مجلة الملحدين العرب: العدد الحادي والعشرون/ شهر أغسطس/ 2014

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز‬

‫ميت‪:‬‬ ‫حي وما هو‬ ‫ٌ‬ ‫بني ما هو ٌ‬ ‫العدد الحادي والعرشون من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر اغسطس لسنة ‪2014‬‬

‫شيء على اإلطالق‬ ‫ال يوجد‬ ‫ٌ‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫عالم بال إل ٍه‪ :‬فقدان ديننا‬ ‫ٌ‬ ‫فريق ترجمة قناة امللحدين بالعربي‬

‫سلسلة الفاحشة في فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪1‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫مجلّة امللحدين العرب مجل ٌة رقمي ٌة مبني ٌة‬ ‫ج ٍه سياسي؛ هدفها‬ ‫ي تو ّ‬ ‫بجهودٍ فردي ٍة؛ وال تتبنّى أ ّ‬ ‫جهاتهم‬ ‫نشر أفكار امللحدين على اختالف تو ّ‬ ‫وانتماءاتهم بحرّي ٍة كامل ٍة‪.‬‬ ‫املعلومات والرسومات واملواضيع املطروحة تُعتبر‬ ‫مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية وناحية‬ ‫حقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬


‫كلمة حترير اجمللة‬

‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫‪....................................................... Gaia Athiest‬‬ ‫أعضاء هيئة التحرير و بناء اجمللة‬

‫قــال ســتيفن هوكينــغ فــي مقابلــة تلفزيونيــة مــع دايــان‬ ‫ســوير اإلعالميــة األمريكيــة‪ ":‬هنــاك فــرق جوهــري بــن‬ ‫الســلطة‪ ،‬بينمــا‬ ‫العلــم والديــن‪ ،‬الديــن يعتمــد علــى ُ‬ ‫العلــم يعتمــد علــى املالحظــة واملنطــق‪ ،‬العلــم يكســب‬ ‫ألنــه يعمــل"‬

‫‪John Silver‬‬

‫‪almolhed alarabi‬‬

‫العلــم يكســب ضــد اجلهــل واخلرافــة‪ ،‬ضــد الدجــل‬ ‫والتزويــر‪ ،‬ضــد الشــعوذة واخلــداع‪ ،‬ضــد العلــوم الزائفــة‪.‬‬

‫عادل أحمد‬

‫‪Noor Massarwa‬‬

‫الغراب احلكيم‬

‫‪Zaher Zaher‬‬

‫‪Sameer Samee‬‬

‫‪Wissem Ben Samir‬‬

‫‪Zoro Diego‬‬

‫‪Zena Aziz‬‬

‫فالعلــم احلقيقــي نــراه فــي كافــة جوانــب حياتنــا‪ ،‬فــي‬ ‫الطــب والهندســة والزراعــة وعلــوم الفضــاء والبيولوجــي‬ ‫تطور‬ ‫والتكنولوجيــا‪ ،‬نلمــس نتائجــه وتطبيقاتــه ونلحــظ‬ ‫ّ‬ ‫البشــرية وتق ّدمهــا بســببه‪ ،‬أمــا العلــم الزائــف فنحــن‬ ‫ال نــرى مــن مروجيــه إال الــكالم‪ ،‬فهــم ليســوا متطفلــن‬ ‫يعطلــون عجلــة التقــدم مبــا‬ ‫علــى العلــم فحســب‪ ،‬بــل ّ‬ ‫ينشــرونه مــن أكاذيــب مضللــة تأخذنــا لعصــور الظــام‬ ‫مــن جديــد‪.‬‬

‫‪Yamen Al Refai‬‬

‫أبو العبد‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫‪Destin Fatal‬‬

‫‪Mohamad Ahmed‬‬

‫‪Em Ma‬‬

‫عقالني عقالني‬

‫‪Nada Lutfi‬‬

‫‪Shakek Altaher‬‬

‫‪Hassan W. Hassan‬‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫‪Leena Awouda‬‬

‫‪Alia`a Damascéne‬‬

‫‪Ameer Albaghdadi‬‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫‪Mohammad Sy‬‬

‫‪Lina AL Assfer‬‬

‫‪Anouar El Mekki‬‬

‫‪Ghaith Jabri‬‬

‫‪Cold Winter‬‬

‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫عاصم علي‬

‫مــا الــذي ق ّدمــه مروجــو العلــوم الزائفــة مــن بدائــل واقعية‬ ‫عمليــة أو تطــورٍ ملحــوظ فــي أي مجال؟ ال شــيء‬ ‫واالدعــاءات غيــر االعتياديــة يلزمهــا أدلــة غيــر اعتياديــة‪،‬‬ ‫ناهيــك عــن عــدم وجــود طريقــة علميــة الختبــار دجلهــم‪،‬‬ ‫فهــم ال يق ّدمــون إال املهاتــرات‪ ،‬مســتغلّني جهــل العامــة‬ ‫باملنهــج العلمــي وأسســه‪.‬‬ ‫وينطــوي حتتهــم أدعيــاء العلــم الذيــن يســعون جاهديــن‬ ‫لتعزيــز الدوغمــا الدينيــة بشــتى الطــرق بانتحــال املعرفــة‬ ‫العلميــة وتشــويهها ومجانبــة احلقيقــة‪ ،‬فقــط إليهــام‬ ‫العامــة بصحــة معتقداتهــم‪ ،‬فــأي جيــل ســيخرج مــن‬ ‫حتــت أيديهــم؟‬ ‫البــد لنــا مــن وقفــة واحــدة وصارمــة جتــاه هــؤالء‪،‬‬ ‫دائمــا ‪:‬‬ ‫فمســتقبل أجيالنــا ليــس ســلعة لهــم‪ ،‬وتذكــروا ً‬ ‫العلــم يكســب ألنــه ببســاطة يعمــل!‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬

‫‪ Metis LM Apostate‬سرود سليم‬ ‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫دليل املبتدئ في مواجهة‬ ‫اإلعجاز املهترىء‬ ‫الغراب احلكيم‬

‫‪4‬‬

‫مسخرة التاريخ‬ ‫ود الناصري‬

‫‪10‬‬

‫الردّ على أحمد الشقيري‬

‫‪12‬‬

‫هل يفكر اهلل؟‬ ‫من أرشيف املنتدى االم ( عزرائيل)‬

‫‪23‬‬

‫فادي قوشقجي‬

‫‪26‬‬

‫سلسلة الفاحشة في فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪1‬‬ ‫‪Hunger mind‬‬

‫‪38‬‬

‫صناعة اآللهة؛ احللم املمنوع‬ ‫‪Nesta Fz‬‬

‫‪43‬‬

‫اإلجهاز على شبهة اإلعجاز في‬ ‫أساطير احلجاز (‪)1‬‬ ‫‪Matheos Harison‬‬

‫‪47‬‬

‫أنت أسمى من أن تكون إلها ً‬ ‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫‪79‬‬

‫عالم بال إلهٍ‪ :‬فقدان ديننا‬ ‫ٌ‬ ‫فريق ترجمة قناة امللحدين بالعربي‬

‫‪86‬‬

‫ميت‪:‬‬ ‫حي وما هو‬ ‫ٌ‬ ‫بني ما هو ٌ‬ ‫شيء على اإلطالق‬ ‫ال يوجد‬ ‫ٌ‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫‪98‬‬

‫هادي بن رمضان‬

‫في حوار مع‪...........‬‬

‫لسنا بحاج ٍة إلى إل ٍه‬ ‫‪Girgis Rizk‬‬

‫‪107‬‬

‫‪3‬‬


‫د‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫مل‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫ئ‬ ‫يف‬ ‫م‬ ‫وا‬ ‫ج‬ ‫هة اإلعجاز املهرتىء‬ ‫الغراب الحكيم‬

‫اإلعجاز العلمي‪،‬‬ ‫وما أدراك ما اإلعجاز‬ ‫العلمي ؟ موضة العرص‬ ‫املفضلة للمؤمنني‬ ‫والطريقة‬ ‫ّ‬ ‫يف إثبات صحة دينهم عن طريق‬ ‫التمسح بقيمة العلم ووزنه ومصداقيته‬ ‫ّ‬ ‫التي أثبتها من خالل إنجازاته ومكتشفاته‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫حديث بعد أن فشل الدين‬ ‫ويأيت اإلعجاز كمنت ٍج‬ ‫ظل التطور العلمي‪،‬‬ ‫كلياً يف إثبات وجوده وقيمته يف ّ‬ ‫وتنامي الشعور العام بخيبة األمل من هذا املنهج الذي‬ ‫ي ّدعي الكامل‪ ،‬ومع ذلك مل يخلّف للمؤمنني به واملطبقني له‬ ‫‪4‬‬


‫دليل املبتدئ يف‬ ‫مواجهة اإلعجاز املهرتىء‬ ‫الغراب الحكيم‬

‫إال الفشل عىل جميع األصعدة‪ ،‬هنا جاء اإلعجاز كمنت ٍج مخ ّد ٍر مينح الزبون قليالً من الشعور بالقيمة باعتباره يتّبع الدين‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات دقيق ٍة حقيقي ٍة مل يتوصل لها العلم إال مؤخرا ً ؟! فمس ّوقوا‬ ‫الصحيح‪ ،‬وكيف ال يكون صحيحاً‪ ،‬وهو يحتوي عىل‬ ‫اإلعجاز ومبتدعوه عىل اختالف مناهجهم وأثوابهم يعتاشون عىل بيع هذا املنتج املخدر للعا ّمة‪ ،‬ويحصلون عىل الكثري‬ ‫من االهتامم والحضور اإلعالمي واالحرتام‪ ،‬وما يرافق ذلك من أموا ٍل وعطايا‪ ،‬هذا املنتج الذي ي ّربر للمؤمنني بهذا الدين‬ ‫التمسك به واحرتامه‪ ،‬ووجب القول إنها ليست ظاهر ًة إسالمي ًة فقط‪ ،‬ففي كل األديان هناك إعجازاتٌ علمي ٌة‬ ‫ولو قليالً ّ‬ ‫بشكلٍ أو بآخر‪ ،‬وكلها تتبع نفس البنية األساسية‪.‬‬ ‫اإلعجاز يقوم عىل ع ّدة مراحل‪ ،‬وهو يعتمد‬ ‫غالباً عىل النصوص املق ّدسة؛ بهدف تزكيتها‬ ‫النص له‬ ‫ومتجيدها والقول ببساطة إ ّن هذا ّ‬ ‫قيم ٌة كبريةٌ؛ ألنه ميتلك أمورا ً خارق ًة‪ ،‬وإ ّن‬ ‫متّبعيه يجب أن يكونوا سعدا ًء بإثبات‬ ‫هذه القيمة لهذه النصوص‪ ،‬ألنّهم بهذا لن‬ ‫يكونوا حمقى إذا ما م ّجدوها وق ّدسوها‪.‬‬

‫بنية اإلعجاز‬

‫هناك نوعان أساسيان من اإلعجاز العلمي‪،‬‬ ‫األول‪ :‬اإلعجاز الكاذب‪ ،‬الثاين‪ :‬اإلعجاز‬ ‫املبسط يتعامل‬ ‫الحقيقي‪ ،‬وهذا الدليل ّ‬ ‫معهام بطريق ٍة واحد ٍة؛ ألن كليهام فاس ٌد‬ ‫سأوضح الحقاً‪ ،‬وميكن وصف صناعة‬ ‫كام‬ ‫ّ‬ ‫اإلعجاز ومراحله بالخطوات التالية‪:‬‬

‫‪ - 1‬البدء باملعضلة ‪:‬‬

‫النص‬ ‫نص ّما ميكن لويه وتأويله وتفسريه بغية استخدامه للقول إ ّن هذا ّ‬ ‫تبدأ بأخذ معلوم ٍة حديث ٍة ما والبحث عن ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫اقتباس ّما وتعديل معانيه ليتوافق مع حقيق ٍة علمي ٍة‬ ‫يتكلّم عن هذه املعلومة‪ .‬أو ميكن أن تبدأ من النص نفسه باختيار‬ ‫النص وحقيق ٍة علمي ٍة حديث ٍة‪ ،‬وحتى لو مل تكن هذه العالقة موجودةً‪ ،‬بل‬ ‫حديث ٍة‪ ،‬املهم هو أن تكون هناك عالق ٌة بني ّ‬ ‫حتى لو مل تكن هذه الحقيقة العلمية أو املعنى يف النص موجودتني أصالً‪ ،‬هنا يختلف اإلعجاز الكاذب عن اإلعجاز‬ ‫الحقيقي‪ ،‬فاإلعجاز الكاذب يقوم باخرتاع معلومة غري حقيقي ٍة ويدعي أنها حقيقي ٌة‪ ،‬وعىل سبيل املثال إعجاز النملة‬ ‫‪5‬‬


‫دليل املبتدئ يف‬ ‫مواجهة اإلعجاز املهرتىء‬ ‫الغراب الحكيم‬

‫الشهري لعبد الدائم الكحيل حيث قال‪ :‬إ ّن النمل مصنو ٌع من زجاج‪ ،‬أو معلومة أ ّن وكالة الفضاء األمريكية اكتشفت أن‬ ‫حقيقي بني النص واملعلومة العلمية الحديثة مثل‬ ‫تطابق‬ ‫انشق‪ ،‬ويف حال اإلعجاز الحقيقي النادر يكون هناك‬ ‫ٌ‬ ‫القمر قد ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ظاهرة انفصال املاء الحلو عن املالح يف مص ّبات األنهار‪ ،‬لكن مصدر هذه املعلومة ليس هو هذه النصوص بالرضورة‪،‬‬ ‫وغالباً ما تكون معلوم ًة معروف ًة منترش ًة يف زمن كتابة النص‪.‬‬ ‫والنص القديم هو اخرتاع معضل ٍة للمتلقي‪ ،‬وهي تقوم‬ ‫الهدف من إيجاد واخرتاع هذه العالقة بني االكتشاف الحديث ّ‬ ‫النص‬ ‫النص‪ ،‬فكيف وصلت هذه املعلومة الحديثة إىل ّ‬ ‫عىل السؤال التايل‪ :‬هذه املعلومة جديد ٌة ومل تكن معروف ٌة يف زمن ّ‬ ‫القديم ؟‬ ‫أي أ ّن املعضلة يجب أن تحتوي عىل‬ ‫‪ 1.1‬معلوم ٍة يف النص‬ ‫‪ 2.2‬معلوم ٍة حديث ٍة‬ ‫‪ 3.3‬تطابق بني املعلومة الحديثة ومعاين النص‬ ‫‪ 4.4‬هذه املعلومة غري موجود ٍة يف اإلطار الزمني للنص‬ ‫هذه املعضلة املخرتعة هي األساس يف اإلعجاز‪ ،‬وترتاوح جودة اإلعجاز حسب بناء هذه املعضلة وتختلف بني اإلعجازين‬ ‫وكذب عىل النص ‪.‬‬ ‫تدليس‬ ‫الكاذب والحقيقي بكون املعلومات صحيح ًة أم كاذب ًة‪ ،‬وهل النص يقول بها أم أ ّن املوضوع‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫الحل للمعضلة‪:‬‬ ‫‪ - 2‬تسويق ّ‬

‫حل لهذه املعضلة‪ ،‬هذا‬ ‫يقوم مخرتعوا اإلعجاز بتسويق ٍّ‬ ‫الحل الذي قاموا بصنع املعضلة من أجله‪ ،‬وهو أن هذه‬ ‫النصوص ليست نتيج ًة عن البيئة التي أنتجت النصوص‬ ‫ودخيل ًة عليها‪ ،‬فيقومون هنا بافرتاض أحد الحلول املمكنة‬ ‫الحل الوحيد‪،‬‬ ‫وحل هذه املعضلة وتقدميه‪ ،‬وكأنه ّ‬ ‫لتفسري ّ‬ ‫الحل وإذا مل‬ ‫وهي هنا تكون عىل الشكل التايل‪ “ :‬هذا هو ّ‬ ‫حل لديك للمعضلة‪ ،‬إما هذه هي اإلجابة أو ال‬ ‫تقبله فال ّ‬ ‫توجد إجاب ٌة “ مبعنى آخر إ ّن اإلله قام بوضع هذه املعلومات‬ ‫النص عن طريق الوحي وأخفاها بشكل ال يستطيع أحد‬ ‫يف ّ‬ ‫العثور عليها إىل حني اكتشافها عىل يد العلم‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫دليل املبتدئ يف‬ ‫مواجهة اإلعجاز املهرتىء‬ ‫الغراب الحكيم‬

‫‪ - 3‬االستنتاج‬

‫بكل هذه العملية‬ ‫يتجاهل ص ّناع اإلعجاز العلمي كل املنطق والتسلسل االستنتاجي‪ ،‬ويقفزون إىل االستنتاج الذي قاموا ّ‬ ‫بهدف إثباته وهو صحة الدين وصحة وجود اإلله باستخدام املحاججة الفاسدة املسامة " القسمة الثنائية الزائفة "‪ ،‬إما‬ ‫أن تقبل بوجود هذا اإلله وقيمة هذه النصوص‪ ،‬أو أن تقبل بعدم معقولية الظاهرة املتمثلّة بوجود هذه املعلومات‬ ‫يف النصوص‪ ،‬وبهذا تدين نفسك بالالعقالنية‪ ،‬متجاهلني كون املعضلة مجرد مجموع ٍة من األكاذيب والتأويالت يف حالة‬ ‫اإلعجاز الكاذب‪ ،‬ومتجاهلني كل اإلجابات األكرث صح ًة ومنطقي ًة عىل املعضلة ( يف حال كانت إعجازا ً حقيقياً )‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫مقلوب يبدأ عملياً مبا يريدون إثباته‪ ،‬ومن ثم العمل عىل صناعة معضل ٍة وتسويق الحل لها‬ ‫بإثبات‬ ‫وهنا يكتمل اإلعجاز‬ ‫ٍ‬ ‫وبغض‬ ‫بهدف الوصول لهذا املطلوب إثباته‪ ،‬أي عملياً البدء بنتيج ٍة مراد إثبات صحتها‪ ،‬ومن ثم البحث عن أدلة تثبتها‪ّ ،‬‬ ‫بكل فساده ال‬ ‫دليل وهذا أيضاً غري صحي ٍح‪ ،‬فاإلعجاز ّ‬ ‫النظر عن فساد هذا املنهج يف اإلثبات‪ ،‬إال أنه يفرتض أ ّن اإلعجاز ٌ‬ ‫يعترب دليالً‪ ،‬وهنا نصل ملوضوع الدليل‪.‬‬

‫الدليل‬

‫ما الدليل ؟ وكيف ميكننا تقديم دليلٍ صحي ٍح عىل فرضي ٍة ما ؟‬ ‫مستقلً عنه‪ ،‬أي ال ميكن أن يكون الدليل معتمدا ً عىل اإلدعاء‪ ،‬وعليه يكون‬ ‫ّ‬ ‫الدليل هو ما يثبت إدعا ًء ما بذاته‪ ،‬ويكون‬ ‫الدليل العلمي هو ما يثبت ص ّحة فرضي ٍة بشكلٍ ٍ‬ ‫خاص ومحد ٍد لهذه الفرضية‪ ،‬وميكن اختباره وقياسه وإعادة تجربته‬ ‫والتحقق منه‪ ،‬فهل بهذه الحالة يكون اإلعجاز دليالً ؟‬ ‫طبعاً ال‪ ،‬فالدليل ال يقوم عىل اختيار اإلجابات واألفكار املراد إثباتها‪ ،‬ومن ثم بناء معضل ٍة ما حوله وتقديم الحل لهذه‬ ‫املعضلة‪ ،‬ومن ثم تقديم استنتا ٍج ير ّجح صحة فرضي ٍة واحد ٍة ما دوناً عن آالف الفرضيات تدعم هذه األفكار التي ت ّم‬ ‫منطق غاي ًة يف الفساد والعطب‪ ،‬وال ميكن وصفه إال بكونه تربي ٌر مث ٌري للشفقة أو إعجاز‪.‬‬ ‫اختيارها سابقاً‪ ،‬هذا‬ ‫ٌ‬

‫خطوات التعامل مع اإلعجاز‪:‬‬ ‫اآلن كيف نتعامل مع اإلعجاز وكيف نواجهه ؟ الخطوات التالية متكننا من التعامل مع كل أنواع اإلعجازات وأصحابها‬ ‫بشكلٍ‬ ‫منطقي وعقال ٍّين‬ ‫ٍّ‬

‫‪7‬‬


‫دليل املبتدئ يف‬ ‫مواجهة اإلعجاز املهرتىء‬ ‫الغراب الحكيم‬

‫بكل وضو ٍح‬ ‫‪ - 1‬توثيق املصدر وتحميل طارح اإلعجاز املسؤولية عليه ّ‬ ‫غالباً ما يته ّرب طارح اإلعجاز من مسؤولية كالمه عرب تغيري املوضوع أو الهروب منه أو رميه عىل اآلخرين‪ ،‬لذا وجب قبل‬ ‫كل يش ٍء أن تح ّمله مسؤولية ما يقوله‪ ،‬وإال ال يوجد معنى أو فائدة من مواجهة كالم شخص غري مسؤو ٍل عن إدعاءاته‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فهي غري ذات قيم ٍة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬التأكّد من صحة الظاهرة املستخدمة يف بناء املعضلة‪ :‬فغالباً ما تكون هذه الظاهرة أو املعلومة العلمية كاذب ًة أو‬ ‫النص‪.‬‬ ‫غري دقيق ٍة أو مأخوذ ٍة خارج سياقها بهدف تطويعها مبا يناسب ّ‬ ‫النص املق ّدم‪ :‬غالباً أيضاَ ما يكون النص ومعانيه تتكلم عن يش ٍء آخر متاماً‪ ،‬ويت ّم التدليس عىل‬ ‫‪ - 3‬التأكّد من دقّة معاين ّ‬ ‫املعاين أو ّيل أعناق املفردات‪ ،‬ليك تتطابق مع املعلومة العلمية الحديثة‪.‬‬ ‫النص من‬ ‫‪ - 4‬طرح التفسريات األخرى األكرث منطقي ٍة‪ :‬هناك دوماً تفسرياتٌ أكرث منطقي ٍة لوجود هذه املعلومة بذلك ّ‬ ‫غنم بهذه املعلومة‪ ،‬واالحتامالت أمامكم مفتوح ٌة‬ ‫التفسري القائل‪ :‬إ ّن هناك رجالً خفياً يسكن السامء قد وشوش لراعي ٍ‬ ‫اضات لتفسري ظاهر ٍة وال نحتاج ألدلة ٍ‬ ‫فنحن نقدم افرت ٍ‬ ‫أي أدل ٍة عىل‬ ‫إثبات بعد‪ ،‬فام يقدمه اإلعجاز بالنهاية خا ٍو متاماً من ّ‬ ‫كوكب آخ َر‪ ،‬أو أنّه مساف ٌر عرب الزمن‬ ‫إدعائها‪ ،‬عىل سبيل املثال افرتاض أ ّن من وضع هذه املعلومة ليس إلهاً‪ ،‬بل زائ ٌر من‬ ‫ٍ‬ ‫احل‪ ،‬وال تحتاج الفرتاض أي‬ ‫لدي كونها أكرث منطقي ٍة من االفرتاض اإللهي مبر َ‬ ‫من املستقبل‪ ،‬هذه االفرتاضات هي ّ‬ ‫املفضلة ّ‬ ‫يش ٍء خارقٍ للطبيعة يف عنارصها ‪.‬‬ ‫‪ - 5‬االلتزام بالحوار‪ :‬يف هذه املرحلة سيقوم صاحب اإلعجاز مبحاولة الته ّرب أو تغيري املوضوع ومتييعه ليك يخرج من‬ ‫املأزق الذي وضع نفسه به‪ ،‬لكن الخطوة األوىل ترتكه مع خيارين‪ ،‬إما االعرتاف بخطئه أو الهروب‪ ،‬هنا يتو ّجب عىل‬ ‫يتحل برباطة الجأش والحكمة والهدوء‪ ،‬وعدم السامح بهذه األمور‪.‬‬ ‫مواجه اإلعجاز أن ّ‬ ‫‪ - 6‬نسف قاعدة اإلعجاز‪ :‬هنا نأيت للخامتة القاضية التي كان يجب أن نبدأ بها التي تقيض عىل أي إعجا ٍز مهام كان‪،‬‬ ‫النص‪ ،‬هنا‬ ‫النص يقول باملعلومة‪ ،‬وأ ّن املعلومة صحيح ٌة‪ ،‬وأنّها مل تكن بالفعل معروف ًة يف زمن ّ‬ ‫فلو افرتضنا جدالً أ ّن ّ‬ ‫أي إجاب ٍة عىل هذه املعضلة إجاب ًة خاطئ ًة؛ ألنها تكون محاجج ٌة من الجهل‪ ،‬أي أنا ال أعرف سبب وجود هذه‬ ‫تبقى ّ‬ ‫النص‪ ،‬إذا ً الله فعلها !! وهذه من أوضح املحاججات الفاسدة‪ ،‬وأع ّمها عىل اإلطالق‪ ،‬هنا يجب توضيح‬ ‫املعلومة يف هذا ّ‬ ‫عيب يف عدم معرفة‬ ‫أن عدم املعرفة ليس دليالً عىل يش ٍء‪ ،‬وال ميكن استخدام الجهل كمعرف ٍة أو دليلٍ أيضاً‪ ،‬ال يوجد ٌ‬ ‫يش ٍء وااللتزام مبوقف عدم تقديم اإلجابات عىل األسئلة التي ال توجد إجاباتٌ لها بعد‪ ،‬فالعيب الكبري والخطأ الفادح هو‬ ‫ٍ‬ ‫بكل بساط ٍة ال نعرف ‪.‬‬ ‫إجابات بنا ًء عىل جهلٍ ‪ ،‬أل ّن ذلك أسهل وأل ّذ طعامً من االعرتاف أنّنا ّ‬ ‫افرتاض‬ ‫‪8‬‬


‫دليل املبتدئ يف‬ ‫مواجهة اإلعجاز املهرتىء‬ ‫الغراب الحكيم‬

‫املقدس‬ ‫اإلعجاز ّ‬ ‫أوضح فكر ًة أخريةً‪،‬‬ ‫أحب أن ّ‬ ‫بهذا نصل لنهاية هذا الدليل ّ‬ ‫املبسط يف فهم اإلعجاز وتركيبته وطريقة التعامل معه‪ ،‬لكن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وتقديس لهذا اإلعجاز العلمي متاماً‬ ‫وهي أ ّن من يستخدم اإلعجاز العلمي يف إثبات معتقده غالباً ما يط ّور عالقة إميانٍ‬ ‫علم أن يخرتق جدار‬ ‫ألي‬ ‫ٍ‬ ‫منطق أو عقلٍ أو ٍ‬ ‫أي ٍّ‬ ‫نص أو عقيد ٍة ويعتربها حقيق ًة مطلق ًة‪ ،‬وبهذه الحالة ال ميكن ّ‬ ‫كام يق ّدس ّ‬ ‫ألي حقيق ٍة أن تجعله يرى أن هذا اإلعجاز فاس ٌد وليس دليال عىل يش ٍء‪ ،‬وغالباً ما ميكن‬ ‫اإلميان والتقديس هذا‪ ،‬وال ميكن ّ‬ ‫أن تنتهي هذه املواجهة بالسباب والشتائم أو التبايك والتذ ّمر من اعتدائكم عىل مقدساتهم ومعتقداتهم مبجرد تفنيد‬ ‫إدعاءاتهم الفاسدة التي قاموا هم برميها عليكم ‪.‬‬

‫َويَ ْسأَلُونَ َك َع ِن اإلحلْاد ُق ِل اإلحلْاد‬ ‫ُ‬ ‫مِ ْن أَ ْم ِر َع ْقلي َومَا أوتِيتُم مِّن العَق ِل‬ ‫إِالَّ قَلِيالً‪.‬‬ ‫صفحة العقل دين عىل الفيسبوك‬ ‫‪https://www.facebook.com/AlqlDyn‬‬ ‫‪9‬‬


‫مسخرة التاريخ‬ ‫ود النارصي‬ ‫الزمان‪ :‬قبل أكرث من ‪ 11‬قرنًا‬ ‫املكان‪ :‬إحدى قرى أوزبكستان حال ًيا‬ ‫جحافل املجاهدين املسلّمني تدخل‬ ‫القرية بعد حصا ٍر دام يو ًما واح ًدا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وبدأت النهب والسلب بعدما قُ ِت َل‬ ‫معظم الرجال املدافعني عن القرية‬ ‫لكن األسوأ مل يحدث بعد ‪.‬‬ ‫يف ٍ‬ ‫بيت صغريٍ امرأ ٌة مذعور ٌة تحتضن‬ ‫ابنتيها جيهان ( ‪ 18‬عا ًما ) وفريوز ( ‪22‬‬ ‫رب األرسة دون‬ ‫عا ًما ) ينتظرن عودة ّ‬ ‫أن يعرفن أنه قُ ِت َل يف مكانٍ ما دفا ًعا‬ ‫عن القرية ‪.‬‬ ‫فارس مسل ٌم شه ٌم يكرس باب البيت‬ ‫ٌ‬ ‫رسه‬ ‫ت ّنقيباً عن الغنائم‪ ،‬وقد وجد ما ي ّ‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فعل‪ ،‬فتاتان جميلتان وأمهام ً‬ ‫وبينام هو يفكر كيف يأخذهن‪ ،‬إذ‬ ‫اقرتب منه أحد الفرسان اآلخرين‪ ،‬وكان‬ ‫شي ًخا كب ًريا يف السن‪ ،‬يف البدء ظ ّنت‬ ‫العائلة أنه سينقذهن من هذا الوحش‪،‬‬ ‫لكن عبثًا !! تقدم الشيخ وحاول أخذ‬ ‫إحدى الفتاتني‪ ،‬فعاجله الفارس الشاب‬ ‫بلكم ٍة أردته عىل األرض ‪.‬‬ ‫ أتريد رسقة تعبي أيّها الشيخ ؟‬‫ ت ًّبا لك ! أمل أجاهد معكم ؟ أليس يل‬‫حص ٌة من السبايا ؟‬ ‫‪10‬‬


‫مسخرة التاريخ‬ ‫ود النارصي‬

‫ أيّها العجوز الخرف ! أتس ّمي جلوسك خلفنا‪ ،‬والرصاخ " الله أكرب " جها ًدا ؟ منذ خروجنا من بغداد فتّحنا سبع قرى‪،‬‬‫سنصفها ملحي ًة أم‬ ‫يخرج ال‪.‬من غمده !‬ ‫وسيفك‬ ‫هنا تد ّخل أحد القادة وأمرهام باالحتكام إىل القائد العام للجيش‪ ،‬فتو ّجها إليه‪ ،‬فانبهر األخري بجامل الفتاتني‪ ،‬فقام‬ ‫بتوبيخ الفارسني املتخاصمني وأخذ الفتاتني له‪ ،‬وأعطاهام األم؛ ليبيعاها ويستفيدا من مثنها‪ ،‬خرجا مبنتهى ّ‬ ‫الذل واإلهانة‪،‬‬ ‫أمل‬ ‫يسب كالهام اآلخر سبابًا بذيئًا‪ ،‬والحقًا قام قائد الجيش بإهداء فريوز إىل الخليفة ( املا أدري ايش بالله ) يف بغداد ً‬ ‫ّ‬ ‫أن يقوي ذلك عالقته بالخليفة بينام احتفظ بجيهان له شخص ًيا‪.‬‬ ‫بعد سنتني ‪ :‬جيهان متوت من فرط السعادة التي غمرها بها اإلسالم وتسامحه وإنسانيته ‪.‬‬ ‫بعد ‪ 3‬سنوات‪ :‬فريوز متوت ند ًما عىل حياتها الضائعة يف الكفر والوثنية قبل أن تعرف اإلسالم وسامحته وإنسانيته يف‬ ‫مكانٍ ٍ‬ ‫بعيد عنهام‪ ،‬أمهام تحاول أن تتذكّر كم تاجر جوا ٍر م ّرت به ؟ ‪ 25‬أم ‪ 26‬؟ مل يعد يه ّم ذلك ‪.‬‬

‫قفزة زمنية‬ ‫الزمان ‪: 2014‬‬ ‫ مكة ‪ -‬أرض الحجاز‪ :‬فاطمة ( ‪ 22‬عا ًما ) فتا ٌة سني ٌة تز ّوجت حديثًا‪ ،‬تتربع بصيغة زواجها ملنظّمة تجمع التربعات لـ "‬‫مجاهدين " الذين يقاتلون الروافض املجوس يف العراق دفا ًعا عن اإلسالم ‪.‬‬ ‫شيعي (‪ 60‬عاماً ) يلقي محارض ٍ‬ ‫ودروسا ديني ًة عىل الشباب لحثّهم عىل‬ ‫ات‬ ‫ النجف غرب العراق‪ :‬الشيخ محمد الفالين‬‫ً‬ ‫ٌّ‬ ‫الدفاع عن املذهب ضد النواصب البكريني الوهابية‪ ،‬ويحثهم عىل القتال يف سورية ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وإخالص عن‬ ‫بكل رشاس ٍة‬ ‫إسالمي يدخل عىل النت يحاور امللحدين‪ ،‬ويدافع ّ‬ ‫ القاهرة ‪ -‬مرص‪ :‬جامل ( ‪ 45‬عا ًما ) داعي ٌة‬‫ٌّ‬ ‫سالم ‪.‬‬ ‫إنسانية ورحمة اإلسالم‪ ،‬ويقول‪ :‬إن اإلسالم دين ٍ‬

‫فاطمة والشيخ محمد من أحفاد جيهان‪ ،‬وجامل من أحفاد فريوز‪.‬‬ ‫‪11‬‬


‫الر ّد على أحمد الشقيري‬

‫يقوم أحمد الشقريي‬ ‫يف سلسلته التلفزيونية‬ ‫"خواطر" بزيارة البلدان‬ ‫العلامن ّية الكافرة؛ ليعرض‬ ‫املادي الهائل لتلك‬ ‫التف ّوق‬ ‫ّ‬ ‫البالد ونظام وتسامح شعوبها‬ ‫وانفتاحها الحضاري ليستنتج يف‬ ‫بأسلوب مراو ٍغ أنه قد وجد‬ ‫النهاية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫إسالماً بال مسلمني‪.‬‬ ‫فامذا يقصد الشقريي بتلك العبارة املن ّمقة‬ ‫امللفّقة ؟! وما اإلسالم الذي وجده الشقريي‬ ‫مط ّبقاً يف البلدان األوروبية وغريها من التي‬ ‫زارها ؟‬ ‫يف القرن الواحد والعرشين‪ ،‬وبعد مرور ‪ 1400‬سنة‬ ‫عىل إعالن محمد عن نب ّوته‪ ،‬مازلنا نشهد رصا ًعا فكريًا‬ ‫يف أحيانٍ قليلة‪ ،‬ومسل ًحا أغلب األحيان‪ ،‬بني الفصائل‬ ‫كل منها أنه ميتلك النسخة الصحيحة‬ ‫اإلسالم ّية التي يزعم ّ‬ ‫من اإلسالم‪ 1400 ،‬سنة م ّرت خاض خاللها املسلمون حروبًا‬ ‫دمويًة طائف ًية ال تُحىص ضد بعضهم البعض‪ ،‬شاركت يف ذلك كل‬ ‫الطوائف اإلسالمية‪ ،‬ومل يسلم منها حتى أتباع املذهب الواحد‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫هادي بن رمضان‬


‫الر ّد عىل أحمد الشقريي‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫خلق‪ ،‬و ُخ ّربت‬ ‫يف أصفهان عام ‪560‬‬ ‫هجري‪ ،‬يروي الذهبي يف كتابه العرب‪" :‬تقاتل أتباع املذاهب الس ّنية ‪ٍ 8‬‬ ‫أيام‪ ،‬ومات ٌ‬ ‫ّ‬ ‫بيوتٌ وأُحرقت أخرى"‪.‬‬ ‫ويروي ياقوت الحموي يف كتابه "فتوح البلدان" مذابح بني الشافعية والحنفية إىل جانب الرصاع السني الشيعي أدت‬ ‫إىل دما ٍر مدينة الري بالكامل‪.‬‬ ‫قوي جانب الحنابلة قو ًة عظيم ًة بحيث أنه مل يكن ألحد من‬ ‫وكذلك فعل ابن كثري يف كتابه "البداية والنهاية" فقد َ‬ ‫األشاعرة أن يشهد الجمعة والجامعات‪ ،‬ووقعت بني الحنابلة واألشاعرة فتن ًة عظيم ًة حتى تأخر األشاعرة عن ال ُج ُمعات‬ ‫خوفًا من الحنابلة" (ابن الجوزي‪ :‬املنتظم)‪.‬‬ ‫يجل‬ ‫التعصب للمذهب بني الشافعية والحنفية وحدث بينهم "ما ّ‬ ‫ونهب بسبب‬ ‫و يف أصفهان عام ‪ 582‬هـ‪ :‬وقع ٌ‬ ‫ّ‬ ‫قتل ٌ‬ ‫عن الوصف" (ابن األثري‪ :‬الكامل)‪.‬‬ ‫وهذه قطر ٌة من ٍ‬ ‫حروب دموي ٍة ال تحىص بني السنة والشيعة وحملة‬ ‫السني وقد استثنينا ذكر‬ ‫السني‬ ‫فيض للرصاع‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫االضطهاد التي تعرض لها املعتزلة‪.‬‬ ‫ومذهب أهل السنة والجامعة ينقسم عقائديًا إىل ‪ 3‬فرق‪ ،‬وهي السلفية واألشاعرة واملاتريدية‪ ،‬ومن ثم انقسمت‬ ‫السلفية إىل سلفي ِة علمي ٍة وسلفي ٍة جهاديّ ٍة‪ ،‬وها نحن اليوم نشهد رصا ًعا سلف ًيا جهاديًا بني داعش وجبهة النرصة‪ ،‬أي بني‬ ‫أتباع العق ّيدة السلف ّية الجهاديّة املنبثقة عن السلفية املنبثقة عن أهل السنة املنبثقة عن اإلسالم‪ ،‬فلّك أن تتخيل عزيزي‬ ‫القارئ إن كان أتباع الفكر الواحد يفعلون ببعضهم هذا‪ ،‬ماذا سيفعلون لو وثبوا عىل بقية الفرق السنية واإلسالمية‬ ‫وبقية الطوائف الدينية يف شتى أنحاء العامل؟‬ ‫ولنا هنا أن نسأل الشقريي ‪ :‬ما اإلسالم الذي وجده يف تلك األنظمة العلامنية‪ ،‬وما الدولة األوروبية التي تلتزم بتطبيق‬ ‫الرشيعة اإلسالمية وسنة نبي اإلسالم ؟‬ ‫لكن الشقريي كغريه من املدلّسني ُمستع ٌد للتجول وسط أكرث البلدان املتقدمة معادا ًة لإلسالم والفكر الديني؛ ليمدح‬ ‫تف ّوقها املادي وينسبه بأسلوبه الركيك إىل اإلسالم ل ُيوهم املسلمني أن تعاليمهم تقف خلف ازدهار وتقدم الغرب‬ ‫العلامين الكافر‪ ،‬وهكذا يُعيدنا الشقريي وأمثاله ممن وجدوا الفكر الديني وسيل ًة مجدي ًة لجني األرباح‪ ،‬إىل تلك الدائرة‬ ‫التي ال يبدو أننا قادرون عىل مغادرتها وهي أن املشكلة يف التطبيق ال يف النصوص نفسها‪ ،‬وتستمر مسرية البحث عن‬ ‫وكل يتهم اآلخر بالكفر والر ّدة النتامئه إىل فئ ٍة أخرى ال متثّل‬ ‫كل ي ّدعي انه قد وجده بني مذهبه ٌ‬ ‫اإلسالم الصحيح مجد ًدا ٌ‬ ‫اإلسالم الصحيح!‬ ‫‪13‬‬


‫الر ّد عىل أحمد الشقريي‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫يف الحلقات األخرية من سلسلته خواطر‪ ،‬يقوم الشقريي بعرض نسب االنتحار املرتفعة يف صفوف الشعوب الالدينية‪،‬‬ ‫كاليابان والسويد وهولندا‪ ،‬ليضع تلك النسب يف مقارن ٍة مع النسب املُنخفضة للدول اإلسالمية؛ ليستنتج كعادته بأسلوبه‬ ‫امللتوي أن اإلسالم رحم ٌة للعاملني‪ ،‬وأن الشعوب التي مل متلك هذه النعمة تعاين األزمات النفسية واالضطرابات العقلية‪.‬‬ ‫"وقد سبق أن قمنا بالرد عىل هراء املتدينني ضد اإللحاد والالدينية باستخدامهم لحجة االنتحار"‬ ‫ٍ‬ ‫إحصائيات غري دقيق ٍة لبلدان العامل‬ ‫فالشقريي وأمثاله من املدلّسني يضعون اإلحصائ ّيات الدقيقة لتلك البلدان مقابل‬ ‫ٍ‬ ‫معدالت هائل ًة‪ ،‬ونحن ال ّ‬ ‫نشك يف أن الشقريي‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ورغم ذلك فبل ٌد متديّ ٌن كإيران بلغت نسبة االنتحار فيه‬ ‫السعودي سيتهرب من ذلك للقول إن إيران دول ٌة شيعي ٌة ال متثل اإلسالم ليعود بنا إىل تلك الدائرة املُفرغة!(‪)1‬‬ ‫ّ‬

‫السني اآلخر يعاين من ارتفاع نسب االنتحار‪ ،‬وقد تغافل الشقريي عىل أن تلك اإلحصائ ّيات‬ ‫والبوسنة والهرسك البلد املسلم‬ ‫ّ‬ ‫أصل ال تضع يف حسبانها املنتحرين ضمن العمليات االنتحارية بلبنان والعراق وسورية‬ ‫للدول اإلسالمية غري الدقيقة ً‬ ‫وأفغانستان وباكستان‪ ،‬بل تكتفي بحاالت االنتحار العادية‪ ،‬وأغلب ُدعاة اإلسالم يرفضون ربط العمليات االنتحارية‬ ‫بالتعريف العلمي لالنتحار‪ ،‬فيضعون تعريفاً دينياً لالنتحار يرى االنتحاريني يف سبيل العقيدة والحروب الطائفية القذرة‬ ‫ٍ‬ ‫عمليات انتحاري ًة بشكلٍ يومي منذ سقوط نظام صدام حسني يتفوق‬ ‫مثل الذي يشهد‬ ‫شهداء ال منتحرين‪ ،‬فبلد كالعراق ً‬ ‫بشكلٍ‬ ‫ساحق عىل كل البلدان األوروبية يف نسبة االنتحار إذا ما وضعت تلك العمليات ضمن إحصائيات االنتحار‪ ،‬ولنا‬ ‫ٍ‬ ‫أن نسأل هنا الشقريي عن الحل األفضل ملواجهة املعاناة واالكتئاب واليأس واإلحباط‪ :‬أهو االنتحار عىل شاكلة الشعوب‬ ‫الالمتدينة بشكل ذايت وفردي؟ أم االنتحار عىل شاكلة البلدان املصابة بهوس ديني والذي تكون نهايته مقتل املئات‬ ‫واآلالف من املدنيني؟؟‬ ‫‪http://www.suicide.org/international-suicide-statistics.html : 1‬‬

‫‪14‬‬


‫الر ّد عىل أحمد الشقريي‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫ٍ‬ ‫ألهداف سياسي ٍة وطائفي ٍة ال تستثني رضب األسواق‬ ‫يبش به الشقريي ح ّول االنتحار إىل أداة قتلٍ موجه ٍة‬ ‫فاإلسالم الذي ّ‬ ‫واملدنيني كام الحال يف العراق!!‬ ‫لقد تغافل الشقريي عن ذكر أعداد املنتحرين بساحات القتال يف العامل اإلسالمي‪ ،‬والذي يجعل العامل اإلسالمي متفوقًا‬ ‫عىل غريه يف معدالت االنتحار وقد كان األوىل بالشقريي بدل السفر إىل اليابان ليعرض لنا العالقة بني الالدينية واالنتحار‪،‬‬ ‫كان األجدر به التوجه إىل بلده السعودية؛ ليوقف تصدير آالف اإلرهابيني السعوديني الذين يشكّلون أغلبية االنتحاريني‬ ‫ٍ‬ ‫لتنظيامت إرهابي ٍة تعمل عىل قتل وترويع الناس‪ ،‬وكان عليه أن يعرض لنا أسباب وطرق عالج االضطرابات‬ ‫واملنتمني‬ ‫العقلية التي يعاين منها الشعب السعودي‪ ،‬والتي قادته لتصدر سلم العمليات التفجريية والسيارات املفخخة واألحزمة‬ ‫الناسفة‪ ،‬لكن الشقريي بدل أن يعالج الوباء املستفحل بوطنه‪ ،‬يذهب لليابان ليرشح األسباب ويقدم الحلول للشعب‬ ‫الياباين‪ ،‬يقتل الياباين نفسه النعدام العنرص الديني الذي يعمل عىل زراعة الوهم يف عقول أتباعه وتعويدهم عىل املعاناة‬ ‫باعتبارها حكم ًة إلهي ًة‪ ،‬ويقتل السعودي املسلم نفسه لتوفر عنرص الدين وسط األحياء الشيعية بالعراق وسورية ولبنان‬ ‫ل ُينهي حياة املئات من املدنيني متمن ًيا الظفر بالحور العني‪.‬‬ ‫لكن الشقريي يتعامى عن كل ذلك ويذهب إىل البلدان األوروبية‬ ‫ليحدثنا عن نعمة اإلسالم وعن عثوره عىل إسالم بال مسلمني‪ ،‬واضعا‬ ‫عنوان "املؤلفة قلوبهم" لحلقاته التي يعرضها من البلدان التي‬ ‫ال تعرتف بالرشيعة اإلسالمية بل تج ّرمها ومتنع مامرستها لرفضها‬ ‫ألبسط حقوق اإلنسان وهي حرية االعتقاد‪ ،‬فمتى يعود الشقريي‬ ‫إىل السعودية حيث تقطع األيادي والرؤوس‪ ،‬وحيث يُستعبد الناس‬ ‫من عامل أسيويني ومينيني‪ ،‬وحيث ُينع بناء الكنائس أو مامرسة‬ ‫الطقوس الدينية اإلسالمية وحيث يُسجن رائف بدوي لتأسيسه‬ ‫موقعاً ليربالياً‪ ،‬وحيث تُ نع املرأة من قيادة سيارتها وحيث ت ُقام‬ ‫رشيعة الصلب والرجم والقطع البدوية‪.‬‬ ‫فعىل الشقريي إجابتنا مجد ًدا‪ ،‬هل الرشيعة اإلسالمية التي يتبناها‬ ‫النظام السعودي ويقوم بتطبيقها هي التمثيل الحقيقي للحكم‬ ‫اإلسالمي ؟ وقد اعتمدها أثناء تجواله باملدن الغربية ليخربنا انه وجد إسال ًما بال مسلمني‪ ،‬حيث تعطل رشيعة اإلسالم‬ ‫السعودية بشكلٍ كاملٍ بل تُعترب اعتداء عىل حقوق اإلنسان‪!!.‬‬ ‫الشقريي كغريه من النصابني الذين يجدون تجارة األوهام للشعوب اإلسالمية أمرا ً مرب ًحا‪ ،‬وهو أجنب من إجابتنا عىل‬ ‫هذا السؤال وأجنب من أن يقدر عىل اتهام آل سعود والحكم الوها ّيب بأنهم قد خرجوا عن اإلسالم الصحيح‪ ،‬وال شك أن‬ ‫‪15‬‬


‫الر ّد عىل أحمد الشقريي‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫الشقريي إذا ما ُوجه له السؤال مبوطنه (السعودية) كان سيجيب إ ّن الرشيعة الوهابية هي الحق وما دونها باطل وضالل‬ ‫لخوفه من دموية النظام السعودي‪ ،‬ولو امتلك قدرا ً من الشجاعة لكان قد تو ّجه بالنقد للنظام السعودي الطاغي الفاسد‬ ‫الدموي املتخلّف الذي يط ّبق اإلسالم الذي تعلّمه الشقريي‪ ،‬بدل التوجه إىل أوروبا ليخربنا أنه قد وجد اإلسالم هناك‬ ‫ويتعرض بالنقد والسخرية للمجتمع األورويب؛ بسبب ظاهرة االنتحار واملثلية والدعارة‪ ،‬أي ليتع ّرض بالسخرية والنقد‬ ‫للمجتمع نفسه الذي كان قد أخربنا انه قد وجده مسلامً بال مسلمني‪.‬‬ ‫الشقريي الداعيّة املُصاب بعقدة ٍ‬ ‫املادي لتلك الدول العلامنية الكافرة كاملر ّوجني لإلعجاز‬ ‫نقص ودوني ٍة من التفوق‬ ‫ّ‬ ‫العلمي يف القرآن‪ ،‬يعرض لنا العامرات والطرقات والحدائق والبنية التحتية بتلك البلدان لينسبها إىل اإلسالم‪ ،‬ثم يتوجه‬ ‫بالنقد ملجتمعات تلك البلدان الضالة التي مل تعرف نعمة اإلسالم‪.‬‬ ‫ال يعلم الشقريي أ ّن حضار ًة ما إذا ما نزعت منها إحدى مكوناتها ستنهار برمتها‪ ،‬فالدعارة تشكل متنفساً لسكان تلك‬ ‫البلدان وتؤث ّر عىل نفسية الطبقة العاملة بشكل ايجا ّيب لتدفع بالعجلة اإلنتاجية‪ ،‬ال كحال السعودية حيث ارتفعت‬ ‫حاالت زنا املحارم والتحرش يف ٍ‬ ‫بلد يتصدر قامئة الشعوب األكرث زيار ًة للمواقع اإلباحية‪ ،‬وحيث يُنظر للمرأة ككائنٍ‬ ‫دو ٍين وجب حفظه وصيانته بعي ًدا عن األنظار‪ ،‬وحيث يُنظر للمرأة كناقصة عقلٍ ومج ّرد استعاملها للعطور يجعل منها‬ ‫يف مرتبة الزان ّية‪ ،‬طب ًعا الشقريي ال ميلك الشجاعة للحديث عن أوضاع املجتمع السعودي‪ ،‬وعن الكبت الجنيس وتفيش‬ ‫ظاهرة زنا املحارم وقمع املرأة والحريات خشي ًة من مملكته التي ال تعرف ُحكام دميقراط ًيا وال برملانًا وال انتخابات‪ ،‬بدل‬ ‫التفسخ األخالقي واالنحدار االجتامعي والنفيس بالبلدان األوروبية وأمريكا واليابان‪.‬‬ ‫ذلك ينتقد ّ‬

‫يف زيارته األخرية ملدينة سان فرانسيسكو األمريكية وهي أكرث املدن ليربالي ًة تقطنها نسب ٌة كبري ٌة من املثليني (‪ ،)15%‬قام‬ ‫ذلك الداعية بالسخرية من املثليني ومن املثلية الجنسية وقد أعلن أنهم من أهل الجحيم‪ ،‬مرو ًجا لرهاب املثلية‪ ،‬مطالباً‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات مقززةً‪.‬‬ ‫الناس بنبذهم وتج ّنبهم كونهم‬ ‫‪16‬‬


‫الر ّد عىل أحمد الشقريي‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫عنرصي متخل ٌّف يستوجب العقاب بأمريكا وببلدان االتحاد األورويب التي تحرتم حقوق اإلنسان‪ ،‬فعندما‬ ‫رص ٌف‬ ‫ٌ‬ ‫وهو ت ّ‬ ‫أعطت السلطات األمريكية اإلذن للشقريي بالتصوير فال ب ّد انه مل يقدم لهم كل ما ينوي دبلجته يف مونتاج أعامله مبدينة‬ ‫سان فرانسيسكو‪.‬‬ ‫قام ذلك الداعية بالرتويج لرهاب املثلية والكراهية والعنرصية تجاه املثليني األمريكيني‪ ,‬منكرا ً (‪ )2‬فضل املثلية عىل‬ ‫استمرار الجنس البرشي‪ ،‬ليبثّ ذلك عىل شاشات العامل العريب حيث املثليني مهددين مسبقاً باملوت واالضطهاد‪ ،‬بسبب‬ ‫التقاليد االجتامعية والرشيعة املتخلفة التي يعتقد بها الشقريي‪ ،‬ولعله يقرتح بذلك عىل أمريكا تطبيق عقوبة اإلسالم‬ ‫للمثليني أي بحرقهم‪ ،‬أو رجمهم‪ ،‬أو إلقائهم من البنايات العالية‪.‬‬ ‫لقد استقى الشقريي معلوماته عن املثلية الجنسية من خرافة‬ ‫قصة لوط وقومه‪ ،‬ومن هذيان البخاري‪ ،‬وفقهاء اإلسالم‪ ،‬دون‬ ‫أن يكون قد اطلع عن املثلية يف ميزان العلم والطب النفيس‪.‬‬ ‫الشقريي القادم من أكرث البلدان قمعاً واضطهادا ً للحريات‬ ‫واملرأة‪ ،‬واألكرث تصديرا ً لرموز اإلرهاب واالنتحاريني‪ ،‬وفتاوى‬ ‫النكاح‪ ،‬وإرضاع الكبري‪ ،‬ودراسات بول البعري‪ ،‬الشقريي القادم‬ ‫من كل ذلك يعرض لنا األزمات النفسية لدى الشعوب الغربية‬ ‫واحتقارها للمرأة مبعاملتها كسلع ٍة إضاف ًة إىل غرق هذه‬ ‫الشعوب يف املاديّة‪ ،‬يفعل كل ذلك بعد أن يُخربنا أنه قد وجد‬ ‫إسال ًما بال مسلمني‪.‬‬ ‫ال عجب أن يجهر الشقريي بعداوته للمثليني ويُطالب برفضهم ومالحقتهم‪ ،‬ال عجب أن يفعل ذلك من استقى مفاهيمه‬ ‫عن املثلية من قصة لوط ومن عقيدة غارقة يف التقاليد والقيم البدوية‪ ،‬وال نستغرب أن يطل علينا مجددا ً ليحدثنا عن‬ ‫الشيعة األنجاس ورضورة رفضهم‪ ،‬ونفيهم من البلدان األوروبية فهو يطمح لتطبيق عقيدته الدموية النارشة للبغض‬ ‫والكره داخل أوروبا وأمريكا واليابان‪ ،‬برتويجه لرهاب املثلية بعد أن د ّمرت وخ ّربت تلك العقيدة أوطاننا وقتلت‬ ‫وسفكت دماء شعوبنا‪ ،‬فالشقريي كغريه من االزدواجيني الذين يف ّرون من بلدانهم اإلسالمية إىل العامل الغريب حيث ال‬ ‫كرامة وال حرية لإلنسان ليقوموا بالتصويت ألحزاب إسالمية ألجل تطبيق الرشيعة وإقامة الخالفة‪ ،‬أي أنهم يقومون‬ ‫بالتصويت للرشيعة التي ف ّروا هم منها‪ .‬فهذا الداعية الذي مل ميتلك الشجاعة الكافية ملطالبة اململكة السعودية باِحرتام‬ ‫حقوق اإلنسان واحرتام املرأة يريد من أمريكا أن تفعل املثل أيضا ويقوم بعرض حلقته املحرضة عىل الكراهية يف أكرث‬ ‫املدن ليربالي ًة وتسامحاً مدينة سان فرانسيسكو‪،‬‬ ‫‪ : 2‬املثلية الجنسية و نظرية التطور ‪http://thevoiceofreason.de/article/12434 :‬‬

‫‪17‬‬


‫الر ّد عىل أحمد الشقريي‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫ٍ‬ ‫عام يتهم املجتمع األمرييك باالنحالل‬ ‫الشقريي القادم من أرض متنع بناء الكنائس بسبب‬ ‫نصوص نزلت قبل ‪ٍ 1400‬‬ ‫األخالقي‪ ،‬يتهم ذلك املجتمع الذي تع ّرض قبل عقد فقط من الزمن إىل إحدى اكرب العمليات اإلرهابية وهي كارثة ‪11‬‬ ‫سبتمرب وتسمح حكومته رغم ذلك اليوم للمسلمني ببناء مساجدهم‪ ،‬بل بالقيام مبسري ٍ‬ ‫ات مطالب ٍة بعودة الخالفة رافعني‬ ‫تلك الراية السوداء‪.‬‬

‫ويسألونك عن البالدة قل الشقريي عندما ال يرى حدبته‪.‬‬ ‫كرثٌ هم الذين خدموا البرشية والحضارة اإلنسانية من املثليني ولعل أشهرهم العبقري آالن تورنج الريايض ( من‬ ‫الرياضيات ) ومؤسس علم الحاسوب الحديث‪ ،‬وقد أجرب الرجل عىل السجن أو الحقن بهرمونات أنثوية بعد اكتشاف‬ ‫الحل الثاين الذي س ّبب له العزلة واالكتئاب‪ ،‬لينتهي به األمر منتح ًرا قبل أن تقدم اململكة‬ ‫ليفضل ّ‬ ‫مثليته بإحدى الشقق ّ‬ ‫الربيطانية اعتذارها بعد سنوات من رحيله‪.‬‬ ‫واملجتمعات املصابة برهاب املثلية ال بد أن تقتل موهبة وعبقرية أمثال آالن تورنج بقمع ميولهم الجنيس‪ ،‬وإلحاق‬ ‫األذى النفيس بهم برفضهم واحتقارهم‪ ،‬والشقريي الذي أخربنا انه قد وجد إسال ًما بال مسلمني يريد أن يحدث ذلك‬ ‫واضح كغريه من‬ ‫للمثليني األمريكيني‪ ،‬أي أنه ببساطة يعرتف أنه ال وجود لإلسالم هناك‪ ،‬فموقف اإلسالم من املثلية‬ ‫ٌ‬ ‫األديان اإلبراهيمية‪ ،‬لقد ترك الشقريي وطنه املسلم الذي ال يحرتم أح ًدا وال يعرتف باملرأة وال بحق االختالف وال بالحرية‬ ‫وال باألقليات وحقها يف مامرسة طقوسها ليذهب محت ًجا عىل "االنحدار األخالقي" بالبلدان الغربية !!‬ ‫أعلن الشقريي يف حلقته األخرية عن املثليني‬ ‫"أن الله ال يهلك أم ًة إال إذا انترش فيها‬ ‫منطق ونبوء ٌة سخيف ٌة‬ ‫االنحالل الجنيس"‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ال يعرتف به الواقع الذي يعرض لنا تكالب‬ ‫املسلمني عىل رقاب بعضهم البعض وغرقهم‬ ‫يف التخلف االقتصادي والتكنولوجي واألمية‬ ‫والتطرف‪ ،‬بينام بلدا ٌن تبيح زواج املثليني‬ ‫وتج ّرم التمييز ضدهم كالدمنارك ونيوزيلندا‬ ‫والرنويج تعيش رخاء ال يعرفه العامل‬ ‫أقل نسب الجنس بال‬ ‫اإلسالمي الحائز عىل ّ‬ ‫وأقل نسب تقبّل املثلية‪.‬‬ ‫زواج‪ّ ،‬‬ ‫‪18‬‬


‫الر ّد عىل أحمد الشقريي‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫ال يجد الشقريي حرجاً يف القيام بذلك مادامت مصادره عن املثلية عادات مجتمعه البدوي وقصة قوم لوط وأحاديث‬ ‫البخاري‪ ،‬لقد تخلت جمعيات الطب النفيس الشهرية بكربى البلدان األوروبية وبأمريكا عن التعامل مع املثلية ٍ‬ ‫كمرض‬ ‫نفيس‪ ،‬بينام العامل اإلسالمي الذي يتعامل مع األمراض النفسية بالسحر والبخور والزيت والعسل وقراءة القرآن وأذكار‬ ‫رص عىل اعتبار املثلية مرضاً نفسياً‪.‬‬ ‫الصباح ي ّ‬

‫(‪ )3‬اتخذت املؤسسات العلمية النفسية موقفاً صارماً تجاه قضية املثلية‪ ،‬فقد أعلن مجلس جمعية علم النفس األمريكية‬ ‫يف بيانه عن رضورة رفض تحويل امليول الجنسية‪ ،‬وهو نفس ما تع ّرض له آالن تورنج يف السابق‪ ،‬يتلخص البيان يف ما ييل‪:‬‬ ‫ •املثلية الجنسية ليست اضطراباً عقلياً‪ ،‬وجمعية الطب النفيس تعارض كل من يصور املثليني كمرىض بحاجة إىل‬ ‫العالج بسبب ميولهم الجنسية‪.‬‬ ‫ •علامء النفس ال يشاركون يف املامرسات التمييزية ضد املثليني‪ ،‬وجمعية الطب النفيس ال تتغاىض عن املامرسات‬ ‫التمييزية ضد املثليني‪.‬‬ ‫ •عىل املنتسبني للطب النفيس األخذ بزمام املبادرة إلزالة وصمة "االضطراب العقيل" التي ارتبطت باملثليني‪.‬‬ ‫ •رضورة احرتام حقوق املثليني مبا فيها الخصوصية والرسية‪.‬‬ ‫يف حال ما ق ّرر أحد املثليني الخضوع لعالج تحويل امليول الجنسية فهو مج ٌرب عىل إخالء معالجيه من مسؤولية املضاعفات‬ ‫املرتتبة عن ذلك كاالكتئاب واألفكار االنتحارية‪ ،‬وهو ما تع ّرض له آالن تورنج إلجباره عىل استعامل الحقن دون جدوى‪.‬‬ ‫‪: 3‬بيان جمعية الطب النفيس األمريكية ‪http://psychology.ucdavis.edu/faculty_sites/rainbow/html/resolution97.html :‬‬

‫‪19‬‬


‫الر ّد عىل أحمد الشقريي‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫الجمعية األمريكية للطب النفيس أكرب منظّم ٍة علمي ٍة متثّل علم النفس بالواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وتشمل عضوية أكرث‬ ‫من ‪ 151.000‬من الباحثني واألطباء واملستشارين والطالب ينتمون ل‪ 58‬دولة‪.‬‬ ‫هذا هو رأي الطب النفيس يف املثلية الجنسية‪ ،‬وهو قائم عىل التجارب العلمية منذ عقو ٍد‪ ،‬ولهذا ال تجد البلدان التي‬ ‫تستم ّد من العلم قيمها األخالقية حرجاً يف االعرتاف باملثليني ويف منحهم حقوقهم كامل ًة كغريهم‪ ،‬أما الشقريي فكام ذكرنا‬ ‫ٍ‬ ‫عادات وأخالقٍ ونصوص مجتمعه البدوي الذي يعاقب املثليني بالرمي من البنايات‬ ‫قد استقى مفاهيمه عن املثلية من‬ ‫محرضا عىل كره املثليني واالشمئزاز منهم‪ ،‬لعله قد اعتقد أن املنهج العلمي‬ ‫العالية‪ ،‬وقد أىت إىل مدينة سان فرانسيسكو‬ ‫ً‬ ‫سيضع مشاعره ومعتقداته يف الحسبان للحكم يف موضوع املثلية الجنسية‪.‬‬ ‫هذا التو ّجه الفكري الديني الذي يجعل من النقل مسبقاً عىل العقل يستحيل أن يصنع حضارةً‪ ،‬أو منوذجاً شبيهاً بالدول‬ ‫املتقدمة التي تحرتم حقوق اإلنسان وتحرتم استقاللية العلم‪ ،‬فالفكر الديني والسلطة الدينية مل متنح أبدا ً منذ فجر‬ ‫التاريخ الحرية للعلم والعلامء بل عمدت عىل إجبارهم إلثبات مصداقية النص الديني‪ ،‬وقد عطل ذلك تقدم الحضارة‬ ‫البرشية آلالف السنني‪ ،‬فالطبيب النفيس بدولة كالسعودية ُمج ٌرب عىل إثبات أن املثلية ليست سوى حال ٍة مرضي ٍة‪ ،‬وكذلك‬ ‫عامل األحياء مج ٌرب عىل نفي حقيقة التطور وإثبات قصة الخلق‪.‬‬ ‫لحسن حظّنا أن املؤسسات العلمية اليوم‬ ‫تقع ببلدان تفصل بني الدين والدولة‪ ،‬ومتنح‬ ‫للعلم الحرية املطلقة يف البحث دون امل ّباالة‬ ‫كتاب ما‪ ،‬وهكذا فالعلم الح ّر قد‬ ‫بنصوص ٍ‬ ‫أجرب بعض املتدينني اليوم عىل البحث عن‬ ‫تفاسري جديد ٍة تتوافق مع التجربة العلمية‬ ‫بدل التش ّبث باملفاهيم القدمية كام يفعل‬ ‫الشقريي وأمثاله‪ ،‬ولو حدث أن وجد إسالماً‬ ‫ حسب تصوره ‪ -‬بتلك البالد لكانت تلك‬‫البالد ال تختلف حالً عن أوضاعنا‪ ،‬ولكانت‬ ‫املؤسسات العلمية تبحث يف متاهة إلثبات‬ ‫اب وأن التطور خراف ٌة‪،‬‬ ‫أن املثلية اضطر ٌ‬ ‫وأ ّن بول البعري شفا ٌء كام يفعل "الباحثون"‬ ‫بالسعودية موطن الشقريي‪.‬‬ ‫‪20‬‬


‫الر ّد عىل أحمد الشقريي‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫إسالم بال مسلمني‪ ،‬وهو ما سيعطل تخلص مجتمعاتنا من وباء‬ ‫خطّر الشقريي وأمثاله عىل الدول العربية ترويجه لخرافة ٍ‬ ‫الفكر الديني واإلسالم السيايس‪ ،‬فبدل معالجة مشاكلنا وأسباب تأخرنا وغرقنا يف الدماء بشكل جذري ستبقى مجتمعاتنا‬ ‫بفضل الشقريي تعتقد أن الخطأ يف التطبيق ال النصوص‪ ،‬والتقاليد نفسها وهكذا تستمر املسرية الالنهائية يف البحث عن‬ ‫أكوام من الجثث‪ ،‬ذهب‬ ‫اإلسالم الصحيح‪ ،‬أن نقتل بعضنا آالف املرات ونجرب كل أشكال الفكر الديني آالف املرات فوق ٍ‬ ‫الشقريي إىل البلدان العلامنية الالدينية ليضع عنوانا لزيارته "املؤلفة قلوبهم"‪ ،‬فمتى يرحل إىل دولة داعش وطالبان‬ ‫والسعودية ليبثّ لنا حلقة بعنوان "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" ؟‬

‫تعقيب‬ ‫ملاذا ذكرنا اسم الشقريي وملاذا انتقدنا النظام السعودي دون غريه؟‬ ‫اسم كالشقريي أو غريه من دعاة اإلعالم وقنوات التلفاز‪ ،‬لهم‬ ‫إ ّن ً‬ ‫قوي عىل البعض من غري املثقفني من أبناء األمة العربية‪،‬‬ ‫تأث ٌري ٌّ‬ ‫يدس سموماً يف أفكار الجميع‪ ،‬ويرسم لهم طريقاً‬ ‫فهو بهذا ّ‬ ‫ذا اتجا ٍه ٍ‬ ‫واحد يف كيفية التفكري واالستنتاج‪ ،‬فكان البد أن‬ ‫كإعالمي يهدم‬ ‫نجيبه عىل ما يقدمه‪ ،‬وأن نذكر اسمه‬ ‫ٍ‬ ‫الفكر الح ّر‪ ،‬وال يراعي املنطقية يف عرض برنامجه‪،‬‬ ‫حيث إنّه يعرض وجهة نظ ٍر واحد ٍة‪ ،‬ويتغاىض عن‬ ‫الكثري مام جعل تلك البالد بال ًدا من العامل األول‬ ‫قائدة لباقي العامل أجمعني مبا فيه بلده‬ ‫أول وآخ ًرا‪،‬‬ ‫أما ملاذا ذكرنا السعودية؛ فألنها ً‬ ‫املصدر الرئيس لكل ذلك اإلعالم امللتوي الحائد‬ ‫عن الحقائق املوايل لكل من يحكم بالد النفط‬ ‫وان كان فيام نقول بُعدا ً عن الحقيقة‪ ،‬فإننا‬ ‫بذكر اسمه عالني ًة‪ ،‬نعطيه الحق بالدفاع عن‬ ‫نفسه قضائ ًيا‪ ،‬إن كان يستطيع‪.‬‬

‫متهم‬ ‫‪21‬‬


facebook group :https://www.facebook.com/groups/358777197583418 Blog :

https://www.aamagazine.blogspot.com

facebokPage :

https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299

22


‫هل يفكر الله؟‬ ‫أرشيف املنتدى األم‬

‫عزرائيل‬

‫كل يش ٍء منذ األزل‬ ‫تخربنا األديان اإلبراهيمية الثالث رصاح ًة وضمناً أ ّن الله يفكّر‪ ،‬لكن هذه األديان تقول‪ :‬إ ّن الله يعلم ّ‬ ‫مسيون‪ ،‬وهذا يقودنا إىل التساؤل عن‬ ‫مخيون ْ‬ ‫ولسنا ّ‬ ‫وإىل األبد‪ ،‬بل‪ ،‬ويعلم حتى خياراتنا التي سنختارها‪ ،‬رغم أنّنا ّ‬ ‫جدوى أن يقوم الله بالتفكري‪ ،‬فنحن مثال نفكّر ألنّه توجد لدينا خيارات‪ ،‬ألنّه توجد أشيا ٌء ال نعرفها‪ ،‬ألنّنا نريد استنباط‬ ‫يش ٍء ما من تجاربنا‪ ،‬الخ‪...‬‬

‫‪23‬‬


‫هل يفكر الله؟‬ ‫لكن هذا الله ال توجد أمامه خياراتٌ ‪ ،‬ال يوجد يش ٌء ال يعرفه‪ ،‬ال يريد استنباط يش ٍء‪ ،‬فالله بذلك ال يحتاج للتفكري‪ ،‬بل‬ ‫كل يش ٍء‪ ،‬فإذا كان الله يفكّر فهذا يعني أنّه يريد استنباط يش ٍء‬ ‫إ ّن مقولة ( إ ّن الله يفكر ) تتعارض مع صفته أنّه يعلم ّ‬ ‫معيٍ‪ ،‬أو أنّه يقوم بتحليلٍ ما ألشيا َء مع ّين ٍة‪ ،‬وهذا ال ميكن أن يتوافق مع العلم املطلق‪ ،‬فهل يعبد املسلمون واملسيحيون‬ ‫ّ‬ ‫غبي؟ وهل انعدام التفكري وانعدام الخيارات‬ ‫واليهود إلهاً ال يفكّر؟ وهل كونه ال يفكّر يجعلنا قادرين عىل أن نقول إنّه ٌّ‬ ‫أمام الله متكّننا من القول‪ :‬إ ّن حياة الله م ّمل ٌة ج ّدا ً؟‬ ‫كل ما جرى وسيجري‬ ‫كل خياراته وخياراتنا مسبقاً‪ ،‬وهو يعرف ّ‬ ‫يتغي‪ ،‬فهو يعرف ّ‬ ‫أال يكون الله بذلك عبار ًة عن جام ٍد ال ّ‬ ‫تفاصيل م ّمل ٍة‪ ،‬وهو ال يفكّر‪ ،‬أل ّن التفكري لن يضيف له شيئاً‪ ،‬بل عىل العكس كونه مفكرا ً‬ ‫َ‬ ‫بكل ما يف ذلك من‬ ‫للكون ّ‬ ‫كل يش ٍء ؟‬ ‫يتعارض مع كونه يعلم ّ‬ ‫متاثل مع املثال التايل‪ :‬لنفرض أن َ‬ ‫حاسوب وبعض األشياء‪ ،‬هذه األشياء‬ ‫لديك مكتباً يف البيت‪ ،‬وعليه جهاز‬ ‫أليس يف ذلك ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫مرتوك ٌة كذلك منذ ٍ‬ ‫يوم لتجلس إىل حاسوبك؛ لتدخل منتدى إلحا ٍد‪ ،‬مثالً يف هذه اللحظة‪ ،‬أنت‬ ‫وقت طويلٍ ‪ ،‬وأنت تأيت ّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫لست بحاج ٍة إىل التفكري فيام يوجد عىل املكتب‪،‬‬ ‫تقرأ هذه السطور‪ ،‬ويف نفس الوقت تعلم ما يوجد عىل مكتبك‪ ،‬وأنت َ‬ ‫وال يف طريقة ترتيب هذه األغراض إال يف حال ٍة واحد ٍة‪ ،‬وهي أنّك أردت أن ترتّب املكتب بطريق ٍة جديد ٍة‪ ،‬حينها تقوم‬ ‫لرتتيب أفضل‪ ،‬وأنت تفكّر ألنّك ال تعلم بالتامم الطريقة الجديدة التي سرتتّب بها األشياء عىل املكتب‪،‬‬ ‫للتوصل‬ ‫ٍ‬ ‫بالتفكري ّ‬ ‫يغي من ترتيبه‪ ،‬لذلك ال حاجة له بالتفكري ‪.‬‬ ‫أليس كذلك؟؟؟ لقد رتّب الله ّ‬ ‫كل يش ٍء بطريق ٍة مع ّين ٍة‪ ،‬وهو يعلم أنّه لن ّ‬

‫‪24‬‬


‫هل يفكر الله؟‬ ‫حقيقة ‪ :1‬الله ليست له بداي ٌة وال نهاي ٌة ‪.‬‬ ‫كل يشء‬ ‫حقيقة ‪ :2‬الله يعلم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بكلامت أخرى‪ :‬الله كان دامئاً يعلم أنّه سيخلق‬ ‫نستنتج‪ :‬ليست هناك بداي ٌة ملعرفة الله أنّه سيخلق الكون واإلنسان‪،‬‬ ‫معيٍ؟ أال‬ ‫الكون واإلنسان ؟ وهذا ينطبق عىل ّ‬ ‫كل يش ٍء خلقه الله أو سيخلقه‪ ،‬أال يعني هذا أ ّن الله ال ميكنه اتخاذ قرا ٍر ّ‬ ‫بكل يش ٍء ؟‬ ‫مطلق " ّ‬ ‫علم‬ ‫ٍ‬ ‫أي إراد ٍة‪ ،‬إمنا هو عبار ٌة عن " ٍ‬ ‫يعني ذلك أ ّن الله ال ميلك ّ‬ ‫هل يغضب الله؟‬ ‫كل يش ٍء‪ ،‬لوجبت استحالة إمكانية أن‬ ‫أيضاً األديان اإلبراهيمية تقول‪ :‬إ ّن الله يغضب‪ ،‬لكن لو أخذنا صفة الله أنّه يعلم ّ‬ ‫يغضب ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫مثال للتوضيح‪ ،‬لو أ ّن شخصاً ما صنع س ّيارةً‪ ،‬وهذا الشخص يعرف قطعاً أن السيارة ستتعطّل مبارش ًة بعد أن تقطع‬ ‫مسافة ‪ 100‬ألف كيلومرتٍ‪ ،‬فهل تتص ّورون أ ّن هذا الشخص سيستشيط غضباً عندما تتعطّل تلك السيارة بعد أن تقطع‬ ‫تلك املسافة ؟ هل تقبلون منه ذلك ؟‬

‫؟‬

‫‪http://www.youtube.com/user/fiberoty?feature=watch‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/theblackducks‬‬ ‫‪https://twitter.com/eskandarany‬‬ ‫برنامج حواري عىل اليوتيوب تدعم بعض حلقاته رشكة‬ ‫‪ ، Google‬يهدف بالدرجة األوىل إىل إجراء الحوار مع‬ ‫امللحديني والالدينيني املرصيني ‪ ،‬واملتحدثني منهم للغة‬ ‫العربية من ُمجتمعاتنا يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا ‪،‬‬ ‫فكرة وتنفيذ اسامعيل محمد‬ ‫‪25‬‬


‫فادي قوشقجي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫أنوا ٌر يف سام ٍء حالكة‪ ،‬تستقي منها الحلول تار ًة ًوترى نفسك فيها‬ ‫تار ًة أخرى‪ ،‬تحايك همومك ماضيك حارضك مستقبلك‪ ،‬ترسقك من‬ ‫وقتك إىل عوامل مل تدخلها قط‪ ،‬هذه باختصار هي الفنون يف حياتنا‪ .‬فادي‬ ‫قوشقجي‪ ،‬أحد أهم أعالم الكتابة التلفزيونية بالدراما السورية ‪ ،‬تخ ّرج من‬ ‫مدرسا باملعهد املتوسط لهندسة‬ ‫كلية الهندسة االلكرتونية ‪ 1989‬بدمشق‪ ،‬عمل‬ ‫ً‬ ‫الكومبيوتر‪ .‬ومابني الهندسة والتدريس أرشق الجانب األديب فكتب روايته االوىل (خريف‬ ‫األحالم) ‪ ،1998‬ثم مالبث أنْ أتبعها الرواية الثانية (أطياف الشمس) ‪ .2000‬بعد ذلك اتجه‬ ‫لكتابة املسلسالت الدرامية فكان من أعامله‪ :‬عىل طول األيام‪ -‬ليس رسابًا‪ -‬عن الخوف والعزلة‪-‬‬ ‫أرواح عارية‪ ...‬والتي تف ّردت بنكه ٍة مميزة ٍتحايك هموم املجتمعات العربية ككل من خالل املجتمع‬ ‫السوري‪ ،‬بوضوحٍ وحري ٍة مل نعهدها إال ناد ًرا‪ ،‬فكانت له بصم ٌة وكان من املميزين بالكتابة التلفزيونية م ّمن‬ ‫ترفع لهم القبعات‪ً .‬‬ ‫أهل بك ضيفًا عزي ًزا بيننا‪.‬‬ ‫تعقيب أو إضاف ٍة عىل املقدمة؟‬ ‫‪-1‬هل من‬ ‫ٍ‬ ‫أشكركم عىل هذه املقدمة وعىل هذه االستضافة يف مجلتكم‪ .‬يف الحقيقة اإلضافة التي قد تخطر يل هي أنّ الهوى‬ ‫األديب كان سابقًا عىل الهوى العلمي يف حيايت‪ ،‬فقد بدأت بكتابة القصص يف سن الطفولة متأث ًرا بانبهاري بقصص‬ ‫املغامرين الخمسة والشياطني ‪ ١٣‬وما شابه التي كانت رائج ًة يف ذلك الوقت‪ ،‬لكنني الحقًا ‪-‬وال زلنا يف الطفولة‪ -‬قررت‬ ‫رضا يف حيايت‪ ،‬إىل أن عاد الدافع إىل‬ ‫"اعتزال"الكتابة ! وظل الشغف بالقراءة‪ ،‬وخاص ًة يف األدب والفلسفة والسياسة‪ ،‬حا ً‬ ‫الكتابة واستيقظ يف ٍ‬ ‫وقت متأخر‪ ،‬فابتدأت رحلتي يف هذ امليدان‬ ‫اإلضافة األخرى تتعلق بأسامء أعاميل‪ ،‬لستم مضطرين لرسدها كلها بالطبع‪ ،‬لكن مبا أن اسم املسلسل املفضل لدي بني‬ ‫أعاميل "تعب املشوار"واسم الرواية املفضلة لدي بني روايايت‪" ،‬الحاكم بأمر الالت"‪ ،‬مل يردا‪ ،‬فقد رغبت باإلشارة إليهام‬

‫‪26‬‬


‫فادي قوشقجي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫‪-2‬إسمح لنا ببداي ٍة لطيف ٍة بأن نعود معك اىل سنوات الطفولة‪ ،‬مع أسلوب الرتبية امل ّتبع يف أرستك‪،‬ماحضور الدّ ين فيها‬ ‫وهل ميكننا القول أنك نشأت يف أرس ٍة علامني ٍة أم متدينة؟ وح ّبذا لو تذكر لنا أيّة ذكرى من هذا القبيل بسنني حياتك‬ ‫األوىل‪.‬‬ ‫نشأت يف أرس ٍة متوسطة التديّن‪ ،‬الجميع كان مؤم ًنا إىل هذه الدرجة أو تلك دون التز ٍ‬ ‫امات "طقسية" صارمة‪ .‬املفارقة‬ ‫هي أنني أنا الشخص الذي جلب االلتزامات الطقسية إىل البيت يف ذلك الحني‪ ،‬كان ذلك يف مرحل ٍة ما من سني الدراسة‬ ‫االبتدائية‪ .‬طلبت معلمة الديانة من الطالب أن يتحدثوا عام سمعوه يف العظة يف قداس األحد‪ ،‬فكان لدى الجميع ما‬ ‫يتحدثون عنه إال أنا‪ ،‬فأنا مل أكن أذهب إىل القداس‪ .‬عدت إىل البيت ً‬ ‫حامل إعالنًا مدويًا‪ :‬من اآلن وصاعدً ا سنذهب‬ ‫إىل قداس األحد! وبدأت األرسة تساير طفلها يف هذا "التقدم" الذي يحرزه‪ .‬يف مرحل ٍة الحق ٍة يف بدايات مرحلة الدراسة‬ ‫الثانوية تطور هذا التقدم إىل مرحلة االنتساب إىل الفرقة التي تؤدي الرتاتيل الدينية يف الكنيسة‪ ،‬بالتايل أستطيع أن‬ ‫أقول لكم أنني منذ سنوات الطفولة حتى أواسط املرحلة الجامعية كنت الشخص األعىل تدي ًنا يف هذه األرسة املتوسطة‬ ‫التديّن‬ ‫‪ -3‬هل تعترب أنّ الفن العريب بشكلٍ عام والدراما بشكلٍ خاص قد ُحكم عليه أن يكون مشب ًعا بالهموم والتناقضات‬ ‫خاص ًة بالفرتة األخرية‪ ،‬أم تعترب مبا أنه "واقعي"فعليه أن ينقل واقع حياتنا مبسؤولي ٍة كام هو ودون تجميلٍ أو أحالم؟‬ ‫ال أميل إىل تأطري الفن يف مهم ٍة محددة‪ ،‬أميل باألحرى لرتك الحرية املطلقة لآلداب والفنون للتعبري عن نفسها‬ ‫بالطريقة التي تتناسب مع أرواح مبدعيها‪ ،‬نعم هي تنقل الواقع بطريق ٍة بالغة الرصاحة والقسوة أحيانًا ونعم هي‬ ‫ٍ‬ ‫حاالت أخرى‪،‬‬ ‫حلم يف أحيانٍ أخرى‪ ،‬ونعم هي منتج ٌة للجامل واملتعة املج ّردين من أية "رسالة" يف‬ ‫"تبرش"وتحمل ً‬ ‫فليكن الفن ما يكون‪ ،‬املهم أن يكون ف ًنا‬

‫‪27‬‬


‫فادي قوشقجي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫‪-4‬هل تعقد ً‬ ‫يخص‬ ‫أمل عىل أنّ الفن حقًا قاد ٌر عىل أن يكون عال ًجا بالفعل ال مرآ ًة فحسب؟ وبالتحديد نقصد فيام ّ‬ ‫ٍ‬ ‫انقسامات عىل عدة أسس وخاص ًة طائفية ومذهبية لألسف‪.‬‬ ‫الواقع املتخبط الحايل مبا فيه من‬ ‫أحب رؤية الفن كمنتجٍ للجامل ً‬ ‫عالجي مفرتض‪.‬‬ ‫تبشريي أو‬ ‫أول وثان ًيا وثالثًا قبل أية رسالة قد يحملها وقبل أي دو ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫أي مجتمع يف آدابه وصحافته وبرملانه وغريها من املنابر‪ .‬الفن هو واحدٌ منها كمصد ٍر‬ ‫يدور النقاش العام املكون لروح ّ‬ ‫للجامل والرثاء الروحي بالدرجة األوىل‪ .‬الدور والوظيفة منوطان باملبدع نفسه‪ .‬هل يريد تحميل إنتاجه رسال ًة من نوعٍ‬ ‫اكمي بطيء‬ ‫ما؟ هذا خيار وليس إلزا ًما‪ ،‬ويف جميع األحوال يلعب الفن دوره بشكلٍ تر ٍّ‬ ‫ً‬ ‫فمثل‪ ،‬بالنسبة للحالة املحددة املشار إليها يف السؤال‪ :‬االنقسامات املذهبية والطائفية؛ هل يستطيع الفن أن يكون‬ ‫عال ًجا؟ أميل للجواب بالنفي‪ .‬لقد غنت فريوز وأبدع الرحابنة وأنتجوا م ًعا روائع خالدة ملجتمعٍ عاد وشهد حربًا أهلي ًة‬ ‫أسس مذهبي ٍة وطائفية‪ .‬أميل لالعتقاد أنّ فريوز والرحابنة ‪ -‬وهذا مج ّرد مثال‪ -‬قد لعبوا دو ًرا رائ ًعا يف‬ ‫طاحن ًة عىل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سلوك طائفي‪ ،‬هناك إ ًذا رشائح من‬ ‫أي‬ ‫تنشئة أفراد عديدين جدً ا عىل الرقي والجامل وبالتايل ً‬ ‫حتم‪ -‬االبتعاد عن ّ‬‫املجتمع أخرجها فن الرحابنة من الرصاع‪ ،‬ومع ذلك وقع الرصاع وكان طاح ًنا ومديدً ا‪.‬‬ ‫املنغمسون يف حال ٍة طائفي ٍة ومذهبي ٍة ال يعنيهم الفن ً‬ ‫أصل‪ ،‬رمبا ال يتابعونه‪ ،‬وإذا تابعوه فسيكون هدفهم من ذلك‬ ‫نقده بقسوة والسخرية منه ومحاولة إلغاء مفاعيله إال حني توافق هواهم‪ ،‬بالتايل نستطيع أن نستنتج أن دور الفن‬ ‫محدو ٌد جدً ا يف مسأل ٍة كهذه‪ ،‬والعالج الحقيقي يكمن يف نهض ٍة فكري ٍة معرفي ٍة تعليمي ٍة وعلمي ٍة من جهة‪ ،‬ويف تكريس‬ ‫العدالة االجتامعية وحقوق اإلنسان والدميقراطية الحقيقية من جه ٍة أخرى‪ ،‬فهذه االنقسامات الطائفية غال ًبا ما تكون‬ ‫اقتصادي حقوقي‬ ‫اجتامعي‬ ‫ذات جذ ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬

‫‪28‬‬


‫فادي قوشقجي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫‪ -5‬الزالت كلمة ملحد أو الديني أو حتى علامين لها وقعها الصادم السلبي عىل أذن كل من يسمع بهام حتى بني‬ ‫ترب عليها عاملنا العريب الدور االكرب يف ذلك؟ متى‬ ‫الطبقة املثقفة أحيانًا يف بالدنا‪ .‬هل تظن أنّ لسياسة اإلقصاء التي ّ‬ ‫مواطن آخر أيًا كان معتقده أو‬ ‫كأي‬ ‫ٍ‬ ‫سيخرج ملحدو العامل العريب من "الخوف والعزلة"ويعيشوا عىل هذه األرض ّ‬ ‫فكره يف بل ٍد واحد؟‬ ‫دعونا ال نغرق يف األوهام‪ .‬هل كلمة "ملحد"هي فقط التي تصدم؟ األمور التي تشكل صدم ًة ال زالت أكرث بدائية بكثري‬ ‫صائم يف شهر الصيام‪ .‬تخيلوا معي أن‬ ‫من كلمة "ملحد"‪ .‬تخيلوا معي أية صدم ٍة سيتسبب بها إعالن أحدهم أنه غري ٍ‬ ‫شخص أنه يريد أن يتزوج مدن ًيا فقط ألنّ قناعته هي‬ ‫ينهض القوم للصالة ويتخلف أحدهم عنها‪ .‬تخيلوا معي أن يقرر ٌ‬ ‫كذلك وليس بالرضورة بسبب اختالف طائفته عن طائفة حبيبته‪ .‬ما يصدم هذا املجتمع ال زال بعيدً ا كل ًيا عام تشريون‬ ‫إليه‪ ،‬وعندما تصبح صدمته الوحيدة هي كلمة "ملحد" سنكون قد قطعنا شوطًا واس ًعا يف التقدم اإلنساين والقيمي‬ ‫هل سياسة اإلقصاء التي تربينا عليها هي السبب يف ذلك؟ رمبا تكون قد لعبت دو ًرا لكن باألساس نحن نتكلم عن‬ ‫روح مجتمع إذا أعطي ِته الحرية املطلقة سيترصف أيضً ا عىل هذا النحو اإلقصايئ‪ .‬يلزمنا وبشدة ثور ٌة عقلي ٌة تُسقط هالة‬ ‫فكري قابلٍ للقبول أو الرفض‪،‬‬ ‫القداسة عن كل يشء إال اإلنسان‪ ..‬وتضع الدين يف مكانه وحجمه الطبيعيني كمك ّونٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫وقابلٍ للقراءات املتعددة والخصبة‪ ،‬هذه النقلة املعرفية الكبرية التي أنجزها الغرب يف مرحل ٍة من مراحل تطوره‬ ‫ٍ‬ ‫احتاجت زم ًنا ً‬ ‫وشجاعات منقطعة النظري‪ .‬هل سننجز ما مياثلها؟ أعتقد أننا سنفعل‪،‬‬ ‫طويل ونهض ًة معرفي ًة وفلسفي ًة‬ ‫ً‬ ‫تساؤل عام عىل امللحدين أن يفعلوه يف هذا الخصوص‪ ،‬أقول إنّ أحد أهم ما عليهم أن‬ ‫لكن‪ ،‬ومبا أن سؤالكم يتضمن‬ ‫أي‬ ‫يفعلوه هو أن يتخلوا عن التعايل والسخرية يف التعامل مع أصحاب العقائد املختلفة‪ .‬هل تستطيعون أن تكسبوا ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫شخص من‬ ‫أي‬ ‫شخص إىل جانبكم إن هاجمتم ً‬ ‫نصا عزي ًزا عىل قلبه بطريق ٍة ساخر ٍة متعالية؟ ما الفائدة التي يجنيها ّ‬ ‫أي ٍ‬ ‫شخص أن يفعله لخدمة أية قضي ٍة يؤمن بها هي أن يكون شديد اإلميان بها وشجا ًعا‬ ‫ذلك؟ أعتقد أن ما يتوجب عىل ّ‬ ‫وصاد ًقا يف التعبري عن انتامئه لها ويف الوقت نفسه أن يكون شديد االنتامء ملجتمعه دون ٍ‬ ‫تعال أو إساءة‪ .‬واألهم من‬ ‫كل ذلك‪ ،‬عىل صاحب القضية أياً تكن ‪-‬أن ميأل قضيته‪ -‬باإلنجاز والنجاح فالفشل ليس جذابًا‪ ،‬عليه أن يعطي النموذج‬ ‫الناجح واملتألق والجاذب للناس‪ ،‬والحرتامهم‪ ،‬يف الوقت نفسه‬

‫‪29‬‬


‫فادي قوشقجي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫‪-6‬العلامنية هي الحل‪ ،‬شعا ٌر تب ّناه بعض مثقفي العامل العريب كبداي ٍة لتلقني شعوبنا جرع ًة مبدأي ًة من الدميقراطية‬ ‫واحرتام الحريات وال ّراي اآلخر‪ ،‬جرع ًة لفصل الدين وسلطته عن الدولة‪ ،‬أو جرع ًة لنتعلم معنى التعايش كسائر البرش‪.‬‬ ‫متفائل بإمكانية وصولنا إىل هذا حقًا يو ًما ما؟ وما الوسيلة األنجع لتحقيق ذلك من وجهة نظرك كروايئ؟‬ ‫ٌ‬ ‫هل أنت‬ ‫ال علامنية يف مجتمعاتنا العربية يف املدى املنظور لألسف إال إن ُفرضت فرضً ا من األعىل‪ .‬رمبا لو سألتموين هذا السؤال‬ ‫متفائل بعض اليشء‪ ،‬ولو بعد جيلٍ أو اثنني‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫قبل ما أُطلق عليه "الربيع العريب" ‪-‬والربيع منه براء‪ -‬لقلت لكم أنني‬ ‫اآلن بعد "الربيع" أميل إىل التشاؤم بإمكانية تطبيق العلامنية لدينا إال بالفرض من األعىل‪ ،‬وهو ليس خيا ًرا مرفوضً ا‬ ‫بالنسبة يل باملناسبة‪ .‬العلامنية ليست "أيديولوجيا" ليك يكون فرضها مناف ًيا للحرية‪ .‬العلامنية ‪-‬عىل العكس‪ -‬هي‬ ‫ٍ‬ ‫إحساس بالذنب حني أقول‬ ‫ٍ‬ ‫أخالقي أو‬ ‫تساؤل‬ ‫أي‬ ‫لدي ّ‬ ‫تنحية األيديولوجيا مبعناها املاورايئ من املجال العام‪ ،‬وليس ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫فل ُتفرض فرضً ا‪ ،‬هذا يش ٌء مثل إلزامية التعليم‪ ،‬وإلزامية الفحص الطبي للزواج أو للتقدم لوظيف ٍة معينة‪ .‬إنه إلزا ٌم‬ ‫بالتمدّ ن والتحرر‪ .‬ولينتبه كل من يرفع حاجبيه مستنك ًرا اآلن‪ :‬أتحدث عن العلامنية ال عن اإللحاد‪ .‬الدولة التي تفرض‬ ‫موقف من الدين‪ ،‬والدولة‬ ‫قريب أو بعيد‪ .‬العلامنية هي أال يكون للدولة دي ٌن وال‬ ‫اإللحاد ال عالقة لها بالعلامنية من ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫موقف من الدين يقوم عىل أولوية عقيدتها‬ ‫التي تعلن عن نفسها "إسالمية" أو "مسيحية" أو "ملحدة" هي دول ٌة ذات‬ ‫الخاصة عىل كافة العقائد األخرى‪ ،‬لذلك هذه الدول املوصوفة أعاله‪ ،‬مبا فيها الدولة امللحدة‪ ،‬هي مناذج مرفوض ٌة ال‬ ‫متت للعلامنية بصلة‬ ‫ٍ‬ ‫محاوالت سينامئي ٍة ودرامي ٍة تتناول بعض تعاليم الدين واملتدينني وسلوكياته بجرأة‪،‬‬ ‫‪ -7‬بدأنا نشهد توج ًها جيدً ا يف‬ ‫كاملسلسل املرصي(قارصات) الذي تطرق إىل مسالة الزواج املبكر التي رسخها الدين والبيئة االجتامعية املنغلقة‪،‬‬ ‫معتم عليه هو‬ ‫وفيلم (امللحد) املرصي ‪-‬مع التحفظ عىل األسلوب‪ -‬لكن يبقى التطرق ملوضوع اإللحاد والذي بقي ً‬ ‫ٍ‬ ‫ملسلسالت سوري ٍة وعىل رأسها أعاملك كمسلسل (ليس رسابًا)‬ ‫رش جيدٌ يُحتسب للفن بالعامل العريب مؤخ ًرا‪ ،‬إضاف ًة‬ ‫مؤ ٌ‬ ‫والذي تناول موضوع الزواج املدين ببالدنا ومعاناة العلامنيني‪ ،‬و(أرواح عارية) الذي وصفه البعض بسقوط اليقني عند‬ ‫اب ينعكس عىل سلوكه وحياته‪ ،‬وغريها من أعامل‬ ‫اإلنسان ببعض مسلّامته األساسية وما قد يتس ّبب ذلك من اضطر ٍ‬ ‫نجدت انزور ونجيب نصري وحسن سامي يوسف‪...‬‬ ‫‪30‬‬


‫فادي قوشقجي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫ماتعليقك عىل االنفتاح الفني املتأخّر عىل مثل هذه املسائل الشائكة بالغة الحساسية عندنا؟ وهل تفضّ ل حرضتك‬ ‫االستبقاء عىل بعض الخطوط الحمراء أم كل يشء يجب أن يكون تحت النقد؟‬ ‫بزخم كبريٍ يف الستينات‪ ،‬ثم تراجع تحت تأثري املدّ الديني‬ ‫هذا االنفتاح املتأخر هو االبن الرشعي النفتاحٍ مبك ٍر بدأ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خطوط‬ ‫والرقابة االجتامعية التي صارت رافض ًة لرؤية الشك والتساؤالت الكربى عىل الشاشة‪ .‬بالطبع ال رشعية أليّة‬ ‫حمراء توضع يف وجه الفن واألدب‪ .‬كل يش ٍء تحت النقد والتساؤل والنقاش‪ ،‬لكن من يعمل بهذه الطريقة ينحت يف‬ ‫الصخر‪ .‬حني تتحدثون يف السياسة قد تقف يف وجوهكم الدولة بأجهزتها الرقابية املختلفة‪ ،‬أما حني تتحدثون يف الدين‬ ‫تعب عن نفسها بطرقٍ متعددة‪ ،‬وغال ًبا ما ينحني رقيب‬ ‫أو الجنس فمن يقف يف وجوهكم هو رقاب ٌة اجتامعي ٌة صارم ٌة ّ‬ ‫الدولة أمامها صاغ ًرا حتى لو مل يرغب بذلك‪ .‬لكن املثابرة وعدم اليأس رضوريان‪ ،‬فكلام صدمنا املجتمع بعملٍ أىت‬ ‫زخم سبق له متهيد الطريق أمامه‬ ‫العمل التايل أكرث جرأ ًة مستندً ا إىل ٍ‬ ‫‪ -8‬فن ًيا‪ ،‬هل أنت مع نقل الواقع كام هو أم نقل الواقع الذي نطمح أن يكون؟‬ ‫أيّهام األنجع برأيك ليحقق الفن هدفه املنشود يف التنوير؟‬ ‫سؤالنا هذا من منطلق تحكّم املوروثات بيومياتنا‪ ،‬اي أنه لطاملا اتُهمت األعامل الفنية العربية بالذكورية عىل سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬وهذا قد يفرسه البعض ملجتمعنا الذكوري ً‬ ‫أصل والفن ناقل ال أكرث‪ ،‬لكن مع ذلك نجد فادي قوشقجي يتع ّمد‬ ‫تقاسم البطولة بني رجلٍ وامرأة بأعامله‪ ،‬هل توافقني بإلقايئ اللوم عىل الدين الذي قلص دور املرأة يف الحياة ً‬ ‫فعل فام‬ ‫كان من الفن إال أن يعكس هذا الواقع الشعوريًا؟ وهل من واجبنا تغيري ذلك أم مج ّرد نقله يكفي لتبيان سوادويته؟‬ ‫أميل إىل مزج األسلوبني م ًعا‪ .‬عرض املجتمع كام هو‪ ،‬وعرض ما أطمح إليه يف الوقت نفسه‪ .‬يف ملخص مسلسل ليس‬ ‫ٍ‬ ‫محيط ينظر إىل هذه‬ ‫رساباً كتبت أنّ أبطالنا املنخرطني يف املرشوع املدين العلامين النهضوي هم أشبه بجزير ٍة وسط‬ ‫رضا الحقًا يف أعاميل التالية‪ .‬كثريًا ما أتعرض‬ ‫الجزيرة بكثريٍ من الشك والتحفظ والعدائية‪ .‬ومفهوم الجزيرة هذا صار حا ً‬ ‫حبيب كهذا؟ وجوايب الدائم‪ :‬نعم يوجد‪ ،‬وحتى لو مل يكن موجو ًدا‬ ‫شقيق أو‬ ‫للسؤال‪ :‬هل توجد حقًا عائل ٌة كهذه؟ أو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫حلم أد ٍّيب أو درامي‪ .‬ما الضري من "إغراء" القراء أو املتابعني بالقفز إىل تلك الجزيرة؟ دو ًما يف‬ ‫لوجب إيجاده ولو يف ٍ‬ ‫أعاميل تحتل الشخصيات التي متثل "ما نطمح إليه" نسب ًة مئوي ًة من مجمل الشخصيات أعىل من النسبة الحقيقية يف‬ ‫‪31‬‬


‫فادي قوشقجي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫املجتمع‪ ،‬وهذا يجري بشكلٍ‬ ‫مدروس وتحت السيطرة ال كهفو ٍة ً‬ ‫مثل‪ ،‬وذلك للهدف املشار إليه أعاله بالضبط‪ :‬إبراز‬ ‫ٍ‬ ‫أي ضريٍ يف ذلك طاملا املجتمع‬ ‫الجامل الكامن يف املجتمع لو يبنيه أو يقوده هؤالء‪ ،‬أو يكونون فيه األكرثية‪ ،‬وال أرى ّ‬ ‫الحقيقي موجو ٌد هو اآلخر وله لسانه وصوته ومربراته دون قرس أو تغييب‪.‬‬ ‫أحب وأجد من الرضوري تسليط الضوء‬ ‫أما حول طريقة حضور املرأة يف أعاميل‪ ،‬فأقول إنها واحد ٌة من القضايا التي ّ‬ ‫جذاب إىل العمل‪ ،‬بل تجعلها تظهر ككيانٍ موا ٍز‬ ‫ٍ‬ ‫عليها بهذه الطريقة بالذات التي ال تجعل منها مج ّرد مكونٍ إضايفّ‬ ‫ومسا ٍو متا ًما لحضور الرجل يف تلك األعامل‪ .‬ال أدري نسبة حضور "الدين" يف عقل الك ّتاب الذين يجعلون من حضور‬ ‫ٌ‬ ‫ديني‬ ‫املرأة ثانويًا وهامش ًيا ومج ّرد مكملٍ ال عمل له إال الغرية واملكائد والرصاع عىل قلب الرجل‪ .‬هذا‬ ‫موروث كبريٌ ٌّ‬ ‫واجتامعي وثقايف‪ .‬هل ترغب املرأة يف الظهور يف األعامل التلفزيونية بالطريقة التي يظهرونها بها؟ أشك بذلك كثريًا‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫لهموم نضالي ٍة وثقافي ٍة يف مرحل ٍة مبكر ٍة يزعمون أنهم‬ ‫خاص حامل ًة‬ ‫ٍ‬ ‫لقد كانت املرأة يف مجتمعنا السوري بشكلٍ ٍّ‬ ‫يتحدثون عنها أحيانًا يف بعض األعامل‪ .‬هل ترغب املرأة أن تكون دو ًما "الضحية" يف األعامل األكرث معارص ًة؟ أيضً ا‬ ‫أشك بذلك‪ .‬هي قد تكون ضحي ًة أحيانًا‪ ،‬لكنه ليس دو ًرا تستمتع به أو "دمغ ًة" ُحكم عليها أن تحملها‪ ،‬فهي تستطيع‬ ‫أن تكون شخصي ًة قوي ًة وفاعل ًة دون أن يتعارض ذلك عىل اإلطالق مع أنوثتها‪.‬‬

‫كحل مثا ٍّيل يضمن التعايش بسالم يف بلداننا متعددة األلوان واألطياف‪ .‬هل املطالبة بفصل‬ ‫‪-9‬أنت من أنصار العلامنية ٍّ‬ ‫نوسع حلمنا أكرث ملواجهة سلطة الدين عىل‬ ‫الدين عن السياسة وبالتايل املطالبة مبواجهة تسييس الفن يقودنا ألن ّ‬ ‫الفن أيضً ا يو ًما ما؟‬ ‫يحق لنا أن نحلم بوضع حدٍّ للرقابة السياسية عىل الفن إىل الحلم بوضع حدٍّ للرقابة الدينية عىل الفن‬ ‫مبعنى آخر؛ هل ّ‬ ‫ً‬ ‫يف املستقبل أيضً ا؟‬ ‫خاص ًة وأنّ الدول الغربية رمز الدميقراطية والحريات مقارن ًة بنا‪ ،‬نراها تلجأ أحيانا إىل تسييس الفن‪ ،‬خاص ًة باألحداث‬ ‫االخرية يف سوريا ً‬ ‫مثل حيث تم إقصاء العديد من األعامل والفنانني السوريني من عدة مهرجانات بسبب مواقفهم‬ ‫السياسية ببلدهم؟‬ ‫‪32‬‬


‫فادي قوشقجي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫هل تعتقد أنه ما من دميقراطية مثالي ٍة حقيقي ٍة يف هذا العامل إىل اليوم؟‬‫يحق لنا أن نحلم برفع الرقابة الدينية عن الفن أيضً ا يو ًما ما؟‬ ‫هل ّ‬‫الرقابة السياسية يشء وتسييس الفن يش ٌء آخر‪ .‬الرقابة السياسية تنتهي بتحقيق الدميقراطية السياسية املثالية‪،‬‬ ‫أساسا ال معنى‬ ‫وهي غري موجودة يف هذا العامل حسب اعتقادي‪ ،‬والرقابة الدينية تنتهي بتحقيق العلامنية املطلقة‪ً .‬‬ ‫للدميقراطية دون العلامنية‪ .‬هذان املصطلحان هام الجناحان اللذان بهام تتحقق الحرية‪ :‬الهدف األسمى لإلنسان‬ ‫تحدّ ي الرقابة السياسية أسهل بكثريٍ من تحدّ ي الرقابة الدينية‪ .‬حني تتحدّ ون الرقابة السياسية تحصدون التصفيق‪ ،‬أما‬ ‫حني تتحدون الرقابة الدينية فتحصدون كل يش ٍء إال التصفيق‪ .‬رغم ذلك ال سبيل إال االستمرار ومواصلة العمل عىل‬ ‫اكمي‬ ‫رفع السقف بشكلٍ تر ٍّ‬ ‫أي تح ٍد‬ ‫ومبا أن الرقابة الدينية هي رقاب ٌة اجتامعية‪ ،‬فإن الحلم بزوالها مبك ٌر بعض اليشء‪ .‬سيظل املجتمع متحفظًا تجاه ّ‬ ‫لألفكار السائدة حتى إشعا ٍر آخر‪ ،‬األمر يحتاج إىل تحقق النهضة املعرفية املطلوبة‪ ،‬أو إىل رقيب دول ٍة شجاعٍ ال ينحني‬ ‫ٍ‬ ‫ظروف موضوعي ٍة مل تنضج بعد مبا فيه الكفاية‬ ‫أمام الرقابة االجتامعية‪ ،‬ويبدو أنّ كال األمرين يحتاجان إىل‬ ‫‪ -10‬البعض يس ّوق إىل أن تقويض سطوة األديان عىل تفاصيل حياتنا سيكون ذا نتائج كارثي ًة من الناحية األخالقية عىل‬ ‫مجتمعاتنا؟ هل توافق عىل أنّ القانون وحده ال يكفي لتهذيب مجتمعاتنا والبدّ من إطالق يد األديان أكرث يك متارس‬ ‫ما تظن انه أُوكل اليها تاريخ ًيا عرب ما يدعو إليه البعض مؤخ ًرا مبا يسمى "دولة الرشيعة"‪.‬‬ ‫هل هناك مكان للدعابة يف مقابل ٍة جاد ٍة كهذه؟ أفرتض أنّ الجواب نعم‪ ،‬فأقول‪ :‬هل هذا السؤال يل أنا ً‬ ‫فعل؟ أم أنه‬ ‫رسب إىل هنا بالخطأ؟‬ ‫ت ّ‬ ‫أي دين‪ .‬باألحرى كانت أخالقياته املتفاوتة متوفر ًة بكامل أطيافها‪ ،‬من‬ ‫يا أعزايئ اإلنسان كان كائ ًنا أخالق ًيا قبل ظهور ّ‬ ‫أرقى املستويات إىل أدناها‪ .‬ثم جاءت األديان فامذا حدث؟ لقد بقي الوضع عىل حاله‪ ،‬ورمبا أميل للقول إنه اتجه‬ ‫أسس ديني ٍة إىل الرصاعات العديدة املوجودة سابقًا‪ ،‬فكان أقساها وأكرثها دموي ًة‬ ‫لالسوأ بعد أن أضيف الرصاع عىل ٍ‬ ‫‪33‬‬


‫فادي قوشقجي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫وبربرية‪ .‬هنا يرتكب املجرم جرميته باسم اإلله‪ ،‬فيكون متحر ًرا متا ًما من أية ضوابط أو أزمات ضمري‪ .‬بالطبع األخالق‬ ‫قريب أو بعيد‪ ،‬وأولئك الذين صنعوا ثورات العدالة الكربى أو كتبوا األسس النظرية لها كانوا‬ ‫ال صلة لها بالدين من ٍ‬ ‫يف الغالب يعتربون الدين أفيون الشعوب‪ ،‬ومع ذلك كان هاجسهم اإلنسان وشموخه وكرامته وحريته‪ ،‬فهل هناك‬ ‫أخالق أعىل من هذه؟‬ ‫‪-11‬هل من املمكن أن نرى منك قري ًبا ً‬ ‫عمل تلفزيون ًيا أو رواي ًة تتناول واقع امللحد يف بالدنا وبشكلٍ رصيح‪ ،‬انطال ًقا‬ ‫من تعاليم الدين اإلسالمي نفسه‪" :‬من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"و"ال إكراه يف الدين"؟‬ ‫صعب‬ ‫نص ديني؟ هذا‬ ‫دوماً سأتحدث عن حق اإلنسان يف أن يكون ما يشاء طاملا ال يؤذي اآلخرين‪ ،‬لكن انطال ًقا من ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص‬ ‫جدً ا حسب ما أرى‪ .‬فالنصوص التي تتسامح مع املختلف‪ ،‬ومنها ما ذكرتوه يف السؤال‪ ،‬تقف جن ًبا إىل جنب مع‬ ‫أخرى تهدر دمه‪ .‬نعم عليكم أن تتعاملوا مع العدة الفكرية لآلخر دو ًما مسلطني الضوء عىل الجوانب األكرث ألقًا فيها‬ ‫من أجل مخاطبة جميع العقول‪ ،‬لكن يف النهاية ما سيحقق حرية االنسان يف أن يكون ما يشاء هو منظوم ٌة حقوقي ٌة‬ ‫متكامل ٌة تفرض املساواة فرضً ا‪ ،‬وال تستجدي وتستعطف‬

‫‪ -12‬انت من املرابطني يف سوريا رغم كل ما حدث وما قد يحدث‪ ،‬ما مفهوم الوطن لديك ومبا تربر تخ ّوف البعض من‬ ‫العلامنية بذريعة أنّ األديان هي أقوى ر ٍ‬ ‫أي يش ٍء آخر؟‬ ‫ابط بني البرش من ّ‬ ‫الوطن هو نايس وأهيل الذين نشأت بينهم‪ ،‬وحملت سحنتهم وتطبعت بطبائعهم‪ ،‬وتشكلت بيني وبينهم عرب السنوات‬ ‫ذكريات وعواطف ال حرص لها‪ .‬الوطن هو يش ٌء ال يختاره املرء‪ ،‬لكنه أحيانًا يقع يف غرامه فيستطيع أن يقول‪ :‬إين‬ ‫ٌ‬ ‫اخرتتك يا وطني ح ًبا وطواعية‪ .‬وإنني أختار سورية ح ًبا وطواعية من بلدان العامل قاطبة‪ ،‬وأختنق من فكرة االضطرار‬ ‫لالبتعاد عنها‪ ،‬وآمل أال أتع ّرض لهذا االختبار الذي ميكنه أن يكون مدم ًرا بالنسبة يل‪ ..‬لذلك أبقى (مرابطًا؟) فيها ما‬ ‫استطعت إىل ذلك ً‬ ‫سبيل‪ .‬منذ أيام املراهقة والشباب وتلك األحاديث حول الطموحات واألحالم وميل الكثريين إىل‬ ‫السفر لتحقيق أنفسهم كانت جملتي الدامئة‪ :‬أنا ال أترك هذا البلد باختياري عىل اإلطالق‬ ‫‪34‬‬


‫فادي قوشقجي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫الرابط الديني ال يصنع وطناً‪ ،‬بل يصنع عصبي ًة برشي ًة تنتمي إىل عصور الظلامت‪ .‬يف بعض األدبيات املحيطة بنا ترد‬ ‫عبار ٌة مسلي ٌة إىل حدٍّ كبريٍ تتحدث عن األمتني العربية واإلسالمية‪ .‬هل أنا إ ًذا جز ٌء من أمتني؟ وأيهام أوسع؟ أيهام‬ ‫يل أن أفعل حني أشاهد مبارا ًة بكرة‬ ‫أظرف؟ أيهام التي عىل قلبي أن يخفق لها عند عزف نشيدها الوطني؟ وماذا ع ّ‬ ‫القدم بني تونس وإيران عىل سبيل املثال؟ هل أنحاز للعريب أم لالسالمي؟ لألسف تو ّرط البعض يف سورية نفسها مبا يف‬ ‫ذلك رئيس الجمهورية يف استعامل عبارة األمتني العربية واإلسالمية رغم تناقضها مع املنطلقات البعثية التي يفرتض‬ ‫أنهم يؤمنون بها‪ ،‬ولحسن الحظ مل أعد أسمع ذلك مؤخ ًرا‪ .‬يبدو أنهم قد تنبهوا لهذه الهفوة‪ .‬من يرغب باالنتامء إىل‬ ‫أم ٍة إسالمي ٍة أو مسيحي ٍة أو بوذي ٍة فليفعل‪ ،‬وليغلق عىل نفسه "باب الحارة" الخاص به جيدً ا‪ ،‬وليهنأ بظلامته‪ .‬نحن لنا‬ ‫هذا الرتاب الذي ال طائفة له وال دين‪ ،‬ويربطنا به ر ٌ‬ ‫سابق لكل األنبياء و"املرسلني"‬ ‫ابط أز ٌّيل ٌ‬ ‫‪ -13‬هل س ّبب لك فكرك املنفتح وعلامنيتك نقدً ا رصي ًحا من وسطك االجتامعي ومن الوسط الفني بالتحديد‪ ،‬أم انك‬ ‫أي ٍ‬ ‫تعترب الوسط الفني أكرث ً‬ ‫وسط آخر يف بالدنا؟‬ ‫تقبل وانفتا ًحأ من ّ‬ ‫وسطي االجتامعي "يتحملني" مبحبة غال ًبا‪ .‬والوسط الفني هو نعم كام وصفتموه‪ :‬من األكرث ً‬ ‫تقبل وانفتا ًحا‪ .‬املشاكل‬ ‫هي مع األوساط املنغلقة واملتشددة‪ ،‬وهي ليست ذات حضو ٍر مؤث ٍر يف حيايت اليومية‪ ،‬والسجال معها يجري ‪-‬حتى‬ ‫اآلن‪ -‬بالكلمة من خالل املنابر املتعددة املتاحة لذلك‬ ‫مم تسري إليه منطقتنا وأجيالنا‪ ،‬اجتامع ًيا وثقاف ًيا؟‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -14‬هل انت‬ ‫متفائل ّ‬ ‫تخصها لشبابنا العريب؟‬ ‫وهل من رسالة ّ‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات ما يجري يف سورية اآلن التهمته بالجنون‬ ‫ال أستطيع أن أخ ّمن شي ًئا عن املستقبل‪ .‬لو وصف يل أحدهم قبل‬ ‫ولقلت له فو ًرا‪ :‬مستحيل‪ .‬نحن ال يحدث لنا ذلك‪ .‬وها هو قد حدث‪ .‬هذه التجربة تعلم اإلقالع عن التفاؤل الساذج‪،‬‬ ‫بغض النطر عام ينتظرنا يف‬ ‫لكن هذا ال يعني التشاؤم أيضً ا‪ .‬العربة الحقيقية هي يف الدرب ويف اإلرصار عىل السري فيه ّ‬ ‫النهاية‬ ‫‪35‬‬


‫فادي قوشقجي‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫ابني الشابني‪ ،‬فإن فعلت أقول‬ ‫أما عن رسالة للشباب؛ ال أدري كيف أفعل ذلك‪ ،‬لذلك دعوين أعتقد أنني أخاطب ّ‬ ‫لهام أن يكونا منتميني بشد ٍة إىل بالدهام ومجتمعهام‪ ،‬دون أيّة فوقي ٍة أو دوني ٍة تجاه البالد واملجتمعات األخرى‪ ،‬وأن‬ ‫ٍ‬ ‫بإخالص وإتقان‪ ،‬وأال يكون مرورهام‬ ‫أي مجال يختارانه‬ ‫يكونا وفيني لنفسيهام ولحقّهام يف الحرية والعدالة والعمل يف ّ‬ ‫يف العامل عاب ًرا بل أن يعمال عىل ترك بصم ٍة وأث ٍر إيجا ٍّيب يف املحيط‬ ‫نختتم بقول لـ عيل رشيعتي‬ ‫"إذا كنت ال تستطيع رفع الظلم فأخرب عنه الجميع عىل األقل"‬ ‫هذه الجملة تخترص يف طياتها الكثري‪ ،‬هي متا ًما الدور املنوط بالفن‪ ،‬فهو األقرب للناس واألكرث تأثريًا بكل أشكاله‪.‬‬ ‫شك ًرا ً‬ ‫جزيل عىل تلبية دعوتنا‪.‬‬

‫قام بالحوار‬ ‫‪........................ Alia'a Damascéne‬‬

‫‪36‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪37‬‬


‫(‪)1‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫سلسلة الفاحشة يف فضح أ ّم‬ ‫املؤمنني عائشة ‪1‬‬ ‫املصدر ‪:‬‬ ‫كتاب‪ :‬تراجم س ّيدات بيت ال ّنبوة "ريض الله عنهن"‪.‬‬ ‫من صــــ‪ 191‬حتي صـــــ ‪228‬‬ ‫تأليف‪ :‬د‪/‬عائشة عبد ال ّرحمن ‪ -‬بنت الشّ اطئ ‪.-‬‬ ‫سي وتراجم‪.‬‬ ‫إصدار‪ :‬مكتبة األرسة ‪ 2013-‬سلسلة ّ‬ ‫مقسم ٌة إىل مباحثَ ‪ ،‬بنفس ترتيب الفصول كام هي بالكتاب؛ ليتس ّنى ملن يريد املتابعة أ ْن يتابع‪.‬‬ ‫السلسة ّ‬ ‫ّ‬ ‫املوضوع غري قطعي الثّبوت‪ ،‬غري قطعي ال ّداللة ‪ /‬فهي قراء ٌة عقلي ٌة‪ ،‬إلحادي ٌة شخصي ٌة‪ ،‬وأر ّح ُب بال ّنقاش‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫سلسلة الفاحشة يف فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪1‬‬

‫الصهر الكريم"‪.‬‬ ‫املبحث األول‪ِّ " :‬‬ ‫وفيه ال ّنقاط التّالية‪:‬‬ ‫‪ -:1‬أُخوة أيب بك ٍر ومح ّم ٍد‪.‬‬ ‫السابقة )‪.‬‬ ‫‪ -:2‬دعني أسلم منهام ( يف خطبة عائشة ّ‬ ‫املبشين‪ ،‬هل كان بفضل االقتناع والهداية أم بفضل تأثري أيب بك ٍر ؟‬ ‫‪ -:3‬إسالم العرشة ّ‬ ‫‪ -:4‬برشية الحور العني ‪ -‬أ ّم رومانٍ أمنوذ ًجا‪.‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫أولً‬

‫يل يف ماله وصحبته أبا‬ ‫حول أُخوة أيب بك ٍر ومح ّم ٍد تتحدث الكاتبة فتقول بادئ ًة بالحديث ّ‬ ‫الشيف‪ :‬إ ّن من أمن ال ّناس ع َ‬ ‫خليل‪ ،‬ولكن أُخوة اإلسالم‪(.‬حديثٌ‬ ‫متفق عليه)‪.‬‬ ‫خليل الت ّخذت أبا بك ٍر ً‬ ‫بكرٍ‪ ،‬ولو كنت متّخذًا ً‬ ‫نبوي ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سعيد األموي عن أبيه قالت ‪ :‬فجاءت خولة‪،‬‬ ‫سعيد بن يحي ابن‬ ‫حديث عائش ٍة الوارد يف مسند الطّربي(‪ )1‬من طريق‬ ‫أي أ ّم رومانٍ ‪ ،‬ماذا أدخل الله عليكم من الخري والربكة!‬ ‫فدخلت بيت أيب بك ٍر فوجدت " أ ّم رومانٍ " أ ّم عائش ٍة فقالت لها ‪ْ :‬‬ ‫قالت وما ذاك؟ قالت‪ :‬أرسلني رسول الله أخطب عليه عائشة! قالت‪ :‬ودت انتظري أبا بك ٍر فإنّه ٍ‬ ‫آت‪...‬‬ ‫وجاء أبو بك ٍر فقالت له‪ :‬يا أبو بك ٍر ماذا أدخل الله عليك من الخري والربكة! أرسلني رسول الله أخطب عائش ًة قال‪ :‬وهل‬ ‫تصلح له ؟ إنّ ا هي ابنة أخيه‪.‬‬ ‫فرجعت إىل رسول الله فقالت له ذلك فقال‪ :‬ارجعي إليه فقويل‪ :‬إنّك أخي يف اإلسالم وأنا أخوك‪ ،‬وابنتك تصلح يل‪.‬‬ ‫تاريخ الطّربي ‪ ،176/ :3‬وال ّنقل منه‪ ،‬ونحوه يف طبقات بن ٍ‬ ‫سعد ‪ 8/59‬ويف اإلصابة من حديث عائش ٍة ريض الله عنها‪،‬‬ ‫السمط الثّمني صــ ‪31‬‬ ‫أخرجه أبن أيب ٍ‬ ‫عاصم‪ ،‬وانظر معه املحب الطّربي يف ّ‬ ‫تذييل‬ ‫ٌ‬ ‫والتحال‪ ،‬وأنّه أول الخلفاء‪ ،‬وثاين اثنني‪ ،‬وكل‬ ‫من املعروف أ ّن أبا بك ٍر هو أقرب املق ّربني ملح ّم ٍد‪ ،‬وكان مالز ًما له يف الحل ّ‬ ‫الصفات التي اكتظّت بها الكتب اإلسالمية يف وصف والتّحدث عن أيب بكرٍ‪ّ ،‬إل إ ّن األ ّمر هنا يجعلنا نتساءل‪ :‬إ ْن كانا‬ ‫هذه ّ‬ ‫عىل هذه ال ّدرجة من القربة ومن التّواصل‪ ،‬بل واألُخوة فلامذا مل يكن هو األكرث رواي ًة ألحاديثه!!! ؟؟؟‬ ‫الصعب أو املستعيص الذي يتطلب اللّبس أو يحتمل الضبابية‪ ،‬فكيف مل يرتاءى ذلك ومل‬ ‫مفهوم األخوة ليس باملفهوم ّ‬ ‫يتّضح أليب بكرٍ؟؟!!!‬ ‫‪39‬‬


‫سلسلة الفاحشة يف فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪1‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫قضية تزويج عائش ٍة من املفرتض أنّها قضي ٌة عائلي ٌة بحت ٌة تخص األب واأل ّم‪ ،‬لكن الواضح من الكالم عندما ذهبت أ ّم‬ ‫رومانٍ أ ّن أ ّم عائش ٍة مل تكن شخصي ًة فاعل ًة يف القضية‪ ،‬ما يحيلك إىل ال ّدور الذّكوري والتّغييب الفعيل يف اإلسالم لدور‬ ‫ٍ‬ ‫تحكيامت تفرضها البيئة إلّ أنّنا نقول هناك يف‬ ‫املرأة‪ ،‬ورغم أ ّن القول بهذا يعترب نوعاً من املغاالة عىل اعتبار أ ّن هناك‬ ‫رض وكلمتهن تضاهي يف العلو والفاعلية دور ال ّرجال مثل "خديجة‬ ‫تلك الحقبة كانت توجد نسا ٌء فاعل ٌة‪ ،‬ودورهن حا ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫خويلد"‪.‬‬ ‫بنت‬ ‫السيامي مع مح ّم ٍد ال يعرف الفرق بني األخ ّوة الفاعلة واألخ ّوة يف ال ّدين‪،‬‬ ‫كيف لرجلٍ مثل أيب بكرٍ؛‬ ‫ٌ‬ ‫متالصق تالصق التّوأم ّ‬ ‫أمل يبلغه التّرشيع‪ ،‬أ ّم كان قُصو ًرا منه يف الفهم!!! وال ّدليل عىل ذلك قوله "إنّ ا هي ابنة أخيه"‬ ‫خصوصا فيام يخص‬ ‫الستار ال ّنسوي "دور الخاطبة" املتمثل يف أ ّم رومانٍ ‪ ،‬يحيلك إىل فكرة هامشية املرأة‪ ،‬و‬ ‫ً‬ ‫فكرة وجود ّ‬ ‫تدليل عىل كون عائشة طفل ًة ال تعرف وال تعي من األ ّمر شيئًا‪،‬‬ ‫أ ّمر زواجها وكأنّها أبعد ما تكون عن القضية‪ ،‬ويف هذا ٌ‬ ‫السادسة أو التّاسعة‪ ،‬فكيف لها أ ْن تعرف وتتصدر أل ّمر زوا ٍج ؟!‬ ‫فهي بنت ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مغلوط‪ ،‬بل كان أم ًرا ناج ًزا "ارجعي‬ ‫ملفهوم‬ ‫بعدما أُخرب ال ّرسول مبوقف أيب بك ٍر من مفهوم األخوة‪ ،‬مل يأت ال ّرد تصحي ًحا‬ ‫ٍ‬ ‫له فقويل" ّما يدلل عىل كون عائشة قد نالت اإلعجاب واالستحسان من مح ّم ٍد‪ ،‬وأنّه ما َ​َل لها وأراد أن ينكحها‪ ،‬فأكر ْم به‬ ‫من رسو ٍل وأعظ ْم به من رجلٍ !!!‬

‫ثان ًيا‬

‫كون عائشة قد ُخطبت قبل إبداء ال ّرسول رغبته يف أ ْن ينكحها‪ ،‬تقول الكاتبة ‪ -‬انتبه ملا تحته خ ّط ‪:-‬‬

‫عدي كان قد ذكر عائشة عىل ابنه جبري‪ ،‬وال والله ما وعد أبو بك ٍر شيئًا ق ّط فأخلف‪.‬‬ ‫قالت أ ّم رومانٍ إ ّن املطعم بن ٍ‬ ‫عباس بطبقات بن ٍ‬ ‫ويف رواي ٍة عن ابن ٍ‬ ‫سعد (‪ )8/58‬قال‪ :‬خطب رسول الله إىل أيب بك ٍر عائشة فقال أبو بك ٍر يا رسول‬ ‫عدي بن نوفلٍ بن عبد ٍ‬ ‫مناف البنه جبريٍ‪ ،‬فدعني حتى أسلم منهم ففعل‬ ‫الله‪ :‬كنت قد وعدت بها أو ذكرتها‬ ‫ٍ‬ ‫ملطعم بن ٍ‬ ‫مطعم وعنده امرأته أ ّم جبري وكانت مرشك ًة فقالت العجوز‪ :‬يا ابن أيب قحاف ٍة‪،‬‬ ‫تكمل الكاتبة فتقول‪ :‬فدخل أبو بك ٍر عىل‬ ‫ٍ‬ ‫لعلنا إ ْن ز ّوجنا ابننا َ‬ ‫ابنتك أ ْن تصبئه وتدخله يف دينك الذي أنت عليه؟ فلم يرد عليها أبو بكرٍ‪ ،‬بل التفت إىل زوجها‬ ‫املطعم فقال ما تقول هذه؟ فقال إنّها تقول ذاك‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫سلسلة الفاحشة يف فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪1‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫تذييل‬ ‫ٌ‬ ‫تغي حني عرض عليه صديقه أو أخوه‬ ‫كان من املعروف عن أيب بك ٍر كونه رجالً ال يرجع يف كلمته‪ ،‬لكن الحال تب ّدل أو ّ‬ ‫مطعم إخالفاً للوعد‪ ،‬وبالتّايل يندرج أبو بك ٍر‬ ‫عدي بن‬ ‫ٍ‬ ‫مح ّم ٌد أ ْن يتزوج ابنته‪ ،‬فهل ميكن أ ْن نعترب املوقف من خطبة ٍ‬ ‫تحت بند املنافقني‪ ،‬كون إخالف الوعد من أه ّم وأبرز صفات املنافقني‪.‬‬ ‫مطعم‪،‬‬ ‫السبب يف أ ّن تحرر أيب بك ٍر من موقفه وكلمته ت ُجاه بن‬ ‫ٍ‬ ‫قضية دين أيب بك ٍر التي ساقتها الكاتبة للتّدليل عىل كونها ّ‬ ‫مطعم كان معروفًا ومعلو ًما أليب بكرٍ‪ ،‬ومل يكن خف ًيا عليه‪ ،‬فلامذا‬ ‫تعترب نوعاً من أنواع التّدليس وال ّد ّس‪ ،‬أل ّن دين بن‬ ‫ٍ‬ ‫هذا ال ّزيف والخداع يف نقل املعلومات؟؟ ث ّم ما املنطق والحكمة يف إبراز عائش ٍة‪ ،‬وكأنّها البهيمة التي تساق والكل يدور‬ ‫رأي وال مشور ٍة رغم كون املوضوع يف أخص ما يخصها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويلف من حولها‪ ،‬وهي بال ٍ‬ ‫التقيع القانوين‪ ،‬وال ّدعارة التّاريخية‪ ،‬وال ّرغبة يف التّنصل من عار إخالف‬ ‫فكرة دين بن‬ ‫ٍ‬ ‫مطعم ما هي ّإل نو ٌع من أنواع ّ‬ ‫الصغرية‬ ‫الكلمة الذي وقع فيه أبو بكرٍ‪ ،‬ث ّم هل ف َ‬ ‫َاض َل أبو بك ٍر بني مح ّم ٍد وبني ٍ‬ ‫عدي‪ ،‬هل وازن وأخذ وقته‪ ،‬هل شاور ّ‬ ‫عائشة؟؟ أم كان أبو بك ٍر مجرد ٍ‬ ‫السمع والطّاعة!!!‬ ‫عبد ملح ّم ٍد‪ ،‬ما إ ْن يقول كلم ًة فال يكون ال ّرد عليها سوى ّ‬

‫ثالثًّا‬

‫الصحابة بفضل أيب بك ٍر واستجاب لدعوته‪ :‬عثام ٌن بن عفانٍ ‪ ،‬ال ّزبري بن العوام‪،‬‬ ‫تقول الكاتبة صـــ ‪ "193‬وممن أسلم من ّ‬ ‫عبد ال ّرحمن بن ٍ‬ ‫عوف‪ ،‬سعد ابن أيب ٍ‬ ‫وقاص‪ ،‬طلحة بن عبيد الله‪ ،‬وهم من العرشة املبرشين بالج ّنة‪ ،‬ريض الله عنهم"‪.‬‬

‫تذييل‬ ‫ٌ‬ ‫رسول مع ال ّرسول ؟ من‬ ‫هل كان أبو بك ٍر صحاب ًيا عاديًا‪ ،‬أ ْم ً‬ ‫الذي أواله مهام ال ّدعوة والتّبليغ‪ ،‬وما مؤ ّهالته غري العادية‪،‬‬ ‫فضل عن األسامء املذكورة تنقاد لرأيه ؟‬ ‫ً‬ ‫كلم ٌة بفضلٍ ؛ استجاب ٌة لدعو ٍة‪ ،‬ما محلها من اإلعراب‪ ،‬أهو‬ ‫االقتناع عن ج ٍِد أ ّم مجرد املحاباة واملجاملة ؟‬ ‫ما الحكمة يف تصوير ال ّرجال وال ّنساء يف بيئة مح ّم ٍد بال ّنعاج‪،‬‬ ‫بال عقو ٍل يٌساقون كام ت ٌساق اإلبل؟؟‬ ‫‪41‬‬


‫سلسلة الفاحشة يف فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪1‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫راب ًعا‬

‫بأي‬ ‫يف وصف الحور العني‪ :‬نحيل القارئ العزيز إىل ال ّروابط التّالية‪ ،‬والتي مفادها أ ّن تلك ّ‬ ‫الصفة ال تتناسب وال تتفق ِّ‬ ‫رش‪ ،‬ذكرا ً كان أ ّم أنثى‪.‬‬ ‫حا ٍل من األحوال مع الطّبع البرشي‪ ،‬وال يعقل أ ْن ّ‬ ‫يتصف بها ب ٌ‬ ‫‪http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=71591‬‬ ‫‪http://www.way2allah.com/khotab-item-22443.htm‬‬ ‫تقول الكاتبة عن أ ّم رومانٍ صـــ ‪193‬‬ ‫هي أ ّم رومانٍ بنت عام ٍر الكنانية‪ ،‬تزوجت يف الجاهلية من عبد الله بن الحارث فولدت له الطّفيل ث ّم مات عنها‪ ،‬فخلف‬ ‫عليها أبو بك ٍر فولدت له عائشة وعبد ال ّرحمن‪ ،‬وهاجرت إىل املدينة‪ ،‬عندما ماتت نزل مح ّم ٌد إىل قربها وقال‪ ":‬اللّهم‬ ‫ال يخفى عليك ما لقيت أ ّم رومانٍ فيك ويف رسولك "( والحديث يف طبقات بن ٍ‬ ‫سعد‪ ،‬ابن حج ٍر يف اإلصابة‪ ،‬وأخرجه بن‬ ‫عبد الرب يف ترجمتها باالستيعاب )‪.‬‬ ‫ويف حديث القاسم بن مح ّم ٍد‪ :‬مسن ٌد إىل بن ٍ‬ ‫رسه أ ْن ينظر إىل‬ ‫سعد من طريق يزي ٌد بن هارونٍ أ ّن رسول الله قال‪ " :‬من ّ‬ ‫امرأ ٍة من الحور العني فلينظر إىل أ ّم رومانٍ "‪.‬‬ ‫تذييل‬ ‫ٌ‬ ‫مثل أ ّم عام ٍر‬ ‫ما الذي القته أ ّم رومانٍ يف الله ورسوله؟؟ ما الذي مي ّيزها حتى ت ُوصف بكونها من الحور العني‪ ،‬وال توصف ً‬ ‫الصفة؟‬ ‫بن يا ٍ‬ ‫رس بنفس التّشبيه‪ ،‬التي شُ قت نصفني أمام أعني ابنها وزوجها ؟ أيهام ّ‬ ‫أحق بتلك ّ‬ ‫يف التّرشيع اإلسالمي نفسه ملاذا الكيل مبكيالني يف الحسنات وال ّنعم؟؟؟‬ ‫الصحابة‪ ،‬وآبائهم وأمهاتهم وبيئتهم األرسية التي‬ ‫تعام ٌ‬ ‫تعام أو ٍ‬ ‫ملاذا هناك ِشبه ٍ‬ ‫الصحابة‪ ،‬وعن أخوات ّ‬ ‫كامل عن أوالد ّ‬ ‫نشؤوا فيها‪.‬‬ ‫قائل إنّها من باب االستحسان؛ أل ّن الحور العني مخلوقاتٌ ليست كالبرش‪ ،‬فرن ُّد عليه قائلني‪:‬‬ ‫صفة الحور العني؛ قد يقول ٌ‬ ‫هل ب ّرر مح ّم ٌد ذلك‪ ،‬هل ذكر الكالم يف سياق االستحسان‪ ،‬أمل يعلم أن أصحابه ينقلون عنه كل شارد ٍة ووارد ٍة ؟؟‬ ‫الغضة التي هاج عليها فرجه؟؟‬ ‫البضة ّ‬ ‫أ ّم أ ّن الفضل يف األول واألخري يرجع لكونها ارتضت أ ْن تُز ّوج له عائش ًة‪ ،‬تلك ّ‬

‫‪42‬‬


‫صناعة اآللهة؛‬ ‫الحلم املمنوع‪:‬‬ ‫‪Nesta Fz‬‬

‫السابقة‪ ،‬عىل أ ْن أكون ُمدركًا و ُمتذك ًرا لِ َم جرى يل‬ ‫أعظم ما ميكن أ ْن أحظى به هو َمنحي حيا ًة أخرى تتطابق مع حيايت ّ‬ ‫يف حيايت األوىل وقادرا ً عىل تغيريه أو التّالعب به‪ ،‬حيث ميكنني بهذه املنحة أ ْن أكون األقوى واألكرث سعاد ًة و ِغ ًنى ومعرف ًة‬ ‫ٍ‬ ‫تخصص مغاي ٍر لذلك التّخصص الذي اخرتته وندمت عليه أشد‬ ‫التاجع عن مساري التّعليمي واختيار‬ ‫بني ال ّناس‪ ،‬فبإمكاين ّ‬ ‫السنوات الجدباء التي تعلّق قلبي فيها بفتا ٍة تزوجت يف نهاية املطاف وفطرته‬ ‫ال ّندم‪ ،‬بإمكاين أ ْن أشطب من حيايت تلك ّ‬ ‫واللاكرتاث‪ ،‬بإمكاين أ ْن أتج ّنب تلك املناسبات والحوادث العابرة التي جمعتني بأصدقا ٍء ثقييل الظّل‪،‬‬ ‫مبنتهى العبث ّ‬ ‫السلسلة من املصادفات والحوادث العشوائية التي جمعتني بهم مضط ًرا للتّواصل االجتامعي‬ ‫ووجدتُ نفيس بعد تلك ّ‬ ‫املستمر معهم‪.‬‬ ‫الصدرية وارتفاع ضغط ال ّدم أو‬ ‫السكتات القلبية والذّبحات ّ‬ ‫بإمكاين إطالة حياة الكثريين من أحبايب ممن غيبتهم ّ‬ ‫وأحب‬ ‫السيارات‪ ،‬بإمكاين أ ْن أسبق ذلك األخرق الذي سبقني ببضعة أسابيع‪،‬‬ ‫السكر أو حوادث ّ‬ ‫الهبوط أو االرتفاع يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللزم‪ ،‬ورغم ذلك مل أتجارس وأبثّها عشقي الجنوين‪.‬‬ ‫تلك الفتاة التي انتظرتُ أنا برتددي الغبي أكرث من ّ‬

‫‪43‬‬


‫صناعة اآللهة؛‬ ‫الحلم املمنوع‪:‬‬

‫‪Nesta Fz‬‬

‫والسباقات واملنافسات وأكسب آالف الدوالرات يوميًا‪ ،‬بإمكاين أ ْن أتالعب بأسهم‬ ‫أستطيع أ ْن أُراهن عىل نتائج املباريات ّ‬ ‫الصغرية التي تس ّببت يف فشل االنقالبات أو الهفوات التي أودت‬ ‫أغي التّفاصيل ّ‬ ‫البورصات العاملية كام أشاء‪ ،‬بإمكاين أ ْن ّ‬ ‫وسدد الرئاسات‪ ،‬بإمكاين أ ْن أغّري التّاريخ اإلنساين‬ ‫بحياة الثّوار أو األسباب التي صعدت بالقادة وال ّزعامء إىل كرايس الحكم ُ‬ ‫الصغرية التي َسطرت أعظم املالحم‪ ،‬وشَ كّلت أه ّم محطّات التّاريخ اإلنساين‪.‬‬ ‫بر ّمته عرب التّالعب بتلك التّفاصيل ّ‬ ‫باختصا ٍر سيكون بإمكاين حينها أ ْن أصنع القدر‪ ،‬أ ْن أكون‬ ‫إل ًها‪ ،‬وبإمكاين حتى أ ْن أكون أكرث إنساني ٍة من اإلله‪،‬‬ ‫وأج ّنب املاليني خطر فقدان حياتهم يف ال ّزالزل والرباكني‬ ‫واألعاصري والقارات الجوية‪ ،‬و يف املعارك والحروب‬ ‫والعبوات ال ّناسفة والعمليات االنتحارية اإلرهابية‪.‬‬ ‫ولكن حلم الحياة مرة أخرى‪ ،‬والقدرة عىل تغيريها‪ ،‬أو‬ ‫الحلم بامتالك تلك القوة الخارقة ال بد من أ ْن يتضمن‬ ‫رضبًا من األنانية‪ ،‬فليك تكون تلك القوة فاعل ٌة وقادر ٌة‬ ‫السعادة فيجب أ ْن تتفرد لوحدك بامتالكها‪،‬‬ ‫عىل تحقيق ّ‬ ‫حيث تقل فاعليتها مبقدار من يشاركونك فيها‪ .‬لذلك أنا‬ ‫أحلم أ ْن أمتلك تلك القوة وحدي‪ ،‬ليس ألنّني أناين إطالقًا‪ ،‬بل عىل العكس متا ًما ألنّني أخىش عىل مستقبل اإلنسانية‬ ‫بأي ٍ‬ ‫أثق يف قدرة ال ّناس عىل كبح جامح‬ ‫أحد ميتلك تلك القوة غريي‪ ،‬ال ُ‬ ‫لذلك أريد أ ْن أمتلكها أنا وحدي‪ ،‬فأنا ال ُ‬ ‫أثق ِّ‬ ‫شهواتهم التي تستثريها تلك القوة املفرطة والقدرة الخارقة‪ ،‬أو ذلك الغرور الذي ميكن أ ْن تُولده يف املرء الذي امتلكها‪،‬‬ ‫الشور أكرث مني‪ ،‬مناعتهم‬ ‫أثق يف وجود الخري املطلق ّإل بدواخيل‪ ،‬متي ّق ٌن متا ًما من أ َّن اآلخرين لهم القابلية إلتيان ّ‬ ‫ال ُ‬ ‫ٍ‬ ‫قيم ومبادئٍ‬ ‫وأخالقيات راسخ ٍة رسوخ الجبال‬ ‫والسلطة والقوة ضعيفة ج ًدا عكيس أنا الذي أستند إىل ٍ‬ ‫ض ّد بريق ال ّنفوذ ّ‬ ‫الشّ وامخ‪ ،‬وت ُشكل َس ًدا صل ًبا ِ‬ ‫الش‪.‬‬ ‫وحص ًنا مني ًعا ض ّد االستبداد بتلك القدرة أو استخدامها يف ّ‬ ‫لكني رغم قناعتي وثقتي وتيقّني من خرييتي املطلقة‪ ،‬ومن ثبايت عىل قيمي وأخالقيايت وكرهي لالستبداد متأك ٌد متا ًما‬ ‫أنّها ثق ٌة زائف ٌة قار ٌة يف وجدان جميع اآلخرين الذين اعتقد أنّني أتف ّوق عليهم خرييًا وأخالق ًيا‪ ،‬إنّني ال أثق يف ثقتي تلك‪،‬‬ ‫أل ّن التّاريخ علّمنا أ ّن جميع من امتلكوا القوة ب ّرروا ألنفسهم امتالكهم للقوة‪ ،‬وحرموا اآلخرين منها‪ ،‬أنّهم األكرث تُقًى‬ ‫والسيطرة عىل اآلخرين ولو غ َْص ًبا‬ ‫وور ًعا وإميانًا بالخري والحق والجامل‪ ،‬وأ َّن تلك الخصائص تعطيهم ّ‬ ‫الحق باحتكار القوة ّ‬ ‫باالنقالبات العسكرية‪ ،‬أو االحتالل والغزو ومتنحهم الوصاية عليهم‪ ،‬ومعظمهم غال ًبا ما يكونون صادقني يف قناعاتهم‬ ‫‪44‬‬


‫صناعة اآللهة؛‬ ‫الحلم املمنوع‪:‬‬

‫‪Nesta Fz‬‬

‫تلك‪ ،‬لكنهم أخطؤوا يف الثّقة فيها‪ ،‬كان يجب عليهم أ ْن يُكذّبوا صدقهم بقناعاتهم تلك‪ ،‬كان عليهم أ ْن يدركوا أ َّن ذواتهم‬ ‫بالسلطة‪ .‬الجميع حتى أولئك‬ ‫ليست حصين ًة ضد تلك العدوى التي تصيب جميع من يحتكر القوة لوحده ويستبد ّ‬ ‫السلطة باالنقالب العسكري‪ ،‬كانوا أكرث املستبدين استبدا ًدا وطغيانًا‬ ‫للسيطرة عىل ّ‬ ‫السامء َم ْن تحركهم ّ‬ ‫الذي اعتقدوا أ َّن ّ‬ ‫السلطة والعدوى‬ ‫ودموي ًة وبشاع ًة ووحشي ًة وهمجي ًة وبربري ًة‪ ،‬رغم أنّهم كانوا أكرث ال ّناس يقي ًنا بحصانتهم من أمراض ُ‬ ‫ٍ‬ ‫مميت‪.‬‬ ‫إشعاعات‪ ،‬بريقها‬ ‫التي تصيب الحاكم َج َرا َء‬ ‫ٌ‬ ‫نعم أحلم أ ْن أتف ّرد بتلك القدرة التي تجعلني مطّل ًعا عىل املستقبل وقاد ًرا عىل تغيريه‪ ،‬لكنه حل ٌم ال أريده أ ْن يتحقق‬ ‫ألنّني أخىش من مثل تلك القوة‪ ،‬وال أثق بثقتي بخرييتي ونزاهتي ومعصوميتي‪ .‬ال أرى ما سيجعلني نشازًا من تلك‬ ‫ٍ‬ ‫ومساحات شاسع ًة من كوكب األرض‪،‬‬ ‫السلسلة من العظامء الذين امتلكوا مثل تلك القوة‪ ،‬وحكموا مبوجبها شعوبًا‬ ‫ّ‬ ‫ظلم وجو ًرا‪ ،‬فإذا بهم يزيدون الطّني ضغثًا عىل إبال ٍة‪ ،‬ويرسمون‬ ‫وكانوا يظنون أنّهم سيملؤونها عدلً بعد أ ْن امتألت ً‬ ‫مبامرساتهم فصولً جديد ًة ومستم ّر ًة من معاناة تلك الشّ عوب‪.‬‬ ‫السلطة‪ ،‬والقوة املطلقة مفسد ٌة مطلق ٌة‪.‬‬ ‫نعم يا سادة ّ‬ ‫بالسيطرة‬ ‫معاً ض ّد ّ‬ ‫كل سلط ٍة ظالمي ٍة متنع العقل اإلنساين من الوصول إىل نور الح ِّرية ح ًّبا يف االستبداد وتعلّقًا ّ‬

‫‪45‬‬


46


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز‬ ‫يف أساطري الحجاز (‪)1‬‬ ‫‪Matheos Harison‬‬ ‫ٍ‬ ‫تفنيدات لإلعجاز القرآ ُّين املزعوم من النواحي العلمية والتاريخية واللغوية‬ ‫سلسلة‬ ‫واملنطقية‬ ‫الحلقة األوىل‪ :‬بيان إفكهم وما يفرتون يف قولهم أ ْع ُج َز القرآن يف "إنا ملوسعون "‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫املقدمة يف املقال‪.‬‬ ‫تلخيص ٌ‬ ‫شامل وعا ٌّم للحجج َّ‬ ‫ٌ‬ ‫القسم األول‪ :‬مقدم ٌة‪:‬‬

‫منذ فجر التاريخ ُو ِج َد اإلنسان معتنقًا لألديان‪ ،‬و ُو ِج َدت األديان متعدد ٌة ومتنوع ٌة ومختلف ٌة بني البيئات واألزمان‬ ‫والشعوب‪ ،‬منها ما اكتفى مبحلِّيَ ِته وسامل البقية‪ ،‬ومنها ما كان عامليًا؛ فأ َّما األديا ُن العامليّة فتناحرت وتنافست للفوز‬ ‫باألتباع وامللتحقني بشتى الطرق والوسائل املمكنة‪ ،‬فمنها الحروب الطاحنة الرشسة التي متألُ تاريخ بني اإلنسان‪ ،‬ومنها‬ ‫العلمي كاملنهج الوحيد‬ ‫الجداالت الفكرية مبختلف الحجج الالهوتية‪ .‬بعد بزوغ عرص العلم واستتباب الثقة باملنهج‬ ‫ِّ‬ ‫فريق‬ ‫الذي أثبت كفاءته‪ ،‬بزغ اختبا ٌر حاس ٌم لألديان وترصيحاتها عن الكون‪ ،‬مبقارنة تص ّوراتها مع العلم‪ ،‬وسعى كل ٍ‬ ‫ليميل إما بالعلم ناحية نصوصه وإما بنصوصه ناحية العلم‪ .‬يف هذا الخضم من الجدل ظهر نو ٌع جدي ٌد من الحجج‬ ‫أي الزعم أ َّن النصوص الدينية‬ ‫املفضل عند املتدينني‪ ،‬وهو ما يس ّمى باإلعجاز‬ ‫الالهوتية‪ ،‬وبزغ نجمه حتى صار َّ‬ ‫العلمي‪ِّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫الوحي‬ ‫تنبّأت منذ زمنها البعيد بحقائق مل يكتشفها العلم إال حديثًاً‪ ،‬ساعني من ذلك للقول إ َّن التفسري الوحيد لذلك هو‬ ‫ُ‬ ‫رص مل يكن فيه للعلم قامئ ٌة؟ والحق أ َّن مثل‬ ‫واإللها ُم اإللهي‪ّ ،‬‬ ‫وإل كيف عرف كاتبوا النصوص الدينية هذه الحقائق يف ع ٍ‬ ‫دليل ال يُر ُّد عىل صحة املصدر اإللهي لألديان‪ ،‬ونحن يف هذه املقاالت نتف َّحص هذه املزاعم‬ ‫بحق ً‬ ‫صح فإنّه يُع ُّد ٍ‬ ‫هذا لو َّ‬ ‫عند أكرث من خاضوا فيها وتب َّنوها –أقصد املسلمني– يف كتابهم املق َّدس القرآن‪ ،‬لنخلص يف النهاية إىل أ َّن ما قيل يف هذا‬ ‫أي ٍ‬ ‫عادي آخرٍ‪.‬‬ ‫نص ٍّ‬ ‫أي ميز ٍة‪ ،‬عىل ِّ‬ ‫الباب ال يُعت ُّد به يف يش ٍء‪ ،‬وال يُبدي للنصوص الدينية ُّ‬ ‫يف الحلقة األوىل نتناول زعم املسلمني أ َّن قرآنهم تنبأ بالحقيقة العلمية الثابتة حديثاً أ َّن الكون يتمطط أو ما اشتهر‬ ‫ٍ‬ ‫بالتوسع الكو ِّين‪ ،‬ونف ِّند الزعم عىل ٍ‬ ‫ومقارنات مع التاريخ‪.‬‬ ‫أسس علمي ٍة ومنطقي ٍة ولغوي ٍة‬ ‫ُّ‬

‫املزعم اإلعجازي‪:‬‬ ‫الس َم َء بَ َنيْ َنا َها ِبأَيْ ٍد َوإِنَّا لَ ُم ِ‬ ‫وس ُعونَ» (الذاريات‪.)47 :‬‬ ‫‪ .1‬قال القرآن « َو َّ‬ ‫‪« .2‬موسعون» اسم فاعلٍ من أوسع ‪ /‬يوسع‪ ،‬فهو موس ٌع‪ .‬اسم فاعلٍ عاملٍ معت ِم ٍد عىل اسم إنَّ‪ٌ .‬‬ ‫دال عىل الحال أو‬ ‫االستقبال (مبا يفيد الحدوث‪ ،‬نقيض الثبوت)‪ .‬إذًا‪ ،‬القرآن يشري هنا إىل توسعٍ يحدث يف السامء‪.‬‬ ‫توسع السامء مل يكن معروفًا يف العرص القديم ومل يعرف إال يف العرص الحديث‪.‬‬ ‫‪ُّ .3‬‬ ‫‪ .4‬ال ميكن التنبؤ بذلك يف ذلك العرص القديم بغري الوحي من الله‪.‬‬ ‫إذًا القرآن وحي من الله‪.‬‬

‫‪48‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬الجانب العلمي‪.‬‬

‫ينص عىل وجود حقيق ٍة ثابت ٍة يف العلم الحديث مفادها أ َّن «السامء تتوسع» ولكن ما ص َّحة‬ ‫الجانب‬ ‫العلمي للدعوى ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ذلك؟‬ ‫أول‪ :‬السامء يف العربية لف ٌظ يعني كل ما عالك (‪ ،)1‬هذه ليست كلم ٌة علم َّية بتاتًا وال مح ّدد ٌة وليك نحكم عىل ما يُراد‬ ‫ً‬ ‫بها يف القرآن أو يف غريه يجب أن نجمع صفاتها منه هو لنعرف ع َّم يتحدث‪ ،‬ما تصوره عنها؟‬

‫األسطوري القديم كانت شائع ًة يف عصور احتضار العلم اليوناين والفلسفة‬ ‫صورة الكون يف القرآن صور ٌة من علم الفلك‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫طبقات‬ ‫اإلغريقية ممزوج ًة بأطياف رشقي ٍة وأخيل ٍة ديني ٍة زاهي ٍة‪ ،‬فاألرض مركز العامل وقاعدته الثابتة تعلوها الساموات‬ ‫بعضها فوق ٍ‬ ‫بعض بأعمدة خف ّي ٍة أو بال أعمد ٍة وإمنا ُيسكها الله أ ْن تقع عىل األرض إال بإذنه‪ ،‬وليس لدى القرآن عىل‬ ‫ما يبدو أي فكر ٍة عن عا ٍمل ال نها ٍّيئ ميل ٌء بالشهب واملجرات والسدم والثقوب السوداء والغبار الكوين‪ ،‬فعامل القرآن عاملٌ‬ ‫موحش تضيئه الشمس يف النهار والقمر والكواكب والنجوم –مصابيح الزينة– يف الليل‪ .‬هذه هي صورة السامء‬ ‫ٌ‬ ‫مقفل‬ ‫ٌ‬ ‫املفسون املح ِّدثون تشذيبها وإعطاءها صور ًة مهذب ًة معقول ًة تتفق مع روح العرص‪ ،‬فالسامء‬ ‫يف القرآن مهام حاول ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ساموات طباقًا» (‪ ،)71/15‬والسامء مبني ٌة أو هي بنا ٌء «والسامء‬ ‫طبقات «أمل تروا كيف خلق الله سبع‬ ‫يف القرآن سبع‬ ‫بنيناها ٍ‬ ‫سقف محفو ٌظ‬ ‫بأيد وإنا ملوسعون» (‪ ،)51/47‬و«الذي جعل لكم األرض فراشً ا والسامء بنا ًء» (‪ ،)2/22‬والسامء ٌ‬ ‫من الشياطني «وجعلنا السامء سقفًا محفوظًا» (‪ ،)21/32‬فمنها تنطلق راجامت الشياطني «وجعلناها رجو ًما للشياطني»‬ ‫(‪ ،)6/5‬والسامء ت ُطوى كام ت ُطوى الكتب «يوم نَطوِي السامء كطي السجل للكتب» (‪ ،)21/104‬والسامء ت ُل َمس وتُ َل‬ ‫ٍ‬ ‫يومئذ واهي ٌة»‬ ‫تنشق وتنصد ُّع «وانشقت السامء فهي‬ ‫حرسا شدي ًدا وشه ًبا» والسامء ُّ‬ ‫«وأنا ملسنا السامء فوجدناها ُملئت ً‬

‫(‪ )1‬موقع الباحث يف كل القواميس العريقة للغة العرب‬

‫‪http://baheth.info/‬‬

‫‪49‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫(‪ ،)55/37‬والسامء شديد ٌة متامسك ٌة محكمة الخلق «والسامء ذات الحبك» (‪ ،)51/7‬والسامء مزين ٌة باملصابيح «وزينا‬ ‫السامء الدنيا مبصابي ٍح» (‪ ،)41/12‬والسامء تنزع من أماكنها كام يُنزع الجلد عن الشاة «وإذا السامء ك ُِشطَت» (‪،)81/11‬‬ ‫أبواب تفتح وتغلق‬ ‫وعند نهاية العامل ستتحرك السامء حرك ًة دوراني ًة عنيف ًة «يوم متور السامء مو ًرا» (‪ ،)52/9‬والسامء لها ٌ‬ ‫عند الحاجة «وفتحت السامء فكانت أبوابًا» (‪ ،)78/19‬وبناء السامء يقوم عىل أعمد ٍة غري مرئي ٍة أو بال أعمد ٍة وهذا‬ ‫ما ترونه بأعينكم «الله الذي رفع السامء بغري عمد ترونها» (‪ )13/2‬وهي طبقاتٌ بعضها فوق بعض يف غاية الحسن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تفاوت فارجع البرص هل ترى من فطورٍ» (‪)67/3‬‬ ‫ساموات طباقًا ما ترى يف خلق الرحمن من‬ ‫وااللتئام «الذي خلق سبع‬ ‫ٌ‬ ‫شقوق «أفلم ينظروا إىل السامء‬ ‫والتبي أنه ليس بها صدو ٌع وال‬ ‫وهذه السامء التي فوقنا املبنية واملزينة ميكن النظر إليها ّ‬ ‫السبع يف القرآن ليست سوى األفالك السبعة‬ ‫فالساموات َّ‬ ‫فوقهم كيف بنيناها وزيّناها وما لها من فروج» (‪ )50/6‬لذا ّ‬ ‫(أي الشمس والقمر والكواكب الخمسة الس ّيارة) حيث إنه ميكن أن "ن َر" كيف أنّها سب ٌع ٌ‬ ‫طباق «أمل تَ َر ْوا كيف خلق الله‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ساموات هذه التي فيها القمر‬ ‫وأي‬ ‫سبع‬ ‫ساموات طباقاً ‪ .‬وجعل القمر فيهن نورا ً وجعل الشمس رساجاً» (‪ُّ ،)71/15،16‬‬ ‫اج إال سامء األفالك السبعة‪ ،‬وهيهات لها أن تكون حتى املجرة‪ -‬ناهيك عن الكون‪ -‬التي فيها املجموعة‬ ‫نو ٌر والشمس رس ٌ‬ ‫السبع التي يقصدها إمنا هي املسارات السبعة‬ ‫الشمسية بأكملها ال تتجاوز قطر ًة يف بحر‪ ،‬والقرآن يُؤكِّد أن الساموات َّ‬ ‫لألفالك أي طرائقها «ولقد خلقنا فوقكم َسبع طرائق وما ك َّنا عن الخلق غافلني» (‪،)23/17‬وهذه السامء األسطورية فيها‬ ‫كائناتها األسطورية فـ «امللك عىل أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ مثانية» (‪)69-16،17‬‬ ‫ٍ‬ ‫مبخلوقات من نا ٍر وأخرى من نو ٍر والله نور األنوار «الله نور الساموات واألرض» (‪ ،)24/35‬هذه باختصا ٍر صورة‬ ‫وتعج‬ ‫ُّ‬ ‫السامء يف القرآن‪ ،‬فأين هذه الصورة من تلك التي يق ّدمها لنا علم الفلك الحديث؟ األوىل صور ٌة أسطوري ٌة قدمي ٌة من‬ ‫وحي الخيال الشعبي واإللهامات الروحية الصوف ّية‪ ،‬والثانية صور ٌة علمي ٌة حديث ٌة من صنع املراصد الفلكية والسوابر‬ ‫مفسونا الجدد الفطاحل التوفيق بني الصورتني‬ ‫الفضائية واألقامر االصطناعية ومراكب الدفع الذا ِّيت‪ .‬ومع ذلك يريد ِّ‬ ‫ليقرؤوا الصورة القدمية قراء ًة حديث ًة‪ ،‬والعثور فيها عىل جميع اإلنجازات واملكاسب التي حققها علم الفلك الحديث‪)2(.‬‬ ‫«توسعٍ»‪ ،‬فتمطط الفضاء حقيق ٌة علمي ٌة مثبت ٌة (‪ ،)3‬لكن اللفظة الشائعة إن‬ ‫والجزء الثاين من الدعوى يتحدث عن ُّ‬ ‫«يتوسع» ليست دقيق ٌة علم ًيا‪ ،‬واألقرب رمبا إىل الصواب أن نقول إن الكون «يتمطط»‪.‬‬ ‫الكون‬ ‫َّ‬ ‫التوسع ليست أفضل‬ ‫دعني أبدأُ بالقول‪ :‬إ َّن ُّ‬ ‫كلم ٍة لوصف ما يحدث للكون‪ ،‬عىل الرغم‬ ‫من أنها الكلمة التي تستعمل غال ًبا‪ ،‬إال أ َّن‬ ‫ٍ‬ ‫التباس‬ ‫اختيار هذه الكلمة أراه يؤ ّدي إىل‬ ‫أصل‬ ‫وخصوصا أ َّن املوضوع ً‬ ‫رضوري‪،‬‬ ‫غري‬ ‫ً‬ ‫ٍّ‬ ‫فيه ما يكفيه من الصعوبة‪ ،‬الكلمة ُّ‬ ‫األدق‬ ‫لوصف ما يحدث رمبا تكون «يتمطط»‪.‬‬ ‫(‪ )2‬عباس عبد النور‪ ،‬محنتي مع القرآن ومع الله يف القرآن‪ ،‬ص ‪.189‬‬ ‫)‪http://www.nobelprize.org/nobel-prizes/lists/year/?year=2011 (3‬‬

‫‪50‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫بالتوسع‪ ،‬عمو ًما إ َّن األحداث الفيزيائ ّية يصعب التعبري عنها بلغة الكالم العادية‬ ‫ما يحدث للكون ال ميكن أ ْن يُس َّمى‬ ‫ّ‬ ‫وليس عنها إال باملعادالت يصح تعب ًريا‪ .‬وما يف الكون الذي يُسمى بالتمطط الكوين الذي اكتشف من خالل رصد املجرات‬ ‫األخرى تبتعد عنا‪ ،‬ال يحدث فيه يف الواقع أي حرك ٍة للمجرات‪ ،‬إمنا املسافة بني املجرات هي التي تتمطَّط‪ ،‬بينام املجرات‬ ‫بحصوات مغروز ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات يف سطح بالونٍ ويتم متطيط هذا البالون‪ ،‬مل تتحرك الحصوات‬ ‫يف حالة سكونٍ مل تتحرك‪ .‬األمر أشبه‬ ‫أب ًدا بالنسبة إىل البالون فهي ساكن ٌة متا ًما بالنسبة له ولكن املسافة بينها هي التي زادت‪ ،‬مع مراعاة أنه يف الكون‪،‬‬ ‫الزمكان نفسه هو الذي يتمدد‪ ،‬وليس األمر كقنبل ٍة تنفجر وتبتعد الشظايا عن مركز االنفجار‪ ،‬بل إ َّن التم ُّدد يحدث‬ ‫أيضا أ َّن الكون ال حدود له وليس ذي حدو ٍد كالبالون (فكيف يتّسع غري ذي‬ ‫يف كل مكانٍ يف نفس الوقت‪ .‬ومع مراعاة ً‬ ‫الحدود)‪)4( .‬‬ ‫ٍ‬ ‫يوم وال الكوكب وال املجموعة الشمسية وال املجرة‪ ،‬إمنا املسافة بني املجرات هي التي‬ ‫نحن‬ ‫كأشخاص ال نتمطط كل ٍ‬ ‫تتمطط‪ .‬املجرات كتل ٌة واحد ٌة تربطها الجاذبية ببعضها ومتنعها من التمطط‪ ،‬لكن بني املجرات وبعضها قوى التمدد‬ ‫لكل منهام بكر ٌة مركزي ٌة تُ ْرخي‬ ‫تعمل‪ .‬لتبسيط هذا املفهوم تخ َّيل لو أ َّن معك رشيطني ُمد ّرجني متامثلني لقياس املسافة ٍّ‬ ‫املزيد من الرشيط إذا ت َّم ش ُّد طرفه‪ ،‬وافرتض أنك استخدمت األول واض ًعا طرفه عىل مجرة أندروميدا والبكرة املركزية‬ ‫يل‪ ،‬نفرتض فيه أ َّن ذراته لن تتامسك بالجاذبية ْبل‬ ‫يف يدك‪ ،‬بينام احتفظت بالثاين ملفوفًاً يف جيبك (هذا الرشيط تخ ُّي ٌ‬ ‫ينصاع لقوى التم ّدد يف الكون) حال كانت املجرات تسري يف الفضاء املفرتض أن يتم سحب الرشيط من البكرة عند ابتعاد‬ ‫املج ّرة‪ ،‬لكن ليس هذا ما سيحدث بل لن يُسحب الرشيط إطالقًا!‬ ‫وإ ْن أخرجت الثاين من جيبك وقارنتهام –وقد كانا يف‬ ‫البدء متامثلني– َستَجد أ َّن السنتيمرت يف الرشيط األول‬ ‫أصبح أطول من السنتيمرت يف الرشيط الثاين الذي ملْ‬ ‫يُغادر جيبك!! فام يحدث هو كأ َّن وحدات املسافات‬ ‫الكونية يُعاد تعريفها فام كان اليوم سنتيمرت يعاد بعد‬ ‫فرتة تعريفه عىل أنه مرتٍ وهكذا‪)5( .‬‬ ‫فالتوسع ليس اللفظة العلمية الدقيقة أب ًدا لوصف ما‬ ‫يفعله الكون‪ ،‬والدعوى ساقط ٌة من األساس إذ طرقت‬ ‫عىل الباب الخاطئ‪ ،‬وهذا اللفظ عىل الرغم حتى من‬ ‫ٍ‬ ‫تهافت يصيب‬ ‫أي‬ ‫شيوعه فهو غري ُم ٍ‬ ‫صيب‪ ،‬وال أدري ُّ‬ ‫املؤمن حتى يجعله يصف إلهه بأنه يخوض مع‬ ‫الخائضني‪.‬‬ ‫(‪http://www.saylor.org/site/wp-content/themes/saylor/curriculum/curriculumQAAJAX.php?action=getcourseunitqas&courseunitid=52315 )4‬‬ ‫(‪http://curious.astro.cornell.edu/question.php?number=274 )5‬‬

‫‪51‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬ ‫القسم الثالث‪ :‬الجانب التاريخي‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫إنه لخطأ مبد ٌيئ أن نعزو إىل القرآن إعجازًا‪ ،‬وكيف هذا؟ وما القرآن إال تكرا ٌر ملا سبق من األساطري ترصي ًحا وإيعازًا‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫منقول قدر املستطاع‪،‬‬ ‫وتعديل وإنفاذًا‪ .‬فإن كان هذا‪ ،‬فكيف نعزو إىل القرآن إعجازًا؟ فكل ما يف القرآن‬ ‫ً‬ ‫وتطويل وإيجازًا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وقد خال من املقول عن اإلبداع‪ ،‬وإن انطلقنا لنزعم لبعض منه الفضل‪ ،‬فاألوىل بالفضل لألصل ال للنقل‪ .‬فهل ّموا نجد‬ ‫آياتهم التي زعموا لها اإلعجاز املبني يف كتب السابقني عىل اإلسالم مبئات وآالف السنني‪ ،‬من منهم فني ومن منهم مازالوا‬ ‫زعم أنها معجزة‪ ،‬رمبا ألنهم لديهم قد ٌر أك ٌرب من املنطق وقدر أقل من‬ ‫حارضين‪ .‬وقد وجدناها عندهم ومل نجد عندهم ً‬ ‫الوقاحة الفكرية‪.‬‬

‫مثال‪ :‬األساطري الهندوسية‬ ‫التي فيها االسم براهامندا ويعني «البيضة الكونية الكربى» مك َّو ٌن من كلمتني كلمة «براهم» تعني «األكرب» مبعنى الكون‬ ‫(يتوسع‪ ،‬يتمطط‪ ،‬يتض ّخم‪ ،‬يكرب‪ ،‬يتم ّدد‪ ...‬إلخ) وكلمة «أندا» التي تعني‪:‬‬ ‫وهي مشت ّق ٌة من جذر «برها» والذي يعني‬ ‫ّ‬ ‫تضخم لبيض ٍة أولي ٍة‪)6( .‬‬ ‫توسعٍ أو من ٍو أو‬ ‫ٍ‬ ‫البيضة‪ ،‬مبعنى أن الكون عىل شكل بيض ٍة كربى ناتج ٍة عن ّ‬

‫أيضا‪:‬‬ ‫ويف األساطري اليهودية ‪ /‬التوراتية نجد ً‬

‫الس َم َو ِ‬ ‫لسكَنِ »‪ .‬ويف سفر أيوب اإلصحاح‬ ‫َسا ِد َق‪َ ،‬ويَ ْب ُسطُ َها كَ َخ ْي َم ٍة لِ َّ‬ ‫ش َّ‬ ‫ات ك َ َ‬ ‫سفر إشعياء اإلصحاح ‪ 40‬اآلية ‪« :22‬ال َِّذي يَ ْن ُ ُ‬ ‫‪ 9‬آية ‪ :8‬الباسط الساموات وحده‪ .‬ويف سفر إشعياء إصحاح ‪ 44‬آية ‪ :24‬أنا الرب صانع كل يش ٍء نارش الساموات وحدي‬ ‫باسط األرض من معي‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫انتحال أد ٌّيب من الكتب التي بني يديه‬ ‫اآلية متشابهة بش ّدة مع نظريتها القرآنية التي نناقشها‪ ،‬ويبدو أنها كبقية املصحف‬ ‫أعجمي‪ ،‬وينظمها هو بلسانٍ عر ٍّيب مبنيٍ‪.‬‬ ‫يعلمه له برش‬ ‫ّ‬ ‫أي دينٍ ميتلك‬ ‫ونحن هنا ال نثبت املعجزة لهذه القصص األسطورية للديانات غري اإلسالمية‪ ،‬عىل اإلطالق‪ ،‬إمنا نشري إىل أ َّن ّ‬ ‫القدرة عىل إدعاء سبقه لحقيق ٍة علمي ٍة من خالل التالعب مبعاين النصوص التي تتأمل يف ملكوت الساموات واألرض‪ ،‬بل‬ ‫ديني يذكر مظاهر الطبيعة قاد ٌر عىل ذلك كام سييل بيانه‪ .‬فليس القرآن هو الكتاب الوحيد الذي كلامته‬ ‫ُّ‬ ‫وأي شع ٍر غري ٍّ‬ ‫مطاط ٌة وقابل ٌة لتأخذ ألف شكلٍ ‪.‬‬ ‫توسعٍ للكون يف األساطري القدمية‪ ،‬فالتوراتية منها يف األصل‬ ‫أ ّما عن حقيقة هذه التأمالت التي تبدو‪ ،‬وكأنًّها تتح ّدث عن ّ‬ ‫العربي تستخدم الفعل נוֹטֶ ה أو נֹ טֶ ה وهو يف املايض‪ ،‬ويعني مال أو انحنى أو انحرف أو انعطف أو جنح أو انتحى‬ ‫أو انحاز أو انشد أو امتد أو انبسط (‪ ،)7‬والنص يعاين من مثل ما يعاين منه النص القرآين م ْن أ َّن السياق بدا ٌّيئ ج ًدا‪،‬‬ ‫يتح َّدث عن انشداد السامء وانحنائها كخيم ٍة أو كرسادقٍ وتأويلها بإفادة توسع الكون غري وار ٍد‪.‬‬ ‫‪(6) http://srimadbhagavatam.com/sb Bhaktivedanta VedaBase: Śrīmad Bhāgavatam‬‬ ‫‪(7)http://www.morfix.co.il/en/%D7%A0%D6%B9%D7%98%D6%B6%D6%A3%D7%94‬‬

‫‪52‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫ويف األساطري الهندية يف الرباهمندا بورانا تتح ّدث عن بيض ٍة ظهرت من املياه األوىل‪ ،‬متثِّل هذه البيضة املادة‪ ،‬وفيها ثالثة‬ ‫فس ِّمي الكون اشتقاقًا من الجذر براهم أي األكرب‪ ،‬ومندا أي البيضة‪،‬‬ ‫عنا ٍ‬ ‫رص اضطربت وأ َّدى اضطرابها لتنمو إىل الكون‪ُ ،‬‬ ‫فالكون عىل شكل بيض ٍة كبري ٍة نشأت من توسعٍ ومنو بيض ٍة صغري ٍة‪)8(.‬‬ ‫ُّ‬ ‫وكل هذه التصورات عن البيضة والنمو وإبعاد السامء عن األرض لتتسع املسافة بينهام‪ ،‬إمنا نابع ٌة من تصوير الكون‬ ‫ّ‬ ‫عىل هيئة اإلنسان‪ ،‬الذي ينمو يف ماء الرحم األويل‪ ،‬ثم يولد صغ ًريا وينمو ويكرب ثم ميوت‪ )9( .‬وهذا تشبي ٌه إن تقارب مع‬ ‫العلم الحديث‪ ،‬فليس من دقيق ِه يف يش ٍء‪ .‬وباقي أساطري األديان إمنا هي من تلك األنسنة لكل يش ٍء‪ ،‬وهو تص ُّو ٌر يقرتب‬ ‫أي تص ّو ٍر لكون ذو بداي ٍة سيحمل معنى التوسع‬ ‫فج يف أغلب األحيان‪ .‬وعمو ًما فإ َّن َّ‬ ‫من الواقع أحيانًا ويفشل بشكل ٍّ‬ ‫والنمو عند حديثه عن تحول الكون من البدايات األولية إىل وضعه الحايل الكبري‪ ،‬لكن ال يعني ذلك أنهم يعرفون أ َّن‬ ‫أي من الكتب تقطع مبعرفة أي‬ ‫التوسع‪ .‬والفرق‬ ‫أي إشار ٍة يف ٍّ‬ ‫واضح‪ ،‬وال توجد ُّ‬ ‫الكون يف الحارض واملستقبل مستمر يف ّ‬ ‫ٌ‬ ‫منها بالتوسع املتسارع املستمر الحايل واملستقبيل للكون‪.‬‬

‫واملنطقي‪:‬‬ ‫اللغوي‬ ‫الجانب‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬

‫لفهم الزيف املنطقي للمحاججة اإلعجازية علينا أ ْن نفهم بعض األساسيات املنطقية‪.‬‬ ‫ليك تكون الح َّجة املنطق َّية صحيح ٌة وسليم ٌة ‪ ،sound and valid‬يجب عىل مقدماتها أن تحتِّم نتيجتها‪ ،‬بحيث ال تكون‬ ‫املقدمات صحيح ًة والنتائج خاطئ ٌة‪ ،‬بل يجب مالزمة الص ّحة للمقدمات والنتائج م ًعا‪.‬‬ ‫‪ .1‬أن تكون املق ِّدمات أكيدة‪.‬‬ ‫‪ .2‬أن تكون النتيجة حتم َّي ٌة للمقدمات‪.‬‬ ‫لو استطعنا إثبات أ َّن هناك مق ّد ٍ‬ ‫مات غري أكيد ٍة أو أ َّن النتيجة ليست حتمي ٌة للمقدمات سنثبت أ َّن الح َّجة غري صالح ٍة‬ ‫منطقيا إلثبات نتيجتها ومل تعد تعطي إال االحتامل والظن‪)10( .‬‬ ‫ً‬ ‫كل التفسريات تجعلها صحيح ًة‪ .‬فيقال‬ ‫ويف حال استخدام اللغة‪ ،‬فمن ناحية الدالالت تكون الصيغة صحيح ًة إذا كانت ُّ‬ ‫كل التأويالت املمكنة للغة‪ ،‬أي يكون االستدالل‬ ‫للصيغة أو الجملة إنّها صالح ٌة منطق ًيا إذا وفقط إذا كانت صحيح ًة تحت ِّ‬ ‫أيضا ص ّحة النتيجة‪ .‬ويُع َرف هذا باسم‬ ‫صحي ًحا إذا كانت جميع التفسريات التي تبني ص ّحة املقدمات املنطقية توضح ً‬ ‫الصحة الداللية‪)11( .‬‬ ‫كل ما علينا فعله إلثبات زيف ح َّج ٍة منطقي ٍة هو أ ْن نُ ِّبي خطأ إحدى مقدماتها‪ ،‬أو أن نأيت بحال ٍة ممكن ٍة تكون‬ ‫وبالتايل ُّ‬ ‫(‪http://www.archive.org/stream/BrahmandaPurana/BrahmandaPuI-djvu.txt )8‬‬ ‫(‪ )9‬فراس السواح‪ ،‬مغامرة العقل االوىل‪ :‬صفحة ‪.38‬‬ ‫‪ )Barwise، Jon; Etchemendy، John. Language، Proof and Logic (1999): 42. (10‬‬ ‫(‪L. T. F. Gamut، Logic، Language، and Meaning: Introduction to logic، p. 115 )11‬‬

‫‪53‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫فيها النتائج صحيح ًة رغم صحة املقدمات وت ُس َّمى هذه الحالة بـ «املثال املضا ّد»‪ .‬وهذه الطريقة يف إثبات زيف‬ ‫املحاججة املنطقية نستعملها جمي ًعا يوميا بشكلٍ ال واعٍ‪)12( .‬‬ ‫ً‬ ‫مثال‪:1‬‬ ‫زي ٌد‪ :‬لقد قالوا إ َّن الج َّو سيكون صح ًوا اليوم يف نرشة األخبار الجويّة‪ .‬لذا‪ ،‬سيكون الج ُّو اليوم صح ًوا‪.‬‬ ‫سليم‪.‬‬ ‫عمرو‪ :‬ميكن أال يكو َن التنبؤ ً‬ ‫زي ٌد‪ :‬لك ّنها غالبًا ما تصيب لذا عىل األرجح سيكون الج ُّو اليوم صح ًوا‪.‬‬ ‫لقد قام زي ٌد بإثبات عدم صالحية الح َّجة املنطقية بتقديم مثا ٍل ممكنٍ عن حال ٍة تكون فيها املقدمات صحيح ًة‪ ،‬لكن‬ ‫الجوي‬ ‫النتائج غري صحيح ٌة‪ ،‬يسمى هذا بـ «املثال املضا ِّد»‪ ،‬ويف هذه الحالة املثال املضا ُّد هو (ميكن أن يكون التوقع‬ ‫ُّ‬ ‫ومقبول‪ ،‬إذًا ت ّم إثبات عدم صالحية الح َّجة إلثبات نتائجها‪ ،‬وزي ٌد عاد لري ِّجح نتيجته‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خاطئًا) وما دام هذا املثال ممك ًنا‬ ‫هذه الطريقة هي التي يستعملها املؤمنون دو ًما يف الدفاع عن القرآن حال اتهامه بالخطأ‪.‬‬ ‫مثال ‪:2‬‬ ‫ملح ٌد‪ :‬ورد يف القرآن‪« :‬وإىل األرض كيف سطحت» (الغاشية‪ ،)20 :‬إذًا القرآن قال بالخطأ الشائع قدميًا إ َّن األرض‬ ‫مسطح ٌة‪ ،‬إذًا القرآن ليس من عند إله‪.‬‬ ‫املنطقي ويحاول اإلتيان مبثا ٍل مضا ٍد تكون فيه النتائج غري صحيح ٍة رغم صحة‬ ‫الحس‬ ‫املؤمن عىل الفور يستيقظ لديه ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫النسبي لإلنسان الذي‬ ‫املقدمات‪ ،‬فيقول يعني القرآن هنا إ َّن األرض مم ّهد ٌة مفروش ٌة للناس‪ ،‬أي يعني تسطيحها املر ُّيئ‬ ‫ُّ‬ ‫هو عكس الوعورة وليس عكس الكروية‪.‬‬ ‫هنا املؤمن استطاع اإلتيان مبثا ٍل مضا ٍد يكون فيه القرآن رغم أنه قال‪« :‬وإىل األرض كيف سطحت»‪ ،‬مل يعن تسطيح‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مقبول يعني‬ ‫مقبول وممك ٌن (هنا‬ ‫الكوكب مبعنى عكس كرويِّته بل مبعنى متهيده والذي هو عكس وعورته‪ ،‬وهذا املثال‬ ‫سلي ٌم لغويًا)‪ ،‬وبالتايل أثبت أ َّن هذه الح َّجة غري صالح ٍة أو شبه ٍة باملصطلح الديني‪ ،‬فاملقدمة األوىل ال تحتِّم نتيجتها ألنّها‬ ‫ال تصح تحت كل التأويالت املمكنة للغة‪.‬‬ ‫مثال ‪:3‬‬ ‫«قلوب يعقلون بها» (الحج‪)46/‬‬ ‫ملح ٌد‪ :‬يقول القرآن إ َّن لدى الناس‬ ‫ٌ‬ ‫ونحن نفكر بواسطة الدماغ‪ ،‬إ َّن التفكري بالقلب اعتقا ٌد قدي ٌم خاطئ‪.‬‬ ‫مؤمن‪ :‬مجازٌ‪ ،‬أليس املجاز جائ ٌز يف اللغة؟‬ ‫شق الصدر ووضع اإلميان والحكمة من املالئكة يف القلب الفيزيايئ ملح َّم ٍد الذي يف‬ ‫صح عن مح َّمد حادثة ِّ‬ ‫ملحد‪ :‬ولكن َّ‬ ‫صدره حتى بانت آثار املخيط عىل صدره! (‪)13‬‬ ‫(‪،Jordan M. Stoyanov: Counterexamples in Probability. Second edition، Wiley، Chichester 1997 )12‬‬ ‫(‪ )13‬صحيح مسلم‪:‬ج‪/1‬ص‪ 147‬ح‪162‬‬

‫‪54‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫وقول القرآن يف نفس اآلية‪« :‬القلوب التي يف الصدور» (الحج‪ )46:‬و «إن الله عليم بذات الصدور» (فاطر‪ ،)38:‬فها هو‬ ‫اإلميان والعلم والحكمة والذاكرة والنوايا يف الصدر‪.‬‬ ‫تبي له فساد ذلك فلرمبا اقتنع‪.‬‬ ‫رص عىل املجاز إرصا ًرا‪ ،‬وإ ْن َّ‬ ‫مؤمن‪ :‬ال منفذ له إال أ ْن ي َّ‬ ‫يثبت خطأ النتيجة‪ ،‬فلم يثبت املعارض للتوقع الجوي أ ّن الج ّو ل ْن‬ ‫نالحظ هنا يف الحالتني‬ ‫األوليي أ َّن أيًا من املعارضني ملْ ْ‬ ‫َّ‬ ‫كل ما فعاله هو إثبات أ َّن ما قاله املؤيدون (امللحد‬ ‫يكون صح ًوا‪ ،‬وال املعارض للخطأ القرآين أ َّن القرآن ملْ يُخطئ‪ْ ،‬بل إ َّن ّ‬ ‫ليس ح َّج ًة كافي ًة إلثبات النتائج‪ ،‬وأ َّن عليهم تقديم أسباب أخرى لتأكيد تلك النتائج‪ .‬وهذا ال‬ ‫واملصدق للنرشة الجوية) َ‬ ‫أثبتت أ َّن هذه املحاولة ليست ح َّج ًة كافي ًة‬ ‫عالقة له إطالقًا مبدى ص ِّحة النتائج من عدمه‪ ،‬وال مبدى احتامليتها‪ .‬فقط‬ ‫ْ‬ ‫إلثبات يش ٍء‪ ،‬وكل منهم فيام بعد سيحاول تأكيد النتائج التي يدعمها بأ ْن يحاول نفي املثال املضا ِّد كام رأينا يف املثال‬ ‫رشع ببيان األسباب التي تجعل نتيجته أكرث احتاملً من املثال املضا ِّد عىل األقل كام‬ ‫الثالث‪ .‬أو أ ْن َّ‬ ‫يتخل عن اإلثبات وي ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بدرجات متفاوت ٍة وليست أكيد ًة ثابت ًة‪.‬‬ ‫تظل النتيجة يف كل األحوال ظ ِّني ٌة احتامليَّ ٌة‬ ‫يف املثال األول‪ ،‬لكن ُّ‬ ‫نعود للح َّجة املنطقية الدينية وعذ ًرا عىل تكرارها‪:‬‬ ‫الس َم َء بَ َنيْ َنا َها ِبأَيْ ٍد َوإِنَّا لَ ُم ِ‬ ‫وس ُعونَ» (الذاريات‪.)47 :‬‬ ‫ورد يف القرآن‪َ « :‬و َّ‬ ‫وموسعون‪ :‬اسم فاعل من أوسع ‪ /‬يوسع‪ ،‬فهو موسع‪.‬‬ ‫عامل معتم ٌد عىل اسم إنَّ‪ٌ ،‬‬ ‫دال عىل الحال أو االستقبال (مبا يفيد الحدوث نقيض الثبوت)‪ ،‬إ ًذا ٌ القرآن يشري‬ ‫اسم فاعلٍ ٌ‬ ‫هنا إىل توسعٍ يحدث يف السامء‪.‬‬ ‫‪ .1‬توسع السامء مل يكن معروفًا يف العرص القديم ومل يعرف إال يف العرص الحديث‪.‬‬ ‫وحي من الله‪.‬‬ ‫‪ .2‬ال ميكن التنبؤ بذلك يف ذلك العرص القديم بغري الوحي من الله‪ ،‬إذًا القرآن ٌ‬ ‫نالحظ أنّنا قادرون بسهول ٍة عىل اإلتيان مبثال مضا ٍّد لالستنتاج األول‪ ،‬بل بعدة أمثل ٍة‪:‬‬ ‫املثال املضا ُّد األول‪:‬‬ ‫وهو أ َّن كلمة «موسعون» هنا عائد ٌة عىل الله كصف ٍة له تعني (قادرون ‪ /‬أغنياء)‪ .‬من «السعة» وهي (القدرة ‪ /‬الطاقة ‪/‬‬ ‫الزم ال يتع ّدى إىل مفعو ٍل‪،‬‬ ‫عني وقادرٍ‪ ،‬أل ّن الفعل أوسع يستعمل كفعلٍ ٍ‬ ‫اليسار‪ /‬الغنى) ف (م ْو ِسع) تعنى ذي سع ٍة أي ٍّ‬ ‫يقال أوسع الرجل أي صار ذا سع ٍة وقو ٍة‪ ،‬كأوراق الشجر أي صار ذا ورقٍ (‪ ،)14‬ولهذا شواه ٌد من القرآن ال خالف عىل‬ ‫تفسريها‪« :‬ومتعوهن عىل املوسع قدره» املوسع هنا‪ :‬القادر أو الغني أو ذو السعة‪ ،‬مثل‪« :‬فلينفق ذو سع ٍة من سعته»‬ ‫ذو السعة هنا أي ذو اليسار والقدرة والغنى‪ ،‬ومثل‪« :‬ال يكلِّف الله نفسا إال وسعها»‪ ،‬وسعها هنا أي قدرتها وطاقتها‪)15( .‬‬ ‫ً‬ ‫(‪ )14‬صفوة البيان ملعاين القرآن‪ ،‬حسنني مح َّمد مخلوف‪ ،‬تفسري سورة الذاريات‪ .‬قطعة ‪ 46‬صفحة ‪668‬‬ ‫(‪http://quran.al-islam.com/Page.aspx?pageid=221&BookID=13&Page=1 )15‬‬

‫‪55‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫املثال املضا ُّد الثاين‪:‬‬ ‫موسعون السامء أي جاعلوها واسعة‪ ،‬اسم فاعل عامل‪ ،‬وحيث أنَّه مجر ٌد من «الـ»‪ ،‬إذًا ُّ‬ ‫يدل عىل الحال أو االستقبال‪،‬‬ ‫فهنا قد يكون داللة عىل الثبوت وليس الحدوث كتأملٍ‬ ‫يعب اسم الفاعل عن الثبوت‬ ‫ٍّ‬ ‫عادي يف سعة السامء‪ ،‬ويجوز أن ِّ‬ ‫كام الحدوث‪.‬‬ ‫َّت من ِف ْعلٍ الز ٍِم عىل َم ْع َنى الثُّبُ ِ‬ ‫َذكَ َر ال ُّن َحا ُة أ َّن ْاس َم الفَا ِعلِ هو ما َد َّل عىل ال ُح ُد ِ‬ ‫وت‪،‬‬ ‫الص َف َة املُشَ بَّ َه َة ما اشْ تُق ْ‬ ‫وث‪ ،‬وأ َّن ِّ‬ ‫وث َو ْض ًعا يف ْاس ِم الفَا ِعلِ ‪ ،‬وعىل الثُّبُ ِ‬ ‫والص َف ِة املُشَ بَّ َه ِة قائ ٌم عىل ال ُح ُد ِ‬ ‫وت َو ْض ًعا‬ ‫و ُم ْقتَ َض ذلك أن‬ ‫َ‬ ‫التفريق بني ْاس ِم الفَا ِعلِ ِّ‬ ‫مم جاء عىل فاعلٍ يَ ُد ُّل عىل الثُّبُ ِ‬ ‫الص َف ِة املُشَ بَّ َهة‬ ‫وت‪ً ،‬‬ ‫وبعضا ِم َن ِّ‬ ‫يف ِّ‬ ‫الص َف ِة املُشَ بَّ َه ِة‪ ،‬ولك َّن الواق َع غ ْ َُي ذلك‪ ،‬فقد َرأَيْنا كث ًريا ّ‬ ‫يَ ُد ُّل عىل ال ُح ُد ِ‬ ‫وث‪ ،‬وقد َذكَ َر ال َّن ْح ِويُّو َن هذا‪ :‬قال الشَّ يْ ُخ يَس‪« :‬وكث ًريا ما يُ ْستَ ْع َم ُل ْاس ُم الفَا ِعلِ ِم ْن غ ْ َِي إِفا َد ِة التَّ َج ُّد ِد‬ ‫وال ُح ُد ِ‬ ‫قلت‪َ « :‬زيْ ٌد ُم ْنطَلِ ٌق»‪ ،‬فقد أَثْبَ َّت االنْ ِط َ‬ ‫الق ِف ْع ًل له‬ ‫ان‪>> :‬فإذا َ‬ ‫وث؛ كام يف «الل ُه عالِ ٌم»‪ ،‬وغ ْ َِي ذلك»‪ .‬وقال ال ُج ْر َج ِ ُّ‬ ‫طويل‪ ،‬و َع ْم ٌرو ق َِص ٌري‪<<.‬‬ ‫ِمن غ َْيِ أن تَ ْج َعلَ ُه يَتَ َج َّد ُد‪ ،‬ويَ ْح ُدثُ منه شيئًا فشيئًا‪ ،‬بل يَكو ُن امل َ ْع َنى فيه كامل َ ْع َنى يف قولك‪ :‬زي ٌد ٌ‬ ‫وقال أَبُو َحيَّانَ‪« :‬املضا ِر ُع –فيام َذكَ َر البَيَانِيُّونَ– ُمشْ ِع ٌر بالتَّ َج ُّد ِد وال ُح ُد ِ‬ ‫وث بخالف ْاس ِم الفَا ِعلِ ؛ ألنه عن َدهم ُمشْ ِع ٌر‬ ‫بالثُّبُ ِ‬ ‫(صاف ٍ‬ ‫وت»‪ .‬ولذا جاء قولُه تعاىل‪« :‬أَ َو لَ ْم يَ َر ْوا إىل الط َّْيِ فَ ْوقَ ُه ْم َصاف ٍ‬ ‫األصل‬ ‫َّات)؛ أل َّن َ‬ ‫باس ِم الفَا ِعلِ َ‬ ‫َّات َويَ ْقب ِْض َن»‪ ،‬فجا َء ْ‬ ‫يف الط َ​َيانِ هو َص ُّف األَ ْج ِن َح ِة‪ ،‬وجاء باملضارِع (يَ ْقب ِْض َن)؛ ألن ال َقبْ َض طارئٌ عىل البَ ْس ِط‪ ،‬مبعنى أنه َّن صافاتٌ ‪ ،‬ويَكو ُن‬ ‫َّات) ال َّد ِّال عىل الثُّبُ ِ‬ ‫(صاف ٍ‬ ‫ال َقبْ ُض منه َّن تار ًة بع َد تار ٍة؛ ذلك ألن املضار َع هنا للتَّ َج ُد ِد وال ُح ُد ِ‬ ‫وت‪.‬‬ ‫وث‪ ،‬بخالف ْاس ِم الفَا ِعلِ َ‬ ‫وقال أَبُو َحيَّا َن يف قوله تعاىل‪« :‬إِ ِّن َجا ِع ٌل ِف الْ َ ْر ِض َخلِي َف ًة» (البقرة‪ :)30 :‬و َج َع َل ال َخ َ َب ْاس َم فاعلٍ ؛ ألنه يَ ُد ُّل عىل الثُّبُ ِ‬ ‫وت‬ ‫باس ِم الفَا ِعلِ ألنه يَ ُد ُّل عىل‬ ‫دو َن التَّ َج ُد ِد شيئًا فشيئًا‪ .‬ويف قوله تعاىل‪« :‬والل ُه ُم ْخر ٌِج َما كُ ْنتُ ْم تَ ْكتُ ُمونَ» (البقرة‪ :)72 :‬أَ َت ْ‬ ‫وت‪ ،‬ومل ِ‬ ‫الثُّبُ ِ‬ ‫يأت بال ِف ْعلِ الذي هو َد ٌّال عىل التَّ َج ُّد ِد والتِّ ْك َرا ِر إِ ْذ ال تَ َج ُّد َد فيه‪ .‬وقال يف قوله تعاىل‪« :‬إِنَّ ا نَ ْح ُن ُم ْستَ ْه ِزئُونَ»‬ ‫باس ِم الفَا ِعلِ الذي يَ ُد ُّل عىل الثُّبُ ِ‬ ‫وت‪ ،‬وأ َّن ِال ْس ِت ْه َزا َء َو ْص ٌف ثاب ٌِت لَ ُهم‪.‬‬ ‫(البقرة‪ ،)14 :‬أَ َت ْ‬ ‫ُوض ْع للثُّبُ ِ‬ ‫الص َف َة املُشَ بَّ َه َة كام أنها ليست موضوع ًة‬ ‫والص َف ُة املُشَ بَّ َه ُة –كذلك– مل ت َ‬ ‫ض‪« :‬والذي أَ َرى أن ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وت دامئًا؛ قال ال َّر ِ ُّ‬ ‫أيضا موضوع ًة للثُّبُ ِ‬ ‫لل ُح ُد ِ‬ ‫وت يف جميعِ األَ ْز ِمن ِة‪ ،‬أل َّن ال ُح ُدوثَ‬ ‫الص َف ِة‪ ،‬وال َد َللَ َة فيها‬ ‫وث‪ ،‬ليست ً‬ ‫واالس ِت ْمرا َر قَيْدانِ يف ِّ‬ ‫ْ‬ ‫بعض األزمن ِة أَ ْو َل من بعض‪ ،‬كان الظاه ُر ثُبُوت َه يف جميع األزمنة إىل أن تقو َم قرين ُة‬ ‫عليهام‪ ،‬لكن ملّا أُطْلِ َق ومل يكن ُ‬ ‫التَّ ْخ ِص ِ‬ ‫يص؛ نَ ْح ُو‪ :‬كان هذا حس ًنا ف َقبُ َح»‪.‬‬ ‫للتفريق بينهام يَتَطَّ َر ُق إليه اللَّبْ ُس؛ ألن كث ًريا مام جاء عىل (فا ِعل) يُفي ُد الثُّبُوتَ ‪،‬‬ ‫َم ْع َنى ذلك‪ :‬أن الح َّد الذي َو َض َعه النحا ُة‬ ‫ِ‬ ‫ال ال ُح ُدوثَ ؛ كطاه ٍر ِ‬ ‫للصي َغ ِة‪ ،‬ومنهم من يُل ِْحقُها‬ ‫الصفاتُ يُل ِْحقُها ُ‬ ‫باس ِم الفَا ِعلِ ا ْع ِتبا ًرا ِّ‬ ‫وفاس ٍق‪ ،‬وهذه ِّ‬ ‫بعض ال ُّنحا ِة ْ‬ ‫بالص َف ِة املُشَ بَّ َه ِة اعتبا ًرا لل َّد َلل ِة‪ ،‬وقد يُ ُ‬ ‫األصل يف ْاس ِم الفَا ِعلِ ال َّد َللَ ُة‬ ‫قال إن ال ِع ْب َة باألصلِ ‪ ،‬ال بال َف ْر ِع الطارئِ ‪ ،‬أَ ْع ِني أن َ‬ ‫ِّ‬ ‫عىل ال ُح ُد ِ‬ ‫ض يَ ُ‬ ‫قول‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وث‪ ،‬والثُّبُوتُ طارئٌ عليه‪،‬‬ ‫واألصل يف ِّ‬ ‫الص َف ِة املُشَ بَّ َه ِة الثُّبُوتُ ‪ ،‬وال ُح ُدوثُ طارئٌ‪ ،‬وهذا ما َج َع َل ال َّر ِ َّ‬ ‫«ذلك ألن ِصي َغ َة الفَا ِعلِ َم ْو ُضو َع ٌة لل ُح ُد ِ‬ ‫مبستقيم ال َرأْ ِي‪،‬‬ ‫وث‪ ،‬وال ُح ُدوثُ فيه أَ ْغل َُب»‪ .‬وقد َمث َ​َّل ابْ ُن ِهشَ ٍام للصف ِة املُشَ بَّ َه ِة‬ ‫ِ‬ ‫ُّالث يَكو ُن أحيانًا صف ًة ُمشَ بَّ َه ًة‪.‬‬ ‫و ُم ْعتَ ِد ِل القَا َم ِة‪ ،‬وهذا يَ ُد ُّل عىل أن اس َم الفَا ِعلِ ِمن غ َْيِ الث ِ ِّ‬ ‫‪56‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫دال عىل الثُّ ُب ِ‬ ‫وث والثُّ ُب ِ‬ ‫األصل يف ال ُح ُد ِ‬ ‫امل‪ ،‬وأن كث ًريا ِمنِ ْاس ِم الفَا ِعلِ ٌّ‬ ‫االس ِت ْع ُ‬ ‫وت‪ ،‬وأنه يَ ُد ُّل عىل‬ ‫نَ َرى فيام ت َ َق َّد َم أن َ‬ ‫وت هو ْ‬ ‫بالص َف ِة املُشَ َّب َه ِة َم ْع َنى ال ُح ُد ِ‬ ‫ال ُح ُد ِ‬ ‫وث ُح ِّول َْت إىل فَا ِعلٍ ‪ ،‬وإن ق ُِص َد‬ ‫َس ق َ​َول ال ُّنحا ِة‪« :‬إذا ق ُِص َد ِّ‬ ‫وث تار ًة أخرى‪ ،‬وهذا يُف ِّ ُ‬ ‫الص َف َة املُشَ َّب َه َة فَ ْر ٌع عنِ ْاس ِم الفَا ِعلِ يف ال َع َملِ ‪،‬‬ ‫الص َف ِة املُشَ َّب َه ِة»‪ .‬وقد َذكَ َر النحا ُة أن ِّ‬ ‫ث ُ ُبوتُ ْاس ِم الفَا ِعلِ ُعو ِم َل ُمعا َملَ َة ِّ‬ ‫باس ِم الفَا ِعلِ عىل ما ُعر َِف أنه صف ٌة ُمشَ َّب َه ٌة‪ ،‬ك َع ِظ ٍيم وطَ ِّي ٍب؛ قال أَبُو َح َّيانَ–يف قوله تعاىل‪:‬‬ ‫وهي بَ ْع ُضه‪ ،‬وقد َع َّ َب ُ‬ ‫بعضهم ْ‬ ‫«اس ُم فاعلٍ ِمن‬ ‫َاب َع ِظي ٌم» (آل عمران‪ْ .)105 :‬‬ ‫« َح َل ًل طَ ِّي ًبا» (البقرة‪« ،)168 :‬طَ ِّي ًبا‪ْ :‬اس ُم فاعل»‪ .‬وقال تعاىل‪« :‬لَ ُه ْم َعذ ٌ‬ ‫هب ال َّزمانِ »‪)16(.‬‬ ‫َعظُ َم‪ ،‬غ ْ َ​َي َم ْذ ُه ٍ‬ ‫وب به َم ْذ َ ُ‬ ‫فاألمر عىل ٍ‬ ‫خالف حيث إ ّن ابن حيانٍ قد أورد عن البيانيني أ ّن اسم الفاعل يخالف املضارع ويشعر بالثبوت بينام املضارع‬ ‫أيضا للثبوت‪ ،‬ونخلص إىل أ ّن القصد هو املحدد‬ ‫يشعر بالحدوث‪ ،‬بينام عن الريض أ ّن األصل فيه الحدوث وإ ْن كان يأيت ً‬ ‫لنوع االشتقاق‪ ،‬وليس االشتقاق هو الذي يحدد القصد‪ .‬وهذا ال يدع أمامنا فرص ًة لتحديد ما أراده مح َّمد ثبوت ًا أم حدوث ًا‬ ‫أصل قد قصد تعد كلمة موسعون إىل مفعول وكان املفعول هو السامء)‪ ،‬فاملعنى يف صدر الكاتب‪.‬‬ ‫(إن كان ً‬ ‫املثال املضا ُّد الثالث‪:‬‬ ‫املفسين كام سييل بيانه‪ .‬فمن قال‪ :‬إ َّن‬ ‫وإنا ملوسعو الرزق عىل الخلق كام يف آية «ويف السامء رزقكم» وقال بهذا بعض ِّ‬ ‫موسعون إن كانت اسم فاعلٍ عاملٍ فاملفعول يجب أن يكون هو السامء؟‬ ‫ولتأكيد أ َّن هذه األمثلة املضادة مقبول ٌة فباإلضافة للشواهد القرآنية نورد قول املفرسين‪ ،‬وهي تؤكد ما ذكرناه‪ .‬فقد‬ ‫جمع القرطبي تفاسري كثري ًة لهذا النص‪َ « :‬وإِنَّا لَ ُم ِ‬ ‫وس ُعونَ‪ ،‬ق َ​َال اِبْن َع َّباس‪ :‬لَقَا ِد ُرونَ‪َ .‬و ِق َيل‪ :‬أَ ْي َوإِنَّا لَذُو َس َعة‪َ ،‬و ِب َخلْ ِق َها‬ ‫شء نُرِيد ُه‪َ .‬و ِق َيل‪ :‬أَ ْي َوإِنَّا لَ ُم ِ‬ ‫أيضا‪ .‬الْ َح َسن‪َ :‬وإِنَّا‬ ‫وس ُعو َن ال ِّرزْق َع َل َخلْق َنا‪َ .‬ع ْن اِبْن َع َّباس ً‬ ‫َو َخلْق غ َْي َها َل يَ ِضيق َعلَ ْي َنا َ ْ‬ ‫الض َّحاك‪ :‬أَ ْغ َن ْي َناكُ ْم ; َدلِيله‪َ « :‬ع َل الْ ُم ِ‬ ‫أيضا‪َ :‬وإِنَّا لَ ُم ِ‬ ‫وسع قَ َدره» (الْ َب َق َرة‪:‬‬ ‫وس ُعو َن ال ِّرزْق بِالْ َمطَرِ‪َ .‬وق َ​َال َّ‬ ‫لَ ُم ِطيقُونَ‪َ .‬و َع ْن ُه ً‬ ‫نهم َوبَ ْي الْ َ ْرض َس َعة‪ .‬الْ َج ْو َهر ِّي‪َ :‬وأَ ْو َس َع‬ ‫‪َ .)236‬وق َ​َال الْ ُقتَب ِّي‪ :‬ذُو َس َعة َع َل َخلْق َنا‪َ .‬والْ َم ْع َنى ُمتَقَارِب‪َ .‬و ِق َيل‪َ :‬ج َعلْ َنا بَ ْي َ‬ ‫ال َّر ُجل أَ ْي َصا َر ذَا َس َعة َو ِغ ًنى‪َ ،‬و ِم ْن ُه قَ ْوله ت َ َع َال‪َ « :‬والس ََّمء بَ َن ْي َنا َها ِبأَيْ ٍد َوإِنَّا لَ ُم ِ‬ ‫وس ُعونَ» أَ ْي أَ ْغ ِن َياء قَا ِد ُرونَ‪ .‬فَشَ َم َل َج ِميع‬ ‫الَقْوال»‪)17(.‬‬ ‫ْ َ‬ ‫ونأيت بأمثل ٍة من املعاجم العربية العريقة‪:‬‬ ‫فمن معجم (لسان العرب) «وقوله تعاىل‪ :‬والسام َء بنيناها بأَ ٍيد وإِنا لَ ُم ِ‬ ‫وس ُعون؛ أَراد جعلنا بينها وبني األَرض َسع ًة‪ ،‬أَ ْو َس َع‬ ‫الرجل صار ذا َسع ٍة و ِغنى‪ ،‬وقوله‪ :‬وإنا ملوسعون أَي أَغ ِنيا ُء قا ِدرون‪ .‬ويقال‪ :‬أَ ْو َس َع الله عليك أَي أَ َ‬ ‫الرجل‪:‬‬ ‫غناك‪ .‬وقد أَ ْو َس َع ُ‬ ‫ُ‬ ‫كث مالُه‪ .‬ويف التنزيل‪ :‬عىل امل ُ ِ‬ ‫وسعِ قَ َد ُره وعىل املُق ِ ِْت قَ َد ُره»‪.‬‬ ‫َُ‬ ‫(‪ )16‬مجلة جامعة اإلمام ‪ -‬عدد‪ - 15‬السنة‪1416 :‬هـ ‪ -‬ص‪125-154‬‬ ‫(‪http://www.e-quran.com/kurtoby/kur-s51.html )17‬‬

‫‪57‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫والس َع ُة‪ :‬الجِد ُة والطاق ُة‪ .‬قال تعاىل‪« :‬لِ ُي ْن ِف َق ذو َس َع ٍة من َس َع ِت ِه»‪ ،‬أي عىل قدر‬ ‫ومن معجم ّ‬ ‫(الصحاح يف اللغة)‪« :‬وال ُو ْس ُع َ‬ ‫وس َع ِت ِه‪ ،‬والهاء عوض من الواو‪ .‬وأ ْو َس َع الرجل؛ إذا صار ذا َس َع ٍة و ِغنى‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪« :‬والسامء بَ َن ْيناها بأَيْ ٍد وإنَّا‬ ‫ِغناه َ‬ ‫ل ِ‬ ‫َموسعونَ»‪ ،‬أي أغنياء قادرون‪ .‬ويقال‪ :‬أ ْو َس َع الله عليك‪ ،‬أي أغناك»‪.‬‬ ‫ومن معجم (القاموس املحيط)‪« :‬وأوس َع‪ :‬صا َر ذا َس َع ٍة‪ ،‬واللَّ ُه تعاىل عليه‪ :‬أَغْنا ُه‪ ،‬ك َو َّس َع عليه‪} .‬وإِنَّا مل ُ ِ‬ ‫وس ُعونَ{‪ :‬أ ْغ ِنيا ُء‬ ‫قا ِدرونَ‪)1( ».‬‬ ‫وهذا ٍ‬ ‫قديم‪ ،‬فإن تأكيد أحدها دون اآلخر‬ ‫نص ما ٍ‬ ‫كاف لتفنيد الزعم ألنه ما إن تصبح لدينا احتامالتٌ مختلف ٌة لتأويل ٍّ‬ ‫حديث ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بشكلٍ‬ ‫مثل)‬ ‫(بأي‬ ‫حتمي يستحيل إال بدليل من املتكلم ذاته‪ .‬وبدون ترصي ٍح من مح َّم ٍد عن تفسري تلك اآلية ِّ‬ ‫ٍّ‬ ‫يصبح تحديد أي معنى هو املقصود بشكلٍ‬ ‫مستحيل متا ًما‪ .‬وحيث إ َّن الح َّجة املنطقية (ملعجز ٍة!) ال ب َّد أ ْن تكون‬ ‫ٌ‬ ‫حتمي‬ ‫ٍّ‬ ‫مستحيل هنا‪ ،‬فمن األكيد متا ًما أ َّن التعبري ال يعرب عن معجز ٍة؛ فم َن املستحيل ‪ 100%‬أ ْن يحاول‬ ‫ٌ‬ ‫حتمية‪ ،‬وحيث إ َّن هذا‬ ‫عادي متا ًما‪ ،‬أو صاد ٌر‬ ‫معنى ٍّ‬ ‫إل ٌه أ ْن يضع إعجازًا وال يتمكن من دعمه منطق ًيا‪ ،‬لذا فمن األكيد ‪ 100%‬أ َّن التعبري يعرب ع ْن ً‬ ‫أي ٍ‬ ‫عن ٍ‬ ‫لفظ قابلٍ للتأويل ال يصلح أن يكون معجز ًة باملرة‪ ،‬ألنه ينطبق عليه عدم الحتمية‬ ‫عادي‪ .‬وهذا يعلمنا أ َّن َّ‬ ‫شخص ٍّ‬ ‫‪ /‬الالتأكيد يف معرفة ما املقصود منه التي ذكرتها للتو‪ ،‬والتي تجعل ح َّجته دو ًما غري صالح ٍة‪ ،‬أل َّن وجود األمثلة املضادة‬ ‫دليل عىل‬ ‫يجعل الح َّجة غري كافي ًة للتأكيد عىل نتيجتها إثباتًا؛ إذ تحتاج هي إىل دليل عىل ذاتها أولً قبل أن تكون هي ً‬ ‫يش ٍء‪ .‬إنه السؤال مستحيل اإلجابة الذي يُعطِّل تفسري املعجزة –وهو قائم عىل أساس أ َّن العربة باملقصود وليس بأي‬ ‫أي ٍ‬ ‫أساس؟ ملاذا هذا التأويل املعجز زعمت أنه‬ ‫ما ميكن تحميله للكالم– ويسأل «ملاذا هذا املعنى دون غريه؟» وعىل ِّ‬ ‫العادي؟ ومل ليس الخاطئ؟ وهل يقود اإلجابة يش ٌء غري االنحياز املعر ُّيف واملصادرة عىل املطلوب؟‬ ‫املقصود؟ مل ليس‬ ‫ُّ‬ ‫إ َّن االدعاءات االستثنائية تحتاج ألدل ٍة استثنائي ٍة‪ ،‬فال ّدليل ال ب َّد أ ْن يكون بضخامة االدعاء‪ ،‬لذا ال ميكن أن يكون لف ٌظ له‬ ‫دليل عىل ٍ‬ ‫حدث مل يكتشف إال حديثًا؛ فاآلن صارت لدينا احتامالت (القديم والحديث)‪ ،‬وضخامة‬ ‫معنى مستق ٌر يف عرصه ً‬ ‫االدعاء تُحتِّم علينا أن نبحث عن القطع وليس عن االحتامل‪ ،‬حيث إن هذا لقول فصل وال مكان للهزل‪ ،‬وهل االحتامل‬ ‫معجزةٌ؟ وهل تأيت املعجزة من احتامل؟ وهل هي معجز ٌة أم احتامل معجز ٍة؟ آمن ألن هناك احتامالً أن تكون لدينا‬ ‫معجزةً!‬ ‫أي تعبريٍ معج ًزا بهذا‬ ‫يَ ْعرتِ ُض املسلمون هنا دو ًما بالقول إ َّن املرء قاد ٌر عىل تأويل أي تعبريٍ‪ ،‬وبالتايل من املستحيل اعتبار ُّ‬ ‫أي افرتاض تم إثباته علم ًيا‪ ،‬وطريقة الكتابة العلمية الرصينة‬ ‫املنطق املجحف‪ ،‬ولكن يبدو أ َّن املؤمن هنا مل يسمع عن ِّ‬ ‫التي تصف التنبؤات بدقة ال تحتمل أدىن تأويلٍ ‪ ،‬ثم إذا أكدتها األدلة التجريبية إذا هم يتكرمون‪ ،‬لكن هل سمعنا عن‬ ‫تأويل بعض أزجاله التي كان يزجلها يف فراغه لتتوافق‬ ‫عامل حصل عىل جائزة نوبل ألنَّه بعد اكتشاف ظاهرة ما‪ ،‬أمكن ُ‬ ‫العلمي جز ٌء من العلم‪،‬‬ ‫أي مأساة نحن بصددها إن اتبعنا هذا املنطق يف حياتنا‪ .‬للعلم أسلوبه واألسلوب‬ ‫مع النظرية؟!! ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫فإذا ك َّنا نتحدث عن معجز ٍة علم َّية ملاذا نهمل هذا الجزء من العلم إذًا إن كنتم صادقني؟! فإذا كان املؤمن يقول لك‬ ‫‪58‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫معنى آخر‪ ،‬قلنا له ال بأس‪ ،‬ما أكرث ما‬ ‫إنّ َك لِتَ َ‬ ‫قبل اإلعجاز ت ُري ُد كلم ًة جديد ًة مل توجد يف اللغة من قبل يك ال تعطي لها ً‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت عجيب ٍة غريب ٍة يتبعها بـ «وما أدراك ما كذا؟» أو يف األحاديث‬ ‫فعل مح َّمد ذلك يف قرآنه وأحاديثه عندما ينطق‬ ‫مفصل‪ .‬فام منع مح َّمدا ً م ْن أ ْن يفعل ذلك إ ْن أراد‬ ‫ً‬ ‫عندما يقول لصحابته «أتدرون ما كذا» ثم يعطيهم تعريفًا له واض ًحا‬ ‫مفص ًل واض ًحا يصف فيه‬ ‫إثبات املعجزة لدينه؟‪ ،‬بل ما منعه –دون اللجوء ألي من الكلامت الغريبة– أن يستخدم أسلوبًا ّ‬ ‫ٍ‬ ‫محكم ال‬ ‫لكلامت مبتكر ٍة أ ْن نستخدم أسلوبًا قطع ًيا‬ ‫مقصده‪ ،‬فالعربة باألسلوب وليست بالكلامت‪ ،‬إذ ميكن دون اللجوء‬ ‫ً‬ ‫را َّد له‪ .‬كان بإمكان مح َّمد أن يقول «إن الفضاء يتمطط منذ البدء وما زال يتمطط ويتسارع متططه وسيكتشف العلم‬ ‫حق‪ .‬تخ ّيل حجم اإلقناع ملثل هكذا معجز ٍة إن كانت موجودةً؟!‬ ‫يو ًما ذلك بعد كذا وكذا قرنٍ ‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫نبي ٌّ‬ ‫دليل أين ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫احتامالت أخرى للفظ‪ ،‬تجعل‬ ‫العلمي‪ ،‬فوجود‬ ‫عام تسقط خرافة اإلعجاز‬ ‫بل فقط إذا أدركنا معنى املثال املضا َّد بشكلٍ ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫احتامل‪ ،‬وما جاز فيه االحتامل‬ ‫املعنى ليس أب ًدا معجز ًة بالرضورة‪ ،‬وما ليس معج ًزا بالرضورة ليس معج ًزا أب ًدا؛ ألنه إذًا‬ ‫بَط َُل به االستدالل؛ فألنه ال يحتاج ملعجزة اطال ٍع عىل معرف ٍة حديث ٍة ليتفوه ٍ‬ ‫بلفظ كهذا‪ ،‬إذ إ َّن معارف عرصه تكفيه‬ ‫ليقولها مبعانٍ مثل «الله قاد ٌر أو السامء واسع ٌة» مل نعد إذًا ُملْ َزمني أن نقتنع أنّها معجزة اطال ٍع عىل معارف حديث ٍة‬ ‫بداه ًة! فإذا يسأل مسل ٌم كيف قال القرآن‪« :‬والسامء بنيناها ٍ‬ ‫بأيد وإنا ملوسعون»؟ فالجواب ببساط ٍة أن يصف الله‬ ‫بالقدرة ويستعمل اللفظ «موسع» بصيغة الجمع «موسعون» للتعظيم‪ ،‬أو أن يتأ َّمل ببساطة يف سعة السامء عىل سبيل‬ ‫الثبوت ويستخدم هذا اللفظ‪ ،‬أو غري ذلك من االحتامالت األخرى املذكورة أعاله‪.‬‬ ‫وليك تؤخذ دعاوى اإلعجاز العلمي بجدي ٍة فعىل املؤمن بها عبء إثبات أ َّن كل االحتامالت األخرى للتأويل خاطئ ٌة أ ْو ال‬ ‫أي من معانِ اللفظ عىل غريها إال بشفرة أوكام لنستبعد‬ ‫ميكن أن تكون مقصود ًة‬ ‫ٍ‬ ‫لسبب أو آلخرٍ‪ ،‬وإال فال دا ٍع لتفضيل ٍّ‬ ‫املعنى الذي يقتيض معجزة‪ .‬فاالدعاء اإلعجازي بشكل عام ميوت مذبو ًحا بشفرة أوكام ‪ Occam's razor‬املعمول بها يف‬ ‫كل فروع العلم واملنطق‪ ،‬والتي تنص عىل أ َّن افرتاضاتنا ال يجب أ ْن تذهب فوق الحاجة فالتفسري الذي به أقل الفروض‬ ‫يجب أن نختاره (‪( .)19‬وهي باملناسبة اليشء الوحيد الذي يجعل التوحيد اإللهي أكرث منطقي ًة من التعددية اإللهية أو ما‬ ‫اإلعجازي فيه ٌ‬ ‫طبيعي‬ ‫إنهاك للفرضيات فوق الحاجة‪ُ ،‬فيفض؛ إذ ال حاجة الفرتاض تدخل غري‬ ‫يسمى بالرشك)‪ ،‬فاالدعاء‬ ‫ُّ‬ ‫ٍّ‬ ‫لتربير ٍ‬ ‫لفظ كهذا‪ ،‬فلامذا نفرتضه؟! البد الفرتاض تدخل غري طبيعي أن يُلجئنا النص لذلك إلجا ًء بشذوذه عن معارف‬ ‫التاريخي وتناغمه مع عرصه بإمكانٍ ‪ ،‬فام معنى أن نُ ِ‬ ‫دخل ما فوق الطبيعة‬ ‫عرصه قط ًعا‪ .‬أما إن كان متاشيه مع سياقه‬ ‫ِّ‬ ‫لتفسري ذلك؟ وهل تفرس ما وراء الطبيعة األحداث الطبيعية ج ًدا؟ فامذا تفرس الطبيعة إذًا؟ إ َّن إدخال ما فوق الطبيعة‬ ‫لتفسري أمر تستطيع الطبيعة تفسريه لهو ٌ‬ ‫وعمل عكس الطريقة املنطقية للتفكري‪.‬‬ ‫انتهاك لشفرة أوكام‪ٌ ،‬‬ ‫فحاالت األشياء بالنسبة الحتاملية حدوثهام طبيع ًيا اثنتان‪ :‬إ َّما ممكن وإ َّما مستحيل‪ ،‬فام هو مستحيل اقتىض املعجزة‬ ‫أي أ ْن‬ ‫تفس ًريا لحدوثه إن حدث‪ ،‬واملمكن ال يقتيض ذلك‪ ،‬لذا فواجب عىل من ادعى املعجزة ليشء أ ْن يثبت استحالته‪ْ ،‬‬ ‫سبيل‪ .‬ولكن أن تأ َيت مبمكن‬ ‫كل ما يجعله ممك ًنا بشكلٍ طبيعي‪ ،‬حتى عندئذ مل يبق لتفسريه إال باإلعجاز ً‬ ‫يخرج به عن ِّ‬ ‫(‪Ariew، Roger (1976). Ockham's Razor: A Historical and Philosophical Analysis of Ockham's Principle of Parsimony. Champaign-Urbana، )19‬‬ ‫‪•.University of Illinois‬‬

‫‪59‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫طبيعيًا ثم تطلب م ّنا أ ْن نؤمن لك أنَّه معجز‪ ،‬فال تتوقعن منا عندئذ أ ْن نأخذ دعواك بجدية‪ ،‬إذ إ َّن املنطق ليس يف‬ ‫مثل بنتيجة‬ ‫صفك إطالقًا‪ .‬ومثل هذا املنطق راسخ يف تفكرينا ونستعمله يوميا بوعي وبال وعي‪ .‬فهب أين أخربتك يو ًما ً‬ ‫مباراة جرت باألمس‪ ،‬ثم ادعيت أين علمتها بطريق الوحي‪ ،‬وأنها معجزة يل‪ ،‬هل ستصدقني أ ْم أنَّك ستنكر عىل الفور‬ ‫أل َّن الطريق املمكن موجود؟! والحظ أنّك ملْ ول ْن تثبت أب ًدا بالقطع أنني اطلعت عىل نتيجة املباراة يف مكان ما‪ ،‬ولكن‬ ‫بالرغم من ذلك ل ْن تعدها معجزة‪ ،‬فلوجود االحتامل بطل االستدالل‪ ،‬ولوجود اإلمكان انتفت االستحالة وانتفت الحاجة‬ ‫لإلعجاز‪ ،‬ولوجود التفسري األبسط نأخذه ونهمل التفاسري الخارقة‪ ،‬وإال ملا استقامت لنا حياة‪ ،‬وال ت َّم لنا تعامل‪ .‬والحظ‬ ‫كل طرق اإلمكان مسدودة ليك نقبل‬ ‫أيضا أ َّن عبء البينة يقع عىل امل ّدعي‪ ،‬فمدعي املعجزة هو من عليه إثبات أ َّن َّ‬ ‫ً‬ ‫مثل أثبت أين رأيت املباراة‬ ‫باإلعجاز تفسريه‪ ،‬وإ ْن حاول أ ْن يجعل معارضه ينفي هو إمكان املمكنات عليه (أن يقول له ً‬ ‫مبكان ما وإال فهي معجزة يل) فقد ارتكب مغالطة نقل عبء اإلثبات (‪ ،)20‬فمدعي اإلعجاز إ ّما أن ينفي كل االحتامالت‬ ‫األخرى وإال فشفرة أوكام سرتجحها ومتوت عندئذ حجته‪.‬‬ ‫إن املغالطات التي يقوم أساسها عىل استغالل وجو ِد أكرثَ من معنى ورا َء اللفظ الواحد تس َّمى مبغالطات االشرتاك اللفظي‬ ‫يستغل املغال ُط اللفظ الواحد الذي له أكرث من معنى‪ ،‬وبالتالعب بهذه املعاين يف الح َّجة الواحدة‬ ‫ُّ‬ ‫‪ equivocation‬حيث‬ ‫اللفظي‬ ‫ويستغل أدعيا ُء اإلعجاز االشرتاك‬ ‫ُّ‬ ‫تغي املعنى املُراد من وراء اللفظ (‪،)21‬‬ ‫دس الخدعة يف حجته‪ ،‬باستغالل ُّ‬ ‫يَ ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ليم ِّرروا املعاين التي يريدونها من خالل –باإلضافة إىل املصادرة عىل املطلوب– استغالل قابلية اإليحاء عند بعض الناس‪،‬‬ ‫كل اإليحاءات‪ ،‬من خالل ذكر الكلامت املطاطة املُطْلَقَة ذات الدالالت مفتوحة االحتامالت يف‬ ‫ويت ُّم ذلك بنفس طريقة ِّ‬ ‫عم يريدون لها أن تعنيه فيوحى إىل املستمع إىل أنَّها تُش ُري إىل ذلك املعنى ألنَّه أول ما يتبادر إىل الذهن‬ ‫سياق الحديث َّ‬ ‫مثل عن التوسع الكوين املكتشف حديثًا –ثم بعد تعديل استبدال املصطلحات العلمية‬ ‫إذ هو حارض‪ .‬أي إنهم يتحدثون ً‬ ‫مثل –يف هذا السياق يذكرون اآلية «والسامء‬ ‫بخفة يد إىل مصطلحات سرتد يف اآلية مثل استبدال «الكون» بـ«السامء» ً‬ ‫يشك ُّ‬ ‫بنيناها بأيد وإنا ملوسعون» فال ُّ‬ ‫شاك من املستمعني غري املطلعني عىل اللغة والعلم واملنطق أنها تعني أي يشء‬ ‫آخر غري ذلك‪ .‬ومت ُّر الخدع عليهم مرور الكرام‪.‬‬ ‫بنفس املنطق‬ ‫إ َّن أفضل رشح ملغالطة ما هي ارتكابها يف االتجاه املضاد‪ .‬إ َّن أكرب دليل عىل هذا الخلل وهذه األغالط‪ ،‬أنَّنا بهذه الطريقة‬ ‫ميكننا إخراج اإلعجازات من كل مكان تقريبًا؛ فام دام يف االحتامالت املعجمية مساحة لتأويل كلمة ما مبا يجعل جملتها‬ ‫حتم‪ ،‬أليس كذلك؟ إ ْن كا َن كذلك فإ َّن املعجزات متأل الدنيا بهذه الطريقة‪.‬‬ ‫دال ًة عىل نظرية علمية حديثة إذًا هي معجزة ً‬ ‫غريب أ ْن يكون لدينا لفظ يف جملة قدمية ُيكن تأويله كمعنى حديث؟ ففي لغة غنية ال ّدالالت وفضفاضة‬ ‫فهل هو‬ ‫ٌ‬ ‫منطقي ج ًدا أ ْن نجد يف تأ ُّمل من التأمالت يف الكون ألفاظًا ُيكن تأويلها من املعجم عىل أنها معلومات‬ ‫كاللغة العربية‬ ‫ٌ‬ ‫صحيحة علميًا طبقًا الكتشافاتنا الحديثة‪.‬‬

‫(‪Michalos، Alex (1969). Principles of Logic. Englewood Cliffs: Prentice-Hall. p. 370. "usually one who makes an assertion must assume the )20‬‬ ‫‪".responsibility of defending it. If this responsibility or burden of proof is shifted to a critic، the fallacy of appealing to ignorance is committed‬‬ ‫(‪Lawrence H. Powers، "Equivocation"، in Fallacies: Classical and Contemporary Readings، edited by Hans V. Hanson and Robert C. Pinto، )21‬‬ ‫‪.Penn State Press، 1995، pp. 287-301‬‬

‫‪60‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫وبالفعل ُو ِج َدت هذه اإلعجازات الساخرة يف كثري من جوانب الشعر القديم للعديد من اللغات نذكر بعضا منها‪:‬‬ ‫امرؤ القيس وإعجاز الجاذبية النيوتنية والنسبية‪:‬‬

‫الجاذبية النسبية‪:‬‬

‫رباعي األبعاد الزمكاين حولها كام يفعل أي ثقل ما‬ ‫أساس النظريَّة النسب َّية يف وصف الجاذبية هو القول إ َّن الكتلة تحني‬ ‫َّ‬ ‫أي نجم أو كوكب يف الفراغ‪ ،‬حيث تَحني الكتلة‬ ‫إن وضعته عىل إسفنجة أو قُامشة‪ ،‬هذا بالضبط ما تفعله الشمس أو ّ‬ ‫الزمكان املجاور لها‪ ،‬ما يس ِّبب انحدار الكتل األصغر نحوها مك ِّونة بذلك ما يُعرف بالجاذبية‪ .‬فكام أ َّن وضع قطعة حديد‬ ‫مثل عىل قامشة أو إسفنجة سيثني القامش حول الثقل ويحدث ٍ‬ ‫مثل‬ ‫ثنيات حوله‪ ،‬وإن وضعنا إذًا أي يشء ككرة مطاط ً‬ ‫ً‬ ‫طي الثقل للقامش‪ ،‬فهكذا متا ًما‬ ‫بجوار الثقل فإنه سينزلق عىل الثنية يف القامشة نحو الثقل نظ ًرا لالنحناء الذي س ّببه ُّ‬ ‫فتسبب هندسة الفراغ تلك انجذاب‬ ‫هي الجاذب َّية‪ .‬هذا ما تفعله الشمس والنجوم بطي رباعي األبعاد الزمكاين حولها‬ ‫ُ‬ ‫الكواكب إليها‪ .‬تلك هي النسبية بأبسط املفاهيم‪ .‬وهذا هو املثال الشهري الذي ش َّبه به العامل العبقري ألربت أينشتاين‬ ‫نظريَّته ويستخدمه العامل كله تقريبا اآلن لتبسيط مفهوم النسبية‪)23( )22( .‬‬ ‫ولكن هل حقًا أينشتاين قد اكتشف شيئًا جدي ًدا؟ كال‪ ،‬فتلك الحقائق موجودة منذ زمنٍ قديم‪ .‬إ ْذ إ َّن امرؤ القيس عليه‬ ‫السام ِء‬ ‫أفضل الصالة وأت ُّم التسليم يف قصيده املعجز قد ذكر تلك النظرية قبله بقرون طوال إذ يقول‪« :‬إِذا ما ّ َ‬ ‫الثيَّا يف َّ‬ ‫تَ َع َّر َض ْت = ت َ َع ُّر َض أَث ْنا ِء الْوِشا ِح الُمف ََّصلِ » ومعنى البيت أ َّن السامء التي تبدو فيها الرثيا (مجموعة نجوم) هي كأثناء‬ ‫(طيات) الوشاح املفصل (املرصع بالجواهر غال ًبا)‪ .‬فمن معجم لسان العرب‪« :‬وأَث ْنا ُء الوِشاح‪ :‬ما انْث َنى منه؛ ومنه قوله‪:‬‬ ‫تَ َع ُّرض أَث ْناء الوِشاح املُف ََّصل»‪ ،‬ومن معجم الرائد‪« :‬ثني من الثوب أي طَ ّيه»‪)24( .‬‬ ‫رشق وغ ّرب يف تأويل هذا البيت وبعضهم توقف عن تأويل البيت‪ ،‬بل وصل بهم‬ ‫ال تجد من املفرسين القدماء إال وقد ّ‬ ‫األمر أنهم خطّؤوا امرؤ القيس يف تعبريه هذا وهم ال يشعرون! وهذه إحدى الرشوحات‪:‬‬ ‫السام ِء ت َ َع َّر َض ْت = ت َ َع ُّر َض أَث ْنا ِء الْوِشا ِح الُمف ََّصلِ » الرشح‪ :‬التع ّرض‪ :‬االستقبال‪ ،‬والتع ّرض إبداء العرض‪،‬‬ ‫«إِذا ما ّ َ‬ ‫الثيَّا يف َّ‬ ‫عرضا‪ ،‬األثناء‪ :‬النواحي‪ ،‬واألثناء األوساط‪ ،‬واحدها ثنى مثل عىص وثني مثل‬ ‫وهو ال ّناحية‪ ،‬والتع ّرض األخذ يف الذهاب ً‬ ‫معي وثني بوزن فعل مثل نحي‪ ،‬وكذلك اآلناء مبعنى األوقات واآلالء مبعنى النعم يف واحدها‪ ،‬هذه اللغات الثالث‪،‬‬ ‫املفصل‪ :‬الذي فصل بني خرزه بالذهب أو غريه يقول‪ :‬تجاوزت إليها يف وقت إبداء الرثيا عرضها يف السامء كإبداء الوشاح‬ ‫الذي فصل بني جواهره وخرزه بالذهب أو غريه عرضة يقول‪ :‬أتيتها عند رؤية نواحي كواكب الرثيا يف األفق الرشيف‪ ،‬ثم‬ ‫شبه نواحيها بنواحي جواهر الوشاح‪ ،‬هذا أحسن األقوال يف تفسري البيت‪ ،‬ومنهم من قال شبه كواكب الرثيا بجواهر‬ ‫الوشاح ألن الرثيا تأخذ وسط السامء كام أ ّن الوشاح يأخذ وسط املرأة املتوشحة‪ ،‬ومنهم من زعم أنه أراد الجوزاء فغلط‬ ‫(‪https://www.youtube.com/watch?v=MTY1Kje0yLg )22‬‬ ‫(‪https://www.youtube.com/watch?v=qlQqgi7RR8I )23‬‬ ‫)‪http://www.almaany.com/+(1) (24‬‬

‫‪61‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫وقال الرثيا ألن التعرض للجوزاء دون الرثيا‪ ،‬وهذا قول مح َّمد بن سالم الجمحي‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬تعرض الرثيا –هو أنها إذا‬ ‫مائل إىل أحد شقي املتوشحة به‪)25( .‬‬ ‫بلغت كبد السامء أخذت يف العرض ذاهبة ساعة كام أن الوشاح يقع ً‬ ‫فأن‪ ،‬أ ْن يروا فيها اإلعجاز وهم يف عصورهم‬ ‫ذهب املفرسون القدماء عليهم رىض الله فيها مذاهب شتى‪ ،‬ولكن َّأن لهم َّ‬ ‫قابعني‪ ،‬ولكن اآلن‪ ،‬اآلن يفتح الله عىل املؤمنني‪ .‬فام معنى ذلك البيت؟ أملْ يفكِّر يف ذلك أحد؟ يقول إ َّن النجوم تطوي‬ ‫ترصعه‪ .‬الله أكرب‪ ،‬والله إنها النسبيّة بكل وضوح! النجوم تثني‬ ‫السامء كمثل ما تحدث الجواهر طيّات يف الوشاح الذي ّ‬ ‫ترصعه! الله أكرب كبريا‪ .‬بل وتعبريه أفضل من أينشتاين ألنه‬ ‫السمء كام تفعل الجواهر ثنيات (طيات) يف الوشاح الذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫رباعي األبعاد الزمكاين بقوله إنّها تشبه أثناء (طيات)‬ ‫عب بدق ٍة عن انحناء‬ ‫شبَّه النجوم بالجواهر ً‬ ‫أيضا للمعانها‪ ،‬كام ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوشاح املفصل (املرصع)‪ .‬ومن باب الكامل اإلعجازي والعظمة أنّه استخدم نفس تشبيه أينشتاين متا ًما بكامل الدقة‬ ‫العلمية (أو لنقل من باب األمانة العلمية أ َّن أينشتاين استخدم تشبيه امرئ القيس‪ ،‬إذ هو املتقدم الذي ُمحال أ ْن يقلّد‬ ‫املتأخر) ناهيك عن البالغة والفصاحة اللتني تتجليان يف البيت بأعذب وأروع صورهام‪ .‬ولقد قالها بينة جلية ال تخطئها‬ ‫عني قارئ حديث وإن غابت عن األقدمني‪ .‬فهل بعد ذلك ُّ‬ ‫يشك يف هذا اإلعجاز أحد املشككني؟!‬ ‫رسب إىل عقول الحاقدين‪ ،‬الذين هم عىل‬ ‫كال‪ ،‬مل يرتك امرؤ القيس ً‬ ‫مجال للمشككني‪ ،‬ومل َ‬ ‫يرض أ ْن يدع أي مدخل للريبة يت ّ‬ ‫إعجازه متآمرون‪ ،‬والذين يقدحون يف علمه واطالعه عىل خبايا التكوين‪ ،‬من قبل عالم الغيوب ملك امللوك رب العاملني‪.‬‬ ‫فلم يكتف امرؤ القيس بإظهار إعجازه املبني األول هذا فقط وإن كان إعجازًا مبي ًنا‪ ،‬بل زاد عليه حتى يقطع دابر‬ ‫الكافرين‪ ،‬ويحق الحق ويبطل الباطل رغم أنف الحاقدين‪ .‬فذكر يف قصيده املعجز إشارة أخرى دقيقة للقانون الشهري‬ ‫للنظرية النسبية وهو (‪ ،)E=mc^2‬فهل يعقل هذا؟ بىل إن كنت أنت من العاقلني‪ ،‬أل َّن مدبر الساموات واألراضني‬ ‫ال يعجزه يشء من خلقه بداهة‪ ،‬وأفىض بعلمه الغيبي ملن اصطفى من العابدين‪ ،‬كام سرنى‪ .‬يف قوله‪« :‬ت ُِضـي ُء الظَّال َم‬ ‫ـب ُمتَبَتِّــلِ » فهو يتحدث بشكل واضح عن الضوء الذي يخرتق الظالم‪ ،‬ويدرج إشارة‬ ‫بِال ِعشَ ا ِء كَأَنَّ َهــا‪َ ....‬م َنـا َر ُة ُم ْم َس َرا ِه ٍ‬ ‫خفية لكن دقيقة للقانون الشهري‪ ،‬والقانون هنا مشَ فَّر يف كلمة ممىس‪ ،‬والتي تتكون من حروف (م م س ي) التي هي‬ ‫إشارات للحروف االنكليزية املقابلة لها كالتايل‪( :‬م=‪( ،)m‬م=مربع)‪( ،‬س=‪( ،)c‬ي=‪ ،)E‬وبوضع تلك العنارص بجوار بعضا‬ ‫البعض تكون كلمة «ممىس» مرادف للمعادلة ‪ ،E = c2m‬وهي بالرتتيب املشهور‪ ،‬حيث الرضب عملية إبدالية‪E = :‬‬ ‫‪ ، mc2‬الله أكرب‪ ،‬القانون نفسه متا ًما‪ .‬كيف عرف امرؤ القيس ذلك؟ والله إن هذا إلعجاز مبني‪ .‬الرجل قال إن السامء‬ ‫التي فيها كتل النجوم كالوشاح الذي فيه (طيات) من الجواهر‪ ،‬إشارة رصيحة النحناء رباعي األبعاد الزمكاين وبنفس‬ ‫تشبيه أينشتاين‪ ،‬ثم يذكر لنا القانون مشفر يف كلمة ممىس‪ .‬أال وهو ‪ ،E = mc2‬ويشك فيه بعد ذلك جاحد؟‬ ‫أين هذا من األفكار الشائعة يف عرصه أ َّن السامء سقف مرفوع فيها مصابيح للزينة‪ ،‬والشمس تغرب يف عني طني لتسجد‬ ‫تحت عرش رجل خفي‪ ،‬والشهب التي ترجم شياطني‪ ،‬وال ُخرافات التي يرددها البسطاء يف ذلك العرص املظلم‪ ،‬الذي‬ ‫كان فيه الناس يف أدران الجهل يتزاحمون لتقبيل حجر أسود مقدس ويهرولون أنصاف عراة بني أكوام الحجارة املقدسة‬ ‫(‪ )25‬الكتاب‪ :‬رشح املعلقات السبع للزوزين‪.‬عنوان الكتاب‪:‬رشح املعلقات السبع‪ .‬تأليف‪:‬الحسني بن أحمد بن الحسني الزوزين‪ .‬دراسة وتحقيق‪:‬النارش‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬ ‫الطبعة األوىل ‪1423‬هـ ‪ 2002 -‬م‪.‬عدد املجلدات‪ {1 }:‬ص‪48‬و‪49‬‬

‫‪62‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫منها والرجيمة‪ ،‬ويعتقدون بخرافات طريان بعض الرجال عىل حمري مجنحة صاروخية إىل‬ ‫محلق يف سامء‬ ‫الساموات السبع الطباق فوق بعضها البعض‪ ،‬أين هذا والرجل ٌ‬ ‫النسبية العامة والخاصة بهندستها الفراغية رباعية األبعاد الزمكانية‬ ‫املعقدة وقوانينها الدقيقة عن تكافؤ املادة والطاقة؟ والله‬ ‫ال ينكر هذا اإلعجاز املبني إال من ُخ ِت َم عىل ُم ِّخ ِه‬ ‫وسمعه وبرصه وأعامه الكفر وأضله هواه الذي‬ ‫اتخذه إل ًها يلقيه حيثام ترنحت به دوائر‬ ‫العبث‪ .‬وال والله ال يعمى عن ذلك إال‬ ‫من وضع أصابعه يف أذنه واستغىش ثيابه‬ ‫رص واستكرب استكبارا‪ ،‬وجحد بالحق‬ ‫وأ ّ‬ ‫–ظلم وعل ًوا–‬ ‫بعد أن استيقنته نفسه‬ ‫ً‬ ‫وكان فاج ًرا كَفَّا ًرا‪ ،‬ومن يحمل كتابًا فيه هذا‬ ‫اإلعجاز ثم مل يره فهو كالحامر يحمل أسفا ًرا‪( .‬من‬ ‫لوازم اإلعجازيني والكتاب املسلمني ومن سنة نبيهم‬ ‫وطريقة إلههم تضمني كل طرح منطقي ببعض اإلرهاب الفكري بالشتم والتسفيه لكل املخالفني‪ ،‬وهذا ليس إال تهكامً‬ ‫عىل أسلوبهم إ ْذ إننا هنا نقلدهم من قبيل السخرية)‪.‬‬ ‫السامء فيها النجوم كام الوشاح املنثني مام ُر ِّصع به‪ ،‬و‪ ،E = mc2‬كيف عرف ذلك؟ يف القرن السادس امليالدي يف‬ ‫بيئة الصحراء حيث آخر االخرتاعات البرشية قطعة حديد مدببة تسمى السيف؟ لن تفيدكم اآلن األقوال إ َّن أسفاره‬ ‫هي التي ساعدته وأمثال شبهاتكم الباطلة وأساليبكم الفاسدة والتي ال تن ُّم إال عن إفالس ووقوع يف حيص بيص أمام‬ ‫اإلعجاز القاهر املبني‪ ،‬فبفضل الله نكشفها وندحرها بعون الله تعاىل‪ ،‬إذ ما عىل األرض يومئذ من دا ٍر بهذا التقدم وما‬ ‫بذلك العلم يومئذ من خبري‪ ،‬إال اللطيف الخبري جل وعال‪ ،‬والله إنه الوحي‪ ،‬وما أنتم مبؤمنني لنا وإن كنا صادقني‪ ،‬إنكم‬ ‫ملعروفون‪ ،‬وقد أخربنا الله عز وجل بصفاتكم الخبيثة منذ البداية‪ ،‬ال يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب‬ ‫األليم‪ ،‬وإن يروا كل آية ال يؤمنوا بها‪ .‬أولئك هم الوارثون‪ ،‬الذين يرثون األديان هم فيها ناشئون‪ ،‬الذين ألفوا آباءهم‬ ‫ضالني فهم عىل آثارهم يُ ْه َر ُعونْ‪ ،‬الذين قالوا إنا وجدنا آباءنا عىل أمة وإنا عىل آثارهم مقتدون‪ ،‬الذين ال يفقهون شيئا‬ ‫عمي فهم ال يرجعون‪.‬‬ ‫وال هم يعقلون‪ ،‬والذين ينعقون مبا ال يسمعون إال دعا ًء وندا ًء ص ٌم بك ٌم ٌ‬ ‫فهل انتهى اإلعجاز املبني؟ كال والقمر‪ ،‬والليل إذا أدبر‪ ،‬والصبح إذا أسفر‪ ،‬إنّها إلحدى الكرب‪ ،‬نذي ًرا للبرش‪ ،‬إن إعجازات‬ ‫امرئ القيس خري خلق الله أجمع َني ال مقطوع ٍة وال ممنوعة إىل أبد اآلبدين‪ ،‬ولن تنقيض ما دامت السموات واألرضون‪،‬‬ ‫عب عن النسبية فقط‪ ،‬أم سيذكر النظرية األخرى‬ ‫ولن تنتهي االكتشافات يف شعره ما دام جهد املستكشفني‪ .‬فهل س ُي ِّ ُ‬ ‫أيضا؟ بىل‪ ،‬وأقسم بالحجر األسود وبكل الحجارة املقدسة‬ ‫األولية للجاذبية قانون الجذب العام لنيوتن‪ ،‬تشبي ًها وقانونًا ً‬ ‫رش‬ ‫يف الدين الحنيف‪ ،‬أنه قد فعلها واضحة جلية ملن شاء أ ْن يبرص‪ ،‬أما م ْن ال يستطيعون سم ًعا وال هم يبرصون‪ ،‬فهم ُّ‬ ‫الدواب عند الله‪ ،‬وإ َّن جهنم موعدهم أجمعني‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪63‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫ينص عىل أ َّن قوة التجاذب بني جسمني‬ ‫القانون األول للجاذبية الذي وضعه نيوتن يسمى بقانون الرتبيع العكيس‪ ،‬إذ ُّ‬ ‫تتناسب طرديًا مع حاصل رضب كتلتيهام وعكس ًيا مع مربَّع املسافة بينهام‪ .‬فهل سنج ُد ذلك عند امرئ القيس؟ بالطبع‪،‬‬ ‫أيف الله ٌ‬ ‫ليل كأ َّن نجوم ُه بكل مغار الفتل شدت‬ ‫شك فاطر الساموات واألرض؟! لرنَ ذلك‪ :‬يقول امرؤ القيس «فيا َلك من ْ‬ ‫بيذبل=كأن الرثيا ُعلِّقت يف مصامها بأ ْمر ِاس كتّانٍ إىل ُص ّم َجن َد ِل»‬ ‫واملعاين هي‪( :‬مغار الفتل‪ :‬أحبال مفتولة)‬ ‫(يذبل‪ :‬أحد الجبال)‬ ‫(مصامها‪ :‬مقامها أو مكانها)‬ ‫(أمراس كتان‪ :‬أحبال كتان)‬ ‫(صم جندل‪ :‬حجر أصم) (‪،)1‬‬ ‫فيقول امرؤ القيس إ َّن الرثيا بالليل كأنها مشدودة بالحبال إىل األرض‪ ،‬الرثيا مجموعة نجوم كام سبق ووضحنا‪ ،‬واألرض‬ ‫كوكب كام نعلم وتعلمون‪ .‬فهل فك َّر أح ٌد من قبل ما معنى قوله أ َّن النجوم مشدودة إىل كوكب بالحبال‪ ،‬فهل أنتم‬ ‫املفسون القدماء رضوان الله عليهم أجمعني‪ ،‬فام كانوا‬ ‫مفكرون؟ أليست الجاذبية‪ ،‬إن كنتم مدققني؟ ال عليكم مبا ظ َّن ُه ِّ‬ ‫لكل زمانٍ ومكانٍ‬ ‫ليعرفوا عن الجاذبية شيئاً يف عرصهم وهم يف ذلك من املعذورين‪ .‬لك َّن معلقة امرئ القيس صالحة ّ‬ ‫يف العاملني‪ ،‬وإ َّن فيها من اإلعجاز قد ٌر مبني‪ .‬وإ َّن التعبري عن انشداد الكواكب للنجوم بحبل إمنا هو تعب ٌري عن الجاذبية‬ ‫رصاحة والحبل إشارة ملا مل ندركه إال حديثًا من أ َّن الجاذبية تعمل عىل الخط الواصل بني الكتلتني‪ ،‬وما بعد هذا بالغٌ‪،‬‬ ‫فسبح معي العليم الخبري‪ ،‬سبحانه وهو خري القائلني‪.‬‬ ‫فهل انتهى اإلعجاز املبني؟ كال ورب العاملني‪ ،‬ففي البيت الثاين‪ ،‬نج ُد إعجازًا فوق إعجاز‪ ،‬يقول امرؤ القيس «كأ َّن الرثيا‬ ‫علِّقت يف مصامها بأ ْمر ِاس كتّانٍ إىل ُص ّم َجن َدل» ومعنى البيت أن النجوم مشدودة يف أماكنها بحبال إىل كتلة ما‪ .‬ولكن‬ ‫ماذا يعني ذلك؟ أمل يفكر أحد يف داللة هذا البيت ويكون من املتأملني؟ عرفنا اليوم فقط وبأدوات العلم الحديث التي‬ ‫ما كانت لتتوافر المرئ القيس يف بيئته البدوية أب ًدا‪ ،‬أ َّن النجوم حقًا تتبادل الجاذبية م ْن أماكنها مع كتل ٍة مركزي ٍة يف قلب‬ ‫ٌ‬ ‫عمالق‪ .‬فيا سبحان العليم الحكيم‪ ،‬من أخربه ليقولها بين ًة إ ْن ملْ يكن اللطيف الخبري؟ انظر إىل‬ ‫ثقب أسود‬ ‫املجرة هي ٌ‬ ‫وحي يُوحى‪ .‬الثقب‬ ‫تعبريه عن الثقب األسود بقوله (صم جندل) وتأمل الدقة التي والله ما هي بقول برش‪ ،‬إن هي إال ٌ‬ ‫حجم صغريٍ هائل الكثافة‪ .‬فهل‬ ‫األسود كتل ٌة منضغط ٌة عىل نفسها بفعل الجاذبية حتى يتج َّمع قدر هائل من املادة يف ٍ‬ ‫خري من التعبري عن ذلك أنه حجر أصم جندل‪ ،‬أي ليس أجوفًا بل مصمتًا باملادة منض ِغطًا صل ًدا؟ والله ما هذا بكالم برش‬ ‫وما يقوله إال أحكم الحاكمني‪ ،‬فهل أنتم مؤمنون؟ (‪)27‬‬

‫(‪Melia، Fulvio (2003). The Black Hole in the Center of Our Galaxy. Princeton: Princeton University Press )27‬‬

‫‪64‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫ورب العاملني‪ .‬أين القانون؟ وهل يفوت الله قانون وهو خري املقننني؟ القانون الذي وضعه‬ ‫فهل انتهى اإلعجاز املبني؟ كال ُّ‬ ‫تتناسب طرديًا مع حاصل رضب كتلتيهام‪،‬‬ ‫وينص عىل أ َّن الجاذبية بني جسمني‬ ‫نيوتن يسمى قانون الرتبيع العكيس‪ُّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫وعكسيًا مع مربع املسافة بينهام‪ .‬لذا علينا أن نحصل عىل هذه العنارص الثالثة للقانون وهي (الرتبيع‪ ،‬التناسب العكيس‪،‬‬ ‫ليل كأ َّن نجوم ُه بكل مغار الفتل شدت بيذبل = كأن الرثيا علِّقت يف مصامها‬ ‫الكتلتني) من هذين البيتني «فيا َلك من ْ‬ ‫فبي إذ إنَّهام بيتان وهذا داللة عىل الرتبيع‪ ،‬ولو كان تكعيبًا لكانوا أبيات ًا ثالثة‪،‬‬ ‫بأ ْمر ِاس كتّانٍ إىل ُص ّم َجن َد ِل» أما الرتبيع ّ‬ ‫وهذا والله من إعجازه العددي ودقته أن يعرب عن العالقة يف بيتني إشارة للرتبيع‪ .‬أما عن التناسب العكيس الذي هو‬ ‫طردي مع مقلوب القيمة أي أنه تناسب طر ًدا مع القيمة يف املقام‪ .‬فأين هذا يف األبيات؟ من لسان العرب ( َم َصا ْم‬ ‫تناسب‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أَ ْي َمقَام) (‪ ،)1‬وهي اإلشارة اللطيفة لوجود القيمة يف املقام‪ ،‬وسبحان الله وما أدري كيف ينكرون‪ .‬أما عن الكتلتني فإنك‬ ‫ألي من البيتني وجدت فيه كتلتني‪ ،‬ففي األول النجم والكوكب ويف الثاين النجم والثقب االسود‪ ،‬ويف ذلك‬ ‫إ ْن نظرت ٍّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫كل منهام يف شط ٍر من البيت‪ ،‬ويبتدئ الشطر الثاين‬ ‫بيت مساف ٍة بني الكتلتني لكون ّ‬ ‫أيضا ملربع املسافة‪ ،‬ألن يف ٍّ‬ ‫إشارة ً‬ ‫من كل ٍ‬ ‫بيت باإلشارة لذلك بذكر األحبال (مغار الفتل أو أحبال كتان)‪ .‬فسبّح معي العليم الخبري وم ّجده متجي ًدا لهذا‬ ‫عم يصفون‪.‬‬ ‫اإلعجاز‪ ،‬سبحانه وتعاىل َّ‬ ‫فلم نذكر بعد إعجازه يف وصف الـ ‪ gallop‬للفرس بدقّ ٍة ال يتمكنها أحد‬ ‫ورب العاملني‪َّ ،‬‬ ‫فهل انتهى اإلعجاز املبني؟ كال ُّ‬ ‫إال باستخدام أجهزة التصوير الحديثة فائقة الرسعة‪ ،‬لكن من خلقها يعلمها بداه ًة‪ .‬يقول امرؤ القيس «مكر مفر مقبل‬ ‫مدبر معا‪ ...‬كجلمود صخ ٍر حطه السيل من علٍ » وصف بسيط للفرس ولكن يا لروعة ما به من إعجاز‪ .‬لنأخذ أولً «مكر‬ ‫مفر مقبل مدبر معا» كيف يكر الحصان ويفر يف آن واحد ويقبل ويدبر يف آن واحد؟ العقل املحدود يقول ال ميكن‪ ،‬إمنا‬ ‫هي بالغة شاع ٍر ليس إال‪ .‬ولكن العلم الحديث يقول لنا غري ذلك‪ .‬نعم إن الحصان يك ّر ويف ّر يف نفس اللحظة‪ ،‬ويقبل‬ ‫ويدبر يف اللحظة ذاتها‪ .‬كيف؟ هذا ما اكتشفه إدوارد مايربيدج يف أواخر القرن الـ ‪ 19‬عندما صنع كامريا عالية الرسعة‬ ‫‪ ultrafast‬لبحث حركة الحصان واكتشف –احبسوا أنفاسكم– أنه أثناء جري الحصان تكون رجاله الخلفيتان تتقدم يف‬ ‫نفس اللحظة التي تتأخر فيها رجاله األماميتان‪ ،‬وعندما تبدأ رجاله األماميتان يف التقدم تتحول حركة رجليه الخلفيتني‬ ‫إىل التأخر‪ .‬وهكذا يقبل الحصان ويدبر‪ ،‬ويكر ويفر‪ ،‬يف ذات الوقت! وقامئة املراجع العلمية التي تحلل حركة الحصان‪،‬‬ ‫بعضها يبلغ من الحداثة أنه منشور عام ‪ ،2005‬وكل هذه األبحاث الحديثة تؤيد امرؤ القيس يف أن الحصان رجاله‬ ‫األماميتان تكران بينام رجاله الخلفيتان تفران ثم تتبدل الحركة فتقبل رجاله الخلفيتان بينام تدبر رجاله األماميتان‪.‬‬ ‫أما اإلعجاز الثاين يف البيت فهو يف‪« :‬كجلمود صخر»‪ ،‬وهو ما يفيد أن الحصان برغم أنه يكر ويفر ويقبل ويدبر م ًعا‪ ،‬إال‬ ‫أنه يتحرك ككتل ٍة واحد ٍة متا ًما كجلمود صخر‪ ،‬أي أ َّن الحصان برغم كره وفره وإقباله وإدباره يف ذات الوقت إمنا يتحرك‬ ‫يف النهاية باتجاه واحد كصخرة ال تلوي عىل يشء‪ ،‬يا الله!!‬ ‫أما اإلعجاز الثالث فهو يف‪« :‬حطه السيل من علٍ » إننا ال نفهم كيف ميكن تشبيه حصان يجري يف طريق أفقي‪ ،‬بصخرة‬ ‫تسقط من أعىل‪ .‬فهل أخطأ امرؤ القيس يا ترى؟ لو مل ينقذنا العلم الحديث لظننا أن بالبيت تحريفًا‪ ،‬أو أنه مجرد‬ ‫صورة بالغية‪ .‬ولكن العلم الحديث يقدم اإلجابة‪ :‬إن تحليل حركة الحصان ‪ equine locomotion analysis‬بواسطة‬ ‫أجهزة الرصد والتحليل املتطورة أثبتت صحة نظرية مايربيدج والتي تقول بأن دورة حركة أرجل الحصان تشمل مرحلة‬ ‫‪65‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫تكون فيها حوافر الحصان األربعة كلها يف الهواء (أي غري مالمسة لألرض) يف آن واحد‪ .‬أي أنه يف كل دورة حركة يسقط‬ ‫الحصان كله من أعىل (من عل) مرة واحدة عىل األقل‪ .‬فلله درك يا امرؤ القيس‪ .‬هل امتلكت كامريا ليزر؟ ال والله‪ ،‬إنه‬ ‫إلعجاز واضح‪)29(.‬‬ ‫انتهى اإلعجاز الساخر يف معلقة امرئ القيس‪)30(.‬‬ ‫أيضا اللغة الالتينية مثل العربية فضفاضة الداللة‪ ،‬ولذا ممكن إخراج اإلعجازات من نصوصها بالجملة‪ .‬وكذا معظم‬ ‫ً‬ ‫اللغات القدمية‪ ،‬بينام اللغات الحديثة الحديثة أكرث دقة‪ ،‬وقد ُوجد فيها من اإلعجاز اليشء الكثري‪ ،‬ففي أحد أبيات‬ ‫الشاعر فرجيل ُوجد ما يربو عىل التسعة عرش إعجازا مبي ًنا‪ ،‬ملن يرد الله أن يهديه‪ .‬أما الصم البكم العمي الذين ال‬ ‫يعقلون‪ ،‬فلو علم الله فيهم خريا ألسمعهم‪ ،‬ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون‪)31( .‬‬ ‫ً‬ ‫*وبشكل آخر إذا كان يف االحتامالت املعجمية مساحة لتأويل لفظ قرآين مبا يفيد أسطورة خرافية أو معنى خاطئ علم ًيا‬ ‫إذًا يف القرآن خطأ علمي‪ ،‬أليس كذلك؟ إن كان نعم فقد مات اإلعجاز ومات القرآن ألنك قد أثبت بيدك عندئذ للقرآن‬ ‫أيضا‪ ،‬ألنك بيدك عندئذ قد هدمت القاعدة التي استنتجت منها‬ ‫تخريفًا كث ًريا ال نهاية له‪ ،‬وإن كان ال فقد مات اإلعجاز ً‬ ‫اإلعجاز! وميكنكم اآلن االطالع عىل ما يربو عىل الثامنني خطًا فاحشً ا للقرآن (يتفق الكاتب مع كثريٍ منها‪ ،‬وكث ٌري منها‬ ‫سليم‬ ‫ناشئ عن سوء الرتجمة) لكن بالنهاية هناك العرشات من الجمل التي –بنفس طريقة اإلعجاز– يُعطى لها معنى ً‬ ‫ٌ‬ ‫معجم ًيا‪ ،‬ويجعل الجملة ذات معنى خاطئٍ علم ًيا‪ .‬فهل ستؤمنون لهذا‪ ،‬أم ستستخدمون املنطق نفسه الذي تهملون‬ ‫إن أردتم الرتويج لإلعجاز؟ (‪)32‬‬ ‫(‪ )29‬قامئة املراجع املتخصصة‬

‫الروابط‬

‫‪Swanstrom MD، et al‬‬ ‫‪Musculoskeletal modeling and dynamic simulation of the thoroughbred equine forelimb during stance phase of the gallop‬‬ ‫‪Journal of Biomechanical Engineering-Transactions of the ASME 127، 2‬‬ ‫‪pp. 318-328، 2005‬‬ ‫‪Bobbert MF & Santamaria S‬‬ ‫‪Contribution of the forelimbs and hindlimbs of the horse to mechanical energy changes in jumping‬‬ ‫‪Journal of Experimental Biology 208 (2، pp. 249-260، 2005‬‬ ‫‪Wickler SJ، et al‬‬ ‫‪The energetics of the trot-gallop transition‬‬ ‫‪Journal of Experimental Biology 206 (9)، 1557-1564، 2003‬‬ ‫‪[color=royalblue]http://www.its.caltech.edu/~femto/global/Zewail-JCE.pdf‬‬ ‫‪http://bowlingsite.mcf.com/Movement/HPace.html‬‬ ‫‪http://bowlingsite.mcf.com/Movement/HCan.html‬‬ ‫]‪http://bowlingsite.mcf.com/Movement/HGal.html[/color‬‬

‫(‪ )30‬املصدر لهذا اإلعجاز التهكمي هو‬ ‫‪http://www.alzakera.eu/fardiga/Ijaz-0033-5.htm‬‬ ‫(الكاتب هنا بَ َسط األسلوب وأضاف عىل األصل استخرا ًجا تهكميًا لبعض القوانني فقط أما األفكار لإلعجازات فهي منقول ٌة من أعاله)‬ ‫(‪http://wikiislam.net/wiki/NATVRAE-MIRABILIS-ORIGINISQVE-DIVINAE-GEORGICAE-VERGILII )31‬‬ ‫(‪ http://wikiislam.net/wiki/Scientific-Errors-in-the-Qur'an )32‬‬

‫‪66‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫*بل ليس فقط بالتالعب بالكلامت ميكن اإلتيان باإلعجازات من كل مكان‪ ،‬وال باألخطاء من القرآن‪ ،‬بل ميكن التالعب‬ ‫بالقرآن لنخرج منه «إعجازات» هزلية‪ ،‬ال متلك لها ر ًدا إن تركت نفسك تنجرف مع ال منطقية التأويل اإلعجازي للقرآن‪.‬‬ ‫أقل سخري ٍة من تأويل آية القرآن «الخنس الجوار الكنس» أنها تتحدث عن املكانس الكهربائية الحديثة‪،‬‬ ‫فنقول ما ليس ّ‬ ‫كنس تكنس األرض‪ ،‬جوا ٍر تجري عىل األرض أثناء الكنس‪ُ ،‬خ َّن ٌس ألن السلك الكهربايئ يخنس بداخلها بكبسة زر‪،‬‬ ‫فهي ٌ‬ ‫أقل سخري ٍة من التنبؤ بهبوط فريق النجم الساحيل التونيس إىل‬ ‫ثم تخنس هي يف علبتها لحني استعام ٍل آخر‪ .‬وما ليس ّ‬ ‫أقل سخري ٍة من التنبؤ باألطباق الطائرة من آية‬ ‫دوري الدرجة الثانية يف كرة القدم من خالل آية «والنجم إذا هوى»‪ ،‬وال ّ‬ ‫طبق»‪ .‬وال عن التنبؤ بالسقوف املتحركة التي ت ُرفع من عىل أسطح املباين من آية «والسقف املرفوع»‪.‬‬ ‫«لرتكنب طبقًا عن ٍ‬ ‫وال أقل ابتذالً من ادعاء تنبؤ القرآن بالسيدات الاليت يقمن بتكبري صدوره َّن لتصبح كل منهن امرأة ذات صدور كبرية‬ ‫من خالل آية «إن الله عليم بذات الصدور»‪ .‬وال أقل صفاقة ممن جعل القرآن يتنبأ بأول رائد فضا ٍء مسلامً‪ ،‬وهو األمري‬ ‫سلطان بن سلامن من خالل آية «إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار الساموات واألرض فانفذوا ال تنفذون إال بسلطانٍ »‪.‬‬ ‫وباختصار فإ ّن العقلية اإلعجازية يتم تلخيصها بذلك الحالق الذي كتب عىل جدار محله «وجوه يومئذ ناعمة»‪ ،‬فلنعم‬ ‫التأويل‪.‬‬ ‫قديم أب ًدا‪ ،‬ألنه إذ يفكر خارج نطاق دينه فإ َّن آلة املنطق لديه تعمل َح َس ًنا‪،‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬لن يقتنع أحد بإعجاز يف بيت شع ٍر ٍ‬ ‫ولن يحسب املمكن معج ًزا أب ًدا‪ ،‬ولن يقبل استداللً مع وجود االحتامل أب ًدا‪ .‬وسيقبل بنصل أوكام –بأن ال يأبه للتفسري‬ ‫حيل األم ُر إىل الدين ألبسوا الحق بالباطل وكتموا الحق وهم‬ ‫األعقد ما دام هناك تفسري أبسط قادر– دو ًما‪ ،‬ولكن إن أُ َ‬ ‫مرضا‪.‬‬ ‫علم‪ ،‬فام أشد الدين عىل املنطق ً‬ ‫يحيطون به ً‬

‫أصول التنبؤ ومل ال يقبل اإلعجاز علميًا ؟‬

‫معبا عن حقيقة –غري معروفة– بشكل واضح ال‬ ‫لتنب ٍؤ ما –ليُ ْعت َّد به– يجب أ ْن يكون ً‬ ‫قابل للتخطيء‪ .‬مبعنى أن يكون ِّ ً‬ ‫لبس فيه‪ ،‬ومحد ًدا ال تداخل فيه‪ .‬ثم إذا جاء االختبار–والذي كان من املمكن أ ْن يخطّئه– وجاءت النتائج عىل العكس‬ ‫وكل‬ ‫سليم‪ .‬وميكننا أن نقول إ َّن القرآن قد احتوى معجز ًة حقًا إن كان قد فعل ذلك بشكلٍ متكر ٍر ّ‬ ‫تؤكده‪ُ ،‬ع َّد ذلك تنبؤا ً ً‬ ‫الحاالت أتت يف صالحه‪ .‬ولكن املعنى القرآين عىل العكس متا ًما‪ ،‬مل يرش إليه أح ٌد قط قبل االكتشاف‪ ،‬إمنا ظهر بإعادة‬ ‫التأويل بعد االكتشاف‪.‬‬ ‫لتعرف مل ال يُ ْعت ُّد بها كمعجزة أجب عن هذا السؤال‪ :‬هل لو كان العلم أكّد أن الكون ال يتوسع كنت لتقول‪ :‬إ َّن القرآن‬ ‫ثَبُ َت خطؤه؟ هل كنت لتحسب هذا خطأ يف القرآن؟ اإلجابة طب ًعا هي كال‪ ،‬والجميع يعرف كال ملاذا‪ .‬حس ًنا خذ نفس‬ ‫هذا السبب الذي كان لينفي عن القرآن الخطأ لينفي اآلن املعجزة باملثل‪ .‬ال تستعمل العقالنية واملنطقية عندما تكون‬ ‫لصالحك‪ ،‬ثم ترضب بها عرض الحائط عندما تكون ض ّدك‪ .‬اإلجابة يف السؤالني واحدةٌ‪ :‬هناك معانٍ أخرى‪ ،‬وما جاز فيه‬ ‫االحتامل بطل به االستدالل‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫ليس هذا فقط بل لو حتى سمعت أن العلم اليوم أثبت خطأ معلومة ما كنت تركن عليها يف أحد «اإلعجازات»‪ ،‬هل‬ ‫واضح‪ ،‬وهو نفسه الذي ينفي املعجزة‪ .‬ألنه‬ ‫كنت لتمر من اإلسالم مرور السهم من الرمية؟ كال‪ ،‬ومرة أخرى السبب‬ ‫ٌ‬ ‫أي من طريف النقيض لن تثبت خطأ جمل ٍة قرآني ٍة‪ ،‬فام فائدة التجربة‬ ‫إن كانت التجربة العلمية‪ ،‬أيًا كانت نتائجها عىل ّ‬ ‫أصل؟ إذا كانت أي‬ ‫بالنسبة لآلية؟ وما معنى أن تقول عند تأكيد إحدى النتيجتني إنها حققت تنبؤها؟ وأين كان تنبؤها ً‬ ‫من النتائج لن ت ُ َخطِّئ اآلية‪ ،‬فاآلية مل تتنبأ بيشء‪.‬‬ ‫نتائج ميكنني إعادة تأويل القرآن ليتناسب معها فهي معجزةٌ‪ ،‬وإن مل يظهر‪ ،‬وأيا ما ظهر‪،‬‬ ‫ومنطق املؤمن‪« :‬إن ظهرت ٌ‬ ‫مخالف لرصيح اآليات‪ ،‬فامدام ميكنني إعادة تأويل القرآن–حتى باملجاز– ليتفاداها فليس بخطأ» هذا ليس‬ ‫ولو حتى‬ ‫ٌ‬ ‫منطقا‪ ،‬هذا الهوى‪ ،‬وهو آفة الرأي‪ .‬إن رشطاً أساس ًيا من رشوط علمية النظريات أال ميكن توفيقها مع حالتني متناقضتني‬ ‫من حاالت الوجود‪ ،‬بل يجب بوضوح معلن مسبق أن تؤكدها حالة وتنقضها نقيضتها‪ ،‬وإال ال يعتد بها علميا‪)33( .‬‬ ‫مثال عىل ذلك وهو متعلق مبوضوع التوسع الكوين‪:‬‬ ‫كان يُظَ ُّن يف السابق أن توسع الكون سيتباطأ حتى ينهار الكون عىل نفسه فيام سمي باالنسحاق‬ ‫العظيم (‪ ،)34‬هلل‬ ‫ِ‬ ‫املسلمون لإلعجاز القاهر املبني‪ ،‬وجعلوه تطابقا مع آية «يوم نطوى السامء كطي السجل للكتب كام بدأنا أول خلق‬ ‫نعيده» (األنبياء‪ )104 /‬وانطلقت التسبيحات والتحميدات والتهليالت دون انقطاعٍ‪ .‬أما اليوم فقد علمنا أن توسع الكون‬ ‫يتسارع وهو مسطح وعىل األرجح لن ينكمش أبدا (‪ .)35‬ومل نر أيًا من اإلعجازيني كفر بإعجازه وال كفر بدينه‪ .‬فلم؟‬

‫رشوط قبول االعجاز‪:‬‬

‫متحقق فيها رشطان‪:‬‬ ‫فامذا يحتاج املؤمن أن يفعل يك يثبت اإلعجاز إذًا؟ عىل املؤمن أن يأيت إلينا بقاعدة‬ ‫ٌ‬

‫أولهام‪ :‬أن تكون سليمة منطق ًيا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫دائري‪ ،‬كمثل القول إن نقبل صحيح التأويالت للقرآن فقط ونرفض الخاطئة ألن القرآن‬ ‫التفاف‬ ‫مبعنى أال تحتوي عىل‬ ‫ٍّ‬ ‫أي من النتائج‬ ‫صحيح وال يخطئ‪ .‬وبالعكس بالنسبة للكتب املقدسة األخرى‪ .‬فيجب أال نصادر عىل املطلوب بافرتاض ّ‬ ‫ٌ‬ ‫نفضل معنى عىل آخر بسبب هوى ٍ‬ ‫أحد‪ ،‬إمنا ألسباب موضوعية فقط‪ .‬وسييل تفصيل‬ ‫مسبقاً يف املقدمات‪ .‬ويجب أال ِّ‬ ‫الكالم عن املنطق الدائري‪.‬‬ ‫ثانيهام‪ :‬أن مت ِّيز القرآن بالعصمة واإلعجاز عن كل ما عداه‪.‬‬ ‫مبعنى أنه إذا تم تطبيقها عىل القرآن تخرج لنا إعجازات أو جمل سليمة فقط وال أخطاء‪ ،‬وإن طبقت عىل أي كتاب آخر‬ ‫جمل صحيحة أو خاطئة ولكن ال إعجازات‪.‬‬ ‫تخرج لنا إما ً‬ ‫عندئذ يقبل اإلعجاز‪.‬‬ ‫(‪Popper، Karl، Conjectures and Refutations، Routledge، London، 1963 )33‬‬ ‫(‪Y Wang، J M Kratochvil، A Linde، and M Shmakova، Current Observational Constraints on Cosmic Doomsday. JCAP 0412 (2004) 006 )34‬‬ ‫(‪Adam G. Riess et al. (Supernova Search Team) (1998). "Observational evidence from supernovae for an accelerating universe and a )35‬‬ ‫‪cosmological constant". Astronomical J. 116 (3): 1009–38. arXiv:astro-ph/9805201. Bibcode:1998AJ....116.1009R. doi:10.1086/300499‬‬

‫‪68‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫ٍ‬ ‫تنبؤات مستقبلي ًة محددة‪ ،‬سابق ًة لالكتشاف وواضحة‪ ،‬وقابل ًة للتخطيء‪.‬‬ ‫أيضا عىل هذه القاعدة أن تق ِّدم لنا‬ ‫ثم يجب ً‬ ‫ال قيمة ملا يتم تأويله عن عمد بعد االكتشاف‪ ،‬وال ملا يستغل غموضه ليك تلعب عىل كل االتجاهات‪ ...‬يجب أن تكون‬ ‫التنبؤات واضحة قبل إجراء األبحاث وهناك نتائج محددة إن أتت بها التجارب فذلك يعني أ َّن النص القرآين خطأ وإن‬ ‫ٍ‬ ‫فعندئذ يقال إ َّن القرآن قدم تنبؤات‬ ‫زحزحت النتائج عن الخطأ دو ًما وجنحت إىل تصويب النص القرآين بشكل متك ّررٍ‪،‬‬ ‫معجزة‪.‬‬

‫تدعيم األمثلة املضادة لغويًا‬

‫هناك قاعد ٌة مهم ٌة وهي أننا يجب أال نهمل االحتامالت‪ ،‬فام إن تصبح لدينا أمثل ٌة مضاد ٌة لح َّج ٍة ما‪ ،‬فإن إثبات أحدها‬ ‫يستحيل إال ٍ‬ ‫مبزيد من األدلّة (يف هذه الحالة ترصيح من الكاتب أنه قصد هذا املعنى دون غريه)‪ .‬لكن يف غياب ترصيح‬ ‫من الكاتب يجب علينا أن ننظر يف مدى االحتاملية من الناحية اللغوية البحتة‪ .‬وما سأحاجج به هنا هو أن لفظة‬ ‫موسعون متمكن ٌة يف معناها التاريخي العادي‪ ،‬بينام املعنى اإلعجازي املزعوم بعي ٌد ومر ّج ٌح لغويًا‪ ،‬وبالتايل فهو مرفوض‬ ‫طبقًا لقاعدة «ظاهر اللفظ ح َّجة وخالفه يحتاج للدليل»‪.‬‬ ‫حيث إننا أمام احتامل أن تكون الكلمة –موسعون– صفة لله مبعنى قادرون أو أن تكون متعدية ملفعول «مسترتٍ»‪،‬‬ ‫«الخفي» قد يكون الرزق‪ ،‬وقد تكون السامء‪ ،‬وقد يكون أي يش ٍء آخر‪ ،‬وحال كان السامء فنحن أمام‬ ‫وهذا املفعول‬ ‫ُّ‬ ‫احتاملني‪ :‬فإما سام ٌء خرافي ٌة أو حقيقي ٌة‪ ،‬وحال كانت حقيقي ًة فهناك احتامالن‪ :‬أن تكون الكلمة تفيد الثبوت أو تفيد‬ ‫الحدوث‪ .‬فهل توجد حالة أكرث مثالية من هذا ليتضح أن النصب يلعب عىل االشرتاك اللفظي وعىل التأويل؟‬ ‫وألحاولن تقريب معنى أن اسم الفاعل «مشع ٌر بالثبوت» بخالف املضارع «املشعر بالحدوث» ومعنى «الداللة األقرب‬ ‫واألبعد" وسأوضح ذلك بثالثة أمثل ٍة افرتاضي ٍة عن رجلٍ يتحدث إىل آخ ٍر ويقول‪ :‬بنيت لك بيتًا وإين مل ْو ِسع‪ ،‬أو يقول‪ :‬بنيت‬ ‫لك بيتًا وإين مل َو ِّسع‪ ،‬أو يقول‪ :‬بنيت لك بيتًا وإين ألُ َو ِّس ُعه‪.‬‬ ‫غني وقادرٍ‪،‬‬ ‫يف املثال األول‪« :‬بنيت لك بيتًا وإين مل ْو ِس ٌع»‪ ،‬املعنى الذي يتبادر إىل الذهن ً‬ ‫أول هو أ َّن « ُم ْو ِس ْع» هنا مبعنى ٍّ‬ ‫أل َّن الصفة املشبّهة « ُم ِ‬ ‫الزم باألساس يعود عىل الفاعل‪ ،‬ويحتمل املثال معنى تسبيب السعة ألن‬ ‫وسع» تأيت من فعلٍ ٍ‬ ‫الفعل أوسع قد يتعدى‪ ،‬وبالتايل « ُم ِ‬ ‫وسع» اسم فاعل عامل‪ ،‬تعني وإين ملوسع البيت لك‪ .‬ولكن هذا املعنى أضعف ألنه‬ ‫كان بإمكان املتكلم توضيح ذلك أكرث باإلشارة بالضمري الهاء وإزالة اللبس مع حالة اللزوم‪ .‬فطاملا أن « ُم ِ‬ ‫وسع» مختصة‬ ‫بحالة اللزوم فهي األصل فيها‪ .‬كأن يقول‪« :‬بنيت لك بيتًا وإين مل ُ ِ‬ ‫وس ُعه» أو أن يستعمل كلمة « ُم َو ِّسع( ُه)»‪ .‬من الفعل‬ ‫َو َّس َع والذي ال يأيت إال متعديًا‪ .‬الحظ القرآن مل يستعمل الهاء فقال «إنا ملوسعون» وليس «إنا ملوسعوها» ومل يستعمل‬ ‫الشدة‪ ،‬فالفعل أقرب إىل اللزوم‪ .‬ولكن هل يشتم أحد هنا يف املثال –يف حالة التعدي– رائحة إحداث توسعات يف البيت‪،‬‬ ‫أي تسبيب السعة حدوث ًا؟‪ ،‬إن اسم الفاعل كام نقل أبو حيان عن البيانيني « ُمشْ ِع ٌر بالثُّبُ ِ‬ ‫وت»‪.‬‬

‫‪69‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫يف املثال الثاين‪« :‬بنيت لك بيتًا وإين مل َو ِّسع»‪ ،‬اختفى متا ًما لزوم الصفة املشبهة للفاعل وتع َّدت قط ًعا كاسم فاعل عامل‬ ‫إىل املفعول‪ .‬فالفعل َو َّس َع ال يأيت إال متعديًا‪ ،‬فاملعنى «م َو ِّسع البيت» وال شك‪ ،‬أي جاعله واس ًعا لك‪/‬عليك‪ .‬يستوي يف ذلك‬ ‫أيضا ال‬ ‫«وإين مل َو ِّسع» مع «وإين مل َو ِّسعه» أيًا منهام حلت يف الجملة ألن التعدي يف الفعل ثابت‪ .‬ومعنى إحداث توسعات ً‬ ‫زال خافتًا وإن كان أقوى من املثال األول‪ .‬ألنه يزاحمه معنى واحد فقط‪ ،‬وكالهام استعامل أصيل –أعني الثبوت والحدوث‪.‬‬ ‫الحظ أن الشدة تلك تزيد الفعل قوة‪ ،‬وحيث أ َّن توسع الكون يتسارع‪ ،‬فكان استخدامها أوىل لوصف ما يحدث إن كان‬ ‫هذا هو املقصود‪ .‬اللغة العربية لديها مميزات من هذه ال توجد يف غريها‪.‬‬ ‫يف املثال الثالث‪« :‬بنيت لك بيتًا وإين ألُ َو ِّس ُعه»‪ ،‬انتهى متا ًما أي معنى للصفة الثابتة‪ ،‬فالفعل هنا مضارع ال ُّ‬ ‫يدل إال‬ ‫عىل الحدوث والتجدد واالستمرار والحضور واملضارعة‪ .‬واملعنى بال ريب هو إحداث توسعات يف البيت‪ .‬قال أَبُو َح َّيانَ‪:‬‬ ‫وث بخالف ْاس ِم الفَا ِعلِ ؛ ألنه عن َدهم ُمشْ ِع ٌر بالثُّ ُب ِ‬ ‫«املضا ِر ُع –فيام َذكَ َر ال َب َيانِ ُّيونَ– ُمشْ ِع ٌر بالتَّ َج ُّد ِد وال ُح ُد ِ‬ ‫وت»‪.‬‬ ‫أرجو بذلك أن يكون اتضح مفهوم املعنى القريب والبعيد‪ ،‬فلكل كلم ٍة استعاملها األصيل الذي تنفرد به‪ ،‬والذي‬ ‫يكون أظهر عند استخدامها‪ ،‬بينام املعاين األخرى تكون أبعد عن الذهن‪ .‬ولكل من تلك املعاين األخرى لفظه األصيل‬ ‫الذي يجعله أقرب للذهن إذا تم استخدامه‪ .‬ف «م ْو ِسع» هي الكلمة الوحيدة التي تدل عىل الغنى والقدرة‪ ،‬لذا هو‬ ‫أيضا معنى تسبيب السعة ثبوتًا وحدوث ًا‪ ،‬لذا هو املعنى التايل‪ ،‬ومعنى‬ ‫استعاملها األصيل األقرب‪ ،‬وهي ككلمة تحتمل ً‬ ‫الحدوث فيها هو البعيد فهي «مشعرة بالثبوت»‪ .‬لذا فمن بني احتامالتها الثالثة هناك تفاوتٌ من حيث قرب املعنى‬ ‫وبعده‪ .‬بينام «م َو ِّسع» هي اللفظة األصيلة لتسبيب السعة‪ ،‬لذا هو معناها األقرب ال ينازعها فيه كلمة أخرى‪ .‬بينام‬ ‫«أُ َو ِّس ُع» هو الفعل املضارع األصيل يف معنى التوسعة الجارية يف الحارض‪ ،‬لذا هذا هو معناه األقرب‪ .‬وهكذا يكون طيف‬ ‫االحتامالت لكل كلمة فيه األكرث احتاملً واألقل كام وضحت‪ .‬واملعنى املراد هنا يقرتب كلَّام استخدمت األدوات املؤكدة‬ ‫للتعدي يف الفعل (الشدة والهاء)‪ ،‬وإذا استخدمنا الفعل املضارع‪ .‬بينام اللفظ القرآين هو أبعد ما يكون عن هذه األشياء‬ ‫وبالتايل عن املعنى املزعوم‪.‬‬ ‫والتعامل مع النصوص يكون بقاعدة «ظاهر اللفظ ح َّجة وخالفه يحتاج إىل دليل» ألن األصل يف املتحدث – وخصوصا‬ ‫عم يريد املبلغ متا ًما للمعنى املقصود‪ .‬وما الفصاحة إال‬ ‫إن كان بلي ًغا– أنَّه يضع اللفظ يف مكانه ويختار التعبري املفصح َّ‬ ‫اإلفصاح عن املعنى‪ ،‬وما البالغة إال تبليغ املعنى‪ .‬وأي محاولة ملخالفة الظاهر القريب من املعان لهي محاول ٌة للمصادرة‬ ‫عىل املتحدث‪ ،‬للوصاية عليه‪ ،‬للتكلم بالنيابة عنه‪ ،‬للقول إنه كان يقصد شيئًا آخر غري ما يبدو من كالمه‪ ،‬إلدخال املعجزة‬ ‫رغم عن الله إن صح التعبري‪ .‬وليس هذا سوى‬ ‫رغم عن أنفه هو شخص ًيا‪ .‬إنها االستامتة يف اعتساف معجزة لله ً‬ ‫يف كالمه ً‬ ‫دليل ٍ‬ ‫إفالس‪ ،‬وح َّجة عىل قائلها وليس له‪ .‬فهو كأنه يقول إ ًّن القرآن ليس بلي ًغا‪ .‬ألنه مل يُح ِكم التعبري الذي يؤكد اإلعجاز‪،‬‬ ‫وها أنا أقول لكم ما كان يقصد له أن يقول‪.‬‬

‫‪70‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫أيضا‪ :‬فانظر لآلية إذ تقول «والسامء بنيناها‬ ‫ليس فقط املعنى اللغوي البحت هو ما يدعم ما أحاجج به‪ ،‬بل السياق ً‬ ‫قبل‪ ،‬وهذا يدعم معنى‬ ‫بأيد وإنا ملوسعون»‪ ،‬بأيد‪ :‬أي ملتبسة بقوة وقدرة‪ ،‬يقال آ ُد الرجل يئيد أي اشتد وقوى كام نقلنا ً‬ ‫«موسعون» أي «قادرون» (أيد‪ :‬قوة وقدرة‪ ،‬موسعون‪ :‬قادرون)‪.‬‬ ‫أيضا يف موقعٍ آخر‪« :‬ويف السامء رزقكم وما توعدون»‬ ‫أيضا معنى إكثار الرزق باملطر وخالفه‪ ،‬فقد قال ً‬ ‫ويدعم السياق ً‬ ‫(الذاريات ‪ ،)22‬ويف السياق بعد عد ٍد قليلٍ من اآليات‪« :‬وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون‪ ،‬ما أريد منهم من رزق‬ ‫وما أريد أن يطعمون‪ ،‬إن الله هو الرزاق ذي القوة املتني» (الذاريات‪ .)56،57،58 :‬فتأمل املعاين‪« :‬إن الله هو الرزاق‬ ‫ذي القوة املتني» (إكثار الرزق قوة وقدرة)‪.‬‬ ‫ليس فقط السياق‪ ،‬بل واستعامالت الكلمة « ُم ِ‬ ‫وسع» يف القرآن‪ ،‬فلم تستخدم الكلمة للداللة عىل إيساع يش ٍء ما‪ ،‬بل أتت‬ ‫فقط وحرصيًا مبعنى القادر الغني‪« :‬ومتعوهن عىل املوسع قدره» (البقرة‪ ،)236 :‬فلو افرتضنا أن الكاتب يريد اإلشارة‬ ‫إىل اإلعجاز ألىت بقرين ٍة تساعد املعنى املزعوم عىل األقل‪ ،‬ولكننا ال نرى ذلك عىل اإلطالق‪.‬‬ ‫يف الحاالت اإلعجازية املزعومة األخرى يكون لدينا أحاديث من مح َّمد تؤكد فهمه الطفويل الخرايف للطبيعة‪ ،‬ولكن‬ ‫يتجاوزها اإلعجازيون دو ًما ويتعامون عنها‪ .‬حني إ َّن إثبات هذه األحاديث –الصحيحة متا ًما يف صحيحي البخاري ومسلم–‬ ‫أيضا ألن معناه اعرتاف أ َّن الدين اإلسالمي تع َّرض ألكرب‬ ‫يهدم الدين؛ ألنها أخطاء علمية فجة‪ ،‬فإن إنكارها يهدم الدين ً‬ ‫ٍ‬ ‫تحريف وتزوي ٍر رمبا يف كل التاريخ‪ ،‬وت ّم إفساده من قبل البرش واستغالله لتربير الجرائم العنرصية والطائفية‬ ‫عملية‬ ‫القبلية عىل أساس ديني‪.‬‬ ‫يف هذه الحالة لدينا مرويَّة ولكن ال يُ َع َّو ُل عليها ألنها ضعيف ٌة ونصها‪« :‬ما السامء األوىل يف السامء الثانية إال كحبة يف‬ ‫صحراء‪ ،‬وما السامء الثانية يف الثالثة إال كحبة يف صحراء‪ ،‬وما الثالثة يف الرابعة إال كحبة يف صحراء‪ ،‬وما السامء الرابعة يف‬ ‫الخامسة إال كحبة يف صحراء‪ ،‬وما الخامسة يف السادسة إال كحبة يف صحراء‪ ،‬وما السادسة يف السابعة إال كحبة يف صحراء‪،‬‬ ‫وما السابعة يف الكريس إال كحبة يف صحراء‪ ،‬وما الكريس يف العرش إال كحبة يف صحراء‪ ،‬وما العرش يف كف الرحامن إال‬ ‫كحبة يف صحراء»‪)36( .‬‬ ‫الس َم َء بَ َنيْ َنا َها ِبأَيْ ٍد َوإِنَّا لَ ُم ِ‬ ‫وس ُعونَ»‪ ،‬مبعنى أن كُل سامء تحيط باألدىن منها‬ ‫وهذا يعطي أحد التأويالت الجديدة لآلية « َو َّ‬ ‫حجم‪ ،‬وكلّام ارتفعت يف الساموات تجد بناءهن أوسع فأوسع‬ ‫فالسامء األوىل تحيط بها السامء الثانية ألنها أوسع منها ً‬ ‫إىل السامء السابعة‪ .‬ومن ثم يأيت من بعد ذلك كُرة الجنة التي عرضها كعرض السموات واألرض‪ ،‬ثم الكريس الذي وسع‬ ‫كل منهام أوسع من أخرى‪ .‬ولكن الحديث ضعيف منكر ليس‬ ‫مختلف متا ًما بوجود سموات ّ‬ ‫السموات واألرض‪ .‬أي معنى‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا (أو يتمطط)‪ ،‬وعن تبعات‬ ‫عم إذا كان العرش يتوسع ً‬ ‫له إسناد‪ ،‬إال أن التأويل بهذا وارد محتمل‪ .‬وال يسألن أحد ّ‬ ‫ذلك‪ ،‬فال تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم‪ ،‬قد سألها قوم من قبلكم وأصبحوا بها كافرين‪.‬‬ ‫(‪ " )36‬ما السموات السبع يف الكريس إال كحلقة ملقاة بأرض فالة و فضل العرش عىل الكريس كفضل تلك الفالة عىل تلك الحلقة أخرجه األلباين يف «السلسلة الصحيحة" ‪/ 1‬‬ ‫‪ :174‬سلسلة األحاديث الصحيحة للشيخ اإلمام املحدث مح َّمد نارص الدين األلباين‬ ‫ضعيف وإن كان املعنى صحيحاً‪ ،‬ومجمل تلك النصوص أن السامء األوىل بالنسبة للسامء الثانية كحلقة يف فالة‬ ‫وقد ورد الحديث بصيغٍ أخرى مل يصححها األلباين وسند معظمها‬ ‫ٌ‬ ‫وأن السامء الثانية هي كحلقة يف فالة بالقياس لحجم السامء الثالثة‪ ،‬وأن السامء الثالثة يف السامء الرابعة كحلقة يف فالة‪ ،‬وأن السامء الرابعة كحلقة يف فالة بالقياس للسامء‬ ‫الخامسة‪ ،‬وأن السامء الخامسة مقارنة بالسامء السادسة كحلقة يف فالة وهذه بدورها كحلقة يف فالة نسبة للسامء السابعة‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫القسم الخامس‪ :‬مغالطاتٌ شائع ٌة‬

‫إخفاء مح َّمد للمعاين اإلعجازيَّة كيال يكفر املسلمون‬ ‫ٍ‬ ‫باهت‪ ،‬وكأنه األصل يف مغالط ٍة واضح ٍة‬ ‫هذا التلكك يبدأ به املسلم بعد أ ْن يدرك كم أنه يدافع عن اعتساف معنى‬ ‫تجعل القوي ضعيفًا والضعيف قويًا‪ ،‬يتحدث وكأ َّن اإلسالم كان يتحاىش الحديث عن الخوارق‪ ،‬فلم يتحدث أب ًدا عن‬ ‫حام ٍر مجن ٍح غادر الكون طائ ًرا وعاد يف دقيق ٍة واحدة‪ ،‬وال عن ٍ‬ ‫وحيوانات وطيو ٍر وحرش ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات متكلمة‪ ،‬ومدينة‬ ‫بساط طائرٍ‪،‬‬ ‫شياطني‪ ،‬ورجلٍ يتحكم يف الريح وآخر يف النار وآخر يف املاء وآخر يف الحديد‪ ،‬الخ‪ ،..‬وكل الخرافات التي ميكن وال ميكن‬ ‫تخيلها‪ ،‬وحني أىت األمر التساع السامء تحاىش القرآن الترصيح بذلك واض ًحا كيال يكفر العقالنيون املسلمون يف ذلك‬ ‫مدسوسا يف ٍ‬ ‫لفظ له معانٍ أخرى!‬ ‫العرص‪ ،‬وأىت باملعنى‬ ‫ً‬ ‫يطرح املسلمون أ َّن ما يسميه امللحدون خرافاتً إن هي إال غيبياتٌ ‪ ،‬مبعنى أنها ال ميكن التحقق منها‪ ،‬لذا فإن الترصيح‬ ‫مثل؛ ألنها ستخالف الرؤية العينية لدى الناس‪ ،‬والذين سيعرتضون عىل‬ ‫فعل عن الترصيح بكروية األرض ً‬ ‫مختلف ً‬ ‫بها‬ ‫ٌ‬ ‫تلك الكروية لظنهم أنهم يرون بطالن هذا االدعاء‪ .‬حني إن هؤالء الناس أنفسهم سيؤمنون بأي خراف ٍة غيبي ٍة‪ ،‬كام حدث‬ ‫بالفعل عرب التاريخ‪.‬‬ ‫غيبي بالنسبة لذلك العرص‪ ،‬وال‬ ‫ولكن واقع األمر هنا فيام يتعلق مبثالنا هو العكس متا ًما‪ ،‬فاتساع السامء ً‬ ‫أيضا ادعا ٌء ٌّ‬ ‫حاجة أب ًدا إلخفائه‪ ،‬فامذا يختلف عن العجائب التي رصح بها مح َّمد يف رحلة اإلرساء واملعراج من ارتياده الفضاء عىل‬ ‫ٍ‬ ‫وحوش عمالق ٍة مجنح ٍة‪ ،‬وجنان ونريان‪ ...‬إلخ‪ ،‬ومح َّمد نفسه‪ ،‬من املفرتض أنه وصل إىل نهاية‬ ‫صاروخي‪ ،‬ورؤية‬ ‫حام ٍر طائ ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫أي حاج ٍة أب ًدا إلخفائه‪،‬‬ ‫السامء عىل حامره‪ ،‬فلم مل يخرب بذلك بجوار دزينة الخرافات التي أخرب بها رصاح ًة؟ ال توجد ّ‬ ‫وبالتايل يتّضح زيف هذا االدعاء بالحاجة إلخفاء اإلعجازات‪)37( .‬‬ ‫أيضا‪ ،‬ألنه إن‬ ‫توسع السامء‪ ،‬بل يسقط معه كل «اإلعجازات» األخرى ً‬ ‫ليس فقط هذا االدعاء يسقط هنا يف هذا املثال عن ّ‬ ‫كان اإلخفاء لغرض مراعاة املعارف كام يزعمون فلامذا أخفى هذا االدعاء الذي ال يحتاج إلخفائه إذًا إن كنتم صادقني؟‬ ‫إن هذا دليل ال ينقض عىل أنه ما كان يخفي شيئًا وإمنا أنتم من تعتسفون إلخراج املعاين التي مل يقصدها‪.‬‬

‫كل املعاين الصحيحة لكلامت القرآن؟‬ ‫ملاذا ال نقبل ّ‬

‫املؤمنون عند الحديث عن آية «إنا ملوسعون» ترى عهدهم دو ًما أن يقولوا مل ال نقبل كل معاين اآلية؟ وهنا املؤمن قد‬ ‫افتقد املعيارية‪ ،‬ولتوضيح كيله مبكيالني نقول‪ :‬وملاذا ال نقبل كل معاين آية «وإىل األرض كيف سطحت» ففيها من اللغة‬ ‫شق الصدر تؤكد رصاحتها‬ ‫ما يقبل القول بتسطيح األرض جليًا‪ .‬ومل ال نقبل برصاحة آية «قلوب يعقلون بها» وحادثة ّ‬ ‫الحرفية؟‬ ‫(‪ )37‬البخاري‪ :‬كتاب التوحيد رقم ‪ 6963‬و كتاب األنبياء صفة النبي ‪ 3094‬و كتاب الصالة ‪ 336‬و كتاب املناقب ‪ 3598‬و كتاب ذكر املالئكة ‪2968‬‬

‫‪72‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫يعب املؤمن عام يريده حقًا فيقول‪ :‬ملاذا ال نقبل كل املعاين «الصحيحة» للكلمة؟ وإن مل يكن لها ح ّظ من الصواب‬ ‫هنا ِّ‬ ‫فهي مجا ٌز وال شك عنده‪ .‬وهنا املؤمن –ككل املؤمنني من كل األديان– وقع يف مغالطة املنطق الدائري واملصادرة عىل‬ ‫صحيح‪ ،‬وبالتايل املعاين الخاطئة غري مقصودة‪ ،‬والصحيح فقط من املعاين هو‬ ‫املطلوب (‪ ،)38‬إذ إنه افرتض أولً أن القرآن‬ ‫ٌ‬ ‫الذي يقع يف دائرة املراد‪.‬‬ ‫تلك املغالطة هي السبب األكرب يف بقاء كل املتدينني عىل أديانهم‪ ،‬إذ إن جميعهم يضع يف الفروض مقد ًما أن كتابه‬ ‫صحيح وبالتايل يزيح بيديه التأويالت الخاطئة‪ ،‬ثم يقول‪ :‬انظر بني النتائج! ال يوجد فيها سوى الصحيح من املعاين‪.‬‬ ‫َو َض َع النتيجة مسبقًا يف املقدمات ثم َسعد أنه وجدها يف االستنتاج بسذاجة مبهرة‪ ،‬وخدع نفسه بامتياز‪ .‬فقبل أن نبدأ‬ ‫صحيح قبل أن نناقش‪ ،‬أكّ ْد ما يريده مسبقًا‪ ،‬استخد ْم صحة القرآن إلثبات صحة‬ ‫أثبت أنه‬ ‫املحاججة عىل صحة القرآن‪ْ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫أي من النتائج (صحيح – خاطئ) يف الفروض‬ ‫القرآن‪ .‬بل نحن إذ نتناقش حول صحة النص من عدمه‪ ،‬ال يجب وضع ٍّ‬ ‫النص ذاته أن يوصلنا إىل النتيجة وليس العكس‪ .‬أنت مبجرد أن تعطي للجملة تفس ًريا حديثًا فقد‬ ‫مقد ًما‪ .‬يجب عىل ّ‬ ‫شخصا عاديًا عاش يف القدم‪ ،‬ثم بعد ذلك تخرج لتقول إن فيها معجزة‬ ‫افرتضت مسبقًا أن إل ًها هو من كتبها وليس‬ ‫ً‬ ‫شخصا عاديًا عاش يف القدم! أين املقدمات وأين النتائج يف هذه الدائرة؟‬ ‫وتستنتج من ذلك أ َّن كاتبها إمنا هو إل ٌه وليس ً‬ ‫أيضا من‬ ‫شخص من دينٍ آخر يحاكم القرآن‪ ،‬ويحكم ً‬ ‫ولتوضيح املزيد عن تلك املغالطة أوضحها بارتكابها بشكلٍ مضا ٍّد‪ٌ :‬‬ ‫باطل‪ ،‬ويزيل من حساباته أي‬ ‫خالل وجهة نظ ٍر دائري ٍة‪ .‬فهو يفرتض أولً أ َّن مح َّم ًدا مندوب الشيطان‪ ،‬وبالتايل فكالمه كله ٌ‬ ‫احتام ٍل لصحة ما ينطق به مح َّمد‪ ،‬وال يضع بعني االعتبار إال ما هو خطأٌ منها فقط‪ ،‬ويصادر منذ البداية عىل ما ينحاز‬ ‫أيضا ويفرض صحته مسبقًا‪ ،‬وال يرى سوى الصواب فقط‬ ‫مبنطق‬ ‫إليه‪ .‬وحني يتعلق األمر بكتابه املقدس يتعامل‬ ‫ٍ‬ ‫دائري ً‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واعتسافات‪ ،‬بل حتى لو لجأ للمجاز عندما تضيق به السبل‪ .‬نحن ال نستخدم األدلة لنبني‬ ‫تأويالت‬ ‫مهام كلف األمر من‬ ‫قناعاتنا يف هذه الحالة‪ ،‬بل نستخدم قناعاتنا للحكم عىل األدلة‪ ،‬وهذه هي أ ّم املغالطات حيث التففنا حول أنفسنا‬ ‫وصادرنا عىل املطلوب (‪ ،)39‬تلك طريقة املفرسين يف كل األديان‪ ،‬وطريقة اإلعجازيني تزداد اعتسافًا وغلطًا أن ترفض حتى‬ ‫املعاين العادية وال تقبل إال املعجز فقط‪ .‬صادروا عىل أن القرآن معجز‪ ،‬فاستخدموا إعجاز القرآن إلثبات إعجاز القرآن‪.‬‬ ‫ولكن من أين أتوا باإلعجاز األول؟‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ ال معنى ألن تقول ألهل األديان األخرى إ ّن أديانهم خاطئة؛‬ ‫أيضا‪ ،‬ألنه‬ ‫لكن إن اتبعنا هذا املنطق يسقط الدين ً‬ ‫أول‪ ،‬ثم يربرون لكل ما يبدو خاطئًا باإلتيان بأمثل ٍة مضا ّد ٍة‬ ‫أيضا‪ ،‬وسيفرضون صحة نصوصهم ً‬ ‫فيستعملون املنطق الدائري ً‬ ‫أيضا باستعامل مرونة اللغة‪ ،‬مهام كان التأويل هذا ضعيفًا‪ ،‬وإن ضاقت عليهم اللغة‬ ‫ألي عبار ٍة تبدو خاطئ ًة علم ًيا لديهم ً‬ ‫أيضا نصوص ميكنهم تأويلها كمعجز ٍة وسيفعلون‪،‬‬ ‫فالقول باملجاز دامئًا هو الحل الذي ليس له ٌ‬ ‫حل‪ .‬وستكون لديهم ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وانتهاكات أخالقي ٍة وإنساني ٍة يف‬ ‫انتقادات فلسفي ٍة‪ ،‬وأخرجت لهم من مهازل فكري ٍة‬ ‫بالطبع‪ .‬ومهام وجهت إليهم من‬ ‫دينهم ستجد محاوالت التربير جاهز ًة معلَّب ًة‪ ،‬يتبعها القول إنها حكم ٌة‪ ،‬ليس معنى أنك ال تدركها أنها غري موجود ٍة‪ ،‬وأن‬ ‫(‪Cohen، Morris Raphael، Ernest Nagel، and John Corcoran. An Introduction to Logic. Hackett Publishing، 1993 )39(،)38‬‬

‫‪73‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫رص‪ ،‬وأن أرسار التقوى عظيم ٌة الخ‪ ...‬وما ال ينتهي من الردود الدائرية التي تنبع من افرتاض صحة الدين مهام‬ ‫العقل قا ٌ‬ ‫دائري‪ ،‬لن يتمكّن أحد من التغلب عليه أب ًدا إن تركه‬ ‫منطق‬ ‫حل أب ًدا أمام هكذا‬ ‫حدث ومهام بدا من دالئل ضد ذلك‪ .‬وال ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫مي ُّر دون كشف أنه هو بذاته مغالط ٌة يف الحقيقة‪ .‬فإن كان العقل قارصا ً والحكمة ال يدركها العقل‪ ،‬فكيف عرفت بعقلك‬ ‫ٍ‬ ‫بعدئذ التفريق بني‬ ‫قصت العقل فلن تستطيع‬ ‫القارص أنها موجود ٌة باألساس؟ ومل ال تكون غري موجود ٍة؟ الحق أنك إن ّ‬ ‫عقل‪ .‬وما العمل عندئذً؟‬ ‫سخيف منح ٌّط يف السخافة بشكل ال يتصوره ٌ‬ ‫ما هو حكي ٌم وحكمته فوق العقل‪ ،‬وبني ما هو‬ ‫ٌ‬ ‫أَنَقب ُع يف ال أدري ٍة دامئ ٍة تجاه كل يشء؟ كال‪ ،‬عمليًا ما مل تثبت وجود حكمة يف اليشء فلن نأبه له‪ ،‬إذ ال داعي عندئذ‬ ‫لتفريقه عن غريه‪ ،‬إال مبصادرة عىل املطلوب تتهرب بها من عبء اإلثبات‪.‬‬ ‫كمسلم كيف ستعرتض وأنت مثله‪ ،‬ومنطقك منطقه أنتم فيه سوا ٌء‪ ،‬ال تختلفون؟! املجاز يحل كل يشء لك وله‬ ‫لكن‬ ‫ٍ‬ ‫(مثل حالة آية «قلوب يعقلون بها» فهي إما خطأٌ وإما مجازٌ‪ ،‬ألنهم باملخ هم يعقلون) فامذا أنتم فاعلون؟ قدرة الله‬ ‫علم لتثبتوا لهم‬ ‫التي تتعدى قدراتنا وتحمل ِحك ًَم ال نعلمها عندك وعنده‪ ،‬فكيف ست َّدعون‪ ،‬أنكم أحطتم بحكمة الله ً‬ ‫أيضا فإن كان املثال املضاد ير ِّمم خطأك فهو ير ِّمم خطأه باملثل‪ ،‬وإن كان املثال املضاد‬ ‫أنهم مخطئون؟ لديك أخطاؤك ً‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ ألن تنقد دي ًنا؛ فالله خاصتهم وحكمته‬ ‫ال ينفي معجزتك فال ينفي معجزته باملثل‪ ،‬فأين ستذهبون؟ ال معنى‬ ‫الفائقة الخفية ومغالطاته املنطقية الدائرية حارضة لتربير أي يش ٍء عنده‪ ،‬وإفساد أي يش ٍء عندك‪ ،‬مجرد «شبهات»‬ ‫حق أن تتوعدهم بالجحيم أب ًدا إال إن كنت أنت مبنأى عن ذلك‪ ،‬وما أنت مبنأى‪ ،‬إن أنت إال ٌ‬ ‫غارق يف‬ ‫والسالم‪ ،‬وما لك ّ‬ ‫نفس األخطاء‪ ،‬ونفس السقطات‪ ،‬ونفس االلتفافات‪ ،‬ونفس التربيرات‪ ،‬ونفس املغالطات‪ ،‬لكن مع جرع ٍة إضافي ٍة من‬ ‫البجاحة والوقاحة والعربدة والصوت العايل يتميز بها املسلمون‪ ،‬والربوباجاندا املعتمدة عىل الضوضاء والكذب والتلفيق‬ ‫والتدليس واالستغفال واالستهبال واالستحامق وحوار الطرشان أبدعها املسلمون‪.‬‬ ‫‪6544925102‬‬

‫‪74‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫ٍ‬ ‫وإن كان ال معنى ألن تنقد دي ًنا‪ ،‬فال معنى‬ ‫بي إذًا أن تنعم أنت‬ ‫عندئذ ملا يس ّمى بالدين الحق‪ ،‬وينهدم الدين‪ ،‬فظل ٌم ِّ ٌ‬ ‫ويذهب هو إىل الجحيم‪ ،‬فل َم إذًا‪ ،‬وكالكام من املغالطني؟ فعىل الجميع تقديم دليلٍ عىل صحة ما يؤمنون به‪ ،‬ال أن‬ ‫أول ثم يكون هذا اإلميان هو الدليل عىل الدليل عىل صحة اإلميان الذي يزعمون أنه الحق‪،‬‬ ‫يقدموا إميانهم بصحته ً‬ ‫ويكون «التأويل» هو «الدليل عىل الدليل عىل صحة التأويل» الذين يزعمون أنه الصواب‪ ،‬ويكون «اإلعجاز» هو‬ ‫واضح وضوح الشمس يف كبد السامء‬ ‫«الدليل عىل الدليل عىل صحة اإلعجاز» الذي يزعمون أنه حارض‪ .‬االلتفاف الدائري ٌ‬ ‫إال للعميان‪ ،‬عندما يثبت اإلميا ُن بإعجاز القرآن التفس َري املعج َز للقرآن‪ ،‬ثم يثبت التفس ُري املعج ُز للقرآن اإلميا َن بالقرآن‪.‬‬ ‫عليك أن تق ّرر إما أن ينفي املثال املضاد خطأك ومعجزتك كليهام‪ ،‬وإما أال ينفيهام كليهام‪ ،‬وأن تع ّمم القاعدة التي‬ ‫ستختار بشكلٍ‬ ‫مطلق‪ .‬وإال سنبقى هكذا‪ ،‬املؤمن يقول بالتفسري الصحيح ألنه مؤم ٌن مسبقًا‪ .‬والكافر يقول بالخاطئ ألنه‬ ‫ٍ‬ ‫كاف ٌر مسبقًا‪ ،‬عىل طريقة «إن يف ذلك آلية لكم إن كنتم مؤمنني» وإنه ليس يف ذلك آلية لكم إن كنتم كافرين‪ .‬ولك ّن‬ ‫وث والثُّ ُب ِ‬ ‫األصل يف ال ُح ُد ِ‬ ‫االس ِت ْع ُ‬ ‫امل وأن كث ًريا‬ ‫كالهام مغالط (حالتنا هذه حالة فريدة يف هذا الشأن) ألنه كام قلنا َ‬ ‫وت هو ْ‬ ‫وت‪ ،‬وأنه يَ ُد ُّل عىل ال ُح ُد ِ‬ ‫دال عىل الثُّ ُب ِ‬ ‫ِمنِ ْاس ِم الفَا ِعلِ ٌّ‬ ‫بالص َف ِة املُشَ َّب َه ِة‬ ‫َس ق َ​َول ال ُّنحا ِة‪« :‬إذا ق ُِص َد ِّ‬ ‫وث تار ًة أخرى‪ ،‬وهذا يُف ِّ ُ‬ ‫َم ْع َنى ال ُح ُد ِ‬ ‫الص َف ِة املُشَ َّب َه ِة» فالقصد هو املح ّدد لنوع‬ ‫وث ُح ِّول َْت إىل فَا ِعلٍ ‪ ،‬وإن ق ُِص َد ث ُ ُبوتُ ْاس ِم الفَا ِعلِ ُعو ِم َل ُمعا َملَ َة ِّ‬ ‫االشتقاق‪ ،‬وليس االشتقاق هو املح ّدد للقصد‪ ،‬وهل أفضل من هذا مجال لتلعب األهواء؟! ولكن حتى احتاميل الثبوت‬ ‫أساسا (وإن كان املفعول به هو السامء)‪.‬‬ ‫والحدوث هام ضمن حالة التعدي للفعل والتي هي احتامل ثانوي ً‬ ‫مستحيل‪ ،‬واألساس الذي تقوم عليه األديان من االستناد‬ ‫ٌ‬ ‫ما نقوله هو أن تحدي ًدا حتم ًيا ملعنى مل يؤكد عليه الكاتب‬ ‫قديم ٍ‬ ‫أساس مهرتئٌ وساقطٌ‪ ،‬ألنه ال ميكن أبدا التدليل عىل ماذا يريد الكاتب من‬ ‫إىل ٍ‬ ‫كتاب ٍ‬ ‫غامض ّ‬ ‫حمل أوج ٍه‪ ،‬إمنا هو ٌ‬ ‫حتم‪ .‬وليس أمامنا‬ ‫بني املعاين املطروحة للكلامت املطاطية‪ ،‬ومن املستحيل ثم من املستحيل تأكيد ما يريده الكاتب ً‬ ‫حمل األوجه كام قال عيل بن‬ ‫سوى االتجاه لكالمه الرصيح (أي األحاديث)‪ ،‬فال طائل َة من النقاش حول معاين القرآن ّ‬ ‫أيب طالب‪)40(.‬‬ ‫السياق خرا ٌّيف تتخلّله حقائق علمي ٌة‬ ‫زعم إعجازي يف دينٍ آخر‪ ،‬مثل مقاطع التوراة التي تتحدث بشكل ما عن متطط السامء‬ ‫يقول املؤمن دو ًما ‘نه يرفض أي ٍ‬ ‫يف أعاله بشكلٍ‬ ‫تعج باألخطاء العلمية الصارخة‪ .‬هذا صحيح منطق ًيا ج ًدا؛ ألنه ال ميكن‬ ‫ٍ‬ ‫أسايس؛ ألن كتب هذه األديان ُّ‬ ‫أن يكون الكتاب معج ًزا وعاج ًزا يف نفس الوقت‪ ،‬إلهياً وبرشياً يف نفس الوقت‪ ،‬متخلفاً ومتقدماً يف نفس الوقت‪ .‬فإذا‬ ‫مثل فإ َّن هذه النظرية يجب عليها أن تكون قادر ًة عىل تفسري كل نصوص الكتاب‪ ،‬وإال تفشل‬ ‫وصمنا كتابًا ما أنه معجز ً‬ ‫تلك النظرية‪ .‬متا ًما كام يطبق عىل النظريات العلمية لتفسري الظواهر‪ .‬فإن كان اإلعجاز سمة كل النصوص الدينية نقبل‬ ‫ذلك‪ .‬أما إن كانت السمة الغالبة هي الخرافة‪ ،‬فإن نظرية «برشية الكتاب» هي التي تربح التفسري حال إن كنا قادرين‬ ‫عىل إعطاء تفسري ٍ‬ ‫ات عادي ٍة وأسطوري ٍة وتاريخي ٍة للنصوص التي يزعمون أنها معجزةٌ‪ .‬وإذ يطبق املسلم هذا املنطق‬ ‫أيضا‪)31(.‬‬ ‫عىل كتب األديان األخرى فإ َّن هذا ٌ‬ ‫س املُسلم هنا أ َّن دينه يعج بأخطا ٍء علمي ٍة ً‬ ‫مثال للمنطق الدائري‪ ،‬حيث نَ ِ َ‬ ‫(‪ - ]4[ )40‬النهاية يف غريب الحديث واألثر‪ .‬لإلمام ابن األثري‪ .‬املجلد األول‪ .‬حرف الحاء‪ .‬باب الحاء مع امليم‪.‬‬

‫‪75‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫أيضا أن اآلية التوراتية نفسها تحتوي خطأ‪ ،‬إذ إنها تصف السامء أنها كالخيمة‪ ،‬يف الخطأ الشائع قدميًا‬ ‫وقد يتق ّدم املؤمن ً‬ ‫صحيح متا ًما‪ ،‬ولكن لننظر اآلن إىل القرآن بنفس النظرة‪ ،‬ألن القرآن فشل‬ ‫أيضا‬ ‫الناتج عن الرؤية بالعني املجردة‪ .‬هذا ً‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫حديث للسامء‪ ،‬وجا َرى تصور القدماء كام ب ّينا يف أول القسم الثاين من هذا املقال‪ .‬ونيس املسلم أن يف‬ ‫يف إعطاء تص ّو ٍر‬ ‫أيضا خطأٌ‬ ‫علمي من املشاهدة بالعني املجردة‪ ،‬فالسياق «والسامء بنيناها بأيد وإنا‬ ‫سياق اآلية موضع النقاش يوجد ً‬ ‫ٌّ‬ ‫كل‬ ‫أيضا ظ ّن مح َّمد أن ّ‬ ‫ملوسعون‪ ،‬واألرض فرشناها ف ِنع َم املاهدون‪ ،‬ومن كل يشء خلقنا زوجني لعلكم تذكرون» هنا ً‬ ‫الكائنات زوجان‪ ،‬ومل يعرف بالطبع الكائنات وحيدة الجنس التي ليست ذك ًرا وال أنثى وال حتى خنثى‪ ،‬وليست زوجني‬ ‫أب ًدا‪)43( )42( .‬‬ ‫القسم السادس‪ :‬الخالصة‬ ‫قديم "‪ ،"vague theory‬زئبقي اللغة‪ ،‬فضفاض املعاين‪ .‬فتستند‬ ‫نص ٍ‬ ‫يف النهاية فإن الدعوى اإلعجازية تعتمد عىل غموض ٍّ‬ ‫إىل االشرتاك اللفظي "‪ "equivocation‬للكلامت املطاطة متعددة الدالالت لتم َّرر –يف ج ٍّو من اإليحاء– محاجج ًة فاسد ًة‬ ‫"‪ ،"invalid argument‬مكمن فسادها أنها ال تستطيع تأكيد املعنى الذي تريده "‪ ،"unproven assertion‬نظ ًرا‬ ‫لوجود العديد من األمثلة املضادة "‪ " counterexamples‬لدالالت اللفظ‪ .‬وليس تأكيده سوى مجرد انحيا ٍز عاطفي‬ ‫إلحدى الدالالت "‪ "semantic bias‬بال دليل (حديث مثال)‪ .‬هذا االنحياز مخالف لالحتامالت اللغوية "‪semantic‬‬ ‫‪ ،"probability‬وهو مر ّج ٌح من نظر ٍة لغوي ٍة بحت ٍة ومن السياق‪ .‬وإنَّ ا يلعب عىل اإلميان املسبق للمستمعني ويستغل‬ ‫ذلك باملصادرة عىل املطلوب"‪ "begging the question‬عىل طريقة إن يف ذلك آلية لكم إن كنتم مؤمنني‪ .‬وهذا االدعاء‬ ‫أيضا يعمل ضد شفرة أوكام "‪ ،"occam’s razor‬ألنه يعتسف تدخالً فوق الطبيعة لتفسري أم ٍر تستطيع الطبيعة تفسريه‬ ‫ً‬ ‫ج ًدا بشكل طبيعي متا ًما وعادي ج ًدا‪ ،‬من خالل الدالالت األخرى فال حاجة لهذا الفرض‪ .‬وافرتاض ماال حاجة لنا به هو‬ ‫قديم مبا يفيد‬ ‫نص ٍ‬ ‫مغالطة‪ .‬وإن عملنا بهذه الطريقة املغالطة نستطيع إخراج اإلعجازات من كل مكانٍ تقري ًبا‪ .‬فتأويل ٍّ‬ ‫منطقي‪ .‬فال نلجأ إىل ما وراء الطبيعة إال إذا فشلت التفسريات الطبيعية متاما‪.‬‬ ‫سهل ج ًدا‪ ،‬إال أنه غل ٌط‬ ‫معنى حديث أم ٌر ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا اآليات القرآنية غري قابلة للتخطيء "‪ ،"unfalsifiable‬ومل‬ ‫طريق‬ ‫فهي األصل وعلينا أن نلتمس لها ألف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وطريق أوال‪ً .‬‬ ‫قابل لالختبار–إال ما فشل منها– ولكن ال يقبل املؤمن أب ًدا بخطئها مادامت هناك أمامه تأويالتٌ أخرى‬ ‫تقدم أب ًدا تنب ًؤا ً‬ ‫ٍ‬ ‫تأويالت‬ ‫أيضا –أي لوجود‬ ‫يلجأ إليها لنفي الخطأ‪ ،‬وحتى إن لجأ إىل املجاز‪ ،‬ولنفس األسباب هذه فهي غري صالح ٍة لإلعجاز ً‬ ‫أخرى‪ .‬وإن كانت تأويالتنا ما قاله أهل اللغة حينام كان بني أيديهم القرآن فقط‪ ،‬به وحده هم يحكمون‪ ،‬وتأويالتهم‬ ‫فصلوه بعد االكتشاف وهم عامدون‪ .‬وإن كنا ال نلجأ للمجازات وهم يلجؤون‪ ،‬وإن كنا لسنا سوا ًء أمام شفرة‬ ‫هم ما ّ‬ ‫تظل «ما جاز فيه االحتامل‪ ،‬بَطل به االستدالل»‪ ،‬ولكن أيضاُ‬ ‫أوكام فنحن نُ ْع ِملُ َها وهم ضدها هم يعملون‪ .‬فإن القاعدة ّ‬ ‫يظل لالحتامالت حساب ال يهمل‪ ،‬يكون يف كثري من األحيان –وخصوصا تلك التي يعارضون فيها شفرة أوكام أو تلك‬ ‫ُّ‬ ‫ضخم ج ًدا‪ ،‬كأنه اإلثبات‪ ،‬يفضحهم وهم كارهون‪ .‬وعمو ًما إن‬ ‫التي يبدو االقتباس من السابقني فيها واض ًحا كالشمس– ً‬ ‫رفضوا القاعدة وكان مجرد وجود املعنى من بني التأويالت اللغوية املقبولة إعجازًا‪ ،‬فعليهم قبول الخطأ باملثل ملجرد‬ ‫(‪Dawson KJ (October 1995). "The Advantage of Asexual Reproduction: When is it Two-fold?". Journal of Theoretical Biology 176 (3): )42‬‬ ‫‪.341–347‬‬ ‫(‪.Alcamo IE (2001). Fundamentals of microbiology. Boston: Jones and Bartlett )43‬‬

‫‪76‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز ‪1‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫أي إعجا ٍز باملثل‪ ،‬يف أي مكانٍ ‪ ،‬ملجرد وجوده كاحتام ٍل مقبو ٍل لغويًا‪.‬‬ ‫وجوده بني االحتامالت اللغوية‪ ،‬أو عليهم قبول ّ‬ ‫ولكن أن يُعملوا القاعدة ملصلحتهم لنفي األخطاء‪ ،‬ثم يُنكرونها لتمرير اإلعجاز فإن هذا لنفاق وإنهم ملنافقون‪ .‬وإن‬ ‫ذلك لهو الكيل مبكيالني‪ ،‬واملنطق الدائري‪ ،‬واملصادرة عىل املطلوب‪ ،‬واألحكام املسبقة‪ :‬أحكام الهوى وليست من املنطق‬ ‫أيضا –يف كثري من األحيان– يتجاهل األساطري القدمية والعلوم السابقة للعرص القرآين‬ ‫يف يشء ولو كره املؤمنون‪ .‬االدعاء ً‬ ‫النص بشكلٍ ٍ‬ ‫فريد‪ ،‬لكن إن دققت فيه لتجدنه مرد ًدا للذي بني يديه وما ُخ ِّر َف من قبل‪ ،‬ال‬ ‫يف محاول ٍة متعسف ٍة إلظهار ّ‬ ‫يأتيه اإلبداع من بني يديه وال من خلفه‪ ،‬تجمي ٌع من خري الناقلني‪ .‬وال إعجا ٌز لناقل‪ ،‬ولو كره الذين نقلوا وأتباع الناقلني‪.‬‬ ‫أيضا عن الجو األسطوري الطفويل املضحك للقرآن واألحاديث‪ ،‬األمر الذي يُفشل بجدارة أي محاولة‬ ‫االدعاء يغض الطرف ً‬ ‫ككل‪ ،‬وما يبدو القرآن من العلم بقريب‪،‬‬ ‫لنظرة علمية ألي تعبري منها؛ وذلك ألن النظرية يجب أن تتوافق مع الظاهرة ٍّ‬ ‫بل إن كل الخرافات‪ ،‬واألساطري‪ ،‬والقصورات الفكرية‪ ،‬والتخلفات الحضارية‪ ،‬والتجاوزات األخالقية التي وصمت بيئته‪،‬‬ ‫وخصوصا إن كانوا‬ ‫وشمت كيانه‪ .‬فهو صور ٌة عن عرصه ناطق ًة بفكرهم الخرايف املبني‪ .‬وما كان الله بالذي يتأثر ببيئة ما‪،‬‬ ‫ً‬ ‫متخلفني‪ .‬ناهيك عن التدليس العلمي ذاته (إىل جانب التدليس التاريخي واللغوي واملنطقي) الذي ينم عن عدم احرتام‬ ‫تام لعقلية الناس املخاطبني‪ .‬أو عن جهلٍ ‪ ،‬وال إعجا ٍز لجاهلٍ ‪ ،‬ولو كره الذين جهلوا وأتباع الجاهلني‪ ،‬وهكذا يدعون ادعا ًء‬ ‫حجمه ما النهاية‪ ،‬وما معهم من الدليل من يشء‪ ،‬إنهم ملفلسون‪ .‬وما َج َنوا إال إخضاع خرافاتهم للمنطق والعلم‪ ،‬يفضحها‬ ‫وهم كارهون‪ ،‬وما كان إال أن انقلبت الح َّجة عىل رؤوسهم‪ ،‬وانقلبوا صاغرين‪.‬‬

‫‪77‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup

78


‫أنت أسمى من أن‬ ‫تكون إلهاً‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫يقول أبيقور (‪" :)1‬أنه عىل فرض أن هنالك إل ٌه فهو أبعد من أن يَعنى بأمورنا"‬ ‫أي أنه يعترب أ ّن كل االستدالالت عىل وجود اإلله واهية‪ ،‬وإن ُوجد‬ ‫وسي حياتنا‪.‬‬ ‫فهو أسمى من أن يرت ّجل عن عرشه ألمورنا التافهة ْ‬ ‫أصل‪ ،‬ألنك بأضعف‬ ‫وأنا أقول لك بأنك أسمى من اإلله إن ُوجد ً‬ ‫ألي إنسانٍ يحتاج‬ ‫الحاالت ال تستطيع أن تتخاذل عن تقديم العون ّ‬ ‫إليك بلحظ ٍة ما‪ .‬ولنسأل هنا ما رضورة وجود اإلله إذن؟ وما حاجتنا‬ ‫به إن كان أكرث رفع ًة من أن يَعنى بأمورنا وإن كان ال حاجة له بنا؟!‬ ‫يعترب ويل ديورانت بكتابه قصة الحضارة‪،‬الجزء األول‪( ،‬نشأة‬ ‫رصف‪-‬‬ ‫الحضارة) (‪ -)2‬بت ّ‬ ‫" أ ّن من أهم رضورات خلق البرش لإلله هام‪" :‬الخوف والدهشة"‬ ‫(‪ )1‬أبيقور (‪ 271 341-‬ق‪.‬م) فيلسوف يوناين وصاحب مدرسة فلسفية سميت باسمه (األبيقورية)‪ ،‬قام بكتابة حوايل ثالمثئة منجز مل يصلنا منهم إال القليل‪ :‬رسالة إىل فيثوكليس‬ ‫يف اآلثار العلوية‪ -‬رسالة إىل ميناقايوس يف اإلخالق‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ويل ديورانت –قصة الحضارة‪-‬الجزء األول – نشأة الحضارة‬

‫‪79‬‬


‫أنت أسمى من أن‬ ‫تكون إلها‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫الخوف من املوت‪ ،‬فقد كانت الحياة البدائية محاط ًة باملخاطر‪ ،‬وقلّام وافتهم املنية عن طريق الشيخوخة الطبيعية‪،‬‬ ‫فكانوا يقضون إما بعاملٍ من عوامل االعتداء العنيف أو ٍ‬ ‫غريب يفتك بهم فتكًا‪ ،‬ومن هنا مل يصدق اإلنسان البدايئ‬ ‫مبرض‬ ‫ٍ‬ ‫أ ّن املوت ظاهر ٌة طبيعية‪ ،‬وعزاه إىل فعل الكائنات الخارقة للطبيعة‪ ،‬تقول األسطورة عند سكان بريطانيا األصليني‪:‬‬ ‫الخي (كامبينانا) إىل أخيه األحمق (كوروفوفا)‪" :‬أهبط إىل الناس‬ ‫جاء املوت نتيجة خطأ أخطأته اآللهة‪ ،‬فقد قال اإلله ّ‬ ‫وقل لهم يسلخوا جلودهم حتى يتخلصوا من املوت‪ ،‬ثم أنبئ الثعابني أ ّن موتها منذ اليوم أم ٌر محتوم"‪ .‬فخلط كورفوفا‬ ‫بني شطري الرسالة بحيث بلّغ رس الخلود وتبديل الجلود للثعابني‪ ،‬وقىض املوت املحتم لإلنسان‪ ،‬وهكذا ظنت الكثري من‬ ‫القبائل أ ّن املوت سببه تقلص الجلد‪ ،‬وأ ّن اإلنسان يخلد لو استطاع أن يب ّدل بجلده جل ًدا آخر‪.‬‬ ‫والدهشة‪ ،‬مام تسبب الحوادث املفاجئة والتي ليس مبقدور اإلنسان فهمها‪ ،‬ومنها األمل يف معونة اآللهة ومايأيت اإلنسان‬ ‫من ح ٍّظ سعيد‪ ،‬وكان أهم ما تعلقت به دهشتهم وما استوقفهم هام الجنس واألحالم ثم األثر الغريب الذي تحدثه‬ ‫أجرام السامء باألرض واإلنسان"‬ ‫وهكذا نشأت فكرة اإلله الخالق الحكيم املرتبّص بخلقه؛ العادل املنصف‪ ،‬ويك يشعر اإلنسان بوجوده أكرث وأكرث‪ ،‬راح‬ ‫رش ناس ًبا كل ٍ‬ ‫حدث إىل رضور ٍة تقتضيها الحكمة اإللهية‪.‬‬ ‫يقحمه بتفاصيل حياته من خريٍ و ٍّ‬ ‫فتفنن البرش عرب مسريتهم الحضارية بطقوس وشعائر التواصل والتقرب مع هذا الخالق الرب الراعي‪ ،‬الطيب الصارم‪،‬‬ ‫الغفور املنتقم‪ ...‬بآنٍ واحد‬ ‫طبيعي طب ًعا ملن أراد أن يجعل من‬ ‫لكن ماذا بشأن الصفات السلبية التي نسبها اإلنسان لربه؟ فالصفات اإليجابية يش ٌء‬ ‫ٌّ‬ ‫ربّه مثله األعىل‪ ،‬أما السلبية فال تفسري لها سوى أ ّن فكرة اإلله الحازم املهيب تستهوي العبيد أكرث‪ ،‬فجعله بصورة األب‬ ‫وب ّرر له سلبيته يف بعض األحيان‪ ،‬بل اعتربها رضورية‪.‬‬ ‫فالله عند املسيحيني تخىل عن روحه املتجسدة بابنه لحكم ٍة رسية‪ ،‬لكنهم ال ميقتونه عىل نفس الدرجة التي ميقتون‬ ‫بها البرش الذين صلبوه!‬ ‫واليهود يق ّرون بأن الله كتب عليهم العيش مضطهدين ريثام يحققوا كلمته عىل األرض‪ ،‬لكن ال ميقتونه بقدر ما ميقتون‬ ‫أصل!‬ ‫من أحرقهم ومثّل بجثثهم تطبيقًا لبرشى اإلله ً‬

‫‪80‬‬


‫أنت أسمى من أن‬ ‫تكون إلها‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫وملا تكون إحدى عالمات الساعة هي إغداق بالد املؤمنني بالدماء؛ فرنى املؤمن اليوم ميقت ويحقد عىل من يقوم بالقتل‬ ‫رغم أنه يطبق ما برشهم به إلههم الرحيم نفسه ليس إال! بل وميكن اعتباره عب ًدا مغي ًبا مأمو ًرا لتحقيق مشيئة الله‪.‬‬ ‫ونجسا يف آنٍ م ًعا) لشدة‬ ‫مقدسا ً‬ ‫يرى دركايم (‪ )3‬أن الطوطم رم ٌز للعشرية‪ ،‬الرمز الذي يهابه الفرد وميقته (ومن هنا كان ً‬ ‫سلطانه عليه سلطانًا ال يُغلب والستبداده استبدا ًدا يحرج الصدر‪ ،‬وأ ّن الشعور الديني يف أساسه األول هو ما كان يشعر‬ ‫به الفرد إزاء أولياء األمر يف جامعته الذين بيدهم السلطة‪.‬‬ ‫لهي‬ ‫صفتَ ْي الرحمة والعدل عىل سبيل املثال وتصادمهم من جهة مع صفتً ْي املنتقم املاكر من أسامء الله باإلسالم ً‬ ‫مثل َ‬ ‫من أبرز التناقضات‪ ،‬ففكرة عدل الله تحتاج لدراس ٍة وهذا ما يح ّرك التساؤل التايل‪ :‬إل ٌه ي ّدعي الحكمة ما ال يرتقي عقل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مكرمات منه‪ ،‬وبأنّه ما من مثقال ذر ٍة من خريٍ أو‬ ‫ويالت أو‬ ‫وإدراك خلقه عىل تصوره مبا ميتحنهم وما يصادفونه من‬ ‫رش يضيع هبا ًء؛ فامذا بشأن الحيوانات والحرشات التي يطالب رعيته بالرأفة بهم ويذكرهم بأنهم كائناتٌ من رو ٍح و‬ ‫ٍّ‬ ‫مبقلب آخر نراه يطالب‬ ‫كالرضع؛ بل قد أدخل امرأ ًة سعري ناره لتسببها مبقتل هرة حبستها‪ ،‬ثم‬ ‫ٍ‬ ‫يحضهم عىل مراعاتهم ّ‬ ‫ّ‬ ‫بتقدميهم كقرابني ابتغاء مرضاته؟ لست اآلن بصدد أن أبحث عن التساؤل حول أية مرضا ٍة تلك املرهونة بقتل حيوان‬ ‫أو مقاطعة حيوانٍ آخر هنا أو بتدليل حيوانٍ أو حرش ٍة أخرى هناك!‬ ‫وهل انتقلت األديان اإلبراهيمية من تحريم‬ ‫رشع تقديم‬ ‫تقديم البرش كقرابني بالوثنية لت ّ‬ ‫الكائنات األخرى باألديان االبراهيمية ؟ وملَ‬ ‫اإلرصار عىل وجود فكرة القربان بالدين‬ ‫أساسا؟ وماذا من املمكن تسميتها بعرفنا‬ ‫ً‬ ‫البرشي ومخزوننا اللغوي عىل األقل سوى‬ ‫رشوة للتقرب من إال ٍه غريب األطوار مهمته‬ ‫تنفيذ رغبات من يعطيه اهتام ًما أو يبدي‬ ‫ٍ‬ ‫مرشوط ودومنا اعرتاض‪ .‬أليس من‬ ‫انصيا ًعا غري‬ ‫الجائزأن أح ّمل الله كامل املسؤولية لتعريف‬ ‫البرش عىل مفهوم الرشوة والوصولية؟‬

‫(‪ )3‬إميل دوركايم فيلسوف وعامل اجتامع فرنيس يعترب أحد مؤسيس علم االجتامع الحديث من أبرز آثاره (قواعد املنهج السوسيولوجي)‬

‫‪81‬‬


‫أنت أسمى من أن‬ ‫تكون إلها‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫ثم كيف له أن يطالبني بالرأفة بينام أراه أمامي يخرق هذه الصفة؟ كيف يع ّدين ضعيف ًة وال ميكنني أن أسري باألرض‬ ‫دون قدو ٍة فريسل املرسلني املثقلني بفرماناته وإشعاراته‪ ،‬ويع ّد نفسه القدوة ثم أجد نفيس أرفض اعتباره قدويت مبج ّرد‬ ‫مراقبة تعاليمه ومحاولة اتباعها!‬ ‫قد ذهب البعض بتفسري بعض تناقضات صورة اإلله الفاضحة تلك باملراد الخفي لذلك الرب مبا يفوق قدرتنا العقلية‪.‬‬ ‫إذن طاملا يفوق قدراتنا أفليس هذا مرب ٌر لقصور عقل اإلنسان عن إدراكها وبالتايل قصوره عن تنفيذها وبالتايل تسقط‬ ‫الزامية االمتثال لها باعتبارها شيئًا غري مفهوم؟ كام يقول املثل الشعبي الديني‪ :‬إذا أخذ ماوهب أُسقط ما وجب‪.‬‬ ‫معفى من تطبيق العدل والرحمة؟‬ ‫مبا معناه أ ّن اإلنسان بطبيعة الحال قد يكون‬ ‫ً‬ ‫وعن ٍ‬ ‫تناقض آخربصفاته نسأل‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫مشهد مذهلٍ‬ ‫كيف وملاذا ينسب املؤمن كل جميلٍ إىل ربّه الجميل الذي يعشق الجامل كام يزعمون ويذكرونه يف كل‬ ‫أيضا!‬ ‫أ ّخا ٍذ حولنا بينام يتهرب فيام لو صادف قب ًحا أو فق ًرا يدمي القلب ناسبًا إيّاه للحكمة اإللهية ً‬ ‫رب القبح إذن وماالغاية من وجود وجو ٍه مبالمح يكاد ال يُطاق النظر إليها؟‬ ‫الله جميل ‪-‬هكذا يقول‪ -‬ف َمن ّ‬

‫لرب أن يطالب عبيده بالتعاون‬ ‫لتقريب الفكرة أكرث دعونا نبحث بصفة الواحد األحد ومربراتها حسب األديان‪ ،‬كيف ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫رشيك آخر إلدارة شؤون الكون بحجة حتمية االختالف وبالتايل‬ ‫والتناضد بينام ي ّربر لنفسه عدم قدرته عىل التواصل مع‬ ‫لرب أن يكون من الحكمة ما يجعل فكرة تشاركه ربًّا آخر سببًا لخراب الكون؟ أمل يجد خالق هذا‬ ‫فساد الكون! كيف ٍّ‬ ‫الرب املعبود من هكذا تفسري؟‬ ‫اإلله عذ ًرا أو مرب ًرا يسوغه أكرث احرتا ًمأ لهذا ّ‬ ‫‪82‬‬


‫أنت أسمى من أن‬ ‫تكون إلها‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫ثم يقول بالقرآن ‪ :‬فبئس مثوى املتكربين‪ .‬سورة النحل(‪...)29‬‬ ‫وبعدها نجد من أسامئه الحسنى (املتكرب) إذن التكرب كصف ٍة هي ليست سيئ ًة أو مذم ًة بل قد تقتضيها رضورات! هذا‬ ‫ٍ‬ ‫يحق لغريه‪ ،‬بل أكرث من‬ ‫يخص اإلله نفسه‬ ‫يحق لله ماال ّ‬ ‫بصفات بينام يسحبها من عبيده‪ ،‬عىل اعتبار ّ‬ ‫ما نفهمه من أن ّ‬ ‫ذلك أحيانًا؛ قد يعتربها ٍ‬ ‫الحق ألحد البرش‬ ‫يحق يل أن أمنح ّ‬ ‫معاص وكبائر‪ ،‬لكن سأعترب أين اتخذت الله قدويت‪ ،‬عندها قد ّ‬ ‫مثل‪.‬‬ ‫أن يتجاوز تعليامت الخالق إن كان يف ذلك خ ٌري لفئ ٍة من البرش تتعرض الضطها ٍد ما ً‬ ‫مطالب بطاعة والديك؛ فرضاهم من رضا ربك وطاعتهم من طاعته لكن‪ ،‬يحق‬ ‫سنأخذ كمثال مسألة ب ّر الوالدين‪ ،‬أنت‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا أستطيع معصية‬ ‫لك معصيتهم بحال ٍة واحد ٍة أال وهي لو يف طاعتهم معصي ٌة لله‪ .‬من هنا أستطيع أن أستنتج أين ً‬ ‫يحق يل أن أكذب ألنقذ حياة ٍ‬ ‫أحد ما‪ ،‬أو‬ ‫أذى يل أو لغريي‪ ،‬أي لو اقتىض األمر والرضورة ً‬ ‫مثل ّ‬ ‫تعاليم الله لو يف طاعته ً‬ ‫طفل ما‪.‬‬ ‫أن أرسق ألطعم ً‬ ‫يل االنتقام واملكر؟ لو راقبنا اإلله لوجدناه‬ ‫يل التمثّل بتسامح اإلله وغفرانه لإلساءة وهناك ع ّ‬ ‫كيف يل أن أم ّيز أنه هنا ع ّ‬ ‫يخص نفسه بهذه الصفة من باب الرضورة يف بعض الحاالت إما لرتهيب عبيده ‪-‬وبالتايل الهدف املنشود هو السيطرة‬ ‫ّ‬ ‫عىل هذا الكوكب وتنظيمه‪ -‬أو لتعظيم نفسه ليس إال‪.‬‬ ‫يف الحالة األوىل أنا اؤيده‪ ،‬فالتنظيم ونرش العدل واملساواة وصون الحقوق يستوجب الحزم لكن ملَ هنا أجد نفيس‬ ‫ألوم ديكتاتوريّي التاريخ البرشي أو قامعي حركات التمرد أو لِ َنقُل حركات التحرر بالعامل؟ أليس لذلك رضور ٌة يف بعض‬ ‫األحيان؟ أليست مواجهة اإلرهاب والعصابات ببعض البلدان تحتاج إىل كل تلك الرصامة؟‬ ‫مثل‬ ‫إذن اللجوء إىل املكر ليس مذم ًة بكل ما للكلمة من معنى‪ ،‬بل قد يذهب البعض إىل القول أ ّن هؤالء يتخذون الله ً‬ ‫أعىل يف إدارة األتباع والرعية فكانت القوة هي الحل األمثل الذي أثبت جدواه‪ ،‬إذن عىل املسلمني تحدي ًدا ّأل ميقتوا أو‬ ‫ٍ‬ ‫محمد وحزمه بتعامله مع يهود بني قريضة‪ ،‬وهم عىل خطى‬ ‫ينتقدوا ديكتاتوريّي التاريخ‪ ،‬هم ليسوا سوى نسخ ًة عن‬ ‫الله بتعامله مع قوم لوط‪.‬‬ ‫رش التش ّبه بالله‪.‬‬ ‫قد يقول ٌ‬ ‫قائل هنا‪ ،‬اليحق لب ٍ‬ ‫يحق لخالق الكون أن يستبد وميكر وينتقم ويتكّرب بحق مخلوقاته الضعيفة التائهة بدونه؟ أليس أكرث‬ ‫إذن عزيزي هل ّ‬ ‫َمن يتكلم أو باألحرى تتكلمون بلسانه عن الخري والحق؟ كيف له أن يتابع مشهد اغتصاب طفلٍ أو تعذيب بريء؟‬ ‫ثم أليس هو من اختار األنبياء عىل أنهم الصفوة؟‬ ‫‪83‬‬


‫أنت أسمى من أن‬ ‫تكون إلها‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫ّ‬ ‫يل سوى النظر لسلوك هذا النبي أو ذاك‬ ‫إذن ببساطة ليك‬ ‫أستدل عىل النموذج البرشي الذي يعجب هذا الرب ما ع ّ‬ ‫وأن أحذ َو حذوهم‪ .‬بل إن نشدت الكامل ‪-‬وهذا غري ممنو ٍع أو مح ّرم بالديانات‪ -‬فمن املباح يل أن أمتثل بالله نفسه‪،‬‬ ‫وأن أسعى ألن أمتلك أسامءه الحسنى‪ ،‬ال أتكلم هنا عن املطلق‪ ،‬بل عن الصفة بح ّد ذاتها‪ ،‬أي أين أرغب أن أكون عادل ًة‬ ‫غفور ًة صادق ًة ماكر ًة متكرب ًة منتقم ًة ضار ًة أحيانًا‪ ،‬نافع ًة أحيانًا أخرى حسب الحالة‪....‬الخ‬ ‫لكن ما الذي يحدد يل أ ّن هذه الصفات برشي ًة وتلك نبوي ًة وتلك إلهية؟ كيف يل أن أم ّيز بعقيل البرشي هذا؟ أنا أرى‬ ‫وسي األنبياء الذاتية‪.‬‬ ‫أ ّن للرضورة أحكام؛ وهذا ما ملسته من بعض حكايا الكتب الساموية َ‬ ‫وسي األنبياء‪ ،‬واتخذت قرا ًرا أين‬ ‫ببساط ٍة واختصار‪ ،‬فأنا لو ُولدت بصحرا ٍء منفية‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ووقعت بني ّ‬ ‫يدي الكتب الساموية َ‬ ‫سأكون عىل خطاهم بحذافريها‪ .‬فام النتيجة التي تتخيلها؟ هذا عىل مستوى فردي فام بالك لو تخيلت شعوبًا قررت أن‬ ‫تسري عىل خطى هؤالء وربهم املزعوم؟‬ ‫إلهي‬ ‫وسريهم لتصلك الفكرة‪ً .‬‬ ‫ماعليك سوى املرور عىل حكايا النبيني َ‬ ‫مثل قد يأتيك بالحلم رؤيا تتهيأ لك عىل هيئة أم ٍر ٍّ‬ ‫فال تتجاهلها أيًّا كانت وإن وصلت ح ّد تطليق امرأة من رجلها لصالحك؛ أو ج ّز عنق ابنك‪ ،‬أو أن تغنم محصول جارك‬ ‫الذ ّمي إن مل ميتثل لدعوتك باعتناق دينك الحنيف األليف‪ ،‬أو أن تنتقم بنفسك ممن خان عهده معك يف أم ٍر ما‪...‬‬ ‫والتنىس أ ّن هنالك املسيحي واليهودي واملسلم بني األنبياء القدوة‪ ،‬وهناك الزبور والتوراة واإلنجيل والقرآن‪ ،‬فعليك‬ ‫الحق‪ ،‬التسأل كيف وملاذا‪ ،‬فام من إجاب ٍة واضح ٍة لآلن‪ .‬وال يشفع لك أن تقول اخرتت الدين الذي‬ ‫التمييز بني الدين ّ‬ ‫انرشح له صدري‪ ،‬أو اخرتت األقدم أو األحدث‪ ،‬بل عليك أن تختار ولك مطلق الحرية نعم هذا صحيح‪ ،‬لكنك مج ٌرب‬ ‫عىل االختيار السليم‪.‬‬ ‫لجوء اإلنسان إىل لصق الله بالصفات ذات الحدين كالغفور املنتقم‪ ،‬النافع الضار‪ ،‬الصادق املاكر‪...‬الخ هي محاول ٌة للقول‬ ‫متناقضا لكن للرضورة أحكا ٌم‬ ‫بأ ّن كل ما يحيق بنا لله ي ٌد به وإرادة‪ ،‬وبأ ّن كل حال ٍة تقتيض موقفًا معي ًنا‪ ،‬حتى وإن كان‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫وصفات محددة‪،‬‬ ‫مبنحى معني‬ ‫والرضورات تبيح املحظورات‪ ،‬وهذا الكالم ينطبق عىل اإلله فقط‪ ،‬أما البرش فلهم االلتزام‬ ‫ً‬ ‫وهنا ينسف الرب بالدرجة األوىل صفة املطلق التي يحاول احتكارها‪ ،‬وبالدرجة الثانية يطرح استفسا ًرا هنا عن سبب‬ ‫تحريم صف ٍة معين ٍة دون أخرى‪ .‬قد يقول يل البعض النتائج هي الحكم وهي دليلنا للتمييز بني الصواب والغلط‪ ،‬وعندها‬ ‫مثال بسيطًا عن ٍ‬ ‫أناس طيبني واجهوا صعابًا ال تطاق وكوارث يعجز‬ ‫من السهولة أن أحدد الصح من الخطأ‪ ،‬لكن لو أخذنا ً‬ ‫مثل فإن املح ّرض عىل الجرمية هو ٌ‬ ‫يل فيها‬ ‫عن تحملها برش أفال يُعترب هذا دف ًعا باتجاه الغلط؟ بلغة القانون ً‬ ‫رشيك فع ٌّ‬ ‫بل حتى العارف بها والساكت عنها يعترب مجر ًما‪ .‬هل ينطبق ذلك عىل اإلله؟ ستقول يل ما لإلله لإلله وما للبرش للبرش‪.‬‬ ‫لكن كيف لنا أن أعرف ما للبرش؟‬ ‫‪84‬‬


‫أنت أسمى من أن‬ ‫تكون إلها‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫مثل أعىل؟ ستجيبني ‪ :‬ال‪ ،‬فالله يش ٌء آخر متا ًما‬ ‫سأعود إىل تساؤيل األول‪ :‬أليس من األجدر يب إن تاه صوايب أن أتخذ ريب ً‬ ‫ال ميكنك اإلحاطة به فعفه وشأنه واعرف قدرك وقم مبا أمرك به عن طريق رسله من صفوة البرش (األنبياء)‪.‬‬ ‫أيضا بـ‪ :‬ال‪ ،‬فالله‬ ‫يحق يل حذو حذوهم؟ ستجيب ً‬ ‫إذن اآلن قدويت هم هؤالء األنبياء؛ من اختارهم الله املزعوم؛ فهل ّ‬ ‫اختارهم ورفّعهم عن بقية البرش‪ ،‬فقم مبا طالبك به هؤالء واعرف قدرك‪.‬‬ ‫إذن أين عدل الله هنا بني عبيده؟ بل حتى أنه ذهب إىل رفع مستوى بعض البرش اآلخرين ممن لُقبوا بالصحابة الحقًا‬ ‫أو القديسني!‬ ‫قليل‪ ،‬أمل يختار الله األنبياء ألنهم النخبة؟ أم‬ ‫لو قلبنا النظرة ً‬ ‫يخص به‬ ‫وخصهم مبا مل ّ‬ ‫أنهم أصبحوا نخب ًة وأعاد تأهيلهم ّ‬ ‫رسل منه؟ أي أين لو اتبعت سلوكهم فإين‬ ‫برش بعد أن نصبهم ً‬ ‫سي أنبيائك‬ ‫ممن يرىض عنه إلهك‪ ،‬وهنا سأطلب منك مراجعة َ‬ ‫ومغامراتهم لتصلك الصورة أوضح‪.‬‬ ‫ولتتخيل معي‪ ،‬كيف يل أن أنشئ أرس ًة وأقوم بالرسقة أمام‬ ‫يحق له أن يرسق ألين أعترب‬ ‫ابني ً‬ ‫مثل؛ لكن يف نفس الوقت ال ّ‬ ‫نفيس عىل درج ٍة من الوعي مل َ‬ ‫يرق لها هو بعد‪ ،‬وأعرف متى‬ ‫وكيف وملاذا قد أرسق‪ .‬أما هو فال‪ ،‬وبالتايل عليه أن يفهم أين‬ ‫لو رسقت أو حتى لو قتلت فهو لرضورة بل قد يكون لحكم ٍة‬ ‫أيضا‪ .‬هنا فإ ّن ابني لن يهني املارقني ولن‬ ‫وغاي ٍة نبيل ٍة ورمبا خري ً‬ ‫يع ّد ما نعتربه تجاوز ٍ‬ ‫رشا باملطلق‪.‬‬ ‫ات أخالقي ٍة ً‬ ‫حل لتخفيف كربة أحدهم وتوانيت عن اللجوء إليها فسأُعترب‬ ‫وكذلك األمر بخصوص الخري املطلق فلو كان بيدي ً‬ ‫قليل ولرتى‬ ‫حتم بل ورشيك ٌة يف الجرمية‪ ،‬وهذا س ُيسقط عني صفة الخري املطلق‪ .‬حاول أن تجلس مع نفسك ً‬ ‫متواطئ ًة ً‬ ‫هل تك ّن احرتا ًما حقًا إللهك هذا؟ هل تح ّبه أكرث أم تخشاه؟ هل لك من مآخذ عىل إدارته لهذا الكون أم أنك لو كنت‬ ‫مكانه لفعلت مثله أم ستكون أرحم؟‬ ‫ثق أنك أطيب وأسمى من أن تكون إل ًها‪ ،‬فإياك ومجاراته مبا زعموا أنهم أوصلوا إليك من إشعاراته أوالتمثل به أو مبن‬ ‫تحدث باسمه أو مبن ا ّدعى التواصل معه‪ ،‬فقد رسموه عىل شاكلتهم هم‪.‬‬ ‫‪85‬‬


‫عاملٌ بال إل ٍه‪ :‬فقدان ديننا‬ ‫ٌ‬ ‫مقال مرتج ٌم عن مجلة ‪ New Scientist‬ملح ّررها جراهام الوتن ‪Graham Lawton‬‬ ‫منشور ٌة يف عدد أيار ‪ /‬مايو ‪2014‬‬

‫فريق ترجمة‬ ‫قناة امللحدين بالعريب‬

‫نهضت متوج ًها إىل الكنيسة‪ ،‬فرنّ ُت‬ ‫قمت بيش ٍء مل أفعله ألكرث من ثالثني عا ًما؛ حيث‬ ‫ُ‬ ‫يل بلندن‪ُ ،‬‬ ‫يف صبا ٍح دافئٍ غري فص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ورميت بعض القطع ال ّنقدية يف صندوق التّربعات الخريية‪.‬‬ ‫بلحظات هادئ ٍة من التّأمل‪،‬‬ ‫مت‬ ‫ُ‬ ‫واستمعت إىل القراءات‪ ،‬وتن ّع ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بإحساس دافئٍ يف روحي‪ .‬عىل ما أظن؛ كان هنالك املئات مثل هذه‬ ‫ويف األخري كان يوجد الشّ اي والكعك وشعرتُ‬ ‫التّجمعات يف أنحاء املدينة‪ ،‬لكن فقط مع استثنا ٍء ٍ‬ ‫وحيد جدي ٍر بالذّكر‪ :‬ال وجود حقًا إلل ٍه هنالك‪.‬‬ ‫مرحبًا بكم إىل " تجمع األحد "‪ ،‬حيث يُعقد تجم ٌع صلوايتٌ لغري املؤمنني مر ًة كل أسبوعني يف صالة كونواي‪ ،‬مق ّر أقدم‬ ‫منظم ٍة للتّفكري الحر يف العامل‪ .‬كان يوجد عىل األقل ‪ٍ 200‬‬ ‫بالصالة يف اليوم الذي ذهبت فيه‪ ،‬وأحيانًا يُقدر عدد‬ ‫شخص ّ‬ ‫الحضور بـ ‪ٍ 600‬‬ ‫شخص‪.‬‬ ‫‪86‬‬


‫عاملٌ بال إل ٍه‪ :‬فقدان ديننا‬ ‫كل من الكوميديان ساندرسون‬ ‫يهدف تج ّمع األحد‪ ،‬الذي ّأسسه ٌّ‬ ‫جونز وبيبا إيفانز عام ‪ ،2013‬إىل توفري ٍ‬ ‫بعض من امليزات املعنوية‬ ‫الجيدة يف األديان‪ ،‬لكن باالستغناء عن اإلميان باألمور الخارقة‬ ‫خارج جدول األعامل؛ فهذا التّجمع ببساط ٍة‬ ‫للطّبيعة‪ .‬اإللحاد ً‬ ‫أيضا َ‬ ‫ٌ‬ ‫احتفال بالحياة‪ .‬يصفه املؤسس جونز بقوله‪ :‬مهمتنا مساعدة‬ ‫ال ّناس لعيش هذه الحياة الواحدة قدر املستطاع‪.‬‬ ‫كل بلد ٍة ومدين ٍة‬ ‫املوسع إقامة تج ّمعٍ صلوا ٍيت يف ّ‬ ‫هدف التّج ّمع ّ‬ ‫وقري ٍة تريد ذلك‪ .‬ويوجد بالفعل الكثريون‪ :‬فمن بداي ٍة متواضع ٍة‬ ‫تتمثّل يف كنيس ٍة علامني ٍة بلندن‪ ،‬أصبح يوجد اآلن ‪ 28‬تج ّم ًعا‬ ‫ف ّعالً يف اململكة املتحدة‪ ،‬إيرلندا‪ ،‬الواليات املتحدة‪ ،‬وأسرتاليا‪.‬‬ ‫يعمل جونز اآلن بكامل وقته ليوفّر متطلبات املزيد من هذه‬ ‫السنة‪.‬‬ ‫التّجمعات‪ ،‬ويتوقع أ ْن يتم إنجاز ‪ 100‬تجمعٍ بنهاية هذه ّ‬ ‫األشخاص الذين انضممت إليهم بذلك األحد املشمس ليسوا ّإل‬ ‫جز ًء صغ ًريا من ال ُهوية ال ّدينية األكرثِ نُ ًوا يف العامل "الالدينيون"‪.‬‬ ‫ويشملون غري املؤمنني من جميع األنواع‪ ،‬بداي ًة من امللحدين‬ ‫املقتنعني مثيل‪ ،‬إىل ٍ‬ ‫أناس ال يهتمون بال ّدين ببساط ٍة‪ ،‬وهم اآلن‬ ‫يُعدون أكرث من بعض ال ّديانات ال ّرئيسة يف العامل‪.‬‬ ‫يف لندن‪ ،‬وباعرتافهم‪ ،‬هم ليسوا شيئًا ممي ًزا؛ فاململكة املتحدة‬ ‫واحد ٌة من أدىن البلدان تدي ًنا بالعامل‪ ،‬بقول حوايل نصف سكانها‬ ‫ألي دينٍ ‪ .‬لكن بال ّنسبة ألماكن أخرى فإ ّن بزوغهم‬ ‫إنّهم ال ينتمون ِّ‬ ‫رسي ٌع وجدي ٌر باملالحظة‪ .‬منذ ٍ‬ ‫عقد؛ اعترب أكرث من ثالثة أرباع سكان‬ ‫العامل أنفسهم متدينني‪ ،‬ولكن اليوم هم أقل من ستني باملئة‪ ،‬ويف‬ ‫"اللدينيون" اآلن أكرثي ًة‪ .‬شُ وهدت بعض‬ ‫حوايل ربع البلدان يُعترب ّ‬ ‫أكرث االنحدارات يف نسبة ذلك ببلدانٍ كان فيها ال ّدين يعترب مثله‬ ‫مثل أثاث املنزل ال غ ًنى عنه؛ كإيرلندا عىل سبيل املثال‪ ،‬ففي عام‬ ‫‪ 2005‬قال ‪ 69‬باملئة من ال ّناس هناك إنّهم متدينون‪ ،‬أ ّما اآلن‪ ،‬فقط‬ ‫‪ 47‬باملئة هم كذلك (الحظ املخطط البياين )‪.‬‬ ‫‪87‬‬


‫عاملٌ بال إل ٍه‪ :‬فقدان ديننا‬ ‫نفيس بجامعة كولومبيا الربيطانية يف‬ ‫يقول آرا نورينزايان‪ :‬نحن بصدد رؤية نزع ٍة علامني ٍة عىل مستوى العامل‪ ،‬وهو َعالِ ٌم ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫غزوات كربى يف أوروبا الغربية والشّ املية‪،‬‬ ‫قائل‪ :‬توجد حال ًيا أماك ٌن حيث تصن ُع ال َعلْ َم َنة‬ ‫فانكوفر بكندا‪ ،‬ويستأنف حديثه ً‬ ‫بعمق‪ -‬عدد ال ّناس الذين يُبدون‬ ‫مسيحي‬ ‫والصني‪ ،‬حتى يف الواليات املتحدة ‪ -‬وهو بل ٌد‬ ‫ٍ‬ ‫كندا‪ ،‬أسرتاليا‪ ،‬نيوزيلندا‪ ،‬اليابان‪ّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫رأيهم القائل " ال انتامء ديني " قد ارتفع من ‪ 5%‬يف عام ‪ 1972‬إىل ‪ 20%‬اليوم‪ ،‬وبني األشخاص الذين تقل أعامرهم عن‬ ‫أقرب إىل الثّلث‪.‬‬ ‫الثّالثني عا ًما فإ ّن تلك ال ّنسبة تكون ُ‬ ‫ذلك ال يعني أنّهم جمي ًعا قد رفضوا ال ّديانات عل ًنا بوضو ٍح؛ فقط ثالثة عرش باملئة من ال ّناس حول العامل يقولون إنّهم‬ ‫ملحدون ملتزمون‪ .‬ومع ذلك؛ فهذا يعني أنّه يوجد حوايل مليار ٍ‬ ‫ملحد عامل ًيا‪ .‬ميكن فقط للمسيحية أو اإلسالم اإلدعاء‬ ‫لسبب من‬ ‫ونصف آخ َر ممن ال يرون أنفسهم متدينني‬ ‫وبجانب هؤالء امللحدين يوجد مليا ٌر‬ ‫أ ّن أعدادهم أكرث من هذا‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫األسباب‪.‬‬ ‫منذ قرنٍ ؛ كانت هذه ال ّنزعات تبدو حتمي ًة‪ ،‬حيث توقع ُم َؤ ِس َسا علم االجتامع إميل دوركيم وماكس ويرب أ ّن التّفكري‬ ‫العلمي سيقود إىل التآكل التّدريجي وال ّرحيل ال ّنهايئ لل ّدين‪ .‬ورأيا قيام املنظامت اإلنسانية‪ ،‬والعقالنية‪ ،‬والفكرية الح ّرة‬ ‫يف أوروبا الغربية كبداي ٍة للثّورة العلامنية‪.‬‬

‫ُولد ليؤمن‬ ‫مل أفهم بالضبط ما الذي حصل؛ فعىل ال ّرغم من أ ّن أجزا ًء من أوروبا الغربية‪ ،‬أسرتاليا‪ ،‬كندا‪ ،‬نيوزيلندا اتبعت العلمنة‬ ‫بعد الحرب العاملية الثّانية فإ ّن باقي العامل بقي مؤم ًنا‬ ‫وبعزم‪ .‬وحتى اإللحاد ال ّرسمي يف الجبهة الشّ يوعية مل يَكُن ذا‬ ‫ٍ‬ ‫عميق‪ .‬بل عىل العكس من املتوقع؛ فقد بدأ ال ّدين ينبعث من ٍ‬ ‫جديد يف نهاية القرن العرشين؛ وبدأت الجامعات‬ ‫رسو ٍخ ٍ‬ ‫األصولية بإحراز مكان ٍة يف العامل؛ وصار اإلسالم قُو ًة سياسي ٍة ال يستهان بها؛ وبقيت الواليات املتحدة مؤمن ًة بعنا ٍد؛‬ ‫اللدينية باالنعزال بشكلٍ متز ٍ‬ ‫ايد‪ ،‬واآلن وبعد أ ْن عادت العلمنة إىل الواجهة‪ ،‬يقول فيل زوكريمان‪ ،‬وهو‬ ‫وبدأت أوروبا ّ‬ ‫َعالِ ٌم اِ‬ ‫عام األخرية تقهق ٌر شدي ٌد للتّدين يف كل‬ ‫جتامعي يف جامعة بيتزر يف كلريمونت يف كاليفورنيا‪ :‬ظهر يف العرشين ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫عام نرى تزاي ًدا يف معدالت‬ ‫املجتمعات‪ ،‬إنّنا نرى ال ّدين يف تراجعٍ‪،‬‬ ‫صحيح هنالك تزاي ٌد يف الحركات األصولية‪ ،‬لكننا بشكلٍ ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫قبل أب ًدا‪ ،‬كالربازيل وايرلندا وحتى أفريقيا‪.‬‬ ‫اللدينية ً‬ ‫مجتمعات مل ن َر فيها ّ‬ ‫اللدينية يف‬ ‫ّ‬ ‫الديني؟ هل من املمكن أ ْن يجيء يو ٌم يَ ْعتَ ِب فيه أغلبية ال ّناس‬ ‫إذا ً‪ ،‬هل تحقّق توقّع القرن التّاسع عرش القائل بعا ٍمل‬ ‫ٍ‬ ‫أول‬ ‫أنفسهم غري مؤمنني؟ وإ ْن حدث هذا؛ فهل سيكون العامل مكانًا أفضل؟ لإلجابة عىل هذه األسئلة فعلينا أ ْن نُدرك ً‬ ‫لِ َم يؤمن ال ّناس بإل ٍه ما‪.‬‬ ‫‪88‬‬


‫عاملٌ بال إل ٍه‪ :‬فقدان ديننا‬ ‫واضح بال ّنسبة للكثريين‪ :‬يؤمن ال ّناس باإلله ألنّه موجو ٌد‪ِ .‬ب َغ ِض ال ّنظر عن صحة أو خطأ هذا اإلدعاء‪ ،‬إلّ أنّه‬ ‫الجواب‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫مكلف‬ ‫يوضح شيئًا مث ًريا ج ًدا حول طبيعة اإلميان ال ّديني‪ .‬بال ّنسبة لألغلبية ال ُعظمى من ال ّناس فإ ّن اإلميان بإل ٍه أم ٌر غري‬ ‫السبب‬ ‫أو َمفْرو ٌغ منه‪ .‬فكأنّك تتنفس أو تتعلم لغتك األصلية‪ ،‬فاإلميان بإل ٍه هو واح ٌد من هذه األمور‪ ،‬يُكتسب فطريًا‪ .‬ما ّ‬ ‫يف ذلك؟‬ ‫السنوات األخرية قام علام ُء ال ّنفس املعريف بصياغة تقري ٍر شاملٍ َ‬ ‫حول قابلية ال ّدماغ البرشي للتّأثر باألفكار ال ّدينية‪.‬‬ ‫يف ّ‬ ‫ٍ‬ ‫سامت معين ًة من نفسية اإلنسان‬ ‫ُس ّم َي بنظرية املُنتج الثّانوي لإلدراك ‪ ،Cognitive by-product Theory‬تتضمن أ ّن‬ ‫قصصا‬ ‫تطورت‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا ً‬ ‫ألسباب غري ديني ٍة‪ ،‬لكنها خلقت ً‬ ‫أرضا ِخصب ًة لإلميان بإل ٍه‪ .‬وكنتيج ٍة لهذا فإ ّن ال ّناس عندما يواجهون ً‬ ‫ٍ‬ ‫وادعاءات ديني ًة فإنّهم يجدونها جذاب ًة ومعقول ًة بشكلٍ‬ ‫بديهي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عىل سبيل املثال‪ ،‬كان أسالفنا عىل رأس‬ ‫قامئة الطّعام للمفرتسات‪ ،‬لهذا فإنّهم طوروا‬ ‫ٍ‬ ‫رصد شديدة الحساسية للعوامل‬ ‫قُو َة‬ ‫املسببة‪ ،‬هذه تسمي ٌة مزخرف ٌة الفرت ٍ‬ ‫اض أ ّن‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات‬ ‫األحداث الطّبيعية ُم َس َبب ٌة من ِقبل‬ ‫أو ِق ًوى واعي ٍة‪ .‬ونرى لهذا أسبابًا أو مع ًنى‬ ‫أي خربش ٍة يف الشّ جريات‬ ‫تطوريًا؛ فقد تعني ُّ‬ ‫مفرتسا يطوف ِخلس ًة‪ ،‬لذا من‬ ‫أ ّن هنالك‬ ‫ً‬ ‫األفضل التزام جانب الحذر‪ ،‬لكن ذلك يجربنا‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات حيث ال‬ ‫الفرتاض وجود ِق ًوى أو‬ ‫وجود لها‪ .‬وذلك أحد أهم ادعاءات األديان‪،‬‬ ‫أنّه هنالك عوامل غري مرئي ٍة مسؤول ٍة عن‬ ‫القيام باألشياء وصنعها يف العامل‪.‬‬

‫ال ّراحة الوجودية‬

‫قام البرش بتطوير طرقٍ مراوغ ٍة أخرى ساهمت يف انتشار املعتقدات ال ّدينية مثل املفاهيم الشّ خصية ِ‬ ‫الخ ِّية لإلله‪ ،‬الغاية‬ ‫العليا والحياة األخرى ٌ‬ ‫مثال عليها هو مساعد ٌة لل ّناس للتّحكم يف خوفهم األبدي وتعليمهم أ ّن الشّ ك جز ٌء من كونك‬ ‫إنسانًا‪.‬‬ ‫‪89‬‬


‫عاملٌ بال إل ٍه‪ :‬فقدان ديننا‬ ‫وميل ل َنتَ َوافق مع املعايري‬ ‫ميل نحو تقليد أولئك الذين يكونون يف مراكز عليا – كام نقلد املشاهري الحاليني – ٌ‬ ‫أيضا ٌ‬ ‫لدينا ً‬ ‫االجتامعية املشرتكة‪ ،‬وكالهام يساهم يف انتشار املعتقدات ال ّدينية‪ .‬فنحن مذهولون بيش ٍء يسميه العلامء ‪CREDs‬‬ ‫كالصوم وجلد ال ّنفس أو االستشهاد‪.‬‬ ‫عروض تعزيز املصداقية ‪ Credibility Enhancing Displays‬مثل األغراض ال ّدينية ّ‬ ‫وأخ ًريا؛ فال ّناس الذين يظنون أنّهم تحت املراقبة سيكبحون جِامح أنفسهم ويتعاونون أكرث‪ ،‬فاملجتمعات التي تحظى‬ ‫مبراقب ٍة خارق ٍة للطّبيعية ستكون أنجح يف هذا املجال من املجتمعات األخرى‪ ،‬ما يساهم يف نرش األفكار ال ّدينية‪ .‬لنضيف‬ ‫إىل هذا طريقة عمل أدمغتنا التي تجعلنا نتلقى األفكار ال ّدينية بشكلٍ‬ ‫طبيعي وتَتَقبلها حتى حني نقاومها‪ .‬ما إ ْن يقتنع‬ ‫ٍ‬ ‫البرش بفكرة اإلله سينترش هذا كال ّنار يف الهشيم‪.‬‬ ‫وكذلك نظرية املنتج الثّانوي لإلدراك ‪ Cognitive By-Product Theory‬تُوفر لنا سب ًبا النجذاب ال ّناس برسع ٍة إىل‬ ‫سهل ج ًدا‪ ،‬إذا ً‪ ،‬ملاذا هناك ملحدون؟‬ ‫األفكار ال ّدينية‪ .‬لكن ومع القول إ ّن ت َ َق ُبل اإلله ٌ‬ ‫إىل فرت ٍة قصري ٍة‪ ،‬كان الظّن سائ ًدا أنّه عىل ال ّناس رشح كل األسباب التي تدفعهم إىل اإللحاد؛ فحللوا متطلبات ال ّدين‬ ‫يفس لنا ملاذا كان اإللحاد مس ًعى ألقلي ٍة من ال ّناس‪ ،‬ملاذا تجد أ ّن أكرث امللحدين‬ ‫ورفضوها عىل أرض ّ‬ ‫اللمعقولية‪ .‬ما ّ‬ ‫ومستحمل؟ بعد التّغلب عىل كل هذه التّحيزات التّطورية وفهمها‪ ،‬ال يجب أ ْن يستمر األمر‬ ‫ٌ‬ ‫مثقفني؟ وملاذا ال ّدين سائ ٌد‬ ‫عىل هذا املنوال‪.‬‬ ‫اللدينية‪ ،‬رمبا يفرس التّزايد املستمر للعلامنية شيئًا ما‪ .‬ونجده بكل ٍ‬ ‫تأكيد يزدهر يف‬ ‫طريق مه ٌم إىل ّ‬ ‫"اإللحاد التّحلييل"‬ ‫ٌ‬ ‫أماكن حيث يكون األفراد ُمطلعني عىل التّفكري العلمي‪ ،‬وعىل نُظم التّفكري التّحلييل األخرى‪ .‬لكنه ليس ال ّنكهة الوحيدة‬ ‫لللدينية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ففي الواليات املتحدة‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬ومن بني الـ ‪ % 20‬الذين يقولون إنّهم ال ميلكون انتام ًء دينيًا ُمحد ًدا‪ ،‬نجد أنّه‬ ‫فقط واح ٌد من كل عرش ٍة منهم يقولون إنّهم ملحدون واألغلبية العظمى التي تزيد عن ‪ 71%‬منهم يصفون ُهويتهم‬ ‫ال ّدينية بـ "اليش َء محد ٍد"‪ ،‬يقول نورينزيان‪ :‬هناك ٌ‬ ‫طرق ودواف ٌع عديد ٌة ليك تكون ملح ًدا؛ فعدم االعتقاد ال يتطلب‬ ‫مجهو ًدا َم ْعرِف ًيا دامئًا‪ .‬فإ ْن كان ال ّناس ال يرفضون اإلدعاءات ال ّدينية بشكلٍ واض ٍح ورصي ٍح‪ ،‬فلامذا يَ ْه ُجرون اإلله؟ بال ّنسبة‬ ‫سهل التّقبلِ ‪ ،‬فأحد أهم األسباب لهجر اإلميان‬ ‫لنورينزيان فالجواب يكمن يف بعض التّحيزات ال ّنفسية التي تجعل ال ّدين ُ‬ ‫بإل ٍه هو أ ّن ال ّناس أصبحوا ال يحتاجون إىل تلك ال ّراحة التي تأيت مع التّصديق بوجود إل ٍه بشكلٍ متز ٍ‬ ‫ايد‪ .‬حيث إ ّن ال ّدين‬ ‫يزدهر عىل حساب القلق الوجودي؛ حيثام يشعر ال ّناس بانعدام اآلمان وانعدام ال ّراحة والغموض‪ ،‬يأيت ال ّدين ُم ْس ِعفًا‬ ‫تقل أهمية ذلك ال ِغطاء األمني شيئًا فشيئًا‪ .‬وعىل أساس هذا فمن غري‬ ‫لهم‪ .‬لكن مع ازدهار واستقرار املجتمعات‪ّ ،‬‬ ‫‪90‬‬


‫عاملٌ بال إل ٍه‪ :‬فقدان ديننا‬ ‫والنويج التي ت ّم تصنيفها من أكرث‬ ‫املفاجئ أ ّن ال ّدول ّ‬ ‫والسويد ّ‬ ‫اللدينية من أكرث ال ّدول استقرا ًرا وأمانًا مثل دول الدامنرك ّ‬ ‫ال ّدول ازدها ًرا واستقرا ًرا وأمانًا مع عناي ٍة صحي ٍة تشمل الجميع باإلضافة إىل ضامنٍ‬ ‫سخي‪.‬‬ ‫اجتامعي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كذلك فإ ّن ال ّدول املتدينة ت ُعد أكرث ال ّدول فُق ًرا من كل ال ّنواحي وفقًا للمؤرش العاملي لل ّدين واإللحاد ‪Global Index of‬‬ ‫‪ .Religion And Atheism‬ذلك ال ّرابط – بني مستوى ال ّدول االقتصادي واتجاهاتها ال ّدينية – مدعو ٌم بدر ٍ‬ ‫اسات مختربي ٍة‬ ‫تُظهر أ ّن إدراك األفراد بالتّهديدات الوجودية‪ ،‬كاألمل والعشوائية واملوت‪ ،‬من شأنها أ ْن تزيد اعتقادهم بالله‪ .‬فبعد‬ ‫اللدينية املرتفعة سنة ‪ 2011‬زادت‬ ‫زلزال مدينة كرايسترشش الذي حصل يف نيوزيلندا التي تُصنف كأحد البلدان ذات ّ‬ ‫اللإكرتاثية ‪ Apatheism‬حيث‬ ‫االلتزامات ال ّدينية هناك‪ ،‬هذا ال ّنوع من اإللحاد يسميه نورينزيان باإللحاد الرباغاميت أو ّ‬ ‫يقول‪ :‬املوضوع ليس عن التّشكك وال ّرفض‪ ،‬بل إنّه وببساط ٍة عدم االهتامم؛ فهم ال يفكرون بال ّدين‪ ،‬ويضيف‪ :‬فبمقارنتها‬ ‫الصحية وانعدام األمن الوظيفي‬ ‫أمم ثري ٍة أخرى تنفرد الواليات املتحدة‬ ‫ِ‬ ‫م َع ٍ‬ ‫بنسب القلق الوجودي العالية وشُ ِّح ال ّرعاية ّ‬ ‫املنترش وغريها‪ ،‬ما يساهم يف خلق ٍ‬ ‫أرض ِخصب ٍة ليك يزدهر ال ّدين فوقها‪.‬‬ ‫اللدينية األخرى هو اإللحاد املفتقد لعرض تعزيز املصداقية ‪ inCREDulous Atheism‬الذي يشري إىل‬ ‫أهم مصادر ّ‬ ‫أحد ِ‬ ‫أي ٌ‬ ‫ميال للشّ ك باللّغة‬ ‫عرض تعزيز املصداقية آنف الذِّكر‪ ،‬مع مالحظة أ ّن ‪ inCREDulous‬هنا ال تعني ‪ْ incredulous‬‬ ‫رفض للـ ‪.CREDs‬‬ ‫اإلنجليزية‪ ،‬لكنه‬ ‫مصطلح يقصد به ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫قوي عىل كيفية انتقال األديان؛ فأينام تجد أفرا ًدا‬ ‫فالعرض ال ّدرامي للتّدين يقول عنه نورينزيان‪ :‬هذه العروض لديها تأث ٌري ٌ‬ ‫طبيعي‪ ،‬لكن‬ ‫مستعدين للموت ألجل دينهم؛ عىل سبيل املثال‪ ،‬ستجد أ ّن هذه املعتقدات ال ّدينية معدي ٌة وبشكلٍ غري‬ ‫ٍ‬ ‫حيث ال تَرى مثل هذه العروض وحتى لو كان املحيط كله أفرا ٌد متدينون ستجد أ ّن هنالك بواد َر لرفض ال ّدين‪.‬‬ ‫نورينزيان ما زال يعمل عىل معرفة العالقات بني هذه الطرق املختلفة التي تؤدي إىل اإللحاد‪ ،‬ورمبا يكون أحد أسبابها‬ ‫يف كونها تَ ْدعم بعضها تلقائ ًيا‪ ،‬لكنه يقول إ ّن حدسه يخربه أ ّن اإللحاد الرباغاميت هو األهم ويَذْكر‪ :‬هذا سيكون مفاجئًا‬ ‫للكثري من ال ّناس الذين يعتقدون بالوصول إىل اإللحاد عن طريق التّفكري التّحلييل‪ ،‬لكن حسب ما أرى من أدل ٍة قوي ٍة أ ّن‬ ‫املجتمعات تصل إىل املساواة فيام بينها‪ ،‬وبالتّايل ستأيت العلامنية بعد ذلك ‪.‬‬ ‫فحص قام به مرك ٌز‬ ‫بال ّنسبة لبعض أنصار ال ّدين فهذا يعني أ ّن ّ‬ ‫اللدينيني ليسوا ملحدين ُمطلقًا‪ ،‬وهذا اإلدعاء يدعمه ٌ‬ ‫"ثيوز ‪ "Theos‬الربيطاين املسيحي حيث وجدوا أنّه عىل ال ّرغم من تراجع األديان بني البالغني ّإل أ ّن املعتقدات ال ّروحية مل‬ ‫تكن يف حال ِة تراجعٍ؛ حيث إ ّن ‪ 60%‬من الذين ت ّم سؤالهم قالوا إنّهم يعتقدون بوجود قو ٍة عليا أو رو ٍح عظمى‪ ،‬وحوايل‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات مادي ٍة دون عنارص روحاني ٍة ‪.‬‬ ‫‪ 13%‬منهم اتفق مع املقولة‪ :‬البرش مجرد‬ ‫‪91‬‬


‫عاملٌ بال إل ٍه‪ :‬فقدان ديننا‬ ‫مستحيل‬ ‫ٌ‬ ‫ونخص بالذّكر باسكال بوير من جامعة واشنطن يف سانت لويس – قد ادعوا أ ّن اإللحاد يش ٌء‬ ‫بعض العلامء –‬ ‫ّ‬ ‫عىل املستوى ال ّنفساين بسبب طريقة تفكري البرش‪ .‬حيث أشاروا إىل دراس ٍة تقول إنّه حتى مع كون املرء ملح ًدا فام زال‬ ‫بداخله بعض املعتقدات ال ّدينية مثل وجود ال ّروح الخالدة عىل سبيل املثال‪.‬‬ ‫كالم فار ٍغ حيث يقول‪ :‬عناوين األفراد ال تهمني يف يش ٍء كام تهمني سيكولوجياتهم‬ ‫بال ّنسبة لنورينزيان هذا مجرد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وترصفاتهم‪ .‬فهل يقول ال ّناس إنّهم ال يعتقدون بوجود إل ٍه؟ هل يذهبون إىل كنيس ٍة أو ٍ‬ ‫مسجد؟ هل يُ َصلون؟‬ ‫معبد أو‬ ‫هل وجدوا شيئًا ذا مع ًنى يف ال ّدين؟ هذه هي املعطيات التي يجب أ ْن تثري اهتاممنا‪ ،‬وفقًا لهذا فمعظم غري املتدينني‬ ‫مم لو كان الطّريق الوحيد إليه هو رفض كل األفكار‬ ‫هم الدينيون ما يعني أ ّن اإللحاد ينترش بشكلٍ واسعٍ ٍ‬ ‫ودائم‪ ،‬أفضل ّ‬ ‫ال ّدينية‪.‬‬

‫غري املؤمنني يف تزاي ٍد‬

‫هل ستستمر تلك ال ّنزعة؟ ال تبدو كذلك يف ظاهرها‪ .‬إ ّن كان اإللحاد ينترش حيث األمان وال ّرخاء متوفران فإ ّن ت َ َغ ُي‬ ‫الظّروف املناخية وسوء األحوال البيئية سيبطّئ بشكلٍ كبريٍ عملية االنتشار‪ .‬يقول نورينزاين‪ :‬إ ْن حصلت كارث ٌة طبيعي ٌة‬ ‫كبري ٌة فأتوقّ ُع ازدياد اإلميان ال ّديني حتى يف تلك املجتمعات العلامنية‪ .‬ميكنك أخذ اله ّزة األرضية التي رضبت مدينة‬ ‫مثل‪.‬‬ ‫كرايسترشش يف نيوزلندا بعني االعتبار ً‬

‫ليس من الواضح إ ْن كانت عملية العلمنة األوروبية ستتك ّرر يف أماكن أخرى‪ .‬يقول ستيفن بوليفانت‪ ،‬وهو الهويت يف‬ ‫ٌ‬ ‫معروف‬ ‫جامعة القديسة ماري يف اململكة املتحدة ومحر ٌر يف دليل اوكسفورد لإللحاد‪ :‬إ ّن املسار الذي تسلكه ال ّدول‬ ‫قائل‪ :‬عىل ال ّرغم من ذلك‪ ،‬هنالك إجام ٌع حول إذا ما استمر ال ّرخاء‬ ‫بعض االستثناءات‪ ،‬ويستطرد حديثه ً‬ ‫تاريخ ًيا وله ُ‬ ‫االقتصادي واألمان وال ّدميقراطية باالزدهار فإ ّن العلامنية ستكون آتي ًة عىل األرجح يف نهاية املطاف‪.‬‬ ‫‪92‬‬


‫عاملٌ بال إل ٍه‪ :‬فقدان ديننا‬ ‫اللدينية بالتّزامن‬ ‫يقول مايكل نوجينت؛ وهو رئيس جمعية " ُمل ِْح ِدي ايرلندا ‪ :"Atheist Ireland‬إ ّن ايرلندا تحولت إىل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫السابقة التي‬ ‫أي‬ ‫مع انفتاحها االقتصادي‪ .‬كام أنّها بشكلٍ مثريٍ ال تظهر ُّ‬ ‫عالمات لعود ِة اإلميانِ ال ّديني عىل عكس امل ّرات ّ‬ ‫ٍ‬ ‫الصعب توقفها‪ .‬التّجربة األيرلندية‬ ‫بكوارث اقتصادي ٍة‪ُ ،‬موح ًيا أنّه إذا ما ّ‬ ‫أصيبت حينها بها‬ ‫اللدينية انترشت فإنّه من ّ‬ ‫بتغي اعتباراتها ال ّدينية القدمية‪ .‬يقول بوليفانت يف هذا األمر‪ :‬ايرلندا كانت‬ ‫توحي أنه حتى ّ‬ ‫أقل األماكن شَ بَ ًها بها قد تبدأ ّ‬ ‫أي ٍ‬ ‫بلد أخر‪ ،‬كبولندا أو حتى الفلبني"‪.‬‬ ‫دو ًما استثنا ًء أوروب ًيا وإ ْن حصل األمر هناك فقد يحصل يف ِّ‬ ‫وهنالك الحقيقة التي تقول إ ّن الواليات املتحدة تبتعد عن الله شيئًا فشيئًا عىل ما يبدو؛ فأكرث املجموعات ال ّدينية نُ ًوا‬ ‫هناك يف العرشي َن عا ًما األخرية هم "غري املؤمنني"‪ ،‬وخاصة بني الشّ باب‪ .‬أحد التّفسريات لهذا األمر هو تفسري األحداث‬ ‫التّاريخية كالحرب الباردة؛ فلعقو ٍد َع َّد األمريكيون أنفسهم يف مواجهة الشّ يوعيني امللحدين‪ ،‬كام ا ُعترب اإللحاد معا ٍد‬ ‫للوطنية‪ ،‬أ َّما الجيل الذي نشأ بعد سقوط جدار برلني عام ‪ 1989‬يعترب الجيل األكرث ابتعادا ً عن االعتبارات ال ّدينية‪.‬‬ ‫معاكسا بعد الحرب الباردة‪ ،‬ففي العام ‪َ 1991‬ع َّد ‪ 61%‬من ال ّروس أنفسهم غري‬ ‫بشكلٍ مثريٍ لالهتامم؛ نَ َح ْت روسيا من ًحى‬ ‫ً‬ ‫مؤمنني‪ ،‬ويف غضون عام ‪ 2008‬انخفضت ال ّنسبة لـ ‪ 18%‬فقط‪ .‬لكن يبدو أ ّن ال ّروس عاودوا االنضامم مجد ًدا إىل ال ّنزعة‬ ‫العلامنية؛ فبحسب اإلحصائيات املتخصصة بال ّدين واإللحاد فإ ّن ‪ 55%‬ممن شارك باالستفتاء عام ‪ 2012‬اعتربوا أنفسهم‬ ‫مؤمنني بدينٍ معنيٍ‪.‬‬ ‫قائل‪ :‬االحتامل‬ ‫لسبب آخ َر‪ ،‬وهو الطّريقة التي ينتقل بها ال ّدين عرب األجيال ً‬ ‫اللدينية ستستمر‬ ‫يعتقد بوليفانت أ ّن ال ّنزعة ّ‬ ‫ٍ‬ ‫األقوى حول إذا ما كان الشّ خص سيصبح مؤم ًنا هو كون والداه مؤمنني‪ ".‬فالطّفل الذي والداه مؤمنني لديه فرص ُة حوايل‬ ‫طفل والداه غري مؤمنني لديه فرصة ‪ % 3‬أ ّن يصبح مؤم ًنا‪ .‬يكمل بوليفانت‪ :‬إمكانية بقاء‬ ‫‪ % 50‬أ ْن يصبح مثلهام؛ أ ّما ٌ‬ ‫شخصا يتبع دي ًنا ما بعدما نشأ‬ ‫اإلنسان عىل ما هو عليه تكون أعىل بكثريٍ عند غري املؤمنني‪ ،‬فمن الغريب ج ًدا أ ْن ترى ً‬ ‫شخصا نشأ ٍ‬ ‫بوسط مؤمنٍ لينتهي بكونه ال ِدينياً‪ ،‬ففي اململكة املتحدة نجد أ ْن واح ًدا‬ ‫عادي ج ًدا أ ْن ترى ً‬ ‫ال ِدين ًيا‪ ،‬لكنه أم ٌر ٌ‬ ‫من ب ِني كلِ عرش ِة أشخاص تركوا الكنيسة الكاثوليكية سيتبع كنيس ًة أخرى‪.‬‬ ‫يشري بوليفانت أ َّن القناعة بشأن األديان تَثْبُ ُت يف منتصف العرشينيات من العمر؛ لذا فثالثون باملئة أو أكرث من الشّ باب‬ ‫سيغيون معتقداتهم عندما‬ ‫يف الواليات املتحدة الذين يعتربون أنفسهم ال يحملون ٌهوي ًة ديني ًة ما‪ ،‬من غري املرجح أنّهم ّ‬ ‫يكربون‪ ،‬ويف األغلب فإنّهم سينقلون عدم إميانهم ألوالدهم‪.‬‬ ‫رش‬ ‫يقول بوليفانت‪ :‬حقيق ًة وجود مثل هذه املجموعة‪ ،‬التي متتاز بكونها كبري ًة حقًا مل يسبق لها ٌ‬ ‫مثيل يف ّ‬ ‫السابق؛ هو مؤ ٌ‬ ‫قوي يف الواقع عىل عملية العلمنة الجارية‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪93‬‬


‫عاملٌ بال إل ٍه‪ :‬فقدان ديننا‬

‫إذا ً‪ ،‬هل يستطيع ال َعامل التّخيل عن اإلله ؟ " أظن أ ّن هذا ممك ٌن‪ ،‬ألنّنا نرى األمر يحدث بالفعل" يقول نورينزاين‪ .‬كيف‬ ‫سيبدو عاملٌ دون إل ٍه ؟ قد يَ ْعتَرب أحدهم أ ّن ال ّدين هو ال ّدافع األخالقي الذي يحافظ عىل املجتمع وإنّك إ ْن تخلصت‬ ‫من ال ّدين فإ ّن كل يش ٍء سينهار‪ .‬يقول زوكرمان‪ :‬هذا املوقف ُمتَب ٌع يف الواليات املتحدة‪ ،‬وحتى بعض العلامنيني تجدهم‬ ‫مؤيدين له‪ .‬لكن الواقع يقول غري ذلك وبال ّدليل‪ ،‬ففي عام ‪ 2009‬قام زوكريمان بإطالق تحليلٍ‬ ‫عاملي يقارن مستويات‬ ‫ٍ‬ ‫الصحة املجتمعاتية فيام يتعلق بالغنى‪ ،‬واملساواة‪ ،‬وحقوق املرأة‪ ،‬واملستوى‬ ‫اإلميان ال ّديني يف عدة دو ٍل مع مقاييس ّ‬ ‫التّعليمي‪ ،‬واآلمال الحياتية‪ ،‬ووفيات األطفال‪ِ ،‬‬ ‫والح ْمل لدى املراهقني‪ ،‬ومعدالت األمراض املنتقلة جنس ًيا ومعدالت‬ ‫متناسب طرديًا مع مدى علامنيتها‪.‬‬ ‫تحسن أداء البلد أو الوالية يف هذه املعايري املجتمعية جميعها‬ ‫الجرمية‪ ،‬ويذكر‪ :‬نجد ّ‬ ‫ٌ‬ ‫واألمر ذاته ينطبق عىل الواليات الخمسني املتحدة كلها‪.‬‬ ‫سبب‪.‬‬ ‫بالتّأكيد ال يعني أ ّن العلامنية ّ‬ ‫بالضورة تخلق مجتم ًعا ً‬ ‫سليم؛ فلرمبا ارتفاع نِ َس ِب اإللحاد هو نتيج ٌة أكرث مام هو ٌ‬ ‫سليم‪.‬‬ ‫يقول زوكريمان‪ :‬لكن ال ّنتيجة تسمح لنا بكشف ال ّزيف يف اإلدعاء القائل‪ :‬إ ّن ال ّدين‬ ‫رضوري ملجتمعٍ ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫بعض‬ ‫ويذهب أبعد من ذلك ُمحا ِج ًجا أ ّن العلامنية ميكن أ ْن تقود‬ ‫لتحسينات اجتامعي ٍة ويقول‪ :‬أعتقد اآلن أنّه هنالك ٌ‬ ‫من جوانب العامل العلامين لها دو ٌر يف سالمة املجتمعات ِ‬ ‫فأول‪ ،‬إ ْن كنت تعرف أنّه ال َعالَم ِسوى هذا وما من‬ ‫وصحتها‪ً .‬‬ ‫التكيز عىل العلم والتّعليم والحل العقالين‬ ‫حيا ٍة أخرى فإ ّن هذا سوف يدفعك لجعله َعاملٌ بأفضل صور ٍة ممكن ٍة‪ .‬ثان ًيا‪ّ ،‬‬ ‫اللديني‪ ،‬فعىل سبيلِ املثال هل سنصيل لتتوقّف الجرائم يف مدينتنا‪ ،‬أم أنّنا سنبحث يف‬ ‫للمشاكل الذي يرافق التّوجه ّ‬ ‫جذور املشكلة وأسبابها؟‬ ‫‪94‬‬


‫عاملٌ بال إل ٍه‪ :‬فقدان ديننا‬ ‫السوفييتي أو نظا ُم ال َخ ِمري ال ُح ْمر يف كمبوديا‬ ‫من ّ‬ ‫الصعب نقاش اإللحاد يف املجتمعات دون التّطرقِ إىل شبح االتحاد ّ‬ ‫ِ‬ ‫اللديني أشبه‬ ‫العديد من األنظمة األخرى التي قمعت أو َح َّر َم ْت ال ّدين‪ ،‬هل هناك مخاطر ٌة أ ْن يكون ُمعظم ال َعامل ّ‬ ‫أو‬ ‫سبب وجي ٌه لعدم التّفكري بهذه الطريقة‪ " ،‬أُميز بني اإللحاد‬ ‫بستالني جراد ً‬ ‫بدل من ستوكهومل؟ بال ّنسبة لزوكريمان فهنالك ٌ‬ ‫ِ‬ ‫املجتمعات ال ُحرة‪ .‬ويف الحالة الثّانية‬ ‫ّوعي الذي يَبْ ُزغ يف‬ ‫نظام‬ ‫القرسي الذي يُفْرض بالقوة من قبل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫دكتاتوري‪ ،‬واإللحاد الط ِ‬ ‫نرى نتائج ايجابي ٍة متعلِق ٍة بسالم ِة املجتمع‪".‬‬ ‫رمبا هنالك أم ٌر يستحق القلق أكرث وهو األمر املتعلق مبا سيحدث لصحتنا الجسدية والعقلية‪ .‬فالعرشون عا ًما املاضية‬ ‫احتوت عىل ك ٍّم كبريٍ من األبحاث التي تتطرق لفوائد اإلميان ال ّديني‪ ،‬وأغلب ال ّدراسات حاولت إيجاد ر ٍ‬ ‫ابط ما بني التّدين‬ ‫والسعادة‪ .‬وهذا ما يظهر عاد ًة عند ال ّناس املتدينني ذوي أسلوب الحياة األكرث صح ًة الذين ميلكون نشاطًا‬ ‫ّ‬ ‫والصحة ّ‬ ‫اجتامع ًيا قويًا‪.‬‬ ‫لهذا يقوم بعض الباحثني بالقفز مبارش ًة إىل‬ ‫الصحة‬ ‫الفكرة القائلة‪ :‬إ ْن كان ال ّدين يجلب ّ‬ ‫والسعادة فال بد أ ْن اإللحاد ذو نتائج معاكس ٍة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والصحة ليس قويًا كام‬ ‫لكن ال ّرابط بني ال ّدين ّ‬ ‫تحليل تلويًا ‪Meta-‬‬ ‫ً‬ ‫ت ّم اإلدعاء‪ .‬حيث إ ّن‬ ‫ٍ‬ ‫ابتهاالت ديني ٍة‬ ‫‪ Analysis‬اِكتشف وجود‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫يف منهاج البحث‬ ‫واستنتاجات خاطئ ٍة ً‬ ‫الصحة‬ ‫بل إ ّن البحث الذي ت ّم إجراؤه عىل ّ‬ ‫أي‬ ‫الجسدية وال ّنفسية لدى امللحدين مل يرصد َّ‬ ‫فروقٍ بينهم واملتدينني‪ ،‬ومبا يتعلق باملستوى‬ ‫متعلق‬ ‫االجتامعي فبالطبع زيادة نسبة اإللحاد‬ ‫ٌ‬ ‫أفضل‪.‬‬ ‫بسالم ٍة مجتمعي ٍة َ‬ ‫لكنك إ ْن كنت تظن أ َّن َعاملًا من اإللحاد سيكون ج ّن ًة من العقالنية واملنطق فعليك أ ْن ت ُفكر مجد ًدا‪ ،‬يقول نورينزاين‪:‬‬ ‫عندما يَف ِقد ال ّناس إميانهم بإل ٍه فذلك ال يعني أنّهم فقدوا إحساسهم الفطري القوي املتعلق بوجو ِد ِق ًوى خارق ًة‪ ،‬حتى يف‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات أغلبيتها من امللحدين فإنّك لَتَ ِج ْد الكثري من املعتقدات غري العادية كاإلميان باألبراج والكارما والحياة خارج‬ ‫أي دليلٍ‬ ‫علمي لكنها جلي ٌة بديه ًيا بال ّنسبة لل ّناس‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫األرض‪ .‬قضايا ال متلك َّ‬ ‫‪95‬‬


‫عاملٌ بال إل ٍه‪ :‬فقدان ديننا‬ ‫قائل‪ :‬من املهم أ ْن نُ ِ‬ ‫قدر كون هنالك دواف َع نفسي ًة قوي ًة خلف ال ّدين؛‬ ‫بالضورة‪ ،‬إذ يكمل نورينزاين ً‬ ‫ليس هذا أمرا ً سيّئاً ّ‬ ‫وال ميكننا القول فقط إنّه خراف ٌة وعلينا التّخلص منه‪ .‬بل علينا إيجاد حلو ٍل بديل ٍة ملشاكل الحياة العميقة والقدمية التي‬ ‫بديل جدي ٌر بالتّطبيق‪.‬‬ ‫يحاول ال ّدين حلّها‪ .‬وإ ْن متكنت املجتمعات من تحقيق ذلك فأعتقد أ ّن اإللحاد ٌ‬ ‫السبت " – املَذْكور آنفًا – ميكنها تقديم الفائدة لتحقيق حاجة غري املؤمنني املحبني‬ ‫تجمعات امللحدين كـ " تجمع ّ‬ ‫اللدينية ميكن‬ ‫اللدينية ليُوصلوا رسال ًة أ ّن املجتمعات ّ‬ ‫أيضا بال ِقيم ّ‬ ‫لحس املجتمع ووجهة نظ ٍر أخالقي ٍة عام ٍة‪ .‬ويتشاركون ً‬ ‫ِّ‬ ‫اللعقالنية حركة العرص الجديد ‪New-Age‬‬ ‫أ ْن تكون مجتمعاتً سليم ًة‪ .‬وإ ْن تطّلب األمر القبول مبست ًوى مع ٍني من ّ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ Movement‬فليك ْن األمر كذلك‪ ،‬كل هذا يضاف ليكون رؤي ًة ملستقبلٍ‬ ‫مختلف عن العقالنية الجامدة التي‬ ‫إلحادي‬ ‫ٍ‬ ‫تخيالها ويرب ودورخيم وملحدون معارصون كريتشارد دوكينز وآخرون‪.‬‬ ‫بدل من العدائي ِة‬ ‫السعادة وال ّروحانية‪ ،‬ويكون مدفو ًعا بعدم االكرتاث لألديان ً‬ ‫يحمل هذا املجتمع املستقبيل بعضاً من ّ‬ ‫تُجاهها‪ ،‬لك ّنه سيكون مجتم ًعا جي ًدا عىل ال ّرغم من ذلك‪ .‬يف الواقع‪ ،‬سيكون مجتم ًعا ال يختلف كث ًريا عن مجتمع بريطانيا‬ ‫الحديثة‪ .‬وبينام أميش عائ ًدا إىل سياريت يف صباح يوم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مشمس ال ميكنني التّوقف عن التّفكري كيف أنّه لن يكون‬ ‫أحد‬ ‫يو ًما سيئًا ج ًدا‪.‬‬ ‫ترجمة‪Anouar El Mekki :‬‬ ‫‪Cold Winter‬‬ ‫ ‬ ‫‪McKie Theman‬‬ ‫ ‬ ‫عاصم عيل‬ ‫ ‬

‫تدقيق‪ :‬رسود سليم‬ ‫عيل النجفي‬ ‫ ‬

‫‪https://www.facebook.com/TheEnlightenedMinds‬‬

‫‪96‬‬


97


‫حي وما‬ ‫بني ما هو ٌ‬ ‫ميت‪ :‬ال يوجد‬ ‫هو ٌ‬ ‫يش ٌء عىل اإلطالق‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات مضت‪،‬‬ ‫أتذكّر يف املدرسة االبتدائية‪ ،‬قبل‬ ‫وتحدي ًدا يف صف العلوم الطّبيعية‪ ،‬عرض علينا‬ ‫الصالحية – مل‬ ‫املدرسون فكر ًة ضمن املنهج – املنتهي ّ‬ ‫ِ‬ ‫وصف كائنٍ متّت تسميته‬ ‫نسمع بها من قبل‪ ،‬فكرة‬ ‫بالـ «فريوس» وهو يقع كحلقة وصلٍ بني الكائنات‬ ‫بالضبط ما يعنيه ذلك‪،‬‬ ‫الح ّية وامليتة‪ .‬جمي ًعا مل نفهم ّ‬ ‫وما زال هناك بعض الغموض يف ذلك الوصف‪ ،‬وال‬ ‫يقترص هذا الغموض عىل طلب ٍة ال تتعدى أعامرهم‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫الثّانية عرشة‪ ،‬بل كان يشمل املدرسني ً‬

‫‪98‬‬


‫ميت‪:‬‬ ‫حي وما هو ٌ‬ ‫بني ما هو ٌ‬ ‫ال يوجد يش ٌء عىل اإلطالق‬ ‫متاثيل حي ٌة‪:‬‬ ‫ٌ‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫حينام تسري يف أسواق مدينتك وتشاهد التّامثيل املشابهة إىل ٍ‬ ‫الصورة يف بعض األحيان تختلط‬ ‫حد كبريٍ ج ًدا للبرش‪ ،‬تكاد ّ‬ ‫يوم حا ٍر وأنت عائ ٌد من العمل‪ .‬لعل أهم ما ميكنك أ ْن تُ يز‬ ‫الحي يف ظهرية ٍ‬ ‫عليك‪ ،‬وال متيز بني التّامثيل الجامدة والبرش ّ‬ ‫السمة –‬ ‫من خالله التّامثيل عن البرش األحياء‪ ،‬هو كون هذه التّامثيل جامد ٌة ال تتحرك‪ ،‬ولكن ماذا لو انعدمت تلك ّ‬ ‫سمة الجمود – منها؟‬ ‫لو ذهبت إىل بعض سواحل هولندا الغربية‪ ،‬ستتعرف عىل ما يسمى بـ «التّامثيل الحركية‪ ،»Kinetic Sculptures‬وهي‬ ‫آالتٌ يصل حجمها إىل حجم الحافالت‪ ،‬تتحرك مبفردها وفقًا لنفس املبدأ الذي يعمل به «الفن الحريك ‪،»Kinetic Art‬‬ ‫مصنوع ٌة بشكلٍ‬ ‫أسايس من األنابيب البالستيكية والخشب واألرشعة‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫التامثيل الحركية ‪Kinetic Sculptures‬‬ ‫‪https://www.youtube.com/watch?v=HSKyHmjyrkA‬‬

‫تلك التّامثيل عديدة األرجل تتحرك بصور ٍة مستقل ٍة ومرن ٍة ج ًدا‪ ،‬حتى تُشكل تحديًا للوهلة األوىل أل ْن نَ ُعدها حي ًة نو ًعا‬ ‫ما‪ .‬وال يخفى ذلك الشّ عور عن صانعها الهولندي ثيو يانسن ‪ ،Theo Jansen‬بل عاد ًة ما يصفها بالحيوانات أو وحوش‬ ‫الساحل ‪ ،))strandbeest‬ويكشف عن نيته ألن يطلقها إىل الشّ اطئ يو ًما ما ليك تعيش مبفردها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫السياح ليلتقطوا لها صو ًرا‪ .‬حتى ينتاب البعض شعو ًرا باألسف لو سقطت إحداها ومل‬ ‫رائع ٌة‪ ،‬يصفها من شاهدها‪ .‬ويأيت ّ‬ ‫طفل ينازع ل َي ْخطو خطواته األوىل إىل أ ّمه‪ .‬لكنها ليست ح ّي ٌة يف‬ ‫تستطع أ ْن تكمل مسريها – كام لو أنّهم يشاهدون ً‬ ‫الحقيقة‪ ،‬بل هي مجرد ٍ‬ ‫الصنع جميل ٌة ج ًدا‪ .‬بهذا املنطق‪ ،‬سنتفق اآلن أنا وإياك‪ ،‬عزيزي القارئ‪ ،‬عىل‬ ‫آالت‪ ،‬آالتٌ متقن ُة ّ‬ ‫قليل‪ ،‬وأكمل هذه املقالة‪ ،‬وأبني كيف أنّها ليست أقل حيا ٍة من‬ ‫أنّها ليست حي ٌة‪ ،‬ولكن سأتركك لوحدك يف هذه القناعة ً‬ ‫كثريٍ من األنواع التي ال نشك للحظ ٍة يف كونها حي ٌة‪.‬‬ ‫‪99‬‬


‫ميت‪:‬‬ ‫حي وما هو ٌ‬ ‫بني ما هو ٌ‬ ‫ال يوجد يش ٌء عىل اإلطالق‬ ‫معضلة تعريف الحياة‪:‬‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫ٍ‬ ‫بتعريف واض ٍح وشاملٍ للحياة‪ ،‬وليست هذه حج ٌة مبني ٌة عىل الفجوات العلمية‪،‬‬ ‫ما الحياة؟ ال يستطيع العلم أ ْن يخربنا‬ ‫بل عدم استطاعة العلم بناء هذا التّعريف هو ما تتنبأ به نظرية الـ ‪ Abiogenesis‬والتي بدورها تصف نشوء الحياة‪.‬‬ ‫ولفهم كيف حصل هذا‪ ،‬تذكر أنّه حسب نظرية التّطور البيولوجي لداروين‪ ،‬ال يوجد ما يوصف بـ «البرشي األول ‪the‬‬ ‫‪ ،»first homo-sapien‬ونفس الحالة نجدها حني نشوء أول الكائنات التي ميكن أ ْن تُوصف بالحيّة‪ ،‬فال يوجد ما ميكن‬ ‫أ ْن نسميه بالكائن الحي األول‪.‬‬ ‫مل تبدأ هذه املعضلة مع نظرية الـ ‪ Abiogenesis‬وال مع نظرية التّطور‪ ،‬بل لها تاري ٌخ ميت ّد إىل فالسفة اإلغريق من‬ ‫ٍ‬ ‫دقيق ومو ّح ٍد للحياة وفشلوا جمي ًعا‪ .‬وليك تجاري هذه‬ ‫أرسطو وغريهم‪ ،‬فقد صارعوا ليشقّوا طريقهم نحو‬ ‫تعريف واض ٍح ٍ‬ ‫املعضلة‪ ،‬تحاول ال ّنصوص العلمية الحديثة أ ْن تشري إىل ٍ‬ ‫بعض من سامت الكائنات الحيّة املفقودة يف الكائنات غري الحيّة‪.‬‬ ‫السامت‪ ،‬يفتقدها ما‬ ‫السامت‪ :‬التّنظيم‪ ،‬ال ّنمو‪ ،‬التّكاثر‪ ،‬والتّطور‪ .‬لكن حتى يف هذه الطّريقة‪ ،‬نجد أ ّن هذه ّ‬ ‫وأهم تلك ّ‬ ‫ندعوه ح ًّيا وميتلك إحداها أو بعضها ما ندعوه جام ًدا‪.‬‬ ‫فلتأخذ البلورات عىل سبيل املثال‪ ،‬فهي منظّم ٌة بشكلٍ ٍ‬ ‫فريد‪ ،‬بإمكانها أ ْن تنمو‪ ،‬بإمكانها حتى تكرار هياكلها بأمان ٍة‪ ،‬لكننا‬ ‫ال ندعوها حيّ ٌة ٌ‬ ‫‪.‬مثال أخ ٌر؛ تجدر اإلشارة إليه‪ ،‬هو ما يعرف يف عامل الربمجيات بـ «الكائن ال ّرقمي ‪.»Digital Organism‬‬ ‫فبإمكان هذا األخري أ ْن ينمو‪،‬ويتكاثر‪ ،‬ويتزاوج‪ ،‬وحتى بإمكانه أحيانًا أ ْن يتطور‪ )1(.‬ولكن إ ْن قمنا بإدخال هذه الكائنات‬ ‫ال ّرقمية ململكة الحياة‪ ،‬سيس ّبب عملنا هذا كث ًريا من الجدل وعدم االرتياح‪ .‬قيامنا بوصفها أنّها كائنات ح ّي ٌة أو غري ح ّي ٍة‪،‬‬ ‫يغي شيئًا من حقيقتها‪ ،‬وحتى إ ْن قلنا إنّها مجرد محاكا ٍة برمجي ٍة‪ ،‬فهنالك فرضي ٌة علمي ٌة تس ّمى «فرضية املحاكاة‬ ‫ال ّ‬ ‫‪ »Simulation Hypothesis‬لها تاريخها الطّويل وبحوثها الكثرية‪ ،‬تفرتض أنّنا نعيش محاكا ٍة كواقعٍ وليس واق ًعا بذاته‪.‬‬

‫‪1 - McKinley، Philip، et al. "Harnessing digital evolution." IEEE Computer 41.1 (2008): 54-63.‬‬

‫‪100‬‬


‫ميت‪:‬‬ ‫حي وما هو ٌ‬ ‫بني ما هو ٌ‬ ‫ال يوجد يش ٌء عىل اإلطالق‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫عىل الجانب األخر‪ ،‬ميكننا أ ْن نأخذ ما نسميه خنازير الطّحلب ‪ Tardigrades‬واألرتيميا ‪ Brine shrimp‬عىل سبيل‬ ‫أي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لسنوات عديد ٍة‪ ،‬أحيانًا تنجو من حالتها وتعود‬ ‫أييض‪ ،‬بال تكاثرٍ‪ ،‬بال منوٍ‪ ،‬بال حرك ٍة‪،‬‬ ‫نشاط ٍ‬ ‫املثال‪ ،‬والتي ينعدم فيها ُّ‬ ‫حي إىل كائنٍ ٍ‬ ‫ميت؟ وإ ْن‬ ‫إىل نشاطها‬ ‫األييض الطّبيعي وأحيانًا ال تنجو وت َهلك نهائيًا‪ ،‬لكن متى يا ترى تحولت من كائنٍ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أي من ال ّنشاطات األيضية وسامت الكائنات الح ّية األخرى‪ ،‬هل نجرؤ أ ْن نُنكر أ َّن ال ّروح التي وهبها‬ ‫كانت ال تتوافر فيها ٌّ‬ ‫تدب فيها؟‬ ‫الله إياها ال ّ‬ ‫معضلة التّمييز بني ما هو‬ ‫حي – أو‬ ‫حي وما هو غري ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫جام ٍد – تصل أَ َو َجها وتتعاظم‬ ‫أهيمتها لدى وكالة الفضاء‬ ‫‪ .NASA‬فلِيك نعلم ما إ ْن‬ ‫كانت هناك حيا ٌة أخرى‬ ‫عىل بقية الكواكب علينا أ ْن‬ ‫نضع تعريفًا للحياة‪ ،‬وإ ْن‬ ‫كنا نواجه صعوب ًة يف وضع‬ ‫ٍ‬ ‫شامل ملا نألفه‬ ‫تعريف يكون ً‬ ‫عىل هذا الكوكب‪ ،‬فكيف‬ ‫بالكواكب األخرى؟‬ ‫مقال للموسوعة الربيطانية‬ ‫كتب العامل األمرييك كارل ساغان – وكان ذلك الوقت يعمل لدى وكالة ‪ً – NASA‬‬ ‫ٍ‬ ‫تعريف من ال ّناحية الفسيولوجية‪،‬‬ ‫تعاريف للحياة‪،‬‬ ‫‪ Encyclopedia Britannica‬لتعريف الحياة‪ ،‬وضع فيه خمسة‬ ‫ٌ‬ ‫وآخ ٌر من ناحي ٍة أيضي ٍة‪ ،‬وآخ ٌر من ناحي ٍة كيمياحياتي ٍة‪ ،‬وآخ ٌر من ال ّناحية الوراثية‪ ،‬وأخ ًريا من ال ّناحية ال ّديناميكيا الحرارية‪.‬‬ ‫استثناءات وتح ّد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أي من هذه التّعاريف يف‬ ‫أي من هذه التّعاريف كان يضع‬ ‫يات لكل منها‪ .‬فلم ينجح ٌّ‬ ‫وبعد أ ْن يُكمل ًّ‬ ‫أن يكون موح ًدا ودقيقًا‪)2(.‬‬ ‫عام ‪1990‬؛ اشرتك مجموع ٌة من العلامء ملساعدة وكالة ‪ NASA‬يف مهمتها إليجاد حيا ٍة عىل الكواكب األخرى‪ ،‬بوضعهم‬ ‫ٍ‬ ‫مكتف بذاته‪ ،‬قاد ٌر عىل التّطور ال ّدارويني»‪ )3(.‬لكن حتى هذا‬ ‫تعريفًا مناس ًبا للحياة‪ .‬وما خرجوا به كان كالتّايل‪« :‬نظا ٌم‬ ‫التّعريف يفشل حني نتذكر تلك الكائنات‪ ،‬التي بدأنا أسطر هذه املقالة بذكرها‪ ،‬التي نسميها «الفريوسات»‪.‬‬ ‫‪2 - SAGAN، CARL. "Definitions of life."The Nature of Life: Classical and Contemporary Perspectives from Philosophy and Science (2010): 303.‬‬ ‫‪3 - Luisi، Pier Luigi. "About various definitions of life."Origins of Life and Evolution of the Biosphere 28.4-6 (1998): 613-622.‬‬

‫‪101‬‬


‫ميت‪:‬‬ ‫حي وما هو ٌ‬ ‫بني ما هو ٌ‬ ‫ال يوجد يش ٌء عىل اإلطالق‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫منقوص األوكسجني ‪،DNA‬‬ ‫الفريوسات كائناتٌ تتكون من كبسول ٍة بروتيني ٍة تحتوي سلسل ًة من الحمض ال ّنووي ال ّرايبي‬ ‫ُ‬ ‫بدل من املادة الوراثية األصلية‬ ‫أو الحمض ال ّنووي ال ّرايبي ‪ RNA‬داخلها‪ ،‬تقوم باقتناص خلي ٍة ما وتضع مادتها الوراثية ً‬ ‫السيطرة عىل العمليات الحيوية للخلية لتكون يف خدمتها وتعطي لها إيعاز ٍ‬ ‫ات من‬ ‫خاص َة الخلية‪ ،‬وبهذا تتمكن من ّ‬ ‫ٍ‬ ‫فريوسات أخرى بأعدا ٍد هائل ٍة بنفس املادة الوراثية‪ ،‬بذلك تكون قد حققت التّكاثر‪ .‬لدى الفريوسات‬ ‫شأنها تكوين‬ ‫قابلي ٌة فائق ٌة ج ًدا عىل التّكاثر ضمن آلي ٍة فعال ٍة ج ًدا‪ .‬وهي بكل ٍ‬ ‫تأكيد قابل ٍة أل ْن تتطور ضمن املفهوم ال ّدارويني للتّطور‪.‬‬ ‫وأمثلة تطور الفريوسات ونشوء أنوا ٍع جديد ٍة لها كثري ٍة‪ .‬وعىل ال ّرغم من ذلك‪ ،‬اعرتض العلامء لقرون عديد ٍة عىل وصف‬ ‫ٍ‬ ‫ككائنات حي ٍة‪.‬‬ ‫الفريوسات‬

‫يف مقابل ٍة له مع ‪ ،Astrobiology Magazine‬يذكر العامل جريال ّد جويس ‪ ،Gerald Joyce‬وهو أحد العلامء الذي ساعدوا‬ ‫وكالة ‪ NASA‬يف وضع التّعريف الذي سبق ذكره للحياة‪ ،‬يذكر أ ّن الفريوسات ال يشملها هذا التّعريف؛ ألنّها ليست‬ ‫إل داخل الخاليا التي تصيبها‪)4(.‬‬ ‫مكتفي ٌة بذاتها‪ .‬فال ميكن لها أ ْن تتكاثر وتتطور ّ‬ ‫الشء ميكن تطبيقه عىل العديد من الطّفيليات التي نتفق جمي ًعا عىل أنّها ح ّي ٌة‪ ،‬مثل تلك ال ّديدان املعوية‬ ‫لكن نفس ّ‬ ‫متتص عصارة ال ّنباتات األخرى‪ ،‬والفطريات‬ ‫املتعطشة لل ّدماء‪ ،‬ونبات الحامول ‪ Cuscuta‬وغريه من الطّفيليات ال ّنباتية التي ّ‬ ‫التي متد جذو ًعا لتتغذى عىل جثث العناكب التي قتلتها‪ .‬جميع هذه األمثلة وغريها كث ٌري‪ ،‬تعتمد عىل املستضيف يف‬ ‫حياتها وتكاثرها وتطورها كام يعتمد الفريوس عىل الخلية التي يصيبها‪ّ .‬إل أنّنا ال نشك ولو لوهل ٍة يف كونها حي ٌة‪.‬‬ ‫‪4 - Leslie Mullen، Astrobiology Magazine، Defining Life: Q&A with Scientist Gerald Joyce، August 01، 2013.‬‬

‫‪102‬‬


‫ميت‪:‬‬ ‫حي وما هو ٌ‬ ‫بني ما هو ٌ‬ ‫ال يوجد يش ٌء عىل اإلطالق‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات من العمل مع وكالة ‪NASA‬‬ ‫بعد عرش‬ ‫للفضاء‪ ،‬ترك جريال ّد جويس‪ Gerald Joyce‬الوكالة‬ ‫ٍ‬ ‫ببحوث كانت نتائجها تدحض وبشد ٍة‬ ‫مهتم‬ ‫ً‬ ‫التّعريف الذي وضعه هو وزمالؤه من العلامء‬ ‫للحياة‪ .‬ففي مختربهم‪ ،‬قاموا بإيجاد جزيئتني اثنتني‬ ‫من الحامض ال ّنووي ال ّرايبي ‪ ،RNA‬بإمكانهام صناعة‬ ‫ٍ‬ ‫نس ٍخ إحداهام لألخر بشكلٍ‬ ‫مكتف ذات ًيا‪ ،‬بوضع‬ ‫ٍ‬ ‫أي وحدات بنا ٍء كل‬ ‫متواليات من ال ّنيوكليوتيدات – ْ‬ ‫من الحامض ال ّنووي ال ّرايبي ‪ RNA‬و الحامض ال ّنووي‬ ‫ال ّرايبي منقوص األوكسجني ‪ (5) .DNA‬عىل ال ّرغم من‬ ‫أنّه ال ميكننا التّأكد بشكلٍ ال يدعو للشّ ك‪ ،‬ولكنه من‬ ‫املمكن القول‪ :‬إ ّن قبل ‪ 4‬مليار ٍ‬ ‫السنني كان‬ ‫ات من ّ‬ ‫الحساء البدايئ ‪Primordial Soup‬يحتوي عىل هذه‬ ‫الجزيئات املكتفية ذات ًيا‪ ،‬تكونت من ال ّنيوكليوتيدات‬ ‫التي كانت تطوف بشكلٍ حرٍ‪ .‬كون هذه الجزيئات‬ ‫مج ّرد أجزا ٍء من الحامض ال ّنووي ال ّرايبي‪ ،RNA‬فهي‬ ‫أبسط حتى من الفريوسات‪ ،‬وكونها مكتفي ٌة بذاتها‪،‬‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫جريال ّد جويس ‪Gerald Joyce‬‬

‫وقادر ٌة عىل التّكاثر والتّطور‪ ،‬يعرتف جريال ّد جويس أنّها تتفق مع التّعريف الذي وضعه للحياة‪ ،‬إلّ أنّه يرتدد يف وصفها‬ ‫ح ّي ٌة‪.‬‬ ‫ملاذا يا ترى نشهد هذا التّناقض؟ ملا ال نستطيع أ ْن نتفق حول موقفنا من الفريوسات بوصفها ح ّي ٌة أو غري ح ّي ٍة؟ أعتقد‬ ‫ألنّنا نحاول تعريف يش ٍء ليس له وجو ٌد‪ .‬أعتقد أ ّن الحياة مفهو ٌم وليس واق ًعا‪.‬‬

‫ال ّنموذج العقيل واملفهوم املحض‪:‬‬

‫أول أ ْن منيز بني ال ّنامذج العقلية واملفاهيم املحضة‪ .‬ال ّنموذج العقيل هو‬ ‫ليك نفهم هذا الطّرح بشكلٍ أفضل علينا ً‬ ‫مثل عىل عينيك ليكون لديك صورة حيوانٍ ما‪ ،‬فلنفرتض أنّه‬ ‫الضوء ً‬ ‫املالحظة التي تحصل عليها‪ ،‬حني تسقط فوتونات ّ‬ ‫كلب‪،‬‬ ‫كلب صغ ٌري ميتلئ جسده بالفرو الجميل‪ .‬ما ت ّم بناؤه من صور ٍة يف دماغك هو‬ ‫ٌ‬ ‫يل‪ ،‬أ ّما إذا وصفته أنّه ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫منوذج عق ٌ‬ ‫‪5 Lincoln، Tracey A.، and Gerald F. Joyce. "Self-sustained replication of an RNA enzyme."Science 323.5918 (2009): 1229-1232.‬‬

‫‪103‬‬


‫ميت‪:‬‬ ‫حي وما هو ٌ‬ ‫بني ما هو ٌ‬ ‫ال يوجد يش ٌء عىل اإلطالق‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫فمثل لو قمنا بجمع جميع الكالب التي ُوجدت يو ًما عىل األرض ووضعناها أمامك فتسجد صعوب ًة‬ ‫محض‪ً .‬‬ ‫فذلك مفهو ٌم ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ذئب‪ .‬نفس األمر سيحصل لك لو جمعنا لك كل ال ّنباتات التي‬ ‫كبري ًة يف وضع‬ ‫كلب وما هو ٌ‬ ‫تعريف مييز بني ما هو ٌ‬ ‫ُوجدت يو ًما ما عىل األرض وطلبنا منك أ ْن تضع تعريفًا مييز بني الشّ جرة والشّ جرية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مجموعات بحسب مفاهيم معين ٍة‪ ،‬عملي ٌة مفيد ٌة ج ًدا يف تعاملنا اليومي‬ ‫عملية تصنيف ال ّنامذج العقلية إىل‬ ‫معها‪ .‬فمن الجيد أ ْن من ّيز الذئب عن الكلب‪ ،‬ومن ّيز الشّ جرة عن الشّ جرية‪ ،‬لكن تبقى صفتي «الشّ جرة» و«الكلب»‬ ‫ميت وما‬ ‫الصلة بالواقع‪ ،‬ووجودهام بشكل أفرا ٍد أك ُرث صل ٍة بالواقع‪ .‬كذلك الحال مع ما هو ٌ‬ ‫مفهومان قَلِ َيل ّ‬ ‫ميت‪ ،‬لكن يبقى أن‬ ‫حي‪ ،‬فمن الجيد – واملفيد‬ ‫ٍ‬ ‫حي وما هو ٌ‬ ‫ألسباب تطوري ٍة واضح ٍة – أ ْن منيز بني ما هو ٌ‬ ‫هو ٌ‬ ‫الصلة بالواقع‪ ،‬والوجود عىل كوكب األرض بشكل أفرا ٍد أكرث صل ٍة بالواقع‪.‬‬ ‫الحياة ليست سوى‬ ‫ٍ‬ ‫مفهوم قليل ّ‬ ‫لقد كتب يف هذا األمر العامل الربيطاين البيولوجي ريتشارد داوكنز ‪ Richard Dawkins‬واصفًا إياه بـ «العقل التقطعي‬ ‫أي إنّنا نحب دو ًما أ ْن نُصنف ما نراه إىل مجاميع مختلف ٍة‪ ،‬والبد أ ْن تكون هنالك ثغر ٌة ما‬ ‫‪ْ ،»Discontinuous Mind‬‬ ‫«حي»‬ ‫تفغر فاهها بني هذه املجاميع‪ ،‬ثغر ٌة البد لها أ ْن ت ُوجد بني ما نسميه «شجرةٌ» وما نسميه «شجريةٌ»‪ ،‬وبني ما نصفه ٌ‬ ‫«ميت»‪ .‬لكن هذه الثّغرة وهذه املجاميع ليست حقيقي ٌة البت ٌة‪.‬‬ ‫و ما نصفه‬ ‫ٌ‬ ‫يذكر ريتشارد داوكنز‪ ،‬يف مقالته ‪ ،Gaps In The Mind‬التّايل‪:‬‬ ‫تُ َع ُد هذه الطّريقة يف التّفكري خاصي ٌة مميز ٌة لِ َم أو ّد أ ْن أسميه «العقل التّقطعي ‪ .»Discontinuous Mind‬نحن نتفق‬ ‫أقدام ليست طويل ٌة‪.‬‬ ‫أقدام اِمرأ ٌة طويل ٌة‪ ،‬وأ َّن املرأة التي يبلغ طولها خمسة ٍ‬ ‫جمي ًعا عىل أ َّن املرأة التي يبلغ طولها ستة ٍ‬ ‫رسا يف ٍ‬ ‫فئات نوعي ٍة‪ ،‬لكن هذا ال يعني أ َّن العامل يف حقيقته‬ ‫تُغرينا الكلامت من نوع طويلٍ وقصريٍ أ ْن نضع العامل ق ً‬ ‫ٍ‬ ‫مضطرب اضطرابًا فيه تقطع بثغر ٍ‬ ‫بوصات‪ ،‬ث ّم طلب‬ ‫أقدام وتسع‬ ‫ات‪ .‬لو أ ّن القارئ أخربين أ َّن طول اِمرأ ٍة يبلغ خمسة ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫أقدام وتسع‬ ‫مني أ ْن أقرر ما إ ْن كان ينبغي بالتّايل أ ْن نقول عنها طويل ٌة أو ال‪ ،‬سأه ّز كتفي وأقول‪« :‬إ َّن طولها خمسة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بوصات‪ ،‬أال يخربك هذا مبا تحتاج ملعرفته؟» لكننا بيش ٍء من الكاريكاتري سنجد أ َّن العقل التّقطعي سيذهب إىل املحاكم‬ ‫عم إذا كانت هذه املرأة طويل ٌة أم قصريةٌ‪ .‬والحقيقة ّأن ال أكاد أكون يف حاج ٍة‬ ‫ليصل إىل قرا ٍر – رمبا بتكلف ٍة باهظة – ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عم‬ ‫سنوات تؤدي‬ ‫أل ْن أقول إ َّن األمر فيه كاريكاتري‪ .‬فقد ظلّت محاكم جنوب أفريقيا طيلة‬ ‫بنشاط مهمة إصدار األحكام ّ‬ ‫السود؟ أو امللونني؟ يُع ّد نظام الفصل العنرصي‬ ‫إذا كان أفرا ٌد مع ّينون ُولدوا من والدين مختلطني يُعدون من البيض؟ أو ّ‬ ‫يف الحقيقة أحد ال ُّنصب التّذكارية يف التّاريخ الستبداد العقل التّقطعي‪)6(.‬‬

‫‪6 Dawkins، Richard. "Gaps in the Mind."The great ape project (1993): 80-87.‬‬

‫‪104‬‬


‫ميت‪:‬‬ ‫حي وما هو ٌ‬ ‫بني ما هو ٌ‬ ‫ال يوجد يش ٌء عىل اإلطالق‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫السامت التي يفرتض أال نجدها ّإل يف الكائنات الح ّية‪ .‬ونجد‬ ‫بعض األشياء التي نصفها أنّها غري ح ّي ٍة‪ ،‬تحمل شيئًا من تلك ّ‬ ‫السامت‪ ،‬وال نشك يف وصفنا إياها يف الح ّية‪ .‬عىل ال ّرغم‬ ‫عىل الجهة األخرى أ َّن بعض الكائنات الح ّية ال تحتوي عىل هذه ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وكائنات غري ح ّي ٍة‪ ،‬وأ ْن نبحث عبثًا‬ ‫كائنات ح ّي ٍة‬ ‫من ذلك‪ ،‬تجدنا ُم ِصين عىل أ ْن نفصل الكائنات عىل سطح األرض إىل‬ ‫عن هذا الخط الفاصل‪ .‬علينا القبول أ ّن مفهوم الحياة له قيمته الرباغامتية يف أغراضنا البرشية‪ ،‬لكنه ال يعكس واقع‬ ‫الكون خارج ال ّدماغ البرشي‪.‬‬ ‫مثلها مثل كثريٍ من الحقائق العلمية‪ ،‬ال تتفق مع حدسنا الفطري‪ .‬وعىل ال ّرغم من أنّها تُقلل من غرورنا وشعورنا بالتّميز‪،‬‬ ‫ّإل أنّها تعطينا حري ًة مبشاهدة "وحوش يانسن" وهي تتحرك حركتها االنسيابية ال ّرائعة‪ ،‬دون أ ْن نقف حائرين ما إ ْن كنا‬

‫‪105‬‬


106


‫لسنا بحاج ٍة إىل إل ٍه‬

‫‪Girgis Rizk‬‬ ‫الله الذي نعرفه إل ٌه من بني آله ٍة كثري ٍة صنعها البرش للهروب من األسئلة الصعبة عن الكون والحياة واملوت‪ ،‬واآلن الله‬ ‫غري ٍ‬ ‫سأوضح يف ٍ‬ ‫نقاط قليل ٍة كيف ميكننا العيش دون إل ٍه ‪:‬‬ ‫مفيد للبرش‪ ،‬وقد انتهت فرتة عمله‪ ،‬يف هذا املقال ّ‬ ‫أي مشكل ٍة‬ ‫‪1.1‬املشاكل والظروف الخارجة عن إرادة اإلنسان أكرث األشياء التي تستدعي القوة الخارقة لحلّها رغم تفاهة ّ‬ ‫وحل‬ ‫تواجهك‪ ،‬فلامذا يلجأ املؤمن إىل الله يف وقت ضيقه واستسالمه للظروف املحيطة رغم قدرته عىل التفكري ّ‬ ‫حل املشكلة هو ما سيؤث ّر‪ ،‬الضعف البرشي‬ ‫أي يش ٍء ؟ فقط سعيك نحو ّ‬ ‫املشكلة‪ ،‬ويعتمد عىل قو ٍة خفي ٍة لن تؤثر يف ّ‬ ‫يجعلك تستسلم دون أي تفكريٍ لهذا اللهو الخفي‪ ،‬فقط عليك أن تأخذ خطو ًة إيجابي ًة نحو املشكلة‪ ،‬ال أن تنظر‬ ‫للسامء وتبدأ بالدعاء‪.‬‬ ‫كل مجريات أمورك ؟ كيف لك أن‬ ‫‪ 2.2‬هل تحتاج إلل ٍه لريسم مستقبلك ويتحكّم يف أحالمك‪ ،‬ويجعلك تعتمد عليه يف ّ‬ ‫تتوقّف عن حلمك مبقولة إنها إرادة الله أو أن الله ال يريدين كذلك ؟ الله ال يتحكّم يف الظروف‪ ،‬فظروفك نتيج ٌة‬ ‫ألرستك ومجتمعك ومؤسستك التعليمية الخاضعة ملكان ميالدك ال أكرث‪ ،‬أنت متح ّك ٌم يف حياتك بعد ما سبق‪ ،‬حياتك‬ ‫نتيج ٌة الختياراتك أنت وليس الله ( الله إعاق ٌة ملن يعتمد عليه ) عليك االعتامد عىل نفسك‪.‬‬ ‫كل إنسانٍ ‪ ،‬فالرزق نتاج تعبك وليس هب ًة من الله‪ ،‬فبحثك عن‬ ‫‪ 3.3‬الحياة تبادل جهو ٍد‪ ،‬الله ال يرسل النقود ملحفظة ّ‬ ‫وظيف ٍة يعتمد عىل حدسك وإقناعك لصاحب العمل وليس عىل بركة الله‪ ،‬فأنت تحتاج لرتتيب حياتك واعتامدك‬ ‫عىل قدراتك وليس عىل الله‪.‬‬

‫‪107‬‬


‫لسنا بحاج ٍة إىل إل ٍه‬ ‫‪Girgis Rizk‬‬

‫‪4.4‬املظلومون من يأخذ حقّهم ؟ ليس الله‪ ،‬لك ّنه القانون النزيه‪ ،‬فإذا كنت تعيش يف دول ٍة يسود فيها القانون فال حاجة‬ ‫لك إلل ٍه يجلب حقوقك‪ ،‬إنها مشكلة الدولة والنظام والفساد التي تعيش بها دول العامل الثالث‪ ،‬وكوكب األرض‬ ‫وطني‪ ،‬اإلنسانية ديانتي ‪.‬‬ ‫‪5.5‬الفقراء واملساكني من يعولهم ؟ إن مل ينهضوا بأنفسهم فال مساعد لهم غري اإلنسان‪ ،‬هو من مي ّد يد العون‪ ،‬ويصنع‬ ‫املالجئ ودور املسنني وذوي االحتياجات الخاصة‪ ،‬هو من ش ّيد املستشفيات والجمعيات الخريية‪ ،‬هو من يشعر‬ ‫بأطفال الشوارع وأطفال الصومال‪ ،‬عكس اإلله الذي تؤمن به مكتوف األيدي‪.‬‬ ‫‪6.6‬صدفة املوت‪ :‬إن مل تتابع حالتك الصحية أوالً بأو ٍل‪ ،‬وتكن حريصاً أثناء عبورك الطريق‪ ،‬وإذا كنت مهمالً يف اهتاممك‬ ‫بجسدك فامذا تتوقع ؟؟!! ليس الله من يختار الساعة‪.‬‬ ‫‪7.7‬يذهب البعض إىل إل ٍه ليجد معنى لحياته طمعاً يف الخلود والحياة بعد املوت‪ ،‬مع أنّه ليس لديه أدىن دليل عىل‬ ‫وجود الروح أو الحياة األخرى‪ ،‬فأنا أعيش حيا ًة واحد ًة وجدتها دون ٍ‬ ‫هدف أو معنى أو مغزى‪ ،‬فصن ْع ُت لها هدفًا‬ ‫رش‬ ‫ومعنى بعي ًدا عن عامل اآللهة‪ ،‬فال تعلّق معنى حياتك عىل األوهام والعيش من أجل ديناصو ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫ساموي صنعه ب ٌ‬ ‫ليتحكّموا بك‪.‬‬

‫‪108‬‬


‫لسنا بحاج ٍة إىل إل ٍه‬ ‫‪Girgis Rizk‬‬

‫ٍ‬ ‫سلبي تجاه البرش يف أنّهم ال يساعدون أح ًدا واللجوء إىل القوة الخفية‬ ‫‪8.8‬االحتياج النفيس إىل الله‪ ،‬يتمثّل يف أخذ‬ ‫موقف ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫مسؤول‬ ‫كالحب واألبوة والخضوع للسلطة‪ ،‬وأ ّن هناك من يهتم ويرعى‪ ،‬وأ ّن الله‬ ‫لتساعد وتس ّد االحتياجات النفسية‬ ‫ّ‬ ‫عن تيسري الحياة عىل البرش‪ ،‬لكن الله لن يس ّدد تلك االحتياجات‪ ،‬بل ستُصدم عندما ال يستجيب‪ ،‬لكن عليك أن‬ ‫تبحث ع ّمن يس ّدد احتياجاتك النفسية هنا عىل األرض‪.‬‬ ‫‪9.9‬إرضاء اإلله‪ :‬هذا أكرث ما يجذب اإلنسان للعبادة‪ ،‬ولعمل الخري لينال قسطاً من رضا اإلله حتى يكافئه عىل كونه‬ ‫خيا ً‪ ،‬لكن يف الواقع هذا ليس إال خوفاً من غضب ( القاهر‪ ،‬املتكرب‪ ،‬املاكر ) وطمعاً يف تهدئة الله‪ ،‬حاول أن تعمل‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫والحظ الفرق‪ ،‬ستجد نفسك إنساناً أل ّول م ّر ٍة‪ ،‬وإن تفعل الخري دون‬ ‫ضغوط خارجي ٍة ( ثواب وعقاب )‬ ‫الخري دون‬ ‫الله‪ ،‬هل هذه مشكل ٌة ؟؟‬ ‫وكل الجرائم طاملا ال يوجد إل ٌه؟ ما الذي مينعك ؟ ال أعرف ما الذي‬ ‫‪1010‬ما الذي مينع من القتل والرسقة واالغتصاب‪ّ ،‬‬ ‫لست‬ ‫يجربك عىل عدم فعلهم غري كونك خائفاً من العذاب األبدي الوهمي‪ ،‬لكنك غفلت عن نقط ٍة مهم ٍة وهي أنك َ‬ ‫كنت من مؤيّدي مقول ٌة كهذه ( لوال الدين لقتل الفقري الغني )‬ ‫إنساناً‪ ،‬لكنك مر ّو ٌض حتى ال ترتكب الجرائم‪ ،‬لو َ‬ ‫لست إنساناً‪ ،‬أنت تريد إيذاء اآلخرين‪ ،‬لكن جهنم هي السبب‪ ،‬ال يوجد يشء مينع سوى ( اإلنسانية ) وهي أال‬ ‫فأنت َ‬ ‫تؤذي أح ًدا‪ ،‬فهل تعلم أنك برسقة ٍ‬ ‫وليست أشياءك؟ هل تعلم مدى األىس والحزن‬ ‫شخص ما تؤذيه؟ فهذا ليس مالك‬ ‫ْ‬ ‫الذي سيلحق بأهل من تحاول قتله‪ ،‬لكن ما الداعي لكل هذا ؟ ( اسأل نفسك سؤاالً‪ :‬لو أ ّن الله غري موجو ٍد‪ ،‬هل‬ ‫ُ‬ ‫وأغتصب ؟ إذا كانت إجابتك نعم‪ ،‬فعليك أن تراجع إنسانيتك ) وعليك أن تبقى مؤم ًنا بعدها‪.‬‬ ‫وأرسق‬ ‫أقتل‬ ‫سوف ُ‬ ‫ُ‬ ‫رس السعادة‪ ،‬باستثناء‬ ‫‪1111‬هل تشعر بالراحة عند مساعدة اآلخرين دون التفكري يف مكافأ ٍة‪ ،‬بعدها هل تعلم أن ذلك هو ّ‬ ‫أن تكون مجر ًما فستُلقى يف السجن‪ ،‬هل ميكنك أن تضع نفسك مكان الشخص األخر حتى ميكنك أن تشعر به‪ ،‬وأن‬ ‫تالحظ ما ستفعله به وكأنه ينعكس عليك ؟‬ ‫سالم طاملا نهايتنا العدم‪ ،‬ما تلك امليول نحو السلم وكره الحرب ؟ اإلنسان حيوا ٌن يعيش‬ ‫‪1212‬ما الذي يجعلنا نعيش يف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تفاعل مع البيئة للحفاظ عىل بقاء النوع‪ ،‬عكس القتل والتنافس فيام بيننا‪ ،‬هل‬ ‫جامعات‪ ،‬والتعاون أكرث السبل ً‬ ‫يف‬ ‫ٍ‬ ‫جامعات فرصتها يف البقاء أقوى‪ ،‬فليست فكرة جيدة عىل اإلطالق‬ ‫تأكل الذئاب بعضها ؟ فالحيوانات التي تعيش يف‬ ‫أن نقتل بعضنا البعض‪.‬‬

‫لس َت يف حاج ٍة إلل ٍه ليمنعك‬ ‫لس َت يف حاج ٍة إلل ٍه ليمنعك من القتل‪ْ ،‬‬ ‫لس َت يف حاج ٍة إلل ٍه لتكون إنساناً‪ْ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫لس َت يف حاج ٍة إلل ٍه ليمنعك من اغتصاب‬ ‫لس َت يف حاج ٍة إلل ٍه ليمنعك من رسقة اآلخرين‪ْ ،‬‬ ‫من قتل نفسك‪ْ ،‬‬ ‫الفتيات ( هذا هو الفرق بني املؤمن وامللحد )‪ .‬األخالق واإلنسانية تجعلك تعيش أفضل ‪.‬‬ ‫‪109‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلّة امللحدين العرب مجل ٌة رقمي ٌة مبني ٌة‬ ‫ج ٍه سياسي؛‬ ‫ي تو ّ‬ ‫بجهودٍ فردي ٍة؛ وال تتبنّى أ ّ‬ ‫هدفها نشر أفكار امللحدين على اختالف‬ ‫جهاتهم وانتماءاتهم بحرّي ٍة كامل ٍة‪.‬‬ ‫تو ّ‬ ‫املعلومات والرسومات واملواضيع املطروحة‬ ‫تُعتبر مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية‬ ‫وناحية حقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬ ‫الناشرون‬ ‫امللحدين‬ ‫والالديني‬ ‫ّ‬ ‫بالنشر ‪.‬‬

‫هم من أعضاء مجموعة مجلة‬ ‫العرب‪ ،‬أو من الك ّتاب امللحدين‬ ‫ممّن مت ّ التواصل معهم ألخذ اإلذن‬

‫العامة‪،‬‬ ‫مناف لألخالق‬ ‫ُينع نشر كل ماهو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‪.‬‬ ‫لهيئة التحرير احلق ّ في نشر ما تراه مناس ًبا‬ ‫من املواضيع املوجودة في مجموعة اجمللة على‬ ‫موضوع ضمنها يُعتبر‬ ‫ي‬ ‫الفيس بوك ‪ ،‬فنشر أ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تفويضا ً للمجلّة بنشره‪.‬‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.