مجلة الملحدين العرب: العدد العاشر / شهر سيبتمبر / 2013

Page 1

‫نضوج فهمنا للكون‬ ‫مشكلة التصميم‬ ‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫العدد العارش من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر سبتمرب لسنة ‪2013‬‬

‫التنني في غرفتي‬ ‫‪Alnajafi Atheistic‬‬ ‫مجنون قريش‬ ‫‪Khalilo Atheo‬‬ ‫االسالم انتشر بالدوالر فهل‬ ‫سيموت بالدوالر‪.‬‬ ‫‪Leo Atheo‬‬

‫مجلة امللحدين العرب هي مجلة هدفها نشر‬ ‫أفكار امللحدين العرب على إختالف توجهاتهم‬ ‫السياسية و العرقية بحرية كاملة‬ ‫اجمللة عبارة عن مجلة رقمية مبنية بجهود فردية‬ ‫وال تنتمي الي توجه سياسي ‪..‬‬ ‫املعلومات و املواضيع املوضوعة في اجمللة تعتبر‬ ‫مسؤلية أصحابها من الناحية األدبية و ناحية‬ ‫حقوق النشر و حفظ امللكية الفكرية‬


‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫‪............................................. Gaia Athiest‬‬ ‫أعضاء هيئة التحرير و بناء اجمللة‬ ‫‪...............................................John Silver‬‬ ‫عادل أحمد ‪..................................................‬‬ ‫الغراب احلكيم ‪..............................................‬‬ ‫‪........................................ Sameer Samee‬‬ ‫‪.............................................. Zoro Diego‬‬ ‫‪........................................ Syrian Atheists‬‬ ‫‪........................................ McKie Theman‬‬ ‫‪............................................ Atheism Era‬‬ ‫‪..................................... Mohamad Ahmed‬‬ ‫عقالني عقالني ‪.............................................‬‬ ‫‪........................................ Shakek Altaher‬‬ ‫‪................................................ Leo Atheo‬‬

‫كلمة حترير اجمللة‬ ‫كيف أُصبح ُملح ًدا؟‬ ‫سؤال يكرره عدد من اإلخوة املؤمنني في املواقع االجتماعية‪،‬‬ ‫ويغيب عنهم أن اإلحلاد نفسه ليس غاية بل نتيجة‪ ،‬فال يُلحد‬ ‫ُ‬ ‫أحد ألنه أراد أن يكون ُملح ًدا‪ ،‬وإمنا حني يتبع املنهج العقلي‬ ‫العلمي املنطقي في البحث‪ ،‬وحني يقرأ القرآن( أو اإلجنيل أو‬ ‫التوراة) كما هم دون قداسة‪ ،‬بعني الناقد احليادي الذي أراد أن‬ ‫يفهم فعلاً إن كان هذا كالم إله الكون العظيم؟‬ ‫وبعدها تتوالى الصدمات أكثر‪ ،‬عند البحث في اآلثار‪ ،‬والتاريخ‬ ‫واألساطير‪ ،‬وأخيرًا في العلم من فيزياء وكونيَّات وبيولوجي‪،‬‬ ‫وميكانيكا الكم‪ ..‬وغيره‪.‬‬ ‫وإن سأل املؤمن نفسه‪ :‬ملاذا ال أؤمن بزيوس؟ أو بعل أو مردوخ ؟‬ ‫ملاذا ال أؤمن برع؟ أو ثور أو كريشنا؟‬ ‫تأتي النتيجة صارخة‪ :‬أن هذه األديان ال تختلف عن غيرها‬ ‫لما بها وبآلهتها‪ ،‬ومن ثم‬ ‫من األديان القدمية‪ ،‬التي كان ُم ّ‬ ‫س ً‬ ‫انتهت في كتب امليثولوجيا‪ ،‬وأصبحت تُدرَّس كجزء من التاريخ‬ ‫اإلنساني ال أكثر‪.‬‬ ‫هذا هو نفسه السبب الذي يجعل امللحد ال يؤمن بأي إله‪،‬‬ ‫أيضا بكل اآللهة األخرى ما‬ ‫واملؤمن دون أن يدري هو ُملحد ً‬ ‫عدا إلهه‪ ،‬رغم أ ّن من آمن بهم في ذلك الزمن الغابر معذور‬ ‫نسبيا‪ ،‬حيث لم تكن العلوم قد تطورت كما في زمننا‪ ،‬ولم‬ ‫ً‬ ‫تكن هنالك وسائل اتصال ومعرفة كما هي موجودة اليوم‪،‬‬ ‫حا للجميع‪ ،‬البحث الذي‬ ‫فالبحث املتجرد احلقيقي أصبح ُمتا ً‬ ‫يُجيب على السؤال‪ :‬هل أنا متأكد مما أؤمن به؟‬ ‫وليس البحث جملرد إيجاد الردود على الشبهات!‬ ‫اليهمه أن يترك املؤمن دينه‪ ،‬ألنه شأنه اخلاص‪،‬‬ ‫‪ .‬فاملُلحد‬ ‫ُّ‬ ‫طاملا يحتفظ به لنفسه‪ ،‬وال يُجبر غيره على اتّباعه‪ ،‬بل‬ ‫يهمه مشاركة املعرفة‪ ،‬وحتريض العقل على التفكير‬ ‫ّ‬ ‫التطور احلضاري في‬ ‫أساس‬ ‫هما‬ ‫والشك‬ ‫التساؤل‬ ‫ألن‬ ‫والتساؤل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كل اجملاالت سواء العلمية‪ ،‬االقتصادية أو التعليمية‪،‬حيث أنه‬ ‫احملرّض األول لالكتشاف واالختراع‪.‬‬

‫"اإلميان يجعل من عدم التفكير فضيلة‪ ،‬وأولئك الذين‬ ‫‪ .....................................Alia`a Damascéne‬يدعمونه ويرفعون من شأنه هم من يستعبدوننا فكريًا‪ ،‬كي‬ ‫مرتبطا باخليال والهراء‪ ،‬هذا اخليال الذي س ّبب‬ ‫يبقى اإلنسان‬ ‫ً‬ ‫الكثير من اجلنون واخلراب في العالم‪ ،‬وتكمن خطورة الدين‬ ‫‪..................................... Alnajafi Atheistic‬‬ ‫في أنه يُوهم البشر الذين ال ميلكون أدنى معرفة بأنهم حقً ا‬ ‫بيقني متغطرس‪ ،‬في‬ ‫ميلكونها‪ ،‬فيجيبون على األسئلة الكبرى‬ ‫ٍ‬ ‫بار مان‪ ........................................................‬حني أن ما يحتاجه االنسان هوالشك‪ ،‬فالشك تواضع‪".‬‬ ‫‪_ Bill Maher ..‬‬

‫‪Gaia Athiest ..............................................Ghaith Jabri‬‬ ‫‪.............................................................. Wissem‬‬ ‫‪.......................................................... Lily Queen‬‬

‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫العول‪-‬دليلٌ على بشرية القرآن‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪4‬‬

‫عجز اإلعجاز املعجز‬ ‫الغراب احلكيم‬

‫‪11‬‬

‫أسئلة جريئة مع بسام بغدادي‬

‫‪19‬‬

‫الرد امللجم على صحيح مسلم‬ ‫‪Hunger Mind‬‬

‫‪24‬‬

‫فرج فودة في حوار مع‪...‬‬ ‫لقاء وهمي للتعريف بالكاتب‬

‫‪30‬‬

‫التنني في غرفتي‬ ‫‪Alnajafi Atheistic‬‬

‫‪36‬‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬ ‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫‪39‬‬

‫إلساءة الدينية لألطفال‬ ‫‪Gaia Atheo‬‬

‫‪60‬‬

‫أدجلة الشعوب بتوجيه املعتقدات املوروثة‬ ‫‪John Silver‬‬

‫‪70‬‬

‫دراسة نقدية في قصيدة طالسم‬ ‫للشاعر إليا أبو ماضي‬ ‫‪‎‬عادل أحمد‪‎‬‬

‫‪76‬‬

‫مجنون قريش‬ ‫‪Khalilo Atheo‬‬

‫‪85‬‬

‫االسالم انتشر بالدوالر فهل سيموت بالدوالر‪97 .‬‬ ‫‪Leo Atheo‬‬ ‫قراءة نقدية في بالغة القرآن‬ ‫يافث القرشي‬

‫‪102‬‬

‫‪3‬‬


‫العول‪:‬‬ ‫دليل عىل‬ ‫ٌ‬ ‫برشية القرآن‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬ ‫العول هو محاول ٌة الحق ٌة من املسلمني إلصالح أخطاء القرآن يف حساب أنصبة املرياث‪،‬‬ ‫واضح يف اآليات ومخالف ًة لها‪ ،‬ومن ِقبل الصحابة أنفسهم!‬ ‫تالعب‬ ‫و هو‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫‪ -1‬العول لغ ًة‬

‫هو اإلرتفاع والزيادة‪ ،‬يُقال‪َ :‬‬ ‫عال املاء إذا ارتفع‪ ،‬وعالت القضية إىل املحاكم إذا ُرفعت إليها‪ .‬ومنه الجور وتجاوز الحد ‪-‬‬ ‫يقال‪َ :‬‬ ‫عال الرجل إذا ظلم‪ ،‬ومنه قول القرآن‪( :‬ذلك أدىن أال تعولوا)‪ ،‬قال مجاه ٌد‪ :‬ال متيلوا وال تجوروا‪.‬‬ ‫ومال عن الحق‪َ ،‬‬ ‫ول َع ْوالً‪ :‬جار َ‬ ‫عال يَ ُع ُ‬ ‫ومن لسان العرب‪ :‬ال َع ْول‪ :‬امل َ ْيل يف ال ُحكْم إِىل ال َج ْور‪َ .‬‬ ‫وعال املِيزا َن َع ْوالً‪ ،‬فهو عائل‪:‬‬ ‫عال‪ :‬جا َر َ‬ ‫مال‪ ،‬وعال َِت الفَريض ُة ت َ ُعول َع ْوالً‪ :‬زادت‪.‬و من القاموس املحيط‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫ومال عن ال َح ِّق‪.‬‬

‫‪ -2‬العول رش ًعا‬

‫نقصا‬ ‫هو زياد ٌة يف عدد سهام أصحاب الفروض عن أصل املسألة‪ ،‬بحيث تزيد عن الواحد الصحيح ‪ -‬وتلك الزيادة تستلزم ً‬ ‫يف األنصبة‪،‬أو بتعبريٍ آخر‪ :‬هو إعادة تقسيم األنصبة حني يكون مجموع األسهم أكرب من الواحد الصحيح‪.‬‬

‫‪ٌ -3‬‬ ‫مثال مبس ٌط ابتدايئ‬

‫نصيب كلٍ منهام النصف‪:‬‬ ‫نقسم مبلغ ًـا من املال بني شخصني‪ ،‬فسيكون‬ ‫لو أردنا أن ِّ‬ ‫ُ‬ ‫‪2/1+2/1= 1‬‬ ‫أيضا‪ ،‬ألن هذا ببساطة يعني‬ ‫شخص ثالثٌ يريد نصي ًبا مامثالً لهام‪ ،‬حينها ال ميكن أن يحصل عىل النصف ً‬ ‫ولكن لو جاء ٌ‬ ‫أن تصبح القسمة‪:‬‬ ‫‪2/1+2/1+2/1= 2/3‬‬ ‫أي أكرب من الواحد الصحيح فيستحيل التقسيم!‬ ‫‪4‬‬


‫العول‪:‬‬ ‫دليل عىل برشية القرآن‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ ‬

‫هنا يأيت دور العول‪ ،‬وهو التعامل مع السهم الزائد بتنقيص نصيب كل فرد‪،‬و ميكن حساب ذلك عن طريق رضب‬ ‫املجموع الناتج ( ‪ ) 2/3‬يف معامل‪ ،‬ليصري واح ًدا صحي ًحا‪ ،‬واملعامل هو مقلوب الكرس نفسه‪،‬‬ ‫وهو يف حالتنا يساوي ( ‪) 2/3‬‬ ‫بعدها نقوم برضب هذا املعامل يف النصيب األصيل لكل فرد‪ ،‬فيكون الناتج هو نصيبه الجديد‪.‬‬ ‫يف مثالنا هذا يكون نصيب كل فرد من الثالثة عبارة عن نصيبه األصيل ( ‪ ) 2/1‬مرضوبًا يف املعامل ( ‪) 2/3‬‬ ‫‪2/1×3/2= 3/1‬‬ ‫فيكون هذا هو النصيب الجديد‪ ،‬وبذلك تستقيم املعادلة مع املعطيات الجديدة وتصبح األنصبة تساوي الواحد الصحيح‪:‬‬ ‫‪3/1+3/1+3/1= 1‬‬ ‫و هذا ذاته ما يتم يف بعض حاالت املرياث التي يزيد فيها مجموع األسهم عن الواحد‪،‬‬

‫نبدأ بذكر اآليات الخاصة باملرياث يف القرآن‪:‬‬ ‫وصي ُك ْم اللَّ ُه فيِ أَ ْولاَ ِدكُ ْم لِل َّذكَ ِر ِمث ُْل َح ِّظ الأْ ُنثَ َيينْ ِ فَ ِإ ْن كُ َّن نِ َسا ًء فَ ْو َق اث ْ َنتَينْ ِ فَلَ ُه َّن �ثُلُثَا َما تَ َر َك َوإِ ْن كَانَ ْت َو ِ‬ ‫يُ ِ‬ ‫اح َد ًة فَلَ َها‬ ‫ال ِّن ْص ُف َولأِ َبَ َويْ ِه لِك ُِّل َو ِ‬ ‫الس ُد ُس ِمماَّ ت َ َر َك إِ ْن كَا َن لَ ُه َولَ ٌد فَ ِإ ْن لَ ْم يَ ُك ْن لَ ُه َولَ ٌد َو َو ِرث َ ُه أَبَ َوا ُه ف أَِلُ ِّم ِه الثُّلُثُ فَ ِإ ْن كَا َن‬ ‫اح ٍد ِم ْنهُماَ ُّ‬ ‫الس ُد ُس ِم ْن بَ ْع ِد َو ِص َّي ٍة يُ يِ‬ ‫ِيض ًة ِم ْن اللَّ ِه‬ ‫وص ِب َها أَ ْو َديْنٍ آبَا ُؤكُ ْم َوأَبْ َنا ُؤ ُك ْم لاَ تَ ْد ُرو َن أَيُّ ُه ْم أَقْ َر ُب لَ ُك ْم نَ ْف ًعا فَر َ‬ ‫لَ ُه إِ ْخ َو ٌة ف أَِلُ ِّم ِه ُّ‬ ‫إِ َّن اللَّ َه كَا َن َعلِيماً َح ِكيماً (‪َ )11‬ولَ ُك ْم نِ ْص ُف َما ت َ َر َك أَ ْز َوا ُج ُك ْم إِ ْن لَ ْم يَ ُك ْن لَ ُه َّن َولَ ٌد فَ ِإ ْن كَا َن لَ ُه َّن َولَ ٌد فَلَ ُك ْم ال ُّربُ ُع ِمماَّ تَ َركْ َن‬ ‫ِم ْن بَ ْع ِد َو ِصيَّ ٍة يُ ِ‬ ‫وص َني ِب َها أَ ْو َديْنٍ َولَ ُه َّن ال ُّربُ ُع ِمماَّ ت َ َركْتُ ْم إِ ْن لَ ْم يَ ُك ْن لَ ُك ْم َولَ ٌد فَ ِإ ْن كَا َن لَ ُك ْم َولَ ٌد فَلَ ُه َّن الثُّ ُم ُن ِمماَّ تَ َركْتُ ْم‬ ‫ُوصو َن ِب َها أَ ْو َديْنٍ َوإِ ْن كَا َن َر ُج ٌل يُو َرثُ كَلاَ لَ ًة أَ ْو ا ْم َرأَ ٌة َولَ ُه أَ ٌخ أَ ْو أُ ْخ ٌت فَلِك ُِّل َو ِ‬ ‫الس ُد ُس فَ ِإ ْن‬ ‫ِم ْن بَ ْع ِد َو ِص َّي ٍة ت ُ‬ ‫اح ٍد ِم ْنهُماَ ُّ‬ ‫وص ِب َها أَ ْو َديْنٍ َغيرْ َ ُم َضا ٍّر َو ِص َّي ًة ِم ْن اللَّ ِه َواللَّ ُه َعلِي ٌم َحلِيم(‪)12‬‬ ‫كَانُوا أَك رَ َْث ِم ْن َذلِ َك فَ ُه ْم شرُ َكَا ُء فيِ الثُّلُث ِم ْن بَ ْع ِد َو ِص َّي ٍة يُ ىَ‬ ‫النساء‪ِ.‬‬ ‫(يَ ْستَ ْفتُونَ َك ق ُْل اللَّ ُه يُ ْف ِتي ُك ْم فيِ الْ َكلاَ لَ ِة‬ ‫إِ ْن ا ْم ُر ٌؤ َهل َ​َك لَ ْي َس لَ ُه َولَ ٌد َولَ ُه أُ ْخ ٌت فَلَ َها‬ ‫نِ ْص ُف َما ت َ َر َك َو ُه َو يَ ِرث ُ َها إِ ْن لَ ْم يَ ُك ْن لَ َها‬ ‫َولَ ٌد فَ ِإ ْن كَانَتَا اث ْ َنتَينْ ِ فَلَهُماَ الثُّلُثَانِ ِمماَّ تَ َر َك‬ ‫َوإِ ْن كَانُوا إِ ْخ َو ًة ِر َجالاً َونِ َسا ًء فَلِل َّذكَ ِر ِمث ُْل‬ ‫َح ِّظ الأْ ُنثَ َيينْ ِ يُ َبينِّ ُ اللَّ ُه لَ ُك ْم أَ ْن ت َِضلُّوا َواللَّ ُه‬ ‫ش ٍء َعلِي ٌم) النساء‪.176:‬‬ ‫ِبك ُِّل يَ ْ‬ ‫‪5‬‬


‫العول‪:‬‬ ‫دليل عىل برشية القرآن‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪ -4‬أول حالة عول‬

‫العول مل يظهر يف زمن مح َّمد وال أبو بكر‪ ،‬إذ فيام يبدو مل تحصل مسألة تستوجبه‪ ،‬وإمنا وقع أوالً يف زمن حكم عمر‬ ‫ابن الخطاب‪ ،‬إذ توفيت امرأة وتركت زوجاً وأختني شقيقتني‪ ،‬مام جعل مجموع األسهم أكرب من الواحد الصحيح‪،‬وقد‬ ‫شاور عمر الصحابة يف هذه املشكلة‪ ،‬واتفقوا عىل أن ˝يعيلوا˝ الفرائض‪ ،‬ف ُنسب لعمر قوله‪˝ :‬ما أجد شيئاً هو أوسع يل‬ ‫أن أقسم املال بينكم بالحصص‪ ،‬فأدخل عىل كل ذي حق ما دخل عليه من عول الفريضة˝‪.‬‬

‫ويُقال أ َّن أ َّو َل من اقرتح ال َع َول هو العباس بن عبد املطلب الذي أشار به عىل عمر‪ ،‬والوحيد الذي رفض العول هو ابن‬ ‫العباس‪ ،‬ولكن مل يؤخذ بكالمه‪ ،‬ثم صار العول بعدها مذهب الجامعة وعليه اإلجامع بني السنة! قال ابن قدامة يف‬ ‫املغني‪˝ :‬وال نعلم اليوم قائالً مبذهب ابن عباس ريض الله عنهام‪ ،‬وال نعلم خالف ًـا بني فقهاء العرص يف القول بالعول˝‪.‬‬ ‫وحل املسألة السابقة يكون كالتايل‪:‬‬ ‫الزوج أصالً يستحق نصف املرياث ( ‪) 2/1‬‬ ‫واألختان تستحقان الثلثني ( ‪) 3/2‬‬ ‫فيكون مجموع األسهم ( ‪)6/7‬وهو أكرب‬ ‫من الواحد!‬ ‫كام ذكرنا‪ ،‬نقوم بأخذ مقلوب املجموع‪،‬‬ ‫أي (‪ ،)7/6‬ونرضبه يف األنصبة األصلية‬ ‫لنحصل عىل األنصبة الجديدة املع ّدلة‪،‬‬ ‫وبهذا يكون نصيب الزوج بعد العول هو‬ ‫‪)7/6 ( ،‬يف مرضوبًا ( ‪)2/1‬والناتج ثالثة‬ ‫أسباع‪:‬‬ ‫‪2/1×7/6= 7/3‬‬ ‫ونصيب األختني ينتج عن رضب (‪)3/2‬‬ ‫(‪ )7/6‬فيأي أربعة أسباع‪:‬‬ ‫‪3/2×7/6= 7/4‬‬ ‫ ‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫‪6‬‬


‫العول‪:‬‬ ‫دليل عىل برشية القرآن‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪ -5‬الحالة الثانية‬

‫وجاء الظهور التايل لحالة تستلزم العول يف زمن عيل ابن أيب طالب‪ ،‬إذ مات رجل عن أب وأم وزوجة وابنتني‪ ،‬وسألوا‬ ‫عل َّياً يف ذلك فقال‪ :‬صار مُثُنها ت ُْسعاً‪،‬‬ ‫و لنفهم قوله نحلل املسألة بنفس الطريقة‪:‬‬ ‫ ‬ ‫األنصبة األصلية‪:‬‬ ‫ ‬ ‫البنتان‪ :‬الثلثني ( ‪) 3/2‬‬ ‫ ‬ ‫األب‪ :‬السدس ( ‪) 6/1‬‬ ‫ ‬ ‫‪A.A.M‬‬ ‫األم‪ :‬السدس ( ‪) 6/1‬‬ ‫ ‬ ‫الزوجة‪ :‬الثمن ( ‪) 8/1‬‬ ‫ ‬ ‫املجموع = ( ‪( ) 8/9‬أكرب من الواحد)‬ ‫ ‬ ‫األنصبة الجديدة بعد العول‪:‬‬ ‫ ‬ ‫البنتان‪) 3/2×9/8(=27/16 :‬‬ ‫ ‬ ‫األب‪) 6/1×9/8(=27/4 :‬‬ ‫ ‬ ‫األم‪) 6/1×9/8(=27/4 :‬‬ ‫ ‬ ‫الزوجة‪) 8/1×9/8(=9/1 :‬‬ ‫ ‬

‫عالم الرياضيات و المفتي‬ ‫في أمور الحساب الفقهي‬ ‫نيوتن بن أبي طالب‬

‫‪7‬‬


‫العول‪:‬‬ ‫دليل عىل برشية القرآن‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫وهذا يفرس قول عيل أن مُثن الزوجة صار تِس ًعا‪ ،‬وهذه املسألة ُس ّميت الحقاً بـ˝املنربيَّة˝ إذ يُقال أن عليِّاً قد حلّها وهو‬ ‫عىل املنرب!‬

‫‪ -6‬مثال آخر‬

‫وأب وأم‪:‬‬ ‫ ‬ ‫امرأة ماتت عن زو ٍج ٍ‬ ‫األنصبة األصلية‪:‬‬ ‫ ‬ ‫الزوج‪) 2/1 ( :‬‬ ‫ ‬ ‫األب‪) 3/1 ( :‬‬ ‫ ‬ ‫األم‪) 3/1 ( :‬‬ ‫ ‬ ‫املجموع‪) 6/7 ( :‬‬ ‫ ‬ ‫األنصبة الجديدة‪:‬‬ ‫ ‬ ‫الزوج‪) 3/7 ( :‬‬ ‫ ‬ ‫األب‪) 7/2 ( :‬‬ ‫ ‬ ‫األم‪) 7/2 ( :‬‬ ‫ ‬

‫حاالت أخرى‬ ‫‪-7‬‬ ‫ٌ‬

‫ال شك أ َّن حاالت العول كثري ٌة تصل ‬ ‫لعرشات الحاالت‪ ،‬حتى أ َّن أنواع ‬ ‫املرياث ت ُقس ُم يف الرشع إىل ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫‪ -1‬حاالتٌ زائدة‪ :‬وهي التي يكون مجموع‬ ‫األنصبة فيها أكرب من الواحد الصحيح (العول)‪.‬‬ ‫‪ -2‬حاالتٌ عادلة‪ :‬وهي التي يكون املجموع‬ ‫فيها واح ًدا صحي ًحا‪.‬‬ ‫‪ -3‬حاالتٌ ناقصة‪ :‬وهي التي يكون املجموع‬ ‫أقل من الواحد الصحيح‪ ،‬فري ُّد جز ٌء من‬ ‫فيها ُّ‬ ‫املال وتسمى ˝الرد˝‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫العول‪:‬‬ ‫دليل عىل برشية القرآن‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ ‬

‫ومن حاالت العول الزائدة‪:‬‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫زوج وأختان‪ ،‬أو زوج وابنتان‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫شقيق أو أكرث‪.‬‬ ‫زوج وأ ٌم وأخوان ٍ‬ ‫ألم وأ ٌخ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أب وأ ٌم وزوج ٌة وابنتان ‪( ......................................................................................................‬املسألة املنربيَّة)‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وأب وأ ٌم وابن‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫زوج ٌ‬ ‫ألم وأختان شقيقتان ‪( ............................................................................‬وتسمى أم الفروخ)‪.‬‬ ‫زوج وأ ٌم وأختان ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ج ٌد وأ ٌم وأخت ‪( ...............................................................................................................‬وتسمى الخرقاء)‪.‬‬ ‫وأخت ألب ‪(..........................................................................‬وتسمى اليتيمتان)‪.‬‬ ‫زوج‬ ‫زوج‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وأخت شقيقة‪ ،‬أو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وأخت شقيق ٌة واحدة ‪( .................................................‬وتسمى الديناريَّة)‪.‬‬ ‫جد ٌة وزوج ٌة وبنتان واثنا عرش أ ًخا‬ ‫ٌ‬ ‫ألم وأ ٌم ‪( ................................................‬وتسمى الديناريَّة الصغرى)‪.‬‬ ‫وأخت شقيق ٌة‬ ‫زوج ٌة‬ ‫وأخت ٍ‬ ‫ألب وأخوان ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ألب أو ألبوين ‪( ................................................................................‬وتسمى األكدريَّة)‪.‬‬ ‫وزوج وأ ٌم‬ ‫وأخت ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ج ٌد ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جدتان وثالثُ‬ ‫أخوات ألبوين ‪( ..........................................‬وتسمى أم األرامل)‪.‬‬ ‫ألم ومثاين‬ ‫زوجات وأرب ُع‬ ‫أخوات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أخوات متفرقات ‪( ..........................................................................................‬و تسمى املروان َّية)‪.‬‬ ‫زوج وست‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ج ٌد وثالثُ ج ّد ٍ‬ ‫متحاذيات وثالثُ‬ ‫أخوات متفرقات ‪( ......................................................‬و تسمى الحمزيَّة)‪.‬‬ ‫ات‬ ‫ألم وأختان شقيقتان واب ٌن قاتل ‪( ........................................................................‬الثالثين َّية)‪.‬‬ ‫زوج ٌة وأ ٌم وأختان ٍ‬ ‫أب وأ ٌم وبنتان ماتت إحدا ُهام وخلّفت بقية هؤالء الورثة ‪( ................................................‬و تسمى املأمون َّية)‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ات وسب ُع ٍ‬ ‫وخمس ج ّد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أخوات ألب ‪( ..............................................‬وتسمى اإلمتحان)‪.‬‬ ‫بنات وتس ُع‬ ‫زوجات‬ ‫أرب ُع‬ ‫ُ‬ ‫وأخت شقيقة ‪( ..................................................................................................‬و تسمى املباهلة)‪.‬‬ ‫زوج وأ ٌم‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ألم وإخو ٌة ألب ‪( ................................................................................‬وتسمى املالك َّية)‪.‬‬ ‫وزوج وأ ٌم وأخوان ٍ‬ ‫ج ٌد ٌ‬ ‫ألم وإخو ٌة أشقاء ‪( ........................................................................‬وتسمى شبه املالك َّية)‪.‬‬ ‫وزوج وأ ٌم وإخو ٌة ٍ‬ ‫ج ٌد ٌ‬ ‫بنتانٍ‬ ‫وبنت ابنٍ واب ُن ابنِ ابن‪( .............................................................................. .‬وتسمى القريب املبارك)‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ألب وأ ٍخ ألب ‪( .........................................................................‬وتسمى األخ املبارك)‪.‬‬ ‫أختان شقيقتان‬ ‫وأخت ٍ‬ ‫ألب وأ ٌخ ألب ‪( ...................................................................‬وتسمى األخ املشئوم)‪.‬‬ ‫وأخت شقيق ٌة‬ ‫زوج‬ ‫وأخت ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وبنت ابنٍ واب ُن ابن ‪( ...............................................................‬وتسمى القريب املشئوم)‪.‬‬ ‫وبنت ُ‬ ‫وأب وأ ٌم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫زوج ٌ‬ ‫وأخت ألب ‪( ............................................................‬وتسمى مخترصة زيد)‪.‬‬ ‫ألب‬ ‫ج ٌد وأ ٌم‬ ‫وأخت شقيق ٌة وأ ٌخ ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫‪9‬‬


‫العول‪:‬‬ ‫دليل عىل برشية القرآن‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪ -8‬املأزق‬

‫ ‬ ‫املشكلة يف العول ليست فقط يف عجز القرآن عن اإلحاطة بجميع الحاالت‪ ،‬وليست فقط يف اجتهاد الصحابة‬ ‫ ‬ ‫ٍ‬ ‫الختالفات كثري ٍة بينهم (عىل سبيل املثال حالة الخرقاء‬ ‫يف أنصبة اإلخوة والجد والجدة مام مل يرد يف القرآن‪ ،‬مام أدى‬ ‫أيضا باملسدسة ألن فيها ستة أقوال مختلفة للصحابة!)‪ ،‬املشكل ُة الحقيقية هي الخلل الحسايب يف القرآن‪،‬‬ ‫املذكورة تسمى ً‬ ‫مام اضطر الصحابة إىل أن يناقضوه رصاح ًة‪ -‬وبالتحديد قوله ˝مام ترك˝‪،‬لنعد مثالً إىل املسألة املنربيَّة التي قام بحلها‬ ‫عيل بن أيب طالب‪،‬قلنا أن األنصبة بعد العول هي‪:‬‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫البنتان‪) 27/16 ( :‬‬ ‫األب‪) 27/4 ( :‬‬ ‫األم‪) 27/4 ( :‬‬ ‫الزوجة‪) 27/3 ( = ) 9/1 ( :‬‬

‫ولك َّن هذا يُع ُّد مخالف ًة واضح ًة ورصيح ًة لنصوص القرآن‪:‬‬ ‫(فَ ِإ ْن كُ َّن نِ َسا ًء فَ ْو َق اث ْ َنتَينْ ِ فَلَ ُه َّن �ثُلُثَا َما ت َ َر َك) النساء‪11:‬‬ ‫ ‬ ‫( َولأِ َبَ َويْ ِه لِك ُِّل َو ِ‬ ‫الس ُد ُس ِمماَّ ت َ َر َك) النساء‪11:‬‬ ‫ ‬ ‫اح ٍد ِم ْنهُماَ ُّ‬ ‫(فَلَ ُه َّن الثُّ ُم ُن ِمماَّ ت َ َركْتُ ْم) النساء‪12:‬‬ ‫ ‬ ‫فالقرآن يتحدث عن األنصبة من املرتوك‪ ،‬بينام العول يخالف ذلك‪ ،‬ففي مثالنا ال البنتان أخذتا الثلثني مام ترك‪ ،‬وال األب‬ ‫واألم أخذا السدسني مام ترك‪ ،‬وال الزوجة أخذت الثمن مام ترك!!‬ ‫يسء الحساب!‬ ‫هذا هو املأزق واملشكلة الكربى التي تؤكد برشيَّة كاتب القرآن ّ‬ ‫أيضا الشرُ يح َّية لحدوثها زمن القايض شرُ يح‪ :‬إذ روى‬ ‫ختا ًما‪ ،‬نذكر قص ًة وردت عن الحالة املسامة أ ّم الفروخ‪ -‬وتسمى ً‬ ‫أ َّن رجالً أتاه وهو ٍ‬ ‫قاض بالبرصة فقال‪ :‬ما نصيب الزوج من زوجته؟ قال‪ :‬النصف مع غري الولد والربع معه‪ ،‬فقال‪ :‬امرأيت‬ ‫ماتت وخلفتني وأمها وأختيها ألمها وأختيها ألبيها وأمها‪ ،‬فقال‪ :‬لك إذًا ثالثة من عرشة‪ ،‬فخرج من عنده وهو يقول‪ :‬مل‬ ‫أ َر كقاضيكم هذا‪ ،‬مل يعطني نصف ًـا وال ثلث ًـا!‬

‫‪10‬‬


‫عجز اإلعجاز املعجز‬ ‫لماذا يجب على المؤمن عدم اللجوء لإلعجاز‬ ‫العلمي والمعجزات في إثبات دينه؟‬

‫الغراب الحكيم‬

‫‪11‬‬


‫عجز اإلعجاز املعجز‬ ‫الغراب احلكيم‬

‫يلجأ الكثري من املؤمنني عىل اختالف أديانهم‪ ،‬إىل طرح اإلعجاز العلمي أو املعجزات كدليلٍ عىل صحة وجود اإلله أو‬ ‫أي إنسانٍ مطّلع وإن كان مؤم ًنا صادقًا يف إميانه‪ ،‬يعرف مغ ّبة الوقوع يف هذه املغالطة‪.‬‬ ‫صحة الدين‪ ،‬ولكن يف الواقع‪ّ ،‬‬ ‫وسأحاول أن أرشح ملاذا يُعترب اللجوء للمعجزات أو اإلعجاز العلمي حج ًة فاسد ًة أو حتى سلبي ًة تؤذي موقف املؤمن‬ ‫بدل أن تدعمه‪.‬‬ ‫ديني لحقيق ٍة علمي ٍة حقيقي ٍة‪ ،‬أو عن طريق‬ ‫اإلعجاز العلمي يأيت دو ًما عىل شكلني رئيسيني‪ ،‬إ ّما عن طريق مطابقة ٍّ‬ ‫نص ٍّ‬ ‫نصا ما يقول بالحقيقة العلمية بينام هو ال يفعل‪.‬‬ ‫التدليس وا ّدعاء أ ّن ً‬ ‫بالنسبة لألسلوب الثاين‪ ،‬لن يكون محور كالمي‪ ،‬فهو بالنهاية ليس حج ًة ال عىل املؤمن وال عىل امللحد‪ ،‬ألنه يحيد عن‬ ‫الحقيقة ويطعن يف قيمة الواقع لحساب مشاعر وعواطف وما يتمناه املؤمن‪ ،‬وأعتقد أ ّن كلينا‪-‬املؤمن بصدق وامللحد‪-‬‬ ‫أي بحث‪ ،‬وهو‬ ‫مقتنعون متا ًما بكون الذي يلجأ إىل التزوير والتدليس ال قيمة لكالمه البتعاده عن املغزى الحقيقي من ّ‬ ‫ٍ‬ ‫واحتياالت بدل الوصول‬ ‫ويفضل فرض وإثبات ما يتمناه ويريده أن يكون واق ًعا من خالل أالعيب‬ ‫الوصول إىل الحقيقة‪ِّ ،‬‬ ‫حقيقي للواقع‪.‬‬ ‫فهم‬ ‫إىل ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت أخرى‬ ‫كلامت معين ٍة مع عدد‬ ‫واألمثلة كثري ٌة عىل هذا التوجه من اإلعجاز العددي يف القرآن املتمثل بتطابق عدد‬ ‫وليس إنتها ًء باالدعاءات الكاذبة‪ ،‬متا ًما كالقول بأ ّن النمل مصنوع من الزجاج أو أ ّن جسم اإلنسان مكو ٌن من الطني ‪.‬‬ ‫وعىل ال ّرغم من املوقف املخ ّيب لآلمال الذي يتّخذه املؤمن العاقل املثقف برتك هذه التدليسات تنترش وهو صامت‬ ‫متا ًما و مكتوف األيدي‪ ،‬عىل أساس أ ّن الكذبة البيضاء قد تكون وسيل ًة إلقناع ٍ‬ ‫شخص بيش ٍء يعتربه حقيق ًة شيئًا مقبولاً ‪،‬‬ ‫فأنا لن أتط ّرق لنقد هذه اإلعجازات أو تفنيد أكاذيبها‪،‬‬ ‫ما سأتكلم عنه هو فكرة استخدام اإلعجاز العلمي نفسه‪.‬‬ ‫اإللتجاء للمعجزات أو اإلعجاز العلمي متشابهان ج ًدا بالوظيفة‪ ،‬وتستخدم كدليلٍ عىل صحة اال ّدعاء الغيبي الخارق‬ ‫دليل سلي ٌم عىل صحة املوقف‪.‬‬ ‫للطبيعة‪ ،‬عىل اعتبار أنها ٌ‬ ‫يلجأ الكثري من املؤمنني إىل اإلعجاز واملعجزات عندما تنقطع بهم السبل يف إثبات ا ّدعاءاتهم‪ ،‬فعمليًا كلنا يدرك أ ّن البيّنة‬ ‫عىل من ا ّدعى‪ ،‬وأ ّن من يقول بوجود يش ٍء فعليه هو أن يثبت صحته بالدليل املقبول السليم‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫عجز اإلعجاز املعجز‬ ‫الغراب احلكيم‬

‫أيضا ‪ ..‬ليست كل اال ّدعاءات متساوي ًة‪ ،‬فإذا قلت لك مثلاً ‪،‬‬ ‫إ ّن اال ّدعاءات الخاصة والكبرية تحتاج إىل أدل ٍة خاص ٍة وكبري ٍة ً‬ ‫مطعم فاخرٍ‪ ،‬فإ ّن الدليل املطلوب إلثبات هذا اال ّدعاء يكفي أن يكون فاتورة طلبايت من‬ ‫أنيّ تناولت وجبة العشاء يف‬ ‫ٍ‬ ‫هذا املطعم‪ ،‬وميكن التحقق من دقتها ومصداقيتها بسهولة‪ ،‬ولكن إذا كان ا ّدعايئ أكرب‪ ،‬مثل قويل بأنيّ تناولت طعام‬ ‫مطعم فاخ ٍر عىل كوكب املريخ‪ ،‬فإن الفاتورة لن تكون كافي ًة كدليل ‪ ,‬و يتوجب عيل تقديم ما هو أكرث منها‬ ‫العشاء يف‬ ‫ٍ‬ ‫كتفسريٍ لكيفية وصويل إىل هناك والعودة بهذه الرسعة‪ ،‬وعن إثبات وجود هذا املطعم مع تقديم أدل ٍة إضافي ٍة عىل هذه‬ ‫التفاصيل ‪ .‬بخالف اال ّدعاء السابق بسبب اختالف حجم االّدعاء‪.‬‬

‫‪ -1‬محاججة اإلعجاز كمغالط ٍة منطقية‬ ‫تزخر اال ّدعاءات اإلعجازية باملغالطات املنطقية واملحاججات الفاسدة‪ ،‬من محاولة تغيري عبئ الدليل إىل استخدام‬ ‫تطبيق‬ ‫املصطلحات امللغومة‪ ،‬وليس انتها ًء مبحاججة رجل القش ‪ .‬وعىل الرغم من كل هذا وباإلضافة إىل عدم وجود أي‬ ‫ٍ‬ ‫حقيقي ٍ‬ ‫رجعي ‪،‬حيث أنه ال يُكتشف اإلعجاز واملعلومة إالّ بعد عثور‬ ‫مفيد لإلعجازات العلمية‪ ،‬وكونها دو ًما تحدث بأث ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫أساسا‪.‬‬ ‫العلم عليها‪ ،‬إالّ أ ّن لها أث ًرا كب ًريا ج ًدا لدرجة أنه غري‬ ‫مالحظ حتى يف جعل املؤمن يؤمن مبا يؤمن به ً‬ ‫ولكن الجذر األسايس الذي أريد الرتكيز عليه‬ ‫هنا‪ ،‬هو كون املحاججة باإلعجاز العلمي‬ ‫هي محاجج ٌة من خالل الجهل وتتلخص يف‬ ‫الشكل البسيط اآليت ‪:‬‬

‫أنا ال أعرف‬ ‫إذًا الله موجود‬

‫أنا ال أعرف تفس ًريا للظاهرة ˝س˝ ← إذًا ˝ع‬ ‫˝ هو التفسري للظاهرة‪.‬‬ ‫كل املحاججات التي تطرح اإلعجاز العلمي‬ ‫تعتمد عىل هذه املغالطة‪ ،‬حيث أنّها تعرض‬ ‫سؤالاً مح ًريا ال يوجد له تفس ٌري‪ ،‬وهو كيف‬ ‫وصلت هذه املعلومة املعينة املحددة‬ ‫نص‬ ‫نص واض ٍح) إىل ٍّ‬ ‫(وأعني يف حال وجود ٍّ‬ ‫ال ميكن ملقدمه أن يكون لديه القدرة أو‬ ‫اإلمكانيات للوصول لهذه املعرفة‪،‬‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫‪13‬‬


‫عجز اإلعجاز املعجز‬ ‫الغراب احلكيم‬

‫أي تسليط املؤمن الضوء عىل ظاهر ٍة غريب ٍة‪ ،‬وهي وجود معلوم ٍة ما يف مكانٍ خارج إطارها التاريخي والثقايف‪ ،‬أي أ ّن‬ ‫الظاهرة تطرح السؤال ˝ كيف وصلت املعلومة إىل هنا ؟ ˝‬ ‫وبدل البدء يف البحث عن تفسري ٍ‬ ‫ات معقول ٍة وإجاب ٍة صحيح ٍة لهذا السؤال‪ ،‬يتم القفز مبارش ًة من وجود هذا السؤال‬ ‫ٍ‬ ‫حرصي بني الظاهرة وهذا التفسري‬ ‫ارتباط‬ ‫إىل أحد االستنتاجات والفرضيات العديدة التي تفرس هذه الظاهرة‪ ،‬وفرض‬ ‫ٍّ‬ ‫قوى خارقة)‪ ،‬و متجاهلاً واجبه يف‬ ‫بالذات متجاهلاً مسؤولية الربط بني الظاهرة (وجود املعلومة)‪ ،‬وبني التفسري (وجود ً‬ ‫تقديم أدل ٍة كافي ٍة ومناسب ٍة تثبت صحة هذا اإلستنتاج‪.‬‬ ‫عدم معرفة اإلجابة عىل هذا السؤال ال تعني أب ًدا أن اإلجابة ˝ع˝ هي اإلجابة الصحيحة‪ .‬فام يزال الوقت مبك ًرا ج ًدا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫لفرضيات‬ ‫طويل أمام مقدم هذه املحاججة إلثبات صحتها‪ ،‬والكثري من األحرف األبجدية والرموز واألسامء‬ ‫والطريق ٌ‬ ‫أخرى قادر ٍة عىل تفسري أو إيجاد إجاب ٍة للسؤال املطروح‪.‬‬

‫أنا‬ ‫ال أعرف !!!!‬ ‫عيب يف قول ‪ :‬ال أعرف ! ‪..‬‬ ‫ال يوجد ٌ‬ ‫إنها اإلجابة السليمة املحرتمة التي‬ ‫رشف أي إنسانٍ ال ميتلك التفسري‬ ‫ت ّ‬ ‫املناسب الصحيح‪ ،‬بدل افرتاض‬ ‫ٍ‬ ‫إجابات فاسد ٍة تعوق االستمرار‬ ‫والبحث عن اإلجابات الحقيقية‬ ‫الصحيحة‪ ،‬وتقتل الفضول حول‬ ‫السؤال املطروح ‪.‬‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫‪14‬‬


‫عجز اإلعجاز املعجز‬ ‫الغراب احلكيم‬

‫‪ -2‬محاججة طرح املعجزة بالنسبة للمنهج العلمي‬ ‫املنهج العلمي يقوم عىل عدة ٍ‬ ‫أسس تضمن الوصول إىل الحقائق وتجربتها واختبارها‪ ،‬وتصفية املعارف من املعلومات‬ ‫منهج رص ٌني‪ ،‬أعتقد أنه ذروة ما توصل إىل إنتاجه الجنس البرشي إىل اليوم‪.‬‬ ‫غري الدقيقة وغري الصحيحة عىل الدوام ‪ .‬وهو ٌ‬ ‫وهذه البنية للمنهج العلمي‪ ،‬تسبب مشكل ًة للمعجزات‪ ،‬فهي دو ًما غري قابل ٍة للتحقق من صحتها‪ ،‬أو تعتمد عىل‬ ‫العواطف واالنحياز التأكيدي واإلميان والتصديق بها ليك تقوم بوظيفتها كمحاججة ‪.‬‬ ‫أساسا‪ ،‬فهي عاجز ٌة متا ًما عن إقناع أي عقلٍ متفت ٍح‬ ‫املعجزات وإن كانت قادر ًة عىل إقناع املؤمن بصحة يش ٍء يؤمن به ً‬ ‫نقدي ينهج املنهج العلمي‪ ،‬حيث أ ّن املعجزات ت ّدعي وجود خللٍ يف الطبيعة خار ٍج عن املألوف وال يحدث يف األحوال‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ألهداف معين ٍة خاصة ‪.‬‬ ‫العادية‪ .‬وهذا الخروج عن املعتاد يحدث‬ ‫أي دليلٍ عىل صحة ا ّدعاء‬ ‫ورغم ضخامة ا ّدعا ٍء كهذا‪ ،‬فإنّه ال يق ّدم أي تفس ٍري مسا ٍو لهذا االدعاء بالحجم‪ ،‬بل وال يقدم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫حدوث املعجزة نفسها غري ٍ‬ ‫معلومات غري موثق ٍة منقول ٍة قيل عن قال من مؤمنني بصحة املعجزة أصلاً ‪،‬‬ ‫قصص تراثي ٍة أو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كأساس لتصديق وجود املعجزة ‪.‬‬ ‫مبعلومات خاطئ ٍة‬ ‫أو عن طريق اإلميان والتصديق‬ ‫أي أ ّن املعجزات تعزل نفسها بشكلٍ كاملٍ عن املنهج العلمي لتحمي نفسها من عملية التدقيق والتحقق وإثبات صحتها‬ ‫والتأكد من أنها حقًا حدثت بشكل علمي موث ّق‪.‬‬ ‫أي ا ّدعا ٍء معج ٍز خارقٍ‬ ‫أعتقد أ ّن صاحب ّ‬ ‫لكل‬ ‫للطبيعة‪ ،‬سيكون متلهفًا إلثبات ا ّدعائه ّ‬ ‫من ال يص ّدقه إذا كان صادقًا‪.‬‬ ‫العلم ال يعمل عىل إثبات وجود الخوارق‪،‬‬ ‫وال يعمل عىل إثبات بطالنها‪ ،‬هو يعمل‬ ‫بتج ّر ٍد وحيادية‪.‬‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫‪15‬‬


‫عجز اإلعجاز املعجز‬ ‫الغراب احلكيم‬

‫متحمسا ج ًدا لدراسة ظاهر ٍة حقيقي ٍة خارق ٍة للطبيعة يف حال توثيقها بشكلٍ صحي ٍح‬ ‫أي عا ٍمل سيكون‬ ‫وأجزم لكم أ ّن ّ‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫وإثبات وجودها‪ ،‬وستتسابق املؤسسات العلمية حول العامل للغوص يف محاولة تفسريها وتقديم‬ ‫نظريات قادر ٍة أن تغيرّ‬ ‫حياة البرشية لألفضل‪.‬‬ ‫كل املعجزات تفتقر لهذه الشجاعة‪ ،‬وأطرح مثالاً جميلاً قدمه املفكر والكاتب والعب الخفة السابق جيمس‬ ‫ولكن ّ‬ ‫راندي ˝ ‪ ˝ James Randi‬يف الواليات املتحدة حيث أنه قدم جائزة نقدية تقدر مبليون دوالر ألي ٍ‬ ‫أي مكانٍ‬ ‫شخص من ّ‬ ‫يف العامل يستطيع أن يثبت وجود قو ٍة أو ظاهر ٍة خارق ٍة للطبيعة‪.‬‬ ‫هنا (جيمس راندي) مل يتط ّرق إىل تفسريات هذه الظواهر‪،‬‬ ‫ومل يدخل يف مهاتر ٍ‬ ‫ات فرعي ٍة حول منشأ املعجزات وما‬ ‫خلفها وغاياتها‪ ،‬أو إىل ا ّدعاءات أصحابها بأ ّن مصدرها‬ ‫روحي أو غري ذلك ‪.‬‬ ‫ديني أو‬ ‫ٌّ‬ ‫إلهي أو ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫هو فقط طالب بإثبات وجود الظاهرة عن طريق تقدميها‬ ‫بشكلٍ‬ ‫علني متا ًما‪ ،‬و يف بيئة املنهج العلمي التجريبي‬ ‫ٍّ‬ ‫الذي يقوم عىل القياس واالختبار العلني لتحديد وجود‬ ‫الظاهرة أو عدم وجودها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات طويل ٍة بكشف الكثري من الدجاجلة‬ ‫وقام عىل م ّر‬ ‫قوى خارق ًة يف‬ ‫والسحرة وامل ّدعني الذين ي ّدعون وجود ً‬ ‫ّ‬ ‫البلورات أو التواصل الروحي أو حتى الحديث مع املوىت ‪.‬‬ ‫أي ٍ‬ ‫شخص يستطيع إثبات وجود يش ٍء خارقٍ للطبيعة‪ ،‬ال ينتمي للعامل الفيزيايئ‬ ‫وما زالت جائزته موجود ًة لليوم تنتظر ّ‬ ‫الحقيقي الذي نعيش فيه‪ ،‬وتكرس قوانني الطبيعة وتتجاوزها‪.‬‬ ‫وغني عن الذّكر أنّه إىل اآلن مل ينجح أح ٌد يف إثبات أي ا ّدعاء‪،‬عىل ال ّرغم من مرور عدة عقود‪.‬‬ ‫ٌّ‬

‫‪16‬‬


‫عجز اإلعجاز املعجز‬ ‫الغراب احلكيم‬

‫خالصة ‪:‬‬ ‫بالنسبة للملحد أو املشكك‪ ،‬عىل املؤمن أن يدرك متا ًما‪ ،‬أ ّن االلتجاء للمحاججة من الجهل عرب طرح اإلعجازات العلمية‬ ‫أي تأثريٍ عىل امللحد‪،‬‬ ‫أو تقديم قصص املعجزات غري املوثقة وال املدروسة ال ميكنه أب ًدا أن يعتربه حج ًة إىل جانبه‪ ،‬أو له ّ‬ ‫ٍ‬ ‫محاوالت يائس ٍة من قبل املؤمن عند نفاذ ذخريته‪ .‬امللحد ينظر إىل املؤمن الذي‬ ‫بل هي متثل بالنسبة للملحد مج ّرد‬ ‫يستخدم هذه املحاججات بعني الشفقة واليأس وخيبة األمل‪ ،‬حيث يدرك عندها أن محاوره ومناظره ال ميتلك شيئًا‪ ،‬بل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومحاججات فاسد ٍة متع ّم ًدا‪ .‬ليس إلثبات صحة‬ ‫مغالطات منطقي ٍة‬ ‫ويرى بوضو ٍح كيف أ ّن املؤمن بهذه الحالة يقع يف‬ ‫كالمه إنمّ ا لالنتصار يف معرك ٍة كالمي ٍة (دونكيشوتية) تكون ضحيتها األوىل الحقيقة والعقل واملنطق عىل مذبح عواطف‬ ‫وأمنيات املؤمن ‪.‬‬

‫‪17‬‬


facebook group :https://www.facebook.com/groups/358777197583418 Blog :

https://www.aamagazine.blogspot.com

facebokPage :

https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299

18


‫?‬

‫أسئلة جريئة هي حلقة تواصل بيننا وبني القارئ ومن ميتلك أسئلة بأمكان ُه أرسالها مبارشة عىل بريدي االلكرتوين‬ ‫‪Al.baghdady@gmail.com‬‬ ‫ ‬ ‫للرد عليها يف االعداد القادمة‪.‬‬

‫الحياة بعد املوت؟‬

‫ماهو املوت؟ وهل هناك حياة بعد املوت؟ ٌ‬ ‫سؤال يتكرر يف الكثري من الرسائل التي تصلني‪ ،‬وأعتقد بأن ُه أول األسئلة التي‬ ‫كنت طفلاً صغ ًريا يسكن بالقرب من أكرب وأقدم مقربة يف بغداد‪ .‬عندما ينشأ الطفل يف مجتمع ثقافت ُه‬ ‫شغلت بايل عندما ُ‬ ‫تتمحور حول املوت وما بع َد املوت‪ ،‬يبدو التفكري بالحياة شكل من أشكال الشذوذ فقط‪ .‬كل يشء يجب أن يتمحور حول‬ ‫لحظة املوت وكيفية تخطِّي زفر ِ‬ ‫ات املوت والنفاذ من فتحة القرب إىل الحيا ِة األخرى التي تنتظرنا جمي ًعا‪ .‬فامهو املوت‪،‬‬ ‫وهل هناك حياة أخرى بعد املوت؟‬

‫‪19‬‬


‫منذ آالف السنني واألديان جميعها بال استثناء تقرع لإلنسان طبول املوت‪ .‬من أكرث هذه الطبول انتشا ًرا رغم سذاجتها‬ ‫هي عالمات الساعة وإشارات نهاية الزمان التي كام يبدو موجودة يف كل عرص وزمان وال يكاد يخلو أي دين منها‪.‬‬ ‫الناس تصدق بسهولة أنها تعيش يف آخر الزمان لسبب بسيط وهو تلك الرغبة الدفينة بأن نكون شهو ًدا عىل األشياء‬ ‫التي نعتقد بها يك نتأكد بأنفسنا منها‪ .‬وألن ُه اليوجد للزمان نهاية لهذا التظهر ُسلطة اآللهة يف جميع األديان إال يف قصص‬ ‫مابعد املوت وتختبئ خلف خوف اإلنسان من املجهول والعج ِز عن البقاء‪ .‬الخوف من املوت دفع اإلنسان ويدفع ُه‬ ‫الخرتاع قصص غنية بالخيال عن املوت والحياة مابعد املوت والتي فيها سيكون له متا ًما كل مايريد‪ ،‬ليس هذا فحسب‬ ‫بل ستكون الحياة مابعد املوت أبدية بالنهاية أو انقضاء‪.‬‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫نستطيع أن نُالحظ بكل وضوح بأن البيئة التي ينشأ فيها أي دين تؤثر بشكل مبارش عىل الحياة مابعد املوت التي يصفها‬ ‫ذلك الدين وكأنَّها صورة معكوسة متا ًما للحياة قبل املوت‪ .‬فإذا كان الدين نشأ يف بيئة باردة أو ُمظلمة نسب ًيا كام يف‬ ‫بلدان الشامل ت ُصبح األبدية مليئة بالدفء والشمس املرشقة أو حتى عدة شموس‪ .‬وإذا كان الدين نشأ يف بيئة صحراوية‬ ‫ساخنة تُصبح الجنة وكأنَّها حديقة دامئة الخرضة مليئة بسواقي املياه العذبة واألنهار والظل الوفري‪ .‬القاسم املشرتك يف‬ ‫قصص كل األديان أن اإلنسان اليحتاج للكفاح من أجل لقم ِة عيش ِه بعد املوت‪ ،‬وهذا أكرث يشء يُقلق أي كائن حي بشكل‬ ‫عام ألن ُه يعيش حيات ُه يُكافح ويجوع حتى يحصل عىل الغذاء املطلوب لبقائه‪ ،‬أما بعد املوت فإن الحاجة للطعام غري‬ ‫موجودة وإن ُوجدت فإن الطعام متوفر للجميع وبدون أي جهد حتى‪ .‬وهكذا تستمر سلسلة صورة الحياة التي نعيشها‬ ‫مبا يُعاكسها يف اآلخرة لدرجة أننا لو رغبنا مبعرفة الصورة املثالية للجنة املوعودة يف أي دين‪ ،‬فعلينا فقط عكس رشوط‬ ‫الحياة يف البيئة التي ُولد فيها هذا الدين وس ُنشاهد تطابُق الجنة املوعودة مع هذه الرشوط‪.‬‬ ‫‪20‬‬


‫فامهو املوت إذًا وأين يذهب اإلنسان بعد املوت؟ يك نفهم املوت يجب أن نفهم ماهية الحياة؟ الحياة هي الصفة‬ ‫ِ‬ ‫الكائنات القادر ِة عىل مامرسة النشاطات الحيوية الثالثة وهي القدرة عىل التكاثر والتمثيل الغذايئ‬ ‫التي نُطلقها عىل‬ ‫والتفاعل مع املحيط الخارجي‪ .‬الفريوسات عىل سبيل املثال التُعترب كائنات حية ألنها عاجزة عن التكاثر والتمثيل الغذايئ‬ ‫خارج الكائن الذي تتطفل عليه‪ .‬أي كائن يفتقد القدرة عىل مامرسة هذه النشاطات الثالثة يفقد القدرة عىل الحياة‪،‬‬ ‫وهذا ما نُطلق عليه نحن البرش إسم املوت‪ .‬أين‬ ‫تذهب الكائنات التي متوت؟ أين تذهب املليارات‬ ‫من البكترييا التي متوت يف أجسادنا عندما نتناول‬ ‫جرعة املضادات الحيوية؟ أين ذهبت الجزرة التي‬ ‫رشبت عصريها السنة املاضية والتفاحة التي قضمها‬ ‫َ‬ ‫نابليون بونابرت قبل ‪ 200‬عام؟ أين ذهبت كل‬ ‫األشياء التي كانت حية يو ًما ما واليوم غري موجودة؟‬ ‫يف الحقيقة اليذهب الكائن امليت ألي مكان ألن ُه‬ ‫مبوت ِه فق َد القدرة عىل التفاعل مع املحيط الخارجي‬ ‫فال يستطيع أن يتنقل فيه أو يتجاوز ُه‪ ،‬بل يبقى‬ ‫كجزء اليتج َّزأ منه يك يتحلل فيه تدريج ًيا إىل مكونات ِه‬ ‫األولية التي يتألَّف منها‪.‬‬ ‫لكن ماذا لو كان هناك يشء بعد املوت؟ ماذا لو‬ ‫اكتشفنا وجود الله؟ بعبارة أخرى يقول من يؤمن‬ ‫بوجود الله أو حياة أخرى بعد املوت فقط ألن ُه‬ ‫خائف من املوت بأن ُه مهام كانت احتاملية وجود‬ ‫الله صغرية فمن األسلم تصديقها خري من املوت‬ ‫واكتشاف وجوده بعد فوات األوان‪ .‬املشكلة هنا أن‬

‫‪A.A.M‬‬

‫احتامل وجود الله أو الجنة أو الجحيم اليختلف عن احتامل وجود إله للجزر أو التفاح أو البكترييا التي نقتُـلها باملاليني‬ ‫كل يوم‪ .‬كل مامينع أن يكون الله عبارة عن بكترييا أو تفاحة عمالقة ستنتقم من البرش ألنهم يقتلون خالئقها املفضلة‬ ‫هي أننا نعتقد بأن الله يُشبهنا‪ ،‬وأفكاره تشبه أفكارنا وبأن ُه من دون كل الكائنات األخرى ميتلك مشاعر خاصة تجاهنا‬ ‫لدرجة أن ُه اليهتم ملوت مليارات البكترييا والتفاح والجزر كل يوم لكن ُه يهتم مبوتنا فقط‪ .‬من هنا يتضح أن الله ليس‬ ‫سوى فكرة من أفكارنا التي أوجدناها خوفًا من املوت مايلبث أن يختفي مع اختفاء أفكارنا جمي ًعا لحظة املوت‪ .‬إن‬ ‫‪21‬‬


‫اعتقادنا بوجود الله قبل أن منوت اليعني بأن الله موجود هناك بعد أن منوت‪ .‬كذلك فإن اعتقادنا بوجو ِد حيا ٍة أبدي ٍة‬ ‫حيث تتحقق األُمنيات والعدالة الكونية‪ ،‬اليعني أن هناك حياة أبدية أو عدالة كونية حقيقية‪ .‬اإلنسان الناضج عقل ًيا‬ ‫يقبل ولو عىل مضض رشوط الحياة هذ ِه التي وجدنا أنفسنا فيها وإن كانت غري عادلة بعض األحيان‪ ،‬ألنها الحياة‬ ‫الحقيقية الوحيدة التي منلُكها ومل ولن منلك أي حياة غريها‪ .‬وألنها الحياة الوحيدة التي منلُكها فعلينا أن نسعى للعيش‬ ‫بسالم واالبتعاد عن الشقاء واألمل قدر اإلمكان‪.‬‬

‫إذًا ملاذا نخاف من املوت إذا كان شيئًا طبيع ًيا ج ًدا؟ ملاذا نستسلم للخوف الذي يجعلُنا نترصف بصورة غريزية ونُصدق‬ ‫أشياء غريبة يف محاولة يائسة للتخلص من املوت الذي يُثري فينا الرعب؟ الجواب ببساطة هو أن االعتقاد بالحياة األبدية‬ ‫هو شكل من األفكار الرغبويَّة‪ ،‬نصدق ُه فقط ألننا نرغب يف أن يكون حقيقة‪ .‬نرغب أن يف نعيش مع أحبابِـنا وأطفالِنا‬ ‫وأهلِنا دون أمل أو مرض أو خوف‪ .‬نرغب يف أن تتحقق العدالة املطلقة واملظلوم يسرتد حقوقه‪ ،‬لكن هل رغبتنا كافية‬ ‫يك يكون مانتم َّناه حقيق ًيا؟ الحقيقة هي أننا مل ولن نتخلص من املوت‪ ...‬حتى لو اعتقدنا بالحياة األبدية‪ .‬جميعنا‬ ‫عىل اإلطالق سنموت حتى لو اعتقدنا بأننا سنتحول إىل ذرات من الفحم تحوم يف العدم إىل األبد‪ .‬سنموت وستموت‬ ‫أفكارنا وأحالمنا و ُمعتقداتنا معنا‪ ،‬وسنعود إىل حيث كنا قبل أن نكون‪ .‬سنعود لنفس املكان الذي كنا فيه عندما‬ ‫كانت الديناصورات تتجول عىل األرض‪ ..‬هل تذكر أين كنت حينها؟ متا ًما‪ ...‬بكل بساطة مل نكن موجودين‪ ..‬ولن نكون‬ ‫موجودين بعد أن منوت‪ .‬فاملوت رغم كل يشء ليس سوى جز ًءا طبيع ًيا ج ًدا كام هو امليالد واملسافة الكامنة بني االثنني‬ ‫هي الحياة الوحيدة التي متلكها‪ .‬أنت فقط من يقرر ما إذا كنت ستقضيها خائفًا من نهايتها الطبيعية أو أن تعيشها‬ ‫كفرصة استثنائية التتكرر يف كل هذا الكون امليت من حولنا‪ .‬ف ِعش بسالم ومتتع بحياتك بدلاً من أن تقضيها خائفًا من‬ ‫طبيعي ج ًدا كاملوت‪ ،‬طبيعي كموت التفاحة التي ِ‬ ‫أقض ُمها اآلن‪.‬‬ ‫يش ٍء‬ ‫ٍ‬ ‫بسام البغدادي‬ ‫‪22‬‬


23


4

Hunger Mind 24


‫‪Hunger Mind‬‬

‫‪ -6‬باب ما يٌباح به دم املُسلم‬

‫‪ )1671(-25‬حدثنا أبو بكر بن أيب شيبة‪ .‬حدثنا حفص بن غياث وأبو معاوية ووكيع عن األعمش‪ ،‬عن عبدالله بن مرة‪،‬‬ ‫عن مرسوق عن عبدالله قال‪ :‬قال رسول الله ‪ :‬ال يحل دم امريء مسلم‪ ،‬يشهد أن ال إله إال الله وأين رسول الله‪ ،‬إال‬ ‫ُ‬ ‫والتارك لدينه‪ .‬املفارق للجامعة‪.‬‬ ‫الثيب الزاين‪ ،‬والنفس بالنفس‪.‬‬ ‫بإحدى ثالث‪ٌ :‬‬ ‫(‪ُ )...‬مستطردا ‪ ˝ ....‬أي الحديث برواية أخرى تعود لنفس األصل ˝ حدثنا بن منري‪ .‬حدثنا أيب‪.‬حدثنا وحدثنا أيب بن عمر‪.‬‬ ‫حدثنا سفيان‪ ،‬حدثنا بن إبراهيم وعيل بن خرشم‪ .‬قاال‪ .‬أخربنا عيىس بن يونس‪ ،‬كلهم عن األعمش‪ ،‬نص الحديث السابق‪.‬‬ ‫من ُمنطلق أن اإلسالم دي ًنا ودولة‪ ،‬عقيدة ومنه ًجا أتت ليك تُدير كافة شؤون الناس يف دنياهم وأخراهم‪ ،‬كام يتشدقون‬ ‫دامئا‪ ،‬فكرت يف إسقاط املفاهيم اإلسالمية عىل أهم املباديء اإلنسانية يف عرصنا الحارض وهي مبدأ املواطنة‪ .‬كيف‬ ‫يتعامل اإلسالم مع املُخالف له يف العقيدة أولاً ‪ ،‬ويف املنهاج أو السياسة ثانيـًا‪ .‬ثم اكتشفت أثناء البحث والقراءة أنه يجب‬ ‫عيل يف املقام األول أن أعرف كيف يتعامل اإلسالم داخليا مع أتباعه‪ ،‬وكيف ينظر إليهم إن أملَّ بهم يشء دعاهم لرتكه‪،‬‬ ‫وكان املُنطلق هو إن أردت أن تعرف الخارج فالبد من أن تدرس وبتع ّمـق الداخل‪ .‬فكان نص الحديث املُعنون أعاله‪.‬‬ ‫املصدر‪ :‬صحيح ُمسلم‪ ،‬نسخة مزيدة ومنقحة صادرة عن دار االعتصام‪.‬‬ ‫موسوعة الحديث الرشيف املعتمدة من مجمع البحوث اإلسالمية‪.‬‬ ‫يف هذه املرة اكتفيت بذكر باب الحديث‪ ،‬رقمه‪ ،‬مصدران مختلفان فقط للرواية‪ ،‬اقتصا ًرا ودفع ًـا للملل‪ ،‬وإن كان القاريء‬ ‫ميكنه أن يرجع للنصوص واملُتون وهي متاحة عرب االنرتنت لرياجع الروايات األخرى مبزيد من اإلسهاب يف العنعنه‪.‬‬ ‫صدع أتباع محمد رؤوسنا بسامحة اإلسالم‪ ،‬ورحابة‬ ‫صدر اإلسالم‪ ،‬وأن غري املسلمني مل يجدوا يف دينهم ما‬ ‫وجدوه يف اإلسالم من رحمة وترحاب‪ ،‬وكان السؤال‪،‬‬ ‫وأي مذهب هذا الذي يضع يف‬ ‫أي عقيدة تلك ُّ‬ ‫هو ُّ‬ ‫حسبانه أن مريديه وأتباعه قد يتخلَّون عنه يومـًا‬ ‫ويرتكونه‪ ،‬خصوصا إن كان منهاج ًـا رباني ًـا رحيم ًـا قومي ًـا‪،‬‬ ‫يكفل ملُتبعيه السعادة يف الدنيا والفوز يف اآلخرة‪ .‬من‬ ‫املفرتض أن من يدخل يف صف عقيدة كتلك ال ومل‬ ‫ولن يخطر بباله أن يُفارقها!!!‪ .‬ولكن العجب العجاب‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫‪25‬‬


‫‪Hunger Mind‬‬

‫كعادة الرشيعة املحمدية أنها تفاجئنا دوما بالجديد فنجدها وضعت باب ًـا كامال تُخرب فيه عن مصري من يرتك تلك‬ ‫العقيدة ويقرر أن يفارقها‪ .‬تحت عنوان ˝ ما يحل به دم املسلم˝ ‪ ...‬ولكم أن تقفوا عىل املُسمى فقط وترتكوا لعقولكم‬ ‫عنان التساؤل من بداية اللفظ املستخدم نهاية بفتح الباب لكل الوسائل والطرق التي يجوز بها سفك الدم‪.‬‬ ‫يُبني الحديث ثالثة أسباب إن توافرت يف املُسلم فدمه مهدور‪ ،‬وهنا نود أن نُعرج بيشء من القول وهو حديث ُمحمد‬ ‫بأنه‬ ‫˝ أُمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال الله وأين رسول الله‪ ،‬فإن قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم˝‬ ‫الحديث موجود يف الصحيحني‪ ،‬وميكن الرجوع إليه سن ًدا ومتن ًـا‪ ،‬ألين لن أذكرهم حيث أسوق الحديث هنا ُمجرد نص‬ ‫كمثال‪.‬‬ ‫إقرأ عزيزي القاريء هذا الحديث وضعه جنبا بجنب مع الحديث املذكور يف بداية مقايل‪ .‬واسال نفسك عن رس هذا‬ ‫التضارب واالختالف‪ .‬فهو هنا يعصم الناس ودمائهم وأموالهم مبجرد نطقهم للشهادة‪ ،‬ويف موضوع آخر يتحدث عن‬ ‫هدر دمهم واستباحة أرواحهم‪.‬‬ ‫‪ ....‬ال ُ‬ ‫أنفك أسأل نفيس هل أنا أمام نص ُمقدس‪ ،‬أم أمام سفر من األحاجي واأللغاز كُتب بواسطة رجل سكري‪ ،‬مخبول‪...‬‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫‪26‬‬


‫املهم‪ :‬نبدأ يف رسد الرشوط التي وضعها محمد ليحل له أن يهدر دم شخص دخل يف دينه وصار من أتباعه‬ ‫الثيب الزاين ‪ ....‬وكلمة الثيب تعني املُحصن أي املتزوج‪...‬‬ ‫أوال ُ‬

‫‪Hunger Mind‬‬

‫أي إنه يحل هدر دم الرجل املتزوج إن أقام عالقة جنسية خارج إطار زوجته‪ ،‬عىل اعتبار أنه ميلك فرج ًـا مجانيا يُسمى‬ ‫˝ زوجة˝ ميكنه أن يعتليه ويقفز عليه وقتام شاء‪....‬‬ ‫لن أعرج هنا عىل إسقاطات هذه الكلمة من منظور املرأة وحقوقها وكيف ينظر لها اإلسالم‪ ،‬وإن كان التعريج له مقام‪،‬‬ ‫ولكن لك أن تراجع عزيزي القاريء كيف ينظر اإلسالم وأتباعه للمرأة يف مقااليت السابقة من السلسلة املباركة‪.‬‬ ‫ولكني أتسائل‪ ،‬ما املوقف من رجل له غُلمة ( أي شديد الرغبة الجنسية)‪ ،‬ما املوقف من رجل‪ ،‬ال تشبعه زوجته جنسيـًا‬ ‫مبعنى أنها ال تتقن فنون الهوى واإلمتاع‪ ،‬ماذا لو تم األمر مبعرفة الزوجة ما املوقف الترشيعي حينها؟؟ ما املوقف من‬ ‫امراة ضعيفة البنيان‪ ،‬باردة فاترة‪ ،‬ال ترغب يف الجامع وال التلذذ الجنيس أغلب الوقت؟؟؟‬ ‫كيف يكون الوضع طبق ًـا لقياسهم‬ ‫يف حالة زواج الرجل من أربع‪،‬‬ ‫بينام له زوجة واحدة عىل األقل‬ ‫تتفنن يف كيفية إمتاعه‬ ‫وجعله يطري فرحـًا من معرفتها‬ ‫بشؤون الفراش قولاً ‪ ،‬فعلاً وحتى‬ ‫صوت ًـا‪ .‬إن توافرت له تلك الزوجة‪،‬‬ ‫بهذه الرشوط‪ ،‬وقام برتكها وتزوج‬ ‫أخرى‪ ،‬أال يُعد هذا زىن !!! فضلاً‬ ‫عن كونه خيانة أو باألحرى (‬ ‫فراغة عني)‬ ‫‪ .....‬أترك عالمات إستفهامي‬ ‫وتعجبي لكم‪.......‬‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫‪27‬‬


‫‪Hunger Mind‬‬

‫الرشط الثاين ‪ :‬النفس بالنفس‪ -‬يعني من قتل يُقتل‪ ،‬والسؤال هنا‪ ،‬من يقوم بالقتل‪ ،‬وكيفيته‪ ،‬وهل القتل هنا قتل معنوي‬ ‫أم قتل مادي‪ ،‬وما هي الجرمية‪ ،‬وما هي أنواعها‪ ،‬ثم أليس من املفرتض يف الرشيعة أنها أتت لتُبني وت ُفصل ما أبهم‪ ،‬أين‬ ‫التفصيل هنا‪ ،‬وإن مل يكن للتفصيل يف هكذا موضع بيان فأين يكون ؟؟ ‪ .‬ثم ما الذي أىت به محمد جدي ًدا يف تلك العقوبة‬ ‫من الناحية الترشيعية فضلاً عىل الناحية التاريخية املٌتعارف عليها من قبل الشعوب والحضارات‪.‬‬ ‫‪ ....‬ولكم التفكر والتعليق‪......‬‬ ‫أما الرشط الثالث‪ :‬فهذا له مني وقفات ووقفات‪ .‬ألنه وحده‬ ‫كفيل بأن يرضب كل من تشدق ونادى بحرية ورحابة وسعة‬ ‫اإلسالم مع املخالفني فضلاً عن املؤيدين ˝ التارك لدينه˝‪.‬‬ ‫والسؤال ما املوقف هنا واآليه الكرمية تقول ˝ لكم دينكم‬ ‫ويل دين˝‬ ‫ما املوقف هنا واآلية تقول ˝ وما أرسلناك إال ُمبرشا ونذيرا ˝‬ ‫ما املوقف من قول القرآن ˝ إنت أنت إال نذير˝‬ ‫وأخريا وليس آخرا ˝ من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر˝‬ ‫تعارضا صار ًخا واض ًحا يفقأ عني كل من نادى‬ ‫أال يُعد هذا‬ ‫ً‬ ‫بحجية السنة وصحة األحاديث‪ ،‬إذن فسرِّ وا لنا هذا التناقض‬ ‫وأين يكمن العيب أهو يف القرآن ( كالم الله) أم يف السنة (‬ ‫كالم محمد‪ ،‬الذي ال ينطق عن الهوى)‬ ‫تدليسا وكذبًا واض ًحا ونوع من أنواع‬ ‫أال تُعد هذه النصوص‬ ‫ً‬ ‫املِراء والنفاق‪ .‬أين الحرية‪ ،‬أين السامحة‪ ،‬أين قول محمد‬ ‫بن عبدالله لعيل بن أيب طالب يف الواقعة الشهرية ˝ وهل‬ ‫شققت عن قلبه˝‪.‬‬ ‫تعليق بسيط ‪:‬‬

‫‪A.A.M‬‬

‫تستمد العقائد واملناهج قوتها من نفسها وما تقدمه من أطروحات وبدائل واقعية لحل مشاكل األفراد فضلاً عن‬ ‫املجتمعات وباتساعها وقدرتها عىل احتواء املعارض قبل املؤيد‪ ،‬ألنه من املفرتض يف العقول التغري والشاذ فيها هو‬ ‫الثبات‪ ،‬فالبرش يتعلمون‪ ،‬يتطورون و يقرؤون‪ ,‬ميرون بتجارب ومواقف عرب حياتهم ت ُغري من فكرهم‪ ،‬عقائدهم !!!‬ ‫مل أسمع يف حيايت عن عقيدة ت ُعاقب صاحبها إن تركها إال يف اإلسالم ‪ ....‬عىل اعتبار أن القتل عقوبة‪ ...‬مجازا‬ ‫دي ٌن يتعامل مع أتباعه وكأنهم آالت صامء‪ ،‬سكبت يف قالب واحد ال يصح واليجوز لها أبدا أن تنفك عن خطه املرسوم‬ ‫‪28‬‬


‫‪Hunger Mind‬‬

‫وإن فعلت فالقتل وهدر الدم هو الحل‪ ،‬وهنا أسأل عن كيفية قياس الوالء لتلك العقيدة بعد علم أصحابها بأنهم إن‬ ‫تركوها فسيكون مصريهم املوت‪ ،‬ما أعظمه من تحفيز وما أرقاه من ترغيب‪.‬‬ ‫ولكم التعليق‪.....‬‬ ‫كلمة املُفارق للجامعة‪ ،‬تعني أي الذي جهر باعتقاده املخالف ورفض االستمراريف اتباع ذلك الدين أو تلك العقيدة‬ ‫وانطلق ليقول ذلك يف الجموع ‪ .‬وأورد لكم أمثلة لتقريب التعريف ( د\ عبدالله القصيمي منوذجا) ( موالنا مرصي‬ ‫ملحد) ( الرائع حمزه كشغري)‪ ( ،‬تسليمه نرسين)‬ ‫وللعلم صاحب هذا الفعل من سامحة اإلسالم له ثالث فرص يُستتاب فيها فإن مل يرجع فدمه مهدور‪.‬‬ ‫وال تعليق‪..‬‬ ‫طاملا ظلت معتقداتك داخل نفسك‪ ،‬فهذا شأنك‪ ،‬أما أن تنطلق لتؤثر بها يف الجموع فهنا تكمن الكارثة‪ ،‬يرضب أيضا‬ ‫هذا التفسري مبدأ الحرية يف الصميم فضلاً عن كونه يتصدر املشهد عىل اعتبار أن أتباع محمد فقط هم أصحاب الرؤى‬ ‫السليمة وأن أي مغرد خارج الرسب حتى وإن كان خرج من عبائتهم فهو ال شك مهرطق زنديق يجب حامية الناس منه‪.‬‬ ‫وصاية جربية عىل العقول‪ ،‬صكًا محمدي ًـا رباني ًـا يُتوارث كاب ًرا عن كابر ملشايخ اإلسالم وأتباعه يعطيهم إذن ًـا لسفك دم‬ ‫كل من أعمل عقله يف معتقده واكتشف ما به من هلهلة رثة بل وتسطح وغباء فضلاً عن العنف واالضطهاد والقتل‬ ‫وغياب املنطق‪.‬‬ ‫ُدمتم‬

‫َويَ ْسأَلُونَ َك َع ِن اإلحلْاد ُق ِل اإلحلْاد‬ ‫ُ‬ ‫مِ ْن أَ ْم ِر َع ْقلي َومَا أوتِيتُم مِّن العَق ِل‬ ‫إِالَّ قَلِيالً‪.‬‬ ‫صفحة العقل دين عىل الفيسبوك‬ ‫‪https://www.facebook.com/AlqlDyn‬‬ ‫‪29‬‬


‫فرج فودة‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫املقابلة يف هذا العدد وهمية و ذلك لتعريف القراء بفكر فرج فودة املستقى من‬ ‫كتابتته‬

‫بقلم ‪sameer sami‬‬ ‫فرج فودة كاتب ومفكر مرصي‪ُ .‬ولد يف ‪ 20‬أغسطس‬ ‫‪ 1945‬ببلدة الزرقا مبحافظة دمياط يف مرص‪ .‬وهو حاصل‬ ‫عىل ماجستري العلوم الزراعية ودكتوراه الفلسفة يف اإلقتصاد‬ ‫الزراعي من جامعة عني شمس ‪ ،‬وعنده ولدين وإبنتني‪ ،‬تم اغتياله‬ ‫عىل يد جامعة إرهابية آنذاك يف ‪ 8‬يونيو ‪ 1992‬يف القاهرة‪ .‬كام كانت‬ ‫له كتابات يف مجلة أكتوبر وجريدة األحرار املرصيتني‪.‬‬ ‫أثارت كتابات د‪ .‬فرج فودة اً‬ ‫جدل واسعا بني املثقفني واملفكرين ورجال الدين‪،‬‬ ‫واختلفت حولها اآلراء وتضاربت فقد طالب بفصل الدين عن الدولة‪ ،‬وكان يرى أن‬ ‫الدولة املدنية الشأن لها بالدين‪.‬‬ ‫حاول فرج فودة تأسيس حزب باسم ˝حزب املستقبل˝ وكان ينتظر املوافقة من لجنة شؤون‬ ‫األحزاب التابعة ملجلس الشورى املرصي ووقتها كانت جبهة علامء األزهر تشن هجو ًما كبريًا عليه‪ ،‬وطالبت‬ ‫تلك اللجنة لجنة شؤون األحزاب بعدم الرتخيص لحزبه‪ ،‬بل وأصدرت تلك الجبهة يف ‪˝ 1992‬بجريدة النور˝‬ ‫بياناً ˝بكفر˝ الكاتب املرصي فرج فودة ووجوب قتله‪.‬‬ ‫استقال فرج فودة من حزب الوفد الجديد‪ ،‬وذلك لرفضه تحالف الحزب مع جامعة اإلخوان املسلمني‬ ‫لخوض انتخابات مجلس الشعب املرصي العام ‪.1984‬‬ ‫أسس الجمعية املرصية للتنوير يف شارع أسامء فهمي مبدينة نرص‪ ،‬وهي التي اغتيل أمامها‪.‬‬ ‫س‪ :1‬املغدور فرج فودة‪ ،‬بالطبع نحن نأسف عىل ما حدث لك‪ ،‬ولكن اسمح لنا بالبدء من النهاية أي‬ ‫لحظة اغتيالك‪ ،‬حدثنا كيف تم اغتيالك‬

‫‪30‬‬


‫فرج فودة‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫تم اغتيايل يف القاهرة يف ‪ 8‬يونيو ‪ 1992‬حني كنت أهم بالخروج من مكتبي بشارع أسامء فهمي مبدينة‬ ‫نرص إحدى ضواحي القاهرة بصحبة ابني األصغر وأحد أصدقائه الساعة السادسة و ‪ 45‬دقيقة‪ ،‬عىل يد‬ ‫أفراد‪ ،‬وآخر ما أذكر أنهام كانا يركبان دراجه نارية‪ ،‬وبعد ذلك ال أدري ما الذي حدث‪ ،‬فقد مت بعدها‬ ‫بست ساعات‬ ‫اسمح يل أن أنقل لك ما كشفه التاريخ بعد موتك‪ ،‬تم اغتيالك عن طريق أفراد تستخدم العنف‬ ‫• ‬ ‫السيايس ُعرفت باسم الجامعة اإلسالمية حيث قام شخصان بينهام مطلق الرصاص من بندقية آلية بقتلك‬ ‫فيام كانا يركبان دراجة نارية‪ - ،‬كام قلت‪ -‬ويؤسفني أن أقول لك أنه قد أصيب ابنك أحمد وصديقه‬ ‫إصابات طفيفة‪ .‬أما أنت فأصبت بإصابات بالغة يف الكبد واألمعاء‪ ،‬وظل بعدها األطباء يحاولون طوال‬ ‫ست ساعات إلنقاذك إىل أن لفظت أنفاسك األخرية‪ ،‬ولكن الخرب الذي قد تجد فيه تعزية الغتيالك هو أن‬ ‫سائقك وأمني رشطة متواجد باملكان نجحا يف القبض عىل الجناة‪.‬‬ ‫ويؤسفني أيضً ا أن أخربك أنه قد تبني أن الجرمية جاءت بفتوى من شيوخ جامعة الجهاد عىل رأسهم الشيخ‬ ‫حسني الغزايل املسجون حاليا يف روما‪،‬‬ ‫ويف شهادة الشيخ محمد الغزايل يف أثناء محاكمة قاتلك وصفك الغزايل ˝باملرتد˝ ˝وأنه وجب قتلك˝ وأفتى‬ ‫بجواز أن يقوم أفراد األمة بإقامة الحدود عند تعطيلها‪ ،‬مبا معناه أنه ال يجوز قتل من قتلك حسب تعبريه‪.‬‬ ‫فرج فودة‪ :‬يااااااااااااااه يعني مويت ما جاش بفايدة!!! يا خسارة‪ ،‬بس أنا عايز أقول حاجه للسادة القراء‪،‬‬ ‫أنا مسلم موحد بالله‪ ،‬ومل أكفر يو ًما والعياذ بالله‪ ،‬والذي يتابع كتبي سيعلم ذلك‬ ‫س‪ : 2‬إ ًذا ملاذا اعتربك الغزايل مرتدً ا‪ ،‬وأفتى بقتلك‪ ،‬بل ودافع عن الذي قتلك؟‬ ‫فرج فودة‪ :‬يبدو أن ذلك له كل الشأن مبا جاء يف ُمناظريت مع الشيخ الغزايل يف معرض الكتاب عام ‪1992‬‬ ‫حول الدولة اإلسالمية واملدنية‪ ،‬ال بد أن كالمي أثار حفيظتهم‪ ،‬رغم أين كنت عىل علم أكيد بكيفية انتهاء‬ ‫الحوار مع املتشددين ممن يُطلقون عىل أنفسهم مسلمني وهم عن اإلسالم بعيدون‬ ‫‪31‬‬


‫فرج فودة‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫س‪:3‬قلت يف مقدمة كتابك الحقيقة الغائبة ˝هذا حديث ما كان أغناين عنه ‪ ،‬لوال أنهم يتنادون بالخالفة ‪،‬‬ ‫ليس من منطلق الدعابة أو املهاترة أو الهزل ‪ ،‬بل من منطلق الجد والجدية واالعتقاد ‪ ،‬فسيتدرجون مثيل‬ ‫إىل الخوض فيام يعرف ويعرفون ‪ ،‬ويعلم وينكرون ‪ ،‬وينكر ويقبلون ‪ ،‬ليس من أجلهم ‪ ،‬وال حتى من أجل‬ ‫أجيال الحارض التي من واجبها أن تعرف وتتعرف ‪ ،‬وتعلم وتتعلم ‪ ،‬وتفكر وتتكلم ‪ ،‬بل قبل ذلك كله من‬ ‫أجل أجيال سوف تأيت يف الغد ‪ ،‬وسوف تعرف لنا قدرنا وإن أنكرنا املنكرون وسوف تنصفنا وإن أداننا‬ ‫املدينون ‪ ،‬وسوف تذكر لنا أننا مل نجنب ومل نقرص ‪ ،‬وأننا بقدر ما أفزعنا بقدر ما دفعنا املجتمع لألمام ‪،‬‬ ‫وبقدر ما أقلقنا بقدر ما استقر املجتمع يف أيامهم ‪ ،‬وبقدر ما واجهنا بقدر ما توجهوا هم إىل املستقبل ‪.‬‬ ‫هذا حديث تاريخ وسياسة وفكر وليس حديث دين‬ ‫وإميان وعقيدة ‪ ،‬وحديث مسلمني ال حديث إسالم˝‬ ‫وكنت قد جمعت به من املصارد ما جاء يف‬ ‫يف الحقيقة ليس بعد ما قلت كالم ولكني قرأت هذا الكتاب‪َ ،‬‬ ‫امهات كتب املسلمني‪ ،‬يف محاولة منك إلثبات فشل إقامة الدولة الدينية يف هذا العرص‪ ،‬هال أوضحت لنا‬ ‫أكرث عن هذا الكتاب‬ ‫الحقيقة الغائبة ليس إال اً‬ ‫نقل ملا جاء يف كتب السلف من أخبار ُغ ِّيبت عن الشعب إقرا ًراً ملصالح البعض من‬ ‫عرض ملامرسات الخلفاء منذ بداية الخالفة‬ ‫املتنفذين واملستفيدين باملناداة إىل الدولة الدينية‪ ،‬وجاء فيه ٌ‬ ‫الراشدية وحتى نهاية دولة املامليك عىل يد العثامنيني‪ ،‬وقد عرضنا فيه حججنا املانعه إلقامة الدولة‬ ‫الدينية ووضحنا فيه األسباب والتي تتمثل يف‪:‬‬ ‫• يف عرصنا ذو املشاكل الجسيمة كيف تُحل املشاكل االجتامعية التي مل تكن موجودة سابقاً يف القرن األول‬ ‫الهجري مبجرد تطبيق الرشيعة اإلسالمية؟ فام هو حل مشكلة اإلسكان والديون واملجاعة والبطالة يف ظل‬ ‫تطبيق الرشيعة؟‬

‫‪32‬‬


‫فرج فودة‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫• كيف يتواكب االهتامم املظهري الزائد بالعبادة مع السبق العلمي والثورة التكنولوجية؟ وأمام االهتامم‬ ‫بفتاوى النكاح وقضاء الحاجة يف الخالء وتربية اللحية وحف الشارب وغريها من مثل هذه املظاهر كيف‬ ‫متنع تنامي ظاهرة أطفال الشوارع؟‬ ‫• ماذا أفادت النساء املسلامت من تحجيبهن وتنقيبهن وتخمريهن أمام زيادة أعداد األميات والعاطالت‬ ‫الباحثات عن عمل واملتحرش بهن يف الشوارع؟‬ ‫• ما هو الحل السحري الذي يقدمه من يسمون أنفسهم علامء الطب النبوي من األحاديث املدسوسة‬ ‫واملوضوعة واملنحولة واألحادية أمام الزيادة الرهيبة للمرىض واألمراض؟‬ ‫س‪ :4‬كنت قد ترشحت ملجلس الشعب املرصي يف الثامنينات‪ ،‬هل لك أن تخربنا عن أسباب عدم نجاحك‬ ‫كنت قد حاولت تأسيس حزب باسم (حزب املستقبل) وكنت أنتظر املوافقة من لجنة شؤون األحزاب‬ ‫التابعة ملجلس الشورى املرصي ووقتها كانت جبهة علامء األزهر تشن هجوما كب ًريا عيل‪ ،‬وطالبت تلك‬ ‫اللجنة لجنة شؤون األحزاب بعدم الرتخيص لحزيب‪ ،‬بل وأصدرت تلك الجبهة يف ‪˝ 1992‬بجريدة النور˝ بياناً‬ ‫˝بتكفريي ووجوب قتيل‪،‬‬ ‫بعد ذلك استقلت من حزب الوفد الجديد‪ ،‬وذلك لرفيض تحالف الحزب مع جامعة اإلخوان املسلمني‬ ‫لخوض انتخابات مجلس الشعب املرصي العام ‪ .1984‬وأسست الجمعية املرصية للتنوير يف شارع أسامء‬ ‫فهمي مبدينة نرص‪ ،‬وهي التي تم اغتيايل أمامها‪.‬‬ ‫وال يخفى عىل أحد أن وجود أمثال الشيخ الغزايل مل يكن ليجعلني أنجح يف االنتخابات‪ ،‬رغم أن زماليئ كانوا‬ ‫قد أخربوين أين حصدت من األصوات ما يضمن يل كرس ًيا يف مجلس الشعب‪ ،‬إال أنه وبعد صدور النتائج‬ ‫األولية فوجئنا بتزوير هائل لتلك االنتخابات وطب ًعا مل أنجح وفقًـا للنتائج الختامية‬ ‫‪33‬‬


‫فرج فودة‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬ ‫س‪ :5‬نحن نعلم أنك أديب رائع وكاتب فذ‪ ،‬ولكني أود منك أن تخرب القارئ عن بعض من أسامء كتبك‬ ‫طبعا كتاب الحقيقة الغائبة أعتربه من أهم ما كتبت‪ ،‬وفيه جاءت خالصة ما أردت أن أقول‪ ،‬وما أردت من‬ ‫الشعب أن يعرفه‪ ،‬ولكني كتبت أيضا عدة كتب منها‬ ‫النذير ‪ ،‬اإلرهاب‪ ،‬حوار حول‪ ،‬العلامنية‪ ،‬قبل السقوط امللعوب‪ ،‬نكون أو ال نكون‪ ،‬الوفد واملستقبل‪ ،‬‬ ‫حتى ال يكون كالما يف الهواء‪ ،‬زواج املتعة‪ ،‬حوارات حول الرشيعة‪ ،‬الطائفية إىل أين؟‬ ‫أخريا نقول‬ ‫اه كم نحتاجك يا فرج فودة‪ ،‬وكم نحتاجك يا نرص حامد‪ ،‬ويا سيد القمني‪ ،‬كم نحتاج إىل كل هذه األقالم‬ ‫الرشيفة التي ال يأخذها يف الحق لومة الئم‪ ،‬والتي تكشف لنا أرسا ًرا خ َّبأها عنا كهنة الدين‪ ،‬حتى يبقى‬ ‫اس من ذهب‪،‬‬ ‫خادم الحرمني أغنى أغنياء العامل‪ ،‬وحتى يستمر أمثال الغزايل والقرضاوي جالسني عىل كر ٍ‬ ‫وثِق متاما يا شهيد الكلمة الحرة أن الشمس ال ميكن أن تختفي خلف الغربال‪ ،‬وال بد أن يايت اليوم الذي‬ ‫ُيقام لك فيه اً‬ ‫متثال لتكون رم ًزا للحقيقة الغائبة‬ ‫ويف الختام‪ ،‬ال بد من اإلشارة إىل ‪:‬‬ ‫أثناء املحاكمة ُسئل قاتل فرج فودة ‪:‬‬ ‫˝* ملاذا اغتلت فرج فودة ؟‬ ‫القاتل ‪ :‬ألنه كافر‪.‬‬ ‫• ‬ ‫ومن أي من كتبه عرفت أنه كافر ؟‬ ‫• ‬ ‫القاتل ‪ :‬أنا مل أقرأ كتبه‪.‬‬ ‫• ‬ ‫كيف ؟‬ ‫• ‬ ‫القاتل ‪:‬أنا ال أقرأ وال أكتب‬ ‫• ‬ ‫بعد ما ُعرف بثورة ‪ 25‬يناير يف مرص أطلق رساح ˝أبو العال محمد عبد ربه˝ أحد الضالعني يف جرمية االغتيال‬ ‫والذي أفرج عنه بعفو بعد قرار الرئيس محمد مريس‪ ،‬باإلفراج عن عدد من أعضاء الجامعة اإلسالمية‬ ‫‪34‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪35‬‬


‫التنني يف‬ ‫غرفتي‬

‫ترجمة عن كتاب ˝ عامل تسكنه الشياطني ‪ -‬العلم كشمعة يف الظالم ˝ للفليك والكاتب كارل ساغان‬

‫˝هنالك ت ّن ٌني يطلق نا ًرا يف غرفتي˝‬

‫‪Alnajafi Atheistic‬‬

‫فلنفرض أنني وبكل ج ّدية وتوكيد‪ ،‬أدليت لك بهذه الجملة‪ .‬فمن املتوقع من جانبك أن تشعر برغب ٍة يف أن تبحث يف‬ ‫َ‬ ‫فهنالك ما اليُع ّد وال يٌحىص من أساطري التنانني التي تطلق نا ًرا مع زفريها عىل م ّر القرون‪ ،‬وال‬ ‫األمر لرتى بنفسك‪ .‬لِ َم ال؟‬ ‫أي دليلٍ أو ٍ‬ ‫بحث عليها‪ ،‬يا لها من فرصة!‬ ‫يوجد ّ‬ ‫˝أرين إيّاه˝ أنت قلت‪ .‬فأخذتك إىل غرفتي يف األعىل‪ ،‬ها أنت يف غرفتي‪ ،‬ال يوجد تنني‪ ،‬مج ّرد مخدع ألتجئ إليه حني‬ ‫ألي تنني‪.‬‬ ‫يغلبني النعاس‪ ،‬ومدفأ ٌة‬ ‫ومصباح كهربا ٌّيئ نصبته عىل مكتبي‪ ،‬وبضعة ٍ‬ ‫كتب وال وجود ّ‬ ‫ٌ‬ ‫˝أين التنني ؟˝ سألتني‪.‬‬ ‫خفي˝‪ .‬أجبتك وأنا أل ّوح بيدي بكل ٍ‬ ‫خوف نحو مدفأ ٍة قدمية‪.‬‬ ‫˝هناك قرب املدفأة‪ ،‬نسيت أن أخربك بأنه ٌّ‬ ‫فاقرتحت أنت أن ننرث بعض الدقيق عىل األرض يك يتبينّ لنا آثار أقدام هذا التنني‪.‬‬ ‫َ‬ ‫˝فكر ٌة جيدة˝ أجبتك‪˝ ..‬لكن هذا التنني يطري˝‬ ‫‪36‬‬


‫التنني يف غرفتي‬ ‫‪Alnajafi Atheistic‬‬

‫متحسس لألشعة ما تحت الحمراء‪ ،‬يك‬ ‫فاقرتحت أن نجلب‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫نالحظ أثر النار التي يطلقها‪.‬‬ ‫˝فكر ٌة جيدة‪ ،‬لك ّن النار كام التنني خفي ٌة‪ ،‬وحرارتها ليست‬ ‫طاقوية˝‬ ‫الصبغ الب ّخاخ يف الغرفة يك نرى‬ ‫واقرتحت أخريا ً‪ ،‬أن نرش بعض ّ‬ ‫شكل التنني‪.‬‬ ‫مادي والصبغ لن ينفع˝‬ ‫˝فكر ٌة جيدةٌ‪ ،‬لكن هذا التنني غري ّ‬ ‫كنت تقرتح كل تجرب ٍة فيزيائي ٍة ممكن ٍة يك يظهر لنا‬ ‫وهكذا َ‬ ‫هذا التنني‪ ،‬وأنا كانت لدي تفسريايت امليتافيزيقية لعدم صالح‬ ‫هذه التجارب‪.‬‬ ‫خفي ال أثر له‪ ،‬يطري يف الهواء‪،‬‬ ‫حسناً‪ ،‬ما الفرق بني تن ٍني ٍّّ‬ ‫حيس‪ ،‬وبني عدم وجود تن ٍني‬ ‫ينفث النار دون حرار ٍة أو تأثريٍ ٍّ‬ ‫أي دليلٍ سيثبت لك خطأ إ ّدعايئ بحقيقة التنني وال أيّة تجرب ٍة مقنع ٍة ستناقض ما أقول‬ ‫عىل اإلطالق؟ إن مل يكن هنالك ّ‬ ‫أو تدعمه‪ ،‬فام معنى أن تص ّدق بأ ّن تنيني موجود؟ فالعجز عن إثبات خطأ ما أدعيه ليس عىل اإلطالق مامثالً إلثبات‬ ‫ٍ‬ ‫سامت تضفي لهذا اإلدعاء مناعته من التجارب الفيزيائية‪ ,‬لتجعله بال جدوى وال قيمة مهام كان‬ ‫صحته‪ .‬باإلضافة إىل‬ ‫مثريا ً لفضولك ودهشتك‪ .‬ما أطلبه منك سينتهي بنا إىل التصديق اإلمياين األعمى بسبب غياب أي دليل‪ ،‬فأنا إذا ً‪ ،‬أطلب‬ ‫منك أن تصدق ما أ ّدعي ملجرد أنني أقول ما أقول‪.‬‬ ‫أدركت‬ ‫غريب‪ ،‬ليس قرب املدفأة‪ ،‬بل يف عقيل‪ .‬فتتساءل كيف‬ ‫يف الحقيقة‪ ،‬ما َو َجدت َه أنت يف غرفتي أ ّن هنالك يش ٌء‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫أي اختبا ٍر ميكننا تطبيقه إلدراك ذلك‪ .‬رمبا كان حلماً أو هلوس ًة‪ ،‬ولكن – إن كان‬ ‫أنا وجوده عىل الرغم من عدم وجود ّ‬ ‫أقل تقدي ِر ‪ -‬بتقليل‬ ‫كذلك – ملاذا يا ترى أحمل هذا األمر عىل محمل الجد؟ رمبا أنا بحاج ٌة لرعاي ٍة نفسي ٍة أو قمت ‪ -‬عىل ّ‬ ‫إمكانية وقوعي يف الخطأ إىل ح ٍّد خطريٍ‪ .‬إال أنك‪ ،‬ورغم ذلك‪ ،‬كنت دقيقاً و ذا عقلي ٍة منفتح ٍة لكل االحتامالت‪ ،‬ومل ترفض‬ ‫فكرة وجود التنني بشكلٍ قاطع‪ ,‬بل مجرد أنك وضعتها باالنتظار يك تتمكن من قياس صحتها عقالن ًّيا وحس ًّيا‪ ،‬بل كان من‬ ‫قمت به من اإلختبارات ما ا ّدعيت‪ .‬وهكذا إذن سيكو ُن من غري الطبيعي‪،‬‬ ‫املمكن أن تتقبل هذه الفكرة إن َد َع َمت ما َ‬ ‫فضت هذه االختبارات واعتربت ُها إهان ًة يل‪ ،‬وإتهمتك بأنك ُم ِم ٌّل وضعيف الخيال‪ ،‬ملجرد‬ ‫بل سيكون تعصباً من عندي لو َر ُ‬ ‫أنك أصدرت حكماً ˝غري مثبت˝‪.‬‬ ‫‪37‬‬


‫التنني يف غرفتي‬ ‫‪Alnajafi Atheistic‬‬

‫ولنفرض أ ّن األمر سار عىل شكلٍ مغاي ٍر‪ ّ،‬فمع أ ّن التنني كان خف ّياً‪ ,‬لكننا وجدنا له آثا ًرا‪ ،‬فظهرت لنا أشكال أقدام ِه عىل‬ ‫ِ‬ ‫رش الحراري حني و ّجهناه قرب املِدفأة‪ ،‬وظهر لنا شكل تن ٍني مشقوقِ‬ ‫يتاميل يف الهواء أمامنا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫العرف‬ ‫الدقيق‪ ،‬وقفز املؤ ُ‬ ‫كنت شاكاً يف وجود التنانني التي تطلق النار – ناهيك عن التنانني الخفية – فستعرتف أ ّن هنالك قرب تلك املدفأة‪،‬‬ ‫فمهام َ‬ ‫يش ٌء ما يشبه بصور ٍة مبدئي ٍة تنيناً يُطلِق النار‪.‬‬ ‫سيناريو آخر‪ ،‬فلنفرتض أنني لست وحي ًدا يف هذا اال ّدعاء وهناك العديد من جريانك يف الحي ي ّدعون وجود تنيناً يف‬ ‫غُر ِفهم‪ ،‬رغم أن بعضهم ال يعرف البعض اآلخر‪ .‬وبدأنا نذيع هذه اال ّدعاءات عىل مسامع الناس‪ ,‬ونطلب ِمنهم البحث‬ ‫عن التَنانني يف غُر ِفهِم‪ ,‬حتى تفاقم بنا األمر إىل أن غدونا نشعر باإلهانة ونثور لو جاء أح ُدهم وطلب م ّنا دليالً عىل ما‬ ‫ٍ‬ ‫وإمكانيات عقلي ٍة جيدة‪ ,‬ولكننا نتك ّهن‪ ،‬ما سيعني‬ ‫طائش بيننا‪ ،‬جميعنا نتمتع بصح ٍة‬ ‫شخص مجنو ٌن أو ٌ‬ ‫ن ّدعيه‪ .‬ال يوجد ٌ‬ ‫أفضل عدم وجود التنني يف غرفتي‪،‬‬ ‫فيام لو كان إدعاؤنا صحيحاً‪ ،‬وكانت التنانني تختبؤ يف غرف العامل‪ .‬يف الحقيقة‪ ،‬أنا ّ‬ ‫قص ُه الصين ّيون القدماء حول التنانني أكرث من مجرد أسطورة؟ ماذا لو كان حقيقة؟‬ ‫ولكن‪ ،‬ماذا لو كان ما ّ‬ ‫أقدام تشابه يف حجمها حجم أقدام التنني لدى بعض الناس‪ ،‬ولكن كلام أقرتب أحد املشككني‬ ‫وما أثلج صدري‪ ،‬ظهور آثا َر ٍ‬ ‫ال تظهر هذه اآلثار بشكل يدعو للتساؤل ما إذا كانت تلك اآلثار قد تم إصطناعها‪ .‬ثم بدأت موج ٌة أخرى من األدلة‬ ‫الحسية عىل وجود التنني‪ ،‬وظهر لدينا أحد عشاق التنانني بإصبعٍ محرتقٍ ليعزوه إىل نفثات التنني النارية والتي من‬ ‫ٍ‬ ‫نفثات‬ ‫أي‬ ‫النادر جدا ً أن تحصل ألحدهم‪ ،‬ولكننا نعلم أ ّن هناك العديد من الطرق ليك يحرتق اإلصبع دون أن تتدخل ّ‬ ‫ناري ٍة للتنني املزعوم‪ ،‬ذلك الدليل الذي طرحه عاشق التنانني هذا‪ ،‬أبعد ما يكون عن الدليل الدامغ املقبول‪ ،‬بغض النظر‬ ‫عن أهميته لدى بقية عشاق التنانني‪ .‬ومر ًة أخرى‪ ،‬فإ ّن النهج املقبول حالياً يكون برفض فرضية التنني مبدئياً‪ ،‬وأن نكون‬ ‫متفتحني إىل البيانات الفعلية يف املستقبل‪ ،‬وأن نتساءل ما قد يكون السبب يف أن الكثري من الناس – من العقالء واملتزنني‬ ‫– يشرتكون يف نفس الوهم الغريب‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫نضوج فهمنا للكون‬ ‫مشكلة التصميم‬ ‫كث ًريا ما نصادف يف الطبيعة أشياء ال تبدو مص ّممة‪ ،‬مثل أي صخر ٍة‬ ‫عادي ٍة قامت قوانني الفيزياء بتحويلها إىل شكلٍ عشوايئ‪ ،‬ولكن هذه‬ ‫القوانني ذاتها ميكنها بنفس الطريقة إنشاء يش ٍء كصخر ٍة تبدو عىل‬ ‫شكل حذاء‪ ،‬أو صخر ٍة تبدو كبطةأو كبيض ٍة‪،‬‬

‫‪39‬‬

‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬ ‫األمر هنا نتج بفضل الفيزياء وما يزال ال يعني شيئا‪ ،‬ميكننا‬ ‫قول نفس اليشء عن بلورات الكوارتز الفاتنة‪ ،‬فهي عبار ٌة‬ ‫عن ذر ٍ‬ ‫بتنسيق موح ٍد مام يعكس‬ ‫ات من نفس النوع ترتتب‬ ‫ٍ‬ ‫جاملها األخّاذ‪ ،‬وهناك نو ٌع آخر من البلورات ويسمى ˝زهرة‬ ‫الصحراء˝‪ ،‬ويبدو ألول وهلة وكأنها صنعت بيد صائ ٍغ‬ ‫ماهر‪ ،‬كل هذه األشياء هنا هي عادية وليست مص ّممة‪ ،‬لذا‬ ‫سأضعها يف قامئة واحدة اسمها (املواد البسيطة)‪ ،‬وميكنني‬ ‫وضع الغيوم والنجوم بهذه القامئة‪ ،‬فهي ليست مص ّممة‬ ‫ووصلت إىل شكلها الحايل مبجرد صدفة توفر العوامل‬ ‫وبعض القوانني الفيزيائية‪.‬‬ ‫لننظر اآلن إىل بعض األشياء املص ّممة‪:‬‬ ‫هنا لدينا مجهر‪ ،‬ال يستطيع أحدٌ القول بأنه تكون تلقائ ًيا‬ ‫من تلقاء نفسه‪ ،‬فكل يش ٍء فيه مصمم‪ ،‬مثل هذا األنبوب‬ ‫الذي ننظر من خالله‪ ،‬مع العدسة التي ببدايته والعدسة‬ ‫التي بنهايته واملرآة التي تعكس الضوء إىل انبوب القطعة‬ ‫العينية‪ ،‬والقرص الدوار الخاص بتغيري قوة التكبري‪ ،‬واللولب‬ ‫لتحريك العدسة الحكام املطابقة‪ ،‬وهو محز ٌز بشكلٍ يُس ّهل‬ ‫مصمم حاله حال اآللة‬ ‫اإلمساك والتحكم به‪ ،‬فاملجهر يش ٌء‬ ‫ٌ‬ ‫الحاسبة وساعة الجيب!‬

‫هناك الكثري من األشياء التي تبدو مص ّممة بشكلٍ رصيح‪،‬‬ ‫فام اليشء املشرتك بينها؟‬ ‫الجواب هو أن كالً منها يخدم هدفـًا محدداً‪ ،‬وال نستطيع‬ ‫مناسب‬ ‫القول بأنها قد ُوجدت بطريقة عشوائية‪ ،‬فاملجهر‬ ‫ٌ‬ ‫جدً ا يف تحقيق الهدف املرجو منه‪ ،‬أال وهو تكبري األشياء‬ ‫الصغرية وبالتايل من املستحيل القول أنه قد وجد عن‬ ‫طريق الصدفة!‬

‫‪40‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬ ‫و اآلن إذا تالعبنا برتتيب ذرات ماد ٍة ما فمن املمكن أن‬ ‫نحصل عىل الكريستال‪ ،‬لكن لن نحصل عىل مجه ٍر من نفس‬ ‫العملية حتى لو حاولنا هذه ملليارات مليارات السنني‪.‬‬ ‫لنأخذ مثاالً آخر‪ :‬آنية فخارية من التي تستعمل عاد ًة‬ ‫غرض أبسط بكثريٍ من املجهر لكنها تخدم‬ ‫لحفظ املاء‪ ،‬إنها ٌ‬ ‫هدفها الذي تم تصميمها ألجله بشكلٍ ممتاز‪ .‬من الواضح‬ ‫كذلك أنها مص ّممة‪.‬‬ ‫ما إن عرفنا هدفها وهو حمل املاء ميكننا حينها الخروج‬ ‫بقياس لجودتها يف تحقيق هدفها مبقارنة تكلفتها التي هي‬ ‫ٍ‬ ‫كمية الفخار الذي استعمل بصنعها وجودتها مبقدار املاء‬ ‫الذي يحفظ بها‪ ،‬أي أن جودة اآلنية تقاس مبقارنة وزن‬ ‫الفخار إىل وزن املاء الذي تحفظه اآلنية‪.‬‬ ‫بجسم مل يصنعه البرش‪ ،‬وهو مجرد صخر ٍة‬ ‫و اآلن لنقارنها‬ ‫ٍ‬ ‫طبيعي ٍة ميكنها أيضً ا اإلحتفظ باملاء‪ ،‬ال يبدو أنها تستطيع‬ ‫احتواء الكثري من املاء بسبب كرثة الصخر بها‪ ،‬فتكون نسبة‬ ‫فعاليتها قليلة‪ ،‬ولهذا نستطيع الحكم بأنها ليست غرضً ا‬ ‫ٌ‬ ‫بسيط شاءت الصدفة أن يكون‬ ‫غرض‬ ‫مصمم‪ ،‬بل هي ٌ‬ ‫اً‬ ‫شكله هكذا‪.‬‬ ‫لقد قسمنا األشياء إىل مص ّممة وبسيطة‪ ،‬لكن اآلن أو ّد‬ ‫أن أعرض عليكم مجموع ًة أخرى من األشياء التي ليست‬ ‫بسيطة‪ ،‬وسأبينّ لكم أنها أيضً ا غري مص ّممة رغم أنها تبدو‬ ‫مص ّممة لدرج ٍة مقنع ٍة وسأسميها‪˝ :‬األشياء التي تبدو‬ ‫مص ّممة˝‪.‬‬ ‫فاألشياء التي تبدو مص ّممة حصلت عىل شكلها بفعل‬ ‫عملي ٍة مختلف ٍة سنتطرق إليها الحق ًـا‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬

‫قد يكون من الصعب القول يف هذه املرحلة أن األشياء التي تبدو مص ّممة هي يف الحقيقة غري مص ّممة‪ ،‬لكن مهالً‪..‬‬ ‫لننظر إىل اليشء األول الذي يبدو أنه مص ّمم ‪:‬‬ ‫مصمم بشكلٍ‬ ‫لدي هنا ثعبان اسمه ( ‪ ،) Squeeze‬وهو كائن فقري يعدُّ مثاالً رائ ًعا للفكرة‪ ،‬فهذا الثعبان يبدو وكأنه‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫جميلٍ‬ ‫لهدف ما‪ ،‬مثل ابتالع الفرائس الكبرية‪ ،‬ورس قدرته عىل ابتالعها يكمن بالرأس‪ ،‬فهو يستطيع أن يفصل عظام‬ ‫حجم أكرب من حجمه الظاهري ليبتلع شي ًئا أكرب مام تتوقعون‬ ‫رأسه عن بعضها (تحت الجلد بالطبع) فينفتح الرأس إىل ٍ‬ ‫منه ‪.‬‬

‫ويعدُّ لون جلد الثعبان متوي ًها رائ ًعا له يف الغابة‪ ،‬الثعبان فقد أطرافه بسبب عملية التطور حاله حال الكثري من‬ ‫الزواحف التي فقدت أطرافها خالل عملية تطورها‪ ،‬لذلك يتحرك الثعبان ويالحق فريسته زاحفًا‪.‬‬ ‫كائن حي ال تكفي لنعرف ما هي إمكانيات بنية ومكونات جسمه‪،‬‬ ‫مجرد نظرة خارجية إىل ثعبان ‪ Squeeze‬أو أي ٍ‬ ‫فكائنات مثله ليست معقدة كاملجهر وحسب‪ ،‬بل معقدة أكرث من املجهر ملاليني املرات‪.‬‬

‫‪42‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬ ‫وعطفاً عىل موضوع األواين‪ ،‬لدينا هنا آنية تبدو وكأنها مص ّممة ‪:‬‬ ‫إنها النبات القانص للحرشات (النبات االبريقي ‪Pitcher‬‬ ‫‪( )Plant‬صورة ‪ ،)7‬وعاؤه ميل ٌء باملاء ويشكّل مصيد ًة‬ ‫للحرشات التي تعلق بالوعاء وتغرق‪.‬‬ ‫إذا شاهدنا هذا النبات من بداية تكوينه سرنى أنّ‬ ‫هذا الوعاء هو باألصل ورقة متحورة لهذا الغرض‪،‬‬ ‫تنمو كورق ٍة عادي ٍة ثم يتغري شكلها إىل شكل وعاء‪،‬‬ ‫فحني تقف الحرشة عىل فوهة الوعاء تنزلق إىل الداخل‬ ‫بسبب وجود طبق ٍة زلق ٍة عىل حواف الوعاء العلوية‪،‬‬ ‫فتغرق يف املاء وتتحلل ويهضمها النبات‪.‬‬ ‫يف الصورة نشاهد أحد تلك النباتات‪ ،‬لنالحظ الوعاء والغطاء‬ ‫باألعىل‪ ،‬وتوجد يف الداخل طبق ٌة زلق ٌة وكمي ٌة من املاء‪ ،‬يبدو‬ ‫مصمم بعناية‪ ،‬فإذا حسبنا قدرة الوعاء‬ ‫غرض‬ ‫هذا االبريق وكأنه ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫عىل اإلحتفاظ باملاء املوجود بالداخل إىل مقدار النبات املستخدم‬ ‫يف بناء الوعاء فالنتيجة ستكون جيدة بالفعل‪.‬‬

‫إضاف ًة إىل ذلك‪ ،‬إذا شاهدنا مقط ًعا عرض ًيا لهذا النبات فسرنى أن تركيبه‬ ‫تركيب فري ٍد‪ ،‬يسمح بتمرير مقدا ٍر كبريٍ من‬ ‫معقدٌ جدً ا‪ ،‬فخاليا الوعاء ذات‬ ‫ٍ‬ ‫األوكسجني إىل املاء الذي بداخل وعاء النبات‪ ،‬ولهذا تأثريٌ مفيدٌ للنبات‪ ،‬ففي‬ ‫يرقات حرش ٍ‬ ‫ات أخرى صغري ٌة جدً ا‪ ،‬ولكن ما فائدة هذه الكائنات؟‬ ‫ُ‬ ‫املاء تعيش‬ ‫فكوك ليم ّزق‬ ‫مبا أن وظيفة الوعاء هنا إفرتاس الحرشات‪ ،‬علينا أن ندرك أن النبات ليس لديه‬ ‫ٌ‬ ‫الريقات بأكل الفريسة‬ ‫ُ‬ ‫الحرشة‪ ،‬لهذا يعتمد النبات االبريقي عىل هذه الحرشات يف ذلك (يستخدم فكوكها)‪ ،‬فتقوم‬ ‫وتخرج الفضالت من جسمها‪ ،‬وهذه الفضالت هي ما سيتغذى عليه النبات‪ ،‬وكأن النبات يقوم بتسميد نفسه ذات ًيا‪،‬‬ ‫خاصا من‬ ‫وبطريق ٍة ال مثيل لها يف النباتات األخرى‪ ،‬فالنبات االبريقي بطريقته املبتكرة هذه يضمن لنفسه مخزونًا ً‬ ‫السامد‪ ،‬وباملقابل يقدّ م بيئ ًة جيد ًة لهذه الريقات‪ ،‬تتمثل يف ما ٍء وأوكسجني متجددين ليك تستطيع الريقات العيش‬ ‫هناك‪.‬‬

‫‪43‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬ ‫هنا وعا ٌء آخر صنعته حرشة من تحت رتبة الدبابري‬ ‫‪ ،Vespidae‬تسمى الدبور الخ ّزاف ‪ ،Potter Wasp‬وهذا‬ ‫النوع ال يعيش بشكلٍ‬ ‫جامعي مثل خاليا النحل‪ ،‬بل يعيش‬ ‫ٍ‬ ‫منفر ًدا‪ ،‬حيث تصنع انثى هذا النوع وعا ًء لتضع بيضها‬ ‫ٍ‬ ‫يرقات بداخله‪ ،‬وعا ٌء جميل‬ ‫فيه‪ ،‬ليفقس ويتحول إىل‬ ‫يشبه اآلنية الفخّارية التي نرشب منها‪.‬‬

‫وهذا وعا ٌء آخر من ُصنع النحل الب ّناء ‪ ،Mason Bee‬إنه‬ ‫متق ٌن وجميل‪ ،‬ويُستخدم لنفس الغرض الذي ُصنع ألجله‬ ‫ٍ‬ ‫كمنزل‬ ‫وعاء الدبور الخ ّزاف‪ ،‬لكنه يختلف يف بُنيته ويـبدو‬ ‫من ُصنع البرش‪ ،‬فهو مكونٌ من حجار ٍة صغري ٍة قامت أنثى‬ ‫النحل بجمعها وإلصاقها م ًعا لبناء هذا الوعاء الجميل‪.‬‬

‫ٌ‬ ‫مثال آخر عىل أسلوب بناء ُيوحي بأنه ُمص َّمم‪ ،‬هذه‬ ‫أحجار امليغاليت ‪ Megalith‬الضخمة‪ ،‬التي تشبه الـ‬ ‫‪ - Avebury Stonehenge‬أحجا ٌر أثري ٌة يف إنجلرتا ‪ -‬تم‬ ‫بناؤها بواسطة أرضة البوصلة ‪Compass Termite‬‬ ‫ٌ‬ ‫أعشاش ضخم ٌة وكأنها مبانٍ مملوء ٌة‬ ‫يف أسرتاليا‪ ،‬وهي‬ ‫بالشقق السكنية‪( ،‬من املؤكّد أنها عىل مقياس النمل تبدو‬ ‫كأنها ناطحات سحاب فعالً)‪ ،‬كلها مبني ٌة بشكلٍ مسطحٍ‬ ‫باتجاه شاميل جنويب وهذا يش ٌء مذهل‪ ،‬ألنهم يستفيدون‬ ‫من ضوء الشمس يف الصباح عىل جانب‪ ،‬وكذلك من ضوء‬ ‫الشمس يف املساء عىل الجانب اآلخر‪ ،‬وهكذا يدفئون‬ ‫أعشاشهم يف الفرتات الباردة من اليوم‪ ،‬أما يف الفرتات‬ ‫الحا ّرة‪ ،‬فإن أش ّعة شمس منتصف النهار تصيب قمة‬ ‫العش ال سطحه الجانبي‪ ،‬فال تسخن أعشاشهم كث ًريا‪،‬‬ ‫ولذلك ُس ِّم َي بأرضة البوصلة‪ .‬فإن كنت يف الصحراء‪،‬‬ ‫بإمكانك دامئًا تحديد اإلتجاه الشاميل الجنويب مبجرد النظر‬ ‫ألعشاش أرضة البوصلة‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬

‫وقد الحظ أخصايئ السلوك النمساوي ‪ ،Karl Von Frisch‬أن البرش لو قاموا بإنشاء أبني ٍة مثل تلك التي تبنيها حرشة‬ ‫األرضة‪ ،‬وبنفس نسبة الحجم‪ ،‬فإنها ستكون أربعة أضعاف عل ِّو مبنى اإلمباير ستيت (ناطحة السحاب الشهرية يف‬ ‫معامري بار ٌع بالفعل!‬ ‫مهندس‬ ‫الواليات املتحدة)‪ ،‬إ ًذا األرضة هي‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫هذه األشياء التي تبدو أنها مص ّممة توحي‬ ‫بأنها مص ّممة وهي مبهرة بالفعل‪.‬‬ ‫سننتقل اآلن من األشياء التي تبدو أنها مص ّممة‬ ‫من قبل الحيوانات إىل تصميم الحيوانات‬ ‫نفسها‪ ،‬التصميم الظاهري للحيوانات نفسها‪.‬‬ ‫وسنبدأ بالتمويه ‪ ،Camouflage‬هذا الكائن‬ ‫عشب بحري )‪ ،‬وهو يف‬ ‫يبدو متا ًما كأنه‬ ‫ٌ‬ ‫الحقيقة سمكة فرس البحر‪ ،‬هل ترون رأسه‬ ‫وهذا جسمه‪ ،‬وهذه الزوائد املتفرعة التي‬ ‫بحري‪،‬‬ ‫عشب‬ ‫تجعل جسمه يظهر لنا كأنه‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ولذلك يختبئ فرس البحر بني األعشاب البحرية‬ ‫كامل‪.‬‬ ‫للتمويه‪ ،‬وهو تقري ًبا متويهٌ ٌ‬ ‫ولدينا هنا ٌ‬ ‫مثال آخر وهو لحرش ٍة ورقي ٍة ‪Leaf‬‬ ‫‪ ،) Insect‬نالحظ الدّ رع هنا فوق الصدر‪،‬‬ ‫والرأس‪ ،‬وهنا األجنحة‪ ،‬وعند حركتها تظهر‬ ‫ُ‬ ‫متا ًما كأنها ورقة‪.‬‬ ‫وهناك يش ٌء يظهر كأنه نبت ٌة‪ ،‬وهو يف الحقيق ِة‬ ‫ثعبانٌ أخرض)‪ ،‬ويف الصورة التالية قد تظنون‬ ‫وغصن أخرض‬ ‫برعم يف طرفها‬ ‫ٍ‬ ‫أنها لنبت ٍة مع ٍ‬ ‫طويل‪ ،‬لكن حني نصل لنهايتها األمامية‪ ،‬سنجد‬ ‫أنها متلك عينني وقرون استشعار وسيقان‪ ،‬إنها‬ ‫يف الواقع حرش ٌة عصو َّية ‪. Stick Insect‬‬

‫‪45‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬

‫ألسباب مفهومة‪ ،‬ولكن هناك أيضً ا أشياء تبدوا أنها‬ ‫تشبه الحيوانات املموهة يف مظهرها األشياء الغري صالحة لألكل‬ ‫ٍ‬ ‫ألسباب أخرى‪ ،‬ألنها تقوم بنفس الوظيفة‪ ،‬وهذا ما ُيس َّمى بالتط ّور املتقارب‬ ‫مص ّممة تشابه أشياء تبدو أنها مص ّممة‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ،Convergent Evolution‬لدينا مثالً قنف ٌذ عادي )‪ ،‬وهذا بجانبه ليس قنفذ‪ ،‬رغم انه يبدو كقنفذ‪ ،‬إنه آكل النمل‬ ‫عادي ألنه يضع البيض‪ ،‬وهو بدا ٌّيئ جدً ا من أسرتاليا‬ ‫ثدي ِّ‬ ‫الشائك ‪ Spiny Anteater‬وهو من الثدييات)‪ ،‬لكنه ليس ِّ‬ ‫وغينيا الجديدة‪ .‬ويف الواقع طريقة حياته تختلف عن حياة القنفذ‪ ،‬فهو يأكل النمل بينام يأكل القنفذ حرش ٍ‬ ‫ات مختلفة‬ ‫وديدان‪ .‬لكن كالهام يتخذان املظهر الشائك للحامية‪ ،‬ويتشابهان باملظهر الخارجي‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫مثال عىل التط ّور املتقارب‪.‬‬

‫لدينا ٌ‬ ‫مثال أفضل عىل التط ّور املتقارب وهو الذئب الجرايب ‪) Marsupial Wolf‬صورة ‪ ،)19‬لو رأيته يف الشارع ستظنه‬ ‫كل ًبا من نو ٍع غريب‪ ،‬ألن الكالب ليس لها هذ الشكل من الذيل‪ ،‬لكن هذا ليس كل ًبا وليس له عالقة بالكالب‪ ،‬إنه منر‬ ‫تاسامنيا‪ ،‬وهو أقرب للكنغر والدببة األسرتالية والكواال‪ ،‬وقد انقرض حديثًا لألسف‪ ،‬يف القرن العرشين يف تاسامنيا‪،‬‬ ‫ومنذ بضعة آالف من السنني يف موطنه األم أسرتاليا‪ ،‬وهو يقوم بنفس السلوك‪ ،‬يركض ويصطاد الفرائس كالكلب متا ًما‪،‬‬ ‫ولهذا لديه نفس شكل وبنية الكلب‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬

‫والهيكل الداخيل أيضً ا مشابهٌ للكالب‪ ،‬هذه جمجة كلب وهذه جمجمة الذئب التاسامين‪ ،‬إنها أكرب قليالً ولك ّن حجمها‬ ‫مرتبط بحجم الجسم )‪ ،‬والطريقة الوحيدة لنف ّرق أ ُّيهام الكلب وأ ُّيهام الذئب الجرايب هي بالنظر إىل الداخل‪ ،‬فنجد‬ ‫فتحتان يف سقف الحنك لدى الذئب الجرايب النراها عند الكلب)‪.‬‬

‫وحتى األشياء املص ّممة بالفعل تـتـشابه أحيانًا ألنها تقوم بنفس الوظائف‪ ،‬فالطائرات ‪ -‬عىل اختالف مصنعيها ‪-‬‬ ‫تـتـشابه ليس بسبب التجسس الصناعي‪ ،‬وال التـقليد‪ ،‬بل ألن النفق الهوايئ (الذي يستخدم يف تصميم الطائرات من‬ ‫خالل إختبار إيروديناميكية التصميم) يقوم بتقريب الفروقات وجعل اإلختالف يتناقص‪.‬فهذه الطائرات تم تصميمها‬ ‫لنفس الهدف‪ .‬وحني تُص ِّمم الطائرات لهدف الطريان برسعة يف الجو ونقل حمولة كبرية من املسافرين فإنها ستظهر‬ ‫متشابهة يف النهاية‪ ،‬بنفس الطريقة التي ظهر بها الكلب والذئب الجرايب متشابهان‪ .‬وهكذا نكون قد رأينا التقارب بني‬ ‫اثنني من األشياء التي تبدو كأنها مص ّممة‪ .‬وبني اثنني من األشياء املص ّممة فعالً‪.‬‬ ‫ماذا عن التقارب بني األشياء املص ّممة واألشياء التي تبدو كأنّها مص ّممة؟‬ ‫‪47‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬

‫حسنا هنا كامريا تصوير وهي من االشياء املص ّممة وهنا مجسم لعني والتي هي من األشياء التي تبدو أنها مص ّممة )‬ ‫صورة ‪ ،)22‬كالهام يعمل بنفس الطريقة‪ ،‬فكالهام له عدسة يف االمام والتي تنقل الصورة عىل سطح رقيق وحساس يف‬ ‫الخلف‪ ،‬يف العني تسمى شبكية العني ويف الكامريا هو الفلم‪ ،‬وهناك تشابه يف التفاصيل فكالهام له بنية تفتح وتُغلق‬ ‫لتنظم كمية الضوء الداخلة‪ ،‬وهي القزحية يف العني والحظار يف الكامريا‪ ،‬يف الكامريات االوتوماتيكية كمية الضوء‬ ‫الداخلة والخارجة منظمة اوتوماتيك ًيا بحساس ضويئ‪ ،‬فعندما تكون هناك اضاءة عالية فأنها تلقائيا تغلق الفتحة ويف‬ ‫الظلمة تفتح اكرث‪ ،‬والعني البرشية أيضً ا لها مقياس ضويئ تلقايئ‪.‬‬ ‫فلو وضعت مصباح ضويئ باتجاه العني البرشية فسرتى‬ ‫بوضوح كيف ان قزحية العني تنفتح وتنغلق حسب‬ ‫كمية الضوء الداخل‪.‬‬ ‫وهنالك العديد من االمثلة عىل األشياء الحية تكون‬ ‫مشابهة ملا يصممه اإلنسان املهندس‪.‬‬ ‫نكتفي من االمثلة عىل أن هناك ما مييز األشياء الحية‪،‬‬ ‫فهي تبدو أنها مص ّممة حقًا‪.‬‬

‫لقد أسميناها ˝االشياء التي تبدو أنها مص ّممة˝‪ ،‬واطلب‬ ‫منكم أن تقبلوا هذا املصطلح رغم أنه من املغري جدً ا‬ ‫القول أنها مص ّممة‪ ،‬كام رشحنا أن هناك آلية خاصة تأيت‬ ‫باألشياء التي تبدو أنها مص ّممة إىل الوجود‪ ،‬وتعطيها‬ ‫شكلها الذي تبدو معه أنها مص ّممة حقاً‪ ،‬لكن‪ ،‬ما هي هذه‬ ‫اآلليات الخاصة؟‬ ‫ٍ‬ ‫الجواب لهذا السؤال تم اكتشافه – بشكلٍ‬ ‫حديث نسب ًيا‪،-‬‬ ‫يف منتصف القرن التاسع عرش‪ ،‬أحد أعظم االكتشافات يف‬ ‫التاريخ قام بها أحد أعظم علامء البرشية‪ ،‬وهو ˝تشارلز‬ ‫داروين˝ )‬ ‫‪48‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬

‫بعد فرت ٍة طويل ٍة من اكتشافه ملبدأ التطور باالنتخاب الطبيعي‪ ،‬كتب دارون كتابه الشهري ˝أصل اآلنواع˝‪.‬‬ ‫وبدأ طرحه لالنتخاب الطبيعي بتعريفه له من خالل عملي ٍة أخرى تدعى ˝االنتخاب االصطناعي˝ او ˝االستيالد اآلنتقايئ˝‪.‬‬ ‫فالكثري من الخرضاوات لتي نعرفها تم توليدها من قبل البرش ألغراض التغذية‪ ،‬فهنا امللفوف العادي والقرنبيط‬ ‫وامللفوف األحمر ونوع آخر من القرنبيط هو بروكويل والكرنب امللفوف والكرنب السلقي‪ ،‬كل نوع من هذه النباتات‬ ‫املختلفة ظهرت اعتبا ًرا من السلف األصيل الربي أو امللفوف الربي‪ ،‬فالكرنب السلقي له جذع منتفخ‪ ،‬القرنبيط له زهرة‬ ‫متضخّمة‪ ،‬وكذلك الربكويل ولكن بشكل مختلف‪ ،‬فهي كلها انحدرت خالل األلفي سنة األخرية من نفس السلف الربي‬ ‫الذي هو امللفوف الربي )‪.‬‬ ‫مع ذلك لو أخذت نبات امللفوف الربي للبيت وربيتها لبعض الوقت وسقيتها املاء بشكل مناسب واعتنيت بها فإنها‬

‫‪49‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬

‫ستكرب لتصبح ملفو ًفا بريًا‪ ،‬ولن تكون مشابهة ألي من هذه الخرضاوات او ألي من أنواع امللفوف وهذه هي النقطة‬ ‫التي أنا بصددها‪ ،‬فهذه األنواع جمي ًعا انحدرت من امللفوف الربي ولكن كل واحدة منها مختلفة جدً ا عنه‪.‬‬ ‫املثال اآلخر عىل االنتخاب االصطناعي‪ ،‬أنسال الكالب املنزلية تم تكاثرهم من نفس السلف الجد وهو الذئب الرمادي‬ ‫)‪ ،‬الكالب تبدو مختلفة جدً ا عن بعضها‪ ،‬ومن الصعب التصديق بأنهم كانوا من نفس النوع لكنهم هذا بالفعل‬ ‫جميعهم انحدرو من نفس النوع الذي هو الذئب‪ ،‬اآلن ماهو االنتخاب االصطناعي او االستيالد اآلنتقايئ الذي يجعلك‬ ‫تنتقل من ذئب إىل كلب من هذا النوع أو ذاك؟ سنرشحه لكم بطريق ٍة مخترص ٍة جدً ا‪ ،‬نبدأ فيها بالسلف املشرتك‪:‬‬ ‫الذئب‪.‬‬ ‫ذئاب بهدف جعلها أصغر فأصغر‪ ،‬وعىل‬ ‫ليكن لدينا فريقني من مريب الحيوانات‪ ،‬عىل الفريق األول تربية وانتاج ٍ‬

‫الفريق الثاين انتاج ذئاب اكرب فاكرب‪ ،‬اذا كنت يف الفريق األول الذي يسعى إلنتاج سالل ٍة صغرية‪ ،‬ومع كل والد ٍة ألنثى‬ ‫الذئب‪ ،‬ستأخذ الجراء التي هي أصغر قليالً من الحجم املتوسط‪ ،‬لتهجنها وتحصل منها عىل الساللة التالية‪ ،‬واذا كنت‬ ‫حجم‪.‬‬ ‫يف الفريق اآلخر‪ ،‬ستختار من الجراء األكرب اً‬ ‫تأخذ العملية زم ًنا طويالً‪ ،‬جيالً بعد جيل‪ ،‬قام خالله الفريق األول بتهجني الذئاب الصغرية الحجم نسب ًيا مع بعضها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أجيال رمبا بعد مئات او آالف األجيال‪،‬‬ ‫والفريق الثاين فعل نفس اليشء مع الذئاب الكبرية الحجم نسب ًيا‪ ،‬وبعد عدّ ة‬ ‫وكالب تشبه السلف‬ ‫أخ ًريا سوف تنتهي بشئ كهذا‪ ،‬حجم كبري من الكالب منتجة من خالل تناسل ذئاب أكرب فأكرب‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫حجم صغريٍ ناتج ُة عن تناسل ذئاب أصغر فأصغر‪.‬‬ ‫املشرتك الذي بدأت به‪،‬‬ ‫وكالب ذات ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫مهتم جدً ا بالحامم‪.‬‬ ‫تشارلز داروين كان مهتام جدا بالكالب‪ ،‬وكان أيضً ا اً‬ ‫‪50‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬

‫هذا حامم مارشينريو كروبر ‪ .) Marchenero cropper‬وهو نو ٌع تم انتاجه من خالل االنتخاب االصطناعي من‬ ‫الحامم الربي‪ ،‬ويف هذه الحالة فقد تم انتاجه لسمك الريش ولحجم الحوصلة‪ ،‬تستطيع أن ترى الحوصلة الكبرية‬ ‫الحجم املنتفخة بهذا الشكل‪ ،‬وأيضً ا تستطيع ان ترى كم أن حجم الريش كبري‪.‬‬ ‫وهذه هنا حاممة أهلية مهجنة )‪ ،‬بأمكانك ان ترى أنه تم انتاجها ألجل هذا العرف الصغري خلف الرقبة‪ ،‬وأيضً ا ألجل‬ ‫الحلقة الحمراء حول العني‪.‬‬ ‫وهنا حاممة البهلوان اآلنكليزية ) ذات الوجه القصري‪ ،‬بامكانك رؤية الوجه القصري االستثنايئ وأيضً ا املنقار الصغري‪،‬‬

‫هذا أيضً ا من انتاج االنتخاب االصطناعي‪ ،‬متا ًما مثل حالة الكالب وامللفوف‪.‬‬ ‫املنقار صغري جدً ا يف حالة حاممة البهلوان اآلنكليزية ذات‬ ‫الوجه القصري‪ ،‬وهذا الشكل غري قاد ٍر بعد اآلن عىل إطعام‬ ‫صغاره‪ ،‬لهذا فإن الطريقة الوحيدة لرتبيته هي تربية‬ ‫حامم من نوع آخر‪ ،‬وباملناسبة‪ ،‬نفس األمر‬ ‫صغاره يف عش ٍ‬ ‫يحدث مع كالب البلداغ‪.‬‬ ‫كالب البلداغ ‪ )Bulldog‬نو ُع من الكالب الناتجة عن‬ ‫رأس كب ٌري جدً ا بحيث تتعذر‬ ‫االنتخاب االصطناعي‪ ،‬له ٌ‬ ‫والدته‪ ،‬والطريقة الوحيدة لوالدته هي من خالل العملية‬ ‫القيرصية‪ ،‬لذلك فان كل النوع معتمد عىل البرشية ليبقى‪،‬‬ ‫إذا انقرضنا فإن كالب البلداغ ستنقرض!‬

‫‪51‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬

‫االنتخاب االصطناعي هو العملية التي تنتج هذه الكالب والحاممات وامللفوف‪ ،‬وهو عملي ٌة بطيئ ٌة لرناها ضمن حيا ٍة‬ ‫واحدة‪ ،‬لكن ميكن لنا محاكاتها عن طريق استخدام الكمبيوتر‪ ،‬مثل برنامج ˝آرثرومورفس ‪ ،˝arthromorphs‬الربنامج‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لكائنات إفرتاضية تسمى اآلرثرومورفس‪ ،‬املربع الذي يف الوسط ميثّل شكل‬ ‫أشكال‬ ‫مربعات تحتوي عىل‬ ‫يعرض تسع‬ ‫ٍ‬ ‫مربعات هم مثانية أبناء من الجيل األول مشابه ًة لالبوين‪ ،‬لكن هناك تغي ٌري ورا ٌيث أو‬ ‫األبوين‪ ،‬وحول هذا املربع مثانية‬ ‫ٌ‬ ‫تحول عشوا ٌيئ صغري يحدث عند اإلنتقال من اآلباء إىل األبناء‪ ،‬ويتم توليد جيل أبناء اآلرثرومورفس بالنقر عىل أحد‬ ‫األبناء من املربعات الثامنية حول مربع األب‪ ،‬لينتقل املربع الذي اخرتته للوسط ليكون األب للجيل القادم‪ ،‬وهكذا‪..‬‬ ‫فإذا نقرت عىل ارثرومورفس ذو أرجلٍ طويلة عىل سبيل املثال‪ ،‬ستالحظ أنّ كل الجيل القادم ذو أرجلٍ طويلة‪*.‬‬

‫الصورة متثل ثالث مراحلٍ متباعدة من الربنامج‪ ،‬حيث حدد الفرد املختار باطا ٍر أحمر‪.‬‬ ‫األفراد يف الربامج لها جينات وراثية تنتقل من اآلباء إىل األبناء‪..‬‬ ‫ماذا تعني كلمة جينات يف الكمبيوتر؟‬ ‫جينات وراثي ٌة حقيقي ٌة مصنوع ٌة من الحمض النووي ˝‪،˝DNA‬‬ ‫ٌ‬ ‫الجينات هنا طب ًعا ستكون مجرد أرقام‪ ،‬فهي ليست‬ ‫جينات مبعنى أنها تنتقل من جيلٍ إىل آخر‪ ،‬وليس هناك عملي ُة جنسي ُة بني أفراد الربنامج بل إنها جمي ًعا‬ ‫ٌ‬ ‫ولكنها‬ ‫مستنسخة الجنس ًيا مثل الحرشات العصوية أوحرشة املن‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫انتخاب اصطناعي‪ ،‬كام فعل أسالفنا بالكالب والحامئم‪،‬‬ ‫أجيال‪ ،‬وهو مبثابة‬ ‫والنقر عىل فرد اآلرثرومورفس ميررنا عرب عدّ ة‬ ‫ٍ‬ ‫دقائق مقارن ًة بالقرون التي استغرقها أسالفنا يف االنتخاب االصطناعي‪.‬‬ ‫لكن الفرق هنا‪ ،‬هو أن الوقت مجرد‬ ‫ٍ‬ ‫االنتخاب الطبيعي مشابهٌ لالنتخاب االصطناعي‪ ،‬الفرق بينهام أنّ االختيار ال يتم عن طريق البرش‪ ،‬امنا بواسطة‬ ‫الطبيعة‪ .‬فهي من يقوم باختيار األفراد القادرون عىل البقاء والتكاثر‪ ،‬وبصور ٍة تلقائية يتم اختيار الصفات الجيدة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أجيال من االنتخاب الطبيعي تكون مشابه ًة لنتائج االنتخاب االصطناعي‪.‬‬ ‫والنتيجة بعد عدّ ة‬ ‫‪http://arthromorphs.sourceforge.net/‬‬ ‫حاسوب استخدمه داوكنز خالل املحارضة ليقوم متطوع باختيار وتوليد أجيا ٍل جديد ٍة حسب الصفات املرغوبه‪.‬‬ ‫* راب ٌط لربنامج اآلرثرومورفس‪ :‬وهو برنامج‬ ‫ٍ‬

‫‪52‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬

‫هل ميكن لربنامج ‪ arthromorphs‬أن يقوم مبحاكاة االنتخاب الطبيعي بدالً من االنتخاب االصطناعي؟‬ ‫ألنه ‪-‬كام رأينا‪ -‬يقوم باالختيار للصفات بواسطة اإلنسان‪ ،‬فهل بإمكاننا بطريق ٍة ما أن نجعل الحاسوب يقوم باالختيار‬ ‫لوحدة حسب صفات يف الكائن يراها الربنامج جيدة؟‬ ‫املشكلة هنا أنه ليس من السهل تحديد الصفات التي ميكن للربنامج اعتبارها جيدة‪ ،‬ألن كائنات اآلرثرومورفس تعيش‬ ‫بيئ ٍة افرتاضي ٍة مختلف ٍة عن بيئة الكائنات الحية‪ .‬فالحاسوب يستخدم شاشة ثنائية األبعاد‪ ،‬حيث ال وجود للمفرتسات‪،‬‬ ‫وال فرائس أو طعام عليهم اإلمساك به‪.‬‬ ‫لهذا من األفضل لنا أن ننشئ منوذ ًجا ثنايئ األبعاد عىل الحاسوب ألحد األشياء التي تبدو مص ّممة‪ ..‬مثل شبكة‬ ‫العنكبوت‪.‬‬ ‫شبكة العنكبوت تهدف لصيد الذباب والفرائس األخرى‪ ،‬وهي شبك ُة ثنائية األبعاد‪ ،‬يبنيها العنكبوت بوضع أنصاف‬ ‫األقطار للشبكة‪ ،‬وبعدها يقوم بعمل الدوامة الهيكيلية‪ ،‬وهي عبارة عن سقالة داعمة‪ ،‬واآلن يقوم بعمل الدوامة‬ ‫الدبقة والتي تقوم باالمساك بالفرائس‪ .‬وتقع الذبابات سهواً يف الشبكة أثناء طريانها‪ ،‬فهي التقصد الذهاب إىل شبكة‬ ‫العنكبوت‪ ،‬بل يحدث هذا لسوء حظها فقط‪.‬‬ ‫لقد قمنا بتغذية الحاسوب بهذه الخطوات يف برنامجٍ ٍ‬ ‫خاص يقوم مبحاكاة طريقة صنع العنكبوت للشبكة‪ ،‬فأصبح‬ ‫الحاسوب يقوم بانشاء األقطار‪ ،‬ثم الدوامات الهيكلية وتليها الدوامات الدبقة‪ ،‬وقام املربمج برتتيب خطوات البناء‬ ‫أرقام كام رأينا يف برنامج ‪.Arthromorphs‬‬ ‫داخل الحاسوب تحت سيطر ٍة جينية‪ ،‬والجينات هنا عبار ٌة عن ٍ‬ ‫الشباك يف الربنامج ثنائية األبعاد‬ ‫كذلك‪ ،‬وأيضً ا وظيفتها صيد الذباب‪،‬‬ ‫وليس لدينا إنسانٌ يقوم باالختيار‬ ‫هنا‪ ،‬بل يقوم الربنامج بحساب‬ ‫فائدة الشبكة املصنوعة حسب عدد‬ ‫الذبابات التي تم صيدها مقابل عدد‬ ‫الخيوط الحريرية التي تم استخدامها‬ ‫يف البناء )‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬

‫ا ًذا سريسل الربنامج مجموع ًة عشوائي ًة من الذباب لرتتطم بالشبكة عشوائ ًيا )صورة ‪ ،)32‬واآلن يقوم الحاسوب بحساب‬ ‫أي الشباك هي األفضل يف اصطياد الذباب‪ ،‬ليختار الشبكة التي اصطادت أكرب عد ٍد من الذباب وبأقل كمي ٍة من‬ ‫ٍ‬ ‫ألجيال جديد ٍة يبنيها الربنامج‪ ،‬لريسل الذباب الذي يصطدم بالشباك مجدداً‪ ،‬ليختار‬ ‫الخيوط‪ ،‬وهي ستكون سلفًا‬ ‫الشبكة األفضل (وهي املظللة بالرمادي)‪ ،‬وهكذا يتم بناء املزيد من الشباك‪..‬‬ ‫سنحتاج إىل ٍ‬ ‫وقت طويلٍ ملشاهدة التطور للوصول إىل الشبكة املثىل‪ ،‬لذلك قمنا برتك الحاسوب يعمل طوال الليل‪،‬‬ ‫وقمنا بأخذ سجل أحفوريات لكل الشباك التي تم بناؤها خالل الوقت السابق‪ .‬كانت الشبكة األولية يف بداية العمليات‬ ‫الحسابية كام يف الصورة‪ ،‬كانت شي ًئا اليشبه الدوامة التي نعرفها يف شبكة العنكبوت‪ ،‬وميكنك ان تتوقع أن الذباب مير‬ ‫من خاللها بسالم‪ ،‬ولكن االنتخاب الطبيعي يف الحاسوب قاد إىل تطوي ٍر تدريجي يف بناء الشبكات العنكبوتية‪ ،‬فجيالً‬ ‫بعد جيل يزداد عدد الذبابات التي تلتصق بالشبكة‪ ،‬وبهذا الشكل يو ّجه التطور نحو بناء شبك ٍة متكاملة‪ ،‬ذات بني ًة‬ ‫متسك بالكثري من الذبابات‪) .‬‬ ‫كل هذا حصل أثناء تشغيل الربنامج طوال ليل ٍة واحدة‪ ،‬اخترصنا بها ما يحدث خالل آالف السنني‪ ،‬ولرمبا ماليني السنني‬ ‫يف الطبيعة‪.‬‬ ‫أي الشباك ناجحة وأيّها غري ناجحة بواسطة الحاسوب‪ ،‬بل بواسطة االنتخاب الطبيعي الذي‬ ‫يف الطبيعة ال يتم الحكم ّ‬ ‫يبقي العنكبوت الناجح يف اصطياد الذباب عىل قيد الحياة‪ ،‬ليتكاثر وتنتـقل جيناته التي تساهم يف بناء ٍ‬ ‫شباك أكرث‬ ‫نجا ًحا‪ ،‬وهكذا تستمر النجاحات يف األجيال‪ ،‬وتكون الشباك أفضل وأفضل مبرور الوقت‪ ،‬متا ًما كام حدث يف الربنامج‬ ‫الذي نفذناه‪.‬‬ ‫كائن آخر‪ .‬بالنسبة ألجساد‬ ‫ما ذكر سابقًا هو االنتخاب الطبيعي يف شباك العناكب وهذا املثال ميكن تطبيقه عىل أي ٍ‬ ‫الكائنات األخرى لكل أسد‪ ،‬منر‪ ،‬جمل‪ ،‬كلب‪ ،‬انسان وزرافة‪ ،‬كلهم تطورو بنفس املبدأ وبنفس العملية (االنتخاب‬ ‫الطبيعي)‪ .‬لذلك ومن وجهة نظر داروينية فإن األشياء التي تبدو مصمة هي يف الواقع غري مص ّممة أبدً ا ولكنها تطورت‬ ‫من خالل مبدأ االنتخاب الطبيعي‪.‬‬ ‫من أكرث املفاهيم البديلة ملفهوم داروين هو مفهوم الخلق‪ ،‬الخلقيون يؤمنون بأن األشياء التي تبدو وكأنها مص ّممة‬ ‫برشي‪ ،‬يف حني أنَّ األجسام‬ ‫هي بالفعل لها مصمم حقيقي‪ .‬أي أن أجسا ًما كاملايكروسكوب والساعة اليدوية لها‬ ‫ٌ‬ ‫مصمم ٌ‬ ‫األخرى‪ ،‬والتي تشمل الكائنات الحية‪ ،‬لها مص ِّم ٌم إلهي‪ .‬الحجة املفضلة لدى الخلقيني هي ˝الحجة من التصميم˝‪ ،‬والتي‬ ‫تم نصها بأكرث األشكال شيو ًعا يف كتاب الالهوت الطبيعي – ‪ ˝Natural theology‬من قبل ويليام بايل ‪William‬‬ ‫‪ Paley‬يف العام ‪)،1802‬يبدأ باييل كتابه كالتايل‪:‬‬

‫‪54‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬ ‫˝ لنتخ ّيل أنني أعرب بركة‪ ،‬وارتطمت قدمي أثناء عبوري تلك الربكة بصخرة‬ ‫ما‪ ،‬وطُرح السؤال التايل‪ :‬كيف جاءت الصخرة هنا؟ سأجيب بسهولة‪ :‬بأن‬ ‫هذه الصخرة كانت هنا منذ األبد˝‪ .‬بتعبري أخر‪ ،‬يود باييل اإلشارة إىل أن‬ ‫الصخرة نو ٌع من األجسام كانت دو ًما موجودة‪ ،‬وال تحتاج أي تفسريٍ ٍ‬ ‫خاص‬ ‫بها‪.‬‬ ‫ويكمل باييل ‪:‬‬ ‫˝ماذا لو ارتطمت قدمي بساعة‪ ،‬تلك الساعة‪ ،‬قمت بفتحها‪ ،‬وتفحصت‬ ‫كل‬ ‫امليكانيكة التي تسري بها‪ ،‬وكل تلك العنارص الدقيقة التي تحتويها‪ّ .‬‬ ‫يش ٍء تحتويه الساعة يوحي بأنها مص ّممة وال بد أن يكون لها ُمص ِّمم‪ ،‬البد‬ ‫أن يكون لها صانع ساعات˝‪.‬‬ ‫ثم يكمل باييل حجته‪˝ :‬إن كان البد من وجود مص ِّم ٍم لتلك الساعة‪ ،‬فامذا‬ ‫علم بأنها تحتوي نظا ًما أكرث تعقيداً‪ ،‬البدّ أن يكون‬ ‫عن الكائنات الحية؟ اً‬ ‫إلهي يقوم بوظيفة تصميمها كصانع الساعات الذي‬ ‫لهؤالء أيضً ا‬ ‫ٌ‬ ‫مصمم ٌ‬ ‫يقوم بتصميم ساعاته˝‪.‬‬

‫لقد كانت هذه الحجة واضحة كوضوح الشمس بالنسبة‬ ‫لباييل‪ ،‬فبام أن الساعة لها مصمم ما‪ ،‬فالكائنات الحية لها‬ ‫مصمم أيضً ا‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وبعد أن وضّ حنا لكم أنَّ الحيوانات والنباتات تبدو وكأنها‬ ‫مصمم‬ ‫بديل عن وجود‬ ‫مص ّممة‪ ،‬وب ّيننا أن هناك تفسريٌ ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ما‪ ،‬وهو املسمى بـ˝االنتخاب الطبيعي˝‪ .‬فإن باييل عاش‬ ‫قبل أن يطرح داروين نظريته‪ ،‬فمن املتوقع له أال يعلم‬ ‫عن ذلك التفسري البديل‪ .‬وعىل الرغم من هذا‪ ،‬بدون أن‬ ‫نعلم عن داروين وعن نظريته ويف القرن الثامن عرش‬ ‫أيضً ا‪ ،‬بإمكاننا أن ندرك أنَّ ح ّجة باييل هي حجة ضعيفة يف‬ ‫الحقيقة‪ ،‬وقد أشار إىل هذا أحد أعظم الفالسفة عىل مر‬ ‫التاريخ‪ ،‬الفيلسوف دايفيد هيوم ‪.) David Hume‬‬

‫‪55‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬

‫أشار هيوم إىل أن ˝الحجة من التصميم˝‪ ،‬والتي كانت حجة باييل‪ ،‬جاءت بأن األجسام كالفيلة و اإلنسان معقدة جدً ا‬ ‫لتأيت عن طريق الصدفة‪ ،‬ولكن من ناحي ٍة أخرى‪ ،‬فإن هذا املص ِّمم أو املهندس لديه من املقومات ما يجعله أن يكون‬ ‫بار ًعا جدً ا يف تصاميمه املعقدة‪ ،‬فال بد أن يكون هذا املصمم بنفسه معقدً ا أيضً ا‪ ،‬بشكلٍ يجعلنا بحاج ٍة لتفسري كيفية‬ ‫مجيء هذا املصمم‪.‬‬ ‫˝إن كان اإلنسان معقدً ا جدً ا ألن يكون قد جاء عن طريق الحظ‪ ،‬والبد أن يكون له مصمم‪ ،‬فإن ذلك املصمم عليه‬ ‫أن يكون معقدً ا أكرث من اإلنسان بأالف املرات‪ ،‬ليكون قاد ًرا عىل تصميم يش ٍء ما بتعقيد اإلنسان‪ ،‬فالبد أن يكون له‬ ‫مص ِّم ٌم أيضً ا˝‪.‬‬ ‫بطبيعة الحال‪ ،‬تلك الحجة املسامة ˝الحجة من التصميم˝‪ ،‬تحاول أن تثبت بأن الكائنات الحية لها خالق‪ ،‬وعىل الرغم‬ ‫خالق أكرب منه وهذا اآلخر‬ ‫من أنها تبدو قوية بعض اليشء لكنها تدحض نفسها بنفسها‪ ،‬فعىل الخالق هذا أن يكون له ٌ‬ ‫خالق أكرب منه وهكذا دواليك‪ .‬املفهوم الداروين لهذا التعقيد ال يقع يف هذه الدوامة‪ ،‬وال يفرس وجود اإلنسان‬ ‫له ٌ‬ ‫بالصدفة‪ ،‬وإن كانت الطفرات الجينية العشوائية تلعب دورها يف البداية‪ ،‬فإن بعدها يأيت الدور الالعشوايئ لعملية‬ ‫اآلنتخاب الطبيعي والذي يعترب من أهم مفاصل هذا املفهوم بال منازع‪.‬‬

‫ومن الجدير بالذكر واإلهتامم‪ ،‬أن هذه األجسام التي تبدو أنها مص ّممة‪ ،‬لديها بعض العيوب والتي ال ميكن أن نحصل‬ ‫عليها إن كان لها مص ِّم ٌم فعيل‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬هناك نو ٌع من السمك املسطّح‪ ،‬وهو سمك ˝الهلبوت ‪˝ halibut‬‬ ‫)‪ ،‬بعض أنواع السمك املسطح يسبحون بشكل عادي‪ ،‬ولكن سلف سمكة الهلبوت كان يسبح قرب قاع البحر‪ ،‬ثم‬ ‫بدأ بالسباحة بشكلٍ أفقي‪ ،‬فأصبح أحد جانبي الجسم موجهٌ إىل قاع البحر واآلخر إىل األعىل بسبب طريقة السباحة‬ ‫الفريدة هذه (الكثري من االسامك تقوم بالسباحة االفقية إىل اليوم)‪ ،‬وألن السلف كان يف السابق يسبح بحركة‬ ‫عامودية‪ ،‬أصبحت إحدى عيني هذا السلف تنظر بشكل مبارش إىل الرمل والعني األخرى فقط تراقب ما يحصل حولها‪.‬‬ ‫بالتايل وعن طريق التطور‪ ،‬بدأت تلك العني بالهجرة إىل أعىل‪ ،‬فتكيفت سمكة الهلبوت بشكلٍ أفضل مع محيطها‪،‬‬ ‫ولكن النتيجة كانت أن جمجمة الهلبوت كانت مشوهة للغاية‪ ،‬وكأن بيكاسو من ص َّمم جمجمة تلك السمكة! أي‬ ‫‪56‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬

‫مص ِّم ٍم مل يكن ليص ِّمم الهلبوت بهذه الطريقة‪ ،‬بل كان صممها كسمكة ˝الورنك ‪ ،) ˝skate‬وهي من أسامك القرش‬ ‫املسطّح‪ ،‬قامت أسالفها بتسطيح نفسها من خالل توجيه بطنها إىل قاع البحر‪ ،‬فكانت كلتا عينيها موجهتان لألعىل‪ ،‬فلم‬ ‫سبب للتشوه الذي حصل للهلبوت‪.‬‬ ‫يكن هنالك أي ٍ‬

‫ٍ‬ ‫كائنات تطورت لتصل إىل هذا الشكل‪ ،‬ومن غري املتوقع رؤية هذا‬ ‫عيب يف بنية الجسم من املتوقع رؤيته يف‬ ‫فهذا ٌ‬ ‫العيب إن كانت الكائنات قد تم تصمي ُمها بالفعل!‬ ‫ٍ‬ ‫بدايات بسيطة‪ ،‬نقطة البداية للتطور تشبه‬ ‫التطور يبدأ من‬ ‫ٍ‬ ‫بأصول بسيط ٍة‬ ‫بداية تك ّون البلورات والصخور‪ ،‬أي تبدأ‬ ‫من السهل فهمها‪ ،‬وال يتوجب علينا أن نبدأ بأم ٍر معق ٍد‬ ‫كالخالق مثالً‪ ،‬ثم ترتاكم البساطة فوق هذه األصول حتى‬ ‫تصل إىل درج ٍة معين ٍة من التعقيد تبدو فيها وكأنها مص ّممة‬ ‫وهذه مرحلة أخرى حصلت بدافع اآلنتخاب الطبيعي‪.‬‬ ‫ولن نصل إىل مفهوم التصميم واملص ِّمم الفعيل إال بعد أن‬ ‫بحجم‬ ‫نحصل عىل شكلٍ معق ٍد كالدماغ‪ ،‬وعليه أن يكون‬ ‫ِ‬ ‫وإمكانية الدماغ البرشي‪ ،‬وهذه مرحلة أخرى متت عن‬ ‫طريق اآلنتخاب الطبيعي أيضً ا‪ .‬ولكن ملاذا نحرص مفهوم‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات أخرى‪ ،‬كالدبابري التي تبني خاليا‬ ‫التصميم واملص ِّمم الفعيل عىل املرحلة اإلنسانية؟ أمل تغنب هذه الفكرة حق‬ ‫ورقية لرتيب صغارها فيها )‪ ،‬وطيور الف ّران ‪ Ovenbird‬التي تبني عشً ا طين ًيا‪ ،‬أو غري ِه من الطيور أو النحل أو العناكب؟‬ ‫ملاذا نستخدم كلمة ˝ ُمص َّمم˝ للنتاج البرشي فقط وال نستخدمها لنتاج هذه الحيوانات؟‬ ‫‪57‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬

‫السبب هو الفرق بني اإلنسان وهذه الحيوانات من ناحية مصدر هذه الكفاءة‪ ،‬فبينام يستمد اإلنسان كفاءته من‬ ‫الكائنات الحية األخرى كفاءتها من االنتخاب الطبيعي مبارش ًة بطريق ٍة فطري ٍة وليست‬ ‫ُ‬ ‫فطنته وبصريته الواعية‪ ،‬تستمد‬ ‫فطنية‪ ،‬أي أنها طريق ُة إدر ٍ‬ ‫اك متأخر‪ ،‬مل تحصل تلك الحيوانات عىل تلك الكفاءة إال بعد فوات األوان‪ ،‬إذ أنها حصلت‬ ‫ٍ‬ ‫جينات معين ٍة قامت بإنشاء تراكيب حياتية معينة‪ ،‬وعىل وجه الخصوص جهازها العصبي‪ ،‬وهو الرس وراء سلوك‬ ‫عىل‬ ‫بناء هذه املساكن‪ .‬الطيور والدبابري ال متلك أدىن فكرة ملَ تفعل ما تفعله بهذه الطريقة بالذات‪ ،‬ولكن اإلنتخاب‬ ‫الطبيعي يقوم بإصطفاء ذوات املساكن الجيدة لتصبح ذات فرص ٍة أفضل للتعايش مع البيئة والبقاء‪ .‬أما من الناحية‬ ‫األخرى‪ ،‬يقوم اإلنسانُ بالبناء والتصميم بشكلٍ واعٍ متبرص أغلب األحيان‪.‬‬

‫املهندس األملاين إنغو ريكنبريغ ‪ ،) Ingo Rechenberg‬وظيفته تصميم الطواحني الهوائية‪ ،‬ولكنه يصمم تلك الطواحني‬ ‫ٍ‬ ‫قنوات هوائي ٍة ويقيس جودتها‪،‬‬ ‫بطريقة اإلنتخاب الطبيعي نو ًعا ما‪ .‬إذ يقوم هذا املهندس بوضع طواحينه الهوائية يف‬ ‫أي جودة الطواحني‪ ،‬ثم يقوم بـ˝تربية˝ ‪ -‬كام يسميها بنفسه ‪ -‬الطواحني األفضل كفاءة يف الدوران يف القنوات الهوائية‪.‬‬ ‫هذه الطواحني الهوائية لديها جينات‪ ،‬وعىل الرغم من أنها ليست جينات حقيقية‪ ،‬لكنها سامت عددية‪ ،‬كالقطر‬ ‫واإلرتفاع وطول شفرات املروحة‪ ،‬أي أنها أرقا ًما يقوم املهندس بإعتبارها أصوالً أو أسال ًفا ليستمد منها جيالً آخر من‬ ‫الطواحني الهوائية‪ ،‬بعد أن يغري سم ًة عددي ًة معينة‪ .‬ويف كل جيلٍ من الطواحني الهوائية يريب األكرث كفاءة‪ ،‬وبعد عدة‬

‫‪58‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬مشكلة التصميم‬

‫أجيال من فحصهم وتربيتهم يحصل عىل طاحون ٍة هوائي ٍة معينة تكونُ األكرثَ كفاء ًة من بني كل تلك األجيال السابقة‪،‬‬ ‫ويدّ عي ريكنبريغ أنها أفضل مام سيحصل عليه لو قام بتصميمها بالطريقة املألوفة )‪.‬‬ ‫دارويني معني‪ ،‬فنحن نقوم بدورنا يف‬ ‫ميكننا القول أن جميع أشكال هندسة التصميم وحتى جميع الفنون لديها مكونٌ‬ ‫ٌ‬ ‫إنتخاب األشكال األكرث جاملية بشكل متكرر دامئًا‪ ،‬وبهذه الطريقة نقوم بإختيار شكل ورق الحائط أو شكل الزخارف‬ ‫عىل مربعات السرياميك يف الحاممات‪.‬‬ ‫أخريًا‪ ،‬الخلق والتصميم لكل املكائن واألدوات واملنازل والرسوم والحواسيب والطائرات وكل يشء تم تصميمه وإنشاؤه‬ ‫من ِقبلنا وكل يش ٍء تم إنشاؤه من ِقبل الكائنات األخرى‪ ،‬تم تكوينه عن طريق العقول‪ ،‬وهي أجسا ٌم تبدو مص َّممة‪،‬‬ ‫جاءت عن طريق التطور التدريجي‪.‬‬ ‫كمفهوم‪ ،‬حني جاء إىل هذا الكون‪ ،‬جاء كـفكر ٍة متأخر ٍة‪ ،‬فعندما ظهرت هذه الفكرة عىل سطح هذا الكوكب‪،‬‬ ‫والخلق‬ ‫ٍ‬ ‫كانت محدودة مبعارف زمانها‪ .‬فكرة الخلق ال تنتمي بأي شكل من األشكال ألصول الكون‪ ،‬وهي كغريها‪ ،‬مل تكن يف‬ ‫نتاج لخيال اإلنسان الواسع‪.‬‬ ‫البداية‪ ،‬بل نشأت وتطورت يف عقولنا‪ ،‬فكانت ٌ‬

‫قام بالرتجمة كل من ‪:‬‬

‫‪Zoro Diego‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬ ‫‪Lily Queen‬‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫صياغة نصوص‬ ‫‪Ghaith Jabri‬‬

‫متابعة و إرشاف‬ ‫‪John Silver‬‬

‫تدقيق لغوي‬ ‫الغراب الحكيم‬

‫تدقيق علمي‬

‫‪Ghaith Jabri‬‬

‫‪59‬‬


‫اإلساءة الدينية لألطفال‬ ‫‪Religious Abuse of Children‬‬ ‫‪Gaia Atheo‬‬ ‫ينص املبدأ الثاين من إعالن حقوق الطفل ‪ 1959‬عىل وجوب تأمني حامي ٍة خاص ٍة له‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومنحه الفرص والتسهيالت الالزمة إلتاحة من ّوه الجسمي والعقيل والخلقي‬ ‫والروحي واإلجتامعي‪ ،‬من ًوا طبيع ًيا سليماً يف ج ٍّو من الحرية والكرامة‪،‬‬ ‫محل االعتبار األول يف َسن القوانني(‪ .)1‬من هنا‬ ‫وتكون مصلحته العليا ّ‬ ‫نبدأ ونتسائل‪ :‬هل فعلاً ت ّم توفري هذه الرشوط ألطفالنا؟هل‬ ‫مبنأى عن األذى النفيس و الروحي؟ هل نظلمهم‬ ‫هم ً‬ ‫بتلقينهم التعاليم الدينية يف سن مبك ٍر ج ًدا؟ هل‬ ‫من املمكن أن يكون الدين مؤذيًا لنفسية‬ ‫الطفل ومؤث ًرا عىل شخصيته سل ًبا فيام‬ ‫بعد؟كيف نحدد ذلك وكيف‬ ‫نتج ّنبه؟ هذا ما سنعرفه‬ ‫يف السطور القادمة‪.‬‬

‫‪60‬‬


‫اإلساءة الدينية لألطفال‬ ‫‪Gaia Atheo‬‬

‫يف البداية سنتعرف عىل معنى الـ ‪.Child Abuse‬‬ ‫‪ :Child Abuse‬تعني إساءة معاملة األطفال جسديًا أو عاطف ًيا أو جنس ًيا‪ ،‬ويندرج تحتها العنف تجاه األطفال‪ ،‬سوا ٌء‬ ‫اللفظي أو الجسدي بالرضب أو االستغالل الجنيس‪.‬‬ ‫وطب ًعا كل هذه األنواع من اإلساءة يحاسب عليها القانون بفرض عقوب ٍة عىل األهل املسيئني ترتاوح بني السجن ودفع‬ ‫الغرامة‪ ،‬وتصل لحرمانهم من ابنهم وعرضه للتبني‪ .‬كام ويتم توزيع أرقام هواتف خاصة بدائرة الخدمات االجتامعية‬ ‫عىل األطفال يف املدارس يك يُبلغوا عن أيّة إساء ٍة يتع ّرضون لها(هذه القوانني تطبق يف معظم دول العامل األول)‪.‬‬ ‫أما مصطلح ‪ Religious Abuse‬أو ‪Spiritual Abuse‬‬ ‫فيعني اختصا ًرا‪ :‬اإلساءة يف معاملة األطفال بدوا ٍع ديني ٍة أو روحاني ٍة‪ ،‬ويشمل اإلساءة الجسدية واللفظية واملعنوية‪.‬‬ ‫كتاب مه ٌم يف هذا املجال للكاهن‬ ‫وبني أيدينا هنا ٌ‬ ‫كيث رايت بعنوان ‪.2001- Religious Abuse‬‬ ‫يلقي فيه الضوء عىل اإلساءة الدينية وأنواعها وآثارها‬ ‫ويرسد الكثري من القصص الواقعية التي المسها‬ ‫من خالل عمله يف الكنيسة‪ ،‬وقد نقلت لكم بعض‬ ‫االقتباسات التي قمت برتجمتها من نسخة الكتاب‬ ‫اإللكرتونية‪.‬‬ ‫يقول رايت ‪ :‬اإلساءة الدينية موجودةٌ‪ ،‬وعلينا عدم‬ ‫إنكارها‪ ،‬كام كنا سابق ًـا ننكر العنف ضد األطفال‬ ‫ونربره بأنه طريق ٌة حازم ٌة لفرض سيطر ٍة صحي ٍة لألهل‬ ‫عىل أبنائهم‪ ،‬وكام هو الحال مع العنف ضد املرأة‪،‬‬ ‫حل مبحاولة‬ ‫علينا االعرتاف باملشكلة ولنبحث عن ٍّ‬ ‫إيجاد مجتمعٍ متسام ٍح يقوم عىل املحبة بدالً من‬ ‫فرض األحكام عىل األفراد‪.‬‬

‫‪A.A.M‬‬

‫علينا أن نحدد الحاالت التي يكون فيها الدين متح ّكماً أو مؤذيًا ونسميها باسمها‪ :‬إساءة دينية‪ .‬علينا أالّ نتجاهل تعاليم‬ ‫الدين التي تزرع الخوف وعدم األمان وعقدة الذنب والشعور بعدم األهمية‪ ،‬وتؤ ّدي إىل ارتكاب العنف والجرائم ممن‬ ‫يقعون تحت تأثريه‪.‬‬ ‫‪61‬‬


‫اإلساءة الدينية لألطفال‬ ‫‪Gaia Atheo‬‬

‫ٍ‬ ‫وبدرجات مختلفة‪،‬‬ ‫وحني نعرتف بأ ّن الدين من املمكن أن يكون مسيئ ًـا‪ ،‬سنكتشف أننا جمي ًعا تعرضنا لإلساءة الدينية‬ ‫ومن تعرضوا لها بشكل أكرب من غريهم سرييحهم أن يعرفوا أ ّن مشاعر الغضب والذنب وعدم األهمية التي تستهلك‬ ‫ديني مشو ٍه جرحهم بشدة‪.‬‬ ‫حياتهم هي ليست من صنعهم‪ ،‬وإمنا هي ناتجة عن مجتمعٍ ٍّ‬ ‫يع ّرف الكاتب الـ ‪ Religious Abuse‬بقوله‪:‬‬ ‫تحدث اإلساءة الدينية حني تقوم جامعة دينية أو أحد القادة أو أحد األبوين بتحطيم الروح املعنوية ألحد األفراد‬ ‫ٍ‬ ‫تام بالوجود اإللهي‪ ،‬تحدث اإلساءة الدينية حني تسمح تعاليم الدين‬ ‫باستبدال عقيد ٍة معين ٍة أو‬ ‫معتقدات خاص ٍة بإميانٍ ٍ‬ ‫وخطاباته بسيطرة وتحكم فر ٍد بغريه من األفراد‪ ،‬كام تحدث اإلساءة الدينية حني تقوم تعاليم الدين وخطاباته بوضع‬ ‫حملٍ ثقيلٍ عىل أكتاف األفراد بدالً من مشاركتهم أحاملهم‪ .‬وتحدث حني يكون الدين مع ِّززًا ملشاعر الخوف وكراهية‬ ‫الذات بدالً من تحرير الناس من خوفهم واستعبادهم‪ ،‬و أخ ًريا تحدث حني ت ّدعي الجامعة الدينية أو أحد قادتها‬ ‫ٍ‬ ‫ومعتقدات مخالف ًة لهم ‪.‬‬ ‫امتالكهم للحقيقة املطلقة عن اإلله‪ ،‬وتدعو أفرادها لرفض كل تجرب ٍة ديني ٍة‬ ‫بعض نتائج اإلساءة الدينية‪:‬‬ ‫العزلة عن اإلله واملجتمع الديني‪ ،‬والقلق العميق والصدمة العاطفية وال ُعقد النفسية وأحيانًا االنتحار‪.‬‬ ‫ ‬‫الرضب للرشيك أو لألطفال واإلهانات اللفظية‪.‬‬ ‫ ‬‫السخرية ورفض العلامء الذين تتحدى مكتشفاتهم املفاهيم الدينية السائدة عن الكون‪.‬‬ ‫ ‬‫الحروب املقدسة واملوت لكثري من األشخاص الذين يتخذون مواقف دينية مخالفة‪.‬‬ ‫ ‬‫سيطرة أحد الجنسني عىل اآلخر‪.‬‬ ‫ ‬‫سيطرة األهل عىل األطفال‪.‬‬ ‫ ‬‫سيطرة األكرثيات عىل األقليات‪.‬‬ ‫ ‬‫سيطرة األغنياء واألقوياء عىل الضعفاء‪.‬‬ ‫ ‬‫انتهى االقتباس (‪.)2‬‬ ‫وكام ترى عزيزي القارئ فإ ّن اإلساءة الدينية موضوع ٌبالغ األهمية ملا له من آثا ٍر مدمر ٍة عىل صحة الطفل النفسية‬ ‫وعىل املجتمع كبني ٍة متكامل ٍة‪ ،‬حيث تخلق االضطرابات النفسية التي تؤذي الطفل يف فرتة من ّوه وكذلك يف شخصيته بعد‬ ‫البلوغ‪ ،‬وتؤثر سل ًبا بكل املحيطني به‪.‬‬ ‫واآلن سنتعرف بتفصيلٍ أكرث عىل أثر التعاليم الدينية عىل األطفال‪ ،‬وسنتطرق ملا قالته املعالجة النفسية‬ ‫‪ Jill Mytton‬يف مقابلتها مع الربوفيسور ريتشارد دوكنز لفيلمه الوثائقي ˝جذر كل الرشور ‪ ˝Root of All Evils‬من‬ ‫إنتاج ‪ BBC‬عام ‪ .2006‬واملوجودة كامل ًة عىل اليوتيوب‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫اإلساءة الدينية لألطفال‬ ‫‪Gaia Atheo‬‬

‫‪ Jill‬وبحكم نشأتها يف األخوية الخالصة‪ ،‬وهي تابعة لطائف ٍة مسيحي ٍة متشددة‪ ،‬عانت الكثري من األرضار النفسية‪ ،‬تخلّت‬ ‫عىل أثرها عن تلك الطائفة وأصبحت معالج ًة نفسي ًة‪.‬‬ ‫سألها ريتشارد دوكنز بداي ًة عن تعريفها لإلساءة الدينية لألطفال فقالت‪:‬‬ ‫إنها تعني أ ّن األطفال ال تتم تنشئتهم ليطوروا نظامهم العقائدي الخاص بأنفسهم‪ ،‬بل يتم تلقينهم بالعقيدة التابعة‬ ‫للمجموعة الدينية التي نشؤوا فيها‪ .‬وتستطرد ‪˝ : Jill‬بالنسبة يل مل أكن أعرف أن هنالك عقائد أخرى تختلف عن عقيدة‬ ‫األخوية التي نشأت فيها˝‪.‬‬ ‫ومن ثم تحدثت عن نظام التلقني الذي ميارس عىل األطفال يف املدارس‪ ،‬وكام يف األخوية حيث ال يتم تعليمهم طرق‬ ‫التفكري النقدي‪ ،‬وت ُعطى لهم معلوماتٌ محدود ٌة باملنطقة التي تتبع لها جامعتهم الدينية‪ ،‬حتى أنهم يف األخوية مل يكن‬ ‫يُسمح لهم بقراءة كتب الخيال أو استعامل الكومبيوتر‪.‬‬ ‫حيث يتم زرع الرعب يف األطفال بسبب التعاليم التي تتحدث عن العقاب والجحيم‪ ،‬وبالعودة إىل فرتة طفولتها‪ ،‬تقول‬ ‫‪ Jill‬أنها كانت تحت سيطرة الخوف من الرفض يف الحارض والخوف من اللعنة األبدية يف املستقبل‪ ،‬حيث أن صور‬ ‫الجحيم ورصير األسنان بالنسبة للطفل ليست مجازي ًة عىل اإلطالق بل حقيقي ًة ج ًدا‪ ،‬وحتى األشخاص الذين يلجؤون‬ ‫لها يخربونها بصدق باعتقادهم أنها حقيقية‪.‬‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫‪63‬‬


‫اإلساءة الدينية لألطفال‬ ‫‪Gaia Atheo‬‬

‫ثم يسأل ريتشارد دوكنز‪:‬‬ ‫ مالذي يحدث يف الجحيم؟‬‫مرعب‪ ،‬هو‬ ‫فتخربه ‪ Jill‬أنه ورغم مرور كل هذه السنني مازال للموضوع أث ٌر بال ٌغ عليها‪ ،‬وتكمل‪ :‬الجحيم هو مكا ٌن‬ ‫ٌ‬ ‫حقيقي‪ ،‬وهو مستم ٌر لألبد دون أية راحة‪.‬‬ ‫حقيقي‪ ،‬تشوي ٌه‬ ‫تعذيب‬ ‫الرفض الكيل من اإلله‪ ،‬حيث توجد نا ٌر حقيقي ٌة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وتعتقد ‪ Jill‬أن هنالك الكثري من نقاط التشابه بني اإلساءة الدينية ‪ Religious Abuse‬واإلساءة الجنسية ‪Sexual‬‬ ‫‪ Abuse‬لألطفال‪ ،‬ألن كليهام يُع ّدان خيان ٌة للثقة‪ ،‬وإنكا ٌر لحق الطفل باإلنفتاح عىل العامل بطريق ٍة طبيعية‪ ،‬وكالهام‬ ‫يح ّرضان عىل مشاعر الخوف والذنب‪ ،‬كام يحرمان الطفل من الوصول إىل إمكاناته الكاملة‪.‬‬ ‫ترك الدين (أو الجامعة الدينية) ليس سهلاً أب ًدا‪ ،‬فعىل الشخص أن يرتك وراءه شبك ًة إجتامعي ًة كامل ًة‪ ،‬ونظا ًما متكامالً‬ ‫ٍ‬ ‫لسنوات طويلة‪ ،‬ويف الغالب سيرتك أهله وأصدقاءه وحتى عمله ألنهم لن يرغبوا‬ ‫ترب عليه‪ ،‬نظا ًما عقائديًا احتفظ به‬ ‫ىّ‬ ‫بالتحدث إليه ولن يعرتفوا بوجوده بعد ذلك‪.‬‬ ‫هؤالء األشخاص الذين يغادرون الجامعات الدينية هم غال ًبا غري قادرين عىل مواجهة العامل الحقيقي‪ ،‬تنقصهم املهارات‬ ‫االجتامعية وال يعرفون ملن يلجؤون لطلب النصيحة أو املعلومات أو ماهية حقوقهم‪ ،‬ال يعرفون كيف يفكرون باألمور‬ ‫الحس‬ ‫أو كيفية اتخاذ القرارات واالختيارات‪ ،‬ألن تلك الجامعة كانت تقوم بهذه األمور بدلاً عنهم‪ ،‬وهم حتى ال ميلكون ّ‬ ‫الخاص بهم‪ ،‬ألن الجامعة كانت تحدده لهم بأنه يوجد فقط صح أو خطأ واليوجد يش ٌء يف املنتصف‪.‬‬ ‫األخالقي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سأل ريتشارد دوكنز‪ :‬ملاذا يقومون بهذه األمور املرعبة لألطفال‪ ،‬ويدمرون حياتهم فعل ًيا؟‬ ‫فقالت ‪ : Jill‬هذا له عالق ٌة برغبتهم‬ ‫بالشعور بالقوة والسلطة والتحكم‪ ،‬وقد‬ ‫يكون السبب يف أنهم أنفسهم عالقني يف‬ ‫والدي‪.‬‬ ‫هذا النظام ولهذا أنا ال ألوم‬ ‫ّ‬ ‫وعبرّ ت ‪ Jill‬عن قلقها عىل األجيال الجديدة‬ ‫التي تنض ّم لألخوية‪ ،‬وتضطر للذهاب إىل‬ ‫مدرستها واإلستامع يوم ًيا ملا يقال لهم‬ ‫بأنهم عدميي الفائدة أو ُولدوا خاطئني‪.‬‬ ‫‪64‬‬

‫‪A.A.M‬‬


‫اإلساءة الدينية لألطفال‬ ‫‪Gaia Atheo‬‬

‫ويف سياق الحديث ذكر ريتشارد دوكنز أن أحد زمالئه األمريكيني كان قد تق ّدم بفرضية ٍيرشح فيها األسباب التي تجعل‬ ‫أمريكا من بني الدول الغربية املليئة بالجنون الديني‪ ،‬وفسرّ ذلك بأنها دولة من املهاجرين الذين تركوا كل يش ٍء وراءهم‬ ‫يف أوروبا‪ ،‬واحتاجوا لتكوين أرس ٍة بديل ٍة‪ ،‬فجاءت الكنيسة ومألت هذا الفراغ ولذلك هي تتمتع بقو ٍة كبري ٍة يف أمريكا‪،‬‬ ‫وهذا مرتبط بكالم ‪ Jill‬ع ّمن يرتكون الجامعة حني يبحثون عن انتام ٍء بديل‪.‬‬ ‫حس االنتامء الذي يوفّره‪ ،‬فقالت ‪ :Jill‬أ ّن األنواع غري‬ ‫يتابع دوكنز ويسأل ‪ Jill‬عن الجوانب السلبية للدين بعي ًدا عن ّ‬ ‫الصحية للدين متيل للتقليل من الثقة بالنفس‪ ،‬وبدلاً من أن يتم تقدير الناس تب ًعا لقدراتهم ونقاط ق ّوتهم‪ ،‬يتم النظر‬ ‫إليهم عىل أنهم أرشار وخاطئني‪ ،‬وحتى حني يقومون بأفعا ٍل خيرّ ة فليسوا هم من يقومون بها بل هو اإلله الذي يعمل‬ ‫من خاللهم‪.‬‬ ‫ويتم النظر للخطيئة عىل أنها يشء سوف تُحاكم عليه‪ ،‬والغفران‬ ‫صعب املنال‪ ،‬وحني يخطئ أحدهم سوف يشعر بالعار و الذنب‬ ‫والخوف من عواقب فعلته‪ ،‬هذه األديان غري صحية ألنها متيل‬ ‫مذنب‪ ،‬ال مكان‬ ‫لألحكام املطلقة‪ ،‬إما أن تكون مذنبًا أو غري‬ ‫ٍ‬ ‫عندهم للضبابية أو عدم اليقني أو الشك‪ .‬وهذه ليست الطريقة‬ ‫التي تسري بها الحياة فهناك منطق ٌة كبري ٌة يف املنتصف حيث‬ ‫يعيش أكرثنا‪.‬‬ ‫أيضا أ ّن هنالك الكثري من األشخاص املتدينني الذين‬ ‫تعتقد ‪ً Jill‬‬ ‫ال يطبقون القاعدة الذهبية التي تقول ˝ال تفعل لآلخرين ما‬ ‫حس الفرد لألخالق غري‬ ‫ال تحب أن يفعلوه لك˝‪ ،‬حيث يكون ّ‬ ‫متطور‪ ،‬وتقوم الكتب املقدسة أو القادة بتحديد الصح من‬ ‫الخطأ‪ ،‬وبرأيها‪ ،‬اليوجد ما هو أسخف من هذه الطريقة يف‬ ‫الرتبية‪.‬‬ ‫وجهة نظر ‪ Jill‬باملدارس الدينية أو(تعليم الدين يف املدارس)‬ ‫ليست إيجابي ًة‪ ،‬فهي تقول أن األطفال من حقهم اختيار طريقهم‬ ‫الخاص‪ ،‬وأن أي مدرسة ال تسمح بذلك هي ال تحقق الهدف‬ ‫الحقيقي من التعليم‪ ،‬وتتنكر لحقوق األطفال‪.‬‬ ‫‪65‬‬

‫‪A.A.M‬‬


‫اإلساءة الدينية لألطفال‬ ‫‪Gaia Atheo‬‬

‫هنا يقول دوكنز أن هذه املدارس تولّد التفرقة الطائفية واالنقسام‪ ،‬فتوافقه ‪ Jill‬وتستطرد بأنها تفضل فصل الدين‬ ‫عن التعليم وكذلك فصل السياسة عن النظام التعليمي‪ .‬وتقتبس ‪ Jill‬كالم ‪ -‬بييل غراهام ‪(-‬أحد مشاهري رجال الدين‬ ‫األمريكيني) حيث قال‪:‬‬ ‫˝ملاذا يريد الناس أن يفهموا اإلله؟ هو أعىل بكثري منهم‪ ،‬كل ما عليهم فعله هو القبول واإلميان˝‪.‬‬ ‫وتقول ‪ :Jill‬أنها يف البداية كانت تقبل هذا الكالم ولكن ليس ملد ٍة طويل ٍة‪ ،‬فالكثري من األديان ال تسمح لألطفال بطرح‬ ‫األسئلة‪ ،‬وتقوم بكبت طبيعتهم املتسائلة‪ ،‬وال تعلّمهم طريقة نقد أو تقييم املعلومات التي تق ّدم لهم وألنها متيل‬ ‫لألحكام املطلقة‪ ،‬من مبدأ‪( :‬نحن منلك الحقيقة واليوجد غريها)‪ ،‬فإنك حني ال تؤمن مبا يقوله الدين ستنقلب األمور‬ ‫عليك‪ ،‬اليوجد مشكل ٌة يف الدين ولكن املشكلة عندك أنت‪ ،‬وبالتايل سيتم إشعارك بالذنب مجد ًدا لعدم اإلميان‪.‬‬ ‫كام يتم تحذير الناس من الفضول أو طرح اإلستفسارات وتحريضهم عىل عدم قبول أي يش ٍء من خارج دائرة الدين‪،‬‬ ‫رش محض‪ ،‬ومتنع النقاشات مع العامل الخارجي‪ ،‬ويتم التحكم بكل املعلومات القادمة من الخارج‪ ،‬وهذا‬ ‫بحجة أنه ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫بدرجات مختلفة‪ ،‬قد تكون متطرف ًة كام يف جامعة األخوية الخالصة أو أقل تطرفًا عىل الطرف‬ ‫حقيقي يف كل األديان‬ ‫ٌّ‬ ‫اآلخر من السلسلة‪.‬‬ ‫ويف نهاية اللقاء استفرس دوكنز عن إمكانية طلب تدخل الرشطة يف مثل هذه الحاالت‪ ،‬حيث يجب علينا حامية األطفال‬ ‫من أهاليهم أحيانا‪ ،‬فوافقته ‪ Jill‬وقالت أنها تفكر كث ًريا فيام يجب علينا فعله‪ ،‬والبد من اعتبار هذه األنواع شكلاً من‬ ‫اإلساءات النفسية واملعنوية‪ ،‬حني تقول لطفلٍ ما أنه سيشوى يف الحجيم إىل األبد مثلاً ‪.‬‬ ‫وتقول أنه ال فرق بني هذه اإلساءات وبني اإلساءة الجنسية‪ ،‬ومن خالل دراستها أثبتت أن النتائج الكارثية متقاربة‪.‬‬ ‫انتهت املقابلة (‪.)3‬‬ ‫هنا البد من التوقف قليلاً ‪ ،‬ومقارنة ما يحدث يف بالدنا العربية يف املدارس ويف نظام الرتبية مع ما ذكرته ‪ ، Jill‬هل يتم‬ ‫تلقني الدين يف املدارس لألطفال عىل أنه الدين الحق؟ هل يتم تعليمهم أن هذا الدين هو الوحيد الذي عىل صواب‬ ‫وغريه عىل خطأ؟ هل تتاح لهم الفرصة ليختاروا معتقدهم بعي ًدا عن تأثري املدرسة واألهل؟ هل يُسمح لهم باإلطالع‬ ‫ٍ‬ ‫معتقدات أخرى؟ هل يتم ترهيبهم بقصص الجحيم والعقاب األبدي وغضب اإلله؟ هل يتم ابتزازهم عاطف ًيا التباع‬ ‫عىل‬ ‫أساسا باتباع التفكري‬ ‫دينٍ مع ٍني دون سواه؟ هل تتم اإلجابة عىل تساؤالتهم النقدية أم يتم إسكاتهم؟ هل يُسمح لهم ً‬ ‫النقدي مع الدين وتعاليمه؟‬ ‫أترك لكم اإلجابة‪..‬‬ ‫سننقل اآلن لنوع آخر من أنواع اإلساءة الدينية وهو األذى الجسدي الذي يمُ ارس عىل الطفل‪ ،‬كتعرضه للرضب من قبل‬ ‫أهله أو رجال الدين لتخليصه من الجن أو األرواح الرشيرة حسب اعتقادهم‪ ،‬مام يصل بهم أحيانًا إىل القتل‪ ،‬كام نرشت‬ ‫‪66‬‬


‫اإلساءة الدينية لألطفال‬ ‫‪Gaia Atheo‬‬

‫صبي يبلغ من العمر ‪ 15‬سنة عىل يد أخته‬ ‫الـ‪ BBC‬بتاريخ ‪ 2012-8-14‬تقري ًرا ّ‬ ‫مفصلاً عن جرمية قتلٍ ارت ُكبت بحق ٍّ‬ ‫وصديقها بحجة تعرضه للمس من األرواح الرشيرة! (‪)4‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وهذا النوع ال يخفى علينا يف الدول العربية‪ ،‬فكم من ٍأم أخذت ابنتها أو ابنها للشيخ ليعالجهم من الجن‪ ،‬حيث‬ ‫ٍ‬ ‫وأدوات أخرى مع تالوة القرآن وال ّرقى ومبوافقة األم وتواجدها‪ ،‬ويتم تعريض الطفل‬ ‫بالعيص‬ ‫يستخدم الرضب واألذى‬ ‫ّ‬ ‫لإلهانة املعنوية و الجسدية ويمُأل جلده بالرضوض بحجة أن هذه هي الطريقة الدينية للمعالجة‪ ،‬بينام من يحتاج‬ ‫العالج فعلاً هم األهل والشيخ الذين يجب عرضهم عىل طبيب نفيس حالاً !‬ ‫لن ننىس ً‬ ‫أيضا رضب األطفال وإجبارهم عىل اتباع التعاليم الدينية كالصالة بحديث محمد‪ُ ( :‬م ُروا أَبْ َنا َءكُ ْم بِالصَّلاَ ِة لِ َس ْبعِ‬ ‫ِس ِن َني‪َ ،‬واضرْ ِ بُو ُه ْم َعلَيْ َها لِ َعشرْ ِ ِس ِن َني‪...‬إىل آخر الحديث)‪ ،‬حيث يتم ترهيبهم وإخافتهم وتهديدهم يك يصلُّوا! (‪)5‬‬ ‫األضحيات البرشية‬ ‫تعني القتل الشعائري إلرضاء اآللهة والقوى ماوراء الطبيعة‪ ،‬وقد كشف علم اآلثار عن وجود هذه الطقوس يف الكثري‬ ‫من الحضارات السابقة‪ ،‬مثل إمرباطورية اإلنكا‪ (.‬كام يف تقرير لقناة ديسكفري عن التضحية باألطفال يف حضارة اإلنكا)‪.)6‬‬ ‫ونجد يف العهد القديم – سفر التكوين‪ 22‬قصة‬ ‫التضحية بإسحاق ابن إبراهيم حني طلب منه اإلله‬ ‫أن يقتله ولكن نزل ٌ‬ ‫مالك من السامء وأوقفه‪ ،‬وهذه‬ ‫القصة مكرر ٌة يف القرآن ولكن مع بعض التغيري‪ ،‬فكان‬ ‫اإلبن املراد قتله هو إسامعيل وتم فداؤه ٍ‬ ‫بكبش نزل‬ ‫من السامء‪.‬‬ ‫كام نجد يف العهد القديم ذك ًرا لوادي جهنم أو ه ّنوم‬ ‫الذي يقع خارج مدينة القدس القدمية‪ ،‬حيث كان‬ ‫األهايل يض ّحون بأبنائهم ويحرقونهم تقربًا لإلله بعل‬ ‫واإلله مولوخ (‪. )7‬‬ ‫ومازالت اإلساءة الجسدية لألطفال مستمر ًة حتى‬ ‫يومنا هذا‪ ،‬حيث يتم قتلهم يف أفريقيا بحجة السحر‬ ‫املس الشيطاين‪ ،‬باإلضافة لختان اإلناث‬ ‫والشعوذة و ّ‬ ‫وتشويه األعضاء التناسلية بحجة الدين يف دول‬ ‫الرشق األوسط وأفريقيا وجنوب آسيا‪.‬‬

‫‪A.A.M‬‬

‫‪67‬‬


‫اإلساءة الدينية لألطفال‬ ‫‪Gaia Atheo‬‬

‫زد عىل ذلك ما متارسه الطائفة الشيعية عىل األطفال من تطبري يف املناسبات الدينية‪ ،‬وهو شق الرأس أو أعىل الجبني‬ ‫بالسيف مع الرضب بالسالسل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مدروس‪،‬‬ ‫صحي‬ ‫نحن بحاج ٍة إلعادة النظر يف منظومة الرتبية والتعليم بكليتها‪ ،‬نحن بحاج ٍة لبناء شخصية الطفل بشكل ٍّ‬ ‫يك يكون فاعلاً مستقلاً متم ّي ًزا يف املستقبل ُمفي ًدا ملجتمعه مرتق ًيا به إىل صفوف الدول املتقدمة‪ ،‬وسيكون من املحزن‬ ‫فعلاً أن ننظر إىل الغد القريب دون معالجة هذه القضية أو اإلهتامم بها‪ ،‬وهذه مسؤوليتنا جمي ًعا بد ًءا من األهل وصولاً‬ ‫للمدرسة وحتى املقربني وكل من تربطه صل ٌة بأي طفل‪.‬‬ ‫ويف النهاية عزيزي القارئ بقي أن تسأل نفسك‪ :‬هل تعترب أنك ضحي ٌة لإلساءة الدينية بشكل أو بآخر؟ هل تع ّرض‬ ‫حقيقي أم أنه حال ٌة من اإلنكار؟‬ ‫أطفالك ليش ٍء من هذا القبيل؟ إن كانت إجابتك بالنفي‪ ،‬إسأل نفسك‪ :‬هل هذا النفي‬ ‫ٌّ‬ ‫صحي متكاملٍ ٍ‬ ‫بعيد عن العقد‬ ‫وحاول أن تعرتف باملشكلة‪ ،‬فهذه هي الخطوة األوىل عىل طريق الشفاء لبناء مجتمعٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫النفسية الكامنة‪.‬‬ ‫(‪html.umn.edu/humanrts/arab/b025.http://www1 )1‬‬ ‫(‪.25,26,35,36,pages-Religious Abuse,Keith Wright,Wood Lake Publishing,Jan1,2001)2‬‬ ‫(‪http://www.youtube.com/watch?v=GXA7GA9yntc )3‬‬

‫(‪19248144-http://www.bbc.co.uk/news/education )4‬‬ ‫(‪ )5‬مسند أحمد بن حنبل‪ -‬رقم الحديث ‪-6579‬حديث حسن‬ ‫(‪metros niños incas sacrificados 6,700 A˝ .)1999 Reinhard, Johan; Maria Stenzel (November )6‬‬ ‫‪.55–36 :quedaron congelados en el tiempo˝. National Geographic‬‬ ‫‪Discovery Channel The mystery of Inca child sacrifice‬‬ ‫(‪http://en.wikipedia.org/wiki/Tophet )7‬‬

‫‪68‬‬


‫روابط قراءة المجلة مباشرة أون الين‬

http://issuu.com/i-think-magazine http://www.box.com/s/zhvvajbeglqpq2enaqzp

‫روابط التحميل‬

http://www.mediafire.com/?odd3nd897q2ne http://www.box.com/s/zhvvajbeglqpq2enaqzp http://issuu.com/i-think-magazine

:‫صفحة المجلة على الفيسبووك‬

https://www.facebook.com/I.Think.Magazine

‫مدونة أنا أفكر‬

http://i-think-magazine.blogspot.com

69


‫‪John Silver‬‬

‫أدلجة الشعوب بتوجيه‬ ‫املعتقدات املوروثة‬ ‫‪70‬‬


‫أدلجة الشعوب بتوجيه‬ ‫املعتقدات املوروثة‬

‫‪John Silver‬‬

‫كنت أقرأ اً‬ ‫بأمور حدثت بعد وفاته‪ ،‬والهالة التي وضعت‬ ‫مقال عن نوستروداموس و كيف تنبأ‬ ‫ٍ‬ ‫مثير لالهتمام‪.‬‬ ‫حوله و حول مؤلفاته‪ ،‬وعن وصيته البنه و بصراحة‪ ،‬األمر ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫رافض تماماً للفكر الغيبي بكافة أشكاله‪ ،‬قررت أن أبحث في الموضوع من ناحية‬ ‫إنسان‬ ‫باعتباري‬ ‫مقتنع بنظريات المؤامرة‪ ،‬ولكنها عندي أقرب للتصديق من الفكر الغيبي‬ ‫المؤامرة‪ ،‬فمع أني غير‬ ‫ٍ‬ ‫‪.‬و سأبدأ بتعريف بعض المصطلحات التي سأستخدمها الحقاً‪.‬‬ ‫الغيبية ‪ :‬و هي االعتقاد بوجود قو ٍة غير مرئي ٍة وغير خاضع ٍة للقياس‪ ،‬خفي ٍة تسيطر على مجريات‬ ‫حياة البشر‪ ،‬و تقرر المستقبل‪ .‬طبعًا هذا ال يعني التوتر و الروابط بين البشر كخوف األم على‬ ‫لحادث ما أو ما إلى ذلك‪ .‬أنا هنا أش ّدد على مفهوم األحداث المستقبلية و األمور‬ ‫ابنها حين تعرضه‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫سابقا بتسلسلي ٍة ً‬ ‫مرتبطة بها ً‬ ‫طبقا للموضوع المثار هنا أال وهو‬ ‫التي تؤثر بها عوامل لم تكن‬ ‫التنبؤات‪.‬‬ ‫مسبق لألحداث‪ ،‬و كيفية وقوعها من جهة معينة‪ ،‬يُقصد‬ ‫تخطيط‬ ‫قضية المؤامرة ‪ :‬هي عبار ٌة عن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫بإحكام‬ ‫موضوعة ألزمن ٍة طويل ٍة و مدار ٌة‬ ‫بها التأثير على فئ ٍة معين ٍة من البشر‪ ،‬و تكون هذه الخطط‬ ‫ٍ‬ ‫عن طريق تسيير كافة المجتمعات و الدول لمصلحة الخطة الموضوعة‪.‬‬ ‫التنبؤ ‪ :‬و هو عملية معرفة األحداث المستقبلية عن طريق ً‬ ‫رؤى للمستقبل دون دخول العامل‬ ‫بغرض أو دون غرض‪.‬‬ ‫البشري بها‪ ،‬و تكون عاد ًة كهب ٍة من القوى الغيبية ألحد األفراد‬ ‫ٍ‬ ‫توارد الخواطر ‪ :‬و هي عبار ٌة عن حال ٍة من التفكير المشترك لشخصين أو أكثر‪ ،‬يطرحون فيها‬ ‫متطابقة بشكل كامل دون أن يكون هناك ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مشترك بين‬ ‫حسي‬ ‫معينة‪ ،‬و تكون هذه الفكرة‬ ‫فكر ًة‬ ‫رابط ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هؤالء األشخاص‪.‬‬ ‫بدأت بتحليل ما ُذكر في المقال المطروح حول نوستروداموس‪ ،‬و كما قلت ً‬ ‫آنفا أني أرفض فكرة‬ ‫التفكير الغيبي‪ ،‬و لكن ما ُذكر عن نبوءاته يضع األمر في ٍّ‬ ‫غريب‪ ،‬كيف تنبأ نوستروداموس‬ ‫شك‬ ‫ٍ‬ ‫بأمور محكمة‪ .‬هل نوستروداموس هو‬ ‫بتوقيتات دقيق ٍة و‬ ‫بهذه األمور؟ و كيف حصلت؟ و أحيانا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ذلك المتنبئ الذي وضعت فيه القوى الغيبية كامل جهدها أو جز ًءا منه ليتكلم عمّا سيحصل‪ ،‬و ما‬ ‫الفائدة من هذا؟‬ ‫‪71‬‬


‫أدلجة الشعوب بتوجيه‬ ‫املعتقدات املوروثة‬

‫‪John Silver‬‬

‫عند ّ‬ ‫اطالعي على أجزاء من تنبؤات نوستروداموس‪ ،‬وجدت غالبيتها مبهمة‪ .‬فسرت ذلك فيما‬ ‫بعد أن المقصود بها كان كذا و كذا‪ ،‬و بعضها كان ً‬ ‫دقيقا جداً لدرجة الغرابة‪ ،‬و لكن الدقيق منها‬ ‫أن السبب في هذا اإلبهام في الكتابات هو ّ‬ ‫كان يُع ّد على األصابع‪ .‬و قيل ّ‬ ‫أن نوستروداموس لم‬ ‫ثان و افتراضات ربما تكون‬ ‫يشأ أن يُتهم بالهرطقة أو أن يُحرق كساحر‪ ،‬و لكن لي‬ ‫ٌ‬ ‫تصور ٍ‬ ‫ً‬ ‫أن نوستروداموس كان متنبئاً بالغيب أو بالمستقبل‪ .‬قيل ّ‬ ‫منطقية من ّ‬ ‫أن مؤلفات‬ ‫بالنسبة لي أكثر‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫نوستروداموس أحرق أغلبها و نجا جز ٌء منها‪ ،‬منها ما كان قد ألفه و نشره قبل أن يقوم بإحراقها‬ ‫ربما‪ ،‬و منها ما ت ّم استخالصها بعد أن تم إحراقها‪.‬‬ ‫و في ذلك الزمان لم تكن الثورة الصناعية قد بدأت بعد‪ ،‬و لم تكن الطباعة بتلك الق ّوة‪ ،‬ففي أوروبا‬ ‫صنعت الحروف البارزة والمتحركة وفي منتصف القرن ‪ 15‬حيث ظهرت آلة الطباعة علي‬ ‫يد األلماني يوهان جوتنبرج‪ .‬لتتطور للطباعة الحديثة التي تُطبع بها الصحف والكتب بالماليبن‬ ‫على الورق‪ .‬الكتب في تلك الفترة التي كان نوستروداموس قد ألف بها كتابه كانت غالية الثمن و‬ ‫ألن معظم الشعوب كانت ً‬ ‫كانت مقتصر ًة على األغنياء‪ .‬ليس فقط ألنها غالية‪ ،‬بل ّ‬ ‫أمية و محدودة‬ ‫المعرفة‪.‬‬

‫ًإذا األغنياء فقط هم من كان بإمكانهم نقل األفكار الموجودة في الكتب للبسطاء‪ ،‬و بهذا يكون‬ ‫التحريف في هذه الكتب ممك ًنا من جهتهم‪ ،‬ألننا كما علمنا‪ّ ،‬‬ ‫أن نوستروداموس لم يكن ذلك الغني بل‬ ‫إنه كان هاربًا من الكنيسة‪ .‬و من المؤكد أنّه عندما ظهرت الطباعة لم تطبع كتاب نوستروداموس‬ ‫مباشر ًة قبل الكثير من الكتب التي كانت بحاج ٍة إلى التوثيق‪ ،‬عالو ًة على ّ‬ ‫أن أوروبا كانت في‬ ‫مرحلة تخبٍّط كبير ٍة في ذلك الوقت‪ ،‬فمن السلطة الدينية‪ ،‬إلى النبالء‪ ،‬إلى األمراض التي كانت‬ ‫نهائي‬ ‫بشكل‬ ‫تعصف بها‪ ،‬إلى الجهل المستشري بين البشر‪ ...‬و انتقال القصص لم يكن قد ُوثّق‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫عبر منهجي ٍة معرفي ٍة بأصول التوثيق‪.‬‬ ‫‪72‬‬


‫أدلجة الشعوب بتوجيه‬ ‫املعتقدات املوروثة‬

‫‪John Silver‬‬

‫لن أطيل هنا‪ ،‬و لكن أشكك مبدئيًا في كل ما ُذكر عن لسان نوستروداموس‪ ،‬و هناك ٌ‬ ‫نقطة أخرى‪،‬‬ ‫أن نوستروداموس قد كتب ذلك اً‬ ‫أنّي اقتنعت ّ‬ ‫أطراف معينة‬ ‫فعل‪ ،‬لِ َم ال يكون ما كتبه قد استخدم من‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل عام؟ فتسمع‬ ‫ٍإلضفاء تلك الهالة الغيبية على كتاباته كما يحدث عندنا في المواضيع الدينية‬ ‫ٍ‬ ‫أن النبي فالن قد تنبأ ّ‬ ‫ّ‬ ‫بأن كذا سوف يحصل‪ ،‬فتقوم القائمة ليحصل ما قاله بالفعل‪ .‬أليس من الممكن‬ ‫سخرت ما كتب لذلك؟ هذا الشيء ّ‬ ‫أن جهةً أرادت هذا أن يحصل و ّ‬ ‫ّ‬ ‫يذكرني بما حصل في كوبا‪،‬‬ ‫بمنشورات تحرض فيها الشعوب على الثورة‪ ،‬و ما يحدث‬ ‫عندما كانت الطائرات األمريكية ترمي‬ ‫ٍ‬ ‫تحرض ً‬ ‫أيضا على الثورات‪ ،‬طبعًا‬ ‫في زمننا الحالي بأن المنتديات و مواقع التواصل االجتماعي ّ‬ ‫الفرق هنا أنّه في قصة نوستروداموس و قصة تنبؤ المسيحية بمحمد‪ ،‬و قصص أخرى مشابهة‪،‬‬ ‫كان هنالك عامل الغيبية‪ ،‬و لكن الهدف واح ٌد و هو أدلجة هذه الشعوب ‪.‬‬

‫أن نوستروداموس لم يكن ذلك المتنبّئ بالمستقبل‪ ،‬و ّ‬ ‫أرجحه ّ‬ ‫لكن أقاويله ُب ّدَل منها ما بُ ّدل و‬ ‫ما ّ‬ ‫معين‪ .‬و بالنسبة لما قيل عن قصة السكارى الثالثة الذين فتحوا قبره‪،‬‬ ‫ُو ّجه لخدمة مصلحة‬ ‫ٍ‬ ‫طرف ٍ‬ ‫أن هذا القبر لم يفتح ً‬ ‫سابقا؟ و ما الذي يدرينا ّ‬ ‫فما الذي يُدرينا ّ‬ ‫أن الرسالة لم توضع فيه أو أنها لم‬ ‫خصوصا أنهم كانوا ُسكارى؟ و بالنسبة للشهود‬ ‫تُستبدل بعد مقتل االثنين و إصابة الثالث بالجنون‬ ‫ً‬ ‫أساسا ماالذي يدرينا ّ‬ ‫أن القصة كلها حدثت بهذا الشكل؟ لِ َم ال تكون هذه‬ ‫فالمال يفعل أكثر من ذلك‪ً ،‬‬ ‫العراف أو المشعوذ أو حتى الطبيب؟‬ ‫القصص ُحبكت و ِحيكت لتخدم تلك الهالة الغيبية حول هذا ّ‬ ‫‪73‬‬


‫أدلجة الشعوب بتوجيه‬ ‫املعتقدات املوروثة‬ ‫قصص ِحيكت عن (ميرلن) آخر ساحر‬ ‫هناك‬ ‫ٌ‬ ‫في انجلترا‪ ،‬و قصة السيف (اسكالبار)‪ ،‬و هناك‬ ‫العديد العديد من القصص التنبؤية التي ُذكرت‬ ‫في الحضارات الصينية و الهندية‪ ،‬لِ َم ل ْم يعد هناك‬ ‫ٌ‬ ‫أرجح ّ‬ ‫أن‬ ‫تنبؤات بعد الثورة الصناعية؟ بل إنّي ّ‬ ‫هذه الثورة و ما تالها من ربط للحوادث كانت‬ ‫اً‬ ‫عامل قويًا لدعم ما قيل عن هذا الرجل‪ .‬بالمال‬ ‫يمكن أن يكذب المئات عن حادث ٍة معين ٍة‪ ،‬و هنا‬ ‫ّ‬ ‫أذكر بالساحر (كريس أنجل) الذي أخفى اً‬ ‫فيل أمام‬ ‫ما يقارب المئة شخص كلهم أصيبوا بالذهول‪ ،‬و‬ ‫لكن هل سأل أحدنا خمس مئة دوالر لكل شخص‬ ‫كي يصاب بالذهول أمام الكاميرا و توقيع على‬ ‫تنازل قضائي حتى ال يفتضح أمره‪ ،‬كم سيكلف‬ ‫بالمقارنة بك ّم المبالغ المستر ّدة من هذا الفيلم الذي‬ ‫يُخفي فيه الساحر اً‬ ‫فيل أمام الناس؟‬ ‫للمعلومات‪ ،‬الكثير من حيل (كريس أنجل)‬ ‫ُكشفت عن طريق متابعين للحلقات و لكن من‬ ‫يريد أن يصدق سوف يعطيك ً‬ ‫حيلة جديد ًة كلما‬ ‫أظهرت له فشل الحيلة التي قبلها و يقول ˝ و‬ ‫هذه كيف تفسرها؟˝ تماماً كما في موضوع‬ ‫نوستروداموس‪ ،‬الناس التي كانت في خض ّم ذلك‬ ‫الجهل‪ ،‬ستصدق أي شي ٍء يقال عن شخص يعتبر‬ ‫غيبيًا‪ ،‬ألنه سيخفف عليهم عناء التفكير بكيفية‬ ‫حدوث ذلك‪ ،‬عالو ًة على أن مبدأ الشك كان غير‬ ‫مطروح بشكله الحالي‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫‪74‬‬

‫‪John Silver‬‬


‫أدلجة الشعوب بتوجيه‬ ‫املعتقدات املوروثة‬

‫‪John Silver‬‬

‫بشكل يخدم مصلحة فئ ٍة من الناس‪ ،‬يعتبر جزئيًا قضية مؤامرة‪ ،‬و‬ ‫إن ّطرح المعتقدات الموروثة‬ ‫ٍ‬ ‫لكن ليس بالمفهوم المذكور في األعلى‪ ،‬فهو يخدم الفئة الموجهة و التي غالبًا ما تكون صاحبة‬ ‫رأس المال و العقل المدبّر لهذه المؤامرة في جزئيات و ليس خالل مشاريع إقليمية‪.‬‬ ‫ربما يتساءل أحد ما‪ ،‬ماالذي كان يمنع أحد المثقفين أن يقارن األصول أو أن يطلب التوثيق‬ ‫ً‬ ‫مطابقة للحدث في ما ُذكر عن اإلعجاز العددي في‬ ‫للمرجع عبر دالئل و براهين؟ هنا أطرح‬ ‫القرآن‪ ،‬مع ّ‬ ‫أن اإلعجاز العددي كله كذب و لكن الكثيرون الزالو يؤمنون به و الكثير من المشايخ‬ ‫مازالوا يذكرونه‪ّ ،‬‬ ‫ألن مصدر رزقهم معتمد على هذة األدلجة‪.‬‬

‫‪https://www.facebook.com/TheTheoryOfEvolution‬‬

‫‪75‬‬


‫دراسة نقدية يف قصيدة‬ ‫طالسم للشاعر إليا أبو مايض‬

‫‪‎‬عادل أحمد‪‎‬‬

‫‪76‬‬


‫دراسة نقدية يف قصيدة طالسم‬ ‫للشاعر إيليا أبو مايض‬

‫عادل أحمد‬

‫الشاعر إيليا أبو مايض من الشعراء الذين كانت لهم ميول وجودية‪ ،‬وهو قد ناقش مسألة الوجود كث ًريا‬ ‫يف أعامله وكتاباته‪ ،‬ومن أكرث األعامل التي كشف فيها عن ميول (الال أدرية) يف فلسفته هي قصيدة‬ ‫طالسم‪ ،‬التي كشف فيها عن جميع جوانب التفكري الوجودي الال أدري‪ ،‬وهنا سنقوم بتقديم دراسة‬ ‫نقدية عن الجوانب التي تم نقاشها يف محتوى العمل الشعري‪.‬‬ ‫لقد بدأ الشاعر قصيدته بلب املسألة وهي ضعف فرضية اإلله‪ ،‬حيث أنها ال تجيب عىل سؤال نشأة‬ ‫الحياة أو نشأة اإلنسان‪ ،‬وكذلك يعكس عدم توفر أي أدلة فلسفية عن مصري الحياة أو مصري اإلنسانية‬ ‫حيث يقول يف مطلع قصيدته‪:‬‬ ‫جئت‪ ،‬ال أعلم من أين‪ ،‬ولك ّني أتيت‬ ‫ولقد أبرصت ق ّدامي طريقا فمشيت‬ ‫وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت‬ ‫كيف جئت؟ كيف أبرصت طريقي؟‬ ‫لست أدري!‬ ‫=====‬ ‫ينتقل الشاعر بعد ذلك إىل مزيد من التساؤالت بشأن الوجود‪ ،‬وعالقتها باإلله‪ ،‬ويلفت االنتباه إىل‬ ‫قضية فلسفية عقدية يف غاية التعقيد‪ ،‬وهي مسألة التخيري وقابل التسيري‪ ،‬وهي مسألة كانت مسار‬ ‫جدل ديني قديم‪ ،‬وهي من النقاط التي تضعف طريقة التفكري الديني‪ ،‬حيث التناقض بني مبدأ الثواب‬ ‫والعقاب ومبدأ التسيري باإلضافة ملبدأ مطلقية مشيئة اإلله‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬ ‫هل أنا ح ّر طليق أم أسري يف قيود‬ ‫هل أنا قائد نفيس يف حيايت أم مقود‬ ‫أمت ّنى أنّني أدري ولكن‪...‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫========‬ ‫ومن املوضوعات التي كان لها رواج يف تلك الفرتة مسألة نسبية الزمن ونتائج النظرية النسبية‪ ،‬وما كان‬ ‫له تأثري يف إعادة مفهومنا للزمن‪ ،‬ومدى تأثري ذلك عىل مسألة الوعي الديني‪ ،‬فإن كان الزمن قد بدأ‬ ‫لحظة االنفجار الكبري‪ ،‬فأين وجد اإلله الوقت ليك يقوم بصناعة هذا الكون‪ ،‬وقد ال يكون الشاعر يعني‬ ‫‪77‬‬


‫دراسة نقدية يف قصيدة طالسم‬ ‫للشاعر إيليا أبو مايض‬ ‫هذه الفكرة بالضبط‪ ،‬ولكن واضح أنه يحاول‬ ‫أن يلفت النظر ملا كان رائج من تفكري يف تلك‬ ‫الفرتة حني قال‪:‬‬ ‫وطريقي‪ ،‬ما طريقي؟ أطويل أم قصري؟‬ ‫هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور‬ ‫السائر يف ال ّدرب أم ال ّدرب يسري‬ ‫أأنا ّ‬ ‫أم كالّنا واقف وال ّدهر يجري؟‬ ‫لست أدري!‬ ‫===========‬

‫عادل أحمد‬

‫ويستمر الشاعر يف عكس جوانب أخرى من‬ ‫املعضلة الفلسفية حني يقول‪:‬‬ ‫أتراين قبلام أصبحت إنسانا سويّا‬ ‫أتراين كنت محوا أم تراين كنت ش ّيا‬ ‫حل أم سيبقى أبديّا‬ ‫ألهذا اللّغو ّ‬ ‫لست أدري‪ ...‬وملاذا لست أدري؟‬ ‫لست أدري!‬ ‫============‬ ‫ومن الجانب الفلسفي بشقيه الجديل واملادي‬ ‫ينتقل الشاعر إىل الجانب العلمي يف نظرية‬ ‫أصل الحياة ونشأتها‪ ،‬حيث أنه يلقي الضوء‬ ‫عىل منشأ الخلية األوىل من وجهة النظر‬ ‫التطورية‪ ،‬حيث أن الحياة من خالل النظرية‬ ‫عبارة عن خلية بحرية تطورت إىل تنوع إحيايئ‬ ‫حيث يقول‪:‬‬ ‫قد سألت البحر يوما هل أنا يا بحر منكا؟‬ ‫هل صحيح ما رواه بعضهم عني وعنكا؟‬ ‫أم ترى ما زعموا زورا وبهتانا وإفكا؟‬ ‫ضحكت أمواجه مني وقالت‪:‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫================‬

‫ومن الفلسفات الوجودية ينتقل الشاعر‬ ‫إىل املادية يف طرحه الشعري‪ ،‬حيث املسألة‬ ‫األساسية يف الفلسفة التقليدية‪ ،‬هل الوعي‬ ‫سابق للامدة أم املادة سابقة للوعي‪ ،‬حيث‬ ‫يقوم بطرح الفكرة بالصورة التالية‪:‬‬ ‫ليت شعري وأنا عامل الغيب األمني‬ ‫أتراين كنت أدري أنّني فيه دفني‬ ‫وبأنيّ سوف أبدو وبأنيّ سأكون‬ ‫أم تراين كنت ال أدرك شيئا؟‬ ‫لست أدري!‬ ‫=========‬

‫ثم بعد ذلك يتناول الشاعر أخطر نقد قدم‬ ‫لنظرية الخلية األوىل حيث أن زمن تشكل‬ ‫‪78‬‬


‫دراسة نقدية يف قصيدة طالسم‬ ‫للشاعر إيليا أبو مايض‬ ‫املسطحات املائية غري كايف لنشأة الحياة وتطورها‬ ‫فيه‪ ،‬حيث أن التعقيد االحتاميل للخلية األوىل‬ ‫يحتاج إىل زمن أكرب من نشأة البحار نفسها‪،‬‬ ‫وهذا ما جعل بعض العلامء يتجهون إىل نظرية‬ ‫املذنب الحيوي حيث أن الحياة تم إرسالها إىل‬ ‫األرض عن طريق مذنب من خارج األرض رمبا‬ ‫من كوكب تطورت فيه الحياة قبلنا‪ ،‬ويقول‬ ‫الشاعر‪:‬‬ ‫أيّها البحر‪ ،‬أتدري كم مضت ألف عليكا‬ ‫وهل الشّ اطىء يدري أنّه جاث لديكا‬ ‫وهل األنهار تدري أنّها منك إليكا‬ ‫ما الذّي األمواج قالت حني ثارت؟‬ ‫لست أدري!‬ ‫====================‬

‫عادل أحمد‬

‫ثم بعد ذلك نراه ينتقل بعد نشأة الحياة إىل‬ ‫تطورها‪ ،‬حيث أن املبدأ األسايس يف التطور‬ ‫هو التنازع من أجل البقاء‪ ،‬وهو ما تعتمد‬ ‫عليه نظرية التطور يف األساس‪ ،‬وكيف ميكن‬ ‫أن يعمل املوت وامليالد سوا ًء بسواء لصناعة‬ ‫التنوع اإلحيايئ‪ ،‬وهو يصيغ هذا املعنى كاآليت‪:‬‬ ‫يرقص املوج ويف قاعك حرب لن تزوال‬ ‫تخلق األسامك لكن تخلق الحوت األكوال‬ ‫قد جمعت املوت يف صدرك والعيش الجميال‬ ‫ليت شعري أنت مهد أم رضيح؟‪..‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫========================‬ ‫ثم بعد ذلك يلقي الضوء عىل مصري الحياة‪ ،‬فإن‬ ‫كانت نشأت بصورة تلقائية‪ ،‬وتطورت بصورة‬ ‫غري واعية‪ ،‬فال يوجد ما يشري إىل أنه ميكن أن‬ ‫يكون هناك حياة أخرى بعد هذه‪ ،‬وال يوجد ما‬ ‫ميكن أن يجلعنا نعتقد بوجود نسخة أخرى من‬ ‫هذه الحياة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬ ‫كم ملوك رضبوا حولك يف اللّيل القبابا‬ ‫الضبابا‬ ‫الصبح ولكن مل نجد إالّ ّ‬ ‫طلع ّ‬ ‫ألهم يا بحر يوما رجعة أم ال مآبا‬ ‫أم هم يف ال ّرمل ؟ قال ال ّرمل إين‪...‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫====================‬

‫ثم بعد ذلك يؤكد الشاعر عىل إميانه الجزيئ‬ ‫بنشأة الحياة من البحر‪ ،‬أو قد يكون حديثه‬ ‫عن املسلسل الغذايئ‪ ،‬ولكن متاسك النص يرجح‬ ‫أن الحديث عن نشأة الحياة البحرية وأن أصل‬ ‫جميع الكائنات خلية بحرية أوىل حيث يقول‪:‬‬ ‫قد أكلناك وقلنا قد أكلنا الثّمرا‬ ‫ورشبناك وقلنا قد رشبنا املطرا‬ ‫أصواب ما زعمنا أم ضالل؟‬ ‫لست أدري!‬ ‫====================‬ ‫‪79‬‬


‫دراسة نقدية يف قصيدة طالسم‬ ‫للشاعر إيليا أبو مايض‬

‫عادل أحمد‬

‫إ ّن يف صدري‪ ،‬يا بحر ‪ ،‬ألرسار عجابا‬ ‫السرت عليها وأنا كنت الحجابا‬ ‫نزل ّ‬ ‫ولذا أزداد بعدا كلّام أزددت اقرتابا‬ ‫وأراين كلّام أوشكت أدري‪...‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫======================‬

‫ومن األحياء ينتقل الشاعر إىل نشأة الكون‬ ‫نفسه‪ ،‬ومن أهم ما أثار الجدل يف الحديث عن‬ ‫نشأة الكون هو السؤال ‪:‬هل الكون متناهي‬ ‫يف الزمان واملكان أم أنه غري متناهي‪ ،‬أي هل‬ ‫للكون بداية ونهاية‪ ،‬أم أنه بدأ يف نقطة محددة‬ ‫من الزمان وسيكون له نقطة محددة ينتهي‬ ‫فيها كام يشري إىل نقص املعلومات الكونية التي‬ ‫تؤكد أو تنفي هذه الفكرة (آنذاك) وهو يعترب‬ ‫أن البحر عبارة عن سجل تاريخي ألحداث‬ ‫الكون حيث يسميه (كتاب الدهر)‪ ،‬ويصيغ‬ ‫الشاعر ذلك املعنى بأن يقول‪:‬‬ ‫يا كتاب ال ّدهر قل يل أله قبل وبعد‬ ‫أنا كال ّزورق فيه وهو بحر ال يج ّد‬ ‫ليس يل قصد فهل للدهر يف سريي قصد‬ ‫ح ّبذا العلم‪ ،‬ولكن كيف أدري؟‪..‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫=====================‬

‫ثم يختم الشاعر فقرة تساؤالت البحر بأن يؤكد‬ ‫عىل قلة املعلومات وعدم توفر أي دليل عىل‬ ‫صحة أو عدم صحة فرضية ما بهذا الشأن حيث‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫إنّني ‪،‬يا بحر‪ ،‬بحر شاطئاه شاطئاكا‬ ‫الغد املجهول واألمس اللّذان اكتنفاكا‬ ‫وكالنا قطرة ‪ ،‬يا بحر‪ ،‬يف هذا وذاك‬ ‫ال تسلني ما غد‪ ،‬ما أمس؟‪ ..‬إين‪...‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫=====================‬

‫وبعد ذلك يلقي الشاعر الضوء عىل قضية‬ ‫اجتامعية‪ ،‬وهي عدم تقبل املجتمع العريب‬ ‫لالختالف‪ ،‬فأي بادرة تفكري وجودي أو فلسفي‬ ‫تشكك يف اإلله أو يف الدين هي مرفوضة وميكن‬ ‫أن تؤدي إىل عواقب كبرية‪ ،‬لذلك يفضل الشاعر‬ ‫أن يحتفظ بأكرب تساؤالته الفلسفية لنفسه‪،‬‬ ‫دون أن يفصح عنها‪ ،‬وهو يقول بذلك‪:‬‬

‫وبعد أن يتناول الشاعر الفلسفات املجردة‬ ‫التي ناقشت أصل الحياة وأصل الكون‪ ،‬ويؤكد‬ ‫عىل فلسفته الالأدرية بشأنهام‪ ،‬يتجه الشاعر‬ ‫إىل النامذج العقدية التي وضعت التفسريات‬ ‫الجاهزة لهذه القضايا‪ ،‬ويبني أنها فارغة املحتوى‪،‬‬ ‫وليس فيها أي إشارة علمية أو نقدية ميكن أن‬ ‫تكون هي اإلجابة ألي سؤال‪ ،‬حيث يقول الشاعر‪:‬‬ ‫‪80‬‬


‫دراسة نقدية يف قصيدة طالسم‬ ‫للشاعر إيليا أبو مايض‬ ‫رس الحياة‬ ‫قيل يل يف ال ّدير قوم أدركوا ّ‬ ‫غري أنيّ مل أجد غري عقول آسنات‬ ‫وقلوب بليت فيها املنى فهي رفات‬ ‫ما أنا أعمى فهل غريي أعمى؟‪..‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫=========================‬

‫عادل أحمد‬

‫العقدية‪ ،‬وهي أن املؤمن ال يقبل أي فكرة أو‬ ‫فلسفة تناقض معتقده حتى وإن كانت األدلة‬ ‫واضحة مثل النور‪ ،‬وهو بذلك ينغلق يف ذاته‬ ‫دون أن ينتقل إىل مرحلة فلسفية جديدة‬ ‫فيقول‪:‬‬ ‫أنني أبرصت ّيف ال ّدير ورودا يف سياج‬ ‫قنعت بعد ال ّندى الطّاهر باملاء األجاج‬ ‫حولها ال ّنور الذي يحي ‪ ،‬وترىض بالديّاجي‬ ‫أمن الحكمة قتل القلب صربا؟‪..‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫=========================‬

‫ويقول كذلك‪:‬‬ ‫قيل أدرى ال ّناس باألرسار سكّان الصوامع‬ ‫رس شائع‬ ‫قلت إن ّ‬ ‫صح الذي قالوا فإن ال ّ‬ ‫عجبا كيف ترى الشّ مس عيون يف الرباقع‬ ‫والتي مل تتربقع ال تراها؟‪..‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫=========================‬

‫ثم طفق يؤكد أن أي محاولة الكتشاف رس‬ ‫الحياة من خالل املعتقد الديني هي عبارة عن‬ ‫محاولة يائسة ال طائل منها حيث يقول‪:‬‬ ‫قد دخلت ال ّدير استنطق فيه الناسكينا‬ ‫فإذا القوم من الحرية مثيل باهتونا‬ ‫غلب اليأس عليهم ‪ ،‬فهم مستسلمونا‬ ‫وإذا بالباب مكتوب عليه‪...‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫عجبا لل ّناسك القانت وهو اللّوذعي‬ ‫كل حسن املبدع‬ ‫هجر ال ّناس وفيهم ّ‬ ‫وغدا يبحث عنه املكان البلقع‬ ‫أرأى يف القفر ماء أم رسابا؟‪..‬‬ ‫لست أدري!‬

‫ثم بعد ذلك يعكس مدى تأثري االنعزال الديني‬ ‫وعدم مواكبته للتطور أو للمستجدات الفلسفية‬ ‫والعلمية بأي شأن فلسفي‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬ ‫إن تك العزلة نسكا وتقى فالذّئب راهب‬ ‫وعرين اللّيث دير ح ّبه فرض وواجب‬ ‫ليت شعري أمييت ال ّنسك أم يحيي املواهب‬ ‫كيف ميحو ال ّنسك إمثا وهو إثم؟‪..‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫=========================‬ ‫ثم بعد ذلك ينتقل إىل أهم قضية يف املسألة‬ ‫‪81‬‬


‫دراسة نقدية يف قصيدة طالسم‬ ‫للشاعر إيليا أبو مايض‬ ‫ثم بعد ذلك يربهن الشاعر عن اندهاشه‬ ‫من املوت فإن كان هناك صانع قام بصناعة‬ ‫هذه الكائنات‪ ،‬فهل من العدل أن تجد يف‬ ‫النهاية نفس املصري عىل اختالف أخالقها‬ ‫وقيمها؟ ويقول الشاعر‪:‬‬ ‫الكل يف هذا املكان‬ ‫أنظري كيف تساوى ّ‬ ‫الصولجان‬ ‫رب ّ‬ ‫وتالىش يف بقايا العبد ّ‬ ‫والتقى العاشق والقايل فام يفرتقان‬ ‫أفبذا منتهى العدل؟ فقالت ‪...‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫=========================‬

‫عادل أحمد‬

‫ثم بعد ذلك يوضح بصورة مبارشة تشككه من‬ ‫فكرة مصري بعد املوت بصورة مبارشة‪ ،‬حيث‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫أوراء القرب بعد املوت بعث ونشور‬ ‫فحياة فخلود أم فتاء ودثور‬ ‫أكالم ال ّناس صدق أم كالم الناس زور‬ ‫أصحيح أ ّن بعض الناس يدري؟‪..‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫إن أكن أبعث بعد املوت جثامنا وعقال‬ ‫أترى أبعث بعضا أم ترى أبعث كالّ‬ ‫أترى أبعث طفال أم ترى أبعث كهال‬ ‫ث ّم هل أعرف بعد املوت ذايت؟‪..‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫===========================‬

‫ثم بعد ذلك يناقش قضية الحياة بعد‬ ‫املوت‪ ،‬وتثور تساؤالته الفلسفية التي تقدم‬ ‫نقد لهذه الفكرة حيث يقول‪:‬‬ ‫إن يك املوت رقادا بعده صحو طويل‬ ‫فلامذا ليس يبقى صحونا هذا الجميل؟‬ ‫وملاذا املرء ال يدري متى وقت ال ّرحيل؟‬ ‫ومتى ينكشف السرّ ّ فيدري؟‪..‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫=======================‬

‫ويستمر الشاعر يف وضع مزيد من الطالسم‬ ‫فيقول‪:‬‬ ‫قد رأيت الشّ هب ال تدري ملاذا ترشق‬ ‫السحب ال تدري ملاذا تغدق‬ ‫ورأيت ّ‬ ‫ورأيت الغاب ال تدري ملاذا تورق‬ ‫فلامذا كلّها يف الجهل مثيل ؟‬ ‫لست أدري!‬ ‫السرت عني‬ ‫كلّام أيقنت أين قد أمطت ّ‬ ‫رسي ضحكت نفيس مني‬ ‫وبلغت السرّ ّ‬ ‫‪82‬‬


‫دراسة نقدية يف قصيدة طالسم‬ ‫للشاعر إيليا أبو مايض‬ ‫قد وجدت اليأس والحرية لكن مل أجدين‬ ‫فهل الجهل نعيم أم جحيم؟‬ ‫لست أدري!‬ ‫لذة عندي أن أسمع تغريد البالبل‬ ‫وحفيف الورق األخرض أو همس الجداول‬ ‫وأرى األنجم يف الظلّامء تبدو كاملشاعل‬ ‫أترى منها أم اللّذة م ّني‪...‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫أتراين كنت يوما نغام يف وتر‬ ‫أم تراين كنت قبال موجة يف نهر‬ ‫أم تراين كنت يف إحدى ال ّنجوم ال ّزهر‬ ‫أم أريجا ‪ ،‬أم حفيفا ‪ ،‬أم نسام؟‬ ‫لست أدري!‬ ‫ّيف مثل البحر أصداف ورمل وآلل‬ ‫يف كاألرض مروج وسفوح وجبال‬ ‫ّيف كالجو نجوم وغيوم وظالل‬ ‫هل أنا بحر وأرض وسامء؟‬ ‫لست أدري!‬ ‫من رشايب الشّ هد والخمرة واملاء ال ّزالل‬ ‫من طعامي البقل واألمثارواللّحم الحالل‬ ‫كم كيان قد تالىش يف كياين واستحال‬ ‫كم كيان فيه يشء من كياين؟‬ ‫لست أدري!‬ ‫أأنا أفصح من عصفورة الوادي وأعذب؟‬ ‫ومن ال ّزهرة أشهى ؟ وشذى ال ّزهرة أطيب؟‬

‫عادل أحمد‬

‫ومن الح ّية أدهى ؟ ومن ال ّنملة أغرب؟‬ ‫أم أنا أوضع من هذي وأدىن؟‬ ‫لست أدري!‬ ‫كلّها مثيل تحيا‪ ،‬كلّها مثيل متوت‬ ‫ولها مثيل رشاب ‪ ،‬ولها مثيل قوت‬ ‫وانتباه ورقاد‪ ،‬وحديث وسكوت‬ ‫فيام أمتاز عنها ليت شعري؟‬ ‫لست أدري!‬ ‫قد رأيت ال ّنمل يسعى مثلام أسعى لرزقي‬ ‫وله يف العيش أوطار وحق مثل حقي‬ ‫قد تساوى صمته يف نظر ال ّدهر ونطقي‬ ‫فكالنا صائر يوما إىل ما ‪...‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫كالصهباء ‪ ،‬لكن أنا صهباي و ّدين‬ ‫أنا ّ‬ ‫أصلها خاف كأصيل ‪ ،‬سجنها طني كسجني‬ ‫ويزاح الختم عنها مثلام ينشّ ق عني‬ ‫وهي ال تفقه معناها‪ ،‬وإين‪...‬‬ ‫لست أدري!‬ ‫غلط القائل إ ّن الخمر بنت الخابيه‬ ‫فهي قبل الزق كانت يف عروق ال ّداليه‬ ‫وحواها قبل رحن الكرم رحم الغاديه‬ ‫إنمّ ا من قبل هذا أين كانت؟‬ ‫لست أدري!‬ ‫هي يف رأي فكر ‪ ،‬وهي يف عي ّني نور‬ ‫وهي يف صدري آمال ‪ ،‬ويف قلبي شعور‬ ‫‪83‬‬


‫دراسة نقدية يف قصيدة طالسم‬ ‫للشاعر إيليا أبو مايض‬ ‫وهي يف جسمي دم يرسي فيه وميور‬ ‫إنمّ ا من قبل هذا كيف كانت؟‬ ‫لست أدري!‬ ‫أنا ال أذكر شيئا من حيايت املاضية‬ ‫أنا ال أعرف شيئا من حيايت اآلتيه‬ ‫يل ذات غري أين لست ألدري ماهيه‬ ‫فمتى تعرف ذايت كنه ذايت؟‬ ‫لست أدري!‬ ‫إنّني جئت وأميض وأنا ال أعلم‬ ‫أنا لغز ‪ ...‬وذهايب كمجيتي طلسم‬ ‫والّذي أوجد هذا اللّغز لغز أعظم‬ ‫ال تجادل ذا الحجا من قال إنيّ ‪...‬‬ ‫لست أدري!‬

‫‪84‬‬

‫عادل أحمد‬


‫مجنون قريش‬ ‫˝عندما يعاين شخص من وهم يسمى ذلك جنوناً‪ ،‬وعندما يعاين مجموعة أشخاص من‬ ‫وهم يسمى ذلك ديناً˝‬ ‫روبرت بريسيغ‬

‫‪Khalilo Atheo‬‬

‫‪85‬‬


‫مجنون قريش‬

‫‪Khalilo Atheo‬‬

‫محمد أو باألحرى قثم بن عبد الالت أحد أشهر الشخصيات يف التاريخ ‪..‬سريته من أكرث السري التاريخية تفصيلاً فنحن‬ ‫نعرف كل يشء عنه تقريبا من لونه املفضل إىل نوع طعامه وحتى قدراته الجنسية التي يقال أنها تفوق قوة ‪4000‬‬ ‫يحب االنفراد بنفسه وغال ًبا ما كان يذهب‬ ‫رجل ‪...‬ويف تلك السرية نرى بوضوح شخصية معقدة غريبة األطوار ‪ ...‬كان ّ‬ ‫إىل الوديان البعيدة واملغارات فيمكث فيها الليايل واأليام‪..‬مالذي كان يفعله هناك؟؟؟ هل هناك شخص آخر يف قريتك‬ ‫يذكرك بقثم؟؟؟ أعرف شخصا يف قريتنا يفعل نفس اليشء‪ ،‬يعيش يف الوديان واملغارات‪..‬لكنه مجنون القرية‪..‬لو أن‬ ‫مجنوننا هذا نزل يوما من غاره وقال‪ :‬أنا رأيت كائن ًـا غريب ًـا ذو أجنحة قال يل بأن هناك كائن خارق يعيش يف السامء‬ ‫السابعة أرسلني إليك لتقوم بتبليغ رسالته إىل العامل *أعبدوين وإال سوف أعذبكم لألبد* ‪ ...‬ماذا سيكون موقفك تجاهه؟؟‬ ‫هل ستتصل بالرشطة أم باإلسعاف؟؟ أم ستصدقه؟؟‬ ‫ملاذا ال تصدقه؟؟ من أدراك بأنه يقول الحقيقة؟؟ وملاذا تصدق شخصا آخر قام بنفس الترصفات قبل ‪ 14‬قرن؟؟ هذا ما‬ ‫يسمى بالكيل مبكيالني يف السياسة‪.‬‬ ‫هل كان قثم مجنون قريش؟؟؟ هل كانت العرب تتهمه‬ ‫بالجنون؟؟ نرى ذلك بوضوح يف كتابه املثري للجدل‪:‬‬ ‫َوقَالُوا ْ يٰأَيُّ َها ٱل َِّذي نُ ِّز َل َعلَيْ ِه ٱل ِّذكْ ُر إِنَّ َك لَ َم ْج ُنو ٌن الحجر ‪6‬‬ ‫ق َ​َال إِ َّن َر ُسولَ ُك ُم ٱل َِّذي أُ ْر ِس َل إِلَ ْي ُك ْم لَ َم ْج ُنو ٌن الشعراء ‪27‬‬ ‫َويَقُولُو َن أَئِ َّنا لَتَا ِركُوا ْ آلِ َه ِت َنا لِشَ ا ِع ٍر َّم ْج ُنونٍ الصافات ‪36‬‬ ‫ث ُ َّم ت َ َولَّ ْوا ْ َع ْن ُه َوقَالُوا ْ ُم َعلَّ ٌم َّم ْج ُنو ٌن الدخان ‪14‬‬ ‫فَتَ َولىَّ ٰ ِب ُركْ ِن ِه َوق َ​َال َس ِ‬ ‫اح ٌر أَ ْو َم ْج ُنو ٌن الذاريات ‪39‬‬ ‫َوإِن يَكَا ُد ٱلَّ ِذي َن كَ َف ُروا ْ لَيُ ْزلِقُونَ َك ِبأَبْ َصا ِر ِه ْم لَماَّ َس ِم ُعوا ْ ٱل ِّذكْ َر‬ ‫َويَقُولُو َن إِنَّ ُه لَ َم ْج ُنو ٌن القلم ‪51‬‬

‫‪86‬‬

‫ال ال ال‪....‬‬ ‫أنا نبي من عند الله‬


‫مجنون قريش‬

‫‪Khalilo Atheo‬‬

‫ملاذا هذه التهمة بالتحديد هي التي ركز عليها سادة قريش؟؟ هل هناك مظاهر أخرى لهذا الجنون؟؟جنون أم وحي؟‬ ‫حدثنا إسحق بن موىس األنصاري حدثنا معن حدثنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن الحارث بن هشام‬ ‫سأل رسول الله صىل الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله صىل الله عليه وسلم يأتيني يف مثل صلصلة‬ ‫الجرس وهو أشده عيل وأحيانا يتمثل يل امللك رجال فيكلمني فأعي ما يقول قالت عائشة فلقد رأيت رسول الله صىل‬ ‫الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي يف اليوم ذي الربد الشديد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا قال أبو عيىس هذا‬ ‫حديث حسن صحيح‬

‫لنحتفظ هنا بصلصلة الجرس والتعرق ورؤية شخص وهمي ونكمل بحثنا عن أعراض أخرى‪.‬‬ ‫• ‬ ‫( كان النبي يتوجع ويعض عىل شفتيه ويغلق عينيه ‪ ،‬ويف بعض األوقات كان يهدر مثل الجمل ) ‪ -‬أحمد بن حنبل ‪، 1‬‬ ‫‪ ، 464 ، 34‬الفصل ‪) 163‬‬ ‫التوجع والعض عىل الشفتني وإغالق العينني‪.‬‬ ‫• ‬ ‫ويف رواية للبخاري عن عائشة ‪ ˝ :‬كان رسول الله ‪ -‬صىل الله عليه وسلم ‪ُ -‬س ِحر ‪ ،‬حتى كان يُرى أنه يأيت النساء وال‬ ‫يأتيهن ‪ -‬قال ‪ :‬سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا ‪ ، -‬ويف رواية قالت ‪ :‬مكث النبي ‪ -‬صىل الله عليه‬ ‫وسلم ‪ -‬كذا وكذا يخيل إليه أنه يأيت أهله وال يأيت ‪5 ( ....‬‬ ‫• ‬

‫كان يفقد الذاكرة ( ينىس كثريا )‬ ‫‪87‬‬


‫مجنون قريش‬

‫‪Khalilo Atheo‬‬

‫الصا ِم ِت ق َ​َال ‪ ˝ :‬كَا َن نبي اللَّ ِه صىل الله عليه وسلم إِذَا أُنْز َِل َعلَ ْي ِه الوحي كُر َِب لِ َذلِ َك َوت َ َربَّ َد َو ْج ُه ُه ˝ ‪.‬‬ ‫َع ْن ُع َبا َد َة بْنِ َّ‬ ‫رواه مسلم ( ‪. ) 2334‬‬ ‫( وتربَّد وج ُهه ) أي ‪ :‬علته غربة ‪ ،‬والربد تغري البياض إىل السواد‪ ˝.‬رشح مسلم ˝ ( ‪) 190 / 11‬‬ ‫ويف ( ‪ ) 89 / 15‬قال ‪:‬‬ ‫ومعنى تربد أي تغري وصار كلون الرماد ‪.‬‬ ‫تغري لون الوجه إىل السواد أو الرماد‪.‬‬ ‫• ‬ ‫عن يعىل بن أمية ريض الله عنه قال ‪ ˝ :‬وددت أىن قد رأيت رسول الله صىل الله عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي فقال‬ ‫عمر ‪ :‬تعال ‪ ،‬أيرسك أن تنظر إىل النبى صىل الله عليه وسلم وقد أنزل الله عليه الوحي ؟ قلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬فرفع طرف الثوب‬ ‫‪ ،‬فنظرت إليه له غطيط ‪ ،‬وأحسبه قال ‪ :‬كغطيط ال َبكر ‪.‬‬ ‫رواه البخارى ( ‪ ) 1789‬ومسلم ( ‪. ) 1180‬‬ ‫• ‬ ‫ ‬

‫وغطيط كغطيط البعري ‪....‬لرناجع األعراض مرة ‬ ‫أخرى‪:‬‬

‫ ‪-‬‬ ‫ ‬‫ ‬‫ ‬‫ ‪-‬‬ ‫ ‬‫ ‬‫‪ -‬‬

‫رؤية شخص وهمي‬ ‫سامع صلصلة الجرس‬ ‫التعرق‬ ‫التوجع والعض عىل الشفتني‬ ‫إغالق العينني‬ ‫فقدان الذاكرة‬ ‫تغري لون الوجه إىل السواد‬ ‫وغطيط كغطيط البعري‬

‫‪88‬‬


‫مجنون قريش‬

‫‪Khalilo Atheo‬‬

‫ماذا قال العلم عن هذه األعراض؟‬ ‫لنذهب إىل علم األعصاب الديني ‪ Neurotheology‬الذي يهتم بدراسة األسس العصبية للخربات الدينية مثل‪:‬‬ ‫اإلدراك الذي تالىش بواسطة الوقت‪ ،‬الخوف واإلدراك الذايت‪.‬‬ ‫• ‬ ‫الرهبة الروحية‪.‬‬ ‫• ‬ ‫الواحدية مع الكون‪.‬‬ ‫• ‬ ‫االنتشاء‪.‬‬ ‫• ‬ ‫الوحي املفاجئ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫اضطراب الوعي وغريه‪....‬‬ ‫• ‬ ‫يف محاولة إللقاء الضوء وتوضيح ما كان موضع اهتامم متنامي يف هذا املجال‪ ،‬قام لورينس ا ُو‪ .‬مكيني يف عام ‪1994‬‬ ‫بنرش أول كتاب يف هذا املوضوع بعنوان (إلهيات عصبية‪ :‬الدين مرئيـًا يف القرن الحادي والعرشين‪Neurotheology:‬‬ ‫‪ Virtual Religion in the 21st Century‬وفقا ملكيني فان تطور الفص الجبهي يف اإلنسان ولد وهم ًـا عن التسلسل‬ ‫الزمني للوقت كجزء أسايس من إدراك الشخص الذي تعدى الثالثة من عمره‪ .‬وإن عجز عقل البالغني عن اسرتجاع صور‬ ‫مبكرة تعرض لها املخ الطفيل يطرح أسئلة مثل ˝من أين أتيت؟˝ و˝إىل أين سيكون مصرينا؟˝ والذي يقود ‪ -‬بحسب‬ ‫مكيني ‪ -‬إىل تخليق تفسريات دينية متنوعة‪.‬‬ ‫الدراسات السابقة التي حدثت يف خمسينات وستينات القرن العرشين حاولت استخدام تخطيط أمواج الدماغ لدراسة‬ ‫أمناط املوجات الدماغية املتعلقة بالروحانيات‪ .‬ويف خالل الثامنينات قام مايكل بريسينجر بتحفيز الفص الصدغي‬ ‫لألشخاص املشاركني يف التجارب من خالل حقول مغناطيسية ضعيفة مستخد ًما جهاز أصبح بعدها يعرف بشكل واسع‬ ‫بخوذة اإلله‪ .‬أشار املشاركني يف التجارب إىل أنهم شعروا بوجود أثريي يف الغرفة‪.‬‬ ‫الخربات الدينية والفص الصدغي‪:‬‬ ‫كان أول باحث يالحظ ويفهرس الخربات غري الطبيعية املتعلقة برصع الفص الصدغي هو نورمان غيشويند الذي‬ ‫الحظ مجموعة من العادات السلوكية الدينية املتعلقة بنوبة رصع الفص الصدغي مثل الهايربغرافيا والهوس الديني‬ ‫وانحفاض الرغبة الجنسية واإلغامء والحذلقة وهي تنسب جميعها يف الغالب إىل حالة تعرف مبتالزمة غيشويند‪.‬‬ ‫ويف عام ‪ 1997‬أبلغ عامل األعصاب تشاندران يف االجتامع السنوي لجمعية علم األعصاب بأن هناك أساساً عصبيـًا للتجربة‬ ‫الدينية‪ ،‬وقد أملحت نتائجه األولية إىل أن عمق املشاعر الدينية‪ ،‬أو التدين‪ ،‬قد يعتمد عل تعزيزات النشاط الكهريب‬ ‫أيضا يف مفهوم املخاطبة‪..‬‬ ‫الطبيعي يف الفصوص الدماغية‪ ،‬ومن املثري لالهتامم أن هذا الجزء من الدماغ يبدو أنه مهم ً‬ ‫‪89‬‬


‫مجنون قريش‬

‫‪Khalilo Atheo‬‬

‫وذلك ألن إحدى التجارب الشائعة يف الكثري من الحاالت الروحية هي سامع صوت الله‪ ،‬ويبدو أنه يصدر عندما تخطئ‬ ‫التمييز بني مصدر املخاطبة الباطنية (الصوت الصغري يف رأسك الذي تعلم أنك تصدره) بيشء خارج ذاتك‪ ،‬وخالل تجارب‬ ‫من هذا القبيل‪ ،‬تنشط منطقة بروكا يف الدماغ (املسئولة عن املخاطبة) وبإمكان معظم الناس معرفة أن ذلك الصوت‬ ‫هو صوتنا الداخيل الذي يتحدث‪ ،‬ولكن عندما تقيد املعلومات الحسية‪ ،‬كام يحدث أثناء التأمل أو الصالة‪ ،‬فإن الناس‬ ‫يخطئون عىل األرجح بظنهم مصدر األفكار النابعة من الداخل تأيت من مصدر خارجي‪ .‬ويقول العلامء أن باالمكان أن‬ ‫يؤثر الضغط النفيس واإلثارة كذلك يف مقدرة الدماغ عىل إيجاد مصدر الصوت‪.‬‬ ‫لرنجع إىل موضوعنا ونقارن تلك األعراض التي حدثت لقثم بأعراض رصع الفص الصدغي‪:‬‬ ‫يقول الدكتور فالح الشمري – بغداد‪ -‬عن مرض رصع الفص الصدغي‪:‬‬ ‫(‪ ...‬فإذا كانت يف الفص الصدغي فانه يحس كأنه غري طبيعي ‪ ،‬البعض يحس بالهلع والخوف ويجري هربًا – أو يحس‬ ‫بطعم غريب ‪ ،‬أو رؤية أشياء غريبة ‪ ،‬أو يسمع أشياء غريبة عليه مع اإلحساس بدوار ‪.‬‬ ‫إذا كانت يف الفص األمامي أحس املريض بتنميل وخدر يف أحد األطراف أو فقدان القدرة عىل النطق أو تقلص يف أحد‬ ‫األطراف أو طرفني ‪ ،‬أو حتى األطراف األربعة ‪ ،‬وبعد هذه اإلحساسات املختلفة والتي هي مبثابة إنذار للمصاب فيمكنه‬ ‫أن يذهب إىل موضع آمن حتى ال يكون عرضة لألخطار عند فقدان وعيه ‪ .‬بعد هذه البوادر يُسمع للمريض صيحة عالية‬ ‫يفقد بعدها الوعي ويسقط عىل األرض يف حالة تيبس تام يفقد فيها التنفس لذا نرى لونه مييل إىل الزرقة – وتستمر‬ ‫هذه الحالة لعدة ثوان رمبا امتدت إىل نصف دقيقة لتفسح املجال بعدها لنوبة شديدة من التشنجات تعرتي الجسم‬ ‫كله فتنقبض األطراف وتنبسط ويضغط الفكان عىل بعضهام – ويقطع اللسان إذا حدث وكان بينهام مع نزف شديد‬ ‫منه ورمبا تجمع وسد مجرى الهواء وحدث له اختناق – ويخرج الزبد من الفم‪ ) -‬انتهى‬

‫‪90‬‬


‫مجنون قريش‬

‫‪Khalilo Atheo‬‬

‫ماهذا التطابق؟؟ هل أراد الله أن ينزل وحيه عىل نبيه بابتالئه مبرض الرصع أم أن الرصع جعل قثم يعتقد نفسه نبي؟؟‬ ‫يقول سيفر‪˝ :‬هذا مشابه ملا يختربه األشخاص الذين يكابدون هداية دينية‪ ،‬إذ يشعرون بإحساس الرؤية عرب ذواتهم‬ ‫الجوفاء أو واقعهم السطحي بواقعٍ أعمق˝‪ .‬وكنتيجة لذلك‪ ،‬حسب قوله‪ ،‬عاش املصابون بالرصع عرب التاريخ تجارب‬ ‫صوفية عظيمة‪ .‬فالروايئ الرويس فيودور ديستويفسيك‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬كتب عن ِ‬ ‫˝ملسه لله˝ خالل نوبات الرصع‪.‬‬ ‫وهناك يف التاريخ شخصيات دينية أخرى عانت رمبا من الرصع‪ ،‬كالقديس بولس وجان دارك والقديسة تريزا اآلفيلية‬ ‫مؤسس كنيسة أورشليم الجديدة يف القرن الثامن عرش‪.‬‬ ‫وعامنوئيل سويدنبورغ‪ِّ ،‬‬ ‫يقول تيودور دوستيوفسيك امللقب بالرسول الرويس والذي كان مصاب ًـا بنفس املرض العصبي الذي أصيب به محمد‬ ‫مرض ˝رصع الفص الصدغي˝‪:‬‬ ‫˝أيها األصحاء ال تشكُّوا يف السعادة‪ ،‬تلك السعادة التي نعيشها نحن املرىض بالرصع يف اللحظة التي تسبق النوبة‪ ،‬إن‬ ‫محم ًدا يؤكد لنا يف قرآنه أنه رأى الجنة وكان بداخلها‪ ،‬كل األغبياء الحمقى يعتقدون أن محمد مجرد كذاب أو نصاب‬ ‫لكن ال‪ ،‬إنه ال يكذب إنه فعال كان يف الجنة خالل إحدى نوبات الرصع والتي عاىن منها مثلام عانيت منها أنا‪ ،‬ال أدري‬ ‫إن كانت تلك اللحظة تدوم ثوان أو ساعات أو شهور‪ ،‬لكن تأكدوا أنني لن أستبدلها بكل مباهج الدنيا˝‬ ‫ستقولون إذا كان محمد مريض بالرصع كيف يؤلف كتابا مدهشا كالقرآن؟؟؟‬ ‫نعم وكيف يؤلف دوستيوفسيك ‪ 12‬رواية من أجمل ما كتب يف العامل‪ ...‬هذه الحالة اإلبداعية يف التأليف اسمها‬ ‫الهايربغرافيا وهي أحد أعراض الرصع‪...‬‬ ‫ومن هنا نستنتج أن الحروف املقطعة يف أوائل السور ما هي إال دليل مبارش وواضح عىل أن القرآن ناتج عن حالة‬ ‫الهايربغرافيا التي أصيب بها محمد‪...‬هذه الطالسم لن يفكها إال علم األعصاب الديني فال يعقل أن يكون من قالها إله‬ ‫حكيم بل هي أشبه ما يكون إىل طالسم املشعوذين‪.‬‬

‫‪91‬‬


‫مجنون قريش‬

‫‪Khalilo Atheo‬‬

‫ملاذا مل يدع لها بالشفاء؟؟‬ ‫عن عطاء بن أيب ربا ٍح قال‪ :‬قال يل ابن عباس‪ :‬أال أريك امرأ ًة من أهل الج َّنة؟ قلت‪ :‬بىل‪ ،‬قال‪ :‬هذه املرأة السوداء‪ ،‬أتت‬ ‫شئت ِ‬ ‫صربت و لك الج َّنة‪ ،‬وإن ِ‬ ‫رصع‪ ،‬وإنيِّ أتكشَّ ف‪ ،‬فاد ُع الله يل‪ ،‬قال‪˝ :‬إن ِ‬ ‫شئت‬ ‫النبي صىل الله عليه وسلم فقالت‪ :‬إنيِّ أُ َ‬ ‫َّ‬ ‫دعوتُ الله أن يعافيك˝‪ ،‬فقالت‪ :‬أصرب‪ ،‬فقالت‪ :‬إنيِّ أتكشَّ ف‪ ،‬فادع الله أن ال أتكشَّ ف‪ ،‬فدعا لها‪ .‬متفق عليه‪.‬‬ ‫مرة أخرى ‪..‬ملاذا دعا لها بأن ال تتكشف ومل يدع لها بالشفاء من الرصع؟؟‬ ‫بني قثم وإلني ‪:‬‬ ‫كام يقول أتباعها بأنها كانت إمرأة روحية رائعة عاشت أغلب حياتها يف القرن التاسع عرش ( ‪ ، ) 1915 - 1827‬أثرت‬ ‫كتاباتها بشكل كبري عىل ماليني الناس حول العامل ‪ .‬طيلة حياتها قامت بكتابة أكرث من ‪ 5000‬مقالة دورية و ‪ 40‬كتاب ‪،‬‬ ‫أما اليوم فبجمع ‪ 50،000‬صفحة من مخطوطاتها اليدوية ‪ ،‬يظهر لنا كتاباتها حول ‪ 100‬عنوان مختلف متوفرة جميعها‬ ‫باللغة اإلنجليزية ‪ .‬يذكر أنها الكاتبة األكرث ترجمة يف تاريخ األدب ‪ ،‬والكاتبة األمريكية األكرث ترجمة طاغية عىل جنسها‬ ‫وعىل الجنس اآلخر ‪ .‬تغطي كتاباتها تشكيلة واسعة من املواضيع ‪ ،‬من ضمن ذلك الدين ‪ ،‬التعليم ‪ ،‬العالقات اإلجتامعية‬ ‫‪ ،‬الدعوة اإلنجيلية ‪ ،‬النبوءة ‪ ،‬النرش ‪ ،‬التغذية واإلدارة ‪ .‬تغريت حياتها من الحياة العادية إىل حياة مسيحية ناجحة ‪،‬‬ ‫خاطية الخطوات نحو املسيح ‪ .‬كنيسة ˝ ‪ ˝ Seventh-day Adventists‬يؤمنون بأنها كانت أكرث من كاتبة موهوبة ‪،‬‬ ‫فهم يعتقدون أن الله عينها كرسولة لجلب إنتباه العامل إىل الكتاب املقدس وملساعدة الناس لإلستعداد لعودة املسيح‬ ‫مرة أخرى ‪ .‬من وقتام كان عمرها ‪ 17‬عاما حتى ‪ 70‬عاما ‪ ،‬أعطاها اإلله أكرث من (( ‪ 2000‬رؤية يتجىل فيها الذات اإللهية‬ ‫باإلضافة إىل األحالم )) ‪ .‬رؤيتها التي يتجىل فيها اإلله لها كانت متتد من دقيقتني إىل ‪ 4‬ساعات !! قامت ‪ Elen‬بكتابة ما‬ ‫يوحى إليها حتى تقوم مبشاركة اآلخرين بها ‪ .‬حتى أن كتاباتها مصنفة من قبل كنيسة ˝ ‪Seventh-day Adventists‬‬ ‫˝ كـ( كتابات وتعاليم موحاه ) ‪ ،‬كام أن ‪ Elen‬بنفسها ذكرت ‪ ˝ :‬حقيقة بأن اإلله أوحى وصاياه إىل الرجال عن طريق‬ ‫كلامته ‪ ،‬مل يعد من الرضوري أن يستمر بالحضور والوحي وتوجيه الروح القدس ‪ .‬عىل العكس ‪ ،‬الروح وعدت من قبل‬ ‫منقذنا لفتح كلمة اإلله لخادميه ‪ ،‬وإلنارة وتطبيق تعليامته ˝ ‪ .‬يف النص السابق املذكور عىل لسان ‪ Elen‬ترشح لنا ان‬ ‫القول بان اإلله توقف عن اإليحاء للناس خاطئ بل إنه مستمر يف اإليحاء إلينا حتى يوجهنا للصواب !‬ ‫ ماذا حصل لـ˝ ‪ ˝ Elen‬حتى أصبحت نبية من اإلله ؟‬‫˝ ولدت ‪ Elen White‬يف ‪ 1827‬مـ ‪ ،‬وكتبت ما يقارب ‪ 100‬ألف صفحة حول اإلميان الديني فقط ‪ ،‬معتقدة أن اإلله‬ ‫يوحي إليها ‪ ،‬وكتبت عن أدق التفاصيل حتى عن رشب الشاي ‪ .‬وقد كتبت العديد من األوراق حول التجارب التي مرت‬ ‫بها أثناء تلقي الوحي ˝ ‪.‬‬ ‫‪92‬‬


‫مجنون قريش‬

‫‪Khalilo Atheo‬‬

‫تقول ‪ Elen‬بينام كنت أصيل ‪ ،‬مر عيل ‪ 100‬مرة أو أكرث ضوء ناعم يدور حول الغرفة واهتزاز كاهتزاز الزهور ‪ ،‬وقد‬ ‫عرفت أن اإلله قريب مني ‪ ˝ .‬تلك الرؤى أقنعت تابعيها بأنها كانت نبية من اإلله ‪ ،‬لكن عندما بدأ العلامء يدرسون‬ ‫مايض ‪ ، Elen‬بدؤوا بالتساؤل إن كانت تعاين من مرض رصع الفص الدنيوي من الدماغ ألنه قد يكون يوم ما قد تسبب‬ ‫يف حالة ‪ ، Elen‬فعندما كانت بعمر ‪ 9‬سنوات ‪ ،‬طوردت ‪ Elen‬من املدرسة بواسطة فتاة كبرية‪..‬‬ ‫تقول‪˝ : Elen‬لقد قمت باإللتفاف لرؤية كم هي تلك الفتاة بعيدة عني ‪ ،‬وبينام كنت ألتف ‪ ،‬رضبني حجر عىل أنفي‬ ‫وسقطت أرضا وشعرت أنني مغمى عيل ‪ .‬أمي قالت يل أنني مل أفق من وعيي لـ‪ 3‬أسابيع ‪ ،‬وعندما كنت أعود لوعيي ‪،‬‬ ‫بدا يل أين كنت نامئة ‪ ،‬لقد صدمت ‪ ،‬فكل جزء يف وجهي تغري ˝ ‪.‬‬ ‫تأثرت ‪ Elen‬باإلصابة التي لحقت برأسها ‪ .‬مل تكن قادرة عىل العودة للمدرسة ‪ .‬تغريت شخصيتها ‪ ،‬فقد أصبحت متدينة‬ ‫جدا ‪ ،‬وألول مرة يف حياتها ‪ ،‬لقدت بدأت بامتالك رؤى دينية قوية ˝ ‪.‬‬ ‫يتحدث الربوفيسور ‪ ˝ : Gregory Holmes .‬عندما بدأت ‪ Elen‬متتلك تلك الرؤى الدينية ‪ ،‬بدأت تعابري وجهها تتغري ‪،‬‬ ‫ويف غالب األحيان تبدأ بالتحديق ‪ ،‬حيث كانت غري واعية ما يدور حولها ‪ ،‬وكانت تنىس بعض األحداث التي يعاين منها‬ ‫مرىض الرصع ˝ ‪.‬‬ ‫الربوفيسور ‪ Gregory Holmes‬وهو أحد كبار علامء علم األعصاب حول العامل يعتقد بأن الرؤى التي تبعت إصابة‬ ‫‪ Elen‬برأسها هي بسبب الرصع‪.‬‬

‫‪93‬‬


‫مجنون قريش‬

‫‪Khalilo Atheo‬‬

‫يقول أيضا‪˝ :‬العظام خلف األعني ضعيفة ملقاومة رضبة الحجر تلك عىل انف ‪ ، elen‬مام سيسبب أن الرضبة قد تؤثر‬ ‫عىل الدماغ مسببة رصع الفص الدنيوي من الدماغ ˝ ‪.‬‬ ‫أخ ًريا‪:‬‬ ‫إذا كان محمد نبيا فإلني أيضا نبية ‪...‬ليس هناك معيار للنبوة نستطيع أن نفرق به بني املرض والحقيقة فاآلية التي‬ ‫سمعها يف غار حراء )اقرأ( ال تحمل أي إشارة اىل أنه نبي بل راح ضحية لخديجة وورقة بن نوفل ورحنا نحن ضحايا‬ ‫ملرض قديم كان يعتقد أنه وحي‪ ...‬ماذا عن باقي األنبياء؟‬ ‫يتحدث الربوفيسور ‪ ˝ : Ramachandran‬إنه من املحتمل أن قائدي األديان اآلخرين عانوا من نوبات رصع الفص‬ ‫الدنيوي الذي أدى بهم إىل الحصول عىل رؤى دينية خارقة وتجارب غامضة ‪ .‬العديد من املتدينني الصوفيني ‪ ،‬بعض‬ ‫التجارب التي تصفها الكتب الدينية عن تلقيهم الوحي وتجاربهم الغامضة تبدو مشابهة متاما ملا يصفه لنا املرىض الذين‬ ‫يعانون من مرض رصع الفص الدنيوي‪.‬‬ ‫يف انتظار ردكم عىل هذه الحجج أو كام تسمونها الشبهات تعالوا نتعرف عىل ما فعله قثم بعقولكم‪:‬‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‪-‬‬ ‫ ‬‫ ‬‫‪ -‬‬

‫ ‪-‬‬ ‫‪ -‬‬

‫هل تحدث لك أوهام شم َّية ‪ ،‬ذوق َّية وهلوسات سمعية كسامع صوت رنني مثال؟‬ ‫هل تحدث لك تشوهات يف رؤية أشكال ‪ ،‬حجم ومسافة األجسام ؟‬ ‫هل تبدو لك األجسام أحيانا متقلصة الحجم ‪ ،‬أو حتى أكرب من حجمها العادي ؟‬ ‫هل تشعر بحالة الـ˝ ‪ ˝ déjà vu‬وهي حالة مير بها الشخص يعتقد فيها أن حدثا ما حدث له يف وقته الحارض ‬ ‫قد شهده سابقا أو حدث له يف املايض متاما مثل ماحدث يف الحارض ‪ ،‬وقد يشعر أيضا بحالة الـ˝‪ ˝ jamais vu‬‬ ‫وهي حالة مير بها املريض يقوم بوصف حالة مألوفه له مل يألفها أو يشهدها شخص آخر ‪ ،‬وكل هذا يحدث ‬ ‫عىل التوايل ؟‬ ‫هل تتكرر يف ذهنك أغنية ما أو مقطع موسيقي باستمرار وبشكل قهري؟‬ ‫هل تشعر أنك محاط بجسم أثريي ˝ ‪˝ Aura‬أو هالة؟‬

‫إذا كنت كذلك فهنيئـًا لك ‪...‬قد تصبح نبيـًا ‪ ...‬نعم كل ما عليك فعله هو زيادة شدة هذه األعراض‪ ،‬لكن هناك خرب‬ ‫يسء أيضا وهو أن تلك األعراض هي ناتجة عن تقليد شخص مجنون عاش قبل ‪ 14‬قرن ًـا ومازالت هلوساته تُقدس ويُقتل‬ ‫من ال يقدسها ‪...‬‬

‫‪94‬‬


‫مجنون قريش‬ ‫إذا كنت تعترب نفسك يف حالة طبيعية فأجب عىل هذه األسئلة‪:‬‬ ‫‪) 1‬‬ ‫‪ )2‬‬ ‫‪ )3‬‬ ‫‪ )4‬‬ ‫‪ )5‬‬ ‫‪ )6‬‬ ‫‪ )7‬‬ ‫‪ )8‬‬ ‫‪ )9‬‬ ‫‪ )10‬‬ ‫‪ )11‬‬

‫شخصا مكث يف بطن الحوت ‪ 40‬يوما؟‬ ‫هل تؤمن أن ً‬ ‫شخصا صعد إىل السامء عىل ظهر حصان مجنح؟‬ ‫هل تؤمن أن ً‬ ‫شخصا ُولد من عذراء؟‬ ‫هل تؤمن أن ً‬ ‫هل تؤمن أن النمل تكلم يف أحد األيام؟‬ ‫هل تؤمن أن طائر الهدهد تكلم يف أحد األيام؟‬ ‫شخصا وضع يف النار ‪ 40‬يوما ومل يحرتق؟‬ ‫هل تؤمن أن ً‬ ‫شخصا ما نزل عليه كتاب من فوق سبع ساموات وهو يف كهف؟‬ ‫هل تؤمن أن ً‬ ‫شخصا ما كان يحيي املوىت؟‬ ‫هل تؤمن أن ً‬ ‫شخصا ما صنع طريقا يف البحر برضبة عصا؟‬ ‫هل تؤمن أن ً‬ ‫هل تؤمن أن هناك كائنات أخرى تعيش معنا؟‬ ‫هل تؤمن أن هناك كائن خارق يستطيع فعل كل يشء موجود يف السامء؟‬

‫إذا أجبت بنعم فاقرأ عىل عقلك السالم ‪...‬‬ ‫دمتم مجانني‪.‬‬

‫‪95‬‬

‫‪Khalilo Atheo‬‬


https://www.facebook.com/groups/136652479873391

96


‫االسالم انترش بالدوالر‬ ‫فهل سيموت بالدوالر‪.‬‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫طب ًعا أنا هنا ال أتحدث عن انتشار اإلسالم يف عهد أيب القاسم وأبنا ِء عمومته فذاك اإلسالم انترش بالسيف والرمح كام‬ ‫ِ‬ ‫جامعات أملانيا سنة ‪ 2006‬والتي انتفض عىل أثرها عامة املسلمني كونها‬ ‫بينَّ البابا بنيدكتس يف محارضته يف إحدى‬ ‫تفضح حقيقة نشأة عقيدتهم‪ .‬ما أقصدُ ه هنا هو االنتشار الثاين لإلسالم أو ما يُس ِّميه األعراب عهد الصحوة اإلسالمية‬ ‫املباركة‪.‬‬ ‫لدي نظرية مبنية عىل شواهد تاريخية مؤداها أنه لوال البرتودوالر ملا كان هناك يشء إسمه إسالم اليوم‪ ،‬أو عىل األقل‬ ‫لكان لإلسالم مكانة وتأثري بقدر عقيدة البهائيني أو الصابئة يف يومنا هذا‪ .‬الدوالر األمرييك بدون قصد أعطى اإلسالم‬ ‫حجم أكرب مام هو طبيعي ملثلِ هذه العقائد البدائية‪.‬‬ ‫اً‬

‫‪97‬‬


‫االسالم انترش بالدوالر‬ ‫فهل سيموت بالدوالر‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫كان اإلسالم بحجمه الطبيعي يف القرن الثامن عرش والذي يتمثـل مبامرسات تنترش بني األميني والجهلة و ُقطاعِ الطرقِ‬ ‫يف شبه الجزيرة العربية حيث اختلطت الخرافة الصحراوية مع أقاويل محمد بحيث ال يمُ كن التمييز بني اإلثنني فهذا‬ ‫يعبد شجرة َ‬ ‫بال عليها أحد الصالحني وذاك يُقدِّ س شعرة يُقال إنها ملحمد وغريه يُقب ِّـل موقع خراء ملشعوذ من الزمن‬ ‫األغرب وهل َُّم ج ًرا‪ .‬نعم! صدِّ ق أو ال تُصدِّ ق هذه كانت الحياة الروحية لعربان الصحراء وهذا هو الحجم الطبيعي‬ ‫لدينهم‪ ،‬مجرد خرافات وخزعبالت ميارسها الجهلة والهمج من قاطني الصحراء‪ ،‬إىل أن جاء الدوالر‪.‬‬

‫• ‬

‫إسالم الدوالر‬

‫يف القرن التاسع عرش و ما تبعه وبعد سقوط دول ِة الخالف ِة العثامنية تظاف َر عامالن أديَّا إىل تضخم الدين اإلسالمي‬ ‫إىل حجمه الحايل‪ .‬العامل األول هو ظهور الحركة الوهابية يف الصحراء وتحالفها السيايس مع ابن سعود مؤسس الدولة‬ ‫السعودية (الحظ‪ ،‬جميع دول العربان اإلسالمية تُس َّمى باسم مؤسسيها واملنتفعني الوحيدين منها‪ ،‬أموية‪ ،‬عباسية‪،‬‬ ‫هاشمية‪ ،‬سعودية‪ ،‬طيب أين محمد واإلسالم من املوضوع؟)‪ .‬أما العامل الثاين فهو اكتشاف النفط يف جزيرة العرب‪.‬‬ ‫النفط كان بالفعل الكريوسني الذي أرضم نار الوهابية والتي انترشت يف الهشيم ليس يف صحراء العربان فحسب بل‬ ‫يف الرشق األوسط و شامل أفريقيا ووسط وجنوب آسيا والحقًا أوروبا و روسيا‪ .‬السعودية أنفقت أموال طائلة من‬ ‫النفط وبال حدود لنرش دعوة محمد بن عبد الوهاب بشكل منظم ومعد له يف جميع أصقاع العامل التي سمحت لهم‪.‬‬ ‫ملذهب آل البيت لكن هذا ليس موضوعنا اآلن‪.‬‬ ‫و قلَّدتها بعد ذلك إيران بعد سقوط الشاه نُرص ًة‬ ‫ِ‬ ‫و عليه‪ ،‬فلوال دوالرات النفط األمريكية والتي و َّفرت أحدث الوسائل اللوجيستية واإلعالمية للعربان لبقي اإلسالم‬ ‫محصو ًرا يف مناطق محدودة و ملا كان له هذا التأثري عىل مجاميع برشية كبرية كام هو الحال اليوم‬

‫‪98‬‬


‫االسالم انترش بالدوالر‬ ‫فهل سيموت بالدوالر‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫نعم! الدوالر هو من خلق هؤالء! الدوالر هو من جعل من هؤالء الحثالة آلهة للهمج و الرعاع يف بالد الرمال‪ .‬لكن من‬ ‫سخرية القدر أن الدوالر الذي خلق هؤالء هو من سيقىض عليهم وخرافاتهم ودجلهم يف النهاية‪ .‬كيف؟‬ ‫ لوال الدوالر لكان حسن نرص الله اليوم معلم شاورما دجاج يف صيدا‪.‬‬‫لوال الدوالر لكان أسامة بن الدن اليوم بائع مالبس متجول يف حرضموت‪.‬‬‫لوال الدوالر لكان يوسف القرضاوي اليوم مشعوذ طارد للجن والعفاريت يف أسيوط‪.‬‬‫• ‬

‫لكن ‪! ..‬‬

‫البرتودوالر نرش اإلسالم لكنه يف نفس الوقت‬ ‫نرش التعليم والصحة وطول العمر‪ .‬ال يهم إذا‬ ‫كانت نوعية التعليم راقية أم ال ألن التعليم‬ ‫ح َّول األميني الجهله إىل ناس تعرف القراءة‬ ‫والكتابة ليس بالعربية فحسب بل بلغات‬ ‫أخرى كذلك وهذه نقلة نوعية غري مسبوقة‬ ‫يف بالد الرمال‪ .‬لكن ما عالقة ذلك بانحسار‬ ‫اإلسالم؟ هناك خاصية اجتامعية يتفق عليها‬ ‫باحثي الدراسات السكانية حول العالقة بني‬ ‫املستوى التعليمي ومعدل اإلنجاب‪ .‬باختصار‪،‬‬ ‫و بشكل عام‪ ،‬كلام ارتفع املستوى التعليمي‬ ‫للمرأة والرجل كلام قل عدد أفراد األرسة من‬ ‫األبناء‪ .‬فاألرسة التي كان متوسط عدد األبناء‬ ‫فيها سبعة قبل التعليم أصبح متوسطها‬ ‫خمسة فثالثة فإثنان وهكذا مع مرور الوقت‪.‬‬ ‫إ ًذا حجم األرسة اإلسالمية سوف ينكمش مع‬ ‫ارتفاع مستوى التعليم مام سيؤدي إىل تقليص‬ ‫عدد املسلمني مع انتشار التعليم‪ .‬ما الرس وراء‬ ‫هذه الديناميكية يا ترى؟‬ ‫‪99‬‬


‫االسالم انترش بالدوالر‬ ‫فهل سيموت بالدوالر‬ ‫• ‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫التعليم يؤدي إىل انقراض املسلمني تدريج ًيا‬

‫ارتفاع مستوى التعليم يؤدي إىل ارتفاع التوقعات االجتامعية واالقتصادية‪ .‬فبينام كان املسلم األ ِّمي قنوع بالسكن مع‬ ‫زوجته األ ِّمية (أو مثنى أو ثالث) و أبنائهم التسعة يف غرفة واحدة أصبح املسلم املتعلِّم يرغب يف بيت و سيارة و‬ ‫رمبا شاليه لقضاء أسعد األوقات يف الويك إند و سفرات إىل أوروبا يف الصيف ومدارس خاصة لألوالد‪ .‬طب ًعا هو وهي‬ ‫يُدركان أن راتبهم مهام كان جيدً ا فلن يمُ كنهام من ذلك يف حالة أن األوالد عددهم سبعة فيكتفون بثالثة أو أربعة أو‬ ‫رمبا اثنني أو حتى واحد ليك يحافظوا عىل مستوى املعيشة أو ما أسميته التوقعات االجتامعية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تقليص أعدادهم هي ارتفاع معدل كبار السن الذين يقعون خارج‬ ‫الخاصية األخرى التي ستدفع املسلمني ُعنوة إىل‬ ‫نطاق القوى العاملة ويحتاجون إىل دعم مادي وجسدي من أبنائهم‪ .‬سبب ارتفاع معدل هؤالء هو كرثة عددهم من‬ ‫أيام األمية باإلضافة إىل التقدم يف العلوم الطبية الذي يُبقي عليهم لفرتة أطول من املعتاد‪ .‬فبينام كان يُدفن الجد وهو‬ ‫يف الستني أصبح يع ِّمر وهو كسيح إىل الثامنني والتسعني يف غرفة اإلنعاش املكلفة وهذا يشكل ِعبء إضايف عىل األرسة‬ ‫الجديدة وعىل املجتمع ككل‪ .‬العامل اإلسالمي يُعاين من قنبلة سكانية من كبار السن والعجزة الذين يُشكِّلون ِعبء‬ ‫إضايف عىل اقتصاد األرسة‪ .‬انظر إىل إحصائية األمم املتحدة يف هذا الشأن‪.‬‬ ‫هذه اإلحصائية تُبينِّ نسبة العجزة إىل العاملني‪ ،‬والتي يجب الحفاظ عىل تناسب بينها ألن اإلنسان العامل هو من‬ ‫يتحمل أعباء العاجز يف االقتصاد‪ ،‬سواء عن طريق الرضائب أو التأمينات االجتامعية التي تخصم من العامل لدعم‬ ‫املتقاعد‪ .‬بنظرة رسيعة إىل اإلحصائية نرى أن نسبة العجزة للعاملني يف تزايد مضطرد يف العامل اإلسالمي مقارنة‬ ‫بالواليات املتحدة‪ .‬هذا سوف يخلق ضغط إضايف عىل األرسة املسلمة يفرض عليها اإلنكامش مع مرور الوقت‪.‬‬ ‫عىل فكرة‪ ،‬جميع دول العامل تعاين من هذه املعضلة لكنها مجرد معضلة ميكن التعاطي معها وليست كارثة كام يف‬ ‫العامل اإلسالمي‪ .‬خذ جمهورية إيران اإلسالمية‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬متوسط دخل الفرد السنوي يف إيران هو ‪ 7000‬دوالر‬ ‫مقارنة ب‪ 40000‬يف الواليات املتحدة‪ .‬إيران تعتمد بشكل شبه كيل عىل النفط لدعم احتياجات املواطنني والكثري من‬ ‫التقديرات تشري إىل أن ُقدرة إيران عىل تصدير النفط سوف تتوقف يف ‪ .2020‬ماذا ستفعل إيران لدعم رشيحة العجزة‬ ‫اآلخذه يف النمو بعد هذا التاريخ؟ أمريكا تستطيع دعم العجزة ألن إنتاجية االقتصاد متنوعة وال تعتمد عىل النفط أو‬ ‫الخزائن اإللهية لكن إيران يف مأزق حقيقي وعىل عتب ِة كارث ٍة سكاني ٍة و اجتامعي ٍة وشيكة‪.‬‬

‫‪100‬‬


‫االسالم انترش بالدوالر‬ ‫فهل سيموت بالدوالر‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫معظم القوى العاملة الشابة يف الدول اإلسالمية تنزح من القرى إىل املدن خالق ًة ضغط متزايد عىل ال ُبنى التحتية‬ ‫والذي سيؤدي إىل انفجار سكاين عىل املدى املتوسط‪ .‬للتعامل مع هذه الكارثة الوشيكة قامت حكومة إيران باإلفصاح‬ ‫عن خطة ˝ستالينية˝ إلعادة توطني هؤالء يف مدن جديدة خارج املدن التقليدية مثل طهران! كيف؟ من أين؟ رب‬ ‫محمد يعلم! رمبا هذا يُفرس استامتة إيران يف استغالل الطاقة النووية كبديل للنفط‪ ،‬لكن من يعلم‪ ،‬من الصعب التنبؤ‬ ‫بسلوك املجانني‪.‬‬ ‫• ‬

‫الخالصة‬

‫ات ِ‬ ‫ل ُنلخِّص‪ .‬الدوالر األمرييك الناتج عن صادر ِ‬ ‫النفط اإلسالمي ِة أ َّدى إىل أمرين‪.‬‬ ‫اً‬ ‫أول‪ :‬انتشار عقيدة محمد بشكل غري طبيعي و ثاني ًـا‪ :‬زيادة غري طبيعية يف عدد السكان املسلمني دون وجود قاعدة‬ ‫اقتصادية حقيقية لهذه الزيادة‪ .‬النتيجة مع مرور الوقت سوف تكون كارثة سكانية و فوىض اجتامعية ال يستطيع‬ ‫الدين لوحده السيطرة عليها‪ .‬بوادر هذه الفوىض واالنحطاط االجتامعي موجودة اليوم يف جميع الدول اإلسالمية عىل‬ ‫شكل تعاطي املخدرات وارتفاع معدالت الطالق واالنتحار والعنف األرسي وخاليا اإلرهاب الجهادي ومامرسة البغاء‬ ‫الرشعي‪.‬‬ ‫األرسة التي سوف تنجح يف الحفاظ عىل كيانها هي األرسة التي تكتشف برسعة أن العوامل اإلقتصادية وليس الدين‬ ‫هي من يحافظ عىل استقرارها يف القرن الحادي والعرشين‪ .‬عقلية القرية ال تنفع اليوم‪ ،‬بل هي مدمرة‪ .‬من ال يُدرك‬ ‫هذا األمر برسعة سوف ينقرض آخ ًذا اإلسالم معه بال رجعة‪.‬‬ ‫السذجِ والجهل ِة‬ ‫و لعله ليس من باب الصدفة أن رجال الدين اليوم تحولوا إىل بياعني كالم يجنون املاليني من وراء ُّ‬ ‫من املسلمني من ُمتابعي الفضائيات العربية‪ ،‬و لنا يف عمرو خالد و طارق سويدان والقرضاوي و الكثريين غريهم من‬ ‫دجايل الفضائيات خري مثال‪ .‬فهؤالء يعون ما أقوله هنا و يُدركون أن مهارتهم الوحيدة هي الكالم الذي يجب تحويله‬ ‫إىل كاش و عقار برسعة‪ .‬لذلك يفعلون ما بوسعهم لجني أكرب قدر من األموال لرتبية أبنائهم و التحسني من مستواهم‬ ‫املعييش بينام املسلم املغفل الذي يُصدِّ ُقهم يقف عىل حافة االنقراض و الزوال كونه ال ميلك أن يغذي أبنائه ألن الهبل‬ ‫ال ميكن تحويله إىل دوالرات‪ .‬او كام تقول الحارضة ‪˝ :‬من صادها عىش عياله˝‪.‬‬

‫‪101‬‬


‫يافث القريش‬

‫قراءة نقدية يف بالغة‬ ‫القرآن‬

‫‪102‬‬


‫قراءة نقدية يف بالغة‬ ‫القرآن‬

‫يافث القرشي‬

‫قرأت مؤ ّخرا أنّ أحد األصدقاء قد عاد إىل اإلسالم مع العائدين‪ ،‬و مل أتعجب‪ ،‬فالخوف صار يعصف باملحسوبني عىل‬ ‫ُ‬ ‫عصفًا‪ ،‬و لكن الذي تعجبت منه أن سبب رجوعه إىل اإلسالم كان بسبب بالغة القرآن التي مل يستطع هو أن‬ ‫اإللحاد ْ‬ ‫تخريف وهذيان‪ ،‬فالعجز عن تقليد الشيخ زبري ( شكسبري) ليس دليال عىل ألوهية كالم هذا‬ ‫يحاكيها‪ ،‬فل َعمري هذا‬ ‫ٌ‬ ‫األخري‪ ،‬و لكن قد يكون دليال عىل التفرد باألسلوب والندرة يف األنداد‪ ،‬نعم ‪ ،‬قد يكون دليال عىل ذلك ‪.‬‬ ‫و لعلّه ال يستقيم إغفال ما ن ُِس َب إىل العامل الكبري أيب بك ٍر‬ ‫نقريسنا '' إنكم تدّ عون أن‬ ‫ازي يف هذه النقطة‪ ،‬إذ يقول‬ ‫الر ّ‬ ‫ُ‬ ‫املعجزة قامئة موجودة – و هي القرآن – و تقولون ‪ ˝ :‬من‬ ‫أنكر ذلك فليأت مبثله ˝ ‪ ...‬إن أردتم مبثله يف الوجوه التي‬ ‫يتفاضل بها الكالم فعلينا أن نأتيكم بألف مثله من كالم‬ ‫أطلق منه ألفاظا‪ ،‬و‬ ‫البلغاء و الفصحاء والشعراء و ما هو ُ‬ ‫أشدُّ اختصارا يف املعاين‪ ،‬و أبل ُغ أداء وعبارة وأشكل سجعا‪،‬‬ ‫فإن مل ترضوا بذلك فإنا نطالبكم باملثل الذي تطالبونا به˝ ‪.‬‬ ‫صديق‬ ‫دعونا نَعدْ إىل موضوع بالغة القرآن الذي عاد بسببه‬ ‫ٌ‬ ‫قريب إىل حفرة اإلسالم‪ ،‬فهو حاول محاكاة أسلوب‬ ‫يل‬ ‫ٌ‬ ‫الفرقان ومل يستطع ‪ ،‬فاعترب ذلك اً‬ ‫دليل عىل ألوهية هذا‬ ‫املصحف القديم‪ ،‬فهل هذا الكتاب اً‬ ‫فعل منفرد مل ينجح‬ ‫أحد مبحاكاة أسلوبه و لو من قبيل االستصغار ‪.‬‬ ‫الحق أن ره َني امل َ ْحب َِسينْ ِ أبا العالء املع ّري قد حاىك هذا الكتاب محاكاة عظيمة يف كتابه املغمور ( الفصول و الغايات‬ ‫)‪ ،‬و لقد اتفق الكثري من النقّاد عىل كون هذا الكتاب ر ًدا عىل القائلني بإعجاز البالغة يف القرآن ‪ ،‬و لكن دعونا ــ قبل‬ ‫الوقوف عند مقتطفات من كتاب الفصول و الغايات ــ ْ‬ ‫نسأل؛ ملاذا ال نقبل نحن امللحدون مبسألة البالغة املعجزة يف‬ ‫القرآن ؟‬

‫ال إعجاز يف بالغة القرآن ‪:‬‬

‫الحظوا أنني قلت إنه ال إعجاز يف بالغة القرآن‪ ،‬أي أنني أؤكد عىل أن هذا الكتاب فيه نصيب من البالغة يف كثري من‬ ‫مواضعه‪ ،‬و لكن هذا النصيب من البالغة ال يجعل منه كتابا إلهيا‪ ،‬ألن البالغة عند ِ‬ ‫رجال ما قبل اإلسالم و صدر اإلسالم‬ ‫كانت كاللبان تلوكها أسنان األعراب والحرض‪ ،‬لقد كانت لُامظ َة اللسان العريب يتمطّ ُق بها العريب يف الفيايف والسباسب‬ ‫قبل الحرضي يف املدينة‪ ،‬أفام رأينا بالغة امرئ القيس وعنرتة و غريهام ؟‬ ‫‪103‬‬


‫قراءة نقدية يف بالغة‬ ‫القرآن‬

‫يافث القرشي‬

‫نص من نصوص ما قبل اإلسالم سواء كان عىل لسان مدّ عٍ للنبوة أو عىل لسان بدوي ٍ‬ ‫جلف‬ ‫يف واقع األمر‪ ،‬مل يصلنا ٌّ‬ ‫حازم إال وجدنا فيه نفح ًة من البالغة واإليجاز‪ ،‬فانظر إىل املحارب الغادي إىل ساحة النزال كيف‬ ‫أو عىل لسان صحا ٍيب ٍ‬ ‫يجري الشعر عىل لسانه مجرى املاء يف العو ِد و يقوله سليق ًة و فطر ًة بدون تصنع و ال تكلف ‪،‬‬ ‫كمثلِ قول سعد بن معاذ و هو يف الحرب ‪:‬‬ ‫يلحق الهيجا َح َم ْل *** ال بأس باملوت إذا حان األجل‬ ‫لَ ِّب ْث قليال ِ‬ ‫و أنا اخرتت هذا النص اختيارا عشوائيا ال انتقائيا‪ ،‬ألثبت أن االختيار العشوايئ مام وصلنا من كالم ممن قبل اإلسالم‬ ‫لن يقودنا إىل كالم فاسد غري فصيح بليغ‪ ،‬تخيل معي صندوق موزٍ‪ ،‬كل موزة يف هذا الصندوق طيبة نقية ناضجة‪ ،‬فإذ‬ ‫إصبع ناضج لذيذ‪ ،‬فهذا ال يعنى أن ذاك اإلصبع من املوز‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫حملت ْ‬ ‫إص ُب َع مو ٍز وأنت معصوب العينني واكتشفت أنه ٌ‬ ‫مميز ومنفرد بالنضج‪ ،‬و أنه ال ميكن ألي أحد أن يحصل عىل ما يشابه تلك املوزة‪ ،‬بل الحق يقال‪ ،‬أنه إذا أىت شخص‬ ‫آخر ووضع يده يف صندوق املوز سيحمل موزة بالنضج واللذة نفسها علام أن الك َُّل ناضج لذيذ ‪.‬‬ ‫فالقرآن إمنا يشبه هذا املوز‪ ،‬فهو كالم بليغ من مجموع ما وصلنا من الكالم البليغ ما قبل اإلسالم‪ ،‬و ال يوجد إعجاز‬ ‫فيه ألنه كغريه‪ ،‬بل إننا نجد يف كثري من األحيان تكرارا و أخطاء لغوي ًة حاول اللغويون ترقيعها ومل يستطيعوا‪ ،‬و لنا‬ ‫وقفة مع هذه األخطاء اللغوية الحقا ‪.‬‬ ‫انتفاء أحد رشوط البالغة يف القرآن ‪:‬‬ ‫بلّغ ُيبلّغ تبليغًا‪ ،‬الجِ ذر (بلّغ) هو أصل كلمة ( البالغة ) يف اللغة العربية‪ ،‬فالبالغة هي القدرة عىل تبليغ الفكرة إىل‬ ‫وأحسن لفظ‪ ،‬فهل استطاع القرآن أن يبلّ َغ شيئا ؟ ‪.‬‬ ‫كالم‬ ‫ِ‬ ‫املستمع يف أوضح تركيب وأ ْوج ِز ٍ‬ ‫الحق أن القرآن مل يستطع أن يبلغ الكثري من كالمه إىل املسلمني العرب األقحاح‪ ،‬فانظر كيف نَ َفق ِ‬ ‫َت األسواق بكتب‬ ‫ّ‬ ‫التفسري و اإلعراب و رشح القرآن يف محاولة إليصال فحوى القرآن إىل القارئ‪ ،‬و كلُّها اجتهادات شخصية مل تبلغ مرتبة‬ ‫اليقني والصحة التامة‪ ،‬فهل كتاب مثل هذا الكتاب بليغ ؟‬ ‫بغض الط ْر ِف عن الكلامت املبهامت يف القرآن و التي ال يعلم سرِ َّها إال الله‪ ،‬ومع ذلك حشاها الله يف كتابه ليربهن عىل‬ ‫ّ‬ ‫بالغته‪ ،‬فإنّ قراءة القرآن و فهمه بدون االستعانة بكتب التفسري واللغة والسرية املحمدية ليس ممكنا أبدا ‪.‬‬ ‫‪104‬‬


‫قراءة نقدية يف بالغة‬ ‫القرآن‬

‫يافث القرشي‬

‫لنقف عند سورة الشمس نتدا َر ْسها ‪:‬‬ ‫[ والشمس وضحاها‪ ،‬والقمر إذا تالها‪ ،‬والنهار إذا جالها‪ ،‬والليل إذا يغشاها‪ ،‬والسامء وما بناها‪ ،‬واألرض و ما طحاها‪،‬‬ ‫دساها‪ ،‬كذبت مثود بطغواها‪ ،‬إذ‬ ‫و نفس وما سواها‪ ،‬فألهمها فجورها وتقواها‪ ،‬قد أفلح من زكّاها‪ ،‬و قد خاب من ّ‬ ‫انبعث أشقاها‪ ،‬فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها‪ ،‬فك ّذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فس ّواها ‪ ،‬فال‬ ‫يخاف عقباها ]‪.‬‬ ‫ليصل يف آخر األمر إىل رس ٍد غامض‬ ‫الكاتب بالليل والنهار والشمس والقمر‪َ ،‬‬ ‫القسم‪ ،‬فيقسم‬ ‫هذه السورة تبتدئ بواو‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫لقصة ( أشقى مثو ِد )‪ ،‬و كيف أن هذا األشقى َع َق َر ناقة الله فدمدم الله عىل أمة مثو ٍد دمدم ًة جعلها تنقلع من الوجود‬ ‫حتى بقيت كأعجاز نخل خاوية‪ ،‬و لك ّن الذي يقرأ هذه السورة بدون رصيد معريف قبيل نات ٍج عن قراءة كتب ِقصص‬ ‫األنبياء و تفسري ابن كثريٍ والطربي والقرطبي لن يفهم هذه السورة أبدا‪ ،‬فهذه السورة التي هي جزء من القرآن تحتاج‬ ‫يك ترشحها و توصل الفحوى إىل القارئ ‪ ،‬و هنا ينتفي مجددا مفهوم البالغة يف القرآن ‪.‬‬ ‫رش ل ْ‬ ‫إىل كتب أخرى كتبها ب ٌ‬ ‫فمن هي مثود ؟ و من هو أشقاها ؟ و ما هي ناقة الله ؟ و ملاذا هي ناقة الل ِه وما هي الحكمة يف هذه الناقة اإللهية ؟‬ ‫هذه األسئلة كلُّها لن تَجِ دَ لها جوابا يف سورة الشمس‪ ،‬بل عليك أن تعود إىل ُسو ٍر أخرى كتب التفسري وقصص األنبياء‬ ‫لتعرف الجواب عن هذه األسئلة‪ ،‬حتى أن بعض األسئلة بقيت بدون أجوبة مثل املغزى من تحريم عق ِر الناقة‪ ،‬و‬ ‫حتى لو رجعنا إىل قصص األنبياء و التفاسري فلن نجد غري ( حكمة إلهية )‬ ‫نفسها باللغة اإلنجليزية ‪-:‬‬ ‫دعونا نأخذ السور َة َ‬

‫مثود‬ ‫دم ‪ ....‬دم ‪ ....‬دم ‪ ....‬دم‬

‫‪105‬‬


‫قراءة نقدية يف بالغة‬ ‫القرآن‬

‫يافث القرشي‬

1. And by the sun and its brightness; 2. And by the moon as it follows it (the sun); 3. And by the day as it shows up (the sun's) brightness; 4. And by the night as it conceals it (the sun); 5. And by the heaven and Him Who built it; 6. And by the earth and Him Who spread it, 7. And by Nafs (Adam or a person or a soul, etc.), and Him Who perfected him in proportion; 8. Then He showed him what is wrong for him and what is right for him; 9. Indeed he succeeds who purifies his ownself (i.e. obeys and performs all that Allah ordered, by following the true Faith of Islamic Monotheism and by doing righteous good deeds). 10. And indeed he fails who corrupts his ownself (i.e. disobeys what Allah has ordered by rejecting the true Faith of Islamic Monotheism or by following polytheism, etc. or by doing every kind of evil wicked deeds). 11. Thamud (people) denied (their Prophet) through their transgression (by rejecting the true Faith of Islamic Monotheism, and by following polytheism, and by committing every kind of sin). 12. When the most wicked man among them went forth (to kill the she-camel). 13. But the Messenger of Allah [Salih (Saleh)] said to them: ˝Be cautious! Fear the evil end. That is the she-camel of Allah! (Do not harm it) and bar it not from having its drink!˝ 14. Then they denied him and they killed it. So their Lord destroyed them because of their sin, and made them equal in destruction (i.e. all grades of people, rich and poor, strong and weak, etc.)! 15. And He (Allah) feared not the consequences thereof. ‫ علام بأنها‬،‫ فإنها محشوة باأل ِهلّة امل ُ َح َّمل ِة برشوح وتوضيحات‬،‫تالحظون باإلضافة إىل انتفاء البالغة الشكلية عن السورة‬ ‫أقواس‬ ٍ ‫ و هذا معناه أنّ القرآن مل ينجح يف إيصال فكرته أبدً ا بدون الحاجة إىل حوايش و‬،‫ترجمة حرفية للنص العريب‬ . ‫ترشح الكالم‬ 106


‫قراءة نقدية يف بالغة‬ ‫القرآن‬

‫يافث القرشي‬

‫األقواس من السورة لرنى كيف ستصبح إذا اكتفينا بالرتجمة الحرفية دون إضافات و رشوح برشية لكالم‬ ‫فدعونا نُز ِ​ِل‬ ‫َ‬ ‫الله ‪:‬‬ ‫;‪And by Nafs …and Him Who perfected him in proportion‬‬ ‫;‪8. Then He showed him what is wrong for him and what is right for him‬‬ ‫‪9. Indeed he succeeds who purifies his ownself ….‬‬ ‫… ‪10. And indeed he fails who corrupts his‬‬ ‫… ‪11. Thamud…denied … through their transgression‬‬ ‫… ‪12. When the most wicked man among them went‬‬ ‫‪13. But the Messenger of Allah … said to them: ˝Be cautious! Fear the evil end. That is the she‬‬‫˝!‪camel of Allah! … and bar it not from having its drink‬‬ ‫‪14. Then they denied him and they killed it. So their Lord destroyed them because of their sin,‬‬ ‫… ‪and made them equal in destruction‬‬ ‫‪15. And He … feared not the consequences thereof.‬‬ ‫نفسك‬ ‫بعد استبدال الرشوح بني األقواس بنقاط الحذف‪ُ ،‬عدْ مجددا إىل اآلية و اقرأها وحاول أن تفهم شيئا‪ ،‬فتصور‬ ‫َ‬ ‫مسلام انْ َجليزي ال يفهم الضا َد‪ ،‬و يريد أن يطالع القرآن ُق َب ْي َل نومه أو بعد صالته مطالع ًة عقلي ًة لفهم املضمون ال‬ ‫ليزي حينام‬ ‫لرتديد الشكل ترديدا ب ّبغاوِيا كام يفعل أبناء األمة العربية‪ ،‬فإيل أي درجة سينصدم هذا‬ ‫ُ‬ ‫املسلم اإلنْ َج ُّ‬ ‫سيكتشف أنه مل يستطع أن يفهم شيئا من أبلغ الكتب عىل وجه األرض ؟!!‬

‫غياب الوحدتني العضوية و املوضوعية يف القرآن ‪:‬‬

‫كل جزء يرتبط مبا‬ ‫ف الوحدة العضوية غالبا عىل أنها ترابط أجزاء القصيدة وسريُها يف اتجاه واحد فك ًرا وشعو ًرا ‪ّ ،‬‬ ‫تُع َّر ُ‬ ‫قبله‪ ،‬ومبا بعده‪ ،‬وال يجوز تقديم الجزء أو تأخريه‪ ،‬وقد سميت بالوحدة العضويَّة‪ ،‬ألنَّ ترابط أجزاء النص األديب‪ ،‬يشبه‬ ‫ترابط أعضاء جسد الكائن الحي‪ ،‬أما الوحدة املوضوعية فهي ارتكاز النص األديب عىل موضوع واحد ال أكرث ‪.‬‬

‫‪107‬‬


‫قراءة نقدية يف بالغة‬ ‫القرآن‬

‫يافث القرشي‬

‫اإلغريقي أرسطو أ ّو َل من أشار إىل رضورة توافر هذين الرشطني يف النص األديب ألجل إمكانية‬ ‫الفيلسوف‬ ‫و قد كان‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫يعالج موضوعا واحدً ا له عالقة خفية أو ظاهرة‬ ‫الحديث عن نص متكامل‪ ،‬فالنص األديب ذو العنوانِ الواحد يجب أن‬ ‫َ‬ ‫بعنوان النص‪ ،‬و هكذا يجب أن يستمر إىل نهاية النص‪ ،‬و لكننا نالحظ غياب هذا األمر يف الشعر قبل اإلسالم و القرآن‪،‬‬ ‫أما الشعر ما قبل اإلسالم فقدْ َج َعل من تعدد املوضوعات يف القصيدة الواحدة ديدنَ الشا ِعرِ‪ ،‬و قد الحظ النقاد أن‬ ‫الشعر ما قبل اإلسالم قد التزم برتاتبية وانتظام يف طرح املواضيع‪ ،‬فعادة ما كانت القصيدة تبدأ بالبكاء عىل األطالل‪،‬‬ ‫لتنتقل من البكاء عىل األطالل إىل الهيام بالحبيب ووصف جامله‪ ،‬وغالبا ما يكون الحبيب قاط َن تلك األطالل‪ ،‬فيفتتح‬ ‫الشاعر قصيدة بالبكاء عىل الطلل من أجل الوصول إىل الحديث عن ساك ِنها وهو حبيبه‪ ،‬و يف آخر األمر يصل الشاعر‬ ‫إىل قول ال ِحكَم والكالم التأميل‪ ،‬فاالنتقال من موضوعة إىل موضوعة يف الشعر ما قبل اإلسالم إمنا يحايك االنتقال من‬ ‫حالة نفسية للشاعر إىل حالة نفسية أخرى للشاعر يف حياته الحقيقية الواقعية ‪.‬‬

‫إذن فتعدد املوضوعات يف الشعر ما قبل اإلسالم ليس انتقاصا من بالغته بل هو إضافة لبالغته و متتني لها‪ ،‬ولكن‬ ‫إذا أتينا للقرآن‪ ،‬فإننا سنالحظ غياب الوحدة املوضوعية يف السورة الواحدة‪ ،‬و هذا ما يتناىف مع قدسية و َوقا ِر النص‬ ‫اإللهي‪ ،‬حتى ولو كان تعد ُد املوضوعات من باب البالغة‪.‬‬ ‫لنأخذ عىل سبيل املثال سورة الكوثر‪ ،‬وهي أقرص سورة يف القرآن ‪ ،‬وهي مع ذلك مل ِ‬ ‫تأت بأية فكرة واضحة‪ ،‬تتكون من‬ ‫ثالث آيات‪ ،‬كل آية تتحدث عن موضوع مستقل‪ ،‬انظر‬ ‫‪108‬‬


‫قراءة نقدية يف بالغة‬ ‫القرآن‬

‫يافث القرشي‬

‫فصل لربك و انحر‪ ،‬إن شانئك هو األبرت]‪.‬‬ ‫[ إنا أعطيناك الكوثر‪ِّ ،‬‬ ‫النبي مح ّم ٍد الكوثر‪ ،‬أما ما هو الكوثر فهو‬ ‫اآلية األوىل تبدأ بحرف نصب و تأكيد (إنّ )‪ ،‬يؤكد فيها الكاتب عىل إعطاء ِّ‬ ‫عباس قال إنه نهر يف الجن ِة أكرث بياضا من الثلج ( وهذه قمة التفاهة‪ ،‬ألن املاء السائل‬ ‫َف فيه كثريا‪ ،‬فابن ٍ‬ ‫كالعادة مخ َتل ٌ‬ ‫أبيض فهذا يعني أنه ُمج َّمدٌ غري صالح للرشب )‪ ،‬أما َسعدُ بْ ُن ُج َبيرْ ٍ فريى أن الكوثر هو الخري‬ ‫ال لونَ له‪ ،‬و لو كان املا ُء َ‬ ‫الكثري ‪.‬‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫يل يرى‬ ‫بعدها ننتقل إىل اآلية الثانية التي يأمر فيها اللهُ محمدً ا بالصالة والنحر‪ ،‬و هذا األخري مخ َت ٌ‬ ‫لف فيه كثريا‪ ،‬فهذا ع ٌ‬ ‫أن النح َر هو وضع اليمني عىل الشامل يف الصالة ‪ ،‬و ذاك الحس ُن يرى أنه الذبح يوم العيد‪ ،‬و يف كلتا الحالتني ال توجد‬ ‫عالقة بني اآلية األوىل والثانية‪ ،‬فاألوىل تؤكد عىل إعطاء يشء اسمه الكوثر‪ ،‬والثانية تأمر بالصالة والنحر‪ ،‬أما الثالثة‬ ‫فتعود للتأكيد عىل أن الشانئ هو األبرت‪ ،‬فأما الشانئ ففيها تأويالت كثرية ذهبت بالكثريين إىل اعتبارها دخيلة عىل‬ ‫العربية‪ ،‬فقالوا إن الشانئ هو املبغض‪ ،‬أي ُمبغض محمد‪ ،‬فهو أب ُرت أي ذليل حقري‪.‬‬ ‫كام تالحظون ال توجد عالقة بني اآلية األوىل والثانية والثالثة ‪ ،‬وإذا أردنا أن نعيد كتابة السورة بعيدا عن الس ْجعِ‬ ‫فصل لربك و اذبح ‪ ،‬إن مبغضك‬ ‫والروي ود ِو ّيه فستكون السورة عىل هذا الشكل [ إنا أعطيناك نهر الكوثر‪ِّ ،‬‬ ‫وضوضائه‬ ‫ِ‬ ‫اإللهي والنفح َة الفردوس ّية إنمّ ا كانت يف شكلِ السورة ال‬ ‫لذليل ] ‪ .‬لتالحظوا و نح ُن معكم أنّ الحكمة الجهنم ّية والوقار‬ ‫ّ‬ ‫مضمونها‪ ،‬فهي سور ٌة جوفا ٌء ُم ْن َق ِع ٌر داخلُها تخلو من أيّة فائدة تاريخ ّية أو علم ّية أو ترشيع ّية أو حكم ّية أو إنسان ّية ‪.‬‬ ‫إن هذا التعدد يف املواضيع حتى يف أكرث السور ِقصرًَا و ِص َغرا لدليل عىل التفكك الذي يعرتي بعض آيات القرآن من‬ ‫ناحية املضمون‪ ،‬إنها كام قال عباس محمود العقاد يف نقده لقصيدة شوقي ‘كومة رملٍ ’‪ ،‬ال يجمعها رابط واحد إال‬ ‫‪109‬‬


‫قراءة نقدية يف بالغة‬ ‫القرآن‬

‫يافث القرشي‬

‫تشابه الروي و القوايف‪ ،‬و هذا ما جعل البعض يعتقد أنها بليغة‪ ،‬وهذا سببه العقلية الجاهلية التي كانت يف كثري من‬ ‫الشكل عىل املضمون‪ ،‬و هذا موجود يف الشعر العريب‪ ،‬فنحن ال نقرأ الشعر لنعرف من قتل ناقة من‪،‬‬ ‫َ‬ ‫األحيان تفضل‬ ‫إن هذه املواضيع تافهة‪ ،‬و لكننا مع ذلك نقرأ الشعر العريب ونعجب به‪ ،‬هذا ألن الرتكيب الجذاب و املتألق للجملة‬ ‫العربية هو الذي يجذبنا إىل قراءتها‪ ،‬و كذا ملسة القافية والروي الرنّان‪ ،‬كل هذا يجعلنا نغض الطرف عن تفاهة‬ ‫املضمون التي تكون يف بعض األحيان إما الهجاء وإما االفتخار بالقبيلة ‪.‬‬ ‫يقول عمرو بن كلثوم‪:‬‬ ‫َونَ ْح ُن ال َّتا ِركُ ْونَ لِماَ َس ِخطْ َنـا‪َ ...‬ونَ ْح ُن اآل ِخـ ُذ ْونَ ِلماَ َر ِض ْي َنـا‬ ‫َوكُ َّنـا األَيمْ َ ِن ْيـ َن إِ َذا ال َت َق ْي َنـا‪َ ...‬وكَـانَ األَيْ َسـ ِريْ َن بَ ُنو أَبَ ْي َنـا‬ ‫ِـم‪َ ...‬و ُصلْ َنـا َصـ ْولَ ًة ِف ْي َم ْن يَلِ ْي َنـا‬ ‫َف َصالُـوا َصـ ْولَ ًة ِف ْي َم ْن يَلِ ْيه ْ‬ ‫ِالس َبا َيـا‪َ ...‬وأُ ْبـ َنا بِالُملُـ ْو ِك ُم َص َّف ِد ْي َنــا‬ ‫َفـآ ُبوا بِال ِّنـ َه ِ‬ ‫اب َوب َّ‬ ‫إن هذا النص هو جزء من معلقته الخالدة التي يعيل فيها من شأن قبيلته بني باقي القبائل‪ ،‬فهي مجرد قبيلة‪ ،‬وهذا‬ ‫نص يصف تلك القبيلة ومناقبها ويعيل من شأنها‪ ،‬ولكن عىل الرغم من بساطة املوضوع‪ ،‬فإن للقصيدة مكانة عظيمة‬ ‫يف مستودع الشعر العريب و ترتبع عىل عرش القصائد العربية‪ ،‬و شخصيا أُفضِّ لُها عىل كثري من املعلقات األُ َخرِ‪ ،‬فهذا إمنا‬ ‫يربهن عىل أن معيار البالغة والفصاحة و الشاعرية لدى العقل العريب قبل اإلسالم إمنا يتمثل يف الجاملية الشكلية (‬ ‫القوايف‪ ،‬الروي‪ ،‬أساليب البديع‪ ،‬الصور الشعرية‪ ،)...‬وأن النص األد َيب إمنا يُ ْعىل من شأنه و يُب ّوأُ مكان ًة َعلِ ّي ًة مهام يكن‬ ‫موضوعه تافها وبسيطا‪.‬‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫‪110‬‬


‫قراءة نقدية يف بالغة‬ ‫القرآن‬

‫يافث القرشي‬

‫األخطاء النحوية يف القرآن‪:‬‬

‫كل من يحيط علام ببعض أساسيات النحو يستطيع أن مييز بعض األخطاء الواضحة يف القرآن‪ ،‬مثل الرفع يف محل‬ ‫إنّ ّ‬ ‫النصب‪ ،‬والتأنيث يف محل التذكري‪ ،‬و الجمع يف محل اإلفراد‪ ،‬و لقد حاول اللغويون ترقيعها بكل الطرق حتى أصبح‬ ‫الخطأ قاعدة ُي َع َم ُل بها ألن ذلك ]الخطأ‪ /‬القاعدة[ قد ورد يف القرآن‪ ،‬و ما ور َد يف القرآن معصوم من الخطأ ‪ ،‬إذا ؛ هو‬ ‫قاعدة ‪ ،‬هكذا كان يفكر النحويون مثل الفراء وأيب أسود الدؤيل والفراهيدي وسيبويه واملربِّد وابن كثري‪ ،‬فهم يفسرّ ون‬ ‫خطأ القرآن باعتباره قاعدة ال خطأ‪ ،‬و إن خرج عن قواعد اللسان العريب ‪.‬‬ ‫الجهنمي بتفاصيل اللغة العربية من أجل متطيط‬ ‫املشكلة إ ًذا‪ ،‬أن كبار اللغويني العرب كانوا مسلمني‪ ،‬فسخّروا علمهم‬ ‫َّ‬ ‫محل املتعارف عليه واملُقاس‬ ‫هذه اللغة‪ ،‬وجعلها قابلة لكل وج ٍه ملجرد أن القرآن قد استعمل الوجهني‪ ،‬ووضعوا الشا ّذ َ‬ ‫عليه‪ ،‬ولقد قرأت األخطاء النحوية الواردة يف القرآن ووقفت عندَ محاوالت الردود‪ ،‬واكتشفت أنها ال تقنع عاقال‪ ،‬و‬ ‫تتمسك بالقشة بكل ما لهذه الجملة من معنى‪ ،‬و حتى ال نطيل الكالم‪ ،‬دعونا نأخذ منا ِذ َج من األخطاء النحوية يف‬ ‫القرآن‪:‬‬ ‫ف َعلَ ْيه ِْم َولاَ‬ ‫الصا ِب ُئونَ َوال َّن َصا َرى َم ْن َآ َم َن بِاللَّ ِه َوالْ َي ْو ِم الآْ َ ِخ ِر َو َع ِم َل َصا ِل ًحا َفلاَ َخ ْو ٌ‬ ‫[ إِنَّ الَّ ِذي َن َآ َم ُنوا َوالَّ ِذي َن َها ُدوا َو َّ‬ ‫نصب و يُج ُّر بالياء‪ ،‬و يُرفع بالواو كام ورد يف اآلية‪،‬‬ ‫ُه ْم يَ ْح َزنُونَ ]‪ ،‬الصابئون‪ ،‬جمع مذكر سامل‪ ،‬و جمع املذكر السامل يُ ُ‬ ‫نصب‪.‬‬ ‫املوضع‬ ‫و لكن‬ ‫موضع ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫نصب‪ ،‬ألن [الصابئون] معطوف عىل منصوب‪ ،‬و املعطوف عىل املنصوب يُ ْ‬

‫هذه قاعدة راسخة يف اللغة العربية ومحاولة الخروج عليها كمحاولة هدم جدار من اإلسفلت ِّ‬ ‫بالدق عليه ‪ ،‬فالصحيح‬ ‫الرفع‬ ‫أن نقول [ إن الذين آمنوا و الذين هادوا والصابئني] ‪ ،‬و لكن علامء اللغة تصدّ وا لهذه *الشبهة* بقولهم إنه جاز ُ‬ ‫لطول الفصلِ بني املنصوبات‪ ،‬و هذا مذهب ابن كثري‪ ،‬و الحق أنه إذا كانت هذه اآلية قد وردت عىل هذا الشكل يف‬ ‫سورة املائدة‪ ،‬اآلي ِة التاسع ِة والستني‪ ،‬فإنها قد وردت عىل وجه آخ َر يف سورة البقرة‪ ،‬اآلي ِة الثانية و الستني[ إن الذين‬ ‫آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئني]‪.‬‬ ‫و ليك يتخلص اللغويون العرب من هذا اإلشكال اللغوي والتناقض الواضح قالوا إنه يجوز الوجهان‪ ،‬فالنصب جائز‬ ‫والرفع جائز‪ ،‬و إذا تساءلنا نح ُن ملاذا يجوز الوجهان قالوا ‪ :‬ألن القرآن جاء بالوجهني معا‪ ،‬فالقرآن هو القاعدة اللغوية‪،‬‬ ‫فإن ورد الخطأ يف القرآن صار قاعد ًة نحوية بغض األسامع عن مجرى ألسنة العرب‪.‬‬

‫‪111‬‬


‫قراءة نقدية يف بالغة‬ ‫القرآن‬

‫يافث القرشي‬

‫عهدي الظاملون]‪ ،‬ألن الظاملون مرفوع و هو الفاعل‬ ‫عهدي الظاملني] ‪ ،‬والصواب [ ال ينال‬ ‫و جاء يف سورة البقرة [ال ينال‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫املؤخر‪ ،‬أما عهد‪ ،‬فهو مفعول به منصوب‪ ،‬فالظامل هو الذي لن ينال العهد‪ ،‬و بالتايل فإن الظامل هو الفاعل‪ ،‬فالواجب‬ ‫فاعل مرفوع بضمة مقدرة الشتغال امل َ َح ِّل بحركة ياء املتكلم‪،‬‬ ‫الرفع‪ ،‬وللخروج من هذا املأزق قال اللغويون إن العهدَ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫أي إن العهد هو الذي سينال الظاملني‪ ،‬و بالتايل فإن الظاملني منصوب ‪ ،‬ألنه مفعول به و ليس فاعال‪.‬‬ ‫فام أغربه منطقا‪ ،‬و عجبا من العهد الذي صار ينال الظاملني وهو ال ينال ‪.‬‬ ‫إن هذين الخطأين يف القرآن هام غيض من فيض‪ ،‬و هناك أخطاء نحوية كثرية جدا متوج بها آيات القرآن َم ْو ًجا‪ ،‬و‬ ‫ملن يريد التفصيل يف األمر فليعد إىل الكتاب الذي ألّفناه باالشرتاك مع صفوة املفكّرين العرب من جميع أقطار هذا‬ ‫الوطن املم ّزق و هو تحت عنوان ( تفنيد مزاعم اإلعجاز العلمي ) فإن فيه قبسا من ذلك‬

‫محاكاة س ْجعِ القرآن‪:‬‬

‫آلسف كثريا حينام أعلم أن الجزء‬ ‫لعل أشهر من جارى أسلوب القرآن يف التاريخ العريب هو العمالق أبو العالء‪ ،‬و إين‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫األكرب من أعامله قد ضاع يف الحمالت الصليبية عىل معرة النعامن‪ ،‬و لكن بعضا من كتبه وصلنا‪ ،‬منها كتاب (رسالة‬ ‫الغفران) الذي يعترب من عجائب األدب العريب‪ ،‬كام يعترب املادة الخام التي نقل منها دانتي أليغري ملحمته الخالدة (‬ ‫الكوميديا اإللهية) ‪ ،‬كام وصلنا (رشح ديوان املتنبي) و (اللزوميات) أو (لزوم ما ال يلزم) ‪ ،‬وهي كلُّها كتب قيمة ذكرتُها‬ ‫هنا بهدف اإلشادة بهذا الرجل املغمور الذي مل يذق السعادة طوال أربعني سنة من حياته ‪ ،‬أعمى ‪ ،‬وحيدا ‪ ،‬بائسا ‪،‬‬ ‫يلقي الكلامت و يكتبها كاتبه ‪ ،‬فصنع ــ وهو العليل ــ ما مل نصنع نحن األصحاء‪.‬‬ ‫لقد حاىك أبو العالء أسلوب القرآن يف كتابه (الفصول و الغايات) من أجل تبيني حقيقة سجع القرآن والتأكيد عىل‬ ‫برشيته ‪ ،‬فدعونا نقف عند مقتطفات من هذا الكتاب‪:‬‬

‫املقتطف األول‪:‬‬

‫[سبيل السف ِر ‪ ،‬و الهاجة عىل نقيع الجف ِر ‪ ،‬يشهد خلقها للواحد ملك الدهر ‪ ،‬خالق السنة و الشه ِر ‪ ،‬غبت غيبة بقدر‬ ‫‪ ،‬فام كدت أجد من شَ ْف ِر ‪ ،‬بُدِّ َل مسكني بق ِرب ]‬

‫املقتطف الثاين‪:‬‬

‫[أحلف بسيف ه ّبار ‪ ،‬و فرس ض ّبار ‪ ،‬يدأب يف طاعة الج ّبار ‪ ،‬و بركة غيث مدرار ‪ ،‬ترك البسيطة حسنة الح ّبار ‪ ،‬لقد‬ ‫خاب مضيع الليل و النهار ‪ ،‬يف استامع القينة و رشب العقّار ‪ ،‬أصلح قلبك باألذكار ‪ ،‬صالح النخلة باألبّار ‪ ،‬لو كشف ما‬ ‫‪112‬‬


‫قراءة نقدية يف بالغة‬ ‫القرآن‬

‫يافث القرشي‬

‫تحت األحجار ‪ ،‬فنظرت إىل الصديق املختار ‪ ،‬أكربت ما نزل به كل األكبار ‪ ،‬نحن من الزمن يف خ َبار ‪ ،‬كم يف نفسك من‬ ‫اعتبار ‪ ،‬أال تسمع قدمية األخبار ‪ ،‬أين ولد يع ُر َب و نزار ‪ ،‬ما بقي لهم من إصار ‪ ،‬ال و خالق النار ‪ ،‬ما يرد املوت باإلباء ]‬

‫املقتطف الثالث‪:‬‬

‫بأخميص‬ ‫قدمي ‪ ،‬حتى كدت أطؤه‬ ‫يدي ‪ ،‬و مشيت إىل األجل عىل‬ ‫أبوي ‪ ،‬و أُخذت الشبيبة من ّ‬ ‫[ما آمل و قد فقدت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يل ‪ ،‬و نظرت عني املن ّبه إيل ‪ ،‬آن اشتعال الوضح مبفرقي ‪]...‬‬ ‫‪ ،‬و وقع كل األيام ع ّ‬

‫املقتطف الرابع‪:‬‬

‫والسل َُب‪ ،‬سل قمراً كاملِ ْحلَب‪ ،‬وهالالً مثل املِ ْخل َْب‪ ،‬وليالً‬ ‫[ لله ال َغل َُب‪ ،‬وإليه‬ ‫ُ‬ ‫املنقلب‪ ،‬ال ُيعجزه الطلب‪ ،‬بيده السالب َّ‬ ‫ُج ِم َع من امل َ َ‬ ‫َب‪ ،‬وإىل‬ ‫ُ‬ ‫لم ما وراء ال ّن َج ْب‪،‬‬ ‫نك‬ ‫خشلَب يخربْ َ‬ ‫بالعجب‪ ،‬عن حق ُم َر ّج ْب ِع َ‬ ‫الفاضل ُم َو َّج ْب‪ ،‬والفاجر منتخ ْ‬ ‫ْ‬ ‫السكوت صار اللّ َج ْب‪ ،‬ونجوم الشأمل والجنوب يف علم الله كمقاعد الضرُّ َ باء]‬ ‫تالحظون أن املقتطفات يف غاية الروعة و الجامل ‪ ،‬و يف غاية املضمونية إن صح التعبري ‪ ،‬فهي و عىل عكس القرآن ال‬ ‫تسوق القوايف َ‬ ‫سوق الج ّرا ِر أذ َياله ‪ ،‬و ال تخبط خبط عشوا َء يف تنقّلها بني املواضيع ‪ ،‬فالحكم تتناثر يف تلك الغايات ‪،‬‬ ‫هذا أوال‪ .‬ثانيا؛ إنني أتحدى أي شخص أن يأيت بأية مالحظة لغوية عىل ذلك الكتاب ‪ ،‬عىل عكس القرآن الذي ثارت‬ ‫عىل لغته الكثري من االعرتاضات ‪.‬‬

‫‪113‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلة امللحدين العرب هي مجلة هدفها‬ ‫نشر أفكار امللحدين العرب على إختالف‬ ‫توجهاتهم السياسية و العرقية بحرية‬ ‫كاملة‬ ‫اجمللة عبارة عن مجلة رقمية مبنية بجهود‬ ‫فردية وال تنتمي الي توجه سياسي ‪..‬‬ ‫املعلومات و املواضيع املوضوعة في اجمللة‬ ‫تعتبر مسؤلية أصحابها من الناحية األدبية و‬ ‫ناحية حقوق النشر و حفظ امللكية الفكرية‬ ‫الناشرون في اجمللة هم من أعضاء مجموعة‬ ‫مجلة امللحدين العرب أو من الكتاب العرب‬ ‫امللحدين ممن إستطعنا التواصل معه ألخذ‬ ‫اإلذن بالنشر‬ ‫مينع نشر كل ماهو مناف لألخالق العامه و‬ ‫كذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‬ ‫لهيئة التحرير احلق باختيار ما تراه مناسبا‬ ‫من املواضيع املوضوعة في اجملموعة للنشر‬ ‫فنشر أي موضوع صمن اجملموعة يعتبر‬ ‫تفويضا للمجلة بالنشر‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.