مجلة الملحدين العرب: العدد الخامس عشر / شهر فبراير / 2014

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫النبـي لــوط‬ ‫رائد الشذوذ اجلنـسـي‬

‫العدد الخامس عرش من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر فرباير لسنة ‪2014‬‬

‫‪Nesta Fz‬‬

‫أمين رمزي‬ ‫في حوار مع‬ ‫االنحياز اإلدراكي‬ ‫وعرقلة ال ّتفكير العقالني‬ ‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫مجلة امللحدين العرب هي مجلة هدفها نشر‬ ‫أفكار امللحدين العرب على إختالف توجهاتهم‬ ‫السياسية و العرقية بحرية كاملة‬ ‫اجمللة عبارة عن مجلة رقمية مبنية بجهود‬ ‫فردية وال تنتمي الي توجه سياسي ‪..‬‬ ‫املعلومات و املواضيع املوضوعة في اجمللة تعتبر‬ ‫مسؤلية أصحابها من الناحية األدبية و ناحية‬ ‫حقوق النشر و حفظ امللكية الفكرية‬


‫رئيس التحرير‪:‬‬

‫كلمة حترير اجمللة‬

‫‪ ............................................. Gaia Athiest‬عندما ينتقد غالبية امللحدين في الشرق والغرب األديان‪،‬‬ ‫لنصوص من الكتب املقدسة ( توراة‪،‬اجنيل‪،‬‬ ‫فإنّهم يحتكمون‬ ‫ٍ‬ ‫أعضاء هيئة التحرير و بناء اجمللة‬ ‫قرآن)‪ ،‬يأخذون عليها مناقضتها للعلم أو اإلنسانية أو‬ ‫‪...............................................John Silver‬‬ ‫أعراف العصر احلديث‪ ،‬فيبدأ املؤمنون بالتبرّم والتحوير‬ ‫عادل أحمد ‪ ................................................‬والتبرير‪ ،‬ويجهدون في محاولة تلميع صورة األديان البالية‪،‬‬ ‫تارةً بتحريف الكالم‪ ،‬وتارةً أخرى برفض الروايات وإنكارها‪ ،‬أو‬ ‫الغراب احلكيم ‪..............................................‬‬ ‫حتى باتّهام امللحدين بالكذب!‬ ‫‪........................................ Sameer Samee‬‬ ‫النصوص الدينية ال حتتاج للكذب على لسانها‪ ،‬فكلّ شي ٍء‬ ‫‪.............................................. Zoro Diego‬‬ ‫موثق في الكتب‪ ،‬وإن كانت هذه النصوص ُترج املؤمنني‪،‬‬ ‫‪ ........................................ Syrian Atheists‬فمشكلتهم معها وليست مع املُلحد‪ ،‬الذي ال يفعل شي ًئا‬ ‫جروح نازف ٌة منذ آالف‬ ‫سوى وضع اإلصبع على اجلرح‪ ،‬فهناك‬ ‫ٌ‬ ‫‪........................................ McKie Theman‬‬ ‫السنني‪ ،‬ومالم يتم تطهيرها ستستمر في النزف وتلويث‬ ‫‪ ............................................ Atheism Era‬كل ما حولها‪.‬‬ ‫‪..................................... Mohamad Ahmed‬‬ ‫عقالني عقالني ‪............................................‬‬ ‫‪........................................ Shakek Altaher‬‬ ‫‪................................................ Leo Atheo‬‬ ‫‪.....................................Alia`a Damascéne‬‬ ‫‪..................................... Alnajafi Atheistic‬‬

‫ً‬ ‫بدل من صرف اجلهد في فبركة و تلوين وإعادة إحياء النصوص‬ ‫حتى تناسب العصر‪ ،‬فإنه من األفضل وضعها في مكانها‬ ‫الطبيعي وهو املتحف‪ ،‬حيث ال جديد حتت الشمس‪ً ،‬‬ ‫وبدل من‬ ‫بذل هذه الطاقات فيما ال طائل منه‪ ،‬حبذ ّا لو يبدأ املؤمنون‬ ‫مبواجهة النص مجردًا كما هو‪ ،‬ولتكن عندهم الشجاعة‬ ‫لقبول نتائج القياس العقلي والتجريبي والنقدي‪ ،‬كما هي‪،‬‬ ‫دون زياد ٍة أو نقصان‪.‬‬

‫عبء ثقيلٌ على كاهل اإلنسانية‬ ‫‪ .......................................... Lisa M. Green‬هذه الكتب "املقدسة"‬ ‫ٌ‬ ‫مبا حتمله من خراف ٍة وعنصري ٍة وكراهي ٍة وإرهاب‪ ،‬وفي ظلِّ ما‬ ‫ت على كافة األصعدة‪ ،‬فنحن‬ ‫‪ ..............................................Ghaith Jabri‬يعانيه العالم اليوم من ويال ٍ‬ ‫‪ .............................................................. Wissem‬لسنا بحاج ٍة ملا يؤجج الشرر بل ملا يطفئ ُه وإلى األبد‪.‬‬ ‫‪............................................... Lilyan Bassi Bassi‬‬

‫‪Gaia Athiest‬‬

‫‪.................................................Abdullah Hussein‬‬ ‫‪............................................. Metis LM Apostate‬‬ ‫‪............................................ Mohamed Shouman‬‬ ‫‪....................................................... Destin Fatal‬‬

‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫بيان اإلدعاء و الكذب في إعجاز قصة أبي لهب‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪4‬‬

‫من سيربح األفيون؟‬ ‫أسئلة في الثواب والعقاب‬ ‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫‪14‬‬

‫الرّد على أبو يعرب املرزوقي‬ ‫‪Hunger Mind‬‬

‫‪23‬‬

‫أسئلة جريئة مع بسام بغدادي‬

‫‪33‬‬

‫أمين رمزي‬ ‫في حوار مع‬

‫‪37‬‬

‫النبـي لــوط رائد الشذوذ اجلنـسـي‬ ‫‪Nesta Fz‬‬

‫‪44‬‬

‫املطلق‬ ‫‪John Silver‬‬

‫‪49‬‬

‫البحث عن بنات طارق‬ ‫محمد احلاج سالم‬

‫‪52‬‬

‫محاججة ( العوضي \ عيضة )‬ ‫الغراب احلكيم‬

‫‪64‬‬

‫السر ّ ال ّدفني‪ .‬اإلنسان خلق اهلل وليس العكس ‪68‬‬ ‫‪Leo Atheo‬‬ ‫االنحياز اإلدراكي وعرقلة ال ّتفكير العقالني‬ ‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫‪73‬‬

‫كون من الشيئ‬

‫‪81‬‬

‫نشوء مفهوم احلجاب في التاريخ الديني‬ ‫‪Mohamed Shouman‬‬

‫‪99‬‬

‫‪3‬‬


‫بيان اإلدعاء و الكذب يف‬ ‫إعجاز قصة أيب لهب‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫القرآن توعد أبا لهب بالنار يف السورة التي أنزلت خصيصاً له ‪..‬‬ ‫ب) (‪)1‬‬ ‫(س َي ْص َل نَا ًرا َذاتَ لَ َه ٍ‬ ‫َ‬ ‫" لو كان محمد مدعياً كاذباً‪ ،‬فكيف علم أن عمه سوف ميوت كاف ًرا و لن يتوب؟ أليست هذه مخاطر ٌة كبري ٌة من كاتب‬ ‫القرآن؟ و أمل يكن بإمكان أبو لهب أن يعلن إسالمه يف أي لحظ ٍة فيضع بذلك محمدً ا و قرآنه يف مأزقٍ وحر ٍج كبريين؟‬ ‫عليم يرى غيب املستقبل و يعلم ما يف قلوب الناس؟؟؟ "‬ ‫و إذن أال تدل هذه السورة أن كاتبها هو بالرضورة إلهٌ‬ ‫عظيم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫هذا الطرح نسمعه كثريا ً جدا ً و بشكلٍ متكر ٍر من املسلمني‪ ،‬تحت عناوين مثل "اإلعجاز يف سورة املسد"‪..‬إلخ و سنوضح‬ ‫علم بالغيب‪ ،‬بل هو كالعادة مجموعة متهافتة من املغالطات و التلفيقات‪.‬‬ ‫هنا أن األمر ليس فيه أي معجز ٍة و ال ٍ‬ ‫من حيث املبدأ‪ :‬حتى تكون املسألة معجزة عىل املسلمني إثبات أن سورة املسد كتبت يف حياة أيب لهب حقا‪ ،‬و ليس بعد‬ ‫مستحيل تأكيده تاريخياً بأي شكل‪ ،‬إال باإلحالة إىل املصادر اإلسالمية التقليدية‬ ‫ٌ‬ ‫وفاته؛ هذا األمر ‪ -‬الذي يبدو بسيطاً ‪-‬‬ ‫التي تذكر أسباب نزول السور و اآليات و ترتيبها‪..‬إلخ‬ ‫(‪ )1‬سورة املسد ‪3‬‬

‫‪4‬‬


‫بيان اإلدعاء و الكذب يف‬ ‫إعجاز قصة أيب لهب‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫و لكننا ببساطة غري ملزمني بتصديق تلك املصادر!‬ ‫صحيح أننا نناقشها وغالباً نقبل مضطرين االستشهاد بها سلباً و إيجاباً كوننا ال منلك غريها الستيضاح تاريخ نشأة اإلسالم‪،‬‬ ‫و لكن األمر يختلف متاماً حني تكون القضية متعلقة مبعجزة كربى و دليل عىل صحة دين ‪ -‬فاملعجزة بالتعريف من‬ ‫صفاتها أن تكون بين ًة واضح ًة ساطع ًة ال تقبل الشك أو اللبس أو الجدل‪ -‬و ذلك حتى تسمى معجزة؛ أما ما يقبل الجدال‬ ‫أو التشكيك من أي وجهة فكيف يسمى معجزة؟‬ ‫يف حالتنا تلك فمن املحتمل جدا ً أن السورة كتبت بعد وفاة أبو لهب‪ ،‬ثم الحقاً تم تزوير سبب نزولها و تبكريه بالقول‬ ‫ٍ‬ ‫بروايات‬ ‫بأنها نزلت يف مكة أول الدعوة‪ ،‬هو احتامل قائم ال ميكن استبعاده ولهذا الخلط فعموماً ال يصح االستعانة‬ ‫تاريخي ٍة جدلي ٍة إلثبات املعجزات‪ ،‬باألخص حني تكون من روايات أصحاب الدين نفسه‪ -‬و إال فليستشهدوا لنا بحادثة‬ ‫شق محمد للقمر أو إحياء عيىس للموىت أو قسمة موىس للبحر و تصبح املسألة أسهل!‬ ‫نكرر أن الروايات التاريخية ال تصلح لالستشهاد بها إلثبات املعجزات‪ ،‬مع مالحظة أن كثريٍ من املسلمني أنفسهم‬ ‫يشككون يف مصداقية مصادر السرية و األحاديث والروايات اإلسالمية‪ ،‬و يرون أنها غري معصومة بالكامل‪ ،‬أظن هذا‬ ‫وحده يسقط ا ّدعاء اإلعجاز من منبعه‪ ..‬و لكننا مع ذلك سنميض بافرتاض حقيقة القصة وزمن كتابة السورة ‪ ،‬و بافرتاض‬ ‫صدق املصادر اإلسالمية‪.‬‬

‫تبت يدا‬ ‫أيب لهب وتب ‪..‬‬

‫‪5‬‬


‫بيان اإلدعاء و الكذب يف‬ ‫إعجاز قصة أيب لهب‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫إذن‪ ,‬لنقل أن أبا لهب قد أعلن إسالمه‪ ،‬فهل كان ذلك ليهدم مصداقية القرآن متاماً و يُظهر محم ًدا أمام أصحابه مبظهر‬ ‫الكاذب املدعي‪ -‬و بالتايل ميكن القول أن السورة تعترب بالفعل مخاطر ًة كبري ًة منه؟ نقول قطعاً ال‪ ،‬هذا األمر مل يكن‬ ‫ليسقط مصداقية محمد يف نظر أتباعه بحا ٍل من األحوال‪ ،‬بل لو كان أبو لهب تاب وآمن لكانت هناك ألف وسيل ٍة‬ ‫ووسيلة أمام املسلمني‪ -‬و أمام محمد نفسه‪ -‬يك يتفادى اإلحراج و يتهرب من املأزق‪ ،‬وسنعدد هنا بعض تلك الوسائل‪-‬‬ ‫مع ذكر أمثلة واقعية من القرآن و سرية محمد ت ُرينا أن اإلسالم بالفعل قد استخدم وسائل التهرب تلك يف أكرث من‬ ‫مناسبة‪ ،‬و ذلك حتى ال نُت َّهم باالفرتاء أو التنظري الخيايل املجرد‪..‬‬

‫أوالً‪:‬‬

‫لو كان أبو لهب أعلن إسالمه كان ميكن للمسلمني أن يقوموا بإعادة تأويل السورة‪ ،‬حينها سيمكن للمسلمني الرد‬ ‫بالجواب التايل مثالً ‪" :‬اآلية تقول فعالً أن أبا لهب "سيصىل نارا" و لكنها مل تقل أنه سيخلد يف النار‪ٌ -‬‬ ‫فرق كبري!‪ ..‬بالتايل‬ ‫أبو لهب فعالً سيدخل النار لفرت ٍة مؤقتة‪ ،‬و لكنه يف النهاية سيعود إىل الجنة مع سائر املؤمنني‪ ،‬هل مثل هذا األسلوب‬ ‫غريب عن الفكر اإلسالمي؟ ُمطلقاً‪ ،‬بل نجده يف كثريٍ جدا ً من حججهم و ردودهم عىل "الشبهات"‬ ‫من التأويل والرتقيع‬ ‫ٌ‬ ‫محمد نفسه استخدم هذه الطريقة التحايلية يف التهرب من نبوءاته ووعوده ‪ :‬هو مثالً ا ّدعى أنه رأى رؤيا قبيل غزوة‬ ‫بد ٍر مفادها أن املؤمنني سيواجهون عددا ً قليالً من جنود املرشكني (و كان يف البداية يتوقع مواجهة قافل ٍة قليلة الحراسة)‬ ‫عجيب جدا‪" :‬إذ‬ ‫ثم ملا تغريت الظروف و صارت املواجهة مع الجيش امليك كثري العدد‪ ،‬جاء القرآن مربرا ً املسألة بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫يريكهم الله يف منامك قليالً ولو أراكهم كثريا ً لفشلتم ولتنازعتم يف األمر ولكن الله سلم"(‪..)2‬‬ ‫أي أن الله خدع نبيه و املؤمنني بهذا الحلم وأراهم األعداء قليلني عمدا ً حتى ال يجبنوا عن القتال! (‪)3‬‬ ‫و هناك واقع ٌة ثاني ٌة شبيهة مرتبطة كذلك برؤيا و نبوءة ثم تراجع عنها‪ ،‬وهي حني وعد محمد أتباعه ‪ -‬قبيل صلح‬ ‫الحديبية مبارش ًة ‪ -‬أنهم سيدخلون املسجد الحرام يف مكة آمنني محلقني رؤوسهم حسب ما أراه الله يف الرؤيا‪ ،‬التي‬ ‫سجلها القرآن ثم ملا تأزمت األوضاع و رفضت قريش السامح لهم بدخول املسجد هذا العام ‪ ،‬نكث محمد عام وعد به‬ ‫و أمر أصحابه بالرجوع إىل مكة دون حج‪ ،‬وحني واجهه عمر بن الخطاب مبا كان وعدهم به رد محم ٌد عليه ‪" :‬أفأخربتك‬ ‫تحايل واضح‪ ،‬الخالصة‬ ‫أن نأتيه العام؟" (‪ )4‬يعني أنني مل أقصد أن الدخول سيكون هذا العام بل رمبا العام التايل! و هو ٌ‬ ‫أن اإلسالم يستخدم الخداع وإعادة تأويل نبوءاته و تعهداته بحيث يتمكن من الرتاجع عنها وقتام يشاء‪ ،‬و املسلمون‬ ‫يل عنق النصوص لصالح الدفاع عن دينهم‪ ،‬و لو كان أبو لهب أسلم‬ ‫يستخدمون التالعب بالتفاسري‪ -‬كام نرى كل يوم‪ -‬ل ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ملحمد أو املسلمني من بعده اللجوء بسهولة لنفس هذا األسلوب الذي طاملا لجأوا له‪..‬‬ ‫كان ميكن‬ ‫(‪ )2‬سورة األنفال ‪43‬‬ ‫(‪ )3‬القصة بأكملها موجودة يف تفسري الطربي (و غريه) لآلية ‪ 7‬من سورة األنفال‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحق‪،‬‬ ‫نبي الله صىل الله عليه وسلم ف ُقل ُْت ‪:‬‬ ‫(‪ )4‬من صحيح البخاري‪ -‬الصفحة أو الرقم ‪( 2731‬فقال عم ُر ب ُن‬ ‫ِ‬ ‫نبي الله حقًّا ؟ قال‪ :‬بىل ‪ُ .‬‬ ‫َ‬ ‫قلت ‪ :‬أل َْس َنا عىل ِّ‬ ‫ألست َّ‬ ‫الخطاب ‪ :‬فأَتَيْ ُت َّ‬ ‫قلت ‪ :‬فلِ َم نُ ْع ِطي ال َّدنِ َّي َة يف دي ِن َنا إذًا ؟ قال‪ :‬إين ُ‬ ‫البيت ف َنط ُ‬ ‫ُوف به ؟‬ ‫كنت ت ُ َح ِّدث ُ َنا أَنَّا سنأيت َ‬ ‫قلت‪ :‬أَ َولَ ْي َس َ‬ ‫رسول الل ِه ‪ ،‬ول َْس ُت أَ ْع ِصيه ‪ ،‬وهو نارصِي ‪ُ .‬‬ ‫وعد ُّونَا عىل الباطلِ ؟ قال‪ :‬بىل‪ُ .‬‬ ‫قلت‪ :‬ال‪).‬‬ ‫قال ‪ :‬بىل‪ ،‬فأَخ َ ْ​ْبت ُك أَنَّا نَأْتِيه العا َم؟ قال ‪ُ :‬‬

‫‪6‬‬


‫بيان اإلدعاء و الكذب يف‬ ‫إعجاز قصة أيب لهب‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ثانيا‪:‬‬

‫ٍ‬ ‫فمحمد بالفعل تراجع‬ ‫لو كان أبو لهب أعلن إسالمه كان ميكن ملحمد أن يرجع يف كالمه و يقبل توبته‪ ،‬كام رأينا يف السرية‬ ‫أي حرج‪ ،‬و باإلضافة للرتاجع باستخدام أسلوب إعادة تأويل الوعد بشكلٍ‬ ‫يف كثريٍ من األمور‪ ،‬دون أن يسبب هذا له ّ‬ ‫حكم مكان حكم‪ ،‬وقد مورس هذا كثريا ً‬ ‫مغايرٍ‪ -‬مثلام شاهدنا يف رؤيا الحديبية‪ -‬فهناك كذلك الرتاجع الرصيح وإحالل ٍ‬ ‫حتى صار لألمر مصطل ًحا مستقالً يف علوم الفقه يسمى "النسخ"‪ -‬وهو ببساطة أن يغري الله (أو محمد) رأيه يف قضية‬ ‫من القضايا فيرتاجع عن كالمه السابق‪.‬‬

‫رصح مثالً مرة للمسلمني بأنه "إن يكن منكم عرشون صابرون يغلبوا مائتني من الذين كفروا" (‪ ، )5‬ثم‬ ‫بهذا رأينا الله ي ّ‬ ‫عاد الحقا ً و قال "ال ال ‪ ،‬لقد علم الله أن فيكم ضعفا فخفف عنكم‪ ،‬فاآلن إن يكن منكم مائة يغلبوا مائتني" (‪)6‬‬ ‫و قد كان قيام الليل مفروضاً عىل املسلمني‪ ،‬ثم أيضاً "علم الله" أنه سيكون منهم مرىض فتاب عليهم وألغى الفرض (‪ )7‬و‬ ‫يف بداية الصيام كانت فرتة اإلفطار ممتدة فقط حتى العشاء أو النوم‪ ،‬ثم "علم الله" أن الصحابة كانوا يختانون أنفسهم‬ ‫(أي يخرقوا الصيام بأن يأكلوا و يعارشوا زوجاتهم بعد النوم و االستيقاظ) فخفف األمر و مدد زمن اإلفطار إىل الفجر (‪)8‬‬ ‫(‪ )5‬سورة األنفال ‪65‬‬ ‫(‪ )6‬سورة األنفال ‪ 66‬و من تفسري الطربي لألنفال ‪ 65‬يقول ابن عباس (ملا نزلت هذه اآلية ثقلت عىل املسلمني وأعظموا أن يقاتل عرشون مئتني ومئة ألفا‪ ،‬فخفف الله عنهم‪،‬‬ ‫فنسخها باآلية األخرى)‬ ‫ْ‬ ‫س ِم َن ال ُق ْرآنِ } يقول‪ :‬فاقرأوا من الليل ما تيرس لكم من القرآن يف صالتكم وهذا‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫وا‬ ‫ء‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫فا‬ ‫{‬ ‫قوله‪:‬‬ ‫قتادة‪,‬‬ ‫(عن‬ ‫الطربي‬ ‫تفسري‬ ‫يف‬ ‫النسخ‬ ‫حدوث‬ ‫توضيح‬ ‫و‬ ‫(‪ )7‬سورة املزمل ‪،20‬‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫وجل عن عباده فرضه الذي كان فرض عليهم بقوله‪ { :‬قُمِ اللَّيْ َل إالَّ قَلِيالً نِ ْص َف ُه أ ِو انْق ُْص ِم ْن ُه قَلِيالً })‬ ‫تخفيف من الله ع ّز ّ‬ ‫(‪ )8‬سورة البقرة ‪ ،187‬و من تفسري الطربي أيضا (عن معاذ بن جبل‪ ،‬قال‪ :‬كانوا يأكلون ويرشبون ويأتون النساء ما لـم يناموا‪ ،‬فإذا ناموا تركوا الطعام والرشاب وإتـيان النساء‪ ،‬فكان‬ ‫رجل من األنصار يدعى أبـا رصمة يعمل فـي أرض له‪ ،‬قال‪ :‬فلـام كان عند فطره نام‪ ،‬فأصبح صامئاً قد جهد‪ ،‬فلـام رآه النبـي صىل الله عليه وسلم قال‪ " :‬ما لـي أَ َرى ب َِك َج ْهدا ً " ؟‪،‬‬ ‫الصيامِ ال َّرفَثُ إلـى نِسائِ ُك ْم‪ } ...‬إلـى آخر اآلية‪).‬‬ ‫فأخرب بـام كان من أمره‪ .‬واختان رجل نفسه فـي شأن النساء‪ ،‬فأنزل الله { أُ ِح َّل لَ ُك ْم لَـيْـلَ َة ّ‬

‫‪7‬‬


‫بيان اإلدعاء و الكذب يف‬ ‫إعجاز قصة أيب لهب‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫ٍ‬ ‫محمد‬ ‫والصالة يف البداية كانت توجه لبيت املقدس‪ ،‬ثم ملا رأى الله تقلب وجه‬ ‫يف السامء ّوله قبل ًة يرضاها وهي املسجد الحرام (‪ )9‬ونجد القرآن يتدرج يف‬ ‫تحريم الخمر عىل عدة مراحلٍ كل واحد ٍة تجب السابقة (‪ )10‬و محم ًدا نهى‬ ‫أصحابه عن أشيا ٍء عديد ٍة ثم أعاد تحليلها‪ ،‬كزيارة القبور (‪ )11‬و رشب النبيذ‬ ‫غري املسكر يف األوعية (‪ )12‬و غريها‪ ،‬وهو أق ّر زواج املتعة ثم نهى عنه عدة‬ ‫مرات (‪ )13‬و ذلك رغم أنه مذكور يف القرآن (‪ )14‬و سمح برضب الزوجات ثم‬ ‫نهى عنه ثم عاد فأق ّره (‪ )15‬والقامئة تطول‪ ،‬حتى أن الفقهاء يقسمون النسخ‬ ‫أقسام عديد ٍة متنوع ٍة ‪ :‬فهناك نسخ الحكم و بقاء التالوة (مثل آيات‬ ‫إىل‬ ‫ٍ‬ ‫املصابرة التي ذكرناها يف البداية)‪ ،‬و هناك نسخ التالوة و بقاء الحكم (مثل‬ ‫حد الرجم‪ ،‬و مثل تحديد أخوة الرضاعة بخمس رضعات)‪ ،‬وهناك نسخ اإلثنني‬ ‫معا (مثل تحديد أخوة الرضاعة بعرش رضعات) وهناك نسخ القرآن بالقرآن‬ ‫(مثل آيات املصابرة مثل مراحل تحريم الخمر)‪ ،‬و نسخ القرآن بالسنة (مثل‬ ‫حديث ال وصية لوارث) و نسخ السنة بالقرآن (مثل تحويل القبلة) و نسخ‬ ‫السنة بالسنة (مثل ما قلنا يف زواج املتعة و زيارة القبور)‬ ‫(‪ )9‬البقرة ‪144‬‬ ‫الخطاب ريض الل ُه عنه قال‪ :‬ملا َ‬ ‫س ق ُْل‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )10‬عن عم َر بنِ‬ ‫بي لنا يف الخم ِر بيانًا شا ِف ًيا فنزلت هذه اآلي ُة التي يف سورة البقرة { يَ ْسأَلُون َ​َك َعنِ الْ َخ ْم ِر َوالْ َم ْي ِ ِ‬ ‫نزل تحري ُم الخم ِر قال‪ :‬الله َّم ِّ ْ‬ ‫الص َل َة َوأَنْتُ ْم ُسكَا َرى‬ ‫ِفيه َِم إِث ْ ٌم كَ ِب ٌري } قال‪ :‬ف ُد ِعى عم ُر ريض الل ُه عنه ف ُقر ْ‬ ‫ِئت عليه فقال‪ :‬الله َّم ِّ ْ‬ ‫بي لنا يف الخمر بيانا شافيًا فنزلت اآلية يف سورة النساء { يَا أَيُّ َها ال َِّذي َن آ َم ُنوا لَ ت َ ْق َربُوا َّ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫الله‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫عليه‬ ‫ت‬ ‫ئ‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫عنه‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫ريض‬ ‫ر‬ ‫عم‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫سك‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫الصال‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫َى‬ ‫د‬ ‫نا‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫الصال‬ ‫أقام‬ ‫صل الل ُه عليه وسلَّم إذا‬ ‫} فكان منادي رسو ِل الله َّ‬ ‫بي لنا يف الخم ِر بيانًا شاف ًيا فنزلت‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َّ ِّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫اآلي ُة التي يف املائ َد ِة ف ُد ِعي عم ُر ريض الل ُه عنه ف ُق ِرئَ ْت عليه فلام بل َغ { فَ َه ْل أَنْتُم ُّم ْنتَ ُهو َن } قال‪َ :‬‬ ‫فقال ُعم ُر‪ :‬انتَ َهي َنا انته ْي َنا الراوي‪ :‬عمرو بن رشحبيل املحدث‪ :‬أحمد شاكر ‪ -‬املصدر‪:‬‬ ‫مسند أحمد ‪ -‬الصفحة أو الرقم‪ 185/1 :‬خالصة حكم املحدث‪ :‬إسناده صحيح‬ ‫كنت نهيتُكم عن زيار ِة القبو ِر ف ُزوروا القبو َر فإنَّها تُز ِّه ُد يف الدُّنيا وت ُذكِّ ُر اآلخر َة الراوي‪ :‬عبدالله بن مسعود املحدث‪ :‬املنذري ‪ -‬املصدر‪ :‬الرتغيب والرتهيب ‪ -‬الصفحة أو الرقم‪:‬‬ ‫(‪ُ )11‬‬ ‫‪ 273/4‬خالصة حكم املحدث‪ :‬إسناده صحيح‬ ‫كنت نهيتُكم فانتبِذوا فيام ِشئتُ ْم ‪ ،‬أو فيام بَدا لك ْم الراوي‪ - :‬املحدث‪ :‬ابن عبدالرب ‪ -‬املصدر‪ :‬االستذكار ‪ -‬الصفحة أو الرقم‪ 235/4 :‬خالصة حكم املحدث‪ :‬روي من طرق متواترة‬ ‫(‪ُ )12‬‬ ‫نكاح املت َع ِة أبا َح ُه اللَّ ُه تعاىل ث ُ َّم نس َخ ُه ث ُ َّم أبا َح ُه ثم نس َخ ُه ث ُ َّم أبا َح ُه ث ُ َّم نسخ ُه إىل يومِ ال ِقيا َم ِة الراوي‪ - :‬املحدث‪ :‬ابن حزم ‪ -‬املصدر‪ :‬أصول األحكام ‪ -‬الصفحة أو الرقم‪:‬‬ ‫(‪ )13‬أ َّن َ‬ ‫‪ 494/1‬خالصة حكم املحدث‪[ :‬رويناه] بأصح أساين‬ ‫(‪ )14‬حسب ما يقول الشيعة و كذلك رأي بعض أهل السنة‪ ،‬و اآلية املقصودة هي سورة النساء ‪( 24‬ف َ​َم ْاستَ ْمتَ ْعتُ ْم ِب ِه ِم ْن ُه َّن فَآت ُو ُه َّن أُ ُجو َر ُه َّن) من تفسري ابن كثري لآلية (وقد‬ ‫استُدل بعموم هذه اآلية عىل نكاح املتعة‪ ،‬وال شك أنه كان مرشوعاً يف ابتداء اإلسالم‪ ،‬ثم نسخ بعد ذلك‪ ،‬وقد ذهب الشافعي وطائفة من العلامء إىل أنه أبيح ثم نسخ مرتني‪ .‬وقال‬ ‫آخرون‪ :‬أكرث من ذلك‪ .‬وقال آخرون‪ :‬إمنا أبيح مرة‪ ،‬ثم نسخ مرة‪ ،‬ثم نسخ‪ ،‬ومل يبح بعد ذلك‪ .‬وقد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للرضورة‪ ،‬وهو رواية‬ ‫عن اإلمام أحمد‪ ،‬وكان ابن عباس وأيب بن كعب وسعيد بن جبري والسدي يقرؤون‪ :‬فام استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة‪ ،‬وقال مجاهد‪ :‬نزلت يف نكاح املتعة‪ ،‬ولكن‬ ‫الجمهور عىل خالف ذلك)‬ ‫(‪ )15‬من تفسري ابن كثري لقوله (و ارضبوهن) النساء ‪( : 34‬قال النبي صىل الله عليه وسلم " ال ترضبوا إماء الله " فجاء عمر ريض الله عنه إىل رسول الله صىل الله عليه وسلم‬ ‫فقال‪ :‬ذئرت النساء عىل أزواجهن‪ ،‬فرخص رسول الله صىل الله عليه وسلم يف رضبهن‪ ،‬فأطاف بآل رسول الله صىل الله عليه وسلم نساء كثري يشكون أزواجهن‪ ،‬فقال رسول الله‬ ‫صىل الله عليه وسلم " لقد أطاف بآل محمد نساء كثري يشكون أزواجهن‪ ،‬ليس أولئك بخياركم ") و عن عيل‪ ،‬قال‪ :‬أىت رسول الله صىل الله عليه وسلم رجل من األنصار بامرأة له‪،‬‬ ‫فقالت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إن زوجها فالن بن فالن األنصاري‪ ،‬وإنه رضبها فأثر يف وجهها‪ ،‬فقال رسول الله صىل الله عليه وسلم " ليس له ذلك " فأنزل الله تعاىل‪ { :‬ٱل ِّر َج ُال قَ َّوا ُمو َن َع َل‬ ‫ٱل ِّن َسآ ِء } أي‪ :‬يف األدب‪ ،‬فقال رسول الله صىل الله عليه وسلم " أردت أمرا ً‪ ،‬وأراد الله غريه "‬

‫‪8‬‬


‫بيان اإلدعاء و الكذب يف‬ ‫إعجاز قصة أيب لهب‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫إذن عىل ما يبدو فالله ورسوله يغريان رأيهام كثريا ً جدا ً و بأشكا ٍل متنوعة‪ ،‬سوا ًء يف األحكام الرشعية‪ ،‬أو حتى يف الخرب‬ ‫وتقرير حقائق (كآيات املصابرة) و طبعا املسلمون كالعادة لديهم تربيرات تأويلية جاهزة ملثل هذه الرتاجعات و‬ ‫التبديالت‪ ،‬بعد هذا كله؛ هل نص ّدق حقاً أن الله و رسوله كانا سيكونان يف موضع حر ٍج لو كان أبو لهب قد أعلن‬ ‫إسالمه؟؟ أم أن الحكم كان سينسخ والوحي كان سينزل ببساطة قائالً مثالً ‪.." :‬اآلن علم الله أن أبا لهب قد تاب وآمن‬ ‫فغفر له والله غفور رحيم‪..‬إلخ"؟؟‬

‫ثالثاً‪:‬‬

‫لهب‬ ‫لو كان أبو لهب أعلن توبته‪ ،‬كان ميكن ملحمد أن يرفضها‪ ،‬أو يتهمه بالكذب‪ ،‬نالحظ أن سورة املسد مل تذكر أن أبا ٍ‬ ‫لن يعلن إسالمه أبدا ً طوال حياته‪ ،‬و إمنا هي قالت أنه سيدخل النار‪ ،‬فهل كل من أعلن إسالمه سينجو بالرضورة من‬ ‫النار؟ ال‪ ،‬ليس رشطاً‪ ،‬بل هناك استثنائني رئيسيني لهذا حسب الفكر اإلسالمي ‪ :‬األول هو أن يسلم اإلنسان بعد ما يسمى‬ ‫بـ"غلق باب التوبة" ‪ ،‬والثاين هو اعتبار الشخص منافقاً أي أنه قد أعلن اإلميان بلسانه فقط لكنه كاف ٌر بداخله ‪ -‬يف هاتني‬ ‫الحالتني ميكن أن نضع الشخص يف النار حتى ولو أعلن إسالمه؛ إذن لو كان أبو لهب قد أعلن إسالمه فكان ميكن ملحمد‬ ‫بسهولة‪ -‬تفادياً لإلحراج‪ -‬االستمرار بالقول أنه يف النار عن طريق تصنيفه يف واحدة من هذين التصنيفني‪ -‬و بذا تظل‬ ‫اآلية صحيحة! و لدينا أمثلة واقعية عىل مثل هذا‪ ،‬منها فرعون موىس الذي تاب ولكن مل تقبل توبته‪ ،‬ومنها املنافقون يف‬ ‫املدينة كعبد الله بن أيب سلول وغريه من الذين كانوا يجهرون باإلسالم لساناً و لكن مع ذلك اعتربهم القرآن من املنافقني‬ ‫قلباً ووضعهم يف الدرك األسفل من النار‪ ،‬وسنذكر قصة أحدهم بيش ٍء من التفصيل ألهميتها‪.‬‬ ‫قصة ثعلبة بن حاطب األنصاري تنسف اإلعجاز املزعوم لقصة أبو لهب‬ ‫ٱلصالِ ِح َني‬ ‫لنقرأ معاً اآليات التالية من سورة التوبة ( َو ِم ْن ُه ْم َّم ْن َعا َه َد ٱللَّ َه ل ِ َْئ آتَانَا ِمن ف َْضلِ ِه لَ َن َّص َّدقَ َّن َولَ َنكُونَ َّن ِم َن َّ‬ ‫ فَل َّ​َم آت َا ُه ْم ِّمن ف َْضلِ ِه بَ ِخلُوا ْ ِب ِه َوت َ َولَّوا ْ َّو ُه ْم ُّم ْعر ُِضو َن ‪ -‬فَأَ ْع َق َب ُه ْم نِفَاقاً ِف قُلُو ِب ِه ْم إِ َ ٰل يَ ْو ِم يَلْ َق ْونَ ُه بِ َآ أَ ْخلَفُوا ْ ٱللَّ َه َما‬‫َو َع ُدو ُه َوبِ َا كَانُوا ْ يَك ِْذبُونَ) (‪ )16‬و نقرأ سبب نزول اآليات‪ -‬من تفسري الطربي لآلية (عن ابن عباس قوله‪َ { :‬و ِم ْن ُه ْم َم ْن‬ ‫َعا َه َد اللَّ َه ل ِ َْئ آتانا ِم ْن ف َْضلِ ِه‪ ، } ...‬وذلك أن رجالً يقال له ثعلبة بن حاطب من األنصار‪ ،‬أىت مجلساً فأشهدهم‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫حق حقه‪ ،‬وتص ّدقت منه‪ ،‬ووصلت منه القرابة‪ ،‬فابتاله الله فآتاه من فضله‪،‬‬ ‫لنئ آتاين الله من فضله‪ ،‬آتيت منه ّ‬ ‫كل ذي ّ‬ ‫فقص الله شأنه يف القرآن‪َ { :‬و ِم ْن ُه ْم َم ْن َعا َه َد اللَّ َه‪ } ...‬اآلية‪ ،‬إىل‬ ‫فأخلف الله ما وعده‪ ،‬وأغضب الله مبا أخلف ما وعده‪ّ ،‬‬ ‫قوله‪ { :‬يَك ِْذبُو َن }) ا‪.‬هـ‬ ‫(‪ )16‬سورة التوبة ‪77 -75‬‬

‫‪9‬‬


‫بيان اإلدعاء و الكذب يف‬ ‫إعجاز قصة أيب لهب‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫إذن فثعلبة هذا تعهد إن آتاه الله ماالً ليتصدق به‪ ،‬ثم ملا جاءه املال نكث بوعده و بخل‪ ،‬فنزلت اآليات تدينه وتقرر أنه‬ ‫سيلقى الله منافقاً‪ ،‬و سيدخل النار‪ ،‬ممتاز و لكن املفاجأة أن ثعلبة ندم بعدها وأعلن التوبة! نعود إىل تفسري الطربي‬ ‫ٍ‬ ‫محمد‬ ‫((فخرج ثعلبة حتى أىت النبي صىل الله عليه وسلم‪ ،‬فسأله أن يقبل منه صدقته‪))...‬ا‪.‬هـ الرجل تاب و عاد إىل‬ ‫يسأله املغفرة‪ ،‬فامذا فعل محمد؟ ببساطة رفض قبول توبته و رد عليه أمواله‪ ..‬نكمل (‪...‬‬ ‫فخرج ثعلبة حتى أىت النبي صىل الله عليه وسلم‪ ،‬فسأله أن يقبل منه صدقته ‪ ..‬فقال‪ " :‬إ َّن اللَّ َه َم َن َع ِني أ ْن أقْ َب َل ِم ْن َك‬ ‫َص َدقَتَ َك " فجعل يحثي عىل رأسه الرتاب‪ ،‬فقال له رسول الله صىل الله عليه وسلم‪َ " :‬هذَا َع َمل َُك‪ ،‬قَ ْد أ َم ْرت َُك فَلَ ْم ت ُِط ْع ِني‬ ‫" فلام أىب أن يقبض رسول الله صىل الله عليه وسلم‪ ،‬رجع إىل منزله‪ ،‬وقبض رسول الله صىل الله عليه وسلم ومل يقبل‬ ‫منه شيئاً‪)).‬ا‪.‬هـ‬ ‫هكذا لدينا هنا حالة مشابهة متاماً لحالة أيب لهب لو كان أسلم! و نجد فيها أن محم ًدا مل يصادف أي حر ٍج مطلقاً يف أن‬ ‫يرفض قبول توبة الرجل‪ -‬فمهام أعلن صاحبنا إميانه وبىك و ندم أو استغفر‪ ،‬فامزال بإمكاننا القول بأن ثعلبة تاب بعد‬ ‫أن أغلق باب التوبة أو لنقل أنه منافق أو أن الله رفضه ألي سبب آخر ‪ -‬املهم أنه يف النار كام وصمه القرآن‪.‬‬ ‫هذه القصة وحدها كافية متاماً للرد عىل دعوى اإلعجاز أو تضمن املسألة ألي نوع من املخاطرة من قبل محمد‪ ،‬فلو‬ ‫كان أبو لهب قد أعلن إسالمه لكان بإمكان محمد بكل سهولة أن يسلك تجاهه نفس السلوك الذي سلكه تجاه ثعلبة‪،‬‬ ‫فيعتربه منافقاً و يرفض توبته‪ -‬و من ثم يظل أبو لهب من أصحاب النار و يظل القرآن معصوما من الخطأ‪..‬‬ ‫املزيد ممن توعدهم القرآن بالنار أسلموا الحقا‪..‬‬ ‫و نضيف أن حالة ثعلبة ليست الوحيدة ملثل ذلك‪ ،‬بل نجد حاالت أخرى نزلت فيها آيات قرآنية تتوعد أناس بعينهم‬ ‫بالنار‪ ،‬ثم أسلم هؤالء الحقاً‪،.‬و مع ذلك مل يشعر محم ٌد بأي حر ٍج من املسألة‪ ،‬و مل نجد املسلمني يقرون بانهيار مصداقية‬ ‫القرآن‪ ،‬و يخرجون من دين الله أفواجا! هناك مثال القصة الشهرية لعبد الله ابن أيب الرسح الذي كان كاتباً للوحي و ارتد‬ ‫عن اإلسالم‪ ،‬و أيضا ً توعده القرآن بالنار (‪ )17‬و لكن أبا الرسح تاب وأعلن إسالمه و تركه محمد فلم يقتله (‪)18‬‬ ‫ش ٌء َو َمن ق َ​َال َسأُنز ُِل ِمث َْل َمآ أَن َ​َزل ٱللَّ ُه َولَ ْو ت َ َرى إِ ِذ ٱلظَّالِ ُمو َن ِف َغ َم َر ِ‬ ‫ات ٱلْ َم ْو ِت َوٱلْ َمالئِ َك ُة بَ ِاسطُوا ْ أَيْ ِدي ِه ْم‬ ‫(‪َ ( )17‬و َم ْن أَظْلَ ُم ِم َّمنِ ٱف َ َْت ٰى َع َل ٱللَّ ِه ك َِذباً أَ ْو ق َ​َال أُ ْو ِح َي إِ َ َّل َولَ ْم يُ َ‬ ‫وح إِلَيْ ِه َ ْ‬ ‫َاب ٱلْ ُهونِ بِ َا كُنتُ ْم تَقُولُو َن َع َل ٱللَّ ِه غ ْ َ​َي ٱلْ َح ِّق َوكُ ْنتُ ْم َع ْن آيَاتِ ِه ت َْستَك ِ ُْبونَ) األنعام ‪ 93‬من تفسري الطربي لآلية‪َ ( :‬و َم ْن َ‬ ‫قال سأُنْز ُِل ِمث َْل ما أنْ َز َل الله‬ ‫أَ ْخ ِر ُجوا ْ أَنْف َُس ُك ُم ٱلْ َي ْو َم ت ُ ْج َز ْو َن َعذ َ‬ ‫سح‪ ،‬أخي بني عامر بن لؤي‪ ،‬كان يكتب للنبي صىل الله عليه وسلم‪ ،‬وكان فيام ُي ِل «عزيز حكيم»‪ ،‬فيكتب «غفور رحيم»‪ ،‬فيغريه‪ ،‬ثم يقرأ‬ ‫} نزلت يف عبد الله بن سعد بن أيب َ ْ‬ ‫عليه كذا وكذا ملا ح ّول‪ ،‬فيقول‪« :‬نَ َع ْم سواء» فرجع عن اإلسالم ولحق بقريش وقال لهم‪ :‬لقد كان ينزل عليه «عزيز حكيم»‪ ،‬فأح ّوله ثم أقول ملا أكتب‪ ،‬فيقول نعم سواء‪ ..‬ثم رجع‬ ‫إىل اإلسالم قبل فتح مكة) ا‪.‬هـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فلم دعا ُ‬ ‫صل اللَّ ُه‬ ‫اس إىل البيعة جا َء به حتَّى أوقفَه عىل رسول الله ‪َّ -‬‬ ‫رسول اللَّه ‪َّ -‬‬ ‫الس ٍح ; فإنَّ ُه اختبأ عند عثام َن بنِ عفَّا َن َّ‬ ‫(‪( )18‬وأ َّما عب ُد اللَّ ِه بنِ أيب َّ‬ ‫صل اللَّ ُه عليه وسلَّ َم – ال َّن َ‬ ‫كل ذلِك يأىب فباي َعه بع َد ٍ‬ ‫علي ِه وسلَّ َم ‪ -‬فقال يا َ‬ ‫كففت يدي عن‬ ‫رجل رشي ٌد يقوم إىل هذا حني رآين‬ ‫أقبل عىل أصحا ِب ِه فقال أما فيكم ٌ‬ ‫ثالث ث َّم َ‬ ‫رسول با ِي ْع عب َد اللَّه فنظر إلي ِه ثالث ًا ُّ‬ ‫ُ‬ ‫بيع ِته فيقتلُه فقالوا وما يُدرينا ما يف نفسك يا َ‬ ‫لنبي أن ت َكو َن ل ُه خائن ُة األعنيِ) الراوي‪ :‬سعد بن أيب وقاص املحدث‪ :‬عبد الحق‬ ‫رسول اللَّ ِه هال أومأتَ إلينا بعي ِنك قال إنَّ ُه ال ينبغي ٍّ‬ ‫اإلشبييل ‪ -‬املصدر‪ :‬األحكام الصغرى ‪ -‬الصفحة أو الرقم‪ 549 :‬خالصة حكم املحدث‪[ :‬أشار يف املقدمة أنه صحيح اإلسناد]‬

‫‪10‬‬


‫بيان اإلدعاء و الكذب يف‬ ‫إعجاز قصة أيب لهب‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫بل إن عثامن ابن عفان قد واله عىل حكم مرص ‪ ،‬فهل يرى املسلمون مأزقا يف تلك اآليات؟ قطعا ال‪ ،‬بل ميكن التغلب‬ ‫عيل املشكلة بأي وسيل ٍة من الوسائل التحايلية التي أرشنا لها ‪ :‬إما بإعادة تأويل النص بشكلٍ يزيل الحرج ‪ ،‬و إما بالقول‬ ‫أن الرجل مل يسلم بصدق بل هو منافق‪..‬‬ ‫و هناك ثالث هو الوليد بن ُعقبة‪ ،‬الذي أيضا نزلت فيه آية تعلن أنه من أهل النار (‪ )19‬ثم إن الرجل (الذي يقال أيضاً‬ ‫أنه نزلت فيه آية أخرى هي "إذا جاءكم فاسق بنبأ‪ )"..‬قد تاب وأسلم عام الفتح وصار من كبار الصحابة‪ ،‬وتوىل الحقاً‬ ‫حكم الكوفة (بتولية عثامن أيضا) (‪ )20‬فام رأيكم؟‬ ‫رابعا ‪:‬‬ ‫هناك أبو سفيان‪ ،‬والذي يقال أنه نزلت فيه آية أيضاً تتوعده بالنار (‪ )21‬لكن أبو سفيان أسلم وقت الفتح أيضا كام هو‬ ‫معلوم‪.‬‬ ‫فهل انهار اإلسالم بإسالم هؤالء و مناقضتهم للقرآن؟ هل ظهر كذب محمد؟ هل أحرج املسلمون إىل يوم القيامة؟؟ ال‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫حكم‬ ‫كذلك‪ ،‬مل يكن إسالم أبو لهب ليمثل حال ًة جديد ًة أو فريد ًة أو محرج ًة‬ ‫ملحمد أو أتباعه كام قد نتوقع‪ -‬فكم من ٍ‬ ‫نسخ و كم من ٍ‬ ‫نص متت إعادة تأويله‪ ،‬بل وكم من شخص توعده القرآن بالنار ثم عاد فأعلن توبته‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مواقف ال حرص لها‪ ،‬و بالتايل مل يكن يضريه وال يضري أتباعه‬ ‫كام رأينا محمد وعد كثريا ً و أخلف و تراجع وغري كالمه يف‬ ‫تراجعاً إضافياً‪ ،‬بل هو يف أول دعوته توعد قريشاً رصاح ًة بصاعق ٍة من الله تصيبهم إن هم كذّبوا به ‪( :‬فَ ِإ ْن أَ ْع َر ُضوا فَق ُْل‬ ‫أَن َذ ْرتُ ُك ْم َصا ِع َق ًة ِمث َْل َصا ِع َق ِة َعا ٍد َو َثُو َد) ‪ -‬فصلت ‪ 13‬و مل تؤمن قريش‪ ،‬و مل تنزل الصاعقة!!! و رغم هذه السقطة‬ ‫ٍ‬ ‫محمد للمسلمني و مل نرهم ارت ّدوا عن دينهم أفواجا!‬ ‫الفضائحية و غريها كثري‪ ،‬إال أنه مر ًة أخرى مل يظهر كذب‬ ‫والحقيقة أن جميع السقطات والرتاجعات واألخطاء و التناقضات يف العامل كله لن تؤدي أبدا ً ألن يتم فضح اإلسالم يف‬ ‫أعني املسلمني ولن تؤدي إىل انهيار الدين و ترك املسلمني لدينهم‪ ،‬و هذا ببساطة ألن الدين مل يُ َنب عىل املنطق والدليل‬ ‫والربهان أصالً‪ ،‬حتى يتم هدمه عن طريقها‪ ،‬باختصار عزيزي املسلم أنت مل تدخل اإلسالم بعقلك حتى تخرج منه‬ ‫بعقلك‪ -‬بل دخلته بالعاطفة و بالرتهيب و قبل هذا بالوراثة و التنشئة‪،‬‬ ‫َاب ٱل َّنا ِر ٱل َِّذي كُنتُ ْم ِب ِه ت ُ َك ِّذبُونَ) السجدة ‪ 20‬من تفسري الطربي لآلية‪:‬‬ ‫(‪ )19‬سورة ( َوأَ َّما ٱل َِّذي َن ف َ​َسقُوا ْ ف َ​َمْ َوا ُه ُم ٱل َّنا ُر كُل ََّم أَ َرادُوا ْ أَن يَ ْخ ُر ُجوا ُ ِم ْن َهآ أُ ِعيدُوا ْ ِفي َها َو ِق َيل لَ ُه ْم ذُوقُوا ْ َعذ َ‬ ‫علـي بن أبـي طالب‪ ،‬والولـيد بن عقبة‬ ‫علـي بن أبـي طالب‪ ،‬رضوان الله علـيه‪ ،‬والولـيد بن ُعقبة‪ ..‬عن عطاء بن يسار‪ ،‬قال‪ :‬نزلت بـالـمدينة‪ ،‬فـي ّ‬ ‫(وذُكر أن هذه اآلية نزلت فـي ّ‬ ‫علـي‪ :‬اسكت‪ ،‬فإنك فـاسق‪ ،‬فأنزل الله‬ ‫علـي كالم‪ ،‬فقال الولـيد بن عقبة‪ :‬أنا أبسط منك لساناً‪ ،‬وأح ّد منك سناناً‪ ،‬وأر ُّد منك للكتـيبة‪ ،‬فقال ّ‬ ‫بن أبـي معيط كان بـني الولـيد وبـني ّ‬ ‫فـيهام‪ { :‬أف َم ْن كا َن ُم ْؤ ِمناً ك َم ْن كا َن ِ‬ ‫فـاسقاً ال يَ ْستَ ُوونَ‪ } ...‬إلـى قوله { ِب ِه ت ُ َك ّذبُونَ)‬ ‫(‪ )20‬البداية والنهاية البن كثري ‪/‬الجزء الثامن‪ /‬باب الوليد بن عقبة بن أيب معيط‬ ‫َ‬ ‫شونَ) األنفال ‪ 36‬من تفسري الطربي لآلية‪:‬‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫س ًة ث ُ َّم يُ ْغلَ ُبو َن َوالَّ ِذي َن كَ َف ُروا ْ إِ َل َج َه َّن َم يُ ْح َُ‬ ‫(‪َّ ِ( )21‬ن الَّ ِذي َن كَ َف ُروا ْ يُن ِفقُو َن أَ ْم َوالَ ُه ْم لِ َي ُص ُّدوا ْ َعن َسبِيلِ اللّ ِه ف َ​َس ُين ِفقُونَ َها ث ُ َّم تَكُو َ ْ ْ َ ْ َ‬ ‫شو َن } قال‪ :‬نزلت فـي أبـي سفـيان بن حرب استأجر يوم أحد ألفـني‬ ‫(عن سعيد بن جبـري‪ ،‬فـي قوله‪ { :‬إ َّن ال َِّذي َن كَ َف ُروا يُ ْن ِفقُو َن أ ْم َوالَ ُه ْم‪ } ...‬اآلية { َوال َِّذي َن كَ َف ُروا إلـى َج َه َّنـ َم يُ ْح َ ُ‬ ‫من األحابـيش من بنـي كنانة‪..‬‬ ‫عن الـحكم بن عتـيبة‪ { :‬إ َّن ال َِّذب َن كَ َف ُروا يُ ْن ِفقُو َن أ ْم َوالَ ُه ْم لِـ َي ُصدُّوا َع ْن َسبِـيـلِ اللّ ِه } قال‪ :‬نزلت فـي أبـي سفـيان‪ ،‬أنفق علـى الـمرشكني يوم أُحد أربعني أوقـية من ذهب‪..‬‬ ‫الـخاسو َن } قال‪ :‬فـي نفقة أبـي سفـيان علـى الكفار يوم أُحد‪).‬‬ ‫عن مـجاهد‪ ،‬فـي قول الله‪ { :‬يُ ْن ِفقُو َن أ ْم َوالَ ُه ْم لِـيَ ُصدُّوا َع ْن َسبِـيـلِ اللّ ِه‪ } ...‬اآلية‪ ،‬حتـى قوله‪ { :‬أُولَ ِئ َك ُه ُم‬ ‫ُِ‬

‫‪11‬‬


‫بيان اإلدعاء و الكذب يف‬ ‫إعجاز قصة أيب لهب‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫بالتايل ال يهم حقاً إن كان أبو لهب قد أعلن إسالمه أم ال‪ ،‬يف كل األحوال مل تكن لترتك دينك أو تكتشف زيفه‪ -‬يف أسوأ‬ ‫األحوال ستكون القصة عندك مجرد "شبهة" إضافية تنضم لكومة التهم والشبهات حول اإلسالم التي تسعى للرد عليها و‬ ‫تربيرها طوال الوقت‪ ،‬أساليب التحايل والرتقيع موجود ٌة و متاح ٌة دامئا و يستخدمها املؤمنون طوال الوقت ملحاولة سرت‬ ‫عورات أديانهم‪ ،‬و لو مل يوجد محمد لنفسه تربيرا ً يف املسألة ألوجد املسلمون له ألف تربير‪.‬‬

‫الشبهة رقم‬ ‫‪8544972310‬‬

‫‪12‬‬


13


‫من سريبح األفيون؟‬ ‫أسئلة يف الثواب والعقاب‬ ‫بداي ًة‪ ،‬تخيلوا معي هذا السيناريو‪،‬‬ ‫طفل صغري‪ ،‬وأردت أن تردعه عن الرسقة مثالً‪ ،‬فق ّررت وعظه مخاطبًا‬ ‫لو كان لديك ٌ‬ ‫إيّاه عىل هذا النحو‪ :‬سأصحبك معي إىل بيت الجار برشط أن تع ْدين أالّ ترسق شيئًا‬ ‫كام فعلت يف املرة السابقة‪ ،‬وإن وعدتني أالّ تفعل وكنت عند وعدك فسأرسق لك‬ ‫من متجر األلعاب املجاور لعب ًة رائعة‪.‬‬ ‫تخيل هذا السيناريو وأسقطه عىل فكرة الثواب والعقاب اإللهي‪ .‬القصة ليست‬ ‫ببعيدة واملقارنة واردة‪.‬‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫‪14‬‬


‫من سريبح األفيون؟‬ ‫أسئلة يف الثواب والعقاب‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫فكّر فقط‪ ،‬كيف لهذا الطفل أن يُدرك أ ّن املكافأة التي ُوعد بها ستكون من نفس جنس العمل الذي نُهي عن فعله؟ (ال‬ ‫شخصا بال ًغا راش ًدا!)‪ ،‬فاملفرتض بالبالغ أن يسأل ويستفرس ويفكّر‪ ،‬وأن‬ ‫تنىس أ ّن بطل هذا السيناريو هو (طفل) وليس ً‬ ‫يعيد كل يش ٍء إىل العقل واملنطق‪.‬‬ ‫لطاملا زُرع يف مخيلتنا أ ّن مفهو َمي الثواب والعقاب هام أه ّم أساليب التعامل مع البرش للتعريف مبا يجب فعله وما ال‬ ‫يجب وما يُستحب وما ال يُستحب‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫تساؤالت حول هذين املفهومني اإللهيني الغريبني‬ ‫سأحاول أن أستعرض عدة‬ ‫رص ٍف ما‪،‬‬ ‫كطريق ٍة للجذب وال ّردع عن القيام بت ّ‬ ‫السؤال األول‪:‬‬ ‫رس اإلبحار يف وصف الجنة املوعودة مع الرتكيز عىل الطعام والرشاب‬ ‫ما ّ‬‫والجنس؟‬ ‫هل من املمكن أن نجد وسيل ًة أخرى للحثّ عىل فعل يش ٍء ما أو ال ّنهي عنه‬‫دون اللجوء إىل الرتغيب والرتهيب؟‬ ‫هل نعجز عن إقناع ٍ‬‫شخص ما بأالّ يقتل أو يرسق أو يغش دون س ّن قوانني‬ ‫ٍ‬ ‫مكافآت تغريه‬ ‫توقفه عنده ح ّده‪ ،‬أو دون أن نُضط ّر إىل اللجوء إىل عرض‬ ‫لإلعراض عن مج ّرد التفكري باإلقدام عىل مثل هذه األفعال؟‬ ‫هل نعجز عن دفع ٍ‬‫شخص ما مثالً للتربع مبا يفيض عن حاجته إىل محتا ٍج‪،‬‬ ‫بيتيم أو ٍ‬ ‫مريض أو طفلٍ أو عجوز‪ ...‬دون‬ ‫أو نرصة مظلوم‪ ،‬أو الرأفة ٍ‬ ‫اللجوء إىل استعراض حوافز مغرية تدفعه دف ًعا للقيام بذلك؟‬ ‫هل يجب أن يوازي مفهو َمي العقاب والثواب بعضهام‬‫البعض من حيث قوة التأثري؟ وهل هنالك من ركائز‬ ‫لرسمهام أو رشوط خاصة لنوعيتهام أو ماهيتهام؟‬

‫‪15‬‬


‫من سريبح األفيون؟‬ ‫أسئلة يف الثواب والعقاب‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫هل لغيابهام أث ٌر بال ٌغ حقًا؟ وهذا سيقودنا إىل سؤا ٍل أز ٍّيل آخر‪:‬‬‫هل اإلنسان رشي ٌر بطبعه م ّي ٌال لألذيّة؟ تقولبه األعراف االجتامعية وما تحويه من ٍ‬‫لغوي‪ :‬غلط‪ ،‬عار‪ ،‬حرام‪،‬‬ ‫إرث‬ ‫ٍّ‬ ‫خطيئة‪،‬إثم‪ ...‬لرتويضه عىل الخري؟‬ ‫هل جاءت فكرة الله من هنا؟ أي من رضورة إيجاد ٍ‬‫ذات مؤلَّه ٍة من َّزه ٍة تتسم بالكامل املطلق ترسم الحق والباطل‬ ‫وتتبعه بحتميّة الثواب والعقاب؟‬ ‫ماس ّمي بـ "األنبياء" ؟‬ ‫ما السبب خلف رضورة خلْق فكرة ُ‬‫سأتوقّف عند هذه النقطة وأحاول أن أستفيض قليالً من وجهة نظري‪:‬‬ ‫املاسة للتنظيم‪ ،‬للقانون‪ ،‬وكصلة وصلٍ بني ذلك‬ ‫خلقت مخيّلة اإلنسان األنبياء من آدم وصوالً إىل عيىس نظ ًرا للحاجة ّ‬ ‫اإلله املؤلّه عىل عرشه‪ ،‬والذي من غري املقبول أن يخاطبنا هو بجاللته وقدسيته‪ ،‬بل ذهب اإلنسان يف تفخيم اإلله إىل‬ ‫ح ّد تقزيم نفسه‪ ،‬واألهم من ذلك كله‪ ،‬أوجدهم‪-‬سواء اإلله أو األنبياء‪ -‬للحاجة "إللزامية" تطبيق الخري واالبتعاد عن‬ ‫وعم اتفقوا عىل وصفه بالرش‪.‬‬ ‫نقيضه ّ‬ ‫هل من املمكن أن نعترب أ ّن األديان ُوجدت باألساس كفكر ٍة بدائي ٍة لتنمية الرقابة الذاتية بالنفس البرشية؟‬‫وعىل فرض أ ّن هذا صحيح‪ ،‬إذن‪:‬‬ ‫عوضا عن تقوية مفهومي الثواب والعقاب‬ ‫ملَ مل يعمل ال ّدين عىل الرتكيز عىل تقوية ما ميكن أن نسميه بالرقابة الذاتية ً‬‫بصيغتهام الطفول ّية تلك؟‬ ‫ٍ‬ ‫يك يف ف ّن الرتهيب والرتغيب‪.‬‬ ‫كتجسيد دراماتي ٍّ‬ ‫لنلق نظر ًة عىل فكرة الجنة والنار‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مم ل ّذ‬ ‫تقاسمت األديان موضوع الحياة األبدية‪ ،‬مع‬ ‫اختالفات بسيطة‪ ،‬يف اإلسالم ٌ‬ ‫وصف ٌ‬ ‫دقيق ملا تحويه جنة عدن ّ‬ ‫وصف يتقاطع مع بعض ما جاء يف اإلسالم‬ ‫وطاب من األطعمة واملرشوبات ومن النساء العذارى والغلامن‪.‬ويف املسيحية ٌ‬ ‫من حيث وصف أنهار عدن واألشجار املذهلة بأجواء أكرث روحانية‪ .‬لكنهم يتشاركون فكرة الحور العني‪ ،‬بل نجد أن‬ ‫عم يف اإلسالم بحسب ما جاء بإنجيل مرقص ‪ "،29:19‬فأجاب يسوع‪ :‬الحق أقول لكم‬ ‫عددهن يف املسيحية يفوق بكثري ّ‬ ‫ما من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ضعف‬ ‫أخوات أو أ ًّما أو أبًا أو أوال ًدا أو حقوالً ‪ 30‬إالّ وينال مئة‬ ‫أحد ترك ألجيل وألجل اإلنجيل بيتًا أو إخو ًة أو‬ ‫ٍ‬ ‫ضعف ويرث‬ ‫"فكل من ترك امرأ ًة يأخذ مئة‬ ‫اآلن يف هذا الزمان‪ ،‬ويف الزمان اآليت الحياة األبدية"‪.‬ويف إنجيل متى‪ّ :19/‬‬ ‫الحياة األبدية"‪ .‬بينام يُؤ َخذ عىل اليهودية أنها مل ت ُسهب يف وصف الجنة‪ ،‬لك ّن األغرب عندهم‪ ،‬أنهم يعتقدون أ ّن الجنة‬ ‫ُخلقت لليهود وال يدخلها غري اليهودي!‬ ‫‪16‬‬


‫من سريبح األفيون؟‬ ‫أسئلة يف الثواب والعقاب‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫كل ما ُحرم منه الجنس البرشي عىل األرض سيناله فيها‪ ،‬كالجنس املباح بالدرجة األوىل‬ ‫ما تتقاسمه جنة األديان إذن‪ ،‬إ ّن ّ‬ ‫والخمر (عند املسلمني)‪ .‬الغريب هنا أ ّن اإلله قد أتقن فن "تقزيز" أتباعه من هذين األمرين بالتحديد يف الدنيا‪-‬أي‬ ‫ٍ‬ ‫مسميات‬ ‫الجنس والخمر(عند املسلمني)‪ -‬لكنه املفارقة أنّه حلّل لهم الجنس املباح عىل األرض ببصمته الخاصة تحت‬ ‫كثري ٍة يندى لها جبني اإلنسانية!‬ ‫ٌ‬ ‫ايض يطرح نفسه هنا‪:‬‬ ‫تساؤل اعرت ٌّ‬ ‫رس فقدان اإلله للثقة بأتباعه‪ ،‬وملَ ال يخاطبهم كجديرين باملسؤولية؟ مثالً‪،‬عندما مينعهم عن اإلتيان بفعلٍ ما‪ ،‬نراه‬ ‫ ما ّ‬‫يكتفي باملنع فقط دون توضيح سبب هذا املنع‪ ،‬ومن سيقول يل رمبا هناك أشياء لن نفهمها وهي الحكمة اإللهية‬ ‫الخفية املعهودة‪ ،‬فاسمحوا يل أن أذكركم مبا ت ّدعون من رشو ٍح علمي ٍة عديد ٍة يف القرآن خاص ًة‪ ،‬حيث حرش الدين أنفه‬ ‫فيها بالفلك والطب أو الجيولوجية‪،‬مخاط ُبا أ ّم ًة ال تقرأ بغالبيتها‪ ،‬وكان املسلمون أكرث من ي ّربرون ذلك بأنه يو ًما ما سيأيت‬ ‫سيثبت العلم ماقيل يف كتابهم‪ ،‬أي أ ّن حجة مراعاة اإلله لعقول رعيته ليس وار ًدا‪.‬‬ ‫رس خلف احتفاظ اإلله ببعض األرسار لنفسه أو ألجلٍ غري مس ّمى كام تتخيلون؟‬ ‫ فام ال ّ‬‫ٍ‬ ‫زيجات‬ ‫سأبحث عن اإلجابة املحتملة بالعودة ملوضوع الجنس املح ّرم دنيويًا املحلل "آخرويًا" ‪ ،‬اإلله اإلسالمي حلّل‬ ‫غريب ٍة من باب أ ّن اإلسالم دين يرس‪ :‬كاملسيار واملتعة والعريف والجهاد الجنيس مؤخ ًرا ‪-‬وإن ا ّدعى البعض بطالن هذا‬ ‫حتم عىل أنّ‪ :‬الرضورات تبيح‬ ‫رشعه استند ً‬ ‫األخري‪ -‬إالّ أنّهم لن يستطيعوا أن يقولوا بأنه ليس من اإلسالم بيشء‪ ،‬بل من ّ‬ ‫املحظورات(باملناسبة‪ ،‬العبارة األخرية هي من أغرب وأخطر التصاريح يف الدين اإلسالمي برأيي‪ ،‬وهي من س ّدت ثغرات‬ ‫كل ٍ‬ ‫مباح وله تسهيالتٌ كثري ٌة قد ال تخطر ببال‪ .‬السؤال هنا‪ ،‬ملاذا اعتُرب الجنس مستهج ًنا‬ ‫تناقض يعرتضهم)‪ .‬إذن الجنس ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫إسفاف بالجنة؟ بل إ ّن من كتب القرآن واسرتسل بوصف معامل الجنة قد غاص بتفاصيل وأفكار ال‬ ‫عىل األرض مبا ًحا بكل‬ ‫ميكن أن يكون قد استقاها إالّ من قصص دعار ٍة اجتامعي ٍة مشاعة‪ ،‬القصص ذاتها التي كان مستع ًدا ليحلل رأس مرتكبيها‬ ‫تحت ذريعة أنها فاحشة‪ ،‬وكأنّه إن أراد اثنان إقامة عالق ٍة بينهام وتبادلوا أطراف عبارة‪ :‬ز ّوجتك نفيس‪ ,‬ستنتهي املشكلة‬ ‫أخالق ًيا برأيهم‪.‬‬ ‫والتناقض األكرب‪ ،‬نجده عند إله املسيحيني‪ ،‬الذي ح ّرم الجنس كل ًّيا عىل من نذر نفسه للكنيسة وللرب ولل ّرعية كام‬ ‫يصفونه‪ ،‬وكأ ّن اإلقدام عىل هذا الفعل ينتقص من قيمته أو أ ّن االبتعاد عن مامرسته سريفع منها! ويعدهم بالجنة‬ ‫بالنساء كام سبق وذكرت‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫من سريبح األفيون؟‬ ‫أسئلة يف الثواب والعقاب‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫السؤال األكربهنا هو‪:‬‬‫يستخف هذا اإلله بأتباعه؟‬ ‫ملاذا‬ ‫ّ‬ ‫فنجده مثالً حينام نهى عن رشب الخمر‬ ‫وأسامه منك ًرا قد تغاىض عن أ ّن قليله مفيد‬ ‫وغري ضا ٍّر عىل اإلطالق‪ ،‬ملاذا مل يطلب من‬ ‫أتباعه أالّ يكرثوا منه وليرشبوه باعتدال‬ ‫وحسب؟ بل نجده قد نهاهم عنه نهائ ًيا‬ ‫بحجة أنه يُذهب العقل‪.‬‬ ‫ملاذا يعامل عبيده كام نعامل أطفالنا قبل‬‫أن ي ْحبُوا أو يتعلموا النطق؟ فنحن مثالً إن‬ ‫أردنا أن نحميهم من النار أو من االقرتاب من‬ ‫األدوية مننعهم من ذلك دون االضطرار إىل‬ ‫تص ٍف‪ ،‬هو أن أرشح‬ ‫أي ّ‬ ‫أساسا لن يفهموا الرشح‪ .‬أما لو كانوا أكرب قليالً فالطريقة األفضل لنهيهم عن ّ‬ ‫رشح األسباب فهم ً‬ ‫لهم مضا ّره وتبعاته وأسباب منعي لهم من القيام به‪ ،‬عندها النتائج ستكون أفضل ألنه بالطبع س ُيعرِض عن القيام به‬ ‫تسليم ساذج‪.‬‬ ‫عن قناعة ال عن خوف أو‬ ‫ٍ‬ ‫تبي أنّه يراكم غري جديرين باملسؤولية وغري أهلٍ للثقة! هو‬ ‫نستنتج هنا‪ ،‬أ ّن صورة اإلله حسب تعاليمه التي وردتكم ّ‬ ‫مينع ارتداء الذهب للرجال مثالً لكن ال يرشح لكم السبب‪ ،‬مينعكم من االقرتاب من الخمر رغم ما يُعرف من أ ّن اإلكثار‬ ‫رض فقط وال يرشح السبب‪ ،‬وبخصوص العالقات الجنسية نجده قد أحاطها بالكثري الكثري من القيود أو ما‬ ‫منه هو امل ّ‬ ‫يعتربه املؤمنون بالضوابط بح ّجة ات ّقاء انحالل املجتمع ودرء نرش الرذيلة فيه‪ ،‬لكننا ال نرى رذيل ًة تفوق طقوس الزواج‬ ‫والعالقات األخرى لدى املسلمني بالتحديد‪ ،‬وما من دا ٍع إلعادة رسد حاالت الزوجات و(الخليالت أو الجواري)‪.‬‬ ‫أما يف املسيحية مثالً فقد ُحقّر الجنس إىل ح ّد أنه اعتُربأ ّن االبتعاد عنه رشطًا من رشوط التقرب لله وكسب مرضاته‪،‬‬ ‫ولن نرسد اآلن ما أفرزه هذا الكبت من فضائح وتجاوزات مألت الدنيا‪ ،‬من حوادث تح ّرش واغتصاب تحت أسقف‬ ‫الكنائس‪...‬‬ ‫ولو تط ّرقنا إىل مهزلة تعدد الزوجات يف اإلسالم‪ ،‬وعدم وضع س ٍّن محدد ٍة للزواج‪ ،‬وفكرة السبي وملكات اليمني‪ ،‬زد عىل‬ ‫ذلك زواج املتعة واملسيار‪...‬‬ ‫أال يع ّد هذا هو االنحالل والرذيلة بعينيهام؟‬‫‪18‬‬


‫من سريبح األفيون؟‬ ‫أسئلة يف الثواب والعقاب‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫ففي الغرب مثالً ال قيود مبارش ًة ت ُفرض عىل مامرسة الجنس أو الزواج‪ ،‬ونسبة الترشذم األرسي تكاد تكون متساوية‬ ‫ظل تشتت األرسة كام أطفالهم متساوون‬ ‫باملقارنة بني بالدنا وبالدهم‪ ،‬لكن برأيي‪ ،‬األهم هنا هم األطفال‪ ،‬فهل أطفالنا يف ّ‬ ‫من حيث الحقوق واالهتامم ومتابعة الدولة لهم؟ ال أحد يستطيع منع حاالت االنفصال واألطفال غري الرشعيني ‪-‬من‬ ‫سفاح قرىب أو اغتصاب وغري ذلك أو ما نسميهم يف بالدنا مبجهويل النسب‪ -‬يف أي مجتمعٍ بسهولة‪ ،‬لكن االحرتام ملن‬ ‫أوجد أفضل الحلول لهذه األزمة االجتامعية‪.‬‬ ‫فقد زُرع يف رؤوسنا أ ّن الغرب يحسد مدن الرشق املحافظ عىل تقديسهم لألرسة‪ ،‬لكن نكتشف بجول ٍة بسيط ٍة عىل أ ّن‬ ‫ألي‬ ‫أي ّ‬ ‫حل ّ‬ ‫الغرب يق ّدس األرسة تطبيق ًيا وليس نظريًا‪ ،‬فاالنغالق والتعتيم الذي تعاين منه أرسنا يجعل إمكانية إيجاد ّ‬ ‫مشكل ٍة فيها أصعب‪ .‬ولن أدافع عن األرس الغربية ولكن لن أدافع باملقابل عن األرس الرشقية أيضاً‪ ،‬بل ما أصبو إليه هو‬ ‫أرس ٌة متوازن ٌة سعيدةٌ‪ ،‬ت ُحفظ فيها حقوق الجميع‪ ،‬نضع أيدينا عىل الخطأ فيها إن ُوجد فنصلحه‪ ،‬ال أن نضع خطوطًا‬ ‫حمراء ال ميكن حتى نقاشها أو نقدها‪.‬‬ ‫بالعودة إىل ما بدأنا به يف هذا الجزء سنجد السؤال األغرب بخصوص (فوبيا الجنس واملرأة) التي تتقاسمها كافة األديان‬ ‫والتي تدور حولها فكرة الثواب والعقاب سأسأل‪:‬‬

‫توعوي باملدارس مبا يندرج تحت مس ّمى (الثقافة الجنسية)؟ عىل‬ ‫علمي‬ ‫ٍّ‬ ‫ملاذا تعارض بالد املسلمني فكرة وضع منها ٍج ٍّ‬‫غرار الدول املتحرضة والتي سبقتنا إنسانياً وعلم ًيا وحتى أخالق ًيا (وإن اعرتض البعض)‪ ،‬بدالً من أن يبحث الطفل أو‬ ‫حتم سيم ّر بفرت ٍة سيح ّركه فضوله للبحث‪ .‬بينام املفارقة الكربى‬ ‫املراهق عن مصادر مشبوهة الستقاء املعلومات التي ً‬ ‫وإشارة االستفهام األكرب هي يف أ ّن هذه املجتمعات التي تعارض ذلك بح ّجة املحافظة هي نفسها من تز ّوج أبناءها يف‬ ‫سن الطفولة!‬ ‫ ملاذا يرتعدون من مج ّرد فكرة الحديث العلمي املسؤول عن الجنس بح ّجة أنهم أطفال ويريدون حاميتهم من التطرق‬‫ملثل هذه الفواحش بينام تزويجهم يف هذه املرحلة هو يش ٌء طبيعي؟!‬ ‫‪19‬‬


‫من سريبح األفيون؟‬ ‫أسئلة يف الثواب والعقاب‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫يف اتجا ٍه آخر سأسأل‪:‬‬ ‫هل حقًا يعجز اإلنسان عن تهذيب عالقاته الجنسية ورغباته دون دوافع أو روادع؟‬‫سؤال من نو ٍع آخر‪:‬‬ ‫هل من املمكن احتساب فكرة ترشيع الخيانة يف اإلسالم نقط ًة يف صالحه وليست ضده؟‬‫مثالً مسألة الخيانة الزوجية هي مسأل ٌة تحدث يف كل بيئ ٍة ويف كل مجتمع‪ ،‬ومن املستحيل القضاء عليها‪ ،‬فهل نقلها إىل‬ ‫عوضا من عن مامرستها بالرس هو خطو ٌة تجاه حل املشكلة أم يزيدها تعقي ًدا؟ ألسنا من نُعيب عىل مجتمعاتنا‬ ‫العلن ً‬ ‫املنغلقة أنها مجتمعاتٌ متارس الفاحشة بالباطن وااللتزام بالظاهر؟ ماذا لو ُمورست الفاحشة كالخيانة الزوجية مثالً‬ ‫مقلب آخر قد‬ ‫بالعلن وتحت أعني املجتمع كله مبا يسمى بتعدد الزوجات أو التسميات األخرى كملكات اليمني؟ ويف‬ ‫ٍ‬ ‫سائل‪:‬‬ ‫يسأل ٌ‬ ‫ ما الفرق بني بيوت الدعارة يف الغرب وأسواق النخاسة يف اإلسالم؟‬‫رمبا علينا هنا البحث يف النتائج إليجاد اإلجابة‪ ،‬ومن وجهة نظري الخاصة سأقول كام هو معروف أ ّن العربة يف النتائج‪،‬‬ ‫فام يرتتب عىل ترشيع الخيانة ال ميكن اعتباره نقط ًة يف صالح الدين اإلسالمي‪ ،‬بل هم من يجب أن يكونوا أكرث من يرفض‬ ‫رشعني يف‬ ‫تجميل الرذيلة باعتبارهم أكرث من يتغنى (باألخالق واملحافظة وااللتزام) تلك املفاهيم املطاطة بني أيدي امل ّ‬ ‫األديان قاطبة‪ .‬النتائج هي فيام ينعكس عىل املرأة أوالً وعىل األطفال ثانيًا وعىل املجتمع باملحصلة‪.‬‬ ‫بعد محاولة استعراض غالبية ما يشوب الهالة القدسية املتخ ّبطة املحيطة بطبيعة العالقات الجنسية من وجهة نظر‬ ‫املؤمنني‪ ،‬نجد اإلله يف النهاية قد أباحه وبكل فخ ٍر بل أطلقه بجن ٍة افرتاضي ٍة أقل ما ميكن وصفها بـ "اإلباحية"‪.‬‬ ‫وبعد كل التضييق والتحذير والتهويل الذي الزمها نرى مسألة وصفها يف اآلخرة بدق ٍة يندى لها الجبني قضي ٌة ليست‬ ‫باملستهجنة لدى املؤمنني ومن ينعتون أنفسهم باملحافظني!‬ ‫وقد يسألنا مؤم ٌن هنا‪:‬‬ ‫ طاملا أنتم متح ّررون فلامذا تهاجمون فكرة الجنة "الجنسية" ؟‬‫الجواب ببساطة وبعد أن التنويه إىل فكرة الحب واالحرتام يف العالقة والتي ليست مج ّرد فعلٍ‬ ‫جسدي وهوما يفتقده‬ ‫ٍّ‬ ‫الوصف املخزي لحوريات املؤمن الفائز بالجنة‪ ،‬الجنس لدينا هو حاجة‪ ،‬نرفض تعدد الزوجات‪ ،‬نرفض فكرة الخليالت‬ ‫واألخالء والجواري والعبيد‪ ،‬نرفض التع ّرض للطفولة‪ .‬الجنس كعالقة بني اثنني ش ّوهته األديان بينام نراها تزعم العكس‪.‬‬ ‫واآلن سنقلب السؤال لكم‪:‬‬ ‫ طاملا أنتم تجدونها رذيل ًة فلامذا تتقبلونها يف اآلخرة ببساطة؟ وكيف لليشء أن يكون هو ونقيضه يف آنٍ م ًعا؟‬‫‪20‬‬


‫من سريبح األفيون؟‬ ‫أسئلة يف الثواب والعقاب‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫ملاذا تجابهون املثلية بينام ما من مشكلة فيها باآلخرة؟‬‫عىل األقل نحن نعترب العالقة الجنسية بني اثنني هي حري ٌة مسؤول ٌة‪ ،‬وعليها أن تحصل برضا الطرفني بالدرجة األوىل‬ ‫ومبا يوافق الحقوق اإلنسانية بالدرجة الثانية‪ ،‬ويكفل الحريات بالدرجة األخرية‪ ،‬أضف إىل ذلك أ ّن ُج ّل ما نفعله هو‬ ‫االستغراب م ّمن ينعت ذلك بالفاحشة ثم يدافع عنه فقط ملج ّرد تغيري املكان والزمان الذي س ُيام َرس به‪ .‬فلو كان‬ ‫تعاملكم معه يف دنياكم وما تس ّمونها آخرتكم بنفس الطريقة ملا وقعتم يف هذا التناقض الصارخ وملا ُجوبهتم بكل‬ ‫هذا اللوم! هنا الفكرة عزيزي املؤمن‪ ،‬يف االنفصام املبدأي ويف غياب ما ص ّنفته أنت كثوابت وقيم والتي تُص ّدع رؤوس‬ ‫البرشية بأنك الوكيل الحرصي لصونها‪.‬‬ ‫بعد كل هذا عزيزي املؤمن عام ًة وعزيزي مسلم الحوريات العذارى والغلامن خاص ًة‪،‬سأسأل‪:‬‬ ‫رشع يف اآلخرة ليتح ّول إىل حالل مبباركة الرب‬ ‫ هل الثواب اإللهي قائ ٌم عىل أ ّن ما ُح َ‬‫رمت منه دنيويًا ألنه حرام سي ّ‬ ‫نفسه؟ أال ترى األمر مضحكًا متا ًما كفكرة أن نقطتني من الحرب عىل ورقة أو مج ّرد جملة كـ‪ :‬ز ّوجتك نفيس‪ ،‬ستكون‬ ‫كالتعويذة التي تقلب الحرام حالالً؟‬ ‫مثالً‪ ،‬ما تفسري انتشار ظاهرة الزواج العريف وما الفرق بينها وبني املساكنة؟ ملاذا تهاجم املساكنة مع أنك أنت تحدي ًدا ال‬ ‫يحق لك أنت مهاجمتها طاملا أنت متارسها مستخد ًما مرادفًا آخر يف وصفها ليس إالّ؟ مع التذكري أ ّن املساكنة يف الغرب‬ ‫ّ‬ ‫مثالً تستويف رشط اإلشهار عىل األقل‪ ،‬والذي يفتقده الزواج العريف الذي أفرزته املجتمعات الدينية ولن تستطيع التملّص‬ ‫من هذه الحقيقة‪ .‬لست أدافع عن املساكنة يف مجتمعاتنا لكن فقط يك تقف مع نفسك ومع مدلوالت ثوابتك قليالً‪.‬‬ ‫كان ذلك بخصوص الجنة‪ ،‬أ ّما بخصوص النار‪ ،‬االزدراء األبدي‪ ،‬بحرية الكربيت‪ ،‬جه ّنم‪ ،‬السعري‪...‬‬ ‫ فإذا كان اإلله قد ك ّون الكون بتعويذة كن فيكون‪ ،‬وقد ج ّهز كل يش ٍء مسبقًا الستقبال حدث هبوط أسيادكم آدم‬‫وحواء إىل األرض‪ ،‬فأشعل النار يف جه ّنمه استعدا ًدا الستقبال من مل يعجبه نظام الحياة الدنيا الذي وضعه هو (أي الله)‬ ‫بكل ما ح ّرمه وما حللّه "مؤقتًا" متناس ًيا مفهوم األخالق املطاط الذي سيحاسب عبيده عىل أساسه!!‬ ‫ كيف يكون الثواب متداخالً مع العقاب هكذا؟‬‫كيف ستتصافح الخطيئة مع الفضيلة بالنهاية؟‬‫كيف سيعانق الحالل الحرام بعد إسدال ستائر العرض الدنيوي هذا؟ واألهم‪ :‬ملاذا؟!‬‫رمبا لو أخفى عنكم إلهكم الجوائز التي ستنالونها لو اتبعتم رصاطه املستقيم " والذي سيكرسه يف الحلقة األخرية من‬ ‫هذه الكوميديا السوداء"‪ ،‬رمبا لكان أفضل‪ ،‬ولتكن هنا تلك الحكمة واملفاجئة التي ال يعلمها إالّ الله‪ ،‬عوضاً عن أن‬ ‫تتلطّى تلك "الحكمة" خلف الكوارث واملواقف الدنيوية الشاذّة‪.‬‬ ‫فكرت الثواب والعقاب اإللهي‪.‬‬ ‫فكان أكرث ما يثري الريبة ويستف ّز املنطق هو هذا الخلط املضحك بني َ‬ ‫‪21‬‬


22


‫ال ّرد عىل‬ ‫أبو يعرب املرزوقي‬ ‫‪Hunger Mind‬‬ ‫شخيص بحت‪ ،‬وأنا لست‬ ‫ال ّرد مني أنا‪ ،‬مجهو ٌد‬ ‫ٌ‬ ‫ممثالً ّللدينني أو امللحدين العرب‪ ،‬فإن أصبت فبها‬ ‫نعمت وإن أخطأت فكلنا يف حقل املعرفة مازلنا‬ ‫نحبو‬ ‫ال ّردود أرسلت إىل صفحة مجلة األزهر ال ّرسمية‬ ‫ٍ‬ ‫حديث بيننا بشأن فكرة قبولهم‬ ‫بالفيسبوك‪ ،‬بعد‬ ‫من عدمه أن أنرش ال ّردود عىل الفيلسوف أبو يعرب‪،‬‬ ‫يتم‬ ‫فأخربوين بأنّه من املمكن أن أرسلها وسوف ّ‬ ‫ال ّنظر فيها من قبل القامئني عىل الصفحة‪ ،‬وح ّتى‬ ‫كتابة هذا املقال مل أالحظ أي تنويه بشأن ر ّدي‬ ‫عليه من ِقبلهم‪ ،‬ويكفيني االلتزام من ناحيتي ‪.‬‬

‫‪23‬‬

‫ال ّرد عيل مقال أبويعرب املرزوقي املعنون بـ‬ ‫الساذجة أو ّ‬ ‫اللدينيون العرب"‬ ‫" السفسطائية ّ‬ ‫واملنشور مبجلة األزهر‪ ‬من شهر ربيع األول للعام‬ ‫امليالدي الحايل ‪ 2014‬املوافق هجريا لـ ‪1435‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫ما قاله الكاتب سأنقله كام هو باللّون األحمر‬ ‫لل ّتنويه وسأرفق ر ّدي عليه يف نقاط تبدأ بكلمة ال ّرد‪.‬‬


‫ال ّرد عىل أبو يعرب املرزوقي‬ ‫‪Hunger Mind‬‬

‫يقول يف التّمهيد‪:‬‬ ‫"‪ ‬ليس هذا العمل ر ًّدا عىل ّ‬ ‫الهم‪ .‬وموقفهم‬ ‫اللدينني العرب‪ .‬وال هو ح ّتى ر ٌد ملوقفهم‪ ،‬فكالمهم يغنيك بتفاهته عن هذا ّ‬ ‫السذاجة التي تغلُب عىل أصحابه"‬ ‫لسذاجته يغريك مبامزحتهم‪ .‬لذلك فهو نزه ٌة فكري ٌة يف أمر متتعت بجدية ّ‬ ‫ال ّرد ‪:‬‬ ‫والسذاجة والتّفاهة ‪ ،‬وإن كان هؤالء األشخاص كال ٌّرضع القُرص‬ ‫السطحية ّ‬ ‫إن كان األمر كذلك وعىل تلك ال ّدرجة من ّ‬ ‫الذين يستمتع الكبار باللّعب معهم‪ ،‬ففيم استنفار الكاتب!!‪ ،‬وملاذا أرهق نفسه بكتابة مقال أرسد فيه مزاعم‪ ،‬وبدأ يف‬ ‫فرد ساحة للحرب كان هو بطلها املغوار وفارسها الوحيد ذهاباً وإياباً؟‪.‬‬ ‫السذج؟‪ ،‬ومتابعة كالمهم وآرائهم وأفكارهم ومعتقداتهم لدرج ٍة وصل ح ّد‬ ‫ما الذي دفعه إىل ال ّدخول إىل عامل هؤالء ّ‬ ‫االستفزاز فيها ال ّرد عليهم يف مقال وصل عدد صفحاته إىل إحدى عرشة صفح ٍة من نسق ‪ ،PDF‬أو خمس صفحات يف‬ ‫مجلة األزهر !!!‪.‬‬ ‫وإن مل يكن عمله ر ًدا فام هو التّوصيف املناسب له ؟؟‪ ،‬وإ ّن كان األمر بالنسبة للكاتب ال يعدو كونه نزهة فسأتساءل‬ ‫السينام واملسارح فيها !!!‪.‬‬ ‫مبنتهى الرباءة‪ :‬أأعدمت تونس متنزهاتها ودور ّ‬ ‫والسطحية‪ ‬لديه؟؟‪،‬‬ ‫السطحي التّافه‪ ،‬وما هو معيار التّفاهة ّ‬ ‫أمل يسأل الكاتب نفسه بعد إنهاء املقال م ْن ال ّرضيع الساذج‪ ،‬من ّ‬ ‫فأرجعه هنا إىل كالم الصبي يف حرضة خليفته ُعمر بن الخطاب ‪،‬لعله يفهم‪.‬‬ ‫بالسن لكان هناك يف الفالسفة من هو أحق منك بال ّرد والتّعقيب فضالً عن اإلقرار له بصفة الكبري‪ ،‬وإن‬ ‫" لو كان األمر ّ‬ ‫كان األمر بالتّبحر الفلسفي فكاتب املقال ال يناطح 'ألبري كامو مثال أو ينافس فريدريك نيتشه‪" ‬‬ ‫يقول يف التّمهيد‪:‬‬ ‫ألنّهم لو قرؤوا القرآن حقا وفهموا إعجابه(أعاجيبه) لهالهم خلطهم بني ترب التّدين وترابه‪ ،‬ذلك ما أغراين بالسؤال عن‬ ‫والضحالة الفكرية التي ليس دونها هذيان‪.‬‬ ‫التعة ذات الوهن املنطقي الذي يراه حتّى العميان ّ‬ ‫ضامئر هذه ّ‬ ‫اللدينيون العرب الكتشفوا أنّهم أصالنيون حتّى ال ّنخاع ‪ ،‬استبدلوا عقائد‬ ‫الغريب أ ّن منظومتها البسيطة التي لوأدركها ّ‬ ‫العجائز التي ربُوا عليها بسقط املتاع‪ ،‬فضالً عن كون كل حججهم واستدالالتهم ال تعدو أن تكون من احتجاج األطفال‬ ‫الذين مل يجدوا ما كانوا يحلمون به فأصبحوا فيلة ته ّدم الفخار ال ّراقي لجهلهم باملراقي ‪.‬‬

‫‪24‬‬


‫ال ّرد عىل أبو يعرب املرزوقي‬ ‫‪Hunger Mind‬‬

‫ال ّرد‪:‬‬ ‫السنة‪ ،‬أم قرآن الشّ يعة ؟؟‪ ،‬أم القرآن الذي دخلت ال ّدابة (املعزة) فأكلت الصحاف‪،‬‬ ‫عن أي قرآن يتحدث الكاتب ؟؟‪ ،‬قرآن ّ‬ ‫ال ّرقاع املكتوب فيها !!!‪ ،‬حيث كانوا مشغولني بتغسيل وتكفني رسولهم‪ ،‬أم القرآن الذي ُجمع بعد موت نبيهم بأكرث‬ ‫من ع ّدة عقود‪ ،‬والذي ُروي عن رجل أجمع أهل الفقه وعلم ال ّرجال بأنّه نايس ‪ ،‬كاذب‪ ،‬غري مؤمتن‪ ،‬أم هو القرآن الذي‬ ‫كل نسخه يف كل األمصار ماعدا مصحف عثامن والذي كان أحد أهم األسباب يف الفتنة التي يعاين منها بنو دينه‬ ‫أحرقت ّ‬ ‫إىل هذا اليوم‪ ،‬تلك الفتنة التي دفعت عائشة أن تقول يف عثامن أرضبوا هذا الكافر‪ ،‬وحرمت املسلمني من امليش يف‬ ‫سهل‬ ‫جنازته‪ ،‬و ُد ِفن يف عقر داره‪ ،‬أليس هذا الكتاب ذي اللّسان العريب املبني‪ ،‬الذي نزل ليكون صالحاً لكل زمانٍ ومكان‪ٌ ،‬‬ ‫يل‬ ‫عىل األفهام‪ ،‬فام ال ّداعي إذن إلعامل الفكر فيه والتّدقيق إن كان مبثل هذه‪ ‬البساطة ّ‬ ‫والسهولة‪ ،‬أم تُراه يتذكر قول ع ّ‬ ‫حمل أوجه"‪.‬‬ ‫بن أيب طالب " أنّه ّ‬ ‫يستم ّر الكاتب يف االستهزاء مبعتنقي تلك األفكار واتهامهم بالوهن املنطقي‪ ،‬وأنّهم كالثّريان املُغامة‪ ،‬أليس هذا يف عرف‬ ‫السباب والشّ تائم ؟؟‪،‬‬ ‫دينه يُع ّد غيبة‪ ،‬أ َو ليس هذا سبّاً وقذْفاً‪ ،‬أم تُراه هو ّ‬ ‫الضعيف الذي حني يعدم حيل ًة فال يجد سوى ّ‬ ‫الضامئر الخاصة لهذه النزاعات فأزعم أنّها البحث الج ّدي وال ّرغبة الدفينة يف الوصول للحقيقة بعي ًدا عن‬ ‫أ ّما بخصوص ّ‬ ‫نصوص ال ّدهقانه‪ ،‬وتفاسريٍ مىض عليها قرون وال تصلح حتّى أن ت ُّضم يف أقبية الكهوف أو مزابل التّاريخ‪ .‬ويجب حسب‬ ‫عرف دينه أن يص ّنفوا يف خانة املجتهدين أصحاب األجرين يف الخطأ واإلصابة‪ ،‬أم تُراه حتّى يجهل أبجديات دينه‪ ،‬فأحيله‬ ‫هنا عىل قول الشّ اعر‬ ‫" إن كنت ال تدري فتلك مصيبة‪ * ‬وإن كنت ‪ ‬تدري فاملصيبة أعظم "‬ ‫يف وصفه ّللدينني باألصولية ُجر ٌم ال يضاهيه ُجرم فاألصولية تقتيض االرتكان لل ّنصوص‪ ،‬نصوص‪ ‬تحمل ضمنيًا الجمود‪،‬‬ ‫إعامل ثقافة سمعنا وأطعنا‪ ،‬التّسليم بالغيبيات‪ ،‬إغالق العقل عند مرحلة الصحابة والتّابعني الذين عاشوا وماتوا يف أزمن ٍة‬ ‫غابرة‪ ،‬مل تعد تصلح سوى ألمثاله ممن‪ ‬يرون يف أنفسهم‪ ‬القصور والعجز عن التّجديد وأنّه ال أحد يستطيع أن يأيت مبثل‬ ‫ما آىت به أولئك األولون ‪ .‬يا سيد أبو يعرب‪ ،‬نحن صدق فينا قول فقهائكم " ندور مع العقل حيث دار‪ ،‬شيوخنا‪ ‬العقل‬ ‫كل م ّنا شيوخه ومناهجه وأساليبه وطرقه ‪ ،‬لنعرف من فينا األصويل ومن فينا من أرباب التّجديد"‪.‬‬ ‫وال ّدليل ‪ ...‬ولرياجع ّ‬ ‫السذاجة‬ ‫يا سيدي الفيلسوف لسنا كاألطفال – إلّ إن كنت تقصد الرباءة‪ ،‬وحاشاك – تشيبهك لنا بالطّفوله مبعنى ّ‬ ‫تحب وتتمنى أن تنصب نفسك أباً روحيًا‪ ،‬كاريكاتورية األمر تنتقص من‬ ‫وفقدان التّوجيه وغياب ال ّدليل واملرشد وكأنّك ّ‬ ‫الساخرة‪.‬‬ ‫قدرك ومكانتك‪ ،‬وتلك الشهادة الجامعية التي حزت عليها‪ ،‬وتجعلك ّ‬ ‫محل ال ّرسوم‪ ‬الكاريكاتورية ّ‬ ‫عقائد العجائز ليست لنا ‪ ‬ولسنا أهلها‪ ،‬فال ت ُسقط خصائصك عىل غريك فهي ديدنك أنت وأمثالك ومنبتك ومسقاك‪،‬‬ ‫فلو ك ّنا كذلك ملا استفزك رأينا‪ ،‬وتعاطينا لفكر العجزة‪ ‬بال ّنقد والتّفنيد وتسليط الضوء العقيل عليه لبيان عوره وخوائه‪،‬‬ ‫والذي ت ُع ّد أنت ومن حذا حذوك‪ ‬من مدشنيه ومؤسسيه‪ ،‬فنحن متعلّمون‪ ،‬حاصلون عىل أرفع الشّ هادات يف مختلف‬ ‫العلوم واملعارف‪ .‬فأمتنى أ ّن تعرف مع من تتحدث قبل أ ّن تنتقد‪ ،‬نحن فخر آلبائنا وأمهاتنا‪ ،‬فلسنا نتاج بيئة القوالب‬ ‫الجبسية مثلك ‪ ،‬حقا " رمتني بدائها وانسلّت "‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫ال ّرد عىل أبو يعرب املرزوقي‬ ‫‪Hunger Mind‬‬

‫يقول يف زعمه األول‪ ‬‬ ‫اللدينني جعلتهم ال ينتبهون إىل أ ّن اإللحاد ترتيهية ( التّدليل عىل العدل اإللهي) سلبية ذات‬ ‫زعم نفي وجود الله ‪ :‬غفلة ّ‬ ‫الش يف الوجود‪ ،‬وامتناع نسبة ذلك لإلله من دون إعتباره عاجزا‪ ،‬وترتيه ال واع‬ ‫مستويني ‪ :‬ترتيه ال واع هو الشّ كوي من ّ‬ ‫الضورة أو الصدفة‪.‬‬ ‫وهو تأليه مجرى الوجود تحت مسمى ّ‬ ‫رش‪ .‬والترتيه الثّاين تفريط آل إىل نسبة ما يف‬ ‫الترتيه األول إفراط آل إىل نفي وجود الله لئال ينسب إليه ما يف العامل من ّ‬ ‫والصدفة ( ضد القصد‬ ‫العامل من رشور إىل نقيض صفتني من صفات التّامم اإللهي أي ّ‬ ‫الضورة ( ضد الحرية واإلختيار) ّ‬ ‫والغاية)‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫الرد‪:‬‬ ‫اللدينية‬ ‫يف ال ّزعم األول طفولية واضحة يف التّعاطي حيث دمج الكاتب مصطلحني نوعيني معا وكأنّهام كيان واحد وهام ّ‬ ‫اللدينني كام هو واضح من العنوان أم عن‬ ‫واإللحاد‪ ،‬وشتّان يا سيدي ما بني هذا وذاك‪ ،‬فلم أستوعب هل كالمه عن ّ‬ ‫اللدينني‬ ‫اإللحاد ‪ ،‬وهل عن اإللحاد كفكر أم كمريدين(كمرتدين) ؟؟‪ .‬املهم‪ ،‬لو أتعب حرضة ال ّدكتور نفسه الكتشف أ ّن ّ‬ ‫هم من يعرتفون بوجود إله‪ ،‬ولك ّنهم ال يرون أ ّن اإلله يف حاجة إىل أديان وهذا تعريف أعور لسنا يف مجال لنقاشه هنا‪،‬‬ ‫أ ّما امللحد فهو من ينكر وجود الله متاما‪.‬‬ ‫تحض للمقال قبل أن تكتبه (أهي الغفلة واالستغفال‪ ،‬أم الجهل والتّجاهل)‪.‬‬ ‫يا أستاذي العزيز أرجو منك أن ّ‬ ‫الصالة‪ ،‬فهو يست ّدل هنا باملنطق‬ ‫املستوي األول من التّرتيه األويل‪ ،‬عمد فيه الكاتب إىل منطق أعور وهو ال تقربوا ّ‬ ‫األبيقوري ولك ّنه أيضا عن غفلة أو تغافل نيس أ ّن فيلسوفنا العظيم أبيقور طرح فكرة وجود اإلله يف إطار أربع أسئلة‬ ‫الش‪ ،‬فنحن لسنا من‬ ‫ينفي فيها فكرة وجود الله عىل اعتبار أ ّن صفة العدالة املطلقة ال تتسق أبدا َ مع منطقية وجود ّ‬ ‫الش ضمن باقي الطّرح األبيقوري الواقعي يجعلنا نسرتيح حني‬ ‫الش‪ ،‬بل وجود ّ‬ ‫فرط إمياننا بالله نشمئز من فكرة وجود ّ‬ ‫نقول أ ّن خلف الكون ال توجد إرادة‪.‬‬ ‫مبدأ الرضورة والصدفة يقدم يف إطار تفسري علمي واقعي ملموس ميكِّن من فحصه وضبطه والتّأكد منه ( راجع‬ ‫فيدوهات لستيفن هوكينغ وكارل ساجان‪ ،‬وتقارير وكالة ناسا عن حادثة شق القمر مثال التي تدلّل عىل بالهتكم )‬ ‫‪ ،‬وبالتّايل هذا ما منيل إليه ال عىل املطلق ولكن آنياً‪ ،‬أل ّن العلم من شأنه التّغري والتّطور خصوصا إ ّن كان قرآنه ودينه‬ ‫ق ّدما تفسريات ثبت فشلها عىل أرض الواقع‪ ،‬فلرياجع مراحل تطور األج ّنة‪ ،‬ولرياجع فتوى 'بن باز' مبركزية األرض وأ ّن‬ ‫الشّ مس تدور حولها‪ ،‬وكالم‪' ‬القرضاوي' حني قال إن ثبت الخطأ‪ ‬اإلعجازي فنستطيع أن نلوي أعناق ال ّنصوص لتخدم‪ ‬‬ ‫فكرنا وتوجهنا‪ ،‬مام يحيلك إىل كون ما ميثله هؤالء األشخاص ليس ديناً منزهاً‪ ،‬وال رشيعة غ ّراء‪ ،‬بل مجرد حفنة من‬ ‫األوهام يرتزق من ورائها هؤالء الرتزية‪ ،‬محرتيف القوادة ال ّدينية‪ .‬وتقدمينا لهذا التفسري ال يفهم أبدا عىل كونه تأليه‪ ،‬فإن‬ ‫كان كاتب املقال يريد كيان فوقي يسوقه ويرشده فهذا شأنه أ ّما أن يفرتض هذا يف غريه فتلك فداحة ال تضاهيها فداحة‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫ال ّرد عىل أبو يعرب املرزوقي‬ ‫‪Hunger Mind‬‬

‫املزعم الثّاين ‪ :‬زعم نفي النبوة‪ ‬‬ ‫اللدينني جعلتهم ال ينتبهون إىل أ ّن نفيها إدعاء ملا هو أكرث منها استحالة‪ .‬فنفيها يعني أمرين ‪ ‬كالهام‬ ‫يقول ‪ :‬غفلة ّ‬ ‫مستحيل ‪ :‬إ ّما أن يزعم ال ّنايف أ ّن العقل غري محدود‪ ،‬أو يزعم أ ّن العقل ال يدرك حدوده فيكون حبيسها ال يتخطاها‪ .‬وكال‬ ‫الفرضيتني يكذبهام الواقع ‪ :‬فكل ّنا يدرك حدود عقله وكلنا يعتقد أ ّن ذلك ليس وهام بل حقيقة أي أ ّن العقل محدود‬ ‫حقا‪.‬‬ ‫ال ّرد ‪:‬‬ ‫اللدينني ونحيل القارئ إيل الجزء‬ ‫قمنا يف الجزء األول من ردنا بتفنيد شبهة الغفلة وإدعاء الكاتب بأنّها متالزمة مع ّ‬ ‫األول‪ ،‬ويكفينا أن فحوى ر ّدنا عىل إدعائه بقول الحكيم العريب" رمتني بدائها وانسلت "‪ ،‬يقول الكاتب بأ ّن العقل البرشي‬ ‫كل أمثاله من أرباب التّدين‪ ،‬يظهر واضحاً يف آخر سطر من قول‬ ‫محدود‪ ،‬وهي كلمة حق يراد بها باطل‪ ،‬شأنه شأن ّ‬ ‫الكاتب استخدامه للمنطق الدائري ‪ ‬يف الحجة وهذا يحيلك ببساطة إىل عبثية مقاله‪ ،‬ووقوفه خائ ًرا أمام أي محاولة‬ ‫لل ّرد‪ ،‬الفتقاده أبسط قواعد املنطق‪ ،‬ولكن لنبني للكاتب أننا لسنا سذّج وال نجهل قواعد املنطق األولية‪ ،‬فلن نعامله مبثل‬ ‫معاملته‪ ‬لنا‪ ،‬فنقول اآليت‬ ‫اللدينيون مح ّمدا ً برشا ً أصالً ‪ ،‬فضالً عن كونه نبياً‪ ،‬من أين أىت الكاتب بلفظة نفي النبوة‪ ،‬امللحدون أو‬ ‫هل يعترب ّ‬ ‫الكل يشمل ضمنياً‬ ‫كبرشي أصالً‪ ،‬فنفي ّ‬ ‫اللدينيون كام يحب أ ّن يخلطهم يرون أ ّن مح ّمدا ً أدىن من أن يشغل فكرهم‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫نفي الجزء‪ ،‬أنا لست مقتنعاً به كشخص‪ ،‬فهل أرتضيه كنبي !!!‪.‬‬ ‫غيض من فيض )‪ ‬‬ ‫فمن هو صاحب النبوة ؟؟‪ (،‬األسئلة التالية ٌ‬ ‫هل هو الذي مكث يف بطن أ ّمه محموالً أربع سنوات مام يرضب أسس العلم يف مقتل‪ ‬؟‪.‬‬ ‫هل هو محم ٌد الذي قتل 'كنانة' سيد 'بني املصطلق' ألنّه رفض أ ّن يخربه بالكنز يف موقعة فض حصن خيرب‬ ‫حيث لعب دور قرصان الكاريبي ؟‪.‬‬ ‫هل هو محم ٌد الذي قتل أب وأخ وزوج امرأة ثم تزوجها يف نفس اليوم ؟‪.‬‬ ‫هل هو محم ٌد الذي أنهكته ماريا املرصية برغم كونه ميلك قوة األربعني رجال ؟‪.‬‬ ‫هل هو محم ٌد الذي قالت له زوجته ما أرى إالّ ربّك يسارع إليك(يسارع يف هواك) ؟‪.‬‬ ‫هل هو محم ٌد الذي ‪ ‬سأل أصحابه عن رأيهم يف زوجته وكأنه ال يعرفها فضال عن كونه يعارشها؟‪.‬‬ ‫هل هو محم ٌد الذي انتظر ربّه ليربئ زوجته‪ ،‬وكأ ّن ربّه يعلم زوجته ويعلم شخصها أكرث ممن ينام يف‬ ‫حضنها كل يوم ؟‪.‬‬ ‫هل هو محم ٌد الذي قال ال عدوى وال طريا ؟‪.‬‬ ‫هل هو محم ٌد الذي كب ّد أصحابه خسائر فادحه يف حادثة تأريب (تأبري) ال ّنخل ؟‪.‬‬ ‫هل هو محم ٌد الذي يدور عىل نسائه يف اللّيلة ‪ ‬الواحدة ؟‪ .‬‬ ‫‪27‬‬


‫ال ّرد عىل أبو يعرب املرزوقي‬ ‫‪Hunger Mind‬‬

‫حدثني أوالً سيدي الفيلسوف عن مقام نبيك البرشي قبل أ ّن تحدثني عن نبوته‬ ‫أ ّما بخصوص محدودية العقل‪ ،‬فالعقل محدود ولكن ال عن قصور كام يفرتي بل عن ثبات آين‪ ،‬فالبحث العلمي مستمر‪،‬‬ ‫قدم وساق‪ ،‬ث ّم من قال أننا نؤمن بصالحية التفاسري العلمية لكل زمان ومكان‪ ،‬هل هو الجهل بأبسط‬ ‫والجهود عىل ٍ‬ ‫أي جهل عندك منهام‪.‬‬ ‫قواعد التفكري العلمي‪ ،‬أم الجهل بأبسط تعاريف العلم‪ ،‬أجبني يا سيد أبو يعرب ُ‬ ‫نيس ‪ ‬الكاتب أو تناىس األحالم‪ ،‬فام نعارصه اليوم من كشوف نراها من أبجديات حياتنا كانت يوما ما تدور محلِّقة يف‬ ‫خيال عا ٍمل جليلٍ ‪ ،‬هل تناىس الكاتب أم نيس تراكمية املعرفة‪ ،‬ما قوله يف ال ّنظرية النسبية‪ ،‬كيف يرى عمليات االستنساخ‪،‬‬ ‫ما قوله يف نظرية األوتارالفائقة‪ ،‬ما مستوى معرفته عن البيولوجيا الجزيئية‪ ،‬هل يعرف كارل ساجان‪ ،‬هل سمع عن‬ ‫ستيفن هوكينغ‪ ،‬أم صدق فيه قول قرآنه " كال بل ران عىل قلوبهم "‪.‬‬ ‫كل الكشوف العلمية‪ ‬املستمرة‪ ،‬وليح ّدثنا‬ ‫العقل يتخطى حدوده‪ ،‬ومل ولن يكون أبدا ً حبيس تلك الحدود‪ ،‬وال ّدليل هو ّ‬ ‫الكاتب عن رشيعته التي تصلح لكل زمان ومكان والتي صارت يف أسفل سافلني كطرح‪ ,‬فضالً عن خوائها كتعليل‪،‬‬ ‫وال ّدليل حال أفغانستان ‪ ،‬والسودان ‪ ،‬وإيران ‪ ،‬والصومال والقامئة طويلة ‪.‬‬ ‫تفنيد املزعم الثالث‬ ‫أحب أ ّن أٌنوه بأ ّن أسلوب كتابة 'األستاذ أبويعرب' صدق فيه قول كاتبنا العظيم 'يوسف السباعي' حني قال‪ ":‬‬ ‫يف البدايه ّ‬ ‫الفالسفة هم أقدر ال ّناس عىل قول ما اليفهمه ال ّناس"‪.‬‬ ‫البهرجه اللّفظية‪ ،‬الكلكعة اللغوية‪ ،‬أسلوب اللّف وال ّدوران وجعل دماغك ي ّنئ تحت وطأة عقم اللّفظ فيخيل إليك أنّك‬ ‫ستجد فحوى ما بعدها فحوى‪ ،‬أو مضمون ما بعده مضمون‪ ،‬ولك ّنك لألسف بعد اإلبحار يف غياهب لُجى كالمه تجده‬ ‫وقد صدق فيه قول قرآنه " يحسبه الظآمن ماء حتى إذا جاءه مل يجده شيئا "‪.‬‬

‫‪28‬‬


‫ال ّرد عىل أبو يعرب املرزوقي‬ ‫‪Hunger Mind‬‬

‫‪ ‬املزعم الثّالث ‪-:‬‬ ‫اللدينني جعلتهم ال ينتبهون إىل أ ّن هذا ال ّنفي ممتنع من غري أسطرة التفسري‬ ‫يقول‪ ‬زعم نفي التّفسري ال ّديني‪ :‬غفلة ّ‬ ‫العلمي‪ .‬فالعلم ينقلب يف هذه الحالة إىل أسطورة مبعنيني‪.‬‬ ‫أ‪ -‬ال ّنظريات التي تساعد عىل التّعامل مع الظاهرات املادية مختلقات خيالية(الظواهر ال ّدينية مختلقة خياالت)‬ ‫لو اعتربت حقائق المتنعت تاريخيتها ومن ثم ملا توالت تكذيباتها‪.‬‬ ‫ب‪ -:‬لكن العلم يكون أسطورة من القوة الثّانية عندما ي ّدعي الوجود منحرصا ً يف موضوعاته‪ ،‬أو يف ما يدركه منها‬ ‫فينفي من الوجود ما يتسع‪ ‬إليه أفق ال ّدين‪.‬‬

‫الرد‪:‬‬ ‫استكامالً لدمياجوجية املفاهيم وخلط األوراق‪ ،‬والتّدليس عىل عقل القارئ‪ ،‬نجد الكاتب يربط ما بني األسطورة والعلم‬ ‫يل واضح مبا يسمي " أسطرة العلم "‪ ‬أي ببساطة إنزاله مقام أعىل مام يستحقه‪ ‬يف مقارنة فجة قطعاً مع‬ ‫يف إطار تغاف ٍ‬ ‫مكانة ال ّدين‪ ،‬ويصفنا بالغفلة ألنّنا نحذو ذلك الحذو‪ ،‬إ ّن كان رأي الكاتب كذلك ‪ ‬فأجيبه فخورا ً بكوين هكذا ربيب‬ ‫ملموس خاض ٌع للبحث والتّجارب‪ ،‬يقدم حجته يف إطا ٍر‬ ‫واقعي‬ ‫للعلم‪ ،‬مقتفياً أثره جاعالً منه ديدين ودلييل‪ ،‬ث ّم إنّ‪ ‬العلم‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ووقتي محدد‪ ،‬وال ي ّدعي أبدا ً كونه صالحاً لكل زمان ومكان عىل عكس رشيعته الغراء‪.‬‬ ‫زما ٍين ومكا ٍين‬ ‫ٍ‬ ‫وليسأل الكاتب نفسه عام ي ّدعيه دينه أوال‪ ،‬ويقدمه كحلول لكل املشاكل الحياتية واألخروية‪ ،‬وليقدم لنا ال ّدليل العلمي‬ ‫امللموس من غري قال ربّه وقال رسوله‪ ،‬ثم بعدها يأيت ويحدثنا عن أسطرة العلم‪ ،‬قبل التّطاول عىل املقام العلمي ‪ ‬ليحدثنا‬ ‫يف سنة بول البعري‪ ،‬وال عدوى وال طريا‪ ،‬والتّربك بال ّنخامة‪ ،‬ووعده ألتباعه بحورالعني والتّمر والعسل والخمر وتكريس‬ ‫االتكال والتّخاذل ونبذ اآلخر والعنرصية وجعل ال ّرزق تحت أسنان ال ّرماح‪.‬‬ ‫السيف واألرفع من الشّ عرة'‪ ،‬ليثبت‬ ‫ليحدثنا عن علمية شق القمر‪ ،‬التي كذبتها ناسا‪ ،‬عن ّ‬ ‫الصاط املستقيم 'األح ّد من ّ‬ ‫الصميم وتجعلها‬ ‫لنا كيف أٌرسي بنبيه ألعىل عليني يف فاجعة ترضب كل قوانني العلم ‪ ‬الفيزيائية والرياضية املثبتة يف ّ‬ ‫بالفعل ال بالقول أساطري ال تصلح سوى أن تروى لغسيل األدمغة‪ ،‬وتغييب الذهن‪.‬‬ ‫كيف يرى ملحمة جلجامش‪ ،‬ما دليله العلمي عىل كون مح ّمد مل يكن سارقاً وال متسوالً لتلك األسطورة‪ ،‬من الذي رأى‬ ‫السامء‪.‬‬ ‫وسمع الوحي 'مع' مح ّمد‪ ،‬وما ال ّدليل العلمي‪ ،‬ولو دليال واحدا ً فقط عىل كونه مصطفى يأتيه الخرب من ّ‬ ‫ثم أتساءل ببساطه هل يقدم ال ّدين تفسريا ؟؟‪ ،‬أم يقدم سلسلة من التحرميات والنواهي واألوامر‪ ،‬بسلطة فوقية ُعليا‪،‬‬ ‫إ ّما أن تقبل بها وأنت أح ّط من البهيمة وإ ّما أن ترفضها فيكون مصريك نار جه ّنم ‪.‬‬ ‫ال ّدين يغلق األبواب‪ ،‬يسلسل ال ّنفوس‪ ،‬ميأل العقول بالهراء والعبث فيجعلها حبيسة الظالم‪ ،‬وياليت األمر يقف عند‬ ‫حدود الشّ خص بل يأيت اإلسالم ليقول ألتباعه كلكم رسول وعليه مامرسة الدعوة‪ ،‬فيصبح املسلم كالعدوى املستفحلة‪،‬‬ ‫‪29‬‬


‫ال ّرد عىل أبو يعرب املرزوقي‬ ‫‪Hunger Mind‬‬

‫أو كمريض الجذام يف العصور الوسطى الذي هرب من حجره الصحي فأفنى نفسه‪ ،‬و ُمرص عىل إفناء العامل من حوله‪.‬‬ ‫االستناد إىل أن التفاسري العلمية متتالية ومتتابعة ويكذّب بعضها بعضا‪ ،‬أمر محض هراء‪ ،‬فالعلامء ليسوا كالس ّنة‬ ‫والشّ يعة‪ ،‬فتنافسهم من أجل تحقيق الحقيقة‪ ،‬واختالفهم نابع من رؤي ٍة ومن طر ٍح ومن تجريب‪ ،‬ليس كمشايخ التكفري‬ ‫والتبديع والتّحريم‪ ،‬كأبواسحاق الحيواين مع د‪.‬عيل جمعة‪ ،‬وكمحمود ألرضواين مع مح ّمد حسان ‪ ،‬وكمشايخ األزهر مع‬ ‫السفليني ‪ ،‬ففيم تنافسهم؟؟ !!!!!!!!!!!!‪.‬‬ ‫السافلني أو ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثم من قال لك إ ّن هذا يقدح يف العلم‪ ،‬أقولها ثانية لعلك تعي وحاشاك‪ -‬يا سيد أبويعرب‪ -‬العلم آ ٌين محد ٌد بظروفه‬ ‫وإمكانياته ويقدم حقائقه كذلك‪ ،‬ومنها يستمد مصداقيته‪ ،‬فأنت بذلك من حيث أردت أن توهن أثبت القوة وأكدت‬ ‫التّفرد للعلم ‪.‬‬ ‫العلم ال ي ّدعي حرص الكون يف موضوعاته إطالقا‪ ,‬العلوم متسعة ومتشعبة‪ ،‬متداخلة مرتابطة‪ ،‬تتحرك بثبات تجاه‬ ‫اكتشاف الْ َعالَم من أجل تحقيق رفاهي ٍة أعىل‪ ،‬وإنساني ٍة أعمق‪ ،‬ال كمثل دينك الذي يدعي بأ ّن اآلخرة خ ٌري وأبقى‪ ،‬تتحرك‬ ‫من منطلق أ ّن املعرفة حق مكفول‪.‬‬ ‫وللمرة‪ ‬األخرية ال تدلل عيل ضعف معتنق وفكر اآلخر بقناعاتك وميولك‪ ،‬بل دلل عليه بالوقائع‪ ،‬هل سمع الكاتب عن‬ ‫علم اإلنسانيات‪ ،‬هل سمع عن البيولوجيا الحيوية‪ ،‬والكمياء الفيزيائية‪ ،‬هل سمع بوجود قرابة سبعني فرعاً للرياضيات‪،‬‬ ‫ث ّم‪ ‬عن أي أفق يتحدث ال ّدين‪،‬وفيم اتساعه‪ ،‬إالّ إذا كنت تقصد اتساعه يف تكميم األفواه وإصدار الفتاوى لسلسلة‬ ‫وجنزرة األتباع وتكتيف املتّبعني‪ ،‬وجعلهم أقرب إىل الكلب املربوط يف سلسلة‪ ،‬وحدهم املشايخ من ميلك‪ ‬زمامها‪ ،‬مام‬ ‫التف وال ّرفاهية‪.‬‬ ‫يضمن له وألمثالهم املزيد من‪ّ ‬‬ ‫تفنيد ال ّزعامن ال ّرابع والخامس‬ ‫املزعم ال ّرابع يقول‪-:‬‬ ‫اللدينني جعلتهم ال ينتبهون إىل أ ّن نفي الرشائع املتعالية وحرص التّرشيع يف األوضاع‬ ‫الشائع املتعالية ‪ - :‬غفلة ّ‬ ‫زعم نفي ّ‬ ‫البرشية غري ممكن من دون الخلط بني أعيان املوضوعات التّرشيعية ورضورة الوضع التي ليس ميكن للعمران أن يكون‬ ‫دال عىل عدم‬ ‫اللدينني ّ‬ ‫من دونها‪ .‬فإذا كان التّرشيع املتعايل متعلقا برشوط التّرشيع وصفاته ال مبضامنيه كان كل كالم ّ‬ ‫فهم املتعايل ما هو ؟‪.‬‬ ‫واملزعم الخامس يقول ‪:‬‬ ‫اللدين مستحيل الوجود ّإل من حيث هو‬ ‫اللدينني العرب جعلتهم ال ينتبهون إىل أ ّن ّ‬ ‫اواللدينية‪ :‬غفلة ّ‬ ‫زعم نفي ال ّدين ّ‬ ‫بالسلب‪.‬‬ ‫أحد األديان حتّى ولو كان جامعا لها ّ‬ ‫‪30‬‬


‫ال ّرد عىل أبو يعرب املرزوقي‬ ‫‪Hunger Mind‬‬

‫ال ّرد‬ ‫أوال عىل املزعم ال ّرابع‬ ‫من أين يستمد أي ترشيع قيمته؟‪ ،‬وفيم جدارة واستحقاق أي قانون ؟ ما هو املنبع الرئييس الذي يجعل البرش يلتزمون‬ ‫بنه ٍج مع ٍني اسمه القانون أو التّرشيع؟‪.‬‬ ‫لكل الكائنات الحيّة‪ ،‬فهل كانت‬ ‫ببساطة تأيت اإلجابة وهي االعرتاف بآدمية اإلنسان‪ ،‬وكونه يف املرتبة األوىل بالنسبة ّ‬ ‫الساموية أو األصح اإلسالمية كذلك ؟؟‪ .‬كلمة املتعايل تعني ببساطة الفوقية‪ ،‬وهي عىل منزلتني كالهام‬ ‫التّرشيعات ّ‬ ‫عوراء إ ّما تنشد اليوتوبيا املستحيلة‪ ،‬أو تتخذ من التّعسف والقرص منبعاً ومسقى؟؟‪ ،‬هذا هو مفهوم التّعايل يا سيدي‬ ‫الفيلسوف‪ .‬فهل التّرشيعات اإلسالمية املتعالية وفق لفظه ومعتقده متعالية عىل أي منحى اليوتوبيا إ ّما التّعسف‬ ‫والقهر؟؟؟‪.‬‬ ‫الشيعة اإلسالمية " ولقد ك ّرمنا بني آدم "‪ " ،‬نفخت فيه من روحي"‪ " ،‬وإذ قلنا للمالئكة اسجدوا آلدم "‪.‬‬ ‫تقول ّ‬ ‫والصالح ولكن اليوتوبيا فكرة تتعارض مع رصيح ال ّنصوص أعاله ووفق الطّبيعة البرشية التي وضعها ربّه‬ ‫تناشد اليوتوبيا ّ‬ ‫وتفاوت ذهني‪ ،‬وقدر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات عقلي ٍة وغريها ‪ ،‬وكلنا نعرف أ ّن املدينة الفاضلة التي‬ ‫بنفسه يف عبيده‪ ،‬من حقد‪ ،‬وكره‪ ،‬وبغض‪،‬‬ ‫يل وصارت أثرا ً بعد عني‪.‬‬ ‫ُيني الكاتب نفسه بها بات اصفرار أوراقها واضحاً وبهتان أحبارها ج ٌ‬ ‫السمحة املتعالية يف قتل املرتد‪ ،‬وال ّرجم‪ ،‬وإحالل دم املخالف لل ّدين اإلسالمي‪ ،‬وما قوله‬ ‫ليحدثني الكاتب عن رشيعته ّ‬ ‫السنة املذكور مع رصيح اآليات أعاله ؟؟‬ ‫يف ح ّد الحرابة’ ؟؟‪ ،‬وكيف يستقيم نص ّ‬ ‫وأين التّعايل يف تلك القوانني‪ ،‬وليجب نفسه بصدق ليعرف فيام رفضنا ما رفضناه‪.‬‬ ‫أهو التّعايل مبعنى التّسامي أم بفرض الجرب والقرس؟؟؟‪.‬‬ ‫ال ّرد عىل املزعم الخامس واألخري‪:‬‬ ‫اللدين مع ال ّدين باعتباره منظومة قيمية وجودية‪ ،‬أي عوار منطقي يعتمد عليه الكاتب يف‬ ‫كيف يستقيم أن يجتمع ّ‬ ‫كونه يجمع بني اليشء ونقيضه‪ .‬إ ّن الكاتب شأنه شأن باقي قومه وأتباعه‪ ،‬ال يرون العقل البرشي إال كونه ذيل وتابع‪،‬‬ ‫ال يرتيض لنفسه ولو لحظة أن يعتقد يف قدرة العقل ذاته عىل ال ّدحض والبحث والتّقييم‪ ،‬إن كنت يا سيد أبو يعرب‬ ‫بالسحب والجر فهذا شأنك‪ ،‬فال تفرض عىل غريك‬ ‫ترى يف نفسك اشرتاك بينك وبني ال ّدواب يف كونها ال يستقيم حالها إال ّ‬ ‫فكرك ومنطقك‪.‬‬ ‫ث ّم إ ّن هناك فرع فلسفي كامل هو ما نستمد منه فكرنا وأيدلوجيتنا‪ ،‬هي األخالق‪ ...‬األخالق التي سبقت دينك وسبقت‬ ‫كل التّرشيعات الوضعية وما تسمونها ساموية‪ ،‬ويف األصل تأيت التّرشيعات لتستقي من نبع األخالق‪،‬‬ ‫رسولك بل وسبقت ّ‬ ‫فام أعور وأحمق من يتمسك بالفرع – ال ّدين‪ -‬رافضاً أقواماً‪ ،‬ومتهمهم بالغفلة وهم املتمسكون باألصل الراسخ –‬ ‫األخالق‪.-‬‬ ‫‪31‬‬


facebook group :https://www.facebook.com/groups/358777197583418 Blog :

https://www.aamagazine.blogspot.com

facebokPage :

https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299

32


‫?‬

‫أسئلة جريئة هي حلقة تواصل بيننا وبني القارئ ومن ميتلك أسئلة بأمكان ُه أرسالها مبارشة عىل بريدي االلكرتوين‬ ‫‪Al.baghdady@gmail.com‬‬ ‫ ‬ ‫للرد عليها يف االعداد القادمة‪.‬‬

‫هل يطالب امللحد برؤية الله ليؤمن به ؟‬

‫باطل اخرتع ُه رجال الدين يف محاول ٍة فاشل ٍة للتقليل من‬ ‫االدعاء بأن املُلحد يطالب برؤية الله للتصديق ب ِه هو ادعا ٌء ٌ‬ ‫أهمية فكر ٍة طبيعي ٍة جدا ً وهي الحاجة لدليلٍ‬ ‫حقيقي للتصديق بتفسريٍ غري طبيعي وغري عقالين مثل التفسري الديني‬ ‫ٍ‬ ‫للكون والحياة‪ ،‬املطالبة برؤية الله مل ولن تكن دليالً عىل يش ٍء أكرث من التصديق بوجود شخصي ٍة تُسمي نفسها الله؛‬ ‫بل حتى لو رأينا الله وج ًها لوجه فهذا لوحد ِه ليس دليالً كافياً عىل أن الله هو التفسري املنطقي للكون والحياة‪ ،‬بل هو‬ ‫مجرد دليلٍ عىل أننا رأينا الله وبعدها نستطيع أن ننطلق ملرحلة إيجاد الدليل عىل أن الله هو الشخصية التي تقع‬ ‫ُسي الكون وتجعل ُه بالشكل الذي هو عليه اآلن وبأن ُه هو الذي يُرسل‬ ‫خلف الكون وإرادته املُطلقة منفردا ً‪ ،‬هي التي ت ّ‬ ‫كل فرضي ٍة مهام كان حجمها صغريا ً أو كبريا ً فإن الدليل املطلوب إلثباتها يتناسب طردياً مع حجم‬ ‫الرسل و يكتب الكتب‪ُّ ،‬‬ ‫التفسري الذي تطرح ُه‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫لنأخذ مثاالً للتوضيح‪ ،‬لو قلت لك بأن السامء تُ طر اآلن فإن ُه من السهل إثبات ذلك‪ ،‬تستطيع أن تنظر من النافذة لرتى‬ ‫لسبب ّما كأن تكون‬ ‫أنت التستطيع أن تراه‬ ‫ٍ‬ ‫إن كان كالمي صحيحاً‪ ،‬الصعوبة تكمن عندما أدعي بأن السامء تُ طر مطرا ً َ‬ ‫أعمى مثالً‪ ،‬حينها يجب أن يتناسب الدليل مع حجم هذا االدعاء‪ ،‬كأن أقودك للخارج يك تشعر بهطول املطر عىل يدك‬ ‫لحاستي البرص واللمس‪ ،‬حينها يجب أن أثبت لك‬ ‫دون أن تراه ألن ُه مط ٌر غري مريئ‪ ،‬يزداد األمر صعوب ًة إذا كنت فاقدا ً ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بحواس أخرى‪ .‬وهلّم جرا ً من طرقٍ تثبت لك ادعايئ الذي حدسك مل ينبئك ب ِه‪.‬‬ ‫بأن املطر ينزل باالستعانة‬ ‫اآلن تخيل معي أن أقوم بتحريف الواقع قليالً وأقول لك بأن السامء تُ طر سالحفًا ؟ هل قويل لك بأن السامء تُ طر‬ ‫سالحفًا يُعترب دليالً يجب عليك تصديق ُه وبأن السامء حقاً متطر سالحف؟ هل مطالبتك برؤية السالحف تهطل من‬ ‫سخيف أو متك ٌرب أو جاح ٌد يل أو للسالحف؟ هل قول ألف ٍ‬ ‫شخص غريي بأن السامء تُ طر سالحف يُعترب‬ ‫طلب‬ ‫ٌ‬ ‫السامء هو ٌ‬ ‫دليالً عىل أن السامء حقاً تُ طر سالحف والتحتاج لدليلٍ‬ ‫حقيقي يثبت صدق ما نقوله؟ لو كانت السامء تُ طر سالحف‬ ‫ٍ‬ ‫هي الحالة الطبيعية واملعروفة يف الطبيعة بدل املاء رمبا سيكون من السهل عليك استيعاب الفكرة‪ ،‬لكن كيف نستطيع‬ ‫استيعاب فكر ٍة مل ولن تحدث مر ًة أخرى مثل الخلق؟ بداية الوجود؟ وجود اآللهة وهي كلها أشيا ٌء التنتمي لواقعنا‬ ‫سالحف ماطر ٌة ولكن يجب علينا تصديقها فقط ألنها ذُكرت يف‬ ‫قريب أو بعيد؟ أال تبدو فكرة الخلق وكأنها‬ ‫ٌ‬ ‫اليومي من ٍ‬ ‫كتب مقدس ٍة تم حشوها يف أدمغتنا منذ نعومة أظافرنا؟‬ ‫ٍ‬

‫‪34‬‬


‫اآلن لنعود لسؤال املُلحد حول طلب الدليل عىل وجود الله وطلب الدليل عىل أن الله وراء الخلق وطلب الدليل عىل أن‬ ‫الله أرسل أنبياء وكتب؟ هل املطالبة بدليلٍ عىل فرضي ٍة غريب ٍة جدا ً مثل وجود كائنٍ موجو ٍد قبل الكون خلق الكون من‬ ‫العدم هي فرضي ٌة تنتمي إىل عاملنا اليومي مثل هطول املطر ورشوق الشمس؟ هل نرى كل يوم إلهاً يخلق كوناً أمامنا‬ ‫فنستغرب من الذي يُنكر مثل هذه الفرضية؟؟ هل ُصنع الحياة من العدم ينتمي إىل حياتنا اليومية؟ هل إرسال األنبياء‬ ‫والكتب الهاطلة من السامء يُعترب من حيثيات حياتنا اليومية؟؟؟ لهذا‪ ،‬فإن ُه من األجدر يل ولك وللجميع املطالبة بدليلٍ‬ ‫يتناسب مع حجم اإلدعاء نفسه‪ ،‬ال أن نقوم بتسخيف أو الضحك عىل عقو ٍل شغلت نفسها وسارت عكس التيار لتتأكد‬ ‫مفاهيم حول الكون والحياة‪.‬‬ ‫من مصداقية ما توارثناه من‬ ‫ٍ‬ ‫تاريخياً نعرف بأن اإلقصاء واالستهزاء واملالحقة كانت دامئاً من مصري العلامء والفالسفة الذين تجرؤوا عىل طرح‬ ‫ٍ‬ ‫تساؤالت حول مدى جديّة املعتقدات التي يعتقد بها أبناء عرصهم‪ ،‬جميعنا نعرف بأن البرش كانوا يعتقدون بأن األرض‬ ‫أسباب روحي ٌة‬ ‫مسطح ًة‪ ،‬وجميعنا نعرف بأن ُه حتى اليوم ال يزال هنالك من يعتقد بأن حركة الغيوم وهطول املطر لهام‬ ‫ٌ‬ ‫أسباب طبيعي ٍة بحت ٍة لهذا الزلنا نسمع وبشكلٍ مخجلٍ مايُسمى صالة االستسقاء؛ بل حتى‬ ‫تقع ماوراء الطبيعة وليس‬ ‫ٍ‬ ‫سقف مرفو ٌع بدون ٍ‬ ‫عمد مزينٍ بأضوا ٍء صغري ٍة خافت ٍة نسميها النجوم‪ ،‬وأ ّن فوق‬ ‫اليوم هنالك من يعتقد بأن السامء هي ٌ‬ ‫هذا السقف توجد روحانيات وعامل اآللهة واملالئكة‪ ،‬تخيل أن نتقبل كل هذه الفرضيات دون أن نجرؤ عىل السؤال عن‬ ‫مدى مصداقيتها؟ تخيل أن نتقبل بأن الخسوف ناتج من أن الحوت يلتهم جزء من القمر؟ تخيل أن نتقبل بأن الكون‬ ‫كل ُه وكل مافيه ما كان إال من أجلنا نحن البرش؟‬ ‫يجب أن نخرج من نطاق الوهم و الخرافة‪ ،‬يجب أن نؤمن بعقولنا للوصول إىل نتائ ٍج حقيقي ٍة حول ماه ّية الكون الذي‬ ‫حولنا‪ ،‬يجب أن نؤمن باملنهج العلمي الرصني للوصول إىل أجوب ٍة الستفساراتنا العلمية‪ ،‬وعندما يعجز العلم عن اإلجابة‬ ‫عن أسئل ٍة نطرحها فإن املجال واس ٌع أمام العقل اإلنساين للبحث يف الفلسفة والفن والرياضيات عن أجوب ٍة تناسب‬ ‫قدراتنا وتطلعاتنا‪ ،‬ال أن نُعيد علك ما بصقت ُه األقوام التي قبلنا بقرون‪ ،‬ونتباهى بأفكا ٍر مل تعد تُضحك العامل بعد بل ت ُثري‬ ‫ريبتهم حول الكهف الذي خرجنا منه‪.‬‬ ‫هل تريد أن تؤمن بالله أو باملالئكة أو الشياطني هذا الحق كفلت ُه لك حرية العقيدة‪ ،‬لكن التحاول حرش معتقداتك‬ ‫املتوارثة يف ٍ‬ ‫وسط اليُناسبها مثل العلم‪ ،‬وحاول أن ال تعتمد عىل معتقداتك الدينية يف تعاملك مع البرش من حولك‪ ،‬بل‬ ‫رش ونطمح للسعادة والحياة‪،‬‬ ‫عامل البرش جميعهم انطالقاً من إنسانيتهم ال من معتقداتهم ولونهم أو لغتهم‪ ،‬جميعنا ب ٌ‬ ‫وأنت نفسك تطمح للسعادة والحياة األبدية من خالل اعتقادك بوجود حيا ٍة مابعد املوت‪ ،‬فال تحتكر هذا الحق لنفسك‬ ‫ود ِع البرش يبحثون عن السعادة بأنفسهم‪ ،‬والتجربهم عىل شكلٍ محدد للسعادة التي أنت تعتقد بأنها قمة املنتهى‪.‬‬ ‫‪35‬‬


36


‫أمين رمزي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫ضيفنا اليوم السيد أمين رمزى الشاب املهذب للغاية صاحب‬ ‫الوجه الطفوىل‪ ،‬والذى أصبح شهريا بعد ان استضافته الكثري‬ ‫من وسائل اإلعالم ىف الفرتة القريبة املاضية باعتباره ملحد مرصى‬ ‫من أصل دينى مسيحى‪ ،‬متزوج وىف اوائل األربعيانت‪ ،‬وصاحب‬ ‫دراسات ىف مجال املكتبات الذى تخصص به‪ ،‬وكذلك دراسات ىف علم‬ ‫ااألديان املقارن‪.‬‬ ‫س‪ 1‬سيد أمين‪ :‬ملاذا ألحدت‪:‬‬ ‫من قال أننى ملحد‪ ،‬أنا أقول أننى الأهتم مبسالة وجود السامء‪ ،‬الأعرف هل يوجد إله أو ال ألنه‬ ‫ىف كل األحوال اليه ّمني وال أعتمد عليه ىف حيايت‪.‬‬ ‫أنا رجل الأدري أو إنساين همي األكرب اإلنسان ومعاناته ىف الواقع األريض بغض النظر عن العناية‬ ‫الساموية التى ال أتعرض لها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات عىل األقل ىف مكتبة تابعة ملعهد كنيس متميز عىل‬ ‫س‪ 2‬نعلم أنك اب ًنا لقس إنجيىل‪ ،‬وعملت عرش‬ ‫مستوى الرشق األوسط‪ ،‬يعنى بيئة مفرطة ىف التدين‪ ،‬أو عىل االقل بيئة متدينة بطبيعتها‪ ،‬فكيف تحولت‬ ‫عن تلك األفكار؟ أال تجد األمر غريبا بعض اليشء؟‬ ‫بالعكس فألنني اب ٌن لقس‪ ،‬ووالديت أيضً ا عميقة اإلميان‪ ،‬وعميل ىف مجال ديني حيث حفظ الكتب وتبويبها‬ ‫بعد قراءتها‪ ،‬وبالتايل بعد قراءايت آلالف الكتب كان البد وأن أصل لهذا النتيجة‪،‬الحظ ياسيدي أن أشهر‬ ‫امللحدين العرب اليوم من ذوي أصول دينية‪ ،‬املعنى الذى أريد قوله هو‪ :‬أن قربك الزائد من املرسح‬ ‫الديني بكل خفاياه‪ ،‬يعترب هو الدافع األول إللحادك‪ ،‬أو عىل األقل لخروجك من حظرية الدين وبسعادة‬ ‫أيضً ا‪.‬‬ ‫‪37‬‬


‫أمين رمزي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫س‪ 3‬هل تقصد ترصفات كهنة الدين هى التى تدفع املتعاملني معهم للشك ىف الدين؟ فامذنب النص ؟‬ ‫قلت لك أن تريك للنص ليس بسبب الكاهن‪ ،‬بل بسبب آالف ورمبا عرشات اآلالف من الكتب التى‬ ‫اضطررت‪ -‬بحكم العمل‪ -‬إىل قراءتها‪ ،‬أما رؤيتي لترصفات كهنة فهي تأكيد ملوقفي بأنهم يأخذون الدين‬ ‫كمجرد وسيلة للوضع اإلجتامعي ولكن صدقني ترصفاتهم الشخصية غري متدينة إطالقا‪.‬‬ ‫س‪ 4‬ممكن توضيح أكرث لهذه النقطة تحديدا؟‬ ‫حسنا قلت لكم اننى قد عملت ملدة عرش سنوات كأمني ملكتب ٍة كبري ٍة تابعة للكهنوت‪ ،‬والحظت ترصفات‬ ‫أصحاب القداسة وفكرهم املتعايل عىل قطيع املؤمنني‪ ،‬فلام ناقشت تلك األفكار عىل مواقع عىل النت‬ ‫كانت النتيجة أنهم رفدوين ىف ذات اليوم وبالرجعة‪ ،‬هل دينهم يأمرهم بترشيد رب أرسة ملجرد رأيه ىف‬ ‫إداريات مع منحي شهادة باإلخالص ىف العمل؟‬ ‫س‪ 5‬هذا عن الكهنة كسبب لخروجك عن سيطرة الدين‪ ،‬فامذا عن كتابك املقدس؟ هل وجدت به مايشينه‬ ‫أيضا؟‬ ‫طب ًعا الكثري جداً‪ ،‬عىل سبيل املثال‪:‬‬ ‫بعد مجرد كلمة والثانية بني يسوع والناس التي تقف ضده‪ ،‬قام السيد بطرس أحد أهم رجال يسوع‬ ‫بإخراج السيف ِمن مخبأه يف مالبسه وقطع أذن واحد ِمن الناس املُختلفني فكر ًيا مع يسوع‪ .‬هذا حدث‪،‬‬ ‫طب ًعا‪ ،‬ألن السيد بطرس رغم هذه الفرتة التي قضاها مع يسوع َيسمع وينصت ويتعلم ويتحاور وهو‬ ‫أقرب األقربني له‪ ،‬لكن ألن هذه التعاليم الهشة واملظاهر الخادعة للمعامالت كانت تحتاج لسيف مخبأ‬ ‫تحت املالبس املهلهلة َيحمي هذه التعاليم املزركشة‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫أمين رمزي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫ال تستغربوا فحتى يومنا هذا فإن أتباع بطرس ويسوع ومرقس وبولس‪ ،‬وراضعي تعاليمهم ال يزالوا‬ ‫يستخدمون أسلحتهم املخبئة والحقرية لقطع أذن َمن يُخالفهم أو يناقضهم‪ ،‬أو يَخرج عن هذه الرعية‬ ‫ويفضح تعاليمهم الهشة التي مل تغري إنسانيتهم إىل األفضل‪.‬‬ ‫ويَبقى السؤال‪ :‬ملاذا يُحارب أتباع يسوع املختلفني والخارجني واملتسائلني والهاربني بعيدً ا عام رضعوه ِمن‬ ‫صغرهم؟‬ ‫س‪ 6‬بعد خروجك عن املسيحية هل وجدت ىف األديان األخرى مايشدك لها؟‬ ‫أتذكر مقولة اإلمرباطور فريدريك الثاين‪ :‬إن كل األديان تتساوى جميعها ىف كونها التساوي يشء‪!!!!.‬‬ ‫س‪ 7‬يقولون أنك صاحب فكرة غريبة وهى وضع سيدة عىل كريس البابا وإعادة تسميته كريس املاما؟ أحقاً‬ ‫تطالب بهذا؟‬ ‫رغم أن سيادتك تقولها بطريقة ساخرة أضحكتنى شخصياً إال أنها حقيقة فعالً‪ ،‬أطالب بأن تأخذ املرأة‬ ‫حقها يف الدنيا والدين مبساواة تامة مع الرجل متا ًما‪ ،‬والنص الديني األصيل المينع ذلك‪ ،‬فلامذا التز ّمت معها‬ ‫واحتقار وضعها‪ ،‬أما عن اإلسم بابا او ماما فهو اليه ّمني‪ ،‬يه ّمني فقط جوهر الفكرة‪ ،‬ملاذا تحتقرون النساء‬ ‫وكلكم ابناً ألنثى؟ أإىل هذا الحد أنت تحتقر أمك؟‬ ‫أثبت التاريخ املعارص واملايض أنْ كثري ِمن النساء كُ ْن قادرات عىل قيادة الدول املختلفة‪ ،‬أال تستطيع إحدى‬ ‫النساء أن تتوىل مسئولية قيادة الكنيسة وتكون البابا‪ ،‬أو "املاما" القادمة؟‬ ‫املفرتض أن تعاليم الكنيسة ال تنادي رصاحة بنقصان عقل ودين النساء‪ ،‬أليس كذلك؟ فام الذي َينعهن أن‬ ‫تكن إحداهن هي أول الجالسات القادمات عىل كريس الباباوية وتلبس الصولجان املُذهب؟‬ ‫ما املانع أن تكون إحدى النساء هي البابا القادم ومتسك عصا الرعاية‪ ،‬وبدالً ِمن القول‪ :‬الراعي الصالح‬ ‫للبابا‪ ،‬ميكن أن نقول‪ :‬الراعية الصالحة؟‬ ‫‪39‬‬


‫أمين رمزي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫السيد املسيح مل يختار "تلميذة" ـ حوارية ـ ِمن اإلثني عرش تلميذاً الذين اختارهم‪ ،‬لكن هذا االختيار‬ ‫كان له وقته وظروفه وطبيعته‪ .‬واآلن حيث نالت النساء ـ يف العامل املتقدم ـ أغلب حقوقهن‪ ،‬وأصبحن‬ ‫مساويات للرجال يف كل املجاالت‪ ،‬أال يحق لهن أن يعتلني كريس الباباوية؟"‬ ‫س‪ 8‬قيل ىل وانا قادم ملقابلتك أنك تتلقى وحياً ساموياً ينزل عليك آيات ساموية‪ ،‬هل تفكر ىف الولوج‬ ‫لوظيفة النبوة لتصحيح وضع مقلوب بطريقة عكسية؟‬ ‫ههههههههه‪ ،‬بالطبع أتلقى وحياً ولكنه ليس من هناك‪ ،‬هو فقط من هنا‪ ،‬من عقيل‪ ،‬والأترشف بأن أكون‬ ‫نبياً من هؤالء الذين عرفتهم‪ ،‬بل لعيل أرشف بأن أكون نبياً للعقل‪ ،‬أومجرد صوت صارخ ىف الرعية أن‬ ‫أفسحوا طريق العقل‪.‬‬ ‫س‪ 9‬هال اسمعتنا بعض تلك الومضات العقلية؟‬ ‫من تراتيل ومزامري بن رمزي األمري‪:‬‬ ‫ُقل يا ِع َبادي املُستضعفني‪ ،‬ويا شَ عبي املُستكني‪ ،‬هل أَتاكم َحدُ يث املادة الثالثة يف دستور الخارسة؟‬ ‫إنه الدستور املتني لبيعكم تحت أقدام رجال الدين ِمن أجل سيطرة الرهبان والقسيسني عىل شعب‬ ‫الكنيسة النامئني‪.‬‬ ‫فكيف بالراهب الحزين يَفرض قوانني امليتني عىل األحياء اآلمنني؟‬ ‫ُقل يا عبادي النامئني هل تنتظرون حتى تَصريَ املُصيبة كارثة والكارثة بَلوى بوقو ِعكم تحت رشيعة‬ ‫الصحراويني ِمن رهبان ميتني عن العامل املبني؟‬ ‫يأتكم خربَ العصور املُظلمة حني فسدت الكنيسة وأفسدت تابعيها واملحيطني؟‬ ‫أمل‬ ‫ْ‬ ‫الغاب ترفضون‪ ،‬و ِمن سيطرة الرهبان امليتني تتخلصون؟؟ وعىل قيود مغارات‬ ‫متى تستيقظون ولرشيعة‬ ‫ِ‬ ‫اللصوص تثورون؟؟‬ ‫‪40‬‬


‫أمين رمزي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫س‪ 10‬دعنى أبدي إعجايب مبزمورك‪ ،‬ولكنها بالطبع تختلف عن مزامري الرب اإلعجازية‪ ،‬أال تعرتف باملعجزة؟‬ ‫ِمن سنوات كثرية‪ ،‬السيدة أمي‪ ،‬كانت ت ِ‬ ‫ُحض قليل ِمن الدقيق وكمية ماء وتضع فيهم خمرية‪ ،‬وتعمل‬ ‫عجينة وترتكها قليل ِمن الوقت يف الشمس الدافئة‪ ،‬فالعجني يكرب ويزيد حجمه‪ ،‬وبعدها تعمل منه حوايل‬ ‫عرش أو عرشين رغيف "عيش شميس صعيدي" جميل نأكل منه حوايل أسبوع‪.‬‬ ‫جالسا يَعظ مع‬ ‫ويبقى عندي سؤال برئ ودعوة للتفكري يف ما هو َمكتوب‪ :‬عندما يكون "السيد يسوع" ً‬ ‫بعض اليهود‪ ،‬والوعظة طالت قليالً‪ ،‬والناس جاعت‪ .‬هل يصح أن نصدق أو نتخيل إن الذين يجلسوا قدامه‬ ‫يف قرية صغرية حوايل ‪ 15‬ألف فرد ما بني رجال وسيدات وأطفال؟ ِمن أين جاءت هذه "املليونية" التي‬ ‫تُريد أن تسمع هذا "الثورجي"‪ ،‬أال يَعملون؟؟ أال يَنتجون؟؟؟ ِمن أين جاء هذا العدد الكثري بدون وجود‬ ‫مصالح أو أشغال وراءه تجعله شعب اعتامدي؟؟؟؟‬ ‫والسؤال الثاين‪ :‬أي فائدة تعود عىل البرشية ِمن تكاثر رغيفني خبز إىل عرشات االالف ِمن األرغفة إلشباع‬ ‫هذه "املليونية" ِمن التابعني؟؟؟‬ ‫أال يستطيع "السيد يسوع" ِمن خالل تابعيه وتعاليمه االن أن ينتج أو يرسل لنا ِمن مكانه "حبوب منع‬ ‫الجوع" للتابعني له واملؤمنني به؟؟ أو يرسل لنا "رِشوة" عبارة عن حقول خبز جاهزة لنتفرغ لعبادته‬ ‫والتسبيح له‪ ،‬ليك نتبعه مجدداً؟؟؟‬ ‫‪ -12‬وهل تقارن نفسك ياسيدى بهؤالء العظامء نور البرشية الهادى ورساج الروح للمؤمنني؟‬ ‫ِمن عدة سنوات دخلت فندق كبري‪ ،‬يقولون عليه ‪ 7‬نجوم‪ .‬فيه أنوار فخمة وبالط بيلمع وجدران نظيفة‪،‬‬ ‫لكن أهم حاجة شدّ تني وقتها عدد املرايات الكترية يف كل مكان وكل حتة يف الفندق الواسع الضخم‪ .‬وكلام‬ ‫ذهبت إىل أي منطقة يف الفندق‪ ،‬وجدت مراية فخمة ويحيط بها برواز جميل وأنوار "تلعلط" وتلمع‪،‬‬ ‫وانظر يف وجهي وأظبط مالبيس‪ ،‬وكل مرة أجد بقعة "رخمة" عىل املراية وأيضاً فيه "وساخة" "مبوظة"‬ ‫شكل املراية‪ .‬املهم‪ ،‬كنت بسحب منديل ورقي وأحاول أملع "الحتة" التي يف املراية املتسخة‪ .‬لكن بعد عدة‬ ‫مرات‪ ،‬اكتشفت أن هذه البقعة عىل وجهي أنا‪ ،‬وهذه "الوساخة" عىل قمييص أنا‪.‬‬ ‫كتري ِمن أصدقايئ‪ ،‬يقولون إن بعض رجال الدين سواء قساوسة أو شيوخ تعتليهم "الوساخة" التي فيهم‬ ‫وهذا من طبيعتهم البرشية‪ ،‬لكن الحقيقة هم انعكاس لتعاليم الكراهية التي يُعلمونها‪ ،‬وهم مرايا لتلك‬ ‫اآللهة التي يعبدونها‪.‬‬ ‫التجارب القاسية جعلتني أعيد حسابايت يف التعاليم التي مل تستطع أن تغري هذه املرايا التي تعكس هذه‬ ‫اآللهة‪".‬‬ ‫‪41‬‬


‫أمين رمزي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫فلندع الحكم للقارئ ياصديقى ليحكم عن مدى تلوث املرآة خاصته‪ ،‬ولكننا مضطرين إلنهاء الحوار اآلن‬ ‫رغم ان لدينا الكثري من التساؤالت نطرحها عليك كصاحب تجربة مختلفة‪ ،‬ولكن قرص الوقت‪ ،‬ورغبتنا ىف‬ ‫عدم تشتيت القارئ رمبا يجعالن لنا لقاء آخر نكمل فيه حوارنا‪.‬‬ ‫قبل أن أنهي الحوار دعني أعرض عليك آيات بينات للتدبر فقط والفهم وليست للتالوة وال للصالة‪:‬‬ ‫"بسم الحرق والسكني‪.‬‬ ‫أ ل م (‪ )1‬تلك اآليات نَقصصها لل ُمتقني املُستضعفني (‪ )2‬نزلت هذه اآليات البينات يف عام القتل الحزين‬ ‫عىل بن رمزي األمني(‪ )3‬أملْ تَسأل عن اإلرهابيني؟ (‪ )4‬الذين جاءهم األمر املُبني‪ :‬وأعدوا للكافرين ما‬ ‫استطعتم ِمن مولوتوف وسكني (‪ )5‬أملْ تسأل عن القاتلني؟ الذين َسقوا املختلفني وقالوا إنه أمر األمني (‪)6‬‬ ‫إنا نحن نأمرك أن تروع اآلمنني (‪ )7‬وتُ َنز َِل عىل قلوبهم نا ًر وطني (‪ )8‬ليكونوا عربة لآلخرين الذين يرفضون‬ ‫الذين ويقولوان‪ :‬كم هو اإلنسان مسكني؟ (‪ )9‬تحت رحمة هذا الدين أو السكني (‪)10‬‬ ‫صدق الرحمن املتني‪ ،‬مع أتباعه العطشانني للدم واآلنني‪".‬‬ ‫س‪ 13‬هل هناك من رسالة توجهها لقراء املجلة أكانو ملحدين أو مؤمنني ؟‬ ‫أصدقايئ األعزاء‪ ،‬أقدر جهودكم للتفكري يف التعاليم الجديدة املختلفة التي تنرشها هذه املجلة كل شهر‪.‬‬ ‫رمبا تصدمكم هذه األفكار‪ ،‬لكن التفكري والبحث املتواصل هي العملية األرقى يف الحياة البرشية لإلنسان‪.‬‬ ‫فكروا تص ّحوا‪.‬‬ ‫قام باملقابلة ‪..................‬‬

‫‪...................... Sameer Samee‬‬

‫‪............Mohamed Shouman‬‬ ‫‪42‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪43‬‬


‫النبـي لــوط‬ ‫رائد الشذوذ‬ ‫الجنـسـي‬

‫‪Nesta Fz‬‬

‫‪44‬‬


‫النبـي لــوط‬ ‫رائد الشذوذ الجنـسـي‬

‫‪Nesta Fz‬‬

‫لو أطلقنا عىل من ال يتوافق مع املعايري الثقافية السائدة للمامرسة الجنسية (السويّة) يف مجتمعٍ بعينه لفظ (شاذ‬ ‫جنسياً)‪ ،‬فإ ّن النبي لوط بدوره يستحق هذا اللقب‪ ،‬فلوط وأقلي ٌة اتّبعته خالفوا املعايري السائدة للمامرسة الجنسية‬ ‫(السويّة) يف مجتمع النبي لوط واملتمثلة يف املثلية ويف اعتبار الغريية شذوذًا جنس ًيا‪ ،‬حيث رفض لوط وأقلي ٌة اتّبعته أن‬ ‫وفضلوا ـ أي لوط وأتباعه األقلية ـ مامرسة الجنس‬ ‫ُيارسوا املثلية التي كان ميارسها أغلبية أفراد ذلك املجتمع قوم لوط‪ّ ،‬‬ ‫الغريي‪ ،‬وبالتايل فقد استحقوا ـوفقاً ملنطق ُمتهمي املثليني اليوم بالشذوذـ أن يُوصفوا بالشذوذ الجنيس‪ ،‬وذلك يك يتّسق‬ ‫رافضوا املثلية اليوم من منطلقات دينية مع أنفسهم‪ ،‬حيث عليهم أن يعتربوا النبي لوط شاذًا جنسيًا‪.‬‬ ‫فأوىل محاججات هؤالء التي يُ ِّربرون بها نعت املثليني بالشذوذ ـرغم املآخذ الكثرية من ِقبل الحقوقيني عىل املسمى‬ ‫ـهي أ ّن هؤالء املثليني خالفوا ما درج عليه غالبية الناس‪ ،‬وخالفوا املعايري الثقافية املتعارف عليها للمامرسة الجنسية‬ ‫رص عىل شذوذه‪ ،‬بل ونجد أ ّن‬ ‫(السويّة)‪ ،‬متا ًما كام فعل لوط عندما رفض أن يخضع ملعايري قومه الجنسية (السويّة)‪ ،‬وأ ّ‬ ‫لوط والذي يُحتفى به من ِقبل الخطاب الديني الرافض للمثلية اليوم قد ذهب إىل ما مل يذهب إليه منارصوا املثلية‬ ‫اليوم‪ ،‬حيث دعى النبي لوط اآلخرين _وهم األغلبية_ إىل مفارقة ميولهم الجنسية املثلية وتحويلها إىل ميول غريية‪،‬‬ ‫بينام مثليوا اليوم فقط يُطالبون باالعرتاف بحقهم يف مامرسة الجنس املثيل‪ ،‬دون أن يُطالبوا كام فعل لوط بأن يُصبح‬ ‫الجميع مثليني مثلهم‪.‬‬ ‫وما فعله قوم لوط عندما حاولوا أن يُكرِهوه وأتباعه‬ ‫عىل مامرسة املثلية وتغيري ميولهم الجنسية‪ ،‬هو‬ ‫ذاته ما يفعله اليوم املناهضون واملضطهِدون لحقوق‬ ‫املثليني عندما يحاولون أن يفرضوا عليهم ميوالً‬ ‫جنسي ًة غريية ‪ ،‬وبالتايل فهم _أي املناهضون لحقوق‬ ‫املثليني ـ كقوم لوط‪ ،‬يستحقون الخسف والدمار لو‬ ‫اتّبعنا منطق عمل قوانيني العدالة اإللهية‪ .‬وهكذا‬ ‫نجد أ ّن الخطاب الديني يتناقض مع نفسه بخصوص‬ ‫موقفه من املثلية‪ ،‬فهو يدفع ب ُح ّجة األغلبية يف‬ ‫قصة‬ ‫رفضه للمثلية الجنسية‪ ،‬بينام يستند مرجع ًيا يف ّ‬ ‫أبطالها عىل أقلي ٍة ثارت يف وجه ٍ‬ ‫منط بعينه‪ ،‬درج‬ ‫عليه الغالبية‪ ،‬وبالطبع فالخطاب الديني ال يستند‬ ‫يف تحرميه وتجرميه للمثلية إىل تلك ال ُح ّجة فحسب‪،‬‬ ‫موض ًحا‬ ‫وإنّ ا إىل ع ّد ٍد من ال ُح ّجج سأوردها تبا ًعا ِّ‬ ‫تهافتها بالنسبة يل عىل األقل‪.‬‬ ‫‪45‬‬


‫النبـي لــوط‬ ‫رائد الشذوذ الجنـسـي‬

‫‪Nesta Fz‬‬

‫فالخطاب املناهض لتلك الحقوق يستند أحيانا إىل ُح ّجة املحافظة عىل بقاء الجنس البرشي وحاميته من االنقراض‪ ،‬األمر‬ ‫والسامح للمثليني مبامرسة الجنس املثيل‪ ،‬والحقيقة فإ ّن املثليني ظلُّوا رغم القمع‬ ‫الذي يتناقض ـحسب وجهة نظره ـ ّ‬ ‫التاريخي الدموي والبشع الذي تعرضوا له ُيارسون املثلية آلالف السنيني ‪ ،‬ومل يشهد التاريخ اإلنساين غيابًا للمثليني قط‪،‬‬ ‫مرضا وبائيًا ُم ِ‬ ‫عديًا‪ ،‬ورغم وجود املثلية واملثليني وما باتوا يحظون‬ ‫ورغم هذا مل ينقرض الجنس البرشي‪ ،‬فاملثلية ليست ً‬ ‫به من حقوقٍ يف عد ٍد من بلدان العامل‪ ،‬إالّ أ ّن مشكلة الكثافة السكانية والتي باتت تُه ِّدد موارد كوكب األرض باالنقراض‪،‬‬ ‫ال زالت موجودةً‪ ،‬ناهيك عن انقراض الجنس البرشي‪ ،‬فضالً عن أ ّن الوالدة اليوم ُمتاح ٌة حتى للمثليني واملثليات‪ ،‬إذ مل‬ ‫تعد ِ‬ ‫(الخلفة) ُمقترص ًة عىل املامرسة الجنسية‪ ،‬وإنّ ا مثّة تقنيات بات يلجأ إليها كث ٌري من املثليني واملثليات لإلنجاب دون‬ ‫االضطرار إىل املامرسة الجنسية الغريية‪.‬‬ ‫و حتى لو سلّمنا جدالً بال ُح ّجة السخيفة تلك التي تقول بأ ّن املثلية تُه ِّدد بانقراض الجنس البرشي‪ ،‬فهذا بدوره ال مينح‬ ‫الحق أخالق ًيا يف حرمان املثليني من املتعة الجنسية‪ ،‬وإنّ ا ُيكن أن يتم إلزامهم باإلنجاب عرب التقنيات الحديثة التي ال‬ ‫يش عىل الجنس البرشي من االنقراض وهو أم ٌر مستبع ٌد كام قلنا عىل ضوء مشاكل ازدحام كوكب‬ ‫تحتاج للجنس لو ُخ َ‬ ‫األرض بالبرش‪ ،‬الذين بات عددهم يتضاعف عا ًما بعد عام عىل نح ٍو خطريٍ جدا ً‪ ،‬حدا ببعض الدول إىل تحديد عد ٍد محد ٍد‬ ‫للمواليد لكل أرسة‪ ،‬والغريب أ ّن انتشار األسلحة ـالنووية أو غريهاـ يُه ِّدد بدوره وعىل نح ٍو أرسع وأخطر بانقراض الجنس‬ ‫البرشي بل ودمار كوكب األرض‪ ،‬ورغم ذلك مل نسمع الجامعات الدينية الرسالية تدعوا إىل منع استخدام األسلحة أو‬ ‫الفتك باملسلحني‪ ،‬بل إنّنا عىل العكس من ذلك رأيناها تستخدم تلك األسلحة يف الجهاد ويف مختلف عملياتها اإلرهابية‪.‬‬ ‫من حق الجميع أن يستخدموا أعضاءهم ـ التناسلية‬ ‫أو غري التناسلية ـ عىل النحو الذي يروق لهم‪ ،‬دون‬ ‫أن يتهمهم اآلخرون بالشذوذ أو أن يحولوا بينهم وبني‬ ‫استخدامهم لعض ٍو ما عىل النحو الذي يروق لهم‪ .‬فالساق‬ ‫تُستخدم من ِقبل الجميع للميش حسب ما تعارف عليه‬ ‫البرش تاريخ ًيا‪ ،‬لكن حينام يستخدمها البعض للعب كرة‬ ‫القدم فإنّنا ـرغم أنّه استخدا ٌم بدا أل ّول م ّرة عند اكتشاف‬ ‫لعبة كرة القدم استخدا ًما ُمغاي ًرا ملا تعارف عليه الجميع‬ ‫من استخدامات الساق ـ مل نسمع مبن وصف العبي كرة‬ ‫يحق ٍ‬ ‫ألحد يف‬ ‫القدم األوائل هؤالء بأنّهم شواذ‪ .‬وبالتايل ال ّ‬ ‫أن يُح ِّدد ٍ‬ ‫ألحد آخر ما يفعل بأجهزته التناسلية‪ ،‬أو أين‬ ‫يضعها‪ ،‬أو أن يصفه بالشذوذ بنا ًء عىل استخدام عضوه‬ ‫التناسيل عىل نح ٍو غري مألوف بالنسبة لنا طاملا مل يؤ ِذ‬ ‫بذلك غريه أو يُكرهه عىل يشء‪.‬‬ ‫‪46‬‬


‫النبـي لــوط‬ ‫رائد الشذوذ الجنـسـي‬

‫‪Nesta Fz‬‬

‫يُتّهم املثليون عاد ًة من ِقبل املناهضني لحقوقهم بأنّهم‬ ‫نفيس‪،‬‬ ‫مرض‬ ‫مرىض نفسيني‪ ،‬وأ ّن املثلية الجنسية هي ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫وبالطبع فتهم الجنون أو تهمة اإلصابة ٍ‬ ‫نفيس ُيكن‬ ‫مبرض‬ ‫ٍّ‬ ‫أن تُو ّجه ـفي ظل غياب املعيار ويف ظل االستخدام العشوايئ‬ ‫لكلمة ٍ‬ ‫نفيس ـ إىل موقف هؤالء املناهضني للمثلية الجنسية‬ ‫مريض ٍّ‬ ‫مريض وهويس‪ ،‬من‬ ‫بدورهم بوصف موقفهم هذا هو ٌ‬ ‫نفيس ٌ‬ ‫موقف ٌّ‬ ‫عم يُشبع لذته ورغبته الجنسية‪ ،‬وذلك طاملا‬ ‫حق اإلنسان يف البحث ّ‬ ‫نفيس وما هو ليس كذلك عىل‬ ‫نحن ال منلك معيا ًرا ُمح ّد ًدا ملا هو ٌ‬ ‫مرض ٌّ‬ ‫ودقيق وشامل ‪ ،‬فاملجنون هو مجنو ٌن من وجهة نظر الغالبية ووفقًا‬ ‫يل‬ ‫ٍ‬ ‫نح ٍو ك ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫إشكاليات عرضنا لها‬ ‫لتعريفهم هم للوعي‪ ،‬ولكن ُح ّجة الغالبية تلك تواجه عدة‬ ‫أعاله وسنعرض لها الحقاً‪ ،‬فالغالبية ليست معيا ًرا للص ّحة املنطقية أو األخالقية‪.‬‬ ‫يوم أق ّروا بأخالقية امتالك العبيد واستعباد البرش‪ ،‬كام أ ّن األنبياء والفالسفة‬ ‫فال يجب أن ننىس أ ّن غالبية البرش ذات ٍ‬ ‫بل والعلامء املتخصصون عىل مر العصور وإىل اليوم ُصنفوا وات ُّهموا بأنّهم باملرض النفيس و الجنون‪ ،‬وحتى لو سلّمنا‬ ‫حق ٍ‬ ‫أحد أو هل يستطيع أح ٌد أن ي ُحول بني ٍ‬ ‫مريض وبني أعراض مرضه؟‬ ‫جدالً بأ ّن املثليني هم مرىض نفسيون ‪ ،‬فهل من ِّ‬ ‫فاملجنون الذي يحلوا له مثالً أن يقفز ويضحك هل يحق لآلخرين منعه من ذلك؟ هل يحق لآلخرين محاكمة املريض‬ ‫النفيس أو قتله أو اضطهاده كام يحدث للمثليني حتى من ِقبل الزاعمني بأنّهم مرىض نفسيني؟ عمو ًما‪ ،‬منذ القرن املايض‬ ‫قامت جمعية األمراض النفسية األمريكية بحذف املثلية الجنسية من قامئة األمراض النفسية واعتبارها هوي ًة واختيار‪،‬‬ ‫فضالً عن األبحاث الط ِّبية العديدة التي تتحدث عن ٍ‬ ‫عديد من حاالت املثلية ذات البعد البيولوجي املتعلق بالجينات‪.‬‬ ‫ترد كلمة فطرة بكرثة عىل لسان املناهضني لحقوق املثليني الجنسية‪ ،‬حيث يزعمون بأ ّن املثلية ضد الفطرة اإلنسانية‬ ‫دون أن يضع لنا هؤالء تعريفًا ملاهية الفطرة‪ ،‬وقد نجدهم يف غالب األحيان يلجؤون م ّر ًة أُخرى إىل معيار األغلبية‬ ‫فضفاض‬ ‫مصطلح‬ ‫منطقي إطالقًا‪ ،‬وطاملا أ ّن مصطلح (فطرة)‬ ‫لتحديد الفطرة من الال فطرة‪ ،‬وهو معيا ٌر كام أوضحنا غري‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫منطقي وغري ُمح ّد ٍد إالّ مبعيار األغلبية الباهت‪ ،‬فال ميكن أن نبني عىل أساسه ترشي ًعا قانون ًيا تقتيض مخالفته‬ ‫وغري‬ ‫ٍّ‬ ‫خصم ل ُه أن يُص ِّنفها بوصفها مامرس ًة ال فطري ًة‪،‬‬ ‫العقوبة‪ ،‬حيثُ ميكن ّ‬ ‫لكل من ال يحلو له مامرس ًة بعينها صدرت من ٍ‬ ‫ويزج بخصمه يف متاهات النيابات العامة‪.‬‬ ‫أي دينٍ يعتقدون أ ّن دينهم هو دين الفطرة‪ ،‬ولو فتحنا‬ ‫وألرضب هنا مثاالً عىل ما يُسمى (دين الفطرة)‪ ،‬حيث أ ّن أتباع ّ‬ ‫املجال للقانون ل ُيعاقب عىل ِّ‬ ‫أي دينٍ‬ ‫كل ما يخالف الفطرة كام يدعو لذلك مناهضوا املثلية الجنسية‪ ،‬فسنجد أتباع ّ‬ ‫يريدون معاقبة أو سجن أتباع الدين املخالف لدينهم بوصفه دي ًنا مخالفًا للفطرة‪ ،‬لذلك فحتى لو سلّمنا جدالً بأ ّن املثلية‬ ‫‪47‬‬


‫النبـي لــوط‬ ‫رائد الشذوذ الجنـسـي‬

‫‪Nesta Fz‬‬

‫بغض النظر عن ع ّددهم ـ فال يحق ألحدهم بنا ًء عىل هذا االعتقاد أن يُعا ِقب‬ ‫مخالف ٌة للفطرة حسب اعتقاد البعض ـ ّ‬ ‫أو مينع املثلية‪ ،‬وله فقط أن يتحدث يف إطار التعبري عن الرأي عن رأيه يف املثلية‪ ،‬ال أن يُصادر حقوق املثليني أو يُعاقبهم‬ ‫أو مينعهم من مامرسة مثليتهم‪.‬‬ ‫أخالقي لتجريم املثلية أو معاقبة املثليني أو عدم االعرتاف واإلقرار بحقوقهم‪،‬‬ ‫منطقي أو‬ ‫إذا ً‪ ،‬ليس هناك م ِّرب ٌر عقال ٌّين أو‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫بإستثاء امل ِّربر الديني امليتافيزيقي الذي ال يصلح لوحده لصياغة قانونٍ جزا ٍّيئ أو عقا ّيب‪ ،‬فالذي ال يصيل أو يصوم نهار‬ ‫رمضان عقابه عىل الله ال عىل القانون الجنايئ! كام أ ّن امل ِّربر الديني يقترص فقط عىل أتباع الدين وال يتع ّدى من هم‬ ‫خارج إطار الدين وغري الخاضعني لتعامليه‪ ،‬فالدين ُمل ِز ٌم ألتباعه فقط‪ ،‬وعىل نح ٍو ذايتٍّ ال قانوين‪.‬‬ ‫كل تلك‬ ‫حرمان املثليني واملثليات جنس ًيا من مامرسة الجنس املثيل يعادل جرمية الختان وجرمية اإلخصاء‪ ،‬فالغرض من ّ‬ ‫املامرسات املتخلفة هو حرمان اإلنسان من إشباع رغباته الجنسية حتى لو مل يؤذ أح ًدا‪ ،‬أوإجباره عىل مقدا ٍر مح ّد ٍد‬ ‫كل مثل اإلخصاء‬ ‫وضئيلٍ من اإلشباع الجنيس كام يف حالة الختان ولدى إجبار املثليني عىل عدم مامرسة املثلية بشكلٍ ِّ‬ ‫والختان الفرعوين‪ ،‬ولن ت ُجدي هنا مسألة األغلبية كام أوضحنا‪ ،‬فلو خضع اإلنسان لفكرة األغلبية ملا كان هناك أديان‬ ‫وال فلسفات وال تغيري‪ ،‬ولكانت حياة اإلنسان سلسل ًة طويل ًة من الجمود عند مرحل ٍة بعينها‪ ،‬ولقُيض عىل مبدأ التطور‬ ‫أساس الحضارة اإلنسانية‪.‬‬ ‫فاألديان والفلسفات الكربى بدأت عىل يد أقلية ات ُّهمت بالهرطقة والتجديف والشذوذ عن القطيع‪ .‬كام ال يجب أن‬ ‫ٌ‬ ‫حقوق حتى ولو رفض األغلبية اإلقرار بها‪ ،‬فالزنوج‬ ‫ننىس أ ّن الحقوق ال تخضع لرأي األغلبية‪ ،‬فحقوق (س) من البرش هي‬ ‫بالواليات املتحدة األمريكية كان من حقهم أخالق ًيا ومنطق ًيا منذ الخمسينات من القرن املايض وما قبلها أن يتمتعوا‬ ‫بكافة الحقوق الطبيعية واملدنية رغم اعرتاض غالبية األمريكيني آنذاك عىل ذلك‪ ،‬ولو كانت الحقوق تخضع ملبدأ األغلبية‬ ‫لربا مل ينل السود حقوقهم إىل اليوم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫كل سلط ٍة ظالمي ٍة متنع العقل اإلنساين من الوصول إىل نور الح ِّرية ح ًبا باالستبداد وتعلقًا بالسيطرة!‬ ‫معاً ضد ّ‬

‫‪48‬‬


‫املطـلـق‬ ‫د ُعونا من نظريّة التطور و د ُعونا من أصلِ الكونِ لنذهب إىل الفكر الربو ِّيب‬ ‫قليالً‪ ،‬بعي ًدا عن األديان أعزايئ ك ُّ​ُل يش ٍء نسبي‪ ،‬أما املُطلق فهو يُناقض نفسه‬ ‫طلق أو ُم ٍ‬ ‫تطرف فهذا يعكس الفكرة التي متنحه‬ ‫بنفسه‪ ،‬كون وجود يش ٍء ُم ٍ‬ ‫هذه الصفة‪.‬‬

‫‪John Silver‬‬

‫سأقدم طرحاً من شقني و أدمجهام معاً يف محاول ٍة لقولبة التص ّور لل ُمطلق‪.‬‬ ‫لعدم مالمستها‬ ‫قبل ذلك قمت بالبحث عن تعريف املُطلق يف االنرتنت فلم ترضني كل التعريفات التي وجدتها‪ ،‬ليس ِ‬ ‫للحقيقة ولكن إلمكانية تأويلها بع ِّدة أشكا ٍل بحسب رغبة القارئ‪ ،‬حيث يلعب االنحياز التأكيدي دورا ً كبريا ً يف ذلك‪ ،‬لذا‬ ‫قررتُ أن أق ِّدم تعريفي لل ُمطلق والذي يتطابق مع التعريفات التي وجدتها ولكن دون فتح املجال للتأويل ‪..‬‬ ‫املُطلق ‪ :‬هو حال ٌة غري مرشوط ٍة وغري محدود ٍة تم إسقاط مفهومها من واقعٍ موجو ٍد عىل فكرة الالنهائية وربطهام معاً‬ ‫إللغاء املحدودية‬ ‫‪49‬‬


‫املطـلـق‬

‫‪John Silver‬‬

‫الحب والكره‪ ،‬الخري والرش‪ ،‬الكرب والصغر‪ ،‬القدرة والوهن‪،‬‬ ‫الجامل والقبح‪ ،‬كلها صفاتٌ ال تقبل املُطلق‪.‬‬ ‫ُمطلق الخري يعني رش‪ ،‬و ُمطلق القوة يعني ضعف‪ ،‬و ُمطلق‬ ‫شخص و يستهزئ مبا أقول‬ ‫املحبة يعني كره‪ ،‬رمبا ينظر إ ّيل ٌ‬ ‫ويقول يل أنت تناقض نفسك‪ ،‬ولكن فكر قليالً عندما ننطلق‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫صفات مطلق ٍة فإننا نعكس هذا‬ ‫وصف يش ٍء يحمل‬ ‫يف‬ ‫املُطلق من طبيع ِة الثقافة التي منتلكها و ننىس أن املُطلق‬ ‫أعىل من ذلك بكثري ولنأخذ مثاالً‬ ‫ُمطلق القدرة أن تستطيع عمل كل يش ٍء وحتى ما ال ميكن‬ ‫أن يتصوره برش‪ ،‬وحتى ما ال ُيكنك انت تص ّوره‪ ،‬لحظة ‪..‬‬ ‫كيف ال ُيكنك تص ّوره إذا ً هناك من هو قاد ٌر عىل كل يشء‬ ‫وحتى قادر أن يتص ّور كل يش ٍء‪ ،‬يعني حتى قدرته عىل عدم القدرة ولكن هناك أيضاً من هو أقدر منه وهو القادر عىل‬ ‫أن ال يكون عنده قدرة بتاتاً‪.‬‬ ‫ببساطة بهذه الحالة نحن ندخل يف دوام ٍة ال منطقي ٍة وغري عقالني ٍة وذلك ألن األمور نسبية‪ ،‬فكل صف ٍة يف ُمطلقها حني‬ ‫تُنسب إىل يش ٍء ما‪ ،‬و نقول أنّها ال ميكن أن يتواجد أكرث منها فهي فارغ ٌة‪ ،‬ألنه دوماً هناك األكرث وبالنتيجة تصل يف‬ ‫التضخم إىل التناقض الذا ّيت‪.‬‬ ‫كل يش ٍء هناك أبعد منه وهذا األبعد يوجد أبعد منه‪ ،‬كل يش ٍء يوجد أصغر منه واألصغر يوجد أصغر منه‪.‬‬ ‫حتى عندما نصل حاجز بالنك و ن ّدعي أنه املُطلق يف الصغر فرياضياً هناك رقم أصغر منه‪ ،‬أي ببساطة ال وجود لل ُمطلق‬ ‫أو التطرف النهايئ فكل يش ٍء نسبي يف كل املُدركات وغري املُدركات‪.‬‬ ‫وإن قُمنا بتحديد هذا املُطلق من صف ٍة بنسب صف ٍة أخرى له‪ ،‬فإننا ننزع عنه املُطلق ألن طرحنا لن يكون مجر ًدا‪،‬‬ ‫نزعت الفكرة‬ ‫نزعت عنها التجريد‪ ،‬ومنه‬ ‫نسبت صفة البرشية للقوة و بهذا‬ ‫فعندما تقول يل األقوى من البرش فأنت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫املُطلقة لطرحك كذلك عندما تقول أكرب مجرة أو أرسع حيوان أو أصغر حرشة‪.‬‬ ‫سائل‪ :‬ما أدراك بغري املُدركات‪ ،‬فقد تكون هناك أمو ٌر ُمطلق ٌة ال ندركها؟‬ ‫قد يسألني ٌ‬ ‫‪50‬‬


‫املطـلـق‬

‫‪John Silver‬‬

‫أجيب ‪ :‬وما أدراك أنت بغري املُدركات نحن نقيس عىل ما وجدناه أما أنت فعىل ماذا تقيس !‬ ‫إذا ً كونكم تنسبون صفة املطلق لهذا اإلله فاعذروين‪ ،‬إلهكم متناقض ذاتياً فام بالكم بإله يحمل يف كل صفاته املطلق؟‬ ‫هنا ق ُِدم يل سؤال وأعتربه من الحنكة مبكان وبنفس الوقت يؤيد ما أقدمه من أن املُطلق حال ٌة مرفوض ٌة منطقياً ‪ ..‬السؤال‬ ‫هو " هل تعترب ما تقدمه من طرح حالة مطلقة "‬ ‫مستحيل فهذا‬ ‫ٌ‬ ‫متاماً‪ ..‬هنا يتضح لكم ما عنيته بالتناقض الذايت او الـ ‪ paradox‬فعندما أقدم الطرح عىل أن املُطلق‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مدركات‪ ،‬و بهذا أنتقل و إياكم إىل تقديم أي يشء‬ ‫معارف و‬ ‫نسبي عىل ما أحمله من‬ ‫الطرح ليس مطلقاً و إمنا هو‬ ‫ٌ‬ ‫اعتامدا ً عىل ما منلكه من ٍ‬ ‫علمي و حضاري‪.‬‬ ‫فكري و‬ ‫إرث ٍ‬ ‫منطقي و ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هكذا عندما نقدم أي طر ٍح فإن هذا الطرح ينبغي أن يعتمد عىل أسس ما نعرفه وما توصلنا له‪ ،‬ال عىل ما ال ميكن أن‬ ‫نصل له مبعنى أننا عندما نقول أن هناك يش ٌء ما‪ ،‬فإننا ينبغي أن منلك من جمل املقارنة مجموع ًة لتصف هذا اليشء‪،‬‬ ‫مرفوض ألنه غري موجود وإن كنا مل‬ ‫وتقيس صفاته رياضياً وإال فتقديم هذا اليشء الغري قابل للقياس واملحاكاة الرياضية‬ ‫ٌ‬ ‫نتوصل بعد إلدراكه فانه من الغري منطقي ومن غري العقالين أن نقبل ما ال ندركه‪ ،‬و إال فإننا سنقع يف فخ إبريق راسل‪.‬‬ ‫الغيبي لدى املؤمن أو الربو ِّيب يعتمد عىل تجاهل متناقضات املُطلق والتعلق بهوي ٍة غيبي ٍة ال دليل عليها‪،‬‬ ‫إن التقديم‬ ‫ِّ‬ ‫تفتقر ألبسط أسس املنطق لتثبيت حال ٍة من الراحة النفسية نتيجة الخوف من املجهول أو الرغبة باإلحساس باألمان‪.‬‬ ‫و هنا أقول لكم مر ًة أخرى عذرا ً أنا ال أكذب عىل نفيس ألحصل عىل راح ٍة زائفة ‪ ،‬امللحد هو من وصل لحال ٍة من‬ ‫املصالحة مع فكرة الفناء ومل تعد تعترب ذلك الرعب‪.‬‬ ‫والحالة هنا ليست مطلقة‪.‬‬

‫َويَ ْسأَلُونَ َك َع ِن اإلحلْاد ُق ِل اإلحلْاد‬ ‫ُ‬ ‫مِ ْن أَ ْم ِر َع ْقلي َومَا أوتِيتُم مِّن العَق ِل‬ ‫إِالَّ قَلِيالً‪.‬‬ ‫صفحة العقل دين عىل الفيسبوك‬ ‫‪https://www.facebook.com/AlqlDyn‬‬ ‫‪51‬‬


‫‪52‬‬

‫محمد الحاج سامل‬


‫محمد احلاج سالم‬

‫يل ال ّربيعو‪ ،‬أن أشار يف بعض دراساته حول البدو املعارصين يف منطقة الشّ ام (قبيلة‬ ‫سبق لألنّاس املأسوف عليه‪ ،‬تريك ع ّ‬ ‫(العمريّات) بدور املح ّرضات لفرسان قبيلته ّن عىل القتال أثناء الحروب‪.‬‬ ‫ط ّيئ) إىل قيام بعض ال ّنساء املعروفات باسم ّ‬ ‫تحض ال ّرجال عىل القتال‪ ،‬وهي عاد ٌة بدويّ ٌة‬ ‫حسب‬ ‫وقد ع ّرف ال ّربيعو العامريّة بأنّها‪« :‬امرأ ٌة ذات‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ونسب وأصلٍ رفيعٍ ّ‬ ‫العمريّة‪ ،‬واستم ّر الحال يف‬ ‫معروفة»‪ ،‬وعقّب عىل ذلك مبالحظ ٍة مه ّم ٍة مفادها أنّ‪« :‬نساء قريش كانت تلعب دور ّ‬ ‫العمريّة»‪.‬‬ ‫اإلسالم‪ ،‬فقد لعبت عائش ٌة يف معركة الجمل دور ّ‬ ‫وبتت ّبع املسألة‪ ،‬وجدنا األمر عىل ما يشري ال ّربيعو حقًا من حيث تواصل هذه الظّاهرة عند البدو املعارصين يف كامل‬ ‫الصيف التي قادها أمري‬ ‫أرجاء الجزيرة العرب ّية؛ وتكفي اإلشارة هنا مثالً إىل ما قامت به عامريّات قبيلة ش ّمر يف معركة ّ‬ ‫الصباح سنة ‪ 1901‬متحالفًا مع آل سعود ض ّد حكّام منطقة حائل من آل ال ّرشيد؛ وهو ال ّدور الذي خلّدته‬ ‫الكويت مبارك ّ‬ ‫العمريّات)‪ ،‬وهو اللّقب الذي يُفتخر‬ ‫األهازيج البدويّة الشّ ائعة إىل ح ّد اآلن يف منطقة الخليج‪ّ ،‬‬ ‫ولعل إطالق لقب (أبا ّ‬ ‫العمريّات يف إحدى املعارك وتع ّهده‬ ‫به بني القبائل إىل ح ّد اآلن‪ ،‬عىل الشّ يخ فالح بن مخيدش الش ّمري‪ ،‬لتق ّدمه هوادج ّ‬ ‫البدوي املعارص يف الجزيرة‬ ‫بحاميته ّن من األعداء‪ ،‬خري دليلٍ عىل تواصل هذه املامرسة ومدى انغراسها يف املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫العرب ّية‪ ،‬بل إنّنا وجدنا آثا ًرا لتلك املامرسة‪ ،‬وإن عىل مستوى التّسمية وال ّرمز‪ ،‬يف بعض مناطق املغرب العر ّيب‪ ،‬إذ ما تزال‬ ‫العمريّة متثيالً ال واقعا‪ ،‬وتقوم بإصدار األوامر للفرسان‬ ‫العروس ليلة ال ّزفاف يف بعض جهات املغرب األقىص تلعب دور ّ‬ ‫املحيطني بهودجها القائم فوق ٍ‬ ‫العمريّة!‬ ‫فرس يُطلق عليها املغاربة تحدي ًدا إسم ّ‬ ‫منصب بال ّدرجة األوىل‬ ‫ومبا أ ّن اهتاممنا‬ ‫ٌّ‬ ‫عىل محاولة إعادة قراءة مفردات البيئة‬ ‫األوىل لإلسالم‪ ،‬أي ما يوصف عاد ًة‬ ‫بـالحقبة الجاهل ّية‪ ،‬فقد كانت هذه‬ ‫املالحظة داف ًعا لالنطالق يف البحث‬ ‫عن أصل هذه املامرسة عند عرب ذاك‬ ‫العمريّات‬ ‫ال ّزمان‪ ،‬وقد بدا لنا أ ّن ظاهرة ّ‬ ‫قد تكون متّصل ًة مبا تشري إليه كتب‬ ‫التاث العر ّيب تحت مس ّمى بنات طارق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الحاضات عىل الحرب‬ ‫أي أولئك ال ّنسوة‬ ‫ّ‬ ‫خالل املعارك‪ ،‬فمن ه ّن بنات طارق؟‬ ‫أي معنى؟‬ ‫وهل لتسميته ّن ّ‬

‫‪53‬‬


‫محمد احلاج سالم‬

‫‪ -1‬بنات طارق‪ :‬بنات ال ّنجم فائقات الجامل‬ ‫السرية واألدب واللّغة والتّفسري [األغاين‪ ،‬سرية ابن إسحاق وسرية ابن هشام‬ ‫جاء ذكر بنات طارقٍ يف عد ٍد كبريٍ من مصادر ّ‬ ‫والسرية الحلبيّة‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬التّذكرة الحمدونيّة‪ ،‬املعاين الكبري البن قتيبة‪ ،‬االشتقاق البن دريد‪ ،‬نهاية األرب لل ّنويري‪]...‬‬ ‫ّ‬ ‫ويف إطا ٍر ٍ‬ ‫وحيد تقري ًبا هو تحريض ال ّنساء لل ّرجال يف القتال بتغ ّنيهن بأنّهن «بنات طارق» وأنّهن مستعدّاتٌ للعناق إن‬ ‫صمد ال ّرجال‪ ،‬والفراق يف صورة انهزامهم‪ ،‬وقد أشارت تلك املصادر [مثالً‪ :‬التّذكرة الحمدون ّية‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ ]189‬إىل أ ّن ذلك‬ ‫التحرييض قد ت ّم يف مناسبتني حرب ّيتني‪ :‬األوىل يف يوم ذي قار للعرب عىل الفرس حني تغ ّنت نساء قبيلة بكر بن‬ ‫الغناء‬ ‫ّ‬ ‫تحريضا لرجاله ّن خالل املعركة بقوله ّن مجزوء ال ّرجز‪:‬‬ ‫وائل‬ ‫ً‬ ‫نَ ْح ُن بَ َناتُ طَار ِْق نَـ ْم ِش َع َل ال َّن َمر ِْق‬ ‫ال ُد ُّر ِف امل َ َخانِ ْق َواملِ ْس ُك ِف املَفَار ِْق‬ ‫إ ْن تُ ْق ِبلُوا نُ َعانِ ْـق أ ْو تُــ ْدبِـ ُروا نـُفَـار ِْق‬ ‫ِف َر َاق غ ْ َ​َي َوا ِم ْق‬ ‫أ ّما املناسبة الثانية‪ ،‬فكانت يوم أُ ُحد بني قريش واملسلمني‪ ،‬حني تغ ّنت ال ُق َرش ّيات املرشكات وعىل رأسه ّن هند بنت عتبة‬ ‫الصمود‪ ،‬وقد‬ ‫زوجة أيب سفيان صخر بن حرب بن أم ّية‪ ،‬بتلك األبيات نفسها تقري ًبا‬ ‫ً‬ ‫تحريضا منه ّن لجيش قريش عىل ّ‬ ‫السرية والتّاريخ هذا الخرب يف سياق رواية وقعة أُحد بني املسلمني وقريش‪ ،‬فنقرأ يف أقدم‬ ‫أوردت ّ‬ ‫جل التّفاسري وكتب ّ‬ ‫«فلم التقى ال ّناس ودنا بعضهم من بعض‪ ،‬قامت هند بنت عتبة‬ ‫سرية نبويّة مثالً‪ ،‬وهي ملح ّمد بن إسحاق (‪85-151‬هـ)‪ّ :‬‬ ‫يف ال ّنسوة الالّيت معها‪ ،‬فقالت هند يف ما تقول‪ :‬نحن بنات طارق‪ ،‬إن تقبلوا نعانق‪ ،‬ونفرش ال ّنامرق‪ ،‬وإن تدبروا نفارق‪،‬‬ ‫فراق غري وامق‪ .‬فاقتتل ال ّناس حتّى حميت الحرب‪[ » ...‬سرية ابن إسحاق‪ ،‬ص ‪.]306‬‬ ‫وقد ذهب جميع اإلخباريّني واللّغويّني م ّمن أورد الخربين‬ ‫املذكورين إىل أ ّن ال ّنساء بقوله ّن «نحن بنات طارق» إنّ ا أردن‬ ‫بنجم يف عل ّوه وشهرة مكانه»‬ ‫بالطّارق ال ّنجم‪ ،‬وأنّه ّن ش ّبهن أباه ّن ٍ‬ ‫[انظر مثال‪ :‬املعاين الكبري‪ ،‬ص ‪.]274‬‬ ‫هذا أقىص ما وجدناه يف ما توفّر لنا من مصادر عرب ّية باستثناء‬ ‫كتاب األغاين الذي تف ّرد بإيراد ثالثة أخبا ٍر متوالي ٍة عن بنات طارق‪،‬‬ ‫سمعها أبو الفرج األصبها ّين مبارش ًة من ٍ‬ ‫شخص ثق ٍة لديه‪ ،‬هو أبو‬ ‫أيضا‪ ،‬وهي الّتي‬ ‫عبد الله ال َح َر ِم ّي رواية عن ال ّزبري بن بكّار الثقة ً‬ ‫التكيز عليها هنا (األغاين‪ ،‬ج ‪ ،12‬صص ‪.)342-343‬‬ ‫سيت ّم ّ‬ ‫‪54‬‬


‫محمد احلاج سالم‬

‫الخرب األ ّول‪:‬‬ ‫الحرمي قال‪ :‬ح ّدثنا ال ّزبري قال‪ :‬ح ّدثني مح ّمد بن يحيى بن عبد امللك الهديري قال‪ :‬جلست ليل ًة وراء الض ّحاك‬ ‫«أخربين‬ ‫ّ‬ ‫صل الله عليه وسلّم وأنا متق ّنع‪ ،‬فذكر الض ّحاك وأصحابه قول هند يوم أحد‪:‬‬ ‫امي يف مسجد رسول الله ّ‬ ‫بن عثامن الحز ّ‬ ‫نحن بنات طارق‪ ،‬فقال‪ :‬وما طارق؟ فقلت‪ :‬ال ّنجم‪ ،‬فالتفت الض ّحاك فقال‪ :‬أبا زكريّا‪ ،‬وكيف بذاك؟ فقلت‪ :‬قال الله‬ ‫الس َم ِء َوالطَّارِقِ ‪َ ،‬و َما أَ ْد َر َاك َما الطَّار ُِق‪ ،‬ال َّن ْج ُم الثَّا ِق ُب﴾(الطّارق‪ ،)1-3:‬فقالت إنّ ا نحن بنات ال ّنجم‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ع ّز ّ‬ ‫وجل‪َ :‬و َّ‬ ‫أحسنت!»‪.‬‬ ‫الخرب الثاين‪:‬‬ ‫الحرمي بن أيب العالء قال ح ّدثنا ال ّزبري بن بكّار قال‪ :‬حدثني مح ّمد بن يحيى عن ج ّده عبد الحميد قال‪ :‬كان‬ ‫«أخربين‬ ‫ّ‬ ‫يعىل بن منية ويك ّنى أبا نفيس‪ ،‬وسمعت غري ج ّدي يقول اسمه يحيى وهو من بني العدويّة من بني متيم من بني‬ ‫حنظلة‪ ،‬تز ّوج امرأة من بني مالك بن كنانة يقال لها زينب‪ ،‬ولهم حلف يف بني غفارٍ‪ ،‬وهي من بنات طارق الالّيت يقلن‪:‬‬ ‫نَ ْح ُن بَ َناتُ طَار ِْق * نَ ِْش َع َل ال َّن َمر ِْق»‪.‬‬ ‫الخرب الثالث‪:‬‬ ‫غسان بن عبد الحميد قال‪ :‬رأت عائشة زوج‬ ‫«أخربين‬ ‫الحرمي قال‪ :‬ح ّدثنا ال ّزبري قال ح ّدثني مح ّمد بن يحيى عن ج ّده ّ‬ ‫ّ‬ ‫صل الله عليه وسلّم بنات طارق اللّوايت يقلن‪ :‬نَ ْح ُن بَ َناتُ طَار ِْق * نَ ِْش َع َل ال َّن َمر ِْق‪ ،‬فقالت‪ :‬أخطأ من يقول‪:‬‬ ‫بي ّ‬ ‫ال ّن ّ‬ ‫الخيل أحسن من ال ّنساء»‪.‬‬ ‫يفس معنى بنات طارق بأنّه ّن (بنات ال ّنجم)‪ ،‬أي‬ ‫ويش ّذ الخرب األ ّول يف األغاين عن نفس الخرب يف املصادر األخرى بأنّه ّ‬ ‫يتقصدن يف غنائه ّن تشبيه أبيه ّن بال ّنجم (أي نجوم الرثيّا‪ ،‬ويطلق عليها اسم ال ّنجم‬ ‫أ ّن املتغ ّنيات باملقطوعة املذكورة مل ّ‬ ‫حرصا ً) عىل وجه االستعارة واملجاز‪ ،‬بل ك ّن يقصدن بالفعل ما يقلنه من أنّهن بناته عىل وجه الحقيقة والواقع‪ ،‬وهذا‬ ‫بالضبط ما يؤيّده الخرب الثاين حني يشري إىل تز ّوج أحدهم باملدع ّوة (زينب) إحدى بنات قبيلة بني مالك بن كنانة ـ‬ ‫ّ‬ ‫يني يف مكّة بالذات بوصفها قبيلة (ال ُح ْمس) أي املتش ّددين يف دينهم‬ ‫املعروفة بأنّها كانت الق ّيمة األمينة عىل الشّ أن ال ّد ّ‬ ‫[املحب‪ ،‬ص ‪ ]178‬وكان منهم القالمسة «نَشَ أَ ُة الشّ هور‪ ...‬وفقها ُء العرب واملُفتون لهم يف‬ ‫يك ـ‬ ‫والقيّمني عىل الحرم امل ّ‬ ‫ّ‬ ‫[املحب‪ ،‬ص ‪ ،]156‬والتّأكيد بالخصوص عىل أ ّن (زينب) هذه مل تكن من (بنات طارق) فحسب‪ ،‬إذ قد يذهب‬ ‫دينهم»‬ ‫ّ‬ ‫طارق * منيش عىل ال ّن ْ‬ ‫الظ ّن إىل أ ّن (طارق) هو اسم أبيها‪ ،‬بل هي (من بنات طارق اللّوايت يقلن‪ :‬نحن بنات ْ‬ ‫امرق)‪.‬‬ ‫فهل كانت (بنات طارق) ينتمني إىل أب واحد يس ّمى (طارقًا)؟ أم ك ّن ينتمني إىل قبيلة بكر بن وائل كام تذكر املصادر‬ ‫األخرى؟ أم ك ّن من قريش كام تثبت جميع املصادر بدليل تغ ّني نساء قريش ومن بينه ّن زوجة أيب سفيان بنفس القول؟‬ ‫أم ك ّن من كنانة كام يقول أبو الفرج األصبها ّين؟‬ ‫‪55‬‬


‫محمد احلاج سالم‬

‫للسبب املذكور أعاله‪ ،‬فإنّنا نر ّجح احتامل أن تكون (بنات طارق) منتميات إىل قبيلة كنانة‬ ‫مع استبعاد االحتامل األ ّول ّ‬ ‫أحد فروع قريش‪ ،‬وذلك لتواتر خربين من األخبار الثالثة التي يوردها صاحب األغاين حول هذا األمر‪ ،‬عالوة عىل خرب‬ ‫الثعالبي نقال عن ال ّزبري بن بكّار نفسه‪« :‬ذكر ال ّزبري بن بكّار بإسناد له أنّهن بنات العالء بن طارق بن الحارث‬ ‫آخر يورده‬ ‫ّ‬ ‫والشف» [ مثار القلوب‪ ،‬ص ‪ .]319‬إالّ أ ّن هذا‬ ‫بن أميّة بن عبد شمس بن املرفّع من كنانة‪ ،‬يرضب به ّن املثل يف الحسن ّ‬ ‫التجيح يُبقي مسألة االنتامء إىل قبيلة بكر بن وائل عالقة‪ ،‬ونحن ال نرى حالّ لها إالّ اعتبار أ ّن االنتامء إىل (ال ّنجم الطّارق)‬ ‫ّ‬ ‫ربا شاركته ّن فيه نساء أخريات من قبائل شتّى كقبيلة بكر بن وائل‪ ،‬فهل كان األمر‬ ‫مل يكن حك ًرا عىل نساء قريش‪ ،‬بل ّ‬ ‫يني املتعلِّق بال ّنجم (الطّارق= الرثيّا = ال ُع َّزى) أو املتعلِّق بال ّنجوم عمو ًما؟‬ ‫يعني نو ًعا من التّنظيم ذي الطّابع ال ّد ّ‬ ‫لقدسبقللباحثتوفيقفهدأنأشار[الكهانةعندالعرب‪،‬ص‪]99‬إىلأ ّنعبارة(بناتطارق) ّرباكانتاسم َعلَموتحتملتفسريين‪:‬‬ ‫ربا كانت تق ّدم خدمات‬ ‫األ ّول‪ ,‬يربطها بالطّقوس ويجعل من (بنات نجمة ّ‬ ‫مؤسسة كهانة نسويّة ّ‬ ‫الصباح) منتميات إىل ّ‬ ‫ديني يف املعابد من بينها استخبار الغيب بالطّرق بالحىص والتّحريض يف الحروب‪.‬‬ ‫ذات طابع ّ‬ ‫أ ّما التّفسري الثاين‪ ،‬فيجعل ال ّنسبة إىل الطّرق بالحىص رأسا بوصفه إحدى طرق الكهانة املعروفة الستخبار الغيب عند‬ ‫العرب يف (الجاهل ّية) [راجع مثال‪ :‬االشتقاق‪ ،‬ص ‪]470‬‬ ‫مم يكتنف التّفسري األ ّول من‬ ‫إالّ أ ّن فهد ير ّجح التّفسري الثاين نظرا لوضوحه وعفويّته كام يقول‪ ،‬وهو ما يبدو ته ّربًا ّ‬ ‫(مؤسسة كهانة نسويّة) باسم (بنات طارق)‪ ،‬لك ّننا ال نوافقه يف نسبته ّن‬ ‫صعوبات‪ .‬ونحن نوافق فهد يف افرتاض وجود ّ‬ ‫إىل شخص اسمه (طارق الالّيت) أي املنتسب إىل املعبودة الجاهل ّية (الالّت)‪ ،‬إذ أ ّن لفظ (الالّيت) يف األخبار العرب ّية التي‬ ‫معي!‪ .‬ولنا من األخبار ما يثبت‬ ‫تناولت املسألة هو اسم موصول (بنات طارق الالّيت يقلن‪ )...:‬ال صفة نسبة إىل شخص ّ‬ ‫عدم انتساب (بنات طارق) لج ّد بهذا االسم‪ ،‬ونحن نورد أحدها رغم اعتامده التّفسري اللّغوي فحسب‪:‬‬ ‫الضير‪ :‬سمعت ابن األعرا ّيب يقول‪ :‬بعث إ ّيل املأمون فرصت إليه‪ ...‬ث ّم قال‪ :‬ما معنى قول هند‪ :‬نَ ْح ُن‬ ‫«قال أبو سعيد ّ‬ ‫بَ َناتُ طَار ِْق‪ ...‬ففكّرت يف نسبها ونسب أبيها فلم أجد طارقًا‪ ،‬فقلت‪ :‬ما أعرف طارقًا يا أمري املؤمنني‪ ،‬فقال‪ :‬إنّ ا قالت إنّها‬ ‫الس َم ِء َوالطَّارِقِ »‪ ،‬قلت‪ :‬فائدة يا أمري املؤمنني»‬ ‫والشف مبنزلة الطّارق وهو ال ّنجم‪ ،‬من قول الله ع ّز ّ‬ ‫يف العل ّو ّ‬ ‫وجل « َو َّ‬ ‫[املحاسن واملساوئ‪ ،‬ص ‪.]428‬‬ ‫املؤسسة يف غياب معلومات مؤكّدة وكافية لن يتجاوز مجال االفرتاض‪ ،‬وهو ما‬ ‫ومن هنا‪ ،‬فإ ّن ّ‬ ‫أي حديث بشأن هذه ّ‬ ‫أي دليل مبارش‪.‬‬ ‫سنحاول الربهنة عليه ببعض القرائن يف غياب ّ‬ ‫‪56‬‬


‫ديني للكهانة‬ ‫تنظيم‬ ‫‪ -2‬بنات طارق‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫نسوي ٌّ‬

‫محمد احلاج سالم‬

‫بي عائشة بنات طارق‪ ،‬وتعبريها عن إعجابها الشّ ديد ب ُح ْسنه ّن الذي يفوق ُح ْسن الخيل‪ ،‬من شأنه‬ ‫إ ّن خرب رؤية زوج ال ّن ّ‬ ‫مستقل‪ .‬أ ّما أن يكون هذا التّنظيم دين ًّيا‪ ،‬فإ ّن مشاركة بنات طارق‬ ‫ّ‬ ‫ربا ك ّن منتميات لتنظيم‬ ‫أن يكون قرينة عىل أنّه ّن ّ‬ ‫يف التّحريض عىل الحرب والعالقة اللّغويّة الواضحة بني تسميته ّن ومسألة التكّهن بالطّرق بالحىص‪ ،‬قرينة قويّة عىل مثل‬ ‫والسرية‬ ‫هذا األمر‪ّ ،‬‬ ‫خاصة وأنّه كان للعرب كاهنات معروفات شاركن يف الحروب وقدن املعارك‪ ،‬ذكرته ّن كتب التّاريخ ّ‬ ‫اري) التي ُضبت مبنعتها األمثال حتّى قيل‪« :‬أمنع من‬ ‫مثل (أ ّم قرفة) الكاهنة واسمها (فاطمة بنت ربيعة بن بدر الفز ّ‬ ‫أ ّم قرفة»‪ .‬أضف إىل ذلك أ ّن مسألتي الحرب واستخبار الغيب كانتا دو ًما مرتبطتني عند العرب أش ّد االرتباط‪ ،‬فاستشارة‬ ‫الك ّهان يف الحروب أمر ثابت عند العرب ثبوته عند البابل ّيني بال ّنظر يف كبد الضح ّية‪ ،‬كام ت ّم يف حصار أورشليم [حزقيال‬ ‫(التافيم (‪ Teraphim‬وهي«أصنام منزل ّية صغرية من املعدن أو الخشب أو‬ ‫‪ ]XVIII،21‬وعند الكنعان ّيني باستخدام ّ‬ ‫الطّني ال ّنضيج كان آراميّو ح ّران يستخدمونها يف العرافة»[األساطري بني املعتقدات القدمية والتّوراة‪ ،‬ص ‪ ]202‬ومنهم أخذ‬ ‫السواري املق ّدسة [هوشع‪ ،]III، 3 ،‬ومن ذلك عىل سبيل املثال ال الحرص استشارة‬ ‫اليهود استشارة (اإلفود» (‪ Ephod‬أي ّ‬ ‫الجمحي قبل الخروج ملالقاة جيش املسلمني يف معركة بدر [الطّبقات‬ ‫قريش صاحب أزالمها (قداحها) عمري بن وهب‬ ‫ّ‬ ‫الكربى‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.]16‬‬

‫‪57‬‬


‫محمد احلاج سالم‬

‫األنصاري يوم (أُ ُحد) عن قتل إحدى (بنات طارق)‪ ،‬فقد روت‬ ‫الصحايب أيب دجانة‬ ‫أ ّما القرينة الثانية‪ ،‬فتتمثل يف امتناع ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّربي‪:‬‬ ‫قصة هذا ّ‬ ‫ع ّدة مصادر ّ‬ ‫الصحا ّيب اخرتنا منها رواية الط ّ‬ ‫السيف بحقّه؟‬ ‫«عن هشام بن عروة عن أبيه قال‪ :‬قال ال ّزبري‪ :‬عرض رسول الله سيفًا يف يده يوم أحد فقال‪ :‬من يأخذ هذا ّ‬ ‫مسلم وأالّ تف ّر به عن كافر‪،‬‬ ‫‪ ...‬فقام أبو دجانة سامك بن خرشة فقال‪ :‬أنا آخذه بحقّه‪ ،‬وما حقّه ؟ قال‪ :‬حقّه أالّ تقتل به‬ ‫ً‬ ‫قال‪ :‬فدفعه إليه‪ .‬قال‪ :‬وكان إذا أراد القتال أ ْعلَ َم بعصابة‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬ألنظر ّن اليوم ما يصنع‪ ،‬قال‪ :‬فجعل ال يرتفع له‬ ‫يشء إالّ هتكه وأفراه حتّى انتهى إىل عرشة يف سفح جبل معه ّن دفوف له ّن فيه ّن امرأة تقول‪ :‬نَ ْح ُن بَ َناتُ طَار ِْق * إِ ْن‬ ‫كف عنها‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫السيف ليرضبها ث ّم ّ‬ ‫ت ُ ْق ِبلُوا نُ َعانِ ْق * َونَ ْب ُس ُط ال َّن َمر ِْق * أ ْو ت ُ ْد ِب ُروا نُفَار ِْق * ِف َر َاق غ ْ َ​َي َوا ِم ْق‪ ،‬قال‪ :‬فرفع ّ‬ ‫للسيف عن املرأة بعدما أهويت به إليها‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪ :‬أكرمت سيف رسول الله‬ ‫قلت‪ّ :‬‬ ‫كل عملك قد رأيت‪ ،‬أرأيت رفعك ّ‬ ‫القصة مبارشة يف رواية أخرى عن‬ ‫ّربي بعد هذه ّ‬ ‫أن أقتل به امرأة» [تاريخ األمم وامللوك‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ .]195‬ويضيف الط ّ‬ ‫أيضا‪ ،‬أ ّن املرأة هي نفسها هند بن عتبة زوج أيب سفيان‪.‬‬ ‫ال ّزبري بن بكّار ً‬ ‫الصحايب املذكور بأنّه‬ ‫فهذا االمتناع عن قتل إحدى (بنات طارق) ير ّجح وجود صبغة دين ّية له ّن‪ ،‬إذ ميكن تفسري موقف ّ‬ ‫بي واضحة بحسن البالء‬ ‫ّ‬ ‫يل يف عدم جواز ّ‬ ‫ربا كان نتاج ترس ّبات اعتقاد جاه ّ‬ ‫املس ببنات طارق‪ .‬فإذا ما كانت وصايا ال ّن ّ‬ ‫ض ّد املرشكني‪ ،‬وهؤالء ال ّنسوة ك ّن مرشكات بال ّ‬ ‫بي‬ ‫بي وصحبه‪ ،‬فإ ّن مخالفة أوامر ال ّن ّ‬ ‫شك‪ ،‬بل ومح ّرضات عىل قتل ال ّن ّ‬ ‫واالمتناع عن قتل إحداه ّن قد يكون مر ّده الته ّيب من قتل امرأة ذات منزلة دين ّية وعىل صلة بعامل الغيب والقوى العليا‪،‬‬ ‫بي أن يقتل به امرأة‪ .‬فهل كان قاتلها لو كان‬ ‫وذلك عىل ال ّرغم من تح ّجج هذا ّ‬ ‫الصحايب بأ ّن فعله كان إكرا ًما لسيف ال ّن ّ‬ ‫بي؟‬ ‫ّ‬ ‫السيف غري سيف ال ّن ّ‬ ‫ست هجريّة الكاهنة (أ ّم قرفة) (املذكورة أعاله) حني قادت‬ ‫أَ َوملْ يقتل زيد بن حارثة وهو عىل رأس جيش املسلمني سنة ّ‬ ‫املحس إىل أ ّم قرفة‪ ،‬وهي عجوز كبرية‪ ،‬فربط بني رجليها حبال‪ ،‬ث ّم‬ ‫النبي حيث «عمد قيس ابن ّ‬ ‫قبيلتها فزارة ض ّد جيش ّ‬ ‫ربطها بني بعريين‪ ،‬ث ّم زجرهام‪ ،‬فذهبا فقطّعاها» [نهاية األرب‪ ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪ .]76‬ويف هذه الحال‪ ،‬أمل يكن قتل هند بنت‬ ‫بي يف (وقعة أحد) نفسها‪ ،‬التي‬ ‫عتبة أم ًرا حيويًّا للمسلمني لدورها الخطري عىل رأس (بنات طارق) يف التّحريض عىل ال ّن ّ‬ ‫بي لل ّنظر يف كبده تك ّهنا مبا سيؤول إليه أمر املسلمني بعد هزميتهم عىل ما نرى‪ ،‬ال‬ ‫قامت إثرها ببقر بطن حمزة ع ّم ال ّن ّ‬ ‫السرية؟‬ ‫ملضغها تش ّفيًا من قاتل أبيها وأخيها وع ّمها‪ ،‬كام ينقل أصحاب ّ‬ ‫تخص تحريض ال ّنساء يف الحروب يبدو أنّها متعلّقة ببنات طارق رغم عدم‬ ‫أ ّما القرينة الثالثة‪ ،‬فتتعلّق بأربعة أخبار ّ‬ ‫ّربي وبعده املرزبا ّين [تاريخ األمم وامللوك‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪610‬؛ أشعار ال ّنساء‪ ،‬ص ‪:]66‬‬ ‫التّرصيح بذلك إذ جاء عند الط ّ‬ ‫«عن أيب عبيدة‪ ،‬قال‪ :‬ملّا كان يوم ذي قار‪ ،‬تق ّدمت عجل وأبْلت بالء حس ًنا‪ ،‬واضط َّمت عليهم جنود العجم‪ ،‬فقال ال ّناس‪:‬‬ ‫هلكت ِع ْجل‪ .‬ث ّم حملت بَكْر‪ ،‬فوجدت ِع ْجالً ثابتة تقاتل‪ ،‬وامرأة تقول منهم [رجز]‪:‬‬ ‫إِ ْن يَظْ ِف ُروا يُ َج ِّر ُدوا ِفي َنا ال ُغ َر ْل إِي ًها ِف َدا ٌء لَ ُك ُم بَ ِني ِع َج ْـل!‬ ‫‪58‬‬


‫محمد احلاج سالم‬

‫تحضض ال ّناس‪:‬‬ ‫وتقول أيضاً ّ‬ ‫إِ ْن تَ ْه ِز ُموا نُ َعانِ ْق َونَ ْف ُر ُش ال َّن َمر ِْق‬ ‫أَ ْو تُ ْه َز ُموا نُفَار ِْق ِف َر َاق غ ْ َِي َوا ِم ْق‬ ‫ويورد املرزبا ّين أنّه «ملّا كان يوم ذي قار نادت بنت القرين الشّ يبانيّة يف فرسان بني شيبان [رجز]‪:‬‬ ‫َويْهاً بَ ِني شَ ْي َبا َن َصفًّا بَ ْع َد َص ْف إِ ْن يَ ْه ِز ُموكُ ْم يَ ْص ِب ُغوا ِفي َنا ال ُقل َْف»‬ ‫الكلبي‪ :‬ملّا كان يوم التّحالق [يوم لبكر عىل تغلب من أيّام حرب البسوس]‪ ،‬أقبل ال ِف ْن ُد ال ِز َّم ِان‬ ‫وجاء يف األغاين‪ « :‬قال ابن‬ ‫ّ‬ ‫[شاعر وفارس ربيعة من بني ِز َّمان بن بكر بن وائل من الياممة] إىل بني شيبان‪ ،‬وهو شيخ كبري قد جاوز مائة سنة‪،‬‬ ‫ومعه بنتان له شيطانتان من شياطني اإلنس‪ ،‬فكشفت إحداهام َه َن َها وتجر ّدت‪ ،‬وجعلت تصيح ببني شيبان ومن معهم‬ ‫من بني بكر[ مجزوء ال ّرجز]‪:‬‬ ‫َو َعا َو َعا َو َعا َو َعا ُح َّر ال َج َوا ُد َوالْتَظَى‬ ‫َو ُملِئَ ْت ِم ْن ُه ال ُّربَا يَا َح َّبذَا يَا َح َّبـذَا‬ ‫ِالض َحى‬ ‫ال ُمل ِْحقُو َن ب ُّ‬ ‫ث ّم تج ّردت األخرى وأقبلت تقول‪:‬‬ ‫إِ ْن تُ ْق ِبلُوا نُ َعانِ ْق َونَ ْف ُر ُش ال َّن َمر ِْق‬ ‫أَ ْو ت ُ ْد ِب ُروا نُفَار ِْق ِف َر َاق غ ْ َِي َوا ِم ْق»‬ ‫وجاء يف األغاين أيضا [ج ‪ ،12‬ص ‪ ]52‬حول (يوم حرضة الوادي) بني قبيلتي دوس وبني الحارث‪ ...« :‬تحاشد الحيّان‪ ،‬ث ّم‬ ‫السبلة بناته‬ ‫رسح يف رأس الجبل‪ ،‬وأتتهم دوس‪ .‬وأنزل خالد بن ذي ّ‬ ‫أتتهم بنو الحارث ونزلوا لقتالهم‪ ،‬ووقف ضامد بن م ّ‬ ‫هن ًدا وجندل ًة وفطيم ًة ونرضةً‪ ،‬فبنني بيتًا‪ ،‬وجعلن يستقني املاء‪ ،‬ويحضضن‪ .‬وكان ال ّرجل إذا رجع فا ًّرا أعطينه مكحل ًة‬ ‫ومجم ًرا‪ ،‬وقلن‪ :‬معنا فانزل ‪ -‬أي أنّك من ال ّنساء ‪ -‬وجعلت هند بنت ٍ‬ ‫خالد تح ّرضهم وترتجز وتقول [الرجز]‪َ :‬م ْن َر ُج ٌل‬ ‫يُ َناز ُِل ال َك ِتي َب ْه فَ َذلِ ُك ْم تَ ْز ِن ِب ِه ال َحبِي َب ْه»‪.‬‬ ‫ويتضح من هذه األخبار‪ ،‬وغريها كثري بال ّ‬ ‫حض املقاتلني يف الحروب بالغناء والتع ّري الفاضح يف ساحة‬ ‫ّ‬ ‫شك‪ ،‬دور ال ّنساء يف ّ‬ ‫الحب والحرب يف كافّة أنحاء املنطقة‬ ‫املعركة يف دعوة مبارشة إىل الجنس‪ ،‬وهو ما يذكّر باملعبودة (الع ّزى‪/‬عشتار) إلهة ّ‬ ‫السوريّة‪ ،‬ص ‪ .]61‬فهل كانت بنات طارق‬ ‫العرب ّية القدمية و(س ّيدة املعارك‪ ،‬واملومس‪ ،‬وحامية املومسات) [امليثولوجيا ّ‬ ‫مومسات؟‬ ‫‪59‬‬


‫محمد احلاج سالم‬

‫مقدسات؟‬ ‫‪ -3‬بنات طارق‪ :‬بغايا ّ‬ ‫واملؤسسات‪ ،‬ص ‪ ]26‬أن أشار إىل أ ّن الكاهنات ك ّن يقمن يف‬ ‫لقد سبق للمسترشق هرني المنس [اإلسالم‪ :‬املعتقدات‬ ‫ّ‬ ‫ديني‪ ،‬كال ّرجم بالغيب بطرق الحىص والتّحريض يف الحروب‪ ،‬حيث ك ّن يصاحنب (خيمة اآللهة) أو‬ ‫(الجاهليّة) بدور ّ‬ ‫َات ِف ال ُعق َِد﴾(الفلق‪ .)4،‬وقد وردت االستعاذة من ﴿ال َنفَّاث ِ‬ ‫(الق ّبة) وإىل أنّهن املوصوفات يف القرآن بأنّه ّن ﴿ال َنفَّاث ِ‬ ‫َات ِف‬ ‫رش «الغاسق»‪ ،‬أي (نجم الرثيّا) حني ينوء عىل ما تشري التّفاسري‬ ‫ال ُعق َِد﴾ يف سورة الفلق‪ ،‬يف نفس سياق االستعاذة من ّ‬ ‫القرطبي مثال [الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬ج ‪ ،30‬ص ‪ ]352‬وفيه‪« :‬كانت العرب تقول‪ :‬الغاسق سقوط الرثيّا‪.‬‬ ‫ومنها تفسري‬ ‫ّ‬ ‫بي‪ ...‬فعن أيب‬ ‫وكانت األسقام والطّواعني تكرث عند وقوعها وترتفع عند طلوعها‪ .‬ولقائيل هذا القول علّة من أثر عن ال ّن ّ‬ ‫الغاسق»‪ ،‬وهو ما يستنتج منه أ ّن (بنات طارق‪/‬ال ّنجم‪/‬الرثيّا‪/‬‬ ‫ش غ َِاس ٍق إذَا َوق َ​َب﴾ قال‪ :‬ال ّنج ُم‬ ‫ُ‬ ‫بي ﴿ َو ِم ْن َ ِّ‬ ‫هريرة عن ال ّن ّ‬ ‫الغاسق) ك ّن املقصودات بهذه اآلية‪ ،‬وإالّ ملا كان الرتباط التع ّوذ من (ال ّنجم‪/‬الرثيّا‪/‬الغاسق) بالتع ّوذ من ﴿ال َنفَّاث ِ‬ ‫َات ِف‬ ‫أي معنى‪.‬‬ ‫ال ُعق َِد﴾ ّ‬ ‫واملؤشات األخرى؛ من قبيل اعتقاد‬ ‫وبناء عىل هذه املعطيات‪ ،‬فإنّه يجوز لنا أن نفرتض اعتام ًدا عىل القرائن املذكورة‬ ‫ّ‬ ‫يل كام يشري إليه القرآن [ال ّنحل‬ ‫العرب أ ّن ّ‬ ‫كل أنثى برشيّة هي بنت لل ّرب‪ ،‬وليس ّ‬ ‫أحق من الله ببناته يف االعتقاد الجاه ّ‬ ‫الرب)‪،‬‬ ‫‪ ،57‬ال ّزخرف ‪ ،19‬الطّور ‪ ،39‬ال ّنجم ‪]21‬؛ أ ّن عبارة (بنات طارق) قد تكون ً‬ ‫اسم ملن يعرفن عند العرب بـ(بنات ّ‬ ‫الجنيس يف ما ميكن أن نطلق‬ ‫يفس البعد‬ ‫مبعنى (بنات نجم الرثيّا) ال ّرامز للمعبودة (ال ُع َّزى‪/‬عشتار)‪ ،‬وهو ما ميكن أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخاص) به ّن حني يدعني بال مواربة إىل الوماق والعناق مه ّددات بالفراق‪.‬‬ ‫سمي‬ ‫ّ‬ ‫عليه (ال ّنشيد ال ّر ّ‬ ‫الحاضات عىل القتال‪ ،‬ودعوته ّن املبارشة إىل الجنس‪ ،‬من شأنها تقوية االفرتاض بأ ّن‬ ‫إ ّن إشارة األخبار إىل تع ّري ال ّنسوة‬ ‫ّ‬ ‫أولئك ال ّنسوة املوصوفات من قبل أيب الفرج األصبها ّين بأنّهن «من شياطني اإلنس»‪ ،‬والالّيئ تُجمع القرائن عىل أنّهن ك ّن‬ ‫كل املنطقة العرب ّية القدمية من‬ ‫ربا ك ّن نوعا من (البغايا املق ّدسات) عىل غرار ما عرفته ّ‬ ‫يتس ّمني باسم (بنات طارق)‪ّ ،‬‬ ‫الحب يف بابل]‪ ،‬وهو ما يتّفق مع ما يستخلص من سرية ابن إسحاق بشأن‬ ‫بالد ما بني ال ّنهرين إىل جبال األطلس [انظر‪ّ :‬‬ ‫عالقة البغاء يف (الجاهل ّية) باستخبار الغيب حيث يروي أ ّن «فاطمة أ ّم ال ّنعامن بن عمرو أخي بني الن ّجار وكانت من‬ ‫بغايا الجاهليّة‪ ،‬وكان لها تابع‪ ،‬فكانت تح ّدث أنّه كان إذا جاءها اقتحم البيت الذي هي فيه اقتحا ًما عىل من فيه‪ ،‬حتى‬ ‫[السرية‪،‬‬ ‫نبي بتحريم ال ّزنا» ّ‬ ‫جاءها يوما فوقع عىل الجدار ومل يصنع كام كان يصنع‪ ،‬فقالت له‪ :‬مالك اليوم؟ قال‪ :‬بعث ّ‬ ‫ص ‪ .]86‬فهذا الخرب‪ ،‬املوضوع بال ّ‬ ‫مؤسسة واحدة هي‬ ‫شك‪ ،‬دليل عىل عالقة الكهانة والبغاء‪ ،‬مبا يفهم منه تآلفهام يف ّ‬ ‫ست نسوة ما اعترب‬ ‫التي قصدها اإلسالم باملنع والتّحريم‪ ،‬وهو ما يفهم أيضا من خرب إظهار بغايا كندة وحرضموت وه ّن ّ‬ ‫«خضنب أيديه ّن ورضبن بال ّدفوف‪ ،‬فخرج إليه ّن بغايا حرضموت ففعلن كفعله ّن‪ .‬وكان اللّوايت‬ ‫بي إذ ّ‬ ‫شامتة يف موت ال ّن ّ‬ ‫الست نيّفا وعرشين امرأة‪ ...‬فكتب رجل‪ ...‬إىل أيب بكر رحمه الله [الكامل]‪:‬‬ ‫اجتمعن إىل ال ّنسوة ّ‬ ‫‪60‬‬


‫محمد احلاج سالم‬

‫أَبْلِ ْغ أَبَا بَ ْك ٍر إذَا َمـا ِجئْتَـ ُه أَ َّن ال َب َغايَا ُر ْمـ َن ك َُّـل َمـ َر ِام‬ ‫بي شَ َمت َ ًة َو َخ َّض ْبـ َن أَيْ ِديهِـ َّن بِال ُعـال َِّم‬ ‫أَظْ َه ْر َن ِم ْن َم ْو ِت ال ّن ّ‬ ‫َالبقِ أَ ْو َم َض ِف ُجفُونِ غ َ​َم ِم‬ ‫يت أَكُ َّف ُه َّن ب َِص ٍ‬ ‫فَاقْطَ ْع ُه ِد َ‬ ‫ارم ك َ ْ‬ ‫[املحب‪ ،‬صص ‪ .]184-188‬ويبدو أ ّن شوقي‬ ‫فكتب أبو بكر إىل عامله عىل كندة املهاجر بن أم ّية فأخذه ّن وقطع أيديه ّن»‬ ‫ّ‬ ‫ضيف فهم نفس ما فهمناه من هذا الخرب إذ يقول‪« :‬ويف أخبار اإلسالم األوىل ما ّ‬ ‫يدل عىل أنّه كان يلحق ببيوت األصنام‬ ‫بغايا‪ ،‬وكانوا سببا يف ثورة بحرضموت قىض عليها أم ّية بن أيب املهاجر [كذا] لعهد أيب بكر الص ّديق»‪ ،‬ث ّم يحيل عىل كتاب‬ ‫يل‪ ،‬ص ‪.]94‬‬ ‫ّ‬ ‫املحب[العرص الجاه ّ‬ ‫ديني لسادنات املعبودة الجاهل ّية‬ ‫املرصي سليامن ّ‬ ‫وقد سبق للباحث‬ ‫ّ‬ ‫متول يف مقال صدر سنة ‪ 1934‬أن أشار إىل تنظيم ّ‬ ‫متسحت‬ ‫يوضح املصدر الذي اعتمده‪ .‬يقول ّ‬ ‫(نائلة) يس ّمى (بنات نائلة)‪ ،‬إالّ أنّه مل ّ‬ ‫متول‪« :‬وكلّام ح ّجت العرب الكعبة ّ‬ ‫بالصنم املعبود إساف وطافوا من حولهام‪ ،‬وبالغت قريش يف تقديسهام فأقامت‬ ‫ومتسح ال ّرجال ّ‬ ‫ال ّنساء بالص ّنم نائلة ّ‬ ‫السامن‪ ،‬واختارت سدنتهام من مشايخها‪ ،‬وكانت بنات نائلة‬ ‫لهام منح ًرا ينحرون فيه الهدايا من ال ّنوق العتاق والشّ ياه ّ‬ ‫كل عام م ّرة يف صورة امرأة رائعة الجامل مرسلة الشّ عر‬ ‫السادنات يرسلن شعوره ّن وينتظرن ظهورها عىل قارعة ال ّنخل ّ‬ ‫ّ‬ ‫وربا كان‬ ‫يركض بها جواد أشهب‪ ،‬إىل مق ّر الكعبة‪ ،‬فإن بلغتها اختفت‪ ،‬وسمع من ّ‬ ‫الصنمني صوت القبالت املتبادلة‪ّ ،‬‬ ‫الحاج آنذاك عىل بعد ألف فرسخ من مق ّر زوجته أو أ ّمه‪ ،‬فيشعر كأنّه قد ق ّبلها وق ّبلته»‪.‬‬ ‫العر ّيب‬ ‫ّ‬

‫‪61‬‬


‫محمد احلاج سالم‬

‫عم إذا كان تنظيم (بنات نائلة) هو نفسه تنظيم (بنات طارق)‬ ‫وبقطع ال ّنظر ّ‬ ‫متول إىل ظهور اإللهة عىل‬ ‫أي تنظيم آخر باسم إحدى معبودات الجاهل ّية األخرى (الع ّزى‪ ،‬الالّت‪ ،‬مناة‪ ،)...‬فإ ّن إشارة ّ‬ ‫أو ّ‬ ‫ترسبات ال ّديانة الجاهل ّية يف واقعنا املعارص‪ ،‬إذ ال زلنا يف تونس‬ ‫قارعة ال ّنخل دون غريها من األشجار تعيدنا إىل مسألة ّ‬ ‫(عمريّات)‬ ‫(عمريّة)‪ ،‬وهو ما يعيدنا م ّرة أخرى إىل ّ‬ ‫ري) ومفردها ّ‬ ‫والجزائر مثالً‪ ،‬نطلق عىل نوع من ال ّنخل اسم ّ‬ ‫(العم ّ‬ ‫(عمريّة) وكالهام‬ ‫منطقة الخليج العر ّيب‪ ،‬مبا قد يوحي بوجود متاثل عميق بني املرأة وال ّنخلة يف متخ ّيلنا العر ّيب‪ ،‬فكالهام ّ‬ ‫للرب‪.‬‬ ‫أ ّم وحبيبة وبنت ّ‬ ‫النبي مبثل هذا يف قوله‪« :‬أكرموا ع ّمتكم ال ّنخلة»؟ [زاد املعاد‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪]366‬‬ ‫أومل يوص ّ‬ ‫وهذا موضو ٌع آخر قد نعود إليه‪.‬‬ ‫املصادر العربية‪:‬‬

‫ّلبي)‪ :‬كتاب املبتدأ واملبعث واملغازي (سرية ابن إسحاق)‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬مح ّمد حميد الله‪ ،‬معهد ال ّدراسات واألبحاث والتّعريب‪،‬‬ ‫ابن إسحاق (مح ّمد بن إسحاق بن يسار املط ّ‬ ‫ال ّرباط ‪.1976‬‬ ‫املحب‪ ،‬تحقيق‪ :‬إيلزا ليخنت شتيرت‪ ،‬مجلس دائرة املعارف العثامن ّية‪ ،‬حيدر أباد الدّكن‪ ،‬الهند ‪.1942‬‬ ‫)‪:‬‬ ‫البغدادي‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫أم‬ ‫بن‬ ‫حبيب‬ ‫بن‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫مح‬ ‫جعفر‪،‬‬ ‫(أبو‬ ‫ابن حبيب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البغدادي)‪:‬التّذكرة الحمدون ّية‪ ،‬تحقيق‪ :‬إحسان ع ّباس وبكر ع ّباس‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار صادر‪ ،‬بريوت ‪ 10 ،1996‬مجلّدات‪.‬‬ ‫ابن حمدون (أبو املعايل‪ ،‬بهاء الدّين‪ ،‬مح ّمد بن الحسن‬ ‫ّ‬ ‫السالم هارون‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار املسرية‪ ،‬بريوت ‪.1979‬‬ ‫ابن دريد (أبو بكر‪ ،‬مح ّمد بن الحسن بن دريد‬ ‫ّ‬ ‫األزدي)‪ :‬االشتقاق‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد ّ‬ ‫البرصي)‪ ،‬الطّبقات الكربى‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬مح ّمد زياد منصور‪ ،‬منشورات الجامعة اإلسالم ّية‪ ،‬املدينة املن ّورة ‪.1983‬‬ ‫منيع‬ ‫ابن سعد (أبو عبد الله‪ ،‬مح ّمد بن سعد بن‬ ‫ّ‬ ‫ابن قتيبة الدِّي َن َورِي (أبو مح ّمد‪ ،‬عبد الله بن مسلم)‪ :‬املعاين الكبري يف أبيات املعاين‪ ،‬تصحيح‪ :‬عبد ال ّرحامن بن يحيى اليامين‪ ،‬دار املعارف العثامنيّة‪ ،‬حيدر أباد الدّكن‪ ،‬الهند‪.1949 ،‬‬ ‫مؤسسة ال ّرسالة‪ ،‬بريوت ‪.1986‬‬ ‫رعي)‪ :‬زاد املعاد يف هدي خري العباد‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط وعبد القادر األرناؤوط‪ ،‬ط ‪ّ ،14‬‬ ‫ابن ق ّيم ال َجو ِزيّة (أبو عبد الله‪ ،‬مح ّمد بن أيب بكر ال ّز ّ‬ ‫مؤسسة عز الدّين للطّباعة وال ّنرش‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫يل بن الحسني بن مح ّمد)‪ :‬األغاين‪ّ ،‬‬ ‫األصبها ّين (أبو الفرج‪ ،‬ع ّ‬ ‫مؤسسة فكر لألبحاث وال ّنرش‪ ،‬بريوت ‪.1981‬‬ ‫السوريّة‪ّ ،‬‬ ‫بشّ ور (وديع)‪ :‬امليثولوجيا ّ‬ ‫البيهقي (إبراهيم بن مح ّمد)‪ :‬املحاسن واملساوئ‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت ‪.1970‬‬ ‫ّ‬ ‫الثعالبي (أبو منصور‪ ،‬عبد امللك بن مح ّمد)‪ :‬مثار القلوب يف املضاف واملنسوب‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة ‪.1985‬‬ ‫ّ‬ ‫السنة ‪ ،15‬معهد اإلمناء العر ّيب‪ ،‬بريوت ‪( ،1994‬صص‪.)90-98‬‬ ‫يل)‪ :‬طقوس الخصب عند البدو‪ :‬دراسة وصف ّية تحليل ّية‪ ،‬مجلّة الفكر العر ّيب‪ ،‬العدد ‪ّ ،77‬‬ ‫ال ّربيعو (تريك ع ّ‬ ‫يل)‪ :‬األساطري بني املعتقدات القدمية والتّوراة‪ ،‬دار الم‪ ،‬لندن ‪.1987‬‬ ‫الشّ وك (ع ّ‬ ‫يل‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة ‪.1960‬‬ ‫ضيف (شوقي)‪ :‬العرص الجاه ّ‬ ‫الطربي (أبو جعفر‪ ،‬مح ّمد بن جرير)‪ :‬تاريخ األمم وامللوك‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الكتب العلم ّية‪ ،‬بريوت ‪.198‬‬ ‫ّ‬ ‫متول (سليامن)‪ ،‬إساف ونائلة‪ ،‬مجلّة ال ّرسالة القاهريّة‪ ،‬العدد ‪ ،32‬القاهرة‪ ،‬فيفري ‪.1934‬‬ ‫ّ‬ ‫املرزبا ّين (أبو عبيد الله‪ ،‬مح ّمد بن عمران)‪ :‬أشعار ال ّنساء‪ ،‬تحقيق هالل ناجي‪ ،‬مكتبة املث ّنى‪ ،‬بغداد ‪.1976‬‬

‫املصادر األجنبية‪:‬‬

‫‪.)Bottéro (Jean), L’amour à Babylone, in : Initiation à l’orient ancien. De Sumer à la Bible, Seuil, Paris, 1992 (pp. 130-149‬‬ ‫‪.Fahd (Toufic), La divination arabe: études religieuses, sociologiques et folkloriques sur le milieu natif de l’Islam, Sindbad, Paris, 1987‬‬ ‫‪.Lammens (Henri), L’Islam: croyances et institutions, Imprimerie catholique, Beyrouth, 1943‬‬

‫نرشت يف موقع األوان بتاريخ ‪19-4-2009‬‬ ‫‪62‬‬


https://www.facebook.com/groups/136652479873391

63


‫محاججة‬ ‫(العويض\عيضة)‬

‫الغراب الحكيم‬

‫يتمتع اإلسالم بشكلٍ عام مبستوى متقدم عىل باقي األديان يف ما يتعلق باملحاججات الفلسفية‪ ،‬وذلك مفهو ٌم ومتوق ٌع‬ ‫الذهبي للدولة اإلسالمية وكتابات املعتزلة‪.‬‬ ‫ظل ما أسهم به العرص‬ ‫يف ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ومن أحد هذه املحاججات واألطروحات القدمية والحديثة يف آن معاً‪ ،‬هو ما ُيكن تسميته مبحاججة (العويض\عيضة) يف‬ ‫الرد عىل امللحدين‪ ،‬ويف الواقع أن هذه املحاججة تبدو للوهلة األوىل للقارئ غري املُطلع عىل أسس املنطق واملحاججات‬ ‫ٍ‬ ‫محاججات‬ ‫الفاسدة بأنها مقبولة وقوية‪ ،‬ولكن التطور الذي طرأ عىل علم الكالم مكَّن املتحدثني بالدين من استخدام‬ ‫معقد ٍة ومركب ٍة توهم املُطلع عليها بص ّحتها‪ ،‬عىل الرغم من كونها مجموعة من املغالطات واملحاججات الفاسدة‪.‬‬ ‫وهنا سأتطرق ألحد هذه األطروحات الشهرية التي طفت عىل السطح مع ظهور امللحدين‪ ،‬والتي غال ًبا ما تستخدم يف‬ ‫أكرث من شكلٍ ولكنها كلها تعتمد عىل نفس األساس ‪.‬‬ ‫‪64‬‬


‫محاججة‬ ‫(العويض\عيضة)‬

‫الغراب الحكيم‬

‫ال أعرف بدق ٍة ما هو أول طرح لهذه املحاججة‪ ،‬وما كانت صيغته‪ ،‬ولكني اطلعت عليها بادئ ذي بد ٍء يف مقابل ٍة‬ ‫مع الشيخ محمد العويض وبعد ذلك يف فيديو يوتيويب للشاب عيضة‪ ،‬الذي نجح بشكلٍ كبري يف استقطاب الكثري من‬ ‫املشاهدين واالنتشار بسبب خفة دمه وطريقة تقدميه املميزة‪.‬‬ ‫واملحاججة تأيت عىل الشكل التايل ‪:‬‬ ‫عندما يسأل امللحد‪ :‬من خلق الله؟‪ ،‬فإنه يقع يف مغالط ٍة فلسفي ٍة مفادها أنّه يحاكم األمور بأحكام غريها‪ ،‬فصفات الباب‬ ‫غري صفات النجار‪ ،‬وصفات الكرة مختلف ٌة عن صفات اإلنسان‪ ،‬وصفات الخالق ويف اإلطار العام‪ ،‬صفات الخالق غري‬ ‫صفات املخلوق‪ .‬وعليه فإن سؤال امللحد لهذا السؤال هو ٌ‬ ‫سؤال فاسد ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومحاججات فاسد ٍة‬ ‫مغالطات منطقي ٍة‬ ‫مبني عىل عد ِة‬ ‫وواضح‬ ‫هذا الطرح وإن بدا أنه متز ٌن‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وصحيح إال أنه باألساس ٌ‬ ‫بشكلٍ مركب وسأرشح كيف وملاذا‪...‬‬

‫أوالً‪ :‬محاججة مركبة بني اإلقتباس الخاطئ ورجل القش ‪.‬‬ ‫وهي محاججة تلجأ إىل أخذ ترصيحات الخصم خارج سياقها‪ ،‬من ثم نقدها يف سياقٍ مختلف مل يعنيه املتكلم‪ .‬مبدأيًا‬ ‫أساسا بوجود الله أو بوجود فعل مثل الخلق؛ إذ أن مثل هذا‬ ‫امللحد ال يسأل سؤاالً مثل‪ :‬من خلق الله؟ ألنه ال يعرتف ً‬ ‫أساسا بهذا املعنى أوهذا السياق‪.‬‬ ‫السؤال ال يطرحه امللحد ً‬ ‫ولكننا بالفعل كث ًريا ما نسمع أو نقرأ هذا السؤال عىل ألسنة امللحدين‪ ،‬إذًا كيف يكون هذا السؤال صاد ًرا عن ٍ‬ ‫ملحد‬ ‫أساسا بوجود الله؟‬ ‫وهو ال يعرتف ً‬ ‫ٍ‬ ‫اإلجابة هي أن امللحد يطرح هذا السؤال يف سياقٍ‬ ‫استنكاري ر ًدا عىل استخدام محاججة السببية يف‬ ‫مختلف وكسؤال‬ ‫ٍ‬ ‫إثبات وجود الله والغرض منه ليس االستفسار عن الله أو الخلق‪ ،‬بل عىل العكس‪ ،‬فإن هدفه هو إظهار العطب الكامن‬ ‫يف منطق الحجة السببية نفسها ‪.‬‬ ‫مسبب وعليه فإن املؤمن يفرتض من‬ ‫سبب‬ ‫حيث تقوم الحجة السببية بداي ًة بافرتاض أن لكل موجو ٍد موج ًدا ولكل ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫مسبب أول ال مسبب له‪ ،‬وهو الله اإلسالمي تحدي ًدا‪.‬‬ ‫قانون السببية هذا بأن هناك‬ ‫ٌ‬ ‫وهنا يقع املؤمن مبا يُعرف بـ "مغالطة السبب الزائف"‪ ،‬حيث يفرتض استنتا ًجا غري ُم ٍ‬ ‫رتبط باملقدمات السابقة له كنتيجة‬ ‫وبدون أي مربر‪.‬‬ ‫‪65‬‬


‫محاججة‬ ‫(العويض\عيضة)‬

‫الغراب الحكيم‬

‫ٍ‬ ‫مغالطات‪،‬‬ ‫مجرم للعقل واملنطق السليم‪ ،‬يأيت سؤال امللحد االستنكاري لكل ما سبق من‬ ‫وكر ٍد عىل ما سبق من‬ ‫ٍ‬ ‫تعذيب ٍ‬ ‫من خالل تطبيق نفس املنطق الذي استخدمه املؤمن يف هذا االستنتاج ليك يُريه بأن منطقه يأكل نفسه بنفسه‪ ،‬ف ُيطالب‬ ‫محرج للمؤمن كونه ال يستطيع ذلك‪ ،‬فهو إما سيضطر‬ ‫املؤمن بتطبيق هذا القانون عىل الله نفسه‪ ،‬ولكن األمر هنا‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫استثناءات‬ ‫إلنكار وجود إل ٍه أو ٍل ال سابق له أي االعرتاف بوجود تسلسلٍ تصاعدي ال نهايئ للخالقني أو أنه سيضطر لوضع‬ ‫عىل قانون السببية‪ ،‬وبالتايل إسقاط القانون الذي يكتسب قوته وقيمته من ُمطلقيته ‪.‬‬ ‫وهنا يلجأ املؤمن غال ًبا إىل افرتاض استثنائات وتربيرها بعدة طرقٍ ومنها الطريقة األكرث شيوعاً وهي أنك ال تستطيع‬ ‫ٍ‬ ‫بصفات مختلف ٍة عن املخلوق وهنا نصل إىل املغالطة املنطقية الثانية‪.‬‬ ‫تطبيق قانون السببية عىل الله ألنه يتمتع‬

‫ثان ًيا‪ :‬ال يجوز محاكمة األمور بأحكام غريها‪ ،‬إال إذا أردنا ذلك!‬ ‫أو مغالطة التعميم الفاسد‬ ‫يتناىس املؤمن أن هذه املحاججة باألساس‪ ،‬وإن كانت صحيح ًة بالفعل‪ ،‬إال أنه يقوم باستخدامها نفسها كأساس الفرتاض‬ ‫وجود اإلله يف البداية؛ إذ أننا نتفق عىل أنه ال يجوز ومن غري السليم محاكمة األمور بأحكام غريها‪ ،‬ولكن أليست هذه‬ ‫املحاكمة الفاسدة هي التي افرتض بها املؤمن وجود اإلله من أساسه؟‬ ‫دو ًما يتكرر مثال النجار والباب‪ ،‬وسأقوم باستخدامه‬ ‫للتوضيح؛ حيث أنّه ال يجوز محاكمة النجار (الصانع)‬ ‫بأحكام الباب (املصنوع) وال ميكن محاكمة الباب بأحكام‬ ‫النجار؛ فالنجار يأكل ويتكلم ويتنفس‪ ،‬ولكن الباب ال يفعل‬ ‫ذلك أي أن صفاته غري صفات صانعه وهذا ال خالف عليه‪،‬‬ ‫ولكن صفة (الحاجة إىل صانع) التي يتمتع بها الباب تكون‬ ‫خاصة بالباب فقط وال يجوز تعميمها عىل النجار‪ ،‬وبالتايل‬ ‫استنتاج حاجة النجار إىل صانع‪.‬‬ ‫ومام سبق‪ ،‬فإ ّن الباب يحتاج إىل نجارٍ‪ ،‬ولكن النجار ال‬ ‫يحتاج بالرضورة إىل خالق‪ ،‬ألن يف هذا تعميم لصفات الباب‬ ‫عىل النجار‪ ،‬ومحاكم ٌة للنجار بأحكام الباب‪ ،‬وبالتايل افرتاض‬ ‫وجود صانع وخالق للنجار اعتام ًدا عىل حاجة الباب إىل‬ ‫صانع‪ ،‬ومن ثم الوصول لفكرة افرتاض وجود اإلله ‪.‬‬ ‫‪66‬‬


‫روابط قراءة المجلة مباشرة أون الين‬

http://issuu.com/i-think-magazine http://www.box.com/s/zhvvajbeglqpq2enaqzp

‫روابط التحميل‬

http://www.mediafire.com/?odd3nd897q2ne http://www.box.com/s/zhvvajbeglqpq2enaqzp http://issuu.com/i-think-magazine

:‫صفحة المجلة على الفيسبووك‬

https://www.facebook.com/I.Think.Magazine

‫مدونة أنا أفكر‬

http://i-think-magazine.blogspot.com

67


‫الدفني‬ ‫رس ّ‬ ‫ال ّ‬

‫اإلنسان خلق الله وليس العكس‬

‫هل يوجد‬ ‫دي ٌن ال يرتبط‬ ‫باألموال؟ ملاذا‬ ‫رجال الدين هم‬ ‫فقط من الرجال؟‬ ‫هل هو دفا ٌع عن‬ ‫الدين أم عن الوظيفة؟‬ ‫ما عالقة استقرار البرش‬ ‫مبيالد الدين؟ والكثري من‬ ‫النقاط واألسئلة املش ّوقة‬ ‫التي سأحاول تناولها واإلجابة‬ ‫عنها‪ ،‬فلتدعوين أصطحب أعزايئ‬ ‫القراء هنيه ًة‪..‬تحيايت‪.‬‬

‫‪Leo Atheo‬‬ ‫‪68‬‬


‫الرس الدفني‬

‫اإلنسان خلق الله وليس العكس‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫حمزة الكاشغري‪ ،‬جابر املجري‪ ،‬رائف بدوي‪ ،‬عبد العزيز البازو‪ ...‬والكثري الكثري من األسامء التي ال يسعني ذكرها كلها‪،‬‬ ‫من املؤكد أنكم مررتم عىل األقل بأحدها من قبل‪ ،‬تطالعون هذه الكلامت وأنا متأكدٌ أنكم تشاطروين نفس األفكار‪.‬‬ ‫كائنات‬ ‫ٌ‬ ‫كوكب ما بإمكانية الوصول إىل أطراف مج ّرة درب التبانة‪ ،‬بينام تتف ّنن‬ ‫كائنات عىل‬ ‫ٌ‬ ‫يا لسخرية القدر‪ ،‬أن تفكر‬ ‫ٍ‬ ‫بأناس كل ما فعلوه أنّهم أبدوا رأيهم‬ ‫من نفس الجنس يف الجهة األخرى من هذا الكوكب الحزين يف التعذيب والتنكيل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫شخص عاش منذ أربعة عرش قرنًا‪ .‬دعونا نتعمق أكرث‪..‬‬ ‫بشأن‬

‫حرية التفكري ليس لها حدود‬

‫هنالك فكر ٌة ال يزال أذىك األذكياء –يف مجمعاتنا ذات الغالبية املسلمة‪ -‬غري قادرين عىل استيعابها‪ ،‬عىل ال ّرغم من‬ ‫حصولهم عىل أعىل الشهادات من أرقى الجامعات يف العامل وهي أنّه ال يوجد حدو ٌد لحرية التفكري وبالتبعية حرية‬ ‫كنت أفكر عىل سبيل املثال أنه ال وجود لله‪ ،‬ها أنا فكرت وانتهيت من التفكري يف هذه الفكرة‪ .‬لو كان‬ ‫التعبري‪ .‬إذا ُ‬ ‫وبأي‬ ‫هنالك حدو ٌد طبيعي ٌة لهذا التفكري ملا استطعت أن أفكر هكذا منذ البداية‪ .‬ثان ًيا‪ ،‬ملاذا الحدود أصالً ومن يضعها ّ‬ ‫صفة؟ الكنيسة وضعت قيو ًدا للتفكري يف العصور الوسطى ومنعت أيًّا كان من أن يفكر أنّ األرض ليست مركز الكون‪،‬‬ ‫هل جعل ذلك الشمس تدور حول األرض؟‬ ‫حجب األفكار عىل م ّر العصور كان الهدف األول واألخري منه اإلبقاء عىل من هو يف السلطة‪ .‬الكنيسة حجبت األفكار‬ ‫ألن هذه األفكار سوف تسلبها سلطتها اإللهية بالتدريج‪ .‬نفس اليشء بالنسبة لعاملنا اإلسالمي‪ .‬تخيل الوضع لو أنّ‬ ‫جميع املسلمني بقدرة قاد ٍر تحولوا إىل مالحدة‪ .‬ماذا ستكون فائدة بن باز أو خامنئي أو محمد الطبطبايئ؟ جميعهم‬ ‫سيكونوا بال عمل ألنهم ال ميتلكون مهار ٍ‬ ‫ات سوى مضغ وعلك الرتاث يف الصاعدة والنازلة‪ .‬لذلك من مصلحتهم هم‬ ‫(وليس أنت يا أبا قتيبة) أن يحجبوا فكري وفكر غريي عن العامة ألنهم يعلمون لو اقتنعت العامة مبا نقول لفقدوا‬ ‫وظائفهم ورزقهم وسلطتهم ومكانتهم االجتامعية‪ .‬وهذا يقودين إىل موضوع اليوم‪ ،‬الدين يف الحياة العامة‪.‬‬

‫هل هو دفا ٌع عن الدين أم عن الوظيفة؟‬

‫هرمي للسلطة‪ ،‬فالديانة البوذية فيها الدايالي الما عىل رأس‬ ‫جميع األديان بال استثناء تحتوي بشكلٍ أو بآخر عىل بنا ٍء‬ ‫ٍّ‬ ‫السلطة‪ ،‬والكاثوليكية فيها البابا عىل رأس الفاتيكان‪ ،‬والشيعة لديهم سادتهم وعامماتهم امللونة باألبيض واألسود‬ ‫واألخرض ولكل لونٍ سلطته و مزاياه‪ .‬لكن ليس كل األديان فيها هذا الوضوح يف تحديد الهيكل التنظيمي‪ ،‬فالسنة‬ ‫وزج مسواكًا يف فمه وظهر يف الفضائيات أصبح مرج ًعا‬ ‫عىل سبيل املثال ليس لديهم‬ ‫مرجع واحدٌ فكل من أطال لحيته ّ‬ ‫ٌ‬ ‫لديهم‪.‬‬

‫‪69‬‬


‫الرس الدفني‬

‫اإلنسان خلق الله وليس العكس‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫املهم هنا‪ ،‬من املستفيد األول يف استمرار األديان‪ ،‬هل هو الفرد املتدين أم املرجع املهيمن؟ إذا فقد اإلنسان‬ ‫لك ّن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لشخص واح ٍد فقط ال غري‪ .‬وإذا كان هذا اإلنسان‬ ‫العادي دينه فلن يحصل يش ٌء لغريه‪ ،‬فكل ما حصل هو تغيريٌ يف الرأي‬ ‫مهندس طريان‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬فلن يفقد مهاراته الهندسية فجأ ًة ألنه أصبح ملحدً ا‪ .‬حاول أن تط ّبق نفس الفكرة‬ ‫عىل املأل أو السيد أو الحاخام أو الدايالي الما‪ ،‬هل ستكون النتيجة مامثل ًة؟ بالطبع ال‪ ،‬اإللحاد بالنسبة لهؤالء يعني‬ ‫فقدان الوظيفة والرزق واملكانة والسطوة‪ .‬لذلك من مصلحتهم تذكري العامة بدينهم وتخويفهم وإرهابهم إذا ما فكروا‬ ‫باالبتعاد عنه‪ ،‬ليس محب ًة بهم ‪ ،‬بل خو ًفا من طوابري العاطلني عن العمل‪.‬‬

‫هل يوجد دي ٌن ال يرتبط باألموال؟‬

‫باستثناء بعض الناسكني يف جبال الهيماليا فإن جميع‬ ‫رجال الدين يستفيدون مال ًيا من دينهم‪ .‬هناك‬ ‫استفاد ٌة لنقل "رشعية"‪ ،‬كأن يتلقى ًمؤ ّذنٌ رات ًبا من‬ ‫وزارة األوقاف لقاء رصاخه خمس مر ٍ‬ ‫ات يف اليوم‪،‬‬ ‫وهناك استفاد ٌة شبه رشعية كأن يقبض عمرو خالد‬ ‫املقسوم لقاء إذابته قلوب العذارى من املسلامت‬ ‫العفيفات ممن يحرضن أو يشاهدن برامجه الدينية‪.‬‬ ‫وهناك رسق ٌة و"حرمنة" عىل املكشوف مثل قصة‬ ‫املحاسب الذي لطش آالف الدنانري من أحد جمعيات‬ ‫النصب اإلسالمية‪ .‬بالنهاية‪ ،‬هناك ٌ‬ ‫أموال وراء األديان‬ ‫وهذه األموال يا عبد يا مؤمن ستخرج من جيبك‬ ‫وتدخل جيب رجل الدين الذي سيضمن لك باملقابل‬ ‫حسن الخامتة وأنت مثل األهبل تصدقه ومتنحه أمواالً‬ ‫كان من األجدر بك أن تنفقها عىل تعليم أبنائك‪.‬‬

‫ملاذا رجال الدين هم فقط من الرجال؟‬

‫نفسا عميقًا وقلّب هذه الفكرة برأسك لثوانٍ ‪ :‬كم دي ًنا يف الكرة األرضية يضع املرأة عىل قمة هيكله التنظيمي؟‬ ‫خذ ً‬ ‫الجواب‪ :‬صفر‪ .‬نعم صفر! ال يوجد وال دي ٌن واحدٌ يضع املرأة يف القمة‪ .‬صدفة؟ سؤال ثاين‪ :‬ملاذا الله ذكر؟ يقولون لك‬ ‫الله ليس ذكر وال أنثى ومل يلد ومل يولد بال بال بال‪ .‬طيب يف هذه الحالة ملاذا نقول عبد الرحمن وليس عبد الرحامنة‬ ‫أي يش ٍء آخر؟ ملاذا ضم ٌري ذكري؟ سأجيبكم من اآلخر "عىل رأي إخواننا املرصيني"‪ ،‬السبب هو أنّ الرجال هم من‬ ‫أو ّ‬ ‫مشغوالت بالوضع والطبخ والنفخ يف الكهوف والحقٌا الخيام والبيوت‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫اخرتع الدين بينام النساء‬ ‫‪70‬‬


‫الرس الدفني‬

‫اإلنسان خلق الله وليس العكس‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫مجتمعات‬ ‫ٌ‬ ‫يصنف علامء األنرثوبولوجي املجتمعات البرشية بأنهم "صيادين جامعني" (‪ )hunters-gatherers‬أي أنّها‬ ‫تقوم عىل صيد الحيوانات وتجميع نتاج املزروعات ألكلها‪ .‬من يقوم بالصيد هم عاد ًة الذكور ومن يقوم بالتجميع ه ّن‬ ‫ٍ‬ ‫مساحات شاسع ٍة جريًا وراء الطرائد‪ ،‬بينام التجميع يتطلب البقاء يف مناطق معين ٍة‬ ‫اإلناث‪ .‬الصيد يتطلب االنتشار عىل‬ ‫هرمي‪،‬‬ ‫تنظيمي‬ ‫لجمع املحاصيل‪ .‬يقول األنرثوبولوجي ريتشارد يل أنّ هذه األنواع من املجتمعات ال يوجد فيها بنا ٌء‬ ‫ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫أي ال يوجد قائدٌ أو مرجعي ٌة معين ٌة ألنها تعيش عىل ما هو متواجدٌ عىل األرض وال متتلك موار ًدا أو فوائضً ا‪ .‬هذا كان‬ ‫حال البرش وأسالفهم ملليوين عام‪.‬‬ ‫عندما تح ّول البرش إىل الزراعة‬ ‫ظهرت نزعة االستقرار املكاين وهنا‬ ‫تنظيم هرمي‪.‬‬ ‫برزت الحاجة إىل‬ ‫ٍ‬ ‫اآلن أصبح لدى البرش ملكي ٌة‬ ‫وموارد وأموال‪ ،‬برزت القرى‬ ‫وبقية أشكال التجمعات السكانية‬ ‫وبرزت معها الحاجة إىل التنظيم‬ ‫وفض النزاعات‪..‬الخ‪ .‬كون الذكور‬ ‫ّ‬ ‫أقوى جسد ًيا من النساء ألنهم‬ ‫"صيادون"‪ ،‬جين ًّيا أعطاهم ميزة‬ ‫فض النزاع بالقوة‪.‬‬ ‫القدرة عىل ّ‬ ‫هنا نشأت بذرة الدين‪ .‬القوة‬ ‫بدون تحكّم تخلق الفوىض‪ ،‬إذن‬ ‫أي أساس؟‬ ‫من ينظّم القوة وعىل ّ‬ ‫من ميلك "الرشعية" ليقول لهذا‬ ‫أو ذاك "توقف" أو "استمر" أو‬ ‫غي مجراك؟ يف املجتمعات القبلية‬ ‫ّ‬ ‫هذه وظيفة شيخ القبيلة لكن‬ ‫ماذا عن املجتمعات املستقرة؟‬ ‫هنا خرج لنا فهلوية الدين الذين‬ ‫يسمعون أصوات تناديهم وأشبا ًحا‬ ‫تخاطبهم ال يراها أحدٌ سواهم‪.‬‬ ‫‪71‬‬


‫الرس الدفني‬

‫اإلنسان خلق الله وليس العكس‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫االستقرار وميالد الدين‬

‫يف هذه املرحلة تخرجت البرشية من مرحلة الصيد والتجميع ومنطق القوة البحتة إىل مرحلة االستقرار والتنظيم‬ ‫عن طريق الخرافة‪ .‬الحظ‪ ،‬اإلنسان يف مرحل ٍة حرج ٍة هنا‪ ،‬إذ أنّه ميتلك العقل لكنه مل يصل إىل درجة العلم املقنن‪.‬‬ ‫علم سيتحول طبيع ًيا إىل األقاويل والخرافات‪ ،‬إنها الطبيعة ومبدأ ملئ الفراغ‪ ،‬لذلك ليس من املستغرب‬ ‫والعقل بدون ٍ‬ ‫أنّ جميع األديان املوجودة حال ًيا ظهرت يف فرت ٍ‬ ‫ات متقارب ٍة وهي فرتة تحول اإلنسان إىل االستقرار وقبيل توصله‬ ‫إىل العلوم الطبيعية‪ .‬هذه املرحلة هي العرص الذهبي للفهلوية ومسانديهم الطموحني يف االستحواذ عىل السلطة‪.‬‬ ‫فانترشت املسيحية يف أوروبا واإلسالم يف صحراء العرب وهاتان الديانتان بالتحديد اعتمدتا عىل الغلَبة العسكرية لنرش‬ ‫يفس أنهام اليوم رقم واحد واثنني يف العامل‪.‬‬ ‫معتقداتهام وهو ما ّ‬

‫‪http://www.youtube.com/user/fiberoty?feature=watch‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/theblackducks‬‬ ‫‪https://twitter.com/eskandarany‬‬ ‫برنامج حواري عىل اليوتيوب تدعم بعض حلقاته رشكة‬ ‫‪ ، Google‬يهدف بالدرجة األوىل إىل إجراء الحوار مع‬ ‫امللحديني والالدينيني املرصيني ‪ ،‬واملتحدثني منهم للغة‬ ‫العربية من ُمجتمعاتنا يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا ‪،‬‬ ‫فكرة وتنفيذ اسامعيل محمد‬ ‫‪72‬‬


‫االنحياز اإلدرايك‬ ‫وعرقلة ال ّتفكري العقالين‬

‫البرشي‬ ‫ال شك أن الدماغ‬ ‫ّ‬ ‫قاد ٌر عىل إنجاز ما يزيد عىل‬ ‫‪( 16^10‬عرشة ماليني مليون) عملي ٍة‬ ‫حسابي ٍة يف الثانية الواحدة عىل األقل(‪،)1‬‬ ‫مام يجعله متفو ًقاً بشكلٍ كبريٍ عىل أي جهاز‬ ‫حاسوب عىل اإلطالق؛ ولكن هذا ال يعني أن‬ ‫ٍ‬ ‫أدمغتنا خالي ٌة من العيوب واملُحددات التي تقلّل‬ ‫حددات؟‬ ‫من كفاءتها‪ ،‬فام هي هذه العيوب وامل ُ ّ‬ ‫‪retina.comment.html/ch3/http://www.frc.ri.cmu.edu/~hpm/book97 -1‬‬

‫‪73‬‬

‫‪Abdullah Hussein‬‬


‫االنحياز اإلدرايك‬ ‫وعرقلة ال ّتفكري العقالين‬

‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫ميكن آلل ٍة حاسب ٍة متواضعة التعقيد حل املسائل الرياضية أفضل بآالف املرات م ّنا‪ ،‬كام أن ذاكرتنا غال ًبا ما تكون‬ ‫أقل أدا ًء مام نتوقع مام يجعل م ّنا ره ًنا لالنحيازات اإلدراكية‪ ،‬كام أن تلك األخطاء تعرقل تفكرينا وتنتهي بنا التخاذ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قرار ٍ‬ ‫استنتاجات خاطئة؛ إذ أنّ هناك العرشات من أنواع االنحياز‬ ‫مشكوك يف صحتها‪ ،‬كام تدفعنا للتوصل إىل‬ ‫ات‬ ‫اإلدرايك‪ ،‬وسنقدم لكم بعضً ا من األنواع األكرث شيو ًعا والتي لرمبا تحتاجون إىل معرفتها‪.‬‬ ‫قبل أن نبدأ‪ ،‬من املهم التمييز بني االنحياز اإلدرايك ‪ Cognitive Bias‬واملغالطة املنطقية‪Logical Fallacy‬‬ ‫‪ ،‬فاملغالطة املنطقية هي الخطأ يف بناء الحجج املنطقية‪ ،‬ومن أنواعها‪ ،‬الشخصنة ‪Ad Hominems Attacks‬‬ ‫الزلق ‪ ،)2( Slippery Slops‬واالستدالل الدائري ‪ ،)3( Circular Reasoning‬والتوسل بالقوة‬ ‫‪ ،‬واملنحدر ٍ‬ ‫حقيقي أو قيو ٌد يف تفكرينا‪ ،‬أي أنها تعترب‬ ‫نقص‬ ‫‪ ،)4( Argumentum Ad Baculum‬الخ؛ أما االنحياز اإلدرايك فهو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫خلالً يف الحكم الذي ينشأ من أخطاء الذاكرة‪ ،‬أو اإلسناد االجتامعي‪ ،‬أو الحسابات الخاطئة‪ ،‬مثل األخطاء اإلحصائية‬ ‫أو الشعور الزائف باحتامل أمر ما‪.‬‬ ‫يك قد يساعدنا يف التعامل مع املعلومات بصور ٍة أكرث كفاءة‪،‬‬ ‫يعتقد بعض علامء النفس‬ ‫االجتامعي بأن االنحياز اإلدرا ّ‬ ‫ّ‬ ‫وخاصة يف الحاالت الخطرة‪ ،‬ولكنها غال ًبا ما تقودنا الرتكاب أخطاء جسيمة؛ إذ قد نكون عرض ًة ملثل هذه األخطاء‬ ‫يف إصدار األحكام‪ ،‬وبالرغم من ذلك‪ ،‬علينا أن نكون عىل دراي ٍة بأنواع االنحياز اإلدرايك عىل األقل وأن نأخذها بعني‬ ‫االعتبار‪.‬‬

‫االنحياز التأكيدي (انحياز املوافقة)‬ ‫‪Confirmation Bias‬‬

‫غال ًبا ما نحب االتفاق مع الناس الذين يتفقون معنا‪ ،‬ومن املظاهر‬ ‫التي تدل عىل ذلك هو أننا نرغب بزيارة املواقع اإللكرتونية التي‬ ‫تعرب عن اآلراء السياسية أو الفكرية التي نتفق معها‪ ،‬كام أننا‬ ‫يف الغالب نحب التواجد مع األشخاص الذين يحملون وجهات‬ ‫نظ ٍر وأذوا ًقا مشابه ًة لتلك التي لدينا؛ ويرتتب عىل ذلك أننا منيل‬ ‫إىل االبتعاد عن األفراد والجامعات ومصادر األخبار التي تفقدنا‬ ‫الشعور باالرتياح واألمان حول وجهات النظر الخاصة بنا‪.‬‬ ‫‪" -2‬وتسمى أيضً ا مبغالطة أنف الجمل‪ ،‬وهي االعتقاد بأن فعالً ما‪ ،‬سوف يجر وراءه سلسلة محتومة من العواقب التي تنتهي بنتيجة كارثية‪ — ".‬املغالطات املنطقية‪ ،‬عادل‬ ‫مصطفى‬ ‫‪http://www.iep.utm.edu/fallacy/#CircularReasoning -3‬‬ ‫‪http://www.fallacyfiles.org/adbacula.html -4‬‬

‫‪74‬‬


‫االنحياز اإلدرايك‬ ‫وعرقلة ال ّتفكري العقالين‬

‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫يسمي عامل النفس السلويك بوروس فريدريك سكيرن ‪ B. F. Skinner‬هذه الظاهرة بالتنافر اإلدرايك‬ ‫‪ ،)5( Cognitive Dissonance‬حيث ميكن اعتبارها سلوكًا تفضيل ًيا يقودنا إىل االنحياز التأكيدي‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫فعل ال واعٍ‬ ‫يدفعنا إىل االعتداد بوجهات النظر التي تغذي وجهات النظر املوجودة لدينا مسبقًا؛ ويرتتب عىل هذا الفعل رفض‬ ‫وتجاهل اآلراء األخرى مهام كانت صحيحة‪ ،‬وذلك ألنها تخالف نظرتنا إىل العامل‪ ،‬ومن املفارقة أن االنرتنت قد زاد‬ ‫من مظاهر هذا االنحياز‪.‬‬

‫االنحياز الجمعي ‪Ingroup Bias‬‬

‫يشبه االنحياز الجمعي االنحياز التأكيدي إىل‬ ‫ح ٍد كبري‪ ،‬حيث يُعد مظه ًرا من مظاهر النزعات‬ ‫القبلية الفطرية‪ ،‬والغريب يف األمر أن الكثري من‬ ‫هذا االنحياز له عالقة بهرمون األوكسيتوسني الذي‬ ‫يسمى أيضً ا بـ "جزيء الحب"؛ حيث أن هذا‬ ‫الناقل العصبي يساعدنا عىل إقامة روابط أكرث قوة‬ ‫مع الناس يف جامعتنا‪ ،‬ولكنه يعطي تأثريًا عكس ًيا‬ ‫بالنسبة لعالقتنا مع الغرباء (‪ ،)6‬إذ أنه يجعلنا‬ ‫مشككني فيهم‪ ،‬ومرتابني منهم حتى أن األمر قد‬ ‫يصل بنا إىل ازدراء اآلخرين ورفضهم(‪)7‬؛ كام ان‬ ‫االنحياز الجمعي قد يجعلنا نبالغ يف تقدير قيمة‬ ‫مجموعتنا عىل حساب اآلخرين‪.‬‬

‫مغالطة املقامر ‪Gambler's Fallacy‬‬

‫بالرغم من أنها تدعى مغالطة‪ ،‬لكنها أقرب إىل نو ٍع من الخلل يف طريقة تفكرينا؛ حيث أننا منيل إىل االعتامد عىل‬ ‫ٍ‬ ‫وكمثال كالسييك عىل هذا االنحياز اإلدرايك‪ ،‬دعونا نأخد‬ ‫األحداث السابقة يف توقع خط سري األحداث املستقبلية‪،‬‬ ‫عملية رمي العملة النقدية‪ ،‬فإذا قمنا برمي العملة يف الهواء خمس مرات متتالية‪ ،‬ثم كانت النتيجة "صورة" يف‬ ‫كل املحاوالت الخمس‪ ،‬فسيتكون لدينا نزعة للتنبؤ بزيادة يف احتامل أن املحاولة السادسة ستفيض إىل ظهور‬ ‫"كتابة"‪ ،‬هذا مع أن االحتامالت يجب أن تكون بالتأكيد يف صالح نتيجة "صورة"؛ ولكن يف الواقع أن االحتامالت‬ ‫ال تزال ‪ ،50/50‬وهذا ما يؤكده علم اإلحصاء‪ ،‬ألن كل تجربة رمي للعملة هي تجربة مستقلة عن التجربة السابقة‬ ‫واألحتامل ال يزال ‪ %50‬لكال وجهي العملة‪.‬‬ ‫‪http://www.simplypsychology.org/cognitive-dissonance.html -5‬‬ ‫‪short.1408/5984/328/http://www.sciencemag.org/content -6‬‬ ‫‪shor.1262/4/108/http://www.pnas.org/content -7‬‬

‫‪75‬‬


‫االنحياز اإلدرايك‬ ‫وعرقلة ال ّتفكري العقالين‬

‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫ومن الجدير بالذكر‪ ،‬أن هناك أيضً ا انحيازًا مشاب ًها يدعى انحيار التوقعات اإليجابية‪ ،‬والذي غال ًبا ما يغذي لدينا‬ ‫إدمان املقامرة (‪)8‬؛ حيث يت ّولد لدينا شعو ٌر بأن حظنا البد أن يتغري يف نهاية املطاف‪ ،‬وأن الحظ الجيد لرمبا يقف‬ ‫عىل عتبة الباب‪ ،‬كام أن لهذا الشعور عالقة مبغالطة "اليد الساخنة"‪ ،‬ومن األمثلة عىل هذا االعتقاد الخاطئ أن‬ ‫العالقة العاطفية الجديدة ستكون أفضل من التي سبقتها‪.‬‬

‫تربير ما بعد الرشاء ‪Post-Purchase Rationalization‬‬ ‫هل تذكرون أنكم اشرتيتم يو ًما شي ًئا ال لزوم له عىل اإلطالق‬ ‫أو شي ًئا ملي ًئا بالعيوب أو حتى شي ًئا ٍ‬ ‫غال بشكلٍ كبري‪ ،‬ومن ثَ َّم‬ ‫أقنعتم أنفسكم بأن عملية الرشاء كانت صفقة رابحة جدً ا؟‬ ‫نعم! وهذا ما يسمى تربير ما بعد الرشاء‪ ،‬وهو نوع من االنحياز‬ ‫ألنفسنا الذي يجعلنا نشعر باالرتياح بعد اتخاذ قرار ٍ‬ ‫ات غبية‪،‬‬ ‫وخاص ًة لحظة الدفع عند أمني الصندوق؛ حيث تُعرف هذه‬ ‫الظاهرة أيضً ا باسم متالزمة ستوكهومل الرشائية‪ ،‬حيث أنها وسيلة‬ ‫ال شعورية لتربير مشرتياتنا‪ ،‬وخاصة املكلفة منها‪ ،‬ويقول علامء‬ ‫النفس االجتامعي أن هذه املتالزمة تنطلق من مبدأ االلتزام؛ أي‬ ‫أنها رغبة نفسية للبقاء يف حالة من التوافق مع الذات وتجنب‬ ‫حالة من التنافر الذايت اإلدرايك(‪)9‬‬

‫إهامل االحتاملية ‪Neglecting Probability‬‬

‫إن عد ًدا ً‬ ‫قليل جدً ا منا لديهم تخ ّوف من ركوب السيارة والذهاب بجول ٍة فيها‪ ،‬ولكن الكثري منا يشعرون بالخوف‬ ‫العظيم يف التنقل عن طريق الطائرة التجارية التي تطري عىل ارتفاع ‪ 35‬ألف قدم؛ فمن الواضح متا ًما أنّ السفر‬ ‫طبيعي بل وشديد الخطورة‪ ،‬لكن الغالبي َة م ّنا يعلمون أنّ احتامل الوفاة يف حادث سيارة أكرب‬ ‫عمل غري‬ ‫بالطائرة ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫بكثري من الوفاة يف حادث تحطم طائرة؛ إحصائ ًيا‪ ،‬ميوت شخص واحد من كل ‪ 84‬شخص يف حوادث املركبات‪ ،‬بينام‬ ‫شخصا‬ ‫ميوت شخص من بني خمسة اآلف شخص يف حوادث الطائرات (‪ ،)10‬كام أن هناك مصاد ًرا أخرى تشري إىل أن ً‬ ‫واحدً ا ميوت من بني ‪ 20‬ألفًا (‪ )11‬يف حوادث الطائرات‪ ،‬ويشابه هذا النوع من االنحياز طريقة تفكرينا يف االحتامالت‬ ‫التي نقلق كثريًا بشأنها مثل تع ّرضنا للقتل يف األعامل اإلرهابية وعدم القلق من يشء أكرث احتامالً بكثري‪ ،‬مثل‬ ‫السقوط عىل الدرج أو التسمم الغذايئ العريض‪.‬‬ ‫‪htm.jdm06001/06001/http://www.sas.upenn.edu/~baron/journal -8‬‬ ‫‪21103476753913=sid&4=uid&2=uid&3738320=uid?3150288/10.2307/http://www.jstor.org/discover -9‬‬ ‫‪0=how-scared-should-we-be/?_php=true&_type=blogs&_r/31/10/2007/http://well.blogs.nytimes.com -10‬‬ ‫‪odds-dying.htm-3780/http://www.livescience.com -11‬‬

‫‪76‬‬


‫االنحياز اإلدرايك‬ ‫وعرقلة ال ّتفكري العقالين‬

‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫هذا ما يسميه عامل النفس االجتامعي كاس صنستاين ‪ Cass Sunstein‬بإهامل االحتامل – أي عدم قدرتنا عىل‬ ‫الفهم الصحيح ملعنى الخطر واملخاطرة – وهو غال ًبا ما يؤدي بنا إىل املبالغة يف التخوف من األنشطة غري املؤذية‬ ‫نسب ًيا‪ ،‬يف حني يجربنا عىل القيام بأكرث منها خطورة‪.‬‬

‫انحياز االنتقاء ال ّرصدي ‪Observational Selection Bias‬‬

‫إن االنحياز االنتقايئ الرصدي هو التأثري الذي يظهر لدنيا فجأ ًة عندما نبدأ مبالحظة وجود يش ٍء معني أكرث من ذي‬ ‫قبل‪ ،‬لكننا نفرتض أن ظهور هذا اليشء قد ازداد‪ ،‬وخري مثال هو ما يحدث لنا بعد أن رشاء سيارة جديدة؛ إذ نبدأ‬ ‫لسبب غري مفهوم برؤية نفس نوع السيارة يف كل مكان تقري ًبا‪ ،‬وهناك أيضً ا تأثري مامثل يحدث للنساء الحوامل‬ ‫رقم فري ٍد أو أغني ٍة‬ ‫اللوايت يبدأن مبالحظة وجود الكثري من النساء الحوامل من حولهن‪ ،‬كام ينطبق هذا االنحياز عىل ٍ‬ ‫معين ٍة‪ ،‬لكن يف حقيقة األمر أنّ تلك األشياء ال تظهر بشكل متكرر‪ ،‬إذ أننا قمنا لسبب ما بتحديد ذاك اليشء يف‬ ‫أذهاننا‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬الحظنا ذلك بشكل أكرب‪.‬‬ ‫إن هذا االنحياز سببه أنّ معظم الناس ال مييزونه عىل أنه انحياز انتقايئ‪ ،‬بل يعتقدون فعالً بأن تردد ظهور هذه‬ ‫العنارص أو األحداث يزداد‪ ،‬وهو ما قد يكون شعو ًرا مقلقًا جدً ا؛ إذ أنّ هذا النوع االنحياز اإلدرايك يساهم يف تصاعد‬ ‫الشعور بأن ظهور أشياء أو أحداث معينة بشكل متزايد ال ميكن ان يكون مجرد مصادف ٍة عىل الرغم من أنه مصادف ٌة‬ ‫فعالً‪.‬‬

‫انحياز الوضع الراهن ‪Status-Quo Bias‬‬

‫مييل الناس إىل التخوف من التغيري‪ ،‬وهذا ما يقودنا‬ ‫غال ًبا إىل تفضيل الخيارات التي تضمن بقاء األمورعىل‬ ‫شك‬ ‫حالها أو اختيار التغيري بأقل قد ٍر ممكن‪ ،‬ومام ال َّ‬ ‫فيه هذا النوع من االنحياز له مظاه ٌر كثري ٌة يف كل يش ٍء‬ ‫من السياسة إىل االقتصاد؛ إذ أننا نود التمسك بالروتني‬ ‫اليومي‪ ،‬واألحزاب السياسية‪ ،‬والوجبات املفضلة لدينا يف‬ ‫املطاعم‪ ،‬لك ّن الجزء السلبي التدمريي من هذا االنحياز‬ ‫اض غري مربر؛ إذ أنه يجعل من الخيارات األخرى‬ ‫هو افرت ٌ‬ ‫أقل شأنًا ويجعلنا ننظر إليها عىل أنها خيارات خاطئة‬ ‫بالرضورة‪ ،‬كام ميكن تلخيص انحياز الوضع الراهن بعبارة‪:‬‬ ‫"إن كان هذا اليشء يعمل‪ ،‬فال داعٍ إلصالحه"‪.‬‬ ‫‪77‬‬


‫االنحياز اإلدرايك‬ ‫وعرقلة ال ّتفكري العقالين‬

‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫انحياز التفكري السلبي ‪Negativity Bias‬‬

‫مييل الناس إىل إيالء الكثري من االهتامم لألخبار السيئة‪ ،‬وليس ذلك ملجرد أننا مهووسون؛ إذ أن لدى علامء االجتامع‬ ‫نظريات تقول بأننا نختار أن ننظر لألخبار السلبية عىل أنها أكرث أهمية‪ ،‬وذلك بسبب رغبتنا يف االنتقاء السلبي‪ ،‬كام‬ ‫منيل أيضً ا إىل إعطاء ذلك النوع من األخبار مصداقي ًة أكرب‪ ،‬ويعزى السبب يف أننا نشتبه يف صحة األخبار الجيدة أو‬ ‫رمبا من َُّل من سامعها‪.‬‬ ‫نحن اليوم أكرث عرضة لخطر الخوض يف السلبيات عىل حساب الخرب السار حقًا؛ إذ يقول ستيفن بينكر ‪Steven‬‬ ‫‪ Pinker‬يف كتابه "املالئكة األفضل يف طبيعتنا‪ :‬ملاذا يقل العنف" ‪The Better Angels of Our Nature: Why‬‬ ‫‪ )12( Violence Has Declined‬إن الجرمية‪ ،‬والعنف‪ ،‬والحرب‪ ،‬واملظامل األخرى آخذ ٌة يف االنخفاض بصور ٍة مطردة‪،‬‬ ‫ومع ذلك فإنّ معظم الناس يقولون بأن األمور تزداد سو ًءا‪ ،‬ولرمبا يكون هذا خري دليل عىل وجود انحياز التفكري‬ ‫السلبي‪.‬‬

‫تأثري القطيع (تأثري القافلة) ‪Bandwagon Effect‬‬

‫يف بعض األحيان قد نحب أنْ نتامىش مع التيار الذي يتحرك الجميع باتجاهه عىل الرغم من أننا قد ال نكون واعني‬ ‫املفضل لديها‪ ،‬يتوقف العقل الفردي عن العمل‪ ،‬ويتحول‬ ‫ّ‬ ‫لذلك‪ ،‬إذ عندما تبدأ الجامهري بتشجيع الفائز أو الفريق‬ ‫إىل حالة "التفكري الجمعي"‪ ،‬كام أنه ليس من الرضوري أن يكون الحشد كب ًريا‪ ،‬بل ميكن أن تشمل مجموعات صغرية‪،‬‬ ‫مثل األرسة أو حتى مجموعة صغرية من زمالء العمل أو األصدقاء؛ حيث أن تأثري القطيع هو ما يجعل السلوكيات‬ ‫واملعايري االجتامعية تنترش بني مجموعات األفراد يف كثريٍ من األحيان‪ ،‬بغض النظر عن األدلة أو الدوافع‪ ،‬كام أن هذا‬ ‫هو السبب الذي يعيب استطالعات الرأي غال ًبا‪ ،‬ألنها ميكن أن تقود وجهات نظر األفراد‪ ،‬كام أن الكثري من األسباب‬ ‫لهذا االنحياز لها عالقة يف الرغبة بالتناسب والتطابق‪ ،‬كام تبني تجارب آش الشهرية املتعلقة بالتطابق ‪Asch ‬‬ ‫إخرس‬ ‫واتبع‬ ‫القطيع‬

‫إىل إين‬ ‫نحن‬ ‫ذاهبون ؟‬

‫‪0670022950/http://www.amazon.ca/The-Better-Angels-Our-Nature/dp -12‬‬

‫‪78‬‬


‫االنحياز اإلدرايك‬ ‫وعرقلة ال ّتفكري العقالين‬ ‫‪.)13( Conformity Experiments‬‬ ‫انحياز اإلسقاط ‪Projection Bias‬‬

‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫مبا أننا أفراد محارصون داخل عقولنا طوال الوقت‪ ،‬فإنه غال ًبا ما يكون من الصعب بالنسبة لنا أن نعرف ما هو‬ ‫خارج حدود وعينا وتفضيالتنا؛ إذ منيل إىل افرتاض أن معظم الناس يفكرون مثلنا متا ًما‪ ،‬وهذا ما يدفعنا إلسقاط‬ ‫ٍ‬ ‫صفاتنا وطريقة تفكرينا عليهم‪ ،‬عىل الرغم من عدم وجود أي مربر لذلك‪ ،‬ولهذا القصور اإلدرايك عالقة بتأثريٍ‬ ‫معروف‬ ‫باسم االنحياز الخاطئ لإلجامع ‪ ،)14( False Consensus Bias‬حيث منيل إىل االعتقاد بأن الناس يفكرون مثلنا‪،‬‬ ‫بل ويتفقون معنا أيضً ا‪ ،‬ويعود هذا االنحياز إىل أننا نرغب يف إقناع أنفسنا بأننا منوذجيون أو طبيعيون‪ ،‬فنفرتض‬ ‫أن هناك إجام ًعا يف الرأي بشأن مسألة ما‪ ،‬حيث قد ال يكون هناك أي إجامع‪ ،‬وعالوة عىل ذلك‪ ،‬فإنه ميكن أيضً ا‬ ‫النحياز االسقاط خلق تأثريٍ عىل مجموع ٍة راديكالي ٍة أو متطرفة‪ ،‬فتجعلهم يعتقدون أن الناس يتفقون معهم‪ ،‬وهو ما‬ ‫يخالف األمر يف الواقع‪ ،‬كام ميكن النحياز اإلسقاط خلق ثق ٍة مبالغٍ فيها‬ ‫عندما نتوقع الفائز يف انتخابات أو مباراة ما (‪.)15‬‬

‫انحياز اللحظة الراهنة ‪The Current Moment Bias‬‬

‫نواجه نحن البرش وق ًتا عصي ًبا يف تخيل‬ ‫أنفسنا يف املستقبل و ما يرتتب عليه من‬ ‫تغيري لسلوكاتنا وتوقعاتنا؛ إذ أنّ معظمنا‬ ‫يريد املتعة يف اللحظة الراهنة‪ ،‬يف حني‬ ‫ٍ‬ ‫لوقت الحق‪ ،‬وهذا هو‬ ‫يفضل ترك األمل‬ ‫االنحياز الذي يقلق االقتصاديني‪ ،‬إذ يعد‬ ‫عدم استعدادنا للرتشيد يف النفقات وتوفري‬ ‫املال ً‬ ‫مثل عىل ذلك‪ ،‬كام يقلق األمر األطباء‬ ‫أيضً ا‪ ،‬ففي عام ‪ 1998‬أظهرت دراسة (‪)16‬‬ ‫أنه عند اتخاذ الخيارات الغذائية لألسبوع‬ ‫القادم‪ ،‬اختار ‪ ٪74‬من املشاركني الفاكهة‪،‬‬ ‫لكن عندما كان الخيار متعلقًا بنفس اليوم‪،‬‬ ‫اختار ‪ ٪70‬منهم الشوكوالته‪.‬‬

‫‪http://psychology.about.com/od/classicpsychologystudies/p/conformity.htm -13‬‬ ‫‪/72/1/102/http://psycnet.apa.org/journals/bul -14‬‬ ‫‪LI=true?2FBF00987179%10.1007/http://link.springer.com/article -15‬‬ ‫‪9831521/http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed -16‬‬

‫‪79‬‬


‫االنحياز اإلدرايك‬ ‫وعرقلة ال ّتفكري العقالين‬

‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫أثر املرساة ‪Anchoring Effect‬‬

‫ويعب هذا هذا املفهوم عن التوجه للمقارنة بني عدد من األشياء ضمن‬ ‫ويعرف أثر املرساة أيضً ا باسم فخ النسبية‪ّ ،‬‬ ‫نطاق مجموع ٍة محدودة‪ ،‬ومن األمثلة عليه أنه عندما ندخل إىل متجر لبيع املالبس‪ ،‬فنحن منيل إىل أخذ الفرق يف‬ ‫السعر بني القطع املعروضة يف املتجر بعني األعتبار فقط‪ ،‬مهملني بذلك السعر اإلجاميل عىل مستوى السوق‪ ،‬وهذا‬ ‫هو السبب يف أن بعض قوائم الطعام يف املطاعم تعرض أطبا ًقا مكلف ًة للغاية‪ ،‬يف حني أنها تشمل أيضً ا عىل أطباق‬ ‫بأسعا ٍر معقول ٍة ظاهر ًيا‪ ،‬وهذا هو السبب‪ ،‬يف إننا منيل إىل اختيار الخيار األوسط (‪.)17‬‬

‫‪people-prefer-middle-option.html/04/2012/http://bps-research-digest.blogspot.ca -17‬‬

‫‪https://www.facebook.com/TheEnlightenedMinds‬‬

‫‪80‬‬


‫كون من اليشء‬

‫محارضة للفيزيايئ النظري لورنس كراوس عن كيفية نشوء‬ ‫الكون دون الحاجة ألي قوة فوق طبيعية لخلقه!‬ ‫‪81‬‬


‫كون من ال شيئ ‪.‬‬ ‫سنقوم بوضع ملخص لهذه املحارضة يتناول النقاط املفصلية‪.‬‬ ‫مالحظة‪ :‬قمنا بتلخيص القسم الذي يتحدث عن نشأة الكون فقط من املحارضة‪ ،‬مع العلم أن املحارضة تتناول أيضاً‬ ‫مستقبل الكون‪.‬‬ ‫يبدأ الربوفيسور كراوس املحارضة بالحديث عن الغموض قائالً أنه املفتاح يف العلم‪ ،‬وأنه ما يجعل العلم مميزا ً‪ .‬ويقول‬ ‫أن العلامء يحبون الغموض‪ ،‬ويشعرون باإلثارة عند تعلمهم عن الكون‪ .‬وقال أن ما يريد التكلم عنه‪ ،‬هو كيف تغريت‬ ‫صورتنا عن الكون كثريا ً عىل مر السنني‪ ،‬لدرجة أننا بتنا ندرك بأن األشياء املهمة يف الكون‪ ،‬هي ليست ما نستطيع رؤيته‬ ‫من النجوم واملجرات وغريها‪ ،‬بل هي األشياء التي النستطيع رؤيتها (املادة املعتمة والطاقة املعتمة)!‪.‬‬ ‫ويتابع‪ :‬يف عام ‪ 1916‬كان أينشتاين قد طور نظريته يف النسبية العامة‪ ،‬والتي كانت أول نظرية التصف فقط كيف‬ ‫تتحرك األجسام يف املكان‪ ،‬بل كيف أن املكان بحد ذاته ميكن أن يتمدد ويتقلص أي أن يكون ديناميكياً وينحني بوجود‬ ‫املادة‪ .‬ولكن كانت هذه النظرية تتعارض مع املشاهدات (األرصاد) يف ذلك الزمن‪ ،‬والتي كانت تفيد بأن الكون كان‬ ‫المتغريا ً وأبدياً‪.‬‬ ‫كانت النسبية العامة تعاين من نفس املشكلة التي كانت تعاين منها الثقالة النيوتونية‪ ،‬وهي أن قوة الثقالة جاذبة دوماً‬ ‫وليست نافرة‪ .‬أي أن النجوم واملجرات لن تبقى يف مواقعها‪ ،‬بل ستنجذب لبعضها‪ ،‬وبالتايل سينهار الكون عىل نفسه‪.‬‬ ‫وقد حاول أينشتاين حل هذه املشكلة‪ ،‬بتعديل نظريته قليالً باالستفادة من بعض التناظرات الرياضياتية‪ ،‬وسنبني كيف‬ ‫فعل ذلك‪.‬‬

‫الشكل ‪1‬‬

‫‪82‬‬


‫كون من ال شيئ ‪.‬‬ ‫الطرف األيرس من معادالت أينشتاين‪ ،‬يعرب عن هندسة الكون‪ ،‬وكيف ينحني الزمكان (النسيج من الزمان واملكان)‬ ‫بوجود مصادر االنحناء‪ ،‬أال وهي الطاقة وكمية الحركة‪ .‬ولكن كانت هذه هي النظرية التي مل تعمل‪ ،‬والتي تصف كوناً‬ ‫غري الذي نعيش فيه (أو هكذا ظننا يف البداية)‪ ،‬وقد متكن أينشتاين من تعديلها قليالً‪ ،‬بإدخال حد إضايف دعاه الحد‬ ‫الكوسمولوجي (الكوين)‪:‬‬

‫الشكل ‪2‬‬ ‫وهذا الحد اإلضايف ينتج قوة نافرة صغرية يف الفضاء الخايل‪ ،‬وهذه القوة صغرية بحيث ال تؤثر عىل قوانني نيوتن التي‬ ‫تصف حركة الكواكب حول الشمس‪ ،‬وبالتايل ال ميكن مالحظتها يف مقاييس صغرية من مرتبة أبعاد املجموعة الشمسية‪،‬‬ ‫ولكن أثرها الرتاكمي يصبح ملحوظاً عىل مستوى املجرات‪ ،‬بحيث أنها متنع املجرات من االنهيار عىل بعضها‪.‬‬ ‫ولكن أينشتاين‪ ،‬قد أدرك منذ عام ‪ 1923‬بأنه لو كان الكون غري مستقر‪ ،‬فلن يكون هناك حاجة للثابت الكوسمولوجي‬ ‫وبالتايل للحد الكوسمولوجي‪ .‬وذلك ألنه أدرك بأنه لو كان الكون يتوسع (وهذا ما أصبحنا نعرفه اليوم)‪ ،‬فيمكن أن‬ ‫تكون قوة الثقالة جاذبة عىل املقياس الكوين‪ ،‬وعندها تقوم بإبطاء توسع الكون‪ .‬ويصبح سؤال الكوسمولوجيا (علم‬ ‫الكون) يف القرن العرشين هو‪ :‬هل هناك مايكفي من الثقالة إليقاف هذا التوسع‪ ،‬وكيف سينتهي الكون؟ وقد استغرقنا‬ ‫حتى عام ‪ 1929‬لنكتشف بأن الكون كان يتوسع‪ ،‬وكان الشخص الذي اكتشف ذلك هو العامل إدوين هبل‪.‬‬

‫‪83‬‬


‫كون من ال شيئ ‪.‬‬ ‫وهذا الشكل يبني ما اكتشفه‪:‬‬

‫الشكل ‪4‬‬ ‫إن ما اكتشفه هبل هو أن جميع املجرات تبتعد ع ّنا يف املتوسط‪ ،‬واملجرات التي تبعد ع ّنا ضعفي املسافة تبتعد ع ّنا‬ ‫بضعفي الرسعة وفق العالقة‪:‬‬ ‫حيث‪:‬‬ ‫‪ :‬رسعة ابتعاد املجرة ع ّنا‪.‬‬ ‫‪ :‬ثابت هبل‪.‬‬ ‫‪ :‬املسافة التي تفصلنا عنها‪.‬‬ ‫فامذا نستنتج من ذلك؟‬ ‫قد يبدو للوهلة األوىل أننا مركز الكون ولكن هذا ليس صحيحا‪ ،‬فام يعنيه هذا حقاً هو أن الكون يتوسع بشكل منتظم‬ ‫يف جميع االتجاهات‪ .‬ولكن ملاذا؟‬ ‫سنحاول تبيان السبب بالنظر إىل كون ثنايئ األبعاد بحيث نستطيع أن نقف خارجه‪:‬‬

‫‪84‬‬


‫كون من ال شيئ ‪.‬‬ ‫يف اللحظة رسمت املجرات عىل مسافات متساوية من بعضها‪.‬‬ ‫ويف اللحظة نالحظ أنه بتوسع هذا الكون تبتعد هذه املجرات عن بعضها‪.‬‬ ‫ولكن ماذا سريى راصد موجود داخل هذا الكون؟‬ ‫لنفرتض وجود راصد يف إحدى هذه املجرات كام يف الشكل‪:‬‬

‫الشكل ‪6‬‬ ‫ليك نعرف ماذا سيشاهد هذا الراصد‪ ،‬نقوم مبطابقة الصورتني عىل بعضهام بحيث تنطبق املجرة عىل ذاتها‪:‬‬

‫الشكل ‪7‬‬ ‫ونالحظ أننا نرى متاما ما را ّه هبل وأن جميع املجرات تبتعد عن هذه املجرة‪ ,‬واملجرات التي تبعد ضعفي املسافة ستبعد‬ ‫يف نفس الزمن ضعفي البعد‪ .‬وال يهم يف أي مجرة وجد هذا الراصد‪ ،‬فإنه سيالحظ نفس النتيجة!‪.‬‬

‫الشكل ‪8‬‬ ‫وأينام وجد فسيبدو له وكأنه مركز الكون‪:‬‬ ‫‪85‬‬


‫كون من ال شيئ ‪.‬‬

‫الشكل ‪9‬‬ ‫ولكن حقيقة األمر أن الكون يتوسع‪ .‬ولكن كيف علمنا أن الكون يتوسع؟‬

‫‪I love hearing that lonsome wail of the train whistle as the‬‬ ‫‪magnitude of the frequency of the wave‬‬ ‫‪changes due to the Doppler effect‬‬ ‫الشكل ‪10‬‬ ‫يف هذا الشكل يقول أحد الرجلني لالّخر‪":‬أحب سامع عويل صافرة القطار الناتج عن تغري تواتر(تردد) املوجة بسبب‬ ‫مفعول دوبلر"‪.‬‬ ‫إن ما يشري إليه هو أن صوت صافرة القطار يصبح أكرث حد ًة عندما يقرتب القطار من السامع‪ ,‬يف حني يصبح أثخن‬ ‫عندما يبتعد عنه‪.‬‬ ‫ونفس املبدأ استخدم من هبل وا ّخرين ألنه يبقى صحيحاً بالنسبة للضوء ألنه عبارة عن أمواج كهرطيسية ( بينام‬ ‫الصوت هو أمواج ميكانيكية ومفعول دوبلر يطبق عىل جميع أنواع األمواج)‪.‬‬ ‫وبالتايل عندما ننظر إىل املجرات البعيدة‪ ،‬فإذا كانت تبتعد ع ّنا فإن أطوال أمواج الضوء الصادرة عنها تتمدد ونقول أن‬ ‫الضوء ينزاح نحو األحمر وذلك ألن اللون األحمر ميتلك أكرب طول موجة يف الطيف املريئ‪.‬‬ ‫ومن مقدار االنزياح نحو األحمر‪ ،‬نستطيع حساب رسعة املجرات‪.‬‬ ‫ولكن كيف نعرف مسافتها ع ّنا؟‬ ‫لنتأ ّمل يف املثال التايل‪:‬‬ ‫‪86‬‬


‫كون من ال شيئ ‪.‬‬ ‫لنفرتض أن لدينا غرفة يحوي أحد جدرانها عىل مصباح استطاعته ‪ 100‬واط ولنفرتض أننا أطفأنا جميع األضواء ما عداه‬ ‫وأننا منتلك جهازا ً يقيس استطاعة الضوء الساقط عليه‪ .‬فلو استقبل هذا الجهاز ‪ %1‬فقط من استطاعة املصباح‪ ،‬فسنعلم‬ ‫املسافة التي تفصلنا عنه (وذلك ألن استطاعة الضوء تتناسب عكسا مع مربع املسافة عن املنبع وذلك نتيج ًة النتشار‬ ‫الضوء)‪ .‬ولكن املشكلة هي أن الكون ليس مليئأ مبصابيح استطاعتها ‪ 100‬واط لذلك يجب علينا أن نبحث عن يشء‬ ‫مكاىفء ولفعل ذلك يجب أن نجد ما يسمى بالشمعة العيارية ((‪ ،standard candle‬وهي يشء نعلم بالضبط مقدار‬ ‫سطوعه الحقيقي‪ .‬ولذلك عندما ننظر إليه بوساطة تيليسكوب ونقيس مدى سطوعه بالنسبة لنا‪ ،‬فنستطيع كام تعلمنا‬ ‫يف حالة املصباح أن نحسب املسافة التي تفصلنا عنه‪.‬‬ ‫وما جعل تقدير معدل توسع الكون صعباً جدا ً هو صعوبة إيجاد الشموع العيارية‪.‬‬ ‫هذه بيانات هبل األصلية من عام ‪: 1929‬‬

‫الشكل ‪11‬‬ ‫وما وجده هبل يف الحقيقة أن الرسعة تتناسب طردا مع املسافة واليشء املثري أن الجواب الذي وجده كان خاطئاً مبعامل‬ ‫يصل إىل ‪ ,10‬اليشء الذي كان يعترب محرجاً يف ذلك الزمان‪ ،‬ألنه لو كان الكون يتوسع بهذه الرسعة فيمكننا حساب عمره‬ ‫وسيكون ‪ 1.5‬مليار سنة فقط!! وقد كان هذا يف عام ‪ 1929‬حني ك ّنا نعلم بأن األرض كان عمرها أكرب من ذلك وكان من‬ ‫املحرج أن يكون الكون أحدث عمرا ً من األرض!!‪.‬‬ ‫واملشكلة مل تكن أن هبل كان عاملاً سيئاً‪ ,‬بل عىل العكس متاماً‪ ،‬كانت ألنه مل يتوفر لديه شموع عيارية جيدة‪ ,‬وبالتايل‬ ‫كانت لديه مشكلة يف حساب املسافة‪ ,‬أما اليوم فنحن لدينا مثل هذه الشموع‪ ,‬فمثالً يف هذه الصورة‪:‬‬

‫‪87‬‬


‫كون من ال شيئ ‪.‬‬ ‫وهي صورة ملجرة بعيدة جدا ً (حوايل مليار سنة ضوئية)‪ ،‬يوجد يف الصورة جسم يعادل سطوعه سطوع الجزء املركزي‬ ‫من املجرة كامالً!‪.‬‬ ‫قد تظنون أنه نجم من مجرتنا وقد ظهر يف الصورة‪ ،‬ولكنه ليس كذلك‪ .‬بل هو نجم يقع عىل حافة املجرة التي‬ ‫تظهر يف الصورة‪ ،‬وقد تفجر‪ ،‬والنجوم املتفجرة تشع بسطوع ‪ 10‬مليارات نجم‪ ،‬ويدعى النجم املتفجر مستعرا ً فائقاً (‬ ‫‪.) supernova‬‬

‫الشكل ‪13‬‬ ‫وهذه النجوم املتفجرة (املستعرات الفائقة)‪ ،‬هي شموع عيارية ممتازة‪.‬‬ ‫والسبب أننا نستطيع أن نرصدها‪ .‬فبالرغم من أن واحدة منها تحدث كل مائة عام يف املجرة الواحدة‪ ،‬فهناك ما يكفي‬ ‫من املجرات‪ ،‬بحيث أنك لو نظرت يف ليلة مظلمة إىل بقعة من السامء بحجم عملة معدنية‪ ،‬وبوساطة تلسكوب قوي‬ ‫مبا فيه الكفاية‪ ،‬عندئذ ميكنك أن ترى حوايل مائة ألف مجرة‪ ،‬وهذا يعني بأنه بالرغم من أن النجوم تتفجر مرة كل‬ ‫مائة عام يف املجرة الواحدة‪ ،‬فإنك ويف هذه املنطقة الصغرية‪ ،‬ستتمكن من رؤية ‪ 10‬نجوم تتفجر‪ .‬الكون ضخم وقديم‬ ‫واألشياء النادرة تحصل فيه طوال الوقت مبا فيها الحياة!!‬ ‫إذا ً فنحن نستطيع مراقبة النجوم وهي تتفجر‪ ،‬وقياس سطوعها وألوانها‪ ،‬وهذا قد سمح لنا بإيجاد شموع عيارية ممتازة‪.‬‬ ‫واآلن وبعد ‪ 75‬عاماً فإننا نستطيع تقدير معدل توسع الكون‪ .‬هذا مخطط هبل جديد أفضل بكثري من املخطط األصيل‪:‬‬

‫الشكل ‪14‬‬ ‫‪88‬‬


‫كون من ال شيئ ‪.‬‬ ‫واآلن نحن نعلم معدل توسع الكون بدقة تصل إىل ‪ %10‬وليس مبعامل ‪ ،10‬كام أننا نعلم أيضاً عمر الكون بدقة هائلة‪،‬‬ ‫تصل إىل أربع مراتب عرشية‪ ،‬وهو ‪ 13.72‬مليار سنة!‪.‬‬ ‫واآلن‪ ،‬وبالعودة إىل أينشتاين (راجع الشكل ‪ ،)2‬فقد أراد التخلص من الحد الكوسمولوجي‪ ،‬ولكن تبني أن األمر ليس‬ ‫بهذه السهولة‪ .‬فلو عدنا إىل الشكل ‪ ،2‬ونقلنا الحد الكوسمولوجي إىل الطرف األمين من املعادلة‪ ،‬لحصلنا عىل‪:‬‬

‫الشكل ‪15‬‬ ‫وبالرغم من أنها خطوة صغرية رياضياتياً‪ ،‬إال أنها خطوة عمالقة فيزيائياً‪ ،‬وذلك ألن الحد الكوسمولوجي سيمثل شيئاً‬ ‫مختلفاً متاماً وهو يف الطرف األمين من املعادلة‪ ،‬إذ أنه عندما كان يف الطرف األيرس‪ ،‬فقد كان ميثل كمية هندسية‪ ،‬أما‬ ‫يف الطرف األمين‪ ،‬فهو يبدو كمساهمة جديدة للطاقة وكمية الحركة يف الكون‪ .‬فام الذي ميكن أن يساهم بحد كهذا؟‬ ‫إننا نعلم الجواب وهو "الاليشء"!!‪.‬‬ ‫وعندما نقول "اليشء"‪ ،‬فإننا النقصد اليشء باملعنى التقليدي‪.‬‬ ‫إذا أخذنا الفضاء الخايل‪ ،‬وهذا يعني أننا قد تخلصنا من كل الجسيامت وكل اإلشعاع‪ ،‬أي تخلصنا من كل يشء متاماً‪،‬‬ ‫بحيث مل يبق هناك يشء‪ ،‬فإن كان هذا "الاليشء" يزن شيئاً‪ ،‬عندئذ ميكنه املساهمة بحد كهذا‪.‬‬ ‫وبالطبع هذا يبدو سخيفاً‪ ،‬فكيف ميكن "لاليشء" أن يزن شيئاً؟ فالاليشء هو اليشء!!!‪ .‬الجواب هو‪:‬‬ ‫الاليشء مل يعد الشيئاً بعد اآلن يف الفيزياء!!‬ ‫وذلك بسبب قوانني ميكانيك الكم والنسبية الخاصة عند املقاييس الغاية يف الصغر‪ ،‬فإن الاليشء يعج بالجسيامت‬ ‫االفرتاضية‪ ،‬التي تظهر وتختفي من الوجود يف فرتات زمنية غاية يف الصغر‪ ،‬لدرجة أنه الميكننا مشاهدتها‪.‬‬ ‫قد يبدو هذا الكالم كالنظريات الفلسفية‪ ،‬أو أنه ليس علامً (مبا أننا النستطيع رصد هذه الجسيامت)‪ ،‬ولكننا يف الواقع‪،‬‬ ‫وبالرغم من أننا ال نستطيع رصد الجسيامت االفرتاضية مبارشة‪ ،‬إال أننا نستطيع قياس آثارها بشكل غري مبارش‪ .‬ويف‬ ‫الواقع‪ ،‬فهي مسؤولة عن أفضل التنبؤات يف الفيزياء‪.‬‬ ‫يف الشكل التايل لدينا الفضاء الخايل داخل الربوتون‪ ،‬وهو الفضاء بني الكواركات (الجسيامت التي تشكل الربوتون)‪،‬‬ ‫وهكذا يبدو كام تبني محاكاة مبنية عىل حسابات فيزيائية دقيقة‪:‬‬

‫‪89‬‬


‫كون من ال شيئ ‪.‬‬

‫الشكل ‪( 16‬صورة متحركة )‬ ‫الحظ ظهور املادة من اليشء واختفائها مجددا ً‪.‬‬ ‫وقد تبني أن معظم كتلة الربوتون‪ ،‬تأيت ليس من الكواركات ضمنه‪ ،‬بل من الفضاء الخايل بني هذه الكواركات‪ .‬إن هذه‬ ‫الحقول التي تظهر وتختفي من الوجود‪ ،‬متنح الربوتون حوايل ‪ %90‬من كتلته‪ .‬ومبا أن الربوتونات والنيوترونات هي املادة‬ ‫املهيمنة يف جسدك‪ ،‬فهذا يعني أن الفضاء الخايل مسؤول عن ‪ %90‬من كتلتك‪ ،‬فالفضاء الخايل غاية يف األهمية يف العلم‪.‬‬ ‫وهذه الحسابات غاية يف األهمية‪ ،‬ليس فقط من أجل فهم الربوتونات‪ ،‬بل اإللكرتونات والذرات أيضاً‪.‬‬ ‫فهذه الحسابات تنتج أفضل تطابق بني النظرية والتجربة يف كل العلم‪ :‬حتى ‪ 10‬مراتب عرشية يف اإللكرتوديناميك‬ ‫الكمومي!!!‬ ‫فإذا كانت هذه هي الحالة‪ ،‬فلنحسب طاقة "الاليشء" يف حال عدم وجود أي يشء عىل اإلطالق‪ .‬وعندما نفعل ذلك‪،‬‬ ‫سنحصل عىل رقم يسء جدا ً يعد أسوأ تنبؤ يف الفيزياء‪ ،‬يبينه الشكل التايل‪:‬‬

‫الشكل ‪17‬‬ ‫سينتج أن الفضاء الخايل (الاليشء) ميكن أن يحتوي عىل كمية من الطاقة أكرب بـ ‪ 123‬مرتبة كرب من طاقة كل املجرات‬ ‫والنجوم و ‪...‬الخ‪ .‬ولو كان هذا صحيحاً؛ ملا كنا موجودين هنا‪ ،‬لذلك فقد عرفنا بأن هناك خطأً يف هذا الرقم‪ .‬واألكرث‬ ‫من ذلك‪ ،‬هو أننا نعرف ما يجب أن يكون الجواب‪ .‬فنحن نعلم أن الجواب البد وأن يكون صفرا ً‪ ،‬فهو الجواب الوحيد‬ ‫املعقول‪ ،‬إذ ال توجد طرق لتخفيض الرقم السابق يك يتوافق مع املشاهدات‪ ،‬ولكن الصفر هو رقم ميكن الحصول عليه‬ ‫بطرق جميلة يف العلم‪ ،‬فبإمكاننا استخدام التناظرات الرياضياتية يف الطبيعة‪.‬‬ ‫وبالتايل فقد كنا نعلم الجواب‪ ،‬ولكننا مل نعلم ما هو التناظر الذي ميكننا من الحصول عليه‪ .‬ولكن األمر الجميل يف‬ ‫الكوسمولوجيا‪ ،‬أنها حقاً علم‪ .‬والعلم تجريبي‪.‬‬ ‫‪90‬‬


‫كون من ال شيئ ‪.‬‬ ‫معرفة الجواب التعني شيئاً‪،‬‬ ‫اختبار املعرفة يعني كل يشء!‬ ‫إذا ً فالسؤال هو‪ :‬مبا أنه يجب علينا أن نقيس طاقة الفضاء الخايل‪ ،‬فكيف نفعل ذلك؟‬ ‫نفعل ذلك عن طريق إيجاد كتلة الكون‪ .‬نستطيع استخدام الجاذبية إليجاد كتلة الكون‪ ،‬مبا فيها كتلة الفضاء الخايل‬ ‫(وبالتايل طاقته)‪ .‬خربنا النسبية العامة بأن الفضاء منحن‪ ،‬وأنه ميكن أن يكون للكون إحدى الهندسات الثالثة‪ :‬مفتوح‬ ‫أو مغلق أو مسطح‪ ،‬كام يبني الشكل التايل‪:‬‬

‫الشكل ‪18‬‬ ‫ال ميكننا رسم صور ألكوان منحنية ثالثية األبعاد‪ ،‬لذلك متثل الصور يف الشكل أكواناً ثنائية البعد‪.‬‬ ‫لو كان كوننا مغلقاً‪ ،‬عندها لو نظرت مسافة كافية أمامك‪ ،‬لتمكنت من رؤية مؤخرة رأسك‪ ،‬وذلك ألن الضوء سيدور‬ ‫حول الكون‪ .‬بينام الكونان املسطح واملفتوح‪ ،‬لهام امتداد غري منته مكانياً‪ .‬إن األمر املهم هو أنه يف كون ميلء باملادة‪،‬‬ ‫ويف حال كان مغلقاً‪ ،‬فإنه سيتمدد وسيتوقف عن التمدد‪ ،‬ثم سينهار عىل ذاته يف انسحاق عظيم (العملية املعاكسة‬ ‫لالنفجار العظيم)‪.‬‬ ‫أما الكون املفتوح‪ ،‬فسيتمدد لألبد‪ .‬والكون املسطح‪ ،‬سيتمدد ويتباطأ متدده‪ ،‬ولكنه لن يتوقف عن التمدد متاماً‪.‬‬ ‫ولهذا السبب فقد أردنا أن نعرف‪ ،‬أي نوع من األكوان هو كوننا‪ .‬ألنه مبجرد معرفتنا لذلك‪ ،‬سنعرف كيف سينتهي الكون‪.‬‬ ‫وكتلة الكون تخربنا ما هو مقدار انحنائه‪ .‬ولهذا أردنا قياسها‪.‬‬ ‫يف الصورة التالية يظهر حشد من املجرات‪ .‬وكل نقطة يف الشكل هي عبارة عن مجرة‪.‬‬

‫‪91‬‬


‫كون من ال شيئ ‪.‬‬ ‫ويبعد عنا هذا الحشد حوايل ‪ 3‬مليارات سنة ضوئية‪.‬‬ ‫إن الحشود املجرية‪ ،‬هي أكرب األجسام املرتابطة يف الكون‪ .‬فإذا ما متكنا من قياس كتلها‪ ،‬عندئذ نستطيع إيجاد كامل‬ ‫الكتلة يف الكون‪ .‬ونحن اآلن نستطيع القيام بذلك بواسطة النسبية العامة‪ .‬ألنه يف هذه الصورة‪ ،‬هناك ظاهرة رائعة‬ ‫كان أينشتاين قد تنبأ بها منذ عام ‪ . 1937‬إذا نظرنا بتمعن يف هذه الصورة‪ ،‬سنجد أشياء زرقاء غريبة‪ .‬هذه هي ظاهرة‬ ‫نفهمها اآلن بأنها التعديس التثاقيل (‪.)Gravitational Lensing‬‬ ‫لقد أخربنا أينشتاين أن الكتلة تحني الفضاء حولها‪ ،‬ولذلك إذا كانت لدينا كتلة كبرية مبا يكفي‪ ،‬وكان لدينا منبع ضويئ‬ ‫يقع خلف هذه الكتلة‪ ،‬فإن الضوء سينحني حول هذه الكتلة‪ .‬وبذلك يحدث تكبري لصورة املنبع الضويئ بطريقة مشابة‬ ‫لتكبري العدسة لألجسام‪ .‬فالكتلة تستطيع أن تترصف كعدسة‪ ،‬فتكرب األشياء وتجزئ الصور‪ ،‬وهذا هو بالضبط ما نراه يف‬ ‫الصورة‪ .‬فكل هذه األشياء الزرقاء هي صور مختلفة ملجرة واحدة تقع عىل مسافة حوايل ‪ 3‬مليارات سنة ضوئية خلف‬ ‫هذا الحشد‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬وألننا نفهم النسبية العامة‪ ،‬فنستطيع القيام بعملية عكسية‪ ،‬ومعرفة ما هي الكتلة التي يجب أن ميتلكها الحشد‪،‬‬ ‫وأين يقع‪ ،‬حتى تنتج هذه الصورة‪ .‬وبالتايل ميكننا إيجاد كتلة هذا الحشد باستخدام النسبية العامة‪ .‬وعندما نفعل ذلك‬ ‫نجد هذا الشكل‪:‬‬

‫الشكل ‪20‬‬ ‫يبني هذا الشكل توزع الكتلة يف املنظومة (الحشد)‪ .‬والنتوءات هي حيث توجد املجرات‪ .‬ونالحظ أن معظم الكتلة يف‬ ‫كامل هذه املنظومة ليست موجودة يف املجرات‪ ,‬بل بينها ‪ .‬أي أنها يف املكان الذي ال يوجد فيه يشء يشع!‪ .‬ونالحظ أيضا‬ ‫أن معظم الكتلة يف كل املنظومات التي نستطيع رصدها تأيت أيضا من مواد ال تشع!‪ .‬وقد دعا الفيزيائيون هذه املادة‬ ‫التي ال تصدر إشعاعاً باملادة املعتمة (‪.)Dark matter‬‬ ‫ونحن نعلم االّن أن حويل ‪ %90‬من كتلة املجرات والحشود املجرية‪ ،‬مبا فيها مجرتنا درب التبانة‪ ،‬تأيت من مواد التشع‪.‬‬ ‫قد يبدو هذا أنه ليس بتلك اإلثارة‪ ،‬فهناك العديد من األجسام التي ال تشع‪ ،‬فقد تكون كرات ثلجية أو كواكب أو‬ ‫‪...‬الخ‪ .‬ولكنها ليست كذلك‪ .‬ألنه وألسباب ال يتسع املجال لذكرها هنا‪ ،‬فنحن نعلم كم عدد الربوتونات والنيوترونات يف‬ ‫الكون‪ .‬وقد قمنا بقياسه‪ .‬وببساطة‪ ،‬فال يوجد العدد الكايف منها لتشكل كل هذه الكتلة من املادة املعتمة‪ .‬لذلك فنحن‬ ‫مقتنعون بأن هذه املادة مكونة من نوع جديد من الجسيامت األولية‪ .‬واليشء املثري يف ذلك‪ ،‬هو أن املادة املعتمة‬ ‫ليست موجودة فقط يف الفضاء الخارجي‪ ،‬وإمنا أيضاً موجودة يف الغرفة التي تجلس فيها وأنت تقرأ هذه املقالة وتقوم‬ ‫باخرتاق جسدك‪ .‬وهذا يعني أننا نستطيع القيام بتجارب هنا عىل األرض لنبحث عنها‪.‬‬ ‫‪92‬‬


‫كون من ال شيئ ‪.‬‬ ‫بقياس كتل الحشود املجرية (مبا تحويه من مادة ومادة معتمة)‪ ،‬فقد استطعنا االّن تحديد كمية املادة املوجودة يف‬ ‫الكون‪ .‬تع ّرف بأنها نسبة الكتلة الكلية للامدة التي نعرف أنها موجودة يف الكون‪،‬‬ ‫إىل كمية املادة التي نحتاجها لجعل الكون مسطحاً‪ .‬وهي تحدد إذا ما كان الكون مغلقاً أم مفتوحاً أم مسطحاً‪.‬‬ ‫فلو كانت قيمتها أقل من ‪ ،1‬يكون الكون مفتوحاً‪ .‬وإن كانت أكرب من ‪ ،1‬يكون الكون مغلقاً‪ .‬بينام لو كانت قيمتها‬ ‫تساوي ‪ ،1‬فالكون مسطح‪.‬‬

‫الشكل ‪21‬‬ ‫ولقد قسنا اليوم‪ ،‬مبا اليدع مجاالً للشك‪ ،‬أن الكتلة املوجودة يف الكون‪ ،‬تعادل فقط ‪ %30‬من الكتلة الالزمة لجعله‬ ‫مسطحاً‪ .‬ولكن املشكلة كانت أن الفيزيائيني النظريني كانوا يعلمون أن الكون البد وأن يكون مسطحاً‪ .‬ملاذا؟‬ ‫هناك سببان‪ .‬األول‪ :‬ألنه الكون الوحيد الجميل رياضياتياً‪ .‬والسبب الثاين هو أنه اتضح أنه يف كون مسطح‪ ،‬تكون الطاقة‬ ‫الكلية مساوية صفرا ً بالضبط‪ ،‬وذلك ألن الجاذبية ميكن أن تكون لها طاقة سالبة‪ .‬فالطاقة السالبة للجاذبية توازن الطاقة‬ ‫املوجبة للامدة‪ .‬ولكن ما هو الجميل يف كون طاقته الكلية تساوي الصفر؟‬ ‫فقط هكذا كون ميكن أن يبدأ من اليشء ‪ .‬ألن قوانني الفيزياء تسمح له بذلك ‪ .‬فأنت التحتاج إلله!!!‬ ‫لديك "اليشء"‪ ،‬أي طاقة كلية تساوي الصفر‪ ،‬والتقلبات الكمومية تستطيع إنتاج كون‪.‬‬ ‫فلو مل يكن الكون مسطحاً‪ ،‬عندها فهذا مقلق‪ ،‬ألنه ستكون هناك كمية من الطاقة يف بداية الزمن (لحظة االنفجار‬ ‫العظيم)‪ .‬ولكننا الحظنا أن الراصدين كانوا قد استنتجوا أن الكون مفتوح!‪.‬‬ ‫لحل هذا التناقض قررنا قياس كتلة الكون بطريقة أدق‪ ،‬ألن الطريقة السابقة التي استعملناها هي طريقة تقريبية‪.‬‬ ‫ولذلك لجأنا إىل الهندسة مبارشةً‪.‬‬ ‫لنتساءل‪ :‬كيف ميكننا قياس انحناء األرض إذا مل نستطع مشاهدتها من الفضاء الخارجي‪ ،‬ومل يكن مسموحاً لنا الدوران‬ ‫حولها؟‬ ‫إن الطريقة بسيطة للغاية‪ :‬فإذا رسمنا مثلثاً عىل سطح غري منحن‪ ،‬سيكون مجموع زواياه ‪ 180‬درجة‪ .‬ولكن عىل سطح‬ ‫منحن فاألمر مختلف متاماً‪ .‬فلو رسمنا مثلثاً عىل سطح األرض‪ ،‬ميكننا مثالً جعل أحد أضالعه موازياً لخط االستواء‪ ،‬ثم‬ ‫نرسم الضلع الثاين بحيث يصنع زاوية قامئة مع األول متجهاً نحو القطب الشاميل‪ ،‬ثم نرسم الضلع الثالث بحيث يصنع‬ ‫زاوية قامئة مع الثاين‪ ،‬عائدا ً ليتقاطع مع الضلع األول املوازي لخط االستواء‪ ،‬كام يف الشكل‪:‬‬ ‫‪93‬‬


‫كون من ال شيئ ‪.‬‬

‫الشكل ‪22‬‬ ‫بهذا نكون قد حصلنا عىل مثلث بثالث زوايا قامئة‪ ،‬فيكون مجموع زواياه ‪ 270‬درجة‪.‬‬ ‫وبالتايل برسم مثل هذا املثلث عىل سطح األرض‪ ،‬نستطيع قياس انحناء سطح الكرة األرضية‪ ،‬دون االضطرار للدوران‬ ‫حولها أو مغادرتها‪.‬‬ ‫لقد تبني أنه وبالرغم من أن هذا التمثيل هو لفضاء ثنايئ األبعاد‪ ،‬فإن نفس الكالم يبقى صحيحاً بالنسبة لكون منحن‬ ‫ثاليث األبعاد‪ .‬لو كان لدينا مثلث كبري مبا فيه الكفاية‪ ،‬وقمنا بقياس زواياه‪ ،‬عندها نستطيع قياس انحناء الفضاء‪ .‬ويف العقد‬ ‫األخري‪ ،‬متكنا من إيجاد مثل هذا املثلث‪ .‬وسنتحدث عن ذلك قليالً‪ ،‬ألنه‪ ،‬وعىل األرجح‪ ،‬أهم رصد يف الكوسمولوجيا‪ ،‬أال‬ ‫وهو رصد إشعاع الخلفية الكونية ماكروي املوجة (‪ )CMB‬وهو الوميض الناتج عن االنفجار العظيم‪.‬‬

‫الشكل ‪23‬‬ ‫ورص ُدنا لهذا اإلشعاع هو أحد األسباب العديدة التي نعرف من خاللها أن االنفجار العظيم قد وقع بالفعل‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫عندما ننظر يف الفضاء إىل املجرات‪ ،‬ولتكن املجرات التي عىل بعد مليار سنة ضوئية‪ ،‬فسرناها كام كانت قبل مليار سنة‪.‬‬ ‫ونحن نعلم أن عمر الكون هو ‪ 13.72‬مليار سنة‪ ،‬فلو نظرنا إىل عمق كاف يف الفضاء‪ ،‬فال بد أن نتمكن من رؤية االنفجار‬ ‫العظيم‪ .‬ولكننا النستطيع رؤيته‪ ،‬ألنه بيننا وبينه هناك جدار‪ .‬والنقصد بذلك جدارا ً صلباً‪ ،‬ولكنه جدار مينع مرور الضوء‬ ‫عربه (عاتم)‪ .‬فكلام نظرنا أعمق يف الفضاء‪ ،‬فإننا نحدق أكرث يف املايض‪ .‬وكلام عدنا أكرث يف الزمن‪ ،‬فإن درجة حرارة الكون‬ ‫تغدو أعىل‪ .‬وعندما نصل إىل نقطة يكون فيها عمر الكون مائة ألف عام‪ ،‬فإن درجة حرارته تكون عندها ‪ 3000‬كلفن‪.‬‬ ‫وعند درجة الحرارة تلك‪ ،‬فإن اإلشعاع ميتلك طاقة كافية لتحطيم الذرات‪ ،‬وبالتحديد ذرات الهيدروجني‪.‬‬ ‫‪94‬‬


‫كون من ال شيئ ‪.‬‬ ‫وبالتايل تصبح اإللكرتونات والربوتونات منفصلة عن بعضها‪ .‬ويغدو الكون مكوناً من بالزما من الجسيامت املشحونة‪.‬‬ ‫والبالزما عامتة لإلشعاع‪ ،‬وبالتايل لن نستطيع الرؤية أبعد من ذلك يف الزمن‪ ،‬ببساطة ألن الكون يكون عامتاً بدءا ً من‬ ‫هذه النقطة‪.‬‬ ‫ولقد كان أحد تنبؤات نظرية االنفجار العظيم‪ ،‬بأنه يجب أن نرصد إشعاعاً قادماً إلينا من جميع االتجاهات‪ ،‬آتياً من‬ ‫ذلك السطح (الجدار) الذي يدعى سطح التبعرث(التشتت) األخري ( ‪. ) Last Scattering Surface‬‬ ‫وقد تم اكتشاف هذا االشعاع عام ‪ 1965‬بالصدفة وحصل مكتشفاه عىل جائزة نوبل‪ ,‬علامً أن العامل جورج غاموف كان‬ ‫قد تنبأ به منذ زمن بعيد قبل اكتشافه‪.‬عىل هذا السطح يوجد مقياس هام هو ْ‪. 1‬‬ ‫ولكن ملاذا ْ‪ 1‬؟ ‪ ..‬ألن هذا ميثل مسافة تعادل ‪ 100‬ألف سنة ضوئية‪ ,‬وهذا السطح كان قد وجد عندما كان عمر الكون‬ ‫‪ 100‬ألف سنة‪ ,‬وأينشتاين أخربنا أنه ال يوجد معلومات تنترش أرسع من الضوء‪ ,‬وهذا يعني أنه اليشء مام حصل ضمن‬ ‫هذه املنطقة التي تبلغ ْ‪ 1‬ميكن أن يؤثر عىل املناطق املجاورة لها‪ .‬واألهم من ذلك‪ ،‬هو أنه لو كان لدينا قطعة من‬ ‫املادة بهذا الكرب‪ ،‬فإنها تعلم بأنها قطعة من املادة (أي ستستشعر أجزاؤها ببعضها)‪ ،‬وبالتايل تبدأ باالنهيار عىل نفسها‬ ‫تحت تأثري الثقالة‪.‬‬ ‫أي أن القياس الزاوي ألكرب قطع من املادة والتي ميكن أن تكون قد انهارت عىل نفسها تحت تأثري الثقالة يف ذلك الزمن‪،‬‬ ‫سيكون ْ‪ . 1‬وهذا يعطينا مثلثنا الكوين الذي كنا نبحث عنه‪ ،‬ألنه أصبحت لدينا اآلن مسطرة طولها مائة ألف سنة‬ ‫ضوئية‪ ،‬وهو قطر أكرب القطع من املادة التي ميكن أن تنهار عىل نفسها تثاقلياً‪ ،‬وهذه القطع تقع عىل مسافة معلومة‬ ‫منا‪ .‬ويف كون مسطح‪ ،‬فإن األشعة الضوئية تسافر يف خطوط مستقيمة‪ .‬ونستطيع حساب الزاوية التي ستشغلها هذه‬ ‫املسطرة كام نقيسها عىل تلك املسافة‪ ،‬وستكون مساوية إىل ْ‪ . 1‬أما يف كون مفتوح‪ ،‬فاألشعة الضوئية تتحرك عىل‬ ‫منحنيات متباعدة عن بعضها‪ .‬وستبدو املسطرة بأنها تشغل زاوية مقدارها نصف درجة‪ ،‬أي ستبدو أصغر‪ .‬ويف كون‬ ‫مغلق‪ ،‬فاألشعة الضوئية تسافر عىل منحنيات متقاربة‪ ،‬واملسطرة ستبدو أكرب‪.‬‬

‫الشكل ‪24‬‬ ‫‪95‬‬


‫كون من ال شيئ ‪.‬‬ ‫فكل ما علينا فعله هو أن ننظر إىل ذلك السطح مايكروي املوجة‪ ،‬ونقوم بقياس أقطار أكرب قطع املادة التي انهارت‪،‬‬ ‫ونرى هل هي ْ‪ 1‬أو ْ‪ 2‬أو ْ‪ 0.5‬؟‬ ‫وقد متكنا من فعل ذلك يف العقد املايض‪ .‬هذا الشكل يبني أول تجربة قامت بذلك‪ ،‬وقد أجريت هذه التجربة يف‬ ‫أنتاركتيكا (القارة القطبية الجنوبية) وتدعى تجربة (‪.)BOOMERanG‬‬ ‫وهذه التجربة‪ ،‬هي عبارة عن بالون يحمل‬ ‫مقياساً لألمواج الراديوية‪ ،‬والذي يقوم بدوره‬ ‫بتصوير إشعاع الخلفية الكونية‪.‬‬ ‫هذه الصورة التي التقطها‪ ،‬وهي ملونة بألوان‬ ‫زائفة‪ ،‬تبني البقع الحارة والباردة يف هذا اإلشعاع‪.‬‬ ‫وهذه البقع‪ ،‬تقابل قطع املادة التي تحدثنا عنها‬ ‫سابقاً يف الكون املبكر‪.‬‬ ‫الشكل ‪25‬‬

‫والسؤال هو‪ ،‬كم يبلغ عمرها ؟‬ ‫وهنا صورة بألوان زائفة لنفس املنطقة‪ ،‬مقرونة بصور ناتجة عن‬ ‫محاكيات حاسوبية يف حال الهندسات املختلفة املمكنة للكون‪.‬‬ ‫الشكل ‪26‬‬ ‫نالحظ أنه يف الكون املغلق‪ ،‬سيكون حجم قطع املادة‬ ‫أكرب‪ ،‬ولكنه ال يتطابق مع ما رصدناه‪ .‬أما يف الكون‬ ‫املفتوح‪ ،‬فحجم القطع سيبدو أصغر مام رصدناه‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬وكام توقع النظريون‪ ،‬يف الكون املسطح‪ ،‬فإن‬ ‫حجم القطع يساوي متاماً حجم القطع الذي رصدناه!‪.‬‬ ‫ويف الواقع‪ ،‬فنحن نعلم بدقة‪ ،‬أفضل من ‪ ،%1‬أن الكون‬ ‫مسطح‪ ،‬ولديه طاقة كلية تساوي الصفر‪.‬‬ ‫ولذلك ميكن للكون أن يوجد من اليشء‬ ‫ومن تلقاء ذاته!!!‬

‫الشكل ‪27‬‬ ‫‪96‬‬


‫كون من ال شيئ ‪.‬‬ ‫وهذا يجيب عىل السؤال‪ :‬ملاذا يوجد يشء بدالً من اليشء؟ والجواب هو أنه البد من ذلك‪.‬‬ ‫إذا كان لديك اليشء‪ ،‬فإنك ستحصل عىل يشء دامئاً وفقاً مليكانيك الكم!‬ ‫إن األمر بهذه البساطة‪ .‬ولكن كيف يكون الكون مسطحاً‪ ،‬وكنا قد برهنا سابقاً أنه مفتوح؟! فهناك فقط ‪ %30‬من كمية‬ ‫املادة الالزمة لجعل الكون مسطحاً!‪ .‬فأين الـ ‪ %70‬الباقية؟‬ ‫يف الواقع لو كان الفضاء الخايل يحتوي عىل طاقة‪ ،‬فنحن لن نراها ألنها ستكون يف الفضاء الفاصل بني املجرات‪ ،‬فكيف‬ ‫سيكون سلوكه عندئذ؟ يف الحقيقة فإنه سينتج ثابتاً كوسمولوجياً‪ ،‬وهذا بدوره سيجعل متدد الكون اليتباطأ مع الزمن‪،‬‬ ‫بل يتسارع!‪.‬‬

‫الشكل ‪28‬‬ ‫يف عام ‪ 1989‬وعندما كان الراصدون يقيسون املستعرات الفائقة عىل مسافات شاسعة‪ ،‬وذلك من أجل وضع مخطط‬ ‫هبل‪ ،‬يك يتمكنوا من أن يعرفوا ماذا يحصل عىل املقاييس الكبرية‪ ،‬وأن يقيسوا معدل تباطؤ توسع الكون (ألنهم كانوا‬ ‫مايزالون يظنون وقتها أن توسع الكون متباطئ)‪ ،‬قاموا بالحصول عىل نتائج أحدثت ثورة يف الكوسمولوجيا‪.‬‬

‫الشكل ‪29‬‬ ‫فقد صدموا بأن أرصادهم أفادت بأن متدد الكون يتسارع بعكس ما كانوا يتوقعونه!‪ .‬وعندما حسبوا ما هي كمية الطاقة‬ ‫الالزم وجودها يف الفضاء الخايل يك تجعل توسع الكون يتسارع باملعدل الذي قاسوه‪ ،‬وجدوا أنها كمية مساوية بالضبط‬ ‫لكمية الطاقة التي تنقصنا لجعل الكون مسطحاً!!!‪.‬‬

‫‪97‬‬


‫كون من ال شيئ ‪.‬‬ ‫وبذلك فقد ارتبط كل يشء ببعضه‪ .‬وصورتنا الجديدة عن علم الكون‪ ،‬هي أننا نعيش يف كون يسيطر عليه "الاليشء"‪.‬‬ ‫فأكرب طاقة يف الكون‪ ،‬والتي تشكل ‪ %70‬من طاقة الكون‪ ،‬موجودة يف الفضاء الخايل‪ ،‬ونحن المنتلك أي فكرة عن سبب‬ ‫وجودها هناك!‪.‬‬

‫الخالصة‪:‬‬ ‫مبعنى من املعاين املبدأ الكوبرنييك األقىص‪ .‬فكوبرنيكوس كان قد أخربنا بأننا ال نعيش يف أي مكان مميز‪.‬‬ ‫إن هذا يكْمل‬ ‫ً‬ ‫وصورتنا الجديدة عن علم الكون تخربنا أننا أتفه مام كنا نتصور يف الكون!!!‬ ‫فلو أزلنا من الكون كل ما ميكننا رؤيته من نجوم ومجرات وحشود مجرية‪ ،‬كل يشء متاماً‪ ،‬فالكون لن يتأثر عملياً‪،‬‬ ‫إذ أن كل الكون املريئ ميثل ‪ %1‬من التلوث (الشوائب)‬ ‫يف كون يحوي عىل ‪ %29‬مادة معتمة‪ ،‬و‪ %70‬طاقة معتمة‪ ،‬أي أنه ليست لنا قيمة عىل اإلطالق!!!‬ ‫فلامذا سيكون هكذا كون‪ ،‬نحن فيه عدميو األهمية لهذه الدرجة قد خلق ألجلنا؟!!!‪.‬‬

‫‪Lawrence Maxwell Krauss is a Canadian-American theoretical‬‬ ‫‪physicist who is a professor of physics, Foundation Professor of‬‬ ‫‪the School of Earth and Space Exploration, and director of the‬‬ ‫‪.Origins Project at Arizona State University‬‬

‫ترجمة وإعداد‪............ :‬‬ ‫رائد شيا‪...‬‬ ‫عامر األطرش‪...‬‬ ‫ضياء أبو الفضل‪...‬‬

‫‪98‬‬

‫‪Lawrence M. Krauss‬‬


‫نشوء مفهوم الحجاب‬ ‫يف التاريخ الديني‬

‫‪Mohamed Shouman‬‬ ‫‪99‬‬


‫نشوء مفهوم الحجاب‬ ‫يف التاريخ الديني‬ ‫‪Mohamed Shouman‬‬

‫ربا قبل األديان جميعا‪ ،‬فنجد يف قوانني حمورايب‬ ‫إ َّن ارتداء الحجاب ليس إخرتا ًعا إسالم ًيا بل له تاري ٌخ‬ ‫ضارب يف ال ِقدم‪ّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫رص فقط عىل الرشيفات‬ ‫التي أوحى له بها الرب "شمش" أنه من املحرمات أن ترتدي األمة أو الجارية الحجاب‪ ،‬فهو مقت ٌ‬ ‫ضخم من األنبياء أ َّن النقاب ردا ٌء للزانيات‬ ‫من النساء‪ ،‬بينام نجد النص التورايت املقدس املوحى به من الرب يهوه لعد ٍد ٍ‬ ‫وليس للحرائر من النساء (راجع سفر التكوين ‪ ،)38 : 13 -19‬ثم جاءت املسيحية وبعدها اإلسالم ليسريا عىل نفس‬ ‫النسق الفكري يف الدعوة إىل سرت املرأة وراء حجاب‪ ،‬أما لو تساءلنا عن السبب الديني لهذه الدعوة فإننا سنفاجأ مفاجأ ًة‬ ‫كبرية‪ ،‬فلرنجع للبداية‪ ،‬أي إىل زمان طوفان نوح‪ ،‬نجد التايل‪:‬‬ ‫»وحدث ملا ابتدأ الناس يكرثون عىل األرض وولد لهم بنات أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات فاتخذوا ألنفسهم‬ ‫نساء من كل مااختارو» (سفر التكوين ‪.)3 -1 : 6‬‬ ‫هذا النص من النصوص الغريبة يف التوراة‪ ،‬ولهذا يتجاهله معظم املفرسين‪ ،‬أو مي ّرون عليه مرور اللئام‪ ،‬فلنحاول أن‬ ‫نرشحه نحن بطريقتنا‪ :‬كان البرش قبل نو ٍح يتكاثرون بطريق ٍة طبيعي ٍة نتيجة تزاوج الرجال مع النساء‪ ،‬إىل أن ظهر عىل‬ ‫مرسح األحداث ما تسميه الرتجمة العربية للتوراة "أبناء الله" وهي ترجم ٌة غري دقيق ٍة للكلمة العربية القدمية "بيني ها‬ ‫إيلوهيم" والتي تعني حرف ًيا‪ :‬الكائنات املقدسة أو املالئكة‪ ،‬وليس أبناء الله كام تخربنا الرتجمة العربية‪ ،‬فنجد يف سفر‬ ‫أيوب‪:‬‬ ‫يوم أن جاء بنو الله ليمثلوا أمام‬ ‫»وكان ذات ٍ‬ ‫أيضا يف وسطهم»‬ ‫الرب‪ ،‬وجاء الشيطان ً‬ ‫(أيوب ‪.) 6‬‬ ‫أي أ َّن أبناء الله هم املالئكة‪ ،‬ولك ّن مالئكة‬ ‫السامء كائناتٌ نوراني ٌة من املفرتض أنهم ال‬ ‫يتزاوجون‪ ،‬فكيف يتز ّوج ٌ‬ ‫مالك نورا ٌين من‬ ‫برشي ٍة طينية؟ وكيف يتخىل املالك عن طبيعته‬ ‫ٍ‬ ‫بجسد برشي‬ ‫النورانية الطاهرة وميارس الجنس‬ ‫مبهم إىل‬ ‫مع إناث األرض؟ ظل هذا التساؤل ً‬ ‫أن عرثنا عىل كتاب أبو كريفي ‪-‬أي غري معرتف‬ ‫به رسم ًيا‪ -‬إسمه سفر أخنوخ‪ ،‬وقد كُتب يف‬ ‫حوايل القرن األول قبل امليالد عىل األقل‪ ،‬وهو‬ ‫يرشح لنا هذا النص الغامض بالتفصيل‪:‬‬ ‫‪100‬‬


‫نشوء مفهوم الحجاب‬ ‫يف التاريخ الديني‬ ‫‪Mohamed Shouman‬‬

‫»عندما تكاثر بني البرش ولدت لهم بناتٌ غضاّتٌ وجميالت‪ ،‬ورآهن املالئكة أبناء السامء فاشتهوهن‪ ،‬فقال بعضهم‬ ‫لبعض‪ :‬لنذهب ونخرت نسا ًء من البرش ولننجب أطفاالً‪ ،‬فقال لهم شمهازا الذي كان رئيسهم‪ :‬أخىش أن ترتاجعوا فأصبح‬ ‫وحدي املقرتف لخطيئ ٍة كبرية‪ ،‬فأجابوه جمي ًعا‪ :‬لنقسم كلنا العنني أال نتخىل عن هذا املخطط حتى نت ّمه ونكون قد‬ ‫أنجزنا األمر‪ ،‬عندها أقسموا مع بعضهم جمي ًعا وتعاهدوا حتى اللعن من أجل ذلك‪ ،‬وكانوا مبجملهم مائتني‪ ،‬وكانوا قد‬ ‫وسمي الجبل حرمون ألنهم هنا كانوا قد أقسموا وتبادلوا العهد حتى اللعن‪،‬‬ ‫نزلوا يف زمن يارد عىل قمة جبل حرمون‪ُ ،‬‬ ‫هؤالء وجميع رفقائهم إتخذوا نساء ألنفسهم‪ ،‬واحدة لكل منهم‪ ،‬وبدؤوا بتقريبهن والتنجس باإلحتكاك به ّن‪ ،‬وعلموهن‬ ‫األدوية والسحر والنبات وأرشدوهن إىل األعشاب‪ ،‬وحملت النساء وولدن عاملقة طولهم ثالثة آالف ذراع‪ ،‬إبتلعوا نتاج‬ ‫تعب البرش كله‪ ،‬إىل حد أن البرش مل يعودو يستطيعون إطعامهم‪ ،‬وتحالف العاملقة ضدهم يك يقتلوهم وابتلعوا البرش‪،‬‬ ‫وراحوا يذنبون إتجاه الحيوانات كلها‪ ،‬الطيور‪ ،‬وذوات األربع‪ ،‬والزواحف‪ ،‬واألسامك‪ ،‬كام وابتلعوا بعضهم بعضا ورشبوا‬ ‫الدم‪ ،‬عندها إشتكت األرض من املجرمني ملا كان قد جرى عليها» (السفر الرؤيوي ألخنوخ ‪.)2 :1‬‬ ‫وهنا يتضح لنا األمر‪ ،‬فاملالئكة املطرودة من سامء الرب مع الشيطان أيام آدم أو حفيده يارد قد إشتهت أجساد بنات‬ ‫جنسا من الجبابرة‪ ،‬ولو رجعنا قليالً لألساطري‬ ‫البرش اللدنة‪ ،‬فاتخذت لنفسها صور ًة جسدي ًة لتضاجعهن وتنجب منهن ً‬ ‫البدائية‪ ،‬لوجدنا أنّه كان من األمور املعتادة هبوط آله ٍة من السامء لتمتطي إناث ًا من بني البرش‪ ،‬لتنجب منهن كائ ًنا‬ ‫أقوى من البرش وأضعف من اإلله‪ ،‬ولنا يف هرقل بن اإلله زيوس من البرشية ألكمينا أسوة حسنة‪،‬‬

‫‪101‬‬


‫نشوء مفهوم الحجاب‬ ‫يف التاريخ الديني‬ ‫‪Mohamed Shouman‬‬

‫وجاءت التوراة لتساير األساطري السائدة وتؤكّد أ ّن سكان األرض يف وقت نو ٍح كانوا "هجينا" من تزاوج املالئكة الساقطة‬ ‫أيضا إىل مضاجعة الحيوانات والزواحف‪،‬‬ ‫مع بنات البرش الفاتنات‪ ،‬ومل تكتف مطاريد املالئكة مبضاجعة إناثنا‪ ،‬بل إتجهت ً‬ ‫مرصي صمي ٌم مازال مستم ًرا حتى اآلن‪ ،‬أما‬ ‫ولعلنا نستطيع أن نتفهم مضاجعة املالئكة للحيوانات عىل إعتبار أنه تقلي ٌد‬ ‫ٌ‬ ‫يك مل نسمع عنه قط بني بني البرش‪ ،‬ورمبا لهذا السبب مل يطلب اإلله يهوه‬ ‫مضاجعة الزواحف فهي يف الحق إبتكا ٌر مالئ ٌ‬ ‫من نو ٍح تحذيرهم أو دعوتهم إىل الهداية مقررا منذ البدء إهالكهم لتطهري األرض من رشورهم‪ ،‬فيقرر يف لحظة إنفعا ٍل‬ ‫أن ميحي من عىل وجه األرض‪:‬‬ ‫«كل مايف أنفه نسمة روح حياة» (سفر التكوين ‪.)23-22 :7‬‬ ‫أي البرش والحيوانات والطيور وكل الكائنات الحية عىل كوكب األرض‪ ،‬باستثناء البطريرك املدعو نوح‪..‬‬ ‫«الذي وجد نعمة يف عيني الرب» ( سفر التكوين ‪.)8 :6‬‬ ‫فيأمره اإلله ببناء ٍ‬ ‫عام يف بناء سفينته وجمع‬ ‫فلك يحميه من الطوفان القادم‪ ،‬ويطيع الرجل الصالح أمر ربه ويقيض مئة ٍ‬ ‫نوح نعم ٌة‬ ‫زوجني من كل حيوانات وطيور األرض ليك يأخذهم معه يف السفينة لتبدأ بهم حيا ٌة جديدة؛ أما ملاذا وجد ٌ‬ ‫يف عيني الرب؟ فتخربنا التوراة بالتايل‪:‬‬ ‫نوح رجالً با ًرا كامالً يف أجياله» (سفر التكوين ‪.)9 :6‬‬ ‫«كان ٌ‬ ‫وكلمة "كامالً" هي ترجمة عربية غري دقيقة للكلمة العربية (متيم)‪ ،‬والتي تعني حرفيًا "من دون تشو ٍه فيزيايئ" أي أنّه‬ ‫كان إنسانًا كامالً يف إنسانيته ومل تل ِّوث عروقه دماء املالئكة الساقطة‪ ،‬أي أنّه كان إنسانًا من نسل ٍ‬ ‫أناس طبيعيني‪ ،‬ومل‬ ‫يعتل ُ‬ ‫رشا سويًا‪ ،‬وهاكم النص املقدس‪:‬‬ ‫رجال املالئكة أ ّمه فصار ب ً‬ ‫كتاب آخر من الكتب املكتشفة حديثًا يف قمران إسمه”قصة المك”‪ ،‬وهو ليس كتابًا باملعنى املفهوم بل مجرد‬ ‫فنجد يف ٍ‬ ‫بضعة سطو ٍر نكتشف منها أن السيّد المك والد البطريرك نوح يتهم زوجته التي اسمها (بتشوع) بأنها قد حبلت بنو ٍح‬ ‫من كائنٍ آخر وليس منه؛ فرتد املسكينة قائل ًة‪:‬‬ ‫«وعندما رأت بتشوع زوجي أن وجهي قد تغري عليها‪ ،‬عندها ضبطت إنفعالها وكلمتني وقالت يل‪ :‬أيا سيدي أيا أخي‪،‬‬ ‫تذكر اللذّة التي شعرت بها‪ ،‬أقسم لك بالقدوس األعظم مبلك السامء‪ ،‬إن هذا املني منك حقًا‪ ،‬وأن هذا الحمل منك حقًا‪،‬‬ ‫أي من أبناء السامء» (قصة المك ‪.)17 :12‬‬ ‫أي من اليقظني‪ ،‬وال من ٍّ‬ ‫أي إنسانٍ آخر‪ ،‬وال من ٍّ‬ ‫وليس من ّ‬ ‫ولكن األب اليصدقها ويذهب لرؤية أباه أخنوخ‪ ،‬رغم أنه كان قد سار مع الله‪ ،‬ولكن النص لألسف يُقطع من هنا‪ ،‬فال‬ ‫ٍ‬ ‫بتحريض من‬ ‫نعرف نحن سبب هذا الشك املبني الذي يدلنا عىل مدى سيطرة اإلنحالل الجنيس عىل نساء تلك الفرتة‬ ‫مطاريد املالئكة‪.‬‬

‫‪102‬‬


‫نشوء مفهوم الحجاب‬ ‫يف التاريخ الديني‬ ‫‪Mohamed Shouman‬‬

‫إذًا‪ ،‬يراد بنا أن نصدق أن ليونة أجساد بنات البرش وداللهن قد جعلت مطاريد املالئكة تعيش يف هيا ٍج جنيس ال حد له‪،‬‬ ‫مام دفعها إىل إعتالء نسائنا لينجبوا منهن نسالً من العاملقة‪ ،‬ولعلّنا يف هذا السياق املق ّدس نتذكر أن الرب زيوس رب‬ ‫األرباب اليوناين قد ظل ثالثة أيام بلياليها يُضاجع البرشية "ألكمينا" حتى حبلت بالبطل األسطوري هرقل‪ ،‬والمنلك نحن‬ ‫البرش الفانون سوى الحرسة عىل مستوى أدائنا الجنيس مقارن ًة باآللهة أو حتى املالئكة املطاريد‪ ،‬وندعوا الله مخلصني‬ ‫له الدعاء أن يُبعد مالئكته عن نسائنا‪.‬‬ ‫وربا عىل ضوء هذا التفسري ميكننا أن نفهم قول بولس الرسول‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫«لهذا ينبغي للمرأة أن يكون لها سلطان عىل رأسها من أجل املالئكة» (كورنثوس‪.)10 -11:‬‬ ‫رس إرصار الديانات الساموية‬ ‫أي أنه عىل املرأة أن تداري مصدر الفتنة لديها وهو شعرها تحت حجاب ‪ -‬وال ندري نحن ّ‬ ‫عىل أن شعر املرأة هو مصد ٌر لإلثارة الجنسية‪ ،‬حتى صار غطاء الرأس أه ّم مقومات التدين يف عرصنا هذا والعصور‬ ‫أيضا ‪ -‬كيال تثري شهوة املالئكة املطرودة فتعجز عن مقاومة إغراءات الشعر املثري فتضطر آسفة أو سعيدة‬ ‫السابقة ً‬ ‫ٍ‬ ‫موقف ال نُحسد عليه‪ ،‬فإمكانيات املالئكة الجنسية ‪ -‬بال شك‪ -‬أعظم‬ ‫إىل إمتطائها‪ ،‬وهو ما يضعنا نحن رجال البرش يف‬ ‫من إمكانياتنا البرشية‪ ،‬وبالتايل فسوف تهفوا نسائنا إىل اإلنبطاح تحت مالئكة الرب املطرودة‪ ،‬وترتكنا نحن بإمكانيتنا‬ ‫املحدودة نه ًبا لألفكار الجنسية املثرية التي ال نجد لها ترصيفا‪ ،‬ومن هنا فنحن نتوسل لنساء البرش أن ترتدين الحجاب‬ ‫رحم ًة بنا‪.‬‬ ‫ولعلنا لو نظرنا للحجاب عىل أنه غطا ٌء يغطي أعىل املرأة‪ ،‬ويف نفس الوقت علِمنا من معطياتنا الدينية أن املالئكة‬ ‫كائنات علوية‪ ،‬أي أنها ترانا من فوق رؤسنا‪ ،‬التضح لنا األمر جليًا‪ ،‬فالحجاب يف األساس ليس هدفه أن تحتشم املرأة من‬ ‫الرجل‪ ،‬بل أن تداري فتنتها عن أعني املالئكة الفوقية التي تراها من أعىل‪ ،‬وبالتايل فمصدر الفتنة للمالئكة ليس الجسم‬ ‫األنثوي‪ ،‬بل هو عىل األرجح الشعر املتطاير يف الهواء الذي يثري رغبات املالئكة العلوية الجنسية‪ ،‬أ ّما رجال األرض فال‬ ‫كل من يشك يف هذا الكالم عىل أي موقع‬ ‫نعتقد أ َّن منظر الشعر األنثوي هو الذي يحرك غرائزهم الجنسية‪ ،‬و ليدخل ّ‬ ‫عىل النت ليشاهد أفالم البورنو التي ال مجال فيها للشعر األنثوي‪ ،‬بل هناك مفاتن أخرى للمرأة تثري رغبات الرجل‪.‬‬

‫‪103‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلة امللحدين العرب هي مجلة هدفها‬ ‫نشر أفكار امللحدين العرب على إختالف‬ ‫توجهاتهم السياسية و العرقية بحرية‬ ‫كاملة‬ ‫اجمللة عبارة عن مجلة رقمية مبنية بجهود‬ ‫فردية وال تنتمي الي توجه سياسي ‪..‬‬ ‫املعلومات و املواضيع املوضوعة في اجمللة‬ ‫تعتبر مسؤلية أصحابها من الناحية األدبية‬ ‫و ناحية حقوق النشر و حفظ امللكية‬ ‫الفكرية‬ ‫الناشرون في اجمللة هم من أعضاء مجموعة‬ ‫مجلة امللحدين العرب أو من الكتاب العرب‬ ‫امللحدين ممن إستطعنا التواصل معه ألخذ‬ ‫اإلذن بالنشر‬ ‫مينع نشر كل ماهو مناف لألخالق العامه و‬ ‫كذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‬ ‫لهيئة التحرير احلق باختيار ما تراه مناسبا‬ ‫من املواضيع املوضوعة في اجملموعة للنشر‬ ‫فنشر أي موضوع صمن اجملموعة يعتبر‬ ‫تفويضا للمجلة بالنشر‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.