مجلة سنديان العدد 4

Page 1

‫العدد ‪4 :‬‬

‫سنديان ألهلنا في الساحل ولجميع السوريين‬

‫باسل شحادة ‪..‬‬ ‫شهيد الفن والحب واإلنسانية‬ ‫ القابون الحي الثائر المنسي‬‫‪ -‬المفتاح مذكرات‬

‫(‪)6‬‬

‫إعتقال (‪)11‬‬

‫‪ -‬شخصية العدد‪ :‬باسل شحادة‬

‫(‪) 22‬‬


‫المحتويات‬ ‫• ‬

‫االفتتاحية صـ (‪)3‬‬

‫• ‬

‫خود و عطي‪ :‬لماذا االنضمام للثورة؟ صـ (‪)4‬‬

‫• ‬

‫من أوراق األقليات‪:‬الشبيحة والساحل صـ (‪)5‬‬

‫• ‬

‫حراك تحت المجهر‪ :‬القابون الحي الثائر المنسي صـ (‪)6‬‬

‫• ‬

‫نقد ذاتي‪ :‬في التجذر واالنعزال صـ (‪)10‬‬

‫• ‬

‫أدب الثورة صـ (‪)11‬‬

‫• ‬

‫فسبكات صـ (‪)14‬‬

‫• ‬

‫لقطات من وطني صـ (‪)15‬‬

‫• ‬

‫فن الثورة صـ (‪)19‬‬

‫• ‬

‫الفتات مميزة صـ (‪)17‬‬

‫• ‬

‫أيام الحرية‪ :‬ألعاب مجانية أعادة لمعة عيون خفتت (‪)18‬‬

‫• ‬

‫حملة ال للتخوين (‪)19‬‬

‫• ‬

‫ألف باء سياسة صـ (‪)20‬‬

‫• ‬

‫رسائل من أخوة الوطن صـ (‪)21‬‬

‫• ‬

‫شخصيات من الثورة‪:‬باسل شحادة صـ (‪)22‬‬

‫• ‬

‫تواصلوا معنا صـ (‪)25‬‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪2‬‬


‫االفتتاحية‬

‫يف هناية كل ٍ‬ ‫يوم من أيامنا املشبعة باملوت و العنف و القلق و الغضب يهامجنا حزننا و أملنا و أملنا و يلوح لنا بسؤال حمق عن مستقبل‬ ‫سوريا يف قادم األيام وسط العنف املتزايد و الشهداء الّذين يذحبون على مذبح احلرية و مذابح أخرى على امتداد رقعة هذا الوطن‬ ‫كل خطوة من خطوات احلريّة‪.‬‬ ‫احلبيب الذي يُزج بشعبه يف خنادق متقابلة‪ ،‬و تفخخ له ّ‬ ‫كل هذا احلقد الّذي يكرب و كل هذا البؤس الّذي وصلت إليه نسبة كبرية من أبناء شعبنا إىل‬ ‫أال يدفعنا كل هذا الدم الّذي يسيل و ّ‬ ‫القنوط من مستقبلنا و التباكي على ٍ‬ ‫حق من حقوقنا؟!‬ ‫ماض نعمنا فيه بالقليل و املزيف من كل ّ‬ ‫أنا كمحكوم باألمل ‪ ..‬ال أستطيع إال أن أعلّق يف عنقي و يف أعناق أخويت مجيعاً يف هذا الوطن كل خيوط أحالمي و طموحايت‬ ‫بفجر مشرق و مستقبل مزهر يعكس ما يستحقه شعب كالشعب السوري جيابه كل من حوله لينتزع زمام أمره و يلحق بركب االنسانية‬ ‫و احلضارة‪.‬‬ ‫أملي عاطفي يف الصميم ‪ ...‬رمبا‪ ،‬فالثورة و الثوار على هفواهتا و أخطائها مغرية جداً‪ ،‬فهي تطلق كل ما بداخلنا من غضب و حزن‬ ‫و حمبة و تشعرنا بقوتنا و وجودنا!‬ ‫لكنّه موضوعي أيضاً بش ّقه اآلخر ‪ ...‬فهذا الشعب قبل أن حياول هذا النظام اجملرم مسخه و تفتيته ضرب لشعوب املنطقة مجيعها‬ ‫أمثلةً رائعة يف الدميوقراطية و الوعي السياسي و العيش املشرتك و نبذ الفرقة‪.‬‬ ‫فرصة ٍ‬ ‫و حياول اآلن يف كل ٍ‬ ‫ساحنة عن طريق الكثري من التجمعات و املبادرات أن حيارب الدعوات العنصرية و الطائفية ‪-‬من خارج‬ ‫األوىل‬ ‫الثورة أو من داخلها‪ -‬الّيت تسري بسوريا حنو هاوية سوداء كما حيب هذا النظام و يشتهي مذ رفع شعاره الفاشي يف األيام ّ‬ ‫(األسد أو حنرق البلد)‪ .‬كلي إميا ٌن بأ ّن هذا الشعب سيستعيد زمام أمره و سيعرب عن غالبيته الّيت فطرت على القيم االنسانية احلضارية‬ ‫املتميزة الّيت أشرقت أصالً من هنا يف يوم من األيام‪ .‬كلّي إميا ٌن بأ ّن هذا الشعب سيعلن قطيعته مع أمراض االستعمار واالستبداد و‬ ‫التخوين و العنصرية و الطائفية‪ ،‬و يفتح ذراعيه لفجر جديد كل اجل ّدة ‪ ...‬فجر سوريا احلرة الواحدة‪.‬‬ ‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪3‬‬


‫خود و عطي‬ ‫لماذا االنضمام للثورة ؟‬

‫يشكل المعارضون الصامتون للنظام السوري‪ ,‬من مختلف‬ ‫الطوائف و ال سيما األقليات فئة كبيرة‪ .‬يستطيع أولئك إقناعك‬ ‫بأن النظام من السوء بمكان بحيث يستحيل عليهم دعمه و‬ ‫مساندته و الوقوف في صف واحد معه‪ .‬في نفس الوقت‪ ,‬يميل‬ ‫هؤالء إلى رفض االنضمام للثورة السورية العتبارات عديدة منها‬ ‫العام و منها الخاص و منها ما له عالقة بكيان الثورة ككل و منها‬ ‫ما له عالقه بنظرتهم لها و بتوقعاتهم منها و آمالهم بالمستقبل‪.‬‬ ‫ألولئك‪ ,‬أقدم وجهة نظري‪:‬‬ ‫أن تكون معارضاً صامتاً للنظام هو شيء إجيايب حتماً‪ ,‬و لكنه مثل‬ ‫أي عمل إجيايب جيب أن يقرتن بالفعل حىت يصبح قابالً للبناءعليه‪.‬‬ ‫السكون و اجلمود بالعموم غري منتج‪ .‬و الفعل املعارض يف زمن الثورة‬ ‫السورية هو املشاركة الفعالة يف الثورة حتماً‪ .‬تتميز الثورة السورية و‬ ‫عرب األشهر الطويلة اليت سارت هبا‪ ,‬بقدرهتا على استيعاب املعارضني‬ ‫من كل االجتاهات‪ ,‬و من أقصاها سلمية و مدنية و استيعاباً إىل‬ ‫أكثرها تطرفاً و تسلحاً و إقصاءً‪ .‬بإمكان كل معارض للنظام إجياد‬ ‫مكانه املناسب يف كل هذه التنوعات‪ .‬و على العكس مما يبدو للوهلة‬ ‫األوىل‪ ,‬فإن رفضك االنضمام للثورة لكثرة السلبيات اليت تراها فيها‪,‬‬ ‫سوف يؤدي عاجالً أو آجالً إىل ازدياد يف هذه السلبيات ألنك ترتك‬ ‫مكانك – احملجوز سلفاً لكل مواطن سوري معارض بصفته جزءاً من‬ ‫الشعب السوري يف ثورة تسبغ على نفسها صفة الشعبية‪ -‬شاغراً‬ ‫ليحتله شخص آخر ذو توجه مييين أكثر‪ ,‬أو يساري أكثر‪.‬‬ ‫للثورة سلبيات كثرية هذا صحيح‪ ,‬و لكنها ثورة ذاتية الدفع و احلركة‪.‬‬ ‫و كل سلبية ال يصار إىل تصحيحها تتفاقم‪ ,‬و تغدو سلبيةً أكرب و‬ ‫مشكلة حلها أصعب‪.‬‬ ‫إن كنت ترى يف الثورة السورية اجنراراً كبرياً وراء التسلح و الرغبة‬ ‫السلمي للثورة‪ ,‬و أثبت ملن تريد‬ ‫باالنتقام و القتل‪ ,‬شارك يف الشق‬ ‫ّ‬ ‫فائدة هذا اخليار‪ ,‬أقنعهم بنشاطاتك املختلفة (من الكتابة إىل العمل‬ ‫اإلنساين إىل النشاط امليداين بكل أشكاله) بأ ّن الثورة السلمية تستطيع‬ ‫أن حتقق ما تريده‪ .‬ما من شعب حيب جلد ذاته‪ ,‬و أي خيار يراه‬ ‫الشعب أقل تكلفةً و أكثر إجنازاً سينحاز إليه بصفة تلقائية‪ ,‬تلك‬ ‫طبيعة شعبية فما من أحد يدفع بنفسه إىل املوت و هو يرى بصيص‬ ‫أمل يف حياة يتمناها‪.‬‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫سنحاول في هذا الباب الثابت أن نطرح وجهة نظر محرري‬ ‫المجلة و نناقشها مع جمهور القراء‪ ،‬نحن منفتحون على‬ ‫جميع اآلراء و نرحب باالنتقاد و النقاش الجدي على الصفحة‬ ‫الرسمية او إيميل المجلة‪.‬‬ ‫بقلم‪ :‬ياسين‬

‫إن كنت ترى يف الثورة السورية اجنراراًكبرياً وراء التدين و التأسلم و غريه‪,‬‬ ‫شارك يف الشق العلماين املدين للثورة‪ ,‬و أثبت ملن تريد أن الثورة تستطيع‬ ‫أن تكون علمانية‪ ,‬و أن للعلمانية مجهورها الذين متثل أنت أحدهم‪.‬‬ ‫قم بوضع تصوراتك املستقبلية للدولة العلمانية اليت تراها‪ ,‬اشرح معىن‬ ‫العلمانية للمتدينني‪ .‬صحح أفكارهم اليت تراها مغلوطة‪ ,‬و انقد نظرياهتم‬ ‫اليت تراها أنت خاطئة‪ .‬اب ِن تفاعالً اجتماعياً و نقاشاً يولد مزيداً من‬ ‫االفكار‪ ,‬فتغدو قادراً على فهمهم و هم قادرين على فهمك‪.‬‬ ‫إن كنت ترى يف الثورة السورية اجنراراً وراء اجندات خارجية‪ ,‬شارك يف‬ ‫دعم االجندة الوطنية اليت تراها أوضح و أصلح للوطن‪ .‬افضح التصرفات‬ ‫اليت تراها غري وطنية‪ ,‬و شارك يف بناء شبكة من الرؤى الوطنية تبدؤها‬ ‫أنت و أصدقاء‪ ,‬و سرتى الناس يتبعونك تلقائياً‪ ,‬ما من شعب خائن يف‬ ‫معظمه! و كل توضيح خلطأ يف املوقف الوطين حيتم اتباع النقيض من قبل‬ ‫الغالبية الشعبية‪.‬‬ ‫الثورة فضاء مفتوح للجميع‪ ,‬و هي ال ترفض أحداً‪ .‬هي تفضل مشاريع‬ ‫على أخرى حبكم الواقع و الواقع فقط‪ .‬و كل مشروع يعرض على اجلمهور‬ ‫و يراه منقذاً له سيتبناه بطريقة فطرية‪ .‬االنكفاء يف هذه اللحظات سيفتح‬ ‫اجملال أمام الفئات األكثر تطرفاً للسيطرة على الساحة و جذب الشارع‬ ‫يف اجتاهها بسبب غياب البدائل‪ .‬يستطيع كل واحد منا أن يكون بديالً‪,‬‬ ‫و أن يطرح مشروعاً و أن حياول إقناع الشارع جبدوى مشروعه‪.‬‬ ‫احلياد عن العمل الوطين اليوم قد يقود إىل حيادك عن حياتك املستقبلية‬ ‫كما تتمناها‪ .‬و املعارضة يف زمن الثورة ال جيوز أن تكون بأقل من‬ ‫املشاركة فيها‪ .‬ال جترب نفسك على السري يف طريق ال جتده ميثلك‪ .‬اخرت‬ ‫طريقك بنفسك‪ ,‬و كلما أقنعت الناس أكثر‪ ,‬كلما ضمنت لنفسك حياة‬ ‫مستقبلية أقرب إىل الشكل الذي تدعو إليه‪.‬‬ ‫ال تقف على احلياد بني النظام و الثورة‪ ,‬إال إذا كنت جاهزاً منذ اآلن‬ ‫لقبول وقوف املنتصرين يف الثورة على احلياد من كل قضاياك !‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪4‬‬


‫من أوراق األقليات‬ ‫بقلم‪ :‬ياسين‬

‫الشبيحة و الساحل‪ ،‬الحكاية التي ال يعرفها كثيرون‬

‫سنحاول في هذا الباب الثابت أن نخرج المخاوف و الرغبات‬ ‫و األفكار الّتي تدور في أذهان أبناء األقليات الدينية في‬ ‫سوريا إلى الضوء لنناقشها في إطار عالقتها بالثورة‬ ‫و بسوريا المستقبل و سلمها األهلي و وحدتها الوطنية‪.‬‬ ‫ألن «سنديان» بنت الساحل‪ ،‬و ألن الساحل اليوم في نظر كثيرين‬ ‫منبع الشبيحة األوّل‪ ،‬كان ال بد لنا من إضاءة و إن مختصرة على‬ ‫العالقة التاريخية بين الشبيحة و الساحل السوري‪ ،‬و هي العالقة‬ ‫التي ال يعرف كثيرون عنها شيئاً‪.‬‬ ‫الساحل السوري‪ ،‬و ال سيما الالذقية هي المدينة األولى التي‬ ‫تعرضت للتشبيح عبر تاريخ حكم آل األسد‪ .‬مصطلح «الشبيحة»‬ ‫بحد ذاته لم يكن يعني شيئا ً للسوريين قبل الثورة‪ ،‬بينما هو مصطلح‬ ‫أصيل في الساحل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يعود مصطلح الشبيحة أساسا إلى ثمانينات القرن الماضي‪ ،‬مع‬ ‫بداية أحداث األخوان المسلمين و بعدها‪ ،‬حيث أطلقت السلطة‬ ‫السورية متمثلة بآل األسد اليد لكل من وقف معها و ساندها في‬ ‫هذه األحداث وعلى رأسهم عائلة األسد األب؛ أخوته و أعمامه‬ ‫وأبناؤهم و على رأسهم فواز و جميل و يسار و محمد األسد‪ .‬هؤالء‬ ‫و غيرهم كثر تحفظهم الالذقية و سكانها و الساحل عموما ً عن‬ ‫ظهر قلب‪ ،‬و هم الذين يعلم الجميع أنهم عملوا عبر عقود من الزمن‬ ‫في كل ما يعرف بالممنوع في سوريا؛ بدءاً من تجارة المخدرات‬ ‫و هم من أركانها األساسية في البلد‪ ،‬إلى تجارة السالح بأشكاله‬ ‫المختلفة إلى إدارة شبكات الدعارة و غيرها‪.‬‬ ‫عانى أهل الساحل من «الشبيحة» عبر سنوات عديدة‪ ،‬كان يكفي‬ ‫أن تقف بجانبك سيارة ‪ GMC‬ذات دفع رباعي مغطاة بـ»فيميه»‬ ‫أسود لتعلم أنه ال يجوز لك أن تنظر إلى داخلها‪ ،‬و إال فأنت معرض‬ ‫إلى كل أشكال االعتداء ابتدا ًء بالضرب ووصوالً إلى التعذيب أو‬ ‫حتى الموت‪ .‬هكذا حيث يدير شرطي المرور وجهه كي ال يراك‪ ،‬و‬ ‫هكذا بكل بساطة في دولة ال يسري القانون فيها إلى على «العامة»‪،‬‬ ‫و حيث يملك آل الرئيس و أقرباؤه و مرافقتهم و المكلفون بحمايتهم‬ ‫صالحيات إلهية مطلقة في التصرف‪.‬‬ ‫كان يكفي ألحد الشبيحة أن يدخل في تجارة مع أي كان حتى‬ ‫يسرق كل ماله دون أن يحق للضحية المطالبة بأي شيء‪ .‬كان‬ ‫يكفي ألحدهم أن يختار إحدى الصبايا حتى تتحول حياة أهلها‬ ‫إلى كابوس إن هم رفضوا تزويجها له‪ ،‬و القصص أكثر من أن‬ ‫تحصى‪ .‬كان يكفي أن «يسكر» أحدهم حتى يقتل «بالخطأ» عدة‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫مواطنين دون أن يحق ألي من أهلم السؤال عن سبب مقتلهم‪ .‬هؤالء‬ ‫استباحوا البلد لعقود فحولوا القرداحة إلى أكبر تجمع للبضائع المهربة‬ ‫في سوريا‪ ،‬ابتدا ًء من السالح و ليس انتهاء بالدخان و المفروشات‬ ‫المنزلية‪ .‬و في أوائل العقد الماضي تفاقمت تصرفاتهم في الساحل حتى‬ ‫اضطرت الرئيس الجديد الذي كان يسوّق لصورته بوصفه الشاب‬ ‫المسالم الخلوق الرافض للفساد و الداعي لدولة القانون‪ ،‬اضطرته إلى‬ ‫إرسال قطع عسكرية من الفرقة الرابعة إلى القرداحة حتى تتمكن من‬ ‫السيطرة على تصرفاتهم التي باتت مصدر إحراج صريح لصورته‪.‬‬ ‫و بالفعل تمكن من ضبط تصرفاتهم التشبيحية المعلنة أقله أمام الناس‪،‬‬ ‫و بقي بالطبع وراء األكمة ما وراءها‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬يفلت ذات الرئيس الشاب المسالم داعية القانون و العدالة‬ ‫شبيحته على كل أرض سوريا منفلتين من كل عقال‪ ،‬مستبيحين الدم‬ ‫السوري من درعا إلى القامشلي و من طرطوس إلى البوكمال‪ ،‬دون‬ ‫أي رادع أخالقي أو قيمي أو ديني أو قانوني‪ .‬الظاهرة التي كانت‬ ‫محصورة في الساحل السوري في دولة األسد األب باتت اليوم ظاهرة‬ ‫سورية في دولة االبن‪ ،‬و قد استطاعت لألسف تحويل صورة أهل‬ ‫الساحل من كونهم أبكر الضحايا الفعليين لهذه الجريمة المنظمة إلى‬ ‫متهم أساسي بها‪.‬‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪5‬‬


‫حراك تحت المجهر‬ ‫القابون‪...‬الحي الثائر المنسي !‬

‫سنحاول في هذا الباب الثابت أن‬ ‫نستضيف مع كل عدد جديد مدينةً جديدة‬ ‫من مدن سوريا الحبيبة‪ ،‬لنلقي الضوء‬ ‫على الحراك الشعبي الّذي حصل فيها‬ ‫منذ بدايته‪ ،‬بكل موضوعية و شفافية‪.‬‬ ‫بقلم‪:‬تجمع أحرار القابون‬

‫يقع حي القابون شمال دمشق‪ ،‬و يعتبر هذا الحي العتيق واحداً من أهم العقد المرورية في العاصمة‬ ‫السورية‪ .‬يحد الحي من الشمال برزة ومن الشرق حرستا وعربين ومن الجنوب جوبر‪.‬‬ ‫يعود تاريخ القابون إلى العهد اآلرامي حيث أن المنطقة كانت تعرف باسم «آبونا» ثم حرفت الكلمة‬ ‫إلى «القابون» وهي كلمة سيريانية تعني مكان تجمع المياه‪.‬‬ ‫يمر بحي القابون نهرا يزيد و تورا‪ ،‬وهما فرعان من نهر بردى‪ .‬و يعمل أهله البالغ عددهم قرابة‬ ‫‪ 50000‬نسمة بالمهن الحرة واليدوية والتجارة والزراعة‪.‬‬

‫السلطات ملطالب أهل احلي و قامت بإلغاء املشروع الذي كان‬ ‫خمططاً إقامته مكان املقربة ‪.‬‬ ‫وهناك أيضا حادثة األوتوسرتاد الدويل والذي انتفض على إثره‬ ‫أهايل القابون مطالبني بإقامة األنفاق على األوتوسرتاد الذي‬ ‫مير بالبلدة ويقسمها إىل قسمني ومل تنتهي التظاهرة حىت لبيت‬ ‫مطالبهم‪.‬‬

‫القابون احلي املظلوم‬

‫القابون يف قلب الثورة‬

‫ما يدلك على وجود الدولة يف القابون هو املراكز األمنية و الثكنات العسكرية فقط‪ ،‬أما بغري ذلك فقد‬ ‫ختلت الدولة عن وظائفها‪ ،‬فال مشفى وال مركز ثقايف وال ناد رياضي؛ اخلدمات الوحيدة اليت قدمتها الدولة‬ ‫للقابون هي السرقة واالستمالك‪ ،‬من أمثلة السرقة ادعاء السلطة أن ال ميزانية لبناء مدارس يف احلي و‬ ‫طلبها من أبناء احلي تأجريها عدد من املباين جلعلها مدارس‪ ،‬مث استمالك هذه املباين و تعوض أصحاهبا‬ ‫احلقيقيني مببالغ تافهة كإجيار سنوي ال يزيد عن مخسني ألف لرية سورية يف أفضل احلاالت كما احلال يف‬ ‫مدرسة ميسون ومدرسة أمحد املدين‪.‬‬ ‫أما عن االستمالك فحدث وال حرج‪ ،‬األمثلة كثرية‪ ،‬فقد عمل النظام على استمالك مساحات شاسعة‬ ‫تقارب الـ ‪ % 50‬من مساحة أراضي احلي‪ ،‬وقام ببناء الثكنات للقوات اخلاصة و الشرطة لعسكرية و فرع‬ ‫املعلومات مشاالً‪ ،‬و لواء املدرعات وفرع املخابرات اجلوية جنوباً‪ ،‬وحمطات الوقود العسكرية شرقاً‪ ،‬و كلية‬ ‫الشرطة غرباً‪.‬‬ ‫وما زالت حىت اآلن مساحات شاسعة من األراضي حتت مشاريع االستمالك للدولة ومينع أصحاب هذه‬ ‫البيوت من تعمريها أو توسيعها أو حىت ترميمها أو زيادة مساحتها‪ ،‬األمر الذي زاد من شعور سكان‬ ‫احلي بأهنم مظلومون و مهملون‪.‬‬

‫بدأ حي القابون مبكراً باالنضمام لثورة الكرامة‪ ،‬فقد اندلعت أوىل‬ ‫مظاهراته يف اخلامس والعشرين من شهر آذار من السنة املاضية‬ ‫حيث انتفض احلي بأعداد كبرية فاجأت النظام الذي جاهبها حبله‬ ‫األمين عرب محلة اعتقاالت واسعة بعد يومني من املظاهرة‪.‬‬ ‫مل يتوقف أهايل احلي بعدها عن التظاهر السلمي‪ ،‬فخرجوا‬ ‫بعشرات اآلالف رغم االنتشار األمين الكثيف‪ ،‬و أبدعوا يف‬ ‫املظاهرات و وطعموها باألفكار اجلديدة فحملوا مظالت احلرية‪،‬‬ ‫واحتفلوا باألعياد على طريقة الثورة‪.‬‬ ‫و كان يوم اجلمعة العظيمة مجعةً دمشقيةً عظيمةً فعالً‪ ،‬ففي هذا‬ ‫اليوم جتمع اآلالف من أبناء احلي و حاولوا الوصول إىل ساحة‬ ‫العباسيني مع آالف املتظاهرين يف أحياء دمشقية أخرى‪ ،‬األمر‬ ‫الذي استفز النظام وخمابراته اليت أطلقت الرصاص على املتظاهرين‬ ‫فاستشهد سبعة أشخاص مخسة منهم من أهايل احلي‪.‬‬ ‫و يف مجعة أسرى احلرية قامت قوات األمن بقتل أربعة عشر شاباً‬ ‫خالل هجومهم على املظاهرة وأصيب العشرات جبروح خطرية‪،‬‬ ‫وقد جاء هذا التصعيد رداً على حماولة احلي احتضان اجتماع‬

‫«ثورات» قبل الثورة‬ ‫شهد احلي عدداً من االنتفاضات املطلبية كانتفاضة الرتبة يف عهد حافظ األسد واليت انصاعت فيها‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪6‬‬


‫وجوه املعارضة السورية يف أحد مطاعمه‪.‬‬ ‫ولكن ذلك انقلب على النظام يف اليوم التايل‪ ،‬فقد كان زفاف شهداء جمزرة مجعة‬ ‫(أسرى احلرية) أكرب تشييع يف دمشق حيث بلغ عدد املشيعني أربعني ألفاً من األهايل‬ ‫من خمتلف مناطق دمشق وطوائفها‪ ،‬وهتفوا بصوت واحد (بالروح بالدم نفديك يا‬ ‫شهيد)‪.‬‬ ‫االعتقاالت واملدامهات‬ ‫شهد احلي عدداً من احلمالت األمنية الشرسة إلمخاد جذوة الثورة السلمية فيه‪ ،‬كان‬ ‫أعنفها احلملة اليت جرت بتاريخ ‪ ،2011 / 7 / 22‬حيث مت تطويق احلي بشكل‬ ‫كامل بأكثر من ثالثة آالف عنصر من الفرقة الرابعة واملخابرات اجلوية‪ ،‬ومت نشر‬ ‫القناصة على أسطح املباين‪ ،‬وقاموا باعتقال ما يزيد عن ‪ 1500‬شاب من أهايل‬ ‫احلي‪ .‬و بشكل عام فإن محالت االعتقال شبه اليومية مل تتوقف منذ أول أيام الثورة‪.‬‬ ‫ثائرات القابون يف ظل الثورة السورية‬ ‫كان لنساء احلي دوراً بارزاً يف ثورة احلرية والكرامة‪ ،‬فقد شاركن بالنضال السلمي‬ ‫جبوانب كثرية كاملظاهرات و رفع أعالم الثورة والفتات احلرية والكرامة‪ ،‬و إعداد طعام‬ ‫النازحني من احملافظات السورية الثائرة‪ ،‬و غرافييت احلرية وتوزيع املنشورات وهدايا رمزية‬ ‫لشباب احلي تعبرياً عن وقوفهن إىل جانبهم يف ثورة احلرية والكرامة‪.‬‬ ‫كما كان للثائرات نصيبهن من بطش النظام من اعتقال وقتل وتشريد كسائر نساء‬ ‫سوريا اللوايت مل يقفن صامتني بوجه الظلم واالستبداد‪.‬‬ ‫أضخم العمليات العسكرية ضد احلي‬ ‫يف ليلة مل ولن ينساها أهايل دمشق عموماً وأهايل حي القابون خصوصاً وهي ليلة‬ ‫االثنني ‪ ،2012 / 7 / 16‬شهد حي القابون قصفاً بالدبابات ومدافع اهلاون‬ ‫والطائرات احلربية بشكل مباشر على األبنية و املنشآت السكنية‪ .‬استمرت هذه‬ ‫احلرب املرعبة مخسة أيام ليتم بعدها اقتحام احلي يف ‪ 2012 / 7 / 20‬بعد تدمريه‬ ‫ونزوح أغلب سكانه‪ .‬وقد عملت قوات النظام بعد اقتحام احلي على مدامهة املنازل‬ ‫وحرق الكثري منها بعد سلبها كما مت حرق الكثري من احملال التجارية والسيارات يف‬ ‫منطقة البعلة و حي تشرين‪ ،‬ومت تدمري وهدم ما يزيد عن مائتني وحدة صناعية يف‬ ‫املنطقة الصناعية لتقدر اخلسارات مبا يزيد عن النصف مليار لرية سورية ولتتسبب يف‬

‫من احدى المظاهرات‬ ‫مشكلة عطالة وبؤس معيشي يرزح حتته أبناء احلي حىت اليوم‪ .‬و كما ذكرنا فإن‬ ‫غالبية شباب احلي يعملون باملهن احلرة وتشكل املنطقة الصناعية يف احلي مصدر‬ ‫الرزق األهم للعائالت ولكن بعد هدمها فقدت مئات العائالت مصدر رزقها‬ ‫الرئيسي‪ ،‬إن مل يكن الوحيد‪ ،‬مما زاد من حجم املعاناة اإلنسانية يف هذا احلي‬ ‫املنكوب‪.‬‬ ‫احلالة اإلنسانية يف احلي‬ ‫استقبل أهايل القابون عدداً كبرياً من العائالت احلمصية اليت نزحت عن مدينة‬ ‫محص اليت كانت أوىل املدن اليت تعرضت للقصف وتكفل أبناء احلي جبمع التربعات‬ ‫لتأمني املبالغ الالزمة لتغطية املصاريف و الفرش وتكلفة الطعام للنازحني‪ .‬وشهدت‬ ‫تلك الفرتة تكافالً اجتماعياً مدهشاً‪ ،‬حيث دأب الناشطون على مجع التربعات‬ ‫وتوزيعها على عشرات األسر احملتاجة من أهايل الشهداء واجلرحى واملعتقلني ومن‬ ‫هم متوارين عن األنظار‪.‬‬ ‫و لكن مع تزايد عمليات االعتقال والقتل وارتفاع أعداد املصابني تدهورت األوضاع‬ ‫اإلنسانية و ساءت األحوال املعيشية‪ .‬و بعد احلملة العسكرية األخرية و احلصار‬ ‫اخلانق على احلي تدهورت احلالة اإلنسانية بصورة أكرب حيث أصبح احلي حباجة‬ ‫لكافة أنواع املساعدات الطبية والغذائية بشكل أساسي وتدهور الوضع الطيب‬ ‫واإلنساين بعد قصف مركز اهلالل األمحر حيث مل يعد هناك يف احلي مركز طيب‬ ‫آخر الستقبال اجلرحى واملصابني‪ ،‬وزاد املصيبة تدمري املنطقة الصناعية يف القابون‬ ‫حيث قطعت أرزاق اآلالف من سكان احلي‪ .‬وأصبح جزء كبري منهم يعتمدون‬ ‫على املساعدات اليت ال ِ‬ ‫تكف إال لتغطية اليسري‪ ،‬ناهيك عن تدمري كل البىن التحتية‬ ‫يف احلي‪.‬‬ ‫كلمة أخرية‬ ‫ال نعلم إن كان هذه التقرير قادراً على إعطاء حي القابون الثائر حقه‪ ،‬ولكن التاريخ‬ ‫الذي سطرته دماء الشهداء والعذاب الذي عاشه شباب احلي وأهله وحالة التشرد‬ ‫والنزوح اليت حصلت سوف يبقى يف ذاكرتنا كما سيكون حباجة إىل التوثيق والعمل‬ ‫الدؤوب ليعرب عن حجم الثورة داخل هذا احلي الدمشقي‪ ،‬نظراً ملا قدمه ويقدمه‬ ‫يومياً يف سبيل سوريا حرة دميقراطية لكل السوريني‪.‬‬

‫الدمار داخل الحي‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪7‬‬


‫ألبوم صور من القابون‬

‫مشاركة تجمع أحرار القابون في حملة ال للتخوين‬

‫تشيع شهداء القابون‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫رجل الثلج الحر‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪8‬‬


‫منطقة البعلة الدمار الهائل الذي حل بالبيوت‬

‫القابون حرة‬

‫من الفتات القابون‬

‫تشيع شهداء القابون‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫القابون ‪ -‬مظاهرة‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪9‬‬


‫نقد ذاتي‬

‫الوقت ليس مناسبا ً لنقد الثورة! يقول قائلون!! ‪ ...‬نحن نؤمن أنّ‬ ‫اآلن هو الوقت األفضل سنحاول في هذا الباب أن نناقش معا ً األخطاء‬ ‫الّتي ارتكبتها الثورة‪ ،‬و أساءت لها و لربما نف ّرت البعض منها‪.‬‬

‫في التجذر و االنعزال‪ ،‬و فرص انتصار الحل الثوري‬

‫السياسة هي فن تحقيق الممكن‪ ،‬و هي اختيار أقل الطرق تكلفة للوصول‬ ‫إلى الهدف‪ ،‬و البوصلة الشعبية في األحوال الطبيعية قادرة على تحقيق‬ ‫الهدف‪ ،‬و عليه كانت الديمقراطية هي البحث عن خيار البوصلة الشعبية‬ ‫عبر صناديق االقتراع‪ ،‬و هي في جوهرها اعتراف بصحة هذه البوصلة في‬ ‫أي وقت‪.‬‬ ‫في بلد كسورية‪ ،‬حيث ال حياة سياسية خالل ما يزيد عن أربعين عاماً‬ ‫فوجئ كثيرون بانتفاضة شعبية كالتي حدثت في آذار ‪ .2011‬و كان‬ ‫معلوماً أ ّن غياب الحياة السياسة و مفهوم ممارسة السياسة إضافةً إلى‬ ‫اآللة العسكرية النظامية التي تعمل قتالً و تدميراً و تهجيراً سيجلب عاجالً‬ ‫أم آجالً حالةً شعبية جماهيرية معارضةً و لكنها غير قادرة بالضرورة على‬ ‫توجيه بوصلتها بالشكل الذي يحقق أهدافها الثورية‪.‬‬ ‫و لذلك أسباب عديدة أهمها أ ّن النظام بطريقة تعاطيه البربرية مع الحراك‬ ‫الشعبي يحول الشعب السوري بأكمله إلى رهينة مهددة في عمق وجودها‬ ‫و غير قادرة على التصرف بطريقة عقالنية بالمعنى الجمعي إال فيما يتعلق‬ ‫بالحفاظ على الحياة‪ .‬هناك أيضا التجييش اإلعالمي الهائل الذي يعمل‬ ‫إلى جانب آلة النظام في الحفاظ على الجروح الشعبية غير مندملة حتى‬ ‫في ظروف الهدوء على األرض‪ .‬و يضاف إلى ذلك الكثير من العوامل‬ ‫التي تسود في ظروف أقل ما يقال عنها أنها غير طبيعية‪.‬‬ ‫خلقت األسباب السابقة وعياً شعبياً تراكم شيئاً فشيئاً يسير باتجاه‬ ‫الراديكالية (أو التجذر) في الخيارات المقبولة لدى الشارع‪ ،‬على رأسها‬ ‫رفض أي شكل من أشكال التفاوض مع السلطة القائمة قبل اإلعالن‬ ‫المسبق عن رحيلها المباشر‪ ،‬رفض أي شكل من أشكال الوساطة بين‬ ‫الشارع و السلطة ما لم يكن مسبوقاً بقبول صريح من السلطة للتخلي عن‬ ‫مواقعها‪ ،‬رفض األصوات الداعية إلى التخفيف من وتيرة التسلح بوصفها‬ ‫منافساً حقيقياً للحراك الجماهيري السلمي و بديالً له بدل كونها مكمالً‬ ‫له‪ .‬رفض إدانة األخطاء التي تحدث في سياق الثورة و الذي سيؤدي‬ ‫عاجالً أو آجالً إلى تفاقمها‪ .‬و غيرها من التظاهرات التي تسير أكثر‬ ‫باتجاه الجذرية في الخيارت‪.‬‬ ‫و الحقيقة‪ ،‬أنه مع تشكل الكيانات السياسية الثورية المختلفة من المجلس‬ ‫الوطني و هيئة التنسيق الوطنية و المنبر الديمقراطي و المجلس الوطني‬ ‫الكردي و غيرها الكثير‪ ،‬لم تستطع كل هذه الكيانات مجتمعةً و متفرقةً‬ ‫الخروج ببديل «سياسي» لطلبات الشارع‪ .‬بمعنى الخروج بتأطير سياسي‬ ‫يستطيع تحويلها من طلبات جماهيرية إلى ممكن قابل للتحقيق‪ ،‬أي‬ ‫فشلت في المعنى السياسي بشكل كامل‪ .‬و الحقيقة أيضاً أن السياسة و‬ ‫الممارسة السياسية هي جوهر تكوين هذه التشكيالت و بالتالي و بسبب‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫بقلم‪ :‬ياسين‬

‫استمرار فشلها في أي شكل مفيد من أشكال الممارسة السياسية صارت‬ ‫عبئاً على الحراك الثوري بدالً من كونها داعماً سياسياً له‪.‬‬ ‫ال يختلف اثنان من الثوار على أنه ال حل للوضع السوري القائم إال برحيل‬ ‫النظام‪ ،‬و أ ّن استمراره يعني استمرار الفوضى و استرهان الشارع و إبقاء‬ ‫كل تصرفاته تحت سيطرة سكين النظام‪ .‬هذا أكيد‪ ،‬و لكن األكيد أيضاً‬ ‫أن اشتراط رحيله قبل أي محاولة للبحث عن حل لن يسرع في رحيله‬ ‫إال ما كان منه مترافقاً بسقوط الدولة السورية بكامل أركانها مع النظام‬ ‫بكامل أركانه‪ ،‬و بالتالي تحويل المطلب الشعبي األساسي ببناء دولة مدنية‬ ‫ديمقراطية تؤمن العيش الكريم ألبنائها جنباً إلى جنب مع الحرية مطلباً‬ ‫مستحيالً أقله في العقود العديدة المقبلة‪.‬‬ ‫السياسة‪ ،‬في النهاية‪ ،‬و في الحالة السورية‪ ،‬هي البحث عن حلول خالقة‬ ‫تردم الهوة بين مطلب الشارع الجذري بسقوط النظام‪ ،‬و مطلب النظام‬ ‫صاحب القوة العسكرية المسيطرة غالباً‪ ،‬بالبقاء‪ .‬هي البحث عن حلول‬ ‫قادرة على زيادة القوة الضاغطة من الشارع‪ ،‬سواء بزيادة حجم الحراك و‬ ‫المتعاطفين معه‪ ،‬أو بزيادة الهوامش المفتوحة للتحرك‪ ،‬أو بتبيان أخطار‬ ‫بقاء النظام مقارنة بانتصار الثورة‪.‬‬ ‫السياسة في الحالة السورية هي اإليمان أوالً بقدرة الشارع السوري بأكمله‬ ‫ ال بشقه المسلح و المنضوي تحت لواء الجيش الحر و غيره من‬‫التشكيالت العسكرية فقط ‪ -‬بالتغيير‪ ،‬و العمل على توفير الظروف‬ ‫الممكنة لهذا الشارع لتحقيق التغيير‪ ،‬باألدوات المتوافرة حالياً و الممكنة‬ ‫مستقبالً‪.‬‬ ‫هي في الحقيقة فن تحقيق الممكن السوري مع اإليمان بالمسلمات‬ ‫الكبرى‪.‬‬ ‫الفشل الكبير الذي تعانيه الثورة في النهاية على مستوى العمل السياسي‬ ‫يكلفها ‪ -‬جنباً إلى جنب مع الدماء المهدورة ‪ -‬خسارةً في جزء كبير من‬ ‫الشارع الذي يؤمن في داخله حقيقة أن النظام مجرم و ظالم و لكنه في‬ ‫نفس الوقت ال يريد أن يكون خسارته لوجوده هو الطريق الوحيد لسقوط‬ ‫هذا النظام‪ .‬الثورة السورية ثورة للحياة ال ثورة للموت‪ ،‬ثورة للتغيير ال ثورة‬ ‫للتدمير‪ ،‬للبناء ال للهدم‪ .‬و بقدر ما تنجح في العمل السياسي على تحقيق‬ ‫الممكن من هذه األهداف انطالقاً من ثوابت تؤمن بها كل شعوب العالم‪،‬‬ ‫ستكون ثورًة قادرًة على البناء فعالً بعد ما هدمه النظام‪ ،‬و بقدر ما ستكون‬ ‫بديالً مستحقاً يليق بهذا الشعب و بتضحياته التي ال يقارنها تضحيات‬ ‫شعب في العصر الحديث ربما‪.‬‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪10‬‬


‫أدب الثورة‬ ‫(سِّي ذلك اليوم «مجعة الكرامة»)‪،‬‬ ‫يف الثامن عشر من آذار من السنة املاضية مُ‬ ‫جييد‬ ‫ألول َّ‬ ‫مرة بعد أكثر من عشر سنني مكا َن عبادة‪ ،‬أنا الذي ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫دخلت ّ‬ ‫كنت أُوبَّخ دوماً يف دروس الديانة املدرسية بسبب‬ ‫و‬ ‫كات‪،‬‬ ‫احلر‬ ‫إال‬ ‫الصالة‬ ‫من‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫اهتامي بالتهكم عند تلحني النص القرآين‪ ،‬وتأتيين نوبات ضحك غري مفهومة‬ ‫يف طقس الصالة املهيب حيث «اخلضوع الدنيوي يف أقصاه»‪.‬‬ ‫نزق وفوضى تُفشي ال مباالة مرتاكمة‬ ‫ُسحنيت ال تشي أبداً حب ّد أدىن من اإلميان‪ٌ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫مؤخريت‪ ،‬وعند السجود‬ ‫نصف‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫كأ ٍمل ُمزمن مرتوك‪ ،‬بنطال «خصر واطي» يُظ‬ ‫َ ِّ‬ ‫تدخل يف فم «العبد» الذي ورائي!‬ ‫مؤخريت أن‬ ‫والركوع و ُّ‬ ‫التضرع كادت ّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫يف العاق وبني التكرار الصارم والرتابة‬ ‫مثة ارتبا ٌط وثيق ومشبوه بني الفكر احلَْر ّ‬ ‫املدوخة اليت تصيبين بالدوار‪ ،‬عدد املصلني‬ ‫املتناظرة يف الزخارف اإلسالمية ِّ‬ ‫شحيح على غري عادة أيام اجلمع‪ ،‬وجوههم خمتلفة وجديدة على ح ّد تعبري‬ ‫ٌ‬ ‫أحد اجلالسني بقريب (قاهلا البوطي الحقاً على «الفضائية السورية» بأن وجوه‬ ‫احلاضرين يف ذلك اليوم مل تكن تشبه وجوه املصلّني‪ ،‬وال أدري ملاذا اعتقدت أنه‬ ‫كان يقصدين بالتحديد!)‪ ،‬يبدو أن اخلوف من النظام أكرب من اخلوف من اهلل‪،‬‬ ‫املهتز بتواتر نوسان هزاز الساعة وراءه‪ ،‬يشر ُح دور سوريا اإلقليمي‬ ‫البوطي برأسه ّ‬ ‫يج‬ ‫يف املنطقة وأطماع الغرب‪،‬‬ ‫خطب البوطي ُّ‬ ‫أهم من نصوص ميشيل عفلق‪ ،‬مز ٌ‬ ‫ُ‬ ‫متداخل غريب من فكر «حزب البعث العريب االشرتاكي» ونصوص «البعث»‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ال فرق بني «كربى اليقينيَّات الكونية» و«هكذا قال األسد»‪.‬‬ ‫كنَّا ستَّة طالب أكراد من كليَّة الطب واقفني مثل «سطر الكتابة» يف الصف‬ ‫أمور صغرية تافهة تثريُ ضحكاً لعيناً له عدوى يف مواقف‬ ‫الثالث من املصلّني‪ٌ ،‬‬ ‫فاشتعل‬ ‫أشرت بإصبعي إىل التشقُّق الغائر يف أسفل قدم أحدهم‪،‬‬ ‫حم ِرجة كهذه‪ُ ،‬‬ ‫َ‬

‫بقلم‪:‬هيام جميل‬

‫اعترافات سلفي مرتدّ‬ ‫بقلم‪:‬جان عبد هللا‬

‫تفجر فجأة‪ ،‬وكان‬ ‫عصي على السيطرة بيننا‪ٍّ ،‬‬ ‫كسد متخم باملاء َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ضحك صامت ّ‬ ‫طالب البوطي يرمقونين بنظرات حادة غاضبة‪.‬‬ ‫اغيف الضفادع‬ ‫أمور غريبة غري مرتابطة من الطفولة‪ ،‬كمراقبتنا شر َ‬ ‫دامهت ذاكريت ٌ‬ ‫َّ‬ ‫تصبح أمساكاً‪ ،‬ارتباك ّأمي اخلجول عند تفتُّق‬ ‫بتدرج‬ ‫ُّ‬ ‫مستمر حىت نتأكد أهنا ال ُ‬ ‫ّ‬ ‫املتكرر يف اصطياد العصافري‪،‬‬ ‫وفشلي‬ ‫باء‪،‬‬ ‫ر‬ ‫الغ‬ ‫بيوت‬ ‫يف‬ ‫الطعام‬ ‫على‬ ‫يت‬ ‫ي‬ ‫شهَّ‬ ‫ّ‬ ‫والتأتأة الكالمية اليت كانت جتعلين أعصر نفسي من الداخل خصوصاً عندما‬ ‫كانت الفتيات يضحكن‪.‬‬ ‫انتهت اخلطبة‪ ،‬نزل البوطي ببطء من منربه‪ ،‬وبدأ أحدهم يصيح داعياً الناس‬ ‫إىل الصالة والرتاصف والتكاتف‪ ،‬روائح األجساد اآلدميَّة ختتلط بروائح العطور‬ ‫الفاقعة‪.‬‬ ‫كتحسس الغريزة األصلية للطريدة أهنا يف مأزق‪ ،‬فصلت بني انتهاء‬ ‫�بُْرهةٌ هادئة‬ ‫ُّ‬ ‫حرية‪ ،‬ركض الشاب العشريين وهو يبكي حنو‬ ‫الصالة وإطالق أول صيحة ّ‬ ‫ِّ‬ ‫الصوت املتقطع كان يتدفق‬ ‫البوطي كي يُقبِّل يده‪ ،‬فطرده ُ‬ ‫رجال أمنه بقسوة‪ ،‬و ُ‬ ‫ِ‬ ‫ك دماً‬ ‫من حنجرته الصدئة‪ ،‬كأ ّن تلك الصيحات كانت جتر ُح حلقه وتسف ُ‬ ‫غامقاً حمصوراً‪ ،‬ارتفعت حراريت وتسارعت نبضات قليب‪ ،‬ذابت روحي وترقرقت‬ ‫يف عيين‪ ،‬شعرت بالشلل والالجدوى واإلطباق‪ ،‬وأحسست بكمية هائلة من‬ ‫طاقة حارقة يف حنجريت‪ ،‬مل أكن أستطيع أن أصيح‪ ،‬كانت الكلمة حبيسةَ‬ ‫جمرداً‪ .‬انقسم املسجد إىل من‬ ‫فمي اجلاف‪ ،‬كنت خائفاً جداً‪ ،‬خوفاً حمضاً ّ‬ ‫يصيح ومن يضرب من يصيح‪ ،‬انقلب اخلشوع الباهت إىل حفلة قمع دموية‪،‬‬ ‫اختلطت الصفوف واألرتال‪ ،‬وكانت كلمة «اهلل» املكتوبة فوق قبَّة اإلمام تمُ عِن‬ ‫يف النظر‪...‬‬

‫المفتاح (مذكرات االعتقال)‬

‫الوقت ليل‪ ،‬مل أعد أذكر الساعة بالضبط‪ ،‬أتناول طعام العشاء حينها‪ ،‬يف ثالث‬ ‫أيام عيد الفطر‪ ،‬وأذهب للنوم‪ ،‬لقد انتهى العيد‪ ،‬ونام األطفال‪ ،‬وآن يل أن أنام‬ ‫أنا أيضا فقد ضاع حلمي بالتأرجح يف أراجيح هذا العيد!‬ ‫أمسع صوت جسد جير يف املمر‪ ،‬جسد يركل‪ ،‬أنزل بسرعة‪ ،‬وأمتدد على األرض‬ ‫ألرى من خالل الثقوب يف باب زنزانيت ثالثة عناصر جيرون رجال ضخم اجلثة‬ ‫ما زالت جراحه تنزف من يديه ورأسه‪ ،‬يفتحون باب الزنزانة ‪ ،12‬يف الصف‬ ‫املقابل يل‪ ،‬وحيشرونه فيها وميضون!‬ ‫يبدو على جسده أنه منهك من مقاومتهم اعتقاله‪ ،‬أرقب زنزانته لكنه مل يطل‬ ‫من الثقوب‪ ،‬مل أمسع أناته وال صراخه‪ ،‬كان مغشياً عليه!‬ ‫ترى هل أتوا به من مظاهرة؟هل أتوا به من فرع آخر؟ ألديه أطفال؟ ماذا‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫سيحصل إن علم أهله؟ وهل يتخلل االعتقال من التظاهر كل هذا الضرب‪،‬‬ ‫هل سيموت هنا؟‬ ‫ألف سؤال بديهي عصف بعقلي البسيط‪ ،‬لكنها بالطبع أسئلة ال تعين هلؤالء‬ ‫شيئا‪ ،‬كما ال تعين هلم دماؤه اليت عمدت طريقه!‬ ‫وأعلن الصباح بداية شهر هجري جديد‪ ،‬يوم اعتقال آخر‪ ،‬أنظر للزنزانة‬ ‫‪ ،12‬اهلادئة دوماً‪ ،‬صباح آخر‪ ،‬وصباح ثالث‪ ،‬وجبات طعام توضع للمعتقل‪،‬‬ ‫معتقلون يذهبون‪ ،‬وآخرون يأتى هبم إىل هذا اجلحيم الصغري‪ ،‬دون أن أمسع‬ ‫صوته أو أشعر حبركته‪ ،‬وكدت أستسلم لفكرة موته!‬ ‫كنت أحتدث إىل املعتقل يف الزنزانة ‪ ،13‬زميلي يف القضية غفار‪ ،‬أرفع صويت‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪11‬‬


‫قليال ألح ّدثه عن جمرى التحقيق معي‪ ،‬أرى شبحاً يقرتب من ثقوب باب‬ ‫الزنزانة ‪ ،12‬أراقبه‪ ،‬أبتسم لبقائه على قيد احلياة‪ ،‬وإبقائي على قيد األمل!‬ ‫ملوحة‪ ،‬ينتبه يل‪ ،‬يرى وجهي من طاقة الزنزانة‪ ،‬يفاجأ بفتاة هنا!‬ ‫أشري له ّ‬ ‫أكتب له فريى كتابيت باصبعي حرفا حرفا على الثقوب‪:‬‬ ‫ش ‪ ..‬و ‪ ( ....‬أمسح بيدي بسرعة على الثقوب ألقول له أن‬ ‫• ‬ ‫الكلمة انتهت) ‪ ..‬ا ‪ ..‬س‪ ..‬م‪ ..‬ك؟‬ ‫ل‪ ..‬ؤ‪ ..‬ي‪..‬‬ ‫• ‬ ‫أ‪ ..‬ن‪ ..‬ا‪ .... ..‬ه‪ ..‬ي‪ ..‬ا‪ ..‬م‪... ..‬‬ ‫• ‬ ‫م‪..‬ن‪ .... ..‬و‪ ..‬ي‪ ..‬ن‪..‬؟‬ ‫• ‬ ‫ا‪ ..‬ل‪ ..‬ل‪ ..‬ا‪ ..‬ذ ‪ ..‬ق‪ ..‬ي‪ ..‬ة‪..‬‬ ‫• ‬ ‫ع‪ ..‬ل‪ ..‬و‪ ..‬ي‪ ..‬ة‪..‬؟‬ ‫• ‬ ‫ ا‪ ..‬ي‪..‬‬‫• ‬ ‫ ع‪ ..‬ل‪ ..‬و‪ ..‬ي‪ ..‬ة‪..‬؟ !‬‫• ‬ ‫أبتسم‪ ،‬معه حق أال يصدق‪ ،‬إهنا أربعون عاما من عدم فهم اآلخر‪ ،‬وعدم‬ ‫االستماع له‪ ،‬أربعون عاما من تفخيخ الطرق بني بيوتنا يف احلارة الواحدة‪،‬‬ ‫ياه كم حنن غرباء عن بعضنا يف هذا الوطن!‬ ‫يستمر احلديث لساعات‪ ،‬خيربين أنه أب لطفلة كان قد أنزهلا لتلعب‬ ‫باملراجيح يف آخر هنار لعيد الفطر‪ ،‬قبل اعتقاله بساعات‪ ،‬تبتلع الثقوب‬ ‫املظلمة معظم ابتسامته وهو يشري مستخدما سبابته اليمىن رامسا شعرها‬ ‫املتموج!‬ ‫يف اليوم التايل كانت طاقة زنزانته مفتوحة!‬ ‫العنصر الذي يوزع الطعام سأله‪:‬‬ ‫مني فتحلك الطاقة والااا؟‬ ‫ ‬‫الشب اللي بيوزع الدوا‪..‬‬ ‫ ‬‫فانصرف ممتعضاً‪.‬‬ ‫العنصر الذي يوزع الدواء سأله‪:‬‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫مني فتحلك الطاقة والااا؟‬ ‫ ‬‫الشب اللي عطاين األكل‪..‬‬ ‫ ‬‫انصرف غاضباً‪..‬‬ ‫أِ‬ ‫ُطل من طاقيت‪ ،‬أصبح بامكاننا احلديث عرب قراءة حركة الشفاه‪ ،‬كان يبتسم‪،‬‬ ‫أشرت له‪ :‬كيف فتحتها؟‬ ‫أخرج قطعة حديد معقوفة‪ ،‬وقال فخوراً‪:‬‬ ‫طعجتها بسناين‪ ..‬مديتها ورفعت القفل‪ ..‬شوي شوي‪ ..‬وفتحتها‪..‬‬‫ّ‬ ‫من سيقف يف طريق حريتك يا رفيق زنزانيت؟ أنت متتلك مفتاح زنزانتك!‬ ‫وكان مساء أحد أيام االعتقال‪ ،‬أنا أحتدث مع لؤي بعد جميئه من جلسه‬ ‫حتقيق‪ ،‬وجسده مزدان ببعض الصفعات والركالت‪ ،‬يوزعون العشاء فيقطعون‬ ‫حديثنا‪ ،‬ال بأس‪ ،‬فنحن جائعان لطول ما حتدثنا!‬ ‫العشاء حبة بطاطا فاسدة‪ ،‬ال نأكل‪ ،‬رفضنا أن نأكل‪ ،‬جعنا‪ ،‬قلت له وقد‬ ‫متلكين الغضب‪:‬‬ ‫ فوت جلوا‪ ..‬ما بيجيبوها غري النسوان‪..‬‬‫طرقت باب الزنزانة احلديدي بيدي الضعيفة‪ ،‬أتى عنصر مبتسم‪ ،‬متأنق‪:‬‬ ‫شو بدك؟‬ ‫• ‬ ‫هلق بدي اسألك بس لو مسحت‪ ..‬العشا اليوم بطاطا بس مو‬ ‫• ‬ ‫هيك؟‬ ‫ليه عم تسأيل؟‬ ‫• ‬ ‫منشان أعرف شو بدي آكل‪ ..‬يعين آكلها مشوية والال مسلوقة‬ ‫• ‬ ‫والال شو؟ البطاطا بس منزوعة وحننا جوعانني‪..‬‬ ‫ليش ما جابولكن جبنة؟‬ ‫• ‬ ‫أل‪ ..‬ما جابوا حلدا باملنفردات‪.....‬‬ ‫• ‬ ‫ثواين بس‪..‬‬ ‫• ‬ ‫يغيب لربع ساعة تقريباً‪ ،‬أخرب لؤي عن اجلبنة‪ ،‬نبتسم للجبنة املوعودة‪ ،‬نطبطب‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪12‬‬


‫على معداتنا الصارخة أن تصمت‪..‬‬ ‫يعود العنصر رامياً يف يدي الصغرية بثالث مثلثات من جبنة أبو الولد‪ ،‬وميضي!‬ ‫وماذا أقول اآلن لـ لؤي؟ «جابويل جبنة ايل أنا بس؟»‬ ‫ال يرضى لؤي بأن أرمي له مثلث جبنة‪ ،‬يقول يل‪ :‬انيت بنت‪ ..‬كليهون‪ ..‬أنا زملة‪ ..‬بتحمل!‬ ‫مل يتحمل طويال‪ ،‬يقول يل غاضبا‪:‬‬ ‫ فويت جلوا‪ ..‬هلق صار دوري أنا!‬‫يطرق باب زنزانته بقبضته القوية‪:‬‬ ‫مييييييييييييييييني؟‬ ‫• ‬ ‫أنا‪..‬‬ ‫• ‬ ‫مني أنا‪..‬‬ ‫• ‬ ‫أنا مواطن‪..‬‬ ‫• ‬ ‫وشو بدك يا مواطن؟‬ ‫• ‬ ‫جوعان!‬ ‫• ‬ ‫غاب العنصر املبتسم وأتاه بعد دقائق‪:‬‬ ‫ تفضل يا مواطن‪ ..‬منشان تشوف قديش حننا كرميني‪ ..‬وهي خبزة‪ ..‬وحالوة كمان‪..‬‬‫إيل منتصرا ويقول‪ :‬شفيت! مسعتيه؟ أنا مواطن!‬ ‫ينظر لؤي ّ‬ ‫وأكل احلالوة كلها‪ ،‬فتمكنت من التهام مثلثات اجلبنة دون أدىن إحساس بتأنيب الضمري!‬ ‫يتب ّدل على الزنزانة ‪ ،11‬املواجهة يل متاماً‪ ،‬كثري من املعتقلني‪ ،‬ويف أحد املساءات أرى وجه معتقل «جديد» فيها‪ ،‬فتحوا طاقته ألنه كان مريضاً‪ ،‬وكالعادة يسألين‬ ‫لؤي أن أستفسر عن اسم املعتقل اجلديد‪ ،‬علّنا نستطيع معرفة بعض املعلومات عما جيري يف اخلارج‪..‬‬ ‫ويصعق حني أخربه عن اسم نزيل ‪ ،11‬إنه صديقه وابن حارته‪ :‬مازن!‬ ‫خيربين مازن أن هنالك ‪ 4‬أربعة شهداء‪ ..‬يف سـ‪...‬‬ ‫السيدة زينب؟‬ ‫• ‬ ‫أل‪ ..‬ب سـ‪..‬‬‫• ‬ ‫الصاحلية؟‬ ‫• ‬ ‫أل‪ ..‬ب سـ‪..‬‬ ‫• ‬ ‫ويأخذ السؤال مين ساعة كاملة ألفهم منه أن عدد الشهداء هلذه اجلمعة قبل اعتقاله هم أربعة‪ ،‬يف سوريـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة كلها!‬ ‫ألوح بصحين ليتحرك اهلواء قليالً وخيفف من احلر‪ ،‬أعود ألكمل حديثي‪ ،‬ولؤي يضحك شامتاً من معانايت يف‬ ‫آخذ اسرتاحة قبل أن أتابع حديثي املضين معه‪ّ ،‬‬ ‫احلديث مع مازن‪..‬‬ ‫ قويل لـ لؤي أنه فداء استشهد‪ ..‬قوصوا عليه‪..‬‬‫وبسذاجيت أنقل اخلرب لـ لؤي‪:‬‬ ‫عم يقلك مازن أنه فداء استشهد‪..‬‬ ‫• ‬ ‫يضع يده اليمىن على فمه‪ ،‬يكاد أن يصرخ‪ ،‬تدمع عيناه كطفل‪:‬‬ ‫ فداء استشهد؟ فداء رفيقي؟ استشهد؟‬‫• ‬ ‫مل أعرف ماذا أقول له‪ ،‬أرجوك ال تبك‪ ،‬تباً هلذه األبواب احلديدية‪ ،‬تباً لكل القيود‪ ،‬إن بكيت أنت من سيضحكين بعد اليوم؟‬ ‫يدخل إىل زنزانته باكياً‪ ،‬وأذهب أنا إىل النوم‪ ،‬لكن الطرق إىل عوامل األحالم تبقى مقفلةً أمامنا‪ ،‬كما مجيع السوريني‪ ،‬رغم ثقيت أننا منتلك مفاتيحها‪..‬‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪13‬‬


‫فسبكات‬ ‫رميا دالي‬ ‫احلل العسكري لن جيلب مع نريانه الدميوقراطية أ ّياً‬ ‫كان املنتصر‪ ,‬العسكرة ال تصنع إال الطغاة‪.‬‬

‫عبداهلل أبازيد‬ ‫خالد عبداهلل ‪ ،‬داعية سلفي ‪ ،‬أو ْ‬ ‫قل إنه كوميديان‬ ‫ّ‬ ‫معتوه يرتدي عباءة السلف ّية‪ ،‬الشيخ الفاضل مل من‬ ‫ّ‬ ‫يتفضل به الشيوخ الكرام على الثورة‬ ‫الدعم التافه ا ّلذي‬ ‫السورية ‪ ،‬فق ّرر ‪ -‬ضمن حدود إمكانياته الفحول ّية و‬ ‫الشهوان ّية ‪ -‬أن يتزوّ ج فتاتني سوريتني على س ّنة اهلل‬ ‫و رسوله ‪ ،‬نصر ًة للثورة اليتيمة ‪ ..‬و كوني ثائر سوري‪،‬‬ ‫بامسي و باسم ّ‬ ‫كل واحد بدو حيط اليك ‪ :‬يلعن شرفك‬ ‫سيدي الشيخ‪.‬‬

‫ثائر ديب‬

‫ياسر نديم حممد‬

‫لسا كل ما الواحد حكا كلمة بينط مني يق ّلو (أو يهددو)‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫أنت خايف من املستقبل‪.‬‬ ‫خ ّيي‪ ،‬أنا ماني خايف من املستقبل‬ ‫أنا خايف من استمرار املاضي بوجود أمثالك‬ ‫وأمثال أساليبك بالذهاب إىل املستقبل‪.‬‬

‫يللي ّ‬ ‫معقد القوميني السوريني أكرت الشي إنو السوريني‬ ‫ملا صاروا ألول مرة حيكو عن سورية ويفكرو بالسوريني‬ ‫صارو كمان بعيدين جد ًا عن احلزب القومي السوري‬ ‫وطريقة تفكريو‪...‬ميكن هليك صار احلزب عم يشتغل‬ ‫باملصاحلة الوطنية‪..‬‬

‫نضال معلوف‬

‫حييى جابر‬

‫يريدون من املواطن الفقري عديم احليلة قليل التعليم‬ ‫حمدود الثقافة بسبب ممارسات استمرت أكثر من ‪40‬‬ ‫عام أن يضرب برباميل املتفجرات فيخرج من حتت‬ ‫الركام مزجيا من أفالطون وغاندي وجان جاك رسو‬ ‫!!؟؟؟‬

‫إن بعض ثوار سوريا يشبهون ويتش ّبهون بالنظام ً‬ ‫لغة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫‪..‬إن هذا البعض يتضاعفون‬ ‫وسلوكا كميليشيات لبنانية‬ ‫ّ‬ ‫‪..‬‬

‫نورس جميد‬

‫ياسني احلاج صاحل‬

‫عموماً اللي عم يتعامل مع واقع الثورة من بدايتها على‬ ‫أنه صراع بني اخلري والشر رح يضطر يصطدم باحلقيقة‬ ‫املؤملة عاجالً أم آجالً‪ :‬أن الوضع ليس أبيض وأسود كما‬ ‫ختيل البعض‪ ،‬بل هناك الكثري من الرمادي‪ ،‬هناك ألوان‬ ‫أخرى من الطيف وألوان أخرى من خارجه‪ ،‬بل هناك‬ ‫مزيج من األلوان ال يعلم بها إال اهلل‪ ..‬الثورة السورية‬ ‫حالة تارخيية بامتياز يتعامل كل واحد فينا معها وفقاً‬ ‫لفهمه للواقع وأسلوب تعامله مع الظروف‪ ...‬لكن‬ ‫فهم املسؤولية التارخيية اليت حنملها (حنن) جتاه‬ ‫الظلم يبقى اخلطوة األوىل لفهم أصل املشكلة‪ ،‬ورمبا‬ ‫الحقاً الكتشاف احلل‪.‬‬

‫وصلتين رسالة ودودة من صديق شاب‪،‬يقول فيها‪ :‬أنا‬ ‫بعرف إنك علماني ويساري‪ ،‬وأنا كمان هيك‪ ....‬فإذا ما‬ ‫بيزعجك‪ ...‬كل عام وأنت خبري‪.‬‬ ‫برأيي يف مشكلة كبرية باليسار والعلمانية ملا يعترب‬ ‫يساريني أو علمانيني أنو قدموا تنازل فكري إذا شاركوا‬ ‫بالعيد أو عيدوا غريهم‪.‬‬ ‫حنن مو غرباء ببلدنا وال نتعالي على قيم وثقافة شعبنا‪.‬‬ ‫أو هذا ما أفرتض‪.‬‬ ‫كل عام وأنتم خبري‪ ....‬ينعاد عليكم وعلينا باخلالص!‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪14‬‬


‫لقطات من وطني‬

‫حلب باب النصر‬

‫درعا بصرى الحرير مقابر الشهداء‬

‫ديرالزور ‪ -‬الحميدية ‪ -‬جانب مسجد مصعب بن عمير بعد‬ ‫تدمير المنازل هناك بصواريخ الميغ‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫تتجول العدسات في أنحاء الوطن لتنقل لنا مشاهداً من‬ ‫تلك اللحظات الّتي يعيشها أبناؤه في مخاضهم نحو‬ ‫الحرية‪.‬‬

‫حماه حي مشاع األربعين ‪2012-10-20‬‬

‫حمص ‪ -‬العيد في حي جورة الشياح ‪10- 26‬‬

‫دمشق ركن الدين ‪2012-9-18‬‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪15‬‬


‫فن الثورة‬

‫غرافيتي (بخ) داريا‬

‫كاريكتور‬

‫أيمن الغامدي‬

‫أمجد رسمي‬

‫أغنية‬ ‫حرية وبس ‪ -‬ال تقولوا عني مندس‬ ‫ال تقولوا عني مندس‬ ‫ولو عطوني كنوز األرض‬

‫أنا يلي بأهله حس‬ ‫رح قلن حرية وبس‬

‫ال تقولوا طالع م الجوع‬ ‫لو مليتوا عيوني دموع‬

‫من الظلم قلبي موجوع‬ ‫رح انده حرية وبس‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫صار لي ع هالحالة سنين‬ ‫رح أدعي وقولوا آمين‬ ‫ال تقولوا عني مندس‬ ‫ولو عطوني كنوز األرض‬

‫مين اللي يسمعني مين‬ ‫يجي اللي بأحوالي يحس‬ ‫أنا يلي بأهله حس‬ ‫رح قلن حرية وبس‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪16‬‬


‫الفتات مميزة‬

‫سنحاول في هذا الباب أن ننقل لكم بعضا ً من الالفتات‬ ‫المميزة الّتي رفعت و ترفع في المظاهرات و‬ ‫االعتصامات على امتداد رقعة الوطن عسى أن ننقل‬ ‫لكم وجهة نظر رافعيها‪.‬‬

‫الزبداني ‪2012 10 07‬‬

‫حلب حي بستان القصر ‪9 14‬‬

‫حلب حي بستان القصر ‪2012-10-19‬‬

‫دير الزور ‪2012 10 04‬‬

‫دمشق ركن الدين ‪2012 10 25‬‬

‫حلب حي بستان القصر ‪9 28‬‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪17‬‬


‫أيام الحرية‬

‫أيام الحرية ‪ :‬تجمع سوري مستقل و مفتوح لحركات الكفاح السلمي‬ ‫و المقاومة المدنية الالعنفية يهدف إلسقاط الحكم االستبدادي و إقامة‬ ‫الدولة المدنية في سوريا‪ ،‬بوسائل تسعى لضمان االنتقال للديمقراطية‬ ‫و تقليل التضحيات الشعبية‪.‬‬

‫ألعاب مجانية أعادت لمعة عيون خفتت‬

‫نحن ّثوار نعم إلاّ أننا نحب الحياة ‪ ..‬يقول أحد القائمين على النشاط وهو‬ ‫الدمشقي «‪.‬‬ ‫فعاليّة «ساحة العيد في حي برزة‬ ‫يح ّدثني عن ّ‬ ‫ّ‬ ‫أل ّن أطفال برزة ‪ -‬كما جميع أطفال الشعب السوري ‪ -‬عانوا الكثير في‬ ‫الفترة األخيرة‪ ،‬فلم يكن هناك منزل ٍ‬ ‫طفل إلاّ وفيه شهيد أومعتقل أو جريح‪،‬‬ ‫كان ال ب ّد من خلق نشاط يرسم البسمة على وجوه هؤالء األطفال ويعيد‬ ‫بعضاً من البهجة التي سرقها النظام الغاشم من قلوبهم‪.‬‬ ‫بدأ التخطيط للنشاط قبل العيد بيومين‪ ،‬حيث قام مجموعة من الناشطين‬ ‫من تنسيقيّة برزة وبالتعاون مع أيّام الحريّة باختيار ساحة داخليّة في برزة‬ ‫بعيدة عن نيران ميليشيا األسد وشبيحه لتكون موقعاً لهذا النشاط‪.‬‬ ‫عمل الشباب بدأب لتنظيف وتجهيز هذه الساحة‪ ،‬ففرشوها بالبحص‬ ‫وقامو بدهن حيطانها باألبيض ورسموا عليها رسومات مرحة لتضيف ألوان‬ ‫العيد وبهجته إلى الساحة‪ .‬كما قاموا بإصالح ودهن وبخ مراجيح عيد‬ ‫كانت ملقاة في المنطقة ونصبوها في الساحة ليلعب بها األطفال من‬ ‫وجهزوا عربات األطعمة والحلويّات (الفول‬ ‫جديد بعد أن كانت خردة‪ّ .‬‬ ‫– الترمس – الصاجيات)‪ ،‬إلى أن أصبحت الساحة جاهزة الستقبال‬ ‫األطفال‪.‬‬ ‫ومع صبيحة يوم العيد توافد األطفال مع أهاليهم إلى الساحة‪ ،‬و كان‬ ‫النشطاء متواجدين على مدار الساعة بين األطفال وشاركوهم بنشاطات‬ ‫فهزوا المراجيح وحرصوا على مشاركة‬ ‫الساحة من ألعاب ورسم وطعام ‪ّ ..‬‬ ‫جميع األطفال باأللعاب‪ ،‬وأدارو ورشة للرسم أطلق فيها األطفال العنان‬ ‫وتم‬ ‫مروا به خالل الثورة ‪ّ .‬‬ ‫إلبداعهم ورسموا رسومات من وحي ما ّ‬ ‫اصطحاب أطفال الشهداء إلى مكان بجانب الساحة وتوزيع هدايا العيد‬ ‫عليهم ‪.‬‬ ‫استمرت النشاطات مجانيّة لجميع األطفال طوال فترة أيّام العيد األربع‬ ‫نجار الحي و ح ّداده ‪ ،‬إذ‬ ‫بتطوع كامل من النشطاء و طوعي كما ساهم ّ‬ ‫ّ‬ ‫عملو جاهدين إلدخال السعادة إلى قلوب األطفال الصغيرة البريئة‪ ،‬دون‬ ‫تسجل أيّة حوادث أو إشكاليّات‪ ،‬واستطاع األهالي رؤية بعض الفرح‬ ‫أن ّ‬ ‫في عيون أطفالهم بعد غيابها لمدة طويلة من الزمن‪.‬‬ ‫جفرا ‪ -‬اللجنة االعالمية أليام الحرية‬ ‫‪https://www.facebook.com/Freedom.Days.Syria?fref=ts‬‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪18‬‬


‫حمالت‬

‫حملة ال للتخوين‬

‫مشاركة سنديان في حملة ال للتخوين‬

‫تسعة عشر شهراً و الشعب السوري الثائر يضحي بالغالي و‬ ‫ ‬ ‫النفيس في سبيل الحرية والعدالة والكرامة في مواجهة نظام مجرم أوغل‬ ‫عميقاً في سفك الدم السوري‪...‬‬ ‫و إذا كان هذا الحال المؤسف لم ينل من عزيمة الشعب السوري الثائر‪،‬‬ ‫فإنه في بعض الحاالت أفقد البعض منا قدرته على تحليل األمور‪ ،‬و أربك‬ ‫قدرة بعضنا على تقدير بعض الوقائع و المواقف التقدير الصحيح‪ ،‬ما نتج‬ ‫عنه ظهور حاالت من محاوالت إقصاء اآلخر المختلف عنا‪ ،‬واالتهامات‬ ‫بالتقصير‪ ،‬و التخوين‪ ،‬و ربما العمالة‪ ،‬و هي ظاهرة تقدم دون أدنى شك‬ ‫خدمة مجانية للنظام القاتل في مواجهته الدم‬ ‫وية ألحرارنا‪.‬‬ ‫لذا‪ ...‬كانت حملة ‪« ...‬ال للتخوين»‬ ‫لنؤكد جميعاً‪ ...‬ثائرات سوريا وثوارها‪ ...‬التزامنا بوحدة الصف ونبذ‬ ‫التخوين‪ ,‬وإعالء صوت العقل‪ ،‬و نبذ كل خطاب إقصائي أو تمييزي‪،‬كي‬ ‫نكون أوفياء لدم وأحالم شهدائنا‪ ...‬و عذابات معتقلينا‪ ....‬وآهات‬ ‫أمهاتنا وأطفالنا‪....‬‬ ‫ال للتخوين‪ ...‬كلنا معاً السقاط النظام‬

‫مشاركة نحل الساحل في حملة ال للتخوين‬

‫شاركت مجلة سنديان مع أكثر من ‪ 100‬جهة ثورية آخرى في حملة ال‬ ‫للتخوين و تنوعت نشاطات الحملة بين نشاطات فكرية عبر االنترنت إلى‬ ‫نشاطات ميدانية امتدت إلى معظم األراضي األسورية‬ ‫مشاركة التل في حملة ال للتخوين‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪19‬‬


‫ألف باء سياسة‬

‫سنحاول في هذا الباب نتعلّم سويةً ألف باء‬ ‫السياسة بعد أن ُح ِر ْمنَا منها لعقود طويلة‪.‬‬

‫اليمين و اليسار ‪ ..‬في السياسة و المجتمع و االقتصاد‪.‬‬

‫يستخدم مصطلحا اليمين و اليسار كوسيلة مختصرة لوصف األفكار‬ ‫والمعتقدات السياسية والمواقف األيديولوجية للسياسيين واألحزاب‬ ‫والحركات السياسية المختلفة‪.‬‬ ‫نشأة املصطلح‪:‬‬ ‫احلقيقة أ ّن هذين املصطلحني قد تطورا و اكتسبا معنيَيهما مع الزمن‪ ،‬يف عام‬ ‫‪ ١٧٨٩‬اجتمع أعضاء اجمللس الوطين الفرنسي ملناقشة مستقبل البالد أثناء‬ ‫الثورة الفرنسية‪ .‬و الذي حدث أنّه مع مرور الوقت جلس مؤيدو بقاء امللك‬ ‫بكامل سلطاته (احملافظني) على ميني رئيس اجمللس‪ ،‬بينما جلس مؤيدو تقليص‬ ‫سلطات امللك على يساره (التقدميني)‪ .‬و من هنا بدأت فكرة أن كل من يريد‬ ‫احملافظة على تقاليد اجملتمع املعروفة هو حمافظ‪/‬مييين‪ ،‬و كل من يريد أن يعطي‬ ‫قدراً أكرب من احلرية للمجتمع من الناحية االجتماعية و السياسية هو يساري‪/‬‬ ‫تقدمي‪.‬‬ ‫تطوره‪:‬‬ ‫بعد فرتة ارتبط اليسار التقدمي بالفكر االشرتاكي الذي حيث على تدخل الدولة‬ ‫يف االقتصاد و إعادة توزيع الثروات و الدخل و تقليص (أو إلغاء) مساحة‬ ‫امللكية اخلاصة لعوامل اإلنتاج (مثل األراضي و املوارد األساسية كالطاقة) من‬ ‫أجل حتقيق مفهوم صارم للعدالة االجتماعية‪.‬‬ ‫أما اليمني فقد ارتبط (يف اغلب الدول) باحلرية االقتصادية و حرية امللكية و‬ ‫العمل التجاري و الضرائب األقل‪ ،‬حيث رأى يف ذلك الطريقة األنسب لتحقيق‬ ‫النمو السريع للثروات يف اجملتمع و توزيعها بصورة غري تعسفية‪.‬‬ ‫و يف هناية املطاف ظهرت فكرة الطيف السياسي من اليسار إىل اليمني‪ ،‬أو‬ ‫العكس‪ ،‬وهو يتكون باألساس من‪:‬‬ ‫أقصى اليسار‪ ،‬يسار‪-‬الوسط‪ ،‬الوسط‪ ،‬ميني‪-‬الوسط‪ ،‬و أقصى اليمني‪،‬‬ ‫و توجد يف قمة اليسار الشيوعية و يف قمة اليمني الفاشية‪.‬‬ ‫اليمني و اليسار يف السياسة‪:‬‬ ‫من الناحية السياسية؛ فكلما كنت مع تقليص احلريات و احلفاظ على القيم‬ ‫التقليدية للمجتمع و وجود حكومة قوية واسعة السلطات‪ ،‬فأنت مييين‪.‬‬ ‫واليمني بشكل عام ينشد التغيري السياسي املتدرج اهلادئ‪.‬‬ ‫إذا أردت توسيع احلريات و توزيع مسئولية احلكم و عدم تركيزها يف يد حاكم‬ ‫أو حكومة‪ ،‬فأنت يسار‪-‬وسط أو يساري حسب مساحة احلرية اليت تطلبها‪.‬‬ ‫و اليساري بشكل عام يتبىن الراديكالية و ينشد التغيري السياسي اجلذري‪.‬‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫اليمني و اليسار يف االقتصاد‪:‬‬ ‫من الناحية االقتصادية‪،‬‬ ‫يرفع اليساري شعار‪ :‬العدالة يف توزيع الثروة بني أفراد الشعب من خالل‬ ‫التفعيل األكرب للدول االقتصادي للدولة‪.‬‬ ‫يرفع اليميين شعار‪ :‬احلرية و فتح اجملال أمام التنافسية االقتصادية لألفراد‪ ،‬و‬ ‫بالتايل زيادة مساحة امللكيات اخلاصة على حساب امللكيات العامة‬ ‫إذا كنت مع احلرية االقتصادية األوسع‪ ،‬و الضرائب و الرقابة األقل‪ ،‬فانت‬ ‫مييين‪ .‬إذا كنت مع إلغاء مجيع التفاوتات االقتصادية و االجتماعية و سيطرة‬ ‫الدولة على اإلنتاج و التجارة‪ ،‬فأنت أقصى اليسار‪.‬‬ ‫إذا كنت تريد دوراً قوياً للدولة لتحقيق هذه األهداف و لكن مع احلفاظ على‬ ‫السوق احلرة و التجارة إميانا بدورهم‪ ،‬فأنت يسار وسط‪.‬‬ ‫إذا كنت تريد الوسطية التامة بني دور احلكومة و دور القطاع اخلاص و السوق‬ ‫احلرة فأنت وسطي‪ ،‬أو ما يسمى بالطريق الثالث بني الرأمسالية و االشرتاكية‪.‬‬ ‫اليمني و اليسار يف القضايا االجتماعية و العالقة مع الدين‪:‬‬ ‫ميجد احلرية الشخصية الكاملة ألفراد‬ ‫يتبىن اليساري قضايا املستضعفني و ّ‬ ‫اجملتمع‪ ،‬بينما يقيّد اليميين احلريات الشخصية بإطار األعراف االجتماعية‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫كان لليساريني عالقة غري وديّة مع الدين تارخيياً‪ ،‬و ذلك أثناء نضاهلم‬ ‫لإلطاحة بامللكية احملمية من الكنيسة يف فرنسا‪ ،‬لذلك غالباً ما ينادي اليساري‬ ‫بتضييق دور الدين يف اجملال العام‪ .‬بينما مال اليمينيون تارخيياً أكثر للحفاظ‬ ‫على الثوابت الدينية و توسيع دائرة تأثريه يف اجملال العام‪.‬‬ ‫إن ميلك حنو إحدى اجلهتني (ميني‪/‬يسار) سياسياً ال يعين بالضرورة أبداً ميلك‬ ‫حنو نفس اجلهة يف االقتصاد أو اجملتمع فقد تكون يسارياً سياسياً و ميينياً‬ ‫اجتماعياً و هكذا‪ ،..‬فاملصطلح كما يتضح أعاله واسع جداً و يضم مفاهيم‬ ‫خمتلفة يف كل إطار من اإلطارات السابقة‪.‬‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪20‬‬


‫رسائل من أخوة الوطن‬ ‫بقلم‪ :‬عبد هللا الدمشقي‬

‫إلى الطائفة العلوية‪ ..‬خرجنا من خوفنا وننتظر خروجكم‬ ‫أخاطب اليوم العقالء منكم‪ ،‬وأعلم أن فيكم كثرياً من العقالء‪ ،‬أخاطبكم‬ ‫حرصاً عليكم‪ ،‬بعد أن رهنتكم العائلة احلاكمة للخوف والتضليل وأوقعتكم‬ ‫يف شرك تارخيي خطري‪ ،‬جعلكم يف مواجهة أكثرية مل تعد ترضى الذل‬ ‫والضيم وهي تدافع عن عزهتا وكرامتها اليوم كما مل يدافع شعب من قبل‬ ‫ولن تتوقف عن دفاعها هذا حىت تطهر سورية كلها من كل معتد ظامل قتل‬ ‫األبرياء وهتك األعراض وأهلك احلرث والنسل‪.‬‬ ‫منذ أن استوىل حافظ على السلطة استخدمكم مطية ملشروعه االستبدادي‪،‬‬ ‫وزرع يف قلوبكم اخلوف من أكثرية مل يُعرف عنها طوال تارخيها أهنا اعتدت‬ ‫على غريها أو خاضت حرباً أهلية أو مارست تطهرياً عرقياً بل كانت احلاضن‬ ‫اآلمن الذي عاش معه اآلخرون املختلفون عنه يف الدين واملذهب آمنني‬ ‫مطمئنني ومارسوا شعائرهم وعباداهتم كما يريدون‪ ،‬والدليل على ذلك قراكم‬ ‫وقرانا املتجاورة منذ مئات السنني‪ .‬جاء بكم حافظ إىل العاصمة لتعيش‬ ‫أكثريتكم الساحقة براتب حمدود وربط مستقبلكم االقتصادي به لتظلوا‬ ‫أدوات ملشروعه القمعي ألن اهنيار نظامه يعين فقدانكم لوظائفكم‪ ،‬ومل يقم‬ ‫بتطوير الساحل السوري واجلبال الساحلية سياحياً وزراعياً وصناعياً لتأمني‬ ‫فرص عمل كرمية لكم وألوالدكم فهو مل هتمه مصلحتكم وال مستقبلكم بل‬ ‫كان يهمه أن تظلوا أدوات ملشروعه االستبدادي‪ ،‬أما مظاهر الغىن والرتف‬ ‫فظلت مرتبطة فقط بالضباط والفاسدين الكبار من العائلة احلاكمة وأذناهبا‬ ‫من الطائفة ممن هم معرفون باالسم يف كل قرية وبلدة ومدينة‪.‬‬ ‫لقد قال النظام عن الثورة إهنا ثورة عراعري وإخوان مسلمني وسلفيني‬ ‫ووهابيني وقاعدة ومندسني وإهنا مؤامرة إسرائيلية أمريكية تركية سعودية‬ ‫قطرية بل مؤامرة كونية! ولكن مهالً‪ ،‬أال ترون أن هذه الثورة مشلت الشعب‬ ‫السوري من درعا إىل القامشلي ومن البوكمال إىل جبلة؟ أال تروهنا كيف‬ ‫مشلت مئات املدن والبلدات والقرى يف كل احملافظات؟ أال ترون عشرات‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫األلوف الذي خيرجون يف طول البالد وعرضها منذ عام ونصف ولوال مواجهتهم‬ ‫بالدبابات والطائرات خلرجوا باملاليني؟ مث أال ترون يف سلوك هذا النظام طوال‬ ‫نصف قرن ما يدعو الشعب إىل الثورة؟ أمل يكم األفواه ويلقي باألحرار يف‬ ‫السجون؟ أمل تسمعوا عن تدمر ومحاة؟ أمل حيتكر النظام السلطة السياسية‬ ‫واالقتصادية؟ أمل ميارس االصطفاء الطائفي يف اختياره للمناصب احلساسة يف‬ ‫الدولة واجليش وقوات األمن؟ أمل يصبح القضاء ألعوبة بيد األمن؟ أمل ينتشر‬ ‫الفساد يف كل مكان؟ لو أ ّن الظلم واإلقصاء الذي نزل بنا يف العقود املاضية‬ ‫مارسته األكثرية ضد األقلية ملا احتملته هذه األقلية ولثارت عليه يف هناية‬ ‫املطاف فكيف تتوقعون من األكثرية أن ترضى بسحقها وجتاهل حقوقها إىل‬ ‫أبد اآلبدين؟‬ ‫مث ملاذا ال نسمع استنكاركم للمذابح اليت تُرتكب حبقنا كل يوم وتُنسب إليكم؟‬ ‫كل األدلة تشري إىل أهنا من صنع عصابات طائفية تنطلق من مناطقكم‪ ،‬لكن‬ ‫النظام يقول‪ :‬هي من صنع عصابات إرهابية‪ ،‬إذاً ملاذا ال خترجون إىل الشوارع‬ ‫باأللوف وتعلنون براءتكم كطائفة من هذه املذابح؟ أختافون بطش النظام وال‬ ‫ختافون غضب أكثرية لن تستطيعوا أن تستأثروا باحلكم من دوهنا بعد اليوم؟‬ ‫إن النظام يومهكم أنه سيخمد هذه الثورة بقوة السالح‪ ،‬ويقول لكم منذ شهور‬ ‫(خلصت) لكنكم ترون بأعينكم كيف أن الثورة تتقدم يوماً بعد يوم برغم كل‬ ‫الدماء والدمار‪ ،‬واجليش يتفكك‪ ،‬والعامل وإن كان ال يتدخل عسكرياً فهو‬ ‫يعزل هذا النظام وحياصره ويعد العدة ملا سيأيت بعده‪ ،‬فكروا جيداً مبستقبلكم‪،‬‬ ‫لن حيميكم نظام زائل ولن حتميكم دولة طائفية تلجؤون إليها ال متلك أسباب‬ ‫البقاء‪ ،‬لن حيميكم إال إعالن الرباءة من هذا النظام وجرائمه والتوقف عن‬ ‫دعمه ‪...‬‬ ‫‪-----------------------------‬‬‫املصدر ‪ :‬جملة عهد الشام‪.‬‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪21‬‬


‫شخصيات من الثورة‬

‫باسل شحادة ‪ ..‬شهيد الفن والحب واإلنسانية‬ ‫‪2012-1984‬‬ ‫بقلم‪:‬آرام السوري‬

‫«وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر» ‪ ،‬وهكذا األمر مع شهداء الثورة في األيام الصعبة حيث يسود اليأس والقنوط وتتراكم المخاوف على المستقبل‬ ‫والمصير‪ ،‬ونفتقد وجودهم وعزيمتهم وإصرارهم وثقتهم‪،‬‬ ‫ومن كباسل شحادة «شهيد الحب والفن واإلنسانية» ‪-‬كما دعاه أصدقاؤه‪ -‬ليمنحنا‬ ‫لكن استرجاع الذكرى كاف ليمدنا بجرعة من األمل واالندفاع ‪َ ..‬‬ ‫هذه الهدية حتى بعد ارتقائه وغيابه ‪..‬‬ ‫النشأة‪:‬‬ ‫ولد الشهيد عام ‪ 1984‬وهو البكر بني أخوته لوالدين أكادمييني متخصصني يف جمال اهلندسة‪ ،‬األب يعود بأصله للسويداء‪ ،‬واألم للريف الساحلي يف حمافظة‬ ‫طرطوس ‪ ،‬والسكن والنشأة يف دمشق‪ ،‬لتلعب اجلغرافيا دورها مبكراً يف توسيع دائرة االنتماء واهلوية لتشمل الوطن من مشاله جلنوبه ‪..‬‬ ‫تفوق يف دراسته الثانوية واستطاع دخول كلية اهلندسة املعلوماتية والتخرج منها‪ ،‬ولكن مرض والدته واألخطاء الطبية اليت عقدت حالتها وأطالت معاناهتا دفعته‬ ‫ّ‬ ‫ليعيد التقدم للشهادة الثانوية سعياً لدخول كلية الطب وإصالح اجلسم الصحي من داخله‪ ،‬وعندما مل تسعفه الدرجات لتحقيق هذه الغاية‪ ،‬اكتفى بدخول كلية‬ ‫اآلثار ليليب شغفه بالتعرف على حضارة بلده املوغلة بالقدم وعمل يف وزارة الثقافة وإحدى منظمات األمم املتحدة يف دمشق‪.‬‬ ‫ّأما حبه للسينما وصناعة األفالم و التصوير الفوتوغرايف فلم يتفرغ له إال متأخراً عندما حصل على منحة فولربايت املرموقة إلكمال دراسته يف نيويورك عام ‪،2011‬‬ ‫و كان قد أجنز عدداً من األفالم القصرية قبلها مل تكن منفصلة عن مسرية حياته املليئة حبب املغامرة والتطوع‪ ،‬فمن وحي عمله يف إغاثة نازحي حرب متوز عام‬ ‫‪ 2006‬أنتج «هدية صباح السبت ‪ »Saturday morning Gift‬وهو فيلم قصري يوثق شهادات عدد من األطفال عن فظاعة حرب لبنان ‪ ،2006‬ومن‬ ‫جتربة تقدمي املساعدات للمتضررين من موجة اجلفاف يف املناطق الشرقية أبدع «محل العيد إىل املخيمات ‪ »Carrying Eid to Camps‬عام ‪، 2008‬‬ ‫وقبلها يف ‪ 2004‬أنتج أغنية «عم أحلم بوطين» تأليفاً وتلحيناً ليشارك مع قريبه الصغري الـذي أداها يف مسابقة «قيثارة الروح»‪.‬‬ ‫وحول مشاركته إىل التزام شخصي عندما قرر استعمال الدراجة اهلوائية يف مجيع تنقالته‪،‬‬ ‫تطوع مبكراً يف اجلمعية السورية حلماية البيئة وشارك يف كثري من نشاطاهتا‪ّ ،‬‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪22‬‬


‫ومنها رحلته الشهرية عرب سوريا بني دمشق وحلب مروراً باحملافظات‪.‬‬ ‫و قد ساهم يف كثري من األعمال اخلريية تربعاً باملال أو بالتدريب والتعليم لألطفال‪ ،‬يف نشاطات مل يكتشفها أصدقاؤه وأهله إال بعد استشهاده عندما جاء املستفيدون‬ ‫منها ألداء واجب التعزية ورووا ما لديهم من قصص‪.‬‬

‫الثورة‪:‬‬ ‫«اإلنسان احلر هو من ال خياف جماراة أفكاره على اتساعها «‬ ‫وكما الكثري من الشباب العريب من جيله‪ ،‬اهتز قلب باسل طرباً ألنباء الثورات يف مصر وتونس فشارك باحتفال الشباب السوري امام السفارة املصرية وأنشد معهم‬ ‫«هيب يا رياح التغيري» يف ‪/28‬يناير‪ ، 2011/‬ويف شباط نزل مع املعتصمني أمام السفارة الليبية وحت ّدوا األمن هناك هبتاف «خاين يلي بيقتل شعبو» لتصل الرسالة‬ ‫لكل الطغاة العرب بشخص القذايف‪.‬‬ ‫ساهم بالعديد من النشاطات السلمية‪ ،‬ولعل أشهرها فكرة «نقود احلرية» اليت شرح عنها يف تقرير تلفزيوين أخفى به وجهه‪ ،‬وتق ّدم الصفوف األوىل يف مظاهرة املثقفني‬ ‫األوىل يف امليدان واليت اعتقل على إثرها مع العديد من أصدقائه الفنانني والكتاب من كل األجيال واالنتماءات‪ ،‬فأعطوا طابعاً جديداً وزمخاً إعالمياً للمظاهرات‬ ‫اليت لطاملا طعن النظام بدعوى كوهنا «خترج من املساجد‪ ،‬ويقودها متطرفون طائفيون جاهلون» ‪ ..‬دون أن ننسى جهوده ومشاركته يف توثيق املظاهرات وتصويرها‬ ‫يف خمتلف مناطق وحمافظات سوريا‪.‬‬ ‫وتعد رحلته على دراجته النارية «لينني» ملدة ‪ 60‬يوماً يف العام نفسه‪ ،‬من سوريا إىل تركيا وإيران وباكستان وصوالً للهند حمطة غنية يف حياته‪ ،‬عاش فيها من التجارب‬ ‫ليحصلوا ربع ربعها وحتتاج رواية تفاصيلها ملقالة أخرى‪.‬‬ ‫اإلنسانية والتواصل مع حضارات وأمم متنوعة ما يقضي الكثري من الناس عمرهم ّ‬ ‫السفر والغربة‪:‬‬ ‫بعد جتربة االعتقال واملالحقة األمنية والعرض السخي مبنحة من وزن «فولربايت» إلمتام الدراسة يف جمال السينما واإلخراج‪ ،‬قبل باسل السفر حتت ضغط األهل‬ ‫واألصدقاء وخوفهم على مصريه‪ ،‬إال أنه ترك قلبه يف وطنه الثائر املتعطش حلريته السليبة ومل حيتمل إال فصالً دراسياً واحداً من عدة أشهر‪ ،‬احتال يف هنايته للعودة‬ ‫حبجة عطلة عيد امليالد‪ ،‬وقد استغل فرتة مكوثه هناك بإجناز فيلم «أغاين احلرية ‪ »Singing to Freedom‬عن الثورة السورية ونقاش السلمية من وجهة نظر‬ ‫غربية وحملية‪ ،‬مبشاركة مفكرين كبار كنعوم تشومسكي وأيريكا تشينويث وغريهم باإلضافة للمتظاهرين السوريني‪.‬‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪23‬‬


‫العودة والشهادة‪:‬‬ ‫« ختيل حنن كم مرة سنعيش ثورة يف حياتنا‪ ،‬كيف يل أن أترك احللم الذي‬ ‫بدأ يتح ّقق؟ وماذا سأقول ألطفايل عندما يسألونين‪ ،‬هل أجيبهم (عندما‬ ‫بدأت الثورة تركت وطين وذهبت ألهتم مبستقبلي)‪ .‬أين هو هذا املستقبل‬ ‫من دون وطن حر؟ «‬ ‫مل يتحمل باسل فكرة «اهلروب» من حتمل املسؤولية‪ ،‬ومل جيد نفسه يف‬ ‫املوقع الذي يرغبه للدفاع عن أفكاره السلمية و الالعنفية من وراء البحار‬ ‫ومن خلف الشاشات‪ ،‬فقرر العودة إىل جذور الثورة‪ :‬ناسها وأرضها ومدهنا‬ ‫املنتفضة‪ ،‬وقرر نقل خربته يف التصوير والتوثيق إىل نشطائها املبتدئني األغرار‬ ‫ لكن املمتلئني باحلماسة وحب التضحية‪ -‬لنقل معاناة أهلهم وصورة‬‫ناصعة عن ثورهتم‪،‬‬ ‫اختار أكثر املناطق سخونة وتعقيداً‪ ،‬مدينة محص‪ ،‬ليشارك سكاهنا معاناهتم‬ ‫وليعرب عن أفكاره وطموحه باحلفاظ على الطابع السلمي والوطين للثورة‬ ‫وتصويب احنرافها من قلب احلدث ومن وسط الناس‪ ،‬فنجح بتدريب‬ ‫عشرات الشباب على تقنيات التصوير واملونتاج‪ ،‬وبدأ بصنع فيلم «سأعرب‬ ‫غداً « عن القناصة يف املدينة وأشرف على فيلم آخر عن أطفاهلا صدرا‬ ‫بعد استشهاده‪.‬‬ ‫ويف ‪ 28‬أيار ‪ 2012‬ويف خضم درس ميداين مع «طالبه» يف حي‬ ‫الصفصافة استطاعوا التقاط صور ملصدر النريان‪ ،‬فما كان منها إال أن‬ ‫عاجلتهم بقذائف احلقد اليت أودت به مع ‪ 4‬من رفاقه‪ ،‬فتم إعالن اخلرب‬ ‫عرب ‪ Youtube‬بتسجيل قصري يوضح جثمانه مع تعليق يصفه بشكل‬ ‫عفوي «بشهيد الطائفة املسيحية» ما أثار ردة فعل زمالئه ليسموه باملقابل‬ ‫بشهيد الطائفة «السينمائية» ملا كان ملسريته من بعد إنساين اخرتقت‬ ‫كل احلواجز مبا فيها الطائفية الضيقة‪ .‬ومت التشييع على عجل حتت وابل‬ ‫القصف والرصاص‪ ،‬وفشلت كل حماوالت نقل اجلثمان إىل أهله يف دمشق‪،‬‬ ‫ما اضطرهم إىل املخاطرة إللقاء النظرة األخرية عليه يف مرقده‪ ،‬وليجدوا‬ ‫من رفاقه اجلدد الـذين وصفوا بالتعصب والسلفية واإلرهاب استقباالً محيمياً‬ ‫وعائلياً‪ ،‬ترك أثراً عظيماً ملا احتواه من لفتات احرتام لتضحية الشهيد‬ ‫والنتمائه (بتالوة صالة مسيحية من قبلهم) ولتوديعهم إياه بالدموع وأغنية‬ ‫الثورة اخلالدة «جنة جنة ‪ ،‬جنة يا وطننا « وكذلك األمر حتت وابل القصف‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫الـذي مل يتوقف‪.‬‬ ‫ومل ختتلف األجواء يف أيام التعزية الثالثة يف دمشق‪ ،‬الشبيحة حياصرون املنزل و‬ ‫األمن تعتقل املعزين عشوائياً دون هتمة‪ ،‬منع إقامة قداس لراحة نفسه يف الكنيسة‬ ‫اجملاورة بالتواطؤ مع السلطات الدينية اخلاضعة لسطوة األمن‪ ،‬التفاف ألصدقاء‬ ‫عرفوه وآخرين مل يعرفوه جاؤوا من كل حدب وصوب ليتضامنوا مع عائلته وليعاهدوا‬ ‫أنفسهم على إكمال مسريته‪ ،‬ونشاطات يف كل أحناء الوطن الثائر وأحناء العامل‬ ‫من إضاءة مشوع إلقامة الصلوات يف الكنائس واملساجد (كما يف التل) وتنظيم‬ ‫املسريات الصامتة واملعارض الفنية لصور الشهيد وأعماله ورفع الالفتات اليت متجد‬ ‫شهادته ‪..‬‬ ‫مل ِ‬ ‫يقض «شخصية العدد» عدداً كبرياً من السنوات يف هذا العامل‪ ،‬إال أنه عاش‬ ‫فيها من األحداث واملغامرات أضعاف ما ميكن لإلنسان العادي أن يتخيل حدوثه‬ ‫يف حيوات عدة‪ ،‬وهو عينة عن شباب سوريا الثائر الـذي متت مواجهة طاقاته‬ ‫ومواهبه وسعيه جلعل وطنه مكاناً أفضل بعيداً عن مصلحته الشخصية باالعتقال‬ ‫والقتل واملالحقة حىت بعد استشهاده‪.‬‬ ‫الرمحة لشهداء سوريا الذين قدموا حياهتم جلعلها وطناً حراً كرمياً يستحق احلياة‪،‬‬ ‫وهلم منا العهد على إكمال مسريهتم وحتويل أحالمهم إىل حقيقة مهما كانت‬ ‫الصعوبات والتضحيات‪.‬‬

‫(تخيل نحن كم مرة سنعيش ثورة‬ ‫في حياتنا‪ ،‬كيف لي أن أترك الحلم‬ ‫الذي بدأ يتحقّق؟‬ ‫وماذا سأقول ألطفالي عندما‬ ‫يسألونني‪ ،‬هل أجيبهم ‪:‬عندما بدأت‬ ‫الثورة تركت وطني وذهبت ألهتم‬ ‫بمستقبلي‪ .‬أين هو هذا المستقبل من‬ ‫دون وطن حر؟ )‬ ‫الشهيد باسل شحادة‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪24‬‬


‫تابعونا عبر صفحتنا على الفيس بوك‬ ‫‪http://www.facebook.com/Sendian.Mag‬‬

‫ألهلنا في الساحل و لجميع السوريين‬

‫حرية ‪ ...‬سلمية ‪ ...‬مدنية‬

‫‪25‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.