مجلة الملحدين العرب: العدد الخامس والعشرون / لشهر ديسمبر / 2014

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫الجنس و الحب‬ ‫كيف دفع تنظيم داعش‬

‫العدد الخامس والعرشون من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر ديسمرب لسنة ‪2014‬‬

‫املسلمني لترك اإلسالم‬ ‫‪Serene Nina‬‬ ‫في نقد ال ّتوليف ال ّدقيق‪ :‬اجلزء‬ ‫الثّاني‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫نيرون‬ ‫في حوار مع‪...........‬‬

‫مجلّة امللحدين العرب مجل ٌة رقمي ٌة مبني ٌة‬ ‫ج ٍه سياسي؛ هدفها‬ ‫ي تو ّ‬ ‫بجهودٍ فردي ٍة؛ وال تتبنّى أ ّ‬ ‫جهاتهم‬ ‫نشر أفكار امللحدين على اختالف تو ّ‬ ‫وانتماءاتهم بحرّي ٍة كامل ٍة‪.‬‬ ‫املعلومات والرسومات واملواضيع املطروحة تُعتبر‬ ‫مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية وناحية‬ ‫حقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬


‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫‪..................................................... Gaia Athiest‬‬ ‫أعضاء هيئة التحرير و بناء اجمللة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫عادل أحمد‬ ‫الغراب احلكيم‬ ‫‪Sameer Samee‬‬ ‫‪Zoro Diego‬‬ ‫‪McKie Theman‬‬ ‫‪Shakek Altaher‬‬ ‫‪Leo Atheo‬‬ ‫‪Alia`a Damascéne‬‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫‪Ghaith Jabri‬‬ ‫‪Metis LM Apostate‬‬ ‫‪almolhed alarabi‬‬ ‫‪Zaher Zaher‬‬ ‫‪Destin Fatal‬‬ ‫‪Nada Lutfi‬‬ ‫‪Anouar El Mekki‬‬ ‫ليث الراوندي‬ ‫ماري غزال‬ ‫‪Esraa Azzazy‬‬ ‫‪Hamdi‬‬ ‫‪Belhadjyoussef‬‬ ‫محمد سلطان‬ ‫‪Noor Noori‬‬ ‫‪Monaf Andiwi‬‬ ‫‪Abdu Safrani‬‬

‫كلمة حترير اجمللة‬ ‫عــام آخــر ينقضــي‪ ،‬بــكل مافيــه مــن حتديــات‬ ‫هــا هــو‬ ‫ٌ‬ ‫ومصاعــب‪ ،‬وتكمــل مجلتنــا عامهــا الثانــي‪ ،‬وحتتفــل بعيد‬ ‫ميالدهــا بــن قرائهــا ومتابعيهــا‪ ،‬وتعدهــم باالســتمرار‪،‬‬ ‫والوقــوف وجهــا لوجــه ضــد الظالميــة والتخلــف واجلهــل‪.‬‬ ‫فــي هــذا العــام كبــرت أســرة اجمللــة أكثــر‪ ،‬وازدانــت كوادرها‬ ‫بباقــة جديــدة مــن الشــباب والصبايــا ممــن يحملــون‬ ‫هــم التنويــر علــى أكتافهــم‪ ،‬ويعملــون بجــد ودون أجــر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لنشــرالكلمة احلــرة‪ ،‬والنتشــال مجتمعاتنــا العجــوزة‬ ‫مــن مســتنقعات الوهــم واخلرافــة التــي أثخنــت جســدها‬ ‫بكافــة األمــراض املزمنــة حتــى تنهــض وتلحــق بركــب‬ ‫األمم‪.‬‬ ‫وفــي هــذا العــام ازداد ظهــور وتأثيــر امللحديــن العــرب‬ ‫أكثــر‪ ،‬حتــى دق جتــار األديــان ناقــوس اخلطــر‪ ،‬وكان هــذا‬ ‫جليــا فــي اإلعالنــات عــن خطــط ملواجهــة امللحديــن‪،‬‬ ‫وفتــح اخلطــوط الســاخنة للتحــاور معهــم‪ ،‬وعقــد‬ ‫احملاضــرات واملؤمتــرات ملناقشــة فكرهــم‪ ،‬أو بالتهديــد‬ ‫والوعيــد علــى شاشــات التلفــاز والتحريــض علــى قتلهم!‬ ‫بيد أن لقمة العيش غالية‪،‬‬ ‫كيــف سيتســكّب هــؤالء إن بــارت مهنتهــم وكســد‬ ‫ســوقهم‪ ،‬ولــم يعــد الشــباب يســتمع إليهــم؟‬ ‫اخلطــر احلقيقــي يــا أعزائــي ليــس فــي فكــرة حــرة‬ ‫تقــاوم العبوديــة واجلهــل‪ ،‬بــل فــي األيديولوجيــات‬ ‫السياســية الدينيــة التــي يــروّج لهــا هــؤالء‪ ،‬والتــي‬ ‫لــن جتلــب لنــا إال املزيــد مــن احلــروب والقتــل والســحل‬ ‫وقطــع الــرؤوس‪ ،‬آن األوان أن تعــود هــذه األديــان إلــى‬ ‫جحورهــا‪ ،‬وتتوقــف عــن العبــث بحياتنــا ومســتقبلنا‪،‬‬ ‫فالتنويــر مســتمر‪ ،‬ومــا تخبطهــم وفزعهــم إال عالمــة‬ ‫علــى قــوة تأثيرنــا وتعطــش شــعوبنا للحريــة والعدالــة‬ ‫واملســاواة احلقيقيــة‪ ،‬ونحــن مســتمرون بكــم ومعكــم‪.‬‬ ‫كل عــام وأنتــم للعقــل والعلــم والتنويــر منبــرا وعنــوان‪.‬‬ ‫كل عام وأنتم بخير‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬

‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫كيف يصنعون السفاحني‬ ‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫‪4‬‬

‫سام هاريس يتكلم عن كتابه ‪ The End of Faith‬يف مؤمتر ‪17‬‬ ‫‪ Idea City‬يف كندا‬ ‫‪Mckie Theman‬‬ ‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف أساطري الحجاز‪25 .‬‬

‫الحلقة الثالثة‪ :‬إنهاء"إعجاز" السامء‪.‬‬ ‫‪Matheos Harison‬‬ ‫نريون‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫‪37‬‬

‫شخص يدعى يسوع؟‬ ‫هل ُوجد‬ ‫ٌ‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬

‫‪48‬‬

‫الجنس و الحب‬ ‫مصطفى عابدين‬

‫‪64‬‬

‫يف نقد ال ّتوليف الدّ قيق‪ :‬الجزء الثّاين‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫‪83‬‬

‫بني اإلدراك والعجز‬ ‫‪Hunger mind‬‬

‫‪99‬‬

‫ماذا لو ‪ ..‬وما املانع فنظرية البنليفوص تفرض نفسها‬ ‫‪JohnSilver‬‬

‫‪106‬‬

‫كيف دفع تنظيم داعش املسلمني لرتك اإلسالم‬ ‫‪Serene Nina‬‬

‫‪112‬‬

‫معنى الحياة بني النزعتني اإللحاديّة والدين ّية‬ ‫ماري غزال‬

‫‪115‬‬

‫‪3‬‬


‫سفاحين"‬ ‫" كيف يصنعون ال ّ‬

‫معلوف(‪)1‬‬

‫يسأل أمني‬ ‫بكتابه (الهويات القاتلة)‪:‬‬ ‫"هل أكون أكرث أصال ًة إن‬ ‫اقتطعت جز ًءا من ذايت؟ "‬ ‫تنقيب بينه وبني نفسه عن‬ ‫يف‬ ‫ٍ‬ ‫هويته‪ ،‬هويته األصلية اللبنانية‪ ،‬وهويته‬ ‫الالحقة التوأم‪ ،‬الفرنسية‪ .‬يقول معلوف أنه‬ ‫يعجز عن تعريف نفسه كلبناين أم كفرنيس‪.‬‬ ‫بالواقع إنه االثنان م ًعا‪ ،‬لكن العامل يأىب أن يعاملنا‬ ‫أساسا‪.‬‬ ‫إال بهوي ٍة واحدة‪ ،‬بل أنّه يأىب إال أن يعاملنا بهوي ٍة ً‬ ‫ال ضري من تغذية انتامءاتنا الجميلة أيًا كانت‪ ،‬لكن ستبقى‬ ‫شعر ٌة بني هذا التو ّجه وبني التعصب‪ ،‬وهنا يتدخل الدين وبقوة‪.‬‬ ‫نتعصب لهويتنا فهو يش ٌء رائع‪ ،‬لكن هذا ال يعني أن علينا‬ ‫أن ال ّ‬ ‫إخراج كل انتام ٍء داخلنا كام لو أنه ورم‪ ،‬بينام يصبح الغلو باالنتامء‬ ‫واجب استئصاله حقًا عندما يبدأ بتسيرينا ويزيد من شعورنا‬ ‫ور ًما‬ ‫ٌ‬ ‫بالفوقية (أو بال ّدونية)‪ ،‬فالكثري من العنرصيني هم إما ممن يعتربون‬ ‫دماءهم نقي ًة وأنهم األسمى ويعشش فيهم الغرور‪ ،‬أو ممن يشعرون بالنقص‬ ‫فيزداد حقدهم وتكتلهم يف وجه من يعاملهم بسو ٍء واستعالء وإذالل‪ .‬لكن‬ ‫املشرتك أنهم وبالحالتني اللتني ذكرتهام يك ّنان الكره لآلخر‪،‬سوا ٌء من جهلهم التام‬ ‫به أو من معرفتهم القوية وقربهم منه‪ ،‬وسوا ٌء ألنهم يشعرونه أفضل منهم أم أسوأ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بأشخاص ألن يرتكبوا جرائم باسم‬ ‫لكن السؤال‪ ،‬ملاذا وليومنا هذا قد تصل قوة االنتامء‬ ‫هوياتهم أو انتامءاتهم الدينية أواإلثنية أوالقومية؟ هل كان األمر عىل هذا النحو منذ فجر‬ ‫العصور؟‬ ‫لطاملا كانت الحروب يف العصور الغابرة دافعها األول االقتصاد ومنه ُولدت فيام بعد السياسة‪ ،‬أما‬ ‫املراحل األخطر جاءت مع وجود األديان‪.‬‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫(‪ )1‬أمني معلوف‪ :‬أديب وصحايف لبناين– من أهم أعامله‪ :‬الهويات القاتلة–سمرقند‬

‫‪4‬‬


‫السفاحني‬ ‫كيف يصنعون ّ‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫يف الحروب األهلية ‪-‬بالتحديد والتي سببها املبارش هو الدفاع عن النفس وبالتايل الدفاع عن الهوية الدينية أو العرقية‪،‬‬ ‫فرضا‪ ،‬واالنتقام‪ -‬يصبح اإلجرام أو القتل تو ّج ٌه ُم َّرب ٌر برضورات الدفاع عن النفس‬ ‫واألسباب غري املبارشة هي فرض الوجود ً‬ ‫والكرامة‪ ،‬عندها من يرفض االنخراط س ُيع ّد شاذًا عن املجموعة وبالتايل منبوذًا ومحتَق ًرا وبال كرامة‪ ،‬هكذا يصنعون‬ ‫مجروح فح ّرك االنتقام اإلجرام فيه‪ ،‬والعنف يولد‬ ‫حب القتل للقتل‪ ،‬بل ألنه‬ ‫السفاحني‪ .‬قد نجد بينهم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫شخص مل يدفعه ّ‬ ‫العنف كام هو معروف‪.‬‬ ‫أي منا أنه لن‬ ‫االنتقام‪ ،‬أستطيع اعتباره الشعور األقوى "الذي يساهم بصناعة السفاحني" هذا الشعور الذي ال يضمن ٌّ‬ ‫مجرم هو أنك مل تكن بأحد الظروف التي م ّر بها‬ ‫مي ّر به قط ًعا‪ ،‬وقد يتح ّول إىل قاتل! قد قالها ٌ‬ ‫قائل من قبل‪" :‬كونك غري ٍ‬ ‫أحدهم ممن كان يظن أنه يستحيل أن يَقتل يو ًما"‪.‬‬ ‫قاتل بانتظار الفرص املواتية‪.‬‬ ‫مثل‪ ،‬إذن أنت ٌ‬ ‫أنت لن تكفل أن تضبط نفسك ِمن قتْل َمن قتَل طفلك أمامك ً‬ ‫ورمبا البعض ممن مل يعد لديهم ما يخرسونه‪ ،‬قد وصل بهم الحال من القهر ألن يتمنوا عىل طريقة شمشون أن ينهار‬ ‫يل وعىل أعدايئ‪.‬‬ ‫الهيكل‪ :‬ع ّ‬

‫شخصا يبدو سويًّا مساملًا إىل سفّاح‪ ،‬فهذا بالتأكيد يخضع ملراحل عديد ٍة‪ ،‬فلو استثنينا االنتقام املبارش عرب‬ ‫لكن أن تح ّول ً‬ ‫تع ّرضه ٍ‬ ‫لعنف ما‪ ،‬أو الدفاع عن النفس‪ ،‬فستجدهم يزرعون بدماغه أن من واجبه أن ينتقم ملظلومني (سبقوه بقرون)‬ ‫أو ملظلومني مبكانٍ ما‪ ،‬يجمعه معهم الدين املشرتك‪ ،‬وأنه يدافع عن دينه الذي هو مبثابة نفسه وروحه ضد من يرتبّص‬ ‫به إللغائه‪ ،‬وطب ًعا وسيلة "الهجوم"‬ ‫الوحيدة‪ ،‬أوما يس ّمونه "دفاع" هي‬ ‫العنف‪ .‬فقد وصل سوء املحاكمة‬ ‫العقلية عند البعض ألن يُخيّل إليه‬ ‫أنه بهجومه عىل مكانٍ ما فهذا‬ ‫إرضا ٌء لربه وتنفي ٌذ ألوامره و"دفا ٌع"‬ ‫عن نفسه ودينه! كام هو الحال مع‬ ‫ذهاب املسلمني إىل إسبانيا‪ ،‬ومجيء‬ ‫يهود العامل إىل فلسطني‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫السفاحني‬ ‫كيف يصنعون ّ‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫ٍ‬ ‫تعريف واض ٍح لها‪ ،‬هي وتلك املعضلة األخالقية القامئة عىل مبدأ‬ ‫"الدفاع عن النفس"‪ ،‬هذه الشامعة التي يصعب وضع‬ ‫فس مفهوم الدفاع عن النفس عند البعض‬ ‫"التقتل"‪ ،‬والتي من املمكن تطبيقها عىل مناهضة عقوبة "اإلعدام"‪ .‬قد يُ َّ‬ ‫أحيانًا بالدفاع عن الوجود أو األمن‪ ،‬وهذا اما قد يربر لهم مبادرتهم بالهجوم عىل من يعتربونه ُمه ِّد ًدا لوجودهم أو‬ ‫ما يسمى بلغة السياسة (يهدد أمنهم القومي)‪ ،‬وهكذا نضمن أ ّن هذا الكوكب لن يهدأ من الحروب أب ًدا لألسف‪ .‬ولو‬ ‫أمسكنا طرف الخيط الذي يصنعون به السفاحني يف أيامنا هذه أال وهو الدين‪ ،‬فيصبح تقليم مخالبه نو ًعا من العمل‬ ‫اإلنساين الذي ينقذ ويخدم الجاين قبل الضحية‪ ،‬الجاين الذي هو ضحي ٌة بشكلٍ من األشكال‪ .‬يك ننقذ أبناءنا باملستقبل‬ ‫من أن يكونوا ضحايا او ُجنا ٍة بآنٍ م ًعا‪.‬‬

‫اإلسالم لديه طريق ٌة غري مبارش ٍة بصناعة السفاحني‬

‫رجم و َج ٍلد وقطع أيا ٍد‪...‬إلخ‪ ،‬غفل ‪-‬أما عن قصد أو عن غري قصد‪ -‬عن التط ّرق إىل من‬ ‫عندما س ّن اإلسالم الحدود من ٍ‬ ‫طبيعي حادث ًا مؤملًا أمام عينيه من قتلٍ أو قطع أطر ٍ‬ ‫اف ولو‬ ‫ينفّذ هذه الحدود ومن يشهدها‪ .‬فعاد ًة لو صادف إنسا ٌن‬ ‫ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫أليام أو أكرث حسب قسوة‬ ‫بفيلم سينام ٍّيئ‪ ،‬فإنه س ُيصدم‬ ‫حتى بفيديو أوبلقط ٍة عابر ٍة بنرشة أخبا ٍر أو رمبا ٍ‬ ‫لساعات وأحيانًا ٍ‬ ‫اللقطة‪ ،‬لكن لو تابع هذه املشاهد ملر ٍ‬ ‫ات ومرات‪ ،‬فسيصبح أقىس وأقدر عىل مشاهدتها للنهاية يف كل مرة حتى تغدو‬ ‫مع الوقت شيئًا معتا ًدا‪ ،‬فكيف مبن يشهد جرمي ًة حقيقي ًة أمام عينيه؟ بل كيف مبن ينفذّها بيديه؟ ملاذا أهمل اإلسالم‬ ‫أولئك؟ ‪-‬أي من أُوكل إليهم تطبيق الحدود‪ -‬ملاذا أمر بتجمهر الناس للمشاهدة بل وباملشاركة أحيانًا كام نرى بتطبيق‬ ‫مثل؟ ملَ ملْ يفرض الترشيع اإلسالمي أن يت ّم تطبيق الحدود ٍ‬ ‫بغرف مغلق ٍة عىل األقل‪ ،‬السؤال األهم ملاذا مل‬ ‫ح ّد الرجم ً‬ ‫مينع املسلمون لليوم حضور األطفال مثل هذه األحداث؟ هل إهامل هذا كان عن غبا ٍء أم عن خبث؟‬ ‫هل يأملون بتنشئة جيلٍ يقضم رأس األفعى كام يقال‪ ،‬ولغاي ٍة يف نفس يعقوب‪ ،‬اإلسالم هنا يُثبت وملر ٍة أخرى فشله‬ ‫ككيانٍ إنسا ٍّين قصري النظر دموي‪ .‬ومشاهد الدماء هنا وهناك يختلقونها ويتلذذون بها وكأنها باتت جز ًءا ال يتجزأ من‬ ‫تركيبتهم‪ ،‬كام الشيعة حتى هذا اليوم يطبقون طقوسهم ولو عىل أطفالهم وال بأس بذلك برأيهم‪ ،‬فسكاكني وسالسل‬ ‫ورضب ودما ٌء وعويل‪ ...‬أيّة أجيا ٍل تلك وأيّة مجتمعات‪ ،‬من يشاهدون شعائر قطع اليد والصلب والجلد والرجم‬ ‫حديدية‬ ‫ٌ‬ ‫وج ّز الرقاب‪ ،‬بات املشهد بالنسبة إليهم أقل من عادي‪ ،‬فال تستهجنوا النتائج وما سيخرج من هذه األمة باملستقبل‪،‬‬ ‫أساسا‪.‬‬ ‫هذا إن كان اليزال هناك مستقبل لهذه املنطقة ً‬

‫الهوية ثابتة أم متحولة؟‬

‫يف كتاب (االسترشاق) إلدوار سعيد (‪ ،)2‬نرى أن الهوية عنده ال تعرف السكونية‪ ،‬إنها باألحرى ذلك اليشء الذي يعيد‬ ‫رص ومجتمع خلقه‪...‬أنها مافوق العملية التاريخية واالجتامعية والفكرية والسياسية التي تحدث عىل أنها نزا ٌع‬ ‫كل ع ٍ‬ ‫يستغرق األفراد واملؤسسات‪.‬‬ ‫(‪ )2‬إدوار سعيد‪ :‬مفكر فلسطيني ‪ 1935-2003‬من أهم أعامله‪ :‬االسترشاق‬

‫‪6‬‬


‫السفاحني‬ ‫كيف يصنعون ّ‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫مثل وسألنا أحدهم عن انتامئه‪ ،‬ألجاب دون ترد ٍد أنه يوغساليف‪ ،‬ولو‬ ‫وكمثا ٍل متداو ٍل‪ ،‬لو ذهبنا رساييفو يف مثانينات القرن املايض ُ‬ ‫استوضحنا منه أكرث لح ّدد أكرث وقال رمبا أنه يسكن يف جمهورية البوسنة والهرسك املتحدة‪ ،‬ثم سريدف أنه مسلم‪ .‬أما لو صادفنا‬ ‫الرجل ذاته بداية التسعينيات والحرب عىل أش ّدها لكانت إجابته املبارشة‪ :‬أنا مسلم‪ ،‬ولو التقينا ذات الشخص بعد عرشات‬ ‫السنني فام سيكون تعريفه عن نفسه ياترى؟ ماترتيب انتامءاته سيكون حينها ووفقًا إىل ماذا؟ أورو ٌّيب أم مسل ٌم أم بلقا ٌّين رمبا!‬ ‫تعج داخلنا لكن بالنهاية كلنا واحد‪ ،‬أثقلتنا القشور الفارغة‪.‬‬ ‫جميعنا كالبصلة‪ ،‬عرشات االنتامءات قد ّ‬

‫ال نحن من ذوات الذيول‬ ‫نحن من الكائنات الخرض‬ ‫ومبثا ٍل أقرب لواقعنا‪ ،‬قبل سنني قليل ٍة كان غالبية العراقيني يشعرون بالفخر بهويتهم العراقية وكانوا عىل أت ّم االستعداد‬ ‫مثل والتي قد تُو َّجه‬ ‫للذّود عنها بكل يش ٍء بحربهم مع إيران كمثال‪ ،‬واليوم نراهم أنفسهم يفخرون بطائفتهم الشيعية ً‬ ‫للتآلف مع ذات البلد الذي كانوا يعتربونه عد ّوا يف املايض عندما كان العزف عىل قوميتهم أقوى‪ .‬وهذا يقودنا لسؤال‪:‬‬ ‫أي االنتامءات أقوى‪ ،‬العرقية أم الدينية أم القومية؟ أم أ ّن ذلك يعتمد عىل الزمن ومح ّركاته والعبيه؟ وإذا كان الجواب‬ ‫ّ‬ ‫نعم‪ ،‬إذن ما فكرة الهوية وما صورتها‪ ،‬ما حدودها وما مفهومها بالضبط؟ وإن كانت متحول ًة وال تنبع من الذات بل من‬ ‫رومانيس جميلٍ من الحنني ليس إال؟ حيث‬ ‫بيوم تصبح فيه الهوية مج ّرد شعو ٍر‬ ‫املؤثرات الخارجية‪ ،‬فهل ميكننا أن نتفاءل ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫لن نكون مضطرين ال للغل ّو بالتفاخر بها ح ّد التعصب وال إىل التنكر منها ح ّد الرغبة باالنسالخ والتربؤ؟‬ ‫أعتقد سياس ًيا األمر ليس باملستحيل‪ ،‬فالعامل يسري سواء قرسيًا أم توافق ًيا نحو التحالفات والحفاظ عىل مصالح الجميع‪.‬‬ ‫العقبة الرئيسية تبقى الدين‪ ،‬وبالتحديد اإلسالمي واليهودي بعرصنا هذا‪ ،‬دينان قامئان عىل اإلقصاء‪ ،‬والتطرف بهاتني‬ ‫الديانتني ممكن أن نعزوه لآلخر؛ أي لوال الخطر اليهودي ملا تكتل املسلمون الستعادة رمزهم الديني وقبلتهم القدس‪،‬‬ ‫وذات اليشء بالضبط بالنسبة لليهود‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫السفاحني‬ ‫كيف يصنعون ّ‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫حتم‪ ،‬مهام كنت مضا ًدا للتعصب وفكرة االنتامء بذاتها‪ ،‬أي أنك أنت كملحد‬ ‫فكلام ازداد تعصب اآلخر سيزداد تعصبك ً‬ ‫ٍ‬ ‫تصنيف جغرا ٍّيف كان‪ ،‬لن تقبل أن يُعاملك أحدهم عىل أنك‬ ‫أي‬ ‫اآلن أي من تعترب نفسك إنسانًا بالدرجة األوىل قبل ّ‬ ‫بلد مستَ ٍ‬ ‫إنسا ٌن من الدرجة الثانية ببلده وأن ت ُعا َمل بطبقية فقط ملجرد أنك تحمل جواز سف ٍر كُتب عليه اسم ٍ‬ ‫بعد‬ ‫مثل ألنك ولدت عىل‬ ‫املسمة عريقة‪ ،‬أو أن تجد نفسك خارج تصنيف مايس ّمى بالنخبة ً‬ ‫ٍ‬ ‫لسبب أو آلخر من الجنسيات ّ‬ ‫تحاسب عىل ما ق ّدمه أسالفك ال ما تق ّدمه أنت‪ ،‬أو تُالم عىل ما اقرتفه أولئك منذ أزمان‪.‬‬ ‫هذه البقعة أو تلك‪ ،‬وأن َ‬ ‫يوضح املؤرخ الربيطاين أرنولد توينبي (‪ )3‬يف ٍ‬ ‫نص نرش يف ‪ ،1973‬أ ّن مسار اإلنسانية قد جرى عىل ثالث مراحل‪:‬‬

‫ •املرحلة األوىل تعود إىل ماقبل التاريخ‪ ،‬حيث كانت االتصاالت بطيئ ًة وتطورات املعرفة تسري ببط ٍء أكرث‪ ،‬واملجتمعات‬ ‫اإلنسانية كانت عىل درج ٍة واحد ٍة من التطور تقريبًا‪.‬‬ ‫ •املرحلة الثانية شهدت تطور املعارف أرسع من انتشارها‪ ،‬وبدأت املجتمعات اإلنسانية بالتاميز أكرث فأكرث‪ ،‬وقد‬ ‫دامت هذه املرحلة عدة ٍ‬ ‫آالف من السنني تعود إىل ما ندعوه بالتاريخ‪.‬‬ ‫ •املرحلة الثالثة هي حقبتنا التي تتقدم فيها املعرفة بتسار ٍع وانتشارها يكون بتسار ٍع أكرب‪ ،‬واملجتمعات اإلنسانية‬ ‫ذاهب ٌة إىل التاميز أقل فأقل مع الوقت‪.‬‬ ‫يوم‪ ،‬أي وبحسب دراسة توينبي هذه فكل ما صنعته‬ ‫انحسار التاميز بني الشعوب سيقلّص الشعور باالنتامءات يو ًما بعد ٍ‬ ‫املجتمعات عرب تاريخها لتربز اختالفاتها وترسم مالمحها الخاصة سيضيع وينصهر ببوتقة اإلنسانية جمعاء‪ ،‬وتسارع‬ ‫يصب بعومل ٍة‬ ‫هذه التطورات يربر حاالت الصدمة واملواجهة من قبل بعض الشعوب والفئات تجاه العوملة‪ ،‬فكل هذا ّ‬ ‫متسارع ٍة تسبب ر ّد الفعل العنيف الذي يعيدها إىل الحاجة غري العرصية لتعزيز الهوية‪ ،‬وباألخص من طرف املتدين‬ ‫وبأكرث خصوصية املسلم تحدي ًدا‪.‬‬ ‫أي انتام ٍء آخر سواه يف نفوس أتباعه‪ ،‬فرافيض العوملة اليوم‬ ‫يف السابق كان الدين هو الوحيد القادر وبقو ٍة عىل إلغاء ّ‬ ‫من البيئات املتدينة خاص ًة من املسلمني تحت عدة ذرائع واهية‪ ،‬يتناسون أنهم يسعون لعومل ٍة ممسوخ ٍة عىل ٍ‬ ‫أساس‬ ‫سيايس بحقيقته لكن ُصبٍغ بصبا ٍغ ربا ٍّين عاطفي‪.‬‬ ‫ديني خرا ٍّيف‪ ،‬من شأنه أن يقود األخ إلبادة أو إذالل أخيه تنفيذًا ألم ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫حروب توسعي ٍة سياسي ٍة واقتصادية األهداف‪،‬‬ ‫بأمم كثري ٍة إىل‬ ‫ٍ‬ ‫رس يف منطقتنا بالتحديد التي ساقت ٍ‬ ‫وكانت هذه كلمة ال ّ‬ ‫وقودها السذّج وقادتها من فهموا الغرض األقوى مام يس ّمى دين‪.‬‬

‫(‪ )3‬أرنولد توينبي‪ :‬مؤرخ اقتصادي بريطاين (‪Arnold Toynbee )1852-1883‬‬

‫‪8‬‬


‫السفاحني‬ ‫كيف يصنعون ّ‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫هل نساهم بصنع السفاحني؟‬

‫الهوية تنشأ باألصل من الذاكرة الجمعية لجامع ٍة معين ٍة‪ ،‬ومع الوقت ونظ ًرا لتشاركهم نفس املصالح واألرض‪ ،‬ومع ظهور‬ ‫ٍ‬ ‫أي فر ٍد وبني‬ ‫املنافسني‬ ‫كتجمعات أخرى بأماكن متقاربة‪ ،‬يبدأ هذا الشعور بالتنامي‪ ،‬ويصبح مع الزمن االرتباط بني ّ‬ ‫أي ٍ‬ ‫شخص ويذهب نحو جامع ٍة‬ ‫جامعته عاطفيًا أكرث منه عقالنيًا‪ ،‬أي أنه بالعصور السابقة كان من املستحيل أن ينسلخ ّ‬ ‫أخرى حتى وإن ساقته مصالحه إليها‪ ،‬والخوف هو السبب األول‪ ،‬يليه االرتباط العاطفي النابع من الذاكرة املشرتكة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ألشخاص من مرشق األرض ومغربها اليجمعهم سوى أنهم آمنوا بنفس‬ ‫حاالت‬ ‫وأوارص القرىب‪ ،‬لكن الغريب أن نواجه‬ ‫الحكايا وبخر ٍ‬ ‫وحلم مشرتكني فيام بني هؤالء وصل‬ ‫افات مشرتك ٍة‪ ،‬وقد استطاعت هذه الخرافات أن تشكّل ذاكر ًة و َه ًّم ً‬ ‫بهم إىل ح ّد التعصب‪.‬‬ ‫أي أن نرى املسلم الهندي والربيطاين والنيجريي عىل ه ٍّم ٍ‬ ‫واحد ولو كلفهم ذلك تدمري بالدهم األصلية‪ .‬فاألولوية لرضا‬ ‫وحش السامء‪ ،‬واملفارقة أنهم ال يتوانون عن تخوين غريهم ورمي اتهامات العاملة‪.‬‬ ‫واآلن‪ ،‬هل الحل األمثل هو تهميشهم أم تقليم أظافرهم أم الحجر عليهم نهائ ًيا‪ ،‬أم مراعاتهم والتقرب منهم واحتواءهم؟‬ ‫هل علينا إعادة النظر بأساليب التعامل مع هؤالء املضطهدين أو ممن ورثوا فكرة أنهم مضطهدون؟ البعض يعترب أ ّن‬ ‫السبيل األوحد واألنجع للقضاء عىل العنف هو العنف‪ ،‬أي ال تسا ُهل مع مثل هؤالء‪ ،‬لكن أليس االحتضان والتعامل عىل‬ ‫أيضا وأفضل عىل املدى البعيد؟‬ ‫أنهم مرىض أو مغ ّر ٌر بهم هي طريق ٌة معقول ٌة ً‬ ‫مثل نسب ٌة من املسلمني والزنوج يف فرنسا يشكلون عبئًا عليها بسلوكهم‪ ،‬غري أسوياء ومتمردين‪ ،‬واألجهزة األمنية تقمع‬ ‫ً‬ ‫وتواجه وتسجن‪ ،‬لكن مل نجد دراس ًة فعلي ًة اجتامعي ًة طُبّقت عىل أرض الواقع للسعي لحل املشكلة ال تخديرها أو وضع‬ ‫ح ٍّد لها وحسب‪ .‬رمبا الغرب مل يفكّر بطريق ٍة ما لتسهيل دمج هؤالء باملجتمع‪ ،‬أم أنهم هم أنفسهم من كانوا يتعالون‬ ‫كأقل ّي ٍ‬ ‫ات عن هذا الدمج؟‬ ‫ما سبب عزلة الغالبية الساحقة من املسلمني بوجه الخصوص‪ ،‬القاطنني بالغرب عن محيطهم؟ هل هي عزل ٌة اختياري ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫خاصا بهم يف تلك البالد حالت‬ ‫أم شبه قرسية؟ نراهم‬ ‫ببيئات خاص ٍة وشوارع خاص ٍة وقد خلقوا ألنفسهم مجتم ًعا منغلقًا ً‬ ‫أيضا أكرث عىل إحساسهم بالرفض من قبل املجتمع لدى مخالطتهم به‪ ،‬فحتى‬ ‫دون اندماجهم باملجتمع‪ ،‬مام ساعد ً‬ ‫مختلف ويضع حواجز بينه وبينهم‪ ،‬أي أنه هو من ال يرغب باالندماج ألنه ال‬ ‫اآلخرون هناك اعتادوا عىل أ ّن املسلم‬ ‫ٌ‬ ‫أصل‪ .‬وبالتايل فَع ْز ُو تطرف املسلم يف الخارج إىل تهميشه سوا ٌء الطوعي أم القرسي‪ ،‬وعدم تق ّبله للمجتمع‬ ‫يناسبه ً‬ ‫املتنوع أو عدم رغبته بالتق ّبل هو ليس السبب الوحيد بتنامي الشعور بالالانتامء‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫السفاحني‬ ‫كيف يصنعون ّ‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫ٍ‬ ‫وظلم وجرائم بحقهم‬ ‫عم قد م ّر بهم من‬ ‫والغريب ً‬ ‫تهميش ٍ‬ ‫أيضا أنه باملقابل نجد اليهود اليوم قد ُع ِّوضوا ماديًا ومعنويًا ّ‬ ‫يف التاريخ القريب‪ ،‬ومع ذلك فشل العامل بانتزاع العنرصية من نفوسهم‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬ال القمع ُم ٍ‬ ‫متأص ٌل‪ ،‬يسهل غرسه ويكاد يستحيل انتزاعه! لكن‬ ‫جد وال املواساة‪ ،‬وهذا يؤكد بأ ّن العنرصية يش ٌء ّ‬ ‫هل الحاجة إىل الهوية فطريّ ٌة أم مكتسب ٌة؟ فالميكننا تجاهل سعي الحكومات لزرع وتعزيز الشعور باالنتامء ألغر ِ‬ ‫اض‬ ‫ٍ‬ ‫مثل أو العرق‪ ،‬فاألكراد واألتراك مل مينعهم‬ ‫انتامءات مغاير ٍة‪ ،‬كالدين ً‬ ‫تجييشي ٍة‪ ،‬وبأحيانٍ أخرى تلعب أطر ٌاف ثاني ٌة عىل‬ ‫أنهم عىل دينٍ ٍ‬ ‫حق مرشوع‪.‬‬ ‫واحد من التقاتل فيام بينهم والسبب هنا هوالنزعة القومية والتي يراها الكثريون ٌ‬

‫مقلق حقًا؟‬ ‫هل الشعور باالنتامء ٌ‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بسيط‪ ،‬تعاطفنا مع فريق بالدنا الريايض‬ ‫هويات ساعي ًة لإلشباع العاطفي! وكمثا ٍل‬ ‫إ ّن الذات الفردية تتمظهر يف‬ ‫متجاهلني تقييم أدائه إن كان يستحق الفوز حقًا أم ال‪ .‬هو إرضا ٌء ليش ٍء ما بداخلنا يشبه إىل ح ٍّد كبريٍ رغبتنا بتفوق أبنائنا‬ ‫متأصالن هكذا‬ ‫بشكلٍ ال‬ ‫شعوري ّ‬ ‫بغض النظر إن كانوا يستحقون أو أ ّن غريهم يستحق أكرث‪ .‬أال تبدو الهوية واالنتامء ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫عاطفي وإرضا ٍء لألنا ليس إال؟‬ ‫وأحيانًا مح ّركان لنا ال إراديًا كإشبا ٍع‬ ‫ّ‬ ‫وهذا ما يقودنا إىل استفسار كيف نشأ شعور االنتامء لدى اإلرسائيليني اليوم رغم أنهم تجمعاتٌ برشي ٌة من عدة دول؟‬ ‫هل هو النقص العاطفي والشعور باالضطهاد فقط كام هو شائ ٌع وتشاركهم الذاكرة الجمعية املؤملة عرب التاريخ؟ أم أ ّن‬ ‫للدين ومازرعه من فوقي ٍة فيهم الدور األبرز؟ أي بالحالة اإلرسائيلية بالتحديد‪ ،‬ماسبب تعصب اليهودي إلرسائيل‪ ،‬هل‬ ‫الفوقية أم النقص؟ أم الشعوران م ًعا؟ّ أي الفوقية تجاه العرب أو سكان فلسطني‪ ،‬والنقص صوب دول العامل الباقي إضاف ًة‬ ‫إىل الحقد تجاه من اضطهدهم كأملانيا؟‬ ‫الدين الذي من شأنه تخليصك من الشعور بالذنب أو تأنيب الضمري بحال كنت تو ّد تنفيذ أم ٍر ما‪ ،‬حيث ما عليك سوى‬ ‫خصنا نحن فقط بالقيام به‪ .‬قد تقتل وترسق وتغتصب لكن الدين سيكفل‬ ‫أن تسبقه بقول أ ّن هذا يريض الله أو أ ّن الله ّ‬ ‫متعصب متط ّر ٍف بل وسفا ٍح دون أن تشعرأنك مبشكل ٍة مع‬ ‫كفيل بتحويلك إىل‬ ‫شخص محرتم! ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫لك شعو ًرا داخلك بأنك ٌ‬ ‫أول قبل أن تكون مبشكل ٍة مع القانون أو مع اآلخر‪.‬‬ ‫نفسك ً‬ ‫عرقي أم‬ ‫ّ‬ ‫يحق لنا هنا أن نسأل من جه ٍة أخرى بخصوص طبيعة منطقتنا وح ّدة االنتامء ألي يش ٍء لدينا‪ ،‬سوا ٌء انتام ٌء ٌّ‬ ‫قومي‪ ،‬فتجدنا أكرث تشبثًا من أي منطق ٍة أخرى بالعامل‪ ،‬حيث تجاوز العامل هذه العنجهية والرنجسيات الفارغة‬ ‫ديني أم ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫فمثل‪ ،‬ماذا لو حاولت جه ٌة ما إشعال فتيل فتن ٍة‬ ‫انتامءات لطيف ٍة‪ ،‬ال تتع ّدى كونها احرتا ًما للذات ال أكرث‪ً .‬‬ ‫منذ زمنٍ إىل‬ ‫ٍ‬ ‫يف إيرلندا اليوم ويف هذا القرن بني الربوتستانت والكاثوليك؟ هل ستستطيع تلك الجهة مهام خصصت من ٍ‬ ‫وجهد‬ ‫وقت‬ ‫‪10‬‬


‫السفاحني‬ ‫كيف يصنعون ّ‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫حريق‬ ‫رس يف أ ّن مج ّرد إشاع ٍة أحيانًا يف بالدنا املباركة برحمة األديان كفيل ٌة بإشعال‬ ‫ٍ‬ ‫ومتويلٍ إىل إشعال أزم ٍة هناك؟ ما ال ّ‬ ‫ال يلبث أن يجتاحها كالنار يف الهشيم؟‬ ‫اإلجابة بني أيدينا‪ ،‬ببساطة ألنها "هشيم"‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وببحث رسيعٍ سندرك أ ّن من أوصلنا إىل هذا "الهشيم" هو أننا خري أم ٍة أُخرجت للناس!‬ ‫نعم‪ ،‬خري أم ٍة لكن يف عيون الغري‪ ،‬ويف جيوب الغري‪ ،‬يف جيوب من يجيد اللعب بهذه األدمغة الخاوية ويح ّركها عرب‬ ‫الثغرة األقوى‪ ،‬الدين‪ .‬وأثبتت التجارب التاريخية أن هذا ال يحتاج عاد ًة إىل التآمر طاملا الثغرة موجود ٌة وجاهز ٌة يف أية‬ ‫لحظ ٍة لالنفجار‪.‬‬ ‫والسؤال األكرث غراب ًة للمؤمن ‪-‬عىل األقل بالنسبة يل‪ : -‬كيف يجعل منك الدين تتعاطف مع ابن دينك يف أي ٍ‬ ‫بلد أو‬ ‫مثل تجد املسلم املرصي يشعر باملسلم األفغاين‬ ‫جنسي ٍة كانت عىل حساب ابن بلدك من دينٍ أو حتى طائف ٍة أخرى؟ ً‬ ‫أقرب إليه من املرصي القبطي ابن بلده‪ ،‬وأن الشيعي العراقي يرى بالشيعي اإليراين أقرب إليه من السني جاره ابن‬ ‫مسيحي يف العامل يعنيه أكرث من أي مواطنٍ لبنا ٍّين من مذاهب أخرى‪ ،‬وكذلك‬ ‫بأي‬ ‫مدينته‪ ،‬واملسيحي اللبناين يشعر ّ‬ ‫ٍّ‬

‫مع اليهودي الفرنيس املتعاطف مع اليهودي اإلرسائييل أكرث من املسيحي الفرنيس ابن بلده! رمبا األمر مع اليهود‬ ‫قليل وم َّرب ٌر كون املسيحيني عانوا من التصغري أو التهميش من مسلمي بالدهم‪ ،‬ومؤخ ًرا من‬ ‫مختلف ً‬ ‫واملسيحيني‬ ‫ٌ‬ ‫التهجري‪ ،‬واليهودي يحيا معركة وجو ٍد ُمختل َق ٍة سخيف ٍة منذ عقود مع غريه‪ .‬هذا واقع حال املؤمنني اليوم وإن أنكروا‪.‬‬ ‫لكن كيف استطاعت األديان عام ًة تغذية االنتامء الديني مقابل إذابة االنتامء الوطني أو القومي بهذه القوة إىل يومنا‬ ‫هذا!؟‬ ‫‪11‬‬


‫السفاحني‬ ‫كيف يصنعون ّ‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫امللفت أننا عندما نعزو للدين أنه خلف طمس االنتامء للوطن‪ ،‬فإننا نعرتف بصمود اللغات والثقافات الفارسية والرتكية‬ ‫واألمازيغية والكردية بوجه اإلسالم والقرآن ولغته العربية‪ ،‬والتي كان من املفروض أن تطمس هذه اللغات باعتبارها لغة‬ ‫واملفضلة عند الله‪ ،‬ورغم إميانهم وسعيهم الحثيث لتعلمها وقراءة القرآن بها‪ ،‬إال أنهم مل يسمحوا لها بدفن‬ ‫أهل الجنة‬ ‫ّ‬ ‫لغاتهم‪ ،‬وصانوها رغم االجتياح العريب ألماكن تواجدهم وبالدهم! فكانت ثقافتهم وبالتايل هوياتهم محمي ًة بحامية‬ ‫أي شعب؛ باملقابل هناك حضاراتٌ وثقافاتٌ أخرى ذابت واختفت‪.‬‬ ‫اللغة‪ ،‬أل ّن اللغة وكام نعلم الوعاء الحاضن لثقافة ّ‬ ‫شخص مسته َج ٌن من غالبية الشعب‬ ‫ديني‬ ‫يف سوريا وبالتحديد يف مثانينات القرن املايض‪ ،‬كان من ينتمي إىل ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫حزب ٍّ‬ ‫ديني كأولوي ٍة عىل الوطن يُع ّد نو ًعا من الخيانة‬ ‫قبل أن نقول أنه مال َح ٌق من الحكومة‪ -‬حيث كان االنتامء إىل‬‫ٍ‬ ‫تنظيم ٍّ‬ ‫العظمى‪ ،‬وهذا عىل أثر نشوء بعض الحركات والتنظيامت املتطرفة‪ ،‬حيث منى الشعور الوطني والقومي إىل ح ٍّد طغى‬ ‫حروب قومي ٍة وجودي ٍة‪ ،‬مل يكن الدين‬ ‫عىل االنتامء الديني عند الغالبية‪ ،‬ورمبا يعود ذلك إىل أ ّن شعوبنا كانت خارج ًة من‬ ‫ٍ‬ ‫أي تطرف‪.‬‬ ‫مهد ًدا يف تلك الفرتة يك يجدوا مرب ًرا لنشوء ّ‬ ‫اب ديني ٍة‪ ،‬ونرى نسب ًة البأس بها منهم صامت ًة بخصوص فكرة‬ ‫أما يف القرن الحايل فالبعض عاد ليطالب بأحقية أنشاء أحز ٍ‬ ‫إنشاء دولة خالفة‪ ،‬لوال أسلوب داعش الهمجي الغبي لرأينا غالبية الشعب مع تحقيق هذا الحلم قلبًا وقالبًا‪ ،‬لكن ما يجعل‬ ‫مخيم عىل من يسمون أنفسهم باملسلمني املعتدلني املساملني‪ ،‬هو أنهم أكرث جب ًنا من االنخراط بتطبيق‬ ‫هذا الصمت املريع ً‬ ‫هكذا حلم‪ ،‬والذي يعدو ليكون فريض ًة فهو يندرج تحت مس ّمى جهاد‪ ،‬إضاف ًة طب ًعا إىل غباء داعش السيايس امللفت‪.‬‬ ‫تنظيم من التنظيامت اإلسالمية العسكرية كالقاعدة وجبهة النرصة‪...‬هو املسلم األكرث‬ ‫ألي‬ ‫ٍ‬ ‫املسلم الداعيش أو املنتمي ّ‬ ‫شجاع ًة بالحقيقة‪ ،‬وهو باملخترص املسلم الحقيقي الذي ال يجزع عن تطبيق ماجاء به رسوله وال يخىش بها لومة الئم!‬

‫‪12‬‬


‫السفاحني‬ ‫كيف يصنعون ّ‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫كُشف اإلسالم عىل يد داعش والقاعدة قبله وفُضح املسلمون‪ ،‬أو بعبار ٍة أدق‪ :‬أُميط اللثام وسقط القناع ال أكرث وال أقل‪.‬‬ ‫املحمدي الغابر لكن الصور باأللوان هذه املرة‪.‬‬ ‫مثل ليست سوى مايض اإلسالم‬ ‫فداعش هذه ً‬ ‫ّ‬

‫رس صمود وتنامي االنتامء الديني‬ ‫ّ‬

‫رصا‪ ،‬الذي يسعى إللغائك‪ ،‬هذا أكرث ما تسعى األديان لتعزيزه‬ ‫ما من بناء هوي ٍة إال ويحتاج لوجود اآلخر‪ ،‬اآلخر الخطري ح ً‬ ‫يف نفوس تابعيها لتسهيل جمعهم تحت ظلها‪ ،‬وهكذا تق ّوي متسكهم‪.‬‬ ‫لكن هذا اليعني باملقابل أنك لو أردت مناهضة هذا الفكر التطر ّيف أن تخرت الجهة املقابلة اإلنكارية املنسلخة متا ًما‪ ،‬ألنك‬ ‫أي ٍ‬ ‫وببساطة أينام توجهت ستُسأل من أي ٍ‬ ‫بلد فستبقى الشخص ذا األصول األجنبية‪،‬‬ ‫بلد أنت‪ ،‬حتى وإن نلت جنسية ّ‬ ‫وستبقى تبعات انتامئك األصيل تالحقك وأبناءك بإيجابياتها وسلبياتها‪ .‬لليوم يقال املغني األمرييك جورج مايكل أنه من‬ ‫أصول يونانية‪ ،‬واملغ ّنية مادونا أمريكية من أصول إيطالية‪ ،‬والرئيس الفرنيس السابق رغم أنه وصل ألعىل مهم ٍة عىل‬ ‫مستوى بالده إال أنه الزال يُذكّر لليوم بجذوره املجرية‪.‬‬ ‫أين العار أو السلبية بهذا؟ هويتنا كوالدينا ال نفع من نكرانها لو مل نكن راضني عنها‪ ،‬وال ضري من اإلقرار بها لو كنا نرى‬ ‫يغي‬ ‫األمر مؤسف ً‬ ‫مثل‪ ،‬األهم أن يبقى االعرتاف هذا بعي ًدا عن الغلو بالتباهي الفارغ أو باالنسالخ عىل ح ٍّد سواء‪ ،‬فلن ّ‬ ‫ذاك من الواقع شيئًا‪ ،‬والتصالح مع الذات بكل تناقضاتها أحد أهم طرق تحقيق السعادة الذاتية والتوازن النفيس‪.‬‬ ‫فرغم التاريخ املشني ألملانيا النازية‪ ،‬نكاد ال نجد أملان ًّيا يت ّربئ من أملانيته ككل‪ ،‬قد يرفض ويخجل من تلك الحقبة‬ ‫تعصب بل التفسري األول واألخري برأيي أن للهوية‬ ‫لكنه لن يسمح بالتامدي ولو حتى لفظيَا عىل اسم بالده‪ ،‬هذا ليس‬ ‫ٌ‬ ‫عالق ٌة وطيد ٌة بالكرامة‪ ،‬والكرامة تنبع من احرتام الذات‪ ،‬واحرتام الذات ينبع من مدى الرضا عنها‪ ،‬وقد يكون أحيانًا أن‬ ‫تنبع العزة واالفتخار من احتقار الطرف املقابل‪ ،‬فلو‬ ‫هندي مساملٌ ليس كأن‬ ‫رجل‬ ‫نق َد سلوك وتاريخ أملانيا ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ينقده أمرييكٌّ يفتخر ببالده املعروفة مباضيها وحارضها‬ ‫أيضا‪ .‬سيخجل األملا ّين كام يُفرتض‬ ‫املخزي "سياس ًيا" ً‬ ‫ٌ‬ ‫درسا‬ ‫من الهندي ألنه‬ ‫معروف بسلميته والتي كانت ً‬ ‫فيحق‬ ‫للعامل أجمع عىل يد غاندي‪ ،‬ولو انتقد العنف ّ‬ ‫له االنتقاد أكرث من غريه‪ ،‬أما األمرييك فتجاوزات بالده‬ ‫األخالقية مع الغري تسحب منه الحق بانتقاد غريه إال‬ ‫أول‪.‬‬ ‫لو كان منتق ًدا لسياسات بالده ً‬ ‫‪13‬‬


‫السفاحني‬ ‫كيف يصنعون ّ‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫حروب ونز ٍ‬ ‫اعات‬ ‫كام ونالحظ بتجربة االتحاد األورويب‪ ،‬أنها تجرب ٌة رائد ٌة من الناحية االقتصادية والتآلف االجتامعي بعد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هويات كردة فعلٍ عىل تلك التجربة‪ ،‬وتن ّوع اللغات ساهم بذلك‪،‬‬ ‫كثقافات أو‬ ‫أنهكتهم‪ ،‬لكن مع ذلك مل ينصهروا‬ ‫أملانيا‪-‬صنع يف فرنسا‪...‬إلخ‪ .‬أي أ ّن‬ ‫فالوحدة اقتصادي ٌة باملقام األول‪ ،‬لكن ورغم هذا الزلنا نقرأ عىل منتوجاتهم‪ُ :‬صنع يف‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بأي‬ ‫لذّة وحق االنتامء الزالت بداخلهم‪ ،‬دون‬ ‫سلبيات بل رمبا إيجابياتها أكرب‪ ،‬فهذا سيعزز روح املنافسة وبالتايل التقدم ّ‬ ‫عوضا عن مواجهتها ارتأوا أن يوظفوها بخدمة االقتصاد‬ ‫قوي وهو شعو ٌر‬ ‫محبب‪ ،‬لذا َ‬ ‫مجا ٍل كان‪ ،‬فحافز االنتامء لديهم ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫أيضا أ ّن وجود اآلخر إن مل يكن كعد ٍّو‬ ‫والتحسني ومصلحتهم العامة يف مواجهة االمربيالية األمريكية‪ ،‬وهنا نالحظ ً‬ ‫ٍ‬ ‫فكمنافس عىل األقل‪ ،‬يضمن التقدم نحو األفضل ويدعم شعور االنتامء بحدوده املقبولة‪ ،‬أي أ ّن أوروبا تلك األمة الرمز‬ ‫واملتفوقة من نوا ٍح عديد ٍة اجتامعي ٍة واقتصادي ٍة وحقوقي ٍة وعلمي ٍة وثقافية‪ ...‬ال تع ّد الهوية مشكل ًة بل تعززها أكرث‪،‬‬ ‫ونراهم من أكرث األمم تصال ًحا مع الذات واآلخر‪.‬‬

‫اإلرهاب ‪:‬الرشق يلِ ُده من حيث يدري والغرب ير ّبيه رمبا من حيث اليدري‬

‫يقول أمني معلوف(‪ " :)1‬كلام شعر املهاجر بأن ثقافته األصلية محرتم ٌة انفتح أكرث عىل ثقافة البلد املضيف"‪.‬‬ ‫لكن الغرب احتضن املهاجرين إليه وفتح أبوابه لهم‪ ،‬و ُعوملوا بال مجا ٍل للمقارنة أفضل مبئات املرات مام كانوا‬ ‫يُعا َملون ببالدهم‪ ،‬لكن مع ذلك بقي انتامء هؤالء لبالدهم قويًا‪ ،‬وهذا غري يس ٍء عىل اإلطالق لوال الدين‪ ،‬فالدين‬ ‫قائل أ ّن الغرب يتعامل بفوقي ٍة مع املسلمني‬ ‫ق ّوى من ارتباطهم وأضفى عليه التطرف األعمى‪ ،‬لكن قد يقول ٌ‬ ‫خاص ًة بعد أحداث الحادي عرش من أيلول سبتمرب بأمرييكا‪ -‬وهذه نتيج ٌة طبيعي ٌة‪ -‬وأ ّن اإلسالموفوبيا زادت مام‬ ‫انعكس عىل الجيل الحايل من املسلمني‪ ،‬حيث أ ّن عدم احرتام البلد املضيف للمهاجر سيشعره بالتبعية ال باالنتامء‬ ‫إىل تلك البلد‪ ،‬وهذا الشعور ولّد مشاكل الغرب اليوم مع نشوء سفاحني مستعدين العتبارها عد ًّوا بكل بساطة‪.‬‬ ‫أي أ ّن الغرب إن احرتمهم سيتامدون‪ ،‬وإن ه ّمشهم سيحقدون‪ ،‬وإن عاملهم بشكلٍ‬ ‫سهل‬ ‫ُعم ً‬ ‫طبيعي قد يصبح ً‬ ‫غافل وط ً‬ ‫ٍّ‬ ‫للتطرف واإلرهاب‪ .‬فام الحل األنسب مع هؤالء؟‬ ‫بشكلٍ عام‪ ،‬يف كل ٍ‬ ‫يوسمون باملارقني‪،‬‬ ‫بلد هناك حثال ٌة ال ميكن وضع ح ًّد لها إال بالقانون الصارم‪ ،‬لكن عىل األقل أولئك َ‬ ‫أي أنهم لن يعتربوا أنفسهم مظلومني‪ ،‬بل عىل العكس تجدهم يعرتفون بأنهم متمردين والبعض يتلذذ بإثارة الشغب‪،‬‬ ‫خجل‪ .‬أما املتديّن فاملشكلة هنا أنه لو ُعومل باعتباره حثال ًة فسريفض‬ ‫حتى أ ّن ذويهم يتربؤون منهم عىل األقل خوفًا أو ً‬ ‫ويتمرد أكرث وأكرث ألنه سيشعر بالظلم عندها‪ ،‬خاص ًة لو أن هناك من ميأل رأسه أن هذه األرض حقه‪ ،‬وتطبيق رشع الله‬ ‫بطل وسط مجتمعه الضيق‬ ‫ال حدود جغرافية له فاألرض كلها ملك الله‪ ،‬فال هوية وال وطن أمام الدين‪ ،‬كام أنه قد يع ّد ً‬ ‫املغلق‪.‬‬

‫الهوية والكرامة‬

‫الشك أنه بني الكرامة والهوية عالق ٌة وثيق ٌة‪ ،‬وقد يفرس نشوء كل منها نشوء اآلخر داخلنا‪ .‬وبالنظر إىل األمم التي‬ ‫حافظت عىل لغاتها أمام االجتياح العريب لبالدها كبالد الفرس آنذاك واألتراك واألمازيغ واألكراد‪ ،‬فاإلرصار عىل الحفاظ‬ ‫عىل اللغة التي تصون بدورها ثقافات الشعوب‪ ،‬هو كام اإلرصار عىل الحفاظ عىل الهوية وبالتايل عىل الكرامة‪.‬‬ ‫‪14‬‬


‫السفاحني‬ ‫كيف يصنعون ّ‬

‫‪Alia'a Damascéne‬‬

‫فمنذ بدأت بوادر تشكل التجمعات البرشية ومن ثم القبائل فاملدن فالدول واالمرباطوريات‪ ،‬والرغبة باالنتامء والبحث‬ ‫عن األمان الجمعي هام املح ّرك األقوى للشعوب‪ ،‬وارتأى القادة العزف أما عىل وتر التفوق العرقي والنوعي أحيانًا‬ ‫لتجييش شعوبها‪ ،‬أو عىل التلذذ بتمثيل دور الضحية واختالق أعدا ٍء الفتعال حروبهم‪ ،‬وكان الب ّد من نشوء الهوية‬ ‫والرغبة باالنتامء واللذان يختلفان عن بعضهام لو أردنا تحليلهام ‪-‬أي الهوية واالنتامء‪.-‬‬

‫يل وعقال ٌّين أكرث من االنتامء‪ ،‬االنتامء تغذيه العاطفة وترسم مالمحه الجغرافيا والتاريخ والسياسة‬ ‫فالهوية يش ٌء عم ٌّ‬ ‫مثل يف أمريكا فخو ٌر بهويته األمريكية‪ ،‬لكنه قد يشجع إثيوبيا بحال واجهت أمريكا يف‬ ‫والدين واللون والعرق‪ ...‬فاألثيو ّيب ً‬ ‫لعب ٍة رياضي ٍة ما‪ ،‬املح ّرك هنا عاطفي‪ .‬ولن نتحدث عن الحاالت الخاصة القليلة الحاقدة عىل أصولها‪ ،‬أل ّن األمر ال يعدو‬ ‫ٍ‬ ‫ألسباب‬ ‫حاالت فردي ٍة ومل تتع ّدى لتصبح ظاهرةً‪ ،‬وللظلم والتحقري أو التهميش الذي القوه ببالدهم األصلية سوا ٌء‬ ‫كونه‬ ‫ٍ‬ ‫ديني ٍة أم سياسي ٍة أم عرقي ٍة األثر األكرب‪ ،‬فرتاهم يتخلون عنها بسهول ٍة ألن كرامتهم أُهينت فيها‪ ،‬وباملقابل هناك من‬ ‫يتمسك بها أكرث‪ ،‬وهذا يؤكد أن نشوء أو زوال الهوية واالنتامء عالق ٌة وثيق ٌة بالكرامة‪ ،‬فكلنا ننتمي للدول التي تحفظ‬ ‫كراماتنا‪ ،‬لكن من املفرتض أن ال تسمح لنا كرامتنا بالسامح بإهانة جنسياتنا القدمية حتى وإن اعتربناها شكلية‪ ،‬ولنواجه‬ ‫أيضا من يعامل غريه بعنجهي ٍة مقيتة‪ ،‬فمن يرفض اآلخر أش ّد‬ ‫العنرصيني أل ّن العنرصي ليس فقط من يتط ّرف لنفسه بل ً‬ ‫يتعصب لهويته ‪.‬‬ ‫عنرصي ًة م ّمن ّ‬ ‫فرضا‬ ‫ملسلم فرنيس‪ ،‬حدث وأن عارص حربًا ً‬ ‫لكن اإلثيويب باملثال السابق قد يشجع فريقه عاطفيًا ليس إال‪ ،‬أما يف مثا ٍل آخر‪ٍ ،‬‬ ‫بني فرنسا بلده وبني دول ٍة إسالمي ٍة‪ ،‬فاحتامل ونسبة أن ينض ّم إىل الدولة اإلسالمية ضد بلده فرنسا سأترك تقديرها لكم‪.‬‬ ‫وهذا ما جعل أوروبا مؤخ ًرا تقف حائر ًة تجاه هذا األمر الذي غدا ظاهر ًة مقلق ًة خاص ًة مع أزمات ماس ّمي بالربيع‬ ‫مثل جاء ليحارب بصفوف أبناء بلده األصيل يف ليبيا أم ٌر م َّرب ٌر ومتوق ٌع‪ ،‬أما أن‬ ‫العريب‪ ،‬فأن نرى ليبيًّا بجنسي ٍة كندي ٍة ً‬ ‫يذهب بريطا ٌّين مسل ٌم من جذو ٍر بريطاني ٍة للمحاربة بصفوف مسلمني يف العراق قد يصادف أن يواجه جنو ًدا من بالده‬ ‫فهذا أم ٌر يستحق الدراسة‪ ،‬خاص ًة وأن األعداد ليست قليلة نسبيًّا‪ ،‬وال ننىس أننا نتكلم عن مجرمني‪ ،‬أي أ ّن ظهور مئة‬ ‫رقم مخيفًا‪ ،‬وظاهر ٌة تستحق التوقف عندها‪.‬‬ ‫سفا ٍح بظرف سن ٍة واحد ٍة يف إحدى الدول يُع ّد ً‬ ‫إجاملً بعض من ميلك هويتني اثنتني إحداهام مرتبطة بدينه (باألخص اإلسالم واليهود) سينتابه شعو ٌر دائ ٌم أنه يخون‬ ‫أحداهام‪ ،‬لذا سيبالغ مبيوله تجاه واحد ٍة منهام‪ ،‬وعىل األرجح طب ًعا ستنترص الهوية الدينية‪ ،‬فالدين يعترب نفسه هوي ًة‬ ‫أي دين ا تجمعهم لغ ٌة مشرتك ٌة وال ذاكر ٌة مشرتك ٌة‬ ‫بكل ما للكلمة من معنى‪ ،‬رغم افتقاره لكل مقومات الهوية‪ ،‬فأتباع ّ‬ ‫أرض واحد ًة أو مصالح ومخاطر واحدة‪ ،‬لذا بدأت بعض الدول الغربية مؤخ ًرا تدرك أنها باستقدامها لألجانب‬ ‫وال ٌ‬ ‫وبسياسة التجنيس التي اتبعتها معهم‪ ،‬مل تكسب مواطنني بل مل يكونوا أكرث من‪ :‬متحدثني بلغاتها‪.‬‬ ‫أخ ًريا‪ ،‬أرى أ ّن احرتامنا لهويتنا ال يعني التعصب لها‪ ،‬احرتامها فقط ألنها "واقع" ال بنكرانها سنكرب نحن‪ ،‬وال بالغلو‬ ‫باالعتزاز بها ستكرب هي‪.‬‬ ‫‪15‬‬


facebook group :https://www.facebook.com/groups/358777197583418 Blog :

https://www.aamagazine.blogspot.com

facebokPage :

https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299

16


‫سام هاريس يتكلم عن كتابه ‪The End of Faith‬‬ ‫يف مؤمتر ‪ Idea City‬يف كندا‬ ‫ترجمة‪Mckie Theman :‬‬ ‫متقدم علامين‪ ،‬حيث يبدو أ ّن املتدينني الوحيدين هناك هم مخبولون‪ ،‬لقد اكتفيت منهم حيث أنّك تنظر إىل‬ ‫" يف عا ٍمل‬ ‫ٍ‬ ‫أي مشكل ٍة تحدث يف العامل وستجد أ ّن هناك مجنونًا ما يحكم ويدين البرش‪ ،‬ويقتل األبرياء بسعاد ٍة‪ ،‬وهو مرتديًا عباءة‬ ‫ِّ‬ ‫ال ّدين‪ .‬إنّهم يعلموننا الحب‪ ،‬ولك ّنهم ميارسون اإلقصاء‪ ،‬ويعربون بطرقٍ مسموم ٍة عن عدم تسامحهم مع اآلراء األخرى‪.‬‬ ‫ال أعرف بشأنكم لك ّني مل أجد تعريفًا للغرور غري أنّه قيام أحدهم بالقول أنّه يعرف إرادة الله ويتكلم باسمه "‬ ‫الصاعات‪:‬‬ ‫و محدثنا التّايل – سام هاريس – سيكلمنا عن األثر الذّي يقوم به ال ّدين لتغذية ّ‬

‫‪17‬‬


‫سام هاريس يتكلم عن كتابه‬ ‫‪The End of Faith‬‬ ‫سام‪:‬‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫سأتحدث هنا عن اإلميان‪ ،‬وبالخصوص مشاكل اإلميان ال ّديني؛ حيث إنّني أظن أ ّن طريقة تعاملنا مع اإلميان انتقاد ال ّدين‬ ‫وإميان الغري هو أهم مقومات الحفاظ عىل حضارتنا وأهم املؤثرات عليها‪ .‬عاملنا الحايل عىل فوهة بركانٍ اآلن‪ ،‬كام قال‬ ‫موىس من قبل‪ .‬وهذا بسبب ال ّدوغامت ال ّدينية غري املتوافقة مع بعضها البعض‪ ،‬حيث لدينا مسيحيون هم معادون‬ ‫متوافق‪ ،‬وذلك ألنّنا نعتقد بأ ّن اإلله كتب‬ ‫دليل غري‬ ‫للمسلمني‪ ،‬ومسلمون معادين لليهود وهكذا‪ .‬الكتب نفسها تشكل ً‬ ‫ٍ‬ ‫نصا من أجلنا‪ ،‬ولكن لسوء حظنا لدينا الكثري من هذه ال ّنصوص‪.‬‬ ‫ً‬

‫قبل أ ْن أواصل حديثي سأقول بأ ّن بعض كالمي سيشعر كثريين ممن يف هذه القاعة باإلهانة‪ ،‬وذلك رغم أنكم تبدون يف‬ ‫الظاهر كجامع ٍة علامني ٍة‪ .‬أنا من بلد تقع إىل الجنوب من بلدكم‪ ،‬واألفكار ال ّدينية تنمو به متا ًما كام تنمو بأفغانستان‪،‬‬ ‫أي ٍ‬ ‫منزعج فقط ‪ ،‬وسأعرب‬ ‫شخص هنا‪ ،‬كام أنّه هذه ليس مقصدي من األساس‪ .‬أنا فقط‬ ‫وأود القول ّأن ال أنوي استفزاز ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ألن ال أعتقد أب ًدا بأ ّن حيا ًة كهذه مليئة باالختالفات والرصاعات ال ّدينية ستستمر معنا‪.‬‬ ‫بصوت عا ٍل‪ ،‬وذلك ّ‬ ‫عن انزعاجي‬ ‫فمن الواضح بال ّنسبة يل بأنّه مع ظهور تكنولوجيا القرن الحادي والعرشين( انسوا األسلحة ال ّنووية والبيولوجية‪،‬‬ ‫سنوات قليل ٍة ستجلس يف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محمول‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كهف يف أفغانستان‪ ،‬وتستعمل كومبيوترا‬ ‫والتّنافس التّكنولوجي الذّي يقول بأنّه بعد‬ ‫ٍ‬ ‫مبواصفات خارق ٍة‪ ،‬بحيث سينرش كل أفكارك املتطرفة يف املجتمع بسهول ٍة أكرث ) هذا لوحده‬ ‫قيمته ألف دوالرٍ‪ ،‬ولكنه‬ ‫رش متطورين‪ ،‬بل يتم متييزنا عىل أنّنا مسلمني‬ ‫يساهم يف ( بركنة ) عاملنا‪ ،‬فمع كل هذا التّطور ما زلنا غري مميزين كب ٍ‬ ‫ويهود أوما شابه‪.‬‬ ‫حقيقي؟‬ ‫إذن وباختصا ٍر ما هو اإلميان‪ ،‬وما معنى اإلميان بيش ٍء‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫جوهري بني اإلميان واألمل‪ .‬فيمكنني‬ ‫اختالف‬ ‫متثيل للعامل‪ ،‬ولكن األمر أكرب من ذلك‪ ،‬فهناك‬ ‫من الواضح أ ّن اإلميان هو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫بأن فزت باليانصيب‬ ‫مثل أن آمل بأ ّن أربح اليانصيب‪ ،‬فكالمي هذا ال ميثل العامل بل إنّه ميثل حال ًة خاص ًة‪ .‬ولكن أن أؤمن ّ‬ ‫ً‬ ‫فعل يجعلك تدخل يف نوب ٍة تس ّوقٍ جنوني ٍة‪،‬‬ ‫كفيل بجعيل أشعر مبشاعر وأحاسيس هائل ٍة‪ ،‬ففوزك باليانصيب ً‬ ‫فهذا يش ٌء ٌ‬ ‫وستتبجح بهذا وسط أصدقائك‪.‬‬ ‫إذن فاإلميان هو ليس أ ّن األفكار التّي برأسك تطبق عىل الواقع‪ ،‬وإذا كنت تظن أ ّن هذه هي خالصة الكالم‪ ،‬ففكّر‬ ‫بالتّغيري الذّي سيطرأ بحالتّك الفيزيائية والعصبية وال ّنفسية الحالية‪ ،‬وبني حالتها حني تعتقد بأ ّن أحدهم يحتجز ابنك‬ ‫قتال حاليًا‪ ،‬أو ما شابه ويأتيك ٌ‬ ‫اتصال‬ ‫كرهين ٍة‪ .‬حينها عليك أ ْن تكون وال ًدا أولً ‪ ،‬ويكون ابنك متواج ًدا يف منطق ٍة تخوض ً‬ ‫جذري بحالتّك‪ ،‬وكل‬ ‫بلغ ٍة غريب ٍة‪ ،‬وسنفرتض أ ّن هذ الظروف توفرت فعال‪ ،‬وأ ّن هذا حصل‪ ،‬حينها سيكون هناك تغي ٌري‬ ‫ٌ‬ ‫الهلع الذّي سيصيبك‪ ،‬سيكون بسبب اإلميان بحدث ما أصاب العامل‪.‬‬ ‫‪18‬‬


‫سام هاريس يتكلم عن كتابه‬ ‫‪The End of Faith‬‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫رضوري للتّحكم بعواطفنا وسلوكياتنا عرب ال ّزمان‪ ..‬إنّه يش ٌء ال نفهمه حال ًيا ولكني أعمل عىل فهمه عن‬ ‫ولهذا فاإلميان‬ ‫ٌ‬ ‫طريق تصوره وبالتّفكري به فإنّنا نقصد التّمثيل اللّغوي للعامل‪.‬‬ ‫مباذا يؤمن العامل إذن؟‬ ‫فمن حيث أتيت أنا يف الواليات املتحدة األمريكية‪ 22% ،‬من سكانها يؤمنون بصور ٍة قطعي ٍة بأ ّن يسوع املسيح سينزل‬ ‫أي ٍ‬ ‫السكان يؤمنون بأنّه لن يحرض خالل‬ ‫وقت خالل الـ ‪ٍ 50‬‬ ‫من الغيوم‪ ،‬وينقذ العامل يف ّ‬ ‫عام املقبلة! و‪ 22%‬أخرى من ّ‬ ‫الخمسني سن ٍة القادمة‪ ،‬فهذه ‪ 44%‬من مجموع ال ّناخبني الذّين ال يساهمون فقط يف انتخاب أعضاء الكونغرس والرؤساء‬ ‫أيضا ملناصب أعضاء الكونغرس والرئاسة!‬ ‫بل يرتشحون ً‬ ‫مخيف لنا‪ ،‬فهكذا إميا ٌن مل يأيت من عزلة هؤالء ال ّناس عن محيطهم‪ ،‬وبالتّايل فلن يكون بالحدث أ ْن نقول أ ّن ‪44%‬‬ ‫هذا ٌ‬ ‫بدل عنها‪ .‬يف الحقيقة‬ ‫من سكان الواليات املتحدة‪ ،‬يريدون حذف التّطور من مناهج التّعليم‪ ،‬وتدريس فرضية الخلق ً‬ ‫السكان يريدون أن ت ُ َدرس فرضية الخلق‪ ،‬والـ‪ 44%‬من هؤالء يريدون أن يتم تدريسها بشكلٍ‬ ‫حرصي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أقصد ‪ 62%‬من ّ‬ ‫رصا لليهود‪ ،‬حينام كان يقوم‬ ‫أي أنّنا سنبني حضار ًة من الجهل‪ 44% ،‬من ّ‬ ‫السكان مؤمنون بأ ّن الله أعطى أرض إرسائيل ح ً‬ ‫مبهام وكيل العقارات يف وقت ما!‬

‫وكام تعرفون إميا ٌن مثل هذا تتبعه عواقب سياسي ٌة كثريةٌ‪ ،‬فهو نتيجة الجتامعاتنا املتكررة يوم األحد‪ ،‬التّي نتحدث فيها‬ ‫عن الله واإلنجيل‪ .‬ولنأخذ مثالً أخر‪ ،‬وليكن االعتقاد الكاثولييك‪ ،‬بأ ّن استخدام الواقيات الجنسية الذّكرية هو خطيئة!‬ ‫كامل لألخالقيات‪ ،‬حيث أ ّن الدوغام ال ّدينية تفصل بني االسئلة املتعلقة باألخالقيات عن‬ ‫تزييف ٌ‬ ‫فمن وجهة نظري هذا ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫أخالقيات حني يقال لك بأ ّن استخدام‬ ‫أي‬ ‫تلك املتعلقة باملعاناة الحقيقية‪ ،‬كمعاناة البرش والحيوانات‪ .‬فهنا ال يوجد ّ‬ ‫الواقي محر ٌم‪ ،‬دون التّطرق إىل عواقب هذا الكالم‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫سام هاريس يتكلم عن كتابه‬ ‫‪The End of Faith‬‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫ففي إفريقيا لوحدها ميوت املاليني بسبب اإليدز‪ ،‬ومع ذلك يوجد الكثري من الوعاظ الكاثوليك الذّين يكرسون وقتهم‬ ‫للحديث عن آثام استخدام الواقي الجنيس‪ ،‬الحديث عنه يف ق ًرى ال تعرف شيئًا عن الواقي الذّكري‪ ،‬سوى ما يسمعونه‬ ‫من هؤالء الوعاظ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫معتقد مثل هذا قد انتهى وقته‪ ،‬وإليك ٌ‬ ‫مثال أخر من بالدي‪ ،‬فلدينا سياسيون من خريجي الجامعات‬ ‫الحديث عن احرتام‬ ‫يقاومون أبحاث الخاليا الجذعية‪ ،‬وال يساندون متويلها ويضعون مختلف العراقيل أمامها‪ ،‬رغم أنّه من أهم األبحاث‬ ‫ٍ‬ ‫عالجات فعال ٍة‪ ،‬وكل هذا بسبب تفكريهم القائم منذ القرون الوسطى‪ ،‬الذّي يقول بأ ّن‬ ‫الواعدة يف مجال األحياء لتوليد‬ ‫ال ّروح تدخل الزيجة لحظة تكوينها‪.‬‬ ‫بالسكري‪ ،‬أو لرجلٍ باألربعني مصابًا بالباركينسون‪ ،‬فكان من‬ ‫هكذا‬ ‫ٌ‬ ‫تعاطف كان يجب أن يقدموه لطفل ٍة بالثّامنة‪ ،‬مصاب ٌة ّ‬ ‫املمكن أن تساهم مثل هذه األبحاثٌ يف شفائهم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حديث‪ ،‬وبالتّايل وبسبب هذا‬ ‫أي‬ ‫انتقاد دين أحدهم قد يصل بنا إىل نتائج محرج ٍة‪ ،‬فاإلميان أم ٌر من شأنه أن يقيض عىل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تعايش‪ ،‬وتطوير ما يسمى باالعتدال ال ّديني‪ ،‬حيث ميكنك أن تصري عاب ًدا‬ ‫فبعضنا يظن أنّه من املمكن أن نصل إىل حالة‬ ‫إلل ٍه ما‪ ،‬ولديك يق ٌني مبا سيحصل بعد املوت‪ ،‬وإملا ٌم باألسس األخالقية لهذا الكون‪.‬‬ ‫خاص بك‬ ‫بأي إل ٍه‪ ،‬وهذا اإلميان ٌ‬ ‫السيايس لل ّدين‪ ،‬حيث ميكنك اإلميان ّ‬ ‫وبذلك فاالعتدال ال ّديني سيكون نتيجة للتّعديلٍ ّ‬ ‫قيل من الوقت للكالم عن ملاذا يعترب هذا التفكري طريقًا نهايته مسدودةٌ‪.‬‬ ‫لوحدك‪ ،‬لكني سآخذ ً‬ ‫بداي ًة فإ ّن االعتدال ال ّديني مينح غطا ًء للتّخريب ال ّديني‪ ،‬ألنّنا لن نستطيع انتقاد املتطرفني من املتدينني‪ ،‬ألنّه سيكون‬ ‫حضاري‪ ،‬فحينها املتطرفون املتدينون ينتقدون كل أديان ال ّناس إلّ أديانهم‪ ،‬وهم‬ ‫شيئًا محر ًما سياس ًيا‪ ،‬وسيكون يش ٌء غري‬ ‫ٍ‬ ‫مدعومون من املعتدلني‪ ،‬فاملتطرفون يف بالدي يقولون أ ّن اإلسالم دي ٌن خط ٌري‪.‬‬ ‫السؤال الذّي سيطرحه‬ ‫فالرئيس جورج بوش قال ذات مر ٍة بأحد مؤمتراته بأنّه يأخذ أوامره من الله! وكام يبدو يل فإ ّن ّ‬ ‫صحفي بذلك املؤمتر سيكون (سيدي الرئيس كيف سيفرق هذا عن قولنا بأنّنا نأخذ أوامرنا من بوسايدن؟ ليس‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وكأن من قال أ ّن الله موجو ٌد يف القرن الثّالثّ قد نفى وجود بوسايدن) وحينها طب ًعا سيكون هذا أخر سؤا ٍل يسأله هذا‬ ‫ألي ٍ‬ ‫شخص!‬ ‫الصحفي ّ‬

‫‪20‬‬


‫سام هاريس يتكلم عن كتابه‬ ‫‪The End of Faith‬‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫فكري‪ ،‬ف ّك ْر للحظ ٍة بفكرة احرتام معتقد غريك‪ ،‬متى آخر مر ٍة قمنا بهذا‬ ‫إفالس‬ ‫ٌ‬ ‫مشكلة أخرى لالعتدال ال ّديني هي كونه ٌ‬ ‫شخصا آخر لعدم احرتامه لتاريخ األحياء أو الفيزياء؟‬ ‫يف محارضاتنا؟ متى آخر مر ٍة عاتب فيها أحدكم هنا ً‬ ‫أسباب العتقادي‬ ‫ولك ّننا ال نحرتم معتقدات الغري ملجرد عدم االحرتام‪ ،‬نحن نُق ّيم أسبابهم لالعتقاد بهذا‪ ،‬فلو كانت لدي‬ ‫ٌ‬ ‫وكانت دامغ ًة مبا يكفي‪ ،‬ستقوم أنت بإتباع ما أتبعه تلقائ ًيا‪ ،‬فاألسباب ُمعدي ٌة‪ ،‬وتنتقل بني ال ّناس‪ .‬وهذا أحد املقومات‬ ‫شخصا منطق ًيا‪.‬‬ ‫التي تجعل منك ً‬ ‫إحرتم مقدسايت يا أخي‬ ‫نحن أخوة يف العلم‬

‫ال مقدس يف العلم‬ ‫روح إتنيل‬ ‫فقط قم بتقدير هذا حني نقوم بتغيري الحديث من الله إىل يش ٍء آخر‪ ،‬وإليك هذا املثال كنت قد طرحته يف كتايب ‪:‬‬ ‫فلو قلت لك أنّني أؤمن بوجود ماس ٌة بحجم الثّالجة مدفون ًة يف حديقتي الخلفية‪ ،‬فرمبا سيخطر لك بأن تسألني ملاذا‬ ‫أقول هذا؟‬ ‫جواب يلخص األحاسيس الجيدة التّي‬ ‫أي‬ ‫فلو أجبتك‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بجواب شبي ٌه لألجوبة التّي قد تسمعها من أحد املعتدلني دين ًيا‪ّ ،‬‬ ‫ألن ال أريد العيش يف عا ٍمل يخلو‬ ‫تأتيني من هذا اإلميان‪ ،‬سأقول حينها‪ :‬أل ّن هذا اإلميان مينح حيايت معا َين كثري ٍة‪ ،‬أو أقول‪ّ :‬‬ ‫من ماس ٍة بحجم الثّالجة مدفون ًة يف حديقتي الخلفية!‬ ‫أجوبة كهذه ستكون بدون مع ًنى‪ ،‬وستكون شبيه ًة بأجوبة ٍ‬ ‫بأن قد أقصيت‬ ‫جواب كهذا سيعني ّ‬ ‫شخص معتو ٍه أو منافق‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫أي موقعٍ للمسؤولية يف مجتمعٍ تاب ٌع للعامل املتمدن‪.‬‬ ‫نفيس من ّ‬ ‫‪21‬‬


‫سام هاريس يتكلم عن كتابه‬ ‫‪The End of Faith‬‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫غي املوضوع إىل ال ّدين‪ ،‬إىل الحديث عن الكائن فائق الذّكاء املختفي‪ ،‬وليكن عن ما يحدث بعد املوت‪ ،‬حينها‬ ‫واآلن َّ‬ ‫ستنتهي كافة الرهانات‪ ،‬وسيمكنك قول كل يش ٍء وقتها‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬أل ّن املؤسسني قد قرأوا الكتب‪ ،‬وعرفوا أن هذه‬ ‫مفلسا فكريًا فقط‪ ،‬بل‬ ‫ومفلس ثيوقراطيا ً‬ ‫االعتدال ال ّديني ليس ً‬ ‫ٌ‬ ‫الكتب غري متسامح ٍة مع اآلخرين كام يقول املتطرفون‪.‬‬ ‫كتب مؤسسة منهجيا)‪ ،‬وهي تختلف‬ ‫(كتب مؤسسايت ‪ٌ /‬‬ ‫كتب مؤسس ٌة ٌ‬ ‫ومبجرد احرتامنا للقول بأ ّن القران أو اإلنجيل هي ٌ‬ ‫كتب متعلقة‬ ‫عن الكتب األخرى إذا ما قارناها بها‪ ،‬مثل كتب شكسبري أو اإللياذة فهي ليست كتب أدب‪ ،‬بل هي أفضل ٍ‬ ‫باألخالقيات‪ ،‬إذا احرتمنا هذه االدعاءات فسنكون رهين ًة ملحتوياتها‪.‬‬ ‫مقيت‪ ،‬ومعظم املسيحيني يظنون‬ ‫عمل‬ ‫خالق الكون يكره املثليني‪ ،‬إذا قرأت اإلنجيل فستعرف أ ّن املثلية الجنسية هي ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وخصوصا يف بعض األسفار مثل الخروج وصموئيل الثّاين‪.‬‬ ‫أ ّن العهد الجديد هو مجرد إعاد ٍة للعهد القديم يف وحشيته‪،‬‬ ‫ً‬ ‫هذا ليس صحي ًحا فيمكنك أن تأيت بيسو ٍع حني يكون مبزا ٍج ٍ‬ ‫جميل مثل القواعد الذّهبية‪ ،‬لكنه‬ ‫جيد‪ ،‬وتأخذ منه كال ًما ً‬ ‫أيضا يقول يف إنجيل لوقا‪:‬‬ ‫ً‬

‫أَ َّما أَ ْع َد ِائ‪ ،‬أُول ِئ َك ال َِّذي َن لَ ْم يُرِي ُدوا أَ ْن أَ ْملِ َك َعلَ ْي ِه ْم‪ ،‬فَأْتُوا ِب ِه ْم إِ َل ُه َنا َوا ْذبَ ُحو ُه ْم قُ َّدا ِمي‪.‬‬ ‫لوقا ‪27:19‬‬ ‫أضمن لكم بأ ّن املحققني يف العصور الوسطى الذّين كانوا يحرقون املهرطقني أحيا ًء لخمسة قرونٍ ‪ ،‬قد قرأوا العهد الجديد‬ ‫ووجدوا به ما يس ّوغ لهم أفعالهم هذه بإرشاد يسوعٍ‪ .‬وليس مفاجئًا أ ّن بعض أعالم الكنيسة مثل القديس توما اإلكويني‪،‬‬ ‫طالب مبتدئٍ يف بالدي عىل األقل‪.‬‬ ‫وأناس آخرون‪ ،‬يتم تدريس حياتهم ومنهجهم لكل ٍ‬ ‫والقديس أوغسطني‪ٌ ،‬‬ ‫ففي حال توما اإلكويني فهو قد قال بأ ّن املهرطقني يجب قتلهم فو ًرا‪ ،‬بينام أوغسطني اقرتح تعذيبهم‪ ،‬و كالم أوغسطني‬ ‫هو ما قام به املحققون‪ .‬وإذا نظرنا إىل هذه األحداث من حرق ال ّناس وهم أحيا ٌء‪ ،‬والعلام ٌء يتم تعذيبهم قمة التعذيب‬ ‫وبقسو ٍة‪ ،‬ألنّهم شككوا بطبيعة ال ّنجوم من وجهة نظر القرن الحادي والعرشين‪ ،‬سنقول أ ّن هؤالء (املحققون) كانوا‬ ‫مجرد مهرطقني‪ ،‬هذا ليس صحي ًحا فام قاموا به كان رشع ًيا من منطلق إميانهم‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫سام هاريس يتكلم عن كتابه‬ ‫‪The End of Faith‬‬

‫‪McKie Theman‬‬

‫فكر باألمر؛ هناك جا ٌر لك وهو يلقن شيئًا روحان ًيا‪ ،‬غريبا البنك‪ ،‬من شأنه أن ييسء إىل مستقبل ابنك بشكلٍ كبريٍ‪ ،‬فهذا‬ ‫متحرش باألطفال‪ .‬نحن هنا نتكلم عن أبدي ٍة من املعاناة‪ ،‬أل ّن ابنك قد عرف‬ ‫ٌ‬ ‫سيكون أسوأ بكثريٍ من أن يسكن قربك‬ ‫االسم الصحيح لله‪ ،‬لذلك فأنت تجازف بالكثري هنا‪.‬‬ ‫مشكل ٌة أخرى لالعتدال ال ّديني‪ ،‬وهي أ ّن املعتدلني دينيًا يجعلهم اعتدالهم عميانًا أحيانًا‪ ،‬فهم يعتقدون أنّه من املستحيل‬ ‫عىل ال ّناس االعتقاد بهكذا أشيا ٍء‪ ،‬يعني حني يشاهد التّلفاز لريى جهاديًا ما ينظر إىل الكامريا‪ ،‬ويقول أنّه يحب املوت أكرث‬ ‫ٍ‬ ‫السبب إىل‬ ‫مام يحب الكفرة الحياة ث ّم يفجر نفسه‪ ،‬يظنون أ ّن هذا مجرد‬ ‫ترصف ٍ‬ ‫فردي وال عالقة له بال ّدين‪ ،‬بل يعزو ّ‬ ‫تعليم أو ما شابه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أسباب اقتصادي ٍة أو قلة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص يستطيعون‬ ‫بحائط برسعة ‪ 400‬كم‪ ،‬وهذا فقط بسبب قلة التّعليم‪ .‬فهناك‬ ‫مهندس صدم نفسه‬ ‫ال أعرف كم‬ ‫ٌ‬ ‫بناء قنبل ٍة نووي ٍة ومع ذلك يعتقد أ ّن هناك ‪ 72‬حوري ًة بانتظاره يف الجنة‪ ،‬وال يوجد أح ٌد يف العامل يقول لك‪ :‬هذا هرا ٌء!‬ ‫ال تصدقه!‬ ‫ولذلك ويف الختام‪ ،‬أريد القول أنّه مهام كان‬ ‫حقيقيًا روحانيًا وأخالقيا يف ظروفنا‪ ،‬فال شك‬ ‫أ ّن هناك حقائق روحاني ًة وتجارب روحاني ٍة‬ ‫تحدث للبرش‪ .‬فأيًا كانت الحقائق يجب أن‬ ‫يكون لها تأُث ٌري عىل اختالف ثقافتنا‪ ،‬لذلك‬ ‫نحن ال نتحدث عن الفيزياء املسيحية أو‬ ‫الرياضيات اإلسالمية‪ ،‬فلو كانت هكذا لكانت‬ ‫صالح ًة لتطبيقها سوا ًء هنا أو يف بغداد‪ ،‬وال‬ ‫تعرف حدو ًدا‪ ،‬وستكون ذات تأثريٍ عىل أسس‬ ‫الكون‪ ،‬وتكون صحيح ًة روحان ًيا وأخالق ًيا‪.‬‬ ‫وليك تكون محادثاتنا مفتوح ًة دامئًا‪ ،‬فيجب أن تكون معتقداتنا قابل ًة للتّغيري والتّطوير عن طريق الحوار‪ ،‬فحني يكون‬ ‫كل يش ٌء عىل املحك‪ ،‬سنكون إ ّما أمام خيار الحوار‪ ،‬أو خيار العنف سوا ٌء عىل مستوى األفراد أو املجتمعات‪ .‬لذلك سأقول‬ ‫السياسية‪ ،‬وامتصاص االختالفات‪ ،‬بل باملنطق واالنفتاح‬ ‫بأ ّن نهاية اللّعبة بال ّنسبة للحضارة لن تكون بسبب التّصحيحات ّ‬ ‫املنطقي واألدلة املنطقية فقط ‪.‬‬ ‫‪23‬‬


24


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف أساطري الحجاز‪.‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫الحلقة الثالثة‪ :‬إنهاء"إعجاز" السامء‪.‬‬ ‫‪ .1‬شبهة إعجاز مواقع النجوم‪.‬‬

‫قسم‬ ‫مل ّخص الشبهة‪ :‬أقسم الله تعاىل يف القرآن‪ ،‬مؤك ًدا عىل إلهية كتابه‪ ،‬مبواقع النجوم يف السامء معظ ًّم إيَّاها يف ٍ‬ ‫رب العاملني﴾‪ .‬وعىل ضوء‬ ‫بقوله‪ ﴿:‬فال أقسم مبواقع النجوم‪ .‬وإنَّه لقس ٌم لو تعلمون عظي ٌم‪ .‬إنَّه لقرآ ٌن كري ٌم‪ٌ ..‬‬ ‫تنزيل من ِّ‬ ‫ما اكتشفه العلم الحديث من أ ّن "ما نراه من النجوم عىل صفحة السامء إمنا هي النجوم يف مواقعها القدمية‪ ،‬يوم خرج‬ ‫معي إىل‬ ‫السنني‪ ،‬بينام صار النجم الذي نراه اآلن يف موضعٍ ّ ٍ‬ ‫منها الضوء الذي وصل إىل أعيننا بعد ماليني أو مليارات ِّ‬ ‫موضع آخر‪ ،‬وتقلّب من حاله التي نراها إىل حا ٍل غريها‪ ،‬ورمبا ف ِن َي واندثر ومل تبق منه باقي ٌة‪ ،‬وما نرى منه ّإل حاله‬ ‫القديم يف موضعه القديم‪ ،‬نقله إلينا اآلن الضوء الذي أش َّعه النجم منذ القديم‪ ،‬مبقدار ما بيننا وبينه من سنني ضوئيَّ ٍة"‪،‬‬ ‫نعرف أ ّن القرآن مل يُقسم بالنجوم أنفسها وإمنا مبواقعها و ما ذلك إال إشار ٌة منه لهذه الظاهرة التي هي من غيب ّيات‬ ‫عرصه‪ .‬وإخبار الغ ْيب ال يكون إلّ وح ًيا ممن يعلم الغ ْيب‪.‬‬ ‫التفنيد‪:‬‬ ‫م ّر بك‪ ،‬عزيزي املتابع لسلسة اإلجهاز‪ ،‬أ ّن دعوى اإلعجاز لها رشو ٌط ينبغي استيفاؤها لتصري إعجازًا حقًا‪ .‬ذلك أن‬ ‫تكون هناك حقيق ٌة علمي ٌّة صحيح ٌة مثبت ٌة‪ ،‬وأن يكون القرآن قد أخرب عنها بعبار ٍ‬ ‫ات قاطعة الداللة‪ ،‬وأن يربهن عىل‬ ‫استحالة معرفة تلك الحقيقة يف عرص محمد‪ .‬وتلك العنارص الثالثة‪ ،‬إن متعنت‪ ،‬قد زعمها صاحب الشبه ِة لشبه ِت ِه‬ ‫الَّتي إياها نناقش‪ .‬وقد كان له فيهام رشطان ُمستوفيان‪ ،‬وهام صحة الحقيقة وغيبيتها عن محمد‪ ،‬وثالث ليس‬ ‫فيه من الصحة حبة خرد ٍل‪ ،‬وهو أ ّن القرآن أخرب عنها بعبار ٍ‬ ‫ات قاطعة الداللة‪ ،‬بل أخرب عنها من األساس‪ .‬فكل ما‬ ‫‪25‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف أساطري الحجاز‪.‬‬ ‫الحلقة الثالثة‪ :‬إنهاء"إعجاز" السامء‪.‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫ارتكنوا عليه يف آية القرآن هو لفظة "مواقع النجوم"‪ ،‬وكل ما تستطيع هذه اللفظة أن تدل عليه مبقتىض قواعد‬ ‫وخاصته‪.‬‬ ‫اللغة العربية‪ ،‬كام سأريك اآلن‪ ،‬ال يستطيع أن يشمل الحقيقة التي أرادها لها أهل اإلعجاز‪ ،‬أهل التلفيق‬ ‫َّ‬

‫ً‬ ‫أول‪ :‬عن املعارف القدمية‪:‬‬

‫ولعلك تعلم‪ ،‬عزيزي القارئ‪ ،‬إن كنت من محبّي السامء والنجوم والكواكب‪ ،‬أ ّن النجوم ترشق أول كل ليل ٍة كام ترشق‬ ‫الشمس وتغرب يف آخرها كام تغرب‪ ،‬ولها بني رشوقها وغروبها مس ٌريملحو ٌظ يف السامء‪ ،‬رشط أن تتأمله فرت ًة كافي ًة‪ ،‬وهذا‬ ‫مص ّو ًرا يف صورة واحد ٍة كان هذا املنظر البديع كام ترى‪:‬‬ ‫الرشوق فاملسري فالغروب إن تم تسجيله ّ‬ ‫أيضا أنه‪ ،‬ولدوران األرض حول الشمس‬ ‫ولعلّك تعلم ً‬ ‫التي تحجب النجوم نها ًرا‪ ،‬فإنه يف فرتات السنة‬ ‫فلكل ٍ‬ ‫وقت‬ ‫املختلفة ت ُشاهد يف السامء نجو ٌم مختلف ٌة‪ّ ،‬‬ ‫من أوقات العام نجو ٌم مرتبطة به وتظهر فيه‪ ،‬ونحن‬ ‫نتوقع ظهورها بحلول ميعادها ونخرج لنشاهدها‪،‬‬ ‫أ ّما قد ًميا‪ ،‬فكان العكس هو الذي يحدث‪ ،‬فقد كانوا‬ ‫يعرفون قدوم الوقت من العام عند ظهور نجومه‪.‬‬ ‫وكان ذلك شديد األهم ّية ألهل الحضارات الزراعية‬ ‫(لتعرف مواسم الزراعة) والتجارية (لتعرف مواسم‬ ‫التجارة) وألهل الصيد (ليعرفوا مواسم الصيد) والرعي‪ ..‬الخ‬ ‫‪ ،‬فكانت النجوم مواقيتهم التي بها يوقِّـتون‪ .‬وكان ألجدادنا‬ ‫خرب ٌة كبري ٌة بالنجوم حتى إنّهم ضبطوا أمر حسابهم بها‪،‬‬ ‫بتغي مواقع هذه‬ ‫فقسموها إىل برو ٍج نجميّ ٍة وعرفوا الوقت ّ‬ ‫الربوج بالنسبة للشمس‪ .‬فيقال دخلت الشمس برج األسد أو‬ ‫العذراء أو امليزان‪ ،‬ولكل برج درجاتٌ تتنقل فيها الشمس يف‬ ‫ٍ‬ ‫أيام‬ ‫معلومات(‪ .)1‬كام ترى يف الصورة التوضيحية‪:‬‬ ‫ٍ‬

‫)‪Roy L. Bishop, ed., The Observer's Almanac 1991, The Royal Astronomical Society of Canada.(1‬‬

‫‪26‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف أساطري الحجاز‪.‬‬ ‫الحلقة الثالثة‪ :‬إنهاء"إعجاز" السامء‪.‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫ومل تقترص أهميّة النجوم بالنسبة ألجدادنا عىل معرفة الوقت‪ ،‬بل تع ّدت ذلك إىل معرفة االتجاهات‪ ،‬وإىل يومنا هذا‬ ‫مازال التائه‪ ،‬إن كان من العارفني باألفالك‪،‬مستغن ًيا بنجم الشامل عن البوصلة‪ .‬وهذا ها ّم ج ًّدا لقوم يرتحلون يف الفيايف‬ ‫والقفار‪ ،‬أويف مجاهل البحار‪ .‬وقد سجل القرآن اعتامد العرب عىل قراءة السامء يف التوقيت واالهتداء بقوله﴿وهو الذي‬ ‫جعل لكم النجوم لتهتدوا بها يف ظلامت الرب والبحر﴾ (األنعام‪ )97 /‬وقوله‪﴿ :‬يسألونك عن األهلة‪ ،‬قل هي مواقيت‬ ‫للناس﴾(البقرة‪.)189/‬‬ ‫ومل يكن العرب وحدهم كذلك‪ ،‬بل كان عىل هذا أهل العامل القديم جمي ًعا‪ ،‬حتى قيل أننا جمي ًعا أحفاد علامء ٍ‬ ‫فلك‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬املباحث اللغوية‪:‬‬

‫املفسون القدامى كل معانيها‪ ،‬كام ترى يف قول صاحب املصباح املنري(‪« )2‬واختلفوا‬ ‫أما كلمة "مواقع" العربية فقد استنفذ ّ‬ ‫يف املراد مبواقع النجوم ما هي؟ فمن قائل‪ :‬هي مطالعها ومغاربها؛ ألن هذه آية تتجىل فيها عظمة الله‪ -‬عز وجل‪ ،-‬كام‬ ‫برب املشارق‪ ،‬فالشمس والقمر‪ ،‬أو‬ ‫َ‬ ‫قال الله‪ -‬عز‬ ‫وجل«فل أُق ِْس ُم ِب َر ِّب الْ َمشَ ارِقِ َوالْ َم َغارِب»(سورة املعارج‪ )40 /‬أي أقسم ّ‬ ‫األفالك‪ ،‬من املمكن‪ ‬أن تكون الشمس شتا ًء وص ْيفًا كام ذكرنا أو األفالك فكلها تطلع ثم تغيب‪ ،‬ومن أهل العلم من قال‪:‬‬ ‫مواقع النجوم هي مطالعها ومغاربها ومساراتها إذا سارت‪ ،‬ومنهم من يقول‪" :‬مواقع النجوم" هي مساقطها ومغاربها إذا‬ ‫غابت‪ ،‬ومن أهل العلم من يقول‪":‬مواقع النجوم" هي محالّها يف السامء‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬هي منازلها‪ ،‬متيش مبنازل كام‬ ‫أن القمر مييش مبنازل‪ ،‬والشمس تسري وتجري مبنازل‪ ‬وهكذا»‪ ،‬فهي عىل استنفاذ كل ما فيها تعني إما‪:‬‬ ‫فلكل منهم موق ٌع وللنجوم‬ ‫‪1.1‬مجالها التي هي فيه بدون أي إشارة إىل حرك ٍة‪ ،‬وجاءت "مواقع" جم ًعا أل ّن النجوم جم ٌع‪ٍّ ،‬‬ ‫مجتمع ًة مواقع‪ .‬ومعلو ٌم من العربية أ ّن مكان اليشء الثابت يقال له موق ٌع‪ ،‬كأن تقول موقع البيت وتجمعها عىل‬ ‫مواقع البيوت دون أن تعني أ ّن البيوت تتح ّرك‪.‬‬ ‫كل ليل ٍة من الرشوق إىل‬ ‫‪2.2‬أو أن تكون"مواقع" جاءت عىل الجمع إشار ًة إىل الحركة‪ ،‬إذ النجم يسلك مسلكًا يف السامء ّ‬ ‫يتغي موقع النجم يف األوقات املختلفة يف الليلة الواحدة‪ .‬ولك ّن هذا املسلك ينزاح انزيا ًحا ملحوظًا‬ ‫الغروب‪ ،‬فبذلك ّ‬ ‫كل ليل ٍة مقارن ًة بالليلة التي قبلها‪ .‬فبذلك يكون موقع النجم الواحد‪ -‬كام نراه يف السامء‪-‬‬ ‫يتغي مكانه ّ‬ ‫عن مكانه و ّ‬ ‫مختلفًا يف كل ليلة من ليايل العام‪ ،‬بل يف كل لحظة منه‪.‬‬ ‫‪3.3‬مغاربها‪ :‬وكأنها تسقط فيها وتقع‪ ،‬فهي لها "مواقع"‪.‬‬ ‫‪4.4‬مساقطها يوم القيامة‪ ،‬فالله ‪ -‬كام هو معلوم‪ -‬ميسك السامء أن تقع عىل األرض‪ ،‬ويوم القيامة سيرتك النجوم تنكدر‬ ‫وتنترث عىل األرض‪.‬‬ ‫‪5.5‬مسارات الشهب‪ :‬قال بذلك بعض أهل التفاسري‪ ،‬فكأنها تقع عىل الشياطني‪.‬‬ ‫(‪ )2‬املصباح املنري يف مخترص تفسري ابن كثري للمباركفوري‬

‫‪27‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف أساطري الحجاز‪.‬‬ ‫الحلقة الثالثة‪ :‬إنهاء"إعجاز" السامء‪.‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫‪6.6‬أوقات نزول الوحي‪ :‬فكلمة نجم يف العربية واسعة الداللة‪ ،‬فأصل ما ّدتها يعني ظهر‪ ،‬ولذا استعملت يف النجم ألنه‬ ‫يظهر‪ ،‬ولشدة ارتباط توقيتهم بالنجوم توسعوا يف استعامل لفظها‪ ،‬حتى قال صاحب املصباح املنري‪َ « :‬وكَانَ ِت الْ َع َر ُب‬ ‫الس َن ِة بِالْ َنْ َوا ِء َوكَانُوا يُ َس ُّمو َن الْ َوق َْت‬ ‫ت ُ َؤق ُِّت ِبطُلُو ِع ال ُّن ُج ِ‬ ‫اب َوإِنَّ َا يَ ْح َفظُو َن أَ ْوقَاتَ َّ‬ ‫وم ِلَنَّ ُه ْم َما كَانُوا يَ ْع ِرفُو َن ال ِْح َس َ‬ ‫ال َِّذي يَ ِح ُّل ِفي ِه الْ َ َدا ُء نَ ْج ًم ت َ َج ُّوزًا ِلَ َّن الْ َ َدا َء َل يُ ْع َر ُف إلَّ بِال َّن ْج ِم ث ُ َّم ت َ َو َّس ُعوا َحتَّى َس َّم ْوا الْ َو ِظي َف َة نَ ْج ًم لِ ُوقُو ِع َها ِف‬ ‫ْالَ ْصلِ ِف الْ َوق ِْت ال َِّذي يَطْلُ ُع ِفي ِه ال َّن ْج ُم َواشْ تَقُّوا ِم ْن ُه فَقَالُوا نَ َّج ْم ُت ال َّديْ َن بِالتَّثْ ِقيلِ إذَا َج َعلْتَ ُه نُ ُجو ًما ق َ​َال ابْ ُن فَار ٍِس‬ ‫ش ٍء َوك ُّ​ُل َو ِظي َف ٍة نَ ْج ٌم»‪ ،‬وقالوا نزل القرآن م َن ّج ًم أي ُمف َّرقًا‪ ،‬ويقول صاحب املصباح املنري يف‬ ‫ال َّن ْج ُم َو ِظي َف ُة ك ُِّل َ ْ‬ ‫وم﴾‪ ‬أي‪ :‬نجوم القرآن‪ ،‬وهذا هو الذي اختاره الشيخ محمد األمني‬ ‫التفسري «والقول اآلخر‪ :‬إن املراد‪﴿ ‬بِ َ َوا ِقعِ ال ُّن ُج ِ‬ ‫وم * َوإِنَّ ُه لَق َ​َس ٌم لَ ْو ت َ ْعلَ ُمو َن َع ِظي ٌم*‬ ‫الشنقيطي‪ -‬رحمه الله‪ -‬وقال‪ :‬املناسبة ظاهرة بني القسم‪﴿ ‬فَال أُق ِْس ُم بِ َ َوا ِقعِ ال ُّن ُج ِ‬ ‫إِنَّ ُه لَ ُق ْرآنٌ‪ ﴾،‬قال فقوله‪﴿ :‬إِنَّ ُه لَ ُق ْرآ ٌن﴾ يدل عىل أن مواقع النجوم هذه‪﴿ ،‬إِنَّ ُه لَ ُق ْرآ ٌن﴾ تفسري ملواقع النجوم»‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬اإلجهاز عىل الشبهة‪:‬‬

‫وخاصته‪ ،‬فال يستقيم عىل ما تقتضيه قواعد اللغة العربية‪ ،‬فلديهم عبار ٌة‬ ‫وأما ما أىت به اإلعجازيون‪ ،‬أهل التدليس‬ ‫ّ‬ ‫صائح مبني‪ ،‬فر َّددوا‬ ‫يقولونها جمي ًعا بالتامثل( ال تدري ملاذا يتامثلون‪ ،‬فيام يقولون‪ ،‬كأنهم ببغاواتٌ حارشين‪ ،‬صاح فيهم ٌ‬ ‫صيحت ُه أجمعني‪ ،‬ال يتثـ َّبـتون) وهي أ ّن القرآن "قال مواقع النجوم ومل يقل النجوم نفسها‪ ،‬ألننا ال نرى النجوم نفسها بل‬ ‫نرى مواقعها"‪ ،‬وهذه الجملة املبهمة تختبئ خلفها مغالط ٌة مراوغ ٌة‪ ،‬إن متعنت‪ ،‬فامذا تعنى مقابلة "موقع النجم" مع‬ ‫" النجم نفسه " وهام ليسا خيارين متبادلني؟ فللنجم يف كل آنٍ ٌ‬ ‫نجم‬ ‫حال وموق ٌع‪ ،‬والحق أننا نرى النجم نفسه وليس ً‬ ‫أيضا‪ .‬ووجه املغالطة هو سوء‬ ‫آخر‪ ،‬ولكن عىل حاله القديم يف موقعه القديم‪ ،‬أما اآلن فله حال جديد وموقع جديد ً‬ ‫استخدامهم ملعنى عبارة "مواقع النجوم" وكأنها إشارة إىل "املواقع القدمية للنجوم" بينام هي مبفردها‪ ،‬دون أن ت ُنعت‬ ‫بالقدمية رصاح ًة‪ ،‬ال تفيد ذلك‪.‬‬

‫قائل ممن رانت تخاليط اإلعجاز عىل عقولهم فام عادوا يضبطون (وما كانوا يضبطون من قبل شيئًا‪ ،‬إن‬ ‫فإن قال لك ٌ‬ ‫أكرثهم جاهلون)‪« :‬انظر إىل السامء بعني العلم الحديث وأدرك عظمة القرآن‪ ،‬إننا نرى خريطة السامء القدمية‪ ،‬ال‬ ‫السامء الحالية‪ ،‬فام تبرصه إمنا هو مواقع النجوم يف يوم أش ّع هذا الضوء منذ ماليني السنني» فقل له «نعم‪ ،‬نرى مواقع‬ ‫النجوم"يف يوم أش ّع هذا الضوء منذ ماليني السنني"‪ ،‬أين قال القرآن إذًا يا صديقي هذه الـ" يف يوم أش ّع هذا الضوء‬ ‫منذ ماليني السنني" التي أضفتها أنت تصف بها مواقع النجوم لتجعلها تفيد املواقع القدمية ؟ إن لفظة مواقع النجوم‬ ‫بذاتها ال تفيد قدميًا وال حديثًا وال حتى ثبات ًا وال تحركًا(ما دامت تصف جم ًعا‪ ،‬وقد مر بك قولنا مواقع البيوت) فإن‬ ‫كانت النجوم‪-‬فَ َر ًضا‪ -‬ثابت ًة يف أماكنها وال تتحرك هي وال نحن ونراها لحظ ًّيا عىل حالها وموقعها اآلن ًيني الساكنني أب ًدا‬ ‫أيضا مع واقع ما يعرفه عرب‬ ‫لصح قول القائل "أقسم مبواقع النجوم" أي أماكنها التي اتخذتها يف السامء‪ ،‬وتصح القولة ً‬ ‫ّ‬ ‫تغي مواقع بروجها بالنسبة للشمس وبالنسبة‬ ‫البادية من حركات النجوم يف السامء رشوقًا وغروبًا‬ ‫وخنسا ً‬ ‫ً‬ ‫وكنسا ومن ّ‬ ‫‪28‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف أساطري الحجاز‪.‬‬ ‫الحلقة الثالثة‪ :‬إنهاء"إعجاز" السامء‪.‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫للسامء‪ ،‬فكيف تكون هذه اللفظة بذاتها‪ ،‬والتي تستقيم واملعارف العادية القدمية‪ ،‬تفيد بذكرها أ ّن القرآن ال بد يقصد‬ ‫أصل ذلك املعنى الذي إياها تح ِّملون»‬ ‫شيئًا متجاوزًا لهذه املعارف؟ ناهيك باللغة التي مبقتضاها ال تحتمل اللفظة ً‬

‫‪.2‬شبهة إعجاز ال ُخ َّنس الجوار الكُ َّنس‪.‬‬

‫كتل ضخم ٌة من املادة املضغوطة بش ّد ٍة بفعل الجاذب ّية الهائلة‬ ‫ُمل َّخص الشُّ بهة‪ :‬يخربنا العلم الحديث أ ّن الثقوب السوداء ٌ‬ ‫لها‪ ،‬حتّى أنها تجذب كل يش ٍء حولها مبا يف ذلك الضوء نفسه الذي ال يسلم من جذبها وال مير منها وال من جنبها‪ ،‬فهي‬ ‫ال ت ٌرى بالضوء‪ ،‬وإمنا ت ُرصد بإشعاع هاوكينج أثناء جريانها يف الكون‪ .‬فهي بصفاتها هذه تنطبق عىل ما أقسم الله به من‬ ‫ٌ‬ ‫معروف وهو املرور الرسيع وهي‪ -‬وأيم الله‪-‬‬ ‫« ُخ َّن ٍس َج َوا ٍر كُ َّن ٍس» فالخنس من التَّخفِّي والتستُّ وهي كذلك‪ ،‬والجريان‬ ‫جوار‪ ،‬والكنس من إزالة القاممة‪ ،‬وهي بجاذبيتها الهائلة تفعل فعل املكانس الحديثة من اإلزالة بالشفط ملا حولها‪ ،‬فكان‬ ‫دليل عىل قصد اإلخبار بهذا املعلوم حديثًا‪ ،‬لكن ال يُعقل أن يُعلَم قد ًميا‪ ،‬إال أن يكون الله هو املُعلِّم‪.‬‬ ‫هذا االنطباق التام ً‬ ‫التفنيد‪:‬‬

‫ً‬ ‫أول املباحث اللغوية‪:‬‬

‫وس ّمي الشيطان خ َّن ًاسا ألنه يخنس عند ذكر‬ ‫الخنس لغ ًة‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫االنقباض واالستخفاء‪ .‬و َخ َن َس‪ :‬انقبض وتأَخر‪ ،‬وقيل‪ :‬رجع‪ُ .‬‬ ‫الله‪ ،‬أي ينقبض ويرجع ويتأخر ويختفي‪ ..‬الخ‪ ،‬وخنس الرجل‪ :‬أي توارى وغاب (لسان العرب)‪ .‬وهو التقهقر فـ« كل من‬ ‫استمر يف طريق ثم رجع فقد خنس» (ابن األجدايب)‬ ‫يدل عىل َسفْر يش ٍء عن وج ِه يشء‪ ،‬وهو كَشْ فُه‪ .‬أو ُّ‬ ‫الكنس لغ ًة‪ُّ :‬‬ ‫يدل عىل استخفاء‪( .‬مقاييس اللغة)‪ .‬واملعنى األول والذي‬ ‫أيضا (لسان العرب) هو األصل وأىت منه الثاين من قولهم كَ َن َس‪ ‬الظَّبْ ُي‪ ‬يَ ْك ِن ُس‪َ :‬د َخ َل يف كِ ِ‬ ‫ناس ِه‪ ،‬كتَ َك َّن َس‪ ،‬وهو‬ ‫هو الكسح ً‬ ‫ُم ْستَ َ ُت ُه يف الشجرِ‪ُ ،‬س ِّم َي كذلك ألنه‪ ‬يَ ْك ِن ُس‪ ‬الر ْم َل حتى يَ ِص َل‪ .‬وتوسعوا يف ذلك حتى قيل تَ َك َّن َس ال َر ُج ُل‪َ :‬د َخ َل ال َخ ْي َم َة‪،‬‬ ‫وتَ َك َّن َس ِت املرأةُ‪َ :‬د َخل َِت ال َه ْو َد َج‪(.‬القاموس املحيط)‪.‬‬ ‫الجري معروف‪ :‬وهو املرور الرسيع (لسان العرب)‪.‬‬ ‫ولعلك تالحظ‪ ،‬عزيزي القارئ‪ ،‬تك ّرر معنى االختفاء يف خنس ويف كنس‪ ،‬ووجود معنى آخر يف كال الكلمتني‪ ،‬فإن‬ ‫كان املعني مك َّر ًرا للتأكيد فاملقصود هو االتّصاف باالختفاء والجريان‪ ،‬أ ّما بحذف التكرار‪ ،‬يكون مزيج املعاين املراد‬ ‫هو إما‪( :‬اختفاء‪+‬كسح‪+‬جريان) أو ( تقهقر‪+‬كسح‪+‬جريان) أو (تقهقر‪+‬اختفاء‪+‬جريان) وقد مر بك املعنى الرابع‬ ‫(اختفاء‪+‬جريان) فقط‪ .‬واملعنيان األ ّوالن اللذان فيهام "كسح" ال تجدهام يف تفاسري القدماء إال إن قلت أن اآلية يف‬ ‫املفسين‪.‬‬ ‫الظباء‪ ،‬أما عندما يتعلق األمر بالنجوم والكواكب وسواهام فاملعنيان اآلخران يظهران فقط عند قدماء ّ‬ ‫‪29‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف أساطري الحجاز‪.‬‬ ‫الحلقة الثالثة‪ :‬إنهاء"إعجاز" السامء‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬املعارف القدمية‪:‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫تشري التفاسري التقليديّة إىل أ ّن القرآن يشري بالخ ّنس الجوار الك ّنس إىل الكواكب الس ّيارة كام تُشاهد يف مسريها يف السامء‪،‬‬ ‫وهذا املسري‪ ،‬كام م ّر بك‪ ،‬يحفظه أهل األرض القدماء كلهم ألهميته البالغة يف حيواتهم‪ ،‬لكن نستقيه ممن كتبوا منهم يف‬ ‫عرص التدوين‪ ،‬فقد وصف ابن عاصم الثقفي ـ وهو أحد علامء الفلك يف القرن الرابع الهجري يف كتابه األنواء واألزمنة ـ‬ ‫حركة الكواكب‪ ،‬فقال‪«:‬بينام ترى أحدها يف آخر الربج‪ ،‬إ ْذ كَ َّر راج ًعا نحو أ ّوله‪ ،‬لذلك سميت باملتحرية» ويقول العامل ابن‬ ‫األجدايب «سميت الخمسة(عطارد‪ ،‬الزهرة‪ ،‬املريخ‪ ،‬املشرتي‪ ،‬زحل) ُخ ّن ًسا‪ ،‬ألنها تسري يف الفلك من املغرب إىل املرشق‪ ،‬وذلك‬ ‫سريها املستقيم‪ ،‬ثم تتقهقر راجع ًة يف طريقها فتسري من املرشق إىل املغرب‪ ،‬فبينام يرى أحدها يف آخر الربج‪ ،‬ك ّر راج ًعا‬ ‫نحو أوله‪ ،‬وكل من استمر يف طريق ثم رجع فقد خنس‪ ،‬وقيل لها الك ّنس ألنها تسترت بضياء الشمس كام تكنس الظباء» (‪)3‬‬ ‫كوكب أحمر شديد الحمرة‪.‬‬ ‫وبالرتكيز عىل كوكب املريخ نجد أن ابن األجدايب يقول عنه‪« :‬ويسمى بهرام‪ ،‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫تقارنه الشمس من سنتني إىل سنتني ثم تفارقه‪ .‬ويقيم تحت شعاعها مقدار شهرين‪ ،‬ثم يظهر بالغداة طال ًعا من‬ ‫مستقيم حتى يصري بينه وبني الشمس أربعة أبراج وثلث‪ .‬وذلك عىل ميض‬ ‫املرشق‪ ،‬وهو مستقيم السري‪ ،‬فال يزال‬ ‫ً‬ ‫أحد عرش شه ًرا ونصف من حني مفارقته الشمس‪ .‬فإذا تباعدت الشمس عنه بهذا املقدار فهو حينئذ راجع‪ .‬ويقيم‬ ‫يف الرجوع ستة وستني يوما‪ .‬ثم يستقيم‪ .‬فإذا مىض له أحد عرش شهرا ونصف من يوم استقامته لحقته الشمس» (‪)4‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يتغي موقع كوكب املريخ‬ ‫وبيان ذلك يف الشكل املوضح لحركة التقهقر واالستقامة لكوكب املريخ قبل وبعد االستقبال إذ ّ‬ ‫مستقيم خالل األشهر السابقة ألغسطس‪ ،‬و ببدايته‬ ‫بالنسبة للخلفيّة النجميّة خالل ع ّدة أشهر بحيث يتحرك عىل خ ٍّط‬ ‫ٍ‬ ‫تظهر الحركة معاكس ًة أو متقهقر ًة ملدة شهرين‪ ،‬ثم تعود الحركة لتكون يف االتجاه األول‪ .‬كام ترى (من اليمني إىل اليسار)(‪:)5‬‬

‫‪1Nov‬‬ ‫‪1Oct‬‬ ‫‪1Sep‬‬

‫‪28Aug‬‬

‫‪1Aug‬‬

‫(‪)3‬األزمنة واألنواء ومعرفة أعيان الكواكب‪ :‬عبدالله بن حسني بن عاصم الثقفي‪ .‬تحقيق د‪ .‬نوري حمودي القييس‪ ،‬ومحمد نايف الدمييل‪.‬‬ ‫(‪)4‬األزمنة واألنواء‪ :‬ابن األجدايب‪.‬تحقيق د‪ .‬عزة حسن‪.‬‬ ‫(‪ )5‬مجلة اإلعجاز العلمي‪ ،‬العدد السادس عرش‪ ،‬املوضوع السادس عرش‪ ،‬املريخ فـي أقرب مدى لـه من األرض‪ ،‬د‪ .‬حسن محمد بارصة‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف أساطري الحجاز‪.‬‬ ‫الحلقة الثالثة‪ :‬إنهاء"إعجاز" السامء‪.‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫املوضحة‬ ‫فكذلك كانت معارف العرب القدماء‪ ،‬ومن واقعها س ّموا الكواكب الس ّيارة ُخ َّن ًسا‪ ،‬ألنّها تقوم بحركة الخنس َّ‬ ‫تتست عند غروبها وبالنهار بضوء الشمس‪ ،‬وجوا ٍر ألنها تجري يف أفالكها‪ ،‬وعىل ذلك كان إجامع‬ ‫يف الصورة‪ ،‬وكُ َّن ًسا ألنها ّ‬ ‫املفسين أ ّن املراد باآلية الظباء وبقر الوحش أنفسها أو هي الكواكب السيارة‪ ،‬أو هي النجوم‪ ،‬و قال بعضهم هي‬ ‫ّ‬ ‫املالئكة (راجع تفسري القرطبي) فاملالئكة مختفي ٌة فهي متك ِّنسة وهي تأيت ثم ترجع إىل ربّها فهي خانس ٌة وهي تجري‬ ‫عارج ًة إىل السامء فهي جوارٍ‪ ،‬وقد م ّرت بك املعاين األربعة لآلية التي ستجد أح ًدا منها وراء أي تفسري‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬اإلجهاز عىل الشبهة‪:‬‬

‫إىل هنا يظهر مدى زئبقيّة وات ّساع معنى اآلية‪ ،‬فعىل املعاين األربعة يستقيم ماال يُحىص وال يع ّد من األشياء ‪ ،‬فإن خرجت‬ ‫ونجوم ومالئك ٍة‪،‬‬ ‫املفسين من ظبا ٍء وبق ٍر وكواكب‬ ‫ٍ‬ ‫به عن اصطالح العرب وأقوال ّ‬

‫فلم ال يكون القرآن قاص ًدا املكانس الكهربائية الحديثة؟‬ ‫أال تذهب مستقيم ًة ثم تتقهقر وتعيد الك ّرة فهي بذلك ُخ َّنس؟و تكسح القاممة عن سطح األرض فهي كُ َّنس؟أليست‬ ‫جوار يف األرض أثناء عملها ؟ ومل ال تكون البكرتيا املحللة التي تأكل جثث اإلنسان؟‬ ‫أليست مختفي ًة فهي خانس ٌة‪ ،‬وتأكل الجثث فهي كانس ٌة؟‬ ‫أليست جارية مع الرياح؟ ومل ال تكون البكرتيا املعوية مادامت خانس ًة جاري ًة كانس ًة؟‬ ‫بل مل ال تكون من حرشات املنزل وقوارضه؟‬ ‫أليست تخنس يف الجحور‪ ،‬وتكنس فضالت البيوت‪ ،‬وتجرى أمام الناس ؟‬ ‫ومل ال تكون تلك النسوة املنقبات بإسدال متدليّ ٍة إىل األرض؟‬ ‫ألسن ُخ َّن ًسا يف الرداء‪ ،‬كُ َّن ًسا للطريق‪ ،‬جوا ٍر فيه كعادتهن يف الهرولة؟‬ ‫كانس سبحانه‬ ‫خانسا ً‬ ‫بل أليس الله نفسه ً‬ ‫كانسا جا ٍر عندما يتن ّزل إىل السامء الدنيا يف الثلث األخري من الليل‪ ،‬مست ٌرت فهو ٌ‬ ‫خانس عز وجل‪ ،‬فيكون مقصو ًدا ويكون‬ ‫ال تدركه األبصار‪ ،‬ومتن ّز ٌل فهو جا ٍر جريانًا يليق بجالله‪ ،‬ويعود بعد تن ّزله فهو ٌ‬ ‫الجمع عىل التعظيم؟‪ ،‬بل النهاية ملا ميكن أن تعنيه اآلية مبعانيها األربعة‪ ،‬بل عىل املعنى الرابع وحده‪ ،‬الذي يقتيض‬ ‫االختفاء والجريان فقط‪ ،‬ستجد ماليني األشياء املمكنة من ذ ّرات الرياح إىل الجسيامت األساسية يف الفيزياء إىل آخر ما‬ ‫يأيت به الخيال‪.‬‬ ‫وهنا يربز التساؤل‪ :‬كيف استطاع اإلعجازيون الفطاحل تحديد مراد القرآن من بني كل هذه االحتامالت غري املحدودة ؟‬

‫‪31‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف أساطري الحجاز‪.‬‬ ‫الحلقة الثالثة‪ :‬إنهاء"إعجاز" السامء‪.‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫فإىل هذا الح ّد‪ ،‬ال إعجاز يف هذه اآلية وال جديَّة يف أخذ مزاعم اإلعجازيّني‪ّ ،‬إل أن يأتونا بقرين ٍة تفيد ترجيح املعنى الذي‬ ‫ذهبوا إليه عىل باقي املعاين املمكنة‪ .‬فإن مل يفعلوا‪ ،‬ولن يفعلوا‪ ،‬فا ّدعاؤهم غري ٍ‬ ‫مثبت وال ح ّجة لهم علينا به؛ الرصاصري‬ ‫يف اآلية واردة ورود الثقوب السوداء‪ ،‬وال إعجاز يف الرصاصري‪ .‬لكن الحقيقة أن الرصاصري أرجح وأقرب ورو ًدا‪،‬فالسابقون‬ ‫األولون من امللحدين والالدينيني والذين اتبعوهم بإلحا ٍد كان لهم عىل املعنى الذي أراده اإلعجازيّون لآلية اعرتاضاتٌ‬ ‫ثالثة‪ ،‬اثنان غري قاطعان‪ ،‬وثالثٌ حاس ٌم قاص ٌم‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪ 1.1‬أ ّن الثقوب السوداء ليست خانس ًة‪ ،‬فهي ت ُرصد بإشعاع هاوكينج وبأثرها "الكانس" ملا حولها كام اعرتف اإلعجازيون‬ ‫أنفسهم‪ .‬فكيف تكون خانسة وهي عىل هذه الحال من االستبانة؟ ورأيي أنه ال يقيض عىل زعم اإلعجازيني متا ًما‬ ‫وإن كان يُضعفه‪ ،‬ففي النهاية الثقوب السوداء خانسة بشكل ما‪.‬‬ ‫‪2.2‬أن الثقوب السوداء ليست كانسة باملعنى القديم للكنس وهو اإلزاحة بسعف النخيل‪ ،‬بل هي تقوم بالشفط‬ ‫واملعنى الحديث للكنس باملكنسات الكهربائية‪ .‬وليس بقوي‪ ،‬فالكنس يف النهاية كسح يش ٍء عن وجه يش ٍء‪ ،‬وإن كنت‬ ‫ال تدري كسح الثقوب السوداء ملا حولها عن وجه ماذا ؟‬ ‫‪3.3‬أ ّن الثقوب السوداء كمكانس عمالقة هي صورة من وحي الخيال العلمي ال من العلم‪ ،‬والواقع أقرب إىل نقيض‬ ‫ذلك؛ فالثقوب السوداء يف حقيقة األمر‪ ،‬يعلم كل متابع للعلم‪ ،‬هي « ُم َو ِّسـخات الكون»‪ .‬قال نيل تايسون يف وثائق ّيه‬ ‫"الكون" «الثقوب السوداء ليست مكانس عمالقة كام يصورها الخيال العلمي‪ ،‬فهي ال تذهب نحو األشياء لتشفطها‪،‬‬ ‫بل يتوجب عليك أنت أن تأيت إليها أولً »‪،‬‬ ‫و الثقوب السوداء ت ُـج ِّمع ما حولها ث ّم تقذف به بني املجرات نواف ًريا من البالزما (غاز ساخن متأيّن) طول الجزء املريئ‬ ‫من إحداها فقط قد ميتد ‪ 5000‬سنة ضوئية حسب رصد تلسكوب هابل(‪ ،)6‬فتخ ّيل مدي الدور الذي يلعبه الثقب األسود‬ ‫يف توسيخ الكون يف حني يظن الله‪ -‬طبقًا لإلعجازيّني‪ -‬أنها تكنسه‪ .‬تأمل صور ما يحسبها الله" ُخ َّن ًسا كُ َّن ًسا"‪:‬‬

‫)‪Eileen T. Meyer, et al., “Optical Proper Motion Measurements of the M87 Jet: New Results from the(6‬‬ ‫‪Hubble Space Telescope,” ApJ, 774, L21; doi: 10.1088/2041-8205/774/2/L21‬‬

‫‪32‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف أساطري الحجاز‪.‬‬ ‫الحلقة الثالثة‪ :‬إنهاء"إعجاز" السامء‪.‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫صحيح أ ّن الثقوب السوداء فشلت كتفسري‪ ،‬وكانت الرصاصري أنسب منها‪ ،‬لكن بقيت‬ ‫ولكن‪،‬ال ينفي هذا اإلعجاز‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ولعل يف اآلية إعجازًا‪،‬‬ ‫فلعل الله يقصدها ّ‬ ‫املكانس الكهربائ ّية الحديثة‪ ،‬منطبق ٌة عىل اآلية متام االنطباق بال مشاحة‪ّ ،‬‬ ‫اإلعجازي السقيم!«‬ ‫متهافت ذلك املنطق‬ ‫ولكنه إعجا ٌز نستطيع استخراج مثيله من "كليلة ودمنة" بكل سهولة‪ ،‬فكم هو‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫كالم ٍ‬ ‫ومبهم وحامل أوج ٍه كال ًما علم ًّيا‪ .‬إ ّن الكالم العلمي كال ٌم واضح املعنى‪ ،‬ال شبهة فيه‪ ،‬وال‬ ‫غامض‬ ‫ٍ‬ ‫وكيف يجعلون من ٍ‬ ‫غموض يعرتيه‪ ،‬دقيق التفاصيل‪ ،‬قاطع التأويل‪ ،‬مبارش منضبط‪ ،‬وما عدا ذلك ليس شيئًا‪ .‬الحقائق العلمية ليست جمال‬ ‫لكالم مطاطي‪ ،‬وليست عبار ٍ‬ ‫ات مق َّدرة‪ ،‬كان الله ينوي قولها ولكنه مل يفعل‪،‬‬ ‫افرتاضية وتقديرية‪ ،‬وليست ً‬ ‫تأويل اجتهاديًا ٍ‬ ‫شخصا متخلفًا يقول للناس‬ ‫وتركها لخيالهم الواسع بعد أربعة عرش قرنا‪ ،‬ومات محمد نفسه وهو ال يفهمها‪ ،‬وكأنه كان ً‬ ‫ما ال يدري هو وال هم ما معناه‪ ،‬أو يضللهم عن مراده بقصد منه‪ .‬ولو ظلّت البرشية تقرأ هاتني اآليتني ماليني السنني‬ ‫فلن تصل إىل يش ٍء سوى عبار ٍة ركيك ٍة ال تدري عن الظباء أم الكواكب أم أي يشء آخر»كذلك علّق أحدهم فأبلغ وأوجز‪.‬‬

‫‪ .3‬شبهة إعجاز النجم الطارق النيوتروين‪:‬‬

‫ملخص الشبهة‪ :‬انفجارات النجم النيوتروين أشبه مبطرق ٍة كون ّي ٍة‪ ،‬فهذا النجم ير ّن فعل ًّيا مثل الجرس‪ .‬ولقد قام العلامء‬ ‫بتسجيل صوت هذه النجوم‪ ،‬وميكن االستامع إىل‪ ‬صوت هذه‪ ‬املطرقة‪ ‬الكونية العمالقة‪ ،‬والذي يصدر عن نجم من أش ّد‬ ‫النجوم ملعانًا يف الكون‪ ،‬فضوءه يثقب صفحة السامء ثق ًبا‪ ،‬ويبلغ نصف قطره ‪ 10‬كيلو مرت بينام وزنه أكرب من الشمس!‬ ‫ومن عظمة كتاب الله تعاىل أنه تناول الكثري من الحقائق الكون ّية املبهرة‪ ،‬وعندما يكون الحديث عن مخلوق عظيم‬ ‫بنجوم عظيم ٍة فقال‪َ ﴿ :‬والس ََّم ِء َوالطَّارِقِ * َو َما‬ ‫فإن الله يقسم به‪ ،‬والله يقسم مبا يشاء من خلقه‪ .‬فقد أقسم الله تعاىل‬ ‫ٍ‬ ‫املفسون يف تفسري هذه اآليات الكرميات‪ ،‬ولكنهم أجمعوا‬ ‫أَ ْد َر َاك َما الطَّار ُِق * ال َّن ْج ُم الثَّا ِق ُب﴾ [الطارق‪ ]1-3 :‬وقد احتار ّ‬ ‫بنجوم شديدة اللمعان واإلضاءة‪ ،‬وهذا ما وصلت إليه معارفهم يف ذلك العرص‪ .‬ولكننا يف العرص‬ ‫عىل أ ّن الله أقسم‬ ‫ٍ‬ ‫علمي لهذه اآليات هو يف كونها تتحدث‬ ‫الحديث وأمام التط ّورات الكبرية التي شهدها علم الفلك‪ ،‬نجد أ ّن أفضل تفسريٍ ٍّ‬ ‫عن النجوم النيوترون ّية‪ ،‬وقد يتطور العلم فيكشف لنا أشيا ًء جديد ًة ال نراها اليوم ليبقى القرآن هو املعجزة الخالدة‪.‬‬

‫ً‬ ‫أول‪ :‬املباحث اللغويَّة‪:‬‬

‫فربا يعني يف األصل َّ‬ ‫دق أو رضب اليشء‪ ،‬ثم ت ُو ِّس َع فيه‬ ‫توسع يف معانيها بشكلٍ كبريٍ‪ّ ،‬‬ ‫الجذر العريب"طرق" من الجذور امل ُ ّ‬ ‫فجاء منه الطَّرق مبعنى الكهانة أل ّن فيها رضبًا بالحيص والرمل‪ ،‬والطَّروقة وهي الناقة يف ِس ِّن ال َحبَل‪ُ ،‬س ّميت كذلك ألن‬ ‫أيضا ألنه يأيت إثر طرق الفحل أنثاه‪.‬‬ ‫وسم َّيت كل أنثى طَروق ًة‬ ‫وس ّمي ماء الفحل طَ ْرقًا ً‬ ‫ً‬ ‫تعميم‪ ،‬بل ُ‬ ‫الفحل يطرقها‪ ،‬بل ُ‬ ‫أيضا هو املاء الراكد الذي خاضت فيه اإلبل (أي طرقته بأرجلها) وبالت وبعرت‪ ،‬ومن ذلك الطَّريق أل ّن األرجل‬ ‫والطَّ ْرق ً‬ ‫تطرقه‪.‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫ليل طارقًا ألنه ّ‬ ‫سمي النجم طارقًا ألنه يأيت‬ ‫آت ً‬ ‫مي ُّ‬ ‫ومن ذلك ً‬ ‫يدق عىل باب أهله إذ هو مغلق بالليل‪ ،‬ومنه ّ‬ ‫أيضا ُس َّ‬ ‫ليل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪33‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف أساطري الحجاز‪.‬‬ ‫الحلقة الثالثة‪ :‬إنهاء"إعجاز" السامء‪.‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫أيضا صار الطرق مبعنى الخصف‪ ،‬وهو ضم اليشء إىل اآلخر وجمعه معه‪ ،‬أل ّن اليشء إذا رضب اليشء ظاهره‬ ‫التوسع ً‬ ‫ومن ّ‬ ‫وض َّم إليه‪ ،‬فقد جاوره وتراكم معه‪ .‬ومن ذلك ُخ ٌّف ُمطارق أي ظوهر له نعالن‪ ،‬وكل خصفة منهام ِط َراق‪ .‬ومنه سمي‬ ‫ُ‬ ‫أيضا التتابع‪ ،‬تقول تطارقت اإلبل أي تتابعت‪ ،‬تشبيه وكأنها تأيت إحداها‬ ‫الشحم الطِّ ْرق ألنه وكأنه ُخ ِصف به الجلد‪.‬ومنه ً‬ ‫يف ظهر األخرى مضمومة إليها‪.‬‬ ‫أيضا جاء املعنى‪" :‬ارتخى والن"‪ ،‬ومن ذلك الطّ َرق وهو ل ٌني يف ريش الطائر‪ ،‬واملُطْرِق وهو املسرتخي العني‪ ،‬تقول‬ ‫ومنه ً‬ ‫أيضا وهو ضعف يف الركبتني‪.‬‬ ‫أطرق ساعة أي أرخى عينيه ساع ًة‪ .‬والطَّ َرق منه ً‬ ‫أيضا(مقاييس اللغة)‬ ‫وقياسه أ ّن اليشء إذا يُطْ َرق يلني ويسرتخي فكان الطَّرق هو اللني واالسرتخاء والضعف ً‬ ‫التوسع يف معانيه‬ ‫ولكن ما يعنينا يف هذا البحث‪ ،‬تحدي ًدا من هذا كله‪ ،‬عزيزي القارئ‪ ،‬أمران‪ :‬األول أ ّن الجذر يتم ّ‬ ‫والذهاب إىل آفاق جديد ٍة بعيد ٍة عن أصله‪ ،‬وال ميكن تخ ّيلها مبارش ًة من معناه األسايس‪ ،‬وأ ّن اإلرصار عىل أن كل ما اشتق‬ ‫من الجذر طرق يفيد الدق والرضب مبارشةً‪ ،‬هو ارتكاب ملغالطة التجذير ‪ ،etymological fallacy‬والتي يقوم مرتكبها‬ ‫كل اشتقاقٍ منها واألمر ليس كذلك قط ًعا‪ .‬والثاين‪ :‬أن الطارق تأيت‬ ‫باإلرصار عىل استخدام املعنى األصيل لجذر الكلمة يف ّ‬ ‫ليل‬ ‫يف اللغة العربية مبعنى الزائر ً‬ ‫ولذلك ُسمي النجم طارقًا‪ ،‬وهذا‬ ‫موث ّق يف كالم العرب قبل اإلسالم‬ ‫منه قول زبراء الكاهنة« والليل‬ ‫الغاسق‪ ،‬واللوح الخافق‪ ،‬والصباح‬ ‫الشارق‪ ،‬والنجم الطارق‪ ،‬واملزن‬ ‫الوادق‪ )7(»..‬تقسم بالنجم بني‬ ‫ٍ‬ ‫مسجوعات يف‬ ‫ما تقسم به من‬ ‫بداية خطبتها‪ ،‬كام فعل محمد‬ ‫بعد ذلك جريًا عىل عادات قومه‪،‬‬ ‫ومنه قول هند بنت عتبة «نحن‬ ‫بنات طارق‪ ،‬ال ننثني لوامق‪»..‬‬ ‫ٍ‬ ‫رشيف مقامه‬ ‫أب‬ ‫تعني بنات ٍ‬ ‫عا ٍل كالنجم (لسان العرب) ‪.‬‬ ‫(‪ )7‬بلوغ األرب يف معرفة أحوال العرب لأللويس باب زبراء الكاهنة‪.‬‬

‫‪34‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف أساطري الحجاز‪.‬‬ ‫الحلقة الثالثة‪ :‬إنهاء"إعجاز" السامء‪.‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫ثان ًيا املعارف الحديثة‪:‬‬

‫النجوم النيوترونية الد ّوارة أو« النوابض وهي بقايا نجم ّية‪ ،‬أو هي املرحلة النهائية لتط ّور النجم‪ ،‬مبعنى آخر هي جثة م ّيتة‬ ‫يل املتفجر النفجار السوبر نوفا الخاص بأحد النجوم العمالقة‪ .‬تلك‬ ‫ٍ‬ ‫لنجم (مثلها مثل الثقب األسود)‪ ،‬عبارة عن القلب الداخ ّ‬ ‫البقايا تكون شديدة املغناطيسية و عالية الكثافة بشكل مهو ٍل حتى أ ّن قطع ًة بحجم مك ّعب السكر منها قد تزن أكرث من‬ ‫هائل من املوجات و اإلشعاعات‬ ‫فيض ٌ‬ ‫كوكب األرض نفسه‪ .‬تدور النوابض حول نفسها برسع ٍة عالي ٍة ج ًّدا و ينبعث منها ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫نبضات متقطّع ٍة و السبب يف أ ّن‬ ‫الكهرومغناطيس ّية بصورة مستمرة‪ ,‬و لكننا نستقبل تلك اإلشعاعات ونرصدها عىل هيئة‬ ‫اإلشعاعات تأتينا بتلك الصورة املتقطعة هو عدم انطباق محور دوران النابض مع محور مغناطيسيته‪ .‬يع ّرف العلامء هذه‬ ‫الظاهرة بظاهرة الفنار(‪ )light house effect‬و سبب تسمية الظاهرة بهذا االسم هو أ ّن النوابض تقوم بإرسال موجاتها‬ ‫ٍ‬ ‫نبضات منتظم ٍة زمن ًّيا ألننا ال نقدر عىل استقبال تلك اإلشارات‬ ‫أي توق ٍّف و لكننا نستقبلها عىل هيئة‬ ‫بصور ٍة مستم ّر ٍة و بدون ّ‬ ‫ّإل عندما تكون الحزمة اإلشعاعيّة مو ّجهة نحو كوكب األرض متاما مثل املنار املالحي الذي ييضء و يرسل موجاته بصور ٍة‬ ‫مستم ّر ٍة و لكننا ال نراها إلّ عندما يكون املصباح مو ّج ًها نحونا‪.‬سبب معرفتنا بالنوابض هو نجاح العلامء يف استقبال تلك‬ ‫املوجات الكهرومغناطيسية و ترجمتها إىل ع ّدة أشكا ٍل تناظريّ ٍة يسهل دراستها كاملوجات الصوت ّية و الرسوم البيانية»(‪.)8‬‬

‫ثالثًا‪ :‬اإلجهاز عىل الشبهة‪:‬‬

‫ليل ال أكرث‪،‬‬ ‫فشلت" الشبهة" من الناحية اللغويّة أل ّن اصطالح العرب عىل معنى الطارق يعني النجم الظاهر ً‬‫واإلعجازيّون غالطونا بتجذير الكلمة إىل أصل معناها َّ‬ ‫رش‪ ،‬دون مراعا ٍة الصطالح العرب‪.‬‬ ‫كدق أو رضب بشكل مبا ٍ‬ ‫فشلت الشبهة من الناحية العلمية من أوج ٍه عديد ٍة هي ‪:‬‬‫أصل‪ ،‬فالتقطع يكمن يف استقبالنا له كام سبق الرشح‪.‬‬ ‫الوجه األول‪ :‬أن النجم النيوروين ال يتقطّع يف إرساله فام هو بطارق ً‬ ‫أصل‪ ،‬فالصوت ال ينتقل يف الفراغ ليك يصل إلينا‪ ،‬إمنا الصوت شكل تناظري كالرسوم‬ ‫الوجه الثاين‪ :‬أ ّن النجم ال يُصدر صوت ًا ً‬ ‫البيان ّية وغريها لتسهيل دراسة اإلشعاع الكهرومغناطييس‪.‬‬ ‫الوجه الثالث‪ :‬يف أ ّن التمثيل الصويت لهذه النجوم ال يكون كله بالطرق‪ ،‬بل منه ما يشبه الصفري إذا عال تر ُّد ُد إرسال‬ ‫النجم‪)9(.‬‬ ‫فبأي حق بعد كل هذا يزعمون إعجازًا ؟‬ ‫(‪()8‬الرتجمة ألحد الزمالء امللحدين) واملصدر‪:‬‬ ‫‪.Lorimer, Duncan R.; Kramer, Michael (2004). Handbook of Pulsar Astronomy. Cambridge University Press. ISBN 0-521-82823-6‬‬ ‫(‪ )9‬نفس املصدر السابق‬

‫‪35‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف أساطري الحجاز‪.‬‬ ‫الحلقة الثالثة‪ :‬إنهاء"إعجاز" السامء‪.‬‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫‪ .4‬شُ َبـي ْـ َهة السامء ذات الحبك‪:‬‬

‫ملخص الشُ َبيهة‪ :‬أقسم القرآن بالسامء ذات ال ُح ُبك‪ ،‬يُقال حبك الرجل النسيج يحبكه حبكًا إذا ش َّده و أحكم نسجه‪ ،‬ومام‬ ‫كشف العلم حديثًا أن املج ّرات يف تج ّمعاتها تشكل نسي ًجا مرتابطًا كالخيوط املحبوكة‪ ،‬وبالتايل فإن القرآن كان يص ّور هذا‬ ‫الغيبي‪ ،‬الذي ال ميكن تصويره ّإل بالوحي‪.‬‬ ‫املنظر‬ ‫ّ‬

‫التفنيد‪:‬‬

‫املباحث اللغوية‪ :‬الجذر حبك له يف معناه أصالن‪ :‬أولهام‪ :‬ال ُح ُبك‪ ‬تكسُّ كل يشء كالرملة ِإذا مرت عليها الريح‬ ‫يضا‪ ،‬والشعرة الجعدة تكسُّ ُها‪ُ ‬ح ُب ٌك‪.‬‬ ‫الساكنة‪ ،‬واملاء القائم إِذا م ّرت به الريح‪ ،‬والدرع من الحديد لها‪ُ ‬ح ُبك‪ ‬أَ ً‬ ‫أيضا السموات‬ ‫ومن هذا جاءت ال َح َبائك‪ :‬الطرق‪ ،‬واحدتها َحبِيكة‪ ،‬فالطريق كأنه تَ َكسُّ ٌ يف األرض‪.‬والحبائك ً‬ ‫ألَن فيها طرق النجوم‪ .‬أما الثاين‪ :‬اإلحكام‪ ،‬فكل يشء أَحكمته وأَحسنت عمله‪ ،‬فقد ا ْحتَ َب ْكتَه‪ .‬وامل َ ْحبوك‪ :‬الشديد‬ ‫وحسن أَثر الصنعة فيه‪( .‬لسان العرب)‬ ‫الخلق من الفرس وغريه‪ .‬و َحبَ َك‪ ‬الثوب‪ ‬يَ ْح ِبكُه‪ ‬ويَ ْحبُكه‪َ ‬حبْكًا‪ :‬أَجاد نسجه َّ‬

‫اإلجهاز عىل الشُ َب ْي َهة‪:‬‬

‫من الواضح أن القرآن إذ كان يصف السامء بأنها ذات ٍ‬ ‫إحكام يف بنائها‪ ،‬أو ذات طرائق من طرائق‬ ‫حبك‪ ،‬كان يعني ذات‬ ‫ٍ‬ ‫النجوم‪ .‬وال منطق يف إقحام لفظ"النسيج" الذي استُخدم الفعل حبك معه‪،‬ويف املعاجم فهو مجرد مثا ٍل لتطبيق معنى‬ ‫اإلحكام عىل يش ٍء يف الطبيعة‪ ،‬مع غريه من األمثلة الكثرية‪.‬‬

‫‪http://www.youtube.com/user/fiberoty?feature=watch‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/theblackducks‬‬ ‫‪https://twitter.com/eskandarany‬‬ ‫برنامج حواري عىل اليوتيوب تدعم بعض حلقاته رشكة‬ ‫‪ ، Google‬يهدف بالدرجة األوىل إىل إجراء الحوار مع‬ ‫امللحديني والالدينيني املرصيني ‪ ،‬واملتحدثني منهم للغة‬ ‫العربية من ُمجتمعاتنا يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا ‪،‬‬ ‫فكرة وتنفيذ اسامعيل محمد‬ ‫‪36‬‬


‫نريون‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫ُعرف بنشاطه يف منتديات الحوار الديني اإللحادي‪ ،‬وذكائه وحكمته‬ ‫وسعة صدره‪ ،‬له العديد من املشاركات املم ّيزة يف منتدى امللحدين‬ ‫حاصل عىل الدكتوراه يف العلوم‬ ‫ٌ‬ ‫العرب األم‪ ،‬وقد استلم إدارته مؤخ ًرا‪،‬‬ ‫سابق يف كلية هندس ٍة مرصي ٍة‪،‬‬ ‫والهندسة من جامع ٍة أسرتالي ٍة‪ ،‬أستا ٌذ‬ ‫جامعي ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫مهتم بالرياضيات والفيزياء‪ ،‬يعمل بالتنقيب عن املعادن بالذكاء االصطناعي‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫دكتور نريون نر ّحب بك معنا يف مجلة امللحدين العرب ‪.‬‬ ‫‪ -1‬هل هناك ما تو ّد إضافته للمقدمة ؟‬ ‫أحب أن أضيف أن درجة املاجستري يف مرص كانت يف فيزياء البالزما‪ ،‬وأرشف عليها‬ ‫شكراً عىل املقدّ مة الجميلة‪ّ ،‬‬ ‫العاملون يف هيئة الطاقة الذ ّرية يف مرص‪ ،‬وحصلت عىل درجة الدكتوراه من أسرتاليا يف خصائص مفاعل ‪.Rotamak‬‬ ‫ٍ‬ ‫أبحاث‬ ‫وعدت للعمل كمد ّر ٍس يف كلية هندس ٍة يف مرص لكن مل أستطع االستمرار هناك بسبب عدم وجود إمكانية عمل‬ ‫ُ‬ ‫علمي ٍة‪ ،‬حيث ال توجد ميزاني ٌة للبحث العلمي‪ ،‬بعد ذلك سافرت وعملت يف جامعة كولومبيا يف نيويورك يف أمريكا ألكرث‬ ‫متخصصاً يف الذكاء االصطناعي‪،‬‬ ‫عدت ألسرتاليا وعملت يف معاهدَ بحثي ٍة‪ ،‬لكن بعيداً عن البالزما‪ ،‬أصبحت‬ ‫عام‪ُ ،‬‬ ‫من ٍ‬ ‫ّ‬ ‫حالياً أعمل يف مجال الـ ‪ Machine Vision‬لرشك ٍة متسح قاع املحيطات‪.‬‬

‫‪ -2‬لنع ّرف قراءنا عليك أكرث‪ ،‬أخربنا عن أرستك والبيئة التي نشأت بها‪ ،‬كيف أث ّرت يف بناء شخصيتك؟‬ ‫ولدت يف الستينيات‪ ،‬يف عائل ٍة غني ٍة‪ ،‬والدي ورث بعض األرايض والعقارات من الجدّ ‪ ،‬كان مهندساً زراعياً‪ ،‬والديت كانت‬ ‫ابن ًة ملد ّر ٍس يف دار العلوم التابعة لألزهر يف ذلك الوقت‪ ،‬وجدّ يت من ناحية والديت آتت هرباً من قتل املسلمني يف‬ ‫رصت عىل تعليم والديت‪ ،‬فذهبت والديت للجامعة لدراسة‬ ‫يوغوسالفيا ملرص مع أهلها يف بداية القرن العرشين‪ .‬جدّ يت أ ّ‬ ‫لدي صو ٌر لها يف الجامعة بفستانٍ قصريٍ‪ ،‬هي وزميل ٌة لها‪ ،‬كان هذا يف األربعينيات من القرن‬ ‫التدبري املنزيل‪ ،‬يف الحقيقة ّ‬ ‫‪37‬‬


‫نريون‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫متعصباً‬ ‫املايض‪ .‬كان جدّ ي يعمل يف قرص امللك فاروق لتصحيح الخطب من الناحية اللغوية‪ ،‬من الواضح أنه مل يكن ّ‬ ‫شيوعي‪ ،‬كاف ٌر متاماً وكان يعمل ط ّياراً يف الجيش املرصي‪ ،‬ابنته‬ ‫للدين حيث كان له ولدان‪ ،‬أحدهام تو ّجهه الفكري‬ ‫ٌّ‬ ‫الوحيدة ذهبت للجامعة‪ ،‬واالبن اآلخر تز ّوج من فتا ٍة إيطالي ٍة‪.‬‬ ‫والدي هو املتعلّم الوحيد وسط إخوته‪ ،‬نشأ يف بيئ ٍة ريفي ٍة يف مرص‪ ،‬مل يكن متديّناً‪ ،‬تع ّرف عىل والديت يف الجامعة يف‬ ‫نشأت يف وسط ت ّيار ٍ‬ ‫كنت صغرياً‪ ،‬وقد‬ ‫لدي م ّذ ُ‬ ‫ُ‬ ‫القاهرة؛ لذلك‬ ‫ات فكري ٍة مختلف ٍة‪ .‬هذا يف الحقيقة زاد مح ّبتي بالقراءة ّ‬ ‫كنت أرغب يف دراسة‬ ‫كنت دامئاً مغرماً بالفيزياء والرياضيات والفلك والكون‪ ،‬ويف الحقيقة ُ‬ ‫ش ّجعني الوالد كثرياً‪ ،‬وقد ُ‬ ‫ٍ‬ ‫مبيعات يف هولندا‪ ،‬وبالتايل ابتعدت عن دراسة‬ ‫قريب‪ ،‬درس الفلك ومل يجد عمالً سوى مدير‬ ‫الفلك يف الجامعة‪ ،‬لكن يل ٌ‬ ‫الفلك‪ ،‬وبالتايل درست الهندسة وعملت معيداً‪ ،‬ومد ّرساً مساعداً‪ ،‬ومد ّرساً بعد ذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫شخص يف تكوينه الفكري‪ ،‬أعال ٌم أث ّروا فيه منذ الصغر‪ ،‬من أبرز الك ّتاب واملفكّرين الذين تأثّرت بهم يف‬ ‫لكل‬ ‫ّ‬ ‫‪-3‬‬ ‫مراحل حياتك املختلفة؟‬ ‫مرصي‪،‬‬ ‫يساري‬ ‫لحزب‬ ‫يساري‪ ،‬كان يل‬ ‫يف الحقيقة من الناحية العائلية‪ ،‬هناك اتجا ٌه‬ ‫أقارب أعضا ٌء يف اللجنة السياسية ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫محاط باليساريني‪ ،‬لكن يف الحقيقة مل أعجب كثرياً باالتجاه اليساري‪ ،‬وخاص ًة يف املستوى املتواضع للدول‬ ‫وبالتايل أنا‬ ‫الشيوعية أمام الدول الرأساملية‪ .‬كنت أفضّ ل الفلسفة الوجودية لسارتر‪ ،‬وكنت معجباً بكتابات فولتري أيضاً‪ .‬لذلك‬ ‫أحب قراءة الكتب املرتجمة‪ ،‬وخاص ًة الفلسفة الوجودية لسارتر‪ ،‬وتأثّرت كثرياً مبوقف‬ ‫عندما كنت صغرياً‪ ،‬كنت ّ‬ ‫الوجوديني ضد املعرفة العقلية‪.‬‬ ‫‪ -4‬هل تصف نفسك كملح ٍد أو ال أدري أو ربو ٍّيب‪ ،‬وكيف وصلت لهذه القناعة؟‬ ‫أنا أصف نفيس كملح ٍد‪ ،‬لقد بدأت بتكوين تلك القناعة منذ الصغر‪ ،‬عندما كنت يف الحضانة‪ ،‬كانت املرشفة من أجل‬ ‫التحكّم يف األطفال دامئاً تتع ّمد التخويف بحجرة الفرئان‪ ،‬ومن ال يسمع الكالم سيتم وضع عسلٍ عىل جسده وإدخاله‬ ‫حجرة الفرئان وهكذا‪ ...‬عندما ذهبت للمدرسة‪ ،‬يف الحقيقة مل أذهب للعام األول‪ ،‬ذهبت مبارش ًة للعام الثاين‪ ،‬وكان‬ ‫‪38‬‬


‫نريون‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫سني صغرياً‪ ،‬فكان هناك حوايل فرق عامني بيني وبني طلبة الفصل‪ ،‬فقد كان الوالد يعمل يف وزارة التعليم‪ ،‬وبالتايل‬ ‫وكنت نبيهاً؛ لذلك مل تكن هناك مشكل ٌة كبري ٌة‪ ،‬لكن بسبب عدم‬ ‫دروس خصوصي ٍة‪ُ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تم صنع هذا بسهول ٍة عن طريق‬ ‫ّ‬ ‫دخويل الفصل األول‪ ،‬وعدم تديّن أفراد العائلة‪ ،‬مل أسمع أبداً عن الدين‪ ،‬وعندما ذهبت مبارش ًة للفصل الثاين‪ ،‬فوجئت‬ ‫مبا يقدّ م‪ ،‬من أنّ هناك ناراً وغريه‪ ،‬فكانت فكريت أنّها نفس أسلوب حجرة الفرئان‪ .‬لكن يف ذلك الوقت‪ ،‬انترش التديّن يف‬ ‫وجدت سؤاالً كبرياً‬ ‫ُ‬ ‫مرص‪ ،‬وبالتايل أصبحت متديّناً‪ .‬لكن يف مرحلة اإلعدادية يف مرص‪ ،‬ونتيج ًة لح ّبي قراءة علم الفلك‪،‬‬ ‫ليست له إجاب ٌة من أح ٍد‪ ،‬أين السامء املذكورة يف القرآن؟‬ ‫لقد كان س ّني حوايل ‪ 12‬عاماً‪ ،‬كنت اسأل أين السامء‪ ،‬ومل أجد إجاب ًة‪ ،‬األب قال ال أعرف أين السامء‪ ،‬األم ذكرت أنّها‬ ‫روحي‪ ،‬لك ّن السامء مرفوع ٌة‪ ،‬وانظر إليها كيف تكون روحي ًة؟‬ ‫يش ٌء‬ ‫ٌّ‬ ‫يف األغلب هذه نتيج ٌة طبيعي ٌة‪ ،‬ألنّ من قام بتدريس والديت كانوا من اإلنكليز‪ ،‬وبالتايل تلك اإلجابة مسيحي ٌة‪ ،‬حيث‬ ‫روحي‪ ،‬املهم ذهبت ملد ّرس الدين‪ ،‬فأعطاين إجاب ًة أخرى‪ ،‬إنّها بعد املجموعة الشمسية‪،‬‬ ‫السامء يف املسيحية يش ٌء‬ ‫ٌّ‬ ‫فذكرت له إنّ هناك حزاماً من النيازك يسمي حزام كبلر‪ ..‬فقال يل‪ :‬هل ذهبت إىل هناك؟! كان عمر التلمساين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫صديق من اإلخوان هناك‪ ،‬وسألته هذا‬ ‫مرشد األخوان يأيت لجامعٍ يف املدينة التي كنت أعيش بها‪ ،‬وذهبت مع‬ ‫ٍ‬ ‫السؤال‪ ،‬فأجاب إنها بعد املج ّرة‪ ...‬املهم اتّضح يل أنه ال توجد إجاب ٌة عىل هذا السؤال‪( .‬السامء التي مرفوع ٌة‪ ،‬انظروا‬ ‫إليها وغريه)‪ ،‬ال أحد يعرف مكانها‪ .‬يف س ّن حوايل الرابعة عرشة‪ ،‬كنت يف الصف األول الثانوي‪ ،‬وكنت مغرماً بالفيزياء‬ ‫والرياضيات‪ ،‬وكنت أقارن القرآن‪ ،‬بتلك الكتب‪ ،‬فأجد فرقاً شاسعاً‪ ،‬تلك الكتب أستطيع قراءتها وفهمها‪ ،‬القرآن كال ٌم‬ ‫والحظت أنّ‬ ‫ُ‬ ‫فس بأكرث من تفسريٍ‪ ،‬وال توجد فيه معلوم ٌة مفيد ٌة‪ .‬كانت لدينا خادم ٌة مل تذهب للمدارس أبداً‬ ‫ٌ‬ ‫عائم يُ ّ‬ ‫معلومات القرآن عن الكون‪ ،‬تشابه كثرياً معلومات تلك املربية‪ ،‬من أنّ السامء الزرقاء مرفوع ٌة بأعمد ٍة؛ لذلك ك ّونت‬ ‫أسلوب للسيطرة عىل البسطاء‪ ،‬والديت كانت الوحيدة املتديّنة يف املنزل‪ ،‬وكانت دامئاً تقول‬ ‫فكر ًة أنّ الدين ليس سوى‬ ‫ٍ‬ ‫فشلت يف تغيري رأيها‪ ،‬وكنت أرى كيف أثّر الدين سلباً بحياتها‪ ،‬فبعد موت والدي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يل‪ :‬إنّ الله موجو ٌد‪ .‬يف الحقيقة‬ ‫أحب‬ ‫ُ‬ ‫يل الحياة‪ ،‬لذلك رأيت التأثري السلبي للتديّن عىل حياة والديت‪ّ .‬‬ ‫أخذت املنحنى الديني‪ ،‬بعد أن كانت مقبل ًة ع ّ‬ ‫عقائدي ضد األديان‪ ،‬فهي‬ ‫فكري‪ ،‬أو‬ ‫موقف‬ ‫لدي‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫أن يكون العنوان من نوعية‪ :‬اإللحاد نتيج ٌة‪ ،‬وليس عقيد ًة‪ ،‬أنا ليس ّ‬ ‫ال متثّل الواقع نتيجة لبعدها عنه‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫نريون‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫‪ُ -5‬ع ِر ْف َت مبواضيعك املم ّيزة يف املنتدى األم‪ ،‬أخربنا عنه‪ ،‬كيف تع ّرفت عليه‪ ،‬وكيف كان نشاطك فيه؟‬ ‫رفت باملنتدى يف الحقيقة عن طريق الزميل أبو نور‪ ،‬حيث ك ّنا مشرتكني يف منتدى العلامنيني العرب‪ ،‬وبعد إغالقه‪،‬‬ ‫َع ُ‬ ‫اشرتكت يف منتدى الالدينيني العرب وشبكة امللحدين العرب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مغالطات تُقدّ م بواسطة املؤمنني‪ ،‬لذلك كان نشاطي يرتكّز عىل توضيح‬ ‫لقد كان سبب االشرتاك األسايس ما أجده من‬ ‫تجريبي‪ ،‬فدراسة الدكتوراه واملاجستري كانت‬ ‫املغالطات التي تُقدّ م ويستخدمها رجال الدين‪ ،‬حيث أنّني ذو تو ّج ٍه‬ ‫ٍّ‬ ‫كنت أعمل يف أكرث من تجرب ٍة شارك فيها األستاذ مسعود‪ ،‬من الهيئة‬ ‫تجارب‪ ،‬يف مرص‪ ،‬أثناء املاجستري‪ُ ،‬‬ ‫عبار ًة عن إجراء‬ ‫ٍ‬ ‫الطاقة الذ ّرية يف أنشاص‪ ،‬وكنا نقوم بتجارب عن الـ ‪ theta-pinch and z-pinch‬وأيضاً يف أسرتاليا كانت هناك‬ ‫كل دراستي كان العميل جزءاً أساسياً فيها‪ ،‬عندما تناقش املسلمني تجد فكراً عقلياً‪ ،‬ال‬ ‫تجارب يف الروتاماك‪ ،‬لذلك يف ّ‬ ‫ٌ‬ ‫لطالب كان يط ّور منوذج ‪ NSGA-II‬الذي‬ ‫ميس بصل ٍة للتجربة أو الواقع‪ .‬أيضا كنت مرشفاً خارجياً عىل رسالة ماجستري‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫يستخدم نظرية االنتخاب الطبيعي‪ ،‬وبالتايل تعلّمت كثرياً عنها‪.‬‬ ‫كمً كبرياً من املغالطات تُقدّ م عنها‪ .‬لذلك كنت أشارك‬ ‫يف نشاطي يف شبكة امللحدين العرب والعلامنيني العرب وجدت ّ‬ ‫من اجل توضيح األسلوب العلمي املبني عىل التجربة‪ ،‬ومحاربة الخرافات التي تقدم بواسطة رجال الدين من أجل‬ ‫التسلّق عىل األساطري من أجل استغالل البسطاء‪.‬‬

‫استلمت إدارة املنتدى األم من سيكام الذي استلمها مؤ ّخراً من انيك‪ ،‬ما الذي حدث‪ ،‬وأين هام اآلن ؟‬ ‫َ‬ ‫‪ -6‬لقد‬ ‫أنا مل استلم إدارته من سيكام ‪ ....‬نحن نحاول دمج املنتديني‪.‬‬ ‫عموماً بعد اإلجازة سوف اتصل به‪ ،‬لنناقش الخطوة التالية‪ ،‬أنا حيايت مستق ّر ٌة‪ ،‬رمبا من األفضل أن أدير املنتديات‪ .‬إن‬ ‫مشاكل فني ٌة‪ ،‬رمبا نحاول حلّها‪ ،‬من أجل بقاء املنتدى‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫كانت هناك‬

‫‪40‬‬


‫نريون‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫‪ -7‬ما املشاكل التي تواجهكم حالياً يف إدارة املنتدى ؟‬ ‫أعلم أنّها تربّ ٌع وجهدٌ ذا ٌّيت‪ ،‬لك ّن معظم املرشفني متغ ّيبون عن املنتديات‪ ،‬وتلك مشكل ٌة‪،‬‬ ‫املشاكل هي غياب اإلرشاف‪ُ ،‬‬ ‫لكن لحسن ّ‬ ‫الحظ‪ ،‬ممك ٌن حالياً الدخول عن طريق املحمول الذيك إلدارة املنتدى‪ ،‬لذلك مل يعد من املطلوب أن أكون‬ ‫حاسب للدخول لإلدارة‪.‬‬ ‫أمام‬ ‫ٍ‬

‫‪ -8‬يتخ ّوف الكثري من األعضاء من إمكانية اختفاء املنتدى مجدّ ًدا ‪ ..‬فهل هم محقّون ؟‬ ‫ال يجب أن يخشوا شيئاً‪ ،‬أنا حيايت الشخصية مستق ّر ٌة من العمل والعائلة‪ ،‬أستطيع إدارة املنتدى وأدرك متاماً أهمية‬ ‫ٍ‬ ‫منتديات تدعو للفكر الح ّر يف بلدانٍ غارق ٍة يف الخرافات‪ .‬لو أراد سيكام ّ‬ ‫التخل عن اإلدارة‪ ،‬فأنا مستعدٌّ لتح ّملها‪،‬‬ ‫وجود‬ ‫تنويري‪ ،‬سوف يستم ّر املنتدى يف الدعوة للفكر الح ّر‪ ،‬ومهاجمة الخرافات واألساطري وفضحها‬ ‫أي منتدى‬ ‫ٍّ‬ ‫لن يتو ّقف ّ‬ ‫لدي ما أخاف منه‪.‬‬ ‫أمام الجميع‪ ،‬لن نخىش شيئاً‪ ،‬أنا أعيش يف دول ٍة دميقراطي ٍة تحمي حقوق اإلنسان‪ ،‬فلذلك ليس ّ‬ ‫‪ -9‬ما منتدى اإللحاد العريب ؟ ملاذا مستم ٌّر بعد أن عاد املنتدى األم ؟ ما نسبة اإلقبال والتفاعل معه ؟ ّ‬ ‫هل حدّ ثتنا قليالً‬ ‫عنه وسبب تأسيسه ؟‬ ‫منتدى اإللحاد العريب كان الغرض منه تواجد الفكر الح ّر بعد إغالق املنتدى األم والحفاظ عىل أعامل األعضاء فيه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫قمت مع‬ ‫لعيوب فني ٍة يف املنتدى القديم‪ .‬لذلك ُ‬ ‫بدأت الفكرة يف العام املايض عندما قرر انيك إغالق املنتدى األم‬ ‫ٍ‬ ‫مجموع ٍة من األعضاء بتأسيس املنتدى الجديد؛ ليستم ّر وجود امللحدين والحفاظ عىل األعامل القدمية‪ .‬بعد ذلك عاد‬ ‫ست أنّ انيك لن يستم ّر طويالً‪ ،‬فهو ال يشارك يف املنتدى‪ ،‬فمن الواضح أنه فقد‬ ‫تحس ُ‬ ‫املنتدى األم م ّر ًة أخرى‪ ،‬لكن ّ‬ ‫الحامسة لالستمرار‪ .‬يف الحقيقة كنت مح ّقاً يف ذلك‪ ،‬فأغلق املنتدى‪ ،‬لذلك استم ّر منتدى اإللحاد العريب كبديلٍ ‪ ،‬ح ّتى‬ ‫آىت سيكام واتّصل يب يف محاول ٍة إلنقاذ املنتدى القديم‪ ،‬وقام بإهداء املحتوى القديم للمنتدى‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫نريون‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫املنتدى سوف يستم ّر‪ ،‬حيث إنه غري محظو ٍر يف الدول العربية‪ ،‬عكس املنتدى األم‪ ،‬وأيضاً سيكام وأنا نحاول دمج‬ ‫املنتديني معاً‪ ،‬نسبة اإلقبال عليه ضعيف ٌة‪ ،‬بحدود ‪ 200-100‬زائ ٍر يومياً‪.‬‬ ‫كوحوش مدفوع ٍة بأجندات خارجية لتخريب أوطاننا‪ ،‬ما رأيك بهذا الكالم ؟‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -10‬كام تعرف يا دكتور‪ ،‬فاإلعالم يص ّورنا‬ ‫حق‪ ،‬يف السعودية جعلوا قانوناً لإلرهاب ملحاكمة امللحدين‪ ،‬ويف مرص الكنيسة القبطية تتعاون مع األزهر‬ ‫نعم معك ٌّ‬ ‫من أجل محاربة اإللحاد‪ ،‬تخريب األوطان ليس مبن يدعو الناس ألن يفكّروا ألنفسهم‪ ،‬لكن من يحارب ذلك‪ ،‬ويتسلّق‬ ‫عىل األساطري والخرافات‪ ،‬ومينع البرش من التفكري ألنفسهم‪.‬‬ ‫لدي أنّ العرب متخلّفون؛ ألنّهم متخلّفون‪ ،‬بسبب ما يقدّ مه اإلعالم‬ ‫عندما آتيت ألسرتاليا للدراسة‪ ،‬كانت الفكرة ّ‬ ‫أمل‪ ،‬سعد زغلول قال ما فيش فايدة‪ ،‬ليست هناك وسيل ٌة للخروج من د ّوامة الجهل واملرض‬ ‫العريب‪ .‬ليس هناك ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫جامعات مرصي ٍة وأسرتالي ٍة وأمريكي ٍة‪ ،‬والحظت شيئاً غريباً‪ ،‬نحن لسنا متخلّفني عقلياً كام‬ ‫اشتغلت يف‬ ‫ُ‬ ‫والتخلف‪ .‬لقد‬ ‫يدّ عي اإلعالم العريب‪ ،‬الطلبة لديهم نفس مستوى الذكاء تقريباً‪ ،‬سبب تخلّفنا ليس ألنّنا أغبيا ٌء‪ ،‬لكن ليش ٍء آخر‪.‬‬ ‫وجدت سبب تخلف شعوبنا‪ ،‬ليس الشعوب نفسها‪ ،‬إمنا نظام الحكم‪ ،‬والعقيدة املسيطرة عليهم‪ .‬الدين ح ّول الناس‬ ‫إىل قارصين عقلياً‪ ،‬تسيطر عليهم مجموع ٌة من الد ّجالني وأنظم ٌة متخلّف ٌة‪ ،‬لذلك عندما نشجع الناس عىل أن يفكروا‬ ‫ألنفسهم‪ ،‬فهذا يحدّ من سيطرة الحكام ورجال الدين‪ ،‬لذلك وجودنا يهدّ د سلطتهم‪ ،‬وقدرتهم عىل التسلّق بتلك‬ ‫األساطري‪ ،‬سبب الهجوم علينا؛ ألنّنا نهدّ د عروشهم‪ ،‬فنحن مل نخ ّرب العراق مثالً‪ ،‬لكن داعش مؤمن ٌة‪ ،‬مل نخ ّرب سورية‪،‬‬ ‫لكن داعش والنرصة والنظام العلوي املؤمن هم من يخ ّربون األوطان‪ ،‬وليس امللحدون‪ ،‬هناك من يتسلّق عىل األساطري‬ ‫ويستخدم النعرات الطائفية والتعبئة بواسطة الدين‪ .‬نحن نهدّ د كل هذا‪ ،‬وندعو الجميع ألن يفكر لنفسه‪ ،‬وإذا حدث‬ ‫ذلك‪ ،‬فلن تنجح التعبئة الطائفية أو غري ذلك‪.‬‬

‫‪42‬‬


‫نريون‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫حقيقي بالتغيري من وجهة نظرك؟‬ ‫أمل‬ ‫بالتغيات السياسية واالجتامعية يف الدول العربية حال ًيا‪ ،‬هل هناك ٌ‬ ‫‪ -11‬ما رأيك‬ ‫ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫اطي‪ ،‬والدول االستبدادية فاشل ٌة‬ ‫يف نظري‪ ،‬هناك ٌ‬ ‫أمل‪ ،‬نعم‪ ،‬حالياً أكرث من نصف سكان العامل يعيشون يف ٍ‬ ‫نظام دميقر ٍّ‬ ‫نظام شمو ٍّيل؛‬ ‫يف توفري مطالب الحياة لسكانها‪ .‬فالدميقراطية تو ّفر نظاماً يسيطر عليه التنافس‪ ،‬وبالتايل أكرث كفاء ٍة من ٍ‬ ‫والتغي لن يستطيع أحدٌ إيقافهام‪.‬‬ ‫لذلك التط ّور‬ ‫ّ‬ ‫طموح‪ ،‬يرى هناك ٌ‬ ‫شباب لديه‬ ‫شباب بدرج ٍة كبري ٍة‪ ،‬ومتعل ٌّم‪،‬‬ ‫طاقات كثري ٌة‪ ،‬لديها‬ ‫ٌ‬ ‫شعوب املنطقة لديها‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫فرق كبريٌ‬ ‫حكم متتاز بالكفاءة‪ .‬لذلك أرى الوضع يف غاية السوء حالياً‪ ،‬يف مرص عودة‬ ‫بينه وبني الدول الغربية التي فيها أنظمة ٍ‬ ‫حرب أهلي ٌة‪ .‬لكن هناك حالة تذ ّم ٌر‬ ‫تقسيم‬ ‫العسكر‪ ،‬يف العراق سيطرة إيران وداعش‪ ،‬يف سورية‬ ‫ٌ‬ ‫وحرب أهلي ٌة‪ ،‬ليبيا ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫كبرية ضد تلك األنظمة‪ ،‬تلك األنظمة ليست لديها الكفاءة إلدارة البالد‪.‬‬

‫‪-12‬هل يعاين الغرب من التط ّرف الديني كام يف دول الرشق األوسط؟‬ ‫تستغل التط ّرف الديني للوصول‬ ‫ّ‬ ‫ديني‪ ،‬لكن ليس مثل الرشق األوسط‪ .‬الحكومات اليمينية‬ ‫نعم يوجد يف الغرب تط ّر ٌ‬ ‫ف ٌّ‬ ‫للحكم‪ ،‬لكن سياستهم دامئا تُغرق البلدان يف املشاكل االقتصادية مثل ما حدث يف أمريكا يف عهد بوش‪ ،‬لذلك يحدث‬ ‫التصحيح بعد ذلك‪ ،‬وبعد فرتة باستخدام النعرات الدينية‪ ،‬يعودون م ّر ًة أخرى‪.‬‬ ‫‪ -13‬كيف يتعامل الغرب مع املتط ّرفني املسلمني‪ ،‬كيف ترى مستقبل الغرب مع ازدياد عدد املهاجرين الدائم ؟‬ ‫يف الدول الغربية‪ ،‬الهجرة العربية واإلسالمية مفيد ٌة لهم‪ ،‬حيث إنها تو ّفر عامل ًة رخيص ًة ماهر ًة‪ ،‬وبالتايل ليست لديهم‬ ‫قوي‪ ،‬وأجهزة رشط ٍة متتاز‬ ‫مشكل ٌة مع ذلك‪ .‬بالنسبة للمتط ّرفني املسلمني‪ ،‬فهذه مشكل ٌة‪ ،‬لكن يف الدول الغربية قانونٌ ٌّ‬ ‫تم القبض عىل متط ّرفني مسلمني قبل اإلعداد للجرمية‪،‬‬ ‫يتم التعامل بسهولة مع املتطرفني‪ ،‬يف أسرتاليا ّ‬ ‫بالكفاءة‪ ،‬لذلك ّ‬ ‫زيادة املهاجرين الدائم يساهم بدرج ٍة كبري ٍة يف النمو االقتصادي‪ ،‬مثالً أسرتاليا‪ ،‬النمو االقتصادي يتس ّبب به يف معظم‬ ‫أقل من ‪ %10‬ولد يف أسرتاليا‪ ،‬يف حفل ٍة حرضتها مع رشيكتي األسبوع املايض‪ ،‬الحظت رشيكتي أنّ‬ ‫املهاجرون‪ .‬يف عميل‪ّ ،‬‬ ‫معظم الحارضين من املهاجرين‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫نريون‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫وخصوصا منتدى التوحيد‪ ،‬ماذا ميكنك إخبارنا عن محاورة املسلمني‪،‬‬ ‫طويل مع املنتديات اإلسالمية‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -14‬لديك تاريخٌ‬ ‫ً‬ ‫وهل ميكن أن تساهم هذه النقاشات يف يش ٍء ؟‬ ‫معروف مستواه العلمي‪ ،‬وهو محصو ٌر يف نقل خرافات اإلنجيليني األمريكيني‪ ،‬وتغليفها‬ ‫يف الحقيقة ال‪ ،‬منتدى التوحيد‬ ‫ٌ‬ ‫إسالمي‪ ،‬لن يتحاور معك املسلمني أبداً دون سيطر ٍة تا ّم ٍة عىل الحوار‪ ،‬فهم يدركون متاماً ضعف منطقهم‪،‬‬ ‫يف طابعٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫والغرض من نقاشهم معك فقط الهجوم عليك‪ ،‬والشخصنة‪.‬‬ ‫لقد آىت عض ٌو من التوحيد طالباً املناظرة يف التوحيد‪ ،‬فتقدمت ٍ‬ ‫برشط‪ ،‬وهو عند نقاش نقط ٍة علمي ٍة‪ ،‬نعتمد عىل ‪Peer‬‬ ‫ٍ‬ ‫شخص هناك اسمه (د‪.‬‬ ‫وتم االتفاق عىل ذلك‪ ،‬وذهبت لنقاش‬ ‫‪ Review Articles‬يف مجلّ ٍة‬ ‫متخصص ٍة يف املوضوع‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫نقد) عن اإلميان والعلم‪ ،‬كان الغرض من النقاش مهاجمة استخدامهم للفكر العقيل للتدليل عىل اإلميان‪ .‬يف النهاية قام‬ ‫ٍ‬ ‫لشخص اسمه (عبد الواحد) الذي كان يز ّور األشكال العلمية‪ ،‬وقام بوضع‬ ‫(د‪.‬نقد) بالهروب من النقاش وترك الساحة‬ ‫عرشي واح ٍد‪ ،‬وكان مرهقاً متاماً يف النقاش‪ .‬عند فضح خرافاته‪،‬‬ ‫رقم‬ ‫‪ 8‬أصفار بجانب نتيجة تجرب ٍة مل تد ِّع د ّق ًة أكرث من ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫قاموا بإعالن ّأن انسحبت من النقاش‪ .‬ال ميكن نقاشهم يف التوحيد‪ ،‬حيث إنهم يسيطرون متاماً هناك‪ ،‬سوف يعلنون‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫شخيص عليك‪.‬‬ ‫وصفحات للهجوم عليك‪ ،‬لن ير ّدوا أبداً عىل ما تقدّ مه‪ ،‬فقط هجو ٌم‬ ‫صفحات‬ ‫انسحابك‪ ،‬سوف يفرضون‬ ‫ٌّ‬ ‫لقد سألت (د‪.‬نقد) سؤاالً واحداً‪:‬‬ ‫أقل‬ ‫أقل من حيث عدم التصديق) وتتطلّب عدداً ّ‬ ‫إذا كانت هناك نظريتان‪ ،‬إحداهام تقدّ م ما ينفيها (ما يجعلها ّ‬ ‫فروض أكرث من النظرية األوىل ‪ ......‬أخربين‪ ،‬أيها الدكتور يف‬ ‫ٌ‬ ‫من الفروض‪ ،‬عن نظري ٍة أخرى ال تقدّ م ما ينفيها‪ ،‬ولها‬ ‫االبستيمولوجي‪ ،‬أيّاً من النظريتني سوف تختار؟‬ ‫يل هذا السؤال‪.‬‬ ‫وهذا السؤال مل يجب عليه إطالقاً‪ ،‬فتخ ّيل ‪ 5‬صفحات من السفسطة‪ ،‬لكن مل يجب أبداً ع ّ‬ ‫‪ -15‬هل ترى أننا كملحدين نقوم مبا يكفي لتنوير هذا املجتمع ؟‬ ‫تم وصفنا باإلرهاب‪ ،‬ال توجد قنا ٌة واحد ٌة لنا لتوصيل أفكارنا‪،‬‬ ‫ربا ال‪ ،‬لكن نحن نعاين من الهجوم اإلعالمي‪ ،‬وح ّتى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫منتديات جديد ٍة يساهم فيها امللحدون‬ ‫تحكم بلداننا أنظم ٌة شمولي ٌة‪ ،‬ترفض الفكر الح ّر‪ ،‬وتج ّرمه‪ ،‬لذلك يجب فتح‬ ‫‪44‬‬


‫نريون‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫بدرج ٍة أكرب‪ ،‬فامللحد أمل تلك الشعوب للخروج من دائرة التخلف والحكم الشمويل‪ .‬نحن من خرج من تحت تأثري‬ ‫املتسلّقني عىل األساطري‪ ،‬نحن من فكّر لنفسه‪ ،‬من ق ّرر لنفسه‪ ،‬من أخذ قراراً بنفسه‪ ،‬تلك األشياء يخشاها الحكام‬ ‫العرب ورجال الدين‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫يتغي ويتط ّور مع الزمن ؟‬ ‫‪ -16‬هل تعتقد أن اإللحاد‬ ‫كموقف فكري ّ‬ ‫استنتجت فساد الفكر العقائدي‪ ،‬لعدم توافقه مع الواقع‪ ،‬لذلك‬ ‫ُ‬ ‫استنتاج‪ ،‬أنا‬ ‫اإللحاد ليس عقيد ًة‪ ،‬لك ّنه نتيج ٌة أو‬ ‫ٌ‬ ‫دين أو إل ٍه‪،‬‬ ‫موقف‬ ‫لدي‬ ‫اإللحاد ليس موقفاً فكرياً‪ ،‬بل‬ ‫أي ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫فكري‪ ،‬لكن ال أرى دليالً عىل ص ّحة ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫يل‪ ،‬أنا ليس ّ‬ ‫أسلوب عم ٌّ‬ ‫دليل عىل ذلك‪ .‬املوقف الفكري هو الدين‪ ،‬حيث إن الدين لدية فكر ٌة أو عقيد ٌة‪ ،‬ويبحث لها عن تربيرٍ‪.‬‬ ‫ال يوجد ٌ‬ ‫‪ -17‬ما زال الكثري من امللحدين يف العامل العريب يدخلون االنرتنت بأسام َء وهمي ٍة مستعار ٍة‪ ،‬هل برأيك أنه حان الوقت‬ ‫وخصوصا مع ظهور البعض مثل إسامعيل محمد‪ ،‬وأحمد حرقان عىل شاشات التلفاز ؟‬ ‫ل ُيجاهروا بحقيقتهم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تنس أنّ السعودية‬ ‫يف الحقيقة ال‪ ،‬ال أنصح أحداً الدخول باسمه الحقيقي‪ ،‬ويجب أن يكون من خالل بروكيس‪ ،‬ال َ‬ ‫وتم القبض عىل أكرث من ملح ٍد يف مرص‪ ،‬واالعتداء عليهم أيضاً‪.‬‬ ‫أصدرت قانون اإلرهاب للملحدين‪ّ ،‬‬ ‫بدورك خلف الكواليس ؟‬ ‫‪ -18‬هل ستظهر عىل التلفاز لو سنحت لك الفرصة ؟ أم ستستم ّر‬ ‫َ‬ ‫كل مغالطاتهم الفكرية‬ ‫لدي خرب ٌة كبري ٌة يف مناقشة املؤمنني‪ ،‬حالياً أعرف ّ‬ ‫لدي ٌ‬ ‫مانع‪ ،‬من الظهور يف التلفاز‪ّ ،‬‬ ‫ليس ّ‬ ‫العلمية‪ ،‬أستطيع الر ّد عليها بكفاء ٍة‪ ،‬لكن لن يسمح املؤمنون بذلك‪ ،‬فهم يدركون متاماً ضعف منطقهم‪ ،‬وال يرغبون‬ ‫بنقاش ال يسيطرون عليه‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫‪45‬‬


‫نريون‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫عرب قد حقّقنا‪ ،‬ولو جزءاً من أهدافنا ؟ ماذا تنصح لنساهم أكرث يف تنوير الغري ؟‬ ‫‪-19‬هل تعتقد أننا كملحدين ٍ‬ ‫حقّقنا جزءاً كبرياً‪ ،‬لقد أعلنا وجودنا‪ ،‬هذا يش ٌء كبريٌ‪ ،‬فقد كان هناك إنكا ٌر بوجود ملحدين‪ ،‬لكن يجب أن نساهم كثرياً‬ ‫ربا النقاش‪ ،‬فضح مغالطات رجال الدين وأكاذيبهم‪ ،‬تخ ّيل دامئاً يأيت املسلم دامئاً بنفس األكاذيب التي‬ ‫يف التنوير‪ّ ،‬‬ ‫ير ّددها شيوخه وعندما نر ّد عليها ونفضحها‪ ،‬يهرب وال يعود‪.‬‬

‫‪ -20‬أين ترى امللحدين العرب يف املستقبل ؟‬ ‫ضعيف‪،‬‬ ‫أرى امللحدين يف ازديا ٍد‪ ،‬مع زيادة التعليم‪ ،‬والتقدّ م العلمي‪ ،‬سيكرث عدد امللحدين‪ ،‬نحن نواة ذلك‪ .‬الدين‬ ‫ٌ‬ ‫ضعيف‪ ،‬يعتمد دامئاً عىل املغالطات‪ ،‬وخاص ًة مغالطة التوسل باملرجعية‪.‬‬ ‫منطقه‬ ‫ٌ‬ ‫امللحدون العرب نواة التقدّ م يف الدول العربية‪ ،‬هم من يفكّر لنفسه‪ ،‬لذلك مع فشل األنظمة الشمولية يف توفري حيا ٍة‬ ‫كرمي ٍة لشعوب املنطقة‪ ،‬نحن نواة التغيري لألفضل‪.‬‬ ‫من عميل يف بلدانٍ مختلف ٍة‪ ،‬ومع شعوب مختلف ٍة‪ ،‬أستطيع أن أؤكّد لك‪ ،‬العيب ليس يف الشعب العريب كام ير ّوج‬ ‫اإلعالم ورجال الدين‪ ،‬لكن يف األنظمة الشمولية والعقائد الدينية‪.‬‬ ‫الحكم الشمويل عديم الكفاءة‪ ،‬فال يحفّز الشعوب عىل التفكري لنفسها‪ ،‬العقيدة متنع اإلنسان من يفكّر لنفسه‪ ،‬وتح ّرم‬ ‫الشك‪ ،‬وتوهمه أنّه غري ذي قيم ٍة‪ ،‬ويجب عليه التقليد‪ ،‬واتباع األفكار الجاهزة املقدّ مة بواسطتهم‪.‬‬ ‫عليه ّ‬ ‫من حسن الحظ‪ ،‬الـ ‪ millennial generation‬تفضّ ل البعدُ عن الدوغامئية‪ ،‬لذلك هناك ٌّ‬ ‫حظ أوفر لها مع األديان ‪.‬‬ ‫قام بالحوار‬ ‫‪Gaia Atheo‬‬ ‫‪McKie Theman‬‬ ‫‪46‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪47‬‬


‫شخص‬ ‫هل ُوجد ٌ‬ ‫يدعى يسوع؟‬ ‫كرثت األسئلة املو ّجهة يل بخصوص هذا املوضوع‪،‬‬ ‫بل البعض منهم يقول – مستهزئًا ‪ -‬ال تقل يل بأ ّن‬ ‫يسوع شخصي ٌة وهمي ٌة‪ ،‬والبعض اآلخر يقوم‪ -‬بشكلٍ‬ ‫يدعوين للرثاء عليه‪ -‬بعرض مصاد ٍر مزور ٍة مدفوعني‬ ‫بالعاطفة إلثبات شخصية يسوع التاريخية؛ فعندما‬ ‫تخربين بأنّه قد ُوجد إنسا ٌن ُولد من عذرا ٍء ومات‬ ‫أيام‪ ،‬ومن ث َّم ذهب إىل الجحيم وبعدها‬ ‫ملدة ثالثة ٍ‬ ‫يثبت كالمك‬ ‫صعد إىل السامء؛ فال ب َّد من وجود ما ْ‬ ‫وال أستطيع االعتامد عىل ما تقوله الكتب املقدسة‬ ‫ببساط ٍة لعدم تطابقها مع عل َمي اآلركيولوجي‬ ‫والكرونولوجي‪ ،‬ومن ث ّم يجب أن يكون لديك‬ ‫عوضا عن تفسري‬‫مصد ًرا خارج ًّيا تُثبت به ح ّجتك ً‬ ‫املاء باملاء بعد جهد‪ -‬فكأنّ ا نسبح يف حلق ٍة مغلق ٍة‬ ‫(املصادرة عىل املطلوب)‪.‬‬ ‫هناك مغالط ٌة منطقي ٌة تعتمد عىل إثبات الفرض‬ ‫ٌ‬ ‫ومثال عىل ذلك ‪:‬إ ّن‬ ‫باالعتامد عىل الفرض نفسه؛‬ ‫يسوع هو شخص ّي ٌة حقيق ّي ٌة وتاريخ ّي ٌة وإال فكيف‬ ‫تفس ذكره يف األناجيل‪ ،‬ومن املبدأ ذاته ميكننا‬ ‫ّ‬ ‫القول أ ّن شخص ّية شارلك هوملز حقيقي ٌة لوجود‬ ‫كتب مغامرات شارلك هوملز تتحدث عنه؛ فهل‬ ‫فعل ُوجد ذلك الشخص؟‬ ‫ً‬

‫هرمس مثلث‬ ‫العظمة‬

‫دعونا نبدأ بإماطة اللثام عن هذه املسألة املعقدة‬ ‫ولنبدأ مبعالجة جزئياتها باالعتامد عىل ما يتوفر لنا‬ ‫ٍ‬ ‫أقل ما يقال عنها‬ ‫معلومات وبذلك نأخذ ملح ًة ّ‬ ‫من‬ ‫بسيطة ولكنها تغطي ما يقارب الـ ‪ % 75‬من تلك‬ ‫املعلومات املفخخة‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫شخص يدعى يسوع؟‬ ‫هل ُوجد‬ ‫ٌ‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬

‫السواح يف كتابه ألغاز اإلنجيل يف فصل هل ُوجد يسوع؛ بصيغ ٍة تدعو بشكلٍ يهدف إىل إثبات وجوده‪،‬‬ ‫يبدأ فراس ّ‬ ‫فيصف لنا املعركة والجدل الالهو ّيت بني ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومعارض لوجوده كشخصي ٍة تاريخي ٍة ‪ ،‬حيث أ َّن التيار املعارض لوجود‬ ‫مؤيد‬ ‫يسوع يقول‪ :‬بأ ّن يسوع هو أسطور ٌة نسجتها مخيلة الالهوتيني عىل مدى قرنٍ من ال ّزمن‪ ،‬ويقول أنّها ماد ٌة لجد ٍل‬ ‫أكادميي لرمبا لن ينتهي‪ ،‬ث ّم يقوم بعرض مؤرخني لذلك العرص (فيلون السكندري – بلوتارخ‪ -‬تاسيتوس ‪ -‬بلينوس االصغر‪-‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ّربي) ‪.‬‬ ‫وسويتونيوس‪ -‬وسينيكا ‪ -‬وجوفينال ‪ -‬بلينوس االكرب ‪ -‬وأخريا ً وليس آخرا جوستوس الط ّ‬ ‫ثم ينتقل لدحض ادعاءات املكذّبني بشخصية يسوع التاريخية‪ ،‬حيث يقول ‪:‬‬ ‫«يف ال ّرد عىل هذه األطروحات التي تبدو منطق ّي ًة وجذاب ًة للوهلة األوىل نقول بأ َّن يسوع وحركته ال ّدينية ما كان لهام أن‬ ‫يلفتا نظر السلطات الرومان ّية وال املؤلفني املعروفني يف ذلك الوقت» معل ًّل ذلك بقرص الحياة التّبشريية ليسوع ‪-‬معتم ًدا‬ ‫عىل األناجيل‪ -‬وضعف الحركة الدين ّية التي شكّلها والتي مل تزعج السلطات اليهودية وال الرومانية‪ .‬ثم ينطلق لالتكاء‬ ‫يبش بكائنٍ خرايف (‪)1‬؟! ‪-‬هنا أشري إىل نقطة‪:‬‬ ‫عىل عصا بولس‪ ،‬حيث يرسدها بطريق ٍة كوميدي ٍة الذع ٍة‪ :‬هل كان بولس ّ‬ ‫لست هنا ملناقشة وجود شخصية بولس فاملقال ال يتسع لذلك‪ ،‬ودعونا‬ ‫وهل يف األصل ُوجد ذلك املبرش بولس(*) ؟!‪ُ -‬‬ ‫نبحر يف املصادر املعتمدة من خارج األناجيل التي يُؤخذ عىل أنّها ت ُثبت شخصية يسوع ‪.‬‬ ‫بأن أقوم بإثارة نقط ٍة حساس ٍة‪ ،‬بل الزالت غري مقبول ٍة يف مجتمعنا إن كان من الشّ ق املسيحي أو‬ ‫يف البداية الب َّد أن أذّكر ّ‬ ‫املسلم أو حتى بعض امللحدين والباحثني يف األديان‪ ،‬وال يجب إغفال صوت الشّ ق املسيحي ألنّهم هنا يشكلون نسب ًة‬ ‫كبري ًة من فلسفة مجتمعنا‪.‬‬ ‫ما نوع املصادر التاريخية التي نحتاجها؟‬ ‫ميكن للمؤرخ أن يقبل أنوا ًعا من األدلة ليبني عىل أساسها وجود شخصي ٍة ما يف املايض ‪:‬‬ ‫أولً ‪ :‬يوجد الدليل الحقيقي لإلثبات (دليل مادي) وعىل سبيل املثال‪ :‬صورة‪ ،‬نسل‪ ،‬قرب‪-‬ومع ذلك املثال األخري ميكن‬ ‫تزويره‪ -‬فإنّه من الصعب أن ننكر وجود شخصي ٍة كالسلطان عبد الحميد بالنسبة لجيلنا لو مل نرى صوره ‪-‬ميكن أحيانًا‬ ‫التالعب بتلك الصور لتنفيذ مؤامر ٍة قذر ٍة‪ -‬وبالتايل االحتكام إىل الصور معتم ًدا عىل أكرث من مصدر يكون مقن ًعا مبا فيه‬ ‫الكفاية‪.‬‬ ‫باإلضافة لألدلة املادية يوجد هنالك بعض األشياء والتي قد ت ُعترب شخصي ًة بالنسبة لتلك الشخصية‪ :‬منزل‪ ،‬بقايا أدبية‬ ‫خطّها بنفسه‪ ،‬وبعض الكتابات (ولو وضعنا النبي محمد من هذا املنظور لرمبا بدأنا بالتشكيك بحقيقة وجوده)‪.‬‬ ‫يبحث املؤرخون عاد ًة عن أدل ٍة ليس من الشخص نفسه بل متعلق ًة به (اإلشارة إىل اقتباسات‪ ،‬أسئلة‪ ،‬نقاشات حول تلك‬ ‫الشخصية عن طريق اآلخرين) فإذا نظرنا إىل شخص يسوع‪ ،‬الشخص الذي عاش ‪-‬إن كان باألساس قد عاش قبل ‪2000‬‬ ‫سنة‪ -‬ما نوع املصادر التاريخية املعتمدة عنه والتي تثبت وجوده؟‬ ‫السواح‬ ‫‪ 1‬ألغاز اإلنجيل لفراس ّ‬‫* من خالل قراءة الظروف املحيطة لبولس الرسول هو إعادة صياغ ٍة للبطل اإلغريقي أورفيوس‬

‫‪49‬‬


‫شخص يدعى يسوع؟‬ ‫هل ُوجد‬ ‫ٌ‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬

‫ٍ‬ ‫اقتباس ليسوع يف األناجيل وأشهر املواقف التي ت ُحايك سريته تحت املجهر منقّبني عن األصل األو ّيل لها‪:‬‬ ‫فلو وضعنا أشهر‬ ‫أيضا» "إنجيل متى‪ -‬اإلصحاح ‪"5-‬‬ ‫«وأ ّما أنا فأقول لكم ال تقاوموا الرش بل من لطمك عىل خدك األمين فحول له اآلخر ً‬ ‫يقول راسل يف محارضة ملاذا لست مسيح ّياً ‪:‬‬ ‫«هذا الكالم قاله الوتيس و بوذا قبل املسيح ب ‪ 500‬أو ‪ 600‬سنة‪»)2( .‬‬ ‫بل نجد مأثور ٍ‬ ‫ات تلمودي ًة وأقوالً ت ُسطَّر يف العهد الجديد منسوب ًة ليسوع‪ ،‬يف األصل هي ٌ‬ ‫أقوال مصاغ ٌة عىل النمط‬ ‫التلمودي مبا ال يدعو للشك‪ ،‬نقرأ يف أنجيل يوحنا اإلصحاح الرابع ‪:‬‬ ‫بالحري ج ًدا يلبسكم أنتم يا قلييل اإلميان»‬ ‫«فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غ ًدا يف التنور يلبسه الله هكذا أفليس‬ ‫ّ‬ ‫التلمود ‪)3( :‬‬ ‫«الشخص الذي لديه خب ٌز يف سلته‪ ،‬وبعدها يسأل‪ :‬ماذا سآكل يف الغد؟ ينتمي إىل قلييل (ضعيفي) اإلميان»‬ ‫يسوع يف العهد الجديد ‪:‬‬ ‫«انظروا إىل طيور السامء إنها ال تزرع وال تحصد وال تجمع إىل مخازن‪ ،‬وأبوكم الساموي يقوتها‪ ،‬ألستم أنتم بالحري أفضل منها؟»‬ ‫التلمود‪)4(:‬‬ ‫«الوحوش بل وحتى الطيور‪ ،‬المتتهن التجارة‪ ،‬ومع ذلك فهي تقتات من دون كد ٍح أو تعب»‬ ‫بل هنالك بعض القصص يف العهد الجديد‪ ،‬تثري التّساؤل عن خدمة الّرب‪ ،‬وخدمة املرىض والتأنيب هنا يقع عىل عاتق‬ ‫غريب عن الفكر اليهودي يف تلك املرحلة من ذلك التّاريخ‪ ،‬مام ّ‬ ‫يدل عىل‬ ‫موقف‬ ‫الحوارين عىل عدم خدمة ال ّرب‪ ،‬هذا ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫حق يف العهد الجديد‪ ،‬مهمتها إعطاءنا فك ًرا مختلفًا أو باألحرى زيادة الحرية لدى‬ ‫أنّها حال ٌة أو قص ٌة مقحم ٌة بغري وجه ٍّ‬ ‫وخصوصا الديانة البوذية‪ -‬وهنا ال ّرب‬ ‫القارئ الحديث لإلنجيل‪ .‬بينام نجد منوذ ًجا يف الهند شبي ًها لتلك املحاكاة ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫بأسلوب مامثلٍ يعاتب الرهبان (الحوارين بالنسبة للمسيح) عىل عدم خدمتهم لبعضهم البعض ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ومحبوسا فلم‬ ‫مريضا‬ ‫ّ‬ ‫كنت غريبًا فلم تؤوين‪ ،‬عريانًا فلم تكسوين‪ً ،‬‬ ‫«ألن جعت فلم تطعموين عطشت فلم تسقوين‪ُ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫محبوسا‬ ‫مريضا أو‬ ‫تزوروين‪،‬‬ ‫أيضا قائلني‪ :‬يا رب؛ متى رأيناك جائ ًعا أو عطشانًا أو غري ًبا أو عريانًا أو ً‬ ‫حينئذ يجيبونه هم ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫فبي مل تفعلوا»‬ ‫نخدمك‪ ،‬فيجيبهم ً‬ ‫و مل‬ ‫قائل‪ّ :‬‬ ‫الحق أقول لكم مبا أنكم مل تفعلوه بأحد هؤالء األصاغر َ‬ ‫"أنجيل متى ‪-‬اإلصحاح ‪"25-‬‬

‫‪ .2‬ملاذا لست مسيح ًيا‬

‫‪3. Midrash Tanhuma, Beshallah 117b‬‬ ‫) ‪4. Rabbi Simon ben Eleazar ( 3d cent.‬‬

‫‪50‬‬


‫شخص يدعى يسوع؟‬ ‫هل ُوجد‬ ‫ٌ‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬

‫الهندي ‪:‬‬ ‫يف النموذج‬ ‫ِّ‬ ‫مصاب تحدي ًدا بأ ٍمل‬ ‫اهب‬ ‫ٌ‬ ‫«اآلن يف ذلك املوسم كان يوجد ر ٌ‬ ‫يف املعدة‪ ،‬وممد ٌد عىل األرض‪ ،‬ويف الحال ال ّرب طاف حول‬ ‫مواضع النوم مع القديس " أنادو" وذهب باتجاه ال ّراهب‬ ‫وسأله ما بك أيّها ال ّراهب‬ ‫ال ّراهب ‪:‬‬ ‫لدي أملٌ يف املعدة يا رب‬ ‫يوجد َّ‬ ‫ال ّرب ‪:‬‬ ‫مريض أيّها الراهب؟ هل يوجد أح ٌد يخدمك أيّها‬ ‫أأنت‬ ‫ٌ‬ ‫الراهب؟‬ ‫ال ّراهب ‪:‬‬ ‫ال أحد أيَّها ال ّرب‬ ‫ال ّرب ‪:‬‬ ‫ملاذا ال يخدمك بقية الرهبان؟‬ ‫ال ّراهب ‪:‬‬ ‫ألن‪ ،‬يا رب‪ ،‬أنا لست مفي ًدا للرهبان اآلخرين‪.‬‬ ‫عندها خاطب ال ّرب القديس أنادو‪ :‬اذهب يا أنادو‪ ،‬واحرض‬ ‫ما ًء‪ ،‬دعنا نغسل هذا الراهب‪.‬‬ ‫وسكب ال ّرب املاء عىل الراهب‪ ،‬ومسحه القديس أنادو‬ ‫ومسكه ال ّرب من يده‪ ،‬والقديس أنادو من قدميه‪ ،‬رفعه إىل‬ ‫األعىل ووضعه عىل الرسير‪.‬‬ ‫وعىل الحال قال ال َّرب هل هنالك رهبا ٌن مبثل هذه الحالة(أي‬ ‫وصول إىل التايل ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫السابق‬ ‫السياق ّ‬ ‫مرىض)» ويعاد نفس ّ‬ ‫«ال يوجد لدى الرهبان أبا ٌء وال أمهاتٌ يخدمونهم ‪ .‬إذا مل يخدم الرهبان بعضهم البعض‪ ،‬من بالحقيقة كان سيخدمك؟‬ ‫من هم الرهبان الذين سيخدمونني‪ ،‬دعه يخدم املرىض» (‪)5‬‬ ‫مسح ال ّرب يف تلك القصة للرهبان باملاء شكّل البذر َة أو اللّبن َة التي بنى يوحنا عليها فكرة مسح يسوع‬ ‫بل ونجد أ ّن ْ‬ ‫ألقدام تالميذه باملاء‪،‬‬ ‫‪5- Major Section on Discipline VIII. 26‬‬

‫‪51‬‬


‫شخص يدعى يسوع؟‬ ‫هل ُوجد‬ ‫ٌ‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬

‫ٍ‬ ‫البوذي مع ال ّرب ‪:‬‬ ‫خلقٍ يذكرنا بقصة ال ّراهب‬ ‫امي ّ‬ ‫يحض عىل عمل ذلك يف‬ ‫بل ُّ‬ ‫ّ‬ ‫مشهد در ٍّ‬ ‫صب ما ًء يف مغسلٍ وابتدأ يغسل أرجل التالميذ وميسحها‬ ‫«قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشف ًة واتّزر بها‪ ،‬ثم َّ‬ ‫باملنشفة التي كان متّز ًرا بها‪ ،‬فجاء إىل سمعان بطرس فقال له ذاك‪ :‬يا سيد أنت تغسل رجيل‪ ،‬أجاب يسوع و قال‬ ‫تغسل رجيل أب ًدا‪ ،‬أجابه يسوع‪ :‬إ ْن‬ ‫َ‬ ‫له لست تعلم أنت اآلن ما أنا اصنع ولكنك ستفهم فيام بعد‪ ،‬قال له بطرس لن‬ ‫َ‬ ‫أيضا يدي ورأيس‪ ،‬قال‬ ‫أغسلك فليس لك معي‬ ‫كنت ال‬ ‫نصيب‪ ،‬قال له سمعان بطرس‪ :‬يا سيدي‪ ،‬ليس رجيل فقط بل ً‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫له يسوع الذي قد اغتسل ليس له حاج ًة إال إىل غسل رجليه بل هو طاه ٌر كلَّه وأنتم طاهرون ولكن ليس كلكم ‪-‬ألنه‬ ‫أيضا قال لهم أتفهمون ما قد‬ ‫طاهرين‪-‬فلم كان قد َ‬ ‫عرف مسلمه لذلك قال لستم كلكم‬ ‫غسل أرجلهم وأخ َذ ثيابه واتكأ ً‬ ‫ّ‬ ‫السيد واملعلم قد غسلت أرجلكم‬ ‫معلم وسي ًدا وحس ًنا تقولون ّ‬ ‫ألن أنا كذلك‪ ،‬فإ ْن ُ‬ ‫صنعت بكم؟ أنتم تدعونني ً‬ ‫كنت وأنا ّ‬ ‫فأنتم يجب عليكم أ ْن يغسل بعضكم أرجل بعض» "إنجيل يوحنا اإلصحاح ‪"18‬‬ ‫بل هنالك بعض املصطلحات الغريبة التي توضع عىل لسان يسوع يف اإلنجيل‪ ،‬وليس لها عالق ٌة بالفلسفة التي من‬ ‫املفرتض نشوء يسوع عليها (الديانة اليهودية) ٌ‬ ‫ومثال عىل ذلك ‪:‬‬ ‫خدامي يجاهدون ليك ال أُسلّ َم إىل‬ ‫«أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العامل لو كانت مملكتي من هذا العامل لكان‬ ‫َّ‬ ‫اليهود‪ ،‬ولكن اآلن ليست مملكتي من هنا» "إنجيل يوحنا اإلصحاح ‪"18‬‬ ‫كل االختالف‬ ‫ما الذي كان يعنيه حقًا من خالل تلك الكلامت؟ بل األكرث حريةً‪ ،‬من أين استم ّد تلك ال ّنظرة التي تختلف َّ‬ ‫عن الفكر السائد يف َ‬ ‫تلك املنطقة يف ذلك العرص‪.‬‬ ‫هذا الكالم ال ميكن ليسوع أن ينطق به لو كان من الجليل حقًا‪ ،‬أل َّن النظر َة يف تلك األرجاء مختلف ٌة متا ًما عن نظرته هذه‪،‬‬ ‫اليهودي واألطر املسيطرة عىل جوانب تلك العقيدة مل تكن تؤمن مبفهوم التاريخ‬ ‫فالفلسفة ال ّدينية الخاصة بال ّنظام‬ ‫ّ‬ ‫الدينامييك‪ ،‬هذه وجهة نظ ٍر أقرب للباطنية‪ ،‬م ْن ميكنه تكلم مثل هذه الكلامت التي متيط اللثام عن حكم ٍة عميق ٍة ال‬ ‫تنتمي إىل األسلوب اليهودي املتعلق بالتابو (**)‬ ‫** اليهود اليؤمنون بالحياة اآلخرة "ويذكر الدكتورعيل وايف"‪ :‬أنه ال يوجد يف فرقهم الشهرية من يؤمن باليوم اآلخر‪ ،‬ففرقة الصادوقيني تنكر قيام األموات‪ ،‬وتعتقد أ ّن عقاب‬ ‫العصاة وإثابة املتقني إمنا يحصالن يف حياتهم"‬ ‫وبذلك نرى شكوى ت ُرفع من ِق َبل الرجل الصالح أيوب اعرتاضً ا عىل هذا األمر نقرأ يف سفر أيوب‬ ‫ملاذا تحيا األرشار ويشيخون نعم ويتجربون قو ًة‬ ‫نسلهم قائ ٌم أمامهم معهم وذ ّريتهم يف أعينهم‬ ‫ٍ‬ ‫غريب عنهم ‪.‬‬ ‫د‬ ‫تقلي‬ ‫هو‬ ‫وبالتايل‬ ‫اليهودية‪،‬‬ ‫لدى‬ ‫د‬ ‫وار‬ ‫غري‬ ‫به‬ ‫والعيش‬ ‫اآلخر‬ ‫العامل‬ ‫عن‬ ‫املفهوم‬ ‫وبالتايل‬ ‫‪)7-9‬‬ ‫‪:21‬‬ ‫(األصحاح‬ ‫الله‬ ‫بيوتهم آمن ٌة من الخوف وليس عليهم عصا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫‪52‬‬


‫شخص يدعى يسوع؟‬ ‫هل ُوجد‬ ‫ٌ‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬

‫بغض ال ّنظر عن التلمود التي كانت مهتم ًة فقط‬ ‫هذه فلسف ٌة فيثاغورثي ٌة مل تكن موجود ًة يف العبادات اليهوديّة مطلقًا‪َّ ،‬‬ ‫الشيعة وفقًا للمعبد يف القدس‪ .‬والتي ا ُشتقَت من التّعاليم املرصيِّة القدمية واألرسار املد ّونة يف كتاب املوىت‬ ‫بتطبيق ّ‬ ‫رضا لدى املرصي‬ ‫الفرعوين التي تتحدث عن العامل اآلخر وكأنه عامل الخلود األبدي "دويت" العامل اآلخر الذي كان دامئًا حا ً‬ ‫ٌ‬ ‫ومتشابك وكأنَّه تجسي ٌد لألفعتني اللتني كانتا تحيطان‬ ‫القديم‪ ،‬كان يُعتقَد بوجوده املتزامن مع العامل الطبيعي (الدنيوي)‬ ‫بالكادوسيس صولجان هرمس‪.‬‬ ‫فيسوع املنسوب إليه العبارات التالية وفقًا ملا ذكرناه يف األعىل‪ ،‬ال ميكن أن تصدرمنه عبار ٍ‬ ‫ات ّ‬ ‫تدل عىل مخالفة التابو‬ ‫اليهودي‪ ،‬بل إ َّن بعض العبارات مبني ٌة عىل ال ّنسق التلمودي‪ ،‬ونحن نعلم موقف التلمود من املسيحية‪:‬‬ ‫الحق أقول لكم إىل أن تزول السامء‬ ‫جئت ألنقض بل ألكمل‪ّ ،‬‬ ‫جئت ألنقض الناموس أو األنبياء‪ ،‬ما ُ‬ ‫«ال تظ ّنوا أين ُ‬ ‫فإن ّ‬ ‫واألرض ال يزول ٌ‬ ‫حرف واح ٌد أو نقط ٌة واحد ٌة من الناموس حتى يكون الكل‪ ،‬فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلّم‬ ‫عظيم يف ملكوت الساموات»"إنجيل‬ ‫الناس هكذا يدعى أصغر يف ملكوت الساموات وأما من عمل وعلم فهذا يدعى‬ ‫ً‬ ‫متى اإلصحاح ‪"5‬‬ ‫أل َّن اليهود يدعون الجانب الرشير وذو الطبيعة السيئة من الكون (كليفاه –ريند) وهذه تلصق بأرواح املسيحيني ‪.‬‬ ‫‪Emek Hammelech (23d):‬‬ ‫«إ ّن أرواح العاقني والغري ورعني تأيت من كليفاه (املسيحيون) والتي تشري إىل املوت وظل املوت»‬ ‫يجسدها يسوع يف‬ ‫بل إ ّن املتعمق واملعجب باألدب اإلغريقي سيشاهد ً‬ ‫نقل لحوادث كتبها هومريوس يف األوديسيا‪ّ ،‬‬ ‫إنجيل مرقص‪ ،‬وهو اإلنجيل األقدم بل ومادته تشكّل ما نسبته ‪ 75%‬من األناجيل الباقية باستثناء إنجيل يوحنا‪ ،‬دعونا‬ ‫ٍ‬ ‫خطوات بسيط ًة نالحق بها سري أدويسيوس يف األوديسيا وسري يسوع يف إنجيل مرقص ‪:‬‬ ‫نضع‬ ‫استقل طاقم أوديسيوس السفينة وجلسوا (‪)6‬‬ ‫ّ‬ ‫‪.1‬‬ ‫استقل يسوع منت القارب وجلس يعلم‬ ‫ّ‬ ‫‪ .1‬أ ‪-‬‬ ‫أيضا يعلم عند البحر فاجتمع إليه جم ٌع كث ٌري حتى أنه دخل السفينة» "مرقص"‬ ‫«وابتدأ ً‬ ‫قصصا أليولوس‬ ‫‪ .2‬وعىل جزير ٍة عامئ ٍة جلس أوديسيوس يحيك ً‬ ‫‪ .2‬ب ‪ -‬ويسوع جلس عىل البحر يعلّم الناس‬ ‫«وجلس عىل البحر والجمع كله كان عند البحر عىل األرض» "مرقص"‬ ‫‪ – 6‬األوديسا لهومريوس‬

‫‪53‬‬


‫شخص يدعى يسوع؟‬ ‫هل ُوجد‬ ‫ٌ‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬

‫وأبرز نقط ٍة ترينا مدى هبوط الوحي عىل هومريوس عف ًوا مرقص هي القصة التالية‪:‬‬ ‫املشكلة التي وقع بها أوديسيوس عىل الجزيرة والتي تح ّول طاقمه بها إىل خنازير‪ ،‬ومن ثم رضوخه واستقراره لِسنة‪،‬‬ ‫يل "هايدس" وهنالك نجد النقطة الثالثة املهمة وهي‬ ‫ومن ثم عند العودة مل يجد أمامه سوى الذّهاب إىل العامل ّ‬ ‫السف ِّ‬ ‫مبعز ٍل عن اإلصحاح الرابع إنها باإلصحاح العارش من مرقص‪.‬‬ ‫‪ .3‬أثناء ذهاب أوديسوس إىل عامل املوىت يلتقي األعمى ترييسياس‬ ‫وأيضا أثناء ذهاب يسوع إىل العامل السفيل يلتقي األعمى بارتياموس‬ ‫‪ .3‬ج ‪ً -‬‬ ‫ها نحن صاعدون إىل أورشليم وابن اإلنسان يسلم إىل رؤساء الكهنة والكتبة ويحكمون عليه باملوت ويسلمونه إىل األمم‪.‬‬ ‫ويف نفس اإلصحاح‬ ‫خارج من أريحا مع تالميذه وجم ٌع غف ٌري‪ ،‬كان بارتياموس األعمى ابن تياموس جالسا عىل‬ ‫«وجاؤوا إىل أريحا وفيام هو ٌ‬ ‫الطّريق يستعطي»‬ ‫غيض من فيض‪ ،‬والنصان كُتبا باللغة اإلغريقية‪ ،‬واألوديسة قبل اإلنجيل بقرون‪ .‬كل ما أطرحه يؤكد أ ّن اإلنجيل‬ ‫وهذا ٌ‬ ‫قصص أدبي ٌة صاغتها أيدي مؤلفني‪ ،‬ووضعت عنوانًا‬ ‫ليس ً‬ ‫نقل لحوادث حدثت ليسوع يف منطقة فلسطني‪ ،‬وإنّ ا هي ٌ‬ ‫لعملها األديب تحت مس ّمى يسوع‪.‬‬ ‫عم‬ ‫يفضل أن نبحث عن مؤرخني يف عرصه‪،‬‬ ‫بالنسبة ليسوع ّ‬ ‫ً‬ ‫وخصوصا يف منطقته (فلسطني) سوريا الجنوبية لنبحث ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كتبوا أو أ ّرخوا عنه‪ .‬فليس من املمكن أن نستمع إىل تقاري ٍر أو در ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص قد عاشوا بعده بقرنٍ‬ ‫كتابات من‬ ‫اسات أو‬ ‫قليل ‪ ،‬فلن تكون جدير ًة بالثقة ‪.‬‬ ‫أكرث أو أقل ً‬ ‫مادي عىل وجود ٍ‬ ‫دليل عىل دورة‬ ‫عام مبواصفات يسوع‪ ،‬وال ٌ‬ ‫ال يوجد لدينا ٌ‬ ‫شخص قد عاش يف فلسطني قبل ألفي ٍ‬ ‫دليل ٌّ‬ ‫حياته التبشريية‪ -‬والتي امت ّدت لفرتة ثالث سنني فقط‪ -‬بداي ًة من س ّن الثالثني وحتى صلبه‪ ،‬الذي تنطبق عليه تلك‬ ‫املواصفات هي حركة الشمس‪ ،‬أقتبس من مقايل عن لغز يوحنا التايل ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫انعكاس فليكٍّ‪ ،‬وهذا نربهنه بالتايل‪ :‬حيث‬ ‫« فيوحنا ألنّه يُع ّمد باملاء يُر َمز له بربج ال ّدلو‪ ،‬أي حادثة العامدة هي حادثة‬ ‫وصول إىل برج الدلو يف الدرجة ‪ 30‬ويسوع تع ّمد يف سنة الثالثني» ويف العصور الوسطى‬ ‫الشمس متر مبسريتها عرب األبراج ً‬ ‫وعبوا عنها من خالل دائرة الربوج‪ ،‬حيث وضعوا يوحنا املعمدان يف‬ ‫عندما قاموا بإعادة تسمية دائرة الرسل املقدسة ّ‬ ‫برج الدلو‪ .‬ذكرى قطع رأس القديس يوحنا‪ ،‬يف ‪ 29‬أغسطس لحظة جلوس الشمس يف برج العقرب‪)***(.‬‬ ‫*** ‪ -‬ميكن االعتامد عىل ما قاله جوزيف كامبل يف كتابه عن الديانة البدائية ‪:‬‬ ‫معنى يوحنا‪ :‬حيث يقال أنه طقس العامد كان معروفًا يف الديانات الرسية ومنشأه سومري نسب ًة لعبادة إله املاء السومري – البابيل " إيا" الذي يعني اسمه بيت املاء‪ ،‬وكانت‬ ‫تقام طقوس التعميد يف معبده‪ ،‬وإذا عرفنا أ ّن إيا نفسه أنيك واسم أنيك كان قد ُعرف الحقًا باسم "أوانيس" الذي يلفظ باليونانية إيوانيس وبالالتينية "يوحانيس" وبالعربية‬ ‫"يوحنان" لعرفنا أ ّن يوحنا املعمدان هو نفسه إيا‪.‬‬ ‫‪http://www.forbiddenfruitpublishing.com/sexdrugs/oannes.html‬‬ ‫حيث الحظ القدماء أن الشمس يف الدرجة ‪ 30‬تدخل يف برج الدلو وكام نعلم يسوع تع ّمد يف سن الثالثني‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫شخص يدعى يسوع؟‬ ‫هل ُوجد‬ ‫ٌ‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬

‫إغريقي أشار إىل يسوع يف القرن األول؟ ولنكمل ما بدأناه يف مقالتنا نعود لفراس السواح‬ ‫هل هنالك مؤر ٌخ روما ٌّين أو‬ ‫ٌّ‬ ‫حيث قال ‪:‬‬ ‫«مل يفلح يسوع يف خلق حرك ٍة ديني ٍة قوي ٍة ميكن أن تشغل بال السلطات الرومان ّية واليهودية يف أورشليم‪ ،‬بل إ ّن قراء ًة‬ ‫يف ما وراء السطور يف األناجيل‪ ،‬تقودنا لالستنتاج بأ َّن حركة يسوع مل تفلح خالل حياته يف التّرسب إىل نسيج املجتمع‬ ‫الجلييل أو املجتمع اليهودي‪ ،‬وعندما مات مل يرتك وراءه أكرث من مئة تابعٍ عىل أكرث تقدير؛ وإعدام يسوع مل يكن بالشأن‬ ‫الكبري الذي ميكن أن ينترش يف أرجاء اإلمرباطورية ويلفت نظر املؤرخني»(‪)7‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫لشخص صنع املعجزات واألفعال الخارقة كإحياء‬ ‫ساذج بنفس الوقت‪ .‬هل ميكن‬ ‫أقل ما يقال عنه أنَّه‬ ‫ّ‬ ‫التفاف ذيكٌّ ولكنه ٌ‬ ‫املوىت‪ ،‬وشفاء األعمى واألبرص واألكمه‪ ،‬وطرد الشياطني‪ ،‬وامليش عىل املاء‪ ،‬وإطعام الجموع بسمكتني وبضع األرغفة‬ ‫لكل الوثائق التّاريخية ال‬ ‫أال ينترش خربه عىل األقل يف بالد الشام؟ بل نقرأ يف األناجيل زيارة املجوس لبيت لحم‪ ،‬ووفقاً ِّ‬ ‫وجود لبيت لحم إال بعد القرن الثالث امليالدي‪ ،‬وهناك يوجد ِذك ٌر لحادث ٍة مهم ٍة أال وهي زيارة جامع ٍة من اإلغريق‪.‬‬ ‫أناس يونانيون من الذين صعدوا ليسجدوا يف العيد‪ ،‬فتق ّدم هؤالء إىل فيلبس الذي من بيت صيدا الجليل وسألوه‬ ‫«كان ٌ‬ ‫قائلني‪ :‬يا سيد نريد أن نرى يسوع» "يوحنا اإلصحاح ‪"12‬‬ ‫فهل من املمكن أالّ يوث ّق أح ٌد تلك الزيارات؟ مبا أ َّن اإلغريق قد زاروا يسوع فالبتأكيد أ َّن يسوع‪ -‬إن ُوجد‪-‬كان ذائع‬ ‫الصيت فكيف تأيت الجموع إليه من اليونان لتتعلم؟ وبالتايل سقطت تربيرات أستاذنا‬ ‫الصيت فكيف إذًا! إ ْن مل يكن ذائع ّ‬ ‫ّ‬ ‫السواح بغري رجعة‪.‬‬

‫‪ – 7‬ألغاز االنجيل مصدر سابق‬

‫‪55‬‬


‫شخص يدعى يسوع؟‬ ‫هل ُوجد‬ ‫ٌ‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬

‫إ َّن أغلب ال ّدارسني يف العهد الجديد ‪-‬وكام أوضحت يف مقال ٍة سابق ٍة أ َّن العهد الجديد مل يُكتب من نفس األشخاص‬ ‫املزعومني أنَّهم قد كتبوه ‪-‬أي أ َّن الحوارين املزعومني ليسوع متّى‪ ،‬يوحنا‪ ،‬مرقص بل حتى ال ّرابع وهو لوقا صديق‬ ‫بولس مل يكن شاهد عيان‪ .‬أقتبس التايل من مقدمة كتاب مخترص التاريخ يف الكتاب املقدس ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫لشخص ونعلم‬ ‫يكتب التناخ‪ ،‬وأ ّن متّى مل يكتب اإلنجيل وفقًا ملتّى‪ ،‬وأ ّن كتابًا معي ًنا منسوبًا‬ ‫«عندما نتأكد أن موىس مل ْ‬ ‫بأنه مل يكتبه! السؤال املطروح هو‪ :‬كيف نعلم أو نعرف ذلك؟ هذا يُعرف مبا يسمى الطريقة التّاريخية يف النقد‪ ،‬يف حال‬ ‫التّزوير األديب‪ ،‬يف الغالب يكون من السهل أن تكتشف أ ّن تلك الكتابات أو األعامل مل تُكتب عن طريق ذلك املؤلف‬ ‫نبي ونُظهر كيف ميكن وبالطريقة التي كتبت بها‪،‬‬ ‫املنسوبة إليه‪ .‬وعىل الطرف اآلخر من املمكن يف نفس الوقت أن ّ‬ ‫هنالك أدل ٌة قليل ٌة تثبت أ ّن إنجيل يوحنا مل يكتبه الرسول يوحنا‪ ،‬بينام اإلرشادات والتعليامت ترينا الطريقة التي كتب‬ ‫بها»(‪)8‬‬ ‫بل نستطيع أن نرى أغلب األحداث يف األناجيل األربعة ال تعرف الطّبيعة الجغرافية لفلسطني "راجع الوجه اآلخر‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫للمسيح" فال وجود ملدينة النارصة إال بعد القرن الثالث امليالدي ً‬ ‫هنالك يش ٌء وجب التنويه إليه؛ هنالك دراس ٌة لوليام هاريس تقول أنّه يوجد أم ّي ٌة كبري ٌة متفشي ٌة يف العصور القدمية‪ ،‬يف‬ ‫أفضل الحاالت يوجد نسبة ‪ 10%‬ميكنهم القراءة والكتابة يف دول ٍة معين ٍة وهم من ال ّنخبة والطبقة صاحبة األموال‪)9(.‬‬ ‫بل إ َّن الدراسات الصادرة عن جامعة لندن من ِقبل األستاذة كاثرين هيزر تؤكد أنّه يف زمن فلسطني ال ّرومان ّية ‪ 3%‬من‬ ‫يهود فلسطني كانوا يجيدون القراءة والكتابة ! (‪)10‬‬ ‫فهذا يضعنا أمام معضلة‪ :‬هل كان يسوع املولود من طبق ٍة معدم ٍة وفقري ٍة يستطيع القراءة والكتابة‪ ،‬وال ّدليل عىل ذلك‬ ‫من اإلنجيل نفسه‬ ‫« ليك يقدموا ذبيح ًة كام قيل يف ناموس الرب زوج ميام أو فرخي حامم» "لوقا اإلصحاح ‪"2‬‬ ‫فتلك األضحية يقدمها وفقًا للعرف اليهودي الشّ خص الفقري‪ .‬حتى وإن ُوجد يف األناجيل ما يثبت أنّه كان مثقفًا‬ ‫لصيادي سمك أو عشّ ارين كتابة األناجيل باللغة اليونانية‬ ‫فالدراسة التاريخية تلك تثبت عكس ذلك‪ ،‬ومن ثم كيف‬ ‫ْ‬ ‫امي األصل؟‬ ‫ٍ‬ ‫وبأسلوب أد ٍّيب بليغ؟! ولسانهم آر ّ‬ ‫‪A Short History of the Bible .8‬‬ ‫‪Ancient Literacy .9‬‬ ‫‪Catherine Hezser, Jewish Literacy in Roman Palestine .10‬‬

‫‪56‬‬


‫شخص يدعى يسوع؟‬ ‫هل ُوجد‬ ‫ٌ‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬

‫الصعب الخروج من داخل مربعها األمني‪ ،‬حتى ألقوى‬ ‫أظن أنّنا وضعنا النقاط عىل الحروف ودخلنا منطق ًة شائك ًة من ّ‬ ‫الكالمي وأسلوب املدرسة الرواقية‪ ،‬هنا وضعناهم يف الزاوية املناسبة واملكان املناسب‪ .‬وبذلك‬ ‫مامريس أساليب التضليل‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫لشخص عاش‬ ‫نكون بال شك قد قمنا بدراس ٍة موثق ٍة لألناجيل تثبت عدم تطابق روايات األناجيل مع الشخصية املفرتضة‬ ‫يف فلسطني تلك الفرتة قبل ‪ 2000‬عام‪.‬‬ ‫واآلن سوف نذهب إىل املصادر غري املسيح ّية والتي سنعتربها عىل ٍ‬ ‫تحل لنا أو تكشف لنا عن الصورة الكاملة‪،‬‬ ‫مضض قد ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أي القرن الثاين للميالد‪ ،‬املصادر‬ ‫وسنتعرض‬ ‫ملؤلفات تتخلل فرتة ‪ 100‬سن ٍة قبل وبعد وفاة يسوع‪ .‬أما بعد تلك الفرتة ْ‬ ‫ٌ‬ ‫بأي مؤر ٍخ هي موضو ٌع‬ ‫مشكوك فيها ‪ .‬سأحاول عىل قدر اإلمكان االختصار أل َّن مناقشة ِّ‬ ‫سيكون‬ ‫كل معلوم ٍة خاص ٍة ّ‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات مبسط ٍة نستقي منها غايتنا‪.‬‬ ‫طويل‪ ،‬إذًا سنعتمد عىل‬ ‫ٌ‬

‫جوزيفوس ‪:‬‬

‫املسيحي العر ُّيب للتمسك بتاريخية يسوع‪ ،‬فام أن يبدأ نقاشً ا حول‬ ‫وهي من أكرث املصادر لألسف التي يتشدق بها‬ ‫ُّ‬ ‫يسوع كشخصي ٍة تاريخي ٍة‪ ،‬ال تجده إال وقد ألقمك هذا االسم بال ّرغم من أ َّن علامء املسيح ّية الغربيني واملدافعني عن‬ ‫السياق‪:‬‬ ‫الغبي‪ .‬حيث يقول والس يف هذا ّ‬ ‫املسيح ّية عىل ح ٍّد سواء رفضوها وقالوا بأنّها مزور ٌة ‪ .‬وقد ُوصف بالتزوير ّ‬ ‫التويج له بال ّرغم من أ َّن جوزيفوس مل يذكر األعامل العجيبة التي قام بها مواطنه‬ ‫"يف الحقيقية نعجب كل العجب من ّ‬ ‫يسوع املسيح باستثناء املقطع املتناقض واملزور ‪-‬الباب الثالث‪ -‬عىل ال ّرغم من اإلشارة يف بعض النقاط إىل يشع أو‬ ‫يشوا لك ّنها مل ت ُصنف عىل أنّها ليسوع‪ ،‬ومل يذكر أيّاً من املعجزات الخارقة ليسوع! حيث تعرتف املوسوعة الكاثوليكية‬ ‫أ َّن أول ذك ٍر للمقطع كان يف القرن الرابع امليالدي عىل يد األسقف يوسابيوس‪ .‬وذلك املقطع مل يعرف لآلباء األوائل وال‬ ‫اوريجانوس" (‪ .)11‬بل هنالك دراس ٌة حديث ٌة تثبت أن جوزيفوس قام باختالق طائف ٍة تدعى األسينني مجارا ًة لليونانني يف‬ ‫طقوس الطهارة‪.‬‬

‫مارا بن رسافيون ‪:‬‬

‫ففي رسالته واملشار إليها من ِقبل البعض بأنّها عام اثنان وسبعون للميالد ‪-‬أي يضعها يف مجال بحثنا‪ -‬يهاجم االثنني‬ ‫لحرقهم فيثاغورث‪ ،‬وذكر أ ّن جزيرتهم غُط َيت بالرمال عقابًا لهم‪ ،‬وتح ّدثَ عن امللك الحكيم اليهودي الذي قتله اليهود‬ ‫وجلب ذلك الفعل املشني الدمار لهم ‪.‬‬ ‫أول األحداث املذكورة يف الرسالة ترجع إىل حرب البارثيني تحت قيادة لوسيوس ‪ 165 162-‬م وبذلك ت ّم تحديدها بأنها‬ ‫ً‬ ‫تتبع للنصف الثاين من القرن الثاين ‪.‬‬ ‫‪11. Catholic Encyclopedia - Church History book 6‬‬

‫يف تاريخ الكنيسة امللجد ‪ ، 6‬نجد التايل ‪:‬‬ ‫إن مكانه ( أي املقطع عن املسيح ) يف نصوص جوزفيان (جوزيفوس ) غري مؤكد ‪ ،‬منذ یوسابیوس ولذك يجب أن نجد املقطع املتحدث عن املسيح قبل املالحظات املتعلقة‬ ‫بيالطوس ‪ ،‬بينام نجده اآلن بعد تلك املالحظات ‪ .‬انتهى فإذا أخذنا هي املالحظة بعني االعتبار ‪ ،‬ومع قرائتنا للكتاب املقدس ومحاكمة يسوع من قبل بيالطوس ‪ ،‬يجعلنا نطرح‬ ‫التساؤول التايل ‪ ،‬كيف لشخص يصلب ‪ ،‬يحاكم ‪ ،‬يعذب عىل يدي بيالطوس اليتم ذكره قبل بيالطوس أو أثناء الحديث عن بيالطوس أو بعده مبارشة ‪ ،‬و إمنا موضع الحديث عنه‬ ‫كان بعد ذلك بكثري ‪ ،‬وبالتايل يجعل من الحجة التي يعتمد عليها املؤمن املسيحي من خالل جوزيفوس طرفة ظريفة ‪ ،‬والتي جعلوها إعرتاف واضح بذكره ‪ ،‬لكن عىل الطرف‬ ‫االخر إن هذا املقطع الزائف املتنازع عليه ال يوحي لنا بأنه تاريخي ‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫شخص يدعى يسوع؟‬ ‫هل ُوجد‬ ‫ٌ‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬

‫إذًا من كتب الرسالة ليس رسافيون‪ ،‬بل االحتامل األكرب هو أن يكون األسقف الثامن "ماكسميوس" ألنطاكية حوايل عام‬ ‫‪ 190‬م الذي قام بنفسه بكتابة رسائل قصرية عىل منط تلك الرسالة‪ .‬إذًا رسافيون خارج احتامالتنا‪)12( .‬‬ ‫بقي أمامنا من املؤرخني البارزين ‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫مشرتك فيام بينهم وهو أنّهم مل يشريوا إىل يسوع باالسم وإمنا يشريون‬ ‫عامل‬ ‫بليني األصغر‪ ،‬تاسيوس‪ ،‬سوتونيوس‪ ،‬هنالك ٌ‬ ‫إىل املسيح‬ ‫‪Christ ,chrestus, christus‬‬ ‫لقب ومعناها املمسوح بالزيت‪ ،‬وهي عاد ٌة موجود ٌة يف العهد القديم عندما قام القايض صاموئيل‬ ‫وكلمة املسيح هي ٌ‬ ‫مسيح ٌ‬ ‫ومسيح كاه ٌن‪ ،‬وذلك منذ عهد هارون‪:‬‬ ‫ملك‬ ‫بتنصيب شاؤول ملكًا قام مبسحه كمسي ٍح ملك‪ ،‬ألنَّه يوجد‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫«فهو يبني هيكل الرب وهو يحمل الجالل ويجلس ويتسلط عىل كرسيه ويكون كاه ًنا عىل كرسيه وتكون مشورة السالم‬ ‫بينهام كليهام»"سفر زكريا "‬ ‫جرت العادة عند اليهود وجود مسيحيني اثنني أحدهام كاه ٌن واآلخر ٌ‬ ‫ملك‪ ،‬وبسبب الخطة التي قام يوحنا ويسوع‬ ‫برسمها وفقًا للنصوص املقدسة‪ ،‬تبنوا أفكار أقرب الجامعات وهي األسينني حيث نقرأ يف مخطوطة البحر امليت(‪:)13‬‬ ‫‪The implication would be that‬‬ ‫‪after him the others did the same, an inference supported by the‬‬ ‫)‪Messianic Rule, where a similar meal is described attended by( two Messiahs‬‬ ‫يشع‪ Joshua‬والتي قد تعني ‪ yeshua‬يسوع هي ببساطة مشتق ٌة من الكلمة االرامية ‪ Jesus‬إن كلمة‬ ‫أيضا "املحرر" وكذلك "املنقذ" ولذلك فهي ليست سوى لقب‪.‬‬ ‫ولكنها تعني ً‬ ‫اآلرامية والتي تعني‪ meshiha‬وهي الرتجمة اليونانية لكلمة ‪ Christos‬مشتق ٌة من ‪ christ‬نالحظ أ ّن كلمة‬ ‫املكرس "املمسوح بالزيت" فنحن نتعامل مع لقب وليس مع اسم ‪.‬‬ ‫املصادر اليهودية – التلمود‪:‬‬ ‫هنالك إشار ٌة ليسوع بن بانديرا (بانرث حسب علم األساطري) والذي عاش يف القرن األول قبل امليالد‪ ،‬أو كام ُدعي يف‬ ‫قصص ال تتامىش مع قصص‬ ‫رجم يف القدس‪ ،‬وهذه ٌ‬ ‫األدب اليهودي جيسوس "يشع"‪ ،‬وهنالك يسوع بن ستادا الذي مات ً‬ ‫اإلنجيل وسلسلة النسب اإللهي واملهمة اإللهية وعقيدة الخالص‪ .‬التلمود ال يشري إىل اسم يسوع بل "يسو" والتلمود‬ ‫شخص ٍ‬ ‫الفلسطيني يصف يشع بن بانديرا‪ ،‬وهناك من دمج بني الشخصيتني يف ٍ‬ ‫واحد‪.‬‬ ‫‪12.Catholic Encyclopedia‬‬ ‫‪13. An Introduction to the Complete Dead Sea Scrolls‬‬

‫‪58‬‬


‫شخص يدعى يسوع؟‬ ‫هل ُوجد‬ ‫ٌ‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬

‫قال الحاخام حسدا بن ستادا كان ابن بانديرا‪ ،‬ال ّزوج هو ستادا‪ ،‬والعشيق بانديرا‪ ،‬وقال أخر‪:‬‬ ‫ال ّزوج كان بافوس بن يهوذا‪ ،‬وستادا أمه أو كانت أمه مريم مزينة الشّ عر‪ ،‬وذلك كام يقولون يف مدينة مببديتا (ستادا‬ ‫أي كانت خائن ًة لزوجها) ‪ )14(.‬مل يكن ابن ستادا ولكن ابن بانديرا ‪.‬‬ ‫قصص متعلق ٌة بتعلّمه السحر من مرص وخروجه منها‪ ،‬وهنالك من ينسبه إىل صور بلبنان ‪...‬إلخ‬ ‫هناك‬ ‫ٌ‬ ‫املسيحي عليه القبول مبا تكلم به عن الرب‬ ‫الصور ال تتوافق مع الصورة املرسومة ليسوع اإلنجييل‪ ،‬فلو قبل بها‬ ‫وهذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫خاصته وهذا مستحيل ‪.‬‬ ‫ديني وفق النظرة‬ ‫مالحظة مهمة وهي أ ّن الرومان ليس لديهم عالق ٌة بالشؤون الدينية لليهود‪ ،‬مبا أ ّن يسوع‬ ‫ٌ‬ ‫مصلح ٌّ‬ ‫السائدة‪ ،‬ال تظ ّنوا أين«جئت ألنقض الناموس أو األنبياء ما جئت ألنقض بل ألكمل»"إنجيل متى اإلصحاح ‪ ،"17‬أي هو‬ ‫من اختصاص السلطات الدينية اليهودية‪ ،‬فحتى األناجيل تربز حواراته مع اليهود‪ ،‬وليس له عالق ٌة بسياسة روما؛ وللتأكيد‬ ‫عىل التربئة أو قيام كتبة األناجيل بتربئتها وذلك مبحاوالت بيالطوس النبطي حثّ اليهود عىل عدم املطالبة بصلبه‪.‬‬ ‫شخص قايس القلب مثل بيالطس النبطي بصلب يسوع؟‬ ‫السؤال الذي يطرح نفسه هو؛ ملاذا يرتدد ٌ‬ ‫وهو املعروف بوحشيته املفرطة التي أ ّدت يف ال ّنهاية إىل عزله من منصبه عام ست ٍة وثالثني للميالد؟ مع العلم أ ّن ال ّدارج‬ ‫يف قانون روما صلب الثّائر السيايس ومثري القالقل‪ .‬كام نرى يف القراءة الحرف ّية لألناجيل ال وجود لتلك الفنت‪ ،‬واليهود‬ ‫من عادتهم الرجم وليس الصلب؛ وهذا ما يتفق مع القصة التلمودية عن صلب بن ستادا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫شخصا مات مصلوبًا وقام من املوت بعد ثالثة‬ ‫وبالتايل يظهر لنا أنّه ال وجود‬ ‫لشخص مبواصفات يسوع‪ .‬هل تعتقد أن ً‬ ‫أيام أمام أعني تابعيه وظل يرتدد عىل زيارتهم ملدة ‪ 40‬يو ًما و من ثم صعد للسامء أمام أعينهم‪ ،‬وتكون تلك املشاهدات‬ ‫أو الوقائع بدون أن يت ّم تسجيلها؟ ملاذا مل تس ّجل؟ ألنّه ال وجود لشخص ّي ٍة مبواصفات يسوع يف ذلك ال ّزمن‪.‬‬ ‫فعل يف الزمن‬ ‫سأضع مقارن ًة بسيط ًة بني أبرز شخصيتني يف العهد الجديد (يسوع وبولس) ومع شخصي ٍة كانت موجود ًة ً‬ ‫املفرتض لوالدة املسيحية – اليهودية عىل يد يسوع ومن بعده بولس‪ ،‬ولكن ِحيكت حولها األساطري والتي أصبحت الحقًا‬ ‫منوذ ًجا قامت عليه الديانة املسيحية لتكون مبثابة املسامر األخري الذي أدقه بنعش أعظم خدع ٍة تاريخي ٍة عىل اإلطالق‬ ‫"وجود املسيح كشخصي ٍة تاريخية" ‪:‬‬

‫تلفيق صورة اآلخر يف التلمود ‪ -‬يسوع املسيح والعرب واملسيحيني واألميني ‪14.‬‬

‫‪59‬‬


‫شخص يدعى يسوع؟‬ ‫هل ُوجد‬ ‫ٌ‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬

‫بولس الرسول‬ ‫ولد عام ‪ 2‬قبل امليالد‬

‫نشأ يف طرسوس‬ ‫تم تأكيد لغته األم عىل أنها آرامية‬ ‫له تلمي ٌذ اسمه داميس من آسيا‬ ‫الصغرى‬ ‫أسس ديان ًة يف كورنثوس‬ ‫ارتبط بدميرتيوس‬ ‫ذهب إىل القدس‬ ‫سافر إىل الرشق مدة ثالث سنني‪،‬‬ ‫حيث تعلم عىل يد الحكامء‬ ‫أيضا‬ ‫سجن يف روما وسجن يف القدس ً‬

‫املسيح‬ ‫ولد عام ‪ 4‬قبل امليالد‬ ‫والدته كانت معجزة‪،‬بوساطة كائن‬ ‫إلهي‬ ‫لقد كان اب ًنا لله من امرأ ٍة فاني ٍة‬ ‫(برشية)‬ ‫تم تأكيد لغته األم عىل أنها آرامية‬ ‫له تلمي ٌذ اسمه توماس‪ ،‬قام مبباركة‬ ‫لص عىل الصليب اسمه دمياس‬ ‫ٍّ‬ ‫متت عبادته كإله‬ ‫تكلم كامن ٍح للرشيعة‬ ‫ذهب إىل القدس‬ ‫يهودي (رئيس‬ ‫أقام ابنة مسؤو ٍل‬ ‫ٍّ‬ ‫املجمع) من املوت‬ ‫سجن يف القدس‬

‫أبولونيوس (‪)15‬‬

‫ولد عام ‪ 4‬قبل امليالد‬ ‫والدته كانت معجزة‪،‬بوساطة كائن‬ ‫إلهي‬ ‫لقد كان اب ًنا لله من امرأ ٍة فاني ٍة‬ ‫(برشية)‬ ‫نشأ يف طرسوس‬ ‫تم تأكيد لغته األم عىل أنها آرامية‬ ‫له تلمي ٌذ اسمه داميس من آسيا‬ ‫الصغرى‬ ‫أسس ديان ًة يف كورنثوس‬ ‫متت عبادته كإله‬ ‫تكلم كامن ٍح للرشيعة‬ ‫ارتبط بدميرتيوس‬ ‫ذهب إىل القدس‬ ‫سافر إىل الرشق مدة ثالث سنني‪،‬‬ ‫حيث تعلم عىل يد الحكامء‬ ‫أقام ابنة مسؤو ٍل روما ٍّين من املوت‬ ‫سجن يف روما‬ ‫‪15. F. A. Campbell, `Apollonius of Tyana‬‬

‫‪60‬‬


‫شخص يدعى يسوع؟‬ ‫هل ُوجد‬ ‫ٌ‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬

‫عىل م ِّر القرون هنالك العديد من األشخاص م ّمن ال بأس بعددهم الحظوا التشابهات بني حياة الحكيم القديم‬ ‫أبولونيوس واملخلّص املسيحي يسوع املسيح‪ ،‬التشابه الواضح بني تلك الشخصيتني أُلقي الضوء عليه من ِقبل املسؤول‬ ‫ٍ‬ ‫هريوكليس" يف القرن الرابع امليالدي ‪.‬‬ ‫الروماين "سوسيانوس‬ ‫لقد قيل بأ َّن أبولونيوس عاش يف القرن األول امليالدي وبالتحديد يف زمن بعثة يسوع‪ ،‬بال ّرغم من أ َّن السابقني افرتضوا‬ ‫أنّه عاش بأقدم من ‪ 100‬عام‪ ،‬بينام اآلخر ُز ِعم بأنَّه مات أبكر بع ّدة عقود‪.‬‬ ‫ومن املثري للدهشة باإلضافة ملا سبق هو احتاملية تطوير العالقة والربط بني حياة أبولونيوس وبولس الرسول‪ ،‬وعىل‬ ‫نح ٍو‬ ‫ٍ‬ ‫غريب ومامثلٍ ليسوع نجد أنّه ال وجود له يف الفرتة التاريخية تلك‪ ،‬بال ّرغم من اال ّدعاء إىل ح ٍّد ما بوجود سكنٍ‬ ‫له و ُوثق يف جز ٍء من العامل ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫شخصيات من املحتمل وجودها يف نفس الزمن‪ ،‬بل إ َّن البعض من آباء الكنيسة األوائل‬ ‫هذه أبرز نقاط التّشابه بني ثالث‬ ‫حاولوا إيجاد بد ٍل ألبولونيوس وصادروا ‪ Jehoshua‬ليحولوا اسمه إىل كاهن لإلله الشميس ‪ HESUS‬وبدلوا تاريخ ميالده‬ ‫مقدمينه قرن إىل األمام‪ ،‬لقد تح ّول إىل يسوع النارصي‪.‬‬ ‫حيث يقول ماين يب هول "ماسوين درجة ‪ "33‬التايل‪:‬‬ ‫إنَّه من املحتمل بأ َّن آباء الكنيسة األوائل كانوا يسعون‬ ‫ليجسدوا إميانهم من خالل ٍ‬ ‫شخص‬ ‫بحاج ٍة ملح ٍة وماس ٍة ّ‬ ‫برشي معلّقني عليه بنية‬ ‫‪Jehoshua Ben Pandira‬‬ ‫ٍّ‬ ‫إميانهم‪ ،‬لقد التقطوا قصة "يشع بن بانديرا"‬ ‫كأقرب مقارن ٍة وجدوها بني الحاخامية اليهودية‬ ‫تاريخي‪ -‬حيث رشعوا بالربط‬ ‫متسلحني بأصغر جز ٍء‬‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫متناقض هناك‪ .‬حتى لو أملح إليه عىل أنه ملك امللوك ال ّنارصي‪ ،‬بال ّرغم من‬ ‫بني االثنني يف بناء يش ٍء قليلٍ هنا‪ ،‬وإزالة جز ٍء‬ ‫أ ّن الرأي العام قائ ٌم عىل افرتاض أنه ال يوجد يش ٌء جي ٌد خرج من النارصة‪ )16(.‬انتهى‬ ‫وهنالك من املؤرخني من يحاول االستامتة بالدفاع عن شخص ّية يسوع وذلك من خالل الفصل بني يسوع كشخصي ٍة‬ ‫يني‪ ،‬الذي باسمه تتحكم الكنيسة بالشّ عوب‪ ،‬محاولني إلقاء اللوم عىل عاتق الكنيسة فالكنيسة عىل‬ ‫تاريخيّ ٍة ويسوع ال ّد ِّ‬ ‫يهودي وقد جاء كمسي ٍح منتظ ٍر لليهود‪،‬‬ ‫ح ّد زعمهم تتناىس أ َّن يسوع هو‬ ‫ٌّ‬ ‫‪ .16‬مصدر سابق‬ ‫‪F. A. Campbell, `Apollonius of Tyana‬‬ ‫باالضافة إىل املرجع املقتبس منه يف ذلك الكتاب ‪the secret teachings of all ages :‬‬

‫‪61‬‬


‫شخص يدعى يسوع؟‬ ‫هل ُوجد‬ ‫ٌ‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬

‫وصنعت من شخصيته التّاريخية عصا تتكؤ عليها شخصي ًة ديني ًة (كاملغالطة املنطقية الهجوم عىل رجل القش) حيث‬ ‫انتهت شخصية يسوع التاريخية لحظة انعقاد مجمع نيقية ‪ 325‬م ‪:‬‬ ‫مختلف عليها‪ ،‬ولكنه معلو ٌم بأن آريوس واثنني من زمالئه‬ ‫"يف النهاية ت ّم االحتكام إىل التّصويت‪ .‬إن النتائج الصحيحة‬ ‫ٌ‬ ‫صوتوا ضد املرسوم‪ ،‬إن النتيجة املعروفة هي ‪ 217‬إىل ‪ .3‬آريوس وزمالؤه نُفوا إىل منطقة الدانوب"‬ ‫ويف موضعٍ آخر‪:‬‬ ‫بهذا القرار (مجمع نيقية) مجلس نيقية خلق حرف ًيا شخصية املسيح الخيالية الدينية‪ ،‬وتبنى الزعم بأ ّن هذا كان إعاد ًة‬ ‫أيضا املعايري التي ت ّم فيها الحقًا اختيار كتب العهد الجديد ‪ .‬مجلس نيقية‬ ‫تاريخي ًة دقيقة‪ .‬أعامل هذا املجلس أسست ً‬ ‫ٍ‬ ‫سيفض ويُع ّد بدع ًة‬ ‫أي يش ٍء‬ ‫أنتج عاملًا من املسيحية ت ّم فيه بشكلٍ عا ٍّم تب ّني مجموع ًة من القوانني الدينية‪َّ .‬‬ ‫مختلف كان ُ‬ ‫ويجب إبادته إن أمكن‪.‬‬ ‫هنالك من شكك بأصالة رسائل بولس حيث تبني أ ّن أقدم ال ّنسخ من رسائل بولس املتضمنة يف العهد الجديد التي‬ ‫تعود ألوائل لقرن الثالث امليالدي كتبت يف العام ‪ 115‬بعد امليالد من قبل أغناطيوس أسقف أنطاكية بينام كان يف طريقه‬ ‫إىل روما‪ ،‬كان يقتبس من الرسائل املختلفة لبولس‪ ،‬وبالتايل ميكننا التأكد من أ َّن بعض الرسائل كانت موجود ًة يف ذلك‬ ‫الوقت‪ ،‬والميكننا الجزم بأنّها ع ّدلت قبل أو بعد ذلك‪)17( .‬‬ ‫ٍ‬ ‫شخص اسمه‬ ‫لقد كان الدافع األسايس يف إنشاء املسيحية داف ًعا سياس ًيا‪ ،‬حيث سعت املؤسسات السياسية لتأريخ‬ ‫ووضع‬ ‫يسوع باالعتامد عىل مجمع نيقية وذلك بالتصويت عىل قبول أناجيل ورفض األناجيل التي تعارض مزاجها‪ْ ،‬‬ ‫سيايس باإلضافة‬ ‫األساس الالهويت املسيحي يف زمن ثيودوسيوس الثاين‪ ،‬فكان ال ّدافع وراء إنشاء العقيدة املسيحية هو‬ ‫ٌّ‬ ‫دائم لالمرباطورية يف الرشق القديم (بحجة األرايض املقدسة)‬ ‫إىل‬ ‫استعامري الستعباد البرشية ْ‬ ‫قدم ٍ‬ ‫ووضع موضع ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ومع ذلك التاريخ بدأت أنهار الدماء تسيل وصكوك الغفران التي ت ُرينا صور ًة واضح ًة عن االحتيال ال ّروحي‪ .‬ومدفو ًعا‬ ‫مم قاد أوروبا‬ ‫بدوافع سياسي ٍة قام الفاتيكان بعمل مجازر يف أوروبا من‬ ‫ٍ‬ ‫حروب صليبي ٍة ضد الكاثار متو ّج ًها نحو الرشق‪ّ ،‬‬ ‫ملا يسمى بعصور الظالم‪ ،‬وإلمتام السيطرة الدامية عىل املناحي السياسية والفكرية لدى الشعوب الرازحة تحت نري‬ ‫واضح من خالل جملة‪ :‬مالقيرص لقصري يف إنجيل متى‪،‬‬ ‫املسيحية قام الفاتيكان بإنشاء محاكم التفتيش‪ .‬والتأثر الروماين‬ ‫ٌ‬ ‫الضائب التي تُدفع لروما عن طريق الذهب واألموال‪ ،‬فام كان من روما إال الرتبّع عىل الرثوات للشعوب‬ ‫وذلك بخصوص ّ‬ ‫باسم املسيحية‪.‬‬

‫‪The jesus papers exposing the greatest cover up in history .17‬‬

‫‪62‬‬


‫شخص يدعى يسوع؟‬ ‫هل ُوجد‬ ‫ٌ‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬

‫وعالو ًة عىل ذلك رسالة بطرس األوىل‪:‬‬ ‫برشي من أجل ال ّرب إن كان للملك فكمن هو فوق الكل‪ ،‬أو للوالة فكمرسلني منه لالنتقام من‬ ‫«فاخضعوا لكل‬ ‫ٍ‬ ‫ترتيب ٍّ‬ ‫الش وللمدح لفاعيل الخري‪ ،‬أل ّن هكذا هي مشيئة الله أ ْن تفعلوا الخري فتسكتوا جهالة الناس األغبياء‪ ،‬كأحرا ٍر‬ ‫فاعيل ّ‬ ‫وليس كالذين عندهم الحرية سرت ًة للرش بل كعبيد الله‪ ،‬أكرموا الجميع أحبوا األخوة خافوا الله أكرموا امللك‪ ،‬أيُّها الخدام‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫كونوا خاضعني بكل هيب ٍة للسادة ليس للصالحني املرتفقني فقط بل للعنفاء ً‬ ‫واضح للخضوع للسلطة باسم الدين ومن امللك يف تلك األيام سوى القيرص الروماين‪ .‬الح ّد من مسؤولية‬ ‫ترصيح‬ ‫فهذا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الفرد أل ّن الله يتحكم بكل يش ٍء وتلك هي إرادته‪.‬‬ ‫وأختم بالقول كام أورد الفيلم الوثائقي عن‬ ‫املسيحية ‪ :‬روح العرص (‪)18‬‬ ‫إ ّن املسيحية هي محاكا ٌة ساخر ٌة لعبادة الشمس‬ ‫ٍ‬ ‫بشخص يدعى املسيح‬ ‫حيث يستبدلون الشمس‬ ‫بدل عن الشمس‪.‬‬ ‫ويعبدونه ً‬

‫‪http://www.youtube.com/watch?v=oLlkOiKf_sI .18‬‬

‫َويَ ْسأَلُونَ َك َع ِن اإلحلْاد ُق ِل اإلحلْاد‬ ‫ُ‬ ‫مِ ْن أَ ْم ِر َع ْقلي َومَا أوتِيتُم مِّن العَق ِل‬ ‫إِالَّ قَلِيالً‪.‬‬ ‫صفحة العقل دين عىل الفيسبوك‬ ‫‪https://www.facebook.com/AlqlDyn‬‬ ‫‪63‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬ ‫مصطفى عابدين‬

‫مقدمة‪ :‬‬

‫الجنس و الحب من أهم الغرائز التي مكّنتا اإلنسان واألحياء عىل البقاء والتط ّور خالل املليارات األربعة من‬ ‫السنوات التي مضت‪ ،‬يف هذه املقالة سأعمل عىل تحليل‪ ‬هاتني الغريزتني من الناحية التط ّورية‪ ،‬ثم أقوم‬ ‫بإسقاط هذه املعلومات عىل ترصفاتنا اليومية‪ ،‬حيث نفهم بعض الحقائق الغامضة بالنسبة للكثري من الناس‪.‬‬ ‫قمت بطرح بعض األسئلة عىل أصدقايئ عن طريق الفيس بوك؛ ألستطلع املحاور املهمة بالنسبة‬ ‫قبل كتابة هذا املقال ُ‬ ‫لهم‪ ،‬وبحكم أن املوضوع مرك ٌّب جدا ً فسأتبّع أسلوب الرسد دون الدخول بالتفاصيل التقنية؛ فالهدف من هذا املقال‬ ‫إطالع القارئ بصور ٍة عام ٍة عىل هذه املواضيع‪ ،‬دون التع ّمق كثريا ً إال يف بعض الحاالت التي تتطلب ذلك‪ .‬‬

‫ملح ٌة رسيع ٌة عن التط ّور‪:‬‬

‫إن فهم علوم األحياء دون فهم نظرية التط ّور كالذي يحاول الغناء يف الفضاء ( ال يستطيع )‪ .‬لهذا يتو ّجب أن نكون‬ ‫جميعاً عىل نفس الصفحة قبل التع ّمق باملحاور‪.‬‬ ‫نظرية التط ّور ببساط ٍة تقول‪ :‬إن جميع األحياء أتت من مصد ٍر ٍ‬ ‫واحد ( خلية واحدة ) تطورت مع الزمن‪ ،‬لتشكّل التن ّوع‬ ‫الحيوي الذي نراه أمامنا اليوم‪ .‬هذا التط ّور يت ّم عرب آلي ٍة طبيعي ٍة اسمها "االنتقاء الطبيعي"‪ .‬الفكرة تقول‪ :‬إن الكائنات‬ ‫خصائص مختلف ٍة بسبب الطفرات الجينية الناتجة عن عملية التبادل الجيني أثناء العملية الجنسية‪.‬‬ ‫الحية تستحوذ عىل‬ ‫َ‬ ‫خصائص سلبي ًة تؤدي إىل انقراضه‪ .‬‬ ‫هذه الخصائص إما تكون ايجابي ًة للكائن فتزداد فرص بقائه وتكاثره‪ ،‬أو تكون‬ ‫َ‬ ‫إذا ً العملية الجنسية هي املح ّرك األسايس للحياة‪ ،‬لهذا تقع أهمي ًة كربى عىل هذه العملية‪ ،‬والغرائز املتعلّقة بها‪ .‬من‬ ‫أفس بعض املحاور األخرى ‪.‬‬ ‫هذه النقطة‪ ،‬وقبل الدخول يف عمق املواضيع أو ّد أن ّ‬ ‫‪64‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬

‫مصطفى عابدين‬

‫‪ .1‬الفرق بني الذكر واألنثى من الناحية الحيوية‬ ‫‪ .2‬مفهوم االنتقاء الجنيس‬ ‫‪ .3‬االستثامر الجيني‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مقاالت سابق ٍة‪ ،‬لكن عىل اعتبار أن يكون القارئ يقرأ هذا املقال‬ ‫قمت برشح هذه املفاهيم يف‬ ‫لن أتع ّمق كثريا ً؛ ّ‬ ‫ألن ُ‬ ‫رص‪ ...‬‬ ‫يل أن أع ّرج عليها بشكلٍ مخت ٍ‬ ‫بشكلٍ منفصلٍ ‪ ،‬فع ّ‬

‫‪ -‬الفرق بني الذكر واألنثى‪:‬‬

‫الذكر واألنثى ال يح ّددان عن طريق العضو التناسيل ( قضيب أو مهبل )‪ ،‬إمنا بحساب قيمة الخلية الجنسية عند الكائن‬ ‫من حيث الطاقة والحجم والكمية والوقت الالزم استثامره يف سبيل التلقيح‪.‬‬ ‫دائم مستمرٍ‪ ،‬فيفرز منها حوايل ‪20‬‬ ‫مثالً ذكر اإلنسان لديه ماليني الخاليا املنوية التي يعمل الجسم عىل إنتاجها بشكلٍ ٍ‬ ‫كل عملية ٍ‬ ‫إىل ‪ 40‬مليون حيوانٍ‬ ‫قذف‪ ،‬بينام األنثى لديها عد ٌد محد ٌد من البويضات‪ ،‬يت ّم استخدام بويض ٍة‬ ‫منوي عند ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫كل شهرٍ‪.‬‬ ‫واحد ٍة ّ‬

‫‪ ‬‬

‫‪ -‬االنتقاء الجنيس‪:‬‬

‫مهمن‪:‬‬ ‫نظرية االنتقاء الجنيس نظري ٌة ّ‬ ‫توضح كيف أنّه من ضمن العوامل املؤث ّرة عىل تطور األحياء‪ ،‬يوجد عنرصان ّ‬

‫‪ - 1‬تنافس الذكور فيام بينهم للحصول عىل اإلناث‪.‬‬ ‫تفضل الذكور ذوي الذيل األطول‪ ،‬فهؤالء الذكور من‬ ‫تفضلها اإلناث‪ :‬إذا كانت اإلناث ّ‬ ‫‪ - 2‬الخصائص التط ّورية التي ّ‬ ‫سيقومون بالتلقيح (مثال الطاووس)‪ .‬مع الوقت يتط ّور الذكور بشكل يصبح جميعهم بذيو ٍل طويل ٍة‪.‬‬ ‫‪65‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬

‫مصطفى عابدين‬

‫ٌ‬ ‫هاميش ؟‬ ‫‪ ‬سؤال‬ ‫ٌّ‬

‫ ما سبب طول القضيب عند اإلنسان مع أن طول‬‫مهمً يف إمتام عملية التلقيح ؟‬ ‫القضيب ليس ّ‬ ‫يف الواقع هذا ٌ‬ ‫مثال عىل االنتقاء الجنيس‪ ،‬فإن اإلناث‬ ‫ألسباب سأتط ّر ُق‬ ‫اخرتن الذكور ذو القضيب األطول (‬ ‫ٍ‬ ‫إليها الحقاً )‬

‫من يوم بلع الفياغرا‬ ‫و هوه هيك واقف ‪....‬‬ ‫و مش عىل رجليه‬

‫ومع الوقت أصبح متوسط طول القضيب حوايل ‪ 7‬سم‪،‬‬ ‫مع أن هذا الطول غري م ّه ٍم يف إنجاح عملية التكاثر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بضغط انتقايئ من‬ ‫إذا ً تح ّد َد طول القضيب الذكري‬ ‫قبل اإلناث عىل الذكور‪ .‬يف سياق املقال سأق ّد ُم أمثل ًة‬ ‫ودالئل أكرث عىل هذه النظرية‪ ،‬لكني سأكتفي بهذا القدر عن االنتقاء الجنيس‪.‬‬ ‫َ‬ ‫طول القضيب الذكري عند اإلنسان مثل طول ذيل طائر الطاووس أو فروة رأس األسد أو حجم أنياب الفيل أو قرون‬ ‫الوعل‪ ...‬هذه جميعها خصائص تط ّورت عند الذكور بنا ًء عىل االنتقاء الجنيس الذي تح ّدده اإلناث‪.‬‬

‫‪ -‬االستثامر الجيني واالستثامر األبوي‪:‬‬

‫ٍ‬ ‫معلومات حول كيفية تحديد الذكر واألنثى عن طريق قيمة الخلية الجنسية ( بويضة أو حيوان‬ ‫بنا ًء عىل ما سبق من‬ ‫منوي)‪ ،‬فإن االستثامر األبوي للكائنات مرتب ٌط مبدى املوارد والفرص البديلة التي يحتاجها الكائن إلنجاح عملية التكاثر‪.‬‬ ‫يكتمل االستثامر عند إيصال األطفال ملرحل ٍة يعتمدون بها عىل أنفسهم ويصبحون قادرين بدورهم عىل التكاثر‪ .‬هذا‬ ‫يعني أن االستثامر األبوي ألنثى اإلنسان هو بويضة مع ‪ 9‬أشهر حملٍ ( رصف موارد غذائية ومحدودية حركة ) و ‪3‬‬ ‫سنني رعاي ٍة حتى يستطيع الطفل أن يعتمد عىل نفسه بشكلٍ جزيئ للبقاء عىل قيد الحياة‪ .‬ثم هناك سنو ٌن من الرعاية‬ ‫للوصول ملرحلة التكاثر‪.‬‬ ‫بينام ذكر اإلنسان يحتاج ملامرسة الجنس مل ّدة دقيق ٍة واحد ٍة ورصف بعض الحيوانات املنوية ثم بعض الرعاية‪ .‬لكنه‬ ‫يوم ‪ 1-4‬مر ٍ‬ ‫وقت عىل الرعاية‪ ،‬فلديه‬ ‫قاد ٌر عىل االستثامر الجيني بشكلٍ كبريٍ ( كل ٍ‬ ‫رص ْف ٌ‬ ‫ات ) ما يعني أنه‪ ،‬وحتى إن مل يُ َ‬ ‫فرص عالي ٌة يف نرش جيناته عرب الجيل القادم‪ ،‬فاالستثامر الجيني استثام ٌر بني الذكر واألنثى‪ ،‬فكالهام لديه هدف إنجاح‬ ‫ٌ‬ ‫عملية التكاثر ورعاية األطفال للوصول إىل مرحل ٍة يستطيعون فيها االعتامد عىل أنفسهم‪ ( .‬عند اإلنسان نسمي هذا‬ ‫االستثامر " الزواج " )‬ ‫‪66‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬

‫مصطفى عابدين‬

‫ملمً بهذه املحاور قبل الدخول يف التفاصيل القادمة؛ لتبقى األفكار واضح ًة مرتابط ًة‪ .‬‬ ‫من املهم جدا ً أن يكون القارئ ّ‬ ‫ملاذا ذك ٌر وأنثى؟‪ ‬‬ ‫مبا أن الحياة بدأت من خلي ٍة واحد ٍة وبدأت هذه الخلية يف االنقسام عىل نفسها و نَ ْس ِخ نفسها‪ ،‬فلامذا نحن بحاجة ذكو ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫كل هذا العناء؟‬ ‫تبق جميع األحياء إناثاً وأكملت عملية االنقسام دون ّ‬ ‫وإناث؟ ملاذا مل َ‬ ‫‪ ‬‬ ‫لن أدخل يف تفاصيل استقالب الخلية وآليات انقسامها‪ ،‬لكن أغلب الكائنات املجهرية الوحيدة الخلية كائناتٌ‬ ‫تستنسخ نفسها بنفسها وال يوجد لديها جنسان (ذكر وأنثى) إمنا تقوم بعملية التكاثر بشكلٍ فردي دون الحاجة‬ ‫ٍ‬ ‫لرشيك‪ .‬هذا يعني أن أوالدها هم نسخ ٌة مطابق ٌة لها‪ .‬نس ّمي الكائنات التي تتكاثر بنفسها ‪ Asexual‬توجد‬ ‫يف الطبيعة عدة أمثل ٍة‪ ،‬منها "فطريات الخمرية" أو "الطحالب" أو "العديد من أنواع البكترييا الوحيدة الخلية"‬

‫كيف تط ّور الجنس ؟‬

‫يف مرحل ٍة من مراحل تط ّور الخاليا األوىل ظهرت طفراتٌ بني الخاليا نتيجة أخطا ٍء يف عملية النسخ‪ .‬تشكّلت منها‬ ‫ٍ‬ ‫اختالفات طفيف ٍة‪ ،‬مع الوقت أصبحت هذه الخاليا تحمل حمضاً نووياً مختلفاً بعض اليشء‪ ،‬لكن‬ ‫أنوا ٌع شبيه ٌة ذات‬ ‫ٍ‬ ‫اختالف جنيس عند‬ ‫مبس ٍط جدا ً هذه نشأة أول‬ ‫قريب ًة بشكلٍ مازالت تستطيع االندماج النووي فيام بينها‪ .‬بشكلٍ ّ‬ ‫األحياء‪ .‬للمزيد من املعلومات حول األمور التقنية ابحث عن‪)Origins of Eukaryotic Sexual Reproduction( :‬‬

‫اآلن لنعود للسؤال األصيل‪ :‬ما الفائدة التطورية من العملية الجنسية باملقارنة مع الكائنات العدمية الجنس “‪”Asexual‬؟‬ ‫ٍ‬ ‫الفائدة من وجود أزوا ٍج من الكائنات هي بوجود طفر ٍ‬ ‫صفات مختلف ٍة بني األحياء قد تكون هذه‬ ‫ات جيني ٍة تؤدي لنشوء‬ ‫رضةٌ‪ ،‬لكنها أساسي ٌة يف عملية التط ّور‪.‬‬ ‫االختالفات مفيد ٌة أو م ّ‬ ‫مثال‪:‬‬ ‫فراش ٌة زرقاء تعيش يف بيئ ٍة شجري ٍة فتنقرض لصعوبة التمويه وسهولة افرتاسها‪ .‬بينام الفراشة ذات اللون البني تستطيع‬ ‫التمويه‪ ،‬لتتكاثر أكرث‪ .‬فالطفرة البنية يف لون الفراشة مكّنت نوعاً من أنواع الفراشات عىل البقاء وانقراض أنوا ٍع أخرى‪ .‬‬ ‫كل صفح ٍة يف الدفرت فيها ‪ 200‬سطرٍ‪ .‬هذا الدفرت عبار ٌة عن الحمض‬ ‫لنتخ ّيل أن لدينا دفرتا ً من ‪ 100‬صفح ٍة‪ّ ،‬‬ ‫النووي الكامل للفراشة‪ .‬العملية الجنسية بني األب واألم عملية ملء السطور يف هذا الدفرت‪ .‬مع العلم أنه من‬ ‫الـ ‪ 200‬سط ٍر يلزم فقط ‪ 100‬سط ٍر إلنتاج الفراشة‪ ،‬و‪ 100‬سط ٍر األخرى ليست مف ّعل ًة‪ ،‬لكنها تنتقل عرب األجيال‪.‬‬ ‫لنأخذ الصفحة رقم ‪ 23‬املسؤولة عن لون الفراشة‪ .‬يف هذه الصفحة نتف ّحص الـ ‪ 100‬سطرٍ‪ ،‬فنجد العديد من األلوان التي‬ ‫ورثتها الفراشة من أجدادها‪ .‬اللون األزرق‪ ،‬األبيض‪ ،‬البني‪ ،‬األصفر‪،‬وألوا ٌن م ّركب ٌة من ع ّدة ألوانٍ ضمن أشكا ٍل مختلف ٍة‪...‬‬ ‫‪67‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬

‫مصطفى عابدين‬

‫بنسب متفاوت ٍة عىل أساس نسبة تكرار هذه األلوان عند أجداد الفراشة يف السابق‪ .‬‬ ‫الخ‪ .‬لكن وجود هذه الطفرات موجو ٌد‬ ‫ٍ‬ ‫(أب أزرق‪ ،‬أ ٌم بنية اللون) قاما باملامرسة الجنسية و ملء سطور الدفرت‪ .‬عىل فرض أن نسبة اللون‬ ‫لنفرتض فراشتني ٌ‬ ‫البني بني السطور ‪( % 80‬بني األم واألب)‪ .‬هذا يعني أن نسبة والدة هذه الفراشة بلونٍ بني ‪ .% 80‬هذه الفراشة البنية‬ ‫الجديدة تنقل نفس النسخة من الصفحة ‪ 23‬إىل أبنائها ( ‪ 200‬سط ٍر فيها ‪ % 80‬لو ٌن بني )‪.‬‬ ‫أبناء الفراشة البنية سيكون لديهم أيضاً ‪ 100‬سط ٍر من أ ّمهم البنية و ‪ 100‬سط ٍر من والدهم األزرق‪،‬‬ ‫و يف دورهم ينقلون نفس هذه النسب لألجيال القادمة فتزيد نسب اللون البني يف املجمع الجيني‪.‬‬ ‫مالئم يف البيئة‪ ،‬وأن حيواناً آخر أصبح يفرتس الفراشة بسبب هذا‬ ‫يف املقابل عىل فرض أن اللون البني أصبح لوناً غري ٍ‬ ‫تتغي مع‬ ‫بني بدأت باالنقراض وبدأت هذه النسب ّ‬ ‫اللون سنجد أن الفراشات ذات الصفحة ‪ 23‬بنسبة ‪ % 80‬لو ٌن ٌّ‬ ‫الوقت‪.‬‬

‫التغي‪ ،‬فرنى انحدارا ً يف تعداد الفراشات البنية وازديادا ً‬ ‫رمبا الفراشة ذات اللون األصفر أصبحت لديها األولوية بسبب هذا ّ‬ ‫يف نسبة الفراشات الصفراء‪ ،‬هكذا نكون شاهدنا عملية تط ّو ٍر عرب االنتقاء الطبيعي بسبب العملية الجنسية بني ذك ٍر وأنثى‪.‬‬ ‫ال ب ّد من التذكري أن هذه الطفرات طفراتٌ عشوائي ٌة يف أغلب األحيان تس ّبب يف انقراض الكائن‪ .‬نحن اليوم نرى فقط‬ ‫‪ % 2‬من األحياء‪ ،‬بينام انقرض ‪ % 98‬منها لعدم قدرتها عىل التكيّف والتأقلم‪ .‬إذا ً االنقراض حال ٌة طبيعي ٌة‪ ،‬والبقاء حال ٌة‬ ‫شا ّذةٌ‪ .‬‬ ‫وجود أزواج من ذك ٍر وأنثى هي الطريقة الوحيدة يف التكاثر التي استطاعت االستمرار حتى اليوم وبقية االسرتاتجيات‬ ‫األخرى انقرضت‪ .‬مع العلم أن بعض األحياء البسيطة مازالت تستخدم اسرتاتيجية االستنساخ ( كائنات( ‪ Asexual‬كام‬ ‫أي ّ ٍ‬ ‫تغي بيئي سلبي سيقيض عليها لعدم قدرتها عىل التكيّف‬ ‫ذكرت سابقاً‪ ،‬ومنها الطحالب وبعض أنواع الفطريات لكن ّ‬ ‫واضح عن الفائدة التط ّورية لعملية التكاثر بني ذك ٍر وأنثى‪ ،‬ننتقل‬ ‫لعدم وجود تباينٍ يف مواصفاتها‪ ،‬إذا ً أصبح لدينا تص ّو ٌر ٌ‬ ‫إىل الجنس عند اإلنسان ‪.‬‬ ‫‪68‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬

‫مصطفى عابدين‬

‫الجنس و العقل‪ :‬‬

‫كل مامرس ٍة جنسي ٍة برضا الطرفني هدفها الوصول إىل النشوة الجنسية‪ .‬البعض يحقّق ذلك‪ ،‬والبعض اآلخر يخفق‪ ،‬لكن‬ ‫إن ّ‬ ‫الوصول إىل النشوة الجنسية هو اللبنة األساسية يف املامرسة الجنسية‪ ،‬ولوال هذه الذروة والشعور العاصف يف الجسم‬ ‫ملا كانت هذه الغريزة بهذه األهمية‪ .‬لكن ما النشوة الجنسية‪ ،‬ملاذا هو شعو ٌر رائ ٌع عند جميع الكائنات‪ ،‬ملاذا منارس‬ ‫الجنس حتى ومل يكن الهدف هو التكاثر ؟‬ ‫أوضح بعض املفاهيم العلمية‪ .‬الدماغ‬ ‫هذه بعض النقاط التي سأجيب عليها ضمن هذا املحور لكن أوالً أحتاج أن ّ‬ ‫مجموع ٌة من األعضاء العصبية التي تعمل بشكلٍ تكاميل فيام بينها بهدف إدارة وظائف الجسم‪ .‬هذه األعضاء الدماغية‬ ‫ٍ‬ ‫هرمونات وعالقتها يف‬ ‫تتواصل فيام بينها عن طريق الهرمونات والسيالة العصبية‪ .‬يف هذا املحور سأتكلم عن ع ّدة‬ ‫تتغي طوال الوقت وعملية التعلّم عملية وصل‬ ‫العملية الجنسية‪ .‬ومن املهم ذكره يف هذه املرحلة أن الوصالت الدماغية ّ‬ ‫أقسام دماغي ٍة مع بعضها البعض‪ .‬كلام زادت الوصالت الدماغية زادت الفعالية للعمل الدماغي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ‬‬ ‫عام تح ّدد جميع أفعالها بطريقتي أفعا ٍل‪ :‬إيجابي ٌة ‪ -‬سلبي ٌة‪ ،‬يعمل الدماغ عىل تصنيف هذه األفعال ضمن‬ ‫األحياء بشكلٍ ٍ‬ ‫فعل فإن‬ ‫مركز املكافأة والعقاب‪ ،‬ينتج عن هذه التصنيفات ما نس ّميه ‪ Feedback loop‬أو تغذي ًة رجعي ًة‪ .‬إذا حدث ٌ‬ ‫فعل نتيجته إيجابي ٌة فريبطه الدماغ‬ ‫نتيجته سلبي ًة فريبطه الدماغ بتغذي ٍة رجعية سلبي ٍة ( رمبا الشعور باألمل )‪ ،‬وإذا حدث ٌ‬ ‫بتغذي ٍة رجعي ٍة إيجابي ٍة ( رمبا الشعور بالنشوة )‪.. .‬‬ ‫لنأخذ بعض األمثلة‬ ‫عام‪ .‬أغلب الفاكهة فيها سكرياتٌ بسيط ٌة‪.‬‬ ‫حني نأكل الفاكهة نشعر أنها لذيذةٌ‪ ،‬نعترب أن هذا الفعل ٌ‬ ‫عمل جي ٌد بشكلٍ ٍ‬ ‫ات عالي ًة ضمن ٍ‬ ‫طعام يقدم حرير ٍ‬ ‫جهد قليلٍ طعا ٌم مه ٌّم لبقائنا‪.‬‬ ‫أي ٍ‬ ‫الجسد يحتاج إىل السكريات من أجل الطاقة‪ .‬إذا ً ّ‬ ‫لهذا نص ّنف هذا النوع من الطعام عىل الئحة األطعمة "الحلوة" ما يعني أن الدماغ ربط الطعم الحلو مع تغذي ٍة رجعي ٍة‬ ‫إيجابي ٍة‪ .‬لهذا نعترب الطعام الحلو "حلو" نفس العملية مع الطعام الذي يحتوي عىل الدهون‪ ،‬يص ّنف الدماغ الطعام عىل‬ ‫أنه لذي ٌذ بسبب السعرات الحرارية العالية ويصبح مح ّفزا ً للعاب ملجرد ش ّم رائحة البطاطة املقلية‪.‬‬ ‫رضة لنا التي تس ّبب‬ ‫تختلف هذه املعايري بني الناس والكائنات بناء عىل تركيبتهم البيولوجية طبعاً‪ .‬جميع األعامل امل ّ‬ ‫اآلالم ٌ‬ ‫أعامل ت ّم ربطها يف دارات تغذي ٍة رجعي ٍة سلبي ٍة‪ .‬مثالً نحن ال نحب الطعام امل ّر؛ ألن املوا ّد امل ّرة موا ٌّد ضا ّر ٌة لنا‬ ‫وس ّمي ٌة أغلب األحيان‪ .‬نحن ال نقرتب من النار‪ ،‬ألنّنا برمجنا أنفسنا يف مرحل ٍة ما عىل أن النار تس ّبب األمل ( حرق الخاليا )‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬

‫مصطفى عابدين‬

‫هذه العملية ( املكافأة والعقاب ) اسمها يف علم النفس ‪ Classical Conditioning‬تستخدم يف عالج بعض الحاالت‬ ‫عام ‪.‬‬ ‫مثل الذعر من بعض األمور التي ال قد تتطلّب الخوف بشكلٍ ٍ‬ ‫كل م ّر ٍة يقرتب بها من املاء‪ .‬مع الوقت نرفع قيمة املكافأة‬ ‫‪ ‬مثالً‪ :‬إذا كان الطفل يخاف من املاء نقوم بإعطائه مكافأ ًة ّ‬ ‫يف حال تفاعل الطفل مع املاء‪ .‬ثم مع الوقت يصبح املاء تغذي َة رجعي ًة إيجابي ًة‪ ،‬فيتغلّب الطفل عىل خوفه من املاء (‬ ‫مخترص جدا ً ) ‪ .‬أغلب التجارب العلمية تعتمد عىل هذه اآللية الدماغية ( املكافأة والعقاب ) يت ّم تقديم مكافأ ٍة للكائن‬ ‫معي أو صعق ٍة كهربائي ٍة يف حال مل يستجيب مع املح ّفزات‪ .‬سنتح ّدث عن هذه التجارب قريباً يف تحليل‬ ‫مقابل فعلٍ ّ ٍ‬ ‫بعض الظواهر الجنسية‪.‬‬ ‫كل ما تفعله‪ ،‬وأن آلية الدماغ‬ ‫وعقاب يف ّ‬ ‫يف هذه املرحلة أو ّد أن أكون قد أوضحت أننا كائناتٌ تعتمد عىل نظام مكافأ ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫يف التواصل مع بعضه ومع بقية أعضاء الجسم هي الهرمونات والسيالة العصبية‪ ،‬وأن الهرمونات مؤث ّر ٌة بهيكلية الخريطة‬ ‫الدماغية ( الوصالت الدماغية )‪.‬‬

‫الهرمونات‪ :‬‬

‫الدوبامني هرمون املكافأة واملتعة‪ .‬يت ّم إفراز الدوبامني يف الدماغ داخل قسم املكافأة‪ .‬حني نأكل السكر يت ّم إفراز‬ ‫الدوبامني‪ ،‬حني نضحك يت ّم إفراز الدوبامني‪ ،‬حني ندخن النيوكتني يت ّم إفراز الدوبامني‪ ،‬حني ترشب الكحول يت ّم إفراز‬ ‫الدوبامني‪ ،‬حني منارس الجنس يتم إفراز الدوبامني‪.‬‬

‫‪70‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬

‫مصطفى عابدين‬

‫مثال‪ :‬‬ ‫يف حال التدخني يدخل النيكوتني إىل الجسم عن طريق الرئتني و ينترش ضمن الدورة الدموية ليصل إىل الدماغ‪ .‬مادة‬ ‫النيكوتني ماد ٌة محفّز ٌة للدوبامني أي تقول للدماغ‪" :‬لقد قام الجسم بعملٍ يستحق املكافأة" فيقوم الدماغ بإفراز‬ ‫الدوبامني‪ .‬مع الوقت يعتاد الدماغ عىل كمية النيكوتني‪ ،‬وال يفرز الكميات الكافية من الدوبامني‪ ،‬فيقوم املستخدم‬ ‫ٍ‬ ‫كميات أكرب من النيكوتني‪ ،‬ليك يحصل عىل نفس الكمية من الدوبامني‪.‬‬ ‫باستحضار‬ ‫عىل الهامش‪ :‬‬ ‫صديق من أصدقائك تتس ّبب‬ ‫تعليق من‬ ‫إعجاب أو‬ ‫كل ضغطة‬ ‫نحن نستخدم الفيس بوك كل يوم‪ ،‬هل تعلم أن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يف إفراز كمي ٍة صغري ٍة من الدوبامني يف دماغك ؟ لهذا نحن يف حالة إدمان عىل الفيس بوك؛ ألننا نحتاج هذه‬ ‫ٍ‬ ‫تعليقات سلبي ًة ملج ّرد رؤية‬ ‫اإلفرازات اليومية‪ .‬يف بعض األحيان يكون لدينا أصدقاء دامئاً ينكّدون علينا‪ ،‬ويعلقون‬ ‫أنهم علّقوا عىل أحد منشوراتنا نرى أن دقّات القلب ارتفعت ونشعر بالتوتر ( إفراز األدرنالني هرمون الخطر)‪ .‬‬ ‫املامرسة الجنسية من أكرث األعامل املفرزة لهرمون الدوبامني ( قريبة من استخدام الهريووين أو الكوكائني )‪ .‬لهذا‬ ‫نحن منارس الجنس؛ إلدماننا عىل الدوبامني الذي يفرزه الجسم‪ ،‬املدمن عىل املخدرات ميكن أن يفعل الكثري من‬ ‫األعامل غري املنطقية ليحصل عىل الذروة‪ .‬لهذا نجد أن املدمنني مستع ّدون لتعريض حياتهم وحياة من حولهم للخطر‬ ‫يف سبيل جرع ٍة أخرى من الدوبامني‪ ،‬من هذه النقطة أو ُّد أن أربط أن اإلنسان املحفّز جنسياً يفقد السيطرة عىل‬ ‫اتخاذ القرارات ويصبح مثل الشخص املدمن عىل املخدرات مستع ّدا ً لفعل أي يش ٍء للوصول إىل الذروة الجنسية‪ .‬‬ ‫كل منهم يف‬ ‫يفضلها ّ‬ ‫قام بعض الخرباء باستبيانٍ لعد ٍد مح ّد ٍد من الرجال والنساء‪ ،‬االستبيان عبار ٌة عن املواصفات التي ّ‬ ‫رشيكه الجنيس ‪ ...‬‬ ‫مثالً‪ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫رشيك سم ٍني ؟‪ ‬‬ ‫هل ترىض أن متارس الجنس مع‬ ‫هل ترىض أن متارس الجنس مع رشيكني آخرين بنفس الوقت ؟‪ ‬‬ ‫هل ترىض مامرسة الجنس مع ٍ‬ ‫شخص ( قبيح نسبياً بالنسبة لك ) ؟‪ ‬‬ ‫هل ترىض أن متارس الجنس خارج العالقة ؟‪ ‬‬ ‫هل يه ّمك عمر الرشيك ؟‪ ‬‬ ‫هل يه ّمك عرق الرشيك ؟‪ ‬‬ ‫طبعاً اإلجابات كانت متفاوت ًة‪ ،‬لكن أغلبية األشخاص أجابت بطريق ٍة متوقّع ٍة‪ .‬مثالً ال أحد يحبذ مامرسة الجنس مع‬ ‫ٍ‬ ‫وتفضل رشيكاً قريباً نسبياً‬ ‫تفضل مامرسة الجنس مع نفس عرقّها‪ّ ،‬‬ ‫أشخاص قبيحني أو عالق ٍة جنسي ٍة جامعي ٍة‪ ،‬األغلبية ّ‬ ‫بالعمر‪ .‬‬ ‫‪71‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬

‫مصطفى عابدين‬

‫كامل عند الذكر‪ ،‬وتض ّخ ٌم يف البظر عند األنثى ) كانت‬ ‫انتصاب ٌ‬ ‫طرح الخرباء نفس األسئلة عىل مجموع ٍة مثار ٍة جنسياً (‬ ‫ٌ‬ ‫بأي مثنٍ ‪.‬‬ ‫املفاجأة أن جميع األشخاص أجابوا بطريق ٍة ّ‬ ‫أقل انتقائي ٍة للرشيك‪ ،‬وهدفها تيسري العملية الجنسية ّ‬

‫تغي تفكري األشخاص املثارين جنسياً ؟‪ ‬‬ ‫ملاذا ّ‬

‫أي يش ٍء يف سبيل الوصول إىل هذا اإلفراز‪ .‬الدماغ يف‬ ‫إن الدماغ أصبح مح ّفزا ً‪ ،‬وينتظر إفراز الدوبامني‪ ،‬وهو مستع ٌّد لفعل ّ‬ ‫هذه الحالة يعطّل جميع املراكز األخرى التي قد تشكّل عائقاً يف الوصول للذروة‪ ،‬ويصبح قسم ‪Nucleus Accumbens‬‬ ‫املسؤول عن األعامل الدماغية حتى الوصول ملرحلة القذف والذروة‪ .‬‬ ‫قسم ‪ Nucleus Accumbens‬هو املسؤول عن إفراز الدوبامني‪ ،‬لهذا نجد أن املداعبة الجنسية قبل عملية الولوج‬ ‫تساعد يف إثار ٍة أكرث‪ ،‬وإفراز دوبامني أكرث‪ ،‬وذلك بسبب ترقّب الدوبامني من قبل الدماغ‪ ،‬األشخاص الذين يتعاطون موا ّد‬ ‫نفيس لها‪.‬‬ ‫محفّز ًة (مخدرات) يشعرون بذرو ٍة أكرب إذا ُسب َِق أخذ الجرعة تحض ٌري ٌّ‬ ‫‪ ‬الجنس عند اإلنسان‪ :‬‬ ‫كيف يت ّم تحديد التو ّجه الجنيس‬ ‫؟ ما األهواء الجنسية ؟ كيف‬ ‫تتحفّز األعضاء التناسلية ؟‬ ‫يل‪ ،‬مغاي ٌر‪،‬‬ ‫التو ّجه الجنيس ( مث ٌّ‬ ‫ازدواجي ٌة‪ ،‬متح ّو ٌل)‪ :‬هذا املحور‬ ‫كب ٌري جدا ً‪ ،‬ولن أتع ّمق به يف‬ ‫هذا املقال‪ ،‬وقد سبق أن‬ ‫كتبت عنه يف مقا ٍل آخ َر اسمه‬ ‫ُ‬ ‫" املثلية الجنسية " ملن يهتم‬ ‫بفهم مس ّببات التو ّجه الجنيس‪.‬‬ ‫طبعاً التو ّجه الجنيس يختلف عن الهوى الجنيس ‪Fetish‬؛ ألن التو ّجه الجنيس يح ّدد االنجذاب العام‬ ‫بغض النظر عن التو ّجه )‪.‬‬ ‫نحو الرشيك‪ ،‬بينام الهوى الجنيس هو ما يحب أن يفعله الكائن مع رشيكه ( ّ‬ ‫نسب دقيق ٍة ونواف َذ زمني ٍة مح ّدد ٍة من إفراز‬ ‫التو ّجهات الجنسية كاملثلية تحدث يف مرحلة تك ّون الجنني‪ ،‬تعتمد عىل ٍ‬ ‫هرمون التستوستريون أثناء الحمل‪ ،‬توجد منطق ٌة يف الدماغ اسمها‪ ، Sexually Dimorphic Nucleus SDN‬وهي عند‬ ‫الذكور أكرب ‪ 5‬مر ٍ‬ ‫ات من اإلناث‪ ،‬وهي تح ّدد التو ّجه الجنيس عند الكائن‪ .‬كلّام كان حجم الـ ‪ SDN‬أصغر كان التو ّجه‬ ‫أنثوياً أكرث‪ .‬يف قو ٍل آخر إذا فحصنا الـ ‪ SDN‬عند األنثى‪ ،‬وكان كبريا ً بعض اليشء هذا يعني أنها أكرث ميالً للترصفات‬ ‫الذكورية‪ ،‬أي إن حتى اإلناث يفتقرن لألنوثة عىل أساس حجم الـ‪SDN‬‬ ‫‪72‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬

‫مصطفى عابدين‬

‫األهواء الجنسية‪ :‬‬ ‫هذا املوضوع سيتطلّب مني بعض الرشح ألنه جديد بالنسبة للكثريين من الق ّراء؛ فأغلب الناس لديهم أهوا ٌء جنسي ٌة‬ ‫وأشخاص يحبّون العنف أثناء املامرسة‬ ‫أشخاص يحبّون أصابع األقدام أثناء املامرسة الجنسية‪،‬‬ ‫معيّن ٌة‪ ،‬مثالً يوجد‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وأشخاص يح ّبون تغليف أنفسهم بالنايلون‬ ‫وأشخاص يحبون أن يشعروا بالفوقية عىل رشيكهم أو بالعكس‪،‬‬ ‫الجنسية‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أثناء املامرسة‪.‬‬ ‫أي يش ٍء قد يصبح مرتبطاً مع املتعة واإلثارة الجنسية‪ ،‬األهواء الجنسية‬ ‫ال يوجد عد ٌد مح ّد ٌد من األهواء الجنسية‪ ،‬ألن ّ‬ ‫اهق يف سن الـ ‪ 12‬سن ًة يرصف وقتاً أطول يف‬ ‫مرتبط ٌة مع أول مامرس ٍة جنسي ٍة تنتج عنها ذرو ٌة وإفراز دوبامني‪ٌ .‬‬ ‫طفل مر ٌ‬ ‫الحامم هذه األيام؛ ألنّه يتمتّع بشعور الصابون الذي ينزلق عىل عضوه أثناء الحامم‪ .‬لديه ٌ‬ ‫فضول مبعرفة ما هذا الشعور‪.‬‬ ‫خائف أن تكتشف أمه أمره أثناء‬ ‫يسأل أحد أصدقائه عن املوضوع‪ ،‬فيعلم أنه سيشعر بلذ ٍة أكرب إذا ما داعبه أكرث‪ .‬هو ٌ‬ ‫املداعبة‪ ،‬فيق ّرر االختباء داخل خزانة والدته وميارس العادة الرسية‪ .‬بالفعل يشعر بشعو ٍر رائعٍ ال مثيل له من قبل‪ .‬إنها‬ ‫جرع ٌة كبري ٌة جدا ً من الدوبامني مل يسبق له تجربتها‪ ،‬لكن ضمن األشياء التي حفّزت هذه الجرعة كان وجوده يف خزانة‬ ‫والدته ورؤية أحد أحذيتها‪ .‬تتشكّل الوصالت الدماغية بحيث يربط الطفل املتعة الجنسية مع ذاك الحذاء ويكرب ولديه‬ ‫‪ Fetish‬باألحذية النسائية‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫ذكرتُ أن الهرمونات تعمل عىل هيكلة الوصالت الدماغية‪ ،‬ما يعني أن أول تجرب ٍة جنسي ٍة مهمة جدا ً يف كيفية شكل‬ ‫هذه الوصالت املتعلّقة بالربط بني املحفّز والذروة املتمثّلة بإفراز الدوبامني‪ ،‬فأول تجرب ٍة جنسي ٍة أشبه بالحفر عىل‬ ‫الحجر‪ ،‬تبنى عليها األهواء والعادات الجنسية الالحقة‪.‬‬ ‫طفل كانت لديه مشكل ٌة يف أنه يبلّل رسيره يف الليل أثناء النوم ( حال ٌة مرضي ٌة يف ضعف الخصية )‪ .‬أمه تربّيه وحيد ًة‬ ‫ٌ‬ ‫يوم‪ ،‬فلجأت لفكر ٍة ابتكرتها‪ ،‬وهي وضع فوطة (حفاض‬ ‫وقت يف تغيري أغطية الرسير ّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫وتعمل طوال الوقت‪ ،‬ليس لديها ٌ‬ ‫تغي له الفوطة يف الصباح‪ .‬مع الوقت كرب الطفل وتط ّورت غرائزه الجنسية‪ ،‬ومازالت أمه‬ ‫بالستييك) عىل طفلها بحيث ّ‬ ‫تستخدم الفوطة‪ .‬يف يوم من األيام أمتع نفسه أثناء ارتداء الفوطة البالستكية‪ ،‬مع مرور الزمن الحظ أنه ينجذب نحو‬ ‫ٍ‬ ‫لساعات‪،‬‬ ‫النساء الاليت يلبسن معطف املطر البالستييك‪ ،‬كان يذهب إىل محال األلبسة وينظر إىل املعاطف البالستيكية‬ ‫هذه املعاطف البالستيكية كانت تشكّل له مح ّفزا ً جنسياً‪ ،‬ومع الوقت اشرتى بعض هذه املعاطف املطرية‪ ،‬وأصبح‬ ‫ميارس العادة الرسية‪ ،‬وهو يرتدي املعطف املطري البالستييك‪ .‬بعد ذلك تط ّورت حالته وأصبح يتخيل وجود امرأ ٍة متارس‬ ‫يحب رائحة عرقه‬ ‫معه الجنس‪ ،‬وهو يرتدي املعطف املطري‪ ،‬وأن أغطية الرسير جميعها مصنوع ٌة من البالستيك‪ ،‬ألنه ّ‬ ‫عىل البالستيك ‪.‬‬ ‫‪73‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬

‫مصطفى عابدين‬

‫رمبا يجد من يشاركه هذا الهوى‪...‬‬

‫مضطرب نفسياً بسبب هذه الشهوة الجنسية‪،‬‬ ‫طبعاً أغلب األشخاص الذين يقرؤون هذه الفقرة يعتقدون أن هذا الشخص‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫مألوف بالنسبة لألغلبية‪ .‬‬ ‫إال أن السبب الوحيد أننا نشعر كذلك هو ربط محفزات البالستيك بالنشوة الجنسية‪ ،‬وهو أم ٌر غري‬ ‫يوجد العديد من األشخاص الذين يربطون أصابع القدمني مع االستثارة الجنسية‪ .‬سبب هذا االستثارة هو أن أصابع‬ ‫رسي ٌة أو مضاجع ٌة ) لكن ال نجد ر ّدات فعلٍ سلبي ٍة لهذه‬ ‫األقدام موجود ٌة بكرث ٍة يف حاالت املامرسة الجنسية ( عاد ٌة ّ‬ ‫األهواء الجنسية ألنها مألوف ٌة‪ ،‬وليست غريب ًة مثل من يحب أن يغطّي نفسه بالبالستيك‪ ،‬إذا ً األهواء الجنسية ربط مح ّف ٍز‬ ‫بيئي مع أول حالة ذرو ٍة جنسي ٍة فيصبح الوصول لهذه الذروة مرتبطاً مع وجود املحفّز البيئي مهام كان مألوفاً أو غريباً‪ .‬‬

‫تجارب علمية‪:‬‬

‫لحم متعفّنٍ ‪ ،‬وجميع‬ ‫عام جميع الكائنات الحية لديها القدرة عىل استشعار رائحة املوت التي هي عبار ٌة عن ٍ‬ ‫بشكلٍ ٍ‬ ‫الكائنات تبعد عن هذه الرائحة وال تستسيغها‪ .‬يف تجربة علمية قام الدكتور ‪Jim Pfaus‬من جامعة ‪ British Columbia‬‬ ‫بدهن أنثى جرذ ( رقم ‪ )1‬مبادة اسمها ‪Cadaverine‬وهي ماد ٌة كياموي ٌة شبيه ٌة براحة اللحم املتعفن‪ .‬ثم أحرض جرذا ً‬ ‫ذكرا ً ( رقم ‪ ) 2‬مل يسبق له مامرسة الجنس سابقاً‪ .‬رقم ( ‪ 2‬األنثى ) مامرس ٌة للجنس من قبل‪ .‬تم وضع الجرذين يف ٍ‬ ‫قفص‬ ‫ٍ‬ ‫واحد و مراقبة ماذا سيحدث‪.‬‬ ‫يوم )‪ .‬قام الدكتور‬ ‫يف أول أسبو ٍع تج ّنب الذكر األنثى بكل األشكال بسبب رائحتها ( يت ّم دهنها مبادة‪ Cadaverine‬كل ٍ‬ ‫جيم بتحفيز األنثى جنسياً عرب مداعبة منطقة البظر بفرشا ٍة دقيق ٍة‪ ،‬ثم التوقف قبل وصولها ملرحلة الذروة‪ .‬أصبحت‬ ‫اإلنثى محفّز ًة جنسياً وتريد من الذكر ( رقم ‪ ) 2‬أن ميارس الجنس معها‪.‬‬ ‫مع الوقت استطاعت أن تستدرجه وقام مبامرسة الجنس معها ع ّدة م ّر ٍ‬ ‫ات يف اليوم‪.‬‬ ‫قفص مع ع ّدة ٍ‬ ‫بعد وقت وضع الذكر يف ٍ‬ ‫إناث رائحتهم طبيعي ٌة‪.‬‬ ‫جميعه ّن مستعدّاتٌ للمامرسة الجنسية إال أن ( رقم ‪ ) 2‬مل ميارس الجنس معه ّن‪ .‬قام الدكتور جيم بدهن إحدى هذه‬ ‫اإلناث مبادة‪ Cadaverine‬فعالً مجرد دهن األنثى بهذه الرائحة السيئة توجه نحوها ( رقم ‪ ) 2‬ومارس معها الجنس‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫النتيجة أننا يف هذه التجربة قمنا بتوجيه "الهوى الجنيس" لرقم ( ‪ ) 2‬عن طريق التأثري باملحفزات أثناء أول عملية إفراز‬ ‫للدوبامني يف دماغه‪ .‬أصبح لرقم ( ‪ fetish Cadaverine ) 2‬يوجد الكثري من التجارب األخرى التي تستخدم محفزات‬ ‫أخرى مثل تعطري الجرذان بروائح مختلفة أو إلباسهم ثياباً مع ّين ًة‪ ،‬وجميع هذه التجارب تؤكّد أن املامرسة الجنسية‬ ‫عميق يف رسم أهواء الكائن الجنسية‪.‬‬ ‫األوىل لها أث ٌر ٌ‬ ‫‪74‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬

‫مصطفى عابدين‬

‫مشكلة القذف الرسيع‪....‬‬

‫القذف الرسيع نتيجة اعتياد الشخص أن عليه القذف برسع ٍة قبل أن يأيت أحد أفراد عائلته‪ ،‬فيقبض عليه يف الجرم‬ ‫املشهود‪ .‬يوجد بعض الفرضيات التطورية التي تربط القذف الرسيع بحامية الذكر من ذكور آخرين قد يعتدون عليه‬ ‫أثناء العملية الجنسية‪ ،‬لهذا يقذف بشكل رسيع‪ ،‬لكن هذه الفرضية تنطوي تحت ما رشحته من أسباب فيزيولوجية‬ ‫تتعلق بالوصالت الدماغية املرتبطة مع أول مامرس ٍة جنسي ٍة ‪.‬‬

‫يستطيع الذكور عالج مشكلة القذف الرسيع بنفس طريق العالج الذي ذكرته فيام يتعلق بالطفل الذي‬ ‫يخاف من املاء‪ ،‬وملعالجة القذف الرسيع يتوجب عىل الذكر مامرسة الجنس يف بيئ ٍة آمن ٍة‪ ،‬دون االهتامم‬ ‫ٍ‬ ‫سبب من األسباب‪ .‬‬ ‫ألي‬ ‫بوجود‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص آخرين ممكن أن يدخلوا عليه‪ ،‬أو أن عليه القذف بشكلٍ رسيعٍ ّ‬ ‫لعالج هذه املشكلة يتو ّجب املامرسة الجنسية‪ ،‬ثم التوقّف قبل النشوة واالسرتاحة لـ ‪ 30‬ثاني ًة ث ّم املتابعة‪ ،‬ث ّم التوقّف‬ ‫تتحسن‪( .‬‬ ‫لـ ‪ 30‬ثاني ًة أخرى وهكذا‪ ...‬مع الوقت وبعد بضعة أسابيعٍ سيالحظ الذكر أن مشكلة القذف الرسيع بدأت ّ‬ ‫يف هذا العالج نحن نقوم بإعادة رسم و وصل الوصالت الدماغية )‪.‬‬

‫معلوم ٌة مفيد ٌة‪:‬‬

‫الشخص الذي يتابع األفالم اإلباحية ال يستطيع االستمتاع باملامرسة الجنسية؛ ألن نسبة الدوبامني الحاصلة أثناء‬ ‫متابعة األفالم اإلباحية أعىل من النسب التي ممك ٌن تحقيقها أثناء املامرسة الفعلية‪ .‬ضمن األفالم الجنسية يتم‬ ‫تجسيد العملية الجنسية بطريق ٍة بعيد ٍة عن الواقع‪ .‬كام أن مامرسة العادة الرسية مع مح ّف ٍز مر ٍيئ مثل األفالم‬ ‫يجسد قدرة يف التحكّم ( رسع ٌة‪ ،‬ق ّو ٌة ضغ ٌط عىل البظر أو رأس القضيب ) ال ميكن للرشيك إدراكها مهام‬ ‫اإلباحية ّ‬ ‫رسية ( الرسعة‪ ،‬القوة الضغط‪ ،‬املحفّز املريئ ) مح ّفزاتٌ مثالي ٌة للوصول ألكرب‬ ‫حاول فتصبح مح ّفزات العادة ال ّ‬ ‫قد ٍر من الدوبامني‪ .‬مهام كانت املامرسة الجنسية مع الرشيك جيد ًة لكنها لن تصل لنفس املستوى املطلوب‪ .‬‬

‫أريد املزيد‪:‬‬ ‫ُ‬

‫يخف مقدار‬ ‫يف ّ‬ ‫كل عالق ٍة جنسي ٍة يكون كال الطرفني مح ّفزا ً بشكلٍ كب ٍري يف بداية العالقة‪ ،‬و مع مرور الوقت ّ‬ ‫الدوبامني الذي يفرزه الجسم‪ ،‬وهذا ما نس ّميه فتور العالقة الجنسية‪ .‬لهذا ينصح األزواج بتجربة أشياء‬ ‫ومحفز ٍ‬ ‫ات جديد ٍة ليك يخدعوا جسدهم يف إفراز املزيد من الدوبامني‪ ( .‬مثال النيكوتني واإلدمان عىل السجائر )‬ ‫الحقاً سأتط ّرق لربط الدوبامني مع هرمون األوكسيتوسني ( هرمون الحب ) والذي سيسلّط الضوء بشكل أوضح عىل‬ ‫العالقات الزوجية ‪.‬‬ ‫‪75‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬

‫مصطفى عابدين‬

‫املتعة حتى املوت‪:‬‬

‫ٍ‬ ‫وصالت كهربائي ٍة لدماغ جر ٍذ مع منطقة ‪ Nucleus Accumbens‬املسؤولة عن إفراز الدوبامني‪.‬‬ ‫يف تجرب ٍة علمي ٍة ت ّم وصل‬ ‫ت ّم ربط الوصلة مع ٍ‬ ‫ساعد يت ّم ضغطه من قبل الجرذ‪ ،‬قام الجرذ بالضغط عىل الساعد‪ ،‬فجأ ًة شعر الجرذ مبتع ٍة عاصف ٍة‬ ‫بسبب إفراز الدوبامني‪ .‬حاملا ربط الجرذ فعل الضغط عىل الساعد مع إفراز الدوبامني بدأ بالضغط عىل الساعد دون‬ ‫أيام‪ ،‬واستمر يف الضغط عىل الساعد حتى مات‪ .‬الجرذ مل يستطع التوقف عن‬ ‫توق ٍّف‪ ،‬الجرذ مل يأكل أو يرشب لع ّدة ٍ‬ ‫املتعة‪ ،‬واملغزى من هذه التجربة إيضاح مدى قوة اإلدمان عىل الدوبامني‪.‬‬

‫كيف تتحفّز األعضاء التناسلية ؟‬

‫البظر (‪:)clitoris‬هي املنطقة املوجودة فوق شفريت املهبل‪ .‬وظيفة البظر الوحيدة اإلمتاع الجنيس عند اإلنثى‪ ،‬يوجد‬ ‫عىل البظر ‪ 8000‬نهاي ٍة عصبي ٍة‪ ،‬ما يع ّد عددا ً هائالً باملقارنة مع ‪ 4000‬نهاي ٍة عصبي ٍة عىل القضيب الذكري‪ .‬يف حال تحفيز‬ ‫جنيس‪ .‬يته ّيأ الدماغ عن طريق إفراز خلط ٍة من الهرمونات‪،‬‬ ‫البظر يت ّم إرسال السيالة العصبية للدماغ بوجود مح ّف ٍز‬ ‫ٍّ‬ ‫كل األعضاء املسؤولة‪ .‬كلّام زادت املداعبة زادت اإلفرازات الهرمونية‬ ‫وظيفتها تهيئة الجسم للمامرسة الجنسية‪ ،‬وتحفيز ّ‬ ‫التي تؤدي إىل ارتفاع حساسية األعضاء التناسلية أكرث‪ ،‬فاإلناث يصلن للذروة عرب مداعبة البظر مع القضيب‪ .‬أيضاً توجد‬ ‫منطق ٌة داخل املهبل تسمى الـ ‪ G spot‬تؤ ّدي إىل الذروة الجنسية‪ ،‬إال أنه من الصعب عىل القضيب الوصول لتلك‬ ‫النقطة‪ ،‬ويتو ّجب استخدام األصابع أو بعض األلعاب واألدوات الجنسية‪.‬‬ ‫مالحظة‪ :‬يف أغلب املامرسات الجنسية ال يستطيع الذكر إيصال األنثى إىل الذروة عن طريق الولوج القضيبي‪ ،‬ويتو ّجب‬ ‫متسيج البظر باألصبع حتى الوصول إىل الذروة‪ .‬وقد ذك ْرتُ سابقاً أن الذروة الجنسية تتمثّل بإفراز الدوبامني‪ ،‬لكن من‬ ‫املهم ذكره أن كلام طالت م ّدة املداعبة والتهييئ للذروة كانت كمية الدوبامني أكرب‪.‬‬ ‫الثديان و الحلمتان ‪) the breasts and nipples (:‬‬ ‫فقط عند اإلنسان يعترب الثديان أعضا ًء محفز ًة جنسياً‪ .‬الحلمة موصولة عصبياً مع الدماغ وتحفيزها يُس ّبب بافراز هرمون‬ ‫الحب )‬ ‫الحب‪ ( .‬سنتط ّرق لهرمون األوكسيتوسن يف محور ّ‬ ‫االوكسيتوسني املسؤول عن ّ‬ ‫القضيب الذكري‪:‬‬ ‫اإلنسان قاد ٌر عىل التحكّم وتحريك جميع أعضائه عن طريق العضالت إال يف حالة القضيب‪ .‬عملية انتصاب القضيب‬ ‫ناتج ٌة عن ض ّخ الدم داخل األوعية الدموية يف القضيب‪ ،‬التحفيز القضيبي يتمركز عند رأس القضيب‪ ،‬حيث تتموضع‬ ‫نهاياتٌ عصبي ٌة ( حوايل ‪ ) 4000‬لكن النهايات العصبية متواجد ٌة عىل بقية األقسام أيضاً‪ .‬يف حال التحفيز ينتصب القضيب‬ ‫ٌ‬ ‫موصول مع غدة الربوستاتا (حيث تتموضع الـ ‪ G spot‬عند الذكور)‪.‬‬ ‫ويصبح جاهزا ً لعملية الولوج املهبيل‪ .‬القضيب‬ ‫طول القضيب عاد ًة بني ‪ 4‬سم إىل ‪ 27‬سم (متوسط ‪14‬سم) وال عالقة بني حجم القدم أو األذن أو األنف مع حجم‬ ‫مهم يف تحفيز الرشيك طاملا أنه أطول من‪ 4‬سم أثناء االنتصاب‪.‬‬ ‫القضيب كام يعتقد البعض‪ .‬حجم القضيب غري ٍ‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪76‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬

‫مصطفى عابدين‬

‫الحالة النفسية لكال الجنسني مهمة جدا ً‪ ،‬وخصوصاً عند الذكور‪ .‬عدم توفر الحافز النفيس سيؤدي إىل فقدان القدرة عىل‬ ‫االنتصاب‪ ،‬وبالتايل عدم تحفيز الجسم للامرسة الجنسية‪.‬‬ ‫تنويه‪ :‬‬ ‫ذك ْرتُ يف هذا املحور أن الذروة الجنسية هي املحفّز للدوبامني‪ ،‬لكن أيضاً املامرسة الجنسية دون الوصول للذروة تنتج‬ ‫ٍ‬ ‫إفراز ٍ‬ ‫بكميات قليل ٍة ‪.‬‬ ‫ات من الدوبامني‪ ،‬لكن‬ ‫توجد إفرازاتٌ هرموني ٌة أخرى تحدث أثناء العملية الجنسية مل أذكرها ليك ال تتشتت الفكرة‪ .‬األهواء الجنسية ممك ٌن‬ ‫تتغي مع مرور الوقت من خالل مامرسة الجنس بطرقٍ مختلف ٍة‪ .‬أتعاطف مع كل من تع ّرض العتدا ٍء جنيس‪ ،‬وأمت ّنى‬ ‫أن ّ‬ ‫لكم حيا ًة جنسي ًة صحي ًة قمت باستفتاء عىل الفيس بوك ضمن مجموع ٍة مغلق ٍة أنا عض ٌو فيها‪ .‬كان السؤال " هل تذكر‬ ‫ٍ‬ ‫رشيك ) ؟"‬ ‫رسي ٌة أو مامرس ٌة مع‬ ‫(ين) أول مامرس ٍة جنسي ٍة أ ّدت للذروة الجنسية ( عاد ٌة ّ‬ ‫كان النتيجة (‪: )EST 10:30 2014\23\11‬‬ ‫‪ 91‬نعم أستطيع أن أتذكر أول تجربة أ ّدت إىل الذروة‬ ‫‪ 22‬ال أذكر أول تجرب ٍة جنسي ٍة أ ّدت إىل الذروة‬

‫الحب واألمومة‪:‬‬ ‫ّ‬

‫مزعج‪ .‬أغلب الركاب‬ ‫‪ ‬نحن يف رحل ٍة راكبني يف الحافلة ونسمع صوت بكاء طفلٍ ‪ ،‬نشعر أننا نريده أن يسكت ألن صوته‬ ‫ٌ‬ ‫يشعرون كذلك إال فئ ًة صغري ًة جدا ً جدا ً تشعر أنها تريد احتضان هذا الطفل وإعطاءه بعض الحنان‪...‬‬ ‫بنسب مرتفع ٍة جدا ً من هرمون االوكسيتوسن‪ ،‬هذا الهرمون اسمه هرمون الحب‬ ‫تتم ّيز األمهات الحديثات الوالدة‬ ‫ٍ‬ ‫رصفات اإلنسان ليصبح أكرث تعاطفاً وكرماً‪ ،‬ويحفّز جميع الخصائص اإليجابية املتعلّقة بالرتابط‬ ‫أو الثقة‪ ،‬ألنّه ّ‬ ‫يغي ت ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بكميات كبري ٍة أثناء‬ ‫العاطفي‪ .‬وهو ينتج من خالل األفعال االجتامعية اإليجابية كالعناق أو املصافحة أو التقبيل‪ ،‬وينتج‬ ‫املامرسة الجنسية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الحب بني األ ّم‬ ‫بكميات كبري ٍة جدا ً‪ ،‬ما يساهم يف بناء عالقة‬ ‫أيضاً ينتج هذا الهرمون أثناء مرحلة الحمل واإلرضاع‬ ‫ّ‬ ‫وأبنائها‪ .‬وجود األوكسيتوسن يف الجسم يحفّز جميع الوظائف اإليجابية االجتامعية مثل حفظ الوجوه‪ ،‬ويساهم‬ ‫ٍ‬ ‫كميات كبري ٍة من هذا الهرمون‪ .‬‬ ‫أيضاً يف متييز األصوات‪ .‬عاطفة األمومة من أقوى العواطف‪ ،‬وسببها إفراز‬ ‫كل عملية رضاع ٍة‪ ،‬هذا اإلفراز يساهم يف ترسيخ صورة وجه‬ ‫الحب مع ّ‬ ‫عندما ت ُرضع األ ّم مولدتها الجديدة يت ّم إفراز هرمون ّ‬ ‫الحب‪ ،‬تنظر األم يف عيون صغريتها‪ ،‬وتشعر بشعو ٍر غام ٍر من العواطف‪،‬‬ ‫الطفلة لدى والدتها‪ ،‬ويصبح وجه الطفلة مرتبطاً مع ّ‬ ‫هي أيضاً تشعر بالسعادة بسبب كميات الدوبامني التي تفرز يف الدماغ‪ .‬فتصبح عملية العناية باألطفال لها محفزاتٌ ايجابي ٌة‪ .‬‬ ‫‪77‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬

‫مصطفى عابدين‬

‫أنك تقبلينهم ِ‬ ‫تذكّري يف امل ّرة القادمة حني تق ّبيل أطفالك ِ‬ ‫ألنك مدمن ٌة عىل األوكسيتوسن والدوبامني‪ ،‬وهم الوحيدون‬ ‫الذين يستطيعون إعطاءك وصفة الهرمونات هذه بهذا الشكل‪.‬‬ ‫من املنطق التط ّوري وجود هذا الرابط الكيميايئ بني األم وأطفالها‪ .‬تخ ّييل لو أن عملية اإلرضاع كانت مؤمل ًة وال مشاعر‬ ‫أقص ِ‬ ‫عليك قص ًة عن أسلوب احتيال يعتمده بعض اللصوص‬ ‫حب فيها‪ .‬كان أغلب األطفال ماتوا من الجوع‪ .‬أو ّد أن ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫املحرتفني باالعتامد عىل التالعب بهرومون األوكسيتوسن‪.‬‬ ‫دقائق‪،‬‬ ‫مطعم‪ ،‬يدخل أحد الز ّوار ويستأذن يف استخدام الحامم‪ .‬يخرج من الحامم بعد عدة‬ ‫تخ ّييل نفسك تعملني يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وبيده علب ٌة يوجد فيها خاتم أملاس‪ .‬يقول ِ‬ ‫لك‪ :‬لقد وجدته يف الحامم‪ ،‬ال ب ّد أن أحد الز ّوار قد نسيه‪ .‬ماذا علينا‬ ‫ربا نرتكه هنا يف املطعم‪ ،‬وسيسأل صاحبه عنه‪ .‬يقول ِ‬ ‫لك الزائر‪ :‬لكني أشعر بالحزن من‬ ‫أن نفعل ؟ تقولني له‪ّ :‬‬ ‫أجل الشخص الذي أضاع هذا الخاتم ال ب ّد أن لديه مناسب ًة مه ّم ًة‪ ،‬يبدو الخاتم غالياً جدا ً‪ .‬ما رأيك أن ننظر عرب‬ ‫الكامريات لنح ّدد هوية هذا الشخص ؟ ير ّن هاتف املطعم‪ ،‬تقولني ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أنت‪ :‬مرحباً‪ ،‬فجأ ًة تسمعني صوت‬ ‫شخص حزينٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أرجوك قويل يل أنكم وجدمتوه"‪ ‬‬ ‫بشغف "أعتقد أنني نسيت خاتم زواجي يف املطعم‪،‬‬ ‫جدا ً عىل الهاتف‪ ،‬يسألك‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت متح ّم ٍس‪ :‬نعم يف الواقع خامتك أمامي‪ ،‬ويوجد هنا الشخص الذي وجده‪ " .‬يقاطعك املتح ّدث عىل‬ ‫تقولني له‬ ‫ِ‬ ‫أرجوك أن‬ ‫بكل يش ٍء‪ ،‬أنا يف طريقي لعندكم أحتاج ‪ 30‬دقيق ًة‪،‬‬ ‫الهاتف "شكرا ً شكرا ً‪ ،‬لقد أنقذتم حيايت‪ ،‬أنا مدي ٌن لكم ّ‬ ‫تشكري الشخص الذي وجد الخاتم‪ ،‬و تطلبي منه أن ينتظرين ألين أريد شكره بشكلٍ شخيص‪ ،‬وأريد أن أعطيه مبلغ‬ ‫‪ 200$‬كعربون مح ّب ٍة و وفا ٍء ألانته" تقولني ِ‬ ‫أنت‪ " :‬حسناً إذا ً‪ ،‬نحن بانتظارك"‪...‬‬ ‫تنقلني الخرب السعيد للشخص الذي وجد‬ ‫الخاتم و تخربينه أن صاحب الخاتم‬ ‫يف طريقه و يو ّد إعطاءه مبلغ ‪200$‬‬ ‫يقول ِ‬ ‫لك الشخص‪ :‬لألسف ال أستطيع‬ ‫لدي مقابلة عملٍ ‪ ،‬وال أستطيع‬ ‫االنتظار‪ّ ،‬‬ ‫أثق ِ‬ ‫بك‪ ،‬وسأعطيك‬ ‫التأ ّخر عنها‪ .‬أنا ُ‬ ‫الخاتم ليك تعطيه لصاحبه‪ ،‬ونقتسم‬ ‫املكافأة فيام بيننا‪ ،‬احتفظي ِ‬ ‫أنت بالخاتم‪،‬‬ ‫وقدميه لصاحبه‪ ،‬وخذي املكافأة ‪200‬‬ ‫‪ $‬ربا تعطيني حصتي الـ ‪ 100$‬اآلن ليك‬ ‫ّ‬ ‫شخص قاد ٌم‪ ،‬و الخاتم مزيّ ٌف‪ ،‬الفكرة تعتمد عىل إرغامك عىل إفراز‬ ‫أستطيع الذهاب ملقابلة العمل‪ ،‬طبعاً‪ ،‬ال يوجد‬ ‫ٌ‬ ‫األوكسيتوسن من خالل وضع ثقة الشخص بك‪ ،‬ثم استغالل تأثري األوكسيتوسن بالثقة باآلخرين‪ ،‬وأخذ مبلغ الـ ‪ 100$‬منك‪.‬‬ ‫‪78‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬

‫مصطفى عابدين‬

‫هذه الخدع تحدث لنا بأشكا ٍل مختلف ٍة طوال اليوم‪ ،‬وأغلب الرشكات تلعب عىل هذه األوتار‪ ،‬ومن ضمن األفعال التي‬ ‫تفرز األوكسيتوسن هي الصالة‪ ،‬وطبعاً دامئاً نجد من يجبي التربعات مبارش ًة بعد الصالة‪ ،‬مالحظ ٌة‪ % 5 :‬من البرش ال‬ ‫تفرز هرمون األوكسيتوسن بشكلٍ طبيعي‪ ،‬و هم مرشحون الرتكاب أعامل قد تبدو غري أخالقي ٍة ومج ّرد ٍة من العواطف‪.‬‬

‫والحب‪:‬‬ ‫اإلعجاب‬ ‫ّ‬

‫عام نحن نشعر بالراحة عندما ننظر إىل الطبيعة‪ ،‬ملاذا ؟ ألنها‬ ‫يف دماغنا يوجد لدينا جهاز تحديد جودة الجينات‪ .‬بشكلٍ ٍ‬ ‫وتحب الحياة‪ ،‬نحن نتح ّيز للحياة‪ ،‬برنامج تحديد‬ ‫متثّل تن ّوع الحياة‪ .‬الحياة تعني الجينات‪ ،‬ونحن كائناتٌ ح ّي ٌة تتمتع‬ ‫ّ‬ ‫يتجسد يف دماغنا عىل تجسيد الجينات الجيدة عىل أنها متثّل صورة الجامل‪.‬‬ ‫الجينات ّ‬ ‫الجينات الجيدة تعني الجامل‪:‬‬ ‫الزهرة الجميلة تعني أنها زهر ٌة جيد ٌة جينياً تحمل الثامر‬ ‫الشجرة الجميلة تعني أنها شجر ٌة جيد ٌة جينياً وأنها بص ّح ٌة جيدةٌ‪.‬‬ ‫صحي‪ .‬حني نقول شيئاً جميالً‬ ‫اإلنسان الجميل إنسا ٌن يحمل جيناتً جيدةً‪ ،‬له أسنا ٌن صحية‪ ،‬قام ٌة مستوي ٌة‪ ،‬جل ٌد و شع ٌر ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫جينات صحي ٍة‪ .‬طبعاً كام ذكرت يف أول هذا املقال أن نظرية االستثامر‬ ‫نحن نقول يف طريقة أخرى إن هذا اليشء يحمل‬ ‫الجيني تقول إن األنثى هي صاحبة االستثامر االكرب؛ لذلك هي من عليها انتقاء رشيكها بعناي ٍة‪ .‬لن أدخل يف تفاصيل‬ ‫االنتقاء‪ ،‬لكن أنثى اإلنسان تبحث عن ع ّدة عوامل يف الذكر‪ ،‬أهم هذه العوامل مدى قابليته يف العناية والرعاية عىل‬ ‫األطفال‪ ،‬وهل سيستطيع تقديم موارد كافي ٍة لضامن استمرار هذه الرعاية ومتاسك األرسة؟‬ ‫اإلناث يعملن عىل موازنة جميع العوامل واتخاذ القرار بنا ًء عىل هذه العوامل‬ ‫ٍ‬ ‫مبواصفات جيد ٍة‪ ،‬ما‬ ‫مثالً‪ :‬لو كان الذكر جميالً هذا يعني انه بصح ٍة جيد ٍة‪ ،‬ما يعني أن األطفال سيكونون‬ ‫يعني أن فرصة األطفال يف التكاثر أيضاً أكرب‪ .‬يف املقابل جامل الذكر قد يع ّرض زواجهام إىل منافس ٍة من‬ ‫ٍ‬ ‫قبل ٍ‬ ‫آخريات‪ ،‬ما يه ّدد عوامل الرعاية والرتابط األرسي‪ .‬هذا يعني أن األنثى تقوم يف موازنة جميع‬ ‫إناث‬ ‫هذه العنارص‪ ،‬ثم تأخذ قرارها‪ .‬طبعاً هذه األمور تحدث يف العقل الباطن‪ ،‬ث ّم تطفو عىل شكل اإلعجاب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫جينات جيد ٍة‪ ،‬لكن بحكم عدم قدرته من التأكّد ‪ % 100‬أن األطفال هم أطفاله عليه أال‬ ‫الرجل يف املقابل يبحث عن‬ ‫ٍ‬ ‫عالقات جنسي ًة بشكلٍ سهلٍ مع الذكور‪ ،‬يجدر القول‪ :‬إن‬ ‫يستثمر جيناته إال مع أنثى تبدي خصائل عىل أنها ال تقيم‬ ‫أي أنثى؛ ألن من مصلحته نرش أكرب عد ٍد ممكنٍ من األبناء‪ ،‬لكنه لن يستثمر‬ ‫الذكر لن يتواىن عن املامرسة الجنسية مع ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ضامنات بعدم الخيانة الزوجية‪.‬‬ ‫موارده ( الزواج ) إال يف حال رصد‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪79‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬

‫مصطفى عابدين‬

‫اإلعجاب‪ :‬‬

‫يتم تحديد اإلعجاب بني األشخاص يف أول ‪ 4‬دقائق‪ .‬نسب األسرتوجني والتستوستريون يف الجسم بني الذكر واألنثى تح ّدد‬ ‫نسب عالي ٌة ) فإن عملية اإلعجاب ستت ّم بشكلٍ‬ ‫مستوى الدافع الجنيس لديهام‪ ،‬فإذا كان كالهام لديه داف ٌع‬ ‫جنيس ( ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫أرسع وأسلس‪.‬‬ ‫‪ % 55 .1‬لغة الجسد والجامل العام ( الجينات الجيدة مثل صحة االسنان‪ ،‬لون الشعر‪ ،‬انتصاب القامة‪ ،‬بياض العيون‪،‬‬ ‫رائحة الجسد‪ ،‬لون األظفار‪ ،‬كثافة الشعر‪ ،‬صحة الجلد‪ِ ،‬عرق الشخص ألننا نتعاطف مع ِعرقنا )‪ .‬جميع هذه األمور يت ّم‬ ‫مسحها مبارشة لتحديد مدى اإلعجاب‪ .‬‬ ‫‪ .2‬إذا تحقق اإلعجاب يت ّم افراز هرمون األوكسيتوسن‪ .‬وقد ذك ْرتُ سابقاً أن األوكسيتوسن يع ّزز الشعور بالثقة ورصد‬ ‫ٍ‬ ‫بكميات قليل ٍة سيحفظ وجه الشخص ويربطه مع‬ ‫اإلشارات االجتامعية اإليجابية‪ .‬إفراز هرمون الحب‪ ،‬وحتى لو كان‬ ‫مح ّف ٍز إيجايب‪.‬‬ ‫دالئل نفسي ٍة إيجابي ٍة ( ثقة بالنفس‪ ،‬طريقة الكالم‪ ،‬املستوى الفكري )‬ ‫‪ .3‬يبدأ املسح عن َ‬ ‫والحب ‪.‬‬ ‫‪ .4‬يف حال ت ّم اإلعجاب بني الشخصني ننتقل للمرحلة التالية‪ ،‬مرحلة الثقة‬ ‫ّ‬

‫والحب‪:‬‬ ‫الثقة‬ ‫ّ‬

‫‪ ‬عندما تتطور العالقة إىل عالق ٍة جسدي ٍة تتضمن املالمسة الجسدية مثل مسك اليدين والعناق والتقبيل والجنس‪ ،‬تصبح العالقة‬ ‫حب‪ ،‬أصبح من املعلوم أن اللمس ينتج الـوكسيتوسن (هرمون الحب) ومن أحد آثار هذا الهرمون هو الثقة باآلخرين‪ .‬‬ ‫عالقة ٍّ‬ ‫كل ملس ٍة تثبت ترابطهم‪ ،‬لكن و األهم من ذلك هو أن‬ ‫إذا ً مع كل قبلة بني شخصني تزيد ثقتهام ببعضهام‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كميات كبري ًة من األوكسيتوسن‪ ،‬ما يؤ ّدي إىل شعو ٍر كبريٍ جدا ً بالثقة بني الطرفني‪ ،‬لكن‬ ‫املامرسة الجنسية تنتج‬ ‫هذه الثقة تأثريها قصري األمد‪ ،‬هذا يعني أن املامرسة الجنسية مل ّر ٍة واحد ٍة غري كافي ٍة عىل بناء ر ٍ‬ ‫ابط اجتامعي (‬ ‫ٍ‬ ‫بذروات جنسي ٍة هي ما تثبت العالقة العاطفية بني األفراد‪.‬‬ ‫الحب )‪ ،‬املامرسة الجنسية املستم ّرة واملثمرة‬ ‫بدرجة‬ ‫ّ‬ ‫‪80‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ‫ّ‬

‫مصطفى عابدين‬

‫النظر يف العيون‪:‬‬

‫الحب‪ .‬تستطيع تجربة هذه العملية‬ ‫يف عامل األحياء ممنوع النظر يف العيون إال يف حالتني‪ ،‬الحالة الهجومية أو يف حالة ّ‬ ‫بالنظر يف عيون أحد األشخاص‪ ،‬وراقب كيف أن هذا الشخص إما يعترب هذا الفعل فعالً عدائياً‪ ،‬ويتجاوب معه عىل‬ ‫إعجاب‪ ،‬األحباب ينظرون يف عيون بعضهم دون حر ٍج‪ ،‬وهذا له عالق ٌة بالثقة‬ ‫هذا األساس أو ينسحب أو يعتربها إشارة‬ ‫ٍ‬ ‫رئييس يف‬ ‫سبب‬ ‫الناتجة عن إفراز األوكسيتوسن‪ ،‬اإلنسان من الحيوانات الوحيدة التي متارس الجنس وجهاً لوج ٍه‪ ،‬هذا ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫تثبيت العالقات الزوجية‪.‬‬

‫الزواج‪ :‬‬

‫رش عىل العالقة الجسدية الستمرارها بشكلٍ ص ّح ٍّي‪ .‬الزوجان يعتمدان عىل ٍ‬ ‫بعض يف إفراز‬ ‫العالقات الزوجية تعتمد بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫الشق الجسدي هي عالقات مصريها الفشل مع الوقت‪.‬‬ ‫الدوبامني واألوكسيتوسن‪ ،‬لذلك نجد أن العالقات التي ال تعتمد عىل ّ‬ ‫يجدر القول إن العالقة الزوجية أيضاً محكوم ٌة باالستثامر الجيني ( األطفال ) ويف بعض األحيان يبقى الزوجان يف العالقة‬ ‫حتى وصول األطفال ملرحل ٍة يعتمدون فيها عىل أنفسهم‪ ،‬ثم يطلّقون بعضهم ‪.‬‬ ‫( هذا ال يعني أنهم لن يخونوا بعضاً‪ ،‬إذ إن نسبة ‪ % 50‬من العالقات الزوجية مع ّرض ٌة للخيانة من أحد الزوجني )‪ ،‬لنعود‬ ‫نحب ؟‬ ‫إىل الرومانسية قليالً ‪ ...‬ملاذا نشعر بدغدغ ٍة يف معدتنا حني نرى وجه من ّ‬ ‫‪ ‬‬ ‫ألن وجه هذا الشخص يسبّب افراز األوكسيتوسن؛ لذلك مهام بَ ُع َد األحباء عن بعضهم جغرافياً فبمج ّرد أن يلتقوا م ّر ًة‬ ‫أخرى تتج ّدد نفس املشاعر السابقة‪ ،‬وتتحفّز كل عمليات التغذية الراجعة اإليجابية املرتبطة بتلك العالقة‪.‬‬

‫الدوبامني‬

‫وكسيتوسن‬ ‫األ‬ ‫‪81‬‬


‫والحب‬ ‫الجنس‬ ّ

‫مصطفى عابدين‬

‫نحب ؟‬ ّ ‫ملاذا نعاين كثريا ً يف حال االنفصال عن من‬ ،‫أي مدمن مخدرات نحتاج لجرعات من األوكسيتوسن وال نستطيع الحصول عليها إال من خالل ذاك الشخص‬ ّ ‫ألننا مثل‬ ٍ ...‫جديد‬ ‫مع الوقت ندخل مبراحل التخلّص من اإلدمان ونبدأ يف بحثنا من‬ ٍ ‫هل تنجح عالقات الحب من‬ ..... ‫ال‬ ‫بعيد ؟‬ ٍ ‫بأشخاص معينني ال نستطيع الحصول عىل الجرعات الهرمونية إال من‬ ‫الحب إدما ٌن هرمو ٌّين يتعلّق‬ ّ ‫فام الحب إذا ً ؟‬ ٍ ‫كل‬ .‫الحب‬ ّ ‫ لذلك‬،‫خاللهم‬ ٌ ‫محب هو‬ ّ ‫شخص مدم ٌن عىل‬ ٍّ ‫شخص‬ ٍ ‫حب أكرث من‬ ‫ لكن يبقى هذا رأيي الشخيص الذي بنيتُ ُه عىل تحليل جميع‬،‫ال أعتقد ذلك‬ ‫شخص ؟‬ ّ ‫هل يستطيع اإلنسان‬ .‫الحب‬ ّ ‫الظواهر املتعلقة مبوضوع‬ :‫امللخص‬ ‫ يف النهاية يبقى شعور‬...‫ وأعرتف أين تركت الكثري من املعلومات ليك ال أطيل أكرث‬،‫أعتذر عىل اإلطالة يف هذا املقال‬ .‫تحليل وتفس ٌري ملسبباته‬ ٌ ‫ إمنا‬،‫ هديف من هذا املقال ليس االنتقاص من هذا الشعور‬،ً‫الحب شعورا ً حقيقياً رائعاً جميال‬ ّ ‫"الحب أعمى" أو "يرضب الحب شو بيذل" شكرا ً عىل القراءة‬ ‫رشحت معنى مقولة‬ ‫أمت ّنى أن أكون قد‬ ُ ّ Scientific Experiments references: Larry Young; Brian Alexander (2014). Love, Sex, and the science of attraction On Sex differences and Evolutionary Theories: Richard Dawkins. (1986). The blind watchmaker. New York, Norton. Richard Dawkins - New York - Oxford University Press – 1981 Richard Dawkins - London - Bantam - 2009 Oxytocin reactions: Gary Stix (Sep 8, 2014). Fact or Fiction?: Oxytocin Is the “Love Hormone”. Scientific American. Retrieved from: http://www.scientificamerican. com/article/fact-or-fiction-oxytocin-is-the-love-hormone/ Dopamine reactions: Lane Strathearn; Peter Fonagy; Janet Amico; P Read Montague (26 August 2009); “Adult Attachment Predicts Maternal Brain and Oxytocin Response to Infant Cues” Nature Magazine. Retrieved from: http://www.nature.com/npp/journal/v34/n13/abs/npp2009103a.html Love and Sex: Luciana Gravotta (Feb 12, 2013). “Be Mine Forever: Oxytocin May Help Build Long-Lasting Love” Scientific American. Retrieved from: http://www.scientificamerican.com/article/be-mine-forever-oxytocin/ Dopamine in females: Kuhn CM, Koob GF, editors 2010.. Advances in the Neuroscience of Addiction. 2nd edition. Boca Raton (FL): CRC Press;

82


‫يف نقد ال ّتوليف‬ ‫الدقيق‪ :‬الجزء الثّاين‬ ‫ّ‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫بدأنا‬ ‫هذا املقال‬ ‫بجز ٍء أول‪ ،‬كانت‬ ‫مفصالً بعض‬ ‫مقدمته ً‬ ‫عرضا ّ‬ ‫اليشء حول تاريخ وتقديم ح ّجة‬ ‫التوليف الدقيق‪ ،‬واستخرجنا عد ًدا ال بأس به من‬ ‫األخطاء العلمية والرياضية واملنطقية من هذه الح ّجة‪،‬‬ ‫وتوصلنا إىل استنتا ٍج مفاده أن االدعاء القائل‪ :‬إن الكون ت ّم توليفه‬ ‫بشكلٍ‬ ‫دقيق لسكنى البرش‪ ،‬هو أسخف ادعا ٍء أطلقه املؤمنون وميكن‬ ‫ٍ‬ ‫إثبات بطالنه تجريب ًيا ومنطق ًيا‪.‬‬ ‫وعىل رغم ّأن أعتقد أن الجزء األول كان أكرث من ٍ‬ ‫كل محاول ٍة لوضع هذه الحجة يف‬ ‫كاف ليق ّوض ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بعضا من األمور العلمية التي مل‬ ‫نقاش الهويت‪ ،‬إال ّأن‬ ‫سأخصص جزءا ً آخر ( يقع بني يديك حال ًيا ) ألناقش ً‬ ‫ّ‬ ‫أتط ّرق إليها يف الجزء األول‪ ،‬التي ميكن أن تجعل من نفسها تفسريات كافية لهذا التوليف الدقيق امل ُ ّدعى‪.‬‬

‫العقالنية يف تبيان الكيفية‪:‬‬

‫منذ مطلع الثامنينات‪ ،‬وحتى بداية األلفية الحالية‪ُ ،‬د ِف َن ْت يف أرض العراق مجموع ٌة كبري ٌة من الجثث بشكلٍ جامعي‪.‬‬ ‫أعوام‪ ،‬لتبدأ اإلعدامات‬ ‫إذ كان صدام حسني وأعوانه يقومون بجمع املعارضني لحربه عىل جاره الفاريس‪ ،‬طيلة مثانية ٍ‬ ‫الجامعية‪ ،‬فيصل عدد ضحاياها – يف الحدث الواحد – إىل العرشات‪ ،‬أغلبهم من الشيعة املنارصين للثورة اإليرانية‪ .‬لقد‬ ‫كانت هذه الفرتة فرت ًة عصيب ًة ج ًدا – كام هي الفرتة الحالية – عىل العراق‪ ،‬ووصل عدد ضحايا اإلعدامات الجامعية إىل‬ ‫مئات اآلالف‪.‬‬ ‫‪83‬‬


‫الدقيق‪:‬‬ ‫يف نقد ال ّتوليف ّ‬ ‫الجزء الثّاين‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫ٍ‬ ‫أشخاص شيع ٍة وت ّم نقلهم‬ ‫دعنا نطرح ( سيناريو ) افرتاضياً عىل واحد ٍة من هذه األحداث‪ .‬فلنفرض أنه ت ّم جمع عرشة‬ ‫رصهم واح ًدا جنب اآلخر‪ ،‬و ُر ِ‬ ‫فعت األسلحة يف وجههم‪،‬‬ ‫– بعد التحقيق – إىل منطق ٍة نائي ٍة ليت ّم إعدامهم‪ .‬وبالفعل‪ ،‬ت ّم ّ‬ ‫األعي‬ ‫األعي‪ ،‬وبعد انتظارهم لعرشة ثوانٍ ‪ ،‬صاح املسؤول‪ :‬أطلق النار‪ .‬وبالفعل سمعوا – وهم معصوبو ّ‬ ‫وكانوا معصويب ّ‬ ‫– إطالق عيار ٍ‬ ‫بأي يشء! كيف ميكن أن يحدث ذلك يا ترى؟‬ ‫ات ناري ٍة‪ ،‬إال أنهم كانوا ال يزالون يف كامل وعيهم‪ ،‬ومل يشعروا ِّ‬ ‫لإلجابة عىل هذا السؤال‪ ،‬دع ّنا ندخل يف تفكري أحد هؤالء الضحايا‪ .‬لقد سمع هذا الضحية املسؤول‪ ،‬وهو يصيح بصوته‬ ‫إطالقات ناري ٍة‪ ،‬مل ي َر الكيفية‪ ،‬إال أنّه ال يزال عىل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫قيد الحياة‪.‬‬ ‫"أطلق النار" وسمع بالفعل بعد ذلك ع ّدة‬ ‫املشؤوم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫احتامالت‪ ،‬فقد تكون هذه الطلقات النارية فارغ ًة (مغشوشة) أو قد يكون‬ ‫فام الذي حصل يا ترى؟ بالطبع‪ ،‬هنالك ع ّدة‬ ‫مطلقو النار مجموع ًة من الجنود غري املد ّربني بشكلٍ ٍ‬ ‫ربا كانت‬ ‫جيد‪ ،‬رمبا كانوا يسمعون أوامر تنادى لوحد ٍة مجاور ٍة‪ّ ،‬‬ ‫هنالك ظاهر ٌة يف الطقس (كالرياح أو غريها) جعلت الطلقات النارية متيل عنهم‪ ،‬رمبا كانت هنالك ظاهر ٌة فيزيائي ٌة مل‬ ‫ربا ت ّم إطالق‬ ‫تكتشف يف ذلك الوقت بعد‪ ،‬جعلت الطلقات النارية تفقد وقودها يف منتصف الطريق وتسقط ً‬ ‫أرضا‪ّ ،‬‬ ‫محسوسا‪.‬‬ ‫النار عليهم بالفعل‪ ،‬ومتّت إصابتهم إال أنهم مل يشعروا بيش ٍء ملوت األعصاب وتجاوز األمل مقدا ًرا يكون فيه‬ ‫ً‬ ‫هائل من االحتامالت التي قد تجعل ذلك أم ًرا ممك ًنا‪ .‬إال أن هذا الضحية كان مؤم ًنا بالله‪ ،‬وعىل مذهب‬ ‫هنالك ك ٌّم ٌ‬ ‫شيعة أهل البيت‪ ،‬وتذكّر أنه كان ينادي "يا حسني" و "يا زهراء" قبل إطالق النار‪ ،‬فجميع االحتامالت السابقة ستعترب‬ ‫عوامل طبيعي ٍة‬ ‫َ‬ ‫أي‬ ‫باطل ًة وال يجوز – بل يحرم يف بعض األحيان – التفكري بها‪ .‬ال بد أنه "الحسني" بإرادته املج ّردة‪ ،‬دون ِّ‬ ‫أو فيزيائي ٍة‪ ،‬هو من أنقذ هذا املسكني من اإلعدام‪.‬‬

‫‪84‬‬


‫الدقيق‪:‬‬ ‫يف نقد ال ّتوليف ّ‬ ‫الجزء الثّاين‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫هكذا بالضبط تسري سلسلة أفكار املؤمن يف جميع املواقف التي يصعب عليه تفسريها‪ ،‬أو يُوجد أكرث من احتام ٍل‬ ‫لتفسريِها‪ ،‬تراه يقول "قدرة القادر" أو غريها من املصطلحات الدينية التي تجعل من إلهه غري املحسوس سب ًبا ألمو ٍر‬ ‫مادي ٍة محسوس ٍة‪ .‬وبالفعل ميكن تعميم هذا املنطق ليشمل ح ّجة التوليف الدقيق‪ .‬فعىل الرغم من وجود تفسري ٍ‬ ‫ات‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بحوث متت ّد من اليابان رشقًا إىل‬ ‫واكتشافات علمي ٍة وعلامء يبحثون يف مختلف أنحاء العامل ويف مراكز‬ ‫كثري ٍة كبري ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ومناذج علمي ٍة ناجح ٍة ج ًدا وفق‬ ‫نظريات ضخم ٍة‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية غربًا‪ ،‬ويكتشفون بشكلٍ متواصلٍ ‪ ،‬واضعني‬ ‫َ‬ ‫تجريبي ٍ‬ ‫مفيد ج ًدا‪ ،‬إال أننا نرى صديقنا املؤمن العزيز يرمي جميع ما سبق ذكره جانبًا‪ ،‬وبشكلٍ مثريٍ للسخرية؛‬ ‫منه ٍج‬ ‫ٍ‬ ‫كل من يفكّر به بالضاللة‪.‬‬ ‫ويتّهم ّ‬ ‫سنكمل ما بدأناه يف نقد ح ّجة التوليف الدقيق‪ ،‬واضعني أيدينا عىل هذه "الضاللة"‪ ،‬فعىل الرغم من أننا خرجنا باستنتاج‬ ‫دقيق ألجل سكنى البرش‪ ،‬لكن دعنا نتساءل األسئلة التالية‪ :‬ما التفسريات الطبيعية لهذه‬ ‫أن الكون مل يت ّم توليفه بشكلٍ ٍ‬ ‫أساسا؟‬ ‫تغيت؟ وهل هي ثابت ٌة ً‬ ‫الثوابت الفيزيائية؟ ملاذا بهذه األرقام وليست غريها؟ هل ميكن أن يوجد الكون إن ّ‬

‫احتامالت ويليام الين كرايغ الثّالث‪:‬‬

‫كام أرشتُ يف الجزء األول من هذه املقال‪ ،‬فإن أفضل من يقوم‬ ‫بعرض هذه الحجة وأكرث من يق ّدمها هو الدفاعي الالهويت‬ ‫‪ Christian Apologetic‬ويليام الين كرايغ ‪William‬‬ ‫ٍ‬ ‫احتامالت ميكن لها‬ ‫‪ .Lane Craig‬وعاد ًة ما يشري إىل ثالثة‬ ‫مصمم خارقٍ‬ ‫تفس هذه األرقام‪ ،‬ويكون احتامل وجود‬ ‫ٍ‬ ‫أن ّ‬ ‫للطبيعة (الله) ثالث هذه االحتامالت وأكرثها نجا ًحا حسب‬ ‫ما ي ّدعي‪ .‬االحتامالت الثالثة لويليام الين كرايغ هي التالية‪:‬‬ ‫‪ .1‬أن تكون رضور ًة فيزيائي ًة ‪.Physical Necessity‬‬ ‫‪ .2‬أن تكون مصادف ًة ‪.Chance‬‬ ‫‪ .3‬أن تكون بسبب وجود مص ّم ٍم خارقٍ للطبيعة ‪.God‬‬ ‫سنناقش اآلن هذه االحتامالت‪ ،‬وسرنى ما إن كان من حقنا‬ ‫فعالً إهاملها وامليل إىل وجود مص ّم ٍم خارقٍ للطبيعة‪.‬‬

‫‪85‬‬


‫الدقيق‪:‬‬ ‫يف نقد ال ّتوليف ّ‬ ‫الجزء الثّاين‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫الضورة الفيزيائية ‪:Physical Necessity‬‬ ‫ّ‬

‫يُقصد بالرضورة الفيزيائية للثابت الفيزيايئ‪ ،‬هو أن هذا الثابت الفيزيايئ ال يحتمل قيم ًة أخرى نتيج ًة ملعادل ٍة رياضي ٍة‪.‬‬ ‫أي عد ٍد بدءا ً من الواحد إىل املليار)‬ ‫وأبسط مثا ٍل عىل ذلك هو النسبة الثابتة( ‪ ،)Pi - π‬فمهام كان قطر الدائرة (اخ ْرت ّ‬ ‫فحني تقوم بتقسيم محيط الدائرة عىل هذا العدد ستجد النتيجة نفسها‪ ،‬وهي‪ ،)3.14159265359( :‬وذلك بسبب‬ ‫الشكل الهنديس للدائرة الذي يح ّدد العالقة بني قطرها ومحيطها‪ .‬هذا ما نقصد به الرضورة الفيزيائية‪.‬‬ ‫يخص التوليف الدقيق‪ .‬لنأخذ قانون كولوم الذي يصف تجاذب وتنافر الشحنات‬ ‫وبالعودة إىل الكون‪ ،‬دعنا نطرح مثاالً ّ‬ ‫املختلفة واملتشابهة‪:‬‬

‫حس ًنا‪ ،‬الح ْظ هذا املعامل الذي أىت يف القانون أعاله ٍ‬ ‫وافرتض أننا قمنا بتغيريه إىل‬ ‫كأس قيمته (‪ )2‬يعتيل األساس (‪.)r‬‬ ‫ْ‬ ‫فبكل بساط ٍة‪ ،‬مل تكن للكون فرص ٌة أن يوجد إن فعلنا ذلك‪ ،‬سوا ٌء كان يحمل حياة يف داخله أم ال‪.‬‬ ‫(‪ )1.5‬أو إىل (‪)3‬؛ ّ‬ ‫وكام اعتدنا من أحبائنا املؤمنني‪ ،‬اآلخذين باألدلة الفيزيائية عىل وجود الله‪ ،‬أنهم عاد ًة ما يعتمدون عىل نقص معلومات‬ ‫املتلقّي العلمية‪ .‬فهذا األس (‪ )2‬الذي نراه أعىل األساس (‪ )r‬مل ِ‬ ‫يأت إال بسبب رضور ٍة فيزيائي ٍة وضعتها أساسيات الهندسة‬ ‫املجردة‪ .‬فهو تعب ٌري عن عالقة سطح الجسيم الكروي إىل مربع نصف قطره‪.‬‬

‫ألي معاملٍ آخر‪.‬‬ ‫فأي ادعا ٍء للتوليف الدقيق هنا يسقط تلقائ ًيا‪ ،‬ألن الهندسة والرياضيات االبتدائية ال تسمح ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪86‬‬


‫الدقيق‪:‬‬ ‫يف نقد ال ّتوليف ّ‬ ‫الجزء الثّاين‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫املصادفة‬

‫وبكل ٍ‬ ‫تأكيد –‬ ‫االحتامل الثاين‪ ،‬يف سلسلة احتامالت ويليام الين كرايغ املمكنة هو أن تكون هذه القيم مج ّرد مصادف ٍة‪ّ .‬‬ ‫كل من يضع هذا االحتامل سخري ًة ال يستطيع التوقّف عنها‪.‬‬ ‫وكام اعتدنا من املؤمنني جمي ًعا – يسخر كرايغ من ّ‬ ‫ليك نفهم املصادفة‪ ،‬وتطبيقها عىل التوليف الدقيق‪ ،‬دعنا نطرح املثال التايل‪ :‬لو كانت لدينا مجموع ٌة من ورق اللعب‪،‬‬ ‫ولو قلت لك إنني سأقوم بسحب ورق ٍة‪ ،‬وهذه الورقة‪" :‬أص كبة ♥ ‪ ،"AAce of hearts‬فاحتاملية أن يحدث ما أقول‬ ‫بالفعل هو ‪ ،52\1‬الحظ أن هذه االحتاملية استنتجناها عىل فرض أن لدينا ‪ 52‬ورق ًة (أوراق اللعب القياسية) وأن‬ ‫أي معلوم ٍة عن القيم املمكنة‪ ،‬وأحيانًا‬ ‫جميعها مختلف ٌة‪ .‬ولكن هذا األمر ال ينطبق بتات ًا عىل القيم الكونية‪ ،‬فنحن ال منلك ّ‬ ‫لعب خاص ٍة يبتاعها‬ ‫ال نعلم ما إن كانت مرتبط ًة فيام بينها وفق نظري ٍة أو منوذ ٍج معنيٍ‪ .‬والجدير بالذكر أن هنالك أوراق ٍ‬ ‫بعضا من ألعاب‬ ‫فلربا يلعب الله معنا ً‬ ‫مؤ ّدو ألعاب الخفّة "السحرة" تتألف من ‪ 52‬ورق ًة‪ ،‬جميعها تحمل نفس القيمة‪ّ ،‬‬ ‫الخفّة خاصته‪.‬‬ ‫أيضا أن حدوث مصادف ٍة ذات نسب ٍة‬ ‫عاد ًة ما ي ّدعي املؤمنون ً‬ ‫احتاملي ٍة قليل ٍة ج ًدا ال ب ّد أن يتطلّب معجز ًة ما‪ .‬دعنا نعود إىل‬ ‫أوراق اللعب يف فحص هذا اال ّدعاء‪ ،‬فلو كانت لدينا ‪ 52‬ورقة‬ ‫قيم مختلف ًة‪ ،‬فإن احتاملية سحب ورق ٍة مع ّين ٍة‬ ‫قياسية تحمل ً‬ ‫منها تكافئ (‪ ،)0.01923 = 52\1‬ولو قمنا بإعادة خلطها وسحب‬ ‫ورق ٍة مجد ًدا‪ ،‬فاحتاملية ظهور نفس الورقة تكافئ (‪2047\1‬‬ ‫= ‪ ،)0.00048‬ولو ك ّررنا هذه العملية لثالث م ّر ٍ‬ ‫ات سنحصل‬ ‫تقل‬ ‫عىل احتاملية تكافئ (‪ ،)0.000007 = 140608\1‬وهكذا ّ‬ ‫االحتاملية بصور ٍة لوغاريتمية حتى تصل إىل أعدا ٍد قليل ٍة ج ًدا‬ ‫تقرتب إىل الصفر‪ ،‬أو تساوي الصفر بدقّة ‪ 5‬منازل عرشي ٍة‪ .‬ال‬ ‫يبدو ذلك أمرا ً ممكن الحصول‪ ،‬وقد ي ّدعي البعض أنه يتطلب‬ ‫معجز ًة لحصوله‪ ،‬إال أن الحقيقة تفيد بحصوله طوال الوقت‪،‬‬ ‫فبزيار ٍة واحد ٍة لكازينوهات الس فيغاس سرنى خروج عرشات‬ ‫الرابحني يف ليل ٍة واحد ٍة‪ .‬فال ب ّد أن يكون مقامرو الس فيغاس‬ ‫أكرث عبيد الله قربًا إىل قلبه‪ .‬ومن يدري‪ ،‬لعلهم أنبيا ٌء مرسلون‬ ‫جمي ًعا‪ ،‬حتى أصبح الله يوفّر لهم هذه املعجزات طوال الوقت‪.‬‬ ‫‪87‬‬


‫الدقيق‪:‬‬ ‫يف نقد ال ّتوليف ّ‬ ‫الجزء الثّاين‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫هل هذه الثّوابت ثابت ٌة فعالً ؟‬ ‫أعتقد أن هذا السؤال ٌ‬ ‫سؤال يجرح ح ّجة التوليف الدقيق يف صميمها‪ .‬فمن الجدير بالذكر أننا نحتاج الثوابت الفيزيائية‬ ‫الكونية لوضع صيغٍ عامل ٍة من النامذج الرياضية لوصف مشاهداتنا‪ .‬لكن قيم الثوابت الفيزيائية مستم ّد ٌة بشكلٍ كاملٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أي نظري ٍة تتوقّع قيمة ٍ‬ ‫ثابت كو ٍّين كرسعة الضوء أو كثافة طاقة الفراغ (أوميغا) أو‬ ‫من‬ ‫قياسات تجريبي ٍة‪ ،‬فال يوجد لدينا ّ‬ ‫ثوابت بالفعل‪.‬‬ ‫ثابت البناء الدقيق (آلفا)‪ .‬يف الحقيقة‪ ،‬نحن ال نعلم ما إن كانت هذه الثوابت األساسية يف الفيزياء هي‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ثوابت يف‬ ‫لبيانات فلكي ٍة تشري إىل أن الثوابت الكونية هي ليست‬ ‫بحوث علمي ٍة مراجع ٍة تديل بتحليل‬ ‫مؤخ ًرا‪ ،‬ت ّم تقديم‬ ‫َ‬ ‫الحقيقة‪.‬‬ ‫وصف لرسعة انتقال الضوء ع َرب الفراغ‪ .‬لكن هذه‬ ‫كيف حصل ذلك؟ حس ًنا‪ ،‬فلنأخذ رسعة الضوء عىل سبيل املثال‪ ،‬فهو ٌ‬ ‫الرسعة– بحسب معادالت ماكسويل – تبني أنها يتم تحديدها من خالل الخواص الكهربائية واملغناطيسية للفراغ يف‬ ‫األساس‪.‬‬

‫فستتغي رسعة الضوء تب ًعا لذلك‪ .‬النموذج الحايل للفراغ ال يستبعد‬ ‫تغيت خصائص الفراغ الكهربائية واملغناطيسية‬ ‫ّ‬ ‫فإن ّ‬ ‫توس ًعا كب ًريا للغاية للفراغ‪ ،‬وميكن بحسب ذلك أن‬ ‫ذلك‪ .‬وبالعودة إىل منوذج االنفجار التض ّخمي الكبري نجد أنه يقرتح ّ‬ ‫نعتقد أن رسعة الضوء مل تكن ثابت ًة يف جميع األوقات‪ .‬ق ْم ُت برضب مثا ٍل الضوء؛ ألنه أبسط مثا ٍل‪ ،‬ويع ّد ثابتًا كون ًيا ال‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أي حا ٍل‪ ،‬فإن‬ ‫لقيم‬ ‫مجال للتالعب فيه‪ .‬لكن ميكنك عزيزي القارئ أن تقيم‬ ‫استنتاجات مشابه ًة ٍ‬ ‫وثوابت كوني ٍة أخرى‪ .‬عىل ّ‬ ‫املعلومات املتوفرة يف هذا الخصوص قليل ٌة ج ًدا‪ ،‬فيمكن أن ينطبق هذا عىل جميع الثوابت الفيزيائية أو قد ال ينطبق‬ ‫أي منها‪ ،‬وال يسعني إال أن أشري إىل أن هذا موضوع ٍ‬ ‫بحث قد نَ ِش َط يف السنوات العرش األخرية وحتى اآلن‪ .‬هذا‬ ‫عىل ٍ‬ ‫ليس كال ًما ألنقشه عىل أسط ٍر نتيج ًة لحرية التعبري عن الرأي التي ُم ِنحت يل هنا‪ ،‬هذا كالم عد ٍد من البحوث العلمية‬ ‫املرموقة وعد ٍد من النامذج الكونية املقرتحة(‪.)4()3()2()1‬‬ ‫‪1. Berman, Marcelo Samuel. "Cosmological models with variable gravitational and cosmological “constants”." General Relativity and Gravitation‬‬ ‫‪23.4 (1991): 465-469.‬‬ ‫‪2. Teller, Edward. "On the change of physical constants." Physical Review 73.7 (1948): 801.‬‬ ‫‪3. Xu, Lixin, Jianbo Lu, and Wenbo Li. "Time variable cosmological constants from the age of universe." Physics Letters B 690.4 (2010): 333-336.‬‬ ‫‪4. Webb, J. K., et al. "Indications of a spatial variation of the fine structure constant." Physical Review Letters 107.19 (2011): 191101.‬‬

‫‪88‬‬


‫الدقيق‪:‬‬ ‫يف نقد ال ّتوليف ّ‬ ‫الجزء الثّاين‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫لقد ركّز عىل هذا املوضوع عد ٌد من الباحثني يف مختلف أنحاء العامل‪ ،‬وبالتحديد كانت مح ّط اهتاممهم هو ثابت البناء‬ ‫الدقيق ‪( Fine Structure Constant‬آلفا‪ )α‬الذي يحمل يف ط ّياته رسعة الضوء وشحنة االلكرتون وخواص الفراغ‪.‬‬ ‫ويا للمصادفة أن يكون هذا الثابت الكوين الدقيق مح ّط اهتامم مجموع ٍة أخرى من الناس‪ ،‬لكنهم ليسوا علام ًء‪ ،‬إنهم‬ ‫فالسفة الالهوت الدفاعي – أمثال كرايغ وشلّته – حني يقدمون ح ّجة التوليف الدقيق‪ .‬ولسوء ح ّظ املجموعة األخرية–‬ ‫متغي يف أماك َن مختلف ٍة من‬ ‫أي مجموعة الالهوتيني – ُو ِج َد أن الثابت الكوين الدقيق هذا‪ ،‬ليس ثابتًا عىل ّ‬ ‫أي حا ٍل‪ ،‬فهو ّ ٌ‬ ‫الكون(‪.)5‬‬ ‫ربا غريه من الثوابت األخرى‪ ،‬تختلف تب ًعا للمكان؟ أال يعطي هذا ملكان املشاهد‬ ‫لكن ماذا يعني أن ثابت البناء ٌ‬ ‫دقيق‪ّ ،‬‬ ‫أقل تقديرٍ؟ أال ميكن أن نع ّده مؤلفًا بشكلٍ‬ ‫أقل تقديرٍ؟ الجواب‬ ‫دقيق يف هذه املكان عىل ّ‬ ‫(‪ )observer‬خصوصي ًة عىل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أي عقلٍ‬ ‫برشي استيعاب حجمه‪ ،‬فيكون يف هذا‬ ‫ٍّ‬ ‫املخترص هو‪ :‬كال‪ .‬فالكون واس ٌع إىل درج ٍة كبري ٍة ج ًدا‪ ،‬حتى يصعب عىل ّ‬ ‫مدى واس ٌع كب ٌري من االحتامالت‪ ،‬فال معجز ٌة وال كيا ٌن ٌ‬ ‫مطلوب إن حدث أي يشء قليل‬ ‫خارق‬ ‫الكون (املنظور فقط) ً‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫لشخص أعمى وطلبت منه أن يصيب بقع ًة‬ ‫أعطيت بندقي ًة ‪ minigun‬أوتوماتيكي ًة‬ ‫االحتاملية أو غري متوقعٍ‪ .‬متا ًما كام لو‬ ‫َ‬ ‫حمرا َء عىل جدا ٍر ما‪ ،‬فسيطلق من سالحه آالف الطلقات بجميع االتجاهات وعاجالً أم أجالً ستصيب أحدها البقعة‬ ‫الحمراء املرادة‪.‬‬

‫متغي أم‬ ‫حتى ّ‬ ‫متغيا أم ال‪ ،‬وهل هذا اآلخر ّ ٌ‬ ‫بغض النظر عن الجدال العلمي الحاصل حول ما إن كان هذا الثابت الكوين ّ ً‬ ‫ال‪ ،‬نجد أن بعض هذه الثوابت مل تكن بقيمها الحالية يف الكون املبكّر وفقًا لنامذج نظرية االنفجار الكبري التي تتضمن‬ ‫تفكك التناظر التلقايئ ‪.Spontaneous Symmetry Breaking‬‬ ‫بل حتى ثابت البناء الدقيق – الذي تكلّمنا عنه قبل قليلٍ – مبا أنه يصف نسبة القوة الكهرومغناطيسية إىل قوة‬ ‫تغي برسع ٍة شديد ٍة‬ ‫الجاذبية‪ ،‬فمن النموذج القيايس للجسيامت والقوى نعلم أن(‪ )α‬هذا يتفاوت مع الطاقة فال ب ّد أنه ّ‬ ‫ٍ‬ ‫رس ضئيلٍ من الثانية‪ .‬ووفقاً لفهمنا‬ ‫تغيت الحرارة بع ّدة‬ ‫درجات خالل ك ٍ‬ ‫خالل اللحظات األوىل لالنفجار الكبري حني ّ‬ ‫الحايل ففي البيئة شديدة الحرارة يف بداية االنفجار الكبري‪ ،‬كانت القوى األربعة املعروفة مو ّحد ًة كق ّو ٍة واحد ٍة‪.‬‬ ‫‪5. Ibid.‬‬

‫‪89‬‬


‫الدقيق‪:‬‬ ‫يف نقد ال ّتوليف ّ‬ ‫الجزء الثّاين‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫وكان الكون بدأ يف حالة من التناظر التام‪ ،‬أي تناظر الاليشء الذي بدأ منه وهكذا بدأ (‪ )α‬مع قيمته الطبيعية؛ وخصوصاً‬ ‫أن الجاذبية والكهرومغناطيسية كانتا متساويتني يف الش ّدة‪ .‬لكن هذا التناظر مل يكن مستقرا ً ومع برودة الكون‪ ،‬أ ّدت‬ ‫عملية تدعى تفكك التناظر التلقايئ ‪ spontaneous symmetry breaking‬إىل فصل القوة الواحدة إىل األنواع األربعة‬ ‫األساسية التي نتعامل معها‪ ،‬وتط ّورت ش ّداتها إىل قيمها الحالية؛ ومل متر بالتوليف الدقيق‪ ،‬لكن كان عىل النجوم يك تتك ّون‬ ‫– وبالتايل الحياة يك تنشأ – أن تنتظر حتى تنفصل هذه القوى مبا يكفي وتصل إىل ش ّد ٍ‬ ‫ات مناسب ٍة‪ .‬كان هذا االنتظار‬ ‫كرسا ً صغريا ً من الثانية‪ .‬وحتى بعد ذلك استمرت القوى باالنفصال مع استمرار الكون يف الربودة‪ ،‬لكن هذا كان بطيئاً‬ ‫لكل األغراض العلمية عىل مقياس الزمن البرشي البسيط اعتبارها ثابت ًة (‪.)6‬‬ ‫بحيث ميكن ّ‬ ‫دعنا نتحدث عن ٍ‬ ‫ثابت كو ٍّين أخ َر‪ ،‬وهو معامل الكثافة ‪ Density Parameter‬أو كام يدعى بأوميجا (‪ )Ω‬يف بعض‬ ‫األحيان‪ .‬هنا نجد املؤمنني يقتبسون من كتاب الكون التضخمي (‪ )The Inflationary Universe‬للعامل آالن جوث‬ ‫تغيا ً ضئيالً ج ًدا يف ثابت معامل الكثافة سيؤدي ذلك إىل انهيا ٍر مب ّك ٍر للكون قبل أن تكون‬ ‫(‪ )Alan Guth‬قوله‪" :‬إن ّ‬ ‫هنالك فرص ٌة للحياة يك تتط ّور"(‪ .)7‬يف إحدى مناظراته قام املد ّون اإلسالمي آدم دين ‪ ( Adam Deen‬أحد مقلّدي‬ ‫نيس‬ ‫ليبي أن كوننا ٌ‬ ‫مؤلف بشكلٍ ٍ‬ ‫املرجعية العظمى ويليام الين كرايغ ق ّدس الله رسه) باقتباس هذا النص ّ‬ ‫دقيق(‪ ،)8‬لكنه َّ‬ ‫أن يكمل لنا ما قاله آالن جوث‪ ،‬إذ يستأنف حديثه يف نفس الكتاب ويف نفس الصفحة قائالً‪" :‬هذا النوع من التربيد‬ ‫حل معضلة التوليف الدقيق التي أشار إليها بوب‬ ‫يفس لنا سبب أن الكون مسط ٌّح للغاية – هنا يكمن ّ‬ ‫الخارق ميكن أن ّ‬ ‫دايك"‪.‬‬ ‫ح ّجتهم تكون صالح ًة إن ك ّنا سنستخدم الكونيات الكالسيكية‪ ،‬لكن مع نظرية االنفجار التضخمي (‪The Inflationary‬‬ ‫رقم كان وسيقوده عملياتٌ طبيعي ٌة تؤدي به إىل‬ ‫بأي ٍ‬ ‫‪)Big Bang‬آلن جوث وزمالئه‪ ،‬ميكن لهذا الثابت الفيزيايئ أن يبدأ ّ‬ ‫قيمته املطلوبة (‪.)9‬‬ ‫لقد الحظ هذه النقطة كبري القوم ويليام الين كرايغ‪ ،‬لكنه حاول أن يقنعنا أنه ال توجد بياناتٌ حالي ٌة تدعم نظرية‬ ‫وخصوصا بيانات ‪ WMAP‬يف تقرير السبع‬ ‫االنفجار التضخمي‪ .‬ولسوء حظّه – م ّر ًة أخرى – مل تكن البيانات لطيف ًة معه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا(‪ ،)11‬إذ كانا كالهام أدل ًة كافي ًة تشري بشكلٍ ٍ‬ ‫جيد ج ًدا إىل منوذج االنفجار التض ّخمي‪.‬‬ ‫سنني(‪ )10‬ويف تقرير التسع سنني ً‬ ‫ثم أتت مؤ ّخ ًرا بيانات ‪ BICEP2‬يف مايو ‪ 2014‬يف القطب الجنويب التي كانت إحدى أهم وأكرث األدلّة وضو ًحا ودعامً‬ ‫لنظرية االنفجار التض ّخمي(‪.)12‬‬ ‫‪6. Stenger, Victor J. The comprehensible cosmos: where do the laws of physics come from?. Prometheus Books, 2006.‬‬ ‫‪7. Guth, Alan H. The inflationary universe: The quest for a new theory of cosmic origins. Random House, 1998.‬‬ ‫‪8. Adam Deen, Brendan Larvor, “Does Allah (God) exist?”. Muslim Debate Initiative. Retrieved: December5, 2014.‬‬ ‫‪9. Guth, Alan H. "Eternal inflation and its implications." Journal of Physics A: Mathematical and Theoretical 40.25 (2007): 6811.‬‬ ‫‪10.WMAP 7th Year results, Nasa.gov, Retrieved: December 5, 2014.‬‬ ‫‪11.WMAP 9th Year results, Nasa.gov, Retrieved: December 5, 2014.‬‬ ‫‪12. David A. Aguilar., and Christine Pulliam. “First Direct Evidence of Cosmic Inflation”. Harvard Smithsonian Center for Astrophysics.‬‬ ‫‪Retrieved: December 5, 2014.‬‬

‫‪90‬‬


‫الدقيق‪:‬‬ ‫يف نقد ال ّتوليف ّ‬ ‫الجزء الثّاين‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫الدقيق ؟‬ ‫ما االنفجار الكبري ال ّتضخّمي ؟ وما عالقته بال ّتوليف ّ‬

‫دعنا نتوقّف عن رمي املصطلحات العلمية هنا وهناك ونتساءل‪ :‬ما االنفجار الكبري التض ّخمي؟ منوذج االنفجار الكبري‬ ‫التض ّخمي‪ ،‬هو النموذج األكرث نجا ًحا يف الوقت الحايل لوصف الكون املبكر‪ .‬يقرتح هذا النموذج أن الكون يف عمره‬ ‫توسع الكون مبعامل‬ ‫البالغ ‪ 10-35‬ثاني ًة ولّد جاذبي ًة طارد ًة (‪ )repulsive gravity‬قوي ًة – عىل املقياس الكوين – أ ّدت إىل ّ‬ ‫‪ .1030‬إىل أن وصل عمره ‪10-33‬ثاني ًة أخذت الجاذبية أن تكون عىل طبيعتها الجاذبة (بدالً من الطاردة)‪ .‬وإن اتبعنا هذا‬ ‫أقل حساسي ًة للقيم والثوابت الكونية من منوذج االنفجار الكبري القيايس(‪ ،)13‬لذا سنجد أن‬ ‫النموذج فسنجد أن الكون ّ‬ ‫أي حا ٍل‪ ،‬فإن هذا النموذج يحتاج املزيد من العمل وهو‬ ‫التوليف الدقيق بدأ يتالىش مبجرد اتّباعنا لهذا النموذج‪ .‬وعىل ّ‬ ‫بحث ٍ‬ ‫موضوع ٍ‬ ‫تتجل‪.‬‬ ‫وخصوصا أن منارصيه من العلامء كثريون‪ ،‬واملشاهدات التي تثبت تنبؤاته بدأت ّ‬ ‫نشط ج ًدا‪،‬‬ ‫ً‬

‫املتعددة‪:‬‬ ‫نظريات األكوان‬ ‫ّ‬

‫أطلنا حديثنا أعاله يف هذا الجزء‪ ،‬ويف الجزء السابق‪ ،‬ومل ندخل بعد يف نظريات األكوان املتع ّددة‪ .‬نظريات األكوان‬ ‫كل ما قيل أعاله‪ ،‬إىل مزبلة املستقبل ( وليس مزبلة‬ ‫بغض النظر عن ّ‬ ‫املتع ّددة بإمكانها أن ترمي ح ّجة التوليف الدقيق‪ّ ،‬‬ ‫التاريخ‪ .‬مزبلة املستقبل‪ :‬أحد األكوان املوازية لكوننا‪ ،‬سيستخدمه البرش لرمي نفاياتهم ليتخلّصوا من التلوث البيئي‪ ،‬ويف‬ ‫حالتنا هنا‪ ،‬سنتخلص من التلوث الفكري)‪.‬‬ ‫‪13. Greene, Brian. The fabric of the cosmos: Space, time, and the texture of reality. Random House LLC, 2007.‬‬

‫‪91‬‬


‫الدقيق‪:‬‬ ‫يف نقد ال ّتوليف ّ‬ ‫الجزء الثّاين‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫كل يش ٍء موجو ٍد عىل اإلطالق‪ ،‬فكيف لنا أن‬ ‫هل هنالك مكا ٌن يف العلم ليش ٍء كـ األكوان املتع ّددة ؟ فإن كان الكون هو ّ‬ ‫كل يش ٍء عىل‬ ‫كل منهام إذًا داخل دائرة " ّ‬ ‫كل يش ٍء عىل اإلطالق "‪ ،‬فسنجعل ّ ً‬ ‫نقرتح وجود أشيا َء أخرى خارج إطار الـ " ّ‬ ‫اإلطالق " ونس ّمي تلك الدائرة " الكون "‪ .‬هنا تظهر لنا بوضو ٍح مشكلة املصطلحات العلمية‪ ،‬فالعلامء حني يذكرون‬ ‫ٍ‬ ‫مناسبات غري رسمي ٍة‪ ،‬ما يقصدون به فعل ًيا هو الكون املنظور (‪ )The Observable Universe‬وهو‬ ‫مصطلح "الكون" يف‬ ‫ذلك الجزء من الكون الذي نتمكّن من مالحظته وسبب كونه محدو ًدا هو أن الضوء ذو رسع ٍة محدود ٍة‪ ،‬فلم يكن للضوء‬ ‫وقتًا كافيًا ليك يصل إلينا من أمكن ٍة أبعد‪ .‬فام الذي تقصده نظريات األكوان املتعددة بـ "الكون" ؟‬ ‫مناذج رياضي ٍة مستقل ٍة عن بعضها متا ًما‪ ،‬تقرتح وجود األكوان املتع ّددة‪.‬‬ ‫بداي ًة‪ ،‬يجب أن نعلم أن هنالك ثالثة َ‬

‫ال ّنموذج ال ّريايض األ ّول‪ :‬ما ُيدعى بـ ‪:Brane Theory‬‬

‫أقتِح هذا النموذج نتيج ًة لعدم قابلية نظرية األوتار ‪ String Theory‬تنبؤ عدد األبعاد لكوننا املالحظ‪ .‬فاقرتح بعض‬ ‫ُ‬ ‫سطح ثاليث األبعاد داخل كونٍ أكرب يحتوي عىل تسعة أبعا ٍد‪ .‬متاماً‬ ‫علامء الفيزياء النظرية أن كوننا املالحظ ما هو إال ٌ‬ ‫كتاب مك ّونٍ من ثالثة أبعا ٍد‪ .‬وكام يُسمح لوجود هذا الكون‬ ‫كام تكون لديك ورق ٌة مع ّين ٌة مك ّون ٌة من بعدين فقط داخل ٍ‬ ‫خاصتنا‪ ،‬فهنالك أكوا ٌن أخرى يطلق عليها اسم‪ Membranes‬أو ‪ Branes‬اختصا ًرا متا ًما مثل الكتاب الذي يحتوي عىل‬ ‫ٍ‬ ‫صفحات‪.‬‬ ‫ع ّدة‬

‫املتعددة خاصة الفيزياء الكمومية‪:‬‬ ‫ال ّنموذج ال ّريايض الثّاين‪ :‬العوامل‬ ‫ّ‬

‫بشكلٍ يدعو لالستغراب‪ ،‬ال يزال العلامء غري قادرين عىل فهم كيفية انهيار الدالة املوجية (‪ )wave function‬يف أمثل ٍة‬ ‫مشابه ٍة لقطة رشودنغر ( املثال األكرث شهر ًة ) حينام تكون تلك القطة املسكينة ح ّي ًة وميت ًة يف ذات الوقت حتى تتفاعل‬ ‫مع العامل الخارجي‪ ،‬فتكون ح ّي ًة أو ميت ًة‪ .‬فال يوجد تفس ٌري يقع يف مناذج الكون الواحد لكيفية انتقال القطة من حالتني‬ ‫أي من الحاالت‪.‬‬ ‫إىل حال ٍة واحد ٍة وال لكيفية اختيار ٍّ‬ ‫‪92‬‬


‫الدقيق‪:‬‬ ‫يف نقد ال ّتوليف ّ‬ ‫الجزء الثّاين‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫الشق املزدوج (‪)Double SlitExperiment‬‬ ‫وبإمكانك االطالع عىل أمثل ٍة أخرى شبيه ٍة لتجربة قطة رشودنغر‪ ،‬كتجربة ّ‬ ‫وتجربة التخاطر الكمومي (‪ )Quantum Teleportation‬وتجربة سترين‪ -‬جريالك (‪)Stern-Gerlach Experiment‬‬ ‫فالحل لهذه املشكلة يأيت عرب افرتاض أن جميع‬ ‫ّ‬ ‫واختبارات بيل لعدم املساواة (‪.)Tests of Bell's Inequality)(14‬‬ ‫وكل ٍ‬ ‫حدث ممكنٍ يقع يف كونٍ موا ٍز لكونٍ آخر‪ ،‬لكننا نعيش يف أحد هذه األكوان‬ ‫األحداث املمكنة هي حقيقي ٌة بالفعل‪ّ ،‬‬ ‫فقط‪ ،‬وال ميكننا مالحظة إال أحدها‪.‬‬

‫طت هذه النظريات إىل درج ٍة بالغ ٍة‪ ،‬إال أن يف ط ّياتها كثريا ً من البيانات والحسابات الرياضية‬ ‫بس ُ‬ ‫ما ق ْم ُت به هنا هو ّأن ّ‬ ‫والقياسات التجريبية‪.‬‬

‫ال ّنموذج ال ّريايض الثّالث‪ :‬الفقاعات الكونية‪: Bubble Universe‬‬

‫أساسا من الرياضيات التي تقع خلف الكون التض ّخمي (‪ ،)Inflation)(15‬فقد ت ّم اقرتاح منوذج التض ّخم‬ ‫الفكرة هنا نابع ٌة ً‬ ‫قيم فيزيائي ٍة مختلف ٍة‪ .‬ما يذكّرنا مبثال‬ ‫الالنهايئ ‪ Eternal Inflation‬الذي يقرتح وجود عد ٍد ال نها ٍيئ من األكوان ذي ٍ‬ ‫بقيم مختلف ٍة‪ ،‬فال ب ّد‬ ‫الرجل األعمى وسالح الـ ‪ minigun‬الذي ذكرناه يف األعىل‪ .‬فإن كان لدينا عد ٌد ال نها ٌّيئ من األكوان ٍ‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫أن أحدها يحمل القيم التي تسمح بوجود النجوم ذات األعامر الطويلة والثقوب السوداء والحياة ً‬

‫‪14. Gerry, Christopher C., and Kimberley M. Bruno. "The quantum divide." (2013).‬‬ ‫‪15. Guth, Alan H. "Inflation and eternal inflation." Physics Reports 333 (2000): 555574-.‬‬

‫‪93‬‬


‫الدقيق‪:‬‬ ‫يف نقد ال ّتوليف ّ‬ ‫الجزء الثّاين‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫قد يجادل املؤمنون أنه ال توجد عواقب ميكن مالحظتها لنظرية األكوان املتعددة هذه‪ ،‬أو رمبا ال تتنبّأ نظرية األكوان‬ ‫بأي يش ٍء ميكنه اختباره تجريب ًيا‪ .‬لكن هذا عكس ما تقوله الحقيقة‪ .‬فقد أشار عد ٌد من العلامء املرموقني‬ ‫املتعددة ّ‬ ‫يف الفيزياء النظرية كآالن جوث (‪ )AlanGuth)(16‬وآليكساندر فيلينكن (‪)Alexander Vilenkin)(17)(18‬وأنتوين‬ ‫ات تجريبي ٍة وت ّن ٍ‬ ‫أغريي(‪ )Anthony Aguirre)(19‬والكثري غريهم‪ ،‬مرا ًرا وتكرا ًرا يف أوراقٍ علمي ٍة كثري ٍة إىل اختبار ٍ‬ ‫بؤات قد‬ ‫تؤكّد لنا نظرية األكوان املتعددة‪ ،‬وتجعل منها نظري ًة علمي ًة رصين ًة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مالحظات شاذ ٍة‪ ،‬تقرتح أنها نتيجة‬ ‫يف الحقيقة‪ ،‬نرش بعض العلامء ورق ًة علمي ًة تف ّحصت بيانات ‪ WMAP‬مشري ًة إىل أربع‬ ‫اصطدام الفقاعات الكونية ‪ bubble collisions‬بذلك فأنها قد وجدت أ ّول دليلٍ عىل وجود األكوان املتعددة(‪ .)20‬عىل‬ ‫أي حا ٍل‪ ،‬فإن هذا الدليل ال يع ّد كاف ًيا لدى املجتمع العلمي‪ .‬لكن هذه بالضبط مه ّمة مركب ٍة فضائي ٍة اسمها ‪،Plank‬‬ ‫ّ‬ ‫تابع ٍة لوكالة الفضاء األوربية ‪ ،ESA‬من املفرتض أن تقوم بتصوير إشعاع الخلفية الكونية بدقّ ٍة أعىل بكثريٍ من بيانات‬ ‫‪ WMAP‬التي اعتمد عليها البحث(‪.)21‬‬

‫كل هذا‪:‬‬ ‫بعيدا عن ّ‬ ‫بعيدا عن نظريات األكوان‬ ‫املتعددة‪ً ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬

‫حتى لو أزحنا نظريات األكوان املتعددة جان ًبا‪ ،‬وأزحنا منوذج االنفجار التضخمي جان ًبا‪ ،‬فسنجد أن لدينا عد ًدا من‬ ‫النظريات التي تتك ّهن بأحداث ما قبل االنفجار العظيم‪ ،‬واضع ًة تفسري ٍ‬ ‫ات طبيعي ٍة لوجود هذه الثوابت الفيزيائية‪ ،‬ومن‬ ‫األمثلة عىل هذه النامذج منوذج االنفجار الكبري الدوري ‪ Cyclic Big bang‬الذي يفرتض انفجار ٍ‬ ‫ات كبري ًة حدثت لهذا‬ ‫بقيم مختلف ٍة‪ ،‬واآلن بعد عد ٍد من االنفجارات الكبرية حدث أن أىت هذا الكون بهذه الثوابت‪ .‬لقد ت ّم اقرتاح هذا‬ ‫الكون ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وبتمثيالت رياضي ٍة جيد ٍة ج ًدا‪ ،‬من بينها الـ (‪ )Loop Quantum Gravity)(22‬ومنوذج‬ ‫النموذج لدى كثريٍ من العلامء‬ ‫‪ Conformal cyclic cosmology‬خاصة العامل روجر بيرنوز (‪ )RogerPenrose)(23‬وغريهم‪.‬‬

‫‪16. Ibid‬‬ ‫‪17. Vilenkin, Alexander. "Predictions from quantum cosmology." Physical Review Letters 74.6 (1995): 846.‬‬ ‫‪18. Vilenkin, Alexander. "Making predictions in an eternally inflating universe." Physical Review D 52.6 (1995): 3365.‬‬ ‫‪19. Aguirre, Anthony, Matthew C. Johnson, and AssafShomer. "Towards observable signatures of other bubble universes." Physical Review D 76.6‬‬ ‫‪(2007): 063509.‬‬ ‫‪20. Feeney, Stephen M., et al. "First observational tests of eternal inflation." Physical review letters 107.7 (2011): 071301.‬‬ ‫‪21. Tauber, J. A. "The planck mission." Advances in Space Research 34.3 (2004): 491-496.‬‬ ‫‪22. Bojowald, Martin, Roy Maartens, and Parampreet Singh. "Loop quantum gravity and the cyclic universe." Physical Review D 70.8 (2004):‬‬ ‫‪083517.‬‬ ‫‪23. Penrose, Roger. "Before the big bang: an outrageous new perspective and its implications for particle physics." Proceedings of EPAC. 2006.‬‬

‫‪94‬‬


‫الدقيق‪:‬‬ ‫يف نقد ال ّتوليف ّ‬ ‫الجزء الثّاين‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫ٌ‬ ‫مثال آخر‪ :‬منوذج الـ ‪ Top Down Cosmology‬الذي وضعه العامل ستفني هاوكينغ‪ ،‬والذي يقرتح أن الكون كانت لديه‬ ‫وثوابت عديدةٌ‪ ،‬باالستناد إىل قانون الرتاكب الك ّمي‪ ،‬جز ٌء بسيط ج ًدا منها نجح يف أن يكون له دو ٌر يف الوضع‬ ‫بداياتٌ‬ ‫ٌ‬ ‫بثوابت فيزيائي ٍة مع ّين ٍة؛‬ ‫الحايل للكون‪ .‬وبحسب منوذجها وكينغ هذا‪ ،‬فإنه من غري املنطقي أن نقول‪ :‬إن الكون ت ّم توليفه‬ ‫َ‬ ‫أل ّن الكون يف األساس يقوم بـ "اختيار"األوضاع املناسبة طبيعيًا‪ ،‬ما قاده ألن يكون يف وضعه الحايل (‪.)25()24‬‬ ‫أما النظرية األخرية التي أو ُّد الخوض بها فهي نظري ٌة معروف ٌة باسم الداروينية الكونية ‪.Cosmological Darwinism‬‬ ‫وأي عا ٍمل أكرث من داروين يرغب املؤمنون بسامع اسمه؟ وضع أحد أكرث مناذج هذه النظرية روا ًجا العامل ‪.Lee Smolin‬‬ ‫ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫مقياس كو ٍّين تجعل من‬ ‫ببساط ٍة‪ ،‬النظرية هذه تفرتض وجود عملي ٍة مشابه ٍة للتط ّور البيولوجي الداروين‪ ،‬لكنها عىل‬ ‫قيم للثوابت الفيزيائية(‪.)27()26‬‬ ‫الكون أن يظهر بأنسب ٍ‬ ‫جميع هذه النظريات والنامذج‪ ،‬بدءا ً من نظريات األكوان املتعددة وحتى النظريات التي ذكرناها يف هذه الفقرة‪ ،‬هي‬ ‫محض ٌة‪ ،‬أي أنه ميكن متثيلها رياض ًيا‪ ،‬وهي قابل ٌة ألن يت ّم تخطئتها‪ ،‬وميكن إيجاد أ ّدل ٍة عىل ص ّحتها‪ ،‬وتديل‬ ‫أفكا ٌر علمي ٌة ّ‬ ‫بت ّن ٍ‬ ‫بؤات ميكن التحقّق منها‪ ،‬والبحث العلمي جا ٍر ونش ٌط عل هذه النظريات‪ ،‬قد يهملها املؤمن ويضعها جان ًبا ألنّها‬ ‫مج ّرد "تك ّه ٍ‬ ‫نات" – كام يصفها ويليام الين كرايغ‪.‬‬ ‫وأي‬ ‫أي مركب ٍة فضائي ٍة‪ّ ،‬‬ ‫لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا‪ :‬أال يجب عليهم معاملة فرضية وجود الله بنفس الطريقة؟ ّ‬ ‫مه ّم ٍة لوكالة ناسا أو وكالة الفضاء األوروبية ستمكّننا من فحص ما تتن ّبأ به فرضية وجود اإلله؟ وهل لهذه الفرضية‬ ‫أساسا؟ أليس من حقّنا أن نالحظ مؤ ّخرة الله عىل األقل يف إشعاع الخلفية الكونية؟‬ ‫تن ّبؤاتٌ ً‬

‫‪24. Hawking, Stephen W., and Thomas Hertog. "Populating the landscape: A top-down approach." Physical Review D 73.12 (2006): 123527.‬‬ ‫‪25. The Daily Galaxy (web page): Did the Universe Have an Infinite Number of Beginnings? Stephen Hawking Says "Yes". Retrieved: December 5,‬‬ ‫‪2014.‬‬ ‫‪26. Smolin, Lee. "Cosmological natural selection as the explanation for the complexity of the universe." Physica A: Statistical Mechanics and its‬‬ ‫‪Applications 340.4 (2004): 705-713.‬‬ ‫‪27. Smolin, Lee. "The status of cosmological natural selection." arXiv preprint hep-th/0612185 (2006).‬‬

‫‪95‬‬


‫الدقيق‪:‬‬ ‫يف نقد ال ّتوليف ّ‬ ‫الجزء الثّاين‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫لتغيه هذه الثوابت ؟‬ ‫حس ٌ‬ ‫اس فعالً ّ‬ ‫هل كوننا ّ‬

‫أي تفكريٍ‪ .‬ومن يجرؤ عىل خدش مصداقية ويليام الين كرايغ؟ إن قال‬ ‫يجيب املؤمنون عىل هذا السؤال بـ "نعم" دون ِّ‬ ‫كرايغ‪ :‬ال كو ٌن دون هذه القيم‪ ،‬فال كو ٌن إذًا‪ .‬اعتاد املؤمنون عىل طريقة التفكري هذه‪ ،‬وهذا هو بالضبط ما يجعلهم‬ ‫مؤمنني‪ ،‬وطريقة التفكري املعاكسة هي بالضبط ما تردنا ملحدين‪ .‬فليحيا إذًا الفيلسوف اليوناين يوريبيديس حني قال‪:‬‬ ‫بكل يش ٍء‪ ،‬تعلّم شيئاً ما‪ ،‬ال تجب عىل أي يش ٍء"‪.‬‬ ‫"شكّك ّ‬ ‫لقد قامت العديد من الدراسات بتغيري هذه القيم رياض ًيا‪ ،‬مالحظة الكون الذي سينتج عن هذا التغري‪ ،‬وما إن كان‬ ‫بعض منها‪:‬‬ ‫سيدعم نشوء النجوم ذات األعامر الطويلة أم ال‪ .‬وهذه ٌ‬

‫دراسة فيكتور ستينغر‪:‬‬ ‫اعتيادي عىل مجموع ٍة من العوامل التي ع ّدها‬ ‫لنجم‬ ‫قام الفيزيايئ فيكتور ستينغر بدراسة كيف يعتمد العمر األدىن ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫رضوري ًة لنشوء النجوم ووصف الكون بشكلٍ عا ٍّم كام هو اليوم‪ ،‬وتف ّحص ما إن كان عمر هذا النجم مناسباً يك يسمح‬ ‫لتط ّور الحياة‪ ،‬وبتغيريها عشوائياً يف مدى كبريٍ كثريٍ‪ ،‬ما يفوق عدة درجات ِعظَم من مقاديرها الحالية‪ ،‬وجد أن أكرث‬ ‫من نصف النجوم ستتجاوز أعامرها البليون سن ٍة‪ .‬تحتاج النجوم الكبرية ألن تعيش عرشات ماليني السنني أو أكرث ألجل‬ ‫تصنيع العنارص الثقيلة‪ .‬والنجوم األصغر مثل شمسنا تحتاج أيضاً حوايل بليون سن ٍة يك تسمح للحياة بالتطور ضمن نظام‬ ‫خاصتها‪ .‬واألرض مل تتشكّل حتى إال بعد تسعة باليني سن ٍة عىل االنفجار الكبري‪ .‬لذا‪ ،‬وبحسب ما وجده ستينغر‪،‬‬ ‫الكواكب ّ‬ ‫فإن اشرتاط النجوم طويلة العمر يحقّقه مدى واس ٌع من املعامالت املمكنة‪ ،‬وبالتايل فالكون بالتأكيد مل يؤلّف بدقّ ٍة‬ ‫ألجل هذه الخاصية(‪.)28‬‬ ‫ويذكر فيكتور ستينغر مالحظ ًة مهم ًة للغاية قائالً‪" :‬إحدى األخطاء الجسيمة لدراسات املبدأ اإلنساين ‪the anthropic‬‬ ‫يغيون قيم َة معاملٍ ٍ‬ ‫واحد‪ ،‬مفرتضني أن سائر املعامالت تبقى ثابت ًة‪ ،‬ثم يرتكبون نفس الخطأ‬ ‫‪ principle‬هو أن الباحثني ّ‬ ‫كل العوامل مستقلّ ٌة عن‬ ‫بأن يتو ّجهوا إىل حساب احتامليات بال معنى بنا ًء عىل هذا االفرتاض الفاضح يف خطئه يف أ ّن ّ‬ ‫كل املعامالت تتفاوت يف الوقت ذاته"(‪.)29‬‬ ‫اعتنيت بجعل ّ‬ ‫بعضها‪ ،‬أما يف دراستي فقد‬ ‫ُ‬ ‫يف الحقيقة مل يكن فيكتور ستينغر الوحيد من أدىل بهذه املالحظة‪ ،‬فقد قام باحثون آخرون بنفس الدراسة والحظوا‬ ‫نفس األمر(‪.)30‬‬ ‫‪28. Stenger, Victor J. The comprehensible cosmos: where do the laws of physics come from?. Prometheus Books, 2006.‬‬ ‫‪29. Ibid.‬‬ ‫‪30. Harnik, Roni, Graham D. Kribs, and Gilad Perez. "A universe without weak interactions." Physical Review D 74.3 (2006): 035006.‬‬

‫‪96‬‬


‫الدقيق‪:‬‬ ‫يف نقد ال ّتوليف ّ‬ ‫الجزء الثّاين‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫دراسة أنتوين أغريي‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بدرجات كبري ٍة‬ ‫معامالت كوني ٍة أساسي ٍة لنشوء كوننا الحايل‬ ‫تف ّحص أنتوين أغريي األكوان التي قد تنتج حني قام بتغيري‬ ‫من العظم‪ ،‬ووجد أن بإمكانه بناء تص ّور ٍ‬ ‫نجوم وكواكب وحيا ٍة عاقل ٍة (‪.)31‬‬ ‫ات للكون‪ ،‬حيث ميكن بشكلٍ معقو ٍل نشأة ٍ‬ ‫دراسة كرايغ هوغان‪:‬‬ ‫قام هذا األخر بعمل دراس ٍة مشابه ٍة‪ ،‬وتف ّحص فيها الثوابت املطروحة عىل أنّها مؤلّف ٌة بشكلٍ‬ ‫دقيق وتط ّرق إىل املبدأ‬ ‫ٍ‬ ‫نتائج مشابه ًة لنتائج دراسة أنتوين أغريي(‪.)32‬‬ ‫اإلنساين‪ the anthropic principle‬بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫رش ووجد َ‬ ‫دراسة جامعة كيوتو يف اليابان‪:‬‬ ‫قام فيزيائيون نظريون يف جامعة كيوتو يف اليابان بإثبات أن العنارص الثقيلة الرضورية للحياة ستكون موجود ًة حتى يف‬ ‫بغض النظر عام كانت عليه املعامالت املضبوطة لتك ّون النجوم(‪.)33‬‬ ‫النجوم األوىل‪ّ ،‬‬ ‫دراسة أدامز‪:‬‬ ‫ملهم بنظرية األكوان املتع ّددة‪ ،‬قام الفيزيايئ النظري فريد أدامز ‪ Fred Adams‬بتف ّحص األكوانٍ ذات الثوابت املختلفة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واختار هذه الثوابت برشط أن لها أثرا ً عىل أعامر النجوم‪ .‬ووجد أن ‪ % 25‬من الظروف االبتدائية للكون ميكن لها أن‬ ‫تكون نجو ًما ذات أعام ٍر كافي ٍة لدعم الحياة(‪.)34‬‬ ‫ويكرث عدد هذه الدراسات بشكل ال يسمح يل أن أذكرها جمي ًعا‪ ،‬فامذا عن االستنتاج الذي ميكن أن يستم ّد من هذه‬ ‫الدراسات؟ من أنا يك أكتب هذا االستنتاج؟ دعوا مح ّرري مجلّة ‪ Scientific American‬يضعون لنا استنتاجهم ونقرؤه‪:‬‬ ‫“‪These findings suggest that our universe may not be as “finely tuned” for the emergence of life as‬‬ ‫‪”.previously thought‬‬

‫دقيق كام كان يُعتقد سابقًا"(‪.)35‬‬ ‫بالعريب‪" :‬إن هذه االكتشافات تقرتح أن كوننا ليس مؤلّفًا بشكلٍ ٍ‬ ‫‪31. Aguirre, Anthony. "Cold big-bang cosmology as a counterexample to several anthropic arguments." Physical Review D 64.8 (2001): 083508.29.‬‬ ‫‪32. Hogan, Craig J. "Why the universe is just so." Reviews of Modern Physics 72.4 (2000): 1149.‬‬ ‫‪33.Nakamura, Takashi, Hideya Uehara, and Takeshi Chiba. "The Minimum Mass of the First Stars and the Anthropic Pinciple." Progress of‬‬ ‫‪theoretical physics 97.1 (1997): 169-171.‬‬ ‫‪34. Adams, Fred C. "Stars in other universes: stellar structure with different fundamental constants." Journal of Cosmology and Astroparticle‬‬ ‫‪Physics 2008.08 (2008): 010.‬‬ ‫‪35. Jenkins, Alejandro, and Gilad Perez. "Looking for life in the multiverse." Scientific American 302.1 (2010): 42-49.‬‬

‫‪97‬‬


‫الدقيق‪:‬‬ ‫يف نقد ال ّتوليف ّ‬ ‫الجزء الثّاين‬ ‫وأخريًا‬

‫‪Ali Alnajafi‬‬

‫خرجنا من الجزء األول باستنتا ٍج مفاده‪ :‬إن إدعاء أن الكون مؤل ٌّف بشكلٍ‬ ‫دقيق ألجل الحياة هو أسخف إدعا ٍء طرحه‬ ‫ٍ‬ ‫املؤمنون عىل اإلطالق‪ ،‬وأن سخافته ميكن وصفها أنها سخاف ٌة كوني ٌة‪ .‬ويف هذا الجزء وضعنا الحياة جان ًبا‪ ،‬وتف ّحصنا األرقام‬ ‫املدعاة أنها مؤلّف ٌة بشكلٍ‬ ‫مم يعتقد‬ ‫ٍ‬ ‫دقيق‪ .‬بي ّنا كيف ميكن للرضورة الفيزيائية واملصادفة أن يكونا قو ًة تفسريي ًة أكرث ّ‬ ‫ثوابت يف الحقيقة‪ ،‬ثم عرجنا عىل نظريات‬ ‫املؤمنون‪ ،‬وبي ّنا احتاملية أن تكون الثوابت الفزيائية املدعاة هي ليست‬ ‫َ‬ ‫موضحني كيف أنها مدعوم ٌة بشكلٍ علمي رصنيٍ‪ ،‬وأنها ميكن لوحدها أن تقذف حجة التوليف الدقيق‬ ‫األكوان املتع ّددة‪ّ ،‬‬ ‫إىل "مزبلة املستقبل"‪ ،‬وعرضنا بعض النامذج العلمية التي ميكن أن تجعل من نفسها تفسري ٍ‬ ‫ات قوي ًة ج ًدا لهذه األرقام‪،‬‬ ‫دون أن تكون لنا حاج ٌة بنظريات األكوان املتع ّددة‪ ،‬ويف نهاية املطاف أوضحنا بواسطة در ٍ‬ ‫اسات مراجع ٍة علم ًيا أن أعامر‬ ‫النجوم وخصائص الكون املفيدة للحياة ال تعتمد عىل الثوابت الفيزيائية التي يُدعى أنها مؤلّف ٌة بشكلٍ‬ ‫دقيق‪ ،‬وأنهينا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رش وواض ٍح وباللغتني العربية‬ ‫كل ذلك‬ ‫ّ‬ ‫باقتباس من مجلة ‪ Scientific American‬يطعن يف رشف هذه الح ّجة بشكّل مبا ٍ‬ ‫يغي شيئاً يف نفسية‬ ‫واإلنكليزية‪ .‬حقيق ًة‪ ،‬ال أعلم ما ميكن فعله أكرث من هذا‪ .‬لك ّني أعلم أ ّن ّ‬ ‫كل هذا – ولألسف – قد ال ّ‬ ‫املؤمن‪ .‬إذ يبقى اإلميان إميانًا والعقالني ٌة عقالني ًة‪.‬‬

‫‪98‬‬


‫عند صدور هذا العدد من مجلّة امللحدين العرب‪ ،‬نكون (واسمحوا يل أن أعترب نفيس ضمن فريقكم ولو رشفيًا) قد‬ ‫ٍ‬ ‫ورؤى‪ ،‬ناقلني الطّرح املختلف والفكر البديل سال ًحا ض ّد الظلمة‪ ،‬وداف ًعا‬ ‫أمتمنا عامنا الثّاين‬ ‫كصوت رص ٍني للعقالن ّية منها ًجا ً‬ ‫لحركة العقل يف مواجهة متاريس ال ّنقل‪.‬‬ ‫رصاع العقل مع ال ّنقل مل ولن ينتهي‪ ،‬بني من يقول ح ّدثنا وأخربنا وبني من يرمي باألحجار يف الربك اآلسنة‪ ،‬أمت ّنى للمجلّة‬ ‫تواصل و قُ ّرا ًء املزيد من التوفيق‪ ،‬وأحلم بالغد الّذي تُصبح فيه مجلتنا بكل ما تحتويه‬ ‫ً‬ ‫وللقامئني عليها تحري ًرا‪ ،‬تدقيقًا‪،‬‬ ‫ذخ ًرا ومرج ًعا‪..‬‬ ‫يف مثل هذا اليوم منذ عامني تع ّرفت عىل املجلّة‪ ،‬حني خاطبني الزميل العزيز جون سيلفر بشأن مقا ٍل يل نرشته عيل‬ ‫صفحات مجموعة شبكة ومنتدى امللحدين العرب‪ ،‬وأخربين عن رغبته يف أن أنض ّم لركب الكتّاب بها‪ ،‬ال أخفي سعاديت‬ ‫وقتها‪ ،‬وك ّم الحبور الّذي انتابني‪ ,‬فأخ ًريا كالمي و صويت سيخرج لل ّناس‪ ،‬وما كنت أظنه يو ًما ما مج ّرد خواطر صار اليوم‬ ‫شعل ًة ط ّواف ًة َعرف بها القايص قبل الداين‪ ،‬فأيقنت بأنّني أُسعدت حظًا بانضاممي لل ّركب وكوين من األوائل الّذين انض ّموا‬ ‫له فلهم خالص الشكر وجزيل االمتنان‪ ،‬وأ ِعد الق ّراء بتغيريٍ‬ ‫جذري يف املوضوعات وطرح القضايا‪ ،‬وأن أقتحم معهم‬ ‫ٍ‬ ‫خطوط النريان انطالقًا من بحثي الشغوف وإميانًا م ّني بثقتهم يف‪.‬‬

‫‪Hunger mind‬‬

‫بني اإلدراك والعجز‬ ‫‪99‬‬


‫بني اإلدراك والعجز‬ ‫‪Hunger mind‬‬

‫وأمت ّنى منهم أن يوافوين دو ًما بطرحهم ال ّنقدي وآرائهم يف كل ما كت َبته يداي‪ ،‬فبدونهم مل ولن أتق ّدم ‪.‬‬ ‫واآلن أترككم مع املقال ‪:‬‬ ‫‪ ‬بني اإلدراك والعجز"‬ ‫"كلّام ازدادت ثقافة املرء ازداد بؤسه وشقاؤه (أنطون تشيخوف)‪.‬‬ ‫تكمن املأساة يف كونك ُولدت وسط مجتمعٍ ت ّم العمل عيل مسخ جيناته‪ ،‬وإحداث طفرات تجهيلي ٍة تغييب ٍة‪ ،‬يقودها إعال ٌم‬ ‫مسموم ٌوثقاف ٌة مؤدلج ٌة تخدم فك ًرا بعينه‪ ،‬وتعلي ٌم أقرب إيل ال ّدعارة املق ّننة منه إيل الح ّرية وإنارة العقل‪ ،‬مجتم ٌع يتف ّنن يف‬ ‫خلق األصنام وااللتفاف حولها‪ ،‬ليحيلها من مج ّرد ط ٍني قذر ٍبال قيمة‪ ،‬إىل عجلٍ‬ ‫ذهبي تق ّدم له القرابني وت ُقام له االحتفاالت‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫تكمن املصيبة يف الكيانات املؤلّهة‪ ،‬املالكة أكرث من املالك أو كمن يطلق عليهم اصطال ًحا" كذّايب الزفّة" بني ُمع ّم ٍم ال يدرك‬ ‫من الحارض سوى ما قيل منذ أكرث من ٍ‬ ‫عام (يف بيئ ٍة مل تعرف حضارة‪ ،‬ومل ترى بصيص التم ّدن) وبني عا ٍمل‬ ‫ألف وأربعامئة ٍ‬ ‫ق ّوا ٍد يزيّف التاريخ‪ ،‬يلوي عنق الحقائق‪ ،‬يستلب الوعي‪ ،‬فتكتمل ال ّدائرة امللعونة لتحيل البرش يف أوطاننا العربية إيل‬ ‫بهائم ظلّوا حبييس املراتع‪.‬‬ ‫رش ارتقوا وألهم ٍ‬ ‫زومبيز‪ ،‬مسو ٌخ أله ّم ب ٍ‬ ‫وأل ّن تلك املنظومات العفنة يُك َّرس لها اإلعالم األموال والدعم املعنوي واالجتامعي واملادي ‪ ،‬لتصيح مأل السمع والبرص‪ .‬‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات كمجتمعاتنا صدق فيهم قول الشاعر" أحمد شوقي "‬ ‫يف‬ ‫أسمع الشعب ( ديون) كيف يوحون إليه‬ ‫مأل الجو هتافًا بحياة قاتليه‬ ‫أث ّر البهتان فيه وانطىل الزورعليه‬ ‫ياله من ببغا ٍء عقله يف أذنيه‬ ‫ليصبح معامل تفري ٍخ ال تنضب للقبح والدمامة وعوار الفكر وخواء الروح وضياع املنطق وجهاالت كالظلامت‪ ،‬ال ينجوا‬ ‫منها إالّ ال ّنذر اليسري‪.‬‬ ‫حواسها‬ ‫رشا ً‬ ‫عقول حافظت عىل ّ‬ ‫وأل ّن الجينات منها السائد ومنها املتن ّحي‪ ،‬فقد انسلخ من وسط تللك الجيف املسامة ب ً‬ ‫مختل‪ ،‬ال تقيم معيا ًرا لصنم وال تسمع ألبواق النعيب‪ ،‬أعلت من قيمة العقل‬ ‫ً‬ ‫نق ّي ًة‪ ،‬ترى األسود أسو ًدا‪ ،‬واملختل‬ ‫ري‪ ،‬ليك يرتقي لألعىل عليه أن يبني ويستفيد مام ت ّم‬ ‫بعدما عرفت حقّه وقدره‪ ،‬أدركت أ ّن البرشية عىل ُسل ٍّم تط ّو ٍّ‬ ‫باألسفل‪ ،‬فأدمنوا القراءة وعشقوا املعرفة وحافظوا عيل ذائقتهم النقديّة‪ ،‬أعلوا منها باالطّالع الدائم والنقد الذايت الواصل‬ ‫إىل ح ّد الجلد‪ ،‬ألنهم مل يرضوا بأن يكونوا خرافًا يف القطيع تنتظر أحمق ومأفون‪ ،‬أو صاحب صليب ٍ‬ ‫تعس ليهيدها‪.‬‬ ‫‪100‬‬


‫بني اإلدراك والعجز‬ ‫‪Hunger mind‬‬

‫رأوا أ ّن اإلنسان وتط ّوره مرهو ٌن بعقله وإمنائه‪ ،‬فكانت الفلسفة‪ ،‬رأوا أ ّن اإلنسان مرتب ٌط بحريّته فكان التم ّرد وكرساألغالل‪،‬‬ ‫وأسسوا‬ ‫فركّزوا جا ّم غضبهم ونقدهم عىل التابوهات‪ ،‬ويأيت يف مقدمتها أصحاب الرايات ال ُحمر الّذين احرتفوا القوادة ّ‬ ‫دليل عليه حتى يف أحافري‬ ‫سل‪ ،‬بد ًءا بصاحب الخلق آدم الذي ال يوجد ٌ‬ ‫لتزييف العقول م ّمن يطلق عليهم زو ًرا وإفكًا ُر ً‬ ‫الخرائب وانتها ًء مبغتصب األطفال و ُمص ّدر جني الدياثة والعنف إيل العامل ( محمد رسول اإلسالم)‪.‬‬ ‫الحق فكانت صداماتهم مع رجال السياسة والكهنوت بالقطع (وأصال‬ ‫دعوا إيل إعامل ال ّنقد‪ ،‬وأالّ صوت يعلو فوق صوت ّ‬ ‫ال فرعا مع املوروث العفن من العادات والتقاليد)‪.‬‬ ‫أُخرج نيتشه من املّجمع اليهودي‪ ،‬وات ُّهم بالزندقة وأوعزوا للناس بأالّ يستمعوا إليه‪ ،‬وحكمت محاكمهم التّفتيشية بأالّ‬ ‫يُتعامل معه أبدا ً ‪...‬وباقي السلسلة معروف ٌة‪ ،‬والزال الجرح ينزف‪.‬‬ ‫ميل ُجبل عىل عشق املعرفة وبني عج ٍز أبعده عن مائدة صنع القرار‬ ‫يكل وال ّ‬ ‫بني اإلدراك املتنامي املدفوع بجيلٍ ال ّ‬ ‫تغييب مرج ٍّو يدور مقايل هذا‪ ،‬علّني أجد بينكم عزا ًء أو سلوى‪ ،‬أوعىل األقل مشارك ًة يف أزمتي‬ ‫بدافع سلط ٍة محبوب ٍة أو‬ ‫ٍ‬ ‫الوجدان ّية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫صمت متع ّم ٍد‬ ‫سؤال لطاملا أ ّرقني وحارصين كلّام سمعت مبوت عا ٍمل أو رحيل مف ّكرٍ‪ ،‬واألقىس من ذلك رحيلهم وسط‬ ‫ٍ‬ ‫ألهداف ال أرى لها تفس ًريا سوى نظرية املؤامرة‪.‬‬ ‫بحق وأصحاب القريحة الحقيقية؟؟‬ ‫ملاذا يرحل ع ّنا أقطاب النور(املفكّرون و الفالسفة) وأقصد هنا املفكّرين ٍّ‬ ‫مجتمعاتنا تتكاثر وتتوالد وتتناسل لكن من بني كم مليون يخرج لنا واح ٌد كسارتر‪ ،‬وعىل مدى كم جيلٍ ليخرج لنا تريك‬ ‫الحمد جديد؟؟‬ ‫ويف حال خروجهم ما احتاملية وصولهم إيل املرتبة الحقّة للتغيري وسط مجتمعات وصفتها أعاله؟ وإن نجحوا يف الوصول‬ ‫فام طول بقائهم العمري حتي يقدروا عىل نزح هذا العفن املتجذر!؟ اسأل وأمتنى أن تشاركوين اإلجابة‪.‬‬ ‫أقصد هنا العلامء الفالسفة الذين خرست البرشية مبوتهم‪ ،‬وال يغرنّك الك ّم الغفري املوجود عيل الساحة اآلن (ال أعمم)‬ ‫ولكني ال أري فيهم سوي الدجاجلة‪ ،‬اآلكلني عيل كل املوائد‪ ،‬ماسحي االجواخ ومن احرتفوا ثقافة لعق األحذية ورضوا‬ ‫سف لراقيص النظام‪.‬‬ ‫بدور الطبال امل ُ ّ‬ ‫‪101‬‬


‫بني اإلدراك والعجز‬ ‫‪Hunger mind‬‬

‫ملاذا تج ّرع سقراط السم ومل يستسلم!؟‬ ‫ملاذا ُسحلت هيباتيا عاري ًة عيل أرض اإلسكندرية!؟‬ ‫ملاذا أٌحرقت كتب ابن رشد أمام عينيه!؟‬ ‫ملاذا ُح ِكم بالفرقة بني نرص حامد أبو زيد وزوجته (مع حفظ األلقاب)!؟‬ ‫ملاذا منذ أبد اآلبدين ال يسيطر عىل املشهد إالّ نعيق الغربان ونعيب البوم ويبقى زامر الحي ال يطرب أب ًدا؟‬ ‫هل ألنّهم أدركوا أم ألنهم عجزوا؟‬ ‫أدركوا ك ّم العبث املتجذّر ومعني القيح الذي ال ينضب‪.‬‬ ‫السحيقة التي تزداد اتسا ًعا كل ثاني ٍة بيننا وبني الحضارة وأربابها وفيام رأوه بني دفّات الكتب وعيل‬ ‫أدركوا مدى اله ّوة ّ‬ ‫ضفاف املعرفة‪.‬‬ ‫أدركوا ك ّم املضاجعات العقلية والتلقيح املنوي القذر عيل يد مشايخ يك ّرسون للتغييب وقساوسة يقولون ماال يفعلون‪.‬‬ ‫حلّقوا بأجنحتهم عال ًيا آملني بأنّهم يو ًما ما سينجحون فيام فشل فيه جدودهم ورعيلهم األ ّول‪ ،‬ولكن هيهات فام أشبه‬ ‫يتغي فقط سوى األسامء‪ ،‬وكأن بالدنا ال تعشق سوى الخراب‪ ،‬وال متيل لرائحة الزهور‪ ،‬بل تستميت‬ ‫الليلة بالبارحة‪ ،‬ومل ّ‬ ‫عىل الدمامة وتدمن عىل املرذوالت‪.‬‬ ‫عجزوا عن التغيري‪ُ ،‬صدموا بك ّم الرطانة والخباثة‪ ،‬أيقنوا أننا نحيا وسو ًما ال رسو ًما‪ ،‬وأ ّن كل ما أنتجوه وما حاربوا من‬ ‫أجله سيبقي حبيس األضابري و سجني السطور بني مطرقة اإلدراك وسندان العجز تجولوا يف دنيانا‪ ،‬منهم من قدر فاغتنى‪،‬‬ ‫ومنهم من مل يقدر فانزوى‪ ،‬لكن أفكارهم بيننا حي ٌة و ريادتهم مل ولن تخبو‪.‬‬ ‫داء الثقافة دا ٌء انتقا ٌّيئ ال يصيب كل عقلٍ فهو‬ ‫يختارويدقّق و يرتبّص مرتقّ ًبا منتظ ًرا النبتة‬ ‫الجديدة الصحيحة لحمل الشّ علة التنويرية‪،‬‬ ‫جحيم‬ ‫يغرس أنيابه يف العقل ف ُيحيل الحياة‬ ‫ً‬ ‫تكف ترقص طربًا عيل روحها‬ ‫ويجعلها ال ّ‬ ‫املستباحة كل يوم‪ ،‬وبهذا تستطيع أن تفهم‬ ‫الفرق الكيفي والعددي بني أصحاب اللّحى‬ ‫من العامئم املهرتئة أو الصلبان املحمولة وبني‬ ‫الفالسفة واملفكّرين‪ ،‬هؤالء يف تز ٍ‬ ‫ايد وهؤالء‪...‬‬ ‫للقارئ أن يعرف ‪.‬‬

‫‪102‬‬


‫بني اإلدراك والعجز‬ ‫‪Hunger mind‬‬

‫تكف عن الوالدة‪ ،‬والدة‬ ‫لكن ما أو ّد تأكيده هو أ ّن التلقيح باملني القذر يجعل بالدنا دو ًما فاتح ًة فخذيها‪ُ ،‬حبىل ال ّ‬ ‫املسوخ‪.‬‬ ‫يقرؤون‪ ،‬يعرفون‪ ،‬يبحرون يف متون الكتب‪ ،‬رفوف الرتاث‪ ،‬يستقون التّجارب ويج ّددون اله ّوية ويسلّطون األضواء عيل‬ ‫مواطن ال ّداء و مكامن العلّة ويرسمون لنا خارطة الطريق تار ًة ضم ًنا وتار ًة رصاح ًة‪ ،‬تار ًة بقصيد ٍة وتار ًة بلوح ٍة رسيالي ٍة‬ ‫أو بأيقون ٍة موسيقي ٍة‪ ،‬أو حتى بدر ٍ‬ ‫اسات أكادمي ّي ٍة تُوصف أحيانًا بالتجريد والعمق الذي ال يستسيغه الكل‪.‬‬ ‫بني سندان اإلدراك ومطرقة العجز يحيا مفكّرونا‪ ،‬ولذا تدور الرحى عليهم باك ًرا‪ ،‬فتطحنهم حتي يتالشوا ويبقي بيننا دو ًما‬ ‫ٍ‬ ‫ونهب ‪ ،‬وعي مزيف‪ ،‬ثقاف ًة‬ ‫فقط العقي األحذية وكذّايب الزفّة‪ .‬رصاعاتهم عىل‬ ‫سلب ٍ‬ ‫جبهات شتّى‪ ،‬نظا ٌم فاس ٌد‪ ،‬حكومات ٍ‬ ‫السب‪.‬‬ ‫عرجاء‪ ،‬قدوة معيبة ‪ ،‬ببساطة كانوا دوما يغ ّردون خارج ّ‬ ‫أفس األمر بالعناية اإللهية‪ ،‬فكام ُجبلت جيناتهم عىل العلم عشقًا وعىل املعرفة إدمانًا‪ ،‬فالبد أن تتوالّهم رحم ٌة‬ ‫أحيانا ّ‬ ‫الضارة التي تنموا يف نفوسهم من كرثة‬ ‫الصاع الّذي سحق عظامهم‪ ،‬تستأصل روح األعشاب ّ‬ ‫ما لتخفّف عنهم وطأة ّ‬ ‫مثل عىل عبدالله‬ ‫مثل أ ّن من رفع دعوى الحسبة ً‬ ‫اإلحباطات والصدمات والعراقيل(املعنوية و املادية) ولك أن تتخيل ً‬ ‫أي عبث نحيا فيه؟‬ ‫القصيمي كان ماسح أحذي ٍة أو ّ‬ ‫قصاب‪ّ ...‬‬

‫‪103‬‬


‫بني اإلدراك والعجز‬ ‫‪Hunger mind‬‬

‫ظل حيا ٍة‬ ‫ورغم كوين ال أميل إىل التّفسريات امليتافيزيق ّية‪ّ ،‬إل أنّني ال استطيع ّإل أن أتعاطى مع تلك املفرمة الفكريّة يف ّ‬ ‫بحق‪.‬‬ ‫كحياتنا ويف أوطانٍ كأوطاننا‪ ،‬إن صح أن نقول أ ّن يف بالد العرب حيا ٌة أو مفهو ٌم للوطن ّ‬ ‫رس تخلّفنا؟ عن مكمن تأخرنا وكوننا يف الذيل دوماً؟ هل وضعتم مفكرينا العظام بني‬ ‫هل سألتم أنفسكم ولو مل ّر ٍة عن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫صمت‬ ‫دفتي اإلدراك والعجز وتركتم لخيالكم العنان؟ ملاذا يتشاركون نفس الداء األخري الذي يفتك بهم؟ ملاذا ينزوون يف‬ ‫ْ‬ ‫أقرب إيل العدمية؟‬ ‫اقرؤوا عن موت محمود درويش‬ ‫كيف رحل عبدالله القصيمي‬ ‫ما الّذي واجهته تسليام نرسين‬ ‫أما عن الصحف ّية الصومالية آيان هاريس ‪ -‬وإن كانت ما زالت حي ًة بيننا‪ -‬فح ّدث وال حرج‪,‬‬ ‫والقامئة تطول‪ ،‬ويبقى السؤال ‪:‬‬ ‫أال ترون يف وداعهم ورحيلهم كآب ًة مطعم ًة بابتسام ٍة‬ ‫كآب ٌة عىل عمرهم وفكرهم وروحهم التي ضاعت هد ًرا‪ ،‬وابتسامة أىس عىل مدى العبث املتجذّر يف نفوسنا ومدى رضانا‬ ‫بحيا ٍة أح ّط من حياة البهائم يف املراتع‪.‬‬ ‫أخربوين بصدقٍ ‪ ،‬أمل يدر سؤايل يف أذهانكم ولو عاب ًرا ؟؟‬ ‫أخربوين وأنا يف انتظار أجوبتكم‪ ،‬هل ألنهم أدركوا أم ألنهم عجزوا؟‬

‫‪104‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup

105


‫ماذا لو ‪ ..‬وما املانع‬ ‫فنظرية البنليفوص تفرض نفسها‬

‫‪John Silver‬‬

‫فرضية البنليفوص ‪:‬‬

‫حشائش فقط‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫«يُحىك أ ّن جزير ًة اسمها البنليفوص‪ ،‬ت ُوجد يف الال مكان وتسكنها الرباغيث الال مرئ ّية‪ ،‬ويف هذه الجزيرة‬ ‫ٍ‬ ‫برشي أو حيوانٍ أو حرشات‪ ،‬وهذه الرباغيث‬ ‫بجسم‬ ‫برغوث يقف عىل ورق ٍة من الحشائش يقوم بالتحكّم املبارش‬ ‫وكل‬ ‫ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫وكل فرت ٍة تنبت حشيش ٌة يقفز لها برغوثٌ‬ ‫عددها كب ٌري ج ًدا لدرجة أن الحشائش ال تكفيها‪ ،‬وهي تنتظر الحشائش لتنمو ّ‬ ‫طفل جديد‪.‬‬ ‫ويُولد ٌ‬ ‫شخص شاهدته سابقًا‪ ،‬وما السبب إال أ ّن نفس الربغوث الذي تحكم يف إنسان أو‬ ‫تحس أ ّن هناك ٌ‬ ‫موقف أو ٌ‬ ‫لذا أحيانًا ُّ‬ ‫حيوان قبلك مات وقفز الربغوث عىل ورقة جديدة ليتحكم بجسمك»‪.‬‬ ‫هذا كان منشو ٌر رددت به عىل م َّدعي الروح‪ ،‬فدعوين اسرتسل ألفرس وارشح ‪..‬‬ ‫شخص ما مبالحظة ظاهر ٍة ما‪ ،‬فانه من الطبيعي أن يبدأ بالبحث عن األسباب التي أ ّدت لتلك الظاهرة‪،‬‬ ‫عندما يقوم‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫فرضيات ويقوم باختيارها قدر اإلمكان‪ ،‬ولكن قبل أن يضعها‪ ،‬عليه جمع الدالئل واملالحظات حتى‬ ‫وبالتايل يبدأ بوضع‬ ‫ملم مبا سبقه الناس‬ ‫قبل أن يفكّر يف هذه الفرضيات‪ ،‬حتى ال يقع يف فخ االنحياز التأكيدي‪ .‬وقبل كل هذا‪ ،‬عليه أن يكون ً‬ ‫أساس‬ ‫واملفكرين إليه‪ ،‬واألسس التي وضعت لتفسري العوامل األساس ّية التي تؤدي إىل تلك األسباب‪ ،‬والتي هي بدورها ٌ‬ ‫للظاهرة‪ ،‬مبعنى أنه عليه االملام بشكلٍ كاملٍ بعوامل الحادثة قيد التجربة‪ ،‬فعندما يجمع أكرب ك ٍّم من العينات ويضعها‬ ‫تحت الفحص‪ ،‬وبعد أن يربط األفكار والقرائن‪ ،‬يبدأ بوضع الفرضيات‪.‬‬ ‫‪106‬‬


‫نظرية البنليفوص‬ ‫‪John Silver‬‬

‫الفرضيات ال تأيت جزافًا وال يتم وضعها اعتباط ًيا بحسب املزاج أو كالم أحدهم‪.‬‬ ‫عندما يتم اكتشاف عقار أو دواء ملرض ما‪ ،‬ال يبدأون بالتجارب وحقن الفرئان باملرض ومن ثم دهن جسمها بامللح لريوا‬ ‫وكل يُج ِّرب عىل كيفه‪ ،‬املوضوع يتم‬ ‫التأثري‪ ،‬أو غمس منخرها بالزعرت لنالحظ ما يحدث‪ ،‬املوضوع ليس مصطبة فجل ٌّ‬ ‫بدراسة الرتكيب والرتاكيب املضادة‪ ،‬ومن ث ّم محاولة بناء عقا ٍر يؤدي تلك الوظائف‪.‬‬ ‫باملقابل‪ ،‬يقوم أصحاب العلوم الزائفة بالقفز ال الفرت ٍ‬ ‫اض‪ ،‬بل لحقيق ٍة ي َّدعوها‪ ،‬ويبدأون مبحاولة ربط أكرب ك ٍّم‬ ‫من الدالئل املمكنه إلثباتها‪ ،‬وطب ًعا مع جهل املتلقي من جه ٍة باملوضوع‪ ،‬وجهلهم من جهة أخرى‬ ‫أي معضلة‪ ،‬وبالتّايل تظهر لدينا تفاس ٌري وتربيراتٌ ونتائج‬ ‫باألسس العلمية املفروضة ِّ‬ ‫لحل ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫لكوارث أو وف ّيات‪.‬‬ ‫فاشلة‪ ،‬وتؤدي يف الغالب‬ ‫قد يتسائل أحدكم ما عالقة هذا بالروح؟ وما الربط بينه وبني الغيب؟‬ ‫العالقة واضحة‪ ،‬إن من ا ّدعى وجود هذا الكيان املسمى الروح‪ ،‬وضع‬ ‫فرضي ًة جوفاء ال أساس لها‪ ،‬وبدأ مبحاولة ربطها بالحقائق واملشاهدات‬ ‫التي تحصل للبرش‪ ،‬فألّف موضوع اإلسقاط النجمي وموضوع مغادرة‬ ‫لب أسلوب العلوم الكاذبة‪.‬‬ ‫الروح بعد املامت عىل هذا األساس‪ ،‬وهو ّ‬ ‫وألكون معه يف نفس القارب العبثي‪ ،‬طرحت له فرضية جزيرة‬ ‫البنليفوص التي تقوم عىل نفس املنهجية التي يعتد بها عند تقدميه‬ ‫لفكرة الروح‪ ،‬املوضوع هو محاول ٌة إلظهار العور يف الطرح وتبيان أنّه‬ ‫أي أساس‪.‬‬ ‫ال يعتمد عىل ِّ‬ ‫مبثل هذا األسلوب يُق ّدم م ّدعوا االعجاز العددي وعبقرية الرقم ‪ ٧‬والرقم‬ ‫أي‬ ‫‪ ١٩‬ما ي َّدعون‪ ،‬فهم يبدأون بالتحليل الكالم الذي يعتربونه‬ ‫مقدسا بدون ِّ‬ ‫ً‬ ‫أساس‪ ،‬وغال ًبا ما يكون هناك كذبًا يف الطرح ويف الدالئل الرقم ّية‪ ،‬ولكن حتى‬ ‫لو مل يكن هناك كذب‪ ،‬وكانت هذه األرقام صحيح ًة مئة باملئة‪ ،‬فهي ال تعني أب ًدا‬ ‫أي منهجي ٍة واضح ٍة يف استنباط‬ ‫ص ّحة الفرضيات التي ا ّدعوها‪ ،‬ألنّها ال تعتمد عىل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومتشابهات وربطها بحوادث‬ ‫مطابقات‬ ‫القرائن والدالئل‪ .‬الفكرة ببساطة أنّه بحثٌ عن‬ ‫ٍ‬ ‫وأفالك ومواد‪ ،‬وهذا هو الدجل بعينه مهام تراكبت معهم أمو ٌر صحيح ٌة‪ ،‬فهي تكون عبار ًة‬ ‫ورمو ٍز‬ ‫ٍ‬ ‫مشاهدات وليست دالئل‪ ،‬ألنّها ال تدل ّإل عىل صحة وجودها‪ ،‬إن ُوجدت‪.‬‬ ‫عن‬ ‫‪107‬‬


‫نظرية البنليفوص‬ ‫‪John Silver‬‬

‫اذًا‪ ،‬ماذا لو وجدنا يف قصة البؤساء أن عدد االحرف (ب‪ ،‬ن‪ ،‬ل‪ ،‬ي‪ ،‬ف‪ ،‬و‪ ،‬ص) متساوي‪ ،‬وأنّه يساوي عدد البيوض التي‬ ‫تضعها الربغوثه األم يف السنه‪ ،‬وأنّه يساوي عدد الخاليا املوجودة يف كل سنتمرت من ورقة من نبات النجيل‪ ،‬وأنّه برضب‬ ‫ٔيضا أنه يف كل صفح ٍة من الكتاب يوجد عد ًدا‬ ‫عدد كلامت القصة يف ‪ ١٧‬يظهر لنا البعد بني األرض والقمر بامليل‪ ،‬وا ً‬ ‫ٔيضا‪.‬‬ ‫متساويًا من الكلامت التي تحوي عد ًدا متساويًا من هذه األحرف‪ ،‬وتحوي عد ًدا متساويًا من األحرف ا ً‬ ‫و وجدنا اآلالف غريها من املتطابقات‪ ،‬وأخ ًريا‪ ،‬قدم أحدهم طر ًحا عجي ًبا‪ ،‬بأ َّن عدد صفحات الكتاب هو املدة بالسنني‬ ‫بني زلزال بدرجة ‪ ١٢‬عىل مقياس رخرت حدث يف التاريخ‪ ،‬والزلزال الذي حدث بعده بنفس الدرجة‪ ،‬والزلزال الثالث الذي‬ ‫فعل؟ وأ َّن فيكتور هوغو قد تبني‬ ‫سيحدث بعد نفس العدد من السنني‪ ،‬هل يعني هذا أ َّن جزيرة البنليفوص موجود ٌة ً‬ ‫رسي‪ ،‬وأ َّن الزلزال سيحدث‪ ،‬وماذا إن حدث؟‬ ‫له أ َّن الجزيرة موجود ٌة ود َّون هذا يف الكتاب بشكلٍ ِّ‬ ‫أبدأ بافرتاض وجود هذه املشاهدات املذهلة‪ ،‬وأقول بأنها تفتح بابًا للتساؤل عن سبب وجودها‪ ،‬هي مطابقاتٌ وجدناها‬ ‫وأذهلتنا‪ ،‬ولكنها ال تدل عىل يشء سوى أنّها موجودة‪ ،‬حتى إن وقع الزلزال يف نفس اليوم املذكور يف الطرح‪ ،‬فهذا يُعترب‬ ‫دليل عىل وجود الجزيرة املذكورة‪.‬‬ ‫وعظيم يستوجب الدراسة‪ ،‬ولكنه أب ًدا ليس ً‬ ‫مذهل‬ ‫ً‬ ‫أم ًرا‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ :‬ما هو الدليل الذي تريده عىل وجود الجزيرة؟‬ ‫هم‪ :‬أال ترى أنّك ت ُعاند فقط من أجل العناد؟ وقيل يل ً‬ ‫ُسئلت سؤالً ُم ً‬ ‫نعم هنا تكمن املشكلة‪ ،‬أنت عزيزي من افرتض عبثًا وجود الجزيرة‪ ،‬وبدأت مبحاولة جمع املشاهدات لتثبت بها‬ ‫وجودها‪ ،‬ولكن لألسف أنت أثبتت وجود املشاهدات التي ال عالقة لها بلب املوضوع والذي هو وجود الجزيرة‪.‬‬ ‫نحن كبرش تستهوينا املغامرة واألرسار‪ ،‬ويستهوينا الغموض واألحاجي‪ ،‬وهذا هو ما انشأ الحضارة‪ ،‬فدوما نحاول ّ‬ ‫فك‬ ‫هذه األحاجي‪ ،‬ولكن عندما نق ّدم الطرح فعندنا خطان‪ :‬األول يف استنتاج الدليل من املشاهدات‪ ،‬والثاين يف اثبات الطرح‬ ‫عن طريق البحث عن املشاهدات‪.‬‬ ‫و اعذرين عزيزي الباحث الدؤوب‪ ،‬فأنا تستهويني الحالة األوىل‪ ،‬ولن اقتنع بالثانية مهام بلغت املطابقات‪ ،‬أل ّن النتيجة‬ ‫ٍ‬ ‫مطابقات مهام بلغت دقتها إن مل ُّ‬ ‫رش‬ ‫عندك وأنت تبحث عن إثباتها بأمو ٍر ال عالقة لها بها‪ ،‬بل هي مج ّرد‬ ‫تدل بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫دليل عىل يشء‪.‬‬ ‫جميل يدعونا للبحث عن حلٍ له‪ ،‬وال تشكل ً‬ ‫عىل املوضوع املنوط بالطرح‪ ،‬فهي تشكل لغ ًزا ً‬ ‫ٔيضا موضو ًعا آخر‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫سؤال ال أتوقع أ ّن املؤمن سيخطر له‪ ،‬ألن تفكريه مق ّي ٌد‪ ،‬ولكن ولألمانة نطرح هذا‬ ‫أطرح ا ً‬ ‫التساؤل‪ :‬أال ترى أ ّن التطور نتج عن جمع املطابقات واألمور املتشابهة يف الكائنات‪ ،‬إذًا وبنفس املنطق التطور ليس‬ ‫دليل عىل يشء!‬ ‫ً‬ ‫‪108‬‬


‫نظرية البنليفوص‬ ‫‪John Silver‬‬

‫هنا عزيزي القارئ يجب أن نرى عىل ماذا تدل هذه املتطابقات‪ ،‬انها تدل عىل تطابقها وتشابهها‪ ،‬وهذا هو التطور‪ ،‬اذًا‬ ‫التطور يقول أ ّن هناك تد ُّر ٌج يف الرتاكيب الوظيفية والجسامنية بني الكائنات الح ّية‪ ،‬وهذا يعني أ ّن جذرها واح ٌد‪ ،‬ونحن‬ ‫مثل‪ ،‬بل قمنا بطرح أ ّن التطابق ُّ‬ ‫يدل عىل األصل‬ ‫مل نقفز جزافا من هذه التطابقات إىل أ ّن السمكة كانت تتكلم ولها لغ ٌة ً‬ ‫املشرتك‪ ،‬وبعدها جاء علم الوراثة ليؤكد عىل هذا الطرح‪ ،‬بان هناك تطابق وتد ُّر ٌج يُشري إىل أصلٍ مشرتك ال أكرث وال أقل‪،‬‬ ‫وبدأنا بالتحليالت ودراسة املستحاثات والتي كانت تق ّدم هذا التطابق عىل أنّه حقيقة‪ ،‬وهذا هو بيت القصيد‪ ،‬ولو ظهر‬ ‫أي موضو ٍع أو ٍ‬ ‫غي يف املفهوم العام للتطور‪ ،‬فستجد العلامء والباحثني كافة ينهالون عىل هذا‬ ‫ً‬ ‫مستقبل ّ‬ ‫بحث يُع ِّدل ويُ ِّ‬ ‫االمر ويظهرونه للعوام‪ ،‬ويبدأون بدراسته واستنتاج قوانني جديدة من هذه الدالئل معتمدين عليها دون غريها‪ ،‬ولن‬ ‫يُخفوا األمر كام يفعل م َّدعوا اإلعجازات والعلوم الكاذبة‪.‬‬

‫استنتاجات واقرت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عندما يكتب أي ٍ‬ ‫احات ألسئل ٍة مل يستطع هو الرد عليها يف‬ ‫مقال علم ًيا‪ ،‬يضع يف نهايته‬ ‫باحث يف العلوم ً‬ ‫ٍ‬ ‫البحاث قادم ٍة يقوم بها هو أو غريه‪ ،‬وهنا نالحظ األمانه العلم ّية‪ ،‬أما عند الطرف اآلخر‪،‬‬ ‫بحثه‪ ،‬لتكون أفكا ًرا ومواضي ًعا‬ ‫أي أساس‪ ،‬فرنى الخبل يف العلوم الكاذبة واالعجاز الذي ما يلبث‬ ‫في َّدعي املعرفة املطلقة بكافة األمور‪ ،‬ويستنتج دون ِّ‬ ‫أن يتضح زيفه وفشله كل مرة‪.‬‬

‫اذا ماذا نستنتج؟‬

‫دليل عىل جهلنا به ليس ّإل‪.‬‬ ‫نستنتج أ ّن جهلنا مبوضو ٍع ما‪ ،‬هو ٌ‬ ‫‪109‬‬


‫نظرية البنليفوص‬ ‫‪John Silver‬‬

‫ٍ‬ ‫الستنتاجات عبثي ًة‪ ،‬فمهام بلغت دقة املشاهدات‪ ،‬تبقى‬ ‫عندما ترى مشاهدات وتبدأ بجمعها كن حياديًا وال تقفز‬ ‫مشاهداتٌ ال أكرث‪.‬‬ ‫يجب أن ندعم االستنتاج دو ًما بدليلٍ ُّ‬ ‫دليل‬ ‫يدل عليه دون غريه‪ ،‬ويكون بحجم االدعاء وال يحمل مغالطة‪ ،‬واال فهو ليس ً‬ ‫عىل الطرح‪.‬‬ ‫ما هو الدليل؟‬ ‫ ‬‫ال اعلم‬ ‫ ‬‫كيف سنجده؟‬ ‫ ‬‫املوضوع منوط بك فأنت من ق ّدم الفرضية‪ ،‬وأنت من ت َّدعي وجود الجزيرة يف الالمكان‪ ،‬إذًا تح ّرك وأحرض دليالً‪ ،‬وكفاك‬ ‫ٍ‬ ‫متطابقات ال ُّ‬ ‫تدل ّإل عىل تطابقها‪.‬‬ ‫بحثًا عن‬

‫‪110‬‬


111


‫كيف دفع تنظيم‬ ‫داعش املسلمني‬ ‫لرتك اإلسالم‬ ‫‪Serene Nina‬‬ ‫‪How ISIS Drives Muslims From Islam‬‬ ‫‪Thomas L. Friedman‬‬ ‫‪DEC. 6, 2014‬‬ ‫ترجمة عربية ملقال نرش يف صحيفة نيويورك تاميز يتناول تأثري تنظيم داعش عىل الشباب العريب‪ ،‬وجرأتهم يف التعبري‬ ‫عن أنفسهم عرب وسائل االتصال‪ ،‬حيث تط ّرق لرفضهم تطبيق الرشيعة‪ ،‬وبرنامج الزميل اسامعيل محمد "البط األسود"‬ ‫وشبكة امللحدين العرب مع إرفاق رابط خاص مبجلة امللحدين العرب وكافة أعدادها‬ ‫احتجاج ملرصيني يف القاهرة االسبوع املايض‪ ،‬الشباب املسلم يف العامل العريب بدأ بالكالم بجرأة يف مواقع االنرتنت‪.‬‬ ‫لقد نجحت الدولة االسالميّة بشكلٍ ٍ‬ ‫الفت يف جذب الشباب املسلم من شتى بقاع األرض‪ ،‬من أجل تأسيس الخالفة‬ ‫االسالم ّية يف العراق وسوريا‪ .‬وبينام يطفو هذا الحدث عىل السطح‪ ،‬هناك ر ّدة فعلٍ معاكس ٍة خف ّية تحدث عىل اإلنرتنت‪،‬‬ ‫من طرف الشباب الرافضني للحكومة االسالمية أو ما يعرف بالرشيعة االسالمية‪ ،‬بل إ ّن من هؤالء الشباب من أعلن‬ ‫بكل شجاع ٍة عن الحاده‪ .‬تقول نادية العودة‪ ،‬عضو ٌة سابق ٌة بأخويّة أمريكا الجديدة‪ ،‬واملتتبعة الستعامل الشباب العرب‬ ‫لإلنرتنت‪ ،‬تقول عن الظاهرة‪« :‬انها تتنامى كالفطر‪ -‬فوحشية التنظيم االسالمي فاقمت القضية ونأت بالكثريين بعي ًدا‬ ‫عن االسالم»‪.‬‬

‫‪112‬‬


‫كيف دفع تنظيم داعش‬ ‫املسلمني لرتك اإلسالم‬

‫‪Serene Nina‬‬

‫مقال عن نزع ٍة جديد ٍة عىل تويرت‪ .‬لقد افتتحت املوضوع بالقول‪:‬‬ ‫يف الرابع والعرشين من نوفمرب نرش موقع قناة ‪ً BBC‬‬ ‫للتخل عن فكرة تطبيق الرشيعة‬ ‫ّ‬ ‫«هناك محادثاتٌ عىل مواقع التواصل االجتامعي الناطقة باللغة العربية تدعو‬ ‫حس ًاسا يف العديد من الدول السالمية‪ ،‬أما عىل‬ ‫االسالمية‪ ،‬أو القانون االسالمي»‪ .‬إ َّن مناقشة التعاليم الدينية يُع ّد موضو ًعا ّ‬ ‫تويرت‪ ،‬فالتغريدة القائلة‪« :‬ملاذا ترفضون تطبيق الرشيعة االسالمية؟» قد تكررت حوايل ‪ 5000‬م ّرة خالل أربع وعرشين‬ ‫كل من مرص والسعوديّة‪ ،‬ومحور النقاش دامئًا هو مدى قابلية الرشيعة للتاميش مع‬ ‫ساعة‪ .‬ويحتد الجدل بكثاف ٍة يف ٍّ‬ ‫احتياجات الدول العربية الحديثة وموافقتها للنظم الترشيعية املعارصة‪ .‬فعىل سبيل املثالن غ ّردت الدكتورة علياء جاد‬ ‫كنظام سيايس»‪.‬‬ ‫املقيمة بالسويد‪« :‬ليس لدي أي يشء ضد الدين»‪ ،‬ولكنها رصحت لـ‪ BBC‬بأنّها ضد «استعامله‬ ‫ٍ‬ ‫أضافت ‪ « :BBC‬انض ّم الكثريون للنقاش بتغاريدهم‪ ،‬معددين األسباب التي من شأنها اقناع العرب واملسلمني برضورة‬ ‫مثال واح ًدا ايجاب ًّيا يُقتدى به يف العدل واملساواة»‪،‬‬ ‫نبذهم للرشيعة االسالمية»‪ ،‬فقد غ ّرد أحدهم بقوله‪ « :‬ليس هناك ً‬ ‫كام علقت مغردة سعودية‪« :‬إ ّن انصياعنا للرشيعة يعني انصياعنا للقوانني الالانسانية‪ ،‬فالدولة العربيّة السعوديّة غارق ٌة‬ ‫يف دماء أولئك الذين أعدموا باسم الرشيعة»‪.‬‬ ‫اسامعيل محمد‪ ،‬ناشط مرصي‪ ،‬ك ّرس نفسه للدفاع عن حرية الفكر‪ ،‬حيث أسس برنام ًجا سامه‪" :‬البط األسود" ‪Black‬‬ ‫‪ ،Ducks‬موفرا فيه مساح ًة يستطيع من خاللها الالدينيون وامللحدون العرب التعبري بحريّ ٍة عن حقهم يف اختيار‬ ‫خصوصا ضد املرأة من طرف السلطات الدينية‪ .‬يُع ُّد اسامعيل‬ ‫معتقداتهم‪ ،‬وحقهم يف مقاومة كل أشكال االكراه والقمع‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا عض ًوا يف شبكة امللحدين العرب ‪ Arab Atheists Network‬التي تنمو باستمرار‪ .‬وملن يريد االطالع عىل‬ ‫محمد ً‬ ‫املزيد من أخبار العرب التي يكتبها العرب بأنفسهم‪ ،‬عليه مبوقع ‪.freearabs.com‬‬ ‫الخاصة عىل اليوتيوب‪ ،‬ليبعث برسائله مناديا‬ ‫هناك صوتٌ آخر يسرتعي االنتباه‪ ،‬إنّه صوت األخ رشيد‪ ،‬الذي أنشأ شبكته‬ ‫ّ‬ ‫وعارضا أمثل ًة عن التعصب والعنرصية من املجتمع االسالمي الذي كان ينتمي إليه (فقد أخربين أنه اعتنق‬ ‫للتسامح‬ ‫ً‬ ‫مفضل "اله املحبة")‪.‬‬ ‫ً‬ ‫املسيحية‪،‬‬ ‫يف تسجيل خاص به عىل اليوتيوب‪ ،‬حصد ‪ 500,000‬مشاهدة‪ ،‬خاطب األخ رشيد الرئيس أوباما‪« :‬عزيزي السيد الرئيس‪،‬‬ ‫أي دين‪ .‬دعني أقول لك أنني مسل ٌم سابق‪،‬‬ ‫عيل أن أخربك بأنك ُمخطى ٌء بشأن داعش‪ .‬لقد قلت بأن داعش ال متثل َّ‬ ‫بكل ثق ٍة بأ َّن داعش هي االسالم‪ .‬الـ ‪10.000‬‬ ‫وأيب إمام‪ .‬لقد قضيت أكرث من عرشين سن ٍة أدرس االسالم‪ ،‬وأستطيع الجزم ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫مشرتك واحد‪ ،‬أال وهو االسالم‪ .‬إنهم يقتدون‬ ‫مجاهد فيها كلهم مسلمون‪ ،‬وقد جاؤوا من بلدانٍ متفرق ٍة يجمعهم قاس ٌم‬ ‫بنب ّيهم ُمح ّمد يف أدق التفاصيل‪ ،‬إنّهم يدعون للخالفة التي تعترب قلب تعاليم املذهب الس ّني االسالمي»‪.‬‬ ‫‪113‬‬


‫كيف دفع تنظيم داعش‬ ‫املسلمني لرتك اإلسالم‬

‫‪Serene Nina‬‬

‫سيايس‪ ،‬ولتس ّمي األشياء مبسمياتها‪:‬‬ ‫ويكمل األخ رشيد‪« :‬أطلب منك سيدي الرئيس‪ ،‬بالتوقف عن الترصف بدها ٍء‬ ‫ٍّ‬ ‫داعش‪،‬القاعدة‪ ،‬بوكو حرام‪ ،‬الشباب يف الصومال‪ ،‬طالبان‪ ،‬وأخواتها من املنظامت‪ ،‬كلها صناعة اسالمية‪ .‬مادام العامل‬ ‫االسالمي مل يعزل الدين عن الدولة‪ ،‬لن تنتهي هذه الد ّوامة أب ًدا‪ ،‬كيف تظنون أ ّن املشكلة ال تكمن يف االسالم؟ ملاذا إذًا مل‬ ‫مبسيحي من هؤالء املاليني التي تعيش بالرشق األوسط قد ف ّجر نفسه مستشه ًدا‪ ،‬رغم أنهم يقاسموننا نفس‬ ‫نسمع يو ًما‬ ‫ٍّ‬ ‫الظروف االقتصاديّة والسياس ّية‪ ،‬بل وأسوأ؟ سيدي الرئيس‪ ،‬إذا كنت جا ًدا يف محاربة االرهاب‪ ،‬فعليك بجذوره‪ ،‬كم من‬ ‫سعودي يدعو للكراهية؟ كم من قنا ٍة اسالمي ٍة ت ُعلّم الناس وتلقنهم العنف من القرآن واألحاديث؟ كم من مدرس ٍة‬ ‫شي ٍخ‬ ‫ٍّ‬ ‫اسالمي ٍة تخ ِّرج أجيالً من األساتذة والتالميذ الذين يؤمنون بالجهاد واالستشهاد يف محاربة الكفار؟»‪.‬‬ ‫رصا تكفرييًا مأخوذًا عن املدرسة‬ ‫عندما ت ّدعي داعش بأنّها تتحدث باسم املسلمني جمي ًعا‪ ،‬متبني ًة بذلك فك ًرا إسالم ًيا معا ً‬ ‫وممول بأموالها التي أنتجت خالصة املنطق السيايس املأخوذ به‪ ،‬فإنها بذلك تكشف ِ‬ ‫الستار عن‬ ‫ً‬ ‫الو ّهابية السعوديّة‬ ‫اإلحباط املُج ّيش يف العامل العريب اإلسالمي‪.‬‬ ‫يل أ ّن عد ًدا ال يستهان به من املسلمني‬ ‫كدخيلٍ عىل املوضوع‪ ،‬ال أستطيع الجزم مبدى انتشار هذه الظاهرة‪ ،‬لكن من الج ّ‬ ‫يشعرون بأن ُو ّعاظ السالطني والسلطويّات الهرم ّية الدين ّية ق ّدموا لهم نسخ ًة من اإلسالم ال تخاطب واقعهم؛ إذ حرمتهم‬ ‫أي مساح ٍة دينية لفهم الدين بطريق ٍة تخالف‬ ‫تلك السلطات الدينية من امتالك أدوات التفكري النقدي كام مل تعطهم ّ‬ ‫تلك التي لقّنوها لهم‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬فإن قل ٌة قليل ٌة كاألخ رشيد‪ ،‬تركت اإلسالم من أجل دينٍ آخر و َد َعت اآلخرين لالنضامم‬ ‫إليهم‪ ،‬يف حني يرفض البعض اآلخر فكرة الدين متا ًما وينفصلون عنها بعد أن ملّوا من نفاق السياسيني الغربيني أصحاب‬ ‫اللغة الناعمة الذين يحاولون أن يُفهموهم ما الذي ال ُيثله االسالم‪ ،‬كام ملّوا طغيان التنظيامت السلطويّة الدين ّية التي‬ ‫تنصب نفسها عليهم يف بلدانهم‪ ،‬والتي ال ّ‬ ‫تنفك تحاول أن ت ُفهمهم ما الذي ُيثله االسالم‪ .‬أ ّما اآلن‪ ،‬وقد خلق اإلنرتنت‬ ‫ّ‬ ‫مساحات حر ًة وآمن ًة وأرض ّي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات بديل ًة ملناقشة هذه املواضيع خارج املساجد ودور االعالم الحكومية‪ ،‬فان حرب األفكار‬ ‫قد اندلعت‪.‬‬ ‫رابط املقال األصيل‪:‬‬ ‫‪http://www.nytimes.com/2014/12/07/opinion/sunday/thomas-l-friedman-how-isis-drives‬‬‫‪muslims-from-islam.html?_r=0‬‬

‫‪114‬‬


‫معنى الحياة بني النزعتني اإللحاد ّية‬ ‫والدين ّية‬ ‫ماري غزال‬ ‫كان وما زال معنى الحياة موضو ًعا‬ ‫يثري جدالً كب ًريا بني النزعتني‬ ‫اإللحاديّة والدين ّية‪ ،‬املثري لهذا‬ ‫الجدل هو السؤال املتبلّور حول‬ ‫حياة امللحد‪ ،‬باعتباره إنسانًا مج َّر ًدا‬ ‫كل الق ّيم الدين ّية التي ي ّدعي‬ ‫من ّ‬ ‫املؤمن أنها من َّزل ٌة من عند الله‪،‬‬ ‫فيتّخدها مرجعية عام ًة يف حياته‪،‬‬ ‫وي ّدعي بذلك أن فكرة الله تضفي‬ ‫معنى عىل الحياة‪ ،‬ودون الله تكون‬ ‫كل معنى‪،‬‬ ‫الحياة عبث َّي ًة خال َّي ٌة من ّ‬ ‫األسئلة التي ينبغي طرحها هنا‪ :‬ما‬ ‫الحياة أوالً؟ ما املغزى الحقيقي‬ ‫منها؟ ملاذا وكيف يجب أن تعاش؟‬ ‫ما الذي يُولِّد الشعور بالعبث؟ فإذا‬ ‫كانت الحياة عبث َّي ٌة فهل فكرة الله‬ ‫أيضا‬ ‫تضفي عليها معنى أم أنها ً‬ ‫فكر ٌة ال تخلو من العبث؟ هل حياة‬ ‫امللحد تستحق أن ت ُعاش‪ ،‬وما الذي‬ ‫يدفعه إىل البقاء فيها؟‬ ‫ٌ‬ ‫مقال واح ٌد ال يكفي ملناقشة هذا‬ ‫الجوهري‪ ،‬لكن سأكتفي‬ ‫املوضوع‬ ‫ّ‬ ‫فقط بالرتكيز عىل بعض النقط‬ ‫الرئيس ّية‬ ‫‪115‬‬


‫معنى الحياة بني النزعتني اإللحاد ّية‬ ‫والدين ّية‬ ‫ماري غزال‬

‫بعي ًدا عن الرؤيا املثال ّية الخيال ّية واألحالم الورديّة‪ ،‬إذا نظرنا إىل الحياة برؤي ٍة موضوع ّي ٍة سنجد أن العدم ّية والعبث ّية قدرنا‬ ‫وكل معنى نحاول خلقه ليس سوى ٍ‬ ‫كبلسم لنلطِّف به هذا الجرح العميق‬ ‫زيف أو كذب ٍة نتّخذها‬ ‫الذي ال مفر منه‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ونتجاهل هذه الحقيقة املروعة‪ ،‬فامذا عن فكرة املطلق (الله)؟ أليست بالكذبة الكربى ول ُّب العبث؟ أليس الله نفسه‬ ‫أيضا ؟ الحياة عبث ّي ٌة وفكرة الله ليست سوى‬ ‫عدم ّياً ووجود هذا الكون كذبته املبتدعة ليتجاهل هو نفسه هذه الحقيقة ً‬ ‫ٍ‬ ‫انعكاس لهذه العبث ّية‪ ،‬بل الفكرة األكرث عبثاً! وإال فام الغاية من أن يوجد الله نفسه ويخلق هذا الكون؟ فإذا كانت‬ ‫األديان تق ّر أن هذه الغاية تتمثّل يف أن ميتحن الله خلقه‪ ،‬فتكون النهاية‪ :‬الجنة أو النار لكن نتساءل ماذا بعد؟! ماذا‬ ‫حقّق الله وما غايته من كل ذلك؟ أسئل ٌة ساذج ٌة تقليديّ ٌة لكن ينبغي طرحها يف هذا الصدد‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫انعكاس لتص ّورات‬ ‫لربا تطلّب األمر حتّى نجيب عىل هذه األسئلة أن ندرس سيكولوج ّية الله‪ ،‬التي بدورها ليست سوى‬ ‫ّ‬ ‫قوي‪ ،‬اإلنسان عاج ٌز إذا ً الله ذو قدر ٍة مطلق ٍة‪،‬‬ ‫ومتثّالث اإلنسان‪ ،‬إذ يُ ْسقط عكس صفاته عىل الله‪ ،‬اإلنسان‬ ‫ٌ‬ ‫ضعيف إذا ً الله ّ‬ ‫ٍ‬ ‫صفات مميزةً‪.‬‬ ‫هكذا أبدع اإلنسان يف خلق الله‪ ،‬وأطلق عليه‬ ‫ال عزاء للملحدين هكذا يتكلّم أصحاب الديّانات‪ ،‬ي ّدعون أن حياة امللحد ال قيمة وال طعم لها يف غياب الله‪ ،‬لكنهم‬ ‫املادي‪ ،‬فمن‬ ‫كل األوجه امليتافيزيق ّية وغلق أفواهها ومتجيد العامل‬ ‫بذلك يجهلون معنى أن يحيا املرء‪ ،‬فالحياة قمع ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل أشكال‬ ‫أجل أن يحيا املرء يجب أن يتصالح مع ذاته وطبيعته ويستجيب لرغباته‪ ،‬ويعيد االعتبار للجسد بعي ًدا عن ّ‬ ‫يعب عن ذلك ميشيل أنفراي بعبارته‬ ‫الزهد‪ ،‬دون التفكري يف كذبة الضمري التي خلقتها األديان؛ كذلك الق ّيم الزائفة‪ ،‬كام ّ‬ ‫األصح فيقول‪ :‬ال عزاء للمؤمن وليس‬ ‫عندما يتخاصم اإلميان مع قانون األسباب املالزمة‪ ،‬أي مع الذات تتصالح الفكرة‬ ‫ّ‬ ‫للملحد‪ ،‬فهذا األخري يؤمن بوجود حيا ٍة واحد ٍة فيعيشها‪ ،‬بينام املؤمن يحتقرها طمعاً يف حيا ٍة أخرى أبدي ٍة ال يشء يوحي‬ ‫إىل وجودها سوى األساطري‪ .‬فيكون تعذيب النفس وإعدامها وموتها مبثابة ارتقا ٍء! وأتساءل هنا كام يتساءل الفيلسوف‬ ‫أبيقور إذا كانت هناك حيا ٌة بعد املوت‪ ،‬فهل هناك حيا ٌة قبله؟ إذا كانت غاية اإلنسان هي السعادة‪ ،‬فاألجدر أن تتحقّق‬ ‫السعادة عىل هذه األرض ‪.‬‬ ‫فكرة الله واألديان مل تلعب سوى دو ٍر ٍ‬ ‫ولربا ستستم ّر هذه‬ ‫واحد يف سلب اإلنسان حياته‪ ،‬وجعله كائناً مازوشيّاً‪ّ ،‬‬ ‫وسيظل يحتقر املرء نفسه حتى بعد املوت إن افرتضنا أن هناك حيا ًة أخرى‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املازوش ّية‪،‬‬ ‫كنص أد ٍّيب) ملؤلفه ألكسندر نيهاماس‪ :‬هذه الحياة ـ حياتكم الخالدة‬ ‫أستحرض هنا عبار ًة من كتاب (نيتشه الحياة ٍّ‬ ‫كل ما يفصل بني من يؤمنون بهذه الحياة‪ ،‬وبني من ال يؤمنون بها‪ ،‬وقد استب ّدت بهم فكرة حيا ٍة أخرى أفضل‬ ‫إ ّن هذا هو ّ‬ ‫يف زمنٍ آخر ومكانٍ آخر‪ ،‬فهل سنكون آمثني إذا عشنا تلك الحياة كليّاً وبال ت ّح ٍ‬ ‫فظ؟ إنني أسأل نفيس‪ ،‬وهل ينبغي لنا أن‬ ‫نستسلم لنفس االبتزاز يف هذه الحياة املقبلة؟‬ ‫هرني جيمس مؤلف ً بيلرتافيو ً ‪..‬‬ ‫‪116‬‬


‫معنى الحياة بني النزعتني اإللحاد ّية‬ ‫والدين ّية‬ ‫ماري غزال‬

‫اإلميان لطاملا كان هروباً من الذات والعامل بدل مواجهتهام‪ ،‬عكس اإللحاد فهو الهروب من الذات والعامل للوقوع يف‬ ‫أعامق أعامقهام‪ ،‬وأؤكّد هنا عىل أن اإللحاد ليس عقيدةً‪ ،‬إمنا فطر ٌة سليم ٌة‪ ،‬والفطرة التي يولد عليها اإلنسان قبل أن‬ ‫يعتنق عقيد ًة مع ّين ًة‪ ،‬املؤمن حني يعجز عن فهم وإدراك العامل من حوله‪ ،‬ويعجز عن تخطّي عراقيل ومشاكل يصادفها‬ ‫كل الخضوع‪ ،‬ويف الخضوع‬ ‫كل ذلك إىل قوى غيب ّي ٍة باعتبارها املتحكّمة يف صريورته‪ ،‬فيخضع لها ّ‬ ‫يف حياته‪ ،‬فإنه يُ ْرجع ّ‬ ‫نفي وفناء الذات‪ ،‬بينام امللحد ال يعرتف سوى بوجود نفسه والعامل‪ ،‬ومهام حاول الهروب يسقط يف أعامقهام‪ ،‬فيكون‬ ‫ٌّ‬ ‫بذلك مسؤوالً عن حياته ومصريه ويسعى بشتى الطرق إىل مواجهة العامل وفهمه‪ ،‬لكن غالباً ما ينتهي هذا السعي بعج ٍز‬ ‫عميق‪ ،‬إذ كلام‬ ‫يف تفسري هذا العامل‪ ،‬ما يُولِّد الشعور بالغربة والعبث‪ ،‬هذا الشعور (الفراغ والالمعنى) هو نتاج وعي‬ ‫ٍ‬ ‫استيقظ وعي اإلنسان ات ّضحت له عبث ّية الوجود‪ ،‬هذا العبث إمنا ينتج عنه ارتقاء الوعي اإلنساين‪ ،‬كام وضح ذلك ألبري‬ ‫قص ٍة مأخوذ ٍة من امليثولوجيا اإلغريق ّية‪ ،‬بطلها سيزيف الذي تلقّى عقاباً‬ ‫كامو يف مقالته أسطورة سيزيف‪ ،‬التي تحيك عن ّ‬ ‫أبدياً من قبل اآللهة‪ ،‬يف أن يصعد بصخر ٍة ضخم ٍة إىل ق ّم ٍة جبلٍ ‪ ،‬ث ّم تسقط الصخرة ليصعد بها من جديد‪ ،‬هكذا يستم ّر‬ ‫القصة أبرز ألبري كامو عالقة اإلنسان بالعامل‪ ،‬وهي عالقة رصاعٍ‪ ،‬تنتهي القصة يف مت ّرد سيزيف عىل‬ ‫العقاب‪ ،‬يف هذه ّ‬ ‫القصة؛ ألنه استطاع‬ ‫اآللهة‪ ،‬فيصبح بذلك ح ّرا ً صاحب قراره ويرتقي فوق القدر‪ ،‬ويصور كامو سيزيف سعيدا ً يف نهاية ّ‬ ‫أن يدرك الصعوبات والظروف القاهرة التي مي ّر بها‪ ،‬بذلك يستطيع أن يتجاوزها‪ ،‬هنا يجد املرء أن املعنى قائ ٌم يف النزاع‬ ‫عميق من خالله‬ ‫القصة تنطبق عىل اإلنسان يف عالقته مع العامل‪ ،‬إذ يصبح العبث مصدر وعي‬ ‫ٍ‬ ‫بينه وبني العامل‪ ،‬هذه ّ‬ ‫يستطيع املرء أن يقاوم العامل‪ ،‬فريفض خيار االنتحار‪.‬‬ ‫طرح كامو أجوب ًة منطقي ًة يف كتابه (أسطورة سيزيف)‬ ‫ملعالجة مشكلة االنتحار‪ ،‬ويؤكّد أنه‪ ،‬وحتى لو كان اإلنسان‬ ‫ال يؤمن بوجود الله‪ ،‬فاالنتحار غري مرشوعٍ‪ ،‬فمثالً العدمي‬ ‫الذي يقول بعبثية الحياة‪ ،‬يتب ّنى بذلك موقفاً عقالنياً‪ ،‬هنا‬ ‫بالعدمي لتب ّنيه هذا املوقف‪ ،‬منه‬ ‫يستحيل أن يس ّمي نفسه‬ ‫ّ‬ ‫ندرك أ ّن العدم ّية نسب ّي ٌة وليست مبطلق ًة‪ ،‬ومن التناقض أن‬ ‫العبثي حكامً عقالنيّاً عىل الحياة مع إدراكه أنها ال‬ ‫يصدر‬ ‫ّ‬ ‫عقالن ّي ٌة‪ ،‬فيصبح موقفه خاطئاً هنا‪ .‬البديل الذي يقدمه‬ ‫كامو وسارتر وغريهام من الفالسفة يف مواجهة هذه الحياة‬ ‫هو األدب والفن‪ ،‬باعتبارهام القلم األحمر الذي يعمل‬ ‫عىل تصحيح هذا العامل‪.‬‬

‫‪117‬‬


‫معنى الحياة بني النزعتني اإللحاد ّية‬ ‫والدين ّية‬ ‫ماري غزال‬

‫شئنا أم أبينا فنحن قبل ذلك محكومون بغريزة البقاء‪ ،‬التي متنع اإلنسان من أن يضع ح ّدا ً لحياته‪ ،‬فتكون الحياة قدرنا‬ ‫أيضا‪ ،‬وإن كانت النظرات السوداويّة التي تفرضها علينا هذه الحياة تبعث فينا طابع العدم ّية‪ ،‬فهذه العدم ّية هي‬ ‫ً‬ ‫مع ٌرب نحو الوجود‪ ،‬ألن الوجود ال يتحقّق إال بالعدم‪ ،‬بذلك الالمعنى يتح ّول إىل معنى‪ ،‬نحن إذا ً لسنا بحاج ٍة إىل إل ٍه‬ ‫يبعث الحياة فينا‪ ،‬مل ولن يكون أساس الوجود البرشي‪ ،‬بل األساس هي اإلرادة التي ع ّرفها نيتشه وشوبنهاور باعتبارها‬ ‫سابق غري خاضعٍ للعقل‬ ‫يل متعا ٍل ٌ‬ ‫ذلك التدفّق املستم ّر والطاقة الحيويّة التي تعطي معنى لوجودنا‪ ،‬اإلرادة وجو ٌد قب ٌّ‬ ‫تتجل يف الكائنات البرشيّة وغريها‪ ،‬قد ربطها نيتشه‬ ‫واملنطق‪ ،‬هو تعب ٌري عن الحياة كام يؤكّد ذلك نيتشه‪ ،‬فهذه اإلرادة ّ‬ ‫يعب عن ذلك نيتشه يف إحدى‬ ‫بالقوة‪ ،‬واعتربها جوهر الحياة وليست فقط إحدى خاص ّيات الحياة‪ ،‬وتتّخذ بعدا ً جامل ّياً‪ّ ،‬‬ ‫يل دامئاً أن‬ ‫رسها قائل ًة‪ :‬محكوم ع ّ‬ ‫شذراته عىل لسان زرادشت يف كتابه ( هكذا تكلم زرادشت ) أفصحت إ ّيل الحياة ب ّ‬ ‫كل‬ ‫أتف ّوق عىل ذايت‪ ،‬والحقيق ًة أنكم تس ّمون هذا إرادة تناسلٍ ودافعاً إىل غاي ٍة‪ ،‬إىل يش ٍء أعىل وأبعد وأكرث تن ّوعاً‪ ،‬لكن ّ‬ ‫والحق أنّكم حني تشاهدون ذبول أوراق النباتات‬ ‫أفضل الفناء عىل إنكار هذه الوحدة‪،‬‬ ‫رس واح ٌد‪ ،‬وإين ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذا يش ٌء واح ٌد و ٌّ‬ ‫يل أن أكون نضاالً وصريور ًة وغاي ًة‬ ‫وتساقطها‪ ،‬هناك تشاهدون تضح ّية الحياة بنفسها من أجل القوة‪ ،‬ذلك أنّني محتو ٌم ع ّ‬ ‫أي طرقٍ ملتويّ ٍة ينبغي أن تسري‬ ‫ومعارضة الغايات‪ ،‬ويا أسفاه فإن ّ‬ ‫كل من يتك ّهن‪ ،‬ما إراديت‪ ،‬يجب أن يتك ّهن ً‬ ‫أيضا عىل ّ‬ ‫وأي كان اليشء الذي أخلّفه‪ ،‬ومهام يكن ح ّبي له كبريا ً‪ ،‬فرسعان ما سأنقلب ض ّد ح ّبي له؛ هكذا تنبغي‬ ‫هذه اإلرادة‪ٍّ ،‬‬ ‫إراديت‪.‬‬ ‫تظهر إرادة القوة كجوه ٍر للحياة‪ ،‬يراها نيتشه حقيق ًة مطلق ًة‪ ،‬وقد دعا بذلك إىل تجاوز اإلنسان لنفسه‪ ،‬وصوالً إىل‬ ‫كل جميلٍ ‪ ،‬ذاك الفنان الذي يعمل عىل تزيني األشياء‪ ،‬املؤمن بحقيق ٍة واحد ٍة هي الحياة‪،‬‬ ‫اإلنسان األعىل الذي يصبو نحو ّ‬ ‫حقائق متف ّرق ٍة؛ يك يتخلّص من هذه الحياة‪.‬‬ ‫فيبحث عنها أينام كانت‪ ،‬عكس اإلنسان الذي يؤمن بوجود‬ ‫َ‬ ‫نيتشه و ّجه رضب ًة عنيف ًة للقيم الدين ّية‪ ،‬والسيام املسيح ّية‪ ،‬باعتبارها ق ّيام كاذب ًة زائف ًة تسعى إىل احتقار الحياة تحت‬ ‫اسم الفضيلة‪ ،‬فقال يف إحدى عباراته‪ :‬إما أن تلغوا مق ّدساتكم‪ ،‬وإما أن تلغوا أنفسكم‪.‬‬ ‫إذا ً حياة امللحد تستحق أن تعاش‪ ،‬واالنتحار غري مرشوعٍ‪ ،‬حتى يف غياب الله؛ وليحيا اإلنسان يجب أن متوت اآللهة‪ ،‬بل‬ ‫أهاب املوت فطاملا أنا موجو ٌد‪،‬‬ ‫ويت ّم االحتفال والرقص عىل جثثها‪ ،‬وأال يهاب املرء املوت‪ ،‬وأن نر ّدد عبارة أبيقور‪ :‬أنا ال ُ‬ ‫لست موجودا ً ‪.‬‬ ‫فإن املوت ال وجود له‪ ،‬وعندما يكون املوت‪ّ ،‬‬ ‫فإن ُ‬ ‫يحق لنا الحديث عن الحياة يف غ ّياب الحريّة‪ ،‬الحياة‬ ‫رس ّ‬ ‫كل إبداعٍ‪ ،‬وال ّ‬ ‫لنخرج بحكم ٍة‪ ،‬املعاناة رضورة الحياة‪ ،‬القلق ّ‬ ‫يحق لنا الحديث عن هذا اللفظ السامي (الحريّة) يف غ ّياب املسؤول ّية‪ ،‬ينبغي‬ ‫والحريّة مقولتان يستحيل فصلهام‪ ،‬كام ال ّ‬ ‫كل األصنام‪ ،‬حتى نرمتي يف أحضان الحياة‪.‬‬ ‫كل اآللهة‪ ،‬من ّ‬ ‫إذا ً التح ّرر من ّ‬ ‫‪118‬‬


‫معنى الحياة بني النزعتني اإللحاد ّية‬ ‫والدين ّية‬ ‫ماري غزال‬

‫ٌ‬ ‫فيلسوف يونا ٌّين قدي ٌم‪ ،‬صاحب مدرس ٍة فلسفي ٍة ُس ّميت باسمه ( اإلبيقوريّة )‪ .‬فلسفته تسعى‬ ‫أبيقور‪341( :‬ء‪ 270‬ق‪.‬م)‬ ‫كل ما يجلب السعادة فهو خ ٌري‪،‬‬ ‫رش‪ّ ،‬‬ ‫إىل غاي ٍة‪ ،‬وهي تحقيق السعادة‪ ،‬وهذه السعادة كام يراها أبيقور مقياس الخري وال ّ‬ ‫رش ‪.‬‬ ‫و ّ‬ ‫كل ما يجلب األمل فهو ٌّ‬ ‫املراجع‪:‬‬ ‫نفي الالهوت مليشيل انفريش‪ ،‬ترجمة مبارك العرويس‬ ‫أسطورة سيزيف‪ ،‬ألبري كامو‪ ،‬ترجمة أنيس زيك حسن‬ ‫كنص أديب‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد هشام‬ ‫ألكسندر نيهاماس‪ ،‬نيتشه الحياة ٍّ‬ ‫فريدريك نيتشته‪ ،‬هكذا تكلّم زرادشت‪ ،‬ترجمة‪ :‬عيل مصباح‬

‫‪https://www.facebook.com/TheEnlightenedMinds‬‬

‫‪119‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلّة امللحدين العرب مجل ٌة رقمي ٌة مبني ٌة‬ ‫ج ٍه سياسي؛‬ ‫ي تو ّ‬ ‫بجهودٍ فردي ٍة؛ وال تتبنّى أ ّ‬ ‫هدفها نشر أفكار امللحدين على اختالف‬ ‫جهاتهم وانتماءاتهم بحرّي ٍة كامل ٍة‪.‬‬ ‫تو ّ‬ ‫املعلومات والرسومات واملواضيع املطروحة‬ ‫تُعتبر مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية‬ ‫وناحية حقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬ ‫الناشرون‬ ‫امللحدين‬ ‫والالديني‬ ‫ّ‬ ‫بالنشر ‪.‬‬

‫هم من أعضاء مجموعة مجلة‬ ‫العرب‪ ،‬أو من الك ّتاب امللحدين‬ ‫ممّن مت ّ التواصل معهم ألخذ اإلذن‬

‫العامة‪،‬‬ ‫مناف لألخالق‬ ‫ُينع نشر كل ماهو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‪.‬‬ ‫لهيئة التحرير احلق ّ في نشر ما تراه مناس ًبا‬ ‫من املواضيع املوجودة في مجموعة اجمللة على‬ ‫موضوع ضمنها يُعتبر‬ ‫ي‬ ‫الفيس بوك ‪ ،‬فنشر أ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تفويضا ً للمجلّة بنشره‪.‬‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.