال» :بسم ا الرحمن الرحيم« وشرع في خلط الكومة وعجنها بيديه إلى أن امتص ت العر.ق والدماء والملح ،فغر ف عليها من ماء النهر العذب البارد واستأن ف الخلط بيديه ،وراح يعجن إلى أن غدت الجبلة كتلة واحدة لدنة لّينة.
وبدا الملك إبليس محتاراً وهو يردد: »لكن على أّية شاكلة تريد أن أجبله يا إلهي؟« وحين أدر ك أن ا لم يخلق من هو أجمل منه راح يهت ف: »على شاكلتي ،فأن ت لم تخلق من هو أجمل مّني ،أجل سأجبله على شاكلتي« »وسّمى بال يثانية وشرع يجبل تمثالً على شاكلته ،وهو يذكر اسم ا ،فصنعه واقفا ً على يصنع أنثى له .وما أن قدميه ،وحين رأى أّنه حسن ،وأن لديه المزيد من الطين ،شرع في ُ أنهاها حّتى أوقفها إلى جانبه ،وراح يتأّمل جمال التمثالين وهو في غاية الفرح والدهشة لجمال ما جبله .وما لبث أن استدار نحو الشمس وهو يتطاول واقفا ً على رؤو س أيصابع قدميه ،ليبلغ رأسه عنان السماء ،ولتتكسر أشعة الشمس على وجهه .شهق شهيمقا ً عميمقا ً أخذ معه ممقداراً من حرارة الشمس وراح ينفثه على التمثالين ليجّفا ،وما أن جففهما حّتى شرع ينادي بأعلى يصوته: »يا إسرافيل ،يا نافخ الرواح في الجساد ،إن كان إلهك يريد حمقا ً أن يخلق إنسًا ،فها أنذا قد أرحته وخلمق ت ذكراً وأنثى ،وأسميتهما آدم وحّواء ،وإّني أناشد ك أن تنفخ في جسديهما روح الحياة البدّية ،لينطلمقا في الرض وينجبا نسالً زكيًا ،وسأرعاهما وأرعى نسلهما ماُدم ت حيًا!« غير أن أحداً لم يستجب إليه ،فراح يصرخ باكيا ً وبأعلى يصوته مناديًا: »يا إلهي ،يا إسرافيل ،لَِم ل تجيباني؟ ها أنذا قد أرحتك يا إلهي وخلمق ت إنسا ً إن كن ت تريد ذلك ،لم ل تجيباني؟!« وما لبث أن شرع في ُبكاء مرير ،وكأنه رضيع ُحِرم من يثدي أّمه ،وأخذ يخاطب التمثالين: »معذرة أّيها الجميالن ،لمقد أبى ا وإسرافيل أن ينفخا في جسديكما روح الحياة البدية، سأنفخ في جسديكما روح الحياة الّدنيا« ب في جسد آدم وشرع ينفخ في فم آدم وأنفه والدموع تنزلق على وجنتيه ،وبدأت الحياة تد ّ شيئا ً فشيئا ً إلى أن دّب ت في كاّفة أنحاء جسد ه ،وحين رأى الملك إبليس أّنه فائق الحسن والجمال ،سجد أمامه وهو يهت ف: »عظيم أن دّب ت في جسد ك الحياة أّيها المخلو.ق الجميل« ونهض وشرع ينفخ في فم حّواء وأنفها إلى أن دّب ت الحياة في جسدها ،وما أن تأّمل جمالها حتى راح يرقص فرحا ً ويصّفق بيديه ويمقفز عاليًا ،وما لبث أن هت ف: »هّيا انطلمقا في الرضُ ،كال من طّيباتها وتناكحا ،وأنجبا نسالً كثيرًا« ضباب ،الذي كان يل ّ انطلق آدم وحّواء يتجّولن في الرض عاريين ،بين سحب ال ّ ف كوكب الرض ،لكن ما أن ابتعدا بعض الشيء والمال ك إبليس يرقبهما من بعيد ،حّتى هبط عليهما من السماء مال ك هائل مجّنح ،وحملهما وطار بهما عاليًا ،فصرخ المال ك إبليس هاتفًا: »ل! من هذا الذي يجرؤ على اختطا ف من جبلتهما بيدي من طين أرضي الذي مزجته بدمي وعرقي ونفخ ت فيه من روحي ،إّني أعوذ بال منك كائنا ً من تكون!!«
فجاء ه هات ف من السماء: »يا إبليس ،رأى ا أن خلمقك حسن فطلب أن نرفعه إلى الجنان« »ل ل أن ت تكذب أيها الهات ف ،لمقد أويصاني ا أل أفّرط بذّرة من تراب الرض ،فكي ف بمن خلمقته وأحييته من طينها؟!« وطار المال ك إبليس بأقصى سرعة ليلحق بالمال ك ويخّلص المخلوقين ،بيد أّنه لم يتمّكن من اللحا.ق به ،وحين بلغ السماء السابعة وهو يصعد خلفه ايصطدم رأسه بها ليعود المقهمقرى إلى الرض. جلس المال ك إبليس ينهل التراب ويذّر ه على نفسه ،وينت ف شعر رأسه ويلطم بمقبضته على يصدر ه ويندب ح ّ ظه الّتعس يصارخا ً باكيا ً نائحا ً بأعلى يصوته ومن أعما.ق ُجرحه. ُأضيئ ت أنوار المسرح السماوي الكوني وأضواء الّروض دفعة واحدة ،وضّج آل ف الماليين من الحضور بالتصفيق الحار ،فيما شرع الممثلون الجن الذين قاموا بأدوار إبليس وجبريل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل وآدم وحّواء بالظهور على المسرح ،وهم ينحنون تحّية واحتراما ً للجمهور واحداً بعد الخر .وقد استمقبل الممثل الضخم الهائل الذي قام بدور المال ك إبليس بتصفيق حار ،ويصراخ وهتا ف وُبكاء وعويل لم يشهد المسرح الكوني مثيالً له ،وراح الملك ُلمقمان ُيعانق المِلك إبليس إلى جانبه ويهنُّئه على العرض المؤيثر الجميل ،وآيثار الحزن والتأيثر ما تزال بادية على وجهه والدموع تترقر.ق في عينيه ،فيما اندفع آل ف الُمشاهدين والمشاهدات من الجن والنسيات ،يمطرون الممثلين بالورود ،ويغمرونهم بالمقبالت ،مما دفع الملك شمنهور إلى العتمقاد بأن إبليس أغوى الحضور جميعا ً وحاد بهم عن جادة ال ّ صواب. وكان ت فرحة المِلك إبليس كبيرة لتعاط ف المِلك لمقمان معه ،وتأيثر ه لمأساته ،وإعجابه وإعجاب آل ف الماليين بالعرض ،فراح يشكر ه من أعما.ق قلبه على الفريصة العظيمة التي أتاحها له بتمقديم هذا العرض على المسرح السماوي وأمام هذا الجمهور الهائل. وأمر الملك لمقمان بدعوة الممثلين إلى الحفل وإكرامهم خير إكرام ،وأمّر بضّمهم إلى فرقة المسرح الملكي بعد موافمقة المِلك إبليس. وراح الملك لمقمان يحاِور المِلك إبليس حول العرض محاولً أن يعر ف منه باقي المق ّ صة: »في الحمقيمقة أيها الملك العظيم أنني يصعدت إلى السماء هربا ً من الظلم والعذابات وسعيا ً وراء الحمقيمقة ،وها أن ت تصدمني بعرضك الجميل والمؤّيثر ،ولكتش ف أّن الظلم ُأحيق بك منذ بدايات الخلق ،وأن ممقدرتك العظيمة وحمقيمقتك الّنبيلة ُ طمستا وُأهملتا ،وحّل ت بك اللعنات والعمقوبات دون أن تمقتر ف ذنبًا ،ونسج ت حولك الكاذيب والفتراءات دون أن تأتي سوءًا ،بل أتي ت إعجازاً عظيمًا ..لكن ماذا جرى بعد ذلك أّيها الملك العظيم ،هل تأّكدت من أّن ا هو حمقاً من كان يريد التراب وهو من أيصعد آدم وحّواء إلى السماء السابعة؟!« »أجل أيها الملك العظيم ،تأّكدت من ذلك حين عرف ت أّنه وضعهما في الجّنة ،فرح ت أتوّسل إليه أن يعفو عّني ويغفر لي ،فأنا لم أتصّر ف بما تصّرف ت به إل تنفيذاً لويصايا ه، ولم أخلق آدم وحّواء إل لريحه من عملّية الخلق ،وأيصون تراب الرض الذي أويصاني
به ،فأبى ،أبى أيها الملك ولم يذعن لي ولتوّسالتي وآهاتي .ونظراً لن آدم وحّواء كانا ِمن خلمقي فمقد منعهما من أكل أيثمار شجرتي الحياة والمعرفة .وحين أخبرني أخي جبريل بذلك ،لم أيصّد.ق ،ولم أعر ف كي ف أيصل إليهما ،فمقد منعني من ال ّ صعود إلى الجّنة، وحّولني إلى جّني بعد أن كن ت مالكًا ،وحرمني من فلذتي كبدي اللذين خلمقتهما بيدي.. فكان أن أرسل ت لهما الفعى لتدعوهما إلى تناول أيثمار الشجرتين ،ليعرفا الخير من ظهما وح ّ الشر ،وتكتب لهما الحياة البدية ،ولسوء ح ّ ظي أيضًا ،لم يأكال إل من شجرة المعرفة ،فمقد اكتش ف ا فعلتهما ،فغضب عليهما وعلى الفعى ،وطردهما من الجّنة – كما طرد الفعى – وأعادهما إلى الرض حيث أنا« كن ت فرحا ً بعودتهما وحزينا ً لّنهما عادا إلّي بحياة قصيرة ،هي الحياة التي وهبتهما أنا إّياها ،وهاتفني يصوت إسرافيل من العالي: »خذهما أّيها العا.ق .هذا ما يمقوله لك ا ،فهاهو ُيعيد خلمقك إليك ،هل كن ت تريدهما أن ينعما مثله بالحياة البدّية؟! أل يكفيك أّنك أطعمتهما من شجرة المعرفة؟ سيزرع كراهّيتك في نفسيهما كي ل تجني منهما ومن نسلهما إل العذابات واللعنات التي ستظّل ب على رأسك مادام ت الحياة!« تنص ّ فرح ت أيصرخ أيها الملك: »ل ،ل ،إني أتوّسل إليه ،وأناشد ه برحمته وعظمة جبروته أل يفعل ،أل يكفي أنه حرمهما متعة الحياة البدّية؟« غير أن أحداً لم يستجب إلّي أيها الملك العظيم ،وهاأنذا أعيش مأساتي وسط ماليين ب على رأسي وتمق ّ اللعنات وماليين الّتعاويذ التي تحايصرني وتنص ّ ض مضجعي وتثمقل ي قوة يمكنها أن تنمقذني من هذا على نفسي وتدّمر كياني كل لحظة ،وكّل طرفة عين ،فأ ّ العذاب ،وتعيد إلّي بعض حّمقي في حياة كريمة ،وتنهي هذا النزاع البدي بيني وبين ا، وتمحو هذ ه الكراهية التي زرعها نحوي في نفو س من خلمق ت بيد ّ ي ،ومنحته دمي وعرقي ليسريا في جسد ه مدى الحياة؟!!« وراح الملك لمقمان يضّم الملك إبليس إليه بموّدة وتعاط ف بالغين ،مما دفع ملك الملو ك وبعض الحضور إلى الجزم بأن الشيطان أغوى الملك لمقمان وضّلله عن الحق .وكان الملك لمقمان يهت ف إلى الملك إبليس بكل خلجات نفسه: »كم أنا حزين لمأساتك أيها الملك العظيم ،وكم يعتصر اللم قلبي وأنا أرى مبدعا ً وخالمقا ً عظيما ً ونبي ً ال مثلك ،يكتوي بنار اللم ،التي يعجز الخلق كّله من إنس وجن وآلهة وحيوان ونبات عن احتمال وطئها على النفو س ،إّني لعاهد ك أّيها الملك العظيم أن أعمل بكّل ما أستطيعه على تغيير يصورتك في أذهان الخلق ووعيهم وعمقولهم ،لعّلني ُأعيد إليك شيئا ً من حمقيمقتك النبيلة ،وإّني لعاهد ك إذا ما قابل ُ ت ا يوما ً أن أطرح قضّيتك أمامه ،وأطلب التوبة لك والعفو عنك ،وإعادة حّمقك المهضوم إليك ،رغم قناعتي أّنك لم تمقتر ف سوءاً يستحق أن تتوب عنه« »لمقد حاول أخي الحبيب جبريل ذلك دون جدوى أيها الملك العظيم« ع اليأ س يستولي على أعما.ق نفسك ،ليكن المل هاجسك ،والتفاؤل »ومع ذلك ل تد ِ
بالمستمقبل وإحمقا.ق الحق ونشدان العدالة غاياتك ،فثّمة بين البشر والجن من يحّبك ،ويثّمة من يرى أّنك حمقاً مظلوم ،ولم يشتمك منذ أن أدر ك الحياة ،ولمقد كن ت أنا أحد هؤلء النا س« »كن ت أعر ف ذلك أيها الملك ،ولهذا أحبب ت أن أعرض عليك مأساتي« »إذن ل تيأ س ،يثّم هل أبلغك جبريل أّنه رأى ا ،وأّنه فعالً عرض عليه توبتك والعفو عنك؟!« »لم َير أح ٌد منا ا منذ أن وجد أيها الملك ،ولم يجرؤ أحد منذ بدء الخليمقة على الّدعاء أّنه رآ ه ،إننا وفي أحسن الحوال نسمع هاتفا ً يهت ف إلينا يمقول إّنه ا! إّن ا ما يزال لغزاً على المالئكة والجّن والنس أيها الملك! نحن نعتمقد بوجود ه ،ويرى بعضنا أن أفعالنا وردود هذ ه الفعال تحدث بوحي منه!!« »لبُّد لنا من حّل هذا اللغز أّيها الملك العظيم ،فثّمة من لم يعودوا خائفين من البحث عن الحمقيمقة وسبر أغوار الخليمقة!« »كم أنا سعيد لتعّرفي إليك ولمقائي بك ،لم يبعث أحد المل في نفسي كما بعثته أن ت« وضّج ت موسيمقى يصاخبة فانفصال عن بعضهما. كان جميع الحضور ينظرون إليهما بدهشة وقد عّم الصم ت جو الحفل فغدا كمأتم ،فأمر ملك الملو ك بموسيمقى يصاخبة للرقص ،فنهض الماليين من النس والجن ،من الرجال والنساء ،من الشباب والفتيات ،من الشائبين والشائبات ،من خريفي العمار والخريفّيات ،من الطاعنين والطاعنات ،نهضوا إلى الرقص ،وقد دارت النشوة في رؤوسهم وترّنح ت أجسادهم من شّدة الّسكر ،فأخذوا ينزعون يثيابهم ،آل ف الماليين نزعوا يثيابهم وراحوا يرقصون عراة ،بجنون راحوا يرقصون ،إنس وجّن كانوا يرقصون ،وما لبث ت الجساد أن غرق ت بالجساد والسيمقان بالفخاذ ،فراحوا يتبادلون المقبل ويتعانمقون ،في ممرات الروض ،في حدائمقه وتح ت أشجار ه ،على مسارحه ومراقصه ،فو.ق المناضد وتحتها ،بين الورود وعلى الشجار ،على التراب والحشائش، فو.ق البالط وعلى الّسجاد ،وسط يصخب الموسيمقى ولّجة ضوضاء الّروض ،لتختلط الهات بالتغّنجات ،والتأّوهات بالصرخات ،والبتسامات بالضحكات ،والنين بالفرح، والعط ف بالمقسوة ،والّرفق بالعن ف ،والمتعة باللم ،والمقبلة بالع ّ ضة ،والتطّهر بالفسق، والجمال بالمقبح ،والستغايثة باللطمة ،والهناء بالّتعاسة ،والجنون بالتعّمقل ،والّسكون بالحركة ،والتوّسل بالّزجر ،واللين بالشّدة ،والفرح بالّترح ،والّنعومة بالخشونة ،والرأفة باللعنة ،والّنبل بالحمقارة ،والكرم بالبخل ،والمل باليأ س ،والسعادة بالّشمقاء ،واللذة بالعذابات ،والعدالة بال ّ ظلم ،والّسالم بالَعداء ،واللحن بال ّ ضجة ،والود بالنمقمة ،والورد بالشو ك ،وال ّ طهارة بالّنجاسة ،والحب بالكر ه ،والجسد بالخر ،والذات بالكل ،والكل بالذات ،والخير بالشر ،والموت بالحياة .ليتوّحد كل ذلك في ملكوت رّباني تستصرخ فيه الجساد تطهرها ،والرواح غاياتها ،والغايات وسائلها ،والوسائل أسباب اّتباعها!! آل ف الماليين من الجن والنس ،راحوا ينشرون ما يكتن ف دواخلهم ،ويهتكون أستار سرائرهم ،ويخرجون ما في بطائنهم ،وما تنوء به نفوسهم ،من النوازع والّرغبات ،من
المكبوتات والمخبوءات ،ليظهروا للوجود على حمقيمقتهم ،ليواجهوا بصد.ق وتحّد مكنونات س شابه ذواتهم ،وليتخّلصوا من تبكي ت ضمائرهم ،وليتطّهروا من أيثمقال أرجاسهم ،في طمق ٍ التعّمقل والجنون ،العشق والمجون ،الحبور والفجور ،ولم تشهد السموات والكواكب مثيالً له منذ أن وجدت!! (12 مساج كوني وحروب كوكبّية ما أن دخل الملك لمقمان المركبة ،حتى أقفل ت أبوابها بإحكام وأقلع ت ببطء تح ّ ف بها أسراب الجن المحّلمقين. هت ف قائد المركبة: »إلى أين سننطلق يا مولي؟« »كما قل ت لك من قبل ،إلى كوكب بعيد ذي حياة وليكن خاليا ً من البشر« »حتى إذا لم نجد طلب مولي إل خارج هذ ه المجموعة الشمسّية؟« »وحتى إذا كان خارج المجموعات ُكّلها ،لكن إّيا ك أن تأخذنا إلى هذا الكوكب الذي يصعد إليه ملك الملو ك مع ضيوفه وخاض عليه حربا ً مع تلك المقوى الجّبارة!« أشار إلى الملكة نور السماء أّنه سيأخذ حّماماً قبل النوم ،فأدخل ت معه أربع حورّيات إلى الحّمام ،شرعن في تحميمه وتدليك جسد ه إلى أن لن ت أعضاؤ ه وارتخ ت .وما أن خرج من الحّمام حتى أدخلته الملكة نور السماء إلى ُحجرة نوم تعبق برائحة بّخور الَّند التي أشعلتها فيها .وأضجعته في الّسرير على ظهر ه وطلب ت إليه أن يفرد يديه ويسترخي بكل ما يستطيع ،ففعل ليغدو كالمصلوب ،يثّم طلب ت إليه أن يتنّفس بعمق ،بأن يأخذ شهيمقا ً من أنفه ويزفر ه من فمه ،وأن ل يحاول أن يفّكر في شيء إل في الّشهيق العميق والّزفير ال ّ طويل ،فأغمض عينيه وشرع يتنّفس ،فيما راح ت هي تمرر أناملها ببطء وخّفة على جسد ه من أخمصي قدميه إلى منكبيه ،وهي تنمقر بها وكأنها تعز ف على آلة موسيمقية، دون أن تك ّ ف عن الهمس إليه ليستغر.ق في السترخاء والّتنفس العميق .وما لبث الملك لمقمان أن وجد نفسه بين أيدي س ت حورّيات أخريات يحطن جسد ه من كل جانب ويشرعن في تمرير أناِملهن والّنمقر بها على جسد ه .فمقد توّل ت الملكة نور السماء ُعنمقه ومنكبيه وايثنتان توّلتا يصدر ه وبطنه وايثنتان توّلتا فخذيه وساقيه وايثنتان توّلتا قدميه ،وما لبثن أن أخذن يمّلسن على جسد ه برفق ولين ويمسحنه بروح الِمسك ،وحين استرخى ق ،وما أن فرغن تماماً وغدا جسد ه طوع أيديهن ،شرعن في تدليكه وهو يتابع التنفس بعم ٍ حتى أشارت إليه الملكة نور الّسماء أن يتوّق ف عن التنّفس وينمقلب على بطنه ويظل مصالبا ً يديه ،فانمقلب وقد أح ّ س أن جسد ه غدا خفيفًا. استؤنَِف ت عملية المساج من أّولها كما حدث لجسد ه من أمام ،فمقد بدأت بالتنميل الخفي ف الذي راح ُينّمل في جسد ه إلى أن خّدر ه ليجد نفسه يغر.ق في متعة ليس يثمة ما هو ألّذ منها .يثّم شرع ت الحورّيات في سحب أيصابع يديه وقدميه وطمقطمقتها وشّد أوردة عنمقه
وظهر ه وقبض عضالت عضديه وزنديه وربلتي ساقيه ،وتدليك فخذيه ووركيه وردفيه وقرص جلد ظهر ه بخّفة والضغط والفر ك بالنامل على منكبيه والّرب ت عليهما بحاّفتي اليدين ،فأح ّ س الملك لمقمان وكأّنهن يفصدن جسد ه ويشّرحن أعضاَء ه ويسللن أوردتهُ وشرايينه ،ومالبث ت الحورّيات أن هَّدأن حركة أيديهن يثّم شرعن يملسن براحاتهن على جسد ه ،فيما يصوت الملكة نور السماء يهمس إليه: س الكبائر من عالمك الذي أن ت فيه، س عالمك الذي جئ ت منه ،وان َ س يا حبيبي ،ان َ »ان َ واربأ بنفسك على ال ّ صغائر ،واسُم بروحك فو.ق الضغائن ،ودع الحمقاد للحاقدين والّشرور لليثمين ،واهنأ برفيع ممقامك ونعيم أّيامك ،وليكن الخير أنيس أماسيك والعشق حلي ف أّيامك والمل إشراقة فجر ك ،والمحّبة بزوغ شمِسك والفرح ضوء نهار ك. س يا حبيبي ،واخلد إلى نهود تصهل جامحة إلى من هام توّحداً بها وِعشمقا ً إليها، ان َ ت يصارخة تنبض بدفق أكاسير البدّية ،واسكن إلى أجساد أشرع ت سهوبها وتشِهُر حلما ٍ مدداً لسنابك خيول العاشمقين« وراح ت النامل تمّر جارية بلمساتها السحرّية على أنحاء جسد ه وهمسات الملكة نور السماء تتناهى إلى أسماعه متدّفمقة بسحر الكالم العذب الذي مل دماغه بال ّ صور الجميلة، وراح يحّثه على الخالد إلى النوم العميق .فنام ليتوّق ف دبيب الّنمل على جسد ه ولتنهض الحورّيات بهدوء وتبتعد عنه ليظّل مستكينا ً إلى النوم الممتع. ηηηηη تجاوزت المركبة كواكب المشتري والمّريخ وعطارد وزحل وأورانو س ونبتون وبلوّتون والمئات غيرها .وراح ت توغل في الفضاء البعيد ،متجاوزة آل ف الكواكب والّنجوم وقد مّرت عن كواكب كثيرة عليها حياة أو بعض حياة أو بداية حياة ،وعن كواكب كثيرة لم تتشكل عليها أّية حياة بعد .وقد ف ّ ضل قائد المركبة الّتوّغل بعيداً في الفضاء بدافع الّرغبة العارمة في الكتشا ف ،وحين كان يمقترب من آخر حدود المجموعة الشمسية لح ت أمامه على شاشة رادار المركبة آل ف الجرام المنطلمقة نحو المركبة من مسافات بعيدة ،فأنذر الجن ليستنفروا ُقواهم .ونهض ملك الملو ك من غفوة كان قد بدأها للتو وهَرع إلى حجرة المقيادة ،كان ت الجرام تنطلق نحوهم بسرعة هائلة وهي تدور حول نفسها ،وقد بلغ حجم الواحد منها ما يمقارب يثاليثة أضعا ف حجم الكرة الرضية .أبطأ قائد المركبة من سرعته فيما كان ملك الملو ك يرقب الجرام بدهشة بالغة وما لبث أن هت ف: »سنحتاج لمقوى جّبارة لمواجهة هذ ه الجرام الهائلة« فهت ف قائد المركبة: »أظن أّنها كواكب حدث خلل في توازنها فخرج ت عن مدارها حول الّشمس ،سأحاول تغيير اّتجاهي وُأضاع ف سرعتي لتالفى التصاُدم معها« »حاول أيها المقائد« وغّير المقائد اّتجا ه المركبة بنسبة تسعين درجة ليعود إلى التحليق ضمن الفضاء العرضي للمجموعة الّشمسية.
كان ت الجرام تمقترب على خط عرض هائل يبلغ مئات الّسنين الضوئية ،وما أن قطع الرائد مسافة تمقارب خمس سنين ضوئية متجاوزاً بعض الكواكب العمالقة ،حّتى وجد أمامه عالماً آخر يعّج بالكواكب والنجوم والّشهب والنياز ك والقمار والمذّنبات الهائلة متمقاربة المسافات فيما بينها ،فأدر ك أّنه ل جدوى من الستمرار في هذا التجا ه دون اللجوء إلى تخفي ف السرعة لتالفي التصادم معها. أحّس ت الملكة نور الّسماء بالخو ف ،فهرع ت إلى حجرة المقيادة ،كان ت الخطوط التي ترتسم على شاشة قيا س السرعة على المسافة تصطدم بأجسام لتتكّسر وترتد منذرة بالخطار الماحمقة. أشارت إلى المقائد أن يبطئ الّسرعة ويشّغل أجهزة الستشعار في التجاهات ُكّلها ،فأبطأ الّسرعة إلى حدود مائة ضع ف سرعة الضوء. انطلمق ت الخطوط في سائر التجاهات لتصطدم بأجسام ماعدا التجا ه العكسي الذي انطلمقوا منه من كوكب الّزهرة. »لن نعود المقهمقرى أيها الرائد« هتف ت الملكة ويثّنى ملك الملو ك. شرع المقائد في إبطاء السرعة شيئا ً فشيئاً وهو يرقب خطوط وأجهزة الستشعار الذاتي في المركبة ،إلى أن ارتسم ت الخطوط باستمقامة في كل التجاهات وغ ّ ط ت الشاشة دون أن تصطدم بشيء .عّدل سير المركبة لتعود إلى النطال.ق بشكل عمودي في اّتجا ه الجرام السّيارة المّتجهة نحوهم. تساَءل ت الملكة: »ما مدى هذ ه السرعة؟« »قرابة تسعين ضع ف سرعة الضوء!« »بهذ ه الّسرعة لن نجتاز آل ف الكواكب الهارعة نحونا في مئات الّسنين الضوئّية .ل أعر ف كي ف تكون مركبة مسحورة ول تحوي جهاز استشعار ذاتي مطلق المسافة« ونظرت نحو ملك الملو ك وهتف ت: »أِعّنا أيها الملك« فهت ف ملك الملو ك: »أنا ل أقتنع بما هو مسحور عن هذ ه العلوم النسّية! ليس أمامي إل أن أحمل الجميع على ظهر جّني وأدعه ينطلق بالّسرعة الخرافّية المطلمقة ،ولن يصطدم بأي كوكب أمامه حتى لو كان هنا ك باليين باليين الكواكب ،فهو قادر على تجاوزها مهما قرب ت المسافة بينهما .فعينا ه قادرتان على استشعار المسافات والجسام مهما بعدت وليستا كمركبتكم الحممقاء هذ ه!« »تمقصد الستشعار والّتجاوز أيها الملك؟« »ل أعر ف أيها الرائد كي ف يعمل استشعار ك هذا ،لكن قواي تستطيع أن تكون حيث تريد أن تكون!!« وتدّخل ت الملكة نور الّسماء هاتفة:
»وهل نوقظ الملك لمقمان وأبي وأمي وأختي وكل النائمين كي ينهضوا وينزلوا من المركبة ليركبوا على ظهر جّني؟« »أو يستيمقظوا ويطيروا فهم جّن ،وأنا سأتكّفل بحمل الملك لمقمان!« »ل أيها الملك ،سيكون هذا مرهمقاً للملك لمقمان وللجميع ،لبُّد من إيجاد حل ُيبمقينا في المركبة ،فالراحة التي تتاح لنا فيها ل يمكن توّفرها على ظهر أي كائن ،إل إذا تتكّفل بإقامة فند.ق لنا على ظهر ه!« »سأفعل ذلك إكراما ً لمولي لمقمان!« »وهل تتكّفل بأن يظل الفند.ق يثابتا ً ول يتمايل يمينا ً وشمالً حسب حركة الجّني ،ورّبما ينمقلب لنتدحرج كالكرات داخل الُغر ف والممرات!« »ل أعر ف أيتها الملكة إذ ليس في وسعي أن أحفر أساسات للفند.ق على ظهر الجّني!« »وماذا لو أحاط الفند.ق أو المركبة نفسها بدلً منه بعض الجن وتشّبثوا بها من كّل جانب كي تظّل يثابتة بعض الشيء«. »وأين هذا الجني الذي سيحمل على ظهر ه يثمقل الفند.ق أو يثمقل هذ ه المركبة بحدائمقها ومنتزهاتها وغرفها وقاعاتها بالجن الذين فيها والجن الذين سيتشبثون بها من الخارج، ويمقطع ماليين السنين الضوئية دون أن يميل أو يتزحزح قيد ُأنملة؟!« »ما العمل إذن أيها الملك؟« »التدمير ،سأرسل جيشا ً يتمقّدم المركبة بآل ف الميال ويدّمر أي كوكب أو أي أجسام قد تعترض طريمقها!« »ل أيها الملك فمقد يكون عليها حياة ،وقد يؤّدي تدميرها إلى اختالل في توازن نظام الكون!« »الحيوات تمل الكوان أّيتها الملكة ،ولن ُيضيرها تدمير كون منها!!« »بل سيضيرها كثيراً أيها الملك!« ت أيتها الملكة« »إذن تصّرفي أن ِ وفّكرت الملكة بالخاتم المطلسم الذي أهدا ه الملك إبليس للملك لمقمان ،فهو بالتأكيد قادر على حل هذ ه المعضلة ،فذهب ت إلى حجرة الملك لمقمان وسحب ت الخاتم بهدوء ِمْن إيصبعه ،ولم تكد تملي عليه طلباتها حتى اندفع ت المركبة في الفضاء لتنطلق بسرعة تمقّدر بأل ف ضع ف مما يمكن أن يتصّور ه الخيال الخار.ق! إذ كان ت تتجاوز خالل جزء من ستين من الثانية آل ف الكواكب والنجوم والنياز ك المتمقاربة فيما بينها والمتباعدة ،والتي قد يستغر.ق تجاوز الواحد منها عشرات السنين الضوئية!! حين دخل ت إلى حجرة المقيادة وجدت قائد المركبة يطبق على رأسه بمقبضتي يديه ويحّد.ق هلعاً في الكون المطلق الذي ل يكاد يشعر أّنه يمقطعه ،ويتجاوز مسافات خيالية فيه ،دون أن يستخدم أّية أجهزة لستشعار الفضاء أمامه ،فيما كان ملك الملو ك يمقهمقه بصوت عاٍل فرحا ً بالمقدرات الجنّية الخارقة. ت أيتها الملكة؟« »ماذا فعل ِ وتخّوف ت الملكة من أن تمقول الحمقيمقة .بعد أن تنبأ الملك لمقمان بالحروب الطاِحنة التي
ستنجم بينها وبينه بعد رحيل الملك لمقمان. »استخدم ت المقوى السحرية للمقالدة الّسماوّية التي أهداني إّياها الملك دامردا س« »هائلة هذ ه المقالدة أّيتها الملكة .إّنها ل تمقّدر بثمن ،وقد تساوي مملكة من ممالك الجن« وفيما كان ت المركبة تخرج من حدود السماء الولى وتدخل حدود السماء الثانية ،داخلة بذلك مجموعة شمسّية جديدة ،ارتّج ت السموات من خلفهم فأبطأت الملكة سير المركبة ونظرت إلى الوراء لترى الكواكب والّنجوم التي تجاوزوها تصطدم ببعضها لتتنايثر في ماليين الجرام وينجم عن تصادمها انفجارات هائلة تهز الكون. هت ف ملك الملو ك وهو ينظر عبر منظار سحري: »لعّلها حرب بين أقوام من الجن« فهت ف قائد المركبة: »ل أظن ،ذلك أّيها الملك قد تكون حرباً بين آلهة أما بين جن ،فهذا أكبر من طاقات معظمهم كما أظن فبعض هذ ه الكواكب والّنجوم قد يتجاوز حجمها أل ف ضع ف حجم الُكرة الرضّية .ول يمكن إخراجها عن مدارها إل بمقوى خارقة!« وقال ت الملكة نور السماء: »أل يمكن أن يكون قد حدث خلل في توازن هذ ه الكواكب والنجوم فخرج ت عن مدارها وراح ت ترتطم بالكواكب الخرى؟« فمقال قائد المركبة: »ومن ُيحدث الخلل في الّتوازن إن لم تحديثه اللهة أّيتها الملكة؟«!. فهتف ت الملكة: »آمل أل يؤّيثر ذلك على نظام المجموعة الشمسية ُكّله« فمقال قائد المركبة: »ل أظن ذلك فهذ ه الرتطامات وال ّ صدامات تجري في جانب يصغير من سماء المجموعة« »ومع ذلك قد تؤيثر على ما حولها« وما لبث ت الملكة أن هتف ت بهلع: »يثمة كواكب مسكونة بينها ،ذا ك كوكب ينشطر إلى آل ف الجرام المأهولة بالمدن والُمقرى ،انظروا!« وراحوا ينظرون من بعيد ،كل من كان يمقظا ً في المركبة أخذ منظاراً سحريا ً وراح ينظر.. كان الكوكب المأهول الهائل قد ارتطم بكوكب هائل آخر غير مأهول ،فنجم عن ذلك زلزال مدّمر فظيع ،تنايثر من جّرائه الكوكبان في آل ف الجرام ،التي راح ت ترتطم بأجرام وكواكب ُأخرى لتنشطر بدورها. انفصل ت قاّرات بأكملها عن كواكبها ،وقذف ت الُمدن الكبيرة في الفضاء ،وتنايثرت المقرى في الّسماء ،وانشطرت المحيطات إلى أقسام ،وانهارت سالسل الجبال ،وتفّجرت البراكين ،ودّمرت الّسدود ،واندلع ت أعايصير من ماء وريح ونار ،وهّب ت عوايص ف
راح ت تتمقاذ ف الجبال والّسهول والنهار ،الجزر والبحار ،الغابات والمصار ،وسط اندلع الحرائق الهائلة ،وتطاول ألسنة النيران ،واندفاع الّشهب ،وفيضانات المحيطات، وارتطام المقاّرات بالمذّنبات ،والنياز ك بالمقرى ،والمحيطات بالّشهب ،وال ّ صحاري بالغابات ،والنهار بالجبال ،والنجوم بالكواكب ،والريح بال ّ ضباب ،والّدخان بالعوايص ف، والمدن بالعوايصم ،والقمار بالجرام ،والّسدائم بالغيوم ،والغيوم بالمقرى ،والمقرى بالجبال ،والجبال بالبشر ،والبشر بالنار ،والنار بالماء ،والماء بالّدم ،والّدم بالّزهور، وال ّزهور بالشجار ،والشجار بالحيوانات ،والحيوانات بالسما ك ،والسما ك بالّسفن، والسفن بالموانئ ،والموانئ بالمقطارات ،والمقطارات بالحافالت ،والحافالت بالعمارات ،والعمارات بالجسور ،والجسور بالحمقول ،والحمقول بالجسام ،والجسام بالعمدة ،والعمدة بالشوارع ،والشوارع بالبشر ،والبشر بكل شيء ،بكل شيء كان ت تصطدم أجساد البشر وأشالؤهم. كل هذا العالم كان يتصادم وينشطر ليتفّجر ويتنايثر ،يفيض ويغر.ق ،يعص ف ويدّمر، يصَع ُ ق وُيمي ت ،يحر.ق ويلتهم ،منذراً بفناء الحياة على تلك الكواكب ،بل وفناء الكواكب نفسها. هت ف ملك الملو ك: »لم ل نوقظ الملك لمقمان ليرى هذ ه الهوال الكونّية؟« فهتف ت الملكة نور السماء بإيصرار: »ل .عمل ت كل ما بوسعي لدعه ينام دون أحالم مزعجة ،فهل أوقظه لريه هذ ه الهوال الفظيعة؟« ولم تعد قادرة على متابعة ما يجري في الكون الشمسي الذي خّلفو ه وراءهم ،فأيصدرت أوامرها إلى الخاتم الشيطاني المطلسم ،لتنطلق المركبة بسرعتها الُخرافّية وتوغل في الكون الشمسي الخر عابرة السماء الثانية ،فيما الملكة تتمنى في نفسها أل تؤّيثر الهوال الجارية خلفهم على كوكبي الرض والّزهرة. ηηηηη حين استيمقظ الملك لمقمان من النوم ،كان ت المركبة قد قطع ت ماليين الّسنين الضوئّية، ومّرت بكواكب مظلمة وكواكب مضيئة. ّ هت ف باسم الملكة نور السماء فسمعته ،فأبطأت سير المركبة إلى أدنى سرعة وسلم ت زمامها للرائد وهرع ت إليه. »أين أن ت يا حبيبتي؟« »كن ت أقود المركبة يا حبيبي« ت يا حبيبتي؟« »أن ِ »إنما بمساعدة خاتم إبليس الطلسمي« ونزع ت الخاتم وأعطته له. »ولَِم اضطررت إلى استخدام الخاتم؟« »كي تنطلق المركبة بالّسرعة الخيالّية«
»ألم تكن تنطلق من قبل بسرعة خيالّية؟« »بلى ،لكنها كان ت شبه محدودة!« »حتى السرعات الخيالية فيها محدود وغير محدود؟ أين نحن الن؟« »نحن نمقترب من تخوم السماء الثانية« »تمقصدين المجموعة الشمسية الثانية؟« »ل أعر ف إذا لم نتجاوز سوى مجموعتين شمسّيتين فمقط ،فمقد انطلمقنا بسرعات ل يمكن للخيال أن يتصّورها!« »وهل يمكن أن نتصّور منذ متى انطلمقنا من الرض؟« »ل يمكن تحديد ذلك بدّقة يا حبيبي« »منذ مليون سنة ضوئية مث ً ال؟« »بل أكثر بكثير يا حبيبي« »يا إلهي! هل تدركين ماذا يعني هذا؟!« »أدر ك يا حبيبي لّن سرعاتنا خيالّية ،ولو لم تكن كذلك ،لكان ت ماليين الحضارات قد انمقرض ت على الرض!« ت من أننا الن إذا تمّكنا من الّتصال بالرض ،سنجدهم يتحّديثون عن نزع »أوايثمقة أن ِ السلحة وما حَدث من معجزات أخرى ،أم أن ذلك سيكون قد أيصبح في بطون كتب التاريخ المهملة ،وربما نجد العكس حسب بعض النظرّيات العلمية؟!« »كي ف يكون العكس يا حبيبي؟« »قد نجد أن البشرية عادت بالزمن ماليين السنين إلى الوراء!!« »ل يا حبيبي ،أنا وايثمقة أّن الّزمن على الرض لم يعد إلى الوراء ،ولم يمقفز ماليين السنين إلى المام ،ووايثمقة من أّن الّسالح ما يزال على المقمر ولم يُْبِله الزمن حتى ولم يصدأ بعد ،وما يزال يصالحا ً لالستعمال« »آمل ذلك يا حبيبتي« »وإذا تريد أن تتفاءل أكثر ،سأخبر ك أّن ذلك لم يتجاوز بضعة أسابيع وربما بضعة أّيام« ت؟!« »كي ف عرف ِ »لنه تبّين أنني حامل منذ بضعة أيام يا حبيبي!« وهت ف الملك لمقمان بدهشة: »نعم؟!« »ألم تسمع يا حبيبي؟« »هل هذا يعني أن »سحب السماوات« سيشّر ف قريبًا؟« »رّبما بزمن الكون الذي نحن فيه قد ُيشّر ف خالل أسبوع وربما بعد ساعة!« وأشرع الملك لمقمان يصدر ه فاتحاً يديه على وسعهما لتلمقي الملكة نفسها عليه .ضّمها وراح يتمقّلب هو وإّياها على الّسرير« »هل تعرفين يا حبيبتي« »ماذا يا حبيبي؟«
»طوال ُعمري كن ت أعتبر الحياة الواقعية حياة سخيفة ،لكن بعد أن عش ت جمالّيات الحياة الخيالية ،أكاد ل أجد كلمة ُمناسبة في كل قواميس اللغات أنع ت بها تلك الحياة الموغلة في الفظاعة!!« »سنحيلها إلى حياة خيالية يا حبيبي« »أل ُيفترض أن تكون الجواهر التي ُأنزل ت على الرض قد حّول ت حياة النس من حياة واقعية بائسة إلى حياة خيالية جميلة بعض الشيء؟!« »ممكن« »ماذا سنفعل لهل الرض كي ندعهم يحيون حياتنا يا حبيبتي؟« »سنفعل لهم كّل ما يريدونه ونمقدر نحن عليه ،سنحمقق كل أحالمهم« »وهل سنزّوج من يريد منهم حورّيات؟!« »ولماذا ل يا حبيبي؟« »والنساء اللواتي يردن حوريين ،من أين سنأتي لهن؟« »من الجن ،ويمكن أن نحّول بعض الشباب إلى حوريين!« »وإلى ولدان مخّلدين؟!« »إلى ولدان نعم ،أما مخّلدين ،فال يمقدر على ذلك غير ا« »ومن سيحر س هؤلء الولدان؟« »يحرسهم من ماذا يا حبيبي« ت ل تعرفين أّن بيننا من يحّبون الولدان أكثر من النساء؟!« »ولو يا حبيبتي .أن ِ »سيحيون حياتهم بإرادتهم يا حبيبي« »والشيوخ والعجزة والنساء البشعات ،هل في ممقدورنا أن ُنجّملهم أو نصّغرهم« »كل شيء ممكن يا حبيبي!« »يبدو لي أّنه لم يبق أمامنا إل المقليل كي نمنح البشر الحياة البدية ،ونمقتل الشّر في نفوسهم ،ونحيي الموتى ،وبعدها لن يكون إل المحّبة والسعادة .ولن يكون يثمة مشاِكل على الطال.ق ،أل يمكن أن يتحمقق هذا؟!« »للس ف يا حبيبي ،حتى في الخيال ل ُيمكن تحمقيق ُكل شيء!« »شيء ل يصّد.ق أليس كذلك؟« »بل ُيصّد.ق .لن حياتنا تبمقى واقعّية وليس ت خيالية يا حبيبي ،وإن كان ت ُمرّفهة أكثر من حياة البشر ،ولدينا قدرات خارقة!« »إذا كان ت هذ ه الحياة واقعّية فلن يكون هنا ك أ ّ ي مجال لحياة خيالّية يا حبيبتي!« »ما رأيك يا حبيبي أن تنهض الن وتستحم وتأكل وتتر ك الحياة كما هي ،بغض الّنظر عّما إذا كان ت واقعية أم خيالّية؟« »آ ه فع ً ال أشعر وكأنني لم آكل منذ شهر ،لكن لم تمقولي لي كي ف تأّكدت من أنك حامل يا حبيبتي؟« »لم يأتني دم ال ّ طمث يا حبيبي« »لكّن دم ال ّ طمث قد يغيب أحيانا ً ياحبيبتي ،خا ّ يصة وأن الزمن قد تغّير عليك«
»ل تمقلق إذا لم أكن حامالً سأحمل يا حبيبي« ى يا حبيبتي« »ل أريد أن تذهب فرحتنا ُسد ً »سنفرح يثانية ،هّيا الن انهض!« »سأنهض ،لكن كم مضى على نومي؟« »بالضبط ل أعر ف يا حبيبي .فمقد مررنا على أزمان وأكوان مختلفة ،لكن لم تمقل لي هل نم ت بشكل جميل بعد المساج؟« »آ ه فع ً ال ،كان ت أجمل نومة في حياتي ،ومع ذلك حلم ت ،لكن بعوالم جميلة ،يبدو لي أن عمقل النسان مثل قلبه ،إذا ما توّق ف توقف ت الحياة« »المهم أّنك لم تَر كوابيس؟« »ل ،لم أَر يا حبيبتي ،أشكر ك« »أحمد ا يا حبيبي« »أي إله هذا الذي تحمديَنه؟« »الله المنّز ه عن الشرور واليثام ،المح ّ ب للخير ،الكار ه للموت ،الّساهر على أبدّية الحياة ،الطامح إلى المحبة والساعي إلى خلود البشر وإحياء الموتى!« »إنه الله الذي أحلم به يا حبيبتي!« »وبماذا سأحُلم إن لم أحُلم بما يحلم به حبيبي؟« وهل يمكن أن يكون هذا الله موجوداً يا حبيبتي؟« »لبد أن يكون موجوداً يا حبيبي!« »أين؟« »في السماوات!« »ولَِم لْم يمقم بأعماله الخّيرة حّتى الن يا حبيبتي؟« »رّبما لّن المر خرج عن يد ه ولم يعد في ممقدور ه أن يعيد المور إلى نصابها!« »هذا يعني أّنه إله عاجز يا حبيبتي« »ليس إلى حد كبير يا حبيبي!« »كي ف؟« »لننا لم نمقم بمساعدته على تحمقيق مآربه« »وهل هو في حاجة إلى مساعدتنا؟« »أجل ،أظّن أنه ينبغي أن نكون معه بمقدر ما هو معنا« »إذا ما وجدت هذا الله يوما ً سأكون معه بكل طاقتي« »أعر ف أن حبيبي لن يتخّلى عن إلٍه نبيل ،وأعاهد ك يا حبيبي أن أكون معكما« قاطعهما يصوت قائد المركبة معلنا ً أن المركبة تحّلق الن ضمن مدار كوكب هائل مأهول ،فأشار إليه الملك لمقمان أن ُيبطئ سرعة التحليق إلى الحدود الدنيا ،لّنه سيتناول طعامه على شرفة يستطيع منها ُمراقبة ما يجري على سطح هذا الكوكب. ηηηηη نهض الملك لمقمان والملكة نور السماء من السرير .وما أن أخذ الملك حماما ً سريعا ً حّتى
خرج وجلس على شرفة في المسبح .كان الجو نهاراً والشمس ترسل أشعتها من أعالي الّسماء ،وبدا للملك لمقمان وكأنه يحّلق في فضاء كوكب الرض .أخذ يرقب الكوكب عبر منظاٍر سحري ،فيما أخذت الملكة منظاراً وراح ت ترقب بدورها. بدا الكوكب لهما من بعيد يضّج بالحياة ،فمقد بدت لهما بعض المدن والمقرى ،والنهار والمحيطات والبحار التي تمخرها السفن ،وكان يثمة غابات وبساتين وحمقول وأنا س يعملون ،وبدا أن الكوكب بدائي ،فلم يكن هنا ك شوارع حديثة ول حافالت ،بل عربات تجّرها الخيول ،ولم يكن هنا ك مطارات ول طائرات ،ول أي نوع من السلحة الحديثة، كما أن الّسفن التي شوهدت تمخر البحار ،كان ت بدائّية .وكان النا س يحريثون الرض صن. على الثيران والبغال والحمير والح ُ أشارت الملكة نور السماء إلى الملك أن يتناول إفطار ه ،ومن يثّم سيتابعان الّنظر إلى الكوكب ،فأشار هو إلى المركبة أن تنزل إلى فضاء الكوكب المقريب ،ليتمّكنا من الّنظر بالعين المجّردة وهما يتناولن الفطار. وفيما كان المقائد يهبط بالمركبة فو.ق سماء بحر كبير ،قّدم ت الحورّيات على المائدة وجبة من لحم الجداء المحّمر بالّسمن ،وحساء الّدجاج ،وسلطات من الخس والبندروة والخيار، وبطاطا ممقلية ،واقريد س وكافيار أسود وحليب ظباء ولبن معز وعصير الفواكه ،إضافة إلى النبيذ المعّتق من زمن سليمان. ولم يكد الملك لمقمان يشرب كأسا ً من حليب ال ّ ظباء الذي أدمن عليه بعد أن تذّوقه على الرض ،يثّم كأسا ً من عصير الفواكه ،حّتى كان ت المركبة تجتاز البحر وتدخل إلى منطمقة يصحراوّية يلّفها الضباب على ارتفاعات متوّسطة وتكثر فيها الجبال والّتالل ،فهت ف مخاطبا ً الملكة: »يا ا ما أجمل الصحراء يا حبيبتي ،انظري ما أجملها!« وفيما كان ت الملكة تتأمل جمال الصحراء رأت مشهداً عجيبا ً فهتف ت إلى الملك: »انظر يا حبيبي« وحين نظر الملك لمقمان شاهد جبالً كبيراً شاهمقا ً يتسّلمقه مئات الل ف من البشر الُعراة يحملون على ظهورهم يصخوراً ضخمة ينوؤون تح ت وطئتها ،وكان ت أقدامهم ممقّيدة بسالسل حديدية يثخينة تحّد من طول خطواتهم ،فتوّقف ت اللمقمة في فم الملك وهو يهت ف: »يا إلهي أي ظلٍم هذا؟!« وحين نظر إلى قّمة الجبل شاهد تمثالً ضخماً بطول أل ف ذراع لكائن يشبه البشر .كان محاطا ً بسوٍر ،وقد نبت ت داخل السور الّزهور والورود .وكان حاملو الحجارة يضعونها على قّمة الجبل خارج السور .وقد شّكل ت رجما ً كبيراً على قّمة الجبل .ومن يثّم كانوا يعودون أدراجهم إلى أسفل المنحدرات حيث الوادي الّسحيق المحيط بالجبل من كل الجهات ليرفعوا الحجارة ويحملوها إلى المقّمة ،فبدت أفواج منهم وهي تصعد الجبل فيما كان ت أفوا ٌج ُأخرى تنزل منه ..وكان آل ف الُحّرا س من حاملي الّسياط والّسيو ف يرغمون الصاعدين والنازلين على الّسير في أرتال شبه منتظمة يتخلل واحدها الخر، صعود ويجلدون المنحدرين على ويجلدون الصاعدين على مؤّخراتهم ليسرعوا في ال ّ
ظهورهم ليسرعوا في النزول. لم يعد للملك لمقمان شهّية في ال ّ طعام ،فأمر على الفور بأن تؤخذ الحتياطات لّنه سينزل إلى قّمة الجبل لُيخّلص هؤلء المعّذبين ويعر ف ق ّ صتهم .فرجته الملكة أن يأكل شيا ً قبل النزول ،فأعلن لها أنه لم يعد له أي رغبة في الطعام وهو يرى آلم هؤلء البشر أمام عينيه. ّ طار الملك لمقمان عن الشرفة ليحلق هابطاً هو والملكة نور السماء ،يح ّ ف بهما جنود الجن ،فيما ظّل ت المركبة تحّلق في الّسماء .وقبل أن يحط الملك على رجم من ال ّ صخور والحجارة الملمقاة خارج أسوار ساحة التمثال ،خاطب الخاتم المطلسم الذي أهدا ه إّيا ه الملك إبليس ،وطلب إليه أن يلهمه هو والملكة نور السماء إتمقان اللغة التي يتكّلم بها هؤلء المقوم .وما كاد يطلب إليه الطلب حّتى وجد اللغة تمتثل في دماغه وتدور على لسانه لتنطلق من شفتيه. وكان الج ّ الدون وحاملو السياط قد توّقفوا مندهشين ولم يعودوا يضربون حاملي الحجارة ،وراحوا ينظرون إلى هذ ه المقوى الهابطة من الّسماء بأعداد هائلة ،فيما توّق ف حاملو الحجارة في أماكنهم وهم يتمّنون نصرة هذ ه المقوى. هبط الملك لمقمان والملكة نور السماء ووقفا على رجم من الصّخور إلى جانب سور التمثال الهائل الذي كان ينتصب في السماء ،وأشار الملك لمقمان بيد ه إلى رجل عجوز أن يطرح الصخرة عن ظهر ه ويتمقّدم منه ،فطرح الرجل العجوز ال ّ صخرة عن ظهر ه وتمقّدم حاني الظهر ،لنه لم يكن في ممقدور ه رفع ظهر ه لكثرة ما حمل من ال ّ صخور ،ووق ف أمام الملك ُلمقمان في حاٍل يريثى لها ،فخاطبه الملك بلغته قائ ً ال: »الّسالم عليكم أيها الشيخ« فمقال الشيخ بلغته: »وعلى المسّلم السالم« صخور على ظهوركم؟« »من تكونون أّيها الشيخ ..ولَِم تحملون هذ ه ال ّ »نحن معارضة دينية وسياسّية .عارضنا دين وسياسة الله داجون ملك كوكبنا ،فُحكمنا بالشغال الشاّقة المؤّبدة« »هل قل ت الله داجون أّيها الشيخ؟« »أجل أّيها السّيد« »لعّله الله الذي كان ت تعبد ه بعض شعوب كوكبنا قبل يثاليثة آل ف عام ونّي ف؟!« »أنا ل أعر ف آلهتكم ول أعر ف كوكبكم أّيها السيد« ولم يفّكر الملك لمقمان أكثر من ذلك في نوعّية هذا الله وممقدرته ،فصرخ على الفور صخور أن يطرحوا ال ّ صخور عن ظهورهم ،وأمر جنود بمئات الل ف من حاملي ال ّ الجن أن ينزعوا الّسياط والّسيو ف من أيدي الج ّ الدين والُحّرا س دون أن يضربوهم ،وأن يفّكوا السالسل من أرجل السجناء ،وأشار إلى الملكة أن تمقوم بإحياء الّسجناء من عاهاتهم ،وأن تعالج المقروح والجروح من ظهورهم وباقي أجسادهم ،وأن تعيد للجميع صخور عن ال ّ ظهور ونزع ت سياط يصّحتهم ،ولم تمر سوى لحظات حّتى ألمقي ت ال ّ
الج ّ الدين وسيوفهم ،والتأم ت الجروح في الظهور والمقروح في الجساد ،واستمقام ت ظهور العجزة والمسّنين ،وارتدى الجميع لباسا ً يستر ُعريهم .وحين شاهد مئات الل ف من الّسجناء أنفسهم محررين من الصخور ومعالجين من الجروح ومنتصبي الظهور ويرفلون بأجمل المالبس ،أشرعوا أيديهم متضّرعين وراحوا يسجدون على الرض. على قّمة الجبل شرعوا في الّسجود ،وعلى سفوح الجبل من كل الجهات شرعوا في السجود ،وفي أعما.ق الوادي الَّسحيق شرعوا في السجود .حتى الُحرا س والجالدين شرعوا في الّسجود ،معتمقدين أن هذا هو الله الحمقيمقي وليس الله الذي يحكمهم ،لكن س جبا ه معظمهم الرض ،هت ف الملك لمقمان بصوت هائل: وقبل أن تم َّ »انهضوا! انهضوا أيها الحرار ،فأنا بش ٌر مثلكم ،ومكاف ٌح مثلكم ،إنما كي ل أسجد لمليك أبدًا ،وكي ل أع ّ ظم ملكا ً أبدًا ،وكي ل أسجد لله أبدًا ،فانهضوا وارفعوا رؤوسكم، واشمخوا بهاماتكم ،فليس يثّمة من له حق في استعباد النا س وقد وَلدتهم أُّمهاتهم أحرارًا!!« وتوّق ف الملك لمقمان للحظات ،فهت ف الرجل الشيخ: »عفو ك أيها السّيد النبيل ،إّن ما فعلته لنا ل يمقدر عليه غير اللهة ،فأخبرنا الصد.ق من تكون إن لم تكن من اللهة؟!« ت عاٍل كي يسمعه الجميع ،فكان يصدى يصوته يتردد من الودية فهت ف الملك لمقمان بصو ٍ الّسحيمقة المحيطة بالجبل: »إّني أقول الصد.ق أيها الرجال ،فأنا بش ٌر مثلكم ،غير أّني رسول الخالص .رسول الحق ،رسول الخير ،ورسول المحّبة ،وأستعين بمقوى الخير من الجّن والشياطين«. فهت ف الرجل بدهشة: »وهل يوجد أخيا ٌر بين الجّن والشياطين أيها السيد النبيل ،فنحن ل نعر ف إل أّنهم أشرار؟!« »بل العكس أيها الشيخ ،إن الجّن والشياطين أخيار ،وليس الشرار إل أمثال هذا الله المتسّلط الذي يحكمكم ،ولول قوى الجن الخّيرة ،وقدراتهم الخارقة ،لظللتم ترزحون تح ت يثمقل ال ّ صخور ،ولظّل ت أقدامكم مصّفدة بالّسالسل ،ولما التأم ت جروحكم وقروحكم، ولما استمقام ت ظهوركم ،ولما ارتديتم لباسا ً جديدًا ،فال تلعنوا الشياطين بعد اليوم ،ول تتعّوذوا منهم ،إن كنتم تلعنونهم وتتعّوذون منهم .بل اطلبوا لهم المغفرة والمحّبة ،وقبول الّتوبة من ا!« فمقال الشيخ: »ومن هو ا هذا الذي تنادي به أيها السّيد النبيل؟« »إني ل ُأنادي به بمقدر ما أبحث عنه ،لعّلني أجد ه ،إّنه إله ُيفترض فيه أن يكر ه العبودّية والعبادة والتعظيم والموت ،يكر ه الشّر وال ّ ب الخير للبشر ،ولكل الكائنات ظلم ،ويح ّ والكوان ،ويسعى لن يحيا النسان حياة أبدّية خالدة!« »وإذا لم تجد ه أّيها الّسيد النبيل؟« »إذا لم أجد ه ،فليس ُهنا ك آلهة ،سأيصعد إلى تخوم الّسماء السابعة وإذا لم أجد ه فلن يكون
ُهنا ك إله« »وإلهنا داجون وأتباعه وأعوانه من اللهة ،ماذا يكونون أيها السيد النبيل؟!« »قل لي ما هو إلهكم هذا؟!« »إن التمثال الهائل الذي ينتصب خلفك له ،وعرشه ُهنا ك في العالي حيث ُيمقيم مع أعوانه وأتباعه على قمم الجبل العظيم .هو إلهنا ومليكنا ،ويمقول أّنه من خلمقنا وخلق السماوات والرض التي نمق ف عليها ،وخلق الشمس والمقمر والنجوم ،وخلق الميا ه والبحار والمحيطات والنهار ،وخلق النباتات والحيوانات والشجار ،الليل والنهار، وكل ما في الوجود ،وهو منزل المطار ومسّير الّرياح ومحِدث الزلزل والبراكين والبرو.ق والُرعود والّسحب وال ّ ضباب وكل شيء!« »هل هو من قال لكم هذا؟« »بل رسله الذين ينزلون من العالي ،وملوكه الذي يعّينهم علينا ،والذين ُنرغم على تعظيمهم وتمجيدهم بمقدر ما نع ّ ظم اسمه ونمّجد ه!« »وأنتم لم تصّدقوا كل ذلك!« »بل يصّدقنا ،لكّنا ُكّنا نطالب الّرسل والملو ك والولة ،أن يرحمونا ،ول يظلمونا ،وأن يعدلوا فيما بيننا ،وأن يتيحوا لنا أن نبدي رأينا في شؤوننا ،وفيما حولنا قدر المكان ،وأن صلوات وتمقديم ا ُ يخففوا عّنا وطء طمقو س العبادات وال ّ لضحيات ،وأن يوّفروا المال لبناء المدار س والمستشفيات ،وليس لتمجيد اللهة والولة وبناء آل ف المعابد« ضخم الذي يرتفع أل ف ذراع متسائ ً والتف ت الملك لمقمان إلى التمثال ال ّ ال: »قل ت لي أن هذا تمثال إلهكم أيها الشيخ؟!« »نعم أيها السيد النبيل ،وله ماليين التمايثيل في كافة أنحاء الكوكب« »كم عدد ُسكان كوكبكم أيها الشيخ؟!« »يثاليثة عشر ملياراً أيها السيد النبيل!« »وهل تعيشون في دولة واحدة؟« »ل أيها السيد نعيش في أل ف مملكة ،وكل مملكة يحكمها ملك معّين من قبل الله والملك العلى داجون« »وما اسم كوكبكم؟« »اسمه كوكب داجون على اسم الله أيها السيد النبيل« »وماذا يعني اسم داجون هذا بلغتكم؟« »يعني الله ُكّلي المقدرة أيها السيد« وأمر الملك لمقمان جنياً أن يمقطع رأ س التمثال ويحضر ه له .فأخذ الجنّي الرأ س بين يديه، وضغط عليه من ناحية الكت ف ليكسر ه من أعلى الُعنق ،وكأنه يمقسم خيارة! حمله الجنّي ووق ف أمام الملك لمقمان ،فمّد الملك يديه ليأخذ ه فأخبر ه الجنّي أنه يثمقيل جدًا ،فراح الملك يتلّمسه فيما الشيخ يهت ف بذعر: »إني خائ ف عليك أيها السيد النبيل من أن يضربك الله داجون بإحدى يصواعمقه الهائلة لنك قطع ت رأ س تمثاله!«
وطفق الملك لمقمان يضحك وهو يأمر الجنّي أن يمقذ ف الرأ س أمام قدمي الشيخ: »خذ أيها الشيخ المكاِفح ،هذا ُهو رأ س تمثال إلهك ُكّلي المقدرة ،تساعد أن ت ورفاقك ودحرجو ه من قّمة الجبل إلى الوادي الّسحيق الذي تحملون الحجارة منه ،فهو إله دّجال متسّلط ،ولو أضمن أل ينعتني البشر بال ّ ظلم ،لحضرت إلهكم إلى هذا الوادي ،وحكم ت عليه بحمل رأسه وال ّ صعود به إلى المقمة والعودة به إلى الوادي ليكرر ذلك مدى حياته!« وراح الشيخ ورفاقه يتعاونون على دحرجة الّرأ س إلى أن بلغوا به أعلى الَّسفح ،فأفسح آل ف السجناء له طريمقا ً بينهم كي يتدحرج من أعلى الجبل بين يصّفين من الّسجناء ،ورفع الجميع أيديهم وهتفوا بأيصواتهم: »عاش ت الحرّية ،تسمقط العبودّية« وما أن استمقّر الرأ س في الوادي الّسحيق وتوّق ف آل ف الّسجناء عن الهتا ف حّتى عاد الشيخ ليمق ف أمام الملك لمقمان وقد اندفع خلفه آل ف السجناء وراحوا يمقتربون ليروا الملك لمقمان والملكة نور الّسماء ،فأحاطوا بهما من كل جانب .رفع الملك لمقمان يد ه ليوق ف تدافع السجناء من حولهما ،فتوّقفوا ،فخاطب الشيخ: »قل لي أيها الشيخ ،أين يمقع عرش إلهكم داجون هذا؟!« »يمقع على بعد ل يمقّل عن مائة أل ف كيلو متر ناحية الشمال أيها السيد النبيل« »سأذهب لخّلصكم منه ومن أعوانه وأطيح بكل ملوكه وولته ،وآمل أن تجروا انتخابات فيما بينكم وتنتخبوا مجلساً يحكم كوكبكم بالعدل والخير والمحّبة ،وسأعّين راعياً من أعواني يساعدكم على تحمقيق غاياتكم إذا ما دع ت ال ّ ضرورة« »إننا لعاجزون عن شكر ك أيها السيد النبيل ،وإنا لنأمل أل تغادر جهّنم قبل أن تساعدنا على إطال.ق سراح جميع المعّذبين والّسجناء!« »هل قل ت جهّنم أيها الشيخ؟« »نعم أيها السيد النبيل ،فهذا الجبل الكبير ل يشّكل أكثر من رقعة يصغيرة ل تذكر في قاّرة يصحراوّية تبلغ مساحتها عشرات الماليين من الميال وهي جهّنم التي يعّذب فيها إلهنا مخالفيه ومعارضيه والخارجين على طاعته وغير المتمقّيدين بسننه وشرائعه المطّبمقة في الممالك الل ف!« وأطر.ق الملك لمقمان للحظة متعجبا ً وما لبث أن هت ف: »سأفعل أيها الشيخ ولن أغادر كوكبكم وفيه سجين أو معّذب« وأمر الملك لمقمان بتكسير أعضاء التمثال وقذفها بعيداً في كل التجاهات ،فصعد إليه أربعة من الجن وقذفوا باليدين والّرجلين وباقي العضاء من العالي لتسمقط في الودية البعيدة ،وسط ُهتا ف الّسجناء الذي راح يتردد من كل أرجاء الصحراء. أشار الملك لمقمان بيد ه ،وهت ف موّدعا ً السجناء: »السالم عليكم أيها الشيخ ،السالم عليكم أّيها الحرار« فهت ف الشيخ قبل أن يجيب: »وهل سينصر ف السيد النبيل دون أن يعّرفنا على اسمه؟« »اسمي ُلمقمان أيها الشيخ ،وحرفتي أديب ،غير أّن بعض ملو ك الجن ن ّ صبوني ملكا ً أعلى
عليهم« وهنا انحنى الشيخ وحاول أن يسجد حين وجد أّنه أمام ملك ،فسارع الملك لمقمان بمساعدة أحد الجن إلى إنهاضه وعدم الّسماح له بالّسجود: »إّيا ك والّسجود أو الّركوع أو النحناء أيها الشيخ ،فهذا ممنوع في أعرافي كما أعلن ُ ت لك« »ألن تسمح لنا أيها الملك النبيل بإقامة بعض التمايثيل لك في مدننا ،كي ُنخلُّد ذكرا ك؟!« »وهل ح ّ طم ت يصنم إلهكم كي تمقيموا يصنماً لي أيها الشيخ ،أقيموا التمايثيل للمبدعين والعظماء بينكم قبل أو بعد رحيلهم عن الحياة« »وكي ف سنتعّبد إليك ونتمقّرب منك؟!« »يبدو أنك ل تعي ما أقوله لك أيها الشيخ« »بل إنني أعي ،لكّننا أمم اعتادت التعّبد والّسجود والّركوع لللهة والملو ك والولة .الذين أذاقونا اللم والعذابات ،فكي ف لن نتعّبد أو نتمقّرب إلى من وهبنا ُحّريتنا وأعاد لنا يصّحتنا وكسانا؟!« »من أراد منكم أن يحّبني أيها الشيخ فليحّبني بنفسه ولنفسه وفي قلبه ،وأل يهت ف باسمي أمام النا س ،وأل يطلب إلى غير ه أن يحّبني وأل ُيرغم أحداً على محّبتي ،وغير ذلك سيكون مغضباً لي أيها الملك .من أراد أن يحبني فلُيخِلص في عمله ،ويسمو بإبداعه ويعتني بحمقله ،ويحرث أرضه ،ويسعى إلى المعرفة ويشّجع العلم ويطّور العلوم ،ويعمل من أجل أخيه بمقدر ما يعمل أخو ه في البشرية من أجله ،ويحب النا س ،ويمقتل الشّر في نفسه ،فهو بذلك يتمقّرب مّني ويتعّبد إلّي ويزرع محّبتي في نفسه ،وأزرع محّبته في نفسي« ورفع الملك لمقمان يد ه ُمحيياً وانطلق هو والملكة نور السماء ،فارتفع ت أيدي السجناء ملّوحة ودمع ت عينا الشيخ وهو يلّوح ويهت ف من أعما.ق نفسه لنفسه: »لو أّن لي أل ف قلب لعّلني أقدر على اختزان ُحّبي لك أيها الديب العظيم والملك النبيل الُمحب« انحدر الملك لمقمان محّلمقاً هو والملكة نور السماء ليهبطا متجاوزين سفوح الجبل الكبير، وليعبرا الوادي الّسحيق ،وقد انحدر خلفهما مئات الل ف من الّسجناء وراحوا يعدون وكأنهم يأملون اللحا.ق بهما ،فنظر الملك لمقمان نحوهم مرة أخرى ،فأشفق عليهم أكثر من ذي قبل حين أدر ك أنهم فمقراء ول نمقود لديهم ،فلّوح بيد ه للمرة الخيرة موّدعًا ،وأومأ بحركة منها فأمطرت السماء عليهم ماسا ً وذهبًا ،فتوّقفوا عن الجري وأخذوا يجمعون الّذهب والما س!.
(13 جهنم الله داجون!
اجتاز الملك لمقمان والملكة نور السماء منطمقة الجبل الكبير بأوديتها السحيمقة وقالعها الصخرية ،تح ّ ف بهما أسراب الجن ،والمركبة تحّلق على ارتفاع منخفض خلفهما .وفيما هما يحّلمقان فو.ق جبال وتالل شاهدا واديا ً هائالً يلّفه ضباب كثي ف ودخان خفي ف فانحدرا إليه. كان الوادي طويالً عريضاً يختفي امتداد ه في المنعطفات فلم يريا إل أّوله حيث بدا فيه عشرات الل ف من النسوة العاريات يراوحن وهّن واقفات في أماكنهن على جمٍر مّتمقد، يصراخهن وتأوهاتهن وأنينهن من شّدة اللم الذي كان يحديثه حر.ق الجمر وقد عال ُ لقدامهن وُهن يراوحن عليه .وسط يصّفين منتظمين متمقابلين على سفحّي الوادي من النسوة السّجانات اللواتي ُكّن يمقفن ويلّوحن بسياطهن بالغة الطول .ويهتفن إلى النسوة بصوت موّحد ذي إيمقاع سريع »تك تك تك تك تك تك« أي »أسرعن أسرعن أسرعن« وُكّلما انهارت قوى امرأة ووقع ت فو.ق الجمر كّن يمطرن جسدها بالّسياط. لم يحتمل الملك لمقمان ما رأى ،فأمر على الفور بأن يجري نهر ُفرات بارد في الوادي، وأن تنتزع السياط من أيدي آل ف الّسجانات .فاندفع ت ميا ه نهر غ ّ ط ت سيمقان النساء إلى منتصفها ،وكّلما اجتاح السيل أقدام آل ف النسوة طفمقن يتأححن ويتأّوهن من برودة الماء، وهّن يتراقصن ويتمقافزن فرحاً في الماء ،وما أن يرين موكب الملك لمقمان قاِدما ً محّلمقا ً فو.ق السيل حّتى يصمتن ،وينظرن مشدوهات ،يثم َيسُجدن ،فيصرخ الجن بهّن أل يسجدن ،فيما كان ت الملكة نور السماء تسّخر قواها لمعالجة حرو.ق أرجلهن ،وإشفاء أمراضهن وإعادة النضارة إلى أجسادهن وخلع المالبس الجديدة عليهن. ظّل موكب الملك محّلمقاً فو.ق السيل والملك والملكة يتابعان تدّفمقه واندفاعه واجتياحه ش )وينبعث منه ُدخان ورماد ،فيما لسيمقان الّنسوة ،وإطفاء ه للجمر المّتمقد ،الذي كان( يط ّ وقف ت السّجانات مشدوهات على سفحي الوادي وقد ُنزع ت منهن سياطهن. وحين كان موكب الملك يجتاز الّنسوة ُكّن يشرعن في الّزغاريد والبتهاج والهتا ف للحّرية بعد أن منعهن الملك من السجود. وحين قطع الملك ُلمقمان قرابة خمسين كيلو متراً في الوادي وهو يحّلق فو.ق السيل ُمرافمقا ً اندفاعُه ،وتخليص مئات آل ف النسوة من العذاب ،أدر ك أن الوادي ما يزال طويالً بمنعرجاته ومنعطفاته ،فأمر ماء الّنهر بالسراع أكثر كي ل يتحّمل وزر عذابات النسوة اللواتي سيتأخر اندفاع الّسيل في الويصول إليهن .فأسرع السيُل من جريانه إلى حد أّنه أخذ ُيطيح ببعض النسوة حين يدهمهن ،ولما رأى الملك لمقمان أن بعض النسوة يتألمن بعد وقوعهن أمر الّنهر بأن يخف ف جريانه وأن تسبمقه سحابة ممطرة تمطر على النسوة، وأن يسبمقه جنود الجن لنزع سياط الّسجانات ،فانبثمق ت سحابة أمام الملك فو.ق الوادي، ساقتها ري ٌح قوية بعض الشيء وراح ت تهطل المطر على أجساد النسوة المعّذبات ،فيما اندفع جنود الجن أمام موكب الملك ينزعون سياط الّسجانات. وكان الملك شمنهور والملك حامينار والملكة شامنهاز ومئات الجن الخرين يتبعون موكب الملك ويرقبون أفعاله وأفعال الملكة نور السماء من شرفات المركبة الفضائية، وهم يتعّجبون لفعاله ،ويلمسون كي ف دفعه نبله إلى النزول على الكوكب لتخليص
المعّذبين ،على أن يتابع رحلته في الفضاء ،وتمنى الملك في سريرته ألّ تطول رحلة الخالص على هذا الكوكب ،وأن ل يكون ُهنا ك كواكب أخرى تعترض طريمقهم ويحتاج مواطنوها إلى خالص ،كي يصل الملك لمقمان إلى غايته ،أو بعض غاياته في العثور على كوكب يمكنه الستمقرار عليه ليتفّرغ لهموم كوكب الرض وهمومه الّسماوية الخرى. ّ ظّل الموكب محلمقاً في الوادي ،يواكب اندفاعة السيل وتسبمقه الّسحابة الماطرة ،إلى أن قطع فيه أكثر من مائتي ميل دون أن يصل إلى نهايته ،وظّن ت الملكة نور السماء أّنه تعب من التحليق في هذا الوادي ال ّ طويل ،فهتف ت إليه: »هل تعب ت يا حبيبي؟« فهت ف الملك لمقمان متسائ ً ال: »تعب ت؟ إني يا حبيبتي لم أشعر بمتعة كهذ ه في حياتي ،تغمر نفسي بالطمأنينة وتمل قلبي بالعّزة وتجعل جسدي ينتشي غبطة وفرحاً وأنا أرقب الل ف المؤّلفة من المعّذبات يتخّلصن من عذابهن الفظيع« وكان الل ف من العاملين والعامالت في وادي الجمر هذا يمقفون على الّسفوح المحاذية للوادي ،يرقبون ما يجري وهم في غاية الدهشة ول يلوون على شيء. ّ بلغ موكب الملك نهاية الوادي ،وكان طوله قرابة خمسمائة ميل ،وقد خلص فيه من المعذبات قرابة مائتي مليون معّذبة. استدار الملك ُلمقمان والملكة نور السماء وتوّقفا في سماء الوادي على ارتفاع منخفض، ليريا مئات الل ف من النسوة اللواتي بَدون لهما قبل أن يلوذ امتدادهن خل ف منعطفات الوادي وتعّرجاته ،أشار الملك لمقمان إلى امرأة أن تتمقدم نحو ه ،فتمقّدم ت تتبعها مئات النسوة ،وتوّقف ت على مسافة منه: »هل لي أن أسألك عّما فعلتّنه أيتها السّيدة حتى أحّل إلهكّن بكّن كَّل هذا العذاب؟!« »إني خجلة من أن أتفّو ه بإيثمنا أمامك أيها الله العظيم« »أنا لس ت إلهاً أيتها السيدة ،أنا ملك ول تخجلي من أن تمقولي لي أ ّ ي شيء« وطأطأت جميع النسوة رؤوسهن فيما المرأة تهت ف: »أستميحك عذرًا أيها الملك العظيم ،فنحن من الزانيات والعاهرات ،الزانيات اللواتي أحببن وزنين دون زواج ،والزانيات اللواتي خّن أزواجهن حين اكتشفن أن أزواجهّن يخونونهن ،والعاهرات اللواتي دفعهن فمقرهن إلى بيع أجسادهن بأيثمان بخسة ،ليِعْلن أنفسهن وأولدهن .حكم علينا الله داجون بالعذاب البدي ،وكّلما احترق ت أقدامنا عولج ت لنتابع رحلة العذاب ال ّ طويلة ،ومن قض ت نحبها تحر.ق جّثتها في محرقة جهّنم« »وأين هي محرقة جهّنم هذ ه أّيتها السيدة؟« »إذا ما طر َ ت في اتجا ه الوادي عشرات الميال ،ستجدها أمامك أيها الملك العظيم« »والّرجال الذين زنيتن معهم أين يعاقبهم إلهكّن داجون؟« »الرجال ل ُيعاقبون في شرع إلهنا ،يؤَّنبون فمقط أيها الملك العظيم« وهّز الملك لمقمان رأسه أعلى وأسفل وهو يبتسم ساخراً ويهت ف إلى الملكة:
»أي إله ذكوري هذا؟!« يثم نظر إلى المرأة والنساء من خلفها وهو يحّر ك يد ه ويهت ف: »ارفعن رؤوسكن أّيتها النسوة« فرفع ت الّنسوة رؤوسهّن. »أجسامكن حق لكَّن ،وفروجكّن ُملك لكّن ،فهْبنها لمن تحببن ،وامنحنها لمن تُِردن. اذهبن إلى حيث تشْأن ،فأنتّن طليمقات ،وارفعن رؤوسكن بين النساء والرجال وكل المم« وأشار الملك لمقمان بحركة من يد ه ،فأمطرت السماء ماسا ً وذهبا ً عليهّن .وطلب إلى الملك حامينار أن يتر ك أحد أعوانه ليرشدهّن إلى مبادئ الحياة الجديدة على كوكبهن. وارتفع موكب الملك ليحّلق في الفضاء ،وحين أح ّ س أّنه تعب قليالً من الوقو ف في الفضاء ،أمر بأن ُينصب له عرش طائر .فانتصب عرش عليه أريكتان ُمريحتان وجلس عليهما ُهو والملكة. ηηηηη أخذ الموكب يمقطع الفيافي والمقفار باحثا ً عن محرقة جهّنم ،وعبثا ً حاول الملك لمقمان أن ينسى عذابات أبناء الرض حين أيمقن أّنه سيتأخر على هذا الكوكب لبعض الوق ت ،وقد تعترض رحلته كواكب ُأخرى تحتاج إلى إنمقاذ من حالت العذابات هذ ه. أحّس ت الملكة بمقلمقه فتساءل ت فأخبرها ،فهتف ت: »ُمرني يا حبيبي بما تريد أن تفعله على كوكب الرض وسأنّفذ ه في الحال ،وسأسّخر قواي والمقوى الجنّية المهداة إلّي لتنفيذ ذلك« فأطر.ق الملك لمقمان غامراً وجهه براحتي يديه ،وشرع يتنّهد بعمق ،وطفق يتكّلم دون أن يرفع يديه عن وجهه: »أرسلي رسلك إلى كل الّسجون .كل الّسجون على كوكب الرض أرسلي رسلك إليها، وأطلمقي سراح كل السجناء ،كل السجناء أطلمقي سراحهم :الّسجناء السياسيين والسجينات السياسّيات ،الّسجناء المقتلة والسجناء اللصوص والسجناء الّزناة ،والسجناء المرتشين، والسجناء المستغّلين ،والسجناء الجشعين ،والسجناء المهّربين ،والسجناء الممقامرين والسجناء الن ّ صابين والسجناء الجواسيس ،كل السجناء والسجينات أطلمقي سراحهم، واطلبي إليهم أن يستمقيموا في حياتهم ،وأن يحبوا النا س ويمقتلوا الّشرور واليثام في أنفسهم ،وبّلغيهم كَّل مبادئي ،كي يتمقّيدوا بها ول يضطروني يوماً إلى التفكير في الّسجون يثانية لمعاقبة المذنبين .وإّيا ك واستخدام الُعن ف مع الَّسجانين .عامليهم بلط ف ،فهم الن بال سالح ،وآمل أل يكونوا قد ُسّلحوا بالّسيو ف والّسياط والسكاكين! »وإلى المستشفيات ،إلى كل المستشفيات على كوكب الرض ،إلى مالجئ العجزة ،وإلى مستشفيات المراض العمقلية ومستشفيات المراض الّنفسية وروضات المعاقين ،أرسلي رسلك ،وأعيدي النطق إلى البكم ،والّسمع إلى اليصم ،والبصر إلى العمى ،والرجل إلى الممقعد ،واليدي إلى الكتع ،وال ّ ظهر إلى الحدب ،والستمقامة إلى الحن ف ،والذاكرة إلى من فمقدها ،والعمقل إلى المجنون ،والعصاب السليمة إلى مرضى العصاب،
والسوّية إلى النفو س المدّمرة. أشفي جرحى ومشّوهي الحرب ،ومرضى الّسرطان والمقلب والّرئة والكبد والمعدة والمعاء والكلى والبنكريا س والرحم والخصيتين وكل العضاء التناسلية عند الّذكور والناث ،ومرضى السنان والذن والدماغ والحنجرة والجلد وكل المراض ،من كل المراض أشفي جميع النا س في كل المستشفيات وفي كل مكان على كوكب الرض ،في المقرى والمدن والعوايصم .في الحمقول والريا ف والصحاري والبوادي ،في خيم البدو وقوافل الغجر وبيوت الف ّ الحين وقصور الغنياء. وازرعي يا حبيبتي ،ازرعي كل الصحاري والجبال الجرداء على كوكب الرض، ازرعيها بالشجار المثمرة والشجار غير المثمرة ،والنباتات ،وشّمقي فيها النهار، يصحاري وجبال آسيا ،ويصحاري وجبال أفريمقيا ،ويصحاري وجبال أوروبا ،ويصحاري وجبال المريكيتين وأستراليا .ل تنسي يصحراء النمقب ويصحراء سيناء والبادية الردنية، وبادية الشام والصحراء الغربية ،والّربع الخالي ونجد وشّمر والحساء والّنفوذ، وأراضي الخليج العربي كّلها ،والصحراء الليبّية ويصحراء الجزائر ،ويصحارى العرا.ق. وفي استراليا ازرعي الشجار وشمقي النهار في يصحراء القليم الشمالي والصحراء الّرملية الكبرى ،ويصحراء أستراليا الغربية ويصحراء جبسن. وأريد يا حبيبتي أن تمّدي جسوراً في السماء تربط عوايصم ومدن العالم واحدتها بالخرى ،ل أريد أن تبمقى عايصمة في العالم معزولة ،أريد جسوراً للحافالت ،وجسوراً للمقطارات ،وجسورًا تهبط فيها الطائرات .فو.ق النهار أقيمي الجسور ،وفو.ق البحار أقيمي الجسور ،وفو.ق المحيطات أقيمي الجسور ،وفو.ق الصحاري أقيمي الجسور، وفو.ق المناطق المقطبية والمتجّمدة أقيمي الجسور ،وفو.ق الجبال أقيمي الجسور وفو.ق المناطق الثلجية أقيمي الجسور .وحين تفرغ قوا ك ،وينتهي رسلك من إنجاز هذ ه المهام أخبريني« وفيما كان الملك لمقمان يصدر تعليماته ،كان ت الملكة نور السماء تصدر الوامر لمقوى الجن لتحشدها في السماء ،وما أن انتهى من توجيهاته حتى كان الفضاء يعج بمليون حورّية جنّية يرتدين المالبس البيض ،سترسلهن لشفاء المرضى والعاهات والمعاقين، ومليون جندي لطال.ق سراح الّسجناء ،وخمسة ماليين معماري لقامة الجسور ،وخمسة ماليين لستصالح الصحاري والجبال وشق النهار. احتشد اليثنا عشر مليوناً من هؤلء في أفواج منتظمة ،فحجبوا الشمس وسّدوا الفق من أقصا ه إلى أقصا ه وعّم ت ال ّ ظالل مناطق شاسعة من كوكب داجون ،وكان مرافمقو وحّرا س الملك لمقمان يحّلمقون على ارتفاع منخفض تح ت هؤلء .وحين فرغ الملك لمقمان من تعليماته رافعاً يديه عن وجهه ،أخذت الملكة نور السماء تصدر أوامرها التنفيذية وتدلي بتعليماتها بلغة التخاطر الجّني .فيما أخذ الملك لمقمان ُيمّتع أنظار ه بأفواج الجن التي ستحمل الخير إلى الرض. أنه ت الملكة نور السماء إيصدار أوامرها وإمالء توجيهاتها وأشارت بحركة من يدها فأخذت أفواج الجّن تختفي فوجا ً إيثر فوج ،وكان أّول الفواج المختفية فوج مالئكة
الّرحمة من حورّيات الجن الذي سيعيد الصّحة السليمة والجساد المقوّية إلى كافة أبناء الرض. وحين اختف ت الفواج كّلها هتف ت الملكة: »هل رضي ت نفس حبيبي الن؟« تنّهد الملك لمقمان وقّبل الملكة على شعرها: »أشكر ك يا حبيبتي ،أظن أّن همومي ستهون بعد اليوم ،لكن هل لهؤلء الجن قادة يستطيعون أن ين ّ ظموا العمل ويوزعوا المقوى على قارات ودول ومدن ويصحاري ومحيطات وبحار وأنهار الكوكب؟!« »طبعاً حبيبي ،ولن يتركوا مستشفى أو مريضا ً في أّية بمقعة من الرض دون الويصول إليه« »وهل سيكونون ظاهرين يا حبيبتي؟« »نعم يا حبيبي كل هؤلء الحوريات والجن سيكونون ظاهرين في شكلهم النسي الجمل!« »وماذا سيجيبون النا س حين يسألونهم من هم؟« »سيمقولون أّنهم من الجن وأّنهم رسل رسول الخالص الملك لمقمان و«.. وقاطعها الملك لمقمان قبل أن تكمل: »يا إلهي هذا يعني أن البشرّية ستعر ف الن من هو وراء رسل الخالص هؤلء!« »وماذا في المر؟ يجب أن يعرفوا يا حبيبي« ضل أن أبمقى مجهو ً »ولماذا يجب أن يعرفوا كن ت أف ّ ت أّنهم رسلك فمقط« ل ،ياليتك قل ِ »لمقد قل ت لهم ذلك أيضًا« »هذا أفضل ،على القل سيكون رسل الخالص ايثنين بَدلً من واحد« »ل ،بل باليين يا حبيبي وأن ت زعيمهم وأنا زوجتك« »معك ح ّ ق! لن المقوى التي تعمل تح ت إمرتنا الن أيصبح ت مؤِمنة بنا وبرسالتنا ،رغم الختال ف الديني« »بل رسالتك يا حبيبي ونحن لسنا أكثر من مؤمنين بها« »وماذا عن ا؟« »لم أخبرهم أن يمقولوا شيئاً عن ا ،الجن المسلمون سيمقولون أّنهم مسلمون ،والجن المسيحّيون سيمقولون أّنهم مسيحيون ،والجن اليهود سيمقولون أّنهم يهود« »هل يوجد يهود أيضا ً بين الجن الذين أرسلتيهم؟« »أجل يا مولي ،فثّمة جن كانوا يعبدون يهو ه قبل زمن سليمان ومايزالون« »وهل هنا ك من يعبد إيل وبعل وعشتار وَرْع؟!« »بالتأكيد يا حبيبي ،وإن كان مفهوم اللهة قد تغّير عند بعض الجن حسب مفاهيم الديانات والفكار الّروحّية والفلسفّية الالحمقة« »لعَّل بعضهم تأّيثر بزرادش ت وبوذا وكونفوشيو س أيضًا؟« »بالتأكيد يا حبيبي«
»لماذا لم تخبريني هذا من قبل؟« »أخبرتك يا حبيبي أننا تأيثرنا بكل الديان وعبدنا مئات اللهة« »لكن لم تمقولي لي أّنه مايزال بين الجن من يعبدون هذ ه اللهة« »يا حبيبي ،هل نسي ت أن آل ف آل ف الماليين من الجن الُحمر لم يسلموا إل على يديك بعد إسالم الملك شمنهور؟!« »وماذا كانوا قبل ذلك يا حبيبتي؟« »كانوا يهِويين وإيليين وبعليين وداجونيين وِعناتيين وعشتاروتيين وآنيين ومردوخيين ورعويين وأوزيريسيين وأدونيسيين وزيوسيين وغير ذلك!« وُشِد هَ الملك لمقمان وكأّنه يعي ذلك لول مرة: »يا إلهي! آمل أل أجن قبل أن أعر ف أين أنا ومن أنا وماذا ُأريد وكي ف سأحمقق ما ُأريد« »اطمئن يا حبيبي لن ُتجّن« وسمعا يصوت ملك الملو ك يهت ف من عٍل: »مولي انظر يا مولي ،هل نسيتما أّنكما تحّلمقان فو.ق أرض جهّنمية؟!« فهت ف الملك لمقمان: س أيها الملك ،كن ت قد أوكل ت بعض الجنود بمراقبة الرض وإعالمي إذا ما »ل لم أن َ رأوا شيئا ً ُيلف ت الّنظر«. |||||||| كان المركب الملكي يجتاز بعض السالسل شبه المتوازية من الجبال المسننة البركانّية، وكان ت حمم البراكين تتدفق من آل ف الفّوهات في ُسفوح الجبال وتأخذ مجراها منحدرة عبر مئات الّسفوح لتص ّ ب في الودية وتتابع جريانها مشّكلة أنهاراً بركانّية ،يتصاعد منها الّدخان والبخار. أدر ك الملك لمقمان أن مركز التمقاء مجموعة هذ ه النهار البركانية سيكون محرقة جهّنم التي تحّديث ت الّنسوة عنها ،وحين مثل في مخيلته مشهد آل ف البشر وهم يمقذفون الن من العالي في هذا المصب المحرقة ،أمر بالنطال.ق بأقصى سرعة لنمقاذ العدد الكبر منهم ،ولم يكد يصدر المر حّتى كان الموكب فو.ق جهّنم نفسها ،حيث كان ت تلمقى من أعالي الجرو ف آل ف الجساد في آن واحد وقد عال يصراخ وندب وعويل وبكاء ماليين البشر الذين يسيرون أو ُيحملون في مئات الرتال في اتجا ه المحرقة .أيصدر الملك لمقمان أمر ه إلى الجن ليوقفوا الفظائع على الفور ففعلوا ،حّتى أّنهم تمّكنوا من التمقاط بعض الجساد الملمقاة من أعالي الجرو ف قبل أن تصل إلى المحرقة وأعادوها إلى الحياة، ليتوّق ف بذلك العويل وال ّ صراخ. كان ت سلسلة الجبال المسّننة البركانّية تضيق شيئا ً فشيئا ً لينتهي بعضها ،ويمتد بعضها الخر ،لتنتهي إلى يثاليثة سالسل يخترقها نهران تتجّمع فيهما حمم النهار والينابيع البركانية كّلها ،وما تلبث هذ ه السالسل الثالث أن تضيق بدورها لتشكل ما يشبه رأ س الّسهم ،وليلتمقي الّنهران الكبيران ليصّبا في منخفض كبير واسع ،ويشّكال خليجا ً هائالً من الحمم الملتهبة المّتمقدة ،تخللته بعض الصخور الكبيرة الناتئة ،التي كان ت تنتصب وسط
الحمم الغائرة المبربرة ،وقد احمّر لونها دون أن تذوب. وحين أمعن الملك لمقمان الّنظر ،لم يَر نهاية لطول هذا الخليج وعرضه ،فأطبق بيديه على رأسه وهو ل يصّد.ق ما يرى فهت ف إلى الملكة: »يا إلهي ،إذا كان هذا حال جهّنم داجون فكي ف ستكون حال جهّنمنا إذا ما وجدت؟« فهتف ت الملكة: »أرا ك ُعدت إلى ذكر ا كثيراً يا حبيبي؟« »ل أعر ف يا حبيبتيُ ،كّلما ابتعدت عن ا أحسس ت به قريبا ً مّني ،يبدو أّنه يكمن في ت الحق ل أجد كلمة أبلغ من اسمه للتعبير عن هذ ه الهوال التي أعما.ق قلبي ،وإن شئ ِ أراها!« ولم تجب الملكة بل أسهم ت بنظراتها إلى يسارهما – حيث تمتد منطمقة يصحراوّية قاحلة إلى ما ل نهاية وتنتهي إلى الجرو ف الصخرية من ناحية جهّنم – وكلمات الملك لمقمان تتردد في مخّيلتها »كّلما ابتعدت عن ا أحسس ت به قريبا ً مّني ،يبدو أّنه يكمن في أعما.ق قلبي!« من أعالي هذ ه الجرو ف الصخرية المرتفعة ،كان الموكلون بالمحرقة الجهّنمية يلمقون بالبشر أحياء أو بعد قطع رؤوسهم. وكان في هذ ه المنطمقة العديد من الجبال الممقامة من الجماجم البشرية ممن قطع ت رؤوسهم وألمقي بأجسادهم في جهّنم .وبدت وهي تضّج بمئات الرتال من ماليين البشر الذين ينتظرون دورهم – كما يبدو – ليلمقى بهم في المحرقة الجهّنمية. وكان سير هذ ه المئات من الرتال الممقّيدة بالسالسل أو المحمولة على نّمقالت قد توّق ف حين نزل جنود الجن ومنعوا تنفيذ العمقوبات ،فظّل ت الطوابير واقفة في أماكنها، والموّكلون والّسجانون والمساقون ينتظرون مصيرهم .وكم كان بوّد الملك لمقمان أن يأمر الجنود ليفعلوا كّل شيء يريد ه بأسرع وق ت لو لم تكن رغبة شديدة تدفعه ليواجه هؤلء ويتحّدث إليهم ويعر ف المعايصي التي ارتكبوها ليعاقبوا بإلمقاء أجسادهم وجثثهم في النار. أخذ الموكب في الهبوط ناحية الطابور الهائل الّول الذي ايصط ّ ف فيه الماليين من الرجال والشباب .وكان ت حرارة الجو ل ُتطا.ق فسّخرت الملكة قواها وإذا بريح رطبة منعشة باردة تهب. تر ك الملك لمقمان العرش طائراً فو.ق جهّنم وهبط هو والملكة ليمقفا على حافة الجر ف الهائل ،حيث ل يجرؤ أحد على الوقو ف خشية الوقوع في الهاوية ،وكان المكان الذي وقفا فيه – على يصخرة – مرتفعا ً بعض الشيء. كان الرجال في حاٍل أقرب إلى الموت لكثرة ما عانوا من الجوع والتعذيب في السجون وما قاسو ه من اللم وهم يساقون إلى المحرقة تح ت وقع الّسياط ..وكان ت أنصافهم الُعليا ُمعّراة وآيثار الضرب بادية عليها ،حيث ارتسم ت في خطوط حمر كان ت الّدماء تنّز منها، وكان ت أقدامهم تصفد في الغالل الثمقيلة ،وقد وقفوا في رتٍل منتظم شمل أربعين يصفّا ً متوازياً – بمقدر ما أجازت الطبيعة ذلك – امتّد إلى ما ل نهاية يمكن أن يدركها البصر. وكان قرابة أل ف من الموكلين بتنفيذ عمقوبة الحر.ق وقطع الرؤو س يمقفون في حاٍل من
الّذل لتخّوفهم مما قد يحدث لهم من هذ ه المقوى الخارقة التي تمل الّسماء. أشار الملك إلى أحد الرجال الذين أسعفهم الحظ بويصول الجن بالبمقاء على قيد الحياة ،أن يدنو منه. ب في جسد الّرجل ،فتمقّدم ليتوّق ف أمام الملك ويرفع يد ه كان قبس من الحياة قد عاد يد ّ محييًا ،فرّد الملك لمقمان على تحّيته وسأله: »ما هو ذنبكم أّيها الّرجل؟« »نحن من الّثوار وزعماء الثورات الذين استخدمنا سيوفنا للطاحة بالملو ك والولة الظالمين .إّنهم يمقطعون رؤوسنا على هذا الُجر ف ليضعوها على جبال الجماجم ،ويلمقون بأجسامنا إلى الهاوية« وتأّمل الملك لمقمان للحظة قامة الّرجل النحيلة وآيثار الّسياط على يصدر ه وكتفيه ،وهت ف: »بوركتم أيها الرجل وبورك ت سواعدكم وبورك ت سيوفكم ،وبورك ت كل نمقطة دٍم أريمق ت من أجسادكم وأجساد إخوتكم وأبنائكم وشهدائكم« وأشار الملك إلى الملكة وإذا بالسالسل تمقطع من أرجلهم والعافية تعود إلى أجسامهم، ومطر فاتر مصحوب برغوة الصابون ولي ف الستحمام يهطل عليهم من الّسماء! فراحوا يغتسلون ويضحكون ويبتسمون. وما أن فرغوا من تليي ف أجسادهم حّتى أنزل ت الملكة عليهم مطراً فراتا ً راح يغسل أجسادهم ،أتبعته بمناش ف لينّشفوا أجسامهم. وطلب إليها الملك لمقمان أن تلبسهم لبا س الفرسان المسلمين في عهد الّنبي محمد ،ففعل ت، فأشار الملك لمقمان بحركة من يد ه وإذا بهم يمتطون خيولً حمراً وبنّية وسوداً وبيضًا، ويتوّشحون بالّسيو ف ويتسربلون بالّدروع والّزرود ويمتشمقون الّرماح! فهتف ت الملكة نور السماء متعّجبة وهي تنظر إليهم بدهشة وخيولهم تمق ف حسب ألوانها في أبهى انتظام: »هل تعيد إليهم الّسالح يا مولي وأن ت نزعته من كوكب الرض؟« فهت ف الملك ُلمقمان: »سي ف ُأشهر في وجه الظلم ليس من العدِل أن ُينزع!« »لكنك نزع ت سالح الفلسطينيين واللبنانيين والكراد والبوسنيين و«.. »وهل ستحاسبينني الن أّيتها الملكة؟« فأجاب ت دون أن تلوي على شيء: »عفو ك يا مولي!« وراح ُيخاطب المحاربين الثائرين أمامه: ظلم وال ّ »لم أُِعد لكم سالحكم أّيها الرجال إلّ لتفخروا بأّنكم كنتم حملته في وجه ال ّ طغيان ذات يوم ،أّما الن فإّني أويصيكم أل تشهروا سيوفكم من أغمادها ،وأل تطلمقوا رماحكم لراقة دٍم بشري .فالحياة على كوكبكم لن تحتاج بعد اليوم إلى الّدماء ،بل إلى الَعَر.ق والكّد والجهد .يثّمة من سيخبركم فيما بعد من أنا ،ويملي عليكم تعاليمي ويساعدكم في إقامة الحياة الجديدة على كوكبكم« وعاد ينظر إلى الرجل الذي كان يمتطي حصانه متمقّدما ً الخرين وسأله:
»لكن قل لي أّيها المحارب ،أما تزال الثورات قائمة على كوكبكم؟« ص بالماليين »لمقد ُعزلنا عن العالم في سجون جهّنم الّرهيبة يا مولي ،والتي ما تزال تغ ّ من أبناء الكوكب ،ومع ذلك ل أظّن أن رفاقنا قد تخّلوا عن الكفاح بعد أن دفعنا يثمنا ً باهظا ً في الممالك المختلفة« وأشار الملك بحركة من يد ه محيياً الجميع ،فرفع المحاربون رماحهم في استمقامة إلى أعلى رّداً عليها وهم يهتفون معا ً بكلمة »سالم«. وطار الملك والملكة بضعة أمتار ليمقفا أمام الَّرتل الثاني وكان من الّنساء وقارب تعداد ه الّرتل الول. ب في قلوب الموكلين بالعمقاب فتجّمدوا في أماكنهم ،فأشار إليهم الملك كان الّرعب قد د َّ لمقمان وهو يتجاوز بعضهم أل يخافوا ،فلن يعاقبهم« كان رتل الّنسوة ُمعّرى من النص ف الُعلوي أيضًا ،وكان ت آيثار الّسياط وقروح الحر.ق بادية على أيثدائهن. تساءل الملك لمقمان عن ذنبهن فأبلغته إحداهن أّنهن أّمهات وزوجات وأخوات وبنات المحاربين الذين مّر عنهم ،وعمقوبتهن أن ُيلمقى بهّن في جهّنم وهَّن على قيد الحياة .فأمر الملك لمقمان أن ُيجرى لهّن ما جرى للرجال ،وأن يرّكبن على الخيول ويسّلحن بالّسيو ف. وطار إلى رتٍل يثالث من الّرجال ،فتبّين أّنه رتل لمن تمّكن رجال المخابرات والعسس من اكتشا ف أّنهم ل يؤدون الصالة للله داجون ول يترددون على المعابد ،فأمر الملك لمقمان بمعالجة جروحهم وأمراضهم وإكسائهم. ضبطوا يشتمون الله داجون وطار إلى رتل رابع فكان من الّرجال والّشباب الذين ُ وملوكه ،أو ممن تغّيبوا عن الصالة لمّرة واحدة ،فأمر الملك لمقمان بمعالجتهم وإكسائهم. وراح الملك لمقمان يمّر عن الرتال ويأُمُر بمعالجتها وإكسائها دون أن يسأل عن ذنوب النا س ،إلى أن توّق ف عند رتٍل من الّنساء والّرجال الميتين المحمولين على نّمقالت أو ش. ُنعو ٍ كان ت الجثث ممددة على النعوش فو.ق بعضها البعض وكان عشرات الّرجال يمقومون بحمل النعوش الكبيرة منها .تساءل الملك لمقمان عن ذنب هؤلء فُأبلغ أّنهم من النساء والرجال الذين يموتون تح ت التعذيب في الّسجون والمعتمقالت ومشاغل العمال الشاّقة ووادي الجمر والجبل الكبير ،فاحتار الملك لمقمان في أمر ه ولم يعر ف ماذا في ممقدور ه أن يفعل للميتين سوى أن يأُمر بدفنهم بما يليق بإنسانّيتهم ،وقبل أن يمقرر ماذا سيفعل برتل مئات الل ف من الموات لف ت انتباهه الَّرتل الذي يليه ،إذ كان لمئات آل ف الطفال ال ّ صغار الذين تراوح ت أعمارهم بين سن الّرضاعة والثانية عشرة ،وكان الكبار منهم يحملون ال ّ صغار في أحضانهم أو على ظهورهم ،وكان ت أقدام الكبار منهم ُممقّيدة بالسالسل ،وكان الل ف منهم يبكون ويصرخون وقد نحل ت أجسامهم من شّدة الجوع وسوء التغذية ،فأمر الملك لمقمان بأن يصار إلى تحميمهم وإكسائهم من قبل حورّيات الجن ،بعد فّك المقيود من أقدامهم وإعادة العافية إليهم .فأنزل ت الملكة نور السماء قرابة نص ف مليون حورّية شرعن في تحميم الطفال تح ت وابل المطر والصابون المنهطل
من السماء. وما أن جفف ت أجساد الطفال وخلع ت عليهم أجمل المالبس حّتى تمقّدم الملك ُلمقمان من طفلة فائمقة الجمال في حدود الخامسة من ُعمرها ،كان ت ُأختها الكبر منها قليالً تحملها إلى حضنها وتنوء بثمقلها ،فأخذها الملك لمقمان ليحملها عنها ،فضّمها إلى يصدر ه وقّبلها وراح يرّب ت على ظهرها ليهّدء من روعها ويوق ف نشيجها وتنّشغها. »خلص حبيبتي خلص ،يلعن أبو ه داجون كان بّد ه يحرقك في النار؟« فأجاب ت الطفلة وهي تنشج وتتنّشغ: »أ ..أ ..آ ه« »خلص حبيبتي ل تبِك ،لن أدعه يحرقك يا حبيبتي« وأحس ت الطفلة بشيء من الطمأنينة فطّوق ت عنق الملك لمقمان بيديها ،وأخذت تخف ف من نشيجها ،فتساءل الملك لمقمان: »أين بابا وماما يا حبيبتي« فأجاب ت الطفلة بجملة قطعتها نشجة واحدة: »رماهم داجون في النار« كب ت الملك لمقمان انفعالته في دخيلته بمقّوة خارقة وتساءل: »يلعن أبو ه يا حبيبتي ،لَِم رماهم في النار؟« »لنهم ما بحّبو ه« وهت ف أحد الّسفاحين الموكلين بحر.ق الطفال: »هؤلء يا مولي أطفال الثائرين والمعارضين والكارهين للله والملو ك ،والمحكومين الذين ُأحرقوا أو ُقتلوا ،يحرقهم داجون كي ل يتبعوا طر.ق آبائهم حين يكبرون« نزل ت كلمات الّسفاح على قلب الملك لمقمان كطعن السكاكين .فكب ت كل انفعالته وطار محّلمقاً بالطفلة فو.ق الماليين من البشر ،وراح يخاطب الطفلة التي استكان ت إلى أحضانه وألمق ت رأسها على كتفه وهي ما تزال تنشج بين لحظة وأخرى: »ماذا تريدين يا حبيبتي أن ُأحضر لك ،فأنا عندي هدايا كثيرة ،عندي خيول ،وُحصن، وحورّيات ،وعرائس ،وغزلن ،وقطط ،وخرا ف ،وِسخال ،وقصور ،وكل شيء ،وكل شيء تطلبينه سأهديه لك« وراح ت الطفلة تستعرض الهدايا في مخّيلتها وهي تستكين إلى كتفه وُتسهم بعينيها نحو حشود البشر تارة ونحو جهّنم تارة أخرى لترقب فورانها وغليانها والبخار المتصاعد منها ،دون أن تجيب ،فتساءل الملك لمقمان: »لماذا ل تجيبين يا حبيبتي؟« وما لبث ت الطفلة أن هتف ت بجملة قطعتها نشجة عميمقة ونشغة أعمق ،وكأّنها تعّوض بهما عن كل الهدايا: »ما بّدي ..هدايا ..بّدي ..بابا وماما« وأجهش ت بالُبكاء. ضلوعه ،وانفجر بالبكاء وهو احتواها الملك لمقمان إلى ُحضنه وكأّنه يريد أن يدخلها بين ُ
يحّلق بها عالياً وعينا ه تجوبان عبر الدموع الجبال البركانّية ،وأنهار وينابيع الحمم المتدّفمقة منها ،يثم المصب الهادر في الخليج الجهّنمي ،وما لبث أن يصرخ في أعماقه بصوت هائل مستعينا ً مستنجداً بكل المقوى الجنّية التي لديه والتي يعرفها ،فسمع ت الملكة نور الّسماء استغايثته فحمل ت أخ ت الطفلة وهرع ت إليه وهي تصرخ »مليكي« وسمع ملك الملو ك شمنهور والملكة نسيم الريح والميرة ظل المقمر والملك حامينار والملكة شامنهاز وقائد المركبة والعاملون عليها استغايثته فهرعوا إليه وهم يهتفون متفّجعين »مولي« وسمع كّل من في الكوان الُعليا والّسفلى من الجن استغايثته الهائلة فهرعوا إليه يلّبون الّنداء ،وقد هّزتهم يصرخته من أعماقهم وزلزل ت أركان أكوانهم ،فهرع الملك إبليس والملكة بليسة وأعوانهما ،والملك دامردا س والملكة ظل الّسحاب وأعوانهما، والملك نذير الّزلزل والملكة هدباء الجفون وأعوانهما ،والملك قاهر الموت والملكة شمس الربيع وأعوانهما .جميع هذ ه المقوى حضرت لتسّخر طاقاتها وقدراتها الخارقة لنجدة الملك لمقمان ،فامتلت الّسماء ،كل السماء امتلت بالجن على اختال ف مذاهبهم وأديانهم وأفكارهم وفلسفاتهم ،جن مسلمون ،وجن مسيحّيون ،وجن يهود ،وجن هنود، وجن يصينيون وجن أفارقة وجن أمريكيون وجن أوروبيون وجن فر س ،وجن عرب، وجن يابانّيون ،وجن آسيويون وجن أستراليون ،وجن من كافة المذاهب ،احتشدوا في الّسماء بماليين الماليين فضّج الكون ،كل الكون ،بأيصواتهم ،ولم تمر سوى لحظات، لحظات قصيرة فمقط ،حّتى قام ت قيامة الجبال البركانّية وغير البركانية فتفّجرت بميا ه النهار الهائلة العذبة ،وراح ت الينابيع البركانّية تمقذ ف أنهاراً من الماء الفرات بدلً من الحمم ،فانهارت بعض الجبال من جّراء اندفاع النهار من باطنها ،وزلزل ت الرض ،كل الرض في كوكب داجون زلزل ت ،وراح ت النهار الهائلة تطارد حمم البراكين لتص ّ ب في جحيم داجون نفسه .فارتفع الّدخان من جّراء إطفاء الحمم الملتهبة ،وعال ليختلط صراخ وأيصوات الماليين من بالضباب والّسحب المنخفضة ،وتعال ت أيصوات الجّن بال ُ أبناء كوكب داجون بالعويل ،والملك لمقمان يحّلق عاليا ً فو.ق خليج داجون ،حاضنا ً الطفلة بين ضلوعه ،تتبعه الملكة نور السماء حاملة ُأختها ،فملك الملو ك ،فملو ك الجن الُحمر وأفواج الجّن الُحمر ،فملو ك وملكات الجن الخرون ،فأفواج الجن :الجن الّسود بمقيادة إبليس والجن الخضر بمقيادة قاهر الموت ،والجن الزر.ق بمقيادة نذير الزلزل ،والجّن صفر بمقيادة دامردا س ،وكان ت ال ّ ال ّ طفلة تتشّبث بعنق الملك لمقمان وتلتحم بجسد ه ،فسألته: »إلى أين تحملني يا عّما ه؟« فهت ف الملك لمقمان من خالل دموعه: »إلى ماما وبابا يا حبيبتي« ووّد لو يناشد ا بكل أيصوات البشر وأيصوات المالئكة وأيصوات الجن جميعًا ،لكنه لم يشأ أن ُيخي ف الطفلة ،فاستعار اليصوات واكتنزها في نفسه وفّجرها في أعماقه متوّسالً إلى ا: »إلهي ،ما قطع ت ماليين السنين الضوئية ،إل ويحدوني أمل ضئيل في لمقائك ،فأعّني إن كن ت موجودًا ،أعّني ،أِعد الحياة إلى كّل من ُأحر.ق جسد ه في هذ ه المحرقة الّرهيبة ،وأِعد
الحياة إلى الموتى في أرتال النعوش التي كان ت تنتظر الحر.ق ،أِعّني يا إلهي ،أعّني يا إلهي« وما أن فرغ الملك لمقمان من توّسالته حّتى أخذ الّدخان يتبدد وال ّ ضباب يتالشى ،وراح الماء العذب يتجّمع في الخليج بعد أن أطفأ الحمم البركانية وجرفها ليرتفع إلى منتص ف الجرو ف العالية ،وشرع الملك لمقمان في الهبوط ،محّلمقا ً فو.ق ميا ه الخليج ،وهو يتوّسل في نفسه مستصرخا ً ا من أعماقه: »أعّني يا ا ،أعّني يا ا ،أعّني يا ا« وفيما كان يهت ف ويحّد.ق عبر دموعه إلى ميا ه الخليج الفسيح لمح بعض اليدي البشرّية تخبط في الماء ،ومالبث أن شاهد بعض الرؤو س ،يثم مئات اليدي ،يثّم مئات الرؤو س ،يثم آل ف اليدي ،يثّم آل ف الرؤو س ،يثّم أخذ البحر يمتلئ بأيادي ورؤو س البشر ،والجساد ممقطوعة الرؤو س ،آل ف آل ف الجساد ممقطوعة الرؤو س ،وكان ت كل الجساد والطرا ف تظهر للحظات يثم تختفي تح ت الماء لتظهر يثانية ،فأخذ الملك لمقمان يستصرخ المقوى الجنّية في أعماقه: »كونوا مع ا ،أحضروا جبال الجماجم وألمقوها في البحر ،وكونوا مع ا ،كونوا مع ا« فهرع ماليين الجن إلى جبال الجماجم وحملوها وراحوا يلمقونها من السماء في بحر الخليج. أخذت أجسام بشرّية كاملة تندفع من الماء عمودياً إلى أعلى لترتفع قرابة متر وماتلبث أن تسمقط تح ت الماء لتصعد يثانية وهي تخبط الماء ممقاومة الغر.ق ،فبدت وكأّنها أسما ك علمق ت بصنانير الصّيادين. فهت ف الملك لمقمان مّرة أخرى لمقوى الجن: »كونوا مع ا ،كونوا مع ا« فاندفع ماليين الجن إلى الماء ،فيما راح عشرات الماليين الخرين يرددون اسم ا »ا ..ا ..ا ..ا «..وانطلمق ت أيصوات الماليين من البشر – الذين أنمقذهم الملك لمقمان – تردد اسم ا بدورها ،وأخذت الجبال والتالل والّسهول والودية والّسفوح والشعاب والغيوم تردد اسم ا ،ليتردد اسمه في كل الكوان ،ولتضج البوادي برجع اليصوات الهاتفة باسمه. أخذت ماليين الجساد البشرّية العارية تندفع من الماء بشكل عمودي إلى أعلى لتصعد إلى سماء البحر وتحّلق فيه .أجساد رجال اندفع ت ،أجساد نساء اندفع ت ،أجساد أطفال اندفع ت ،أجساد شيوخ اندفع ت ،أجساد فتيات اندفع ت ،أجساد شباب اندفع ت ،وتتابع اندفاعها بالماليين لتمل السماء ،فيما كان مئات الل ف من الموات على النعوش والّنمقالت ينهضون من الموت ويعودون إلى الحياة ويشرعون في ترديد اسم ا .إنس وجّن وأرض وسماوات ،حيوانات وطيور ونباتات ،الحياء ومن ُأعيدوا إلى الحياة كانوا يرددون اسم ا ،في توّحد فريد هائل خشع ت منه الكوان. خلع ت الملكة نور السماء أجمل المالبس على كل من عاد إلى الحياة ،وانطلق الملك
لمقمان محّلمقا ً بالطفلة بين ماليين البشر باحثا ً عن والديها بلهفة ،وهو يهت ف إليها: »الن سنعثر على بابا وماما يا حبيبتي ،ابحثي معي عنهما بين النا س« ورفع ت الطفلة رأسها وراح ت تجوب بعينيها من خل ف كتفي الملك لمقمان باحثة بين ماليين البشر المحّلمقين. حمل الجّن ماليين البشر الذين كانوا يمقفون في أرتال جهّنم ،ليبحثوا عن ذويهم في السماء .حملوا الذين أركبهم الملك لمقمان على الخيول بخيولهم ،التي راح ت تحّلق في ى خفَّية تحملها .وحملوا النساء والرجال ،الطفال السماء دون أن يبدو أن هنا ك قو ً والشيوخ ،الّشباب والشابات ،فراحوا يبحثون عن ذويهم في هذ ه الملحمة البشرّية المتالطمة في الّسماء وسط دموع الفرح واختالط النس بالجن ،والّنساء بالرجال بالطفال بالخيول بالملو ك باسم ا الذي كان يمل الكون. اعتدل ت الطفلة في ُحضن الملك لمقمان وراح ت تبحث عن أبويها من أمامه ،وليس من خل ف كتفيه .وشاء ا أل يبحثا عنهما كثيراً بين ماليين النا س ،فحين كان ت الطفلة تجوب بعينيها ُهنا وهنا ك ،لمح ت أّمها وأباها ،فهتف ت »ماما ،بابا« فسمعتها الم وهتف ت »ماما« وسمعها الب وهت ف »بابا« واندفعا في اتجا ه الملك لمقمان مشرعين أحضانهما ،فاندفع الملك لمقمان بدور ه في اتجاههما. أسلم الملك لمقمان الطفلة إلى أحضان الم ،فيما أسلم ت الملكة نور السماء أختها إلى أحضان الب. انثنى الملك لمقمان على الفور هابطاً إلى الرض وجثا – لول مرة منذ قرابة يثاليثين عاما ً – على ركبتيه ،واضعاً يديه فوقهما ،شاخصا ً بعينيه إلى الّسماء ،فهبط خلفه الماليين وجثوا على ركبهم وفعلوا كما فعل ،إنس وجن فعلوا وعلى اختال ف مذاهبهم ودياناتهم، وحين خفض بصر ه خفض الماليين أبصارهم ،وراح ت العيون ،كل العيون ،عيون النس والجن ،تنظر إليه آملة كلمة منه ،فهت ف وعينا ه تغرورقان بالّدموع: »حين ل يكون ُهنا ك إله ،فليس يثّمة إل ا«
|