جماعات العنف التكفيري
الجذور ،البنى ،العوامل المؤثرة
مجموعة باحثين
جماعات العنف التكفيري الجذور ،البنى ،العوامل المؤثرة
المؤلف :مجموعة باحثين العنوان :جماعات العنف التكفيري :الجذور ،البنى ،العوامل المؤثرة المراجعة والتقويم :فريق مركز الحضارة لتنمية الفكر اإلسالمي اإلخراج :الديوان للطباعة والنشر والتوزيع تصميم الغالف :حسين موسى الطبعة األولى :بيروت2016 ،
ISBN: 978-614-427-083-7
Groups of Takfiri Violence Roots Structures and Affecting Factors
تعبر بالضرورة «اآلراء الواردة في هذا الكتاب ال ّ عن قناعات مركز الحضارة لتنمية الفكر اإلسالمي واتجاهاته»
مركز احلضارة لتنمية الفكر اإلسالمي مجيع احلقوق حمفوظة ©
Center of Civilization for the Development of Islamic Thought
بناية ماميا ،ط - 5خلف الفانتازي ُورلد -بولفار األسد -بئر حسن -بريوت هاتف - (9611) 826233 :فاكس - )9611) 820378 :ص .ب 25/55 info@hadaraweb.com www.hadaraweb.com
ِ التطرف الديني المساهمة في نشوء العوامل االجتماعية والسياسيةّ (الدكتور عبد الغني عماد) 73........................................ الجلسة الثانية :المؤثرات اإلقليمية والدولية وعالقتهما ببروز العنف التكفيري 103................................................................... كلمة رئيس الجلسة :التوظيف الدولي واإلقليمي للعنف التكفيري(األستاذ بالل حسن التل) 105........................................ الجهات الفاعلة الحكومية ،والقرارات المعتمدة ،والبروز الكارثيللتطرف التكفيري ّ (الدكتور محمد مرندي) 113.......................................... الجماعات التكفيرية والقوى الدولية :الرعاية وتقاطع المصالح(الدكتور جورج قرم) 139............................................. العنف التكفيري من منظور القانون الدولي(األستاذ الدكتور حازم محمد عتلم) 145............................... العملين العسكري الجلسة الثالثة :البنى التنظيمية والمالية وأنماط ْ واالجتماعي وآليات االستقطاب161.......................................... كلمة رئيس الجلسة(الشيخ محمد حسن زراقط) 163...................................... العالقة بين الجماعات :التحالفات والنزاعات(األستاذ عبد الله سليمان علي) 165................................... تنظيم الدولة اإلسالمية «داعش» :البنى والهياكل التنظيمية والماليةوآليات االستقطاب (األستاذ مصطفى زهران) 199......................................... جماعات العنف الجهادي :البنى العسكرية وأساليب القتال(األستاذ سمير الحسن) 237........................................... 6
المحتويات كلمة ال َّن ِ اش َر ْين9.............................................................. كلمة رئيس المركز االستشاري للدراسات والتوثيق
(الدكتورعبد الحليم فضل الله) 13.........................................
كلمة رئيس مركز الحضارة لتنمية الفكر اإلسالمي
(الشيخ الدكتور محمد تقي سبحاني) 19....................................
الجلسة األولى :ظاهرة العنف التكفيري :الجذور والخطاب 25............ كلمة رئيس الجلسة(األستاذ معن بشور) 27............................................. البنى المعرفية والمنهجية للفكر التكفيري :قراءة نقدية في المستندالديني (الدكتور عبد األمير كاظم زاهد) 29.................................. العنف التكفيري :من اآلخر البعيد إلى القريب(الدكتور بدر اإلبراهيم) 53.......................................... 5
-إعادة صياغة مفهوم اإلسالم الس ّني ودوره في مواجهة اإلرهاب
(الدكتور أحمد موصللي) 455........................................
ملحقات459.................................................................... جماعات اإلسالم السياسي :الصعود ..إلى الهاوية ُ
(الدكتورة هال رشيد أمون)461........................................
-الجماعات التكفيرية :الجذور ،التحالفات ،أساليب التجنيد ،وسبل
المواجهة
(الدكتور ياسر الشاذلي) 479..........................................
-كيف هزم لبنان بوحدة شعبه وجيشه ومقاومته اإلرهاب التكفيري،
ولماذا؟
(الدكتور طراد حمادة)503............................................
8
انخراط الفئات الشابة في جماعات العنف المتطرفة :دراسة حالتيتونس وليبيا صديق) 275............................................ (األستاذ نوفل ّ الجلسة الرابعة :اإلعالم وجماعات العنف التكفيري 281..................... كلمة رئيس الجلسة(الدكتور عبد الله بوحبيب) 283....................................... االستراتيجية اإلعالمية لداعش :الخطاب والقدرات والوسائل(األستاذ الدكتور محمد محسن) 285.................................. وسائل اإلعالم العربية والغربية وموقعها من التنظيمات الدينيةوالمتطرفة (الدكتور محمد علوش) 309.......................................... الجلسة الخامسة :قراءات ختامية في ظاهرة العنف التكفيري وسبل المواجهة 345................................................................... كلمة رئيس الجلسة(الشيخ ماهر حمود) 347............................................. تنظيم القاعدة :األجيال الثالثة :رؤية عسكرية(األستاذ محمد خواجة) 349.......................................... التكفير عند جماعات العنف التكفيرية :الجذور والعوامل وسبلالمواجهة :قراءة تاريخية وسيوسولوجية (الدكتور يحيى فرحات) 389.......................................... جذور اإلرهاب ،ومصطلحاته ،والمواقف السياسية المحيطة به،وسبل معالجته (العميد المتقاعد إلياس فرحات) 429.................................. 7
علمي اخترنا له عنوان« :جماعات العنف أخيرا على عقد مؤتمر الرأي ً ٍّ التكفيري :الجذور والبنى والعوامل المؤ ّثرة» ،عقد على مدى يومين .دعونا ّ عدة. إليه عد ًدا من المهتمين باحثين ومثقّفين من دول ّ ّ وقد ّبينت لنا النقاشات التي دارت بين المؤتمرين وردود األفعال على تستحق الدرس والمعالجة على المداخالت التي ُقدِّ مت أنّ هذه الظاهرة ّ اهتمام زائدٌ بها .ومن المالحظات التي يمكن أن نشير الرغم من ما يبدو أنّه ٌ إليها في هذه العجالة:
مما هما ظاهرتان أ -إنّ العنف واإلرهاب من الظواهر اإلنسانية أكثر ّ ّ البشرية من إرهاب وعنف دينيتان ،فال يكاد يخلو مجتمع من المجتمعات ّ ّ يمارس بهذا الشكل أو ذاك .ويبدو أنّ توقّع المالئكة حين قالوا لله تعالى: مصيبا. [ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ] ،كان توق ًّعا ً
بالبشرية من العنف �رارا ب -إنّ العنف غير الديني أعمق وأكثر إض� ً ّ ّ الممارس تحت راية الدين ،فإذا كانت كثير من الحروب خيضت ألسباب دينية سواء كانت حرب المئة عام أو أكثر منها أو ّ أقل ،فإنّه تكفينا ودوافع ّ ألي ٍ دين فيهما اإلشارة إلى الحربين العالميتين اللتين خيضتا دون أن يكون ّ ّ راية. يصرح ج -وال��ف��ارق األس��اس يكمن في أنّ من يقتل باسم الدين ّ الدينية على ضحاياهّ ،أما من يقتل ألسباب أخرى ال بدوافعه ويتلو شعاراته ّ يجد نفسه ملز ًما بالتصريح بهذه الدوافع.
ضحية من ضحايا العنف واإلرهاب، د -يبدو لنا أنّ الدين نفسه هو ّ يتحول إلى غالف تُغ ّلف به سائر وذلك أنّ الدين في كثي ٍر من الحاالت ّ الدوافع .وبالتالي يتج ّلى العنف المختزن في النفوس التي تمارسه في عنفٍ الدينية يبرر عنفه بدوافعه دينيّ . ّ ومما يؤكّ د هذا أنّنا نجد في الدين الواحد من ّ ٍّ دينية ً أيضا. بدوافع للعنف رفضه ر يبر وآخر ّ ّ 10
كلمة ال ّن ِ اش َر ْين الربط بين اإلره��اب والعنف وبين تعمل دوائر ّ عدة في العالم على ّ اإلسالمي»، يتحول هذان المفهومان المركّ بان« :العنف اإلسالم ،ح ّتى كاد ّ ّ اإلسالمي» إلى مفهومين مأنوسين ق ّلما يلتفت السامع إلى و«اإلره��اب ّ إشكالية الربط بينهما. ّ وشئنا أم أبينا وأعجبنا هذا االقتران أم لم يعجبنا فهذا هو الواقع ومما يزيد الطين ب ّلة أنّ األمر لم يقتصر على الربط الذهني بين الذهنيّ . ّ انضم إلى ذلك وجود جماعات وحركات بل اإلرهاب؛ أو والعنف اإلسالم ّ ّ اإلسالمي وغيره ،تعمل تحت راية منظمة ناشطة في عدد من بالد العالم ّ اإلسالم وتمارس عنفها وإرهابها باسم الله والدين .وقد دعانا هذا األمر إلى معالجة هذه الظاهرة للكشف عن الخلفيات والبنى الفكرية التي تستند تنوع انتماءاتها ،بهدف معرفة تركيبتها الفكرية إليها هذه الجماعات على ّ ّ واآلليات الناجعة لمواجهتها. والتفكر في الحلول والتنظيمية ّ ٍ عدة انتهينا إلى الحاجة إلى التداعي وبعد مناقشات وجلسات عمل ّ إلى درس هذه الظاهرة والبحث في أسبابها وفي مدى ارتباطها بالفكر، واستقر نمو هذه الحركات وانتشارها. ومدى تأثير الواقع االجتماعي في ّ ّ 9
12
مرحبة بنتائجه وجدنا أنّ من وبعد عقد المؤتمر وتلقّينا ردود أفعال ّ أخيرا على أن المفيد تحويل وقائعه إلى كتاب .فدرسنا األمر واستقر الرأي ً ّ تنشر وقائع المؤتمر كما هي مع بعض التعديالت التي ال تخرج الكتاب عن لغوي. كونه كتاب مؤتمر سوى تحرير ٍّ وال بد من اإلش��ارة إل��ى أن جميع المشاركين في المؤتمر قدموا أبحاثهم مكتوبة باستثناء بعضهم ،فاضطررنا إلى اعتماد التسجيالت الصوتية مع صياغتها بما يتناسب مع طبيعة النص المكتوب ،وقد أشرنا إلى هذا داخل الكتاب .واألمر نفسه فعلناه بالنسبة إلى كلمات رؤساء الجلسات المحترمين. وفي الختام ال يسعنا إال شكر جميع من أسهم في إنجاح هذا المؤتمر وال ندخل في متاهة ذكر األسماء لكي ال نقع في التقصير .ونأمل أن ينال هذا العمل إعجاب قرائنا األعزاء ،وال ندعي استيفاء الكالم في معالجة هذه الظاهرة؛ ولذا ال بد من أن تُستكمل خطوتنا بخطوات الحقة ،علنا نسهم في تخطي هذه األزمة التي ألمت بأمتنا في العصر الراهن ،والله ولي التوفيق. مركز الحضارة لتنمية الفكر اإلسالمي المركز االستشاري للداراسات والتوثيق بيروت2016 ،
11
من جهة أخرى على االتفاق بشأن طبيعة ما ترتكبه من عنف ،وما تتسبب به من أزمات. فالجماعات التكفيرية إنما تدشن بحسب بعض اآلراء حقبتها الخاصة في ليل العنف البشري الطويل ،فتدلو بدلوها في حروب السياسة والعقيدة؛ تنسج في ذلك على منوال من سبقها ،وتستلهم خطواتها من أولئك الباحثين عن والداتهم الملحمية ،وأمانيهم اإلمبراطورية ،وهواماتهم العقدية ،في ركام المدن وسيول الدماء وحطام المجتمعات. لكنها ،وفق وجهة النظر األخرى ،ليست مجرد حقبة جديدة للعنف، وال فصلاً ً ملطخا آخر من فصول التاريخ .فاألفعال الدموية لتلك الجماعات التي تتباين تسمياتها ومرجعياتها وتتالقى أساليبها وممارساتها ،إنما تعيد تأسيس فكرة العنف على نحو مفارق لسياقاته المعروفة ،في هذا الجزء من العالم على األقل. تقليديا سياسي الطابع ،هدفه الصراع فما نواجهه اليوم ليس عن ًفا ًّ على السلطة أو تثبيت الهيمنة ،أو محاربة االستبداد ،أو الدفاع عن مصالح اجتماعيا ،مر ّده إلى الفقر والتهميش والتمييز فئات وطبقات .وليس عن ًفا ًّ اقتصاديا يدور مدار تقاسم الثروات واالستبعاد واالستغالل ،وال عن ًفا ًّ مقد ًسا ،مع أن خناجره تُرفع باسم والسيطرة على الموارد ،وال حتى عن ًفا ّ زعما باسم الله. الدين ،وتطعن ً
لقد اختلقت هذه الجماعات في أقل من عقد من الزمن صنو ًفا من األه��وال ،وأشكالاً من التنكيل بالضحايا لم يعرف هذا الشرق مثيلاً لها في تاريخه القائم على نصاب تعددية مشهود ،فكان عنفها بخالف ما سبقه ومكتفيا بنفسه .وهو خالصا ،مطلو ًبا بذاته مشهديا أو تزامن معه ،عن ًفا ً ًّ ً عنف متبجح بدائي ال يبحث عن شرعية تبرر حصوله ،أو تخفف من وقع 14
كلمة رئيس
المركز االستشاري للدراسات والتوثيق
الدكتور عبد احلليم فضل اهلل
نرحب بكم أجمل ترحيب في مستهل هذا المؤتمر الذي يجمع نخبة من الباحثين والمفكرين والمتخصصين ،والتي ستناقش على مدى يومين في خمس جلسات جذور العنف التكفيري وأسبابه ،والعوامل الفكرية واالجتماعية والجيوسياسية التي ساهمت في تفشي جماعاته وانتشار خالياه في طول العالم اإلسالمي وعرضه .وتملؤنا الثقة بأن تشكل أعمال المؤتمر وأبحاثه وخالصاته إضافة علمية مفيدة في مجال فهم منطويات هذه الظاهرة وخلفياتها ،وذلك بقدر ما يتسع له المقام الراهن المشحون بالقتل والتوحش ،من دقة منهجية ،وحصافة موضوعية. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو اآلتي :هل تستحق هذه الجماعات مزيدً ا من البحث ،وهي التي كشفت عن نفسها ّأيما انكشاف في السنوات األخيرة ،وسال في تحليلها حبر غزير ،بلغات عدة ومن قبل باحثين كثر؟ اإلجابة هي نعم .فثمة حاجة ماسة لرصد التحوالت المتسارعة التي مرت بها هذه الجماعات ،وترقّب طفراتها اآلتية ،فهذا يزودنا من جهة بالمعرفة الضرورية الحتوائها وإخماد نيرانها واستدراك مخاطرها ،ويساعد 13
وتعسف السلطات على اختالفها ،سياسية كانت أم من غطرسة القوة، ّ وصون الحق بالحياة واحترام الذات اإلنسانية في اجتماعية ،أو الهوتية، ْ أوضاع الحرب والسالم على حد سواء. إن حركات العنف التكفيري هي على طرف نقيض من ذلك ،فمنطقها األخ�لاق��ي المتهافت يتناقض مع الجوهر األخ�لاق��ي للوحي اإللهي، وخطابها السياسي الالعقالني والالمعقول يعاند وعلى نحو انتحاري حركة تمزق ،هكذا وبضربة سيف واحدة ودون أدنى حظ التاريخ ،وهي تريد أن ّ من النجاح ،المواثيق والعهود اإلنسانية ،في نزعة دنيوية معادية للحضارة المادية ومجافية للمبادئ الروحية والمعنوية. على أن استثنائية حركات التكفير وعنفها المفارق ،ال ينكر أنها كانت وما زالت ،جز ًءا ال يتجزأ من سياق أوسع من حدود الظاهرة نفسها. فصعودها ال ينفصل عن دعوات دينية وعقدية استوطنت هذا الشرق قبل ونبذ حق االختالف ،بل وإنكار حق قرنين ،وب َنت عصبياتها على االنغالق ْ اآلخر المختلف بالوجود ،مستندة في ذلك إلى رفض ال هوادة فيه لالجتهاد وجردت أعماقه والرأي ،فأطاحت في طريقها بالعقل ،وقهرت روح النصّ ، تباعا وباطراد ،مع توالي من األمثوالت والمعاني التي تعلن عن نفسها ً وتبدل األحوال. العصور وتعاقب األزمنة ّ لقد رفعت هذه الدعوات كل محاججة مشروعة إلى مرتبة الشقاق والفرقة واإلقصاء ،متجاهلة أن تراث اإلسالم الغني والغزير لم يجمد على تأويل واحد ،ولم تُعرف فيه حدود فاصلة وال فوارق صارمة بين التيارات العقدية والفلسفية والمذاهب الفقهية المتدفقة في كل اتجاه ،تلك التي عدة ،في مرات ّ تنازعت في ما بينها مرة ،وتحاورت أو تكاملت في ما بينها ّ سيولة وتشابك ّ قل نظيرهما. وال ينفصل صعود الحركات التكفيرية وعنفها عن تواطؤ مضمر مع 16
ارتكاباته؛ بل يجد سحره وجاذبيته في إبراز ما فيه من قسوة وضغينة ،وفي اإلفصاح عما ينطوي عليه من حقد وتمييز وكراهية. على أن جماعات العنف التكفيري التي شهدنا صعود خطها البياني في العقدين األخيرين ،والتي تبدلت أولوياتها وأهدافها مرات عدة ،إنما تمثّل وبكل ما للكلمة من معنى ردة عن ثالث ثورات عرفتها البشرية: ثورة أخالقية أسست لها الديانات السماوية وأطلقها اإلسالم من أسر الجاهلية ،وزرع قيمها التأسيسية في صلب المسيرة اإلنسانية الكبرى الباحثة عن األخ� ّ�وة والرحمة والعدالة والقسط ،لتصير األخ�لاق ج��ز ًءا ال يتجزأ ً ً ومبدأ لتعارف األقوام وشرطا من شروط انتظام الجماعة، من حياة الفرد، والجماعات ،وقيدً ا ال فكاك منه في عالقات التآلف والخصومة ،وفي أحوال الرخاء والشدة. مجدت العقل وجعلت حياة الناس وتجاربهم عقالنية وثورة معرفيةّ ، ومعقولة ،عقالنية بمعنى السعي إلى تحقيق غايات مفيدة ،ومعقولة بمعنى أن سعي فئة ما إلى تحقيق غاياتها الخاصة ال بد من أن ينسجم مع الغايات العامة للمجتمع ،ويحظى بحد أدنى من المقبولية واالعتراف من الفئات األخرى. وهي ً أيضا ردة عن الثورة الحقوقية ،التي أتت بعد قرون من التناحر والتقاتل والظلم ،والسيما في داخل الغرب أو من خالله .ثورة حقوقية عبرت عنها شرائع ومواثيق كان لها اليد الطولى في تكريس حقوق الشعوب ّ في الحرية والكرامة واالستقالل وتقرير المصير ،وحفظ حق اإلنسان في التفكير والتعبير ،والحصول على نصيب منصف من الدخل ،وحصة عادلة من اإلنتاج. لقد كان الغرض األبعد لثورة الحقوق هذه هو حماية الفئات األضعف 15
مد النفوذ وتبرير التدخل قوى دولية وإقليمية ،وجدت فيها ضالتها ،من أجل ّ وتصعيد الهيمنة ،واستنزاف رافضي األطماع الخارجية ومقاومي مشاريع االحتالل والسيطرة واالستيطان ،في زمن صار ممك ًنا فيه لألسف ،خلط ٍ ٍ بنضال نبيل ومشروع. مغال وعدمي األوهام بالحقائق ،وتبرير عنف وال ينفصل ب��روز هذه الجماعات ً أيضا عن إخفاق مجتمعاتنا في بناء دولة حديثة ذات مشروعية راسخة ،وعن اقتصادات الريع والغنيمة التي أفاضت على هذه الجماعات سيلاً من الدعم المالي الرسمي وغير ّ فتمكنت مستعينة به ،من تطوير ُبناها التنظيمية ،وتقوية هياكلها الرسمي، العسكرية ،وإبهار الحواضن االجتماعية المفقرة والمتروكة لمصيرها ،وها هي تقتنص من أبنائها أولئك المتروكين في قاع المجتمعات ،والواقفين لتزجهم في آلة عنفها، على قارعة اقتصادات الريع والنهب والفساد، ّ سهلت الثورة التكنولوجية بدورها وتحولهم إلى وقود في حروبها .وقد ّ ّ عمليات التجنيد ،وساهمت بأيسر السبل في نشر غواية القتل والتدمير طرية يافعة. والعبث بعقول ّ التعمق في فهم هذه الظاهرة ،وإبراز اآلراء إن هدف هذا المؤتمر هو ّ والتحدي الذي سنواجهه في هذين المتنوعة وحتى المتباينة في تحليلها. ّ نقدم اليومين ،أن ننجح بتمييز ما هو سياسي عما هو دراسي وعلمي ،وأن ّ ٌّ أفكارنا وتحليالتنا بجدية وصراحة وحرص ،دون أن نالمس حدود التعبئة عصبا مشدو ًدا هناك ،وطموحنا هو إح��داث نقلة منهجية نمس هنا ،أو ً ّ تضع الجماعات التكفيرية خارج خطوط االنقسام المعروفة والمشروعة في اإلسالم بين المدارس والمذاهب ،وتُلقي بها بعيدً ا عن التيار الرئيسي العريض الذي يضم اجتهاداته واتجاهاته الرئيسية كافة.
17
توضيح ومما نحن م��دع� ّ�وون إليه في مثل ه��ذه الحلقات العلمية ُ ّ المصطلحات وتحديدُ ها ،في سبيل تأمين التفاهم بين المتحاو ِرين؛ ِ ٍ مثل :اإلره� ِ كلمات َ وذلك أنّنا نرى أنّ والعنف ،والتكفي ِر ،وما شابه �اب، ربما ال تحظى با ّت ٍ فاق أو إجماع على من المفاهيم التي يكثر استعمالهاّ ، دالالتها.
ٍ جهد ،وفكر ًة إلى ٍ رأي، نض ّم جهدً ا إلى نأمل في هذا المؤتمر أن ُ ِ والخفي ِة أحيانًا لظاهرة الحقيقية الكشف عن بعض الزوايا لع ّلنا نُوفَّق إلى ّ ّ السياسي. التكفيري ،بعيدً ا عن الضوضاء اإلعالمية والصخب اإلرهاب ّ ّ ِ ومن باب الرغبة في تحقيق تفاهم دقيقُ ، يتم أميل إلى الحذر من مجالين ّ النظام فيهما استعمال كلمتي اإلرهاب والتكفير ،وهذان المجاالن هما: ُ السياسي المعاصر الذي يسمح باالستناد الحاكم على الخطاب المعنائي ُ ّ ّ ِ ِ ترغب في وما الذات لتبرير أو ف المختل اآلخر إلدانة المفاهيم هذه إلى ُ اإلقدا ِم عليه من ٍ فعل. التراثي الحافل بالمصطلح الثاني الديني الخطاب والمجال الثاني هو ُ ّ ّ شتق منها .وال ّ شك في أنّ للتطرف والعنف ومشتقّاته أي بما ّدة َك َف َر وما ُي ّ ّ المتعددة ج��ذورا في ِ السياسية ،كما تربة السياسة واألوض��اع بأشكالهما ّ ً ّ حصر هاتين ولكن الديني عبر التاريخ، وتأثير وتأ ّث ٌر بالفكر لهما امتدادات ّ َ ٌ ّ اإلنسانية بمنبعي الدين والسياسة المدمرتين لإلنسان والحضارة الظاهرتين ّ ّ الرماد ليعو َد ال َي ُح ُّل المشكلة وال يقضي عليها ،وإنّما يترك َ جمرها تحت َّ اإلنسانية ُفيح ِرق األخضر إلى االشتعال من جديد في ساحة االجتماعات ّ واليابس كما يفعل في هذه األيام. تمتد جذورها في ظواهر بلى؛ إنّ العنف واإلره��اب وما شابه من ّ َ ِ اإلنسانية المجتمعات اإلنساني ك ّله ،وال يكاد يخلو مجتمع من التاريخ ّ ّ ولكن النسخ المعاصرة واألخالقية، واالجتماعية الفكرية من هذه اللوثة ّ ّ ّ ّ 20
كلمة رئيس
مركز الحضارة لتنمية الفكر اإلسالمي
الشيخ الدكتور حممد تقي سبحاين
ال ّ شك في أنّ قضية التكفير واإلرهاب من أخطر القضايا التي تواجهها ّ األم ُة في العصر الراهن؛ بل العالم ك ّله ،كما هي من أكثر الظواهر المعاصرة ّ األولويات تعقيدً ا .ويبدو أنّ هاتين الظاهرتين سوف تبقيان في رأس الئحة ّ أهمية هاتين والسياسية في السنوات القادمة .ويكفي إلثبات الثقافية ّ ّ كبيرا من المؤسسات األمنية والثَّقافية على المستوى الظاهرتين أنّ عد ًدا ً محورا الهتمامها ،ومن والعالمي جعلت منهما المح ّلي واإلقليمي ً ّ المؤش ِ أيضا أنّ وسائل اإلعالم العالمية ال تخلو من خب ٍر عن ٍ ّ رات الدا ّل ِة ً شأن ٍ مرتبط بهاتين الظاهرتين وبشَ ٍ يومي ،وألجل هذا ق ّلما تُعقد محادثات بين كل ٍّ ٌ موقف التكفيري ثالثَهما ،وق ّلما يؤخذ سياسيين وال يكون اإلرهاب طرفين ّ ّ سياسي ال يذكر فيه اإلرهاب أو أحد إخوانه وأخواته. ٌّ
العلمية وقد شهدت السنوات األخيرة عد ًدا من المؤتمرات والندوات ّ ٍ ٌ محاولة دراسة واهتمامٍ .وهذا المؤتمر محور لدرس هذه الظاهرة وما زالت َ ُ ونأمل من هذا المؤتم ِر ت َُض ّم إلى المحاوالت السابقة في هذا المجال. َ العلمي في مجال عرض األفكار واآلراء وطرح السبل استئناف الجهد ّ والوسائل التي تُس ِهم في فهم هذه الظاهرة واكتشاف سبل التغ ّلب عليها. 19
تقدم أعاله ال يمكن حصر اإلرهاب في بعده الديني ثالثًا :وبنا ًء على ما ّ معا لتكوين أو الثقافي؛ بل ال ّ بد من النظر إلى سائر األبعاد التي تشترك ً ّ ِ ُ جميعا في والدة هذه واشتراك هذه العناصر ظاهرة اإلره��اب المعاصر. ً ِ الظاهرة هو ٌ سمات النسخة المعاصرة. سمة من ٍ االجتماعية ك ّلها؛ حيث ولقائل أن يقول هذه هي حال الظواهر ّ ٌ التصور مجموعة من العوامل إلنتاجها .ونحن نوافق على هذا تتضامن ُ ّ بنظرية العامل اإلنسانية ال يمكن تفسيرها االجتماعية ونؤمن بأنّ الظواهر ّ ّ ّ ِ ُ محل ال� ِ ِّ اشتراك هذه �درس هو الظاهرة ولكن الملفت في هذه الواحد؛ ّ ِ ُ ِ هوية هذه الظاهرة وتضام ُنها العوامل ُ الكامل إلى حدٍّ ال يسمح بتشخيص ّ ِ سياسية أو ما شابه .وهذا ما يسمح لنا بالدعوة إلى دينية أو ّ ووصفها بأنّها ّ صية ،تشترك فيها موضوعا لدراسات عد اإلره��اب والتكفير ّ ً ّ بين-تخص ّ الفلسفية عدة مثل :علم االجتماع وعلم النفس مضا ًفا إلى الدراسات علوم ّ ٌ ّ واألخالقية. والفقهية ّ ّ التطرف ثمة س��ؤال ُي��ط��رح ف��ي ال��دراس��ات الحديثة ح��ول راب� ً�ع��اّ : ّ رجعي ًة قديم يستند إلى التراث ويمثّل نظرة ّ التكفيري ،وهو :هل هذا اال ّتجاه ٌ ّ وتط ّل ًعا إلى الوراء ،أم هو ٌ حداثوي؟ وال حداثوي من التفكير أو ما بعد نمط ٌّ ّ بتعدد اال ّتجاهات تتعدد ّ ت ّتفق اإلجابات في الر ّد على هذا السؤال ،وإنما ّ ٍ تؤيد ما تنتهي وتتنوع زوايا المقاربة ،وال ت ُْعدَ م ّ أي مقاربة من الشواهد التي ّ ّ وتود إثباتَه. إليهُّ ،
ِ إنّ وجو َد نماذج من هذا التطر ِ والعملي ِة في الفكري ِة المواقف ف في ّ ّ ّ اإلسالمي يدعم النظرة القائلة بانتماء هذه الظاهرة إلى الفكري التراث ّ ّ إسالمية ،ومن النماذج التي تذكر ع��ادةً :الخوارج والحشّ اشون، أصول ّ ِ والفقهي ِة الكالمي ِة عبرت عن نفسها في الجداالت ُ ّ ّ وغيرهم من الفرق التي ّ ِ ٍ ٍ وتطرف فيه، ثمة من يرى أنّ ما نشهدُ ه اليوم من تكفير والسياسية .ومن هناّ ، ّ ّ 22
ِ القديمة بمجموعة من الخصائص لإلرهاب والتكفير ،تمتازُ عن أسالفها أهمها في ما يأتي: نعرض ّ
تنظيرا مجرد عنف وإرهاب؛ بل نحن نواجه ً أول :ما نواجهه اليوم ليس ّ المستبدون لهما ،يبغي إضفاء القداسة على هذه الممارساتَ .فأنْ ُيما ِرس ّ شيءَ ، وأنْ ِّ ينظر هؤالء لممارساتهم ويستندوا في المتدينون اإلرهاب أو ٌ ّ آخر واألخالقية الفلسفية والكالمية والفقهية تبريرها إلى المبادئ ٌ شيء ُ ّ ّ ِ ٌ درس االختالف عن الممارسة تمام مختلف َ المجردة .ومن هنا ،ينبغي أن ُي َ ّ ِ والفكرية التي الزاوية؛ للكشف عن المبادئ النظرية التكفير وإرها ُبه من هذه ّ ُ يستند إليها. ِ ٍ ظاهرة تحوله إلى ً ثانيا :السمة الثانية التي تَس ُم اإلرهاب المعاصر هي ّ ٍ إنسانيا دون غيره، مجتمعا عالمية ،ال تقتصر على دين دون آخر ،وال تصيب ً ًّ ّ األيام في المجتمعات هذه في س مار ي فاإلرهاب قرينه، دون ا فكري ا ار تي ُ ُ َ وال ّ ً ًّ ّ التيارات ،وم��ن هنا يمكننا الحديث عن إره��اب ك ّلها وم��ن قبل جميع ّ بوذي إلى آخر الالئحة ،كما إنّ يهودي أو مسيحي ،وثالث إسالمي ،وآخر ٍّ ٍّ ٍّ ٍّ ٍّ َ لاًّ محل في وأي ح م له حجز ة العلماني إلى يستند الذي العنف أو اإلرهاب َ َ ّ ّ اإلنساني المعاصر خالل حربين خاضهما مطلع القرن الماضي. التاريخ ّ وخاض غيرهما بالتقسيط خالل ذلك القرن والقرن الذي نحن فيه .وما ُ تبدل المصطلح من نقوله عن اإلرهاب يصدق على التكفير على الرغم من ّ دينية إلى أخرى. مدرسة ّ فكرية أو ّ ومن هنا ال ينبغي أن نَغ َفل عند معالجة ظاهرة التكفير واإلرهاب عن النماذج األخرى التي قد تختلف في الصورة؛ ولك ّنها تشترك في الجذور المتدينين من قبل التيارات العلمانية بالتخ ّلف هام التي تستند إليها .أليس ا ّت ُ ّ الوطنية عند أول هام بالخيانة والرجعية شكلاً من أشكال التكفير؟ أليس اال ّت ُ ّ ّ ٍ لاً الديني؟ سياسي شك من أشكال التكفير غير اختالف أو تنافس ٍّ ّ 21
المسؤولية بتحمل هذه الديني ،وهم مطالبون المشتغلين على الفكر ّ ّ ّ ٍ َ سوف استخفاف في هذا المجال التاريخية الخطيرة ،وإنّ أي تساهل أو ّ اإللهي قبل أن يجعلنا في مواجهة محكمة العدل محكمة مواجهة في يجعلنا ّ التاريخ التي ال ترحم. ِ ونظامنا الفكري مدعوون إلى إعادة النظر في تراثنا ومن هنا ،نحن ّ ّ القيمي لنخ ِرج منهما ّ كل ما يمكن أن يكون مو ّلدً ا لإلرهاب والعنف غي ِر ّ ِ ودينيا .ومن جهة ثانية على كل ناطق باسم أخالقيا المبرر المشروع وغير ًّ ًّ َّ الفكر والثقافة أن ُي ِ السلبي من التكفير سمع الدنيا صوت إدانته لهذا النمط ّ ِ ِ ِ ِ والجهالة. الجهل صوت والعقالنية على العقل صوت يعلو ُ والتفكير ،لكي َ ّ
أجدد الشكر لجميع اإلخوة واألخ��وات لتشريفهم ّإيانا وفي الختام ّ ّ وجل أن يجعلنا عز واستجابتهم دعوتَنا إلى هذا اللقاء العلمي ،وأسأل الله ّ ّ ِ ِ تحمل مسؤولية هذه الرسالة الملقاة على من الذين ُي� َ�ؤ ُّدون واجبهم في ّ َ جميعا .والسالم عليكم ورحمة الله وبركاته. عواتقنا ً
24
ِ اإلسالمي ِة ،وتب ّنت الفكري ِة البيئة لتيارات ُولِدت في ّ ّ إنّما هو إعادة تجسيد ّ واإلنسانية العقالنية سطحي ًة أحادية الجانب إلى الدين ،وجانبت نظر ًة ّ ّ ّ التصور الدينية .ولسنا ننكر على هذا وتج ّنبتهما في تعاملها مع النصوص ّ ّ الصحة؛ ولك ّننا في الوقت نفسه ال نقدر على تجاهل العناصر نصيبه من ّ َ ُ �ي � اآلل التعامل �ك: � ذل �ن � وم ف، التطر �ذا � ه إليها يستند قد التي الحديثة ّ ّ والبراغماتي مع الدين ،واالستفادة من النماذج واألساليب الحديثة في ٍ ٍ الدينية، خاطئ لألفكار تطبيق واالجتماعية واستخدامها في السياسية اإلدارة ّ ّ ّ ٍ حس ُب أصحا ُبها واقتباس َ فاشية وغي ِرها بغي َة تحقيق الغايات التي َي َ تجارب ّ َ الدينية. أغراضهم أنّها تخدم ّ
وأخيرا ال ينبغي أن نَغ َفل ،في تحليلنا لهذه الظواهر المشؤومة التي ً ّ حداثويا بكل ما تعليما نحن بصدد معالجتها ،عن أنّ أبرز قياداتها تلقَّوا ًّ ً ٍ ٍ قصيرة من أعما ِرهم؛ بل إنّ بعضهم له لفترات غي ِر للكلمة من معنى ،وذلك التدين، تحول بعد ذلك إلى تاريخ من تب ّني الفك ِر غير ّ ثم ّ الديني واعتناقهّ ، ّ الخصوصيات لمآرب أخرى .ومن هنا ،نرى ضرورة مالحظة هذه صاد ًقا أو َ ّ وتسهم في الخاصة، ديني بسمتها اإلرهاب الفريدة التي ت َِسم َ َ ّ ُ الموسوم بأنّه ٌّ تميز بي َنه وبين النسخ القديمة التي تشاركه في تشكيل ّ هويته الفريدة التي ّ المكونة للهوية. الفعل واألثر ،وفي شيء من العناصر ّ ما ُذ ِكر أعاله ،ما هو إال ٌ تستحق باقة من األسئلة والمالحظات التي ّ ٍ ِ ِ ِ اعتماد علمي ٍة ،مع بطريقة واألطروحات حولها اإلجابات وتقديم التأم َل فيها ّ َ ّ ِ ٍ منهجية واضحة المعالم؛ لكي نخرج من هذا المؤتمر الكريم وقد أضفنا إلى ّ طرحا ،وإلى األفكار المطروحة فكرةً. الطروحات ّ المقدمة ً اإلنسانية نعم؛ إنّ مواجهة هذه الظاهرة المد ِّمرة لإلنسان والحضارة ّ متعددة األبعاد بد ًءا من السياسة واألمن واالقتصاد والثقافة يجب أن تكون ّ ٍ وبخاصة المسؤولية األثقل ملقا ًة على عاتق المثقّفين والفكر ،ولكن تبقى ّ 23