شاي بالنعناع

Page 1


‫وليد بن أحمد‬

‫شاي ابلنعناع‬

‫™‪Moment‬‬


‫سلسلة كتب بإشراف حكمت الحاج‬ ‫تصدر عن دار مومنت للكتب والنشر‬

All rights reserved Moment, Books & Publications™ United Kingdom - Tunisia Copyright © 2017 ‫وليد بن أحمد‬ ‫شاي بالنعناع‬ ‫قصص قصيرة جدا‬

tuniment@gmail.com www.facebook.com/momentunis www.p4bsite.wordpress.com The views and opinions expressed by the author do not represent the views, beliefs or opinions of Moment B&P Enterprises and its employees. Cover Design: Hikmet Elhadj Cover Photo: Wissem Ben Ahmed

2


‫إلى أمي وفاء‪..‬‬ ‫وزوجتي عرفانا‪..‬‬ ‫وابنتي أمل‪..‬‬

‫‪3‬‬


4


‫كنت ألكتب رسالة أقصر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لكنه لم يكن هناك متسع من الوقت‪.‬‬ ‫بليز باسكال‬

‫للبيع‪ :‬حذاء طفل لم يلبس قط‪.‬‬ ‫ارنست همنغواي‬

‫‪5‬‬


6


‫ما وراء الكثبان‬ ‫ّ‬ ‫التنصل؟ هل أستطيع النجاة من فعلتي حقا؟‬ ‫ال داعي لإلنكار‪ .‬هل يمكنني‬ ‫أرقتني ألاسئلة الحارقة وأنا أنتظر قدوم املحقق في غرفة باردة مظلمة‪ .‬هل‬ ‫أبوح له بسري؟ لقد منعني أبي مرارا من السفر إلى بالد ما وراء الكثبان‪ .‬لبثت‬ ‫سنوات أغبط أبناء الحي وهم يمتطون سياراتهم البيضاء السريعة‬ ‫وينطلقون إلى هناك حيث السعادة بال حدود‪ .‬كلما رحلوا إلى اللهو واملجون‬ ‫تركوني خلفهم أتميز حقدا‪ .‬كم منيت نفس ي برحلة شيقة صحبة أترابي لكن‬ ‫أبي ظل يشنف آذاني بعبارته املمجوجة "ال يسافر أبناء ألاصول إلى تونس‬ ‫أبدا"‪ .‬آملني جوع كافر استبد بي منذ اعتقلتني الشرطة منتصف ليلة أمس في‬ ‫تونس‪ ،‬جنة جيراننا املوعودة‪ .‬ار ّ‬ ‫تجت الغرفة بقدوم املحقق الضخم‪ .‬نزع‬ ‫ّ‬ ‫شفتي‪ .‬أشعلها‪ .‬لم يتركني أسحب‬ ‫سترته ليريني مسدسه ثم دس لفافة بين‬ ‫نفسا إذ استلها ودخنها في تلذذ مقيت وهو يسألني‪" :‬تبغ تونس وأكل تونس‬ ‫وفنادق تونس و‪ ...‬تحبون تونس هاه؟" لم أجبه فأردف في صوت كفحيح‬ ‫الثعبان "ملاذا قتلتها؟" "ال أدري‪ .‬أنتم‪ ..‬لم أكن أنوي ذلك‪ .‬أنتم ّ‬ ‫تشيدون‬ ‫عمارات شاهقة في حي النصر‪ "..‬أطبق الظالم فجأة ملا هوت صفعة الضخم‬ ‫على صدغي‪" .‬خيرك يا طرابلس ي‪ .‬تأكلون الغلة وتتخلصون من النواة‬ ‫ببساطة؟" تحسست نور الغرفة هذه املرة وقلت "أبي‪ ..‬قتلها أبي هذه‬ ‫العاهرة‪ "..‬طارت أسناني ألامامية هذه املرة فخرجت حروفي ممزوجة بدماء‬ ‫حارة "قتلتها‪ ..‬نعم‪ .‬قتلتها"‪ .‬كان الطرق عنيفا على الباب‪ .‬عنيفا كطرقات أبي‪.‬‬ ‫لم يبق لي غير الشرفة مالذا‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫الصراحة راحة‬ ‫كأنني لم أرهم ّ‬ ‫مدججين في املفترق‪ .‬واصلت سيري‪ ،‬لكن نفيرا يوقظ املوتى‬ ‫لم يترك لي خيارا‪ .‬تقدم مني في تؤدة واثقا‪ .‬دار بسيارتي البالية ثم قال في‬ ‫غطرسة "ملاذا لم تتوقف عند احمرار إلاشارة؟" ‪".‬لم أرها "‪" .‬ونحن هل‬ ‫رأيتنا؟"‪" .‬أنتم ال تغادرون أحالمي"‪ .‬عندها انتفخت أوداجه واحمرت عيناه‪.‬‬ ‫"ملاذا لم تتوقف عند إشارتنا؟"‪" .‬فراملي معطبة"‪" .‬أين أضواء السيارة؟"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫"هشمتـها عاصفة مدمرة"‪" .‬هات الرخصة والوثائق" ‪".‬أوه‪ ..‬نسيتها" ‪".‬انزل" ‪.‬‬ ‫ثم بعدوانية فاضحة ‪ّ " .‬‬ ‫حرك مؤخرتك السمينة"‪ .‬لم أدر إلى اليوم كيف‬ ‫ّ‬ ‫خمن أنها سمينة‪ .‬لم يدهشني سوى إصراري على قول الحقيقة عارية‪.‬‬ ‫"الباب ال يفتح من الداخل‪ .‬أرجوك حررني" ‪".‬هيا اغرب عن وجهي"‪ .‬وهذا‬ ‫أمر آخر‪" .‬يجب أن ندفع السيارة لندير املحرك‪ .‬أال تدفعونني قليال"‪ .‬لن أنهي‬ ‫القصة فالكدمات القاتمة أسفل عيني اليسرى علمتني أن الشرطي الناجح‬ ‫يقاس بقدرته على سب الجاللة بأكبر قدر ممكن‪ .‬علي أن أتمرن قليال ‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫روتين‬ ‫إبان صالة العصر ّ‬ ‫جد في طلب الثواب كدأبه‪ .‬ميت آخر وجنازة أخرى‬ ‫يسير خلفها‪ .‬بدأ كالعادة بالحسرة وذرف الدموع ثم انحسرت دموعه وشرع‬ ‫يطلب املغفرة والرحمة لفقيد ال يعرفه ثم تباطأت خطواته شيئا فشيئا‬ ‫وفاته املشيعون‪ .‬لم يكن يرى غير امليت في النعش يخاطبه "غدا ستكون في‬ ‫مكاني‪ .‬ماذا أعددت؟ هل تريد أن نغير ألاماكن؟" الغريب في ألامر أنه يصل‬ ‫املقبرة ويقرأ الفاتحة وما تيسر على روح الراحل لكن عرضه يبقى ساري‬ ‫املفعول‪ ،‬كأنه ينتظر رده وجثمانه يالمس ألاصل في ألاشياء‪ .‬ال يمنع نفسه من‬ ‫الالتفات إلى قبره الطري وقد قفل املشيعون إلى دنياهم ويسمع عرضه ألاخير‬ ‫"لن أنام الليلة من فرط إرهاق ألاسئلة‪ .‬سأنتظرك"‪ .‬غدا ّ‬ ‫يشيع جنازات أخرى‬ ‫وهو يعلم أن جميع الراحلين ينتظرونه ويشرع باختيار أشد السواعد التي‬ ‫ستحمل نعشه ألنه يومها سيشغل نفسه باالنتظار‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫رجل من يقطين‬

‫جلب حبات يقطين جميلة وخبأها أسفل املائدة الكبيرة وسط املطبخ‪ .‬منذ‬ ‫أسبوعين‪ ،‬كان يحلق ذقنه بعناية مستفزة ملا تناهت إلى سمعه شذرات من‬ ‫حديث طبيب على موجات ألاثير "إن القرع ملين طبيعي للبشرة‪ ".‬معلومة‬ ‫هامة لكن بشرته صافية نضرة كاللبن‪ .‬ما دام أعزب في الرابعة وألاربعين فلن‬ ‫يعكر صفاءه مزاج زوجة متقلب‪" .‬واليقطين مقو ومنشط للرجال ال مثيل‬ ‫له"‪ .‬ال يهم‪ .‬لم يعرف للفشل طريقا‪ .‬ابتسم عندما تخيل الجميالت يشهدن‬ ‫بذلك‪" .‬ولليقطين تأثير السحر فهو يحسن جودة‪ "...‬لم ينتظر نهاية الجملة‬ ‫إذ توقفت موس ى الحالقة فجأة وانتصبت أذناه كراع أملاني حسن املنبت‬ ‫واملنشأ‪ .‬واصل الطبيب من حماسه عبر الراديو "يزيد تناول القرع من فرصة‬ ‫الحصول على نوع بشري خال من العيوب ويحفز خاليا دماغ الجنين فتظهر‬ ‫عليه عالمات النبوغ وهو ال يزال ينازع الحبل السري سابحا في بطن أمه و‪..‬‬ ‫مهال‪ .‬ال بد من أم مميزة"‪ .‬أضناه البحث عن أرض خصبة ومنبت مثالي‪ .‬لن‬ ‫يغامر بنثر بذوره أينما اتفق ولو كلفه ذلك سنوات أخرى من الوحدة‬ ‫الاختيارية‪ .‬ستكون أخف وطأة من ابن ضيق الصدر غير منتظم ألاسنان أو‬ ‫بطئ الفهم‪ .‬لن يغامر أيضا بابنة بشعر منكوش أو فم غليظ الشفتين لها‬ ‫صدر أعجف كضرع بقرة خالته‪ .‬جفف موس ى الحالقة جيدا‪ .‬نظر لنفسه‬ ‫مليا في املرآة‪ .‬يبدو أن أباه لم يتريث مثله في انتظار الحصول على مزرعة‪ .‬ها‬ ‫قد حانت فرصته في تحسين البذور‪.‬‬

‫‪10‬‬


‫حصاد‬ ‫كور ّ‬ ‫بين أصابع خشنة توحي بحزم ورجولة‪ّ ،‬‬ ‫حسان فتات خبز تناثر على‬ ‫طاولة العشاء‪ ،‬وقد شرد بمخيلته ّ‬ ‫تصور له حسن معشوقته ألاخاذ‪ .‬ال بد أنه‬ ‫أتى شيئا حرمه وصالها‪ .‬سيظفر بها حتما‪ .‬لن يحدث له ما أصاب عاطف‬ ‫حبيبها ألاول أوالثاني‪ .‬لم يعد يدري‪ .‬أوغرت الغيرة صدره "غادة لي‪ .‬لي وحدي"‪.‬‬ ‫شد قبضته بحزم وخبط املنضدة فأجفلت أخته سلوى وأمسكت بطنها‬ ‫الناتئ في حركة غريزية تاركة طبق البرتقال ليسقط أرضا وسألته في ريبة "ما‬ ‫الذي سيكون لك وحدك يا عزيزي؟" صدمه رنين سقوط الطبق وغمغم في‬ ‫حنق "ما هذا؟ برتقال مجددا‪ .‬أين املوز الذي أحضرته ألاسبوع املاض ي؟ ال‬ ‫يهم‪ .‬لم يبق على حلول الراتب سوى أيام معدودة ‪".‬لم تعره سلوى اهتماما‬ ‫وسألته في خبث هيا يا حسان‪ .‬هل سأصير ّ‬ ‫عمة قريبا؟"تخضبت وجنتاه‬ ‫أجش " ّ‬ ‫ّ‬ ‫عمة! من حقك‪ .‬أال أعلم خال ابن من سأصبح‬ ‫فأطرق‪ .‬ثم بصوت‬ ‫أنا؟"‬ ‫أصاب أخته في مقتل فطأطأت وجرت بطنها الثقيل لتواصل غسل ألاطباق‬ ‫تتذمر في سرها "من سترض ى بقربك أيها الغبي‪ .‬ابق أرضا بورا مثل أرض‬ ‫أجدادك‪ .‬أنا حرثت وزرعت وجاد ّ‬ ‫علي املطر‪".‬‬

‫‪11‬‬


‫ديجا فو‬ ‫أجفل بغتة‪ .‬وثب من مقعده و َسقت يده املضطربة املنضدة شايا ساخنا‪.‬‬ ‫رفعت حاجبي تساؤال‪ّ .‬‬ ‫سوى كوب الشاي الفارغ‪ .‬انتظرت جوابا‪ .‬جابت يده‬ ‫اليمنى جيب سترته ألايسر في انفعال‪ .‬جذب رزمة خضراء وزفر بارتياح‪.‬‬ ‫خلتها النهاية ‪.‬غاصت يده اليسرى في جيبه ألايمن بقوة حتى ثقبته‪ .‬كان هاتفه‬ ‫املحمول في يدي‪ .‬نظر ملتاعا إلى ّ‬ ‫لجة الشاي على املنضدة‪ .‬أنقذت هاتفه في‬ ‫اللحظة املناسبة لكنني لم أنقذ جيبه‪" .‬عما تبحث؟" انحنى بزاوية حادة‬ ‫يفتش جيوب بنطاله فلم تمهله قبعته املخملية‪ .‬انحنى أكثر ليلتقطها‬ ‫فسقطت نظاراته‪ " .‬مهال نسيت مفاتيح البيت"‪ .‬لكن املفاتيح أيضا كانت على‬ ‫املنضدة‪" .‬املفاتيح وآخر الدوالرات والهاتف والنظارات والقبعة‪ ..‬كلها هنا"‪.‬‬ ‫هل نسيت شيئا ما؟" كل ش يء معي آلان‪ .‬أنا متيقن أنني نسيت شيئا‪ .‬حصل‬ ‫معي هذا ألامر مرارا‪ .‬أعرفه‪ .‬لقد خبرته من قبل"‪ .‬انتقل الاضطراب إلي فجأة‪.‬‬ ‫نظرت أسفل الطاولة بعصبية‪ .‬حشرت يدي في جيوبي بصعوبة وكنت ال أزال‬ ‫جالسا‪ .‬بحثت مثله عن ش يء لم أعرف كنهه‪ .‬تحسست أجرة كراء البيت في‬ ‫جيب سروالي الخلفي‪ .‬شعرت بالذنب ألنه لم يجد ضالته‪" .‬هل لديك نفس‬ ‫الشعور؟ اسمع ال يخطئ حدس ي أبدا‪ .‬إحساس عجيب‪ .‬كل مرة ينتابني‬ ‫إحساس بأنني عشت هذا املوقف من قبل‪ .‬لم أخب قط"‪ .‬أوجست خيفة‪ .‬لم‬ ‫أكن أحب هذه ألامور‪ .‬هممت بالرحيل‪" .‬هل أقسم لك؟ صدقني حبيبي‪ .‬أنا‬ ‫متيقن‪ .‬رأيت نفس ي ناسيا شيئا ما من قبل"‪ .‬انصرفت بسرعة ولم أدفع ثمن‬ ‫الشاي املندلق‪ .‬أكاد أجزم أن عيون صديقي الالمعة وشبح الابتسامة الذي‬ ‫يسكن ركن شفتيه مشهد مألوف خبرته أعواما‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫خطوبة‬

‫ذات يوم تفحصت أمي حبيبتي من بعيد بعيون خبيرة مدربة ثم أجفلت‬ ‫"ما أقبح عيونها‪ ،‬عيون اسبانيورية"‪ .‬قدمتها لصديقتي رملة فغنت "يا زمان‬ ‫الوصل باألندلس"‪ .‬دعوتها الحتساء قهوة مع صديقي شاكر فهنأني قائال "لن‬ ‫تحس معها ببرد الشتاء على أية حال‪ ،‬ثم لك أن تفارقها بعد حصولك على‬ ‫إلاقامة"‪ .‬ملا تثيرني أنا فقط بلكنتها املحببة وهي تحيل العربية إلى فرنسية‬ ‫ركيكة؟ ملاذا تشنف حبيبتي ٱذاني دون غيري بنغمة القاف تستحيل كافا في‬ ‫مبسمها الشهي؟ حبيبتي حسناء ال شرقية وال غربية‪ّ .‬‬ ‫أمني نفس ي على فراش‬ ‫الحب‪ .‬تلتقمني حبيبتي كالحوت‪ ،‬تثير جنوني‪ ،‬تمسك شيئي وتحك به شيأها‪.‬‬ ‫تكربل وتغمغم و ّ‬ ‫تجن لكن هاتفا عجيبا في أعماقها ينادي تعال اخطبني من‬ ‫أبي‪ .‬محرومة هي من لذته كمن قض ى عمره في سفينة ال تقبله بالد وال يرسو‬ ‫في مرفأ‪ .‬انتظرت أختي حتى عادت من الربع الخالي صيفا وقد تخلت عن‬ ‫لباس التقوى وارتدت فستانا زهريا قصيرا ثم ذهبنا سويا ألقدمها لحبيبتي‪.‬‬ ‫طيلة طريق العودة ما انفكت أختي تردد "يبدو أن عينيها أصغر ش ئ لديها‪.‬‬ ‫نهداها بارزان ومؤخرتها عظيمة وبشرتها بلون النحاس‪ ..‬ألم تقل في الهاتف‬ ‫انك تشتهي أجنبية؟"‬

‫‪-----------------------------------------------‬‬

‫عين اسبانيورية‪ :‬أكلة تونسية يقال إن أصلها أندلس ي‪( .‬الناشر)‬

‫‪13‬‬


‫الترياق‬

‫انتصف النهار في مدينة امللك الشاب عندما خرج آخر مواطن من الخلوة‬ ‫الكبيرة ‪.‬ألسبوع كامل أقبل الناس بأقالمهم ليختلوا بدفتر عظيم و ّ‬ ‫يحبروا‬ ‫عليه أفكارا أو ليكتبوا أشعارا يقرأها مليكهم املغتم عندما يحين اليوم‬ ‫املوعود‪ .‬لشهر أو يزيد ّ‬ ‫أحس جاللته بضجر شديد ولم ينجح أحد في تسليته‪.‬‬ ‫امتد َم ُلله إلى الحاشية ثم انتقل تباعا إلى ّ‬ ‫الرعية‪ .‬تقاعس الجميع عن العمل‬ ‫وظهرت ألا مات‪ّ ،‬‬ ‫فتفتق ذهن وزير املداد عن فكرة منيرة‪ .‬لم يطق امللك صبرا‬ ‫ز‬ ‫ّ‬ ‫و ّ‬ ‫توجه إلى الدفتر الكبير‪ .‬لن يبخل عليه رعاياه بأقاصيص جميلة تسليه أو‬ ‫قصائد مرهفة تعزف على أوتار وجدانه‪ .‬انقض على املجلد‪ .‬ال بد أن شعبه‬ ‫ّ‬ ‫قد مأل مئات الصفحات نوادر وطرائف‪ .‬حتى الحكم واملواعظ كانت لترفه‬ ‫عن مليكنا‪ .‬بعض الصفحات بيضاء‪ .‬ال يهم‪ .‬ال يقرض كل الشعب شعرا‪.‬‬ ‫عشرات الصفحات خالية‪ .‬سيصبر‪ .‬ال تروي كل الشعوب قصصا‪ .‬أرغى امللك‬ ‫وأزبد وتوعد بالويل والثبور‪ .‬كان املجلد خاليا تماما سوى من لطخات من‬ ‫الحبر هنا وهناك‪ .‬شعب ال يكتب هو شعب ال يقرأ‪ .‬أحدهم سيتحمل‬ ‫املسؤولية‪ّ .‬‬ ‫ودع وزير املداد أهله وذويه قبل أن يقول جملته ألاخيرة في أس ى‪:‬‬ ‫"جاللتك‪ ،‬عندما َ‬ ‫كنت يافعا غضب ّ‬ ‫عمك امللك املرحوم من أحد املفكرين‬ ‫وصاح به ماذا نفعل بالكتب أيها ألابله؟"‬

‫‪14‬‬


‫آخر الزفرات‬ ‫ّ‬ ‫دك املنجنيق أسوار املدينة الشاهقة وطال الحصار‪ .‬أسند ظهره إلى‬ ‫عمود رخامي ووقف يتأمل نقشا على باب بهو ألاسود بقصر الحمراء‪ .‬قرأ‬ ‫بعيون ساهدة مهتزة "وال غالب إال هللا"‪ّ .‬‬ ‫ضجت ّ‬ ‫الرعية‪ُ ،‬حرقت املزارع‬ ‫واملحاصيل وعاش الناس على الكفاف‪ ،‬وال غالب إال هللا‪ .‬بعث الرسائل إلى‬ ‫بني عثمان وال من مجيب‪ .‬راوده بنو قشتالة على ملكه وال غالب إال هللا‪ .‬هل‬ ‫يشبع شعار أجداده رعيته ويعصم دماءهم؟ وحده ملك الفرنجة سيمنحهم‬ ‫ألامن واملئونة ويتركهم يصلون ويصدحون باآلذان في مساجدهم‪ .‬كيف‬ ‫ّ‬ ‫يساوم على دينه ومجد أسالفه‪ .‬تقلد سيفه ووضع درعه ثم خرج مجاهدا‪.‬‬ ‫سيدافع عن ملكه كالرجال‪ .‬لن تسقط غرناطة‪ .‬سقطت مالقة بدال عنها فقد‬ ‫انهزمت أمام سرقسطة بركالت الجزاء‪ .‬سيأتي عشاق كرة القدم مرارا‬ ‫ملشاهدة غرناطة تقاوم على ملعبها املتاخم لقصر الحمراء‪ .‬ال غالب إال هللا‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫جواد رابح‬ ‫لفظت القوارير الخضراء ّ‬ ‫الصغيرة روحها في منتصف اللذة‪ .‬أسوأ ما‬ ‫يمكن حدوثه لطالب نحيل مثلي في ديار الغربة‪ .‬أنفقت آخر بنس معي هذه‬ ‫الليلة‪ .‬ال يهم‪ .‬ال بد أن صديقا ما يتسكع خارج حانة "الفارس ألاسود"‬ ‫بالشارع الشمالي للبلدة‪ .‬أول من اعترضني طبعا "شو" الياباني جليس ي في‬ ‫قاعة الدرس صباحا‪ .‬لوح بخمسة جنيهات وضحك من خالل أسنانه القذرة‬ ‫"ستة من الهاينكان على حسابي‪ .‬تعرف ما عليك فعله"‪" .‬لن اذهب مع ذلك‬ ‫القمئ إلى الغرفة ولو قضيت عطشا‪ .‬همت في الطريق‪ .‬كان رعايا امللكة‬ ‫يقارعون صاحبة الجدائل الذهبية منتشرين في حديقة جميلة قبالة كنيسة‬ ‫البلدة‪ .‬كم أحسدهم‪ .‬جيوبهم دائما منتفخة‪ .‬قرصني شعور بالذنب غريب‪.‬‬ ‫الكنيسة في طريقي إلى الجامعة‪ ،‬ألجها كل صباح واغترف حفنتين من‬ ‫ّ‬ ‫سأجرب‬ ‫"بنسات" إلاحسان من الوعاء النحاس ي الضخم في فنائها الكبير‪.‬‬ ‫حظي معها ليال أيضا‪ .‬رفعت عقيرتي عاليا "من يراهنني على عشرة جنيهات‪.‬‬ ‫سأتبول على جدار الكنيسة" لن أصور حجم الصدمة والاشمئزاز والحنق‬ ‫لكن الجنيهات انهالت علي وأنا أفك أزرار بنطالي على جدار الكنيسة‪ .‬ال أذكر‬ ‫حقا من القائل "إن الدين في خدمة الشباب‪.‬‬

‫‪16‬‬


‫سفر‬ ‫انصرف ّ‬ ‫جل املتسامرين من حانة "الكون" آخر الليل‪ .‬كان املطر والريح‬ ‫والثلج ّأول املغادرين‪ .‬استوى النور واقفا يريد املغادرة لكن الصوت استوقفه‬ ‫رافعا كأسه عاليا‪" :‬لم تنته السهرة بعد‪ .‬فيم العجلة؟" قهقه النور في تعال‪:‬‬ ‫"أنا ألاسرع دائما‪ .‬ابق أنت‪ .‬لقد تجاوزك ّ‬ ‫الكل"‪ّ .‬‬ ‫تجرع الصوت كأسه دفعة‬ ‫واحدة ثم ركزها على املنضدة في حزم‪" :‬مغرور‪ .‬تظن أنك تسافر أسرع من أي‬ ‫كينونة أخرى لكنك مخطئ تماما‪ .‬أنت تعدو‪ ،‬تركض‪ ،‬تسرع الهثا لتصل‬ ‫ألاول إلى كل مكان لتجد الظالم قد سبقك دائما ويقبع بانتظارك‪ .‬انحسر أيها‬ ‫النور فال مكان لك‪".‬‬

‫‪17‬‬


‫المؤلف في سطور‬

‫اعترضتني الحور العين باألحضان‪ ،‬نفضن دمي املتقاطر الدافئ وسقينني‬ ‫عسال مصفى‪ .‬ملا استرددت أنفاس ي سألتني إحداهن "وردنا أنك صبغت رمال‬ ‫الشاطئ لونا قرمزيا أخاذا ولم تذر من بني بياضة حيا"‪ .‬رددت بفخر واعتزاز‬ ‫"أرديت ثالثين أو أربعين"‪ .‬لحظتها لم أدر كيف مادت ألارض تحت قدمي أو‬ ‫كيف نبت للحورية قرنان وهي تلعنني بصوت هادر "أربعون فحسب؟ لم‬ ‫تستحق جزاءك بعد‪ .‬اهبط واسقنا املزيد" كل ما أعرفه أني هبطت كما‬ ‫هبط جدي من زمن سحيق ألخط لكم هذه السطور وأحوك هاته القصص‪.‬‬ ‫فليرحمني ربي‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫أصحاب اليمين‬

‫عشرون ألف صباح أمضاها الشهيد أرنستو تش ي يرفرف بجناحيه في‬ ‫الجنة‪ .‬لم يكن يوما أسعد لكنه اشتاق الرفاق‪ .‬تحققت أهداف الثورة‬ ‫وعاش الجميع في رخاء‪ .‬ال نضال في الجنة حتما‪ .‬أخفى شوقه فلم يكن‬ ‫ليطلب أكثر‪ .‬ثم حدثت املعجزة طرف النهار‪ .‬صوت جميل عذب اجتذبه إلى‬ ‫الباب الكبير‪ .‬ابتسم وزفر في حرارة "الثوار الحق ينتهون هنا‪ .‬لكنك تأخرت‬ ‫ّ‬ ‫كثيرا يا فيدال حتى ساورني الشك"‪ .‬ثم قرص رفيقه من لحيته ليطمئن قلبه‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫تمخض الجبل‬ ‫مرت أيام العيد ولم تنزل ألامهات من ّ‬ ‫ّ‬ ‫القمة بعد‪ .‬خرجن في الدروب‬ ‫كادحات يتعثرن قطفا لباقات إكليل وغار‪ .‬نامت عيون الرجال قريرة وتسلقن‬ ‫الجبل في عرق وآهات إلى حيث املوت املسجى قد ّدبر بليل طويل‪ .‬كم هو ّ‬ ‫مر‬ ‫هذا الرغيف مغمسا بدماء الشهيدات‪ .‬أال يكفيك يا جبل كل هاته القرابين‪.‬‬ ‫أال تلفظ جرذانك فقد استباحت أمهاتنا‪ .‬البادئ أظلم يا جبل فقد قدحت‬ ‫فئرانك نار الفتيل‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫عراة في الظالم‬

‫"يبدو أننا لن ننام الليلة"‪ ،‬قال النحيف في خفوت‪" .‬نعم‪ .‬يبدو أن املكيف‬ ‫قد تعطل‪ .‬النافذة مفتوحة عن آخرها والحر خانق"‪ .‬رد البدين‪" .‬أعني نور‬ ‫الالفتة إلاعالنية‪ .‬إنه ساطع يخترق كياني"‪" .‬إعالنات بينيتون دائما ساطعة‪"..‬‬ ‫"ليست بينيتون إنها الفتة يونيسيف‪" "..‬بينيتون‪" "..‬يونيسيف" "إنها‬ ‫خضراء‪" "..‬ال زرقاء" "أنت لم تر السيارة قادمة نحونا" "أنظر إلى ألاطفال‬ ‫العراة إنها بينيتون" "أطفال عراة‪ .‬إذن يونيسيف" "لنحتكم إلى أول شخص‬ ‫يدخل" "سأربح كالعادة"‪.‬‬ ‫فتح الباب‪ .‬دخل الحارس‪ .‬أغلق النافذة بإحكام‪ .‬ألقى نظرة على الثالجة‬ ‫الكبيرة ثم أغلق باب املشرحة املظلمة وانصرف‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫عبث‬ ‫سأغير العالم‪ .‬هكذا كانت تحية كريم منذ عرفته‪ .‬لم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ينفك يعيدها بوتيرة‬ ‫كبيرة كامل الصيف وهو يستعد لحفل زفافه‪ .‬زارني منذ ثالث أسابيع‬ ‫ليسلمني دعوة لحفلة فألقى صديقي الشاعر لطفي في ضيافتي فألقي عليه‬ ‫تحيته املعهودة‪ .‬شكره لطفي بحرارة وأنشده رادا التحية بأحسن منها‪.‬‬ ‫لقي َ‬ ‫ُأ َ‬ ‫نردك يا خليلي قبل بدء التكوير‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫وخان ُت َك قد ُعلمت بخط كوفي يستطيل‬ ‫مللم عرقك ودماءك وخيطك الرفيع‬ ‫وارحل غير مأسوف عليك‬ ‫عالم تنتظر‬ ‫قد وصل قبل الرحلة قطار املصير‪.‬‬ ‫بدا على كريم إعجابه باألبيات الشعرية‪ ،‬لكنني سمعت الحقا أن حرمه‬ ‫املصون قد غيرت العالم تماما‪.‬‬

‫‪22‬‬


‫الملجأ‬ ‫أمي وأنا قطبا مغناطيس ال يلتقيان‪ .‬ما زلت أذكر ليلة سنتي الثالثة عشر‬ ‫جيدا‪ .‬كان يوما عصيبا وحسبت أنني أستطيع أن أعتمد عليها‪ .‬لم أدرك ما‬ ‫حل بي لكنني جريت نحوها مضطربة‪.‬‬ ‫"ماما‪ .‬ماما"‬ ‫"نعم عزيزتي‪ .‬لقد استوفيت حصة مصروفك ألاسبوعي"‬ ‫"ال‪ ..‬أتيت ألمر آخر"‬ ‫"لن ترتدي كعبي العالي حتى في البيت‪ .‬ال تعرفين ثمنه"‬ ‫" وال لهذا يا ماما"‬ ‫"طريقتك مألوفة‪ .‬ألف مرة قلت ال صديقات في بيتي"‬ ‫هممت بالرد لكنها استطردت في غلظة‪" :‬سأعلم أبيك حول الهاتف املطول‬ ‫ليلة أمس"‬ ‫"تلك كانت مروى تذكرني بالواجب املدرس ي"‬ ‫"ملاذا تخبرين جدتك كل ش يء‪ .‬أنا هنا‪ .‬ألست أمك؟"‬ ‫تذكرت بغتة أن جدتي قد تشرح لي ألامر فأمي لم تالحظ خيط الدم‬ ‫الرفيع منحدرا على سراويلي‪.‬‬ ‫‪23‬‬


‫صدمة‬

‫وطئ أرض تونس الجميلة ممنيا نفسه برحلة رائقة‪ .‬على الفتة كبيرة قبالة‬ ‫املطار‪ ,‬قرأ جملة مبهمة‪" :‬شرجي بدينار"‪ .‬تعوذ‪ ،‬بصق وعاد أدراجه يبحث عن‬ ‫طائرة العودة‪ .‬هاتفني بعد يومين من القاهرة وألح علي بالهجرة من تونس‬ ‫الفاسقة‪..‬‬

‫‪24‬‬


‫ألوان‬ ‫أتنفس َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تزرعني كل ليلة شوكا على مزالج الباب‪،‬‬ ‫عبق صيف هند ّي‬ ‫َ‬ ‫يسر ما ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فاقع ُّ‬ ‫تبقى من العيون‬ ‫أحمر زهري‪،‬‬ ‫أخضر لوز ّي كعيني قاتلتي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫أبيض كذنوبي‪ ،‬و َ‬ ‫َ‬ ‫حاصر ق َال َ‬ ‫أسود أخاذ ّ‬ ‫أتطل ُع ّ‬ ‫ُ‬ ‫لسر‬ ‫عها‪،‬‬ ‫يطه ُرني‪ ..‬كل ليلة أ‬ ‫أشواكها‪،‬و ُأحص ي َ‬ ‫حماالت ُّ‬ ‫فأحص ُد يا حاسدي َ‬ ‫َ‬ ‫ألوان ّ‬ ‫النهود‪..‬‬ ‫فنائها‪،‬‬

‫‪25‬‬


‫اغفري‬

‫نسجت حروفا أشهى من حرير الصين‪ .‬جلبت عاج فيلة من الهند‪ .‬مللمت‬ ‫جماجم موتانا من صفين وحطين‪ .‬خرجت كما أبي من جنتي‪ ،‬وٱمنت أن ربي‬ ‫ينصرني ولو بعد حين‪ .‬ضربت في مناكبها دهرا يا معذبتي‪ ،‬فمتى تصفحين‪..‬‬

‫‪26‬‬


‫الخيار الصعب‬

‫ال تحرقوني فقرطاج أيضا محروقة‪ .‬ال تجعلوا رمادي هباء منثورا‪ .‬ال‬ ‫تدفنوني فسبأ أيضا مدفونة‪ .‬اتركوا دمي اليماني السعيد ينزف حرا يسقي‬ ‫السد املشروخ‪ .‬دعوني أنزف لعل دمي ُيحيي َع َ‬ ‫ّ‬ ‫دن املوعودة‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫ترنيمة لنخلة أبي‬ ‫اليوم تنتصر حروفي ويترنم الزبانية بأناشيدي‪ .‬ستستحيل النار بردا‬ ‫وسالما ويشرق الجحيم من نور أشعاري‪ .‬اعذروا دقات قلبي املتسارعة‪ .‬آن‬ ‫لك أن ترتاح يا محط أسراري ويا فاني أيامي‪ .‬لن يراق دمك على مذبح أبي‪.‬‬ ‫تريد جراء تحمل اسمك يا أبي‪ .‬نخلتك باسقة يا والدي‪ .‬لن أذوق من ثمارها‪.‬‬ ‫أريق مدادي على مذبح الشعر‪ .‬من يفديني بذبح عظيم يا أبي‪ .‬ألم ّ‬ ‫أغن‬ ‫للحياة‪ .‬ألم أرم صعود الجبال‪ .‬ينساب دمي قطرات على صحيفتي ألاخيرة‪.‬‬ ‫اعذروني‪ .‬ليس لي غيرها ودمي قد أحتاجه مدادا لروحي الحبيسة‪ .‬شرع زوار‬ ‫الليل في التوافد‪ .‬لم يعد صدري يتسع وأحداث اليوم طويلة‪.‬‬

‫‪28‬‬


‫جغرافيا‬

‫بدأت صواريخ السكود والتوماهوك رقصة الفالس اليومية على شريط‬ ‫ألانباء إيذانا بجولة جديدة من نواح جدتي‪ .‬تناول أبي طبقا نحاسيا جميال‬ ‫عليه زوج من فناجين الشاي‪ .‬وضع فنجانا أقص ى يمين الطبق ودفع آلاخر‬ ‫إلى شماله‪" .‬هل ترين الفنجان على اليمين يا ّ‬ ‫حاجة؟ تلك هي البصرة"‪" .‬أميركا‬ ‫يعني؟ ولدي‪ ،‬آه ولدي‪ .‬آه الحرب‪ .‬يا وليدي"‪" .‬اصبري يا حاجة‪ .‬هل رأيت‬ ‫الفنجان أقص ى اليسار؟ تلك أميركا حيث يعيش ابنك‪ .‬فهمت"؟‪" ..‬يا ربي‬ ‫وليدي‪ .‬أميركا‪ .‬يا ميمتي‪ .‬الحرب‪ .‬يا ناري على وليدي"‪ .‬لم يطل درس الجغرافيا‬ ‫كثيرا‪ ،‬فقد نافس سباب أبي كل الصواريخ مجتمعة‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫دون مرمى‬ ‫ّ‬ ‫اللغط في املقهى‪ّ .‬‬ ‫ُ‬ ‫َح َ‬ ‫شنف فرقتان من‬ ‫الوطيس على امليدان واحتدم‬ ‫مي‬ ‫الشباب آذاننا بنغمات زاجية من الشتائم والسباب‪ .‬كلما أحرز أحد‬ ‫الفريقين هدفا تغنوا فخرا وعلمنا أن الشق آلاخر أبناء عاهرات‪ .‬نال الحكم‬ ‫أيضا نصيبه من التجديف والفحش‪ .‬ثم طارت منفضات السجائر من‬ ‫الجانبين و ُهشم جميع أنواع البلور فحمينا رؤوسنا بأيدينا صاغرين‪ّ .‬لبى‬ ‫البوليس استغاثة صاحب املحل بسرعة‪ .‬انقض على املشجع ألاول في غلظة‬ ‫"هل أمك طليانة؟" وأمسك بتالبيب الثاني "هل أختك اسبانيورية؟" ‪.‬‬ ‫التقمت سيارة البوليس املشجعين في لهفة والضابط يدفعهم في حزم‬ ‫"اصعدوا لنبحث لكم عن وطن‪".‬‬

‫‪30‬‬


‫األجر المضمون األدنى‬

‫فتحت الجارة بابها ونظرت لبطن زينة املنتفخ شزرا‪ ،‬ثم وضعت يدا في‬ ‫خاصرتها ويدا أمام فمها وقالت في خفوت"عدنا مجددا‪ .‬فعلها آكل الجزر"‪.‬‬ ‫تخضبت زينة خجال‪ .‬انه حملها الرابع في سبع سنوات من الزواج‪ .‬طأطأت‬ ‫رأسها وقالت "املعطي ربي يا خالة‪ .‬رزقه معه" "ملاذا شرفت اليوم؟" "أود أن‬ ‫تقرضيني بعض زيت" "وهل يقرض الزيت؟" "أعني حتى يجد عمارة عمال قارا‬ ‫و‪" "..‬بربك متى تخلدون إلى النوم؟" لم تجب زينة من فرط الخجل فالتفتت‬ ‫الجارة إلى داخل املنزل ثم قالت في خفوت أكبر "قولي ملولى بيتك يمر غدا‬ ‫ليحمل لكم التلفزيون القديم" "‪ ..‬والزيت؟" غمزتها الجارة "مع التلفزيون لن‬ ‫تحتاجي زيتا باملرة‪".‬‬

‫‪31‬‬


‫تذكرة ذهاب‬

‫لم أعد أذكر من قال أن "الزمن ليس سلما يرتقيه املرء نحو املستقبل بل‬ ‫ليأخذه نحو املاض ي" لكنني أعلم أن القائل بأن الزمن ال يتوقف مخطئ‬ ‫تماما‪ .‬هنا يسترد الزمن أنفاسه‪ ،‬يحط رحاله‪ .‬هنا يحلو له املقام‪ .‬لن يجد‬ ‫أطيب من هذه السباسب‪ .‬رياح عاتية تجري إلى غير مستقر‪ .‬أعمدة من‬ ‫الغبار باسقة متعالية كأنها الحمم‪ .‬من يجرؤ على تحرير الزمن‪ .‬قد تتهرأ‬ ‫ألاغالل الثقيلة في أشباه السيقان وتصدأ‪ ،‬لكن الزمن اختار محطته ألاخيرة‪.‬‬ ‫كل يدور في فلك‪ .‬رياح‪ ،‬غبار‪ ،‬سموم ودماء‪ .‬كل يتفاعل‪ .‬كل ينعتق إال الزمن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تمكنت من العودة‪.‬‬ ‫وصفت املشهد جيدا لو‬ ‫فقد وجد ضالته هنا‪ .‬ربما‬ ‫أمامك للمرة ألاخيرة الفتة متهرئة تنبئك بنهاية الرحلة وال تعلم أنها سوى‬ ‫البداية‪ .‬توقف الزمن هنا الن أشباه البشر املقيمة هنا ال تدرك إال بعدا‬ ‫واحدا‪ .‬وسط ال ش يء يقبع السجن وحيدا‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫ساعة يقف الشيطان بين نهديها‪‎‬‬ ‫ّ‬ ‫يصم‬ ‫تكافل‪ ،‬مرابحة‪ ،‬مضاربة‪ ،‬مبادلة أومراودة‪ .‬لم أعد أدري‪ .‬جناس‬ ‫آذاني منذ الصباح الباكر‪ .‬نشاز لم أفهمه‪ .‬لعلها مترادفات تحمل عبق‬ ‫الدينار في طياتها‪" .‬الصوردي الحالل ال يضاهيه ش يء يا بني"‪ .‬كيف السبيل‬ ‫إلى الحالل‪ .‬حتى الحرام صار صعب املنال‪ .‬هذا ما ال تدركه أمي‪" .‬عليك‬ ‫بمصرف حالل"‪ .‬ما انفك يقنعني صديقي طيلة سهرة البارحة‪ .‬ألج البنك‬ ‫بقدمي اليمنى‪ .‬لم أحلق ذقني للغرض‪ .‬تقدمت بمطلب قرض لسكرتيرة املدير‬ ‫فأجابتني "تستطيع أن تشتري من عندنا دارا قيمتها مائة ألف دينار بثمن‬ ‫قدره مائة وخمسون"‪ .‬أمضت نصف الساعة تشرح لي معنى املرابحة وعيوني‬ ‫مزروعة في نهديها العاريين حتى الجذور‪ .‬شرحت وشرحت وأنا أفكر أن البنك‬ ‫الكافر سيسترجع مني مائة وعشرين فحسب مع نهود أكبر وأجمل‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫من قلب الحدث‬

‫استل الجميع هواتفهم في تسابق محموم علهم يستقدمون سيارة إسعاف‬ ‫قبل فوات ألاوان‪ .‬من علو سبعة طوابق كانت البنية تترنح وتلوح بالسقوط‪.‬‬ ‫اجتمع جمع غفير في ألاسفل يحرقه الفضول‪ .‬سرت همهمات بين الصفوف‬ ‫وعلمت أن البنت قد حملت من سفاح وأن زوجها قد هجرها وأنها سرقت‬ ‫مبلغا كبيرا من البنك وقتلت ابنها وأنها سافرة‪ .‬كانت أيضا تريد الزواج ولم‬ ‫يوفر خطيبها املال بعد‪ .‬أراد والدها تزويجها من رفيقه السبعيني‪ .‬علمت‬ ‫بيسر أنها نحيفة أو بدينة كرهت مظهرها خاصة وهي موظفة بالبريد وقد‬ ‫اختلست معاش املتقاعدين‪ .‬فجأة صاح أحد الحاضرين "انزلي‪ ،‬ماتت‬ ‫حماتك" وقال آخر "ستسقطين ويفسد ماكياجك" وصاحت بها فتاة‬ ‫"ستندمين بدأ موسم التخفيضات" وسمعت أيضا "أنت لقيطة وأبوك‬ ‫مليونير" و "انتظري حتى نأخذ صورة" و "سلمي على جدتي"‪ .‬لم يقطع وتيرة‬ ‫النميمة غير أصوات باعة الشاي والليمون املثلج وقد وجدوا سوقهم نافقة‬ ‫حتى أن بائع مالبس نسائية مستعملة انتصب وشرعت النسوة ينتقين‬ ‫البضاعة‪ .‬ضاعت ألاصوات في الزحام لكنني ميزت هاتفا بصوت جهوري‬ ‫أجش "هل ترين حوريات؟"‬

‫‪34‬‬


‫تقص‬

‫يا أيها الخطاؤون‬ ‫والخارجون من النور إلى الظلمات‬ ‫أال أيها التائبون بال نزيف‬ ‫أليس للحقيقة ثمن ومهور‬ ‫فاصدحوا بها عارية صلدة صماء‬ ‫قدمت عمري قربانا‬ ‫لتنكسر على عتباتها قالع وهمي‬ ‫أال عجلوا فقد بلغ حرفي أسباب السماء‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫د‪ .‬خ‪ .‬ج‬

‫لم تنفك أصابعي تعبث بالقرص في انتظار دوري‪ .‬ناء صدري في طابور‬ ‫طويل عبر دهليز مظلم سوى من مصباح أو مصباحين فاترين‪ .‬وصلت‬ ‫صحبة طبقي املعدني البالي إلى قصاع الطعام‪ .‬ابتسم الطاهي الشرس في‬ ‫تشف‪ .‬لم يتبق سوى البيض‪ .‬مددت يدي إلى أرغفة خبز ملطخة مرقا‪ .‬ما‬ ‫يبذره الرفاق على الغداء يرجع ظافرا على طاولة العشاء‪ .‬اتخذت مقعدا‬ ‫وأنزع قشور بيضتي صاغرا وأحلم بيوم ألاربعاء‪ ،‬يوم الفاصوليا‪ .‬أما اليوم‬ ‫فلن آكل حتى الشبع فتلك حقا عادة سيئة‪ .‬انظر إلى قرص ي كعادتي وأقرأ‬ ‫حروفه املحفورة باستسالم "دخل وخرج جائعا‪".‬‬

‫‪36‬‬


‫طريق الربيع‬

‫ينتظرني يوم شاق ومضن فالسفر جنوبا لن يكون سهال أسفل شمس‬ ‫الربيع الوليد ‪ .‬علي أن أسرع ألجد مكانا لعربتي ضمن طابور الانتظار الطويل‬ ‫أمام مضخة البنزين الوحيدة التي لم توصد بعد‪ .‬كم أخش ى نفاد الوقود عند‬ ‫حلول دوري‪ .‬لن يحتمل ألامر تأخير يوم آخر‪ .‬ألقيت نظرة أخيرة على حقيبتي‬ ‫الصغيرة‪ .‬خبز وزيتون وجبن وخطابي الذي سألقيه على مسامع إخوتنا‬ ‫هناك‪ .‬سأراجعه ريثما احضر رفاقي بعض املاء‪ .‬من يضمن أن هناك ماء‪.‬‬ ‫سأراجع أيضا خارطة الطريق ‪.‬اليوم تشهد ساحات املدن الكبرى قصاصا‬ ‫عظيما‪ .‬علينا أن نتجنب حماس الجماهير املتعطشة للعدالة‪ .‬يجب أن‬ ‫ّ‬ ‫نسرع‪ .‬فقط ماء ووقود ونشد الرحال إلى هناك علنا ننقذ ما أمكن إنقاذه‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫ألوان العشق‬

‫"عشقنا ال ينتهي" قالت جارتنا الجميلة وهي تتناول كعكة محالة بالعسل‬ ‫من يدي أمي‪ .‬لم تنفك تعدد مناقب حبيبها كامل ألامسية فهو شهم كريم‪،‬‬ ‫فارس مغوار يحبها حد الجنون وحنون ينتبه الى أدق تفاصيلها ويعينها على‬ ‫تنشئة طفليهما‪ .‬تواصل حديثها عن زوجها املتيم مطوال حتى غمزت في جذل‬ ‫وقالت في خفوت "يحملني كل ليلة الى السماء السابعة"‪ .‬اعترف أنني لم أفهم‬ ‫ملاذا تخضبت وجنتا أمي لكنني واصلت من مكاني اختالس النظر إلى بشرتها‬ ‫الوردية وجمالها ألاخاذ‪ .‬انتزعني جرس الباب من أحالمي الشبقة بغتة‪.‬‬ ‫فتحت متثاقال فاندفع عبره ّ‬ ‫صبيان وارتميا في حضن جارتي "ماما‪ ،‬ماما أبي‬ ‫ينتظرك بالبيت"‪ .‬كان تناقض ألالوان صارخا وجميال لكن جارتنا خففت من‬ ‫حدته مبتسمة في إغراء قاتل "هذه ثمار حبيبي ألاسمر"‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫دموع وادي مليز‬

‫ال يزال أبي مترددا بين الصعود إلى العربة الصدئة وبين املوت في أرضه‪ .‬في‬ ‫الواقع‪ ،‬لم يستطع حسم ألامر طيلة هذا الشهر ونحن نحزم أسمالنا البالية‬ ‫استعدادا للرحيل‪ .‬جف الوادي منذ سنتين ونفق الحرث والنسل لكن أبي لم‬ ‫يختر ميتته بعد‪ .‬أنت ميت منذ أن تخطو خطوة واحدة خارج أرضك‪.‬‬ ‫جسدك فحسب سيصل املدينة البائسة‪ .‬أما الروح فهي هنا تعانق التراب‬ ‫حتى وهو صلد من الجفاف‪ .‬كانت هذه فلسفة أبي حتى هذا اليوم‪ .‬نحن‬ ‫ألاسرة الوحيدة التي تبقت على ضفاف الوادي لكن الجوع والظمأ قاال‬ ‫كلمتهما ألاخيرة‪ .‬أمسك أبي بأكتافنا‪ ،‬تطلع مليا إلى عيوننا ثم تركنا ننطلق إلى‬ ‫مصيرنا‪ .‬تهادت العربة إلى املدينة البعيدة‪ .‬لم نسر سوى بضع مئات أمتار‬ ‫عندما التحق أبي الهثا وهو يلتفت خلفه "هل‪ ..‬هل تعدوني؟ هل تدفنوني في‬ ‫أرض ي لو رحت معكم؟"‬

‫‪39‬‬


‫التزام‬

‫احتضنتهما شقتها ألانيقة بتشيلس ي الهادئة‪ .‬أمضيا ليلة حمراء على إيقاع‬ ‫شهوة مضطرمة ممزوجة بلذة النبيذ الفرنس ي الراقي‪ .‬أعدت كل ش يء للقاء‬ ‫حبيبها ألاسمر‪ .‬ليلة حب كألف ليلة لم تكن متاحة لها مع "تيدي" البارد أو‬ ‫"دايف" املثقف حتى امللل‪ .‬ملاذا ال يتقدون نا ا كحبيب الليلة املاضية‪ّ .‬‬ ‫أعدت‬ ‫ر‬ ‫له إفطارا ملكيا وحملته إلى الفراش‪ .‬أيقظته بقبلة محمومة‪ .‬تمطى‪ ،‬تثاءب‬ ‫وأسر لها بأنها حبه الباقي والوحيد‪ .‬انقض على الطبق اللذيذ‪ .‬بيض مقلي‬ ‫وخبز محمص بالزبدة ولحم مقدد تحبس رائحته ألانفاس‪ .‬قضم قطعة‬ ‫ضخمة من اللحم والكها في لذة ثم توقف بغتة ملتاعا "ما هذا اللحم ماغي؟ "‬ ‫"ما به حبيبي؟ ألم يعجبك؟" "هذا ليس لحم ضأن؟" "نعم‪ .‬نحن نتناول لحم‬ ‫الخنز‪ ..."..‬قاطعها هائجا "ال تنطقيها‪ .‬كنت سأمض ي معك عمرا"‪ .‬سالت دموع‬ ‫ماغي في أس ى‪ .‬كادت تعيش في سعادة مع حبيب خال من املوبقات ‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫خمسة ديسمبر‬

‫هوت الصفعة مجلجلة على صدغ رئيس العصابة في العتمة فاحتملها في‬ ‫جلد وانهالت عليه الشتائم هادرة فلم يميز منها سوى هذا الفتات‬ ‫"غبي‪ .‬جعلت منه شهيدا" فتح فكه في بالهة ولم يعلق فصفعه الرجل الغارق‬ ‫في الظالم صارخا "لم أطلب منك قتله‪ .‬أردت أن ترهبه فحسب"‬ ‫"قلت دائما انه الزعيم الحقيقي للمقاومة وأن بقاءه خطر محدق بدولتنا"‬ ‫"أصبح شهيدا وزعيما آلان‪ .‬ما العمل أيها الغبي امللطخ بالدم"‬ ‫أجاب رئيس العصابة في خبث "لنجلب الزعيم آلاخر من املنفى مظفرا"‬ ‫أخفى الظالم ابتسامة الرجل آلاخر وراح يفكر أن الحلول البديلة لم‬ ‫تعوزهم أبدا‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫زهرة المزابل‬

‫منذ صدحت أمي بالحقيقة صرت أتردد كثيرا على الجادة الطويلة املظلمة‬ ‫سوى من فوانيس فاترة يتيمة مثلي‪ .‬كل مساء تجوب السيارات الشارع‬ ‫العطن ويزدحم الرصيف ثم يبدأ العرض‪ .‬كل نوافذ العربات ألامامية‬ ‫مفتوحة عن آخرها وأصحابها يتخفون خلف نظارات داكنة وينهشون‬ ‫تفاصيل بالية من أجساد بال روح ‪.‬ال تعقد صفقات كثيرة لكن بعضا من‬ ‫تلك ألاجساد تبتلعها السيارات إلى حيث يختلي الذئب بالوليمة‪ .‬ال أظنني ابن‬ ‫أحد الذئاب‪ .‬أحبت أمي أبي حتما فقد وثقت به‪ .‬ال تثق املومسات عادة في أي‬ ‫كان‪.‬‬

‫‪42‬‬


‫صياد منكود الحظ‬ ‫اليوم ُأحمل إلى حتفي‪ .‬هكذا أعلمني ّ‬ ‫التقي ذي ّ‬ ‫سجاني ّ‬ ‫السوالف الطويلة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لم تكن النهاية ّ‬ ‫سأتحول إلى‬ ‫تهمني بقدر عذابي لجهلي بوسيلة موتي‪ .‬هل‬ ‫قطعة صابون ّ‬ ‫كجدتي فريدة؟ هل سأموت غرقا كأسالفي الذين ار ّتدوا إلى‬ ‫ّ‬ ‫فرعون؟ ربما سأهوي من حالق كأبي رمادا فوق سيناء الجريحة؟ لعلي‬ ‫ُ‬ ‫سأترك ألموت كمدا ّ‬ ‫كعمتي وهي تخرج قسرا من تونس الحبيبة‪ .‬اليوم‬ ‫القصاص‪ .‬اغتصب شعبي كل الحسناوات وراح يبحث عن طرائد جديدة‬ ‫تروي نهمه‪ .‬أنا كنت طعما للفريسة‪ .‬لم يذكر قاض ي أمن الدولة وسيلة‬ ‫ّ‬ ‫إلعدامي‪ .‬لعله ترك كل ذلك لقريحة كتيبة إلاعدام ليجتهدوا في إرداء خائن‬ ‫ّ‬ ‫الصياد‪ .‬في ذلك اليوم املشمس‪ ،‬الحت الرمال الذهبية‬ ‫بشع‪ .‬خنت شعبي‬ ‫ورقصت سمكتنا املشتهاة على وقع ألامواج الفضية‪ .‬اقترب الهدف واقترب‬ ‫وأتتني ألاوامر ّ‬ ‫العلية "ألق شباكك"‪ .‬اليوم أدفع ثمن ّ‬ ‫تمردي‪ .‬لم أستهدف‬ ‫السمكة وشددت لجام طائرتي قافال إلى أرض امليعاد‪..‬‬

‫‪43‬‬


‫البطاقة الخضراء‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ترجلت من الحافلة املزدحمة على تخوم حارتنا فاعترضني سفيان‬ ‫الخضار‬ ‫باألحضان وقسماته تطفح بشرا "هللا ّ‬ ‫يربحك دنيا وآخرة يا أستاذ يا جميل"‬ ‫ّ‬ ‫ألم بي مزيج من السرور والحسرة فأنا لم أصر أستاذا بعد وها أنا أعيد سنتي‬ ‫ّ‬ ‫الثانية بالجامعة للمرة الثالثة على التوالي‪ .‬كل ما في ألامر أنني الشاب الوحيد‬ ‫ّ‬ ‫في حارتنا الذي تخطى املدرسة‪ .‬كان سفيان مسرورا حقا وأمطرني بوابل من‬ ‫ألادعية والثناء‪ .‬لم أذكر أنني أسديت له خدمة أو حتى اقتنيت منه بعض‬ ‫البقول‪ .‬أجلسني قبالة محله وفتح قنينة كوكاكوال مثلجة وقال متهلل‬ ‫ألاسارير "لقد قبلت في قرعة الهجرة إلى أمريكا"‪ .‬نزل علي الخبر كالصاعقة ‪.‬‬ ‫سفيان الخضار في أمريكا وأنا دارس شكسبير وفوكنر محكوم علي بالشقاء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫لم أنه الكوكاكوال وجريت أراجع قائمة املقبولين‪ .‬ليس من اللياقة أن أذكر‬ ‫لكم أن اسمي لم يكن مدرجا وأنني من ساعد سفيان في ملء استمارة‬ ‫الترشح‪.‬‬

‫‪44‬‬


‫تلَبّــس‬

‫ضبطني جاري في مكان موبوء‪ .‬حدجني بنظرة نارية مهددا‪:‬‬ ‫"سأخبر أباك أيها القذر"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الخمس عشرة ربيعا‪:‬‬ ‫رددت بعيون تملؤها براءة‬ ‫"سأخبر زوجتك سيدي"‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫عندما يموت الرجال‬ ‫أنا وأبي وكارفر* قصة لم ُينهها سوى املوت‪ .‬كان أبي يحتضر وكان مرضه‬ ‫الخبيث يكتسح أراض جديدة كل يوم بينما رحت على خطى كارفر أسابق‬ ‫الزمن ألتم الكتاب‪ .‬سيطالعه أبي قبل النهاية‪" .‬أبي أقلع كارفر عن الخمر"‪.‬‬ ‫لكن أبي لم يكن يشربها‪ .‬كان عليه أن يقلع عن ش يء ما‪ .‬أقنعته أال يضرب‬ ‫أمي مجددا ألتفه ألاسباب‪ .‬كان يحتج "أال يضرب زوجته هذا الكارفر؟"‪ .‬ثم‬ ‫أقلع كارفر عن التدخين وملا يتوقف أبي عن النارجيلة "ال كارفر وال أبوه‪ .‬أنا ال‬ ‫أبطل الشيشة"‪ .‬أنهك املرض كارفر وهو يجد مع زوجته إلنهاء كتابه ألاخير‬ ‫بينما رحت استمع إلى حكايات أبي املريض كما لم استمع إليه من قبل‪" .‬مات‬ ‫كارفر يا أبي"‪ .‬لم يطل أبي كثيرا بعد كارفر لكنه كرهه وكرهني‪ .‬كم اشتاق إلى‬ ‫النرجيلة وتأديب زوجته‪.‬‬

‫‪------------------------------------‬‬

‫* ريموند كارفر كاتب قصة وشاعر أمريكي‪( .‬الناشر)‬

‫‪46‬‬


‫حبوب منع الحلم‬

‫لم يزعجني إخفاقي في الحصول على الجائزة بقدر انزعاجي من انخفاض‬ ‫شحن هاتفي ‪.‬لم ينفك الجميع يواسيني منذ انتشر الخبر‪ .‬ال يدرك قرائي أنني‬ ‫ظفرت حقا بالجائزة فقد كان رئيس لجنة التحكيم ضمن املواسين‪ .‬ذلك‬ ‫املبدع املوهوب وحده يعلم أنني عضو لجنة الجائزة القادمة‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫تغيير شامل‬

‫لن يستوعب صديقي "ميشال" ألامر مطلقا وهو يتحسس الرخام‬ ‫والخشب النفيس في منزلي الجديد‪ .‬هرش رأسه و سألني في ريبة "ملاذا غيرت‬ ‫أثاثك القديم؟ أين مكتبك؟" لن يفهم أن منزال جديدا يتطلب أثاثا آخر‪ .‬كان‬ ‫عليه أن يسأل زوجتي املصون‪ .‬واصل أسئلته السخيفة في حيرة "لن تستطيع‬ ‫السفر حول العالم‪ .‬و روايتك العظيمة من ينشرها؟"‬ ‫لن يدرك أيضا أنني وضعت كل مالي في قبر الحياة‪.‬‬

‫‪48‬‬


‫ضد الزمن‬ ‫ّ‬ ‫تتالت ضربات املعول سريعة وأستاذ التاريخ ُي َمنـي النفس بكشف جديد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كلت سواعد الطبيب من حمل الرفش الثقيل لكن حلمه بالعيادة وصف‬ ‫املرض ى الطويل هون عليه التعب املرير‪ .‬حمل امليكانيكي أكياس التراب على‬ ‫ّ‬ ‫سيجهز ورشته بأحدث التجهيزات‪ .‬فاق نشاط املوظف‬ ‫كاهله مسرعا‪.‬‬ ‫النحيل الجميع‪ .‬كانت أحالمه أكبر من كل آالم هذه الليلة‪ .‬اقترب الفجر‬ ‫بخطوات سريعة والشيخ الفاس ي يستحث الهمم ويرمي املزيد من حصوات‬ ‫صغيرة في املبخرة‪ .‬لن يهوي لهم معول بعد انبالج الفجر‪ .‬تكاتف الجميع في‬ ‫ايقاع سريع واقترب الكنز‪ .‬كم يختصر الحفر الفوارق الاجتماعية رغم بزوغ‬ ‫الفجر‪.‬‬

‫‪49‬‬


‫رفوف‬ ‫ّ‬ ‫اعتلت نشوى درجات السلم في تؤدة وشرعت تنفض الغبار عن الكتب‪.‬‬ ‫انحسرت ّتنورتها املخملية ّ‬ ‫السوداء وارتفعت معها عينا أكرم حتى فركهما من‬ ‫ّ‬ ‫إلاجهاد‪ .‬قليال إلى اليمين‪ .‬نعم‪ ..‬السلم بال‪ .‬أفضل‪ .‬ألنك لو سقطت سأحملك‬ ‫بذر ّ‬ ‫اعي هكذا‪ .‬لن أستعمل قلما أحمر كامل اليوم‪ .‬تنورتها كانت أقصر‬ ‫ّ‬ ‫تلطخي الكتب بدمائك‪ .‬خبر خطير لن ّ‬ ‫تصدقيه‪ .‬خمس حسناوات‪.‬‬ ‫وأجمل‪ .‬ال‬ ‫ّ‬ ‫قلمي ألاحمر سيجف قريبا‪ .‬طحالب رمادية تزحف على جمجمتي وهي‬ ‫تطالبني بالخبز الساخن في موعده املحدد‪ .‬ساخن هذا الصيف‪ .‬أال ينضب‬ ‫ألامل لديكم‪ .‬متى أنام‪ .‬أية كتب يا جميلتي‪ .‬السلم بال والهوة سحيقة"‪ .‬لم‬ ‫يتصفح أحد هذه الكتب منذ مدة طويلة على ما يبدو"‪ " ..‬آه طويلة‪ .‬نعم"‪" .‬ال‬ ‫ّ‬ ‫واملكيف القديم ال يعمل طول الوقت"‪".‬أعني‬ ‫تنس ي أن النوافذ غالبا مفتوحة‬ ‫ُ‬ ‫هل تعتمد هذه الكتب كمراجع للبحث هذه ألايام؟" تساءلت نشوى ولم‬ ‫َُ‬ ‫يجب أكرم فأردفت "أنت تعلم أن الانترنت بحر عميق"‪" .‬قلت لك ّن ألف مرة‬ ‫أن الانترنت ال ُتعتمد‪ .‬كم ّ‬ ‫علي أن أعيد ذلك"؟ صدم الصراخ بصيغة الجمع‬ ‫أذني نشوى‪ .‬تعلم أنها الطالبة الوحيدة لديه في درجة الدكتوراه‪ .‬نفضت‬ ‫املزيد من ألاتربة املتراكمة ثم انتبهت فجأة لوجود كتابين باليين متالصقين لم‬ ‫يذكر ش يء على كعبيهما‪ .‬جذبتهما برفق لكنهما قاوماها بحماسة‪ .‬أص ّرت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فترنحت قدماها على السلم وتركت الكتابين ليهويا من حالق لتتم ّسك‬ ‫بخشب املكتبة‪ .‬لم يثب أكرم ولم يتلقف جسد نشوى في رحلة سقوطها‪،‬‬ ‫وإنما قفز نحو الكتابين لعله ينقذهما من الارتطام بأرضية املكتب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التقطهما‪ ،‬نفخ ما تبقى بهما من غبار و ّ‬ ‫تحسسهما بيدين حانيتين يفتش عن‬ ‫جروح أو كدمات محتملة‪ .‬لم تدخل الانترنت كل ألاماكن بعد‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫خليل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تميت‬ ‫ال أذكر كيف نزلت من الطائرة وكيف مررت من الجمارك وكيف ار‬ ‫في التاكس ي‪ .‬أذكر فقط أنني وصلت مشفى ألامراض الصدرية متأخرا‪.‬‬ ‫ألصقت أنفي ألافطس ولساني الالهث بزجاج غرفة إلانعاش أراقب‬ ‫املمرضات ينزعن سوائل الحياة عن رفيقي‪ .‬خذلته كالعادة‪ .‬قال لي هذا منذ‬ ‫خمس وعشرين سنة‪ .‬كان يعلم ان الجميع سينفضون من حوله لكنني كنت‬ ‫أجادله في تعنت‪ .‬سنبقى أصدقاء إلى النهاية‪" .‬ال تكابر‪ .‬لن يبقى أحد معي‬ ‫سواه" كانت جملته ألاثيرة‪ .‬كان يعلم أننا نتميز غيرة وحقدا من خله الوفي‬ ‫ّ‬ ‫وجنتي ملا خرج الطبيب وأومأ لي في أس ى‪.‬‬ ‫املجهول‪ .‬سالت دمعة حارة على‬ ‫زفرت في غيظ‪ّ .‬‬ ‫صحت رؤيته أخيرا‪ .‬حتى رفيقه الوحيد املميت غدر به أخيرا‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫باأللوان‬ ‫ّ‬ ‫سال لعابي عندما شق ّ‬ ‫جدي البطيخة الحمراء كأنه السلطان عبد الحميد‬ ‫يدخل على جارية جديدة‪ّ " .‬‬ ‫يعيش ّبي اعطني الشحمة" "اسكت يا ولد‬ ‫وانصت‪ .‬سخروا من س ي الحبيب وحمامته" سالت دموعي أيضا ملرأى السكر‬ ‫يتقاطر‪" .‬افتح التلفيزيون يا جدي" لم يكن ّ‬ ‫جدي يأبه ألي خطب عندما‬ ‫يحين موعد ألانباء‪ ،‬لكنني كنت حفيده املدلل وذلك أمر آخر‪" .‬ملاذا ينظر‬ ‫املذيع نحونا؟" ابتسم جدي وزفر قائال "كانت زوجة املرحوم أخي تغطي‬ ‫رأسها كل ليلة وتقدم ملذيع ألاخبار كأس شاي يتضوع نعناعا" "كم أكره‬ ‫العالم باألبيض وألاسود يا ّ‬ ‫جدي" "العالم زاهي الالوان يا حبيبي‪ .‬عليك أن‬ ‫ترى عيون الزعيم زرقاء تمأل الدنيا نورا"‪".‬يعيش ّبي فيلق املشاة الذي أرسله‬ ‫الزعيم ليحارب في أم املعارك كيف كان لونه؟" اكفهر وجه جدي وسعل‬ ‫ّ‬ ‫بشدة‪ .‬حتما كان سيعيرني بفشل أبي‪ .‬هربت من مرمى عكازه ورحت خلف‬ ‫التلفاز أبحث عن سكانه‪.‬‬

‫‪52‬‬


‫خالص‬

‫استل لفافة ضخمة من جيبه وشرع يحسب ماله‪ .‬لم ينفق فلسا واحدا‬ ‫من ثمن الدراجة البخارية التي باعها باألمس‪ .‬رفع رأسه وقال لصديقه بأس ى‬ ‫"قل لسلمى أن حبها دين علي‪ .‬نعم‪ .‬قل لها انه يتنفس حبك" "ال تخف‪ .‬مالك‬ ‫محفوظ عندي حتى تعود ساملا" "من وش ي بي؟ هل لديك أدنى فكرة؟" "هللا‬ ‫يخلص وحلك" التفت يمنة و يسرة‪ .‬سيظفرون به عاجال أو آجال‪ .‬عند أوبته‬ ‫للبيت هذا الصباح‪ ،‬وجد أمه منهارة تذرف ماء عينيها‪ .‬لم يفت أباه أن يعيد‬ ‫على مسامعه ترنيمته املألوفة "ابن حرام"‪ ،‬ثم أخبره أن الفرقة العدلية‬ ‫تبحث عنه في كل مكان‪ .‬رفع عينيه نحو صديقه مجددا وقال في خفوت‬ ‫"ألفان وخمسمائة دينار‪ .‬كان صيدا ثمينا"‪".‬ال تخف‪ .‬تعرف انك تحبها لكن‪"..‬‬ ‫"ستحفظ ألامانة‪ .‬أليس كذلك؟" "إنها سرقة موصوفة‪ .‬يعني هل ستنتظرك‬ ‫سبع سنوات‪ .‬فترة طويلة‪ .‬اطمئن سأعتني بها حتى تخرج من السجن"‪".‬هل‬ ‫تعني انك سترجعها لي كما هي حتى بعد سبع سنوات؟" نظر له صديقه‬ ‫مستغربا "هل تريدها أن تنتفخ‪ ،‬أن تكبر؟ سأعمل على ذلك؟" "ما التي‬ ‫ستنتفخ؟" "ألم تقل ذلك بنفسك؟ تسلمني إياها آلان‪ .‬ملا تعود ساملا‬ ‫ستستعيدها‪ .‬سأعمل على تنميتها" اتسعت عيناه في ارتياع‪ .‬ألم يتعلم أن‬ ‫"الحبس للرجال"‪ .‬سيمس ي رجال بالسجن وتصير حبيبته إلى أخر‪ .‬صاح بغتة‬ ‫مثل أرخميدس "لم أبلغ الثامنة عشرة بعد‪ .‬سيحكم القاض ي بثالثة أشهر في‬ ‫مركز إصالح ألاحداث‪ .‬لن يفتكها مني أحد"‪ .‬أطرق صديقه ثم قال في غلظة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫لصا ولم أعرفك مرابيا يا محتال‪ .‬على ّ‬ ‫كل سأعطيك ثالثة آالف‬ ‫"عرفتك‬ ‫عندما تعود‪ ".‬نظر له مطوال ثم غرق في ضحك مريب‪.‬‬ ‫‪53‬‬


‫اختزال‬

‫نظرت عبر الواجهة الزجاجية ملقهى "البارادوكس" فألفيته مقفرا‪ .‬ناديت‬ ‫"قاسيمو" النادل وال حياة ملن تنادي‪ .‬أين سأرتشف قهوتي؟ كتبت أجمل‬ ‫قصص ي على مناضد املقهى الخشبية‪ .‬لن أكتب حرفا واحدا في مكان آخر‪.‬‬ ‫قدم بائع الصحف وألقى ما لديه على الرصيف‪ .‬أثارني ملمس الجرائد فقد‬ ‫نسيته‪ .‬تصفحت جريدة في ريبة كبيرة ثم هممت بإلقائها لكن نظري وقع على‬ ‫ركن عجيب "قصة قصيرة جدا"‪ .‬كل القصص قصيرة‪ .‬هذا ما خبرته طول‬ ‫حياتي‪ .‬قرأتها في لهفة‪ .‬روى كاتبها ملحمة في عدة سطور‪ .‬كانت قصيرة وإنما‬ ‫رهيبة‪ .‬استعرت نيران في أعماقي‪ .‬كيف أبدع صاحبها ما أتخبط في كتابته في‬ ‫ست أو سبع صفحات‪ .‬راودني اشمئزاز عجيب من كل ما كتبت في حياتي‪.‬‬ ‫جلست على الرصيف ثم جذبت قلمي ودفاتري من حقيبتي وحبرت صفحتين‬ ‫أو ثالثة‪ .‬فشل ذريع‪ .‬انكببت على ما كتبت اختزله ألقص ى الحدود‪ .‬انهمكت في‬ ‫عملي الشاق ساعتين أو أكثر حتى أيقظني "قاسيمو" من سباتي ممسكا‬ ‫بقهوة زكية "عذرا أستاذ نجيب‪ .‬دخل أصحاب املقاهي في إضراب هذا اليوم"‬ ‫ابتسمت ومددت له نصا في صفحة واحدة وسمته "إضراب باعة الشاي"‪.‬‬ ‫نظر له في جذل ثم قال في خبث "ال بد أنك قرأت الخبر على إلانترنت"‪.‬‬ ‫لم أغضب منه‪ .‬كتبت اليوم قصة قصيرة جدا‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫ال مباالة‬ ‫ّ‬ ‫حطت بقربي تستمتع بعبق أزهار الشرفة‪ .‬فردت جناحيها مزهوة‪ ،‬دارت‬ ‫عيناها الجميلتان في محجريهما ونظرت لي في دالل‪ .‬أشحت عنها بنظري‪ .‬كنت‬ ‫أفكر بحمامتي ألاخرى‪ّ .‬‬ ‫حل موسم الحب ولم تعد بعد‪ .‬رفرفت‪ ،‬أصدرت‬ ‫صوتا جميال وال حياة ملن تنادي‪ .‬ما أقس ى أن أعتبرك حمامة فحسب‪ .‬أنا‬ ‫لست أبا فراس‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫شاي بالنعناع‬

‫زرعتها‪ ،‬سمدتها‪ ،‬رويتها كما تروي ألام رضيعها يوما بعد يوم‪ .‬أينعت‪ ،‬تسر‬ ‫من رأى‪ ،‬رعيتها في أصيص أخاذ من عند الخراز‪ ،‬حان قطافها‪ ،‬رائحتها‬ ‫عجيبة ال يدرك سر عبقها سواي‪ .‬أهدهها كما تربت الحبلى على بطنها‬ ‫املنتفخ‪ ،‬حان مخاضها‪ .‬تضوع مسكها في أرجاء سطح بيتنا‪ .‬كنت أحرسها من‬ ‫عين الحاسدين‪ .‬قريبا تبشرني بطلعتها البهية‪ ،‬قريبا أهنأ بقربها‪ .‬لن أحتاج‬ ‫اللهاث وراءها وهي تتمنع في أحضان آلاخرين‪ .‬يوم واحد‪ ،‬واحد فقط لم‬ ‫أزرها‪ .‬خنتها‪ ،‬بحثت عن نشوة مع غيرها‪ .‬كان يوما مشهودا أو قل مشؤوما‪.‬‬ ‫زارنا جدي‪ .‬أوملت أمي بقصعة كسكس ى شهي‪ .‬زين لجدي التريض على‬ ‫السطح ممسكا بكوبه من الشاي‪ .‬عثر على وردتي الجميلة‪ ..‬قطف أوراقها‬ ‫النضرة ونقعها في شايه‪.‬‬ ‫أسبوع مض ى في السجن وأمي لم تزرني بعد‪ .‬لم تغفر لي بعد‪ .‬عندما‬ ‫احتملني الدرك في أصفادي سخروا مني قائلين" لم يكن نعناعا ما وضعه‬ ‫جدك في الشاي‪ .‬عثرنا عليه يقهقه بجنون ويهدد بإلقاء أبناء عمومتنا في‬ ‫البحر"‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫جدول المحتويات‬

‫ما وراء الكثبان ‪7‬‬ ‫الصراحة راحة ‪8‬‬ ‫روتين ‪9‬‬ ‫رجل من يقطين ‪01‬‬ ‫حصاد ‪00‬‬ ‫ديجا فو ‪01‬‬ ‫خطوبة ‪01‬‬ ‫الترياق ‪01‬‬ ‫آخر الزفرات ‪01‬‬ ‫جواد رابح ‪01‬‬ ‫سفر ‪07‬‬ ‫المؤلف في سطور ‪08‬‬ ‫أصحاب اليمين ‪09‬‬ ‫تمخض الجبل ‪11‬‬ ‫عراة في الظالم ‪10‬‬ ‫عبث ‪11‬‬ ‫الملجأ ‪11‬‬ ‫صدمة ‪11‬‬ ‫ألوان ‪11‬‬ ‫‪57‬‬


‫اغفري ‪11‬‬ ‫الخيار الصعب ‪17‬‬ ‫ترنيمة لنخلة أبي ‪18‬‬ ‫جغرافيا ‪19‬‬ ‫دون مرمى ‪11‬‬ ‫األجر المضمون األدنى ‪10‬‬ ‫تذكرة ذهاب ‪11‬‬ ‫ساعة يقف الشيطان بين نهديها‪11‎‬‬ ‫من قلب الحدث ‪11‬‬ ‫تقص ‪11‬‬ ‫د‪ .‬خ‪ .‬ج ‪11‬‬ ‫طريق الربيع ‪17‬‬ ‫ألوان العشق ‪18‬‬ ‫دموع وادي مليز ‪19‬‬ ‫التزام ‪11‬‬ ‫خمسة ديسمبر ‪10‬‬ ‫زهرة المزابل ‪11‬‬ ‫صياد منكود الحظ ‪11‬‬ ‫البطاقة الخضراء ‪11‬‬ ‫تلَبّــس ‪11‬‬ ‫عندما يموت الرجال ‪11‬‬ ‫حبوب منع الحلم ‪17‬‬ ‫‪58‬‬


‫تغيير شامل ‪18‬‬ ‫ضد الزمن ‪19‬‬ ‫رفوف ‪11‬‬ ‫خليل ‪10‬‬ ‫باأللوان ‪11‬‬ ‫خالص ‪11‬‬ ‫اختزال ‪11‬‬ ‫ال مباالة ‪11‬‬ ‫شاي بالنعناع ‪11‬‬

‫‪59‬‬


60


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.