مجلة الملحدين العرب: العدد الثالث عشر / شهر ديسمبر / 2013

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫الساموات و األرضون‬ ‫و رس الرقم ‪7‬‬

‫العدد الثالث عرش من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر ديسمرب لسنة ‪2013‬‬

‫اسامعيل محمد‬ ‫في حوار مع‬ ‫نضوج فهمنا للكون‬ ‫نشوء الغاية‬ ‫محاججة املفجر االنتحاري ووهم‬ ‫املعرفة املُطلَقة‬ ‫الغراب احلكيم‬ ‫إحتفاال مبرور سنة عىل أول إصدار للمجلة‬ ‫كل عام و أنتم بخري‬

‫مجلة امللحدين العرب هي مجلة هدفها نشر‬ ‫أفكار امللحدين العرب على إختالف توجهاتهم‬ ‫السياسية و العرقية بحرية كاملة‬ ‫اجمللة عبارة عن مجلة رقمية مبنية بجهود فردية‬ ‫وال تنتمي الي توجه سياسي ‪..‬‬ ‫املعلومات و املواضيع املوضوعة في اجمللة تعتبر‬ ‫مسؤلية أصحابها من الناحية األدبية و ناحية‬ ‫حقوق النشر و حفظ امللكية الفكرية‬


‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫‪............................................. Gaia Athiest‬‬ ‫أعضاء هيئة التحرير و بناء اجمللة‬ ‫‪...............................................John Silver‬‬ ‫عادل أحمد ‪..................................................‬‬ ‫الغراب احلكيم ‪..............................................‬‬ ‫‪........................................ Sameer Samee‬‬ ‫‪.............................................. Zoro Diego‬‬ ‫‪........................................ Syrian Atheists‬‬ ‫‪........................................ McKie Theman‬‬ ‫‪............................................ Atheism Era‬‬ ‫‪..................................... Mohamad Ahmed‬‬

‫كلمة حترير اجمللة‬ ‫عام من اليوم كانت "مجلة امللحدين العرب" مجرد فكر ٍة‬ ‫قبل ٍ‬ ‫بهدف توثيق مقاالت امللحدين‬ ‫اقترحها الزميل عادل أحمد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫كي ال تضيع في صفحات التواصل االجتماعي دون االنتباه‬ ‫تطورت وأصبحت قيد التنفيذ‪ ،‬وتكاتفت اجلهود‪،‬‬ ‫لها‪ ،‬ثم‬ ‫ّ‬ ‫وصدر عددنا األول بتاريخ ‪،12-12-2012‬‬ ‫بتجم ٍع صغي ٍر‬ ‫ّ‬ ‫بعمل‬ ‫ت‬ ‫تطوعي غير ربحيِّ‪ ،‬وها هي اليوم‬ ‫لشباب وشابا ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تكمل عامها األول في مسير ِة التنوير‪ ،‬ورغم كل الصعوبات‬ ‫نتوقف‪ ،‬وسنستمر فنحن مدينون‬ ‫التي تواجهنا إال أننّا لن ّ‬ ‫لكم بذلك‪ ،‬ومدينون جملتمعاتنا وأبنائنا وأحفادنا‪ ،‬مدينون‬ ‫رجل وامرأ ٍة‬ ‫وطفل‪ ،‬كي ننفض غبار اجلهل والتخلّف‬ ‫لكل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وننهض ببالدنا نحو‬ ‫مصاف الدول العظمى‪ ،‬نحن نزرع البذرة‬ ‫ِ‬ ‫ونسقيها‪ ،‬وسيأتي بعدنا من يكمل املشوار‪ ،‬فمع كل ما‬ ‫ت سياسي ٍة‬ ‫تغيرا ٍ‬ ‫شهدته منطقتنا في اآلونة األخيرة من ّ‬ ‫واجتماعي ٍة وفكرية‪ ،‬لن يسكت أحدٌ عن حقوقه وحقوق‬ ‫اً‬ ‫طويل‪ ،‬لكننا سنكمله حتى‬ ‫أبنائه من جديد‪ ،‬مازال الطريق‬ ‫آخره‪ ،‬رمبّا لن ننعم بالنتائج املُرضية كامل ًة في حياتنا ولكن‬ ‫يكفينا أننا نؤمن بفكرتنا ونثق ُ أنّها ستعيش من بعدنا‪،‬‬ ‫بكل فخ ٍر ملا حققناه‬ ‫وسيأتي اليوم الذي يذكُرنا فيه أبناؤنا ِ‬ ‫لهم من حري ٍة وكرام ٍة وجناح‪.‬‬

‫‪.......................................... Lisa M. Green‬‬

‫مجتمع أفضل‪ ،‬خطوةً بخطو ٍة‪ ،‬نحن مستمرّون‪،‬‬ ‫نحو‬ ‫ٍ‬ ‫جميعا‪ ،‬يا من تنتظرونا شهرًا بعد شهر‪،‬‬ ‫فشكُرا ً لكم‬ ‫ً‬ ‫كل مقال‪ ،‬وكل كلمة‪،‬‬ ‫وحترّرون عقولكم وأفكاركم مع ِ‬ ‫شكرًا لكل أعضاء هيئة التحرير‪ ،‬من رسامني و مصممني‬ ‫و كُتاب ومترجمني ومحررين‪ ،‬شكرًا لكل ضيوفنا الذين‬ ‫النيرة‪ ،‬شكرًا لزمالئنا الغائبني الذين قاموا‬ ‫أثرونا بأفكارهم ّ‬ ‫بدورهم على أكمل وجه وسلّموا الشعلة لنا لنكمل املسير‪،‬‬ ‫شكرًا لكل من يجتهد ويعمل في اخلفاء‪ ،‬كي نطلّ عليكم‬ ‫عام وأنتم للحري ِة‬ ‫والعقل‬ ‫كل شه ٍر بأبهى ُ‬ ‫حلّة‪ ،‬وكل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫والعلم واالنساني ِة منبر ٌ وعنوان‪.‬‬ ‫ِ‬

‫‪..............................................Ghaith Jabri‬‬

‫‪Gaia Athiest‬‬

‫عقالني عقالني ‪.............................................‬‬ ‫‪........................................ Shakek Altaher‬‬ ‫‪................................................ Leo Atheo‬‬ ‫‪.....................................Alia`a Damascéne‬‬ ‫‪..................................... Alnajafi Atheistic‬‬

‫‪.............................................................. Wissem‬‬ ‫‪............................................... Lilyan Bassi Bassi‬‬ ‫‪.................................................Abdullah Hussein‬‬

‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫ملاذا يندفع املؤمنون‬ ‫إلى محاوالت تفسير إحلاد امللحد‬ ‫الغراب احلكيم‬

‫‪4‬‬

‫قيمنا األخالقية بني التشريع‬ ‫اإللهي واإلنساني‬ ‫‪Alnajafi Atheistic‬‬

‫‪9‬‬

‫أسئلة جريئة مع بسام بغدادي‬

‫‪22‬‬

‫اسماعيل محمد محمد اسماعيل‬ ‫في حوار مع‬

‫‪26‬‬

‫السهام النارية على األحاديث القدسية‬ ‫‪Hunger mind‬‬

‫‪38‬‬

‫األندرويد السماوي‬ ‫د‪.‬نبراس الصميدعي‬

‫‪43‬‬

‫نضوج فهمنا للكون‬ ‫نشوء الغاية‬ ‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫‪47‬‬

‫محاججة املفجر االنتحاري‬ ‫ووهم املعرفة املُطلَقة‬ ‫الغراب احلكيم‬

‫‪62‬‬

‫السماوات و االرضون‬ ‫و سر الرقم ‪7‬‬ ‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫‪68‬‬

‫هل ال ّتخلّف مبرمج في جينات املسلمني؟‬ ‫‪Leo Atheo‬‬

‫‪81‬‬

‫سحر؟!‬ ‫النّص القرآني‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ألفاظ أم ِ‬ ‫‪Nesat Fz‬‬

‫‪87‬‬

‫أجنة هيكل‬ ‫هل ثبت زيفها حقً ا؟‬ ‫‪Ghaith Jabri‬‬

‫‪93‬‬

‫‪3‬‬


‫الغراب الحكيم‬

‫ملاذا يندفع املؤمنون‬ ‫إىل محاوالت تفسري إلحاد امللحد‬

‫ٍ‬ ‫سنوات من االطّالع والحوارات مع ذوي األديان أن نصل إىل نو ٍع من‬ ‫كملحدين عىل االنرتنت من الطبيعي بعد مرور‬ ‫الخربة يف الرد‪ ،‬وأن نبدأ بتوقّع ما سيقوله الطرف اآلخر وقد تصل الحالة إىل تحكمنا بالحوار ألننا نعرف متا ًما ما هي‬ ‫األوراق التي لدى الطرف اآلخر ومتى وكيف سيلعبها ‪ ..‬بالنهاية ليس لديهم الكثري من األوراق وكلها قدمية ومكررة ‪.‬‬ ‫ولكن أحب أن أسلط الضوء عىل الدوافع النفسية التي تدفع املؤمن إىل محاول ِة تفسريٍ رشس ٍة لدوافع إلحاد امللحدين‪،‬‬ ‫عىل الرغم من أن هذا املوضوع قد ال يه ّمه أساسا‪ .‬حيث أنني أرى أن السبب يف هذا االندفاع هو الرغبة القوية يف‬ ‫التهرب من التفسري الحقيقي‪ ،‬متا ًما كام يقوم املجرم باالندفاع للشهادة يف محرض الجرمية و"مساعدة" الرشطة يف‬ ‫التحقيق حتى يبعد العيون عنه‪ .‬ففي النهاية التفسري الصحيح واملنطقي يدينه‪ .‬حيث أنه وببساطة “امللحد غيرّ قناعاته‬ ‫وعي ٍ‬ ‫انتقاصا منه‪،‬‬ ‫جديد أنتجته مكتسباته الثقافية واطّالعه عىل األديان“‪ ،‬ولكن املؤمن يرى يف هذا التفسري‬ ‫ً‬ ‫اعتام ًدا عىل ٍ‬ ‫كونه يدرك أنه مل يفكر بهذا املوضوع ومل يطّلع مبا فيه الكفاية عىل دينه الذي يؤمن به‪ ،‬وبهذا يكون لإللحاد مصداقية‬ ‫كونه أىت نتيجة عن االطّالع والثقافة والتفكري‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫ملاذا يندفع املؤمنون إىل‬ ‫محاوالت تفسري إلحاد امللحد‬

‫الغراب احلكيم‬

‫كام أنه بأفضل السيناريوهات يوضع امللحد يف مستوى واحد مع املؤمن إذا ما افرتضنا أن كليهام وصل إىل قناعته من‬ ‫خالل التفكري واالطّالع‪ ،‬وهذا املستوى الواحد غري مقبول بتاتـًا لدى عقول من يؤمنون أنهم متف ّوقني عىل اآلخرين ملجرد‬ ‫ٍ‬ ‫معتقد مختلف‪.‬‬ ‫إميانهم بقصة ما‪ .‬فال ميكن للمؤمن أن يقبل بأن يوضع عىل سوي ٍة واحد ٍة مع أي‬ ‫مام يجعل مجرد القبول أو حتى طرح إمكانية أن يكون امللحد مقتن ًعا ببساطة أمرا غري وار ٍد لديهم ويجب تجنبه‬ ‫والتغطية عليه مهام كان الثمن‪.‬‬ ‫وكون املؤمن بشكلٍ عام ال يعنيه الوصول لتفسري صحيح لدوافع إلحاد امللحد وكل همه هو إبعاد األعني عن التفسري‬ ‫الحقيقي فإنه يستخدم أوراقه ويرمي بأول األشياء التي تخطر عىل باله والتي يعتربها كفيل ًة وكافي ًة إلقناع ٍ‬ ‫شخص بفك ٍر‬ ‫ما من وجهة نظره‪ ،‬أي يقوم بعملية إسقاط ويُسقط عىل امللحد دوافعه هو وغريه من املؤمنني والتي جعلته وجعلتهم‬ ‫يعتقدون بصحة الدين ‪.‬‬ ‫وفيام ييل بعض من تلك اإلسقاطات ‪.‬‬

‫‪A.A.M‬‬

‫‪ -01‬امللحد ألحد ألنه جاهل ومغيب ‪.‬‬ ‫جاهل وأنه ملقن أو تابع بدون فك ٍر أو إرادة حرة ويقرر ذلك من عنده دون أن‬ ‫ٌ‬ ‫هنا يقوم املؤمن بافرتاض أن امللحد‬ ‫يكون لديه أي دليل أو مربر كونه يقوم بإلقاء ورمي انعكاس واقع املؤمنني عىل امللحد‪ ،‬معظم املؤمنني يؤمنون لهذا‬ ‫السبب بالتحديد‪ ،‬فاملجتمعات املتدينة جاهلة وعاطفية وغري مثقفة ومغيبة بالكامل‪ ،‬وهذا ما هو إال ذر للرماد يف‬ ‫أساسا إال بغية تفسري إلحاد امللحد بطريقة تغطي عىل السبب‬ ‫العيون و رمي اتهامات ال ميتلك املؤمن مرب ًرا الفرتاضها ً‬ ‫الحقيقي‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫ملاذا يندفع املؤمنون إىل‬ ‫محاوالت تفسري إلحاد امللحد‬

‫الغراب احلكيم‬

‫‪ -02‬امللحد مدفوع األجر من جهات معادية‬ ‫للدين ‪.‬‬ ‫وهنا يقوم املؤمن بإسقاط فكرة الدعوة‬ ‫والتبشري املدفوعة األجر من املؤسسات‬ ‫الدينية للطعن يف غايات ونزاهة موقف‬ ‫امللحد ويفرتض وجود مؤامرة غايتها نرش‬ ‫فكر امللحد عىل الرغم من أنه هو ميارس‬ ‫هذه املؤامرة بنفسه وبكل فخر‪ .‬وليس‬ ‫لديه أي مشكلة يف دعم أجندات هدفها‬ ‫حتى أذية مجتمعه بشكل رصيح ‪.‬‬

‫‪ -03‬امللحد ألحد ألنه عاىن من أزمة يف حياته أو كردة فعل عىل الضغوط ‪.‬‬ ‫وهنا يسقط املؤمن متسكه ولجوئه للدين واإلله يف الحوادث والنكبات عىل امللحد حيث يفرتض أن حادثة معزولة هي‬ ‫السبب يف تغري موقف اإلنسان من اإلله وتركه للدين‪ ،‬ولكنه يتناىس أنها أيضا سبب يف متسك ولجوء الناس للدين ‪.‬‬ ‫الهدف من هذا التفسري هو التقليل من أهمية املوقف واعتباره موقفًا عاطف ًيا غري حكيم‪ ،‬بدون تربيرمنطقي أوعقيل‪.‬‬ ‫هنا يحاول املؤمن إسقاط حالته الخاصة حيث تتأثر عالقته بالله والتدين لنفس السبب وهو حدوث أمر جلل أو املعاناة‬ ‫من الغربة واالضطهاد‪ .‬وبذلك يقوم بصورة غري مبارشة بالتعبري عن كون موقفه نابع من ردة فعل أيضا ‪.‬‬ ‫‪ -04‬امللحد رشير وكاره للمجتمع ويريد تخريبه ‪.‬‬ ‫وهنا أيضا يسقط املؤمن كراهيته للمجتمع عىل امللحد ففي حني أن امللحد يتمتع بانتامء لوطنه أو فكره أو عرقه أو‬ ‫أي كان‪ ،‬تتسم املجتمعات املتدينة بكراهيتها للمؤسسة االجتامعية الحديثة عىل اعتبار أنها خطيئة وابتعاد عن النهج‬ ‫ٍ‬ ‫الديني ونجد ذلك يف كل املجتمعات الدينية والتي تشكل طابو ًرا خامسا يف كل الدول التي تحتويهم وهم مستعدون‬ ‫للتحالف مع ألد أعدائهم للنيل من سيادة القانون والدولة التي يرونها إمثًا‪ ،‬انحرافًا وابتعا ًدا عن النهج والرشائع الدينية‬ ‫من اإلخوان إىل السلفيني إىل حزب الله إىل الجامعات املسيحية املتطرفة إىل املجتمعات املتدينة بالهند وباختصار أي‬ ‫توجه ديني أصويل يرفض الحداثة‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫ملاذا يندفع املؤمنون إىل‬ ‫محاوالت تفسري إلحاد امللحد‬

‫الغراب احلكيم‬

‫قدره وال هو من يعتقد بوجود حياة أبدية بعد املوت وأشياء كثرية مكانها الطبيعي قصص األطفال الخيالية‪ ،‬املراكز‬ ‫االستشفائية النفسية أو مستشفيات املجانني‪ ،‬هنا يظهر جليا من هو املريض النفيس ‪.‬‬ ‫‪ -07‬امللحد يريد أن ينكح أمه وأخته ‪.‬‬ ‫هنا يقوم املؤمن بإسقاط فكرة انعدام القيم األخالقية عىل امللحد حيث يقول باختصار ‪ “ :‬أنا ما مينعني عن نكاح أمي‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫‪ -05‬امللحد ألحد ألنه يريد االنغامس يف الشهوات بدون رادع ‪.‬‬ ‫هنا يتجىل بوضوح الهوس الجنيس ألصحاب األديان حيث يقومون بإسقاط رغباتهم وأحالمهم التي يتمنونها ويعيشونها‪،‬‬ ‫أي كان يستطيع من خالل الدين القيام بأي يشء فالدين مل مينع شيئا‪ ،‬بل قام باختصار بإضافة إجرائات‬ ‫ويتناسون أن ٍ‬ ‫رضا وذو سلطة‪ .‬بل ويتناسون أن كل االتهامات التي يلقونها عىل‬ ‫وبريوقراطية ألية تلبية لرغبة تضمن بقاء الدين حا ً‬ ‫امللحد هي أسمى غاياتهم وهي ما وعدهم إلههم بها يف الجنة كجائزة مقابل الطاعة العمياء‪.‬‬ ‫أستطيع هنا وضع رأي بخصوص الدين حيث أرى أنه ُوجد ال ليك يضع قوانني تنظم تلبية الرغبات بل ُوجد الدين ليك‬ ‫يكرس القواعد والقوانني األخالقية وإيجاد آليات ومربرات للقيام بهذا التجاوز عىل القيم األخالقية ‪.‬‬ ‫عىل سبيل املثال تعدد الزوجات‪ ،‬ال يوجد أي مجتمع برشي يربر تعدد الزوجات إال من خالل الدين ‪ .‬كام ال ننىس أن‬ ‫أمو ًرا مثل إرضاع الكبري ونكاح امليت كلها مل تأيت إال من رحم الدين ‪.‬‬ ‫‪ -06‬امللحد مريض نفسيا ‪.‬‬ ‫طبعا هذا اإلسقاط أش ّدهم وضو ًحا فمن أكرث األشياء وضو ًحا أن امللحد ليس هو من يقوم بالكالم مع والترضع لرجل‬ ‫خفي يسكن السامء وال هو من يعتقد بوجود كائنات خفية مثل الجن والعفاريت واملالئكة ترصد حركته وتتدخل يف‬ ‫‪7‬‬


‫ملاذا يندفع املؤمنون إىل‬ ‫محاوالت تفسري إلحاد امللحد‬

‫الغراب احلكيم‬

‫وأختي هو التحريم وبغياب التحريم والدين فإن هذا جائز‪ ،‬كوين ال أمتلك أي قيم أخالقية أصيلة "‪ ،‬وعليه يستنتج أن‬ ‫امللحد ال توجد له بوصلة أخالقية اعتام ًدا عىل إسقاط نفسه وغياب البوصلة األخالقية لديه‪ ،‬األوامر والقواعد املفروضة‬ ‫ٍ‬ ‫سلوك ما ضد رغباته ال ميكن أبدا إعتباره أخالقي أو ميتلك‬ ‫من جهة خارجية ليست أخالقًا ‪ .‬واإلنسان الذي يُجرب عىل‬ ‫بوصلة أخالقية ‪.‬‬ ‫‪ -08‬امللحد ألحد بسبب ضغط األقران وألنها تقليعة ال أكرث ‪.‬‬ ‫هنا يسقط املؤمن السبب الرئييس يف تدينه عىل امللحد حيث أن معظم املسلمني مسلمني ألنهم يف مجتمع مسلم‪،‬‬ ‫ومسيحيني ألنهم يف مجتمع مسيحي أي أنهم يختارون معتقداتهم بحسب ما هو شائع بني األقران مام مينحهم قيمة‬ ‫اجتامعية وامتيازات ‪.‬‬ ‫ونستطيع مالحظة حالة اإلسقاط هنا عندما يفرتض املؤمن أن امللحد ألحد لنفس األسباب ويقوم مبحاولة إقناعه اعتام ًدا‬ ‫ويقصون عليهم كيف أنهم كانوا ملحدين وأنهم يتوبون اآلن‬ ‫عىل هذا االفرتاض‪ ،‬حيث يدخلون لتجمعٍ ما للملحدين ّ‬ ‫ويعودون إىل الله‪ ،‬متوقّعني أن هذا التكنيك قد يؤثر يف ملحد باعتبار أنهم يتخيلون أن سبب إلحاده هو أصدقائه‬ ‫امللحدين أو أنه معجب بهذه املوضة الجديدة ‪.‬‬ ‫هذا طبعا غيض من فيض وأنا متأكد أن قامئة التفسريات التي يستخدمها املؤمنون لتفسري إلحاد امللحد وإن كانت أطول‬ ‫بقليل مام ذكرته آنفا‪ ،‬إال أنها محدودة جدا واألهم أنها مهام طالت أو قرصت فمن املؤكد والذي يجب أن يكون لدى‬ ‫الجميع ثقة به أنها لن تحتوي عىل التفسري الحقيقي والصحيح‪ ،‬ألن غاية التفسري مل تكن أبدا الوصول له‪.‬‬

‫َويَ ْسأَلُونَ َك َع ِن اإلحلْاد ُق ِل اإلحلْاد‬ ‫ُ‬ ‫مِ ْن أَ ْم ِر َع ْقلي َومَا أوتِيتُم مِّن العَق ِل‬ ‫إِالَّ قَلِيالً‪.‬‬ ‫صفحة العقل دين عىل الفيسبوك‬ ‫‪https://www.facebook.com/AlqlDyn‬‬ ‫‪8‬‬


‫قيمنا األخالقية بني الترشيع‬ ‫اإللهي واإلنساين‬ ‫‪Alnajafi Atheistic‬‬ ‫تأليف‪ :‬فيكتور ستينجر‬

‫‪9‬‬


‫قيمنا األخالقية بني‬ ‫الترشيع اإللهي واإلنساين‬

‫‪Alnajafi Atheistic‬‬

‫قيمنا األخالقية بني الترشيع اإللهي واإلنساين‬ ‫تأليف‪ :‬فيكتور ستينجر‬ ‫ترجمة وتحرير(‪ :)1‬النجفي‬ ‫"أي حيوانٍ كان‪ُ ،‬متّصف بغرائز اجتامعي ٍة واضحة املعامل‪ ،‬من بينها العاطفة الوالدية والولدية‪ ،‬سيمتلك حتامً حساً أخالقياً‬ ‫ّ‬ ‫أو ضمريا ً‪ ،‬ما أن تصبح ملكاته العقلية متطور ًة بقدر اإلنسان أو مقاربة له" ‪ -‬تشارلز داروين‪.‬‬ ‫رش مل يقدم عىل فعلها إال املؤمنني"‬ ‫"أرين فعل خريٍ فعله املؤمنون‪ ،‬وسآتيك مبلحدين فعلوا مثله‪ ،‬ولكن هنالك أفعال ٍّ‬ ‫‪-‬كريستوفر هيتشنز‪.‬‬

‫الحبل املمدود إىل املاكينة العظمى‬ ‫كل أديان العامل تزعم أنها الحاكم اآلمر والناهي عىل السلوك البرشي مبعايريه األخالقية‪ ،‬وينعي قادتها باستمرار –منذ‬ ‫نشأتها وإىل اليوم– ما ي ّدعون أنه التفسخ األخالقي الذي يرونه يف املجتمع‪ ،‬ويؤكّدون أ ّن لهم الحق يف إخبار سائر البرش‬ ‫خاصا يصلهم مباكينة تعريف الصح والخطأ – أي علم الله‪.‬‬ ‫ما هو الصح وما هو الخطأ ألنهم ميلكون حبالً ممدودا ً ً‬ ‫أخالقي يف ميدان السياسة‪ ،‬مثل بحوث الخاليا‬ ‫بل حتى املؤسسات العلامنية تق ُّر لهم بهذا الزعم‪ ،‬فكلّام ظهر شأ ٌن‬ ‫ٌّ‬ ‫الجذعية أو متى يجب فصل أجهزة دعم الحياة‪ ،‬يُنادى عىل رجال الدين ليق ّدموا حكمتهم‪ .‬ومن جه ٍة أخرى‪ ،‬فآراء‬ ‫امللحدين املفكرين األحرار واإلنسانيني‪ ،‬نادرا ً ما تُستشار وكثريا ً ما ت ُستهجن‪.‬‬ ‫أشخاص لن ترغب يف دعوتهم‬ ‫مرغوب بهم يف املجتمع‪،‬‬ ‫واملعنى هو أ ّن امللحدين واإلنسانيني هم بشكلٍ ما أعضا ٌء غري‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫إىل منزلك‪ ،‬فوفقًا للمحامي فيليب جونسون‪ ،‬يعتقد "غري املؤمنني" بأن البرش أتوا من القردة‪ ،‬وهذه العقيدة هي مصد ٌر‬ ‫للعديد من "رشور" املجتمع‪ ،‬مبا فيها املثلية‪ ،‬اإلجهاض‪ ،‬األفالم اإلباحية‪ ،‬اإلبادة الجامعية‪...‬وبإمكاننا القول أ ّن فيليب‬ ‫جونسون هذا يعتقد أن هذه الرشور مل تكن موجود ًة قبل أن يحيا داروين‪)2(.‬‬

‫(‪ )1‬تم إضافة بعض السطور اىل املقال املرتجم فيام يختص بالدين اإلسالمي‪ ,‬إذ متحور مقال املؤلف حول ترشيعات من األدبيات املسيحية‪ ,‬يف كل من الفقرات التالية‪ :‬املثل‬ ‫النبيلة‪ ,‬واملجتمع الطيب‪ ,‬واإلرهاب املقدس‪ ,‬ورسالة من ملحد‪.‬‬ ‫‪Philip Johnson: Darwin on trial‬‬

‫‪10‬‬

‫ )‪(2‬‬


‫قيمنا األخالقية بني‬ ‫الترشيع اإللهي واإلنساين‬

‫‪Alnajafi Atheistic‬‬

‫مهام كان شائ ًعا قول أن الدين هو مصدر السلوك األخالقي‪ ،‬فام تقوله البيانات هو ما يه ّمنا‪ .‬مل أ َر أيّة أدل ٍة عىل أ ّن غري‬ ‫ٍ‬ ‫إلحصائيات من مكتب‬ ‫بنسب أكرب من املؤمنني‪ .‬بل العكس‪ ،‬فوفقًا‬ ‫املؤمنني يقرتفون جرامئًا أو أيّة أفعا ٍل غري اجتامعي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫السجون الفيدرايل‪ ،‬يشكل املسيحيون حوايل ‪ 80‬باملئة من خريجي السجون‪ ،‬بينام يقف تعداد امللحدين إىل ما يقارب‬ ‫الـ ‪ 0.2‬باملئة(‪ .)3‬يجدر اإلقرار أ ّن هذه البيانات مل تُنرش يف مجل ٍة علمي ٍة‪ ،‬ولكني أظن أنه من اآلمن أن نستنتج أن الكفار‬ ‫ال ميلؤون السجون‪ .‬والدراسات املنشورة تُشري إىل أ ّن خطر تع ّرض األطفال لإليذاء الجنيس عىل ِيد فر ٍد من أفرا ِد العائل ِة‬ ‫ِ‬ ‫العقائد ت ُط ّبق‬ ‫أي كلام كانت تعاليم النصوص املقدسة وسائ ِر‬ ‫يتزايد كلام كانت الطائفة الدينية للعائلة أكرث تحفظًا‪ّ ،‬‬ ‫بحرفيتها(‪ .)4‬وباملثل فاحتامل إيذاء الزوجات يزداد مع صالبة تعاليم الكنيسة أو املسجد فيام يخص أدوار الجنسني‬ ‫والقوامة(‪ ،)5‬وال أعتقد أنني بحاج ٍة إىل إعادة ذكر قصة املرأة يف اإلسالم بني األحاديث "الرشيفة" وآيات الذكر "الحكيم"‪.‬‬

‫معايري جيدة ولكنها مشرتكة‬ ‫يُخربنا الو ّعاظ بأ ّن أيّة معايري أخالقية شاملة‬ ‫ال ميكن أن تأيت إال من مصد ٍر واحد –اإلله‬ ‫الخاص بهم‪ -‬وإال فستكون املعايري نسبي ًة‪،‬‬ ‫تعتمد عىل الثقافة وتختلف عرب املجتمعات‬ ‫واألفراد‪ ،‬ولكن البيانات ت ُشري إىل أن أكرثيّة‬ ‫البرش من كل الثقافات واألديان أو حتى بدون‬ ‫األديان تتفق عىل مجموع ٍة مشرتك ٍة من املعايري‬ ‫األخالقية‪ ،‬ومع أنه ميكن العثور عىل فروقٍ‬ ‫خاص ٍة‪ ،‬فيبدو أن هنالك معايري شاملة‪ .‬وكام‬ ‫الحظ اإلنايس ‪ anthropologist‬سولومون‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات تُحقّر‬ ‫أش‪" :‬نحن ال نعرف عن‬ ‫فيها الشجاعة ويمُ ّجد الجنب‪ ،‬وفيها يُعترب الكرم‬ ‫خطيئة والجحود فضيلة"‪)6(.‬‬

‫‪A.A.M‬‬

‫‪(3) http://holysmoke.org/icr-pri.htm‬‬ ‫ )‪(4‬‬ ‫‪Ruth Miller, Larry Miller and Marry langenburner, Religiosity and child sexual abuse: A Risk Factor Assessment, Journal of child sexual‬‬ ‫‪abuse 6, no. 34-14 :)1997( 4‬‬ ‫ )‪(5‬‬ ‫‪Michael Franklin and Marian Hetherly, How Fundamentalism Affects Society, Humanist 57 (September/October 25 :)1997‬‬ ‫ )‪(6‬‬ ‫‪salomon E. Asch: Social Psychology, Oxford science publication p.379-378‬‬

‫‪11‬‬


‫قيمنا األخالقية بني‬ ‫الترشيع اإللهي واإلنساين‬

‫‪Alnajafi Atheistic‬‬

‫ومع أننا نعيش يف مجتمع القانون‪ ،‬فأكرث ما نقوم به ال يحدده القانون بل نؤ ّديه نحن طو ًعا‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬ال يُجربنا‬ ‫ٍ‬ ‫مؤسسات خريية‪ ،‬ولكن هناك الكثري من األفراد عىل ُمختلف معتقداتهم الدينية يؤسسون ألفعا ٍل‬ ‫القانون عىل إنشاء‬ ‫فرصا كثري ًة نفسها للغش أو الرسقة‪ ،‬حيث تكون احتاملية القبض علينا مهملة‪،‬‬ ‫خريي ٍة واألمثلة هنا كثرية‪ .‬ولرمبا تطرح ً‬ ‫ولكن ُمعظمنا ال يغش أو يرسق‪ ،‬ومع أن القاعدة الذهبية (عامل اآلخرين كام تحب أن تُعامل) ال ت ُط ّبق دوماً بالحرف‪،‬‬ ‫أي ٍ‬ ‫شخص أو حيوانٍ مير يف ضائق ٍة‬ ‫ولكننا عمو ًما ال نحاول إيذاء األخرين‪ ،‬وبالفعل فنحن نُبدي تعاطفنا الغريزي إزاء ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بترصف يف محاول ٍة لرفع األذى عنه‪ ،‬نت ّوقف عند حوادث السيارات ونحاول تقديم املساعدة‪ ،‬نتصل بالرشطة‬ ‫ولرمبا نقوم‬ ‫حني نشهد جرمية‪ ،‬نرعى األطفال‪ ،‬واملسنني‪ ،‬وآخرين أقل حظًا منا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جديد‪ .‬بل يكشف‬ ‫كمدرك‬ ‫فكرة أن "الرسقة من زمالئك يف العمل" غري أخالقي ٍة ال تتطلب وح ًيا إله ًيا ومل يق ّدمها الدين‬ ‫لحظي حول نوع املجتمع الذي قد يوجد لو رسق كل ٍ‬ ‫واحد من غريه‪ .‬لو كان الكذب يعد فضيل ًة بدالً من‬ ‫عنها تأ ّم ٌل‬ ‫ٌّ‬ ‫الصدق‪ ،‬ألصبح التواصل مستحيالً‪ ،‬ومن الجيد معرفة أن األمهات أحبنب أطفالهن حتى قبل أن تخطو الثدييات عىل سطح‬ ‫ألسباب تطورية واضحة‪ .‬مل يق ّدم الدين مدركًا أخالقيًا جديدا ً سوى النهي عن التشكيك به‪.‬‬ ‫األرض –‬ ‫ٍ‬ ‫بطبيعة الحال‪ ،‬ال يتفق الجميع عىل كل معيا ٍر‬ ‫أخالقي‪ .‬وقد تكون هذه الخالفات واضح ًة جدا ً‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات ديني ٍة معينة‪ :‬حيث‬ ‫وخصوصا ضمن‬ ‫ً‬ ‫تستخدم النصوص نفسها لتربير أفعا ٍل متناقض ٍة مع‬ ‫األفعال املحرمة‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬فلتقرأ التفاسري‬ ‫املتعارضة للوصية ضد القتل املوجودة ضمن املجتمع‬ ‫املسيحي واإلسالمي‪ .‬فاملحافظون عاد ًة يفرسون هذه‬ ‫الوصية عىل أنها تحري ٌم لإلجهاض وبحوث الخاليا‬ ‫الجذعية وفصل أجهزة دعم الحياة عمن يستحيل‬ ‫شفاؤه بني أفعا ٍل أخرى‪ ،‬ولكن من يحدد يا ترى متى‬ ‫يصبح الجنني كيانًا مستقالً ميكن قتله؟ متى يا ترى‬ ‫مات ذلك املريض عىل فراش املستشفى بحيث أ ّن‬ ‫فصل أجهزة دعم الحياة لن تكون تدخالً يف الشأن‬ ‫اإللهي لتحديد األعامر؟ يف محاول ٍة لإلجابة عىل هذه‬ ‫األسئلة هم يستعينون بشكلٍ واض ٍح مبصادر خارج‬ ‫نصوصهم املقدسة‪ .‬أي ميكننا القول بأ ّن كال الجانبني‬

‫‪A.A.M‬‬

‫‪12‬‬


‫قيمنا األخالقية بني‬ ‫الترشيع اإللهي واإلنساين‬

‫‪Alnajafi Atheistic‬‬

‫أخالقي وما يختلفون حوله هو طبيعة الجنني إن كان أو مل يكن ذلك النوع‬ ‫العلامين والثيوقراطي يعتقدون أن القتل ال‬ ‫ٌّ‬ ‫جانب‬ ‫من الكيان الذي ميكن قتله‪ .‬بعبار ٍة أخرى‪ ,‬فالخالفات األخالقية كثريا ً ما ال تدور حول ما هو جي ٌد أو يس ٌء بل حول ٍ‬ ‫آخر من الواقع‪ ،‬ال يستعان إلدراكه بالنصوص الدينية‪)7(.‬‬ ‫ُ‬

‫املثُل النبيلة‬ ‫تحتوي النصوص املقدسة اليهومسيحية واإلسالمية فقر ٍ‬ ‫ات عديد ًة تعلّم مثُالً نبيل ًة كان النوع البرشي قد أدى ما عليه يف‬ ‫تب ّنيها كمعايري سلوك‪ ،‬وحيث الءمه األمر‪ ،‬يف صياغتها كقانون‪ .‬ولكن دون استثناء‪ ،‬فحقيقة أن هذه املبادئ تطورت يف‬ ‫ٍ‬ ‫ثقافات وتاري ٍخ أسبق تدلنا عىل أنها تم تب ّنيها عىل يد – ومل يتم تعلّمها من– الدين‪ .‬ومع أنه من الجيد أن تُعلِّم األديان‬ ‫أي إل ٍه عىل اإلطالق (كام تؤكد‬ ‫مدارك أخالقية‪ ،‬ولكن ليس من حقها االدعاء أ ّن هذه املدارك ألّفها اإلله الخاص بها أو ّ‬ ‫لنا نظريات التطور الثقايف)‪.‬‬ ‫رمبا يكون املبدأ األسايس الذي ميكن أن ت ُعاش وفقه حيا ٌة أخالقي ٌة هو القاعدة الذهبية‪( :‬عامل اآلخرين كام تحب أن‬ ‫تُعامل)‪ .‬يف املجتمع الغريب الذي تسوده املسيحية‪ ،‬يفرتض معظم الناس أن هذا كان تعليماً أصيالً ليسوع من موعظة‬ ‫الجبل‪ ،‬وحتى يف املجتمعات العربية يُظن أن هذا من مقومات اإلميان بالله‪ ،‬عىل الرغم من أنها هنا يتم حرصها عىل‬ ‫املسلمني‪ :‬ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه‪.‬‬ ‫غنم يف شبه‬ ‫ولك ّن القاعدة الذهبية ليست ُملكًا حرصيًا لقبيل ٍة صغري ٍة يف املتوسط ميلؤها الفخر بنفسها‪ ،‬وال لراعي ٍ‬ ‫الجزيرة العربية حني حرصها عىل املسلمني‪ .‬إليك مصادر مستقل ٍة أخرى تُظهر أن القاعدة الذهبية كانت بالفعل تعليماً‬ ‫شائ ًعا قبل يسوع ومحمد بكثري‪:‬‬ ‫• ‬ ‫ ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫ ‬

‫يف عقيدة املعنى ‪ ،13‬التي كُتبت حوايل ‪ 500‬قبل امليالد‪ ,‬يقول كونفوشيوس "ما ال تريد أن يفعله اآلخرون ‬ ‫بك‪ ،‬ال تفعله باآلخرين"‪.‬‬ ‫قال إيزوقراطيس ‪ 375‬قبل امليالد "ال تفعل لآلخرين ما قد يغضبك لو فعله اآلخرون بك"‪.‬‬ ‫تعليامت املهابهاراتا املكتوبة قبل حوايل ‪ 150‬قبل امليالد ‪" :‬هذا هو جامع كل التقوى الحقة‪ :‬عامل اآلخرين ‬ ‫كام تو ّد لنفسك أن تعامل"‪)8(.‬‬ ‫ )‪(7‬‬ ‫‪Theodore Schick Jr., "Is Morality a Matter of Taste? Why Professional Ethicists Think That Morality Is Not Purely Subjective," Free‬‬ ‫‪Inquiry 18, no. 34-32 :)1998( 4.‬‬ ‫ )‪(8‬‬ ‫‪Michael Shermer: The Science of Good and Evil: Why People Cheat, Gossip, Care, Share, and Follow the Golden Rule.‬‬

‫‪13‬‬


‫قيمنا األخالقية بني‬ ‫الترشيع اإللهي واإلنساين‬

‫‪Alnajafi Atheistic‬‬

‫يف الحقيقة بإمكاننا أن نجد القاعدة الذهبية وكث ًريا من القيم األخالقية األخرى يف مجمل األديان القدمية واملعارصة‪ ،‬فال‬ ‫نستنتج من ذلك سوى أنها كانت جز ًء من أسس املجتمعات البرشية‪ ،‬تب ّنتها األديان كنقط ٍة تحسب لها‪.‬‬ ‫حض عىل معاملة اليسء بالحسن‪ ،‬ومر ًة أخرى‪،‬‬ ‫وكمثا ٍل أخر‪ ،‬يفخر املسيحيون بتعاليم يسوع يف موعظة الجبل أيضاً حني ّ‬ ‫فهذه تع ّد معانٍ مسيحي ًة فريد ًة لدى عموم الناس‪ ،‬ولكن نداء "أحبوا أعداءكم" يسبق يسوع بكثري وال يظهر يف العهد‬ ‫القديم حتى‪:‬‬ ‫• ‬ ‫ ‬ ‫• ‬ ‫• ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫أعامل األخيار بالخري‪ .‬وأعامل أيضاً غري األخيار بالخري‪ ،‬وهكذا يُحرز الخري‪ .‬أنا أم ٌني مع األمناء‪ ،‬أنا أم ٌني مع ‬ ‫غري األمناء وهكذا ت ُحرز األمانة (الطاوية‪ ,‬التاو يت تشينغ ‪.)49‬‬ ‫أقهر الغضب بالحب‪ .‬أقهر الرش بالخري‪ .‬أقهر البخيل بالهبة‪ .‬وأقهر الكاذب بالحق (البوذية‪ ،‬دهامابادا ‪)223‬‬ ‫إ ّن كائ ًنا أعىل ال يرد الرش بالرش؛ هذه قاعد ٌة عىل املرء التزامها؛ إ ّن زينة الفضالء سلوكهم‪ .‬عىل املرء أالّ يؤذي ‬ ‫الخبيث أو الطيب أو حتى املجرمني املستحقني للموت‪ .‬إن رو ًحا نبيل ًة ستامرس التعاطف دو ًما حتى تجاه ‬ ‫من يستمتعون بأذى اآلخرين أو ذوي الخصال القاسية حني يقومون بارتكابها – إلنه من منا دون عيب؟ ‬ ‫(الهندوسية‪ .‬رامايانا‪ ,‬يودها كندا ‪.)115‬‬

‫ما من فكر ٍة أخالقي ٍة فريد ٍة لها أيّة أهمي ٍة ميكن العثور عليها يف العهد الجديد‪ .‬ففي أوائل القرن العرشين‪ ،‬أشار املؤرخ‬ ‫جوزيف مكيب إىل أ ّن "املعاين املنسوبة إىل املسيح هي موجود ٌة أصالً يف العهد القديم‪ ،‬فقد كانت مألوف ًة يف املدارس‬ ‫اليهودية‪ ،‬ولدى كل الفريسيني‪ ،‬طويالً قبل زمن املسيح‪ ،‬كام كانت مألوف ًة يف كل حضارات األرض – املرصية‪ ،‬البابلية‪،‬‬ ‫والفرس‪ ،‬اإلغريق والهندوس"‪)10()9(.‬‬ ‫وكام هو الحال مع الكتاب املقدس‪ ,‬فالقرآن يحوي معانٍ عديد ٍة قد يع ّدها معظمنا جدير ًة بالثناء‪ .‬فهو يأمر املسلمني‬ ‫بال ّرب بوالديهم‪ ،‬أالّ يرسقوا من األيتام‪ ،‬أالّ يقرضوا املال بر ًىب فاحش‪ ،‬أن يساعدوا املحتاجني‪ ،‬وال يقتلوا أوالدهم خوفًا من‬ ‫الفقر‪ .‬ولكني برصاحة ال أتخيل أن النقيض من هذه األفعال السيئة – أي القيم الحسنة‪ -‬مل تكن موجود ًة أبدا ً يف العشائر‬ ‫القريشية وما حولها‪ .‬وبالفعل‪ ،‬فكام يشري املؤرخون ‪ :‬فهذه ليست مبادئ أخالقي ًة أصيل ًة‪ ،‬فاألديان املعارصة ملحمد كانت‬ ‫رضا‪ ،‬طورت عمليات التفكري‬ ‫متتلئ مبثلٍ ُعليا نشأت خالل التطور التدريجي للمجتمعات البرشية‪ ،‬حيث أصبح أكرث تح ً‬ ‫تناغم أكرب‪ .‬فاألدلة تشري إىل مصد ٍر غري اإللهامات املدعاة يف هذه‬ ‫العقالين (إىل ح ٍّد ما) واكتشفت كيف تعيش م ًعا يف ٍ‬ ‫‪Joseph McCabe: The Sources of Morality of the gospels, p. 209‬‬ ‫‪George Smith: The case against god, p. 317.‬‬

‫‪14‬‬

‫ )‪(9‬‬ ‫ )‪(10‬‬


‫قيمنا األخالقية بني‬ ‫الترشيع اإللهي واإلنساين‬

‫‪Alnajafi Atheistic‬‬

‫النصوص املقدسة‪ ،‬وأقرب مام يخطر عىل بايل هي الديانة الزرادشتية التي كانت بالفعل معارص ًة ملحمد وأخذ هو‬ ‫بنفسه الكثري من أسسها ومدركاتها األخالقية(‪ .)11‬وبإمكاننا أن نجد جهودا ً برشي ًة كثري ًة فاقت قدرات محمد إلنتاج –أو‬ ‫تب ّني– قيامً أخالقي ًة معين ًة من شأنها تنظيم العالقات اإلنسانية يف املجتمعات البدائية‪.‬‬ ‫لتبقى التساؤالت التالية بحاج ٍة إىل إجاب ٍة رصيح ٍة منك‪ :‬هل متكنت الديانات من القضاء عىل األفعال السيئة؟ هل‬ ‫أي فعلٍ مش ٍني ضمن معايرينا الحالية؟ أمل نكن بحاج ٍة يف كثريٍ من األوقات إىل‬ ‫خطت الديانات دستو ًرا يخلو متا ًما من ّ‬ ‫كقيم إنساني ٍة أخالقي ٍة (كحقوق اإلنسان مثالً)؟ ملاذا تفشل تجارب‬ ‫تب ّني قوانني تخرج عن النصوص املقدسة ونضعها ٍ‬ ‫السياسات الثيوقراطية وتنجح السياسات العلامنية؟‬

‫املجتمع الطيب بني الترشيع االبراهيمي والترشيع اإلنساين‬ ‫ليس السلوك الفردي وحده‪ ،‬بل حتى السلوك االجتامعي يُفرتض أنه منظ ٌم بيد الله‪ ،‬ولكن من جديد‪ ،‬ال ميكننا العثور‬ ‫عىل أدل ٍة تدعم هذا االدعاء‪ .‬فإحدى الخرافات الصامدة يف الواليات املتحدة هي أ ّن األمة قد تأسست عىل "مبادئ‬ ‫مسيحية"‪ .‬ولك ّن دستور الواليات املتحدة هو وثيق ٌة علامني ٌة ال تحتوي عىل أيّة إشار ٍة إىل الله‪ ،‬يسوع‪ ،‬املسيحية‪ ،‬الخالص‪،‬‬ ‫تعليم آخر‪ .‬ومعظم الرؤساء األوائل مل يكونوا مسيحيني متحمسني وقد بنوا التزاماتهم بالحرية والدميقراطية‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬ ‫أو ّ‬ ‫والعدالة عىل فلسفة عرص التنوير بدالً من املصادر املقدسة‪ .‬وكام نَ ّصها بني فرانلكني ‪" :‬املنارات املضيئة أكرث فائدة من‬ ‫الكنائس"‪.‬‬ ‫وخصوصا من السياسيني األمريكيني‪ ،‬أن النظام القانوين هنالك يقوم عىل الوصايا العرش‪ .‬وقد جرت‬ ‫وكث ًريا ما نسمع‪،‬‬ ‫ً‬ ‫محاوالتٌ لتفعيل الوصايا العرش يف األماكن العامة كمقرات املحاكم‪ ،‬ولحسن الحظ فقد منعتها املحاكم إىل ح ّد اآلن‪ ،‬وإال‬ ‫أي ٍ‬ ‫جهد يُذكر‬ ‫ملا كان األمريكان يستمتعون بالتصوير الفوتوغرايف ونحت التامثيل حسب الوصية الثانية‪ ،‬ولتوقفوا عن ّ‬ ‫يوم السبت حسب الوصية الرابعة‪ .‬أما القيم األخالقية التي نجدها يف النظام القانوين واالجتامعي التي فرضتها الوصايا‬ ‫العرش‪ ،‬ميكن العثور عليها يف حضار ٍ‬ ‫ات تسبق زمن موىس بكثريٍ من األعوام‪ .‬وبالفعل‪ ،‬فإن رشيعة حمورايب (‪ 1780‬قبل‬ ‫امليالد) متثل خطو ًة أكرث أهمي ًة تاريخ ًيا يف تطور قوانني العدالة‪ ،‬إذ ال تتضمن عرش وصايا بل مئتان واثنان ومثانني رشيع ًة‬ ‫مفصل ًة (‪ .)12‬رمبا يجدر بهذه الرشائع أن توضع عىل مدراج املحاكم‪.‬‬ ‫ )‪(11‬‬ ‫أمل الخطيب‪ ,‬الجذور الوثنية لألديان اإلبراهيمية‪ ,‬مجلة امللحدين العرب‪ :‬العدد السابع‬ ‫‪(12) http://www.fordham.edu/halsall/ancient/hamcode.asp‬‬

‫‪15‬‬


‫قيمنا األخالقية بني‬ ‫الترشيع اإللهي واإلنساين‬

‫‪Alnajafi Atheistic‬‬

‫مؤسسا للدميقراطية الغربية‬ ‫خيا ٌر أخر‪ ،‬قد يكون قوانني صولون ‪ .solon‬كان صولون (‪ 558‬قبل امليالد) مفك ًرا أثين ًيا يعد‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫كأساس للوظيفة الحكومية وأسس مجامع‬ ‫وأول رجلٍ يف التاريخ الغريب يؤلف دستو ًرا مكتوبًا‪ .‬ألغى هذا الدستور امليالد‬ ‫دميقراطية مفتوحة لكل املواطنني الذكور‪ ،‬بحيث ال ميكن مترير قانون دون تصويت األغلبية‪( .‬كانت الحقوق املساوية‬ ‫للمرأة ال تزال بعيد ًة ج ًدا)‪ .‬فالدميقراطية األمريكية تدين لصولون أكرث مام تدين للرشائع العربية الجافة (‪ ،)13‬فلدى‬ ‫أي مكانٍ‬ ‫املسيحية واإلسالم تاري ٌخ ٌ‬ ‫طويل من السلطوية املستبدة مع نزع ٍة ضئيل ٍة إىل الحرية الفردية والعدالة‪ .‬ال ميكن يف ّ‬ ‫من الكتاب املقدس أن تجد املبادئ التي تقوم عليها الدميقراطيات وأنظمة العدالة الحديثة‪ ،‬بل عىل العكس بإمكانك‬ ‫كل من القرآن والكتاب املقدس بحيث أنها تشكل منوذ ًجا يصعب‬ ‫أن تجد كث ًريا من األمثلة التي تؤكد وتنظم العبودية يف ٍّ‬ ‫عىل املجتمعات الحرة املعارصة أن تقوم بتفعيله‪.‬‬ ‫ •‬ ‫• ‬ ‫ ‬ ‫• ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫• ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫السا ِب َع ِة يَ ْخ ُر ُج ُح ًّرا َم َّجانًا‪( .‬الخروج ‪)2:21‬‬ ‫إِذَا اشْ رَ َتيْ َت َع ْب ًدا ِع رْ َبانِ ًّيا‪ ،‬ف َِس َّت ِس ِن َني يَ ْخ ِد ُم‪َ ،‬وفيِ َّ‬ ‫َٕوان َز َّو َج ُه َس ّيدُهُ بامرأ ٍة فَ َولَ َدت لَ ُه بَن َني َوبَ ٍ‬ ‫نات‪ ،‬فاملَرأ ُة َوأوال ُدها يكونو َن لِ َس َي ِد ِه َوه َو يخ ُر ُج َوح َده ‪ .‬‬ ‫(الخروج ‪)4:21‬‬ ‫تم التطرق للعبيد يف القرآن يف ‪ 29‬آية عىل األقل ‪ ،‬وذكر " َما َملَك َْت أَيمْ َانُ ُك ْم" ‪ 15‬مرة‪ ،‬فقد تكرر " َما َملَك َْت ‬ ‫أَيمْ َانُ ُك ْم ‪َ -‬ما َملَك َْت أَيمْ َانُ ُه ْم‪َ -‬ما َملَك َْت أَيمْ َانُ ُه َّن" يف القرآن باآليات التالية‪ :‬سورة النساء ‪ ،3‬سورة النساء ‪ ، 24‬‬ ‫سورة النساء ‪ ،25‬سورة النساء ‪ ،36‬سورة النحل ‪ ، 71‬‬ ‫سورة املؤمنون ‪ ،6‬سورة النور ‪ ،31‬سورة النور ‪ ، 33‬‬ ‫سورة النور ‪ ،58‬سورة الروم ‪ ،28‬سورة األحزاب ‪ 50‬‬ ‫(ذكرت مرتني)‪ ،‬سورة األحزاب ‪ ، 52‬األحزاب ‪ ، 55‬‬ ‫املعارج ‪.30‬‬ ‫باإلمكان العودة إىل التاريخ الحافل لإلسالم مع ‬ ‫العبودية عرب الزمن بد ًء من الفرتة املعارصة لحياة ‬ ‫محمد ومرو ًرا بالخلفاء جمي ًعا وحتى الوصول اىل ‬ ‫الدولة العثامنية‪ .‬واملوضوع مفصل ويحتاج رس ًدا ‬ ‫طويالً لن يتسع هذا املقال وحده له‪.‬‬

‫‪A.A.M‬‬ ‫‪(13) http://www.infidels.org/kiosk/article2.html‬‬

‫‪16‬‬


‫قيمنا األخالقية بني‬ ‫الترشيع اإللهي واإلنساين‬

‫‪Alnajafi Atheistic‬‬

‫أي منهم‪ ،‬واحتاج فعل ذلك‬ ‫لقد سنحت الفرصة ٍّ‬ ‫لكل من محمد ويسوع بأن يح ّرموا اتخاذ العبيد ولكن مل يفعل ذلك ٌّ‬ ‫إىل جهو ٍد برشي ٍة أتت بعدهم بكثري من السنني‪ ،‬وعىل الرغم من كون هذه الجهود صدرت من مسيحني (ومسلمني يف‬ ‫بعض األحيان) ولكنهم مل يتخذوا النصوص املقدسة مصد ًرا ملهماً ألفعالهم‪ ،‬بل فعل ذلك حسهم الفطري نحو العدالة‬ ‫وتحرض املجتمعات التي عارصوها بحيث أنها مل تعد تحتمل النموذج الثيوقراطي الذي يسمح وبشكلٍ رصي ٍح ومبارش‬ ‫امتالك العبيد‪.‬‬ ‫دعني أشري باختصار إىل االضطهاد التاريخي للنساء‪ .‬فقد قال القديس بولس‪" :‬أيتها النساء اخضعن ألزواجك ّن كام‬ ‫تخضعن للرب‪ ،‬أل ّن الرجل رأس املرأة كام أ ّن املسيح رأس الكنيسة وهو مخلّص الكنيسة وهي جسده وكام تخضع‬ ‫الكنيسة للمسيح فلتخضع النساء ألزواجهن يف كل يشء‪( ".‬إفسس ‪ .)5 :23-22‬وجاء بيان محمد موازيًا لهذا البيان‬ ‫حني قال‪" :‬لو كنت آم ًرا أح ًدا أن يسجد لغري الله ألمرت املرأة أن تسجد لزوجها‪ .‬والذي نفس محمد بيده ال تؤدي‬ ‫(وقليل‬ ‫ٌ‬ ‫املرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها; ولو سألها نفسها وهي عىل قتب مل متنعه"‪ .‬ولكن املجتمعات الغربية‬ ‫ٍ‬ ‫ككائنات برشي ٍة أدىن‪ ،‬مام يوفر مثاالً‬ ‫من املجتمعات العربية) بدأت أخريا ً باإلقرار بالالعقالنية والظلم يف معاملة النساء‬ ‫واض ًحا عىل كيفية تطور أفكارنا عن الصح والخطأ بشكلٍ مستقلٍ بل ومتناقض كث ًريا مع التعاليم الدينية‪.‬‬

‫اإلرهاب املقدس‬ ‫أي ٍ‬ ‫شخص‬ ‫يزخر الكتاب املقدس بوصف فظائع ارت ُكبت باسم اإلله‪ .‬يندر أن تسمع ذكرها يف مدارس األحد‪ ،‬ولكن بإمكان ّ‬ ‫أن يفتح الكتاب املقدس ويقرأ لنفسه‪ .‬سأذكر هنا بعض النصوص األفظع‪:‬‬ ‫" فَاآل َن اقْتُلُوا ك َُّل َذكَ ٍر ِم َن األَطْفَا ِل‪َ .‬وك َُّل ا ْم َرأَ ٍة َع َرف َْت َر ُجالً بمِ ُ َضا َج َع ِة َذكَ ٍر اقْتُلُو َها‪ .‬ل ِك ْن َج ِمي ُع األَطْفَا ِل ِم َن ‬ ‫• ‬ ‫ال ِّن َسا ِء اللَّ َواتيِ لَ ْم يَ ْع ِرفْ َن ُم َضا َج َع َة َذكَ ٍر أَبْقُو ُه َّن لَ ُك ْم‪( ".‬العدد ‪.)17-18 :31‬‬ ‫ ‬ ‫ائيل‪ :‬عىل ك ُِّل ٍ‬ ‫َ‬ ‫واحد ِمنكُم أ ْن يح ِم َل سيفَه ويَ َ‬ ‫باب ويَقتُ َل ‬ ‫"قال ال ّر ُّب إل ُه إِرس َ‬ ‫• ‬ ‫باب إىل ٍ‬ ‫طوف املَحلَّ ِة ِم ْن ٍ‬ ‫أخا ُه وصديقَه وجا َرهُ ‪( ".‬الخروج ‪)27:32‬‬ ‫ ‬ ‫بالحض عىل اإلرهاب والقتل والعنف‪ ،‬وإن كنا سنذكر القرآنية منها فلرنجع اىل‬ ‫وال تخلوا –بل متتلئ– األدبيات اإلسالمية‬ ‫ّ‬ ‫كل من املائدة‪ ،33:‬األحزاب‪ ،26:‬التوبة‪ ،12:‬التوبة‪ ،36:‬البقرة‪ ، 216:‬األنفال‪ ،65:‬االنفال‪ ،65:‬محمد‪ ،4:‬التوبة‪ ، 29:‬البقرة‬ ‫رصيح عىل أبشع ما ميكن تخيله للقتل باسم الدين واإلله والثأر‪ .‬وميكن أن نضيف‬ ‫تحريض‬ ‫‪ ،191‬كل هذه األيات فيها‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ما ذكرت أعاله من اآليات التي ترصح باتخاذ الجواري والسبايا تحت شعار ما ملكت أميانكم‪ ،‬وعيل أن أسأل هل كانت‬ ‫ما متلك أميانهم وعبيدهم ينمون عىل األشجار ليقوم املؤمن بقطفهم بكل سالم؟ أم هم من أرسى الحروب أيضاً؟‬ ‫‪17‬‬


‫قيمنا األخالقية بني‬ ‫الترشيع اإللهي واإلنساين‬

‫‪Alnajafi Atheistic‬‬

‫ٍ‬ ‫شخص ميلك ضم ًريا اليوم قد يعتقد أنه من األخالقي أن تقتل كل أسريٍ يف معركة وتحتفظ بالنساء‬ ‫بالطبع ما من‬ ‫"املحصنات" أو العذارى من أجل املتعة الجنسية حتى ولو كان عنوان هذه املعركة "الجهاد"‪ .‬وقل ٌة من املسيحني أو‬ ‫املسلمني املحدثني يأخذون أوامر الكتاب املقدس أو القرآن حرف ًيا‪ .‬ففي حني يزعمون أنهم يحتكمون إىل النصوص‬ ‫املقدسة وتعاليم السلف الصالح وقادة اإلميان‪ ،‬فهم ينتقون ما يريدون اتباعه –مسرتشدين بالقوانني االجتامعية والفطرة‬ ‫األخالقية‪ ،‬وهذان هام ما يرشد غري املؤمنني أيضاً‪.‬‬ ‫‪A.A.M‬‬

‫وكل مر ٍة يقوم بها مؤم ٌن برد "شبهة" تجريم محمد أو يسوع أو موىس‪ ،‬فهو يدعم بشكلٍ أقوى نقطتي املحورية‪ :‬إننا‬ ‫نحن البرش نقرر ما هو خ ٌري وما هو رش‪ ،‬مبعايري تقع خارج النصوص املقدسة‪.‬‬ ‫إن األفكار األساسية عن الخري والرش التي نشرتك بها جمي ًعا –مؤمنني وغري مؤمنني– هي يف املعظم شامل ٌة وشائعة‪.‬‬ ‫واالختبارات النفسية تظهر أنه ما من فرقٍ مه ٍّم يف الحس األخالقي بني امللحدين واملؤمنني(‪ .)14‬باختصار‪ ،‬تدل الحقائق‬ ‫التجريبية عىل أ ّن معظم البرش هم حيواناتٌ أخالقي ٌة يتضارب شعورها بالصواب والخطأ مع العديد من تعاليم أديان‬ ‫التوحيد الكربى‪ .‬وميكننا أن نستنتج بأمان أن الشعور األخالقي مل ينبع من ذلك املصدر‪.‬‬ ‫األخالقية الطبيعية‬

‫‪Marc Hauser and Peter Singer, "Morality without Religion," Free Inquiry 26, no. 1(December 2005/January 19-18 :)2006.‬‬

‫‪18‬‬

‫ )‪(14‬‬


‫قيمنا األخالقية بني‬ ‫الترشيع اإللهي واإلنساين‬

‫‪Alnajafi Atheistic‬‬

‫إن مل تنشأ أخالق وقيم البرشية من األوامر اإللهية فمن أين أتت إذا ً؟ لقد أتت من إنسانيتنا املشرتكة‪ .‬ولهذا ميكن‬ ‫بشكل مناسب أن تسمى إنسانية(‪.)15‬‬ ‫توجد أعامل معتربة تتناول األصول الطبيعية (البيولوجية والثقافية والتطورية) لألخالق‪)16(.‬وقد الحظ داروين هذا‬ ‫بنفسه حني ميّز األفضلية التطورية للتعاون واإليثار‪ .‬وقد توسع املفكرون املحدثون يف هذه املشاهدة‪ ،‬موضحني‬ ‫بالتفصيل كيف أمكن للحس األخالقي أن ينشأ بشكلٍ‬ ‫طبيعي خالل تطور اإلنسانية الحديثة‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫عالمات عىل السلوك األخالقي‪ ،‬أو البدء‪-‬أخالقي يف الحيوانات‪ .‬فالخفافيش املصاصة ‪vampire bats‬‬ ‫ميكننا حتى أن نرى‬ ‫تتشارك يف الطعام‪ .‬والقردة والنسانيس توايس أعضاء مجموعتها املنزعجني وتعمل م ًعا للحصول عىل الطعام‪ .‬والدالفني‬ ‫تدفع مبرضاها إىل تلة عىل السطح لتتنفس الهواء‪ .‬والحيتان قد تضع بأنفسها يف طريق الخطر ملساعدة حوت جريح من‬ ‫مجموعتها‪ .‬وتحاول الفيلة أقىص وسعها إلنقاذ أعضاء جرحى من عوائلها‪)17(.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مستويات أعىل مع التطور البرشي‪ .‬رمبا تسمى األخالقية‬ ‫ملحات عن بداية األخالق التي تتقدم إىل‬ ‫يف هذه األمثلة نرى‬ ‫الحيوانية غريزي ٌة مبني ٌة يف جينات الحيوانات بالتطور األحيايئ‪ .‬ولكن حني يدخل التطور الثقايف أيضاً فلدينا آلي ٌة معقول ٌة‬ ‫لتفسري تطور األخالقية اإلنسانية –باالنتخاب الدارويني‪.-‬‬ ‫وكام رأينا من تفحص األدلة التجريبية‪ ،‬ال ميكن أن يكون الله هو مصدر القيم واألخالق البرشية املتفق عليها‪ .‬إذ لو‬ ‫ٍ‬ ‫تعارض‬ ‫كان‪ ،‬لتوقعنا أن نرى أدل ًة يف السلوك األخالقي الرفيع للمؤمنني مقارن ًة بغري املؤمنني‪ .‬وحتى لو أنكرت وجود أي‬ ‫بني سلوك املؤمنني وما تعلّمه كتبهم املقدسة‪ ،‬فالحقيقة التجريبية أن غري املؤمنني ال يبدون أقل فضيلة‪ ،‬توفر أدل ًة‬ ‫قوي ًة عىل أن القيم واألخالق تأيت من اإلنسانية يف ذاتها‪ ،‬أو كام صاغها هيتشنز‪" :‬أرين فعل خريٍ فعله املؤمنون‪ ,‬وسآتيك‬ ‫رش مل يقدم عىل فعلها إال املؤمنون"‪ .‬إن السلوكيات الفردية واالجتامعية تبدو‬ ‫مبلحدين فعلوا مثله‪ .‬ولكن هنالك أفعال ٍّ‬ ‫كام يتوقع منها لو مل يكن الله موجو ًدا‪.‬‬ ‫‪(15) Paul Kurtz, Forbidden Fruit: The Ethics of Humanism‬‬ ‫ )‪(16‬‬ ‫ ‪Robert Axelrod, The Evolution of Cooperation (New York: Basic Books, 1984); Richard D. Alexander, The Biology of Moral Systems‬‬ ‫‪ (Hawthorne, NY: Aldine de Gruyter, 1987); Robert Wright, The Moral Animal: Why We Are the Way We Are: The New Science of‬‬ ‫ ‬ ‫ ‪Evolutionary Psychology (New York: Vintage Books, 1994); Frans B. M. de Wall, Good Natured: The Origins of Right and Wrong in‬‬ ‫ ‬ ‫‪Humans and Other Animals (Cambridge, MS: Harvard University Press, 1996); Larry Arnhart, Darwinian Natural Right; The Biological‬‬ ‫ ‬ ‫ ‪Ethics of Human Nature (Albany, NY: State University of New York Press, 1998); Leonard D. Katz, ed., Evolutionary Origins of‬‬ ‫ ‬ ‫ ‪Morality: Cross-Disciplinary Perspectives (Bowling Green, OH: Imprint Academic, 2000); Jessica C. Flack and Frans B. M. de Wall,‬‬ ‫‪ "'Any Animal Whatever' Darwinian Building Blocks of Morality in Monkeys and Apes," Journal of Consciousness Studies 7, nos.‬‬ ‫ ‬ ‫ ‪29-1 :)2000( 2 -1; Donald M. Broom, The Evolution of Morality and Religion (Cambridge: Cambridge University Press, 2003); Shermer,‬‬ ‫ ‬ ‫‪The Science of Good & Evil.‬‬ ‫ )‪(17‬‬ ‫‪Shermer, the Science of Good & Evil, pp. 31-26.‬‬

‫‪19‬‬


‫قيمنا األخالقية بني‬ ‫الترشيع اإللهي واإلنساين‬

‫‪Alnajafi Atheistic‬‬

‫رسالة من ملحد‬ ‫خصوصا‪ ،‬أعزايئ املؤمنني‪،‬‬ ‫أحببت أن أنهي هذا املقال برسال ٍة إىل املؤمنني عمو ًما وإىل من ينادون بالأخالقية امللحدين‬ ‫ً‬ ‫آ ُمل بصدقٍ أالّ يكون إميانكم بالله هو الدافع الوحيد ألخالقياتكم‪ ،‬آمل أن تبقوا عىل ٍ‬ ‫بعض من أخالقكم يو ًما ما‪ ،‬فلرمبا‬ ‫تلحدون‪ ،‬يك ال تفجروا كوكب األرض بعد أن قمتم باغتصاب نساء العامل‪ .‬أعزايئ املؤمنني أعلم وتعلمون مقدار التهكم‬ ‫والسخرية يف السطرين األخرين‪ .‬ذلك أننا كالنا إنسان‪ ،‬ال يتوجب أن يرضبنا أحد بالسوط وال أن يضع رقابنا تحت‬ ‫املقصلة يك منتنع عن الرسقة وإيذاء األخرين‪ ...‬وشكرا ً لكم‪.‬‬

‫‪20‬‬


facebook group :https://www.facebook.com/groups/358777197583418 Blog :

https://www.aamagazine.blogspot.com

facebokPage :

https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299

21


‫?‬

‫أسئلة جريئة هي حلقة تواصل بيننا وبني القارئ ومن ميتلك أسئلة بأمكان ُه أرسالها مبارشة عىل بريدي االلكرتوين‬ ‫‪Al.baghdady@gmail.com‬‬ ‫ ‬ ‫للرد عليها يف االعداد القادمة‪.‬‬

‫ملاذا ال تُؤم ُن بوجو ِد الله؟‬

‫ألن اإلميان بالله رائج هذه األيام‪ ،‬متا ًما مثل امتالك الجميع لهاتف أو حساب عىل الفيسبوك‪ ،‬فإ ّن عدم إميان اإلنسان‬ ‫بالله أصبح حالة تدعو البعض إىل التساؤل‪ ،‬فلامذا ال يؤمن البعض بوجود الله؟ هذا السؤال يتكرر كث ًريا؛ لهذا ق ّررتُ‬ ‫اإلجاب َة علي ِه اليوم‪.‬‬

‫باملقارنة بني الله والفيسبوك أو الهواتف‪ ،‬فإ ّن أغلب امللحدين اليوم كانوا يو ًما ما يف السابق يؤمنون حقيق ًة بوجود‬ ‫الله‪ ،‬بل إ ّن الغالبية العظمى من امللحدين الّذين أعرفهم اليوم‪ ،‬كانوا من املؤمنني املتدينني ج ًدا ومن بينهم رجال دين‬ ‫متعمقني بأصول الدين؛ أي أ َّن تركهم االعتقاد بالله ناتج بشكل مبارش إلدراكهم عدم جدوى اإلميان ب ِه وعدم فائدة‬ ‫كنت ُ‬ ‫التّعبد ل ُه‪ ،‬متا ًما كام لو َ‬ ‫متلك هاتفًا قد ًميا ج ًدا‪ ،‬ومع ظهور الهواتف الذكية وإدراكك ملحدودية ما يفعل ُه هاتفك‬ ‫أنك َ‬ ‫القديم‪ ،‬أدركت بأن ُه ال فائدة من االحتفاظ ب ِه‪ ،‬وقررت التخلص منه‪ ،‬وبهذه الطريقة‪ ،‬عندما اكتشف املؤمن درجة‬ ‫محدودية الله‪ ،‬إن وجد‪ ،‬قرر التّخلص منه‪.‬‬ ‫من ناحي ٍة أخرى‪ ،‬فإ َّن التّوقف عن اإلميان بالله ال يأيت بني ليل ٍة وضحاها؛ أي اإلنسان املؤمن ال ينام مؤم ًنا ويستيقظ‬ ‫ملح ًدا‪ ،‬بل إ ّن هناك طيفًا واس ًعا من التّحوالت الفكرية والتي قد تنتهي بعودة الفرد إىل إميان أعمى بوجود الله‪ ،‬أو‪-‬‬ ‫يف أفضل الحاالت ‪ -‬إىل معرفة الحقيقة واختيار الحياة خارج نطاق املعتقدات التي توارثها عن أجداده‪ ،‬وهذا التحول‬ ‫كل فرد؛ لذلك ترى يف املجتمعات املتحضرّ ة بأ ّن الغالبية‬ ‫البطيء يف املفاهيم يتناسب طرديًا مع درجة النضوج الفكري لِ ّ‬ ‫العظمى من أفرادها قد تركوا ذلك الرصاع الفكري العنيف ورائهم منذ فرتة املراهقة‪ ،‬بينام يف املجتمعات املتدينة فإ ّن‬ ‫‪22‬‬


‫بعض األحيان‪ ،‬لكن يف أغلب األحوال فإنه يكون محسو ًما قبل بلوغ‬ ‫ذلك الرصاع الفكري قد يستم ُّر إىل عم ٍر متأخ ٍر َ‬ ‫اإلنسان سن الثالثني من العمر‪ ،‬وحينها تتضح حقيقة األشيا ِء لإلنسان‪ ،‬ويدرك فيام لو كان املوروث الديني حقيق ًة‬ ‫باطل قدي ٌم كان الهدف من ُه السيطرة عىل اإلنسان‪.‬‬ ‫تاريخي ًة قامئ ًة‪ ،‬أم ٌ‬

‫‪A.A.M‬‬

‫بالطبع‪ ،‬هناك ‪ -‬حتى يومنا هذا ‪ -‬املليارات من البرش املؤمنني بوجود اآللهة والجن والشياطني والكائنات الخرافية‬ ‫املختلفة‪ ،‬ولِكيَ يفهم املؤمن بهذه األشياء سبب رفض امللحد اإلميان باإلله الذي ُول َد فوجد نفس ُه مؤم ًنا ب ِه بالذّات‪،‬‬ ‫توجب عليه أ ْن َ‬ ‫يسأل نفس ُه بعض األسئلة‪ ،‬ويبحث عن جواب رصيح‪ ،‬ومن هذه األسئلة التي دفعتني شخص ًيا للتوقف‬ ‫َ‬ ‫عن اإلميان بالله‪:‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫ ‬ ‫‪ -3‬‬

‫كنت سأنظر لإلسالم أو املسيحية أو اليهودية؟‬ ‫كنت ولدتُ عىل دين آخر‪ ،‬مثل الهندوسية‪ ،‬كيف ُ‬ ‫لو ُ‬ ‫كنت ولدتُ يف السويد لعائل ٍة تعب ُد إله الشامل "اودان" أو يف الهند لعائل ٍة تعب ُد اإلله الهندي "شيفا"‪ ،‬فهل ‬ ‫لو ُ‬ ‫كنت َ‬ ‫ألترك عبادتهم وأت ّجه لألديان اإلبراهيمية التي تعبد الله؟ ملاذا؟‬ ‫ُ‬ ‫لو ِم ُّت اليو َم واستيقظت بعد املوت فرأيت بأ َّن عبادة "كريشنا" هي الحق‪ ،‬فامذا سأفعل؟‬ ‫‪23‬‬


‫هذه األسئلة وغريها ساعدتني وتساعد اإلنسان املؤمن عىل إدراك فيام لو كان ما يؤمن ب ِه حقيق ًة مطلق ًة‪ ،‬أم أن ُه مجرد‬ ‫ُصدف ٍة كوني ٍة سببها والدت ُه يف زمنٍ مع ٍني لعائلة تؤمن بدينٍ مع ٍني وتعب ُد إل ًها معي ًنا‪ ،‬وسبب استمراره عىل اإلميان بهذه‬ ‫ُ‬ ‫الخوف من ردة فعل املجتمع أو العائلة‪ ،‬الخوف من الحياة‪ ،‬الخوف من املوت‬ ‫األشياء هو الخوف فقط‪ ،‬وال يش َء غريه؛‬ ‫تحتاج للخوف‬ ‫خائف‪ ،‬فتأكد بأنك عىل باطل‪ ،‬ألن الحقيق َة ال‬ ‫وإىل آخره من مسببات الخوف‪ ،‬وعندما تؤم ُن بيشء ألنك ٌ‬ ‫ُ‬ ‫يك ت َُص ّد ْق‪.‬‬ ‫ِختا ًما‪ ،‬فإ َّن غياب أي دليلٍ عىل وجود أي إل ٍه مقارن ًة بوجود املاليني من األسباب عىل خطر اإلميان األعمى بأشيا ٍء ال دليل‬ ‫رئييس ِ‬ ‫األسباب التي متنع املؤمن من االميان بكل‬ ‫نفس‬ ‫عليها‪ ،‬إنمّ ا هو سبب‬ ‫ِ‬ ‫الس ِّ‬ ‫لرتك اإلنسانِ ّ‬ ‫وي اإلميان بالله‪ ،‬كام أ ّن َ‬ ‫ٌ‬ ‫األديانِ واآللهة األخرى‪ ،‬هي ذاتها ما متن ُع امللح َد من اإلميان بكل األديان واآللهة عىل حد سواء‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ضعف ٍّ‬ ‫وذل وتحقريٍ للذات أمام الله يف طقوس‬ ‫إضاف ًة إىل ما تق ّد َم‪ ،‬فإ َن الحالة البائسة الّتي تنتهي لها حياة املؤمن من‬ ‫متكررة ال فائد َة حقيقي َة منها‪ ،‬هي ما تدف ُع اإلنسا َن السوي ِ‬ ‫لرفض هذا التّحقري املتواصل‪ ،‬كام تدف ُع اإلنسا َن نحو‬ ‫ِ‬ ‫االنطالقِ ُح ًّرا ِمن سالسل اآللهة الوهمية من أجلِ تطوير الذات يف عا ٍمل واسعٍ لفعلِ الخريِ‬ ‫والعيش حيا ًة كرمي ًة مع بقي ِة‬ ‫طقوس سجو ٍد وركو ٍع‬ ‫كل طقوس الذّل الديني املتواصل؛ وحينها‪ ،‬عندما نرى إنسانًا سويًا ميارس‬ ‫رش سواسي ًة‪ ،‬بدون ُّ‬ ‫الب ِ‬ ‫َ‬ ‫ِكل رصاح ٍة ‪َ -‬‬ ‫وذل ُمتواصلٍ ‪ ،‬نستطي ُع أ ْن َ‬ ‫ٍّ‬ ‫ذلك اإلنسا َن املسكني‪ ،‬ملاذا تُؤمن بالله؟‬ ‫نسأل ‪ -‬ب ِّ‬ ‫بسام البغدادي‬

‫‪A.A.M‬‬

‫‪24‬‬


25


‫اسامعيل محمد محمد اسامعيل‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫اسامعيل محمد محمد اسامعيل ‪ُ ،‬ولد يف مدينة االسكندرية‬ ‫انتقل بعدها للعيش‬ ‫وبقي فيها حتى عمر ‪ 6‬سنوات ‪َ ،‬‬ ‫عام ‪َ 1983‬‬ ‫وأكمل دراسته االبتدائية واالعدادية‬ ‫َ‬ ‫يف مدينة عامن يف األردن ‪،‬‬ ‫وحصل عىل التوجيه ّية بالفرع العلمي‪ .‬كان مول ًعا‬ ‫َ‬ ‫والثانوية هناك‪،‬‬ ‫بالعلوم عامة‪ ،‬وعشق الكهرباء ‪ ،‬والجيولوجيا لحد كبري‪ ،‬باإلضافة إىل ولعه‬ ‫بالقراءة ‪ ،‬واشرتاكه مبكتبة أمانة العاصمة يف عامن‪ .‬عاد إىل مرص عام ‪2001‬‬ ‫‪ ،‬للدراسة الجامعية‪ ،‬التحق بكلية الصيدلة جامعةاالسكندرية ثم تركها و انتقل‬ ‫لكلية الرتبية بنفس الجامعة عام ‪ ،2009‬والتي سينهي دراسته فيها قري ًبا‪ ،‬يقول‬ ‫اسامعيل‪" :‬يف نهاية عام ‪ 2011‬كنت عىل موعد مع ميالد جديد‪ ،‬وبداية مرحلة جديدة‬ ‫متاماً يف حيايت عندما اكتشفت وعن قناعة راسخة وباالستعانة بالكثري من العلوم ووجهات‬ ‫النظر التاريخية والفلسفية زيف األديان وعىل رأسها األديان االبراهيمية ‪ ،‬تخليت منذ هذا‬ ‫العام عن الدفاع عن اإلسالم وأي دين آخر‪ ،‬وتح ّولت من وضع الدفاع عن األديان لوضع الهجوم‬ ‫عليها وبكل قويت"‪.‬‬ ‫ذاع صيته خالل صفحته عىل موقع التواصل االجتامعي فيسبوك‪ ،‬و من خالل برنامجه عىل اليوتيوب"البط‬ ‫األسود"‪ ،‬وكان أول ملحد مرصي يظهر عىل اإلعالم للتحدث عن ملحدي مرص يف برنامج"‪ 90‬دقيقة"عىل‬ ‫قناة املحور ‪.‬‬ ‫‪http://www.youtube.com/user/fiberoty?feature=watch‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/theblackducks‬‬ ‫‪https://twitter.com/eskandarany‬‬ ‫برنامج حواري عىل اليوتيوب تدعم بعض حلقاته رشكة‬ ‫‪ ، Google‬يهدف بالدرجة األوىل إىل إجراء الحوار مع‬ ‫امللحديني والالدينيني املرصيني ‪ ،‬واملتحدثني منهم للغة‬ ‫العربية من ُمجتمعاتنا يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا ‪،‬‬ ‫فكرة وتنفيذ اسامعيل محمد‬ ‫‪26‬‬


‫اسامعيل محمد محمد اسامعيل‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫نشكر لك وجودك معنا يف هذا الحوار ونرحب بك يف مجلة امللحدين العرب‬ ‫‪ -1‬العائلة هي األرض الخصبة التي تثمر يف األبناء ‪ ،‬فهل كان لعائلتك األثر يف شخصيتك وفكرك وهل كانت‬ ‫متدينة ؟‬ ‫أنا من يشكركم‪ ،‬وأنا األكرث سعادة بوجودي معكم وباهتاممكم يب ‪ ..‬شكرا جزيال‪.‬‬ ‫بالتأكيد‪ ،‬والدي رجل غري عادي‪ ،‬والدي كان وال يزال رجل يعشق املعرفة بشكل عام‪ ،‬وزرع يفّ منذ الصغر‬ ‫حب املعرفة والعلوم‪ ،‬وكانت العلوم كفيلة بإبعادي عن الفكر األصويل والجامد‪ ،‬أدين بالكثري أليب‪ ،‬وأرسيت‬ ‫عامة أرسة مسلمة عادية كآالف األرس املسلمة التي ال تدري عن اإلسالم اليشء الكثري‪ ،‬وهي أرسة غري‬ ‫متشددة دينياً يف كل األحوال‪.‬‬ ‫‪ - 2‬إذن كان لتقدير عائلتك للمعرفة أثر واضح يف تشكيل فكرك ‪ ،‬ما هي القراءات األوىل املبكرة التي‬ ‫دفعتك لالهتامم باملوضوع الديني وأخ ًريا إىل اإللحاد ؟‬ ‫لألسف كنت بعيد عن أي قراءات دينية متعمقة طوال نشأيت‪ ،‬ورمبا هذا من األسباب التي عطّلت خروجي‬ ‫من الدين طوال حيايت‪ ،‬بداية احتكايك مع الكتابات املتعلقة باألديان كانت يف نهاية عام ‪ ،2006‬من خالل‬ ‫بعض املدونات العربية‪ ،‬أولها أو أول ما لفت نظري كانت كتابات املد ّون السكندري كريم عامر‪ ،‬وإن كنت‬ ‫أرفضها‪ ،‬ولكن هالني رد الفعل العام عىل آرائه وهذا ما دفعني لالقرتاب أكرث من عامل الالدينيني‪ ،‬ولكن‬ ‫رسعان ما تركت كل يشء‪ ،‬ومل أهتم‪ ،‬ولكن تكرر املوقف مرة أخرى مع مد ّون آخر هو ألبري صابر‪ ،‬مع‬ ‫ألبري هالني أيضا رد فعل املجتمع عىل آرائه‪ ،‬وهذه املرة بدأت عملية بحث دون توقف‪ ،‬وكان القشة التي‬ ‫قصمت ظهر البعري هي معرفتي بعامل البيولوجي االنجليزي ريتشارد دوكينز‪ ،‬وثائقيات ريتشارد دوكينز‬ ‫جعلتني أترك كل ما يف يدي وأتفرغ للقراءة عن األديان وحواديت الخلق املوجودة يف األديان‪ ،‬واستمر‬ ‫األمر لشهر مستمر ساعات وساعات أمام الكمبيوتر واالنرتنت أنكرت يف نهايته األديان كلها‪ ،‬وشعرت‬ ‫بحزن شديد عىل العمر الذي ضاع يف خرافات األديان والذنب والشعور بالتقصري أمام واجبات األديان‪،‬‬ ‫ومعرفتي بعبدالله القصيمي وكتبه كان لها األثر البالغ بعد ذلك لإللحاد وكراهية فكرة العبودية واإلله‬ ‫‪27‬‬


‫اسامعيل محمد محمد اسامعيل‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫‪ -3‬ال يخفى عىل الجميع اآلن‪ ،‬أن شهرتك الواسعة أخذت يف االنتشار بعد ظهورك عىل شاشة فضائية‬ ‫تلفزيون املحور ‪ ،‬وهنا يجدر بنا اإلشارة إىل أن السيد اسامعيل‪ ،‬كان له من الشهرة الواسعة بني أوساط‬ ‫املثقفني العرب من خالل برنامجه املشهور عىل اليوتيوب والذي يحمل عنوان البط األسود‪ ،‬وسنعود‬ ‫للحديث عن الربنامج بالتفصيل‪ ،‬ولكن اآلن‪ ،‬هال حدّ ثتنا عن كيف بدأت فكرة الظهور عىل التلفاز وكيف‬ ‫تم التواصل معك وتنظيم اللقاء؟‬ ‫بدأت فكرة الظهور عىل قناة إعالمية بدعوة من أحد ُم ِعـدّ ي الربامج‪ ،‬بعد الظهور أو الشهرة االبتدائية‬ ‫لربنامج البط األسود‪ ،‬خاصة وأننا ( أنا ومجموعة من األصدقاء ) كنا قد أجرينا أكرث من حوار صحفي مع‬ ‫جرائد محل ّية وطنية يف مرص منهم ( ميالد سليامن ‪ ،‬وأمين رمزي ‪ ،‬ياسمني يوسف ‪ ،‬علياء املهدي ‪ ،‬أحمد‬ ‫حسني حرقان ‪ ،‬البري صابر ‪ ،‬عمر حسني ‪ ) ،‬كل هذا الحراك بدأ يستفز اإلعالم املرصي العجوز‪ ،‬فحاولوا‬ ‫االتصال يب ‪ ..‬وأنا مل أتردد للحظة واحدة‪ ،‬كنت سعيد جدا ألين سأخرب جموع املتابعني العرب بأين ملحد‬ ‫وبأننا كملحدين موجودين ولنا حقوق املواطنة العادية مثلنا مثل أي مواطن آخر ‪.‬‬ ‫‪ - 4‬من تابع اللقاء‪ ،‬شهد توت ًرا كب ًريا يف األجواء‪ ،‬ولكن الغريب يف األمر – وهذا ما ملسه الكثري من‬ ‫املشاهدين ــ أنه بدى لنا‪ ،‬أن الحوار الذي تم تبادله معك‪ ،‬مل يكن هو الحوار الذي أردت أنت أن تناقشه‪،‬‬ ‫فهل تم االتفاق عىل يشء‪ ،‬ومن ثم تم تقديم يشء آخر؟ وإذا كانت اإلجابه نعم‪ ،‬أرجو منك التوضيح‬ ‫للسادة القراء ما هو املوضوع الذي تم االتفاق عليه؟ و ملاذا رضيت باالستمرار يف الحوار؟‬ ‫نعم كل يشء اختلف ‪ ،‬مل أتفق نهائيا عىل إجراء أي مناظرات‪ ،‬مل يكن ظهوري عىل اإلعالم بصدد إجراء‬ ‫مناظرات أو مناقشات بل كان هدفه األسايس التحدث عن حقوق املواطنة وحقوق املواطن املرصي كأي‬ ‫مواطن مرصي آخر‪ ،‬وبصفتي ملحد كنت سأتحدث عن أننا جميعا مرصيني يف النهاية ونعيش يف دولة‬ ‫قانون حديثة ال تفرق وال مت ّيز بني مواطن وآخر حسب اعتقاده أو ما يؤمن به‪ ،‬ولكن تغيرّ كل يشء يف‬ ‫آخر لحظة عند وصويل ‪ ،‬اكتشفت أن هناك رجل دين مسلم‪ ،‬وسألتهم ملاذا ال يكون هناك رجل دين آخر‬ ‫مسيحي ( من باب سخريتي من وجود رجل الدين اإلسالمي ) ‪ ،‬ورفضت مرارا وتكرار الظهور معه أو‬ ‫‪28‬‬


‫اسامعيل محمد محمد اسامعيل‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫الحديث معه‪ ،‬ولكنهم أخربوين بأنه سيتحدث ملدة قصرية جدا وبعدها أسهب أنا كام يحلو يل يف حقوقنا‬ ‫كمواطنني مرصيني‪ ،‬ولكن هذا مل يحدث‪ ،‬وطلبي كان أن أي أسئلة أو مناقشات ستجرى لن أجيب عليها‬ ‫بل سيجيب عليها أحد األصدقاء امللحدين الحاصل عىل بكالوريوس يف الرشيعة اإلسالمية ألنه سيكون عىل‬ ‫دراية أكرب مني بكل تفاصيل ومفاهيم الدين‬ ‫ولكن كنت متحمس جدا للظهور بصفتي ملحد ‪ ..‬مواطن مرصي ملحد‪ ،‬أنا أحب أن أشجع كل امللحدين‬ ‫عىل الظهور‪ ،‬وكنت أحاول أن أرسل لهم رسالة من خالل الربنامج ليظهروا ويتشجعوا‪.‬‬ ‫‪ - 5‬هل تعتقد أن ما حدث يف ذلك الحوار وبالطريقة التي تم التعامل معك فيها‪ ،‬كان أمرا إيجابيا ؟‬ ‫نعم‪ ،‬لقد كانوا أغبياء جدا‪ ،‬مل تلتزم املذيعة بأي مهنية تذكر‪ ،‬باإلضافة إىل جهل رجل الدين‪ ،‬كل هذا كان‬ ‫يف صالحي‪ ،‬ميكن ألول مرة يتعاطف جمهور كبري من العرب ملواطن أو إنسان ملحد‪ ،‬التعاطف هذا وحده‬ ‫كفيل بأن يسعدين ويشعرين بأنني فعلت يشء إيجايب ‪ ..‬وعىل أي حال هذه مجرد بداية أو خطوة أوىل‬ ‫لظهورنا ‪ ..‬والجيات كترية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬قلت أن املوضوع الذي أردت أن تناقشه هو حقوق املواطنة ووفقـًا ملا ملسه املشاهد من هجوم موجه‬ ‫ضدك فال أعتقد أنك استطعت تقديم وجهة نظرك بالشكل الذي قمت باإلعداد له؟ ولكن – ومن وجهة‬ ‫نظرك ‪ -‬هل تعتقد أن رسالتك قد وصلت للمشاهدين؟‬ ‫نسبة كبرية من املشاهدين توصلت ملا أريده‪ ،‬ونسبة أخرى تعاطفت كثريا مع حقوق أي إنسان يف مرص‬ ‫طاملا كان مواطن مرصي‪ ،‬لقد دافعت عن األقباط املرصيني أكرث من دفاع الكنيسة عنهم‪ ،‬كسبت تقريبا‬ ‫كل أقباط مرص‪ ،‬ألين دافعت عن حقوقهم يف مواطنة كاملة أمام املسلمني‪ ،‬اإلنسان املرصي والعريب الذي‬ ‫تابع الحلقة سيتفكر أعتقد يف مفهوم املواطنة‪ ،‬وسيعرف أن اإلنسان يف الدولة الحديثة هو مواطن ‪..‬‬ ‫لقد حققت الحلقة يشء ما إيجايب أشعر به من خالل مقابلتي بالناس يف الشارع‪ ،‬الناس يسل ّمون عيل يف‬ ‫‪29‬‬


‫اسامعيل محمد محمد اسامعيل‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫الشارع وأنا ملحد‪ ،‬هل حدث هذا من قبل يف بالدنا ؟ ‪ ..‬هذه خطوة جديدة يف قبول االختالف وقبول‬ ‫امللحدين ألول مرة يف مجتمعاتنا األصولية ‪ ..‬أنا متفائل‪.‬‬ ‫‪ - 7‬لو سنحت لك الفرصة ملقابلة أخرى هل تفكر يف إعادة املحاولة ‪ ،‬وما هي القنوات التي تعتقد أنها‬ ‫ستكون أفضل لهذه املهمة ؟‬ ‫نعم سأفكر ‪ ،‬ولكن هذه املرة سأرتب كل يشء‪ ،‬حسب ما أريد‪ ،‬أصبح لدي خربة يف التعامل مع اإلعالم‬ ‫وخاصة اإلعالم املرصي العجوز‪ ،‬وعىل حسب املهمة سأرى‪ ،‬أنا أعرف جيدا ما هو األنسب لجمهور‬ ‫املشاهدين مبا يخدم قضيتنا‪ ،‬لذلك ميكن أن أدفع بصديق ملحد آخر ‪ ..‬عىل حسب الحلقة وطبيعة الظهور‬ ‫والكالم الذي سيقال‪ ،‬برنامج البط األسود ساعدين كثريا يف فهم ما الذي يقدم وكيف يقدم ليخدم قضيتي‬ ‫‪ ..‬قبول امللحدين والالدينيني ورفع الظلم املجتمعي عنهم‪.‬‬ ‫س‪ :8‬ذكرنا أن شهرة السيد اسامعيل كانت من خالل برنامج يقدمه عىل اليوتيوب ( برنامج البط األسود)‪،‬‬ ‫نود أن نعلم من أين أتت الفكرة ومتى بدأت؟ وماذا تقدم من خالل الربنامج؟ وما هي أهداف الربنامج؟‬ ‫مبعنى أوسع‪ ،‬حدّ ثنا عن الربنامج‪.‬‬ ‫جائت الفكرة من أسباب كثرية‪ ،‬أولها منعنا من الظهور اإلعالمي متاماً‪ ،‬ظهورنا عادة ما يكون من أجل‬ ‫تشويهنا بشكل سخيف إعالميا‪ ،‬كل امللحدين يحملون أفكار جدا رائعة وهم بحاجة إىل االستامع لبعضهم‬ ‫البعض‪ ،‬أجيال ورا أجيال يف مجتمعنا عاشت الخوف من التعبري عن معتقدها وعن ما تؤمن به‪ ،‬كل هذا‬ ‫دفعني دفعا من أجل القيام بهذه الخطوة ‪ ..‬تقديم برنامج أدعو فيه أي الديني أو ملحد للظهور والتحدث‬ ‫بحرية‪ ،‬أنا أحاول تحقيق عدة أشياء‪ ،‬توصيل أصوات مخنوقة للعامل‪ ،‬تشجيع أصوات خائفة لتتحدث‬ ‫بحرية من دون خوف‪ ،‬وآخرها أفكر يف أن أكون أول مذيع معروف ملحد ‪.‬‬ ‫‪30‬‬


‫اسامعيل محمد محمد اسامعيل‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫س‪ :9‬كم حلقة قدمت لغاية االن‪ ،‬وهل ملست تحقيقا ألي من األهداف التي تطرحها يف برنامجك؟‬ ‫قدمت لغاية اآلن حوايل ‪ 20‬حلقة ‪ ،‬ومن األهداف التي أملسها هو الشجاعة التي تهب عىل الكثري للحديث‬ ‫معي والظهور بأسامئهم وصورهم ‪ ،‬يكفي أين تعرفت عىل حبيبتي امللحدة الشجاعة من خالل هذا‬ ‫الربنامج‪ ،‬وهذا الحوار الذي أجريه معكم اآلن ‪ ،‬وحوارات أخرى صحفية أجريتها مع قنوات وصحف عربية‬ ‫وعاملية منها إذاعة صوت أمريكا‪.‬‬ ‫س‪ :10‬كام أخربتنا فإن برنامج (البط األسود) هو استضافة وحوار مع ملحدين وال دينيني ‪ ،‬تُرى كيف‬ ‫تختار هؤالء األشخاص؟ هل هناك رشوط معينة مثال؟‬ ‫هذه من أرسار مهنة اإلذاعي املحرتف ‪ ..‬هههه ‪ ..‬أغلبهم أتابعه عىل الفيسبوك ‪ ،‬ومنهم من أعرفه بشكل‬ ‫شخيص ‪..‬‬ ‫س‪ :11‬علياء املهدي كانت أحد هؤالء الضيوف يف برنامجك‪ ،‬حدّ ثنا عن مقابلتك معها‪ ،‬أمل َ‬ ‫تخش من ردة‬ ‫فعل بسبب مواقفها وآرائها؟ هل زادت نسبة املشاهدين أم قلّت؟ كيف كانت ردود فعل املشاهدين؟‬ ‫علياء أعتربها مثل أعىل يل‪ ،‬بعكس الكثري رمبا من أصدقايئ الذي يرى أنها تيسء رمبا لقضية حقوقنا‬ ‫ومطالبنا‪ ،‬علياء رمز يغرق يف البساطة والعفوية للتعبري عن حقوق االنسان الغائبة عن مجتمعنا‪ ،‬علياء‬ ‫مبثابة أخت صغرية يل ألهمتني مبجرد صورة ووجه طفويل بريء ‪ ،‬علياء عندما تعرفت عليها أكرث عرفت إىل‬ ‫أي مدى هي انسانة بريئة وعفوية وبسيطة‪ ،‬ورمبا هذا ما يجعلها بالنسبة يل رمز كبري ‪ ..‬علياء بجوارها انا‬ ‫أشعر بالقوة ‪ ..‬ونعم زادت نسبة املشاهدات للربنامج ‪ ،‬وحلقتها هي الحلقة صاحبة أكرب نسبة مشاهدة‬ ‫وتعليقات حتى اآلن ‪ ..‬الكثري معرتض عىل علياء ‪ ..‬وأنا أعرف جيدا ملاذا ‪ ..‬علياء للتمرد عىل هذا املجتمع‬ ‫الذكوري املتسلط عىل املرأة ‪ ،‬وهي مبنتهى العفوية والبساطة كام أسلفت تعرتض عل كل ما يف هذا‬ ‫املجتمع من تسلط وعنف وخبل جنيس مبجرد صورة‪.‬‬ ‫‪31‬‬


‫اسامعيل محمد محمد اسامعيل‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫س‪ :12‬من الضيف الذي تتمنى أن يحرض لربنامجك ومل تسنح لك الفرصة بعد للتواصل معه؟‬ ‫مرصي ملحد عىل رأسهم ‪ ،‬وفريق إعداد مجلة امللحدين العرب‪ ،‬ومايكل نبيل وكريم عامر وقاسم الغزايل ‪.‬‬ ‫س‪ :13‬حسنا‪ ،‬قلنا أنك قدمت برنامج البط األسود‪ ،‬وشاركت مبقابلة تلفزيونية يف سبيل نرش ثقافة الفكر‬ ‫التنويري – حرية الفكر واالعتقاد‪ -‬ولك صفحتك الخاصة عىل الفيس بوك‪ ،‬سؤايل اآلن‪ ،‬هل لديك أي نشاط‬ ‫آخر غفلنا عن ذكره؟ إذا كانت اإلجابه نعم‪ ،‬حدّ ثنا عن تلك األنشطة‪.‬‬ ‫أحاول املشاركة يف إذاعة امللحدين العرب األسبوعية تقريبا ‪ ..‬مع الصديق الرائع بسام البغدادي وألبري‬ ‫صابر وعيل رؤوف وتغريد ‪ ،‬ولكن الوقت ال يسعفني ألكون موجود ‪..‬‬ ‫القسم الثالث‬ ‫س‪ :14‬املجتمع العريب والرشق أوسطي بشكل عام يعاين من أزمة حرية تعبري وقد تكون مرتبطة بالثقافة‪،‬‬ ‫هل ميكن لهذا الواقع برأيك أن يتغري وكيف ؟‬ ‫نعم ميكن أن يتغري ‪ ،‬بتشجيع الجميع عىل التحدث‪ ،‬أنا أحاول من خالل برنامج البط األسود ان أدفع‬ ‫الجميع للتحدث بحرية ‪ ،‬األحاديث الكثرية ستغري من واقعنا األصويل‬ ‫س‪ :15‬مارأيك بحال امللحدين يف الوطن العريب حاليا ؟ من حيث تقبل املجتمع لهم‪ ،‬وما هي وجهة نظرك‬ ‫الخاصة حول هذا الوضع؟‬ ‫‪32‬‬


‫اسامعيل محمد محمد اسامعيل‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫نحن يف أفضل حال‪ ،‬أمتنى أن يتوقف الكثري عن النقد الالذع الذي نوجهه ألنفسنا كملحدين‪ ،‬وعمليات‬ ‫جلد الذات‪ ،‬نحن يف النهاية أفراد ‪ ،‬ونتعرض تقريبا لنفس الكبت الذي يتعرض له باقي أفراد املجتمع ‪،‬‬ ‫يجب أن نلتمس األعذار لبعضنا البعض‪ ،‬وطبعا املجتمع ال يزال غري متقبل لفكرة وجودنا‬ ‫والبد أن نستمر من خالل السوشيال ميديا‪.‬‬ ‫س‪ :16‬من خالل البحث الذي قمنا به قبل إجراء هذه املقابلة‪ ،‬علمنا أنك أحد أعضاء حركة علامنيون‪ ،‬إن‬ ‫كان هذا صحيحا‪ ،‬حدّ ثنا عن هذه الحركه‪ ،‬متى بدأت؟ ما هي أهدافها؟ توسعاتها‪ ،‬أعضائها‪ ،‬وما إىل ذلك‪.‬‬ ‫كنت يف السابق عضو بالحركة ولكن اآلن مل أعد عضوا بها‪ ،‬من قبل حتى حلقتي التليفزيونية عىل قناة‬ ‫املحور‪ ،‬وال أعرف اآلن تحديدا حقيقة توجهاتها أو أهدافها‪.‬‬ ‫علام بأن الكثري من األعضاء املوجودين بها وخاصة بأمانتها باالسكندرية كنت أنا السبب يف تعرفهم عليها‬ ‫وانضاممهم لها‪.‬‬ ‫س‪ :17‬حدّ ثنا عن الزواج املدين وأين وصلتم يف املُطالبة به؟‬ ‫الزواج املدين أعتقد بانه الحلم الذي ال يزال يداعبنا كأفراد مجتمع ال نؤمن بأي أديان ساموية أو أرضية‪،‬‬ ‫حاولنا التواصل مع لجنة الخمسني ولكنهم رفضوا تقريبا التحدث معنا‪ ،‬ولكننا مل نيأس ‪ ،‬وسنحاول مجددا‬

‫‪33‬‬


‫اسامعيل محمد محمد اسامعيل‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫س‪ :18‬ما رأيك بوضع املرأة العربية عىل وجه التحديد؟ مالّذي يتطلب املرأة فعله يك تنهض بحقوقها أكرث؟‬ ‫ومن خالل تواصلك مع الشباب و الشابات من امللحدين ‪ ،‬ماهي أهم الصعوبات التي تواجه املرأة امللحدة‬ ‫يف مجتمعاتنا؟‬ ‫يف بداية حيايت كملحد هالني أمر املرأة العربية وحالها يف مجتمعنا‪ ،‬ولكني رسعان ما تبينت أن الظلم‬ ‫الواقع عليها هو مرآة لظلم واقع عىل الرجل رمبا دون أن يشعر بذلك ‪ ،‬األفراد من الجنسني مظلومني جدا‬ ‫وإن كان ظاهرا الظلم الواقع عىل املرأة ‪ ..‬رمبا علياء تختلف معي يف هذ النقطة ‪ ..‬ولكن أنا أرى أن رفع‬ ‫الظلم يحتاج إىل املرأة‪ ،‬وعي املرأة باملجتمع وبالحقوق سيساعد كثريا عىل رفع الظلم من عىل الجنسني‬ ‫إجتامع ّيا‪.‬‬ ‫الصعوبات التي تواجه املراة امللحدة‪:‬‬ ‫بتتوصم اجتامعيا الن املجتمع بيتعامل معاها عىل أنها كائن جنيس فقط و تركت األديان والعبادة إلشباع‬ ‫شهواتها‬ ‫س‪ :19‬هلاّ وصفت لنا مرص الجديدة التي تحلم بها يف املستقبل‪ ،‬وهل رؤيتك هذه ميكن أن تنطبق عىل‬ ‫باقي البالد العربية؟‬ ‫صعب جدا ‪ ،‬مرص التي أحلم بها‪ ،‬ال تزال بعيدة عني لدرجة ال ميكنني رمبا وصفها‪ ،‬نريد تعليم ج ّيد يف‬ ‫املدن والجامعات قبل حتى أن نفكر يف تعليم ج ّيد للقرى والنجوع والربوع ‪ ..‬أعتقد أن أحوال بعض‬ ‫البالد العربية أفضل من مرص اآلن وطريقهم أرسع إن وجدت إرادة حقيقية للتغيري نحو األفضل‪ ،‬مستوى‬ ‫التعليم ونسبة التعليم يف بعض البالد العربية أفضل بكثري من مرص‪ ،‬ولكن ميكن أن نحقق الكثري يف مرص‬ ‫إن وجدت إرادة‪ ،‬وإن تم صناعة نخب جديدة شابة تعمل عىل الواقع وال تتخيل أو تسرتجع خياالت او‬ ‫تاريخ بائد‬

‫‪34‬‬


‫اسامعيل محمد محمد اسامعيل‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫س‪ :20‬ما هي مخططاتك املستقبلية وهل تنوي االنخراط يف العمل السيايس ؟‬ ‫عىل رأس مخططايت السفر خارج مرص‪ ،‬للعيش يف مجتمع صحي أكرث‪ ،‬ومن ثم الدراسة‪ ،‬ال أرغب نهائية يف‬ ‫مامرسة أي عمل سيايس‪ ،‬ما أحلم به هو وقت وراحة نفسية وبدنية من أجل القراءة واإلطالع والدراسة‬ ‫س‪ :21‬هل هناك يشء آخر كنت تود الحديث عنه‪ ،‬وإن كان فام هو؟‬ ‫كنت أفكر مليا يف لقاء مع فريق إعداد مجلة امللحدين العرب يف برنامج البط األسود للحديث عن هذه‬ ‫التجربة بالكامل ‪ ،‬تجربتكم تجربة مميزة جدا بالنسبة يل ‪ ،‬وأرى أنها تحتاج للتوثيق ‪ ،‬ويحتاج الكثري من‬ ‫الشباب معرفتها عن قرب ‪.‬‬ ‫كام أمتنى ان نبدأ طرح مواضيع تحت عنوان ماذا بعد اإللحاد ‪ ،‬ومن األفكار التي أعجبتني كثريا مرشوع‬ ‫اإلنسان الكوين وفريق اإلعداد له أمتنى أن تستضيفوهم باملجلة ليتحدثوا عن تجربتهم بالكامل ‪ ..‬نحن يف‬ ‫أمس الحاجة ملعرفة حياتنا القادمة يف مجتمعنا بعد مغادرة الخرافات التي ابتلينا بها لفرتة طويلة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫س‪ :22‬قبل نهاية حديثنا املشوق معك‪ ،‬كث ًريا ما نرى بعض األشخاص من امللحدين يقومون مبهاجمة‬ ‫األديان عرب صفحات االنرتنت من خالل فيس بوك مثال‪ ،‬وهناك نوع آخر ممن يقومون بنرش آراء شخصية‬ ‫تطالب بحقوق امللحدين يف املجتمعات إال أنهم غالبا ما يكونون عدائيني يف مواقفهم‪ ،‬ماذا تقول لهؤالء؟‬ ‫أنا متفهم جدا لهؤالء وملواقفهم العدائية الشديدة للدين ‪ ،‬اإلنسان بطبعه سيتحول ملهاجم عندما يتعرض‬ ‫هو للهجوم‪ ،‬هذا الهجوم من قبل األصدقاء امللحدين عىل األديان سببه هو حرمانهم من كل حقوقهم يف‬ ‫التعبري بحرية وبدون خوف‪ ،‬أنا أقول للجميع عليكم االستامع لهم‪ ،‬عليكم تلبية رغباتهم امللحة يف التعبري‬ ‫عن آرائهم وأفكارهم ‪ ..‬كبت ومنع وحجب الرأي والصوت وهضم الحقوق سيجعل األجواء مالمئة جدا‬ ‫للمشاحانات ‪ ..‬ومن هنا أنا أدعو كل من يريد التعبري عن أفكاره إىل التواصل معي ليظهر معي يف برنامج‬ ‫‪35‬‬


‫اسامعيل محمد محمد اسامعيل‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫البط األسود ‪ ..‬سيتحدث كام يحلو له ‪ ..‬وسيعرب ويأخذ فرصة جميلة لطرح أفكاره دون كبت أو قمع أو‬ ‫شجب أو تعديل ‪.‬‬ ‫أخ ًريا‪ ،‬ما هي الرسالة التي تحب توجيهها للقراء مؤمنني وملحدين عىل حد سواء عرب مجلة امللحدين‬ ‫العرب ؟‬ ‫العلامنية هي الحل ‪ ،‬التفكري فيام هو نسبي مبا هو نسبي أمر رائع وهو بذرة الحضارة والتقدم‪ ،‬الحوار‬ ‫دون خوف ومنع هو الحل ‪ ..‬ويف العلوم ما يغنينا وما يرضينا‪.‬‬

‫قام باملقابلة ‪..................‬‬

‫الغراب الحكيم ‪......................‬‬

‫‪.........................Gaia Atheo‬‬

‫‪36‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪37‬‬


‫السهام‬ ‫النارية عىل‬ ‫األحاديث‬ ‫القدسية‬ ‫‪Hunger mind‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪38‬‬


‫السهام النارية عىل‬ ‫األحاديث القدسية‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫" توطئة"‬ ‫ملاذا األحاديث القدسية ؟‬ ‫ألين قررت أن أتعامل مع جذر املشكلة ومكمن الداء‪ ،‬قررت أن أتعامل مع املرض وليس مع العرض‪ ،‬ق ّدمت مسبق ًـا‬ ‫ٍ‬ ‫مقاالت تحت عنوان " الرد املُلجم عىل صحيح ُمسلم" يف شكل ِ‬ ‫خمس مقاالت‪ ،‬نٌرشت يف أعداد بيتي الثاين "‬ ‫سلسة‬ ‫مجلة امللحدين العرب" ‪ -‬التي تحتفل يف هذا العدد بعيدها السنوي األول‪ ،‬متمنياً لها مزيدا ً من التقدم ومزيدا ً من‬ ‫االنتشار من أجل فك ٍر تنويري يبدد غياهب الحامقة ‪ -‬تعرضت فيها ألحدايث ُمثبت ٍة وصحيح ٍة من أرجح وأصح الكتب‬ ‫لدى أتباع محمد بن عبدالله‪ ،‬مفندا ً فيها الكثري من االدعاءات واالفرتاءات التي طاملا تش ّدق بها أتباعه‪ ،‬من تكريم‬ ‫للمرأة‪ ،‬مكارم األخالق‪ ،‬هل محمد نبي أم رئيس عصابة‪ ،‬وغريها‪ ،‬وكنت قد قررت البدء يف سلسلة جديدة تدور عىل‬ ‫نفس املعنى أو املقصد‪ ،‬ولكن تتعامل مع صحيح آخر وهو صحيح البخاري تحت عنوان " نزح املجاري يف كشف عوار‬ ‫البخاري" أو ُمستعريا ً لفظ موالنا مرصي ملحد " فتح الباري يف رشح صحيح أم زخاري " ولكني اكتشفت أنني أتعامل‬ ‫مع الصورة‪ ،‬فقررت أن أصب تركيزي عىل األصل وهو " األحاديث القدسية"‬ ‫ألنها أكرث قرباً‪ ،‬وأعمق تعلقا مع الله‪ ،‬أو الذات اإللهية كام ي ّدعي أصحاب الديانات االبراهيمية وعىل رأسها دين‬ ‫الهمجية األول " اإلسالم"‬

‫مبدئياً‪ :‬تعريف الحديث القديس ‪ ( :‬من موقع إسالم ويب‪ -‬مركز الفتوى )‬ ‫فالحديث القديس هو‪ :‬ما كان لفظه من النبي صىل الله عليه وسلم‪ ،‬ومعناه من الله تعاىل‪ ،‬أو هو ما أخرب الله نبيه‬ ‫باإللهام أو املنام‪ ،‬فأخرب رسول الله صىل الله عليه وسلم عن ذلك املعنى بعبارة من نفسه‪.‬‬ ‫وتعريف الحديث النبوي‪ :‬هو ما أضيف إىل النبي صىل الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير ونحوها من أوصاف‬ ‫َخلقية أو ُخلقية أو ه ِّم‪.‬‬ ‫والله أعلم‪.‬‬ ‫رابط التعريف أعاله من أجل التدقيق والتوثيق ‪:‬‬ ‫‪18457=http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id‬‬ ‫املصدر الذي أرجع إليه يف كتابة مقااليت ‪ :‬كتاب من الحجم املتوسط باسم " األحاديث القدسية من إصدار املكتبة‬ ‫القيمة ويشمل األحاديث القدسية املوجودة يف أصح كتب الحديث ( املتعارف عليها باسم الكتب الست ) مع رشح‬ ‫موجز لكل حديث "‬ ‫‪39‬‬


‫السهام النارية عىل‬ ‫األحاديث القدسية‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫ونبدأ يف صلب مقالنا ‪.‬‬ ‫ومن خالل التعريف نقف عند أول إشكالية أو باألصح أول اتّهام يوجه إىل هذا الـ الله‬ ‫" اللفظ من الرسول واملعنى من الله تعاىل"‪.‬‬ ‫ملاذا مل يتص ّدر لإلثنني ( رواية الحديث القديس) كيان واحد الرسول أو الله نفسه ؟؟‬ ‫ملاذا الله وهو الغني عن العاملني‪ ،‬املعجز عىل أن تُدركه العيون‪ ،‬وتُحيط به األفهام‪ ،‬يُوكل غريه للتواصل مع خلقه‪،‬‬ ‫الذين قال عنهم ُمتشدقاً يف كتابه املعصوم عىل زعمهم " { َونَ ْح ُن أَقْ َر ُب إِلَ ْي ِه ِم ْن َح ْبلِ الْ َور ِ‬ ‫ِيد } [ سورة ق اآلية ‪] 16 :‬‬ ‫أال يُعد هذا تناقضاً بني صحيح السنة املرشفة وصحيح القرآن‪ ،‬اللذان من املفرتض أنهام من نفس النبع املسموم أال‬ ‫وهو " الله " !ّ‬ ‫كيف تكون أقرب إيل من عروقي وتوكل غريك ل ُيبلغني عنك ؟؟‬ ‫ملاذا يُظهر النص محمد يف صورة الرشيك املتضامن مع الله ‪ ،‬وكأن الرسالة املُحمدية أقرب إىل الصفقة التجارية منها‬ ‫إىل الهداية البرشية !!‬ ‫وبالتايل يقودنا التساؤل إىل اآليت ‪:‬‬ ‫‪ :1‬أكان محمد يتأول عىل الله ويدعي عليه ما ليس فيه وتجنباً للشبهة‪ ،‬أو إحباكاً للخطة الشيطانية ألصق به هذا‬ ‫التضامن؟‬ ‫‪ : 2‬أم أن الله يشك يف رسوله وال يأمنه عىل نقل ما يُريد إيصاله للبرش ؟ وهذا ينقلنا إىل أزم ِة ثق ٍة عميق ٍة تتعلق بكال‬ ‫الكيانني ُمحمد ( رسول اإلسالم ) وربه‪.‬‬ ‫ومن هنا يُطل علينا رأس سهم ناري جديد ‪.‬‬

‫‪A.A.M‬‬

‫‪40‬‬


‫السهام النارية عىل‬ ‫األحاديث القدسية‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫إن كان محمد كذلك والذي قيل يف حديث عنه صحيح باإلجامع يقول فيه والحديث يف صحيح البخاري ‪ ،‬وهذا هو‬ ‫الرابط من أجل التوثيق‪:‬‬ ‫‪3617=ID&10=bk_no&1=http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag‬‬ ‫َح َّدث َ َنا أَبُو بَ ْك ٍر ق َ​َال َح َّدث َ َنا ابْ ُن نمُ َيرْ ٍ َع ْن الأْ َ ْوزَا ِع ِّي َع ْن َح َّسا َن بْنِ َع ِط َّي َة َع ْن أَبيِ كَ ْبشَ َة َع ْن َع ْب ِد اللَّ ِه بْنِ َع ْمرٍو ق َ​َال ‪ :‬ق َ​َال‬ ‫َر ُس ُ‬ ‫ول اللَّ ِه َصلىَّ اللَّ ُه َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ‪َ :‬م ْن كَذ َ​َب َعليَ َّ ُمتَ َع ِّم ًدا فَلْ َيتَ َب َّوأْ َم ْق َعدَهُ ِم ْن ال َّنا ِر ‪.‬‬ ‫إن كان هذا هو جزاء من يتق ّول عىل رسول الله من بني البرش‪ ،‬فكيف مبن يتق ّول عىل الله !!! ‪ ,‬وما هو الحادث إن‬ ‫كان هذا املُتق ّول هو الرسول نفسه ؟؟؟‬ ‫فيا هذا الله القابع يف األعايل تراين اآلن وأنا أخط بيدي هذه الشكوك واألسئلة ‪ ،‬بحق أنت يف مأزق حقيقي !!! أتُراك‬ ‫تسمع‪ ،‬أتُراك تأبه‪ ،‬أتُراك حقا موجودا ً‪.‬‬ ‫( هاتفي مفتوح‪ ،‬إميييل موجود‪ ،‬صفحتي عىل الفيس ُمتاحة للجميع‪ ،‬أنتظر ردك ‪) ....‬‬ ‫اإلشكالية الثانية ‪ :‬طريقة اإلخبار نفسها‪ ،‬وكام هو ُمبني من نص التعريف هي " اإللهام أو املنام "‬ ‫تدور عالمة استفاهمي هنا يف التدليل عىل صدق املنام ‪ ،‬أو مدى ُحجيّة وتوثيق ذلك اإللهام !!‬ ‫املشرتك بني اإلثنني ( اإللهام واملنام ) هو انحصارهام فقط مع محمد وليس مع سواه من أبناء جلدته ومن عارصوه‪،‬‬ ‫فال شاهد وال ناقل وال رايئ وال سامع سوى محمد نفسه !!! وهنا ب ُعرفنا املُتبع وقواعدنا الثابتة يف علم الجرح‬ ‫رضب ألسس وقواعد املنطق يف الصميم أو‬ ‫والتعديل هو أنه إذا كان الشخص نفسه هو ال ُح ّجة ومصدرها فنحن أمام ٍ‬ ‫عىل األقل نستطيع الجزم بأن محمد هنا " مجروح الشهادة "‬ ‫وهنا قد يتش ّدق أحد الصالعمة ويقول " األنبياء رؤياهم صادقة‪ ،‬وأن أحد أركان النبوة هو الرؤية الصادقة"‪.‬‬ ‫وما عيل هنا أمام تلك ال ُح ّجة املتاهفتة كعادة الصالعمة سوى االبتسام وأعذر قائلها بجهله‪ ،‬ألنه يف هذه الحالة‬ ‫يص ُدق فيه قول الشاعر " َو َص َف املاء بعد الجهد باملاء " سيدي أريد دليالً عملياً‪ ،‬علمياً من خارج منظومتك‪ ،‬ال ينبثق‬ ‫وال يخرج من نفس ُجعبة نبيك‪ ،‬فاملنطق الدائري يف التدليل هو من أهم وأعظم أدوات هدم الحجج ونسفها ‪(..‬‬ ‫أتُراهم أصالً يعرفون ما هو املنطق الدائري حقا أشك !!!!!)‬ ‫كيف يصدق عاقل رجالً رأى رؤيا‪ ،‬أو سمع هاتفاً‪ ،‬أتاه وحيدا ً يف غا ٍر يف جبلٍ أو يف غرف ٍة معزول ٍة يف بيت‪ ،‬ثم يأيت‬ ‫ىل نبوته وأفضليته عىل سائر البرش واألدهى واألم ّر ‪ ،‬يتخذ منها رشيع ًة ومنهاجاً يُلزم به‬ ‫ُمتخذا ً هذه الرؤيا دليالً ع ّ‬ ‫غريه !!! وتأيت املصيبة الفادحة‪ ،‬بأن غريه هذا أيضاً ُمغي ّـب يقف عاجزا ً وكأنه بال رأس تُفكر أو ٍ‬ ‫حواس ت ُدرك فيؤمن به‬ ‫ويص ّدقه ويضعه يف مصاف البرش‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫السهام النارية عىل‬ ‫األحاديث القدسية‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫حقيقة تلك مأساة بني العرب " أجساد البغال وأحالم العاصفري‪ ،‬هذا إن ُوجدت أصالً أحالم !!!! "‬ ‫تعريف الحديث القديس ‪ :‬من املفرتض فيه الثبات وهنا نسأل إن عرضنا هذا التعريف أمام طبيب نفساين ُمحايد‬ ‫نقل عن طريق اإللهام أو املنام‪ ،‬فكيف سيفرسه !! ‪.‬‬ ‫وأخربناه بأنه ٌ‬ ‫لرب عىل كل يش ٍء قدير وال يُعجزه من‬ ‫لرب‬ ‫مزعوم أن يسوق دليالً ازدواجياً كهذا‪ ،‬كيف ٍ‬ ‫هل تسائل املسلمون كيف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يف األرض وال يف السامء‪ ،‬يستطيع أن يطوي الكون كله يف بيضة ‪ ،‬أن يسوق كالماً يهدف منه لهداية الحيارى من بني‬ ‫البرش‪ ،‬تقف طريقته وأسلوبه خائرين أمام أيدلوجيات علم النفس‪ ،‬متهافت ًة ساقط ًة أمام أسس علم الطبيعة البرشية‪.‬‬ ‫ملاذا يضع الله عباده أمام كل تلك االحتامالت‪ ،‬ملاذا يرتك طريقه هكذا موسوماً بالعوار ُملبدا ً بالغيوم !!!‬ ‫ملاذا ال يُريحهم ويريح نفسه ويتخذ الطريق األسهل واألسلم واألوقع واملتناسب مع عزته وقدرته يف التبليغ عن نفسه‬ ‫بنفسه؟‬

‫‪A.A.M‬‬

‫فمشكلتي مع الله أنه كيان زئبقي ُمتح ّول متشكّل ‪ ،‬يضع نفسه دامئاً يف موطن الشبهات وعقيل ال ُ‬ ‫ينفك أبدا ً عن‬ ‫إساءة الظن به ‪.‬‬ ‫ُدمتم ودام سامعكم‬ ‫‪42‬‬


‫األندرويد الساموي‬

‫د‪.‬نرباس الصميدعي‬ ‫الرصاع اآلن عىل أوجه بني الرشكات املص ّنعة لألجهزة االلكرتونية املحمولة‪ ،‬نار الحرب بينهم مشتعلة والكل يتسابق‬ ‫إلصدار أجهز ٍة تفوق نظرياتها يف املواصفات من قوة املعالج وحجم الذاكرة ودقة الكامريا وتثبيت اإلصدارات األخرية‬ ‫ولعل أشهرها نظام األندرويد‪ ،‬ويُع ّد نظام التشغيل ال ّركيزة األساسية يف عمل أي جها ٍز وهو الربنامج‬ ‫لنظم التشغيل‪ّ ،‬‬ ‫املسيطر كل ًيا عىل أداء املهام املختلفة‪( ،‬غوغل) تسعى جاهد ًة لتطوير تحفتها األندرويد مع تحفظي عىل مساوئه‬ ‫الكثرية‪ ،‬لكنهم ال يكلّون يف التحديث والتطوير وإصدار نس ٍخ مختلف ٍة لتل ّبي حاجة املستخدم املتنامية ومجاراة تطور‬ ‫التكنولوجيا التي بدأت تقفز بشكلٍ‬ ‫تصاعدي يف كل ساع ٍة بشكلٍ مثريٍ وبسباقٍ مستم ٍر نحو التطور‪ ،‬ولهذا تقوم غوغل‬ ‫ٍّ‬ ‫وغريها بإصدار تحديثات النظام بشكلٍ دائم‪ ٍ،‬وبعدها تقوم بإصدار نس ٍخ متطور ٍة أكرث وتستغني عن اإلصدارات القدمية‬ ‫التي مل تعد تل ّبي الغرض املرج ّو منها ‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫األندرويد‬ ‫الساموي‬

‫د‪.‬نبراس الصميدعي‬

‫ينص عىل التطور املستمر وفق ما يفرضه الواقع املتجدد‪ ،‬بعد هذا كلّه يتبادر السؤال الخطري يف‬ ‫إذا‪ ً،‬دستور التكنولوجيا ّ‬ ‫ولعل هذا‬ ‫وتعديل وزياد ٌة يف التوافقية‪ّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫إصالح‬ ‫أذهاننا‪ :‬هل كل يش ٍء يف حياتنا يجب أن يخضع للتجديد؟ التجديد فيه‬ ‫ٌ‬ ‫ما نسعى إليه يف حياتنا‪ ،‬لكن هل من املمكن أن يصل إىل خطوطنا الحمراء؟ الدين و الرشيعة؟‬ ‫وإذا كانت بحاج ٍة إىل تغيريٍ فهل سيكون برشيًا أم سيكون بنفس الطريقة التي ُوجد فيها وأُنزل فيها؟‬ ‫املنطق سيقول نعم‪ ،‬أ ّما ما يؤمن به الجمع األعظم هو "ال" مطلق ٍة غري قابل ٍة للنقاش أوالتفاوض‪ .‬كيف تناقش رشائع‬ ‫رب لديه علم ما كان وما سيكون‪ ،‬وهو يعلم ما سيؤول إليه حالنا يف هذا الوقت عندما أُنزل‬ ‫أُنزلت من السامء من ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫تحديث‬ ‫صالح لكل زمانٍ ومكان‪ ،‬ولكل إنسانٍ عىل وجه األرض‪ ،‬فلدينا الربنامج الكامل الذي ال يحتاج إىل‬ ‫القرآن الذي هو ٌ‬ ‫يل ألنه مفهو ٌم ومعلو ٌم وكامل ‪.‬‬ ‫مستقب ٍّ‬ ‫‪A.A.M‬‬

‫رص ٍ‬ ‫الرب وقتها ماهو دور الدماغ‬ ‫ماض عندما كان القلب يفكر‬ ‫لعلّه كان كامالً يف ع ٍ‬ ‫ويحس‪ ،‬وهو مركز العقل ومل يعرف ّ‬ ‫ّ‬ ‫أو كانت السامء سقفاً لحامية األرض الهائلة الحجم مقارن ًة بضآلة الشمس والقمر والنجوم‪ ،‬و كل ما حولها يدور حولها‬ ‫وهي ثابت ٌة إىل يوم القيامة‪ ،‬وحينها كانت الشمس تدور عىل ٍ‬ ‫أرض مسطح ٍة ولتختبئ الشمس يف عني حمئ ٍة وهي ساجد ٌة‬ ‫تحت العرش‪ ،‬وهذا الدستور الكامل يصف نهاية الكون بعد جيلٍ أو جيلني‪ ،‬وبعد ‪ ١٤٠٠‬سنة ال يزال الزمن مستم ًرا ومل‬ ‫يحصل يوم القيامة ومل يظهر ال ّدجال‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫األندرويد‬ ‫الساموي‬

‫د‪.‬نبراس الصميدعي‬

‫ال تغضب عزيزي املؤمن فأنا ال أنوي جرحك أو االنتقاص من‬ ‫عقيدتك‪ ،‬لك ّني أطرح أفكاري بصور ٍة مجرد ٍة وأترك لك الحكم‬ ‫والتفكر ‪.‬‬ ‫عقلك الداخيل يف رصا ٍع بني املعقول والالمعقول‪ ،‬واملقبول‬ ‫والالمقبول‪ ،‬هل يلتقي الدين والعقل يف نفس الطريق؟ لعل إميان‬ ‫عام يجزم بكون الدين والعقل يسريان‬ ‫ومعتقد املؤمنني بشكلٍ ٍ‬ ‫ي ًدا بيد عىل نفس الطريق‪ ،‬رغم كون الدين فشل يف تحديد مكان‬ ‫العقل الحقيقي يف جسم اإلنسان ‪.‬‬ ‫الحقيقة والوهم نقيضان ال يلتقيان أب ًدا‪ ،‬العلم ليس هو الحقيقة الكاملة ألنها بال ٍ‬ ‫شك حل ٌم أفالطو ٌّين يستحيل الحصول‬ ‫ميل وهو دائم التحديث كحال صاحبنا نظام األندرويد‪ ،‬أما الدين فال يزال يستخدم أنظمة‬ ‫يكل وال ّ‬ ‫عليه‪ ،‬لك ّن العلم ال ّ‬ ‫تشغيلٍ بدائي ٍة ال تليق حتى بأجهزة الحساب البسيطة‪ ،‬يف حني أ ّن مواصفات اإلنسان تط ّورت‪ ،‬ومعالج بياناتها أصبح أكرث‬ ‫لعل هذا النظام البدايئ سيتيح الراحة واالطمئنان لإلنسان‪ ،‬ويجعل معالجه يعمل بسالس ٍة مطلق ٍة لكونه‬ ‫تعقي ًدا وقدرةً‪ّ ،‬‬ ‫مل يحمل مهام كثري ًة ومعقد ًة باملقارنة مع غريه م ّمن وصلوا الليل بالنهار يف سبيل حل مسأل ٍة أو طرح فكر ٍة جديدة ‪.‬‬ ‫إ ّن مج ّرد طرح فكرة محاولة تحديث الفكر الديني هي زندق ٌة و كف ٌر وإلحاد وموجِب ٌة للح ّد‪ ،‬ألنك قد همزت القوانني‬ ‫املطلقة التي ال يأتيها الباطل وال تشوبها العلل‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫األندرويد‬ ‫الساموي‬

‫د‪.‬نبراس الصميدعي‬

‫يبق سوى الحل األخري وهو تحديثٌ‬ ‫فمبدأ التحديث البرشي لنظام التشغيل لإلنسان مج ّرد‬ ‫ٍ‬ ‫أوهام خطري ٍة‪ ،‬وبهذا مل َ‬ ‫أيضا يف نظر اإلسالم أل ّن النبي محمد هو خاتم االنبياء املرسلني وطب ًعا‬ ‫ساموي للنظم التشغيلية البرشية‪ ،‬ولكن هذا كف ٌر ً‬ ‫ٌّ‬ ‫هذا الكالم ال يتوافق مع اليهودية التي الزالت تنتظر املسيح‪ ،‬ولعل التشابه الوحيد وامللجأ األخري يف نزول املسيح الذي‬ ‫يتفق عليه اإلسالم واملسيحية‪ ،‬وعندها سيكون التحديث الجديد لك ّنكم ستصدمون عندما تعلمون أ ّن سبب نزوله‬ ‫األخري هو نها ٌّيئ إلحقاق الحق املبني‪ ،‬وقتل ال ّدجال يف الفكر اإلسالمي أو الشيطان يف املسيحية‪ ،‬وهذا معلو ٌم عنه أنه‬ ‫نهاية الزمان ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جديد لنظامك القديم وفقًا ملا يفرضه عليك عرصك الحايل الذي إن‬ ‫بتحديث‬ ‫تلخيصا عزيزي املؤمن‪ ،‬أنك لن تحظى‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫شهد نب ًيا فيتحتم عليه أن يكون عاملًا يف الطب أو الفيزياء أو غريها من العلوم الحديثة ليكون مبه ًرا للبرشية بإعجازات‬ ‫الخالق التي سيظهرها عىل يديه ‪.‬‬ ‫وعندها فقط سينترش الدين من جديد وفق مبادئ العلم الحديث والذي بكل ٍ‬ ‫تأكيد سيق ّدس االكتشافات العلمية‬ ‫والبحث العلمي ويصف هؤالء العلامء بأنهم خرية البرش‪ ،‬وهم من سيدخلون الجنة قبل غريهم ألنهم بحثوا و فكروا‬ ‫ٍ‬ ‫إبداعات ساعدت عىل تحقيق فائد ٍة كربى لإلنسانية‪ ،‬و أه ّم من ذلك أنهم استطاعوا كشف املبهم يف الكون‬ ‫واستنتجوا‬ ‫يصب يف تدعيم إميان املؤمنني بالحجج والرباهني العلمية الرصينة‪ ،‬ويف ذات الوقت سيكون أكرب رضب ٍة للكفار‬ ‫وهذا ما ّ‬ ‫تحديث ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جديد يعيد لإلميان الربّاين مكانته بعد‬ ‫وامللحدين والوثنيني‪ .‬فهل سيحدث هذا األمر؟ هل سينكشف اللثام عن‬ ‫أن فشل املتدينون املعارصون يف كسب و ّد الناس قبل كسب انتامئهم؟ لندخل اىل أيقونة اإلعدادات ولننتظر التحديث‬ ‫الذي حتماً لن يأيت أو لنغيرّ النظام إىل آخر متطور يراعي فيه صانعوه التحديث املستمر‪ ...‬لكم االختيار‪.‬‬ ‫د‪.‬نرباس الصميدعي‬

‫‪46‬‬


‫نضوج فهمنا للكون‬ ‫نشوء الغاية‬

‫إ َّن عنوان سلسلة املقاالت هذه‪« :‬نضوج فهمنا‬ ‫للكون»‪ ،‬وقد قصدنا بالنضوج هنا ع ّدة معانٍ ‪ ،‬األول‬ ‫أي كائنٍ حي – كاإلنسان أو الشجر‪ -‬انطالقًا‬ ‫هو من ِّو ّ‬ ‫من خلي ٍة واحد ٍة صغرية‪ ،‬وصوالً إىل كائنٍ بالغ‬ ‫الضخامة مكو ٌن من مئات الرتيليونات من الخاليا‪.‬‬

‫واملعنى الثاين هو من ِّو كامل أشكال الحياة عىل‬ ‫سطح األرض‪ ،‬وندعوه بالتط ّور‪ ،‬وهو التغيرّ الذي‬ ‫يُالحظ عىل مدى أجيا ٍل عديدة‪ ،‬أ ّما املعنى‬ ‫الثالث – وهو املقصود يف هذه املقالة األخرية‪-‬‬ ‫فهو تزايد إدراكنا للكون‪ ،‬وهذا يتطلّب وجود‬ ‫جها ٍز ٍ‬ ‫خاص هو الدماغ‪.‬‬

‫الحلقة الخامسة و األخرية من نضج فهمنا للكون ‪.............‬‬ ‫ترجمة ملحارضة العامل رترشد دوكنز‬

‫‪47‬‬

‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬نشوء الغاية‬

‫وعندما تزايد حجم الدماغ يف الكائنات الحية إىل الحد الكايف‪ ،‬أصبح قاد ًرا عىل فهم الكون‪ ،‬ويتحقّق هذا الفهم عن‬ ‫طريق صنع منوذ ٍج للكون بأكمله داخل الدماغ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫محاوالت لنمذجة أشيا ٍء أكرث‬ ‫ولكن قبل نجاح الدماغ يف منذجة الكون‪ ،‬كان عليه أن مي َّر يف مراحل انتقالية تضمنت‬ ‫بساط ًة واعتيادي ًة من الكون نفسه‪ ،‬مثل منذجة الطعام أو تضاريس املنطقة حول بيت الكائن الحي‪ ،‬ولنأخذ الدبّور‬ ‫الحف ّـار مثاالً عىل محاوالت الدماغ األوىل للنمذجة‬ ‫‪.‬‬ ‫يعيش الدبّور الحفـّار ‪ digger wasp‬منفر ًدا داخل جحر يحفره يف الرتبة ويتغذى عىل الحرشات األخرى كالجنادب‬ ‫السامة‪ ،‬ثم يسحبها لبيته تحت األرض ليغذّي‬ ‫‪ Grasshoppers‬وغريها‪ ،‬فيبحث عنها يف أماكن بعيدة‪ ،‬ويقتلها بلدغته ّ‬ ‫عليها صغاره‪ ،‬ولكن‪ ،‬لينجح الدبّور يف عمله هذا‪ ،‬عليه أوالً أن يعرف طريق العودة إىل بيته‪ ،‬فكيف يعرف هذا؟‬

‫يخرج الدبّور من جحره ويطري حوله ليستكشف التضاريس الدقيقة لالرض‬ ‫املحيطة به‪ ،‬ثم يطري ملساف ٍة بعيدة ليصطاد الجندب ويجلبه عائ ًدا إىل منزله‪،‬‬ ‫ويضع الجندب عىل مسافة قريبة‪ ،‬ثم يدخل حفرته ليتأكد من عدم وجود‬ ‫عائق يحول دون ادخال الجندب‪ ،‬ويخرج مر ًة أخرى ليسحب الجندب إىل‬ ‫ٍ‬ ‫داخل الجحر‪ .‬ويخرج باحثًا عن فريس ٍة أخرى وهكذا دواليك‪..‬‬ ‫قام عامل السلوك نيكو تنربغن ‪ Niko Tinbergen‬بتجرب ٍة ذكية‪ ،‬بينام كان الدبّور داخل جحره‪ ،‬قام بوضع أربعة‬ ‫مخاريط صنوبر حول مدخل الجحر‪ ،‬فخرج الدبّور محلّقًا ليستكشف محيطه والحظ وجود املخاريط األربعة‪ ،‬وعندما‬ ‫طار مبتع ًدا ليحرض فريسته‪ ،‬قام تنربغن يتغيري موضع املخاريط األربعة بعي ًدا عن فتحة الجحر‪ ،‬وعندما عاد الدبّور‬ ‫حامالً فريسته‪ ،‬اتجه مبارش ًة إىل املوضع الجديد للمخاريط ظ ًنا منه أن مدخل حجره وسطها‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬نشوء الغاية‬

‫تفسرّ هذه التجربة بأ ّن الدبّور قام يف دماغه ببناء منوذ ٍج لخريطة املساحة املحيطة مبسكنه‪ ،‬واعتمد عليها لتحديد مكان‬ ‫مدى يصل دماغ‬ ‫مدخل حجره بدقّة‪ ،‬فدماغ الدبّور قاد ٌر عىل منذجة املساحة الصغرية تلك من األرض‪ ،‬ولكن‪ ،‬إىل أي ً‬ ‫الدبّور بذلك؟‬ ‫ليعرف الجواب قام تنربغن بتجرب ٍة أخرى‪ ،‬انتظر الدبّور حتى قفل عائ ًدا حامالً فريسته‪ ،‬وعندما وضعها ودخل ليفحص‬ ‫قريب ج ًدا‪ ،‬وبعد قليلٍ خرج الدبّور وذهب إىل‬ ‫خل ّو حجره من العوائق‪ ،‬التقط تنربغن الجندب ونقله إىل مكانٍ آخر ٍ‬ ‫املكان الذي كان فيه الجندب‪ ،‬ومل يجده‪ ،‬فطار مستكشفًا املنطقة من جديد‪ ،‬فرأى الجندب يف مكانه الجديد‪ ،‬وكأنه قال‬ ‫يل اآلن التأكد من خلو الحجر من العوائق"‪ ،‬ودخل الحجر مجد ًدا‪ ،‬وهنا قام تنربغن‬ ‫لنفسه‪" :‬جيد‪ ،‬هذا‬ ‫ٌ‬ ‫جندب آخر‪ ،‬ع ّ‬ ‫بتحريك الجندب ملسافة قصرية‪ ،‬وعندما خرج الدبّور اتجه مبارش ًة ملكان الجندب السابق‪ ،‬فلم يجده‪ ،‬فطار ليستكشف‬ ‫املنطقة من جديد‪ ،‬وعندما رأى الجندب يف مكانه الجديد فكر مجد ًدا‪" :‬آه‪ ،‬هذا جندب‪ ،‬ألذهب وأتأكد من خلو الجحر‬ ‫مل من تكرار التجربة‪ ،‬ويف‬ ‫من العوائق"‪ ،‬وقفل راج ًعا إىل جحره‪ ،‬وأعاد تنربغن تحريك الجندب أكرث من ‪ 40‬مرة‪ ،‬حتى ّ‬ ‫كل مرة كان الدبّور يعود ليفحص جحره قبل إدخال الجندب‪.‬‬

‫تدلنا هذه التجربة عىل قصور دماغ الدبّورعن منذجة األحداث‬ ‫األكرث تعقي ًدا‪ ،‬ناهيك عن منذجة الكون مبا فيه‪.‬‬ ‫ويف الواقع هناك دما ٌغ واح ٌد يف الطبيعة ميكنه منذجة الكون‪،‬‬ ‫وهو دماغ اإلنسان‪ ،‬فلنتعرف عليه أكرث‪.‬‬ ‫هذه صور ٌة لدماغ إنسانٍ حي مأخوذ ٌة بتقنية الرنني املغنطييس‪،‬‬ ‫قطت هذه الصورة كان هذا الدماغ يفكر بيش ٍء ما‬ ‫عندما ا ُل ِت ْ‬ ‫يراه؛ تُد َخل صورة هذا اليشء عرب عدسة العني لتنطبع عىل‬ ‫الشبكية بشكلٍ مقلوب‪ ،‬وتنتقل الصورة املقلوبة إىل العصب‬ ‫البرصي ومنه إىل الفص القفوي من الدماغ‪ ،‬لتنترش يف مناطق‬ ‫أخرى يتم فيها تحويل الصورة إىل إدر ٍ‬ ‫اك وا ٍع لليشء املنظور‪.‬‬ ‫لكن العني الواحدة تزود الدماغ بصور ٍة ثنائي ِة البعد فضالً عن كونها مقلوبة‪ ،‬بينام يتحرك الجسم يف فضا ٍء ثاليث األبعاد‪،‬‬ ‫‪49‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬نشوء الغاية‬

‫منوذج ُم ٍ‬ ‫حاك‬ ‫كل ع ٍني وتصحيحها ل ُينتج لنا صور ًة واحد ًة ثالثي َة األبعاد‪ ،‬وهي‬ ‫لهذا يقوم الدماغ بدمج الصورة الواردة من ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫للواقع يبنيه الدماغ داخل رؤوسنا‪ ،‬ويتم تحديث هذا النموذج باستمرا ٍر باملعلومات التي ترد للدماغ من أعضاء الحواس‪.‬‬ ‫حاسوب ثالثية األبعاد‪ ،‬نفتح فيها األبواب ونصعد السالمل ونلتقط األشياء كام نفعل يف الواقع‪ ،‬إذ يصنع‬ ‫ففي أيّة لعبة‬ ‫ٍ‬ ‫دماغنا محاكا ًة افرتاضي ًة للواقع‪ ،‬لرناها ونتعامل معها كام تعودنا يف حياتنا الواقعية‪.‬‬ ‫وهنا يربز السؤال عند املتأمل‪ :‬كيف نتأكد من أن ما نراه ليس إال تلك النمذجة التي يصورها لنا دماغنا؟‬ ‫إ َّن إحدى الطرق ملعرفة ذلك هي دراسة الوهم الناتج عن الخدع البرصية ‪ ،illusions‬مثل قناع وجه شاريل شابلن هذا‪،‬‬ ‫أي خدعة‪ ،‬فعندما ننظر إىل وجهه األمامي‪ ،‬يبدو الوج ُه بارزًا باتجاهنا كام نتوقع جمي ًعا‪،‬‬ ‫وهو قنا ٌع عادي وليس فيه ّ‬ ‫ولك ّن الغريب أنّنا عندما ننظر إىل وجهه الخلفي املج ّوف‪ ،‬نشعر بأنه بار ٌز باتجاهنا كذلك‪ ،‬رغم أنه مج ّو ٌف بالفعل!‬

‫وليس هذا فحسب‪ ،‬بل عند تدوير الوجه لليمني سرنى وجهه الخلفي يدور لليسار‪ ،‬فام الذي يحدث هنا حقًا؟‬ ‫ٍ‬ ‫عندما يرى الدماغ أي يش ٍء يشبه عينانٍ‬ ‫وأنف وفم‪ ،‬يقوم الدماغ فو ًرا ببناء منوذ ٍج لوجه‪ ،‬وكأنه متل ّهف لرؤية الوجوه‬ ‫وأنف وفم‪ ،‬وهذا ٍ‬ ‫كاف للدماغ ليبني منوذجه‬ ‫سبب هنا‪ ،‬ففيه عينان ٌ‬ ‫عىل أهون سبب‪ ،‬والوجه الخلفي للقناع هو أهون ٍ‬ ‫لوج ٍه ثاليث األبعاد‪.‬‬ ‫وليس هذا فقط‪ ،‬بل يقوم الدماغ بتدوير منوذج الوجه الذي صنعه مبا يتوافق مع افرتاضه بأنه وج ٌه بارزٌ‪ ،‬أي عكس‬ ‫جهة دورانه الفعيل‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬نشوء الغاية‬

‫نرى يف الصورة املجاورة املثلث املستحيل‪،‬وللوهلة األوىل قد نظ ّنه مثلّثًا‬ ‫عاديًا‪ ،‬ولكن بالنظر إىل زواياه الثالثة‪ ،‬نالحظ أنه غري ممكنٍ وجودها يف‬ ‫املثلث م ًعا‪ ،‬ورغم استحالة الشكل هذا‪ ،‬إال أ ّن دماغنا تقبّل األمر وبنى‬ ‫لنا منوذج ٍ‬ ‫رس هنا؟‬ ‫مثلث بدالً عنه‪ ،‬فام ال ّ‬ ‫غريب يف األمر‪،‬‬ ‫أي يش ٍء‬ ‫ٍ‬ ‫كام نالحظ يف الصورة السفلية‪ ،‬ليس هناك ّ‬ ‫ٍ‬ ‫باتجاهات مختلفة‪ ،‬وعند‬ ‫شكل مك َو ٌن من ثالثة قضبانٍ مركّبة‬ ‫فهذا ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫كمثلث مستحيل‪.‬‬ ‫النظر إليها من زاوي ٍة معينة‪ ،‬تبدو لدماغنا‬ ‫واآلن إىل أحد أشهر الخدع البرصية الكالسيكية‪ ،‬ويسمى مكعب نيكر‬

‫مرسوم عىل ورقة‪ ،‬إذا نظرت إليه‬ ‫مكعب‬ ‫‪ ،Necker cube‬وهو مجرد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ستشعر بأمر غريب‪ ،‬إذ سيتناوب الوجهان الخلفي واألمامي للمكعب‬ ‫عىل التموضع يف املق ّدمة كلام أمعنت النظر يف املُك ّعب‪ ،‬فمر ًة ترى‬ ‫أحد الوجهني يف األمام وبعد قليلٍ ينعكس املكعب لرنى الوجه اآلخر‬ ‫يف املق ّدمة‪ ،‬فام الذي يحدث هنا؟‬ ‫أي النموذجني‬ ‫إ ّن رسم املكعب ثنايئ األبعاد عىل الورق يكافئ منوذجان ملكعبني يف األبعاد الثالثة‪ ،‬لهذا ال يعرف الدماغ ّ‬ ‫عليه استخدامه‪ ،‬فامذا يفعل؟‬ ‫قد يظ ّن البعض أن الدماغ يف هذه الحالة سيختار أحد النموذجني‪ ،‬ولكنه اليفعل هذا‪ ،‬بل يقوم بالتنقّل بينهام كام‬ ‫الحظنا‪.‬‬ ‫‪51‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬نشوء الغاية‬

‫ٍ‬ ‫بلطف عىل جفن عينك السفيل من الجانب وبشكلٍ متكرر‪،‬‬ ‫أي أداة أو رسم‪ ،‬اضغط‬ ‫وهناك تجرب ٌة سهل ٌة ال تحتاج ّ‬ ‫وسوف ترى العامل يهت ّز أمام ناظريك وكأنها ه ّز ٌة أرض ّية‪ ،‬وهذا بديهي الن الضغط عىل كرة العني سيغري مكان الخيال‬ ‫عىل الشبكية ويحرك املنظر الذي نراه‪.‬‬ ‫ولكن لنفكر قليالً يف األمر‪ ،‬أليس نفس اليشء ما يحدث عندما تح ّرك عينيك أو عندما تهز رأسك؟‬ ‫خيال الصورة سيهتز بش ّدة عند هز رأسك أكرث من اهتزازه عند الضغط عىل كرة العني‪ ،‬ولكنك يف الحقيقة لن ترى العامل‬ ‫يهت ُّز من حولك مطلقًا عند ه ّز رأسك‪ ،‬بل سيظل ثابتًا ومستق ًرا‪ ،‬فام الفرق إذا بني الحالتني؟‬

‫عند حدوث ه ّزة أرضية حقيقية‪ ،‬من املهم أن يشعرك الدماغ بها‪ ،‬لكن ليس من املفيد أن تشعر بالهزة األرضية كلام‬ ‫حركت رأسك أو عينيك‪ ،‬لهذا عند اصدار الدماغ أم ًرا بتحريك عضلة العني أو الرقبة‪ ،‬يقوم الدماغ بإرسال نسخ ٍة من األمر‬ ‫اىل املركز الدماغي املسؤول عن تشكيل النموذج االفرتايض للحادثة‪ ،‬ومع النسخة أم ٌر آخر يقول‪« :‬ستتحرك العني بعد‬ ‫بأي‬ ‫قليل‪ ،‬توقّع أن العامل سيتحرك معها وأحبط هذه الحركة»‪ ،‬وهكذا يتم تعويض الحركة املتوقعة بدقة‪ ،‬فلن نشعر ّ‬ ‫اهتزا ٍز بالصورة عند تحريك الرأس‪ ،‬يف حني أنّنا نشعر باهتزازها عند الضغط عىل كرة العني‪ ،‬ألن الدماغ مل يصدر أم ًرا‬ ‫بتحريك العني ناهيك عن ارسال نسخ ٍة عنه‪.‬‬ ‫موضعي للعضالت املحركة لكرة العني لديه‪ ،‬وعند‬ ‫ويف هذا الصدد‪ ،‬قام باحثٌ أملاين بتجربة ذكية‪ ،‬قام بها بتخدي ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫محاولته تحريك عينيه‪ ،‬فإن أم ًرا سيصدر من الدماغ للعني املخ ّدرة يأمرها بالحركة‪ ،‬ومعه ستذهب نسخة إىل مركز‬ ‫تشكيل النموذج اإلفرتايض تأمره بتوقّع الحركة‪ ،‬وطب ًعا لن تستجيب العني‪ ،‬ولكن الدماغ استلم نسخة من األمر سلفًا‪.‬‬ ‫لهذا كلام حاول الباحث األملاين تحريك عينيه‪ ،‬تبقى العني ساكنة‪ ،‬ويبقى الخيال عىل الشبكية ثابتًا دون حراك‪ ،‬ولكن‬ ‫‪52‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬نشوء الغاية‬

‫دليل إضا ٌيف عىل أن الدماغ يبني منوذ ًجا عن العامل‪ ،‬وكل مانراه‬ ‫يتحرك النموذج يف رأسه‪ ،‬ويشعر باهتزا ٍز يف الصورة‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫هو واق ٌع افرتايض‪.‬‬ ‫لقد حدث تط ّور الدماغ البرشي برسع ٍة كبري ٍة ج ًدا‪ ،‬ويقول أحد‬ ‫املراجع أ ّن رسعة تط ّور دماغ اإلنسان يف املليون سنة األخرية‬ ‫تفوق رسعة تط ّور أي عض ٍو حي أخر يف تاريخ الحياة قاطبة‪،‬‬ ‫وباملقارنة مع جامجم القردة كالشمبانزي‪ ،‬نجد أن جمجمتنا‬ ‫كبري ٌة ج ًدا ومنتفخ ٌة كالبالون‪.‬‬ ‫يف الشكل املجاور نرى يف األسفل جمجمة األوسرتالوبيتيكس‬ ‫سلف قدي ٌم لنا عاش منذ ثالثة ماليني‬ ‫‪ ،Australopithecus‬وهو ٌ‬ ‫سنة‪ ،‬وقد تط ّور إىل هومو إركتس ‪ ،Homo erectus‬الذي تط ّور‬ ‫إىل اإلنسان العاقل البدايئ ‪ ،Homo sapiens‬وقد تط ّوراألخري‬ ‫إىل اإلنسان العاقل الحايل‪ ،‬ونالحظ يف الشكل كيف كانت تكرب‬ ‫الجمجمة بالتدريج مع تط ّور األنواع‪ ،‬ولنفهم كيف ميكن لهذا‬ ‫التط ّور الرسيع أن يحدث‪ ،‬لنتذكر تط ّور الحواسيب أو السيارات‪،‬‬ ‫يقول عامل النفس كريستوفر ايفانز ‪:Christopher Evans‬‬ ‫«تختلف السيارات اليوم كث ًريا عن السيارات التي صنعت قبل‬ ‫الحرب العاملية األوىل‪ ،‬فهي اليوم أرخص وأكرث اقتصادية وأعىل‬ ‫كفاءة‪ ،‬وكل هذا بفضل التقدم الحاصل يف هندسة السيارات التي‬ ‫أفرزت طرقًا أكرث كفا ًء يف انتائج السيارات وتسويقها يف العامل‪،‬‬ ‫ولكن لنتخيل أن السيارة تط ّورت بنفس رسعة تط ّور الحاسوب‬ ‫وخالل نفس امل ّدة الزمنية‪ ،‬كم سيصبح سعر السيارة وكفائتها؟‬ ‫إن النتيجة صاعقة حقًا‪ ،‬إذ سيكون عندها سعر سيارة الرولزرايس‬ ‫الفاخرة ‪ $ 1.35‬فقط !‪ ،‬وستسري ‪ 4.5‬مليون كيلومرت بالغالون‬ ‫الواحد‪ ،‬ولو كنت من هواة السيارات الصغرية‪ ،‬فسيمكن وضع‬ ‫‪ 12‬سيارة منها عىل رأس دبوس»‪.‬‬ ‫إذًا تط ّورت الحواسيب برسع ِة أكرب بكثريِ من رسعة تط ّور دماغ‬ ‫ٌ‬ ‫إجحاف بتط ّور‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ولكن علينا أ ْن ال ننىس أ ّن املقارنة فيها‬ ‫جيل‬ ‫اإلنسان‪ ،‬فحتى يتم تط ّور النوع‪ ،‬عىل أفراده أن ميوتوا ليأيت ٌ‬ ‫جدي ٌد ليتكاثر‪ ،‬وهو بهذا يحتاج وقتًا طويالً أكرث من مام تحتاجه‬ ‫‪53‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬نشوء الغاية‬ ‫التكنولوجيا‪ ،‬النها تتط ّور يف كل االوقات وال ترتبط بتكاثر األجيال‪.‬‬

‫هناك العديد من النظريات التي تفرس سبب تضخم دماغ اإلنسان‪ ،‬وكام قلنا‪ ،‬ميكننا أن نفهم ذلك باملقارنة مع‬ ‫الحواسيب‪ ،‬مع أنها مختلفة ج ًدا عن األدمغة‪ ،‬ولكن هناك سبب مشرتك لتط ّورهام الرسيع‪ ،‬سأطلق إسماً طويالً عىل هذا‬ ‫السبب‪ ،‬وهو "التط ّور املشرتك ذايت التغذية ‪."self-feeding co-evolution‬‬ ‫إ ّن التط ّور املشرتك يعني أن شيئان يتط ّوران م ًعا‪ ،‬وذايت التغذية تعني أي عملية تزيد ما لديك كلّام حصلت عىل أكرث‪،‬‬ ‫مثل سباق التسلّح‪ ،‬كلّام زادت كفاءة الصواريخ عند العدو‪ ،‬تزداد كفاءة الرادارات وأنظمة اعرتاض الصواريخ لدينا‪،‬‬ ‫وأسميها ذاتية التغذية ألن تط ّور الرادار يعتمد دامئًا عىل الرادار األصل‪ ،‬فكلّام كان الرادار األصل أكرث كفاءة‪ ،‬ميكن يف‬ ‫املرحلة التالية الحصول عىل رادار أكرث كفاءة من السابق‪ ،‬أي يزداد ما لديك (كفاءة الرادار) كلام حصلت عىل رادارات‬ ‫أكفأ‪.‬‬ ‫منتج نها ٌيئ لسباق تسل ٍح طويل األمد‪ ،‬وكالهام جيد ج ًدا يف الطريان‪ ،‬وسبب هذا أ ّن تط ّور‬ ‫هذا صق ٌر يفرتس بطّة‪ ،‬كالهام ٌ‬ ‫سلف أحدهام يف املايض كان يحتّم عىل سلف اآلخر التط ّور‪ ،‬كلّام صارت البطة أكرث كفاءة‪ ،‬عىل الصقر أن يزداد كفاء ًة‬ ‫والعكس صحيح‪ ،‬وبشكلٍ غري مبارش‪ ،‬كان التط ّور يف أسالف الصقر قد ًميا هو السبب وراء تط ّورها الكبري اليوم‪ ،‬لهذا‬ ‫أسميه‪ :‬ذايت التغذية‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬نشوء الغاية‬ ‫التط ّور املشرتك ذايت التغذية يف الحواسيب‬

‫يف الحاسوب تتط ّور األجهزة "‪ "Hardware‬والربامج "‪ "Software‬بشكلٍ مشرتك‪ ،‬مثل الفأرة التي تعد أداة إدخا ٍل بسيطة‬ ‫ورائعة ج ًدا‪ ،‬قبلها كان علينا استخدام لوحة املفاتيح الدخال األوامر عىل شكل كلامت سخيفة ومعقدة‪ ،‬ولو أخطأت‬ ‫بأحدها عليك البدئ من جديد‪ ،‬وغال ًبا ما ك ّنا ننىس طريقة كتابة األوامر هذه‪ ،‬ولكن مع وجود الفأرة باتت عملية‬ ‫ترتيب أو حذف امللفات غاي ًة يف السهولة وتحايك الواقع‪ ،‬كأنك ترتب اوراقك عىل سطح مكتبك أو تلقي بإحداها يف‬ ‫سلة املهمالت‪.‬‬ ‫كل هذا التقدم بدأ من أداة إدخا ٍل بسيطة وال تعقيد يُذكر بها‪ ،‬ولكنها كانت الرشارة التي أطلقت أجياالً متالحقة من‬ ‫ُّ‬ ‫الربامج‪ ،‬كل برنام ٍج منها يُبنى عىل سابقه حتى تصل يف النهاية إىل برامج ضخمة تط ّورت بشكل مشرتك مع األجهزة‪.‬‬ ‫أي‬ ‫وبنفس الطريقة تتط ّور دارات ورشائح الحاسوب التي باتت اليوم شديدة التعقيد لدرجة استحالة صنعها بواسطة ٍ‬ ‫إنسانٍ مبفرده‪( ،‬صورة ‪ )12‬فالحواسيب الحديثة ُصممت اعتام ًدا عىل جيل سابق أقل تعقي ًدا والذي بدوره ُصمم انطالقًا‬ ‫من جيلٍ أقل تعقي ًدا‪ ،‬إلخ‪ ،..‬والتقدم البسيط يف املايض قادنا اىل التقدم الكبري املوجود اليوم‪ ،‬وهذا ماعربنا عنه بالتغذية‬ ‫الذاتية‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬نشوء الغاية‬ ‫التط ّور املشرتك ذايت التغذية يف األدمغة‬

‫لألسف‪ ،‬وعىل النقيض من الحواسيب‪ ،‬الميكننا تتبع تط ّور األدمغة باملقارنة مع األجيال السابقة لدماغنا الحايل‪ ،‬فكل‬ ‫مالدينا هو مستحاثات جامجم أسالفنا‪ ،‬أضاف ًة إىل آثا ٍر تدلنا عىل مستوى مهارات أسالفنا‪ ،‬كرؤوس رما ٍح من الص ّوان‪،‬‬ ‫أو رسومات ثريانٍ عىل جدران الكهوف‪،‬وهي مبثابة منتو ٍج الدمغة أسالفنا‪ ،‬ويف مرحلة تالية لدينا كتابات كهذا ال ُرقم‬ ‫املسامري‪.‬‬ ‫ولكن مالذي أطلق تط ّور الدماغ؟ مالذي لعب دور‬ ‫فأرة الحاسوب التي أطلقت العنان لتط ّور برامجه‬ ‫وتطبيقاته؟‬ ‫هناك ثالثة احتامالت ٍ مقرتح ٌة لتفسري هذا‪ ،‬فمن املحتمل‬ ‫أن يكون السبب هو نشوء القدرة عىل محاكاة الواقع‬ ‫يف مخيلة الكائن‪ ،‬فعندما كان سلفنا األوسرتالوبيتيكس‬ ‫‪ Australopithecus‬يعيش يف إفريقيا منذ ثالثة ماليني‬ ‫سن ٍة خلت‪ ،‬مل يكن دماغه أكرب من دماغ الشمبانزي‬ ‫‪ ،chimpanzee‬ونفرتض أنه مل يختلف عن الشمبانزي‬ ‫كث ًريا يف قدراته العقلية‪ ،‬ويف أحد األيّام طرأ تغ ٌري بسي ٌط‬ ‫ج ًدا عىل دماغ أحد أفراد االوسرتالوبيتيكس‪ ،‬هذا التغري مل‬ ‫يكن له أي تأثريٍ حينئذ‪ ،‬لكنه كان رشارة انطالقٍ لتغري ٍ‬ ‫ات‬ ‫الحقة ظهر تأثريها يف األنواع التي انحدرت عنه‪ ،‬وتجلىّ هذا‬ ‫التأثري يف قدرة الدماغ عىل محاكاة الواقع ومنذجته‪.‬‬ ‫مثالً‪ ،‬لنخيل أنثى تنتمي لنوع اإلنسان املنتصب ‪Homo‬‬ ‫سلف لنا عاش منذ مليون سنة‪ ،‬كانت هذه‬ ‫‪ erectus‬وهو ٌ‬ ‫االنثى تسري مع أبناءها عندما اعرتضها ٌ‬ ‫أريض ضيق‪،‬‬ ‫جرف ٌ‬ ‫كيف ميكنها متابعة املسري؟‬ ‫رسا قبلها‪ ،‬فكان عليها البحث عن طريق ٍة مبتكرة للوصول للطرف املقابل للجرف‪ ،‬وفجأة تخيلت شجرة‬ ‫مل يخرتع أح ٌد ج ً‬ ‫تقع عىل الجرس‪ ،‬فأدركت أن هذا سيكون مفي ًدا للعبور‪ ،‬وفكّرت‪ :‬كيف ميكنني ايقاع شجرة عىل الجرف؟ فخ ّيل لها‬ ‫رس للعبور‪.‬‬ ‫دماغها نا ًرا تشتعل يف أسفل جذع شجرة‪ ،‬واهتدت إىل فكرة حرق أسفل الشجرة لتقع عىل الجرف وتعمل كج ٍ‬ ‫‪56‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬نشوء الغاية‬

‫رضب من الخيال‪ ،‬ولكن الفكرة التي نرمي إليها هي أ َّن هذه األنثى كان لديها القدرة عىل محاكاة‬ ‫هذه القصة بالطبع ٌ‬ ‫الواقع يف دماغها‪ ،‬فتخ ّيلت اندالع النار يف اسفل الشجرة وسقوطها عىل الجرف قبل أن يحدث هذا أمامها حقًا‪ ،‬فالنوع‬ ‫حل مشاكلٍ ال‬ ‫الذي امتلك هذه القدرة عىل محاكاة الواقع يف دماغه نال ميزة كبرية عىل أقرانه‪ ،‬ألنه أصبح قاد ًرا عىل ِّ‬ ‫تستطيع الحيوانات األخرى حلّها‪.‬‬ ‫االحتامل اآلخر إلطالق تط ّور الدماغ الرسيع هو ظهور اللغة‪ ،‬فال تخفى علينا أهم ّية اللغة يف نقل خربات غرينا جاهز ًة لنا‪،‬‬ ‫وبوجود اللغة يتعلم كل جيل من أخطاء الجيل السابق‪ ،‬ولكن هناك عقبة يف وجه هذا االفرتاض‪ ،‬فظهور اللغة عىل شكل‬ ‫كالم منطوق مل يحدث إال بعد أن كَبرُ َ حجم الدماغ إىل ما هو عليه اليوم‪ ،‬ولكن رمبا ميكننا تجاوز هذه العقبة باقرتاح‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رسم عىل الرمل‪ ،‬فغالبًا اللغة ظهرت قبل ظهور‬ ‫أن اللغة مل تبدأ كام هي عليه اليوم‪ ،‬بل اقترصت عىل‬ ‫أصوات رمزية أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أصوات تتطلب استخدام الشفاه واللسان‪.‬‬ ‫منطقي لألفكار و الحقًا بدأت تتجسد يف صورة‬ ‫ترتيب‬ ‫الكالم بزمنٍ عىل شكل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أما االحتامل الثالث‪ ،‬فقد تكون التكنولوجيا البدائية هي من أطلق العنان لنمو الدماغ‪ ،‬مثل األدوات الحجرية التي‬ ‫صنعها اإلنسان القديم‪.‬‬ ‫وبهذا يُعترب الخيال واللغة والتكنولوجيا هي العوامل املرشحة لتكون صاحبة التأثري األكرب يف تط ّور دماغ اإلنسان‪ ،‬ولرمبا‬ ‫سالح ذو حدين‪ ،‬فكام لعبت‬ ‫تضافرت مع بعضها لتلعب دو ًرا فيام وصل إليه دماغنا اليوم‪ ،‬ولكن هذه العوامل الثالثة ٌ‬ ‫كل منها‪.‬‬ ‫دو ًرا مفي ًدا‪ ،‬ميكن أن تصبح ضا ّرة للنوع‪ ،‬فلنبحث يف رضر ٍّ‬ ‫سالح ذو حدّ ين‬ ‫محاكاة الدماغ للواقع ٌ‬ ‫أيضا‪ ،‬وهي خداع النفس واملعاناة من‬ ‫إ ّن القدرة عىل التخيل ومنذجة الواقع مفيدة ج ًدا كام رأينا‪ ،‬لها عاقبة س ّيئة ً‬ ‫األوهام‪ ،‬فكم من مر ٍة راعنا خيال وجه يطل علينا من النافذة قبل النوم؟ لنكتشف يف النهاية أنه مجرد ً‬ ‫ظالل وضو ٌء مير‬ ‫عرب الستارة‪ ،‬لقد شاهدنا يف قناع شاريل شابلن كم هو سهل عىل الدماغ تخيل الوجوه‪ ،‬حتى أحالمنا هي محاكا ٌة للواقع‬ ‫أشخاصا وحيوانات ومناطق مل توجد قط‪ ،‬بل نشعربهذه الخياالت التي منر بها وكأنها واقع‪.‬‬ ‫أثناء النوم‪ ،‬نشاهد فيها‬ ‫ً‬ ‫وحي أو زاره ٌ‬ ‫مجنح أو سمع أصواتًا يف رأسه‪،‬‬ ‫مالك‬ ‫الدرس الذي نتعلمه من هذا‪ ،‬أنه كلّام سمعنا قص ُة بأن ً‬ ‫ٌ‬ ‫شخصا ما أتاه ٌ‬ ‫علينا أن نشك يف قدرته عىل متييز الواقع عن النموذج العقيل لديه‪.‬‬ ‫سالح ذو حدّ ين‬ ‫اللغة ٌ‬ ‫ما الس ّيئة التي تحملها اللغة يف ثناياها؟‬

‫‪57‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬نشوء الغاية‬

‫بفضل اللغة تنترش األفكار الج ّيدة برسعة بني الناس‪ ،‬وكذلك األفكار اله ّدامة‪ ،‬بعض هذه األفكار أعاق تقدم العلم وفهمنا‬ ‫للكون‪ ،‬ففي عام ‪ ،1633‬أدانت محكمة الكنيسة يف ايطاليا عامل الفيزياء غاليلو غالييل واتهمته بالكفر والهرطقة الرتكابه‬ ‫كتاب يناقش فكرة دوران األرض حوال الشمس؛ وحكمت عليه بالسجن املؤبد ألن العلم الذي ق ّدمه تعارض‬ ‫جرمية نرش ٍ‬ ‫مع معتقدات الكنيسة آنذاك‪.‬‬ ‫وال تغ ّركم الحضارة التي وصلنا إليها اليوم‪ ،‬فحتى األن الكثري‬ ‫كاتب بسبب‬ ‫من رجال الدين يح ّرض أتباعهم عىل قتل ٍ‬ ‫كتاب ميس معتقداتهم‪ ،‬وهذا يحدث يف زماننا هذا كام كان‬ ‫ٍ‬ ‫يحدث يف القرون الوسطى‪ ،‬فانتشار األفكار الرشيرة من‬ ‫أهم مساوئ اللغة عىل االطالق‪.‬‬ ‫يتعلم أطفالنا الكثري أثناء منوهم بفضل اللغة؛ فيتعلمون‬ ‫خربات قرونٍ يف بضع سنوات‪ ،‬والشك يف قدرة الطفل الكبرية‬ ‫أي‬ ‫عىل تلقي املعلومات‪ ،‬ففي عم ٍر معني‪ ،‬يص ّدق الطفل ّ‬ ‫قصصا خراف ّية‪ ،‬بعض الخرافات‬ ‫يشء نقوله له ولو كان‬ ‫ً‬ ‫غري مؤذية‪ ،‬كبابا نويل والشمس التي تأخذ أسنانه اللبنية‬ ‫املتساقطة‪ ،‬ولكن العقل الذي يصدق قصة بابا نويل ميكنه‬ ‫تصديق أمو ٍر أخرى عديدة‪.‬‬ ‫لو نظرنا إىل هذه الخريطة التي تظهر توزع األديان يف العامل‪ ،‬لشعرنا باملهزلة الحقيقية فيها‪ ،‬فإميان اإلنسان بدينٍ ما‬ ‫أساسا باملكان الذي ُولد فيه‪ ،‬تخيّل أن العلم ينترش بنفس الطريقة‪ ،‬فيصدق الناس األفكار العلمية بحسب‬ ‫مرتب ٌط ً‬ ‫كل قار ٍة نظري ًة مختلف ًة حول انقراض الديناصورات‪ ,‬ألن يصبح العلم بهذا منتهى السخافة؟‬ ‫مناطقهم‪ ،‬كأن يعتنق سكان ِّ‬ ‫أسباب حقيقية تدفعك‬ ‫ولتأخذ العربة من هذا بجديّة‪ ،‬ولتنظر إىل الدين الذي تؤمن به‪ ،‬ولتسأل نفسك‪ :‬هل هناك‬ ‫ٌ‬ ‫لإلميان به؟ أم أنك مؤم ٌن ألنك ببساطة ولدت يف بيئ ٍة تدين بهذا الدين؟ هل اعتقادك الديني يف بلدك يتطابق مع ما‬ ‫تراه عىل الخريطة؟ إن كان كذلك فعليك الشك به‪ ،‬ألن األديان تختلف باختالف الدول واملناطق‪.‬‬ ‫سالح ذو حدّ ين‬ ‫التكنولوجيا ٌ‬ ‫ساهمت التكنولوجيا بتعميق فهمنا للكون بشكلٍ هائل‪ ،‬فأدواتٌ كاملجهر والتلسكوب وغريها زادت قدراتنا عىل‬ ‫االكتشاف ووفرت لنا معارف مل نكن لنصلها لوال التقدم التكنولوجي‪ ،‬وباملقابل عندما نذكر مساوئ التكنولوجيا‪ ،‬تتبادر‬ ‫لألذهان فو ًرا القنبلة النووية وغريها من أسلحة الدمار الشامل‪ ،‬وهذه بالطبع أهم أرضار التكنولوجيا‪ ،‬ولكنني سأتحدث‬ ‫هنا عن مشكل ٍة أفرزتها التكنولوجيا أقل وضو ًحا‪ ،‬وهو تأثريها الذي أ ّدى إىل قصو ٍر عقيل عند األنسان‪.‬‬ ‫‪58‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬نشوء الغاية‬

‫أي يش ٍء ٍ‬ ‫معقد‬ ‫فنحن اعتدنا عىل رؤية أشيا ٍء معقدة ومفيد ٍة قام اإلنسان بصنعها‪ ،‬ولهذا منيل بشكلٍ طبيعي إىل اعتبار ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ومفيد مص ّم ٌم من ِقبل أحدهم‪ ،‬وتحدثنا يف محارض ٍة سابق ٍة عن األشياء املص ّممة واألشياء التي تبدو كأنها مص ّممة‪،‬‬ ‫شخص بالفعل بتصميمها‪ ،‬أما األشياء التي تبدو كأنها مص ّممة مثل العني‪،‬‬ ‫فاألشياء املص ّممة كاملجهر والتلسكوب قام ٌ‬ ‫فقد نشأت بطريق ٍة مختلف ٍة متا ًما‪ ،‬وهي التط ّور بواسطة اإلنتخاب الطبيعي‪ ،‬وهي نظرية دارون التي ترشح كيف ظهرت‬ ‫األنواع‪.‬‬ ‫ألي ٍ‬ ‫شخص فهمها‪ ،‬ولكن مل يهتدي إليها أح ٌد من‬ ‫إن التط ّور بواسطة االنتخاب الطبيعي فكر ٌة بسيط ٌة ج ًدا وسهلة‪ ،‬ميكن َ‬ ‫عباقرة البرش يف املايض‪ ،‬ال أرسطو وال عظامء الفالسفة‪ ،‬وال حتى أهم العلامء‪ ،‬حتى منتصف القرن التاسع عرش عندما‬ ‫توصل إليها عاملني يف البيولوجيا‪ ،‬هام دارون وواالس‪ ،‬فلامذا استغرق االنتخاب الطبيعي كل هذا الوقت لنكتشفه؟‬ ‫ٍ‬ ‫وهدف‬ ‫أسباب‪ ،‬أحدها هو التأثري الخادع للتكنولوجيا كام رأينا‪ ،‬فاألطفال يكربون مع فكرة وجود غاي ٍة‬ ‫هناك ع ّدة‬ ‫ٍ‬ ‫ناتج عن التط ّور‪ ،‬وهذا يعني أن الغاية من كل يشء تط ّورت‬ ‫ِّ‬ ‫لكل يشء‪ ،‬ولكن أفكار اإلنسان ناتج ٌة عن دماغه‪ ،‬والدماغ ٌ‬ ‫بدورها كأي يش ٍء آخر‪.‬‬ ‫تط ّورت أشكال الحياة عىل سطح كوكبنا خالل ثالثة آالف مليون سنة‪ ،‬وكانت توحي بأنها مص ّممة رغم أنها ليست‬ ‫مص ّممة بالفعل‪ ،‬وحينها مل تدرك الكائنات الحية مفهوم التصميم‪ ،‬حتى جئنا أخ ًريا وتط ّورنا لدرج ٍة بات مبقدورنا معها‬ ‫تصميم األشياء بعناية‪ ،‬وامتلكنا الغاية ألول مرة‪ ،‬فالغاية ظهرت مؤخ ًرا يف الكون ومنت وتط ّورت مع أدمغتنا‪ ،‬وعندما‬ ‫فريق من البرش لتحقيق غاي ٍة مشرتكة‪ ،‬تتحقق انجازتٌ مذهلة بحق‪ ،‬مثل هبوط مركبة ناسا ‪ NASA‬عىل‬ ‫يجتمع ٌ‬ ‫سطح القمر‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫فريق آخر عىل‬ ‫مثال رائ ٌع عىل ما ميكن ملجموعة من الناس فعله عندما ميتلكون غاي ًة واحدة‪ ،‬وعمل ٍ‬

‫‪59‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫نضوج فهمنا للكون ‪ -‬نشوء الغاية‬

‫اكتشاف أرسار الجينوم البرشي‪ ،‬فالعلم ذاته هو مجموعاتٌ من الناس تعمل بج ٍّد عىل تحقيق غايتها املشرتكة‪.‬‬ ‫ناتج عن تضافر الجهود الحثيثة بني البرش الساعني للحقيقة‪ ،‬ومبرور الوقت‬ ‫إ ّن منوذج الكون يف أدمغتنا ضخ ٌم وهائل‪ٌ ،‬‬ ‫وبنمو حضارتنا‪ ،‬سيصبح منوذج الكون لدينا أفضل وأدق يف عكسه للواقع‪ ،‬ومع تط ّورنا ستقل العقول املحدودة بيننا‪،‬‬ ‫وسنتخلص من رجال الدين‪ ،‬وستزول بقايا األوهام والخرافات كاملالئكة والجن واألرواح‪ ،‬سيغدو منوذج الكون منوذ ًجا‬ ‫ٍ‬ ‫توقعات دقيق ًة ملا قد يحدث لنا ولعاملنا‪ ،‬لربمّ ا نحن الوحيدون‬ ‫صحي ًحا بحق‪ ،‬سيتجاوز الحارض إىل املستقبل وسيضع‬ ‫القابلون للنضوج يف هذا الكون الواسع‪.‬‬ ‫قام بالرتجمة و بناء املقال ‪Ghaith Jabri‬‬

‫‪https://www.facebook.com/EstenartAqlEnlightenedMind‬‬ ‫‪60‬‬


https://www.facebook.com/groups/136652479873391

61


‫الغراب الحكيم‬

‫محاججة املفجر االنتحاري‬ ‫ووهم املعرفة املُطلَقة‬

‫نحن نعيش يف عا ٍمل يُعاين من عدم تأقلمه مع التغري الرسيع يف عامل التكنولوجيا‪ ،‬والتي أصابتنا مبا يسمى اليوم بالـ‬ ‫ٍ‬ ‫ملعلومات أكرب بكثريٍ مام نستطيع التعامل معه وبتسار ٍع ُمضطرد‪ ،‬مام فتح املجال أمام‬ ‫‪ infobesity‬أو بتعبريٍ أصح إنتاجنا‬ ‫الكثري من الناس للوصول إىل املعلومات وتغيري مواقفهم‪ .‬باختصار‪ ،‬أتكلم هنا عن بزوغ نجم اإللحاد والتزايد املُتسارع‬ ‫ٍ‬ ‫ودفاعات مل تكن موجود ًة من‬ ‫مفاهيم‬ ‫لتح ّول الشباب إليه بعي ًدا عن أديانهم‪ ،‬مماّ دفع أنصار األديان إىل الخوض يف‬ ‫ٍ‬ ‫أخص بالذّكر ُمحاجج ًة واجهتني ع ّدة مر ٍ‬ ‫ات‬ ‫ذي قبل‪ ،‬ومل ت ُذكر يف الفلسفة القدمية أو أصول املُحاججات الفاسدة‪ ،‬ومنها ّ‬ ‫خالل محاورايت مع املدافعني عن األديان وأطلقت عليها اسم "محاججة املفجر االنتحاري"‪.‬‬

‫‪62‬‬


‫محاججة املفجر االنتحاري‬ ‫ووهم املعرفة املُطلَقة‬

‫الغراب احلكيم‬

‫محاججة املفجر االنتحاري‬ ‫تعتمد هذه املحاججة كل ًيا عىل استخدام نزاهة املوقف العلمي وتواضعه أمام ما يجهل ضده‪ ،‬متجاهل ًة أو جاهل ًة‬ ‫باملبادئ التي يقوم عليها املنهج العلمي متا ًما‪ ،‬ليس بهدف إقناع الخصم مبوقف املحاجج بل بهدف الوصول إىل أنه فقط‬ ‫مخطئ دون الوصول إىل أيّة نتيج ٍة كنو ٍع من االنتصار الدونكيشويت وهي تقوم عىل الشكل التايل ‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫تبدأ بسؤال الطرف اآلخر (املتبني للمنهج العلمي) عن مدى يقينه من الواقع عىل شكل ‪" :‬هل أنت متأك ٌد أنك ال ميكن‬ ‫أن تكون مخطئًا حول ما تعتقده عن الوجود؟"‬ ‫هنا عىل اإلنسان النزيه والصادق مع نفسه أن يقول بصدق‪ :‬نعم ميكن أن أكون مخطئًا‪ ،‬فنحن ال ميكننا الجزم بيش ٍء‬ ‫إذا ما كنا نتكلم بشكلٍ علمي‪ .‬وهنا يقوم املحاجج بتحويل (ال نستطيع الجزم) إىل (نحن ال نعرف شيئًا) وتكون نتيجة‬ ‫املحاججة كالتايل‪:‬‬ ‫أي يش ٍء بشكلٍ مؤكد‪ ،‬فكل يش ٍء ميكن أن يكون وهماً أو خطأً حتى الواقع‬ ‫ ال ميكننا التأكد من وجودنا أو وجود ّ‬‫خاطئ ألنك ال ميكن أن تكون متأك ًدا منه‪.‬‬ ‫موقف‬ ‫والوجود‪ ،‬وعليه فإ ّن موقفك (من ال ّدين أو اإلله أو غريه) هو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫قد يبدو للوهلة األوىل أن يف املحاججة يش ٌء من الحقيقة‪ ،‬وأنها مقنع ٌة بالفعل‪ ،‬إذا كنا ال نستطيع تأكيد وجودنا فام‬ ‫حلم أو يش ٍء ال نستطيع حتى تخيله؟ وأ ّن كل ما نع ّرفه عىل أنه واق ٌع هو ال‬ ‫وهم أو ٍ‬ ‫املانع من أن يكون كل يش ٍء مج ّرد ٍ‬ ‫يشء؟ وبالتايل ال نستطيع الحديث عن الحقيقة إال من باب التعصب األعمى أو الغرور‪.‬‬ ‫لقد س ّميت هذه املحاججة باسم (محاججة املفجر االنتحاري) كونها تنسف "ظاهريًا فقط " محاججة الخصم‪ ،‬كام أنها‬ ‫ٍ‬ ‫موقف يق ّدمها مق ّدم املحاججة‪ ،‬فهي عندما تنفي الواقع فإنها تنفي كل يش ٍء نات ٍج‬ ‫بنفس الوقت تنسف أيّة محاجج ٍة أو‬ ‫عن هذا الواقع مبا يف ذالك املفاهيم واالفرتاضات الدين ّية التي يتبناها مق ّدم املحاججة‪.‬‬ ‫ولكن عليكم أن تدركوا أ ّن هذه النتيجة ظاهري ٌة فقط بسبب تجاهل األسس التي يُبنى عليها املنهج العلمي والتي ال‬ ‫تقلّل من قيمته وسأقوم برشح ملاذا‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫محاججة املفجر االنتحاري‬ ‫ووهم املعرفة املُطلَقة‬

‫الغراب احلكيم‬

‫ما يجهله الكثريون أن املنهج العلمي يقوم عىل ثالث افرت ٍ‬ ‫اضات أساسي ٍة‪ ،‬وهي افرتاضاتٌ غري قابل ٍة لالختبار أو التأكيد‪،‬‬ ‫وهي كالتايل‪:‬‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ •‬ ‫• ‬ ‫• ‬

‫افرتاض أ ّن الكون أو الوجود موجود‪.‬‬ ‫افرتاض أننا نستطيع اكتساب معرف ٍة عن هذا الكون والوجود وتكوين صور ٍة عقل َّية له‪.‬‬ ‫أ ّن الصورة العقل ّية التي لها قدر ٌة تنبؤيّة أفضل من الصورة العقل ّية التي ليس لها قدر ٍ‬ ‫ات تنبؤيّة‪.‬‬

‫هذه االفرتاضات الثالث التي ال ميكن اختبارها أو التأكد منها تجريب ًيا‪ ،‬هي أساس املنهج العلمي كله وهي مصدر تواضع‬ ‫ونزاهة من يتبنى املنهج العلمي‪ .‬ومام يستحق التنويه له هو أ ّن لديها أقل قد ٍر ممكن من االفرتاضات املمكن تب ّنيها‬ ‫ٍ‬ ‫تناقضات داخل ّية‪.‬‬ ‫بدون الوقوع يف‬

‫الصورة العقل ّية للواقع والواقع‬ ‫قد يتساءل أحدكم‪ ،‬وماذا تعني بالصورة العقل ّية للواقع؟ وهل تختلف عن الواقع؟‬ ‫ٍ‬ ‫ككائنات عاقل ٍة ال نتعامل مع الواقع بشكلٍ مبارش‪ ،‬بل نقوم ببناء صور ٍة عقل ّي ٍة أو (موديل) للوجود يف‬ ‫هنا أقول أننا‬ ‫عقلنا ومن ثم نتعامل معها‪.‬‬ ‫جسم ما (ولنقل أنها كرة)‪ ،‬نحن‬ ‫عندما ننظر إىل ٍ‬ ‫ال نتعامل عقل ًيا مع الكرة بل نتعامل مع الصورة‬ ‫املوجودة يف عقلنا عن الكرة من مفاهيم وأفكار‬ ‫وصور‪ ،‬وكلام كانت الصورة العقل ّية مطابق ًة‬ ‫للواقع كلام كانت ذات قدر ٍة تنبؤيّ ٍة أكرب‪ .‬عمليًا‬ ‫ال ميكن للصورة العقل ّية أن تكون مطابق ًة ‪%100‬‬ ‫للواقع‪ .‬ففي املثال السابق‪ ،‬ال ميكن أن تكون‬ ‫الكرة واقع ًيا كر ًة ُمطلَّقة كام يف الصورة العقل ّية‬ ‫لها‪ ،‬ألننا هنا نهمل أن الذرات املكونة لها كنقاط‬ ‫سيكون بينها زوايا‪ ،‬وبالتايل تنتفي الكرويّة عىل‬ ‫املقياس الذري‪ ،‬ولكن الصورة العقل ّية قريب ٌة ج ًدا‬ ‫من الواقع لدرجة أنها تؤخذ عىل أنها حقيق ٌة‬

‫‪64‬‬


‫محاججة املفجر االنتحاري‬ ‫ووهم املعرفة املُطلَقة‬

‫الغراب احلكيم‬

‫تجاوزًا ‪ .‬ومن هنا منيز أهميّة االفرتاض الثالث‪ ،‬حيث أننا ال نتعامل مع حقائق عقليًا بل مع صو ٍر لهذا الواقع يف عقولنا‬ ‫وبالتايل أقرب هذه الصور إىل الواقع هي أصلحها‪ ،‬وال يوجد طريق ٌة أخرى الختبار تقارب الصورة مع الواقع أفضل من‬ ‫اختبار الصورة تنبؤيًا‪.‬‬ ‫عندما ُوضع أول تصو ٍر لجزيء الـ ‪ DNA‬عام ‪ 1953‬عىل يد جيمس واتسون و فرانسيس كريك و موريس ولكنز‪ ،‬مل تكن‬ ‫نظريتهم مبنيّ ًة عىل مالحظ ٍة أو ٍ‬ ‫قياس ُمبارش‪ ،‬بل عن طريق اختبار الصورة أو املوديل‪ .‬اليوم استطعنا بواسطة املجاهر‬ ‫االلكرتون ّية الدقيقة من تصوير ورؤية هذا الجزيء الخلاّ ب‪ ،‬ولكن عندما ُوضعت النظريّة ُوضعت عىل شكل تص ّور‪،‬‬ ‫ومن ثم ت ّم اختبار هذا التص ّور ومدى تطابقه مع الواقع عن طريق وضع تن ّب ٍ‬ ‫ؤات‪ ،‬إن ص ّحت أثناء التجربة فإنها تثبت‬ ‫الصورة النظريّة أو املوديل الذي وضعوه‪.‬‬ ‫نستطيع قول املثل بالنسبة للصورة الذريّة أو املوديل الذري الذي وضعه الفيزيايئ نيلز بور عام ‪ 1913‬والذي يُعرف‬ ‫اليوم مبوديل بور الذري‪ ،‬حيث أنه عندما تم تقدميه مل يكن باستطاعة ٍ‬ ‫أحد مشاهدة الذرة أو قياسها‪ ،‬ولكن أل ّن طريقة‬ ‫املنهج العلمي غري محدود ٍة فقط بحواسنا الخمس نستطيع رسم صور ٍة للواقع ومن ثم اختبار مدى قدراتها التنبؤيّة‬ ‫وبالتايل اختبار الصورة أو املوديل‪ ،‬فالتي يكون لها قدر ٍ‬ ‫ات تنبؤيّ ٍة أكرب نتب ّناها كحقيق ٍة وصور ٍة أكرث تطابقًا مع الواقع‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫محاججة املفجر االنتحاري‬ ‫ووهم املعرفة املُطلَقة‬

‫الغراب احلكيم‬

‫ومن هنا نأيت باالفرتاض الثالث الذي يقول بأ ّن الصورة العقل ّية التي لها قدر ٌة تنبؤيّة أفضل من الصورة العقل ّية التي‬ ‫ليس لها قدر ٍ‬ ‫ات تنبؤيّة‪.‬‬ ‫قائم عىل افرتاضات؟‬ ‫إذن أين نحن من هذا كله وكيف ميكننا القبول بنمه ٍج ٍ‬ ‫الجواب هو أنك ال ميكن أن تعيش حيا ًة إدراك َّي ًة بدون وضع االفرتاضات‪ ،‬االفرتاضات هي الطريقة التي نستخدمها لرسم‬ ‫الصورة العقليّة التي نستخدمها يف إدراكنا للوجود‪ ،‬ولكن هذا ال يعني أننا نستطيع افرتاض ما نشاء وقتام نشاء وعلينا‬ ‫أن نحرص عىل أن يكون لدينا أقل قد ٍر ممكنٍ من االفرتاضات واملتمثلة بالثالثة املذكورة أعاله‪.‬‬ ‫الغريب أن املدافعني عن املوقف الديني يجدون أن وجود هذه االفرتاضات يطعن يف قيمة املنهج العلمي‪ ،‬متناسني‬ ‫أساسا عىل هذه االفرتاضات الثالث‪،‬‬ ‫أن كل ما لديهم هو افرتاضات إضاف ّية غري مربر ٍة وغري ذات قدر ٍة تنبؤيّ ٍة تعتمد ً‬ ‫بل واألغرب أنهم يُظهرون غرو ًرا كب ًريا يف التعامل مع افرتاضاتهم ويصفونها بأنها حقائق ُمطلَّقة‪ .‬هم يعرفون أن الله‬ ‫موجو ٌد‪ ،‬ويعرفون بالتأكيد أن دينهم هو الدين الصحيح‪ ،‬وال ميكن أب ًدا أب ًدا أن يكونوا مخطئني أو حتى يعرتفوا بإمكان ّية‬ ‫قدرتهم عىل الخطأ‪ .‬وبعد ذلك يأيت هؤالء أنفسهم ليكلّمونا عن النزاهة واألخالق ّية يف طرح املعلومات‪.‬‬ ‫عائات أو افرت ٍ‬ ‫وهنا أسأل‪ ،‬متى ق ّدمت أيّة ا ّد ٍ‬ ‫اضات غيب ّية أو دين ّية أيّة قدر ٍة تنبؤيّة أو نجحت يف تأكيد نفسها تجريب ًيا؟‬ ‫وهل نحن بحاج ٍة لوضع افرت ٍ‬ ‫اضات أساسي ٍة جديد ٍة ال مربر لوجودها وال تخدم أيّة رضورة؟‬ ‫هل ق ّدم التفكري الغيبي والديني أي يش ٍء مقابل ما قدمه املنهج العلمي من حضار ٍة وتكنولوجيا ومعارف؟‬ ‫املنهج العلمي يدرك أ ّن التبني لهذه االفرتاضات الثالث األساس ّية دون القدرة عىل التأكد منها تجريب ًيا هو نقط ٌة‬ ‫يخص تب ّني هذه‬ ‫سوداء رضوري ٌة نو ًعا ما‪ .‬وأعتقد أ ّن كل املتب ّنني للمنهج العلمي يجب أن يصلوا إىل السالم والتقبل مبا ّ‬ ‫االفرتاضات ألنه بدون افرتاضها لن يكون هناك عل ٌم أو وجو ٌد أو إدراك‪ ،‬لن يكون هناك يشء‪ ،‬وسنهيم يف وجو ٍد لسنا‬ ‫حتى متأكدين من وجوده ودون إمكاني ٍة لوجود العلم واملعرفة‪ .‬وبرأيي‪ ،‬أن إدراك هذا الواقع هو الذي مينح العلم‬ ‫نزاهته وتواضعه ودون تبني ٍه للمطلقيات يف األحكام‪.‬‬

‫‪66‬‬


‫روابط قراءة المجلة مباشرة أون الين‬

http://issuu.com/i-think-magazine http://www.box.com/s/zhvvajbeglqpq2enaqzp

‫روابط التحميل‬

http://www.mediafire.com/?odd3nd897q2ne http://www.box.com/s/zhvvajbeglqpq2enaqzp http://issuu.com/i-think-magazine

:‫صفحة المجلة على الفيسبووك‬

https://www.facebook.com/I.Think.Magazine

‫مدونة أنا أفكر‬

http://i-think-magazine.blogspot.com

67


‫الساموات و األرضون‬ ‫و رس الرقم ‪7‬‬

‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫‪68‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫السبع من الساموات و األرضون‬ ‫رغم أن العلم كشف الكثري من‬ ‫خفايا وألغاز السموات واألرض‬ ‫‪..‬وكشف حقيقه أنه التوجد سموات سبع‬ ‫وال حتى أرضني سبع إال أنه مازال الغالبية‬ ‫العظمى من البرش يؤمنون ويبصمون بأصابعهم‬ ‫العرش بأن هناك ‪ 7‬سموات و‪ 7‬أرضني‪ ،‬ويسوقون‬ ‫الكثري من اآليات القرآنية واألحاديث النبوية لتأكيد ما‬ ‫يؤمنون به ىف ٍ‬ ‫تحد سافر لإلنجازات العلمية التى حققها‬ ‫العلامء خالل مئات السنني‪ ،‬بل أن بعض املتعاملني منهم أي‬ ‫املدعني للعلم يأخذون املنجزات العلمية ويحاولون ّيل عنقها‬ ‫وتأويلها ليك تتناسب مع مزاعمهم الدينية وخذ عندك مثاال لذلك‬ ‫املدعو زغلول الفشار واملدعو صربى الدمرداش الذى يكبس عىل‬ ‫عقول املسلمني العرب كل أسبوع ىف أحد الربامج الفضائية ملقيا‬ ‫سخافاته عليهم لينتزع من املؤمنني منهم آهات وتسبيحات ‪..‬ويحصد‬ ‫من املفكرين منها لعنات ويصيبهم باليأس ىف نهضة هذه األمة من‬ ‫كبوتها التى أوقعها هوسها بالدين ىف براثنها وأصبح بينها وبني العامل‬ ‫املتقدم ماليني الفراسخ بل قل مئات السنوات الضوئية‪ ،‬ويف هذا امللف‬ ‫سنحاول تفسري حقيقة السموات السبع واألرضني السبع ىف امليثيولوجيا‬ ‫واملعتقدات الدينية املختلفة وكذلك سنحاول توضيح حقيقة الرقم ‪ 7‬املقدس‬ ‫وأسباب تقديسه ‪.‬‬

‫السموات السبع من األساطري القدمية إىل األديان الساموية‬ ‫عقل اإلنسان البدايئ كان ينظر لكل ما يحيط به بدهشة وخوف ينظر إىل السامء فيعتقد أنها مجرد سقف مثل سقف‬ ‫البيت الذى يحتمى فيه من املطر والربد ليس ذلك فحسب بل يعتقد أنها طبقات فوق بعضها البعض‪ ،‬وعندما ينظر‬ ‫وقسمها أيضا مثل السامء إىل طبقات سبع‪،‬‬ ‫اىل األرض تحت أقدامه يظن أن هناك مخلوقات أخرى ىف طبقاتها السحيقة ّ‬ ‫وىف كل طبقه منها يعيش نوع من الكائنات يتناسب مع طبيعة هذه الطبقات السحيقة املظلمة‪ ،‬إن الرمزية األسطورية‬ ‫مستوحاة من تراث الشعوب السامية القدمية فقد كان للبابليني نفس ذلك التصور للساموات السبع وكانت تحيط‬ ‫مبدينة الورقاء سبعة أسوار كام كان ذالك التصور موجو ًدا لدى الفرس يف الزردشتية وفيها صفة السامء األوىل بني حر‬ ‫النار وبرد الثلج وهي مطابقة ملا ورد يف قرآن املسلمني واستفاض الشرُ اح ىف تفسريه ىف التفاسري اإلسالمية‪ ،‬وال بد أن تلك‬ ‫املعتقدات قد نقلت بني سائر شعوب املنطقة بدليل أننا نجدها يف الكتب الدينية مثل التلمود الذي فصلت فيه صورة‬ ‫‪69‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫السبع من الساموات و األرضون‬

‫الساموات ومعراج النبي إدريس عىل اختالف رواياته كام ذكر يف كتاب أنوش أو أنس الله أو أدريس املحفوظ كامالً‬ ‫باللغة السالفونية الكنسية القدمية بجزئيه (‪ ) The secret of Enoch‬و ( ‪ ) Second Book of Enoch‬وكذلك كتاب‬ ‫أخنون املرتجم عن النسخة الحبشية ‪.‬‬ ‫ورمبا يكون القسم األول من الكتاب الثاين إلدريس والذي يعترب من النصوص اليهودية املعرتف بها أكرثها وضو ًحا يف‬ ‫تفصيل وتصوير الساموات السبع يف قصة معراجه إىل السامء ورؤيته لسكانها ومقابلته لله شخصيا يف السامء السابعة ‪.‬‬ ‫حيث يذكر الكتاب أنه عندما بلغ إدريس من العمر‬ ‫‪ 365‬جاء ملكان إليه وحماله خالل الساموات‬ ‫السبع واحدة تلو األخرى حيث وصف السامء‬ ‫األوىل بأنها مكان تسيطر فيها املالئكة عىل الظواهر‬ ‫املناخية من رياح وطقس والسامء الثانية فيها‬ ‫سجون املالئكة املتمردين والعصاة ويف السامء‬ ‫الثالثة توجد الجنة والنار لبني البرش وأن الرابعة‬ ‫هي مكان لحركة الشمس والقمر واملوصوفة بدقة‬ ‫ويف السامء الخامسة يوجد العاملقة من املالئكة‬ ‫الغريغوريون الذين يبكون مصابهم والذين وصفهم‬ ‫بأنهم يشبهون البرش ولكن لهم قامات عظيمة أكرب‬ ‫من العاملقة ولهم مئتي أمة وعم من املالئكة‬ ‫الذين رفضوا طاعة الله‪ ،‬وأن إدريس حاول أن‬ ‫يقنعهم بالعودة إىل طاعته‪ ،‬وذكر يف مقاطع أخرى‬ ‫من الكتاب أن ( الغريغوريني ) نزل منهم البعض‬ ‫إىل األرض وتناسلوا مع البرش ونرشوا يف األرض‬ ‫البالء والخطيئة ‪ .‬أما السامء السادسة ففيها مالئكة‬ ‫مسؤولني عن ترصيف شؤون الكون والناس ‪ .‬أما‬ ‫السامء السابعة ففيها يصف إدريس كيف قاده‬ ‫جربيل إليها حيث قابل الله وجها لوجه ومسحه‬ ‫امللك ميخائيل بالزيت فأصبح شبيها باملالئكة وهنا‬ ‫أمر الله املالك فرفائيل ( ‪ ) Vereviel‬بأن يعلم‬ ‫إدريس ‪ 360‬كتاب ًـا فيها كل ما هو معلوم وبعد ذلك‬ ‫أطلعه الله عىل أرسار الخلق إىل الطوفان والتي ال‬ ‫يعلمها حتى املالئكة ‪.‬ثم عاد إىل األرض ملدة ثالثني‬ ‫يوما ‪.‬‬

‫‪A.A.M‬‬

‫‪70‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫السبع من الساموات و األرضون‬

‫وكذلك نجد وصوفات مشابهة ىف معراج مانيتون السمنودى ىف أسفار التكوين املرصية "الجبتانا" وان كان الوصف‬ ‫وطريقة العروج إىل السامء ملالقاه اآللهه أكرث عقالنية ومنطقية من القصة اإلسالمية عن اإلرساء واملعراج إىل السموات‬ ‫السبع ‪.‬‬ ‫ومام ال بد لنا ذكره هو قصة املعراج التي قام بها محمد والتي وصلتنا عن أحاديثه يف كتب الرتاث ‪.‬ولعل أكرثها إضاءة‬ ‫للفكرة هو حديث أبو سعيد الخدري عن املعراج املوصوف يف كتاب السرية النبوية إلبن هشام حيث تذكر القصة‬ ‫عروج محمد مع جربيل إىل الساموات بالرتتيب ولقائه باألنبياء من قبله كل نبي يف سامء ومشاهداته ووصوفاته لهذه‬ ‫الساموات ‪.‬‬ ‫وقد بني لنا الثعالبي أن للساموات صفاتها واملعادن والعنارص التي اشتقت منها وسكانها ‪.‬‬ ‫عن إبن عباس أن السامء األوىل زمردة خرضاء وأن الثانية من فضة بيضاء والثالثة من ياقوتة حمراء والرابعة من درة‬ ‫بيضاء والخامسة من ذهب أحمر والسادسة من ياقوتة صفراء والسابعة من نور ‪.‬‬ ‫عن الربيع بن أنيس أن السامء الدنيا موج مكفوف وأن الثانية من صخرة والثالثة من حديد والرابعة من نحاس‬ ‫والخامسة من فضة والسادسة من ذهب‬ ‫عن وهب ابن منبه أن أسامئها هي تباعا ديناح ‪ ,‬ديقا ‪ .‬رقيع ‪ ,‬فيلون ‪ ,‬طفطاف ‪ ,‬سمساق ‪ ,‬إسحاقائل ‪ .‬ويف رواية أخرى‬ ‫أن أسامئها تباعا ‪ :‬أدميا ‪ ,‬بسيطا ‪ ,‬ثقيال ‪ ,‬بطيحا ‪ ,‬متثاقلة أو حينا ‪ ,‬ماسكة ‪ ,‬وثرى‬ ‫ويف وصوفاته لها ذكر الثعالبي أن السامء الدنيا كالحديد املجيل واسمها برقيعا سكانها مالئكة خلقوا من نار وريح عليهم‬ ‫مالك يقال له الرعد موكل بالسحب واملطر والسامء الثانية كلون السحاب واسمها قيدوم فيها مالئكة عليهم ملك اسمه‬ ‫حبيب نصفه نار ونصفه ثلج بينهام رتق والثالثة لونها كلون الشبة ( املاعون ) سكانها مالئكة ذوو أجنحة ووجوه شتى‬ ‫والسامء الرابعة كلون الفضة واسمها فيلون وسكانها مالئكة والخامسة عىل لون الذهب األحمر واسمها الحوق والسامء‬ ‫السادسة من ياقوتة حمراء أسمها عاروس فيها جند الله األعظم الكروبيون عليها مالك جنده سبعني ألف والسامء‬ ‫السابعة من اسمها رقيع درة بيضاء فيها جنود الله من املالئكة وفوقها مرهوثا وهي غاممة بها رؤساء املالئكة ذوو وجوه‬ ‫شتى وأجنحة وأنوار والعرش يف العليني‬ ‫إن املتتبع ألنواع املعادن التي ذكرت يجد بعض التامسك يف صلب كل رواية من الروايات فهي تتدرج يف النقاوة من‬ ‫األسفل لألعىل ففوق الحديد النحاس ثم الش ّبة ثم الفضة البيضاء كام أن هناك رضب من تصنيف األلوان يف تدرج من‬ ‫لون الحديد املصقول إىل بياض الفضة فحمرة الذهب فآللئ الياقوت األحمر فبياض الدرة وهو لون النور‬ ‫‪71‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫السبع من الساموات و األرضون‬

‫وتختلف رواية ابن عباس بأنها تجعل من السامء الدنيا زمردة خرضاء أو رخام أبيض وأتت خرضتها من خرضة جبل قاف‬ ‫وهذا ما ذكره املقديس يف كتاب البدء والتاريخ ‪.‬‬ ‫ونجد املنطلق ذاته يف رواية الربيع ابن أنس فيتدرج من الخسيس إىل الرشيف النفيس إذن ال بد وأن وراء هذا التصنيف‬ ‫مراجع وأصول ثقافية ورمزيات كانت سارية يف تلك املجتمعات التي أم ّدت مخيلة مبتدعي هذه الحكايات العجيبة‬ ‫مبادتها السيام أهل الكتاب من جهة وأصحاب الصنعة أي الكيميائيون القدامى‬ ‫إن تصنيف الساموات وسكانها يتطابق مع األفالك والكواكب السبعة ويتطابق أيضا مع أيام األسبوع وما يستحب فيها‬ ‫من أعامل‬ ‫فالسامء الدنيا يوافقها القمر ومعدنه الفضة وبيته الرسطان وطبعه بارد ورمزه الوزير يف املجتمع ويوافقه من أيام‬ ‫األسبوع اإلثنني ويستحب فيه السفر‬ ‫أما السامء الثانية فيوافقها عطارد ومعدنه الزئبق وبيته الجوزاء والسنبلة وهو مزاجي الطبع ورمزه يف املجتمع الكاتب‬ ‫واملالحظ أن ساكن هذه السامء املوكل بها ملك نصفه نار ونصفه ثلج ويوافقه من أيام األسبوع األربعاء‬ ‫ويوافق السامء الثالثة الزهرة ومعدنها النحاس وبيتها الثور وامليزان ورمزها امرأة حسناء ويومها الجمعة املناسب للهو‬ ‫والفرح ‪.‬‬ ‫أما السامء الرابعة فتوافقها الشمس ومعدنها الذهب وبيتها األسد ورمزها يف املجتمع امللك وطبعها الحرارة ويومها‬ ‫األحد الذي يستحسن فيه بداية العمل والبناء كام أن الله بدأ الخلق فيه ‪.‬‬ ‫والسامء الخامسة كوكب املريخ ومعدنها الحديد وبيتها الحمل والعقرب ومن الحديد آلة الحرب وطبعها الحرارة‬ ‫ورمزها الرشطي املعذب ويومها الثالثاء وتيتحب الحجامة فيها والفصد وسفك الدماء ‪.‬‬ ‫السامء السادسة يناسبها املشرتي وبيته القوس والحوت ومعدنه القصدير وهو معتدل املزاج يرمزون له بالقايض العادل‬ ‫ويومه الخميس يوم قضاء الحوائج‬ ‫وأما السامء السابعة واألخرية فيوافقها كوكب زحل وبيته الجدي والدلو ومعدنه الرصاص ذو طبع بارد ورمزه الشيخ وملا‬ ‫كان يومه السبت آخر يوم من أيام الخلق فإنه جعلوه للراحة والتفرغ للصيد ‪.‬‬ ‫‪72‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫السبع من الساموات و األرضون‬

‫هذا ما ذكره املقديس يف كتاب البدء والتاريخ وكتب التفسري يف تفسري آيات سورة التكوير (فَلاَ أُق ِْس ُم بِالْ ُخ َّن ِس ﴿‪﴾15‬‬ ‫الْ َج َوا ِر الْ ُك َّن ِس ﴿‪ . ) ﴾16‬كام ذكرت هذه الوصوفات واألسامء يف روايات املدراش عن الحرب الكيش والحرب أليعازار مع‬ ‫بعض اإلختالفات الطفيفة يف التسمية والرتتيب ‪.‬‬

‫األراضني السبع‬ ‫إن فكرة األراضني ليست بالفكرة القدمية كام هي فكرة الساموات وإذا تتبعنا مصدرها سيقودنا البحث للوصول لهضبة‬ ‫التيبيت والبوذية ومدينتها الفاضلة شامباال التي تقع يف جوف األرض والتي يستقبل كهان البوذية أوامرهم منها عرب‬ ‫أنفاق إىل باطن األرض‪ ،‬أما جعل ما تحت األرض طبقات وأراضني وعوامل فهذا كان من إضافات اإلسالم وانعكاس عن‬ ‫فكرة الساموات السبع القدمية حيث قدم اإلسالم األراضني كجزء إضايف عىل الصورة امليثيولوجية القدمية للكون ‪.‬‬ ‫األرض وما تحتها لها العديد من القصص والحكايات واألساطري ىف معتقدات الشعوب املختلفة لكننا سرنكز عىل الدين‬ ‫اإلسالمي واآليات القرآنية والتفاسري املختلفة ‪.‬‬ ‫ذكر القرآن النون وأقسم به وسميت سورة كاملة باسمه بدايتها كالتايل (ن والقلم وما يسطرون (‪ . ) )1‬ومن تفسري ابن‬ ‫كثري لهذه اآلية‬ ‫حدثنا ابن بشار ‪ ،‬حدثنا يحيى ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ -‬هو الثوري ‪ -‬حدثنا سليامن ‪ -‬هو األعمش ‪ -‬عن أيب ظبيان ‪ ،‬عن ابن‬ ‫عباس قال ‪ :‬أول ما خلق الله القلم قال ‪ :‬اكتب ‪ .‬قال ‪ :‬وما أكتب ؟ قال ‪ :‬اكتب القدر ‪ .‬فجرى مبا يكون من ذلك اليوم إىل‬ ‫يوم قيام الساعة ‪ .‬ثم خلق " النون " ورفع بخار املاء ‪ ،‬ففتقت منه السامء ‪ ،‬وبسطت األرض عىل ظهر النون ‪ ،‬فاضطرب‬ ‫النون فامدت األرض ‪ ،‬فأثبتت بالجبال ‪ ،‬فإنها لتفخر عىل األرض ‪ ..‬النون ( الحوت العظيم ) الذي يستقر عىل ماء واملاء‬ ‫يستقر فوق الريح‬ ‫حديث آخر يف ذلك ‪ :‬رواه ابن عساكر ‪ ،‬عن أيب عبد الله موىل بني أمية ‪ ،‬عن أيب صالح ‪ ،‬عن أيب هريرة ‪ :‬سمعت رسول‬ ‫الله ‪ -‬صىل الله عليه وسلم ‪ -‬يقول ‪ " :‬إن أول يشء خلقه الله القلم ‪ ،‬ثم خلق " النون " وهي ‪ :‬الدواة ‪ .‬ثم قال له ‪:‬‬ ‫اكتب ‪ .‬قال وما أكتب ؟ قال ‪ :‬اكتب ما يكون ‪ -‬أو ‪ :‬ما هو كائن ‪ -‬من عمل ‪ ،‬أو رزق ‪ ،‬أو أثر ‪ ،‬أو أجل ‪ .‬فكتب ذلك إىل‬ ‫يوم القيامة ‪ ،‬فذلك قوله ‪ ( :‬ن والقلم وما يسطرون ) ثم ختم عىل القلم فلم يتكلم إىل يوم القيامة ‪ ،‬ثم خلق العقل‬ ‫وقال ‪ :‬وعزيت ألكملنك فيمن أحببت ‪ ،‬وألنقصنك ممن أبغضت " ‪.‬‬

‫‪73‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫السبع من الساموات و األرضون‬

‫نأيت هنا إىل تفسري املَلك ذو الشكل اآلدمي الذي يحمل األرض مبارش ًة فرنى أن به شبها كبريا من أطلس الحامل للكرة‬ ‫األرضية عند اليونان القديم وال سيام أن عنرص آخر من هذه العنارص هو الهواء أو الريح الذي كان يف نظرة القدامى‬ ‫مقرتن بالظلامت كام ذكر املقديس يف كتاب البدء والتاريخ يف الجزء الثاين ‪ .‬أما الثور فلعل وجوده بقية باقية من دوره‬ ‫يف أساطري املنطقة حيث كان إل ًها من اآللهة اقرتن بالقمر لدى الساميني وكان عند املرصيني القدماء إل ًها نتج الكون من‬ ‫إستنامئه ( جون ولسون – ما قبل الفلسفة ) ويذكرنا هذا أيضا بالبقرة الساموية "نوت" ‪ .‬وقد طرح كتاب مشارق أنوار‬ ‫اليقني للحافظ إسم الثور حيث دمج بني املَلك والثور باسم واحد هو "أرياكيل" بني مفصل إبهامه وراحتيه أربعني سنة‬

‫وله أربعون ألف قامئة وسبعامئة قرن ‪ .‬وليس هذا األمر غريبا إذا تذكرنا أن األتراك واملغول كانوا يتصورون أن األرض‬ ‫محمولة عىل ظهر سلحفاة ‪.‬‬

‫‪74‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫السبع من الساموات و األرضون‬ ‫كام ذكر يف خطبة البيان لإلمام عيل تصور شبه مطابق عن األراضني‬ ‫السبع والتي ننقل منها النص التايل ‪.‬‬ ‫قالوا يا أمري املؤمنني أخربنا عن األراضني السبع وكيفيتها فقال رىض‬ ‫الله عنه ‪ :‬أما الطبقة األوىل فركبها عىل البحر كل أرض إىل األرض‬ ‫التي تليها خمسامئة عام وهي سبع أطباق واألرض الثانية بنخر‬ ‫الريح املختلفة ومنه قوله تعاىل ( وترصيف الريح ) ‪ .‬واألرض الثالثة‬ ‫خلق الله فيها خلقا وجوههم كوجوه بني آدم وأفواههم كأفواه‬ ‫الكالب وأيديهم كأيدي الناس وأرجلهم كأرجل البقر وأصوافهم‬ ‫كأصواف الضان ال يعصون الله طرفة عني ‪.‬‬ ‫وهنا تتطابق الوصوفات مع ما ذكر سابقا للثعلبي باختالف‬ ‫تفاصيل طفيفة يف عدد فقرات أذناب العقارب من ‪ 360‬إىل ‪. 300‬‬ ‫وأضاف اإلمام عيل عىل هذا الوصف ذكر قارون حيث خسف الله‬ ‫به األرض فينزل يف األرض كل يوم قامة فال يبلغ إىل القعر إال يوم‬ ‫القيامة ( عجائب امللكوت – عبد الله الزاهد )‬

‫إن الخوض يف تلك األساطري ودراسة مفاهيم العرب القدمية تسلط الضوء عىل فكر ومعارف وثقافة تلك الشعوب التي‬ ‫متيزت بإسقاطات الحيوان والنبات والطعام بصورته املحلية الضيقة وبتصوير مبالغ فيه للتفاصيل وحتى إسقاط البنى‬ ‫الهرمية للسلطة التي كانت موجودة يف ذلك الزمان ‪ .‬وهذا هو التوجه واملنهج الصحيح يف دراسة األسطورة والفكر‬ ‫األسطوري القديم ‪.‬‬ ‫يف هذه األيام يتشدق علينا الكثري من املحدثني بالدين والعلم والالبسني لعبائتهام أمثال عبد الدائم الكحيل وزغلول‬ ‫النجار بطرح قصص وتفسريات حديثة جديدة ال متت لواقع النصوص والعقائد األصيلة بصلة فتارة يقومون بادعاء أن‬ ‫الطبقات الجيولوجية هي الطبقات املذكورة يف القرآن حتى لو مل يطابق كالمهم الواقع فبقومون بإعادة ترتيب وتقسيم‬ ‫الطبقات الجيولوجية بحسب ما يتوافق مع ادعائهم ليك ينجح اإلعجاز العلمي الذي يؤ ّمن لهم التبجيل والرزق يف‬ ‫مجتمع عطش إىل أي يشء مينحه شعو ًرا بالقيمة حتى لو كان مجرد تدليس ‪.‬‬

‫‪75‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫السبع من الساموات و األرضون‬

‫بعض تجليات الرقم ‪7‬‬ ‫ليس لألعداد واألرقام أي قيمة خاصة واقعية يف ذاتها ولكنها ارتبطت باألساطري واملثيولوجيا مام أكسبها قيم قدسية‬ ‫وميثيولوجية معينة جعلتها ذات تأثري ‪ .‬ومن هنا أىت متييز بعض األعداد عن غريها مثل الواحد واالثنني والثالثة واألربعة‬ ‫والسبعة واإلثني عرش والخمسة عرش ‪.‬‬

‫ولعل الرقم ‪ 7‬هو أشهر األعداد لدى الكثري من الشعوب القدمية وتقديسه مل يقرتن بالكواكب السيارة إال يف زمن متأخر‬ ‫عند إزدهار علم التنجيم ونطرح هنا بعض تجليات الرقم ‪ 7‬يف حضارات الشعوب وباألخص الرشق أوسطية ‪.‬‬

‫‪76‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫السبع من الساموات و األرضون‬

‫قال وهب بن منبه(‪: )1‬‬ ‫كادت األشياء أن تكون سبعا‪ ،‬فالساموات سبع واألرضون سبع والجبال سبع والبحار سبع وعمر الدنيا سبعة آالف واألسام‬ ‫سبعة والكواكب سبعة وهي السيارة‪ ،‬والطواف بالبيت سبعة أشواط‪ ،‬والسعي بني الصفى واملروى سبعة‪ ،‬ورمي الجامر‬ ‫سبعة‪ ،‬وأبواب جهنم سبعة‪ ،‬ودركاتها سبعة‪ ،‬وامتحان يوسف عليه السالم سبع سنني ‪ ,‬قال تعاىل ( فلبث يف السجن‬ ‫بضع سنني ) وإيتاؤه ملك مرص سبع سنني ( وقال امللك إين أرى سبع بقرات سامن يأكلهن سبعا عجاف ) ‪ ،‬وكرامة الله‬ ‫للمصطفى ( محمد ) سبع‪ ،‬قال الله تعاىل لقد آتيناك سبعا من املثاين والقرآن العظيم ) والقرآن سبعة أسباع‪ ،‬وتركيب‬ ‫ابن آدم عىل سبعة أعضاء‪ ،‬وخلقه من سبعة أشياء ( مراحل ) فقد قال تعاىل ( ولقد خلقنا اإلنسان من ساللة من طني‬ ‫‪ ..‬إىل قوله ‪ ..‬تبارك الله أحسن الخالقني ) ورزق اإلنسان وغذاؤه من سبعة أشياء قال تعاىل ( فلينظر اإلنسان إىل طعامه‬ ‫‪ ..‬إىل قوله ‪ ..‬متا ًعا لكم وألنعامكم )‬ ‫وعىل خلفية تقديس الرقم ‪ 7‬تم تقديس الرقم ‪ 15‬وهو عدد الساموات واألرضون باإلضافة للمركز ( األرض التي نعيش‬ ‫بها ) وعدد أيام الشهر القمري ‪ 7‬مرضوبة يف ‪ ، 4‬وكذا من األرقام سبعون‪ ،‬وسبعة آالف‪ ،‬وسبع مائة ‪.‬‬ ‫وقد ذكر الديار بكري يف تاريخ الخميس أن القدماء قالوا ‪ ( :‬الدنيا سبعة أيام كل يوم ألف سنة ) وعودة بالزمن إىل‬ ‫الوراء نجد اهتامم القدماء يف الحضارات السامية واملرشقية بالرقم سبعة حيث أسقطوه عىل الكثري من ثقافاتهم فرنى‬ ‫أن العرب قد صنفوا قصائدهم املختارة يف سبع طبقات جاعلني يف كل منها سبع قصائد‪ ،‬كام يظهر يف (جمهرة أشعار‬ ‫العرب) أليب زيد القريش‪ ،‬وقد اختار من الشعر الجاهيل واملخرضم تسعا وأربعني قصيدة صنفها عىل سبع طبقات يف كل‬ ‫طبقة سبع قصائد ‪.‬كام اعتقد العرب أن الفنون الرئيسية سبعة‪:‬‬ ‫الشعر القريض‪/‬املوشح‪/‬الدوبيت‪/‬ال ّزجل‪ /‬امل ّوال‪/‬الكان وكان‪ /‬والقوما ‪ .‬كام أنهم علّقوا أفضل القصائد الجاهلية عىل‬ ‫الكعبة قبل اإلسالم وسميت باملعلقات السبع وهي ‪ :‬معلقة امرؤ القيس‪ ،‬معلقة زهري بن أيب سلمى‪ ،‬معلقة طرفة بن‬ ‫العبد‪ ،‬معلقة عمرو بن كلثوم‪ ،‬معلقة عنرتة بن شداد العبيس‪ ،‬معلقة لبيد بن أيب ربيعة العامري‪ ،‬و معلقة الحارث بن‬ ‫حلزة اليشكري ‪.‬‬ ‫وعند العرب القدماء كانت تعترب ال ِقداح ( الكؤوس املقدسة ) الواسطة بني الناس واآللهة ‪ .‬وقد ذكروا أنه كان أمام هبل‬ ‫يف جوف الكعبة سبعة أقدح يستقسمون بها إذا اختصموا يف أمر أو أرادوا سفرا أو عمال فام َخ َر َج عملوا به انتهوا إليه‬ ‫‪ .‬وقال ابن واضح(‪( : )2‬وكانت العرب تستقسم باألزالم يف كل أمورها‪ ،‬وهي ال ِقداح‪ .‬وال يكون لها سفر ومقام‪ ،‬وال نكاح‬ ‫وال معرفة حال إال رجعت إىل ال ِقداح‪ .‬وكانت القداح سبعة‪ .‬فكانوا إذا أرادوا أمرا رجعوا إىل القداح فرضبوا بها ثم عملوا‬ ‫مبا يخرج القداح ال يتعدونه وال يجوزونه‪ .‬وكان لهم أمناء عىل القداح ال يثقون بغريهم) ‪.‬‬ ‫‪ - 1‬اإلمام وهب بن منبه (‪ 34‬هـ ‪ 114 -‬هـ) هو تابعي جليل‪ ،‬له معرفة بكتب األوائل وإخباري قصىص يُعد أقدم من كتب يف اإلسالم‪ .‬روى له البخاري ومسلم وأبو داود والرتمذي‬ ‫والنسايئ وابن ماجه يف التفسري‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ابن واضح الشيخ العامل املعمر الصدوق أبو بكر أحمد بن يوسف بن أحمد بن إبراهيم بن أيوب بن عمرو بن مسلم بن واضح الثقفي األصبهاين الخشاب املؤذن‬

‫‪77‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫السبع من الساموات و األرضون‬

‫ومن ميزات العرب أنهم اشتقوا أسامء الكواكب السبعة وغريها من صفاتها كام نجد ذلك يف معاجم اللغة ‪ .‬فالخ َّنس‬ ‫الس ّيار َعدا ال ِّنريين ‪ -‬إمنا ُسميت خ َّنسا ألنها تسري يف الربوج واملنازل كسري‬ ‫الجواري الك َّنس التي ذُكرت يف القرآن ‪ -‬وهي َّ‬ ‫الشمس والقمر ‪ ،‬ثم ت َخنس أي ت َرجع فريى أحدها يف آخر الربوج‪ ،‬وإذا به يك ّر راجعا إىل األول ( الفرق بني رسعة مدار‬ ‫وس ّميت ك َّنسا ألنها ت َكنس أي ت َسترت‬ ‫الكوكب مع األرض تعطي هذه الظاهرة املعروفة بـ ‪ُ ، ) Retrograde movements‬‬ ‫كام تَكنس الظباء‪.‬‬

‫كيفية رؤية حركة الخنس لكوكب املريخ‬

‫كيفية رؤية حركة الخنس لكوكب الزهرة‬

‫‪78‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫السبع من الساموات و األرضون‬

‫وعىل الجانب اآلخر من قضية الرقم سبعة تجلىّ هذا التقسيم يف املجتمع العريب القديم حيث انترشت عبادة الكواكب‬ ‫فرنى هنا تقديس العرب لسبعة مالئكة باالتوازي مع الكواكب السبع التي كانت معروفة ويُعتقد أنها تدور حول األرض‬ ‫‪ .‬فالعرب كام عرفنا كان لهم معرفة بالفلك ‪ ،‬وكانت هذه املعرفة متفاوتة بينهم ‪ .‬وقد قالوا إن أعلم العرب بالنجوم‬ ‫بني مارية بن كلب وبنو م َّرة بن هامم بن شيبان ‪ .‬كام كانت عبادة النجوم عند قوم أش ّد منها عند آخرين ( من كتاب‬ ‫محمود سليم الحوت امليثولوجيا عند العرب) ‪.‬‬ ‫حق‬ ‫وعبد العرب مالئكة الساموات السبع وهم يسبّحون حتى قيام الساعة‪ ،‬فإذا قامت يقولون سبحانك ما عبدناك ّ‬ ‫عبادتك‪ .‬وهم يف السامء الدنيا عىل صور البقر‪ ،‬ويف الثانية عىل صور العقبان‪ ،‬ويف الثالثة نسور‪ ،‬والرابعة خيل‪ ،‬والخامسة‬ ‫حور عني‪ ،‬والسادسة ولدان‪ ،‬والسابعة بنو آد ! موكل بهم عىل الرتتيب‪ ،‬املالئكة‪:‬‬ ‫‪ .1‬إسامعيل‬ ‫‪ .2‬ميخائيل‬ ‫‪ .3‬صاعديائيل‬ ‫‪ .4‬صلصائيل‬ ‫‪ .5‬كلكائيل‬ ‫‪ .6‬سمحائيل‬ ‫‪ .7‬روبائيل‬ ‫ومل يكن تصنيف العرب للكواكب كسبعة سيارات يف السامء يشء جديد فهو يعود لنظريات البابليني والتي انتقلت‬ ‫لإلغريق القديم يف عام ‪ 600‬قبل امليالد و بلغت تلك النظريات صورتها املثالية يف كتاب بطليموس ( املجسطي ) الذي‬ ‫ألَّفه يف القرن الثاين امليالدي‪ .‬وقد اعترب هذا النموذج الذي ألفه بطليموس هو املرجع األسايس يف العامل الغريب والذي‬ ‫تفوق عىل ما عداه من مؤلفات يف علم الفلك‪ ،‬وظل عىل هذه املكانة طيلة ‪ 13‬قرنًا‪ .‬كان اإلغريق والرومان يعرفون‬ ‫سبعة كواكب وكانوا يعتقدون أن تلك الكواكب تدور حول األرض وفقًا لقوانني بطليموس‪ .‬وكان ترتيبهم‪ ،‬وفقًا لقوانني‬ ‫بطليموس‪ ،‬بد ًءا من األرض كاآليت‪ :‬القمر ثم عطارد ثم الزهرة ثم الشمس ثم املريخ ثم املشرتى ثم زحل‪.‬‬ ‫كام تتجىل إسقاطات هذا الرقم عىل أمور أكرث قدما مثل تقسيم األيام يف أسابيع إرتبطت مسميات أيامها باآللهة‬ ‫والطقوس املرتبطة بها فاألسامء األساسية القدمية كانت مأخوذة من اإلغريقية القدمية وليست مجرد ترقيم كام هي‬ ‫يف اللغة العربية وارتبطت بأسامء اآللهة املتمثلة بالكواكب التي كان يعتقد أنها تدور حول األرض عىل الشكل التايل ‪:‬‬ ‫‪ Sunday . Sōl‬وتعني يوم الشمس‬ ‫‪ Monday . Luna‬وتعني يوم القمر‬ ‫‪ Tuesday . Mars‬وتعني يوم املريخ‬ ‫‪ Wednesday . Mercurius‬وتعني يوم عطارد‬ ‫‪ Thursday . Iuppiter‬وتعني يوم املشرتي‬ ‫‪ Friday . Venus‬وتعني يوم الزهرة‬ ‫‪79‬‬


‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫السبع من الساموات و األرضون‬

‫مل يقترص إسقاط الرقم سبعة فقط عىل تصنيفات وتسميات املوجودات والظواهر التي استطاع اإلنسان رؤيتها وإدراكها‬ ‫ومعرفتها بل تع ّداه إىل تصنيف البالد واألرايض والبحار فقد اعتقد العرب ومن قبلهم الزردشتيني بأن األرض سبعة أقاليم‬ ‫وسبعة مناطق ‪.‬‬ ‫ُقسم سبعة أقسام ‪ ،‬ويقول الشيخ كامل الدين ال ّدمريي (صاحب كتاب حياة‬ ‫فاعتقد العرب أن األرض املسكونة ت َ‬ ‫قسم سبعة أقسام‪ ،‬كل قسم يسمى إقليام كأنه بساط مفروش من‬ ‫الحيوان) ‪" :‬إن الربع املسكون من أقاليم األرض ِّ‬ ‫املرشق إىل املغرب‪ ،‬طوله وعرضه من جهة الجنوب إىل جهة الشامل‪ .‬وهي مختلفة الطول‪ ،‬فأطولها وأعرضها اإلقليم‬ ‫األول‪ ،‬فإن طوله من املرشق إىل املغرب نحو ‪ 3000‬آالف فرسخ‪ ،‬وعرضه من الجنوب إىل الشامل نحو ‪ 150‬فرسخا‪،‬‬ ‫وأقرصها طوال وعرضا اإلقليم السابع ‪ ،‬فإن طوله من املرشق إىل املغرب نحو ‪ 1500‬فرسخ ‪ ،‬وعرضه من الجنوب إىل‬ ‫الشامل نحو ‪ 70‬فرسخا‪.‬‬ ‫( بحسب معنى ابن منظور* للفرسخ الذي يساوي ‪ 5.76‬كم نرى أن مساحة أكرب إقليم هو ‪ 14,929,920‬كم مربع أي‬ ‫بحجم قارة أسرتاليا مع جزيرة لورد هاو مرتني أما أصغر إقليم من هذه األقاليم السبعة فإن مساحته تساوي ‪3,483,648‬‬ ‫كم مربع أي أكرب من الهند بقليل)‬ ‫أما سائر األقاليم التي بينهام فيختلف طولها وعرضها بالزيادة والنقصان‪ ،‬ثم إن هذه األقسام ليست أقساما طبيعية‬ ‫لكنها خطوط وهمية وضعها امللوك األ ّولون الذين طافوا بالربع املسكون من األرض ليعلم بها حدود البلدان واملاملك‬ ‫مثل أفريدون وإسكندر وأردشري ‪.‬‬ ‫مام سبق نرى أن تقديس الرقم ‪ 7‬وارتباطه بامليثيولوجيا واألساطري انتقل من ثقافة إىل أخرى ومن دين إىل آخر‬ ‫وصوال لإلسالم الذي جمع من كل الثقافات وأضاف عليها نكهته املحلية الخاصة املغرقة بالتصوير لتنتج هذه الثقافة‬ ‫وامليثيولوجيا الخالبة واملتميزة يف كل جوانبها وصورها‪ ،‬ولكن علينا أن ننظر لها عىل حقيقتها ونعاملها عىل أنها ثقافة‬ ‫أسطورية قدمية مت ّيز هذا الجزء من األرض وأن ال نسمح للدين ورجاالته أن يفسدوا جامل األدب ّيات القدمية كام‬ ‫يفسدون العلم بجعل العلم واألساطري خليط عىل شكل كائن مش ّوه بهدف الدفاع عن الدين وإيجاد زبائن للوهم ‪.‬‬

‫قام ببناء املوضوع و بناء املقال كل من‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫‪john silver‬‬ ‫‪Shakek Altaher‬‬ ‫‪Alnajafi Atheistic‬‬ ‫‪Lilyan Bassi Bassi‬‬

‫املراجع‪:‬‬

‫املنتظم يف تاريخ امللوك واألمم أليب الفرج عبد الرحامن بن عيل بن‬ ‫محمد ابن الجوزي‬ ‫مروج الذهب للمسعودي‬ ‫عرائس املجالس إلبن إسحاق أحمد بن ابراهيم الثعلبي‬ ‫البدء والتاريخ للمقديس‬ ‫موسوعة أساطري العرب عن الجاهلية ودالالتها للدكتور محمد عجينة‬ ‫بقية املراجع مذكورة ضمن النص‬

‫‪80‬‬


‫هل ال ّتخلّف مربمج يف‬ ‫جينات املسلمني؟‬ ‫ ‬

‫الغوغائية والعنف‪ :‬من أبرز سامت املسلمني اليوم‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫التخلّف هو من أهم سامت املجتمعات اإلسالمية وأقصد هنا املعنى اللغوي للكلمة؛ فاملُتخلّف عن الركب يكون عاد ًة‬ ‫يف املؤخرة‪ ،‬فتجد مثالً يف قطيع الحمري الوحشية أ ّن هناك من هو يف املقدمة وهناك من يتخلّف إىل املؤخرة‪ ،‬عادةً‪ ،‬الفئة‬ ‫انقض ْت عليهم األسود‪ ،‬أما املتخلفني فهم من الضعفاء الذين‬ ‫األوىل هي من األقوياء القادرين عىل الركض برسعة فيام لو ّ‬ ‫فائدتهم قليلة بالنسبة للقطيع فيقعون فريس ًة سهل ًة لألسود‪ ،‬وباقي القطيع يعتربهم "دفع َة بال ٍء" وتحسي ًنا للنسل عىل‬ ‫املدى البعيد‪.‬‬ ‫أقول قويل هذا وأنا أفكر يف حال املسلمني اليوم؛ فكرت يف املوضوع مل ًيا خالل مناجايت إلله اإلغريق زيوس فوجدت‬ ‫بالفعل أ ّن كماً هائالً منهم هم من الهمج والغوغاء واملتخلفني عقل ًيا لدرج ِة أنّني بدأت ُّ‬ ‫أشك أ ّن املوضوع له عالقة‬ ‫خصوصا مع انتشار ظاهرة زواج األقارب بني هذه الفئة من البرش؛ فاملسلمون يقعون يف املؤخرة يف كل يشء‬ ‫بالجينات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بالحقد والكراهي ِة تجاه األجنبي املتق ّدم‪ ،‬وهذه النزع ُة‬ ‫مفيد تقري ًبا‪ ،‬ولعل هذا هو ما يفرس نظرتهم الدفاعية املقرون َة‬ ‫رش بكرث ٍة بني املسلمني دون‬ ‫العنرصي ُة والعدوانية تجاه اآلخر تسمى مرض الزينوفوبيا يف علم النفس‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫مرض منت ٌ‬ ‫غريهم‪.‬‬

‫‪81‬‬


‫هل ال ّتخلّف مربمج‬ ‫يف جينات املسلمني؟‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫مهم ومؤثّر‬ ‫خُدع ُة أنَّ اإلسال َم دي ٌن ٌ‬ ‫يلتفت املسل ُم ميي ًنا فريى أ ّن دين ُه هو آخ ُر دينٍ "ساموي"‪ ،‬ويلتفت يسا ًرا فريى أ ّن دين اليهود هو أول دينٍ "ساموي"‬ ‫ُ‬ ‫وبإقرا ِر الجميع حتى هو بنفسه‪ ،‬وعندما ينظر أمامه يرى أ ّن الدين املسيحي هو أكرث دينٍ شعبي ًة يف العامل‪ ،‬والدليل أن‬ ‫يحتفل بأعيادهم ومنهم دولة الكويت املُسلمة والتي تُعطل يف رأس السنة امليالدية احرتا ًما وتبجيالً مليال ِد‬ ‫ُ‬ ‫معظم العامل‬ ‫َ‬ ‫ناهيك عن أ ّن التقويم الرسمي للدولة يتبع التقويم املسيحي وليس اإلسالمي والّذي يستخدم كنو ٍع من‬ ‫نبيهم عيىس‪،‬‬ ‫الزين ِة فقط؛ أنظر إىل صالحية جواز سفرك يا مسلم‪ ،‬ما هو التقويم املعتمد؟ نعم! إنّه تقوي ُم املسيحيني ال ُكفّار‪ ،‬والذي‬ ‫تستخدمه حكوماتكم وهي تضحك‪ ،‬أتعرفون ملاذا؟ ألنّه ال يوجد دول ٌة واحد ٌة خارج بلدانكم املتخلفة تعرتف بتقوميكم‬ ‫تقويم الكفار لتبيان صالحية جواز ِ‬ ‫ات رعاياها املسلمني‪ ،‬وأنتم تقبلون ذلك وأنتم‬ ‫الهِجري‪ ،‬فتُضطر حكوماتكم الستخدام‬ ‫ِ‬ ‫صاغرين‪.‬‬ ‫إ ّن دور الدين اإلسالمي يف الثقافة العاملية يف األلفية الثالثة ِشب ُه معدوم؛ فال يكرتث أح ٌد باإلسالم خارج العامل اإلسالمي‬ ‫إال إذا أرادوا فهم ترصفات اإلرهابيني الهمجية‪ ،‬هذا الفراغ الثقايف املخزي دفع بعض الدجالني املسلمني إىل الخروج‬ ‫بأفكارٍغبي ٍة ومضحك ٍة يسوقونها عىل أنّها ثقافة وعلوم إسالمية‪ ،‬لكنها يف الواقع ال يشء سوى دجلٍ يف دجل‪ ،‬مع ذلك تبدو‬ ‫هذه الخزعبالت معقول ًة ومقبول ًة بل ُمدعا ًة للفخر مل ُ ِ‬ ‫شاهد قناة املجد الجاهل وامل ُ ْح َب ْط نفس ًيا‪ ،‬فيخرج عليهم زغلول‬ ‫حول اإلعجاز العلمي يف القرآن وت َطل ُع لهم آمال البشري وتُشعوذ عن ال ُرقية الشرّ عية‪َ ،‬‬ ‫النجار و"يخربط" َ‬ ‫ناهيك عن تفسري‬ ‫األحالم والحب ِة السوداء و ُدمي ِة باريب املحجبة‪ ،‬ويُص ّدقهم املُسلم التعيس يف َعد ْن والخرطوم وكابل ومقديشيو‪ ،‬عواصم‬ ‫النور والنهضة اإلسالمية املرتقبة‪ ،‬طب ًعا فهؤالء الجمبازية امللتحني عىل شاشة التلفزيون يعلمون أ ّن ما يقومون به هو‬ ‫دجل‪ ،‬لكن ما املانع طاملا أن هناك مهابيلاً مستعدي َن للدفع بال ُعملة الصعبة ليستمعوا اىل هذا الهراء‪.‬‬ ‫ْ‬

‫‪82‬‬


‫هل ال ّتخلّف مربمج‬ ‫يف جينات املسلمني؟‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫املسلم والشّ عور بالدونية‬ ‫كل ما تق ّدم يُشعر املسلم بالنقص تجاه املسيحيني واليهود وغريهم من أصحاب الديانات‪ ،‬ألنهم املتفوقني واألوائل‬ ‫إ ّن َّ‬ ‫واألكرثُ شعبي ًة منه‪ ،‬فامذا يفعل؟ يقوم بالسخرية منهم ويشتمهم ويشكّك يف عقيدتهم‪ ،‬ويدعي أ ّن ال ّدين األخري هو‬ ‫أفضل من ال ّدين األول! يعني أ ّن اليهودية عمرها ‪ 5700‬سن ًة والبوذية ‪ 3000‬سن ًة واملسيحية ‪ 2013‬سن ًة‪ ،‬لك َّن اإلسالم‬ ‫بالسيف سابقًا والبرتودوالر‬ ‫ذا ‪ 1400‬سن ًة هو أفضل منهم جميعا‪ ،‬كيف؟ فتّش يف بطن الشاعر املُسلم الذي نرش دين ُه ّ‬ ‫حال ًيا‪ ،‬لعل َّك تج ُد املعنى هناك!‬

‫يرى املُسلم املسكني أن دينه ليس عريقًا مبا فيه الكفاية‪ ،‬فيتلصق غصبًا بالديانتني اليهودية واملسيحية وي ّدعي أ ّن اإلسال َم‬ ‫امتدا ٌد لهام‪ ،‬ولو أ ّن الصني كانت قريب ًة من جزيرة العرب وسمعوا بالبوذية آنذاك‪ ،‬أل ّدعى أ ّن اإلسالم هو امتدا ٌد للبوذية‬ ‫كذلك وأ ّن بُوذا بَشرّ َ برسول عريب إسم ُه هونج كونج والذي يعني محمد بلغة املاندرين‪.‬‬ ‫أُنظر إىل القُرآن بعني ناقد ٍة وبحيادي ٍة تامة‪ ،‬وبدون خوف أيّها املسلم‪ ،‬ماذا ترى؟ سرتى أ ّن القُرآن هو خليط من تراث‬ ‫اليهود‪ ،‬وهو ُمعظم ق َ​َص ٍص القرآن‪ ،‬وتراث املسيحيني واملتمثلِ يف اإلميان بعودة عيىس املخلص‪ ،‬والوثنيني (الطواف‬ ‫بالكعبة) والقبائل العربية (الشهر الحرام) و ُمعظم الكالم فيه مكرر‪ ،‬فام الجديد؟‬ ‫‪83‬‬


‫هل ال ّتخلّف مربمج‬ ‫يف جينات املسلمني؟‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫الشعور بالدونية يولد الغضب لدى املسلم‬ ‫لو كان األم ُر بيد املسلم لقام بإبادة أتباع جميع الديانات األخرى عن بكر ِة أبيهم ما مل يتبعوا دينه‪ ،‬بالضبط كام فعل‬ ‫أجداده من قبله‪ ،‬وذلك بسبب الحقد والغرية والشعور بالنقص؛ هذا العمل يشبه ما يفعله بلطجي املدرسة الفاشل‬ ‫دراس ًيا والذي يعتدي عىل الطلبة الشطار يف الفصل "بعد الهدة" لتفريغِ غضبه وحقده عليهم بسبب تفوقهم عليه من‬ ‫ناحية‪ ،‬وعدم السامح له بالغش منهم يف اإلمتحان‪ ،‬من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫الحظ‪ ،‬عزيزي القارئ‪ ،‬بأ ّن املسيحيني واليهود ال يعرتفون‬ ‫باإلسالم ورسقات ِه األدبية من تراثهم ومحاولة تحريفها‪ ،‬هل‬ ‫تعتقد أنّها صدفة أن يكون معظم سارقي املقاالت يف موقع‬ ‫لصوص الكلمة هم من اإلسالمجيني؟ و ُج ّل من يحب القص‬ ‫واللّصق يف املنتديات هم كذلك من اإلسالمجيني؟ هل عادة‬ ‫الرسقة األدبية مربمجة يف الجينات اإلسالمية؟ رمبا‪ ،‬لكن من‬ ‫املؤكد أ ّن ُمعظم املسلمني أدمغتهم خاوية وال تحتوي عىل‬ ‫أيّة أفكا ٍر أصيل ٍة فلذلك يرسقون من الغري‪.‬‬ ‫خصوصا إذا كان يهوديًا بالدرجة األوىل أو مسيح ًيا بالدرجة‬ ‫إ ّن أكرث ما يثري حنق املسلم هو أن يرى األجنبي متفوقًا عليه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الثانية‪ ،‬وما يقتله غيظًا هو رؤية ٍ‬ ‫أيضا ردود أفعال املسلمني تجاه‬ ‫واحد من هؤالء يتف ّوق عليه عسكريًا ويهزمه‪ ،‬الحظ ً‬ ‫القتل الجامعي للعرشات يف العراق يوميا‪ ،‬ال يشء! ملاذا؟ ألن القاتل واملقتول هم من القوم فال بأس‪ ،‬فال غالب وال‬ ‫مغلوب‪ ،‬أ ّما إذا سقطت قنبلة ارسائيلية بالخطأ عىل سيارة وقتلت أربعة أشخاص يف لبنان فيبدأ العويل والرصاخ و"طق‬ ‫الصدر"‪ ،‬إنها العنرصية والزينوفوبيا الجمعية للمسلمني الذين ال يهمهم موضوع القتل الجامعي بحد ذاته‪ ،‬بقدر ما‬ ‫تهمهم هوية القاتل واملقتول‪ ،‬باملناسبة‪ ،‬هل سمع أحدكم بدارفور؟‬

‫تخلّف املسلمني السيايس‬ ‫العرب منهم‪ ،‬هو تأخرهم يف تبني النظريات السياسية؛ فهم كمن يلبس موضة‬ ‫خصوصا‬ ‫مؤرش آخر لتخلّف املسلمني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫خمس أعوام مضت اليوم‪ ،‬ويحرض حفلة والضيوف يضحكون عليه "لهالقته"‪ ،‬فالقومية الفاشية انتهت يف أوروبا يف ‪1945‬‬ ‫ليتبناها العرب القومجية يف ‪ 1955‬مع إرصارهم أنّها "موضة جديدة" أمام قهقهات العامل املتحرض الذي يعلق عليهم‬ ‫ساخ ًرا‪.‬‬ ‫‪84‬‬


‫هل ال ّتخلّف مربمج‬ ‫يف جينات املسلمني؟‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫أيضا! وكلنا يعلم الصفعة املؤملة التي تلقّاها جامل عبد النارص يف‬ ‫ال يكفي أنه تقليد فحسب‪ ،‬بل تقليد يش ٍء قديم ً‬ ‫رصف بشكل غوغايئ يف حفل الكبار وحاول أ ّن يغلق قناة السويس‪ ،‬وها هم اإليرانيون‬ ‫‪ 1956‬من العامل املتحضرّ ‪ ،‬عندما ت ّ‬ ‫يحاولون أ ّن يُعيدوا التاريخ مر ًة أخرى بالتهديد بإغالق مضيق هرمز‪ ،‬ويه ّددون العامل مبلفهم النووي وسيتلقون هم‬ ‫اآلخرون صفع ًة مامثل ًة‪ ،‬إنهم أناس ال يتعلمون من أخطا ِء املايض‪ ،‬ويحتاجون للركل كل ب ِ​ِضع سنني ليعودوا اىل رشدهم‪.‬‬ ‫إ ّن مشكلة املسلمني أنهم ميشون إىل الخلف ودامئًا يبحثون عن الرخيص والسهل حتى وإ ْن كان بضاع ًة فاسد ًة ومنتهي َة‬ ‫خجل حتى البغل اليمني! (ال أدري ما عالقة البغال العنيدة باليمن‪ ،‬لكن التشبيه يبدو مناسبًا‬ ‫الصالحية‪ ،‬ال بل وبعنا ٍد يُ ُ‬ ‫لسبب ما)‪ ،‬فيرص املرصي جامل عبد النارص‪،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬عىل إقامة جمهورية عربية متحدة مع عرب الشام ليصفق‬ ‫له الهمج والرعاع أتباع كل ناعق ممن يدخنون البايب ويسمون أنفسهم مثقفني قوميني آنذاك! طب ًعا‪ ،‬فشل املرشوع‬ ‫القومي الفايش عىل الفور وقامت بدله دويالت دكتاتورية وأخرى قبلية يف بالد العربان‪.‬‬ ‫وعندما اكتشف العربان حامقتهم وغباء حلمهم القومي‬ ‫يف ‪ 1967‬بفضل من الله ومن ث ُ ّم إرسائيل‪ ،‬ماذا فعلوا؟‬ ‫ارتدوا إىل الخلف أكرث ليعتنقوا نظرية من سوق الجمعة‬ ‫منتهية الصالحية منذ ‪ 1400‬سنة إسمها "دولة الخالفة‬ ‫اإلسالمية" ومثيلتها الشيعية املسامة "والية الفقيه"!‬ ‫أي إنسان راشد ر ًدا عىل ذلك‪" :‬ما هذا التخلف‬ ‫سيقول ُّ‬ ‫والهمجية؟ أال يوجد عاقل واحد بينكم يا حوش؟" لك ّننا‬ ‫ال نتح ّدث عن عقال ٍء ُهنا‪ ،‬بل عن قوم فقدوا ما لديهم‬ ‫من عقلٍ مبارش ًة بعد انقراض النياندرثال وظهوراالنسان‪،‬‬ ‫فاستبدل مثقفي الهمج البايب والكونياك باملسبحة‬ ‫واملسواك‪ ،‬وبدل التصفيق قاموا يهللون ويكربون ويطربون‬ ‫هسترييًا وكأنهم يف حفل زار لهاربني من مستشفى الطب‬ ‫النفيس يف جهنم!‬ ‫‪A.A.M‬‬

‫‪85‬‬


‫هل ال ّتخلّف مربمج‬ ‫يف جينات املسلمني؟‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫حال اإلسالم واملسلمني اليوم‬ ‫يج ُد املسلمون أنفسهم اليوم وقد تحولوا اىل "ملطشة" العامل‪ ،‬ألن العامل املتحرض فقد ما تبقى من احرتامه املصطنع لهم؛‬ ‫يحتج أح ٌد ال من الرشق وال من الغرب وها هم الدمناركيني‬ ‫فها هي إرسائيل ت ُح ّول لبنان اىل موقف سيارات لدباباتها ومل ّ‬ ‫يحتج أح ٌد ِسواهم‪ ،‬وها هي بقية وسائل اإلعالم يف العامل تنعتهم رصاح ًة أمام العامل باملسلمني‬ ‫يُنكّتون عىل رموزهم ومل ّ‬ ‫أي تر ّد ٍد أو استدراك‪ ،‬دعونا ال نفتح موضوع اإلخوان املسلمني وتجربتهم األخرية يف مرص‪.‬‬ ‫الفاشيني‪ ،‬دون ّ‬ ‫العامل املتحرض يشعر بالقرف من املسلمني وهمجيتهم‬ ‫كل هذا االزدراء للمسلمني من ِق َب ْل اآلخرين مؤخ ًرا؟ الجواب‪ :‬إنّه سلوككم الهمجي! العامل املُتحضرّ يرى فيكم‬ ‫ملاذا ّ‬ ‫ائيل يف ُمعاملتها لكم‬ ‫قو ًما متوحشني وناقيص منو‪ ،‬فال العقالنية تنف ُع معكم وال الطيب ُة وال الحوار‪ ،‬و ُمحق ٌة هي إرس ٌ‬ ‫بهذا الشّ كل‪ ،‬و ُمحقّون هم األوروبيون باالستهزاء مبعتقداتكم بعد انتشار الفريوسات اإلسالمية التي تُف ّج ُر القطاراتَ‬ ‫والحافالتَ يف ُم ُدنِهم الجميلة؛ العامل ال يالم عىل نعتكم بالفاشيني بعد ِفعلتكم ال ّنكراء يف ‪ 11‬سبتمرب ‪ ،2001‬فمثالً‪ ،‬هل‬ ‫رأيتم إحصائية يس إن إن عن َحرب لبنان؟ أكرثُ من ‪ %70‬من العامل‪ ،‬يَرون أ ّن ارسائيل ُمحقّة فيام فعلته هناك‪ ،‬فهل‬ ‫وصلتكم الرسالة أم أنكم ستستمرون يف العناد والسري إىل الخلف؟‬

‫‪https://www.facebook.com/TheEnlightenedMinds‬‬

‫‪86‬‬


‫ٌ‬ ‫ألفاظ أم ِسحر؟!‬ ‫ال ّنص القرآين‪:‬‬ ‫‪Nesat Fz‬‬

‫بات أمر التداوي بالقرآن‬ ‫وال ُّرقية "الرشع ّية" أكرث‬ ‫من مجرد ظاهر ٍة منترش ٍة‬ ‫يف جميع أنحاء البالد‪ ،‬إذ أصبح‬ ‫ل ُه مراكز شبيه ًة باملستوصفات‬ ‫والعيادات الطبية‪ ،‬تصادق عليها الجهات‬ ‫كل‬ ‫الحكومية ويرتادها الناس قادمني إليها عىل ِّ‬ ‫فج عميق‪ ،‬ويحجزون لها مسبقًا كام‬ ‫ضام ٍر ومن ِّ‬ ‫كل ٍّ‬ ‫هو الحال عند األطباء‪ ،‬ال س ّيام الذين ذاع صيتهم بني الناس‪ ،‬ومل‬ ‫يعد غري ًبا أ ْن تجد اإلعالنات التلفزيونية واليافطات واملنشورات التي تقفز يف يدك‬ ‫وأنت مبوقف املواصالت ت ُعلن عن "فالن" من الشيوخ يُعالج بالقرآن سلسل ًة من األمراض التي ال رابط "تخصيص" بينها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫والسكري ورسطان ال ّدم والبواسري‪...‬إلخ ‪.‬‬ ‫مثل الكىل ُّ‬ ‫‪87‬‬


‫ٌ‬ ‫ألفاظ‬ ‫ال ّنص القرآين‪:‬‬ ‫أم ِسحر؟!‬

‫‪Nesat Fz‬‬

‫ويف ذات السياق‪ ،‬نرشت صحيفة "لها ول ُه" األُسبوعية بعنوان‬ ‫يصب‬ ‫عددها الـ ‪ 197‬الصادر بتاريخ ‪ 18/11/2013‬خ ًربا‬ ‫ّ‬ ‫قط ًعا مبصلحة تلك العيادات القرآنية‪ ،‬حيث جاء بالعنوان‬ ‫وبالخط األحمر العريض "مبحض الصدفة‪ ،‬علامء الغرب‬ ‫يكشفون النقاب عن كيفية شفاء اإلنسان بالقرآن الكريم"‪.‬‬ ‫وهكذا نجد الظروف تساعد متا ًما هؤالء الشيوخ األطباء‬ ‫أبواب جديد ٍة من ال ِّرزق من حيث ال‬ ‫يف توسعة بل وفتح ٍ‬ ‫يحتسبون‪ ،‬فواقع ارتفاع تكلفة العالج والدواء الط ِّبي بشكلٍ‬ ‫جنوين‪ ،‬فضالً عن أ ّن هذا االكتشاف "الغريب" الذي أثبت أ ّن‬ ‫القرآن شفا ٌء ملا يف األبدان‪ ،‬س ُيغري ـ حتى بعض املُتشكِّكني‬ ‫يف جدوى عالج هؤالء الشيوخ األطباءـ مبحاولة التجربة من‬ ‫منطلق‪" :‬الغريق يتعلق بقشّ ة!"‬ ‫يحشد الخرب الذي أوردته صحيفة "لها ول ُه" ـ املختصة بنقل‪ ،‬أو باألدق تلفيق‪ ،‬مثل تلك االكتشافات الغربية القرآنية‬ ‫الطبية ـ عد ًدا من آيات القرآن ( َونُ َن ِّز ُل ِم َن الْ ُق ْرآنِ َما ُه َو ِشفَا ٌء َو َر ْح َم ٌة لِلْ ُم ْؤ ِم ِن َني َولاَ يَزِي ُد الظَّالِ ِم َني إِلاَّ َخ َسا ًرا) [اإلرساء‪]82:‬‬ ‫الص ُدو ِر‬ ‫اس قَ ْد َجا َءتْكُم َّم ْو ِعظَ ٌة ِّمن َّربِّ ُك ْم َو ِشفَا ٌء لِّماَ فيِ ُّ‬ ‫(ق ُْل ُه َو لِلَّ ِذي َن آ َم ُنوا ُه ًدى َو ِشفَا ٌء) [ف ُّصلت‪( ]44:‬يَا أَيُّ َها ال َّن ُ‬ ‫َو ُه ًدى َو َر ْح َم ٌة لل ُمؤ ِم ِن ْني) [يونس‪ ،]57:‬ولكن ُمح ِّرر الخرب ـ الذي أضحى مقاله بامتياز ـ يربط عملية تحقيق الشفاء تلك‬ ‫باإلميان بالقوى السحرية للقرآن‪ ،‬فيقول‪" :‬إالّ أ ّن إحسان الظّن بالله سبحانه وتعاىل بأنّه الشايف واملعايف عرب كالمه (القرآن‬ ‫الكريم) والن ّية الخالصة والصادقة يف هذا االعتقاد هو السرِّ األعظم لهذا الشفاء ال ّرباين‪".‬‬ ‫ويتحدث الخرب‪/‬املقالة بعد ذلك عن االكتشاف الغريب العظيم والذي ت ّم مبحض "الصدفة" حسب ما جاء بعنوان‬ ‫الصحيفة‪" :‬ومن علامء الغرب أنفسهم‪ :‬الحظ العامل الياباين (اميوتوا) مع تساقط الثلج عىل األرض يكاد يُذهلك التنوع‬ ‫فلكل بلور ٍة تصمي ٌم فري ٌد وال تكاد تلمس تشاب ًها‪...‬وقام بإجراء تجربته العلمية ملعرفة بعض أسباب‬ ‫الهائل للبلورات‪ِّ ،‬‬ ‫تنوع البلورات‪ ،‬ووفق ما نُقل عنه يف مقابالته املنشورة وما جاء يف كتابه "رسالة من املاء" وضع ما ًء ُمقطّ ًرا بني مكربين‬ ‫للصوت‪ ،‬إذ يصدر من أحدهام موسيقى متن ّوعة لع ّدة ساعات‪ ،‬وأخرى يُقرأ عليها القرآن‪...‬ونرش النتائج معل ًنا حصوله‬ ‫عىل بلور ٍ‬ ‫كل تأثري‪ ،‬ووجد أ ّن املاء الذي قُرئ عليه القرآن قد تأثرت وتشكّلت جزيئياته بأشكا ٍل جميل ٍة مختلف ٍة‬ ‫ات تمُ ِّيز ّ‬ ‫عماّ كان عليه سابقًا تأث ُ ًرا بالقرآن رغم عدم فهمه ـ أي الياباين ـ لكلامت القرآن‪ "،‬وينتهي الخرب بنتيج ٍة أو خالص ٍة طفولي ٍة‬ ‫شبيه ٍة بالرابط العجيب الذي كنا نُشاهده عىل قناة األطفال "سبيستون"‪ ،‬فيقول‪" :‬مبا أ ّن جسم اإلنسان مكون من ‪75%‬‬ ‫من املاء‪ ،‬والقرآن يتفاعل عىل هذا النحو مع املاء‪ ،‬إذًا فالقرآن يُعالج جسم اإلنسان!‬ ‫‪88‬‬


‫ٌ‬ ‫ألفاظ‬ ‫ال ّنص القرآين‪:‬‬ ‫أم ِسحر؟!‬

‫‪Nesat Fz‬‬

‫ونالحظ بوضوح التلوين غري املهني الذي ِصي َغ ب ِه الخ ُرب حتى أصبح أشبه باملقالة‪ ،‬بل صار مقال ًة كاملة الدسم‪ ،‬حيثُ‬ ‫يُركِّز الخرب عىل عدم فهم العامل الياباين للقرآن‪ ،‬وعىل حشد ك ٍّم من النصوص القرآنية وتوضيح كيفية عملها الطبي‪ ،‬بينام‬ ‫رص ُف ذهن القارئ إىل ُمراد ناقل الخرب‪ ،‬فضالً عن‬ ‫املهنية كانت ت ُحتّم االكتفاء بإيراد الخرب مج ّر ًدا دون تح ّي ٍز وإضاف ٍة تَ ِ‬ ‫عدم ِذكر مصدر الخرب‪ ،‬وال حتى اإلشارة إىل من نُقل عنه الخرب‪ ،‬واالكتفاء باسم املخرتع األ ّول دون إمتام االسم‪ ،‬وعدم‬ ‫أرشفت عىل تجاربه واعتمدت نتائجها‪ ،‬ودون اإلحالة إىل رقم الصفحة التي‬ ‫ِذكر الجهة العلمية التي يتبع لها أو التي‬ ‫ْ‬ ‫تح ّدث فيها العامل الياباين عن إنجازه هذا رغم ِذكر اسم الكتاب‪ ،‬ودون اإلحالة إىل املقابالت املنشورة التي جاء ِذكرها‬ ‫يف منت الخرب‪/‬املقالة ‪.‬‬ ‫توثيق أو دليلٍ عىل أمانة النقل‪ ،‬وبالتايل فالخرب شأنه شأن معظم‬ ‫أي ٍ‬ ‫وهكذا‪ ،‬فمن ناحية تقنيات الخرب نجدها تفتقر إىل ّ‬ ‫اكتشافات غربّي ٍة لقدر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات سحري ٍة للقرآن؛ محض‬ ‫األخبار التي تنرشها الصحف واملواقع اإلسالمية والتي تتحدث عن‬ ‫تو ّه ٍ‬ ‫امت احتطبتها ٌ‬ ‫عقول كليل ٌة أضناها التخلف والعجز العلمي عن مسايرة قاطرة العلوم التي تسحقهم سحقًا تحت‬ ‫عجالتها‪ ،‬فمن الطبيعي ج ًدا أن يأيت اإلخراج الصحفي أو األداء املهني الصحفي رديئًا ج ًدا‪.‬‬ ‫يعج باملُستغ َرب واملُستظ َرف‪ ،‬واملضحك واملبيك يف ذات الوقت‪ ،‬فعنوان الخرب‬ ‫أ ّما من ناحية مضمون الخرب نفسه فنجده ّ‬ ‫وترص ٍد من املخرتع الياباين الذي تال القرآن‬ ‫يُشري إىل أ ّن االكتشاف ت ّم مبحض "الصدفة"‪ ،‬بينام متنه يحيك عن سبق إرصا ٍر ّ‬ ‫عرب مكرب الصوت ليبحث عن تأثريه يف جزيئيات املاء املُقطّرة‪ ،‬يبدو أ ّن كلمة "صدفة" قد ُوضعت يف العنوان لتُضفي‬ ‫بالص ِ‬ ‫بأسلوب ٍ‬ ‫حف الصفراء والتي بات واض ًحا أ ّن بعض الصحف الدينية أكرث‬ ‫عليه بُع ًدا أكرث تشويقًا للقارئ‬ ‫ٍ‬ ‫رخيص يليق ُ‬ ‫اصفرارا ً منها ‪.‬‬ ‫أيضا وضمن ُمضحكاته املُبكيات يقول عنوانه بأ ّن صاحب االكتشاف هو عاملٌ غر ّيب‪ ،‬بينام متنه يُشري لعامل ياباين‬ ‫الخرب ً‬ ‫لكل اخرتا ٍع‬ ‫حريصا عىل إيجاد صل ٍة ِّ‬ ‫"قُح" (وليس من أصول يابانية)‪ ،‬ولعلّها عقدة النقص الغربية التي تجعل ناقل الخرب‬ ‫ً‬ ‫بالغرب وكأنمّ ا أق ّر يف ال وعيه مصداقية البحوث الغربية وأمانتها وعظمتها ومقدارها العلمي رغم تكفريه ألهلها واتهامه‬ ‫لهم بانعدام األهلية األخالقية بحكم كفرهم وماديتهم!‬ ‫بصدر الخرب نلحظ ربط ُمح ّرر الخرب لإلميان بالقرآن بعملية استحضار قدراته السحرية‪ ،‬حيث ال شفا َء للقرآن من غري‬ ‫حد ٍ‬ ‫قول أنا أوافق عليه إىل ٍ‬ ‫اإلميان به‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫ناقض‬ ‫بعيد ال س ّيام عىل ضوء الدراسات السيكولوجية الحديثة‪ ،‬ولك ّن الخرب يُ ُ‬ ‫نفس ُه عندما يَتحدثُ عن جزيئيات املاء املُقطّرة الّتي استجابت للقدرة السحرية للقرآن‪ ،‬فهل تلك الجزيئيات "مؤمن ٌة"‬ ‫بالقرآن‪ ،‬وهل يا ت ُرى يرسي عليها مفعول ُه السحري أو السيكولوجي؟!‬ ‫‪89‬‬


‫ٌ‬ ‫ألفاظ‬ ‫ال ّنص القرآين‪:‬‬ ‫أم ِسحر؟!‬

‫‪Nesat Fz‬‬

‫وحتى شفا ُء القرآن لبعض الحاالت التي تؤمن بقدراته السحرية عىل العالج ال تنسحب عىل جميع املؤمنني‪ ،‬أو عىل‬ ‫جميع األمراض‪ ،‬فكم من ٍ‬ ‫مريض مؤمنٍ مل يُكتب له الشفاء بالقرآن! وكم من شي ٍخ يُعالِج بالقرآن ذهب للعالج بالخارج‬ ‫بعد الفشل يف القضاء عىل مرضه بواسطة القرآن! كام أ ّن شفا َء املؤمن بواسط ِة ما يُؤم ُن بأنه يحقق الشفا ِء له‪ ،‬ليس‬ ‫حك ًرا عىل القرآن فحسب‪ ،‬بل نجد ذلك عند جميع أتباع الديانات واملذاهب‪ ،‬ويف األساطري‪ ،‬ونجد العالج باملوسيقى اليوم‬ ‫أحد الطرق املعتمدة حتى علم ًيا‪ ،‬ومثل ما هو الحال عند ج ّداتنا بالسودان وطقس "ال ّزار" الذّي لطاملا تسبب يف شفاء‬ ‫ٍ‬ ‫مشكالت يف النطق أعيا األطباء‬ ‫عرشات الحاالت العص ّية عىل الطب الحديث‪ ،‬وكاتب السطور نفسه عاىن يف صباه من‬ ‫شفاءها‪ ،‬وكنت عىل وشك السفر إىل أملانيا إلكامل العالج هناك لوال إرصار جديت ـ سامحها الله عىل حرماين من السفر‬ ‫إىل هناك ـ عىل الذهاب يب إىل أحد الشيوخ‪ ،‬حيثُ‬ ‫انتظمت يف جلسات عال ٍج بالقرآن واملحايات لنحو شه ٍر بدأت بعده‬ ‫ُ‬ ‫بالتامثل واالستجابة للعالج وطفقت أنطق حتى ُح ِسبت عىل زمرة الرثثارين اليوم ‪.‬‬ ‫إذًا‪ ،‬فالعالج بالقرآن ال يعود إىل التأثري السحري أو املاورايئ للَّفظ‪ ،‬بقدر ما يعود إىل التأثري السيكولوجي له عىل املريض‬ ‫املؤمن بقدراته السحرية‪ .‬وهذا ذات ما قد يحدث للمسيحي املريض عند قراءة القسيس للتعاويذ عىل رأسه ‪.‬‬ ‫ففلسفة تلك األساليب بالعالج ـ ويمُ كن هنا أن نُضيف إليها املوسيقى ـ تقوم عىل تحفيز ردود أفعال املريض عىل كافة‬ ‫املستويات‪ .‬وتقوم عىل االتصال بالشخص يف سياق التجربة املوسيقية أو الوجدانية ـ كام هو الحال بالنص السحري أيّاً‬ ‫كان دينه ـ وتحفيز الجهاز العصبي املركزي للمساعدة يف تحس ٍني سلويكٍّ ومعر ٍّيف طويل املدى لألشخاص الذين يعانون‬ ‫ٍ‬ ‫اختالالت عصبي ٍة – بيولوجية‪.‬‬ ‫من‬

‫‪90‬‬


‫ٌ‬ ‫ألفاظ‬ ‫ال ّنص القرآين‪:‬‬ ‫أم ِسحر؟!‬

‫‪Nesat Fz‬‬

‫ونلحظ ذلك بوضو ٍح أكرث يف فعالية املوسيقى وأثرها يف تنشيط إفراز مجموع ٍة من املواد الطبيعية‪ ،‬التي تتشابه يف‬ ‫تركيبها مع املورفني‪ ،‬وهي ما تسمى باألندورفينات‪ ،‬ومن املعلوم أ ّن األمل واملتعة واالنفعال‪ ،‬وكث ٌري من األمراض لها ٌ‬ ‫اتصال‬ ‫بعمل األندورفينات‪ ،‬والتي اتّضح أن املوسيقى تساعد مساعد ًة جبار ًة عىل زيادة إفرازها‪ ،‬وبالتايل عىل عالج الجسم‬ ‫وشفائه من األمراض ‪.‬‬ ‫املسالة إذًا ال عالقة لها كام أرشت باملضمون السحري للّفظ‪ ،‬بقدر ما هي نتاج االعتقاد املُتو َّهم باملضمون السحري له‪،‬‬ ‫أسطوري قائ ٌم عىل خللٍ يف تصور اللغة ذاتها‪ ،‬وهذا‬ ‫فاالعتقاد بقدرة القرآن ـ أو ألفاظ القرآن ـ عىل العالج هو اعتقا ٌد‬ ‫ٌّ‬ ‫ما نلمحه يف غري االعتقاد بقدرة لفظ القرآن عىل اإلتيان بأمو ٍر خارق ٍة متعددة‪ ،‬حيث نجد الناس يف حياتنا االجتامعية‬ ‫يخشون من ذكر اسم الرسطان فيقولون عنه "الخبيث"‪ ،‬ونجد املوشكني عىل االفرتاق يختمون حديثهم بالشهادتني‬ ‫حيث يقول األول‪" :‬ال إله إالّ الله"‪ ،‬ويُكمل الثاين‪" :‬محمد رسول الله‪ "،‬ناهيك عن أساطري مثل التامئم والحجاب واإلميان‬ ‫كل تلك املامرسات تستمد مرجعيتها من مفهوم القوة السحرية للّغة الناتج عن‬ ‫بالسحر والعني والحسد‪ ،‬وسنجد أ ّن ّ‬ ‫قدرة اللفظ منطوقًا أو مكتوبًا ال عىل استحضار املعنى يف الذهن فقط‪ ،‬بل عىل استحضار اليشء أو منعه عىل ح ّد تعبري‬ ‫الدكتور نرص حامد أبو زيد ‪.‬‬ ‫والحقيقة فإ ّن اللغة يف عالقتها مع العامل الخارجي كام ذكر املعتزلة هي عالقة مواضع ٍة واصطال ٍح واتفاق‪ ،‬وليست عالقة‬ ‫رضور ٍة كام ذهب لذلك األشاعرة حيث قالوا إ ّن العالقة بني اللفظ ومعناه عالق ٌة ذاتي ٌة جوهري ٌة حسب ما جاء يف مقاالت‬ ‫اإلسالميني أليب الحسن األشعري‪ .‬فلفظ "ضرَ ْ ْب" ال عالقة له بالحدث الذي بالخارج عىل نح ٍو رضوري‪ ،‬فالفعل ت ّم حتى‬ ‫ولو مل يصطلح الناس عىل تسميته بلفظ "الضرّ ْ ْب‪ "،‬أي أ ّن اللفظ يف املحصلة النهائية مجرد ٍ‬ ‫سمعي أو رم ٍز كتايب‪،‬‬ ‫صوت‬ ‫ٍّ‬ ‫وهو بال معنى إذا مل يكن هنالك دالل ٌة اتفاقي ٌة عليه ‪.‬‬ ‫صاغ العامل السويرسي (دي سوسري) يف كتابه "محارضات يف علم اللغة" عىل نح ٍو ممتا ٍز عالقة اللغة بالواقع الخارجي‬ ‫مستبدالً كلمة "لفظ" بكلمة "دال" وكلمة "معنى" بكلمة "مدلول" حيث اعتربهام ميثالن جانبي العالمة اللغوية حيث‬ ‫ذهني مدلول‪ ،‬فتصورنا للخارج محكو ٌم‬ ‫اللفظ‪/‬ال ّدال ال يُعبرِّ عن الواقع الخارجي عىل سبيل املطابقة‪ ،‬بل يُحيل إىل‬ ‫ٍ‬ ‫مفهوم ٍّ‬ ‫بإكراهات وقصور حواسنا املُتلقِّية ل ُه والتي ال يُشرتط أن تنقل الواقع الخارجي إىل أذهاننا بذات النحو املوجود عليه‬ ‫يف االحقيقة‪ ،‬وحتى اللفظ‪/‬ال ّدال ليس هو الصوت امللفوظ أو الرمز املكتوب‪ ،‬بل هو الصورة السمعية أو باألدق األثر‬ ‫النفيس الذي تنقل ُه لنا حواسنا ‪.‬‬ ‫إذًا‪ ،‬فإ َّن هذا التصور للعامل السويرسي (دي سوسري) وضع ح ًدا نهائ ًيا ملزاعم سحرية اللغة أو القدرة الخارقة للّفظ‪ ،‬قرآين‬ ‫أو غريه‪ ،‬فعالقة اللغة متواضع ٌة ج ًدا بالعامل الخارجي ناهيك عن أن تُؤتىَ لها القدرة السحرية عىل تغيري قوانينه‪ ،‬فاللغة‬ ‫رشا عن الواقع إطالقًا ‪.‬‬ ‫ليست تعب ًريا مبا ً‬ ‫‪91‬‬


‫ٌ‬ ‫ألفاظ‬ ‫ال ّنص القرآين‪:‬‬ ‫أم ِسحر؟!‬

‫‪Nesat Fz‬‬

‫وألوضح املسألة عىل نح ٍو آخر‪ ،‬سأنقل هذا املثال الذي أورده الدكتور نرص حامد أبو زيد يف كتابه "التفكري يف زمن‬ ‫ِّ‬ ‫التكفري" يف سياق مناقشته لتاريخانية القرآن‪ :‬جملة "مات الخليفة األ ّول أبو بكر الصديق"‪ ،‬هي جملة تشري إىل واقع ٍة‬ ‫حدثت خارج اللغة‪ ،‬لكن النظر للجملة من خالل قوانني اللغة يكشف عدم التامثل‪ ،‬الجملة تقول أ ّن هنالك من "مات"‬ ‫فعالً‪ ،‬وتقول أ ّن الفاعل هو أبو بكر‪ ،‬وهذا ليس صحي ًحا عىل مستوى الواقعة الخارجية‪ ،‬فالخليفة ‪-‬رحمه الله‪ -‬مل يفعل‬ ‫موته‪ ،‬هذه مالحظة أوىل‪ ،‬املالحظة الثانية أ ّن "الفاعل" نحويًا هي كلمة "الخليفة" وهي متثل يف الواقع الخارجي "وصفًا"‬ ‫للشخص وليس الشخص "الفاعل"‪.‬‬ ‫التعامل مع لفظ القرآن بوصفه ال يُعطي مفاهيم معرفية‪ ،‬بل ويأيت بقدر ٍ‬ ‫ات سحرية‪ ،‬ال يقترص عىل املشائخ الذين‬ ‫ي ّدعون القدرة عىل العالج به فحسب‪ ،‬بل وينسحب عىل دعاة اإلسالم السيايس الذين ينظرون إىل القرآن كرتياقٍ‬ ‫سحري‬ ‫ٍّ‬ ‫لكل زمانٍ ومكان ملعالجة مشاكل املجتمعات السياسية واالجتامعية واالقتصادية بألفاظه السحرية وكلامته التي‬ ‫صال ٍح ِّ‬ ‫لها قدر ٌة خارق ٌة عىل صياغة الدساتري والنظريات املختلفة‪ ،‬ويف نهاية األمر هي رؤي ٌة ساذجة قد نجد م ِّرب ًرا لبعض الشيوخ‬ ‫ٍ‬ ‫معهد ديني‪ ،‬لكن من الصعب أن نجد م ّرب ًرا لخ ّريجي‬ ‫الذين يتب ّنونها باعتبار أ ّن حصاد تعليمهم شهاد ٌة من خلو ٍة أو‬ ‫الجامعات األوروبية أمثال الكوادر القيادية يف الحركات اإلسالمية التي تُص ِّدع رؤوسنا بشعار ٍ‬ ‫ات عىل نحو "القرآن‬ ‫دستورنا" أو "الحل السحري هو اإلسالم"‪...‬إلخ‪ ،‬والتي تتب ّنى مثل تلك الرؤية األسطورية للفظ القرآن ‪.‬‬ ‫هي إذًا دعو ٌة عىل أحسن الفروض ‪-‬أي لو أحس ّنا الظّن بال ّداعني إليها‪ -‬تعكس جهالً وموروث ًا من بقايا األساطري القدمية‬ ‫ٍ‬ ‫وخوف وتعتقد بقدراتها السحرية‪ ،‬وعىل أسوأ الفروض‪ ،‬محاول ٌة للمحافظة‬ ‫التي كانت تتعامل مع الرموز واأللفاظ بخشي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫عىل مصالح ومواقع وامتياز ٍ‬ ‫وانتهاك‬ ‫ات ال تُؤتىَ ألصحابها لو أُغلقت هذه األبواب يف وجوههم فهي مبثابة قطعٍ ألرزاقهم‬ ‫لسلطاتهم وتع ٍّد عىل رأس مالهم الرمزي ‪.‬‬ ‫كل سلط ٍة ظالمي ٍة متنع العقل اإلنساين من الوصول إىل نور الح ِّرية ح ًبا يف االستبداد وتعلقًا بالسيطرة !‬ ‫م ًعا ضد ّ‬

‫‪92‬‬


‫هل ثبت زيفها حقًا؟‬

‫(‪)1‬‬

‫‪Ghaith Jabri‬‬

‫ٍ‬ ‫بترصف عن ((‪)Robert Richards)2‬‬ ‫خالل النصف األخري من القرن التاسع عرش‪ ،‬وحتى أوائل القرن العرشين‪ ،‬مل يدافع أح ٌد من العلامء عن النظرية‬ ‫الداروينية كام فعل العامل األملاين ارنست هايكل (صورة ‪ ،)1919-1834( Ernst Haeckel )1‬فقد كانت كتبه العديدة‬ ‫(‪ )1‬نرشت هذه املقالة يف دورية العلوم والفلسفة ‪ Biology and Philosophy‬العدد ‪ 24‬لعام ‪.2009‬‬ ‫(‪ :Robert J. Richards )2‬أستاذ تاريخ العلوم والطب يف جامعة شيكاغو‪ -‬مركز موريس فيشنب لتاريخ العلوم‪.‬‬

‫‪93‬‬


‫‪Ghaith Jabri‬‬

‫التي ترجمت إىل الكثري من لغات العامل‪ ،‬مصد ًرا ها ًما لنرش‬ ‫كم هائلٍ من الناس‪ ،‬حتى أنها فاقت يف تأثريها‬ ‫العلم بني ٍ‬ ‫كتب دارون نفسه‪ ،‬وقد تسببت كتب هايكل بزوبع ٍة‬ ‫من الغضب العارم يف أوساط معارصيه من املؤمنني‬ ‫املتشددين‪ ،‬وخاصة املتعصبني األورثودوكس‪ ،‬ويُر ُّد اليوم‬ ‫موقف رجال الدين العدايئ تجاه نظرية التطور يف األصل‬ ‫إىل معارضة هايكل الدامئة لحرش ال ّدين يف العلم‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من العالقة الطيبة التي كانت تربط هايكل‬ ‫بدارون ودعم األخري الدائم له‪ ،‬فإن بعض معارصيه من‬ ‫العلامء املنتقدين لنظرية التطور – مثل لويس آغاسيز‬ ‫‪ ،Louis Agassiz‬وامييل دو بوا رميوند ‪Emil Du Bois-‬‬ ‫‪ ،Reymond‬ورودولف فريشو ‪ -Rudolf Virchow‬ات ّهم‬ ‫هايكل بالخداع‪ ،‬وقد عادت هذه التهمة اليوم مدعوم ًة‬ ‫بأدل ٍة تبدو للوهلة األوىل مقنع ًة والتقبل الجدل‪.‬‬ ‫صورة ‪ .1‬ارنست هايكل (‪)1919-1834‬‬

‫فقد نرشت مجلة ساينس ‪ Science‬مقاالً للباحثة بنييس‬ ‫‪ Pennisi‬عام ‪ 1997‬بعنوان‪" :‬أج ّنة هايكل‪ :‬إعادة الكشف عن التزييف ‪"Haeckel’s Embryos: Fraud Rediscovered‬‬ ‫رصحت املقالة بأن أعامل‬ ‫اتهمت فيها هايكل بالتضليل املتعمد وتزوير مراحل التطور الجنيني (‪ ،)1997 Pennisi‬و ّ‬

‫صورة ‪ .2‬من مقالة ‪" :Pennisi‬أج ّنة هايكل‪ :‬إعادة الكشف عن التزييف" مجلة ساينس ‪.1997‬‬ ‫‪94‬‬


‫‪Ghaith Jabri‬‬

‫الباحث مايكل ريتشاردسون ‪ Michael Richardson‬ق ّدمت أدل ًة واضح ًة عىل تزوير هايكل من خالل مقارنة رسوماته‬ ‫لألج ّنة يف املراحل املبكرة مع صو ٍر حديث ٍة ألج ّنة نفس األنواع يف نفس املرحلة الجنينية (صورة ‪ .)2‬وت ُظهر الصور أج ّنة‬ ‫أنوا ٍع مختلف ٍة فيام بينها بشكلٍ كبري‪ ،‬وبالطبع مختلف ٌة عماّ جاء يف رسومات هايكل‪ ،‬ونستدل من الصورة بجالء بأن‬ ‫ٌ‬ ‫محتال مز ّور!‬ ‫هايكل‬ ‫ٍ‬ ‫تزييف يف تاريخ‬ ‫وتذكر املقالة عبار ًة للباحث ريتشاردسون تؤكّد هذا االتهام‪« :‬يبدو أنّها أشهر عملية‬ ‫(‪.)1997 Pennisi‬‬

‫البيولوجيا»(‪)3‬‬

‫رسعان ماتلقّفت الصحف العامة هذه القصة‪ ،‬لتنرشها تحت عناوين مثرية‪ ،‬عىل شاكلة‪ :‬عامل األج ّنة الكذّاب (‪Hawkes‬‬ ‫استغل الخلقيون وأنصار التصميم الذيك الخرب‪ ،‬فنرشوه بآالف املواقع عىل شبكة‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،)1997‬وبعد ذلك بفرت ٍة قصرية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مقاالت تيسء لسمعة هايكل وتنقض نظرية التطور‪ ،‬مثل الخلقي جوناثان ويلز ‪ Jonathan Wells‬الذي‬ ‫االنرتنت يف‬ ‫وصل إىل نتيج ٍة مفادها‪" :‬سقطت نظرية التطور ألنها نظرية تغضب الله" (‪ ،) 2006Wells‬كام افرتض وجود عالق ٍة بني‬ ‫العنرصية النازية وأفكار هايكل حول تطور اإلنسان‪ ،‬والدليل عىل كل هذا كان صور ريتشاردسون التي تُظهر مبالغة‬ ‫هايكل بإظهار تشابه األج ّنة يف رسوماته‪ ،‬مع أن األدلّة التاريخية والبيولوجية ّ‬ ‫تدل عىل أ ّن االتهامات املوج ّهة لهايكل غري‬ ‫منطقية‪ ،‬ومتحيّزة العتامدها عىل صو ٍر مضلِّلة بشكل كبري‪.‬‬ ‫اعتمدت مقالة مجلة ساينس عىل ٍ‬ ‫بحث نرشه ريتشاردسون وآخرون عام ‪ 1997‬يف دورية علم الترشيح واألج ّنة‬ ‫‪ ،Anatomy and Embryology‬مفاده أ ّن أنواع الفقاريات يف مراحل تشكّلها الجنيني األوىل ‪،phylotypic stage‬‬ ‫التكون متشابهة ج ًدا شكل ًيا كام كان سائ ًدا يف القرن التاسع عرش‪ ،‬وذكر البحث أ ًّن هايكل ليس الوحيد الذي ق ّدم‬ ‫أيضا كانت رسومات فيلهيلم هيس ‪ ،Wilhelm His‬وهو أشهر علامء األج ّنة يف زمانه ويعترب‬ ‫رسومات خاطئة لألج ّنة‪ ،‬بل ً‬ ‫ٍ‬ ‫رسومات خاطئة كذلك‪ ،‬بالغ فيها بالتشابه بني األج ّنة املختلفة وأهمل‬ ‫من أشد املعارضني ألعامل هايكل‪ ،‬فقد ق ّدم هيس‬ ‫االختالفات‪ ،‬والفكرة الرئيسية يف بحث ريتشاردسون كانت مقارنة أعامل علامء األج ّنة يف القرن التاسع عرش وعلامء‬ ‫األج ّنة يف القرن العرشين‪ ،‬واستخلص البحث أ ّن علامء األج ّنة يف القرن العرشين قاموا بجهد أفضل ممن سبقهم‪ .‬ومل‬ ‫أي ٍ‬ ‫شخص بالتزوير أو التضليل‪ ،‬فهذه التهمة ظهرت فقط يف مقالة بنييس مبجلة ساينس وضد هايكل دون‬ ‫يتّهم البحث َّ‬ ‫هيس‪ ،‬ومنطقيًا‪ ،‬إذا اعتربت املجلة هايكل مزو ًرا بسبب رسوماته املتشابهة بشكل مبالغ به‪ ،‬فيجب أن تطال التهمة‬ ‫(‪ )3‬عىل الرغم من أن ريتشاردسون مل يسحب ُحكمه هذا‪ ،‬إال أنه عىل مايبدو عدّل من وجهة نظره يف مقال ٍة الحقة‪ ،‬كتب فيها‪ :‬إن رسومات هايكل األكرث انتقادًا التزال‬ ‫تحظى بأهمي ٍة بالغ ٍة يف فهم فرضيات األصل الشعبي‪ ،‬ولألغراض التعليمية‪ ،‬وكدليلٍ عىل التطور‪ ،‬ورغم أن بعض االنتقادات تجاهها محقّة‪ ،‬إال أن البعض اآلخر منحا ٌز بشدة‬ ‫(‪ 2003 Richardson and Keuck‬صفحة ‪.)495‬‬

‫‪95‬‬


‫‪Ghaith Jabri‬‬

‫كذلك هيس الرتكابه نفس الخطأ‪ ،‬وكذلك علامء الجنني املعارصين الذين ذكرهم بحث ريتشاردسون الذين قالوا بأ ّن‬ ‫مراحل التشكّل الجنيني األوىل متشابهة ج ًدا بني أنواع الفقاريات‪ ،‬وهم‪Wolpert ،1987 Butler and Juurlink( :‬‬ ‫‪ ،)1995 Collins ،1994 .Alberts et al ،1993 .Slack et al ،1991‬وقد كان حريًا مبجلة ساينس أن تحاكم هؤالء‬ ‫العلامء املتأخرين أخالق ًيا قبل محاكمة هايكل‪ ،‬بسبب الفارق املعريف الهائل وتطور أدوات البحث الكبري خالل ‪125‬‬ ‫سنة فاصلة بينهام‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫برسومات من كتاب هايكل ‪Anthropogenie: oder,‬‬ ‫قام ريتشاردسون مبقارنة الصور التي التقطها‬ ‫‪( Entwickelungsgeschichte des Menschen‬تشكّل اإلنسان‪ :‬أو التاريخ التطوري لإلنسان) (‪ ،)1874 Haeckel‬وهو‬ ‫أحد أشهر كتب هايكل التي دافع فيها عن نظرية التطور‪ ،‬وأصل الكتاب كان سلسل ًة من املحارضات ألقاها عىل جمهو ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫ملخص كتبه أحد طالبه الذين حرضوا‬ ‫من عامة الناس عام ‪ ،1873‬قام بعدها بإعداد كتابه عىل عجلٍ معتم ًدا عىل‬ ‫برسومات رسمها بنفسه تتضمن مقارن ًة تدعم فرضية ترديد الجنني لتطور السلف(‪)4‬‬ ‫ٍ‬ ‫محارضاته تلك‪ ،‬وزيّن الكتاب‬ ‫‪( recapitulation hypothesis‬صورة ‪.)3‬‬ ‫علينا أخذ ع ّدة ٍ‬ ‫نقاط بعني اإلعتبار قبل الحكم عىل مصداق ّية أعامل هايكل‪:‬‬

‫صورة ‪ .3‬رسومات من كتاب هايكل‪ :‬تشكّل اإلنسان ‪ Anthropogenie‬الطبعة األوىل (‪)1874‬‬ ‫(‪.)4‬عبرّ عنها هايكل بعبارة‪ :‬التطور الفردي يختزل تاريخ التط ّور الشعبي ‪ Ontogeny recapitulates phylogeny‬وتعني أ ّن جنني الكائن الحي مي ُّرأثناء تشكله يف مراحلٍ تشابه‬ ‫املراحل التي مر بها أسالفه أثناء تطورها عرب ماليني السنني مع بعض التعديالت‪ ،‬وتعترب هذه الفرضية مقبولة لدى العلامء اليوم ولها تطبيقاتٌ عدّة‪.‬‬

‫‪96‬‬


‫‪Ghaith Jabri‬‬

‫أوالً‪ .‬أن محارضاته وبالتايل كتابه كانا موج ّهان إىل عامة الناس‪ ،‬وعند رشح الحقائق العلمية لغري املختصني يُسمح عاد ًة‬ ‫باملبالغة باظهار التشابهات اليصال الفكرة بسهولة‪.‬‬ ‫متخصصا أصال يف بيولوجيا الفقاريات‪ ،‬وإمنا اختصاصه بيولوجيا البحار‪ ،‬لهذا‬ ‫ثان ًيا‪ .‬هايكل مل يكن عامل أج ّنة‪ ،‬ومل يكن‬ ‫ً‬ ‫ينس شكرهم يف كتابه وذكرهم باالسم‪.‬‬ ‫اعتمد يف رسوماته عىل أعامل خرباء زمانه يف علم الفقاريات‪ ،‬ومل َ‬ ‫ثالثًا‪ ،‬يف مقالة مجلة ساينس‪ ،‬يقول ريتشاردسون أن هايكل ز ّور يف مقياس رسم األج ّنة‪ ،‬فالفروقات بالحجم بني األج ّنة‬ ‫املرسومة قد يصل إىل عرشات األضعاف‪ ،‬وهايكل رسمها كلها بقياس واحد!‬ ‫ولكن هايكل كان واض ًحا ج ًدا باالشارة يف حاشية كتابه إىل أنه قام باختزال الرسم إىل قياس ٍ ٍ‬ ‫واحد لتسهيل مقارنة البنى‬ ‫الجنينيّة (‪ ،1874 Haeckel‬صفحة ‪.)1874‬‬ ‫ٍ‬ ‫رسومات من الطبعة األوىل لكتاب هايكل ‪ ،Anthropogenie‬والذي استخدم فيه ذات الرسوم‬ ‫أخ ًريا‪ ،‬اختار ريتشاردسون‬ ‫املبسطة التي استخدمها يف محارضاته‪ ،‬وقد صدر من الكتاب خمس طبعات‪ ،‬يف كل طبع ٍة كان هايكل يزيد يف األمثلة‬ ‫ّ‬ ‫واألدلة الداعمة له‪ ،‬ففي الطّبعة األوىل قارن بني أج ّنة مثانية أنوا ٍع فقط من الفقاريات‪ ،‬ثم قارن بني عرشين نو ًعا يف‬ ‫أيضا يستبدل الرسومات بأخرى أكرث جودة وأعىل دقة‪ ،‬ففي الطبعة الرابعة مثالً عام‬ ‫الطّبعة الخامسة عام ‪ ،1905‬وكان ً‬ ‫‪ ،1891‬صارت الفروقات بني أج ّنة األنواع أكرث وضو ًحا (صورة ‪ ،)4‬وكانت هذه الزيادة يف جودة الرسومات نتيج ًة للتطور‬ ‫يف صناعة املجاهر أواخر القرن التاسع عرش وبداية القرن العرشين‪ ،‬ولنتذكر هنا أن األج ّنة يف مراحل التشكّل األوىل ال‬ ‫ت ُرى بالعني املجردة‪.‬‬ ‫فهل قارنت بنييس يف مقالتها يف مجلة ساينس صور ريتشاردسون الحديثة لألج ّنة مع رسومات هايكل من الطبعات‬ ‫املتأخرة؟‬

‫صورة ‪ .4‬رسومات من كتاب هايكل‪ :‬تشكّل اإلنسان ‪ Anthropogenie‬الطبعة الرابعة (‪.)1891‬‬ ‫‪97‬‬


‫‪Ghaith Jabri‬‬

‫ولو فعلت هذا‪ ،‬هل حقًا ستجد مرب ًرا التهامه بالتزوير؟‬ ‫ولكن ماذا عن الفرق الواضح بني رسومات الطّبعة األوىل من كتاب هايكل وصور ريتشاردسون الحديثة ؟‬ ‫لنستثني االعتبارات التاريخية واملنطقية التي ذكرناها سابقًا‪ ،‬ولنسأل‪ :‬كيف يرسم البيولوجي الخبري جنني السلمندر؟ هل‬ ‫يرسمه عىل شكل كر ٍة منتفخة كام يظهر يف الصورة؟ أم يرسمه بشكل متطاول نحيل؟‬ ‫تُظهر صورة جنني السلمندر ‪ Salamander‬أكرب االختالفات ضد هايكل‪ ،‬ولكن الصورة مضلٍّل ًة إىل ٍ‬ ‫حد كبري‪ ،‬فالجنني فيها‬ ‫مرتب ٌط بكيس املح‪ ،‬والذي كان عىل ريتشاردسون إزالته قبل التصوير كام فعل هايكل قبل رسمه‪ ،‬فكيس املح ليس جز ًءا‬ ‫من الجنني بأية حال‪.‬‬ ‫وبنى أخرى‪ ،‬وهذه الزيادات حول األج ّنة تض ّخم الفروقات‬ ‫وهناك ع ّدة صو ٍر ألج ّن ٍة التزال مرتبط ًة بأجزا ٍء من كيس املح ً‬ ‫بينها وبني رسومات هايكل (صورة ‪ ،)2‬فقد أشار هايكل برصيح العبارة إىل إزالة كيس املح واألغشية األمينوسية من‬ ‫أج ّنته ‪ ،)1874 Haeckel‬صفحة ‪ ،(256‬فاالنتفاخ يف صورة السلمندر عند ريتشاردسون هو كيس املح وليس جز ًءا من‬ ‫الجنني بذاته‪ ،‬كذلك صورة جنني اإلنسان والسمكة تحتوي أجزاء زائدة ال تنتمي للجنني‪( ،‬نجح ريتشاردسون يف ازالة‬ ‫كيس املح عن جنني األرنب والدجاج)‪.‬‬ ‫واضح للعيان‪ -‬ليست مختزلة إىل نفس قياس باقي األج ّنة (عىل‬ ‫إضاف ًة إىل هذا‪ ،‬فإن صورة جنني السلمندر – كام هو‬ ‫ٌ‬ ‫الرغم من اشارة ريتشاردسون يف مجلة ساينس إىل توحيد قياس الصور!)‪.‬‬ ‫كذلك فإن جنني الدجاج شديد اإلنحناء ويتجه رأسه لألسفل‪ ،‬ويبدو أنّه من مرحلة تشكّلٍ متقدم ٍة عماّ رسمه هايكل‪،‬‬

‫صورة ‪ .5‬معالجة رقمية لصور األج ّنة أزيلت فيها أجزاء كيس املح‬ ‫ومتت إعادة التوجيه وضبط املقياس‪.‬‬ ‫‪98‬‬


‫‪Ghaith Jabri‬‬

‫رصح هايكل بجالء أنه و ّجه األج ّنة كلها بوضعية واحدة لسهولة املقارنة بينها‪.‬‬ ‫ومر ًة أخرى‪ّ ،‬‬ ‫لقد قمت باستخدام برنام ٍج حاسويب إلزالة كيس املح من الصور‪ ،‬وضبط استقامة جنني الدجاج‪ ،‬وإعادة ضبط قياس‬ ‫جنني السلمندر (صورة ‪ ،)5‬والنتيجة ترينا بوضوح أن الفروق بني الصور والرسومات ليست كبرية كام تق ّدمها مقالة‬ ‫مجلة ساينس‪ ،‬فبعد إزالة أجزاء كيس املح بشكل خاص‪ ،‬مل تعد الصور كافي ًة الستخدامها كدليلٍ عىل ادعاءات املجلة‪.‬‬ ‫رسع الذي أ ّدى به‬ ‫علم فذًّا مدفو ًعا‬ ‫ٍ‬ ‫لقد كان هايكل رجل ٍ‬ ‫بعشق للمعرفة‪ ،‬قاده حامسه الكبري ‪ -‬يف مرحل ٍة ما‪ -‬إىل الت ّ‬ ‫إىل ارتكاب األخطاء‪ ،‬مام أعطى معارضيه فرص ًة للهجوم عليه والنيل منه‪ ،‬ففي الطبعة األوىل من كتابه الشهري " التاريخ‬ ‫الطبيعي للخلق ‪ "Natürliche Schöpfungsgeschichte‬عام ‪ ،1868‬استخدم ذات الرسم ثالث مر ٍ‬ ‫ات ليرشح بها‬ ‫مكونات جنني الكلب والدجاج والسلحفاة‪ ،‬وعندما ُو ّجهت له انتقاداتٌ لهذا‪ ،‬دافع هايكل عن نفسه بقوله‪ :‬ما من‬ ‫ٍ‬ ‫أي فرقٍ بني األج ّنة الثالث يف تلك املرحلة األولية! (‪ ،)1868 Rütimeyer‬وبال ّنظر إىل أدوات البحث‬ ‫أحد ميكنه مالحظة ّ‬ ‫املستخدمة يف زمانه‪ ،‬نرى أ ّن هايكل كان محقًا يف دفاعه هذا‪ ،‬بل يُشهد له بأنه الحظ خطأه الواضح وصححه فو ًرا يف‬ ‫يكف أعداؤه عن تذكري الق ّراء بخطأه القديم‪ ،‬ورغم هذا‪ ,‬ويف‬ ‫الطبعة الثانية بعد سنتني‪ ،‬ولكن الخطأ كان قد وقع‪ ،‬ومل ًّ‬ ‫ذروة االنتقادات املو ّجهة له‪ ،‬مل يتخىل علام ٌء كبا ٌر عن دعمه‪ ،‬أمثال ريتشارد دارون ‪ Richard Darwin‬وتوماس هكسيل‬ ‫‪ ،Thomas Huxley‬وأوغست فايسامن ‪ ،August Weismann‬وكارل غيغنباور ‪.Carl Gegenbaur‬‬ ‫عندما نضع أعامل هايكل يف إطار الظروف املحيطة بها والزمان الذي جاءت فيه‪ ،‬تبدو انجازاته بال جدا ٍل كمنار ٍة أضاءت‬ ‫الطريق للعلوم الحديثة (‪ ،)2008 Richards‬وبنا ًء عىل كل ما سبق‪ ،‬ميكننا القول بثقة أ َّن تهمة التزييف مل تثبت عىل‬ ‫هايكل‪.‬‬ ‫املراجع‪:‬‬ ‫‪Anthropogenie oder Entwickelungsgeschichte des Menschen. Engelmann, Leipzig )1874( Haeckel E‬‬ ‫‪.14 An Embryonic Liar (London) Times, p )1997( Hawkes, N‬‬ ‫‪.492–361:490 The zootype and the phylotypic stage. Nature )1993( Slack J, Holland P, Graham C‬‬ ‫‪.The triumph of the embryo. Oxford University, Oxford )1991( ,Wolpert L‬‬ ‫‪.3rd edn.Garland, New York ,Molecular biology of the cell )1994( Alberts B, Bray D, Lewis J, Raff M, Roberts K, Watson J‬‬ ‫‪An atlas for staging mammalian and chick embryos. CRC Press, Boca Raton )1987( Butler H, Juurlink B‬‬ ‫‪.341–91 38th edn. Churchill Livingstone, London, pp ,Embryology and development. In: Collins P (ed) Gray’s anatomy )1995( Collins P‬‬ ‫‪.277:1435 Haeckel’s embryos: fraud rediscovered. Science )1997( Pennisi E‬‬ ‫‪There is no highly conserved embryonic state n the )1997( Richardson M, Hanken J, Gooneratne M, Pieau C, Paynaud A, Selwood L, Wright G‬‬ ‫‪.106–196:91 vertebrates: implications for current theories of evolution and development. Anat Embryol‬‬ ‫‪.528–77:495 Haeckel’s ABC of evolution and development. Biol Rev )2003( Richardson M, Keuck G‬‬ ‫‪.154–24:147 Haeckel’s embryos: fraud not proven. Biol Philos )2009( ,Richards R‬‬ ‫‪.302–3:301 Review of Natürliche Schöpfungsgeschichteby Ernst Haeckel. Arch Anthropol )1868( Rütimeyer L‬‬ ‫‪.29–27 The politically incorrect guide to Darwinism and intelligent design. Regnery, Washington, DC, pp )2006( Wells J‬‬

‫‪99‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلة امللحدين العرب هي مجلة هدفها‬ ‫نشر أفكار امللحدين العرب على إختالف‬ ‫توجهاتهم السياسية و العرقية بحرية‬ ‫كاملة‬ ‫اجمللة عبارة عن مجلة رقمية مبنية بجهود‬ ‫فردية وال تنتمي الي توجه سياسي ‪..‬‬ ‫املعلومات و املواضيع املوضوعة في اجمللة‬ ‫تعتبر مسؤلية أصحابها من الناحية األدبية و‬ ‫ناحية حقوق النشر و حفظ امللكية الفكرية‬ ‫الناشرون في اجمللة هم من أعضاء مجموعة‬ ‫مجلة امللحدين العرب أو من الكتاب العرب‬ ‫امللحدين ممن إستطعنا التواصل معه ألخذ‬ ‫اإلذن بالنشر‬ ‫مينع نشر كل ماهو مناف لألخالق العامه و‬ ‫كذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‬ ‫لهيئة التحرير احلق باختيار ما تراه مناسبا‬ ‫من املواضيع املوضوعة في اجملموعة للنشر‬ ‫فنشر أي موضوع صمن اجملموعة يعتبر‬ ‫تفويضا للمجلة بالنشر‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.