مجلة الملحدين العرب: العدد الثاني والعشرون / لشهر سبتمبر / 2014

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫القبيسيات‬ ‫املاسونية الضائعة‬ ‫كيف تناظر مدافعا عن‬ ‫املسيحية ‪ ..‬عن الراحل‬ ‫العدد الثاين و العرشون من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر سبتمرب لسنة ‪2014‬‬

‫‪victor stenger‬‬ ‫الكذب و التدليس في حضرة‬

‫‪Ragod Akili‬‬ ‫)‪(Nada Lutfi‬‬

‫الفضائيني‬ ‫مجلة امللحدين العرب‬

‫عن أخطاء امللحدين‬ ‫صافي احللبي‬

‫مجلّة امللحدين العرب مجل ٌة رقمي ٌة مبني ٌة‬ ‫ج ٍه سياسي؛ هدفها‬ ‫ي تو ّ‬ ‫بجهودٍ فردي ٍة؛ وال تتبنّى أ ّ‬ ‫جهاتهم‬ ‫نشر أفكار امللحدين على اختالف تو ّ‬ ‫وانتماءاتهم بحرّي ٍة كامل ٍة‪.‬‬ ‫املعلومات والرسومات واملواضيع املطروحة تُعتبر‬ ‫مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية وناحية‬ ‫حقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬


‫كلمة حترير اجمللة‬

‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫‪....................................................... Gaia Athiest‬‬ ‫أعضاء هيئة التحرير و بناء اجمللة‬ ‫‪John Silver‬‬

‫‪Zaher Zaher‬‬

‫عادل أحمد‬

‫‪Wissem Ben Samir‬‬

‫الغراب احلكيم‬

‫‪Zena Aziz‬‬

‫‪Sameer Samee‬‬

‫أبو العبد‬

‫‪Zoro Diego‬‬

‫‪Destin Fatal‬‬

‫‪Yamen Al Refai‬‬

‫‪Em Ma‬‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫‪Nada Lutfi‬‬

‫‪Mohamad Ahmed‬‬

‫‪Hassan W. Hassan‬‬

‫عقالني عقالني‬

‫‪Leena Awouda‬‬

‫‪Shakek Altaher‬‬

‫‪Ameer Albaghdadi‬‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫‪Mohammad Sy‬‬

‫‪Alia`a Damascéne‬‬

‫‪Anouar El Mekki‬‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫‪Cold Winter‬‬

‫‪Lina AL Assfer‬‬

‫عاصم علي‬

‫‪Ghaith Jabri‬‬

‫سرود سليم‬

‫‪Abdullah Hussein‬‬

‫اهلل خرافة‬

‫يتميــز املسلســل التلفزيونــي الشــهير ‪Game of Thrones‬‬ ‫ّ‬ ‫أو صــراع العــروش‪ ،‬باخليــال اخلصــب لكاتبــه جــورج آر آر‬ ‫أراض وممالــك‬ ‫مارتــن ‪ ، George R.R. Martin‬حيــث أوجــد ٍ‬ ‫وشــعوبًا جديــدة‪ ،‬ولــم يقــف عنــد هــذا احلــد‪ ،‬بــل إنــه‬ ‫ً‬ ‫طويــا مــن الصــراع‬ ‫وتاريخــا‬ ‫خاصــا بهــم‬ ‫وضــع تقوميًــا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ميتــد آالف الســنني‪ ،‬ومــن امللفــت أنــه أوجــد أديانًــا وآله ـ ًة‬ ‫تناســب البيئــة التــي صنعهــا‪ ،‬وأصبــح لديهــم مــا يشــبه‬ ‫امليثولوجيــا لآللهــة القدميــة التــي تعيــش فــي الغابــات‬ ‫وتراقــب بصمــت‪ ،‬واآللهــة اجلديــدة فــي عقيــدة الســبع‪،‬‬ ‫أي اإللــه ذو الســبع أوجــه والــذي ال يختلــف عــن مفهــوم‬ ‫اآللهــة اإلغريقيــة كثيــرًا‪ ،‬حيــث األب واألم والرمــوز األخــرى‬ ‫التــي متثــل احلكمــة واخلصوبــة واخللــق واحلــرب واملــوت‪،‬‬ ‫ناهيــك عــن املعتقــدات احملليــة لــكل منطقــة والصراعــات‬ ‫بــن آلهتهــا‪.‬‬ ‫وكمــا يقــال‪ :‬لــكل زمــان دولــة ورجــال‪ ،‬ســنضيف عليهــا‪:‬‬ ‫ولــكل زمــان ديــن ودجــال‪ ،‬وكمــا فــي الروايــة هنــاك‬ ‫شــخصيات تفصــح بعــدم تصديقهــا بهــذه اآللهــة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ســنجد فــي واقعنــا اخلــاف نفســه على مــر ّ العصــور‪ ،‬بني‬ ‫واملتعصبــن‪ ،‬وســواء كانت‬ ‫املتنوريــن‬ ‫الدجــل والعقــل‪ ،‬بــن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اخلرافــة فــي روايــة أو كتــاب ديــن‪ ،‬يبقــى العقــل واحــد‪،‬‬ ‫وتهمــة اإلحلــاد جاهــزة ومعلبــة‪ ،‬بــد ًءا مــن أنكســاجوراس‬ ‫وســقراط إلــى هيباتيــا وصـ ً‬ ‫ـول البــن رشــد وابــن الراونــدي‬ ‫وأبــو بكــر الــرازي إلــى فــرج فــودة ونصــر حامــد أبــو زيــد‬ ‫وغيرهــم الكثيــر‪.‬‬ ‫ـوة وإرهــاب‬ ‫دائمــا جنــد العقــل يقــف وحيـ ًدا منبــوذًا أمــام قـ ّ‬ ‫ً‬ ‫اخلرافــة‪ ،‬وبــن القتــل والتنكيــل مــن جهــة والنفــي‬ ‫والتغريــب مــن جهــة أخــرى‪ ،‬دفــع أصحــاب العقــول‬ ‫ضريبــة أفكارهــم بأغلــى األثمــان‪ ،‬ورغــم ذلــك بقيــت‬ ‫ـن‪ ،‬نحــو‬ ‫الفكــرة‪ ،‬وانتشــر التنويــر وزادت أحمــال العقالنيـ ّ‬ ‫دفــع اجملتمعــات للتغييــر والدفــاع عــن املبــادئ اإلنســانية‬ ‫جميعــا‪ ،‬ونحــن‬ ‫وحــق العيــش املشــترك‪ ،‬هــذه األوطــان لنــا‬ ‫ً‬ ‫مســتمرون حتــى نراهــا تنعــم بالعلمانيــة واملواطنــة‬ ‫املتكافئــة ‪ ،‬أفكارنــا باقيــة وتتمــدد بالعقــل والعلــم‬ ‫والتنويــر ال باإلرهــاب وقطــع الــرؤوس والتهجيــر‪.‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬

‫‪Muhannad D Metis LM Apostate‬‬ ‫‪almolhed alarabi‬‬ ‫‪Noor Massarwa‬‬

‫‪mary philo‬‬ ‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫االضطهاد ال ّديني واغتيال الكلمة‬ ‫حسام املنفي‬ ‫ُ‬

‫‪4‬‬

‫كيف تناظر مدافعا عن املسيحية‬ ‫فريق ترجمة قناة امللحدين بالعربي ‪1‬‬

‫‪15‬‬

‫ثالث أسئل ٍة عن اإلرهاب‬ ‫جورداين أغنستو‬

‫‪23‬‬

‫لقاء األنبياء‬ ‫مقالٌ ساخر ٌ للزميل‪ :‬مش فاهم‬

‫‪29‬‬

‫عادل أحمد‬ ‫في حوار مع‪...........‬‬

‫‪33‬‬

‫سلسلة الفاحشة في فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪2‬‬ ‫‪Hunger mind‬‬

‫‪43‬‬

‫الكذب و التدليس في حضرة الفضائيني‬ ‫اجلزء الثاني ‪ :‬أثار قدمية غامضة‬ ‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫‪50‬‬

‫إن الدين عند البدو اإلسالم ‪1‬‬ ‫‪Nesta Fz‬‬

‫‪86‬‬

‫القبيسيات (املاسونية الضائعة)‬ ‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫‪91‬‬

‫ي لإلسالم ‪:‬‬ ‫ال ّتاريخ الدمو ّ‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫‪99‬‬

‫عن أخطاء امللحدين‬ ‫صافي احللبي‬

‫‪105‬‬

‫سادس في اإلسالم ؟‬ ‫هل‬ ‫ٌ‬ ‫الكراهية ركنٌ‬ ‫ّ‬ ‫‪Leo Atheo‬‬

‫‪111‬‬

‫‪3‬‬


‫الديني‬ ‫االضطهاد ّ‬ ‫واغتيال الكلمة‬

‫عندما نبحث يف تاريخ الفكر اإلنساين عىل م ّر الزمان‪ ،‬نالحظ‬ ‫وجود رصا ٍع حا ٍد مري ٍر بني املعرفة والفكر من جه ٍة‪ ،‬واملعتقدات‬ ‫والتعاليم الدينية من جه ٍة أخرى‪ ،‬يتمثّل هذا الرصاع يف حاالت‬ ‫ّ‬ ‫والشك‪ ،‬بني الالهوت‬ ‫التصادم بني الدين والعقل‪ ،‬بني اإلميان‬ ‫والعلم‪ ،‬بني الكاهن واملفكّر‪ ،‬لكن مثّة سؤا ٍل يتبادر إىل أذهاننا‬ ‫من ح ٍني آلخر‪ ،‬بل يَفرض نفسه علينا يف أحيانٍ أخرى‪ ،‬وهو‪:‬‬ ‫هل تك ُمن حقيقة هذا الرصاع يف العالقة بني الدين والعلم أو‬ ‫العقل‪ ،‬أم أنّه مج ّرد صور ٍة َع َرضي ٍة‪ ،‬والرصاع الحقيقي يف الواقع‬ ‫بغض النظر عن من ُيثّل القديم‪،‬‬ ‫رصا ٌع بني القديم والحديث‪ّ ،‬‬ ‫ومن يدعو إىل الحديث ؟‬ ‫‪4‬‬

‫ُحسام املنفي‬


‫الديني‬ ‫االضطهاد ّ‬ ‫واغتيال الكلمة‬

‫ُحسام املنفي‬

‫يف الحقيقة مثّة رأيان يتقاسامن اإلجابة عن هذا السؤال‪ ،‬الرأي األول يفرتض أصحابه أ ّن الرصاع القائم هو يف أساس‬ ‫العالقة بني الدين والعلم‪ ،‬وح ّجتهم يف ذلك أ ّن العلم يُعزى للعقل؛ أل ّن قواعده مبن ّي ٌة عىل املشاهدة والتجربة‪ ،‬أما الدين‬ ‫فيُعزى للقلب‪ ،‬أل ّن قواعده مبنيّ ٌة عىل التسليم مبا ورد يف الكتب املقدسة دون ٍ‬ ‫لكل‬ ‫فحص يف أصولها‪ ،‬ومعنى ذلك أ ّن ّ‬ ‫منهام ( الدين والعلم ) دائر ٌة يتح ّرك فيها‪ ،‬فإن اجتمعا يف حلب ٍة واحد ٍة أطاح أحدهام باآلخر‪ ،‬أ ّما أصحاب الرأي اآلخر‬ ‫فيتب ّنون وجهة نظ ٍر مغاير ٍة للفريق األول‪ ،‬إذ يعتقدون أ ّن الرصاع يف حقيقة األمر ليس بني الدين والعلم‪ ،‬أو الدين‬ ‫وأيضا أبسط ‪ ،‬فالرصاع يف نظرهم هو بني السكون‬ ‫والعقل‪ ،‬وال حتى بني دينٍ ودينٍ آخر‪ ،‬لكن هو أع ُّم وأوس ُع من ذلك‪ً ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫نظريات علمي ٍة وتعالي َم ديني ٍة‪ ،‬ولو سلّمنا بوجهة النظر‬ ‫والحركة‪ ،‬بني الجمود والتط ّور‪ ،‬بني القديم والحديث‪ ،‬ليس بني‬ ‫هذه فال ب ّد لنا هنا أن نطرح سؤاالً آخر أه ّم‪ ،‬وهو‪ :‬ألن يزداد هذا الرصاع رضاو ًة وقسو ًة لو صبغ ( أحد الطرفني ) نفسه‬ ‫بصبغ ٍة ديني ٍة ؟ ألن يتح ّول هذا الرصاع إىل معرك ٍة دامي ٍة تزداد عن ًفاً ورشاس ًة إن ا ّدعى أحدهام أنه يتكلّم باسم السامء‪،‬‬ ‫ويدافع عن آلهته كام نرى اليوم يف مجتمعاتنا ؟‬ ‫يف هذا البحث سنتعرض إىل بعض مظاهر العنف الديني‪ ،‬وسنتع ّرف عىل جوانب من سرية مجموعة من الفالسفة‬ ‫واملفكرين دفعوا حياتهم وحريتهم ومستقبلهم وأوطانهم مث ًنا إلميانهم الشديد مببادئهم وأفكارهم‪ ،‬يف هذه السلسلة‬ ‫والحلج‪ ،‬ثم ابن رشد يف العصور الوسطى‪ ،‬أخريا ً املفكر اإليطايل برونو‬ ‫بقصة أنكساجوراس وسقراط‪ ،‬مرورا ً بهيباتيا ّ‬ ‫سنبدأ ّ‬ ‫في و ُعذّب وأُحرقت‬ ‫يف عرص النهضة األورويب‪ ،‬ف ِمن هؤالء من دفع حياته مث ًنا ً‬ ‫رخيصا يف سبيل ما يؤمن به‪ ،‬ومنهم من نُ ّ‬ ‫كل هؤالء املفكّرين الذين سنتناولهم‬ ‫مؤلفاته جزا ًء له‪ ،‬ألنّه تج ّرأ وفكّر وشكّك وتساءل‪ ،‬لكن يبقى القاسم املشرتك بني ّ‬ ‫بالبحث‪ ،‬هو أنهم اضطُهدوا‪ ،‬و ُعذبوا‪ ،‬وقُ ِت َل منهم من قُتل‪ ،‬وأحرق منهم من أحرق ح ًيا (مثل برونو)‪ ،‬كل هذه الجرائم‬ ‫اقتفت يف حقّهم جمي ًعا باسم السامء‪ ،‬وتحت ذرائع ديني ٍة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وسجن‬ ‫تنطلق رحلتنا من أثينا يف اليونان‪ ،‬بحادثة اضطهاد َ‬ ‫ونفي الفيلسوف أنكساجوراس ‪ 428-500‬ق‪ .‬م‪ ،‬حيث‬ ‫قام فيلسوفنا(‪ )1‬بإنكا ِر الطبيعة اإللهية لألجرام الساموية‪،‬‬ ‫وقال‪ :‬إ ّن القمر والشمس ليسا إلهني كام كان يعتقد‬ ‫األثينيون يف ذلك الوقت‪ ،‬وقال عن الشمس‪ :‬هي مج ّرد‬ ‫كتل ٍة متو ّهج ٍة من املعدن أكرب من بلوبونيز ( شبه الجزيرة‬ ‫التي كان يقطنها األسربطيون )‪ ،‬وقال عن القمر‪ :‬هو‬ ‫خاص به‪ ،‬إمنا يعكس ضوء‬ ‫مك ّو ٌن من تر ٍ‬ ‫اب‪ ،‬ليس له ضو ٌء ٌّ‬ ‫الشمس‪ ،‬كام أنّه يحوي ودياناً وتالالً‪ ،‬ورمبا يكون مسكونًا‪،‬‬

‫)‪Anaxagoras (428-500 BC‬‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬مراد وهبة ‪-‬مالك الحقيقة املطلقة‪(،‬ص‪)225‬‬

‫‪5‬‬


‫الديني‬ ‫االضطهاد ّ‬ ‫واغتيال الكلمة‬

‫ُحسام املنفي‬

‫لقد أثار أنكساجوراس حفيظة كهنة املعابد األثينية بآرائه وانتقاداته الالذعة التي طالت ذات اآللهة وصفاتها وقدراتها‪،‬‬ ‫وهي أقدس وأرشف ما لدى األثينيني يف ذلك الوقت‪ ،‬وبطبيع ِة الحال كان الكهنة يكسبون وينتفعون عن طريق تفسري‬ ‫أرسار الساموات وعجائبها‪ ،‬متا ًما كام يرتبّح اليوم وينتفع كهنة اإلسالم الذين يطلقون عىل أنفسهم اسم ( دعاة إىل الله‬ ‫زنديق‪ ،‬يسخر‬ ‫)‪ ،‬وما هم إال دعا ٌة إىل الجهل والفتنة والكراهية‪ ،‬يف تلك اللحظة أشيع عن أنكساجوراس أنّه كاف ٌر ملح ٌد‬ ‫ٌ‬ ‫من اآللهة وينفي عجائب قدرتها‪ ،‬ويقدح يف معتقدات الناس‪ ،‬فام كان منهم إال أن ساقوه ملحكمة أثينا التي حكمت‬ ‫عليه باإلعدام‪ ،‬ثم ُخفف ال ُحكم عليه إىل النفي؛ ألنه كان صديقاً شخصياً للقائد بركليز يف ذلك الوقت‪ ،‬يقول الدكتور‬ ‫كل ما هو‬ ‫مراد وهبة (‪ «:)2‬مل يَطلق مالك الحقيقة املطلقة مثل هذا القول الذي قال به أنكساجوراس؛ العتقادهم أ ّن ّ‬ ‫حق الدولة‪ ،‬وات ُهم باإللحاد فاضطُر إىل‬ ‫إلهي‪ ،‬وأ ّن من يتناول مثل هذه األمور‬ ‫ٍ‬ ‫علمي فهو ُمجر ٌم يف ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫بأسلوب ٍّ‬ ‫ساموي فهو ٌّ‬ ‫مغادرة أثينا حيث كان يقيم ويتفلّسف»‪.‬‬ ‫يف عام ‪450‬ق م‪ِ .‬‬ ‫قدم بروتاجوراس (‪ )3‬إىل أثينا ونرش كتاباً أسامه ( الحقيقة ) وردت فيه هذه الكلامت‪« :‬ال أستطيع‬ ‫أخصها غموض املسألة‬ ‫أن أعلم إن كانت اآللهة موجود ًة أم غري موجود ٍة‪ ،‬فإ ّن أمورا ً كثرية تحول بيني وبني هذا العلم‪ّ ،‬‬ ‫وقرص الحياة »‪ ،‬فات ُهم باإللحاد‪ ،‬وأ ُحرقت كتبه‪ ،‬و ُح ِكم عليه باإلعدام‪ ،‬لكنه ف ّر هاربًا‪.‬‬ ‫يف عام ‪ 399‬ق‪ .‬م ِسيق سقراط(‪ )4‬إىل محكمة أثينا‪ ،‬التي وجهت له تهمة‬ ‫( الكفر واإللحاد‪ ،‬وأنّه آث ٌم يف عدم عبادته لآللهة التي تعبدها الدولة‪ ،‬ويف‬ ‫إحالل آله ًة جديدة محل آلهتهم‪ ،‬وهو آث ٌم يف إفساده الشباب بتعليمهم‬ ‫وفق مبادئه )‪ ،‬من منطلق هذه التهمة َحكمت املحكمة عىل سقراط‬ ‫باإلعدام‪ ،‬بالفعل فقد نُفّذ الحكم بعد نطوقه يف نفس العام‪ ،‬رغم أنه دافع‬ ‫عن نفسه كث ًريا‪ ،‬محاولً أن يرد عن نفسه تلك التهم‪ ،‬لكن عبثًا كانت‬ ‫السم وسط أصدقائه وتالمذته‪.‬‬ ‫محاوالته‪ ،‬فقد أُجرب عىل ت ّجرع ُ‬ ‫يف أوائل القرن الخامس امليالدي‪ ،‬كانت باإلسكندرية يف جامع ٍة أنشأها‬ ‫البطالسة‪ ،‬أستاذ ٌة تدعى هيباتيا(‪ )5‬تقوم بتدريس فلسفة أرسطو وأفالطون‪،‬‬ ‫إىل جانب تدريسها للمنطق والرياضيات‪ ،‬وكان أسقف اإلسكندرية يف‬ ‫رجل يدعى كرلس‪ ،‬اشتهر بعدائه ونفوره الشديدين للعلامء‬ ‫ذلك الوقت ٌ‬ ‫(‪)2‬املصدر السابق‪( ،‬ص‪)226‬‬ ‫(‪)3‬نفس املصدر‪.‬‬ ‫(‪)4‬أفالطون ‪ -‬محاورة فيدون‪.‬‬ ‫(‪ )5‬سالمة موىس ‪-‬حرية الفكر‪( ،‬ص‪.)52‬‬

‫‪6‬‬

‫)‪Sokrat ( 470/469 BC – 399 BC‬‬


‫الديني‬ ‫االضطهاد ّ‬ ‫واغتيال الكلمة‬

‫)‪Hypatia ( 350 / 370 - 415 AD‬‬

‫ُحسام املنفي‬

‫والفالسفة‪ ،‬وخاص ًة الفالسفة اليونانيني‪ ،‬ألنّهم كانوا من وجهة نظره‬ ‫لربا خاف كرلسمن تأثري الفلسفة واملنطق‬ ‫وثنيني كفارا ً مالحدة‪ ،‬أو ّ‬ ‫تحض دامئًا عىل التساؤل‬ ‫عىل عقول أتباعه‪ ،‬فمن املعلوم أ ّن الفلسفة ّ‬ ‫ّ‬ ‫والشك‪ ،‬والنقد‪ ،‬وتجعل الفرد ال يتقبّل املعتقدات (الدوجامطيقية)‬ ‫دون إخضاعها ملعايري العقل واملنطق‪ ،‬وهذا بح ّد ذاته كان سب ًبا‬ ‫كاف ًيا ج ًدا لتربير قتل فيلسوف ٍة وحكيم ٍة نبيل ٍة مثل هيباتيا‪ ،‬ففي‬ ‫عام ‪ 415‬مـ ‪ ،‬ويف أحد أيام اآلحاد‪ ،‬وبعد خطب ٌة نارية ألقاها كرلس‬ ‫عىل جمعٍ غفريٍ من الناس يف الكنيسة املرقسية‪ ،‬كان يُح ّرض فيها‬ ‫عىل الفالسفة ويصفهم بالكفّار واملهرطقني‪ ،‬خرج الناس من الكنيسة‬ ‫يركضون ويهرولون نحو قاعة الدرس التي كانت هيباتيا تلقي فيها‬ ‫التف حولها‬ ‫بعض محارضاتها يف الفلسفة‪ ،‬وعند خروجها من القاعة‪ّ ،‬‬ ‫العرشات وأحاطوا بها كأنهم عرثوا أخريا ً عىل فريستهم التي طاملا‬ ‫انتظروها‪ ،‬ثم قاموا بتجريدها من مالبسها وج ّروها وسحلوها يف‬ ‫شوارع اإلسكندرية‪ ،‬ثم مزقوها أشال ًء التهمتها الكالب الجائعة‪ ،‬وهم‬ ‫ير ّددون ويهتفون بحناجرهم مبا يشبه نعيق الغربان‪ « :‬باسم الرب‬ ‫سنسحق الكافرين »‪ « ،‬باسم الرب سنقتل املهرطقني أعداء الله‬ ‫واملسيح »‪.‬‬

‫رجل غيو ًرا عىل الدين‪ ،‬غري ًة‬ ‫يقول برتراند راسل(‪ «:)6‬كان القديس كرلس ً‬ ‫فيها َه َوس التعصب‪ ،‬فاستخدم منصبه‪ ( ،‬منصب البطريرك ) يف إثارة‬ ‫املذابح ضد الجالية اليهودية يف اإلسكندرية‪ ،‬وقد كانت جالي ًة كبري ًة‬ ‫ٍ‬ ‫مستند إىل‬ ‫جدا ً‪ ،‬وأشهر ما يُ ْعرف به محاكمته ومعاقبته لهيباتيا غري‬ ‫قانونٍ ‪ ،‬وهي س ّيد ٌة ممتازةٌ‪ ،‬انرصفت يف عهد سادة التعصب الديني إىل‬ ‫فلسفة األفالطونية الجديدة‪ ،‬واتّجهت مبواهبها إىل الرياضة‪ ،‬فانُتزعت‬ ‫من عربتها انتزا ًعا‪ ،‬و ُع ّريت من ثيابها‪ ،‬و ُج ّرت إىل الكنيسة‪ ،‬وذُبحت ذب ًحا‬ ‫وحش ًيا عىل يد بطرس القارئ‪ ،‬وطائف ٍة من املهووسني الدينيني الغالظ‬ ‫القلوب‪ ،‬القساة بغري رحم ٍة‪ ،‬وكُشط لحمها عن عظامها مبحا ٍر حا ّد‬ ‫األطراف‪ ،‬وقُذفت أعضاء جسدها يف النار‪ ،‬وهي ترتعش بالحياة »‪.‬‬ ‫(‪)6‬برتراند راسل كتاب ‪ -‬تاريخ الفلسفة الغربية ‪(،‬ص‪.)101‬‬

‫‪7‬‬

‫)‪bertrand russell (1872 - 1970 AD‬‬


‫الديني‬ ‫االضطهاد ّ‬ ‫واغتيال الكلمة‬

‫ُحسام املنفي‬

‫لنرتك هيباتيا بشاعريتها وسحرها وآالمها‪ ،‬ومحنتها‪ ،‬ولننتقل إىل عصور الخالفة اإلسالمية‪ ،‬لرنى بعض مظاهر االضطهاد‬ ‫الديني املامرس ض ّد الفالسفة واملفكرين العرب واملسلمني عىل أيدي الخلفاء الذين كانوا يتكلمون نياب ًة عن الله‪،‬‬ ‫ويصبغون جرامئهم بهال ٍة من القداسة املزيّفة‪ ،‬حينام يُلْبسون جرامئهم ردا ًء دين ًيا لتجميل أفعالهم الخبيثة يف أعني العا ّمة‬ ‫من رعاياهم‪.‬‬ ‫يف عام ‪ 309‬هـ قُتل الفيلسوف املتصوف املعروف الحسني بن منصور‬ ‫الحالّج (‪ ،)7‬يف عهد الخليفة املقتدر بالله يف بغداد‪ ،‬بعد أن اتُهم من ِقبل‬ ‫الفقهاء والعامة بالكُفر والزندقة‪ ،‬و ُخروجه عن صحيح الدين‪ ،‬رمبا كان‬ ‫هندي‬ ‫مذهب‬ ‫السبب الحقيقي لقتله اعتناقه مذهب وحدة الوجود‪ ،‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫األصل‪ ،‬يفرتض أ َّن جميع املوجودات من إنسانٍ وحيوانٍ‬ ‫ونبات وجام ٍد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وحتى اآللِهة نفسها كلّها متّحد ٌة يف كيانٍ‬ ‫واحد‪ ،‬فالله حسب هذا املعتقد‬ ‫ويحل‬ ‫منفصل ع ّنا بل هو ( أي الله ) يكمن يف داخلنا ّ‬ ‫ً‬ ‫ليس كيانًا خارج ًيا‬ ‫فينا (‪ ،)8‬إ ّن مذهب وحدة الوجود يُلغي متا ًما الثنائية بني املخلوق والخالق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ويتجل هذا املعنى يف سفر اليوبانيشاد‬ ‫ّ‬ ‫فكل املخلوقات عني الخالق(‪،)9‬‬ ‫(‪ )Upanishads‬يف أبيات شع ٍر رقيق ٍة َه َم َس بها اإلله براهام الذي يسكن‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫قلب العامل ً‬ ‫)‪Mansur Al-Hallaj (858 - 922 AD‬‬

‫قاتل‬ ‫إذا ظ ّن القاتل أنّه ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مقتول‬ ‫واملقتول أنّه‬ ‫فليس يَدريان ما َخ ِف َي من أساليبي‬ ‫حيث أكون الصدر ملن ميوت‬ ‫والسالح ملن يَقتل‬ ‫ُ‬ ‫والجناح ملن يَطري‬ ‫ُ‬ ‫وحيثُ أكون لِمن ّ‬ ‫كل يشء حتى الشّ ك نفسه‬ ‫يشك يف وجودي َ‬ ‫وحيث أكون أنا الواحد وأنا األشياء(‪)10‬‬

‫‪Brahma‬‬

‫(‪ )7‬سالمة موىس ‪-‬حرية الفكر (ص‪ 98‬و ص‪ 99‬وص‪ 100‬وص‪.) 101‬‬ ‫رشح ألسطورة الخلق كام ورد يف أحد أسفار اليوبانيشاد ‪ ،‬و(ص‪ 34‬وص ‪.) 35‬‬ ‫وفيها‬ ‫‪،‬‬ ‫)‬ ‫(ص‪33‬‬ ‫‪،‬‬ ‫محمود‬ ‫نجيب‬ ‫(‪ )8‬ول ديورانت‪ -‬قصة الحضارة ‪ ،‬املجلد الثالث‪ ،‬ترجمة د‪ .‬زيك‬ ‫ٌ‬ ‫(‪ )9‬جون كولر ‪ -‬الفكر الرشقي القديم‪ ،‬مراجعة د‪ .‬إمام عبد الفتاح ‪ ،‬من(ص‪ 43‬إىل ‪.) 66‬‬ ‫نصوص كثري ٌة مشابهةٌ‪.‬‬ ‫(‪ )10‬الدكتور مصطفى محمود ‪ -‬رحلتي من الشّ ك إىل اإلميان‪ ( ،‬ص‪ ، ) 20‬واملصدران السابقان فيهام‬ ‫ٌ‬

‫‪8‬‬


‫الديني‬ ‫االضطهاد ّ‬ ‫واغتيال الكلمة‬

‫ُحسام املنفي‬

‫يتضح من هذه األبيات الشعرية القليلة أ ّن براهام أو اإلله قد تو ّحد مع جميع املوجودات‪ ،‬فهو القاتل واملقتول‪ ،‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫أداة القتل نفسها‪ ،‬وهو الجناح ملن يطري‪ ،‬وهو ّ‬ ‫الشك نفسه ( لو أنك يو ًما تشككت يف وجوده )‪ ،‬وهو الواحد‪ ،‬والكثري‬ ‫الجمع‪ ،‬واملفرد‪ ،‬وهذا هو أساس مذهب وحدة الوجود الهندي‪ ،‬وكام قال الدكتور مصطفى محمود‪ « :‬إنّه إل ٌه يشبه‬ ‫النور األبيض‪ ،‬واح ٌد بسيط‪ ،ٌ،‬لكنه يحتوي داخله عىل ألوان الطيف السبع»‪ ،‬وبعض أقوال الحالّج نفسه تدل عىل اعتناقه‬ ‫أيضا كث ٌري من املتصوفة يف جميع‬ ‫هذا املذهب‪ ،‬إذ يقول‪ « :‬أنا الحق » و« ما يف الج ّبة إال الله »‪ ،‬وهذا املذهب يؤ ِمن به ً‬ ‫األديان‪ ،‬لكن من وجهة نظر فقهاء بغداد يف ذلك الوقت‪ ،‬فإن هذا االعتقاد يستوجب القتل‪ ،‬وحرمان ٍ‬ ‫شخص بري ٍء من‬ ‫االستمتاع بحياته‪ ،‬ملخالفته لألفكار واملعتقدات التي كانت سائد ًة يف ذلك الوقت‪.‬‬ ‫ظل حكم صالح الدين (‪ )11‬قُتل‬ ‫يف عام ‪586‬هـ يف ّ‬ ‫الفيلسوف شهاب الدين يحيى السهروردي داخل‬ ‫إحدى ِقالع مدينة حلب يف سورية‪ ،‬بعد أن تُرك‬ ‫أيام‪ ،‬حيث‬ ‫اب أو‬ ‫هناك دون رش ٍ‬ ‫طعام لع ّدة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُو ّجهت له نفس التهمة ( الكفر والزندقة )‪ ،‬وهذه‬ ‫النعوت واألوصاف سيُنعت بها ( كام هو الحال يف‬ ‫مجتمعاتنا اليوم )‪ ،‬كل من تس ّول له نفسه ويعتقد‬ ‫للحظة أنه يستطيع أن يش ّذ عن القطيع‪ ،‬أو يتخذ‬ ‫)‪Shahab al-Din Suhrawardi (1155 - 1191 AD‬‬ ‫له دربًا مستقالً من دروب الفكر واالعتقاد‪.‬‬ ‫يف عام ‪ 488‬هـ أل َّف اإلمام الغزايل كتاب ( تهافت الفالسفة )‬ ‫الذي كفّر فيه جميع الفالسفة‪ ،‬سواء فالسفة اليونان القدامى‬ ‫وعىل رأسهم أرسطو وأفالطون‪ ،‬أم تالمذتهم من الفالسفة‬ ‫املسلمني‪ ،‬وعىل رأسهم ابن سينا‪ ،‬وقد انتقد الغزايل الفالسفة يف‬ ‫عرشين مسأل ًة‪ ،‬وانتهى إىل تكفريهم يف ثالث مسائل(‪: )12‬‬ ‫ •القول ب ِقدم العامل أي (أزلية املادة)‪.‬‬ ‫ •القول إ ّن الله يعلم الكلّيات دون الجزئيات‪.‬‬ ‫ •القول إ ّن الثواب والعقاب يف األخرة يع ُّد نفس ًيا روح ًيا‪ ،‬وليس‬ ‫جسامن ًيا‪ ،‬وهو يقصد بذلك ابن سينا الذي قال‪:‬‬

‫« إِن النفس إِما سعيد ٌة‪ ،‬وإِما شقي ٌة‪ ،‬وهذا هو امل َ َعاد »‪.‬‬ ‫(‪ )11‬سالمة موىس ‪-‬حرية الفكر ‪( ،‬ص‪.) 112‬‬ ‫(‪ )12‬د‪ .‬عاطف عراقي ‪ -‬الفلسفة العربية والطريق إىل املستقبل‪(،‬ص‪ 365‬وص‪ 366‬وص‪ 367‬وص‪ 368‬وص‪.) 390‬‬

‫‪9‬‬

‫)‪Avicenna(980 - 1037 AD‬‬


‫الديني‬ ‫االضطهاد ّ‬ ‫واغتيال الكلمة‬

‫ُحسام املنفي‬

‫كلً من الفالسفة‬ ‫يقول اإلمام الغزايل عندما كان يعطي ً‬ ‫العرب واليونان نصيبهم من التكفري والزندقة‪ « :‬ثم ر ّد‬ ‫أرسطو طاليس عىل أفالطون وسقراط ومن كان قبلهم‬ ‫من اإللهيني ر ًدا مل يقرص فيه‪ ،‬حتى ت ّربأ من جميعهم‪،‬‬ ‫إال أنه استقى أيضاً من رذائل كفرهم بقايا مل يوفق‬ ‫للنزوع منها‪ ،‬فوجب تكفريه وتكفري من متفلسفة‬ ‫اإلسالميني كابن سينا والفارايب وأمثالهام »(‪.)13‬‬

‫)‪Al-Ghazali (1058 - 1111 AD‬‬

‫بالجص‪،‬‬ ‫انظ ْر ماذا قال اإلمام الغزايل عن الف ّن أيضاً‪ « :‬ليتج ّنب املسلم صناعة النقش والصياغة وتشييد البنيان‬ ‫ّ‬ ‫فكل ذلك كرهه ذو الدين» (‪ ،)14‬ويقول‪ « :‬الصور التي تكون عىل باب الحامم‬ ‫وجميع ما تزخرف به الدنيا ّ‬ ‫أو داخل الحامم تجب إزالتها عىل كل من يدخله إن قدر‪ ،‬فإن كان املوضع مرتفعاً ال تصل إليه يده فال يجوز‬ ‫له الدخول إال لرضور ٍة‪ ،‬فإ ّن مشاهدة املنكر غري جائزة ‪ ،‬ويكفيه أن يش ّوه وجهها ويبطل به صورتها »‪.‬‬ ‫أيضا يف املغرب العريب (األندلس)‪،‬‬ ‫منذ هذه اللحظة ت ّم إعالن موت العقل العريب يف املرشق‪ ،‬كام ستت ّم كتابة شهادة وفاته ً‬ ‫سنفصله بعد قليل‬ ‫عىل إثر إعالن الخليفة املنصور بتحريم الفلسفة‪ ،‬وتجريم كل من يعمل بها‪ ،‬أو حتى يقرؤها‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ّ‬ ‫عندما نتكلم عن محنة فيلسوف قرطبة أبو الوليد ابن رشد‪.‬‬ ‫يف أواخر القرن الثاين عرش امليالدي وتقريباً يف عام ‪1196‬مـ أي‬ ‫قبل وفاة ابن رشد بعامني‪ ،‬يف أيام الخليفة يعقوب املنصور بالله‬ ‫ابن األمري يوسف بن عبد املؤمن‪ ،‬خليفة املسلمني يف ذلك الوقت‪،‬‬ ‫وأمري دولة املو ّحدين يف املغرب العريب ( األندلس )‪ ،‬أصدر الخليفة‬ ‫منشور تحريم الفلسفة والعمل بها‪ ،‬بعدما أفتى له الفقهاء واملشايخ‬ ‫والقامئون عىل الدين يف ذلك الوقت أن الفلسفة ت ُخالف الرشيعة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وأ ّن الفالسفة يحيدون عن صحيح الدين ومنهج اإلسالم‬ ‫القويم‪ ،‬فأصدر املنصور منشو ًرا يقيض بتحريم الفلسفة‪ ،‬وإليك بعض‬ ‫فقر ٍ‬ ‫ات منه (‪ « :)15‬قد كان يف سالف الدهر قو ٌم خاضوا يف بحور‬ ‫ٍ‬ ‫بشفوف عليهم يف اإلفهام‪ ،‬حيث ال داعي‬ ‫األوهام‪ ،‬وأق ّر لهم عوامهم‬ ‫يدعو إىل الحي القيوم‪ ،‬وال حاكم يفصل بني املشكوك فيه واملعلوم‪،‬‬ ‫فخلدوا يف العلم صف ًحا ما لها من خالقٍ ‪ ،‬مس ّودة املعاين واألوراق‪،‬‬ ‫(‪ )13‬سالمة موىس ‪-‬حرية الفكر‪( ،‬ص‪ 94‬وص‪.) 95‬‬ ‫(‪ )14‬املصدر السابق‪.‬‬ ‫(‪ )15‬فرح أنطون ‪ -‬ابن رشد وفلسته‪ ،‬تقديم د‪ .‬مراد وهبة ‪( ،‬ص‪ 47‬وص‪.) 48‬‬

‫‪10‬‬

‫)‪Averroës (1126 - 1198 AD‬‬


‫الديني‬ ‫االضطهاد ّ‬ ‫واغتيال الكلمة‬

‫ُحسام املنفي‬

‫والحق برهانها‪ ،‬ذلكم بأن الله‬ ‫بُعدها من الرشيعة بُعد املرشقني‪ ،‬وتباينها تباين الثُقلني‪ ،‬يوهمون أ ّن العقل ميزانها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫علم‪،‬‬ ‫خلقهم للنار‪ ،‬وبعمل أهل النار يعملون‪ ،‬ليحملوا أوزارهم كامل ًة يوم القيامة‪ ،‬ومن أوزار الذين يضلونهم بغري ٍ‬ ‫أال ساء ما يزرون‪ ،‬ونشأ منهم يف هذه السمحة البيضاء شياطني ٍ‬ ‫إنس‪ ،‬يخادعون الله والذين آمنوا‪ ،‬وما يخادعون إال‬ ‫أنفسهم وما يشعرون‪ِ ،‬‬ ‫يوحي بعضهم إىل بعض زخرف القول غرو ًرا‪ ،‬ولو شاء ربك ما فعلوه‪ ،‬فذرهم وما يفرتون»‪،‬‬ ‫هذه الفقرة جز ٌء من املنشور الذي أصدره خليفة املسلمني املنصور يف األندلس أواخر القرن الثاين عرش امليالدي‪ ،‬وكان‬ ‫الهدف منه القضاء عىل الفلسفة يف األندلس‪ ،‬متا ًما كام كانت نهاية الفلسفة يف بغداد واملرشق العريب عىل يد اإلمام‬ ‫الغزايل عندما ألّف كتابه تهافت الفالسفة الذي كفّر فيه فالسفة اليونان وتالمذتهم من الفالسفة العرب‪ ،‬وعىل رأسهم‬ ‫الفارايب وابن سينا‪ ،‬منذ تلك اللحظة التي ت ّم فيها تكفري ونفي ابن رشد وإحراق كتبه‪ ،‬واألمة العربية تعيش بال عقلٍ‬ ‫تقري ًبا‪ ،‬ثم انهارت الحضارة تحت ُحطام الجهل وال َوهم وال ُخرافة‪ ،‬لتصبح أطالالً بعد أن كانت رص ًحا شام ًخا يناطح‬ ‫السحاب يف علوه وكربيائه‪ ،‬انظ ْر ماذا قال بعض دعاة الجهل والظالم يف فيلسوف قرطبة ابن رشد بعد ما ت ّم نفيه‪:‬‬ ‫« اآلن قد أيقن ابن رشد‬ ‫أ ّن تواليفه توالف ‪ ..‬يا ظاملًا نفسه تأ ّمل ‪ ..‬هل تجد اليوم من توالف ؟ »‬ ‫وقال أحدهم‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫متفلسف يف دينه متزندقٍ‬ ‫كل مم ّو ٍه ‪..‬‬ ‫«نفذ القضاء بأخذ ّ‬ ‫موكل باملنطق»(‪)16‬‬ ‫باملنطق اشتغلوا فقيل حقيقة ‪ ..‬إ ّن البالء ٌ‬ ‫مبا أ ّن األفكار ليس لها وط ٌن وال عقيد ٌة وال ِملّ ٌة وال عنوانٌ‪ ،‬أي إ ّن املُنتجات الفكرية والثقافية ليست ملكًا ألحد‪،‬وال‬ ‫ِحك ًرا عىل أحد‪ ،‬فهي ُم ٌلك لإلنسانية جمعاء‪ ،‬ففي الوقت الذي أصدر فيه الخليفة املنصور يف قرطبة منشوره بتحريم‬ ‫الفلسفة والعمل بها وقراءتها‪ ،‬وقراره بنفي ابن رشد إىل مدينة اليسانة ( بلد ٌة قريب ٌة من قرطبة ) بتهمة الكفر والزندقة‬ ‫وإحراق بعض كُتبه يف املنطق والفلسفة يف ساحات قرطبة‪ ،‬كانت يف ذلك الوقت بلدا ٌن مثل فرنسا واملانيا وغريهام من‬ ‫البلدان األوروبية تستع ّد الستقبال أفكار هذا الفيلسوف العقالين املستنري التي أنارت أفكاره سامء الفكر املسيحي منذ‬ ‫بداية القرن الثالث عرش‪ ،‬وحتى عرص النهضة األورويب‪ ،‬وظهور املذاهب الفلسفية الحديثة عىل يد ديكارت وبيكون‬ ‫وغريهام(‪ ،)17‬ومع عام ‪1230‬م كانت كتب ابن رشد قد ت ُرجمت من العربية إىل العربانية‪ ،‬ثم بعد ذلك إىل الالتينية‪،‬‬ ‫بفضل تالمذة ابن رشد اليهود‪ ،‬فأوروبا‪ ،‬وخالل العصور الوسطى‪ ،‬مل تتع ّرف عىل فلسفة أرسطو كامل ًة إال بفضل كُتب‬ ‫مفصلٍ ملذهب أستاذه أرسطو‪ ،‬إىل جانب آرائه وأفكاره الخاصة‪ ،‬ف ِمن املعروف أ ّن‬ ‫ابن رشد التي كانت تحتوي عىل رش ٍح ّ‬ ‫الفكر املسيحي يف القرن الثالث عرش امليالدي قد ُص ِب َغ بصبغ ٍة ( أرسطية ) خالص ٍة عندما مزج الفيلسوف األملاين ألربت‬ ‫الكبري والقديس توماس األكويني فلسفة أرسطو بالالهوت املسيحي‪ ،‬وهذا الفضل يرجع إىل املعلم والشارح الكبري ابن‬ ‫رشد(‪.)18‬‬ ‫(‪ )16‬املصدر السابق‪( ،‬ص‪ 49‬وص‪.) 50‬‬ ‫(‪ )17‬نفس املصدر السابق‪ ،‬من(ص‪ 101‬إىل ص‪.) 118‬‬ ‫(‪ )18‬د‪ .‬زينب محمود الخضريي ‪ -‬أثر ابن رشد يف فلسفة العصور الوسطى‪ ،‬هذا املجلد يتعدّى الـ‪ 400‬صفح ٍة‪ ،‬جميعها دراس ٌة نقدي ٌة لتتبّع أثر فلسفة ابن رشد يف الفكر‬ ‫املسيحي خالل العصور الوسطى‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫الديني‬ ‫االضطهاد ّ‬ ‫واغتيال الكلمة‬

‫ُحسام املنفي‬

‫لكن ما الذي حصدناه من إحراق الكتب واضطهاد املفكرين والفالسفة إالّ الجهل والتخلف وتعطيل قطار الحضارة‬ ‫اإلنسانية املعارصة ؟ ما الذي جنيناه من تحريم حرية الفكر وإحالل العقائد الدوجامطيقية مكان ّ‬ ‫الشك والنقد إالّ‬ ‫التعصب والتط ّرف وعدم قبول األخر املختلف ؟ ما الذي عاد علينا نحن العرب من اغتيال عقولنا عم ًدا إال التخلّف‬ ‫ّ‬ ‫حق هذا املفكّر‬ ‫أيضا‪ ،‬ألسنا مذنبون ً‬ ‫يف العلوم والسياسة واالقتصاد واالنحطاط يف الفنون والثقافة ويف األخالق ً‬ ‫أيضا يف ّ‬ ‫الكبري عندما أهملنا أفكاره وفلسفته وات ّجهنا نحو املذاهب واألفكار الظالمية املتخلّفة التي تنرش الجهل والخرافة‪ ،‬وتنرث‬ ‫بذور التكفري واإلقصاء والعنرصية يف عقولنا وضامئرنا ؟ يقول الدكتور عاطف العراقي (‪ «:)19‬لقد ظُلم ابن رشد يف حياته‪،‬‬ ‫وبعد مامته اتجه العرب نحو فكر ٍ‬ ‫أناس قاموا بتوزيع شهادات التكفري‪ ،‬من أمثال الغزايل‪ ،‬وابن تيمية‪ ،‬وأنصار البرتوفكر‪،‬‬ ‫يف الوقت الذي قامت فيه أوروبا باالستفادة من كل ما كتب ابن رشد‪ ،‬أليس هذا من مصائب الزمان وسخرية القدر‬ ‫؟ يحارِب العرب مفكرهم العريب الذي كان قاضياً للقضاة‪ ،‬ومؤل ًفاً يف الطب والفلسفة وغريها من العلوم‪ ،‬يُهمل العرب‬ ‫دروس مف ّك ٍر شام ٍخ‪ ،‬مل ينقطع عن القراءة والتأليف إالّ ليلة وفاة أبيه وليلة زواجه »‪.‬‬

‫منذ تلك اللحظة‪ ،‬ونحن غارقون حتى أذنينا يف مستنقع الوهم‬ ‫والجهل والخرافة‪ ،‬يقول الدكتور زيك نجيب محمود (‪«:)20‬‬ ‫فلننظر إذا ً إىل أوساط الناس من حولنا‪ ،‬ماذا نرى؟ نراهم‬ ‫عىل عداو ٍة حا ّد ٍة مع العقل‪ ،‬وبالتايل فهم عىل عداو ٍة مع‬ ‫علوم ومن منهجية النظر‪ ،‬ودقّة‬ ‫ّ‬ ‫كل ما يرتت ّب عىل العقل من ٍ‬ ‫ِ‬ ‫انطلقت الصواريخ تغزو الفضاء ويرود‬ ‫التخطيط والتدبري‪ ،‬فإذا‬ ‫أصحابها أرض القمر‪ ،‬مت ّنوا من أعامق قلوبهم أن تجيء األنباء‬ ‫قلوب‪ ،‬تأخذ من‬ ‫قلوب وغري ٍ‬ ‫بفشل التجربة‪ ،‬وإذا سمعوا عن ٍ‬ ‫آدمي أخر‪ ،‬أحزنهم أن يتحقق النجاح وأفرحهم‬ ‫آدمي لتزرع يف ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫قائل يف موضع آخر‪ «:‬إن أغلب‬ ‫أن تخفق التجربة »‪ ،‬ويستطرد ً‬ ‫الناس حولنا هم أقرب إىل الظن أن الحقيقة ينطق بها البلهاء‬ ‫قبل أن ينطق بها العلامء‪ ،‬ولن نستطيع النهوض مر ًة أخرى إال‬ ‫إذا ت ّم إحياء األفكار العقالنية املستنرية املتمثلة يف ابن رشد‬ ‫وأمثاله من املفكرين والفالسفة‪ ،‬الذين يق ّدمون املعارف التي‬ ‫تستم ّد من العقل والتجربة عىل كل مصادر املعارف األخرى‪،‬‬ ‫حتى لو كانت هذه املعارف مستم ّد ًة من الكتب املق ّدسة‬ ‫نفسها‪ ،‬فليس هذا م ّربر لوضعها فوق املعارف املستقاة من‬ ‫العقل‪ ،‬وكام يقولون‪ :‬فال سلطان عىل العقل إال العقل نفسه »‪.‬‬ ‫(‪ )19‬د‪ .‬عاطف العراقي ‪ -‬الفيلسوف ابن رشد ومستقبل الثقافة العربية‪(،‬ص‪.) 486‬‬ ‫(‪ )20‬د‪ .‬زيك نجيب محمود ‪ -‬نافذ ٌة عىل فلسفة العرص‪( ،‬ص‪ 139‬وص‪ 140‬وص ‪.)141‬‬

‫‪12‬‬

‫)‪Zaki Naguib Mahmoud (1905 - 1993 AD‬‬


‫الديني‬ ‫االضطهاد ّ‬ ‫واغتيال الكلمة‬

‫ُحسام املنفي‬

‫أخ ًريا‪ ،‬سنقف وقفة تأ ّملٍ وتدبّ ٍر حول حادثة اضطهاد وسجن وقتل املفكّر اإليطايل برونو الذي عارض‪ ،‬وناهض الكنيسة‬ ‫بكل ما أويت من قو ٍة وشجاع ٍة وبسال ٍة وإقدام‪ ،‬ومل تَنقص شجاعته قط ّومل يرتاجع‪،‬‬ ‫ورجال الدين املسيحيني‪ ،‬وجهر برأيه ّ‬ ‫بقلب ر ٍ‬ ‫قصته‪:‬‬ ‫ومل يُساوره الخوف‪ ،‬وأقدم عىل املوت ٍ‬ ‫اض مطمنئٍ‪ ،‬هكذا كان برونو الشجاع‪ ،‬إليك ّ‬ ‫كان الفيلسوف اليوناين أرسطو يعتقد قبل ثالث ٍة وعرشين قرنًا‬ ‫ونصف القرن‪ ،‬أ ّن األرض ثابتة‪ ،‬والشمس والقمر والكواكب‬ ‫والنجوم تتحرك يف ٍ‬ ‫أفالك دائري ٍة حول األرض‪ ،‬وأ ّن الحركة الدائرية‬ ‫هي الكامل األقىص(‪ ،)21‬وقد ط ّور بطليموس هذه الفكرة يف القرن‬ ‫الثاين بعد امليالد‪ ،‬لتصبح منوذ ًجا كامالً‪ ،‬وكانت الكنيسة يف العصور‬ ‫الوسطى تَعتَرب هذا النسق الكوين حقيق ًة مطلق ًة تتفق مع ما جاء‬ ‫الكتاب املق ّدس‪ ،‬فكانت تُو ِقع أشد العقوبات عىل كل من تُس ّول‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫له نفسه‪ ،‬ويأيت بنظري ٍة جديد ٍة ت ُناقض أو تختلف مع نظرية أرسطو‬ ‫وبطليموس‪ ،‬فكان العقاب يرتاوح بني حرق الكتب أو السجن أو‬ ‫النفي‪ ،‬أو حتى املوت‪ ،‬وهذا ما حصل بالفعل مع برونو الذي أُحرق‬ ‫ح ًيا؛ ألنّه آمن بنظرية كوبرنيكوس‪ ،‬التي كانت تتعارض مع النظرية‬ ‫القدمية‪ ،‬وكوبرنيكوس ‪-1543 1473‬مـ هذا كان من علامء الفلك‬ ‫يف عرص النهضة‪ ،‬وكان يُنكر نظرية أرسطو يف مركزية األرض‪ ،‬بل‬ ‫ذهب عكس ما ذهب إليه أرسطو‪ ،‬وقال‪ :‬إ ّن الشمس مرك ُز الكون‪،‬‬ ‫واألرض وجميع كواكب املجموعة الشمسية تدور حولها‪ ،‬ثم جاء‬ ‫بعده جيوردانو برونو ‪1584-1600‬مـ الذي آمن بالنسق الكوبرنيقي‬ ‫وكان يهاجم النسق األرسطي‪ ،‬وينتقد البابا والكنيسة ورجال الدين‬ ‫)‪Giordano Bruno (1584 -1600 AD‬‬ ‫يف العلن ألنهم كانوا يحجرون عىل حرية التفكري واالعتقاد‪ ،‬يقول‪«:‬‬ ‫ليس للهيئة االجتامعية أن تعاقب بالسيف أولئك الذين ينشقّون عن عقائدها الشائعة » يف عام ‪1592‬مـ ت ّم تقدميه‬ ‫إىل محكمة التفتيش‪ ،‬ومل تكن التهمة التي و ّجهت إليه فقط إنكار النسق األرسطي للكون وإميانه مبركزية الشمس‪،‬‬ ‫تجسد املسيح‪ ،‬وعىل القُربان املقدس‪ ،‬فأصدر البابا أمره أن‬ ‫لكن كانت مثّة ت ُه ٌم أخرى نُسبت إليه‪ ،‬منها التهكّم عىل ّ‬ ‫يُطلب منه إنكار القضايا للعقائد املق ّررة‪ ،‬دون القضايا املتعلّقة مبذهب كوبر نيكوس‪ ،‬لكن برونو رفض الطلب‪ ،‬وقال‬ ‫إنه مل يُخالف اإلميان‪ ،‬وإن رجال الدين يؤ ّولون أقواله‪ ،‬ف ُحكم عليه باملوت وتسليمه إىل السلطة املدنية‪ ،‬فتم إعدامه‬ ‫(‪ )21‬ستيفن هوكنج ‪ -‬تاري ٌخ موج ٌز للزمان‪( ،‬ص‪ 15‬وص‪.)16‬‬

‫‪13‬‬


‫الديني‬ ‫االضطهاد ّ‬ ‫واغتيال الكلمة‬

‫ُحسام املنفي‬

‫رصا عىل ِعناده‪ ،‬يقول األستاذ سالمة‬ ‫َحرقًاً يف ‪ 17‬فرباير‪ /‬شباط ‪1600‬مـ وكان حتى ال َنفَس األخري رابط الجأش‪ ،‬شُ جا ًعا‪ُ ،‬م ً‬ ‫موىس‪ «:‬لكن الدراما مل تتم فصولً ‪ ،‬فإن برونو تق ّدم إىل الناس سنة ‪1600‬م وقلبه معمو ًرا بإميانه بنفسه وبالحقيقة‪ ،‬ال‬ ‫متثال لربونو يف‬ ‫تدمع له ع ٌني‪ ،‬وال ترتجف له ي ٌد‪ ،‬وبعد ثالمثئة سن ٍة من إحراقه كان البابا يبيك؛ ألن أهل روما قد أقاموا ً‬ ‫املكان الذي ا ُحرق فيه‪ ،‬وهكذا يُكتب االنتصار للحرية عىل االستعباد » ‪.‬‬ ‫هنا ال ب ّد لنا من وقف ٍة لنتأ ّمل‪ ،‬ليس فقط موقف برونو الشجاع الذي آثر أن يدافع عن مبادئه وأفكاره‪ ،‬حتى لو كانت‬ ‫تغي يف أوروبا يف القرون األربعة‬ ‫حياته مثن موقفه وعناده‪ ،‬لكن الفكرة التي تستحق التأ ّمل أكرث من ذلك ‪ :‬ما الذي ّ‬ ‫املاضية منذ َح ْرق برونو عام ‪1600‬مـ إىل يومنا هذا ؟ نحن جميعاً نرى حرية الفكر واالعتقاد التي تتمتع بهام أوروبا‬ ‫متس مبدأ وجود الله‬ ‫اليوم‪ ،‬ونرى ً‬ ‫أيضا علامء ومفكرين مثل ريتشارد دوكنز و ستفني هوكنج‪ ،‬وهم يتكلّمون يف قضايا ّ‬ ‫نفسه‪ ،‬فستيفن هوكنج يرى أنه ليس رضوريًا افرتاض وجود رو ٍح عليا سامي ٍة منفصل ٍة عن املادة خالق ٍة ومدبّر ٍة للكون‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ميسهام أح ٌد بسو ٍء‪ ،‬ومل تت ّع َد‬ ‫وموقف دوكنز‬ ‫معروف للجميع بإلحاده الرصيح ونقده بصف ٍة مستم ّر ٍة لألديان‪ ،‬ومع ذلك مل ّ‬ ‫تغي خالل القرون األربعة املاضية‬ ‫عليهم ّ‬ ‫أي سلط ٍة مهام بلغت من نفوذها وقوتها‪ ،‬سوا ٌء بالقول أم بالفعل‪ ،‬إذا ً فام الذي ّ‬ ‫تغي من يوم َح ْرق برونو ح ًيا إىل يوم جهر دوكنز وهوكنج باإللحاد عل ًنا ؟ أعتقد أن أه ّم ما ساعد أوروبا يف‬ ‫؟ ما الذي ّ‬ ‫أن تصل لذروة الحرية الفكرية والعقائدية‪ ،‬هو القيم السامية التي غُرست يف مجتمعاتها مثل‪ :‬العلامنية والليربالية‬ ‫والدميوقراطية واملواطنة وحقوق اإلنسان وقيم التنوير والتسامح وحرية االعتقاد‪ ،‬وحرية التعبري عن ما أعتقده وأراه‬ ‫كنت مختل ًفاً مع أغلبية املجتمع‪ ،‬فهذا حقّي‪ ،‬باإلضافة إىل البُعد االقتصادي والثورات العلمية واالقتصادية‬ ‫صوابًا حتى لو ُ‬ ‫والصناعية التي شهدتها أوروبا خالل القرون األربعة املاضية‪.‬‬ ‫هكذا تبدو الصورة قامت ًة حزين ًة‪ ،‬عندما يتمكّن رعاة وكهنة األديان من القبض عىل زمام األمور‪ ،‬فهم ال يتو ّرعون أب ًدا عن‬ ‫كل من يخالفهم يف الرأي‪ ،‬أو يعرتض عىل سياستهم‪ ،‬بل يصل األمر بهم لدرجة قتل مخالفيهم‪ ،‬والتنكيل‬ ‫إقصاء وتهميش ّ‬ ‫أي فصل الدين عن جميع مجاالت الحياة‪ ،‬يف السياسة واالقتصاد والعلوم‪ ،‬حتى‬ ‫بهم‪ ،‬لذلك‪ ،‬نحن ندعو إىل العلامنية‪ّ ،‬‬ ‫يوم اللحاق بقطار الحضارة اإلنسانية املعارصة‪.‬‬ ‫نستطيع أن ننهض بأمتنا‪ ،‬لعلنا نستطيع ذات ٍ‬

‫‪14‬‬


‫فريق ترجمة‬ ‫قناة امللحدين بالعريب‬

‫كيف تناظر مدافعا عن املسيحية‬ ‫‪15‬‬


‫كيف تناظر‬ ‫مدافعا عن املسيحية‬

‫ٍ‬ ‫محاوالت دؤوب ٍة لفهم وجودنا‪ ،‬فلم يرحل كام رحل‬ ‫و ّدع عاملنا الصغري تاركًا خلفه بصم ًة تخترص جه ًدا ووقتًا ومتع ًة‪ ،‬يف‬ ‫الكثريون‪ .‬فكتبه ستبقى تح ّدثنا عنه دامئًا‪ ،‬بعد انتهاء مسريته التي دامت تس ٌع وسبعون عا ًما‪ ،‬مع رحيله املفجع يف مدينة‬ ‫هاواي يف أمريكا‪.‬‬

‫ٌ‬ ‫وفيلسوف ومؤلف‪ ،‬وله وزنه يف جميع هذه املجاالت‪ .‬قىض فيكتور سنينه األخرية يف التأليف‪،‬‬ ‫فيكتور ستينغر‪ ،‬فيزيا ٌّيئ‬ ‫ٍ‬ ‫كباحث وأستا ٍذ لفيزياء الجزيئات يف كربى جامعات العامل‪ ،‬إذ نُرش له إثنا عرش كتابًا يف الفيزياء‬ ‫بعد تقاعده من عمله‬ ‫وامليكانيكيا الكمومية وعلوم الفيزياء الكونية والفلسفة والدين واإللحاد‪ .‬وعىل الرغم من أننا ال نجد له شهر ًة ذائع ًة‬ ‫ٍ‬ ‫بشغف عن املزيد‬ ‫كباقي ناقدي األديان كريتشارد داوكينز ودانيل دينيت‪ ،‬إال أ ّن من قرأ لفيكتور كتابًا واح ًدا سيبحث‬ ‫ٍ‬ ‫تقل أكادميي ًة‬ ‫مختلف متا ًما‪ ،‬فيها الوضوح والبساطة‪ ،‬مع أنّها ال ّ‬ ‫بإسلوب‬ ‫له بكل تأكيد‪ ،‬إذ يجد نفسه أمام كتاب ٍة مختلف ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫عن منشورات الدوريات العلمية املرموقة‪.‬‬ ‫يف الخامس والعرشين من آب (أغسطس) عام ‪ ،2014‬ورثنا عن ستينغر ترك ًة أدبي ًة تتخلل صفحات إثنا عرش كتابًا‪،‬‬ ‫والكثري من املقاالت املنشورة يف مختلف املجاالت العلمية‪ .‬فمن كتابه ليس بالتصميم‪ :‬أصول الكون ‪Not by Design:‬‬ ‫‪ ،The Origin of the Universe‬املنشور عام ‪ ،1988‬مرو ًرا بكتابه الفيزياء واملشعوذون ‪،Physics and Psychics‬‬ ‫الذي أىت بعد الكتاب اآلنف الذكر بعامني؛ وكان يبحث عن عا ٍمل يفوق العامل املادي الطبيعي‪ ،‬وكتاب الكوانتم الكوانتم‬ ‫الالواعي ‪ ،The Unconscious Quantum‬الذي دحض فيه نظريات العلم الزائف‪ ،‬والتي حاولت أن تُيسء استخدام‬ ‫امليكانيكيا الكمومية لصالحها‪ .‬ومن الكتب املهمة التي تركها لنا‪ ،‬كتاب الكون القابل للفهم ‪The Comprehensible‬‬ ‫أيضا سيناريو ممك ًنا‬ ‫‪ ،Cosmos‬والذي طرح فيه تفس ًريا وإجاب ًة علمي ًة للسؤال‪ :‬من أين أتت قوانني الفيزياء؟ وطرح فيه ً‬ ‫كتاب نُرش لفيكتور هو‬ ‫ألصل الكون من ال يشء‪ ،‬بطريق ٍة ميكن فهمها واستيعابها للقارئ غري املختص‪ .‬ولكن رمبا أه ّم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مبيعات عام ‪ 2007‬حسب النيويورك‬ ‫كتاب الله الفرضية الفاشلة ‪ ،God The Failed Hypothesis‬الذي كان ذا أعىل‬ ‫تاميز‪ ،‬باإلضافة إىل املزيد والعديد من الكتب األخرى واملقاالت‪ ،‬ومل ِ‬ ‫ميض الكثري من الوقت منذ أن انتهى من كتابه اآلخري‬ ‫الله واألكوان املتعددة ‪ God and the Multiverse‬املقرر نرشه يف التاسع من أيلول (سبتمرب) الجاري‪ ،‬أي بعد إسبوعني‬ ‫فقط من رحيله‪.‬‬ ‫باإلضافة إىل ذلك املنجم الفكري من الكتب واملقاالت‪ ،‬ورثنا عن فكتور أم ًرا آخر له عالق ٌة مبجلة امللحدين العرب‬ ‫التي بني يديك‪ ،‬فقد امتاز فيكتور بتعامله املمتاز مع املؤسسات التنويرية‪ ،‬مثل ‪ Center for Inquiry‬ومجلة ‪The‬‬ ‫‪ Humanist‬ومجلة ‪ Skeptic‬ومجلة ‪ ،Free Inquiry‬كام أنه أنار صفحات مجلة امللحدين العرب مبقابل ٍة كانت واحد ًة‬ ‫يستشف القارئ منها عمق اطالع ستينغر ومعرفتة‬ ‫من أهم املقابالت التي أجرتها املجلة ونرشت يف العدد الرابع عرش‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫يشتق من كل إجاب ٍة مقال ًة كامل ًة‪ ،‬ليجد نفسه وهي تخوض يف غامر‬ ‫العلم ّية والفلسفية الواسعة‪ ،‬حتى بإمكانه أن ّ‬ ‫مواضيع ومباحث هام ٍة وج ّدية‪.‬‬ ‫‪16‬‬


‫كيف تناظر‬ ‫مدافعا عن املسيحية‬

‫أيضا مقال ٌة مرتجمة يف العدد الثالث عرش من مجلة امللحدين العرب‪ ،‬بعنوان‪ :‬قيمنا األخالقية بني‬ ‫نُرش لفيكتور ستينغر ً‬ ‫الترشيع اإللهي والترشيع اإلنساين‪ ،‬ونقدم لكم اليوم إحدى املقاالت التي كتبها مؤخ ًرا‪.‬‬

‫‪How to Debate a Christian Apologist‬‬ ‫كيف تناظر املسيحي املدافع عن املسيحية – الجزء األول‬ ‫فيكتور ستينغر‬ ‫فيض من املناظرات بني امللحدين واملسيحيني املدافعني‪ ،‬كان لدينا املناظرة ال ّرباقة املبالغ بنرشها بني‬ ‫كان هنالك ُمؤ ّخ ًرا ٌ‬ ‫كِن هام ‪Ken Ham‬و بيل ناي ‪ Bill Nye‬حول موضوع "الخلق ّية ضد التط ّور"‪ ،‬والتي أسهمت فقط بإعطاء اعتقادات‬ ‫هام السخيفة اهتام ًما ال تستحقه‪ ،‬لكنه أخذ ما يكفي من املال من املانحني ودافعي الرضائب الستكامل حديقته‬ ‫الرتفيهية ( متحف الخلق يف والية كنتايك ) ‪.‬‬ ‫سابق ضد الهو ٍيت مسيحي أو أي رجل دين‪،‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن معظم املناظرات تحوي عاملًا ملح ًدا‪ ،‬فيلسوفًا‪ ،‬أو رجل دينٍ ٍ‬ ‫عامي بدون اختصاص رجل‬ ‫عامي ُمطل ٌع ضد رجل دين‪ ،‬ليس من الحكمة أن يناقش ملح ٌد ٌ‬ ‫وأحيانا ً يكون لدينا ملح ٌد ّ‬ ‫الدين‪.‬‬ ‫يف أحدث املناظرات التي شاهدت ُها‪ ،‬فضالً عن املناظرات التي حدثت عىل م ّر السنني‪ ،‬مبا يف ذلك العديد من املناظرات‬ ‫حضين ج ّي ًدا‪ ،‬والسبب ليس أن ُحججهم مقنع ٌة وقوي ٌة ولكن السبب عمو ًما هو‬ ‫الخاصة يب‪ ،‬املسيحيون دامئًا سلسني و ُم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫صل الكنيسة‪ ،‬يل ّمعون نفس الحجج القدمية‪.‬‬ ‫سنوات طويل ٍة بتقديم الدروس الدينية لجامهري املحارضات و ُم ّ‬ ‫أنهم قضوا‬ ‫وبعد أن تشاهد أو تشارك يف عد ٍد من هذه األحداث‪ ،‬ناد ًرا ما تجد حج ًة جديدةً‪ ،‬جميعها قد ُدحضت عدة مرات‪،‬‬ ‫ولكن معظم الجمهور ال يعرف ذلك‪.‬‬ ‫امللحدون‪ ،‬من ناحي ٍة أخرى‪ ،‬مع القليل من االستثناءات‪ ،‬ال يكون نرش اإللحاد واملحاججة به وظيف ًة ولقمة عيش لهم‪،‬‬ ‫لذلك يكون التحضري لهذه املناقشات صع ًبا عليهم ‪.‬‬ ‫بالتأكيد‪ ،‬املحاورين امللحدين سيضعون ُحججهم املثبتة ملوقف اإللحاد خالل بياناتهم االفتتاحية‪ .‬أنصح مر ًة أخرى من‬ ‫التجربة والخربة‪ ،‬أن يح ّدوا من هذه الحجج إىل مجاالت اختصاصهم‪ ،‬ويتج ّنبوا املواضيع خارج هذه املجاالت‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫كيف تناظر‬ ‫مدافعا عن املسيحية‬ ‫خالل بياناتهم االفتتاحية وطوال النقاش‪ ،‬من املرجح أن املدافعني سيفتحون مواضي ًعا و ُحج ًجا من املمكن أن ال يكون‬ ‫امللحد عىل دراي ٍة بها‪ .‬لذلك‪ ،‬عندما يحني الوقت للرد‪ ،‬امللحدين غال ًبا ال يت ّوفر لديهم ردو ٌد مقنعة‪ ،‬أو أية ردو ٍد عىل‬ ‫اإلطالق‪ ،‬وهكذا يخرسون نقاطهم يف املناظرة‪.‬‬ ‫املناظر القوي س ُيد ّون مالحظ ًة بكل نقط ٍة تكلّم عنها نظريه‪ ،‬ويحاول عىل األقل إعطاء جمل ٍة واحد ٍة كر ّد‪ .‬هذا سوف مينع‬ ‫الخصم من العودة وقوله‪ «:‬صديقي امللحد مل يرد عىل هذه النقطة» هذا يتطلّب خربة‪ ،‬ومل يكن يل هذه الخربة مبا فيه‬ ‫الكفاية ألكون جي ًدا بهذا األمر‪.‬‬ ‫يف املناظرة‪ ،‬الصورة العا ّمة أكرث أهمي ًة من جوهر الحجة‪ ،‬وعدم الرد عىل نقط ٍة ما سيُعطي انطبا ًعا سيئًا‪.‬‬ ‫يف ما ييل سأُقدم متهي ًدا للحجج األكرث شيو ًعا التي أدىل بها املدافعون‪ ،‬وسأقرتح ردو ًدا معلب ًة ومخترصة‪ .‬و من خالل‬ ‫سلس يف مرافعته كام الواعظ‪.‬‬ ‫حفظ أو جلب هذا املقال الذي يحوي هذه الردود للمناظرة‪ ،‬سيكون امللحد ٌ‬ ‫أنا ال أعطي أي تفاصيلٍ تقنية‪ ،‬هذه االقرتاحات من شأنها أن تكون عبار ٍ‬ ‫ات قصري ٍة ومفحم ٍة ورسيعة‪ ،‬تستخدمها يف‬ ‫ردودك يف املناظرات‪ ،‬التي عاد ًة ما تكون ذات ٍ‬ ‫وقت قصريٍ ومحدود ‪.‬‬ ‫إذا كنت باحث كوين‪ ،‬أو إحيايئ أو الهويت‪ ،‬فأنت ال تحتاجني ألقول لك ماذا تقول يف هذه املواضيع‪ .‬إذا مل تكن خب ًريا‬ ‫يف أي موضوع‪ ،‬يجب أن ال تقول أي يش ٍء أبعد من كفاءتك‪.‬‬ ‫رأيت هذا األمر يحدث يف املايض‪.‬‬ ‫فنظريك سوف يستخدم هذا ض ّدك وسيُو ِّجه نقص معلوماتك كسال ٍح يف يده‪ ،‬لقد ُ‬ ‫تذكّر أن هناك الكثري من املُحاججات التي ميكن أن ت ُطرح‪ ،‬إال أنه لن يتم طرح جميع تلك الحجج يف مناظرتك بسبب‬ ‫فضلها ‪ .‬لكن عليك أيضا أن تكون‬ ‫ ضيق‪ -‬الوقت‪ .‬لهذا يجب أن تدرس خصمك وتعرف ماهي نوعية الحجج التي يُ ّ‬‫ٍ‬ ‫مفاجآت غري متوقعة‪.‬‬ ‫مستع ًدا دامئًا لجميع الحجج التي ُيكن أن يتم طرحها‪ ،‬حتى ال تكون هناك‬ ‫ينصح دان باركر ‪ ،Dan Barker‬وهو عىل األغلب أكرث امللحدين خرب ًة باملناظرات‪ ،‬و الذي تُنسب له أكرث من مئة مناظر ٍة‬ ‫يف هذا املجال ‪ ،‬بالتايل ‪:‬‬ ‫« املناظرات صعبة‪ ،‬ألن هنالك الكثري من االحتامالت التي ُيكن أن تسري بها‪ ،‬مثل الكرة التي يتم رميها ‪ ،‬ليس من السهل‬ ‫تحديد االتجاه الذي سرتت ّد به‪ .‬لهذا يجب عىل املناظر أن يكون عىل أت ِّم استعدا ٍد للرد عىل كل النقاط املطروحة‪ ،‬ولو‬ ‫حتى باختصار‪.‬‬ ‫‪18‬‬


‫كيف تناظر‬ ‫مدافعا عن املسيحية‬

‫ّمت منذ زمنٍ أنه من املستحيل أن يتم طرح كل النقاط بأمسي ٍة واحد ٍة أو مناظر ٍة واحدة ‪-‬املناظرات الكتابية‬ ‫وقد تعل ُ‬ ‫حال ٌة مختلفة‪ -‬لذلك‪ ،‬من األفضل أن ال تحاول حرش كل يش ٍء يف ما تقوله يف املناظرة حتى ال تظهر مبظهر املرتبك أو‬ ‫رسع‪ ،‬ركِّز عىل أفضل وأقوى معارفك وما لديك ثق ٌة كبري ٌة به ‪ .‬طاملا كنا مستع ّدين بالجواب الكايف والرد الشامل لكل‬ ‫املُت ّ‬ ‫طر ٍح أو محاجج ٍة محتملة‪ ،‬فهنا ميكننا أن نناظر بقوة وأن نُ تع ونثري إعجاب الجمهور بثقة‪.‬‬

‫مم تم طرحه‪ ،‬لذا فإن االنطباع الذي‬ ‫غالباً يف املناظرات‪ ،‬القليل من الحضور يخرجون ُمتذكرين شيئًا أكرث من ‪ّ 10%‬‬ ‫يرتكه املناظر ها ٌم ج ًدا‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬كذلك الثقه بالنفس والترصف الحسن واللطف مع الخصم‪،‬‬ ‫حس الفكاهة ينفع‪ .‬هدوء املناظر ورباطة جأشه مفي ٌد ً‬ ‫ُّ‬ ‫وال ُجمل املصاغة ببالغ ٍة واختصارٍ‪ ،‬والنزاهة يف الطرح‪ ،‬كلها مفيدة يف املناظرة و تساعد املناظر عىل ترك هذا االنطباع‬ ‫اإليجايب عند الجمهور‪.‬‬ ‫أحيانًا يخرج املُشاهد من املناظرة وال يتذكر شيئًا أكرث من هذه االنطباعات‪ ،‬مجرد ميلٍ تجاه أو ضد هذا املحاور أو ذاك‬ ‫جدي عىل قراءاته ومواقفه يف املستقبل‪ ،‬هذا باإلضافة للحقائق »‬ ‫سوف يؤثر بشكلٍ ٍ‬ ‫سأحاول الرتكيز‪ ،‬و التشديد عىل املحاججات العلمية‪ ،‬تلك املحاججات التي تكون مبني ًة عىل وجود الدليل التجريبي‪،‬‬ ‫أو عدمه‪.‬‬ ‫من املُتوقع أن يواجه املناظر امللحد واحد ًة من الكثري من املحاججات الفلسفية املحتملة‪ ،‬تلك التي تكون مبني ًة عىل‬ ‫املنطق وحده‪ ،‬تلك املحاججات األخرية هي التي سأتط ّرق لها أوالً‬ ‫ ُيكن إثبات وجود اإلله بنا ًء عىل املنطق وحده‪ .‬مثالً‪ ،‬املحاججة األنتلوجية‪ ،‬التي تظهر بأكرث من شكلٍ ‪ ،‬وتم طرحها‬‫أوالً من قبل القديس انسليم ‪ St. Anselm‬يف القرن الحادي عرش‪ ،‬والذي ع ّرف اإلله عىل أنه « كيانٌ ال ميكن تخ ّيل ما‬ ‫هو أعظم منه »‪ .‬إذا ُوجد هذا الكيان يف العقل فقط‪ ،‬إذن فنحن نستطيع أن نتخ ّيل وجود كيانٍ أعظم منه‪ ،‬ولكننا ال‬ ‫نستطيع أن نتخ ّيل كيانًا أعظم من اإلله‪ ،‬لهذا يجب أن يكون اإلله موجو ًدا يف الواقع وليس يف العقل فقط ‪.‬‬ ‫أنت عىل حق‪ ،‬هذه املحاججة تم طرحها بأكرث من شكلٍ عىل مر القرون‪ .‬كلها تحتوي عىل أخطائها و مغالطاتها‬ ‫املنطقية‪ ،‬أما بالنسبة للمحاججة األصلية للقديس انسليم ‪ ، St. Anselm‬فتلك املحاججة نستطيع أن نستخدمها من‬ ‫أجل إثبات وجود أشيا ٍء كثري ٍة أخرى غري حقيقية‪ ،‬مثل البيتزا املثالية‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫كيف تناظر‬ ‫مدافعا عن املسيحية‬ ‫هناك نقط ٌة بسيط ٌة يجب طرحها هنا‪ ،‬املحاججات األنتلوجية هي التي تكون مبني ًة عىل املنطق وحده فقط‪ ،‬دون‬ ‫االعتامد عىل أي نو ٍع من املالحظة والقياس واملقارنة‪ ،‬لكن االستدالل املنطقي ال يُنتج أي يش ٍء خارج ما تقدمه‬ ‫املُقدمات‪ .‬كل ما يفعله املنطق هو بناء االستنتاجات التي تتبع املقدمات‪ ،‬والتحقق من وجود التناقضات واألخطاء‬ ‫بذلك الطرح يكون فقط عن طريق املالحظة‪ .‬وفقط عن طريق املالحظة نستطيع تحديد هل االستنتاج املنطقي املُجرد‬ ‫متطابق ويعكس الحقائق الواقعية أم ال‪.‬‬ ‫مثبت مبا نراه من وجود الكثري من العلامء املؤمنني‬ ‫ العلم و الدين شيئان متوافقان‪ ،‬وذلك ٌ‬‫هؤالء العلامء املؤمنني ليسوا سوى أقليّة يف الواقع‪ ،‬فقط ‪ 7%‬من أعضاء األكادميية الوطنية العلمية ‪National Academy‬‬ ‫‪( of Sciences‬وهي تضم نخبة علامء أمريكا) يؤمنون بإل ٍه شخيص‪.‬‬ ‫هؤالء العلامء املؤمنني يقومون بتقسيم أدمغتهم‪ ،‬فهم يرتكون الجزء املتعلّق بالتفكري النقدي يف املخترب عندما يذهبون‬ ‫إىل الكنيسة‪ ،‬و كذلك يرتكون الكتاب املقدس ‪ -‬أو أديانهم األخرى ‪ -‬عندما يذهبون اىل املخترب العلمي‪.‬‬ ‫اإلله ليس جز ًءا معرفًا أو منطق ًيا من املنهج العلمي لدى أي عا ٍمل مؤمن‪.‬‬ ‫العلم واإلميان يتعارضان بشكلٍ‬ ‫أسايس بسبب تعارضهام يف قضية منشأ وأصل املعرفة‪ ،‬العلم يفرتض أنه فقط من خالل‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا يتم اكتساب املعرفة عن طريق الوحي الساموي‬ ‫التجربة نستطيع اكتساب املعرفة عن العامل بينام الدين يفرتض أنه ً‬ ‫أصل نشأ عن املسيحية‪ ،‬ألنها ش ّجعت عىل التفكري العقالين‪ ،‬والكثري من العلامء القدامى غاليليو ونيوتن وغريهم‬ ‫ العلم ً‬‫كانوا مسيحيني‬ ‫العلم كان قد ترعرع و نشأ جي ًدا أيام الحضارة اإلغريقية والرومانية القدمية؛ لكن الكنيسة الكاثوليكية أخمدت العلم‬ ‫عندما وضعت يدها عىل االمرباطورية الرومانية يف القرن الرابع ميالدي‪ ،‬دافع ًة البرشية إىل فرتة امت ّدت ألف سنة من‬ ‫الجهل واملعروفه بحقبة العصور املظلمة هذه الحقبة انتهت بعرص النهضه و بزوغ فجر العلم الجديد‪ ،‬عندما‬ ‫استطاعت البرشية مر ًة أخرى التفكري و التكلم بحرية‪ .‬إنها لفكرة بق ّمه السخافة‪ ،‬أن تقول بأن العلم منتج مسيحي‪.‬‬ ‫بينام هو من املعروف عن بعض املختصني بالالهوت املسيحي ‪-‬مثل اوغستني و اكويناس‪ -‬بأنهم قد طبّقوا التفكري‬ ‫رصوا عىل أن الرؤيا (الوحي)‬ ‫العقالين بجانب كالمهم الالهويت حيث اعتربوا العلم وسيل ًة لفهم خلق الله‪ ،‬إال أنهم دامئًا أ ّ‬ ‫رص عىل عكس هذا الكالم‬ ‫تتف ّوق عىل املالحظة العلمية‪ ،‬غاليليو كان العامل الحقيقي األول من العرص الحديث الذي أ ّ‬ ‫مام سبب له مشاكل ‪.‬‬ ‫و طبعا غاليليو و نيوتن كانا مسيحيني حيث كان خيارهام اآلخر هو الحرق عىل الخازوق ‪ ،‬فاإللحاد مل يظهر بشكلٍ معلنٍ‬ ‫قبل بدء التنوير الفرنيس بعد قرن من الزمان‪ ،‬هذا النور جاء من العقول و ليس من نريان محارق املهرطقني ‪.‬‬ ‫‪20‬‬


‫كيف تناظر‬ ‫مدافعا عن املسيحية‬ ‫دليل عىل وجود املُصمم‪.‬‬ ‫وخصوصا يف الحياة هو ٌ‬ ‫ إن وجود التصميم والتعقيد الواضح يف العامل‬‫ً‬ ‫هذه كانت نقطة ٍ‬ ‫نقاش جيد ٍة قبل داروين حيث كان الناس وقتها ال ميلكون فكر ًة عن أشكال الحياة وتط ّورها ‪ ،‬داروين‬ ‫ٍ‬ ‫صمم أكرث تعقي ًدا‪،‬‬ ‫أرانا أن املتعضيّات املعقدة قد تط ّورت من أعضا ٍء أبسط بواسطة‬ ‫عمليات طبيعي ٍة ال تحتاج إىل ُم ٍ‬ ‫ويجب اإلشارة إىل أن التطورية الداروينية قد تنبأت بالكثري من األشياء التي كان ميكن أن تنفيها إذا ثبت خطأها لكن‬ ‫مل يتم هذا‪ ،‬عىل سبيل املثال التطور يحتاج إىل أن يكون عمر األرض و الشمس أكرب من الزمن الذي حددته الفيزياء‬ ‫بذلك الوقت‪ ،‬وتم هذا يف القرن العرشين عندما اكتُشف أن االندماج النووي هو مصدر طاقة الشمس وبذلك ُحلّت‬ ‫هذه املشكلة ‪.‬‬ ‫يف الفيزياء – كام هو الحال يف علم األحياء‪ ،‬البساطة تسبب التعقيد‪ ،‬بلّورة الثلج الجميلة بكل تعقيدها ناتج ٌة عن تكثف‬ ‫رضوري إلنتاج تعقيد الكون هو يش ٌء خاطي ٌء ج ًدا ‪.‬‬ ‫بخار ما ٍء ليس له أي بُنية‪ ،‬فالحديث عن أن التصميم الذيك‬ ‫ٌ‬ ‫ العديد من املسيحني يُص ّدقون نظرية التطور‬‫فعل‪ ،‬فاستطالعات الرأي ت ُبني أن أغلب من يؤمنون بالتطور منهم يعتقدون بالتطور املُو ّجه عن طريق الرب وهذا‬ ‫ليس ً‬ ‫ليس التطور الذي يتحدث عنه العلم‪ ،‬هذا يُس ّمى بالتصميم الذيك‪ ،‬ال وجود لله عندما يتعلق األمر بالحديث عن التطور‬ ‫‪.‬‬ ‫ ما زال العلم عاج ًزا عن رشح بداية نشأة الحياة‬‫صحيح‪ ،‬ولكن هذا ال يعني بأن الحياة خلقها الله‪ ،‬وليك تتمكن من القول بأن الله هو مصدر الحياة يقع عليك أنت‬ ‫سبب للقول بأن حدوث الحياة مستحيل‪ ،‬فاملك ّونات‬ ‫عبء إثبات أن الحياة غري ممكنة الحدوث بدونه‪ ،‬فليس لدينا ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫مكونات بسيط ٍة يف املخترب يف تجربة‬ ‫األساسية لنشوء الحياة موجود ٌة يف الفضاء‪ ،‬واألحامض األمينية نشأت عفويًا من‬ ‫الطالب الخريج ستانيل ميلر ‪ Stanley Miller‬سنة ‪ 1953‬بعد أن استغرقت التجربة أسبو ًعا واح ًدا فقط ‪.‬‬ ‫سبب أال وهو الله (‬ ‫ اإلنفجار الكبري أثبت ان للكون بداية‪ ،‬وكل يش ٍء له بداية وله ما يُسببه‪ ،‬وبذلك فالكون له ُم ٌ‬‫املحاججة الكوزمولوجية )‬ ‫خالق‬ ‫علم الفلك الحديث يقول أن الكون يف بدايته كان يف حالة فوىض وال يوجد ٌ‬ ‫خلق أو ٍ‬ ‫دليل أو أث ٌر يدل عىل أي ٍ‬ ‫‪21‬‬


‫كيف تناظر‬ ‫مدافعا عن املسيحية‬

‫والكثري من النامذج العلمية املثبتة بالرياضيات أظهرت أنه ال حاجة لكرس أي قوانني فيزيائية إلنتاج الكون‪ ،‬وميكانيكا‬ ‫الك ّم تثبت أ ّن ليس كل ما له بداية له سبب ‪.‬‬ ‫ الكون بدأ مع تف ّرد (‪ ) singularity‬وهو الذي حدد بدء الزمن‬‫التف ّرد الذي نتح ّدث عنه هو نقط ٌة متناهية الصغر يف الفراغ تحتوي تكثف طاق ٍة ال متناهي‪ ،‬وأظهرت ميكانيكا الك ّم‬ ‫أن هكذا تف ّر ٍد ال يحدث يف الطبيعة‪ ،‬ويُفاجئني استمرار املدافعني عن الدين يف استخدام هذا النقاش حيث أن أحد‬ ‫ُمنشئيه ‪-‬ستيفن هوكينغ‪ -‬كان قد ترك الحديث بهذا الخصوص منذ ‪ 30‬عاما و ميكنك رؤية هذا يف كتابه ‪A Brief‬‬ ‫‪ History of Time‬الذي نُرش سنة ‪. 1988‬‬ ‫علم الكونيات الحديث لديه الكثري من األدلة التي ترجح أن كوننا هو واحد من بني عدد ال نهايئ من األكوان تسمى الـ‬ ‫‪ multiverse‬وهو وجو ٌد ال نها ٌيئ ليس له بداي ٌة أو نهاي ٌة لذا انتفت الحاجة الفرتاض خالق ألنه ال يوجود خلق ‪.‬‬ ‫ ال ميكننا استشعار األكوان األخرى املختلفة عن كوننا‪ ،‬لذلك فهذا ال يعترب علام ً‪.‬‬‫العلم يتعامل مع األشياء عىل شاكلة الكواركات والثقوب السوداء طوال الوقت‪ ،‬وهذه األشياء مل يتم استشعارها‬ ‫بعد‪ ،‬ومبا أن علم الفلك الحديث يُر ّجح وجود األكوان املتعددة لذلك يجب أخذها بعني االعتبار عند مناقشة األسئلة‬ ‫الالهوتية‪ ،‬وما دامت غري مستبعد ٍة من طاولة العلم فال ُيكن استخدام رفضها كمحاجج ٍة إلثبات وجود إله الفراغات‬ ‫أو الحاجة لوجود خالق‪.‬‬ ‫بغض النظر أن األكوان األخرى ميكن استشعارها نظريًا بالفعل عرب قياس تأثرياتها عىل الخلفية املايكرويفية للكون‪.‬‬ ‫هذا ّ‬ ‫ من أين أتت كتلة الكون وطاقته؟‬‫مجموع الكتلة والطاقة يف الكون مساوي للصفر؛ حيث أن الطاقة املوجبة للامدة مساوي ٌة متا ًما للطاقة السالبة للجاذبية‪،‬‬ ‫أي من القوانني‬ ‫وهذا يُثبت أنه من املمكن أن تكون الطاقة آتي ٌة من حال ٍة سابق ٍة مساوي ٍة للصفر فيها‪ ،‬دون التعارض مع ٍ‬ ‫منبثق عن كونٍ‬ ‫نفق ك ّمي‪.‬‬ ‫سابق له عن طريق ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الفيزيائية‪ ،‬وأحد االحتامالت املطروحة يقول أن كوننا ٌ‬ ‫ كيف ليش ٍء أن ينبثق عن الال يشء ؟‬‫الال يشء أو العدم أم ٌر صعب التعريف عىل نح ٍو غريب‪ .‬لتعريفه عليك أن تعطيه بعض الصفات‪ ،‬لكن إذا كان ميتلك‬ ‫ٍ‬ ‫صفات فإنه مل يعد اليشء‪ ،‬إذًا هذا ٌ‬ ‫متامسك ّإل إذا ع ّرفته عىل أنه فراغ ٌخاوي‪ .‬وعىل أي حا ٍل فإ ّن األكوان‬ ‫سؤال غري‬ ‫املتعددة ال تحتاج لالنبثاق من يشء‪ .‬فهي كانت موجود ًة د ًوما (بدون بداية )‪ .‬يتبع‬ ‫‪22‬‬


‫ثالث أسئل ٍة عن اإلرهاب‬

‫جورداين أغنستو‬

‫يوم حارقٍ من أيام آب ‪/‬‬ ‫يف ٍ‬ ‫كنت أستمت ُع ٍ‬ ‫بكأس‬ ‫أغسطس‪ُ ،‬‬ ‫من الج ّعة ال ّرخيص ِة ال ّرديئة ال ّنوع‪،‬‬ ‫وأع ّوض عن رخص مثنها ورداءة نوعها‪،‬‬ ‫برفق ٍة رائع ٍة وغالي ٍة عىل قلبي‪ ،‬لكن فجأ ًة خطر‬ ‫يف بايل خاط ٌر‪ ،‬وكام ع ّودتنا تكنولوجيا املعلومات‬ ‫كل خاط ٍر يجول يف رأس الشّ خص ال ب ّد أن يسمعه‬ ‫الحديثة‪ّ ،‬‬ ‫العامل أجمع؛ فق ّررت أن أنرشه عىل صفحتي الوهميّة عىل كتاب‬ ‫مرتجم عرفه التاريخ‪،‬‬ ‫الوجوه (تح ّية لذكرى فيلكس فارس‪ ،‬أفشل‬ ‫ٍ‬ ‫بغض النظر عن أعامله القومية األخرى)‪.‬‬ ‫ومات نيتشه عىل يده مر ًة ثاني ًة‪ّ ،‬‬ ‫رصف‪« :‬من يَقتل من؟ (السؤال‬ ‫جادت قريحتي املخمورة بالجوهرة اآلتية بت ّ‬ ‫شيعي يقتل س ّنياً‪ ،‬س ّن ٌّي يقتل شيعياً‪ ،‬لكن الجاين الحقيقي هو اإلسالم بكل‬ ‫األول)‬ ‫ٌّ‬ ‫كل «املتنورين» الالمذهبيّني املهذّبني‬ ‫بساط ٍة‪ ،‬هذه هي الحقيق ُة امل ّرة‪ ،‬التي يتفاداها ّ‬ ‫السيايس عىل حساب ال «صواب»‪ .‬تن َّو َع اإلسالم‪ ،‬واملوت واح ٌد»‪.‬‬ ‫امللتزمني ّ‬ ‫بالصواب ّ‬ ‫كليش ٍءإالّاإلسالم‪،‬أويف‬ ‫كليش ٍءعىل ّ‬ ‫كانتالتعليقاتوالردودمنالنوعاملعتاد‪،‬التيتتل ّخصإ ّمايف‪:‬لوم ّ‬ ‫كل الناس تفعل ما نفعله نحن‪ ،‬فال مالمة علينا»‪.‬‬ ‫قول‪« :‬انظر إىل هؤالء‪ ،‬فعلوا مثلنا أو يفعلون مثلنا‪ ،‬وبالتّايل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لسبب أو آلخر‪،‬‬ ‫مغالطات‪ ،‬لكن‬ ‫بالتأكيد ال يَخفى عىل الفط ِني معرف ُة ما تحويه هذه الردود من‬ ‫ٍ‬ ‫ق َّررتُ عدم الر ّد عىل الردود بشكلٍ مبارش‪ ،‬ولَ َم َعت يف خاطري فكرة االستمرار يف األسئلة‪ ،‬فحدث اآليت‪:‬‬ ‫‪23‬‬


‫ثالث أسئل ٍة عن اإلرهاب‬ ‫جورداين أغنستو‬

‫املعلّق رقم واحد قال‪:‬‬‫«هذا غري عاد ٍل‪ ،‬وليس علم ّياً صديقي‪ ،‬فالواليات املتحدة حني قامت بتفجري قنبلتني نوويتني عىل اليابان‪،‬هل كانت مسلم َة؟‬ ‫مسلم؟ اململكة املتّحدة التي قتلت آالف الصينيني يف حرب األفيون‪،‬‬ ‫هتلر الذي تس ّبب يف مقتل ماليني البرش‪ ،‬هل كان‬ ‫ً‬ ‫هل كانت مسلم ًة؟ الدول االستعامرية التي أبادت الشعوب التي استعمرتها‪ ،‬هل كانت مسلمة؟ املسيح ّيون الكاثوليك‬ ‫الذين قَتَلوا املسيحيّني الربوتستانت‪،‬هل كانوا مسلمني؟ البوذيّون الذين قَتَلوا املسلمني يف بورما‪،‬هل كانوا مسلمني؟‬ ‫بغض النظر عن معتقده أو معتقد الضحية‪ ،‬إذا ص ّدقت‬ ‫ميت أم تغاض ْي َت عن ال َنظَر؟! القاتل مجر ٌم‪ّ ،‬‬ ‫ما بك صديقي؟أ ُع َ‬ ‫ساذج‪ ،‬فهذا الحقد عىل اإلسالم ال يعفي غري املسلمني من تح ّمل تبعاتهم‬ ‫لسبب‬ ‫أ ّن أح ًدا يقتل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫عقائدي‪ ،‬فأنت ببساط ٍة ٌ‬ ‫األخالق ّية عند ارتكاب نفس الجرمية‪ ،‬ملاذا ال تدين الجرمية حني يرتكبها غري املسلمني؟ ملاذا ال تدين األديان األخرى حني‬ ‫بغض ال ّنظر عن دينه‪ .‬قليالً من اإلنصاف يف حق نفسك‪،‬‬ ‫يرتكب الناس جرائم باسمها؟ أنا ال أدي ُن األديان‪ ،‬أدي ُن املجرم ّ‬ ‫أال ترى أنك لنفسك ظاملٌ؟!»‬

‫"إشمعنا هم ‪..‬أنا‬ ‫عايز ألعب كامن"‬

‫الحظت اآليت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫علم يف كالمه‪.‬‬ ‫‪1.1‬إقحام اسم ال ِعلم‪ ،‬وال أعلم السبب‪ ،‬مع أنّه مل‬ ‫يستدل بأي ٍ‬ ‫الكل مجرمون‪ ،‬فاإلسالم بري ٌء من الجرائم‪ ،‬أل ّن البوذيّني واملسيح ّيني والهندوس‬ ‫‪2.2‬محاولة تجريم الجميع‪ ،‬بالتايل ّ‬ ‫ككل‬ ‫أيضا مجرمون ( بالتأكيد املعلّق هذا مل يخطر يف باله انّه باستطاعتنا أن نج ّرم األديان والفكر العقائدي ٍّ‬ ‫واليهود ً‬ ‫بدالً من تربئة ساحة اإلسالم‪ ،‬لكن هذا سيعني االعرتاف بالخطأ‪ ،‬وهذه أكرب جرمي ٍة عند بني يعرب)‪.‬‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫‪3.3‬ال يه ّمني وجودي يف الصني أو بأمريكا الالتين ّية‪،‬هم يقتلهم دينهم‪ ،‬وأنت دينك هو الذي يقتلني وقاتلك ً‬ ‫‪24‬‬


‫ثالث أسئل ٍة عن اإلرهاب‬ ‫جورداين أغنستو‬

‫بضيق يف صدري ممزو ٍج باألىس والحزن‬ ‫كلّام أمت ّعن يف هذه املالحظات ‪ -‬وكث ًريا ما أالحظها‪ -‬أشعر‬ ‫ٍ‬ ‫رص ٍف‪:‬‬ ‫والغضب‪ ،‬وهذه مالحظ ُة مثري ُة لالهتامم بح ّد ذاتها‪ ،‬لكن‬ ‫ُ‬ ‫وضعت مالحظايت جانبًا‪ ،‬وكتبت اآليت بت ّ‬ ‫«بالنسبة للواليات املتّحدة يا صديقي‪ ،‬بإمكاين أن أع ّدد وأقول‪ :‬الجهل باآلثار النوويّة التي تلت التفجري‪ ،‬وأ ّن املقارنة‬ ‫كانت بني خسائر مباليني األرواح (‪4‬ماليني ضح ّي ٍة حسب خطّة االجتياح التي استُخرجت من ملفّات الكونغرس بنا ًء‬ ‫عىل قانون حريّة املعلومات بعد‪ 25‬عا ًما من تاريخ إعدادها) عىل الطّرف األمرييك‪ ،‬دون حساب خسائر اليابان ّيني» [‪.]1‬‬ ‫كل يشء‪،‬ويف كتابه‪،‬‬ ‫باستطاعتي القول‪ « :‬يا أخي إ ّن هؤالء مسيح ّيون‪،‬وهيتشنز كان دامئًا يقول‪ :‬إ ّن ال ِّدين يس ّمم ّ‬ ‫يوضح أ ّن البوذيون املساملني والطاويني‪،‬‬ ‫الشق آسيوية أبرز وأمتع الفصول وأح ّدها‪( ».‬حني ّ‬ ‫كان الهجوم عىل األديان ّ‬ ‫وغريهم من الروحان ّيني‪ ،‬هم من قاموا بتأليه إمرباطور اليابان‪ ،‬وباركوا قيامه بذبح ‪ 300‬ألف صيني برضب ًة واحدة)[‪.]2‬‬ ‫سؤال واح ًدا(السؤال الثاين) فقط‬ ‫ويف النهاية‪ ،‬أع ّدل الكالم من اإلسالم إىل األديان‪ ،‬وأخترص‪ ،‬لكن يا زمييل‪ ،‬أريد أن أسألك ً‬ ‫كل الحوار‪:‬‬ ‫ال غري‪ ،‬ألنهي فيه ّ‬

‫والصني وروسيا وبريطانيا وفرنسا‪..‬الخ‪ ،‬باإلضافة إىل حبيبة املاليني ( إرسائيل )!‬ ‫أنت تنام قرير العني‪ ،‬والواليات املتّحدة ّ‬ ‫ميتلكون جميعهم أسلح ًة نوويّ ًة مبا يزيد عن ‪10‬آالف ٍ‬ ‫نووي عاب ٍر للقارات ( بني روسيا وأمريكا فقط‪ ،‬ودون أخذ الباقي‬ ‫رأس ٍّ‬ ‫باالعتبار‪ ،‬مع العلم أ ّن هناك ما بني ‪ 250-500‬قنبل ٍة نوويّ ٍة عىل عتبة بابك يف إرسائيل)‪ ،‬لكن لن يغمض لك جف ٌن إن امتلكت‬ ‫إيران‪ ،‬أو حصول تنظيم القاعدة أو داعش عىل ٍ‬ ‫نووي من باكستان الّتي سالحها تحت حامية وسيطرة الواليات املتّحدة‪.‬‬ ‫رأس ٍ‬ ‫ ما السبب يا ترى؟‬‫‪ .1‬عمليّة "انهيار" (‪http://www.freerepublic.com/focus/news/1708051/posts .)operation downfall‬‬ ‫ٍ‬ ‫رصف األنسب عند التع ّرض لهجوم‬ ‫الت‬ ‫هو‬ ‫االستتار‬ ‫أو‬ ‫ة‬ ‫طاول‬ ‫تحت‬ ‫إعالنات التوعية العا ّمة األمريكية ملواطنيهم يف أواخر األربعينيات والخمسينيات‪،‬حيث كانوا يظ ّنون أ ّن االختباء‬ ‫ّ‬ ‫النووي (ما ُعر َِف بحملة (‪Duck and cover‬‬ ‫بالسالح‬ ‫ّ‬ ‫حل ٍ‬ ‫الشق ‪( -‬كريستوفر هيتشنز) ‪.‬‬ ‫عظيم ‪ -‬فصل ال ّ‬ ‫ليس‬ ‫ب‬ ‫‪ .2‬ال ّر‬ ‫آت من ّ‬ ‫ً‬

‫‪25‬‬


‫ثالث أسئل ٍة عن اإلرهاب‬ ‫جورداين أغنستو‬

‫املتحضة التي تعترب املحافظة‬ ‫حق املعرفة‪ ،‬أنّه بعد أن َو ِع َي العامل خطر اإلشعاع عىل البرشيّة‪ ،‬فإ ّن ال ّدول‬ ‫ّ‬ ‫أنت تعرف ّ‬ ‫عىل البرشية أولويّ ًة‪ ,‬وال اهتامم لها بالج ّنة أو الرب‪ ،‬لن تستخدم النووي أب ًدا‪ ،‬يف حني انّك تعلم متا ًما أ ّن اإلسالم بالذّات‪،‬‬ ‫السياسية الشمولية التي ال تعرف ّإل أسلوب «أحكمك أو أموت وأنا أحاول أن أحكمك»‪ ،‬ال ته ّمه أب ًدا‬ ‫وبالتحديد بعقائده ّ‬ ‫حياتك‪ ،‬أنت بالنسبة له إما تاب ٌع ُمخلِ ٌص داف ٌع للجزية صاغ ُر‪ ,‬أو جثّ ٌة هامدةٌ‪ ،‬ال فرق بني الخيارات الثالث بعني اإلنسان‬ ‫الح ّر‪ ،‬وال فرق ً‬ ‫أي من الحاالت الثالث [‪ .]3‬وال أظ ّن أنّني بحاج ٍة لوضع مرجعٍ‬ ‫أيضا يف عني اإلسالم‪ ،‬حيث يُعتَ َب انتصا ًرا ًّ‬ ‫بالصغار والذلّة أكرث من‪:‬‬ ‫للجزية املرشوطة ّ‬

‫﴿ قَاتِلُوا ْ ال َِّذي َن الَ يُ ْؤ ِم ُنو َن بِاللّ ِه َوالَ بِالْ َي ْو ِم ِ‬ ‫اآلخ ِر َوالَ يُ َح ِّر ُمو َن َما َح َّر َم اللّ ُه َو َر ُسولُ ُه َوالَ يَ ِدي ُنو َن ِدي َن الْ َح ِّق ِم َن‬ ‫اب َحتَّى يُ ْعطُوا ْ الْ ِج ْزيَ َة َعن يَ ٍد َو ُه ْم َصا ِغ ُرو َن ﴾‬ ‫ال َِّذي َن أُوت ُوا ْ الْ ِكتَ َ‬ ‫الحظ أ ّن القتال هنا ليس دفا ًعا عن النفس‪ ،‬إنّ ا يكفي ّأل يح ّرموا ما يعتربه املسلم حرا ًما‪ ،‬وال يُدينوا ب ِ​ِدين اإلسالم‬ ‫والصغار‪ .‬كنت أعتقد عند هذه ال ّنقطة أين أعطيت السؤال الثاين حقّه‪ ،‬بإيجا ٍز واختصارٍ‪ ،‬وال‬ ‫حتّى ت ُكتَب عليهم ال ِّذلّة ّ‬ ‫حاجة يل باملواصلة يف تكرار املك ّرر‪ ،‬وحزمت أمري عىل االنتقال إىل ما التعليقات التالية التي أغلبها تراوح بني املؤيد‬ ‫وبني املتوقع‪ ،‬وال يشء يثري االت ّهام‪ ،‬حتى وصلت إىل مفارق ٍة يف أن يت ّم ال ّرد عىل كالمي بهراء الصواب السيايس والتنوير‬ ‫وضعف ِحيل ٍة و ُمحاول ٍة يائس ٍة السرتضاء الهمج ومساوا ٍة زائف ٍة بني الثقافات‪.‬‬ ‫همم ُ‬ ‫ال ّزائف‪ ،‬الذي ما هو إال مج ّرد ارتخاء ٍ‬ ‫استشطت غض ًبا عىل محاولة االحتجاج بالخوف والجشع والسعي إىل السلطة‪ ،‬ونسب القتل والحروب بني‬ ‫هنا‬ ‫ُ‬ ‫األديان والعقائد إليها‪ ،‬مع ٍ‬ ‫نتاج الخوف من املجهول والطمع بالخلود‬ ‫تناس كاملٍ لواقع األديان‪ ،‬التي هي باألصل ٌ‬ ‫وسعي امللوك والوجهاء لسلط ٍة مطلق ٍة عىل العوام‪ ،‬فمحاولة تفريق األديان عن الخوف والطمع والجشع‪،‬هو‬ ‫الضبع عن الثدييات الالحمة التي تجوب سافانا إفريقيا‪ ,‬وتتغذى عىل ما ترتك األسود‬ ‫مثل محاولة تفريق ّ‬ ‫وراءها من جيف‪ ،‬لك ّني ق ّررت أن أكظم الغيظ ‪ ،‬وأحاول أن أو ّجه سؤاالً بسيطاً‪ ,‬ألوفّر عىل نفيس أمل لقلب‬ ‫وسهل‪ ،‬نحن مل نتف ّوه بيش ٍء» فالدين هو الطَ َمع وال َجشَ ع يف أبشَ عِ ُص َورِهام‪ ،‬ونتاجهام‬ ‫ً‬ ‫أهل‬ ‫وحرسته‪ ،‬قُلت‪ً « :‬‬ ‫أيضا‪ ،‬املوضوع ببساط ٍة شديد ٍة‪ ،‬الحروب هدفها املال واألرض والغنائم‪ ،‬وبنات األصفر عىل رأي أحد أصدقائنا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫لك ّن كالمك كلّه يُ َر ّد عليه بسؤا ٍل ٍ‬ ‫زعيم يقول ألتبا ِع ِه‪«:‬اذهبوا واقتلوا أولئك‬ ‫واحد (السؤال الثالث) ً‬ ‫أيضا‪ :‬كم م ّرة َس ِم َ‬ ‫عت َملِكًا أو ً‬ ‫عت زعيامً يقول ألتباعه ولجامهريه‪«:‬الله‬ ‫ال ّناس‪ ،‬ألننا نحتاج ألربع آبار برتو ٍل لتحريك اقتصادنا وتأمني وقودنا»؟ كم م ّر ًة َس ِم َ‬ ‫يكره أولئك البرش‪ ،‬هيا بنا ننفّذ مشيئة الرب»؟ كم م ّر ًة يف تاريخنا‪ ،‬كان هذا ال ّزعيم مسلامً‪ ,‬وكان األتباع مسلمني؟‬ ‫عم أتكلّم‪ ،‬إنّ ا أنت كمن يقول‪:‬‬ ‫أجبني‪ ،‬وسوف تعرف ّ‬ ‫بالضبط ّ‬

‫«القتل ال عالقة له باألسلحة األوتوماتيكية‪ ،‬فالقتل ميكن أن يت ّم بأي حجرٍ»‬ ‫‪ .3‬الحاكميّة‪ :‬الحكم "لله" فقط‪ ،‬وليس للبرش أو أي إل ٍه آخر‪ ،‬وال ألي منه ٍج آخر أو رشيع ٍة أخرى (‏شموليّة\ ‏إقصائيّة \ ‏ديكتاتوريّة)‪/http://ar.wikipedia.org/wiki .‬توحيد_‬ ‫الحب والكره‪ ،‬ليس فقط التحالفات‪،‬حسب ات ّباع الطّرف اآلخر ملنهجك الذي تعتقده األقرب إىل اإلله (طائف ّية)‪.‬‬ ‫الحاكمية ‪ ...‬الوالء والرباء‪ :‬توزيع ّ‬ ‫‪/http://ar.wikipedia.org/wiki‬الوالء_والرباء‬

‫‪26‬‬


‫ثالث أسئل ٍة عن اإلرهاب‬ ‫جورداين أغنستو‬

‫اإلجابة‪ :‬نعم‪ ،‬القتل ممكن أن يتم بواسطة حجرٍ‪ ،‬لك ّنه من الصعب ارتكاب مجزر ٌة دون سال ٍح‬ ‫الصعب أن ت ُ َح ِّرك املاليني ل َيقتُلوا األطفال وال ّنساء‪ ،‬فقط من أجل آبار برتو ٍل‪.‬‬ ‫أتوماتييك متا ًما‪ ،‬ألنّه من ّ‬ ‫الصواب السيايس‪ ،‬و ُعق َِد إرضاء ال ّناس‪ ،‬وأستعيذُه من‬ ‫أقول قويل هذا وأستغفر العقل يل ولكم من ّ‬ ‫ال ُخنث اللّيربالية الزائدة‪ ،‬وتناقض التع ّددية املفرطة‪ ،‬وأذكّر نفيس وإيّاكم مبقولة كارل بوبر األشهر‪:‬‬ ‫املتعصبني‪ ،‬وإذا‬ ‫حتم إىل القضاء عىل التسامح؛ فإذا ك ّنا متسامحني بشكلٍ ُمطلق حتى مع‬ ‫«التسامح ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللمحدود يؤ ّدي ً‬ ‫واحد»‪]4[.‬‬ ‫ك ّنا ال ندافع عن املجتمع ض ّد هجامتهم‪ ،‬فإنّه سيت ّم القضاء عىل التسامح واملتسامحني يف آنٍ ٍ‬

‫السابع‪ .‬مفارقة التّسامح‪.‬‬ ‫‪ .4‬كارل بوبر‪ .‬املجتمع املنفتح وأعداؤه‪ .‬الجزء األول‪ .‬الفصل ّ‬

‫‪27‬‬


facebook group :https://www.facebook.com/groups/358777197583418 Blog :

https://www.aamagazine.blogspot.com

facebokPage :

https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299

28


‫لقاء األنبياء‬

‫أرشيف املنتدى األم‬

‫ٌ‬ ‫مقال ساخ ٌر للزميل‪ :‬مش فاهم‬

‫السالم عليكم ورحمة الله وبركاته‪ ،‬الحمد لله وكفى‪ ،‬خلق الكون وغفا‪ ،‬طرد آدم ونفى‪،‬‬ ‫رضب إبليس عىل القفى‪ ،‬وال رحم اإلنسان وال شفى‪ ،‬وال بهذا اكتفى‪ ،‬بل بعث له من‬ ‫الغبي املصطفى ‪.‬‬ ‫اصطفى‪ ،‬حامدة ّ‬

‫‪29‬‬


‫لقاء األنبياء‬ ‫الحروب واملجاعات والخالفات التي تجري يف العامل اآلن‪ ،‬ومبا أنّني‬ ‫أما بعد‪ ،‬فقد اجتمعنا اليوم لننظر أيّاً منا السبب يف‬ ‫ِ‬ ‫ال أذكركم‪ ،‬ألن حادثة اإلرساء واملعراج كانت منذ زمنٍ ٍ‬ ‫نبي منكم أن يُق ّدم نفسه وديانته‪ ،‬وأنا‬ ‫بعيد‪ ،‬فأرجو من كل ٍ‬ ‫سأبدأ ‪:‬‬ ‫الغبي‪ ،‬ديني اإلسالم‪.‬‬ ‫حامدة‪ : ‬حامدة ّ‬ ‫برهومه‪: ‬برهومه الربومه‪ ،‬ديني الحنيف ّية‪.‬‬ ‫كريستو ‪ :‬األب دي ق ّدس كريستو‪ ،‬ديانتي املسيحيّة ‪.‬‬ ‫لوح ‪ :‬لوح‪ ،‬ال أعرف إشامً لديني‪ ،‬آشف‪.‬‬ ‫‪ ‬أبو األمواس ‪ :‬هداسا وفواز‪ ،‬اديني ملوخ ّية‪.‬‬ ‫(ينظر الجميع إىل أيب األمواس باستغراب‪ ،‬ثم ينفجرون ضاحكني)‪ ،‬كريستو وهو ُّ‬ ‫يدق بيده عىل املائدة من ش ّدة‬ ‫الضحك ‪:‬ماذا يقول هذا األحمق؟‬ ‫لوح ‪ :‬هل أكلت القطة لشانك؟‬ ‫جالون بخجل ‪ :‬اسمحوا يل‪ ،‬إنه يقول ‪ :‬أبو األمواس وديني اليهوديّة‪.‬‬ ‫حامدة وهو ُيسك بلحيته ‪ :‬ومن أنت بحق الحريم؟‬ ‫خجل ‪ :‬أنا ‪ -‬آه ‪ -‬إسمي ‪ -‬أنا أخوه ‪ -‬جالون ‪.‬‬ ‫جالون وقد احم ّر وجهه ً‬ ‫برهومه ‪ :‬ياما جاب الغراب‪.‬‬ ‫رتجم؟؟؟‪ ...‬عظي ٌم‪.‬‬ ‫كريستو ‪ :‬أتقصد ُم ً‬ ‫حامدة الغبي ‪ :‬فلنبدأ بحمد الله‪ ،‬هل من أفكا ٍر عندكم‬ ‫عن السبيل لتغيري العامل؟‬ ‫لوح ‪ :‬ملاذا ال يُرشل الله نب ًيا جدي ًدا؟‬ ‫كريستو ‪ :‬لِ َم ال ؟ سأكلّمه بنفيس‪.‬‬ ‫أبو األمواس ‪ِ :‬وداين واقفة‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫لقاء األنبياء‬ ‫موافق‪.‬‬ ‫أيضا‬ ‫جالون ‪ :‬يقصد ‪ :‬أنا ً‬ ‫ٌ‬ ‫برهومه ‪ :‬لقد أرسل الله آالف الرسل واألنبياء ومل يحدث يش ٌء يا سادة‪ ،‬فكرة النبي فكر ٌة سخيف ٌة ولن ت ُفيد بيشء‪،‬‬ ‫دعك من أنّهم سريكلون مؤخرة هذا النبي إذا ا ّدعى ذلك‪ ،‬فاليهود لن يؤمنوا به‪ ،‬املسيح ّيون سينكرونه‪ ،‬املسلمون‬ ‫سيقتلونه‪.‬‬ ‫جميل‪ ،‬ماذا تقرتح أنت ؟‬ ‫حامدة ‪ٌ :‬‬ ‫برهومه ‪ :‬ملاذا ال نظهر جمي ًعا للناس؟؟ نطلب من الله أن يُرسلنا مر ًة أخرى إىل األرض‪ ،‬وهكذا سيؤمنون‪.‬‬ ‫أبو األمواس ‪ :‬خد صابون وتايد؟؟ وهيبوشونا‪ ،‬اغسل القلقاس معاهم‪ ،‬وغطس هينقع غسيله وينقر املنقار‪ ،‬أو نشا‬ ‫وخروب يف قلبه‪.‬‬ ‫لوح ‪ :‬أوف‪ ،‬رحمتك يارب‪ ،‬ترجم يا جالون ‪.‬‬ ‫جالون ‪ :‬إنه يقول‪ :‬هل تص ّدقون ذلك؟؟ إن مل يقتلونا سيتف ّرق الناس شي ًعا‪ ،‬وكل ٍ‬ ‫شخص سيتبع نب ًيا ويُنكر باقي‬ ‫حروب طاحن ٌة ‪.‬‬ ‫األنبياء‪ ،‬وستقوم‬ ‫ٌ‬ ‫لوح ‪:‬همممم‪ ...‬كال ٌم شليم‪.‬‬ ‫برهومة ‪:‬كانت مجرد فكر ٍة ال أكرث‪.‬‬ ‫مفروض‪ ،‬هل من أفكا ٍر أخرى يا سادة ؟‬ ‫نبي مرفوض‪ ،‬ورجوعنا إليهم جمي ًعا‬ ‫ٌ‬ ‫حامدة ‪ :‬إرسال ٍ‬ ‫كريستو ‪ :‬ملاذا ال أعود مبفردي؟؟ فاليهود ينتظرونني‪ ،‬املسيح ّيون ينتظرونني‪ ،‬املسلمون ينتظرونني‪ ،‬فإذا ظهرتُ أنا‬ ‫تحقيق لنبوء ٍة مشرتك ٍة بني األديان‪ ،‬وبعدها ُيكنني توحيدهم وتنتهي الخالفات‪.‬‬ ‫فستكون‬ ‫ٌ‬ ‫أبو األمواس ‪ :‬يلعن تني شوكهم؟‬ ‫جالون ‪ :‬إنه يقول‪ :‬وعىل أي دينٍ ستحكمهم؟‬ ‫لوح ‪ :‬رمبا عىل املشيحيّة‪...‬هيهيهيهيه‬ ‫كريستو ‪ :‬هل لديك مان ٌع ؟‬ ‫لوح ‪ :‬ويا تُرى تعني باملشيح ّية أنّك ابن الله؟ أم رشول الله؟‬ ‫حامدة ‪ :‬ال ب ّد أ ّن يقول إنّه ٌ‬ ‫رسول ‪.‬‬ ‫كريستو ‪ :‬وما املانع أن أقول‪ :‬أنّني ابن الله ؟ سيص ّدقني املسيح ّيون عىل األقل‪.‬‬ ‫برهومة ‪ :‬نقطة ومن أول السطر‪ ،‬لو قلت إنّك ٌ‬ ‫رسول سيكذّبك املسيحيّون‪ ،‬ولو قلت إنّك ابن الله سيكذّبك املسلمون‪،‬‬ ‫تحل الخالف بل ستزيد الطينة بل ًة‪.‬‬ ‫ولن ّ‬ ‫حامدة ‪ :‬نعم‪ ،‬معك حق‪.‬‬ ‫الغبي الذي شيص ّدق ذلك؟‬ ‫لوح ‪ :‬ابن الله؟؟ من ّ‬ ‫أبو االمواس ‪ :‬فيزياء باكسري حقيقي‪ ،‬كلهم مقص املنشار واملاين مقص حميدة بنت الزوات‪.‬‬ ‫(يه ّز أبو األمواس أخاه جالون يك يرتجم‪ ،‬ألن األخري كاد ينام )‬ ‫‪31‬‬


‫لقاء األنبياء‬ ‫ّ‬ ‫يصدق ابن الله‪ ،‬والثاين يص ّدق سفين ًة تحمل جميع‬ ‫جالون ‪ :‬إنه يقول ‪ :‬إ َّن األغبياء كثريون يا صديقي‪ ،‬أحدهم‬ ‫الحيوانات‪.‬‬ ‫لنبي ألواح‪ ،‬ومن يص ّدق أنّه كلّم الله عىل جبلٍ ‪ ،‬ومن يص ّدق‬ ‫كريستو ‪ :‬هكذا إذا ً ؟؟ وماذا ع ّمن يصدق أ َّن الله أعطى ٍ‬ ‫عصا تفلق البحر نصفني‪ ،‬والذي يص ّدق أ َّن العصا تتحول اىل حية‪.‬‬ ‫أ َّن ً‬ ‫لوح ‪ :‬خخخخخخ‪ ...‬هيهيهيهيهيه‪ ...‬حلوة‪.‬‬ ‫أبو األمواس ‪ :‬شيل قارورة اسقي الجزار يف الثانية؟ فالن تلعثم قال لربنا احوك؟‪.‬‬ ‫‪ ‬جالون ‪ :‬لن أترجم هذا‪...‬آسف‪.‬‬ ‫‪ ‬برهومه ‪ :‬ترجم حتى نعرف ماذا يقول؟‬ ‫‪ ‬حامدة ‪ :‬ال أظنها فكر ًة جيدة ‪.‬‬ ‫‪ ‬جالون ‪ :‬أمري لله‪ ،‬إنه يقول ‪ :‬هل تجرؤ عىل االستهزاء يب يا ابن مريم؟ قبل أن تتكلم اخربنا من أبوك؟‬ ‫‪ ‬كريستو ‪ :‬هل وصلت إىل هذا الح ّد ؟‬ ‫‪ ‬يقفز كريستو عىل املائدة ويُسدد لكم ًة إىل وجه أيب األمواس‪ ،‬فيرصخ أبو األمواس‪ ،‬ويُو ّجه لكم ًة إىل ّ‬ ‫فك كريستو‬ ‫ويسك جالون بتالبيب أيب األمواس‪.‬‬ ‫كادت أن تحطّمه‪ُ ،‬يسك برهومه بكريستو حتى ال يهجم عىل أيب األمواس‪ُ ،‬‬ ‫ثم يدفع كريستو برهومه جان ًبا‪ ،‬و يقفز ليمسك بعنق أيب األمواس ويتبادلون اللكامت‬

‫من وراء الباب‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫شخص يعود إىل مكانه‪ ،‬مجموع ٌة من الحمقى‪.‬‬ ‫كل‬ ‫‪http://www.youtube.com/user/fiberoty?feature=watch‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/theblackducks‬‬ ‫‪https://twitter.com/eskandarany‬‬ ‫برنامج حواري عىل اليوتيوب تدعم بعض حلقاته رشكة‬ ‫‪ ، Google‬يهدف بالدرجة األوىل إىل إجراء الحوار مع‬ ‫امللحديني والالدينيني املرصيني ‪ ،‬واملتحدثني منهم للغة‬ ‫العربية من ُمجتمعاتنا يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا ‪،‬‬ ‫فكرة وتنفيذ اسامعيل محمد‬ ‫‪32‬‬


‫عادل أحمد‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫ٌ‬ ‫ناشط يف الشبكات االجتامعية يف‬ ‫وزميل‬ ‫ُ‬ ‫صديق‬ ‫عادل أحمد‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫نقد األديان‪ ،‬يعرفه أعضاء شبكة ومنتدى امللحدين العرب وبقية‬ ‫املجموعات اإللحادية عىل موقع الفيس بوك‪ ،‬برباطة جأشه وصربه ومت ّيزه‬ ‫يف املناظرات والحوارات العقالنية‪ ،‬ترأّس هيئة تحرير مجلة امللحدين العرب‪،‬‬ ‫ثم اضطرته ظروفه للتن ّحي‪ ،‬لكنه بقي عىل تواصله ونشاطه يف كتابة املقاالت امله ّمة‬ ‫ومشاركاته يف املجلة‪ ،‬كام كان من أوائل املرشفني يف شبكة ومنتدى العرب منذ بدايتها‪،‬‬ ‫حاصل عىل دكتوراه يف الفيزياء التطبيقية‪ ،‬وهو مثله مثل أغلب امللحدين يف‬ ‫ٌ‬ ‫عادل أحمد‬ ‫اسم وهم ًيا حفاظًا عىل حياته‪ ،‬سنتع ّرف عليه أكرث يف هذا اللقاء‪ ،‬عادل‬ ‫البالد العربية يستمعل ً‬ ‫أحمد نرحب بك معنا يف بيتك‪ ،‬مجلة امللحدين العرب‪.‬‬ ‫س‪ -1‬هل تريد إضافة يش ٍء للمقدّ مة ؟‬ ‫أشكركم عىل إتاحة الفرصة‪ ،‬وأرجو أن أكون عند حسن ظ ّن القارئ ‪.‬‬ ‫س‪ -2‬عادل أحمد ُع ِر ْف َت بكونك ُمناهضً ا لألديان عىل مواقع التواصل االجتامعي‪ ،‬لكن ما تصنيفك لنفسك‪ ،‬هل أنت ال‬ ‫أدري أم ملحدٌ أم ُمعا ٍد للدين‪ ،‬كيف تجد نفسك بني هذه املصطلحات ؟‬ ‫فلسفي ال يحتاج إىل مناهض ٍة أو عملٍ‬ ‫كنت مقتنعاً‬ ‫تطوعي‪ ،‬فأنت إن َ‬ ‫موقف‬ ‫طبعاً أنا ملحدٌ ‪ ،‬فاإللحاد يف حدّ ذاته‬ ‫ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٌّ‬ ‫شخيص يف املقام األول‪ ،‬لكن تظهر الحاجة للعمل التط ّوعي (باالشرتاك مع الالدينيني‬ ‫موقف‬ ‫بعدم وجود إل ٍه‪ ،‬فهذا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ظل ما نراه من موقف املؤمن العريب (خصوصاً املسلم) من عدم قبول لآلخر‪ ،‬سواء أكان من جهة‬ ‫والالأدريني)‪ ،‬يف ّ‬ ‫السلطة أم من ناحي ٍة اجتامعي ٍة ‪.‬‬ ‫من ناحي ٍة أخرى تظهر الحاجة امللّحة للعمل التط ّوعي (ضدّ الثقافة الدينية‪ ،‬وليس ضدّ الدين من حيث املبدأ) من‬ ‫خالل املواقف التي يقفها الدين تجاه املرأة والطفولة والتعليم الح ّر وقبول العلوم التي تتعارض مع النصوص الدينية‪.‬‬ ‫‪33‬‬


‫عادل أحمد‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫ننسق مع عمدة القرية‪ ،‬لنقيم‬ ‫أذكر أننا كنا نعمل ضمن منظم ٍة تط ّوعي ٍة يف قري ٍة غرب السودان‪ ،‬وكان من املفرتض أن ّ‬ ‫مستشفى لألطفال؛ ألنّ نسبة الوفيات من األطفال كانت عالي ًة يف املنطقة وكان هدفنا تقليلها‪ ،‬عندما أخربنا عمدة‬ ‫القرية بن ّيتنا استنكر ذلك بشدّ ٍة‪ ،‬ألنّ (املوت من عند الله)‪ ،‬واألطفال الذين ماتوا‪ ،‬ماتوا بعد انقضاء أجلهم‪ ،‬وإن كان‬ ‫أي تط ّوعٍ ميكن أن نشارك فيه‪ ،‬فعلينا أن نكمل بناء الخلوة واملسجد‪ ،‬حتى يتعلّم الناس شؤون دينهم ‪.‬‬ ‫هناك ّ‬ ‫من هذه الناحية أنا معا ٍد للثقافة الدينية‪ ،‬فهي تعدّ ت مسألة القناعات الشخصية للتأثري عىل أمان أو حرية أو‬ ‫خصوصية أو ممتلكات اآلخرين‪ ،‬أما من ناحية السلطات‪ ،‬فال يغيب (ح ّتى عىل املؤمن) مدى استغالل السلطات يف‬ ‫تصب يف مصلحتهم هم يف املقام األول‪.‬‬ ‫وطننا العريب لكلمة الله؛ ليك ّرسوها يف رسم تو ّجهاتهم االقتصادية التي ّ‬ ‫س‪ -3‬العائلة رس الهويّة‪ّ ،‬‬ ‫نشأت بها ؟‬ ‫َ‬ ‫هل رسمت لنا صور ًة أوضح عن طفولتك‪ ،‬والبيئة التي‬ ‫ونشأت يف مدينة الخرطوم العاصمة‪ ،‬وأنا األخ الثالث ألرس ٍة تتك ّون من ستة إخو ٍة وأخوات‪ ،‬مل يكن يف أرستنا‬ ‫ُ‬ ‫ولدت‬ ‫أنا ُ‬ ‫أي ثقاف ٍة لحرية االعتقاد‪ ،‬لكن كانت هناك ليربالي ٌة نسبي ٌة يف االطالع وتلقّي الثقافات‪ ،‬فلم يكن لدى األرسة أي مانعٍ‬ ‫ّ‬ ‫كنت متشدّ داً دينياً يف صباي‪ ،‬فكنت أرتدي‬ ‫مسيحي أو أن تقرأ يف اإلنجيل مثالً‪ ،‬واملدهش أنّني ُ‬ ‫صديق‬ ‫أن يكون لك‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ألتأس بالنبي‪.‬‬ ‫املالبس القصرية‪ ،‬وال أصافح النساء‪ُ ،‬‬ ‫وكنت يف غاية الحزن‪ ،‬ألنني ال أملك لحية ّ‬ ‫وكنت‬ ‫كنت أقرأ أ ّمهات الكتب الدينية‪ُ ،‬‬ ‫أحب القراءة عموماً‪ ،‬فكانت هذه الفرتة أكرث فرت ٍة مفيد ٍة يف حيايت‪ ،‬ألنّني ُ‬ ‫ك ْن ُت ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لصدمات قوي ٍة من خالل التناقضات التي كنت أواجهها‪ ،‬لكن طبعاً العقلية التربيرية كانت تقوم بدورها لتربّر‬ ‫أتع ّر ُض‬ ‫ٍ‬ ‫تناقض أجده‪.‬‬ ‫كل‬ ‫ّ‬ ‫كنت أتعامل بها‪ ،‬وهو بالطبع كان يفصل بني‬ ‫أخي األكرب مل يكن ملحداً‪ ،‬لكنه مل يكن يقبل العقلية املتط ّرفة التي ُ‬ ‫اجتهادات الشيوخ املعارصين‪ ،‬وبني ما يسمى بجوهر الدين‪ ،‬وكانت نقاشاته معي تقلل تدريجياً من شدّ ة تشدّ دي‬ ‫الديني‪ ،‬ويف ذلك اإلطار قدّ م يل كتاب زواج املتعة للكاتب فرج فودة‪ ،‬ظناً منه أن الكتاب فقط سيكشف يل أن املسائل‬ ‫الدينية ليست حتمي ًة والخالفات كبرية‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫عادل أحمد‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫تم‬ ‫لكن الكتاب كان له تأث ٌري آخر‪ ،‬ففي األصل كيف ميكن أن يقبل النبي الكريم مثل هذا الزواج للمسلامت‪ ،‬حتى إن ّ‬ ‫فقمت بإجراء ٍ‬ ‫وكنت عىل يق ٍني أنّني‬ ‫بحث مط ّو ٍل عن زواج املتعة‪ ،‬من تفسري الطربي وصحيح مسلم‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫تحرميه بعد ذلك‪،‬‬ ‫لن أجد ملثل هذا الزواج يف املصادر الدينية‪ ،‬لكن يا لدهشتي كان موجوداً‪ ،‬أنا أس ّمي هذا العام بعام بوب ماريل فكان‬ ‫وباألخص غناء الفنان بوب ماريل وأصبحت ال دينياً‪.‬‬ ‫عدت له بق ّو ٍة‪ ،‬االستامع إىل املوسيقا‬ ‫أول ما ُ‬ ‫ّ‬ ‫أما مرحلة اإللحاد فهذه مرحل ٌة أخرى كانت مرتبط ًة بجانب توفري البديل ملسألة نشأة الكون ونشأة الحياة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لكل إنسانٍ تاريخٌ من األحداث ُيشكّل هويته من قر ٍ‬ ‫ومشاركات يف املجتمع والثقافة‪ ،‬فام املراحل‬ ‫وأحداث‬ ‫اءات‬ ‫س‪ّ -4‬‬ ‫كشاب التي أ ّدت إىل إنتاج عادل أحمد الذي نعرفه اليوم ؟‬ ‫األوىل من تكوين شخصيتك‬ ‫ٍ‬ ‫طبعاً من الصعب أن يقدّ م أحدٌ نفسه‪ ،‬فام تعرفه عن نفسك يختلف عام يراه فيك اآلخرون‪ ،‬لكن عموماً فإن مسألة‬ ‫درس ُت‬ ‫اإللحاد متثّل جانباً فقط من شخصيتي املتواضعة‪ ،‬فملَكَات الحوار واملناظرات‪ ،‬كان لها عالق ٌة بأ ّيام الدراسة‪ ،‬فأنا ْ‬ ‫الفيزياء‪ ،‬وكان املجتمع الفيزيايئ يف الجامعة منقسامً إىل قسمني نسبويني‪ ،‬كموميني‪ ،‬ألنّ هذين املنجزين ليسا عىل‬ ‫ات طويل ٌة جداً للمحاولة ‪ -‬رياضياً‬ ‫نقاشات وحوار ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وفاقٍ مع بعضهام البعض‪ ،‬أي ميكانيكا الكم والنسبية‪ ،‬كانت لدينا‬ ‫نفس سلوك األجسام الكبرية بنا ًء عىل ميكانيكا الكم‪ ،‬والجسيامت الصغرية بنا ًء عىل النسبية‪ ،‬لهذه املرحلة دو ٌر‬ ‫ أن ّ‬‫كب ٌري يف ترتيب القدرة ‪-‬املتواضعة‪ -‬لتب ّني الحوارات وتنسيق األفكار والقدرة إىل حدٍّ ما عىل اإلقناع ‪.‬‬ ‫وكنت مهووساً به‬ ‫يف صيف عام ‪2002‬م‪ ،‬وقعت يف يدي نسخ ًة مص ّور ًة ومهرتئ ًة من كتاب أصل األنواع لتشارلز داروين‪ُ ،‬‬ ‫وحاولت أن أصبح نباتياً يف تلك الفرتة‪ ،‬إىل أن أقنعني أخي األكرب ‪ -‬الذي تعب من تنقاليت املفاجئة‬ ‫ُ‬ ‫إىل درجة الجنون‪،‬‬ ‫فكرياً‪ -‬أن أكل اللحوم يساعد يف تط ّور النوع ‪.‬‬ ‫س‪ -5‬ما عالقة العائلة مبوضوع أفكارك‪ ،‬هل يعلمون بها‪ ،‬كيف كانت ر ّدات فعلهم عليها ؟‬ ‫طبعاً عموماً املوقف الديني يف وطننا العريب اجتامعياً‬ ‫موقف انتام ٌّيئ قبل أن يكون عقدياً‪ ،‬فأنت ميكن أال تصيل‪ ،‬لكن‬ ‫ٌ‬ ‫وتحب مح ّمداً‪ ،‬وحتى مسألة الصيام فهي قضي ٌة اجتامعي ٌة أكرث من كونها اعتقاد ّية‪.‬‬ ‫مسلم‬ ‫يكفيهم أنّك‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫‪35‬‬


‫عادل أحمد‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫أما أرسيت عىل وجه الخصوص فأنا استنكر علناً بعض السلوكيات الدينية يف إطار السخرية‪ ،‬فيصفونني ضاحكني‬ ‫ٍ‬ ‫حاالت خاص ٍة‪ ،‬ال يوجد تهديدٌ عىل حياتك‬ ‫مسلم أصالً‪ ،‬وغري‬ ‫بالشيوعي‪ ،‬يف مجال عميل ال يعلم أحدٌ أنّني ملحدٌ أو غري ٍ‬ ‫حرب اجتامعي ٌة نفسي ٌة قاسي ٌة قد تؤ ّدي إىل فصلك من العمل مثالً‪ ،‬ميكن‬ ‫إذا أعلنت إلحادك يف بلدي‪ ،‬لكن ستكون عليك ٌ‬ ‫ف مثل موجة الرسومات التي هاجمت محمد‪ ،‬وهي لها طابع االنتامء والعنرصية‬ ‫سلوك‬ ‫أن يكون هناك‬ ‫ٌ‬ ‫جمعي متط ّر ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫أكرث من الدفاع عن الدين‪.‬‬ ‫وربا مهد ٌد‪ ،‬فهل تشعر باألمان يف دائرتك االجتامعية‪ ،‬وكيف‬ ‫س‪ -6‬امللحد يف املجتعات الرشقية واملتديّنة منبو ٌذ‪ ،‬بل ّ‬ ‫عالقتك مع من حولك يف العمل والحياة العا ّمة ؟‬ ‫أعب‬ ‫أنا أعمل محارضاً ّ‬ ‫لتخصص الفيزياء التطبيقية بالجامعة‪ ،‬ومحارضو الفيزياء عموماً يوصفون بالغرابة يف اآلراء‪ ،‬وأنا ّ‬ ‫بسخرية أحياناً لطاليب عن بعض املعتقدات الدينية‪ ،‬ففي محارض ٍة يف األسبوع الفائت‪ ،‬قلت لهم يف املحارضة‪« :‬عملية‬ ‫عام‪ ،‬وهي مستم ّر ٌة حتى اآلن‪ ،‬فال توجد نقط ٌة محدّ د ٌة يف التاريخ ميكن أن نقول‬ ‫نشأة الكون بدأت منذ ‪ 13.7‬مليار ٍ‬ ‫فيها‪ :‬إنّ الكون اكتملت صناعته‪ ،‬فإ ّما أنّه نشأ يف أول جز ٍء من أ ّول ثاني ٍة‪ ،‬وإ ّما أنّه مستم ٌّر يف التك ّون حتى اآلن‪ ،‬وكال‬ ‫أيام»‪.‬‬ ‫الحالتني ليستا ستة ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫إلحادي معل ٌن بصور ٍة واضح ٍة مو ّج ٍه ‪.‬‬ ‫نشاط‬ ‫لكن من الصعب أن يكون هناك‬ ‫ٌّ‬ ‫فت عىل هذه‬ ‫كنت أحد مرشيف مجموعة شبكة ومنتدى امللحدين العرب عىل الفيس بوك‪ ،‬فكيف تع ّر َ‬ ‫َ‬ ‫س‪– 7‬‬ ‫املجموعة‪ ،‬وماذا ُيكنك أن تخربنا عنها ؟‬ ‫قدّ مت يل إحدى صديقايت يف الوطن‪ ،‬وهي ملحد ٌة‪ ،‬دعو ًة إىل املجموعة‪ ،‬وبعد أسبوعٍ واح ٍد من املشاركات‪ ،‬قدّ م يل‬ ‫برتحيب‬ ‫كل من الصديقني فينوس صفوري وهاديس دعو ًة لالنضامم إىل مسؤولية املجموعة اآلدمنية‪ ،‬وقبل ُْت الدعوة‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وقابلت أرسيت الرائعة من بقية األعضاء‪ ،‬وبعد ذلك اقرتحت مرشوع (‪........‬خ الرسي)‪ ،‬وكان الهدف منه اجتامعياً‬ ‫ُ‬ ‫كبريٍ‪،‬‬ ‫تدريبياً‪ ،‬حيث نقوم بتبادل الخربات‪ ،‬لكن املرشوع مل يتكلّل بالنجاح الذي كنا نرجوه ‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫عادل أحمد‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫تركت اإلرشاف يف املجموعة‪ّ ،‬‬ ‫فهل أخربتنا عن األسباب التي دفعتك لهذا ؟‬ ‫كنت قد َ‬ ‫س‪َ -8‬‬ ‫ٌ‬ ‫صعب‪ ،‬من خالل متابعتي للشبكة‪ ،‬كانت هناك مشكل ٌة يف نوعية املوضوعات التي تبقى يف املقدمة‪ ،‬فأحدهم‬ ‫سؤال‬ ‫ٌ‬ ‫يكتب مقاالً يجتهد فيه عدة ساعات‪ ،‬ويختفي يف ثوانٍ ‪ ،‬وغريه ميكن أن يضع صور ًة أو سطراً واحداً‪ ،‬فتنهال عليه‬ ‫ٍ‬ ‫مبناقشات طويل ٍة‬ ‫فقمت‬ ‫ُ‬ ‫تعليقات املؤمنني الذين يستفزهم املنشور‪ ،‬كان لهذه املشكلة أث ٌر يف املظهر العام للشبكة‪،‬‬ ‫اقرتحت أوالً فكرة شهادة التقدير‬ ‫ُ‬ ‫مع املسؤول (اآلدمن) ملحاولة تشجيع املنشورات املم ّيزة التي يجتهد أصحابها‪ ،‬وفعالً‬ ‫كل مرة بتقديم تقدي ٍر ألحد األعضاء ملنشو ٍر مم ّي ٍز قام به‪ ،‬وكانت هناك محاولة تفعيل قروب (‪......‬خ‬ ‫حيث نقوم ّ‬ ‫الرسي)‪ ،‬لنقوم بزيادة عدد األعضاء الناشطني‪ ،‬لكن عموماً مل نجد وسيل ًة ‪ -‬أنا واألخّان سمري سامي‪ ،‬وجون سلفر‪ -‬لرنفع‬ ‫رص يف طرد املخالفني وإرجاعهم‪ ،‬مل أكن أشعر أن هذا الدور يحتاج‬ ‫بها املنشورات املميزة يف املقدمة‪ ،‬والدور كلّه منح ٌ‬ ‫ظل وجود املسؤول ( اآلدمن ) ‪.‬‬ ‫إىل وجودي‪ ،‬يف ّ‬

‫مستقبل يف تغيري املفاهيم السلبية يف‬ ‫ٌ‬ ‫س‪ -9‬كيف ترى تأثري ودور هذه املجموعات االجتامعية عىل النت‪ ،‬هل لها‬ ‫املجتمع ؟‬ ‫قريب أمت ّناه‪ ،‬هو أن يعرف املجتمع العريب أن هناك اتجاهاً فكرياً اسمه اإللحاد ويتق ّبله‪ ،‬وال يؤثّر‬ ‫رش ٍ‬ ‫إن أكرب دو ٍر مبا ٍ‬ ‫ذلك يف عملك أو قبول املجتمع لك كملح ٍد‪ ،‬أ ّما مسألة أن تكون العلامنية هي الحاكمة يف وطننا العريب‪ ،‬فهي مسأل ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫كأساس للحكم دون أن‬ ‫ٍ‬ ‫جهات أكرث من امللحد والالديني‪ ،‬فحتى املؤمن يجب أن يتقبل العلامنية‬ ‫تحتاج إىل تضافر‬ ‫أي تأثريٍ عىل إميانه‪.‬‬ ‫يكون لذلك ّ‬

‫‪37‬‬


‫عادل أحمد‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫س‪ -10‬يف شهر ترشين الثّاين ‪ /‬نوفمرب عام ‪ 2012‬قدّ ْم َت مقرت ًحاً أسفر عن تأسيس مجلة امللحدين العرب التي ال تزال‬ ‫تنمو وتكرب إىل اليوم‪ ،‬كيف كان مخاض هذا املرشوع وبداياته ؟‬ ‫كنت مهموماً بقضية التوثيق‬ ‫هذا املرشوع ليس فكريت وحدي‪ ،‬بل كان لألخ جون سلفر الدور األعظم يف نشأتها‪ ،‬فقد ُ‬ ‫للمنشورات املميزة بالشبكة‪ ،‬وكان جون مهموماً‪ ،‬يف نفس الوقت‪ ،‬بقضية االنتشار من خالل استخدام وسائل برصي ٍة‬ ‫ٌ‬ ‫اتصال مط ّو ٍل عىل‬ ‫غري الفيس بوك‪ ،‬وكان قد قدّ م مقرتح (الفيديو التوثيقي)‪ ،‬وإنشاء قناة عىل يوتيوب‪ ،‬وكان بيننا‬ ‫السكايب‪ ،‬تبادلنا فيه املقرتحات بشأن املشكلتني (التوثيق‪ ،‬االنتشار) وقمنا باقرتاح فكرة املجلة‪ ،‬وأنا أعرف صديقي‬ ‫جون سلفر ونشاطه الذي ال يهدأ‪ ،‬فقبل أن يتح ّرك هو‪ ،‬ق ْم ُت بإنشاء مجموع ٍة للمجلة وض ّمه لها‪ ،‬وبقية أرسة التحرير‪،‬‬ ‫انتظرت يوماً آخر‪ ،‬لكان هو من أنشأها‪ ،‬وال ميكنكم‬ ‫ُ‬ ‫وكانت رسعتي يف إنشاء املجلة وقتها (مشاكسة أصدقاء)‪ ،‬ولو كنت‬ ‫كنت رئيس التحرير يف تلك‬ ‫أن تتخيلوا مدى سعاديت بصدور العدد األول‪ ،‬واألرقام التي تحمل بها املجلة‪ ،‬ورغم أنّني ُ‬ ‫أقل عضو يف هيئة التحرير يقوم بنشاط ٍ باملجلة‪ ،‬فكان بقية األعضاء عبارة عن كتل ٍة من النشاط‬ ‫الفرتة‪ ،‬إال أنّني كنت ّ‬ ‫أي عد ٍد‪ ،‬وكان القارئ يبدأ منذ قبل اإلصدار يف محارصتنا إلصدار العدد يف موعده ‪.‬‬ ‫والعمل والسهر إلصدار ّ‬ ‫كنت تتمناه عندما فكّرت‬ ‫س‪ -11‬كيف تجد أصداء مجلة امللحدين العرب‪ ،‬وهي تقرتب من عامها الثاين‪ ،‬هل حقّقت ما َ‬ ‫بهذا املرشوع ؟‬ ‫كنت أمت ّنى أن أوثّق ملنشور ٍ‬ ‫ات ج ّيد ٍة عىل الشبكة‪ ،‬وهي تجاوزت ذلك مبليون سن ٍة‬ ‫ال‪ ،‬مل تحقّق ما كنت أمت ّناه‪ ،‬فأنا ُ‬ ‫ضوئي ٍة‪ ،‬فأصبحت اآلن املعرب الرسمي لتطلّعات وآمال امللحد العريب‪ ،‬وأصبحت منرباً ال ميكن االستهانة به يف وطننا‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫عادل أحمد‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫س‪ -12‬اش ُتهرت بصربك وهدوئك ود ّقتك يف املناظرات مع املؤمنني من ش ّتى املعتقدات‪ّ ،‬‬ ‫فهل أخربتنا عن رأيك يف‬ ‫محاججات وأطروحات الجانب املؤمن يف قض ّية وجود إل ٍه وغريها من املحاور ؟‬ ‫أصف قضية اإلميان باإلله بالنبيذ املع ّتق‪ ،‬فكلام طال عليه الزمن أصبح اإلقبال عليه أكرث‪ ،‬وقضية اإلله رغم ضعف‬ ‫عاد ًة ُ‬ ‫الح ّجة عليها‪ ،‬هناك ما يقف يف جانبها‪ ،‬وهو ِقدَ ُمها‪ ،‬ففكرة اإلله قدمي ٌة ِقدَ م اإلنسان نفسه‪ ،‬لذلك أصبحت أقرب إىل‬ ‫امل ُ َسلّمة‪ ،‬وأصبح يف رأي املؤمن الوضع معكوساً‪ ،‬فانتقل عبء اإلثبات إىل امللحد‪ ،‬فبدالً أن يسأل امللحد عن برهان‬ ‫لدي تاريخٌ‬ ‫وجود إل ٍه‪ ،‬بات املؤمن يسأل عن برهان (عدم) وجود إل ٍه‪ ،‬كأنه يقول بصورة غري مبارشة‪ :‬أ ّيها امللحد‪ ،‬أنا ّ‬ ‫اجتامعي وأكرث من ثلثي العامل يف صفّي‪ ،‬ماذا لديك أنت ألقدّ م لك دليالً عىل فرضيتي؟ أنت من‬ ‫وتنظيم‬ ‫وقيم‬ ‫ٌ‬ ‫وثقاف ٌة ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫أردت أن يصبح كالمك ديناً‪ ،‬فقط انتظر عليه عدّ ة قرونٍ ‪.‬‬ ‫عليك أن تقدّ م دليالً عىل بطالنها‪ ،‬وأحياناً أقول أنا ساخراً‪ :‬إن َ‬ ‫أضف إىل ذلك أن املؤمن يعتقد أن اإللحاد دي ٌن‪ ،‬فنجد كثرياً من املشاركات يف املواقع املختلفة بعنوان (نسف اإللحاد)‪،‬‬ ‫أيدلوجي‬ ‫أي نظري ٍة أخرى‪ ،‬ظناً من املؤمن أن اإللحاد فك ٌر‬ ‫وعندما تتابع األمر تجده يتحدث عن نظرية التط ّور أو ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫مبني عىل نظري ٍة أو فكر ٍة ما‪ .‬حتى إنّ هناك مدرس ًة إلحادي ًة جديد ًة اسمها (اإللحاد اإليجايب)‪ ،‬ودورها توفري بديلٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫لإلله‪ ،‬سواء أكان علمياً أم فلسفياً أم اجتامعياً أم أخالقياً‪ ،‬لكن إن نظرنا إىل اإللحاد مبفهومه التقليدي‪ ،‬نجد أنّه موقف‬ ‫بغض النظر عن البديل الذي ميكن أن يو ّفره‬ ‫امللحد من قض ّي ٍة لعدم تو ّفر دليلٍ عليها‪ ،‬فإن تو ّفر الدليل انتهت القضية‪ّ ،‬‬ ‫(امللحد اإليجايب) له‪.‬‬ ‫وتغيت محاججات املؤمنني عىل م ّر الزمن حسب خربتك‪ ،‬أم أنّها هي ذاتها ؟‬ ‫س‪ -13‬هل تط ّورت ّ‬ ‫وكل العمل الذي يقوم به امللحدون عىل مواقع‬ ‫أنا أحب أوالً أن أشيد بالجهد الج ّبار الذي تقوم به املجلة بصف ٍة خاص ٍة‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ويستدل باإلنجيل والقرآن والسنة‪،‬‬ ‫سنوات‪ ،‬ك ّنا نرى مؤمناً يستشهد‬ ‫التواصل بصور ٍة عا ّم ٍة‪ ،‬ففي بداية هذا العمل قبل‬ ‫ٍ‬ ‫فأقل الكتب املقدّ سة وأشباه املقدّ سة‪ ،‬من تفسريٍ‬ ‫أقل ّ‬ ‫سنوات من العمل الكبري‪ ،‬أصبحت الحوارات تستخدم ّ‬ ‫وبعد‬ ‫ٍ‬ ‫وحديث‪ ،‬وانتقل املؤمن إىل خطو ٍة جديد ٍة يف النقاش‪ ،‬وهي النقاش من خالل األدلّة والرباهني‪ ،‬فيستخدم بها املؤمن‬ ‫الدليل العلمي بطريق ٍة انحيازي ٍة‪ ،‬وليست حيادي ًة والهدف منها إثبات وجهة نظره‪ ،‬رغم ذلك فإن خضوع املؤمن‬ ‫للمنهج العلمي وقبوله نسبياً يف النقاش‪ ،‬واحتكامه عليه‪ ،‬يعدّ خطو ًة كبري ًة للملحد ‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫عادل أحمد‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫س ‪ -14‬ما أكرث املغالطات املنطقية واملحاججات الفاسدة التي تجد أنها غالبة الوجود يف املناظرات ؟‬ ‫كلّها‪ ،‬ومن كال الطرفني‪ ،‬امللحد واملؤمن‪ ،‬وهذا ُيعزى يف املقام األول لقلّة برامج التدريب لكال الطرفني‪ ،‬وأنا من هذا‬ ‫املنرب الفكري الح ّر‪ ،‬أناشدُ إدارة املجلة ورئاسة تحريرها لتنظيم دور ٍ‬ ‫ات تدريبي ٍة الكرتوني ٍة لكال الطرفني سواء؛ لريتفع‬ ‫مستوى النقاش فكرياً ومعرفياً وموضوعياً‪ ،‬ففي النهاية املؤمن ليس عدواً‪ ،‬إمنا هو جز ٌء من مجتمعنا‪ ،‬ويقع عىل كاهلنا‬ ‫تطوير قدراته الفكرية ومستواه الناقد و َملَكَاته‪.‬‬ ‫عاطفي‪ ،‬كموت عزي ٍز عليه‬ ‫موقف‬ ‫لكن ما يقلقني حقيق ًة ليس املؤمن‪ ،‬بل امللحد العاطفي‪ ،‬فامللحد الذي دفعه لإللحاد‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫حرب دائر ٍة يف وطنه أو سلوك بعض الطوائف الدينية‪ ،‬أو أي قضي ٍة سياسي ٍة اجتامعي ٍة أخرى‪ ،‬نجده يطرح قضية‬ ‫أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مقاالت ومنشور ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رشد ٍة‪ ،‬وذوي‬ ‫ومشاركات‪ ،‬فيها صو ٌر‬ ‫ات‬ ‫موضوعي‪ ،‬فرتى‬ ‫اإللحاد من منظو ٍر غري‬ ‫ألطفال جوعى‪ ،‬وأ ٍ‬ ‫رس م ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫احتياجات خاص ٍة ومش ّوهني جينياً‪ ،‬فهو (أي امللحد العاطفي) كأن لسان حاله يقول‪( :‬الله موجو ٌد‪ ،‬لكنني أكرهه) وهو‬ ‫بذلك ينتقل من نقاش فرضية وجود إله‪ ،‬إىل قبول اإلله ضمنياً ومناقشة صفاته‪ ،‬هل هو ٌ‬ ‫عادل أم ظاملٌ‪ ،‬أو هل هو‬ ‫مريض ؟ وحتى من يعتقد أنه ينتقد صفة الكامل يف اإلله بعرض الظلم والقهر واملرض‪ ،‬فأنا ال اعترب أن هذا‬ ‫سوي أم ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫هو الوجه الذي ميكن أن نقدّ م به اإللحاد‪.‬‬

‫س‪ -15‬ما أكرث مناظرة أتعبتك‪ ،‬وملاذا ؟‬ ‫أنا يف رأيي أنّ املناظر الجيد مفيدٌ ‪ ،‬واملناظر الس ّيئ أكرث فائد ًة‪ ،‬فأنا دامئاً أضع يف اعتباري املتابع الصامت وليس املناظر‬ ‫لحس‬ ‫نفسه‪ ،‬فإن كان املناظر جيداً كانت املناظرة مفيد ٌة للمتابع الصامت من الجانبني‪ ،‬وإن كان املناظر س ّيئاً‪ ،‬سم َح ْت ّ‬ ‫أي مناظر ٍة تتك ّرر‪ ،‬وبعدها تصبح املناظرة متعب ًة جداً‪ ،‬وهي‬ ‫الناقد يف املتابع الصامت بالتطور‪ ،‬لكن هناك نقط ٌة يف ّ‬ ‫مرحلة اإلنكار‪ ،‬فعاد ًة يكون للمناظر زاوية نظ ٍر للموضوع‪ ،‬وتسلسالً لألفكار يدخل بها املناظرة‪ ،‬لكن إذا تحطّمت‬ ‫زوايا نظره أو انهار تسلسل أفكاره بردود الطرف الثاين‪ ،‬ال يستطيع أن يعرتف مبارش ًة أنه ُه ِز َم‪ ،‬و املناظرة قد انتهت‪،‬‬ ‫لت أمامه لعلّه ّ‬ ‫يبث فيها الروح‪ ،‬أو يتص ّيد أخطاء الطرف الثاين؛ ليضعف‬ ‫بل يبدأ يف الدوران يف حلقة فكرته التي ُق ِت ْ‬ ‫موقفه نفسياً أمام املتابع‪ ،‬وبذلك يبدو منطقه قوياً‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫عادل أحمد‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫كتاب ما لك قريباً ؟‬ ‫س ‪ –16‬ما مخططاتك ومشاريعك للمستقبل‪ ،‬وهل سيكون هناك ٌ‬ ‫كتاب تحت النرش‪ ،‬لكن لألسف ليسا عن اإللحاد‪ ،‬واعتذر عن اإلفصاح عنهام نسبة‬ ‫ولدي ٌ‬ ‫أنا لدي كتابان منشوران‪ّ ،‬‬ ‫كتاب باالشرتاك مع الصديق‬ ‫لحساسية الكشف عن شخصية امللحد يف وطني‪ ،‬أما عن اإللحاد‪ ،‬فأنا أفكّر يف إنجاز ٍ‬ ‫كل مقااليت‬ ‫كتاب باسم (األعامل الكاملة)‪ ،‬أقوم فيه بنرش ّ‬ ‫سمري سامي عن التاريخ اإلسالمي‪ ،‬كام نصحني‬ ‫ٌ‬ ‫صديق بنرش ٍ‬ ‫ومحاورايت عن اإللحاد‪ ،‬وأنا أفكّر يف األمر‪.‬‬ ‫س ‪ -17‬كيف ترى مستقبل امللحدين يف العاملني العريب واإلسالمي ؟‬ ‫كل ما أرجوه وأمت ّناه أن يلقى امللحد حقّه من القبول االجتامعي‬ ‫سلمي لإللحاد‪ ،‬لكن ّ‬ ‫من الصعب التك ّهن بتق ّبل‬ ‫ٍّ‬ ‫والقانوين‪ ،‬وأن يجد حقّه من االعرتاف بوجوده دون تهدي ٍد عىل حياته أو مستقبله أو بقائه االجتامعي‪.‬‬ ‫خصوصا‪ ،‬والنت عمو ًما ؟‬ ‫س ‪ -18‬هل تتو ّقع تط ّور عالقة اإللحاد مبواقع التواصل االجتامعي‬ ‫ً‬ ‫عائق ميكن أن يقف يف طريق هذا التط ّور‪.‬‬ ‫أي ٍ‬ ‫دالة انتشار اإللحاد عرب النت تصاعدي ٌة‪ ،‬وأنا ال أرى ّ‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات ؟‬ ‫س ‪ - 19‬أين ستكون مجلة امللحدين العرب حسب توقعاتك بعد خمس‬ ‫تجاري‪ ،‬وأشرتي علبتي قهوة وصحيفة اليوم‪ ،‬وأطلب آخر عد ٍد من مجلة امللحدين العرب‪.‬‬ ‫سأذهب إىل أقرب مج ّم ٍع‬ ‫ٍّ‬ ‫تحب توجيهها للق ّراء من مؤمنني وملحدين عىل ح ٍد سواء من خالل هذه املجلة ؟‬ ‫س ‪ - 20‬ما الرسالة التي ّ‬ ‫أناشد الجانبني أن يقلّال شدّ ة الرصاع يف الحوارات‪ ،‬ويفهام أن اختالف الرأي ال يفسد للو ّد قضي ًة‪.‬‬ ‫قام بالحوار‬ ‫‪Gaia Atheo‬‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫‪41‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪42‬‬


‫(‪)1‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫سلسلة الفاحشة يف فضح أ ّم‬ ‫املؤمنني عائشة ‪2‬‬ ‫املصدر ‪:‬‬ ‫كتاب‪ :‬تراجم س ّيدات بيت ال ّنبوة "ريض الله عنهن"‪.‬‬ ‫من صــــ‪ 191‬حتي صـــــ ‪228‬‬ ‫تأليف‪ :‬د‪/‬عائشة عبد ال ّرحمن ‪ -‬بنت الشّ اطئ ‪.-‬‬ ‫سي وتراجم‪.‬‬ ‫إصدار‪ :‬مكتبة األرسة ‪ 2013-‬سلسلة ّ‬ ‫مقسم ٌة إىل مباحثَ ‪ ،‬بنفس ترتيب الفصول كام هي بالكتاب؛ ليتس ّنى ملن يريد املتابعة أ ْن يتابع‪.‬‬ ‫السلسة ّ‬ ‫ّ‬ ‫املوضوع غري قطعي الثّبوت‪ ،‬غري قطعي ال ّداللة ‪ /‬فهي قراء ٌة عقلي ٌة‪ ،‬إلحادي ٌة شخصي ٌة‪ ،‬وأر ّح ُب بال ّنقاش‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫سلسلة الفاحشة يف فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪2‬‬

‫املبحث الثاين بعنوان (مألوفة)‬ ‫صــــ ‪195:197‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫البضة‪.‬‬ ‫الغضة ّ‬ ‫‪1.1‬الرسول يشتهي الطفلة ّ‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات‪.‬‬ ‫الست أو التسع‬ ‫‪2.2‬قضيّة زواج بنت ّ‬ ‫النص‪.‬‬ ‫‪3.3‬فعل الزمان واملكان يف قراءة ّ‬ ‫تقول الكاتبة‪:‬‬ ‫« ُولدَتْ مبكّة يف اإلسالم بعد أربع سنني أو ٍ‬ ‫تشب عن الط ْوق هي وأختها أسامء‪،‬‬ ‫خمس من البعثة‪ ،‬وأسل َم ْت قبل أن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫رس وذكا ٍء ملّا ٍح وصبا‬ ‫وكان املسلمون آنذاك قل ًة معدودةَ‪ .‬كانت إىل جانب هذه البن ّوة ‪ -‬كونها بنت أيب بكر‪ -‬ذاتَ‬ ‫لطف آ ٍ‬ ‫أبوي قَ ّط إالّ يدينان الدينِ » وعرفها صلعم منذ‬ ‫ٍّ‬ ‫غض ن ٍ‬ ‫رض‪ ،‬ويف صحيح البخاري من حديثها يف الهجرة قالت‪« :‬مل أعقل ّ‬ ‫طفولتها الباكرة‪ ،‬وأنزلها من نفسه أع ّز ما تُنزل ابنت ُه الغالية‪ ،‬وشاهدها تنمو بني ع ْينيه ويتفتًح صباها عن مالح ٍة أ ّخاذ ٍة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫سق ٍة‬ ‫ويف الحديث املتّفق عليه من رواية عائشة‪ -‬يف الصحيحني‪ -‬أ ّن الرسول قال لها‪:‬‬ ‫«رأيتك يف املنا َم م ّرتنيِ‪ ،‬أرى أنك يف َ َ‬ ‫ِ‬ ‫(شقّة بيضاء) من حرير‪ ،‬ويقُول‪ :‬هذه امرأت َُك‪ ،‬فاكشف عنها فإذا هي ِ‬ ‫أنت‪ ،‬فأقول‪« :‬إن يكن هذا من عند الله ُيضه»‪.‬‬ ‫تذييل‬ ‫يُفهم من سياق الكالم أ ّن عائشة مل يُنظر إليها ومل يُتعامل معها أب ًدا عىل أساس طفولتها وال صغر س ّنها‪ ،‬فالصبا واملالحة‬ ‫الغض النرض‪ ‬صفاتٌ عرفها‪ ‬العرب يف أدبهم وال ت ُطلق إال عىل املرأة كامل ِة النضج الجسدي‪ ،‬و قد تُق ّدم عىل تدليل‬ ‫بجانب ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كجسد للنهل من ُمتعها وجاملها‪.‬‬ ‫نضج واستواء جسدها ما يُحيل إىل اشتهائها‬ ‫كيف لرسو ِل أىت ليعلّم الناس الفضل ويُت ّمم مكارم األخالق أن يجول بنظره بتلك الن ّية الخبيثة والطويّة املنحطّة التي‬ ‫ٍ‬ ‫خبيث يجعل من جسد املرأة بضاع ًة مباح ًة و‬ ‫أي تشبي ٍه‬ ‫تنزع طفل ًة من طفولتها لتضعها يف مرتبة املرأة الناضجة؟ ثم ّ‬ ‫مشا ًعا للناظرين؟ أعرف جي ًدا أن مح ّم ًدا رسول اإلنسانية كان أول من نادى بحقوق الطفولة! والدليل عىل ذلك كونه‬ ‫كهل يف الخمسني إذ مل ميلك عىل نفسه أي سبيلٍ ‪ ،‬ومل يقدر أن يكبح جامح شهوته الذكوريّة‪ -‬وهو صاحب‬ ‫اغتصبها وهو ُ‬ ‫ست سنني‪.‬‬ ‫قوة األربعني ً‬ ‫بغل‪ -‬أو يكتمها عن طفلة الهية بنت ّ‬ ‫رصفاته وإظها ًرا لنفسه يف مظه ِر من ال ينطق عن الهوى‪ ،‬نرى صلعم يُدشّ ن‬ ‫واستمرا ًرا يف إسباغ املسحة اإللهية عىل ّ‬ ‫كل ت ّ‬ ‫شاهد أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سواه‪،‬فأي نو ٍع من أنوا ِع االستالب العقيل‬ ‫سند‬ ‫لنا قص َة الحور العني التي أتته وحده كالعادة يف الرؤية بال أي‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أي خريٍ أعظ ُم‬ ‫وأي رشعن ٍة الغتصاب الطفلة سوى بإقناعها أنها منقول ٌة من فوقِ سبعِ‬ ‫ساموات؟ ّ‬ ‫إلهي ّ‬ ‫هذا؟ ّ‬ ‫وأي تقن ٍني ٍّ‬ ‫من هذا؟!‬ ‫‪44‬‬


‫سلسلة الفاحشة يف فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪2‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫ِ‬ ‫الرب تعاىل‪ ،‬و‬ ‫ُرؤيت ُه لها وهي عىل الرسي ِر يف‬ ‫النبي األكرم و ُمخرجه ّ‬ ‫املالبس الشفّاف ِة البيضا ِء ُ‬ ‫إباحي بطله ّ‬ ‫أقرب إىل بداية فيلم ّ‬ ‫لوحي اإلل ِه (السيناريو) الذي ال ميلك إال أن يطيعه و يتبعه؛ هكذا ينفي صلعم‬ ‫يف نهايته‪ ،‬بيا ٌن لك ْون البطل ُمج ّر ُد ناقلٍ و ُم ٍّ‬ ‫تلق ِ‬ ‫قائل‪« :‬إن يكن هذا‬ ‫وأي ضمريٍ مرذو ٍل‪ ،‬وينفي رغبته باغتصاب الطفلة الصغرية‪ً ،‬‬ ‫وأي شهو ٍة منحطّ ٍة ّ‬ ‫أي رغب ٍة دنيئ ٍة ّ‬ ‫عن نفسه ّ‬ ‫من عند الله ميضه» فهل االعتقاد بالدينِ واإلميان به ‪ -‬يف حالة عائشة ‪ -‬كان عن اقتنا ٍع أم عن وراث ٍة شأن باقي الخلق أجمعني؟‪.‬‬ ‫أبوي قط إلّ يدينان الدين» ونسأل أنفسنا ما الفرق بني هذ ِه الحالة وتلك‬ ‫نُ عن النظر يف قول الكاتبة‪« :‬مل أعقل ّ‬ ‫املنترشة يف الجاهلية‪ ،‬التي أىت محم ٌد ليناصبها العداء‪ ،‬والتي اتخذت من «هذا ما وجدنا عليه آبائنا» شعا ًرا لها؟!‬ ‫ٍ‬ ‫توارث‬ ‫رب ‪ -‬أن يُعبد عن عقلٍ واقتنا ٍع أم عن‬ ‫للرب ‪ -‬إن كان هناك ّ‬ ‫ل ُنسقط التساؤل عىل الذات اإللهية‪ ،‬فأيهام أفضل ّ‬ ‫وتبعي ٍة؟‬ ‫ٍ‬ ‫لشبهات ع ّدة‪ ،‬وبابًا ألقاويل كثري ٍة تدور حول‬ ‫الست أو التسعِ سنني كانت َمثا ًرا‬ ‫قض ّية زواج عائشة بنت‬ ‫ِّ‬ ‫املحمدي الكريم املتمثّل يف نكا ِح الصغريات بأم ٍر ربّا ٍين؛ فالطفلة عائشة مل تكن متلك‬ ‫استهجان الفعل‬ ‫ّ‬ ‫مبهام الزواج‪ ،‬ثم كيف لرجلٍ عاقلٍ أن يقبل مبثل تلك الزيجة؟‬ ‫من الوعي واملعرفة ما يؤهلها لالضطالع‬ ‫ِ‬ ‫إن مل تكن تلك نخاس ًه فامذا تكون؟! إن مل يكن ذلك ين ّم عن انحطاط يف ال ُخلق والخلقة فامذا يكون؟‬ ‫وكان ر ّدنا عىل ذلك الكالم أ ّن زواج الفتيات الصغريات كان عادة ُمتّبعة يف تلك البيئة‪ ،‬إالّ أنها مل تكن أب ًدا بعيدة عن‬ ‫استهجانٍ واستحقارٍ‪،‬ولرنى ماذا قالت الكاتبة يف شأن تلك الزيجة‪:‬‬ ‫‪ - 1‬هل ينكرون أن تُخطب صبية كعائشة مل تتجاوز السابعة من عمرها؟‬ ‫‪ - 2‬هل ينكرون زواج صبي ٍة يف س ّنها برجلٍ اكتهل وبلغ الثالثة والخمسني؟‬ ‫‪45‬‬


‫سلسلة الفاحشة يف فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪2‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫ِ‬ ‫والتدليس‪ -‬فتقول‪:‬‬ ‫بالكذب‬ ‫تُنهي الكاتبة التساؤالت املنطقية‪ -‬كعادة املسلمني مبا ورثوه عن نبيهم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫رص‬ ‫رص‬ ‫مختلف‪ ،‬يريدون أن يط ّبقوا نُظمه وأساليبه عىل ع ٍ‬ ‫«تلك النظرة كانت من ق َبل البعض الذين يعيشون وفق قيم ع ٍ‬ ‫آخر كانت له من التقاليد ومن الخصوصية ما ال يجعل مبدأ املقارنة قامئًا»‪.‬‬ ‫ُعب ولو تلمي ًحا عن استهجان أو استنكار يُذكر‪ ،‬بل تُق ّدم‬ ‫ثم تدلل عىل أن مثل تلك العادة ما زالت موجودة دون أن ت ّ‬ ‫األدلّ ًة كنوع من أنواع التأكيد لرشعن ِة االغتصاب فتقول‪:‬‬ ‫«مثل ذلك الزواج هو عادة آسيوية‪ ،‬تلك العادة قامئة يف رشق أوروبا‪ ،‬تلك الزيجات كانت منترش ًة ومعروف ًة يف بلدانٍ‬ ‫ِ‬ ‫بالواليات املتحد ِة»‬ ‫مثل أسبانيا والربتغال إىل سنني قليل ٍة‪ ،‬وهي ليست غري عادي ٍة اليوم يف بعض املناطق الجبلية البعيدة‬ ‫تفصيل فهو كاآليت‪:‬‬ ‫ً‬ ‫باطل» أ ّما‬ ‫حق يراد بها ٌ‬ ‫ً‬ ‫‪ ‬إ ّن ر ّدي عىل تلك املزاعم‬ ‫يتلخص‪ ‬إجامل يف أ ّن هذا الكالم«كلمة ٍّ‬ ‫‪ ‬إن كانت الكاتبة ترى يف مفاخذ ِة األطفا ِل ونكا ِح الصغري ِ‬ ‫ويصح أن تعتنقه لنفسها‪،‬‬ ‫رشا وموجو ًدا‪ ،‬فهذا رأيها‬ ‫ّ‬ ‫ات أم ًرا منت ً‬ ‫لكن أن تخرج لت ُبثّ سمومها يف عقو ِل الجمعِ الغفريِ فهذه جرمي ٌة تستحق عليها العقاب‪.‬‬ ‫صحيح‪ ،‬وال ّر ّد عليها يكون من مصد ِر كالمها وهو كتابها العبثي املس ّمى‬ ‫رشا أو موجو ًدا فال يعني أب ًدا أنه‬ ‫ٌ‬ ‫كون األمر منت ً‬ ‫القرآن‪ ،‬الذي ما ذُك َر الكرثة إال وذ ّمها‪ ،‬وما ذُك َر القل ّة إال ومدحها‪ ،‬ثم إ ّن هناك من القبائل األفريقية من يأكلون لحو َم‬ ‫البرش‪ ،‬ويتق ّربون ملعبودهم بذبح ش ّبانهم واقتالع قلوبهم‪ ،‬فهل لنا أن نعتنق فكرهم مادام موجو ًدا وله تو ّج ٌه وانتشا ٌر؟!‬ ‫ثم ملاذا االستشهاد دامئا بالشذر ِ‬ ‫منطق متم ّدنٍ ؟ إن مل‬ ‫نسق حضاري أو‬ ‫ٍ‬ ‫أي ٍ‬ ‫ات املتناثرة البعيدة كل البعد عن ّ‬ ‫يكن هذا النهج يف الطرح هو الدعارة الثقافية‬ ‫والتدليس املُمنهج والعبث بالوعي‪ ،‬فام يكون؟!‬ ‫ثم أين مصادر الكاتبة الفاضلة يف التدليل عىل ما تقول؟‬ ‫أين إحصائيّاتها؟ أين تقاريرها الرسمية الحياديّة املعتمدة؟‬ ‫إن مل ِ‬ ‫يأت الكاتب مبا يدلّل عىل كالم ُه من مصاد ِر معتمد ِة‬ ‫حيادي ِة فقوله يكون(هبا ًء منثو ًرا)‪ ،‬وقد قال (كريستوفر‬ ‫هيتشنز)‪« :‬ما ُيكن قبوله بال دليلٍ ‪ ،‬ميكن رفضه بال دليلٍ »‬

‫‪46‬‬


‫سلسلة الفاحشة يف فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪2‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫الفهم؛‬ ‫نت عليها الكاتبة ُح ّجتها‪ ،‬تَن ّم عن قصو ٍر يف ال ّنظ ِر وضمو ٍر يف ِ‬ ‫أخ ًريا‪ :‬قض ّي ُة زمان ّي ِة ومكان ّي ِة قراء ِة ال ّنصوص التي بَ ْ‬ ‫متنقل و الحضارة ت ّيا ٌر ٌ‬ ‫ناتج عن جهد قرونٍ متواصلٍ فهل املطلوب‬ ‫ُ‬ ‫جمعي‬ ‫الوعي‬ ‫يا س ّيديت املعرفة تراكمي ٌة و‬ ‫جارف ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أي ُعوا ٍر ذلك؟‬ ‫مني ً‬ ‫مثل أن أعود بالزمن ألحيا يف عهد مح ّمد‪ ٍ،‬حيث الجهل والبداوة والتخلّف؛ ليتس ّنى يل فهم منطقه؟ ّ‬ ‫لكل زمانٍ ومكانٍ ‪ ،‬تنطلق من إعالئها لقيم اإلنسان‪ ،‬والدليل عىل ذلك‪ ،‬وثيقة‬ ‫النص وح ّجته تنطلق من كونها تصلح ّ‬ ‫متان ُة ّ‬ ‫مثل‪ ،‬أو العقد االجتامعي (ملونتسكيو)‪.‬‬ ‫(املاجنا كارتا) ً‬ ‫ليس مطلوبًا مني أن أعود لعرص الظلامت ألستكشف مدى‬ ‫تجذّر العفن والتخلّف‪ ،‬فرائحته قط ًعا وصلت إلينا‪ ،‬وكام‬ ‫تقولون فـ«البعرة تدل عىل البعري»‪ .‬ما مل يصمد الترشي ُع‬ ‫البرشي أمام صخرة وسندان الواقع‪ ،‬فمصريه مزبلة التاريخ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وال يعنينا أقوا ُم ارتضوا أن تكون القاممة سقفهم وحصريهم‪،‬‬ ‫باملغتصب القاتلِ نرب ًاسا وحامل‬ ‫وال يه ّمنا أقوا ُم ارتضوا‬ ‫ِ‬ ‫مشعلٍ ‪ ،‬بل ما يعنينا هو التص ّدي لفكرهم الرثّ ومنطقهم‬ ‫حل مبكانٍ حتى أىت عىل أخرضه ويابسه‪.‬‬ ‫األعوج الذي ما ّ‬ ‫تذييل‬ ‫ٌ‬ ‫كان من املعروف عن أيب بك ٍر كونه رجالً ال يرجع يف كلمته‪،‬‬ ‫تغي حني عرض عليه صديقه أو أخوه‬ ‫لكن الحال تب ّدل أو ّ‬ ‫مح ّم ٌد أ ْن يتزوج ابنته‪ ،‬فهل ميكن أ ْن نعترب املوقف من‬ ‫مطعم إخالفاً للوعد‪ ،‬وبالتّايل يندرج أبو‬ ‫عدي بن‬ ‫ٍ‬ ‫خطبة ٍ‬ ‫بك ٍر تحت بند املنافقني‪ ،‬كون إخالف الوعد من أه ّم وأبرز‬ ‫صفات املنافقني‪.‬‬ ‫مطعم‪،‬‬ ‫السبب يف أ ّن تحرر أيب بك ٍر من موقفه وكلمته تُجاه بن‬ ‫ٍ‬ ‫قضية دين أيب بك ٍر التي ساقتها الكاتبة للتّدليل عىل كونها ّ‬ ‫مطعم كان معروفًا ومعلو ًما أليب بكرٍ‪ ،‬ومل يكن خف ًيا عليه‪ ،‬فلامذا‬ ‫تعترب نوعاً من أنواع التّدليس وال ّد ّس‪ ،‬أل ّن دين بن‬ ‫ٍ‬ ‫هذا ال ّزيف والخداع يف نقل املعلومات؟؟ ث ّم ما املنطق والحكمة يف إبراز عائش ٍة‪ ،‬وكأنّها البهيمة التي تساق والكل يدور‬ ‫رأي وال مشور ٍة رغم كون املوضوع يف أخص ما يخصها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويلف من حولها‪ ،‬وهي بال ٍ‬ ‫التقيع القانوين‪ ،‬وال ّدعارة التّاريخية‪ ،‬وال ّرغبة يف التّنصل من عار إخالف‬ ‫فكرة دين بن‬ ‫ٍ‬ ‫مطعم ما هي ّإل نو ٌع من أنواع ّ‬ ‫الصغرية‬ ‫الكلمة الذي وقع فيه أبو بكرٍ‪ ،‬ث ّم هل ف َ‬ ‫َاض َل أبو بك ٍر بني مح ّم ٍد وبني ٍ‬ ‫عدي‪ ،‬هل وازن وأخذ وقته‪ ،‬هل شاور ّ‬ ‫عائشة؟؟ أم كان أبو بك ٍر مجرد ٍ‬ ‫السمع والطّاعة!!!‬ ‫عبد ملح ّم ٍد‪ ،‬ما إ ْن يقول كلم ًة فال يكون ال ّرد عليها سوى ّ‬ ‫‪47‬‬


‫سلسلة الفاحشة يف فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪2‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫ثالثًّا‪ :‬تقول الكاتبة صـــ ‪"193‬‬ ‫الصحابة بفضل أيب بك ٍر واستجاب لدعوته‪ :‬عثام ٌن بن عفانٍ ‪ ،‬ال ّزبري بن العوام‪ ،‬عبد ال ّرحمن بن ٍ‬ ‫عوف‪،‬‬ ‫وممن أسلم من ّ‬ ‫سعد ابن أيب ٍ‬ ‫وقاص‪ ،‬طلحة بن عبيد الله‪ ،‬وهم من العرشة املبرشين بالج ّنة‪ ،‬ريض الله عنهم"‪.‬‬ ‫تذييل‬ ‫ٌ‬ ‫رسول مع ال ّرسول ؟ من الذي أواله مهام ال ّدعوة والتّبليغ‪ ،‬وما مؤ ّهالته غري العادية‪،‬‬ ‫هل كان أبو بك ٍر صحاب ًيا عاديًا‪ ،‬أ ْم ً‬ ‫فضل عن األسامء املذكورة تنقاد لرأيه ؟‬ ‫ً‬ ‫كلم ٌة بفضلٍ ؛ استجاب ٌة لدعو ٍة‪ ،‬ما محلها من اإلعراب‪ ،‬أهو االقتناع عن ج ٍِد أ ّم مجرد املحاباة واملجاملة ؟‬ ‫ما الحكمة يف تصوير ال ّرجال وال ّنساء يف بيئة مح ّم ٍد بال ّنعاج‪ ،‬بال عقو ٍل يٌساقون كام تٌساق اإلبل؟؟‬ ‫الصفة ال تتناسب وال تتفق‬ ‫راب ًعا‪ :‬يف وصف الحور العني‪ :‬نحيل القارئ العزيز إىل ال ّروابط التّالية‪ ،‬والتي مفادها أ ّن تلك ّ‬ ‫رش‪ ،‬ذكرا ً كان أ ّم أنثى‪.‬‬ ‫بأي حا ٍل من األحوال مع الطّبع البرشي‪ ،‬وال يعقل أ ْن ّ‬ ‫ِّ‬ ‫يتصف بها ب ٌ‬ ‫‪http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=71591‬‬ ‫‪http://www.way2allah.com/khotab-item-22443.htm‬‬ ‫تقول الكاتبة عن أ ّم رومانٍ صـــ ‪193‬‬ ‫هي أ ّم رومانٍ بنت عام ٍر الكنانية‪ ،‬تزوجت يف الجاهلية من عبد الله بن الحارث فولدت له الطّفيل ث ّم مات عنها‪ ،‬فخلف‬ ‫عليها أبو بك ٍر فولدت له عائشة وعبد ال ّرحمن‪ ،‬وهاجرت إىل املدينة‪ ،‬عندما ماتت نزل مح ّم ٌد إىل قربها وقال‪ ":‬اللّهم‬ ‫ال يخفى عليك ما لقيت أ ّم رومانٍ فيك ويف رسولك "( والحديث يف طبقات بن ٍ‬ ‫سعد‪ ،‬ابن حج ٍر يف اإلصابة‪ ،‬وأخرجه بن‬ ‫عبد الرب يف ترجمتها باالستيعاب )‪.‬‬ ‫ويف حديث القاسم بن مح ّم ٍد‪ :‬مسن ٌد إىل بن ٍ‬ ‫رسه أ ْن ينظر إىل‬ ‫سعد من طريق يزي ٌد بن هارونٍ أ ّن رسول الله قال‪ " :‬من ّ‬ ‫امرأ ٍة من الحور العني فلينظر إىل أ ّم رومانٍ "‪.‬‬ ‫تذييل‬ ‫ٌ‬ ‫مثل أ ّم عام ٍر‬ ‫ما الذي القته أ ّم رومانٍ يف الله ورسوله؟؟ ما الذي مييّزها حتى تُوصف بكونها من الحور العني‪ ،‬وال توصف ً‬ ‫الصفة؟‬ ‫بن يا ٍ‬ ‫رس بنفس التّشبيه‪ ،‬التي شُ قت نصفني أمام أعني ابنها وزوجها ؟ أيهام ّ‬ ‫أحق بتلك ّ‬ ‫‪48‬‬


‫سلسلة الفاحشة يف فضح‬ ‫أ ّم املؤمنني عائشة ‪2‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫يف التّرشيع اإلسالمي نفسه ملاذا الكيل مبكيالني يف الحسنات وال ّنعم؟؟؟‬ ‫الصحابة‪ ،‬وآبائهم وأمهاتهم وبيئتهم األرسية التي‬ ‫تعام ٌ‬ ‫تعام أو ٍ‬ ‫ملاذا هناك ِشبه ٍ‬ ‫الصحابة‪ ،‬وعن أخوات ّ‬ ‫كامل عن أوالد ّ‬ ‫نشؤوا فيها‪.‬‬ ‫قائل إنّها من باب االستحسان؛ أل ّن الحور العني مخلوقاتٌ ليست كالبرش‪ ،‬فرن ُّد عليه قائلني‪:‬‬ ‫صفة الحور العني؛ قد يقول ٌ‬ ‫هل ب ّرر مح ّم ٌد ذلك‪ ،‬هل ذكر الكالم يف سياق االستحسان‪ ،‬أمل يعلم أن أصحابه ينقلون عنه كل شارد ٍة ووارد ٍة ؟؟‬ ‫الغضة التي هاج عليها فرجه؟؟‬ ‫البضة ّ‬ ‫أ ّم أ ّن الفضل يف األول واألخري يرجع لكونها ارتضت أ ْن تُز ّوج له عائش ًة‪ ،‬تلك ّ‬

‫َويَ ْسأَلُونَ َك َع ِن اإلحلْاد ُق ِل اإلحلْاد‬ ‫ُ‬ ‫مِ ْن أَ ْم ِر َع ْقلي َومَا أوتِيتُم مِّن العَق ِل‬ ‫إِالَّ قَلِيالً‪.‬‬ ‫صفحة العقل دين عىل الفيسبوك‬ ‫‪https://www.facebook.com/AlqlDyn‬‬ ‫‪49‬‬


‫الغالف بريشة‬ ‫‪Nada Lutfi‬‬

‫الكذب و التدليس‬ ‫يف حرضة الفضائيني‬ ‫الجزء الثاين ‪ :‬أثار قدمية غامضة‬

‫‪50‬‬


‫نعش باكال ‪:‬‬ ‫ُعرث عىل تحف ٍة أثريّ ٍة عائد ٍة إىل زمن املايا‪ ،‬وهي غطاء نعش امللك باكال ‪ Pacal‬الصخري‪ ،‬والتي أثارت الكثري من الجدل؛‬ ‫املختصون أنّها تصف رحلة امللك باكال إىل العامل السفيل‪ ،‬ولكن مر ّوجو نظرية الفضائيني القدماء‬ ‫حيث قال األكادمي ّيون‬ ‫ّ‬ ‫مجس ٌد عىل أنه يف ٍ‬ ‫مقعد ما يتحكم مبركب ٍة فضائية!‬ ‫يعتقدون أن امللك َّ‬ ‫حقيقي يتحكّم مبركبته بطريقها إىل الفضاء»‪.‬‬ ‫ذاهب إىل الفضاء‪ ،‬إنّه أ ّول رجل فضا ٍء‬ ‫«يبدو وكأنه‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫«لقد قررنا منذ زمنٍ طويلٍ بأ ّن الوصف هنا يعني أ ّن امللك باكال يجلس يف مركب ٍة فضائي ٍة من نو ٍع ّما؛ حيث أ ّن الزاوية‬ ‫تحكم من نو ٍع ما‪،‬‬ ‫يف الصورة مشابه ٌة لزاوية اإلقالع التي نراها لدى ر ّواد الفضاء الحاليني‪ ،‬ويبدو وكأنه يتحكم بأدوات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وهناك جهاز ٍ‬ ‫دواسات وهناك يش ٌء أسفله يبدو وكأنه دخا ٌن نفث‬ ‫تنفس وتلسكوب أمام وجهه‪ ،‬وأرجله موضوع ٌة أمام‬ ‫مع ألسنة لهب»‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫لقد كان غطاء نعش باكال محو ًرا رئيس ًيا يف نظريات الفضائيني القدامى منذ البداية‪ ،‬ويعتقد إريك فون دانيكن أنه‬ ‫أفضل األدلة‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫بأدوات ما‪ ،‬واليد السفىل تبدو وكأنه يفعل شيئًا ما‪ ،‬وكعب ساقه اليرسى تتحكم بدواس ٍة‬ ‫«كام ترى يده العليا تتحكم‬ ‫دليل قاط ٌع عىل الفضائيني»‪.‬‬ ‫لهب تخرج منها‪ ،‬هذا ال يصدق! إنه ٌ‬ ‫ما‪ ،‬وخارج الكبسولة ترى ألسنة ٍ‬ ‫واقعي‬ ‫وتعتمد النظرية عىل فكرة أ ّن شعب املايا مل يضعوا رموزهم املعهودة هنا‪ ،‬بل كانوا يحاولون وضع تصوي ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫منطلق إىل الفضاء يكون باكال قائده‪ ،‬أعتقد أن أفضل يش ٍء ميكنني فعله هو رشح اعتقاد شعب املايا والعلامء‬ ‫لصارو ٍخ‬ ‫ٍ‬ ‫املختصني باملايا بخصوص هذه الصورة‪ .‬فوفقًا لعلامء اآلثار –وكام أشار منظّرو فكرة الفضائيني القدماء أعاله– ترشح‬ ‫هذه الصورة لحظة موت باكال وذهابه إىل العامل السفيل‪ ،‬وسأريكم هنا ملاذا يسود لديهم هذا االعتقاد‪:‬‬ ‫الرمز األكرث شهر ًة بالصورة هو "شجرة العامل ‪ "World Tree‬والتي ستكون بد َن الصاروخ إذا ما ص ّدقنا ُمنظّري فكرة‬ ‫الفضائيني القدماء‪ ،‬ولكن من الصعب أن نتجاهل أثر شجرة العامل لدى حضارة املايا ولن نكون قد بالغنا مهام أكّدنا عىل‬ ‫أهميتها لديهم‪)1(.‬‬ ‫فكرة الشجرة تتل ّخص بأ ّن أغصانها تتفرع يف الجنة وجذورها تتفرع‬ ‫يل‬ ‫يل‪ ،‬وبذلك فهي متثل الجرس الرابط بني العامل السف ّ‬ ‫يف العامل السف ّ‬ ‫واألرض والجنة‪)2(.‬‬

‫‪52‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫عاد ًة ما يت ّم تصوير شجرة العامل مع ثعبانٍ ذو رأسني موجو ٌد عىل أغصان‬ ‫أيضا يف شجرة العامل عىل غطاء النعش‪.‬‬ ‫الشجرة (‪ ،)3‬ونجد هذا الثعبان ً‬ ‫ي ُعتقد أن هذا الثعبان يعيش يف مركز العامل –بني العامل السفيل والجنة–‬ ‫قليل من الجنة‪)4(.‬‬ ‫قليل من العامل السفيل وأخفض ً‬ ‫لذا نجده أعىل ً‬ ‫الساموي والذي ميكن رؤيته بشكلٍ‬ ‫وعىل غصنها العلوي يوجد الطري‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تجسيدات أخرى للشجرة‪ ،‬لكن ُيكننا أن من ّيز ذات الطري‬ ‫أوضح عىل‬ ‫الساموي ميثل الجنة‪ ،‬ولهذا نجده‬ ‫عىل غطاء نعش باكال‪ .‬ذلك الطري‬ ‫ّ‬ ‫عىل ق ّمة الشجرة‪)5( .‬‬

‫ما يصفه مر ّوجو نظرية الفضائيني القدماء بالنار أسفل الصاروخ هو يف الحقيقة جذور شجرة العامل التي متت ّد إىل العامل‬ ‫أي تصوي ٍر لشجرة العامل سواء كان عىل نعش باكال أو غريه‪)6(.‬‬ ‫السفيل‪ ،‬والذي بدونه ال يكتمل ُّ‬

‫‪53‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫يل‪ )7(.‬الفكرة من‬ ‫ويف العامل السفيل نرى صور ًة لوحش الشمس لدى املايا والذي يقوده باكال ليذهب إىل العامل السف ّ‬ ‫يل‪ ،‬حيث ُيكنك رؤية الجزء األسفل من‬ ‫هذا كانت بأ ّن الشمس مع غروبها فإنّها متوت هناك حني تنزل إىل العامل السف ّ‬ ‫الشمس مصو ٌر بشكل هيكلٍ‬ ‫العلوي محتف ٌظ بلحمه ومل ميت بعد‪ ،‬وهذا تصوي ٌر شائ ٌع‬ ‫عظمي‪ ،‬يف حني ما زال الجزء‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫لحاالت االنتقال من الحياة إىل املوت‪)8(.‬‬ ‫يل‪ ،‬وحتى‬ ‫إذًا‪ ،‬باكال كان يركب الشمس يف طريقه إىل العامل السف ِّ‬ ‫ما يُقال أنه دخا ٌن ميكن تفسريه بسهول ٍة إن فهمنا رموز املايا‪ ،‬ففي‬ ‫شخص‬ ‫ف ِّن املايا‪ ،‬كُلّام تصادف لوح ًة تص ّور املسافر ‪( traveler‬وهو ٌ‬ ‫يف حالة انتقا ٍل من عا ٍمل إىل آخرٍ)‪ ،‬يجب أن يكون هناك ما يجعل‬ ‫حبل رسيًا ملتفًا‪،‬‬ ‫هذا السفر ممك ًنا بوسيل ٍة ما (‪ ،)9‬رمبا تكون ً‬ ‫ولكن يف أغلب األحيان يكون ثعبانًا وغالبًا ما يكون هذا الثعبان‬ ‫ذو رأسني (‪ ،)10‬أي مبعنى آخر وجودك يف فم ذلك الثعبان كان‬

‫يعني ذهابك إىل عا ٍمل آخر‪ ،‬لذلك ُيكنك رؤية أ ّن ما يُقال أنه دخانٌ‪ ،‬ما هو يف الحقيقة إال لحية ذلك الثعبان كام تظهر‬ ‫يف تجسيامت الثعبان يف فن املايا‪ .‬واآلن صارت لديك فكر ًة لتعرف ما يظنه األكادمييون بخصوص هذا‪ ،‬فلرنى ما يقوله‬ ‫أصحاب النظرية‪:‬‬ ‫تحكم من نو ٍع ما هنا»‪.‬‬ ‫«إنّه يستخدم أدوات ٍ‬ ‫أي يشء واليشء‬ ‫يقولون أنّه يستخدم يديه الستعامل أدوات تحكّم‪ ،‬ولكن إذا نظرتم جي ًدا سرتون أ ّن يديه ال تلمسان ّ‬ ‫ٍ‬ ‫طائف يف الصورة‪.‬‬ ‫رص‬ ‫أي عن ٍ‬ ‫الذي عىل ميينه ليس مرتبطًا بالشجرة‪ ،‬حاله من حال ِّ‬

‫‪54‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫ٍ‬ ‫بأدوات‬ ‫ميكن أن نقول عن يده اليرسى أنها تتحكم‬ ‫كل‬ ‫أكرث من اليمنى‪ ،‬وبنا ًء عىل هذا‪ ،‬عليك أن تقول أن َّ‬ ‫تحكم من نو ٍع ما‪ ،‬رغم‬ ‫عالم ٍة عىل الشجرة هي أداة‬ ‫ٍ‬ ‫أنها يف الحقيقة مج ّرد لحا ٍء لشجرة السيبا ‪،Ceiba‬‬ ‫التي متتلك لحا ًءا مم ّي ًزا يظهر بطريق ٍة ما يف شجرة‬ ‫العامل‪)11( .‬‬ ‫يدي باكال الغريب هو ما يثري كل هذا الجدل‪،‬‬ ‫وض ُع ّ‬ ‫فيلم أُنتج يف السبعينات من القرن املايض لدحض‬ ‫يف ٍ‬ ‫نظريات الفضائيني القدماء‪ ،‬قام علام ٌء مختصون باملايا‬ ‫ُجسم يف فن املايا "بوضعٍ‬ ‫برشح أن األيادي عاد ًة ت ّ‬ ‫دقيق"‪)12(.‬‬ ‫«كان عرض األيادي بهذا الشكل محببًا للاميا»‪.‬‬ ‫«هذا التمثيل شائ ٌع يف فن املايا‪ ،‬وهناك أمثل ٌة مشابه ٌة له»‪.‬‬

‫يل القول بأننا‬ ‫و بالنسبة للكالم عن القدم التي تتحكم بدواس ٍة ما‪ ،‬فإن كان تصميم الفضائيني للدواسات بهذا الشكل‪ ،‬فع َّ‬ ‫متقدمون كث ًريا بهذه التكنولوجيا عنهم‪ ،‬ألن هذه الدواسة موضوع ٌة بأسوأ زاوي ٍة ميكن أن توضع الدواسة بها‪ .‬باإلضافة‬ ‫إىل هذا‪ ،‬هناك الكثري من الصور األخرى العائدة للاميا التي ت ُظهر األقدام بأوضا ٍع مشابه ٍة من دون الصاروخ‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫ولكن ماذا عن أنبوب التنفس املتصل بأنفه؟‬

‫بأي يشء‪ ،‬وإذا نظرتم بشكلٍ أقرب لرأيتم أن الجزء الذي يُفرتض بأنبوب التنفس أن يرتبط به‬ ‫كام ترون فهو ال يرتبط ّ‬ ‫خاص لألنف‬ ‫يل للثعبان‪ ،‬إنه يف الحقيقة ليس سوى قر ٍ ًط ٍّ‬ ‫يوجد ما يشابهه يف الجهة األخرى وهو ليس سوى جز ٍء تجمي ٍّ‬ ‫مصنو ٌع من العظام‪.‬‬ ‫أيضا)‬ ‫يل له موجو ٌد عىل الجانب اآلخر ً‬ ‫(الحظ أن جهاز التنفس املفرتض ال يرتبط بأي يشء‪ ،‬والجزء امل ُ ّدعى بأنّه تكمي ٌ‬

‫عظم بال لحم»‪.‬‬ ‫«هنا نرى قرطًا ممت ًدا من األذن إىل قرط األنف‪ ،‬حيث ميثل عنرص املوت لكونه مأخو ٌذ من ٍ‬ ‫متامثل متا ًما مع هدف‬ ‫ٌ‬ ‫وأخ ًريا‪ ،‬وبالنظر إىل ظروف إيجاد هذه الصورة فهي عىل غطاء قربٍ‪ ،‬فيكون سيناريو الصورة‬ ‫الصورة‪ ،‬وظروف الصورة متامثل ٌة مع طقوس دفن املايا‪ ،‬بالتايل سيكون أم ًرا غري ًبا ج ًدا لو هجر شعب املايا املعاين‬ ‫التقليدية لرموزه وف ّنه وأراد أن يص ّور لنا صارو ًخا عىل نعش‪.‬‬ ‫الواقع هو أ ّن الرموز التي عىل النعش مستعمل ٌة كث ًريا (‪ ،)13‬وتم رشحها يف الكثري من كتابات املايا‪ ،‬وكذلك فهي تتفق‬ ‫متا ًما مع ما نعرفه عن معتقدات املايا عن العامل والحياة األخرى‪)14(.‬‬ ‫‪56‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫خطوط نازكا ‪Nazca Lines‬‬

‫مهم من نظرية الفضائيني القدامى منذ بداياتها‪ ،‬حيث زعم‬ ‫خطوط نازكا يف البريو كانت جز ًءا ً‬ ‫الخاصة بالفضائيني‪ ،‬حيث كانت تهبط وتُقلع به‬ ‫فون دانيكن ‪ Von Daniken‬يف البداية بأنها نو ٌع ما من املطارات‬ ‫ّ‬ ‫املركبات الجوية الفضائية‪ ،‬وعندما تح ّداه كارل ساغان وآخرون يف أحد الوثائقيات القدمية بخصوص هذه النقطة‪،‬‬ ‫تراجع فون دانيكن عن موقفه وقال أنه عنى بأ ّن الخطوط موجود ٌة بسبب هبوط املركبات فقط‪)15(:‬‬ ‫طريق مع ّب ٍد أو يش ٍء كهذا‪ ،‬فكريت تل ّخصت بأ ّن بعض املركبات كانت تهبط‪ ،‬ومل‬ ‫«مل أقل يو ًما بأ ّن الفضائيني احتاجوا إىل‬ ‫ٍ‬ ‫أتكلم عن املركبات الفضائية الكبرية‪ ،‬بل كان كالمي عن املركبات الصغرية التي كانت تهبط بنظام وساد ٍة هوائي ٍة من‬ ‫نو ٍع ما‪ ،‬وبالتايل ال يحتاجون إىل مسار ٍ‬ ‫ات محدد ٍة للهبوط‪ ،‬وخالل الهبوط يتطاير بعض الرمل والحىص مسببًا تخطيط‬ ‫ٍ‬ ‫أيام يقومون بنفس اليشء وبالتايل نحصل عىل مسا ٍر آخر»‪.‬‬ ‫مسا ٍر عىل األرض‪ ،‬وبعد‬ ‫ساعات أو ٍ‬ ‫قليل عىل األرض أثناء هبوطها وبالتايل نشأت الخطوط‬ ‫بعبار ٍة أخرى‪ ،‬ما يقصده هو أ ّن املركبات الفضائية مشت ً‬ ‫كنتيج ٍة عرضي ٍة‪ ،‬ولكن عندما تعلق املوضوع بربنامج الفضائيني القدماء عادوا للقول بأ ّن خطوط نازكا هي مطار‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫«تبدو املنطقة كمهبط طائر ٍ‬ ‫ات حيث تبدأ فجأ ًة وتنتهي فجأة»‪.‬‬ ‫«تبدو خطوط نازكا‪ ،‬بعد النظر إليها من الجو‪ ،‬كمطا ٍر ألنه لديك كل هذه املسارات العادية العريضة والتي تبدو‬ ‫كاملهابط الجوية‪ ،‬واملرتتبة بعضها فوق بعض‪ ،‬كام يوجد لديك بعض الخطوط املستقيمة العمالقة التي متتد إىل أميا ٍل‬ ‫وأميا ٍل خالل الجبال والوديان»‪.‬‬ ‫فاشل يف تفسري ملاذا متتد هذه‬ ‫كل من الرشحني أعاله ً‬ ‫يبدو ً‬ ‫ميل‪،‬‬ ‫الخطوط إىل أميال‪ ،‬إذ أ ّن أحدها ميت ّد إىل حوايل ‪ً 15‬‬ ‫إذ ستكون املركبة الفضائية غري كفوءة لو احتاجت لـ ‪15‬‬ ‫ميل سوا ًء لإلقالع أو للهبوط‪ ،‬سنتط ّرق إىل هذا الحقًا‪ ،‬أما‬ ‫اآلن أريدك أن تنظر إىل أحد أسخف مزاعم مر ّوجي نظرية‬ ‫الفضائيني القدامى خالل السلسلة كلها‪:‬‬ ‫عمل آل ًيا وال أتكلم عن حفّار ٍ‬ ‫«يوجد ٌ‬ ‫ات عادي ٍة وإمنا أقصد‬ ‫جبال قد أُزيلت قممها بالكامل يف نازكا وهذا كله يتطلب ً‬ ‫ٍ‬ ‫آالت متقدم ٍة‪ ،‬فهذا ما سنحتاج إليه لو أردنا اليوم الوصول إىل نتائج مشابهة»‪.‬‬ ‫هم ي ّدعون أ ّن القمم يف إقليم نازكا قد أُزيلت بشكلٍ‬ ‫صناعي‪ ،‬إنّهم يتكلمون عن هضب ٍة هنا ومعظم الهضاب تكون‬ ‫ٍ‬ ‫مسطح ًة بشكلٍ‬ ‫طبيعي يف األعىل (‪ ،)16‬وهذا يش ٌء يحصل دامئًا يف الكثري من مناطق العامل وعلامء الجيولوجيا يعرفون‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫فعل‪.‬‬ ‫سل ً‬ ‫ادعاءات ُم ٍّ‬ ‫لكل هذا الوقت ألجل هكذا‬ ‫كيف ت َّم هذا‪ )17( .‬تضييعهم ِّ‬ ‫»هناك ٌ‬ ‫فعل‪ ،‬هذه من أكرث صور نازكا‬ ‫مذهل ً‬ ‫ٌ‬ ‫جبال قد ت ّم قصها من كال جانبيها‪ ،‬وهي مسطح ٌة كام ترون‪ ،‬هذا‬ ‫غرابة»‪.‬‬ ‫قص قمة الجبل قد اختفت‪ ،‬ال يوجد لها أث ٌر وليست بالوادي تحتها وليست‬ ‫»املثري للجنون هو أ ّن ركام وبقايا ِّ‬ ‫باملنطقة كلها‪ ،‬ماذا حصل لها؟»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫خطوط‬ ‫لننتقل إىل الخطوط اآلن‪ ،‬فخطوط نازكا ليست مج ّرد‬ ‫ٍ‬ ‫لحيوانات كالقرود والعناكب‬ ‫مستقيمة‪ ،‬وإنّ ا يوجد فيها صو ٌر‬ ‫والسمك والجاغوار والالما والسحايل والكالب‪ ،‬وعىل عكس‬ ‫كل التعقيد الذي أثاره أصحاب النظرية‪ ،‬فاملوضوع يف‬ ‫الحقيقة بسي ٌط ج ًدا‪ ،‬فسطح صحراء نازكا مك ّو ٌن من أكاسيد‬ ‫الحديد الحمراء (‪ ،)18‬وحينام تتم إزاحة هذه الحىص تظهر‬ ‫الطبقة التحتية من أرض نازكا والتي يكون لونها أفتح كث ًريا‪،‬‬ ‫‪58‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫وبالتايل التقاء اللونني سيك ّون خطًا من خطوط نازكا (‪ ،)19‬وميكنك صنع نفس اليشء بتمرير يدك يف سطح صحراء‬ ‫نازكا‪ ،‬وسيبقى هذا األثر ملئات السنني أل ّن صحراء نازكا أحد أكرث املناطق جفافًا يف العامل وال متطر هناك وإال لكانت‬ ‫اآلثار التي عمرها مئات السنني قد زالت‪)20( .‬‬

‫(الحظ الصخور الحمراء ألكاسيد الحديد حني يتم إزالتها تظهر ترب ًة ذات لونٍ أخف)‬ ‫إذن‪ ،‬وما دامت هذه الخطوط ليست مطا ًرا فضائ ًيا‪ ،‬فام هي؟ وما هي املعتقدات الدينية املعروفة عن شعب النازكا؟‬ ‫نظ ًرا لجفاف وصعوبة البيئة هناك‪ ،‬فمن املتوقع أن تكون املعتقدات الدينية الخاصة بالنازكا مرتبط ًة بالزراعة‬ ‫والخصوبة‪ .‬كث ٌري من فنون النازكا تص ّور آلهة الطبيعة القوية‪ ،‬مثل الحوت القاتل األسطوري‪ ،‬والحاصدون‪ ،‬والقط‬ ‫املنقط األسطوري‪ )21( .‬بالتايل فقد عبدوا اآللهة املتجسدة بالحيوانات حيث ظنوا أنها تتحكم باملاء واملحاصيل‪ ،‬وأو ّد‬ ‫التنويه هنا إىل أنهم كانوا جا ِّدين بهذه العبادة‪ ،‬جا ِّدين إىل درجة أنهم قطعوا الكثري من الرؤوس البرشية لغرض إرضاء‬ ‫مهووسا بقطع الرؤوس (‪ ،)22‬فبعض أعاملهم الفخارية‬ ‫هذه اآللهة‪ ،‬وميكننا وبكل أمان ٍة القول بأ ّن شعب النازكا كان‬ ‫ً‬ ‫ت ُظهر املحاصيل تنمو من الرؤوس املقطوعة‪ ،‬وهنالك أمو ٌر أخرى تشهد اعتقادهم بأ ّن قطع الرؤوس مرتب ٌط بازدهار‬ ‫املحاصيل الزراعية‪)23( .‬‬

‫‪59‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫بالتايل يظهر لك مدى جديّة هؤالء الناس بأمر الزراعة‪ ،‬وإن كنت جا ًدا إىل هذا الح ّد بالزراعة فسيلزمك نفس الجدية‬ ‫بأمر املاء‪ ،‬وبالنظر إىل أنك تحاول زرع املحاصيل وسط صحرا ٍء مقفر ٍة فستكون جا ًدا ج ًدا بخصوص املاء‪ ،‬أذكر لكم‬ ‫هذا ألنه سيساعد برشح خطوط نازكا بشكلٍ أفضل‪.‬‬ ‫أول نرى أشكال الحيوانات املوجودة يف الخطوط‪ ،‬معظمها مشابه ٌة لصور الحيوانات التي ت َّم نقشها يف أعاملهم‬ ‫دعونا ً‬ ‫الف ّخارية (‪ ،)24‬حيث كانت هذه النقوش هي آلهة شعب النازكا الخاصة باملاء والخصوبة‪)25( .‬‬

‫قديم عن معتقداتهم وكيفية عمل العامل‪ ،‬سيجيبك بالقول‪« :‬نحن نأخذ مخدرات هلوسة‪ ،‬ونقطع‬ ‫أي نازيكٍّ ٍ‬ ‫إذا سألت ّ‬ ‫الكثري من الرؤوس عىل أمل أن تساعدنا روح القرد يف الحصول عىل محصو ٍل ٍ‬ ‫جيد لهذه السنة«‪ .‬طب ًعا هذا ليس‬ ‫مناجم يتم توجيههم بواسطة الفضائيني‪ ،‬يجب أن يكون‬ ‫باليشء الذي تتوقع سامعه لو كان هؤالء الناس مج ّرد عامل‬ ‫ٍ‬ ‫هناك خي ٌط يدل عىل هذا يف أساطريهم‪ ،‬وال يوجد أيّة حقيق ٍة لهذه اال ّدعاءات يف معتقداتهم‪.‬‬ ‫لننتقل اآلن إىل الخطوط‪ ،‬فليك نفهمها فنحن بحاج ٍة إىل فهم بضع حقائق‪:‬‬ ‫‪60‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫الحج الكبري أحد أركان ديانة النازكا‪ ،‬حيث مييش عد ٌد كب ٌري من شعب النازكا إىل أماكنهم املق ّدسة خالل السنة ليك‬ ‫كان ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫قريب من خطوط‬ ‫يشاركوا‬ ‫بحدث ٍ‬ ‫ديني كبريٍ(‪ .)26‬املوقع الرئييس الذي سيمشون به يدعى "كاهوتيش" وهو مكا ٌن ٌ‬ ‫نازكا‪ ،‬اعتقد علامء اآلثار أنّه كان أكرب مدين ٍة لشعب النازكا تم إيجادها‪ ،‬ولكنهم أدركو شيئًا فشيئًا أ ّن هذا املوقع مل‬ ‫يكن مكان سكنٍ دائم‪ ،‬بل مجرد مكانٍ لتقارب الحجاج (‪ ،)27‬وما كانوا يفعلونه بعد امليش إىل هناك هو املزيد من‬ ‫امليش‪ ،‬هذه املسرية ت ُس َّمى املواكب ‪ processions‬يف سياقها الديني‪ ،‬يف معتقد النازكا كان لزا ًما عىل الجميع أن ميشوا‬

‫سوي ًة إىل هذه املواقع املحددة (‪ ،)28‬الفكرة من جمع الجموع والقيام بهذه الطقوس حيث كانوا يعتقدون أ ّن هذا‬ ‫سرييض آلهة املاء‪ ،‬ورغم كون بعض الخطوط املستقيمة بعيد ًة عن املياه االرتوازية املخزونة تحت سطح األرض‪ ،‬إال‬ ‫أنها كانت تؤدي إىل الجبال وبعض األماكن األخرى املرتبطة بآلهة املاء حيث كان تتم عبادتها هناك‪)29(.‬‬ ‫منطق يدعمه‪ ،‬والرسومات‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬ ‫خالصة املوضوع‪ ،‬مل يتم ّ‬ ‫قص أيِّة قم ٍة لجبل‪ ،‬واال ّدعاء بأ ّن املنطقة هي مطا ٌر ال ميلك ّ‬ ‫والطقوس الخاصة بالنازكا ت ُق ّدم رش ًحا أفضل لخطوط نازكا‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫طائرات توليام النفّاثة ‪Tolima Fighter Jets‬‬

‫«يف ٍ‬ ‫وقت مبك ٍر من القرن العرشين‪ ،‬عرث بعض ناهبو القبور أثناء بحثهم يف نهر ماجدالينا عىل مقرب ٍة تعود إىل حوايل‬ ‫املجسامت‬ ‫‪ 1500‬سنة لحضار ٍة من الحقبة قبل‪-‬الكولومبية تسمى توليام‪ ،‬ومن بني املوجودات كان هناك املئات من ّ‬ ‫الذهبية الصغرية بقياس ‪ 2-3‬انج»‪.‬‬ ‫املجسامت بدا كاألسامك والحرشات‪ ،‬ومن بني املئات من هذه املجسامت كان هناك حوايل ‪ 10‬قطعٍ‬ ‫«الكثري من هذه ّ‬ ‫منها بدت وكأنها طائراتٌ نفاث ٌة حديثة»‪.‬‬ ‫وحيوانات وحوايل ‪ 10‬منها بدا كطائر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هو يعرتف هنا بوجود املئات من هذه املجسامت‪ ،‬متثل حرش ٍ‬ ‫ات نفاث ٍة‬ ‫ات‬ ‫املجسامت متثل‬ ‫حديثة‪ ،‬واآلن وقبل أن نتطرق للموضوع أريد أن أضع أمامكم بعض الحس املنطقي؛ فمعظم هذه ّ‬ ‫أسامكًا وطيو ًرا وحرش ٍ‬ ‫ات وسحايل وضفاد ًعا‪ ،‬وبالنظر إىل هذه التامثيلِ الصغرية فأننا نعرف ماذا كانوا يحاولون أن‬ ‫يظهروا؛ فبالنظر إىل هذه الضفادع مثال‪ ،‬ميكننا مالحظة أنها بأشكا ٍل متنوع ٍة وبأشكا ٍل فن ّية غري موجود ٍة يف الطبيعة‪.‬‬

‫‪62‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫مجسم هذا‬ ‫لذا فنحن نعرف هنا أ ّن شعب توليام ليسوا واقعيني ج ًدا بتمثيلهم هذا‪ ،‬وميكنك رؤية هذا بالنظر إىل ّ‬ ‫الخاصة‬ ‫الرجل أو هذه القطة أو هذا التمساح‪ ،‬فقد كان شعب توليام شع ًبا فنانًا‪ ،‬وكان لديه ف ُّنه الخاص وبصمته‬ ‫ّ‬ ‫بإظهار ف ّنه‪.‬‬

‫و باعتبار أ ّن كل ما ت ّم إيجاده هو مجسامتٌ لحيوانات‪ ،‬وأ ّن لديها عيو ٌن وأسنا ٌن وما شابه‪ ،‬أليس من املنطقي القول‬ ‫بأ ّن هذه املجسامت حالها من حال غريها؟ وبأنها متثل حيوانًا ما بطريق ٍة فن ّية؟‬ ‫ولك ّن أنصار نظرية الفضائيني القدامى لديهم رشحهم الخاطىء لنا‪:‬‬

‫أي يش ٍء يف الطبيعة»‪.‬‬ ‫«ال يوجد لديها ما يشابه ّ‬ ‫«ال توجد حرش ٌة يف الطبيعة لديها أجنح ٌة يف األسفل‪ ،‬وإذا استثنيت احتامل أنها حرشة فسيتبقى لنا خيار أنها تبدو‬ ‫كطائرة!»‪.‬‬

‫حسنا‪ ،‬لرنى ما إذا فهمنا منطقهم هذا‪:‬‬ ‫مبا أنّه ال يوجد حرش ٌة بهذه املواصفات‪ ،‬فهذا ال يرتك لنا خيا ًرا سوى أنها طائرة؟ ظننت أنه يوجد ٌ‬ ‫سمك وطيو ٌر وسحايل‬ ‫وخفافيش وقطط مع هذه املجسامت التي تبلغ حوايل ‪ 100‬قطعة؟ يبدو يل أنه يتغاىض عن بعض الخيارات هنا‬ ‫للوصول إىل خيار الطائرة‪ ،‬لنأخذ أشهر قطع ٍة فيهم والتي سرنى الحقًا بأنهم صمموا موديل طائرة عليها‪ ،‬فكام نرى‬ ‫عمودي حاله كحال ذنب السمك‪ ،‬أحد أنواع األسامك التي كان يعرفها شعب توليام هو السلّور صاحب‬ ‫الذيل هنا‬ ‫ٌّ‬ ‫‪63‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫الفم املصاص ‪ ،)Sucker Mouth Catfish (30‬وهذا قد يوضح سبب الرأس املستدير والعيون الكبرية وكذلك‬ ‫ٍ‬ ‫نتوءات مشابهة‪.‬‬ ‫النتوءات التي عىل الزعانف‪ ،‬وكام ترون فإن هذا النوع من السلّور يحتوي عىل‬

‫وحني تنظر إىل املجسامت الذهبية األخرى سرتى أنه مل تكن األسامك موضو ًعا شائ ًعا لهذه املجسامت فحسب‪ ،‬بل ت ّم‬ ‫أيضا‪ .‬ويستدل عىل هذا عن طريق عدد ومكان الزعانف يف املجسامت األخرى‪.‬‬ ‫تجسيم أنوا ٍع مختلفة من األسامك ً‬ ‫وبذلك حني يقول ال يوجد حرش ٌة تحتوي عىل زعانف تحتي ٍة وبذلك يجب أن يرمز هذا املجسم إىل طائرة‪ ،‬فال يسعني‬ ‫إال أن أصف استنتاجه هذا باملخادع؛ نظ ًرا لتشابه أماكن وزوايا الزعانف مع العديد من فصائل هذا السمك الذي كان‬ ‫مهم يف ثقافة توليام (‪ ،)31‬أي بعبار ٍة أخرى‪ :‬الطائرات ال تحتكر النظام اإليرودينامييك هذا‪.‬‬ ‫ً‬

‫املجسامت‪ ،‬حيث‬ ‫وليثبتوا أ ّن هذه الديناميكية خاص ٌة بالطائرات فقط قام مر ّوجو النظرية ببناء موديلٍ لها من أحد ّ‬ ‫يقولون هنا‪:‬‬ ‫‪64‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫«مل نكن بحاج ٍة إىل وضع الكثري من القطع وتحويلها إىل هذا الشكل أل ّن األمر كان جاه ًزا؛ فقد قام به السكان‬ ‫املحليون منذ ألفَي سن ٍة مضت»‪.‬‬ ‫مذهل حقًا»‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫حجم أكرب‪ ،‬األمر‬ ‫«مل يضيفوا أو يزيلوا منها شيئًا‪ُّ ،‬‬ ‫املجسم إىل ٍ‬ ‫كل ما فعلوه هو تكبري حجم هذا ّ‬ ‫ال مل يضيفوا أو يزيلوا شيئًا‪ ،‬ما دمت ال تحتسب إزالة كل هذه االنحنائات من أمام األجنحة والتي كانت لتجعل هذا‬ ‫املوديل غري قابلٍ للطريان مطلقًا وكذلك إضافة زعانف أخرى وع ّدة ٍ‬ ‫هبوط ويش ٍء صغريٍ آخر‪ :‬مح ّرك!‬

‫حسكم املنطقي‪:‬‬ ‫وأخ ًريا‪ ..‬سأترك هذه النقطة أمام ّ‬ ‫بأخذ ما نعرفه عن هذه الحضارة بعني االعتبار؛ إذ كانوا مج ّرد صيادين ومزارعني وفنانني بسطاء(‪)32‬؛ باإلضافة إىل‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات عن إقالع وهبوط الطائرات‪ ،‬فإن كان الفضائيون‬ ‫افقتار علامء اآلثار ما يدل عىل امتالك الناس هناك أليّة‬ ‫دائم يف باحتهم الخلفية‪ ،‬هل من املنطقي ّأل يقوموا بتخليد هذه الذكرى إال بعرش‬ ‫يهبطون ويطريون لديهم بشكلٍ ٍ‬ ‫قطعٍ من مئة قطعة؟ ناهيك عن كون جميع هذه القطع موجود ٌة يف ق ٍرب ٍ‬ ‫واحد فقط‪ .‬أليس من األكرث منطقي ًة افرتاض‬ ‫فني مبنتهى‬ ‫أ ّن هذه القطع ‪ -‬مع باقي القطع األخرى التي تحتوي عىل أسنانٍ وعيونٍ وزعانف‪ -‬ما هي إال مج ّرد عملٍ ٍّ‬ ‫األناقة لريمز إىل بعض الحيوانات كالسمك؟ أشياء يعرفونها جي ًدا وكانت جز ًءا من حياتهم اليومية‪ ،‬أعتقد أنه حتى أكرث‬ ‫مر ّوجي نظرية الفضائيني القدامى عليه أن يعرتف بأ ّن املنطق ليس حليفه مطلقًا هنا‪.‬‬ ‫‪65‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫املصابيح املرصية‬

‫«هل رأيتم النقوشات عىل جدران معبد ديندارا ‪ Dendara‬يف مرص؟ فالرسوم تبدو لدى البعض كأشيا ٍء نستعملها‬ ‫يوم ًيا»‪.‬‬ ‫«يف مرص هناك مدف ٌن تحت األرض يف معبد ديندارا‪ ،‬وكان رسيًا وحرصيًا وفقط الكهنة الكبار كان يسمح لهم‬ ‫وضيق وذات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫منخفض‪ ،‬وعىل الجدران هناك ما يبدو كمصبا ٍح كهربا ٍّيئ قديم‪ ،‬وبسبب‬ ‫سقف‬ ‫بدخوله‪ ،‬إنه مكا ٌن حا ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫هذا علينا أن نسأل‪ :‬كيف أضاء املرصيون القدماء داخل قبورهم؟»‪.‬‬ ‫هذه نظريّة املصباح الكهربايئ املرصي‪ ،‬لرنى ما سنعرفه عنها ولنبدأ بسامع بعض األسباب التي تجعل املر ّوجني‬ ‫يعتقدون بصحة اعتقادهم‪:‬‬ ‫أي‬ ‫«وفقًا لعلامء اآلثار املختصني فقد استعمل املرصيون املشاعل إلضاءة حجرات املعابد واملقابر‪ ،‬ولكن ال يوجد هنا ّ‬ ‫أث ٍر عىل وجود دخان»‪.‬‬ ‫سخام أسو ٍد يف كل معبد ومدفن مرصي(‪ ،)33‬يف الحقيقة‪،‬‬ ‫من الصعب معرفة ملاذا يقولون هذا‬ ‫خصوصا مع وجود ٍ‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫رسومات ملون ٍة باهر ٍة عىل السقف مل يت ّم مالحظتها سابقًا بسبب السخام‪ ،‬يف أحد معابد‬ ‫بعد التنظيف‪ ،‬ت ّم اكتشاف‬ ‫"هاتور" أي بنفس املكان الذي تم إيجاد نقوش املصابيح‪)34(.‬‬ ‫‪66‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫ماذا كان يغطي هذا السقف؟ سأقتبس لك كالمهم مبارشةً‪ ،‬فقد قالوا‪:‬‬ ‫«إ ّن السقف مغطى تحت السخام املرتاكم من مئات السنني»‪.‬‬ ‫فعل!‬ ‫يل ً‬ ‫(‪ )35‬هذا مس ٍ‬ ‫«وكذلك ال يوجد ما يكفي من األوكسجني داخل هذه املدافن ليك تغذي املشاعل‪ ،‬كنت ذات مر ٍة داخل قرب امللك يف‬ ‫ظالم دامس‪ ،‬حينها قلت ال مشكلة وأخرجت قداحتي ألشعلها ومل تشتعل‬ ‫الهرم األكرب وأحدهم أطفأ الضوء فغرقنا يف ٍ‬ ‫مطلقًا»‪.‬‬ ‫فلدي الكثري من االكتشافات املوثقة لألهرامات ومدافن أخرى من القرن‬ ‫ال أعرف هذه املشكلة التي واجهته‪ّ ،‬‬ ‫العرشين وكلها متّت تحت ضوء املشاعل (‪ ،)37( )36‬ت ّم سؤال عامل اآلثار وخبري األهرامات جون رومر ‪John Romer‬‬ ‫عن هذا يف برنام ٍج تلفزيو ٍّين مرةً‪ ،‬فكان هذا ر ّده‪:‬‬ ‫«بالنسبة للسخام‪ ،‬فهناك سخا ٌم يف الهرم األكرب من القرن التاسع عرش‪ ،‬جاء من املسافرين هناك‪ ،‬ومتت إزالة معظمه‬ ‫حال ًيا‪ ،‬فكام نعرف تم بناء األهرامات تحت ضوء النهار لذلك إنارة الجزء الداخيل مل تكن مشكل ًة إىل أن ت ّم بناء‬ ‫السقف‪ ،‬حينها استعمل املرصيون املصابيح الزيتية حيث كانوا يضعون امللح مع الزيت للحصول عىل ضو ٍء ٍ‬ ‫صاف‪».‬‬ ‫مل يتكلم رومر هنا بداعي التخمني عن مصابي ٍح تعمل بزيت الزيتون‪ ،‬فهذه املصابيح كانت موصوف ًة بدق ٍة يف الحضارة‬ ‫املرصية‪ ،‬حتى ت ّم اكتشاف إيصاالت مصابي ٍح وغريها من األدلة (‪ .)39( )38‬يجب أخذ يش ٍء آخر بعني االعتبار‪ ،‬أال وهو‬ ‫أي ن َّي ٍة لدى املرصيني القدماء إلضاءة املدافن‪ ،‬حيث كان املدفن ال يرى ضوء النهار مجد ًدا بعد إغالقه‪،‬‬ ‫عدم وجود ِّ‬ ‫‪67‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫وكان الظالم التام يف حجراته هدفًا أساسيًّا يحرصون عىل تحقيقه‪ ،‬ولوال مستكشفي القرن التاسع عرش الذين استعملوا‬ ‫الديناميت الكتشاف ما اختبأ تحت سطح االرض‪ ،‬لكان املرصيون القدماء قد حققوا هذا الهدف إىل هذا اليوم‪.‬‬

‫حينام نتحدث عن معبد ديندارا‪ ،‬فالكالم الفارغ عن عدم وجود ما يكفي من األوكسجني هو مج ّرد هراء‪ ،‬فاملعبد‬ ‫دليل عىل هذا الكالم أال وهو تك ّدس‬ ‫مفتوح متا ًما واألوكسجني متوف ٌر بكرثة‪ ،‬بالتايل لقد استعملوا النار لإلضاءة ويوجد ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫رشح لتلك النقوشات ولرنى‬ ‫السخام من مئات السنني عىل السقف‪ .‬إذًا لقد ت ّم الر ّد عىل هذه االدعاءات‪ ،‬ويبقى لدينا ٌ‬ ‫أول رشح أصحاب النظرية لها‪:‬‬ ‫ً‬ ‫رشح لهذا‪ ،‬فهم يقولون أ ّن هذا الرسم ال ميثل أدا ًة كهربائي ًة‪ ،‬بل ميثل زهرة لوتس وهذا‬ ‫«يوجد لدى علامء املرصيات ٌ‬ ‫غريب للزهرة‪».‬‬ ‫رشح‬ ‫املنحني املتصل بها ميثل شذى تلك الزهرة‪ ،‬هذا ٌ‬ ‫ٌ‬

‫رشح خاطى ٌء ج ًدا‪ ،‬مروجو نظرية الفضائيني القدامى‪ ،‬يستخدمون مغالطة رجل القش لجعل حجتهم تبدو أقوى‪،‬‬ ‫هذا ٌ‬ ‫قليل عىل الفن املرصي ورموزهم الدينية فستعرف ما معنى هذا الرسم بسهولة‪.‬‬ ‫يف الحقيقة إذا كنت مطل ًعا ً‬ ‫‪68‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫الرسم يوضح فقط قصة خلق العامل يف امليثولوجيا املرصية‪،‬‬ ‫حيث كان املرصيون يعتقدون أنه وقبل أن يوجد أي يش ٍء‬ ‫كان هناك بح ٌر كب ٌري من العدم فقط (‪ ،)40‬وأول يش ٍء انبثق‬ ‫من هذا العدم كانت زهرة لوتس ‪ ،)lotus (41) (42‬ورمبا‬ ‫اعتقدوا هذا أل ّن زهرة اللوتس تنغلق وتغطس تحت املاء يف‬ ‫الليل وتعود للظهور والتفتح يف الصباح‪.‬‬

‫لقد كانوا يؤمنون بأ ّن الزهرة قد أنجبت اإلله األول‬ ‫والذي يكون أمره عاد ًة مرتبطًا بالشمس (‪ ،)43‬أي أ ّن‬ ‫اإلله أتوم ‪ Atum‬قد انصهر مع اإلله رع ‪ Ra‬ليكونا‬ ‫اتوم‪-‬رع ‪.Atum-Re‬‬ ‫اإلله أتوم الذي خلق كل يش ٍء كان يتم متثيله عىل‬ ‫شكل ثعبان (‪ ،)44‬نعم هذا اليشء املوجود الذي يظ ّن‬ ‫أنه فتيل املصباح هو يف الحقيقة ثعبا ٌن وميكنك رؤية‬ ‫عيون هذا الثعبان إذا نظرت بشكلٍ مقرب‪ .‬هذه هي‬ ‫أول‬ ‫امليثولوجيا املرصية بأبسط أشكالها؛ حيث ظهرت ً‬ ‫زهرة اللوتس‪ ،‬تالها ظهور اإلله أتوم من بعدها‪ ،‬والذي‬ ‫ميثل بشكل ثعبانٍ هنا‪ .‬ولكن‪ ،‬ما هذه الفقاعة التي تحيط به؟ سأقتبس رد الخرباء مبارش ًة هنا ‪:‬‬

‫«رغم أ ّن املجتمع املرصي كان متعدد اآللهة‪ ،‬إال أ ّن هناك إل ٌه واح ٌد (أتوم) هو املسؤول عن ظهور الكون ويت ّم متثيله‬ ‫بفقاع ٍة من الهواء تتمدد بال حدو ٍد وسط بحر الظالم املوجود قبل الخليقة‪».‬‬ ‫‪69‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫بعبار ٍة أخرى‪ ،‬ظهر الكون بفقاعة هوا ٍء من زهرة لوتس (‪ ،)45‬هناك العديد من العنارص يف الصورة التي تدعم الكالم‬ ‫أعاله‪ ،‬فالفقاعة هنا ترتفع بواسطة اآللهة نان (‪ .)Nun)( 46‬نان هي ذلك البحر األز ّيل وهي التي بعثت زهرة اللوتس‬ ‫متثيل لآللهة نان التي‬ ‫التي بدورها بعثت أتوم وكل يش ٍء آخر‪ )47(.‬أ ّما اليدان املبسوطتان بأوسع ما ميكن هنا هو ٌ‬ ‫رفعت اللوتس وكل يش ٍء آخر من العدم‪ )48(.‬ويف نس ٍخ أخرى من القصة يظهر إله الشمس خيربي ‪ Khepri‬الذي ميثل‬ ‫بشكل خنفساء‪ ،‬وأتوم وكفري مج ّرد أشكا ٍل أخرى لإلله رع فيها‪.‬‬ ‫يدي‬ ‫باملخترص‪ ،‬لدينا نان التي رفعت مركبة رع الشمسية من بحر العدم لتقوم برحلتها األوىل‪ ،‬وهذا يدل عىل وضعية ّ‬ ‫نان هناك يف صور معبد ديندارا‪.‬‬ ‫أي دليلٍ يدعمه يف أيِّة كتاب ٍة مرصية‪ ،‬وإن كنت تصدق كالم‬ ‫إ ّن الحديث عن استعامل املرصيني للكهرباء ال ميلك ّ‬ ‫مر ّوجي النظرية فهم ي ّدعون أ ّن املرصيني يستعملون أنابيب التفريغ التي تحتاج لطاق ٍة كهربائي ٍة عالية‪ ،‬باإلضافة إىل‬ ‫جواب لعدم‬ ‫الغازات النادرة مثل غاز األرغون‪ ،‬وكل هذا ال يوجد له أي دليلٍ مذكور‪ .‬ولكن أصحاب النظرية لديهم‬ ‫ٌ‬ ‫تصديقنا كالمهم‪:‬‬ ‫دليل مر ٌّيئ عىل هذا إال يف‬ ‫فعل إلنارة طرقهم‪ ،‬فلامذا ال يوجد ٌ‬ ‫«إن كان املرصيون قد استعملوا املصابيح الكهربائية ً‬ ‫ديندارا؟‪».‬‬ ‫رس مصدر الضوء‪،‬‬ ‫«احتوت مرص عىل مناطق مختلفة التخصص‪ ،‬ومعبد ديندارا كان املكان الذي ت ّم االحتفاظ به ب ّ‬ ‫رس الضوء‪ ،‬وهم الوحيدون املطّلعون عىل هذه املعلومات‪،‬‬ ‫والكهنة الكبار هم من كانوا املختصني باملحافظة عىل ّ‬ ‫وكان هذا املعبد هو املكان املخصص لالحتفاظ به وحراسته‪».‬‬ ‫أي جدا ٍر يؤكّد كالمه هذا‪ ،‬حتى أنّه ابتكر جملة‪:‬‬ ‫أي ٍّ‬ ‫نص أو كتاب ٍة عىل ِّ‬ ‫متا ًما‪ ،‬وبكل تأكيد ال يوجد ّ‬ ‫رس الضوء»‬ ‫«كانوا املختصني باملحافظة عىل ّ‬ ‫ليجعل كالمه يبدو رسم ًيا‪.‬‬

‫‪70‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫الفضائ ّيون يف األعامل الفن ّية العائدة للعصور الوسطى‬

‫جسدت اإلبداع مبعناه‪ ،‬ويف أجزا ٍء من تلك اللوحات يوجد ما يشبه‬ ‫« ُوجدت يف العصور الوسطى رسوماتٌ استثنائي ٌة ّ‬ ‫الفضائيني‪ ،‬يظهرون دامئًا عامئني فوق السامء‪ ،‬ويف أحيانٍ كثري ٍة يكونون عىل لوحات مريم العذراء أو اللوحات التي تشمل‬ ‫صلب املسيح‪ ،‬ويف بعض املناطق من تلك اللوحات‪ ،‬توجد بعض األوصاف ملا يبدو وكأنّه كائناتٌ فضائيّة»‪.‬‬ ‫جل لوحات الكائنات الفضائية املوجودة جاءت من فنون العصور الوسطى‪ ،‬ومبا أ ّن معظم الناس ال‬ ‫يف الواقع‪ ،‬إ ّن ّ‬ ‫يعلمون بالرمزية املستخدمة يف الفن الروحاين البيزنطي‪ ،‬لذا يكونون فريس ًة سهل ًة ملر ّوجي نظريات الزوار الفضائيني‬ ‫القدامى‪ ،‬أ ّما بالنسبة ملن درس الفن البيزنطي‪ ،‬فال ميكن القبول بهذه النظرية‪ .‬فإذا نظرنا إىل خلف ّية إحدى اللوحات‬ ‫رسم مشهو ًرا ج ًدا ي ّروجون له دامئًا‪،‬‬ ‫التي يُشري اليها مر ّوجو نظرية الفضائيني القدامى (الحظ اللوحة أدناه)‪ ،‬سنجد ً‬ ‫ونالحظ أ ّن الصور التي يستخدموها غري واضح ٍة دو ًما‪ ،‬لذلك ال يسعك التدقيق يف التفاصيل‪ .‬إذا نظرنا بتمعنٍ إىل تلك‬ ‫ٍ‬ ‫تجسيد للقمر والشمس‪ ،‬وقد يبدو‬ ‫اللوحات‪ ،‬سنجد أن لهذه األجسام وجو ٌه مميز ٌة يف الداخل‪ ،‬ففي العادة تكون مبثابة‬ ‫ٍ‬ ‫وصف لعملية صلب املسيح يف رسومات الفن البيزنطي‪)49( .‬‬ ‫كل لوح ٍة تحتوي عىل‬ ‫أنهم يظهرون يف ّ‬ ‫كامل (‪،)50‬‬ ‫لطاملا ت ّم تجسيد الشمس والقمر يف الفن البيزنطي؛ فتار ًة يكون لها وجو ٌه فقط‪ ،‬وتار ًة يكون الرسم للجسم ً‬ ‫املبدأ يف متثيل الشمس والقمر يف تجسيدهم بصور ٍة برشي ٍة هو امتدا ٌد لتقاليد وثني ٍة يف األعامل الرومانية؛ لذلك فإن‬ ‫ٍ‬ ‫بصفات برشي ٍة يف أعاملهم الفن ّية‪)51( .‬‬ ‫الكنيسة الكاثوليكية الرومانية واصلت ذلك التقليد يف تجسيد القمر والشمس‬ ‫‪71‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫نجد الشمس والقمر‪ ،‬يواجهان الصليب يف أغلب اللوحات‪،‬‬ ‫وهذا مبثابة جعلهم شهدا ًء عىل عملية صلب املسيح (‪،)52‬‬ ‫كون أغلب األعامل البيزنط ّية الفن ّية التي ت ُظهر صلب املسيح‪،‬‬ ‫شمسا وقم ًرا‪ ،‬هي‬ ‫ومن الواضح افرتاض أن تكون هذه األجسام ً‬ ‫حقيق ٌة كافي ٌة لدحض ما ير ّوج له أصحاب نظرية الفضائيني‬ ‫القدامى‪ .‬إذ يذهب بنا مر ّوجو النظرية إىل زمن القرن الرابع‬ ‫فني يف دير فيزويك ديتشاين ‪ Visoki Dečani‬يف‬ ‫عرش‪ ،‬لعملٍ ٍّ‬

‫كوسوفو‪ ،‬وقد كانت هذه إحدى أكرث اللوحات املفضلة‬ ‫لديهم منذ ظهورها يف الستينيات يف مجل ٍة فرنسي ٍة تدعى‬ ‫سبتنيك (‪ ،)Sputnik) (53‬مشهد الصلب هذا يشابه‬ ‫الكثري من املشاهد األخرى‪ ،‬عدا أ ّن الشمس والقمر فيه ت ّم‬ ‫برشي كاملٍ ‪ ،‬هنالك الكثري من األمثلة‬ ‫تجسيدهام‬ ‫ٍ‬ ‫بجسم ٍ‬ ‫األخرى التي تُظهر تجسيد الشمس والقمر بهذه الطريقة‪،‬‬ ‫وباإلمكان إيجاد بعض تلك األمثلة يف هذا الدير نفسه‪.‬‬ ‫(‪)54‬‬

‫واحد ٌة من أشهر الرسومات التي يستخدمها مر ّوجو نظرية‬ ‫الفضائيني لوح ٌة تس ّمى مادونا مع القديس الطفل يوحنا‬ ‫‪ ،Madonna with saint Giovannino‬وحال هذه كحال‬ ‫البقية؛ إن كنت تعلم ما تبحث عنه‪ ،‬فستجد أمثل ًة أخرى‬ ‫كثرية عليه‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫شخصا مي ّد يديه إىل عينيه‪ ،‬وينظر‬ ‫وأريد أن ألفت عنايتك إىل جز ٍء من هذه اللوحة يف األسفل ناحية اليمني‪ ،‬حيث سرتى ً‬ ‫معي من اإلنجيل‪:‬‬ ‫أيضا‪ ،‬وهذا الجزء من الصورة يُشري إىل مقطعٍ ّ ٍ‬ ‫كلب ينظر إىل السامء ً‬ ‫إىل السامء‪ ،‬ومعه ٌ‬ ‫عض ال ُّرعا ِة سا ِه ِريْ َن ِف ال ُحقُول يَ ْح ُر ُسو َن قُطعانَ ُه ْم‬ ‫« َوكا َن ِف تِ َلك املِنطَ َق ِة بَ ُ‬ ‫الك ِم ْن ِ‬ ‫أثنا َء اللَّيلِ ‪ .‬فَظَ َه َر لَ ُه ْم َم ٌ‬ ‫عند ال ِّر ِّب‪َ ،‬وأضا َء َمج ُد ال َّر ِّب َحولَ ُه ْم‪،‬‬ ‫َقال امل َ ُ‬ ‫فَخافُوا َخوفًا شَ ِديْ ًدا‪ .‬ف َ‬ ‫الك لَ ُه ْم‪ :‬ال ت َخافُوا‪ ،‬فَأنا أُعلِ ُن َك كُ ْمبُ ْش فَ َر ٍح‬ ‫عب‪ :‬لَ َق ْد ُولِ َد ِم ْن أجلِ ُك ُم ال َيو َم ِف بَل َد ِة دا ُو َد ُم َخل ٌِّص ُه َو‬ ‫َع ِظ ْي ٍم لِك ُّل الشَّ ِ‬ ‫امل َ ِس ْي ُح ال َّر ُّب»‪ .‬لوقا (‪)8-11 :2‬‬

‫إ ّن تكرار املشهد يف كثريٍ من اللوحات يزيل الغموض عنه‪ ،‬وبالتدريج ستنجيل لك صورة ما يسمى بالكائن الفضايئ‬ ‫كلب‪ ،‬وعاد ًة ما تكون يده صوب‬ ‫(‪ ،)55‬أولً ستالحظ أن جميع اللوحات تحتوي عىل نفس الراعي عاد ًة ما يكون معه ٌ‬ ‫عينه وينظر إىل السامء‪ ،‬وعاد ًة ما يكون هناك ٌ‬ ‫خارج من سحاب ٍة مخطط ٍة مع ضو ٍء‪ ،‬ويف اللوحات األقدم تخرج من‬ ‫مالك ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫لوحات أخرى يكون الجزء‬ ‫السحابة أشع ٌة ذهبية اللون‪ ،‬كام أ ّن املالك عاد ًة يكون قد خرج ممزقًا لجز ٍء من السحابة‪ ،‬ويف‬ ‫املمزق هو الوحيد الظاهر دون ٍ‬ ‫مالك خار ٍج منه‪)56( .‬‬

‫يف لوح ٍة أخرى مامثل ٍة للوحة مادونا والقديس يوح ّنا‪ ،‬نرى الراعي ينظر ناحية ٍ‬ ‫مالك يرتدي ردا ًء أحمر‪ ،‬ويف الوسط يف‬ ‫أيضا رسمها صهر الفنان‪ ،‬وفيها يظهر نج ٌم‬ ‫أعىل رأس مادونا يوجد نفس الضوء من أشعة السحابة‪ ،‬وهناك لوح ًة مطابق ًة ً‬ ‫الم ٌع يف داخل السحابة عىل جهة اليمني‪ ،‬كام أ ّن املالك يظهر فيها فوق املاشية‪ ،‬لذلك فإن لوحة مادونا والطفل ميكننا‬ ‫كل العنارص يف اللوحة معروفة جي ًدا بالنسبة لداريس الفن الروحاين‪.‬‬ ‫بأريحي ٍة أن نربطها بإنجيل لوقا‪ ،‬كام أ ّن ّ‬ ‫‪73‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫أي ٍ‬ ‫شك كان يروادين حول الفضائيني القدامى‪ ،‬كانت تص ّور مركب ًة فضائي ًة ينطلق‬ ‫« أكرث اللوحات شهرةً‪ ،‬وهي التي أزالت ّ‬ ‫منها شعاع ليزر‪ .‬رسم هذه اللوحة كارلو كريفييل ‪ Carlo Crivelli‬عام ‪ 1486‬وكان عنوانها‪:‬‬ ‫البشارة ‪.»The Annunciation‬‬ ‫«يف فن العصور الوسطى‪ ،‬ويف لوحة البشارة عىل وجه التحديد‪ ،‬حني زُفت برشى الحمل ملريم‪ ،‬رغم أنّها كانت عذراء‪.‬‬ ‫نرى فوق رأس مريم مركب ًة فضائي ًة‪ ،‬فام الذي تفعله مركب ٌة فضائي ٌة هناك؟»‪.‬‬ ‫كثب سرتى أنها مج ّرد حلق ٍة من الغيوم تحتوي عىل حلقتني من املالئكة‬ ‫هذه ليست مركب ًة فضائي ًة! إن نظرت عن ٍ‬ ‫الصغار‪.‬‬

‫وهذه طريق ًة شائع ًة لتمثيل الله ومستخدم ٌة يف كثري من‬ ‫اللوحات الفنية‪ .‬حتى أنّه يف القرن التاسع عرش‪ ،‬استأنف‬ ‫الفنان الفرنيس جوستاف دوريه ‪ Gustave Doré‬متثيل الله‬ ‫بهذه الطريقة يف لوحته املسامة‬ ‫جنة دانتي(‪Dante's Paradiso.(57‬‬ ‫‪74‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫ت ّم إدراج ما يُسمى بشعاع الليزر يف كثريٍ من اللوحات التي تص ّور هذا املشهد (‪ ،)58‬واستُخدم لتوضيح عملية تلقيح‬ ‫الروح القدس ملريم‪ ،‬والتي يت ّم متثيلها ‪ -‬أي الروح القدس‪ -‬عىل شكل حامم ٍة‪ ،‬وهو ما سيبدو جل ًيا لك حتى يف هذه‬ ‫اللوحة إذا أمعنت النظر‪.‬‬

‫لك ّن تلك الحزمة الشعاعيّة تفقد أهميتها يف نظريات الفضائيني القدامى كلام شاهدت املزيد من اللوحات لهذا املشهد‬ ‫جل اهتاممهم عىل زخارف حلقة املالك‪.‬‬ ‫اإلنجييل‪ ،‬فال يظهر لنا أنهم حاولوا إدراج املركبة الفضائية يف أعاملهم‪ ،‬بل ص ّبوا ّ‬ ‫آخر ما ذكرته نظرية الفضائيني القدامى يف هذا املوضوع‪:‬‬ ‫جالسا عىل السحاب مع الله‪ ،‬ونجدهام ممسكني بهوايئ‪ ،‬ويشري الالهوتيني‬ ‫«هناك رس ٌم مث ٌري للجدل‪ ،‬يظهر فيه املسيح ً‬ ‫إىل أن هذا التصوير ميثّل كوكب األرض! ولكن ملاذا نجد هذه الهوائيات ملتصق ًة به إن كانت هذه هي األرض؟ وملاذا‬ ‫علم أن النظرة السائدة يف ذلك الزمن كانت أن األرض مسطّح ٌة»‪.‬‬ ‫كروي؟ ً‬ ‫نجد أن األرض يف هذه اللوحة شكلها ٌّ‬

‫‪75‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫مياثل هذا االدعاء بقية االدعاءات األخرى يف سهولة دحضه بالنظر إىل بق ّية اللوحات التي متثل نفس املشهد وتعطينا‬ ‫السياق املطلوب (‪)59‬؛ فعاد ًة ما يحتوي هذا املشهد عىل األب واالبن وروح القدس ‪ -‬ويتم متثيل األخرية بحامم ٍة‬ ‫أيضا‪ -‬وهم ممسكون مبا يعرف بـكرة الخلق ‪ ،)Creation Globe (60‬الفكرة التي يحاول الفنان متثيلها يف هذا املشهد‬ ‫ً‬ ‫هي عزو الخلق إىل األب واالبن وروح القدس‪ ،‬وكرة الخلق هذه كانت موضو ًعا شائ ًعا لدى فن العصور الوسطى (‪،)61‬‬ ‫والسبب الوحيد الذي ألجله يعارض مر ّوجو نظرية الفضائيني القدامى هذا التفسري‪ ،‬هو ادعاؤهم بسيادة فكرة األرض‬ ‫املسطحة يف تلك الحقبة‪.‬‬ ‫يظن الكثريون يف أيامنا هذه أ ّن‬ ‫الناس يف العصور الوسطى اعتقدوا‬ ‫بأ ّن األرض مسطّح ٌة‪ ،‬لكن هذا خاطئ‬ ‫ٍ‬ ‫ببحث عىل االنرتنت‬ ‫(‪ ،)62‬فلو قمت‬ ‫عن أسطورة األرض املسطحة ‪flat‬‬ ‫‪ ،earth theory‬سرتى أ ّن الكثري من‬ ‫العلامء ومنذ العصور اإلغريقية كانوا‬ ‫يعلمون أ ّن األرض كروي ٌة‪ ،‬وإليك‬ ‫بعض االقتباسات من املختصني عن‬ ‫هذا املوضوع‪:‬‬ ‫يذكر املؤرخ جيفري برتون راسل أ ّن هذا االشتباه كان يزدهر بني األعوام ‪ 1870‬و‪ 1920‬ويذكر‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫شخص متعلّ ٌم يف تاريخ الحضارة الغربية ومنذ القرن الثالث قبل امليالد كان‬ ‫استثناءات قليل ٍة ج ًدا‪ ،‬ال يوجد‬ ‫«ما عدا‬ ‫ٌ‬ ‫يعتقد أ ّن األرض مسطح ٌة‪ ،‬يبدو أن األسطورة القائلة باعتقاد الناس بتسطح األرض يف القرون الوسطى لها تاريخها يف‬ ‫القرن السابع عرش‪ ،‬إذ كانت جز ًءا من حملة قادتها الكنيسة الربوتستانتية ضد تعاليم الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬لكنها شاعت‬ ‫مرة أخرى يف القرن التاسع عرش‪ ،‬ويعود الفضل يف ذلك إىل مؤ ّرخني غري دقيقني مثل جون ويليام درايرب وكتابه‪" :‬الرصاع‬ ‫بني الدين والعلم"‪ ،‬املنشور عام ‪ ،1874‬وأندرو ديكنز وايت وكتابه‪" :‬تاريخ للحرب بني العلم والالهوت يف املسيحية"‬ ‫املنشور عام ‪ ،1896‬وقد أيّد امللحدون والالدينيون أطروحات الرصاع بني الدين والعلم ألسبابهم الخاصة‪ ،‬لكن البحوث‬ ‫التاريخية ب ّينت تدريج ًيا خطأ هذا االعتقاد»‪.‬‬ ‫مسل بهذا الخصوص نجده حني تكلم جورجيو سوكلوس يف حلق ٍة أخرى من الوثائقي املر ّوج لنظرية الفضائيني‬ ‫أم ٌر ٍّ‬ ‫القدامى‪ ،‬ليك يدعم وجهة النظر التي كان يق ّدمها حينها‪ ،‬يعرتف أ ّن فكرة كروية األرض موجود ٌة حتى يف اإلنجيل‪:‬‬ ‫قائل‪ :‬حينام رأيت تكوير األرض الكامل وعمق األرض‬ ‫«يف الحقيقة‪ ،‬يصف موىس األرض‪ ،‬وهو يراها من الفضاء الخارجي ً‬ ‫وأبعاد السامء البعيدة‪ ..‬أعني‪ ،‬أنه يصف األرض هنا أنّها مكورةٌ»‪.‬‬ ‫‪76‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫سبب يدفعنا لرفض‬ ‫أي ٍ‬ ‫لذا‪ ،‬ال توجد أيّة مشكل ٍة يف كون ف ّناين العصور الوسطى يعلمون أ ّن األرض مك ّورةٌ؛ وال يوجد ّ‬ ‫التفسري الذي قدمه الفنانون لهذه الرموز التي نراها يف اللوحات عىل أنها كرة الخلق‪ ،‬فجميع ادعاءات مر ّوجي نظرية‬ ‫ٍ‬ ‫بلوحات أخرى تص ّور نفس املشهد اإلنجييل؛ حيث يرى‬ ‫الفضائيني القدامى تسقط مبج ّرد أن نقارن اللوحة املشار إليها‬ ‫مفاهيم الهوتي ٍة مع ّين ٍة‪ ،‬وحني يت ّم تفسريها ضمن السياق اإلنجييل‬ ‫املرء أ ّن هذا النمط من الف ّن كان يستخدم لوصف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أي ادعا ٍء حول الفضائيني القدامى‪.‬‬ ‫املقصود يزول‬ ‫الغموض عنها‪ ،‬ويسقط ّ‬

‫‪77‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫الجامجم الكريستال ّية‬

‫«يف سنة ‪ 1924‬سافر املغامر الربيطاين فريدريك ميتشل هيدجس ‪ Frederick Mitchell-Hedges‬مع ابنته آنا ‪Anna‬‬ ‫إىل بليتز الواقعة يف أمريكا الوسطى من أجل استكشاف آثار وبقايا إحدى مدن شعب املايا التي تعرف باسم لوبونتون‪.‬‬ ‫أثناء مكوثهم هناك‪ ،‬ويف أحد أيام الظهرية تسلقت آنا ‬قمة أحد األهرام يف املدينة القدمية‪ ،‬آمل ًة أنها سوف تستطيع‬ ‫مشاهدة املحيط من أعىل الهرم»‪‬‬.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت عا ٍل‪:‬‬ ‫«عندما وصلت آنا إىل القمة‪ ،‬الحظت انعكاس يش ٍء بضو ٍء قوي‪ ،‬فنزلت مرسع ًة وهي متح ّمس ًة‪ ،‬وتقول‬ ‫كل محاوالتهم لدخو ِل الهرم من‬ ‫شخص داخل الهرم ومعه مصباح إنار ٍة‪ .‬عندما صعد الجميع إىل األعىل‪ ،‬فشلت ّ‬ ‫هنالك ٌ‬ ‫الفتحة املوجودة أعىل الهرم‪ ،‬ألن أجسامهم الكبرية ال تسمح لهم من الدخول عن طريق الفتحة الصغرية يف األعىل‪،‬‬ ‫فقرروا أن يربطوا آنا‬ بحبلٍ وينزلوها إىل داخل الفتحة الصغرية من أجل اكتشاف رس هذا الضوء يف الداخل‪ ،‬وبعد أن‬ ‫استطاعوا إدخالها‪ ،‬خرجت وهي تحمل يف يديها جمجم ًة غريب ًة مصنوع ًة من الكريستال‪ ،‬وعند إنزالها م ّر ًة ثاني ًة عرثت‬ ‫آنا‬ عىل الفك السفيل للجمجمة الكريستالية الغريبة»‪.‬‬ ‫‪78‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫حقيقي‪ ،‬يف الحقيقة قصة جمجمة ميتشل هيدجز مختلف ٌة كل ًيا‪ ،‬كذلك من املهم‬ ‫كام تتوقعون‪ ،‬اليشء يف القصة أعاله‬ ‫ٌّ‬ ‫التنبيه أن سبب تركيز مر ّوجي نظرية الفضائيني القدامى عىل هذه الجمجمة بالذات‪ ،‬هو أ ّن كل الجامجم الكريستالية‬ ‫األخرى قد ت ّم إثبات زيفها (‪ ،)63‬وحتى مر ّوجي النظرية يق ّرون بزيف الجامجم األخرى‪:‬‬ ‫«كشفت‬الفحوصات العلمية أن الجمجمتني الكريستاليتني اللتني كانتا بحوز ِة املتحف الربيطاين ومتحف كايب برانديل‬ ‫‪ Cape Brandley‬ليستا قط ًعا أصل ّية‪ ،‬وال تعود إىل حقبة ما قبل وصول كوملبوس إىل شواطئ القارة األمريكية»‪.‬‬ ‫كانت جمجمة فريدريك ميتشل هيدجز آخر أملٍ العتبار هذه الجامجم واألسطورة التي خلفها حقيقة‪ ،‬والسبب الوحيد‬ ‫فحص‬ ‫الذي جعل هذه الجمجمة آخر أمل هو أ ّن آنّا (ابنة ميتشل) عندما كانت ال تزال عىل قيد الحياة‪ ،‬رفضت أن يت ّم ُ‬ ‫الجمجمة بشكلٍ‬ ‫وبدل من ذلك‪ ،‬كانت‬ ‫رسمي للتيقّن من أنّها أصلي ًة أو مز ّورةً؛ ما ساعد يف إطالة عمر هذه األسطورة‪ً ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جوالت‪ ،‬وخاص ًة يف تجمعات حركة العرص الجديد ‪ ،New Age Movement‬واستمر األمر عىل هذا‬ ‫تأخذ الجمجمة يف‬ ‫الحال حتى توفيت مؤخ ًرا‪.‬‬ ‫بعد موت آنا‪ ،‬قرر زوجها يف سنة ‪ ٢٠٠٧‬أن يأخذ الجمجمة إىل متحف سميثسونيان ‪ Smithsonian Musem‬للتاريخ‬ ‫الطبيعي‪ ،‬بهدف فحص الجمجمة‪ ،‬حيث ت ّم عمل الكثري من الفحوصات عليها‪ ،‬وعند االنتهاء استنتج أ ّن الجمجمة‬ ‫الكريستالية التي كانت بحوزتها هي مثلها مثل الجامجم الكريستالية اآلخرى‪ ،‬ليست سوى جامجم مزور ٍة وليست‬ ‫لست متأك ًدا فيام إذا كان تاريخ عرض الحلقة من برنامج الفضائيني القدامى املتعلقة بهذه‬ ‫آثا ًرا قدمي ًة (‪ .)64‬شخص ًيا ُ‬ ‫الجمجمة‪ ،‬بعد أم قبل العام ‪ ،2007‬لكن ّ‬ ‫أشك أنهم سيكرتثوا بكونها مزيف ًة أم ال‪ .‬لقد ت ّبني أن العمر الحقيقي لجمجمة‬ ‫ميتشل هيدجز أقل من عمر جمجم ٍة كريستالي ٍة أخرى كانت يف املتحف الربيطاين‪ ،‬إذ ت ّم نسخ جمجمة ميتشل هيدجز‬ ‫عنها‪)65( .‬‬ ‫الجمجمة الكريستالية التي كانت بحوز ِة املتحف الربيطاين‪ ،‬كان قد حصل عليها املتحف سنة ‪ ،1898‬يف ٍ‬ ‫وقت كانت فيه‬ ‫ٍ‬ ‫بدايات لظهور األدوات املناسبة التي تستخدم يف ِ‬ ‫نحت الكريستال إىل هذه األشكال املشابهه للجمجمة‪ ،‬كذلك كانت‬ ‫تلك الحقبة معروف ًة بكرث حاالت بيع قطعٍ كريستالية للمتاحف عىل أنها أثرية‪ ،‬لكنها كانت مزورةً‪)66( .‬‬ ‫الجمجمة التي كان ميلكها املتحف الربيطاين‪ ،‬التي لها‬ ‫تاريخها الحافل كذلك‪ ،‬ت ّم الحقًا اكتشاف أنها ليست‬ ‫سوى قطع ٍة مزور ٍة وليست أصلي ًة البتّة (‪ ،)67‬لكن يف‬ ‫حقبة الثالثينيات من القرن املايض كانت ال تزال معروض ًة‬ ‫بفخ ٍر يف املتحف الربيطاين عىل أنها قطع ٌة أصلي ًة‪ .‬وقد‬ ‫تبي ِمن البحث الذي أجراه ُمتحف سميثسونيان عىل‬ ‫ّ‬ ‫جمجمة "ميتشل هيدجز" أ ّن مزور هذه الجمجمة قام‬ ‫بنسخها من الجمجمة التي كانت معروض ًة يف املتحف‬ ‫الربيطاين من أجل أن يأيت بواحدة جديدة تظهر بشكلٍ‬ ‫‪79‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫رجل اسمه سيدين برين‪ ،‬والذي حاول عىل مدى ‪١٠‬‬ ‫موثوقٍ به أكرث‪ )68(.‬امتلك جمجمة ميتشل هيدجز يف البداية ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص لكنه فشل يف محاوالته‪ .‬أخ ًريا استطاع أن يبيعها إىل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫شخص من العامة‬ ‫سنوات بيع الجمجمة الكريستالية لعدة‬ ‫يف مزا ٍد يف لندن سنة ‪ ،1943‬هذا الشخص كان اسمه فريدريك ميتشل هيدجز! (‪ )69‬يف الحقيقة‪ ،‬نحن منتلك الرسالة‬ ‫عب عن حامسته للقطعة التي اشرتاها من‬ ‫التي كتبها هيدجز إىل أخيه مبارش ًة بعد أن اشرتى الجمجمة من املزاد‪ ،‬حيث ّ‬ ‫املزاد –وهذه النقطه مهم ٌة وسنتط ّرق إليها الحقًا‪)70( .‬‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات من رشاء فريدريك ميتشل هيدجز للجمجمة‬ ‫بعد خمس‬ ‫الكريستالية‪ ،‬ا ّدعى هيدجز أنه وجد الجمجمة بنفسه خالل‬ ‫رحل ٍة استكشافي ٍة يف أمريكا الوسطى (‪ ،)71‬هيدجز كان‬ ‫معروفًا بقصصه‪ ،‬وقصصه كانت غال ًبا أدا ًة يستخدمها من أجل‬ ‫ٍ‬ ‫مقاالت يف الصحف واهتامم الصحفيني وكانوا ينرشون‬ ‫كسب‬ ‫بطل لتلك القصص‪ .‬عىل سبيل املثال‪،‬‬ ‫له قصصه‪ ،‬وكان دامئًا ً‬ ‫هيدجز كان صياد ٍ‬ ‫سمك‪ ،‬وروى الكثري عن قصصه ومغامراته‬ ‫ٍ‬ ‫ألسامك نادر ٍة أو غري‬ ‫قصص تتكلم عن اصطياده‬ ‫يف البحار‪ٌ ،‬‬ ‫أساسا وكذلك قصص قتاله ونزاله لوحوش البحار‬ ‫مكتشف ٍة ً‬ ‫أو القروش‪ ،‬باإلضافة إىل ٍ‬ ‫قصص آخرى كانت متداول ًة بني‬ ‫عامة الصيادين‪.‬‬ ‫تح ّدث فريدرك ميتشل هيدجز الحقًا يف كتابه‪" :‬الخطر‬ ‫هو حليفي" عن اكتشافه ألر ٍ‬ ‫اض مل تكن مكتشف ًة من‬ ‫رش وقبائل مل يتم‬ ‫قبل‪ ،‬وكذلك تحدث َعن اكتشافه لب ٍ‬ ‫أيضا عن مغامراته يف‬ ‫التواصل معهم قبله‪ ،‬وتحدث ً‬ ‫األدغال‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫مقاالت يف الصحف من أجل دحض ادعاءاته واكتشافاته وكشف زيفه (‪،)72‬‬ ‫وصل األمر إىل أنّه كان بعض الناس يكتبون‬ ‫نصب أخرى كانت متعلق ًة برسقة ٍ‬ ‫رؤوس صغري ٍة‪ ،‬ووصل األمر إىل خسارته قضي ًة يف املحكمة متعلق ًة‬ ‫كذلك قام بعملية ٍ‬ ‫بعمليات النصب هذه‪ .‬لكن كل هذا ليس سوى أمثل ٍة بسيط ٍة من الخداع الذي كان يحوم حول جمجمة فريدريك‬ ‫وكل‬ ‫أول‪ ،‬وأه ّم نقط ٍة‪ ،‬ما من رواي ٍة رواها عن اكتشافه للجمجمة تتطابق مع الروايات اآلخرى‪ّ ،‬‬ ‫ميتشل هيدجز‪ً )73(.‬‬ ‫وضح فيها أنه اشرتى الجمجمة‬ ‫هذه القصص تتناقض مع الرسالة التي أرسلها هيدجز إىل أخيه سنه ‪ ،1943‬والتي ّ‬ ‫الكريستالية من مزا ٍد علني‪ ،‬إذ جاء يف الرسالة‪:‬‬ ‫‪80‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬ ‫الصحف أين‬ ‫«املجموعة تكرب وتكرب وتكرب‪ ،‬رمبا قرأت يف ُ‬ ‫متكنت ِمن الحصو ِل عىل جمجم ٍة كريستالي ٍة رهيب ٍة‪ ،‬لقد‬ ‫كانت سابقًا ضمن مجموعة ميتلكها سيدين برنيل‪ ،‬إنها‬ ‫منحوت ٌة من قطع ٍة واحد ٍة من الكريستال الشفاف وحجمها‬ ‫بالضبط بحجم جمجمة اإلنسان‪ ،‬يُ ِ‬ ‫قدر العلامء أن عمرها‬ ‫يعود إىل ما قبل سنة ‪ 1800‬قبل امليالد‪ ،‬وكذلك ير ّجح‬ ‫العلامء أن العمل استغرق أكرث من ‪ ٥‬أجيا ٍل ورثتها أبًا عن‬ ‫كل تفاصيلها‪،‬‬ ‫بحق كامل ٌة يف ّ‬ ‫ج ٍّد‪ ،‬إىل إن اكتمل نحتها‪ ،‬إنها ٍّ‬ ‫إنها قطع ٌة مذهل ٌة‪ .‬هنالك جمجم ٌة واحد ٌة فقط تشبهها‪،‬‬ ‫وتلك الجمجمة حال ًيا تقبع يف املتحف الربيطاين‪ ،‬وحتى‬ ‫إ ّن حالة الجمجمة التي بحوزيت أفضل من الجمجمة‬ ‫الكريستالية التي تقبع يف املتحف الربيطاين»‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ حاولت ابنة هيدجز رشح وتربير‬ ‫سنوات عديد ٍة‪ ،‬ظهرت الرسالة التي أرسلها هيدجز إىل أخيه‪،‬‬ ‫ميض‬ ‫بعد ِّ‬ ‫التناقضات فيام بني قصص اكتشاف الجمجمة‪ ،‬وبني الرسالة التي أرسلها فريدرك ميتشل هيدجز إىل أخيه بعدما اشرتى‬ ‫الجمجمة من املزاد‪ ،‬حيث كتبت عىل موقعها اإللكرتوين‪:‬‬ ‫«سنه ‪ 1943‬واجه مايكل ميتشل هيدجز مشكلة طرحها وما زال يطرحها الناس إىل يومنا هذا‪ ،‬حيث يف زمنٍ كان قبل‬ ‫شخص السفر إىل مكان ما ملد ٍة‪،‬‬ ‫أن يتم اخرتاع أجهزه اإلنذار وأجهزة الحامية من الرسقة‪ ،‬كان من الطبيعي إذا ما قرر ٌ‬ ‫وهنالك مقتنياتٌ مثين ٌة ميتلكها وال يريد ان يأخذها معه فيرتكها بحوزة ٍ‬ ‫شخص يعرفه من أجل حاميتها لحني عودته‪ .‬ترك‬ ‫قديم يعرفه اسمه سيدين برنيل من أجل أن يحافظ‬ ‫والدي (مايكل هيتشل هدجز) جمجمته الكريستالية عند‬ ‫ٍ‬ ‫صديق ٍ‬ ‫عليها لحني عودته‪ .‬إال أنه يف سنة ‪ 1943‬قام سيدين بعرض الجمجمة للبيع يف مزاد سوذبيز يف لندن‪ .‬فاكتشف والدي‬ ‫بيوم ٍ‬ ‫واحد‪ ،‬وكان قد استشاط غض ًبا ومل يستطع أن يتحدث أو‬ ‫خيانة صديقه قبل املوعد املقرر لبيع الجمجمة يف املزاد ٍ‬ ‫يراسل سيدين‪ ،‬لكنه يف الصباح الباكر ذهب مساف ًرا إىل لندن من أجل أن يستعيد جمجمته قبل بيعها‪.‬أخربه املزاد أن‬ ‫سحب القطعة من العرض‪ .‬لهذا رأى مايكل‬ ‫َمن عرض الجمجمة للبيع يف املزاد هو ابن صديقه سيدين برين‪ .‬ورفض املزاد‬ ‫َ‬ ‫هيدجز أن أسهل طريق ٍة السرتجاع الجمجمة هي رشاؤها ِمن املزاد‪ ،‬وبالفعل اشرتاها بسعر ‪ 400‬باوند»‪.‬‬ ‫هذه القصة والتربيرات التي تقدمها غري منطقي ٍة لعدة أسباب؛ أهمها أ ّن هذا يعني أن مايكل هيدجز كان ميلك‬ ‫ٍ‬ ‫أي ٍ‬ ‫أي ٍ‬ ‫شخص بحوزته للجمجمة الكريستالية‪ ،‬لكن بعد‬ ‫الجمجمة الكريستالية ملدة ‪10‬‬ ‫شخص ومل يعلم ّ‬ ‫سنوات ومل يخرب ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عقد ِمن الزمن‪ ،‬عندما قام برشائها من املزاد‪ ،‬بعث برسالة إىل أخيه يخربه عن رشائه لقطع ٍة مثل هذه‪ ،‬ويتكلم بوضو ٍح‪،‬‬ ‫وكأنه اقتناها ألول م ّر ٍة‪.‬‬ ‫‪81‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫بعد موت فريدريك ميتشل هيدجز ورثت ابنته بالتب ّني (آنا) الجمجمة الكريستالية‪ ،‬وعندما أصبحت جمجمة فريدريك‬ ‫ميتشل هيدجز الكريستالية بحوز ِة ابنته‪ ،‬بدأت األشياء تأخذ منعطفًا آخر؛ حيث قضت ابنته كل حياتها‪ ،‬وهي تحاول‬ ‫بيع الجمجمة الكريستالية‪ ،‬وقد قامت بتوظيف ٍ‬ ‫شخص اسمه "فرانك دورالند" وهو تاجر قطعٍ فني ٍة‪ ،‬من أجل أن يقوم‬ ‫بتسويق الجمجمة الكريستالية حتى تستطيع أن تبيعها‪ ،‬وكان فرانك دورالند قد عمل مع والد آنا عندما كان عىل قيد‬ ‫الحياة‪ ،‬واستطاع أن يبيع قط ًعا كان والدها يريد بيعها‪ ،‬وبالطبع تم اكتشاف أن هذه القطع مل تكن أصلي ًة كذلك‪)74( .‬‬ ‫قامت آنا سنة ‪ 1964‬بتوقيع اتفاقٍ مع فرانك دورالند بأن يقوم األخري برتويج وتسويق الجمجمة الكريستالية‪ ،‬وأن يبيعها‬ ‫بسع ٍر اليقل عن خمسني الف دوالر أمرييك‪ .‬وبعد االتفاق‪ ،‬انهمك دورالند مبحاوالته لرتويج الجمجمة الكريستالية‪،‬‬ ‫حتى إنه قام بتأليف قص ٍة جديد ٍة للجمجمة الكريستالية‪ ،‬وكيف تم اكتشافها‪ .‬حيث يروي يف قصته الجديدة أن آنا‬ ‫هي َمن اكتشف الجمجمة الكريستالية وليس والدها الراحل مايكل ميتشل هيدجز (‪ ،)75‬لكن الغريب يف هذه القصة‬ ‫الجديدة هو أنه مل يذكر أح ٌد خالل الثالثني سنة املاضية أ ّن آنا هي من اكتشف الجمجمة الكريستالية‪ .‬ولكن القصة‬ ‫الجديدة جعلت األُمور أسهل آلنا‪ ،‬فقد أصبحت الشخص الوحيد الذي يعود له ملكية الجمجمة الكريستالية‪ ،‬وهو أم ٌر‬ ‫يفضله الطرف املشرتي‪ ،‬وخاص ًة إن كان املشرتي هو متحف‪ .‬يف ذلك الحني‪ ،‬كان قد مات جميع األطراف التي كان لها‬ ‫ّ‬ ‫شخص آخر ممكن أن يخرج ويناقض قصة اكتشافها للجمجمة‬ ‫ي ٌد يف الجمجمة‪ ،‬سواء كبائعٍ أم مشرتٍ‪ ،‬لهذا ال يوجد‬ ‫ٌ‬ ‫الكريستالية‪ ،‬أو حتى ي ّدعي أنه املالك لهذه الجمجمة‪.‬‬ ‫كل الظواهر الغريبة املتعلقة بالجمجمة الكريستالية من كتابني قام فرانك دورالند بتمويل كتابتهام من‬ ‫بدأت بذرة ّ‬ ‫أجل ترويج وتسويق الجمجمة الكريستالية التي كانت بحوزة آنا‪ ،‬وهذه رسال ٌة من دورالند إىل آنا تتعلق بأحد مؤلفي‬ ‫الكتب الرتويج ّية‪:‬‬

‫‪82‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫كل ما عليك فعله تزويدنا‬ ‫«استطعت أن أُقنع ديك غارفن أن النسبة املق ّررة بينك وبيني تستحق تأليفه للكتاب‪ّ ،‬‬ ‫باملعلومات‪ ،‬هذا سيجعل الكتاب أفضل ويساعدنا يف الحصول عىل املزيد من املال‪ ،‬ويف حالة عدم استطاعتنا بيع‬ ‫ٍ‬ ‫عروض عام ٍة لالطالع‬ ‫الجمجمة الكريستالية‪ ،‬فإن هذه الكتب ستزيد من شعبية الجمجمة‪ ،‬وهذا سينفعنا عن طريق‬ ‫عىل الجمجمة أو زيادة مبيعات الكتب‪ ،‬وحتى زيادة االهتامم باملوضوع»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ادعاءات غريب ًة وظواهر خارق ًة متعلق ًة بأصل الجامجم الكريستالية وقوى معينة متتلكها‪ ،‬ومبا أن‬ ‫ا ّدعت تلك الكتب‬ ‫هذه الكتب ت ّم نرشها ٍ‬ ‫متحمسا لها بعي ًدا‬ ‫بوقت كانت حركات العرص الجديد بأوجها‪ ،‬فقد وجدت تِلك الكتب جمهو ًرا‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫كل من آنا ودورالند بيع الجمجمة‪ ،‬لك ّنهام‬ ‫ولسنوات‪ ،‬حاول ٌ‬ ‫عن النقد‪ ،‬أو حتى البحث عن صحة ما ا ّدعته هذه الكتب‪،‬‬ ‫مل يستطيعا ذلك‪ ،‬بسبب كشف زيف الجامجم الكريستالية األخرى‪ ،‬ما جعل املتاحف تطالب بفحص الجمجمة قبل‬ ‫رشائها (‪ ،)76‬ويف رسال ٍة بني املتحف الربيطاين وآنا‪ ،‬نجد أن املفاوضات لرشاء الجمجمة الكريستالية توقفت بعد أن‬ ‫وصلت أخبار حقيقة قصة هذه الجمجمة إىل إدارة املتحف‪ .‬كل هذه الحقائق مل توقف أصحاب نظرية الفضائيني‬ ‫القدامى من ترويج ٍ‬ ‫بعض من القصص املتناقضة املتعلقة بهذه الجمجمة‪.‬‬ ‫كوكب آخر»‪‬‬.‬‬ ‫أناس يعتقدون أنها قد ُص ِنعت يف‬ ‫ٍ‬ ‫«نعم‪ ،‬إنها آثا ٌر لفضائيني‪ ،‬حتى أنّه هنالك ٌ‬ ‫معلومات عن حضار ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات فضائي ٍة‪ .‬هنالك أسطور ٌة تتحدث عن وجود ثالثة‬ ‫«متّت صناع ُة هذه الجامجم من أجل أن تخ ّزن‬ ‫عرش جمجم ًة متّت صناعتها‪ ،‬وعندما تجتمع هذه الجامجم الثالثة عرش م ًعا يطرأ تغي ٌري عظي ٌم عىل عاملنا اليوم»‪‬.‬‬ ‫«تذكر األسطورة أنه هنالك اثنا عرش عاملًا آخر (أو كوك ًبا) تعيش عليها كائناتٌ ذكي ٌة‪ ،‬وسبب وجود الثالثة عرش جمجم ًة‬ ‫كوكب من تلك الكواكب االثنتي عرش‪ ،‬أ ّما الجمجمة‬ ‫كل‬ ‫عىل كوكب األرض هو أنها قد ت ّم إحضارها إىل كوكب األرض من ّ‬ ‫ٍ‬ ‫رقم ‪ 13‬فهي تحتوي عىل كلِ معلومات الجامجم اآلخرى‪ ،‬وهذه هي أسطورة الجامجم االثنتي عرشة»‪.‬‬ ‫«لكن ما السبب الذي جعل الزوار الفضائيني يعطون هذه الجامجم الكريستالية إىل شعب املايا؟»‪‬‬.‬‬ ‫أي ٍ‬ ‫أي من كتابات وتنبؤات شعب‬ ‫أي يش ٍء له عالق ٌة بهذه الجامجم الكريستالية يف ٍّ‬ ‫أحد عىل ِّ‬ ‫املشكلة هنا هي‪ :‬عدم عثور ِّ‬ ‫املايا (‪ ،)77‬هذه الفكرة تعود ببساط ٍة إىل أحد مؤلفي حركة العرص الجديد ‪ ،New Age Movement‬كذلك مل يسمع‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫أيضا أنهم مل يسمعوا بهذه ً‬ ‫علامء اآلثار واملؤرخون من املعنيني بشعوب املايا وأساطريهم مطلقًا‪ ،‬ومن املؤكّد ً‬ ‫«الكثري من السكان املحليني والكثري ِمن الناس الذين يعملون مع الجامجم الكريستالية يذكرون أ ّن الجامجم التي‬ ‫تحتوي عىل نسب ٍة عالي ٍة من الكوارتز‪ ،‬وخاص ًة الجامجم املصنوعة من الكوارتز باألساس تحتوي أعىل ترد ٍد أو طاق ٍه أو‬ ‫اهتزا ٍز يف الوجود الفيزيايئ؛ لذا قام الكثري ِمن السكان املحليني بنو ٍع من العبادة أو االهتامم بهذه القطع فكانوا يعلمون‬ ‫أنهم ميلكون أعىل طاق ٍة ممكن ٍة عىل األرض»‪.‬‬ ‫‪83‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫الكذب و التدليس يف حرضة الفضائيني‬

‫لقد كانت والدة هذه األسطورة األخرية باألساس‪ ،‬نتيجة دعاي ٍة ترويجي ٍة تسويقي ٍة لقطعٍ مزور ٍة من أجل بيعها‪ ،‬ووجدت‬ ‫هذه األسطورة مكانها األنسب بني األساطري األخرى لـحركة العرص الجديد‪.‬‬ ‫ويف الختام‪ ،‬نعلم أ ّن كل الجامجم التي طُرحت ت ّم إثبات زيفها‪ ،‬وآخر ٍ‬ ‫خيط يف هذه األسطورة والذي استطاع أن يصمد‬ ‫كدليل عليها هو جمجمة فريدريك مايكل هيدجز الكريستالية‪ ،‬والسبب الوحيد الذي جعلها آخر ٍ‬ ‫خيط أو أملٍ لص ّحة‬ ‫هذ ِه األسطورة هو ببساط ٍة‪ :‬ألنّها مل تتع ّرض للفحص وإثبات زيفها إال مؤ ّخ ًرا‪ ،‬فتاريخ هذه الجمجمة الكريستالية ميل ٌء‬ ‫بالتزوير واألكاذيب‪ ،‬وبعد كل األدلة والحقائق التي تكشف زيفها؛ ال يُص ّدق قصة الجمجمة وأسطورتها إال أعمى‬ ‫البصرية‪.‬‬

‫‪84‬‬


85


‫إن الدين عند البدو اإلسالم ‪1‬‬ ‫املركزيّة الذكوريّة املح ّمدية بالقرآن منوذ ًجا‬

‫تؤكد املركزيّة الدامئة للرجل يف الخطاب القرآ ِّين النزعة البدويّة لهذا الخطاب وتؤكد‬ ‫االجتامعي‬ ‫نصا يف آخر املطاف‪ -‬إىل الفضاء الثقا ّيف‬ ‫كذلك مدى ارتهانه ـ بوصفه ً‬ ‫ّ‬ ‫السائد يف شبه الجزيرة العربية آنذاك‪ ،‬كام ت ُفصح عن مدى تأثره بهذا الفضاء أو‬ ‫فلنقل إقتباسه من تلك البيئة َح َّد النقل بحرف ّي ٍة يف بعض األحيان‪ ،‬وليس يف هذا ما‬ ‫ْ‬ ‫يُعيب‪ ،‬فال ّنص يف النهاية محكو ٌم بالبيئة التي أنتجته وخاض ٌع ملعطياتها ويتح ّرك وفقًا‬ ‫بغض النظر عن مصدره سامويًا‬ ‫كنص ـ ّ‬ ‫لفضاءاتها وهوامشها الحرك ّية‪ ،‬لذلك فهو ٌّ‬ ‫ات وشعريّ ٍ‬ ‫ات ومجاز ٍ‬ ‫كان أم أرض ًيا مادام مك ّونًا من جملٍ ورسديّ ٍ‬ ‫ات برشي ٍة ـ ال يصلح‬ ‫ٍ‬ ‫وكل‪ ،‬بحكم‬ ‫مطلق مج ّر ٍد إلدراك الوجود أو العامل بشكلٍ شاملٍ ِّ‬ ‫مرجعي‬ ‫كأساس‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ثابت ومحدو ٌد ومحكو ٌم بقدرات اللغة ومرجع ّيتها الثقافية املم ِّيزة لها‬ ‫النص ٌ‬ ‫أن ّ‬ ‫تاريخي‬ ‫مفاهيمي‬ ‫بوعي‬ ‫والخاصة بها‪ ،‬بينام العامل متعد ٌد ومتنو ٌع‬ ‫متغي ٍ‬ ‫ودينامي ّ ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ألي نص؛ فع َبدة النصوص‬ ‫البرشي‪ ،‬وقد أثبتت تجارب اإلنسان التاريخية أ ّن ذلك ال َّ‬ ‫وبواقع تاريخ املعرفة والفكر‬ ‫يتأت ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫والزاعمون بتجاوزها للزمان واملكان يجعلون من نصوصهم أدا ًة الستالب العرص‪ ،‬ويرسمون نقطة نهاي ٍة للتاريخ يف إعادة‬ ‫سيناريو بائس لكافة األفكار التي اعتُربت نهاي ًة له‪ ،‬أي للتّاريخ‪ ،‬وهو الذي ال نهاية له وال حتمية تحكمه إالّ التطور‬ ‫يتغي‪ ،‬أو أن‬ ‫السطحية اال ّدعاء أنّه مثّة ٌّ‬ ‫والتغي املستمر حتى ليغدو من ّ‬ ‫نص يستطيع أن يسري مبوازاة التاريخ دون أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫غي دون فعل هيمنة‪.‬‬ ‫يُ ّ‬

‫‪Nesta Fz‬‬

‫‪86‬‬


‫إنّ الدين عند البدو اإلسالم‬ ‫‪Nesta Fz‬‬

‫سبب ٍ‬ ‫لكل زمانٍ ومكانٍ إالّ أن نُؤ ّول ذلك عىل‬ ‫نصا ما مفارقًا ومتجاوزًا للتاريخ وصال ًحا ِّ‬ ‫ما من ٍ‬ ‫واحد يجعلنا نعتقد أ ّن ً‬ ‫وأحكام‬ ‫قيم وقوانني‬ ‫أنّه محاول ٌة من هؤالء املُنكرين لتاريخ ّية ال ّنصوص املقدسة و ال ّزاعمني برسمديّة ما تنادي به من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ليك يجعلوا منه أيدولوجيا مائز ًة لهم عن باقي األيدولوجيات من حيث خصوصيتها الساموية ووضع ّية األيدولوجيات‬ ‫االجتامعي‬ ‫السيايس أوال ّنفوذ‬ ‫محموم وراء الكسب‬ ‫سعي‬ ‫ٍ‬ ‫املنافسة‪ ،‬وتوظيفها من ث َ ّم لكسب التعاطف من البسطاء يف ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫أولتحقيق مصالح إقتصادية‪ ،‬ومن مناذج ذلك حركات اإلسالم السيايس باملنطقة‪ ،‬وسع ًيا م ّني لفضح هذا الخطاب الذي‬ ‫األسايس بالنسبة لهم‪ -‬والكشف عن مدى تاريخيته‬ ‫ـالنص‬ ‫يجعل من الدين أيدولوجيا ُ‬ ‫رأيت أهميّ َة العودة إىل القرآن ّ‬ ‫ّ‬ ‫حاكم ومو ِّج ًها‬ ‫وتالؤمه مع بيئته التي أُن ِتج منها ألُدلِّل عىل أنّه من املستحيل العودة إليه ـأي القرآن‪ -‬اليوم بوصفه ً‬ ‫نصا ً‬ ‫البدوي منها‬ ‫فانتقيت هنا عنرص الذّكورية بالقرآن‪ ،‬الذكورية التي اشتهرت وامتازت بها املجتمعات قد ًميا ال س ّيام‬ ‫لحياتنا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫يف القرن السابع امليالدي قرن والدة النص القرآ ِّين‪ ،‬وألُد�ل ِّ َل كذلك أنّه ال سبيل لنا اليوم لتج ّنب األفغنة والصوملة والسودنة‬ ‫إالّ بأن نهجر القرآن بوصفه أيدولوجيا أو نسقًا اجتامع ًيا موجب التفعيل‪ ،‬وأن نُب ِق َي عليه بوصفه تراث ًا تاريخ ًيا ودين ًيا‬ ‫والوعظي ‪.‬‬ ‫القصيص‬ ‫للتعبّد والخروج به من كونه (منفستو) أو (كتلوج) حياة إىل إطار األدب والف ِّن‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُنصب الذَّكر مرك ًزا يف الخطاب القرآين‬ ‫النص القرآين جان ًبا من تلك الذكورية التي ت ِّ‬ ‫فلنتأ ّمل يف إطار الكشف عن تاريخ ّية ِّ‬ ‫رشفه بتقديم إسمه عىل إسم األنثى يف هذا الخطاب وتوجيهاته للمسلمني؛ فاملُالح ُظ أ ّن القرآن َد َر َج عىل تقديم ِذكر‬ ‫فتُ ِّ‬ ‫كل آياته ﴿املؤمنون واملؤمنات‪ ،‬الصادقني والصادقات‪ ،‬الصابرين والصابرات‪ ﴾...‬حتى ليغدو االستثناء‬ ‫الرجل عىل املرأة يف ِّ‬ ‫الوحيد مؤكِّ ًدا لقاعدة مركزيّة الرجل يف القرآن‪ ،‬فق ّدم ِذكر األُنثى أل ّول مر ٍة عىل الذَّكر ﴿والزانية والزاين فاجلدوا‪﴾...‬‬ ‫لنالح َظ أ ّن تف ّوق املرأة أو أحقّيتها يف الذّكر أوالً مل يكن ليأ َيت إالّ يف سياق الزنا ﴿إنّه كان فاحش ًة وساء سبيال﴾‪.‬‬ ‫تقديم للرجل‬ ‫إ ّن شذوذ القرآن عن تلك القاعدة يؤكد أ ّن التقديم مل يكن اعتباط ًيا أو عىل نحو ما درج عليه املتكلّم من‬ ‫ٍ‬ ‫عىل املرأة يف الخطاب‪ ،‬وإنّ ا قصد به تأكيد ُع ٍ‬ ‫رف ٍ‬ ‫ثابت هو ثانويّتها يف الحياة العامة‪ ،‬إالّ فيام يتعلق أو يرتبط بالجنس‬ ‫ذكوري ينسب الجزء األكرب من (خطيئة) ال ّزنا للمرأة ويتهمها بأنّها املسؤول ُة األساسيّ ُة عنه وأ ّن‬ ‫ملفهوم‬ ‫وتكريسا‬ ‫انطالقًا‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مسؤول ّية الرجل كضح ّي ٍة لـ ( فتنتها) تأيت عىل نح ٍو ثانوي‪ ،‬وهذا ماحدا بنا للتعظيم من شأن هذا التّقديم ِلذكر األنثى يف‬ ‫آية الزنا دونًا عن باقي اآليات التي يُق ِّدم فيها الخطاب ال َّذكَر ثم يعقبه باألنثى‪ .‬كاد هذا التّقديم أن يكون أم ًرا بسيطًا ما‬ ‫كان لنا أن نوليه اهتام ًما لوال الذهنية التي انطلقت منه؛ تلك الذهنية التي مل تقف فحسب عند حدود تكريسها للرؤية‬ ‫التقليدية (البدوية) للمرأة كالتقديم بالخطاب يف أمر الجنس‪ ،‬وإنّ ا تجاوزت ذلك إىل تحديد تفاصيل مايجب عىل املرأة‬ ‫أن ترتديه وما اليجب أن ترتديه دون أن تفعل املثل للرجل‪ ،‬إذ تَفرض آيات القرآن عىل املرأة أن ترضب بالخامر عىل‬ ‫جيبها دون أن تطلب من الرجل أن يرضب بالخامر عىل أكتافه التي قد تبدوا لبعض النسوة مثري ًة وعريضة املنكبني‪،‬‬ ‫وتَفرض عىل املرأة ّأل ترضب بأرجلها يك ال يُعلم ما تخفيه دون أن تطلب من الرجل املِثل‪ ،‬وتطلب من املرأة ّأل تبدي‬ ‫وبغض النظر عن مدلوالت كلمة حجاب أو زينة أو معنى الرضب باألرجل والتي‬ ‫زينتها دون أن تطلب من الرجل املثل‪ّ ،‬‬ ‫بغض‬ ‫حاول بعض التجديدين إضفاء معانٍ جديد ٍة أقل تشد ًدامن املعاين التي ساقتها القراءات الرتاثية لتلك اآلية‪ ،‬أقول ّ‬ ‫‪87‬‬


‫إنّ الدين عند البدو اإلسالم‬ ‫‪Nesta Fz‬‬

‫بغض برصه وحفظ فرجه بينام‬ ‫النظر عن تلك الدالالت ّ‬ ‫يظل التّساؤل قامئًا‪ :‬ملاذا اكتفى الخطاب القرآين بأمر الرجل ّ‬ ‫غض البرص وحفظ‬ ‫بزي يساعد الرجل عىل عملية ّ‬ ‫تجاوز أمراملرأة ّ‬ ‫بغض البرص وحفظ الفرج اىل أمرها كذلك بأن تلتزم ٍّ‬ ‫الزي يُع َّول عليه‬ ‫زي يساعد املرأة عىل حفظ فرجها وغض برصها؟ هذا لو سلّمنا بأن ّ‬ ‫الفرج‪ ،‬دون أن يأمر الرجل بارتداء ٍّ‬ ‫الديني‬ ‫بالزي‬ ‫كث ًريا يف عملية ّ‬ ‫غض البرص ويف عملية حفظ الفرج؛ فالتّجارب االجتامع ّية أثبتت أ ّن مجتمعاتنا التي تلتزم ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫هوسا بالجنس ومامرس ًة ال الزنا فحسب بل وللتحرش‪.‬‬ ‫هي أكرث‬ ‫املجتمعات ً‬ ‫يف آية الغسل تتضح لك تلك املركزيّة الذكوريّة والنزعة البدويّة بشكلٍ صار ٍخ عندما يو ِّجه القرآن خطابه لل ّرجل واض ًعا‬ ‫املرأة بجانب الغائط ﴿وإذا جاء أح ٌد منكم الغائط أو المستم النساء فلم تجدوا ماء فتي ّمموا﴾ وال يُقلِّل من هذا أ ّن‬ ‫الترشيع مو ّج ٌه كذلك للمرأة ـكام يُستنتج من اآليةـ أل ّن سياق القرآن يف أكرث من مر ٍة عند الترشيعِ يَذكر اإلثنني الذّكر‬ ‫واألنثى م ًعا ﴿قل للمؤمنني يغضوا من أبصارهم﴾ و ﴿قل للمؤمنات يغضض ّن من أبصاره ّن﴾ و﴿يحفظوا فروجهم﴾و‬ ‫باب أوىل ـ التفصيل هنا اجتنابًا‬ ‫﴿يحفظ ّن فروجهن﴾ ﴿املؤمنني واملؤمنات الصابرين والصابرات‪ ﴾...‬وكان أحرى به ـ من ٍ‬ ‫للخلط املهني للمرأة مع الغائط‪ ،‬إن را َم ِ‬ ‫أحق به أن يُبعد عن األذهان‬ ‫الحرص عىل دقّة داللة نصوصه‪ ،‬أل ّن التفصيل هنا ّ‬ ‫الدمج بني املرأة والغائط بهذه الصورة املنفرة والفجة ‪.‬‬

‫كام نلحظ بوضو ٍح أكرث تنامي تلك ال ّنزعة يف انشغال التّرشيع القرآ ّين بنكاح ال َّذكَر وإهامله شبه التام لشؤون األنثى‬ ‫قل وندر ومبا ال يتوازى وحجم ما أفرده للذكور مثل قوله ﴿وال تنكحوا مانكح أباءكم﴾ ﴿ ُح ِّرمت‬ ‫الصدد إالّ فيام ّ‬ ‫بهذا ّ‬ ‫عليكم أمهاتكم﴾ ﴿واملحصنات من النساء إالّ ما ملكت أميانكم كتاب الله عليكم وما أحل لكم فام وراء ذلك‪﴿ ﴾...‬من‬ ‫مل يستطع منكم طوال أن ينكح املحصنات املؤمنات فمن ما ملكت أميانكم﴾ والذي يدعو للدهشة واالستغراب أ ّن تلك‬ ‫اآليات وردت يف سور ٍة اصطلح املسلمون فيام بعد عىل تسميتها بسورة النساء‪ ،‬والبدعة يف ذلك طب ًعا أل ّن آياتها تتحدث‬ ‫أحكام تنظمها‪.‬‬ ‫عن املرأة باعتبارها قضي ٌة خدمي ٌة تابع ٌة للرجل الب ّد من عالجها أو وضع‬ ‫ٍ‬ ‫‪88‬‬


‫إنّ الدين عند البدو اإلسالم‬ ‫‪Nesta Fz‬‬

‫ومثلام سبق وتح ّدثنا يف مقال ٍة لنا بعنوان (مفهوم املؤسسة الزوجية بالنص القرآين) فإ ّن املال َحظ بعد ٍد من آيات القرآن‬ ‫التكيز بتوجيه الخطاب له وجعله مرك ًزا‬ ‫املتعلقة بال ّزواج طغيان فكرة مركزية ال ّزوج ‪ /‬ال َّذكَر عليها وذلك من خالل ّ‬ ‫حل املشكالت الجنسية والعالقات العاطفيّة للرجال‬ ‫غائيًا لفكرة ال ّزواج نفسها‪ ،‬فتجد الخطاب القرآين مهمو ًما مبناقشة ِّ‬ ‫يم َع َّر ْضتُم ِب ِه ِم ْن ِخطْ َب ِة ال ِّن َساء أَ ْو أَكْ َننتُ ْم ِف أَنف ُِس ُك ْم َعلِ َم اللّ ُه أَنَّ ُك ْم‬ ‫اح َعلَ ْي ُك ْم ِف َ‬ ‫دونًا عن النساء فيخاطبهم ﴿ َوالَ ُج َن َ‬ ‫﴿أحل لكم ليلة الصيام‬ ‫ّ‬ ‫سا ً إِالَّ أَن تَقُولُوا ْ قَ ْوالً َّم ْع ُروفا﴾ ﴿وزوجناهم بحور عني﴾‬ ‫َستَ ْذكُ ُرونَ ُه َّن َولَـ ِكن الَّ ت ُ َوا ِع ُدو ُه َّن ِ ّ‬ ‫الرفث إىل نساءكم﴾ كان باإلمكان إمعانًا يف عدالة الخطاب أن يقول (أحل لكم الجامع) ﴿نسائكم حرثاً لكم فأتوا حرثكم‬ ‫أىن شئتم﴾ ﴿فانكحوا ما طاب لكم من النساء‪ ،‬مثنى و ث ُالث و ُرباع﴾ ﴿ َو َم ْن لَ ْم يَ ْستَ ِط ْع ِم ْن ُك ْم طَ ْولً أَ ْن يَ ْن ِك َح الْ ُم ْح َص َن ِ‬ ‫ات‬ ‫ات فَ ِم ْن َما َملَك َْت أَ ْ َيانُ ُك ْم ِم ْن فَتَيَاتِ ُك ُم الْ ُم ْؤ ِم َن ِ‬ ‫الْ ُم ْؤ ِم َن ِ‬ ‫ات َواللَّ ُه أَ ْعلَ ُم ِب ِإميَانِ ُك ْم بَ ْع ُضكُم ِّمن بَ ْع ٍض﴾ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اآليات الّتي خوطب بها الزوج ‪ /‬ال َّذكَر مبارش ًة يف إغفا ٍل شبه تا ٍّم لحقوق املرأة وأحياناً‬ ‫يُورد القرآن كذلك عد ًدا من‬ ‫(واجباتها)‪﴿ :‬أَ ْس ِك ُنو ُه َّن ِم ْن َح ْيثُ َسكَنتُم ِّمن ُو ْج ِدكُ ْم َوالَ ت َُضا ُّرو ُه َّن لِتُ َض ِّيقُوا َعلَ ْي ِه َّن ﴾ ﴿ َوآتُوا ْ ال ِّن َساء َص ُدقَاتِ ِه َّن نِ ْحلَ ًة‬ ‫اشو ُه َّن بِالْ َم ْع ُر ِ‬ ‫وف فَ ِإن‬ ‫ش ٍء ِّم ْن ُه نَف ًْسا فَ ُكلُو ُه َه ِنيئًا َّمرِيئًا﴾ ﴿فَاَتُو ُه َّن أُ ُجو َر ُه َّن فَر َ‬ ‫ِيض ًة﴾ ﴿ َو َع ِ ُ‬ ‫فَ ِإن ِط ْ َب لَ ُك ْم َعن َ ْ‬ ‫كَ ِر ْهتُ ُمو ُه َّن فَ َع َس أَن ت َ ْك َر ُهوا ْ شَ يْئًا َويَ ْج َع َل اللَّ ُه ِفي ِه َخ ْ ًيا كَ ِث ًريا﴾ ﴿إِذَا طَلَّ ْقتُ ُم ال ِّن َساء فَطَلِّقُو ُه َّن لِ ِع َّدتِ ِه َّن َوأَ ْح ُصوا الْ ِع َّد َة‬ ‫َواتَّقُوا اللَّ َه َربَّ ُك ْم ال ت ُ ْخ ِر ُجو ُه َّن ِمن بُ ُيوتِ ِه َّن َوال يَ ْخ ُر ْج َن إِ َّال أَن يَأْتِ َني ِبف ِ‬ ‫َاحشَ ٍة﴾ ﴿ف ِإ ْم َس ٌاك بِ َ ْع ُر ٍ‬ ‫يح ِب ِإ ْح َسانٍ ﴾‬ ‫وف أَ ْو ت ْ ِ‬ ‫َس ٌ‬ ‫﴿أَ ْس ِك ُنو ُه َّن ِم ْن َح ْيثُ َسكَنتُم ِّمن ُو ْج ِدكُ ْم َوالَ ت َُضا ُّرو ُه َّن لِتُ َض ِّيقُوا َعلَ ْي ِه َّن‪ ،﴾...‬وتكمن املفارقة الطريفة يف أ ّن البعض‬ ‫يَ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫حقوق‬ ‫ستحض هذه اآليات يف محرض سعيه للتدليل عىل ما منحه القرآن للزو ِج ‪ /‬األُنثى من حقوقٍ ‪ُ ،‬مغفل َني متا ًما انّها‬ ‫وتكريسا لعلويته ومكانته السامية يف‬ ‫ـ وإن ُمنحت للمرأة ‪ /‬الزوج ـ إالّ أ ّن منحها أىت عرب بوابة ال َّذكَر‪ /‬ال ّزوج تأكي ًدا‬ ‫ً‬ ‫(هرم) العالقة الزوجية يف صورتها البدوية‪ ،‬فبقليلٍ من املالحظة لآليات سنعرف من يُطّلِق ومن ُي ِسك ومن يُخرِج ومن‬ ‫يُس ِكن _يتبع_‬

‫‪89‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup

90


‫القبيسيات (املاسونية الضائعة)‬

‫)‪Ragod Akili (Nada Lutfi‬‬

‫إنتاج مجلة امللحدين العرب‬

‫رس ٍّي يف سورية ولبنان ودول الخليج‪:‬‬ ‫نكشف عن أكرب‬ ‫ٍ‬ ‫تنظيم نسا ٍّيئ ّ‬ ‫" القبيس ّيات "‪ ‬جامع ٌة صوف ّي ٌة أم حرك ٌة ماسون ّي ٌة ؟!‬ ‫رسية التي تقوم يف تنظيمها عىل طريقة البناء الهرمي املاسوين‪ ،‬لعل أكرب‬ ‫الثورات العربية كشفت الكثري من الجامعات ال ّ‬ ‫جامعة يقوم بناؤها بنفس هذه الطريقة هي جامعة اإلخوان املسلمني التي نجحت يف الوصول لحكم أكرب دول ٍة عربي ٍة‬ ‫وزج قيادتها يف السجون‪ ،‬لكن اإلخوان‬ ‫العام املايض " مرص "‪ ،‬لكن رسعان ما نجح الشعب مبساندة الجيش يف إزاحتها ّ‬ ‫رسية الوحيدة التي نشأت وتشكّلت ىف القرن‬ ‫رسي ٍة يف العامل‪ ،‬إال أنّها ليست الجامعة ال ّ‬ ‫املسلمني رغم أنّهم أكرب جامع ٍة ّ‬ ‫رسية التي قامت بنفس الطريقة‪،‬‬ ‫الفائت‪ ،‬بل يوجد العديد من الجامعات ال ّ‬ ‫‪91‬‬


‫القبيس ّيات ‪ .........‬جامع ٌة صوف ّي ٌة أم حرك ٌة ماسون ّي ٌة ؟!‬

‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫رسية ( جامعة القبيس ّيات ) التي نشأت يف سورية‪ ،‬ومنها انترشت يف لبنان وعدد من دول‬ ‫من هذه الجامعات ال ّ‬ ‫الخليج العريب‪ ،‬حيث إ ّن لجامعة القبيس ّيات مق ّدر ٍ‬ ‫ات مالي ًة هائل ًة تسمح لها بنرش أفكارها وتجنيد األتباع‪ ،‬ورغم‬ ‫رسي ٌة إال أنّها مل تنتهج طريق العنف‪ ،‬وحتى اآلن هي موالي ٌة للسلطة يف سورية‪ ،‬وخاص ًة أنّها تعمل‬ ‫أنها جامع ٌة ّ‬ ‫عىل نرش أفكارها بني الطبقات الرثية والعليا يف البالد‪ ،‬كام أ ّن الجامعة ليست لها أيّة أفكا ٍر مكتوب ٍة سوى بعض‬ ‫األوراد واألذكار التي يتداولها أعضاؤها فيام بينهم‪ ،‬وهناك العديد من املعلومات غري الدقيقة التي تنترش حولها‪.‬‬ ‫رسية‪ ،‬ومتى وكيف‬ ‫يف هذا املوضوع الذي أنتجته مجلة امللحدين العرب نلقى الضوء من ٍ‬ ‫قريب عىل هذه الجامعة ال ّ‬ ‫نشأت‪ ،‬ومن التي ّأسستها‪ ،‬وطريقة عملها يف نرش أفكارها‪ ،‬ونظرتها للدين‪ ،‬وكيف تستثمر أموالها ‪.‬‬

‫‪ -‬البداية واملناخ ‪:‬‬

‫ظل املناخ السائد يف سورية أوائل الثامنينات‪ ،‬وعىل خلفية تفجري األزبكية‪ ،‬وأحداث اإلخوان عامي ‪ 1981‬و ‪1982‬‬ ‫يف ّ‬ ‫ٍ‬ ‫رسي ٍة تهدف إىل م ِّد سيطرتها عىل املجتمع السوري الذي كان يبحث جاهدا ً عن‬ ‫كان الوضع العام خصباً لظهور‬ ‫جامعات ّ‬ ‫صور ٍة جديد ٍة للدين‪ ،‬وبالفعل ظهرت مجموع ٌة من الحركات الدينية االجتامعية التي تستغل اعتبار الدين قيم ًة أخالقي ًة‬ ‫سامي ًة يف عقول الناس يف املجتمع السوري‪ ،‬والذي بدأ ينجرف بعيدا ً عن التديّن يف ذلك الوقت ‪.‬‬ ‫الخاصة يف الظهور‪ ،‬وتسيطر عليها فكرياً هذه الحركات‬ ‫كانت البداية يف دمشق‪ ،‬حيث بدأت يف تلك الفرتة بعض املدارس ّ‬ ‫ٍ‬ ‫فعاليات اجتامعي ٍة خارج اإلطار‬ ‫والتو ّجهات مثل مركز املعونة املسيحي‪ ،‬والذي يركز عىل استقطاب الشباب واليافعني يف‬ ‫املدريس‪ ،‬وأيضاً معهد السيدة رقيّة الشيعي‪ ،‬والذي يُعترب مرجعي ًة لعد ٍد من املدارس واملعاهد التي تقوم بالتبشري وجمع‬ ‫األنصار ‪.‬‬ ‫والءات وتج ّم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عات جديد ٍة تقوم برعاي ٍة حقيقي ٍة ألبنائهم‪ ،‬وكانت البداية‬ ‫كان الهدف العام لهذه التنظيامت خلق‬ ‫بالسيطرة عىل املرأة وتطويعها‪ ،‬إذ أنّهم كانوا يعرفون أ ّن من يتحكّم باملرأة يتحكّم باألرسة‪ ،‬وبالتايل املجتمع‪ ،‬فت ّم التو ّجه‬ ‫ٍ‬ ‫للمدارس بهدف السيطرة عىل النشء الجديد من الفتيات الصغار وحشد املريدين واألتباع‪ ،‬وخلق جيلٍ‬ ‫جديد من‬ ‫التابعني لهذا االنتامء أو ذاك‪.‬‬ ‫لرمبا كان من أكرث هذه املنظامت ذات األساس الديني االجتامعي نجاحاً هو التنظيم الذي أنشأته منرية القبييس‬ ‫بالتعاون مع أمرية جربيل‪ ،‬واألخرية أخت املسؤول اليساري يف القيادة الفلسطينية يف الفرتة بني نهاية السبعينيات وبداية‬ ‫رسي ‪.‬‬ ‫الثامنينات‪ ،‬والذي ال يزال إىل هذا اليوم موجودا ً‪ ،‬ويعمل يف الخفاء‬ ‫ٍ‬ ‫كتنظيم نسا ٍّيئ ّ‬ ‫ُولدت منرية القبييس عام ‪ 1933‬يف عائل ٍة محافظ ٍة ثري ٍة‪ ،‬تتلّمذت عىل يد الشيخني أحمد كفتارو مفتي الجمهورية العربية‬ ‫السورية عام ‪ 1964‬والشيخ محمد سعيد البوطي إمام الجامع األموي يف دمشق‪ ،‬وعميد كلية الرشيعة سنة ‪. 1977‬‬ ‫النشأة املرتفة ملنرية القبييس يف عائل ٍة من تجار دمشق األثرياء كان لها األثر الكبري الذي جعلها ضيفة ٍ‬ ‫رشف يف بيوت‬ ‫رسي‪.‬‬ ‫العائالت الدمشقية الرثية ذات الحسب والنسب والسلطة واملال‪ ،‬من هنا كانت بداية هذا التنظيم النسايئ ال ّ‬ ‫‪92‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫القبيس ّيات ‪ .........‬جامع ٌة صوف ّي ٌة أم حرك ٌة ماسون ّي ٌة ؟!‬

‫عىل خلفية الوضع النفيس العام من خيبة األمل من القيادات واأليديولوجيات القومية العربية يف تلك الفرتة بحث‬ ‫الناس عن أصولهم‪ ،‬ووجدوا يف العودة الرتبية الدينية املحافظة التقليدية الحل املناسب ملشاكلهم االجتامعية‪ ،‬وال س ّيام‬ ‫لكل املشاكل ‪.‬‬ ‫كحل ّ‬ ‫أن الدين يطرح نفسه ٍّ‬ ‫اقرتنت حركة العودة للتديّن بالحظر والتنكيل بسبب قانون الطوارئ السائد آن ذاك‪ ،‬والذي كان مينع التج ّمعات‪،‬‬ ‫بالتعصب والراديكالية‪ ،‬ووصلت إىل ذروتها مبحاولة اإلخوان‬ ‫رسية منها‪ ،‬وات ّسمت بعض تلك الحركات‬ ‫ّ‬ ‫وخصوصاً ال ّ‬ ‫املسلمني االستقالل عن سورية‪ ،‬وإعالن خالفة إسالمية يف حامة عام ‪ 1984‬باإلضافة للكثري من العمليات التخريبية التي‬ ‫كانت ذات خلفي ٍة ديني ٍة متش ّدد ٍة‪.‬‬ ‫جوانب سياسي ٍة‪،‬‬ ‫أي‬ ‫كان التنظيم الذي أنشأته منرية القبييس مج ّرد محاول ٍة لتقديم الدين ٍّ‬ ‫كحل معتد ٍل منعز ٍل عن ّ‬ ‫َ‬ ‫يُركّز يف ُمجمله عىل العبادات واألذكار وتحفيظ القرآن واألعامل الخريية والفعاليات االجتامعية‪ ،‬وعىل الرغم من أنه‬ ‫كان محظورا ً لنفس السبب آنف الذكر‪ ،‬إال أنها استطاعت من خالل مركز عائلتها االقتصادي االجتامعي من استقطاب‬ ‫رسي‪ ،‬والذي أنشأ عددا ً من املدارس الخاصة‬ ‫كثريٍ من النساء من العائالت الرثية الاليئ قُ ْم َن بتمويل هذا التنظيم ال ّ‬ ‫الحرصية بداي ًة ببنات وأبناء العائالت الرثية‪ ،‬وذات الحسب والنسب والجامل‪ ،‬فهذه املدارس تسيطر عىل حياة الطفل‬ ‫من الحضانة إىل تخ ّرجه من املدرسة االبتدائية‪ ،‬وتعمل كمراك َز تبشريي ٍة لهذه الجامعة التي تحولت يف بدايتها للطريقة‬ ‫الشاذلية النقشبندية‪ ،‬واتهمت بالتصوف ‪.‬‬

‫‪ -‬التبشري والقوة ‪:‬‬

‫طريقة التبشري واستقدام العضوات يف هذه املجموعة يكون عىل نوعني‪ ،‬األول يكون ُمو ّجهاً لرشيح ٍة عمري ٍة كبري ٍة عن‬ ‫طريق التأثري العاطفي عىل النساء باملديح والرتغيب من جهة‪ ،‬وبالرتهيب والتخويف من جه ٍة أخرى‪ ،‬فتار ًة برتويج فكرة‬ ‫أنّه ّن جواهر يجب إخفاؤها وعدم عرضها كسلع ٍة رخيص ٍة‪ ،‬وبهذا ت ُ ْع َزل ال ّنساء اجتامعياً بحيث ي ُك َّن تحت سلطته ّن‬ ‫وأعينه ّن فقط‪ ،‬وتار ًة بتخويفه ّن من عذاب النار والفضيحة واإلثم ‪.‬‬ ‫الطريقة الثانية تتم بسيطرته ّن عىل املدارس التحضريية واالبتدائية‬ ‫بالكامل إىل أن تدخل الفتاة إىل املرحلة اإلعدادية‪ ،‬وألنّه ّن ال يستطع َن‬ ‫السيطرة عىل مدارس الدولة يف تلك املرحلة‪ ،‬كان لحلقات تحفيظ‬ ‫القرآن والحلقات الدينية الخاصة يف بيوت اآلنسات الرثيات الدور‬ ‫امله ّم‪ ،‬ويت ّم خالل هذه الفرتة تشكيل الوالء والتبعية لهذا التنظيم‪. ‬‬ ‫أما بالنسبة لألوالد فال يت ّم العمل عليهم بنفس االهتامم بعد املرحلة‬ ‫االبتدائية‪ ،‬لكن يبقون تحت نظر التنظيم‪ ،‬ويف حال أصبح هذا‬ ‫الشاب ذا سلط ٍة أو ما ٍل أو نفو ٍذ يتم تزويجه مبعرفته ّن‪ ،‬من امرأ ٍة‬ ‫ربا بأكرث من امرأ ٍة منهن حرصا ً‪ ،‬مستفيدين من العادات‬ ‫منه ّن‪ ،‬و ّ‬ ‫االجتامعية حيث يتم تزويج شباب العائلة عن طريق عالقات األم ‪ .‬‬ ‫‪93‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫القبيس ّيات ‪ .........‬جامع ٌة صوف ّي ٌة أم حرك ٌة ماسون ّي ٌة ؟!‬

‫ال يقترص األمر عىل التزويج بل يتع ّداه إىل استخدام النفوذ والعالقات يف الوساطة واملحسوبية للتوظيف وتقديم املنح‬ ‫الدراسية واالستثناءات والهبات‪ ،‬بل واحتكار باب توظيف الشباب يف الخليج عن طريق الجمعيات التي قم َن بإنشائها‬ ‫كل هذا بغرض تطويع الشباب‪ ،‬وجعلهم خاضعني له ّن اقتصادياً سلطوياً ويخدمون‬ ‫يف شتى دول الخليج لهذا الغرض‪ّ ،‬‬ ‫مصالحه ّن داخل وخارج سورية‪.‬‬ ‫من أشهر العائالت التي ُعرفت بانتامئها للقبيسيات كانت عائالت مثل الكزبري والطباع وجربيل وقويدر‪ ،‬والتي اشتهرت‬ ‫كلها بالرثاء والتحكم يف مجال الرصافة وسوق العملة يف دمشق‪ ،‬و قد ازدادت القوة االقتصادية لجامعة القبيس ّيات‬ ‫أثناء الحصار االقتصادي عىل سورية يف الثامنينات‪ ،‬حيث قامت الحكومة خالله باعتقال وتصفية جميع مكتنزي األموال‬ ‫املشهورين من الرجال بحج ٍج أمني ٍة‪ ،‬لكن بقيت نساء هذه الجامعة مع ثرو ٍة هائل ٍة غري ُمعلن ٍة تحت ترصفه ّن وظفوها‬ ‫لخدمة انتشار الجامعة وإنشاء املشاريع والنوادي االجتامعية يف سورية ودول الخليج العريب‪ ،‬وم ّد النفوذ إىل ٍ‬ ‫فئات‬ ‫اجتامعي ٍة مختلف ٍة أوسع‪ ،‬حيث كانوا يقيمون الوالئم ويهبون العطايا ويساعدون الفقراء اقتصادياً لجذب املزيد من‬ ‫املريدات لجامعتهن ‪.‬‬ ‫منو وجودهم وازدياد نفوذهم دفع الحكومة السورية عام ‪ 2006‬لالعرتاف بالجامعة ورفع الحظر عنها‪ ،‬خوفاً من أثره ّن‬ ‫وقوته ّن االقتصادية والسياسية يف سورية‪ ،‬حيث كان رشط إعالن رفع الحظر عنه ّن نقل حلقات التدريس واالجتامعات‬ ‫غي الكثري يف سيطرة القبيسيّات عىل املساجد‪ ،‬وأيضاً بقيت‬ ‫من بيوت اآلنسات إىل املساجد العا ّمة‪ ،‬لكن ذلك مل يُ ّ‬ ‫رس‪.‬‬ ‫االجتامعات ت ُقام يف ال ّ‬

‫رسمي متلف ٌز‬ ‫حافظ تنظيم القبيس ّيات عىل حياديته السياسية يف األحداث السورية‪ ،‬ومازال يحافظ عليها‪ ،‬حيث ت ّم لقا ٌء‬ ‫ٌّ‬ ‫بني الرئيس السوري بشار األسد وتنظيم القبيس ّيات يف الـ ‪2012‬‬ ‫‪94‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫القبيس ّيات ‪ .........‬جامع ٌة صوف ّي ٌة أم حرك ٌة ماسون ّي ٌة ؟!‬

‫والحب‬ ‫رسي لتنظيم القبيس ّيات بالكثري من املامرسات التي تهدف لبناء هرم سلط ٍة يعتمد عىل التقديس‬ ‫ّ‬ ‫يتم ّيز العامل ال ّ‬ ‫األعمى لآلنسات‪ ،‬ابتدا ًء من األطفال الصغار يف مدارسه ّن‪ ،‬مرورا ً بالحلقات الدينية‪ ،‬انتها ًء باملناسبات االجتامعية‪ ،‬حيث‬ ‫لكل رغباتها ‪.‬‬ ‫حب اآلنسة التي تعترب كع ّراب ٍة أو أ ٍّم روحي ٍة وتقديسها واالنصياع ّ‬ ‫تت ّم برمجة األنثى عىل ّ‬ ‫ورغم أن اإلسالم يغدق يف وصف النعيم الذي سينعم به الذكور يف الجنة‪ ،‬إال أنه أغفل متاماً أي نوع من النعيم لألنثى‬ ‫فيها‪ ،‬وهذا كان أحد األسباب التي جعلت السيطرة عىل النساء يف التنظيم يعتمد عىل التخويف من عذاب جهنم‪،‬‬ ‫وتصويره بأبشع الصور وأكرثها ُرعباً وزرع هذا الخوف يف الفتاة منذ الصغر‪ ،‬وربط خالصها برضا اآلنسة وطاعتها وح ّبها‬ ‫لها‪.‬‬ ‫لزي مو ٍّحد‬ ‫مت ّيز هذا التد ّرج الطبقي يف بداية الحركة بتم ّيز ألوان الحجابات‪ ،‬حيث يُعرف عن القبيس ّيات ارتداؤهن ٍّ‬ ‫يختلف فيه لون الحجاب حسب مرتبة العضوة‪ ،‬تد ّرجا من األبيض للمنتسبات الجدد‪ ،‬مرورا ً باألزرق الفاتح إىل الرمادي‬ ‫والكحيل الغامق لآلنسات الكبريات‪ ،‬مع العلم أن هذا التم ّيز باأللوان مل يع ْد ذا أهمي ٍة يف املراحل املتقدمة من تاريخ‬ ‫هذه الجامعة؛ حيث أصبح هناك أكرث من عرشين درج ٍة باملراتب‪ ،‬ووصول عدد املنتسبات للتنظيم إىل ما يزيد عن ‪170‬‬ ‫ألف قبيسي ٍة حسب بعض التقديرات ‪.‬‬

‫التوسع والهجرة ‪:‬‬ ‫‪ّ -‬‬

‫توسع‬ ‫استفاد تنظيم القبيسيّات من األزمات االقتصادية يف سورية‪ ،‬حيث كانت الهجرة إحدى وسائل ّ‬ ‫رسياً يف دمشق فقط‪ ،‬ليكون تنظيامً عاملياً متواجدا ً يف‬ ‫هذا التنظيم‪ ،‬فانتقل من كونه تنظيامً محل ّياً ّ‬ ‫الكثري من الدول مثل لبنان واألردن والكويت والنمسا وأمريكا وأملانيا‪ ،‬وحديثاً السويد وسويرسا‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من أنه ّن ينتسنب إىل منرية القبييس التي ت ُس ّمى باآلنسة الكبرية‪ ،‬إال أنّه ّن يتم ّيزن بأسامء اآلنسات املسؤوالت‬ ‫عنه ّن‪ ،‬والاليت تتلمذن عىل يد منرية القبييس شخصياً ‪.‬‬ ‫مدارس يف العاصمة عامن ‪.‬‬ ‫سمي بالط ّباع ّيات نسبة آلنسته ّن فادية ط ّباع التي متتلك وتُدير ع ّدة‬ ‫ •ففي األردن يُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ •يف الكويت ّأسست أمرية جربيل الجامعة‪ ،‬وجمعية البيادر هي الجمعية الرسمية التي تعمل املنظمة من خاللها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مؤسسات تربوي ٍة ع ّدة منها‪ :‬مدرسة القطوف الخاصة وحضانتا السالم ودار الفرح‪،‬‬ ‫تأسست عام‪ 1981‬وترشف عىل‬ ‫ويُك ّن َني العضوات باسم بنات البيادر ‪.‬‬ ‫ •يف لبنان توجد السحريّات نسب ًة إىل سحر الحلبي التي استلمت قيادة الجامعة من أمرية جربيل ‪.‬‬ ‫ •كام ظهرت تسمية الكزبريّات يف دمشق الحقاً‪ ،‬وتن ّوعت التسميات يف أوروبا والواليات املتحدة حسب اسم اآلنسة‬ ‫املسؤولة عنه ّن‪ ،‬والجدير بالذكر أن هذا التن ّوع مل يكن بسبب انشقاقٍ يف السلطة عن منرية القبييس‪ ،‬لكن بسبب كرب‬ ‫منرية القبييس بالعمر وانعزالها عن الجامعة‪ ،‬وضعف تلميذاتها أيضاً بسبب كرب السن أيضاً‪ ،‬ما فتح املجال ألطامع‬ ‫مؤسسات وسلطة الجامعة‪ ،‬بينام يتنافس الجيل الرابع من اآلنسات ليأخذ حصته‬ ‫اآلنسات من الجيل الثالث القتسام ّ‬ ‫من السلطة‪ ،‬منافساً آنسات الجيل الثالث‪ ،‬وهذا الحال أ ّدى بدوره إىل ضعف قوته ّن وسيطرته ّن مؤخرا ً ‪.‬‬ ‫‪95‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫القبيس ّيات ‪ .........‬جامع ٌة صوف ّي ٌة أم حرك ٌة ماسون ّي ٌة ؟!‬

‫‪ -‬ما ملكت أميانكم وكبش الفداء ‪:‬‬

‫مسلسل‬ ‫ٌ‬ ‫يف عام ‪ 2010‬ت ّم عرض مسلسل ( ما ملكت أميانكم ) للمخرج نجدت إسامعيل أنزور والكاتبة هالة دياب‪ ،‬وهو‬ ‫ربا هدف ذلك كان سياسياً أكرث من كونه‬ ‫اجتامعي جري ٌء‪ ،‬سلّط الضوء بشكلٍ خجو ٍل ٍ‬ ‫سلبي عىل تنظيم القبيس ّيات‪ّ ،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫فنياً‪.‬‬ ‫كام ركّز املسلسل عىل إظهار السلفية مبظهر املعتدل الرزين والواعي يف شخصية الشيخ عامر‪ ،‬كام أظهر املسلسل‬ ‫الجانب السلبي للدين من خالل شخصية توفيق الوصويل الفاسد الذي يُحاول استغالل الدين يف تربير ما يريد‪ ،‬ما جعل‬ ‫املسلسل يحظى بالكثري من النقد والضجة باعتباره عمالً يُيسء لإلسالم ‪.‬‬

‫وعىل الرغم من أنّه ص ّور الكثري من حياة القبيس ّيات‪ّ ،‬إل أنّه مل يكن ُمنصفاً يف حقّه ّن وال يف قدرته ّن وسلطته ّن عىل‬ ‫املجتمع‪ ،‬ولعل السبب يف هذه الصورة السلبية الخجولة هو محاولة لفظه ّن اجتامع ًيا كر ّدة فعلٍ عىل امتداد النفوذ‬ ‫الديني واالجتامعي له ّن‪ ،‬ومحاولة ربطه ّن بصورة اإلسالم السيئة للطعن فيه ّن ككبش فدا ٍء بُغية منح الرباءة والصورة‬ ‫الجميلة للجامعات املنافسة مثل جامعة كفتارو والكزبريّات الجدد‪ ،‬وتقسيم الكعكة القبيسية بني األطراف األخرى يف‬ ‫دمشق ‪.‬‬

‫‪ -‬أساطري وحقائق عن القبيس ّيات ‪:‬‬

‫رسية تنظيم القبيس ّيات وانعزاله ّن عن الجميع‪ ،‬بل وتح ّديه ّن لسلطة الرجل الدينية ومنافستها؛ جعلته‬ ‫إ ّن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫هدفاً‬ ‫إلشاعات كثري ٍة مغرض ٍة‪ ،‬لتخويف الناس منه ّن ومحاربته ّن‪ ،‬ومن األساطري الكثرية التي ت ُشاع عنه ّن أنّه ّن‬ ‫ميارس َن السحر وتحضري الج ّن والرهبنة والعزوف عن الزواج‪ ،‬كام يُتهم َن أنّه ّن طائف ٌة صوفي ٌة متط ّرف ٌة‪ ،‬كام‬ ‫أشيع عنه ّن أنّه ّن يص ّنف َن العضوات تحت مس ّم ٍ‬ ‫يات حسب الفئة العمرية كام ورد يف أحد املواقع عنه ّن كالتايل‪:‬‬ ‫فئة النوادر‪ :‬البنات من عمر ‪14‬ـ ‪ 18‬سن ٍة‪ .‬فئة البشاير‪ :‬الفتيات من عمر ‪ 18‬ـ ‪ 24‬سن ًة‪ .‬فئة البيادر‪ :‬الفتيات من عمر‬ ‫ٍ‬ ‫مدارس تُسيطر عليها القبيس ّيات‪.‬‬ ‫‪ 24‬سن ًة فام فوق‪ ،‬لكن اتّضح أ ّن تلك التّصنيفات مج ّرد إشاع ٍة‪ ،‬واألسامء الواردة أسامء‬ ‫كام يشاع كذباً عنه ّن أنّه ّن تعتمدن عىل ٍ‬ ‫طقس أشبه ما يكون باالعرتاف بالخطايا لآلنسة‪ ،‬حيث تق ّدم العضوة تقريرا ً‬ ‫بكل خطاياها وأرسارها وأرسار عائلتها‪ ،‬فتستخدم اآلنسة هذه املعلومات الخاصة وأرسار البيوت يف ابتزاز العضوة‬ ‫مفصالً ّ‬ ‫ّ‬ ‫إذا ما نشزت عن رغبتها ‪.‬‬ ‫‪96‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫القبيس ّيات ‪ .........‬جامع ٌة صوف ّي ٌة أم حرك ٌة ماسون ّي ٌة ؟!‬

‫كام يُر ّوج عنه ّن أنّه ّن يُق ّدسن اآلنسة ويُق ّبلن أقدامها كام يحدث يف الصوفية‪ ،‬وعىل الرغم من أن تقبيل اليد والتبجيل‬ ‫موجو ٌد‪ ،‬إال أن االبتهال واالنتصار باآلنسة أو تقبيل القدمني غري موجو ٍد ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الخاصة والغريبة‪ ،‬حيث تكون مركز هذه العبادات اآلنسة‬ ‫الطقوس االبتهالية‬ ‫كام يُشاع عنه ّن قيامه ّن بالكثري من‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫إشاعات‪ ،‬أيضاً يُتّهم َن أنّه ّن‬ ‫والحب‪ ،‬لكن هذا الكالم ال يعدو كونه مج ّرد‬ ‫الكبرية التي تدين لها القبيسيّة بالوالء‬ ‫ّ‬ ‫يستعمل َن مخطوطاً قدمياً يُس ّمى مزامري داوود‪ ،‬وهذا غري صحي ٍح‪ ،‬كون املنشور أقدم من التنظيم بكثريٍ‪ ،‬كام أنّه‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص عن النبي داوود يف بعض كتاباتهن ‪.‬‬ ‫ليس مخطوطاً إسالمياً‪ ،‬وقد أجمع املؤرخون عىل فساده‪ ،‬ورغم ورود‬ ‫نص قرآ ٍّين ( إنا أرسلنا عليهم حاصباً إال آل‬ ‫اتهم َن يف لبنان أنّه ّن يُق ّدسن سحر الحلبي اعتامدا ً عىل ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مبتدعات‬ ‫اتهام لتنفري الناس منه ّن‪ ،‬باعتباره ّن‬ ‫لوط ن ّجيناهم بسحر ‪ -‬القمر ‪ ) - 34‬لكن ذلك مج ّرد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مرشكات‪ ،‬كام أنّه ّن نف َني علناً‪ ،‬وبوضو ٍح أ ّن يكون السمهن ( القبيسيّات ) أيّة عالق ٍة باآلية القرآنية ( إذ‬ ‫ٍ‬ ‫بقبس أو أج ُد عىل النار هدى ‪ -‬طه ‪)- 10‬‬ ‫آنست نارا ً لعيل آتيكم منها‬ ‫رأى نارا ً فقال ألهله أمكثوا ّإن‬ ‫ُ‬ ‫وقت يتضمن أذكارا ً ٍ‬ ‫كل ٍ‬ ‫وآيات قرآني ًة‬ ‫كتيب صغ ٌري كالحجاب تبقيه القبيس ّية معها يف ّ‬ ‫وجود ما يعرف بالورد‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫وأحاديث كنو ٍع من التميمة التي تحميها من الرشور ‪.‬‬

‫حقائق عا ّم ٌة‪:‬‬ ‫‬‫ٌ‬

‫ •تعذيب الذات واملازوخية ونظرته ّن للعذاب الجسدي عىل أنّه نو ٌع من التكفري عن الخطايا ومقايضة بالرحمة‬ ‫واملغفرة‪.‬‬ ‫ •سلطة اآلنسة تتجاوز مريداتها إىل عائالت هؤالء البنات‪ ،‬فبالنهاية عالقة اآلنسة بالبنات تبدأ بعالقة اآلنسة باألم‬ ‫والحب لرمز اآلنسة املب ّجل‪.‬‬ ‫وكل هذه السلطة تعتمد عىل الثقة واالحرتام‬ ‫التي تحرتمها وتُجلّها ملكانتها الدينية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وابتهاالت تق ّدم لله بغية تسليم الذات له‪ ،‬وطلب‬ ‫ •توجد لديه ّن ما يعرف بالصالة النارية‪ ،‬وهي مجموعة أذكا ٍر‬ ‫املغفرة‪.‬‬ ‫ •استخدامه ّن للمسباح ( املسبحة ) بطريق ٍة شبه دامئ ٍة ومفرط ٍة من أجل التسبيح‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بالدف‪ ،‬حتى إنّه ّن يستخدمن ألحان األغاين الشهرية والحديثة‬ ‫ •يشتهر َن بكرثة األذكار واملوالد واإلنشاد والرضب‬ ‫لإلنشاد الديني الذي يتم اختيار الفتيات لغنائه حسب الجامل والحسب وثروة العائلة‪ ،‬بهدف عرضها عىل املنتسبات‬ ‫الكبريات‪ ،‬إليجاد زو ٍج مرموقٍ وذي سلط ٍة لها عرب عالقاته ّن ‪.‬‬ ‫ •أحد أه ّم ما يركّز ّن عليه ( حفظ القرآن يف س ٍّن مب ّك ٍر )‪ ،‬فتُقام االحتفاالت بالبنات الاليئ يختم َن القرآن بشكلٍ‬ ‫سنوي‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫وتُقدم له ّن الجوائز والهدايا‪ ،‬فال ت ُعترب الفتاة امرأ ًة لها قدرها بني النسوة إال بعد حفظها للقرآن ‪.‬‬ ‫مكتوب عن الخطط أو الرثوات‪ ،‬أو حتى أسامء املنتسبات ودرجتهن‪ ،‬حيث متنع‬ ‫توثيق‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ •ال يوجد لهذه املنظمة ّ‬ ‫فكل أعامل القبيس ّيات ونرش األوامر والخطط يت ّم شفهياً‪ ،‬وباللقاء‬ ‫كتابة أو توثيق أيّة معلومات داخلية عن التنظيم‪ّ ،‬‬ ‫املبارش بينه ّن ‪.‬‬

‫‪97‬‬


‫إنتاج مجلة أمللحدين العرب‬

‫القبيس ّيات ‪ .........‬جامع ٌة صوف ّي ٌة أم حرك ٌة ماسون ّي ٌة ؟!‬

‫*منرية القبييس اليوم ‪:‬‬ ‫تقطن منرية القبييس اليوم يف حي املاليك يف دمشق‪ ،‬أرقى األحياء السكنية‪ ،‬وال تقابل أحدا ً إال اآلنسات الكبريات من‬ ‫تالمذتها‪ ،‬حيث يقم َن برعايتها واالهتامم باحتياجاتها خالل عزلتها يف أيامها األخرية‪ ،‬وهناك إشاعاتٌ تفيد بوفاتها‪ ،‬لك ّن‬ ‫صح التعبري والوصف‪.‬‬ ‫اآلنسات الكبريات يخف َني هذا األمر‪ ،‬للحفاظ عىل ما تبقّى من هذه املؤسسة الضخمة من االنهيار إن ّ‬

‫جداً من القدرة‬ ‫خاص ٌة عىل درج ٍة عالي ٍة ّ‬ ‫رسي ٌة ّ‬ ‫القبيس ّيات بني ٌة ماسوني ٌة سلطوي ٌة نسائي ٌة ّ‬ ‫والقوة والنفوذ ‪ ....‬تعيش أيّامها األخرية ‪.‬‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫‪john Silver‬‬ ‫‪Shakek Altaher‬‬ ‫الغالف بريشة‬ ‫)‪Ragod Akili (Nada Lutfi‬‬

‫‪98‬‬


‫الدموي لإلسالم ‪:‬‬ ‫ال ّتاريخ‬ ‫ّ‬

‫شامل أفريقيا واألندلس منوذ ًجا‬

‫هادي بن رمضان‬ ‫بدأ الفتح العر ّيب إلفريقيا مع عبد‬ ‫السح‪ ،‬وهو أحد املرت ّدين‬ ‫الله بن أيب ّ‬ ‫نبي اإلسالم بقتلهم وإن‬ ‫الذين أمر ّ‬ ‫متسك بستار الكعبة قبل أن يشفع‬ ‫ّ‬ ‫له عثامن أخوه من ال ّرضاعة‪ ،‬ل ُيع ّينه‬ ‫فيام بعد قائ ًدا عىل رأس جيوش‬ ‫املسلمني املتو ّجهة إىل شامل إفريقيا‪.‬‬ ‫طلب الخليفة عثامن من عبد الله‬ ‫َ‬ ‫السح أن يغزو‬ ‫بن سعد بن أيب ّ‬ ‫بالد إفريقيا فإذا افتتحها الله له‬ ‫نفل(‪،)1‬‬ ‫فله ال ُخمس من الغنيمة ً‬ ‫ث ّم أُرسل عبد الله بن سعد بن أيب‬ ‫السح ليغزو بالد إفريقيا فسار إليها‬ ‫ّ‬ ‫يف عرشة ٍ‬ ‫آالف فافتتح سهلها وجبلها‬ ‫فلم‬ ‫وقتل خلقًا كث ًريا من أهلها(‪ّ ،)2‬‬ ‫رأى ذلك الرببر تف ّرقوا وف ّروا ك ِفرار‬ ‫ال َقطَا وات ّبعهم املسلمون يقتلون‬ ‫ويأرسون‪ ،‬فغنموا غنائم ج ّم ًة‬ ‫عظيم‪ ،‬وذلك‬ ‫وأموالً كثري ًة وسب ًيا‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫ببلد يُقال له ُس َب ْي ِطلة وكان ذلك‬ ‫سنة ‪ 27‬للهجرة(‪ .)3‬وبعدها َخفتت‬ ‫موجة الغزو تلك عندما انشغل‬ ‫خي‬ ‫املسلمون بالفتنة الكربى وقد ّ‬ ‫السح اعتزالها‪.‬‬ ‫عبد الله بن أيب ّ‬ ‫‪1.1‬ابن األثري‪-‬الكامل‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬ص ‪43‬‬ ‫‪2.2‬ابن كثري‪-‬البداية والنهاية‪ ،‬الجزء السابع‪ ،‬ص ‪ 174‬‬ ‫‪3.3‬ابن كثري‪-‬البداية والنهاية‪ ،‬الجزء السابع‪ ،‬ص ص‪167 166‬‬

‫ال ّنويري‪-‬نهاية األرب‪ ،‬الجزء ‪ ،19‬ص ‪413‬‬

‫‪99‬‬


‫التاريخ الدموي لالسالم‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫خلعت تلك الشّ عوب يد‬ ‫أىت بعد ذلك ُعقبة بن نافع الذي والّه معاوية عىل إفريقيا ل ُيم ِعن يف سفك ال ّدماء بعد أ ْن‬ ‫ْ‬ ‫الطّاعة عن الحكم اإلسالمي‪ ،‬ومل يكن اإلسالم حينها قد جاء ليقاتل أحد الطّغاة الجامثني عىل صدور تلك الشعوب وال‬ ‫لقتال جيوش من املرتزقة تعمل لصالح أحد الطغاة‪ ،‬بل جاء املسلمون ليقاتلوا أهل البالد وشعبها مدفوعني بعقيدة‬ ‫جسدها نبي اإلسالم يف قوله‪‹‹ :‬أُمرتُ أن أقاتل ال ّناس حتّى يشهدوا أن ال إله إالّ الله‪ ،‬وأ ّن محم ًدا‬ ‫التوحيد اإلجراميّة التي ّ‬ ‫بحق اإلسالم‪ ،‬وحسابهم‬ ‫الصالة‪ ،‬ويُؤتوا ال ّز كاة‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك‪ ،‬عصموا مني دماءهم وأموالهم‪ ،‬إالّ ّ‬ ‫رسول الله‪ ،‬ويقيموا ّ‬ ‫عىل الله تعاىل››(‪.)4‬‬ ‫الدموي الهائل الذي‬ ‫الفقهي‬ ‫الضعيف املتسامح والرتاث‬ ‫وكذلك آيات سورة التوبة الدموية التي نسخت اإلسالم امل ّ‬ ‫يك ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السيف يف أهل البلد‪ ،‬وكان كلّام‬ ‫ّ‬ ‫أصل له علامء اإلسالم عىل امتداد قرون‪ ،‬يروي لنا املؤ ّرخون أ ّن ُعقبة ملّا دخل وضع ّ‬ ‫السيف فيعود بعدها هؤالء القادة‬ ‫غادر قادة جيوش املسلمني إحدى القبائل إالّ وارت ّدت عن اإلسالم بعد زوال خطر ّ‬ ‫لإلرشاف عىل تنفيذ ح ّد الر ّدة(‪.)5‬‬ ‫قتل ذري ًعا‪،‬‬ ‫يروي ابن عذاري املراكيش يف كتابه "البيان املُغرب يف أخبار األندلس واملغرب" عن ُعقبة بن نافع‪‹‹ :‬فقاتلهم ً‬ ‫أيضا‪‹‹ :‬فوصل ُعقبة إىل إفريقيا فافتتحها ودخلها‬ ‫فمىض إىل املُنستري فقاتلهم ً‬ ‫قتل شدي ًدا حتى ظُ ّن أنّه الفَناء››‪ .‬ويقول ً‬ ‫ووضع السيف يف أهلها‪ ،‬وأوغل يف الغرب يقتل ويأرس أُ ّم ًة بعد أُ ّم ٍة وطائف ًة بعد طائف ٍة››‪ .‬ويُضيف ابن عذاري يف ص‪:72‬‬ ‫عظيم››‪.‬‬ ‫قتال ما سمع أهل املغرب مبثله حتّى هزمهم وقتل منهم خلقًا‬ ‫للسوس األقىص‪ ،‬فقتلهم ً‬ ‫ً‬ ‫‹‹وغ ْزوته ّ‬ ‫َ‬ ‫والتوسع واالحتالل‬ ‫ول أبا املهاجر دينار عىل إفريقيا‪ ،‬ورغم مواصلة هذا األخري سياسة اإلبادة‬ ‫عزل معاوية بعدها ُعقبة و ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصلة بني العرب واملسلمني وانترص يف معركته ضد كُسيْلة ثم عفا عنه وات ّخذ منه صديقًا بعد‬ ‫إلّ أنّه استطاع تقريب ّ‬ ‫إسالمه‪ ،‬ثم ّ‬ ‫توف معاوية و ُو ّ َل ابنه يزيد‪ ،‬وكان يفوق والده دمويّ ًة‪ ،‬خليف ًة عىل املسلمني‪ ،‬ف َعزل أبا املهاجر دينار و َو ّل‬ ‫ُعقبة من ٍ‬ ‫جديد‪ ،‬فام إ ْن وصل إفريقيا حتّى قام بتصفيد أيب املهاجر دينار بالحديد فأعادها ش ْعوا َء م ّر ًة أخرى بني العرب‬ ‫املسلمني وشعوب شامل إفريقيا‪.‬‬ ‫سنة ‪ 64‬للهجرة دارتْ معرك ٌة بني ُعقبة و كُسيْلة انتهت بانتصا ِر كُسيْلة ومقتل ُعقبة‪ ،‬وكانت تلك املعركة نهاي ًة ملرحل ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات‪ .‬هكذا انتهى أمر‬ ‫حاكم مل ّدة خمس‬ ‫من الفتوحات اإلسالم ّية باملغرب باستيالء كُس ْيلة عىل القريوان ومكوثه بها ً‬ ‫ُعقبة مبقتله ضد كُس ْيلة‪ ،‬وهكذا يكون قد دفع مثن جرامئه وساديّته وغطرسته‪ .‬بعدها عاد زهري بن قيس البلوي لينتقم‬ ‫حسان بن ال ّنعامن ليواصل حملة الغزو واالحتالل فسار إىل‬ ‫وليخوض حربًا جديد ًة انتهت مبقتل كُس ْيلة‪ ،‬وأىت بعد ذلك ّ‬ ‫‪4.4‬رواه البخاري يف (اإلميان) باب فإن تابوا وأقاموا الصالة برقم (‪ )25‬ومسلم يف (اإلميان) باب األمر بقتال الناس حتى يقولوا ال إله إال الله‪ ،‬برقم (‪)22‬‬ ‫‪5.5‬ابن أثري‪-‬الكامل‪ ،‬ج‪ 3‬صفحة‪110‬ابن كثري‪-‬البداية والنهاية ج‪ 7‬صفحة ‪154‬‬

‫‪100‬‬


‫التاريخ الدموي لالسالم‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫إفريقيا‪ ،‬وكان أول أمريٍ‬ ‫شامي يدخلها أيام األمويّني عىل رأس جيش قوامه أربعون ألف رجلٍ ‪ ،‬فحارص ال ّروم بقرطاج ّنة‬ ‫ٍّ‬ ‫‹‹وخ ّرب املدينة حتى صارت كأمس الغابر››(‪ ،)6‬ثم سأل عن مكان تواجد معظم األمازيغ بإفريقيا فدلّوه عىل مكانهم‬ ‫حسان بن‬ ‫حسان ُمعل ًنا الحرب‪ ،‬والتقى الفريقان ودارت بينهام معرك ٌة ُهزم فيها ّ‬ ‫وكانت زعيمتهم "الكاهنة" فسار إليها ّ‬ ‫حسان إلفريقيا م ّر ًة أخرى ليش ّن حربًا‬ ‫النعامن ل ُيالحق األمازيغ عىل إثرها العرب إىل أ ْن أخرجوهم من إفريقيا‪ ،‬لكن‪ ،‬عاد ّ‬ ‫جديد ًة انتهت مبقتل الكاهنة وانتصار العرب واختفاء كل أشكال املقاومة‪.‬‬ ‫وهكذا تح ّول سكّان شامل إفريقيا إىل ٍ‬ ‫السح و ُعقبة إىل‬ ‫عبيد بأيدي العرب واملسلمني‪ ،‬فمنذ دخول عبد الله بن أيب ّ‬ ‫شامل إفريقيا أصبحت الشّ ام املستورد الرئيس للغلامن والجواري‪ ،‬وهناك يُعرضون يف أسواق ال ّنخاسة ويُباعون بأسعا ٍر‬ ‫نصه‪‹‹ :‬كتب هشام إىل عامله عىل إفريقيا‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإ ّن أمري املؤمنني‬ ‫بخس ٍة لكرثتهم‪ ،‬وقد أ ْورد أحد األمراء األمويّني ما ّ‬ ‫ملّا رأى ما كان يبعث به موىس بن نصري إىل عبد امللك بن مروان رحمه الله تعاىل‪ ،‬أراد مثله منك وعندك من الجواري‬ ‫الرببريّات املاليات لأل ْعني اآلخذات للقلوب‪ ،‬ما هو معو ٌز لنا بالشام وما واله‪ .‬فتلطّف يف االنتقاء‪ ،‬وتو ّخ أنيق الجامل‬ ‫األسوق وجثول الفروع ونجالة األ ْعني‬ ‫وعظم األكفال وسعة الصدور ولني األجساد ورقّة األنامل وسبوطة العصب وجدالة ْ‬ ‫وسهولة الخدود وصغر األفْواه و ُحسن الثغور وشطاط األجسام واعتدال القوام ورخام الكالم ومع ذلك‪ ،‬فاقصد رشدة و‬ ‫طهارة املنشأ‪ ،‬فإنّهن يتّخذن أمهات أوال ٍد و السالم‪)7(››.‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫رش اإلسالم بني السكّان‬ ‫أىت موىس بن النصري ليتج ّنب أخطاء ُعقبة ومن خلفه يف إفراطهم يف سفك الدماء فعمل عىل ن ِ‬ ‫األصل ّيني وض َّم اآلالف منهم إىل جيوش املسلمني للقضاء عىل احتامل قيام ثور ٍ‬ ‫ات أخرى يف املستقبل‪ّ ،‬إل أنّه واصل‬ ‫سياسات االستعباد فغنم من غزواته ثالمثئة ألف أسريٍ بعث منهم ال ُخمس إىل الخليفة بالشّ ام‪ ،‬وسار بعدها ليفتح‬ ‫األندلس ‹‹وسار موىس إىل مدينة رسقسطة ومدائنها فافْتتحها وأوغل يف بالد الفرنجة يقتُل ويَسبي ويهدم الكنائس‬ ‫ويكرس النواقيس››(‪ )8‬ليجعل املسيح ّيون بعدها أفعال موىس بن النصري وأتباعه ذريع ًة لالنتقام من املسلمني وإلنشاء‬ ‫محاكم التّفتيش بإسبانيا‪ ،‬ولكم أ ْن تتخيّلوا جمل َة ما د ّون املؤ ّرخون املسيحيّون وما د ّونت الكنيسة وما روتْ الشعوب‬ ‫ٍ‬ ‫وسبي لل ّنساء‪.‬‬ ‫وخطف‬ ‫وهدم للكنائس‬ ‫املعتنقة للمسيح ّية عن الغزو العر ّيب لألندلس من جرائم ومذابح‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫غيض من ٍ‬ ‫فيض لجرائم الفتوحات اإلسالمية‪ ،‬فال تعجبوا حني تُطلِق مجموع ٌة من املتط ّرفني اإلسالميني اسم ُعقبة بن‬ ‫هذا ٌ‬ ‫التونيس‪ ،‬بل إنّهم ومن نارصهم يلعنون كُس ْيلة لغدره ب ُعقبة‪ ،‬حتّى لتبدو‬ ‫نافع عىل كتيبتهم التي تش ّن حربًا عىل الجيش‬ ‫ّ‬ ‫حرب!‬ ‫العمليّات اإلرهابية التي يقودونها مسبوق ًة بإعالن ٍ‬ ‫‪6.6‬ابن عذار املراكيش‪-‬البيان امل ُغرب يف أخباراألندلس واملغرب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪35‬‬ ‫‪7.7‬د‪.‬محمدالطالبني‪-‬كتاب الدولة األغلبية ‪ ،‬ص ص‪ ،909 ،800‬التاريخ السيايس‬ ‫‪8.8‬ابن األثري‪-‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪272‬‬

‫‪101‬‬


‫التاريخ الدموي لالسالم‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫بي‬ ‫والس ِ‬ ‫والسلب وال ّنهب ّ‬ ‫مازال أغلب املسلمني يفاخرون بأمجاد أجدادهم السفّاحني والقتلة وال ير ْون عي ًبا يف الغزو ّ‬ ‫وعويل‬ ‫ً‬ ‫الذي مارسوه طيلة قرون‪ ،‬فال تستغربوا إ ْن وجدتم بكا ًء من "الظّلم الدويل" الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني‬ ‫ورصا ًخا من ذكرى "سقوط األندلس" يف اآلن ذاته!‬

‫لقد انقسم املسلمون إىل ثالث فرقٍ تختلف رؤاها ونظرتها إىل مسألة الفتوحات‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫لغايات توسعي ٍة ونفع ّي ٍة‪.‬‬ ‫ّهمت قادتها بالجشع واستغالل اإلسالم‬ ‫ت ّربأت األوىل منها وات ْ‬ ‫وأ ّما الثانية فح ّجتها يف الدفاع عن الفتوحات أ ّن اإلسالم قد ح ّرر تلك األرايض من الخرافة والجهل والتخلّف وأفادها‬ ‫السوفييتي ألفغانستان باالحتالل‪ ،‬وكذلك‬ ‫بانصهارها الحقًا يف الحضارة العرب ّية اإلسالم ّية‪ ،‬هؤالء أنفسهم يصفون الغزو‬ ‫ّ‬ ‫السوفييتي إبّان احتالله ألفغانستان بتشييد عرشات املدارس‬ ‫الحال مع الصهيونية بفلسطني‪ ،‬لكن أملْ يَق ْم االت ّحاد‬ ‫ّ‬ ‫واملستشفيات؟ أملْ يحاول جاه ًدا ض َّم البدو إىل منط الحياة الجديدة؟ كذلك فعلت بريطانيا من قبله‪ ،‬والصور املُلتقطة‬ ‫دليل عىل أ ّن أفغانستان الربيطان ّية أوالسوفييت ّية كانت"ج ّنة" لو ُرمنا مقارنتها بأفغانستان طالبان‪،‬‬ ‫للمجتمع األفغا ّين ٌ‬ ‫يصح أ ْن يصف هؤالء املسلمون غزوات أسالفهم خارج جزيرة العرب بالفتوحات املخلِّصة من التخلّف واالنحطاط‬ ‫فكيف ّ‬ ‫السوفييتي ألفغانستان باالحتالل؟!‬ ‫وينعتون يف اآلن ذاته غزو االتحاد‬ ‫ّ‬ ‫السدود وسكك الحديد ود ّعمتا ال ُبنى التحت ّية‪،‬‬ ‫كذلك فعلت فرنسا وبريطانيا عندما َغ َزت َا أكرث من نصف العالَم وش ّيدتا ّ‬ ‫آنذاك كانت العوامل العرب ّية واإلفريقية واآلسيوية غارق ًة يف ظالم القرون الوسطى‪ ،‬فال تعجبوا إن رأيتموهم يسمحون‬ ‫‪102‬‬


‫التاريخ الدموي لالسالم‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫ألنفسهم بوصف ذلك باالحتالل بينام يكون وصفهم للغزو العر ّيب اإلسالمي بـ"الفتح"و"التّحرير"!‬ ‫يُعاين العامل العر ّيب الفقر والتخلّف واإلرهاب والخراف َة إىل ح ّد هذه اللحظة‪ ،‬فهل يقبل هؤالء املسلمون الغزو واالحتالل‬ ‫من ِقبل أمريكا واليابان والبلدان األوروبية مبا أ ّن اإلسالم قد قام بالغزو لنفس هذه األسباب ‪-‬حسب ادعائهم‪-‬؟ يبقى‬ ‫احتالل مهام س ّوغوا من ذرائع وم ّربر ٍ‬ ‫فكل عدوانٍ ُم ٍ‬ ‫امرس من ِقبل‬ ‫ات‪ ،‬لكن‪ ،‬قد يختلف األمر مع املسلمني‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫االحتالل‬ ‫ٌ‬ ‫احتالل وجب مقاومته‪.‬‬ ‫وكل عدوانٍ مسل ٍّط عليهم‬ ‫فتح وتحري ٌر ُمب ٌني ّ‬ ‫قادتهم املق ّدسني هو ٌ‬ ‫رشكة"‬ ‫وأ ّما الفئة الثّالثة‪ ،‬فقد اتّخذتْ موقفًا صار ًما من الفتوحات؛ وهو أ ّن اإلسالم قد أمر بغ ْزو ّ‬ ‫كل األرايض والشّ عوب "امل ُ ِ‬ ‫التي ال ت َحكم برشيعة اإلسالم‪ ،‬فاألصل يف تعامل أ ّمة اإلسالم مع بقية األمم هو الحرب؛ يدعمون خطابهم هذا ٍ‬ ‫بآيات‬ ‫فقهي ٍ‬ ‫وأحاديث كثري ٍة ويستندون إىل تر ٍ‬ ‫سائد وممت ٍّد منذ عصور البداوة إىل يومنا هذا‪ ،‬إنّهم ال يخجلون من تلك‬ ‫اث ٍّ‬ ‫والسالح واملواجهة ض ّدهم ال ميكن‬ ‫السيف ّ‬ ‫السبي أو ال َغ ْن ِم وال فائد ًة ت ُرجى من الحوار معهم‪ ،‬فمنطقهم ّ‬ ‫املذابح وال من ّ‬ ‫قليل‪.‬‬ ‫أن تكون ّإل بنفس أساليبهم أو أش ّد منها ً‬

‫‪https://www.facebook.com/TheEnlightenedMinds‬‬

‫‪103‬‬


104


‫عن أخطاء‬ ‫امللحدين‬

‫صايف الحلبي‬ ‫تعيش بالدنا أسوأ األزمات منذ بدء نشأتها‪ ،‬ال ّ‬ ‫شك أ َّن إحدى هذه األزمات هي أزمة الهويّة‪ ،‬فتاريخ مجتمعاتنا املعارص‬ ‫بكل ما يدعو ّ‬ ‫بكل الهويات‪ ،‬إحدى هذه الهويّات املتأزّمة هي الهويّة الدين ّية‪ ،‬التي ميكن‬ ‫للشك ّ‬ ‫عىل وجه التحديد ميل ٌء َّ‬ ‫أن نقول عنها ‪-‬غري مبالغني‪ -‬إنها أكرث األزمات عمقًا وتالز ًما مع حارضنا وحياتنا اليوميّة‪ ،‬ور ّدات فعلنا اللحظيّة عىل‬ ‫جميع املواقف وتح ّرك أعمق مشاعرنا وغرائزنا‪ .‬فقد نال الرصاع الديني عىل املستوى الذايت‪ ،‬ومن ثم العائيل واملجتمعي‬ ‫والوطني واإلقليمي والعاملي من كينونة املواطن العريب‪ ،‬وص ّغر من اهتامماته إىل درج ٍة تدعو للشفقة يف بعض األحيان‬ ‫لحل باقي املشاكل‪.‬‬ ‫مفتاح ِّ‬ ‫حل الرصاع الديني‬ ‫وللحزن يف بعضها اآلخر‪ .‬قد يبدو للبعض أ ّن هذا الكالم مفرو ٌغ منه‪ ،‬وأ َّن َّ‬ ‫ٌ‬ ‫يف هذه املقالة نحاول أن نرشح بشكلٍ موج ٍز أ ّن أزمة الشعب العريب الدين ّية ليست هي فقط قلب املشكلة‪ ،‬علينا أن‬ ‫نعرتف أ ّن املشكلة تكرب أكرث بكثري لتصل إىل ح ّد أزمة الهويّة اإلنسانيّة‪.‬‬ ‫لكل من اختلف مع أحد أقطاب القوى‬ ‫نرى يف العديد من املناسبات واملواقف كيف تح ّول التكفري إىل تهم ٍة مجان َّي ٍة ِّ‬ ‫تعص ًبا من سائر املتديّنني والتكفرييني واملعتدلني‬ ‫الدين ّية‪ ،‬لكن ‪-‬لنكن واقعيني مع أنفسنا‪ -‬أليس امللحدون أحيانًا أكرث ّ‬ ‫يف آنٍ م ًعا؟ أليسوا متط ّرفني أكرث من املتط ّرفني أنفسهم؟ فلرناجع سويًّا بعض مامرسات امللحدين‪ ،‬لرنى كيف صار تاركو‬ ‫األديان عىل طريق الهاوية االجتامعية‪ ،‬وال يزيدون يف الطني إال البلل إذا مل يتداركوا أخطاءهم بالرسعة القصوى‪ .‬للتذكري‬ ‫فقط‪ ،‬فلسنا يف صدد الدفاع عن أخطاء األديان واملتديّنني‪ ،‬بل يف صدد تدارك أنفسنا قبل الوقوع يف نفس هذه األخطاء‪،‬‬ ‫لكن بصبغة اإللحاد‪ ،‬ونقول هذا الكالم؛ ألنّنا تألّمنا عندما رسقت األديان م ّنا واقعنا‪ ،‬وال نريد أن نسمح لإللحاد برسقة‬ ‫أحالمنا‪.‬‬ ‫‪105‬‬


‫عن أخطاء امللحدين‬ ‫صايف الحلبي‬

‫الخطأ األول‪ :‬ر ّد الفعل املعاكس‬

‫من املالحظ أ ّن أغلبية امللحدين العرب يتح ّولون مبجرد تركهم لدينهم السابق ملقاتلني رشسني‪ ،‬هدفهم األول تحطيم‬ ‫األديان عن بكرة أبيها‪ ،‬والغريب هو أنّهم ال يرتكون دينهم لشأنه من غري رجع ٍة‪ ،‬بل يعودون إليه مهاجمني مجادلني‬ ‫مناكفني‪ ،‬نحن ندرك جمي ًعا أ ّن األديان التي نتعارف عليها اليوم مج ّرد أفكا ٍر ارتبطت بعوامل تاريخي ٍة جغرافي ٍة سياسي ٍة‪،‬‬ ‫وح ّولتها إىل سلط ٍة ترشيعي ٍة وتنفيذي ٍة وقضائي ٍة بنفس الوقت‪ ،‬لكن هذا ال يعني أن يتح ّول اإللحاد إىل هوي ٍة قامئ ٍة بح ّد‬ ‫ٍ‬ ‫مذهب‪.‬‬ ‫بكلامت أخرى‪ :‬ال نريد أن تتحول الالدينية إىل دينٍ أو‬ ‫ذاتها‪ ،‬هدفها األول مجابهة امل ّد الديني املعاكس‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫إ ّن الهجوم الشخيص عىل أتباع األديان مش ٌني‪،‬‬ ‫أي تعبريٍ آخ َر ميكن استعامله‬ ‫لألسف ال يوجد ّ‬ ‫لوصف حالة امللحدين الذين يكيلون السباب‬ ‫والشتائم املبارشة للدينيني وللمتديّنني‪ ،‬وهذا‬ ‫التعميم هو أكرب كارث ٍة ميكن أن تصيب مجمع‬ ‫امللحدين كفكر ٍة‪ ،‬ألن طريق اإلقصاء يبدأ من‬ ‫التعميم‪ .‬إذا أراد الالدينيون أن يكونوا أكرث‬ ‫إقصائي ٍة من اإلقصائيني املتديّنني‪ ،‬فعليهم إذًا‬ ‫كل‬ ‫كل من أرخى لحيته أنه مجاه ٌد إرها ٌيب‪ ،‬ووصف ّ‬ ‫بالهجوم املبارش عىل من ترتدي حجابًا‪ ،‬ووصفها أنّها كيس قامم ٍة‪ ،‬ووصف ّ‬ ‫كل هذا دون أن يناقشوهم أو يعرفوا أسامءهم حتى‪ ،‬وبعد هذا‬ ‫مصل بتابعٍ أعمى وجاهلٍ ‪ ،‬وحتى بكونه فر ٌد من أفراد القطيع‪ّ ،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ي َّدعون االنفتاح عىل مختلف التيارات الفكرية! ال ب ّد من اإلرصار عىل أ ّن األديان تياراتٌ فكري ٌة مهام تعددت أخطاؤها وثغراتها‪.‬‬ ‫من قال إ ّن جميع املؤمنني من األغبياء الذين يسهل ترويضهم؟ ومن قال إ ّن امللحدين أكرث دميقراطي ٍة من غريهم؟ أمل‬ ‫ٍ‬ ‫استنتاجات شخص َّي ٍة غري قامئ ٍة عىل‬ ‫يحق لنا تجريد أي شخص من إنسانيته بشكلٍ تلقا ٍيئ نتيجة‬ ‫يكن ستالني ملح ًدا؟ ال ّ‬ ‫رش‪ ،‬والهجوم عليه بشكلٍ‬ ‫شخيص‪.‬‬ ‫اتصا ٍل مبا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫منافق‪ ،‬واألجدر به عندما يرتك دينه أن يتعامل مع الناس‬ ‫األجدر مبن يق ّرر ترك دينه أن يرتك دين اآلخرين ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وإال فهو ٌ‬ ‫دون ٍ‬ ‫أسس دينية‪ ،‬ال افرت ًاضا وال مامرس ًة‪ .‬وبالنسبة ملن يقول‪ :‬إ َّن الوسيلة الوحيدة ملحاربة األديان هي طرق العقول‬ ‫واتباع أسلوب الصدمة املتجسدة بالسخرية والتهكم والسباب‪ ،‬فهو نفسه بحاج ٍة لصدم ٍة تن ّبهه؛ أل َّن يف قلبه طاغي ًة أش ّد‬ ‫والحل هو من وجهة‬ ‫ّ‬ ‫الشق االجتامعي إال اتسا ًعا‪،‬‬ ‫سطو ًة بانتظار أن يستلم مقاليد السلطة‪ ،‬إ ّن هذه األساليب ال تزيد ّ‬ ‫بكل تج ّر ٍد‪ ،‬ويُقصد بهذا‪ :‬الحقائق التاريخية الجغرافية العلمية االجتامعية‬ ‫نظ ٍر حيادي ٍة هو تقديم الحقائق كام هي‪ّ ،‬‬ ‫االقتصادية‪ ،‬ويُرتك للمتلقي اختيار الحقيقة األنسب لعقله ووعيه‪ ،‬فإذا كانت الرواية الدينية توفّر له راحة البال فال بأس‬ ‫يف ذلك‪.‬‬ ‫‪106‬‬


‫عن أخطاء امللحدين‬ ‫صايف الحلبي‬

‫الخطأ الثاين‪ :‬الرفض املطلق‬

‫وكل ما كان وما سيكون‪ ،‬وكأ َّن‬ ‫كل ما يستخرج من األديان‪ّ ،‬‬ ‫تقل بشاع ًة عن سابقتها‪ ،‬واملقصود بها رفض ّ‬ ‫هذه سم ٌة ال ّ‬ ‫كل م ّرةً‪ ،‬ويف‬ ‫األديان هذه وصلت ملا وصلت عليه من انتشا ٍر دون أي فائد ٍة تذكر‪ .‬فلنحاول أن نج ّرد القصص الدينية يف ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫للحس‬ ‫بكل حيا ٍد‪ ،‬ولنحاول أن نستخلص منها ما هو مفهو ٌم‬ ‫حديث من األلوهية‪ ،‬ولنعالج القضية املطروحة ّ‬ ‫كل‬ ‫ّ‬ ‫ومدرك ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مؤسسات اقتصادي ًة‬ ‫أي قص ٍة ملك ّوناتها األساسية‪ ،‬فال ميكن أن ننىس أ ّن األديان أنشأت‬ ‫البرشي‪ ،‬أو‬ ‫بكلامت أبسط‪ ،‬لنفكك ّ‬ ‫وعسكري ًة واجتامعي ًة وإعالمي ًة‪ ،‬كان لها دو ٌر يف تيسري حياة أتباعها وإقامة العدل والرخاء الذي نسعى إليه جميعنا إن‬ ‫كل م ّر ٍة حسب ما يفسدها‬ ‫ك ّنا دينيني أم الدينيني‪ .‬فإذا أخذنا عىل سبيل املثال مسألة الوضوء التي يسخر منها الالدينيون ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عادات‬ ‫وما يت ّممها‪ ،‬فالوضوء ببساط ٍة عاد ٌة من عادات النظافة التي أرساها مح ّم ٌد يف بداية الحكم‪ ،‬وهي عاد ٌة من‬ ‫كثري ٍة كان الهدف منها اإلشارة إىل ما كان مستحس ًنا‪ ،‬والتنبيه إىل ما كان مستنك ًرا يف ذلك الوقت‪ ،‬مع التشديد عىل ذلك‬ ‫الوقت تحدي ًدا‪ٌ .‬‬ ‫ومثال آخر هو صالة الجامعة التي يت ّم تصويرها بكثريٍ من األحيان كرم ٍز للتبعية واالنسياق مع القطيع‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫دائم‪ ،‬وحاجته لالنتامء‬ ‫وإىل ما هنالك من‬ ‫تشبيهات تقلّل من شأن حاجة اإلنسان االجتامعية لاللتقاء مع غريه بشكلٍ ٍ‬ ‫معي ‪-‬قد‬ ‫فريق َّ ٍ‬ ‫لجامع ٍة أكرب من عائلته املبارشة‪ ،‬فلنعترب أن صالة الجامعة تشبه إىل ح ٍّد ما ذهابنا إىل‬ ‫ٍ‬ ‫ملعب لتشجيع ٍ‬ ‫نعبده‪ -‬لننشد له ونحتفل به‪ ،‬أو لحفل ٍة موسيق َّي ٍة لالستمتاع مع ٍ‬ ‫حشد كبريٍ مبوسيقا فنانٍ قد يتح ّول إىل إل ٍه مص ّغر‪ ،‬عىل‬ ‫الرغم من عدم وجود قواسم مشرتك ٍة بيننا نحن ومن يجلس إىل جانبنا مبارشةً‪.‬‬

‫هناك نو ٌع آخر من الرفض املطلق‪ ،‬ميكن أن نس ّميه بالتعامي‪ ،‬أو تنايس إنجازات األديان األدبية الفنية املعامرية املدنية‬ ‫الفلسفية‪ ،‬فعندما نضع أنفسنا أمام هذه األعامل فنحن ال نعجب من قدرة الله‪ ،‬بل من العقل البرشي الذي أنجز‪،‬‬ ‫رش‪ ،‬وأ ّن‬ ‫والرسام َّ‬ ‫كنيسا‪ ،‬فلنتذكّر أ ّن املصمم واملهندس والب َّناء والن َّحات َّ‬ ‫عندما نزور جام ًعا أو كنيس ًة أو ً‬ ‫والبلط‪ ،‬كلهم ب ٌ‬ ‫عام من التط ّور‪ ،‬وللر ّد عىل من يقول إنَّها ٌ‬ ‫ديني‪ ،‬فالجواب‬ ‫أعامل أنجزت ٍ‬ ‫عقولهم نتاج أكرث من ثالثة مليارات ٍ‬ ‫إلهي ّ‬ ‫بإلهام ٍّ‬ ‫وكل ما نتج عنه كان بهدف تجسيد إعجاب اإلنسان بنفسه‪،‬‬ ‫برشي باألساس‪ّ ،‬‬ ‫صحيح‪ ،‬لك ّنه إلهام إل ٍه من اخرتا ٍع‬ ‫إ ّن هذا‬ ‫ٍّ‬ ‫ٌ‬ ‫وبقدرة الجنس البرشي ككل‪ ،‬أي أ ّن العقل يحتاج ملح ّف ٍز ‪-‬أيًا كان‪ -‬لينطلق يف اإلبداع‪.‬‬ ‫‪107‬‬


‫عن أخطاء امللحدين‬ ‫صايف الحلبي‬

‫الخطأ الثالث‪ :‬خلط املفاهيم‬

‫ٍ‬ ‫معضالت فكريَّ ٍة أنتجتها األديان حتى بعد أن يرتكوها‪ ،‬م َّدعني أنهم تغلبوا‬ ‫يعاين امللحدون الجدد يف أغلب األحيان من‬ ‫عام عن الله ماديًا وفكريًا‪.‬‬ ‫عىل قصص األديان الخرافية‪ ،‬وأكرب هذه املعضالت تفسريهم لله‪ ،‬فقد تح ّدثت األديان بشكلٍ ٍ‬ ‫كل يش ٍء‪،‬‬ ‫املادي لله يعني أنه حسب رواية األديان هو خالق الكون واألرض والبرش والحيوان والنبات ومنه نتج ّ‬ ‫الجانب‬ ‫ُّ‬ ‫فال وجود دون وجود الله‪ ،‬وال حياة دون الله‪.‬‬ ‫أ ّما الجانب الفكري‪ ،‬فهو الله العادل‬ ‫الظلم‪ ،‬وهو‬ ‫الكامل املنترص للضعفاء ض ّد ّ‬ ‫مفهو ٌم ال يختلف عن املدينة الفاضلة‬ ‫ألفالطون‪ ،‬والقصد منه تحديد سعي‬ ‫اإلنسان باتجاه العدل والكامل واالنتصار‪،‬‬ ‫ورغبته العيش يف عا ٍمل مشاب ٍه‪ ،‬فإن مل‬ ‫تتحقّق العدالة يف هذه الدنيا‪ ،‬فستتحقّق‬ ‫يف دنيا اآلخرة كواقعٍ افرتايض‪ .‬لقد ربطت‬ ‫األديان بني هاتني الفكرتني؛ بسبب نقص‬ ‫مؤسسيها‪،‬‬ ‫املعلومات العلمية لدى‬ ‫ّ‬ ‫ولنقص إدراكهم للفلسفة الوجودية‬ ‫واالجتامعية‪.‬‬ ‫تبدأ املشكلة عند امللحدين الجدد عندما يرفضون املفهومني م ًعا‪ ،‬وهذا أول إشكا ٍل‪ ،‬فعند إدراكهم أ ّن العدالة الدينية‬ ‫أيضا‪ ،‬ومن ثم يعودون لربطه مع خالق الكون الديني‪،‬‬ ‫غري موجود ٍة فمصدر هذه العدالة يكون بالنتيجة غري موجو ٍد ً‬ ‫لقصة خلق الكون والحياة‪ ،‬فاالنفجار الكبري انتقل من مرحلة الفرضية إىل مرحلة‬ ‫فيصبح رفضهم لألديان موازيًا لرفضهم ّ‬ ‫النظرية الكاملة‪ ،‬ومل يبق الكثري ليصبح حقيق ًة مثبت ًة‪ ،‬لكن إىل أن نعرف متا ًما ما الذي أطلق هذا االنفجار‪ ،‬وما الذي‬ ‫خلق مكوناته األساسية‪ ،‬علينا أن نقبل بفكرة الله املادي‪ ،‬وحتى لو رفضنا فكرة الله الفكري‪.‬‬ ‫أ ّما اإلشكال الثاين فهو إنكار حلم الخلود املرتبط بإنكار وجود اآلخرة التي دغدغت غريزة البقاء لدى جميع الناس‪ ،‬إذ‬ ‫ِ‬ ‫تصارعت األحياء حتى آخر لحظة من حياتها؛ لتحيا مل ّد ٍة أطول وتتكاثر لتبقي أثرها بعد مامتها‪ ،‬وإ ّن إنكار حلم الحياة‬ ‫ٍ‬ ‫فعل أن نعيش أب ًدا‪ ،‬يف عا ٍمل‬ ‫فلسفي لغريزة البقاء‪ ،‬فال ننكر أننا يف بواطننا نو ّد ً‬ ‫فكري‬ ‫تجسيد‬ ‫يف اآلخرة إنكا ٌر ألسمى‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫يسوده العدل واملساواة‪ ،‬لذلك وجب الفصل بني أقسام ومكونات ما ننكره وما نرفضه‪ ،‬وعدم خلط املفاهيم فنحن بهذا‬ ‫نخاطر بإنكار وجوديتنا‪.‬‬ ‫‪108‬‬


‫عن أخطاء امللحدين‬ ‫صايف الحلبي‬

‫الخطأ الرابع‪ :‬ملن ستؤول السلطة؟‬

‫يرتبط هذا السؤال إىل ح ٍّد ما بالفكرة السابقة‪ ،‬وهي أنّنا مع إنكارنا للسلطة اإللهية‪ ،‬ننىس أنّنا كائناتٌ اجتامعي ٌة بحاج ٍة‬ ‫مجادل أنّه يف حال غياب الترشيع اإللهي‪ ،‬فإ ّن السلطة‬ ‫ً‬ ‫يستخف البعض بهذه النقطة‬ ‫ملصد ٍر للترشيع ومرك ٍز للقيادة‪ ،‬قد‬ ‫ّ‬ ‫احل متط ّور ٍة ج ًدا‪ ،‬لكن القصد من كلمة‬ ‫ستكون للقانون البرشي الذي تط ّور عرب آالف السنني؛ والذي وصل إىل مر َ‬ ‫السلطة هو السلطة الفكريَّة عىل عقل اإلنسان الباطن‪ ،‬فال ننىس أ ّن غياب اإلله ال يعني غياب األديان باملعنى املجازي‪،‬‬ ‫فتصبح الدميقراطية وحقوق اإلنسان دي ًنا‪ ،‬والتنمية االقتصادية دي ًنا وتتع ّدد األمثلة‪ ،‬لننظر جمي ًعا إىل حياتنا اليومية‬ ‫ٍ‬ ‫سلطوي ٍ‬ ‫لنالحظ كيف يتحكّم التو ّجه العلمي املادي بكل مناحي معيشتنا بشكلِ‬ ‫وجبات‪،‬‬ ‫بحت‪ ،‬فاملفرتض أن نأكل ثالث‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كل هذا بح ّجة أ ّن هذا ما أق ّره‬ ‫رسنا‪ّ ،‬‬ ‫ساعات ال أكرث وال ّ‬ ‫و ننام مثاين‬ ‫أقل‪ ،‬وعلينا أن نراقب أوزاننا ونأكل ما يفيدنا ال ما ي ُّ‬ ‫العلم بعد أبحاثه الطويلة‪ ،‬فعلينا أن نتّبعه إذا أردنا العمر الطويل‪ ،‬أو بتعبريٍ آخر‪ :‬معاقبة الذات وكبح اللذات بالقوانني‬ ‫املسنونة من أجل السعادة الدامئة‪ ،‬فتظهر غريزة البقاء مرتبط ًة مبازوشي ٍة فكريَّ ٍة جسديَّ ٍة م ّر ًة ثانية‪ ،‬ولو اختلفت الوسيلة‬ ‫لتحقيقها‪ ،‬ولو اختلف مصدر اإللهام‪.‬‬

‫طريق للكامل‬ ‫الخطأ الخامس‪ :‬اإللحاد ٌ‬

‫كل من ات ّبع هذا‬ ‫تحويل اإللحاد بطريق ٍة مقصود ٍة أو غري مقصود ٍة‪ ،‬لختم الجودة أو شهادة حسن سلوك يحصل عليها ّ‬ ‫يحل‬ ‫الطريق‪ ،‬وبه نستطيع القيام بأبشع املامرسات واستعامل أقذع األلفاظ؛ ظ ًّنا أ ّن التح ّرر من الخرافة يستطيع أن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫سلطات ك ّنا ال منتلكها من قبل‪ ،‬فرتك األديان ال يعني أننا‬ ‫سائر املشاكل ويحارب جميع النقائص البرشية‪ ،‬ال بل مينحنا‬ ‫ٍ‬ ‫مكونات‬ ‫تف ّوقنا عىل غرينا بيش ٍء فعليًا‪ ،‬بل رمبا نقول‪ :‬إ ّن اإللحاد قد ال يكون نقطة الصفر حتى‪ ،‬فاإللحاد ليس مك ّونًا من‬ ‫شخصية اإلنسان‪ ،‬بل إ ّن القدرة عىل تحليل الروايات هي املك ّون املفرتض أخذه بعني االعتبار‪ ،‬وإذا كانت الصبغة الدينية‬ ‫كل مشاكلها (أي مشاكل مجتمعاتنا)‪ ،‬إذ تبقى‬ ‫هي الطاغية عىل مجتمعاتنا فال يعني بابتعادنا عنها أننا سمونا فوق ّ‬ ‫مكافحة األمية والتنمية االقتصادية والحرية السياسية أمو ًرا ال عالقة لها باألديان‪ ،‬فالدميقراطية مل متنع أن يكون الحزب‬ ‫ديني واض ٍح‪ ،‬وهو االتحاد الدميقراطي املسيحي‪ ،‬وال متنع أن يباهي كل الرؤساء األمريكيني‬ ‫الحاكم يف أملانيا مكلل ًا ٍ‬ ‫باسم ٍّ‬ ‫اطي‪ ،‬وال متنع أن يكون السياسيون الفرنسيون ملحدين عل ًنا‪،‬‬ ‫بديانتهم الجتذاب أصوات الناخبني املصوتني بشكلٍ دميقر ٍ‬ ‫الحل‪ ،‬فألنه كانت لديه مؤسساتٌ دنيوي ٌة دعمت‬ ‫أو أن يستعملوا أديانهم ملغازلة الناخبني‪ ،‬إذا كان اإلسالم ي َّدعي أنّه هو ّ‬ ‫هذا الحل يف زمنٍ ٍ‬ ‫ماض‪ ،‬ولكن الحق يقال‪ :‬إ ّن اإللحاد ال مؤسساتٌ له‪ ،‬بل هو تح ّر ٌر من مؤسسات الغري‪.‬‬ ‫ختا ًما‪ ،‬يجب التذكري بأ ّن الهدف األسمى للجميع هو التج ّمع نحو قضي ٍة مركزيَّ ٍة لتوحيد جهود األمم ال لتفتيتها‪ ،‬فلنقلع‬ ‫عن عاداتنا السيئة املشابهة لعادات غرينا‪ ،‬من أجل تحقيق هذا الهدف‪ ،‬أو من أجل التوصل لنتائج إيجابي ٍة موازي ٍة‪ ،‬أو‬ ‫األقل للخروج من املستنقع الفكري الذي نعيش فيه منذ زمنٍ طويلٍ ‪ ،‬فلنأخذ اإلنسان بعني االعتبار أولً وأخري ًا‪،‬‬ ‫عىل ّ‬ ‫ولنجعله قضيتنا املركزية عندما نبتعد عن األديان‪.‬‬ ‫‪109‬‬


110


‫سادس يف اإلسالم ؟‬ ‫هل الكراه ّية رك ٌن‬ ‫ٌ‬

‫‪Leo Atheo‬‬ ‫البدائية يف العقلِ‬ ‫اإلسالمي‪:‬‬ ‫ِ‬

‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫أحداث وأقاويل من املايض‬ ‫املعروف عن املسلمني أنّهم قو ٌم ماضيّون‪ ،‬فجميع تفسرياتهم ملا يحدث حولهم اليوم تُستند إىل‬ ‫غيبي‪،‬‬ ‫اإلسالمي ٌ‬ ‫العقل‬ ‫رض‪ ،‬فهي خارج عقل املسلم ووجدانه البدايئ؛ باإلضاف ِة إىل ذلك‪ ،‬فإن َ‬ ‫الغابر‪ ،‬ال عالقة لها بالحا ِ‬ ‫عقل ٌّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫رشا‪ ،‬مثل‪ :‬تفسري التسونامي أو الزالزل عىل أنّها‬ ‫يفس ما ال يفهم ُه علم ًيا بأشياء ال ُيكن للعقل أن‬ ‫فاملسلم ّ‬ ‫يستدل عليها مبا ً‬ ‫ٍ‬ ‫كانعكاس ملزاج الله العكر؛ لذلك تُوجد‬ ‫غضب من الله‪ ،‬أو شُ ُّح املطر عىل أنَّ ُه نتيجة االبتعاد عن الدين‪ ،‬أو كسوف الشّ مس‬ ‫ٌ‬ ‫خاصي ٌة ثالثة‬ ‫صلواتٌ خاصة للتعاملِ مع هذه الظواهر الطبيعية‪ُ ،‬مصممة‬ ‫خصيصا لجني خريها و َدرء رشها‪ .‬لكن هناك ّ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫إلثبات الذّات‪ ،‬وهذا هو موضوعنا‪.‬‬ ‫يتصف بها املسلمون دون غريهم من البرش‪ ،‬وهي الحاجة إىل كراهي ِة اآلخر و ُمعاداته‬

‫رضورة حالة العداء لآلخر يف اإلسالم‪:‬‬

‫ٍ‬ ‫يَ ُ‬ ‫مصطلحات مثل‪ :‬أعداء اإلسالم‪ ،‬الكُفار‪ ،‬املرشكون‪ ،‬أعداء الله يف الخطاب اإلسالمي املعارص بشكلٍ يوحي‬ ‫كث استخدام‬ ‫رضوري لوجو ِد اإلسالم‪ ،‬كيف سيتو ّحد املسلمون تحت راية اإلسالم ( ِ‬ ‫صطلح‬ ‫الحظ أ َّن كلمة راية ُم‬ ‫أ َّن حال َة العدا ِء رش ٌط‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫رضا يف‬ ‫املفرتض رش ٌط ُمه ٌم لبقا ِء‬ ‫الدائم ملواجه ِة العد ِو‬ ‫عسكري قتا ٌّيل ) دون أعداء؟ إذا ً حال ُة التأ ُه ِب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌّ‬ ‫اإلسالم دي ًنا حا ً‬ ‫أذهانِ املسلمني؛ لذلك يُك ّرر عليهم هذا الخطاب مر ًة يف األسبوع ‪ -‬عىل األقل ‪ -‬شاءوا أم أب ْوا؛ ويت ّم ذلك عىل شكلِ عملي ِة‬ ‫غسيل دماغ جامعي ٍة ُمقنن ٍة‪ ،‬وكأنها نو ٌع من شحنِ بطارية العداء لآلخر بشكلٍ منتظم ودوري ك ُمعسكر ٍ‬ ‫ات نازي ٍة بامتياز‪.‬‬ ‫ملاذا كراهيّة اليهود تحدي ًدا؟‬ ‫السفن وغادروا إرسائيل ‪ ،‬ويف‬ ‫تخ ّيل‪ ،‬فقط تخ ّيل‪ ،‬أن يصحو املسل ُم يو ًما ما من ِ‬ ‫النوم ليجد أ َّن جميع اليهود قد ركبوا ُّ‬ ‫ِ‬ ‫حبوب سام ٍة وماتوا جمي ًعا؛ واقتدا ًء بهم قام جميع يهود العا ِمل بعمل اليشء ذاته‪ .‬وبعد دراس ٍة‬ ‫عرض البحر قاموا بابتالع‬ ‫ٍ‬ ‫‪111‬‬


‫هل الكراه ّية رك ٌن‬ ‫سادس يف اإلسالم ؟!‬ ‫ٌ‬

‫‪Leo Atheo‬‬

‫ٍ‬ ‫ومتحيص دقيقني‪ ،‬يُعلن أستاذ علم الوراثة اإلسالمي يف جامعة الزقازيق الربوفيسور متويل حسب الله أ ّن ال ِع َ‬ ‫اليهودي‬ ‫رق‬ ‫َ‬ ‫قد انقرض‪ ،‬وانتهى من وج ِه الخليق ِة بال رجع ٍة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫املسلم العادي؟ ماذا ستكون مادة ُخطَب الجمعة من كواالملبور إىل‬ ‫حينئذ؟ كيف سيكون شكل عامل‬ ‫ماذا سيحدث‬ ‫ِ‬ ‫الرباط‪ ،‬مرو ًرا بطهران وأديس أبابا؟ ما العامل الذي سي ّوحد العرب واملسلمني اآلن؟ فإرسائيل اختفت وأمريكا ال يوجد‬ ‫حليف صهيوين‪ ،‬وبروتوكوالت حكامء صهيون أصبحت عدمي ُة املعنى‪ ،‬والكثري من اآليات واألحاديث أصبح ليس لها‬ ‫لها ٌ‬ ‫حاجة‪ ،‬فام أنتم فاعلون يا خ َري أ ّم ٍة أُخرجت للناس ( مش علينا )؟‬ ‫أي كائن إىل األوكسجني‪ ،‬إىل كراهي ِة اليهودي ليع ّزز هويت ُه اإلسالمية‪ ،‬فإن‬ ‫املسل ُم يحتاج ‪ -‬أُش ّدد وأُؤكّد ‪ -‬يحتاج كاحتياج ّ‬ ‫أسباب انضوائه تحت‬ ‫أهم‬ ‫ِ‬ ‫اختفى اليهودي‪ ،‬فق َد املسل ُم أحد أهم ركائز كيانه‪ ،‬أال وهي معاداته لليهود التي تُعترب من ِ‬ ‫بشتم اليهود والنصارى يف كلِ صالة؛ املسلم يحتاج إىل اليهودي ل ُيقنع نفسه عىل أنه البديل‬ ‫راية اإلسالم؛ فاملسلم ُمل َز ٌم ِ‬ ‫خمس مر ٍ‬ ‫ات‬ ‫الصحيح؛ فامذا ‪ -‬عىل سبيل املثال ‪ -‬سيكون معنى (‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫املغضوب عليهم ) يف الفاتحة‪ ،‬الّتي يكر ُرها املسلم َ‬ ‫غضب‬ ‫اليوم عىل األقل‪ ،‬بعد زوال اليهود؟ الجواب‪ :‬ال يشء‪ ،‬ألن (‬ ‫ِ‬ ‫يف ِ‬ ‫املغضوب عليهم ) اختفوا‪ ،‬ومنطق ًّيا سيختفي معهم ُ‬ ‫الله عليهم‪ ،‬إذا ً ما ميزة املسلم اآلن وما سبب وجوده؟‬

‫اإلسالم عىل ي ِد أبنائه ؟!‬ ‫نهاي ُة‬ ‫ِ‬

‫لنأخذ امل ّوضوع ٍ‬ ‫فريوسا خبيثًا انترش يف‬ ‫النوم لنجد أ َّن‬ ‫يوم من األيام نصحو من ِ‬ ‫لحد أبعد من ذلك‪ .‬تخ ّيل يف ٍ‬ ‫ً‬ ‫مسلم صالح ‪ -‬اآلن ال يوجد يف العامل سوى املسلمني؛ ماذا‬ ‫بكل من هو غري مسلم ‪ -‬وهي أمنية ُكل‬ ‫العامل؛ ليفتك ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ؟ طب ًعا النتيجة الحتمية األوىل هي موت معظم املسلمني أنفسهم من ِ‬ ‫املرض والجو ِع لنفاد األدوية‬ ‫سيح ُدث‬ ‫املسلم عندما ال يتبقّى ل ُه من يكر ُهه؟‬ ‫واألسمدة التي يصنعها الكُفار؛ لكن قبل ذلك‪ ،‬فكّر مبا سيح ُدث لهوي ِة‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫سلوك عدوا ٍّين؛‬ ‫البعض‪ ،‬وترجمة ذلك إىل‬ ‫بعضهم‬ ‫أول سيناريو يتبادر إىل الذهنِ هو أ َّن املسلمني سيبدؤون بكراهي ِة‬ ‫ِ‬ ‫وال يخفى عليكم أ َّن بذور هذه الكراهية موجودة عىل شكلِ طوائف وفرقٍ ومذاهب‪ ،‬بل إ َّن ُهناك حديثاً صحيحاً‬ ‫يدعو املسلمني إىل قتلِ‬ ‫ولعل ما يحدث يف العراق‪ ،‬سورية‪ ،‬ليبيا‪ ،‬ولبنان اليوم‬ ‫بعضهم البعض بعد القضا ِء عىل الكُفار! ّ‬ ‫ِ‬ ‫السني أخوه يف اإلسالم الشّ يعي ويتقاتالن ويقتل‬ ‫من تبا ُد ِل القتلِ الجامعي هو بداي ُة تحقيق للنبوءة؛ وعليه فسيواجه ُّ‬ ‫يختفي الجميع‬ ‫والصويف‪ ،‬إىل أن‬ ‫والسلفي واألشعري ُّ‬ ‫بعضهم البعض‪ ،‬ونفس اليشء مع الشّ افعي والحن ّبيل واإلخواين ّ‬ ‫َ‬ ‫وسالم؛ لتتطور وترتقي كام حدثنا سامحة الشيخ‬ ‫من الوجو ِد‪ ،‬وتعيش الحيوانات والقوارض واألسامك والطحالب بأمنٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تشارلز بن داروين ‪ -‬طيب الله ثراه ‪ -‬وت ُعيد إعامر الكر ِة األرضية‪ ،‬لكن دون أديانٍ هذه امل ّرة‪.‬‬ ‫‪112‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلّة امللحدين العرب مجل ٌة رقمي ٌة مبني ٌة‬ ‫ج ٍه سياسي؛‬ ‫ي تو ّ‬ ‫بجهودٍ فردي ٍة؛ وال تتبنّى أ ّ‬ ‫هدفها نشر أفكار امللحدين على اختالف‬ ‫جهاتهم وانتماءاتهم بحرّي ٍة كامل ٍة‪.‬‬ ‫تو ّ‬ ‫املعلومات والرسومات واملواضيع املطروحة‬ ‫تُعتبر مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية‬ ‫وناحية حقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬ ‫الناشرون هم من أعضاء مجموعة مجلة‬ ‫امللحدين العرب‪ ،‬أو من الك ّتاب امللحدين‬ ‫والالديني ممّن مت ّ التواصل معهم ألخذ اإلذن‬ ‫ّ‬ ‫بالنشر ‪.‬‬ ‫العامة‪،‬‬ ‫مناف لألخالق‬ ‫ُينع نشر كل ماهو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‪.‬‬ ‫لهيئة التحرير احلق ّ في نشر ما تراه مناس ًبا‬ ‫من املواضيع املوجودة في مجموعة اجمللة على‬ ‫موضوع ضمنها يُعتبر‬ ‫ي‬ ‫الفيس بوك ‪ ،‬فنشر أ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تفويضا ً للمجلّة بنشره‪.‬‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.