سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد | 1 | 115أيلول 2015
www.facebook.com/ZaitonMagazine - zaiton.mag@gmail.com - www.zaitonmag.com
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 1 | 115أيلول 2015
|
|
س��فر الغرق ِ
1
|
ر�أي
|
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 1 | 115أيلول 2015
هل حت�سم الثورة ال�سورية �صراع امل�صائر بني �إيران والعرب ؟
تركي امل�صطفى
ح��وار تاريخي عل��ى م�ش��ارف القاد�سية الأوىل ... ي��روي ابن كثير أن س��عد ابن أبي وقاص، قائد جيش المس��لمين ،أرس��ل رجال اس��مه «ربع��ي ب��ن عام��ر» ليف��اوض رس��تم قائد الجي��وش الفارس��ية قبيل وقعة القادس��ية. ق��ال »:فدخ��ل علي��ه ،وق��د زين��وا مجلس��ه بالنم��ارق المذهب��ة والزراب��ي ،وأظه��روا اليواقيت والآللئ الثمينة والزرابي العظيمة، وعليه تاج��ه وغير ذلك من األمتعة الثمينة ، وقد جلس على سرير من ذهب .ودخل عليه ربعي بثياب صفيقة و سيف و ترس و فرس قصي��رة ،و ل��م ي��زل راكبها حت��ى داس بها على طرف البساط .ثم نزل و ربطها ببعض الوس��ائد ،وأقبل و عليه س�لاحه و درعه ،و بيضته على رأس��ه .فقالوا له »:ضع سالحك !»فق��ال »:إن��ي ل��م آتك��م ،وإنم��ا جئتك��م حي��ن دعوتموني فان تركتمون��ي هكذا وإال رجعت!» فقال رس��تم »:ائذن��وا له !» فأقبل يت��وكأ عل��ى رمح��ه ف��وق النم��ارق ،فخرق عامته��ا .فقال��وا له »:ما جاء بك��م؟» فقال»: اهلل ابتعثنا لنخرج من ش��اء من عبادة العباد إلى عبادة اهلل ،ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور األديان إلى عدل اإلسالم .فأرسلنا بدينه إل��ى خلقه لندعوهم إلي��ه .فمن قبل ذلك قبلنا منه و رجعنا عنه .ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود اهلل .قالوا »:وما موع��ود اهلل ؟»ق��ال »:الجنة لم��ن مات على قت��ال من أب��ى ،و الظفر لم��ن يبقى ».فقال رستم »:قد س��معت مقالتكم ،فهل لكم أن تؤخروا هذا األمر حتى ننظر فيه وتنظروا ؟» قال »:نعم ! كم أحب إليكم ،يوم أو يومان ؟ « قال « :ال ،بل حتى نكاتب أهل رأي رؤساء قومنا ».فقال »:ما سنّ لنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وس��لم أن نؤخر األعداء عند اللقاء أكثر م��ن ثالث ،فانظر في أم��رك و أمرهم. واخت��اروا واحدة من ثالث بعد األجل» فقال : « أسيدهم أنت؟» قال « :ال ،ولكن المسلمين كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعالهم». فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال : «هل رأيتم قط أعز و أرجح من كالم هذا الرج��ل ؟ « فقالوا « :مع��اذ اهلل أن تميل إلى ش��ئ من هذا و تدع دينك إلى هذا الكلب.أما ترى إلى ثيابه ! «فقال »: ويلك��م ! ال تنظ��روا إلى الثي��اب ،وانظروا إل��ى الرأي و الكالم و الس��يرة « .فس��قطت إمبراطوري��ة كس��رى ,وتحولت ف��ارس من المجوسية إلى اإلسالم .
2
احتقان فار�س التاريخي على الرغم من إسالمها ,إيران الخميني لم تخرج من دائرة محاوالتها التاريخية الدؤوبة الس��تالب ال��دور العربي في اإلس�لام ,فمنذ خمس��مائة عام وهي تهاجم الع��راق ,بوابة العرب الش��رقية ,حيث لم يس��تطع اإلس�لام ال��ذي اعتنقته فارس إطف��اء وتخفيف موجة العداء الفارس��ي تجاه العرب الذين يرفضون أن يكون��وا أصح��اب دور تاب��ع في اإلس�لام تحت راية القومية الفارسية بثوبها الشيعي المفصل على قدر مطامعهم ,فاإلسالم الذي دخل فارس أبقى على نظمها شرط أال تمس بالدعوة اإلس�لامية مما ت��رك لفارس حرية التعاط��ي م��ع مقوماتها ,فاس��تظل الفرس ظ��ل اإلس�لام ونم��ت حركتهم كخ��روج عن اإلس�لام ووطدت إيران إس�لاما فارسيا تحت س��تار الش��يعة للرد على العرب الذين دمروا امبراطوريته��م .حت��ى ب��ات التش��يع الرباط القومي للفرس أو صيغة التوحيد لجموعهم في وجه العرب .ولي��س عبثا ما أنتجه الفكر الفارس��ي من إطالق مذاهب دينية متنوعة، تبين فيم��ا بع��د أن هدفها تفتيت لإلس�لام وتحري��ف ل��ه ولمعطيات��ه ,وإس��قاط للدولة العربي��ة األموي��ة ,بثورة فارس��ية قادها أبو مس��لم الخراس��اني ,كان س��قوطها مقدمة المبراطورية عباس��ية مفكك��ة لعب الفرس ال��دور األب��رز في الهيمن��ة عليها .مم��ا أنتج دويالت عديدة متصارعة ,واس��تيالء فارسي على ب�لاط الخليفة العباس��ي ,واس��تعصاء فارس��ي نفس��ي على تقب��ل اإلس�لام الذي صيغ للعرب كما يفهمه الفرس .ومع وصول الخمين��ي للس��لطة في إيران نض��ج الصراع التاريخي بي��ن األمتين على نار التاريخ حيث أنه��ى العرب االمبراطورية الساس��انية على يد الش��عب القبلي البدوي ال��ذي وحده وقاده النب��ي محمد صل��ى اهلل عليه وس��لم ,ومنذ ذلك التاريخ أصبح الهاجس العربي واالنتقام من العرب ش��يئا يدخل في غريزة الفارس��ي وينمو مع حليب األم ,إلى أن استطاع الفرس توظيف اإلس�لام في دائرة الص��راع ليصبح التشيع الفارس��ي بؤرة من بؤر تأجيج الحقد العنصري ضد الرموز العربية التاريخية التي كانت عامال من عوامل إسقاط اإلمبراطورية الفارس��ية .فدخل��ت إي��ران اإلس�لامية ف��ي ح��رب مفتوح��ة ض��د الع��رب من��ذ معرك��ة القادس��ية وحت��ى يومن��ا ه��ذا ,ومن��ذ بداية القرن العش��رين ,والع��رب ,يواجهون متاعب على حدودهم الش��رقية ويعيشون الهاجس اإليراني الذي تحول إلى تهديد ش��به يومي,
ث��م تطور إل��ى حرب ضروس ع��ام 1980م, كان الب��د منها ألنها عب��رت عن حالة احتقان عدوان��ي تاريخي لم يكن من س��بيل س��وى مواجهته بقوة وحزم.
الإ�سالم ال�شيعي �ضرورة ملفهوم «الإرينة» نش��أ اإلس�لام الفارس��ي بم��ا يتناس��ب وبيئته��م ووضعه��م النفس��ي والروح��ي, وترعرع الفرس على ديانة مذهبية ش��يعية كما رس��مها أس�لافهم ال تمت لجذور التشيع العرب��ي بصلة ,والح��رب التي تش��نها إيران الي��وم على دول المش��رق العربي ما هي إال نهاي��ة منطقية لل��دور الصدام��ي التاريخي الذي أهلته الواليات المتحدة ,فجذور الخالف الفارسي العربي قائمة في األصول الثقافية والحضارية والقومية ولم يغير اإلس�لام في أحق��اد الفرس ,بل اس��تطاع الف��رس تغيير المفاهيم األصلية لإلسالم. ومنذ داريوس الكبير وملوك ساس��ان إلى الش��اه عباس وصوال إل��ى الخمين��ي وآياته, كلهم يس��عون إل��ى احتالل المرك��ز األقوى واألهم في المنطقة العربية ,وال تزال عقلية القرن العاشر الهجري تتحكم بسلوكية آيات اهلل. م��ن هن��ا ,أصب��ح همه��م الوحي��د وه��م يتس��للون إلى البالد العربية ,التبشير بوالية الفقيه وتثبيت فكرة اإلمام الغائب والترويج للجمهوري��ة االس�لامية وإث��ارة النع��رات المذهبي��ة وتعمي��ق الحق��د عل��ى الرم��وز العربي��ة التاريخية .وتأكي��د القيادة األجنبية على أرضنا العربية حتى رأينا صور الخميني تمأل مساحات واسعة في بالد العرب بصفته أن نائ��ب اإلم��ام الغائ��ب عل��ى األرض .إذ ّ مراوح الحركة اإليرانية في المنطقة واسعة ومتع��ددة ومتنوع��ة ,ووج��دت أرض��ا خصبة للتبشير بالتشيع السياسي ،فاإلسالم نفسه والسماح الموجود فيه هو الذي ّ شكل المدخل العريض للجموح الفارس��ي ض��د العرب في اإلسالم نفسه ومن خالله ,واإلسالم كما هو معروف ال يس��تقيم دينا للع��رب إذا لم تكن قيادته عربية ,هكذا كان اإلس�لام السياسي المبكر. ولم��ا اس��تطاع األت��راك انت��زاع الخالف��ة, أوجد الفرس مقابلها صيغة اإلمامة العربية مجسدة بآل بيت النبي صلى اهلل عليه وسلم, وطوروه��ا بهاالت م��ن القداس��ة والعصمة وبطنوها بشحنات كربالئية ,وغيبوا اإلمامة العربي��ة مع المه��دي المنتظر ال��ذي أدخلوه في غار بسامراء ,ليقوم مقامه نائب اإلمام,
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 1 | 115أيلول 2015 يتمتع بجمي��ع حقوقه وصفات��ه وصالحياته, ول��م يع��د مش��روطا أن يكون اإلم��ام النائب عربي��ا ,فانتقلت إمامة الش��يعة للفرس بكل هدوء وتنظيم ليكون الخميني على رأس��ها, وم��ن ثم الخامنئي اليوم بصفته نائبا لإلمام والوليّ الفقيه. ويج��د «دوراج» وهو مفكر إيراني معاصر: «أن اإلسالم الشيعي يشكل ضرورة لمفهوم «اإلرينة» أي النزعة القومية اإليرانية« :عبر التاري��خ كان على اإليرانيي��ن أن يتكيفوا مع ثقاف��ات الغ��زاة ،ومنه��م العرب ،لك��ي يبقوا على قيد الحياة. وم��ع ذلك يش��كل ه��ذا جانب�� ًا واح��داً من تط��ور الهوية الثقافي��ة اإليراني��ة .أما البعد اآلخر من هذا التطور فقد تجلى في الس��عي الحثيث لتشكيل هوية إيرانية مميزة .ومع أن المضمون اإليديولوجي لهذه الهوية الجديدة قد تأثر ،وبش��دة ،بثقافة المحت��ل ،وباختيار المذه��ب الش��يعي مقابل المذهب الس��ني، فق��د آث��رت أقلية م��ن اإليرانيي��ن ،أن تختار هوية إسالمية مميزة .وبعد التشيع اإلجباري الذي بدأ ع��ام ،١٥٠١دعمه وعي قومي في نهاي��ة القرن التاس��ع عش��ر ،تمكن التش��يع م��ن تثبيت موقع��ه أكثر في الحي��اة الثقافية اإليراني��ة ،وب��ات ج��زءاً ال يتجزأ م��ن الهوية القومية اإليرانية» لذل��ك اس��تخدموا التش��يع ف��ي إط��ار عالقاته��م الخارجي��ة عل��ى نطاق واس��ع بما يخدم المش��روع اإليراني في المنطقة .فمنذ وص��ول الخميني إلى الس��لطة ف��ي طهران, متأثرا بتجربة اليهود في فلس��طين ,س��مى دولته في الدستور ,إيران الشيعية الفارسية, على غرار إس��رائيل اليهودية ,وكما عصابات الهاغانا الصهيونية ,أوجد عصابات الباس��يج والح��رس الث��وري ,التي قتل��ت وهجّرت كل من ل��م يقبل بحكم��ه الديني الش��يعي .وما حديث��ه ع��ن الق��دس وفلس��طين ,وخطابه الث��وري المع��ادي ألمي��ركا والغ��رب ,إال ممرا لتخدير المشاعر العربية والتسلل بهدوء إلى المشرق العربي ,لكسب قطاعات واسعة لدى الرأي العام ،واس��تقطاب الش��ارع لخلق بيئة مناس��بة لتقبل الدور اإليراني اإلقليمي عبر هذا الباب ,وكانت التقية السياسية “المستندة لتقي��ة ديني��ة ه��ي صل��ب الفق��ه الخامنئي للمذهب الش��يعي” وس��رّا أساس��يا لنجاحات إي��ران وتحقي��ق مطامعه��ا ,وي��رى الباح��ث اإليران��ي والخبي��ر ف��ي السياس��ة الخارجية اإليراني��ة في طه��ران «فرزاد بيزيش��كبور» ف��ي مقال ل��ه بعنوان «إيران ومي��زان القوى اإلقليمي»:
|
ر�أي
|
إلي��ران م��ن أي طرف آخر ،وب��د ً ال من صدّام لدين��ا اآلن رئيس عراقي غي��ر عربي وفخور بمعرفت��ه وإتقان��ه اللغ��ة الفارس��ية ،وعدد كبير من أعضاء الحكومة العراقية والبرلمان العراقي كانوا قد أمضوا س��نوات طويلة في إيران وأنجبوا أوالدًا لهم هنا ودخلوا مدارس طه��ران وتعلموا به��ا .كذلك يحتل الش��يعة اليوم ف��ي العراق ولبن��ان والبحري��ن مواقع مهمة داخل األنظمة السياسية لبلدانهم مما يعطي إي��ران كنتيج��ة لذلك الي��د العليا في المنطقة «.
ش��يعية ( نبل والزهراء ,والفوع��ة وكفريا ) وغيره��م من الش��يعة في س��ورية ,وألحقوا العلويين بتيارهم الش��يعي ,باعتبارهم من ذيول الشيعة ,ولهم النفوذ األكبر في الدولة الس��ورية ,لجذبه��م إلى فلك س��لطتهم عبر ضخ أوهام وخرافات تاريخية للثأر من أحفاد معاوية الذين قتلوا الحس��ين ,فتولوا تخريب س��ورية لصال��ح إي��ران والقتال ضد ش��عوب دولهم في إطار التبعية لها كمرجعية شيعية, وجعلهم حطب ووقود إيران الفارس��ية فقط كونهم ال يستحقون سوى الموت في سبيلها مقاب��ل حفن��ة م��ن الم��ال اإليران��ي والمتع األخرى.
من��ذ ان��دالع الث��ورة الس��ورية ف��ي العام 2011م ,وإي��ران تتدخل في الش��أن الداخلي الس��وري على ش��كل إره��اب مذهبي تفتخر به إيران ويظهر ذلك من خالل إرسالها قوات م��ن الح��رس الث��وري وإيعازه��ا لوكيلها في لبنان حس��ن نص��ر اهلل بالتدخل العس��كري المباش��ر في سورية وتجنيدها آلالف الشيعة م��ن مختل��ف أصق��اع المعمورة للح��رب ضد الس��وريين باعتبار س��ورية قاعدة أساس��ية لها ,وللنفوذ في سائر المنطقة .ونافذة على المتوسط ,وتمكنت عبر سورية من أن تصبح جارة إلسرائيل من جهة لبنان ,مما يعني أنها تس��عى لتجس��يد ما يس��مى الهالل الشيعي الممت��د م��ن إي��ران فجن��وب الع��راق وصوال لدمش��ق وجن��وب لبن��ان والقلم��ون وحمص والساحل.
وبذل��ك أدى الش��يعة الع��رب أدوار التبعية الدينية إليران الفارس��ية ضد أوطانهم تحت س��تار االنتم��اء للديان��ة الش��يعية ب��دال من االنتماء لألمتين العربية واإلس�لامية ،ونجح الخمين��ي وملحق��ه خامنئي في جع��ل إيران مغناطيس��ا يج��ذب غالبي��ة الش��يعة الع��رب ويتبع��ون لدول��ة ف��ارس ديني��ا وقوميا على حساب أمتهم ودينهم وأوطانهم .وبذلك ف� ّإن
�سيا�س��ة البط���ش الإيرانية �ض��د ال�سوريني وم�س�ؤولية العرب
ولتحقيق هذا المش��روع دفعت إيران بكل قوته��ا وأحقاده��ا الرت��كاب أبش��ع المج��ازر, وعاث��وا في س��وريا فس��اداً ,فقتل��وا وذبحوا وتدخل��وا ف��ي أدق التفاصي��ل داخ��ل البالد، بحج��ة حماي��ة األماك��ن الديني��ة ونص��رة لمحاليفها في محور المقاومة .وش��رعوا في ترس��يخ نفوذه��م ف��ي س��ورية ,باإلغراءات المالي��ة والجنس��ية عب��ر زواج ( المتع��ة ) لتجنيد الشباب ,وبالقتل الممنهج على خطى العصابات الصهيونية وبالتركيز على مناطق
حرب �إي��ران يف منطقتنا العربي��ة ,هي حرب بني الع��رب والفر�س بد�أت يوم ذي قار وتعاىل غباره��ا يف القاد�سية ,وال ت��زال مفتوحة على م�صراعيه��ا دون ح�سم ,ي�صط��رع فيها التاريخ بكل زخم��ه واختناقه ,وامله��م �أن �إيران التي تبحث ع��ن دور لها قدمت تن��ازالت معروفة يف ملفها النووي ,وم�ستعدة للتنازل �أكرث ,وللقيام ب��دور �أبعد من الذي تقوم به �إ�سرائيل لتدمري املنطق��ة العربية ,مم��ا يحتم عل��ى ال�سوريني جمابهة امل�شروع الإيراين ،ويحتاج هذا بداية �إىل قط��ع �أذرع �إيران من املنطقة وعلى ر�أ�سها ح��زب اهلل ,ويبق��ى ال�س���ؤال مفتوح��ا بر�س��م العرب: هل حت�سم الثورة ال�سورية �صراع امل�صائر بني العرب والفر�س ؟.
«إن النظام العراقي بقيادة صدام حس��ين ل��م يعد موج��ودًا الي��وم ،أما النظ��ام الثاني المع��ادي إلي��ران والمتمث��ل بنظ��ام طالبان األفغاني فقد تم التخل��ص منه .واليوم فإن الق��ادة الجدد للعراق وأفغانس��تان أكثر قربًا
3
|
تقارير زيتون
|
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 1 | 115أيلول 2015
كل من ال يهاجر اىل دولة اخلالفة فهو مرتد وكافر حممد عالء ال يزال تنظي��م الدولة يضيق الخناق على المواطنين في مناطق سيطرته في محافظة الرقة معقل التنظيم في سوريا ،حارمًا إياهم من أبس��ط مقومات الحي��اة ،وذل��ك رداً منه على عدم التحاق من تبقى منهم في صفوف مقاتليه ،الذين يخسر منهم يوميًا العشرات، تصل جثثهم من العراق وتدمر وأماكن أخرى يقاتل فيها التنظيم ،حيث انقطعت الكهرباء عن المدينة منذ الـ 21من أغس��طس 2015 حتى األن ،كما شهد شهر أغسطس رفع سعر الخبز مرتين على التوالي. خلي��ل وه��و ناش��ط اعالم��ي متخفي في الرقة تحدث لـ زيتون عن األوضاع في الرقة: لق��د تم رف��ع س��عر الخبز مرتين خ�لال هذا الشهر ،والحجة انه ال طحين ألن القمح قليل، وبذات الوقت نش��اهد الش��احنات التي تنقل القمح من أراضي الرقة الى مناطق س��يطرة ق��وات النظام ،لتباع للنظام ضمن اتفاق غير معلن بين تنظيم الدولة ونظام األسد. نحن نح��رم من خيرات أرضن��ا ليتم بيعها للنظام من أجل غايات خاصة بالتنظيم الذي ال يهمه س��وى مؤيديه ،فه��و ال يعطي المواد االغاثي��ة اال لعناص��ره وال يوزع ال��زكاة التي يجبيها من أهالي الرقة اال لهم أيضًا ،والحجة أن كل عائل��ة يوجد فيها ش��اب فال بحق لهم المس��اعدة أو ال��زكاة ،وعلي��ه أن بعم��ل هذا الشاب أو يبايعهم كي يستطيع العيش ،أو أن يهاجر خ��ارج المدينة ،وهذا م��ا فعله معظم شباب المدينة ،واألن تمشي في شوارعها فال تج��د إال قل��ة قليلة من ش��بابها ،وكل ما تراه ه��و مقاتلي التنظيم وعائاله��م والمقاتلين المحلي��ن المبايعين للتنظيم وهم يلبس��ون لباس التنظيم ويحملون السالح. أما س��عد وهو أحد أصح��اب معمل صناعي ف��ي الرق��ة تح��دث أيض��اً ل��ـ زيت��ون ع��ن الصعوبات التي يعاني منها من قبل التنظيم وع��ن الضرائب والمبالغ الت��ي يتوجب دفعها للتنظيم فيقول: كنا نعيش أيام جميل��ة ومثالية في الوقت الذي كان الجيش الحر يسيطر على المدينة، فال أحد يطلب منك شيء وال أحد يقترب منك، وكان عن��دي عدة عائالت أقوم بمس��اعدتهم بما يقسم اهلل لنا ولهم ،أما األن حين سيطر التنظيم عل��ى المدينة ،فأصبح يطالبنا بدفع مقابل المي��اه والكهرباء والنظاف��ة ،وآخرها كان طل��ب ال��زكاة ،حيث أصبح جاب��ي الزكاة يحاس��بنا عل��ى مق��دار الفضة ولي��س على الذهب ،كي يأخذ منا مبلغًا أكبر ،وصل لثالثة
4
أضع��اف ما يأخذ من��ا على القي��اس بالذهب «ال��زكاة تق��اس على المبال��غ الربحية ويأخذ منها نسبة محددة على كل مبلغ يساوي 100 غرام من الذهب» ،أم��ا الكهرباء فقلما تأتينا ما يجبرنا على تشغيل المولدات ورفع تكلفة البضاعة وبتالي يكون المواطن هو الخاس��ر الوحيد من هذا األمر. كما تحدث عدنان وهو عامل اغاثي سابقاً، أن الجمعي��ة التي كان يعم��ل بها كانت تعيل 1000عائلة شهريًا ،معظمهم من القاطنين ف��ي العش��وائيات ،وكان يوج��د ع��دد م��ن الجمعي��ات الت��ي تعمل الى جانبنا لمس��اعدة تل��ك العوائ��ل الفقي��رة ،علم��اً أن األوض��اع ف��ي الفترة الت��ي كان الجيش الحر يس��يطر عل��ى المدين��ة أفضل بكثير عم��ا هو الوضع األن ،لق��د كان هناك داعم��ون يزورون الرقة ويجلب��ون الدعم له��ا ،كما أن اله�لال األحمر كان يجل��ب المس��اعدات الدولي��ة المخصصة للرق��ة بش��كل دوري ،األن ال يوجد أي ش��يء مما كان ،سوى مكتب اإلغاثة التابع للتنظيم، والذي يضع شروطًا تعجيزية على المواطنين المس��تفيدين من المواد التي يقوم التنظيم بتوزيعه��ا ،وه��ي أن ال يكون عندهم ش��بان ف��ي المن��زل حت��ى ل��و كان��وا عاطلي��ن عن العمل ،وليس لهم أحد خارج مناطق سيطرة التنظي��م ،وأن ال يمل��ك منزل آخر أو س��يارة خاصة أو عامة. ورأى عدن��ان أن مثل هذه األعمال ليس��ت س��وى للضغ��ط عل��ى المواطني��ن المتبقين ف��ي المدين��ة ،لالنضمام للتنظيم أو ارس��ال
أبنائه��م الي��ه ،فالتنظيم ال يكت��رث من أين يأمنون معيش��تهم في ظل هيمنته على كل مقوم��ات الحياة في المدين��ة ،كما أن معظم الذي��ن ما زالوا ف��ي المدينة إم��ا فقراء وهم الش��ريحة األكبر والت��ي ال تمتلك المال االزم للخروج ،وإما ش��ريحة مس��تفيدة م��ن التجار وأصحاب المطاعم الذين زاد عملهم بنس��بة جيدة م��ن مقاتلي التنظيم طوابير أمام تلك المطاعم ،يأكلون ما لذ وطاب في ظل وجود طاب��ور طوي��ل بالمقابل تحت حر الش��مس، أما المطبخ اإلغاثي الذي يقوم بتوزيع طعام مطبوخ ،ال يشبه الطعام أبداً. التنظي��م دوم�� ًا م��ا يطال��ب المس��لمين بالهجرة ال��ى «أرض الخالفة» وهو غير قادر عل��ى تأمين أبس��ط المقومات له��م ،من ماء وكهرب��اء وخبز وعمل ،وه��و المتحكم برأس المال بشكل كبير في المدينة ،وعليه كل من ال يهاجر ال��ى مناطق س��يطرة التنظيم فهو كافر ومب��اح الدم والمال بالنس��بة للتنظيم، وه��م بنظره��م كل م��ن عل��ى وج��ه الكرة األرضي��ة وليس بمناطق س��يطرة التنظيم، أم��ا كاف��ر أو مرت��د مباح ال��دم ،ويس��تدلون بحدي��ث رس��ول اهلل في صحيح مس��لم« :أنا ب��ريء م��ن كل مس��لم يقيم بي��ن ظهراني المش��ركين» ،ودومًا ما يتغنون بهذا الحديث، من أجل الس��يطرة على أم��وال وأرواح الذين يقيمون بمناطق سيطرة النظام أو بالمناطق المحررة أو الذين هاجروا الى تركيا أو أماكن أخرى خارج سوريا ،هرب ًا من بطش التنظيم الجائر.
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 1 | 115أيلول 2015
حترير زيتون
|
تقارير زيتون
|
تقدم جديد لتنظيم الدولة يف حميط مارع
يواص��ل تنظي��م الدول��ة تقدم��ه عل��ى جبهات الريف الش��مالي لمدينة حلب ،محاو ً ال الس��يطرة على مدين��ة مارع وط��رد الجيش الحر منها ،ليس��جل تقدماً جديداً بس��يطرته عل��ى ق��رى حرب��ل جن��وب م��ارع ،وس��ندف ش��مال غرب مارع ،ومنطقة المداجن والبراد ش��مال ش��رق مارع وهي أقرب نقطة وصلها التنظي��م بالقرب من م��ارع ،وحرجلة ودلحة وخربة على الش��ريط الحدودي شمال مارع، وذل��ك بعد معارك عنيفة خاضها التنظيم مع مقاتلي الجيش الحر ،وسط اتهامات للتنظيم باس��تخدام الغ��ازات الس��امة ض��د مقاتل��ي الجيش الحر. وتكمن أهمية الس��يطرة على حربل جنوبًا وسندف شمال غرب ومنطقة البراد والمداجن ش��مال شرق بأنها تضيق الخناق على مدينة مارع وتشدد من حصار التنظيم عليها والذي ب��ات من ث�لاث جهات ،م��ع بقاء منف��ذ وحيد للمدينة ،وهو طريق الش��يخ عيسى المؤدي لبل��دة ت��ل رفعت غرب��ًا ،والذي ال يس��لم من رش��قات م��ن الرشاش��ات الثقيل��ة للتنظيم، لعرقل��ة دخ��ول وخ��روج الجي��ش الح��ر الى المدين��ة ،بينما ال توجد أهمي��ة كبيرة للقرى األخ��رى ،الواقعة على الش��ريط الحدودي مع تركي��ا ش��مال المدين��ة ،والتي تعط��ي عمقًا اضافي�� ًا للتنظي��م عل��ى الش��ريط الحدودي واالقت��راب أكث��ر من معب��ر باب الس�لام مع تركيا ،والذي تس��يطر عليه الجبهة الشامية، وال��ذي يقع ق��رب مدين��ة اعزاز الت��ي يطمح التنظيم للوصول اليها. وبالع��ودة لتفاصيل العمليات العس��كرية، ف��أن التنظيم قد بدء هجوم��ًا قوياً بعيداً عن مارع ،عندم��ا هاجم دلح��ة وحرجلة والخربة ق��رب الح��دود ،ليقوم بأش��غال الجيش الحر، ال��ذي استش��هد من��ه في تل��ك الق��رى ما ال يقل ع��ن 30مقات ً ال ،ليق��وم بعدها بمباغتة الجي��ش الح��ر بقريتي س��ندف وحربل و في منطقة البراد ،ويفجر س��يارة مفخخة وسط م��ارع ،أدت الستش��هاد أحد المدنيي��ن ودمار كبير في الممتلكات الخاصة ،واس��تطاع عدد م��ن مقاتل��ي التنظيم الدخول ال��ى األطراف الش��مالية الشرقية من المدينة ،لكن الجيش الحر استطاع القضاء عليهم ،وقتل مجموعة مؤلف��ة م��ن 18عنص��راً م��ن ق��وات النخبة والذي��ن يعتمد عليهم التنظي��م لالقتحامات، قضى أحدهم ذبحًا بسكين كان يحملها على أيدي مقاتلي الجيش الحر بعد اصابته. ويع��د ه��ذا التقدم ه��و الثالث م��ن نوعه
للتنظيم في المنطقة المحيطة بمدينة مارع خالل الشهر المنصرم ،حيث سيطر التنظيم في الـ 10من أغسطس على قرية أم حوش بريف حلب الشمالي ،والتي تقع جنوب مدينة مارع وش��مال مدرسة المش��اة بعد اشتباكات عنيفة وتفجير سيارة مفخخة وتفجير مقاتل لنفس��ه بتمركزات لمقاتلي الجيش الحر في القرية. وس��يطر التنظي��م أيض�� ًا ف��ي ال��ـ 14من أغس��طس على قرية تاللين االس��تراتيجية ش��مال مدينة م��ارع بري��ف حلب الش��مالي، وذلك بعد اشتباكات عنيفة استمرت لساعات بين مقاتلي التنظي��م ومقاتلي الجيش الحر والنص��رة و الت��ي آزرت الجي��ش الح��ر رغم إخالئها لمواقعها بالمنطقة. ويأت��ي هج��وم التنظي��م بع��د ي��وم واحد فقط من هجوم الجيش الحر وجبهة النصرة وجبهة أنص��ار الدين على ق��وات النظام في قرية باش��كوي بغية تحريرها ،وإبعاد ش��بح الحص��ار عن مدينة حل��ب ،وفتح طريق حلب اعزاز الذي يمر بمنطق��ة المالح ،حيث تقدم الجيش الحر واستطاع السيطرة على القرية
بع��د تمهيد ن��اري مكثف وقص��ف لتمركزات ق��وات النظام والميلش��يات الموالية لها ،لكن س�لاح الجوي وال��ذي دوماً ما يؤخ��ر ويعرقل تق��دم الجي��ش الح��ر ،ق��ام بقص��ف مكثف للقرية ،ما أجبر الجيش الحر على االنس��حاب مجدداً منها. كما شهدت مدينة حلب في األيام الماضية، اش��تباكات بين ق��وات النظ��ام والجيش الحر عل��ى جبهات حلب المدينة ،والتي كانت باردة من��ذ م��دة طويل��ة ،كجبه��ات أحياء س��ليمان الحلب��ي وك��رم الجبل وس��يف الدولة وصالح الدي��ن ،والت��ي ش��هدت مح��اوالت م��ن قوات النظ��ام التقدم ،حيث نجحت في التقدم على جبهتي صالح الدين وس��يف الدولة ،س��رعان ما استعاد الجيش الحر النقاط التي خسرها، ف��ي حين س��يطر الجي��ش الحر عل��ى مبنى اإلطفائي��ة وملحقات��ه وعل��ى دوار الصاخور قرب ثكن��ة هنان��و بالكامل ،بعد اش��تباكات خاضها الح��ر ضد قوات النظام في المنطقة، فيما فجرت ق��وات النظام نفقاً لمقاتلي الحر كان يعدونه لتفجير مبان��ي تتمركز بها تلك القوت،ما أدى الستشهاد خمسة مقاتلين من الجيش الحر.
5
|
ح�سني جرود
تقارير زيتون
|
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 1 | 115أيلول 2015
ال�شباب ال�سوري بني الإتكالية والإبداع
زمان.. اعت��اد المواطن الس��وري أن يقوم النظام الس��وري الشمولي بتكفل أموره جميعها من المه��د إلى اللح��د ،وكانت خطواته مدروس��ة ودوافعه معروف��ة وآفاقه مح��دَّدة وخياراته ممحيَّ��ة .كان��ت الحي��اة ف��ي س��وريا تش��به تراجيدي��ا يوناني��ة قديم��ة ِّ يمثلها اإلنس��ان المعاص��ر ،أو َّ يتمث��ل خطوط��اً وضع��ت ل��ه ويتبعه��ا لتصب��ح الحي��اة عب��ارة ع��ن لعب��ة مس��ارها مرس��وم بدقَّة .فقد ح��وَّل النظام حياة المواطن الس��وري إلى قصة الفأر الذي يتب��ع قطعة الجب��ن .يدور الفأر ف��ي الدوالب اللعب��ة دون أن يتح��رَّك الف��أر ،أو تتح��رَّك قطع��ة الجبن ،فحياته كلها عبارة عن ركض خلف أهداف مرس��ومة بعناية ،ومس��تلزمات الحياة األساسية كانت أقصى طموحاته ،ولم يُس��مَح له باالس��تقالل والمبادرة واالبداع، فالزم��ن هو الدوالب الذي ينزلق تحت أقدامه من غير أن يتحرَّك ،وال بأس من التأكيد على أن الم��ادة الثامن��ة بالدس��تور ،وحكم الحزب ُّ وتس��لط األم��ن على العب��اد كان له الواحد، أكبر األثر في غي��اب اإلبداع ،والفعل المدني بشكل جماعي ،وحتى فردي. تعليم يول��د الطف��ل وتتكف��ل الدول��ة أم��وره جميعه��ا ،ما يش��اهده وم��ا يراه وم��ا يفعله. آرائ��ه ف��ي القضاي��ا االجتماعي��ة والديني��ة والسياس��ية مبرمجة بعناية ،على نهج قائم على االعتدال والتوازن والضرورات التاريخية واالعت��زاز بالماض��ي الجمي��ل والصمود في وجه التحديات والسعي للغد األفضل ،ويقوم النظام بتعليمه مجانًا ،مع الش��ك بقيمة هذا التعلي��م في ظروف اقتصادية س��يئة ،وبنية اجتماعي��ة متعب��ة ومحبط��ة تجع��ل الف��رق بين الفكرة والتطبي��ق ،كالفرق بين األرض
والس��ماء .يتعل��م الطف��ل بس��رعة معن��ى َّ ويترك��ز هدف��ه عل��ى الخيارات االس��تحالة، المتاحة.
شخصيات النظام .وحتى من حاول االستقالل لم يسمح لهم العمل على هواهم ،وتعرَّضوا كل حين للمساءلة األمنية.
كانت الدراس��ة في س��وريا مجرد وس��يلة لبل��وغ الجامعة ،والجامعة وس��يلة للتوظيف، أو التط��وُّع بالجيش،وكله��ا خط��وات عل��ى س��لم معروف ،والهجرة والعمل بالخليج حلم أغل��ب الش��باب .وال يدخل الس��وري الجامعة الت��ي يريدها ،بل الت��ي تؤهله عالماته على دخوله��ا ،وال يجد في الجامعة دراس��ة عملية شيِّقة ،بل كتبًا سميكة ترجمت بشكل سيء منذ عقود ورتِّبت كيفما اتفق ،وبين مزاجية أس��اتذة الجامع��ة وعقده��م واضطرابه��م، يع��رف الطال��ب أن الجامعة ليس��ت أكثر من وسيلة لبلوغ الوظيفة ،وليست وسيلة للفهم.
وإذا كان��ت ه��ذه الديكتاتوري��ة والص��وت األوح��د والقم��ع والكبت أدت ف��ي النهاية إلى االنفج��ار ،فإنه��ا قب��ل ذل��ك أدت إل��ى تخلف المجتم��ع اجتماعي�� ًا وثقافي ًا .لك��ن األهم من ذل��ك حرمان الش��باب الس��وري م��ن االبداع وممارسة ما يحب واختيار عمله ووظيفته.
التقاعد المبكر َّ يتوظ��ف الش��اب المتخ��رِّج بعمل بع��د أن روتيني معيَّن سنواتٍ عديدة ،قد ال يستطيع بعده��ا القي��ام بعم��ل آخ��ر .حتى ل��و امتلك الخبرة ،فقد ال تس��عفه الشجاعة ،أو ال يملك الم��ال الكافي للبدء بعمل خ��اص .وكثيراً ما كنَّا نرى المتقاعدين يعانون من اضطرابات نفس��ية واكتئاب وخيبة ،بعد مفارقتهم عم ً ال اعتادوه سنين طويلة ،وتغيير نمط حياتهم. يجلس الش��خص ف��ي حوالي عمر الس��تين ليكتش��ف أنه بال هواي��ات أو فاعلية أو قيمة، فيلجأ للتحكم بأفراد أس��رته بحثًا عن سلطة زائف��ة ،أو يك��ون الدين وحس��ن الخت��ام ح ً ال لتمضي��ة بقية هذا العمر القصير الخالي من اإلثارة والفعل الخلاَّ ق. قب��ل الث��ورة ل��م يق��دم عل��ى االس��تقالة أوالتقاع��د المبكر ،إال بعض األش��خاص من ذوي الطم��وح ،ليبحثوا عن فرصهم بالس��فر أو العمل الخاص .فيما اختار آخرون مشاركة
التقاعد المبكر فرصة! الغريب ،أن الكثيرين لم يستفيدوا من هذه الحرية! ،وهذا االنفصال ع��ن النظام! ،حتى اآلن ،فل��م يتح لهم عمل ما يريدون ألس��باب أمني��ة واقتصادية.قد يبدو أننا ال نفصل بين العمل واإلب��داع ،وذلك عن قص��د ،فال يوجد مج��ال يحبه، أح��د إال ويتمن��ى أن يعمل في ٍ ويكس��ب رزقه من خالله ،ولكن اعتدنا على هجرة الرسامين ألمريكا ،والكتاب إلى لندن، والسياسيين المعارضين إلى فرنسا في ذلك العهد ،وكأن الحياة ببالدنا مرتبطة بتراجيديا القدر التي تحدثنا عنها ،ويستحيل فعل شيء خ��ارج النمط ،فق��د الكثير من أرباب األس��ر وظائفه��م خ�لال س��نوات الث��ورة ،وأصبحوا عاطلين عن العمل في وضع كارثي تعيش��ه الب�لاد وكان أمامهم عدة حل��ول :كاللجوء أو بدء مش��روع صغير لم��ن يملك بعض المال، أم��ا الوظائف عل��ى اخت�لاف مصادرها فهي ن��ادرة .ووض��ع الموظ��ف المفص��ول يختلف عن وضع الش��اب فقد ت��رك وظيفته بأقصى درج��ات عطائه ،وف��ي الوقت ال��ذي كان فيه يحص��د فيه ثم��ار س��نوات من التع��ب ،فمن الصعب الب��دء من جدي��د ،والتجريب بأعمال مختلفة مع مسؤولياته كرب أسرة. الشباب تتعالى األصوات عن أس��باب هجرة الشباب م��ن س��وريا .وال ب��د أن الفق��ر ،والبطال��ة، واالس��تبداد ،والقصف كلها عوامل س��اهمت بهذا األمر .التقينا ببعض الش��باب لنس��ألهم عن الموضوع: مدينة وريف أش��ار حسام -شاب موسيقي –إلى اختالف البيئ��ة بي��ن المدينة والري��ف ،وكيف يصعب القيام بكثير من األعمال في الريف .حس��ام كان يعي��ش ف��ي دمش��ق ،وع��اد لريف حلب بع��د ب��دء الثورة،وق��ام بتحوي��ل دكان ورثه ع��ن وال��ده إلى مقه��ى صغير« :كن��ت أعرف أنني أترك طموحاتي ،وأحالمي بعودتي إلى
6
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 1 | 115أيلول 2015 البل��د .ف��ي دمش��ق ،يمكن لثالثة أش��خاص إنشاء فرقة ،والعزف في الحفالت ،وحتى في الحدائق ،أم��ا هنا ،فالع��زف جريمة في هذا الوضع! ».يتساءل حس��ام»:هل هذا التدخل الزائد في حريات األش��خاص سبَّب رحيلهم؟ وكيف تمنع أشياء في المناطق المحررة وهي مسموحة في مناطق االستبداد األسدي؟». المنظمات التواص��ل صعب مع المنظمات ،والش��للية منتشرة ،والمال السياسي أفسد حتى العمل الفن��ي الث��وري العف��وي الب��ريء ال��ذي كان تطوع��ا في بداي��ات الثورة.تس��مع مثل هذه الجمل باستمرار. (أ) -رس��ام م��ن محافظة إدل��ب -كانت له مش��اريعه الفنية ،ويعمل في أحد المشاريع الخاص��ة .بعد بدء الثورة توقَّ��ف عن العمل، َّ ليتس��لى فق��ط .ق��ال ف��ي وحالي��ًا يرس��م حديث��ه لزيت��ون« :وصلتن��ي ع��دَّة عروض من َّ منظم��ات للعمل ،ولكن دائما األمور غير واضح��ة .يقولون(:اعم��ل معن��ا ،وس��نكوِّن فري��ق ،ونحص��ل عل��ى الدعم ).ال أس��تطيع تضيي��ع وقتي ،وجهودي هكذا في المجهول. وق��د رأي��ت أم��ام عيني كي��ف أن أناس��ًا في منظم��ات لهم عالق��ات قوية ،حص��دوا تعب جميع العاملين في المنظمة ،وأحيانا يُطردُ مؤس��سُ المش��روع م��ن قب��ل ش��خص له عالق��ات ».ونتس��اءل مج��دداً هل اس��تبدلت كلمة صاح��ب نفوذ في زم��ن النظام بكلمة صاحب عالقات في زمن الثورة؟. الوضع األمني يتخرج طال��ب الجامعة اآلن وال يعود لبلده بس��بب القصف ،وعدم وجود أفق لوظيفة أو عمل ،وال يستطيع البقاء بمكان جامعته في دمش��ق أو حلب ألن تأجيلة الجيش ستنتهي مدته��ا قريباً ،فيذهب أغل��ب المتخرجين إلى تركيا كحد أدنى على أمل الس��فر ألبعد من ذلك. قد يقال أن األس��باب الت��ي ذكرناها مجرد ذرائع للهجرة ،وتظهر اتكالية واضحة ،ولكن من الواضح أن المش��اريع ،واألعمال المنجزة من الشباب بش��كل فردي قليلة ،فهل تتوفر البيئة المناسبة للعمل في المناطق المحررة؟ وهل المناطق المحررة تتمسَّك بأبنائها؟ أم عل��ى العكس تضيِّق عليهم وتجبرهم على الهروب؟.العق��اب الذي تتع��رض له المناطق المح��رَّرة ال يوص��ف ،ولكن ه��ل يعني ذلك التخل��ي عنها بع��د أن حصلت عل��ى حريَّتها وتركها للمجهول؟ يب��دو أن اللج��وء ،أو ب��دء مش��روع تجاري خ��اص بميزاني��ة صغيرة ،وف��ي وضع أمني صع��ب تحت القص��ف هما الح�لان الوحيدان لغالبية المفصولين عن وظائفهم وللش��باب المتخرجين الجدد.
|
�آدب
|
مكامن الريح حممد حاج ح�سني ً ثوب أمي لكي ال أجوعَ قصصتٌ قطعة من ِ يوم ًا ,ومازلتُ محتفظ ًا بقارورةٍ جمعتها من ع��رق أب��ي والذي م��ازال يخرجُ من مس��امه ِ ليصنعَ دربنا . خرجتً مع الريح ,من مدافن الريح ,س��ابح ًا ف��ي األفق كـ نطفةٍ بين آالف س��ابحات ,كلنا ُ نبحث عن بويضةٍ في مكانٍ اليش��بهُ نطاف طهار َة ما خرجنا منهُ َ أول مرة . ً حقيبة خرج��تُ ب�لا حقيبةٍ ٌكب��رى ,كان��ت وبع��ض األس��ماءُ ,كل ووطن تتس��عٌ لحل��م ِ ٍ ٍ ش��مس أول مع جفت حقيبت��ي األس��ماء في ِ ٍ أثره��ا م��ن الباق��ي وتبخ��رَ الصح��راء ف��ي ِ لك��ي اليُح��دِث الص��دى ،حملتٌ قيث��ار ًة من ص��وتِ حبيبتي كي التنهش��ني ذئابُ الوحدة بكل النطاف التي نصبت المتربصة بي ،بناِ ، خيامها في المنافي . خرج��تُ منتع ً ال درب��ي المجه��ول ,بقياس واحد وعش��رين س��نة ويومان للذكرى أحدها محرق��ة والثاني موارا ُة جثثٍ في قبور صارت ترف�� ًا ,واآلن زادَ عمري مجازرَ وقتلىً أخرين غير الذين نصبوا خيامهم في غياهب الوطن, تح��تَ زرق��ة الس��ماء المفتوح��ة للصواريخ والطائرات وشظايا السيارات المفخخة .
قدوم الناقالت كلها. اطفا َءالسيجارةِ عندَ ِ
الري��ح معبرُ مفت��وحُ لاللتفاتات الخاطفة, ُ ورحل��ة بين الماض��ي والق��ادم ,ال حاضرَ لنا ُ ولون س��وى ما يمنُ علينا به ش��ريط األخبار ُ التراب بعد المج��ازر أو االعدامات الكرنفالية, عبور متجددة ,أمس ال حاضرَ لنا ألننا تذاكرُ ٍ ً ُكن��ا هناك واليومَ نكون هنا وغدا س��تضيقُ الهاء لتقتل كلنا .
خرج��تُ بال صيغةٍ مح��ددة ,خرجتُ مدعي ًا َ الداخل مني كل ش��يء ,بش��قي االدعاء ،في ِ ٌ وقاتل و مسعفٌ ،في داخلي كاذبٌ وصادقٌ، ضدي الثابت وفي خارجي تذبذباتٍ كلما مرت عليها الريح تتغير وجوه السحالي. خرجتُ أس��بُ نفس��ي وألعنُني ,كما خرجَ ُكل أولئ��كَ الذي��ن باعوا أحالمه��م في مزادٍ لجدائل للب��ر ,لعي��ونِ علي��ا, للبح��ر علن��ي, ِ ِ ٍ لنواقيس باألل��م, مكتظةٍ لحان��اتٍ كاللي��ل, ٍ وم��آذن متآكل��ةٍ ,لج��درانِ المبك��ى صامت��ة َ الممت��دةِ م��ن الحُلم ال��ى الحُل��م ,بعنا َ كل الن��وم في ش��ي ٍء لك��ي ال نفقدَ رغبتن��ا في ِ حضنُ البويضةِ الس��ابحةِ ف��ي البعيد ,حين فيأذن لنا كي يدنو األف��قُ منا ,يأتي بظله��ا, َ نخرجَ من جديد .
زادَ عمري هامش�� ًا ورويً مترنح ,ال عربي َ اله��ول وال أعجم��ي ،روي م��ن لغ��ةٍ تج��ذبُ َ والوي��ل من بعي��د ,تفت��رشُ األرض قصائد لقبح يشبهُ هذا محالة بالس��كر وأقالم معدة ٍ الزمان . زادَ عم��ري وانحس��رت مع��هُ الحقيب��ة, حس��اب الوطن الذي ما خس��رتُ حُلمي على ِ ُ الحاجز نفس��ه عند حقيبت��ي يعب��ث ف��ي زال ِ والمقات��ل نفس��ه ,عن��دَ نفس��ه والش��رطي ِ ُ حملة بنادق ولو حامل الحقيبةِ نفس��ه ،كلنا ِ َ رائحة البارود لننسى في الخيال ,كلنا نشتّم حليبَ األمهات ,كلنا نَع��رفُ بعضنا جيداً فال بتبادل النظرات لكي ال نكثرُ الكالم ,ونكتفي ِ نوقفَ ضحكاتِ الريح بيننا أو فينا . َ ُ ألق��ول وداع ًا ألحد, رغبة خرج��تٌ وما ب��ي َ الحزن ويعتصرَ الدمع يحاول أحدهم أكرهُ أن َ ليق��ول ألق��اك ,أك��رهُ المعانقة في س��اعاتِ االلتف��ات للقطار أو الحافلة ,كما أكرهُ ونكرهُ
7
|
فنون
|
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 1 | 115أيلول 2015
ملت�صقون ب�أ�سفل القاتل ب�شار ف�ستق ظهر بش��خصيّة «كارلوس» مع أوائل من عملوا ف��ي التلفزي��ون الس��وريّ صيف عام ،1960ومنهم :نهاد قلعي ورفيق الس��بيعي ومحمود جبر ،بلباس مكس��يكيّ فيما يشبه رع��اة البقر (الكاوبوي) وكان يغنّي «بوش��ار تسمّمت يابهيّة» كما قدّم برنامج منوّعات كوميديّ خفيف مع نهاد قلعي بعنوان «سهرة ّ وظ��ل دريد لحّ��ام يقدّم نفس��ه دمش��ق»، به��ذه الش��خصيّة حتّى ظهور المسلس�لات التلفزيونيّ��ة مث��ل «حمّ��ام الهنا»و»مقالب غ��وّار» إذ اعتم��د الش��ريكان (دري��د ونهاد) ثنائيّة (غوّار وحس��ني) على قال��ب الثنائيّ السينمائيّ الشهير (لوريل وهاردي)*. اس��تمرّت ش��خصيّة «غ��وّار الطوش��ة» تلفزيونيّ��اً وس��ينمائيًّا ومس��رحيًّا ،رغ��م مح��اوالت قليلة ج��دّاً من طرف دري��د لحّام للخ��روج عنه��ا مث��ل مسلس��ل «أح�لام أب��و الهنا» عام ،1996إذ س��رعان ما عاد إليها من القبقاب وحتّى الطربوش ،مهما كانت الفكرة ألن «غ��وّار» أصبح مطلوبًا المُ��راد طرحها؛ ّ ومارك��ة مس��جّلة ،عل��ى مس��توى الس��وق الدم�شقي الفنّيّ��ة العربيّ��ة ،ومل يعد ذل��ك ّ
�صاح��ب املقالب ،بل �صار مواطن ًا عرب ّي ًا م�سحوق ًا خا�ص��ة يف م�سرح ّي��ات حم ّمد املاغ��وط ،لدرجة ّ ّ ّ � ّأن مع��د ومق��دم الربامج مروان �ص�� ّواف قارن ال�سينمائي بينه��ا وبني �شخ�ص ّية املت�ش�� ّرد للف ّنان ّ حلام ب�أنهّ العاملي «�شاريل �شابلن» ،وو�صف دريد ّ ّ «�شابلن الع��رب» ،يف مبالغة م�ستغربة من مث ّقف كال�ص�� ّواف يُفرت�ض �أ ّنه يعرف الف��رق ال�شا�سع بني :م��ن يتل ّقى هديّ��ة رفعت الأ�س��د �شخ�ص ّي ًا وعلى خ�شبة امل�سرح بعد عر�ض م�سرح ّية «�ضيعة ت�شري��ن» (الهديّ��ة كان��ت كال�شنك��وف مطلي بالنيكل) ،وب�ين الف ّنان «�شابل��ن» الذي نا�ضل يف جميع �أعمال��ه ّ �ضد الديكتاتوريّ��ة والنازيّة ّ ّ وا�ستغالل الإن�سان� .أي �أن الفارق الذي ي�شكل انعدام �إمكان ّية املقارنة بني رجل �إعالم ال�سلطة ومروّج «انت�صاراتها» ،وبني ف ّنان �أثار التناق�ض ال�سيا�سي للواليات امل ّتحدة ب�أكملها. ّ
فف��ي لق��اء متلف��ز بُعي��د قي��ام الث��ورة الس��وريّة ف��ي ،2011دافع دري��د لحام عن قمع جيش األس��د للش��عب الس��وريّ بقوله: «مهمّ��ة الجيش ليس��ت محاربة إس��رائيل»، ثمّ شتم س��فراء النوايا الحس��نة لدى هيئة األم��م المتّح��دة (وكان واحداً منهم) وش��تم ّ المفكرين واإلعالم بكلمات بذيئة. كان اإلفالس بادٍ عليه قبل ذلك بس��نوات، حين أشاع بأنّه اعتزل ثمّ عاد ليسوّق نفسه
8
ك��ـ «مق��اوم» والتص��ق بح��زب اهلل بصورة إعالميّ��ة رخيص��ة (ص��ورة فوتوغرافيّ��ة وهو يرم��ي أحجاراً ف��ي الجن��وب اللبنانيّ)، وظهر كمقدّم برنامج اعترف بأنّه مس��روق «الأنفي أنّه ملطوش من قنوات أمريكيّة». وحرص «دريد لحام عل��ى الظهور في جميع المناس��بات على شاش��ة التلفزي��ون ،مهنّئ ًا «رئيسه» ومستلماً الجوائز واألوسمة. يمك��ن وص��ف دري��د لح��ام بأنّ��ه رج��ل ذكيّ أو ش��اطر أو أنّه يع��رف من أين تؤكل الكتف ،وغي��ر ذلك من تلك المه��ارات ،لكنّ األب��رز بينه��ا هي مقدرت��ه عل��ى البقاء في كن��ف النظ��ام _ مهم��ا كان��ت طبيع��ة ه��ذا النظ��ام _ متصنّعًا انتقاده ف��ي الوقت ذاته، أو م��ا اصطل��ح عل��ى تس��ميته بالتنفي��س! أن أعماله المس��رحيّة فق��د أدرك الكثي��رون ّ تتّس��م بانتقاد لمفاصل السلطة كأشخاص وأمراض ،مثل المسؤولين أو البيروقراطيّة، لك��نّ ه��ذه االنتق��ادات تقف قب��ل أن تصل إل��ى العائل��ة الحاكم��ة ،ويُ��كال التمجيد إلى «القي��م» التي يب ّثها «القائ��د» عبر توجيهاته مثل «الشهادة والش��هداء» ،لتُزاح االنتقادات التي وردت حول القضايا الخدميّة كالصحّة، أو وتُستبدل بش��عارات وطنيّة وقوميّة عن
تحرير فلسطين المغتصبة! وتأتي الخواتيم الميلودراميّ��ة مث��ل أغنية «بكتب اس��مك يا ب�لادي» في مس��رحيّة «كاس��ك ي��ا وطن» لتزيل ّ كل القضايا المطروحة خالل العرض، بما فيها الحرّيّ��ة ،فاالعتقال والتعذيب الذي عولج أص ً ال بأس��لوب سطحيّ كما في مشهد التعذي��ب بالكهرباء ،حين قال غوّار« :وصلت الكهربا لقف��اي وما وصلت لضيعتنا» ،يصبح ّ كل ذلك ال ش��يء أمام كتابة اسم البالد .في الوق��ت ال��ذي كان جي��ش النظام ف��ي لبنان يس��رق األرواح واألم��وال م��ن ّ كل الفئ��ات اللبنانيّة والفلس��طينيّة! باسم فانتازيّ هو قوّات الردع العربيّة! ما زال دريد لحّام وأمثاله ممّن يلتصقون بأسفل النظام كواحدة من أدواته اإلعالميّة يقوم��ون بدوره��م ف��ي تس��ويق األكاذي��ب والقيام بمحاوالت فاشلة للتمويه عن حقيقة الجرائم المرتكبة ،وبوقاحة أكثر ،ممّا وضّح تركيبة هؤالء المدّعين للفنّ ،وهم ش��ركاء القاتل. هامش: *انتهى الثنائيّ عام 1951
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 1 | 115أيلول 2015
|
�شخ�صيات
|
الـفـ ّنــان �ســعــد ي َ َـكــن عبد الرزاق كنجو
واكت�شافه احلياة امل�ش ّوهة
وتفاصيل��ه معتم��دا أيض��ًا عل��ى الفانتازي��ا البصريّ��ة الت��ي اعت��اد عل��ى تحقيقه��ا في معظم أعماله الفنيّة التي أوجدت إش��كالية كبرى ف��ي الفنون التش��كيلية وعلم الجمال بشكل عام.
ف��ي مدين��ة حل��ب كان مقه��ى القص��ر كالقفص بال أسالك ,يرتاده أشهر المبدعين والكتّ��اب والفنانين ,حيث يج��دون فيه الجوّ الثقاف��ي والحدي��ث المش��ترك ,والتجان��س والتق��ارب ف��ي النظ��رة المس��تقبلية للبالد وللعال��م أجم��ع ,والحريّة في ط��رح وتبادل األفكار والسلوك. ف��كان ل��كل منه��م طاولت��ه المح��دّدة, ويتعمّ��دون أن تك��ون مالصق��ة للج��دران الداخلي��ة البعي��دة عي��ن أعي��ن الم��ارة ف��ي الش��ارعين المط ّلي��ن م��ن خ�لال الواجه��ات الزجاجي��ة الكبي��رة والتي كت��ب عليها ً بخط ظاه��ر ( الصّـال��ة مكـيّـف��ة ) .وه��ي ميّزة ٍ كان��ت نادرة في أواخر الس��تينيات من القرن الماضي. كان اليغي��ب ع��ن ذل��ك المقه��ى ك ً ال من المب��دع لؤي كيالي والكات��ب المتنوع اإلنتاج وليد إخالصي والكاتب المسرحي عبدالفتاح قلعج��ي والفن��ان س��ــعد يك��ن ال��ذي ه��و مقصدن��ا الي��وم بكلمات ق��د ال توفيه بعضًا من حقه. ذل��ك أن س��عد يكن ق��د يك��ون أصغرهم سنّا لكنه كان يتنقل بينهم بسمعه وبصره ويس��توعب كل مايقال حوله ,وبصمت كبير كان يع��دّ نفس��ه وطريقت��ه بالتعبي��ر ف��ي لوحات��ه التي يح��اول جاه��داً أن التكون أقل تميّ��زاً عن ل��ؤي كيالي في لوحات��ه القريبة من روح الشعب وطبقاته المنهكة الفقيرة. لذلك أراد أن يضيف مبالغة وتضخيم ًا لما يريد الوصول إليه من خالل تش��ويه وتحوير معال��م الوجوه البش��رية التي ه��ي موضوع لوحاته كلها. ومهم��ا يك��ن الفارق بي��ن اإلتجاهي��ن إ ّ ال أنن��ي أتلمّ��س خيط��ًا مش��تركًا يرب��ط بين صوت األنين والوجع الذي يجمع بين إنتاجهم جميعا من تصوير حزين أو رواية مأس��اويّة أو مسرحية الالمعقول. ولقد اعتمد طويال على تجسيد األسطورة في أقصى حاالت التعبير عن جماليات الحدث
ل��م يعت��د الفنان س��عد يك��ن عل��ى انتاج لوح��ات متفرق��ة المواضيع وخاص��ة بعد أن انطل��ق بانتاج��ه الفن��ي وانتش��رت أعمال��ه المش��اركة دائما في المعارض داخل سوريا أو ف��ي المع��ارض الخارجية ,ب��ل راح يعتمد عل��ى العمل إلنت��اج مجموعات م��ن اللوحات تحمل اله��مّ والموضوع الموحّد لذلك جاءت مجموعات��ه تح��ت اس��م األيقون��ة الحلبيّة, وملحم��ة جلجام��ش ,وأل��ف ليل��ة وليل��ة, والطوف��ان ...وغيرها وذلك ألنّ��ه كان يريد أن يعبّ��ر بأفكاره ع��ن مجموعة من القضايا التي اليتس��ع سطح اللوحة الواحدة لها وهي مجتمعة .وغالبا ماتتميز وجوه لوحاته مب�سحة
م��ن احل��زن والك�آبة الت��ي التفارقه��ا حتى يف موا�ضيع الأفراح ــ هذا �إن و ُِج َد الفرح ــ . ف�ألوان��ه �شبه موحدة الأل��وان والدرجات. ومهما حاول العمل على �شفافيتها �إ ّال � ّأن املتلقي �سي�شع��ر دائما ب�أ ّنه��ا خمنوقة تري��د �أن تتحرر وتنطلق خارج �إطار اللوحة.
وإن ما يزيد انغالق وحبس عناصر اللوحة ّ اعتم��اده على رس��م عناصرها بخط أس��ود غليظ ,يحدد كل جزء منها بخطوط متداخلة ومتش��ابكة ,وبذل��ك يزيد م��ن الضغط في س��طح ال ّلوح��ة وحب��س العناص��ر بش��كل مأساوي. لكن��ه بالمقاب��ل كان يس��عى لتصمي��م لوحاته وط��رح مواضيعه المختلفة ,وتناولها من زوايا حادّة الفتةٍ يغنيها بإضاءاتٍ ّ مركزة على األجزاء المعتمة في موضوعاته دون أن يفقدها خصوصيتها معتمداً على الدراما في المش��هد لتحقيق المتعة لعين المشاهد من جهة ولبصيرتة الذهنيّة من جهة أخرى.
كم��ا كان يش��اهدها ف��ي مناظ��ر األف�لام الس��ينمائية ,بينما يجد لوحات س��ـعد يـكـن صادمة تبع��ث على التفكي��ر وتحليل الهدف ال��ذي أراده من خالل التحوير والتش��ويه في األجس��اد والوجوه على السواء ,وهذا ماكانت تتفهمه وتس��توعبه النخبة المثقفة الواعية أكثر من س��واها ,ألن لوحاته لها جوٌ خاصٌ م��ن حي��ث الش��كل والمضم��ون تمي��زه عن غيره من التش��كيليين المعاصرين المحليين والعالميي��ن ألن��ه يق��دم اعم��ا ً ال أق��رب الى العبثيّ��ة والغموض ..إنّم��ا بخلفية واقعيّة محبّبة. قال عنه األديب وليد إخالصي : « س��ـعد يـكن هو األمين الوف��يّ للذاكرة الت��ي ل��م تك��ن ش��رقيّة وال غربي��ة ,هجم بريش��ته ورؤيت��ه عل��ى ماض��ي الحكاي��ات, ليجع��ل منها حاض��راً ..س��يكون مس��تقب ً ال, فكأنما يضعنا هنا في مس��يرة التواصل بين األزمان ». لعل الفنان س��عد يكن قد استبق األحداث الدامي��ة الت��ي نعيش��ها اآلن ف��ي س��ورية المنكوبة ,وش��اهد بعين��ه الخراب الذي حدث ألحياء مدينته في حلب. فصوّر المآس��ي قبل حصولها وانعكاسها عل��ى م��ن تبق��ى م��ن األه��ل واألصح��اب, والمنازل التي انهارت فوق س��اكنيها مخلفة كارثة التـنمـحي تركاتها ,لذلك ترك مدينته التي عش��قها أكثر من جميع مدن المعمورة, وهاجر الى بيروت بعد أن شاهد تشويه ًا في الواق��ع ,فاق ماكان يري��د أن يوصله إلينا من خالل أعماله السابقة. ومهما كان��ت لوحات��ه صادم��ة لنظرنا إ ّ ال أنّـه��ا تحمل دالالت تعبيري��ة غريبة ,تلتقي مع أف��كار الروايات المأس��اوية ومس��رحيات االمعقول الهادفة.
له��ذه األس��باب كان النّـاظـ��ر المتأم��ل لمواضيعه يقف حائراً ليس��أل نفسه السؤال الصعب - :ماذا يريد سعد يكن أن يقول؟ لقد اعتاد ــ موطنن��ا العاديّ ــ أن يتلمّس الجّم��ال بالمقايي��س المعت��ادة والتمت��ع بمش��اهدة ال ّلوحات السّ��ياحية الكالس��يكية والمناظ��ر الطبيعيّة التي تس��تهوي بالعادة أصحاب الصالونات الفاخرة لتزيينها ,ولتكون قطع��ة ظاه��رة م��ن الديكورالباه��ر ,تمام ًا
9
|
وجهة نظر
|
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 1 | 115أيلول 2015
مفهوم املواطن الدجاجة ،ال�شهرة ولعنة التفاهة عبد الكرمي �أني�س ف��ي موج��ة التهجير الكبي��رة ،والت��ي تعد أكبر كارثة انس��انية حتى اآلن على مس��توى العالم،والت��ي طال��ت الس��وريين المدنيي��ن، ألسباب مباش��رة متعلقة بتعمد وقح من قبل المجتمع الدولي،عبر تمكين عصابة األسد من جعل األوض��اع األمنية أكث��ر انفالت ًا وخطورة جراءالس��ماح لها،بترخيص غي��ر معلن ،لكل أنواع األسلحة التي يمكن أن تخطر ببال أحد، ضد الس��وريين المدنيين ،عندما قرروا أنهم لم يع��ودوا يقبلون به قي��داً يطوق أعناقهم، كم��ا مس��تقبلهم ،خصيص�� ًا المناط��ق التي خرجت عن س��يطرته المباشرة ،وكذلك أيض ًا ف��ي المناطق التي باتت مس��رح ص��راع بينه وبي��ن المعارض��ة ،الت��ي اضطرت للتس��ليح ض��ده ،للدفاع عن مناطقها واس��ترجاعها من سيطرته االجرامية. وكذلك أيض ًا أضحت الثورة السورية،معبراً مرّ عبره بعض الذين كانوا يحلمون بالخروج م��ن الوط��ن الس��وري ،فاقتنص��وا الفرصة، وتمكن��وا م��ن تحقي��ق حلمهم بالخ��روج من قوقعة الس��لطة الس��ورية الت��ي كانت تخنق أحالمه��م .لق��د كان بي��ن ه��ؤالء المهجّرين الكثي��ر م��ن نت��اج النظ��ام األس��دي المجرم ف��ي أس��وء مخرجاته ،س��واء ناص��روا الثورة أو عارضوه��ا أو كان��وا حياديي��ن رماديي��ن فيها ،تملكته��م األنانية وحب الذات ،الجش��ع واالستماتة على اقتناص الفرص ،مع سذاجة بالتعاط��ي مع الش��ؤون االجتماعية ،وتحميل كل أخط��اء التربي��ة االجتماعي��ة ،على كاهل وظهر القس��مة والنصيب ،وكان األسوء نتاج ًا هم المنقطعون عن مجري��ات وكيفية تدبير ش��ؤون الحياة التي تجري في عوالم مختلفة التي كانت تبدو وكأنها تجري في كوكب آخر، ب��ل وس��بقتنا بمراحل زمنية كبي��رة بتنظيم نفس��ها ،وكيفي��ة ق��راءة معطي��ات محيطها، وكي��ف تتعام��ل مع��ه عب��ر توظي��ف أجه��زة اعالمه��ا ،ال��ذي لم نع��رف منه غي��ر وظيفة واح��دة ،أال وه��ي التمجيد للس��لطة الحاكمة والقائ��د األوحد ،للدرجة الت��ي يمكن اختصار رمزية اللقاء بهذه األجهزة ،على اعتباره بوح ًا بمدى الوالء ،وبأبش��ع الصور القميئة،وبكالم مك��رور وتاف��ه ،وغي��ر ذي قيم��ة ،للعصاب��ة الحاكم��ة ف��ي س��وريا ،وه��ذا انعك��س على المتلقي السلبي أص ً ال والذي ال يستطيع سوى التفاع��ل بخض��وع مع ه��ذا الجه��از المؤدلج لصالح ترس��يخ المزيد من ال�سفاهة وال�سذاجة
ا�شع��ال واطف��اء النور علي��ه يف املدجن��ة الكبرية ال�شهرة ،وليك��ون الالجئ الهارب م��ن لظى اجرام الأ�سد وتعمد اغما�ض الع�ين عنه ،من قبل املجتمع امل�سماة الوطن. في ب�لاد يعامل فيها اإلنس��ان وكأنه رقم الدويل ،جم��رد باحث عن تبدي��ل «موبايله التافه من األرقام ،يتوق البعض ،ليكس��روا جدران كتفاهت��ه مع �شريكه» بموبايل ذكي آخر .ال ريب القفص ،ليحصلوا على االهتمام الذي تثيره الش��هرة بي��ن الن��اس ،مهما كان ض��رر ذلك بالغ ًا عليه��م ،من حيث ال يدرون وال يعلمون، حيث ال يمكن للس��اذجين أن يتخيلوا مقدار ما يمك��ن أن تك��ون عليه الحال حي��ن يصبحون في دائرة الضوء ،وأص� ً لا هم ال يفهمون من دائرة الضوء س��وى نيل بعض الش��هرة بين الساذجين أمثالهم ،وال يدركون حجم ومقدار الض��رر واألذى ال��ذي يمك��ن أن يتس��ببوا به حين يتب��ادل صانعوا القرار عباراتهم الغبية، وكيف تؤثر مثل هذه العبارات بترس��يخ صور يدف��ع الكثي��ر م��ن المختلفين عنا ثمن�� ًا غالي ًا كي يرس��خوها نمط ًا مرك��زاً يمكنهم عبرها التنصل من واجباتهم األخالقية واالنس��انية تجاه قضاياهم المشروعة.
نج��د المحظور يقع لدى بع��ض الذين بات لديهم متابعين ويؤثرون في متابعيهم سواء عب��ر االنس��ياق وراء الش��عبوية ومزاجاته��م المتقلب��ة عب��ر تكري��س مفاهي��م االنتق��ام أو ال��رأي ال��ذي يتب��ع االنفعال وموج��ات المد ال��ذي يعتم��د على أف��كار طارئة غي��ر أصيلة ف��ي مجتمعاته��م أص ً ال .كل ذل��ك يحدث بناء عل��ى لعن��ة ش��هوة (االعج��اب) على ج��دران المواقع االجتماعية (الفيس��بوك) أو (التغريد) واالس��تزادة م��ن المتابعي��ن عل��ى (التويتر). وبذا يتش��ارك هؤالء ش��هوة المنبر أو صاحب الس��لطة الذي يتوقع دوم ًا من الطرف المتابع أن ينصت وأن يتابعه بدون تفكير. ال يمكنن��ي أن أتعاط��ف م��ع غب��اء س��يولد موج��ات من التقص��ي والتس��اؤالت ومراجعة الحس��ابات ،خصيص�� ًا على مس��توى قناعات، دف��ع كثي��رون لقاءها الثمن غالي�� ًا ،بل وغالي ًا جداً ،لقاء تبديل واقع جدّ أليم ،حيث في دول اللجوء يكون االس��تقصاء االعالمي ألي مواد احصائي��ة ،تظه��ر وكأنه��ا استش��راف للواقع و تمحي��ص للحقائ��ق على ش��كل دراس��ات، تتعامل بموجبها شرائح المجتمع مع الوافدين اليه��ا هرب ًا م��ن اجرام عصابة األس��د أو على كونه��ا جماع��ات قادم��ة لني��ل اس��تحقاقات اقتصادي��ة ل��م يكون��وا ش��ركاء فيه��ا .وهذا ما ح��دث تمام��ًا يف تقري��ر �أعدته قن��اة ال تت�سم
لتكري���س مفهوم املواط��ن الدجاجة ،ال��ذي ي�أكل باحلي��اد وال باحلرفي��ة كم��ا تدعي ،هي قن��اة البي وي�شرب ويبي���ض ح�سب احلاج��ة ،وي�ستفيق ح�سب بي �س��ي ،لتكون �شريك ًا مع غب��اء امل�ستحدثني بنعمة
10
أن فيديو االعتذار لم يعد ينفع وهذه الحادثة تش��به أيض ًا أولئك الذين تحدثوا عن حلمهم المس��روق ف��ي الث��ورة الس��ورية وكي��ف أن مخرجة س��افلة ،قامت باستخالص مقتطفات تتناس��ب مع ايدولوجيتها المناص��رة لعصابة األس��د ،ومن ثم لتوظفها ف��ي محاربة الثورة ومعتنقيها الذين دفع��وا أثمان ًا باهظة كبيرة لقاء اعتناقهم اياها.
عموم ًا وخصوص ًا لدى الساذجين والباحثين ع��ن النش��وة الس��ريعة،كالتي يحصده��ا الف��راش الباحث عن األضواء ،يش��اهد الكثير م��ن المتراكضين باتجاه حجز مقعد في عالم األض��واء ،وال��ذي يس��فك في س��بيله الكثير من المبادئ ،ويس��فح ف��ي طريقه الكثير من الكرامة والقيم ،بل ويؤذي الكثير من الناس، تصب��ح تل��ك المتع��ة المؤقت��ة من الش��هرة جحيم ًا ،يؤرق مضاجع من خاض في غمارها، غير مق��درّ لنتائجها ،وبالتال��ي يضطر أناس آخ��رون لألس��ف أن يدفع��وا فات��ورة باهظة الثم��ن كان وراءه��ا أمث��ال أولئ��ك التافهي��ن والتافه��ات ،ويك��ون النت��اج احتراق�� ًا س��ريع ًا ليس ذاتي ًا ،فحسب بل مع أضرار جانبية أكبر للمحيط الذي يعيشون فيه.
سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد 1 | 115أيلول 2015
|
هموم
|
مباذا يفكر اجلالد؟ �أحمد فرج تب��دأ العملي��ة باحت��كاك بس��يط كفع��ل تمهي��دي ..تحمي��ة ..غالب��ا ما تك��ون صفعة بس��يطة معتدل��ة على وج��ه الضحي��ة أو أن تكون وض��ع اليد على الرقبة لتحس��س مدى صالبته��ا أو صالب��ة حاملها فم��ن المهم لدى الجالد تقديره لمدى قوة المجلود وال سيما إن كان الع��رض أمام جمهور م��ن رفاقه ،ترافق تلك التحمية قليل من األسئلة العبثية التي ال تنتظر اإلجابة ..كل ما يرغب به هو استحضار الغض��ب والكراهي��ة ..مايري��ده بالضبط هو تهيئة جسده للحقد قلبه.
جتهيز امل�سرح قب��ل أن يص��ل الغض��ب ب��ه ال��ى درج��ة العم��ى يحاول دائما أن يجد المكان المناس��ب والوضعية المناسبة للضحية وغالبا ما نراهم وه��م يس��حبون الضحايا م��ن ياقاته��م الى أماك��ن مختلفة أو دفعهم الى وضعيات أخرى كما يفعل المخرج بتجهيز مسرحه. كن��ت أراهم وه��م يجرونه��م ذات اليمين وذات اليس��ار وأتس��اءل لم يتحركونهم بهذا الشكل لم ال يجهزون عليهم بأسرع وقت .. المكان والوضعية مهم جد بالنسبة للجالد فم��ن الضروري أن يتيح له المكان والوضعية أكبر مس��احة من جس��د الضحية ومن المهم أيض��ا أن تؤمن له الس��يطرة الكاملة عليه إذ أن حركة الضحية بش��كل مغاير لما يرغب به قد يفسد العملية برمتها وتنتهي بشكل غير مرضي له. ومن المفارقات أن الضحية يتجاوب بشكل رائ��ع مع الجالد في طلبات��ه إذ يعتقد بأنه قد يكس��ب بعض الس�لامة بتنفي��ذ إرادته غير م��دركا لما يخطط له الج�لاد وجاهال بالوقت نفسه حجم االحتقار الذي يكنه المجرم له.
كنت ا�ستعذب ا�صوات تو�سالتهم ما أن تزداد األس��ئلة حدة والش��تائم فحشا حتى تبدأ الحفلة بشكل فعلي ويخرج الغضب دفعة واح��دة ..غضبا جامحا ليس مفهوما وال عالق��ة للضحي��ة به ،فالج�لاد يتذك��ر رفاقه الذين قتل��وا في عمليات ربم��ا كانت قذرة أو يتذك��ر فق��ره وحاجات��ه التي لم يس��تطع أن يلبيه��ا ..ق��د يخطر ببال��ه أنثى خانت��ه أو لم يحص��ل عليه��ا ،وق��د يتذكر تس��لط ضباطه عليه واهانتهم له. عمىً حيواني بهيم��ي يتخلص فيه الجالد من أخر ذرات بش��ريته ليكون بذاك المستوى من اإلجرام.
صراخ الضحية في الغالب يلبي نشوته في الس��يطرة ويس��تلذ بتوسالته وحش��رته فهو األن المس��يطر وه��و األن المنتقم من هؤالء الخونة والعمالء والمجرمين وهو األن البطل الذي يعيد الحق لشخصه ولوطنه ولقائده. ف��ي كل صرخة يس��تعيد مج��ده وألوهيته يتقاطع في ذاك مع كل القتلة المتسلس��لين والمهووس��ين الذي��ن يحاول��ون أن يعوض��وا نقص��ا ش��ديدا ف��ي داخله��م للرجول��ة أو الكرام��ة أو االعتبار وهم ف��ي تلك اللحظة ال ي��رون الكائن البش��ري ال��ذي أمامهم وكل ما يشاهدونه هو حياتهم البائسة. ح��اول الكثي��ر م��ن المعتقلين الس��ابقين واألدب��اء أن يبحث��وا في نفس��ية الج�لاد كما ح��اول الكثير من علم��اء النفس كذلك وكتب في تجارب التعذيب منذ القدم الش��يء الكثير لكن نكوص البشري الى الحيواني امر مقعد وشائك قد تعود اسبابه الى الطبيعة البشرية ذاتها واصولها الحيوانية. يق��ول اح��د الج�لاوزة الذي��ن يعان��ون من أم��راض نفس��ية أصيب��وا بها بع��د أن عملوا بالتعذي��ب طوي�لا :كن��ت اس��تمتع كلم��ا زاد صراخهم وأش��عر بأنني س��وف أرضى قادتي كلما زدت في تعذيبهم. ويذك��ر أح��د الضحاي��ا أن أكث��ر م��ا أذهله وتفاج��ئ به حي��ن توقف الجالد ع��ن تعذيبه ليتكلم مع ابنته الصغيرة على الهاتف ويعدها بالحل��وة بع��د عودته من العم��ل ،ويؤكد هذا الس��جين انه لم يتوقع أن يك��ون لهذا الجالد مش��اعر كبقي��ة الناس فال يمك��ن لمن يقوم به��ذا العم��ل أن يكون له ابنة ـ��وأن يكون أبا أو إنس��انا حقيقيا ،فكيف بإمكانه أن يحتضن أوالده بع��د كل ماراقه م��ن دم وكيف يمكنه أن يضم زوجته إليه أال تش��م رائحة الضحايا بصدره أال ترى عيون الموتى في عينيه.
بطل احلفلة ف��ي كل حفل��ة هناك بط��ل له��ا ..المجرم األكب��ر واألخط��ر وصاحب الش��هرة مهما كثر المجرم��ون والجن��ود م��ن حوله فه��م مجرد كومبارس ليقدم أفضل عروضه على جس��د الضحي��ة ،هذا البطل دائما ما نس��مع اس��مه يتردد في مقاطع الفيديو وصيحات التش��جيع واالستحس��ان تحمس��ه للمزيد وه��و صاحب األف��كار الخالق��ة وصاح��ب المب��ادرة دائم��ا فاس��تئصال عضو ش��رف حصري له أو طعن الجس��د بمدية أو تصرف عاهر كلها جزءا من فن��ه الحصري فيما اآلخرون يك��ررون إبداعه
فقط. ولي��س م��ن المه��م أن يك��ون البط��ل هو األعلى رتبة أو األقدم أو األكثر نفوذا إنما من المه��م أن يك��ون أكثر قذارة وج��رأة واهم ما يميزه عن غيره إصراره على س��حق الضحية وقتلها كما يميزه عدم انش��غاله عن التعذيب واس��تمتاعه به وحرص��ه على نهاية الجس��د والمسرحية بأبشع صورة في لحظة الذروة تلك ال يهم ش��كل أو عمر أو جن��س أو دي��ن الضحية فهو ل��م يعد يراه أساس��ا فقد يكون طف�لا أو عجوزا أو معاقا أو امرأة حامل أو حتى صديق له ونتيج��ة لكم االنفع��ال الكبير الذي يصيبه وحج��م الجه��د في الض��رب والتعذي��ب ينهار جسده بش��كل س��ريع ويحتاج لبعض الراحة إال أن الضحية ال يس��تريح فيم��ا يتناوب عليه الرفاق ريثما يلتقط البطل أنفاسه ف��ي اعتراف الحد الجالدين يقول فيه كانوا ش��بان صغار اعرف أنهم أبري��اء لكنني قمت باغتصابهم وقتلهم ولم اشعر بأي تأنيب ويمتل��ك الجالد نتيجة لممارس��ته الطويلة خب��رة رفيعة في تحطي��م النفس البش��رية وسحقها تثير االس��تغراب فلديه من الوسائل م��ا يجعل الضحية يتمن��ى الموت ألف مرة وال يجده يذك��ر أح��د المعتقلي��ن حادث��ة ف��ي اح��د المعتقالت حين اجبر الجالد أخوة أن يمارس��ا الجنس أم��ام أبيهم وفي حادث��ة أخرى يخير األب ف��ي انتق��اء اثني��ن م��ن أبنائ��ه الثالث��ة لإلع��دام ناهيك عن ح��وادث االغتصاب التي يجريها الجالد للزوجات أمام أزواجهم أربعون عاما حول فيها األس��د قس��ما كبيرا من السوريين الى جالدين يحمي بهم حكمه، عزله��م ف��ي أفرع أم��ن مخيفة كمعس��كرات إلنتاج الوحوش البش��رية ..ثكنات عس��كرية مرعب��ة ..كل جالد يحكمه ج�لاد أخر ..ليتربع األسد على عرش الجريمة الكبرى وليغتصب الضحية الكبرى ..سوريا الم��ادة 5م��ن اإلع�لان العالم��ي لحق��وق اإلنس��ان« :ع��دم ج��واز تعري��ض اإلنس��ان للتعذيب وال للعقوبات القاس��ية أو المعامالت ّ الحاطة بالكرامة « القاسية أو الوحشية أو
11
|
|
زيتون 1أيلول 2015 عطر | 115 سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد
�أمين اجلندي
الطائر الذي كف عن الغناء
لم يكن يذكر نشأته األولى فى محل بيع الطيور الملونة .كان صغيرا جدا حينما دخلت سيدة مصبوغة الشعر واختارته بالذات .ما أغرب األشياء التى تحدد مصيرنا فى الحياة! لون األريكة األخضر ،والمتناسق مع ريشه هو الذى جعلها تشتريه! وبالطبع نصحها البائع أن تبتاع معه أنثى وإال اكتئب ومات! كان صغيرا وبريئا ومفعما بحب الحياة. هكذا استقبل الطائر حياته الواعدة .وكان ال يكف عن الثرثرة! وقد حاز على اهتمام «مدام ماجى» لعدة أيام قبل أن يتحول اهتمامها إلى شىء آخر ،فأمرت الخادمة أن تضعه فى الشرفة. حتى ذلك الحين لم يكن الطائر يعرف أنه سجين .أو أنه يستطيع الطيران! كان بالطبع يرفرف بجناحه مثلما يفعل أى طائر بالفطرة! لكن أن يحمله الهواء ويرتفع، فهذه أشياء لم تكن تخطر له على بال. هو لم يكن يدقق كثيرا فيما يراه .وهذه المساحة الزرقاء ،التى تُدعى السماء ،لم تكن تختلف فى مغزاها عن لون األريكة األخضر ،مجرد أشياء غامضة! وحتى الخادمة الصغيرة التى لم تكن أكثر من طفلة ،وتحمل الطعام إليه يوميا ،فإنه لم يشاهدها بحجمها الكامل أبدا .وهكذا كان تصوره عن الوجود محدودا وناقصا. عالقته بأنثاه كانت جيدة .وكثيرا ما راح يداعبها بمنقاره ويثرثر طويال ويرفرف فى القفص وكأنما يؤكد كالمه! وكانت أنثاه تتقبل غزله فى صمت ،إذ كانت -بعكس اإلناث تماما -صموتة وهادئة وال تشاركه الحماس للحياة.
12
كان ممكنا لألمور أن تمضى على هذا النحو ،لوال تلك السماء المكدسة بالغيوم والهواء المشحون بالكهرباء االستاتيكية، والتى أثارت انزعاج الطيور فراحت تطير فرادى وجماعات .واحدة منها ،أنثى برية، أنثى بحق ،هبطت على سور الشرفة أمام القفص بالذات ،وجهها فى وجهه ،عيناها
فى عينيه ،وراحت تتأمله فى فضول. هذه األنثى كانت جميلة جدا .قوية وعفيّة وحقيقية تماما ،لم ينهكها تتابع األجيال فى األسر مثله ومثل أنثاه .فى هذه اللحظة نسى أنثاه تماما ،وألول مرة يعرف أن القفص سجن ،وألول مرة يتابع امتداد القطعة الزرقاء فيجدها شاسعة تصلح لتحريك الجناح! طارت العصفورة بعد أن أشبعت فضولها، ولم تدر أنها بددت سكينته بالكامل ،وحتى حينما هب الهواء فتأرجح القفص فإنه لم يشعر بالذعر مثل أنثاه التى انكمشت فى جانب ،وإنما راح يتسلق جوانب القفص ويتحدث بشكل محموم. عند منتصف الليل هبت رياح قوية أطاحت بالقفص على األرض ،وانفتح باب القفص أمامه .لم يكن هنالك أحد ليمنعه من مغادرة السجن .سار فى تهيب حتى غادر باب القفص .كان الليل دامسا وخاليا من النجوم .والهواء يهب بشدة .رفرف بجناحيه فوقف على السور وراح يرمق ثوب السماء األسود فى غموض .ثم تذكر وليفته فوجدها تنظر منكمشة .بدت له حزينة ومنكسرة وتحمل تاريخه كله .لم تحاول أن تناشده .هى من األصل قليلة الكالم. كان عليه أن يتخذ أخطر قرار فى حياته. الغموض والسواد والحرية؟ أم األنثى والطعام والسجن؟ أو لعله القفص! كان يستطيع تأجيل القرار حتى الصباح ولكنه لم يفعل .حشر نفسه فى الباب الضيق والتصق بأنثاه. جاءت البنت الخادمة فى موعدها الصباحى .أطلقت صيحة تعجّب حين شاهدت القفص واقعا على األرض .حملته إلى مكانه وأغلقت بابه ووضعت الطعام المعتاد .نظر الطائر إلى أنثاه فوجدها ضامرة ذابلة منعزلة ،ومنذ ذلك اليوم كفّ تماما عن الغناء