وليد بن أحمد
شاي ابلنعناع
™Moment
سلسلة كتب بإشراف حكمت الحاج تصدر عن دار مومنت للكتب والنشر
All rights reserved Moment, Books & Publications™ United Kingdom - Tunisia Copyright © 2017 وليد بن أحمد شاي بالنعناع قصص قصيرة جدا
tuniment@gmail.com www.facebook.com/momentunis www.p4bsite.wordpress.com The views and opinions expressed by the author do not represent the views, beliefs or opinions of Moment B&P Enterprises and its employees. Cover Design: Hikmet Elhadj Cover Photo: Wissem Ben Ahmed
2
إلى أمي وفاء.. وزوجتي عرفانا.. وابنتي أمل..
3
4
كنت ألكتب رسالة أقصر، ّ لكنه لم يكن هناك متسع من الوقت. بليز باسكال
للبيع :حذاء طفل لم يلبس قط. ارنست همنغواي
5
6
ما وراء الكثبان ّ التنصل؟ هل أستطيع النجاة من فعلتي حقا؟ ال داعي لإلنكار .هل يمكنني أرقتني ألاسئلة الحارقة وأنا أنتظر قدوم املحقق في غرفة باردة مظلمة .هل أبوح له بسري؟ لقد منعني أبي مرارا من السفر إلى بالد ما وراء الكثبان .لبثت سنوات أغبط أبناء الحي وهم يمتطون سياراتهم البيضاء السريعة وينطلقون إلى هناك حيث السعادة بال حدود .كلما رحلوا إلى اللهو واملجون تركوني خلفهم أتميز حقدا .كم منيت نفس ي برحلة شيقة صحبة أترابي لكن أبي ظل يشنف آذاني بعبارته املمجوجة "ال يسافر أبناء ألاصول إلى تونس أبدا" .آملني جوع كافر استبد بي منذ اعتقلتني الشرطة منتصف ليلة أمس في تونس ،جنة جيراننا املوعودة .ار ّ تجت الغرفة بقدوم املحقق الضخم .نزع ّ شفتي .أشعلها .لم يتركني أسحب سترته ليريني مسدسه ثم دس لفافة بين نفسا إذ استلها ودخنها في تلذذ مقيت وهو يسألني" :تبغ تونس وأكل تونس وفنادق تونس و ...تحبون تونس هاه؟" لم أجبه فأردف في صوت كفحيح الثعبان "ملاذا قتلتها؟" "ال أدري .أنتم ..لم أكن أنوي ذلك .أنتم ّ تشيدون عمارات شاهقة في حي النصر "..أطبق الظالم فجأة ملا هوت صفعة الضخم على صدغي" .خيرك يا طرابلس ي .تأكلون الغلة وتتخلصون من النواة ببساطة؟" تحسست نور الغرفة هذه املرة وقلت "أبي ..قتلها أبي هذه العاهرة "..طارت أسناني ألامامية هذه املرة فخرجت حروفي ممزوجة بدماء حارة "قتلتها ..نعم .قتلتها" .كان الطرق عنيفا على الباب .عنيفا كطرقات أبي. لم يبق لي غير الشرفة مالذا.
7
الصراحة راحة كأنني لم أرهم ّ مدججين في املفترق .واصلت سيري ،لكن نفيرا يوقظ املوتى لم يترك لي خيارا .تقدم مني في تؤدة واثقا .دار بسيارتي البالية ثم قال في غطرسة "ملاذا لم تتوقف عند احمرار إلاشارة؟" ".لم أرها "" .ونحن هل رأيتنا؟"" .أنتم ال تغادرون أحالمي" .عندها انتفخت أوداجه واحمرت عيناه. "ملاذا لم تتوقف عند إشارتنا؟"" .فراملي معطبة"" .أين أضواء السيارة؟". ّ "هشمتـها عاصفة مدمرة"" .هات الرخصة والوثائق" ".أوه ..نسيتها" ".انزل" . ثم بعدوانية فاضحة ّ " . حرك مؤخرتك السمينة" .لم أدر إلى اليوم كيف ّ خمن أنها سمينة .لم يدهشني سوى إصراري على قول الحقيقة عارية. "الباب ال يفتح من الداخل .أرجوك حررني" ".هيا اغرب عن وجهي" .وهذا أمر آخر" .يجب أن ندفع السيارة لندير املحرك .أال تدفعونني قليال" .لن أنهي القصة فالكدمات القاتمة أسفل عيني اليسرى علمتني أن الشرطي الناجح يقاس بقدرته على سب الجاللة بأكبر قدر ممكن .علي أن أتمرن قليال .
8
روتين إبان صالة العصر ّ جد في طلب الثواب كدأبه .ميت آخر وجنازة أخرى يسير خلفها .بدأ كالعادة بالحسرة وذرف الدموع ثم انحسرت دموعه وشرع يطلب املغفرة والرحمة لفقيد ال يعرفه ثم تباطأت خطواته شيئا فشيئا وفاته املشيعون .لم يكن يرى غير امليت في النعش يخاطبه "غدا ستكون في مكاني .ماذا أعددت؟ هل تريد أن نغير ألاماكن؟" الغريب في ألامر أنه يصل املقبرة ويقرأ الفاتحة وما تيسر على روح الراحل لكن عرضه يبقى ساري املفعول ،كأنه ينتظر رده وجثمانه يالمس ألاصل في ألاشياء .ال يمنع نفسه من الالتفات إلى قبره الطري وقد قفل املشيعون إلى دنياهم ويسمع عرضه ألاخير "لن أنام الليلة من فرط إرهاق ألاسئلة .سأنتظرك" .غدا ّ يشيع جنازات أخرى وهو يعلم أن جميع الراحلين ينتظرونه ويشرع باختيار أشد السواعد التي ستحمل نعشه ألنه يومها سيشغل نفسه باالنتظار.
9
رجل من يقطين
جلب حبات يقطين جميلة وخبأها أسفل املائدة الكبيرة وسط املطبخ .منذ أسبوعين ،كان يحلق ذقنه بعناية مستفزة ملا تناهت إلى سمعه شذرات من حديث طبيب على موجات ألاثير "إن القرع ملين طبيعي للبشرة ".معلومة هامة لكن بشرته صافية نضرة كاللبن .ما دام أعزب في الرابعة وألاربعين فلن يعكر صفاءه مزاج زوجة متقلب" .واليقطين مقو ومنشط للرجال ال مثيل له" .ال يهم .لم يعرف للفشل طريقا .ابتسم عندما تخيل الجميالت يشهدن بذلك" .ولليقطين تأثير السحر فهو يحسن جودة "...لم ينتظر نهاية الجملة إذ توقفت موس ى الحالقة فجأة وانتصبت أذناه كراع أملاني حسن املنبت واملنشأ .واصل الطبيب من حماسه عبر الراديو "يزيد تناول القرع من فرصة الحصول على نوع بشري خال من العيوب ويحفز خاليا دماغ الجنين فتظهر عليه عالمات النبوغ وهو ال يزال ينازع الحبل السري سابحا في بطن أمه و.. مهال .ال بد من أم مميزة" .أضناه البحث عن أرض خصبة ومنبت مثالي .لن يغامر بنثر بذوره أينما اتفق ولو كلفه ذلك سنوات أخرى من الوحدة الاختيارية .ستكون أخف وطأة من ابن ضيق الصدر غير منتظم ألاسنان أو بطئ الفهم .لن يغامر أيضا بابنة بشعر منكوش أو فم غليظ الشفتين لها صدر أعجف كضرع بقرة خالته .جفف موس ى الحالقة جيدا .نظر لنفسه مليا في املرآة .يبدو أن أباه لم يتريث مثله في انتظار الحصول على مزرعة .ها قد حانت فرصته في تحسين البذور.
10
حصاد كور ّ بين أصابع خشنة توحي بحزم ورجولةّ ، حسان فتات خبز تناثر على طاولة العشاء ،وقد شرد بمخيلته ّ تصور له حسن معشوقته ألاخاذ .ال بد أنه أتى شيئا حرمه وصالها .سيظفر بها حتما .لن يحدث له ما أصاب عاطف حبيبها ألاول أوالثاني .لم يعد يدري .أوغرت الغيرة صدره "غادة لي .لي وحدي". شد قبضته بحزم وخبط املنضدة فأجفلت أخته سلوى وأمسكت بطنها الناتئ في حركة غريزية تاركة طبق البرتقال ليسقط أرضا وسألته في ريبة "ما الذي سيكون لك وحدك يا عزيزي؟" صدمه رنين سقوط الطبق وغمغم في حنق "ما هذا؟ برتقال مجددا .أين املوز الذي أحضرته ألاسبوع املاض ي؟ ال يهم .لم يبق على حلول الراتب سوى أيام معدودة ".لم تعره سلوى اهتماما وسألته في خبث هيا يا حسان .هل سأصير ّ عمة قريبا؟"تخضبت وجنتاه أجش " ّ ّ عمة! من حقك .أال أعلم خال ابن من سأصبح فأطرق .ثم بصوت أنا؟" أصاب أخته في مقتل فطأطأت وجرت بطنها الثقيل لتواصل غسل ألاطباق تتذمر في سرها "من سترض ى بقربك أيها الغبي .ابق أرضا بورا مثل أرض أجدادك .أنا حرثت وزرعت وجاد ّ علي املطر".
11
ديجا فو أجفل بغتة .وثب من مقعده و َسقت يده املضطربة املنضدة شايا ساخنا. رفعت حاجبي تساؤالّ . سوى كوب الشاي الفارغ .انتظرت جوابا .جابت يده اليمنى جيب سترته ألايسر في انفعال .جذب رزمة خضراء وزفر بارتياح. خلتها النهاية .غاصت يده اليسرى في جيبه ألايمن بقوة حتى ثقبته .كان هاتفه املحمول في يدي .نظر ملتاعا إلى ّ لجة الشاي على املنضدة .أنقذت هاتفه في اللحظة املناسبة لكنني لم أنقذ جيبه" .عما تبحث؟" انحنى بزاوية حادة يفتش جيوب بنطاله فلم تمهله قبعته املخملية .انحنى أكثر ليلتقطها فسقطت نظاراته " .مهال نسيت مفاتيح البيت" .لكن املفاتيح أيضا كانت على املنضدة" .املفاتيح وآخر الدوالرات والهاتف والنظارات والقبعة ..كلها هنا". هل نسيت شيئا ما؟" كل ش يء معي آلان .أنا متيقن أنني نسيت شيئا .حصل معي هذا ألامر مرارا .أعرفه .لقد خبرته من قبل" .انتقل الاضطراب إلي فجأة. نظرت أسفل الطاولة بعصبية .حشرت يدي في جيوبي بصعوبة وكنت ال أزال جالسا .بحثت مثله عن ش يء لم أعرف كنهه .تحسست أجرة كراء البيت في جيب سروالي الخلفي .شعرت بالذنب ألنه لم يجد ضالته" .هل لديك نفس الشعور؟ اسمع ال يخطئ حدس ي أبدا .إحساس عجيب .كل مرة ينتابني إحساس بأنني عشت هذا املوقف من قبل .لم أخب قط" .أوجست خيفة .لم أكن أحب هذه ألامور .هممت بالرحيل" .هل أقسم لك؟ صدقني حبيبي .أنا متيقن .رأيت نفس ي ناسيا شيئا ما من قبل" .انصرفت بسرعة ولم أدفع ثمن الشاي املندلق .أكاد أجزم أن عيون صديقي الالمعة وشبح الابتسامة الذي يسكن ركن شفتيه مشهد مألوف خبرته أعواما. 12
خطوبة
ذات يوم تفحصت أمي حبيبتي من بعيد بعيون خبيرة مدربة ثم أجفلت "ما أقبح عيونها ،عيون اسبانيورية" .قدمتها لصديقتي رملة فغنت "يا زمان الوصل باألندلس" .دعوتها الحتساء قهوة مع صديقي شاكر فهنأني قائال "لن تحس معها ببرد الشتاء على أية حال ،ثم لك أن تفارقها بعد حصولك على إلاقامة" .ملا تثيرني أنا فقط بلكنتها املحببة وهي تحيل العربية إلى فرنسية ركيكة؟ ملاذا تشنف حبيبتي ٱذاني دون غيري بنغمة القاف تستحيل كافا في مبسمها الشهي؟ حبيبتي حسناء ال شرقية وال غربيةّ . أمني نفس ي على فراش الحب .تلتقمني حبيبتي كالحوت ،تثير جنوني ،تمسك شيئي وتحك به شيأها. تكربل وتغمغم و ّ تجن لكن هاتفا عجيبا في أعماقها ينادي تعال اخطبني من أبي .محرومة هي من لذته كمن قض ى عمره في سفينة ال تقبله بالد وال يرسو في مرفأ .انتظرت أختي حتى عادت من الربع الخالي صيفا وقد تخلت عن لباس التقوى وارتدت فستانا زهريا قصيرا ثم ذهبنا سويا ألقدمها لحبيبتي. طيلة طريق العودة ما انفكت أختي تردد "يبدو أن عينيها أصغر ش ئ لديها. نهداها بارزان ومؤخرتها عظيمة وبشرتها بلون النحاس ..ألم تقل في الهاتف انك تشتهي أجنبية؟"
-----------------------------------------------
عين اسبانيورية :أكلة تونسية يقال إن أصلها أندلس ي( .الناشر)
13
الترياق
انتصف النهار في مدينة امللك الشاب عندما خرج آخر مواطن من الخلوة الكبيرة .ألسبوع كامل أقبل الناس بأقالمهم ليختلوا بدفتر عظيم و ّ يحبروا عليه أفكارا أو ليكتبوا أشعارا يقرأها مليكهم املغتم عندما يحين اليوم املوعود .لشهر أو يزيد ّ أحس جاللته بضجر شديد ولم ينجح أحد في تسليته. امتد َم ُلله إلى الحاشية ثم انتقل تباعا إلى ّ الرعية .تقاعس الجميع عن العمل وظهرت ألا ماتّ ، فتفتق ذهن وزير املداد عن فكرة منيرة .لم يطق امللك صبرا ز ّ و ّ توجه إلى الدفتر الكبير .لن يبخل عليه رعاياه بأقاصيص جميلة تسليه أو قصائد مرهفة تعزف على أوتار وجدانه .انقض على املجلد .ال بد أن شعبه ّ قد مأل مئات الصفحات نوادر وطرائف .حتى الحكم واملواعظ كانت لترفه عن مليكنا .بعض الصفحات بيضاء .ال يهم .ال يقرض كل الشعب شعرا. عشرات الصفحات خالية .سيصبر .ال تروي كل الشعوب قصصا .أرغى امللك وأزبد وتوعد بالويل والثبور .كان املجلد خاليا تماما سوى من لطخات من الحبر هنا وهناك .شعب ال يكتب هو شعب ال يقرأ .أحدهم سيتحمل املسؤوليةّ . ودع وزير املداد أهله وذويه قبل أن يقول جملته ألاخيرة في أس ى: "جاللتك ،عندما َ كنت يافعا غضب ّ عمك امللك املرحوم من أحد املفكرين وصاح به ماذا نفعل بالكتب أيها ألابله؟"
14
آخر الزفرات ّ دك املنجنيق أسوار املدينة الشاهقة وطال الحصار .أسند ظهره إلى عمود رخامي ووقف يتأمل نقشا على باب بهو ألاسود بقصر الحمراء .قرأ بعيون ساهدة مهتزة "وال غالب إال هللا"ّ . ضجت ّ الرعيةُ ،حرقت املزارع واملحاصيل وعاش الناس على الكفاف ،وال غالب إال هللا .بعث الرسائل إلى بني عثمان وال من مجيب .راوده بنو قشتالة على ملكه وال غالب إال هللا .هل يشبع شعار أجداده رعيته ويعصم دماءهم؟ وحده ملك الفرنجة سيمنحهم ألامن واملئونة ويتركهم يصلون ويصدحون باآلذان في مساجدهم .كيف ّ يساوم على دينه ومجد أسالفه .تقلد سيفه ووضع درعه ثم خرج مجاهدا. سيدافع عن ملكه كالرجال .لن تسقط غرناطة .سقطت مالقة بدال عنها فقد انهزمت أمام سرقسطة بركالت الجزاء .سيأتي عشاق كرة القدم مرارا ملشاهدة غرناطة تقاوم على ملعبها املتاخم لقصر الحمراء .ال غالب إال هللا.
15
جواد رابح لفظت القوارير الخضراء ّ الصغيرة روحها في منتصف اللذة .أسوأ ما يمكن حدوثه لطالب نحيل مثلي في ديار الغربة .أنفقت آخر بنس معي هذه الليلة .ال يهم .ال بد أن صديقا ما يتسكع خارج حانة "الفارس ألاسود" بالشارع الشمالي للبلدة .أول من اعترضني طبعا "شو" الياباني جليس ي في قاعة الدرس صباحا .لوح بخمسة جنيهات وضحك من خالل أسنانه القذرة "ستة من الهاينكان على حسابي .تعرف ما عليك فعله"" .لن اذهب مع ذلك القمئ إلى الغرفة ولو قضيت عطشا .همت في الطريق .كان رعايا امللكة يقارعون صاحبة الجدائل الذهبية منتشرين في حديقة جميلة قبالة كنيسة البلدة .كم أحسدهم .جيوبهم دائما منتفخة .قرصني شعور بالذنب غريب. الكنيسة في طريقي إلى الجامعة ،ألجها كل صباح واغترف حفنتين من ّ سأجرب "بنسات" إلاحسان من الوعاء النحاس ي الضخم في فنائها الكبير. حظي معها ليال أيضا .رفعت عقيرتي عاليا "من يراهنني على عشرة جنيهات. سأتبول على جدار الكنيسة" لن أصور حجم الصدمة والاشمئزاز والحنق لكن الجنيهات انهالت علي وأنا أفك أزرار بنطالي على جدار الكنيسة .ال أذكر حقا من القائل "إن الدين في خدمة الشباب.
16
سفر انصرف ّ جل املتسامرين من حانة "الكون" آخر الليل .كان املطر والريح والثلج ّأول املغادرين .استوى النور واقفا يريد املغادرة لكن الصوت استوقفه رافعا كأسه عاليا" :لم تنته السهرة بعد .فيم العجلة؟" قهقه النور في تعال: "أنا ألاسرع دائما .ابق أنت .لقد تجاوزك ّ الكل"ّ . تجرع الصوت كأسه دفعة واحدة ثم ركزها على املنضدة في حزم" :مغرور .تظن أنك تسافر أسرع من أي كينونة أخرى لكنك مخطئ تماما .أنت تعدو ،تركض ،تسرع الهثا لتصل ألاول إلى كل مكان لتجد الظالم قد سبقك دائما ويقبع بانتظارك .انحسر أيها النور فال مكان لك".
17
المؤلف في سطور
اعترضتني الحور العين باألحضان ،نفضن دمي املتقاطر الدافئ وسقينني عسال مصفى .ملا استرددت أنفاس ي سألتني إحداهن "وردنا أنك صبغت رمال الشاطئ لونا قرمزيا أخاذا ولم تذر من بني بياضة حيا" .رددت بفخر واعتزاز "أرديت ثالثين أو أربعين" .لحظتها لم أدر كيف مادت ألارض تحت قدمي أو كيف نبت للحورية قرنان وهي تلعنني بصوت هادر "أربعون فحسب؟ لم تستحق جزاءك بعد .اهبط واسقنا املزيد" كل ما أعرفه أني هبطت كما هبط جدي من زمن سحيق ألخط لكم هذه السطور وأحوك هاته القصص. فليرحمني ربي.
18
أصحاب اليمين
عشرون ألف صباح أمضاها الشهيد أرنستو تش ي يرفرف بجناحيه في الجنة .لم يكن يوما أسعد لكنه اشتاق الرفاق .تحققت أهداف الثورة وعاش الجميع في رخاء .ال نضال في الجنة حتما .أخفى شوقه فلم يكن ليطلب أكثر .ثم حدثت املعجزة طرف النهار .صوت جميل عذب اجتذبه إلى الباب الكبير .ابتسم وزفر في حرارة "الثوار الحق ينتهون هنا .لكنك تأخرت ّ كثيرا يا فيدال حتى ساورني الشك" .ثم قرص رفيقه من لحيته ليطمئن قلبه.
19
تمخض الجبل مرت أيام العيد ولم تنزل ألامهات من ّ ّ القمة بعد .خرجن في الدروب كادحات يتعثرن قطفا لباقات إكليل وغار .نامت عيون الرجال قريرة وتسلقن الجبل في عرق وآهات إلى حيث املوت املسجى قد ّدبر بليل طويل .كم هو ّ مر هذا الرغيف مغمسا بدماء الشهيدات .أال يكفيك يا جبل كل هاته القرابين. أال تلفظ جرذانك فقد استباحت أمهاتنا .البادئ أظلم يا جبل فقد قدحت فئرانك نار الفتيل.
20
عراة في الظالم
"يبدو أننا لن ننام الليلة" ،قال النحيف في خفوت" .نعم .يبدو أن املكيف قد تعطل .النافذة مفتوحة عن آخرها والحر خانق" .رد البدين" .أعني نور الالفتة إلاعالنية .إنه ساطع يخترق كياني"" .إعالنات بينيتون دائما ساطعة".. "ليست بينيتون إنها الفتة يونيسيف" "..بينيتون" "..يونيسيف" "إنها خضراء" "..ال زرقاء" "أنت لم تر السيارة قادمة نحونا" "أنظر إلى ألاطفال العراة إنها بينيتون" "أطفال عراة .إذن يونيسيف" "لنحتكم إلى أول شخص يدخل" "سأربح كالعادة". فتح الباب .دخل الحارس .أغلق النافذة بإحكام .ألقى نظرة على الثالجة الكبيرة ثم أغلق باب املشرحة املظلمة وانصرف.
21
عبث سأغير العالم .هكذا كانت تحية كريم منذ عرفته .لم ّ ّ ينفك يعيدها بوتيرة كبيرة كامل الصيف وهو يستعد لحفل زفافه .زارني منذ ثالث أسابيع ليسلمني دعوة لحفلة فألقى صديقي الشاعر لطفي في ضيافتي فألقي عليه تحيته املعهودة .شكره لطفي بحرارة وأنشده رادا التحية بأحسن منها. لقي َ ُأ َ نردك يا خليلي قبل بدء التكوير ّ َ وخان ُت َك قد ُعلمت بخط كوفي يستطيل مللم عرقك ودماءك وخيطك الرفيع وارحل غير مأسوف عليك عالم تنتظر قد وصل قبل الرحلة قطار املصير. بدا على كريم إعجابه باألبيات الشعرية ،لكنني سمعت الحقا أن حرمه املصون قد غيرت العالم تماما.
22
الملجأ أمي وأنا قطبا مغناطيس ال يلتقيان .ما زلت أذكر ليلة سنتي الثالثة عشر جيدا .كان يوما عصيبا وحسبت أنني أستطيع أن أعتمد عليها .لم أدرك ما حل بي لكنني جريت نحوها مضطربة. "ماما .ماما" "نعم عزيزتي .لقد استوفيت حصة مصروفك ألاسبوعي" "ال ..أتيت ألمر آخر" "لن ترتدي كعبي العالي حتى في البيت .ال تعرفين ثمنه" " وال لهذا يا ماما" "طريقتك مألوفة .ألف مرة قلت ال صديقات في بيتي" هممت بالرد لكنها استطردت في غلظة" :سأعلم أبيك حول الهاتف املطول ليلة أمس" "تلك كانت مروى تذكرني بالواجب املدرس ي" "ملاذا تخبرين جدتك كل ش يء .أنا هنا .ألست أمك؟" تذكرت بغتة أن جدتي قد تشرح لي ألامر فأمي لم تالحظ خيط الدم الرفيع منحدرا على سراويلي. 23
صدمة
وطئ أرض تونس الجميلة ممنيا نفسه برحلة رائقة .على الفتة كبيرة قبالة املطار ,قرأ جملة مبهمة" :شرجي بدينار" .تعوذ ،بصق وعاد أدراجه يبحث عن طائرة العودة .هاتفني بعد يومين من القاهرة وألح علي بالهجرة من تونس الفاسقة..
24
ألوان أتنفس َ ُ ُ تزرعني كل ليلة شوكا على مزالج الباب، عبق صيف هند ّي َ يسر ما ّ َ َ فاقع ُّ تبقى من العيون أحمر زهري، أخضر لوز ّي كعيني قاتلتي، ُ ّ أبيض كذنوبي ،و َ َ حاصر ق َال َ أسود أخاذ ّ أتطل ُع ّ ُ لسر عها، يطه ُرني ..كل ليلة أ أشواكها،و ُأحص ي َ حماالت ُّ فأحص ُد يا حاسدي َ َ ألوان ّ النهود.. فنائها،
25
اغفري
نسجت حروفا أشهى من حرير الصين .جلبت عاج فيلة من الهند .مللمت جماجم موتانا من صفين وحطين .خرجت كما أبي من جنتي ،وٱمنت أن ربي ينصرني ولو بعد حين .ضربت في مناكبها دهرا يا معذبتي ،فمتى تصفحين..
26
الخيار الصعب
ال تحرقوني فقرطاج أيضا محروقة .ال تجعلوا رمادي هباء منثورا .ال تدفنوني فسبأ أيضا مدفونة .اتركوا دمي اليماني السعيد ينزف حرا يسقي السد املشروخ .دعوني أنزف لعل دمي ُيحيي َع َ ّ دن املوعودة.
27
ترنيمة لنخلة أبي اليوم تنتصر حروفي ويترنم الزبانية بأناشيدي .ستستحيل النار بردا وسالما ويشرق الجحيم من نور أشعاري .اعذروا دقات قلبي املتسارعة .آن لك أن ترتاح يا محط أسراري ويا فاني أيامي .لن يراق دمك على مذبح أبي. تريد جراء تحمل اسمك يا أبي .نخلتك باسقة يا والدي .لن أذوق من ثمارها. أريق مدادي على مذبح الشعر .من يفديني بذبح عظيم يا أبي .ألم ّ أغن للحياة .ألم أرم صعود الجبال .ينساب دمي قطرات على صحيفتي ألاخيرة. اعذروني .ليس لي غيرها ودمي قد أحتاجه مدادا لروحي الحبيسة .شرع زوار الليل في التوافد .لم يعد صدري يتسع وأحداث اليوم طويلة.
28
جغرافيا
بدأت صواريخ السكود والتوماهوك رقصة الفالس اليومية على شريط ألانباء إيذانا بجولة جديدة من نواح جدتي .تناول أبي طبقا نحاسيا جميال عليه زوج من فناجين الشاي .وضع فنجانا أقص ى يمين الطبق ودفع آلاخر إلى شماله" .هل ترين الفنجان على اليمين يا ّ حاجة؟ تلك هي البصرة"" .أميركا يعني؟ ولدي ،آه ولدي .آه الحرب .يا وليدي"" .اصبري يا حاجة .هل رأيت الفنجان أقص ى اليسار؟ تلك أميركا حيث يعيش ابنك .فهمت"؟" ..يا ربي وليدي .أميركا .يا ميمتي .الحرب .يا ناري على وليدي" .لم يطل درس الجغرافيا كثيرا ،فقد نافس سباب أبي كل الصواريخ مجتمعة.
29
دون مرمى ّ اللغط في املقهىّ . ُ َح َ شنف فرقتان من الوطيس على امليدان واحتدم مي الشباب آذاننا بنغمات زاجية من الشتائم والسباب .كلما أحرز أحد الفريقين هدفا تغنوا فخرا وعلمنا أن الشق آلاخر أبناء عاهرات .نال الحكم أيضا نصيبه من التجديف والفحش .ثم طارت منفضات السجائر من الجانبين و ُهشم جميع أنواع البلور فحمينا رؤوسنا بأيدينا صاغرينّ .لبى البوليس استغاثة صاحب املحل بسرعة .انقض على املشجع ألاول في غلظة "هل أمك طليانة؟" وأمسك بتالبيب الثاني "هل أختك اسبانيورية؟" . التقمت سيارة البوليس املشجعين في لهفة والضابط يدفعهم في حزم "اصعدوا لنبحث لكم عن وطن".
30
األجر المضمون األدنى
فتحت الجارة بابها ونظرت لبطن زينة املنتفخ شزرا ،ثم وضعت يدا في خاصرتها ويدا أمام فمها وقالت في خفوت"عدنا مجددا .فعلها آكل الجزر". تخضبت زينة خجال .انه حملها الرابع في سبع سنوات من الزواج .طأطأت رأسها وقالت "املعطي ربي يا خالة .رزقه معه" "ملاذا شرفت اليوم؟" "أود أن تقرضيني بعض زيت" "وهل يقرض الزيت؟" "أعني حتى يجد عمارة عمال قارا و" "..بربك متى تخلدون إلى النوم؟" لم تجب زينة من فرط الخجل فالتفتت الجارة إلى داخل املنزل ثم قالت في خفوت أكبر "قولي ملولى بيتك يمر غدا ليحمل لكم التلفزيون القديم" " ..والزيت؟" غمزتها الجارة "مع التلفزيون لن تحتاجي زيتا باملرة".
31
تذكرة ذهاب
لم أعد أذكر من قال أن "الزمن ليس سلما يرتقيه املرء نحو املستقبل بل ليأخذه نحو املاض ي" لكنني أعلم أن القائل بأن الزمن ال يتوقف مخطئ تماما .هنا يسترد الزمن أنفاسه ،يحط رحاله .هنا يحلو له املقام .لن يجد أطيب من هذه السباسب .رياح عاتية تجري إلى غير مستقر .أعمدة من الغبار باسقة متعالية كأنها الحمم .من يجرؤ على تحرير الزمن .قد تتهرأ ألاغالل الثقيلة في أشباه السيقان وتصدأ ،لكن الزمن اختار محطته ألاخيرة. كل يدور في فلك .رياح ،غبار ،سموم ودماء .كل يتفاعل .كل ينعتق إال الزمن َ َ تمكنت من العودة. وصفت املشهد جيدا لو فقد وجد ضالته هنا .ربما أمامك للمرة ألاخيرة الفتة متهرئة تنبئك بنهاية الرحلة وال تعلم أنها سوى البداية .توقف الزمن هنا الن أشباه البشر املقيمة هنا ال تدرك إال بعدا واحدا .وسط ال ش يء يقبع السجن وحيدا.
32
ساعة يقف الشيطان بين نهديها ّ يصم تكافل ،مرابحة ،مضاربة ،مبادلة أومراودة .لم أعد أدري .جناس آذاني منذ الصباح الباكر .نشاز لم أفهمه .لعلها مترادفات تحمل عبق الدينار في طياتها" .الصوردي الحالل ال يضاهيه ش يء يا بني" .كيف السبيل إلى الحالل .حتى الحرام صار صعب املنال .هذا ما ال تدركه أمي" .عليك بمصرف حالل" .ما انفك يقنعني صديقي طيلة سهرة البارحة .ألج البنك بقدمي اليمنى .لم أحلق ذقني للغرض .تقدمت بمطلب قرض لسكرتيرة املدير فأجابتني "تستطيع أن تشتري من عندنا دارا قيمتها مائة ألف دينار بثمن قدره مائة وخمسون" .أمضت نصف الساعة تشرح لي معنى املرابحة وعيوني مزروعة في نهديها العاريين حتى الجذور .شرحت وشرحت وأنا أفكر أن البنك الكافر سيسترجع مني مائة وعشرين فحسب مع نهود أكبر وأجمل.
33
من قلب الحدث
استل الجميع هواتفهم في تسابق محموم علهم يستقدمون سيارة إسعاف قبل فوات ألاوان .من علو سبعة طوابق كانت البنية تترنح وتلوح بالسقوط. اجتمع جمع غفير في ألاسفل يحرقه الفضول .سرت همهمات بين الصفوف وعلمت أن البنت قد حملت من سفاح وأن زوجها قد هجرها وأنها سرقت مبلغا كبيرا من البنك وقتلت ابنها وأنها سافرة .كانت أيضا تريد الزواج ولم يوفر خطيبها املال بعد .أراد والدها تزويجها من رفيقه السبعيني .علمت بيسر أنها نحيفة أو بدينة كرهت مظهرها خاصة وهي موظفة بالبريد وقد اختلست معاش املتقاعدين .فجأة صاح أحد الحاضرين "انزلي ،ماتت حماتك" وقال آخر "ستسقطين ويفسد ماكياجك" وصاحت بها فتاة "ستندمين بدأ موسم التخفيضات" وسمعت أيضا "أنت لقيطة وأبوك مليونير" و "انتظري حتى نأخذ صورة" و "سلمي على جدتي" .لم يقطع وتيرة النميمة غير أصوات باعة الشاي والليمون املثلج وقد وجدوا سوقهم نافقة حتى أن بائع مالبس نسائية مستعملة انتصب وشرعت النسوة ينتقين البضاعة .ضاعت ألاصوات في الزحام لكنني ميزت هاتفا بصوت جهوري أجش "هل ترين حوريات؟"
34
تقص
يا أيها الخطاؤون والخارجون من النور إلى الظلمات أال أيها التائبون بال نزيف أليس للحقيقة ثمن ومهور فاصدحوا بها عارية صلدة صماء قدمت عمري قربانا لتنكسر على عتباتها قالع وهمي أال عجلوا فقد بلغ حرفي أسباب السماء.
35
د .خ .ج
لم تنفك أصابعي تعبث بالقرص في انتظار دوري .ناء صدري في طابور طويل عبر دهليز مظلم سوى من مصباح أو مصباحين فاترين .وصلت صحبة طبقي املعدني البالي إلى قصاع الطعام .ابتسم الطاهي الشرس في تشف .لم يتبق سوى البيض .مددت يدي إلى أرغفة خبز ملطخة مرقا .ما يبذره الرفاق على الغداء يرجع ظافرا على طاولة العشاء .اتخذت مقعدا وأنزع قشور بيضتي صاغرا وأحلم بيوم ألاربعاء ،يوم الفاصوليا .أما اليوم فلن آكل حتى الشبع فتلك حقا عادة سيئة .انظر إلى قرص ي كعادتي وأقرأ حروفه املحفورة باستسالم "دخل وخرج جائعا".
36
طريق الربيع
ينتظرني يوم شاق ومضن فالسفر جنوبا لن يكون سهال أسفل شمس الربيع الوليد .علي أن أسرع ألجد مكانا لعربتي ضمن طابور الانتظار الطويل أمام مضخة البنزين الوحيدة التي لم توصد بعد .كم أخش ى نفاد الوقود عند حلول دوري .لن يحتمل ألامر تأخير يوم آخر .ألقيت نظرة أخيرة على حقيبتي الصغيرة .خبز وزيتون وجبن وخطابي الذي سألقيه على مسامع إخوتنا هناك .سأراجعه ريثما احضر رفاقي بعض املاء .من يضمن أن هناك ماء. سأراجع أيضا خارطة الطريق .اليوم تشهد ساحات املدن الكبرى قصاصا عظيما .علينا أن نتجنب حماس الجماهير املتعطشة للعدالة .يجب أن ّ نسرع .فقط ماء ووقود ونشد الرحال إلى هناك علنا ننقذ ما أمكن إنقاذه.
37
ألوان العشق
"عشقنا ال ينتهي" قالت جارتنا الجميلة وهي تتناول كعكة محالة بالعسل من يدي أمي .لم تنفك تعدد مناقب حبيبها كامل ألامسية فهو شهم كريم، فارس مغوار يحبها حد الجنون وحنون ينتبه الى أدق تفاصيلها ويعينها على تنشئة طفليهما .تواصل حديثها عن زوجها املتيم مطوال حتى غمزت في جذل وقالت في خفوت "يحملني كل ليلة الى السماء السابعة" .اعترف أنني لم أفهم ملاذا تخضبت وجنتا أمي لكنني واصلت من مكاني اختالس النظر إلى بشرتها الوردية وجمالها ألاخاذ .انتزعني جرس الباب من أحالمي الشبقة بغتة. فتحت متثاقال فاندفع عبره ّ صبيان وارتميا في حضن جارتي "ماما ،ماما أبي ينتظرك بالبيت" .كان تناقض ألالوان صارخا وجميال لكن جارتنا خففت من حدته مبتسمة في إغراء قاتل "هذه ثمار حبيبي ألاسمر".
38
دموع وادي مليز
ال يزال أبي مترددا بين الصعود إلى العربة الصدئة وبين املوت في أرضه .في الواقع ،لم يستطع حسم ألامر طيلة هذا الشهر ونحن نحزم أسمالنا البالية استعدادا للرحيل .جف الوادي منذ سنتين ونفق الحرث والنسل لكن أبي لم يختر ميتته بعد .أنت ميت منذ أن تخطو خطوة واحدة خارج أرضك. جسدك فحسب سيصل املدينة البائسة .أما الروح فهي هنا تعانق التراب حتى وهو صلد من الجفاف .كانت هذه فلسفة أبي حتى هذا اليوم .نحن ألاسرة الوحيدة التي تبقت على ضفاف الوادي لكن الجوع والظمأ قاال كلمتهما ألاخيرة .أمسك أبي بأكتافنا ،تطلع مليا إلى عيوننا ثم تركنا ننطلق إلى مصيرنا .تهادت العربة إلى املدينة البعيدة .لم نسر سوى بضع مئات أمتار عندما التحق أبي الهثا وهو يلتفت خلفه "هل ..هل تعدوني؟ هل تدفنوني في أرض ي لو رحت معكم؟"
39
التزام
احتضنتهما شقتها ألانيقة بتشيلس ي الهادئة .أمضيا ليلة حمراء على إيقاع شهوة مضطرمة ممزوجة بلذة النبيذ الفرنس ي الراقي .أعدت كل ش يء للقاء حبيبها ألاسمر .ليلة حب كألف ليلة لم تكن متاحة لها مع "تيدي" البارد أو "دايف" املثقف حتى امللل .ملاذا ال يتقدون نا ا كحبيب الليلة املاضيةّ . أعدت ر له إفطارا ملكيا وحملته إلى الفراش .أيقظته بقبلة محمومة .تمطى ،تثاءب وأسر لها بأنها حبه الباقي والوحيد .انقض على الطبق اللذيذ .بيض مقلي وخبز محمص بالزبدة ولحم مقدد تحبس رائحته ألانفاس .قضم قطعة ضخمة من اللحم والكها في لذة ثم توقف بغتة ملتاعا "ما هذا اللحم ماغي؟ " "ما به حبيبي؟ ألم يعجبك؟" "هذا ليس لحم ضأن؟" "نعم .نحن نتناول لحم الخنز ..."..قاطعها هائجا "ال تنطقيها .كنت سأمض ي معك عمرا" .سالت دموع ماغي في أس ى .كادت تعيش في سعادة مع حبيب خال من املوبقات .
40
خمسة ديسمبر
هوت الصفعة مجلجلة على صدغ رئيس العصابة في العتمة فاحتملها في جلد وانهالت عليه الشتائم هادرة فلم يميز منها سوى هذا الفتات "غبي .جعلت منه شهيدا" فتح فكه في بالهة ولم يعلق فصفعه الرجل الغارق في الظالم صارخا "لم أطلب منك قتله .أردت أن ترهبه فحسب" "قلت دائما انه الزعيم الحقيقي للمقاومة وأن بقاءه خطر محدق بدولتنا" "أصبح شهيدا وزعيما آلان .ما العمل أيها الغبي امللطخ بالدم" أجاب رئيس العصابة في خبث "لنجلب الزعيم آلاخر من املنفى مظفرا" أخفى الظالم ابتسامة الرجل آلاخر وراح يفكر أن الحلول البديلة لم تعوزهم أبدا.
41
زهرة المزابل
منذ صدحت أمي بالحقيقة صرت أتردد كثيرا على الجادة الطويلة املظلمة سوى من فوانيس فاترة يتيمة مثلي .كل مساء تجوب السيارات الشارع العطن ويزدحم الرصيف ثم يبدأ العرض .كل نوافذ العربات ألامامية مفتوحة عن آخرها وأصحابها يتخفون خلف نظارات داكنة وينهشون تفاصيل بالية من أجساد بال روح .ال تعقد صفقات كثيرة لكن بعضا من تلك ألاجساد تبتلعها السيارات إلى حيث يختلي الذئب بالوليمة .ال أظنني ابن أحد الذئاب .أحبت أمي أبي حتما فقد وثقت به .ال تثق املومسات عادة في أي كان.
42
صياد منكود الحظ اليوم ُأحمل إلى حتفي .هكذا أعلمني ّ التقي ذي ّ سجاني ّ السوالف الطويلة. ّ لم تكن النهاية ّ سأتحول إلى تهمني بقدر عذابي لجهلي بوسيلة موتي .هل قطعة صابون ّ كجدتي فريدة؟ هل سأموت غرقا كأسالفي الذين ار ّتدوا إلى ّ فرعون؟ ربما سأهوي من حالق كأبي رمادا فوق سيناء الجريحة؟ لعلي ُ سأترك ألموت كمدا ّ كعمتي وهي تخرج قسرا من تونس الحبيبة .اليوم القصاص .اغتصب شعبي كل الحسناوات وراح يبحث عن طرائد جديدة تروي نهمه .أنا كنت طعما للفريسة .لم يذكر قاض ي أمن الدولة وسيلة ّ إلعدامي .لعله ترك كل ذلك لقريحة كتيبة إلاعدام ليجتهدوا في إرداء خائن ّ الصياد .في ذلك اليوم املشمس ،الحت الرمال الذهبية بشع .خنت شعبي ورقصت سمكتنا املشتهاة على وقع ألامواج الفضية .اقترب الهدف واقترب وأتتني ألاوامر ّ العلية "ألق شباكك" .اليوم أدفع ثمن ّ تمردي .لم أستهدف السمكة وشددت لجام طائرتي قافال إلى أرض امليعاد..
43
البطاقة الخضراء ّ ّ ترجلت من الحافلة املزدحمة على تخوم حارتنا فاعترضني سفيان الخضار باألحضان وقسماته تطفح بشرا "هللا ّ يربحك دنيا وآخرة يا أستاذ يا جميل" ّ ألم بي مزيج من السرور والحسرة فأنا لم أصر أستاذا بعد وها أنا أعيد سنتي ّ الثانية بالجامعة للمرة الثالثة على التوالي .كل ما في ألامر أنني الشاب الوحيد ّ في حارتنا الذي تخطى املدرسة .كان سفيان مسرورا حقا وأمطرني بوابل من ألادعية والثناء .لم أذكر أنني أسديت له خدمة أو حتى اقتنيت منه بعض البقول .أجلسني قبالة محله وفتح قنينة كوكاكوال مثلجة وقال متهلل ألاسارير "لقد قبلت في قرعة الهجرة إلى أمريكا" .نزل علي الخبر كالصاعقة . سفيان الخضار في أمريكا وأنا دارس شكسبير وفوكنر محكوم علي بالشقاء. ُ لم أنه الكوكاكوال وجريت أراجع قائمة املقبولين .ليس من اللياقة أن أذكر لكم أن اسمي لم يكن مدرجا وأنني من ساعد سفيان في ملء استمارة الترشح.
44
تلَبّــس
ضبطني جاري في مكان موبوء .حدجني بنظرة نارية مهددا: "سأخبر أباك أيها القذر". َ الخمس عشرة ربيعا: رددت بعيون تملؤها براءة "سأخبر زوجتك سيدي".
45
عندما يموت الرجال أنا وأبي وكارفر* قصة لم ُينهها سوى املوت .كان أبي يحتضر وكان مرضه الخبيث يكتسح أراض جديدة كل يوم بينما رحت على خطى كارفر أسابق الزمن ألتم الكتاب .سيطالعه أبي قبل النهاية" .أبي أقلع كارفر عن الخمر". لكن أبي لم يكن يشربها .كان عليه أن يقلع عن ش يء ما .أقنعته أال يضرب أمي مجددا ألتفه ألاسباب .كان يحتج "أال يضرب زوجته هذا الكارفر؟" .ثم أقلع كارفر عن التدخين وملا يتوقف أبي عن النارجيلة "ال كارفر وال أبوه .أنا ال أبطل الشيشة" .أنهك املرض كارفر وهو يجد مع زوجته إلنهاء كتابه ألاخير بينما رحت استمع إلى حكايات أبي املريض كما لم استمع إليه من قبل" .مات كارفر يا أبي" .لم يطل أبي كثيرا بعد كارفر لكنه كرهه وكرهني .كم اشتاق إلى النرجيلة وتأديب زوجته.
------------------------------------
* ريموند كارفر كاتب قصة وشاعر أمريكي( .الناشر)
46
حبوب منع الحلم
لم يزعجني إخفاقي في الحصول على الجائزة بقدر انزعاجي من انخفاض شحن هاتفي .لم ينفك الجميع يواسيني منذ انتشر الخبر .ال يدرك قرائي أنني ظفرت حقا بالجائزة فقد كان رئيس لجنة التحكيم ضمن املواسين .ذلك املبدع املوهوب وحده يعلم أنني عضو لجنة الجائزة القادمة.
47
تغيير شامل
لن يستوعب صديقي "ميشال" ألامر مطلقا وهو يتحسس الرخام والخشب النفيس في منزلي الجديد .هرش رأسه و سألني في ريبة "ملاذا غيرت أثاثك القديم؟ أين مكتبك؟" لن يفهم أن منزال جديدا يتطلب أثاثا آخر .كان عليه أن يسأل زوجتي املصون .واصل أسئلته السخيفة في حيرة "لن تستطيع السفر حول العالم .و روايتك العظيمة من ينشرها؟" لن يدرك أيضا أنني وضعت كل مالي في قبر الحياة.
48
ضد الزمن ّ تتالت ضربات املعول سريعة وأستاذ التاريخ ُي َمنـي النفس بكشف جديد. ّ ّ كلت سواعد الطبيب من حمل الرفش الثقيل لكن حلمه بالعيادة وصف املرض ى الطويل هون عليه التعب املرير .حمل امليكانيكي أكياس التراب على ّ سيجهز ورشته بأحدث التجهيزات .فاق نشاط املوظف كاهله مسرعا. النحيل الجميع .كانت أحالمه أكبر من كل آالم هذه الليلة .اقترب الفجر بخطوات سريعة والشيخ الفاس ي يستحث الهمم ويرمي املزيد من حصوات صغيرة في املبخرة .لن يهوي لهم معول بعد انبالج الفجر .تكاتف الجميع في ايقاع سريع واقترب الكنز .كم يختصر الحفر الفوارق الاجتماعية رغم بزوغ الفجر.
49
رفوف ّ اعتلت نشوى درجات السلم في تؤدة وشرعت تنفض الغبار عن الكتب. انحسرت ّتنورتها املخملية ّ السوداء وارتفعت معها عينا أكرم حتى فركهما من ّ إلاجهاد .قليال إلى اليمين .نعم ..السلم بال .أفضل .ألنك لو سقطت سأحملك بذر ّ اعي هكذا .لن أستعمل قلما أحمر كامل اليوم .تنورتها كانت أقصر ّ تلطخي الكتب بدمائك .خبر خطير لن ّ تصدقيه .خمس حسناوات. وأجمل .ال ّ قلمي ألاحمر سيجف قريبا .طحالب رمادية تزحف على جمجمتي وهي تطالبني بالخبز الساخن في موعده املحدد .ساخن هذا الصيف .أال ينضب ألامل لديكم .متى أنام .أية كتب يا جميلتي .السلم بال والهوة سحيقة" .لم يتصفح أحد هذه الكتب منذ مدة طويلة على ما يبدو" " ..آه طويلة .نعم"" .ال ّ واملكيف القديم ال يعمل طول الوقت"".أعني تنس ي أن النوافذ غالبا مفتوحة ُ هل تعتمد هذه الكتب كمراجع للبحث هذه ألايام؟" تساءلت نشوى ولم َُ يجب أكرم فأردفت "أنت تعلم أن الانترنت بحر عميق"" .قلت لك ّن ألف مرة أن الانترنت ال ُتعتمد .كم ّ علي أن أعيد ذلك"؟ صدم الصراخ بصيغة الجمع أذني نشوى .تعلم أنها الطالبة الوحيدة لديه في درجة الدكتوراه .نفضت املزيد من ألاتربة املتراكمة ثم انتبهت فجأة لوجود كتابين باليين متالصقين لم يذكر ش يء على كعبيهما .جذبتهما برفق لكنهما قاوماها بحماسة .أص ّرت ّ ّ فترنحت قدماها على السلم وتركت الكتابين ليهويا من حالق لتتم ّسك بخشب املكتبة .لم يثب أكرم ولم يتلقف جسد نشوى في رحلة سقوطها، وإنما قفز نحو الكتابين لعله ينقذهما من الارتطام بأرضية املكتب. ّ التقطهما ،نفخ ما تبقى بهما من غبار و ّ تحسسهما بيدين حانيتين يفتش عن جروح أو كدمات محتملة .لم تدخل الانترنت كل ألاماكن بعد. 50
خليل ُ ُ ُ تميت ال أذكر كيف نزلت من الطائرة وكيف مررت من الجمارك وكيف ار في التاكس ي .أذكر فقط أنني وصلت مشفى ألامراض الصدرية متأخرا. ألصقت أنفي ألافطس ولساني الالهث بزجاج غرفة إلانعاش أراقب املمرضات ينزعن سوائل الحياة عن رفيقي .خذلته كالعادة .قال لي هذا منذ خمس وعشرين سنة .كان يعلم ان الجميع سينفضون من حوله لكنني كنت أجادله في تعنت .سنبقى أصدقاء إلى النهاية" .ال تكابر .لن يبقى أحد معي سواه" كانت جملته ألاثيرة .كان يعلم أننا نتميز غيرة وحقدا من خله الوفي ّ وجنتي ملا خرج الطبيب وأومأ لي في أس ى. املجهول .سالت دمعة حارة على زفرت في غيظّ . صحت رؤيته أخيرا .حتى رفيقه الوحيد املميت غدر به أخيرا.
51
باأللوان ّ سال لعابي عندما شق ّ جدي البطيخة الحمراء كأنه السلطان عبد الحميد يدخل على جارية جديدةّ " . يعيش ّبي اعطني الشحمة" "اسكت يا ولد وانصت .سخروا من س ي الحبيب وحمامته" سالت دموعي أيضا ملرأى السكر يتقاطر" .افتح التلفيزيون يا جدي" لم يكن ّ جدي يأبه ألي خطب عندما يحين موعد ألانباء ،لكنني كنت حفيده املدلل وذلك أمر آخر" .ملاذا ينظر املذيع نحونا؟" ابتسم جدي وزفر قائال "كانت زوجة املرحوم أخي تغطي رأسها كل ليلة وتقدم ملذيع ألاخبار كأس شاي يتضوع نعناعا" "كم أكره العالم باألبيض وألاسود يا ّ جدي" "العالم زاهي الالوان يا حبيبي .عليك أن ترى عيون الزعيم زرقاء تمأل الدنيا نورا"".يعيش ّبي فيلق املشاة الذي أرسله الزعيم ليحارب في أم املعارك كيف كان لونه؟" اكفهر وجه جدي وسعل ّ بشدة .حتما كان سيعيرني بفشل أبي .هربت من مرمى عكازه ورحت خلف التلفاز أبحث عن سكانه.
52
خالص
استل لفافة ضخمة من جيبه وشرع يحسب ماله .لم ينفق فلسا واحدا من ثمن الدراجة البخارية التي باعها باألمس .رفع رأسه وقال لصديقه بأس ى "قل لسلمى أن حبها دين علي .نعم .قل لها انه يتنفس حبك" "ال تخف .مالك محفوظ عندي حتى تعود ساملا" "من وش ي بي؟ هل لديك أدنى فكرة؟" "هللا يخلص وحلك" التفت يمنة و يسرة .سيظفرون به عاجال أو آجال .عند أوبته للبيت هذا الصباح ،وجد أمه منهارة تذرف ماء عينيها .لم يفت أباه أن يعيد على مسامعه ترنيمته املألوفة "ابن حرام" ،ثم أخبره أن الفرقة العدلية تبحث عنه في كل مكان .رفع عينيه نحو صديقه مجددا وقال في خفوت "ألفان وخمسمائة دينار .كان صيدا ثمينا"".ال تخف .تعرف انك تحبها لكن".. "ستحفظ ألامانة .أليس كذلك؟" "إنها سرقة موصوفة .يعني هل ستنتظرك سبع سنوات .فترة طويلة .اطمئن سأعتني بها حتى تخرج من السجن"".هل تعني انك سترجعها لي كما هي حتى بعد سبع سنوات؟" نظر له صديقه مستغربا "هل تريدها أن تنتفخ ،أن تكبر؟ سأعمل على ذلك؟" "ما التي ستنتفخ؟" "ألم تقل ذلك بنفسك؟ تسلمني إياها آلان .ملا تعود ساملا ستستعيدها .سأعمل على تنميتها" اتسعت عيناه في ارتياع .ألم يتعلم أن "الحبس للرجال" .سيمس ي رجال بالسجن وتصير حبيبته إلى أخر .صاح بغتة مثل أرخميدس "لم أبلغ الثامنة عشرة بعد .سيحكم القاض ي بثالثة أشهر في مركز إصالح ألاحداث .لن يفتكها مني أحد" .أطرق صديقه ثم قال في غلظة: ّ لصا ولم أعرفك مرابيا يا محتال .على ّ كل سأعطيك ثالثة آالف "عرفتك عندما تعود ".نظر له مطوال ثم غرق في ضحك مريب. 53
اختزال
نظرت عبر الواجهة الزجاجية ملقهى "البارادوكس" فألفيته مقفرا .ناديت "قاسيمو" النادل وال حياة ملن تنادي .أين سأرتشف قهوتي؟ كتبت أجمل قصص ي على مناضد املقهى الخشبية .لن أكتب حرفا واحدا في مكان آخر. قدم بائع الصحف وألقى ما لديه على الرصيف .أثارني ملمس الجرائد فقد نسيته .تصفحت جريدة في ريبة كبيرة ثم هممت بإلقائها لكن نظري وقع على ركن عجيب "قصة قصيرة جدا" .كل القصص قصيرة .هذا ما خبرته طول حياتي .قرأتها في لهفة .روى كاتبها ملحمة في عدة سطور .كانت قصيرة وإنما رهيبة .استعرت نيران في أعماقي .كيف أبدع صاحبها ما أتخبط في كتابته في ست أو سبع صفحات .راودني اشمئزاز عجيب من كل ما كتبت في حياتي. جلست على الرصيف ثم جذبت قلمي ودفاتري من حقيبتي وحبرت صفحتين أو ثالثة .فشل ذريع .انكببت على ما كتبت اختزله ألقص ى الحدود .انهمكت في عملي الشاق ساعتين أو أكثر حتى أيقظني "قاسيمو" من سباتي ممسكا بقهوة زكية "عذرا أستاذ نجيب .دخل أصحاب املقاهي في إضراب هذا اليوم" ابتسمت ومددت له نصا في صفحة واحدة وسمته "إضراب باعة الشاي". نظر له في جذل ثم قال في خبث "ال بد أنك قرأت الخبر على إلانترنت". لم أغضب منه .كتبت اليوم قصة قصيرة جدا.
54
ال مباالة ّ حطت بقربي تستمتع بعبق أزهار الشرفة .فردت جناحيها مزهوة ،دارت عيناها الجميلتان في محجريهما ونظرت لي في دالل .أشحت عنها بنظري .كنت أفكر بحمامتي ألاخرىّ . حل موسم الحب ولم تعد بعد .رفرفت ،أصدرت صوتا جميال وال حياة ملن تنادي .ما أقس ى أن أعتبرك حمامة فحسب .أنا لست أبا فراس.
55
شاي بالنعناع
زرعتها ،سمدتها ،رويتها كما تروي ألام رضيعها يوما بعد يوم .أينعت ،تسر من رأى ،رعيتها في أصيص أخاذ من عند الخراز ،حان قطافها ،رائحتها عجيبة ال يدرك سر عبقها سواي .أهدهها كما تربت الحبلى على بطنها املنتفخ ،حان مخاضها .تضوع مسكها في أرجاء سطح بيتنا .كنت أحرسها من عين الحاسدين .قريبا تبشرني بطلعتها البهية ،قريبا أهنأ بقربها .لن أحتاج اللهاث وراءها وهي تتمنع في أحضان آلاخرين .يوم واحد ،واحد فقط لم أزرها .خنتها ،بحثت عن نشوة مع غيرها .كان يوما مشهودا أو قل مشؤوما. زارنا جدي .أوملت أمي بقصعة كسكس ى شهي .زين لجدي التريض على السطح ممسكا بكوبه من الشاي .عثر على وردتي الجميلة ..قطف أوراقها النضرة ونقعها في شايه. أسبوع مض ى في السجن وأمي لم تزرني بعد .لم تغفر لي بعد .عندما احتملني الدرك في أصفادي سخروا مني قائلين" لم يكن نعناعا ما وضعه جدك في الشاي .عثرنا عليه يقهقه بجنون ويهدد بإلقاء أبناء عمومتنا في البحر".
56
جدول المحتويات
ما وراء الكثبان 7 الصراحة راحة 8 روتين 9 رجل من يقطين 01 حصاد 00 ديجا فو 01 خطوبة 01 الترياق 01 آخر الزفرات 01 جواد رابح 01 سفر 07 المؤلف في سطور 08 أصحاب اليمين 09 تمخض الجبل 11 عراة في الظالم 10 عبث 11 الملجأ 11 صدمة 11 ألوان 11 57
اغفري 11 الخيار الصعب 17 ترنيمة لنخلة أبي 18 جغرافيا 19 دون مرمى 11 األجر المضمون األدنى 10 تذكرة ذهاب 11 ساعة يقف الشيطان بين نهديها11 من قلب الحدث 11 تقص 11 د .خ .ج 11 طريق الربيع 17 ألوان العشق 18 دموع وادي مليز 19 التزام 11 خمسة ديسمبر 10 زهرة المزابل 11 صياد منكود الحظ 11 البطاقة الخضراء 11 تلَبّــس 11 عندما يموت الرجال 11 حبوب منع الحلم 17 58
تغيير شامل 18 ضد الزمن 19 رفوف 11 خليل 10 باأللوان 11 خالص 11 اختزال 11 ال مباالة 11 شاي بالنعناع 11
59
60