الرواية كما يرويها العرب

Page 1


‫حكمت الحاج‬ ‫الرواية كما يرويها العرب‬ ‫مقابالت وحوارات مع روائيات وروائيين عرب‬

‫‪1‬‬

‫مومنت™‬


The Novel As The Arab Told by

Hikmet Elhadj All rights reserved Moment, Books & Publications™ United Kingdom - Tunisia Copyright Š 2016 tuniment@gmail.com www.momentunis.com www.facebook.com/momentunis www.p4bsite.wordpress.com The views and opinions expressed by the author do not represent the views, beliefs or opinions of Moment B&P Enterprises and its employees. Cover Design: Waneli

2


‫تال‬ ‫هذه مجموعة أولى تليها ثانية في كتاب ٍ‬ ‫بنفس العنوان من املحاورات التبادلية التي‬ ‫أجريتها خالل السنوات املنصرمة وتم نشرها في‬ ‫صحف ومجالت ورقية وإلكترونية في العالم‬ ‫العربي وخارجه تعتمد صيغة تفاعل لاراء‬ ‫ولافكار وتبادلها أكثر من اعتمادها الصيغة‬ ‫التقليدية من سؤال وجواب واستجواب‬ ‫موضوعها " الرواية " ذلك الحدث لاشهر‬ ‫خالل مجريات لاعوام لاخيرة من حياة العرب‬ ‫الثقافية وأطرافها ثلة من الروائيات والروائيين‬ ‫العرب بغية تحليل وفحص مالمح تلك الظاهرة‬ ‫التي فرضت نفسها على مختلف التعبيرات‬ ‫الثقافية والسياسية والاجتماعية في عاملنا‬ ‫العربي والتي كان اسمها وما يزال هو ‪ :‬الرواية‪.‬‬ ‫حكمت الحاج‬

‫‪3‬‬


4


‫اللواط والسياسة في عمارة‬ ‫يعقوبيان الفيلم والرواية‬ ‫حوار مع الروائي وأستاذ علم اإلجتماع يف‬ ‫اجلامعة التونسية د‪ .‬نورالدين العلوي‬

‫الرواية‪ -‬الفيلم‪ -‬احلدث األشهر خالل العام ‪6002‬‬

‫احلايل‪ .‬ملاذا اشتهرت عمارة يعقوبيان وهي ملا تزال كتااب‪،‬‬ ‫وحاز مؤلفها عالء االسواين على كثري الثناء وعديد‬ ‫اجلوائز؟ وملاذا اشتهر الفيلم املأخوذ منها وحقق أعلى‬ ‫االيرادات يف اتريخ السينما العربية وتبوأ خمرجه الشاب‬ ‫مروان وحيد حامد مكانة عالية يف ظرف وجيز؟ هذا عالوة‬ ‫على ما حققه بطبيعة احلال أبطال وممثلو الفيلم من مال‬ ‫وشهرة وجنومية ساطعة زادت من رصيدهم املعنوي رمبا اكثر‬ ‫من املادي‪ .‬يف احللقة االوىل من هذه احملاورات‪ ،‬كان لنا‬ ‫كالم مع الروائي التونسي وأستاذ علم االجتماع يف اجلامعة‬ ‫التونسية الدكتور نور الدين العلوي‪ ،‬تناول أوجها عديدة‬ ‫لعمارة يعقوبيان‪ ،‬الرواية والفيلم والواقع املعاش الذي أفرزمها‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫حتت عنوان (عادل إمام يعود إىل تونس) كتبت احدى‬ ‫الزميالت يف جريدة (إيالف) اإللكرتونية بتاريخ السبت‬ ‫‪ 00‬سبتمرب ‪ 6002‬انه وبعد النجاح اجلماهريي الكبري‬ ‫الذي حضي به فيلم "عمارة يعقوبيان" حني عرض للمرة‬ ‫األوىل يف إطار مهرجان قرطاج الدويل ‪ 6002‬يعود الفيلم‬ ‫مرة أخرى إىل قاعات السينما التونسية حيث سيعرض بدءاً‬ ‫من األسبوع القادم يف عدة قاعات يف العاصمة‪ .‬يذكر أن‬ ‫الليلة اليت عرض فيها فيلم " عمارة يعقوبيان " تزامنت مع‬ ‫حفل الفنانة العاملية " ماراي كريي" يف امللعب األومليب يف‬ ‫ضاحية املنزه يوم ‪ 62‬متوز يوليو املاضي‪ ،‬وقد أنصرف‬ ‫أغلب اجلمهور النخبوي كما ذكرت صاحبة التقرير إىل‬ ‫مشاهدة فيلم عمارة يعقوبيان‪ ،‬حيث غصت مدارج مسرح‬ ‫قرطاج األثري جبمهور غفري أتفق معظمه على أن الفيلم‬ ‫جريء يتناول موضوعا عادة ما نتغاضى عن ذكره يف‬ ‫أفالمنا العربية‪ .‬ومل تقل لنا الزميلة كاتبة اخلرب ان ذلك‬ ‫املوضوع املسكوت عنه ليس فقط يف افالمنا العربية بل يف‬ ‫حياتنا اليومية العربية أيضا‪ ،‬هو الشذوذ اجلنسي أو املثلية‬ ‫اجلنسية‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫يف بداية حديثي مع ضيفي الدكتور العلوي‪ ،‬أحببت أن‬ ‫أعود به قليال اىل الوراء وأذكره بذلك اخلرب الذي نشرته‬ ‫صحف عربية سيارة وتناقلته منتدايت الشبكة العنكبوتية‪،‬‬ ‫حول وقائع حفل زواج رجلني ىف مصر‪ .‬ففى أحد الفنادق‬ ‫ىف القاهرة الكربى والىت تعج حبياة حافلة على مدار األايم‬ ‫وبشكل أكثر خصوصاً ىف ليايل اخلميس‪ ،‬كان فندق‬ ‫هيلتون رمسيس يعيش حلظات فريدة واستثنائية فقد تزين‬ ‫الفندق وجتمل ال ليستقبل احتفاالً مبناسبة عادية أو بزفاف‬ ‫خاص أو ببهجة كتلك الىت حتياها قاعاته كل ليلة بل كان‬ ‫اجلو احمليط يُوحى بشئ غريب مل تعتده األعني و مل تلمسه‬ ‫العقول‪ .‬هكذا يصف حممود بكري نقال عن جريدة‬ ‫األسبوع بتاريخ ‪ 51‬أغسطس ‪6001‬م‪ 50 -‬رجب‬ ‫‪5262‬هـ وقائع تلك الليلة املميزة‪ .‬فقد انتشرت الزهور‬ ‫والورود وأُطلق البخور واستعدت فرق الرقص والغناء لتنشد‬ ‫نغمات جديدة على وقع أهازيج تتمايل رايحينها هذه املرة‬ ‫بشكل مل تشهده مصر منذ حباها هللا بدين اإلسالم‬ ‫واملسيحية‪ ،‬على حد تعبري اجلريدة‪ .‬وعند الثانية عشرة‬ ‫مساءً ابلتمام والكمال كانت إحدى قاعات فندق اهليلتون‬ ‫‪7‬‬


‫رمسيس تشهد حفل زفاف هو األول من نوعه ىف البلد‪.‬‬ ‫وقف اجلميع مشدوهني وهم يشهدون (رجلني) يرتجالن‬ ‫من سيارة فخمة مزينة ابلورود و الزينة توقفت عند ابب‬ ‫الفندق ليهبطا منها ويف حلظات كان الرجالن يتأبطان‬ ‫بعضهما بعضاً ويتقدمان وسط فرقة املوسيقى الىت راحت‬ ‫تزفهما ىف مشهد غريب أاثر كل املوجودين داخل الفندق‬ ‫ويف قاعات استقباله ويف ردهاته الرئيسية‪ .‬توجه (الرجالن)‬ ‫خبطوات وئيدة إىل حيث موقع اإلحتفال هبما ىف حفل‬ ‫الزفاف الذى تقرر ىف تلك الليلة الغريبة‪ .‬رجال ونساء‬ ‫جاؤوا ليجلسوا ىف مناضد متفرقة (رجالن معاً) أو سيداتن‬ ‫معاً فقد كان املشهد غريباً ومثرياً وراح من يشهدون ما‬ ‫جيرى يفتحون أعينهم غري مصدقني ما حيدث امامهم‪ .‬وما‬ ‫هى إال حلظات حىت دلف العروسان (الرجالن) إىل داخل‬ ‫القاعة تستبقهما أصوات زاعقة فيما راحا يتبادالن‬ ‫ابتسامات اإلعجاب واحلب ىف مشهد بدا فيه كالمها‬ ‫سعيداً متباهياً وكأنه يُزف إىل الدنيا كلها‪ .‬راح من شهدوا‬ ‫هذا املوقف الغريب يتساءلون عن هذا الذى حيدث وراح‬ ‫آخرون يضربون كفاً بكف وراح من شاء حظهم أن‬ ‫‪8‬‬


‫يتواجدوا مصادفة ىف املكان يلعنون ما يشهدونه وهم‬ ‫يرددون (نستغفر هللا العظيم من كل ذنب عظيم) وحني‬ ‫تنامت األسئلة وتصاعدت عن جنسية هذين اللذين أقدما‬ ‫على هذه الفعلة املرذولة والغريبة على اجملتمع املصري واليت‬ ‫جتري على أرض قاهرة املعز‪ ،‬جاء اجلواب على لسان بعض‬ ‫احلضور‪( :‬إهنم كوايته) رفض اجملتمع الكويىت والدولة هناك‬ ‫أن يسمحا هلما هبذا الزفاف ولكن مصر رحبت وفتحت‬ ‫هلما األبواب ليكوان أول زوجني‪ -‬رجلني (يتزوجان‬ ‫بعضهما البعض على أرض مصر)‪ .‬وميضي حممود بكري‬ ‫قائال‪ :‬كان املشهد درامياً ففى منتصف القاعة جلس‬ ‫العروسان الذكران (الرجالن) على كرسيني متجاورين حتيط‬ ‫هبما الزهور من كل اجتاه بينما راحت أصوات املوسيقى‬ ‫احلاملة تصدح ىف أروقة القاعة لتبعث ابلراحة ىف اآلذان‪.‬‬ ‫كان الزوج ‪ -‬أو من أُطلق عليه هذا اللفظ ممتلئ اجلسد‬ ‫ضخم املالمح وكان شعره يتدىل على ظهره و كأنه شعر‬ ‫فتاة أما اآلخر الذى اُطلق عليه الزوجة فكان ذا قوام حنيف‬ ‫رشيق بعض الشئ وإن كان شعره أقل من شعر الزوج‪ ،‬كان‬ ‫اجلميع يراقب نظراهتما‪ .‬وابتساماهتما ومغازالهتما لبعضهما‬ ‫‪9‬‬


‫البعض‪ .‬كاان يتهامسان مث تكسو وجهيهما ضحكة‬ ‫عريضة‪ .‬صوت املوسيقى يعلو واجلو يزداد سخونة أغان‬ ‫خليجية وأخرى أجنبية يرتدد صداها ىف أجواء القاعة يدعو‬ ‫منسق الفرقة املوسيقية العروسني الرجلني للتقدم إىل‬ ‫منتصف الصالة وعلى انغام املوسيقات املختلفة الصاخب‬ ‫منها والكالسيكى اهلادئ راح كالمها يستعرض مفاتنه ىف‬ ‫وصالت راقصة مل ختل من إحياءات بعينها حىت أن الرجل‬ ‫العروس كان يرقص وكأنه ينافس أشهر الراقصات أما‬ ‫(العريس) ضخم اجلثة فكان يهز جسده ابلكاد ويسعى‬ ‫قدر جهده لتوفري طاقته الستخدامها ىف الوقت واللحظة‬ ‫املناسبتني‪ .‬فبعد ساعات قليلة سوف يكون على موعد مع‬ ‫ليلة العمر‪ .‬وحني راح (العروسان الرجالن) يواصالن‬ ‫وصالت الرقص على خمتلف املوسيقات اندفع العديد من‬ ‫الشباب إىل قلب القاعة يتمايلون و يرقصون ويرددون أغان‬ ‫شاذة وزاعقة‪ .‬وهكذا استمرت الرقصات الشبابية ألكثر‬ ‫من نصف ساعة وسط حالة من الفرح والبهجة الغريبة وىف‬ ‫لقطة درامية راح العريس حيكى وقائع قصة العشق والوله‬ ‫الىت ربطته مبحبوبه وعروسه الرجل نظر إىل احلضور وأمسك‬ ‫‪10‬‬


‫بسماعة احلضور لريوى إباثرة وتشويق وقائع الغرام الذى‬ ‫ربط بني قلبه وقلب الرجل الذى أحبه منذ سنوات طوال‬ ‫قائالً إنه صعد ىف مواجهة كل الضغوط الىت تعرض هلا لكى‬ ‫يظفر مبحبوبه وعشقه األول ىف احلياه‪ .‬وراح حيكى أبمل عن‬ ‫بلده وأهله ىف الكويت الذين ضنوا عليه ابحلنان ورفضوا أن‬ ‫يسمحوا له إبقامة حفل زفافه من حبيبه على أرض بالده‬ ‫ُمبدايً أتثره الشديد هبذا املوقف غري املربر ‪ -‬حسب‬ ‫وصفه‪ -‬ولكنه حيمد هللا أن مصر الكبرية واحلنونة قد‬ ‫فتحت له ذراعيها وقبلت أن يُقام حفل زفافه على حبيبه‬ ‫فوق أرضها ومن هنا فقد قرر أن أييت وحيتفل بزفافه ىف‬ ‫مصر أرض األهرامات والتاريخ واحلضارة‪ .‬ليستمتع هو‬ ‫وحبيبه بشهر العسل على ضفاف النيل اخلالد ليعيش‬ ‫حلظات السحر املصري فوق ربوع هذا البلد الذى فتح هلما‬ ‫ذراعيه واحتضنهما بعد أن جتاهلهما أهلهما هناك ىف‬ ‫اخلليج‪ .‬وبعد وصلة من التصفيق احلار الذى قوبل به كالم‬ ‫العريس (الرجل)‪ .‬راح العريس الرجل حيكي من جانبه قصة‬ ‫الذكرايت السعيدة وحلظات اإلرتباط األوىل الىت مجعته‬ ‫حببيب القلب ويروي وقائع الكبت واحلرمان والقيم البالية‬ ‫‪11‬‬


‫ىف بالده الىت منعته من اإلرتباط أبعز إنسان لديه ىف‬ ‫الوجود ويوجه الهتامات ملا وصفها (ابلعادات الذميمة) الىت‬ ‫حترم اإلنسان (الذكر) من أن ميارس احلب مع حبيبه‬ ‫(الذكر) وما هي اال حلظات حىت كانت القاعة الىت‬ ‫ازدمحت ابحلضور تعلن عن بدء فاصل جديد من الرقص‬ ‫إذ تسللت إىل منتصف القاعة راقصة شابة كان اجملون ابدايً‬ ‫على وجهها اجتهت صوب العروسني الرجلني وراحت‬ ‫تتمايل بينهما وتعرب عن حمبتها لشجاعتهما وتدعو الفتيات‬ ‫املوجودات ىف القاعة لكى يشاركنها فرحة الزفاف فاندفعن‬ ‫ىف مساخر زاعقة حيطن هبا من كل إجتاه وهن يتقافزن ذات‬ ‫اليمني وذات الشمال ليعربن عن سعادهتن هبذا احلدث‬ ‫الذى سيفتح الطريق أمامهن لكى تتزوج كل منهن من‬ ‫حتب من بنات جنسها‪ .‬ان الرجل السالب واملوجب يف‬ ‫العالقة املثلية يدعوان ابلربغل والكودايان‪ ،‬كما خيربان بذلك‬ ‫عالء االسواين‪ ،‬فبماذا تدعى املرأة السالبة واملرأة املوجبة يف‬ ‫العالقات السحاقية؟ ليتنا كنا نعرف ذلك يف انتظار أن‬ ‫تتحفنا كاتبة من العيار الثقيل كما عالء األسواين برواية من‬ ‫النوع اجلرئ كما عمارة يعقوبيان‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫* د‪ .‬نور الدين‪ ،‬رأيتك من الذين وقفوا مسافة من‬

‫عمارة يعقوبيان الكتاب ويعقوبيان الفيلم‪ ،‬كما موقف‬ ‫صانع النص اخلربي املنقول أعاله‪ ،‬ترى كيف نعلل هذا؟‬

‫ال بد من العطر كي يستقيم األمر‪ .‬ومشهد الشاذ‬‫الكوييت الذي تزوج مثيله يف صائفة ألفني ومخسة يف بر‬ ‫مصر بعد ان تعذر عليه ذلك يف بلده الذي يظهر انه‬ ‫حمافظ جدا يرتكين مشتتا بني اعتبار هذا الفعل من احلرية‬ ‫الشخصية وبني التقزز من خمالفة الطبيعةالبشرية اليت جعلت‬ ‫اجلنس يتم بني خمتلفني ان األمر عندي مثري للتقزز والقرف‬ ‫ويكفي ان نتذكر الرائحة اليت تصاحب اجلنس ففي األمر‬ ‫كم من العطر ال بد منه ليستقيم الذوق أو على األقل‬ ‫لكي ال حيصل القرف‪.‬‬ ‫*قلت يل انك تصف عمارة يعقوبيان ابلرواية القدمية‬

‫اجلديدة‪ .‬كيف ذلك؟‬

‫هذا يعيدين إىل رواية السيد عالء األسواين اليت قرأهتا‬‫يف نفس الفرتة الزمنية يف انتظار مشاهدة الفيلم الذي‬ ‫عرض بدوره يف صائفة ألفني وستة وهي الرواية اليت تثري‬ ‫‪13‬‬


‫ضجة اآلن يف الربملان املصري كذلك وابألساس الفيلم‬ ‫الذي تولد منها والذي يبدو انه حيظى بدعاية كبرية تثري‬ ‫الناس مثله مثل الرواية متاما رغم أين أراها رواية تستعيد‬ ‫غريها وفيها الكثري مما قرأان عند آخرين من السوق املصرية‬ ‫نفسها ففيها من جنيب حمفوظ ومن إحسان عبد القدوس‬ ‫ومن يوسف القعيد الشئ الكثري ‪.‬‬ ‫*هل نكتب عنها أم ننعزل عن الضجة املثارة حول‬

‫عمل يبدو لك عاداي جدا مقارنة برواايت مصرية كثرية مل‬ ‫حتظ بربع ما حظيت به هذه الرواية؟ هل تريد قول‬

‫ذلك؟‬ ‫إهنا نسخة غري مطورة من بعض الرواايت السياسية اليت‬‫كتبها جنيب حمفوظ وهي تذكرين برواايت من قبيل القاهرة‬ ‫اجلديدة والكرنك وفيها من أجواء حمفوظ وتقنياته الشيء‬ ‫الكثري غري أهنا تقل عنه ذكاء يف التعبري عن احلرية اجلنسية‬ ‫وهو أمر مهم ابلنسبة يل كقارئ واحذر منه ككاتب‪.‬‬ ‫* أرجوك أن توضح لنا كيف يكون هذه التحذير‪..‬‬

‫ال نريد أن يكون لكالمنا وقع الغموض واالهبام ان‬ ‫‪14‬‬


‫مسحت؟‬ ‫أقول انه عند جنيب حمفوظ جند اإلشارات والتلميحات‬‫اليت تغين عن كل تصريح دون ان نفقد اخليط الرابط‬ ‫واملغزى املقصود بينما جند األسواين يوضح ويفصل ويوشك‬ ‫ان يصف دخول احلشفة يف الفقحة على رأي أهل البصرة‬ ‫من أهل الدب واألدب كما وصفهم بعناية الشيخ‬ ‫«التيفاشي» يف «نزهة األلباب» والذي حققه مثقف‬ ‫تقدمي جدا امسه جلول عزونة من تونس (اليت أنتجت‬ ‫كتاب الروض العاطر وكتاب اإليضاح يف علم النكاح)‪.‬‬ ‫وهو أمر مرذول جدا يف األدب كما أكتبه وكما أريد أن‬ ‫أكتبه‪.‬‬ ‫*هل أنت طهراين إىل هذه احلد‪ ،‬أقصد يف الكتابة‬

‫األدبية طبعا؟‬

‫لست طهوراي ولكين أفضل سفاد اإلبل على سفاد‬‫اخلنازير رمبا نتيجة نشأة بدوية مل ابرأ منها وال أريد‪.‬‬ ‫*لنعد اىل األسواين وروايته ذائعة الصيت‪ ،‬كيف‬

‫قرأهتا أنت ككاتب روائي حتديدا؟‬ ‫‪15‬‬


‫لقد قرأت الرواية بتمعن كبري وأتملت أسلوب‬‫الكاتب وأجده غري جمدد ابملرة كما ان املضامني اليت يدافع‬ ‫عنها معروفة ومكررة جدا‪ .‬على سبيل املثال يطغى على‬ ‫الرواية جانب مهم هو معاجلة كيفية حتول شخص من‬ ‫شاب عادي (فقري ومكافح وشريف) إىل متطرف ديين‬ ‫ميارس القتل املنهجي ليبني من خالله كيف تعمل التيارات‬ ‫الدينية املتطرفة مستغلة أسوأ ما يف اإلنسان من نوازع غريزية‬ ‫مثل حب االنتقام قتال‪ ،‬جاعال من كل فقري إرهابيا حمتمال‬ ‫كما لو ان األمر قانون اجتماعي ال فكاك منه‪ .‬يف حني‬ ‫نرى ان نصف الفقراء ان مل نقل كلهم يتحولون إىل‬ ‫مرشدين للشرطة والبوليس السياسي (الذي ال يستغل‬ ‫حاجتهم للقوت املر العسري؟؟) ومل نقرأ أي نص يدين ذلك‬ ‫أو يفضحه أو على األقل حيلله كما يفعل بتحول الفقراء‬ ‫إىل متطرفني دينيني بنوع من احلياد الربيء جدا كما عند‬ ‫األسواين‪.‬‬ ‫*ورمبا عند املخرج الشهري يوسف شاهني يف (فلم‬ ‫املصري) حيث رأيته مؤكدا على ان التيارات الدينية ال‬ ‫تعمل اال يف هذا الظالم يف اهلامش االجتماعي‪..‬‬

‫‪16‬‬


‫هذه صحيح‪ ..‬اهنا أطروحة قامت يف أوائل الثمانيات‬‫ودعهما بعض كتاب فرنسا من احملللني السطحيني والذين‬ ‫رأيناهم يف مسريات مساندة لشارون (مجاعة قناة فرنسا‬ ‫الثانية اليت تقود وتوجه اغلب مثقفي املغرب العريب عادة‬ ‫من اليسار والليرباليني على حد سواء)‪.‬‬ ‫*لكن هذه األطروحة سقطت يف التسعينات‪ ،‬أليس‬

‫كذلك؟‬ ‫نعم إذ تبني ان أغلب عناصر احلركات الدينية املتطرفة‬‫واملعتدلة أتيت من الطبقة الوسطى الباحثة عن دور سياسي‬ ‫واجتماعي حرمها منه االستعمار واألنظمة التابعة بل ان‬ ‫مثال بن الدن الغين الذي سار إىل التطرف يفسد كل‬ ‫التحليالت اليت يعتمدها األسواين وأشباهه‪ .‬لقد جعل‬ ‫األسواين الشاب ابن البواب ينجح يف دراسته (دور الدولة)‬ ‫مث يتقدم لكلية الشرطة مث يفشل ال لنقص يف الكفاءة بل‬ ‫لتقييم عنصري متخلف (ألن أابه بواب عمارة) (دور‬ ‫اجملتمع املتخلف) مث يواصل الشاب الدراسة (دور الدولة‬ ‫االجيايب دائما) حيث يتم استقطابه وتوجيهه من قبل‬ ‫املتطرفني الدينيني (أي اجملتمع الفاسد دوما) لعملية قتل‬ ‫‪17‬‬


‫حمسوبة بدقة ضد عنصر خمابرات (ليس اال الذي عذبه يف‬ ‫السجن واعتدى على شرفه ابسم تنفيذ القانون أي ابسم‬ ‫الدولة والدول بريئة من أخطاء األفراد)‪ .‬لكن املالحظ ان‬ ‫العملية ال تتم ضد مدنيني وهو أمر له أمهية كبري يف إدانة‬ ‫الفعل اإلجرامي من وجهة نظر أخالقية‪ .‬لقد جعل‬ ‫الكاتب من الشاب املضطهد أن ينتقم لنفسه ممن قهره‬ ‫وهو عمل ثوري يف جوهره رغم ان قاعدته ومنهجه ليس‬ ‫ثوراي وال قانونيا ابلطبع (مرفوض من الدولة احلامية للقانون)‬ ‫مما يؤدي إىل التعاطف معه (وقد ظهر يل ذلك خالل‬ ‫الفرجة يف الفيلم كما سيأيت بيانه) وهو أمر ميكن ان يؤول‬ ‫على ان الكاتب داعية لإلرهاب ويقاضى على التحريض‬ ‫ضد املؤسسة فليس أسهل من إثبات دعوته إىل مشروعية‬ ‫قتل الشرطة الظاملة اليت تتجاوز القانون وال ميكن يف املقابل‬ ‫متابعته على الدعوة إىل التحريض على الشذوذ اجلنسي‬ ‫رغم السالسة اليت يتحدث هبا على العملية‪.‬غري أين لست‬ ‫يف وارد حماكمته فاان أقف معه يف الكثري اللهم يف وصف‬ ‫متعة األقفية اليت ال أعتقدها ضرورية للكتابة‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫*هل تقصد ان التعرض ملوضوع اللواط أمر كان‬

‫ميكن أن يكون غري ذي ابل يف الرواية؟‬

‫نعم فهذا هو فحوى املسالة الثانية اليت لفتت انتباهي‬‫وأان أقرأ عمارة يعقوبيان‪ ،‬أعين قصة الشذوذ اجلنسي يف‬ ‫الرواية فاان أجد أهنا زائدة بكل تفصيالهتا هلذه األسباب‪.‬‬ ‫تتقاطع شخصيات الرواية مجيعها يف عمارة يعقوبيان‬ ‫كمكان موحد وموزع لألحداث وليس منها اال من يؤثر‬ ‫على البقية حىت الذين ال يعرفون بعضهم البعض جتعل‬ ‫منهم مدارج العمارة جرياان حيتكون ويتوزعون ويعودون وهذا‬ ‫حمرك الرواية لكن الشاذ ال يتقاطع مع أي منهم وكذلك‬ ‫عشاقه الكثر والعابرون عادة اللهم اال صديقه عبده‬ ‫الصعيدي (ضابط األمن املركزي الفقري جدا الذي يبيع‬ ‫نفسه وقد اعتاد الشاذ ان يبحث عن عشاقه بينهم كما لو‬ ‫أهنم مجيعهم أغضاء جنسية مستعدة أو قابلة لإلجيار) الذي‬ ‫جاء به ليشارك السكان السكن فوق السطح وهو الذي‬ ‫ينتهي بقتله بعد ان تعرض لعملية ابتزاز ومساومة من قبل‬ ‫الشاذ‪ .‬وشذوذه ال يؤثر يف مصري أي شخص آخر ممن‬ ‫يركبون أحداث الرواية مما يسهل حذفه إذا أردان ذلك دون‬ ‫‪19‬‬


‫ان تتأثر بقية األبنية يف الرواية وميكن ان نصنع منه رواية‬ ‫أخرى غري ذات عالقة هبذه اال ان تكون حشرا بال داع‬ ‫سوى الرغبة يف القول ان اجملتمع املصري جمتمع يعرف‬ ‫الشذوذ ويسكت عنه‪.‬‬ ‫*طيب وما اجلديد يف ذلك ابلنسبة لروائي يصف‬

‫املشهد االجتماعي والسياسي ابألساس هل ليدين‬ ‫اجملتمع أم ليمجد الشذوذ أم ليتهم السياسي أبنه يرعي‬

‫الشذوذ اجلنسي ويسكت عليه وهي أطروحة تكفريية‬

‫ابمتياز؟‬

‫ان اجملتمعات الشرقية مثل غريها منتجة للشذوذ‬‫اجلنسي عرب اترخيها وقد كان دائما عمال مستنقصا ومداان‬ ‫من األغلبية وهو ال يزال كذلك خبلفية ذوقية (ثقافية) أو‬ ‫دينية األمر ال خيتلف اال قليال فقبل الدين كانت الثقافة‬ ‫العربية القدمية (الصحراوية رمبا فسدوم كانت واحة مستقرة‬ ‫نسبيا وتعيش من التجارة) تدين الشذوذ اجلنسي وتستقبحه‬ ‫والدين اإلسالمي ليس مؤسسا يف ذلك إاما هو اتبع مثلما‬ ‫هو اتبع يف مسالة تعدد الزوجات‪ .‬كان ميكن إجياد عالقة‬ ‫‪20‬‬


‫بني االستقرار االجتماعي واالقتصادي وازدهار املتعة اليت‬ ‫تتحول إىل اإلغراب وغري املعتاد بني الناس (الغلمان‬ ‫والصغار السن كما يف كتاب الروض العاطر وكتاب‬ ‫اإليضاح يف علم النكاح) وهو قانون خلدوين نسبة اىل ابن‬ ‫خلدون عن ازدهار الصنائع وتفاقم احلس واحنالل الدولة‬ ‫(أمران مرتفيها ففسقوا فيها فدمرانها تدمريا) ان هذه مسالة‬ ‫دينية ابألساس وقع فيها ابن خلدون حبكم ثقافته ولكن‬ ‫كيف نفسر هبا اآلن ازدهار املثلية اجلنسية يف أورواب دون‬ ‫اهنيار الدولة (األطروحة التكفريية تتحدث عن اهنيار‬ ‫اجملتمع وهي أطروحة حتتاج إىل إعادة بناء مفاهيمها حول‬ ‫الدولة واجملتمع وهي ليست مهميت اخلاصة) ان وصف‬ ‫الشذوذ اجلنسي بشيء من التسامح الساخر وعدم إدانته‬ ‫يؤدي إىل التحريض ضده أما إدانته فتشعل النار أكثر ويف‬ ‫كال احلالتني إين أرى يف ذلك مسالة وحيدة ويتيمة‬ ‫سترتتب عن كل الصيغ واملعاجلات وهي دخول مجعيات‬ ‫حقوق اإلنسان األوروبية أوال مث العربية الحقا (تبعية‬ ‫التلميذ لألستاذ) لتجعل من مسالة احلرية اجلنسية مسالة‬ ‫مركزية يف نضاهلا املدين الذي ستقف ضده النخب‬ ‫‪21‬‬


‫املستعربة أو القومية واإلسالمية ابلضرورة (اليسار املاركسي‬ ‫ال يتحدث يف هذا األمر بوضوح) فتنفتح ثلمةأخرى يدخل‬ ‫منها هؤالء لنقاش الثقافة العربية املتجمدة وإبرازها مبظهر‬ ‫املتخلفة (مرجعيتهاالدينية) وعوضا ان نتقدم يف نقاش‬ ‫مسائل سياسية أوسع وامشل نعود ملسالةاألدابر واالقفية‬ ‫ونظل هناك ‪.‬‬ ‫*هل يقصد الكاتب إىل ذلك رمبا الن تركيب قصته‬

‫ميكن ان يظل سليما لو ألغينا منها قصة الشذوذ‬

‫اجلنسي تلك؟‬

‫على كل حال ان رجال مناضال جدا على األقل يف‬‫القنوات الفضائية مثل مصطفي بكري يقع يف لعبة تطهري‬ ‫اجملتمع ابلقانون (ككل دميقراطي عريق) فيقدم طلب‬ ‫إحاطة برملانية ملشاهدة الفيلم املستقى من الرواية ليدخل يف‬ ‫لعبة مقاومة قانونية ملسالة تتعلق أساسا ابلثقافة وال ميكن‬ ‫حلها ابلقانون وهو ابلطبع ما سيجعله متهما بدوره من‬ ‫قبل صاحيب الرواية والفيلم أبنه يلعب لعبة السلطة اليت تريد‬ ‫أبعاد الرتكيز على اجلانب السياسي يف الرواية والذي كان‬ ‫‪22‬‬


‫واضحا ال غبار عليه (الوقوع الدائم واملتكرر يف لعبة اهتام‬ ‫سياسي وشتيمته ال عملية نقد أديب لنص أديب ال شك‬ ‫فيه) الدولة مستفيدة دائما من مسائل الشذوذ اجلنسي‬ ‫(وعلى حد علمي مع االعرتاف بنقص ثقافيت القانونية فان‬ ‫القانون الوضعي العريب ال يدين الشذوذ اجلنسي قانونيا ما‬ ‫دام هناك قبول ورضا من الطرفني وما مل حيصل عنف)‪.‬‬ ‫*هل انه فعال يسهل على الدولة قياد مواطن شاذ‬

‫ألنه ال يربط بني الشجاعة والفحولة أو الذكورة؟‬

‫لقد كانت هذه حجج معارضي دخول الشاذين يف‬‫اجليش األمريكي واليت تراجعت امام قوة حجة الدميقراطيني‬ ‫الذين ال يرون ان كرامة اإلنسان مربوطة يف شرجه مثلما‬ ‫يقول بذلك بعض مقاومي الشذوذ يف ثقافة أخرى منها‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫* لكين أرى من جانب آخر ان رواية االسواين‬

‫كتاب قابل للقراءة بشدة‪ ،‬إن صح التعبري‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫ان الرواية يف جمملها قابلة للقراءة‪ ،‬غري أهنا مثل عمل‬‫هؤالء الشواذ تثري مسائل جانبية تفقد جانبها السياسي‬ ‫أمهيته فقد عرب الكاتب بشكل مجيل (ولكن غري جديد)‬ ‫عن الرتقي االجتماعي لفئات املضاربني واملقاولني‬ ‫السياسيني الذي يوجهه (هو) املخيف والغامض والذي‬ ‫يسمع وال يرى بل ان شخصية كمال الفويل النافذ‬ ‫السياسي الذي يبيع األماكن يف الربملان قبل االنتخاابت‬ ‫يذكر بديناصور احلزب الوطين احلاكم كمال الشاذيل الذي‬ ‫صار اآلن من احلرس القدمي وغادر تقريبا‪.‬ولكن رغم هذا‬ ‫اإلبداع يف وصف السياسي يف مصر وفضحه ان شئت‬ ‫ميكن القول ان العمل مكرر وممل فقد عوجل األمر مئات‬ ‫املرات يف السينما وهو ليس جديدا ابملرة على القارئ‬ ‫املصري املعتاد على نقد السياسي يف الشارع ابلنظر إىل ما‬ ‫تظهره السلطة احلاكمة من برود نسيب إزاء التناول النقدي‬ ‫الساخر يف مصر مما ال يتوفر ربعه يف عواصم أخرى عربية‬ ‫ابلطبع‪.‬‬ ‫* ملاذا ال يتجه األدابء والكتاب (السياسيون منهم)‬

‫إىل نقد الوالءات للخارج والتصرف من قبل النظام‬ ‫‪24‬‬


‫(األنظمة) يف مقدرات البلد كوكيل شركة استعمارية ليس‬

‫اال؟‬

‫ان حتول جهاز احلكم إىل جهاز توجيه اقتصادي‬‫يعمل لصاحل الشركات الكربى (العاملية) هو السبب الذي‬ ‫تتولد منه بقية املسائل السياسية مبا يف ذلك بيع املناصب‬ ‫يف الربملان وهو موضوع مسكوت عنه ال عن جهل من‬ ‫الكتاب بل ألنه حمرم سياسي خميف مما ال تسكت عنه أية‬ ‫سلطة عربية ألهنا يف احلقيقة ليست سلطة فعلية بل عصا‬ ‫غليظة متهد الطريق للشركة‪.‬ان الكاتب الذي يطرح مسائل‬ ‫سياسية معروفة ومتداولة و جيتنب املسائل احلقيقية ابلنسبة‬ ‫يل حيوم حول احلمى وال يشري إليه صراحة خاصة إذا أحل‬ ‫يف خضم الكوارث املتهاطلة من كل مكان على طرح‬ ‫مسألة الشذوذ اجلنسي‪.‬هكذا بدون مقدمات وبدون ربطها‬ ‫ابلنسيج االجتماعي الذي قد يكون أنتجها (التحليل‬ ‫اخللدوين يبدو أكثر متاسكا فهو على األقل اوجد له تفسريا‬ ‫من قوانني اجملتمع جيث الرفاه ينتج املتعة) ويزيد طبقا‬ ‫لثقافته الدينية ان املتعة تنتج االحنالل (نقيض القوة والشدة‬ ‫رديفة الفحولة والرجولة) الذي ينتج االهنيار احلضاري‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫*قلت يل يف سياق حديثنا عن الرواية انه مثة مسألة‬

‫أخرى اسرتعت انتباهك وقد تكون تناقض ما كنت‬ ‫تقوله وهو أمر يدل على موقف ال يراتح إىل الزواج من‬

‫األجانب (الغربيني حتديدا)‪.‬‬

‫جعل الكاتب من الشاذ اجلنسي شخصا ينحدر من‬‫زواج خمتلط من مصري وفرنسية يتبني بعد أهنا مل تكن‬ ‫سوى ساعية يف مقهى اغرم هبا املصري وتزوجها رغم انه‬ ‫كان طالبا يف القانون وعاد علما عامليا فيه وقضى حياته يف‬ ‫تفسريه حىت انفجر دماغه من كثرة العمل يف الوقت الذي‬ ‫كانت فيه زوجته ختونه مع فرنسي آخر من أبناء جلدهتا‬ ‫الذين حيتقرون مجيعا العرب الذي تزوجوا منهم وكانت‬ ‫هتمل ولدها املصري حىت وقع فيه اخلدم وزنوا به‪ .‬هذا‬ ‫املثقف االرستقراطي املتغرب هو الذي أجنب يف مصر‬ ‫الطفل الشاذ الذي سيصري بدوره خنبة يبيع الثقافة التقدمية‬ ‫واالشرتاكية للمصريني (رئيس حترير جريدة انطقة ابلفرنسية‬ ‫املنظور إليها يف مصر كثقافة ارستقراطية ممتازة من أايم‬ ‫انبليون)‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫*هل يف هذه الرتكيبة إحياء جبذور الفكر التقدمي‬

‫وإدانة له وموقف منه؟‬

‫نعم ابلضبط هو كما تقول‪ .‬فكل مثقفي الطبقة‬‫الوسطى على هذا الرأي مغرتبون (خونة بشكل ما) ال‬ ‫ينجبون يف مصر اال الشذوذ واخلراب ‪.‬‬ ‫*هل هي دعوة للربط بني اخليانة والشذوذ؟‬ ‫إذا كان هذا موقفا مقصودا فهو موقف تكفريي‬‫عنصري غري مسبوق اال من قبل التيارات الدينية اليت يظهر‬ ‫هلا الكاتب عداءا ولكنه يلعب لعبتها التكفريية‪ .‬فالربط غري‬ ‫العلمي بني امليل اجلنسي واملوقف السياسي يشبه القول ان‬ ‫الشرف هو ما ملكت فقط أما اآلخرون فكلهم غلمان أي‬ ‫خونة‪ ..‬أو اهنم خونة ألهنم غلمان أو ال يصريون غلماان اال‬ ‫ألهنم خونة‪ ..‬وهكذا فإن السبب والنتيجة خمتلطان‪.‬‬ ‫*هل هذه مالمح تكفري الفكر االشرتاكي؟ هل‬

‫يدشن االدب العريب حقبة النيل من االشرتاكية‬ ‫‪27‬‬


‫والشيوعية والعلموية‪ ،‬أخالقيا‪ ،‬بعد أن فتح الطريق هلم‬

‫سدنة الدين؟‬

‫نعم ميكن لإلنسان ان يقف موقفا مضادا من الفكر‬‫االشرتاكي ولكن ال ميكن ان يكون كل اشرتاكي مأبوان أو‬ ‫مأفوان‪ .‬لقد تذكرت التهم السياسية اليت كنا نطلقها على‬ ‫بعضنا البعض يف اجلامعة‪ ..‬إهنا تدور كلها حول‬ ‫االستنقاص من الشرف وليس يعيب الشرف (الرجال) مثل‬ ‫االهتام ابملثلية اجلنسية‪ .‬مثلها مثل التهم اليت تطلقها‬ ‫اجلارات على بعضهن يف صراع األحياء فكل امرأة عاهرة‬ ‫يف نظر غرميتها مما جيعل كل نساء احلي عاهرات‪ .‬إين أجد‬ ‫ان الكاتب من هذه الزاوية قهرمانة عجوزا جتلس على دكة‬ ‫يف حي شعيب وتتهم كل نسائه ابلعهر‪ .‬وهو االهتام التارخيي‬ ‫القدمي الذي يتوارثه الكتاب العرب منذ اجلاهلية ويكفي أن‬ ‫نقرأ أهاجي جرير والفرزدق‪.‬‬ ‫* حىت االشرتاكية الناصرية مل تسلم من الغمز يف‬

‫قناهتا يف رواية عالء االسواين هذه‪ ،‬وأضع هنا كلمة‬ ‫االشرتاكية الناصرية بني مزدوجتني؟‬

‫‪28‬‬


‫نعم‪ ،‬لكن هناك موقف مغاير‪ .‬لقد ذكر الناصرية‬‫خبري مرتني‪ .‬مرة عندما سبها على لسان الشخصية األكثر‬ ‫فسادا يف الرواية واليت تبكي على ماضيها االرستقراطي‬ ‫املوروث والذي هدمه عبد الناصر‪ ،‬ومرة عندما قارن بني ما‬ ‫جيري اآلن يف اختيار املتقدمني لكليات الشرطة من حيف‬ ‫وعنصرية وقارن بينها وبني ما فعله سعد زغلول الذي فتح‬ ‫الكلية احلربية ألبناء الشعب الذين أجنزوا الثورة (املدح هنا‬ ‫لسعد زغلول ولكن أيضا ألوالد الشعب الذين استفادوا‬ ‫من احلق يف الرتقي) ولكن عندما جيعل الفتاة املصرية‬ ‫املسكينة اليت حتاول ان جتد حلوال الزمتها املادية اخلانقة‬ ‫تنتهي زوجة هلذا االرستقراطي الذي يتزوجها يف اند يوانين‬ ‫فإنه يزيد من مدح الناصرية اليت ألغت هذا االحتمال‪ .‬هل‬ ‫يف هذا إحياء بعودة مصر إىل حضن الطبقة اليت حتررت‬ ‫منها أم إين أابلغ يف أتويل فرعيات من النص؟ لو كان هذا‬ ‫ما عناه الكاتب فاين اعترب موقفه اجيابيا من الناصرية اليت‬ ‫عملت على حترير البلد من الطبقة االرستقراطية الفاسدة‬ ‫ولكن العودة اىل ما بني أحضان هذه الطبقة اآلن هو إدانة‬ ‫حقيقية للنظام السياسي الفاسد الذي خرب مصر وأعادها‬ ‫‪29‬‬


‫إىل الوراء إىل ما قبل بناية عمارة يعقوبيان (اليت تصري رمز‬ ‫معماراي ملرحلة تنشد التقدم)‪.‬‬ ‫*لقد تسنت لك فرصة مشاهدة الفيلم املقتبس من‬

‫الرواية والذي محل االسم نفسه (عمارة يعقوبيان) خبلفية‬

‫القراءة املسبقة للرواية يف مهرجان قرطاج الدويل‬ ‫الصيفي هذا الفيلم الذي يتصدر فيما يقال شبابيك‬

‫التذاكر يف مصر وما جاورها‪ .‬هل تستطيع أن حتكي لنا‬

‫قليال عن جتربتك هذه يف املشاهدة؟‬

‫من الواضح ان الدعاية القوية اليت صاحبت الفيلم قد‬‫وصلت إىل تونس وقد أفلحت يف ضم مجهور كبري إىل‬ ‫الفيلم فقد غص ركح قرطاج جبمهور شبايب فاق السبعة‬ ‫آالف يف تقدير بسيط‪.‬رغم ان الساحة الثقافية ليلة عرضه‬ ‫كانت مشغولة ابحلفل الدويل الذي أحيته الفنانة األمريكية‬ ‫ماراي كاري مبلعب املنزه والذي استقطب بدوره مجهورا بال‬ ‫حدود (أكثر من أربعني ألف متفرج يف احلفل األول) ويف‬ ‫هذا الشأن هناك مجلة من املالحظات ميكن سوقها على‬ ‫هامش الفرجة اليت ختللها انقطاع للبث ثالث مرات متتالية‬ ‫‪30‬‬


‫جعلت اجلمهور يثور ويتذكر أايم سينما اجلدران القدمية يف‬ ‫أحياء تونس واألرايف البعيدة وذهب البعض إىل القول ان‬ ‫مدير املهرجان حرص على تذكر طفولته السعيدة بقطع‬ ‫الفيلم مرات لسماع ضجة األطفال احملتجة‪.‬‬ ‫* هات مالحظاتك اذن لو مسحت‪.‬‬ ‫ املالحظة األوىل ختص تفاعل اجلمهور‪ :‬فإىل جانب‬‫العدد الكبري من احلضور فان اجلمهور تفاعل ابلتصفيق‬ ‫والصياح املتعاطف مع الفيلم يف مجلة من املقاطع تدعو إىل‬ ‫التساؤل عن الذوق السائد أو عن العمل السينمائي املثري‬ ‫واملطلوب‪ .‬صفق اجلمهور مث سكت بسرعة وتبادل‬ ‫التحذير من التصوير األمين عندما كان اإلمام املتطرف‬ ‫خيطب من على منرب اجلامع يدعو إىل اإلسالمية‪ .‬صفق‬ ‫اجلمهور اثنية وحبماس كبري عندما قتل الشاذ عشيقه‬ ‫الصحفي الذي جاء به إىل البيت‪.‬وهذا اجلمهور اظهر نوعا‬ ‫من التعاطف مع عبد ربه الذي يعتلي وال يُعتلى (من‬ ‫خالل مناداة الشبان بعضهم بعضا عبد ربه)‪ .‬صفق‬ ‫اجلمهور حبماس أكرب وغري متوقع عندما قتل الشاب‬ ‫‪31‬‬


‫املتطرف ضابط األمن الذي عذبه وهتك عرضه يف‬ ‫السجن‪.‬‬ ‫*هل لنقاط التفاعل والتعاطف اليت ذكرهتا من داللة‬

‫معينة‪ ،‬فنيا واجتماعيا؟‬

‫لقد تكونت لدي مالحظات كما لدى اي متفرج‬‫غري متعجل‪ ،‬حول العمل السينمائي املطلوب (ماذا يريد‬ ‫اجلمهور)‪ .‬رأيت يف تعاطف الشباب مع عبد ربه عمال‬ ‫غوغائيا مستثارا حبكم اكتشاف تصوير املثلية اجلنسية‬ ‫ابعتبار ان الراكب أفضل ذكوراي من املركوب‪ .‬قلت‬ ‫تكونت مالحظات ولكين االن أقول لقد تكونت ابألحرى‬ ‫أسئلة من مثل‪ :‬ملاذا التشفي يف موت املركوب؟ هل يف‬ ‫ذلك داللة أو موقف أخالقي من املثلية اجلنسية؟‬ ‫(الشذوذ) وهل ان تصوير هذا األمر وعرضه يسهل قبوله أم‬ ‫مينع من انتشاره؟ ابلطبع هذه األسئلة تقع على هامش‬ ‫العمل السينمائي وليست داخله لكنها األسئلة اليت تظل‬ ‫مشروعة حول ماذا نقدم وهل كل ما هو موجود ميكن‬ ‫تقدميه وكيف وملن وهي األسئلة اليت ستتكرر ابستمرار عند‬ ‫‪32‬‬


‫كل مساس مبوضوع ذي عالقة ابألخالق العامة‪ .‬واقول ان‬ ‫ليس هلا من حل هنائي بدليل قدم هذه األسئلة يف اجملتمع‬ ‫الليربايل الغريب غري الديين والذي مل يصل فيها إىل قول‬ ‫فصل رغم تقنني احلرية اجلنسية‪.‬‬ ‫*ومالحظتك الثانية ما هي؟‬ ‫املالحظة الثانية ختص التفاعل امللفت لالنتباه اىل‬‫حد السعادة الغامرة والصراخ املتعاطف والتصفيق احلاد مع‬ ‫قتل ضابط الشرطة من قبل املتطرف الديين الذي ظهر يف‬ ‫كامل الفيلم طيبا وغري عدواين بل مساملا يبحث عن‬ ‫املشاركة االجيابية (احلب والزواج والنجاح الدراسي واملهين)‬ ‫وإذا كان تعرض لالستغالل من قبل التيار املتطرف ليحوله‬ ‫إىل أداة إرهابية فجذور أزمته الشخصية زرعتها فيه السلطة‬ ‫احلاكمة وضباطها الذين ظهروا يف أسوء صورة رمبا جعلت‬ ‫اجلمهور يتعاطف مع اإلرهايب‪.‬‬ ‫*أعتقد ان الفيلم ابلغ اكثر من الرواية يف تصوير‬

‫ذلك‪ ..‬وهذا رمبا يقودان اىل احلديث عن أفلمة الرواية‬ ‫‪33‬‬


‫ومدى تطابق السيناريو مع النص األصلي‪ .‬أال تعتقد‬ ‫مثلي ان مثة خيانة للنص يف أكثر من موضع؟‬

‫أجزم من خالل معرفيت ابلرواية ان نسبة تطابق‬‫السيناريو مع الرواية تفوق نسبة االختالف فقد اقرتب‬ ‫النصان كثريا يف مواضع كانت هي ركائز الفيلم واملواضع‬ ‫اليت مت فيها التحوير أو االبتعاد أو التعديل مل تؤثر كثريا يف‬ ‫جوهر الرواية ابستثناء موضع واحد تبني يل ان اجتنابه كان‬ ‫مقصودا رمبا نتيجة الصنصرة أو الرقابة الذاتية أو الرقابة‬ ‫الغامشة‪ .‬وال أحتاج هنا إىل إعادة احلديث عن مواضع‬ ‫التطابق فمن قرأ النص مثلي ميكنه معرفة ذلك‪ .‬ابتعد‬ ‫السيناريو عن الرواية يف موضع قتل الشاذ فقد ورد ابلرواية‬ ‫انه استعاد صديقه عبد ربه الذي مل يكن يرغب بل خيتفي‬ ‫بني الصعايدة أبناء عمومته (ردة فعل الريفيني الدائمة امام‬ ‫العدوان اخلارجي) لكنه خضع لالبتزاز مث مترد متردا أخريا‬ ‫وقتل الشاذ قتال شنيعا ابن هشم رأسه وهو ال شك كان‬ ‫سيكون مشهدا بشعا لو نفذ سينمائيا ورمبا كان يستثري‬ ‫املزيد من التعاطف مع عبد ربه الذي يدافع عن تدين‬ ‫شعيب حيرم الشذوذ (حيث فسر موت ولده ابلعقاب‬ ‫‪34‬‬


‫اإلهلي)‪ .‬استقدام حريف آخر يتوىل عملية القتل خنقا من‬ ‫اخللف و يسلب القتيل أشياءه مل تغري كثريا اللهم التخفيف‬ ‫من مشهد القتل أو رمبا كان فيها حتذير من املخرج للشواذ‬ ‫ان ال يدخلوا إىل بيوهتم اال من يثقون به‪ .‬ويف كل األحوال‬ ‫كان هذا غري ذي ضرر ابلنص األصلي‪.‬‬ ‫*طيب‪ ،‬أنت تسمي االخالل ابالمانة ازاء الرواية‬

‫عرب السيناريو ابتعادا‪ ،‬كما أسلفت يف حديثك أعاله‪.‬‬ ‫هل هنالك ابتعادات أخرى من الفيلم عن الرواية؟‬

‫نعم‪ ،‬فاالبتعاد الثاين كان يف موضع إشعار حضرة‬‫النائب بضآلته امام آلة الفساد اليت يشارك فيها متحصنا‬ ‫ابجمللس فقد ورد ابلرواية انه سعى إىل معرفة الكبري الذي‬ ‫يوجه اللعبة كلها بناء على شكه يف نوااي الواسطة (الفويل)‬ ‫وبعد إجراءات أمن مشددة ومرعبة أوصل إىل حيث ميكن‬ ‫ان يرى الكبري الذي يوجه اللعبة لكنه مل يره بل مل يكشف‬ ‫له بل كلمه من وراء حجاب بصوت آمر يطلب فقط‬ ‫الطاعة واالستسالم وبذل نسبة اخلمسني يف املائة من‬ ‫اإلرابح‪.‬اجتب السيناريو هذااملوضع وغريه أبن (الدولة)‬ ‫‪35‬‬


‫أرسلت شرطة مكافحة املخدرات اليت مل حتتج إىل أكثر من‬ ‫الدخول ليستسلم حضرة النائب ويعرتف ويستسلم للواسطة‬ ‫نفسها اليت حتدد شروط اللعبة (فتجعل من اهلروين طالء‬ ‫سيارات إذا قبضت فرضيت)‪ .‬هذا اهلروب من احلديث عن‬ ‫(هو) املخيف أنقذ املخرج من املسائلة عن هو من يكون‬ ‫وجنبه الوقوع يف ورطة سياسية كانت قابلة فقط للتأويل يف‬ ‫اجتاه واحد هو ان للفساد رأسا واحدة تتمتع بكل السلطة‬ ‫وتكلم الناس من وراء حجاب وان الوزراء عندها واسطة‬ ‫للفساد واالبتزاز وبيع الدولة ومراكز القرار فيها‪ .‬وابلنسبة‬ ‫للمصرين على األقل كان هلذه الرأس اسم يعرفونه وقد‬ ‫أحملت إليه الرواية دون أن تسميه ولكن الفيلم هرب منه‬ ‫هرواب أفقد املشهد كل أصالته وجعله مكررا مستعادا من‬ ‫أفالم أخرى كثرية أظهرت ابستمرار ان أجهزة الدولة‬ ‫(األمن خاصة) وسيلة بيد متنفذين يتحاربون هبا على‬ ‫مواقع النفوذ ويتوزعون به الغنائم‪.‬‬ ‫*هل مثة مشاهد أقحمها الفيلم ومل تكن أصال‬

‫موجودة يف النص االصلي للرواية؟‬

‫‪36‬‬


‫نعم فقد أدخل السيناريو من عنده ومل يرد ذلك يف‬‫الرواية مشهد موت اإلرهايب إىل جانب رجل األمن اللذين‬ ‫اقتتال بدون رمحة مث سال دمامها القانيان يف مكان واحد يف‬ ‫إحياء بدا يل حامال ملوقف سياسي فالقتيلني من أبناء مصر‬ ‫وقد اقتتال بعد ان اختلفا لكن موهتما مجعهما إىل األبد‬ ‫كأاما كان حمكوما عليهما اال يلتقيا اال ميتني ولكن السؤال‬ ‫الذي يطرحه املشهد األخري هو ملصلحة من مات‬ ‫الشخصان فموهتما مت يف حلظة استشراء الفساد ومتكنه من‬ ‫النجاة من كل القوانني فالنائب الفاسد فاز بصفقاته كلها‬ ‫والوزير املضارب اخضع النائب الفاسد والشابة املصرية‬ ‫الثائرة الفقرية الباحثة عن حل شريف عادت طامعة‬ ‫مستسلمة حلضن االرستقراطي القدمي الفاسد بدوره (زير‬ ‫النساء الذي ال يصرخ يف وجه البالد اال بعد ان يفقد وعيه‬ ‫وهو ينقد البلد ألنه امتأل ابحلشو والدمهاء اليت غريت صورة‬ ‫القاهرة اليت كانت أمجل من ابريس)‪ .‬عندما ينظر إىل‬ ‫مشهد املوت واختالط الدماء ال بد ان يطرح السؤال‬ ‫ملصلحة من مات الشاابن وملصلحة من خاض كالمها‬ ‫حربه؟ األكيد ان كليهما ال يرى إىل دوره احلقيقي وال يرى‬ ‫‪37‬‬


‫مصاحل بلده وال يرى أعداءها احلقيقيني‪ .‬مما يغري تغيريا‬ ‫جذراي رأي كاتب الرواية من اإلرهاب وجيعل للمخرج رأاي‬ ‫خمتلفا عنه ال يظهر يل انه على نفس الدرجة من العداء‬ ‫للتطرف الديين‪.‬خصوصا إذا نظران إىل تلك الصورة اللطيفة‬ ‫اليت رمست للمتطرف قبل ان ينتقم لشرفه من الضابط وهو‬ ‫يف كل احلاالت انتقام يبدو يف النصني مشروعا الن‬ ‫املعتدي أوال كان الضابط الذي جتاوز حدود مهنته‬ ‫القانونية‪.‬اللهم ان يكون الروائي يشرع حلق قتل املتطرفني‬ ‫خارج القانون وهو إحساس تركته لدينا أيضا قراءة الرواية‪.‬‬ ‫سيكون هناك كالم كثري عن تطابق السيناريو مع النص‬ ‫الروائي ولكين اعتقد ان هذا العمل كان وفيا جدا للنص‬ ‫الروائي‪.‬وسيكون عمال مدرسيا (بيداغوجيا) ميكن تقدميه‬ ‫ملن يبحث عن أمثلة التطابق واالجتهاد يف النصني‪.‬‬ ‫*هل لديك تصور ان التطابق بني النص املكتوب‬

‫والنص املرئي كان ساري املفعول حىت يف حكاية املثلية‬

‫اجلنسية؟‬

‫‪38‬‬


‫نعم‪ ،‬وهذا هو صلب مالحظيت الثالثة املتعلقة مبسألة‬‫الشذوذ يف النصني‪ .‬لقد جترأ الكاتب كما جترأ املخرج من‬ ‫بعده على اتبو أو حمرم من الوزن الثقيل هو اتبو احلديث‬ ‫عن املثلية اجلنسية مث تصويره ال بقصد السخرية منه ومن‬ ‫مريديه بل تقدميه كمعطى اجتماعي موجود ومتعامل معه‬ ‫بطرق خمتلفة (من الرفض والدعوة إىل التوبة إىل القبول‬ ‫واالستغالل للشاذ)‪ .‬وكما ظهر يل ذلك يف النص ظهر يل‬ ‫أيضا يف الفيلم كل هذا احلديث و الصور ميكن االستغناء‬ ‫عنها دون ان يفقد العمالن قيمتهما ودون ان هتتز‬ ‫أركاهنما‪ .‬يف العملني ظهر يل هذا اجلانب مركبا مضافا بال‬ ‫أتثري حقيقي على بقية عناصر النص مثلما مل يتفاعل الشاذ‬ ‫مع بقية أفراد قبيلة يعقوبيان (احلوار بينه وبني الباشا‬ ‫املتصايب يف انتظار املصعد أو االصنصري متت إضافته إىل‬ ‫السيناريو ومل يرد يف الرواية) مل يتفاعل معه بقية السكان اال‬ ‫بدعوته من بعيد إىل التوبة والكف عن احملرمات لكن دون‬ ‫تدخل حقيقي يف حياته اخلاصة (زوجة عبد ربه مل تكن‬ ‫ترفض ان تعيش من ماله وهي تعرف ان زوجها يعاشره)‪.‬‬ ‫ورغم االختالط الشديد بني سكان العمارة خاصة مجاعة‬ ‫‪39‬‬


‫السطوح وأتثري بعضهم يف بعض اال ان حياة الشاذ مل تؤثر‬ ‫يف أي منهم ومل تتأثر حياة أي منهم حبياة الشاذ الذي ظل‬ ‫غريبا عنهم وهو ما جيعل هذا األمر مضافا ملصقا إىل كل‬ ‫بناء الرواية والفيلم‪ ،‬وليس هلذا من تفسري يف رأيي اال ان‬ ‫يكون هذا من التوابل أو البهار التجاري الضروري لتمرير‬ ‫الرواية والفيلم ليس اال‪ .‬فهو كسر عابث بتابو خطري‬ ‫ويستحق معاجلة حقيقية ال غاية له اال الرتويج بشيء‬ ‫غريب وحديث وليس اشد غرابة من تصوير الشذوذ‬ ‫اجلنسي وجعل لغته لغة مسموعة يف السينما‪ .‬وهو ما يفقد‬ ‫هذه املعاجلة كل جدهتا ومتيزها ألهنا مل تطرح املوضوع طرحا‬ ‫مستقال وجداي بل جعلته عنصرا الصقا يف موضوع أكثر‬ ‫أمهية زاد من هتميشه وهو موضع الفساد السياسي‪.‬‬ ‫* هناك من يقرن السياسة ابلشذود اجلنسي او‬

‫ابالنفتاح اجلنسي عموما يف عاملنا العريب‪ ،‬بينما هنالك‬ ‫من يقول ايضا ان القمع اجلنسي قرين القمع السياسي‪.‬‬

‫اىل أيهما رأيك أقرب‪ ،‬واملناسبة هي يعقوبيان الرواية‬

‫والفيلم؟‬

‫‪40‬‬


‫كال‪ ،‬اان ال أتفق مع األطروحة اليت ترى ان (الفساد‬‫السياسي يسمح ابلشذوذ اجلنسي ويشجعه كي ينسى‬ ‫الناس الساسة والسياسة ويتفرغون ملتعهم احلسية) رمبا كان‬ ‫هذا صحيحا ضمن سياسة تسهيل احلصول على اجلنس‬ ‫خارج الزواج بصفة عامة ال فقط الشذوذ‪.‬ان هذه املعاجلة‬ ‫مهشت معاجلة ظاهرة جديدة تغزو اجملتمعات العربية وحتتاج‬ ‫إىل معاجلة علمية وفنية واسعة ومستقلة‪.‬‬ ‫*هل لديك مالحظة أخرية؟‬ ‫ ملحوظيت الرابعة أمسيها الوقوع يف املشهد املنمط‪ .‬اذ‬‫مل خيرج العمل السينمائي عن املواقف املنمطة يف معاجلة‬ ‫ظاهرة التطرف الديين فهم شباب موتورون فقراء معادون‬ ‫للمجتمع يتحلقون حول شيوخ مشبوهني ال يقعون يف اسر‬ ‫السلطة ويتمتعون ابلنساء يف معسكرات التدريب اليت ال‬ ‫تكتشفها السلطة (من أكثر األخبار اليت روجت يف وسائل‬ ‫اإلعالم الفرنسية ابخلصوص والتابعة هلا يف بلدان املغرب‬ ‫العريب سيب املقاتلني املتطرفني لنساء والتمتع هبن يف اجلبال‬ ‫لكن ملا نزل هؤالء املقاتلون من اجلبال مل جند بينهم نساء‬ ‫‪41‬‬


‫كن سبااي أو صرن زوجات بعد سبيهن)‪ ..‬خذ ايضا‬ ‫كمشهد امطي (منظر اللحية الكثة واخلضوع املطلق للشيخ‬ ‫واالستالم للتنظيم هي نفس املشاهد اليت قدمها يوسف‬ ‫شاهني يف فيلمه ((املصري)) للتنظيمات املتطرفة) سيكون‬ ‫على أعداء هذه التنظيمات من املثقفني ان يعيدوا بناء‬ ‫صور أعدائهم هؤالء على ضوء الصورة اليت يقدمها رجل‬ ‫مثل حسن نصر هللا يف صيف ستة وألفني فهم على األقل‬ ‫ال خيتلفون مع املتطرفني ان هذا الرجل يقدم اموذجا خمتلفا‬ ‫يربك اجلميع‪.‬‬ ‫* د‪ .‬نور الدين العلوي‪ ،‬لألسف‪ ،‬مل يسعفنا الوقت‬

‫كثريا لنتحدث عن طاقم العمل السينمائي‪ .‬ففي‬

‫تصوري ان الفنانة التونسية هند صربي كانت متألقة يف‬ ‫الفيلم اىل جانب مسية اخلشاب والنجمة يسرا‪ ،‬اليت‬ ‫نشرت ايالف خرب اعتزاهلا وإرتدائها احلجاب كما نقل‬

‫ذلك الزميل مراد النتشة من ديب السبت ‪ 03‬سبتمرب‬

‫‪ 6332‬حيث قامت الفنانة املصرية بتسريب أخبار عن‬ ‫رغبتها يف إعتزال الفن وإرتداء احلجاب‪ ،‬وأهنا تقرأ‬ ‫‪42‬‬


‫العديد من الكتب الدينية وتشاهد القنوات الفضائية‬ ‫الدينية برتكيز شديد هذه األايم‪.‬‬

‫ال أدري ولكن يف هامش الفيلم أيضا رأينا يسرا‬‫املتألقة جبمال ال يشيخ ورأينا عادل إمام شيخا يهرم وترختي‬ ‫أوداجه وخيرج من خريطة السينما املصرية بدور اثنوي مل‬ ‫يكن ليقبله يف أول حياته (قد يكون جزء كبري من اجلمهور‬ ‫جاء لرياه ولكن رأى الشيخ عادل إمام اهلرم الذي يثري‬ ‫الشفقة)‪ .‬هذا بعض ما رأيت مما قد يرى‪ ،‬وقد أرى غريه يف‬ ‫غري هذا الوقت فنحن يف آخر األمر ويف أوله أيضا‬ ‫نتحدث يف الفن واألدب وهو حـمال أوجه دون أن يكون‬ ‫نصوصا من السماء‪.‬‬ ‫(انتهى احلوار)‬ ‫______________________‬

‫*عن رواية عمارة يعقوبيان للكاتب املصري عالء‬ ‫األسواين يدور الفيلم احلامل لالسم نفسه داخل عمارة‬ ‫سكنية بوسط البلد و يتطرق اىل التطورات االقتصادية‬ ‫والسياسية خالل نصف القرن املاضي ويهاجم الفساد‬ ‫‪43‬‬


‫الذي أفرزته جتربة احلكم اجلمهوري واسقاط الطبقة الوسطى‬ ‫والرأمسالية الوطنية يف هذه الفرتة كما يسلط الفيلم الضوء‬ ‫حول االرهاب‪ .‬ويبدأ الفيلم الذي يبلغ طوله ‪ 520‬دقيقة‬ ‫بتعليق صويت على خلفية لصور ابالبيض واالسود للقاهرة‬ ‫القدمية أو ما يعرف االن مبنطقة وسط البلد مشريا اىل‬ ‫اتريخ انشاء البناية اليت اختذها الفيلم عنواان له حيث‬ ‫أسسها اخلواجة يعقوبيان عام ‪ 5301‬وكانت عمارة‬ ‫كوزموبوليتانية تضم سكاان من دايانت وأعراق خمتلفة‪.‬‬ ‫لكن الفيلم الذي كتب نصه السينمائي وحيد حامد وهو‬ ‫يف الوقت نفسه والد خمرج الفيلم الشاب مروان حامد‬ ‫يشدد على أن احلياة انذاك كانت مجيلة وحيمل الضباط‬ ‫الذين قاموا بثورة ‪ 60‬يوليو ‪ 5316‬على النظام امللكي‬ ‫مسؤولية ما يعتربه فوضى وقبحا‪ .‬ويعد الفيلم ابنوراما ملصر‬ ‫يف بداية القرن احلادي والعشرين من خالل تتبع مصائر‬ ‫شخصيات تقيم ابلبناية يف مقدمتهم زكي ابشا الدسوقي‬ ‫ابن الباشا والثري سابقا واملهموم مبطاردة النساء‪ .‬أما طه‬ ‫الشاذيل ابن البواب فهو حيب بثينة الفتاة الفقرية اليت تقيم‬ ‫يف البناية ويطمح اىل االلتحاق بكلية الشرطة وحيول دون‬ ‫‪44‬‬


‫ذلك الوضع االجتماعي لوالده فيكون ضحية مجاعات‬ ‫متشددة يف جامعة القاهرة وال ترضى الفتاة عن تشدده‪.‬‬ ‫وتقدم هي بعض التنازالت اليت جتعلها راضية عن حترش‬ ‫صاحب حمل للمالبس تعمل به مقابل بضعة جنيهات‪.‬‬ ‫وعقب احدى املظاهرات يطارد الشاذيل ويقبض عليه‬ ‫ويرفض الوشاية بزمالئه مث خيرج مصمما على االنتقام‬ ‫ويطلق النار على الضابط الذي اذاه ويف تبادل الطالق‬ ‫النار بني الشرطة ومتشددين اسالميني يسقط الشاذيل‬ ‫والضابط وختتلط دماؤمها فال يعرف أيهما اجلاين وأيهما‬ ‫الضحية‪.‬أما حامت رشيد رئيس حترير صحيفة ‪ /‬القاهرة ‪/‬‬ ‫اليت تصدر ابلفرنسية فهو انجح يف عمله ولكنه ال‬ ‫اخالقي‪ .‬وأدى املمثل املصري خالد الصاوي دور رشيد‬ ‫برباعة أاثرت اعجاب املشاهدين وشفقتهم أيضا ابعتبار‬ ‫شخصية رشيد ضحية والدين مل مينحاه احلب الكايف‪.‬‬ ‫ويضم الفيلم اموذجا لرأس املال جمهول املصدر ممثال يف‬ ‫احلاج دمحم عزام ماسح االحذية الذي أصبح ميتلك مشاريع‬ ‫استثمارية ويطمح اىل دخول الربملان ويرضخ البتزاز الوزير‬ ‫املسؤول عن تلك املهام كمال الفويل الذي يقدم نفسه‬ ‫‪45‬‬


‫ابعتباره مندواب عن الكبار حني يطلب مليون جنيه كما‬ ‫يطلب نصف أرابح مشروع اخر‪ .‬الفيم من بطولة‪ :‬عادل‬ ‫إمام ونور الشريف ويسرا وإسعاد يونس ومسيه اخلشاب‬ ‫وهند صربى ومن اخراج‪ :‬مروان حامد‪ .‬انتاج‪ :‬أفالم وحيد‬ ‫حامد وجهاز السينما لإلنتاج والتوزيع وجود نيوز جروب‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫لقد كتبنا من أجل أن ال يحصل هذا‪..‬‬ ‫ولكنه حصل!‬ ‫حوار مع الكاتب الفلسطيين توفيق فياض‬ ‫ولد توفيق فياض يف حيفا بفلسطني عام ‪.5303‬‬ ‫ويف عام ‪ 5312‬أبعدته السلطات االسرائيلية ايل مصر‪.‬‬ ‫يعيش يف تونس منذ عام ‪ .5396‬أصدر مسرحية بعنوان‬ ‫بيت اجلنون عام ‪ 5322‬يف حيفا‪ .‬له جمموعة قصصية‬ ‫بعنوان الشارع االصفر صدرت حبيفا عام ‪ 5329‬إضافة اىل‬ ‫أربع رواايت من أمهها حبيبيت ميليشيا عام ‪ 5321‬ووادي‬ ‫احلوارث املنشورة بتونس عام ‪ 5332‬كما وترجم من العربية‬ ‫اىل العربية الرواية الشهرية خربة خزعة للكاتب االسرائيلي‬ ‫املعروف يتزهار مسيالنسكي عن دار الكلمة ببريوت عام‬ ‫‪ .5319‬عن حميط اجلنون الذي تعيشه املنطقة أبسرها‪،‬‬ ‫وعن فلسطني الصامدة رغم كل شيء‪ ،‬وعن املثقف العريب‬ ‫ودوره يف املرحلة‪ ،‬أوسلو واالنتفاضة وغريها‪ ،‬كان لـنا معه‬ ‫هذا اللقاء‪:‬‬ ‫‪47‬‬


‫إذن هذا ما وصلنا اليه اآلن‪ .‬كيف ترى اىل الواقع‬

‫اآلن وما ينتظران من بعد؟‬

‫ان عدم إدراك كنه ما أدخلته االنتفاضة من عناصر‬ ‫جديدة أدي إيل حتول للمسار يف طبيعة وأداء املقاومة‪،‬‬ ‫وايل فتح مجيع االبواب علي كل االحتماالت والطموحات‬ ‫اليت أغلقتها دروب عواصم الثلج واليت انتهت يف أوسلو‬ ‫وما سبقها من مسارات وما اعقبها من اتفاقات أخرجت‬ ‫القضية الفلسطينية عن ثوابتها غري القابلة للتصرف‬ ‫وشرعت للعدو احتالهلا واغتصاهبا‪ ،‬واسر شعبها والتفرد به‬ ‫لتهجريه أو لتصفيته عدم ادراك كنه ذلك سيؤدي ابلتأكيد‬ ‫ايل تشوش يف الرؤية‪ ،‬وهذا ما نلحظه عند نفر من املثقفني‬ ‫اليوم‪ .‬وابعتقادي انه مل تكن املنافذ كل املنافذ بل كل‬ ‫األبواب والبواابت العريضة مفتوحة علي مصاريعها أمام‬ ‫املقاومة الفلسطينية كما هي مفتوحة‪ ،‬بل ومشرعة اآلن‪ ،‬يف‬ ‫مواجهة العدو الصهيوين وعلي أرضها‪ ،‬بكل ما حتمله هذه‬ ‫املواجهة من عناصر النصر الكفيلة بدحر االحتالل وقهره‪،‬‬ ‫وانتزاع الشعب الفلسطيين الستقالله وحريته وبناء وطنه اهنا‬ ‫ومرة أخرى هي احلرب املفتوحة بيننا وبني هذا العدو‬ ‫‪48‬‬


‫ومباشرة هذه املرة ودون أية نيابة أو وصاية‪ .‬الفلسطيين‬ ‫حبجره وسكينه ورشاشه اخلفيف وتصميمه علي النصر‪،‬‬ ‫والصهيوين احملتل‪ ،‬بطائراته ودابابته ومدخراته وكل اسلحته‬ ‫الثقيلة واخلفيفة‪ ..‬فاحلرب اليت فتحها هو ومنذ أن وطئت‬ ‫قدما أول مستوطن يهودي غاز أرض فلسطني مل تنته بعد‬ ‫ولن تنتهي اال حبتميتها التارخيية لكل غاز ومغتصب‬ ‫وحمتل‪ ...‬ولن تكون األرض الفلسطينية اليت وطئتها‬ ‫اقدامهم هي هلم كما تدعي توراهتم وأساطريهم اهلمجية‬ ‫املتوحشة‪ ...‬ألن فلسطني ليست هي االندلس‪ ...‬وليست‬ ‫القدس غرانطة‪ ،‬وال االقصي هو احلمراء‪ ،‬ولن يكون فينا‬ ‫أبو عبد هللا صغري واحد‪ ...‬وان ظلت الطوائف من حولنا‬ ‫هي الطوائف‪.‬‬ ‫جييء احلديث كثريا هذه االايم عن حوار احلضارات‬

‫او رمبا صراعها‪ .‬كيف تري ايل وضع القضية الفلسطينية‬ ‫من هذه املتغريات؟‬

‫ان ما نشهده اآلن من حرب كاسحة ومدمرة علي‬ ‫االسالم‪ ،‬بعد ومسه مبيسم االرهاب عقيدة وحضارة وثقافة‬ ‫‪49‬‬


‫وترااث وانساان‪ ..‬هي يف رأيي حتصيل حاصل لعمل طويل‬ ‫ودؤوب وممنهج يف صلب سياسة واسرتاتيجية احلركة‬ ‫الصهيونية واليهودية العاملية ابألساس‪ ،‬من امتام مشروعها‬ ‫املتمثل ابقامة الدولة اليهودية اخلالصة علي األرض املمتدة‬ ‫من الفرات إيل النيل بعد اغتصاهبا وهتويدها ابلكامل‬ ‫وطمس أي شاهد أو معلم عريب واسالمي قد يشري أو‬ ‫يدل ولو بعد آالف السنني عن وجوده فوق هذه‬ ‫األرض‪ ...‬بدءا ابالرض الفلسطينية وقبلة االسالم األويل‬ ‫يف قدسها الشريف واملسجد األقصي‪ .‬إن تكريس هذا‬ ‫املفهوم عن االسالم وابلطبع عن الشعوب االسالمية‬ ‫وابألخص العربية منها‪ ،‬مل يبدأ قطعا مع احداث احلادي‬ ‫عشر من ايلول (سبتمرب) اليت مثلت ـ طلقة البداية ـ‬ ‫للهجوم الشامل وعلي كل اجلبهات هلذه احلرب البشعة‬ ‫واملدمرة اليت أعدت هلا العدة لسنوات طويلة‪ ..‬وااما بدأ منذ‬ ‫أواخر القرن التاسع عشر بتجنيد عشرات ومئات‬ ‫املستشرقني وانتهي بتجنيد عشرات اجلماعات واحلركات‬ ‫الرتكاب جرائم وعمليات ارهابية بشعة ودامية حتت‬ ‫مسميات اسالمية خمتلفة ويف خمتلف الدول االوروبية‬ ‫‪50‬‬


‫وغريها من دول العامل الغريب لرتسيخ هذه الصورة البشعة‬ ‫عن االسالم وابلتايل تثبيتها عرب اذرع وشبكات اخطبوطها‬ ‫االعالمي اهلائل‪ ،‬وصوال إيل أتصيل العداء لكل ما هو‬ ‫اسالمي وحماولة القضاء عليه ابعتباره شرا البد من‬ ‫استئصاله‪ ،‬وحتيني الغرب بكل قواه للقيام هبذه املهمة‬ ‫ابدعاء احلفاظ علي أمنه وسالمه بعد استقطاب توجهات‬ ‫الوالايت املتحدة السياسية وللكثري من الدول الغربية ذات‬ ‫األصول االستعمارية واالستيطانية يف البلدان االسالمية‬ ‫هلذه االسرتاتيجية املناهضة لالسالم ـ بشعوبه ودوله ـ ومن‬ ‫احلرب املعلنة عليه حتقيقا ملصاحلها وأهدافها واليت متثل‬ ‫القاسم املشرتك مع اهداف احلركة الصهيونية واليهودية‬ ‫العاملية‪ ..‬وليس صحيحا علي االطالق ان هذه احلرب‪،‬‬ ‫حربنا يف فلسطني‪ ،‬تندرج يف خانة صراع احلضارات كما‬ ‫حيلو للبعض ان يسميها‪ ..‬أو حوار احلضارات ‪ ..‬وااما هي‬ ‫حرب استعمارية استيطانية للهيمنة الكاملة علي مقدرات‬ ‫الشعوب العربية واالسالمية وثرواهتا واستعباد اانسها‪.‬‬ ‫فالدولة اليهودية اليت جثمت علي أرض فلسطني‪ ،‬واحلركة‬ ‫الصهيونية العاملية بكل امتدادات سيطرهتا وهيمنتها يف‬ ‫‪51‬‬


‫العامل الغريب‪ ...‬تعلم علم اليقني أنه ال ميكن أن يتسين هلا‬ ‫حتقيق مآرهبا يف فلسطني كاملة‪ ،‬وخاصة منها مشهدها‬ ‫األخري املتمثل بتصفية الشعب الفلسطيين وهتجريه وهدم‬ ‫املسجد األقصي وتقويضه ومسح معامله هنائيا واقامة هيكل‬ ‫سليمان الذي تزعمه علي انقاضه واليت استطاعت أن‬ ‫ترسخ عرب عمل دؤوب ومتواصل يف الذهنية الغربية عرب‬ ‫وسائل اعالمها ونشاطاهتا املختلف اضافة إيل املتوارث من‬ ‫املهفوم الديين املسيحي وتداخله ابلدين اليهودي التورايت‪..‬‬ ‫مشروعية هذا االدعاء بل وأحقيته‪ ..‬وهلذا كله كان البد‬ ‫من القضاء أوال علي كل ما يعرتضها يف حتقيق ذلك بل‬ ‫ومينعها‪ ...‬أو حتييده وشل حركته وهو االسالم بكل ما‬ ‫تنطوي عليه هذه التسمية من كتلة بشرية هائلة متتد من‬ ‫آسيا الوسطي واملشرق األقصي وحيت جماهل افريقيا علي‬ ‫اختالف قومياهتا واعراقها وحضاراهتا املندجمة ابحلضارة‬ ‫االسالمية ومقدساهتا واليت تعترب املسجد األقصي يف‬ ‫فلسطني أويل قبلتيها اينما كانت مما جيعل حتقيق هذا احللم‬ ‫مستحيال ملا ينطوي عليه من اخطار مدمرة وقاتلة يف حال‬ ‫وجود دول اسالمية قوية وقادرة وفاعلة وكان البد هلا إذن‬ ‫‪52‬‬


‫من إجياد القاسم املشرتك هلا مع الدول غري االسالمية‬ ‫للقيام هبذه املهمة وهذه الدول يف هذه احلال هي الوالايت‬ ‫املتحدة األمريكية والدول الغربية برمتها‪.‬‬ ‫وما دور الوالايت املتحدة االمريكية يف هذا الشأن؟‬ ‫لقد استطاعت االسرتاتيجية الصهيونية املناهضة‬ ‫لالسالم استقطاب توجهات الوالايت املتحدة السياسية‬ ‫والكثري من الدول الغربية ذات االصول االستعمارية‬ ‫واالستيطانية يف البلدان االسالمية هلذه االسرتاتيجية‬ ‫واعالن احلرب املعلنة عليها بعد إسباغ مسة االرهاب عليها‬ ‫وحتت شعار حماربة االرهاب أو الدول اليت تؤوي اإلرهاب‬ ‫وهذا االرهاب ما يعين ابلضرورة االرهاب اإلسالمي حيت‬ ‫تكاد هذه الصفة ال تصلح ألي جنس عقائدي أو بشري‬ ‫آخر‪ .‬علي الرغم من أن شعوب هذه الدول وادارات‬ ‫حكمها هي اكثر الناس معرفة ببعد الدين االسالمي‬ ‫احليايت والعقائدي عن مدلوالت ومفهوم هذه التسمية‬ ‫حبكم سنوات االستعمار‪ ،‬بل واالستيطان الطويلة يف هذه‬ ‫البلدان سواء تلك اليت يف الشرق األوسط أو الشرق‬ ‫‪53‬‬


‫األقصي أو املغرب العريب‪ ...‬مئات السنني من االستعمار‬ ‫واحلكم املباشر هلذه الشعوب دون أن ترد مصطلحات‬ ‫حركة ارهابية أو منظمة ارهابية أو االرهاب االسالمي يف‬ ‫سجالت احتالالهتا ومدوانت استعمارها الطويل‪ ،‬رغم قيام‬ ‫الكثري من حركات التحرر الوطين يف هذه البلدان‬ ‫االسالمية املستعمرة واليت كانت بطبيعتها قطعا اسالمية‬ ‫علي مدي عقود طويلة ابالضافة إىل األنظمة املوالية هلا يف‬ ‫البلدان االسالمية‪ ...‬خالصة القول‪ ...‬وبدون اخلوض يف‬ ‫جناح احلركة الصهيونية العاملية والدولة اليهودية مدعمة بكل‬ ‫اجهزة خمابرات وأمن الوالايت املتحدة والدول الغربية‬ ‫وشبكات اعالمها يف الصاق صفة االرهاب والوحشية‬ ‫حبركات التحرر الوطين املناهضة لالستعمار والدكتاتورايت‬ ‫العميلة وقد خلقت من أجل ذلك عصاابت ومافيات‬ ‫اجرامية ورعتها علي امتداد الوطن العريب ودول العامل‬ ‫الرتكاب اجملازر واألعمال الفظيعة حتت غطاء االسالم‪..‬‬ ‫اذن برأيك من نواجه اآلن؟ ومن وما هو عدوان؟‬

‫‪54‬‬


‫إنين أعتقد أبننا نواجه اآلن صعود حركة انزية جديدة‬ ‫بثوب صهيوين بل يهودي وكما انبثقت معاداة السامية‬ ‫عن النازية اإليطالية نري االن ونشهد ميالد وصعود احلركة‬ ‫الالإسالمية عن النازية الصهيونية االمريكية االوروبية واليت‬ ‫هي امتداد واستكمال للحركة الالسامية اليت اشتملت من‬ ‫ضمن ما اشتملت عليه األمة العربية والشعوب اإلسالمية‬ ‫إال أن ما نشهده اآلن من الإسالمية مهجية منفلتة هي‬ ‫اخطر يف مضموهنا وأهدافها من الالسامية لشموليتها‬ ‫واتساع نطاقها والقوي اهلائلة اليت حتركها وترعاها وتنفذها‪..‬‬ ‫واليت تقوم ابالساس علي الالانسانية وتناصب العداء‬ ‫والنفي ألعراق شيت‪ ...‬بل وحضارات عظيمة وعريقة‬ ‫وثقافات تالقحت عرب آالف السنني‪ ..‬حلساب حضارة‬ ‫اهلمجية النووية والبدائية األويل للحركة الصهيونية اليهودية‬ ‫املدمرة‪.‬‬ ‫تبعا للظروف احلالية‪ ،‬ما املطلوب من املثقف‬

‫الفلسطيين أن يعمل؟ هل ينزل ايل الشارع ليمارس فكره‬

‫وميتحنه يف املواجهة؟ أم جيلس بعيدا ليكتب ما يفعله‬

‫اآلخرون؟ أم يرتك هذه وتلك؟‬ ‫‪55‬‬


‫السؤال علي بساطته صعب للغاية يف اإلجابة‪ ،‬مع ان‬ ‫اجلواب موجود يف سؤالك‪ .‬هل ينزل إىل الشارع ليمارس‬ ‫فكره‪ ...‬؟ ال بد للمثقف‪ ،‬واحلديث هنا عن املثقف بوجه‬ ‫عام‪ ،‬البد له أن خيوض املعركة امليدانية سواء ابلكلمة أو‬ ‫عرب املنظمات الدولية وغري احلكومية واملؤمترات والندوات‪..‬‬ ‫اخل‪ .‬واملبدع البد له أيضا أن خيوض املعركة ميدانيا لكي‬ ‫يعرب عن كل ما لديه من خمزون جتاه قضيته ونضاله وكفاحه‬ ‫من أجل احلرية ومن مث اكتناز التجربة لتفجريها فيما بعد‬ ‫يف عمله اإلبداعي‪ ،‬ليس من أجل أتريخ جتربته أو توثيقها‪،‬‬ ‫وإاما إلشعال جذوة احلرية لألجيال القادمة وزرعها أو‬ ‫غرسها يف دمه ووجدانه لكي تتحول إيل تراث يف مواجهة‬ ‫ما قد يتعرض له من قهر وطمس هلويته واستالب حلريته‪.‬‬ ‫أي مبعين آخر‪ :‬هو نقل روح األجداد واآلابء إيل األبناء‬ ‫ومن مث ايل األحفاد ليستمروا يف محل هذه الشعلة‪ .‬وال‬ ‫أكذبك القول إن قلت إنين مل أشعر يف حيايت بقهر ورغبة‬ ‫يف املوت الباعث للحياة أكثر مما أشعره هذه األايم‪ .‬فليس‬ ‫أقسي علي املبدع بشكل عام من أن يُسلب كل إمكانية‬ ‫للفعل يف معركة املصري‪ .‬ليس أقسي من الشعور ابلعجز‬ ‫‪56‬‬


‫حيت ولو استطاع ان يعرب عن ذلك كتابة‪ ،‬ألن الكتابة يف‬ ‫هذه األوقات تضيع يف هدير الصواريخ وسالسل الدابابت‬ ‫وصرخات األطفال‪ .‬فوهللا لو كانت الكتابة يف هذه‬ ‫الظروف تنقذ ولو طفال واحدا من الذبح لكانت‬ ‫افتتاحيات عبد الباري عطوان وحدها كافية إلنقاذ كل‬ ‫أولئك الشباب‪ .‬فمنذ مثانية أشهر وهو يصرخ ومعه الكثري‬ ‫من الكتاب الذين يصرخون علي صفحات القدس العريب‬ ‫مثل رشاد أبو شاور وإلياس خوري وأجمد انصر وغريهم من‬ ‫الكتاب الفلسطينيني والعرب‪ .‬ورغم كل ذلك كانت املذحبة‬ ‫تكرب وتكرب كل يوم‪ .‬صحيح أهنا حركت الشارع العريب‬ ‫الذي كنا فقدان اإلميان به وبوجوده أصال إيل ماقبل‬ ‫أسبوعني ولكن كل تلك املاليني اليت خرجت إيل الشارع‬ ‫وال تستطيع أن تصل إيل سفارة أمريكية واحدة حيت ال‬ ‫أقول إيل مكمن من مكامن احلكام العرب‪ ،‬ماذا فعلوا؟‬ ‫ثالثة ماليني مغريب خرجوا إيل الشارع أمس واليوم كولون‬ ‫ابول يف الرابط ليقول انه ال يستطيع وقف إطالق النار‪.‬‬ ‫إذن ماذا فعلت هذه الثالثة ماليني؟ ولكن لو اقتلعت‬ ‫السفارة األمريكية يف الرابط‪.‬‬ ‫‪57‬‬


‫هذا موضوع آخر‪ ،‬إمنا سألتك عن وضع الكاتب‪.‬‬ ‫حسنا‪ .‬ال أريد أن أحتدث عن النظام العريب‪ ،‬ولكن‬ ‫أحتدث عن ركائز الشر يف بلداننا العربية‪ .‬هذه األلوف‬ ‫املؤلفة يف شوارع القاهرة وعمان مل تستطع حيت قطع‬ ‫العالقات مع العدو فما نفع الكتابة إذا مل تستطع تغيري ما‬ ‫هو واقع وتفجري كل ما هو جامد يف احلياة العربية؟ ربع‬ ‫قرن من الزمان وحنن نصرخ ضد األنظمة العربية وهي كذا‬ ‫وكذا ومل نفعل شيئا لتغيري هذا الواقع‪ ،‬ذُبح تل الزعرت‬ ‫والكرنتينا واملسلخ ومن مث صربا وشاتيال وها حنن اآلن يف‬ ‫خميمات األرض احملتلة نفسها خميم جنني وخميم بالطة وخميم‬ ‫عسكر وكل املخيمات املستهدفة أوال إهنا تدمر فوق رؤوس‬ ‫أصحاهبا‪ ،‬واجلماهري العربية تتظاهر وتندد وتصرخ من أملها‬ ‫والفنانون واملبدعون واملثقفون يشجبون‪ .‬هل استطاعت كل‬ ‫تلك الصرخات أن تنقذ صرخة طفل واحد اآلن يف خميم‬ ‫جنني؟ سيُكمل شارون املذحبة وسيكمل االسرائليون وال‬ ‫أستثين منهم أحدا املذحبة ومرة أخري سوف نبكي الشهداء‬ ‫علي األطالل ونعرض جثثهم احملروقة واملهشمة واملشوهة‬ ‫علي شاشات التلفزات وسنقوم حنن الكتاب ابلبكاء مع‬ ‫‪58‬‬


‫الباكني وسيكون بكاؤان أكثر أدبية وأكثر رقة وأكثر أتثريا‬ ‫ولكن مراثينا كلها سوف لن تعيد احلياة إيل طفل مذبوح‬ ‫علي هند أمه‪ .‬لقد كتبنا كي نتفادي هذا الذي حيصل‬ ‫ولكنه حصل رغم ما كتبناه‪ ،‬ثالثون عاما نكتب لكي‬ ‫حنمي فلسطني مما حيدث اآلن ولكن كل ذلك لن يفد‪.‬‬ ‫فما الذي ابستطاعة املبدع أن يفعله اآلن أو يقوله اآلن إال‬ ‫أن يفعل كما يفعل الكهنة البوذيون إبحراق أنفسهم يف‬ ‫ساحات الوطن العريب وأمام قالع احلاكمني فيه‪ ،‬فلرمبا‬ ‫هتب ريح وتنقل ولو شرارة واحدة من جسد مبدع حيرتق‬ ‫إيل قالع اخليانة والقهر وحترقه علي من فيه وتغري ماهو‬ ‫كائن إىل ما هو أفضل‪.‬‬ ‫مت اللقاء بتونس‬

‫‪59‬‬


‫بعد فوزه بالكومارالذهبي‬

‫عبد الجبارالعش‪ :‬فوزي هو تتويج‬ ‫لجيل يتحدى العوملة‬ ‫مل يصدر عبد اجلبار العش من قبل سوى جمموعة شعرية‬ ‫واحدة عام ‪ 5339‬بعنوان جلنار سبقها شريط كاسيت عام‬ ‫‪ 5399‬يتضمن قصائد ابلعامية والفصحى لكن روايته‬ ‫األوىل وقائع املدينة الغريبة اليت طبعها على نفقته اخلاصة‬ ‫عام ‪ 6000‬حتصلت على اجلائزة الكربى اليت متنحها‬ ‫مؤسسة كومار للتأمني سنواي ألحسن رواية تونسية صدرت‬ ‫خالل العام ‪ .‬وهو إىل ذلك معلم تربية بدنية يف العقد‬ ‫الثالث من عمره وعضو هيئة مجعية الدراسات األدبية‬ ‫بصفاقس‪ .‬ومبناسبة نيله اجلائزة املذكورة يف حفل أقيم‬ ‫ابملسرح البلدي بتونس مساء ‪ 62‬أبريل ( نيسان ) املنصرم‪،‬‬ ‫كان لنا معه هذا اللقاء‪:‬‬ ‫‪60‬‬


‫ـ قلت بعد تسلمك للجائزة أهنا كانت مفاجأة‬

‫متوقعة‪ .‬هال شرحت لنا ما معىن هذا التناقض يف‬ ‫كالمك؟‬

‫ـ كال‪ ،‬أان أعين ما قلت ‪ .‬فقد كانت فعال مفاجأة‬ ‫متوقعة‪ .‬هي مفاجأة ‪ ،‬ألنين مل أتوقع أن أحصل على جائزة‬ ‫الكومار الذهيب ألفضل رواية من بني قرابة العشرين رواية‬ ‫خلرية الكتاب التونسيني‪ ،‬خاصة أن رواييت وقائع املدينة‬ ‫الغريبة هي عملي األول يف جمال السرد‪ .‬وهي متوقعة‪ ،‬نظرا‬ ‫الشتغايل الدؤوب عليها ويقيين أنين مل أسلم الرواية للمطبعة‬ ‫إال بعد أتكدي من أهنا قادرة على أن جتد هلا موطئ قدم‬ ‫فتحب وتروى‪ .‬وال أقول هذا‪ ،‬ألهنا حصلت على‬ ‫وتقرأ َ‬ ‫املرتبة األوىل‪ ،‬بل ألنين واثق مما أكتب‪ ،‬وامسح يل أن أعلن‬ ‫منذ اآلن ‪،‬على صفحات القدس العريب‪،‬إن رواييت القادمة‬ ‫سيكون هلا نفس الشأن‪.‬‬ ‫ـ كيف تربّر انتقالك بنجاح من الشعر إىل الرواية؟‬ ‫لقد كانت الرواية‪ ،‬ولسنوات عديدة‪ ،‬تقاوم صميت‬ ‫واحنيازي إىل الشعر ‪ .‬ظلت تكرب وتنمو ومل أضعها إال وقد‬ ‫‪61‬‬


‫صارت ايفعة قادرة على النطق والركض واجملاهرة بكياهنا‪.‬‬ ‫ولن تومهين اجلائزة أبي وهم ‪ ،‬ولن حتجب عين اآليت مما مل‬ ‫أكتبه بعد‪ ،‬ولن تلجم أصابعي أقول هذا ‪ ،‬ألنين أعرف أن‬ ‫تتويج عمل أول ‪ ،‬قد يصيب صاحبه إبحساس ابلرضا‬ ‫واالكتمال وأان على وعي اتم هبذا الفخ وإن كنت مازلت‬ ‫حتت وقع احلدث غري أنين أسعى إىل العودة أبكرب سرعة‬ ‫إىل عزليت أمام بياض الورقة ألواصل كتابة رواييت الثانية وإهنا‬ ‫ملتعة ال توصف أن أعود إىل العوامل العجائبية اليت تسم‬ ‫حكاييت وأن أواصل بناء وقائع زماننا الغريبة ‪ .‬وأرجو أن‬ ‫تصدقين إذ أقول لك أنين صرت أحياان ال أعرف أين‬ ‫تكمن الوقائع احلالية وأين يتشكل الواقع احلي ولقد‬ ‫اتضحت يل بعض مالمح هذا التداخل حني وصف مسري‬ ‫العيادي بوصفه رئيس جلنة حتكيم جائزة كومار‪ ،‬مناخ‬ ‫الرواية بقوله إهنا استطاعت من خالل وقائع غرائبية أن‬ ‫تتفاعل مع احلياة وواقع عصران أبسلوب ساخر نفتقده يف‬ ‫الرواية العربية‪.‬‬ ‫ـ هل تدعو الكتاب مجيعا لالشرتاك يف مسابقات من‬

‫هذا النوع؟ وماذا يعين لك هذا الفوز يف األخري؟‬

‫‪62‬‬


‫ـ أعتقد أن احلوافز اليت تضعها اجلوائز أمام الكتاب من‬ ‫شأهنا أن تربز العديد من األقالم املغمورة أو الصامتة وها‬ ‫أننا نالحظ ارتفاع عدد الروائيني يف تونس وإن كان الوقت‬ ‫فقط هو الكفيل بفرز التجارب احلقيقية من تلك الظرفية‬ ‫أو الزائلة ‪ .‬إن تتويج رواييت هي تتويج جليل من الكتاب‬ ‫قادم إىل زمن العوملة واهليمنة أمسيه جيل األحالم املهدورة‪،‬‬ ‫وجيل االنتصارات اآلتية والكامنة يف رماد حلظتنا الراهنة‪.‬‬ ‫ليس تتوجيي شخصيا فقط‪ ،‬بل هو إيذان مبيالد رواية وفية‬ ‫ألصدق جتارب الكتابة الروائية العربية ‪ ،‬وهي بداية لتأسيس‬ ‫طليعة أدبية جديدة يف تونس‪ ،‬جتد تعبرياهتا يف نصوص‬ ‫إبداعية قادمة بثبات‪.‬‬ ‫ـ مثل من ؟ هال ذكرت لنا بعض األمساء ؟‬ ‫ـ أخص ابلذكر حسن بن عثمان يف روايتيه بروموسبور‬ ‫وليلة الليايل وكذلك كمال الزغباين يف اآلخر ويف روايته‬ ‫اجلديدة يف انتظار احلياة وأيضا دمحم اجلابلي يف مرافئ‬ ‫اجلليد‪ .‬وحني أحتدث عن مالمح طليعة جديدة‪ ،‬فإنين‬ ‫أشري بطريقة غري مباشرة إىل جتربة وجيل حركة الطليعة يف‬ ‫‪63‬‬


‫تونس كأمجل حلظات اتريخ الثقافة التونسية ‪ ،‬وهو وفاء‬ ‫ابملعىن اإلبداعي للكلمة لرموز تلك املرحلة اليت أسست‬ ‫وعملت وعلمت كيف ميكن لنا أن نواصل اآلن ابتكار‬ ‫أسلوبنا اخلاص يف التعبري عن طموحات جيلنا ويف التفاعل‬ ‫اإلبداعي اخلالق مع راهننا الغائم‪.‬‬ ‫ـ أنت هبذا تعطي أحكاما نقدية وتبشريية‪ .‬هل نفهم‬

‫من ذلك أنّك رمبا ستكتب يف التنظري أو النقد أو‬ ‫التاريخ للرواية يف تونس ؟‬

‫ـ ال أنظر الجتاه أو ملدرسة أو حلركة‪ ،‬فهذا ليس من‬ ‫شأين‪ .‬إاما أردت اإلشارة كقارئ وكمتابع حلركة التأليف يف‬ ‫بالدي إىل بروز منحى روائي له خصوصية وملمحية ال‬ ‫ختفى عن القارئ املتمعن‪ .‬وهذا مقارنة لسائر التجارب‬ ‫املوغلة يف النمطية واالستنساخ واالنغالق يف عوامل ذاتية‬ ‫مفربكة ال عالقة هلا بعصران وال ابلذات احلقيقية لكاتبها‪.‬‬ ‫إننا يف حاجة إىل رواية طليعية هتسهس املسلمات وتلقي‬ ‫حرقة أسئلتها اجلديدة ‪ ،‬إىل رواية تغمس أصابعها يف طني‬ ‫اإلنسان العريب القادم لتساهم يف تشكيله على صورة‬ ‫‪64‬‬


‫أحالمه ‪ .‬ولقد آن األوان لكي تكف الرواية عن وداعتها‬ ‫وغيبيتها كما آن هلا أن تنصت إىل نبض الشارع العريب وأن‬ ‫تكون يف حجم احباطاتنا وآمالنا بل ويف حجم ضياعنا‬ ‫وعنادان ‪ .‬وأان حينما أحتدث على هذا النحو ‪ ،‬فليس معىن‬ ‫هذا أنين أنفي وجود جتارب روائية متميزة ‪ ،‬ولكن أردت‬ ‫التأكيد على قلة الكتاابت اخلطرية ابملعىن اخلالق للعبارة‪،‬‬ ‫وأان شخصيا مازلت أحبث عن هذا النص االخرتاقي‬ ‫املؤسس‪ ،‬وإن كنت بدأت مالمسته على حد استنتاجي‪،‬‬ ‫ومن خالل ردود فعل القراء والنـقاد لرواييت وقائع املدينة‬ ‫الغريبة‪.‬‬ ‫ـ هل تريد أن تقول أب ّن كتابة خطرية على ح ّد تعبريك‬

‫قد جتد تقبال حبجم إبداعها من لدن قراء حقيقيني أو‬

‫نقاد مؤمنني أبدب جديد؟ لقد مسعت أن هناك من يف ّكر‬ ‫يف حتويلها إىل السينما؟‬

‫ـ احلديث عن رواييت يذكرين بتعاليق بعض أصدقائي‬ ‫السينمائيني الذين تعهدوا ابلعمل على ترمجتها صوراي مع‬ ‫إمجاعهم على جاهزيتها لتتحول شريطا سينمائيا عجائبيا‪.‬‬ ‫‪65‬‬


‫واقتباسها إىل املسرح ‪ ،‬وهذا أحد طموحايت إذ كتبتها‬ ‫ومشاهد وقائعها ترتاءى يل على شاشة ينسجها خيايل‬ ‫وأمتىن أن تصري يوما حقيقة ألن الرواية وكأهنا كتبت لتصبح‬ ‫فيلما يشاهد أو يقرأ ابلعني من قبل مجوع كبرية ‪ .‬وهذه‬ ‫املسألة تعيد إىل ذهين‪ ،‬معظلة توزيع الكتاب اإلبداعي حمليا‬ ‫وعربيا إذ أن الكتاب ما زال بال أجنحة وما زال القارئ‬ ‫العريب ال يعرف حقيقة التجارب اإلبداعية ملعظم الكتاب‬ ‫العرب وال أقول هذا من ابب اإلدعاء بل هي احلقيقة‬ ‫خالصة إذ يكفي أن جيد إبداعنا طريقه إىل القراء وإىل‬ ‫الرتمجة ليأخذ مكانته اليت هو هبا جدير ‪ .‬وحىت االعتماد‬ ‫على الوسائط العصرية ‪ ،‬كاإلنرتنت‪ ،‬ال يكفي‪ ،‬وال حيل‬ ‫املشكلة‪.‬‬ ‫ـ ملاذا برأيك ؟‬ ‫ـ ألننا أوال مل نعمم بعد هذه الوسائط‪ ،‬واثنيا‪ ،‬ألن متعة‬ ‫ولذة القراءة مباشرة من الكتاب املكتوب ال تضاهيها أية‬ ‫متعة أخرى ‪.‬لذا ‪ ،‬يتوجب إعادة النظر يف أساليب توزيع‬ ‫الكتاب والتعريف به‪ ،‬خاصة مع تضافر أخطار عديدة‬ ‫‪66‬‬


‫حديثة هتدد مكانة القراءة لدى هذا اجليل واجليل الذي‬ ‫سيليه‬ ‫ـ وأخريا ‪ ،‬ماذا تريد أن تقول للقراء وأنت حتمل‬

‫كتاب فوزك بيدك ؟‬

‫ـ أكتفي ابلقول أن زمن الرواية متواصل مع جيل جديد‬ ‫يؤسس لطليعته اجلديدة املنبثقة من جماهل معاانته وطموحه‬ ‫املشروع لزمن عريب آخر يستعيد فيه اإلنسان إنسانيته‬ ‫املهدورة‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫ً‬ ‫سلوى النعيمي‪ :‬أرى شيئا من البذاءة‬ ‫في الكتابة عن العواطف وهناك من‬ ‫ُيقتل في الوطن َّ‬ ‫يوم‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫صدرت قبل أسابيع رواية سلوى النعيمي اجلديدة‬ ‫بعنوان «شبه اجلزيرة العربية» عن منشورات رايض الريس‬ ‫ببريوت‪ .‬ويتوقع أن تنال هذه الرواية شهرةً واسعة أسوةً‬ ‫بروايتها السابقة اجلريئة «برهان العسل» واليت متت‬ ‫ترمجتها إىل ‪ 59‬لغة عاملية وسجلت أعلى املبيعات‪َ .‬ملْ‬ ‫ف الروائية املقيمة يف ابريس كتابةَ رو ٍاية مبتذلة‪،‬‬ ‫يكنْ هد ُ‬

‫بل اختبارُ العالقة مع قارئ حقيقي‪ .‬تقول‪ :‬إن منع‬ ‫روايتها سبب دعاية واسعة هلا‪ .‬هنا حوارٌ معها يتناول‬ ‫مالبسات روايتها اجلديدة وال يغفلُ‪ ،‬وهي السورية‬ ‫الدمشقية‪ ،‬مالمسة جرح الوطن النازف‪.‬‬

‫‪68‬‬


‫ـ هل نبدأ من العنوان؟ "شبه اجلزيرة العربية" عنوان أخَّاذ‬

‫َّال أوجه" كما يقول علماء‬ ‫وشديد اإلحياء بل هو "مح ُ‬ ‫ِ‬ ‫أردته أن يَـ ْعلَ َق خبيال‬ ‫اللغة‪ .‬فأي وجه لِ ِش ْب ِه اجلزيرة‬ ‫ِ‬ ‫األوجه اليت التصقت مبدلول عنوان‬ ‫القارئ من تلك‬

‫روايتك األخرية وفيها من املتناقضات ما يرتاوح بني‬ ‫املقدس ِّ‬ ‫وضدهِ متاماً؟‬

‫ـ عنوان أخاذ وشديد اإلحياء؟ هذا ما أراه أان أيضاً‪ .‬حنن‬ ‫متفقان كما ترى‪ .‬على كل حال ال أتصور هذا الكتاب‬ ‫تعرف‪.‬‬ ‫بعنوان آخر‪ .‬ليس العنوان اختياراً عشوائياً كما‬ ‫ُ‬ ‫موضوع الكتاب هو العالقة مع املكان األول‪ .‬كنت أعرف‬ ‫بشكل غامض إن العنوان جيب أن يكون جغرافياً مرتبطاً‬ ‫ال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أوجه كما تقول‪ .‬رمبا كان هذا هو‬ ‫مبكان َما‪ .‬العنوان َمحَّ ُ‬ ‫أحد أسباب اختياري له‪ :‬تلك األوجه املتعددة اليت حييل‬ ‫إليها‪ .‬لذلك مل خيطر يل أن أستمع إىل نصائح من هم‬ ‫حويل بتغيريه عندما أعلنته عليهم والكتاب يف املطبعة‪.‬‬ ‫خيطر يل إن عنادي انفع أحياانً‪ .‬جاء العنوان إذن إبحياء‬ ‫‪69‬‬


‫املكان اجلغرايف ليكتسب‪ ،‬ابإلضافة إىل معناه األويل‪،‬‬ ‫طبقات املعاين اجملازية يشري إليها النص نفسه‪ .‬لن أشرحها‬ ‫أان فهذه ليست مهميت‪ .‬أتركها للقارئ‪ .‬أان كتبت واخرتت‬ ‫هذا العنوان هلذا النص‪ .‬أظن إن مهميت تنتهي هنا‪.‬‬ ‫للمشاغبة فقط ميكن يل‪ ،‬أان املخلوقة اللغوية‪ ،‬أن أقول مثالً‬ ‫يف واحد من مستوايت املعىن‪ ،‬إن كل واحد منا "جزيرة"‬ ‫وإن اللغة هي اجلسر الذي يصلنا ابلعامل وحيولنا إىل "شبه‬ ‫جزيرة ‪".‬‬ ‫ـ أرى إن الوحدة املكانية املركزية اليت تدور فيها‬ ‫أحداث روايتك "شبه اجلزيرة العربية" هي جزيرة " ِج ْربَة"‬ ‫التونسية وهي جزيرة تقع يف جنوب شرق تونس وتعرف‬

‫"جبزيرة األحالم" أو جزيرة "أَ َكلَة اللوتس"‪ ،‬ويقال إن‬ ‫أوليس أو عوليس أو يوليسيس ملك إيثاكا قد َم َّر هبا يف‬

‫طريق عودته إىل وطنه بعد ضياع عشر سنوات يف‬ ‫البحر‪ِ .‬ملَ كان هذا االختيار؟ وما عالقة ذلك بـ"شبه‬ ‫اجلزيرة العربية"؟‬ ‫بدأت كتابة رواييت "شبه اجلزيرة العربية" يف جزيرة "جربة"‬‫‪70‬‬


‫التونسية‪ ،‬وأهنيتها فيها‪ .‬منذ البداية فرض ( َجمَ ُاز) اجلزيرة‬ ‫نفسهُ على ما أكتب‪ .‬أنت تعرف إن "جربة" ليست جزيرة‬ ‫َ‬ ‫بل هي يف الواقع "شبه جزيرة"‪ ،‬فهناك طريق يصلها‬ ‫ابليابسة‪ .‬يف احلقيقة أان منذ سنوات ال أكتب إال يف‬ ‫تونس‪ .‬يف مدن تونسية على البحر‪ .‬هذه املرة بدأت‬ ‫الكتابة يف " ِجربَة" عن العالقة مع املكان األول‪ .‬كان‬ ‫بديهياً أن تكون اجلزيرة التونسية حاضرة جغرافياً واترخيياً‬ ‫وأسطورايً يف الرواية‪ِ .‬ج ْربَةُ هي مكان املرساة املؤقتة‪ .‬أحد‬ ‫ثالثة أمكنة أساسية يف النص مع دمشق وابريس‪ .‬مثلث‬ ‫جديد بعد مثلث هربت منه‪ .‬الساردة "هزار" تعيش عالقة‬ ‫صراع مع املكان األول لذلك ال مكان هلا‪ .‬هي مبتورة عن‬ ‫وطنها ولذلك ال وطن هلا‪ .‬سؤاهلا أو أحد أسئلتها‪ :‬هل‬ ‫علي أن أعود ولو حنيناً‬ ‫ميكننا أن خنتار أوطاننا؟ ملاذا جيب َّ‬ ‫إىل مكان يسلبين إنسانييت؟ هي ال تستقر يف مكان‪ ،‬وتعلن‬ ‫عن هوسها بوسائل املواصالت‪ .‬إهنا دائماً يف قطار أو‬ ‫مطار أو طائرة أو فندق‪ .‬ملرتني فقط نقابلها يف مكان‬ ‫"مستقر"‪ .‬املرة األوىل يف مكتبها حيث تعمل يف ابريس‬ ‫واملرة الثانية وهي يف مواجهة ضابط املخابرات يف دمشق‪.‬‬ ‫‪71‬‬


‫حىت عندما تعود إىل مدينتها بعد كل سنوات الغياب هي‬ ‫مع صديق على قمة جبل "قاسيون" تكتشف املدينة‬ ‫أمامها‪ .‬هي ليست يف مدينتها اليت ولدت فيها وبيتها فيها‬ ‫ينتمي إىل ماض تعتربه مندثراً‪ .‬إهنا تستحضر أساطري‬ ‫وحكاايت الذين رحلوا وعادوا على خلفية رفضها للعودة‬ ‫شعار الالعودة‪ .‬أسطورة أوليس حاضرة يف‬ ‫احملتومة رافعةً َ‬ ‫مكان الكتابة نفسه والسيما أهنا املكان الوحيد الذي كاد‬ ‫أوليس أن ال يعود منه‪ .‬كاد ولكنه عاد‪ .‬وهي املكان الذي‬ ‫ستكون هزار فيه بعد قيام الثورة يف تونس‪ .‬هي أيضاً‬ ‫كادت‪ .‬هل ستعود؟‬ ‫ذكِ َر القارئ إن لك رواية قبل‬ ‫ـ إذا كان مفيداً أن نُ ّ‬ ‫هذه صدرت عام ‪ 6332‬بعنوان "برهان العسل" وقد‬ ‫أقامت الدنيا وأقعدهتا حىت إن بعض النقاد وصفوها أبهنا‬ ‫ْ‬

‫تعرضت للمصادرة‬ ‫رواية "إيروتيكية" ابمتياز‪ .‬كما إهنا‬ ‫ْ‬ ‫واملنع يف بعض العواصم العربية‪ .‬ابالستناد إىل هذه‬ ‫ت أن روايتك التالية "شبه اجلزيرة‬ ‫"السابقة" األدبية وج ْد ُ‬

‫كرست إحباطاً معيناً عند قارئها من جهة‬ ‫العربية" قد‬ ‫ْ‬ ‫خلوها تقريباً من املَشاهد احلميمية الساخنة واللغة‬ ‫ّ‬ ‫‪72‬‬


‫متيزت هبا "برهان العسل"‪.‬‬ ‫املكشوفة واجلرأة املفرطة اليت ْ‬

‫فليس لدينا هنا إال مشهدين فقط أوهلما يقع على‬

‫الصفحة ‪ 58‬واثنيهما على الصفحة ‪ 632‬من الرواية‬

‫ونستطيع بصعوبة اعتبارمها "ساخنني" قياساً إىل روايتك‬ ‫ترين إىل "العقد املُْبـ َرِم" بينك وبني‬ ‫السابقة‪ .‬كيف َ‬ ‫القارئ؟‬ ‫عقد مع القارئ؟ رمبا‪ ..‬أمتىن أن تكون أنت على‬‫حق‪ .‬هذا يفرحين‪ .‬ما أعرفه أان هو أنين قبل برهان العسل‬ ‫مل أكن أعرف إن هناك قارئً‪ .‬ما أعرفه أيضاً أن برهان‬ ‫العسل ليست رواية إيروتيكية‪ .‬خطر يل بعدها أن أكتب‬ ‫كنوع من وسائل‬ ‫رواية إيروتيكية فعالً لتوضيح الفرق رمبا‪ٍ ..‬‬ ‫اإليضاح‪ ..‬مل أفعلها حىت اآلن‪ .‬لكنك تتحدث عن‬ ‫مشاهد ساخنة وحتددها يف صفحات‪ .‬ال أعرف ما هي‬ ‫درجة احلرارة املطلوبة كي يكون املشهد ساخناً‪ .‬ال أكتب‬ ‫ويف يدي ميزان حرارة أقيس به درجة التهاب املشاهد‬ ‫الروائية‪ .‬ابلنسبة يل أكثر مشاهد شبه اجلزيرة العربية سخونة‬ ‫ليست يف تلك الصفحات اليت تذكرها أنت‪ ،‬بل إهنا يف‬ ‫مكتب ضابط املخابرات حيث ستفهم "هزار" إن القطيعة‬ ‫‪73‬‬


‫مع بلدها هنائية‪ .‬إذا كان هناك عقد مع القارئ فهو قائم‬ ‫على الكتابة بلغيت وجتربيت ووعيي‪ :‬تعبري شخصي عن جتربة‬ ‫شخصية بلغة شخصية‪ .‬ما أحاوله يف كتابيت‪ ،‬وبسبل‬ ‫خمتلفة‪ ،‬إن كان يف برهان العسل أو يف شبه اجلزيرة العربية‪،‬‬ ‫هو التأكيد على انتمائي إىل ثقافة عربية إسالمية هي‬ ‫أساس حرييت‪ .‬اجلرأة ليست إعالانت لالستهالك‪ .‬اجلرأة‬ ‫هي أن أعيش حبرية وأن أفكر حبرية وأن أكتب حبرية‪.‬‬ ‫‪ -‬هل روايتك األخرية هذه رواية جريئة بتوصيفك‬

‫السابق؟ كيف ميكنك لك إقناعنا بذلك؟‬

‫اجلرأة يف شبه اجلزيرة العربية هي يف حماولة إعادة‬‫النظر يف ُم َسلَّ َمات نعتربها بديهية يف العالقة ابلوطن‬ ‫والعائلة والزواج واألمومة واحلب والرغبة‪ُ .‬م َسلَّ َمات تلجمنا‬ ‫وتقيدان وتكبحنا‪ .‬احلرية اليت كانت اهلاجس األول يف‬ ‫برهان العسل موجودة هنا من زاوية خمتلفة‪ .‬قلتها وأعيدها‬ ‫دائماً‪ :‬اجلرأة وحدها ال تصنع أدابً واجلنس وحده ال يصنع‬ ‫أدابً وال كتابة‪ .‬ابلنسبة يل شبه اجلزيرة العربية أكثر محيمية‬ ‫من برهان العسل وكنت حباجة إىل كثري من الشجاعة كي‬ ‫أواجه نفسي من خالل الكتابة يف مسألة العالقة مع‬ ‫‪74‬‬


‫الوطن‪ .‬مث إنين أعتقد إن اجلرأة ليست يف املوضوعات فقط‬ ‫بل هي يف الشكل أيضاً وأزعم أهنا موجودة يف الكتابني‪ .‬ال‬ ‫ميكن يل أن أكتب جديداً إال بشكل جديد وهذا ما‬ ‫أحاوله يف كل مرة‪ .‬إذن‪ ،‬إن كان هناك عقد مع القارئ‬ ‫فأان مل أخل به‪ .‬إذا كان ينتظر مين شيئاً آخر فأان ال أعرف‬ ‫ما هو هذا الشيء اآلخر‪ .‬معىن ذلك إن هذا العقد قائم‬ ‫على سوء تفاهم من الطرفني‪ .‬ال أبس من سوء التفاهم يف‬ ‫الكتابة والقراءة‪ .‬فهذا يغين الكاتب والقارئ معاً ‪.‬‬ ‫ـ تنتهي روايتك "شبه اجلزيرة العربية" على الصفحة‬

‫‪ 623‬منها ابإلمضاء املكاين الذي يُ ْشهرهُ املؤلفون عادة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كتبت آخر الصفحة (تونس‪ /‬ابريس ‪-6332‬‬ ‫وأنت‬ ‫روائي‬ ‫‪ )6366‬لكننا نُ َ‬ ‫فاجأُ على الصفحة التالية بفصل ّ‬ ‫من صفحتني فقط حتت عنوان ابإلنكليزية ‪(Arab is‬‬

‫)‪ beautiful‬أي "العرب مجيلون"‪ ،‬وهو ال يعدو أن‬

‫يكون استدراكاً غري ُمبَـ َّرر روائياً للحديث عن الثورة‬ ‫التونسية يف ‪ 61‬يناير ‪ 6366‬يف سياق رمبا كانت الرواية‬

‫ترين إن هذا الفصل امللحق ابلرواية‬ ‫أصالً ق ْد فَاتتهُ‪ .‬أال َ‬ ‫ُم ْق َح ٌم عليها؟‬ ‫‪75‬‬


‫العرب مجيلون‪ ،‬هذا هو شعاري الذي أرفعه منذ‬‫سنوات طويلة‪ .‬كان شبه مزحة يف البداية مث حتول إىل‬ ‫شعار حقيقي ابلنسبة يل‪ .‬أنت تذكر شعار " األسود‬ ‫مجيل" يف الوالايت املتحدة األمريكية يف الستينيات‬ ‫والسبعينيات والذي كان حييل يف البداية إىل لون اجللد وإىل‬ ‫الشعر مث تطور ليعم الثقافة السوداء جبميع مستوايهتا‪.‬‬ ‫ابلنسبة يل كان شعاري مبعىن إن كل ما هو عريب هو مجيل‬ ‫ابتداء ابللغة وانتهاء ابألمكنة مروراً أبهلها‪ .‬ليس تعصباً مين‬ ‫ولكنه فعل انتماء إىل حضارة‪ ،‬انتماء إىل ثقافة‪ ،‬إىل لغة‪.‬‬ ‫أنت تعيش يف الغرب أيضاً وتعرف كل ما حييط بنا من‬ ‫خطاب جاهل ُم َع ٍاد يصل إىل درجة العنصرية أحياانً‪ .‬لذا‬ ‫تكون حمرضاتنا الوجودية والثقافية خمتلفة عن تلك اليت‬ ‫يعيشها املقيمون يف بلداهنم‪ .‬الشعار نفسه كنت أردده مع‬ ‫األصدقاء والصديقات عندما قامت الثورات العربية يف‬ ‫تونس ومصر‪ .‬عندما بدأت الثورات كنت قد انتهيت من‬ ‫كل شئ‪ .‬وما كان‬ ‫كتابة شبه اجلزيرة العربية‪َ " .‬ختَْربَ َ‬ ‫ط" ُّ‬ ‫ميكن يل أن أقف عند النهاية األوىل‪ .‬النهاية األوىل هي‬ ‫النهاية يف الكتابة ولكن الثانية يف الفصل ما بعد األخري‬ ‫‪76‬‬


‫الذي تشري إليه‪ ،‬وحىت النهاية الثالثة قبل بداية النص‬ ‫السردي‪ ،‬مها سيل احلياة الذي جيرف يف طريقه كل شيء‬ ‫حىت الكتابة‪ .‬جاء التاريخ ليصنع هناية أخرى‪ ،‬ليفتح‬ ‫األبواب على أسئلة أخرى‪ .‬وما كان ميكن يل يف كتاب‬ ‫مثل شبه اجلزيرة العربية أن أجتاهله‪ .‬الثورة زعزعت كل‬ ‫األجوبة املؤقتة اليت نصبتها هزار أحابيل كي تستطيع أن‬ ‫تتابع احلياة‪ .‬األحابيل اللغوية والنفسية والوجودية اهنارت‬ ‫والبد من تسجيل هذا االهنيار الذي يفرض نفسه من‬ ‫خارج النص ويتسرب إليه ليعطيه معاين أخرى ومناحي‬ ‫أخرى‪ .‬كانت تربيراهتا للمطالبة حبق الالعودة مرتسمة يف‬ ‫أفق يبدو مغلقاً متاماً‪ ،‬ولكن ما ال تنتظره وما ال تتوقعه وما‬ ‫ال حتلم به جاء وقامت الثورات‪ .‬صحيح أن الكتابة هي‬ ‫السرد‬ ‫تداخل‬ ‫حياة أخرى‪ ،‬ولكنها ليست احلياة‪ .‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫نكتب يف احلياة بشكل مباشر‪ ،‬على‬ ‫الروائي ابلتاريخ الذي يَ ُ‬ ‫اهلواء‪ ،‬كما يقولون يف اإلذاعة‪ .‬ابلنسبة يل كانت هناك‬ ‫هناية للنص املكتوب‪ .‬نقطة انتهى‪ .‬كما يف أي رواية‬ ‫أخرى‪ .‬ولكن احلياة فرضت نفسها واجلزيرة هي يف احلقيقة‬ ‫شبه جزيرة وهي موصولة ابلعامل عرب اجلسر‪ ،‬حلسن احلظ‪.‬‬ ‫‪77‬‬


‫العامل هنا‪ .‬التاريخ هنا‪ .‬اجلغرافيا هنا‪ .‬الشعوب هنا‪.‬‬ ‫مفاجآت‪ .‬هذا كله هنا‪ .‬إهنا اندرة ولكنها موجودة وحنن‬ ‫نعيش روعتها اآلن كل يوم‪.‬‬ ‫ـ من جهة أخرى‪ ،‬أرى إن روايتك هذه هي رواية‬

‫صح التعبري‪ .‬فاحلكي الروائي املنسوج‬ ‫"نبوئية" إ ْن َّ‬ ‫"شاميّاً" من الصفحات األوىل واحلضور القوي لدمشق‬ ‫العاصمة والوجود القوي للتاريخ السياسي السوري‬ ‫املعاصر وانعكاس ذلك كلِ ِّه على الشخصية الرئيسية‬ ‫للرواية " َه َزار" وعلى ابقي الشخصيات املرتبطة‬ ‫املرتابطة‪ ،‬يعطي انطباعاً قوايً ابلنبوءة املتحصلة عرب‬

‫الرواية وعرب قراءهتا‪ .‬فَـ َه َز ُار كانت نتاج حب وزواج بني‬ ‫أب مسلم علوي وأم مسيحية‪ .‬كيف كان لك أن تَ ِ‬ ‫صلي‬ ‫ّ‬ ‫ت بكل‬ ‫بنا إىل ما حيصل اليوم يف سوراي يف رواية ُكتِبَ ْ‬

‫أتكيد قبل ذلك بكثري؟‬ ‫لست عرافة وال منجمة وال بصارة‪ .‬مل خيطر يل وال‬‫يف أحلى أحالمي إن الثورات العربية ستقوم‪ .‬مل خيطر هذا‬

‫‪78‬‬


‫يل ببال‪ .‬وكل من يدعي أو يزعم أو يلمح تلميحاً إىل ذلك‬ ‫اب‪.‬‬ ‫اب نَ َّ‬ ‫اب نَ َّ‬ ‫فهو نَ َّ‬ ‫ص ْ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ص ٌ‬ ‫حصلت تغيريات كبرية وعميقة يف املنطقة‬ ‫ـ لقد‬ ‫ْ‬ ‫العربية بدءاً من انطالقة الربيع العريب يف تونس وليس‬

‫فر عنه األوضاع احملتدمة يف سوراي حل ّد‬ ‫انتهاءاً مبا َستُ ْس ُ‬ ‫اآلن‪ .‬هل لنا أن نسأل عن رواية قادمة لسلوى النعيمي‬

‫تكرسها أو تكرس خلفيتها حلديث الثورة العربية اليت مل‬

‫تكتمل؟‬

‫أان عاجزة عن كتابة حىت رسالة يف هذه األايم‪ .‬أقرأ‬‫فقط‪ .‬خيطر يل إن هناك شئ من البذاءة يف الكتابة عن‬ ‫مواقفي وعواطفي وأان البعيدة‪ ،‬وهناك من يُقتل يف بلدي‬ ‫كل يوم ألنه يطالب حبقه يف احلياة احلرة ‪.‬‬ ‫____________‬ ‫*ولدت سلوى النعيمي يف دمشق أواخر اخلمسينيات ودرست‬ ‫األدب العريب قبل أن تنتقل لإلقامة يف ابريس مطلع السبعينيات‪.‬‬ ‫ويف العاصمة الفرنسية التحقت جبامعة السوربون حيث درست‬ ‫الفلسفة اإلسالمية‪ .‬بدأت النعيمي الكتابة شعراً فأصدرت دواوين‬ ‫‪79‬‬


‫عدة منها «متوازايت» و«إان أعطيناك» و«ذهب الذين أحبهم» قبل‬ ‫أن تنال شهرةً واسعة بفضل ابكورهتا الروائية اجلريئة «برهان العسل»‬

‫عام ‪ ،6001‬وترمجتها إىل لغات عدة‪ .‬تشغل اآلن منصب مسؤولة‬ ‫الصحافة العربية يف القسم اإلعالمي مبعهد العامل العريب بباريس‪.‬‬ ‫أصدرت سلوى النعيمي أيضا جمموعة قصصية بعنوان «كتاب‬ ‫األسرار» وهلا جمموعة قصائد خمتارة ابلفرنسية من ترمجتها بعنوان‬ ‫رمجت كتبها إىل الفرنسية واالنكليزية واألملانية‬ ‫«أجدادي القتلة»‪ .‬تُ ْ‬ ‫واهلولندية واإلسبانية والعربية‪.‬‬ ‫* شبه اجلزيرة العربية أو ‪The Arabian Peninsula‬‬ ‫لسلوى النعيمي كتاب يف ‪ 522‬صفحة من القطع املتوسط‪ .‬صورة‬ ‫الغالف للفنان اللبناين شفيق عبود والتصميم من هوساك برس‬ ‫والناشر رايض الريس للكتب والنشر بريوت ‪.6056‬‬

‫‪80‬‬


‫َ َ‬ ‫مفاهيم الرواية الشعرية وأ ْبدالاتها‬ ‫الكتابية‪ :‬حيرة في املصطلح وقلق في‬ ‫التركيب‬ ‫حوار مع الكاتب العراقي بشار عبد هللا‬ ‫يعد الشاعر بشار عبد هللا واحدا من أبناء جيل التسعينات‬ ‫الشعري يف العراق‪ .‬وهو إىل ذلك مرتجم وروائي‪ .‬فقد‬ ‫أصدر عن دار فضاءات للنشر بعمان عام ‪ 6009‬الرتمجة‬ ‫العربية األوىل لكتاب اآلجينغ الصيين الشهري بكتاب‬ ‫التغريات‪ .‬ونشرت له دار هاتس أف تكسن يف امريكا‬ ‫الرتمجة االنكليزية لرواية د‪ .‬فاتح عبد السالم عندما يسخن‬ ‫ظهر احلوت عام ‪ 6000‬وفاز كذلك جبائزة االستحقاق يف‬ ‫الرواية العربية لعام ‪ 6001‬ضمن جوائز مؤسسة انجي‬ ‫نعمان األدبية ببريوت عن روايته الشعرية (من يسكب‬ ‫اهلواء يف رئة القمر)‪ .‬وستصدر له قريبا خمتارات من الشعر‬ ‫األمريكي املعاصر عن سلسلة آفاق عاملية الصادرة عن‬ ‫‪81‬‬


‫وزارة الثقافة املصرية‪ .‬كان يل معه هذا احلوار حول مفهومه‬ ‫للرواية الشعرية تنظريا وممارسة‪ ،‬ونقده للمصطلح‪ ،‬وتبيان‬ ‫ثباته يف الفضاء الثقايف العريب راهناً‪:‬‬ ‫ترى ما الرواية الشعرية؟ كيف ترى إليها؟ وكيف حندُّها‬

‫ومنوضعها يف سياقها التارخيي واألجناسي؟‬

‫بدءاً علينا جتاوز ما يعرف يف الغرب مبصطلح ‪Verse‬‬‫‪ Novel‬الذي يعين نوعا من الشعر السردي الذي‬ ‫يصار من خالله إىل إنشاء سرد روائي طويل‪ ،‬بواسطة‬ ‫مقطعات شعرية ‪ -‬بسيطة أو مركبة ‪ -‬موزونة‪ ،‬وحتتضن‬ ‫وقائع كربى‪ ،‬وأصوات متعددة‪ ،‬وحوارا وسردا ووصفا‬ ‫وإاثرةً‪ ،‬أبسلوب روائي‪ .‬الرواية الشعرية عندي هي بدعة‬ ‫شعرية عربية‪ ،‬وبذلك فاملصطلح عريب غري وافد عرب الرتمجة‪،‬‬ ‫وابلتايل له منظومته املنفتحة فكراي وفنيا‪ ،‬وهي بذلك‪ ،‬أي‬ ‫الرواية الشعرية تعين قائمة مفتوحة ال مغلقة من‬ ‫اسرتاتيجيات "الكتابة الشعرية ابلنثر" إن صح التعبري هبذا‬ ‫‪.‬‬ ‫الوصف‬ ‫‪82‬‬


‫‪-‬ولكنك هبذا التوصيف جتعل من الصعب الركون إىل‬

‫أعمال أدبية عربية اليوم حتمل صفة الرواية الشعرية؟‬

‫على حد علمي وابملفهوم املطروح سابقا ال يوجد عمل‬‫يستحق هذه التسمية‪ .‬وعلى مستوى املصطلح ابملفهوم‬ ‫املوضح آنفا ال يوجد ومل ينشر أحد عمال منحه هذه‬ ‫التسمية أي الرواية الشعرية‪ ،‬يف أدبنا املعاصر ‪.‬‬ ‫‪-‬لنتفق على سبيل اجلدال إن الرواية الشعرية مبفهومك‬

‫هي بدعة عربية ونوع أديب غري وافد إلينا من الثقافة‬ ‫الغربية‪ ،‬وإن كان األمر فيه نظر من جهيت على األقل‪،‬‬

‫لكن دعين أسألك يف احلالة هذه فمن أين تستقي الرواية‬

‫الشعرية مصادرها إذن؟‬

‫حتدثت به عن الرواية الشعرية مصطلحا‬ ‫أعتقد أن ما‬‫ُ‬ ‫وكتابة ينفي وجود مصادر‪ ،‬هذا إن كان سؤالك عن‬ ‫املصطلح واسرتاتيجيات الكتابة‪ .‬أما مضمونيا فاملصادر‬ ‫‪83‬‬


‫متعددة أفقيا وعموداي‪ ،‬أي من األدب والفكر والفلسفة‬ ‫واألداين‪ ،‬ومرورا بعلوم الغيبيات كالرمل واألبراج والتنبؤات‪،‬‬ ‫فضال عن معطيات جتارب احلروب واحلصار‪ ،‬وهي‬ ‫معطيات ثرة‪.‬‬ ‫‪-‬إذا كان هذا هو املنطلق‪ ،‬فالرواية الشعرية بوصفها‬

‫بدعة شعرية كما تقول انت‪ ،‬جتعل من الرفض املسبق‬

‫لألجناس األدبية من شعر وقصة ورواية ومقالة اخل‬

‫مذهباً هلا‪ ،‬أليس كذلك؟‬

‫نعم وهذا صحيح متاما‪ .‬املنطلق هو الرفض ومن مث‬‫العبور اىل بداية التعلم‪ ،‬إذ أننا لكي نعرف ما نريد علينا أن‬ ‫نرفض ما ال نريد‪ ،‬وألن الرفض أكرب من القبول واملسايرة‪،‬‬ ‫فالبدعة تصبح فضاء جديدا يرفض التجنيس‪ ،‬ألنه ينطلق‬ ‫من "التشكيل" بوصفه عملية لتوليد األشكال‪ ،‬وليس من‬ ‫الشكل املكرور‪.‬‬ ‫كيف تتم هذه العملية؟ هل هناك من اسرتاتيجيات‬‫‪84‬‬


‫خاصة جيب ان يعتمدها كل خائض يف حبر هذه البدعة‬

‫املسماة ابلرواية الشعرية على حد توصيفك؟‬

‫إن اسرتاتيجيات الكتابة الشعرية املعتمدة يف الرواية‬‫الشعرية عندي واضحة وحمددة ومن أبرزها التهجني‪،‬‬ ‫وأسطرة الواقع‪ ،‬وتوقيع األسطورة‪ ،‬وتشعري (=خلق الشعرية)‬ ‫اجلوهر التأملي للتجربة االنسانية‪ .‬وهذه االسرتاتيجيات ال‬ ‫ميكنها لكي حتقق اشرتاطات البدعة أن تكون منفلتة‪ ،‬بل‬ ‫ال بد هلا من أن ختتط مسارا بعينه‪ ،‬وهذا املسار هو‬

‫(التحليم) مبعىن رفع النص اىل مستوى احللم الذي يستند‬ ‫بكل رمزيته املتطرفة احياان‪ ،‬إىل بؤرة اإلنساين يف التجربة‪.‬‬ ‫‪-‬ما معىن ذلك؟ هل تعين ان الكتابة يف احلالة هذه‬

‫ستكون بال شكل متعارف عليه ويف الوقت نفسه تبحث‬

‫هلا عن شكل مميز نتيجة تلك اإلسرتاتيجيات اآلنفة‬

‫الذكر؟‬

‫كال‪ ،‬وإاما مبعىن أن ال وجود لشيء امسه شعر موزون وال‬‫‪85‬‬


‫لشيء امسه شكل فين قار‪ .‬أما ملاذا؟ فألنه كما سبق أن‬ ‫قلت أنين أطرحها بدعة شعرية‪ ،‬من معطيات "املغادرة" يف‬ ‫الكتابة‪ ،‬وهي مغادرة ال مبعىن احلركة يف املكان‪ ،‬بل مبعىن‬ ‫املوطئ يف احلركة‪ ،‬وهي تتحول كما قلنا يف وثيقة املغادرة‬ ‫بكتابنا‪ -‬أان وزميلي الكاتب سعد حممود‪ -‬املوسوم (ألقاب‬ ‫اجلمجمة ‪ )5331 -‬إىل نقطة تفتيش تعلن للخطاابت‬ ‫كلها‪( :‬لن متروا قبل أتويلكم‪ ،‬فال الغيبيات‪ ،‬وال املسلمات‬ ‫وال البديهيات‪ ،‬وال املورواثت متنحكم بعد اآلن تصريح‬ ‫انتهاكنا)‪.‬‬ ‫‪ -‬دعين أسألك عن املغامرة‪ .‬فما الذي دعاك اىل‬

‫خوض هذا الغمار؟ أهي املوضة أم الضرورة؟ أمل يكفك‬

‫الشعر للتعبري؟ أم تراك أتيت األمر من النثر وليس من‬

‫الشعر؟‬

‫ابدئ ذي بدء أان شاعر‪ ،‬وحلسن حظي انين أنطوي‬‫على شيء قليل من صفة الرائي‪ ،‬وال أقول إنين أتوافر على‬ ‫حظ كبري من هذه الصفة النادرة‪ ،‬وأما خوض هذه‬ ‫‪86‬‬


‫التجربة فيعود إىل حماوالت سبقتها فيما أمسيناه (القصاصة)‬ ‫و(املقصوصة) وكنت أنت يف جريدة اجلمهورية أول من أفرد‬ ‫لنا مع الشاعر عبد الزهرة زكي يف منتصف العقد التسعيين‬ ‫صفحة ثقافية كاملة لنصوصنا اليت محلت املصطلحني‪،‬‬ ‫وكان ذلك ميثل لنا معجزة‪ .‬ففي ذلك الوقت وعيت مع‬ ‫زمالء يل من شعراء نينوى وحمافظات أخرى ضرورة إعادة‬ ‫النظر يف املمارسة األدبية كتابة ووعيا معا‪ ،‬خصوصا بعد أن‬ ‫غزا ساحتنا العراقية حتديدا عكوف كبري على كتابة قصيدة‬ ‫النثر‪ ،‬حىت اختلط احلابل منها ابلنابل‪ ،‬ألسباب عدة منها‬ ‫مثال أنه كما هناك تقليد يف األشكال الشعرية األخرى‬ ‫املوزونة عمودية كانت أو تفعيلة‪ ،‬فقد سهل على أعداد‬ ‫كنت منهم طبعا‪ ،‬تقليد اماذج‬ ‫كبرية من الشعراء الشباب و ُ‬ ‫حىت دون وعي اتم أو جزئي هبذا الشكل الوافد‪ ،‬الذي‬ ‫ترافق معه ظهور الرتمجة العربية العراقية لكتاب سوزان برانر‬ ‫(قصيدة النثر من بودلري إىل أايمنا)‪ .‬كان هذا كتااب مهما‬ ‫وضع حدا فاصال بني قصيدة النثر ابملعىن األدق‬ ‫للمصطلح‪ ،‬وبني أشكال أخرى مبتدعة دون قصد يف كثري‬ ‫من األحيان بدليل أن كتاهبا واصلوا نشرها حتت مصطلح‬ ‫‪87‬‬


‫قصيدة النثر‪ .‬هذا األمر دعا كثريين وأان منهم ومل أكن يف‬ ‫مقدمتهم إىل إعادة النظر يف ما نسميه النظرية األدبية‪،‬‬ ‫فكان ال بد من مناقشة وحماكمة نصوص الثمانينات‬ ‫املتوفرة والتسعينات‪ ،‬ووجدان ضرورَة اجرتاح مصطلح بديل‬ ‫لقصيدة النثر ليكون أقرب إىل تلك الكتاابت‪ ،‬فكان‬ ‫مصطلح (القصاصة) ألسباب منها إن شعراء الثمانينات‬ ‫املغادرين حتديدا أمهلتهم املطابع واملؤسسة خلروجهم عن‬ ‫النمطية املألوفة يف الكتابة‪ ،‬فصاروا أشبه بقصاصة مهملة‪،‬‬ ‫ومن متكن من هؤالء من نيل فرصة نشر جمموعة أو كتاب‬ ‫هبذا الوصف‪ ،‬بقي نصه مهمال من النقد فكان أيضا‬ ‫كقصاصة مهملة‪ .‬مث أننا فكران يف جذر الفعل (قص)‬ ‫بسلسلة معانيه من‪ :‬روى‪ /‬اقتطع‪ /‬قص أثرا ومل جند هلذا‬ ‫اجلذر مبعانيه الثالثة تصريفا‪ ،‬فقلنا ببساطة حنن ال نكتب‬ ‫قصة وال قصيدة حنن نكتب قصاصة هي التصريف من‬ ‫جذر الفعل قص مبعانيه الثالثة يف آن معا‪ ،‬وليس ابملعىن‬ ‫الوحيد "روى" لذلك فهو ليس قص يقص قصة‪ ،‬وقلنا أن‬ ‫املهمل يف الثمانينات صار حمورا يف التسعينات‪ ،‬واستشهدان‬ ‫بقول املسيح عليه السالم‪ :‬أان احلجر الذي رماه البناؤون‪،‬‬ ‫‪88‬‬


‫فأصبح حجر الزاوية‪ .‬فالكتابة هبذا املنحىن للمصطلح تعين‬ ‫"روي" بعد قص أثر اجلوهر التأملي للتجربة اإلنسانية وبعد‬ ‫فصله عن زبد التجربة‪.‬‬ ‫‪-‬حسنا‪ ،‬هذا هو مفهومك للقصاصة‪ ،‬فماذا عن‬

‫املقصوصة؟ هل هذا املصطلح خيتص ابلسرد حتديدا؟‬

‫لقد جاء مصطلح (املقصوصة) ليشري إىل بدعة شعرية‬‫تقتص اجلوهر من التجربة اإلنسانية وتُؤسطرهُ وتُ َش ْعرنَهُ يف‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬وكان املصطلح يشري حتديدا إىل النص‬ ‫املفتوح واملغلق يف آن واحد‪ ،‬يف خمالفة للنص املغلق الذي‬ ‫دأب عليه كتاب السبعينات املغادرون‪ .‬وكان ذلك بعد أن‬ ‫كتبنا ورأينا عددا قليال من النصوص تشتغل‪ ،‬بسبب‬ ‫انتهاجها السرتاتيجيات األسطرة يف جمال حتريف الوقائع‬ ‫احملكومة مبنطق سياقي وقائعي أيديولوجي ضمن التجربة‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬مبعىن إيغاهلا يف حتريف الواقع لتصل اىل حتريف‬ ‫السرد‪.‬‬

‫‪89‬‬


‫ض ِّمن هذه املفاهيم‬ ‫اىل أي مدى استطعت أن ت َ‬‫النقدية اجملردة يف أعمالك األدبية؟‬ ‫عندما انتهيت من كتابة (من يسكب اهلواء يف رئة‬‫القمر) كنت أود فعال أن أنشرها حتت مصطلح‬ ‫(مقصوصة) ولكن نشرها بعد ست سنوات من االنتهاء‬ ‫من كتابتها حتت هذا املصطلح يف غياب انتشار املفهوم‬ ‫عربيا‪ ،‬ال سيما وان انشرها كان يف األردن‪ ،‬كان خيارا فيه‬ ‫من اجملازفة الكثري‪ .‬ففكرت يف مصطلح آخر يثري إشكالية‬ ‫فكان مزاوجة بني الرواية والشعر وهذا يفيد أو يشري إىل‬ ‫اسرتاتيجية التهجني يف الكتابة‪ ،‬فكان األول يفتح والثاين‬ ‫يكثف‪ ،‬وابلتايل استقر األمر عندي إىل مصطلح "الرواية‬ ‫الشعرية‪".‬‬ ‫‪-‬إذن وابالستناد اىل روايتك املنشورة هذه دعين‬

‫أتساءل إن كانت الرواية الشعرية هي قصيدة نثر طويلة؟‬ ‫وهل مثة من تعالق بني جنسي الرواية والقصيدة؟ كيف‬ ‫‪90‬‬


‫استفدت من كونك شاعر قصيدة نثر يف املقام األول‬

‫لكتابة هذا النوع من األعمال األدبية؟‬

‫قبل اإلجابة على سؤالك املهم هذا سأرجع بك طويال‬‫اىل الوراء‪ .‬إذ إنه يف العام ‪( 5332‬وال أدري هل نسيت‬ ‫أنت بزايرة ملدينتنا‬ ‫قمت َ‬ ‫أنت ذلك أم ما زلت تتذكر) َ‬ ‫املوصل‪ .‬كنا حنن هناك نعد للكتاب ‪ 66‬ضمن منشورات‬ ‫سلسلة (نون) والذي محل عنوان (االجتثاث واملغادرة) وقد‬ ‫ضم الكتاب رؤى ومشاريع تنظريية على التوايل لكل من‬ ‫رعد فاضل‪ ،‬اثمر معيوف‪ ،‬امحد شوكت‪ ،‬حكمت احلاج‪،‬‬ ‫عمار امحد‪ ،‬سعد حممود وبشار عبدهللا‪ .‬وكانت مسامهتك‬ ‫املنشورة يف ذلك الكتاب اجلرئ جداً يومها (ألسباب‬ ‫تعرفها جيدا) حتت عنوان (الثلج يشتعل كإرادة وفكرة)‪..‬‬ ‫ما ورد يف مقالتك وأان أراجعها اآلن يؤكد تلك احلرية اليت‬ ‫كانت تنتابنا مجيعا برغم سبق البعض على اآلخر يف‬ ‫الطروحات حول ما اختصرته عبارتك‪( :‬كل شعر هو‬ ‫لعب‪ ،‬ال بد إذن من االنصراف إىل التقنية‪ ،‬إىل قواعد‬ ‫اللعبة‪ ،‬ومعاجلتها جبدية‪ ،‬أما ما عدا ذلك ففكاهة وجتاوز‬ ‫‪91‬‬


‫وقفزة اىل العدم) من عبارتك هذه أنطلق إىل أن مثة فرق‬ ‫كبري بني الرواية الشعرية اليت تنتج قواعدها من ذاهتا‪ ،‬وبني‬ ‫قصيدة النثر قصرية أم طويلة ذات القواعد املستنبطة‬ ‫والقارة‪ .‬والرواية الشعرية كما قلت آنفا "بدعة" فيما‬ ‫"قصيدة النثر" ُسنة‪.‬‬ ‫‪-‬هذه ذكرايت رائعة أشكرك لتنقيتها من جديد على‬

‫ضوء الزمن املتعاقب خلفها‪ .‬لكن البد لنا من اإلشارة‬ ‫يف هذا الصدد اىل أن انشغالنا املبالغ فيه إزاء املصطلح‬

‫والشكل والتسمية إمنا كان حيمل بني طياته إضافة اىل‬

‫احلرية اليت ذكرهتا آنفاً‪ ،‬ريبةً وشكاً كبريين وصلتا يف‬ ‫أحيان كثرية لدى البعض منا اىل درجة من العدمية‬ ‫ونسف املنجز التدويين برمته‪ .‬على ان قصيدة النثر‬ ‫والصراع فيها ومن حوهلا كانت هي حجر الزاوية يف تلك‬

‫املساجالت وال أظن مشروعك الكتايب كان مبنجى من‬

‫ذاك الصراع ‪.‬‬

‫أان يف احلقيقة مل أقل يوما بقصيدة النثر ألنين كنت أعي‬‫‪92‬‬


‫ان املصطلح الوافد ال يتناغم تعريفا ومفهوما مع النص‬ ‫الشعري ذي اخلطاطة الشعرية الذي أكتبه لذلك منحته‬ ‫مصطلح (قصاصة) وهو مصطلح قوبل ابإلنكار‬ ‫والسخرية‪ ،‬ولكنه مع الوقت يف األقل يف مدينة املوصل‬ ‫أصبح مقبوال ضمن منظومة املصطلحات املتداولة يف النقد‬ ‫والكتابة ومتكنت من إيضاح املعىن منه والسبب الجرتاحه‪.‬‬ ‫وطبعا كان هذا االيضاح مفتاحا ملا أمسيناه تنظريا فقد‬ ‫تطلب كل إيضاح إىل شرح وكل شرح كان يولد عند نقطة‬ ‫ما سؤاال واجلواب على كل من تلك األسئلة كان يتطلب‬ ‫أتمال وجهدا ليتناسب كل جواب مع ما سبقه وحلقه‬ ‫وابلتايل صارت لنا أرضية للتنظري‪ ،‬والتنظري وسع املدارك‪،‬‬ ‫وأوقفين شخصيا عند حد فاصل أمام كل املصطلحات‬ ‫القارة فإما أن أنضوي حتت أحدها أو أن أغادر‪ ،‬وطاملا‬ ‫أنين أعي أبن نصي مغادر‪ ،‬فلماذا ال أحبث له عن تسمية‬ ‫مغادرة تناسبه‪ .‬فكانت الرواية الشعرية‪ .‬وكان املصطلح ‪.‬‬ ‫‪-‬أخريا هال حدثت القراء عن روايتك الشعرية من‬

‫‪93‬‬


‫يسكب اهلواء يف رئة القمر‪ ،‬كيف ترى إليها اآلن مبنظار‬ ‫املاضي اخلاص والعام ومبنظار النقد األديب والكتابة؟‬

‫يف العام ‪ 5330‬ببغداد نشرت يف ملحق جريدة اببل‬‫الثقايف ويف ثالثة أعداد متتالية نصا بعنوان (هذايانت‬ ‫إهبام)‪ ،‬نشرته حتت مصطلح (مقصوصة) فيه كثري من‬ ‫مفهوم الرواية الشعرية عندي اآلن‪ .‬وكما قلت لك‪ ،‬لو‬ ‫تسىن يل نشر (من يسكب اهلواء يف رئة القمر) كتااب يف‬ ‫العراق وقت انتهائي من كتابة النص لكنت نشرته حتت‬ ‫مصطلح (مقصوصة) والعكس أيضا صحيح‪ .‬فلو قدر يل‬ ‫أن أعيد نشر (هذايانت إهبام) اليوم لنشرهتا حتت مصطلح‬ ‫(رواية شعرية)‪ .‬أما اليوم فأان ال أكتب أداب أصال ألن‬ ‫األدب كما قالت يل مرة الشاعرة االسرتالية آن فريبرين يف‬ ‫بغداد وهي تتحدث عن أدب احلرب يف العراق يف‬ ‫الثمانينات‪ ،‬إهنا دون احلاجة إىل االطالع على ما نشر من‬ ‫كتب يف أدب احلرب يف العراق‪ ،‬ميكنها أن تصف‬ ‫النتاجات آنذاك أبهنا تعبوية لسبب بسيط هو أهنا مجيعا‬ ‫كتبت يف خالل السنوات األوىل من احلرب‪ ،‬يف حني أن‬ ‫‪94‬‬


‫أدب احلرب يكتب بعد انتهاء احلرب ورمبا بسنوات‪ .‬أان‬ ‫أقدر عاليا هذا الفهم لتلك الشاعرة الرائعة‪ .‬اليوم وحنن امر‬ ‫يف هذا املعرتك الكوين الذي تطغى عليه وعلى متضمناته‬ ‫فوضى اهليوىل‪ ،‬ال ميكنين أن التمس من ثناايه اجلوهر‬ ‫األساس ليكون ماديت التأملية‪ ،‬فما يزال العامل أمامي غارقا‬ ‫عدت إىل رواييت (من يسكب اهلواء يف‬ ‫يف الضبابية‪ ،‬ولو َ‬ ‫رئة القمر) لرأيت ابلرغم من أهنا مكتوبة خالل األعوام‬ ‫‪ 6000 -5331‬فهي حتقق يل صفة (الرائي) الذي رأى‬ ‫أمورا كثرية مما حيدث اليوم‪ .‬حقا أان انتظر أن ُخيرج يل‬ ‫اجلوهر ولو أصبعا من أصابعه الختطفته عندها ولكتبت‬ ‫ولنشرت رواية شعرية بكل أتكيد ‪.‬‬

‫‪95‬‬


‫سنوات كازابالنكا رواية عراقية‬ ‫عن الموت بردا ً في المنافي‬

‫أصدر الكاتب العراقي فيصل عبد احلسن روايته اجلديدة‬ ‫"سنوات كازابالنكا" بلندن‪ ،‬وهي الرواية السادسة يف‬ ‫رصيده بعد ثالث جمموعات قصصية وعدد ال يستهان به‬ ‫من الدراسات واملراجعات واملعاجلات النقدية‪ ،‬فضال عن‬ ‫إسهاماته املتواصلة يف اجملال اإلعالمي لسنوات طويلة‪ .‬إنه‬ ‫يقيم اآلن ومن قبل يف اململكة املغربية‪ ،‬وهذا ما يفسر‬ ‫بعض الشئ عنوان روايته املذكورة آنفا واليت محلت عنواان‬ ‫جانبيا داال هو اآلخر على شكل "سرية دينار يف بالد‬

‫الدراهم"‪ .‬سألت فيصل عبد احلسن أوال عن ذلك‬ ‫اإلحساس الذي انتابين وأان اقرأ سنوات كازابالنكا فلقد‬ ‫غرقت يف حبر من احلزن العميق واالكتئاب األسود من‬ ‫أول الرواية اىل منتهاها فلم أظافر بلحظة هناء واحدة يف‬

‫كل ثنيات السرد الروائي أو حىت يف خياالت شخوص‬ ‫‪96‬‬


‫الرواية‪ .‬هل هذا هو اجلو العراقي ابمتياز حيث السواد‬ ‫هو اللون األوحد وحيث أخبار املوت والقتل واالنتحار‬

‫حل وارحتل؟‬ ‫والشتات يف املنايف هو زوادة العراقي أينما َّ‬ ‫فأجابين قائالً إنه * وابلرغم من سوداوية املواقف اليت‬ ‫يعانيها املهاجر من العراق إىل بالد الغربة‪ ،‬فإن هناك‬ ‫مواقف تدعو إىل الضحك والسخرية مما آلت إليه األمور‪.‬‬ ‫وقد حاولت دائما أن أتناول هذا اجلانب الساخر يف‬ ‫أعمايل الروائية ومنها يف" سنوات كازابالنكا" آخر روااييت‪،‬‬ ‫اليت صدرت عام ‪ ،6055‬وليس األمر جديدا على األدب‬ ‫العريب وخصوصا يف الشعر العريب‪ .‬امسع الشاعر ابن‬ ‫الرومي‪ ،‬وهو يهجو الزمان الصعب‪ ،‬الذي مل ينل فيه‬ ‫األنسان املتعلم واملثقف فرصته يف احلياة املرفهة‪ ،‬وهو حيكي‬ ‫قصة أيب صدر اجلاهل الذي ويل إحدى إدارات الدولة‪:‬‬ ‫عجب الناس من أيب الصقر إذ ويل بعد البطالة الديواان‬ ‫س كلبا أحاله إنساان‬ ‫إن للحظ كيمياء إذا ما َم َّ‬ ‫يصنع هللا ما يشاء كما يشاء مىت شاء كائنا ما كاان‬ ‫وكذلك نتذكر ما قاله الشاعر أبو احلسني اجلزار‪ ،‬الذي ترك‬ ‫قول الشعر وحبث له عن مهنة يعيش منها‪ ،‬فلم جيد غري‬ ‫‪97‬‬


‫اجلزارة‪ ،‬فصار جزارا‪ ،‬فجاء إليه خنبة من أصدقائه الشعراء‬ ‫يواسونه‪ ،‬ألنه احندر من عامل الشعر والشهرة إىل اخلمول‬ ‫ونسيان الذكر‪ ،‬واحندر من ارتياد دواوين امللوك والوزراء‬ ‫ليصري واحدا من عامة الناس وميتهن مهنهم‪ ،‬فسمعوه‬ ‫يشكر يف القصابة "مهنته اجلديدة" ومنافعها‪ ،‬فأستغربوا‬ ‫حاله‪ ،‬فقال يف ذلك شعرا ساخرا‪ ،‬خلص حال األدابء‬ ‫واملثقفني من أمثاله‪ ،‬وأقنعهم حباله‪:‬‬ ‫كيف ال أشكر القصابة‬ ‫ما عشت حيايت وأهجر اآلدااب‬ ‫وهبا صارت الكالب ترجيين‬ ‫وابلشعر كنت أرجو الكالاب‬ ‫سألت فيصل عبد احلسن إن كان من واجب الكتابة‬

‫الروائية إضفاء الفكاهة على املأساة فأجابين قائالً‪ *:‬إن‬ ‫األدب بفرعيه الشعر والنثر مها أدااتن لرواية مأساة‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وأبراز معاانته‪ ،‬ولكن أيهما أقرب للقارىء‪ ،‬طرح‬ ‫املأساة كما هي بفجيعتها وسوداويتها وأيسها أم أبسباغ‬ ‫األديب عليها من روحه املتهكمة الساخرة‪ ،‬ليضفي على‬ ‫معاانة أبطاله هالة من احلياة؟ فليس هناك مأساة خالية‬ ‫‪98‬‬


‫متاما من روح الفكاهة‪ .‬ففي الرواية على سبيل املثال‪ ،‬فصل‬ ‫عن عمل " دينار" بطل الرواية يف شركة لنقل املوتى يف‬ ‫مدينة الدار البيضاء‪ ،‬وهي شركة كبرية تقوم بنقل جثث‬ ‫املوتى عرب العامل‪ ،‬وهي متخصصة هبذا العمل‪ ،‬ولديها ورشة‬ ‫لعمل التوابيت هلؤالء املوتى‪ ،‬حيث يصطدم "دينار" الذي‬ ‫كان مهندسا يف العراق‪ ،‬برغبات ووصااي هؤالء امليتني‬ ‫ألشكال توابيتهم‪ ،‬فبعضهم يريد أن يصمم له اتبوته على‬ ‫شكل قوقعة حلزون‪ ،‬وآخر يريد من مصمم اتبوته‪ ،‬انه‬ ‫جيعله يصدر صوات عند فتح بوابة اخلشب الرئيسية‪ ،‬يقول‬ ‫مبا يشبه صوت الطائر " كوكو كوكو" وآخر يريد اتبوته‬ ‫على شكل طائر النسر‪ .‬يف املهجر اآلن أكثر من أربعة‬ ‫ماليني عراقي وأغلب هؤالء يتمنون العودة إىل الوطن حىت‬ ‫ولو بعد املوت‪ .‬ومعظم هؤالء ال ميلكون مثن العودة‬ ‫بتوابيت شركة نقل املوتى الباهظة الثمن‪ ،‬لكنهم يبقون‬ ‫يتمنون العودة للدفن قرب قبور أهلهم‪ ،‬وأن ال تبقى جثثهم‬ ‫يف مقابر الغرابء‪.‬‬ ‫كان من حقي إذن أن أسأل الروائي فيصل عبد‬

‫احلسن عن متظهر املنفى وأشكال معاانته يف العمل‬ ‫‪99‬‬


‫األديب بعامة وكيفية تناول الروائي هلذه العوامل املميزة‬

‫ومن مثلها عامل املهاجرين والالجئني العراقيني يف شىت‬

‫بقاع الدنيا فأيدين قائال‪ *:‬إنه ابلفعل عامل سوداوي متاما‬ ‫والكتابة عن املنفيني العراقيني خارج وطنهم وما يعيشونه‬ ‫يف مهاجرهم عملية صعبة جدا‪ ،‬وتتطلب من الكاتب صرب‬ ‫نبينا أيوب عليه السالم‪ ،‬ملا حتمله من ذكرايت مؤملة‬ ‫وحقيقية عاشها الكاتب بذاته‪ .‬وأان أمتىن أن يطلع عليها‬ ‫أبناء شعبنا العراقي ليعرفوا حجم مآساة العراقيني يف خارج‬ ‫وطنهم‪ ،‬واليت ال تقل مأساوية عن حياة العراقيني يف داخل‬ ‫الوطن‪ .‬ولألسف فإن رواييت "سنوات كازابالنكا" طبعت‬ ‫طبعة ألكرتونية فقط‪ ،‬ومل تطبع ورقيا وذلك لعدم وجود‬ ‫انشر يتحمل نفقات الطبع الورقي ‪.‬فنحن كتاب اهلم‬ ‫العراقي يتامى ال أب لنا وال أم وحنفر األرض أبظافران‪.‬‬ ‫ولكن ماذا عن مغزى وداللة أن يكون بطل الرواية‬

‫حيمل إسم دينار العراقي؟ إن الدرهم هو جزء من الدينار‬

‫يف املفهوم النقودي العراقي ولكن الدرهم أيضاً هو‬ ‫العملة الرئيسية يف املغرب فأية إشارة تريد الرواية أن‬ ‫توصلها إلينا؟ هل األمر إن عراقيا له سرية حياة يف‬ ‫‪100‬‬


‫املغرب أم املقصود رمبا إن العراقي قد تفتت كما البالد‬

‫تفتت حىت اضمحل وصار درامها وحنن نعلم إن الدراهم‬ ‫املعدنية مل تعد موجودة وقد انقرض التعامل هبا يف العراق‬

‫اآلن؟‬

‫*إن التسمية لبطل الرواية هلا عالقة مباضي االنسان‬ ‫العراقي الذي كان مرفها جدا يف السبعينات والثمانينات‪،‬‬ ‫وكان الدينار يضاهي العمالت اخلليجية احلالية ويتفوق‬ ‫عليها‪ ،‬وكانت الكثري من الدول األوربية تعطي الفيزا‬ ‫للعراقي خالل أربع وعشرين ساعة من طلبها‪ ،‬وآل املآل‬ ‫حاليا إىل أن بعض الدول األفريقية متتنع عن أعطاء الفيزا‬ ‫للعراقيني وحىت ال تسمح هلم ابملرور يف أراضيها‪ ،‬واليت كنا‬ ‫يف السبعينات حني يعرض علينا السفر إليها للسياحة‬ ‫نسرع اىل املغاسل لنتقيأ ‪-‬من جمرد احتمال السفر إليها‪-‬‬ ‫لشدة فقرها وقذارة مدهنا‪ ،‬وكثرة املتسولني فيها‪ ،‬وبؤس‬ ‫احلياة فيها ‪.‬فتسمية البطل حتمل التناقض بني ما عشناه‬ ‫وما يعيشه العراقي حاليا يف املهاجر‪ ،‬وما يعانيه من ذل‬ ‫وفقر وحاجة يف دول ال تعطي فرصة لغريب أن يعيش على‬ ‫الكفاف حىت على أراضيها‪.‬‬ ‫‪101‬‬


‫سألت فيصل أيضاً عن تلك احلدود اليت يسمح هبا‬

‫السرد الروائي ما بني السرية الذاتية للمؤلف وبني‬ ‫الصريورة احلياتية للشخوص داخل الرواية خياالت‬

‫كانت أم وقائع أم كليهما معا‪ .‬لن ختفى على القارئ‬ ‫مالمح السرية الذاتية للمؤلف ولكن يبدو يل انه من‬

‫الصعب جداً اعتبار سنوات كازابالنكا رواية سريوية‪.‬‬ ‫ترى كيف يرى فيصل عبد احلسن اىل هذا األمر؟‬

‫*أعرتف إن التجنيس األديب يؤرقين حقا‪ .‬وقد وجدت‬ ‫من خالل دراسيت للعديد من االعمال الروائية العربية ان‬ ‫الرواية بدأت تتداخل مع السرية الذاتية‪ ،‬وتصري جنسا ال‬ ‫هو ابلرواية‪ ،‬وال هو ابلسرية‪ ،‬وكما هو معروف فإن السرية‬ ‫جنس أديب مستقل والرواية كذلك‪ ،‬ولكن ما كتب يف‬ ‫الثمانينات والتسعينات يف الرواية العربية حييلنا إىل هذه‬ ‫األشكالية‪ ،‬كتابة الرواية – السرية‪ ،‬وقد كتبت سري‬ ‫السياسيني املشهورين على شكل رواايت‪ ،‬بوقائع واقعية‪،‬‬ ‫وحوارات مسجلة وواثئق اثبتة‪ ،‬ولوال ما جاء فيها من‬ ‫طرائق العمل الروائي‪ ،‬وجودة السرد ودقة وفنية احلوارات‪ ،‬ملا‬ ‫انلت تلك الكتب شهرهتا وأمهيتها الفكرية‪ .‬فاحلساسية‬ ‫‪102‬‬


‫اجلديدة اليت أثرت على أجيال خمتلفة من أجيالنا األدبية يف‬ ‫العامل العريب‪ ،‬أتت بسبب االتصال ابألدب الغريب والرتمجة‬ ‫عنه‪ ،‬فظهرت واضحة جلية يف الكثري من أعمال كتابنا‬ ‫اإلبداعية اجلديدة منذ بداية التسعينات من القرن املاضي‬ ‫وحىت الوقت احلاضر‪ .‬فقد تداخلت األجناس خدمة‬ ‫لإلبداع‪ ،‬فكل ما يزين النص األديب‪ ،‬ويزيده وهجا وقراب من‬ ‫جتربة الكاتب‪ ،‬ويزيده عمقا‪ ،‬صار مشاعا لالستخدام‪،‬‬ ‫فهناك تبدالت كربى قد حصلت يف شكل الكتابة الروائية‬ ‫والقصصية‪ ،‬كما حدث يف كل شؤون احلياة منذ هناية القرن‬ ‫الثامن عشر حىت التاريخ احلايل‪ ،‬يقول عن بداية تلك‬ ‫التبدالت الناقد الفرنسي "بيري بورجالن" يف مقال عن‬ ‫كتاب (الكلمات واألشياء) مليشيل فوكو‪ :‬مل يعد النظام‬ ‫كامنا يف احلركة املتواصلة للتشاهبات‪ ،‬بل يف إقامة املتتاليات‬ ‫واجلداول اليت تتعاقب فيها التمثالت وتتجاوز‪ .‬فاللغة‬ ‫تفصم فيه مقاربتها القدمية ابألشياء‪ .‬ويدخل التشابه هنا‬ ‫عصرا هو ابلنسبة له عصر احلمق واخليال‪ .‬إن "دون‬ ‫كيخوته" هو الكتاب الذي يتم التعبري فيه عن هذا‬ ‫االنتقال من التشابه إىل اجلنون‪ ،‬إن هذا العصر الذي صار‬ ‫‪103‬‬


‫حتليليا‪ ،‬من اآلن فصاعدا‪ ،‬ال يريد أن يعرف غري شكلني‬ ‫من أشكال املقارنة مها مقارنة القياس ومقارنة النظام ‪.‬‬ ‫*من التنظري اىل النقد‪ .‬هذا ما أتلمسه من كالمك‬

‫أعاله‪ .‬لكن هل هذه هي رحلة الكاتب الروائي من‬ ‫هال‬ ‫النظر يف إبداعه هو إىل النظر يف إبداعات اآلخرين؟ ّ‬ ‫أوضحت يل خالصة رؤيتك النقدية هذه؟‬

‫*عملت على اجلانب النظري من النقد األديب‪ ،‬الذي‬ ‫يرى يف صريورة الرواية العربية احلديثة‪ ،‬وقد عملت على هذا‬ ‫اجلانب عدة سنوات ونشرت العديد من الدراسات األدبية‬ ‫يف جمالت ثقافية عربية كمجلة البحرين الثقافية وجملة نزوى‬ ‫العمانية‪ ،‬وما أنشره بشكل متفرق يف الصحافة‪ .‬لقد‬ ‫حاولت أن أمجل مزااي هذه احلساسية‪ ،‬ومفرداهتا يف دراسة‬ ‫العديد من النصوص اإلبداعية يف القصة القصرية والرواية‬ ‫واحلكاية‪ ،‬وأضعها بني يدي القارئ املتخصص والقارئ‬ ‫العادي‪ ،‬ملعرفة ملاذا ازدوجت املقاييس يف تقنيات الفن‬ ‫القصصي والروائي‪ ،‬وعدان من جديد نقرأ رواايت هي يف‬ ‫احلقيقة قريبة جدا من تقنيات كتابة السرية بل هي تلبس‬ ‫لبوسها يف أحيان كثرية مع احملافظة على قناع هنا وهناك‬ ‫‪104‬‬


‫لشخصياهتا‪ ،‬بدافع حياء كاتبها العريب من إشارة النقد هلذه‬ ‫احلياة املسرودة يف املنت القصصي أو الروائي وليس سرا فقد‬ ‫أستل هذا القناع من تقنيات وآليات العمل الروائي‪.‬‬ ‫وتناولت يف كاتبايت عن نظرية الرواية اجلديدة‪ ،‬أو احلساسية‬ ‫اجلديدة يف الرواية العربية دارسا الكثري من التجارب العاملية‬ ‫يف الكتابة األدبية‪ ،‬وإبرازها كمؤشر دال على التغيريات اليت‬ ‫أصابت أدبنا الروائي والقصصي‪ ،‬خصوصا مبا يتعلق ببحثي‬ ‫عن مزااي الكتابة اجلديدة‪ ،‬وصعوابت كتابتها‪ ،‬والنماذج‬ ‫العربية يف القصة القصرية والرواية‪ ،‬اليت جنحت يف استيعاب‬ ‫هذه التحوالت الكربى يف األدب الغريب‪ ،‬واليت حاولت‬ ‫دراسة تقنياهتا ومادهتا دراسة معمقة‪ ،‬وليس بعيدا عن حياة‬ ‫كتاهبا وسريهم الذاتية‪ ،‬وما عاشوه من جتارب حياتية‬ ‫خمتلفة‪ .‬فالكتابة اجلديدة ال ختتلف كثريا عن حياة كتاهبا‬ ‫وما عاشوه من جتارب‪ ،‬بل أهنا يف بعض األحيان هي‬ ‫حيواهتم‪ ،‬مسجلة سطرا بسطر وكلمة بكلمة‪ ،‬وكأاما تقرأ‬ ‫سجال ألعرتافاهتم مبا عاشوه من جتارب سياسية‪،‬‬ ‫وأجتماعية يف فرتة أحباطهم‪ ،‬وفشلهم أو بعد جناحهم‪ .‬ويف‬ ‫بعض األحيان تقرتب صفحات تلك الكتاابت األدبية ‪-‬‬ ‫‪105‬‬


‫قصصية كانت أم روائية ‪ -‬بشكل كبري من تفصيالت‬ ‫املدوانت اليومية ألي مثقف أنتظم يف تدوين ما حيصل يف‬ ‫حياته يوميا‪ ،‬إىل درجة أهنم أضطروا لفتح األدراج عن‬ ‫رسائلهم الغرامية‪ ،‬اليت كتبوها حلبيباهتم يف فرتة من فرتات‬ ‫حياهتم ونشر رسائل محيمة تلقوها من أصدقائهم وأهلهم‪،‬‬ ‫وكما سنرى ذلك يف اماذج قصصية وروائية كثرية‪.‬‬ ‫َو َعودا إىل "سنوات كازابالنكا" موضوع حديثنا اليوم فإين‬ ‫رأيت أن مثة يف الرواية اقتباسات واستشهادات وواثئق‬ ‫ويوميات وأمساء َعلٍَم لشخصيات كثرية منها َمن استلَّهُ‬ ‫املؤلف من بطون كتب التاريخ‪ ،‬ومنها َمن ارتسم على‬ ‫خارطة الثقافة العربية للعقود األربعة األخرية فصنع احلدث‬ ‫وأسال احلرب واشتهر‪ .‬وكل هذا يقرب رواية سنوات‬ ‫كازابالنكا من تيارات احلداثة وما بعدها يف الرواية العاملية‪.‬‬ ‫وسؤايل هنا هو عن مدى أتثري خلفية الكاتب الثقافية‬

‫ومؤثرات البيئة املغربية القريبة من الشاطئ األورويب على‬

‫تكنيك الكتابة عند فيصل عبد احلسن‪ ،‬الذي ابدرين إىل‬

‫اإلجابة قائال إن الشعر احلديث قد متيز ابستفادته من الفن‬ ‫التشكيلي ومن املوسيقى ومن احلكاية‪ ،‬واألساطري‪،‬‬ ‫‪106‬‬


‫والسينما والصورة الفوتغرافية‪ ،‬لتبث القصيدةةيف خيال‬ ‫شاعرها ما يكفي لتحريك الناس مبا يقدمه الشاعر يف‬ ‫قصيدته من آليات لتوصيل جتربته الشعرية ملتلقيه‪ .‬فقد‬ ‫كتب كتاب أمريكا الالتينية‪ ،‬يف واقعيتهم السحرية‪،‬‬ ‫كأستورايس‪ ،‬ماريو فارغاس ليوسا‪ ،‬غابرييل غارسيا ماركيز‬ ‫وغريهم‪ ،‬مما أعاد الكثري من مالمح امللحمة إىل الرواية‪.‬‬ ‫وفعلت الرواية الفرنسية فعلها كذلك‪ ،‬حني وضعت الرواية‬ ‫يف موطن السرية والسرية يف موطن الرواية‪ .‬وقد راقب‬ ‫الروائي الناس من خالل ثقب يف اجلدار‪ ،‬لريوي لنا يوميات‬ ‫أبطاله اجملهولني‪ ،‬كما فعل هنري ابربوس يف روايته الكبرية "‬ ‫اجلحيم " وما كتبه اوسكار وايلد وأندريه جيد‪ ،‬من أدب‬ ‫جديد ومها يشريان إىل اخللط الواضح بني السرية والكتابة‬ ‫الروائية‪ .‬وكذلك ما فعله كتاب السرية من األمريكيني‪،‬‬ ‫كأرنست مهنغواي يف رواايته "ملن تقرع األجراس"‪ ،‬و"وليمة‬ ‫متنقلة " اليت حيكي فيها شطرا من حياته يف مدينة ابريس‪،‬‬ ‫ووداعا للسالح اليت حيكي عن حياته أثناء احلرب العاملية‬ ‫االوىل‪ ،‬حني كان شااب صغريا وعمل أثناء تلك احلرب‬ ‫مراسال حربيا وأصيب خالهلا ابجلراح‪ .‬ومن كتابنا العرب‬ ‫‪107‬‬


‫الذين خلطوا السرية ابلعمل الروائي الكاتب الفلسطيين‬ ‫أميل حبييب يف روايته املهمة " املتشائل " اليت هي رواية وال‬ ‫رواية‪ ،‬وسرية وال سرية‪ ،‬وال هي حىت متتاليات قصصية‪،‬‬ ‫وهذا النوع من الكتابة الذي كتبه أيضا إدوار اخلراط يف‬ ‫رواايته مثل " رامة والتنني "‪ ،‬و" اي بنات أسكندرية"‪،‬‬ ‫حيث تداخل السرد ابليوميات واحلكي ابلتاريخ‪ ،‬والرواية‬ ‫ابلسرية‪ ،‬وال جتد خطا فاصال بني األجناس األدبية‬ ‫املستعملة يف العمل األديب‪ ،‬وكان رائدا يف هذا احلقل‪.‬‬ ‫فالكتابة هبذه الطريقة لدي هي نتيجة ألقتناع اتم حبقيقة إن‬ ‫احلياة اليت يعيشها الكاتبةهي جزء ال يتجزأ من خمياله‬ ‫الروائي وحياة أهله وشعبه وتراثهم وأترخيهم وعقائدهم‪.‬‬ ‫وكتابة رواية تكون مبثابة أستعادة مللحمة احلياة بكل‬ ‫جوانبها الثقافية واحلضارية واإلنسانية‪.‬‬ ‫قلت لفيصل إن العقدة الرئيسية للرواية‪ ،‬إن صح‬

‫التعبري نقداي‪ ،‬هي ثنائية االقتالع من الوطن واهلجرة‬

‫السرية إىل املنفى األورويب عرب رحلة أسطورية من البوابة‬ ‫الشرقية لألمة حىت جناحها الغريب أين خيتار البطل‬

‫الديناري أن "حيرق" ابجتاه الضفة األخرى للبحر‬ ‫‪108‬‬


‫واحمليط‪ .‬لو كان البطل درمها مغربيا الكتفى ابحلرقان‬ ‫حسب املصطلح املعهود اىل أحضان القارة العجوز‬

‫حيث فحولة العريب رمبا تكون مطلوبة‪ .‬لكنه دينار‬ ‫العراقي الذي ال وطن له فهل يستطيع ان حيرق من‬

‫أوطان اآلخرين؟ هذا هو سؤايل‪.‬‬

‫*دينار العراقي‪ ،‬بطل الرواية‪ ،‬ابلرغم من منفاه القسري‬ ‫إال أنه يعيش بقدم يف املنفى وأخرى يف اهلواء‪ ،‬أنه ينتظر‬ ‫أية فرصة ليعود إىل العراق‪ .‬ان العراق بلد ال ينسى وال‬ ‫ميكن التخلي عنه لصاحل املنفى‪ ،‬مهما كانت مزااي هذا‬ ‫املنفى‪ ،‬والعديد من العراقيني وهم من خرية الكتاب‬ ‫والصحفيني العراقيني توقفوا يف هجرهتم يف بلدان عربية‬ ‫وفرت هلم بعض األمان وشكال متواضعا من احلياة‪ ،‬فلم‬ ‫يرغبوا أبكثر من ذلك‪ ،‬ومل يغامروا بركوب البحر إىل اجلهة‬ ‫األخرى من العامل‪ ،‬لسبب بسيط أهنم ينتظرون أن يعودوا‬ ‫يوما إىل العراق املعاىف من الطائفية‪ ،‬واملليشيات‪ ،‬والقتل‬ ‫على اهلوية‪ ،‬واخلراب واجلوع‪ ،‬وانعدام اخلدمات‪ ،‬والرشوة‪،‬‬ ‫واحملسوبية‪ ،‬ومنافقة األحزاب املهيمنة على احلكومة‪ ،‬لكي‬ ‫ينال املواطن فرصة احلياة يف عراق البرتول واخلريات‪.‬‬ ‫‪109‬‬


‫والعقدة يف رواية " سنوات كازابالنكا " تراوح بني حتقيق‬ ‫أبسط شروط العيش يف املنفى العريب أبنتظار فرصة العودة‬ ‫إىل الوطن املعاىف‪ -‬وليس مهما خالل فرتة األنتظار أن‬ ‫يقفز املنفي إىل أوراب من دنيا العرب‪ -‬ألنه برغم هذه القفزة‬ ‫سينظر بنصف عينيه إىل العراق‪ ،‬وسيليب أي إشارة تشري‬ ‫إىل حتسن أوضاع احلياة يف العراق ‪.‬‬ ‫عندي سؤال أخري ال بد منه أبدا‪ .‬فلقد نشرت هذه‬

‫الرواية بطريقة الكتاب اإللكرتوين عوضا عن النشر‬

‫التقليدي كمطبوع ورقي‪ .‬مل التجأت إىل هذا؟ هل هي‬ ‫املوضة واملضي يف درب احلداثة والتحديث ومواكبة‬

‫العصر أم هي اهلروب من أعباء النشر والناشرين وضيق‬ ‫ذات التوزيع؟ كيف صار االختيار وكم كسبت من هذا‬

‫األمر أم تراك خسرت ما خسرت؟‬

‫بيد أن فيصل عبد احلسن مل يكن سعيدا أبدا وهو‬ ‫َ‬ ‫جييب على هذا السؤال‪ .‬وابحلق فقد فوجئت أان شخصيا‬ ‫جبوابه إذ كنت أظنه متحمسا لفكرة النشر اإللكرتوين‬ ‫كخيار متاح للكاتب وليس فقط كبديل يف مرتبة دون‬ ‫النشر التقليدي الورقي‪ .‬يقول يف مكان ما من هذا احلوار‬ ‫‪110‬‬


‫إنه أيسف ألن روايته "سنوات كازابالنكا" طبعت طبعة‬ ‫إلكرتونية فقط‪ ،‬ومل تطبع ورقيا وذلك لعدم وجود انشر‬ ‫يتحمل نفقات الطبع الورقي‪ .‬ويكمل روائينا العراقي قائال‬

‫حل‬ ‫إن * النشر بطريقة النشر االلكرتوين هي احلل ملن ال َّ‬ ‫له‪ ،‬فنحن كتاب العراق املنفيني لألسف يتامى على مائدة‬ ‫اللئام‪ .‬فانظر إىل دائرة الشؤون الثقافية العراقية احلالية‪،‬‬ ‫فبالرغم من إن مديرها العام هو شاعر عراقي وأان أعرفه منذ‬ ‫الثمانينات‪ ،‬إال أن احلل والربط يف النشر ليس بيده‪ ،‬فيما‬ ‫خيص طبع الكتب يف الدار‪ ،‬وهي ابملناسبة املعنية بطبع‬ ‫نتاج الكتاب العراقيني‪ .‬وأتساءل هنا كما يتساءل غريي‬ ‫من الكتاب العراقيني‪ :‬ملن تطبع اليوم هذه الدار؟ ومن هو‬ ‫املسؤول عن إجازة الكتاب فيها؟ وأي النوازع الطائفية‬ ‫والعرقية اليت حترك املسؤول ألجازة هذا الكتاب أو منعه من‬ ‫الظهور؟ وليس املوضوع عنصرية أو عصبية ولكنه عرض‬ ‫للحقائق إلحقاق احلق والعدل يف شأن خيص الكتاب‬ ‫العراقيني وثقافتهم وصناعة الكتاب يف بلدهم‪ ،‬ووطنيتهم‬ ‫أيضا وأتريخ بالدهم‪.‬‬

‫‪111‬‬


‫لينا هويان الحسن‪ :‬أكتب ألمدح‬ ‫الصحراء وألهشم صورة الماضي‬ ‫كاتبة وشاعرة وصحافية من سوراي‪ .‬خترجت يف كلية‬ ‫اآلداب – قسم الفلسفة جبامعة دمشق‪ .‬هلا يف الرواية‪:‬‬ ‫معشوقة الشمس ‪ 6000‬دار طالس الرتوس القرمزية ‪6005‬‬ ‫دار الشموس التفاحة السوداء – ‪ -6000‬دار الشموس‬ ‫بنات نعش –‪ 6001‬دار شهرزاد الشمس سلطاانت الرمل‬ ‫–‪ 6003‬دار ممدوح عدوان‪ .‬وهلا يف الشعر‪ :‬امور صرحية –‬ ‫وزارة الثقافة السورية ‪ .6055‬ويف األحباث هلا‪ :‬كتاب‬ ‫توثيقي عن البادية السورية بعنوان مرآة الصحراء ‪6005-‬‬ ‫دار الشمعة‪ .‬وكتاب – أان كارنينا تفاحة احلزن – دراسة –‬ ‫‪ 6002‬دار شهرزاد الشام‪.‬‬ ‫فوجئت بنمورك الصرحية‪ .‬كأنك أطلقت منور‬ ‫لقد‬ ‫ُ‬ ‫خيالك على اللغة والشكل األديب‪ .‬هل هي اسرتاحة‬ ‫احملارب وأنت تركنني إىل هذا النوع من الكتابة أم انك‬ ‫‪112‬‬


‫جد واعية ملا ارتكبت من معاص يف حق الشعر والنثر؟‬

‫أين تضعني كتابك هذا؟ أان امسيها قصائد نثر ابمتياز‪.‬‬

‫وأنت ماذا تسمينها؟ وملاذا؟‬

‫انطلقت من منطق "الصراحة‪ ،‬املباشرة‪ ،‬املواجهة" هلذا مل‬ ‫أطرح نفسي كشاعرة فأان خملصة ملشروعي الروائي ولكن‬ ‫اإلخالص سيكون ممال إذا مل حتدث بعض اخلياانت‬ ‫الصغرية مثال ‪ .‬وهذا النص "امور صرحية" هو اخليانة أو‬ ‫اهلفوة أو النزوة اليت ارتكبتها عن سابق اإلصرار والتعمد‬ ‫وأعرف متاما أنه يندرج ضمن خانة " النثر" لكن لدى‬ ‫طباعة النص يف وزارة الثقافة اضطرران إلصداره ضمن‬ ‫سلسلة "الشعر" ألنه ال وجود لسلسة" النثر"‪ .‬أان بطبعي‬ ‫أرتكب أشياء وأشياء وأكون واعية متاما ملا افعل هلذا أان‬ ‫جاهزة ألي مسمى ميكن أن يطلق على "امور صرحية‪".‬‬ ‫حسب التصنيفات النقدية املعاصرة فإن منور صرحية‬ ‫يندرج فعال ضمن ما يسمى بقصيدة النثر ‪prose‬‬

‫‪ poem‬ويف الكتاب التماعات ترقى إىل مستوى‬

‫‪113‬‬


‫الشعر الصريح لذا فاان امسي قصائدك أبهنا قصائد‬

‫صرحية وان كان إخالصك للرواية كما تقولني مينعك من‬

‫التصريح بذلك‪ .‬لكن دعيين أسألك ملاذا كانت عوامل‬

‫كتابك الشعري هذا خمتلفة متاماً عن عوامل رواايتك حىت‬ ‫ان أمجل نص يف منور صرحية برأيي كان عن جيمس بوند‬

‫أسطورة السينما العاملية؟‬

‫األدب هو أن خنالف أنفسنا ونفاجئ غريان‪ ،‬ونصوصي‬ ‫الروائية املستلهمة من الصحراء وعامل القبيلة صنفتين سلفا‬ ‫ضمن ثيمة حمددة‪ ،‬ويف امور صرحية عثرت على مساحة من‬ ‫حرية التعبري عن بعض ما أحبه ويعجبين وكذلك بعض‬ ‫أفكاري اخلاصة حول احلب‪ .‬وشخصيات عامة مثل‬ ‫مارادوان وجيمس بوند وأالن ديلون ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫درست الفلسفة يف جامعة دمشق‪ .‬مبعىن‬ ‫أسألك لقد‬ ‫انك درست كيف ميكن لنا ان حنكم على األشياء‪ .‬أان‬ ‫شخصيا اتبىن التعريف القائل ان الفلسفة هي طريقة‬

‫للنظر إىل العامل من اجل تفسريه ومن مث احلكم عليه‪ .‬إىل‬ ‫‪114‬‬


‫أي مدى كان لثقافتك األكادميية ومعارفك العامة التأثري‬

‫على كتاابتك وهل انعكس ذاك التأثري ان ُوج َد سلبا‬ ‫على إبداعك أم إجيااب؟ هال حدثتنا كيف؟‬

‫الفلسفة‪ ،‬ابلنسبة يل هي طريقة لالحتيال على هذا العامل ‪-‬‬ ‫مثال ‪ -‬أن تقول "نعم" وتفعل " ال"‪ ،‬الفلسفة فن "زئبقي"‬ ‫أاتح يل "التالعب" يف "اجلمود" التقليدي اخلاص‬ ‫ابجملتمعات العربية‪ ،‬ومن انصية الفلسفة انطلقت إىل العوامل‬ ‫اليت أحلم فيها وابلطريقة اليت تنسجم مع ما أعتقده بشأن‬ ‫احلياة والكون‪ . .‬فقط هبذه الطريقة أقول ما أريده يف‬ ‫نصوصي دون أن يرتبص يب شبح اإلدانة‪ .‬ومن هنا أعود‬ ‫ت ابللغة الشعرية واجملاز‬ ‫إىل نص امور صرحية‪ ،‬حيث ل ْذ ُ‬ ‫والتورية غريها من أالعيب اللغة ألمدح "االفرتاس" وأن‬ ‫أمدح الذئب واسخر من احلمالن‪ ..‬مدحت األفعى ومسها‬ ‫القاتل بذريعة الشعر مدحت ما مل جيرؤ غريي على مدحه‪.‬‬ ‫هذه الطرائقية الفلسفية اليت تتحدثني عنها األن بشكل‬ ‫غاية يف الدقة هل قمت مبا يناظرها يف حقل نشاطك‬ ‫‪115‬‬


‫اآلخر إضافة للشعر أال وهو الرواية؟ وان كنت قمت‬

‫بذلك حقاً فهل متت االستعانة بنفس اآلليات املذكورة‬

‫أم كان لفن الرواية ان يفرض عليك اجرتاح آليات‬

‫جديدة مناسبة غري تلك اليت استعملتها ملخاطبة العامل‬

‫شعراي؟‬

‫آليات الشعر خمتلفة بقدر كبري عن آليات الكتابة الروائية‪.‬‬ ‫يف الشعر قد نعرب بكلمة أو كلمتني‪ ،‬لكن يف الرواية‬ ‫سنحتاج إىل طريق ‪ -‬ليس سهال أن جنرتح الدروب والطرق‬ ‫ليسلكها بطل صنع من الورق ونرسله اىن نشاء ليقول ما‬ ‫نشاء ‪ -‬سيحتاج الكاتب لكم هائل من هذه اخلدع‬ ‫الصغرية لتصل رسالته‪ . .‬الرواية فن قائم بذاته‪ ،‬وهذا الفن‬ ‫الكبري حيتاج لعدة فنون يتضمنها منها فن "شق الطرق‬ ‫وتعبيدها" بنفس طويل‪ ،‬أيضا فن "التفخيخ ومن مث‬ ‫التمويه" وحني ينفجر النص يكون الكاتب قد أصبح بعيدا‬ ‫وبريئا ومتفرجا وترتك األشياء ملصريها‪ .‬هذه هي الفلسفة‪.‬‬ ‫أدب الصحراء أو الرواية الصحراوية نوع أديب مميز يف‬ ‫‪116‬‬


‫ثقافتنا العربية الراهنة لكنه ضعيف احلضور‪ .‬أان ال أكاد‬ ‫أتذكر غري أمساء إبراهيم الكوين اللييب وعبد الرمحان‬

‫منيف السعودي العراقي األردين وصربي موسى املصري‬

‫ورواايت متناثرة لكتاب مل خيتصوا هبذا الشأن األديب‪.‬‬

‫لكنك ومنذ البداية اختصصت ابلرواية الصحراوية‬ ‫وحتديدا ابلرواية البدوية ان صح التعبري النقدي فهال‬

‫أخربتنا كيف اهتديت إىل هذا اخليار؟‬

‫مل يكن خيارا بل كان قدرا‪ .‬األدب كما احلب‪ ،‬قدر‬ ‫جذاب يقف يف وجهك وال يرتكك تعربه أو تتجاوزه‪.‬‬ ‫عليك املرور خالله‪ .‬وليتم هذا البد من شفافية رهيبة‪. .‬‬ ‫وأان مل اخرت العامل الصحراوي‪ ،‬فأان ابنة لقبيلة "اجلُميله‬ ‫التغلبية" تقامستين املدينة مع البادية وعشت يف عاملني‬ ‫نقيضني وتعلمت من كليهما‪ .‬وحلظة أن قررت دخول عامل‬ ‫األدب مل أعثر على درب إال وكان مير من صحرائي وابدييت‬ ‫وقبيليت‪ .‬كربت بني خرطوش ابرودهم وحدائهم احلريب‬ ‫ومعاركهم الكثرية‪ .‬وورثت اترخيا كامال منهم‪ .‬كنت مهيأة‬ ‫متاما ألكتب نصي الصحراوي وأعيد كتابة املاضي وتذوقه‪.‬‬ ‫‪117‬‬


‫أان مغرمة ابملاضي‪ ،‬حظيت بتاريخ شخصي وماضوي اندر‬ ‫وساحر قلما متنحه احلياة ألحد‪.‬‬ ‫إذن لن يكتب أحد عن الصحراء والبدو رواية إال وكان‬

‫منها ومنهم؟ هل هذا ما ترينه؟ ولكن تل ستوفر‬ ‫الصحراء دوما أبناء هلا متعلمني مثقفني وموهوبني كي‬

‫يكتبوا عنها؟‬

‫الروائي ال يكتب إال نفسه‪ ،‬ينضح من ذاته‪ ،‬يكتب عوامله‪،‬‬ ‫قد يستطيع كاتب حمرتف ان يكتب نصا عن الصحراء‬ ‫دون ان يكون من أبنائها‪ -‬لكنه سيكون مزيفا تفوح منه‬ ‫رائحة االفتعال‪ ،‬الصحراء مكان ذكي ‪-‬مثلما وفر األنبياء‪،‬‬ ‫يستطيع توفري األدابء مىت ما احتاجت الصحراء ألدابء‪-‬‬ ‫وأان مل أكتب إال ألهنا قررت أن أجئ يف املكان والوقت‬ ‫املناسب لتمنحين شرف تدوينها‪.‬‬ ‫قرأت لك يف أدب الصحراء والرواية البدوية اليت ترتبعني‬

‫على عرشها وال ينافسك فيها احد من النساء الكاتبات‬ ‫‪118‬‬


‫خاصة روايتني هنا بنات نعش وسلطاانت الرمل‪ .‬الثانية‬ ‫جذبتين كثريا لكن األوىل سحرتين وتكاد تكون نسيج‬

‫وحدها‪ .‬بنات نعش يتكسر فيها الزمن وتتداخل‬ ‫الشخصيات وتتنوع طرائق السرد من استخدام اللغة‬

‫الشعرية حىت أسلوب التقرير الصحفي‪ .‬بينما بدت‬ ‫سلطاانت الرمل وكأهنا تنحو ابجتاه خلق شخصية ساحرة‬

‫لن تنسى أبدا وهي شخصية محرا املوت‪ .‬هل أبطالك‬

‫دوما هبذه الغرابة أم هم على ارض احلقيقة غربيون؟‬

‫"الغرابة" فكرة جيدة كبداية وكانطالقة من قبل الكاتب‬ ‫صوب األدب‪ ،‬الغريب يلفت االنتباه وجيذب ويعلق يف‬ ‫الذاكرة‪ ،‬وهذا يقودان إىل السحر بعينه‪ ،‬عندما يسحران‬ ‫شيء يعين أنه فتننا‪ .‬وأان افتتنت ببطاليت اللوايت قدمتهن‬ ‫للقارئ أو األصح "سلطاانيت" فأان اعرتفت أين مل‬ ‫أخرتعهن‪ ،‬إهنن موجودات قبلي وشهريات يف التاريخ‬ ‫الشفاهي يف بوادي الشرق األوسط‪ ،‬وأان اختلستهن‪ .‬لقد‬ ‫أعجبنين يف وقت مبكر من عمري‪ ،‬كربت وأردت أن‬ ‫أشبههن‪ -‬رمبا‪ -‬ومن خالهلن حاولت ترسيخ غرابة "قلمي‪،‬‬ ‫‪119‬‬


‫ونصي" وروااييت حىت أبلغ مستوى السحر‪ ،‬أي طموحي‬ ‫أن أكون ساحرة أكرب من طموحي أن أكون روائية‪.‬‬ ‫واألدب ليس إال طريقا صوب طموحي األخري‪" :‬السحر‪".‬‬ ‫ما كنت انوي ولوج هذه املساحة ولكن كالمك عن‬ ‫السحر يستوجب علي ان أقول ودائما ابلعودة إىل‬

‫رواايتك وقصائدك النثرية ان الصيت املأخوذ عن‬ ‫البدوي انه ال يؤمن بشيئني مها االنتحار والسحر هل‬

‫هذا له عالقة مبا تكتبني وكيف يتجلى يف أدبك؟‬

‫مل أمسع عن بدوي انتحر‪ ،‬إنه كائن يقدر احلياة كثريا‪ ،‬وهلذا‬ ‫يؤمنون ابلسحر‪ .‬لقد ترعرعت يف كنف نساء "ساحرات"‬ ‫بكل ما للكلمة من معىن‪ ،‬يضربن ابلرمل يقرأن النجوم‪.‬‬ ‫تعلمت الكثري منهن لكن ال أتكلم كثريا يف هذا املوضوع‬ ‫مع من حويل من أبناء املدن ألهنم خيافون "السحر"‪.‬‬ ‫بطاليت أو "سلطاانيت" كلهن ميارسن السحر ومحرا املوت‬ ‫قتلت واحدة من غرمياهتا بتلك الطريقة يف رواية سلطاانت‬ ‫الرمل‪ .‬السحر أهم أسلحة املرأة لتنفيذ كيدها" العظيم"‪.‬‬ ‫‪120‬‬


‫وأان قدمت بطاليت دائما ضمن هذا االطار‪ . .‬أان بطبعي‬ ‫ال أتنصل من صفات املرأة ونوازعها الطبيعية كالغرية والكيد‬ ‫واحليلة القائمة على خصوصية األنثى‪.‬‬ ‫كيف كان لك ان تكتيب عن الصحراء وأبطاهلا الذكوريني‬ ‫بطريقة نسوية من شأهنا إعالء مرتبة املرأة الصحراوية إىل‬

‫ذرى البطولة؟ أستطيع القول انك عملت يف رواايتك‬

‫على أتنيث الصحراء وهي املذكر العصي على نون‬

‫النسوة‪ ،‬فهل طمحت يف أدبك إىل قهر ذلك الرجل‬

‫الصحراوي الذي ال ينتحر وال يؤمن ابلسحر بدفنه حتت‬ ‫سحر إانث الصحراء شبيهات الغزالن ولكن أيضا‬

‫السلطاانت على الرمال؟‬

‫ال نساء غزاالت يف الصحراء‪ ،‬تلك شائعة أطلقها الشعراء‪،‬‬ ‫الغزال كائن مجيل ورشيق يف كل الظروف ليحظى ابهلروب‬ ‫من مفرتسيه‪ ،‬بينما نساء الصحراء أخبث من الغزالن‪ ،‬وال‬ ‫يطمحن ‪-‬على طريقة احلركة النسوية مثال‪ -‬بقهر الرجل أو‬ ‫حىت مساواته‪ ،‬إهنن يطمحن للسيطرة عليه مهما كانت‬ ‫‪121‬‬


‫الوسيلة‪ .‬حىت لو كان ابلسحر وغريه من املمارسات‪ .‬الرجل‬ ‫هو الطرف املغلوب على أمره بشكل ما يف الصحراء فهو‬ ‫حيارب ويقاتل ويقتل وحيرز البطوالت ليلفت انتباه حمبوبته‬ ‫اليت لن توفر طريقة يف استفزاز رجولته لتمنحه نفسها‬ ‫أخريا‪ .‬إهنن نساء مثنهن غال وابهظ‪ .‬وعذرا من نساء املدن‬ ‫ألن هذا املنطق مل تعرفه املدن كما عرفته البوادي فالرجل‬ ‫مطالب أن يكون فارسا وفتاكا حىت حيظى مببتغاه من‬ ‫حمبوبته‪ .‬الصحراء ابختصار مل تكن يوما إال أنثى وداهية‪.‬‬ ‫تكثرين االستشهاد يف رواايتك مبقتبسات من مستشرقني‬ ‫رحالة زاروا منطقة وادي الفرات وابدية الشام وكما يبدو‬

‫يل فإنك تعملني استشراقا معكوسا من حيث زاوية‬ ‫الرؤية ابلنسبة للراوي املضمر داخل السرد الروائي‬

‫عندك‪ .‬هل يفتح هذا التكنيك الباب أمام اهتام رواايتك‬ ‫أبهنا إمنا تكتب استجابة للنداء االستشراقي هذا‬

‫املتضمن رؤية كل ما هو قدمي ومتخلف يف حياة الشرق‬

‫على انه غريب وشاعري؟‬

‫‪122‬‬


‫لقد كتبت استجابة لنداءات عميقة الغور تعتمل يف‬ ‫داخلي‪ .‬ولقرون طويلة مل يلج الصحارى والبوادي غري‬ ‫املستشرقني وهم جواسيس‪ .‬واجلاسوس ال يكذب يف‬ ‫تقاريره‪ .‬وهلذا اعتمدت بعض تلك التقارير كتوثيق البد منه‬ ‫واان أتوىل مهمة كتابة نص مل يكتب قبال فكيف يل أن أقنع‬ ‫قارئ ال يعرف عن البدوي إال اخليمة وابنة العم كما روجت‬ ‫الدراما العربية التعيسة واهلشة لسنوات طويلة أبن ذلك‬ ‫البدوي أنشأ دوال عصية مل ترضخ للعثمانيني؟ وإن سالطني‬ ‫الشرق كانوا يتملقون زعماء تلك القبائل؟ كان البد من‬ ‫الوثيقة من ابب احرتام تفكري القارئ وتزويده مبعلومة‬ ‫يستحقها عن عامل شبه جمهول‪ .‬وشئنا أم أبينا فإن العامل‬ ‫البدوي موسوم ابلشاعرية وهذا له مربراته الكثرية عرب‬ ‫التاريخ ‪.‬‬ ‫احلب يف رواايتك ممزوج ابلدم ومسلكه وعر حتف به‬

‫األخطار رغم ليونة الدخول فيه يف البداايت‪ ..‬هل‬ ‫احلب وتناوله هبذه الطريقة هو السبب األول يف طغيان‬

‫‪123‬‬


‫اللغة الشاعرية على أعمالك الروائية وخاصة سلطاانت‬

‫الرمل؟‬

‫ال انفصال ما بني احلب والشاعرية‪ ،‬حيث يكون احلب‬ ‫ستكون الشاعرية موجودة‪ .‬وللحب نكهات خمتلفة‪.‬‬ ‫ولنكهة "الدم" مذاق خاص ال ينتسى‪ ،‬قد يكون صعبا‬ ‫ومثريا العرتاض القارئ مثل حب قطنة الكنج لطراد الزبن‬ ‫واحلرب اليت تسببت هبا‪ .‬لكن هكذا حيدث التاريخ‬ ‫ابلضبط‪ .‬ولطاملا كان "احلب" الذريعة الفضلى اليت‬ ‫يستعملها التاريخ بني وقت وآخر ‪-‬رمبا‪ -‬ليضفي على‬ ‫نفسه الشاعرية ذاهتا‪ . .‬وهلذا فالشاعرية عنصر جذب‬ ‫رئيسي للقارئ‪ .‬ولنا أن تستعرض الرواايت اليت تتصدر‬ ‫عرش القرن العشرين ‪-‬مجيعها‪ -‬تتميز ابلشاعرية‪ .‬وليس كل‬ ‫األدابء قادرين على إضفاء ميزة الشاعرية على نصوصهم‪،‬‬ ‫ألهنا ميزة ال تفتعل أبدا متاما كاحلب‪.‬‬ ‫سيحسدك الروائيون على عناوينك وخاصة بنات‬

‫نعش‪ ..‬ما داللة ورمزية هذا العنوان حتديدا خاصة وانه‬ ‫‪124‬‬


‫يتكرر داخل نسيج الرواية ككناية نسوية‪ .‬هل ميكن‬ ‫القول ان بنات نعش داللة على حلم البدو املفقود حتت‬

‫سرفات مكائن احلياة احلديثة؟‬

‫بنات نعش‪ ،‬إهنن إانث السماء املدوخات‪ .‬لقد كربت وأان‬ ‫أنظر إىل السماء ليال ‪ .‬تقريبا أان أحفظ أمساء النجوم‬ ‫ومواعيد بزوغها ومعانيها ‪.‬لكن بنات نعش قد فتنتين‬ ‫حكايتهن‪ ..‬النجمات السبع اللوايت حيملن نعش أبيهن يف‬ ‫كل ليلة يطلنب الثأر‪ ،‬رمبا ألين شخصيا أؤمن بشرعية‬ ‫الثأر‪ ،‬فلوال الثأر لتحولت الصحراء إىل مكان تعمه‬ ‫الفوضى‪ ،‬عندما نثأر ألنفسنا فإننا حنافظ على ختومنا حممية‬ ‫وهذا سر أن القبائل العربية ظلت حتمل ذات األمساء ‪-‬‬ ‫بعضها‪ -‬خلمسة آالف عام‪ ،‬والسماء أنثى تعتمد ذات‬ ‫التكنيك‪ ،‬النجوم ختاطب بعضها عرب الربيق‪ ،‬وهتدد بعضها‬ ‫وتنتقم مرسلة النيازك والشهب الفتاكة‪ . .‬السماء تشبهنا‬ ‫حنن البشر وهذا ما سيجهله دائما أبناء املدن وما سيعرفه‬ ‫دائما أبناء الصحارى‪.‬‬

‫‪125‬‬


‫تدور فصول من روايتك بنات نعش يف العراق إابن‬

‫االحتالل اإلنكليزي للبالد أوائل القرن العشرين ومثة‬ ‫حديث داخل الرواية عن التفريعات الطائفية والعرقية‬

‫واملذهبية اليت كانت مبثابة حتدايت تواجه املنطقة برمتها‬

‫تلك الفرتة‪ .‬هل يصح القول ان مثة استشراف ورمبا‬ ‫نبوءة كان كامنا يف الرواية وها قد وجد نفسه متحققا‬

‫اآلن وهنا يف منطقة اهلالل اخلصيب وقلبها صحراء بالد‬

‫الشام؟‬

‫من هواايت األدب أن يكون مبثابة نبوءات‪ .‬كتبت الرواية‬ ‫بعد قراءة متأنية لتاريخ املنطقة‪ ،‬وما تضمنته وقد يبدو‬ ‫مبظهر النبوءة‪ ،‬جاء تلقائيا عقب مناورة معمقة لذلك‬ ‫التاريخ‪ ،‬وال ننسى أن التاريخ يعيد نفسه‪ ،‬أمتىن لو أن رواية‬ ‫بنات نعش تُقرأ مرة أخرى وستمنح القارئ ما سيفاجئه‬ ‫حتما‪.‬‬ ‫هل لنا أن نعرف من أين استللت مادتك التارخيية تلك؟‬ ‫‪126‬‬


‫تطلب مين األمر قراءات مكثفة لكل ما وصلت إليه يدي‬ ‫من كتب وتقارير ومنشورات صحفية متناثرة‪ ،‬أيضا قرأت‬ ‫"استشراق" إدوارد سعيد‪ ،‬حىت أجتنب املطبات احملتملة‬ ‫لدى اخلوض يف هذا اجملال‪ ..‬وأمخن أين جنحت بشكل‬ ‫معقول يف تزويد النص هبوامش توثيقية جاءت لصاحل‬ ‫الرواية‪.‬‬ ‫وابلنسبة للتوثيقات اخلاصة حبياة البدو والبادية‪ ،‬هل كل‬

‫مرجعياتك هي شفوية أم مثة مدوانت صحراوية رمبا‬

‫حمدودة التداول؟‬

‫املرجعيات التوثيقية املتعلقة ابالستشراق وحدها مدونة‪ ،‬يف‬ ‫حني تضمنت الرواية كثري من املعلومات حول الصقور‬ ‫واخليول واألسلحة وأسرار نبااتت الصحراء غالبها شفاهي‬ ‫قمت بتدوينه خصيصا لصاحل الرواية‪ ،‬هذا عدا عن‬ ‫استذكارايت‪ ،‬فأان أمحل ذاكرة بدوية ختولين أن أزعم أهنا ثرية‬ ‫للغاية ‪-‬ابختصار امتلك منجما حقيقيا هبذا الشأن‪.‬‬ ‫‪127‬‬


‫هل كل شخصياتك النسائية يف سلطاانت الرمل ويف‬ ‫بنات نعش متخيلة أم هلا ظالل من الواقع؟ وكم هي‬

‫نسبة حلول أجزاء من شخصيتك أنت ككاتبة داخل‬

‫نسيج الشخصيات خاصة وانك ابلفعل تنحدرين من‬

‫أرومة بدوية صحراوية حقيقية النسب واالنتماء؟‬

‫الرواية تتضمن سلفا اعرتافا حبقيقية بعض السلطاانت‪،‬‬ ‫وأيضا تضمنت إشارات واضحة إىل تلك الشخصيات‪،‬‬ ‫مثل محرا املوت وقطنة الكنج‪ .‬ومثة سلطاانت اختلستهن‬ ‫من التاريخ الشخصي القريب جدا من عائليت‪ .‬وال يسعين‬ ‫اإلنكار اين كتبت شيئا من ذايت‪ ،‬األدب مرآة تعكس‬ ‫داخل الكاتب‪ .‬وكل كاتب ينكر ذلك هو كاذب‬ ‫ابلتأكيد‪ .‬كتبت "املرأة" كما أراها وكما تربيت على‬ ‫رؤيتها‪ .‬ابتداءاً من أيب كان للرجال دور حقيقي يف تشكيل‬ ‫" سلطاانيت" كما حضرن بشكلهن األخري يف رواية‬ ‫سلطاانت الرمل وكما برزن يف رواية بنات نعش‪ .‬وقد‬ ‫أشرت إىل ما قاله األمري أمني أرسالن عن قطنة الكنج وهو‬ ‫‪128‬‬


‫الذي رآها مرتني يف عمان‪ .‬ذكرت ذلك على الغالف‬ ‫وضمن هوامش الرواية‪.‬‬ ‫حاول بعض النقاد ممن كتبوا وبعض القراء من النقاد‬

‫والكتاب ممن مل يكتبوا بع ُد وخضت معهم شفواي بشأن‬ ‫رواايتك‪ ،‬حاولوا القول ان مثة منطقة من االرتباك تظهر‬ ‫يف ادبك اذا ما نظران إليه من وجهة نظر النسوية أو‬

‫الفيمينيزم أي النقد النسوي لألدب‪ ،‬واألمر متعلق‬

‫بكونك امرأة تكتب رواية عن حياة الصحراء والبداوة‬ ‫عرب نساء صنعن مسارب تلك الصحراء لكن خلف‬ ‫تلك الغاللة من الشفافية اليت تقرب من الرومانسية‬

‫تقيع مالمح اللعبة الروائية احلداثية جدا ولنقل إهنا ما‬ ‫بعد حداثية وهاك ملمح منها أنت أشرت إليه أنفا أال‬

‫وهو الوثيقة والتقرير التارخيي ومدوانت الرحالة‬ ‫املستشرقني اخل وسؤايل هو كم هي نسبة وعيك بكونك‬ ‫تكتبني رواية ضمن اقوى شروط احلداثة وما بعدها؟‬

‫هنا ستحضر صديقيت الفلسفة‪ ،‬كل من درس الفلسفة‬ ‫‪129‬‬


‫يعرف أن النقد اجلمايل واألخالقي من أهم "املواد‬ ‫الدراسية" يف هذا التخصص‪ ،‬أي ابختصار أان واعية متاما‬ ‫ملا افعل ورمبا القليلني هم من النقاد أنفسهم اطلعوا حقا‬ ‫على مفهوم الرواية ألـ ‪ -‬ما – بعد ‪ -‬حداثية‪ ،‬وحني كتبت‬ ‫سلطاانت الرمل وضعت نصب عيين مفهوم املروايت‬ ‫الكربى عند بول ريكور‪ ،‬أيضا أان من املعجبني بتفكيكية‬ ‫جاك داريدا ومغرمة بفكرة " اهلدم" هلذا سريتبك الناقد ألين‬ ‫أزعم أين سبقته أبشواط‪ ،‬ونصوصي القادمة يفرتض أهنا‬ ‫سرتسخ مشروعي األديب واألسلويب‪ .‬الرواية جنس أديب ثري‬ ‫وفسيح يتيح كل أشكال السرد ومن هنا أنطلق عندما‬ ‫أكتب‪.‬‬ ‫بدأ السر الكتايب يتضح‪ .‬وأنت كاتبة بعدة أوجه ركيزهتا‬

‫الفلسفة ووسيلتها الشعر‪ .‬واهنا لذخرية ال يتحصلها كل‬

‫شخص بسهولة‪ .‬وحسب جاك ديريدا فإن النص بال‬ ‫بنية معطاة سلفا ألن أساس أية بنية هو مركزها والتمركز‬

‫متشظ يف عرف التفكيكية إىل مراكز كل واحد منها له‬

‫منطق مركزي‪ .‬بناءاً على هذه الرؤية الفلسفية هل‬ ‫‪130‬‬


‫استطيع القول ان سردك الروائي يف حقيقته الدفينة هو‬

‫ماض يف هتشيم البنية األساسية للحياة الصحراوية‬

‫والفردانية البدوية بينما هو يف ظاهره متجيد لقيم‬

‫الصحراء؟‬

‫الك يغريين جبرعة عالية من الصراحة‪ :‬أان أكتب ألهشم‬ ‫سؤ َ‬ ‫ما رسخه كل اجليل السابق من األدابء وحىت زمالئي‬ ‫املعاصرين خبصوص رأيهم ابملاضي والتاريخ "العريب"‬ ‫حتديدا‪ .‬أكتب ألمدح الصحراء وألهشم املاضي العريب‪..‬‬ ‫خذ مثال النظرة التقليدية حلرب البسوس أو داحس والغرباء‬ ‫يعتربها املنطق األديب إهنا وصمة عار بتاريخ العرب وهذا ما‬ ‫ال أراه أان إاما أرى العكس‪ . .‬صعب أن أشرح ذلك لكن‬ ‫سهل أن أكتب نصا أدافع فيه عن وجهة نظري‪ .‬عاجال أم‬ ‫آجال سيكتشف الكثري من زمالئي عداويت الدفينة ملنطق‬ ‫نصوصهم ورؤيتهم القاصرة لتارخينا وللشخصية العريب‪،‬‬ ‫أيضا عداويت املشهرة لنصوص زمياليت الكاتبات "‬ ‫النسوايت" اللوايت قدمن نصوصا ال حتتاج جلهد تفكيكي‬ ‫ألهنا أصال ممزقة ومهرتئة حتمل منطقا ساذجا حياكم الرجل‬ ‫‪131‬‬


‫عدو‪ ،‬وحتمله كل خيباهتا العاطفية‪ .‬أان أقدس الفرادنية‬ ‫كأنه ٌ‬ ‫وكل ما كتبته يصب يف خدمة هذه الفكرة وحىت "امور‬ ‫صرحية" خطوة واضحة يف هذا االجتاه‪ .‬ابلنسبة للحياة‬ ‫الصحراوية "أفككها" ليسع القارئ "التلذذ" مبا اقدمه‬ ‫وأحكيه‪.‬‬ ‫سؤال أخري قد يبدو مقحما‪ ،‬لكن ال بد منه‪ :‬هل تلهثني‬

‫شأن زميالتك خلف اجلوائز؟ مثة من يقول ان عينك‬

‫على بووكر العربية‪ .‬ما رايك؟‬

‫أهلث وراء الزمن الذي يقيم كل شيء ويرتب ويرسخ‬ ‫ويذكي‪ .‬اجلوائز ال تنقذ نصا رديئا من سلة املهمالت ‪.‬‬ ‫عيين على أكرب عدد ممكن من القراء‪ .‬أيضا أهلث وراء‬ ‫الرتمجة إىل لغات أخرى ألهنا الطريق الصحيح لالنتشار‪.‬‬

‫‪132‬‬


‫الروائي العراقي حسين رحيم‪:‬‬

‫الروايات كثيرة والروائيون قليلون‬ ‫صدرت مؤخرا عن دار ليندا للطباعة والنشر يف سوراي‬ ‫رواية بعنوان أبناء السيدة حياة للكاتب العراقي حسني‬ ‫رحيم بواقع ‪ 693‬صفحة من القطع املتوسط تتحدث عن‬ ‫شخصيات يقودها هاجس البحث عن فكرة التواصل مع‬ ‫احلياة املليئة ابلتقلبات والتحوالت اإلنسانية يف خضم‬ ‫التداخل ما بني احلياة واملوت وفكرة اخللود والصراع األبدي‬ ‫بني عوامل اخلري والشر وتواتر احلكاايت بني أألبناء‬ ‫واألحفاد وحتول الوقائع إىل أساطري من خالل السيدة حياة‬ ‫وأبنائها وأحفادها ومن مث التأمل يف معىن اخللود بوصفه‬ ‫فكرة أزلية عند البشر‪ .‬وكل ذلك جيري يف إطار مدينة‬ ‫املوصل مشايل العراق أين رأى كاتبنا النور عام ‪ 5311‬وهو‬ ‫إىل ذلك عضو احتاد األدابء يف العراق وعضو احتاد كتاب‬ ‫األنرتنيت العراقيني‪ .‬أصدر حسني رحيم من قبل رواية أوىل‬ ‫بعنوان ( ِالقران العاشر) عن اهليئة املصرية العامة للكتاب‬ ‫‪133‬‬


‫عام ‪ 6001‬وجمموعة قصصية ابسم (لعنة احلكوايت)‬ ‫وجمموعة مسرحيات (اإلخوة ايسني) عن مكتب العال‬ ‫ابملوصل عام ‪ 2010‬كما عمل حمررا ثقافيا لعدد من‬ ‫الصحف املوصلية‪ .‬ترصد رواية ابناء السيدة حياة‪ ،‬وعرب‬ ‫سلسلة من أألحداث والوقائع ذات الطابع الكارثي‬ ‫واألسطوري‪ ،‬حتوالت أسرة عاشت يف أزقة املوصل العتيقة‬ ‫وصوال إىل املستقبل البعيد حبثا عن وهم اخللود‪ .‬هنا حوار‬ ‫مع الكاتب مبناسبة صدور روايته اجلديدة‪:‬‬ ‫‪ :‬من أين جئت إىل الرواية؟ ال يبدو انك ولدت‬‫روائيا‪ ،‬فلرمبا مارست صنوفا أخرى من التعابري األدبية‬

‫أو الفنية قبل ذلك‪ .‬اسرد لنا مسريتك تلك‪ ،‬من‬

‫(خطاابت جماورة) للخطاب الروائي‪ ،‬إىل فتح الباب‬ ‫واسعا أمام التدفق يف الكتابة الروائية حتديدا‪ ،‬مما أفضى‬

‫بك إىل إنتاج أعمال ضخمة كان آخرها رواية أبناء‬ ‫السيدة حياة الصادرة مؤخرا يف سوراي‪.‬‬

‫‪134‬‬


‫‪ :‬دائما ما تشكل البداايت هوية ما سيأيت فيما بعد‪،‬‬‫لذلك كانت أسئليت يف بداايهتا ال شكل هلا ألهنا جاءت‬ ‫من رحم دهشيت ابلعامل واملوجودات من حويل ورمبا هي نواة‬ ‫ملا كتبت لكين استطيع القول إن أوىل بوادر معرفيت كانت‬ ‫من قراءايت املزمنة للحكاايت وسري أألبطال الشعبيني‬ ‫واملالحم القدمية واليت أسطرت خميليت فيما بعد‪ .‬فالوقائع‬ ‫واألحداث وحركة الناس وردود أفعاهلم وعالقاهتم بعضهم‬ ‫ابلبعض اآلخر واليت تشكل مبجملها حركة اجملتمع‪ ،‬كانت‬ ‫شكال من أساطري نسجتها خميليت لتتحول فيما بعد إىل‬ ‫أيقوانت ملا سيأيت رغم إن احلرف يف بدااييت مل يكن رفيقا‬ ‫ألصابعي فيما كان قلم الفحم والفرشاة مها مسرب ما‬ ‫خيتلج يف أعماقي‪ .‬كان هوسي وجوه الناس والضوء‬ ‫والظالل اليت كانت تشدين إىل الورقة البيضاء واللوحة فيما‬ ‫بعد ورائحة أأللوان الزيتية‪ .‬ومبرور الوقت بدأ قلم الفحم‬ ‫والفرشاة تضيق خطوطه وألوانه فتحولت من لغة البصرايت‬ ‫إىل سيدي احلرف الذي ما خذل خميليت‪ .‬وحيث إن‬ ‫ذكراييت يف املدينة جاءت من اكثر من مكانية موصلية فقد‬ ‫تنوعت رؤييت إىل أزقتها وبيواتهتا وسواقي املياه يف أألزقة‬ ‫‪135‬‬


‫وتلك الرائحة اليت متيزها العفونة واألكل البائت لذلك‬ ‫كانت هذه الفوضى املنظمة لألمكنة والروائح والوجوه‬ ‫املشحونة ابلتعب والالجدوى ومضات جمروحة يف أغلب‬ ‫أعمايل‪ .‬من هنا جاءت الرواية عندي مبثابة املصب‬ ‫احلقيقي هلجري الالجدوى يف أعماقي ومل يكن سوى‬ ‫الكتابة وال شيء غريها‪.‬‬ ‫‪ :‬إذن هل نستطيع أن نتلمس بوضوح أتثريات‬‫املخيال البصري الذي سكن بداايتك يف نسيج العمل‬ ‫الروائي لديك فيما بعد؟ ان كان اجلواب بنعم‪ ،‬فكيف‬

‫جتلى ذلك؟ وعلى ذكر املؤثرات األساسية خليال الروائي‬

‫فإنه من املعلوم إن جيمس جويس مثال كان ينطلق دوما‬

‫من مؤثرات صوتية وذلك لضعف البصر لديه منذ‬ ‫بواكري حياته بينما كان مارسيل بروست ينطلق من‬

‫أرضية بصرية فازدان عنده الوصف املسهب املتشرب‬

‫لتالوين الطيف‪.‬‬

‫‪136‬‬


‫‪ :‬أستطيع القول ان الصورة كانت نواة اشتغال خميايل‬‫البصري يف معظم أعمايل لكن ليست استنساخا أو مناقلة‬ ‫من مكان إىل آخر بل يف أغلبها كانت خملقة يف الذاكرة مث‬ ‫أكتبها بطريقيت‪ ،‬ذلك إن البصرايت كائنات خرساء ال متنح‬ ‫مكنوانهتا بسهولة لذلك وجب على املخيلة أن تصنع ما‬ ‫شاء هلا من افرتاضيات للمكان لألشخاص كي تعيد ترتيب‬ ‫أألمور على وفق ما تقوله الرواية‪ .‬ولعل غاستون ابشالر يف‬ ‫حتليله للمكان واملاء وأحالم اليقظة كان أحد مداخلي فيما‬ ‫كتبت عن روح الصورة لألشياء‪ .‬ورغم كل ما ذكرت فإن‬ ‫املكان أو اإلحساس ابملكان أو رائحته أو صوته هي‬ ‫دعامات للرواية ال غري‪ ،‬وال تدخل يف النسيج احلقيقي ملا‬ ‫أكتب‪ ،‬ألن ما يعنيين حقا هو الروح اإلنسانية يف تقلباهتا‬ ‫وصريوراهتا وحتوالهتا وحركتها ابجتاه احلرية واخللود‪.‬‬ ‫‪ :‬كيف أمكنك املواءمة ما بني حتوالت الروح‬‫اإلنسانية وتقلباهتا وبني املكان املوصلي يف روايتك‬

‫وهيمنة مفردات ذلك املكان؟ لقد ذكرت أنت غاستون‬

‫‪137‬‬


‫ابشالر واهتمامه جبماليات املكان ولكنه هو نفسه من‬

‫مفهومي املكان والفضاء‪.‬‬ ‫دعاان للتفريق بني‬ ‫َ‬

‫‪ :‬يف رواييت األوىل (القران العاشر) يكون مفتتحها على‬‫لسان البيت الذي هو مركز الرواية ويتحدث عن كيفية‬ ‫إنشائه وصخوره اليت جاءت من عدة أمكنة وشكلت بناء‬ ‫هذا البيت بذاته ولذاته مبعىن كينونة منفصله أي إنين‬ ‫أخرجت البيت من هويته املكانية واصبح عندي بطال من‬ ‫أبطال الرواية ويبقى معهم حىت بعد رحيلهم هناية الرواية‬ ‫لذلك حني أحتدث عن مكان اقصد مكاان بعينه وليس‬ ‫بذاته كذلك أألمكنة العديدة يف أبناء السيدة حياة (عوجة‬ ‫املا تطلع) أي الزقاق املسدود‪ ،‬أان ال أتعامل معها بوصفها‬ ‫مكانية بل هي أجزاء من أبطاهلا اجملروحني يف العامل‪ .‬املكان‬ ‫عندي اي صديقي هو طعم املغادرين أو ما تبقى منه‬ ‫فاإلنسان هو من يصنع املكان لذلك فضاء املكان‬ ‫وتشكيالته ال ختتلف عن اجلسد البشري من انحية‬ ‫التحصني واإلحساس ابألمان‪ .‬والوعي عندي يف الرواية‬ ‫كما يقول ادموند هوسرل هو نوعي شيئا ما‪.‬‬ ‫‪138‬‬


‫‪ :-‬اندرا ما توفر الروائي العريب على ثقافة غري أدبية‬

‫كما أملح اآلن يف إجاابتك وانت تتحدث عن ابشالر‬

‫وهوسريل وغريمها من الفالسفة واملفكرين‪ .‬إىل أي مدى‬

‫كان لثقافتك الفلسفية التأثري على منط الكتابة الروائية‬

‫لديك؟ وهل هذا التأثر والتأثري ضروري للروائي؟ هل‬

‫كانت تلك املزاولة يف الفلسفة ضمن فرتة البواكري‬ ‫وتوقفت مبجرد احرتافك الكتابة الروائية‪ ،‬أم إهنا ما‬

‫زالت سارية املفعول معك حلد اآلن؟‬

‫‪ :‬يف البدء أقول ان الرواية ليست حكاية وال جمموعة‬‫حكاايت وال هي سرية ذاتية لشخص او مكان وال هي‬ ‫جمموعة أفكار ورؤى وال هي كشف خلبااي التاريخ يف‬ ‫املسكوت عنه واحملظور وال هي رسم دقيق لشخصيات‬ ‫اجتماعية بل هي كل هذه وتلك لكن بعقل فيلسوف‬ ‫وعني شاعر وخيال فنان لذلك فهي جنس أديب يشتمل‬ ‫على رؤية فلسفية عميقة للعامل لذلك فقراءايت يف بواكري‬ ‫حيايت للفلسفة الوجودية واملاركسية والظاهراتية واليت‬ ‫عمقت معرفيت ابلعامل دواما حاجة لتبنيها قد مهدت لكتابة‬ ‫‪139‬‬


‫الرواية عندي وخباصة (القران العاشر) اليت اخذت مين زمنا‬ ‫طويال من حبث روحي عن (حاطوم) اجلد‪ /‬األبن‪ /‬احلفيد‬ ‫وذلك السفر الطويل بني احلياة واملوت وذلك بني أعلى‬ ‫جتليات اشراقات الروح وأدىن نوازع البشر الدونية نبوءة‬ ‫الشر ملستقبل العامل حني يعم اخلراب كل شيء ويعود كرة‬ ‫أخرى أبمل التواصل مع أآلخر بروح خالقة وتواقة اىل‬ ‫التحرر‪ .‬واستطيع ان اقول عن معىن اخللود يف ابناء الساللة‬ ‫ساللة اجلدة حياة يف حتوالهتا وصريورهتا ابجتاه اخللود‬ ‫املزيف هي ايضا خارج نطاق املرئي واملسموع يف احلاضر‪.‬‬ ‫‪ :‬ملاذا (ع) كاسم؟ ما سبب الرتميز به يف حني ان‬‫ابقي الشخوص حيملون امساء حقيقية كاملة؟ اي داللة‬

‫تقبع خلف هذا؟‬

‫اهنا اجلدة أألوىل للسيدة حياة وهي الرقيب أألول على‬‫ساللة هذه العائلة وهي العني الباصرة هلا‪.‬‬ ‫ ‪ :‬اذن هي (عني احلياة) كما يف االسطورة؟‬‫‪140‬‬


‫‪ :‬رمبا‪ ،‬من يدر ي!‬‫‪ :‬يالحظ ان ضمري الغائب هو املسيطر على عملية‬‫احلكي يف الرواية لكن مثة ضمري متكلم يرتاوح هنا‬

‫وهناك‪ .‬هل هلذا اي معىن مرتبط ابلسياق الكلي للعمل‬ ‫أم انه قصور منك يف توظيف الراوي العليم ذاك الذي‬

‫يعرف كل شئ يف الرواية؟‬

‫‪ :‬قطعا القصدية واضحة فيما أردته وإنه لذكاء منك أن‬‫تكتنه مغزى استخدام الضمائر يف الرواية‪ ،‬لكن (الروي)‬ ‫بلغة املتكلم أو املخاطب أو الغائب فرضته علي حركة‬ ‫الشخوص والوقائع داخل الرواية ورمبا هذا يقع ضمن خانة‬ ‫العقل النقدي الذي هو من يستطيع ان يضع أألمور يف‬ ‫نصاهبا الصحيح‪.‬‬ ‫‪ :-‬روايتك أبناء السيدة حياة مشحونة ابملفردات‬

‫العامية وخاصة عامية مدينة املوصل وحىت انه مثة‬ ‫‪141‬‬


‫حوارات كاملة داخل النسيج السردي ابلعامية‪ .‬ملاذا؟‬ ‫هل كنت تروم الواقعية التسجيلية أم انك تريد إيهام‬

‫القارئ أبن الرواية تتحدث عن (آخرين) هم يف النهاية‬

‫ليسوا (أنت)؟‬

‫‪ :‬املوصل مدينة توحي للوهلة أألوىل أبهنا مغلقة لكنها‬‫مفتوحة على نفسها من الداخل لذلك هذا االنفتاح‬ ‫واالنغالق على الداخل واخلارج جعلين يف أحايني كثرية‬ ‫ادخل نسيج احلدث الداخلي وأتقنع بلغته من خالل‬ ‫استخدامي لبعض املفردات واليت هي أصلها من الفصيح‪.‬‬ ‫ابإلضافة لذلك أان ال عالقة يل بشخوصي وأقف على‬ ‫مسافة واحدة منهم مجيعا‪.‬‬ ‫‪ :‬أريد منك مرة أخرى التوقف عند ملمحني أساسيني‬‫يف روايتك اليت بني ايدينا‪ :‬مسألة السارد الضمين‬ ‫وعالقته ابلراوي العليم كيف مت توظيف هذه اجلدلية‬

‫داخل الرواية مبعىن‪ :‬من الذي يروي؟ وملن يروي؟ وما‬ ‫حدود معرفة الراوي الضمين ابلشخوص ودواخلهم؟‬ ‫‪142‬‬


‫وهل السارد الضمين هو نفسه احلقيقي؟ هل انت‬

‫كمؤلف هو (أنت = هو) َك َراو؟‬

‫‪ :‬الالمتوقع يف األحداث الوقائع حركة الناس وعالقاهتم‬‫داخل منت الرواية اشتباك الزمن تقلب القلوب وتنازع‬ ‫العاطفة بني ما هو انري وترايب يف حتوالت النفس البشرية‪،‬‬ ‫كل هذه كيف تظهر؟ كيف يتم احلديث عنها ؟ أكيد من‬ ‫خالل فالتر احلكاية‪-‬الرواية‪-‬السرية ومن مث أسطرهتا‪ .‬اذن‬ ‫ما يهم هو كيفية عرضها او بسطها كسجادة حيكت‬ ‫مبهارة حائك حمرتف تقعد عليها الذاكرة يف اسرتاحة لفن‬ ‫الروي‪ .‬يف ابناء السيدة حياة كان هناك رجل الفندق‬ ‫واجلاذيب والسيد وادي عكاب والشايب واملقنع اهنم رواة‬ ‫سري الرواية اهنم أرواح تلون وجه احلكاية أبلوان اخلرافة‬ ‫واخليال اجلريح يالحقون ابطال الرواية حىت أألحفاد‪ .‬ان‬ ‫التواتر هو عصب املشكلة ففي كل حقبة هناك راو جديد‬ ‫للحكاية يسقيها كما يرغب من عسل الكالم وتبقى اللعنة‬ ‫يف كل مرة تطل عليهم لتطمئن اىل سري أألمور على وفق ما‬ ‫رمسته خارطة طريقها أألسود الذي بيضه صباح أبشراقه كل‬ ‫‪143‬‬


‫مرة يف جسد جديد‪ .‬حني يبدأ صباح بكتابة الرواية بعد ان‬ ‫اجتاز عقبات ومطبات عشق كثرية جند انه يعيد سرد‬ ‫حكايته لكن بطريقة السارد املا‪-‬بعد‪-‬الضمين‪ ،‬وهكذا‪..‬‬ ‫إن املعضلة تكمن يف ان كل الناس حكواتية بشكل او‬ ‫آبخر ويعيدون سرد وقائعهم املعادة واملكررة دائما منذ‬ ‫آالف السنني‪ .‬حنن يف أفضل احوالنا اجساد جاءت من‬ ‫بقااي أسالفنا اليت ذابت يف أدمي أمنا أألرض‪ .‬ان أألحداث‬ ‫والوقائع ظاهرها عشوائي لكن ابطنها متموسق ابجتاه‬ ‫خراب الروح‪ .‬ان تقنية تعدد أألصوات ما بني رواية اخلرافة‬ ‫ورواية الوقائع هو شكل من دايلكتيك هيجلي الستبيان‬ ‫حقائق حمجبة أبقنعة كثرية ليخرج يف النهاية الثالث القوي‬ ‫اجلارح الكاشف لوهم الكثري من املسلمات يف عامل خيلو‬ ‫من العدالة واالنصاف‪ .‬ان صباح وأمه عني وحياة وزوجها‬ ‫وأوالدها وأحفادها أرواح معزولة تبحث عن حقيقة الوجود‬ ‫املشكل املتغاير بني آدمية اإلنسان وبدائيته أما أان فلست‬ ‫موجودا يف هذا كله‪.‬‬

‫‪144‬‬


‫‪ :-‬أعرفك منذ ثالثني عاما وقد مجعنا ذات يوم‬

‫اعجابنا ابلفلسفة الوجودية أنت وأان وصديقنا الكاتب‬

‫املبدع صباح سليم وكوكبة أخرى من الرفاق الذين قد‬ ‫تفرقت هبم سبل احلياة واملوت‪ ،‬وهكذا كنا نقرأ لسارتر‬

‫ودي بوفوار وكريكيجارد وكولون ويلسون الفيلسوف‬

‫االنكليزي الشاب حينها‪ .‬سؤايل هو عن مدى أتثرك‬

‫كروائي ابلوحودية واىل اي حد يصل هذا التاثري خاصة‬

‫اذا ما وضعنا يف االعتبار ان اجلنس االديب األثري لدى‬

‫كل الوجوديني كان هو الرواية واملسرح ال غري؟‬

‫‪ :‬املوصل يف سبعينات القرن املاضي كان فيها شارع‬‫الدواسة الذي كان ملتقاان مبا فيه من مكتبات ومقاه مثل‬ ‫مقهى ام كلثوم ومذاق الشاي األسود ذلك الشارع الذي‬ ‫كان أسطورة أحاديثنا أان وأنت وصباح وكان ينظم الينا يف‬ ‫أحيان آخرون‪ .‬من هناك تعرفت على الفلسفة الوجودية‬ ‫واملاركسية والعبثية والظاهراتية واملثالية أألملانية والفلسفة‬ ‫اليواننية وجئتها واان مشبع بقراءة الرواايت العاملية‬ ‫ديستويفسكي تولستوي واندريه جيد وألدوس هكسلي‬ ‫‪145‬‬


‫واندريه مارلو وكافكا وكامو ونيكوس كازنتزاكيس وهرمان‬ ‫هيسه واندريه جيد وفلوبري وبلزاك وستندال وغريهم كثري‬ ‫واكتشفت ان أغلب هوالء كانو ميتلكون وعيا فلسفيا‬ ‫للكون واحلياة يؤمن به وهذا ما يفتقر اليه الروائيني العرب‬ ‫يف الغالب األعم وكانت قراءايت للفلسفات الثالث‬ ‫املاركسية والوجودية والظاهراتية وعلى الرغم من حتفظي‬ ‫على موقفهم من الدين أعدهم دريب احلقيقي يف فهم العامل‬ ‫وحركة األشياء والعالقات واعتقد ان اغلب النظرايت‬ ‫احلديثة يف كل جماالت املعرفة أألنسانية استندت بشكل او‬ ‫آبخر على هذه الفلسفات الثالث ابألضافة لذلك كانت‬ ‫قراءايت للصوفية اإلسالمية عند احلالج وابن عريب‬ ‫والسهروردي كذلك قراءايت البن خلدون وابن رشد عن‬ ‫املدنية والتمدن وحرية الفكر‪ .‬هذه وغريها وسعت من أفقي‬ ‫املعريف والفكري وابلتايل اعطتين رؤاي ابنورامية للعامل بكل‬ ‫تنوعه وإشكاالته وتقلباته‪ .‬ومن هنا جاءت روااييت على‬ ‫قلتها تتناول دائما مصري االنسان إزاء استالبه يف عامل‬ ‫تعيش فيه الفاجعة جنبا اىل جنب مع املسرة وتنام فيه‬ ‫الوداعة يف حضن اجلفوة وتصافح فيه اخليانة يد األمانة‬ ‫‪146‬‬


‫وتعلو قامة الزيف على احلقيقة‪ .‬لذلك كانت املأساة عمق‬ ‫وجود العامل ‪.‬‬ ‫‪ :‬واآلن لو حدثتنا إبسهاب عن آابئك‪ ،‬من هم؟ وألي‬‫فئة ينتمون؟ هل هم من الروائيني حصرا؟ هل هم‬

‫شعراء؟ فالسفة؟ اذكر اهم اآلابء أبمسائهم‪ ،‬ودلنا‬

‫بوضوح على مناطق التأثر والتأثري هلؤالء األسالف كما‬ ‫يتجلى ذلك يف رواايتك؟‬

‫‪ :‬ما بني بنوة عرجاء وأبوة انقصة رمبا أكون ابنا عاقا‬‫ألابئي أألول أولئك املؤلفني اجملهولني الذين أشبعوين‬ ‫حكاايت عن سيف بن ذي يزن وعنرتة بن شداد والف‬ ‫ليلة وليلة وغريها‪ .‬لكن أتذكر أمي اليت كانت تقول يل‬ ‫كنت طفال مجيال لكن حزينا وصوت بكائك ميأل البيت‬ ‫فأبكي معك لذلك كان أول أب يل هو احلزن الذي رافقين‬ ‫منذ طفوليت رغم غيابه احياان بسبب فرحة هنا ومسرة هناك‬ ‫لكن يف النهاية كان يعود وجيلس قريب وميرر يديه احلانيتني‬ ‫على وجهي وكلما تقدم الزمن زاد وقارا واحرتاما وفهما‬ ‫‪147‬‬


‫ملعىن ان تكون حزينا ووحيدا‪ .‬وهناك آابء أخر‪ :‬كافكا أول‬ ‫حزين تبناين حني قرأت له احملاكمة وغريغوري سامسا ذلك‬ ‫الصرصار احلزين رمبا هي أكثر قصة حزينة قرأهتا يف حيايت‬ ‫وهناك غوغول أيب القدمي‪ .‬أتذكر مرة انك أعطيتين إحدى‬ ‫قصصه وقرأانها سوية وضحكنا عليها طويال‪ ..‬وبورخس‬ ‫الذي ارعبين جبنونه كذلك بروست هذا الساحر املنزوي يف‬ ‫غرفته الذي علمين العشق بعيين نرجس وجسد عليل‪.‬‬ ‫وديستويفسكي وشخصية راسكولينكوف يف اجلرمية‬ ‫والعقاب هؤالء عرفتهم وأان صيب واعدت قراءة بعضهم فيما‬ ‫بعد‪ .‬احلقيقة اي صديقي هي انين رمبا اكون مهووسا بروائي‬ ‫يف مرحلة ما لكنك رمبا لن جتد أية مؤثرات له يف كتاابيت‬ ‫القصصية او الروائية‪ .‬ان تقنية الكتابة الروائية شيء غامض‬ ‫حقا من السخف تعليمه وما أالحظه أألن هو كثرة‬ ‫الرواايت وقلة الروائيني‪.‬‬ ‫‪:-‬بوصفك روائيا وقارائ جيدا للرواية العربية‪ ،‬هال‬

‫أوضحت لنا وجهة نظرك بشأن الرواية العربية املعاصرة‬

‫والروائيني العرب املعاصرين لك؟‬

‫‪148‬‬


‫‪ :‬كانت متعة كبرية يل حني اذهب اىل املكتبة العامة‬‫يف املوصل واجلس فيها لساعات اقرأ على كراسيها من‬ ‫اخلشب اايم العطل املدرسية مث تعرفت على صاحب مكتبة‬ ‫كانت سردااب صغريا مليئا ابلرواايت وكتب أألدب أألخرى‬ ‫كنت اشرتي الرواية منه مث ابيعها له بعد قراءهتا بثمن اقل‬ ‫وكان يستغلين لكن شغفي ابلرواية يغمض عيين عنه تعرفت‬ ‫على الرواية العربية من خالل قراءيت لنجيب حمفوظ‬ ‫ويوسف ادريس مث توسعت قراءايت لتشمل آخرين مثل‬ ‫أحالم مستغاامي واسيين أألعرج صنع هللا ابراهيم كاتب‬ ‫ايسني الطاهر بن جلون وحييي الطاهر عبد هللا‪ .‬اعجبين‬ ‫املغاربة جبرأهتم يف الطرح اكثر من املشارقة لكن اختالف‬ ‫اللغة السردية هو ما ميزهم اكثر خباصة عند أحالم‬ ‫مستغاامي وكاتب ايسني وواسيين أألعرج‪ .‬وقرأت لعبد‬ ‫الرمحن منيف وحنا مينا والطيب صاحل وعبد اخلالق الركايب‬ ‫وما بعدهم من اجيال مثل ابراهيم الكوين ومجال الغيطاين‬ ‫وقرأت لغريهم لكن لألسف مل يتمكنوا من أخذ مقعد يف‬ ‫ذاكرة ثقافيت رغم احرتامي للكتابة أألبداعية اي كان شأهنا‬ ‫كنت احبث عن تلك الشخصيات اليت رمسها ستاندال‬ ‫‪149‬‬


‫وفلوبري وفولكنر وديستويفسكي والبري كامو وفرجينيا وولف‬ ‫وانطوان دو سانت اكزوبريي واندريه جيد وفرانسوا مورايك‬ ‫وغريهم‪ ..‬اقول ليس ذنب الروائي العريب ان يكون حمصورا‬ ‫داخل املثلث أألبدي للهم العريب (جنس سياسة مال) رغم‬ ‫ان عبد الرمحن منيف يف مدن امللح أبجزائها قد ختطى هذا‬ ‫احلاجز اىل هم أألنسان العريب املقهور بفعل الظلم وانعدام‬ ‫احلرية والتحول احلضاري ما بني الصحراء والتمدن‪ .‬هناك‬ ‫اخرين كتبوا يف التجريب رشيد بوجدرة مثال ‪..‬وكتاب‬ ‫الواقعية كان هلم التأثري يف نظريت اىل الواقع الشعيب واحلارات‬ ‫كما يف اعمال غائب طعمة فرمان وفؤاد التكريل وغريهم‬ ‫فكانت اطالليت اجلديدة على واقع عشت طفوليت وصباي‬ ‫فيه وهي واحدة يف معظم املدن العراقية حيث الفقر هو‬ ‫املوحد دائما يف اهلموم ليس هناك من روائي عريب من تغىن‬ ‫جبوع الفقراء بلغة استعراضية بشكل او آبخر ولكن لن‬ ‫انسى مشهد من رواية ديستويفسكي اجلرمية والعقاب حني‬ ‫سحبت ام سونيا ابناءها اىل الشارع ليعملوا كمهرجني‬ ‫وابنتها أرسلتها اىل الدعارة بعد أيسها من زوجها‪ .‬كان‬ ‫مشهدا جارحا يل كثريا وقتها رغم انين شاهدت ما هو‬ ‫‪150‬‬


‫أسوأ فيما بعد‪ .‬ان اغلب الرواايت اليت قرأهتا حتمل جروحا‬ ‫سياسية او خيبات حب او تتناول انتكاسات يف التاريخ‬ ‫كرواية رضوى عاشور (غرانطة) او التحدث عن املسكوت‬ ‫عنه واحملظور لكأن الرواية طاقية أألخفاء اليت يرتديها‬ ‫الروائي ويدخل دهاليز التاريخ والعالقات السرية يف القصور‬ ‫وحرمي السلطان وغريها من اساليب اجلذب للقارئ والناقد‪.‬‬ ‫يف كل الرواايت العربية اليت قرأهتا كان مثة مأساة ترسم‬ ‫خطوطها يف منت احلكاية وكانت لكل مرحلة رواية ما‬ ‫أتسرين واٌقرأ اعمال صاحبها مث اتركها واحتول لروائي آخر‪.‬‬ ‫ان قراءة الرواية بلغتها أألصلية أكثر قراب آللية أألشتغال‬ ‫عند الروائي من الرواية املرتمجة لكن رسم الشخصيات‬ ‫الروائية يف أألدب املرتجم أكثر عمقا منه يف أألدب العريب‪.‬‬ ‫لذلك فرواية اخليميائي لباولو كويلهو ورواية امسي أمحر‬ ‫ألورهان ابموق أخذت منهما شيئني خمتلفني ال عالقة‬ ‫بينهما‪ .‬اهنا رمبا مزاجية القراءة اليت تغريت حتما فلم يعد‬ ‫راسكولينكوف وال مريسول وال جوزيف ك وال بنجي وال‪،‬‬ ‫وال‪ ،‬من شخصيات الرواية العاملية اليت قرأهتا أول شبايب‬ ‫بقادرة على حتريك ما حركته يف أعماقي وقتها ‪.‬رمبا هو‬ ‫‪151‬‬


‫العمر او التجربة او الوعي الذي شكل مزاجية القراءة ‪.‬‬ ‫‪ :-‬كيف تكتب؟ وماهي طقوس الكتابة لديك؟ هال‬

‫حدثتنا عن ذلك؟‬

‫‪ :‬عادة استيقظ كل صباح يف اخلامسة واضع امامي‬‫جمموعة اقالم اختار واحدة منها واكتب‪ .‬ان البداايت‬ ‫أتخذ وقتا مين لذلك اأتىن كثري وتبقى يف عقلي واان يف‬ ‫العمل او احتدث او اانم عادة قبل النوم احدث نفسي مع‬ ‫الرواية وارتب مشهدي القادم واان بني اليقظة والنوم مث حني‬ ‫استيقظ تكون الفكرة حاضرة امامي واكتب هنالك زاوية‬ ‫يف الغرفة اجلس قرب الشباك وكان عندي منضدة مكتب‬ ‫مربعة تكفي ألن اضع عليها اوراقي واقالمي واكتب وهي‬ ‫من اخلشب ال اعرف من أين أتت كانت مرمية يف املخزن‬ ‫وصبغتها ابللون أألخضر واستمرت معي سنوات كتبت‬ ‫عليها اغلب مسرحيايت وقصصي وروااييت واستبدلتها‬ ‫مبنضدة حديثة‪ .‬وهناك امر اخر ‪..‬جيب ان يكون هناك‬ ‫صوت أمسعه واان اكتب‪ ..‬اغاين عراقية او عربية‪ ..‬ال اعرف‬ ‫‪152‬‬


‫الكتابة بدوهنا‪ ..‬وجيب ان يكون القلم من النوع السوفت‬ ‫كي يناسب سرعيت يف الكتابة‪ .‬ويغضبين جدا تقطع القلم‬ ‫اثناء الكتابة فأرميه بعيدا‪ .‬وجيب ان يكون املكان ابردا‬ ‫لذلك فأغلب كتاابيت هي يف الشتاء فالصيف سبات قلمي‬ ‫مث الورق‪ ..‬عادة كنت استخدم الورق نوع ‪ a4‬ارتبه امامي‬ ‫مع جمموعة أألقالم وصوت احد املطربني وابدأ الكتابة‬ ‫لكنين استبدلت الورق ابلدفاتر الصغرية بسبب من ضياع‬ ‫بعض أألوراق وعدم استطاعيت كتابة اهلوامش وأألضافات‬ ‫على النص احياان أتتيين ومضة فأكتبها على اي ورقة‬ ‫اجدها ألضيفها اىل الرواية فيما بعد‪ .‬وحني يصل عدد‬ ‫الصفحات اىل اخلمسني اتوقف ألشهر ألقرأ ما احتاجه وال‬ ‫يعجبين أألقتباس بل اقرأ املوضوع وافهم ما أريده ألكتبه‬ ‫فيما بعد لذلك الرواية عندي أتخذ مين سنوات فرواية‬ ‫(القران العاشر) اخذت مين اكثر من ‪ 51‬سنة (وابناء‬ ‫السيدة حياة) اكثر من ‪ 2‬سنوات وحني انتهى من كتابة‬ ‫رواية اشعر كأين عدت من سفر بعيد‪.‬‬ ‫‪ :‬ماذا تكتب االن ابلضبط؟ مب انت مشغول؟‬‫‪153‬‬


‫‪ :‬اان أألن اكتب نصا مسرحيا بعنوان (املياسة) وأقرأ‬‫يف كتاب (طوق احلمامة ألبن حزم أألندلسي) وكتاب‬ ‫(قواعد العشق األربعون رواية جالل الدين الرومي وهي‬ ‫رواية للروائية الرتكية اليف شافاك) والكتاابن يتحداثن عن‬ ‫فن العشق واهلوى‪.‬‬ ‫‪ :‬هل جنيت مثارا من نشر رواايتك؟‬‫‪ :‬نعم االحباط واألمهال واألحساس ابلالعدالة‪.‬‬‫‪ :‬لو مل تكن روائيا ماذا كنت ترغب أن تكون؟‬‫‪ :‬اان ال ارغب يف شيء ألين انظر اىل ما يسمى الطموح‬‫بريبة وشك ألنه شكل من اندماج أانين يف القطيع وأخذ‬ ‫لوهنم اما الالمنتمي فلونه خيتلف كما يقول كولن ويلسون‬ ‫وكانت الروايه هي خري وسيلة ألن أقول هذا لكالم ‪.‬‬

‫‪154‬‬


‫الروائي العراقي صالح صالح‪:‬‬

‫العهر ديمومة العالم والبكاء مهمتنا‬ ‫فيه‬

‫مبناسبة صدور روايته اجلديدة ”كيف تقتل االرنب“‬

‫كاتب وروائي عراقي من مواليد بغداد‪ -‬الكرادة الشرقية‬ ‫عام ‪ 5326‬درس اهلندسة يف اجلامعة التكنولوجية ببغداد‬ ‫عام ‪ . 5391‬بدأ النشر مبكرا يف العام ‪ 5312‬وذلك يف‬ ‫جمليت األطفال الشهريتني‪” :‬جمليت“ و“املزمار“‪ .‬كتب يف‬ ‫َْ‬ ‫العديد من الصحف واجملالت العراقية والعربية وعمل حمررا‬ ‫يف جملة ”نضال الشعب“ الفلسطينية ببريوت عام ‪5391‬‬ ‫صدر أمر القاء القبض عليه من قبل عدي صدام حسني‬ ‫لنشره قصة قصرية اعتربت معارضة للنظام يف جملة ”الناقد“‬ ‫وخضع لتحقيقات يف احتاد األدابء والكتاب يف العراق عام‬ ‫‪155‬‬


‫‪ .5332‬ترك وعائلته بغداد نتيجة املضايقات االمنية‬ ‫وهاجر اىل أربيل وعمل يف اسبوعية ”اإلحتاد“ الناطقة‬ ‫ابسم االحتاد الوطين الكردستاين‪ .‬هرب من أربيل بعد‬ ‫اجتياحها من قبل جيش صدام حسني وقوات احلزب‬ ‫الدميقراطي الكردستاين وانتقل اىل زاخو‪ .‬وصل تركيا حيث‬ ‫وافقت االمم املتحدة على استقباله ومت تسفريه اىل كندا‬ ‫عام ‪.5333‬‬ ‫صدرت له جمموعة قصصية بعنوان حتت ظل املطر عام‬ ‫‪ 5332‬يف بغداد‪ .‬وصدرت له يف بريوت الرواايت التالية‪:‬‬ ‫حتت مساء الكالب ‪ 6001‬بوهيميا اخلراب ‪ 6003‬أوراق‬ ‫الزمن الداعر ‪ 6050‬استولوجيا ‪ . 6056‬و“كيف تقتل‬ ‫األرنب“ هي روايته اخلامسة تصدر يف طبعتها األوىل ورقيا‬ ‫ورقميا عن منشورات مومنت يف اململكة املتحدة هذا العام‪.‬‬ ‫صالح صالح يقيم يف كندا حاليا‪.‬‬ ‫‪-‬كيف حدث انك خضت مغامرة الرواية ألول‬

‫مرة؟ صف لنا االهداف والدوافع اليت جعلت منك‬

‫روائيا قادما من ساحة القصة القصرية؟‬

‫‪156‬‬


‫ال أدري‪ .‬لكنه حدث يف بغداد عام ‪ 1994‬جلست‬‫مرة مع نفسي وقلت حسنا‪ ،‬أريد أن أكتب رواية‪ .‬وصرت‬ ‫أفكر كروائي أكثر من كوين قاصا‪ .‬حدث وقتها اين شعرت‬ ‫حباجة مقلقة لكتابة رواية‪ .‬أكرر‪ :‬رواية‪ ،‬وليس قصة قصرية‪.‬‬ ‫كنت يف مسيس اىل مساحة أكرب للسرد‪ ،‬مساحة أكرب‬ ‫للتجريب والتعامل مع الرموز‪ ،‬الصياغات‪ ،‬اخللق وما بعده‪،‬‬ ‫التصرف الزمين‪ ،‬املعاجلة‪ ،‬االنساق السردية‪ .‬انه مشروع‬ ‫متكامل ومغامرة عظيمة‪ .‬كل كتابة هي مغامرة او جرمية‬ ‫مكتملة‪ .‬مث إين لست قادما اذا صح التعبري من عامل القصة‬ ‫القصرية‪ ،‬كل الذي كتبته يف القصة القصرية‪ ،‬ال يتعدى‬ ‫الستني صفحة بدءا من العام ‪ 5390‬وحىت االن‪ .‬القصة‬ ‫القصرية كانت مترينا وحماوالت سريعة لالحتجاج على وضع‬ ‫ما‪ ،‬وهبا كان ابإلمكان مترير ونشر بعض مما تقوله‪ .‬ايضا‬ ‫جيب ان أنبه اىل سهولة نشر القصة القصرية يف الصحف‬ ‫اليومية كوهنا ال أتخذ حيزا كبريا من اجلرائد واجملالت‪.‬‬ ‫احلرب وايقاع احلياة السريع منعنا كشباب من فرصة التأمل‪،‬‬ ‫منعنا ِمن أن يكون لنا وقت للكتابة املتواصلة‪ .‬انت تعرف‬

‫‪157‬‬


‫ان كتابة الرواية حتتاج اىل نفس طويل‪ ،‬مستمر ودون‬ ‫انقطاع‪.‬‬ ‫املتتبع لرواايتك الصادرة حلد اآلن يستطيع ان‬‫يتلمس بسهولة انه أمام ِس َري ذاتية يف حلقات زمنية‪ .‬هل‬ ‫تكتب نفسك وحياتك أم تكتب حيوات االخرين؟‬ ‫هكذا تبدو‪ ،‬لكنها ليست كذلك‪ .‬اان ال أكتب سرية‬‫ذاتية ابملعىن الشائع‪ .‬أعين إن سرييت الذاتية ستكون‬ ‫موجودة حتما‪ ،‬على االقل أجزاء منها‪ ،‬اهنا مبثوثة هنا‬ ‫وهناك‪ .‬اان اكتب عن حياة آخرين‪ ،‬لكين أعيش سريهتم‬ ‫وأعيش هواجسهم ابعتبارها أان‪” .‬أان“ اكتب سرية مبتكرة‬ ‫لشخص حاضر وغائب‪ ،‬إنه ”حنن‪“.‬‬ ‫‪-‬يصف النقاد القصة القصرية أبهنا الفن األصعب‪ .‬هل‬

‫جلأت اىل الرواية لسهولتها أم النك مل تعد قادرا على‬

‫التعبري ضمن ما تتيحه لك كثافة القصة القصرية؟‬

‫‪158‬‬


‫ال ميكن القول ان القصة القصرية صعبة‪ .‬هذه فكرة غري‬‫مؤكدة‪ .‬الذين ”يكتبون“ القصة القصرية يعرفون هذا‪.‬‬ ‫يعرفون ايضا ماهية القصة كشكل وجنس اديب وتقنيات‬ ‫وهدف‪ .‬ابلنسبة يل كانت القصة مترينا معرفيا وتقانيا‪.‬‬ ‫القصة القصرية آنية‪ ،‬سريعة‪ ،‬حمددة وموصفة وال حتتمل‬ ‫الكلية‪ .‬االتساع ال ميكن ان يكون من ضمن وظائفها‪،‬‬ ‫خلقها هللا لدور سريع يف حياتنا‪ .‬اهنا صنعت للمفارقة‬ ‫الزمانية واملكانية‪ ،‬بتعبري آخر هي شبح مير من امامك‬ ‫وانت تشاهد التلفزيون مث خيتفي يف اجلدار االخر من‬ ‫الغرفة‪ .‬مع الرواية عليك ان تعرف تفاصيل الشبح كاملة‬ ‫وان كان قد استعمل املرحاض فيما انت منشغل إبعداد‬ ‫قدح القهوة‪ .‬التفاصيل الكثرية ال ميكن ادراكها يف القصة‬ ‫القصرية واال لتحولت اىل قصة طويلة أو اي شيء آخر‬ ‫غري القصة ‪.‬‬ ‫‪-‬إذن أنت تقر هنا بسهولة كتابة القصة القصرية‪ ،‬على‬

‫عكس ما يشاع يف األوساط النقدية؟‬ ‫‪159‬‬


‫إن كتابة عشر قصص تعادل كتابة رواية‪ ،‬وكل قصة‬‫هي مشروع منفصل‪ .‬الرواية ال‪ ،‬اهنا مشروع واحد وعمل‬ ‫مستمر جيعلك تتعامل مع الرموز ومفاهيم الكتابة مبساحة‬ ‫اكرب وأتثري اكرب ايضا‪ ،‬مث تصل اىل هناية العمل‪ .‬مل أعرف‬ ‫يف القصص اليت كتبتها اين انتهيت من مشروع كتابتها‪.‬‬ ‫كانت تلتهمين كل دقيقة ألن عليك أن تنجز كتااب يف‬ ‫القصة وهذا يتطلب مغايرة حىت يف السلوكيات واالساليب‪.‬‬ ‫زمن القصة هو زمن خمتلف عن زمن الرواية‪ .‬مث هناك املزاج‬ ‫النفسي للشخص‪ .‬مع القصة ال اشعر اين أنتهي من‬ ‫مشروع كتابة‪ ،‬على عكس الرواية‪ .‬الرواية مشروع حمدد‬ ‫مبنطق االجناز والتصميم والزمن‪ .‬وهذا مينحك التمتع‬ ‫بقدسية االنتهاء مع املشروع‪ .‬مث هناك فعل النص الروائي‬ ‫الذي يستمر طويال عكس القصة القصرية‪ .‬الرواية اصعب‬ ‫بكثري‪ ،‬ومبا ال يقاس‪ ،‬من القصة القصرية‪ .‬يف الرواية‬ ‫تستطيع كل شيء مع التقنيات املختلفة واالجناس‬ ‫واالنزايحات‪ .‬اما يف القصة القصرية فلها نظام خمتلف ‪.‬‬ ‫ما إن يتم نشر رواية لك حىت تنهال عليك‬‫‪160‬‬


‫االنتقادات واملشاكل اىل درجة ان أوىل رواايتك وهي‬ ‫حتت مساء الكالب قد مت منعها يف معظم الدول العربية‪.‬‬

‫لكن دعين أصف ذلك إبهنا مشاكل تثريها رواايتك‬

‫خارج منت الكتابة‪ .‬هل ستثري روايتك اجلديدة ”كيف‬ ‫تقتل األرنب “انتقادات ومشاكل ونقاشات لكن هذه‬ ‫املرة داخل النسيج الفين للعمل الروائي؟ مبعىن هل انك‬ ‫قلق يف تعاملك مع الشكل التعبريي للرواية أم انك‬

‫مستقر على خط سردي معني؟‬

‫دعين أقول لك شيئا‪ ،‬وأنت أكثران خربة‪ .‬كل ما يقع‬‫خارج النص هو يف النص‪ .‬لسنا خارج رقعة النص والعامل‬ ‫السردي حييطنا‪ .‬حنن امارسه كل دقيقة‪ .‬االعرتاضات اليت‬ ‫اثريت ألن َمن ٌهم خارج النص يبحثون عما هو خارجه‬ ‫وحييلون كل شي اىل اخلارج‪ .‬مع ان العكس هو الصحيح‪.‬‬ ‫املعرفة ليست خارج الوعي‪ ،‬اهنا ليست منفصلة‪ ،‬بل تقع‬ ‫يف النص والنص يعاجل رقعة املعرفة احمليطة بنا‪ .‬افكر دائما‬ ‫يف النص‪ ،‬افكر كثريا يف االسلوب واالسلوبية واالبتكار‪ ،‬يف‬ ‫االختبار احلاسم للنص واللغة‪ ،‬يف التباسات القراءة‪ ،‬التأويل‬ ‫‪161‬‬


‫ايضا‪ .‬افكر انه من احملتمل ان ال جيري التقدير الفعلي‬ ‫للبحث اجلدي يف النص وال استكشاف الرموز او حىت‬ ‫التأويالت واالزاحات‪ .‬اهنم ال يفعلون هذا يف العامل العريب‪،‬‬ ‫العامل العريب ال هتمه اال قواعد اللغة ومنح الرايدة للشعر‬ ‫وكل ما عداه هجرانه‪ ،‬هذا العامل‪ -‬العريب‪ -‬ال مينحنا فرصة‬ ‫للتواصل مع القارئ ومن ال يصل للقارئ ال جيرب ومن‬ ‫جيرب ال حييا ومن ال حييا ال يعيش‪ .‬ال احد يفكر ألن‬ ‫الذين يقرأون قلة وعليك أن تواجه يف هذه القلة أنواعا‬ ‫غريبة من البشر‪ .‬أنت تعرف إن أصعب املدركات هو ما‬ ‫يلقاه الكاتب العريب من بؤس القراءة املتفشي بيننا‪ .‬ال‬ ‫تقاليد قراءة لدينا ‪..‬‬ ‫‪-‬هذا توصيف رائع حقا للمشكلة‪ ،‬لكنك مل جتبين عن‬

‫الشق االخري من سؤايل؟ حول قلق الشكل!‬

‫ كما قلت لك‪ ،‬ان كنت تسأل عن كوين قلقا يف‬‫التعامل مع الشكل التعبريي للرواية‪ ،‬فأقول نعم‪ ،‬اين افكر‬

‫‪162‬‬


‫كثريا يف الشكل‪ ،‬افكر بقلق يف املقطع االول من الرواية‬ ‫ألن كله يبىن عليه ‪.‬‬ ‫‪-‬كيف تقتل االرنب رواية خطرية واان أصفها أبهنا‬

‫تنتصر لالنسان يف مواجهة الوجه القبيح للهجرة واملنفى‬

‫والشتات‪ .‬ملاذا كنت حادا وقواي وساخطا اىل هذا احلد‬ ‫داخل احلكاية كمؤلف ضمين‪ ،‬لكن‪ ،‬وأيضا بوصفك‬ ‫السارد احلقيقي حامل االسم الصريح على الغالف؟‬

‫لست حادا اىل هذه الدرجة‪ .‬ال اريد ان أهبرج االشياء‪.‬‬‫مهميت االساسية ان اكتب يف املتون عن تباين اخلبال وعن‬ ‫احلقارة والقذارة والقتل بدهشة‪ ،‬دهشة القتل تفتنين‪ ،‬دهشة‬ ‫الدكتاتوريني تدهشين ايضا‪ .‬اعرتف اين أضيع يف متاهات‬ ‫عقلية قبل التشبث ابلكتابة‪ .‬اان ولدت ككائن يفرتض به‬ ‫ان يرتك خبال يف الفسحة اليت تسمى الزمن‪ ،‬ألن اجلمال‬ ‫عامل غيب وبسيط وليس معقدا‪ .‬ألن فكرة العبث فكرة اهلية‬ ‫ايضا‪ ،‬وحنن عابرون للميثولوجيا واملعرفة البسيطة‪ .‬ان كل ما‬ ‫افعله هو نقل احلقيقة والالفهم‪ .‬اان افعل هذا دائما‪ .‬اهنا‬ ‫‪163‬‬


‫رغبيت التامة يف العيش أسفل سافلني ـ اين اعيش مع‬ ‫املنحطني ألهنم نور العامل وهم أزيد من ثالثة ارابع البشرية‬ ‫وعاملهم هو عامل تتحكم فيه القوة وهذه قوة عظيمة ال فهم‬ ‫هلا طبعا‪ ،‬الهنا تبتدع دائما سبال لتخريب الفكرة الغبية‬ ‫واعين هبا اجلمال‪ .‬التفاهة هي احلقيقة السامية خاصة‬ ‫عندما تكون مع املخدرات وعامالت اجلنس واللواط‬ ‫واالغتصاابت‪ .‬واان هنا أعيش ما يطلق عليه قلق اهلجرة‬ ‫واالداين وقلق اخلراب وقلق كل شيء‪ .‬هل فكرت كم من‬ ‫شخص سيء تستطيع ان تلقاه جالسا يف املقهى؟ فقط‬ ‫انظر‪ ،‬حدق‪ ،‬أتمل‪ .‬هل فكرت ملاذا تتسم الطيبة ابلغباء؟‬ ‫‪-‬كيف تقتل االرنب حكاية متشعبة وقلقة وابعثة على‬

‫االكتئاب‪ .‬هل أنت قلق ايضا؟‬

‫حنن نقلق ألننا ال نقدر على انتاج الراحة‪ .‬العامل تغري‬‫بشكل مريع‪ ،‬بشكل اتفه‪ .‬حنن نعيش أزمنة عاهرة‪ ،‬لكن‬ ‫املضحك ان الذين سبقوان كانوا يعيشون أزمنة عاهرة ايضا‪.‬‬ ‫يبدو ان العهر هو صفة دميومة العامل اىل حد اللعنة‪ .‬هناك‬ ‫‪164‬‬


‫خطأ حدث يف الرتكيب اجليين‪ -‬الفيزايوي والكيمياوي‬ ‫للعامل‪ ،‬هناك خطيئة ارتكبت عندما فكر جممع االهلة خبلق‬ ‫االنسان غري قادر على منحه الالقلق ‪.‬‬ ‫‪-‬أفهم من هذا انك تتحدث اآلن كما يف روايتك‪،‬‬

‫عن مساوئ اهلجرة‪ ،‬أو اهلجرة السيئة‪ .‬ها هذا صحيح؟‬

‫مل تعد هناك هجرة جيدة وهجرة سيئة‪ .‬اهلجرة حادثة‬‫والتغريب قائم حىت وان كنت يف الوطن‪ .‬االيدلوجيات‬ ‫اشاعت القلق الوجودي‪ ،‬البنية العميقة للموت‪ .‬اهنا اتفهة‬ ‫جدا‪ .‬النظرايت كلها اتفهة‪ .‬ليست هناك فكرة جيدة يف‬ ‫هذا اللغز احليايت‪ .‬مهمتنا أن نبكي اكثر‪ ،‬أن نستمر يف‬ ‫هذا الوجود امللعون ابنتظار دفن االله لنا‪ .‬ان يدفن عامله‬ ‫اىل االبد ويسرتيح هو وحنن من هذا العناء‪ .‬ستكون لنا‬ ‫شركة معه ايضا ونفجر الكون بقنابل سنصنعها يف‬ ‫املستقبل‪ ،‬ألن العامل مل يعد حباجة اىل االستمرار اكثر‪.‬‬ ‫لقد ملننا القلق واحلروب وااليدلوجيات واللهاث‬ ‫وعامالت اجلنس والرأمساليني وحمالت التسوق اجلنسي‬ ‫‪165‬‬


‫وأدوية السرطان والعصاب واملؤمنني واالغبياء‪ ،‬وكل هذا‬ ‫تتحدث عنه رواية كيف تقتل االرنب‪ .‬ورمبا أزيد من كل‬ ‫ذلك ‪.‬‬

‫‪166‬‬


‫الروائي سامي حجازي‪ :‬أنا أجذرالعامية‬ ‫في الرواية املكتوبة‬ ‫كاتب سوداين من مواليد مدينة كسال شرقي السودان‬ ‫يف العام ‪ .5316‬تلقى تعليمه اإلبتدائي متنقال بني عدة‬ ‫مدارس نسبة لطبيعة عمل والده يف كل من كوسيت وكسال‬ ‫وأم روابة‪ ،‬قضي ثالث سنوات منها يف الوالايت املتحدة‬ ‫األمريكية‪ .‬عاد ليكمل تعليمه يف كسال قبل أن يدخل‬ ‫جامعة اخلرطوم ليتخرج يف كلية اهلندسة مث حيضر هبا‬ ‫ماجستري العلوم اإلدارية‪ .‬حجازي يكتب القصة القصرية‬ ‫والقصرية جدا والشعر واخلواطر ‪ .‬رواية اخلرطوم نفر هي‬ ‫أول رواية له‪ ،‬وقد صدرت مؤخرا عن منشورات مومنت‬ ‫بلندن‪ ،‬وهي ابلعامية السودانية‪ .‬وهبذه املناسبة كان لنا معه‬ ‫هذا احلوار‪:‬‬

‫‪167‬‬


‫‪-‬كيف حدث أنك أتيت اىل الرواية؟ هل كان‬

‫الدرب سالكا من القصة القصرية أم من القصيدة أم‬

‫رمبا من بعض اشتغاالت نقدية؟ أم أن اخليار كان هو‬ ‫الرواية وال غريها‪ ،‬مما أوصلك اىل أتليف اخلرطوم نفر؟‬

‫لغرابة األمر مل حيدث من ذلك شيء‪ .‬أي نعم‪،‬‬‫كانت عندي بعض احملاوالت يف مرحلة عمرية مبكرة‪،‬‬ ‫أذكر منها حماولة لكتابة الشعر‪ .‬كتبت مرة قصيدة من‬ ‫مخسني إىل ستني بيتا يف جاريت وأان ما زلت يف املرحلة‬ ‫املتوسطة‪ .‬كانت وقتها تتلبسين حالة من العشق واهليام‬ ‫املبكر إن جاز التعبري‪ .‬كنت أكتب كل يوم بيتا أو بيتني‬ ‫وكنت أنوي أن أصل هبا إىل مائة بيت مشدودا يف ذلك‬ ‫ابملعلقات اليت كنت أحبها يف ذلك الوقت ولكين قمت‬ ‫بتمزيقها وتركت كل شيء وإنغمست ابلكامل يف الرسم‬ ‫الذي كنت أجيده وأحبه وأجد فيه نفسي… يف مرحلة‬ ‫اجلامعة مل أكتب بشكل جاد أبدا‪ ،‬مل أهتم أبدا بقصاصايت‬ ‫ومل أحتفظ أبي منها‪ ،‬كما مل يطلع عليها أحد غريي‪ .‬تال‬ ‫ذلك اإلنغماس الكامل يف احلياة العملية لسنوات طويلة‬ ‫‪168‬‬


‫فيما بعد حىت العام ‪ 6009‬حتديدا‪ .‬وأذكر ذلك العام‬ ‫جيدا ألين أعتربه البداية احلقيقية والنواة مليالد هذه الرواية ‪.‬‬ ‫‪-‬وما الذي حدث يف هذا العام الذي تعتربه مفصليا‬

‫يف مسريتك؟‬

‫يف ذلك العام لفتين زميلي يف العمل إىل قصة‬‫ابلدارجة السودانية كانت منشورة على إحدى املنتدايت‬ ‫السودانية أيضا‪ .‬أعجبتين تلك القصة جدا‪ ،‬فكنت أقرأها‬ ‫وأقرأ معها تعليقات األعضاء ومدى إعجاهبم هبا وحثهم‬ ‫لكاتبها على املواصلة حىت إنتهى لنهاية غري متوقعة على‬ ‫اإلطالق‪ .‬إحتفظت بتلك القصة وهي موجودة عندي‬ ‫حىت االن‪ .‬مث تناسيت األمر ملدة سنتني حىت وجدت بعض‬ ‫الفراغ فتذكرت تلك القصة‪ ،‬وقلت يف نفسي لعل كاتبها‬ ‫يكون قد كتب غريها‪ ،‬وجدت عنده حماولة لكتابة اجلزء‬ ‫الثاين ولكنه فشل يف ذلك فشال ذريعا‪ ،‬وكان ذلك‬ ‫كالصدمة ومثار تعجب وتساؤل ابلنسبة يل‪ ،‬كيف يفشل‬ ‫وملاذا يفشل؟ هل ميوت اإلبداع؟ وهل يكتب بعضهم قصة‬ ‫أو رواية واحدة مث يتوقف إىل األبد؟ فاحلالة ليست اندرة‬ ‫‪169‬‬


‫احلدوث كما علمت‪ .‬دون بعضهم أمثلة لذلك ممن مل أمسع‬ ‫هبم أو أقرأ هلم‪ ،‬كمثال (الفراغ العريض) أول رواية نسائية‬ ‫للكاتبة (ملكة الدار)‪ُ ،‬كتبت يف أواخر األربعينات وبداية‬ ‫اخلمسينات ولكنها صدرت يف الستينات‪ .‬مث كاتبة تكنت‬ ‫ابسم ( ُدرر)‪ ،‬كتبت روايتني مث إختفت‪ .‬مث (ملكة الفاضل)‬ ‫صاحبة رواية واحدة أيضا وابملثل إختفت‪ .‬مث وجدت أمثلة‬ ‫عاملية أيضا‪ ،‬كمثال (الفهد) لإليطايل المبيدوزا‪ ،‬و(الربكان)‬ ‫لألمريكي مالكوم الوري‪ ،‬والرواية األشهر (ذهب مع‬ ‫الريح) ملارغريت ميتشل‪ .‬كلها روايت أشتهرت ولكن‬ ‫أصحاهبا مل يكتبوا غريها‪ ،‬فهل يكتب الراوي مثال نتيجة‬ ‫لالحتشاد الذي يعتمل يف نفسه نتيجة ظروف حمددة يف‬ ‫وقت حمدد حبيث تكون مثرة شريط واحد طويل مستمد من‬ ‫كامل جتربته يف احلياة‪ ،‬مث عندما ال جيد غريها يتوقف؟‬ ‫‪-‬امسح يل‪ ،‬ولكن هذه كانت أسئلة عمومية ذات‬

‫طابع نقدي ليس إال!‪..‬‬

‫ على كل حال‪ ،‬لقد حتسرت على صاحب تلك‬‫القصة‪ ،‬ولكنه كان السبب اخلفي وراء الشعور ابلرغبة يف‬ ‫‪170‬‬


‫الكتابة‪ .‬واتتين الفكرة من وحي األمساء املستعارة ألعضاء‬ ‫ذلك املنتدى‪ ،‬رمبا إن سجلت مثلهم إبسم مستعار فإنه‬ ‫ميكنين الكتابة بشيء من احلرية دون قيود تذكر وإن كان‬ ‫أعظمها يف رأيي هي القيود األخالقية الذاتية للفرد‪ ،‬ففي‬ ‫عامل األسافري املفتوح ميكن للشخص أن يصبح أي شيء‬ ‫إن أراد أو أن يكون من يشاء‪ ،‬ولكن من مشاهدايت فإن‬ ‫الكثريين يصرون على أن يكونوا جمرد محقى‪ .‬ويف نفس‬ ‫الوقت فإن جمتمعنا شفاهي للحد البعيد وال مييل إىل‬ ‫الكتابة‪ ،‬وأعتقد أن تلك املشكلة تسببت يف قعود الكثريين‬ ‫حىت اللحظة لدرجة أن أحدااث جساما وأسرارا عظيمة‬ ‫واترخيا مهما حمفوظا يف صدور الرجال قد ضاع ومل خيرج‬ ‫للعلن أبدا حىت ووري الثرى مع أصحابه ‪.‬‬ ‫‪-‬هات حدثنا اذن عن دور االنرتنت عموما‬

‫واملنتدايت يف ذلك الوقت خصوصا يف دفعك دفعا‬ ‫حقيقا لالنطالق يف االبداع‪ ،‬وأنت من اجليل الذي‬

‫واكب‪ ،‬بل وأتثر أميا أتثر بثورة اإلعالم اجلديد؟‬

‫‪171‬‬


‫نعم‪ ،‬صحيح‪ ..‬وابلنسبة يل‪ ،‬فقد قمت فعال بعملية‬‫التسجيل يف املنتدى‪ ،‬لكنين مل أقم بتعريف نفسي لبقية‬ ‫األعضاء‪ ،‬ومل أكن معتادا على التعامل مع أدوات املنتدايت‬ ‫من حترير وتنسيق وإرسال للمشاركات‪ .‬فقط شرعت من‬ ‫فوري يف كتابة قصة (صديقي علي) ابلدارجة يف يوليو‬ ‫‪ .6050‬كتبتها حبماس كبري‪ ،‬وحظيت إبهتمام مقدر من‬ ‫بعض األعضاء وتشجيعهم يل حىت النهاية‪ .‬مل تكن قصة‬ ‫قصرية‪ ،‬ولكين كنت أشعر ابإلسرتسال السلس وأان أكتبها‪.‬‬ ‫علمت حلظتها أنه ميكنين الكتابة وكان صدري حيوي‬ ‫الكثري من الكبت الذي حيتاج للتفريغ‪ .‬بعدها تنوعت‬ ‫مشاركايت‪ ،‬كنت أشعر دائما أنين أميل إىل القصة‪ ،‬فكتبت‬ ‫العديد من القصص القصرية‪ ،‬مث شرعت يف كتابة ثالث‬ ‫رواايت‪ .‬كتبت الفصل األول من (اخلرطوم نفر)‪،‬‬ ‫و(القصر)‪ ،‬و(برازيليا) وهذه األخرية ضاعت إىل األبد‬ ‫وكانت مستوحاة من األدب الربازيلي‪ .‬ومجيعها مل تكتمل‬ ‫ألن املوقع هتكر فيما بعد‪ ،‬وغادرت بدوري عامل املنتدايت‬ ‫إىل الفيس بوك‪ .‬واصلت يف كتابة (اخلرطوم نفر) و(القصر)‬ ‫يف صفحة أدبية ولكين توقف للمرة الثانية‪ ،‬إال أن التشجيع‬ ‫‪172‬‬


‫احلقيقي بدأ من هناك‪ .‬كان ابلصفحة عدد من الصحفيني‬ ‫والنقاد واإلعالميني وحىت القراء العاديني من أصحاب‬ ‫الذوق كما بدا يل‪ ،‬هم الذين أضافوا قيمة ملا أكتب‪.‬‬ ‫وابلتايل شجعوين على املواصلة‪ ،‬بل وصل األمر ببعضهم‬ ‫للقول أبين مشروع كاتب كبري وإسم المع إن شئت‪ ،‬وأنه‬ ‫سيكون يل شأن إن أردت أو رغبت‪ ،‬هكذا قالوها يل‬ ‫بتجرد ومل يكن بيين وبينهم سابق معرفة إال خالل ما‬ ‫أكتب‪ .‬مث واصلت يف رواييت (اخلرطوم نفر) يف جمموعة‬ ‫تضم أميز خرجيي جامعة اخلرطوم‪ ،‬كنت بذلك أريد جس‬ ‫نبضهم‪ ،‬كنت أعتقد أن احملك والتقيم احلقيقي سيكون‬ ‫هناك‪ ،‬ألن اجملموعة كانت تضم أمساء كبرية يف اإلعالم‬ ‫ومن بينهم الشعراء واألدابء والفنانني‪ ،‬وفيهم من صدرت‬ ‫هلم جمموعات شعرية أو قصص قصرية والبعض األخر‬ ‫رواايت‪ .‬كما أن للمجموعة نشاطات أخرى ثقافية‬ ‫ابخلرطوم‪ .‬وابلفعل كانوا هم مرتكزي األخري للنشر واحلمد‬ ‫هلل‪.‬‬

‫‪173‬‬


‫العامية عن وعي وإدراك فين‬ ‫هل كان اللجوء إىل ّ‬‫منك‪ ،‬أم جمرد رغبة ملحة نتيجة لضعف عالقتك مع‬

‫اللغة العربية الفصحى‪ ،‬مثال؟‬

‫ال أبدا‪ ،‬لغيت العربية الفصحى ال أبس هبا‪ ،‬وإن كنت‬‫ال أستطيع إدعاء متكين منها‪ ،‬وابملثل ال أعتقد أن‬ ‫إبستطاعة أحدهم إدعاء ذلك أيضا‪ .‬إذا كان الربوفيسور‬ ‫والعالمة الراحل عبدهللا الطيب يقول عن نفسه تواضعا‬ ‫أجيد بعض اللغات األجنبية و"القليل" اللغة العربية‪ ،‬وهو‬ ‫من فطاحلها وصاحب جملدي "املرشد إىل فهم أشعار‬ ‫العرب" والشاعر الفذ صاحب الدواوين العديدة واملؤلفات‬ ‫اليت ال حصر هلا ابإلضافة لتفسري القرآن الكرمي‪ ،‬فإن كان‬ ‫هذا حاله مع اللغة العربية‪ ،‬فكيف يكون احلال معنا؟ لكن‬ ‫على األقل أال يكفي حواري معك اآلن ابللغة العربية‬ ‫الفصحى كدليل؟ وبشكل إستباقي أيضا ميكنين أن أشري‬ ‫إىل رواييت القادمة "القصر" فهي ابللغة العربية الفصحى‬ ‫وإن إحتوت على حوار ابلدارجة أو العامية السودانية كما‬ ‫نقول‪ ،‬كما ال أنسى رواية (برازيليا) اليت أشرت إليها سابقا‬ ‫واليت ضاعت يف األسافري‪ ،‬كانت بكاملها ابلفصحى‪.‬‬ ‫‪174‬‬


‫‪ -‬ولكن لنعد اىل الشق األول من سؤايل‪ ،‬وأنتظر‬

‫منك اإلجابة!‪..‬‬

‫ ابلعودة إىل الشق األول من سؤالك أقول‪ ،‬قد يكون‬‫من حماسن الصدف أن الراوية متت من أوهلا إىل أخرها‬ ‫ابلعامية وذلك لسبب بسيط‪ .‬أان مل أفكر فيها كعمل أديب‬ ‫متكامل عندما كتبت أول كلماهتا وكانت "عمي إتسلط‬ ‫علي" إال بعد أن تعدت ثلثها تقريبا‪ ،‬وذلك بعد تشجيع‬ ‫األصدقاء واألحبة كما أسلفت يف إجابيت على السؤال‬ ‫السابق‪ ،‬وإال كنت فكرت يف كتابتها ابللغة العربية‬ ‫الفصحى وفقدت طعم هذه التجربة الفريدة من أوهلا حىت‬ ‫آخرها… ولكن ميكنين القول بثقة اتمه أنين عندما شرعت‬ ‫يف النشر‪ ،‬كنت مطمئنا إطمئناان اتما للتجربة‪ .‬إن كان‬ ‫هناك ما يشوب الفكرة لكنت قد توقفت أو ترددت عن‬ ‫فكرة النشر‪ .‬تشجيع األصدقاء من القراء كان واضحا‬ ‫ابلنسبة يل‪ ،‬ومن جهة أخرى مل يتوقف عندها أحد شاكيا‬ ‫من صعوبة قراءهتا مثال أو معضلة يف فهم لغتها‪ ،‬أقول ذلك‬ ‫ويف ابيل حتديدا القراء من فئات مواليد التسعينات فما‬ ‫فوق‪ ،‬هؤالء من املؤكد أن الكثري من الكلمات الواردة فيها‬ ‫‪175‬‬


‫أو بعض التوصيف كان يشكل بعض التحدي ابلنسبة هلم‪،‬‬ ‫ولكنها كانت إىل حد كبري مفهومة من خالل الصياغات‪،‬‬ ‫وقد إستأنست فعال مبتابعاهتم وهي يف بداايهتا‪.‬‬ ‫‪-‬أفهم من كالمك انك رمبا متجد العامية على‬

‫الفصيحة‪ .‬هل هذا ما تريد ان ختلص اليه؟‬

‫دعين إذن أخلص إىل القول‪ ،‬أهنا مل تكن فقط عن‬‫وعي وإدراك بل متت عن إصرار مسبق ورغبة أكيدة يف‬ ‫مواصلة املشوار حىت هنايته‪ .‬ويل أسباب عديدة يف ذلك‬ ‫حسب رؤييت املتواضعة‪ ،‬أذكر منها على سبيل املثال‪ ،‬أن‬ ‫لغتنا الدارجة عبارة عن لغة غنية ذاخرة بشكل مذهل‬ ‫وفريد‪ ،‬وهي لغة توصيف يف املقام األول‪ ،‬فإن إستمعت إىل‬ ‫من حيدثك هبا وكنت ملما مبعانيها‪ ،‬فستشعر أهنا لغة‬ ‫تتعدى مجاليات الوصف أثناء احلديث إىل لغة حتمل‬ ‫كلماهتا ومعانيها ومضامينها وصفا دقيقا لألصوات‬ ‫واحلركات وكأن الناس على مسرح مفتوح والكل ميثل فيه‬ ‫من خالل احلديث فقط‪ ،‬وهلم هذه املقدرة العجيبة على‬ ‫احلكي أو السرد وتوصيل الصورة الذهنية الكاملة للمتلقي‪.‬‬ ‫‪176‬‬


‫أضيف إىل ذلك أهنا لغة هبا الكثري من احلنني‪ ،‬أي لغة‬ ‫(حنينة) كما أمسيها‪ .‬مت توظيفها إببداع راقي يف اجلانب‬ ‫العاطفي‪ .‬الشعر الدارجي زاخر أبمثلة عديدة‪ ،‬أمسح يل أن‬ ‫أستفيض قليال يف هذا اجلانب‪ ،‬مستدال بغناء الشايقية‬ ‫الثري ألنه ميثلها خري متثيل‪ ،‬ويف ابيل (حبر املودة) للشاعر‬ ‫السر عثمان الطيب يف والدته واليت غناها دمحم جبارة يقول‬ ‫مطلعها‪:‬‬ ‫شويف الزمن اي مية ساقين بعيد خالص‪/‬‬ ‫دردرين وإتغربت وإتبهدلت اي مية وريين اخلالص‪/‬‬ ‫ساقين القدر منك بعيد ألذااي كاس جرعين كاس‪/‬‬ ‫اي مية اي فيض احلنان املا كمل‪/‬‬ ‫اي مية اي بدري البشع داميا هبل‪/‬‬ ‫اي مية اي نور الصباح وكتني يطل‪/‬‬ ‫وا شري اي زينوبة ولدك يف دروب الشوق كتل‪/‬‬ ‫‪177‬‬


‫حمروم من احلب واحملنة وراك مهل‪/‬‬ ‫اي ميه ساعت يوصلوا ويقولو ليك شفناه ىف بلد ىف بلد‬ ‫األمان‪/‬‬ ‫انبسطي اي نبع احلنان واان حايل يشهدبوا الزمان‪/‬‬ ‫اي ميه رسلي ىل عفوك ينجيين من جور الزمان‪/‬‬ ‫ويف أخرى‪ ،‬قصة الفتاة اليت انتظرت فارسها سنوات‬ ‫طويلة يف جمتمعها القروي البسيط ولكنها فوجئت به يعقد‬ ‫قرانه على غريها‪ ،‬وعانت ما عانت من جراء ذلك‪ ،‬فكتب‬ ‫الشاعر (بر احلسن بر) على لساهنا قصيدته (حيب ليك‬ ‫كان زادي) اليت تغىن هبا عبدالرحيم أرقي مبشاركة صديق‬ ‫أمحد واليت تقول كلماهتا‪:‬‬ ‫وداعا اي سراب خداع‪/‬‬ ‫حمال ما بريوي عطشانني‪/‬‬ ‫وداعا اي حلم عابر‪/‬‬ ‫‪178‬‬


‫يسعد ويفرح الناميني‪/‬‬ ‫وداعا اي كالم معسول‪/‬‬ ‫حدو ومكمنو الشفتني‪/‬‬ ‫وداعا اي قلب قساي‪/‬‬ ‫ال بيحن وال بيلني‪/‬‬ ‫وداعا اي سحابة صيف‪/‬‬ ‫شايله مطر ضليل ورهني ‪/‬‬ ‫وتبشر خبريف جايينا‪/‬‬ ‫ايما الناس رجوه سنني‪/‬‬ ‫وكل زوال يفكر فيها‪/‬‬ ‫ما معروفه تنزل وين‪/‬‬ ‫وألف سالمة عليك اي قليب‪/‬‬ ‫‪179‬‬


‫مسامل ودمية طبعو حنني‪/‬‬ ‫وغري أشعار احلنني والغزل والعاطفة‪ ،‬كانت هلا دورها‬ ‫الرايدي يف أشعار الثورة وإذكاء مشاعر احلماسة والوطنية‬ ‫يف قلوب الناس‪ ،‬كمثال أشعار املقيم الراحل حمجوب‬ ‫شريف ويقول يف إحدى قصائده‪:‬‬ ‫مساجينك‪ ..‬مساجينك‪/‬‬ ‫نغرد يف زانزينك‪/‬‬ ‫عاصفريا جمرحة‪/‬‬ ‫يب سكاكينك‪/‬‬ ‫نغين وحننا يف أسرك‪/‬‬ ‫وترجف وإنت يف قصرك‪/‬‬ ‫مساواتك دخاخينك‪/‬‬ ‫مساجينك‪/‬‬ ‫‪180‬‬


‫برغمك حننا ما زلنا‪/‬‬ ‫بنكرب بزالزلنا‪/‬‬ ‫بنعشق يف سالسلنا‪/‬‬ ‫بنسخر من زانزينك‪/‬‬ ‫مساجينك‪/‬‬ ‫حكاايت اهلوى األول بنحكيها‪/‬‬ ‫بداية الغنا الطول‪ ..‬نغنيها‪/‬‬ ‫حقيقة وليس تتأول‪/‬‬ ‫حنهرب من عناوينك‪/‬‬ ‫حتجهل يف عناوينك‪/‬‬ ‫مساجينك‪/‬‬ ‫ابلسودان مواقفنا‪/‬‬ ‫‪181‬‬


‫للسودان عواطفنا‪/‬‬ ‫وملا هتب عواطفنا ‪/‬‬ ‫ما حيلة قوانينك‪/‬‬ ‫مساجينك‪.‬‬ ‫إذن كل الذي كنت أحاول القيام به هو إستخدام هذه‬ ‫اللغة (احلنينة) يف رواييت كما هي‪ ،‬بكل بساطتها وعفويتها‬ ‫وبراءهتا‪ .‬وأعتقد اآلن جازما‪ ،‬إن مل تكن هذه الرواية‬ ‫ابلدارجة‪ ،‬وستخدمت بدال عنها العربية الفصحى‪،‬‬ ‫الختلف بناء الرواية بشكل كامل وإن كانت بنفس‬ ‫املضمون‪.‬‬ ‫‪-‬هل ترمي من وراء كتابتك وروايتك ابلعامية أن جتعل‬

‫منها لغة أدبية؟‬

‫وملَ ال؟ ما املانع؟ يف واقع األمر وكما ذكرت سابقا‬‫أن العامية لغة غنية‪ ،‬هي لغة سلسلة غري متكلفة‪ ،‬قريبة‬ ‫جدا من وجدان القاريء‪ ،‬جيد فيها نفسه بسهولة لبساطتها‬ ‫‪182‬‬


‫الشديدة وقرهبا من حياته اليومية دون احلاجة للتهيوء‬ ‫للقراءة‪ ،‬أي من غري أي تعقيد‪ .‬ابلنسبة يل أجد سهولة‬ ‫كبرية يف الكتابة ابلعامية‪ ،‬أسهل بكثري من الكتابة‬ ‫ابلفصحى‪ .‬ولكين أعتقد أهنا كتجربة ما زالت يف بداايهتا‪،‬‬ ‫حتتاج إىل الكثري من املمارسة والصقل حىت تشكل لغة‬ ‫أدبية متكاملة جنبا إىل جنب مع الفصحى دون أن ختصم‬ ‫إحدامها من األخرى أو على حساهبا‪ .‬ويف نفس الوقت‬ ‫حتتاج إىل آخرين لينضموا هلذا النادي‪ ،‬حىت تنضج التجربة‬ ‫وتنهض‪ .‬وهناك ما زالت بعض اإلشكاليات‪ ،‬فليست كل‬ ‫العامية تكتب‪ ،‬بعض الكلمات تضطر إلستبداهلا بكلمات‬ ‫أخرى ألنه يصعب كتابتها‪ ،‬ألهنا ال حتوي خمارج واضحة‬ ‫للحروف‪ ،‬أو حتتاج لإلتفاق حول شكل حروف معينة‬ ‫تضاف للكلمة حىت يفهم معناها‪ .‬وكما ذكرت سابقا‪ ،‬أهنا‬ ‫لغة توصيف كبرية‪ ،‬بعض تلك التوصيفات ال تتم‬ ‫ابلكلمات‪ ،‬مثال بعضهم لو أراد أن يقول لك (نعم)‪ ،‬فإنه‬ ‫يكتفي بصوت يشبه الطرق يصدره بلصق اللسان مع‬ ‫جتويف الفم األعلى‪ ،‬مثل هذه احلركة حتتاج إىل الكثري من‬ ‫الكمات للوصول إليها‪ ،‬حتما سيصاب القاريء ابمللل إن‬ ‫‪183‬‬


‫كنت ستوصفها بشكل مستمر يف قصة أو رواية مثال‪.‬‬ ‫ولكن ابلنسبة يل‪ ،‬أستمتع جدا وأان أقرأ رواية سودانية‬ ‫ابلعامية‪ ،‬منتدايتنا السودانية على اإلنرتنت فيها حماوالت‬ ‫كثرية جيدة وجاذبة للقراء‪ .‬ومن جانيب‪ ،‬أمتىن أن أكون قد‬ ‫سامهت ولو مسامهة صغرية يف هذا اجلانب‪ .‬فقط أمتىن أن‬ ‫ال يتم النظر إليها بشيء من الدونية‪ ،‬كثريون يعتقدون أن‬ ‫الكتابة ابلعامية ما هي حالة ضعف وهترب من الكتابة‬ ‫ابلفصحى‪ ،‬ولكن هذه نظرة ضيقة غري صحيحة وغري‬ ‫حقيقية هبذا الشكل املطلق‪ .‬فالضعيف يف الفصحى هو‬ ‫ضعيف أيضا يف العامية‪ ،‬ببساطة شديدة جدا تستطيع أن‬ ‫تكتشف هذه احلقيقة‪ .‬على العكس متاما‪ ،‬أعتقد أن من‬ ‫يرغب يف الكتابة ابلعامية‪ ،‬عليه أن جييد الفصحى أوال‪،‬‬ ‫حينها سيمتلك انصيتهما معا‪.‬‬ ‫‪ -‬ما هي طبيعة اللغة العامية الىت إخرتهتا وحنن نعلم‬

‫التنوع الثقايف الكبري بني شرق السودان وغربه‪ ،‬مشاله‬

‫وجنوبه؟‬

‫‪184‬‬


‫يف واقع األمر هذا أصعب سؤال واجهين حىت اآلن‪،‬‬‫وأان أشكرك ألنك ستتيح يل الفرصة لكي أعمل بعض‬ ‫التوضيحات‪ .‬من املعروف أن هناك الكثري جدا من‬ ‫اللهجات السودانية يف مشاله وشرقه وغربه وشرقه‪ ،‬وكلها‬ ‫متأثرة بشكل أو آبخر بكلمات دخيلة وأخرى أصيلة دون‬ ‫إستثناء للتنوع اجلغرايف الكبري للسودان املمتد من املناخ‬ ‫الصحراوي مشاال وإىل االستوائي جنواب (يف السابق)‪ .‬جتد‬ ‫الكلمات النوبية والرتكية يف الشمال‪ ،‬مث كان هناك ما‬ ‫يعرف بعريب جواب وهي اللغة اليت يستخدمها أخواننا‬ ‫اجلنوبيون (يف السابق أيضا من النيليني)‪ ،‬ومثل ذلك يف‬ ‫الشرق والغرب‪ .‬ولكن هناك ما يعرف بلهجة أهل الوسط‪،‬‬ ‫وهي اللهجة الوسيطة بني كل تلك املكوانت اليت إجتمعت‬ ‫يف منطقة الوسط ‪..‬‬ ‫‪-‬وماذا عن روايتك اخلرطوم نفر‪ ،‬أي عامية‬

‫استخدمتها فيها؟‬

‫العامية اليت إستخدمتها يف الرواية مرت على مرحلتني‬‫أو ثالثة‪ .‬هي بدأت ابللهجة الشمالية الصرفة‪ ،‬وهناك أنواع‬ ‫‪185‬‬


‫منها أيضا حسب األجناس واألعراق‪ ،‬ولكىن قصدت‬ ‫وتعمدت أال متيل كل امليل حنو قبيلة بعينها‪ ،‬فأان أهلي من‬ ‫املناصري‪ ،‬وهؤالء هلجتهم قوية جدا كأجسادهم نسبة لطبيعة‬ ‫منطقتهم الصخرية والقاحلة‪ ،‬واللهجة اليت كتبت هبا على‬ ‫لسان حسني عندما كان صبيا صغريا فيها الكثري من هلجة‬ ‫الشايقية‪ .‬ولكن على أية حال أردت أن يكون حسني هو‬ ‫إبن الشمال اجلغرايف دون إنتماء عرقي معني‪ .‬مث أتيت‬ ‫املرحلة الثانية‪ ،‬وهي التأثر بلهجة الوسط (هلجة‬ ‫اخلرطوميني)‪ ،‬ومارس تلك اللهجة اليت كان قد إستنكرها‬ ‫يف األول بعد أن أتثر هبا‪ .‬مث أتيت املرحلة األخرية‪ ،‬وهي‬ ‫اللهجة العامية اليت ميارسها الطالب اجلامعي وغريه من‬ ‫املثقفني واليت استمرت حىت هناية الرواية‪.‬‬ ‫‪-‬مبا انك روائي من السودان‪ ،‬فهل نستطيع القول‬

‫بثقة انك قد خرجت من عباءة الطيب صاحل‪ ،‬ذلك‬ ‫الروائي السوداين الرائد والعظيم ؟ هل أتثرت به بصراحة‬

‫أم ال؟‬

‫‪186‬‬


‫أتثرت به ويف نفس الوقت مل أأتثر‪ .‬وقبل أن تسألين‬‫كيف‪ ،‬سأجيبك‪ .‬بال شك أن الطيب صاحل رمحة هللا عليه‬ ‫قامة من قامات األدب السوداين والعريب‪ ،‬من منا مل يقرأ له‬ ‫ويتأثر به؟ ولكن يف نفس الوقت كنت قد تعرفت به يف‬ ‫مرحلة مبكرة جدا من عمري‪ ،‬للدرجة اليت كان يصعب‬ ‫على إستيعاب كل ما كتب‪ .‬وألين أمتتع بذاكرة إنطباعية‬ ‫قوية‪ ،‬فقد تركت رواايته بداخلي إنطباعات وجدانية عميقة‬ ‫ولكنها يف نفس الوقت مل تكن مكتملة‪ ،‬ابألخص موسم‬ ‫اهلجرة إىل الشمال‪ .‬لكن نفس هذه اإلنطباعات كانت‬ ‫سببا يف إستحالة عوديت إىل كتاابته مرة أخرى رغم كل‬ ‫تلك السنني الطويلة ولسبب بسيط‪ ،‬ألين ملول جدا وال‬ ‫أحب التكرار‪ .‬ولكن الذي أاثر دهشيت حقيقة هو‬ ‫تعليقات العديد من األصدقاء‪ ،‬كانوا يقارنون ما أكتب‬ ‫بكتاابته ويقاربون املسافات بيننا‪ .‬حقيقة مل أعمد إىل‬ ‫ذلك‪ ،‬وال أحسست بنفسي أحنى ذلك املنحى‪ .‬وللتأكيد‬ ‫شعرت ابحلاجة امللحة للعودة إىل كتاابته‪ ،‬كان قد مضى‬ ‫الكثري بيين وبينه‪ .‬وصار هناك ما يستدعى القيام بتلك‬ ‫اخلطوة وإعادة قراءة رواايته بشكل جديد وخمتلف كليا عن‬ ‫‪187‬‬


‫التجربة األوىل‪ .‬ولكين إشرتطت على نفسي شرطا‪ ،‬أال أقوم‬ ‫بتلك اخلطوة قبل إكتمال رواييت‪ ،‬ألين خفت التأثر به فعال‬ ‫قبل أن تنتهي‪ .‬كنت قد قرأت العديد من الرواايت‬ ‫السودانية احلديثة‪ ،‬وبدا يل أتثرها الكبري والواضح بكتاابت‬ ‫الطيب صاحل‪ ،‬هم فعال مل خيرجوا من عباءته‪ .‬رغم إين ال‬ ‫أنكر أن التشبيه هبذا القامة قد أسعدين أميا سعادة‪ .‬ولكن‬ ‫عفوا والدي وأستاذي الطيب صاحل‪ ،‬بكل تواضع أقول ال‬ ‫أستطيع أن أكتب حتت عباءتك‪.‬‬ ‫‪-‬ما هي مصادرك الثقافية؟ وحبكم أنك عشت‬

‫ثالث سنوات من طفولتك ابلوالايت املتحدة األمريكية‪،‬‬

‫هل أتثرت مبا قرأت ابللغة اإلنكليزية‪ ،‬ابألفالم أو‬ ‫الثقافة األنكلوساكسونية بشكل عام؟‬

‫أتثرت بال شك ابلثالث سنوات من عمري اليت‬‫قضيتها ابلوالايت املتحدة األمريكية‪ ،‬درست يف مدارسها‪،‬‬ ‫شاركت يف أنشطتها‪ ،‬طفت على معاملها‪ ،‬حقيقة والدي‬ ‫رمحة هللا عليه كان رجل حيب املغامرة والسفر والرتحال‪.‬‬ ‫طاف بنا على الكثري من مناطقها ومعاملها اليت ظلت‬ ‫‪188‬‬


‫راسخة يف ذاكريت‪ ،‬كانت جتربة ثرة ما زال أتثريها ممتدا حىت‬ ‫يومنا هذا‪ .‬ولكن على صعيد هذه الرواية حتديدا‪ ،‬مل يكن‬ ‫أتثري تلك التجربة ابلشيء الواضح‪ ،‬على عكس رواييت‬ ‫األخرى اليت آيت على ذكرها كثريا ومل تنشر بعد وهي‬ ‫"القصر"‪ ،‬فكل ما ذكرت يدخل يف مكوانهتا ابإلضافة إىل‬ ‫مصادر أخرى‪ .‬أما ابلنسبة لـ(خلرطوم نفر)‪ ،‬فهي رواية‬ ‫سودانية خالصة‪ ،‬أتثري فيها واضحا ابملكون احمللي من‬ ‫عادات وتقاليد وأحاجي اجلدات واألدب السوداين والبلد‬ ‫ذاخر ابلتنوع الثقايف الثر‪ ،‬وتلك املكوانت أخذت من وقيت‬ ‫الكثري بعد تلك الثالث سنوات اليت أشرت إليها‪ ،‬ألين‬ ‫كنت كاملبتديء من الصفر بعد رحلة تغرب عن البلد‬ ‫وكأن مل يكن قبلها شيء‪ .‬ابملناسبة‪ ،‬يعتقد البعض أنين قادم‬ ‫من الريف حسب جمرايت أحداث الرواية‪ ،‬لكن يف واقع‬ ‫األمر أان قمت ونشأت يف مدينة‪ ،‬وهي مدينة كسال‬ ‫الشهرية ببساتينها وجباهلا ومعاملها السياحية الىت ما زالت‬ ‫للحد البعيد على طبيعتها العذرية‪ .‬على كل حال‪ ،‬عالقيت‬ ‫ابلريف حيث تنطلق منها هذه الرواية كانت عبارة عن‬ ‫رحلتني فقط يف كل حيايت‪ .‬األوىل كانت يف الثانوي‪ ،‬وتلك‬ ‫‪189‬‬


‫قضيت فيها حنوا من اإلسبوع يف منطقتنا ابلشمالية‪ ،‬والثانية‬ ‫كانت عند أتبني والدي رمحة هللا عليه وكانت يوما واحدا‬ ‫فقط‪ .‬أتثري ذلك اإلسبوع كان عظيما يف نفسي وحيايت‪،‬‬ ‫ميكنين القول أهنا اجلذور احلقيقية لبطل هذه الرواية‪ .‬وأتثري‬ ‫األخر جاء من منظر ال أنساه أبدا وقعت عليه عيين يف‬ ‫رحليت األويل تلك إىل الشمالية‪ .‬كانت الرحلة عموما‬ ‫قاسية جدا بدأت من كسال صباحا مرورا مبنطقة تسمى‬ ‫قوز رجب ويف الطريق إحتجنا عبور هنر عطربة املومسي وال‬ ‫كباري يف تلك املناطق القاحلة حىت وصلنا إىل مدينة‬ ‫عطربة‪ .‬يف الطريق إىل عطربة قضينا ليلتنا يف اخلالء عند‬ ‫حمطة خلوية هبا بعض الرواكيب املصنوعة من القش‬ ‫واحلصري‪ ،‬أذكر تلك الليلة ألهنا كانت ابردة جدا إضطررت‬ ‫للنوم أسفل الشاحنة مفرتشا الرمل ومتخذا من إطارها‬ ‫اخللفي ساترا من اهلواء البارد‪.‬‬ ‫‪-‬هي رحلة مؤثرة كانت يف حياتك كما يبدو‪..‬‬

‫صحيح؟‬

‫نعم‪ ،‬صحيح‪ .‬أمجل جانب من تلك الرحلة كان هو‬‫‪190‬‬


‫الشق الثاين منها‪ ،‬وهو من عطربة إىل الشمالية‪ ،‬ركبت‬ ‫لوري حممال ابلبضائع‪ ،‬فخريين السائق يف أرحيية اندرة‪ ،‬هل‬ ‫نتبع النيل أم نقطع صحراء بيوضة‪ ،‬ولكنه حذرين قبل‬ ‫اإلختيار‪ ،‬أن الطريق احملاذي للنيل وعر جدا وأن الرحلة‬ ‫ستستغرق يومني كاملني‪ ،‬لكن ابلطبع سأمتع نظري جبمال‬ ‫بكر ال نظري له‪ ،‬وعلى اجلانب األخر ميكننا قطع الصحراء‬ ‫يف رحلة تستغرق ما بني أربعة إىل ستة ساعات‪ ،‬وابلطبع‬ ‫ستكون رحلة خطرية ومرهقة والصحراء قاحلة ال ظل ال‬ ‫حيوان ال نبات جمرد رمال يف كل مكان‪ ،‬وسنحتاج ابلطبع‬ ‫حلمل الكثري من املاء لإلحتياط‪ ،‬ميزهتا الوحيدة طبعا هي‬ ‫قصر املسافة‪ ،‬وبدون تردد إخرتت النيل‪.‬‬ ‫أما املشهد الذي شدين فعال وأتثرت به كثريا‪ ،‬فبينما‬ ‫كنا جند يف املسري وحنن على حالنا من حماذاة للنيل عند‬ ‫ضفته الغربية‪ ،‬هو ظهور تلك املنطقة اليت ظهرت أمامنا‬ ‫فجأة بني التالل الصخرية وكأهنا برزت من العدم‪ .‬كانت‬ ‫عبارة عن جنة غري مطروقة من األشجار الكثيفة جدا‬ ‫والظليلة بشكل عبقري مدهش‪ ،‬توقفنا عندها فورا‪.‬‬ ‫تفاجأت أبن املنطقة خالية متاما إال من رجل عجوز وإمرأة‬ ‫‪191‬‬


‫مسنة‪ .‬ذينك املسنني كاان لوحدمها يف تلك البقعة الفريدة‬ ‫على وجه األرض‪ ،‬شغلين أمرمها بشكل ال يصدق‪ ،‬حىت‬ ‫األن أذكر هيئتهما مبالبسهما البسيطة الرثة‪ ،‬وعليهما جلد‬ ‫كثري التجاعيد يكسو عظاما‪ ،‬وراكوبة وحيدة أقاماها من‬ ‫سعف النخيل عند جزع شجرة ضخمة‪ .‬وابألحناء بعض‬ ‫األواين القليلة والعتيقة املبعثرة هنا وهناك وبقااي انر مل خيمد‬ ‫دخاهنا‪ .‬كنت يف قمة خجلي وهم يكرمون وفادتنا ابملتاح‬ ‫لديهم ومل يكن غري املاء العذب الزالل‪ .‬كان ذلك املنظر‬ ‫رفيقي وأان أكتب يف (اخلرطوم نفر) وكأين أسدد دينا على‬ ‫رقبيت‪.‬‬ ‫‪-‬من موقعك كروائي‪ ،‬كيف ترى إذن اىل الكتابة‬

‫واألدب يف السودان اآلن؟‬

‫الكتابة اآلن يف السودان عملية مرهقة للغاية‪ ،‬يكاد‬‫يكون من املستحيل على الكاتب التفرغ للكتابة‪ .‬احلياة هنا‬ ‫ضاغطة بشكل ال يصدق‪ .‬الكل مشدوه جراي وراء لقمة‬ ‫العيش‪ .‬فمن أين تتوفر األجواء املناسبة للكتابة؟ هذا طبعا‬ ‫ابإلضافة ألسباب أخرى عديدة‪ ،‬أذكر منها املشاكل‬ ‫‪192‬‬


‫املتعلقة ابلنشر‪ .‬يذكر الكاتب السوداين محور زايدة الذي‬ ‫فاز مؤخرا جبائزة جنيب حمفوظ عن روايته (شوق الدرويش)‬ ‫كأول سوداين حيصل عليها يف لقاء له على قناة ‪ONtv‬‬ ‫أنه يف الغالب ما كانت اللجنة ستنتبه لروايته إن نشرت‬ ‫ابخلرطوم يف إجابة على سؤال للمذيعة‪ ،‬وأان أعتقد ذلك‬ ‫أيضا‪ .‬وتلك هى مشكلة حقيقية ومعاانة ما زالت قائمة‬ ‫تواجه الكتاب والناشرين‪ .‬كمثال أخر‪ ،‬رواية (آالم ظهر‬ ‫حادة) للصديق الروائي عبدالغين كرم هللا‪ ،‬نشرت يف القاهرة‬ ‫يف العام ‪ 6002‬ولكن لدهشيت الشديدة مل توزع يف‬ ‫اخلرطوم إال يف العام ‪ 6052‬خالل فعاليات معرض‬ ‫اخلرطوم الدويل األخرية‪ ،‬أي بعد عشرة أعوام كاملة منذ‬ ‫اتريخ طباعتها دون أي أسباب واضحة‪ .‬مثال أخري‪ ،‬أقام‬ ‫أعضاء جمموعة "امليني روود" أمسية أدبية بدار إحتاد‬ ‫الكتاب السودانيني ابخلرطوم يف نوفمرب املاضي‪ ،‬وكانت‬ ‫املناسبة هي مناقشة كتاب صدر حديثا ألحدى األعضاء‬ ‫مبعية عدد من النقاد‪ .‬ولكن اضطروا لطلب نسخ سلمت‬ ‫ابليد من خارج البالد لتصل إىل النقاد ومت ذلك قبل‬ ‫سويعات معدودة من قيام األمسية بينما الكتب كان قابعة‬ ‫‪193‬‬


‫لعشرين يوما يف املطار وال يعلمون ابلضبط مىت ستخرج‪.‬‬ ‫هذه أمثلة بسيطة عن مدي املعاانة اليت يعانيها الكاتب‬ ‫والناشر على حد سواء‪ ،‬ولكن الصورة ليست كلها بتلك‬ ‫القتامة‪ .‬خالل العقد املاضي بدأت تظهر العديد من‬ ‫األمساء الواعدة يف مساء األدب‪ ،‬وهي يف حالة تزايد‬ ‫وتصاعد مستمر مما يشرح ويسر النفس‪ .‬ظل األدب‬ ‫السوداين شحيح الظهور يف احملافل الدولية واإلقليمية وحىت‬ ‫احمللية لفرتة طويلة من الزمن وإن مل يتوقف ابملرة‪ .‬ولكن‬ ‫كانت هناك حالة من الركود الثقايف العميق بني اجليل‬ ‫األول واجليل احلايل ابلذات يف فرتة التسعينات‪ ،‬لكين‬ ‫أعتقد أن لثورة اإلتصاالت األثر األكرب يف إشعال جذوته‬ ‫من جديد وخلق احلراك املطلوب رغم الضغوط اإلقتصادية‬ ‫واإلجتماعية والسياسية املعروفة‪ .‬وسائط مثل الفيس بوك‬ ‫وتويرت واملدوانت اإللكرتونية ساعدت كثريا يف ظهور‬ ‫العديد من الكتاب الشباب‪ .‬هذا طبعا ابإلضافة لدور‬ ‫املسابقات التشجيعية والنشر‪ ،‬مثل جائزة الطيب صاحل اليت‬ ‫سامهت يف سطوع جنوم جيل صاعد‪ ،‬ومسابقة مجعية غادة‬ ‫الثقافية للشباب‪ .‬وأان كمثال حاضر أمامك‪ ،‬مل أكتب أاي‬ ‫‪194‬‬


‫من قصصي أو روااييت على الورق منذ العام ‪،6050‬‬ ‫لدرجة إين أحياان أشتاق ملسكة القلم بني أانملي وتذكر‬ ‫ذلك اإلحساس ابلضغط على سطح ورقة جرداء وممارسة‬ ‫بعض اخلربشات بال معىن‪ ،‬ولكنه ال يعدو كونه جمرد‬ ‫إشتهاء‪ .‬منذ ذلك التاريخ وأان أكتب إما مباشرة على‬ ‫املنتدايت أو الفيس بوك‪ ،‬أو أحتفظ هبا كنسخ إلكرتونية‬ ‫على احلاسوب‪ .‬وابملثل‪ ،‬ظهور الكتاب اإللكرتوين ساعد‬ ‫كثريا يف إخرتق حاجزي الزمان واملكان وكان أثره واضحا‬ ‫وجليا‪ .‬على العموم‪ ،‬ميكنين القول أنه عاد ذلك النهم‬ ‫للمعرفة وللبحث عن كل جديد‪ .‬شاهدت بنفسي الناس‬ ‫يف معرض اخلرطوم الدويل للكتاب يف سبتمرب املاضي وهي‬ ‫تستقطع من مصروفها اليومي على شحه وقلته لتشرتي به‬ ‫كتاب أو كتابني‪ .‬كنت أشاهد الناس خترج من املعرض‬ ‫بصحبة جمموعة من الكتب‪ ،‬هذه صورة مشرفة وظاهرة‬ ‫صحية‪ ،‬الناس عادت تقرأ من جديد‪ .‬بدأ اإلهتمام أيضا‬ ‫والدعوات ترتى عن طريق شبكات التواصل اإلجتماعي‬ ‫لضخ الدماء من جديد يف التظاهرة الفريدة اليت إبتكرهتا‬ ‫جمموعة من الشباب املثقف واليت إشتهرت ابلـ(مفروش)‪،‬‬ ‫‪195‬‬


‫وهي تعين البضاعة املباعة على األرض‪ ،‬هناك يتم عرض‬ ‫وبيع وتبادل الكتب املستعملة يف حميط منطقة مقهى (إتين)‬ ‫القدمي الذي كان جيتمع فيه املثقفون السودانيون‪ .‬وهذه‬ ‫التظاهرة الفريدة من نوعها غري أهنا توفر الكتاب النادر‬ ‫والغري متوفر قد ساعدت أيضا يف تواصل األجيال‪ .‬وبنفس‬ ‫الطريقة خترج دعوات أخرى ليوم قراءة فقط ابلساحة‬ ‫اخلضراء مثال‪ .‬إذن هناك حراك ثقايف حقيقي وفعلي‬ ‫ومتزايد‪ ،‬وهذه الربكة اليت كانت راكدة لبعض الوقت‪ ،‬مل‬ ‫تعد ساكنة كما يف السابق‪ ،‬وابلتايل حتتاج ملن يغذيها‬ ‫إبستمرار‪ ،‬وهنا أييت دور الكتاب الشباب ملليء هذا الفراغ‬ ‫ليليب طموحات وأشواق الشباب بصفة خاصة‪ ،‬كل ذلك‬ ‫وأان أالحظ ميال واضحا حنو كل ما هو سوداين‪ ،‬الناس‬ ‫قرأت كثريا لكل الكتاب العرب والعامليني‪ ،‬حاليا هناك رغبة‬ ‫حقيقية وكبرية يف كل ما هو سوداين‪.‬‬

‫‪196‬‬


‫خيال الذات وتحوالت الهاجس في قصص‬ ‫الهمبول‪ :‬حوارمع عماد البليك‬ ‫إىل الباحثني عن معىن للعامل وإىل الغارقني يف التيه وغياب‬ ‫الكينونة يهدي الكاتب السوداين عماد البليك جمموعته‬ ‫القصصية اجلديدة واليت هي كوالج كتب يف أزمنة متفاوتة‬ ‫جيمعها هاجس واحد هو االنتماء للحقيقة إن وجدت‬ ‫ولفكرة األان العارفة‪ .‬يف هذه اجملموعة ميكن لألزمنة أن‬ ‫تتطاحن ولألمكنة أن تتداخل وللذات أن تنشطر دواما‬ ‫مردود‪.‬‬ ‫يقول املؤلف انه قد كتب اهلمبول ككتاب يقرأ مرة واحدة‬ ‫وليس كنصوص قصصية منفصلة‪.،‬لكن اهلمبول ليس رواية‬ ‫كما يؤكد البليك‪ ،‬بل هي نصوص قصصية قامت على‬ ‫عدد من الركائز يف وعي الكاتب لفن القص‪ .‬ان هذا هو‬ ‫ما فكر فيه يف كتابة اهلمبول فولدت أول جمموعة قصصية‬ ‫له‪ ،‬بعد سبع رواايت‪.‬‬

‫‪197‬‬


‫هذا وجدير ابلذكر ان كلمة اهلمبول اليت جاءت عنواان‬ ‫للكتاب تعين ابلدارجة السودانية خيال أملا‪-‬آات أو فزاعة‬ ‫الطيور املستعملة يف احلقول‪ ،‬وهو عبارة عن عيدان تربط‬ ‫وتغطى ابلقماش لتصبح يف شكل إنسان ويوضع يف الزراعة‬ ‫لتخويف املعتدي من طري وصربة وغريها‪ .‬وملناسبة صدور‬ ‫اهلمبول عن مومنت للكتب والنشر يف لندن ابلتعاون مع‬ ‫"يب فور يب سايت" السويدية‪ ،‬بطبعتني‪ ،‬ورقية وإلكرتونية‪،‬‬ ‫كان لنا مع املؤلف هذا احلوار‪:‬‬ ‫‪-‬على العكس مما يفعله معظم الكتاب العرب فقد‬

‫ذهبت أنت من الرواية اىل الفن األصعب وهو القصة‬ ‫القصرية بعد سبع رواايت انجحة‪ ،‬ترى ما املوجب‬

‫لذلك؟ وهل سنشهد اسرتاحة سردية لك على سبيل‬

‫املثال؟‬

‫أوال‪ ،‬ليس عندي فن صعب أو فن سهل‪ .‬ابلنسبة يل‬‫هي كلها فنون‪ .‬وما يصعب على أحد قد يسهل على‬ ‫آخر‪ .‬املسألة تتعلق بفكرتك أنت عن الفن املعني‪،‬‬ ‫‪198‬‬


‫وقدراتك ودائرتك الذاتية املعرفية‪ .‬كتبت اهلمبول ككتاب‬ ‫يقرأ مرة واحدة وليس كنصوص قصصية منفصلة‪ ،‬مبعىن انه‬ ‫مثة بناء هيكلي متكامل‪ .‬وهذا قد يشبه‪ ،‬أو يتقاطع مع‬ ‫الفن الروائي‪ .‬لكنها ليست رواية‪ .‬كما أنه ميكن هنا أن‬ ‫تبدأ من أي موقع وتنطلق للخلف أو لألمام‪ ،‬ليس من‬ ‫إشكال‪ .‬أنت كقارئ من سيقرر‪ .‬وهي نصوص قصصية أو‬ ‫جمموعة قصصية‪ .‬قامت على عدد من الركائز يف وعيي لفن‬ ‫القصص‪ .‬القصة القصرية واألطول واألطول جدا ومن مث ما‬ ‫يشبه "الرواية القصرية جدا" وكل نوعية منها أتخذ مسارها‬ ‫ابتصال مع مضمون خمتلف‪ .‬من حيث احلركة والشخوص‬ ‫ولعبة الزمن ومن مث األهم الفضاء الفلسفي الذي تنمو من‬ ‫خالله القصة‪ .‬وهذا يف النهاية هو لعبة القارئ‪ ،‬قبل أن‬ ‫يكون جترييب أو لعبيت اليت انتهت‪ .‬إذن مل يكن جلوئي إىل‬ ‫القصة يف اهلمبول هرواب أو حتداي من أي نوع لفن عصي‬ ‫– كما ذكرت – كالقصة‪ ،‬بل هو التجريب املفتوح يف‬ ‫النصوص األدبية‪ ،‬وإزالة احلواجز‪ .‬كيف جملموعة قصصية‬ ‫أن تقرأ كرواية كاملة أو كيف لرواية أن تقرأ كنصوص‬ ‫قصصية بل وتعاجل موضوعات نقدية يف صميمها‪ .‬وهذا ال‬ ‫‪199‬‬


‫يدل على أنين كتبت رواية وال يشفع له‪ ،‬بل كتبت قصصا‬ ‫بطريقيت‪ .‬إنه إغواء الفن والكتابة وكسر األاماط واألشكال‬ ‫وحماولة رؤية األشياء بزاوية جديدة‪.‬‬ ‫ما معىن هذا التفسري؟‬‫انه تفسري آخر عملي‪ ،‬فإنين قد أغوى بكتابة رواية‬‫معينة‪ ،‬مث أجدها يف النهاية قصة حمددة‪ .‬يكون الفضاء‬ ‫كذلك‪ .‬وهلذا ال أقلق نفسي‪ .‬أغلق املسألة‪ ،‬أتوقف حيث‬ ‫أان‪ ،‬وأمضي يف غريها‪ .‬إىل أن يرتكب الكل من خالل‬ ‫فسيفساء األجزاء وعلى مراحل زمنية‪ ،‬ويف النهاية يكون‬ ‫هناك عمل عصي وشاق‪ .‬لكنه ممتع‪ ،‬يقوم على تركيب‬ ‫التشكيل النهائي أو اللوحة‪ .‬هذه طريقة يف العمل على بناء‬ ‫فنون قصصية قائمة على نسيج متصل‪ ،‬وليس جمرد حقول‬ ‫منفصلة‪ .‬فأان لدي نظرية أبن القصص حىت لو كانت ذات‬ ‫مضامني خمتلفة‪ ،‬هي يف النهاية ولو تنوعت تقنيات الكتابة‬ ‫تظل ذات إطار كلي‪ .‬وهذا ما فكرت فيه يف اهلمبول اليت‬ ‫هي أول جمموعة قصصية يل‪ ،‬بعد سبع رواايت‪.‬‬ ‫‪200‬‬


‫‪-‬تنادي بنهاية عصر الرواية وتضع اترخيا لذلك يف حبر‬

‫العام القادم‪ ،‬لكنك ما زلت تنتج الرواايت‪ ،‬ولرمبا كانت‬

‫لديك رواية يف العام القادم‪ .‬كيف ترى اىل ذلك؟‬

‫ما أفعله ال يعين هناية التاريخ‪ .‬ال يعىن أن الرواية قد‬‫وصلت حدودها القصوى وإن كانت قد ماتت فعليا من‬ ‫خالل األشكال الراهنة‪ ،‬لكنه نوع من التحريض املعلن‬ ‫الكتشاف طاقة جديدة لفن الرواية‪ ،‬ملا وراءها‪ .‬أي‬ ‫االشتغال على مناطق جديدة من الـ "ميتا سرد"‪ .‬وبظين أن‬ ‫املسألة ليست رواية أو ال رواية‪ .‬بل هي إنتاج فنون أو‬ ‫نصوص هلا القدرة على التماهي مع الزمن والتقاطع مع‬ ‫األسئلة األكثر حيوية يف احلياة اإلنسانية املعاصرة‪ .‬فالفنون‬ ‫إذا مل تكن هلا الطاقة على املساءلة والتعايش مع املتحرك يف‬ ‫استفهام الوجود‪ ،‬تصبح جامدة وتتخثر ويف النهاية متوت‪.‬‬ ‫وابلتايل فحديثي على شاكلة "اقرتبت الساعة‪ "..‬يف حني‬ ‫أن هذا اخلطاب القرآين ال يعين حتديدا لغواي يعطي معىن‬ ‫اترخييا‪ .‬إذ يعطي فقط اإلنذار واهلاجس أن حتس خبطر ما‬ ‫‪201‬‬


‫وترتب األمور بشكل أفضل‪ .‬وسواء يف عام ‪ 6051‬العام‬ ‫املقبل كحد ظين‪ ،‬أو يف سواه‪ ،‬فالبداية مطلوبة لدورة‬ ‫جديدة من االكتشاف آلفاق هذا الفن الذي لن ميوت‪،‬‬ ‫بل يتبدل ويدخل يف روح أخرى‪ ،‬سواء من خاليل أو من‬ ‫خالل آخرين غريي وهناك اآلن تيار عاملي منذ عدة‬ ‫سنوات يبشر مبدارس جديدة‪ ،‬كـ "جوع الواقع" اليت تعين‬ ‫برواية أو فن غري ُمعرف حيكي عن وقائع وجودان مبباشرة‬ ‫وبال تريث‪ .‬أو غريها من الواقعية القذرة أو ما شئت من‬ ‫ابتكارات مقبلة‪ .‬فالتاريخ ال يعرب هنا عن حقيقة بقدر ما‬ ‫يعكس التحفيز والرغبات واإلحلاح مبيالد آخر متوقع هلذا‬ ‫الفن‪ ،‬إذ مل تعد الرواية مبضامينها وأشكاهلا الراهنة قادرة‬ ‫على استيعاب األان اجلديدة‪ ،‬لقد سقطت البطولة‬ ‫والشخصية النمطية كما مل يعد للمكان وال األزمنة ذات‬ ‫حضورها الكالسيكي‪ .‬أما ما سيعقب موت الرواية‬ ‫املعاصرة‪ ،‬فهو ال يزال يف خماض التجريب واالكتشاف‪.‬‬ ‫وينبغي فقط اإلشارة إىل أن مفهوم األدب والفنون عموما‬ ‫مع امللتيميداي والوسائط األكثر حداثة‪ ،‬ابت معقدا‪ ،‬ورمبا‬ ‫يتطلب إعادة االكتشاف أو التخليق للفن الروائي‪ ،‬حبيث‬ ‫‪202‬‬


‫يصبح له أكثر من ثالثة أبعاد أو أربعة‪ ،‬ويدخل يف حيز ما‬ ‫تشري إليه الفيزايء احلديثة كما عند ستيفن هوكينغ بـ "الزمن‬ ‫التخيلي"‪ ،‬أي القدرة على ابتداع أكوان موازية داخل حيز‬ ‫النص‪ ،‬أي جعل النص نفسه مفتوح االحتماالت ليس‬ ‫للتأويل أو القراءة فحسب‪ ،‬بل يشارك الالعب أو القارئ‬ ‫يف تكييفه كما حيدث يف األلعاب اإللكرتونية أو البوكيمون‬ ‫أو غريها‪ .‬لنكون أمام أكثر من احتمال ونتيجة وبنائية‬ ‫للحدث والشخصية واالنفالت‪ .‬أما شكل هذا الفن‬ ‫اجلديد‪ ،‬الروائي فهو يتطلب عمال كبريا وسيتبلور كما أراه‬ ‫مثاال من على البعد‪.‬‬ ‫‪-‬ضمن اطار الوعي ابلفن القصصي الذي اشرت اليه‬

‫آنفا يف حديثك‪ ،‬ما هي رمزية اهلمبول يف جمموعتك‬ ‫وملاذا استعنت مبفردة مغرقة يف حمليتها بينما على‬ ‫اجلانب االخر داخل املضمون تتم االستعانة أبنطوان‬

‫تشيخوف؟‬

‫اهلمبول ككلمة هي املقابل الدارج السوداين لكلمة‬‫‪203‬‬


‫خيال املآتة أو الفزاعة‪ ،‬تلك اخلرقة البالية اليت تعلق على‬ ‫عود إلخافة الطيور ومنعها االقرتاب من الزرع‪ .‬لكن من‬ ‫خالل الثقافة السودانية وعرب اتريخ قدمي فإن املفردة نفسها‬ ‫اختذت داللة أوسع خصوصا يف ما أشار له احلكيم‬ ‫السوداين الذي عاش يف القرن الثامن عشر الشيخ فرح ود‬ ‫تكتوك (‪5106 –5201‬م) الذي قال قولته "اي اهلمبول‬ ‫اي اخلوف اجملهول‪ ،‬اي البخوفو بيك الطيور‪ ،‬ابكر خيوفو‬ ‫بيك العقول" وقد عاش معاصرا فرتة سلطنة الفونج بوسط‬ ‫السودان‪ ،‬وكان هذا القول يعطي داللة مستقبلية إىل املعىن‬ ‫الفلسفي للهمبول‪ ،‬يف أنه تعطيل العقل‪ ،‬وحبيث أن الكلمة‬ ‫ابتت جمازا يقصد به التخويف بغض النظر عن طبيعة‬ ‫املخيف‪ ،‬فهو قد يكون ال ميلك أي أدوات للتخويف لكنه‬ ‫يظل خميفا ألن اخلوف احلقيقي يسكن عقل اإلنسان‪ ،‬أو‬ ‫يعشش يف الصور الذهنية اليت يدمنها دون إعادة التفكري‬ ‫فيها أو رؤيتها بشكل أو آبخر‪ ،‬والشيخ فرح كانت له‬ ‫قراءات مستقبلية ونبوءات تشبه طريقة نوسرتاداموس وهذه‬ ‫واحدة منها‪ ،‬وهو يتحدث يف "نبوءات" أخرى عن مدينة‬ ‫بني النهرين تغرق ذات يوم ومقصود اخلرطوم – بظن الناس‬ ‫‪204‬‬


‫ اليت مل تكن معروفة بعد وقتذاك‪ ،‬وغريها من احلكاايت‪.‬‬‫وقد استخدمت هذه املفردة احمللية إحياء لذكرى هذا‬ ‫احلكيم يف حماولة لرد االعتبار للفلسفة احملكية يف السودان‪،‬‬ ‫إذ أعتقد أبن هناك تراث كبري مل يعط االنتباه اليه ابلشكل‬ ‫احلقيقي من "أساطري" وأحجيات وقصص شعبية‪ ،‬منذ‬ ‫عصور قدمية وإىل احلاضر‪ ،‬وأنه البد من وعي هذا الرتاث‬ ‫الشعيب وإعادة دجمه يف صميم "ما بعد احلداثة" يف املشروع‬ ‫اإلبداعي ألن "اهلمبول" كمجموعة قصصية تتقاسم ما بني‬ ‫الرتاث وجتليات املشروع الفين الكوين‪ ،‬كما يف قصة فان‬ ‫كوخ‪ ،‬مثال‪ ..‬أو قصة تصور لنا مستقبل الكون بعد آالف‬ ‫السنني عرب أحفاد البشر الذين ينتجون من تناسل مع‬ ‫كائنات تسكن كواكب بعيدة‪ .‬عموما فقد أردت هنا‬ ‫بشكل مباشر أن أعيد استحضار "اهلمبول" لكي يكون‬ ‫رمزية للوعي اجلديد‪ ،‬التحرر من اغتيال العقل والنهوض من‬ ‫املوت الدماغي املخيم على العقل املهلوس‪ ،‬وأن مثة ما هو‬ ‫ممكن يف حدود ما نظنه أنه غري ممكن‪ ،‬كذلك فتح األفق‬ ‫للتفكري جبدية يف إحياء العقل والتخييل واإلبداع والتحلل‬ ‫من سيطرة األان القاتلة للذات حبيث كلنا صران "مهابيل"‪.‬‬ ‫‪205‬‬


‫كان ميكن ببساطة أن أكتب خيال املآتة أو الفزاعة‪ ،‬لكنها‬ ‫ال تعطي التكييف الكلي والشامل للمفهوم املراد حتقيقه‬ ‫وراء كتاب "اهلمبول"‪ ..‬إذ أن املفردة هنا ومبا أوضحته‬ ‫وادخل سياق الثقافة السودانية تكون قادرة على إضاءة‬ ‫املتحقق‪ .‬على اجلانب اآلخر فإن وجود الكاتب الروسي‬ ‫تشيخوف فهو معادل موضوعي وضروري ألننا نتحدث‬ ‫عن فن القصة القصرية‪ ،‬وال ميكن أبي حال من األحوال‬ ‫أن نتجاوزه كأب هلذا الفن‪ ،‬فحضوره يعرب عن البناء والفنية‬ ‫والتقنية‪ ،‬يعرب عن اهليكل واللحم يف حني أن الروح‬ ‫وامليثولوجيا هي سودانية يف تقاطعها الثقافة السودانية مع‬ ‫حداثة الوجود واإلنسانية‪.‬‬ ‫‪-‬حدث أن فاز أحدهم بنوبل لآلداب قبل أايم‪،‬‬

‫وكانت الصاعقة وما زال احلدث ملتهبا‪ ..‬ما رأيك؟‬

‫أحب يف هذا الصدد أن أقول بكل وضوح أبن أسعد‬‫األنباء يف األايم األخرية كان ما مسعته من فوز الشاعر‬ ‫واملغين األمريكي بوب ديالن جبائزة نوبل لآلداب هلذا‬ ‫‪206‬‬


‫العام‪ ،‬ذلك ألن هذا اخلرب‪ -‬احلدث يعين الكثري يف تكسري‬ ‫احلواجز ما بني األجناس األدبية وإهنا لبداية خمرتعة لألدب‬ ‫بوجه قدمي متجدد‪.‬‬ ‫____________‬

‫درس عماد البليك مراحل التعليم األويل برببر‪ ،‬وخترج يف‬ ‫كلية اهلندسة جبامعة اخلرطوم عام ‪ .5332‬عمل يف‬ ‫الصحافة داخل السودان وخارجها‪ .‬يعمل يف مؤسسة‬ ‫للصحافة والنشر واإلعالن يف مسقط بسلطنة عمان‪.‬‬ ‫شارك يف أعمال ميدانية لتغطية احلرب على أفغانستان يف‬ ‫‪ 6005‬وسافر لتغطية مهام يف جنوب أفريقيا والعديد من‬ ‫الدول األخرى‪ .‬أسس صحفا الكرتونية عديدة منها‬ ‫(سودانيزبيرب) و(سودان بوست) و(الزراف اإللكرتونية)‬ ‫و(بربر اإللكرتونية)‪ .‬له يف الرواية‪ :‬األهنار العكرة‪ ،‬دنيا‬ ‫عدي‪ ،‬دماء يف اخلرطوم‪ ،‬القط املقدس‪ ،‬ماما مريكل‪،‬‬ ‫شاورما‪ ،‬قارسيال‪ .‬ويف القصة القصرية‪ :‬اهلمبول والكتب‬ ‫الثالث األخرية صدرت مجيعها عن مومنت للكتب والنشر‬ ‫بلندن‪ .‬ويف النقد له يف الدوحة عن وزارة الثقافة القطرية‬ ‫كتاب الرواية العربية رحلة حبث عن املعىن‪.‬‬ ‫‪207‬‬


‫وحيد الطويلة‪ :‬أكتب بين معطف‬ ‫جدتي ومعطف غوغول‬ ‫وحيد الطويلة‪ :‬كاتب مصري من مواليد ‪ .5320‬له‬ ‫يف القصة القصرية جمموعتان مها‪" :‬خلف النهاية بقليل"‬ ‫واليت صدرت عن منشورات مركز احلضارة العربية ابلقاهرة‬ ‫عام ‪ .5331‬وجمموعة اثنية بعنوان "كما يليق برجل‬ ‫قصري" وقد صدرت عن اهليئة املصرية العامة للكتاب عام‬ ‫‪ .6000‬صدرت له قبل أايم عن دار "مرييت" ابلقاهرة‬ ‫وضمن سلسلة جتليات أدبية‪ ،‬روايته األوىل حتت عنوان‬ ‫"ألعاب اهلوى"‪ .‬هنا حوار مع الكاتب أجريناه يف تونس‬ ‫هبذه املناسبة ‪:‬‬ ‫*كيف تنبئنا عن نفسك؟ سريتك؟ وضعك ككاتب؟‬ ‫أعلق على ابب روحي كلمة للشاعر "سعدي‬‫يوسف" تقول‪" :‬عش يف اهلامش واكتب يف الواجهة"‪..‬‬ ‫‪208‬‬


‫ولكن حىت الواجهة سرقها برابرة العالقات‪ ،‬واهلامش مييد‬ ‫بنا ويتخلى عنا كلما عدان إليه‪ ..‬وأمام سؤالك البسيط‪،‬‬ ‫ولكن اخلبيث أيضا‪ ،‬أكاد أجزم انك تريد أن توقع بيين‬ ‫وبني جنيب حمفوظ‪ .‬فرغم انه حصل على جائزة نوبل‬ ‫لآلداب إال إن جمموعيت القصصية "خلف النهاية بقليل"‬ ‫قد طبعت ثالثة مرات‪ ،‬وهو ما مل حيدث له‪ ،‬وهو الروائي‬ ‫ابمتياز‪...‬‬ ‫* كيف حدث انك ذهبت إىل القص واحلكي؟‬ ‫كأنه سؤال الوجود‪ ،‬أو دخان األسئلة اليت تنام حتت‬‫إبطك‪ ..‬تفاجئك‪ ..‬كأنك تراها ألول مرة‪ ..‬أان من منطقة‬ ‫فسيحة الرب‪ ،‬كانت أرضها قاسية‪ ،‬ورجاهلا غالظ‪ ،‬خيرجون‬ ‫وال احد يعرف مىت سيعودون‪ ..‬هل يف منتصفات الليايل‪،‬‬ ‫أم تذهب أجسادهم قبض الريح؟ وعلى ضوء ملبة صغرية‬ ‫بشريط قماش‪ ،‬خترج جديت من جراهبا احلكاايت‬ ‫والبطوالت الكاذبة ألجدادي ومن جايلهم‪ ،‬بينما شوارهبم‬ ‫ترتاقص على احليطان‪ ..‬خيرج الرجال ويرتكون النسوة مبسافة‬ ‫الشوق واخلوف من اجملهول‪ ..‬ومن حرية أن ال يعود‬ ‫‪209‬‬


‫الغائب‪ ،‬أو من أن تصادفه طريدة أخرى يف الطريق‪ ،‬ما بني‬ ‫الشوق واخلوف‪ ،‬تولد احلكاايت ‪.‬‬ ‫هل مثة حدس عندك بني الشفاهي واملكتوب يف‬

‫الكتابة لديك؟‬

‫ألعرتف‪ ،‬فأان ابن حكائني عظام‪ ،‬لذا فقد خيفي‬ ‫سؤالك عن املسافة بني الشفاهي واملكتوب سؤاال آخر‬ ‫يقول هل أن احلكاية أتت إيل أم أنين أان الذي ذهبت إىل‬ ‫احلكاية؟ يقول الشاعر عزت الطريي "أحلم أن حتلم فاتنة‬ ‫يب وتقص احللم علي‪ ."..‬فأينا يقص اآلخر؟ أينا يذهب‬ ‫إىل اآلخر‪ ،‬أان أم احلكاية؟ ال أكتمك أنين أعد العدة‬ ‫للحكاية وأقتنصها يف الوقت الذي يليق هبا وكأنين أقابلها‬ ‫ألول مرة‪ ،‬أو كأنين مل أشاهدها يف احللم ليلة أمس‪.‬‬ ‫أجدادي الذين حكيت عنهم يف رواييت هذه‪ ،‬كما يف‬ ‫قصصي السابقة‪ ،‬يدعي أخويت أهنم سرقوا النار ليعيشوا‪،‬‬ ‫وأان أؤمن أهنم سرقوا الغناء ونسوا أن يسرقوا حكاايهتم‪..‬‬ ‫مضوا بسيوفهم اخلشبية وتركوين أغين وراءهم‪.‬‬

‫‪210‬‬


‫* ما هي مراجعك يف الكتابة القصصية؟ هل تركز‬

‫على "احلياة" أم على "الرتاث" القصصي املدون؟ إذا‬

‫كانت احلياة هي املرجع‪ ،‬فكيف تنظر إليها كمادة‬ ‫قصصية؟ وإذا كانت املدونة القصصية هي املرجع‪ ،‬فما‬

‫هي مصادرك؟‬

‫ال شك أنين اكتشفت احلياة ذات يوم عرب هذا‬‫الرتاث القصصي املدون الذي فتح عيين على عوامل أخرى مل‬ ‫اعرفها‪ ،‬أو كنت اعرفها ولكنين مل أكن اعرف كيف انظر‬ ‫إليها‪ ..‬نصوص تدفعك ألن متسك أبطراف حياتك‪..‬‬ ‫لكنين عندما اكتب فإنين أكون على مسافة انزايح حقيقي‬ ‫عن احلياة أو الواقع‪ ،‬بني قوسني‪ ..‬هذا من جهة‪ ،‬ومن‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬فان بيين وبني الرتاث القصصي املدون انزايح‬ ‫آخر يؤدي يب إىل إنتاج نص نغل‪ ،‬نص لقيط‪ ،‬ال هو ابن‬ ‫للحياة شرعا‪ ،‬وال هو ابن للرتاث القصصي املدون نسبا‪.‬‬ ‫انه نص أب شريد وأم عاهرة‪ .‬وهكذا أخرج من معطف‬ ‫جديت‪ ،‬ومن معطف غوغول يف نفس الوقت‪ ،‬ألكون نصي‬ ‫وحدي‪.‬‬ ‫‪211‬‬


‫*أعتقد انك كقصاص ضائع ما بني الشعر والرواية‪،‬‬

‫فإىل أي مدى يكون هذا الكالم صحيحا؟‬

‫إعتقد كما شئت‪ ..‬فأان كما قلت لك سابقا‪ ،‬ابن‬‫قبيلة ارحتلت طويال حىت استقرت يف مشوارها الطويل‪.‬‬ ‫فكان عليها أن تـَ ْس ِر َق كي ال تُ ْسَر َق‪ ،‬وأن تسقط أعمار‬ ‫أبنائها يف الطريق‪ .‬لذا جاءت حكاايهتم كرواية وجاء‬ ‫سردهم كشعر‪ ..‬ال تستغرب‪ ،‬إن معظم املواويل اليت عشنا‬ ‫عليها جاءت إبيقاع حمكم يسكه الرجال ويلوكونه ويرتكون‬ ‫احلكاية للنساء بكلمات مسجوعة وسرد متمكن‪ .‬لقد‬ ‫أخذين هذا السرد املنطوق شعرا لفرتة طويلة‪ .‬يف السرية‬ ‫اهلاللية كثريا ما تتوقف احلكاية ليقول الشاعر‪ ..‬وجديت‬ ‫كانت تقول كل صباح "إصح اي بين الشمس حييي على‬ ‫احليط‪ "..‬ويقول الشاعر عبد املنعم رمضان إنين اكتب‬ ‫قصة صوت‪ ،‬يسمعها وهو يقرؤها‪ ،‬وكأن هنالك من يتلو‬ ‫عليه‪ .‬يبقى يل القول إنين أرى القصة حلظة عصية على‬ ‫اإلمساك بكل ما فيها من توتر وكثافة استخدم فيها‬ ‫طرائقي اليت أحبها وإنين أظن أن كل قصة أو رواية إاما أتيت‬ ‫بلغتها معها‪ .‬قد ال أحب السرية اهلاللية‪ ،‬لكنين أحب‬ ‫‪212‬‬


‫الذين أحيوها سردا وشعرا‪ .‬انظر حولك ترى قصيدة النثر‬ ‫تتلبس ابلسرد وتبتعد عن اإليقاع وتروم موسيقى داخلية‪،‬‬ ‫رغم اعرتاض من يرى إن اإليقاع ضروري لتميز الشعر عن‬ ‫السرد‪ .‬رمبا تفوح من نصوصي رائحة إيقاع ما‪ ،‬كرائحة‬ ‫اإليقاع يف الشعر‪ ،‬لكنه ليس هو متاما‪ ..‬أمل أقل لك إن‬ ‫نصي هو نص لقيط؟‬ ‫*ملاذا الرواية إذن؟ هل ستستقر فيها كنوع أديب‪ ،‬أم‬

‫أهنا مكان لالسرتاحة‪ ،‬ومن مث العودة إىل نوعك األثري‪:‬‬

‫القصة القصرية؟‬

‫أكتب القصة القصرية وأحبها فنا عصيا‪ ،‬رغم إنين‬‫اعرف إهنا ابتت شهيدة هذه األايم‪ .‬لكنين أحب السينما‬ ‫والغناء والفن التشكيلي ومشوخ أنف "فريوز" ووجوه الغالبة‬ ‫يف قرييت‪ ..‬إن الرواية كما تعرف تسمح ابلفنون القولية‬ ‫وغري القولية‪ ،‬وتسمح بلعبة الصراع اليت قد أأنى عنها يف‬ ‫حيايت قدر ما أستطيع‪ ،‬وأمارسها على الورق‪ ..‬لذا كتبت‬ ‫هذه الرواية اليت ال اعرف إن كانت اسرتاحة أم ال‪ ..‬أعرف‬ ‫إنين سأعود إىل غرامي األول‪ ،‬القصة القصرية‪ ،‬حلظة ما‪،‬‬ ‫‪213‬‬


‫فإن بيين وبينها غرام متأجج دوما‪ .‬وهي قد تفسح يف‬ ‫اجملال المرأة لعوب أن تسكنين حينا‪ ،‬لكنين سأعود إليها‬ ‫وسأفارقها مرة أخرى‪ ..‬وهكذا‪ ..‬ولكنين عندما أعود إليها‬ ‫سأقول هلا إن دارها مل تكن لتتسع لكل أولئك األحبة‬ ‫األوابش الذين سكنوا دار الرواية‪ ،‬وسأحاول أن أكذب‬ ‫عليها أبهنا كانت ستعاين من آالم الوالدة كثريا لو تزوجت‬ ‫شخوص الرواية لذلك فقد أرحتها كي يبقى جسدها دائما‬ ‫كغصن البان ممشوقا كلسعتها اجلميلة‪.‬‬ ‫* أخريا‪ ،‬من تريد أن تذكر من أصحاب التجارب‬ ‫ك أيضا؟‬ ‫القصصية والروائية اليت أَثـَّ َر ْ‬ ‫فيك‪ ،‬وأَثْـ َرتْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫قد تعرف أنت وغريك جيدا أنطون تشيخوف‪ ،‬زكراي‬‫اتمر‪ ،‬يوسف إدريس‪ ،‬بورخس‪ ،‬ماركيز‪ ،‬وإبراهيم عبد‬ ‫اجمليد‪ ،‬وإبراهيم أصالن‪ ،‬ومجال الغيطاين‪ ،‬وإدوار اخلراط‪،‬‬ ‫لكنكم قد ال تعرفون طاهر الشرقاوي‪ ،‬وجنوى شعبان‪،‬‬ ‫وشريف صاحل‪ ،‬وأنيس العلوي‪ ،‬ومجال أبو محدان‪ ،‬ودمحم‬ ‫بركة‪ ،‬وجرابيع آخرين يف هذا العامل‪ ..‬أشتاق كثريا إىل‬ ‫قصص دمحم خضري‪ ،‬وأيخذين عامل زيد مطيع دماج‪ ،‬وخريي‬ ‫‪214‬‬


‫عبد اجلواد‪ .‬أحب دمحم مستجاب كثريا وألومه‪ .‬ولعلك‬ ‫مسعت بعبد احلكيم حيدر أو منال دمحم السيد‪ ،‬ورمبا ايسر‬ ‫عبد اللطيف‪ ،‬بينما يفاجئك محدي أبو جليل قصا ورواية‪.‬‬ ‫لعلين أحاول أن أقرأ األدب الكالسيكي ابملعىن الذي‬ ‫حتدث عنه إيتالو كالفينو وهو انك بصدد إعادة أدب سبق‬ ‫لك وأن قرأته‪ .‬ولعلك هنا تالحظ إن هنالك أمساء كثرية‬ ‫غري معروفة لكنها حتفر بعمق ومتلك املوهبة واحللم‪ ..‬قد‬ ‫أتخذك للحظة خلطة إيزابيل الليندي‪ ،‬لكنها قطعا ليست‬ ‫فتنة ماركيز‪ .‬هنالك أمساء تبدو فرادى من هنا وهناك‪ ،‬إال‬ ‫أهنا حتفر عميقا يف روحك‪ ..‬مثة نصوص أتخذك إىل املتعة‪،‬‬ ‫ومثة نصوص تدفع بك إىل الكتابة‪ ،‬وكلن تلك مسألة‬ ‫أخرى قد نثريها معا ذات حوار‪.‬‬

‫‪215‬‬


216


‫جدول الحوارات‬ ‫حوار نور الدين العلوي‬

‫‪5‬‬

‫حوار توفيق فياض‬ ‫حوار عبد الجبار العش‬

‫‪74‬‬ ‫‪06‬‬

‫حوار سلوى النعيمي‬

‫‪06‬‬

‫حوار بشار عبد هللا‬ ‫حوار فيصل عبد الحسن‬ ‫حوار لينا هويان الحسن‬ ‫حوار حسين رحيم‬ ‫حوار صالح صالح‬ ‫حوار سامي حجازي‬ ‫حوار عماد البليك‬ ‫حوار وحيد الطويلة‬

‫‪217‬‬

‫‪68‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪881‬‬ ‫‪811‬‬ ‫‪855‬‬ ‫‪804‬‬ ‫‪864‬‬ ‫‪166‬‬


218


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.