مجلة الملحدين العرب: العدد السابع والعشرون / شهر فبراير / 2015

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫العدد السابع و العرشين من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر فرباير لسنة ‪2015‬‬

‫مصري ملحد ‪..‬‬ ‫في حوار مع (‪)1‬‬

‫تطور األخالق‬ ‫مصطفى عابدين‬

‫انعراج البوصلة األخالقية‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫مجلة امللحدين العرب هي مجلة هدفها نشر‬ ‫أفكار امللحدين العرب على إختالف توجهاتهم‬ ‫السياسية و العرقية بحرية كاملة‬

‫الدعاء‬ ‫ترجمة سيرين نينا‬

‫اجمللة عبارة عن مجلة رقمية مبنية بجهود فردية‬ ‫وال تنتمي الي توجه سياسي ‪..‬‬ ‫املعلومات و املواضيع املوضوعة في اجمللة تعتبر‬ ‫مسؤلية أصحابها من الناحية األدبية و ناحية‬ ‫حقوق النشر و حفظ امللكية الفكرية‬


‫فريق التحرير‬

‫املشارك في هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫‪........... Gaia Athiest‬‬

‫العالم اليوم متفاج ًئا مبا تفعله جماعة داعش اإلرهابية‪،‬‬ ‫يبدو‬ ‫ُ‬ ‫وحرق‪ ،‬مع هذه األفالم ال ّتي تُصنّف ضمن أفالم‬ ‫قطع وبت ٍر ونح ٍر‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اإلثارة والرعب في هوليوود‪ ،‬وال نُنكر دقة اإلخراج وسينمائية‬ ‫ّ‬ ‫بالتفن في‬ ‫الصورة‪ ،‬أبدع فيها أتباع من قال «نُصرت بالرعب»‬ ‫وسائل القتل والتنكيل واإلرهاب‪.‬‬

‫أعضاء هيئة التحرير‬ ‫و بناء اجمللة‬ ‫‪John Silver‬‬

‫‪Hadi Kozma‬‬

‫الغراب احلكيم‬

‫‪Moussa Tamanoon‬‬

‫‪McKie Theman‬‬ ‫‪Alia`a Damascéne‬‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫‪Ghaith Jabri‬‬ ‫‪almolhed alarabi‬‬ ‫‪Destin Fatal‬‬ ‫ماري غزال‬

‫كلمة حترير اجمللة‬

‫ب يُصرّح‬ ‫وتباينت ردود الفعل بني ُمنك ٍر ي ُ ّ‬ ‫غي ٍ‬ ‫غطي أذنيه وعينيه‪ُ ،‬‬ ‫وم ّ‬ ‫ببساطة‪ ،‬هؤالء ليسوا مسلمني! لهم دينهم ولنا دين‪ ،‬واآلخر‬ ‫الذي وجد ً‬ ‫حل أسهل في نظرية املؤامرة‪ ،‬فأحتفنا بالقول أن دول‬ ‫الغرب الكافر هي التي صنعتها‪ ،‬وأن خليفتها عميلٌ للموساد‪.‬‬ ‫أيضا؟‬ ‫هل يا تُرى قام الغرب بكتابة سيرة محمد وأحاديثه وقرآنه ً‬ ‫معا‬ ‫وهناك من يقول أن ّهم متطرفني وبعيدين عن الدين احلق‪ ،‬لنر َ ً‬ ‫الغلو واملبالغة في الفعل‪،‬‬ ‫هل هو على صواب؟ فالتطرف هو‬ ‫ّ‬ ‫حرفيا بنصوص دينهم وتراثه‪ ،‬فكيف‬ ‫ولكن هؤالء ملتزمون‬ ‫ً‬ ‫والغلو؟‬ ‫احلرفي‬ ‫سيوفِّق بني االلتزام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نبيهم التقنيات السينمائية التي ميتلكونها لكان‬ ‫لو امتلك ّ‬ ‫سبقهم في صناعة هذه األفالم‪ ،‬وما تزال األسئلة تتكرر لعلّنا‬ ‫جند اإلجابة‪ :‬مالذي فعلته داعش لم يفعله محمد؟ مالذي‬ ‫فعلته داعش لم يفعله صحابة محمد؟ مالذي فعلته داعش لم‬ ‫توجد به فتوى في كتب تراث محمد؟‬ ‫وحني يقول أحدهم في املرة القادمة‪ :‬املسلمون مساملون‬ ‫فكلّ همومهم تنحصر في العمل وإيجاد لقمة العيش‪،‬‬ ‫ن اإلسالم ال!‬ ‫لتكن اإلجابة‪ :‬قد يكون املسلمني مساملون ولك ّ‬ ‫احلرفي بدينه ستكون نهايته ضمن هذه‬ ‫ومن سيريد االلتزام‬ ‫ّ‬ ‫اجلماعات ً‬ ‫ً‬ ‫مقتول‪.‬‬ ‫قاتل أو‬

‫‪Abdu Safrani‬‬

‫رئيس التحرير‬

‫‪Serene Nina‬‬

‫‪Gaia Athiest‬‬

‫‪Hamdi‬‬ ‫‪Belhadjyoussef‬‬ ‫‪Nora Ahmed‬‬ ‫‪Y.Ismaiel‬‬ ‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫سقطة اهلل الكبرى بني موسى واخلضر والغالم‪-‬‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫‪4‬‬

‫تسع أسباب لقوة الدين‪-‬هيمانت ميتا‪،‬‬ ‫ترجمة ريان عمار‬

‫‪7‬‬

‫انعراج البوصلة األخالقية‬ ‫‪John Silver‬‬

‫‪12‬‬

‫الوصايا اجلديدة‪-‬كريستوفر هيتشنز‬ ‫ترجمة ‪McKie Theman‬‬

‫‪18‬‬

‫مصري ملحد ‪ ..‬في حوار مع (‪)1‬‬

‫‪29‬‬

‫ملاذا اإلرهاب‬ ‫‪Hunger Mind‬‬

‫‪45‬‬

‫تطور األخالق‬ ‫مصطفى عابدين‬

‫‪49‬‬

‫الدعاء‬ ‫ترجمة سيرين نينا‬

‫‪62‬‬

‫هل اهلل هو السبب األصلي لكل شيء‬ ‫نوري الزياني‬

‫‪67‬‬

‫أرشيف املنتدى األم‬ ‫أخالقيا‬ ‫اهلل فاسدٌ‬ ‫ً‬ ‫‪Beautiful Mind‬‬

‫‪70‬‬

‫‪3‬‬


‫سقطة الله الكربى‬ ‫بني موىس والخرض والغالم‬

‫هادي بن رمضان‬ ‫«الساموية» واألساطري‬ ‫يذكر القرءان كغريه من الكتب ّ‬ ‫صصا عجيب ًة وغريب ًة‪ ،‬ال يقبلها املنطق وال‬ ‫القدمية ِق ً‬ ‫مثل‪ ،‬بسورة‬ ‫قصة أهل الكهف ً‬ ‫يستسيغها العقل‪ّ ،‬‬ ‫ولعل ّ‬ ‫الكهف قد حازت عىل ال ّنصيب األكرب يف ترويجها ملثل‬ ‫السيانية‬ ‫هذه الق َ​َص ِص‪ ،‬والتي تشكل امتدا ًدا لألساطري ّ‬ ‫واملسيحية واليونانية وغريها‪ .‬فمن بني هذه القصص التي‬ ‫طاملا أرقتني وأصابتني بالحرية‪ ،‬حتّى اليوم الذي كنت فيه‬ ‫معتق ًدا بنبوة مح ّمد‪ ،‬هي قصة موىس والخرض والغالم‪،‬‬ ‫والتي يرويها القرءان‬ ‫﴿فَانطَلَقَا َحتَّى إِذَا لَ ِق َيا غ َُلماً فَ َقتَلَ ُه ق َ​َال أَقَتَل َْت نَفْساً َزكِ َّي ًة‬ ‫ِب َغ ْ ِي نَف ٍْس لَّ َق ْد ِجئْ َت شَ ْيئاً نُّ ْكرا ً ﴾ الكهف‪74 :‬‬ ‫﴿ َوأَ َّما الْ ُغال ُم فَكَا َن أَبَ َوا ُه ُم ْؤ ِم َن ْ ِي فَ َخ ِشي َنا أَن يُ ْر ِه َق ُه َم‬ ‫طُ ْغيَانًا َوكُ ْف ًرا ‪ ،‬فَأَ َر ْدنَا أَن يُبْ ِدلَ ُه َم َربُّ ُه َم َخ ْ ًيا ِّم ْن ُه َزكَا ًة‬ ‫َوأَقْ َر َب ُر ْح ًم﴾ الكهف‪. 81-80 :‬‬ ‫‪4‬‬


‫سقطة الله الكربى‬ ‫بني موىس والخرض والغالم‬

‫هادي بن رمضان‬

‫أي سؤا ٍل‬ ‫فالخرض هنا يبدو أنّه يتواصل مع الله كغريه من األنبياء‪ ،‬يصطحب موىس يف جول ٍة‪ ،‬مشرتطًا عليه عدم طرح ّ‬ ‫ش ٍء َحتَّى أُ ْح ِدثَ ل َ​َك ِم ْن ُه ِذكْ ًرا﴾ الكهف‪.70 :‬‬ ‫عن ما سيقوم به الحقا‪ ﴿ ،‬ق َ​َال فَ ِإنِ ات َّ َب ْعتَ ِني فَال ت َْسال ّني َعن َ ْ‬ ‫بوحي من الله‪ ،‬خشي ًة عىل والديه أن يرهقهام طغيانًا وكف ًرا‪ .‬فالله إذن يقتل كل من يُحتمل‬ ‫لقد قتل الخرض غال ًما‬ ‫ٍ‬ ‫أي أ ّن الله يناصب العداء للكافرين والطّغاة‪ ،‬رغم أ ّن التّاريخ ميل ٌء بهؤالء الذين الحقوا‬ ‫أنّه يو ًما ميارس طغيانه وكفره‪ْ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وعطف‬ ‫وحب‬ ‫وصلبوا وأحرقوا وعذبوا أعدا ًدا ال تحىص من املؤمنني‪ ،‬يفرتض أن يكونوا قد حركوا ما يف الله من رحم ٍة ٍ‬ ‫معلوم قد فضل االختفاء‪،‬‬ ‫لسبب غري‬ ‫وبغض للطّغاة والكافرين‪ ،‬لكن الله‬ ‫الصالحني‪ ،‬ولو يعد هناك كر ٌه‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫تُجاه عباده ّ‬ ‫ليختار والدي ذلك الغالم دون غريهم‪ ،‬ليخىش عليهام من طغيان وكفر ابنهام !! فلامذا يرتك الله أعدا ًدا ال ت ُحىص من‬ ‫الصالحني‪ ،‬معرضني ألقىس أساليب الطّغيان دون أن يرسل إليهم من يخلصهم من ذلك الطّاغية‪ ،‬وملا ال يخلصهم‬ ‫عباده ّ‬ ‫طفل كام فعل مع الغالم‪ ،‬لينجيهم من طغيانه!!‬ ‫منه حني يكون الطّاغية ً‬ ‫ ‬ ‫وإذا كان الله يعلم مسبقًا أ ّن ذلك‬ ‫الغالم سريهق والديه طغيانًا وكف ًرا‪،‬‬ ‫أصل‪ ،‬ليتخلص منه‬ ‫فلامذا خلقه ً‬ ‫طفل ليقتله دون‬ ‫قتل بعدها! يخلق ً‬ ‫ً‬ ‫أي‬ ‫أن يكون ذلك الطّفل قد مارس ّ‬ ‫شكلٍ من أشكال الكفر أو الطّغيان‪،‬‬ ‫ويرسل أنبياءه ليقتلوا غال ًما خشي ًة‬ ‫عىل والديه من الكفر والطّغيان‪،‬‬ ‫ويف نفس الوقت دون أن يرسل‬ ‫أح ًدا ليتعامل بذات األسلوب مع‬ ‫والسفاحني!!‬ ‫كبار الطّغاة ّ‬ ‫إذا كان الله يعلم ما كان وما‬ ‫سيكون‪ ،‬ويعلم مستقبلنا وأفعالنا‬ ‫التي قدرها لنا مسبقًا‪ ،‬فلامذا ال‬ ‫يحاكمنا مبارش ًة مبا أنّه كيل العلم‬ ‫واملعرفة!‬ ‫‪5‬‬


‫سقطة الله الكربى‬ ‫بني موىس والخرض والغالم‬

‫هادي بن رمضان‬

‫ر ُّد املتدينني عىل ذلك بأ ّن اإلنسان قد ُم ِنح إراد ًة ح ّر ًة تجعل منه ُمخ ًريا ال ُمس ًريا‪ ،‬وذلك ال يتناقض مع تقدير الله ألفعالنا‬ ‫مسبقًا‪ ،‬فام حياتنا ال ّدنيا سوى حج ًة علينا يوم الحساب أمام الله‪ ،‬فلو مل مينحنا الله هذه الحياة والقدرة عىل االختيار‪،‬‬ ‫لكان جائ ًزا أن نطالبه حينها بفرص ٍة التخاذ قراراتنا؛ وتقرير مصائرنا‪ ،‬وتعاىل الله أن يكون من الظّاملني!!‬ ‫لكن هذا الغالم قد أوحى الله بقتله دون أن يكون قد مارس حرية االختيار هذه‪ ،‬ودون أن ميلك الفرصة لتجنب إرهاق‬ ‫طفل‬ ‫والديه طغيانًا وكفرا‪ ،‬إذًا فالله هنا يخرج بشكل مفاجئٍ عن خطته وحكمته من مجيئنا إىل هذا الوجود ‪ ،‬ليقتل ً‬ ‫مرسل إياه إىل الجحيم لعلمه املسبق بأنّه سيغدو طاغي ًة كاف ًرا مرهقًا‬ ‫طفل بريئًا ً‬ ‫مرسل إياه إىل الجحيم‪ ،‬ليقتل ً‬ ‫بريئًا ً‬ ‫لوالديه‪ ،‬قبل أن يصبح ذلك الطّفل طاغي ًة وكاف ًرا ومرهقًا لوالديه‪.‬‬ ‫ملاذا ال يقتل الله أولئك الطّغاة كام فعل مع ذلك الغالم قبل أن يتحولوا إىل طغا ٍة‪ ،‬وملاذا االنحياز لوالدي الغالم دون سائر‬ ‫الذين قاسوا من الكفر والطّغيان‪ ،‬وملاذا يخلق الله ليقتل بدل أن يتجنب الخلق ليتجنب القتل‪ ،‬ملاذا يتمرد عىل منطقه‬ ‫طفل لن يكون له معه حج ٌة‬ ‫ويخرج عن حكمته من مجيئنا إىل هذا الوجود‪ ،‬الذي سيكون حجة له علينا أمامه‪ ،‬ليقتل ً‬ ‫سوى ادعاءه بأنّه كيل العلم واملعرفة‪ ،‬ليكون لذلك الغالم حينها الحق يف املطالبة مبنحه فرص ًة الختيار قراراته‪ ،‬وليكون‬ ‫بدل من‬ ‫الله بعد إدعائه ذلك ‪-‬أنّه قاتل الغالم لكلية علمه‪ -‬قد سقط أمام سؤالنا ‪ :‬ملاذا آىت بنا الله إذا إىل هذا الوجود ً‬ ‫محاكمتنا مبارش ًة لكلية علمه وسبقه!!‬ ‫وحني يضع كائ ٌن كيل القدرة والعلم خط ًة تسري وفقها الحياة والقوانني‪ ،‬فال بد أن تكون هذه الخطة محكم ًة‪ ،‬ال تتفوق‬ ‫يل العلم واملعرفة‪ ،‬واملحتج ال ّرافض لهذه الخطة البالغة الحكمة‬ ‫أي خط ٍة أخرى‪ ،‬ألنّه ْ‬ ‫عليها أو تضاهيها ُ‬ ‫أي هذا الكائ َن ك ُ‬ ‫ٍ‬ ‫السفاه ِة‬ ‫جاهل وسفي ًها‪ ،‬فالله‬ ‫ً‬ ‫وال ّدقة واإلتقان سيكون‬ ‫حينئذ بتمرده عىل خطته بقتله لذلك الغالم‪ ،‬يكون واق ًعا يف ّ‬ ‫والجهالة‪ ،‬ولطاملا كان الله كذلك يف روايات وتفاسري املؤمنني به‪.‬‬

‫‪6‬‬


‫تسع‬ ‫أسباب‬

‫لقوة‬ ‫الدين‬

‫رصف ألحد‬ ‫هذه املقالة هي ترجمة بت ّ‬ ‫محارضات «هيامنت ميتا» عىل موقع‬ ‫اليوتيوب‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫ريان عامر‬


‫تسع أسباب لقوة الدين‬ ‫السبب األول‪:‬‬

‫ريان عمار‬

‫ضعيف للغاية؟‬ ‫مل ال ّدين بهذه القوة يف حني أنه‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫إجابات عىل كل يشء‪ ،‬وبالرغم من أنها ليست صحيحة‪ّ ،‬إل أنها تبقى إجابات! ولذلك فهي كافي ٌة ألغلب‬ ‫ال ّدين يوفّر‬ ‫ارتياح يف معرفة سبب وجودنا هنا‪ ،‬وإىل أين نحن ذاهبون‪ ،‬وما هي غايتنا‪ ،‬وحتى لو كانت هذه األسئلة ال‬ ‫الناس‪ ،‬هناك‬ ‫ٌ‬ ‫يل‬ ‫متلك أجوبة بالرضورة‪ ،‬علينا أن نتذكر دامئًا أن «أنا ال أعرف إذن الله» ستكون دامئًا أسهل من « أنا ال أعرف‪ ،‬إذن ع ّ‬ ‫أن أبحث»‪ ،‬فعلينا أن ال نكتفي باألجوبة السهلة‪ ،‬وأنا أحبّذ الرصاحة عىل االرتياح‪ ،‬والحقيقة عىل األسطورة‪ ،‬إن إعطاء‬ ‫أجوب ٍة سهل ٍة ألسئل ٍة صعبة هو السبب الرئييس ملشاهدة الناس برامج النقد السيايس عىل التلفاز تقوم بالتوقعات‪ ،‬أو‬ ‫ملشاهدة املحللني االقتصاديني يقولون لهم بالتحديد كيف يصبحون أغنياء‪ ،‬ولكن هذه الناس مدفوع لها لتكون واثقة‬ ‫من نفسها‪ ،‬ال عىل صحة!‬

‫السبب الثاين‪:‬‬

‫الدين يستخدم الذنب ليمنع اإلنسان من تركه‪ ،‬فهو‬ ‫يجعلك تعيش عىل ُمثلٍ مع ّينة‪ ،‬إن كانت أو مل تكن‬ ‫منطقية‪ ،‬وعدم الطاعة أو حتى السؤال فيها‪ ،‬يعني أنك‬ ‫لست مؤم ًنا كفاية‪ ،‬أال تشعر بطريق ٍة سيئ ٍة تجاه نفسك‬ ‫لتخييب ظن اإلله؟ أال تشعر بسوء ألنّك تخ ّيب ظن‬ ‫أهلك فيك؟ واملق ّربني لك؟ أال تشعر بسوء ألن هنالك‬ ‫شخص مات عىل الصليب‪ ،‬وأنت ال تحقق أمنياته؟ أال‬ ‫ٌ‬ ‫تشعر بسوء ألنك مارست الجنس قبل الزواج؟ أو أكلت‬ ‫يوم مل يجدر بك ذلك فيه؟ أو ألنك أحببت‬ ‫لحم يف ٍ‬ ‫ً‬ ‫شخصا من نفس الجنس؟ الدين يجعلك تشعر بالذنب‬ ‫ً‬ ‫أساسا منطقية‪ ،‬وهو يعطي‬ ‫لخرقك قواع ًدا مل تكن ً‬ ‫أدوية ألمر ٍ‬ ‫اض خلقها بنفسه يف املقام األ ّول‪ ،‬سيكون من‬ ‫األفضل لك أن تق ّيم هذه القواعد بنفسك‪ ،‬وث ّم تحدد‬ ‫إن كانت تستحق اتباعها أم ال‪ ،‬وال تقلق‪ ،‬ال مشكلة‬ ‫يف التشكيك‪ ،‬ال مشكلة يف خرق القوانني‪ ،‬التي مل تكن‬ ‫منطقي ًة يف سياق اإلميان‪ ،‬ال أحد ينظر من فوق كتقك‪ ،‬أو‬ ‫ينظر إليك من األعىل‪ ،‬ليحرص أن تكون خلف الخطوط‬ ‫التي رسمها الدين‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫تسع أسباب لقوة الدين‬

‫ريان عمار‬

‫السبب الثالث‪:‬‬

‫ُفضل أن تؤمن بأن اإلله خلقك شخص ًّيا‪،‬‬ ‫الدين يجعلك تشعر بتم ّيز‪ ،‬أال يريد الكل أن يكونوا املختارين عند اإلله؟ أال ت ّ‬ ‫سخيف بأكمله‪ ،‬ولكن نفس املبدأ هنا‪ ،‬أنت ندفة ثل ٍج صغرية مم ّيزة‪ ،‬متا ًما مثل‬ ‫وأنه يهتم بك؟ مفهوم املالك الحارس هو‬ ‫ٌ‬ ‫املليارات من البرش هناك يف الخارج‪ ،‬هناك قيمة يف ذلك عندما تؤمن فيها كطفل‪ ،‬ولكن بعد أن تكرب عليك أن تعرف‪،‬‬ ‫أننا إذا كنا كلنا مميزين‪ ،‬ال أحد منا مم ّيز بالفعل!‬

‫السبب الرابع‪:‬‬

‫الدين يستفيد من التقسيم‪ ،‬الدين يحب أن ير ّوج لعقلية «نحن مبواجهة هؤالء»‪ ،‬نحن ج ّيدون‪ ،‬هم ال‪ ،‬نحن ذاهبون إىل‬ ‫الج ّنة‪ ،‬هم ال‪ ،‬اإلله يحبّنا‪ ،‬ولكن هم ال‪ ،‬من الطبيعة البرشية أن تريد أن تكون مقبول‪ ،‬فكلّنا نريد أن نشعر باإلنتامء‪،‬‬ ‫وأن نكون جزءا ً من مجموعة مر ّحبة‪ ،‬املشكلة هي أن هذه العقلية بالتحديد‪ ،‬هي التي تنتج الكثري من املشاكل‪ ،‬ألن‬ ‫كثري م ّنا يؤمنون‪ ،‬أن كل من هم ليسوا يف مجموعتنا‪ ،‬يحب أن يهتدوا‪ ،‬أو يُقتلوا‪.‬‬

‫السبب الخامس‪:‬‬

‫أشخاصا جيدين‪ ،‬لكن ليس الجميع موافقون عىل متطلبات‬ ‫الدين يجعل األخالق بسيطة للغاية‪ ،‬كلنا نريد أن نكون‬ ‫ً‬ ‫هذا األمر‪ ،‬الدين يجعل األمر سهل‪ ،‬اتبع قواعدنا وستكون ج ّيد‪ ،‬املوضوع بهذه‬ ‫البساطة‪ ،‬ال يتطلّب فكر! لكن األخالق ليست بهذه السهولة‪ ،‬هناك‬ ‫أوقات يكون الكذب فيها محبّذ‪ ،‬وطاعة الوالدين تكون سيئة‪،‬‬ ‫أبيضا‪ ،‬كام يجعله الدين‪ ،‬من األسهل‬ ‫ليس كل يش ٍء أسو ًدا أو ً‬ ‫أن ال تكون مضطر ألن تفكّر بنفسك‪ ،‬أليس كذلك؟ إذا‬ ‫كنت تعارض املساواة يف الزواج‪ ،‬وهي أسهل معضلة‬ ‫أخالقية يف زمننا‪ ،‬تأخذ عنك العبأ‪ ،‬يف أن تكون قاد ًرا‬ ‫عىل قول «ال تلومني وال تغضب مني‪ ،‬فهي يف الكتاب‬ ‫املق ّدس»‪ ،‬وهذا مثل آخر‪ ،‬اإلجهاض‪ ،‬أنت ممكن أن‬ ‫تعتقد أن اإلجهاض أمر الأخالقي‪ ،‬ولكن هناك أوقات‬ ‫يكون فيها اإلجهاض أمر رضوري إلنقاذ حياة املرأة‪،‬‬ ‫ماذا بعد ذلك؟ النقطة هي‪ ،‬هذه األمور ليست سهلة‬ ‫كام يجعلها الدين‪ ،‬ويف بعض الحالت‪ ،‬هي خاطئة متا ًما‪،‬‬ ‫تذكّر! نحن ال نستمد األخالق من الدين‪ ،‬الدين يستمد األخالق‬ ‫منا‪ ،‬ونحن لسنا عىل صواب دامئًا حول كل يشء‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫تسع أسباب لقوة الدين‬

‫ريان عمار‬

‫السبب السادس‪:‬‬

‫الدين يزعم ملكية النعيم الروحاين‪ ،‬بالتأكيد‪ ،‬كثري من األمور ممكن أن تجعلك سعي ًدا اآلن‪ ،‬ولكن ماذا سيحل بروحك؟‬ ‫أال تريد أن يُهتم بك يف الحياة األخرى؟ لنزيل هذه األمور من أمامنا‪ ،‬هذه أسئلة سخيفة باألساس‪ ،‬ألنها تعتمد عىل‬ ‫فرضية الحياة األخرى الرائعة‪ ،‬والتي مل ت ُثبت إطالقًا‪ ،‬ولكن الدين كالعادة لديه األجوبة‪ ،‬ال تستطيع أن تؤمن بأي دين‪،‬‬ ‫عليك أن تؤمن بديني أنا‪ ،‬ولكن إن فعلت‪ ،‬فأنت بحاميتي‪ ،‬هي صفقة رائعة يف الحقيقة‪ ،‬ألننا كلنا نريد أن نكون سعداء‪،‬‬ ‫وسنفعل كل ما يلزم‪ ،‬لنصل إليه‪ ،‬الدين يتد ّخل ويقول‪ « ،‬سنجعلك سعي ًدا يف املكان‪ ،‬الذي ال متلك فيه أي تحكّم‪ ،‬الحياة‬ ‫األخرى‪ »،‬من الصعب أن ال ت ُغرى بهذا العرض‪.‬‬

‫السبب السابع‪:‬‬

‫الدين يفرض نفسه علينا يف صغرنا‪ ،‬هناك سبب مل أغلب الناس‪ ،‬ال تنتقل من دين آلخر الحقًا يف الحياة‪ ،‬يٌقال لك أن‬ ‫تؤمن به‪ ،‬قبل أن تكون كبري كفاية لتتفكّر به‪ ،‬ر ّواد الدين يعرفون أنهم‪ ،‬إذا أدخلوا هذه القصص فيك وأنت مراهق‪،‬‬ ‫ستضحك عليهم يف وجوههم‪ ،‬ولكن إذا فعلوها وأنت يف الرابعة من عمرك‪ ،‬أنت ستفرتض أنها حقيقية‪ ،‬أهلك يدعمون‬ ‫ٍ‬ ‫بأشخاص يؤمنون بنفس األمور‪ ،‬لذا لن تظن أب ًدا أنها غريبة‪ ،‬إىل أن رمبا تصبح أكرب بالسن‪،‬‬ ‫هذه املعتقدات‪ ،‬وأنت محا ٌط‬ ‫وتبدأ بالتفكري بها‪ ،‬أنا أعيش يف شيكاغو‪ ،‬ونفس املبدأ ينطبق عىل معجبني فريق البيسبول كابز‪ ،‬ال أحد يكون معجب‬ ‫بالكابز عندما يكون بالثالثينيات من عمره‪ ،‬ما هي اإلشكالية التي ممكن لشخص أن يطرحها لك ليك تقفز يف تلك‬ ‫العربة؟ ال‪ ،‬أنت إما أن تكون معجب بالكابز لسائر حياتك‪ ،‬أو أن تكون لست معجب بالكابز‪ ،‬لهذا أحتفل بامللحدين‬ ‫الذين ميلكون الشجاعة للتخيل عن إميانهم‪ ،‬هذا يتطلّب إعادة بناء شاملة لكل معتقداتك‪ ،‬عليك أن تفكّر يف كل يشء‬ ‫يغي عقليته يف إشكالية مهمة كهذه‪.‬‬ ‫آمنت يو ًما بصحته‪ ،‬هذا ليس سهل‪ ،‬بل ٌ‬ ‫طريق طويل لكل من يأخذ بعني االعتبار أن ّ‬

‫السبب الثامن‪:‬‬

‫الدين يجعلك تعتقد أنك تستطيع أن تتحكّم فيام ال ُيكن التحكم فيه‪ ،‬الحياة غري قابلة للتوقّع‪ ،‬األحداث السيئة تحصل!‬ ‫تغي مجرى األمور؟ إسمع‪ ،‬إن مل تدرس لالمتحان‪ ،‬الدعوات لن‬ ‫ولكن أليس من الجميل أن تعرف أن دعواتك ممكن أن ّ‬ ‫يغي اإلعصار‬ ‫تفيدك! إذا كان هنالك إعصا ٌر قاد ٌم باتجاهك‪ ،‬األفضل لك أن تنفخ‪ ،‬عىل أن متسك بيديك وتصيل‪ ،‬وتأمل أن ّ‬ ‫تغي التوقعات‪ ،‬كام يُقال‪ ،‬الدعاء هو أن ال‬ ‫مساره‪ ،‬إذا كان هنالك ٌ‬ ‫شخص يحترض اآلن‪ ،‬أأسف عىل القول‪ ،‬أن دعواتك لن ّ‬ ‫يغي كيف تتفاعل يف بعض من‬ ‫تقوم بيشء‪ ،‬وتظن بنفس الوقت أنك تساعد‪ ،‬اآلن‪ ،‬الدعاء ممكن أن يريحك‪ ،‬وذلك قد ّ‬ ‫مثل هذه الحاالت‪ ،‬ولكن هذه قصة مختلفة متا ًما‪ ،‬عليك أن تق ّدر الحقيقة‪ ،‬أن كثري من الناس يعتقدون أن اإلله لديه‬ ‫يغي الخطة ويلبي طلباتهم!‬ ‫خطة لحياتهم‪ ،‬ومع ذلك هم متقبّلني لفكرة الدعاء لإلله‪ ،‬ليك ّ‬ ‫‪10‬‬


‫تسع أسباب لقوة الدين‬

‫ريان عمار‬

‫السبب التاسع‪:‬‬

‫املال! الكنائس تقنعك بأن تعطيهم ‪ %10‬من مدخولك‪ ،‬وليس عليهم أن يدفعوا رضائب عىل ال‪ %10‬من مدخولك‪ ،‬ألنها‬ ‫بتول جامعة خاصة بهم‪ ،‬كم من املال ينتج القس‬ ‫ال ت ُعترب أربا ًحا! يف الكثري من الكنائس الضخمة‪ ،‬يعتقدون يف العلن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫معدات طبي ٍة يف أمكن ٍة تحتاجها بالفعل‪ ،‬ولكن‬ ‫الخاص بك‪ ،‬يف بعض األحيان‪ ،‬هذا املال يُنفق عىل أمو ٍر ج ّيدة‪ ،‬مثل‬ ‫حتى حينها‪ ،‬يف أغلب األحيان ترتبط معهم بالتزامات! ألنك ال ميكنك رشاء املعدات الطبية‪ّ ،‬إل إذا اشرتيت الكتاب‬ ‫مهمتهم‪ ،‬يف بعض األحيان‪ ،‬الوضع سيئ للغاية‪ ،‬بعض‬ ‫املق ّدس‪ ،‬ألن الناس كام تعرف‪ ،‬عليهم أن ينرشوا اإلنجيل خالل ّ‬ ‫القسيسني يقنعون الناس الفقراء‪ ،‬بإعطاء الكنيسة ما تبقى من أموالهم‪ ،‬مع الوعد أن اإلله سيكافئهم بأضعاف‪ ،‬رغم أنه‬ ‫ال تأمني لهكذا أمور‪ ،‬إذا أخذنا كل املال الذي أنفقه الناس إلدامة الحياة الدينية‪ ،‬ووضعناه يف أي مكانٍ آخر‪ ،‬أنا مقتنع‬ ‫أننا سنتق ّدم كث ًريا يف حل أكرب مشاكل العامل‪ ،‬يف الحقيقة‪ ،‬سيكون لهذا تأثري أكرب من كل الدعوات والجامعات الدينية‬ ‫مجتمعة‪.‬‬

‫‪http://www.youtube.com/user/fiberoty?feature=watch‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/theblackducks‬‬ ‫‪https://twitter.com/eskandarany‬‬ ‫برنامج حواري عىل اليوتيوب تدعم بعض حلقاته رشكة‬ ‫‪ ، Google‬يهدف بالدرجة األوىل إىل إجراء الحوار مع‬ ‫امللحديني والالدينيني املرصيني ‪ ،‬واملتحدثني منهم للغة‬ ‫العربية من ُمجتمعاتنا يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا ‪،‬‬ ‫فكرة وتنفيذ اسامعيل محمد‬ ‫‪11‬‬


‫إنعراج البوصلة‬ ‫األخالقية للمجتمع‬

‫‪John Silver‬‬

‫تعريفات ‪:‬‬ ‫ال َه ُنو ‪ :‬جمعها هنات أو هنوات وهو العضو الجنيس لألنثى‪.‬‬ ‫السواد األعظم ‪ :‬غالبية الخط املذكور‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪-------------------------------------------------------------------‬‬‫إ ّن الحديث عن األخالق يف مجتمعاتنا ٌ‬ ‫اس‪ ،‬حيث أ ّن املفاهيم األخالقية ترضب بجذورها يف أعامق املجتمع‬ ‫شائك ّ‬ ‫وحس ٌ‬ ‫ويف كل معرتكات الحياة التي يتفاعل معها‪ ،‬وبهذا ت ُ َك ِّون مع بعضها البعض مزي ًجا معق ًدا ( األخالق واملجتمع )‪ ،‬ال يلبث‬ ‫أ ْن يعكس ُهوية هذا املجتمع يف كل يش ٍء؛ من تعامالت ال ّناس فيام بينهم إىل مالبسهم‪ ،‬وحتى آليات الحديث بينهم‬ ‫تعكس تفاعل الفرد والجامعة يف كافة املجاالت‪ ،‬وطب ًعا ‪-‬وأنا هنا أ ُخص بحديثي الخط الجنيس‪-‬‬ ‫‪12‬‬


‫إنعراج البوصلة األخالقية‬ ‫للمجتمع‬

‫‪John Silver‬‬

‫سأبدأ بالحديث عن واقع ٍة حصلت معي اليوم‪ ،‬فبينام ك ّنا نسري أنا وصديق ٍة يل يف ُمجمعٍ تّجاري‪ ،‬الحظت بأحد أَفْرع‬ ‫البنوك أ ًّما مع طفلتيها‪ ،‬األ ّم منقب ٌة والطّفلتان ترتديان املالءة (املالية)‪ ،‬وهي نو ٌع من أنواع ال ّنقاب التي ال تظهر الوجه‪،‬‬ ‫وقد ُر ِفع الغطاء عن و ْج َه ْي الفتاتني‪ ،‬فنظرت بيش ٍء من الغرابة إليهام مع ًربا عن استغرايب هذا لصديقتي بقويل «ما هذا‪،‬‬ ‫أليس هذا رضبًا يف جذور اإلنسانية» فكان ال ّرد من صديقتي»‪ ،‬هذه حال ٌة اجتامعي ٌة ال ميكن انتشالها‪ ،‬بيئتهم هكذا‬ ‫هجومي وحا ٌد ٍ‬ ‫وقاس‪ ،‬قالت «هذا‬ ‫وهذه هي طباعهم «‪ ،‬فقلت «وهل هذا مرب ٌر يسمح بها» فجاءين جوابها غري املُتوقع‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫أناس باملقابل يفعلون ما يحلو لهم»!!‬ ‫تهج ٌم عىل خصوصياتهم‪ ،‬ففي الطّرف األخر من هذا العامل هناك ٌ‬ ‫ألن‬ ‫آسف ّ‬ ‫عم قلته‪ ،‬وذلك ّ‬ ‫ألن ال أريد أن أدخل يف جدا ٍل ال فائدة منه‪ ،‬ث ّم قلت لها «أنا ٌ‬ ‫أنهيت الحديث فو ًرا معتذ ًرا ّ‬ ‫وضحت رأيي‪ ،‬وعمو ًما دعينا من هذا الجدال» وانتهى الحديث عىل هذا‪ ،‬ولكن ظل هذا املوضوع يراودين ويدور‬ ‫ّ‬ ‫بذهني‪ ،‬وتذكرت كلم ًة قوي ًة ال أذكر من قائلها أو قائلتها‪« :‬من يغطي طفل ًة بهذا العمر ألنّها تثري شهوته فال تستغرب‬ ‫أن يغتصب طفل ًة بنفس العمر»‬

‫أيضا بأ ّن ابنتيهام تثريان شهواتهم الجنسية‪ ،‬ولكن ماذا عن املجتمع‪ ،‬ماذا عن‬ ‫طب ًعا ال أتوقع أ ّن أهل الطّفلتني يفكرون ً‬ ‫تلك الحاضنة التي تنشئ تلك األجيال للمستقبل‪ ،‬ماذا عن طفولة األطفال ومراهقة اليافعني‪ ،‬ورجولة ال ّرجال وأنوثة‬ ‫بعضا‪ ،‬و ّعامذا سيتمخض؟!‬ ‫ال ّنساء‪ ،‬كيف لكل هذا أن ينصهر مع بعضه ً‬ ‫عندما بدأت هذا يف كتابة املقال كنت أفكر أن أعنونه بـ›انحراف البوصلة األخالقية›‪ ،‬ولكنه كان عنوانًا ال يُ ِ‬ ‫عب متا ًما‬ ‫عم يف نفيس‪ ،‬فاالنحراف يكون سببه تأثر ٍ‬ ‫شخص بحادث ٍة ما‪ ،‬فتغري مساره بزاوي ٍة معين ٍة‪ ،‬ولكن االنعراج والذي هو من‬ ‫ّ‬ ‫أي أث ٍر من األساس‪ ،‬وإ ّن ما يحدث يف مجتمعنا لَ ُه َو‬ ‫السري بالكاملٍ ‪ ،‬بحيث ال يبقى ُّ‬ ‫التّعرج يحدث عندما يُشَ َوه خط ّ‬ ‫كامل للبوصلة األخالقية للفرد واملجتمع عىل ٍ‬ ‫حد سوا ٍء‪.‬‬ ‫اج ٌ‬ ‫انعر ٌ‬ ‫أعود للجواب الذي صعقني وبالذّات كلمة (ما يحلو لهم!) ‪:‬‬ ‫‪13‬‬


‫إنعراج البوصلة األخالقية‬ ‫للمجتمع‬ ‫ما يحلو لهم!‪:‬‬

‫‪John Silver‬‬

‫أعزايئ رمبا مل أعقب عىل صديقتي يف تلك اللّحظة لخيبة األمل‪ ،‬ورمبا لتشتتي بسبب الك ّم الهائل من الغضب الذي‬ ‫الشء الذي إذا جاز التّعبري‪،‬‬ ‫الشء الذي يحلو لل ّناس وال يجب أن يفعلوه‪ ،‬وما هو ّ‬ ‫أصابني من ر ّدها غري املتوقع‪ ،‬فام هو ّ‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات‪.‬‬ ‫السبع‬ ‫الذي يُق َّيد بتلك التّفاصيل التي ت ُ َقيِد مراحلنا العمرية‪ ،‬فيتجاوز ألطفا ٍل مل تتجاوز أعامرهم ّ‬

‫جدل أنّه الجنس‪ ،‬فهل هذه هي الطّريقة التي يُق َّيد بها الجنس‪ ،‬اعذروين لفظاظة التّعبري‪،‬‬ ‫هل هو الجنس!!! وإن افرتضنا ً‬ ‫ولكن ال ّنظ ُر ملجتمعٍ عىل أنّه مجموع ٌة من القضبان الذّكرية وال َه ُنوات‪ ،‬التي تركض يف كل مكانٍ ‪ ،‬وعىل أنّه تلك القضبان‬ ‫رضب من الجنون!! ماهذا املجتمع‬ ‫الذّكرية التي يخافون أن ّ‬ ‫تنقض عليهم إن مل يوضع در ٌع أو حزا ٌم للعفة ليمنعها‪ ،‬لَ ُه َو ٌ‬ ‫وأيّة حاضن ٍة هذه! وماذا ستنتج! إ ّن هكذا حال ٌة أو حاالتٌ لن تُنتج سوى مجتم ًعا مشو ًها نفس ًيا‪ ،‬يخاف الجنس اآلخر‪،‬‬ ‫ذكو ًرا كانوا أو إناث ًا ‪ ،‬وسيؤدي هذا لظهور أمر ٍ‬ ‫السطح‪ ،‬لتُظهر ما شاهدته‬ ‫اض نفسي ٍة تكون َخ ٍفي ٍة‪ ،‬وال تلبث أن تطفو عىل ّ‬ ‫من تغطية أطفا ٍل يف ريعان الطّفولة‪ ،‬كيف لطفل ٍة مثل هذه أن تلعب مع أقرانها‪ ،‬وباألحرى من هم أقرانها؟ إنّهم‬ ‫أطفال مثلها ولكن شَ وهتهم البوصلة األخالقية املتعرجة‪ ،‬لرتسمهم يف عينيها قضبانًا ذكري ًة ال تنتصب‪ ،‬و ُه َن ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ات مل تكتمل‪.‬‬ ‫هذا ما يحدث يف مثل هذا املجتمع‪ ،‬فلم نسعى نحو كل هذا وما املقابل أو كام قيل يل‪ ،‬أو ما كان يدور يف ذهن الطّرف‬ ‫اآلخر‪ ،‬هل البديل هو مجتم ٌع ال يعبأ بالجنس ويعتربه حال ًة طبيعي ًة‪ ،‬ومن املمكن أن يتم بطريق ٍة عادي ٍة بني أفراده!‬

‫أُجيب نعم‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫إنعراج البوصلة األخالقية‬ ‫للمجتمع‬

‫‪John Silver‬‬

‫مهووسا بها‪.‬‬ ‫ال تتوقع عزيزي أ ّن مجتم ًعا ليس عنده تلك ال ّرهبة والتّحفز تُجاه ال ّرغبات الجنسية سيكون‬ ‫ً‬

‫السواد األعظم من املجتمع‪ ،‬وباألحرى نحن نشكل حاضنة‬ ‫طب ًعا ال أحد ينكر الحاالت الشاذّة‪ ،‬ولكن نحن نتكلم عن ّ‬ ‫الفرد التي سوف ت ُنتج شخصيته‪.‬‬ ‫عندما ك ّنا صغا ًرا؛ ك ّنا ندرس مبدارس منفصل ٍة وغري ُمختلط ٍة‪ ،‬ونشأنا ال نعرف أي يش ٍء عن طبيعة األنثى‪ ،‬وعن نفيس فقد‬ ‫تولدت عندي رهب ٌة منها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بفتيات‪ ،‬وال ينفك الشّ اب عن الغوص يف وصف‬ ‫عالقات‬ ‫كنت وأنا يف املدرسة أرى بعض أقراين يتفاخرون بأنّهم عىل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وكذبات‬ ‫تلفيقات‬ ‫عالقته بفتاته‪ ،‬حتى تجده يذهب بعي ًدا يف وصف التّفاصيل الجنسية‪ ،‬طب ًعا أغلب الكالم هنا يكون‬ ‫غري مستوحا ٍة من الواقع بل من األفالم اإلباحية التي كان يُخفيها عن والديه ليشاهدها منفر ًدا حني يناما‪ ،‬وهذا الوصف‬ ‫كامل عن العالقة بني ال ّرجل واألنثى‪.‬‬ ‫هو ما يخلق تشوي ًها ً‬ ‫ٍ‬ ‫كمشاهد‪ ،‬ولكن بالواقع عندما تكون هناك فتاةٌ‪،‬‬ ‫األفالم اإلباحية هدفها األساس هو أن تريك ما ترغب يف مشاهدته‬ ‫رجل مل تتعرف ومل تلتقي بأيّة فتا ٍة يف حياتك‪ ،‬فإ ّن هذه األفالم تقدم لك صور ًة واحدةً‪ ،‬وهي أ ّن كل‬ ‫وتكون أنت كونك ً‬ ‫ٍ‬ ‫متارس االستمناء‪ ،‬وعندها‬ ‫اإلناث ه ّن عبار ٌة عن‬ ‫محققات لرغباتك العارمة‪ ،‬والتي اعتدت عىل تفريغها يف الحامم وأنت ُ‬ ‫تكون قد حدثت الكارثة‪ ،‬حيث أنّك تكون قد تصورت أ ّن كل أنثى هي عبار ٌة عن مفر ٍغ لشهواتك‪ ،‬وتجد نفسك تنىس‬ ‫متا ًما أحاسيسها كإنسانة‪ ،‬فهي تريد وال تريد‪ ،‬تحب وتكره‪ ،‬تعمل وتقرأ‪ ،‬تأكل وترشب وتفكر وتتفاعل‪.‬‬ ‫الصف وقد‬ ‫أتذكر مقط ًعا لقص ٍة ذكرها «مرصي ملحد» ؛ عن أحد األشخاص الذين كانوا معه يف املدرسة‪ ،‬عندما حرض ّ‬ ‫ظهرت عليه أثار ِعر ٍ‬ ‫اك‪ ،‬فسأله أقرانه عن سبب ذلك‪« ،‬فأجابهم أ ّن صديقة أ ّمه زارتهم بالبيت حيث كان وحده‪ ،‬فحاول‬ ‫االعتداء عليها»‪ ،‬إ ّن هذا لَ ُه َو أكرب مثا ٍل عىل ما ت ُخلفه هكذا مجتمعاتٌ منغلق ٌة‪.‬‬

‫عزيزي األب ‪..‬عزيزيت األ ّم‪ ،‬أعزايئ اآلباء ‪ ..‬عزيزايت األمهات‪:‬‬

‫لن تستطيعا أو لن تستطيعوا أن تتواجدوا كل لحظ ٍة مع أبنائكم لرتاقبوا تفاصيل حياتهم‪ ،‬الب ّد إلبنك أن يُؤثر ويتأثر‬ ‫بأقرانه‪ ،‬وعندها فقط ويف ٍ‬ ‫صمت ستشاهدون وتتفاجؤون بالكثري‪ ،‬وذلك أل ّن هؤالء األقران من مجتمعٍ ال يُفرز إلّ قضبانًا‬ ‫ٍ‬ ‫ألشخاص بشخصيات غري كاملة وال ناضجة متا ًما‪.‬‬ ‫ذكري ًة‪ ،‬يف صور‬

‫‪15‬‬


‫إنعراج البوصلة األخالقية‬ ‫للمجتمع‬

‫‪John Silver‬‬

‫خجل فهذه غريز ٌة وهي جز ٌء م ّنا ومن طبيعتنا‪،‬‬ ‫السية‪ ،‬وأولهم أنا‪ ،‬وهذا ليس ُم ٌ‬ ‫كل ٍ‬ ‫شاب م ّنا دون استثنا ٍء مارس العادة ّ‬ ‫ألي ذك ٍر كان‪ ،‬لكن املخجل بالفعل هو عندما تتملك تلك الحالة كل َ‬ ‫فكرك وحياتك بشكلٍ كاملٍ ‪ ،‬وهذا‬ ‫ورضور ٌة بيولوجي ٌة ِّ‬ ‫تنفس لشهواتك‪.‬‬ ‫نتيج ًة لكونك متّت برمجتك منذ ّ‬ ‫الصغر عىل أ ّن الطّرف اآلخر ماهو ّإل ُم ٌ‬

‫ولكن ماذا عن األنثى‬

‫أيضا األمرين من هذه املجتمعات‪ ،‬مثلها مثل أشقائها من الذّكور‪ ،‬فمن جه ٍة هي بُرمجت عىل‬ ‫األنثى ولألسف تعاين هي ً‬ ‫أنّها « َه ُنو» يحاول جاه ًدا االبتعاد عن القضبان الذّكرية‪ ،‬التي تحاول ال ّنيل منه واقتحامه‪ ،‬ومن جه ٍة أخرى تكون بالفعل‬ ‫ٍ‬ ‫وخوف‪ُ ،‬مش ِكل ًة عدا ًء‬ ‫رعب‬ ‫ُعرض ًة لذلك‪ ،‬وهذا نتيجة الحاضنة الفكرية التي ت ُنتج هكذا أنوا ًعا من املجتمعات‪ ،‬فتنشأ يف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عالقات جنسي ٍة معها ال‬ ‫فطريًا للمجتمع‪ ،‬معترب ًة كل ال ّرجال الذين ميكن أن تتعامل معهم عبار ًة عن أفرا ٍد يريدون إقامة‬ ‫غري‪ ،‬وعىل فكرة(باملرصي)؛ أنا ال ألومها كأنثى‪ ،‬ولكن ألوم هذا املجتمع الذي احتضن هذه البذرة املتعرجة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫شخص آخر‪ ،‬يالحقه أينام ذهب‪ ،‬ويحاول ال ّنيل منه‪ ،‬إىل أن تجيء‬ ‫شخصا عاش ُعم َره كله خائفًا من‬ ‫فتخيل معي‬ ‫ً‬ ‫ّئاب أو‬ ‫اللّحظة التي تنشأ فيها عند هذا الشّ خص عقد ٌة نفسي ٌة‪ ،‬فام بالك إذًا إذا كان نصف املجتمع يحاولون ذلك كذ ٍ‬ ‫ال ّزومبني(ال ّزومبي) ويريدون ال ّنيل منك‪.‬‬ ‫فهل هذا ما نريده؟‬ ‫وهنا تتجىل لنا كيفية ت َشُ ُو ِه وانعراج املجتمع الذي جعل الجنس هو تفكريه ال ّرئيس‪ ،‬وجعل أعضاءه الجنسية هي من‬ ‫تتحكم يف تفكريه وترصفاته‪ ،‬وتسيطر عىل عقله‪ ،‬فتلهيه عن كل ما ينهض باملجتمع‪.‬‬ ‫عزيزي املؤمن إن كنت تخاف عىل املجتمع من ال ُعهر وال ّدعارة‪ ،‬فأوىل بك أن تخاف عىل بوصلة املجتمع األخالقية من‬ ‫االنعراج‪ ،‬ألنّها ستقود هذا املجتمع لل ّدمار والخراب‪.‬‬ ‫فليس الجنس من سيخرب عقول أوالدنا‪ ،‬بل حرش حياتنا يف الجنس هو ما سيخربها‪ ،‬و يؤدي بها إىل التّهلكة‪،‬‬ ‫ولن يُنتج سوى ُمسو ٌخ من الجنسني‪،‬‬

‫قضبانٍ ذكري ٍة‪ ..‬و َه ُن ٍ‬ ‫وات‪.‬‬

‫‪16‬‬


facebook group :https://www.facebook.com/groups/358777197583418 Blog :

https://www.aamagazine.blogspot.com

facebokPage :

https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299

17


‫الوصايا الجديدة‬

‫« مقالة بقلم كريستوفر هيتشنز تم نرشها مبجلة ‪ Vanity Fair‬سنة ‪« 2010‬‬

‫‪McKie Theman‬‬ ‫ماذا نقول حني نريد إعادة ال ّنظر يف‬ ‫سياسة مفروض ٍة من مد ٍة طويل ٍة أو‬ ‫مخط ٍّط ما مل يعد صالحا لنا و مل يعد‬ ‫يعطي نتائج مفيد ًة ؟ سنقول وقتها ( ليس‬ ‫و كأنه منحوتٌ عىل الحجر ) ‪.‬‬ ‫وهذا الكالم يُقصد به أن الس ّياسة أعاله ليست‬ ‫واحد ًة من القوانني املنحوت ِة عىل ألوا ٍح حجريّ ٍة وال‬ ‫ميكن تغيريها‪ ،‬وبالتّايل بعض األوثان الحديثة التي‬ ‫ظهرت لنا مثل املعايري الذهب ّية أو القوانني التي يُفرتض‬ ‫الخاصة بالسوق الح ّرة ميكن التخلص‬ ‫أنها مق ّدس ًة مثل‬ ‫ّ‬ ‫منها مبا أنها ليست منحوت ًة عىل الغرانيت أو ال ّرخام ‪..‬‬ ‫ولكن ماذا لو كانت القوانني األصلية (الوصايا العرشة) هي‬ ‫التي تحتاج إىل تنقي ٍح ؟ من سيأخذ التنقيح و يقوم بهذا ؟‬ ‫‪18‬‬


‫الوصايا الجديدة‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫سوابق‬ ‫يف الواقع هناك ع ّدة‬ ‫ٍ‬ ‫يف الكتاب املق ّدس لتنقيح‬ ‫الوصايا ‪ ..‬حيث أن الوصايا‬ ‫الخاصة‬ ‫اإللهيّة العرشة‬ ‫ّ‬ ‫مبوىس يوجد لها العديد من‬ ‫ال ُّنسخ اإلنجيل ّية املكتوبة‬ ‫(حني ترى من يُطالب بوضع‬ ‫هذه القوانني داخل املحاكم‬ ‫واملدارس‪ ،‬دامئا اسألهم عن اي‬ ‫طقم من الوصايا يقصدون ‪..‬‬ ‫هذا ينجح بكل مرة) ‪.‬‬ ‫الطقم األول و األكرث شهر ًة بالوصايا نجده يف سفر الخروج (اصحاح ‪ )20‬لكنه ينتهي بق ّيام موىس بتحطيم ما قد يكون‬ ‫أكرث تحف ًة مقدس ًة معروف ًة لدى اإلنسان نفسه ‪ ..‬األلواح األصل ّية التي قام ال ّرب بإمالئها عىل موىس ‪.‬‬ ‫اإلصدار الثاين يحصل يف سفر الخروج (اصحاح ‪ )34‬حيث تم تقديم قوانني جديد ٍة ومختلف ٍة وكتبت بعد جلس ٍة إله ّي ٍة‬ ‫معاد ٍة حيث ُسم ّيت وقتها ألول مر ٍة بـ (الوصايا العرشة) ‪ ...‬يف اإلصحاح الخامس من سفر التثن ّية نرى أن موىس مج ّد ًدا‬ ‫كل م ّر ٍة) ومع ذلك ال‬ ‫يجمع قومه ويُعيد نفس خطاب سيناء مع تغيريٍ رئييس (م ّربرات تقديس يوم السبت تختلف يف ّ‬ ‫طقم آخ ًرا من األوامر – تلك‬ ‫يلتزمون بها حيث أن موىس يذهب مع قومه إىل نهر األردن بعد ‪ 22‬إصحا ًحا و يعطيهم ً‬ ‫املختصة باللّعن والتجديف – والتي ت ّم نحتها بالحجر بدورها‪ ،‬وكام ذُكر يف األلواح الذهبيّة التي وجد بها جوزيف‬ ‫ّ‬ ‫مكتوب عليها يف شامل والية نيويورك فإنه ال يوجد أي اث ٍر عىل بقاء األلواح‬ ‫سميث ‪ Joseph Smith‬كتاب املورمون‬ ‫ٌ‬ ‫الحجريّة األصل ّية ‪.‬‬ ‫و بنا ًءا عىل هذا ميكننا أن نعترب أ ّن هذه الوصايا تقدم يف العمل لكون قد ت ّم التخلّص من بعضها وتم تب ّني وصايا جديد ٍة‬ ‫أخرى بدالً منها و لذلك سنتّجه إىل العرشة األوىل من هذه الوصايا (سيتم استخدام إنجيل امللك جيمس) ‪:‬‬

‫الوص ّية األوىل ‪:‬‬ ‫الَ َيكُ ْن ل َ​َك آلِ َه ٌة أُ ْخ َرى أَ َما ِمي‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫الوصايا الجديدة‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫الوص ّية الثان ّية ‪:‬‬ ‫الس َم ِء ِم ْن َف ْو ُق‪َ ،‬و َما ِف األَ ْر ِض ِم ْن تَ ْح ُت‪،‬‬ ‫الَ ت َْص َن ْع ل َ​َك ِتْث ًَال َم ْن ُحوتًا‪َ ،‬والَ ُصو َر ًة َما ِم َّم ِف َّ‬ ‫َو َما ِف ال َْم ِء ِم ْن تَ ْح ِت األَ ْر ِض‪ .‬الَ ت َْس ُج ْد لَ ُه َّن َوالَ تَ ْع ُب ْد ُه َّن‪.‬‬

‫هاتني الوص ّيتني ه ّن مج ّرد أوام ٍر إله ّي ٍة مختلط ٍة‪ ،‬أنا‬ ‫ال ّرب إلهك فال تكن لك آله ٌة أخرى أمامي ‪ ،‬حيث‬ ‫مم قد يتض ّمنه‬ ‫من الواضح أن هناك‬ ‫تعظيم وتصغ ًريا ّ‬ ‫ً‬ ‫التلميح بأن هنالك أله ٌة أخرى لك ّنها غري متسأويّ ٍة يف‬ ‫التوقري والتعظيم (يختلف العلامء عن العرص الذي‬ ‫اتّجه فيه اليهود من الرشك إىل التوحيد) و من بعده‬ ‫ٍ‬ ‫منحوت) أو (صور ٍة من ما يف السامء‬ ‫يأيت حظر (متثا ٍل‬ ‫من فوقٍ وما يف األرض من ٍ‬ ‫تحت وما يف املاء من‬ ‫تحت األرض )‬

‫نفهم من هذا أ ّن الف ّن التمثييل ُمح ّر ٌم كام يفهم‬ ‫أي هيئ ٍة لإلنسان‬ ‫املسلمون من القرآن أن تصوير ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مقدسا (لذلك فهو ال‬ ‫شخصا‬ ‫مح ّر ٌم‬ ‫وخصوصا إذا كان ً‬ ‫ًّ‬ ‫كالصلبان و‬ ‫يُش ِّجع عىل تجسيد األيقونات املسيح ّية ّ‬ ‫الرب إلهك وأنا‬ ‫متاثيل الق ّديسني و العذراء) ولذلك فإن التحريم هنا مؤكّ ٌد بشكلٍ قاطعٍ‬ ‫ً‬ ‫خصوصا مع وجود تذكريٍ (أنا ّ‬ ‫إله غ ّيو ٌر و سيقتسم آثام األب كل أبنائه وصوالً إىل الجيل الثالث وال ّرابع ) ‪ .‬العقوبة الجامع ّية عىل األطفال املستقبل ّيني‬ ‫ألجل املساس بالذات اإللهيّة قد ال ترضب الجميع وبالذات هؤالء املوعودين بالخالص ‪.‬‬

‫الوص ّية الثالثة ‪:‬‬ ‫ِإسم إِلَه ِْك َب ِ‬ ‫فب ِ‬ ‫اطالً‪.‬‬ ‫ال تَ ْحلِ ْ‬ ‫الرب لن يسامحك عىل املساس بإسمه‪ ...‬مالحظ ٌة دامئ ُة التكرار هنا بسبب الغرور اإللهي‬ ‫ال تحلف بإسم ربّك باطالً ألن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تجديف بسببها‪ ،‬فحني أقول مثالً (الله أعلم) حني يكون‬ ‫أي‬ ‫‪ ،‬ال أحد يعرف كيف يتّبع هذه الوصة بحذافريها أو يتج ّنب ّ‬ ‫قصدي (ال أحد يعلم) أليس هذا خط ٌر ضمن ًّيا ؟ أليس من املفرتض أن تكون القوانني واضح ًة اكرث مبا أنها غري قابل ٍة‬ ‫للتعديل ؟‬ ‫‪20‬‬


‫الوصايا الجديدة‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫الوص ّية الرابعة ‪:‬‬ ‫الس ْب ِت لِ ُتق َِّد َس ُه‪.‬‬ ‫اُ ْذكُ ْر َي ْو َم َّ‬ ‫لوقت طويلٍ وت ّم ذكرها يف أربع ٍ‬ ‫مقدسا‪ ،‬هذا الوص ّية التي من الظاهر أن تستم ّر ٍ‬ ‫وتبي‬ ‫تذكر يوم السبت‪ ،‬ابقيه‬ ‫ًّ‬ ‫آيات ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أي ٍ‬ ‫بأي عملٍ (ملاذا‬ ‫خدم أو‬ ‫أهم ّية هذا اليوم لكونه مك ّرساًّ لل ّرب‪ ،‬حيث ال ميكن ألطفا ٍل أو ٍ‬ ‫شخص أن يقوم ّ‬ ‫حيوانات أو ّ‬ ‫مخصص ًة للذين ميلكون أمالكا ؟)‬ ‫هذه الوصيّة ّ‬ ‫اب للدعوة إىل أن يكون يوم العمل مح ّد ٌد‬ ‫ال أحد يعرتض عىل يوم عطل ٍة ‪ ..‬الحركة الشيوع ّية العامل ّية أساساً بدأت بإرض ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ساعات يف ‪ 1886\5\1‬و كان اإلرضاب ض ّد أرباب العمل املسيح ّيني الذين يستخدمون عاملة األطفال لسبعة أيام‪،‬‬ ‫بثامن‬ ‫ولكن يف سفر الخروج (اصحاح ‪ 20‬آية ‪ )11-8‬نرى أن سبب إعطاء هذا اليوم هو ألن الرب خلق األرض والسامء والبحار‬ ‫سبب آخ ٌر لتقديس‬ ‫يف ستّة ٍ‬ ‫أيام و ق ّرر االسرتاحة يف السابع ‪ ...‬ولكن يف سفر التثنيّة (اصحاح ‪ 5‬اية ‪ )15‬نرى أ ّن هناك ٌ‬ ‫يوم السبت ‪:‬‬ ‫أوص َاك ال َّر ُّب‬ ‫ص‪ ،‬فَأَ ْخ َر َج َك ال َّر ُّب إِل ُه َك ِم ْن ُه َن َاك ِب َي ٍد شَ ِدي َد ٍة َو ِذ َرا ٍع َم ْم ُدو َد ٍة‪ .‬ألَ ْجلِ ذلِ َك َ‬ ‫َوا ْذكُ ْر أَنَّ َك كُ ْن َت َع ْب ًدا ِف أَ ْر ِض ِم ْ َ‬ ‫الس ْب ِت‪.‬‬ ‫إِل ُه َك أَ ْن تَ ْح َف َظ يَ ْو َم َّ‬ ‫الخاصة مبوىس مع ذلك سنجد إشار ٍ‬ ‫ات مختلط ٍة هنا ‪:‬‬ ‫املفضل‪ ،‬مع التذكري بفرتة العبوديّة‬ ‫قد يكون هذا هو السبب ّ‬ ‫ّ‬ ‫أيضا ملاذا ال ميكن للمعصوم و الكامل العلم ووالقادر عىل‬ ‫ملاذا ال يجب أن تفرض يوما لل ّراحة ألجل الحاجة إليها ؟ و ً‬ ‫كل يشء أن يصفّي باله و يعطينا السبب الحقيقي ؟‬

‫الوص ّية الخامسة ‪:‬‬ ‫يك ال َّر ُّب إِل ُه َك‪.‬‬ ‫اك َوأُ َّم َك لِ َ ْ‬ ‫ك تَطُ َول أَ َّيا ُم َك َع َل األَ ْر ِض الَّ ِتي ُي ْع ِط َ‬ ‫أكْ ِر ْم أَ َب َ‬ ‫كل من سفر الخروج‬ ‫تبدو غري مؤذيّة‪ ،‬فهذه الوص ّية الوحيدة التي تأيت بأسلوب الحثّ بدل أسلوب الرتهيب حيث أن ً‬ ‫وسفر التثن ّية يطرحانها لذات السبب (ليك تطول أيامك عىل األرض التي يعطيك الرب إلهك) يبدو هنا تلمي ًحا إلحرتام‬ ‫شعب آخ ٌر مسبقًا‪ -‬لذلك فهذا‬ ‫األب واألم ليك تحصل عىل مرياثك ‪ -‬فالرب قد وعد االرسائيل ّيني بأرض كنعان التي يشغلها ٌ‬ ‫جميل ؟‬ ‫املرياث سيعني غناك‪ ،‬مج ّد ًدا ملاذا ال يقول بأن طاعة الوالدين هي يش ٌء ٌ‬

‫‪21‬‬


‫الوصايا الجديدة‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫الوص ّية السادسة ‪:‬‬ ‫ال تَ ْق ِتل‬ ‫مقارب لـ (‪Thou shall‬‬ ‫النص العربي األصيل يكون معناها‬ ‫هذه الوص ّية بالتحديد ال تبدو كام ت ُرتجم إىل اإلنكليزية‪ ،‬ففي ّ‬ ‫ٌ‬ ‫‪( )do no murder‬ال تقم بأي عمل ّية قتلٍ ) ميكننا القول بأن الن ّية من هذه الوص ّية ليست مناهض ًة للحرب مطلقًا‪ ،‬أل ّن‬ ‫موىس بعد أن حطّم األلواح األصليّة بسبب غضبه‪ ،‬قام بإستدعاء الالويّني و قال لهم التايل ‪:‬‬ ‫سائِ َيل‪َ :‬ض ُعوا ك ُّ​ُل َو ِ‬ ‫اب ِف‬ ‫اب إىل بَ ٍ‬ ‫اح ٍد َس ْي َف ُه َع َل ف َِخ ِذ ِه َو ُم ُّروا َوا ْر ِج ُعوا ِم ْن بَ ٍ‬ ‫‪ 27‬فَق َ​َال لَ ُه ْم‪« :‬ه َكذَا ق َ​َال ال َّر ُّب إِل ُه إِ ْ َ‬ ‫اح َب ُه َوك ُّ​ُل َو ِ‬ ‫اح ٍد َص ِ‬ ‫اح ٍد أَ َخا ُه َوك ُّ​ُل َو ِ‬ ‫الْ َم َحلَّ ِة‪َ ،‬واقْتُلُوا ك ُّ​ُل َو ِ‬ ‫اح ٍد قَرِي َب ُه»‪.‬‬ ‫وس‪َ .‬و َوقَ َع ِم َن الشَّ ْع ِب ِف ذلِ َك الْ َي ْو ِم نَ ْح ُو �ثَالَث َ ِة آال َِف َر ُجل‪.‬‬ ‫‪ 28‬فَ َف َع َل بَ ُنو ألوي ِب َح َس ِب قَ ْو ِل ُم َ‬ ‫الخروج ‪28-27 : 32‬‬ ‫و مع هذه الكلامت املم ّهدة‪ ،‬ظهرت لنا هذه الوص ّية حيث أ ّن سفر الخروج ميل ٌء بالوصايا مع بعض األوامر الوحش ّية‬ ‫رشيرة (الَ‬ ‫لقتل الناس للكثري من املخالفات الصغرية (من ضمنها انتهاك يوم السبت) وكذلك نجد من بينها هذه اآلية ال ّ‬ ‫تَ َد ْع َس ِ‬ ‫قريب يف تاريخ البرشيّة‪،‬‬ ‫اح َر ًة ت َ ِع ُ‬ ‫يش) والتي اعتربها املسيح ّيون أم ًرا إله ًّيا إىل ح ٍّد ٍ‬ ‫هذا يقودنا للتساؤل ‪ :‬ماهي جرمية القتل من الدرجة األوىل أو الثالثة ؟ الفصل بني القتل والقتل العمد ليست مه ّم ًة‬ ‫سهل ًة للبرش‪ ،‬ماذا سنفعل إذا كان الرب بنفسه ال مييّز الفرق ؟‬

‫الوص ّية السابعة ‪:‬‬ ‫ال تَ ْزنِ‬

‫ٌ‬ ‫معروف عنها برقمها فقط ‪ ،‬املعرفة الجنس ّية خارج نطاق الزواج‬ ‫لسبب ما فإن هذه الوص ّية هي الوحيدة بني أقرانها‬ ‫كانت عىل مايبدو خط ًرا كب ًريا عىل املجتمع حني كانت العائالت والقبائل متقارب ًة أكرث ومق ّيد ّة أكرث مبعايري الرشف‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بلغات غري لغات الرشق األوسط‪ ،‬الزنا‬ ‫مضمون الوصيّة كان املا ّدة الخام للعديد من املرسحيّات والروايات التي ظهرت‬ ‫عظيم للتعاسة والسعادة والخيال‪ ،‬العديد من القوانني الخاصة بالجرائم قد فشلت بتجريم الزنا‬ ‫كان و ما زال مصد ًرا‬ ‫ً‬ ‫ووضع عقوب ٍة قانوني ٍة له ‪...‬‬ ‫مساوئه وحسناته ال تعود سوى عىل مامرسيه وضحاياه و رمبا ال يستحق أصال ان نص ّنفه مع القتل والرسقة و شهادة‬ ‫الزور‪ ،‬مام يقودنا إىل ‪:‬‬

‫‪22‬‬


‫الوصايا الجديدة‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫الوص ّية الثامنة ‪:‬‬ ‫َسق‬ ‫ال ت ْ ِ‬

‫ال يوجد الكثري لنناقشه هنا ‪ ...‬فهؤالء الذين يعملون بكل ما عندهم ألجل بعض املمتلكات يُغيضون هؤالء الذين‬ ‫فضلون الرسقة عىل العمل‪ ،‬وحني يتطور املجتمع إىل الدرجة التي تكون به ثرواتٌ ال تنتمي ٍ‬ ‫ألحد – سوا ًء كانت ملك ّي ًة‬ ‫يُ ّ‬ ‫خاص ًة باملجتمع – فوقتها من ينهبها ألجل الربح الشخيص سكون مع ّر ًضا للكراه ّية واالحتقار‪ ،‬بالتايل فإن سبب‬ ‫عا ّم ًة أو ّ‬ ‫رخاء بعض العائالت والدول هو بسبب بعض الرسقات‪ ،‬لكن يف هذه الحالة ال ميكن تطبيق هذا املبدأ عليهم ‪.‬‬

‫الوص ّية التاسعة ‪:‬‬ ‫ال تَشْ َه ْد شَ َهاد ْة زُور ‪.‬‬ ‫قد تكون هذه عىل األرجح األرقى بني باقي الوصايا‪ ،‬فاملجتمع البرشي ال يقتنع إال ببعض الكلامت التي ستضع بعض‬ ‫ٍ‬ ‫وبعقوبات ض ّد شهادة الزور‪ ،‬وإىل ٍ‬ ‫قريب الكثري من‬ ‫وقت‬ ‫قسم ما‬ ‫ٍ‬ ‫الحدود‪ ،‬ويف الخالفات القانونيّة نُطالب بحلف ٍ‬ ‫الشهادات التي تُليت أمام الكونغرس كانت من دون أن يقوم الشهود بأداء القسم مام س ّبب الكثري من الكذب الرسمي‪،‬‬ ‫ال يشء يسرتعي االنتباه أكرث من التذكري بالقسم‪ ،‬فالشهادة متثل واحد ًة من قيمنا النبيلة وكونك شاه ًدا هي مسؤولي ٌة‬ ‫أخالقي ٌة مه ّمة ج ًّدا ‪.‬‬ ‫بعضا من الحقيقة‬ ‫لنالحظ مدى مرونة هذه الوصيّة‪ ،‬وارتكازها هو (الضد) فإذا كنت واثقًا من براءة أحدهم وأخفيت ً‬ ‫وربا يُس ّبب لك هذا مشاكل شخصي ٍة‪ ،‬أما إذا كذبت عم ًدا التهام ٍ‬ ‫شخص ليس‬ ‫ذنب بشهادة الزور ّ‬ ‫يف الشهادة‪ ،‬فأنت ُم ٌ‬ ‫مذن ًبا فوقتها أنت قمت بخطأ ال يُغتفر ‪.‬‬

‫الوص ّية العارشة ‪ :‬الَ تَشْ َت ِه َب ْي َت َقرِيب َِك‪ .‬الَ تَشْ َت ِه ا ْم َرأَ َة َقرِيب َِك‪َ ،‬والَ َع ْب َد ُه‪َ ،‬والَ أَ َم َت ُه‪َ ،‬والَ‬ ‫ثَ ْو َر ُه‪َ ،‬والَ ِح َم َر ُه‪َ ،‬والَ شَ ْي ًئا ِم َّم لِ َقرِيب َِك‪.‬‬ ‫هناك بعض التفاصيل التي ستجعل هذه الوص ّية األكرث إثار ٍة للتساؤل بني باقي الوصايا‪ ،‬لنرتك جان ًبا املزاح عن ما إذا كان‬ ‫حالالً اشتهاء حامر زوجة قريبك‪ ،‬ميكنك رؤية أن هذه الوص ّية حالها حال وص ّية السبت موجه ًة بالخصوص ملن لديه‬ ‫ٌ‬ ‫وأمالك وكذلك تضع الزوجة من ضمن املال (يف تلك الحقبة كان التمهيد بـ «زوجة جارك» ) ‪.‬‬ ‫خد ٌم‬ ‫‪23‬‬


‫الوصايا الجديدة‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫بدل عن هذا إن‬ ‫الحظ أيضا أنه ال يوجد يش ٌء إلزامي بهذه الوص ّية كام وص ّية السبت أو تحرميًا كام وص ّية شهادة الزور‪ً ،‬‬ ‫هذه الوص ّية هي أول ولكن ليس آخر ما موجود يف اإلنجيل عن شمول ّية (جرمية الرأي) فقد تم إخبارك أن ال تفكر بهذا‬ ‫مطلقًا (يسوع يف النارصة يأخذ هذا إىل ح ٍّد ٍ‬ ‫أبعد حني يقول يف العهد الجديد بأن هؤالء الذين يف قلوبهم رغب ٌة قد قاموا‬ ‫بخطيئة الزنا ويف هذه الحالة سيتم معاملتك كالزاين وعىل األغلب سيتم رجمك أو تعوض خروفًا أو ثو ًرا أو حام ًرا اذا‬ ‫وصلت األمور لهذا الحد) واضع القوانني الحكيم يعرف بأنه من الخطأ وضع رشيعة ال ميكن إطاعتها ‪.‬‬ ‫هناك اعرتاضاتٌ أخرى‪ ،‬فمن وجهة نظر (يسارية) أين األخالقيات يف منع الناس من التأمل مبزايا الغنى و اعتبارها حراما‬ ‫؟ أو من أن يطلبوا بتوزيع عادل للرثوات ؟‬

‫من وجهة نظر (ميينية) هل الطموح واالكتساب يعترب ملعونا ؟ أليس الحسد مح ّف ٌز جيّ ٌد للمنافسة ؟ لقد خضت مناظر ًة‬ ‫بخصوص هذه النقاط مع الحاخام هارولد كشرن ‪ Harold Kushner‬مؤلف كتاب املواساة « عندما تحدث األشياء السيئة‬ ‫للناس الجيدين « ‪ When Bad Things happen to Good People‬و قال يل أن هناك ح ّج ٌة تلموديّ ٌة بأن قريبك (يف‬ ‫الرتجمة العربية) أو جارك ‪( Neighbor‬يف الرتجمة االنكليزية من إنجيل امللك جيمس التي اعتمدها كريستوفر هيتشنز‬ ‫نقاش حا ٌّد يتمثّل بأن معنى الكلمة ‪Neighbor‬‬ ‫يف مقالته هذه) ال تعني بالرضورة جارك الذي يجاور بيتك‪ ،‬وأن هناك ٌ‬ ‫أيضا ‪.‬‬ ‫يقصد بها اليهود فقط‪ ،‬بالتايل هذه الوصيّة ستكون مقيّد ًة إذا كان يُقصد بها الساميني فقط أو جريانهم ً‬ ‫‪24‬‬


‫الوصايا الجديدة‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫نستنتج من أول مراجع ٍة ما ييل ‪:‬‬

‫الخاصة وتظهر كل األعراض التي تقول بأنها (الوصايا) من صنع‬ ‫أن الوصايا العرشة مستلهم ًة من أخالقٍ لها ظروفها‬ ‫ّ‬ ‫البرش ومرتجل ًة تحت الضغط ‪ ،‬وهي مو ّجه ٌة بالخصوص إىل قبيل ٍة ُمرتحل ٍة يعتمد اقتصادها عىل الزراعة وثرواتها ت ُعد‬ ‫شعب ت ّم وعدهم بإعطاء أرض غريهم ‪ -‬العامليق و املديان ّيني وغريهم – الذين أمر‬ ‫بالبرش والحيوانات‪ ،‬إنها موجه ٌة إىل ٍ‬ ‫الرب بقتلهم واغتصاب نسائهم واستعبادهم وإنهاء وجودهم ‪ ،‬وهي مه ّم ٌة ألن اإلرسائيل ّيني يف كل خطو ٍة أثناء رحلتهم‬ ‫الشاقّة كان يتم تذكريهم باالنتباه للقوانني‪ ،‬ليس ألنها صحيح ٌة ولكن لكونها ستؤدي بهم ألن يكونوا غزا ًة (كام نرى ‪...‬‬ ‫إىل البقعة الوحيدة يف الرشق األوسط التي ال تحتوي عىل ٍ‬ ‫نفط) ‪.‬‬

‫إذن كيف تُقلّم أظافر هذه الوصايا وكيف تشذبها ؟‬ ‫الوصايا من ٍ‬ ‫واحد إىل ثالث ٍة ستم ّر بسهول ٍة لكونها‬ ‫ليست أخالق ّي ٍة وليست سوى (تطهريٍ للبلعوم)‬ ‫من الدكتاتور الكبري‪ ،‬الخوف من السلطة‬ ‫أساسا لألخالقياّت‪ ،‬التحريم‬ ‫الغري مرئ ّية ليس ً‬ ‫الجامعي للنحت والفن التصويري يجب رفعه ‪.‬‬ ‫الوص ّية الرابعة ميكن أن تبقى رغم أن وقت‬ ‫االسرتاحة ليس واجبًا أخالقيًّا بالكامل وهو‬ ‫تكليف من السموات نفسها وعىل األقل إذا ما‬ ‫ٌ‬ ‫قص اآليات األوىل والثالثة و الرابعة (التي ال‬ ‫تم ّ‬ ‫ميكن تطبيقها عىل غري اليهود) ‪ ،‬الوص ّية الرابعة‬ ‫ٌ‬ ‫حقوق بجانب الواجبات‪،‬‬ ‫تلمح إىل أنه يوجد‬ ‫فلماليني الناس خالل آالف السنني كان يوم‬ ‫بدل من‬ ‫يوم إجباري عىل االلتزام ً‬ ‫السبت مج ّرد ٍ‬ ‫كونه يو ًما للراحة‪ ،‬بالتايل أدى إىل نفاق سخيف‬ ‫كأحمق ‪ :‬هو لن يالحظ‬ ‫يتمثل مبعاملة الرب‬ ‫ٍ‬ ‫طابق ليك ال‬ ‫جعلنا للمصاعد تتوقف يف كل‬ ‫ٍ‬ ‫سليم‬ ‫يقوم يهودي تقي بضغط الزر‪ ،‬هذا غري ٍ‬ ‫و ٍّ‬ ‫شاق إىل ح ٍّد كبريٍ ‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫الوصايا الجديدة‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫بالنسبة للوص ّية الخامسة فإن احرتام األكرب ليس محل تساؤ ٍل مطلقًا‪ ،‬لكن ملاذا ال يوجد ما يُح ّرم سوء معاملة الطفل ؟‬ ‫(قيام الطفل بالشتم يؤدي به إىل عقوبة املوت وفقًا لسفر الالويني ‪ , 20:9‬يوجد القليل من اآليات قبل اشرتاط عقوبة‬ ‫املوت عىل املثليّني الذكور) الطفل الجامح أو الوقح هو يش ٌء مرو ٌع ‪ ،‬ولكن آبا ٌء وقحني ووحشيّني يعني أذى أكرب بكثري‪،‬‬ ‫وحتى إذا تطرقنا إىل قامئ ٍة طويل ٍة من األمور املح ّرمة واملمنوعة سرنى أن ساديّة الوالدين ليست بينها ‪ ،‬مذكر ًة إىل سيناء‬ ‫‪ :‬صححوا هذا اإلغفال ‪.‬‬ ‫بالنسبة إىل الوص ّية السادسة فاألنظمة البرشيّة قد قامت بعملٍ أفضلٍ بكثريٍ يف متييز االختالفات األخالق ّية للقتل ‪ ،‬مذكرة‬ ‫إىل سيناء ‪ :‬ألستم مطلقي األخالق ؟ ماذا عن قتىل املديانيّني املساكني ؟‬ ‫أيضا أمل يكن باألحرى جعل الزواج‬ ‫بالنسبة للوص ّية السابعة فهي عادل ٌة بعض اليشء‪ ،‬لكن أليس الزواج املتع ّدد زنا ؟ ً‬ ‫مقارب أكرث للطبيعة البرشيّة ؟ ملاذا خلق الشهوة يف قلوب الناس ؟ ومج ّد ًدا ماذا عن االغتصاب؟ يبدو وكأنه‬ ‫األحادي‬ ‫ٌ‬ ‫موىص به بش ّد ٍة مع املجازر والعبوديّة والوأد يف سفر العدد ‪ 18-31:1‬التي تعترب مصد ًرا لترشيع بعض حاالت الجنس‬ ‫املتط ّرف قبل الزواج ‪:‬‬ ‫وس قَائِالً‪:‬‬ ‫‪َ 1‬وكَلَّ َم ال َّر ُّب ُم َ‬ ‫سائِ َيل ِم َن الْ ِم ْديَانِ ِّي َني‪ ،‬ث ُ َّم ت َُض ُّم إىل قَ ْو ِم َك»‪.‬‬ ‫‪« 2‬اِنْتَ ِق ْم نَ ْق َم ًة لِ َب ِني إِ ْ َ‬ ‫وس الشَّ ْع ِب قَائِالً‪َ « :‬ج ِّر ُدوا ِم ْن ُك ْم ِر َجاالً لِلْ ُج ْن ِد‪ ،‬فَ َيكُونُوا َع َل ِم ْديَا َن لِ َي ْج َعلُوا نَ ْق َم َة ال َّر ِّب َع َل ِم ْديَانَ‪.‬‬ ‫‪ 3‬فَ َكلَّ َم ُم َ‬ ‫‪ 4‬أَلْفًا َو ِ‬ ‫سائِ َيل تُ ْر ِسلُو َن لِلْ َح ْر ِب»‪.‬‬ ‫اح ًدا ِم ْن ك ُِّل ِسبْ ٍط ِم ْن َج ِميعِ أَ ْسبَ ِاط إِ ْ َ‬ ‫‪ 5‬فَا ْخ ِت َري ِم ْن أُل ِ‬ ‫ش أَلْفًا ُم َج َّر ُدو َن لِلْ َح ْر ِب‪.‬‬ ‫سائِ َيل أَل ٌْف ِم ْن ك ُِّل ِس ْب ٍط‪ .‬اث ْ َنا َع َ َ‬ ‫ُوف إِ ْ َ‬ ‫اس بْ َن أَلِ َعازَا َر الْكَا ِهنِ إىل الْ َح ْر ِب‪َ ،‬وأَ ْم ِت َع ُة الْ ُق ْد ِس َوأَبْ َو ُاق‬ ‫‪ 6‬فَأَ ْر َسلَ ُه ْم ُم َ‬ ‫وس أَلْفًا ِم ْن ك ُِّل ِس ْب ٍط إىل الْ َح ْر ِب‪ُ ،‬ه ْم َو ِفي ْن َح َ‬ ‫الْ ُهتَ ِ‬ ‫اف ِف يَ ِد ِه‪.‬‬ ‫‪ 7‬فَتَ َج َّن ُدوا َع َل ِم ْديَا َن ك َ​َم أَ َم َر ال َّر ُّب َوقَتَلُوا ك َُّل َذكَرٍ‪.‬‬ ‫أوي َو َرا ِق َم َو ُصو َر َو ُحو َر َو َراب َع‪َ .‬خ ْم َس َة ُمل ِ‬ ‫ُوك ِم ْديَانَ‪َ .‬وبَلْ َعا َم بْ َن بَ ُعو َر قَتَلُو ُه‬ ‫‪َ 8‬و ُمل ُ​ُوك ِم ْديَا َن قَتَلُو ُه ْم فَ ْو َق قَتْالَ ُه ْم‪َ :‬‬ ‫ِالس ْي ِف‪.‬‬ ‫ب َّ‬ ‫سائِ َيل نِ َسا َء ِم ْديَا َن َوأَطْفَالَ ُه ْم‪َ ،‬ونَ َه ُبوا َج ِمي َع بَ َه ِائِ ِه ْم‪َ ،‬و َج ِمي َع َم َو ِاشي ِه ْم َوك َُّل أَ ْمالَكِ ِه ْم‪.‬‬ ‫‪َ 9‬و َس َبى بَ ُنو إِ ْ َ‬ ‫‪َ 10‬وأَ ْح َرقُوا َج ِمي َع ُم ُدنِ ِه ْم بِ َ َساكِ ِن ِه ْم‪َ ،‬و َج ِمي َع ُح ُصونِ ِه ْم بِال َّنارِ‪.‬‬ ‫‪َ 11‬وأَ َخذُوا ك َُّل الْ َغ ِني َم ِة َوك َُّل ال َّن ْه ِب ِم َن ال َّن ِ‬ ‫اس َوالْ َب َهائِ ِم‪،‬‬ ‫ِالسبْ ِي َوال َّن ْه ِب َوالْ َغ ِني َم ِة إىل الْ َم َحلَّ ِة إىل َع َربَ ِ‬ ‫وآب‬ ‫سائِ َيل ب َّ‬ ‫‪َ 12‬وأَتَ ْوا إىل ُم َ‬ ‫ات ُم َ‬ ‫وس َوأَلِ َعازَا َر الْكَا ِهنِ َوإىل َج َم َع ِة بَ ِني إِ ْ َ‬ ‫الَّ ِتي َع َل أُ ْر ُد ِّن أَرِي َحا‪.‬‬ ‫الس ِت ْق َبالِ ِه ْم إىل َخا ِر ِج الْ َم َحلَّ ِة‪.‬‬ ‫وس َوأَلِ َعازَا ُر الْكَا ِه ُن َوك ُّ​ُل ُر َؤ َسا ِء الْ َج َم َع ِة ْ‬ ‫‪ 13‬فَ َخ َر َج ُم َ‬ ‫‪26‬‬


‫الوصايا الجديدة‬ ‫‪McKie Theman‬‬

‫ُوف َو ُر َؤ َسا ِء الْ ِمئَ ِ‬ ‫وس َع َل ُوكَالَ ِء الْ َج ْي ِش‪ُ ،‬ر َؤ َسا ِء األُل ِ‬ ‫ات الْقَا ِد ِم َني ِم ْن ُج ْن ِد الْ َح ْر ِب‪.‬‬ ‫‪ 14‬ف َ​َس َخ َط ُم َ‬ ‫وس‪َ :‬ه ْل أَبْ َق ْيتُ ْم ك َُّل أُنْثَى َح َّي ًة؟‬ ‫‪َ 15‬وق َ​َال لَ ُه ْم ُم َ‬ ‫سائِ َيل‪َ ،‬ح َس َب كَال َِم بَلْ َعا َم‪َ ،‬سبَ َب ِخيَانَ ٍة لِل َّر ِّب ِف أَ ْم ِر فَ ُغو َر‪ ،‬فَكَا َن الْ َوبَأُ ِف َج َم َع ِة ال َّر ِّب‪.‬‬ ‫‪ 16‬إِ َّن ه ُؤالَ ِء كُ َّن لِبَ ِني إِ ْ َ‬ ‫‪ 17‬فَاآل َن اقْتُلُوا ك َُّل َذكَ ٍر ِم َن األَطْفَا ِل‪َ .‬وك َُّل ا ْم َرأَ ٍة َع َرف َْت َر ُجالً بِ ُ َضا َج َع ِة َذكَ ٍر اقْتُلُو َها‪.‬‬ ‫‪ 18‬ل ِك ْن َج ِمي ُع األَطْفَا ِل ِم َن ال ِّن َسا ِء اللَّ َو ِات لَ ْم يَ ْع ِرفْ َن ُم َضا َج َع َة َذكَ ٍر أَبْقُو ُه َّن لَ ُك ْم َح َّي ٍ‬ ‫ات‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بالنسبة للوصية رقم مثانية وتسعة ‪ :‬مثري ٌة لإلعجاب وموجز ٌة ومع فارقٍ‬ ‫بسيط يف معنى (الضد)‬ ‫ٍ‬ ‫إلهي سافر باألفكار‬ ‫بحق النساء عن طريق اعتباره ّن‬ ‫بالنسبة للوص ّية العارشة مجحف ٌة ّ‬ ‫ممتلكات وكذلك هي تد ّخل ّ‬ ‫الشخص ّية إضاف ًة إىل أنه ال ميكن إتباعها بالكامل وتحول الخطاة إىل مفكرين أكرث ‪.‬‬ ‫حأولت ما بوسعي يك ال أتطرق إىل هذه الوصايا من خالل منظور املعتد بنفسه‪ ،‬فقط العظيم من يح ّدد من سيخلد‪،‬‬ ‫فمن وجهة نظ ٍر أبديّ ٍة ‪ :‬يجب عىل الشخص أن يتج ّنب العالقة التاريخيّة والثقافيّة فال يوجد مغزى من أمر أبناء إرسائيل‬ ‫رجعي نظريّة جرثومية األمراض (يك يتج ّنبوا سوء الظ ّن بكون الطاعون عقابًا إله ًّيا) أو علم الفلك (ليك‬ ‫أن يكشفوا بأث ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫اعتقادات غب ّي ٍة بنا ًءا عىل حركة و سري الكواكب والنجوم) مع ذلك إذا استمرينا بالظن بأن الرشور التي‬ ‫ال يقوموا ببناء‬ ‫بأي يش ٍء تُجاه جرائم اإلبادة‬ ‫تصيب العامل اليوم هي من صنع البرش وال تؤثر بالطبيعة فسنكون حمقى إذا مل نشعر ّ‬ ‫الجامع ّية والعبودية واالغتصاب وسوء معاملة الطفل والقمع الجنيس والجرائم املرتكبة باسم الدين والتدمري الوحيش‬ ‫لعامل الطبيعة والناس الذين يرثثرون عىل هواتفهم النقّالة يف املطاعم (وهؤالء الذين يف ّجرون أنفسهم أثناء الرصاخ «الله‬ ‫أكرب» ‪ ..‬أليس هذا إساءة إلسم الرب ؟)‬ ‫من الصعب أخذ الكالم بجديّ ٍة إذا ما بدأت الجملة بـ (ال) (‪ )Thou Shall not‬ولكن من لديه الثقة بالقول ‪ :‬ال تحاسب‬ ‫ٍ‬ ‫كممتلكات شخصي ٍة‪ ،‬اكرهوا هؤالء الذين يستعملون العنف أو التهديد‬ ‫الناس وفقًا لعرق ّيتهم أو لونهم‪ ،‬ال تعترب الناس‬ ‫به يف العالقات الجنسيّة‪ ،‬غطي وجهك وتجرأ عىل أذيّة طفلٍ ‪ ،‬ال تحاسب الناس عىل طبيعتهم التي ولدوا بها‪ ،‬ملاذا يخلق‬ ‫الرب كل هؤالء املثل ّيني جنس ًّيا فقط ليك يعذّبهم ويد ّمرهم ؟ انتبه إىل أنك مج ّرد حيوانٍ وترتبط بشبكة الطبيعة لذلك‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات خاطئ ٍة كام ترسقهم‬ ‫فكّر وترصف وفقاً لهذا‪ ،‬ال تفكر بأنك ستهرب من العقاب إذا ما رسقت الناس عن طريق‬ ‫عن طريق سكني‪ ،‬اغلق هاتفك اللعني فأنت ال تتصور كم هي غري مهمة مكاملتك لنا ! اشجب الجهاديني والصليبيني‬ ‫للتخل عن أي دين ٍأو أم ٍر إلهي يتعارض‬ ‫أوهام قبيح ٍة‪ ،‬كن عىل استعدا ٍد ّ‬ ‫وأوصفهم عىل حقيقتهم ‪ :‬مجرمني مجانني مع ٍ‬ ‫مع املكتوب أعاله‬

‫وال تعترب أن أخالقياتك منحوت ٌة عىل الحجر ‪.‬‬ ‫‪27‬‬


28


‫مرصي ملحد‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫‪1‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫شخصي ٌة حديث ٌة ُيكن وصفها بأنها أحد نجوم العامل الرقمي‬ ‫واإلعالم الحديث‪.‬‬ ‫مرصي أوالً وملح ٌد ثان ًيا كام يُع ّرف نفسه‪ ،‬له وجهات نظ ٍر سياسي ٍة وآرا ٌء‬ ‫ٌ‬ ‫عميق ٌة ومعرف ٌة واسع ٌة يف التاريخ وخباياه ويراه الكثريون ذلك الجانب املجنون‬ ‫البذيء والظريف والغاضب الذي يفرض التوازن عىل ساحة التعبري الح ّرة عىل‬ ‫اإلنرتنت‪.‬‬ ‫بدأت فيديوهاته بالظهور عىل موقع اليوتيوب مع بداية األحداث السياسية قبيل سقوط‬ ‫حكم حسني مبارك يف مرص‪ ،‬وأتت تسجيالته ُمن ّجم ًة عىل األحداث تصف وتحلّل وتطرح آراءه‬ ‫ونبوءاته التي كانت قاسي ًة أحيانًا‪ .‬ولك ّنها كانت دو ًما ماد ًة دسم ًة وممتع ًة ومفيد ًة لجميع األطراف‪.‬‬ ‫ضيفنا يف هذا العدد هو مرصي ملحد‪ ،‬أهالً وسهالً بك معنا يف مجلة امللحدين العرب‪:‬‬ ‫الخفي يف املجتمع أم أنه شاهد عيانٍ بعي ٌد عن األرض‪،‬‬ ‫‪ -1‬بداي ًة‪ ،‬من هو مرصي ملحد‪ ،‬هل هو ابن البلد أم هو املثقّف‬ ‫ّ‬ ‫كل ما سبق؟ كيف تع ّرف نفسك كإنسانٍ له صوته ورأيه وما هي الهوية التي ترى أنها تعرب عنك أكرث؟‬ ‫أم ّ‬ ‫مرصي ملحد هو املونولوج الداخيل الذي ق ّررت أن أضعه عىل اليوتيوب والسبب كان أحداث مرص ‪ 2011‬واالسم‬ ‫عادي يضع أفكاره التي تدور‬ ‫ٌ‬ ‫كاشف عن الهوية ‪-‬أي مرصي‪ -‬وال أعترب نفيس مثقفًا خف ًّيا وشاهد عيان ‪...‬الخ‪ ،‬بل مواط ٌن ّ‬ ‫أقل مام يدور برأس النخبة‬ ‫ولسبب آخر هو أن الكثري منا كان يظن سابقا أ ّن ما يدور برأسه هو ُّ‬ ‫برأسه عىل اليوتيوب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أو أنّه ليس عنده إدر ٌاك ٍ‬ ‫اكتشفت أ ّن إدرايك يكاد يكون أعمق منهم بكثري‪،‬‬ ‫كاف لألمور‪ ،‬لكن‬ ‫ُ‬ ‫وهذا ليس غرو ًرا بل التجربة خالل السنني السابقة أثبتت يل ذلك‪ ،‬أي أنّه لدينا نخب ٌة جاهلة‪ ،‬فقررت تقديم يد‬ ‫املساعدة‪ ،‬هذا باختصا ٍر شديد‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫مرصي ملحد‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫‪1‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫عميق يف تشكيل شخصيّته فنحن بالنهاية مجموع مكتسباتنا‪ ،‬ماذا تستطيع أن‬ ‫‪ -2‬البدايات يف حياة ّ‬ ‫كل إنسان لها دو ٌر ٌ‬ ‫تخربنا عن البيئة التي نشأت بها من عائل ٍة ودائر ٍة إجتامعية ضيقة ومستوى اقتصادي واجتامعي والتي ك ّونت األساس‬ ‫الذي بنيت عليه باقي مكتسباتك يف سنوات عمرك املبكرة؟‬ ‫ٌ‬ ‫فعل أث ّرت عىل آرايئ‪ ،‬وأو ّد هنا أن أتكلم عن هذا بيش ٍء من التفصيل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سؤال جميل‪ ،‬نشأيت‬ ‫مختلف نو ًعا‬ ‫هناك أشيا ٌء ليس لنا ي ٌد بها كأرستنا مثالً أو الجريان واملحيطني بنا‪ ،‬لكن أنا بدأت أنظر لألمور التي جعلتني‬ ‫ٌ‬ ‫مهم‪ ،‬وهو أنّنا كنا البيت الوحيد وسط دائرة املعارف واألقارب الذي‬ ‫ما عن اآلخرين‪ ،‬بالبحث والتنقيب‬ ‫ُ‬ ‫اكتشفت شيئًا ً‬ ‫يحوي مكتب ًة منزلية‪ ،‬ولدرجة أن هناك من كان ال يقرأ حتى الصحف اليومية‪ ،‬وحتى لو اقتنوا منها شيئًا فكانت ّ‬ ‫مجلتٌ‬ ‫مجل ٍت كمجلة العريب وعامل الفكر وعامل املعرفة‪...‬‬ ‫مختلف حيث كان والدي يحرض ّ‬ ‫مثل‪ ،‬بينام يف بيتنا األمر‬ ‫عن األزياء ً‬ ‫ٌ‬ ‫فوجود هذه املكتبة عمل فرقًا حقيقيًا بيني وبني املحيطني يب‪ .‬إضاف ًة إىل ذلك فأنا شخصي ٌة تؤمن بالشك‪ ،‬ليس من‬ ‫السهل أن تقنعني بسهول ٍة فأنا متشك ٌّك ويجب أن أتأكّد من أيّة قص ٍة تُروى يل‪ .‬وكانت الثقافة السائدة باملجتمع تعترب‬ ‫أي ٍ‬ ‫أ ّن الشك خطيئ ٌة‪ ،‬فمسألة أن ّ‬ ‫شخص‬ ‫شخص بقصة بدايات اإلسالم ً‬ ‫مثل بأ ّن أحدهم ذهب إىل غار حراء فظهر له ٌ‬ ‫يشك ّ‬ ‫طالب أن أؤمن مبا‬ ‫قال له إقرأ فقال ما أنا بقارئ وكل ذلك الحوار الهابط جعلني ُمتش ّككًا باإلسالم‪ ،‬ومل أعرف ملاذا أنا ُم ٌ‬ ‫دليل وال شاه ًدا عىل ما يقول‪.‬‬ ‫يقوله هذا الشخص والذي ال ميلك ً‬ ‫هذا الشك مع وجود مكتبة‪ ،‬ك ّون ما ُيكن تسميته باتجا ٍه جعلني نو ًعا ّما مختلفًا ع ّمن يُحيطون يب‪.‬‬ ‫أيضا والتي هي تجربة والدي‪.‬‬ ‫أحد األمور األخرى امله ّمة ً‬ ‫لوالدي قص ٌة نو ًعا ّما طريف ٌة وال ت ُّصدق‪ ،‬والدي ممكن أن أقول بأنّه جامع املجد من أطرافه‪ ،‬فقد كان لوالدي عالق ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫وأي ٍ‬ ‫شخص سيسمع بهذا الكالم أول ما سيقوله‪ :‬اسمع منا وال تسمع عنا‪.‬‬ ‫وطيد ًة‬ ‫بشخصيات من اإلخوان املسلمني‪ّ ،‬‬ ‫وأننا ال نعرف شيئًا عن اإلخوان‪ ،‬لك ّني أعرفهم من األلف إىل الياء‪ ،‬والسبب كان تلك الصلة الوثيقة التي كانت تربط‬ ‫والدي بهم‪ .‬أ ّما الطريف باألمر أ ّن والدي يف الستينات وأوائل السبعينيات كان عض ًوا باالتحاد االشرتايك‪ ،‬وهنا التناقض‪،‬‬ ‫ومل يكن ذلك نفاقًا أل ّن عالقة والدي باإلخوان تعود إىل فرتة املراهقة‪ ،‬حيث كان من أرس ٍة بسيطة الحال‪ ،‬لكن ملّا‬ ‫قامت أحداث ‪ 1954‬مبرص والدي مل يكن من هواة املشاكل فانفصل عنهم وانتقل إىل صفوف االتحاد االشرتايك‪ ،‬وبدأ‬ ‫ألن أعرفهم من الداخل‪ ،‬وكذلك احتقاري الشديد‬ ‫يستقبل يف بيتنا االثنني‪ ،‬فتجد يف كالمي كراهي ًة لإلخوان املسلمني ّ‬ ‫ملا يُس ّمى باالتجاهات اليسارية أو ما يُس ّمى بالنضال ال ُع ّميل بينام هو ليس بنضال وال عالقة له بالنضال‪ ،‬فقد‬ ‫ألي صاحب سلط ٍة تب ًعا ملصالحهم‪.‬‬ ‫عارشتهم بالفعل ومن وجهة نظري هم مجموع ٌة من املرتزقة ينض ّمون بسهول ٍة ّ‬ ‫‪30‬‬


‫مرصي ملحد‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫‪1‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫حل االتحاد االشرتايك‬ ‫وأعتقد أ ّن ذلك هو السبب خلف رأيي السيايس اليوم فقد اطّلعت عىل الطرفني‪ .‬بينام والدي وبعد ّ‬ ‫بأي حر ٍ‬ ‫اك سيايس وعادت عالقاته مع اإلخوان لتتوطّد مجد ًدا وخاص ًة بعد دخول بعضهم السجون أيام‬ ‫مل يعد ليشرتك ّ‬ ‫جامل عبد النارص‪ ،‬ورغم أنه مل يعد لينضم لصفوفهم لكنه بقي عىل قناع ٍة إىل أن توفته املالئكة بأ ّن اإلخوان املسلمني‬ ‫أيضا أنهم ال يصلُحون للسياسة‬ ‫هم‬ ‫شخص مسامل‪ ،‬لكنه بقي عىل قناعاته ً‬ ‫أشخاص طيبون‪ ،‬واعتقاده هذا ُمنطلقه أنه ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أي فلسف ٍة أو‬ ‫أو إلدارة البلد‪ ،‬ألنهم ُسذ ٌّج ج ًدا وليس لديهم فكر؛ وأ ّن اإلسالم هو الحل هو شعا ٌر فار ٌغ ليس له ليس له ّ‬ ‫فك ٍر أو خرب ٍة تنفيذية‪ ،‬وأنّه ستحصل كارث ٌة لو أنّهم وصلوا إىل الحكم وهذا ما حدث بالفعل‪.‬‬ ‫أيضا كان يحتقرهم ويعتربهم جامع ًة من (الهلّيبة) املرتزقة وأنّهم مع املنترص دامئًا‪ ،‬وهذا ما‬ ‫وبالنسبة لالشرتاكيني ً‬ ‫ٍ‬ ‫تقارب‬ ‫انتخابات أو يش ٍء من هذا القبيل‪ .‬ورغم هذا مل يكن هناك‬ ‫حزب أو يدخل بأيّة‬ ‫ألي ٍ‬ ‫جعله يعزف عن أن ينضم ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫ويصل ويذهب للمسجد ويقرأ القرآن‪ ...‬لكن غري‬ ‫شخص مؤم ٌن ومسل ٌم محافظ‪ ،‬يصوم ّ‬ ‫فكري بيني وبينه ألنه باألساس ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫متعصب فمكتبتنا تدل عىل ذلك؛ حيث نجد كتبًا عن الرتاث اإلسالمي وبنفس الوقت كتبًا تُص ّنف كُفرية‪ .‬ولو قلت ما‬ ‫ٍ‬ ‫كتاب أث ّر يب فقد كان كتابًا صاد ًرا عن عامل املعرفة الكويتية واسمه «التفكري املستقيم والتفكري األعوج»‪ ،‬هذا‬ ‫هو أكرث ٍ‬ ‫يدي‪ ،‬محتواه باختصا ٍر هو تفني ٌد للمغالطات املنطقية وأساليب‬ ‫تفسخ بني ّ‬ ‫الكتاب قرأته عرشات املرات لدرجة أنه ّ‬ ‫الخداع بالحوار وغسيل الدماغ‪ ،‬هذا الكتاب أستطيع أن أقول أنّه منحني حصان ًة بحيث لو ذهبت إىل املسجد ألستمع‬ ‫أليِّة خطبة جمعة فسأكون محم ًيا من أن يتالعب بعقيل الشيخ‪ ،‬فأبقى أفكّر مبا يقول وأحافظ عىل توازين العقيل‪،‬‬ ‫كنت أقول عن عبد الحميد‬ ‫وممكن أن أصل إىل أ ّن هذا الشيخ هو غوغايئ أو مح ّرض يعتمد الرصاخ طيلة الوقت‪ ،‬مثل ما ُ‬ ‫كشك والذي هو برأيي ُمدشّ ن عرص الغوغائية الدينية‪.‬‬ ‫أساسا غري مؤ ّهلني للحوار ألنهم مل يقرؤوا شيئًا من قبل وال‬ ‫إضاف ًة إىل فكرة السخرية‪ ،‬ألنّنا ندرك أ ّن هكذا أشخاص هم ً‬ ‫ٍ‬ ‫وكل خلفيتهم الثقافية مستمد ًة من خطب جمعة أو من أرشطة كاسيت‪.‬‬ ‫أدوات للحوار ُّ‬ ‫حتى صحيف ًة يومية‪ ،‬وال ميلكون‬ ‫ويكن اعتبارها أسلح ًة نووي ًة فتاكة‪ ،‬باإلضافة إىل أنّها أسلوب دفا ٍع تكاد توازي‬ ‫ُ‬ ‫فاكتشفت أ َّن السخرية هي أكرث تأث ًريا بل ُ‬ ‫القوة العضلية للشخص وسط هذا املجتمع‪ ،‬أن ت ُحسن استخدام منطقك ولسانك وتُخضع الطرف املقابل‪ ،‬فهي تُسقط‬ ‫هالة القداسة وت ُع ّري الشخصيات التي يعتربها املؤمنون مقدس ًة ويبدؤوا بالنظر إليها كام ننظر إليها نحن‪ ،‬فنحن بحاج ٍة‬ ‫أي فكرة نريد‪.‬‬ ‫لصدمة السخرية هذه بالبداية يك يسهل علينا فيام بعد إيصال ّ‬

‫‪31‬‬


‫مرصي ملحد‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫‪1‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫رسا من اإلتفاق عىل‬ ‫‪ -3‬هل لعائلتك اليوم ّ‬ ‫أي أث ٍر أو تفاعلٍ معك ومع أفكارك؟ هل تشكّل أفكارك حاج ًزا أم أ ّن هناك ج ً‬ ‫عدم اإلتفاق بينك وبني دائرتك الشخصية؟‬ ‫شخصا أو شخصني‪ ،‬طب ًعا االختالف الفكري‬ ‫ٌ‬ ‫يف الحقيقة يوجد تفاعل‪ ،‬أو ميكن وصفه أنه‬ ‫تفاعل محدو ٌد ج ًدا ال يتع ّدى ً‬ ‫مهتم حقيق ًة بهذا األمر‪ ،‬يف دائرة األقارب واألصدقاء اليزال هناك عالقاتٌ‬ ‫أ ّدى يف بعض األحيان إىل حالة قطيعة وأنا غري ٍ‬ ‫أشخاص تم تخفيض التمثيل الدبلومايس بيني وبينهم‪ ،‬وهناك عالقاتٌ انقطعت‪ ،‬ال يريدون‬ ‫ظلّت كام هي وهناك‬ ‫ٌ‬ ‫وباألخص بعد عرض فيديوهايت عىل اليوتيوب فقد أ ّدى ذلك‬ ‫معرفتي وال أريد معرفتهم وهذا يش ٌء جي ٌد ج ًدا بالنسبة يل‬ ‫ّ‬ ‫إىل حدوث بعض املشاكل‪.‬‬ ‫‪ -4‬تتميّز منتجاتك عىل اليوتيوب بأنها غني ٌة بالتفاصيل واملعلومات القدمية والحديثة عن األحداث والشخصيات‪،‬‬ ‫مم يجعل الكثريين يحكّون رؤوسهم يف تساؤ ٍل عن مصدر تلك املعرفة‪ ،‬ما هو املصدر الذي توفّر لك يف شبابك حتى‬ ‫ّ‬ ‫استطعت من خالله امتالك هذا الرصيد الكبري من املعلومات؟‬ ‫أعتقد أين كنت متاب ًعا جي ًدا لألحداث وكنت أتابع الجريدة بشكلٍ يومي‪ ،‬وأشاهد نرشة األخبار‪ ،‬ولكن أنا هنا أحيك لك‬ ‫فكل يش ٍء‬ ‫عن مرحل ٍة مل تتوفّر فيها مصاد ٌر للمعرفة غري الجريدة والتلفاز والراديو أو املكتبة‪ ،‬أ ّما اليوم يف عرص االنرتنت ُّ‬ ‫متاح‪ ،‬والوصول للمعلومة أسهل بكثري‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫واكتشفت أنّه مل‬ ‫أيضا موقفًا بسيطًا عندما كنت يف املرحلة االبتدائية وت ّم السؤال عن اسم وزي ٍر يف الوزارة‬ ‫أتذكّر ً‬ ‫ُ‬ ‫مثل كان‬ ‫ألن فقط كنت متاب ًعا جي ًدا لألخبار والجريدة اليومية‪ً ،‬‬ ‫عبقري ولكن ّ‬ ‫ألن‬ ‫يعرف اإلجابة أح ٌد غريي وليس ذلك ّ‬ ‫ٌ‬ ‫اكتشفت أن معظم أبناء‬ ‫كأن آينشتاين‪ .‬وطب ًعا‬ ‫وزير النقل اسمه سليامن متويل وحني عرفته أصبح األستاذ يعاملني ّ‬ ‫ُ‬ ‫الفصل كانت اهتامماتهم منصب ًة عىل أشيا ٍء أخرى ككرة القدم وأشياء من هذا من القبيل وال يعرفون أسامء الوزراء‬ ‫وال يشاهدون نرشة األخبار أو غريمهت ّمني! أ ّما أنا فكانت تجذبني املواضيع السياسية والدينية وهذا كان سب ًبا رئيس ًيا‬ ‫ملعرفتي العميقة‪ ،‬وسنة بعد سن ٍة تك ّونت صور ٌة تراكمي ٌة متبلور ٌة واضحة ٌعن األحداث‪ .‬فقد كنت أربط األحداث ببعضها‬ ‫فتتضح الصورة شيئًا فشيئًا‪.‬‬ ‫مثل البزل ّ‬

‫‪32‬‬


‫مرصي ملحد‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫‪1‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫كاتب مع ٍني أث ّر فيك تفكريه؟‬ ‫كتب معين ٍة قرأتها أث ّرت بك أو ٍ‬ ‫هل يوجد أيّة ٍ‬‫كتاب يجعلك تحكم عىل األشياء بشكلٍ‬ ‫منطقي وعقال ٍين‪ ،‬وكام‬ ‫ٍ‬ ‫«التفكري املستقيم والتفكري األعوج» الذي ذكرته‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫أسلفت أن مكتبة والدي كانت مليئ ًة بالكتب املتنوعة يف شتّى املجاالت كأن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مرسحيات لسارتر وكتب ابن تيمية‬ ‫تجدي‬ ‫ُ‬ ‫وكتب عن املاركسية واملادية الجدلية وكتاب يف مخترص العقيدة الطحاوية فكام ُيكن أن تالحظي وجود التناقض والذي‬ ‫ساعدين يف رسم صور ٍة واضح ٍة وشاملة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تسجيالت بعنوان «ملاذا أنا ملحد» عىل الرغم من أ ّن طبيعة القناة سياسي ٌة‬ ‫‪ -5‬اإللحاد‪ ،‬الذي بدأت فيه قناتك مبجموعة‬ ‫وليست دينية‪ .‬كيف كانت رحلة الوصول لإللحاد لدى مرصي ملحد؟‬ ‫ألن ال أعتقد ّأن يو ًما ما كنت مؤم ًنا‪ ،‬ألنّني منذ البداية ُمتشكّك‪ ،‬وهناك‬ ‫يف الحقيقة ال يوجد يل رحلة وصو ٍل إىل اإللحاد ّ‬ ‫نقط ٌة مهم ٌة أريد توضيحها‪ ،‬فأنا اليوم عندما أكلّمك عن اإللحاد بالتأكيد سأح ّدثك عن نظرية التطور‪ ،‬لكن حقيقة األمر‬ ‫بالنسبة يل أنا شخص ًيا كانت مختلفة‪ ،‬فعندما كنت طفالً مل أكن أعرف شيئًا عن نظرية التطور‪ ،‬وعندما ت ّم تدريسها لنا يف‬ ‫املرحلة الثانوية مل يتم تدريسها ٍ بشكلٍ ٍ‬ ‫كاف وعميق وتركت لنا كث ًريا من األسئلة الساذجة كالتي يت ّم سؤالها عن «كيف‬ ‫أن اإلنسان أصله قرد» ولكن الذي حدث معي ّأن مل أكن يو ًما ما ُمرتا ًحا لفكرة الدين أوالً وفكرة اإلسالم ثانيًا‪ ،‬وقد كان‬ ‫مخصص لضعاف العقول وكانت دامئًا يف ذهني تلك الصورة عن رجل الدين(الشيخ)‬ ‫عندي تصو ٌر أن الدين هو يش ٌء‬ ‫ٌ‬ ‫وأيضا كنت أشعر بامللل‬ ‫أي احرت ٍام ً‬ ‫الساذج األبله‪ ،‬ومن الطرائف أن والدي قد جاء بشي ٍخ لتحفيظي القرآن ومل أك ّن له ّ‬ ‫ُصل خمس مر ٍ‬ ‫ُصل يجب أن تتوضأ‪،‬‬ ‫ات يف اليوم وليك ت ّ‬ ‫وأيضا فكرة الطقوس اململّة وأن ت ّ‬ ‫الشديد عند قرائتي للقرآن‪ً ،‬‬ ‫أيضا خرافات الدين وخطب الجمعة التي كانت ترتك‬ ‫عملي ٌة ممل ٌة ومكرر ٌة كأنّه ال مشاغل لنا غري الركوع والسجود‪ً ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتفسيق‬ ‫مشاكل املجتمع الحقيقية وتُركّز عىل حكم حلق اللحية وحكم لبس النقاب وما فيها من‬ ‫ٍ‬ ‫مشاكسات وتبديعٍ‬ ‫مسلم س ُيجيب‬ ‫أي ٍ‬ ‫وهذا العته‪ ،‬املجتمع منخر ٌط يف الخرافة حتى أذنيه‪ ،‬خرافات الجن واملالئكة واملاورائيات ولو سألتي ّ‬ ‫بأنّه مذكو ٌر يف القرآن‪ ،‬وبالتايل ستجد أن معتنقي هذه األفكار أغلبهم من الطبقات غري املتعلمة الجاهلة‪ ،‬وكنت أجد‬ ‫متعلم وتقتنع بتلك الخرافات‪.‬‬ ‫صعوب ًة يف فهم أن تكون‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫طقوس ممل ٍة يقوم‬ ‫ثم تطور األمر من رفيض لفكرة اإلسالم‪ ،‬إىل معادايت لهذه الفكرة وإدراك خطورتها وأنّها مل تعد مج ّرد‬ ‫نت هذا برفعي لصورة شكري مصطفى يف أول حلق ٍة من «ملاذا أنا ملحد» وكانت مبثابة نبوء ٍة‬ ‫بها بعض الناس‪ ،‬وقد بيّ ُ‬ ‫مم تفعله داعش ؟ أنا أرى داعش ما هي إال‬ ‫بداعش‪ ،‬وبهذه املناسبة أريد أن أسأل وأقول ملاذا الناس اليوم مندهش ٌة ّ‬ ‫رسم أكرب‪ ،‬ولو ُمكّن لهذا األخري لفعل ما فعلته وتفعله داعش اليوم‪.‬‬ ‫«شكري مصطفى» ولكن عىل مقياس ٍ‬ ‫‪33‬‬


‫مرصي ملحد‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫‪1‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫وبالتايل أنا مل أمر بتجرب ٍة إمياني ٍة‪ ،‬وكنت أرى أن املوضوع موضوع «عرض»‪ُ ،‬عرض عليك اإلسالم فلتقبله أو ترفضه! ولكن‬ ‫يف املجتمعات املسلمة ال يوجد هذا الخيار‪ ،‬إذا كنت من أرس ٍة مسلم ٍة فستلبس اإلسالم‪ ،‬ولك ّني رفضت فكرة أن ألبس‬ ‫غم عني‪ ،‬أنا قد ألبس ما مل أخرته كأرسيت ولوين وعرقي‪ ،‬ولكن يش ٌء كالدين فيه اختيا ٌر مل اإلرغام عىل أن ألبسه‬ ‫اإلسالم ُر ً‬ ‫عنوة؟‬ ‫ويكن أن أقول من باب الطرافة ّإن قد ُولدت ملح ًدا عىل الفطرة‪.‬‬ ‫وبالتايل مل تكن هناك رحلة إلحاد‪ُ ،‬‬ ‫‪ -6‬نحب أن نسمع منك وجهة نظرك بالنسبة لنشأة الدين بشكلٍ عام وملاذا تعتقد أ ّن الدين احتاج ألن يوجد وملاذا‬ ‫محارب لله ورسوله »‪.‬‬ ‫تقف ض ّده وتُع ّرف نفسك عىل أنّك « معا ٍد للدين » وبتعبريك «‬ ‫ٌ‬ ‫أعتقد أن أبدع من أجاب عىل هذا السؤال كان ريتشارد دوكنز يف كتابه «وهم اإلله»‪ ،‬فقد أعطى تفس ًريا مقبوالً‪ ،‬ألن‬ ‫أصل‬ ‫مغزى أو ً‬ ‫أيّة ظاهر ٍة تعيش بها املجتمعات اليوم أو ما يُس ّمى بالقيم األخالقية أو أيّة عاد ٍة أو ثقاف ٍة ستجد لها‬ ‫ً‬ ‫أو فائد ًة تطوري ًة قد يت ّم معرفة مغزاها وقد ال يتم‪ ،‬وبالنسبة ملسألة الدين‪ ،‬فالدين ليس شيئًا رضوريًا للحياة (ليس‬ ‫مثل) ومع ذلك تجد الدين مالز ًما لإلنسان بشكلٍ يدعو لالستغراب‪ ،‬وبالتايل التفسري املنطقي‬ ‫أم ًرا بيولوج ًيا‪ ،‬أو أكسجني ً‬ ‫الذي أميل له‪ ،‬تفسري ريتشارد دوكنز‪ ،‬هو أ ّن اإلنسان يف مراحله البدائية كان يحاول أن يجد تفس ًريا للظواهر التي تبدو‬ ‫غريب ًة عليه‪ ،‬فالدين كان مرحلة تطو ٍر لفكر اإلنسان‪ ،‬كان هو البداية ثم أتت الفلسفة ثم جاء العلم‪ ،‬رؤية دوكنز كانت‬ ‫جانبي لفكرة الطاعة‪ ،‬أل ّن فكرة الطاعة لها قيم ٌة‬ ‫كام أش ّبهها أ ّن لكل دوا ٍء آثا ٌر جانبية‪ ،‬وبالتايل الدين كان عبار ًة عن أث ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫تطورية‪ ،‬فالطفل عندما يُطيع أهله هو لن يقرتب من األماكن العالية أو الوحوش املفرتسة وبالتايل له فرص ٌة أكرث للبقاء‬ ‫من الطفل الذي ال يُطيع‪ ،‬والطفل عندما يُطيع ال يعلم السبب وراء تنفيذ تلك األوامر التي تساعده عىل البقاء‪ ،‬هو‬ ‫يقبل شيئًا من دون دليل‪ ،‬ويف نفس الوقت عدم طاعة الطفل ملثل تلك األوامر تجده مقرونًا بحياته أو موته‪ ،‬ومع هذه‬ ‫الطاعة التي هي القبول بأشيا ٍء ال دليل عليها‪ ،‬أتت معها فكرة الدين‪ ،‬وهي أ ّن هناك إل ٌه وأمو ٌر يجب تنفيذها وهي‬ ‫أيضا أشيا ٌء ال دليل عليها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ملاذا مل نتخلّص منها؟‬ ‫أنا أرى أننا يف مرحل ٍة للتخلص منها بالفعل‪ ،‬ال أستطيع أن أرى مرحل ًة يف التاريخ البرشي ُوجدت فيها موج ٌة معادي ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫أطفال يتم غسيل أدمغتها يف‬ ‫للدين كتلك التي نراها اآلن‪ ،‬وملاذا مازالت مستمر ًة يف نفس الوقت؟ ألنّه مازال هناك‬ ‫املساجد والكنائس واملعابد‪ ،‬باإلضافة ألن ِ‬ ‫خالصا نفس ًيا‬ ‫تجدي بعض األشخاص الواعني فكريًا والذين يجدون يف الدين ً‬ ‫‪34‬‬


‫مرصي ملحد‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫‪1‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫عند فقدان عزيز ويجدون فيه تعزي ًة ألنفسهم‪ ،‬باإلضافة لفكرة اإلميان مبا يؤمن به ُمتبعي «اإلسالم السيايس» وأنا أجد‬ ‫الفكرة مضحك ًة ولكنها قوي ٌة بداخلهم‪ ،‬وهي إميانهم أنّهم مبا يُس ّمونه «عملياتهم االستشهادية» وانتحارهم سيدخلون‬ ‫مؤسس اإلسالم محمد فهي ليست فقط عبار ًة عن مكانٍ جميل‬ ‫الجنة‪ ،‬وهذه الجنة املوعودة من األشياء التي لعب عليها ّ‬ ‫كفندق خمس نجوم‪ ،‬ال‪ ،‬بل عبار ٌة عن مكانٍ فيه كل ما ُحرموا منه من لذ ٍ‬ ‫ّات كالحور العني والـ ‪( 72‬م ّزة) التي سيحصل‬ ‫كل منهم عليها‪ ،‬األمر يبدو مضحكًا فالرقم مهول‪ ،‬وماذا سيفعلون يف هذه الجنة؟ ستصبح شهر عسلٍ مفتوح مثالً؟‬ ‫وبالتايل أرى أن هذه الفكرة تستحوذ عىل تفكري كثريٍ منهم‪ ،‬ومنهم من س ّخر حياته لتحقيقها‪ ،‬وبالتايل من الطبيعي أن‬ ‫ِ‬ ‫تجدي اليوم أشياء كـ «داعش والنرصة والقاعدة» وكث ٌري من تلك األفالم الهابطة التي نشاهدها اليوم‪ ،‬ولألسف هي من‬ ‫األشياء التي تعرقلنا قليالً يف طريقنا للتخلص من هذا الكابوس‪ ،‬ولك ّننا ُمست ّمرون يف هذه الطريق‪.‬‬ ‫أما فكرة معادايت للدين‪ ،‬ال أستطيع أن أع ّدد أسباب رفيض لتلك العقائد واألديان وتحدي ًدا دين كالدين اإلسالمي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ملجتمعات بدائية‪ ،‬أنا أحرتم تفكريهم يف ذلك الوقت‪ ،‬سواء مسيحية أو إسالم‪ ،‬ولكن‬ ‫نتاج‬ ‫فاألديان من وجهة نظري هي ٌ‬ ‫أقوام عاشوا يف الصحراء؟ بالتأكيد لن يكتشفوا الذرة أو يصنعوا صارو ًخا يهبطون به عىل القمر‪،‬‬ ‫ماذا تنتظرين من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات بدائية‪.‬‬ ‫وبالتايل تلك األديان هي خزعبالت‬ ‫ِ‬ ‫وستجدي أننا نعاين من مشاكل تسبب فيها الدين‬ ‫واملشكلة هي أننا مازلنا نعاين من تلك الخزعبالت يف عرصنا هذا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ستجدي أن أكرث املجتمعات‬ ‫يحض عىل العلم والتعلّم ولكن‬ ‫كمشكلة االنفجار السكاين‪ ،‬وعىل النقيض يقولون أ ّن الدين ّ‬ ‫تدي ًنا هي أكرثها جهالً وأمي ًة‪ ،‬كام أنّه ُيكن استخدامه لقتل ٍ‬ ‫سبب‬ ‫شخص أو جامع ٍة ألنهم ض ّدك فكريًا‪ ،‬وأعتقد أ ّن هذا ٌ‬ ‫كايف للتخلص من الدين‪.‬‬ ‫محارب «لله» من أجل الله أو «ضد الله»‪ ،‬فاملعنى‬ ‫أما «محارب لله ورسوله» فهي جمل ٌة مخادعة‪ ،‬فهي قد تؤخذ أنني‬ ‫ٌ‬ ‫يف بطن الشاعر‪ ،‬وأنا أراها عبار ًة استفزازية ومحاول ٌة لالستفزاز‪ ،‬فأن تستف ّز اآلخر هي طريق ٌة فعال ٌة إذا كنت تريد أن‬ ‫تنترص يف حوارٍ‪ ،‬فاستخدامك لالستفزاز املُبطّن سيجعل الطرف اآلخر يهت ّز ويغضب ويف النهاية سيبدو كأحمق‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫مرصي ملحد‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫‪1‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫هل‬ ‫‪-7‬لقد قلت يف أحد تسجيالتك أنك لو كنت متتلك ز ّر بضغطه ستختفي جميع األديان كنت سترت ّدد كث ًريا يف ضغطه‪ّ ،‬‬ ‫أسهبت يف رشح ملاذا؟‬ ‫أنك عندما تستمعني للمؤمنني ستُصابني بالهلع‪ِ ،‬‬ ‫يف حقيقة األمر ِ‬ ‫فتجدي بعضهم يقول أنّه إذا مل يكن هناك دي ٌن أو إل ٌه‬ ‫حساب وآخرةٌ‪ ،‬وبالتايل لو أخذيت تلك النظرة بجديّة وحاولتي تعميمها‬ ‫فأنا سأقوم بجميع الجرائم طاملا أنه ال يوجد‬ ‫ٌ‬ ‫عىل مليارات املؤمنني من الناس الذين ينتهجون مثل هذه الطريقة يف التفكري ستكون النتيجة مأساويّة‪ ،‬وبالتايل سيصبح‬ ‫كلب سعران‪ ،‬ماذا سيحدث لو أزلتي هذا الطوق؟ فالحقيقة أنا ال أستطيع أن أتكّهن مبا سيحدث‪،‬‬ ‫الدين كالطّوق يف عنق ٍ‬ ‫ولكن هؤالء الناس يركّزون عىل فكرة أن التزامهم األخالقي واالجتامعي هو بسبب وجود الدين فقط وبالتايل إذا ت ّم‬ ‫اختفاء الدين ستتم إزالة الطوق‪ ،‬وبالتايل يجب أن نكون حذرين‪ ،‬وعندما نفكّر يف خلع الطوق عنهم يجب أن يكون‬ ‫بديل ويجب إدخاله تدريج ًيا ملنع حدوث كارث ٍة اجتامعية‪.‬‬ ‫هناك ٌ‬ ‫أيضا وجود بعض من يقولون أنهم ملحدين وال ِ‬ ‫تجدي منهم غري الشتم والسب يف اإلسالم‪ ،‬لكن من غري وجود‬ ‫وتالحظني ً‬ ‫قيم ٍة فكري ٍة أو أخالقي ٍة واضحة‪ ،‬وبالتايل يجب عدم املغامرة والرتيّث بالذات يف مسألة إزالة طوق الدين‪ ،‬وأستطيع‬ ‫أدلل عىل ما أقول بأنه بعد أحداث ‪ 25‬يناير ‪ 2011‬يف مرص‪ ،‬ظهر األديب العاملي «عالء األسواين» يف إحدى لقاءاته‬ ‫أن ّ‬ ‫مؤسس ًة كتلك هي عبار ٌة عن طوقٍ حول الجامعات‬ ‫وطالب بإلغاء أمن الدولة‪ ،‬ملاذا؟ ألنه ال يعي ما يقول وال يدري أن ّ‬ ‫اإلجرامية وإذا متّت إزالتها ستنفجر تلك الجامعات يف وجوهنا‪ ،‬وهذا ما حدث بالفعل‪ ،‬وبالتايل هناك بعض األشخاص ال‬ ‫تُق ّدر نتيجة أفعالها التي تؤ ّدي إىل أعر ٍ‬ ‫اض جانبي ٍة سيئ ٍة ج ًدا ‪.‬‬ ‫وبالتايل إذا ُوجد مثل هذا الزر يجب دراسة األمر دراس ًة عميق ًة وكافية التخاذ قرا ٍر مثل هذا القرار ‪.‬‬ ‫أي يش ٍء إيجا ٍيب ُيكن أن ي ّربر لنا تح ّملها وتح ّمل مصائبها؟‬ ‫‪ -8‬هل تجد يف األديان ّ‬ ‫بكل وضو ٍح ‪ :‬ال‬ ‫بالنسبة يل أنا شخص ًيا‪ ،‬فإجابتي ّ‬ ‫لكن بالنسبة لآلخرين فقد يجدون فيها شيئًا إيجاب ًيا كتعزي ٍة يف فقد عزيز‪ ،‬أو أن يجد أحدهم راح ًة نفسي ًة فيها للخروج‬ ‫من واقعه األليم وتجعله قاد ًرا عىل متابعة الحياة‪ ،‬ستقولني هو «وهم»‪ ،‬أقول نعم فحتى املرىض يف بعض األحيان يتم‬ ‫إعطاؤهم «املورفني» لتخفيف األمل‪ ،‬لن يُض ّيع مصدر األمل ولكن س ُيخفّفه‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫مرصي ملحد‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫‪1‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫كل األكاذيب‬ ‫رس ق ّوة اإلسالم السيايس وقدرته عىل التأثري عىل املجتمع املرصي كمثال‪ ،‬ملاذا رغم افتضاح ِّ‬ ‫‪ -9‬برأيك ما هو ّ‬ ‫كم كب ًريا من الوالء والطاعة؟‬ ‫يبقى هناك مؤيدون يُظهرون ًّ‬ ‫هش ثقاف ًيا ومعرف ًيا وحضاريًا وهذا ليس‬ ‫وجود اإلسالم السيايس يف مجتمعٍ ما‪ ،‬يقرتن بالرضورة بكون هذا املجتمع ٌ‬ ‫سيايس ت ّم تفجريها يف هذه‬ ‫إسالم‬ ‫مقرونًا مبرص لوحدها بل ميكن رؤيته يف املنطقة العربية كلّها‪ ،‬وكأ ّن هناك ماسورة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫املنطقة ‪.‬‬ ‫طب ًعا وبسبب ضعف التعليم والثقافة يجعل من السهل إيهام كثريٍ من العنارص التي تنضم لهذا اإلسالم السيايس بأشيا ٍء‬ ‫أوضح هذه النقطة بالقول أن اإلنسان املسلم العادي‬ ‫ويكن أن ّ‬ ‫سيحصلون عليها سوا ًء يف هذا العامل أو العامل اآلخر‪ُ ،‬‬ ‫ذهاب اىل املسجد وحضوره خطب وسامعه للدروس الدينية‪ ،‬يتم إعطاؤه تاري ًخا‬ ‫ب ُحكم غسيل دماغه منذ الصغر من‬ ‫ٍ‬ ‫وفتوحات وأنّهم كانوا عظامء‪ ،‬لدرجة أنه ُيكن أن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تلمس هذا‬ ‫بطوالت‬ ‫ذهبي ناصع عبار ًة عن‬ ‫مزيفًا عبار ًة عن تاري ٍخ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كنشيد يقول «ملكنا هذه الدنيا قرونا وأخضعها جدو ٌد خالدونا»‪ ،‬فكرة االمرباطورية والسيطرة عىل‬ ‫الزيف يف أناشيدهم‬ ‫العامل‪ ،‬ويتم شحن هذا املسلم بتلك الشعارات والخطب‪ ،‬وبعد أن يخرج من هذا الج ّو الحاميس الذي ميتلئ بخالد بن‬ ‫هاميش يف‬ ‫الوليد وفتح روما والقسطنطينية وهذا الهراء‪ ،‬ينزلق إىل واقعٍ مؤملٌ ج ًدا‪ ،‬ويجد نفسه إنسا ٌن‬ ‫هاميش يف مجتمعٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫دول ٍة هامشي ٍة يف هذا الكون الكبري كتعبري رسولهم «غثا ًء كغثاء السيل» ليس لهم قيمة‪ ،‬فحالة التناقض تلك بني الصورة‬ ‫رس فتجد اإلسالم السيايس يأيت كحلٍ للحالة املزرية‬ ‫الواهمة والواقع املؤمل تشكّل فجو ًة عميقة‪ ،‬وتلك الفجوة تحتاج إىل ج ٍ‬ ‫ُعم ملجموع ٍة من الجهلة يعانون‬ ‫صدى يف عقول الكثري من هؤالء‪ ،‬ويصبح ط ً‬ ‫إىل الحلم الجميل‪ ،‬ولذلك تجد لهذه الفكرة ً‬ ‫من الفقر واملرض ويف النهاية يقودهم إىل حتفهم‪ ،‬كام تقول العبارة اإلنجيلية «أعمى يقود عميانًا فسقط يف الحفرة» ‪.‬‬ ‫ويكن رؤية ظهور تلك الق ّوة بظهور تلك الرثوة املالية يف‬ ‫طب ًعا ُيكن ً‬ ‫أيضا ربط ق ّوة اإلسالم السيايس بق ّوة البرتودوالر‪ُ ،‬‬ ‫أي مكانٍ‬ ‫السبعينات‪ ،‬فعندما ت ُلقي بأموا ٍل وسط جامع ٍة تتم ّيز بضعفها الثقايف والتعليمي من السهل جدا ً توجي ُههم إىل ّ‬ ‫ِ‬ ‫ستجدي الشعوب العربية واضع ًة صورة كارل ماركس عىل‬ ‫تريدينه‪ .‬فلو امتلكت تلك األموال دول ٌة ماركسي ٌة كمثال‪ ،‬كنت‬ ‫ٍ‬ ‫أموال موجه ٌة ألغر ٍ‬ ‫صدورها‪ ،‬فهي ٌ‬ ‫وأهداف معين ٍة يتم استغاللها حسب الحاجة ‪.‬‬ ‫اض‬ ‫وإذا ِ‬ ‫أردت أن تحاكمي هذا الت ّيار فكريًا وعقالن ًيا‪ ،‬فهو ت ّيا ٌر ُيكن وصفه بأنه «ال يشء»‪ ،‬وقد رأينا هذا يف تجربة اإلخوان‬ ‫املسلمني الذين حكموا مرص عىل مدار عام‪ ،‬مل توجد لديهم رؤي ٌة أو مرشو ٌع أو فك ٌر‪ ،‬مجرد شعار ٍ‬ ‫ات فارغة املحتوى‪ ،‬ومن‬ ‫الطبيعي أن ِ‬ ‫نصب عىل «املؤامرة» و «حارة مزنوقة»‪ ،‬ونشكر اآللهة أننا قد تخلّصنا‬ ‫تجدي ً‬ ‫شخصا كـ «مريس» ُج ّل كالمه ُم ٌ‬ ‫منهم وذلك بفضل ابن الرب عبدالفتاح السييس‪ ،‬وبالتايل ُيكن تلخيص ق ّوة هذا التيار ببيعه للوهم ووجود البرتودوالر‬ ‫‪37‬‬


‫مرصي ملحد‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫‪1‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫وتعليم‬ ‫لتأييده‪ ،‬وال ُيكن أن تتخيل أن ينترش فك ٌر كهذا يف دول ٍة مثل السويد أوأملانيا أو بلجيكا مثالً أو دول ٍة متتلك ثقاف ًة‬ ‫ً‬ ‫ويكن رؤية املوضوع كدائر ٍة مغلقة فاإلسالم السيايس يؤ ّدي إىل الفقر والجهل والتخلف ويف ذات الوقت نفس‬ ‫محرت ًما‪ُ .‬‬ ‫تول السييس للحكم هو‬ ‫تلك األسباب تؤ ّدي إىل ظهور جرع ٍة أكرب من االسالم السيايس‪ ،‬وأنا أرى أ ّن ما حدث يف مرص من ّ‬ ‫محاول ٌة لكرس تلك الدائرة امللعونة‪.‬‬ ‫أيضا موجود ٌة عند الجامعات اإلرهابية كـ «القاعدة» و «داعش»‬ ‫أحالم الخالفة وحكم العامل والحكم اإلسالمي هي ً‬‫وغريها من الجامعات اإلسالمية‪ ،‬برأيك ما الفرق بني «داعش» واألحزاب اإلسالمية باملنطقة العربية؟‬ ‫ٌ‬ ‫اختالف يف الدرجة أو املقدرة‪ ،‬مبعنى حتى يكون هناك داعش يجب أن يتوافر‬ ‫أنا أرى أنه ليس اختالفًا يف الفكرة ولكنه‬ ‫مم‬ ‫رشطان م ًعا‪ ،‬أ ّولهام أن تكون هناك دول ٌة ضعيف ٌة أو فاشل ٌة والرشط الثاين أن يكون هناك تجمع أغلب ّي ٍة للمسلمني ّ‬ ‫سيايس مع توافر البرتودوالر بالطبع‪.‬‬ ‫إسالم‬ ‫سيفرض بالرضورة وجود ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سأعطيك مثاالً ألرشح ِ‬ ‫ِ‬ ‫لك مفهوم الدولة‪ ،‬ودامئًا ما يت ّم ات ّهامي بأين «دولجي» وأنا ال أعلم ما املشكلة بأن يكون اإلنسان‬ ‫يطمح ألن يعيش يف دول ٍة وال يريد العيش يف خرابة؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ستجدين أنها متمركز ٌة يف العراق وسوريا‪ ،‬والعراق وسوريا ال ُيكن اعتبارهم دول‪ ،‬اليوم‬ ‫بكثب لداعش‬ ‫نظرت‬ ‫إذا‬ ‫ٍ‬ ‫كامل لحكوم ٍة مركزي ٍة قوية وال تستطيع التعامل مع تلك الجامعات‬ ‫غياب ٌ‬ ‫باملفهوم الحقيقي ملعنى الدولة‪ ،‬فهناك‬ ‫ٌ‬ ‫ويكن‬ ‫اإلجرامية‪ ،‬وطب ًعا مع ضعف دول كهذه ووجود إسالم سيايس‪ ،‬هذا يجعل الرسطان ينترش كرسطان «داعش» ُ‬ ‫مالحظة نفس األسباب يف ليبيا واليمن والحالة متشابه ٌة ج ًدا‪.‬‬ ‫أيضا ُيكن مالحظة أ ّن نفس األفكار موجود ٌة يف مرص ولكن الذي منع مرص من الوصول لتلك املرحلة املزرية هو وجود‬ ‫ً‬ ‫دول ٍة وحكوم ٍة مركزي ٍة من ٍ‬ ‫جيش ورشط ٍة تستطيع السيطرة عىل األمور برسعة‪ ،‬قد يستطيع البعض منهم كأنصار بيت‬ ‫ٍ‬ ‫بعمليات تفجريي ٍة هنا وهناك ولك ّنهم ال يستطيعون السيطرة عىل مكانٍ كامل وإعالن استقاللهم به‬ ‫املقدس القيام‬ ‫متمس ٌك بفكرة‬ ‫ألنهم يعلمون أن مصريهم يكون املوت واإلبادة وذلك بالطبع يرجع كام قلنا لوجود دول ٍة قوية‪ .‬ولهذا أنا ّ‬ ‫ِ‬ ‫وستجدي العمليات‬ ‫«الدولة»‪ ،‬وأنا أرى أنّه يف حال فقدت الدولة تلك املركزية والق ّوة فسنتح ّول لعراق أو سوريا آخر‬ ‫اإلرهابية والقتل والحرق‪ ،‬ولن ِ‬ ‫كل سيف ّر هاربًا ألن أقىص أمانيهم هي أن يدفعلهم شخص‬ ‫تجدي وقتها ث ّوار وال يحزنون‪ٌ ،‬‬ ‫مشاربيهم عىل القهوة‪.‬‬ ‫ولهذا ِ‬ ‫تجدين يف أدبيات تلك الجامعات اإلرهابية الفكرة التي تقول «أنه يجب النظر إىل ما آالت إليه األمور»‪ ،‬وبالتايل‬ ‫إذا سمحت الظروف بالبلطجة واإلرهاب كان به‪ ،‬ولكن يف حال دول ٍة قوي ٍة كمرص لن يستطيعوا القيام بتلك األمور ‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫مرصي ملحد‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫‪1‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫‪ – 10‬األزهر يف مرص مؤسس ٌة كبري ٌة وذات نفو ٍذ وأثر تحاول ولو ظاهريًا أن تنأى بنفسها عن اإلسالم السيايس والتطرف‬ ‫الديني‪ .‬هل من املمكن التعايش مع األزهر أم أنّه بحاجة الستئصال خصيتيه؟‬ ‫ِ‬ ‫ستجدي معظم‬ ‫مخيص ولكنه كارثة كربى‪ ،‬وهو أحد املتل ّونني‪ ،‬عندما تكون األمور مهيئ ٌة وسانح ًة‬ ‫األزهر هو بالفعل‬ ‫ٌ‬ ‫أفراده ‪ -‬ممن يُس ّمون علامءوشيوخ «والعلم منهم براء طب ًعا» – يتّجهون نحو اإلسالم السيايس‪ ،‬وطب ًعا أغلبهم قد‬ ‫انفجروا يف وجوهنا بعد أحداث يناير وما تالها‪ ،‬فذلك الرجل صاحب املقولة الشهرية «هاتويل راجل» هو أستاذ وخريج‬ ‫أيضا‪ ،‬معظم الدقون التي ظهرت يف مرص‬ ‫أزهر‪ ،‬وعبدالله بدرالذي يبدو كعجاليت خريج أزهر ويحمل الدكتوراة منها ً‬ ‫هي من األزهر‪ ،‬كامزن الرسساوي وعمر عبد الرحمن ويوسف القرضاوي والغزايل والشعراوي كلّهم من األزهر وهم من‬ ‫املصائب التي طفحت علينا‪.‬‬ ‫وبالتايل فكرة األزهر املعتدل هي فكرة انتهاز الفرص‪ ،‬أينام ُوجدت فرص ٌة ليفرضوا فيها زعامتهم ويحاولوا توجيه الدولة‬ ‫والسيطرة عليها فيستم استغالل هذه الفرصة عىل أكمل وجه‪.‬‬ ‫أما إذا كانت الدولة قوي ًة وشعروا بأنهم ُمهددين وسيتم سجنهم فستجدهم خانعني يستجدون العطف والشفقة‬ ‫وتراهم ينادون بطاعة ويل األمر‪ ،‬فهم كام قلنا أصحاب أمزج ٍة ترجع إىل دين الدولة‪.‬‬ ‫أما بالنسبة ملفهوم التعايش فأنا أرى أنه ال أمل يف هذه املؤسسة‪ ،‬ويوجد اليوم هجو ٌم شديد عىل األزهر يف مرص‪ ،‬ولكن‬ ‫لو ت ّم سؤال ذلك الذي يهاجم ما بديلك لشيخ األزهر وهؤالء املشايخ‪ ،‬لن ِ‬ ‫تجدي عنده بديل‪ ،‬وذلك ألنه ال يوجد شي ٌخ‬ ‫أزهري مستنري‪ ،‬والحقيقة أن القضية ليست قضية أزهر‪ ،‬فكام قلنا املشكلة هي يف اإلسالم ونصوصه‪ ،‬فاإلسالم عبار ٌة عن‬ ‫ٌ‬ ‫حجري متعفنٍ وبدأ يتكلّس ويتح ّجر عرب مئات السنني ولوحاولتي إصالحه سيتحول إىل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رفات يف يدييك‪ .‬أما مفهوم‬ ‫نص‬ ‫ٍ‬ ‫تهميش للخطاب الديني‪ ،‬وأرى أن‬ ‫ٌ‬ ‫تجديد الخطاب الديني فاألجدى القول بأنه يجب أن ال يكون هناك تجدي ٌد وإمنا‬ ‫يت ّم ذلك عن طريق تهميش دور الشيوخ ومنعهم من الظهور عىل شاشة التلفاز وأن يت ّم التحقري منهم والتقليل من‬ ‫شأنهم‪ ،‬وإلغاء حصة الدين يف املدرسة ومحاولة نزع الدين ونصوصه من املجتمع وإحالل هذه الظواهر بأشيا ٍء أخرى‪،‬‬ ‫كتبديل شيوخ الفتوى برجال قانون يُجيبون عىل تساؤالت الناس من وجهة نظ ٍر قانونية‪ ،‬كام يجب نزع فكرة وجود‬ ‫مؤسس ٍة موازية كاملدراس األزهرية والجامعات األزهرية‪ ،‬ويجب تهميش األزهر والكنيسة يف املناسبات العامة وعدم‬ ‫إعطائهم أهمية ومعنى‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫مرصي ملحد‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫‪1‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫وهناك تجرب ٌة دامئًا ما أشري إليها وهي تتعلق باألزهر وهي مهم ٌة ج ًدا‪ ،‬ففي مرص بعد اغتيال السادات كانوا يعرضون‬ ‫عىل شاشة التلفاز برنامج اسمه «ندوة للرأي» عبار ٌة عن حوا ٍر بني املقبوض عليهم يف تلك الجامعات اإلجرامية اإلرهابية‬ ‫التي قامت بتلك الجرمية وبني ما يُس ّمون بعلامء األزهر‪ ،‬يناظروهم ويتحاورون معهم حول مواضيعٍ أعتربها عبثية كـ‬ ‫شخصا محاي ًدا مستم ًعا‬ ‫«قتال الطائفة املمتنعة» و «حكم من مل يحكم ما أنزل الله»‪ ،‬وحتى يف هذا األمر إذا كنت‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص واضح ًة‬ ‫ألطراف الحوار فستجد أن هذه الجامعات اإلجرامية أكرث إقنا ًعا وبكثريٍ من شيوخ األزهر ألنّها تستند إىل‬ ‫حكومي كل ه ّمه لقمة عيشه ال يؤمن بقضي ٍة أو‬ ‫موظف‬ ‫ال لبس فيها‪ ،‬أما شيوخ األزهر ف ُيمكن اعتبارهم شيوخ ُسلطة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ويكن القول بأنه قد متّت بالفعل‬ ‫بفك ٍر مع ٍني كتلك الجامعات اإلرهابية التي لديها عقيد ٌة مرتسخ ٌة من القران والسنة‪ُ ،‬‬ ‫تجربة األزهر كمؤسس ٍة إصالحية يف الثامنينات والتسعينات وقد أثبتت فشلها مرا ًرا وتكرا ًرا ومل نرى مثال شي ًخا من هؤالء‬ ‫الشيوخ قد قام بعملٍ إصالحي بل مل نجد إال املزيد من تلك الجامعات اإلجرامية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كشخص مملٍ‬ ‫وموظف ملتز ٌم بجدو ٍل سنوي‬ ‫وختا ًما لهذه النقطة أريد أن أقول أن الشيخ األزهري بشكلٍ عام يبدو‬ ‫ٍ‬ ‫خطب أكرث ملالً كقصة‬ ‫مناسبات كاملولد النبي وعيد األضحى ورمضان وبني تلك املناسبات يتخلّلها‬ ‫لخطب متعدد ٍة من‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ابراهيم ثم قصة اسامعيل وهكذا دواليك عامل مثل أفالم اسامعيل ياسني شاهدناها سبعة آالف مرة‪ ،‬يف حني أن الشيوخ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تحريض‬ ‫وجبات دسم ٍة من‬ ‫من النوع اآلخر والذين أطلق عليهم لقب شيوخ ال ‪ ، Free Lancer‬شيو ٌخ ملون ٌة وتعطي‬ ‫ٍ‬ ‫وعنف وإثار ٍة وحب وجنس‪ ،‬كأفالم السينام «الجمهور عايز كده» وطب ًعا ُيكن ذكر الشيخ كشك كمثال لهؤالء‪ ،‬وبالتايل‬ ‫ال نستطيع مقارنة شيوخ األزهر الفاشلني إصالح ًيا بهؤالء الشيوخ وبالتايل األزهر مؤسس ٌة فاشل ٌة ال أمل فيها‪.‬‬ ‫بظل سطوتها عىل املرصيني وأتكلم عن الكنيسة يف مرص‪ ،‬هل هي‬ ‫وملموس‪ ،‬ولكنها تلقي ّ‬ ‫واضح‬ ‫‪ -11‬قد ال يكون لها أثر ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أفضل حاالً من مؤسسة األزهر وأقل رض ًرا وسم ّية من اإلسالم السيايس أم أنها ببساطة مل تحظى بفرصتها بعد إلحداث‬ ‫التدمري؟‬ ‫تخص أقلي ًة عددية وليست الثقافة السائدة‪ ،‬ولكن إذا‬ ‫بالتأكيد الكنيسة أقل سم ّية‪ ،‬هذا مام الشك فيه عندي‪ ،‬وذلك ألنها ّ‬ ‫ِ‬ ‫وباألخص الكنيسة األرثوذكسية املرصية‪ ،‬وانغامسها يف الخرافات ونرش التخلف‬ ‫أردت أن تتح ّديث عن سلبياتها فهي كثرية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫مشارك يف التخلف ولكنها ليست العامل األسايس‪ ،‬أل ّن‬ ‫كفيديوهات مكاري يونان عىل سبيل املثال‪ ،‬وبالتايل فهي تُعترب‬ ‫ومتعلم فسيفرض انفتاحه وتق ّدمه عىل األقلية‪ ،‬وطب ًعا الجدير بالذكر ّأن مل أسمع أ ّن الكنيسة‬ ‫املجتمع إذا كان منفت ًحا‬ ‫ً‬ ‫لجامعات إجرامية وبالتايل لن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تنظيم إرهاب ًيا مسيح ًيا يف مرص‪ ،‬يف العموم الدين‬ ‫تجدي‬ ‫قد قامت بفعلٍ إرها ٍيب أو ّأسست‬ ‫ً‬ ‫أقل سمي ًة من اإلسالم‪ ،‬فحتى لو افرتضنا جدالً أن عدد املسيحيني يساوي عدد‬ ‫تظل الكنيسة يف مرص ّ‬ ‫يس ٌء بالطبع لكن ّ‬ ‫املسلمني يف مرص‪ ،‬فلن ِ‬ ‫املتخصص يف تفريخ العنف واإلرهاب‪.‬‬ ‫تجدي الكنيسة متيل للعنف عىل عكس اإلسالم‬ ‫ّ‬ ‫‪40‬‬


‫مرصي ملحد‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫‪1‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫طب ًعا كام أسلفت وقلت فأنا فاقد األمل يف اإلصالح الديني لإلسالم‪ ،‬وكان عندي بعض األمل يف اإلصالح الديني للكنيسة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نظرت للكنيسة الكاثوليكية‬ ‫األرثوذكسية يف مرص لكن لألسف‪ ،‬فعىل سبيل املثال إذا‬ ‫ستجدي بأنها بدأت يف أخذ وضعٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مؤسسات علمية يف الفيزياء‬ ‫فستجدي لها أعضا ًءا يف‬ ‫ممي ٍز وأدركت حجمها وبدأت تندمج يف املجتمعات العلمية‪،‬‬ ‫رأي مسموع‪ ،‬يف قضي ٍة كقضية زواج املثليني أو‬ ‫والكيمياء والطب ولها رأي‪ ،‬حتى لو كان رأيًا ساذ ًجا أو متخلفًا ولكنه ٌ‬ ‫ِ‬ ‫أيضا لهم‬ ‫االحتباس الحراري‬ ‫ستجدي أن رأيها مسموع يف العامل‪ .‬وحتى عىل مستوى الكنائس اإلنجيلية والربوتستانت ً‬ ‫آرا ٌء مسموعة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أي يش ٍء وليس لهم عالقة مبا يحدث حولهم‪ ،‬كل ما يشغل‬ ‫لكن‬ ‫أي ٍ‬ ‫رأي يف ّ‬ ‫ستجدي أن الكنيسة األرثوذكسية ليس لها ّ‬ ‫تنصت وقضايا وهمي ٍة عبثي ٍة‪ .‬وهذا أجده طبيعي فالكنيسة يف مرص محاط ٌة‬ ‫بالهم هو أن كاميليا أسلمت وفاطمة ّ‬ ‫إسالمي متخلف ومن الرضوري أن يُالزم الجهل جهالً مثله‪.‬‬ ‫مبجتمعٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وأنا كنت أمتنى أن تقود الكنيسة حركة إصال ٍح ت ُرشك فيها املسلمني‪ ،‬ألن الكنيسة تتم ّيز بكرثة نشاطاتها من فرقٍ مرسحي ٍة‬ ‫لدي فهذا خيا ٌر أفضل‬ ‫وكشافة وخالفُه تجتذب املسلمني للمشاركة فيها‪ ،‬سيقول أحدهم هذا تنصري؟ سأٌقول له ال مانع ّ‬ ‫من تفريخ جامعات اإلرهاب والقتل التي يُفرخها اإلسالم‪.‬‬ ‫من األشياء األخرى التي تتعلق بالكنيسة يف مرص هي مسألة املسيحيني يف مرص‪ ،‬وهي من األمور التي جعلتني أشعر‬ ‫باالشمئزاز من اإلسالم‪ ،‬فمرص أغلبيتها مسلم ٌة سن ّي ٌّة وأقل ّيتها مسيحيني أغلبهم أرثوذكس وبالتايل أنت أمام أغلبي ٍة ساحقة‬ ‫تحريض مستم ٌر يف املساجد بقولهم أن النصارى كفر ٌة وأشيا ٌء من هذا القبيل‬ ‫أمام أقل ّي ٍة صغرية ومع ذلك ستجد أن هناك‬ ‫ٌ‬ ‫وجميع من يف مرص يعلم هذا‪ .‬يعني أنت موجو ٌد يف مجتمعٍ أنت املتحكّم وأنت األغلبية وبرضه مش مريّح!!‬ ‫فعندما تنظر إىل املسلمني يف بال ٍد كالهند أو بورما ستجدهم يناشدون الجميع بأنهم مضطهدين وهذا ُيكن تف ّهمه ألنهم‬ ‫أقل ّي ٌة هناك‪ ،‬ولكن أن تكون أغلب ّي ًة ساحق ًة يف ٍ‬ ‫وحب للشعور‬ ‫بلد كمرص وت ّدعي أن املسيحي يضطهدك فهذا ٌ‬ ‫نفيس ٌ‬ ‫مرض ٌ‬ ‫وكذب واضح‪ ،‬فتجد اإلسالم سوا ًء كان أغلبية أو أقلية دامئًا مش مريّح! ويساهم بهذا الشيوخ فهم بدون‬ ‫باالضطهاد‬ ‫ٌ‬ ‫اصطناع املشاكل ومن ثم ا ّدعاء البحث عن حلٍ لها لن يستمروا‪ ،‬فتجد ا ّدعاء مستمر بأن اإلسالم واق ٌع تحت املؤامرة‬ ‫وتجد صدى ذلك بشكلٍ مستمر يف خطب الجمعة بأن ترى الشيخ يتكلم عن مؤامر ٍة من املسيحيني ض ّد املسلمني وأن‬ ‫املسيحيني مسيطرين عىل مرص‪ ،‬واحتواء الكنائس عىل أسو ٍد ووصل العته بأحدهم أن يقول أن شنودة عنده طائرات‬ ‫تعب عن ٍ‬ ‫نفيس واضح‪.‬‬ ‫مرض ٍ‬ ‫‪ !F16‬وكثري من تلك الخزعبالت التي ّ‬ ‫‪41‬‬


‫مرصي ملحد‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫‪1‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫العب جدي ٌد يف حراسة‬ ‫‪ -12‬مع إزدياد تكشّ ف واقع اإلسالم يف العامل وعدم القدرة عىل التحكّم بانتشار املعلومات ظهر ٌ‬ ‫املرمى‪ ،‬وهنا أعني دعاة اإلصالح الديني الجدد أمثال أحمد القبنجي وعدنان ابراهيم وإسالم البحريي ومحمد شحرور‬ ‫أمل لإلسالم وأنه من املمكن إصالحه؟‬ ‫الذين يحاولون إصالح اإلسالم من الداخل ‪ ...‬هل تعتقد أنه هناك ٌ‬ ‫إصالح بل هو كف ٌر‬ ‫بالتأكيد ال‪ ،‬أ ّما بخصوص أحمد القبنجي فممكن فصله عن البقية‪ ،‬ما يقوله أحمد القبنجي هو ليس‬ ‫ٌ‬ ‫بواح‪ ،‬وأي ٍ‬ ‫أحد يتكلم عن القرآن ويحاول كشف عورة هذا ال ّدين بهذا الشكل ال أعتقد أنّه مسل ٌم هو يساهم بكشفه‬ ‫ٌ‬ ‫وتعريته‪ .‬أ ّما عدنان إبراهيم وإسالم البحريي ومح ّمد شحرور فهم أقرب ألن يكونوا قرآنيني أو يؤمنون بفكرة نقد اإلسالم‬ ‫في‬ ‫من داخله‪ :‬أي أنّهم يرون أ ّن تفسري العلامء اآلخرين غل ٌط وتفسريهم هو الصحيح‪ ،‬والواقع يقول أ ّن تفسريهم ّ‬ ‫تعس ٌ‬ ‫فمثل يف تفسري «وارضبوهن «‪ ،‬يقولون ارضبوهن باملسواك‬ ‫وليس لديهم ح ّجة‪ ،‬بل يلوون عنق النصوص ليك يج ّملوها‪ً ،‬‬ ‫أي أحد يستمع إىل مثل هذا التفسري سيقتنع بأنّه هذا هو املقصود‪ ،‬عدنان إبراهيم بالذات انا أعتربه‬ ‫وال أعتقد أ ّن ّ‬ ‫نصابًا وسمعت له مقط ًعا يتح ّدث فيه عن معجزاته مع الجن‪ ،‬إسالم البحريي مجهوده مق ّدر‪ ،‬ولكن ال أعتقد أنّه ميتلك‬ ‫ّ‬ ‫فمثل هو ال ينطق أسامء أهل السند (سلسلة الرجال) وأسامء الكتب ج ّي ًدا‪ ،‬مع ذلك‬ ‫ناصية العلوم الرشع ّية بشكلٍ ج ّي ٍد ً‬ ‫أقل سو ًءا‪ ،‬ولو ُخ ّيتُ بني الطرفني‬ ‫مقارن ًة مع عبدالحميد كشك ومحمد عبداملقصود وعمر عبدالرحمن والقرضاوي فهم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫شخصيات‬ ‫الخرتت هؤالء‪ ،‬ومجهودهم يُشكرون عليه فهم يفتحون أبواب جه ّنم عىل تلك الت ّيارات مع أنّني معتق ٌد أ ّن‬ ‫أي عملية إصال ٍح‪.‬‬ ‫بهذا التهافت ال ُيكنها أن ّ‬ ‫تتول ّ‬ ‫أي عملية تجميلٍ ويجب إغالق الباب من أساسه وال داعي‬ ‫قبيح لدرجة أنّه ال ت ُجدي معه ّ‬ ‫أنا أقول إ ّن وجه اإلسالم ٌ‬ ‫لداعي ٍة مودرن أو ٍ‬ ‫مثل شخص مثل أبو إسحق الحويني ويلحد‪ ،‬فهو متمكّن‬ ‫زفت‪ ،‬بل تهميش الدين من أساسه‪ ،‬أريد ً‬ ‫من ناصية هذه العلوم‪ .‬ثم إ ّن هؤالء الدعاة الجدد من (عدنان إبراهيم وعمرو خالد والداعية املودرن) فهؤالء ميثّلون‬ ‫السلّم‪ ،‬ث ّم ممكن أن نرتكهم و ننتقل إىل الدرجات األعىل‪ ،‬درجة اإلخوان ثم القاعدة إنتها ًءا بداعش‪.‬‬ ‫الدرجة األوىل من ُّ‬ ‫‪ -13‬رأيك وموقفك باختصار من القرآنيني‪ ،‬املعتزلة‬ ‫ما حدث مع القرآنيني أنّهم وجدوا البخاري واألحاديث النبوية فيها الكثري من التغ ّوط والهراء لدرج ٍة ال ينفع معها‬ ‫فمثل تتكلّم عن الصالة وكيفيتها وعدد ركعاتها‪،‬‬ ‫اإلصالح‪ ،‬فقاموا برميها للتخلّص من وطأة الهجوم‪ ،‬ولكن الس ّنة مهم ٌة ً‬ ‫فكيف ستتخلّص من السنة؟ فهي مليئ ٌة بالهراء ولكن فيها أمو ٌر رضوري ٌة ومن الصعب اقناع املسلم برتكها‪ ،‬وحني تكلّم‬ ‫وكتاب جي ٌد وهذا غري صحيح‪.‬‬ ‫هروب منه‪ ،‬ويعتقد أ ّن القرآن لوحده كايف‬ ‫أحد القرآنيني بالسنة سيت ّربأ منها وهذا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫‪42‬‬


‫مرصي ملحد‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫‪1‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫أنا أريد أن تبقى الس ّنة ألنها فيها الحالوة كلها‪ ،‬حني تو ّد التع ّمق ومعرفة شخصية محمد وترصفاته‪ ،‬كل هذا ستجده يف‬ ‫السنة‪ .‬فال ب ّد من أخذ البضاعة كلها كامل ًة من قرآن وسنة‪.‬‬ ‫أما املعتزلة فهم يت ّم تسويقهم بأنهم التيار العقالين يف اإلسالم‪ ،‬يف حني أن األمر يف بدايته كان متعلقًا مبسائل فقهية‪ ،‬وال‬ ‫مذهب فلسفي‪ ،‬ال ميلكون انتا ًجا فكريًا فلسف ًيا‪ ،‬فلامذا يس ّوقونهم عىل أنّهم فالسفة؟‬ ‫تعني أي يش ٍء وليس لهم‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫وخالفات فقهي ٍة دينية داخلية (ابن عطاء ومنزلة بني منزلتني وفعل الكبرية)‪،‬‬ ‫وخالفاتهم سخيف ٌة كقضية خلق القرآن‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫مخلوق أم أز ٌيل‪ ،‬ما يعنيني أ ّن تأثريه يس ٌء عىل الواقع‪ ،‬أما أن يقتلوا‬ ‫كشخص خارج اإلسالم كون القرآن‬ ‫ال يعنيني بيش ٍء‬ ‫بعض ‪ 17‬قرن عىل هذه الخالفات‪ ،‬فهذا ال يعنيني بيشء‪.‬‬ ‫يتبع يف العدد القادم ‪..................‬‬ ‫إعداد‪ :‬الغراب الحكيم‪ ،‬غايا آثيو‪John Silver ،‬‬ ‫تقديم‪ :‬غايا آثيو‬ ‫متابعة وتفريغ‪Y.Ismaiel- Abdu Safrani- Nora Ahmed - Hadi Kozma :‬‬

‫‪https://www.facebook.com/TheEnlightenedMinds‬‬

‫‪43‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪44‬‬


‫ملاذا اإلرهاب ؟‬

‫‪Hunger Mind‬‬

‫تدن‪،‬‬ ‫ِفك ٌر موتو ٌر‪ ،‬ذاتٌ بائس ٌة‪ِ ،‬عل ٌم ُم ّ‬ ‫حكوماتٌ ق ّوادةٌ؛‬ ‫اجمع هؤالء وستحصل عيل خلط ٍة‬ ‫سحري ٍة تس ّمى اإلرهاب‪.‬‬ ‫فشل يف أن‬ ‫القصة ‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فشل يف كتابة ّ‬ ‫يصبح روايئ‪ ،‬مل يشفع له كونه من‬ ‫أحد مريدي وأهم قامات الفكر يف‬ ‫عرص املَلك ّية املرصية وما قبلها وجز ٌء‬ ‫ال يتجزأ من الفكر العريب ككل؛ رفض‬ ‫كل مفكّر أو كل ٍ‬ ‫ذات‬ ‫الواقع شأن ّ‬ ‫عاقل ٍة تحمل بداخلها حلم الوصول‬ ‫إىل األفضل‪ ،‬لكن يبقى السؤال هو‬ ‫ماذا ستنتهج إن مل تستطع أن تُحيل‬ ‫ٍ‬ ‫ملموس ‪.‬‬ ‫فكرك إىل واقعٍ‬ ‫‪45‬‬


‫ملاذا اإلرهاب ؟‬ ‫‪Hunger Mind‬‬

‫صاحب ال ِفكر مرتفّع ينرث أخالقه هنا وهناك متش ّدقا بها‪ ،‬لكن ماذا سيفعل حني يُفاجأ باستدارة أظ ُهر من أنفق سنني‬ ‫مأمول ومرغوبًا) لكن‬ ‫ً‬ ‫عمره يف لعق أحذيتهم؛ صاحب الفكر ال يه ّمه إن كان هو من سيضع الّلبنة األوىل ( وإن كان هذا‬ ‫ما يه ّمه هو أن يصل فكره للناس‪ ،‬وأن يصري يو ًما ما ملء السمع والبرص‪ ،‬مرتبّ ًعا عىل عرش التاريخ ‪.‬‬ ‫لكن ماذا سيحدث لومل يكن صاحب اللّبنة األوىل ؟‬ ‫املتجسدة‪ ،‬سوى الدم‬ ‫ماذا سيحدث لو عرف الناس أن ِفكره مل يكن سوى العنف يسري عيل قدمني ؟ ‪,‬سوى العنرصية‬ ‫ّ‬ ‫املتدفّق‪ ،‬سوى الخراب املقرتن ال بتنفيذ ِفكر ٍة فحسب بل مبج ّرد ورود ذكرها ‪.‬‬ ‫النتيجة وببساطة نصل إيل أ ّن الفكر املوتور أو الذات املوتورة‪ ،‬والتي ال ترى أب ًدا يف مجتمعها ‪ ،‬أبناء جلدتها سوى ٍ‬ ‫آفات‬ ‫كل من اعرتض عليها عد ًّوا لدو ًدا ال بد من ج ّز رأسه‪.‬‬ ‫يجب أن تُسحق‪ ،‬ويف ّ‬ ‫تتفاوت قُدرات البرش عىل تح ّمل الصدمات‪ ،‬عىل تجشّ م عناء الكّد يف الحياة‪ ،‬ولن أتفلسف أو أَظهر مبظهر املتعايل عن‬ ‫واقعي‪ ،‬فحياتنا ما هي ّإل سلسلة من املعاناة‪ ،‬لكن هناك من تصيبه األيام فيهدأ ويرت ّوى ويعيد حساباته‪ ،‬وهناك من‬ ‫يغافله الزمن فينزوي وينطوي‪ ،‬وهناك من تزيده الصدمات ورضبات الزمن صالد ًة عىل صالد ٍة‪ ،‬وصالب ًة فوق صالب ٍة‪،‬‬ ‫وأخ ًريا وهو املع ِني بكالمي من تتهشّ م نفسه وتتفتّت داخله ويصبح مج ّرد هيكلٍ يحمل بداخله الخواء‪.‬‬ ‫إخامد املواهب أو إذكائها‪ ،‬عل ّو النعرات‬ ‫العنرصية والطائفية والدينية أو إخراسها‪،‬‬ ‫تنمية العقول أو تغييبها‪ ،‬ال يقع ُج ّل عبئها‬ ‫عىل الفرد فحسب بل إن املجتمع املحيط‬ ‫بالشخص وبيئته يلعبان دو ًرا محوريًّا يف ذلك ‪.‬‬ ‫هذا ما أثبتته بحوث اإلنرثوبولوجيا الحديثة‪،‬‬ ‫وأكّده علامء االجتامع‪ ،‬وطنطن به خرباء‬ ‫التنمية البرشيّة ( ال أميل لهم وال أحرتمهم)‪،‬‬ ‫ويبقى يقي ًنا أنّه إن كانت للعوامل الوراثية‬ ‫دو ٌر فللبيئة املحيطة كل خيوط اللعبة التي‬ ‫تتح ّرك لتشكّل وعي اإلنسان ‪.‬‬ ‫‪46‬‬


‫ملاذا اإلرهاب ؟‬ ‫‪Hunger Mind‬‬

‫وألننا أبناء بالد العرب‪ ،‬أبناء فكر «الجال جال» ‪ ،‬وتعليق السبع حبوب للمولود‪ ،‬ورش العتبات بامللح‪ ،‬نحن أبناء املجتمع‬ ‫الذي تتص ّدر فيه حلقات طرد الشياطني والجن من جسد اإلنسان القامئة األعىل مشاهدةً‪.‬‬ ‫جامعي يراود طالباته عن أنفسهن‪ ،‬عضو هيئة تدريس معاون يبت ّز تلميذته ليك تجتاز االمتحانات‪ ،‬حاصلة عىل‬ ‫أستاذ‬ ‫ّ‬ ‫كل مشاكل العامل اإلسالمي سببها املؤامرات الصهيو أمريكية ‪.‬‬ ‫بكالوريوس الكيمياء الحيوية وترى أن ّ‬ ‫سلطة قانون ّية فوق القانون‪ ،‬حدود قضائ ّية ت ُخرتق وت ُتنهك عىل أيدي أبناء محشّ شة القضاء؛ نحن كمجتمعات عربية ال‬ ‫تعبري أفضل عن حالتنا العل ّمية سوى املقولة العامية الدارجة « العلم ال يَكيل بالباذنجال»‬ ‫البت يف املواد الثقاف ّية إىل رجال ال ّدين ‪.‬‬ ‫يَجلدون صاحب القلم‪ ،‬يُصادرون رواياته‪ ،‬يحظُرون استخدام اإلنرتنت‪ ،‬يُحيلون ّ‬ ‫رصفات وكأنّهم مالئك ٌة مج ّنحني‪ ،‬يعرفون املعروف ويق ّرون باملنكر‪ ،‬وحني تنظر للواقع مج ّرد نظر ٍة‬ ‫تتخ ّيلهم بهذه الت ّ‬ ‫علني‪.‬‬ ‫تجدهم ليسوا سوى ق ّوادين‪ ،‬رافعني الرايات الحم‪ ،‬رجالً ونسا ًءا‪ ،‬عارضني جسد الوطن يف مزا ٍد ٍّ‬ ‫حتم ستعرف‬ ‫دقّق يف هذه األبجديات ج ّي ًدا‪ ،‬وادرسها حال ًة حال ًة‪ ،‬قد أكون أوجزت يف العرض ألن الرشح يطول ‪ ،‬لك ّنك ً‬ ‫بعد تدقيقها ‪:‬‬ ‫من أين أتت داعش ؟‬ ‫ملاذا بوكو حرام ؟‬ ‫ملاذا س ّيد قطب ؟‬ ‫ملاذا زواج القارصات؟‬ ‫ملاذا قضايا إزدراء األديان؟‬

‫وباقي التساؤالت أتركها لك ‪.‬‬

‫‪47‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup

48


‫مصطفى عابدين‬

‫مراجعة علمية‪ :‬غيث جابري‬

‫تط ُّور األخالق‬ ‫‪49‬‬


‫تط ُّور األخالق‬

‫مصطفى عابدين‬

‫هل األنظمة األخالقية أنظم ٌة مطلقة مت ّيز الخري عن الرش دامئًا أم أنّها نتاج تط ّور الحضارات‬ ‫البرشية؟‬ ‫بداي ًة‪ ،‬أو ّد من القارئ أن يضع جميع النظريات األخالقية املتعارف عليها جان ًبا‪ ،‬وليذهب معي برحل ٍة عرب تاريخ تط ّور‬ ‫مهم أن يط ّور أنظم ًة‬ ‫الحضارة اإلنسانية‪ .‬يف هذه الرحلة سأقدم له قص ًة قصري ًة عن ظروف اإلنسان التط ّورية‪ ،‬وملاذا كان ًّ‬ ‫وقوانني تضمن بقاءه ومتاسك مجتمعاته‪.‬‬ ‫تفس القوانني األساسية التي نستقي منها الترشيعات األخالقية‪ ،‬هذه النظم‬ ‫هذه محاول ٌة متواضع ٌة م ّني لوضع نظري ٍة ّ‬ ‫رش رمزان ألفعا ٍل‬ ‫األخالقية موجودةٌ؛ ليس ألننا ّ‬ ‫رش‪ ،‬إمنا ألننا نريد ونسعى إىل البقاء‪ .‬نعم‪ ،‬الخري وال ّ‬ ‫نحب الخري أو نكره ال ّ‬ ‫تساهم يف بقائنا‪ ،‬أو قد تكون أعاملً تؤدي إىل فنائنا‪ ،‬وهذا ما سأحلّله ضمن هذه املقالة‪.‬‬ ‫لصا يرسق‪ ،‬فتقول‪ :‬هذا‬ ‫يف أغلب األحيان عندما تشاهد موقفًا ما تستطيع أن تبني استنتا ًجا أخالقيًا معيّ ًنا‪ً .‬‬ ‫مثل‪ :‬ترصد ً‬ ‫عيب‪ ،‬لكن تتعاطف‬ ‫خطأٌ‪ ،‬لكن قد تغفر له إذا كان بحاجة إلطعام أطفاله‪ً ،‬‬ ‫أيضا تشاهد شابًّا يرضب عجوزًا‪ ،‬تقول‪ :‬هذا ٌ‬ ‫رش‪ ،‬لك ّنك تتقبل إعدامه‬ ‫مع الشاب إن تبني لك أن العجوز قد اغتصب ً‬ ‫طفل‪ ،‬كذلك تسمع أ ّن فالنًا قتل فالنًا‪ ،‬تقول‪ :‬هذا ٌّ‬ ‫من قبل الدولة‪.‬‬ ‫رش؟ ملاذا تختلف الحضارات والثقافات يف التقييم األخالقي؟ أال يوجد قانو ٌن‬ ‫ملاذا هذه الضبابية يف تقييم الخري وال ّ‬ ‫لكل زمانٍ ومكانٍ ؟ هذا ما سأجيب عليه‪.‬‬ ‫أسسا أخالقي ًة صالح ًة ّ‬ ‫رش‪ ،‬ويضع ً‬ ‫عاملي كو ٌّين مي ّيز الخري من ال ّ‬ ‫أخالقي ٌ‬ ‫ٌ‬

‫ُحب الحياة‬ ‫حي ت ُ‬ ‫أنت ٌ‬

‫لنعود حوايل ‪ ٤‬مليارات سن ٍة إىل الوراء‪ ،‬ونتخ ّيل أنك واح ٌد من جينات الخلية األوىل‪ ،‬لديك وظيف ٌة مه ّم ٌة‪ ،‬هي تحليل‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا‬ ‫أش ّعة الشمس إىل طاق ٍة تُستَقلب ضمن الخلية لتنقسم عىل نفسها من‬ ‫جديد‪ .‬هي وظيف ٌة مه ّم ٌة ومسؤولي ٌة كبريةٌ‪ً .‬‬ ‫من ضمن مسؤولياتك أن تنرش نفسك بدق ٍة متناهي ٍة دون خطأ أثناء االنقسام‪ ،‬أل ّن حياة الخاليا األخرى واستمرارها عرب‬ ‫فعل أنت تقوم بتنفيذ مهامك عىل أكمل وج ٍه وتنرش نفسك دون أخطا ٍء‪.‬‬ ‫األجيال يعتمد عليك بالحصول عىل الطاقة‪ً .‬‬ ‫صديق (جني آخر)‪ ،‬مسؤوليته استقالب الطاقة التي تحصدها أنت من الشمس وتحويلها إىل حرك ٍة وعملٍ ليساعد‬ ‫لديك‬ ‫ٌ‬ ‫الخلية عىل االنقسام‪ .‬مع مرور الزمن وتط ّور هذه الخلية تع ّرفت عىل أصدقا ٍء جد ٍد‪ ،‬حتى أصبح عددكم باملاليني‪.‬‬

‫‪50‬‬


‫تط ُّور األخالق‬

‫مصطفى عابدين‬

‫لكل منكم مسؤولياتٌ مختلف ٌة‪ ،‬فمنكم من يعمل عىل‬ ‫ٍّ‬ ‫اختص‬ ‫بناء األلياف‪ ،‬منكم من يعمل يف التكاثر‪ ،‬منكم من ّ‬ ‫بالجهاز العصبي وهكذا‪ ،‬سبب نجاحكم وتطوركم أنكم‬ ‫قطعتم عه ًدا أن تتعاونوا فيام بينكم وأن تفعلوا كل ما‬ ‫بوسعكم لالنتشار واالستمرار‪ .‬هذا االتفاق مه ٌّم بالنسبة‬ ‫لكم ألنكم شاهدتم ما حدث لآلخرين الذين مل يتعاونوا‬ ‫فيام بينهم‪ ،‬تلك الجينات جميعها انقرضت‪ ،‬مع مرور‬ ‫الوقت وتط ّور الكائن‪ ،‬بقيت أنت وأصدقاءك الجينات‬ ‫تنترشون عرب األحياء التي وجدت من خصائصكم فائدةً‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫حاالت‬ ‫إال أنكم يف بعض األحيان وجدتم أنفسكم يف‬ ‫تنافسي ٍة ضمن أنظم ٍة جيني ٍة متنافس ٍة‪ ،‬أيام العسل قد‬ ‫فتغي االتفاق وتب ّدلت األولويات‪ ،‬فأصبحت األولوية اآلن يف بقاء الكائن الذين أنتم جز ٌء منه‪.‬‬ ‫مضت والتنافس اشتد ّ‬ ‫ٍ‬ ‫واحد‪ ،‬إمنا األولوية لجميع الكائنات التي تحمل أكرب عد ٍد من نسخكم‪،‬‬ ‫وهذا طب ًعا ال يعني أن أحدكم يعيش يف كائنٍ‬ ‫وهذا يعني أنكم تساعدون بعضكم عىل البقاء واالنتشار مبا يتناسب مع عدد الجينات القريبة منكم‪ .‬مع الوقت‬ ‫ٍ‬ ‫بكل األشكال واألطوار‪ .‬منكم من يعيش يف املاء‪ ،‬منكم من هو عىل اليابسة‪ ،‬منكم من‬ ‫منظومات جيني ٍة ّ‬ ‫استطعتم بناء‬ ‫كل مكانٍ صال ٍح للحياة عىل كوكب األرض‪ .‬لنتقل إىل املستقبل املعارص‪ :‬مئتا ألف سن ٍة قبل امليالد (‪.)٤‬‬ ‫يف السامء‪ .‬احتللتم ّ‬

‫الجنس البرشي املعارص‬

‫ٍ‬ ‫اكتسبت الكثري من‬ ‫تعرفت عىل الكثري من األصدقاء‪،‬‬ ‫مازلت هنا‪.‬‬ ‫بظروف قاسي ٍة إال أنك‬ ‫لقد‬ ‫قطعت أشواطًا‪ ،‬ومررتَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الخربات‪ .‬يف هذه الفرتة انخفضت أهمية مسؤوليتك بتحويل طاقة الشمس؛ العتامد بعض الكائنات عىل طرقٍ جديد ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫تغي الزمن وأصبحت‬ ‫مثل يوجد كائ ٌن جدي ٌد اسمه اإلنسان يعتمد عىل افرتاس‬ ‫الستقدام الطاقة‪ً .‬‬ ‫كائنات أخرى‪ .‬نعم ّ‬ ‫الحياة أصعب من قبل‪ .‬اليوم أنت وجميع أصدقائك تتفهمون الحاجة للقضاء عىل بعضكم البعض يف سبيل البقاء‪.‬‬ ‫وجد هذا الكائن (اإلنسان) نفسه يف بيئ ٍة استوائي ٍة ش ّحة املوارد‪ .‬عليه العمل بشكلٍ‬ ‫جدي ٍّ‬ ‫شاق لتأمني الطعام‪ .‬الكثري‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫كواحد من هذه الجينات داخل‬ ‫من األنواع األخرى من البرش انقرضت ألنها مل تتعلم كيف تعمل بشكل ٍجامعي‪ .‬أنت‬ ‫الجسم الحظت ارتفاع نسبة الجينات التي تساهم يف تعزيز العمل الجامعي والتعاون‪ .‬هذا عزز من فرص بقائك‪ ،‬الن‬ ‫األجسام التي تتضمن جينات تعمل بشكل جامعي لها حظوظ أوفر يف البقاء من األجسام ذو الجينات التي ال تتعاون‬ ‫مع بعضها‪.‬‬ ‫‪51‬‬


‫تط ُّور األخالق‬

‫مصطفى عابدين‬

‫كل واحد من الجينات يف الجسم يتعاون مع األخرين ليس ألن العمل الجامعي عمل رائع و جيد و إمنا ألن هذا العمل‬ ‫الجامعي هو من أهم وسائل هذه الجينات‪ .‬نعم الجني األناين الذي يبحث عن البقاء ربط بقائه مع أن يتعاون مع بقية‬ ‫الجينات يف تجاوز الصغوط و الصعوبات (‪ .)١‬بعض الجينات التي مل تتعاون مع بعضها فقدت القدرة عىل املناورة و انقرضت‪.‬‬ ‫إذًا الحياة عملية بدأت منذ مليارات السنني وم ّرت بالعديد من العقبات واالنقراضات‪ ،‬وبقي من األحياء فقط من‬ ‫استطاع عىل التأقلم مع املتغريات‪ .‬عىل الرغم من صعوبة الظروف والحاجة لقتل أحيا ٍء أخرى للبقاء إال أن جيناتك‬ ‫اختالف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بسيط‪ ،‬وهو التمييز عىل أساس التقارب الجيني‪ .‬كلّام‬ ‫مازالت تق ّدر الحياة وتعمل ما بوسعها عىل استمرارها مع‬ ‫كانت الجينات أقرب ازداد التعاون والدعم عىل البقاء (‪.)١‬‬

‫التج ّمعات السكنية البرشية‪:‬‬

‫كل‬ ‫مع تطور اإلنسان واكتشافه الزراعة‪ ،‬تغريت لديه اسرتاتجيات البقاء بشكلٍ ثوري‪ .‬مل يعد اإلنسان مج ًربا عىل االنتقال ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات صغري ٍة ثابت ٍة قادر ٍة عىل استدامة نفسها‬ ‫يوم من مكانٍ إىل آخر بحثًا عن الطعام واملوارد‪ .‬بدأ اإلنسان يف تطوير‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫من خالل الزراعة والصيد‪ .‬هذا التط ّور الجديد وضع تح ّد ٍ‬ ‫وعقبات مختلف ٍة‪.‬‬ ‫يات جديد ٍة‬ ‫ازدياد التعداد السكاين بني البرش يعني التضارب يف املصالح فيام بينهم‪ ،‬ما يؤدي إىل خالفات يف بعض األحيان‬ ‫تؤدي إىل انهيار القبيلة‪ ،‬مام يجعل أفرادها عرض ًة للعديد من املخاطر التي قد تؤدي إىل موتهم جمي ًعا‪ .‬لهذا‬ ‫ٍ‬ ‫ط ّور البرش وسائل تواصلٍ وقوانني تضمن ترابط قبائلهم ومنعها من االنهيار‪ .‬تخ ّيل وجود إنسانٍ‬ ‫وحيد يف األدغال‬ ‫اإلفريقية‪ .‬هذا اإلنسان لن يصمد أكرث من بضعة أيام إىل أن ميوت جو ًعا‪ ،‬أو يت ّم افرتاسه من قبل الحيوانات اآلخرى‪.‬‬ ‫إذًا الرتابط املجتمعي من الناحية الغريزية مبثابة الحصول عىل الغذاء واملوارد؛ ألن انحالل الرتابط اإلجتامعي يعني‬ ‫تجسد الرتابط االجتامعي باستقرار مجموع ٍة من البرش يف بقع ٍة جغرافي ٍة مح ّدد ٍة‬ ‫انهيار القطيع وموت أفراده‪.‬وقد ّ‬ ‫يستطيع أفرادها حامية أنفسهم وإنتاج مواردهم بشكلٍ‬ ‫مستدام‪ ،‬فالغريزة البرشية االجتامعية غريز ٌة ال يستهان بها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مجموعات‪ ،‬فيام جميع املجموعات البرشية األخرى التي مل تتنبه لهذه النقطة‬ ‫فهم اإلنسان وانتبه ألهمية العيش ضمن‬ ‫انقرضت تارك ًة البرش ذوي الخربة االجتامعية ليبنوا ويط ّوروا حضاراتهم (‪.)٢‬‬

‫لننتقل نحو املستقبل إىل العام عرشين ألفًا قبل امليالد‪:‬‬

‫يوم من األيام استيقظ أفراد قبيل ٍة عىل رصاخ إحدى النساء‪ ،‬ركض أفراد القبيلة نحو مكان سكنها ووجدوا زوجها‬ ‫يف ٍ‬ ‫أقدام تتجه نحو مأوى آخر ألحد أفراد القبيلة‪ .‬مبارش ًة تو ّجه أخو الضحية‬ ‫مرميًا عىل األرض وقد تع ّرض للقتل‪ .‬يوجد آثار ٍ‬ ‫ودخل إىل منزل املشتبه به وقتل من فيه‪ .‬سمع بالحادثة أقرباء القتىل الجدد‪ ،‬فتوجهوا بدورهم نحو قاتليهم وانتقموا‬ ‫منهم‪ ،‬هكذا دخل أفراد القبيلة بدائر ٍة من الثأر حتى قُتل أغلب الرجال وتيتم األطفال وأصبحت النساء دون من يحميها‬ ‫من سبي غزوات القبائل اآلخرى‪.‬‬ ‫‪52‬‬


‫تط ُّور األخالق‬

‫مصطفى عابدين‬

‫ومن الجدير بالذكر أن الثأر أحد الغرائز اإلنسانية املهمة للبقاء التي سأتطرق إليها الحقًا يف املقال‪ ،‬وعندما أقول قبيلة‬ ‫أعني تجم ًعا برشيًا صغري الحجم قبل تطور الحضارة ونشوء املدن‪.‬‬ ‫القبيلة التي ذكرتها مات ذكورها وانقطع نسلهم؛ ألنهم مل يط ّوروا أعرافًا وقواني ًنا تنظم عالقاتهم‪ ،‬وتضمن عدم تفكك‬ ‫مجتمعهم الصغري‪ .‬بينام القبيلة التي غزتهم واختطفت نساءهم واستعبدت أطفالهم استطاعت أن تستمر وتتطور؛ ألنها‬ ‫ابتكرت بعض األنظمة التي تحكم وتنظم تعامل األفراد فيام بينهم (‪ .)٣‬ولنفرتض أ َن القبيلة صاحبة القوانني قد تع ّرضت‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لحادث شبي ٍه سابقًا‪ ،‬حيث قام أحد أفرادها بقتل فر ٍد آخر‪ ،‬لكنهم تعاملوا مع الحادثة بشكلٍ‬ ‫مختلف‪ .‬هم لديهم قانو ٌن‬ ‫ينص عىل أن القاتل يُقتل وأن هذا القانون من سنن السامء فال يستطيع أحد أن ينتقم‬ ‫ورثوه من أجدادهم‪ .‬هذا القانون ّ‬ ‫أو يرفض االنصياع لهذا القانون‪ .‬بهذه الحالة‪ ،‬يشارك جميع أفراد القبيلة مبعاقبة الفرد الذي يخالف القانون الساميئ‬ ‫والقاتل يُقتل وتنتهي سلسلة القتل عند هذه الحلقة‪ .‬هكذا لن يثأر أح ٌد ملقتل القاتل؛ ألن الجهة التي تس ّن القوانني‬ ‫ليست بني أفراد القبيلة‪ ،‬إمنا يف السامء تحرص عىل إحقاق الحق وإقامة العدل ومحاربة الظلم (‪.)٢‬‬

‫من أين تأيت القوانني األخالقية؟‬

‫السبب الوحيد املبارش لوجودي اليوم وقدريت عىل كتابة هذا املقال تعود لقدرة جينايت عىل التكاثر بشكل ناجح‪ .‬أنا‬ ‫كل ما بوسعي للعمل عىل نرش حميض النووي إىل الجيل القادم‪ ،‬لكن هذه العملية ال تقترص عىل التكاثر الجنيس‬ ‫أعمل ّ‬ ‫بشكلٍ حرصي‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬أساعد يف نرش جينايت عرب مساعدة أوالد عمي‪،‬‬ ‫بينام أنا أساهم بنرش جينايت عرب مساعدة أخي أن ينرش جيناته ً‬ ‫وأساهم يف نرش جينايت عرب العناية بأحفادي وجميع أفراد أرسيت وقبيلتي والجنس البرشي عمو ًما‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وظروف‬ ‫مجتمعات من ّوع ٍة‬ ‫رش استطاعوا أن يعيشوا ضمن‬ ‫إذًا كل البرش املوجودين عىل كوكب األرض اليوم أحفاد ب ٍ‬ ‫مختلف ٍة‪ ،‬تنظّمها قوان ٌني مح ّدد ٌة لضامن الرتابط االجتامعي‪ ،‬مع اإلشارة إىل إ ّن جميع القوانني األخالقية التي منارسها اليوم‬ ‫هي نتاج آالف السنني من التط ّور والتأقلم‪.‬‬ ‫إذ يجب النظر إىل النظم األخالقية من ناحي ٍة تطوري ٍة بحت ٍة‪ ،‬وفهم أنّها وسيل ٌة مبتكر ٌة مثلها مثل اكتشاف النار أو‬ ‫برشي للمرور عرب األجيال دون انهيار التج ّمعات البرشية الصغرية‪ .‬هذه النظم‬ ‫أكل اللحوم‪ .‬األنظمة األخالقية اخرتا ٌع‬ ‫ٌّ‬ ‫األخالقية لها مح ّركان أساسيان‪ .‬هذان املح ّركان لهام ٌ‬ ‫هدف واح ٌد‪ ،‬بقاء الجنس البرشي واستمراره عرب األجيال‪ .‬سأقوم‬ ‫بتفصيل هذا بشكلٍ أوسع يف سياق املقال‪.‬‬ ‫‪53‬‬


‫تط ُّور األخالق‬

‫مصطفى عابدين‬

‫الكذب‪ ،‬والقتل‪ ،‬والخداع‪ ،‬واالغتصاب‪ ،‬والرسقة‪ ،‬والخطف‪ ،‬والتضحية‪ ،‬والعبودية‪ ،‬والعطاء‪ ،‬والكرم‪ ،‬والفداء‪ ،‬والشجاعة‪،‬‬ ‫كلها ٌ‬ ‫معني بضامنة استمرار الحياة ومتاسك القبيلة‪ .‬نحن ال‬ ‫رصفاتٌ وصفاتٌ برشي ٌة ت ّم تقييمها بنا ًء عىل ٍ‬ ‫أعامل وت ّ‬ ‫نظام ٍّ‬ ‫رش إال يف سياق غريزة الرتابط االجتامعي‪ ،‬ومدى تأثري هذه األفعال‬ ‫نستطيع تقييم ٍّ‬ ‫أي من هذه األفعال عىل أنه خ ٌري أو ٌّ‬ ‫خاص‪ ،‬واستمرار الحياة بشكلٍ عا ٍّم (‪ .)٢‬ولنأخذ بعض األمثلة‪:‬‬ ‫عىل املجتمع بشكلٍ ٍّ‬ ‫توصيف لحالة تواصلٍ غري صادق ٍة بني ع ّدة أطر ٍ‬ ‫اف‪ ،‬املشكلة األخالقية مع الكذب ليست بكونها عملي ًة مخادع ًة‪،‬‬ ‫الكذب‬ ‫ٌ‬ ‫إمنا باألثر الذي ترتكه هذه العملية عىل الرتابط االجتامعي‪.‬‬ ‫َ‬ ‫كوب من القهوة‪ ،‬وكان جوابك بالرفض ألنّك‪« :‬ال‬ ‫شخصا تعرفه يف الشارع‪،‬‬ ‫رأيت‬ ‫ودعاك هذا الشخص إىل تناول ٍ‬ ‫إذا َ‬ ‫ً‬ ‫تستمتع بقضاء ٍ‬ ‫َ‬ ‫الئق وغري أخالقي‪ ،‬مع أنّك قلت الحقيقة‪ .‬بينام لو أنّك كذبت عىل هذا‬ ‫وقت معه» سي ُعترب‬ ‫جوابك غري ٍ‬ ‫وقلت له‪« :‬إنّك متأ ّخ ٌر‪ ،‬وعليك الذهاب ٍ‬ ‫مسبق» فهذا يعترب نو ًعا من املجاملة املقبولة املحبذة مع أنك‬ ‫ملوعد‬ ‫ٍ‬ ‫الشخص َ‬ ‫قمت بالخداع والكذب‪.‬‬ ‫َ‬ ‫من هنا أود أن أنتقل ملحور دميومة النظم األخالقية ‪..‬‬ ‫نظم مطلقة الص ّحة والصالحية‪ ،‬فهي نظ ٌم ابتكرها اإلنسان لضامن الهيكلية االجتامعية‪.‬‬ ‫ال ٌنظٌم األخالقية مل ولن تكون يو ًما ً‬ ‫فمحاو ٌر مثل العبودية واملثلية الجنسية وحقوق املرأة جميعها محاو ٌر تط ّورت ضمن النظم األخالقية مع الزمن‪ ،‬تأثري‬ ‫كل من هذه املحاور عىل املجتمع هو ما يح ّدد تعامل املجتمع معها وتصنيفها األخالقي‪ .‬نُظمنا األخالقية ال تعترب‬ ‫ٍّ‬ ‫غريزة الكذب بشكلها الشمويل ممنوع ًة أو ال أخالقي ًة‪ ،‬إمنا متنع الكذب الذي يسبب آثا ًرا سلبي ًة عىل ترابط املجموعة‪.‬‬ ‫إذا تخ ّيلنا فريقًا رياض ًيا عليه العمل بشكلٍ‬ ‫جامعي ضمن اسرتاتجيات تساعده عىل مترير الكرة وإحراز األهداف‪ ،‬فإن‬ ‫ٍّ‬ ‫حق الالعبني يف حال اعتدى‬ ‫النظم األخالقية مبثابة مد ّرب الفريق الذي يسعى دامئًا إى ضامن ترابط الفريق‪ ،‬وحفظ ّ‬ ‫أحد الالعبني عىل اآلخر‪.‬‬ ‫الكذب ذو األثر اإليجايب عىل الرتابط االجتامعي‬ ‫مجامل ٌة‪ ،‬الصدق ذو األثر السلبي عىل الرتابط‬ ‫االجتامعي وقاح ٌة‪.‬‬ ‫القتل ذو األثر السلبي عىل الرتابط االجتامعي‬ ‫جرمي ٌة‪ ،‬القتل ذو األثر اإليجايب عىل الرتابط‬ ‫االجتامعي عدالة القانون‪.‬‬ ‫‪54‬‬


‫تط ُّور األخالق‬

‫مصطفى عابدين‬

‫إذًا التقييم األخالقي ليس مرتبطًا بالفعل بح ّد ذاته‪ ،‬إمنا بتأثري الفعل عىل الرتابط االجتامعي‪ .‬لهذا نجد تفاوتًا يف‬ ‫لكل مكانٍ وزمانٍ ‪ ،‬وأنّها مرفوض ًة ضمن‬ ‫األنظمة األخالقية بني املجتمعات‪ ،‬ويتفاجأ البعض بأ ّن نظمهم األخالقية ليست ّ‬ ‫مجتمعات أخرى والعكس صحيح (‪.)٥‬‬ ‫مقبول‬ ‫ً‬ ‫عمل‬ ‫فمثل‪ ،‬العبودية كانت ً‬ ‫أخالقي‪ً .‬‬ ‫املجتمعات تتط ّور‪ ،‬وبالتايل تتغري اآلثار املرتتبة عىل ما يع ّد أخالق ًيا أو غري‬ ‫ٍّ‬ ‫منصوصا عليه ضمن كل األديان يف الفرتات السابقة؛ أل ّن املجتمعات التي استعبدت كانت تجني فوائد اقتصادي ًة‪ ،‬لكن‬ ‫ً‬ ‫مع تط ّور هذه املجتمعات وازدياد أعداد العبيد فيها نتج التأثري السلبي عىل الرتابط االجتامعي‪ ،‬وبالتايل تتغري املنطومة‬ ‫األخالقية وتبدأ برفض العبودية‪ .‬نعم‪ ،‬رفض العبودية ليس نات ًجا عن شعو ٍر بعدال ٍة ومساوا ٍة ساموي ٍة مع من نستعبدهم‬ ‫أو من يستعبدوننا‪ ،‬إمنا بسبب اآلثار السلبية التي تنجم عن هذه األفعال عىل املجتمع‪ .‬أي فعلٍ يسبب تف ّككًا يف املجتمع‬ ‫صحيح‪.‬‬ ‫أخالقي‪ ،‬والعكس‬ ‫فعل غري‬ ‫هو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫مثل‪ ،‬العنرصية كانت مقبول ًة بشكلٍ عاملي سابقًا بسبب انغالق املجتمعات عىل نفسها‪ ،‬لكن مع عوملة املجتمعات‬ ‫ً‬ ‫وخصوصا ضمن املجتمعات املختلطة عرقيًا‪ .‬ملاذا؟‬ ‫واختالط الناس أصبحت العنرصية غري مقبول ٍة ومرفوض ٍة بشكلٍ عا ٍّم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫عمل ال أخالق ًيا‪ ،‬لكن ليس ألن العنرصية‬ ‫مجتمعات ستؤدي إىل انهيار هذه املجتمعات‪ ،‬لهذا تعترب ً‬ ‫أل ّن العنرصية يف هكذا‬ ‫يف أساسها سيئ ٌة‪ ،‬إمنا بسبب تأثريها السلبي عىل الرتابط االجتامعي (‪.)٦‬‬ ‫مالحظة‪ :‬النجد يف الطبيعة متيي ًزا عىل أساس العرق‪ ،‬فمفهوم األعراق يقترص عىل اإلنسان فقط وهو من ابتكاره‪ ،‬إذ‬ ‫بغض‬ ‫قام بصنعها بسبب نزعة التصنيف لديه ورغبته بالتمييز بني املجموعات (‪ .)٨‬فجميع البرش متطابقون بنسبة ‪ّ ٪٩٩‬‬ ‫تفضل األحصنة‬ ‫النظر عن مكانهم الجغرايف‪ .‬ونحن ال نرصد عنرصي ًة عند بقية الكائنات الحية‪ .‬فاألحصنة البيضاء ال ّ‬ ‫البيضاء أو تتج ّنب األحصنة السوداء (‪.)٨‬‬ ‫عاملي ٍ‬ ‫دائم‪ ،‬إمنا هي قوان ٌني برشي ٌة منصوص ٌة لتحقيق‬ ‫ملفهوم‬ ‫إذًا ما أق ّدمه يف هذه السطور هو أنه ال وجود‬ ‫ثابت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أخالقي ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫أي مثا ٍل وأسقطناه عىل هذه الفرضية‪ ،‬يجب أال‬ ‫هدفني اثنني‪ :‬استمرار الحياة ومتاسك املجتمع‪ .‬هذا يعني أننا إذا أخذنا ّ‬ ‫يتعارض مع هذين‬ ‫أي فعلٍ ‪ ،‬وم ّرره عرب السؤالني التاليني‪:‬‬ ‫الرشطني‪ .‬وللتأكّد من صحة هذه الفرضية اخ ْرت ّ‬ ‫خاص؟‬ ‫ما تأثري هذا الفعل عىل استمرار الحياة بشكلٍ عا ٍّم‪ ،‬واستمرار الجنس البرشي بشكلٍ ٍّ‬ ‫ما تأثري هذا الفعل عىل الرتابط االجتامعي ضمن مجموعتي؟‬ ‫‪55‬‬


‫تط ُّور األخالق‬

‫مصطفى عابدين‬

‫أبواب عديدةٌ‪ ،‬أهمها االستثامر الجيني‪ .‬لهذا نجد أن النساء‬ ‫الشق األول املتعلّق باستمرار الحياة ونرش الجينات له‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫واألطفال لهم ح ّي ٌز مه ٌّم ج ًدا يف تقييم أثر األفعال عليهم‪ .‬األنثى أمثن وأغىل من الذكر من حيث قيمة االستثامر الجيني‪،‬‬ ‫جيني مل يت ّم استثامره بعد‪ ،‬لذلك يأخذ النساء واألطفال مقا ًما أعىل يف تقيمنا األخالقي‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫والطفل لديه‬ ‫مستقبل ٌّ‬ ‫يجدر الذكر أن الرشط األول تزداد قيمته كلّام ازداد التقارب الجيني‪ .‬فعىل الرغم من أهمية الحفاظ عىل الحياة‪ ،‬إال أ ّن‬ ‫الشق املتعلّق بالرتابط اإلجتامعي هو األكرث الحا ًحا وأهم ّي ًة‪ ،‬لهذا نجد أننا نتغاىض عن ازهاق الحياة يف سبيل الرتابط‬ ‫ّ‬ ‫االجتامعي‪ .‬ليس لدينا مانع من قتل مئات األلوف من البرش مقابل ضامن الرتابط ضمن مجتمعنا‪.‬‬

‫مثال ‪١#‬‬

‫عمل سلب ًيا بسبب ثأر الضحية من السارق‪ ،‬لكن الرسقة تع ّد أقل وطأ ًة من القتل‪ ،‬إذ إنّها غري مؤث ّرة سل ًبا‬ ‫الرسقة‪ :‬تع ّد ً‬ ‫أيضا إن قلنا إن الرسقة متّت من قبل ٍ‬ ‫شخص ال يريد املرسوقات لنفسه‪ ،‬إمنا يريد توزيعها عىل‬ ‫عىل استمرار الحياة‪ً .‬‬ ‫عوضا عن سارقٍ‬ ‫مجرم‪ .‬إذًا مرة أخرى الفعل‬ ‫الفقراء واملحتاجني يف املجتمع‪ ،‬حينها يصبح لدينا روبن هود‪ٌ ،‬‬ ‫قومي ً‬ ‫ٍ‬ ‫وبطل ٌّ‬ ‫بح ّد ذاته غري مه ٍّم‪ ،‬واملهم األثر الذي يرتكه ضمن سياق الرشوط الذي ذكرتها‪.‬‬

‫مثال ‪٢#‬‬

‫أنت تقود قطا ًرا مرس ًعا خار ًجا عن السيطرة يتّجه باتجاه مجموعة من األشخاص‪ .‬هذه املجموعة تتك ّون من خمسة‬ ‫ٍ‬ ‫رش‪ .‬لديك الخيار أن تنقذ خمسة األشخاص عرب تحويل القطار إىل اتجا ٍه آخر لكن لديك‬ ‫أشخاص وستقتلهم بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص‬ ‫أيضا‪ .‬إذن أنت ستتس ّبب مبقتل إما خمسة‬ ‫مشكل ٌة‪ ،‬إذ إن تحويلة السكة اآلخرى يوجد عليها شخصان واقفان ً‬ ‫أو شخصني‪ ،‬الخيار لك‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫أشخاص مقابل الشخصني املتواجدين عىل السكة اآلخرى؟ أم ترتك الخمسة ميوتون؟‬ ‫هل تنقذ خمسة‬ ‫رشا هو إنقاذ األشخاص الخمسة مقابل‬ ‫أغلب الناس تجيب عىل هذا السؤال االفرتايض من منطق أن الفعل األقل ًّ‬ ‫الشخصني‪.‬‬ ‫اآلن لنغري بعض املعطيات يف القصة‪ ،‬ونفرتض أنك ال تعرف األشخاص الخمسة نهائ ًيا‪ ،‬لك ّن الشخصني عىل السكة هام‬ ‫أطفالك أو والداك أو أخوتك (من أفراد عائلتك املقربني)‪ .‬هل سيختلف قرارك؟‬ ‫األسية هي األه ّم من ناحية التقارب الجيني‪.‬‬ ‫األغلبية تختار انقاذ أفراد عائلتهم‪ ،‬ذلك ألن العالقات ّ‬ ‫‪56‬‬


‫تط ُّور األخالق‬

‫مصطفى عابدين‬

‫أضفت لك خيا ًرا ثالثًا‪،‬‬ ‫كل ما بوسعك لتسهيل انتشار جيناتك وبقائها‪ .‬إذا‬ ‫مربمج عىل أن تفعل ّ‬ ‫كام ذكرت سابقًا فأنت‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫وهو سكة جديدة عليها بعض املاشية‪ ،‬أظ ّن َك ستختار املاشية‪ ،‬وإذا أضفنا سكة رابعة عليها بعض النباتات فستختار‬ ‫النباتات وهكذا‪ .‬كلام ابتعدنا جينيًا انخفض مستوى تعاطفنا‪ .‬هذا املثال يوضح أليات التقييم األخالقية والتعاطف‬ ‫باستخدام الرشط األول (‪.)٥‬‬

‫غريزة الثأر‬

‫الثأر غريز ٌة مه ّم ٌة ج ًدا يف تطور اإلنسان‪ ،‬حيث إننا مستعدون لندفع مث ًنا أكرب من الرضر األسايس يف سبيل االنتقام‪ .‬ملاذا‬ ‫يغي شيئًا من‬ ‫نقوم باالنتقام‪ ،‬رغم أن العملية خارس ٌة يف جميع األحوال؟ الرضر األصيل عاد ًة يكون قد وقع‪ ،‬واالنتقام لن ّ‬ ‫الواقع‪ ،‬بل عىل العكس قد يزيد الوضع سو ًءا‪ ،‬ومع ذلك نجد أنفسنا مندفعني لالنتقام‪.‬‬ ‫هذه الغريزة رضوري ٌة يف اقامة رد ٍع بني األفراد يف املجموعات‪ .‬البرش الذين ال يثأرون انقرضوا بسبب عدم وجود راد ٍع‬ ‫بني أفراد مجموعاتهم‪ ،‬ما أدى إىل انهيار هذه املجموعات وانقراض أفرادها‪ .‬طب ًعا القوانني يف يومنا هذا ما هي إال ثأ ٌر‬ ‫مؤسسا ٌّيت ملا فيه فائد ٌة وضامن ٌة يف التامسك االجتامعي‪ .‬بشكلٍ عا ٍّم توجد يف علم األحياء نظري ٌة اسمها اسرتاتيجيات‬ ‫حيوي فيه أفرا ٌد متفاعل ٌة مع‬ ‫أي تج ّمعٍ‬ ‫االستقرار التطوري (‪ّ ، )ESS Evolutionarily Stable Strategy‬‬ ‫ٍّ‬ ‫وتنص عىل أ ّن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بعضها‪ ،‬وتواجدت يف هذا التج ّمع أفرا ٌد تخالف القوانني السائدة فيه‪ ،‬سيقوم التج ّمع بشكلٍ‬ ‫اتيجيات‬ ‫طبيعي يف بناء اسرت‬ ‫ٍّ‬ ‫انتقامي ٍة من تلك األفراد املخالفة‪ ،‬وذلك بهدف ضامن استقراره وعدم السامح بانتهاك القوانني‪.‬‬ ‫من أه ّم هذه االسرتاتيجيات وأكرثها انتشا ًرا بني األحياء اسرتاتيجية ‪ Tit for Tat‬التي تتوافق مع املبدأ الشهري‪« :‬العني‬ ‫أصل (‪.)٧،٢‬‬ ‫بالعني»‪ .‬لهذا ال أعتقد أن حمورايب من وضع هذا القانون‪ ،‬فهو قانو ٌن أقدم من الحضارة البرشية ً‬

‫وحب الوطن‬ ‫التضحية ّ‬

‫شخص ما بالتضحية بنفسه مقابل اآلخرين؟ ملاذا يٌعترب هذا‬ ‫ملاذا يقوم ٌ‬ ‫حب الوطن والشعور الوطني‬ ‫العمل إيجابيًا من الناحية األخالقية؟ ً‬ ‫رش مع التقارب الجيني‪ ،‬إذ إ ّن املجتمعات املتواجدة‬ ‫يرتبط بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫ضمن مجا ٍل جغرا ٍّيف مح ّد ٍد تكون عاد ًة متقاربة جين ًيا‪ .‬لذلك التضحية‬ ‫مقابل هذه املجموعة تكون مربح ًة جين ًيا للشخص الذي يض ّحي‬ ‫بنفسه‪ .‬وجود األفراد ضمن مساح ٍة مشرتك ٍة يعني أن نسبة تشاركهم‬ ‫وخصيصا عند الشعوب املتجانسة‬ ‫الجيني عرب األجيال نسب ًة عالي ًة ج ًدا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جين ًيا‪ ،‬واملح ّددين جغراف ًيا بعوامل متنعهم من االختالط (‪.)٥،٤‬‬ ‫‪57‬‬


‫تط ُّور األخالق‬

‫مصطفى عابدين‬

‫الحرب‬

‫أيضا مرتب ٌط بعدم تأثري هذا االلتزام عىل حياة الشخص‬ ‫االلتزام باحرتام الحياة رش ٌط‬ ‫أسايس عند جميع األحياء‪ ،‬لكنه ً‬ ‫ٌّ‬ ‫واملجموعة التي ينتمي إليها‪ .‬هذا يعني أن جميع األحياء تلتزم باحرتام الحياة طاملا أن هذا االحرتام ال يؤثر سلبًا عىل‬ ‫رش عىل جينات الشخص‪.‬‬ ‫جيناتها الشخصية (‪ ٪ ١٠٠‬من نفسها)‪ .‬متاسك املجتمع أو الوطن يؤثر بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫عاد ًة ما يكون االنتشار الجيني مرتبطًا جغراف ًيا‪ ،‬لهذا نجد أن التعاطف الجيني بعد العائلة يصبح مناطق ًيا؛ أل ّن هذا‬ ‫يجسد تقري ًبا منطق ًيا النتشار الجينات املتشابهة بني األفراد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أنا ثم عائلتي الصغرى ثم عائلتي الكربى ثم حاريت ثم مدينتي ثم دولتي ثم قاريت ثم عرقي (تشابه فيزيولوجي) ثم‬ ‫الجنس البرشي‪ .‬يف حال الحروب يت ًم التقييم ضمن التقارب الجيني املناطقي‪ .‬لهذا نجد أن الحروب األهلية عاد ًة تكون‬ ‫مناطقي‪ .‬يوجد تأث ٌري آخر‪ ،‬وهو تأثري االنتامء الديني‪ ،‬لكن لن أتطرق‬ ‫عرقي‬ ‫عقائدي ً‬‫أيضا‪ -‬أو طابعٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍّ‬ ‫حروبًا إما ذات طابعٍ ٍّ‬ ‫له ضمن هذه املقالة**‪.‬‬

‫املثلية الجنسية‪:‬‬ ‫طبيعي موجو ٌد بنسب متفاوته بني األحياء‪ .‬أسباب املثلية تعود لعدة عوامل‬ ‫جنيس‬ ‫املثلية الجنسية تو ّج ٌه‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫فيزيولوجية تتعلق بنسب تعرض الجنني للهرمونات الجنسية ومدى تفاعل هذه الهرمونات مع الجينات لدى‬ ‫الجنني‪ .‬بسبب تط ّور املعارف العلمية و خصياصاً يف مجال علوم األحياء وفهم األبعاد البيولوجية للمثلية الجنسية‬ ‫تغي ضمن سياق الفرضية التي طرحتها‪:‬‬ ‫بدأنا نرصد ً‬ ‫تبدل يف التقييم األخالقي لهذه الحالة الطبيعية (‪ .)٩‬لنعاين ما ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص مغايرين جنس ًيا إىل مثليني‪ .‬إذا‬ ‫يف السابق كان الفهم الشائع للمثلية أنّها معدي ٌة وتتسبب يف تح ّول األشخاص من‬ ‫قمنا يف تقييم هذه الفهم السائد عن املثلية سنكتشف أنه يعارض الرشط األول يف بناء النظم األخالقية‪ ،‬وهو أن املثلية‬ ‫تتعارض مع دعم انتشار الحياة والحفاظ عليها‪.‬‬ ‫كام أ َّن العالقات العاطفية والجنسية بني نفس الجنس تشكّل تهدي ًدا للنسيج االجتامعي املتعارف عليه‪ ،‬بسبب اعتبار‬ ‫ٍ‬ ‫ترصفات كهذه ستمنع الذكور واإلناث من الزواج‪ ،‬وهذا يشكّل خرقًا للعادات والقوانني املتعارف عليها‪ .‬إذا قمنا يف‬ ‫أ َّن‬ ‫الشق املتعلق بالرتابط االجتامعي‪ ،‬ما يعني أ ًّن الفهم‬ ‫الشق من الفهم السابق للمثلية سنجد أنه يتعارض مع ّ‬ ‫تقييم هذا ّ‬ ‫الخاطئ ملاهية املثلية الجنسية أدى إىل رفض هذا التو ّجه الجنيس واعتباره ليس أخالق ًيا‪.‬‬ ‫** ميكن القراءة عن هذا التأثري يف مقال ٍة سابق ٍة بعنوان «غريزة اإلميان» نرشت يف العدد الرابع والعرشين من مجلة امللحدين العرب‪ ،‬الصفحة ‪.81‬‬

‫‪58‬‬


‫تط ُّور األخالق‬

‫مصطفى عابدين‬

‫فأسست لبناء أرضي ٍة جديد ٍة من الحريات‪،‬‬ ‫واليوم يف القرن الواحد والعرشين‪ ،‬تط ّورت وسائل االتصال وانتشار العلوم‪ّ ،‬‬ ‫فاليوم نحن مل نعد مرتبطني مبجتمعاتنا الجغرافية‪ .‬هذا يعني أننا لسنا مجربين عىل قبول جميع األفكار املحيطة بنا‬ ‫ٍ‬ ‫ملجتمعات آخرى عرب شبكات التواصل االجتامعية واالنرتنت‪ ،‬وازدياد الوعي‬ ‫جغراف ًيا؛ ألننا قادرون عىل التواصل واالنتامء‬ ‫فتبي‬ ‫حول التو ّجهات الجنسية املختلفة والفهم العلمي لتفاصيلها ساهم بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫رش بقبول هذه التوجهات الجنسية‪ّ ،‬‬ ‫أنها حال ٌة طبيعي ُة غري معدي ٍة‪ ،‬وتشكّل خط ًرا عىل استمرار الجنس البرشي وال تشكّل تهدي ًدا للنسيج االجتامعي‘ إذ إن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كأشخاص طبيعيني*‪.‬‬ ‫ألشخاص مثليني ملج ّرد تعاطفهم مع حقوق املثليني وقبولهم‬ ‫األشخاص املغايرين جنس ًيا لن يتحولوا‬ ‫عمل ال أخالق ًيا هم بأغلب ظ ّني ضمن سياق الفهم املغلق السابق للمثلية‪،‬‬ ‫األشخاص الذين يعتربون املثلية الجنسية ً‬ ‫باعتبارها حال ًة معدي ًة خطر ًة عىل بقاء الجنس البرشي‪.‬‬

‫البيدوفيليا أو مامرسة الجنس مع األطفال‪:‬‬

‫عمل ال أخالق ًيا‬ ‫جنيس مثلها مثل التو ّجه املغاير (ذكر وأنثى)‪ ،‬لكننا نعتربها ً‬ ‫أيضا تو ّج ٌه‬ ‫مامرسة الجنس مع األطفال ً‬ ‫ٌّ‬ ‫وجرمي ٌة يعاقب عليها القانون بأش ّد العقوبات‪ .‬ملاذا؟‬

‫لنعاين هذه الحالة من خالل الفرضية التي وضعتُها بني أيديكم‪ ،‬فعىل الرغم من أن هذه الحالة حال ٌة طبيعي ٌة‪ ،‬إال أ ّن‬ ‫لها عدة تأثري ٍ‬ ‫ات سلبية ٍعىل استمرار الحياة والرتابط االجتامعي‪.‬‬ ‫الفعل الجنيس عىل الطفل يت ّم دون موافقته‪ ،‬لهذا يص ّنف هذا النوع من التفاعل باالعتداء الذي يسبب آثا ًرا نفسي ًة‬ ‫سلبي ًة عىل الطفل‪ ،‬تالزمه مدى الحياة وتؤث ّر عىل فعاليته يف املجتمع‪ .‬يشكّل الطفل قيم ًة عالي ًة ج ًدا من حيث االستثامر‬ ‫الجيني بالنسبة ألهله‪ ،‬إذ إنه ميثّل جرس العبور نحو األجيال القادمة بالنسبة لجينات أهله‪ ،‬وعندما يأيت أحدهم ويعتدي‬ ‫عىل مم ّر عبورهم الجيني املستقبيل‪ ،‬يستدعي ر ًّدا ثائ ًرا من قبل أهل الطفل الضحية‪ .‬لهذا يتوجب وضع قوان ٍني تضمن‬ ‫الثأر ألهل الطفل و تنظيمه تحت بنود القانون‪ .‬هذا الثأر القانوين هدفه ابعاد هذا النوع من األشخاص عن األطفال‬ ‫خاص (‪.)٧،٩‬‬ ‫بشكلٍ عا ٍّم‪ ،‬والتفاعل االجتامعي بشكلٍ ٍّ‬

‫الخالصة‬

‫إ ّن النظم األخالقية ما هي إال قوان ٌني برشي ٌة ت ّم ابتكارها لحامية املجتمعات البرشية من االنهيار‪ ،‬واليوم ومع تطور‬ ‫تغيت‪ ،‬ومل يعد تأثري تالحم املجتمعات‬ ‫تكنولوجيا االتصاالت‪ ،‬سنجد ثور ًة أخالقي ًة جديدةً‪ ،‬إذ إ ّن الكثري من املعطيات ّ‬ ‫مل ًّحا كام كان سابقًا‪.‬‬ ‫والحب» املنشور يف العدد الخامس والعرشين من مجلة امللحدين العرب‪ ،‬الصفحة ‪.64‬‬ ‫* لالستزادة حول موضوع املثلية ميكن مراجعة مقال «الجنس‬ ‫ّ‬

‫‪59‬‬


‫تط ُّور األخالق‬

‫مصطفى عابدين‬

‫كل أنحاء الكرة األرضية‪ ،‬وأتكلم معهم أكرث من جرياين املقيمني بالقرب م ّني‪ ،‬اليوم أصبحت‬ ‫لدي أصدقا ٌء من ّ‬ ‫فاليوم ّ‬ ‫الكرة األرضية مبثابة مجتمعٍ كبريٍ ٍ‬ ‫واحد‪ .‬أتوقّع يف املستقبل القريب انخفاض الحروب ذات الدوافع الوطنية وارتفاع‬ ‫وترية الحروب املبنية عىل االختالفات العقائدية‪ .‬الشعور الوطني مه ٌّم يف توحيد السكان ضمن قوالب جغرافي ٍة‪ ،‬لكن‬ ‫بسبب التواصل العاملي بني األفراد مل يعد الشعور الوطني ذا أهمي ٍة ترابطي ٍة بني األفراد‪ ،‬وسنشهد تطو ًرا يف الرصاعات‬ ‫اعات وطني ٍة إىل رص ٍ‬ ‫من رص ٍ‬ ‫اعات فكري ٍة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫معي‬ ‫سلبي ّ ٍ‬ ‫أعامل كالقتل‪ ،‬والكذب‪ ،‬والرسقة‪ ،‬واالغتصاب‪ ،‬والخطف‪ ،‬واالختالس‪ ،‬والخداع‪ ،‬والخيانة‪ ،‬جمي ًعا ذات تأثريٍ ٍّ‬ ‫خصوصا‪ ،‬لهذا هي رشيرةٌ‪.‬‬ ‫عىل جودة الحياة عمو ًما‪ ،‬وعىل ترابط املجتمعي‬ ‫ً‬ ‫من املعلوم أن األديان ت ّدعي أنّها مصدر األنظمة األخالقية‪ ،‬لكني اليوم أجد نفيس مج ًربا أن أقول‪ :‬إ ّن األديان من أكرث‬ ‫العوامل املؤثرة سل ًبا عىل مستقبل الجنس البرشي‪ ،‬هذا ألنّها تجعل أتباعها يشعرون بوهم الوضوح األخالقي‪ ،‬وألنّها‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا‪ ،‬األديان ال تق ّدم نظا ًما‬ ‫تعمل عىل خلق «نحن» و»هم» يف وجه‬ ‫مجتمعات تتّجه نحو العاملية والتواصل املبارش‪ً .‬‬ ‫مرنًا متغ ًريا مع التطور الحضاري‪ ،‬إمنا أخذت عين ًة من األنظمة األخالقية التي كانت مناسب ًة قبل أالف السنني‪ ،‬وا ّدعت أن‬ ‫يوم من األيام‪.‬‬ ‫هذه األنظمة صالح ٌة ّ‬ ‫لكل زمانٍ ومكانٍ ‪ .‬نعم نحن نشهد نو ًعا جدي ًدا من التطور سيكُتب عنه يف ٍ‬ ‫إ ّن فهم خلفية الغرائز األخالقية‪ ،‬ومن أين تأيت هذه القوانني واألنظمة سيمكّننا من تعديلها بشكلٍ يتامىش مع تط ّور‬ ‫الجنس البرشي ويساهم يف ارتقاء مجتمعاتنا نحو مجتمع الكوكب الواحد‪ ،‬كوكب األرض‪ .‬لنجعل األرض قبيلتنا‪.‬‬ ‫‪------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫املراجع‪:‬‬

‫‪1. Darwin, C., The Descent of Man. London: John Murray, 1871.‬‬ ‫ ‪2.‬‬ ‫)‪Steven Pinker, The Better Angels of Our Nature: Why Violence Has Declined,Brilliance (April 15, 2014‬‬ ‫ ‪3.‬‬ ‫‪J. Anderson Thomson. Why We Believe in God(s): A Concise Guide to the Science of Faith, June 1, 2011.‬‬ ‫‪4. Richard Dawkins, The Selfish Gene, Third edition, 2006.‬‬ ‫ ‪5.‬‬ ‫‪Sam Harris, The Moral Landscape, (Free Press), 2010.‬‬ ‫ ‪6.‬‬ ‫‪Sam Harris, Lying , Four Elephants Press19 Dec 2013.‬‬ ‫ ‪7.‬‬ ‫‪Robert Wright, The Moral Animal: Why We Are, the Way We Are: The New Science of Evolutionary Psychology Vintage; August 29, 1995‬‬ ‫ ‪8.‬‬ ‫‪Bill Nye, Undeniable evolution and the science of creation, St. Martin›s Press; First Edition edition, November 4, 2014‬‬ ‫‪9 . Larry Young and Brian Alexander , The Chemistry Between Us by Penguin Group (USA), Inc., Copyright © 2012‬‬

‫‪60‬‬


‫ﺃﺭﺷﻴﻒ ﻣﺪﻭﻧﺔ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﺮﻣﺎﻝ‬ ‫ﺗﺤﻴﺔ ﻟـ ﺑﻦ ﻛﺮﻳﺸﺎﻥ‬

‫‪http://thelandofsands.blogspot.com‬‬ ‫ﻛﻴﻒ ﻧﻜﺎﻓﺢ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﻪ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻪ؟‬ ‫ﺍﻟﻬﻮﺱ ﺍﻷﺳﻼﻣﻲ ﺑﺎﻟﻌﻔﻪ‬ ‫ﺍﻟﺪﻳﻦ‬ ‫ﻭ‬ ‫ﺍﳌﺮﺃﻩ‬ ‫ﻋﺼﻔﻮﺭ ﻣﻮﺭﻳﺸﻴﻮﺱ‬ ‫ﻓﺘﻮﻯ ﺍﻟﺒﺒﻐﺎﺀ‬ ‫ﻃﻴﺰ ﻟﻄﻔﻲ‬ ‫ﺍﻟﺴﻔﺎﺡ ﻭﺍﻟﻔﺘﺎﺓ ﺍﻟﺒﺮﻳﺌﻪ‬ ‫ﻭﺟﻮﺏ ﺗﻜﺴﻴﺮ ﺍﻷﺻﻨﺎﻡ‬ ‫ﺟﺮﺛﻮﻣﺔ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ‬ ‫ﺍﻷﳊﺎﺩ ‪ :‬ﺣﺮﻛﺔ ﲢﺮﺭﻳﻪ ﻟﻠﺸﻌﻮﺏ‬ ‫ﻫﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻠﺤﻴﺎﻩ ﺑﺪﻭﻥ ﺷﺎﻭﺭﻣﺎ؟‬ ‫ﺍﳋﻮﻑ‪..‬ﻧﺒﺾ ﺍﻷﺻﻮﻟﻴﻪ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻪ‬

‫‪61‬‬


‫الدعاء‬ ‫ّ‬

‫سريين نينا‬

‫ترجمة ملقالة ‪ The Concept of Prayer‬الواردة يف مد ّونة لطبيب نفيس أمرييك مأخوذة من مدونته املعنونة ‪ The Serene Atheist‬بترصف من املرتجمة‪.‬‬

‫ت ُع ُّد الصالة والدعاء أحد أهم األركان يف العديد من األديان‪ ،‬فالدعاء م ّخ العبادة عىل حد قول النبي محمد‪ ،‬كام أن‬ ‫الكثري من املتدينني يؤكّدون عىل تعدد معاين وأهداف وحتى طرق الدعاء‪ ،‬فبالنسبة للبعض يُعترب الدعاء وسيل ًة لالتصال‬ ‫بني اإلنسان وربه‪ ،‬فمن خالله ينشأ املؤمن ويُحافظ عىل عالقته بالله‪ ،‬بحكم أن الله نفسه قد أمره به‪ ،‬و ي ّدعي بعض‬ ‫املتدينني أنهم من خالل االبتهاالت الروحانية قد وصلوا إىل نو ٍع من املشاهدة واإلحساس العميق بالحرضة اإللهية‪،‬‬ ‫وأنهم يتلقّون الهداية والعون من الله بسببها‪ ،‬ولهذا فاملؤمنون يدعون الله إما شاكرين أو طالبني العون أو راجني العفو‬ ‫والغفران‪.‬‬ ‫بالرغم من كون الصلوات وما يتبعها من أدعي ٍة قد تُ ارس بصف ٍة روتينية من البعض‪ ،‬فإ ّن عد ًدا غري قليلٍ من املسلمني‬ ‫ٍ‬ ‫منطلقات بعيد ٍة عن كونه وسيل ًة للتّعبد وإمنا ملا قد يجلبه عىل صاحبه من فوائد‪ ،‬فهم يسألون الله‬ ‫يتطلّع للدعاء من‬ ‫التدخل يف واقع حياتهم ل ُيعطيهم ما يطلبون‪ ،‬الدعاء بالنسبة لهم طريقة سحرية لتحقيق األمنيات‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫الدعاء‬ ‫ّ‬

‫سريين نينا‬

‫الدعاء و تحقيق األمنيات‪:‬‬

‫مزيج من قراراته واختياراته‪ ،‬إضافة إىل قوانني الطبيعة وسنن‬ ‫يعتقد امللحد أن ما يتحكم يف سري األحداث يف حياته هو ٌ‬ ‫الكون‪ ،‬مع يش ٍء من الحظ‪ ،‬فامللحد قد يفقد السيطرة عىل حياته يف حال ما تدحرج نرد الحظ عكس ما يرجو‪ ،‬ولكنه‬ ‫عىل كل حا ٍل متأكد أن هناك أشيا ٌء جيد ٌة و أخرى سيئ ٌة تحدث للناس الطيبني‪ ،‬كام أن هناك أشيا ٌء جيد ٌة وأخرى سيئ ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫ألشخاص أرشار‪ ،‬أحياناً بإمكان املرء أن يفعل شيئا ل ُيخفف من حدة النتائج عىل أقل تقدير‪ ،‬وأحياناً قد ال منتلك‬ ‫تحدث‬ ‫مصاب‬ ‫إال تقبل املصري املحتوم‪ ،‬هذه الحقيقة تبدو مؤمل ًة للغاية‪ ،‬كأن يتلقّى أحدهم خ ًربا من الطبيب أن ابنه الوحيد‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مميت وال أمل من شفائه‪ ،‬إ ّن فاجع ًة كهذه قد تكون أصعب تجرب ٍة مير بها اإلنسان يف حياته‪.‬‬ ‫مبرض‬ ‫أي إنسانٍ عادي ُمعرض ألن يجتاحه اليأس‪ ،‬وأن ال يتقبل مدى قسوة وإجحاف الحياة‪ ،‬يف هذه‬ ‫يف حالة املثال السابق‪ ،‬إ َّن َّ‬ ‫اللحظة بالذات‪ ،‬يأيت الدين ل ُيقدم بديالً غاي ًة يف القوة واإلغراء‪ ،‬البديل السحري يكمن يف الدعاء‪ ،‬الدعاء قد يح ّول أسوأ‬ ‫يحسسك الدين أن الدعاء يجعل املستحيل ممك ًنا‪ ،‬يقول لك الدين أن‬ ‫التجارب وأش ّدها قسو ًة إىل نِعم ورحامت‪ ،‬بل قد ّ‬ ‫كل ما عليك فعله هو اإلميان بالله‪ ،‬بل يذهب الدين إىل أبعد من ذلك ف ُيخربك أن عليك إحراز ٍ‬ ‫نقاط إيجابية مع الله‬ ‫( ما يسمى بالحسنات) عىل أمل أن تستفيد منها وقت املصائب واملحن‪ ،‬عليك أن تعمل كل ما من شأنه إرضاء اإلله‪:‬‬ ‫امتداحه وحمده يف كل حني‪ ،‬أداء الصلوات يف املساجد‪ ،‬التطوع بالصلوات لتشكر الله وقت الرخاء‪ ،‬التص ّدق بأموالك‬ ‫لبناء املساجد‪ ،‬هداية أشخاص آخرين للدين‪ ،‬و الكثري الكثري من الواجبات‪.‬‬ ‫إمام متمكن قد يرسد عليك عرشات القصص عن أشخاص جاؤوه غاضبني ألن الله مل يستجب‬ ‫املشكلة أن أي داعي ٍة أو ٍ‬ ‫شخص متسائالً «مل تجاهل الله دعايئ وترك طفيل ميوت بني‬ ‫لصلواتهم ومل يقف معهم يف أيام الشدة والقنوط‪ ،‬قد يأيت ٌ‬ ‫يدي؟ لقد كنت من رواد املساجد‪ ،‬أصيل الفروض والنوافل‪ ،‬وأحاول هداية الناس من حويل‪ ،‬والتص ّدق من حر مايل‪،‬‬ ‫لقد بذلت كل ما يف وسعي ألكون مسلام صالحا» إن هذه العبارات تبدو صادقة ومرشوعة‪ ،‬فقبل كل يشء لسنا إال‬ ‫رشا ننتظر من أي عالق ٍة جيد ٍة أن تكون مثمرة‪ ،‬أن أكون يف عونك وأن تكون يف عوين‪ ،‬تخيل صداقتك مع إنسان يحاول‬ ‫ب ً‬ ‫دامئا أن يأخذ منك وال يعطي شيئا باملقابل‪ ،‬التبدو هذه الصداقة واعد ًة ألنك يو ًما ما ستلجأ لهذا الصديق وستكتشف‬ ‫شخصا انتهازيًا واستغالل ًيا‪ ،‬ولهذا فكل املؤمنني يف مرحل ٍة ما يصطدمون بإل ٍه ال يق ّدم لهم‬ ‫عندما يُدير لك ظهره كم كان ً‬ ‫املساعدة املرج ّوة وال يقف معهم يف أوقات الشدة دون أن يزودهم بأي تفسري ٍ‬ ‫ات مقنع ٍة لهذا الغياب السلبي‪ ،‬فيلجأ‬ ‫املؤمن لإلمام لعلّه يغيثه ببعض الرشوحات‪ ،‬ولك َّن إجابة اإلمام سترتاوح بني «الله أعلم» و «ال ميكن لعقلنا القارص فهم‬ ‫مراد الله وخطته الكربى لتحديد حياتنا ومصرينا»‪ ..،‬رصاحة ال أستطيع تخ ُّيل مدى اإلحراج الذي يعاين منه اإلمام يف‬ ‫محاولة التربير والدفاع عن إله غري مخلص وغري ملتزم بأبسط أبجديات الصداقة؟‬ ‫‪63‬‬


‫الدعاء‬ ‫ّ‬

‫سريين نينا‬

‫يعيش امللحد نو ٌع من السالم الداخيل ليقينه أن له يدا ً يف أغلب ما يحدث يف حياته‪ ،‬فهو يفعل ما بوسعه ويس ّخر أقىص‬ ‫طاقاته ليجري األمور عىل النحو الذي يُريده ثم يتن ّحى جانبا وضمريه مرتاح‪ ،‬هذا اإلحساس يس ّهل عليه تقبل األمور‬ ‫يف حال ساءت األحداث‪ ،‬كام يسعده كونه يوظّف وقته وقدراته يف محاولة قلب األوضاع لصالحه عوض إضاعة الوقت‬ ‫والجهد يف أدعي ٍة وابتهاالت ال طائل منها‪.‬‬

‫الدعاء كدليل عىل وجود الله‪:‬‬

‫ي ّدعي الكث ُري من املتدينني أن إجاب َة صلواتهم برهان عىل وجود الله‪ ،‬ويدعمون كالمهم برسد ٍ‬ ‫قصص عن مواقف‬ ‫استجيبت فيها دعواتهم‪ ،‬بالرغم من ذلك ال يوجد مؤم ٌن واح ٌد يستطيع ا ّدعاء أن كل دعواته كانت مجابة (أنظر إىل كل‬ ‫هؤالء املسلمني الذين يختتمون كل صالة بالدعاء عىل أمريكا وإرسائيل بالخراب والدمار‪...‬حتى وهم عىل جبل عرفات‪..‬‬ ‫سألت أحد‬ ‫حتى وهم متعلقون بأستار الكعبة يدعون الله بأن يح ّرر فلسطني لكن الله قد أصيب بالصمم)‪ ،‬إذا ما‬ ‫َ‬ ‫املؤمنني ملَ ملْ يجب الله دعاءك؟ سيختار لك إحدى اإلجابات النموذجية التي حفظها الجميع عن ظهر قلب‪« :‬ال بد أن‬ ‫الله ميتحن صربنا»‪« ،‬لحكم ٍة ال يعلمها إال الله»‪« ،‬إن األمور ال تحدث بهذه الطريقة فالله ال يغري ما بقوم حتى يغريوا‬ ‫ما بأنفسهم»‪ ،‬هنا بالذات يقع املسلم يف ٍ‬ ‫منطقي و عقيل‪.‬‬ ‫تناقض‬ ‫ٍ‬ ‫الصدع يكمن يف كون املؤمن ينسف نظريته‬ ‫عن كون الدعاء برهان عىل و جود الله قبل‬ ‫أن يُتم رش َحها‪ ،‬فهو يبدأ كالمه متحذلقا بأن‬ ‫رب سميعٍ بصري‪،‬‬ ‫استجابة الدعاة تثبت وجود ٍ‬ ‫ولكن هذا اإلثبات يفقد فعاليته إذا ما قلنا‬ ‫دليل مضا ٌد لربهانه‬ ‫أن عدم استجابة الدعاء ٌ‬ ‫فهو يؤكد غياب الله‪ ،‬وعوض االستمرار يف‬ ‫الوالء لربهانه ومحاولة قول يش ٍء يتناغم‬ ‫معه‪ ،‬يقفز املؤمن إىل القول بأن الله يفعل‬ ‫ما يشاء‪ ،‬وأن الله بحكمته وعلمه أدرى مبا‬ ‫هو يف صالحنا‪ ،‬بل قد يذهب املتدين أبعد‬ ‫من ذلك ليقول لك أن الله ي ّدخرها له ليوم‬ ‫القيامة‪...‬إذا كان الله ينفذ مخطّطاته بالرغم‬ ‫من الدعاء واإللحاح يف الطلب‪ ،‬فام الغرض‬ ‫من الدعاء يف املقام األول؟‬ ‫‪64‬‬


‫الدعاء‬ ‫ّ‬

‫سريين نينا‬

‫هناك من املؤمنني من يسلّح نفسه بحج ٍج أكرث مكرا ً ودها ًء بخصوص هذه النقطة بالذات‪ ،‬فبدالً من االعرتاف بوجود‬ ‫خطأ منطقي يف الدليل املقدم‪ ،‬يلجأ البعض إىل القول بأن الشخص الداعي مل يكن يدعو بالحرارة املطلوبة‪ ،‬أو أنه مل يكرر‬ ‫دعاءه ومل ينطرح عىل عتبات الله باملسكنة والذل الالزمني‪ ،‬أو أن إميانه الضعيف وقلة يقينه ورجائه يف االستجابة حرماه‬ ‫القبول‪ ،‬هذا األسلوب املاكر يف إرجاع اللوم عىل الداعي بدل لوم اإلله ليس إال نوعاً من التعذيب النفيس واإلرهاب‬ ‫الذهني‪ ،‬ألن فيه إيحاءا ً للناس بأن يعيشوا حياتهم وعقدة الذنب واتهام الذات تطاردهم‪ ..‬وانظر إىل املسلمني وهم‬ ‫يعرتفون أن الله سلط عليهم الضعف والهوان بذنوبهم وركونهم للدنيا وتركهم الجهاد‪....‬‬

‫من وجهة نظ ٍر إلحادية ال ب ّد من التأكيد عىل أن األحداث يف حياتنا تق ّررها أفعالنا واختياراتنا باإلضافة إىل قوانني‬ ‫ٍ‬ ‫ورضبات من الحظ الجيد أو البائس‪ ،‬ولهذا فمعدل األشياء الجيدة والسيئة بالكاد ستتغري إن ترك أحدهم الدين‬ ‫الطبيعة‬ ‫وألحد‪ ،‬وإن كان هناك أي تغيري فهو كون امللحد يعتمد عىل نفسه كليًا يف تحقيق أمنياته وذلك ببذل أقىص املجهودات‬ ‫وتوظيف كل اإلمكانيات وعادة ما يكون مفعول هذه الوصفة قويًا كالسحر!‬ ‫ختا ًما نورد أجمل ما كتب عبد الله القصيمي عن الدعاء‪ « :‬إن الدعاء والصالة اتهام لله بليد‪ ،‬إنك إذا دعوت الله‪،‬‬ ‫فأنت طلبت منه أن يكون أو ال يكون‪ ..‬إنك تطلب منه حينئذ أن يغري سلوكه‪ ،‬و منطقه وانفعاالته‪...‬إنك إذا صليت لله‬ ‫فقد رشوته لتؤثر يف أخالقه‪...‬فاملؤمنون العابدون قو ٌم يريدون أن يؤثروا يف ذات الله‪ ،‬أو أن يصوغوا سلوكه‪ ،‬ألن الصالة‬ ‫والدعاء ليستا إهانة لله فقط‪ ،‬وإمنا إفسا ٌد للداعي واملصيل‪ ،‬إنهام تقوي ٌة له عىل الرشوة وعىل نفي القوانني والعدالة‪،‬‬ ‫والذي يتعلم رشوة الله‪ ،‬و ينكر قوانني األشياء‪ ،‬هل ميكن أن يكون يف سلوكه أو تفكريه فاضالً أو ذك ًيا؟»‬ ‫رابط املقالة األصلية‪:‬‬ ‫‪.http://sereneatheist.blogspot.com/200910//concept-of-prayer.html‬‬ ‫‪65‬‬


66


‫يُعترب قانون السببية عند املتدينني من أقوى األدلّة عىل وجود الله‪ ،‬فهم يبنون عليه فرضيّتهم التي يرتاوح االستدالل‬ ‫عليها بني العقل ّية و اإلميان ّية‪ .‬ويعنينا يف هذه املحاورة النقدية فقط ما يتعلق بالعقل‪ ،‬ألن ما يتعلق باإلميان ال يعدو‬ ‫ٍ‬ ‫تهيؤات نفسية يقع حمل التعامل معها بح َرف ّي ٍة وعلمي ٍة عىل عاتق أطبا ِء وعلامء النفس‪.‬‬ ‫كونه‬ ‫يحاول املتدينون ال ّنصف عقالنيون أن يصوغوا استداللهم بالسببية عىل املنوال التايل‪« :‬إن لكل يشء ُمح َد ٍث سبباً‪،‬‬ ‫والكون ُمحدث‪ ،‬إذا له سبب‪ ،‬ذاك السبب هو الله»‪ .‬تبدو هذه الجملة ذات قيمة منطقية كبرية فهي تنطلق من مقدم ٍة‬ ‫أوىل ـ ُمتفق عليها نوعا ما ـ ثم مقدمة ثانية ـ ُمتفق عليها ـ ثم نتيجة سليمة ‪ ،‬لكن رغم ذلك حتى حني كنت مؤمنا‬ ‫يحق لنا أن نقتل ونذبح ونعاقب ون َه ِّجر باسم‬ ‫كانت بساطتها هذه مقلقة بالنسبة يل ‪ ،‬هل بهذه البساطة االستداللية ُّ‬ ‫كل ما قيل‬ ‫الدين ؟!‪ ،‬هل تتضمن هذه الجملة كل ذلك املعنى وتلك القوة التي تعطينا «سببا» منطقيا كافيا لنص ّدق ّ‬ ‫يف دينٍ مع ٍني مهام كان ذلك الدين ؟! لل ّنظر يف األسئلة السابقة اقرتحت‬ ‫عىل نفيس أن أقوم بتفكيك الجملة السحرية العظمى لدى املتدينني‪ ،‬وهو‬ ‫متاما ما سأستعرضه يف ما ييل من املقال‪.‬‬

‫نوري الزياين‬

‫هل الله هو‬ ‫السبب األصيل‬ ‫لكل يشء؟‬ ‫‪67‬‬


‫هل الله هو السبب‬ ‫األصيل لكل يشء؟‬

‫نوري الزياين‬

‫أ ّوال‪ :‬إ ّن لكل يشء ُم ٍ‬ ‫مكتسب‬ ‫حدث سبباً ‪ ...‬حقاًّ؟! إن قانون السببية أصالً هو قانو ٌن تجريبي وليس عقيل‪ ،‬أي أنه جز ٌء‬ ‫ٌ‬ ‫من قوانني الطبيعية عن طريق املالحظة واالستنتاج‪ ،‬وليس من الثوابت العقلية كام يحاول بعض ضعاف الفهم يف‬ ‫الفلسفة الرتويج له‪ ،‬فهو ليس مثل العمليات الحسابية املُدركة عن طريق العقل بشكلها املُطلق‪ ،‬ومادام تجريبيا فهو‬ ‫يقع تحت طائلة النسبية وخاضعا ملا سيكون عليه الشكل النهايئ لركام التجارب يف التاريخ البرشي القصري‪ ،‬عىل أنه ليس‬ ‫مطلقا‪ ،‬فكيف يتم استخدامه يف االستدالل عىل الله الذي يصفه املتدينون باملطلق؟ إ َّن تقابل طرفني غري متجانسني وغري‬ ‫متكافئني يف معادلة يُع ُّد استحال ًة رياضية!‬ ‫إذا أدخلنا قانون السببية يف السياق التجريبي‪ ،‬فإن التجريبية علّمتنا أ ّن التجارب املتكررة تعطي دامئاً نتائج متغرية ولو‬ ‫بشكلٍ طفيف‪ ،‬تجربتنا األوىل مع الخلية أفهمتنا أنّها الجزء األصغر يف الكائن الحي‪ ،‬ثم أضافت تجربتنا الثانية أ ّن الجزء‬ ‫كل م ّرة‪ .‬كذلك شأن قانون‬ ‫األصغر يف الخل ّية هو ال ّنواة وهكذا‪ ،‬وال زالت التجارب تعطينا نتائج مختلفة حول الخلية ّ‬ ‫السببية‪ ،‬لطاملا أخربنا أ ّن هناك إلها خارقا تد ّخل بشكل مبارش ـ بيديه ـ وخلق األرض وجعل عليها سقفا من الشمع‬ ‫األزرق‪ ،‬وأنجب أطفاال جعلهم متخصصني يف مجاالت مح ّددة و ما إىل ذلك‪ .‬لقد أعطانا قانون السببية هذا الفهم‬ ‫«بسبب» ات ّساع رقعة جهلنا مبا يحدث حولنا‪ ،‬لذلك أحدثنا تلك الفرضيات إرضا ًء لتوقنا املعريف الطبيعي كبرش‪ ،‬ثم بدأ‬ ‫ذلك اإلله الخرايف ينسحب من حقل التجربة فاسحا املجال لألسباب املبارشة التي أعطاها لنا العلم‪ ،‬فام كان من املتدينني‬ ‫ّإل أن ظلّوا يتفرجون عىل العلم و ينتظرون توقّفه عند حدو ٍد معينة‪ ،‬ليقوموا بوضع إشار ٍ‬ ‫ات لبداية حدود مملكة الله‬ ‫وظل العلم يخرتق تلك اإلشارات ل ُيض ِّيق مساحة مملكة الله‪ ،‬حتى بقي كل يشء يتعلق‬ ‫ـ أي ما هو مجهول عندنا ـ ّ‬ ‫بالسببية غامضا وغري مبارش بالنسبة للعقل العامل أو متوسط العلم‪ ،‬عىل عكس ما كانت عليه قدميا من الوضوح للعقل‬ ‫املغلف بالجهل ‪.‬‬ ‫ناتج عن سبب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واحد معنيٍ‪ ،‬بل إن كل يشء يحدث نتيج ًة‬ ‫يف السياق التجريبي أيضا‪ ،‬يعلّمنا العلم أنّه‪ :‬ليس كل‬ ‫حادث ٌ‬ ‫ملحصلة كم هائل من األسباب املتفرقة‪ ،‬وكلام ابتعدنا يف سلسلة السببية كلام تضخمت األسباب وكرثت وتشعبت وبدأت‬ ‫أسباب طبيعية وعلمية ليس‬ ‫تختفي يف عامل املجهول‪ ،‬وال غرابة حينها أن ي ّدعي مؤمن أو رجل دين أن ما نجهله من‬ ‫ٍ‬ ‫سوى الله‪ ،‬فالله حسب فهمي يوجد دامئا حيث الفضاءات املجهولة واملظلمة وال وجود له فيام أضاءته شمعة العلم‪،‬‬ ‫ما أريد الوصول إليه من اإلشارة السابقة بخصوص تعدد األسباب‪ ،‬أنّها تحطِّم الجملة املنطقية األوىل متاما فليس هناك‬ ‫سبب واح ٌد ألي يشء‪ ،‬ومن ث َّم ال وجود لسبب واحد لكل يشء‪ ،‬فاملنطق الريايض يفرض هنا أن دائرة األسباب تتسع‬ ‫ٌ‬ ‫ومن املستحيل منطقيا أن تتسع لتنتهي يف سلسلة االتساع تلك إىل سبب واحد‪.‬‬

‫‪68‬‬


‫هل الله هو السبب‬ ‫األصيل لكل يشء؟‬

‫نوري الزياين‬

‫مم يجعل الكثري من النظريات منطقية‬ ‫ثانيا‪ :‬والكون ُمح َدث‪ ...‬كيف ذلك؟! إ ّن كل ما نعرفه عن نشأة الكون قليل جدا‪ّ ،‬‬ ‫ومتساوية متاما‪ ،‬ال ميكن ترجيح إحداها عىل األخرى‪ .‬الغالب أن هذا الكون الذي نعرفه اليوم أىت من انفجا ٍر كبري بكل‬ ‫ما تحمل هذه العبارة من معاين‪ ،‬لكن من أين أىت هذا االنفجار؟! يف الوقت الذي يبذل فيه العلامء جهودا ً كبري َة يف‬ ‫سرب أغوار ذلك اللغز الكبري متسلحني بالشك يف كل يشء إال ما أثبته العلم‪ ،‬وبالتّخيل عن كل أفكا ٍر مسبقة قد تشوش‬ ‫أمانتهم العلمية‪ .‬يف الوقت نفسه‪ ،‬يتكئ رجال الدين عىل أرائكهم الوثرية يف كسل قائلني أن هذا االنفجار من فعل الله‪،‬‬ ‫متاما كام يف املايض حني كانوا يفرسون الرعد والربق عىل نفس املنوال وحني كانوا يظنون أ ّن اإلنسان ُصنع من الطني يف‬ ‫كل ما نعلمه اليوم عن االنفجار الكبري هو ضخامة اللغز وتعقده‪ ،‬وضخامة‬ ‫السامء ودخل الجنة الخرافية‪ .‬الحقيق ُة أ ّن ّ‬ ‫الكون وتفاهة هذه األرض التي ال تعدو كونها حدثا عرضيا يف الكون شأنها شأن دخان سجائر رجل يف القاهرة مقارن ًة‬ ‫بحصيلة التفاعالت النووية التي تحدث يف الشمس‪ ،‬أي أنها بال فائدة باملرة‪ ،‬غري أ ّن فيها أشخاصا ميّال َني إىل تقديس‬ ‫الجهل‪ ،‬وجعلِ إلههم دائم التنقل إىل النقاط املجهولة‪ ،‬و آخرين يعملون يف خدمة العقل والعلم‪.‬‬ ‫إ ّن التعقيد الكبري الذي نلمسه مام يصلنا من معلومات نشأة الكون قد يراه بعض املتدينني دليال عىل وجود إله هو‬ ‫من صنعه بدقة‪ ،‬لك ّنه يبقى تفسريا َ بسيطاَ وساذجاَ وتضليل ّياَ‪ ،‬فقوانني الطبيعة هي التي صنعت التوازن داخل الكون‬ ‫وأنا عىل يقني أن هناك سائال سيسأل‪ :‬ومن صنع قوانني الطبيعة؟! وهذا ٌ‬ ‫سؤال أجهل اإلجابة عليه متاما‪ ،‬وال أوافق عىل‬ ‫طرحه كسؤا ٍل منطقي‪ ،‬متاما كام يجهل كل رجال الدين اإلجابة عىل السؤال ‪ :‬من صنع الله؟! وال يوافقون عىل طرحه ‪.‬‬ ‫نوري الزياين ‪ ..‬عىل تويرت @‪mol7id‬‬

‫َويَ ْسأَلُونَ َك َع ِن اإلحلْاد ُق ِل اإلحلْاد‬ ‫ُ‬ ‫مِ ْن أَ ْم ِر َع ْقلي َومَا أوتِيتُم مِّن العَق ِل‬ ‫إِالَّ قَلِيالً‪.‬‬ ‫صفحة العقل دين عىل الفيسبوك‬ ‫‪https://www.facebook.com/AlqlDyn‬‬ ‫‪69‬‬


‫فاسد أخالق ًيا‬ ‫الله ٌ‬ ‫‪Beautiful Mind‬‬ ‫أرشيف املنتدى األم‬

‫فلنفرتض أوالً أن الله اإلبراهيمي موجود ‪...‬‬ ‫واحد خالق كل يش ٍء ومالك كل يش ٍء وقاد ٌر عىل كل يش ٍء ‪ ...‬إلخ‪،‬‬ ‫إله ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫فلنعترب الله مثل الصفر الريايض ونفرتض وجوده من أجل السؤال التايل‪:‬‬ ‫أخالقي؟‬ ‫هل الله كائ ٌن‬ ‫ٌ‬ ‫هل لديه معايريٌ أخالقي ٌة يلتزم بها؟‬

‫‪70‬‬


‫أرشيف املنتدى األم‬ ‫فاسد أخالق ًيا‬ ‫الله ٌ‬

‫‪Beautiful Mind‬‬

‫حق‬ ‫الشائع أن الله هو من اخرتع األخالق وألزم بها البرش وس ُيحاكمهم جمي ًعا وفقًا لها‪ ،‬لكن لو كان هذا صحي ًحا فمن ّ‬ ‫كم عىل كل البرشية ف ُيدخل الج ّنة من يشاء ويُدخل‬ ‫برشي أن يسأل ‪:‬هل هذا الله عىل ٍ‬ ‫خلق قويم ليك يكون َح ً‬ ‫كل ٍ‬ ‫جه ّنم من يشاء؟‬ ‫منحل أو فاسدٌ أخالق ًيا‪ ،‬لكن‬ ‫منطق لي ُحاكم كل الناس عرب العصور وهو ٌ‬ ‫أساس أو‬ ‫أي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فإن مل يكن كذلك ال يكون هناك ُّ‬ ‫متحلل أخالق ًيا وال يردعه راد ٌع أو‬ ‫ٌ‬ ‫يحق له محاكمة أحد‪ ،‬هو‬ ‫لألسف تلك هي الحقيقة ‪ :‬الله فاسدٌ أخالق ًيا وبالتايل ال ّ‬ ‫منطق أو أخالق ‪...‬‬ ‫ٌ‬ ‫يهتم بتفخيم ذاته وتعظيم نفسه أمام مخلوقاته‪،‬‬ ‫اجي‬ ‫يهتم برتبية الناس أو تهذيبهم بقدر ما ّ‬ ‫متقلب هوا ٌيئ ال ّ‬ ‫ٌ‬ ‫كائ ٌن مز ٌ‬ ‫واألمثلة عىل مصائبه األخالقية كثري ٌة ومذكور ٌة يف الكتب االبراهيمية املدع ّوة مقدس ًة (التوراة واإلنجيل والقرآن)‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بإحباط قاتل‪.‬‬ ‫وهكذا فإن كل من يتخذ الله مثالً أعىل له سيشعر‬ ‫أقول ذلك ألن شخصية الله كام رسمها لنا أدباء الكتب املدع ّوة مقدس ًة شخصي ٌة نرجسي ٌة جدً ا وسيكوباتية؛ فهو يأمر‬ ‫رقيب عليه‪.‬‬ ‫مبا ال يفعل ويُحاسب الناس يف شموخٍ دون‬ ‫حسيب له أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫شخصا مثل‬ ‫السلطة املُطلقة مفسد ٌة مطلق ٌة وهذا يعني أن ً‬ ‫السلطة مفسد ٌة وأن ُ‬ ‫مثالً هناك قاعد ٌة منطقي ٌة تقول أن ُ‬ ‫الله لديه كل الحرية لفعل أي يش ٍء يخطر عىل باله‪ ،‬سيكون أكرث من يتع ّرض لإلفساد‪.. .‬الفكرة محتاج ٌة لتوضيحٍ أكرث‪..‬‬ ‫لو تخ ّيل كل واح ٍد منا أنه امتلك «طاقية اإلخفاء» فيستطيع أن يختفي ويذهب ألي مكانٍ دون أن يراه أحد‪ ،‬ماذا‬ ‫سيفعل بهذة القدرة الخارقة ؟‬ ‫أتص ّور أن هناك من سيرسق بنكًا مستغالً اختفائه ‪..‬‬ ‫يتلصص عىل الفتيات أو حتى يغتصبه ّن ‪..‬‬ ‫وآخ ٌر قد ّ‬ ‫رش إنتقام ‪..‬‬ ‫وآخ ٌر سينتقم من أعدائه ّ‬

‫‪71‬‬


‫أرشيف املنتدى األم‬ ‫فاسد أخالق ًيا‬ ‫الله ٌ‬

‫‪Beautiful Mind‬‬

‫سيستغل تلك القدرة يف اللهو الذي ال ُيؤذي أحدً ا ورمبا لفعل بعض الخري أيضً ا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لكن فقط الشخص األخالقي هو من‬ ‫نحن هنا نتحدّ ث عن قدر ٍة واحد ٍة بسيط ًة مثل القدرة عىل اإلختفاء فام بالنا مبن ميتلك كل القدرات وكل الحريات وكل‬ ‫السلطات التي ميتلكها الله ‪...‬ليك يفهم املرء مثل هذه الحالة عليه أن يتخ ّيل إنسانًا هبطت عليه قدرات الله فجأة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فراح يقتل ويستعبد الناس ويظلم ويُؤذي بغري ٍ‬ ‫ضابط وال رابط‪.،‬هذا هو الله اإلبراهيمي ‪..‬‬ ‫أنفس واألمثلة كثري ٌة أبسطها الطوفان العظيم وسدوم وعمورة وغريها كثري‪...‬وال أفهم كيف ميكن لله أن يكون‬ ‫قاتل ٍ‬ ‫فوق املعايري والقيم األخالقية فيأمر الناس أن ال تقتل بعض األحيان بينام يُبيح لنفسه أن يقتل كل حنيٍ‪ ،‬أليس من‬ ‫شخص‪ ،‬ملاذا يأمرنا ّ‬ ‫شخص أو يأخذ روح أي ٍ‬ ‫األوىل أن يكون الله قدو ًة لكل البرش فال يقتل أي ٍ‬ ‫بأل نقتل بينام هو يقتل‬ ‫بكل بساط ٍة ملجرد أنه يستطيع ذلك؟‬

‫قيم أفضل من الشخصية القدمية لإلنسان الخارق ( الله‬ ‫شخصية سوبرمان التي ّ‬ ‫تم اخرتاعها يف العرص الحديث تعكس ً‬ ‫أخالقي ألنه ال يقتل رغم قدرته الخارقة عىل القتل‪،‬‬ ‫شخص‬ ‫)‪ ،‬فسوبرمان ال يقتل أبدً ا‪ ،‬سوبرمان يف القصص املصورة‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫بعكس الله الذي يقتل كام يحلو له وبذلك يكون فاسدٌ أخالق ًيا‪ .‬الله يتعامل مع قدراته الضخمة وكأنه ُمحدَ ُث ُسلط ٍة‪،‬‬ ‫ات خارق ٌة فجأة فكان أول ما يطلبه من الناس هو أن يسجدوا له‪.‬‬ ‫شخصا حقريًا نبتت له قدر ُ‬ ‫وكأنه كان ً‬ ‫خلق الناس ليعبدوه ‪ ...‬ياله من حقري‪.‬‬ ‫يخلق لهم حيا ًة شبيه ٌة مبتاهة‬ ‫الفأر ويضع يف آخرها نهايتني‪،‬‬ ‫واحد ٌة قطعة جنب واألخرى فخٌ‬ ‫ثم يجلس ليتف ّرج‪ ،‬أظن‬ ‫للفرئان‪ّ ،‬‬ ‫شخصا يخرتع‬ ‫من الواضح أن‬ ‫ً‬ ‫مكانًا ل ُيع ّذب ويؤمل ويؤذي فيه‬ ‫معارضيه لهو أبعد ما يكون عن‬ ‫الشخص األخالقي‪ ،‬البرش اخرتعوا‬ ‫السجن‪ :‬من أجل التهذيب‬ ‫والتأديب واإلصالح‪ ،‬البرش ألغوا‬ ‫عقوبة اإلعدام يف الكثري من دول‬ ‫العامل املتحرض‪ ،‬البرش يفهمون‬ ‫مم‬ ‫معنى الرتبية والتهذيب بأكرث ّ‬ ‫يفهمها الله الفاسد املنحل أخالق ًيا‪.‬‬ ‫‪72‬‬


‫أرشيف املنتدى األم‬ ‫فاسد أخالق ًيا‬ ‫الله ٌ‬

‫‪Beautiful Mind‬‬

‫ثم يحاسبهم بعد ذلك ويرميهم‬ ‫فالله املهووس بقوته لحدّ الجنون يأمر الناس بأشيا ٍء غري منطقي ٍة ويستعبدهم و ُي ّذلهم ّ‬ ‫ثم ميارس دعاي ًة سخيف ًة يف مدح نفسه وتلميع صورته ويُعطي الجوائز ملن يُنافقه‬ ‫يف جهنم وكأنهم‬ ‫حطب أو نفايات‪ّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ويتغ ّنى بنعمه‪ ،‬أنا ال أعرف كيف ُيكن للناس أن يتع ّبدوا لشخصي ٍة أقل ما ُيكن أن توصف به‪ ،‬أنها غري محرتم ٍة بهذا‬ ‫الشكل‪.‬‬

‫وكيف ُيكن أن ُي ّربر مثالً أمره إلبراهيم بذبح ابنه؟‬ ‫كيف ُيكن أن يربّر أمره لبني إرسائيل بذبح أعدائهم؟‬ ‫كيف ُيكن أن ي ّربر أمره للمسلمني بإرهاب الناس وإذاللهم؟‬ ‫بلطجي سيكوبايت ؟!!‬ ‫يقتل ويُح ّرض عىل القتل والقتال‪ ،‬إلهٌ هذا أم‬ ‫ٌ‬ ‫أنا لن أتع ّبد ألفاق فضالً عن أن العبادة ال تليق بإنسانٍ أصالً‪ ،‬يجب أن نتخلّص من ّ‬ ‫الرق والعبودية لله كام تخلّصت‬ ‫البرشية منها للرجال البيض‪ ،‬لكن يف الواقع الرجال البيض هم من تر ّفعوا عن استعباد الناس وأق ّروا باملساواة‪ ،‬أما الله‬ ‫فيأىب أن يجلس وسط مخلوقاته أو يتساوى بهم ببعض التواضع‪ ،‬طب ًعا فالتواضع ليس إحدى الفضائل اإللهية بل التكرب‬ ‫اإللهي اللعني‪ ،‬هذا باإلضافة للمكر والرضر واإليذاء وغريه كثري ‪...‬‬ ‫دميم يستطيع الطريان والتخفي‪،‬‬ ‫رشف األلوهية وكأنّه فأ ٌر ٌ‬ ‫بإختصار الله هو إلهٌ بقدراته وليس إل ًها بأخالقه‪ ،‬إلهٌ ال ُي ّ‬ ‫وهكذا فالله يف حقيقته هو شخصي ٌة كرتوني ٌة فاشلة ال تُعلّم األطفال مكارم األخالق بل الوحشية والدناءة وسوء‬ ‫السلطات والحريات‪.‬‬ ‫استغالل ُ‬

‫عزيزي الطفل‪:‬‬

‫ماذا ستفعل للناس لو كنت خالق الكون؟‬ ‫جحيم؟ هل ستخلق الخري أم الرش؟‬ ‫هل ستخلق مالئك ًة أم شياطي ًنا؟ هل ستخلق جن ًة أم‬ ‫ً‬ ‫هل ستقتل مثل الله أم ستكون أخالق ًيا مثل سوبرمان؟‬ ‫هل ستكون ُمح ًبا لألطفال مثل سانتا كلوز أو ُمبيدً ا لألطفال مثل الله؟‬ ‫أعتقد أننا نحتاج لرقاب ٍة متنع األطفال من مشاهدة أو التع ّرض ألي هرا ٍء ديني ميدح الله الوحيش الفاسد بأي شكلٍ‬ ‫من األشكال‪.‬‬ ‫نعم لدونالد دك ‪ ...‬ال لله‪.‬‬ ‫نعم لتوم أند جريي ‪ ...‬ال لله والشيطان‪.‬‬ ‫قيم أخالقي ًة أفضل من التي يُعلّمها الله‪ ،‬فنحن ال نريدهم فاسدون و ُمنحلُّون عىل أي حال‪.‬‬ ‫فل ُنعلّم أطفالنا ً‬ ‫‪73‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلّة امللحدين العرب مجل ٌة رقمي ٌة مبني ٌة‬ ‫ج ٍه سياسي؛‬ ‫ي تو ّ‬ ‫بجهودٍ فردي ٍة؛ وال تتبنّى أ ّ‬ ‫هدفها نشر أفكار امللحدين على اختالف‬ ‫جهاتهم وانتماءاتهم بحرّي ٍة كامل ٍة‪.‬‬ ‫تو ّ‬ ‫املعلومات والرسومات واملواضيع املطروحة‬ ‫تُعتبر مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية‬ ‫وناحية حقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬ ‫الناشرون‬ ‫امللحدين‬ ‫والالديني‬ ‫ّ‬ ‫بالنشر ‪.‬‬

‫هم من أعضاء مجموعة مجلة‬ ‫العرب‪ ،‬أو من الك ّتاب امللحدين‬ ‫ممّن مت ّ التواصل معهم ألخذ اإلذن‬

‫العامة‪،‬‬ ‫مناف لألخالق‬ ‫ُينع نشر كل ماهو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‪.‬‬ ‫لهيئة التحرير احلق ّ في نشر ما تراه مناس ًبا‬ ‫من املواضيع املوجودة في مجموعة اجمللة على‬ ‫موضوع ضمنها يُعتبر‬ ‫ي‬ ‫الفيس بوك ‪ ،‬فنشر أ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تفويضا ً للمجلّة بنشره‪.‬‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬ ‫‪magazine@arabatheistbroadcasting.org‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.