مجلة الملحدين العرب: العدد التاسع والعشرون / شهر آبريل / 2015

Page 1

‫العدد التاسع و العرشون من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر إبريل‪/‬نيسان لسنة ‪2015‬‬

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫هل لألديان‬ ‫السماوية جذر ٌ‬ ‫تراث‬ ‫إلهي أم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫جمعي؟ (‪)1‬‬ ‫ٌ‬

‫ظاهرة العنف في العهد‬ ‫القدمي اجلزء األول‬ ‫شريف حوا‬ ‫مصطفى عابدين‬ ‫في حوار مع‬ ‫روايـــة فاتنـــة‬ ‫سام مار‬

‫مجلة امللحدين العرب هي مجلة هدفها نشر‬ ‫أفكار امللحدين العرب على إختالف توجهاتهم‬ ‫السياسية و العرقية بحرية كاملة‬ ‫اجمللة عبارة عن مجلة رقمية مبنية بجهود فردية‬ ‫وال تنتمي الي توجه سياسي ‪..‬‬ ‫املعلومات و املواضيع املوضوعة في اجمللة تعتبر‬ ‫مسؤلية أصحابها من الناحية األدبية و ناحية‬ ‫حقوق النشر و حفظ امللكية الفكرية‬


‫فريق التحرير‬

‫املشارك في هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫‪........... Gaia Athiest‬‬ ‫أعضاء هيئة التحرير و بناء اجمللة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫‪Saad Taher‬‬ ‫الغراب احلكيم‬ ‫‪McKie Theman‬‬ ‫‪Alia`a Damascéne‬‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Almolhed alarabi‬‬ ‫‪Destin Fatal‬‬ ‫ماري غزال‬ ‫‪Abdu Safrani‬‬ ‫‪Hamdi Belhadjyoussef‬‬

‫كلمة حترير اجمللة‬ ‫كثر اجلدال حول كتب التراث الديني في اآلونة األخيرة‪،‬‬ ‫ورغم أنه ليس بجدي ٍد إال أنه طفح فوق السطح بسبب‬ ‫وسائل اإلعالم واالتصال وشبكات التواصل االجتماعية‪،‬‬ ‫والتي لم تكن متوفرةً ملن اشتغلوا على نقده من قبل‪.‬‬ ‫كلمة تراث مبعناها الواسع تعني‪ :‬كل ما تركه السابقون‬ ‫ت وتقاليد‪،‬‬ ‫أدبي أو‬ ‫أوعلمي أو‬ ‫فكري‬ ‫إرث‬ ‫ديني أو عادا ٍ‬ ‫من ٍ‬ ‫ًّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ساهيا بني‬ ‫وقد حاول بعض املفكرين أن يخلط متعم ًدا أو‬ ‫ً‬ ‫التراث الديني واألدبي‪ ،‬فكانت احلُجة أنه علينا تقديس‬ ‫هذا التراث كما يق ّدس االجنليز شكسبير والفرنسيون‬ ‫فولتير!‬ ‫بغض النظر عن سلبية كلمة تقديس‪ ،‬وضرورة حذفها‬ ‫ّ‬ ‫من القاموس‪ ،‬نودّ أن نذكركم أ ّن ما ق ّدمه شكسبير أو‬ ‫فولتير ال يتم قطع الرؤوس بنا ًء عليه‪ ،‬وال ُينع انتقاده‪،‬‬ ‫وال تقام محاكم التفتيش ملن يخرج عنه‪ ،‬وال تُفرض‬ ‫السيطرة على العقول باسمه!‬ ‫يتم بشأن التراث‬ ‫ي انتقادٍ‬ ‫فال تخلطوا األوراق‪ ،‬فأ ّ‬ ‫أوجدال ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وصحي ًة‬ ‫الديني؛ نعتبره من وجهة نظرنا خطوةً سليم ًة‬ ‫ّ‬ ‫مجتمع متحررٍ أبعد ما يكون عن التقديس‬ ‫لبناء‬ ‫ٍ‬ ‫والطاعة العمياء‪ ،‬لكنه في نفس الوقت إهدار ٌ للجهود‬ ‫وإضاع ٌة للوقت‪ ،‬جهودٌ كان األفضل بذلها فيما يفيد‬ ‫عوضا عن البحث والتنقيب في‬ ‫البشرية واألوطان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ب صفراء أكل عليها الزمن وشرب‪ ،‬وال يليق بها ّإل أن‬ ‫كت ٍ‬ ‫كمثال لألجيال القادمة عن مأساتنا‬ ‫تُعرض في املتاحف‬ ‫ٍ‬ ‫مع األديان وكهنتها‪.‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬

‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫اخلنزير بني احلقيقة والوهم‬ ‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫‪4‬‬

‫حجاب نقاب بكني‬ ‫الغراب احلكيم‬

‫‪13‬‬

‫الدين واالحلاد‪ :‬القول الفصل بني العنف والقتل ‪19‬‬ ‫هادي بن رمضان‬ ‫مصطفى عابدين ‪ ..‬في حوار مع‬

‫‪29‬‬

‫روايـــة فاتنـــة‬ ‫سام مار‬

‫‪38‬‬

‫رسالة إلى اهلل(‪)2‬‬ ‫أبو لهب‬

‫‪52‬‬

‫إلهي‬ ‫هل لألديان السماوية جذر ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫جمعي؟ (‪)1‬‬ ‫تراث‬ ‫أم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫هرمس مثلث العظمة‬

‫‪56‬‬

‫ظاهرة العنف في العهد القدمي‬ ‫اجلزء األوّل‬ ‫شريف حوا‬

‫‪80‬‬

‫‪3‬‬


‫الخنزير بني الحقيقة‬ ‫والوهم‬ ‫‪Adam Ismaiel‬‬ ‫مقدمة‬ ‫أضع بني أيديكم ترجم ًة –بالتّرصف‪ -‬ملوضو ٍع متكاملٍ‬ ‫التجمة هو‬ ‫ّ‬ ‫لحل لغز تحريم الخنزير‪ ،‬وكان سبب ّ‬ ‫محرتم يناقش الفكرة من‬ ‫عدم وجود مصد ٍر عر ٍيب‬ ‫ٍ‬ ‫التجمة من‬ ‫منحى علمي وأكادميي‪ ،‬وقد متت ّ‬ ‫‪Pigs‬وأيضا‬ ‫كتاب ‪، Cows ، War and Witches‬‬ ‫ً‬ ‫قمت بوضع بعض الفقرات من كتاب ‪WHY AM‬‬ ‫‪ NOT A MUSLIM‬وقد ت ّم يف هذا البحث طرح‬ ‫جميع ال ّنظريات املتعلقة بالخنزير وأسباب تحرميه‬ ‫يف اليهودية واإلسالم‪ ،‬وقبل طرح املوضوع سأضع‬ ‫يف البداية نصوص تحريم لحم الخنزير يف اليهودية‬ ‫واإلسالم‪.‬‬

‫‪4‬‬


‫الخنزير‬ ‫بني الحقيقة والوهم‬ ‫نصوص تحريم لحم الخنزير يف اليهودية واإلسالم‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫يف البداية أود أن أوضح ألولئك الذّين مازالوا يؤمنون أ ّن مح ّم ًدا كان يُوحى إليه من ربه وأنّه كان أ ّم ًيا فكيف له أن يعلم‬ ‫بتحريم لحم الخنزير يف اليهودية‪ ،‬فلهؤالء أقول أ ّن مح ّم ًدا كان طال ًبا مبتدئًا يف الكتاب اليهودي‪-‬الحاخامي‪-‬املدرايش‪-‬‬ ‫شكل ومضمونًا(‪ ،)1‬وبالتّايل‬ ‫لمودي‪-‬التغومي‪-‬التّورايت ولذلك فقد كانت مفاهيمه وآراءه وتصوراته حاخامي ٌة متصحر ٌة ً‬ ‫ّ‬ ‫التّ‬ ‫فحتى أغرب األمور التي مل يكن لها وجو ٌد يف الحجاز وقت ظهور مح ّمد تستطيع أن تجدها يف ال ّديانة اليهودية‪ ،‬اإلصدار‬ ‫الصحراوي‪ ،‬وأستطيع أن أقول أنّه بانتهاء القارئ من هذا البحث سيجد تفس ًريا لكل يش ٍء يتعلق‬ ‫األول لذلك اإلله ال ّرعوي ّ‬ ‫بهذا اللّغز‪ ،‬والذّي مازال املسلمون ينسجون حوله الكثري من الخرافات‪ ،‬ولكن هيهات!‬

‫نصوص تحريم لحم الخنزير يف العهد القديم ‪:‬‬ ‫ِس لَ ُك ْم‪.‬‬ ‫سفر ّ‬ ‫اللويني ‪َ 7 :11‬وال ِْخ ْنزِي َر‪ ،‬ألَنَّ ُه يَشُ ُّق ِظلْفًا َويَق ِْس ُم ُه ِظلْف َْيِ‪ ،‬ل ِك َّن ُه الَ يَ ْج َ ُّت‪ ،‬فَ ُه َو نَج ٌ‬ ‫ِس لَ ُك ْم‪ .‬فَ ِم ْن لَ ْح ِم َها الَ تَأْكُلُوا َو ُجثَثَ َها الَ تَلْ ِم ُسوا‪.‬‬ ‫سفر التّثنية ‪َ 8 :14‬وال ِْخ ْنزِي ُر ألَنَّ ُه يَشُ ُّق الظّل َْف ل ِك َّن ُه الَ يَ ْج َ ُّت فَ ُه َو نَج ٌ‬ ‫وم نَج َِس ٍة‪.‬‬ ‫ِيت ِف الْ َم َدا ِفنِ ‪ .‬يَأْك ُ​ُل لَ ْح َم ال ِْخ ْنزِيرِ‪َ ،‬و ِف آنِ َي ِت ِه َم َر ُق لُ ُح ٍ‬ ‫سفر إشعياء ‪ 4 :65‬يَ ْجلِ ُس ِف الْ ُق ُبورِ‪َ ،‬ويَب ُ‬ ‫ات َو َرا َء َو ِ‬ ‫سفر إشعياء ‪ 17 :66‬الذّي َن يُ َق ِّد ُسو َن َويُطَ ِّه ُرو َن أَنْف َُس ُه ْم ِف الْ َج َّن ِ‬ ‫اح ٍد ِف الْ َو َس ِط‪ ،‬آكِلِ َني لَ ْح َم ال ِْخ ْنزِي ِر َوال ّر ْج َس‬ ‫َوالْ ُج َرذَ‪ ،‬يَ ْف َن ْو َن َم ًعا‪ ،‬يَق ُ‬ ‫ُول ال ّر ُّب‪.‬‬

‫نصوص تحريم أكل لحم الخنزير يف القرآن والحديث ال ّنبوي‪:‬‬ ‫القرآن‬ ‫﴿ق ُْل ال أَ ِج ُد ِف َما أُ ِ‬ ‫وح َي إِ َ َّل ُم َح َّرماً َع َل طَا ِع ٍم يَطْ َع ُم ُه إِال أَ ْن يَكُو َن َم ْيتَ ًة أَ ْو َدماً َم ْسفُوحاً أَ ْو لَ ْح َم ِخ ْنزِي ٍر فَ ِإنَّ ُه ِر ْج ٌس﴾‬ ‫األنعام‪ 145/‬‬ ‫﴿ إمنا حرم عليكم امليتة وال ّدم ولحم الخنزير وما أهل به لغري اللّه فمن اضطر غري باغ وال عاد فال إثم عليه إن اللّه غفور‬ ‫البقرة‪. 173/‬‬ ‫رحيم﴾ ‬

‫اللت والعزى ‪ ،‬نبيل فياض‬ ‫(‪ )1‬مرايث ّ‬

‫‪5‬‬


‫الخنزير‬ ‫بني الحقيقة والوهم‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫‪ ‬الحديث‬ ‫حبيب‪ ‬عن‪ ‬عطا ٍء بن أيب ربا ٍح‪ ‬عن‪ ‬جاب ٍر بن عبد اللّه‪ ‬أنّه سمع رسول‬ ‫‪ ‬حدثنا‪ ‬قتيبة بن سعيد‪ ‬حدثنا‪ ‬ليث‪ ‬عن‪ ‬يزيد بن أيب‬ ‫ٍ‬ ‫اللّه صىل اللّه عليه وسلم يقول عام الفتح وهو‪ ‬مبكة‪ :‬إ ّن اللّه ورسوله ح ّرم بيع الخمر وامليتة والخنزير واألصنام‪ ،‬فقيل‬ ‫السفن‪ ،‬ويدهن بها الجلود‪ ،‬ويستصبح بها ال ّناس‪ ،‬فقال‪ ‬ال هو حرا ٌم‪ ،‬ث ّم‬ ‫يا رسول اللّه أرأيت شحوم امليتة فإنّه يطىل بها ّ‬ ‫قال رسول اللّه صىل اللّه عليه وسلم عند ذلك‪ :‬قاتل‪ ‬اللّه‪ ‬اليهود‪ ‬إ ّن اللّه ع ّز وجل ملّا ح ّرم عليهم شحومها أجملوه‪ ،‬ث ّم‬ ‫باعوه‪ ،‬فأكلوا مثنه‪)2(.‬‬ ‫كراهية الخنزير وأسباب تحرميه‬ ‫أليف وودو ٌد‪ ،‬أحبت‬ ‫ملاذا إلله ٍة معظم ٍة ومبجل ٍة بشكلٍ كبريٍ كإله اليهود "يهوه" وإله اإلسالم "اللّه"؛ أن يزعجهام حيوا ٌن ٌ‬ ‫معظم البرشية مذاق لحمه؟ ستجد العديد من األسباب والتّفسريات‪ ،‬التي قد ت ّم طرحها من الباحثني املؤمنني‪ ،‬الذّين‬ ‫يعتقدون ِب َح ْر ِفي ِة نصوص القرآن والتّوراة‪.‬‬ ‫قبل عرص ال ّنهضة ‪ ،‬كانت أكرث التّفسريات شيو ًعا تلك التي تقول بأ ّن الخنزير هو حيوا ٌن قذ ٌر‪ ،‬بل ويعترب أقذر من‬ ‫الحيوانات األخرى‪ ،‬وذلك ألنّه يتمرغ يف بوله وفضالته‪ ،‬ولكن تظهر املشكلة عند ال ّربط بني قذارة الحيوان الخارجية‬ ‫ٍ‬ ‫تناقضات كثري ٍة‪ .‬فعىل سبيل املثال عند ترك حيوانٍ‬ ‫واالشمئزاز ال ّنابع من املعتقدات ال ّدينية‪ ،‬أل ّن ربطًا كهذا أ ّدى إىل ظهور‬ ‫مثل البقر يف مكانٍ‬ ‫أيضا يتمرغ يف بوله وفضالته‪ ،‬بل إنّك إن قدمت فضالت اإلنسان لبق ٍر جائعٍ ستجده‬ ‫ٍ‬ ‫مغلق ستجده ً‬ ‫يأكله يف استمتا ٍع بالغٍ!‬ ‫الشء من دون أن يكون ذلك سب ًبا يف إثارة اشمئزاز أي ٍ‬ ‫أحد‪،‬‬ ‫وميكنك أن تجد الكالب وال ّدجاج يفعلون نفس ذات ّ‬ ‫أيضا أ ّن الخنازير التي ترىب بالحظائر نظيف ٌة‪ ،‬تكرب لتصبح‬ ‫ويجدر بنا القول بأنّه من املنطقي أن يكون القدماء قد عرفوا ً‬ ‫ٍ‬ ‫أي يش ٍء غري‬ ‫نظيف أو قذ ٍر(‪ .)3‬وبالحديث عن مفهوم ال ّنظافة فإذا ألقينا نظرة عىل املذاهب‬ ‫شديدة الحساسية ضد ّ‬ ‫مثل‪ ،‬والذّي يحوم حول‬ ‫كالضبع ً‬ ‫السحايل‪ ،‬بل إ ّن حيوانًا ّ‬ ‫السنية‪ ،‬فثالثة من األربعة املذاهب كمثال تبيح أكل ّ‬ ‫اإلسالمية ّ‬ ‫لحوم الحيوانات امليتة وال ّنتنة واملتعفنة‪ ،‬ويتغذى عليها‪ ،‬والذّي ال ميكن أن يُوجد حيوا ٌن أكرث اشمئزازًا منه‪ ،‬وبال ّرغم من‬ ‫ذلك أباح املذهبان الشّ افعي والحنبيل أكل لحمه(‪.)4‬‬ ‫(‪ )2‬صحيح مسلم ‪،‬كتاب املساقاة‪ ،‬باب تحريم بيع الخمر وامليتة والخنزير واألصنام (‪)1581‬‬ ‫(‪ )3‬فقرة مرتجمة من فصل ‪ Pig haters and Pig lovers‬لعامل األنرثوبولجيا ‪ Marvin Harris‬لكتابه ‪Pigs ، Cow ، War and Witches : Riddles of the culture، First‬‬ ‫‪Edition‬‬ ‫الصفحات ( ‪Published in the united states 1974 Why Am Not A Muslim ، Ibn Warraq، P.336، Published 1995 by ، ) 36،37،38،39،40،41،42،43‬‬ ‫(‪ّ )4‬‬ ‫‪Prometheus Books‬‬

‫‪6‬‬


‫الخنزير‬ ‫بني الحقيقة والوهم‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫كان أول من الحظ تلك التّناقضات الحرب اليهودي موىس ابن ميمون(‪ )5‬يف بداية عرص ال ّنهضة‪ ،‬وكان ابن ميمون آنذاك‬ ‫مليك لدى ال ّنارص صالح ال ّدين األيويب يف القرن الثّاين عرش يف القاهرة يف مرص‪ ،‬ونحن ندين بالعرفان لهذا‬ ‫يعمل‬ ‫ٍ‬ ‫كطبيب ٍ‬ ‫الحرب كونه صاحب الفضل يف وضع أول "تفسريٍ طبيعاين" لليهود واملسلمني لرفضهم لحم الخنزير‪ .‬فقد قال ابن ميمون‪:‬‬ ‫الصحة العامة "‪ ،‬وبأ ّن لحم الخنزير "له آثا ٌر ضا ّر ٌة ومدمر ٌة عىل‬ ‫"إ ّن اإلله قد حرم لحم الخنزير كوسيل ٍة للحفاظ عىل ّ‬ ‫جسم اإلنسان"‪ .‬لكن مل يكن ابن ميمون دقيقًا يف رشح األسباب الطّبية وراء هذا ال ّرأي‪ ،‬ولك ّنه كان طبيب الحاكم آنذاك‪،‬‬ ‫وبالتّايل كان رأيه مسمو ًعا ومحرت ًما من الجميع‪ .‬ويف منتصف القرن التّاسع عرش عندما ت ّم اكتشاف أ ّن اإلصابة بدودة‬ ‫الـ ‪ Trichinosis‬؛ يرجع سببها إىل أكل لحم الخنزير غري املطبوخ جي ًدا‪ ،‬فقد ت ّم عىل الفور اعتبار ذلك االكتشاف شهاد ًة‬ ‫تصديق عىل ما قاله الحكيم ابن ميمون‪ .‬ابتهج اليهود ذوي االتجاهات اإلصالحية للقوام املنطقي لل ّنصوص التّوراتية‬ ‫ٍ‬ ‫وتخلوا فو ًرا عن ‹الطابو› املتعلق بلحم الخنزير‪ ،‬وقد كانت حجتهم بأنّه إذا ت ّم طبخ لحم الخنزير جي ًدا‪ ،‬فلن يشكل‬ ‫ٍ‬ ‫للصحة العامة‪ ،‬وبالتّايل فإ ّن ذلك لن يكون مجحفًا يف حق اإلله‪.‬‬ ‫أي‬ ‫تهديد ّ‬ ‫عندها لحم الخنزير ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وقد أ ّدت وجهة ال ّنظر تلك إىل إثارة غضب األحبار من ذوي التّوجهات األصولية‪ ،‬وكرد فعلٍ‬ ‫معاكس منهم فقد رفضوا‬ ‫جميع األفكار ذات التّفسري الطّبيعاين‪ ،‬وكان ردهم بأنّه لو مراد "يهوه" من تحريم لحم الخنزير هو املحافظة عىل صحة‬ ‫شعبه وفقط ؛ فإذن كان أحرى به أن يرشدهم ليأكلوا اللّحم املطبوخ جي ًدا بدل من أن يحرم عليهم لحم الخنزير عىل‬ ‫العموم‪ ،‬وبالتّايل فقد ت ّم االتفاق فيام بينهم عىل أ ّن "يهوه" قد ح ّرم لحم الخنزير لسبب آخر غري ما ادعاه "ابن ميمون"‬ ‫الصحة العامة‪.‬‬ ‫بأ ّن سبب التّحريم هو املحافظة عىل ّ‬ ‫باإلضافة للتّناقضات ال ّدينية التي حاولت الوصول إىل تفسري‬ ‫عقالين لتحريم لحم الخنزير‪ ،‬فقد عانت تفسريات ابن ميمون‬ ‫ٍ‬ ‫تناقضات طبي ٍة ووبائي ٍة ‪ ،Epidemiology‬فإذا أخذنا يف‬ ‫أيضا‬ ‫ً‬ ‫ناقل ألمر ٍ‬ ‫اض قد تصيب اإلنسان‬ ‫االعتبار أ ّن لحم الخنزير هو ٌ‬ ‫أيضا عىل كثريٍ من الحيوانات األخرى والتي يتم‬ ‫فذلك يرسي ً‬ ‫استهالكها بشكلٍ اعتيادي من الطّرفني املسلم واليهودي‪ ،‬فعىل‬ ‫سبيل املثال يعترب لحم املاعز غري املطبوخ جي ًدا مصد ًرا للعديد‬ ‫الشيطية‪ ،‬والتي قد يصل طولها يف‬ ‫من الطّفيليات كال ّديدان ّ‬ ‫بعض األحيان الخمسة أو ستة أمتا ٍر داخل أمعاء اإلنسان‪،‬‬ ‫دم حا ٍد‪ ،‬وتجعل الجسم عرض ًة‬ ‫والتي بدورها تؤدي إىل فقر ٍ‬ ‫للكثري من األمراض املعدية األخرى‪.‬‬ ‫(‪ )5‬للمزيد من املعلومات عن هذا الحرب اليهودي ميكنك مراجعة كتاب ابن ميمون لنبيل فياض ‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫الخنزير‬ ‫بني الحقيقة والوهم‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫بكتريي‬ ‫مرض‬ ‫أيضا ً‬ ‫كام تعترب املاعز والخراف ً‬ ‫ناقل رئيس ًيا للبكترييا املسببة ملرض "الحمى املالطية" ‪ ، Brucellosis‬وهو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫معد‪ ،‬ينترش عاد ًة بال ّدول ال ّنامية‪ ،‬ويصاحب هذا املرض أعر ًاضا كالح ّمى ووجعٍ يف املفاصل واألطراف‪ ،‬وتعترب املاعز‬ ‫حامل ألخطر نوع من هذه البكترييا‪ ،‬والتي تدعى ‪ ، Brucellosis melitensis‬وتكمن خطورتها يف تأثريها‬ ‫والخراف ً‬ ‫التكيز‬ ‫املبارش عىل الجهاز العصبي لجسم اإلنسان وبخاصة ال ّدماغ‪ ،‬ويصاحب تلك اإلصابة أعر ٌ‬ ‫اض أخرى كفقدان ّ‬ ‫واالكتئاب واإلجهاد البدين وال ّنفيس‪)6(.‬‬ ‫ناقل له‪ ،‬ولكن يحمل‬ ‫مرض بكتريي ال يعترب الخنزير ً‬ ‫هناك ً‬ ‫أيضا الـ "‪ "Anthrax‬أو ما يعرف بالجمرة الخبيثة‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫مصدره العديد من أنواع املاشية كاملاعز والخراف واألحصنة والبغال ! وعىل ال ّنقيض من الـ ‪ ،Trichinosis‬والتي ناد ًرا‬ ‫ما تؤدي اإلصابة بها إىل أعر ٍ‬ ‫السيع‪ ،‬والذّي تبدأ أعراضه بظهور دمامل تنترش يف‬ ‫اض مميت ٍة فالـ‪ Anthrax‬تسبب املوت ّ‬ ‫السيطرة والقضاء عىل وباء الـ‪ Anthrax‬حتى ت ّم تطوير لقا ٍح‬ ‫جميع أنحاء الجسم‪ ،‬وصولً بها إىل تسمم ال ّدم‪ ،‬ومل يتم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫خاص بهذا املرض عىل يد لويس باستور عام ‪1881‬م‪.‬‬ ‫فيمكن اعتبار فشل "يهوه" يف تحريم االقرتاب من تلك الحيوانات مدم ًرا لتفسريات ابن ميمون‪ ،‬وذلك أل ّن العالقة بني‬ ‫املرض الحيواين املنشأ واإلنسان كانت معروفة يف العصور القدمية‪ ،‬وميكن التّدليل عىل ذلك مبا جاء يف سفر الخروج يف‬ ‫وصف األوبئة التي أرسلها "يهوه" عىل املرصيني‪ ،‬ومنها الـ‪ " :Anthrax‬ليصري غبا ًرا عىل كل أرض مرص‪ .‬فيصري عىل ال ّناس‬ ‫السامء‪،‬‬ ‫وعىل البهائم دمامل طالع ًة ببثور يف كل أرض مرص‪ ،‬فأخذا رماد األتون ووقفا أمام فرعون‪ ،‬وذراه موىس نحو ّ‬ ‫فصار دمامل بثو ٍر طالع ٍة يف ال ّناس ويف البهائم‪ ،‬ومل يستطع الع ّرافون أن يقفوا أمام موىس من أجل ال ّدمامل‪ ،‬أل ّن ال ّدمامل‬ ‫كانت يف العرافني ويف كل املرصيني‪)7(".‬‬ ‫مع ظهور كل تلك التّناقضات األنف ذكرها‪ ،‬هجر معظم علامء ال ّدين املسلمني واليهود أي "تفسري طبيعاين" لرشح‬ ‫أسباب تحريم لحم الخنزير‪ .‬وظهرت بعدها نربة حازت عىل ريض الكثريين وهي أن االمتثال ألوامر اإلله ال يعتمد بالكلية‬ ‫السبب‪.‬‬ ‫عىل رضورة معرفة ما كان يجول بخاطره‪ ،‬بل وال يجب عليهم االستمرار يف البحث ملعرفة ّ‬

‫(‪ )6‬فقرة مرتجمة من فصل ‪ Pig haters and Pig lovers‬لعامل األنرثوبولجيا ‪ Marvin Harris‬لكتابه ‪Pigs ، Cow ، War and Witches : Riddles of the culture، First‬‬ ‫‪Edition‬‬ ‫(‪ )7‬سفر الخروج ‪ ،‬اإلصحاح التّاسع ‪9،10،11 ،‬‬ ‫(‪ )8‬يقصد املؤلف هنا ما حرمته التّوراة من أسامك لليهود وما حرمه القرآن من بعض أنواع اللّحوم للمسلمني كامليتة وغريها ‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫الخنزير‬ ‫بني الحقيقة والوهم‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫استمر علامء األنرثوبولوجيا يف محاولة الوصول لتفسري ٍ‬ ‫ات مقنع ٍة لتحريم لحم الخنزير‪ ،‬ولكن كانت كل محاوالتهم‬ ‫السري جيمس فريز‬ ‫تصل بهم إىل‬ ‫ٍ‬ ‫طريق مسدو ٍد‪ .‬كان من أشهر تلك التّفسريات هو ما قاله عامل األنرثوبولوجيا الشّ هري ّ‬ ‫قائل " إ ّن كل الحيوانات التي ميكن القول بأنّها قذر ٌة كانت يف األساس‬ ‫واملعروف بكتابه "الغصن الذّهبي"‪ ،‬حيث رصح ً‬ ‫ٍ‬ ‫حيوانات مقدس ًة " وبالتّايل فيمكن اعتبار أ ّن عدم تناول لحوم تلك الحيوانات فالسبب يعود لكونه قديس إلهي‪ .‬ولكن‬ ‫لألسف ميكن اعتبار تفسريات ابن ميمون اقرب وأكرث منطقي ًة من تفسري العامل املوقر فريرز‪ ،‬وذلك ألنّه بالحديث عن‬ ‫الشق‬ ‫الحيوانات املقدسة ميكن القول بأنّه حتى الخراف واملاعز واألبقار متت عبادتها واعتبارها مقدس ًة يف منطقة ّ‬ ‫األسط‪ ،‬ويف نفس الوقت كانت لحومها مستخدم ًة‪ ،‬ويتم استهالكها من مختلف األعراق واألديان يف تلك املنطقة‪ ،‬وبوجه‬ ‫الخصوص فقد ت ّم عبادة العجل الذّهبي من قبل اليهود يف جبل سيناء فكان من األوىل ليهوه تحريم لحوم األبقار إذا ما‬ ‫"السري فريزر"! وبالتّايل تظهر عدم منطقية تفسرياته يف ذلك الطّرح‪.‬‬ ‫أردنا تطبيق منطق ّ‬ ‫وقد ت ّم طرح تفسريات أخرى من قبل باحثني آخرين تقول بأ ّن الخنازير باإلضافة للحيوانات األخرى التي ت ّم تحرميها‬ ‫يف التّوارة والقرآن(‪ ،)8‬كانت يف األساس ‹طوطم وثني› لبعض العشائر والقبائل املختلفة‪.‬‬ ‫ونعم قد يكون األمر كذلك ولكنه حدث يف نقط ٍة بعيد ٍة يف تاريخ البرشية‪ ،‬وإذا أخذنا يف االعتبار هذا االحتامل فيجب‬ ‫أيضا أن يكون قد ت ّم استخدامها‬ ‫أيضا أن نأخذ يف االعتبار الحيوانات "ال ّنظيفة" كالخراف واملاعز‪ ،‬والتي من املمكن ً‬ ‫علينا ً‬ ‫ٍ‬ ‫لحيوانات ال‬ ‫‹كطوطم وثني›‪ ،‬وعىل ال ّنقيض من هذا الطّرح املتعلق بالطّوطمية ميكن القول بأ ّن الطوطم عادة ما يكون‬ ‫يتم أكلها أو استخدام لحومها‪ .‬وميكن التّدليل عىل ذلك بأ ّن أغلب الطّوطميات املستخدمة من قبل القبائل البدائية يف‬ ‫ٍ‬ ‫حيوانات عدمية الفائدة كالغربان والعصافري‪ ،‬ويف بعض األحيان كانت الطّوطميات عىل‬ ‫اسرتاليا وأفريقيا كانت عبارة عن‬ ‫شكل حرش ٍ‬ ‫والصخور‪ .‬باإلضافة إىل‬ ‫كالسحاب ّ‬ ‫ات كال ّنمل وال ّناموس‪ ،‬بل ويف بعض األحيان كانت تعرب عن أشكا ٍل غري حية ّ‬ ‫ذلك ميكن القول أنّه حتى للحيوانات التي كانت ذات منفع ٍة والتي ت ّم استخدامها كطوطم‪ ،‬مل تتواجد قاعد ًة ثابت ًة تلزم‬ ‫البرش املستخدمني لها باالمتناع عن أكلها‪ .‬وبالتّايل فإذا أردنا املقارنة بني تفسريات ًالسري جيمس فريز ًر وتفسريات ابن‬ ‫ميمون فأجدين أفضل منهج ابن ميمون يف التّفسري‪ ،‬فعىل األقل حاول الحرب اليهودي أن يفهم التّحريم بوضعه يف إطا ٍر‬ ‫للصحة واملرض حيث ميكن لقوى الطّبيعة بأن تعمل بشكلٍ‬ ‫اعتيادي‪ .‬وكام أسلفنا الذّكر فقد كانت مشكلة ابن‬ ‫ٍ‬ ‫طبيعاين ّ‬ ‫ميمون الوحيدة يف تفسرياته أ ّن وجهة نظره املتعلقة بالخنزير كانت مقيد ًة بنظر ٍة ِطبي ٍة ضيق ٍة مبا يتعلق بعلم األمراض‬ ‫التي تصيب اإلنسان‪)9(.‬‬

‫(‪ )9‬فقرات مرتجمة من فصل ‪ Pig haters and Pig lovers‬لعامل األنرثوبولجيا ‪ Marvin Harris‬لكتابه ‪Pigs ، Cow ، War and Witches : Riddles of the culture، First‬‬ ‫‪Edition‬‬

‫‪9‬‬


‫الخنزير‬ ‫بني الحقيقة والوهم‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫حل‬ ‫بعدما طرحنا أغلب ال ّنظريات ونقدها لِلغز املتعلق بتحريم لحم الخنزير‪ ،‬فأنا أرى أنّه يجب علينا إذا أردنا أن نجد ً‬ ‫للصحة العامة‪ ،‬تعريفًا يتضمن العمليات الحيوية والتي كانت تضمن التّعايش بني‬ ‫له أن نتبنى تعريفًا أوسع وأعمق ّ‬ ‫البرش والحيوانات وال ّنباتات يف بيئ ٍة ومجتمعٍ قابلٍ لل ّنمو والحياة بشكلٍ‬ ‫طبيعي‪ .‬وأنا أعتقد أن التّوراة والقرآن قد حرمتا‬ ‫ٍ‬ ‫السطور‬ ‫لحم الخنزير أل ّن تربيته كانت تشكل خط ًرا عىل سالمة املجتمع وال ّنظم البيئية الطّبيعية يف ّ‬ ‫الشق األوسط‪ ،‬ويف ّ‬ ‫القادمة رشح مفصل لتلك ال ّنظرية‪.‬‬ ‫يف البداية يجب علينا األخذ يف االعتبار حقيقة أ ّن يهود ما قبل التّاريخ(‪ )10‬يف بداية األلفية الثّانية قبل امليالد كانوا قد‬ ‫بالسكان‪ ،‬ومتركزت بني وديان األنهار يف بالد ما بني ال ّنهرين‬ ‫تكيفوا مع حيا ٍة قاسي ٍة‪ ،‬يف أماكن قاحل ٍة ووعر ٍة غري مأهول ٍة ّ‬ ‫ومرص‪ .‬واستمروا عىل هذا املنوال كرعا ٍة رحلٍ حتى انتصارهم يف نهر األردن يف فلسطني يف بداية القرن الثّالثّ عرش قبل‬ ‫رعوي فلقد‬ ‫يل عىل تربية املاشية من الغنم واملاعز‪ ،‬وكطبيعة أي ٍ‬ ‫شعب ٍ‬ ‫امليالد‪ ،‬وكانت معيشتهم حينها تعتمد بشكلٍ ك ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عالقات وثيق ٍة مع املزارعني املقيمني يف أماكن كالواحات ومجاري األنهار الكبرية‪ ،‬ومع الوقت تطورت تلك‬ ‫حافظوا عىل‬ ‫العالقات إىل شكلٍ أكرث ثبوت ًا وأصبحت حياتهم زراعي ًة أكرث منها رعوي ًة‪ .‬وميكن القول أ ّن هذا ال ّنوع من العالقات ت ّم‬ ‫الحفاظ عليه من أحفاد إبراهيم‪ ،‬وأتباع يوسف يف مرص وأتباع إسحاق يف ال ّنقب الغريب‪ ،‬بل وبال ّرغم من وصول تلك‬ ‫الشّ عوب إىل حال ٍة واضح ٍة من التّحرض والعيش بشكلٍ مستق ٍر يف قرى تحت حكم امللك داوود وامللك سليامن‪ّ ،‬إل أن‬ ‫تربية املاشية من ماع ٍز وخر ٍ‬ ‫اف استمرت كواحد ٍة من أهم ال ّنشاطات االقتصادية لتلك الشّ عوب‪.‬‬ ‫بال ّرغم من هذا ال ّنمط الزراعي ال ّرعوي املعقد‪ ،‬جاء التّحريم اإللهي للحم الخنزير كإسرتاتيجي ٍة بيئي ٍة سليم ٍة ‪ ،‬فلم‬ ‫يستطع اليهود البدو أن يقوموا برتبية الخنازير يف بيئتهم الوعرة والقاحلة‪ ،‬بل ويف البيئات التي كانت تختلط فيها‬ ‫حياتهم ال ّرعوية بالزراعية‪ ،‬حيث كانت تربية الخنازير تشكل تهدي ًدا حقيقيًا مقارن ًة مبا ميكن أن تعود به كفائد ٍة عليهم‬ ‫مناطق ال تحتوي عىل أشجارٍ‪ ،‬وتعترب مناخ ًيا قاحل ًة‬ ‫السبب ال ّرئييس لهذا التّهديد أ ّن تلك املناطق ت ُعرف بكونها‬ ‫ٌ‬ ‫‪ .‬ويعود ّ‬ ‫ج ًدا‪ ،‬وغري ممطر ٍة‪ ،‬وبالتّايل ال ميكن بسهولة ريّها وسقيها والحفاظ عىل مخزونها الشّ جري‪ ،‬والذّي ال ميكن مقارنته ببيئ ٍة‬ ‫زراعي ٍة ممطر ٍة بالطّبع‪)11(.‬‬ ‫الحيوانات التي تستطيع أن تتأقلم يف تلك البيئة تسمى الحيوانات املجرتة ‪ ، Ruminants‬ويقع تحت تصنيف تلك‬ ‫الحيوانات املاعز والخراف‪ ،‬وتتميز هذا الحيوانات باحتواء أجسامها عىل معد ٍة تستطيع أن تهضم األعشاب وورق‬ ‫السيليلوز ‪ ،Cellulose‬وبالتّايل تستطيع أن تتأقلم أكرث من غريها يف بيئ ٍة‬ ‫الشّ جر وجميع أشكال ال ّنباتات التي تحتوي عىل ّ‬ ‫(‪ )10‬قصد هنا املؤلف اليهود الذّين عارصو إبراهيم وذلك لقدم تلك الشّ خصية يف التّاريخ وعدم العثور عىل أي دليل يثبت تاريخية تلك الشّ خصية واملصطلح املستخدم هنا هو‬ ‫‪.Protohistoric‬‬ ‫(‪ )11‬فقرة مرتجمة من فصل ‪ Pig haters and Pig lovers‬لعامل األنرثوبولجيا ‪ Marvin Harris‬لكتابه ‪Pigs ، Cow ، War and Witches : Riddles of the culture، First‬‬ ‫‪Edition‬‬

‫‪10‬‬


‫الخنزير‬ ‫بني الحقيقة والوهم‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫رعوية مثل هذه‪ .‬ولكن عىل العكس متا ًما‪ ،‬يعترب الخنزير حيوانًا مهيأ للعيش يف الغابات وعىل ضفاف األنهار ذات الظّالل‬ ‫طعام ميكنه االستفادة منه هو الذّي يحتوي‬ ‫والحرارة املعتدلة‪ ،‬وعىل ال ّرغم من أ ّن الخنزير حيوا ٌن نبا ٌيت ولكن أفضل ٍ‬ ‫السليلوز‪ ،‬كالفواكه والجوز والحبوب‪ ،‬وال ميكنها العيش عىل األعشاب فقط‪ ،‬وكام أ ّن الخنازير ال‬ ‫عىل نسب ٍة قليلة من ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مسافات‬ ‫تعترب مصد ًرا عمل ًيا للحصول عىل الحليب‪ ،‬وبالنسبة لرتبيتها لها سمع ٌة سيئ ٌة حيث يصعب تربيتها عىل امتداد‬ ‫السالف ذكرها‪.‬‬ ‫طويل ٍة‪ ،‬وبالتّايل ميكن اعتبارها ً‬ ‫خصم حقيق ًيا لإلنسان يف البيئات ال ّرعوية ّ‬ ‫وفوق كل ما سبق ذكره تعترب الخنازير غري قابل ٍة للتأقلم حراريًا مع املناخ الحار والجاف كمناطق ال ّنقب الغريب ووادي‬ ‫األردن واملناطق األخرى املذكورة يف التّوراة والقرآن‪ ،‬ولقد ت ّم إثبات أ ّن الخنازير ال ميكنها التّعرق مقارن ًة بنا نحن‬ ‫البرش‪ ،‬فيعترب اإلنسان أكرث الفصائل الحيوانية القابلة للتّعرق‪ ،‬حيث يستطيع أن يخفض درجة حرارة جسمه بتبخري ما‬ ‫الساعة الواحدة لكل مرتٍ مربعٍ من سطح جسمه‪ ،‬وإذا أخضعنا الخنزير للمقارنة سنجد‬ ‫يعادل ألف جرام من املاء يف ّ‬ ‫أنّه يستطيع فقط أن يبخر ثالثون جرا ًما يف كل مرتٍ مربعٍ‪ ،‬بل إ ّن املاعز والخراف تستطيع أن تبخر ضعف ما يستطيع‬ ‫ٍ‬ ‫الخنزير تبخريه‪ ،‬وطب ًعا ميكن القول بأ ّن املاعز والخراف لهم ميز ٌة متفوقة عن الخنزير‪ ،‬وذلك بوجود ٍ‬ ‫سميك‬ ‫صوف أبيض‬ ‫اري عندما ترتفع درجة حرارة الجو فوق املعدل الطّبيعي للجسم‪ ،‬وبحسب‬ ‫يعكس أشعة الشّ مس ويعمل كعاز ٍل حر ٍ‬ ‫رش ألشعة الشّ مس‬ ‫دراس ٍة أجريت حديثا(‪ ،)12‬ت ّم فيها إثبات أ ّن الخنازير ال ّناضجة سوف متوت إذا تعرضت بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫املبارشة يف درجة حرار ٍة فوق ‪ 37‬درج ٍة مئوي ٍة‪ ،‬والجدير بالذّكر أ ّن درجة حرارة وادي األردن تصل إىل ‪ 43‬درج ٍة مئوي ٍة‬ ‫ٌ‬ ‫معروف بسطوع الشّ مس عىل مدار العام‪ .‬ومن أجل أن يستطيع الخنزير‬ ‫الصيف‪ ،‬كام أ ّن ُج ّو تلك املناطق‬ ‫يف فصل ّ‬ ‫التّعويض عن عدم وجود شع ٍر يحميه أو تعرقٍ يخفف من وطأة درجات الحرارة املرتفعة‪ ،‬فكان عليه أن يُ َن ِقع جلده يف‬ ‫ٍ‬ ‫ونظيف‪ ،‬ولكنه سيتمرغ يف‬ ‫رطب‬ ‫مصد ٍر يعطيه رطوب ًة خارجي ًة‪ ،‬وبالتّايل كان يُفضل أن يفعل ذلك بأ ْن يتمرغ يف ط ٍني ٍ‬ ‫بوله وفضالته إذا مل يجد شيئًا آخر‪.‬‬

‫(‪ L.E Mount of the Agricultural Research Council Institute of Animal Physiology in Cambridge ، England )12‬مصدر املؤلف ‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫الخنزير‬ ‫بني الحقيقة والوهم‬

‫‪Adam Ismaiel‬‬

‫و ميكننا القول بأ ّن حظائر الخنازير التي تكون فيها درجة الحرارة قرابة الـ‪ 28‬درج ًة مئوي ًة‪ ،‬تتخلص فيها الخنازير من‬ ‫فضالتها بعي ًدا عن أماكن أكلها ونومها‪ ،‬ولكن يف املناطق التي تكون فيها درجات الحرارة أعىل من ذلك ستصبح الخنازير‬ ‫غري مكرتث ٍة ألماكن رمي فضالتها‪ ،‬بل وتصبح كل الحظرية مكانًا للتّخلص من الفضالت‪ ،‬وبالتّايل كل ما زادت درجات‬ ‫بعض من الحقيقة يف نظرة األديان لعدم‬ ‫كلم أصبح الخنزير أكرث "قذار ٍة"‪ ،‬وهنا نستطيع أن نقول أنّه يوجد ٌ‬ ‫الحرارة ّ‬ ‫نظافة الخنزير الخارجية‪ ،‬ولكن هذه ليست من طبيعة الخنزير أن يكون متس ًخا عىل طول الخط‪ ،‬ولك ّنها طبيعة الج ّو‬ ‫الشق األوسط‪ ،‬والتي جعلت من فضالت الخنزير مالذًا له ليستطيع أن ينجو ويعيش‪)13(.‬‬ ‫الحا ّر وطبيعة ّ‬

‫خامتة ‪:‬‬ ‫الشق األدىن القديم‪ ،‬دامئا ما تصل بنا إىل‬ ‫يف نهاية هذا املقال املرتجم؛ ميكننا القول بأ ّن ال ّنظرة التّحليلية املادية لحضارات ّ‬ ‫ٍ‬ ‫إجابات منطقي ٍة عقالني ٍة بعي ًدا عن الخرافات واألساطري والتّفسريات غري املعقولة املستندة عىل ق ًوى غيبي ٍة غري ملموس ٍة‪،‬‬ ‫السعي والتّفكري‪ ،‬وها‬ ‫سبب ٌ‬ ‫مادي طبيعا ٌين ميكن التّوصل إليه بقليل من ّ‬ ‫وميكننا القول بأ ّن وراء كل فعل يفعله البرش ٌ‬ ‫قد رأينا كيف أ ّن حيوانًا مثل الخنزير كان عبئًا عىل اليهود وبيئتهم ال ّرعوية ف ُحرموا أكله‪ ،‬وتبعهم مح ّمد مؤسس اإلسالم‬ ‫طالب مبتدئٍ يف مدرستهم العريقة واملتجذرة قد ًما يف التّاريخ‪.‬‬ ‫ألنّه مل يكن غري ٍ‬ ‫(‪ )13‬فقرات مرتجمة من فصل ‪ Pig haters and Pig lovers‬لعامل األنرثوبولجيا ‪ Marvin Harris‬لكتابه ‪Pigs ، Cow ، War and Witches : Riddles of the culture، First‬‬ ‫‪Edition‬‬ ‫‪Cow ، War and Witches : Riddles of the culture، First Edition ،‬‬

‫َويَ ْسأَلُونَ َك َع ِن اإلحلْاد ُق ِل اإلحلْاد‬ ‫ُ‬ ‫مِ ْن أَ ْم ِر َع ْقلي َومَا أوتِيتُم مِّن العَق ِل‬ ‫إِالَّ قَلِيالً‪.‬‬ ‫صفحة العقل دين عىل الفيسبوك‬ ‫العقل‪-‬دين‪https://www.facebook.com/pages/1493190700962749/‬‬

‫‪12‬‬


‫الغراب الحكيم‬

‫حجاب‬ ‫نقاب‬ ‫بكني‬ ‫محاججة لصالح تقليل االحتشام يف املجتمع‬ ‫وفوائده االجتامعية‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫حجاب‪ -‬نقاب‪ -‬بكني‬ ‫الغراب احلكيم‬

‫ٌ‬ ‫مرفوض إجتامعيًا‪ ،‬له عالق ٌة وطيد ٌة بالجغرافيا والتاريخ والتطور الثقايف‬ ‫مقبول وما هو‬ ‫القيم االجتامعية وما هو‬ ‫ٌ‬ ‫واالجتامعي واإلنساين ‪ .‬ففي حني يحتدم النقاش يف الواليات املتحدة عن حقوق املثليني بالزواج‪ ،‬والتي بدأت متيل كفة‬ ‫امليزان إىل جهتها؛ ما تزال قيادة املرأة للسيارة أو خروجها من البيت دون “و ّيل أمر “ حتى لو كان ول ًدا صغ ًريا أم ًرا غري‬ ‫قابلٍ للنقاش يف السعودية‪.‬‬ ‫القيم والعادات التي تطورت ومنت عرب الزمن واألحداث السياسية والثقافية والقضايا االجتامعية يف أماكن مختلف ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫كقيم أخالقي ٍة تؤثر عىل حياة الناس بشكلٍ‬ ‫ملموس يف املجتمعات املختلفة ٍ‬ ‫ومبقادير مختلفة ج ًدا‪ ،‬تنعكس كواقعٍ‬ ‫جوهري‪ .‬فاالختالف هنا ليس فقط يف ك ّم ومحتوى القيم األخالقية‪ ،‬بل مبا تنتجه هذه القيم والثقافات من قيم ٍة لإلنسان‬ ‫ومراعا ٍة لحقوقه وحياته وحريته‪.‬‬ ‫والحشمة يف املجتمعات املختلفة ليست بح ّد ذاتها قيم ًة بقدر ما هي نتيج ٌة الختالف قيمة هذا اإلنسان وقيمة حريته‬ ‫وإنسانيته‪.‬‬ ‫قد يقول املؤمنون أ ّن الحشمة بح ّد ذاتها قيم ٌة أخالقي ٌة‪ ،‬وأ ّن‬ ‫مصدرها ساموي‪ .‬ولكن هي ليست كذلك ألنها إن أثرت عىل‬ ‫املجتمع يكون تأثريها سلب ًيا عىل جميع األصعدة ابتدا ًء باألمنية‬ ‫وليس انتها ًء بقيمة اإلنسان وحريته‪.‬‬ ‫أولً وقبل كل يشء‪ ،‬علينا فهم ما هي الحشمة‪ ..‬وما هي األصول‬ ‫الحقيقية لها‬ ‫حي من الفقاريات الثديية الذي مل ِ‬ ‫ميض الكثري‬ ‫اإلنسان كائ ٌن ٌّ‬ ‫من الوقت منذ أن خرج من األدغال وابتكر الحضارة والتمدن‪.‬‬ ‫وعلينا أن ندرك أنه ال يزال بالنهاية “ قرد “ من الرئيسيات‬ ‫تطوري‪ ،‬باإلضافة للنظرة‬ ‫بيولوجي‬ ‫وعلينا أن نفهمه يف إطا ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫السيسولوجية ليك تكتمل لدينا الصورة‪.‬‬ ‫ظهور الحشمة كان نتيج ًة الرتفاع عدد األفراد يف املجموعة‬ ‫البرشية‪ ،‬حيث أنه رمبا أىت بداي ًة عىل سبيل املصادفة من خالل‬ ‫‪14‬‬


‫حجاب‪ -‬نقاب‪ -‬بكني‬ ‫الغراب احلكيم‬

‫استعامل اإلنسان للجلود طل ًبا للدفء من الربد عىل جسمه العاري‪ ،‬ولكن ما أن بدأ اإلنسان يرتدي الثياب حتى ظهر‬ ‫لهذه الصفة ٌ‬ ‫مجال جدي ٌد وواس ٌع من املحاسن والسيئات الفردية واالجتامعية‪.‬‬ ‫دليل عىل التميز الطبقي واالقتصادي‪،‬‬ ‫فهي بعد أن كانت وسيل ًة التقاء الربد؛ بدأت تأخذ بع ًدا اجتامعيًا من حيث اعتبارها ً‬ ‫عدل ونو ًعا من املساواة بني‬ ‫كام أ ّن تغطية الجسم أدى إلخفاء الصفات الجنسية األقل رغب ًة معط ًيا بذالك فرص ًة أكرث ً‬ ‫يخص التكاثر‪ .‬ورمبا أدى لبدء االختفاء التدريجي لالصطفاء الجنيس للجنس البرشي‪ ،‬الذي‬ ‫أفراد الجنس يف املجموعة مبا ّ‬ ‫حجم للقضب الذكري بني كل أوالد عمومتنا الذين ننتمي وإياهم لنفس الفصيلة‪ .‬كام أعطى األنثى ذالك‬ ‫أعطانا أكرب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أرداف وأثدا ٍء‬ ‫التاميز الكبري يف الشكل عن الذكر بني‬ ‫حيث أنه أثناء عدم وجود الثياب والحشمة كانت الصفات الجنسية ظاهر ًة بني األفراد‪ ،‬وكان التنافس يحدث للحصول‬ ‫عىل األجمل واألكرث جاذبي ًة جنسي ًة‪ ،‬سوا ٌء كان املتنافس ذك ًرا أم أنثى‪ .‬وهذا ترك األفراد ذوي الصفات الجنسية األقل‬ ‫ٍ‬ ‫دون ٍ‬ ‫صفات‬ ‫غي الحوض الجيني باتجاه‬ ‫فرص جيد ٍة للتكاثر‪ ،‬وهذا كان املح ّرك والضغط التطوري أو سباق التسلح الذي ّ‬ ‫جنسي ٍة أكرث‪.‬‬ ‫باقي أبناء عمومتنا من الثدييات ال يوجد لديها هذا القدر من‬ ‫التباين الكبري بني الذكر واألنثى وال هذا القدر من املبالغة يف‬ ‫الصفات الجنسية املوجود يف اإلنسان‪ .‬والثياب أو الحشمة هي التي‬ ‫قضت عىل هذا التنافس‪ ،‬حيث أخفت االختالف بني األناث‪ ،‬كام‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫أخفت الفروقات بني الذكور ً‬ ‫هذا مل يكن مناس ًبا لألفراد‪ ،‬حيث أدى هذا للكثري من املشاكل‬ ‫عندما يكتشف الفرد أن رشيكه ال ميتلك تحت ثيابه ما يتوقعه من‬ ‫ٍ‬ ‫صفات جنسي ٍة جاذبة‪.‬‬ ‫هنا كان مولد فن األزياء‪ ،‬ففي حني مل يعد من املمكن االستغناء عن‬ ‫الثياب‪ ،‬أصبح اإلنسان يعمل عىل تحوير وتغيري الثياب مبا يسمح‬ ‫بإظهار املفاتن الجنسية التي تؤثر يف الطرف اآلخر‪ ،‬حتى لو مل‬ ‫ميتلكها الفرد‪.‬‬ ‫الثياب تخفي األثداء الصغرية أو عظام الصدر الظاهرة عىل جسم‬ ‫ٍ‬ ‫ضعف‪ .‬وهنا بدأ اإلنسان مبحاولة تعويض‬ ‫الرجل والتي هي دليل‬ ‫هذا النقص يف اإلعالن عن صفاته عن طريق ابتكار األزياء‬ ‫‪15‬‬


‫حجاب‪ -‬نقاب‪ -‬بكني‬ ‫الغراب احلكيم‬

‫بالنهاية التطور ال يعود إىل البداية ويحاول من جديد؛ بل يبني عىل ما هو موجو ٌد ويع ّدل عليه‪.‬‬ ‫اآلن بعد ظهور املالبس والحشمة التي منحت نو ًعا من العدالة الجنسية بني األفراد الذين ال يتساوون بجاذبيتهم‬ ‫مجال جدي ًدا للتنافس عن طريق إظهار املفاتن الجاذبة من خالل الثياب‪،‬‬ ‫الجنسية‪ ،‬وابتكار اإلنسان لألزياء التي كانت ً‬ ‫قوي يف املجتمعات‪ ،‬وهي ما سأتكلم عنه اآلن‪ ،‬الدماغ البرشي هو‬ ‫بدأت صف ٌة برشي ٌة دماغي ٌة بالعمل والظهور بشكلٍ ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫بيانات من العامل‬ ‫آل ٌة معقد ٌة ج ًدا للبحث وإدراك القوالب واألمناط يف البيئة‪ ،‬الدماغ البرشي يعمل من خالل اكتساب‬ ‫املوجود حوله عن طريق الحواس ومن ثم بناء صور ٍة عقلي ٍة لهذا العامل‪ ،‬يف داخله يتعامل مع العامل الخارجي من خاللها‪.‬‬ ‫ولكن هذه اآللية ليست دقيق ًة كام أ ّن حواسنا ليست ذات فاعلي ٍة كبري ٍة يف رصد العامل من حولنا‪ .‬وبالخالصة هذه اآللية‬ ‫وإن كانت أفضل املوجود وهي التي ساعدتنا يف الوصول إىل ما نحن عليه اليوم‪ ،‬تبقى عرض ًة للخطأ والزلل‪ ،‬وأكرث األمثلة‬ ‫وضو ًحا هو عثورنا عىل ٍ‬ ‫وقوالب حولنا ليست موجود ًة يف الواقع فيام يُعرف بظاهرة البارادوليا‬ ‫أمناط‬ ‫ٍ‬

‫“‪ ”pareidolia‬وهي بحسب تعريف ويكيبيديا الباريدوليا‬ ‫مهم‪ .‬مثل تخيل صو ٍر للحيوانات يف‬ ‫أي مؤث ٍر عشوا ٍّيئ ٍ‬ ‫مبهم قد يكون ً‬ ‫تتضمن هذه الظاهرة النفسية االعتقاد بأ ّن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أصوات خفي ٍة يف التسجيالت عند تشغيلها عكس ًيا‪ .‬البارادوليا هي‬ ‫السحاب‪ ،‬أو رؤية وجه رجلٍ يف سطح القمر‪ ،‬أو سامع‬ ‫قدرتنا عىل رؤية الوجوه البرشية يف األشياء‪ .‬مجرد نقطتني متباعدتني وخطني كافيني ليك يخدعا الدماغ وإقناعه أنه ينظر‬ ‫إىل وج ٍه برشي ‪ .‬وهذه الظاهرة النفسية كانت املصدر األول لقصص الجن والعفاريت واألشباح وغريها من األمورالخارقة‬ ‫ٍ‬ ‫صفات برشية‪.‬‬ ‫للطبيعة التي تحمل‬ ‫هي باختصار خطأٌ ناج ٌم عن أ ّن آل ّية البحث وإدراك األمناط والقوالب يف الدماغ ليست دقيق ًة مبا يكفي‪ ،‬وتقوم بإدراك‬ ‫ما هو غري موجو ٍد متا ًما كام تدرك ما هو موجود‪.‬‬ ‫‪16‬‬


‫حجاب‪ -‬نقاب‪ -‬بكني‬ ‫الغراب احلكيم‬

‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫خطوط مرسوم ٍة بشكلٍ ذيكٍّ‪ ،‬تستطيع جعل‬ ‫مثال آخر عىل ضعف وعدم دقة إدراكنا هو الخداع البرصية‪ ،‬مجرد بضع‬ ‫الدماغ عاج ًزا عن اإلدراك والتخبط واملعاناة يف محاولة مطابقة ما تستقبله حواسه مع صورة العامل والقوالب الجاهزة‬ ‫املوجودة يف مكتسباته‪.‬‬ ‫ولكن ما عالقة هذه الطبيعة الضعيفة للدماغ مبوضوع الحشمة ؟‬ ‫عندما تحتشم املرأة وتغطي جسمها فإن دماغ الرجل عندما ينظر إليها يبدأ تلقائ ًيا وبشكلٍ غري وا ٍع مبطابقة ما ال‬ ‫ٍ‬ ‫مكتسبات‬ ‫تستطيع حواسه استقباله من الشكل الحقيقي لجسد املرأة مع الصور والقوالب املوجودة يف عقل الرجل من‬ ‫ٍ‬ ‫ومعارف حول جسد املرأة؛ وبهذا يدرك الدماغ جسم املرأة املغطى بشكلٍ مثا ٍّيل أفضل بكثريمام هو واقعي‪.‬‬ ‫أي أ ّن الحشمة الزائدة تؤدي إىل زيادة االنجذاب الجنيس الخادع‬ ‫وكلام بالغنا بالحشمة كلام قام الدماغ مبلئ الفراغات مبا هو موجو ٌد لديه من قوالب وصور عن الجسد‪،‬‬ ‫وهذا يفرس ملاذا يجد الكثريون أ ّن املرأة التي تبالغ يف الحشمة وتغطية جسدها أكرث جاذبي ًة‪ ،‬ألنهم عمل ًيا يقيمونها‬ ‫ليس من خالل صفاتها بل من خالل الصفات املثالية للمرأة واملوجودة يف مكتسباتهم‪ ،‬والتي غال ًبا ال متتلكها هذه املرأة‪.‬‬ ‫وملاذا املرأة العارية متا ًما ليست مغري ًة بقدر امرأ ٍة ترتدي القليل من الثياب‬ ‫مثل ال تعاين من مشكالت ٍ‬ ‫جنيس أو اغتصاب‪،‬‬ ‫شبق‬ ‫مجتمعات العراة يف أوروبا ً‬ ‫تحرش أو ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ألنهم عندما ينظرون إىل بعضهم يرون الواقع بسيئاته وحسناته‪ ،‬وهو أقل جاذبي ًة وتأث ًريا من الصورة املثالية لآلخر‬ ‫املوجودة يف مكتسباتهم‪.‬‬ ‫عكيس حيث أ ّن املجتمعات التي تبالغ يف االحتشام والعزل وتغطية األنثى تعاين‬ ‫يبدو يل واض ًحا أ ّن أثر االحتشام هو أث ٌر‬ ‫ٌّ‬ ‫من أكرب قد ٍر من الشبق والهوس الجنيس وبالتايل نسب أعىل من التحرش واالغتصاب‪.‬‬ ‫مثل؟ ال طب ًعا‪ ،‬أحاول فهم أثر الحشمة عىل األفراد يف الثقافات املختلفة التي‬ ‫هل معنى ذلك أنني أدعو للتعري التام ً‬ ‫لديها مفاهيم مختلفة عن االحتشام والفرق بينها واآلثار املرتتبة عىل املبالغة يف العزل البرصي لآلخر‪ ،‬حيث أنك عندما‬ ‫تعزل اآلخر متا ًما عن حواسك فإنك عندها ال تراه عىل حقيقته بل تراه عىل حقيقتك أنت‪.‬‬ ‫ماذا يحدث لو أننا بدأنا بالفعل بتقليل االحتشام؟ أولً ستختفي كل املشاكل األمنية املرتتبة عىل تغطية الوجه‪ . ،‬ومن‬ ‫ثم سيبدأ املجتمع بتق ّبل االحتشام األقل واعتباره أم ًرا عاديًا‬ ‫وطبعا أنا أعني توازنًا يف االحتشام موجو ٌد يف الكثري من الدول واملجتمعات املتقدمة يف مسألة حقوق املرأة ومساواتها‬ ‫بالرجل‪.‬‬ ‫هذا سيجعل الرجل الذي يخاطب امرأ ًة يخاطبها ذاتها وليس صورتها املثالية الجنسية املوجودة يف مكتسباته‪ .‬هذا‬ ‫تعامل مع أي إنسانٍ آخر وليس مع وعاء تفريغ شهو ٍة أو أدا ٍة‬ ‫ً‬ ‫سريفع من قيمة املرأة كإنسانٍ ويصبح التعامل معها‬ ‫للتكاثر‪.‬‬ ‫‪17‬‬


facebook group :https://www.facebook.com/groups/358777197583418 Blog :

https://www.aamagazine.blogspot.com

facebokPage :

https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299

18


‫الدين وااللحاد‪:‬‬

‫القول الفصل‬

‫هادي بن رمضان‬

‫بني العنف والقتل‬

‫يف هذا املقال‪ ،‬نفكّك موضو ًعا شائكًا معق ًدا‪ ،‬هو القتل بني الدين واألصولية وبني اإللحاد واملذاهب املادية ألعرضهام يف‬ ‫مقارن ٍة تكشف من املُه ِّدد األكرث عنفًا ورشاسة لإلنسان‪ ،‬إن كان القتل من وجهة نظ ٍر مادية‪ ،‬أم القتل من وجهة نظ ٍر‬ ‫دينية‪ .‬وأحاول عرض هذا املوضوع من كل جوانبه للر ّد عىل املتدينني الذين وقفوا حائرين أمام رفض واستنكار اإلرهاب‬ ‫الديني الذي يرضب اليوم كل العامل بال هوادة‪ ،‬وقد تحول ذلك إىل سك ٍني حادة يُطعن بها الدين والفكر الديني يف‬ ‫عمق وصلب عقيدته فأراد األصوليون وامل ّربرون للقتل العقائدي التملّص من هذه الشبهة بعرشات املقاالت واملؤلفات‬ ‫ٍ‬ ‫محرض عىل القتل األعمى‪ .‬وال يريد املتدينون بطعنهم هذا‬ ‫كمذهب‬ ‫التي تزعم الكشف عن حقيقة اإللحاد وتعرضه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كنقيض للعنف واإلرهاب‪ ،‬إمنا يريدون أن يق ّر العامل بأن القتل العقائدي ٌ‬ ‫سلوك ال شبهة عليه‪ ،‬قد‬ ‫أن يعرضوا أنفسهم‬ ‫مارسته كل الحضارات واألمم واملذاهب‪ ،‬ويريدون بهذا الته ّرب من تهمة احتكار أكرث أساليب القتل عنفًا وهمجي ًة‬ ‫والعقالنية‪ .‬وإن من يزعم بعد هذا القول أن لألصولية الدينية وج ًها أمام اإللحاد فقد وقع يف الهذيان واملكابرة والعناد ‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫الدين وااللحاد‪:‬‬ ‫القول الفصل بني العنف والقتل‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫رش‪-‬مقدمة"‬ ‫نرشت مقاالً كمقدم ٍة لسلس ٍة أخطط لكتابة بقية فصولها مستقبالً تحت عنوان "كيف يتح ّول الدين إىل ّ‬ ‫تلقيت رسال ًة عىل مقايل فحواها أنه‪" :‬‬ ‫تبعته مبقا ٍل آخر بعنوان "شبهات ضد اإللحاد واملادية ‪ :‬القتل " ‪ ..‬وكان أن‬ ‫ُ‬ ‫ماديًاوإلحاديًا‪ ،‬ال مانع من إبادة ‪ 99%‬من البرش طبقًا لـ(االنتخاب الطبيعي)و(البقاء لألصلح)‪ ،‬بل إن اإلبقاء عىل الغري‬ ‫والبحث عن حقوقهم هذا يتعارض مع كل أسس (اإللحاد املادي)‪ ،‬بل لو كان اإلنسان ابن الطبيعة فلن يشعر بـ(الخطأ)‬ ‫وال (الشبهة)ولن يفهم معناهام‪ ،‬ألن (الحتميات املادية) تُحرك كل يشء‪ ،‬وال يوجد يف العامل املادي (خطأ) وال (ظلم) وال‬ ‫(خري) وال ( رش) "‬ ‫وقد رددت عىل الرسالة يف مقال "شبهات ضد اإللحاد واملادية ‪ -‬القتل" وأعيد الر ّد يف هذا املقال بشكلٍ أوسع وأكرث عمقًا‪،‬‬ ‫حتى ال يبقى كام قلت لتهافت األصولية الدينية وج ٌه أمام اإللحاد‪.‬‬ ‫القتل هنا هو إنهاء حياة كائن آخر عن قصد‪ ،‬رافق هذا الفعل أسالفنا األوائل يف رصاعهم من أجل البقاء وكذلك‬ ‫الكائنات الحية األخرى‪ .‬فال حياة بال قتل‪ ،‬فالقتل إذًا هو قانون الطبيعية أو الغاب الذي متارسه الكائنات لتوفري‬ ‫اب ٍ‬ ‫وصد لعدوان الكائنات األخرى‪ .‬كان يف البدايات األوىل للحياة فقط هذا الصنف‬ ‫طعام ورش ٍ‬ ‫احتياجاتها الطبيعية من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أحتياجات طبيعي ٍة هي أساس وجودنا‪.‬‬ ‫من القتل‪ ،‬ما ُيكن أن نطلق عليه مصطلح "القتل الطبيعي" أي القتل ألجل‬ ‫ثم جاء اإلنسان ليضع دوافع جديدة للقتل تخرج به عن سياق توفري االحتياجات الطبيعية‪ ،‬فكان ما نسميه "بالقتل‬ ‫ألسباب عقائدي ٍة بحتة‪ ،‬كقتل املته ّجم عىل اآللهة‪ ،‬أو قتل الكفار واملرت ّدين تنفيذًا للتعاليم‬ ‫العقائدي"‪ .‬هو القتل‬ ‫ٍ‬ ‫اإللهية‪ .‬فلام حاول البرش البدائيون فهم الكون والطبيعة ونظروا لآللهة التي وضعوها بعني التقديس واإلجالل‪ ،‬رأوا‬ ‫أنه من الواجب لهذه اآللهة العظيمة أن ت ُعامل باحرت ٍام ووقار‪ .‬فهي التي منحت البرش هبة الحياة‪ ،‬وهي من صنعت‬ ‫أجسادهم وس ّخرت لهم األرض وما عليها وما بينها وبني السامء‪ ،‬فكان البديهي أن تكون هذه اآللهة املُسرية للشؤون‬ ‫سبب قاد اآللهة للغضب‬ ‫أيضا من تقف خلف املجاعة والجفاف واألوبئة‪ ،‬فكان من البديهي ً‬ ‫الكونية هي ً‬ ‫أيضا أن يوجد ٌ‬ ‫واالنتقام وبالتايل وجوب معرفة ما قد يثري غضب اآللهة وحنقها تجنبًا للمصائب ‪.‬‬ ‫ف ُوضعت صفاتُ برشي ٌة لآللهة تجعل منها دامئة الغضب والعقاب‪ ،‬ثم نظر الناس إىل من تخطّى حدود الصفات اإللهية‬ ‫يحل من مصائب‪ .‬تغريت أوصاف اآللهة‬ ‫الواجب توقريها بعني الكره والخوف ‪ ...‬كر ًها لهؤالء الذين هم السبب يف ما قد ّ‬ ‫بتغري الزمان واملكان وتطور بعضها حتى امتلكنا هذا التن ّوع الديني اليوم بني أديان وثنية وأخرى توحيدية ‪ ،‬واختلفت‬ ‫ملفاهيم الهوتي ًة‬ ‫عنيف مدمر ‪ ،‬وكان ذلك الطابع التدمريي نتيج ًة‬ ‫الرشائع والصفات اإللهية لتُنتج ما هو مساملٌ وما هو ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫كالجهاد والشهادة وفرض التوحيد والوالء والرباء ومعضلة املقدس والنظرة العنرصية لآلخرين التي ت ُشكّل الشخصية‬ ‫الدينية الرنجسية الناتجة عن مفهوم التف ّوق عىل كل األمم والناس الكفار والضالّني الذين مهام صنعوا من تف ّوقٍ‬ ‫مادي‬ ‫ٍ‬ ‫وأخالقي فالعذاب األبدي ينتظرهم بعد البعث والحساب ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪20‬‬


‫الدين وااللحاد‪:‬‬ ‫القول الفصل بني العنف والقتل‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫لقد فتحت هذه العقيدة ‪-‬التوحيدية بالخصوص‪ -‬املتعصبة املصورة لله كطاغي ٍة هائل يريد أن يكون الواحد بال رشيك‪،‬‬ ‫األحق بالحمد والثناء بال رشيك‪ ،‬واملعبود امللك املهيمن بال رشيك‪ ،‬فتحت هذه العقيدة مبا يحمله الدين‬ ‫رشع ّ‬ ‫وامل ُ ّ‬ ‫رضوسا بال نهاية تعمل خارج ًة عن أسباب الحروب التقليدية بل ألجل تحقيق "الحاكمية"(‪ )1‬أي‬ ‫من بذو ٍر للعنف حربًا‬ ‫ً‬ ‫أشخاص مرشكني طعنوا بكفرهم ورشكهم يف مذهب‬ ‫حرب ض ّد كل العامل واألفراد مادموا عقب ًة أمام "الحاكمية" أو‬ ‫فتح ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫التوحيد‪.‬‬ ‫رص وإباد ٌة‬ ‫إذًا‪ ،‬وبهذه املنظومة العقائدية ت ُـقام الحروب اإلنهائية والتي ال تعرتف بالهدنة أو السالم أو التفاوض فإما ن ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫املدنيي دون األهداف االسرتاتيجية‬ ‫وإحتالل أو "شهادة"‪ ،‬فيرضب اإلرهاب الديني مستهدفًا التج ّمعات البرشية من‬ ‫ّ‬ ‫القابلة للزوال والتغيري‪ ،‬بل ملج ّرد االنتامء العقائدي للضحايا‪ .‬لقد كشف الدين عن وجهه القبيح يف الحرب الطائفية‬ ‫حرب طائفي ٍة كربى‬ ‫الكربى بالعراق التي تلت تفجري‬ ‫رضيحي اإلمامني العسكريني ومقتل وجرح املئات مام أ ّدى الندالع ٍ‬ ‫ّ‬ ‫أطلقت العنان ملا يحمله الدين من نزع ٍة تدمريي ٍة ال تشاركه فيها أي عقيد ٍة أخرى‪ ،‬فاشتبك السنة والشيعة يف كل أنحاء‬ ‫وسريت املفخخات واالنتحاريون داخل األحياء واألسواق وقتل األطفال ملج ّرد حملهم ألسامء تحيل عىل انتام ٍء‬ ‫العراق ُ‬ ‫طائفي ‪ .‬و ُهوجمت املنازل والشوارع يف كل مكانٍ ملامرسة القتل األعمى‪ ،‬أي القتل دون حاجة ملامرسة القتل‪ .‬إباداتٌ‬ ‫أشخاص مل يشاركوا يو ًما يف أي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قتل أعمى من الطرف اآلخر‬ ‫نشاط مسل ٍح بل ملج ّرد كونهم "نواصب"‪ ،‬يقابله ٌ‬ ‫جامعي ٌة ضد‬ ‫ض ّد مدنيني ملج ّرد كونهم "روافض" ‪ ...‬هذا النوع من القتل‪ ،‬الذي ال يعرتف باألهداف املادية كالسيطرة عىل األرض أو‬ ‫ٍ‬ ‫كهدف مبارش بينام تضع الحروب األخرى األفراد خارج أهدافها وال تستهدفهم وال تهتم ألمرهم إال‬ ‫املوارد‪ ،‬يضع األفراد‬ ‫إذا شكلّوا عائقًا أمام تحقيق األهداف االسرتاتيجية للحرب ‪.‬‬

‫مفهوم الحاكمية يعرفه سيد قطب ‪" :‬كل ٍ‬‫حرب ولو كان فيها أهله وعشريته وقومه وماله‬ ‫أرض تحارب املسلم يف عقيدته‪ ،‬وتصدّه عن دينه‪ ،‬وتعطل عمل رشيعته‪ ،‬فهي دار ٍ‬ ‫وتجارته‪ ..‬وكل ٍ‬ ‫أرض تقوم فيها عقيدته وتعمل فيها رشيعته‪ ،‬فهي دار إسالمٍ ولو مل يكن فيها أهل وال عشرية وال قوم وال تجارة"‪- .‬معامل يف الطريق‬

‫‪21‬‬


‫الدين وااللحاد‪:‬‬ ‫القول الفصل بني العنف والقتل‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫هل ميكن أن يقع استهداف املدنيني بشكلٍ واسعٍ دون أن يقف الدين ك ُمحرض؟‬ ‫نعم‪ ،‬يف الحرب العاملية الثانية‪ ،‬قامت طائرات التحالف األمريكية والربيطانية بقصف عمق الدولة النازية مستهدف ًة‬ ‫مكثف‬ ‫قصف ٌ‬ ‫املدن ذات الكثافة السكانية املرتفعة سع ًيا لتدمري القدرة البرشية ملجهود أملانيا الحريب واإلقتصادي‪ٌ ،‬‬ ‫ليالً نها ًرا ض ّد املدنيني كلّف الشعب األملاين قرابة الـ ‪ 800‬مائة ألف قتيل وماليني الجرحى‪ ،‬ثم توقف القصف فور‬ ‫عزل الجيوش األملانية ومحارصة برلني وتعطيل آلة الحرب النازية‪ ،‬وكان سيتوقف قبل ذلك لو أعلنت أملانيا النازية‬ ‫ٌ‬ ‫استهداف لألفراد‬ ‫استسالمها‪ .‬مل يكن الهدف من حملة القصف االسرتاتيجي رضب الشعب األملاين ملجرد كونه أملان ًيا وال‬ ‫ألسباب عقائدية‪ ،‬بل ألجل تحقيق انتصار ٍ‬ ‫ات اسرتاتيجي ًة‪ ،‬تحقيقها يضع نهاية للقصف والحرب ‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫مامرس حتى من قبل الجيوش واألنظمة العلامنية‬ ‫إن القتل الواسع ضد املدنيني ليس حك ًرا عىل العقيدة الدينية بل هو‬ ‫ٌ‬ ‫التي ال يقودها الوازع الديني‪ .‬والفرق هنا هو الفرق بني األهداف املادية للحرب وبني األهداف الدينية‪ ،‬وهذا الفرق‬ ‫ٍ‬ ‫كأهداف وليس تحقيق األهداف‬ ‫هو أن العقيدة الدينية ال تضع يف حسبانها األهداف االسرتاتيجية بل تضع األفراد‬ ‫يتجل بوضو ٍح خطر الفكر الديني إذا ما تح ّول إىل ٍ‬ ‫عنف‬ ‫ألسباب عقائدية‪ .‬وهنا ّ‬ ‫االسرتاتيجية إال وسيل ٌة إلستهداف األفراد‬ ‫ٍ‬ ‫ليقف عىل رصح التحريض عىل القتل والعنف بال منازع‪ .‬وهذا ما كانت عليه الجيوش الدينية القدمية والتنظيامت‬ ‫املسلحة اليوم‪ ،‬فهي ترضب الناس لكونهم يهو ًدا أو مسيحيني أو مسلمني أو يزيديني حتى وإن مل يُشاركوا يف أي ٍ‬ ‫نشاط‬ ‫مسل ٍح وأعلنوا استسالمهم ومل يُظهروا أي قد ٍر من املقاومة‪ ،‬وهذا ألن الدين يحمل يف بنيته العقائدية دوافع القتل‬ ‫والعنف ض ّد املخالفني لكونهم مخالفني‪ ،‬مهينني للذات اإللهية عقب ُة أمام تحقيق التوحيد و"الحاكمية" ‪.‬‬ ‫ولو كانت جيوش التحالف ذات دوافعٍ ديني ًة ملا اهت ّمت الستسالم أملانيا ولتو ّرطّت يف مذابح بال حدود‪ ،‬كام تفعل اليوم‬ ‫التنظيامت املسلحة باليزيديني والشيعة واملسيحيني ‪.‬‬ ‫إذًا فال ب ّد اآلن أن نعود للشبهة التي أثارها املتدينون حول اإللحاد يف الرسالة التي عرضتها يف البداية كر ٍد منهم عىل قولنا‬ ‫بخطر الفكر الديني‪ ،‬والقارئ املطلع عىل عقائد األصوليني يعلم أن ما أرادوا إثارته بشبهتهم ليس االستدالل عىل كونهم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ملعتقدات أخرى ليعلنوا بذلك أن اإلسالم‬ ‫تحريض عىل العنف والقتل‬ ‫مساملني‪ ،‬بل إرصا ٌر منهم لعرض الح ّد األقىص من‬ ‫ليس وحده املامرس للقتل والعنف بشكلٍ واسعٍ وليطالبونا حينها بالتوقف عن نعت اإلسالم بإحتكار النشاط اإلرهايب‬ ‫الواسع اليوم‪ ،‬ألنهم ُيارسون ما مارسته كل األمم واملعتقدات وبالتايل نفي الشبهة عن القتل الطائفي !‬ ‫‪22‬‬


‫الدين وااللحاد‪:‬‬ ‫القول الفصل بني العنف والقتل‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫ولنفي الشبهة عام تحمله العقيدة اإلسالمية األصولية من بذور للعنف واإلرهاب وخطرها املدمر‪ ،‬يخربنا صاحب الرسالة‬ ‫بأنه ماديًا وإلحاديًا ال مانع من إبادة ‪ 99%‬من البرش طبقًا لالنتخاب الطبيعي والبقاء لألصلح متناس ًيا بأن ما يحمله‬ ‫تحريض ال ميانع من إبادة ‪ 99%‬البرش‪ .‬ثم ما الدافع املادي الذي قد يقودنا ملثل هذه‬ ‫الدين يف بنيته العقائدية هو‬ ‫ٌ‬ ‫اإلبادة ! فإذا كان القتل يف املادية لهدف البقاء واالستحواذ عىل املوارد فكيف ميكن أن تتوفر الظروف املواتية ليتو ّرط‬ ‫البرش يف محاولة إلبادة الجميع ! وإذا ما ساد قانون الغاب حيث ال بقا ٌء إال لألقوياء وال لغ ٌة إال للغة العنف فكيف ميكن‬ ‫قتل سينحرص‬ ‫أن ت ُتاح الظروف املواتية لحدوث مثل هذه اإلبادة ! إن القتل يف املادية هو لتحقيق مصلح ٍة مادي ٍة وهو ٌ‬ ‫يف "عامل الغاب" ألجل السيطرة عىل وسائل البقاء دون أن يقود إىل رغب ٍة يف إبادة الجميع‪ ،‬إال إذا افرتضنا أن صاحب‬ ‫الرسالة يرى بأن للامدية قدر ٌة عىل فعل هذا إذا ما وجدت دوافع مادي ٍة كافي ًة وهي مثالً أن تزول كل املوارد الطبيعية‬ ‫ضئيل ج ًدا كايف ليدفع بكل كائن للسعي خلفه قاتالً لكل ما يعرتض طريقه‪،‬‬ ‫املُشكلة للحياة حتى ال يبقى منها إال قد ٌر ٌ‬ ‫سبب يف هالك ‪ 99%‬من البرش دون أن‬ ‫ساذج‬ ‫تخيل‬ ‫وهذا ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وسخيف الستحالته أوالً‪ ،‬ثم ألنه بتحققه ستكون الطبيعية ٌ‬ ‫ُيارس البرش عملية قتلٍ واحدة وستكون حينها الطبيعة حامل ًة ملسببات فناء الجنس البرشي‪.‬‬ ‫إن الفرد ابن الطبيعة يف عامل الغاب حيث القسوة والعنف املطلق هام وسيلتا البقاء الوحيدتان‪ ،‬سيكون بال ٍ‬ ‫مامرسا‬ ‫شك‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫صفات‬ ‫لكل األفعال دون الشعور بالشبهة أو الخطأ ألن ما يحكمه هو حتمياتٌ مادي ٌة ال ميكن أن تسقط عليها أي‬ ‫أخالقي ًة معنوي ًة كالخري والرش‪ ،‬واإلنسان ابن الطبيعة كام عرضنا لن يسعى أب ًدا ملامرسة إباد ٍة جامعية بالحجم الذي‬ ‫يُحرض عليه الدين والفكر الديني‪ .‬إن الهدف الديني للقتل هو اإلنصياع لألوامر اإللهية بإبادة الكفار واملخالفني‪ ،‬وهذه‬ ‫شخص واح ٌد‬ ‫العقيدة تحمل ما يحرض عىل إبادة إجاميل البرش يف سبيل نيل مرضاة الله حتى ولو مل يتبقى عىل األرض إال ٌ‬ ‫هو املنفذ لهذه األوامر‪ .‬وألن العقيدة الدينية تحمل ما يهدد بزوال البرشية ملجرد االختالف العقائدي فال بد أن تبذل‬ ‫كل الجهود إلبقاء يد الدين بعيد ًة عن امتالك السالح النووي‪ .‬كثري ٌة هي البلدان النووية اليوم ذات قوة الردع النووية‬ ‫الهائلة والتي ال ميكن أبدا أن تتورط باستعامل هذا السالح‪ ،‬ألن هذه الدول تسعى ألجل البقاء واستعامل السالح‬ ‫النووي معناه ر ٌّد نووي آخ ٌر ينسف وجودها إىل غري رجعة‪ .‬أما املتدينون األصوليون فهم ال يهتمون ألمر البقاء أب ًدا بل‬ ‫دؤوب للموت ونيل الشهادة‪ ،‬وكام مل ميانعوا يف نسف عامر ٍ‬ ‫ات وقرى وأحياء وأسواق بأكلمها فلن ميانعوا من‬ ‫سعيهم‬ ‫ٌ‬ ‫استعامل السالح النووي ضد الكفار واملخالفني حتى تكون الحاكمية املطلقة لله‪.‬‬ ‫"كوكب مثايل" مصم ٌم لتبديد كل أسباب القتل واإلبادة‪،‬‬ ‫إننا لو جمعنا كل أهل األرض من غري املتدينني وأرسلناهم إىل‬ ‫ٍ‬ ‫كوكب مبوارد النهائية تس ّد الطريق أمام أسباب الحروب األخرى‪ ،‬ملا رأينا حربًا واحد ًة بل وملا رأينا أي شكلٍ من أشكال‬ ‫ٌ‬ ‫السلطوي الهرمي‪ ،‬وملا وجد البرش سب ًبا واح ًدا للرصاع غري ما تحمله الطبيعية البرشية من أسباب‬ ‫النظام االجتامعي ُ‬ ‫للعنف يستحيل مقاومتها وتقويضها وهو الرصاع المتالك الرشيك الجنيس األمثل أو االضطراب النفيس‪.‬‬ ‫هكذا سيكون حال غري املتدينني‪ ،‬فامذا لو جمعنا كل املتدينني وأرسلناهم إىل مثل هذا الكوكب ! هل سيتوقف العنف‬ ‫وعمليات اإلبادة !‬ ‫‪23‬‬


‫الدين وااللحاد‪:‬‬ ‫القول الفصل بني العنف والقتل‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫ال‪ ،‬ذلك ألن الدين كام رشحنا ال يهتم ألمر االحتياجات الطبيعية بل يتجاوز ذلك تنفيذًا لألوامر اإللهية ؛ ولو حدث‬ ‫أن جمعنا كل املتدينني عىل سطح هذا الكوكب لكان الحال أش ّد عنفًا وخرابًا من حال كوكبنا األرض‪ ،‬فستزول األنظمة‬ ‫والرشائع العلامنية املق ّوضة للعنف الديني وسيتو ّرط املتدينون يف أعامل قتلٍ بال نهاية‪ ،‬سيستهدفون بعضهم البعض‬ ‫ألسباب كالرشك والكفر واإلهانة واالعتداء عىل املقدس‪ .‬لرأينا املسلمني يقتلون بعضهم البعض قتالً طائف ًيا ال يعرف‬ ‫ٍ‬ ‫حروب ض ّد اليهود واملسيحيني والهندوس والبوذيني لألسباب التي يقيمون بها الحروب ضد‬ ‫التوقف‪ ،‬ثم لتو ّرطوا يف‬ ‫ٍ‬ ‫هؤالء اليوم‪ ،‬ولرأينا الهندوس جاهزين لرضب من أهان مقدساتهم وسخر منها‪ ،‬ولتو ّرط كل هؤالء املتدينني يف دوام ٍة‬ ‫من العنف ال تنتهي بسبب الدين!‬ ‫وشمول ميكن وصف الدين‬ ‫ً‬ ‫إن اإلنسان يف املادية هو مسلوب الحرية‪ ،‬بال إراد ٍة حر ٍة‪ ،‬ولهذا فإنه بشكلٍ أكرث عمقًا‬ ‫واالنصياع لرشائعه ضمن منظومة الحتميات املادية‪ ،‬فغريزة البقاء والخوف من املجهول تدفع بنا للتشبث بالحياة‬ ‫مذهب ديني‬ ‫مفاهيم كالخلود والحياة بعد املوت واملكافأة اإللهية‪ .‬واإلنسان مييل لنزعة االنتامء‪ ،‬االنتامء إىل‬ ‫وتب ّني‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أو مذهب آخر أو االنتامء للوطن والقبيلة أو أي انتام ٍء آخر يقيه مواجهة حقيقة عبثية الحياة وفراغها من املعنى ‪.‬‬ ‫إن العنف الديني ميكن محاولة حرص أسبابه التي ال تخرج عن إطار عاملنا املادي‪ ،‬إذ ليس للنصوص املحرضة عىل العنف‬ ‫تأث ٌري سحري‪ ،‬كام ال وجود لإلرادة الحرة‪.‬‬ ‫* كالفقر والبطالة‪ ،‬فامللل واليأس من الوجود امليلء باملعاناة‬ ‫فيكون اللجوء للدين إما كمخد ٍر مبا يقدمه من مفاهيم عن‬ ‫الخلود والحياة األخرى‪ ،‬أو اللجوء لإلرهاب الديني ككر ٍه‬ ‫عميق للوجود امليلء باملعاناة ومحاولة التعجيل باملوت لنيل‬ ‫الشهادة والحياة األخرى‪ ،‬حيث النعيم األبدي نقيض معاناة‬ ‫العامل املادي‪ .‬ليس بالرضورة أن يدفع الفقر بالناس لإلرهاب‬ ‫الديني فهم ُمسريون وفق ظروف نشأتهم وبنيتهم الفكرية‬ ‫والجينية‪ ،‬فقد يدفع الفقر بالشخص املسامل للتص ّوف بينام‬ ‫يدفع بالعنيف لإلرهاب وليس بالرضورة أن يكون اإلرهاب‬ ‫دين ًيا‪ ،‬قد يكون إرهابًا وعنفًا يف أشكا ٍل أخرى‪ ،‬كالعصابات‬ ‫مثال ‪ ...‬فالفقر والبطالة عوامل تدفع بالكثريين إىل مامرسة‬ ‫اإلرهاب فإذا مل يتوفر الدين مارسوا شكالً آخر من أشكال‬ ‫العنف لن يكون أب ًدا يف خطر اإلرهاب الديني الشامل‬ ‫املعومل ‪.‬‬ ‫‪24‬‬


‫الدين وااللحاد‪:‬‬ ‫القول الفصل بني العنف والقتل‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫تعاليم محدد ًة منذ الطفولة حتى تتحول تلك التعاليم إىل محور الحياة وأصلها ويتحول العنف الديني‬ ‫* التلقني ‪ :‬حفظ‬ ‫ٍ‬ ‫إىل مامرسة لتلك التعاليم دون الشعور بالشبهة أو الخطأ فهي تعاليم تقدم نفسها كحقيق ٍة مطلق ٍة ألجلها يُخلق وميوت‬ ‫الفرد‪ ،‬وما يفعله التلقني من ٍ‬ ‫غرس لعقيدة االنتامء الديني املعوملة حيث تصبح معاناة كل متدين مهام كان بعي ًدا معانا ًة‬ ‫شخصي ًة تصنع لدى الفرد وهم االضطهاد‪ ،‬ما يدفعه ملامرسة العنف دون أن يكون قد تعرض ألي إضطهاد‪.‬‬ ‫* املذلة واملهانة ‪ ( :‬ملاذا يتحول الدين إىل عنف ‪ -‬اإلرهاب الديني من منظور التحليل النفيس ) ‪ ..‬هو عنوان ورقة عمل‬ ‫أكادميية لجيمس جونز املختص يف علم النفس اإلكلينييك والدراسات الدينية ‪ ...‬يعرض جيمس تقارير عىل أن كل عملية‬ ‫ٍ‬ ‫عنف سبقها شعو ٌر باملذلة واإلهانة ‪ ،‬وأن املذلة واملهانة وكره الجسد من أهم أسباب التطرف الديني والعنف عمو ًما ‪.‬‬ ‫العجز الجنيس أو الفشل يف العالقات العاطفية مع الجنس اآلخر‪ ،‬هام من عوامل الشعور باملذلة واملهانة وكره الجسد‬ ‫لدى الذكور ‪.‬ليس من املصادفة بال شك‪ ،‬أن يكون كبار املنظرين لإلرهاب الديني بشكلٍ‬ ‫هيستريي مرعب أشخاص‬ ‫ٍ‬ ‫فاشلني عاطف ًيا ورمبا مصابني بعج ٍز جنيس‪ .‬من أكرب منظري اإلرهاب يف تاريخ اإلسالم قد ًميا وحديثًا ؟‬ ‫هام ابن تيمية وسيد قطب‪ ،‬كان ابن تيمية سلطوياً قاسياً بشكلٍ عنيف من خالل كتاباته وقيادته للمسلمني ضد التتار‬ ‫ألسباب غامضة ‪.‬‬ ‫يف عرصه‪ ،‬يقال أنه مل يلمس طيلة حياته امرأ ًة قط‪ ،‬كام ثبت عنه أنه مل يتزوج أب ًدا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أما سيد قطب‪ ،‬فكذلك مل يتزوج ومل يعارش إمرأ ًة أب ًدا‪ ،‬يف كتابه "طفل من القرية" يخربنا سيد بأنه وقع يف حب فتا ٍة‬ ‫عاد إليها الحقًا من القاهرة عاز ًما الزواج بها فوجدها زوج ًة ألحدهم‪ ،‬وقع سيد قطب مر ًة أخرى يف الحب ويف ليلة‬ ‫حب مع ابن جريانها الضابط يف الجيش وعاش‬ ‫الخطوبة بكت فسألها عن سبب بكائها فأجابته بأنها قد عاشت قصة ٍ‬ ‫سيد معانا ًة طويل ًة انتهت بفسخ الخطوبة ‪ ،‬مل يعد سيد أب ًدا اىل موضوع الزواج والخطوبة حتى سنة ‪ ،1954‬حينها لسوء‬ ‫حظه مجد ًدا وقع اعتقاله‪.‬‬ ‫ق ّدم ألي ٍ‬ ‫شخص ميتلك معانا ًة عاطفي ًة وعج ًزا جنس ًيا وشعو ًرا باملذلة واملهانة والكره العميق للجسد‪ ،‬ق ّدم لهذا الشخص‬ ‫فكرة الحياة الخالدة األخرى وستجده مشاركًا يف هجامت ‪ 11‬سبتمرب ويف املليون عملية انتحارية منذ ‪ 2001‬حتى اليوم‬ ‫‪ ،‬يفعل ذلك يف الظاهر اعتقا ًدا منه بقدسية تلك الفكرة التي يدافع عنها ويقاتل ألجلها ‪ ..‬أما الحقيقة‪ ،‬هي أنه يفعل‬ ‫كل ما يفعل الواع ًيا من أجل التخلص من جسده والدنيا املليئة باملعاناة واملذلة واملهانة ‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫الدين وااللحاد‪:‬‬ ‫القول الفصل بني العنف والقتل‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫أسباب جينية ‪.‬‬ ‫*‬ ‫ٌ‬ ‫فكام رأينا‪ ،‬يحمل الدين أكرث النظم العقائدية خط ًرا وتهدي ًدا للبرشية بالزوال ال تشاركه يف ذلك أي عقيد ٍة أخرى ألنه‬ ‫يتجاوز تحقيق "املصالح املادية" إىل تحقيق مفاهيم ميتافيزيقية ال تتعامل مع معطيات العامل املادي رغم أن هذا‬ ‫"السعي" إىل تحقيق ذلك جزء من الحتميات املادية ‪.‬‬

‫ويواصل صاحب الرسالة ‪:‬‬ ‫"العدل هو وضع اليشء يف محله‪ ،‬ومحل األحداث يف عامل اإللحاد‪ ،‬هو نفس املحل الذي تحدده القوانني الفيزيائية ‪،‬‬ ‫ومبا أنه ال توجد ذرة تخالف تلك القوانني‪ ،‬إذا ً كل ٍ‬ ‫حدث يف الكون املادي قد ُو ِضع يف محله املادي ‪ ،‬ولذلك ال يوجد يف‬ ‫الفكر اإللحادي وال يف الكون املادي ظلم‪ .‬فمن أين جئت مبفهوم العدل والعطف؟ ‪.‬‬ ‫مستقل عن الوجود املادي حتى تنتقد من يسلبها؟ ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫معنى‬ ‫ هل للحياة ً‬‫ هل للحياة قيم ٌة تتجاوز اإلطار املادي وتتاميز عليه حتى ترفض إزهاقها؟ "‬‫العدل مبا هو وضع اليشء يف محله‪ ،‬ليس إال محض مصطل ٍح ديني ال ميكن الربهنة عليه رياض ًيا وال منطق ًيا دون الوقوع‬ ‫مستقل عن عاملنا املادي والفهم البرشي يستمد مفهومه من الرشيعة‬ ‫ٌ‬ ‫يف امليتافيزيقا‪ .‬ألن العدل‪ ،‬كام يق ّدمه املتدينون‬ ‫اإللهية فالله وحده هو من يقرر إن كان اليشء يف محله‪ ،‬مهام رأى الناس ذلك يف غري محله‪ ،‬كأن تفرض "الجزية" عىل‬ ‫أهل الذمة أو "حد الردة" عىل املرتد فذلك ٌ‬ ‫عدل لدى املتدينني ألن "الله" هو محور العدل‪ .‬ولهذا فليس لدينا عدل‪،‬‬ ‫إمنا "مساواة" متنح الناس نفس الفرص والحظوظ واملوارد تجنباً للفوىض التي سينتج عنها غياب "املساواة" والتي ستلقي‬ ‫مبهالكها عىل الجميع‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫الدين وااللحاد‪:‬‬ ‫القول الفصل بني العنف والقتل‬ ‫هادي بن رمضان‬

‫مستقل عن الوجود املادي‪ ،‬وانتقاد سالبها هو ردة فعلٍ استباقية ملا يه ّددنا جمي ًعا بالزوال‪ .‬فكيف‬ ‫ٌ‬ ‫معنى‬ ‫ليس للحياة ً‬ ‫واألصح أنه ما الدافع املادي الذي‬ ‫يتسائل الكاتب إن كانت للحياة قيم ٌة تتجاوز اإلطار املادي‪ ،‬حتى نرفض إزهاقها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫منلكه إلزهاقها دون أن نكون تحت حكم "رشيعة الغاب" ؟ ميلك املتدينون الدافع لفعل ذلك‪ ،‬ألن "الله" محور العدل‬ ‫غريزي نتاج ٍ‬ ‫وشامل فهو محض عدل‪ .‬وليس العطف إال ٌ‬ ‫أيضا وميكن رشحه‬ ‫سلوك‬ ‫ً‬ ‫والقتل مهام كان واس ًعا‬ ‫آليات مادية ً‬ ‫ٌ‬ ‫تطوريًا ‪.‬‬ ‫خامتة ‪ :‬إن الفرق بني العنف والعنف الديني هو أن األول محدود األهداف محدود الزمان واملكان‪ ،‬أما العنف الديني‬ ‫ٍ‬ ‫ائل ال محالة‪،‬‬ ‫كهدف مبارش ال محدود الزمان أو املكان‪ .‬الشكل األول من العنف مهام كان هائالً فهو ز ٌ‬ ‫فهو يضع الفرد‬ ‫خاضع ملعطيات العامل املادي املتغرية أما العنف الديني فهو يلقي بجذوره يف عمق الطبيعة البرشية عندما يتحول‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫نصوص جامد ًة ال تتعامل مع‬ ‫إىل جرس العبور إىل الخلود فيكاد يستحيل مقاومته والتخلص منه مع دافعٍ مدم ٍر من‬ ‫معطيات العامل املادي‪ .‬إن العنف جز ٌء من الطبيعة البرشية يستحيل مقاومته أو التخلّص منه ألن الطبيعة نفسها‬ ‫تحمل من الظروف واألسباب ما يصنع القتل والعنف ‪ ..‬وال ميكن إال محاولة تقويض العنف والقتل بتجفيف كل ما‬ ‫ٍ‬ ‫كنقيض لحكم‬ ‫ديني وتحييد العنف عن الوقوع يف براثن العقيدة الدينية والسعي قدر اإلمكان إلقامة املساواة‬ ‫هو ٌ‬ ‫الغاب الذ ال بقاء فيه إال بالقتل والعنف‪.‬‬

‫المراجع‬ ‫هراء املتدينني ضد اإللحاد ‪ -‬اإلنتحار‬ ‫‪http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=422692‬‬ ‫سلسلة ‪-‬كيف يتحول الدين إىل رش ؟‪ : -‬مقدمة‬ ‫‪http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=448852‬‬ ‫معضلة املقدس ‪ :‬كيف يحول املتدينون كوكبنا إىل جحيم‬ ‫‪http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=451529‬‬ ‫شبهات ضد اإللحاد واملادية ‪ :‬القتل‬ ‫‪http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=452256‬‬ ‫ملاذا يتحول الدين اىل عنف ‪ -‬اإلرهاب الديني من منظور التحليل النفيس‬ ‫‪?http://www.4shared.com/office/e8SvZnBmce/____.html‬‬

‫‪27‬‬


28


‫مصطفى عابدين‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫مصطفى عابدين‪ ،‬يُع ّد ممن أخذوا عىل عاتقهم تصحيح املعلومات‬ ‫فأسس صفح ًة أسامها‬ ‫العلمية املغلوطة التي تعاين منها منطقتنا‪ّ ،‬‬ ‫‪ My Science‬ينرش فيها املقاالت العلمية املواكبة آلخر ما توصل إليه‬ ‫العلامء يف كافة املجاالت‪ ،‬كام أنه من كتّاب املجلّة وقد شاركنا بباق ٍة مميز ٍة‬ ‫من املقاالت يف التطور والحب والجنس واألخالق وغريها الكثري‪ ،‬ودامئًا تأيت‬ ‫أصداء مقاالته ممتاز ًة نظ ًرا ألنه يتح ّرى التوثيق العلمي لكل ما يقدمه‪ ،‬وهدفه‬ ‫األول واألخري هو رفع مستوى الوعي الجمعي الخاص بالعلوم‬ ‫سنتع ّرف عليه أكرث يف هذا اللقاء‬ ‫أهل وسهال بك معنا‬ ‫ً‬

‫‪-1‬ح ّدثنا أكرث عن مصطفى‪ ،‬كيف كانت طفولته وأرسته والبيئة التي نشأ فيها‪ ،‬واملحيط االجتامعي العام‬ ‫ميكنني أن اقول أن طفولتي كانت طفول ًة ممتع ًة ومليئ ًة باألحداث‪ .‬عىل الرغم من انفصال أمي وأيب بعد ‪ ١٠‬شهو ٍر‬ ‫من والديت إال أين استطعت أن أحصد الكثري من الحب واالهتامم منهام‪ .‬عائلتي أنتجت عد ًدا من رجال دين منهم من‬ ‫كتب‬ ‫له مجلداتٌ مرجعي ٌة يف املذهب الحنفي ‪ :‬حاشية ابن عابدين وغريه من كان مفتي سورية وآخر كان له عدة ٍ‬ ‫منشورة‪ .‬هذه البيئة مل يكن لها تأث ٌري عيل أل ّن والدي مل يكن متدي ًنا إطالقاً وكان يحفزين عىل النقض والبحث العلمي‪،‬‬ ‫فكري سمح يل بأن أك ّون شخصيتي وأبني أفكاري دون تأثريٍ منها‪.‬‬ ‫والديت ملتزم ٌة دينياً إال أنها عىل انفتا ٍح ٍ‬ ‫وهل أخربتنا عن أهم الكتب التي تأثرت بها؟‬ ‫‪-2‬هل هناك وقفات خاصة خالل نشأتك تأثرت بها بأفكار مميزة؟ ّ‬ ‫ال أستطيع أن أقول أن هناك وقفاتٌ خاص ٌة أو محطاتٌ محدد ٌة لها تأث ٌري أكرث من غريها يف حيايت‪ ،‬إال أن عملية تكوين‬ ‫يوم مبثابة محط ٍة مهم ٍة يف حيايت‪ .‬من أكرث الكتب التي‬ ‫يوم أتعلم شيئًا جدي ًدا وكل ٍ‬ ‫الشخصية هي عملي ٌة تراكمية‪ ،‬كل ٍ‬ ‫أثرت عيل هو كتاب "مغامرة العقل األوىل" للباحث السوري فراس السواح‪ .‬كتاب مغامرة العقل األوىل قدم يل نظر ًة ملا‬ ‫ٍ‬ ‫طقوس ديني ٍة ونأخذ هذه املعلومات عىل أساس حقائق مبدئية‬ ‫هو موجود خلف الستار… كلنا نتعلم ما نتعلمه من‬ ‫وننطلق إىل الحياة عىل أساس هذه الحقائق‪ .‬الكتاب يرسد العديد من األساطري السومرية والبابلية ويتحدث عن تاريخ‬ ‫‪29‬‬


‫مصطفى عابدين‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫الحضارة البرشية يف منطقة سورية والعراق ومرص‪ .‬نتيجة القراءة أن يقوم الكاتب يف ربط بعض هذه األساطري مع‬ ‫بعض املامرسات والطقوس الدينية املتبعة اليوم وهذا الربط يفتح بابًا من األسئلة واالستفسارات التي تأخذ القارئ إىل‬ ‫كتب أخرى وأسئل ٍة أكرث‪ ،‬ضمن هذا املحور أود أن أقول أين قابلت السيد فراس السواح ضمن أحد الفعاليات الثقافية‬ ‫ٍ‬ ‫يف دمشق وتشكرته بشكلٍ شخيص عىل إبداعه إذ أين قرأت جميع كتبه وأعتربها من أهم األعامل يف مجال امليثولوجيا‬ ‫باللغة العربية‪.‬‬ ‫‪ -3‬هل كان للدين دو ٌر بار ٌز يف نشأتك‪ ،‬ح ّدثنا عن مدى تواجده يف طفولتك‬ ‫أمي وأيب مل يجرباين عىل التدين كام يحدث للعديد من األطفال يف العامل لكني أذكر أين صليت عدة مر ٍ‬ ‫ات إلرضاء أمي‬ ‫هنا أو هناك… مل أشعر يوماً بأن الصالة هي وسيل ٌة جيد ٌة يف التواصل مع الخالق‪ .‬كنت منذ طفولتي أسأل نفيس ملا هذا‬ ‫التسخيف يف التواصل مع من خلق الكون؟‬ ‫‪-4‬هل حدث لك تحول كبري يف التفكري من ناحية الدين أم أنه كان مهمشً ا بطريق ٍة أو بأخرى؟‬ ‫يف الواقع يف مرحلة املراهقة قررت أنني سأعطي الدين كل مالدي وسأبحث وسأفعل كام يقول القرآن… سأقرأ ولن‬ ‫أخاف أين يأخذين بحثي‪ .‬خاطبت الخالق حينها "اعذرين إن مل أؤمن بك بعد كل البحث‪ ،‬لكني سأقوم بكل واجبايت يف‬ ‫البحث والقراءة إىل أن أصل إىل نتيج ٍة معرفي ٍة مرضية"…‪ .‬دون الدخول يف التفاصيل لكني تنقلت بني املذاهب اإلسالمية‬ ‫ونظرت يف الطرق املختلفة يف كيفية فهم القرآن وتوصلت إىل نتيجة أنه يف أفضل األحوال يصبح القرآن عبار ًة عن ٍ‬ ‫نص‬ ‫منزوع األسنان مفرغًا من أية قيم ٍة معرفي ٍة ذات قيمة…‪.‬‬ ‫يف هذه املرحلة قرأت كتاب فراس السواح "مغامرة العقل األوىل" وتعلمت عن عادات اللطم البابلية وقصة عشتار‬ ‫واإلله متوز وغريها من األساطري التي وجدت إسقاطاتها ضمن الديانات اإلبراهيمية وبدأت رحلة بحث جديد ٍة بعي ًدا‬ ‫عن التعاليم الدينية‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫مصطفى عابدين‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫‪ -5‬هل تصنف نفسك كملحد أم ال أدري أم ربويب؟ وما رأيك بهذه التصنيفات بشكلٍ عام؟‬ ‫أصنف نفيس كإنسان يبحث عن األجوبة ضمن املنهج العلمي وال أحب التصنيفات مثل ملحد أو ربويب أو غريها من‬ ‫املسميات‪ ،‬ألنها تضع اإلنسان ضمن سل ٍة من التعميامت املسبقة‪ .‬أعتقد أن توصيف حالتي الفكرية اليوم هو أقرب إىل‬ ‫اإللحاد عن الربوبية أو الالأدرية‪ ،‬ألنني اليوم ال أستطيع أن أجزم أنه ال يوجد خالق للكون لكني أستطيع بثقة أن أقول‬ ‫أن اإلله اإلبراهيمي شخصي ٌة خرافي ٌة وهمية‪ .‬ال أجد أي دليلٍ‬ ‫رش أو غري مبارش عىل وجود مهندس لهذا الكون‬ ‫علمي مبا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫صفحات ولن أتطرق إليها اآلن‪ .‬الكثري من الناس يفهم فكرة عدم القدرة عىل‬ ‫لكني أعلم أ ّن رشح هذا املحور سيتطلب‬ ‫الجزم بعدم وجود إل ٍه عىل أنه إثبات عىل وجوده وهذه مغالط ٌة منطقي ٌة معروفة‪ .‬وجود خالق أو مسبب للكون ال يعني‬ ‫وجود رب أو إالله الشخيص الذي يتواصل مع مخلوقاته ويبادلهم املشاعر‪.‬‬ ‫لدي فكرة أعمل عليها يف هذه األيام وهي عبارة عن مقال ٍة طويل ٍة بعض اليشء تتحدث عن حوض السمك الخاص يب‬ ‫وعن الرصاع الذي يدور بني أساميك ملعرفة من أين جاؤوا وماهي غاية وجودهم يف الحوض‪ .‬ال أعلم إن كنت سأنجح‬ ‫بتوصيل أفكاري ضمن هذه املقالة لكني سأحاول‪.‬‬ ‫‪ -6‬نعلم أنك متزوج ولديك أطفال‪ ،‬ماهي منهجيتك يف تربيتهم‪ ،‬وكيف تجيب عىل أسئلتهم الفضولية املتعلقة بالكون‬ ‫ونشأة الحياة واألديان ؟‬ ‫ببساطة أتبع متهج أن ال أعلّم أطفايل مباذا يفكرون وإمنا كيف يفكرون‪ .‬أعلّمهم أن يسألوا ويبحثوا وأن يكونوا فضولني‬ ‫وأن يبحثوا عن الدالئل والرباهني‪ .‬أقدم لهم تفسري ٍ‬ ‫ات علمي ٍة للظواهر التي نراها من حولنا قدر إمكانيايت ونتناقش‬ ‫بها… يف أحد األيام سألني ابني‪ :‬هل يوجد بابا نويل؟ قلت له‪ :‬ما رأيك أنت؟ قال يل ال أعتقد ألنه من املستحيل أن‬ ‫شخص واح ٌد أن يزور جميع املنازل ويوزع الهدايا يف ليلة واحدة وأن يلتزم بتقديم الهدايا للمسيحني فقط‪.‬‬ ‫يستطيع ٌ‬ ‫جميل ومقنع‪ .‬قال يل‪ :‬لكني مازلت أريد ألعابًا يف يوم عيد امليالد‪.‬‬ ‫تحليل ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫قلت له‪:‬‬

‫‪31‬‬


‫مصطفى عابدين‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫‪ -7‬ذكرنا يف مقدمتنا صفحة ‪ My Science‬التي تنرش فيها مقاالتك العلمية‪ ،‬كيف كانت البداية؟ وهل تجد أن مبادرات‬ ‫كهذه سيكون لها تأث ٌري عىل املدى القريب والبعيد؟‬ ‫بدأت الفكرة عندما كنت أكتب بعض السطور وأنرشها عىل الفيس بوك من باب تنوير بعض األصدقاء حول بعض‬ ‫املواضيع املتعلقة بنظرية التطور وغريها من النظريات العلمية الشهرية‪ .‬طلب مني بعض األصدقاء أن أوثق ما أكتب‬ ‫ليك يستطيعوا أن يعودوا مستقبالً ويجدوا الكتابات يف مكانٍ واحد‪.‬‬ ‫علمي يليق بالقارئ‪ .‬كانت النتيجة أين أنشأت‬ ‫قمت بإنشاء مدون ٍة وثم موقعٍ ولكني ال أملك املعرفة التقنية إلعداد موقعٍ ٍ‬ ‫صفحة عىل الفيس بوك ليك أنرش عليها مقااليت‪ .‬أغلب كتابايت عبارة عن أجوبة ألسئلة من أصدقايئ حول مواضيع منوعة‪.‬‬ ‫طب ًعا يوجد لدينا مشكلة كبرية يف العامل الناطق بالعريب بسبب شبه انعدام املحتوى العلمي العريب‪ .‬لهذا أعتقد أن‬ ‫املبادرات العلمية مثل موقع ‪ I believe in Science‬لها أث ٌر وقيم ٌة كبري ٌة جدا ً يف منطقة الرشق األوسط‪ .‬يوجد مبادرات‬ ‫علمية أخرى مثل الباحثون السوريون وغريها التي تعمل عىل توعية وتثقيف املجتمع عرب ترجمة املقاالت العلمية‬ ‫بشكلٍ رسيع‪.‬‬ ‫‪ -8‬ما موقفك من القضايا األكرث جدلية‪ :‬اإلعدام – االنتحار – اإلجهاض؟‬ ‫رص لكن أود أن أقول‬ ‫السؤال مهم ج ًدا لكنه يحتاج للكثري من الرشح ليك أعطي اإلجابة حقها‪ .‬سأجيب بشكلٍ مخت ٍ‬ ‫أن خيارايت األخالقية أبنيها عىل ما هو معلوم علم ًيا‪ ،‬فمثالً أنا ضد عقوبة اإلعدام ألنني أعلم أن اإلنسان ال ميلك حرية‬ ‫اإلرادة وأعرف كم أننا تواقون لوضع كيانٍ فاعلٍ لكل فعلٍ مؤذي حتى نستطيع االنتقام منه‪ .‬يطول الحديث لكني كام‬ ‫ذكرت أبني مواقفي عىل العلوم وهذا يعني أين قد أغري موقفي بنا ًء عىل ما أتعلمه مستقبالً‪ .‬بالنسبة لإلنتحار‪ ،‬طبعاً‬ ‫فعل سلبيًا ألنه يُبدد حياة ٍ‬ ‫جذري ملشكل ٍة مؤقت ٍة وهذا مؤسف‪.‬‬ ‫حل‬ ‫شخص ممكن مساعدته‪ .‬اإلنتحار ٌ‬ ‫أجده ً‬ ‫ٌ‬ ‫بالنسبة لإلجهاض أشعر أنه ليس من حقي إبداء الرأي ألنني لست أنثى وال أحبل‪ .‬لهذا أترك حرية القرار للمرأة وأشعر‬ ‫أنه حتى مناقشة املوضوع وإبداء الرأي هو تع ّدي عىل حريتها‪ .‬جسدها حريتها‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫مصطفى عابدين‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫‪ -9‬هل من املمكن برأيك أن نجد وسيل ًة لحثّ املرء عىل فعل األمور الجيدة واالبتعاد عن الرش دون اللجوء إىل الرتغيب‬ ‫بحوافز أو الرتهيب بعقاب؟ وبالتايل فاختالق األولني ملفهوم الجنة والنار كان متطل ًبا بديه ًيا لتنظيم املجتمعات واألفراد‬ ‫بتلك الفرتات؟‬ ‫طب ًعا الطبيعة البرشية (جميع األحياء) مبنية عىل جهاز املكافئة والعقاب‪ .‬املحور األول هو أننا نستطيع تفهم تطور‬ ‫أنظم ٍة أخالقي ًة تعتمد عىل مفهوم الجنة والنار (املكافئة والعقاب) سابقًا‪ .‬األولني مل يبتكروا هذه األنظمة عىل قدر ما‬ ‫أنهم وظفوا طبيعتهم البرشية بطريق ٍة تعود بالفائدة عىل مجتمعاتهم‪.‬‬ ‫اليوم أصبحنا قادرين عىل تحليل وفهم هذه الوظائف العصبية التي أ ّدت إىل تطوير أساطري الحياة بعد املوت ميزان‬ ‫املكافئة والعقاب القائم‪ .‬اليوم ميكننا تطوير هذا النظام ليك يكون أكرث واقعي ًة وأن يكون حقيق ًيا يُالمس حياتنا بشكلٍ‬ ‫أوهام وخر ٍ‬ ‫افات ال تأثري لها عىل حياتنا‪.‬‬ ‫مبارش عوضاً عن تصديق‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -10‬لو تس ّنى لك املساهمة أو إبداء رأيك الشخيص بتغيري بعض قوانني األحوال الشخصية ببالدنا‪ ،‬إال َم األولوية من‬ ‫وجهة نظرك؟‬ ‫طب ًعا فصل الدين عن الدولة وإعطاء األقليات حقوقها كامل ًة دون االهتامم مبا تنص عليه الوثائق الدينية التي كتبها‬ ‫أشخاص ال يتجاوز تحصيلهم املعريف طفل عمره ‪ ٨‬سنوات يف يومنا هذا‪.‬‬ ‫أجد أن األولوية القصوى تتمحور حول إعطاء املرأة يف العامل العريب حقوقًا متساوية مع الرجل‪ .‬أيضاً أجد حقوق املثليني‬ ‫من املسأل الفائقة األهمية ملا يتعرض له هؤالء من االضطهاد واألذى يف بعض األحيان‪ .‬وأيضاً السامح للفتاة املسلمة‬ ‫بالزواج من رجلٍ مسيحي إذ أنني أعرف بعض أصدقايئ الذين مل يستطيعوا الزواج ألنهم يتبعون ألديان مختلفة‪.‬‬ ‫‪ -11‬من خالل تجربتك وإقامتك يف بالد الغرب‪ ،‬كيف تجد املقارنة بينها وبني البالد العربية؟ وبرأيك ما الذي ينقصنا يك‬ ‫تتطور مجتمعاتنا أكرث لتصل ملصاف الدول الكربى؟‬ ‫رمبا أنا متحيز لكني أريد أن أؤكد مرة آخرى أن فصل الدين عن الدولة هو من أهم ركائز التطور الحضاري‪ .‬وجود‬ ‫مجتمعٍ علام ٍين يحرتم حقوق جميع أفراده بغض النظر عن الخرافة التي يعتنقها هوالء األفراد سيمكن الجميع من‬ ‫التعامل بشكلٍ‬ ‫تضامني أكرث‪ .‬القوقعة الدينية تصبح غري مهم ٍة إذ أن أتباع الديانات لن يشعروا بالحاجة لالحتامء‬ ‫ٍ‬ ‫‪33‬‬


‫مصطفى عابدين‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫بطوائفهم لضامن حقوقهم إذ أن القانون يضمن حق الجميع‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات فعال ًة وخالقة‪ .‬طب ًعا هذا املحور أعمق وأكرب‬ ‫هذه الهيكلة متبع ٌة مبنهجي ٍة علمي ٍة يف البناء والتطوير ستنتج‬ ‫من أن أستطيع اإلجابة عليه يف بضعة سطور‪ ،‬لكن بشكلٍ عام هذه بعض رؤوس األقالم‪.‬‬ ‫‪ -12‬كيف تجد املسلمني يف الغرب‪ ،‬هل هم كام يقال عنهم منعزلون وضد الثقافة الغربية؟ وما هو تحليلك لألسباب؟‬ ‫ال أستطيع اإلجابة بشكل عام ألنه مهام كان جوايب فهو تعمي ٌم خاطئ وسأقوم بارتكاب املغالطات التي أتهم اآلخرين‬ ‫بارتكابها‪.‬‬ ‫فعل أن الغرب يكره العرب أو يتعامل‬ ‫‪ -13‬من خالل تجاربك اليومية مع مختلف األطياف يف املجتمع األمرييك‪ ،‬هل تجد ً‬ ‫معهم عىل أساس عنرصي؟ ماهي نظرة الغرب للعرب واملسلمني سواء يف اإلعالم أو عىل مستوى األشخاص البسطاء الذين‬ ‫تقابلهم؟‬ ‫ال أجد هذا… نظرتهم أن العرب واملسلمني غاضبني طوال الوقت وال أحد يعلم كيف يهدؤون‬ ‫‪ -14‬نحن نرى ما يحدث يف بالدنا من قتل وتدمري وإرهاب بسبب الدين‪ ،‬سواء يف العراق أو سوريا أو غريها‪ ،‬ما رأيك مبا‬ ‫تقل أهمية؟‬ ‫يحدث‪ ،‬وهل من اإلجحاف أن نعزوه كله للدين‪ ،‬أم برأيك هناك عوامل أخرى ال ّ‬ ‫من السهل لوم الدين بكل يشء‪ ،‬لكن يف الواقع أنه يوجد عدة مسببات آخرى ال تقل أهمية‪.‬‬ ‫أوالً‪ :‬العامل االقتصادي‪ ،‬االقتصاد مهم جدا ً إذ أن أغلب دول العامل العريب هي ٌ‬ ‫دول فيها حكوماتٌ قمعي ٌة غري منتخبة‬ ‫ترسق موارد شعوبها وال تقدم لهم سوى الفتات‪ .‬نجد أن هذه الحكومات تبني الجوامع واملدارس الرشعية عىل حساب‬ ‫مشاريع البنى التحتية التي قد تشغل أالف الشباب العاطل عن العمل‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬الواقع التعلمي يف بالدنا هو واقع محزن ومخزي إذ أن املعلمني واملعلامت ليسو عىل املستوى املطلوب لتعليم‬ ‫‪34‬‬


‫مصطفى عابدين‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫األطفال بالشكل املقبول‪ .‬مشكلة التعليم مشكل ٌة كبري ٌة وبعيدة األمد إذ أن تأثرياتها تظهر بعد جيلٍ كامل‪ .‬مثالً مايحدث‬ ‫يف سورية اليوم من قتلٍ وتهجريٍ سينتج أجيالً من األطفال غري املتعلمني والذين بدورهم سيدخلون يف دوائر ٍ‬ ‫عنف‬ ‫جديد ٍة ال منتهية‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬نقمة املوارد‪ .‬اكتشاف موار ٍد طبيعي ٍة يف بلدان غري قادر ٍة عىل استثامر وحامية هذه املوارد هو نقم ٌة كربى عىل هذه‬ ‫البلدان إذ أنها تتسب يف تحول هذ البلدان ملرسح رصا ٍع بني القوى الكربى للسيطرة عليها‪.‬‬ ‫‪ -15‬البد وأنه لديك احتكاك بامللحدين يف أمريكا‪ ،‬أخربنا عن أوضاعهم‪ ،‬وهل يعانون مام نعاين منه من تشويه وهجوم‬ ‫مستمر أم أن الوضع هناك أخف وطأة؟ وإىل أي درجة؟‬ ‫طبعاً لدي احتكاك مع بعض امللحدين وأقوم باملشاركة يف بعض النشاطات بني الحني واآلخر لكن أجد أن امللحدين يف‬ ‫العامل الغريب بحكم أنهم أقلي ٌة أصبحوا ميارسون ثقافة النحن والهم‪ .‬علينا كرس هذه القوقعة وأن ال ندع الشعور بأننا‬ ‫متضهدين يؤثر علينا‪ .‬أنا ال أسمح ألحد أن يضطهدين ملجرد أنني ال أقتنع برؤيته املاورائية ملاهية الكون‪.‬‬ ‫ال أستطيع أن أقول هذا عن امللحدين يف العامل العريب إذ أن اإللحاد يف العامل العريب قد يؤدي إىل مقتل أو او أذى امللحد‬ ‫بشكلٍ جدي‪.‬‬ ‫لسبب من األسباب ممنو ٌع‬ ‫طبعاً الناس تختلف حول كل يش ٍء تقري ًبا من فريق كرة القدم إىل لون فستان االنرتنت لكن‬ ‫ٍ‬ ‫عىل اإلنسان العريب أن يعرب عن عدم قناعته بالخرافات الدينية‪ .‬أمتنى للملحدين العرب املزيد من الحريات‪.‬‬ ‫‪ -17‬بحكم أنك قريب من نشاطات امللحدين بأمريكا شاهدنا لك صو ًرا مع ريتشارد دوكنز وغريه من الناشطني يف مجال‬ ‫العلم واإللحاد‪ ،‬أخربنا عن هذه التجارب وماذا أضافت لك؟‬ ‫إلهام بالنسبة يل‪ .‬قابلت‬ ‫طب ًعا ريتشارد دوكنز وسام هريس ونيل ديغراس تايسون وغريهم من األشخاص يشكّلون مصدر ٍ‬ ‫ريتشارد دوكنز يف معرض كتابه األخري ‪ Appetite for wonder‬وتشكرته بشكلٍ‬ ‫شخيص عىل عرشات السنني من العطاء‬ ‫ٍ‬ ‫العلمي‪ .‬مقابلة أشخاص من هذا النوع تذكّرين أننا جمي ًعا قادرين عىل إحداث تغيريٍ إن أردنا‪.‬‬ ‫‪35‬‬


‫مصطفى عابدين‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫‪ -18‬ما هي نظرتك ملستقبل األديان ومستقبل منطقتنا بالعموم؟‬ ‫مستقبل مظل ٌم لألسف… لكن علينا أن نعمل عكس التيار وأن نفعل كل ما نستطيع للنهوض من هذا الثُبات‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -18‬ما هي مشاريعك القادمة‪ ،‬هل ستسعى لتطوير مبادرتك بإنشاء موقع الكرتوين أو مدونة؟‬ ‫أفضل دعم املواقع القامئة حالياً‪ .‬قمت بكتابة عدة مقاالت ملوقع أنأ أصدق العلم وأقوم بالتربع‬ ‫رمبا أقوم بذلك لكني ّ‬ ‫مببالغٍ رمزي ٍة لدعم إدارة بعض املواقع األخرى‪ .‬حاولت التربع ملوقع امللحدين العرب لكن أسباب تقنية منعتني من‬ ‫أموال طائلة ‪)-:‬‬ ‫ذلك… ص ّححوا الخطأ فرمبا أنتم تخرسون ً‬ ‫‪ -19‬ال أحد ينكر أ ّن ظاهرة الالدينية واإللحاد مبنطقتنا يف تز ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ملحوظ‪ ،‬من وجهة نظرك ما أسباب ابتعاد الناس يف‬ ‫ايد‬ ‫بالدنا أكرث فأكرث عن الدين وفق ما نلحظه عىل األقل بشبكات التواصل االجتامعي والعامل االفرتايض‪ ،‬إال َم تعزو هذا‬ ‫بالدرجة األوىل؟‬ ‫أظن أن االنرتنت وسهولة الولوج للمعلومات وضع األديان يف ورط ٍة إذ أن االفكار السيئة صارت تنترش برسعة وأصبح‬ ‫سهل جدا ً التحقق من مصداقية املعلومات‪ .‬اإللحاد ليس ظاهر ًة وإمنا هو الحالة الطبيعية التي يولد عليها اإلنسان‬ ‫ٌ‬ ‫والتخلص من األوهام والخرافات الدينية ليس إال عود ًة إىل طبيعتنا‪.‬‬ ‫‪ -20‬ما رأيك مبا يسميه املؤمنون بامللحد االلكرتوين‪ ،‬أي امللحد الذي ينحرص نشاطه بالعامل االفرتايض وشبكات التواصل‬ ‫تقاعسا أم أنك تراه‬ ‫االجتامعي فحسب بينام نراه بالواقع غائ ًبا إما طواعي ًة أو قرسيًا بالغالب‪ ،‬هل تجد هذا جب ًنا أو‬ ‫ً‬ ‫أفضل من البقاء متفر ًجا حيث أ ّن التقاعس الحقيقي هو ّأل نح ّرك ساك ًنا‪ ،‬وأن نرى أية خطو ٍة مهام كانت صغري ًة والب ّد‬ ‫آجل بنا ًء عىل املثل الفرنيس القائل‪ :‬املاء مع الوقت يحفر الصخر؟‬ ‫عاجل أم ً‬ ‫وأنها ستعود بالنفع إن ً‬ ‫شخص يضع حياته يف خطر إذ أن العامل العريب ميل ٌء باملجانني املستعدين لقتل‬ ‫امللحد املتواجد يف العامل العريب هو‬ ‫ٌ‬ ‫الكافرين يف سبيل ٍ‬ ‫جنات تجري من تحتها األنهار‪ .‬امللحد العريب له الخيار كيف يتعامل مع محيطة وكل خطو ٍة يقدمها‬ ‫‪36‬‬


‫مصطفى عابدين‬

‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫أراء املحاورين تعرب عنهم و ال تعرب عن سياسة املجلة‬

‫مهام كانت صغري ًة فهي خطو ٌة يف منتهى الشجاعة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫نشاطات الكرتونية ملحاوالت التنوير والتوعية للنهوض مبجتمعاتنا‪ ،‬أم‬ ‫وهل تع ّول عىل ما يقوم به الشباب اليوم من‬ ‫ٍ‬ ‫نشاطات فردي ٍة مل َ‬ ‫ترق ألن تبدأ بتحقيق أهدافها املرج ّوة امللموسة رغم عديد املتابعني لها وسهولة‬ ‫أنها التزال مجرد‬ ‫ورسعة انتشارها؟‬ ‫حضاري عىل‬ ‫من ال يع ّول عىل تأثري االنرتنت والنشاطات االكرتونية اليوم البد أن يكون مغيبًا كلياً عن مايجري من تطو ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫الكرة األرضية‪ .‬طب ًعا أجد هذه النشاطات غاي ًة يف األهمية وأعتقد أنها الوسيلة األهم اليوم‪ .‬التطور تراكمي يحتاج زم ًنا‬ ‫وعلينا مواكبة هذا التطور والتأثري عليه دون أن ننتظر املقابل يف اليوم التايل‪.‬‬ ‫‪ -21‬أخربنا عن تجربتك مع مجلة امللحدين العرب‪ ،‬وكيف كانت‪ ،‬وما رأيك بجهود املجلة؟ وهل من نصائح أو مالحظات؟‬ ‫ضخم‪ .‬النصائح التي أقدمها هو تغيري اسم املجلة‪ .‬كام ذكرت سابقًا أنا لست‬ ‫املجلة رائعة جدا ً وتشكل مور ًدا معرف ًيا ً‬ ‫سلبي يف التعميم والتصنيف املبارش‪ .‬املجلة أدا ٌة‬ ‫من املعجبني بتسمية امللحدين "ملحدين" ملا لهذه الكلمة من تأثريٍ ٍ‬ ‫مهمة جدا ً يف تنوير اآلخرين وأعتقد استخدام اسم أكرث جاذبي ًة تسويق ٍة قد تكون خطو ًة إيجابي ٍة يف استقطاب قرا ٍء أكرث‪.‬‬ ‫‪ -22‬ما هي أهم النصائح التي توجهها للملحدين العرب من خالل متابعتك لنشاطهم وحواراتهم؟‬ ‫استخدموا املنهجية العلمية يف البحث والنقاش واتقوا الله… ‪)-:‬‬ ‫‪ -23‬كلمة أخرية تحب أن توجهها لقراء املجلة من ملحدين ومؤمنني؟‬ ‫رصاحة تعبت ‪)-:‬‬

‫شك ًرا لك‬ ‫إعداد‪Gaia Athiest - Alia´a Damascéne :‬‬ ‫‪37‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬

‫سام مار‬ ‫‪38‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬ ‫سام مار‬

‫كان ساه ًرا ‪ -‬كعادته‪ -‬يف إحدى ليايل نوفمرب الباردة‪ ،‬و طَرقات حبات املطر الرتيبة عىل شباك غرفته تذكره مع كل رضب ٍة‬ ‫بحياته الروتينية‪.‬‬ ‫مل من تلك الكليشيهات الجاهزة والكلامت املصفوفة التي تسمى باملحادثات يف هذا الزمن‪ .‬لقد سمعها كلها‬ ‫كان قد َّ‬ ‫من قبل‪ ،‬وبدأ الناس بنظره باالنصهار م ًعا‪ ،‬متحولني إىل ذلك الكيان املطاطي بال مالمح محددة‪ .‬كان عليه أن يعمل‬ ‫طوال اليوم أو يتبعرث عامله طوال املساء‪ .‬ورمبا يرشب يف عطلة نهاية األسبوع ليك مي ّر يومه دون أن يرسح فكره يف عبثية‬ ‫الوجود‪ .‬يف تلك الليلة كان قد فرغ من نرش أحد أعامله الشعرية البسيطة عىل االنرتنت‪ ،‬فقد كان يكتب النرث والشعر‬ ‫كهواي ٍة جانبية‪ .‬أحيانًا كان يتقصد أن يكتب شيئًا يفهمه العامة‪ ،‬وأحيانًا كان يكتب أفكا ًرا أكرث تعقي ًدا‪ .‬أحيانًا كتاباتٌ‬ ‫حزين ٌة‪ ،‬أحيانًا رومانسية‪ ،‬وبعض املرات ساخرة‪.‬‬ ‫يف هذه الليلة‪ ،‬طفق يكتب التايل‪:‬‬

‫الفصل األول‬

‫العام ‪ ، ٢٠٠٠‬املكان أحد بالد الوطن العريب‪:‬‬ ‫امتقع وجه األب الرشقي عندما قالو له "مبارك األم واملولودة بخري‪...‬ماذا ستس ّميها؟" إنه العام ‪ ٢٠٠٠‬و"أبو البنات" كام‬ ‫يعيه أخوه ماز ًحا‪ -‬كان قد رفض الكشف عن جنس الجنني هذه املرة لعل الله يستجيب بـ"صابر" بعد‬ ‫كان يناديه ‪ -‬أو ّ‬ ‫الثالث بنات‪ .‬قاطعت املمرضة أفكاره مر ًة ثانية ‪" :‬إنها فاتنة بحق" ‪...‬أجاب‪ :‬س ّمها كذلك إذًا‪...‬ال يهم‪...‬ال يهم‪.‬‬ ‫وصل أخوه وزوجته اىل املستشفى وعرفوا جنس املولود من تعابري وجهه؛ متتم أخوه‪ :‬الخري باملرة القادمة‪ ،‬ما زالت‬ ‫أمامك الفرصة! بينام متتمت زوجته الغيورة ‪ :‬العيب بها وليس به‪ ،‬هي ال تنجب إال بنات‪ ،‬لو كنت مكانها النتحرت‪ .‬أنا‬ ‫أنجبت ولدين وبنت ومع ذلك أخجل من نفيس!‬ ‫هكذا كان يوم والدة فاتنة‪ ،‬أو يوم النحس كام أسمته زوجة األخ الحقًا‬ ‫مل تستطع أمها اإلنجاب بعد ذلك‪ ،‬األب تزوج بفتا ٍة صغرية السن لينجب منها "صابر" ويطلّق األم ويرتك فاتنة وأخواتها‬ ‫لقدرهم‪.‬‬ ‫العام ‪:٢٠١٦‬‬ ‫ِ‬ ‫‪...‬كفاك حامقة‪ ،‬لقد تخلصت من عبء الجميع وبقيتي ِ‬ ‫أنت‪ .‬أريدك أن تتزوجي وتريحيني‪ .‬نصف أبناء الحي‬ ‫األم‪ :‬فاتنة‬ ‫طلبوا يدك‪.‬‬ ‫عام فقط يا أمي؟ غريب ٌة بالدكم أل ّن مقياس الزمن‬ ‫رسح شعرها أمام املرآة‪ :‬كيف بلغت ال‪ ٣٦‬يف ‪ٍ ١٦‬‬ ‫فاتنة متضغ العلكة وت ّ‬ ‫فعل‪ ،‬عىل أية حال‪...‬‬ ‫ثقب أسود‪ .‬هي بال ٌد مثقوب ٌة ً‬ ‫بها يختلف وكأنها تقع قرب ٍ‬ ‫األم تقاطعها‪ِ :‬‬ ‫ثري قادم الليلة‬ ‫أيضا! أنت ال تعرفني مصلحتك! هناك‬ ‫كفاك تذاك ًيا! هي بالدك ً‬ ‫عريس ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫فاتنة‪ :‬سأخربه بأ ّن لدي رشو ٌط قبل الزواج‪.‬‬ ‫األم‪ :‬ال بأس املهم أن تتزوجي!‬ ‫‪39‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬ ‫سام مار‬

‫فاتنة‪ :‬بالتأكيد هذا هو املهم‪ ،‬سأخربه أنني ال أريد ترك وظيفتي وأ ّن كل راتبي يبقى يل فقط‪ .‬هذا هو رشطي الوحيد‬ ‫للزواج يا أمي‪.‬‬ ‫مثل!‬ ‫األم‪ :‬لكنك ال تعملني! عمرك ستة عرش عا ًما ما زلت يف املدرسة! اطلبي أن تكميل تعليمك ً‬ ‫فاتنة مع ضحك ٍة ساخرة ‪ :‬ال‪ ،‬سأخربه أنني أعمل كفتاة ليل وأحب عميل كث ًريا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫جننت؟ سمعة البنت رأس مالها أيتها الغبية!‬ ‫األم‪ :‬هل‬ ‫فاتنة‪ :‬أمي اهدأي ما زلت زجا ًجا صال ًحا ولست مكسورة ! أمل تقويل يل عذراوية الفتاة كالزجاج إذا انكرس ال يصلح؟ ال‬ ‫تخايف غشاؤك املعظم يف أمان هههه‬ ‫فاتنة‪...‬فعل لقد كان يوم نحس‪ ،‬من أين أتيتني؟ ومن أين لك هذه الثقة واللسان‬ ‫ً‬ ‫األم‪ :‬أنت ستكونني سبب مويت يا‬ ‫السليط؟ ماذا فعلت بحيايت ألستحق ذلك!‬ ‫فاتنة بسخرية‪ :‬ال تقنطي من رحمة الله يا أماه‬ ‫األم‪ :‬هل عديت إىل رشدك واإلميان بالله؟‬ ‫واضح من كتبه؟ أحب الرجل املجنون الذي ميلك القوة‪،‬‬ ‫رجل كام هو‬ ‫فاتنة‪ :‬أنا مؤمنة قانتة عابدة يا أماه‪ ،‬أليس الله ً‬ ‫ٌ‬ ‫أعتقد أنني أعشق الله يا أمي ‪):‬‬ ‫األم‪ :‬حسبي الله ونعم الوكيل ‪...‬حسبي الله ونعم الوكيل!‬

‫الفصل الثاين‬ ‫العام ‪٢٠١٨‬‬ ‫األم‪ :‬والدك قادم ليتكلم معك اليوم‪.‬‬ ‫يل قبل السفر؟‬ ‫فاتنة‪ :‬طلع البدر علينا ‪....‬هل هو قاد ٌم ليطمنئ ع ّ‬ ‫موافق عىل سفرك؟‬ ‫األم‪ :‬من قال لك أنه‬ ‫ٌ‬ ‫أيام عىل األقل‪ ،‬ندخل أنا وأنت يف نقاش‪ .‬وأنت تخرسين دامئًا‪ ،‬ليس ليش ٍء لكن ألنك‬ ‫فاتنة‪ :‬تعرفني يا أمي‪...‬كل بضعة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وجدت عليه آباءك‪ .‬ال ميكنك الدفاع عن منظوم ٍة متهالكة‪ .‬عندما أسافر وتلحقني يب ستلتحقني بدورات‬ ‫متمسك ٌة مبا‬ ‫تعليم لغة‪ ،‬وتغريي ا ُسلوب لباسك‪ ،‬بعد تغيري أفكارك‪ .‬ما ٍ‬ ‫زلت جميلة‪ .‬و‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫سأقتلك إذا فكريت يف ذلك مر ًة أُخرى!‬ ‫أبو صابر‪ :‬ليس عندنا فتيات تسافر!‬ ‫فاتنة‪ :‬والدي املثايل الرائع! لو كنت أعرف أ ّن ذلك سيجلبك لزياريت لكنت فكرت بالسفر منذ الخامسة‪...‬أعني ذلك‬ ‫الوقت عندما كنت أحتاج ِ‬ ‫إليك ‪...‬وأنت مل تكن موجو ًدا‪ ،‬ال أريد منك شيئًا ‪ ،‬حصلت عىل بعث ٍة ورتبت كل يشء‪.‬‬ ‫أبو صابر ‪ :‬إنه رشف العائلة! ماذا سيقول الناس عني؟‬ ‫‪40‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬ ‫سام مار‬

‫فاتنة‪ :‬هل فكرت ماذا ستقول بناتك عنك عندما هجرتنا يا والدي العزيز؟‬ ‫األم‪ :‬عيب يا فاتنة إنه والدك!‬ ‫فاتنة‪ :‬عيب عليك أن تدافعي عنه! إذا كان اجرتأ عليك ألنك ال تعرفني حقك فال يجرتىء عيل! هل ستقولني يل وال تقل‬ ‫لهام ٍ‬ ‫أف وال تنهرهام؟ العبارة التي تأيت من نفس الكتاب الذي يقول مثنى وثالث ورباع؟ هل نسيتي كل ليل ٍة كيف‬ ‫ِ‬ ‫كنت تبكني عندما تزوج عليك؟ وكيف تحطمتي عندما طلقك بدون حقوقك؟‬ ‫أبو صابر‪ :‬أيتها الوقحة سأكرس عظامك!‬ ‫فاتنة مع نظرة تحدي ‪ :‬إيدك وما تعطي! ارضبني‪ ،‬هذه هي لفتة االنتباه الوحيدة التي سأحصل عليها منك عىل أية‬ ‫حال!‬ ‫ األب يصفع فاتنة‬‫فاتنة وشعرها يغطي وجهها ومن تحته ابتسامتها ‪ :‬هل تعرف أن أمل الصفعة ليس جسديًا بل هو اإلهانة؟ هل تعرف‬ ‫ملاذا أبتسم؟ أنت تصفع ألنك تشعر باإلهانة ‪...‬كلام صفعتني بقو ٍة أكرث‪...‬ستعرف أنك تشعر باإلهانة أكرث‪...‬أنا مل اقصد‬ ‫حي‬ ‫إهانتك ‪...‬أنت أتيت وأهنت نفسك‪ .‬هذه كانت فرصتك لتكون أبًا ولو للحظ ٍة واحدة‪...‬لتتكلم معي كإبنة‪...‬ككائنٍ ٍّ‬ ‫وا ٍع وليس امتدا ًدا إلرادتك وحياتك أنت! اقتلني إذا اردت‪ ،‬أنا مسافرة!‬ ‫أبو صابر ‪ :‬أنت ِ‬ ‫لست ابنتي! سأت ّربأ منك أمام املأل! ‪ -‬يبصق عىل فاتنة‬ ‫األم ‪ :‬أبو صابر هدىء أعصابك هي صغري ٌة وال تفهم‪...‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬بل هي تربيتك الفاشلة‬ ‫فاتنة‪ :‬عىل األقل هي حاولت أيها املريب الفاضل!‬ ‫أبو صابر يخرج ويغلق الباب‪.‬‬ ‫األم‪ :‬هل أعجبك ذلك؟ والدك عنيد‪ ،‬اآلن خرستيه إىل األبد!‬ ‫فاتنة‪ :‬بل أزحت أكرب عقب ٍة من طريقي‪.‬‬ ‫األم‪ :‬تس ّمني والدك عقبة؟‬ ‫فاتنة‪ :‬عقبة بن نافع أيضاً ههه‬ ‫األم ‪ :‬مجنونة! ليس لديك قيم ‪...‬أخاف منك أحيانًا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬بل تخافني من األوهام التي س ّي ِ‬ ‫جت بها نفسك‪...‬وأما عن القيم فلدي قي ٌم لكنها تختلف عن دليل كيف تبقني‬ ‫سجينة الذي تتبعيه!‬ ‫األم‪ :‬اغريب عن وجهي‬ ‫فاتنة‪ :‬سأفعل ‪ ،‬لفرت ٍة طويلة‪ .‬لكن لن أنسايك‪ ،‬أنت مسكينة يا أمي‪ ،‬مسكينة وليس ِ‬ ‫لك مع ٌني وال نص ٌري سواي‬ ‫االم‪ :‬تظنني أنك تعرفني ما تفعلني‪ ،‬ستقضني عىل نفسك‪ .‬أي مستقبلٍ لك؟ وحيد ًة يف بال ٍد غريبة!‬ ‫فاتنة‪ :‬أي مستقبلٍ سيكون أفضل من العيش يف املايض ‪...‬‬ ‫‪41‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬ ‫سام مار‬

‫الفصل الثالث‬ ‫فاتنة تكتب يف دفرتها الرسي‪:‬‬ ‫اليوم كان سيئًا ج ًدا‪ .‬والدي رضبني‪ .‬أمي قالت يل اغريب عن وجهي‪ .‬تأملت كث ًريا‪ ،‬لكن ال أستطيع أن أُظهر ذلك‪ .‬إذا‬ ‫يل أن أظهر لهم صلب ًة ال أنكرس‪ ،‬اعرف أ ّن ذلك يسبب‬ ‫أظهرت ضعفًا سيشفقون عيل‪ ،‬إن أشفقوا عيل لن أسافر أب ًدا‪ .‬ع ّ‬ ‫تصلب املشاعر تجاهي‪ .‬لو احرتقت حي ًة سأظل مبتسمة‪ .‬حتى أنا لن أشفق عىل نفيس‪ .‬لو أشفقت عىل نفيس سأكرههم‪.‬‬ ‫إذا كرهتهم سأكره حيايت‪ .‬أحب الحياة‪ .‬ال أكره أح ًدا‪.‬إاذا كرهت أحدهم فقد انترص عيل واخضعني ملشاعر الكره التي‬ ‫يل أن أبقى ثائرة‪ .‬أعرف أ ّن ذلك خط ٌري ألنه يجعلهم يشعرون بالتهديد ملجرد وجودي‪.‬‬ ‫تحكم حياة من يفتح لها الباب‪ .‬ع ّ‬ ‫األسبوع القادم عيد ميالدي الثامن عرش‪.‬‬ ‫ يدق باب الغرفة‬‫عريس جديد‪ ،‬أرجوك اقبيل أن يأيت لريايك وتريه رمبا سيعجبك‪.‬‬ ‫األم ‪ :‬فاتنة هناك‬ ‫ٌ‬ ‫فاتنة‪ :‬أمي الحبيبة أشكرك عىل التأكيد يل أنني ناجح ٌة بيولوجيًا كأُنثى باجتذاب أكرب عد ٍد من الذكور ألختار واح ًدا منهم‬ ‫ليلقحني‪ .‬لكنني أعتذر عن قبول تلك العروض اآلن أل ّن لدي أولوياتٌ أُخرى غري التلقيح حال ًيا‪ .‬انتهى اإلرسال ‪):‬‬ ‫رغم عنها ‪ :‬شق ّية‬ ‫األم تبتسم ً‬ ‫األم تكتب يف دفرتها الرسي‪:‬‬ ‫ال أعرف كيف أتعامل مع فاتنة‪ .‬تختلف عن كل أخواتها منذ الصغر‪ .‬أخاف مام قد تفعله‪ ،‬ألنها مستعد ٌة أن تفعل اي‬ ‫يشء‪ .‬ليس لديها خوف‪ .‬احيانًا أحسدها‪...‬أحسد ابنتي! أمتنى لو كنت مثلها‪...‬رمبا لكنت اآلن يف باريس أمتىش عىل ضفاف‬ ‫نهر السني‪ .‬لكنها صغري ٌة وأخاف عليها‪ .‬أخاف أن تضيع بالسفر ‪ ،‬هي ثائر ٌة وتريد أن تجرب كل يشء‪ .‬ال اعرف ماذا أفعل‪.‬‬ ‫ يدق باب الغرفة‬‫عريس قادم الليلة‬ ‫فاتنة‪ :‬أمي هناك‬ ‫ٌ‬ ‫األم‪ :‬وسرتيه؟‬ ‫عريسا‪ ،‬بل موع ٌد فقط‪ .‬موظف سفارة أورويب‪ .‬وضعت لك بروفايل فيه صورتك‬ ‫فاتنة ‪ :‬ال يا أمي ‪ ،‬يف الحقيقة هو ليس ً‬ ‫ورتبت لك ا ُمسي ًة معه‪ .‬تأكدت أنه لطيف‪ ،‬ومتنعت عن قبول العشاء قبل أن أوافق ‪ .‬قلت له أشياء حقيقي ًة فال تكذيب‬ ‫عليه وتفسدي أمسيتك‪ .‬استمتعتي بوقتك ‪):‬‬ ‫االم‪.......... :‬‬

‫‪42‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬ ‫سام مار‬

‫الفصل الرابع‬ ‫مرت ستة أشهر منذ بلغت فاتنة الثامنة عرشة‪...‬وما زالت‬ ‫هنا يف بالد السلف الصالح‪ .‬اضطرت أن تلتحق بالجامعة لتبعد عن نفسها شبح عقد الزواج الرشعي‪ .‬مل تستطع السفر‬ ‫بعد بسبب عرقلة والدها ألوراقها‪ ،‬ضاعت البعثة عليها‪ .‬أختها الكربى تزوج عليها زوجها فعادت إىل بيت أمها مع‬ ‫أطفالها وطلبت الطالق ‪.‬‬ ‫األم ‪ :‬فاتنة ليك أرىض ِ‬ ‫عليك أرجوك ارتدي الحجاب ‪...‬هو حامي ٌة لك‪ .‬أختك رمبا تطلقت ألنها غري محجبة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬سأفكر يف األمر يا أمي‪.‬‬ ‫األم‪ :‬الله يرىض ِ‬ ‫عليك‪.‬‬ ‫فاتنة تكتب يف دفرتها الرسي‪:‬‬ ‫أمي املسكينة‪ ،‬أخاف عليها أن متوت حزنًا‪ .‬لذلك ال أناقشها هذه األيام‪ .‬ما حدث ألختي وقع عليها كالصاعقة‪ .‬كنت أتأمل‬ ‫أن تنظر حولها فتكفر بكل قيم املجتمع وتكرس قيدها ولكنها أضعف من ذلك‪ .‬أحزن عندما أرى أختي الكسرية‪ .‬يو ًما‬ ‫ما أريد أن أغري القانون يف هذه البالد ألمنع قهر املرأة باملال والعيال‪ ،‬لكن ال أعرف كيف أفعل ذلك وأنا أريد السفر‪.‬‬ ‫أشعر أ ّن البداية هي السفر‪.‬‬ ‫تغلق دفرتها‪ ،‬تنهض وتنظر يف املرآة تتأمل نفسها‪ .‬تقف ويديها عىل خرصها املائل ‪" :‬تقربي قلبي ‪...‬ضيعانك بهالعامل‬ ‫بس" ثم تضحك ‪ ،‬تفتح أمها الباب‪:‬‬ ‫مع من تتحدثني يا فاتنة؟‬ ‫فاتنة‪ :‬مع الله بخصوص الحجاب‬ ‫األم‪ :‬ماذا؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ملاذا خلقني الله هكذا إذا كان يريد تغطيتي؟ ملاذا مل يخلقني مع غطاء جاهز؟‬ ‫األم‪ :‬ليك تظهري لزوجك‬ ‫فاتنة‪ :‬عىل فرض ذلك ملاذا مل يخلق غطاء متحرك يكشف عن جسدي عند التلقيح فقط؟ أليست هذه وظيفتي الوحيدة؟‬ ‫األم‪ :‬أنا متعب ٌة وليس يل مزاج يف النقاش معك‪ .‬تحجبي والال عمرك ال تحجبتي!‬ ‫فاتنة‪ :‬أمي‪ ،‬ما أقصده هو أ ّن ظروفنا ليست تقدير العزيز الحكيم‪ ،‬نحن نصنعها‪ .‬ما حدث ألختي كان سوء تخطيط‬ ‫منذ البداية‪ .‬ما كان يجب أن تتزوج يف التاسعة عرشة وبدون حب! صدقيني سرتتاحني أكرث لو نظريت لألمور بواقعية‪.‬‬ ‫يحزنني حزنك‪.‬‬ ‫األم‪ :‬ال أعرف يا فاتنة ‪ ،‬ال أعرف‪.‬‬

‫‪43‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬ ‫سام مار‬

‫الفصل الخامس‬ ‫أبو صابر‪ :‬ملاذا حولتي إىل كلية التمريض؟ أمل أقل لك أن تصبحي معلمة؟ هل تعرفني شيئًا عن سمعة املمرضات؟ هل‬ ‫تريدين أن يقول الناس عن ابنتي عاهرة؟‬ ‫فاتنة‪ :‬هل تريد جوابًا منطقيًا أم أنك ستجيبني بفرض كالمك سواء كان منطقيًا أم ال؟‬ ‫أبو صابر‪ :‬أريد املنطق طب ًعا‬ ‫فاتنة‪ :‬ال أريد أن أصبح معلمة‪ ،‬أحب مساعدة املرىض‪ ،‬أريد أن أكمل التمريض واتخصص يف علم النفس ثم أكمل تعليمي‬ ‫ٍ‬ ‫مساعد أستطيع تشخيص األمراض والوصفات‪ .‬تلك‬ ‫كطبيب‬ ‫يف الخارج ألصبح ممرضة متقدمة‪ .‬ذلك يعني أنني سأصبح‬ ‫ٍ‬ ‫املهنة مطلوب ٌة كث ًريا يف تلك الدول‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬اخريس ! قلت لك ال سفر! إذا ِ‬ ‫أردت أن تحلمي بالسفر علييك الخضوع لرشوطي!‬ ‫فاتنة‪ :‬افحمتني كالعادة‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬أال تريدين معرفة رشوطي؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ال يا والدي ال أريد‪ ،‬ال أملك سوى كرامتي‪ ،‬وأول رشوطك هو تنازيل عنها‪ .‬اتركها يل‪ ،‬ليس لدي غريها‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬ال ‪ ،‬هو رش ٌط واح ٌد فقط‪ .‬إبن السيد رفيق يعشقك‪ ،‬وأنت تعلمني من هو السيد رفيق وماذا ميلك‪ .‬لن تجدي‬ ‫ِ‬ ‫اشرتطت عليه السفر والدراسة سيوافق‪ ،‬وتكاليف الدراسة عنده مثل رشاء زجاجة عصري‪.‬‬ ‫عريسا أفضل‪ .‬أنا متأك ٌد لو‬ ‫ً‬ ‫رجل يحميك ويحافظ عىل سمعتك‪ .‬سيحقق كل أحالمك!‬ ‫وأيضا يكون معك ٌ‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت متهدج ومل تعد تستطيع إخفاء الدمعة التي ترقرقت يف عينها‪ : -‬ا‪...‬ا‪...‬أحالمي ليست للبيع يا أيب!‬ ‫فاتنة‪-‬‬ ‫تركض إىل غرفتها وتغلق الباب ثم تنتحب بالبكاء‬ ‫بحرقة‬ ‫األم‪ :‬أخرج من هنا‬ ‫أبو صابر‪ :‬ماذا ِ‬ ‫قلت؟‬ ‫األم‪ :‬قلت لك انقلع من هنا وال ترينا وجهك مر ًة ثانية! وال تتدخل يف بنايت‪ .‬أنت دمرت حياة بناتك األخريات‪ .‬وأنا كنت‬ ‫غبي ًة وسمعت منك‪ .‬أنت دمرت حيايت‪ .‬وكل ذلك من أجل أن يكون لديك مولو ٌد لديه قضيب! أخرج من بيتي أيها‬ ‫أصل أنت طلقتني وليس لك الحق أن تزورين يف البيت‪ .‬أين السمعة وكالمك الفارغ؟‬ ‫التافه! ً‬ ‫ِ‬ ‫جننت؟‬ ‫أبو صابر‪ :‬هل‬ ‫األم‪ :‬فاتنة هي أميل الوحيد يف هذا العامل‪...‬حاولت أن أغريها‪ ،‬أن أكرسها‪ ،‬لكنها أصلب من ألف رجل‪ .‬أنت تريد كرسها‬ ‫من الداخل‪ .‬لن أسمح لك‪ .‬أريدها حرة‪ .‬أنا سأفعل كل ما بوسعي يك تسافر بعد إكامل الجامعة‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬هكذا إذا ً؟ سرنى‪...‬ستندمني كث ًريا عىل كالمك اليوم‪.‬‬ ‫األم‪ :‬ملاذا ما زلت هنا؟ الباب مفتوح‪ ،‬إىل اللقاء‬ ‫أبو صابر يف طريقه اىل الخارج‪ :‬أردتيها حربًا؟ فليكن‪...‬سأريكم!‬ ‫‪44‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬ ‫سام مار‬

‫الفصل السادس‬ ‫األم‪ :‬سعيد ٌة بالخالص من والدك ‪...‬نفسيتي مرتاح ٌة اآلن ألنني مل أراه أو أسمع منه منذ أشهر‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬سعيد ٌة من أجلك‪ .‬كان يجب أن تفعيل ذلك منذ أن تركك‪.‬‬ ‫أب يف العامل يبقى والدك‪ .‬عىل أية حال من يحتاج الرجال‪ ،‬الحياة‬ ‫األم‪ :‬أبقيت عالقتي معه من أجلكم‪ ،‬حتى لو كان أسوأ ٍ‬ ‫بدونهم أفضل‪.‬‬ ‫خصوصا املتسلطني منهم‪ .‬مل أريد إزعاجك لكنه اتصل يب بعد‬ ‫فاتنة‪ :‬ال يا أمي ال تتطريف‪ .‬قويل من يحتاج األغبياء و‬ ‫ً‬ ‫املشكلة وقال يل إذا مل اتبع مشورته فال أنا ابنته وال يعرفني‪...‬قلت له األب الذي يهدد أبناءه بقطع العالقة ليس أبًا عىل‬ ‫أية حال‪ .‬كانت تلك آخر مر ٍة سمعت منه‪.‬‬ ‫األم ‪ :‬ذلك يحزنني‪..‬‬ ‫فاتنة‪ :‬هذا ألنك أ ٌم جيد ٌة يا والديت‪ .‬أمي‪ ،‬سمعتك تتكلمني مع زوج أختي وتحاولني إقناعها بالعودة له مع أنه تزوج‬ ‫جب عىل العودة"‪.‬‬ ‫عليها‪ .‬أين الكرامة يف ذلك يا أمي؟ أمل يقل عندما تزوج عليها "ماذا ستفعل؟ معها أطفال وستُ َ‬ ‫األم‪ :‬لكنها الحقيقة‪...‬ماذا ستفعل؟‬ ‫عمل و تعتمد عىل نفسها أو تسافر مع األوالد!‬ ‫فاتنة‪ :‬تدرس وتجد ً‬ ‫االم‪ :‬ووالدهم؟‬ ‫أصل‪ .‬خاص ًة أنه حتى ال يدعم أطفاله مال ًيا‬ ‫فاتنة‪ :‬تقصدين املتربع بالسائل املنوي؟ ال أعترب هذا النوع من الذكورآبا ًء ً‬ ‫ليجربها عىل الرجوع!‬ ‫األم‪ :‬أفكارك غريب ٌة‪ ،‬من أين تأتني بها؟‬ ‫فاتنة‪ :‬من منطق أن الرجل واملرأة متساويان من ناحية القدرات العقلية لذلك ليس من حق إنسانٍ أن يتحكم مبصري‬ ‫إنسانٍ آخر بالغ‪ .‬حتى يف الزواج التفاهم سيد األحكام ‪.‬‬ ‫األم‪ :‬لكن الرجال قوامون عىل النساء‬ ‫فاتنة‪ :‬الرجل الذي كتب هذا الكالم يستخف بالنساء!‬ ‫رجل‪ ،‬إنه الله عز وجل‬ ‫األم‪ :‬إنه ليس ً‬ ‫فاتنة‪ :‬ملاذا يتكلم كرجل ال يحرتم النساء إذًا؟‬ ‫األم‪ :‬استغفر الله العظيم‬ ‫فاتنة‪ :‬ال أصدق أ ّن هذا الكالم يصدر من نفس املرأة التي وقفت يف وجه املتسلط كاللبؤة قبل أشه ٍر قليلة!‬ ‫األم‪ :‬ال أريد التفكري يف املوضوع لدي ما يكفي من املشاكل‬ ‫فاتنة‪ :‬رمبا تكون هذه أكربها! نظرتك لنفسك!‬ ‫‪45‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬ ‫سام مار‬

‫تكتب فاتنة يف دفرتها الرسي ذلك املساء‪:‬‬‫بيت طاغية‪ ،‬ويف كل ٍ‬ ‫"حيث أعيش‪ ،‬يف كل ٍ‬ ‫بلد طاغية‪ ،‬ويف السامء طاغية‪ ،‬وأنا بني الراكعني أقف وال أجد أُذنًا صاغية"‬

‫الفصل السابع‬ ‫فاتنة مع صديقاتها يف الجامعة‬ ‫ملياء الصديقة املقربة‪ :‬فاتنة أنت ترفعني أسهمنا بني الشباب‪...‬عيونهم ِ‬ ‫ترحل كل يوم!‬ ‫إليك ُ‬ ‫فاتنة‪ :‬معهم حق ؛)‬ ‫رائدة الصديقة الغيورة‪ :‬ال تصدقي نفسك‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬من أصدق إذًا؟ ‪):‬‬ ‫رائده‪ :‬ههههه أمزح فقط (تزداد حنقًا من الداخل)‬ ‫أيضا يا رائدة‬ ‫فاتنة‪ :‬أنت جميل ٌة ً‬ ‫رائدة‪ :‬شك ًرا ‪.‬‬ ‫جميل اليوم ‪...‬‬ ‫ملياء‪ :‬الجو ٌ‬ ‫فاتنة‪ :‬ما هي الكلمة العربية الرديفة لكلمة ‪Awkward‬‬ ‫ملياء‪ :‬الجو مكهرب؟ أو محرج؟ يش ٌء ِمن هذا القبيل‬ ‫يُ ْقبِل شاب ويتجه نحو فاتنة‪ :‬مرح ًبا ‪...‬ممكن نتعرف؟‬ ‫تنفجر ملياء ورائدة بالضحك‬ ‫فاتنة‪ :‬ليس لدي مشكلة يف ذلك‪ .‬أرجو ّأل تكون منزع ًجا من ردة فعل صديقايت‪ .‬لكن أريد أن أعطيك نصيحة‪ ،‬هذا‬ ‫األسلوب غري خالق وال مبدع‪ .‬قد ينجح فقط إذا كانت الفتاة معجب ًة بك سابقًا‪ .‬اسمي فاتنة‪ ،‬وأشكرك عىل رغبتك‬ ‫مبعرفتي‪.‬‬ ‫الشاب ينسحب‬ ‫ملياء‪ :‬ما هذا اللطف الزائد؟ هل يعجبك؟‬ ‫فاتنة‪ :‬مل أكن لطيف ًة لكن ملَ أكون فظة؟ ملاذا أجرح مشاعر ٍ‬ ‫سبب إلجاب ٍة حاد ٍة لفعلت‬ ‫شخص بدون سبب؟ لو كان هناك ٌ‬ ‫كعاديت‪ .‬ولكن ال أستطيع أن أكون ألطف ألنه من منظوره سيظن أنه قبول ٍ‬ ‫عرض بالحب‪ .‬رمبا اآلن تعلم شيئًا كان‬ ‫سيميض حياته يردد "ممكن نتعرف" دون أن يتعلمه‪.‬‬ ‫رائدة‪ :‬يا حنونة يا مثقفة أنت!‬ ‫فاتنة‪ :‬يا سالم يا رائدة ما أروع مزاحك املعسول‬ ‫ميتقع وجه رائدة‬ ‫‪46‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬ ‫سام مار‬

‫ملياء‪awkward :‬‬ ‫أصل أنت ال تعرفني أ ّن سمعتك كالقاممة يف الجامعة‪ ،‬الكل يتحدث عنك ويقولون أنك تقضني الليايل يف شقق‬ ‫رائدة‪ً :‬‬ ‫الشباب!‬ ‫فاتنة ‪ :‬شك ًرا للمعلومة‪ ،‬أصبحت كشعر املتنبي‪:‬‬ ‫أنام ملء جفني عن شواردها‪...‬ويسهر الخلق جراها ويختص ُم‬ ‫رائدة‪ :‬هنيئًا لك السمعة القاممة! يا قاممة!‬ ‫تغادر رائدة برسعة‬ ‫ملياء‪ :‬ما هي مشكلتها؟‬ ‫فاتنة‪ :‬صغر النفس‪ ،‬كأن قيمتها وقيمة غريها تساوي ثابت فرتيد إنزال قيمة اآلخرين لتعلو‪ .‬مسكينة‪ ،‬تعيش يف رصا ٍع‬ ‫يل طوال الوقت‪ ،‬امتنى لو كنت أستطيع مساعدتها‪ .‬مسكينة‬ ‫داخ ٍّ‬ ‫ملياء‪ :‬أحيانًا أشعر أنك ذكي ٌة لدرج ٍة مخيفة وأحيانًا اأراك طيب ًة لدرجة السذاجة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫موقف ٌ‬ ‫حادث حديث‬ ‫ترصف ولكل‬ ‫فاتنة‪ :‬لكل‬

‫الفصل الثامن‬ ‫ملياء ‪ :‬أراك تتحدثني مع رأفت أكرث من غريه ‪...‬مع أن هناك الكثريون ممن هم أكرث منه وسام ًة وثرا ًء ممن يتمنون‬ ‫رفقتك‪ .‬ما الذي يعجبك به؟‬ ‫شاب شعرت معه باأللفة ‪ .‬هكذا املرأة األلفة تحدد عالقتها أكرث‬ ‫فاتنة‪ :‬هو ٌ‬ ‫لطيف معي ورمبا مثل اليانصيب كان اول ٍ‬ ‫من أي عاملٍ آخر‪ .‬لكن القلة تدرك ذلك‪.‬‬ ‫ملياء‪ :‬لكل يش ٍء لديك تفس ٌري وتعليل!‬ ‫فاتنة‪ :‬األشياء التي ال أفهمها ترتكني يف حال ٍة أشبه بالضيق‪ .‬عىل فكرة كيف حال رائدة؟‬ ‫يل الوقوف‬ ‫ملياء ‪ :‬توقفت عن الكالم معها بعد الكالم الذي قالته عنك‪ .‬انت ال تستحقني ذلك‪ .‬وأنت أعز صديق ٍة لدي وع ّ‬ ‫بجانبك‪.‬‬ ‫صعب عليها أن تخرس صديقتني م ًعا‪.‬‬ ‫فاتنة ‪ :‬ال ال يزعجني أب ًدا أن تكميل عالقتك معها‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ملياء‪ :‬بعد كل ما قالته عنك تهتمني بها؟‬ ‫فاتنة‪ :‬رمبا تلك اإلشاعات صحيحة ما إدرايك أنت؟ ههه‬ ‫ملياء ‪ :‬ال إنها اشاعاتٌ ألنك جميلة واإلشاعات هنا دامئًا تالحق املرأة الجميلة‬ ‫فاتنة‪ :‬تعرفني‪ ،‬نحن مضطراتٌ للحفاظ عىل ما يسمى السمعة أو عىل األقل عدم ترك دليلٍ ألن فقدانها قد يؤثر عىل‬ ‫تعامل الناس معك‪ .‬قد يصل األمر اىل رؤية البعض لك كلقم ٍة سائغ ٍة بل والتحرش بك‪ .‬لذلك يف املجتمع أحافظ عىل‬ ‫‪47‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬ ‫سام مار‬

‫نو ٍع من الحواجز‪ ،‬أما مع صديقايت فأريد أن أكرس كل مفاهيم الرشف الغبية‪ .‬الرشق يحتاج منظوم ًة أكرث واقعي ًة يف تلك‬ ‫األمور‪ .‬علينا أن نثور دون أن منوت يف تلك الثورة‪ ،‬لذلك أرى الشائعات كإطراء‪.‬‬ ‫ملياء‪ :‬تقرأين الكثري من الكتب!‬ ‫فاتنة‪ :‬يف الحقيقة أقرأ الكثري من املعلومات وأك ّون افكاري الخاصة‪.‬‬ ‫رأفت‪ :‬مرح ًبا فاتنة‪ ،‬مرح ًبا ملياء‪ ،‬عن إذنك أريد أن أتحدث مع فاتنة يف موضوع‪.‬‬ ‫يل الذهاب إىل املحارضة عىل أية حال‪ ،‬إىل اللقاء ‪-‬تغمز فاتنة‬ ‫ملياء‪ :‬ع ّ‬ ‫يتمىش رأفت وفاتنة إىل منطقة منعزلة يف الجامعة‬ ‫يل ان أعرتف لك بيشء‬ ‫رأفت‪ :‬ع ّ‬ ‫فاتنة‪ :‬انت قتلت الرئيس األمرييك جون كندي؟‬ ‫يتلعثم رأفت ‪ :‬لقد مات قبل أن أولد! ال ‪...‬يش ٌء آخر‬ ‫فاتنة‪ :‬يضحكني كيف تأخذ كل ما أقول بجدية‬ ‫رأفت‪ :‬انا أحبك! وأريد الزواج بك!‬ ‫فاتنة تقرتب من رأفت‪ :‬أعد ما قلت ‪...‬الجزء األول فقط‬ ‫رأفت‪ :‬أحبك‬ ‫فاتنة‪ :‬مرة ثانية‬ ‫رأفت‪ :‬أحبك‬ ‫قليل خلف‬ ‫األخرى‪...‬وتلف رجلها ً‬ ‫تضع فاتنة يدها عىل رقبة رأفت ممسك ًة طرف أذنه بأصابعها ‪...‬وتطوق كتفه بذراعها‬ ‫ّ‬ ‫ركبتيه ‪...‬وتطبع قبل ًة خفيف ًة عىل فمه بشفتيها اللتان ملمسهام يشبه الكريم املرطب لكن عىل درجة حرارة الجسم‪.‬‬ ‫يذوب رأفت‪ .‬يحاول تقبيلها‬ ‫فاتنة‪ :‬ال‪...‬يكفي اآلن‪...‬رمبا عندما أقول لك ما قلت يل ‪...‬رمبا قبل ذلك‪ ،‬اآلن إترك يل داليل‪.‬‬ ‫ترتكه يف حري ٍة من أمره ومتيض‬

‫الفصل التاسع‬ ‫ملياء ‪ :‬ماذا حدث بينك وبني رأفت ؟‬ ‫فاتنة‪ :‬قبلة فقط‪ ،‬أنا أقدمت يف الحقيقة‬ ‫ملياء‪ :‬أيتها الشقية!‬ ‫فاتنة‪ :‬تعليمك ‪ ):‬اليوم راسلني ليقول يل أنه اشرتى سيارة ‪ ،‬سنخرج يف نزه ٍة هذا املساء‬ ‫‪48‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬ ‫سام مار‬

‫ملياء‪ :‬تتهني!‬ ‫قليل يوقف رأفت السيارة‬ ‫يف املساء بعد التجول ً‬ ‫عىل تل ٍة تطل عىل أضواء املدينة‬ ‫ينظر إىل فاتنة ثم يقبلها ‪...‬تقبله فاتنة بدالل‬ ‫رأفت‪ :‬تعرفني‪...‬ما زلت أريد الزواج منك رغم كل يشء‬ ‫فاتنة ‪ :‬رأفت‪...‬أنا ال أفكر يف الزواج اآلن عىل اإلطالق‪ .‬مستحيل أن أتزوج اآلن وأقيض عىل نفيس‪ .‬أرجوك ال تذكر هذا‬ ‫األمر أب ًدا‪ .‬وماذا تقصد برغم كل يشء؟‬ ‫رأفت‪ :‬اقصد‪...‬تعرفني‪...‬أنا لست غب ًيا ‪...‬من طريقة تقبيلك وحركاتك أنت لست عذراء‪...‬ومع ذلك مستع ٌد أن أتزوج بك‬ ‫وأسرت رسك‪.‬‬ ‫فاتنة ‪ :‬صحيح؟ كم أنت نبيل ‪...‬حتى لو عرفت انني ضاجعت مثانية رجا ٍل قبلك؟‬ ‫رأفت‪ :‬مثانية؟؟؟؟؟؟‬ ‫فاتنة‪ :‬منت مع رجال كثريين ألنني أحببت رجاالً كثريين‬ ‫رأفت‪ :‬إذًا‪...‬لنؤجل موضوع الزواج قليالً‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬كم أنت تافه ‪...‬‬ ‫رأفت‪ :‬ماذا؟!‬ ‫فاتنة‪ :‬من الجيد أنني لست ممن يهتمون بأول قبل ٍة وأول يش ٍء وهكذا ‪...‬وإال لكنت شعرت أسوأ مام أشعر اآلن‪...‬أنا‬ ‫حتى مل أق ّبل شابًا قبلك أيها التافه‪ .‬ولو كنت فعلت‪ ،‬كيف يغري ذلك نظرتك إ ّيل كل ًيا بهذه الصورة؟ ملاذا تظن أ ّن الفتاة‬ ‫تعطي والشاب يأخذ؟ هل انتقصت كرامتك لو كنت مع آخرين قبلك؟ أتعرف شيئًا‪...‬كل ما كان بيننا هو األلفة‪...‬وأنت‬ ‫نجحت بالقضاء عليها‪.‬‬ ‫تغادر فاتنة السيارة‬ ‫ِ‬ ‫أرجوك أنا أحبك!‬ ‫رأفت‪ :‬فاتنة انتظري‬ ‫يحب ال يغري نظرته بسبب أمو ٍر ثانوية‬ ‫فاتنة تلتفت إىل الخلف‪ :‬كاذب‪ ،‬من ّ‬ ‫رأفت‪ :‬أنا أحبك ‪...‬لكن إذا تركتيني سأفضحك وأخرب الجميع أين أخذت عذراويتك!‬ ‫شخصا ال يؤذيه‪ ،‬ورغم أن تفاهتك ال تؤذيني‪ ،‬إال أ ّن نيتك أوضح من الشمس‬ ‫يحب ً‬ ‫فاتنة‪ :‬الذي ّ‬ ‫متيش باحث ًة عن سيارة اجرة تارك ًة رأفت خلفها‬ ‫تقرتب منها سيار ٌة أُخرى‪...‬السائق يبطىء الرسعة ويفتح الشباك ‪ :‬أيتها الجميلة‪...‬تحتاجني توصيل؟ اصعدي أيتها‬ ‫الجميلة‪...‬ثدييك جميلني ج ًدا‪..‬‬ ‫فاتنة ترسع خطواتها باتجاه منطق ٍة أكرث إضاءةً‪ .‬السيارة تالحقها‬ ‫‪49‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬ ‫سام مار‬

‫الفصل العارش‬ ‫شاب ضخم الجثة ويقرتب منها بطريق ٍة‬ ‫قبل أن تصل فاتنة إىل املنطقة املضيئة تقطع عليها السيارة الطريق ويرتجل منها ٌ‬ ‫تؤكد أنه ال ينوي خ ًريا ‪...‬فاتنة تقرر أن الركض إىل الخلف سيحرصها يف الظالم أكرث‪ ،‬لذا تقرر املواجهة ومحاولة تجاوز‬ ‫الرجل إىل املنطقة املضيئة‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫خطوات منها وتحت ضوء سيارته تتمكن فاتنة من رؤية وجهه بوضوح فتبقى متسمر ًة يف مكانها‬ ‫عندما يصبح عىل بعد‬ ‫وال تحاول الهرب‬ ‫الشاب ‪ٌ :‬‬ ‫ترصف حكي ٌم أن تتوقفي عن محاولة الهرب‪...‬ألنني مل أكن التركك دون أن أتذوقك الليلة ‪..‬هههه‪...‬‬ ‫ميسكها من ذراعها بقوة‬ ‫فاتنة‪ :‬صابر!‬ ‫صابر‪... :‬كيف عرفتي اسمي؟‬ ‫فاتنة‪ :‬رغم أن والدنا مل يجمعنا من قبل إال أين رأيت صورك عىل النت ‪...‬أردت أن أعرف شكل أخي‪...‬أنا اختك فاتنة!‬ ‫ميتقع وجه صابر ‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬هل هكذا يقيض أخي العزيز حامل اسم الوالد املكرم وقته؟ يف التحرش بالفتيات األضعف منه جسديًا؟‬ ‫صابر‪ :‬ال تخربي والدي وأنا لن اخربه أين وجدتك تتسكعني يف الليل مثل العاهرات!‬ ‫فاتنة‪ :‬بل إذهب وقل له ما تشاء‪...‬فرصة سعيدة يا صابر‪...‬طابت ليلتك‬ ‫صابر‪ :‬فاتنة‪...‬أستطيع توصيلك إىل البيت‪ .‬انا آسف‬ ‫فاتنة‪ :‬ال‪ ،‬لقد نلت حظي من اللطف اليوم‪ .‬البيت قريب ويوجد سيارات أجرة هنا‪.‬‬ ‫صابر‪ :‬اعتني بنفسك‬ ‫فاتنة‪ :‬اعتني بنفسك‬ ‫توقف سيارة أجرة ‪ ،‬تصعد يف الكريس الخلفي وتعطي السائق العنوان‪...‬السائق ينظر إليها يف املرآة ويبتسم‪.‬‬ ‫تالحظ فاتنة أ ّن السائق يأخذ طريقًا مختلفًا‬ ‫تتصل بلمياء‪ :‬أنا قريب ٌة منكم‪،‬يف سيارة اجرة رقم ‪ #####‬إسم السائق ‪##### #####‬‬ ‫السائق يعود اىل طريق البيت ولكنه يبدأ بالحديث ‪:‬‬ ‫هل أنت طالبة جامعية؟‬ ‫فاتنة‪ :‬أجل‪.‬‬ ‫صديق يف الجامعة؟‬ ‫السائق‪ :‬هل لك‬ ‫ٌ‬ ‫فاتنة‪ :‬ال‬ ‫‪...‬ولدي بيت‪...‬خذي رقم هاتفي‬ ‫السائق‪ :‬انا لست جامع ًيا لكنني أكسب جي ًدا‬ ‫ّ‬ ‫‪50‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬ ‫سام مار‬

‫فاتنة‪ :‬شك ًرا اكتبه يل عىل ورقة عندما نصل ال اريد تسجيله عىل هاتفي ليك ال يراه أحد‪.‬‬ ‫السائق بسعادة‪ :‬من عيوين! هل والدك يف البيت؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ملاذا؟‬ ‫السائق‪ :‬أريد أن أطلب يدك منه !‬ ‫فاتنة‪ :‬وصلنا ‪ ،‬شك ًرا لك‬ ‫تدفع األجرة‬ ‫السائق ‪ :‬ال لن آخذ منك ! خذي رقمي‬ ‫فاتنة بعد أن تغادر السيارة ترمي عليه املال وتقول‪ :‬إذا رأيتك هنا مر ًة ثانية سأتصل بالرشطة وأتهمك باالغتصاب وهتك‬ ‫العرض‬ ‫يرحل السائق مرس ًعا‬ ‫فاتنة تدخل البيت‬ ‫األم‪ :‬أين ِ‬ ‫كنت؟ اريد أن أعرف اآلن!‬ ‫قليل‪.‬‬ ‫ليل وحدي ملد ٍة طويلة‪ .‬أعدك ‪ .‬أرجوك اتركيني لوحدي ً‬ ‫فاتنة‪ :‬امي‪...‬اتركيني‪...‬لن أخرج ً‬ ‫االم‪ :‬ليحفظك الله‬ ‫فاتنة تكتب يف دفرتها الرسي‪:‬‬ ‫"حيث أعيش‪ ،‬يف الحياة عذاب‪ ،‬وبعد املامت عذاب‪ ،‬هكذا حكم علينا الكتاب"‬

‫‪https://www.facebook.com/TheEnlightenedMinds‬‬

‫‪51‬‬


‫رسالة إىل الله(‪)2‬‬ ‫هذه رسالتي الثان ّية لجاللتكم‪ ،‬والتي أر ّد من خاللها عىل ما وصلني وقيل‬ ‫أنه رسال ٌة منكم شخص ًّيا لشخيص املتواضع‪.‬‬ ‫أولً ‪ ،‬أريد أن ّ‬ ‫أزف إليكم بعض األخبار الس ّيئة‪ ،‬والتي من املفرتض‬ ‫أنكم تعلمونها‪ ،‬فقد ورد يف رسالتكم أنكم تعلمون الغيب‪.‬‬ ‫انتقاصا من قدركم‪ ،‬وطع ًنا يف علمكم للغيب‪،‬‬ ‫وأرجو ّأل تعتربوا هذا‬ ‫ً‬ ‫فلم أكن ألتج ّرأ عىل نقل أخبا ٍر تعلمونها مسبقًا لوال أين قرأت الحوار‬ ‫الذي دار بينكم وبني نبيكم نوح يف الرسالة التي وصلتني منكم (سورة‬ ‫قص عليكم ما حدث بينه وبني قومه رغم علمكم‬ ‫نوح)؛ حيث أ ّن األخري ّ‬ ‫بكل ما حدث بينه وبني قومه‪.‬‬ ‫املسبق ّ‬

‫أبو لهب‬

‫يؤسفني جاللتكم‪ ،‬أن أخربكم أ ّن اسمكم صار‬ ‫ورجعي‬ ‫يرتبط بكل ما هو بش ٌع ومتخل ٌّف‬ ‫ٌّ‬ ‫ومد ّم ٌر‪ ،‬وأننا كلام سمعنا إسمكم رأينا الدم‬ ‫والقتل والدمار ‪...‬‬ ‫ويؤسفني أن أخرب جاللتكم‪ ،‬أ ّن أ ّمتكم‬ ‫خذلتكم‪ ،‬وجعلت كالمكم خاطئًا؛ فهي‬ ‫ٍ‬ ‫صعيد‬ ‫أي‬ ‫ليست خري أ ّم ٍة أُخرجت للناس عىل ّ‬ ‫من األصعدة‪.‬‬

‫‪52‬‬


‫رسالة إىل الله(‪)1‬‬ ‫أبو لهب‬

‫وهنا ال أخفي حرييت وشُ كويك ‪ ،‬وأسألكم ‪:‬‬ ‫ألستم أعلم العاملني؟ ملذا قلتم أنها خري أ ّم ٍة أُخرجت للناس وهي ليست كذلك؟‬ ‫هل أردتم أن ت ُشكّكوا الناس يف ص ّحة الرسالة ونسبها لكم بتلك املقولة الخاطئة؟‪ ‬‬ ‫أم لعلّه كان خطأً وسه ًوا منكم؟ وهل يُعقل أن تخطؤوا؟‬ ‫يف الحقيقة وأنا أقرأ تلك الرسالة (القرآن)‪ ،‬مل أستطع أن أمنع نفيس من السهو‪ ،‬وفقدان الرتكيز‪ ،‬وهذا ليس من عادايت‬ ‫فأنا ال أسهو وال أفقد الرتكيز عاد ًة أثناء قراءة أي كتاب‪.‬‬ ‫تجانسا بني جمل الكتاب وبني عناوين فقراته (السور) ومحتوى تلك الفقرات‪ ،‬فأول السور‬ ‫وسبب هذا هو أين مل أجد‬ ‫ً‬ ‫اسمها البقرة‪ ،‬يف حني أ ّن املحتوى يتكلم عن مواضيع مختلف ٍة العالقة لها بالبقر‪ ،‬و مل أجد ذك ًرا للبقر إال يف صفح ٍة واحد ٍة‬ ‫من بني عرشات الصفحات؛ باإلضافة إىل أين مل أجد تناسقًا ورابطًا منطق ًّيا بني املواضيع التي تتكلم عنها تلك السورة و‬ ‫غريها من الس ّور‪ ،‬فبينام أنا أقرأ كالمكم عن إبراهيم‪ ،‬أجد نفيس فجأ ًة أقرأ عن موىس‪ ،‬ثم يتم القفز لقبيلة قريش؛ و‬ ‫بعدها أجد كال ًما عن الجنة ثم نعود ملوىس وهكذا‪.‬‬ ‫حاولت جاه ًدا أن أفهم سبب هذا البناء غري املتناسق والغري مرتّب لرسالتكم‪ ،‬ومل أجد إال تفس ًريا منطق ًّيا واح ًدا‬ ‫فبينام أنا أبحث عن تاريخ كتابة الرسالة وكيف نُقلت‪ ،‬وجدت أخبا ًرا عن كيفية نقل ُسعاة بريدكم لها‪ ،‬تقول بأ ّن الرسالة‬ ‫ٍ‬ ‫كانت عبار ًة عن جملٍ وفقر ٍ‬ ‫ألحداث معيّن ٍة ‪ ،‬وأنه ت ّم جمع تلك الجمل‬ ‫معي وفقًا‬ ‫زمني ّ ٍ‬ ‫ات متف ّرق ٍة‪ ،‬نزلت‬ ‫ٍ‬ ‫برتتيب ٍّ‬ ‫والفقرات من ِقبل صحابة رسولكم بعد موت األخري؛ ثم ت ّم إحراق ما ُجمع وإعادة الجمع والكتابة يف عهد عثامن دون‬ ‫احرتام ترتيب نزول اآليات والسور‪..‬‬ ‫هذا فرس يل األمر وجعله واض ًحا‪ ،‬فمن الطبيعي ج ًدا أن ال نجد ترابطًا بني الجمل والفقرات فيام بينها‪ ،‬وبني أسامء السور‬ ‫ومواضيعها‪،‬فهييفالنهايةعبار ٌةعنجملٍ وفقر ٍ‬ ‫اتالترابطبينهانزلتمستقل ًة عنبعضهاالبعض‪،‬وتمإلصاقهامعبعضهاالبعض‬ ‫علم بكل هذا؟‬ ‫وهنا أسأل جاللتكم ‪ ،‬أمل تكونوا عىل ٍ‬ ‫‪ ‬‬ ‫علم به‪ ،‬ملاذا تركتموه يحدث بالكيف ّية التي حدث بها؟‬ ‫وإذا كنتم عىل ٍ‬ ‫متالعب بها؟‬ ‫ومالذي يضمن يل أ ّن الرسالة مل يت ّم التالعب بها أكرث مام هي‬ ‫ٌ‬ ‫عم كانت عليه قبل أن يتم تغيري ترتيبها وجمعها بالشكل الذي‬ ‫ومالذي يضمن يل أ ّن معاين الفقرات والسور مل تتغري ّ‬ ‫هي عليه اآلن؟‬ ‫‪53‬‬


‫رسالة إىل الله(‪)1‬‬ ‫أبو لهب‬

‫‪ ‬وسأختم رسالتي هذه مبثا ٍل أنتم أعلم م ّني به‪ :‬وهي آية التطهري‬ ‫﴿قل إمنا يريد الله ل ُيذهب عنكم ال ّرجس أهل البيت و يط ّهركم تطه ًريا﴾‬ ‫‪ ‬‬ ‫فقد وجدت أ ّن ُسعاة بريدكم بشيعتهم وس ّنتهم أجمعوا عىل أ ّن هذه آي ٌة مستقلّة ٌبذاتها‪ ،‬نزلت لوحدها يف محمد‬ ‫وفاطمة وعيل وحسن وحسني لكن حني أقرأها يف القرآن‪ ،‬أجد أنها ليست آي ًة مستقلّ َة؛ بل هي جز ٌء من آي ٍة طويل ٍة‬ ‫النبي‪.‬‬ ‫تتكلم عن نساء ّ‬ ‫فهل ت ّم التالعب بالرسالة‪ ،‬بأن تع ّمد البعض إلصاق هذه اآلية بآية نساء النبي؟ أم هي آي ٌة واحد ٌة وكذب ُسعاة الربيد‬ ‫واجتمعوا عىل الكذب؟‬ ‫‪ ‬‬ ‫أيضاطع ٌنيفالرسالة‪.‬‬ ‫ويفكلتاالحالتنيلدينامشكل َة‪،‬فالتالعببالرسالةهوطع ٌنفيها‪،‬وك ْون ُسعاةالربيدمجموع ٌةمنالكاذبنيهو ً‬ ‫مع التح ّية‪...‬‬

‫‪http://www.youtube.com/user/fiberoty?feature=watch‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/theblackducks‬‬ ‫‪https://twitter.com/eskandarany‬‬ ‫برنامج حواري عىل اليوتيوب تدعم بعض حلقاته رشكة‬ ‫‪ ، Google‬يهدف بالدرجة األوىل إىل إجراء الحوار مع‬ ‫امللحديني والالدينيني املرصيني ‪ ،‬واملتحدثني منهم للغة‬ ‫العربية من ُمجتمعاتنا يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا ‪،‬‬ ‫فكرة وتنفيذ اسامعيل محمد‬ ‫‪54‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪55‬‬


‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫هل لألديان الساموية جذ ٌر ٌ‬ ‫(‪)1‬‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫"إن األديان املنترصة غال ًبا ما تعتمد األعياد الدينية املوجودة أصالً والتي كانت ُمعتَمد ًة يف األديان السالفة‪ ،‬وذلك ليك‬ ‫تجعل التح ّول أقل صدم ٍة‪ ،‬وهذا يف الواقع ما يُعرف بالتح ّول‪ ،‬وهو يساعد الناس عىل التأقلم مع الدين الجديد‪ ،‬إذ‬ ‫يحتفظ بالتايل ال ُعباد بالتواريخ املُق ّدسة نفسها‪ ،‬ويظلّون يصلّون يف األماكن املُق ّدسة نفسها ويستخدمون رموزًا ديني ًة‬ ‫شبيه ٌة لتلك التي كانوا يستخدمونها‪ ،‬مستبدلني بالتايل فقط اإلله الذي كانوا يعبدونه بإل ٍه آخر" (*)‬ ‫ُ‬ ‫(*)رواية مالئكة وشياطني دان بروان ص ‪. 256‬‬

‫‪56‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫ٍ‬ ‫بكلامت‬ ‫دليل عىل وحدة املصدر‪ ،‬بل هو‬ ‫فإن وجود أحد أوجه التشابه بني ديان ٍة قدمي ٍة وديان ٍة حالي ٍة اليعني أن ذلك ٌ‬ ‫أخرى صور ٌة أو مستن ٌد يشري إىل عملية الكفاح التي يخوضها الجنس البرشي منذ أول كلم ٍة خطّها يف صفحة التاريخ‬ ‫ملعرفة ما نطلق عليه اليوم الله‪ ،‬فاألديان املسامة (ساموية) من أبرز مالمحها‪ ،‬بل تكاد أن تكون السمة الرئيسية املميزة‬ ‫لها‪ ،‬بأن مدخالتها إىل الالهوت أو الفكر البرشي تكاد تكون نادرةً‪ ،‬بل وأحيانًا تخلو من اإلبداع الفكري‪ ،‬واإلبداع يندرج‬ ‫النص(**) وبذلك نرى أن النتيجة النهائية تخرج‬ ‫يف خان ٍة مختلف ٍة كل ًيا فهو كام يصفه لنا محمد أركون(‪ )1‬عن التداخل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات جديدة (الديانات الساموية) ولكن بنفس املعطيات أو املكونات الداخلة (للديانات القدمية) يف‬ ‫عىل شكل‬ ‫وخصوصا القرآن يتكشف عنها‬ ‫عملية اإلنتاج تلك‪ .‬بنظر ٍة بديهي ٍة نرى أن البنى السيامئية لنصوص الديانات الساموية‬ ‫ً‬ ‫عملي ٌة دؤوب ٌة يف استيعاب الفلسفات والنصوص الدينية القدمية وهذا اليعني التقليد كام يتو ّهم البعض‪ ،‬وإمنا يعني‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نصب عىل إيجاد ٍ‬ ‫ديانات قدمي ٍة‬ ‫جديد ليس من العدم وإمنا برموز‬ ‫نص‬ ‫التفاعل واالستيعاب والدمج املُبدع ّ‬ ‫الخلق امل ُ ُّ‬ ‫ولكن الرتتيب الرتاكمي يختلف‪ ،‬وذلك من أجل التاميش مع معطيات الزمن الباعث وراء إعادة صياغتها وقولبتها يف هذا‬ ‫النسق‪.‬‬ ‫هنالك مشكل ٌة الزال يعاين منها املجتمع اإلسالمي عام ًة والعريب خاص ًة بكافة مكوناته وهي عدم تقبّله فكرة تطور‬ ‫بعضا ممن خرج من بوتقة األديان يستهزئ بتلك الفكرة‪ ،‬فالتح ّدث عن "الله" كفكر ٍة أخذت‬ ‫مفهوم "الله"‪ ،‬بل نجد أن ً‬ ‫يف التطور الزال يف مجتمعنا من املستحيل التفكري به‪ ،‬وعىل أثر ذلك‪ ،‬فهذه الفكرة بقيت تناقش يف الكتب وليس عىل‬ ‫الصعيد الثقايف بشكلٍ‬ ‫عام‬ ‫رسمي أو ٍ‬ ‫ٍ‬

‫(**)فالخطاب القرآين وفق الخطوات التي يحددها أركون للتحليل السياميئ يخربنا بأننا سنكشف عن دور الذات الحرة يف توليد املعنى وتحديده‪ ،‬وبالتايل الكشف عن طبيعة‬ ‫الخطاب كــ "كل مركب" لغويا طبقا لتقنية اإلقناع‪ ،‬االحتجاج‪ ،‬والتأسيس أو التعليم‪ ،‬وأضيف أنا الدخول إىل بوابة الالعقالنية بالنفس البرشية حيث ّ‬ ‫يدق باباً كل األديان طرقته‬ ‫من قبل مستفيدًا من خاصية العاطفة التي تولدت لدى اإلنسان املسلم الرشقي من خالل ما يسمى القانون اإللهي ونظرته امل ُقدّسة تجاه القرآن بشكلٍ خاص واألديان الساموية‬ ‫بشكلٍ عام‪.‬‬ ‫حيث ميكننا القول أن اللغة السيامئية تكشف لنا أن كل وحد ٍة نصي ٍة من وحدات الخطاب القرآين مبني ٌة عىل أساس سلسل ٍة متسلسل ٍة من األحداث املركبة عىل هيئة بني ٍة‬ ‫وخصوصا لدى مجادلة من يصفهم القرآن بالكفار أو أهل الكتاب) بالتايل يُلقى بنظرنا إىل مرسحية مثري ٍة وهذه األحداث هي ‪:‬‬ ‫دراماتيكية(مساحات الرصاع املفروضة‬ ‫ً‬ ‫لبرشي صالح‬ ‫وحي‬ ‫‪ 1‬‬‫ٍ‬ ‫الله يطلق ً‬ ‫حكم أو يبلغ رسالة عن طريق ٍ‬ ‫هنالك نوعني يتوجه الله إليهم بالخطاب‬ ‫‪ 2‬‬‫– الرافضني للرسالة جمل ًة وتفصيالً(متلقي سلبي)‬ ‫أ ‬ ‫ ‬ ‫– األشخاص الذين استطاعت الكلمة النفوذ إليهم وهم املؤمنني (متلقي إيجايب)‬ ‫ب ‬ ‫ ‬ ‫‪ 3‬التاريخ الدينامييك وهو من صاغه زرادشت وهو نهاية الزمان ومقدم يوم الدينونة «الكافر للنار» املؤمن لجنة النعيم‬‫‪ – 4‬تقيد اإلنسان بالقانون اإللهي من خالل قضايا ترشيعية ومسائل اجتامعية وأخالقية بل أحياناً اقتصادية (ما يخص املجتمع من مختلف النواحي) وهي مشتق ٌة عن األنبياء‬ ‫وقصة الفالح الفصيح‪ ،‬والقضايا الترشيعة من اليهودية وهي تأيت ضمن‬ ‫االجتامعني الذين ظهروا يف مرص حتى قبل زمن ابراهيم املزعوم من ايبو املرصي ووصايا مريكارع البنه ّ‬ ‫زمرة التابو‪ ،‬وهنالك بعض القضايا الترشيعية من العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ملك اليمني «السبايا» التوزيع بني الذكر واألنثى‪ ،‬نظام الغنائم الذي كان الربع ومن ثم تحول للخمس إلخ ‪..‬‬

‫‪57‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫رسخ تلك الفكرة‬ ‫ولذلك إن التحدث به يف يومنا هذا‪ ،‬أشبه بحديث جاليلوا عن أن األرض ليست مركز الكون‪ .‬وهذا ما ّ‬ ‫عند الدهامء قاطب ٍة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ملخص نرشح فيه مفهوم اإلله لتلك الديانات القدمية ومقارنتها مع‬ ‫وبقليلٍ من إلقاء الضوء عىل تلك النقطة ومع رس ٍد‬ ‫الساموية والتمييز بني مفهومي الله واأللوهة‪ ،‬ستتّضح الصورة ‪.‬‬ ‫بريدي أو إمييلٍ عرب ما يُس ّمى الوحي لهو من الخطأ الفادح‪ ،‬ألن ذلك‬ ‫إن االعتقاد بأن فكرة الله قد وصلت إلينا بطر ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫للتمسك مبا قبل اإلحيائية‪ ،‬وبالرغم من‬ ‫االعتقاد الساذج يقفز عن قر ٍون من الجدل بهذا الخصوص‪ُ ،‬متعديًا كل ذلك‬ ‫ّ‬ ‫التمسك بها إال أن بطلها املغوار(شميدت) يُظهر خلالً به‪ ،‬يعىص عىل رواد املنتديات اإلسالمية أو املسيحية كشفه‪ ،‬أو‬ ‫ّ‬ ‫النص ليط ّوعه فقط لدعم فكرته‪ ،‬دون الرجوع إىل‬ ‫املتشدق بأقوالهم‪ ،‬ألن الباحث منهم ما يلبث إال أن يجتزئ من ّ‬ ‫قصة الثوب الخفي الذي اليراه إال‬ ‫الروابط بني تلك الكلامت وإن أظهرت ا ّدعاءاتهم بعض املتانة فهي ليست أكرث من ّ‬ ‫األذكياء‪ ،‬فهم يعاملون أفراد مجتمعاتهم بطريق ٍة غري أخالقي ٍة بل ومتعالي ٌة يف بعض األحيان‪ ،‬وكأنهم يالطفون األطفال‪،‬‬ ‫فشميدت الذي ك ّرس كل عمل حياته ملعالجة هذه املسألة املتعلقة بنظرية النغ ماقبل اإلحيائة والتي تقول باإلميان‬ ‫األويل بإل ٍه أكرب(فكرة التوحيد)‪ ،‬كام نسمع حال ًيا من بعض املتحذلقني‪ ،‬كان خللها أن ذلك يعود بكونها مسأل ًة تاريخي ًة‬ ‫بقوى غيبي ٍة كام بدأ يُتداول حديثاً‪.‬‬ ‫ال مسألة متعلق ًة ً‬ ‫تكشف لنا النهضة اإليطالية يف ريعان شبابها‪ ،‬شيئًا مث ًريا لالنتباه وهو ظهور مفهوم الوحي (‪ ،)2‬وهو ما يُشار إليه بالوحي‬ ‫األويل(أي ما قبل إبراهيم – موىس –يسوع ومحمد)‬ ‫وذلك الوحي يختلف كل االختالف عن اإلله الذي تدعو‬ ‫له النصوص الدينية يف الديانات الثالث‪ ،‬وبأن ذلك‬ ‫الوحي أل َه َم فيثاغورس‪ ،‬أفالطون‪ ،‬وصوالً إىل مجوس‬ ‫الفرس‪ ،‬وعالو ًة عىل ذلك كان البابا اسكندر السادس أمر‬ ‫برسم لوح ٍة يف الفاتيكان مشبع ًة بالرموز والصور املرصية‬ ‫أي الهرمسية‪ ،‬والسبب الرئييس هو اإلعراب عن حامية‬ ‫الرتاث املرصي الباطني‪ ،‬ولكن ما لبثت تلك االكتشافات‬ ‫إىل األفول عىل يد اسحاق كازبون‪ ،‬وهو أن النصوص‬ ‫ُعب‬ ‫ُعب عن ٍ‬ ‫وحي أو ٍيل بقدر ما كانت ت ّ‬ ‫الهرمسية مل تكن ت ّ‬ ‫عن حقيقة أنها كُتبت يف فرت ٍة متأخر ٍة نسبيًا مابني القرنني‬ ‫الثاين والثالث امليالدي‪.‬‬ ‫‪58‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫بوحي هرميس‪ ،‬وتم دحضه‪،‬‬ ‫خالصتها امليول إىل دمج األدب الهلّيني باملسيحي‪ ،‬وعىل هذا املنوال كام وصل إلينا االعتقاد ٍ‬ ‫وحي مام أ ّدى إىل‬ ‫كذلك حصل مع الكتابات عن طريق الكتب املُق ّدسة التي ت ُربز الجانب األكرب من كتابتها عن طريق ٍ‬ ‫العصف باملسيحية ُممه ًدا الطريق لظهور أيدلوجيات طبيعي ٍة ووضعي ٍة‪.‬‬ ‫نجد أن القدر واملوت والحياة والسعادة وهي املرتكزات األساسية يف الديانات الساموية الثالث قد تشبّعت بالفكر‬ ‫اإلغريقي فوجد زيوس بهذه الوسيلة طريقه إلينا‪ ،‬ولكن املُحدد األسايس لتلك األربع‪ ،‬ليس اإلله‪ ،‬بل هو تجربة اإلنسان‬ ‫وسعيه لالرتقاء إىل مصايف القداسة‪ ،‬وتدوين خربته عىل أحجار التاريخ‪ ،‬فإن فكرة زوال الوجود يف الفكر اإلغريقي دعت‬ ‫كمفهوم للتشاؤم ذلك أن اإلنسان لدى هومريوس‪:‬‬ ‫الباحثني إىل النظر إليه‬ ‫ٍ‬ ‫اق تذروها الريح عىل األرض" ‪)3( .‬‬ ‫"أور ٌ‬ ‫فاملوت لدى معارصي هومريوس هو النهاية والطريق املؤدية إىل ظلامت‬ ‫الحس‬ ‫هايديس (العامل السفيل) املسكونة بقبح الظالم البارد املُج َّرد من ّ‬ ‫اإلنساين‪ ،‬فنهاية حياة اإلنسان لدى اإلغريق طرحت رشطًا برشيًا مفاده‬ ‫أن حياة اإلنسان قد سبق تقريرها بالقدر(‪ )4‬وهذا يدفعنا للتساؤل‬ ‫عن األسطورة القدمية املُبهمة عن ألواح القدر السبعة املُعلّقة يف رقبة‬ ‫أريشكيجال‪ ،‬بل وزياد ًة عىل ذلك فهو مفهوم الحياة ما بعد املوت‪ ،‬حيث‬ ‫نرى أن ذلك املفهوم لدى اإلغريق كان ملغ ًيا وهو ما يتشاركه مع الديانة‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫اإلخناتونية بل واليهودية ً‬ ‫فإن فكرة وقوع الجحيم يف العوامل السفلية من باطن األرض‪ ،‬حيث تقبع‬ ‫هنالك قوى الظالم والعذاب األبدي والتي غالبا ما تتشاركها بقية األديان‬ ‫وحتى إن بعضها مل يُ ّصح بكونها يف غياهب األرض ولكن الفكرة املشرتكة‬ ‫هي أنها مسكون ٌة بالظلامت وهذا مايشري إليه اإلسالم من خالل الحديث‬ ‫النبوي من خالل حديثه عن جهنم‪:‬‬

‫‪59‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫ابيضت‪ ،‬ثم أوقد ألف سن ٍة حتى احم ّرت‪ ،‬ثم ألف سن ٍة حتى اسو ّدت فهي سوداء كالليل‬ ‫"أوقد عليها ألف سن ٍة حتى ّ‬ ‫املظلم" (**)‬ ‫بأسلوب بعيد كل البعد عن مفهوم اإلله ُمقربًا إياه إىل التجربة البرشية التي‬ ‫فسها ماين يب هول ‪Many.P.Hall‬‬ ‫ٍ‬ ‫يُ ّ‬ ‫تسعى للحصول عىل االستنارة الروحية ‪:‬‬ ‫"بالحديث عن فكرة اعتبار هايدس (الجحيم باإلغريقية) موط ًنا لقوى الظالم السفلية‪ ،‬نابع ٌة من الفكرة السائدة بأن‬ ‫اآللهة كانت تسكن قمم الجبال ٌ‬ ‫ومثال عىل ذلك جبل األوليمب‪ ،‬حيث تقطن اآللهة االثني عرش لإلغريق‪ .‬لكن ذلك ينبع‬ ‫عب عنه لدى طقوس التعبدية من خالل التجربة الروحية حيث املريد يدخل يف‬ ‫من سعي اإلنسان للمعرفة الباطنية ويُ ّ‬ ‫غرف ومن ثم يصور عىل أن روحه تصعد من العوامل السفىل إىل العوامل العليا" (‪)5‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُ ّ‬ ‫عب عنه الفالسفة عرب قرونٍ وهو "اعرف نفسك"‪ ،‬فأعمق مخاوف اإلنسان هو‬ ‫ما يُريد ماين هول اإلفصاح عنه هو ما ّ‬ ‫عدم املعرفة وعدم املعرفة تكمن يف تغلغل الظالم والجهل يف النفس اإلنسانية ولذلك يجب عليه أن يحاول إزالة ذلك‬ ‫الظالم للتنوير وذلك عن طريق املعرفة‪ ،‬والبدء بالتعرف عىل نفسك أوالً‪.‬‬ ‫وبالنتيجة فإن املوت كان مقر ًرا منذ لحظة الوالدة‪ ،‬وأن مدة الحياة مرمو ٌز لها بالخيط الذي نسجته اآللهة‪ ،‬حيث نرى‬ ‫أن زيوس نفسه يُح ّدد األقدار لبني اإلنسان‪ ،‬وهذا ما تب ّناه الفكر اإلسالمي بوضو ٍح لكنه خلق مشكلة اللوح املحفوظ‬ ‫(***) والتي قام زيوس بحلّها عىل أنه يستطيع تغيري املصري كام استعد ليفعل ذلك يف حالة "ساربدون" ورسعان ما تراجع‬ ‫عن ذلك ملا له خط ٌر عىل الكون وكأن اإلنسان بطريق ٍة ما يف ذلك الزمن يخربنا عن النضج الذي أصبح عليه وهو عدم‬ ‫تق ّبل التغيري عىل يد اآللهة ‪" :‬يف الفرتة التي وصلت فيه حياة هذا إىل ح ّدها‪ .‬ولكن هريا جعلته يالحظ أن إشار ٍ‬ ‫ات مامثلة‬ ‫سيكون لها نتيجة إللغاء قوانني الكون"(‪)6‬‬ ‫ٍ‬ ‫اختالف قد يبدو طفيفًا‬ ‫من أهم العنارص املشرتكة بني الديانات الساموية الثالثة هو عنرص األنبياء ولكن هنالك مجرد‬ ‫بقدر ما يبدو مشكل ًة أساسي ًة ألن ذلك االختالف قد دفع بأتباعهم لذبح بعضهم البعض بسبب ما اعتربوه الشخصية‬ ‫الرئيسية أو الركيزة التي يقوم عليها ذلك الدين‪ :‬موىس لدى اليهود‪ ،‬يسوع ‪ /‬عيىس لدى املسيحية‪ ،‬محمد لدى‬

‫(**) أخرجه الرتمذي‪ ،‬والنسايئ يف كتابيهام عن عباس عن الدوري ‪.‬‬ ‫وخصوصا يف األرسار االيلوسية ذلك أنه مجموعة كتب مقدسة نقشت عىل حجار ٍة تعطى للشخص املختار‬ ‫(***) اللوح املحفوظ يف األدبيات القدمية والتي معظمها قبل اإلسالم‬ ‫ً‬ ‫قصة موىس أيضا مقتبس ٌة عن حضار ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات أقدم من الديانة اليهودية‬ ‫لكن‬ ‫موىس‬ ‫لقوانني‬ ‫مشابهة‬ ‫أنها‬ ‫تعليامت رسية قد يظن البعض‬ ‫تكتب عىل طريقة األسفار تتضمن‬ ‫ّ‬

‫‪60‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫املسلمني‪ ،‬وهنالك بعض الشخصيات التي كسبت دو ًرا يف تلك الديانات‪ :‬نوح‪ ،‬ابراهيم‪ ،‬يعقوب‪ ،‬اسحاق ومنها من لعب‬ ‫دور البطولة‪ :‬داود‪ ،‬سليامن؛ عىل ضوء ذلك سنحاول دراسة كل شخصي ٍة عىل حدة وذلك من خالل تتبّع أبرز الخواص‬ ‫املشرتكة ومحاولة إسقاطها عىل أقرب شخصي ٍة مامثل ٍة لها من الناحية امليثلوجية‪ ،‬ونزعها من سياقها ووضعها يف السياق‬ ‫الديني املُعرب عنها يف األديان‪.‬‬

‫نوح‬ ‫بقصة طوفان نوح‪ ،‬بل وعرف عنه بأنه ا ُمر من الرب بأن يصنع فُلكًا‪،‬‬ ‫شخص عىل وجه هذه املعمورة مل يسمع ّ‬ ‫اليوجد ٌ‬ ‫والبعض اآلخر يعرفه بأنه نبي‪ ،‬ولكن يف الحقيقة هل نعرف من هو نوح؟‬ ‫قصة نوح يف مختلف الحضارات (املرصية‪ ،‬الهندية‪ ،‬السومرية‪ ،‬البابلية‪ ،‬اآلشورية إلخ ‪ )..‬وعندما نقرأ الرتاث‬ ‫لقد ُوجدت ّ‬ ‫السومري نجد التايل‪ :‬يتصل إنيك بامللك زيوسودرا‪ ،‬وكان إنسانًا تقياً صال ًحا ف ُيح ّدثه من وراء الحجاب‪ ،‬كاشفًا له نوايا‬ ‫اآللهة شار ًحا له خطته إلنقاذ الحياة‪ ،‬حيث يقوم زيوسودرا إىل بناء سفين ٍة ضخم ٍة لحمل الزمرة الصالحة من البرش‬ ‫وبعض الحيوانات‪)7( .‬‬ ‫كان زيوسودرا امللك العارش‪ ،‬بينام نوح هو صاحب الجيل العارش من أحفاد آدم (‪ ،)8‬زيوسودرا له ثالثة أبناء كذلك نوح له‬ ‫ثالثة أبناء‬ ‫ونخص بالذكر ابن زيوسودرا يافيوثيس وابن نوح يافث (‪ )9‬أما فيام يتعلق بقصص أبناء نوح الثالثة ولألسف‬ ‫ّ‬ ‫الشديد تم تصنفنا حال ًيا تبعا لها عىل ٍ‬ ‫أسس عرقية وا ُضيف ما يُس ّمى معاداة السامية لتكون تزوي ًرا صار ًخا للتاريخ‪ ،‬نجد‬ ‫قصصهم يف النسخة الهندية من نفس األسطورة وذلك عندما نقول بأن مينو هو نوح واألبناء الثالثة ملينو‪ :‬تشريما‪،‬‬ ‫شاراما‪ ،‬ويافيتي والذين هم املقابل ألبناء نوح الثالثة (‪)10‬‬ ‫إن أسطورة نوح تضاف إىل األساطري الشمسية األخرى حيث تدخل الشمس إىل ما يسمى(مون – أرك) "ارغا نوا" وعىل‬ ‫إثر ذلك يحصل فيضا ٌن يف مرص يتطابق مع الوصف يف األديان الثالثة من حيث اإلسم واملضامني والظواهر املحيطة‬ ‫خصوصا يف أشهر املطر‪ ،‬حيث تنتظر الصحراء يف شاميل‬ ‫بتلك الحادثة‪ ،‬ذلك أن املرصيني أدركوا وملر ٍة واحدة يف السنة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أفريقيا‪ ،‬ووسطها واألرايض العليا‪ ،‬قدوم املطر وعندما يأيت يحدث الفيضان الذي يقوم مبلء الروافد‪ ،‬فبذلك يكون‬ ‫طوفان النيل‪ ،‬وتكون تلك مأسا ٌة بكافة املعايري كل سنة (الطوفان العظيم)‪ ،‬لقد أطلقوا عىل تلك املياه الناتجة عن‬ ‫الطوفان مياه الفوىض (مياه العامء البدايئ) مياه الهيويل‪ ،‬وبالرغم من جلب تلك املياه الدمار والفوىض إال أنها جن ًبا إىل‬ ‫خصباً‬ ‫جنب مع الدمار الذي ت ُحدثه‪ ،‬تجلب معها حيا ًة جديدةً‪ .‬وبعد انحسار املياه يرتاكم الطمي عىل ضفتي النهر‪ُ ،‬م ّ‬ ‫عام تحت ُمس ّمى "أرغا – نوا"‬ ‫األرايض‪ ،‬فيساعد عىل منو املحصوالت الزراعية‪ ،‬وبالتايل كانوا يحتفلون بذلك الحدث يف كل ٍ‬ ‫‪61‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫لكن "أرغا –نو" ‪ ark of Noah )11(.‬فلك نوح‪ ،‬ليس ‪Arga-noa‬‬ ‫فاألرغا – نوا تحتفل بقدوم الطوفان العظيم الحاصل لنهر النيل‪ ،‬حيث يُستبدل العامل القديم املوشك عىل الهالك بكل‬ ‫وجدب لها‪ٍ ،‬‬ ‫ويبس يف املحاصيل ليجلب لها الحياة الجديدة وذلك عن طريق‬ ‫ما يحمله من آالم املايض من جو ٍع لألرض‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫حصلة النهائية إطعامهم من جديد (مالحظة ترتافق مع تربيع القمر‪ ،‬وهو يشبه القارب‬ ‫تخصيب األرايض فتكون امل ُ ّ‬ ‫الصغري)‬

‫وزياد ًة عىل ذلك نجد مقارن ًة بني نوح ومينس املرصي عىل‬ ‫الشكل التايل (‪: )12‬‬ ‫مينس املرصي‬

‫نوح العربي‬

‫إن أول ٍ‬ ‫ملك للمرصين كان مينس‬

‫إن اسم نوح بالعربية‪ :‬مني‬ ‫وبطبيعة الحال هو من حكم األرض بعد الطوفان‬

‫مينس حكم طيبة‬

‫يف العربية الفلك ‪/‬السفينة اسمها طيهب‬

‫سكان طيبة س ّموا انفسهم أقدم البرش‬

‫كذلك ينطبق الكالم عىل من كان يف سفينة نوح يف‬ ‫النسخة اإلسالمية‬

‫كذلك سفينة نوح‬ ‫إن سفينة طيبة يبلغ طولها ‪ 300‬ذراع‬ ‫لقد ذكر هريودت بأن أهل طيبة يطلقون حاممتني لكل كذلك فعل نوح‬ ‫املناطق‬ ‫أول يش تناوله نوح بعد نجاته من الطوفان هو رشب‬ ‫أهل طيبة ا ّدعوا أنهم أول من زرع نبات الكرمة‬ ‫الكرمة‬ ‫‪62‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫ابراهيم‬ ‫بغالم‪ ،‬وهي ركيز ٌة أساسي ٌة يف الديانات الثالث ومع ذلك نجد‬ ‫قصة بشارة الرب له ٍ‬ ‫أبرز ما ُيكننا طرحه عن ابراهيم هو ّ‬ ‫قصة أوغاريتي ٍة لدى القايض العادل دانيال‪.‬‬ ‫أن صداها يرتدد يف ّ‬ ‫ملحمة دانيال األوغاريتية ‪:‬‬ ‫"وهي ِق ّصة الحاكم العادل دانيال‪ ،‬حيث أنه كان عقيم النسل‪ ،‬مل يُرزق ٍ‬ ‫صل كث ًريا يف املعبد‬ ‫بولد يرثه‪ ،‬وكان دانيال يُ ّ‬ ‫ويُق ّرب القرابني ليك ت ُرفع عنه لعنة العقم‪ ،‬وأخ ًريا ظهر اإلله بعل ووعده بأن يُكلّم كبري اآللهة أيل بشأنه‪ ،‬وفعالً صدق‬ ‫بعل يف وعده واستجاب أيل لصلوات دانيال فرزق ول ًدا وأسامه أقهات" (‪)13‬‬ ‫ُ‬ ‫وكذلك فإن ِق ّصة ابراهيم وسارة(*) مبالمحها األساسية تحمل ِق ّصة اإلله براهام‪ ،‬وملكة السامء ساراسفايت‪ ،‬وما هجرة‬ ‫انعكاس لهجرة القبيلة الرباهمية من الهند يف نهاية عرص الثور ‪.‬‬ ‫ابراهيم من أرض أور إال‬ ‫ٌ‬

‫يعقوب‬ ‫إن أبرز حادث تعرض له يعقوب هو الرصاع مع الرب ‪/‬املالك كام‬ ‫ترويه أحداث سفر التكوين‪ ،‬هذه ال ِق ّصة نجد صداها يف األدب‬ ‫اإلغريقي‪ ،‬ذلك بوجود ِق ّص ٍة تروي رصا ًعا تدور رحاه بني هرقل‬ ‫والنريوس(**)‪ ،‬واالسم الذي ا ُطلق عليه ارسائيل الذي اليعدو كونه‬ ‫صلة وصلٍ بني كبار اآللهة دالل ٌة عىل التالقح الثقايف بني أهل‬ ‫فلسطني ومرص آنذاك ‪.‬‬ ‫‪ISIS –RA – EL‬‬ ‫(*) فإسم سارة التي يُطلق عليها السيدة فهو مشتق من النجم سايروس ‪ :‬سايروس هو النجم األكرث متجيدًا يف السامء واسمه يعني األمري‪ ،‬والجذر القديم هو "سور" والتي أصبحت‬ ‫بالعربية سار واستخدمه النبي أشعياء عندما تكلم عن قدوم املسيح كـــ أمري للسالم‬ ‫"ألنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة عىل كتفه ويدعى اسمه عجيبا مش ًريا ال ًها قدي ًرا أبًا أبدياً رئيس السالم"‬ ‫(**) انظر صور الرصاع مع الرب‬

‫‪63‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫إلهة الخصوبة لدى ديانة مرص القدمية ‪ISIS‬‬ ‫)‪(14‬‬ ‫إله الشمس لدى ديانة مرص القدمية ‪RA‬‬ ‫إله زحل لدى الشعوب يف منطقة فلسطني ويوم عبادته السبت ‪EL.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لشخصيات ليست حقيقي ًة بل رمزية‪.‬‬ ‫فكلها صفاتٌ أو أسام ٌء‬

‫داود‬ ‫خصوصا إن عرفت كيف تقرأها‪ ،‬فـ داود وفقًا ملا كتب جيمس فريزر‬ ‫إنها من القصص املمتع قرائتها‬ ‫ً‬ ‫اسمه الحنان وفقًا لصموئيل ‪: 2‬‬ ‫حرب يف جوب مع الفلسطينيني فالحانان بن يعري ارجيم البيتلحمي قتل جليات الجتي وكانت قناة‬ ‫" ثم كانت أيًضا ٌ‬ ‫رمحه كنول النساجني" من املعروف أن داوود هو الذي قتل جليات (البطل الفلسطيني)‪ ،‬واالسم الذي أعطي لديفيد‬ ‫اسم لتموز (أدونيس) يف جنوب كنعان‬ ‫(داود) الحقًا يُكتب " دود‪ -‬داود (املحبوب)" ووفقًا للربوفيسور " سيس" كان ً‬ ‫وكان يستعمل بشكلٍ خاص من قبل اليبوسني يف القدس آنذاك " انتهى (‪)15‬‬ ‫ُ‬ ‫النقف عند حدود ذلك التفسري‪ ،‬ننتقل إىل األسطورة الفينيقة‪ ،‬لرنكّزعىل ما تناولناه عن طريق فريزر‪.‬‬ ‫نقرأ يف األسطورة الفينيقة عن اإلله الفينيقي أشمون الذي كان االبن الثامن بعد سبعة أبناء نقتبس من يوسابيوس‬ ‫القيرصي التايل ‪:‬‬ ‫(الخي) أنجب‬ ‫" إن اإلله الفينيقي سايدك‬ ‫ّ‬ ‫سبعة أبنا ٍء وبذلك يكون مساويًا لإلله‬ ‫اإلغريقي كابريي (واالسم مشتق من لفظ ٍة‬ ‫سامي ٍة هي‪ :‬كبري والتي تعني العظيم)‬ ‫بدون تسمية األم‪ ،‬وبعد ذلك أنجب الولد‬ ‫الثامن من قبل إحدى آلهة األرض املدعوات‬ ‫(تاينيدس) ولقد ُس ّمي أشمون والظاهر أن‬ ‫معناه الثامن" انتهى (‪)16‬‬ ‫دعونا نلقي نظر ًة رسيع ًة عىل الكتاب‬ ‫املُق ّدس سفر صاموئيل األول ‪:‬‬ ‫‪64‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫"فقال الرب لصموئيل حتى متى تنوح عىل شاول وأنا قد رفضته عن أن ميلك عىل إرسائيل إمأل قرنك دهناً وتعال أرسلك‬ ‫اىل يىس البيتلحمي ألين قد رأيت يل يف بنيه ملكًا‪ ،‬فقال صموئيل كيف أذهب إن سمع شاول يقتلني فقال الرب خذ‬ ‫بيدك عجل ًة من البقر وقل قد جئت ألذبح للرب‪ ،‬واد ُع يىس إىل الذبيحة وأنا أعلمك ماذا تصنع وامسح يل الذي أقول لك‬ ‫عنه‪ ،‬ففعل صموئيل كام تكلم الرب وجاء إىل بيت لحم فارتعد شيوخ املدينة عند استقباله وقالوا أسال ٌم مجيئك‪ ،‬فقال‬ ‫سالم قد جئت ألذبح للرب تق ّدسوا وتعالوا معي إىل الذبيحة وق ّدس يىس وبنيه ودعاهم إىل الذبيحة‪ ،‬وكان ملا جاءوا أنه‬ ‫رأى الياب فقال إن امام الرب مسيحه‪ ،‬فقال الرب لصموئيل ال تنظر إىل منظره وطول قامته ألين قد رفضته ألنه ليس كام‬ ‫ينظر اإلنسان ألن اإلنسان ينظر إىل العينني وأما الرب فإنه ينظر إىل القلب‪ ،‬فدعا يىس ابيناداب وعربه أمام صموئيل فقال‬ ‫أيضا مل يخرته الرب‪ ،‬وعرب يىس شمة فقال وهذا أيضا مل يخرته الرب‪ ،‬وعرب يىس بنيه السبعة أمام صموئيل فقال‬ ‫وهذا ً‬ ‫صموئيل ليىس الرب مل يخرت هؤالء‪ ،‬وقال صموئيل ليىس هل كملوا الغلامن فقال بقي بعد الصغري(أي الولد الثامن)‬ ‫وهوذا يرعى الغنم فقال صموئيل ليىس أرسل ِ‬ ‫وأت به ألننا ال نجلس حتى يأيت إىل ههنا‪ ،‬فأرسل وأىت به وكان أشقر مع‬ ‫حالوة العينني وحسن املنظر فقال الرب قم امسحه ألن هذا هو‪ ،‬فأخذ صموئيل قرن الدهن ومسحه يف وسط اخوته‬ ‫وحل روح الرب عىل داود من ذلك اليوم فصاع ًدا ثم قام صموئيل وذهب إىل الرامة"‪ .‬اإلصحاح ‪. )13-1( 16‬‬ ‫أشمون هو الولد الثامن بعد سبع أخوة وفقًا ألسطورة اإلله سايدك‪ ،‬باملثل داود إنه الولد الثامن لــ يىس‪ ،‬وقد تم اختياره‬ ‫أيضا إعادة إحيا ٍء‬ ‫من قبل صاموئيل بعد مروره عىل إخوته السبعة! إذًا نستنتج من الظروف املحيطة ب ِق ّصة داود أنها ً‬ ‫لشخصية اإلله أشمون وزياد ًة عىل ذلك نعود ملا قاله فريزر يف الغصن الذهبي بأن داود(املحبوب) هو االسم القديم‬ ‫لتموز أدونيس‪ ،‬بل إن متوز بقي ينعى يف القدس (موطن اليبوسني) إىل زمن حزقيال "فجاء يب إىل مدخل باب بيت الرب‬ ‫الذي من جهة الشامل وإذا هناك نسو ٌة جالساتٌ يبكني عىل متوز" عالو ًة عىل ذلك نجد أن اإلله أشمون قد قام بإخصاء‬ ‫نفسه كام فعل اإلله أدونيس‪ ،‬ووفقًا لجورج بارتون داود كان املقابل لإلله متوز (‪ ،)17‬أي ُعدنا بأدراجنا إىل ما قاله فريزر‪.‬‬

‫سليامن‬ ‫سليامن الشخصية األبرز بني شخصيات الديانات الثالثة وفقًا ملاين هول‪ ،‬هي اسم الشمس من ثالث لغات مختلفة ‪:‬‬ ‫وهي كالتايل (‪SOL-OM-ON:)18‬‬ ‫اسم الشمس باللغة الالتينية ‪SOL‬‬ ‫اسم الشمس باللغة الهندية وكان يهتف بها املُصلّون متجي ًدا للشمس ‪OM/OHM‬‬ ‫اسم الشمس باللغة املرصية ‪ON :‬‬

‫‪65‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫يوسف‬ ‫من أكرث القراءات املتداولة عن ِق ّصة يوسف هي أن يوسف هو النموذج الذي يجمع بقصته عقد ًة تتم ّدد بني ح ّدين‬ ‫هام اإلخصاب واإلخصاء(‪ ،)19‬عىل الطرف اآلخر ت ُقرأ كقصص أنصاف اآللهة أو النموذج املُستَشعر لإلله امليت (‪ ،)20‬وما‬ ‫ٍ‬ ‫فجوات تو ّجب ردمها لنخرج ٍ‬ ‫بنص ٍ‬ ‫سلس مفهوم الغاية مبسط األسلوب‪.‬‬ ‫بني هنا وهنالك تبقى لدينا بضع‬ ‫يجب علينا البحث يف متاهات التاريخ املرصي‪ ،‬لنعرف األسس املبنية عليها ِق ّصة يوسف‪ ،‬ولنقف عند أول محط ٍة ِق ّصة‬ ‫تجسد عقدة اإلخصاء واإلخصاب‪ ،‬كانا ميلكان دا ًرا صغري ًة عىل ضفاف النيل العظيم‪،‬‬ ‫األخوين أنوبو وبايتي (‪ )21‬واللتي ّ‬ ‫يُقيامن فيها م ًعا‪ ،‬كان "أنوبو" األكرب متزو ًجا‪ ،‬وكان يتوىل شؤون اإلدارة والتنظيم‪ ،‬عىل حني كان بايتي األصغر عامالً‪،‬‬ ‫يغزل النسيج ويرعى البقر‪ ،‬ويحرث األرض (‪. )22‬‬ ‫يوم عندما بدأ موسم الزراعة‪ ،‬ذهب األخوان م ًعا إىل الحقل‪ ،‬حيث يشقى بايتي ويقف الكبري ليرشف عىل العمل‬ ‫وذات ٍ‬ ‫ويداه يف وسطه يأمر وينهى واليفعل شيئًا‪ ،‬وذهب الصغري إىل املنزل‪ ،‬ودخل عىل امرأة أخيه املتزينة يف أبهى حل ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كواحد‬ ‫فطلب منها أن تعطيه كيس البذور فأشارت إىل املخزن‪ ،‬وعندما رفعت عينيها إىل الفتى ‪ ...‬كان يف أوج عنفوانه‬ ‫من اآللهة‪ ،‬وشعرت املرأة كأن يف أعصابها النار‪ ،‬ويف جسدها فحيح األفعى وقالت بكل إطرا ٍء مع فضح عينيها لها عىل‬ ‫ضوء تغزلها به ولهيب الشوق‪:‬‬ ‫"ما أثقل هذا الحمل فوق ظهرك‪ ،‬ومع ذلك فأنت تبدو كمن يحمل قشة"‬ ‫فشعر الفتى بيش ٍء من االضطراب وعادت لتقول‪:‬‬ ‫قوي‪ ،‬مفتول العضالت‪ ،‬مملو ٌء بالعنفوان ! وما أتعس املرأة التي تعيش مع زوج‬ ‫رض ‪ٌ /‬‬ ‫"ما أجمل أن يكون للمرأة ٌ‬ ‫زوج ن ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫قش كام أعيش مع زوجي!"‬ ‫وازدادت املرأة اقرتابًا من الفتى الصغري‪ ،‬ووضعت كفّها الساخن عىل ذراعه املفتول وهي تهمس‪:‬‬ ‫"إنك أقوى من أخيك يا بايتي وأكرث منه عنفوانًا وروع ًة لَكم متنيت أن أكون زوجتك أنت!"‬ ‫بغضب وثور ٍة‪ ،‬و راح يلقي يف أذنيها أقذر النعوت وأقبح األوصاف‬ ‫انتفض الفتى كمن لدغته أفعى ودفع امرأة أخيه عنه‬ ‫ٍ‬ ‫غرضا آخ ًرا من وراء محاوالت املرأة املشحونة باإلثم والعار‪.‬‬ ‫أحس ً‬ ‫لتعريضها بأخيه‪ ،‬وكأنه ّ‬

‫‪66‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫ويف الكتاب املُق ّدس نجد‪:‬‬ ‫مرصي من يد االسامعيليني الذين أنزلوه‬ ‫رجل‬ ‫"وأما يوسف فأنزل إىل مرص واشرتاه فوطيفار خيص فرعون رئيس الرشط ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫إىل هناك‪ ،‬وكان الرب مع يوسف فكان رجالً ناج ًحا وكان يف بيت سيده املرصي‪ ،‬ورأى سيده أن الرب معه وأن كل ما‬ ‫يصنع كان الرب ينجحه بيده‪ ،‬فوجد يوسف نعم ًة يف عينيه وخدمه فوكّله عىل بيته ودفع إىل يده كل ما كان له‪ ،‬وكان‬ ‫من حني وكّله عىل بيته وعىل كل ما كان له أن الرب بارك بيت املرصي بسبب يوسف وكانت بركة الرب عىل كل ما كان‬ ‫له يف البيت ويف الحقل‪ ،‬فرتك كل ما كان له يف يد يوسف ومل يكن معه يعرف شيئًا إال الخبز الذي يأكل وكان يوسف‬ ‫حسن الصورة وحسن املنظر‪ ،‬وحدث بعد هذه األمور أن امراة سيده رفعت عينيها إىل يوسف وقالت اضطجع معي‪،‬‬ ‫فأىب وقال المرأة سيده هوذا سيدي ال يعرف معي ما يف البيت وكل ما له قد دفعه إىل يدي‪ ،‬ليس هو يف هذا البيت‬ ‫أعظم مني ومل ميسك عني شيئًا غريك ألنك امراته فكيف أصنع هذا الرش العظيم وأخطئ إىل الله‪ ،‬وكان إذ كلمت يوسف‬ ‫يو ًما فيو ًما إنه مل يسمع لها أن يضطجع بجانبها ليكون معها‪ ،‬ثم حدث نحو هذا الوقت أنه دخل البيت ليعمل عمله‬ ‫ومل يكن إنسان من أهل البيت هناك يف البيت‪ ،‬فأمسكته بثوبه قائل ًة اضطجع معي فرتك ثوبه يف يدها وهرب وخرج‬ ‫إىل خارج" (‪)23‬‬ ‫ويف القرآن‪:‬‬ ‫وعلم وكذلك نجزي املحسنني‪ ،‬وراودته التي هو يف بيتها عن نفسه وغلّقت األبواب وقالت‬ ‫حكم ً‬ ‫﴿ وملا بلغ أش ّده آتيناه ً‬ ‫رب أحسن مثواي إنه ال يفلح الظاملون‪ ،‬ولقد ه ّمت به وه ّم بها لوال أن رأى برهان ربّه كذلك‬ ‫هيت لك قال معاذ الله إنه ّ‬ ‫لنرصف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا املخلصني﴾ (‪)24‬‬ ‫رسه وانهمك الفتى يف العمل‬ ‫وفتح الفتى الباب‪ ،‬وانطلق إىل الحقل‪ ،‬وهو يجهد أن يُخفي غضبه حتى اليكشف أخوه ّ‬ ‫وكأنه مل يحدث يشء‪ ،‬أما هي فقد خافت أن يعرف زوجها باألمر‪ ،‬وامتألت رغب ًة يف الثأر من الفتى‪ ،‬ولو أ ّدى ذلك إىل‬ ‫القضاء عليه‪ ،‬وراحت تلك املرأة تلطّخ جسمها بالطني‪ ،‬وتخدش ذراعيها وكفيها‪ ،‬لتوهم زوجها بأن ذلك مر ّده لـ آثار‬ ‫اغتصاب ولكنها رفضت االنسالل لتلك الغواية فتكون بذلك قد‬ ‫معرك ٍة عامر ٍة باملقاومة‪ ،‬وتس ّجل تلك ال ِق ّصة عىل أنها‬ ‫ٌ‬ ‫صانت رشفها‪ ،‬وانتقمت من بايتي‪ ،‬وعندما عاد أنوبو مل يرى امرأته تستقبله كاملعتاد‪ ،‬بل وفوجئ بها راقد ًة وتتو ّجع وكل‬ ‫اب والخدوش تغطي كل الذراعني والكفني‪.‬‬ ‫جسدها تلطّخه آثار ط ٍني وتر ٍ‬ ‫فقالت له تلك املرأة من خالل الشهقات والدموع ‪:‬‬

‫‪67‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫"إنه أخوك يا أنوبو لقد حاول أن يفعلها معي‪ ،‬كنت أجلس أّصفّف شعري فاقرتب مني وألقى كيس البذور وراح يتفاخر‬ ‫بقدرته وق ّوته ويسخر من ضعفك‪ ،‬وعندما نهيته هاجمني وألقاين عىل األرض وحاول أن يرسق مني ما متلكه وحدك‪...‬‬ ‫الخ" (*) وأخذ اإلثم والعار برأس أنوبو‪ ،‬ومل يُطق تخ ّيل تلك الصورة التي اطّلع عليها من خالل كلامت امرأته‪ ،‬فذهب‬ ‫مرتبصا خلف الباب‪ ،‬وبعدما ظهر بايتي وهو يسوق أمامه بقراته‬ ‫ليقتص من أخيه عرب خنجره وانطلق به إىل الحظرية‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫يف الطريق إىل الحظرية ومل تكد أول بقر ٍة تدلف من الباب حتى حذّرته ‪:‬‬ ‫مرتبص لك وراء الباب ويف يده خنج ٌر مشحوذ‪ ،‬فانج بنفسك!"‬ ‫"حذار ‪..‬حذار إن أخاك‬ ‫ٌ‬ ‫وحاول أن يستطلع بايتي وأدرك املكيدة وهرب واستعان باإلله رع إله الشمس قائالً‪:‬‬ ‫"أيها اإلله الشمس ‪ ...‬يا من تنرص املظلوم عىل الظامل‪ ،‬أقم الحواجز والسدود بيني وبني أخي!" واستجاب اإلله حورس‬ ‫رع إىل صلواته وانتهت ال ِق ّصة مبعرفة أخيه أنوبو مكيدة زوجته‪.‬‬ ‫نعود للكتاب املُق ّدس‪:‬‬ ‫"وكان ملا رأت أنه ترك ثوبه يف يدها وهرب إىل خارج‪ ،‬أنها نادت أهل بيتها وكلّمتهم قائل ًة انظروا قد جاء إلينا برجلٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت عظيم‪ ،‬وكان ملا سمع أين رفعت صويت ورصخت أنه ترك ثوبه‬ ‫ليضطجع معي فرصخت‬ ‫عرباين ل ُيداعبنا دخل إيل ّ‬ ‫بجانبي وهرب وخرج إىل خارج‪ ،‬فوضعت ثوبه بجانبها حتى جاء س ّيده إىل بيته‪ ،‬فكلّمته مبثل هذا الكالم قائل ًة دخل‬ ‫إيل العبد العرباين الذي جئت به إلينا ل ُيداعبني‪ ،‬وكان ملا رفعت صويت ورصخت أنه ترك ثوبه بجانبي وهرب إىل خارج‪،‬‬ ‫يوسف‬ ‫فكان ملا سمع سيّده كالم امراته الذي كلمته به قائل ًة بحسب هذا الكالم صنع يب عبدك أن غضبه حمي‪ ،‬فأخذ َ‬ ‫س ّيده ووضعه يف بيت السجن املكان الذي كان أرسى امللك محبوسني فيه وكان هناك يف بيت السجن‪ ،‬ولكن الرب كان‬ ‫مع يوسف وبسط إليه لطفًا وجعل نعم ًة له يف عيني رئيس بيت السجن‪ ،‬فدفع رئيس بيت السجن إىل يد يوسف جميع‬ ‫األرسى الذين يف بيت السجن وكل ما كانوا يعملون هناك كان هو العامل‪ ،‬ومل يكن رئيس بيت السجن ينظر شيئًا البتة‬ ‫مام يف يده ألن الرب كان معه ومهام صنع كان الرب ينجحه" (‪)25‬‬ ‫والقرآن‪:‬‬ ‫﴿واستبقا الباب وق ّدت قميصه من دب ٍر وألفيا س ّيدها لدا الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سو ًءا إال أن يُسجن أو‬ ‫عذاب أليم‪ ،‬قال هي راودتني عن نفيس وشهد شاه ٌد من أهلها إن كان قميصه قُ َّد من قُبِلٍ فصدقت وهو من الكذبني‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وإن كان قميصه قُ َّد من ُدبُ ٍر فكذبت وهو من الصادقني‪ ،‬فلام رأى قميصه قُ َّد من ُدبُ ٍر قال إنه من كيدك ّن إن كيدك ّن‬ ‫عظي ٌم‪ ،‬يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئني وقال نسو ٌة يف املدينة امرأة العزيز تراود فتاها‬ ‫فلم سمعت مبكره ّن أرسلت إليهن وأعتدت لهن ُمتكأً وآتت كل واحد ٍة‬ ‫عن نفسه قد شغفها ُح ًبا إنا لرناها يف ضال ٍل ُمبني ّ‬ ‫رشا إن هذا إال ٌ‬ ‫ملك كري ٌم‬ ‫منه ّن سكي ًنا وقالت اخرج عليه ّن فلام رأينه أكربنه وقطّعن أيدي ّهن وقل َن حاش لله ما هذا ب ً‬ ‫(*) تجد ال ِق ّصة كاملة يف هذا الكتاب – األصول األسطورية يف ِق ّصة يوسف التورايت‬

‫‪68‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫قالت فذلك ّن الذي لُمتن ّني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولنئ مل يفعل ما آم ُره ل ُيسجن ّن وليكوناً من الصاغرين‪،‬‬ ‫أصب إليه ّن وأكن من الجاهلني‪ ،‬فاستجاب له ربّه‬ ‫قال ّ‬ ‫أحب إيل مام يدعونني إليه وإلّ ترصف عني كيده ّن ُ‬ ‫رب السجن ُّ‬ ‫فرصف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم‪ ،‬ثم بدا لهم من بعد ما رأوا اآليات ليسج ُن ّنه حتى حني﴾ (‪)26‬‬ ‫فس متعب مناف ذلك وفق لألطر التالية‪:‬‬ ‫يُ ّ‬ ‫"عقدة (مركب) يوسف التورايت بني اإلخصاء واإلخصاب‪ ،‬أسطورة األخوين (أنوبو األكرب وبايتي األصغر) غاب أو ُغ ّيب‬ ‫عنها األب واألم فتق ّدم األخ األكرب العباً دور األب ل ُيامرسه عىل أخيه األصغر بايتي‪ ،‬أما األم فقد اختزلت دورها زوجة‬ ‫األخ األكرب التي تعاملت مع أ ِخ زوجها األصغر بدنائي ٍة تقاطع فيها حس األمومة بحب الزوجة بايتي األخ األصغر الذي‬ ‫تع ّرض إىل إغواء زوجة أخيه ح ّرك فيه مركباً (عقدها) تسلّطت عليه بسبب (العقدة) ق ّوتان األوىل متثل "حبه" والثانية‬ ‫متثل يف "خوفه" وبذلك يكون واق ًعا بني رصاعي اإلخصاء واإلخصاب‪ ،‬وهذا ما حدث ليوسف التورايت حني أغوته زوجة‬ ‫س ّيده عندما تح ّرك املركّب (العقدة) داخله فاستحرض صورة أبيه الحي ملّا صادف س ّيده األب (فوطيفار) وخوفًا من‬ ‫أن تنتهي لذة اإلغواء (اإلخصاب) بهول عقاب اإلخصاء فقد وقف عىل مساف ٍة واحد ٍة بينهام فام يؤكّد إمكانية الوصول‬ ‫ّب (عقدة) يوسف التورايت إىل ح ّد وقوعه بني ح ّدي اإلخصاء واإلخصاب كفرضي ٍة إىل مستوى التنظري" انتهى ‪)27(.‬‬ ‫مبرك ٍ‬ ‫عىل الطرف اآلخر هنالك من نظر إليها عىل أنها من سياق أحد اآللهة امليتة والتي انسلّت بطريق ٍة ما إىل الكتاب املُق ّدس‪،‬‬ ‫بعد القمع املست ّمر املامرس من كهنة يهوه تجاه عبادات الخصب‪ ،‬فتسلّلت تلك ال ِق ّصة معرب ًة عن نفسها بطرقٍ باطني ٍة‬ ‫رسي ٍة‪ ،‬فتكون بذلك أبعد عن شكلها األصيل ولكن مع املحافظة عىل العربة املُستخلصة من تلك ال ِق ّصة‪.‬‬ ‫جنب مع البطريركية‪)28( .‬‬ ‫فال ِق ّصة كام يرويها السواح تأخذ أبعا ًدا مختلف ًة متيض بنا إىل العهود املطريركية جنبا إىل ٍ‬

‫ً‬ ‫الجب‪ ،‬ووصوله إىل بيت فوطيفار ومبيته يف‬ ‫ينطلق من حادثة إعطاء يعقوب لولده يوسف ً‬ ‫قميصا مل ّونًا ثم إلقائه يف ّ‬ ‫البيت الحرميي وفقًا لتعبريه‪ ،‬ودخوله وخروجه من السجن‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫رصا آنذاك عىل النساء‪ ،‬بل إنه ثوب‬ ‫تأسيس للقيم األمومية ملا له من‬ ‫فإن ثوب يوسف‬ ‫ٌ‬ ‫وصف فالثوب املل ّون كان ُمقت ً‬ ‫راحيل والدة يوسف يوم عرسها‪ ،‬وذلك يُطفي طاب ًعا أنثويًا عىل يوسف كآلهة الخصب‪ ،‬فهو إشارة إىل ثياب اإلله‬ ‫رمزي‪ .‬وهو املعادل متا ًما لكلٍ‬ ‫الجب وصعوده منه ليس سوى موتٌ وانبعاثٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ديونيسيوس النسائية‪ ،‬وإلقاء يوسف يف ّ‬ ‫من هبوط متوز‪ ،‬أدونيس إىل العامل األسفل‪ ،‬ودم التيس الذي سفح عىل قميص يوسف يتكلّم عن نفسه بأنه رم ٌز من‬ ‫رموز الخصب تب ًعا لإلله أتيس‪ ،‬وما وضعه بالسجن وخروجه منه إال عالم ٌة عىل موت إله الخصب يف أشهر الشتاء الباردة‬ ‫وعودته مع االعتدال الربيعي جالبًا الخري كام حصل مع يوسف‪ .‬ومع ذلك تبقى لل ِق ّصة فجواتٌ يجب العمل عىل‬ ‫تغطيتها لنملك الحق يف معرفة ال ِق ّصة الكاملة ‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫يجب علينا األخذ مبقولة السواح ومفادها مع الكبت الدائم للرموز تحت ُسلط ٍة روحي ٍة فستظهر تلك الرموز بحل ٍة‬ ‫السلطة تؤ ّدي الغرض ذاته ولكن تغيري املظهر واإلبقاء عىل املضمون وهذا ما مل يتس ّنى لباحثينا قرائته‬ ‫جديد ٍة يف تلك ُ‬ ‫لآلن يف أحالم السجينان لدى يوسف فهي تتكشّ ف عن ِق ّصة موغل ٌة يف ال ِقدم ذُكرت يف نصوص األهرامات وكتاب املوىت‬ ‫وأصبحت تقلي ًدا يف الالهوت اليهودي – املسيحي ونُقلت نص ًيا يف القرآن فتُتىل عىل مسامع املسلمني يف صلواتهم‬ ‫اتيل قدمي ٌة لآللهة املرصية نادت بها بالقدم‬ ‫وجلسات الذكر الحكيم وهم ال يُدركون بل اليعون بأن ما يسمعونه هو تر ٌ‬ ‫ومع عوامل اللغة والثقافة اندرجت تحت غطا ٍء ٍ‬ ‫جديد ولكنها بقيت عىل حالها منتظر ًة من يعود بها إىل مكانها الطبيعي‪.‬‬

‫"فسخط فرعون عىل خصييه رئيس السقاة ورئيس الخ ّبازين‪ ،‬فوضعهام يف حبس بيت رئيس الرشط يف بيت السجن‬ ‫محبوسا فيه‪ ،‬فأقام رئيس الرشط يوسف عندهام فخدمهام وكانا أيا ًما يف الحبس‪ ،‬وحلام كالهام‬ ‫املكان الذي كان يوسف‬ ‫ً‬ ‫واحد حلمه كل ٍ‬ ‫حلم يف ليل ٍة واحد ٍة كل ٍ‬ ‫واحد بحسب تعبري حلمه ساقي ملك مرص وخ ّبازه املحبوسان يف بيت السجن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫غتمن‪ ،‬فسأل خصيي فرعون اللذين معه يف حبس بيت سيده قائالً‬ ‫فدخل يوسف إليهام يف الصباح ونظرهام وإذا هام ُم ّ‬ ‫فقص‬ ‫حلم وليس من يعربه فقال لهام يوسف أليست لله التعابري ق َُّصا عيل‪ّ ،‬‬ ‫ملاذا وجهاكام مكمدان اليوم‪ ،‬فقاال له حلمنا ً‬ ‫رئيس السقاة حلمه عىل يوسف وقال له كنت يف حلمي وإذا كرمة أمامي‪ ،‬ويف الكرمة ثالثة قضبانٍ وهي إذ أفرخت‬ ‫طلع زهرها وأنضجت عناقيدها عنباً‪ ،‬وكانت كأس فرعون يف يدي فأخذت العنب وعرصته يف كأس فرعون وأعطيت‬ ‫أيضا يرفع فرعون رأسك‬ ‫أيام ً‬ ‫أيام‪ ،‬يف ثالثة ٍ‬ ‫الكأس يف يد فرعون فقال له يوسف هذا تعبريه الثالثة القضبان هي ثالثة ٍ‬ ‫ويردك إىل مقامك فتعطي كأس فرعون يف يده كالعادة األوىل حني كنت ساقيه‪ ،‬وإمنا إذا ذكرتني عندك حينام يصري لك‬ ‫أيضا مل أفعل‬ ‫خري تصنع إيل إحسانًا وتذكرين لفرعون وتخرجني من هذا البيت‪ ،‬ألين قد رسقت من أرض العربانيني وهنا ً‬ ‫أيضا يف حلمي وإذا ثالثة‬ ‫شيئًا حتى وضعوين يف السجن‪ ،‬فلام رأى رئيس الخ ّبازين أنه عرب جي ًدا قال ليوسف كنت أنا ً‬ ‫سالل حوارى عىل رأيس‪ ،‬ويف السل األعىل من جميع طعام فرعون من صنعة الخ ّباز والطيور تأكله من السل عن رأيس‪،‬‬ ‫أيضا يرفع فرعون رأسك عنك ويعلقك عىل‬ ‫أيام ً‬ ‫أيام‪ ،‬يف ثالثة ٍ‬ ‫فأجاب يوسف وقال هذا تعبريه الثالثة السالل هي ثالثة ٍ‬ ‫خشب ٍة وتأكل الطيور لحمك عنك "‪)29( .‬‬ ‫﴿ودخل معه السجن فتيان قال أحدهام إين أراين أعرص خم ًرا وقال اآلخر إين أراين أحمل فوق رأيس خب ًزا تأكل الطري منه‬ ‫مم علّمني‬ ‫نبئنا بتأويله إنا نراك من املحسنني‪ ،‬قال ال يأتيكام طعا ٌم ترزقانه إال نبأتكام بتأويله قبل أن يأتيكام ذلكام ّ‬ ‫قوم ال يؤمنون بالله وهم باآلخرة هم كافرون‪ ،‬واتبعت ملة آبايئ إبراهيم وإسحق ويعقوب ما كان‬ ‫رب إين تركت ملة ٍ‬ ‫ّ‬ ‫أأرباب‬ ‫لنا أن نرشك بالله من يشء ذلك من فضل الله علينا وعىل الناس ولكن أكرث الناس ال يشكرون‪ ،‬ياصاحبي السجن‬ ‫ٌ‬ ‫متفرقون خ ٌري أم الله الواحد القهار‪ ،‬ما تعبدون من دونه إال أسامء س ّميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطانٍ‬ ‫إن الحكم إال لله أمر أال تعبدوا إال إياه ذلك الدين الق ّيم ولكن أكرث الناس ال يعلمون‪ ،‬ياصاحبي السجن أما أحدكام‬ ‫فيسقي ربه خمرا وأما اآلخر فيصلب فتأكل الطري من رأسه قُيض األمر الذي فيه تستفتيان﴾ (‪)30‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫‪70‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫إن الحديث عن الخبز والخمر ال يعود بنا إلّ إىل طريق اإلله امليت الذي ابتدأ السواح املشوار به ومل يكمله وهنا سنعمل‬ ‫عىل إكامله‪.‬‬ ‫مهم يف الرتاث املرصي الديني حيث يقول أوزيورس‪:‬‬ ‫يلعب الخبز دو ًرا ً‬ ‫"لقد أكلت الخبز من منزل سيد األضاحي" (‪)31‬‬ ‫ويف الواقع إن الخبز هو الوجبة املُق ّدسة للموىت‪ ،‬حيث كان حورس باألساس يسرتيض اآللهة به‪" ،‬إن األموات قد أكلوا‬ ‫الخبز يف كل غرف ٍة سارة للنظر" (‪)32‬‬ ‫مبا أن الوجبة املُق ّدسة للموىت هي الخبز فلعلّنا نجد تفس ًريا لسبب وفاة الخ ّباز‪ ،‬ذلك أن تفسري حلمه هو املوت املؤكّد‬ ‫ومبا أن حورس تنحرص مهمته يف تقديم الخبز لآللهة فنجد تفس ًريا ملاذا الطيور تأكل من رأسه فحورس يُرمز له برأس‬ ‫صق ٍر وهو ط ٌري ُمق ّد ٌس يف الديانة املرصية‪ ،‬والخشبة املُقابل للصليب يف بعض القراءات فأكل الخبز هو أكل لحم اإلله‬ ‫الذي يعلَّق عىل خشبة‪/‬صليب(*)‬ ‫ُ‬ ‫أيضا ق ّدم الخبز لتالميذه‬ ‫امي مختلفًا حيث يظهر لنا أن يسوع ً‬ ‫نيص ودر ٍ‬ ‫والعهد الجديد يستحرض تلك ال ِق ّصة لكن بسياقٍ ٍ‬ ‫‪:‬‬ ‫"و فيام هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكرس وأعطى التالميذ وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي" (‪)33‬‬ ‫باالنتقال إىل املقصود بالخمر ‪ /‬النبيذ‪ ،‬فإن اإلله املرصي أوزيوروس كان دو ًما يتناول النبيذ والتني‪.‬‬ ‫ونبيذ والذي ينتج يف حرضة أوزيروس‪ ،‬وسيكون لألبد مالمئا ألتباع حورس" (‪)34‬‬ ‫"فليكن هنالك ماتعطيه إياه من خب ٍز ٍ‬ ‫وهذا ما قد يكون األساس لوجبة العشاء األخري‪ ،‬األفخارستيا املُق ّدسة لدى املسيحيني ونجده يف العهد الجديد‪" :‬وفيام‬ ‫هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكرس وأعطى التالميذ وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي‪ ،‬وأخذ الكأس وشكر‬ ‫وأعطاهم قائالً ارشبوا منها كلكم‪ ،‬ألن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثريين ملغفرة الخطايا‪،‬‬ ‫وأقول لكم إين من اآلن ال أرشب من نتاج الكرمة هذا إىل ذلك اليوم حينام أرشبه معكم جدي ًدا يف ملكوت أيب" (‪)35‬‬ ‫رمزي عن دم أوزيروس‪ ،‬دم باخوس‪ ،‬دم ميرثا إلخ ‪ ...‬ويف الحقب املبكّرة ا ُعترب دم أوزيروس الذي‬ ‫إن الخمر تعب ٌري ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫فسه يوسف يف كلتا القصتني القرآنية‬ ‫يعيد الحياة ثاني ًة (‪ )36‬أو يعيد امللء من‬ ‫جديد ولهذا نرى يف حلم الساقي الذي ّ‬ ‫والتوراتية‪ ،‬بأن من ميأل الكأس بالخمر يعود لهيئته األوىل وإىل الحياة‪ ،‬وحياته السابقة عىل رأس عمله‪ ،‬وهذا ما حصل‬ ‫بالضبط وفقًا للتقليد املرصي القديم‪.‬‬ ‫(*)حيث يعلق هزيود بأن بروميثوس قد مدت يديه وثبتت عىل خشبة‪ ،‬وكان هذا الصليب (أي الخشبة) موجودًا بالقرب من مضيق كاسبيان (الستة عرش املصلوبني قبل يسوع)‬

‫‪71‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫ٍ‬ ‫سنبالت‪ ،‬فمن املُر ّجح مبا أن سنبلة القمح يكون من نِتاجها الخبز من املمكن اعتبار السنبلة‬ ‫أما عن حلم الفرعون بـ سبع‬ ‫مبثابة رغيف خبزٍ‪ ،‬وبالتايل تكن سبع أرغفة متفق ًة بذلك مع النص املدون‪:‬‬ ‫"أنا أعيش عىل سبع أرغف ٍة ت ُجلب إيل‪ ،‬أرب ٌع من قبل حورس وثالثٌ عن طريق تحوت" (‪)37‬‬ ‫أما عن سنوات الخري السبع والقحط السبعة فهي أسطور ٌة مدون ٌة عىل قرب نيفرتيتي تُدعى أسطورة سبع مواسم نيلٍ‬ ‫خصب تُتبع بسبع مواسم نيلٍ ٍ‬ ‫قحط (‪ )38‬والبقرة رم ٌز اليزس إلهة الخصب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بتأويل األحالم فهو يقودنا مبارش ًة لكهنة آشور حيث يستم ّدون تلك املعرفة من سريجون ‪)39(.‬‬

‫أما يوسف ودوره‬ ‫فسه يوسف هو ما يُس ّمى طقس أكل لحم اإلله وهو ناب ٌع من‬ ‫يتضح لنا بعد كل ذلك الجدال والنقاش أن الحلم الذي ّ‬ ‫التقاليد يف ديانات الخصب‪ ،‬وجد طريقه إىل القرآن والتوراة و ُدعم من خالل عيد الفصح املسيحي والخروج اليهودي‪.‬‬

‫أيوب‬ ‫املتجب القابع‬ ‫عميق لدى اإلنسان وشعوره بظلم اإلله‬ ‫فكري‬ ‫املحاججة بني العبد الصابر واإلله قد تشكّلت يف ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ظل نض ٍج ٍ‬ ‫ّ‬ ‫يف األعايل‪ ،‬بارد األحاسيس تجاه ما يُصيب البرش‪ ،‬ألنه مل يخترب التجربة اإلنسانية ومل يُعايش اآلالم البرشية فكانت تلك‬ ‫عم يعرتي اإلنسان تجاه ذلك الرب املتسلط‪ ،‬ولو عىل ٍ‬ ‫ضمني من معاناة اإلنسان‪ ،‬وقد أخذها‬ ‫حد‬ ‫املحاججة لإلفصاح ّ‬ ‫ٍ‬ ‫الرتاث العربي والحقًا اإلسالمي نقالً عنه‪ ،‬عن طريق اإلنسان السومري‪ ،‬واآلن نطّلع عىل أبرز املقاطع من ذلك الرثاء‬ ‫املمزوج مبعاناة اإلنسان‪)40( .‬‬ ‫أنا اإلنسان الشاب‪ ،‬البصري‪ ،‬من الزال يحرتمني مل ينجح‬ ‫أكاذيب‬ ‫إن كلاميت املستقيمة تحولت إىل‬ ‫ٍ‬ ‫إن رجل األكاذيب غطّاين مع الريح –الجنوبية‪ ،‬لقد أجربت عىل خدمته‪،‬‬ ‫من يحرتمني مل يجلب العار إيل قبلك‪.‬‬ ‫إن راعي ماشيتي (*) بحث عن القوى الرشيرة ليستعني بها ض ّدي بالرغم من أين لست عد ّوه‬ ‫﴿وأيوب إذ نادى ربه أين مسني الرض وأنت أرحم الراحمني‪ ،‬فاستجبنا له فكشفنا ما به من رض وأتيناه أهله ومثلهم‬ ‫معهم رحمة من عندنا﴾ (قرآن سورة االنبياء ‪)-84 83‬‬ ‫(*) من خالل قرائتي للكتاب امل ُقدّس وهذا املقطع أظن أنه من املحتمل تحول إىل ِق ّصة الشيطان عزازيل الذي غ ّرر بيهوه وجعله ينقلب ضد أيوب ومن ثم استعان ذلك الرب‬ ‫بالشيطان عزازيل ليخترب إميان أيوب ‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫نجد يف الكتاب املُق ّدس‪:‬‬ ‫أيضا يف وسطهم‪ ،‬فقال الرب للشيطان من أين جئت‬ ‫يوم أنه جاء بنو الله ليمثلوا أمام الرب وجاء الشيطان ً‬ ‫"كان ذات ٍ‬ ‫فاجاب الشيطان الرب وقال‪ :‬من الجوالن يف األرض ومن التميش فيها‪ ،‬فقال الرب للشيطان هل جعلت قلبك عىل عبدي‬ ‫كامل ومستقي ٌم يتقي الله ويحيد عن الرش‪ ،‬فأجاب الشيطان الرب وقال‪ :‬هل مجانًا‬ ‫رجل ٌ‬ ‫أيوب ألنه ليس مثله يف األرض ٌ‬ ‫يتقي أيوب الله‪ ،‬أليس أنك س ّيجت حوله وحول بيته وحول كل ما له من كل ناحي ٍة باركت أعامل يديه فانترشت مواشيه‬ ‫ومس كل ما له فإنه يف وجهك يجدف عليك‪ ،‬فقال الرب للشيطان هوذا كل ما له يف‬ ‫يف األرض ولكن ابسط يدك اآلن ّ‬ ‫يوم وابناؤه وبناته يأكلون ويرشبون خم ًرا‬ ‫يدك وإمنا اليه ال متد يدك ثم خرج الشيطان من أمام وجه الرب‪ ،‬وكان ذات ٍ‬ ‫يف بيت أخيهم االكرب‪ ،‬إن رسوالً جاء إىل أيوب وقال البقر كانت تحرث واالتن ترعى بجانبها‪ ،‬فسقط عليها السبئيون‬ ‫وأخذوها ورضبوا الغلامن بحد السيف‪ ،‬ونجوت أنا وحدي ألخربك" (سفر أيوب‪:‬اإلصحاح األول ‪)16-6‬‬ ‫ويف القرآن‪:‬‬ ‫﴿وأيوب إذ نادى ربه أين مسني الرض وأنت أرحم الراحمني‪ ،‬فاستجبنا له فكشفنا ما به من رض وأتيناه أهله ومثلهم‬ ‫معهم رحمة من عندنا﴾ (سورة األنبياء‪)-84 83 :‬‬ ‫ونكمل مع الرثاء السومري‪:‬‬ ‫زوجتي مل تقل كلم ًة صادق ًة عني‬ ‫لقد أسبغ أصدقايئ الكذب عىل كلاميت املستقيمة‬ ‫ورجل األكاذيب تآمر ضدي‬ ‫وأنت‪ ،‬يا إلهي‪ ،‬مل تخذله ومل ت ُفشل مخططّه‬ ‫غضب بشأن‪ ،‬مخططات الشيطان‬ ‫غضبك‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫مختلف مع‪ ،‬مخططات الشيطان‬ ‫األخ ‪....‬‬ ‫ٌ‬ ‫يا إلهي‪ ،‬إن الشمس ترشق يف النهار عىل م ّد النظر‪ ،‬بالنسبة يل يومي الشمس فيه‪.‬‬ ‫وكف يد الشيطان عنه‪ ،‬فتحولت كل‬ ‫وبالطبع كام حصل مع أيوب حصل الحقًا ما حصل مع هذا اإلنسان السومري ّ‬ ‫أحزانه إىل بهج ٍة ورسو ٍر بعد التفات الرب إىل معاناته ودعواته التي صدحت بصوت املعاناة والظلم يف أرجاء الدنيا لتصل‬ ‫بعد ذلك النحيب واليأس إىل ذلك الرب‪.‬‬ ‫ولقد سمع بكاء اإلنسان املرير من قبل ربه‬ ‫عندما مأل رثاؤه ونحيبه قلب ربه‬ ‫فقُبلت كلامته املستقيمة من قبل ربه‬ ‫وبعد ذلك رفع الله يد الشيطان عنه ‪.‬‬ ‫‪73‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫فإن ِق ّصة أيوب السومري(*) كام العربي تَح ِم ُل بني ثنياتها وط ّياتها ت َح ُّم ْل العبد الصابر لنزوات اإلله العابرة‪ ،‬والتي قد‬ ‫جب العبد الصابر عىل تح ّمل كل اآلالم واإلهانات من قبل‬ ‫تنعكس عىل حياة الفرد سل ًبا كام رأينا يف ّ‬ ‫القصتني ومع ذلك يُ َ‬ ‫ذلك اإلله العابث فقط ليحافظ عىل مرضاته وطاعته‪.‬‬ ‫بالرغم من الخسارة التي قد ُينى بها ويبدو أن اإلنسان السومري قد شعر يف قرارة نفسه بعبثية من يدعوهم اآللهة‬ ‫النص البديع الذي أخذه الحقًا النص التورايت ‪.‬‬ ‫فلذلك أطلق ذلك ّ‬

‫يونس‬ ‫معظم القصص املتعلقة بــ موىس‪ ،‬يوشع بن نون‪ ،‬يونس ‪ /‬يونان والشخصيات املحورية يف القرآن والكتاب املُق ّدس ما‬ ‫هي إال أساط ٌري عن الشمس ‪.‬‬ ‫منوذج روما ٌين قدي ٌم ومقصدي بذلك‬ ‫يف شهر آب املايض ما إن كتبت مقال ًة صغري ًة مجتزئ ٍة عن كون أسطورة يونس لها‬ ‫ٌ‬ ‫هرقل‪ ،‬حتى اشتعلت األقالم لتنسب لنفسها ذلك الكالم مع قليلٍ من البحث العقيم محاول ًة الخروج باستنتا ٍج ٍ‬ ‫خاص بها‪،‬‬ ‫بغض النظر عىل أن مقايل الصغري ذلك كان مجتزأ عن مقا ٍل أكرب منه يَ ِصل الخيوط ببعضهن البعض وصوالً لألسطورة‬ ‫ّ‬ ‫األولية أو ما تبدو لآلن عليه بأنها البنية الرئيسية ومقصدي بذلك أوانيس‪.‬‬ ‫ولسبب ما سنكشفه ت ُّبي‬ ‫وما تدور عليه أحداث تلك ال ِق ّصة هل املقصود سمك ٌة أم حوتٌ ؟ حيث أن نسخة امللك جيمس‬ ‫ٍ‬ ‫أن الذي ابتلع يونس ليس حوت ًا إمنا سمك ٌة (‪ )41‬والنسخة العربية منه كذلك‪ ،‬ولكن القرآن أق ّر بأنه حوت‪.‬‬ ‫عام‪ ،‬ومن كتب ال ِق ّصة يف الكتاب املُق ّدس بشكلٍ ٍ‬ ‫خاص كان عىل جهلٍ بأن الحوت من‬ ‫إن الكَتبة يف ذلك الوقت بشكلٍ ٍ‬ ‫الثدييات (‪ ،)42‬إن ال ِق ّصة األساسية لحوت يونس أتت من إلهة البحر "ديرستيو" (‪ )43‬حوت دير‪ ،‬الذي ابتلع وأعاد والدة‬ ‫اإلله أوانيس والذي أصبح كرجلٍ تُعاد والدته من فم الحوت (‪ )44‬فإن رواية بقاء يونس يف جوف الحوت ثالثة أيام ت ُفصح‬ ‫عن الرمز املكبوت داخل ال ِق ّصة فإن الجوف يُشري إىل الرحم‪ .‬حيث هنالك ِق ّصة رومانية – إغريقية عن بوليامن وهي‬ ‫املقابل ل ِق ّصة يونس‪.‬‬ ‫"أن أم بوليامن كانت فينوس‪ ،‬رحم البحر‪ُ ،‬س ّميت دلفينوس والتي عنت كال املعنني دلفي‪ ،‬والرحم" ‪ )45( .‬ذلك أن كلمة‬ ‫سمك مردافها يف اإلغريقية رحم (‪. )46‬‬ ‫(*) أيضا من السياق الدرامي هنالك ِق ّصة مرصي ٌة أطلق عليها برستيد الرجل التعس تشابه ِق ّصة أيوب ‪.‬‬

‫‪74‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫ويُرمز للمسيح من خالل سمكتني ذلك أن عرص املسيح كان عرص الحوت ونجد إشار ٍ‬ ‫ات كثري ٍة كإطعام ‪ 5000‬أالف‬ ‫ٍ‬ ‫عب‬ ‫شخص‪ ،‬من خالل سمكتني ترمزان لربج الحوت ومعظم تالميذه من الصيادين (بطرس) ً‬ ‫وأيضا نتذكّر الفكرة أو كام يُ ّ‬ ‫عنها القديس أغسطني بشكلٍ أكرث وضو ًحا ‪:‬‬ ‫"إذا قمنا برط أو توصيل األحرف األولية للكلامت اإلغريقية مع بعضهن البعض ستظهر لنا الكلمة عىل الشكل التايل‬ ‫والتي تعني سمك "(‪:)47‬‬ ‫‪Ἰησοῦς Χριστος Θεου Υιὸσ Σωτήρ ΙΧΘΥΣ‬‬ ‫أيام ذلك بأنها توضع عىل الصليب (‪24 ،23 ،22‬‬ ‫ولذلك فعندما تصل الشمس يف ‪ 22‬ديسمرب تقف حركتها ملدة ثالثة ٍ‬ ‫ديسمرب) لتولد من جديد يف الخامس والعرشين من الشهر نفسه (االنقالب الشتوي)‪ ،‬وهذا ما حصل مع يونس فبقي‬ ‫أيام يف القرب فيقول ماين يب هول التايل ‪: Many.P.Hall‬‬ ‫أيام كام بقي املسيح ثالثة ٍ‬ ‫قاب ًعا يف داخل جوف الحوت ثالثة ٍ‬ ‫"إن العديد من آباء الكنيسة األوائل آمنوا بأن الحوت الذي ابتلع يونس ‪ /‬يونان كان رم ًزا لإلله األب‪ ،‬وذلك عندما غري‬ ‫قصة يونس يف الواقع تدخل‬ ‫املحظوظ يونس أُلقي خارج السفينة‪ ،‬قُبل يونس يف طبيعته حتى وصوله إىل بر اآلمان‪ ،‬إن ّ‬ ‫ضمن نطاق أساطري التعدية إىل األرسار‪ ،‬فإن السمكة الكبرية تُ ثل قوى الجهل والظالم (*) والتي تغمر اإلنسان‪ ،‬عندما‬ ‫يلقى من السفينة (الوالدة) إىل البحر( الحياة)" (‪)48‬‬ ‫ُ‬ ‫ويقول د‪ .‬جون واتس ‪ John Watts D.r‬ناسباً يونس إىل أساطري اآللهة الشمسية التايل ‪:‬‬ ‫"هنالك العديد من الخرافات واألساطري التي ت ُخربنا عن بطلٍ يُبتلع بواسطة وحش البحر‪ ،‬تقربيًا إجاميل تلك القصص‬ ‫لقصة يونس؛ ت ُص ُّور أسطورة الشمس يف مسارهبوطها باتجاه الغرب وعىل إثر ذلك تُبتلع من قبل الوحش‪ ،‬لتظهر‬ ‫مشاب ٌه ّ‬ ‫قصة يونس والشمس ذلك لـ سفره باتجاه الغرب‪،‬‬ ‫ثاني ًة فقط يف الرشق‪ ،‬كان ذلك معروفًا يف مرص وفارس‪ ،‬إن التشابه بني ّ‬ ‫القصة آثرت متا ًما‬ ‫وابتالعه يف الغرب‪ ،‬وعودته ليظهر يف الرشق من داخل ظلمة جوف السمكة‪ ،‬ولكن إن كانت هذه ّ‬ ‫غيها متاماً‪ ،‬واآلن إنها تأخذ حي ًزا يف التاريخ‪ ،‬مع أدوا ٍر تُلعب من قبل مخلوقات الطبيعة‪،‬‬ ‫عىل مؤلف ّ‬ ‫قصة يونس‪ ،‬فقد ّ‬ ‫وشاهد ٌة عىل ُسلطة كلمة الله والتي تسيطر عىل الخليقة والتاريخ البرشي ُمجتعمني" (‪ )49‬انتهى‪.‬‬ ‫عمل‬ ‫إذًا إن ِق ّصة يونس كغريها من القصص التي رشحناها تحمل رموزًا مختلف ًة متا ًما عن ال ِق ّصة ولكنها دخلت لتُنتج ً‬ ‫خلقًا يؤ ّدي الغاية نفسها‪.‬‬ ‫أدب ًيا ّ‬ ‫(*) وأيضا متثل قوى العامء البدايئ والتي من رموزها وحش البحر أو الحوت أو السمكة الكبرية‬

‫‪75‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫بعد حديثنا عن األنبياء يف الديانات الساموية فإن ذلك يجب أن يقرتن باملُصلحني االجتامعيني يف مرص يف فرتٍة سبقت‬ ‫تلكم األديان قاطب ًة واالنتقال روي ًدا روي ًدا باتجاه التوحيد ثم املرور عىل توحيد إخناتون والتمييز بني مفهومي اآللهة‬ ‫واأللوهة‪.‬‬ ‫"قد يفرح أهل زمان اإلنسان وقد يعمل ابن اإلنسان عىل تخليد اسمه أبد اآلبدين ‪ ...‬إن العدالة ستعود إىل مكانها‬ ‫والظلم ينفى من األرض" (‪)50‬‬ ‫ُ‬ ‫نبي مرصي عاش تقري ًبا عام ‪ 2000‬ق‪ .‬م‬ ‫من أقوال "نفرروهو" وهو ٌ‬ ‫ما هي الحاجة التي دعت إىل ظهور مصطلح األنبياء أو املُصلحني االجتامعيني يف مرص أهو وحي السامء أم تجارب‬ ‫اإلنسان؟‬ ‫عام واملرصي بشكلٍ خاص‪ ،‬أنها نبعت‬ ‫إن املُتف ّحص بحيادي ٍة للتاريخ سيكتب معلقًا عىل التجربة الدينية لإلنسان بشكلٍ ٍ‬ ‫فس ظواهره العص ّية عىل فهمه‪ ،‬عىل أنها من أعامل اآللهة ومايجول‬ ‫من باطنه ومن تجاربه مع العامل الخارجي الذي ّ‬ ‫حوله من تبد ٍل وتغريٍ يف امل ُناخ وتقلب الظواهر‪،‬عزاه إىل وجود قو ٍة ماورائي ٍة رسعان ما توزّعت أدوراها لدى شخصنتها‬ ‫لفرقٍ شتى وا ُطلق عليه ُمج َّمع اآللهة (البانثيون)‪ ،‬فكان العامل من حوله بح ّد ذاته مرس ًحا لتلك القوى والتي دعاها آله ًة‪،‬‬ ‫فمن محاولته البائسة للسيطرة عليها (‪ )51‬بواسطة السحر‪ ،‬حتى نضوج وعيه للعمل تحت لوائها وهو ما ُعرف بالدين‬ ‫فكانت تجاربه عامر ًة ظهر من خاللها ما يُس َّمى التاريخ املُق ّدس املتمثل يف تد ّخل اآللهة يف شؤون البرش عىل املستوى‬ ‫األريض‪ ،‬ذلك أن التاريخ بهذه الحالة يرفض فكرة لعب اإلنسان دو ًرا أساس ًيا فيه‪ ،‬عىل عكس التاريخ الدنيوي املتمركز‬ ‫العب‬ ‫أسايس فيه (‪ )52‬فكان الدين يُساير التطور مع املعطيات التي يفرضها اإلنسان‪ ،‬فهو مل يقف يف‬ ‫عىل قبول اإلنسان كـ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سجل التاريخ‬ ‫حالة الجمود فتامىش مع اإلنسان بكل أدبياته وأبطاله منتقالً من مرحل ٍة إىل مرحل ٍة أخرى؛ فهذا هو واقع ّ‬ ‫البرشي فام يقوم به اإلنسان من كفا ٍح عىل مستوى العامل الظاهري‪ ،‬انعكس عىل عامله الباطني الكامن فيه‪ ،‬حتى تك َّون‬ ‫الدين وتح َّدد وأفىض يف نهاية األمر بالتدريج‪ ،‬إىل ظهور املبادئ األخالقية مع العلم أن الدين يف طفولته مل يكن مع الخط‬ ‫رسخ بها نشوء مجتمعاته ومل‬ ‫املوازي لألخالق التي وصلت إلينا باملفهوم الحايل‪ ،‬فهي تندرج تحت عادات اإلنسان التي ّ‬ ‫قريب أو بعيٍد بالشعور باآللهة والدين عىل حد السواء‪.‬‬ ‫تكن لها عالق ٌة ال من ٍ‬

‫‪76‬‬


‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ‫إلهي أم تر ٌ‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫هرمس مثلث العظمة‬

‫فكانت مظاهر الطبيعة هي الشعور األو ّيل بوجود اآللهة‪ ،‬فكانت العامل األو ّيل يف عقل اإلنسان لتحديد تصور ٍ‬ ‫ات عن‬ ‫املظاهر اإللهية‪ ،‬بالتزامن مع اعتقاده بسيطرتها عىل العامل املادي‪ ،‬فإن حدود التفكري لدى اإلنسان آنذاك‪ ،‬مل يكن يف‬ ‫مجالها الحيوي معالجة متوضعها يف كيانٍ سيايس أو تنظيمي‪ ،‬أو خضوعها ململك ٍة ساموي ٍة تكن كلمة الفصل داخل‬ ‫حدودها لآللهة‪ ،‬بل إن أبعد ما يُعتقد به أنه من هذا اإلله أوذاك‪ ،‬متلك مفهوم التمييز بني الحق والباطل لذلك اإلله‪.‬‬ ‫يتبع يف العدد القادم‪....‬‬ ‫املصادر‪:‬‬ ‫(‪ )1‬محمد أركون القرآن من التفسري املوروث إىل تحليل الطابع الدين (ص ‪)39 – 36‬‬ ‫(‪ )2‬مريسا الياد البحث عن التاريخ واملعنى (ص‪)113 – 109‬‬ ‫(‪ )3‬اإللياذة هومريوس‬ ‫النشيد السادس السطر ‪ 146‬وباملثل قام املؤلف العرباين بوضعها يف سفرحكمة يشوع بن سرياخ (‪)19-18 :14‬‬ ‫"كل جسد يبىل مثل الثوب ألن العهد من البدء أنه ميوت موتا فكام أن أوراق شجرة كثيفة‪ ،‬بعضها يسقط وبعضها ينبت كذلك جيل اللحم والدم بعضهم ميوت وبعضهم يولد"‬ ‫(‪ )4‬مريسا الياد تاريخ املعتقدات واألفكار الدينية الجزء ‪( 1‬ص ‪)319‬‬ ‫(‪THE SECRET TEACHINGS OF ALL AGES AN ENCYCLOPEDIC OUTLINE OF MASONIC, HERMETIC, QABBALISTIC AND )5‬‬ ‫‪,ROSICRUCIAN SYMBOLICAL PHILOSOPHY Being an Interpretation of the Secret Teachings concealed within the Rituals, Allegories‬‬ ‫‪and Mysteries of all Ages By Manly P. Hall SAN FRANCISCO PRINTED FOR MANLY P. HALL BY H.S. CROCKER COMPANY, INCORPORATED‬‬ ‫‪( MCMXXVIII‬ص ‪) 30‬‬ ‫(‪ )6‬اإللياذة ‪ :‬النشيد السادس عرش السطر ‪ 433‬ونجدها يف مجلد آباء الكنيسة األوائل تحت عنوان آالالم اإلله( ص‪)319‬‬ ‫(‪ )7‬فراس السواح مغامرة العقل األوىل (ص ‪)158‬‬ ‫(‪ )8‬سفر التكوين إصحاح رقم ‪ 5‬كامل‬ ‫)‪) Bible Myths and Their Parallels in Other Religions by Doane, T.W (9‬ص ‪(-23 22‬‬ ‫)‪) Hazelrigg, John, The Sun Book, Health Research(10‬ص ‪(49‬‬ ‫(‪The naked truth https://www.youtube.com/watch?v=3LTmw9BMzWo )11‬‬ ‫(من الدقيقة ‪ 47 , 28 – 25‬ثانية ) والفكرة معتمدة عىل ما طرحته هلينا بالفاتسيك يف كتابها كشف الغطاء عن ايزس ونحيلكم إىل املراجع التالية بخصوص الفكرة التي اعتمد‬ ‫عليها جوردان ماكسويل يف أرغا نوا ‪:‬‬ ‫‪(The Secret Doctrine by H. P. Blavatsky -- Vol. 2‬ص ‪)463‬‬ ‫) ص ‪Isis Unveiled - The Theosophical Society by H. P. Blavatsky Vol. (2439‬‬ ‫)‪A Cyclical History of the World by stephen e franklin( Chapter Ten) (12‬‬ ‫(‪ )13‬أنيس فريحة‪ ،‬أوغاريت (ص ‪)304‬‬ ‫(‪ (Universal Truth: Thinking Outside the Box By Peter C Rogers, Dr, PhD )14‬ص ‪)30‬‬ ‫(‪( THE GOLDEN BOUGH A STUDY IN MAGIC AND RELIGION by J. G. FRAZER )15‬ص ‪)15‬‬ ‫)‪http://en.wikipedia.org/wiki/Eshmun (16‬‬ ‫(‪( )17‬ص ‪The Genesis of the God Eshmun By George A. Barton, Professor in Bryn Mawr College )188‬‬ ‫(‪(Secret Art and Magical Practice: Baphomet Lodge By Jonathan Ludd )18‬ص ‪)135‬‬ ‫(‪ )19‬عقدة يوسف التورايت بني اإلخصاب واإلخصاء أ‪.‬د متعب مناف (من مقدمة األصول األسطورية يف قصة يوسف التورايت (ص ‪)31 - 30‬‬ ‫(‪ )20‬لغز عشتار –فراس السواح ‪ /‬يوسف الجميل ‪(.‬ص ‪) 342 – 340‬‬ ‫(‪ )21‬األصول األسطورية يف قصة يوسف التورايت (ص ‪)48 35-‬‬ ‫(‪ )22‬أساطري الرشق – سليامن مظهر (ص ‪)24‬‬

‫‪77‬‬


‫هرمس مثلث العظمة‬

‫هل لألديان الساموية جذ ٌر‬ ٌ ‫إلهي أم تر‬ ‫جمعي؟‬ ‫اث‬ ٌ ٌ

‫ كامل‬39 ‫) سفر التكوين اإلصحاح‬23( )24 22-( ‫) قرآن كريم سورة يوسف‬24( 39 ‫) مرجع سابق سفر التكوين اإلصحاح‬25( )35 25-( ‫) مرجع سابق قرآن كريم سورة يوسف‬26( ) 31 - 30 ‫) مرجع سابق متعب مناف (ص‬27( ) 342 – 340 ‫(ص‬. ‫)مرجع سابق –لغز عشتار‬28( 40 ‫ التكوين اإلصحاح‬. ‫س‬.‫) م‬29( )41 36-( ‫ قرآن سورة يوسف‬. ‫س‬.‫) م‬30( (53 ‫ )الرقية‬The Book of the Dead (31) (202‫)ص‬Bunsen, C.C.J. and Birch, Samuel, Egypt’s Place in UniversalHistory (32) 26 ‫) متى اإلصحاح‬33( ‫س‬.‫( م‬30 ‫ )الرقية‬The Book of the Dead(34) 30 26- : 26 ‫س انجيل متى اإلصحاح‬.‫) م‬35( (402 ‫)ص‬Griffiths, John Gwyn, The Divine Verdict, E.J. Brill, Leiden (36) )185 ‫ ( ص‬The Egyptian Book of the Dead by Raymond Faulkner )37( )67 ‫(ص‬Christiane DesrochesNoblecourt, Amours etfureurs de La Lointaine. Stock-Pernoud ) 38( Lethaby, WR. Architecture, Mysticism and Myth(39) Sumerian Wisdom Text(40) (589 ‫ )ص‬The Holy Bible King James Version, Jonah 2( 41) (134 ‫ )ص‬Neumann, Erich. Amor and Psyche.New York: Harper &Bros(42) )497‫(ص‬Reinach, Salomon. Orpheus. New York: Horace Liveright )43( )209 ‫س (ص‬.‫م‬.Orpheus. New York: Horace Liveright )44( . (6 ‫ ص‬- ‫س‬.‫ )م‬Neumann, Erich. Amor and Psyche (45) )150 ‫ (ص‬The Mothers by Robert Briffault vol 3 )46( )238 ‫ (ص‬Mysteries and Secrets of the Masons: The Story Behind the Masonic Order By Lionel and Patricia Fanthorpe )47( (85 ‫ )ص‬The Secret Teachings of All Ages(48) The Books of Joel, Obadiah, Jonah, Nahum, Habakkuk and (49) )82 ‫ (ص‬Zephaniah Cambridge University Press, 1975 )3 ‫) فجر الضمري جيمس برستيد (ص‬50( )107 – 100 ‫) الغصن الذهبي الجزء االول جيمس فريزر (ص‬51( )127 – 126 ‫) (ص‬58 – 57 ‫) املقدس والدينيوي مريسا الياد (ص‬52(

78


https://www.facebook.com/groups/arbangroup

79


‫ظاهرة العنف‬ ‫يف العهد‬ ‫القديم‬ ‫الجزء األ ّول‬

‫‪http://pixgood.com/teen-dating-violence-posters.html‬‬

‫= مقدمة =‬ ‫قسم العهد القديم إىل أربعة أقسام‪ :‬القسم األ ّول هو‬ ‫يُ ّ‬ ‫التوراة أو أسفار موىس الخمس (أو البانتاتك)‪ ،‬وهي‬ ‫التكوين والخروج والالويني والعدد والتثنية‪ ،‬وتُعد‬ ‫أهم أجزاء العهد القديم‪ ،‬والقسم الثاين هو األسفار‬ ‫التاريخية‪ ،‬وعددها اثني عرش سف ًرا‪ ،‬تعرض تاريخ بني‬ ‫إرسائيل بعد استيالئهم عىل كنعان‪ ،‬أ ّما القسم الثالث‬ ‫فهو أسفار األناشيد أو األسفار الشعرية‪ ،‬وهي بصيغة‬ ‫املواعظ الدينية مؤلفة تأليفا شعريًّا‪ .‬وأخ ًريا‪ ،‬القسم‬ ‫الرابع الذي يحتوى عىل أسفار األنبياء (النييم)‪ ،‬ويشمل‬ ‫سبعة وعرشين سف ًرا تعرض تاريخ أنبياء إرسائيل بعد‬ ‫موىس‪.‬‬ ‫وير ّجح العلامء أ ّن معظم تلك األسفار قد ت ّم تأليفها‬ ‫بني النصف األخري من القرن التاسع قبل امليالد‪ ،‬وأوائل‬ ‫القرن السادس قبل امليالد‪ ،‬وأن بعضها ميكن تزمينه بني‬ ‫القرنني الرابع والثاين قبل امليالد‪.‬‬

‫رشيف حوا‬

‫سنتناول يف مقالنا هذا القسم األ ّول من العهد القديم أال‬ ‫وهو "التوراة" التي تُنسب إىل النبي موىس‪ ،‬متجاوزين‬ ‫‪80‬‬


‫ظاهرة العنف يف العهد القديم‬ ‫شريف حوا‬

‫يف ذلك أ ّن الكنيسة الكاثوليكية باتت تعرتف بعدم صحة تلك النسبة‪ ،‬إذ نجد يف مقدمة الطبعة الكاثوليكية للكتاب‬ ‫يك يف عرصنا يعتقد أن موىس ذاته كتب كل التوراة‪ ،‬منذ قصة‬ ‫نصه‪" :‬ما من عا ٍمل كاثولي ٍّ‬ ‫املقدس‪ ،‬الصادرة يف عام ‪ 1960‬ما ّ‬ ‫الخليقة‪ ،‬أو أنه أرشف حتى عىل وضع النص‪ ،‬ألن ذلك النص قد صاغه الكثري من الكتاب من بعده‪ ،‬لذلك يجب القول‪:‬‬ ‫إ ّن ازديا ًدا تدريجيًّا قد حدث‪ ،‬وسبّبته مناسبات العصور التالية‪ ،‬االجتامعية والدينية"‪.‬‬ ‫مبسط ًة ومشفوع ًة برشو ٍح‬ ‫حني يتلقّى الصبي اليهودي‪ ،‬واملسيحي من بعد‪ ،‬قصص التوراة للمرة األوىل يف حياته‪ ،‬يتلقّاها ّ‬ ‫ٍ‬ ‫يوم‪ ،‬وجيالً بعد‬ ‫وتعليقات خلفية ت ُج ّمل القبيح وتزيّن البشع‪ ،‬فتُنقش يف عقله دون نقاش‪ .‬ومع تكرار األمر يو ًما بعد ٍ‬ ‫القص التورايت معتا ًدا ومنظو ًرا إليه عىل اعتبار أنه الحقيقة املطلقة ‪ /‬الدين املطلق‪.‬‬ ‫جيل‪ ،‬يصري ّ‬ ‫الرب‪ ،‬رب الجنود‪ ،‬يهوه‪ ،‬ياهو‪،‬‬ ‫لقد ق ّدمت اليهودية صور ًة إشكال ّي ًة لإلله‪ ،‬مل تقف عند تع ّدد أسامئه التوراتية‪ :‬آدوناي‪ّ ،‬‬ ‫منتقم‬ ‫إيل‪ ،‬إلوهيم‪ ،‬أهيه الذي أهيه‪ ...‬وإمنا تع ّدت ذلك إىل طبيعة اإلله وصفاته‪ .‬فهو يظهر داع ًيا للخري تارةً‪ ،‬وعنيفًا‬ ‫ً‬ ‫من الناس لحساب اليهود تار ًة أخرى‪.‬‬

‫‪81‬‬


‫ظاهرة العنف يف العهد القديم‬ ‫شريف حوا‬

‫مل يكن يهوه ذاك اإلله الذي يعترب جميع البرش متساوين‪ ،‬بل اختص قو ًما "صغري العدد" ليكونوا شعبه املختار‪ ،‬وأصبح‬ ‫دليل عىل أ ّن اليهود أنفسهم مل يتخيّلوا وجود‬ ‫مشغول بهم وحدهم‪ ،‬معت ًربا إياهم محور الكون‪ .‬وبنظرنا فإن ذلك يُع ّد ً‬ ‫ً‬ ‫إله لجميع البرش‪ ،‬مثلهم يف ذلك مثل جميع الشعوب التي عاشت يف ذات الحقبة‪ ،‬حتى أ ّن يهوه قد بدا يف كثريٍ من‬ ‫كخصم لآللهة األخرى ون ًّدا لها‪ ،‬فهو مل ينكر وجود تلك اآللهة‪ ،‬ولكنه إله غيو ٌر ح ّرم عىل شعبه التق ّرب إىل غريه‪.‬‬ ‫املواضع‬ ‫ٍ‬ ‫كل القدرة واملعرفة‪ ،‬بل كان بحاج ٍة دامئًا إىل بعض الحيل البدائية ليك ينفّذ رضباته؛ فهو بحاج ٍة ألن يقوم‬ ‫مل يكن يهوه ّ‬ ‫موىس وهرون بذ ّر رماد األتون نحو السامء يك يرضب البرش واملاشية بالبثور والدمامل‪ ،‬وهو بحاج ٍة ألن يقوم بنو إرسائيل‬ ‫بدهن أبواب منازلهم بدماء األضاحي يك يتع ّرف عليهم فال يؤذيهم‪.‬‬

‫نقاش ٍ‬ ‫رس ٍع يف كثريٍ من املواضع‪ ،‬فهو رسعان ما يرتاجع عن قراراته مبج ّرد ٍ‬ ‫بسيط مع موىس‪،‬‬ ‫يظهر يهوه كمرت ّد ٍد أو مت ّ‬ ‫ويشعر بالندم‪ ،‬كام يحب يهوه أن يُطاع‪ ،‬ويستل ّذ رائحة الشواء‪ ،‬وإبادة الشعوب األخرى‪ ،‬يحاول تأخري النرص يك يطيل‬ ‫أمد الحرب‪ ،‬فيتلذّذ مبعاناة الطرفني‪.‬‬ ‫إ ّن اليهودية جعلت اإلله ملتصقًا باألرض ال بالسامء‪ ،‬فهو ينزل إىل (الخيمة) فيصري قري ًبا من اإلنسان ويشاركه وقائع‬ ‫النبي يعقوب ويُهزم يف العراك‪.‬‬ ‫حياته‪ ،‬ال بل إنه قد يدخل يف رصا ٍع‬ ‫ٍّ‬ ‫جسدي مع البرش كام فعل مع ّ‬ ‫لعل الظاهرة األبرز التي تغلب عىل الج ّو العا ّم يف العهد القديم هي "العنف"‪ ،‬وسأحاول يف هذه السلسلة من املقاالت‬ ‫ّ‬ ‫تجسد هذه الظاهرة مرتّبًا األحداث بحسب تسلسل ورودها‪ ،‬تسهيالً م ّني للباحث‬ ‫تجميع وتوثيق كل األحداث التي ّ‬ ‫لكل مظاهر العنف يف‬ ‫شامل ّ‬ ‫الجا ّد يف هذا املوضوع‪ ،‬فاملنشأ األسايس الذي دفعني لهذا العمل هو أنني مل أجد بحثًا ً‬ ‫العهد القديم‪.‬‬ ‫‪82‬‬


‫ظاهرة العنف يف العهد القديم‬ ‫شريف حوا‬

‫دامئًا ما يصادف الالديني يف نقاشاته اليومية حج ًجا من نوع‪" :‬ديننا يدعو إىل السالم واملحبة"‪" ،‬أنتم ال تقرؤون كتبنا ولو‬ ‫الالديني يف العثور عىل مواطن العنف‬ ‫أمل يف أن تساعد هذه السلسلة‬ ‫فكل ٌ‬ ‫قرأتم لوجدتم أن ديننا هو الحق"‪ ..‬لذا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫يف العهد القديم ببساط ٍة ودون عنا ٍء‪ ،‬ولتس ُهل بالتايل مه ّمته عند النقاش‪.‬‬ ‫ومم يجدر ذكره يف هذا السياق‪ ،‬أنه ال تعنينا مصداق ّية هذه األحداث تاريخ ًّيا‪ ،‬أو مناقشة نتائج ومدلوالت ورودها يف‬ ‫ّ‬ ‫مقل قدر اإلمكان يف تد ّخاليت‪ ،‬وأن أدع‬ ‫كتاب "مق ّد ٍس"‪ ،‬فنحن نسعى إىل جمعها وتوثيقها فقط‪ ،‬ولذلك تع ّمدت أن أكون ًّ‬ ‫ٍ‬ ‫الكالم كام ورد عىل لسان كُتّاب التوراة‪.‬‬

‫= التأسيس =‬ ‫‪ .1‬ميثاق العهد‪:‬‬

‫املحوري الذي تدور جميع أحداث العهد القديم يف فلكه هو ذلك الوعد اإللهي للنبي إبراهيم بأن يهب‬ ‫لعل الحدث‬ ‫ّ‬ ‫قائل‪ .‬لنسلك أعطي هذه األرض‬ ‫الرب مع أبرام ميثاقًا ً‬ ‫أحفاده األرض املمتدة ما بني النيل والفرات‪" :‬يف ذلك اليوم قطع ّ‬ ‫من نهر مرص إىل النهر الكبري نهر الفرات ‪ .‬القينيني والقنزيني والقدمونيني والحيثيني والفرزّيني والرفائيني واألموريني‬ ‫والكنعانيني والجرجاشيني واليبوسيني" (تكوين ‪)21 – 18 : 15‬‬ ‫وقد تكرر هذا العهد يف مواضع كثرية منها‪( :‬تكوين ‪( ، )8-7 :17‬تكوين ‪(،)21 :48‬تكوين ‪( )25-24 :50‬خروج ‪-16 :3‬‬ ‫‪( ،)17‬خروج ‪( ،)4-2 :6‬خروج ‪( ،)2-1 :33‬الويني ‪( ،)42-41 :26‬تثنية‪( )7 :‬يشوع ‪)2 :1‬‬

‫‪ .2‬سدوم وعمورة‪:‬‬

‫الرب عىل سدوم وعمورة‬ ‫الرب بحق مدينتي سدوم وعمورة‪" :‬فأمطر ّ‬ ‫تبدأ أوىل قصصنا باإلبادة الجامعية التي نفذها ّ‬ ‫الرب من السامء وقلب تلك املدن وكل الدائرة وجميع سكان املدن ونبات األرض‪ ..‬وبكر ابراهيم‬ ‫كربيتًا ونا ًرا من عند ّ‬ ‫كل أرض الدائرة ونظر وإذا دخان األرض‬ ‫الرب‪ .‬وتطلّع نحو سدوم وعمورة ونحو ّ‬ ‫يف الغد إىل املكان الذي وقف فيه أمام ّ‬ ‫يصعد كدخان األتون" (تكوين ‪)28-23 :19‬‬

‫‪ .3‬قتال حمور وشكيم ونقض العهد‪:‬‬

‫قام شكيم بن حمور الح ّوي (رئيس األرض) باغتصاب دينة ابنة النبي يعقوب‪.‬‬ ‫وحينام شاع الخرب‪ ،‬اجتمع القومان للتفاوض‪ ،‬وكان شكيم قد وقع يف غرام دينة‪ ،‬فعرض عىل أهلها أن يق ّدموها زوج ًة له‪.‬‬ ‫وافق يعقوب وبنوه عىل ذلك برشط أن يقوم الحويون بختان كل ذك ٍر فيصبحوا مثل بني إرسائيل‪.‬‬ ‫‪83‬‬


‫ظاهرة العنف يف العهد القديم‬ ‫شريف حوا‬

‫كل ذكرٍ‪.‬‬ ‫ولشدة تعلّق شكيم بدينة وافق أبوه عىل ذلك‪ ،‬ونفّذ شعبه عىل الفور العهد فختنوا ّ‬ ‫لكن بني يعقوب نقضوا العهد واحتالوا عىل القوم‪:‬‬ ‫كل َو ِ‬ ‫اح ٍد س ْيفَه وأَتيا عىل‬ ‫ُوب‪ِ ،‬ش ْم ُعو َن َوالَ ِو َي أَ َخ َو ْي ِدي َن َة‪ ،‬أَخذا ُّ‬ ‫" فَحدث يف الْي ْوم الثَّالث إِ ْذ كانوا ُمتَو ِّجع َني أَ َّن ابْ َن ْي يَ ْعق َ‬ ‫السيْف‪َ ،‬وأَ َخذَا ِدي َن َة من بيت شَ ِكي َم َو َخرجا‪ .‬ث ُ ّم َأت بَنو يَ ْعقُوب‬ ‫املدينة ِبأَ ْمنٍ وقتال كل ذك ٍر َوقَتَالَ َح ُمو َر َوشكيم ابنه بح ّد َّ‬ ‫وكل ما يف الْمدينة وما يف الْحقْل أَخذُوه‪.‬‬ ‫عىل الْ َقتْىل َونهبوا الْ َمدين َة‪ ،‬ألَنَّهم نَ ّجسوا أُ ْختَهم‪ ،‬غنمهم وبَقَرهم وحمريهم ّ‬ ‫وكل ما ِف الْبيوت " (تكوين ‪)29-25 : 3‬‬ ‫وكل أَطفَالهم‪ ،‬ونساءهم ّ‬ ‫كل ث َ ْر َوتهم ّ‬ ‫وس َب ْوا ونهبوا ّ‬ ‫َ‬

‫‪ .4‬اضطهاد األقليات الوثنية‪:‬‬

‫"ثم قال الله ليعقوب قم اصعد إىل بيت إيل وأقم هناك واصنع هناك مذب ًحا لله الذي ظهر لك حني هربت من وجه‬ ‫عيسو أخيك ‪ .‬فقال يعقوب لبيته ولكل من معه اعزلوا اآللهة الغريبة التي بينكم وتط ّهروا وأبدلوا ثيابكم‪ ..‬فأعطوا‬ ‫يعقوب كل اآللهة الغريبة التي يف أيديهم واألقراط التي يف آذانهم ‪ .‬فطمرها يعقوب تحت البطمة التي عند شكيم"‬ ‫(تكوين ‪)4-1 :35‬‬

‫‪ .5‬محاولة قتل يوسف بسبب غرية أخوته‬ ‫منه‪:‬‬ ‫"فاآلن هل ّم نقتله ونطرحه يف إحدى اآلبار‬ ‫وحش ردي ٌء أكله‪ ..‬فكان ملّا جاء يوسف‬ ‫ونقول ٌ‬ ‫إىل أخوته أنهم خلعوا عن يوسف قميصه‬ ‫القميس امللون الذي عليه وطرحوه يف البرئ"‬ ‫(تكوين ‪.)23-20 :37‬‬

‫‪84‬‬


‫ظاهرة العنف يف العهد القديم‬ ‫شريف حوا‬

‫= موىس يف مرص =‬ ‫عم جرى لهم هناك‬ ‫قىض بنو إرسائيل يف مرص ‪ 430‬عا ًما بحسب التوراة‪ ،‬غري أ ّن ما يلفت النظر حقًّا هو أنها ال تح ّدثنا ّ‬ ‫طوال تلك السنني‪ .‬فهي ترسد بضع ٍ‬ ‫قصص متفرق ٍّة عن حياة يوسف‪ ،‬ثم تنتقل مبارش ًة إىل املرحلة النهائيّة التي عاىن‬ ‫الرب خاللها إخراجهم من أرض مرص‪ ،‬فأظهر أعاجيبه (أي دمويته) عىل شعبها‪.‬‬ ‫خاللها بنو إرسائيل اضطها ًدا‪ ،‬وحاول ّ‬ ‫تتوسع التوراة يف رشحه يف مراحل تاريخية أخرى‪ ،‬فتذكر مثالً أسامء قادة جند‬ ‫وهذا عىل خالف التفصيل ّ‬ ‫اململ الذي ّ‬ ‫العاملقة والكنعانيني‪ ،‬وحتى اسم رئيس جيش شاول (أبنري بن نري)‪.‬‬

‫‪ .1‬موىس يقتل ً‬ ‫رجل مرص ًّيا يف شبابه‪:‬‬

‫"وحدث يف تلك األيام ملّا كرب موىس أنه خرج إىل أخوته لينظر يف أثقالهم ‪ .‬فرأى رجالً مرصياً يرضب رجالً عربانياً من أخوته‬ ‫‪ .‬فالتفت إىل هنا وهناك ورأى أن ليس أحد فقتل املرصي وطمره يف الرمل" (خروج ‪)12-11 :2‬‬

‫الرب ُيظهر عجائبه عىل املرصيني ليك يستطيع بنو إرسائيل سلبهم‪:‬‬ ‫‪ّ .2‬‬

‫الرب موىس أن يطلب من فرعون السامح لهم مبغادرة مرص للعودة إىل أرض آبائهم‪" :‬ولكني أعلم أن ملك مرص ال‬ ‫أمر ّ‬ ‫يدعكم متضون وال ٍ‬ ‫بيد قويّ ٍة‪ .‬فأمد يدي وأرضب مرص بكل عجائبي التي أصنع فيها وبعد ذلك يطلقكم‪ .‬وأعطي نعم ًة‬ ‫لهذا الشعب يف عيون املرصيني فيكون حينام متضون أنكم ال متضون فارغني‪ .‬بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة‬ ‫بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابًا وتضعونها عىل بنيكم وبناتكم‪ .‬فتسلبون املرصيني" (خروج ‪)22-18 :3‬‬

‫الرب يشدّ د قلب فرعون‪:‬‬ ‫‪ّ .3‬‬

‫بسالم‪ ،‬ودون إراقة دما ٍء‪ ،‬بل عىل العكس‪ ،‬فهو يلعب بالبرش وكأنهم دمى‬ ‫الرب ّأل يُخرج بني إرسائيل من مرص ٍ‬ ‫لقد ق ّرر ّ‬ ‫الرب ملوىس‬ ‫الرب حينها بارتكاب املجازر‪" :‬وقال ّ‬ ‫لديه‪" .‬يش ّدد" عىل قلب فرعون‪ ،‬ليمنع بني إرسائيل من الخروج‪ ،‬فيقوم ّ‬ ‫عندما تذهب لرتجع عىل مرص انظر جميع العجائب التي جعلتها يف يدك واصنعها ق ّدام فرعون‪ .‬ولكني أش ّدد قلبه حتّى‬ ‫الرب إرسائيل ابني البكر‪ .‬فقلت لك أطلق ابني ليعبدين فأبيت أن تطلقه‪.‬‬ ‫ال يطلق الشعب‪ .‬فتقول لفرعون هكذا يقول ّ‬ ‫ها أنا أقتل ابنك البكر" (خروج ‪)23-21 :4‬‬

‫‪85‬‬


‫ظاهرة العنف يف العهد القديم‬ ‫شريف حوا‬

‫الرب‪:‬‬ ‫قس قلب فرعون ليك يعلم أهل مرص أنه ّ‬ ‫‪ّ .4‬‬ ‫الرب ُي ّ‬

‫أساسا لن يقبل‬ ‫"الرب" طاملا أنه ال يريدهم أن يعبدوه‪ ،‬وهو ً‬ ‫الرب عىل إقناع أهل مرص بأنه ّ‬ ‫رص ّ‬ ‫وال ندري هنا ملاذا ي ّ‬ ‫خاصا ببني إرسائيل وحدهم‪" :‬ولكني أقيس قلب فرعون وأُكرث آيايت وعجائبي يف‬ ‫عبادتهم حتى ولو فعلوا ذلك لكونه إل ًها ًّ‬ ‫بأحكام‬ ‫أرض مرص‪ .‬وال يسمع لكام فرعون حتى أجعل يدي عىل مرص فأخرج أجنادي شعبي بني إرسائيل من أرض مرص‬ ‫ٍ‬ ‫الرب" (خروج ‪)5-3 :7‬‬ ‫عظيم ٍة فيعرف املرصيون أين أنا ّ‬

‫‪ .5‬العقوبات عىل مرص‪:‬‬

‫قس قلب فرعون‪ ،‬وكأنه يجد‬ ‫ثم راح اإلله ينزل عجائبه عىل مرص‪ ،‬ويعاقب أهلها وماشيتهم وزرعهم‪ ،‬رغم أنه هو الذي ّ‬ ‫ل ّذ ًة يف أذيّة البرش وإذاللهم وإبادتهم‪.‬‬ ‫عيني‬ ‫الدمامل والبثور‪" :‬ثم قال ّ‬ ‫الرب ملوىس وهرون خذا ملء أيديكام من رماد األتون‪ .‬وليذره موىس نحو السامء أمام ْ‬ ‫كل أرض مرص" (خروج‬ ‫كل أرض مرص‪ .‬فيصري عىل الناس وعىل البهائم دمامل طالع ٌة ببثو ٍر يف ّ‬ ‫فرعون ليصري غبا ًرا عىل ّ‬ ‫‪)9-8 :9‬‬ ‫الرب ملوىس مد يدك نحو السامء ليكون برد يف كل أرض مرص عىل الناس وعىل البهائم وعىل كل‬ ‫الربد والنار‪" :‬ثم قال ّ‬ ‫الرب رعو ًدا وبر ًدا وجرت نار عىل األرض" (خروج ‪)23-22 :9‬‬ ‫عشب الحقل يف أرض مرص‪ ..‬فأعطى ّ‬ ‫الرب ملوىس م ّد يدك عىل أرض مرص ألجل الجراد‪ .‬ليصعد عىل أرض مرص ويأكل كل عشب األرض كل‬ ‫الجراد‪" :‬ثم قال ّ‬ ‫ما تركه الربد والنار" (خروج ‪)12 :10‬‬

‫‪ .6‬الرضبة النهائ ّية واملجازر الجامع ّية‪:‬‬

‫يستخدم كاتب السفر تعابري تظهر شخصانية يهوه يف كل ما يتعلق باإلبادة الجامعية والتخطيط لها‪ .‬فـ "يهوه" ال‬ ‫كل املعرفة‪ ،‬بل‬ ‫يستطيع أن يتع ّرف من تلقاء نفسه عىل أفراد شعبه املختار بني إرسائيل و حتى بيوتهم‪ ،‬فهو ليس ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عالمات بدائ ّي ٍة للتع ّرف عىل أهدافه‪.‬‬ ‫يحتاج إىل‬ ‫لذلك فقد طلب من موىس أن مينع قومه من الخروج من ديارهم أثناء الرضبة ليك ال يقيض عىل أحدهم بطريق الخطأ‪،‬‬ ‫كام فرض عليهم أن ميسحوا العتبة العليا لباب كل ٍ‬ ‫بيت والقامئتني بالدم‪" :‬وخذوا باقة زوفا واغمسوها يف الدم الذي يف‬ ‫ومسوا العتبة العليا والقامئتني بالدم الذي يف الطست‪ .‬وأنتم ال يخرج أح ٌد منكم من باب بيته حتى الصباح‪ .‬فإ ّن‬ ‫الطست ّ‬ ‫الرب عن الباب وال يدع املهلك يدخل‬ ‫الرب يجتاز ليرضب املرصيني‪ .‬فحني يرى الدم عىل العتبى العليا والقامئتني يعرب ّ‬ ‫ّ‬ ‫بيوتكم ليرضب" (خروج ‪)23-22 :12‬‬ ‫‪86‬‬


‫ظاهرة العنف يف العهد القديم‬ ‫شريف حوا‬

‫الرب رضب كل بك ٍر يف أرض مرص من بكر فرعون الجالس عىل كرسيه‬ ‫وحني أزفت الساعة‪" :‬حدث يف نصف الليل أ ّن ّ‬ ‫إىل البكر األسري الذي يف السجن وكل بكر بهيم ٍة‪ .‬فقام فرعون ليالً هو وكل عبيده وجميع املرصيني وكان رصا ٌخ عظي ٌم‬ ‫ميت‪ .‬فدعا موىس وهرون ليالً وقال قوموا اخرجوا من بني شعبي أنتام وبنو إرسائيل‬ ‫بيت ليس فيه ٌ‬ ‫يف مرص‪ .‬ألنه مل يكن ٌ‬ ‫جمي ًعا" (خروج ‪)31-29 :12‬‬ ‫الرب‪" :‬وفعل بنو‬ ‫ومل يقترص األمر عىل اإلبادة الجامعية‪ ،‬بل قام بنو إرسائيل بنهب املرصيني ومنازلهم تنفيذًا ألوامر ّ‬ ‫الرب نعم ًة للشعب يف عيون‬ ‫إرسائيل بحسب قول موىس‪ .‬اطلبوا من املرصيني أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابًا‪ .‬وأعطى ّ‬ ‫املرصيني حتى أعاروهم‪ .‬فسلبوا املرصيني" (خروج ‪)36-34 :12‬‬

‫‪ .7‬خداع فرعون بهدف إيقاع مجزرة بجيشه العرمرم‪:‬‬

‫ٍ‬ ‫الرب موىس قائالً كلّم بني إرسائيل‬ ‫كمخطط‬ ‫أيضا‬ ‫يظهر لنا يهوه ً‬ ‫عسكري‪ ،‬أو باألحرى مستشا ٍر حر ٍّيب ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫خاص ملوىس‪" :‬وكلم ّ‬ ‫أن يرجعوا وينزلوا أمام فم الحريوث بني مجدل والبحر أمام بعل صفون‪ .‬مقابله تنزلون عند البحر‪ .‬فيقول فرعون‬ ‫عن بني إرسائيل هم مرتبكون يف األرض وقد استغلق عليهم القفر‪ .‬وأش ّدد قلب فرعون حتى يسعى وراءهم‪ .‬فأمت ّجد‬ ‫الرب‪ .‬ففعلوا هكذا" (خروج ‪)4-1 :14‬‬ ‫بفرعون وجميع جيشه ويعرف املرصيون أنا ّ‬ ‫وبالفعل تبعهم فرعون‪" :‬وأخذ ست مئة مركب ٍة منتج ٍة‬ ‫وسائر مركبات مرص وجنو ًدا مركب ّي ًة عىل جميعها"‬ ‫(خروج ‪)7 :1‬‬ ‫وحينام اقرتب جيش فرعون من بني إرسائيل‪" :‬قال‬ ‫الرب ملوىس مالك ترصخ إيل قل لبني إرسائيل أن‬ ‫ّ‬ ‫يرحلوا‪ .‬وارفع أنت عصاك ويدك عىل البحر وشقه‪.‬‬ ‫فيدخل بنو إرسائيل يف وسط البحر عىل اليابسة‪ .‬وها‬ ‫أنا أشدد قلوب املرصيني حتى يدخلوا وراءهم" (خروج‬ ‫‪)17-15 :14‬‬ ‫وحينام أصبح املرصيون وسط البحر‪" :‬رجع املاء وغطى‬ ‫مركبات وفرسان جيش فرعون الذي دخل وراءهم يف‬ ‫البحر‪ .‬مل يبق منهم وال واحد‪ .‬وأما بنو إرسائيل فمشوا‬ ‫عىل اليابسة يف وسط البحر واملاء سو ٌر لهم عن ميينهم‬ ‫وعن يسارهم" (خروج ‪)29-28 :1‬‬ ‫‪87‬‬


‫ظاهرة العنف يف العهد القديم‬ ‫شريف حوا‬

‫الرب ووعوده الحربية =‬ ‫= وصايا ّ‬ ‫الرب يهوه إىل موىس وبني إرسائيل‪ ،‬والتي شكّلت محد ٌدا عا ٌّما ملعظم التطورات الالحقة‪ ،‬حيث‬ ‫نستطيع أن نُجمل وصايا ّ‬ ‫سرنى تطبيقاتها العمليّة فيام بعد بالوصايا والوعود التالية‪:‬‬

‫كل مدين ٍة‪:‬‬ ‫الرب بتحريم ّ‬ ‫‪ .1‬وص ّية ّ‬

‫رش خطاة وحتى بهامئهم ال يبقون‬ ‫ويعني اصطالح "تحريم املكان" بحسب شارح العهد القديم؛ أي أ ّن املكان مبا فيه من ب ٍ‬ ‫مقدسا للرب‪" :‬حني تقرتب من مدين ٍة ليك تحاربها استدعها إىل الصلح‪.‬‬ ‫نجس‪ ،‬فيصري املكان‬ ‫ً‬ ‫منه شيئًا‪ ،‬إلزالة كل ما هو ٌ‬ ‫فإن أجابتك إىل الصلح وفتحت لك فكل الشعب املوجود فيها يكون لك للتسخري ويستعبد لك‪ .‬وإن مل تساملك بل عملت‬ ‫الرب إلهك إىل يدك فارضب جميع ذكورها بح ّد السيف وأ ّما النساء واألطفال والبهائم‬ ‫معك حربًا فحارصها‪ .‬وإذا دفعها ّ‬ ‫الرب إلهك‪ .‬هكذا تفعل بجميع املدن‬ ‫وكل ما يف املدينة‪ّ .‬‬ ‫كل غنيمتها فتغنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك ّ‬ ‫الرب إلهك نصي ًبا فال‬ ‫البعيدة منك جدا ً التي ليست من مدن هؤالء األمم هنا‪ .‬وأ ّما مدن هؤالء الشعوب التي يعطيك ّ‬ ‫تستبق منها نسمة ما‪ .‬بل تح ّرمها تحرميًا‪( "..‬تثنية ‪)17-10 :20‬‬

‫الرب بإفناء جميع الشعوب وحرق متاثيل آلهتهم‪:‬‬ ‫‪ .2‬و ْعد ّ‬

‫الرب إلهك‬ ‫"والزنابري ً‬ ‫الرب إلهك عليهم حتى يفنى الباقون واملختفون من أمامك‪ .‬ال ترهب وجوههم ألن ّ‬ ‫أيضا يرسلهم ّ‬ ‫قليل‪ .‬ال تستطيع أن تفنيهم‬ ‫قليل ً‬ ‫الرب إلهك يطرد هؤالء الشعوب من أمامك ً‬ ‫يف وسطك إل ٌه عظي ٌم ومخ ّو ٌف‪ .‬ولكن ّ‬ ‫الرب إلهك أمامك ويوقع بهم اضطراباً عظيامً حتى يفنوا‪ .‬ويدفع ملوكهم‬ ‫رسيعاً ّ‬ ‫لئل تكرث عليك وحوش الربيّة‪ .‬ويدفعهم ّ‬ ‫إىل يدك فتمحوا اسمهم من تحت السامء‪ .‬ال يقف إنسان يف وجهك حتى تفنيهم ‪ .‬ومتاثيل آلهتهم تحرقون" (تثنية ‪:7‬‬ ‫‪)25-20‬‬

‫ٍ‬ ‫شخص يتبع آله ًة أخرى‪:‬‬ ‫نبي أو‬ ‫‪ .3‬وص ّية ّ‬ ‫الرب بقتل أي ٍّ‬

‫حلم وأعطاك آي ًة وأعجوب ًة ولو حدثت اآلية أو األعجوبة التي كلّمك عنها قائالً لنذهب‬ ‫نبي أو حاملٌ ً‬ ‫"إذا قام يف وسطك ٌّ‬ ‫الرب إلهكم ميتحنكم ليك يعلم‬ ‫وراء آله ٍة أخرى مل تعرفها وتعبدها فال تسمع لكالم ذلك النبي أو الحامل ذلك الحلم ألن ّ‬ ‫الرب إلهكم تسريون وإيّاه تتقون ووصاياه تحفظون‬ ‫الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم‪ .‬وراء ّ‬ ‫هل تحبون ّ‬ ‫الرب‬ ‫النبي أو الحامل ذلك الحلم يُقتل ألنه تكلم بالزيغ من وراء ّ‬ ‫وصوته تسمعون وإياه تعبدون وبه تلتصقون‪ .‬وذلك ّ‬ ‫الرب إلهكم أن‬ ‫إلهكم الذي أخرجكم من أرض مرص وفداكم من بيت العبودية ليك يط ّوحكم عن الطريق التي أمركم ّ‬ ‫رش من بينكم‪.‬‬ ‫تسلكوا فيها‪ .‬فتنزعون ال ّ‬ ‫‪88‬‬


‫ظاهرة العنف يف العهد القديم‬ ‫شريف حوا‬

‫وإذا أغواك أخوك ابن أمك أو ابنك أو ابنتك أو امرأة حضنك أو صاحبك الذي مثل نفسك قائالً نذهب ونعبد آلهة أخرى‬ ‫مل تعرفها أنت وال آباؤك‪ ..‬فال ترض منه وال تسمع له وال تشفق عينك عليه وال ترق له وال تسرته بل قتالً تقتله‪ .‬يدك‬ ‫تكون عليه أوالً لقتله ثم أيدي جميع الشعب أخريا ً‪ .‬ترجمه بالحجارة حتى ميوت" (تثنية ‪)10 – 1 : 13‬‬ ‫الرب إلهك بتجاوزه عهده‪.‬‬ ‫رشا يف عيني ّ‬ ‫"إذا ُوجد يف وسطك يف أحد أبوابك التي يعطيك ّ‬ ‫الرب إلهك رجل أو امرأة يفعل ًّ‬ ‫ويذهب ويعبد آلهة أخرى ويسجد لها أو للشمس أو للقمر أو لكل من جند السامء‪ .‬اليشء الذي مل أوص به‪ ..‬فأخرج‬ ‫ذلك الرجل أو تلك املرأة الذي فعل ذلك األمر الرشير إىل أبوابك الرجل أو املرأة وارجمه بالحجارة حتى ميوت" (تثنية‬ ‫‪)6 – 2 : 17‬‬

‫= بنو إرسائيل يف التيه وحركات التمرد =‬ ‫‪ .1‬إبادة ثالثة آالف شخص لعبادتهم ً‬ ‫عجل مسبوكًا‪:‬‬

‫"يف الشهر الثالث بعد خروج بني إرسائيل من أرض مرص يف ذلك اليوم جاؤوا إىل بريّة سيناء" (خروج ‪)1 :19‬‬ ‫الرب من الجبل‪( "..‬خروج ‪)3 :19‬‬ ‫"وأما موىس فصعد إىل الله‪ .‬فناداه ّ‬ ‫الرب يرشح ملوىس وصاياه وأحكامه ورشيعته التي يجب أن يلتزم بها بنو إرسائيل‪" :‬ثم أعطى موىس عند فراغه من‬ ‫وراح ّ‬ ‫الكالم معه يف جبل سيناء لوحي الشهادة لوحي حج ٍر مكتوبني بإصبع الله" (خروج ‪)18 :31‬‬ ‫"وملا رأى الشعب أ ّن موىس أبطأ يف النزول من الجبل اجتمع الشعب عىل هرون وقالوا له قم اصنع لنا آله ًة تسري أمامنا‪.‬‬ ‫أل ّن هذا موىس الرجل الذي أصعدنا من أرض مرص ال نعلم ماذا أصابه‪ .‬فقال لهم هرون أفرغوا أقراط الذهب التي يف‬ ‫عجل مسبوكًا ‪ .‬فقالوا هذه‬ ‫آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وآتوين بها‪ ..‬فأخذ ذلك من أيديهم وص ّوره باإلزميل وصنعه ً‬ ‫الرب"‬ ‫آلهتك يا إرسائيل التي أصعدتك من أرض مرص‪ .‬فلام نظر هرون بنى مذب ًحا أمامه ونادى هرون وقال غ ًدا عيد ّ‬ ‫(خروج ‪)6-1 :32‬‬ ‫رضع له وجادله يف ذلك‪"" :‬فندم‬ ‫وهنا غضب ّ‬ ‫الرب غض ًبا شدي ًدا وأراد أن ميحي بني إرسائيل عن وجه األرض لك ّن موىس ت ّ‬ ‫الرب عىل الرش الذي قال إنه يفعله بشعبه" (خروج ‪)14 :32‬‬ ‫ّ‬ ‫ناعم‬ ‫وملا نزل موىس لريى شعبه‪" :‬وكان عندما اقرتب إىل املحلة أنه أبرص العجل والرقص وأحرقه بالنار وطحنه حتى صار ً‬ ‫وذراه عىل وجه املاء وسقى بني إرسائيل" (خروج ‪)20-19 :32‬‬ ‫‪89‬‬


‫ظاهرة العنف يف العهد القديم‬ ‫شريف حوا‬

‫وأراد موىس عقاب بني إرسائيل‪" :‬وقف موىس يف باب املحلّة وقال من للرب فإيل‪ .‬فاجتمع إليه جميع بني الوي‪ .‬فقال‬ ‫الرب إله إرسائيل ضعوا كل واحد سيفه عىل فخذه ومروا وارجعوا من باب إىل باب يف املحلة واقتلوا كل‬ ‫لهم هكذا قال ّ‬ ‫واحد صاحبه وكل ٍ‬ ‫واحد أخاه وكل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واحد قريبه ‪ .‬ففعل بنو الوي بحسب قول موىس‪ .‬وقع من الشعب يف ذلك اليوم‬ ‫الرب بركة" (خروج‬ ‫نحو ثالثة آالف رجل‪ .‬وقال موىس امألوا أيديكم اليوم للرب حتى كل واحد بابنه وأخيه ‪ .‬فيعطيكم ّ‬ ‫‪)29-25 :32‬‬

‫‪ .2‬الخطيئة تو َّرث لألجيال التالية‪:‬‬

‫ٌ‬ ‫ورؤوف‬ ‫الرب له رحي ٌم‬ ‫الرب ّ‬ ‫الرب قدامه ونادى ّ‬ ‫الرب‪ .‬فاجتاز ّ‬ ‫الرب يف السحاب فوقف عنده هناك ونادى باسم ّ‬ ‫"فنزل ّ‬ ‫بطيء الغضب وكثري اإلحسان والوفاء‪ .‬حافظ اإلحسان إىل ألوف‪ .‬غافر اإلثم واملعصية والخطيئة ‪ .‬ولكنه لن يربء إبرا ًء ‪.‬‬ ‫فيفتقد إثم اآلباء يف األبناء ويف أبناء األبناء يف الجيل الثالث والرابع" (خروج ‪)7-6 :34‬‬ ‫‪ .3‬حرق طرف املحلة‪:‬‬ ‫الرب‪ ،‬وكان ذلك بقيادة موىس وهرون‪ .‬وبعد مرور‬ ‫وسار بنو إرسائيل يف رحلتهم عائدين إىل أرض أجدادهم تنفيذًا لوعد ّ‬ ‫سنتني وشهرين وثالثة وعرشين يو ًما أصيب الشعب بالكمد والكدر وراحوا يشتكون من ضيق الحال‪ ،‬فمبارش ًة عاقبهم‬ ‫الرب وأحرقت يف‬ ‫الرب فح ِم َي غضبه‪ .‬فاشتعلت فيهم نار ّ‬ ‫الرب وسمع ّ‬ ‫رشا يف أذين ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرب‪" :‬وكان الشعب كأنهم يشتكون ًّ‬ ‫طرف املحلة" (عدد ‪)1 :11‬‬

‫‪ .4‬معاقبة الشعب بجعلهم يتيهون يف القفر‪ ،‬ودفعهم ليد العاملقة‪:‬‬

‫يتجسسها‪ ،‬فوجدوا أهلها جبابر ًة ال ميكن لبني إرسائيل مجابهتهم‪ .‬وهنا بىك‬ ‫أرسل موىس رسالً إىل أرض الكنعانيني ليك ّ‬ ‫الرب وأراد رضبهم بالوباء وإبادتهم إال أن مناقش ًة بسيط ًة مع موىس جعلته يعدل عن‬ ‫الشعب وتذ ّمر‪ ،‬فحمي غضب ّ‬ ‫قراره مخ ّففًا العقاب‪ ،‬فحرمهم من دخول األرض املوعودة أربعني عا ًما‪ ،‬تائهني خاللها يف القفر‪" :‬يف هذا القفر تسقط‬ ‫جثثكم جميع املعدودين منكم حسب عددكم من ابن عرشين سنة فصاع ًدا الذين تذمروا عيل‪ ..‬وبنوكم يكونون رعا ًة‬ ‫يف القفر أربعني سنة‪ ..‬كعدد األيام التي تجسستم فيها األرض أربعني يو ًما للسنة يو ٌم ‪( "..‬عدد ‪)34-29 :14‬‬ ‫ولكن الشعب قرر خوض معركة مع العاملقة والكنعانيني‪ ،‬رغم تحذيرات موىس‪ ،‬فانهزموا ألن الله مل يكن معهم‪" :‬لكنهم‬ ‫الجب‪ ..‬فنزل العاملقة والكنعانيون الساكنون يف ذلك الجبل ورضبوهم وكرسوهم إىل حرمة"‬ ‫تجربوا وصعدوا إىل رأس ّ‬ ‫(عدد ‪)44 :14‬‬ ‫‪90‬‬


‫ظاهرة العنف يف العهد القديم‬ ‫شريف حوا‬

‫‪ .5‬االعتداء عىل ح ّرية الرأي واالعتقاد‪:‬‬

‫"وأ ّما النفس التي تعمل ٍ‬ ‫بالرب فتقطع تلك النفس من بني شعبها‬ ‫بيد رفيع ٍة من الوطنيني أو من الغرباء فهي تزدري ّ‬ ‫الرب ونقضت وصيته ‪ .‬قطعاً تقطع تلك النفس ‪ .‬ذنبها عليها" (عدد ‪)30 :15‬‬ ‫ألنها احتقرت كالم ّ‬

‫الرب يأمر برجم رجلٍ ألنه احتطب يوم السبت‪:‬‬ ‫‪ّ .6‬‬

‫"وملا كان بنو إرسائيل يف الربية وجدوا رجالً يحتطب حطبًا يوم السبت‪ .‬فقدمه الذين وجدوه يحتطب حطبًا إىل موىس‬ ‫الرب ملوىس قتالً يقتل الرجل‪ .‬يرجمه بحجار ٍة‬ ‫وهرون وكل الجامعة‪ .‬فوضعوه يف الحرس ألنه مل يُعلَن ماذا يفعل به‪ .‬فقال ّ‬ ‫الرب موىس" (عدد‬ ‫كل الجامعة خارج املحلة فأخرجه كل الجامعة إىل خارج املحلة ورجموه بحجارة فامت كام أمر ّ‬ ‫‪)36-32 :15‬‬

‫شخصا‪:‬‬ ‫‪ .7‬التم ّرد الكبري ضدّ موىس وإلهه‪ ،‬ومجزر ٌة بحق املتمردين راح ضحيتها ‪ً 14950‬‬

‫"وأخذ قورح بن يصها بن قهات بن الوي وداقان وأبريام ابنا ألياب وأون بن فالت بنو رأوبني يقاومون موىس مع أناس‬ ‫اسم" (عدد ‪)2-1 :16‬‬ ‫من بني إرسائيل مئتني وخمسني رؤساء الجامعة مدعوين لالجتامع ذوي ٍ‬

‫الرب قد اختارهام دونًا عن البقية‪ ،‬لذلك تق ّرر إجراء تجربة ثبت‬ ‫اشتكوا من "ترفّع" موىس عىل الجامعة‪ ،‬وشككوا يف أن ّ‬ ‫توسط لديه‪ ،‬ثم بعدها‪" :‬فقام موىس‬ ‫يف نتيجتها أن موىس وهرون عىل ٍّ‬ ‫الرب إبادة بني إرسائيل‪ ،‬لك ّن موىس ّ‬ ‫حق‪ ،‬وقد أراد ّ‬ ‫وذهب إىل داثان وأبريام وذهب وراء شيوخ إرسائيل فكلم الجامعة قائالً اعتزلوا عن خيام هؤالء القوم البغاة‪ ..‬وخرج‬ ‫داثان وأبريام ووقفا يف باب خيمتهام مع نسائهام وبنيهام وأطفالهام" (عدد ‪)27-25 :16‬‬ ‫"فلام فرغ من التكلم بهذا الكالم انشقت األرض التي تحتهم وفتحت األرض فاها وابتلعتهم وبيوتهم وكل من كان‬ ‫وكل ما كان لهم أحياء إىل الهاوية وانطبقت عليهم األرض فبادوا من بني الجامعة وكل‬ ‫لقورح مع كل األموال‪ .‬فنزلوا هم ّ‬ ‫الرب وأكلت املائتني‬ ‫إرسائيل الذين حولهم هربوا من صوتهم‪ .‬ألنهم قالوا لعل األرض تبتلعنا ‪ .‬وخرجت نا ٌر من عند ّ‬ ‫والخمسني رجالً الذين قربوا البخور" (عدد ‪)35-31 :16‬‬ ‫وقد كان من الطبيعي أن تثور حفيظة الشعب لهذه اإلبادة الكبرية‪" :‬فتذمر كل جامعة بني إرسائيل يف الغد عىل موىس‬ ‫الرب" (عدد ‪)41 :16‬‬ ‫وهرون قائلني أنتام قد قتلتام شعب ّ‬ ‫الرب أن يفنيهم إال أن وساطة موىس قد نجحت كالعادة‪ ،‬لكن وعىل سبيل الوقاية‪" :‬قال موىس لهرون خذ‬ ‫وإذ أراد ّ‬ ‫املجمرة واجعل فيها نا ًرا عىل املذبح وضع بخو ًرا واذهب بها مرس ًعا إىل الجامعة وكفّر عنهم أل ّن السخط قد خرج من‬ ‫الرب‪ .‬قد ابتدأ الوبأ‪ ..‬ووقف بني املوىت واألحياء فامتنع الوبأ‪ .‬فكان الذين ماتوا بالوبأ أربعة عرش ألفاً وسبع مئة‬ ‫قبل ّ‬ ‫عدا الذين ماتوا بسبب قورح" (عدد ‪)49-46 :16‬‬ ‫‪91‬‬


‫ظاهرة العنف يف العهد القديم‬ ‫شريف حوا‬

‫وكان التذ ّمر هنا قد بلغ أوجه وتسلل الرعب إىل بني إرسائيل جميعهم‪" :‬فكلّم بنو إرسائيل موىس قائلني إننا فنينا‬ ‫الرب ميوت‪ .‬أما فنينا متا ًما" (عدد ‪)13-12 :17‬‬ ‫وهلكنا‪ .‬وقد هلكنا جمي ًعا‪ّ .‬‬ ‫كل من اقرتب إىل مكان ّ‬

‫= مرحلة الفتوحات األوىل =‬ ‫حرب يخوضها بنو إرسائيل‪:‬‬ ‫‪ .1‬أول ٍ‬

‫"وملا سمع الكنعاين ملك غراد الساكن يف الجنوب أن إرسائيل جاء يف طريق أتاريم حارب إرسائيل وسبى منهم سب ًيا‪.‬‬ ‫الرب لقول إرسائيل ودفع الكنعانيني‬ ‫للرب وقال إن دفعت هؤالء القوم إىل يدي أحرم مدنهم‪ .‬فسمع ّ‬ ‫فنذر إرسائيل نذ ًرا ّ‬ ‫فحرموهم ومدنهم‪ ،‬فدعي اسم املكان ُحرم ًة" (عدد ‪)3-1 :21‬‬

‫‪ .2‬تذ ّمر الشعب يف طريق بحر سوف وإرسال الح ّيات‪:‬‬

‫"وتكلم الشعب عىل الله وعىل موىس قائلني ملاذا أصعدمتانا من مرص لنموت يف الربيّة ألنه ال خبز وال ماء وقد كرهت‬ ‫الرب عىل الشعب الح ّيات املحرقة فلدغت الشعب فامت قو ٌم كثريون من إرسائيل"‬ ‫أنفسنا الطعام السخيف‪ .‬فأرسل ّ‬ ‫(عدد ‪)6-5 :21‬‬

‫‪ .3‬لقاء ملك األموريون‪:‬‬

‫قائل دعني أم ّر يف أرضك‪ ..‬فلم يسمح سيحون إلرسائيل باملرور‪ ..‬فرضبه‬ ‫رسل إىل سيحون ملك األموريون ً‬ ‫"وأرسل إرسائيل ً‬ ‫إرسائيل بح ّد السيف و َملَك أرضه من أرنون إىل يبوق إىل بني عمون" (عدد ‪)24-21 :21‬‬

‫‪ .4‬لقاء ملك باشان‪:‬‬

‫الرب‬ ‫الرب يف إذرعي فقال ّ‬ ‫"ثم تح ّولوا وصعدوا يف طريق باشان فخرج عوج ملك باشان للقائهم هو وجميع قومه إىل ّ‬ ‫ملوىس ال تخف منه ألين قد دفعته إىل يدك مع جميع قومه وأرضه‪ ..‬فرضبوه وبنيه وجميع قومه حتى مل يبق له شارد‬ ‫وملكوا أرضه" (عدد ‪)35-33 :21‬‬

‫والرب ُييت ‪ 24‬ألفًا بالوباء‪:‬‬ ‫‪ .5‬إتّباع الشعب آللهة املوآبيني‬ ‫ّ‬

‫"وأقام إرسائيل يف شطيم وابتدأ الشعب يزنون مع بنات موآب‪ .‬تدعون الشعب إىل ذبائح آلهتهن فأكل الشعب وسجدوا‬ ‫الرب ملوىس خذ جميع رؤوس الشعب‬ ‫الرب عىل إرسائيل فقال ّ‬ ‫آللهتهن‪ .‬وتعلق إرسائيل ببعل فغور‪ .‬فحمي غضب ّ‬ ‫الرب عن إرسائيل‪ .‬فقال موىس لقضاة إرسائيل اقتلوا كل ٍ‬ ‫واحد قومه‬ ‫للرب مقابل الشمس فريتد حمو غضب ّ‬ ‫وعلّقهم ّ‬ ‫املتعلقني ببعل فغور" (عدد ‪)5-1 :25‬‬ ‫‪92‬‬


‫ظاهرة العنف يف العهد القديم‬ ‫شريف حوا‬

‫الرب برضب إرسائيل بالوبأ عقابًا لهم عىل عصيانه‪ ،‬ومن ثم‪" :‬إذا برجلٍ من بني إرسائيل جاء وقدم إىل أخوته‬ ‫قام ّ‬ ‫املديانية أمام عيني موىس وأعني جامعة بني إرسائيل وهم باكون لدى باب خيمة االجتامع‪ .‬فلام رأى ذلك فينحاس بن‬ ‫العازر بن عرون الكاهن قام من وسط الجامعة وأخذ رم ًحا بيده ودخل وراء الرجل اإلرسائييل إىل القبة وطعن كليهام‬ ‫الرجل اإلرسائييل واملرأة يف بطنها فامتنع الوبأ عن بني إرسائيل‪ .‬وكان الذين ماتوا بالوبأ أربعة وعرشين ألفًا" (عدد ‪:25‬‬ ‫‪)9-6‬‬

‫‪ .6‬مواجهة املديانيني‪ ،‬واملجزرة الكربى‪:‬‬

‫ألف من كل ٍ‬ ‫تم تجهيز ٍ‬ ‫سبط‪ ،‬استعدا ًدا ملقابلة املديانيني‪" :‬فتجندوا عىل مديان كام أمر‬ ‫جيش قوامه ‪ 12‬ألف جندي‪ٌ ،‬‬ ‫الرب وقتلوا كل ذكر‪ .‬وملوك مديان قتلوهم فوق قتالهم‪ .‬أوي وراقم وصور وحور ورابع‪ .‬خمسة ملوك مديان‪ .‬وبلعام‬ ‫ّ‬ ‫وكل أمالكهم‪.‬‬ ‫بن عور قتلوه بالسيف وسبى بنو إرسائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهامئهم وجميع مواشيهم ّ‬ ‫وأحرقوا جميع مدنهم مبساكنهم وجميع حصونهم بالنار‪ .‬وأخذوا كل الغنيمة وكل النهب من الناس والبهائم‪ .‬وأتوا إىل‬ ‫موىس وألعازر الكاهن وإىل جامعة بني إرسائيل بالسبي والنهب والغنيمة إىل املحلة إىل عربات موآب التي عىل أردن‬ ‫أريحا" (عدد ‪)12-7 :31‬‬

‫وعندما عاد الجيش‪ ،‬غضب موىس غض ًبا شدي ًدا ألنهم كانوا قد أبقوا عىل النساء ح ّي ٍ‬ ‫ات‪ ،‬وأتوا به ّن وباألطفال كسبايا‪.‬‬ ‫فقال لهم موىس‪" :‬فاآلن اقتلوا كل ذك ٍر من األطفال وكل امرأة عرفت رجالً مبضاجعة ذك ٍر اقتلوها‪ ،‬لكن جميع األطفال‬ ‫من النساء اللوايت مل يعرفن مضاجعة ذك ٍر أبقوه ّن لكم ح ّي ٍ‬ ‫ات" (عدد ‪)18-31:17‬‬ ‫يفصل كاتب السفر كيف ّية اقتسام النهب املسبي‪ ،‬واملاملك بني األسباط‪.‬‬ ‫ثم ّ‬

‫‪ .7‬محاربة سيحون ملك حبشون األموري‪:‬‬

‫الرب ملوىس‪" :‬قوموا ارتحلوا واعربوا وادي أرنون‪ .‬انظر قد دفعت إىل يدك سيحون ملك حبشون األموري وأرضه ‪.‬‬ ‫قال ّ‬ ‫ابتدئ متلك وأثر عليه حرباً" (تثنية ‪)24 :2‬‬ ‫الرب إلهنا أمامنا فرضبناه وبنيه وجميع قومه‪ .‬وأخذنا‬ ‫"فخرج سيحون للقائنا وجميع قومه للحرب إىل ياهص‪ .‬فدفعه ّ‬ ‫كل مدنه يف ذلك الوقت وحرمنا من كل مدينة الرجال والنساء واألطفال‪ .‬مل نبق شار ًدا‪ .‬لكن البهائم نهبناها ألنفسنا‬ ‫وغنيمة املدن التي أخذناها‪ .‬من عروعري التي عىل حافة وادي أرنون واملدينة التي يف الوادي إىل جلعاد مل تكن قربه قد‬ ‫الرب إلهنا أمامنا" (تثنية ‪)36-32 :2‬‬ ‫امتنعت علينا‪ .‬الجميع دفعه ّ‬

‫‪93‬‬


‫ظاهرة العنف يف العهد القديم‬ ‫شريف حوا‬

‫‪ .8‬لقاء عوج ملك باشان‪:‬‬

‫الرب إلهنا إىل أيدينا عوج أيضاً ملك باشان وجميع قومه فرضبناه حتى مل يبق له شارد ‪ .‬وأخذنا كل مدنه يف‬ ‫"فدفع ّ‬ ‫ذلك الوقت‪ .‬مل تكن قرية مل نأخذها منهم‪ .‬ستون مدينة‪ ..‬فحرمناهم كام فعلنا بسيحون ملك حبشون" (تثنية ‪)6-3 :2‬‬ ‫= املصادر =‬ ‫(‪ )1‬الكتاب املقدس‪ ،‬دار الكتاب املقدس يف الرشق األوسط‪ ،‬طبعة عام ‪1985‬‬ ‫(‪ )2‬سيد القمني‪ ،‬إرسائيل التوراة التاريخ التضليل‪ ،‬دار قباء‪1998 ،‬‬ ‫(‪ )3‬يوسف زيدان‪ ،‬الالهوت العريب وأصول العنف الديني‪ ،‬دار الرشوق‪ ،‬الطبعة الثانية‪2010 ،‬‬

‫‪94‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلّة امللحدين العرب مجل ٌة رقمي ٌة مبني ٌة‬ ‫ج ٍه سياسي؛‬ ‫ي تو ّ‬ ‫بجهودٍ فردي ٍة؛ وال تتبنّى أ ّ‬ ‫هدفها نشر أفكار امللحدين على اختالف‬ ‫جهاتهم وانتماءاتهم بحرّي ٍة كامل ٍة‪.‬‬ ‫تو ّ‬ ‫املعلومات والرسومات واملواضيع املطروحة‬ ‫تُعتبر مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية‬ ‫وناحية حقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬ ‫الناشرون‬ ‫امللحدين‬ ‫والالديني‬ ‫ّ‬ ‫بالنشر ‪.‬‬

‫هم من أعضاء مجموعة مجلة‬ ‫العرب‪ ،‬أو من الك ّتاب امللحدين‬ ‫ممّن مت ّ التواصل معهم ألخذ اإلذن‬

‫العامة‪،‬‬ ‫مناف لألخالق‬ ‫ُينع نشر كل ماهو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‪.‬‬ ‫لهيئة التحرير احلق ّ في نشر ما تراه مناس ًبا‬ ‫من املواضيع املوجودة في مجموعة اجمللة على‬ ‫موضوع ضمنها يُعتبر‬ ‫ي‬ ‫الفيس بوك ‪ ،‬فنشر أ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تفويضا ً للمجلّة بنشره‪.‬‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬ ‫‪magazine@arabatheistbroadcasting.org‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.