مجلة الملحدين العرب: العدد الخامس والثلاثون/ شهر أكتوبر / 2015

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫بعد مصيبة‬ ‫احلج هذا العام‬

‫العدد الخامس و الثالثون من مجلة امللحدين العرب لـ شهر أكتوبر سنة ‪2015‬‬

‫اإلميان املطلق و‬ ‫حاجز العقل‬ ‫‪Salah Iceberg‬‬ ‫املرتـد‬ ‫‪Hussein alqizwiny‬‬ ‫ماذا يفعل م ّدعو‬ ‫اإلعجاز العلمي؟‬ ‫‪John Silver‬‬

‫مجلة امللحدين العرب هي مجلة هدفها نشر‬ ‫مجلة امللحدين العرب هدفها نشر أفكار امللحدين‬ ‫والالدينيني العرب على اختالف توجهاتهم‬ ‫السياسية والعرقية بحري ٍة كاملة؛ وهي عبارةٌ عن‬ ‫ي‬ ‫مجل ٍة رقمي ٍة مبيني ٍة بجهودٍ فردية‪ ،‬وال تتبع إلى أ ّ‬ ‫توج ٍه سياسي‪.‬‬ ‫املعلومات واملواضيع املطروحة تُعتبر مسؤولية‬ ‫أصحابها من الناحية األدبية وحقوق النشر‬ ‫وامللكية الفكرية‪.‬‬ ‫مشروع و إنشاء الراحل‪ :‬جون سيلفر‬


‫فريق التحرير‬

‫املشارك في هذا العدد‬ ‫رئيس التحرير‪Gaia Athiest :‬‬

‫أعضاء هيئة التحرير و بناء اجمللة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫الغراب احلكيم‬ ‫‪Mouhmed Larbi‬‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Almolhed Alarabi‬‬ ‫‪Abdulkarim Ahmad Azizi‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫ماري غزال‬ ‫أسامة الوراق‬ ‫نور مصاروة‬ ‫ليث رواندي‬ ‫‪Abdu Alafrani‬‬ ‫‪Zaher Zaher‬‬

‫كلمة حترير اجمللة‬ ‫أياما‬ ‫إن حلول موسم احلج كل ٍ‬ ‫عام ميثل للمسلمني ً‬ ‫مباركة وفرص ًة لغسل اخلطايا وقراءة القرآن والتسبيح‬ ‫والصوم والتعبد‪ ،‬دون أن يفكّروا بهذه الشعائر‪ ،‬من أين‬ ‫أتت وما الغرض منها‪ ،‬وملاذا يُحب هذا اإلله الوهمي‬ ‫أن يركضوا شبه عرا ٍة بني الصفا واملروة أو أن يطوفوا‬ ‫بالكعبة‪ ،‬أو أن يقوموا برمي اجلمرات على صخرة‬ ‫حبس فيها!‬ ‫يعتقدون أن الشيطان قد ُ‬ ‫ملاذا لم يتساءلوا‪ ،‬ما حاجة اإلله بهكذا حركات‬ ‫بهلوانية؟ وفي بقعة محددة!‬ ‫وكيف كان احلج في مكة قبل اإلسالم؟ هل يعلمون‬ ‫يا تُرى أن محمد أبقى على كل الشعائر كما هي كي‬ ‫يُرضي األعراب؟ كيف بصدفة عجيبة جتعل اإلله يرضى‬ ‫متاما ملا كان يفعله الوثنيون؟‬ ‫بعبادة مماثلة ً‬ ‫أياما مفترجة‪ ،‬وشعائر تخلّصهم من‬ ‫هم يرونها‬ ‫ً‬ ‫خطاياهم‪ ،‬ونحن نراها صورةً متجلي ًة لغسيل األدمغة‬ ‫وأثره في العقول! أن ترى هذه اجلموع وهذه األعداد جتتمع‬ ‫لتفعل «الشيء»!‬ ‫ما الذي استفادته البشرية على مدى ‪ 1400‬سنة من‬ ‫هؤالء احلجيج؟‬ ‫ما الذي ق ّدموه ألنفسهم وألوطانهم من وراء ركضهم‬ ‫وطوافهم ورميهم للجمرات!‬ ‫ما نراه أنهم وحتى اآلن ق ّدموا مليارات املليارات لتلك‬ ‫األسرة احلاكمة التي تستغلّهم كي تزيد ثرواتها‬ ‫وتتضاعف!‬ ‫قصرت‪ ،‬وإن أهملت‪ ،‬وإن مات اآلالف منهم‬ ‫حتى وإن ّ‬ ‫دائما ترياق‬ ‫مدعوسني أو مختنقني و محترقني‪ ،‬هنالك ً‬ ‫ُمخ ّدر من الشيوخ ببعض اجلمل والدعاوذ‪ ،‬جتعلهم‬ ‫يتمنّون املوت هناك ً‬ ‫بدل من التفكير في محاسبة اجلناة‬ ‫والقتلة احلقيقيني!‬ ‫تقدم وأي تطورٍ تنتظره ممّن سلّم عقله ألصحاب‬ ‫فأي‬ ‫ٍ‬ ‫العمائم واللحى‪ ،‬يلهون به كما يريدون!‬ ‫رئيس التحرير‬

‫‪Gaia Athiest‬‬

‫‪Zorba Zad‬‬ ‫‪Ishtar Serene‬‬ ‫‪Tiky Mikky‬‬ ‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫بعد مصيبة احلج هذا العام‬ ‫سامي الذيب‬

‫‪4‬‬

‫اإلميان املطلق وحاجز العقل‬ ‫‪Salah Iceberg‬‬

‫‪9‬‬

‫املرتد‬ ‫‪Hussein Alqizwiny‬‬

‫‪14‬‬

‫ماذا يفعل م ّدعو اإلعجاز العلمي؟‬ ‫‪John Silver‬‬

‫‪18‬‬

‫حامت اإلمام ‪ ..‬في حوار مع‬

‫‪21‬‬

‫الدين و منوذج عجلة القوة والسيطرة‬ ‫‪Ishtar Serene‬‬

‫‪38‬‬

‫اإلجهاز على شبهة اإلعجاز‬ ‫في أساطير احلجاز‬ ‫‪Matheos Harison‬‬

‫‪48‬‬

‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫‪58‬‬

‫‪3‬‬


‫بعد مصيبة الحج هذا العام‬ ‫أعيد عليكم اقرتاحي‪:‬‬ ‫بناء كعب ٍة يف كل مدينة وكل قرية‬

‫سامي الذيب‬ ‫التعازي واجبة‬ ‫مسلم‪ ،‬حتى أ ّن الله ووفقًا للمصادر اإلسالمية ذاتها‪،‬‬ ‫أعرف أ ّن الدين اإلسالمي ال يسمح بالرت ّحم عىل من مات غري‬ ‫ٍ‬ ‫منع محمد من الرت ّحم عىل والدته‪ .‬وهذه تعالي ٌم بح ّد ذاتها غري إنسانية ويجب مراجعتها من ِقبَل املسلمني‪.‬‬ ‫تعازي ألهايل‬ ‫وأنا شخص ًيا أتر ّحم عىل كل متوىف مهام كانت ديانته ومهام كانت أفعاله‪ .‬وعىل هذا األساس‪ ،‬أق ّدم‬ ‫ّ‬ ‫املتوفني يف الحادث األليم يف مكة‪ ،‬وأدعـو الله أن يتغ ّمدهم بواسع رحمته‪ ،‬وأن يهب الشفاء العاجل للمصابني‪.‬‬

‫‪4‬‬


‫بعد مصيبة‬ ‫الحج هذا العام‬

‫سامي الذيب‬

‫أجراس إنذار‬

‫فلسطيني زار مكة للعمرة ورجع متأملًا‪ .‬وقال يل أ ّن مكة خالفًا ملدينة القدس‪ ،‬فقدت روحها مع عامراتها‬ ‫صديق يل‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫الشامخة‪ .‬وأنا أفهم اهتامم السلطات السعودية يف توسيع الحرم ليك يتسع لألعداد الهائلة والذين يرغبون بإجراء‬ ‫مناسك الحج والعمرة يف مكانٍ ضيق‪ ،‬ولكن هذا يتطلب إعادة النظر يف هذا الطقس‪ ،‬وإن كان ما حدث يف مكة ُيكن‬ ‫أيضا إعامل العقل‪.‬‬ ‫أن يحدث يف كل مكانٍ يف العامل‪ ،‬فإنه من املهم ً‬ ‫تفش وباء “مريز” القاتل بني الحجاج‪ ،‬وللعلم أ ّن هذا الوباء قد يكون سببه بول اإلبل‬ ‫دعونا نتص ّور ‪-‬ال سمح الله‪ّ -‬‬ ‫عمل بالحديث النبوي املعروف والذي رآه البعض إعجازًا علم ًيا‪ .‬ووفقًا للمصادر املتوفرة‪،‬‬ ‫الذي يتعالج به املسلمون ً‬ ‫تفش مثل هذا الوباء بني الحجاج يا ترى‪..‬؟ أترك لكم تص ّور مدى‬ ‫السعودية هي موطن هذا الوباء‪ .‬فام هي عواقب ّ‬ ‫الكارثة التي ستصيب الدول اإلسالمية عند رجوع الحجاج إىل بالدهم املختلفة‪ ،‬خاص ًة تلك التي ال تتوفر فيها وسائل‬ ‫العالج والوقاية‪ .‬وقد رأينا ما حدث يف كوريا الجنوبية بسبب هذا األمر بعد عودة مواطنٍ ٍ‬ ‫واحد من السعودية‪ .‬عىل‬ ‫من تقع املسؤولية يف هذه الحالة؟ فهل نلوم السعودية ونطالبها بتحمل مصاريف العالج وعواقب املرض اإلقتصادية؟‬ ‫أم نلوم الدول التي سمحت ملواطنيها بالذهاب إىل دول ٍة موبوءة؟ أم نلوم الرشكات التي قامت بتنظيم رحالت الحج؟‬

‫أحمد القبانجي‪ :‬ال فائدة للحج عند املسلمني‬

‫زميلنا يف الحوار املتمدن‪ ،‬املفكر العراقي أحمد القبانجي‪ ،‬رشح يف محارض ٍة [‪ ،]2‬بأنه ال يرى فائد ًة يف الحج اليوم‪ ،‬وال‬ ‫حاجة يل أن أك ّرر ما قاله‪ .‬فلريجع القارئ لهذا الرشيط‪ ،‬كام ميكن الرجوع ملقالته «محارضة العقالنية يف الشعائر‬ ‫والطقوس» [‪]3‬‬

‫السيد القمني‪ :‬بناء كعبة يف سيناء‬

‫زميلنا يف الحوار املتمدن السيد القمني عرض فكر ًة أخرى‪ :‬بناء‬ ‫كعب ٍة يف سيناء‪ ،‬والتي هي مهبط الوحي عىل النبي موىس[‪.]4‬‬ ‫تحل كعبة سيناء مكان كعبة‬ ‫ولكنه مل يجرؤ أن يقول بأن ّ‬ ‫مكة‪ ،‬بينام رأى أنه ببناء مثل تلك الكعبة فائد ٌة اقتصادي ٌة‬ ‫كبري ٌة ملرص يق ّدرها بنحو ‪ 30‬مليار جنيه سنوي‪ .‬وقد أثار هذا‬ ‫االقرتاح نقاشً ا حا ًدا‪ ،‬كام رأى البعض يف مطلبه ازدرا ًء لألديان‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫بعد مصيبة‬ ‫الحج هذا العام‬

‫سامي الذيب‬

‫نيجرييا تبني كعبة‬

‫مجسم للكعبة يطوف حوله النيجريون و(يقولون أ ّن الله موجو ٌد يف‬ ‫وهناك خ ٌرب يقول بأ ّن نيجرييا قامت بصنع‬ ‫ٍ‬ ‫كل مكانٍ فال داعي ألن يرسق آل سعود أموالنا)‪ .‬ويأيت بناء هذا املجسم بعد أن قرفوا من آل سعود وقرفوا من‬ ‫مجسم للكعبة لتدريب الحجاج‬ ‫طريقة نهبهم ألموالهم فقرروا إنشاء كعب ٍة خاص ٍة بهم‪ .]5[.‬أما يف تونس‪ ،‬فقد ت ّم بناء‬ ‫ٍ‬ ‫واملعتمرين عىل املناسك‪ .‬وأوضحت الجمعية التونسية للحج والعمرة أ ّن ما ت ّم تداوله إعالم ًيا عن بناء كعب ٍة يف تونس‬ ‫بديل ٍة عن الكعبة املرشفة يف مكة املكرمة‪ ،‬غري صحي ٍح عىل اإلطالق[‪ .]6‬ولكن قد تكون هذه خطو ٌة أوىل يف الطريق‬ ‫الصحيح‪ ،‬خاص ًة وأ ّن األرض كلها هي لله‪ ،‬وليس فقط كعبة آل سعود‪.‬‬

‫مكة والقبلة يف القرآن ليس من أصل‬ ‫القرآن‬

‫ٍ‬ ‫كعبات تنافس كعبة مكة يعترب يف‬ ‫بطبيعة الحال بناء‬ ‫املنظور التجاري عملي ًة تنافسية‪ .‬وكعبة مكة مل تكن‬ ‫الوحيدة يف الجزيرة العربية‪ ،‬وكان يف تلك الكعبات‬ ‫حج ٌر أسو ٌد ٌ‬ ‫مامثل ملا هو موجو ٌد يف مكة [‪ ،]7‬و الجدير‬ ‫بالذكر أ ّن الحجر األسود قد تكرس عىل م ّر الحوادث التي‬ ‫مرت به‪ .‬كان قطر الحجر األسود حوايل ‪ 30‬سم‪ ،‬أما اآلن‬ ‫ٍ‬ ‫حصوات صغرية ٍج ًدا يف حجم‬ ‫يتبق منه سوى مثان‬ ‫فلم ّ‬ ‫التمرات ويحيط بها إطار من الفضة[‪ .]8‬وقد تم هدم‬ ‫تلك الكعبات خوفًا من التنافس مع كعبة مكة[‪.]9‬‬ ‫وقد اعتمد الفقهاء املسلمون عىل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وأحاديث نبوي ٍة للقول بأ ّن القبلة يف بداية اإلسالم كانت بيت املقدس أي‬ ‫آيات‬ ‫مدينة القدس‪ ،‬ثم تحولت يف السنة الثانية للهجرة نحو الكعبة‪ .‬ولكن اآليات القرآنية غري دقيق ٍة يف تحديد القبلة‬ ‫األوىل أو القبلة الثانية‪ .‬وتشري الدراسات أ ّن إتجاه القبلة يف مساجد عدة بنيت يف القرن الهجري األول مل تكن إىل‬ ‫ٍ‬ ‫كتاب صدر عام ‪Dan( 2011‬‬ ‫كعبة مكة بل إىل اتجا ٍه آخر‪ .‬وبنا ًء عىل‬ ‫معطيات جغرافي ٍة يرى (غيبسون‪ )Gibson-‬يف ٍ‬ ‫‪ )Gibson: Qur anic Geography. Independent Scholars Press, Canada, 2011‬أ ّن القبلة يف تلك املساجد‬ ‫تشري إىل مدينة البرتاء يف األردن‪.‬‬

‫‪6‬‬


‫بعد مصيبة‬ ‫الحج هذا العام‬

‫سامي الذيب‬

‫وبعد فحص ملخطوطات قدمية للقرآن الكريم وجد هذا املؤلف أن اآليات ﴿‪ 143-145‬من سورة البقرة﴾ غري موجود ٍة‬ ‫يف تلك املخطوطات‪.‬‬ ‫ويستنتج بأ ّن هذه اآليات أضيفت الحقًا يف العرص العبايس إىل القرآن الكريم‪ .‬وهذه هي اآليات التي أضيفت إىل‬ ‫القرآن‪ ،‬وهي ليست من أصل القرآن‪:‬‬ ‫﴿‪َ : ﴾143 : 2‬وكَ َٰذلِ َك َج َعلْ َناكُ ْم أُ َّم ًة َو َسطًا لِتَكُونُوا شُ َه َدا َء َع َل ال َّن ِ‬ ‫اس َويَكُو َن ال َّر ُس ُ‬ ‫ول َعلَيْ ُك ْم شَ هِي ًدا َو َما َج َعلْ َنا الْ ِقبْلَ َة‬ ‫الَّ ِتي كُ ْن َت َعلَ ْي َها إِ َّل لِ َن ْعلَ َم َم ْن يَتَّ ِب ُع ال َّر ُس َ‬ ‫ل َع ِق َب ْي ِه َوإِ ْن كَانَ ْت لَ َك ِب َري ًة إِ َّل َع َل ال َِّذي َن َه َدى اللَّ ُه َو َما‬ ‫ول ِم َّم ْن يَ ْن َقلِ ُب َع َ ٰ‬ ‫كَا َن اللَّ ُه لِ ُي ِضي َع إِ َميانَ ُك ْم إِ َّن اللَّ َه بِال َّن ِ‬ ‫اس لَ َر ُء ٌ‬ ‫الس َماء فَلَ ُن َولِّ َي َّن َك ِق ْبلَ ًة‬ ‫وف َر ِحي ٌم﴿‪﴾144 : 2‬قَ ْد نَ َرى تَ َقل َُّب َو ْجه َِك ِفي َّ‬ ‫اب لَ َي ْعلَ ُمو َن‬ ‫ت َ ْر َضا َها فَ َو ِّل َو ْج َه َك شَ طْ َر الْ َم ْسج ِ​ِد الْ َح َر ِام َو َح ْيثُ َما كُنتُ ْم فَ َولُّوا ْ ُو ُج ِو َه ُك ْم شَ طْ َر ُه َوإِ َّن ال َِّذي َن أُ ْوت ُوا ْ الْ ِكتَ َ‬ ‫اب ِبك ُِّل آيَ ٍة َّما تَ ِب ُعوا ِق ْبلَتَ َك‬ ‫أَنَّ ُه الْ َح ُّق ِمن َّربِّ ِه ْم َو َما اللّ ُه ِب َغا ِفلٍ َع َّما يَ ْع َملُو َن ﴿‪َ : ﴾145 : 2‬ول ِ َْئ أَتَ ْي َت ال َِّذي َن أُوتُوا الْ ِكتَ َ‬ ‫نت ِبتَا ِبعٍ ِقبْلَتَ ُه ْم َو َما بَ ْع ُض ُهم ِبتَا ِبعٍ ِقبْلَ َة بَ ْع ٍض َول ِ َِئ اتَّبَ ْع َت أَ ْه َوا َء ُهم ِّمن بَ ْع ِد َما َجا َء َك ِم َن الْ ِعل ِْم إِنَّ َك إِذًا لَّ ِم َن‬ ‫َو َما أَ َ‬ ‫الظَّالِ ِم َني‪.‬‬

‫الحج ملن يستطيعه‬

‫ٍ‬ ‫ألحض رسالة الدكتوراه‪ .‬وكنت ابدأ يومي بالتصبيح عىل رجلٍ‬ ‫بسيط مبالبسه التقليدية‬ ‫كنت يف مرص عام ‪ّ 1976-1977‬‬ ‫يبيع الصحف والجرائد عىل الرصيف‪ .‬وكنا نتبادل أطراف الحديث وأستمتع بلهجته املرصية الجميلة‪ .‬ويف أحد األيام‬ ‫أخذ بيده عد ًدا من مجلة (املصور) التي كان رئيس تحريرها (أنيس منصور)‪ ،‬وقد وضع هذا األخري عىل الغالف صورته‬ ‫وهو يق ّبل الحجر األسود‬ ‫فقال معلقًا‪« :‬شوف هذا الكافر يريد أن يظهر نفسه متدين فيصور نفسه أمام الحجر األسود عىل مجلته»‪ .‬وبيشء‬ ‫مال حتى أزور بيتك﴾‪ .‬فسألته‪« :‬هل تريد أن تحج؟»‪ ،‬فأجاب‬ ‫من املرارة رفع يده إىل السامء يدعو‪﴿ :‬ريب ارزقني ً‬ ‫تحج من دون نقود ‪ ...‬اسمع مني‪ :‬خذ أول عمود كهرباء عىل هذا‬ ‫بنعم‪ .‬فقلت له‪« :‬عندي أسلوب أدلّك عليه حتى ّ‬ ‫الشارع وطُف حوله سبع مر ٍ‬ ‫ات‪ ،‬وإستعمل نقودك إلطعام أوالدك‪ ،‬والله سوف يحسب لك هذا الطوفان ح ًجا مربو ًرا»‪.‬‬ ‫وخفت أن أكون قد بالغت يف كالمي خاص ًة أين مسيحي وأتدخل فيام ال يعنيني‪ ،‬غري أن هذا الرجل البسيط فاجأين‬ ‫باملوافقة عىل قويل‪« :‬كالمك صحيح!» وأظ ّن أنه بات تلك الليلة مرتاح الضمري‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫بعد مصيبة‬ ‫الحج هذا العام‬

‫سامي الذيب‬

‫اقرتاح‬ ‫بدل من رصف مبالغ طائلة يستفيد منها آل سعود‪ ،‬أقرتح بناء كعبة يف كل مدينة وكل قرية يف الدول العربية‬ ‫ً‬ ‫واإلسالمية‪ ،‬وأن يت ّم فتح صندوق للتربع للصالح العام‪ .‬فمن يريد الحج لكعبة آل سعود‪ ،‬ما عليه إال أن يدفع مبل ًغا‬ ‫معي ًنا‪ ،‬قل ربع تكاليف الحج‪ ،‬ويتم إستعامل هذه املبالغ لبناء مصانع ومستشفيات ومدارس وبيوت للفقراء‪ .‬فحسب‬ ‫القرآن ذاته‪ ،‬الحسنات يُذهنب السيئات‪﴿ ...‬سورة هود ‪ .﴾114‬فمن يطمع يف غفران الله من خالل الحج إىل كعبة آل‬ ‫سعود‪ ،‬ميكنه كسب هذه املغفرة من خالل عمل الخري يف مدينته وقريته‪ .‬وهناك حديثٌ‬ ‫نبوي شه ٌري يقول‪ :‬األقربون‬ ‫ٌّ‬ ‫أوىل باملعروف‪ .‬ورصف األموال للصالح العام يف كل مدين ٍة وكل قري ٍة هو أفضل مليون مر ًة من رصفها آلل سعود‪.‬‬ ‫عاقل ممكن أن يختلف معي يف هذا املوضوع‪ ،‬لكن ما العمل مع املغ ّيبني الذين يرفضون هذا الكالم‬ ‫وال أظن أ ّن ً‬ ‫ويتمسكون بقشور الدين‪ ،‬ويفضلون إغناء آل سعود بدلً من عمل الخري يف مدنهم وقراهم؟‬ ‫الجواب بسي ٌط ج ًدا‪ :‬يجب عرضهم عىل طبيب األمراض العقلية‪.‬‬ ‫د‪ .‬سامي الذيب‬ ‫مدير مركز القانون العريب واإلسالمي [‪]10‬‬ ‫كتبي املجانية‪]11[ :‬‬ ‫طبعتي العربية للقرآن‪ :‬ورقيا من أمازون [‪]12‬أو مجانا من [‪]13‬‬ ‫حلقايت يف برنامج البط األسود [‪]14‬‬ ‫حلقتي حول ترجمة القرآن اآلليات واملشاكل‬ ‫املصادر‬ ‫[‪ ]1‬بناء كعبة يف كل مدينة وكل قرية ‪ -‬سامي الذيب الحوار املتمدن – العدد‪4923‬‬ ‫املحور‪ :‬العلامنية‪ ،‬الدين السيايس ونقد الفكر الديني ‪ .‬ال فائدة من الحج عند املسلمني‬ ‫ أحمد القبانجي [‪]2‬‬‫[‪ ]3‬محارضة العقالنية يف الشعائر والطقوس‬ ‫أحمد القبانجي ‪-‬الحوار املتمدن‪ -‬العدد‪3972‬‬ ‫املحور‪ :‬العلامنية ‪ ،‬الدين السيايس ونقد الفكر الديني‬ ‫[‪ ]4‬الفجر‪ -‬يومية جزائرية مستقلة‪ :‬القمني يتوقع أن تدر ‪ 3‬مليارات دوالر عىل مرص !؛ اهتامم بريطاين باملرصي الذي يدعو إىل بناء كعبة يف‬ ‫سيناء‬ ‫[‪ ]5‬آخر خرب ‪ ..‬نيجرييا تبني مجسم للكعبة يطوف حوله النيجرييون‬ ‫[‪ ]6‬سبق | تونس تنفي بناءها كعبة ودعوة املسلمني للحج إليها‬ ‫[‪ ]7‬الكعبات – ويكيبيديا ‪ ،‬املوسوعة الحرة‬ ‫‪]8[.‬موقع الشيخ محمد العريفى الثاين (صفحة الفيسبوك)يف مقال بعنوان‪ :‬الحجر األسود‪ ..‬ركن الكعبة ورائحة الجنة الزكية‪.‬‬ ‫[‪]9‬موقع الذاكرة‪ ،‬مقال بعنوان تاريخ الكعبة والكعبات موقع سامي الذيب‪ ،‬مركز القانون العريب واإلسالمي‬ ‫[‪]11[ ]10‬مركز القانون العريب اإلسالمي‬ ‫[‪:Koran in chronological order Amazon.com ]12‬‬ ‫[‪ ]13‬القرآن بالتسلسل التاريخي – مركز القانون العريب واإلسالمي‬ ‫[‪]14‬املوقع الرسمي لربنامج البط األسود عىل اليوتيوب‪ ،‬كل اللقاءت والحلقات مع الدكتور سامي الذيب يف برنامج البط األسود‬

‫‪8‬‬


‫اإلميان املطلق وحاجز العقل‬ ‫‪Salah Iceberg‬‬

‫نت الْ َعلِي ُم الْ َح ِكي ُم ﴾‪.‬‬ ‫﴿ ُس ْب َحانَ َك الَ ِعلْ َم لَ َنا إِالَّ َما َعلَّ ْمتَ َنا إِنَّ َك أَ َ‬ ‫طب ًعا ال يختلف اثنان عىل هذا‪ ،‬لكن املشكلة أن املعرفة ال تأيت مبارش ًة كـالوحي‪ ،‬رغم أن الله قاد ٌر عىل أن يفعلها‬ ‫بقدرته بتعليم الناس مبارشة‪ ،‬لكنه اختار أن يعلّم عن طريق الوسيط املعلّم ﴿النبي﴾‪ ،‬ومنه إىل الوسيط‪ ،‬ووسيط‬ ‫أحب‪ ‬املعرفة والعلم‬ ‫الوسيط‪ ،‬سلسل ٌة طويل ٌة ال أعرف بدايتها بالتدقيق‪ ،‬ولن أستطيع أن أخ ّمن نهايتها‪ ،‬وألنني ّ‬ ‫والتعليم‪ ،‬فقد اخرتت أرسيت كنموذ ٍج بسيط‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫اإلميان املطلق‬ ‫وحاجز العقل‬

‫‪Salah Iceberg‬‬

‫أيب‪ ‬الطيب قىض حياته البائسة نكرة‪ ،‬يعمل ألجل آخرته فقط‪ ،‬شديد اإلميان بأن الحسنة تساوي عرشة أمثالها‪ ،‬ودون‬ ‫أي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يوم من طلوع الفجر إىل الشفع والوتر‪ ،‬ويقرأ‬ ‫يصل ّ‬ ‫مرصف ما‪ ،‬كان ّ‬ ‫نقدي‪ ‬يف جيبه أو يف‬ ‫رصيد‬ ‫كل ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ذلك ال ميلك ّ‬ ‫كل يوم‪ ،‬ويقرأ دليل الخريات ونهج الربدة لـ (اإلمام البوصريي)‪ ،‬فتعلّم يف الكتاب كل ما يعرف ‪-‬يف الغالب عن‬ ‫القرآن ّ‬ ‫شيخ نكرة كذلك‪ -‬بعكس أمي‪ ،‬فقد كان هو معلمها وشيخها املفضل‪ ،‬وكانت فخور ًة به‪ ،‬رغم أن تعليمها قد اقترص عىل‬ ‫الشفهي فقط‪ ،‬ومل يتجاوز طريقة الوضوء وبعض اآليات القصرية ألداء الصالة‪ ،‬وقصة عيل بن أيب طالب ورأس الغول‬ ‫املحفوظة عن ظهر قلب‪.‬‬ ‫لكن أكرب معجز ٍة كانت تحكيها أمي عن القدرة اإللهية‪ ،‬وقد أخذتها عن أيب كذلك‪ ،‬لكن دون مصد ٍر أو مرجع‪ ،‬و هي‬ ‫﴿معجزة البعوضة﴾ التي رشبت البحر فاستغرب وفغر فاه من ش ّدة اإلعجاب‪ ،‬مل نكن نضحك أمام املسكينة‪ ،‬فهي فقط‬ ‫شخصا ملتح ًيا قرأ مئات‬ ‫كانت تشارك يف حديث بنصيبها من املعرفة‪ ،‬لكن الغريب ليس أمي‪ ‬فقط‪ ،‬فقد تجد اليوم‬ ‫ً‬ ‫رب العباد لتنزل كالسقف بغضبها‪ ،‬وتخنق‬ ‫الكتب‪ ،‬يقول نفس اليشء‪ ،‬كام يقول (الشيخ الشعراوي)‪ :‬إن السامء استأذنت ّ‬ ‫رب العباد للسامء واألرض‪ ،‬دعوهم‪ ..‬إنهم عبادي‪،‬‬ ‫عباده الكفرة الظاملني‪ ،‬وقالت األرض دعني أميد بهم وأخسفهم‪ ،‬فقال ّ‬ ‫فت ّدد الجامعة املغ ّيبة الحارضة أمامه‬ ‫أنا خلقتهم وأنا أعلم بهم‪ ،‬ورغم ذلك فنحن ال نق ّدر رحمة الله بنا وعطفه علينا‪ُ ،‬‬ ‫﴿اللــه﴾‪ ،‬فلو قلت له‪ :‬يا شيخ لقد تخ ّرجت أنت وأمي من نفس الجامعة لَغضب‪.‬‬ ‫طيب مسك ٌني يحمل خرافة‪ ،‬ويعرف أنني أبعد ما أكون عن طريق الله‪ ،‬ويدعو‬ ‫مل أدخل يو ًما يف نقاش مع أيب‪ ،‬ألنّه ٌ‬ ‫رجل ٌ‬ ‫صل وسلّم‪ ،‬ألنه ال يريدين أن أُحرم من نعيم الج ّنة كام يتخ ّيلها ويحلم بإدراكها‪ ،‬ما جعلني أفكر‪ ،‬ملاذا‬ ‫يل بالهداية كلّام ّ‬ ‫ال يفعل الشيوخ نفس اليشء بدل الوعيد والدعوة إىل استعامل العقل؟ العقل املسلم طب ًعا‪ ،‬مبعنى أنك إذا استعملت‬ ‫(مريض نفيس)‪ ،‬ويف حاجة إىل ُرقية من القرآن يك تتوب‬ ‫عقلك يف فهم ما حولك خارج منظومة اإلميان بخالقك‪ ،‬فأنت‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫محفوظ قبل آدم‪ ،‬لكن إذا اعرتضت فأنت (مجنو ٌن كافر)‪.‬‬ ‫وتعود إىل رشدك‪ ،‬ألن الله دبّر حياتك يف لو ٍح‬ ‫ال يهم الشيوخ أن تدخل الج ّنة أو النار بقدر ما يهمهم أن يحافظوا عىل مصدر رزقهم وفضله عليهم‪ ،‬ألنهم ينوبون عن‬ ‫وجل ورسوله ﷺ‪.‬‬ ‫أولي األمر‪ ،‬فيحثون عىل طاعتهم‪ ،‬ألن طاعتهم من طاعة الله ع ّز ّ‬ ‫يوم يك ّررون يف املساجد والقنوات‪ ،‬وكل يوم جمع ٍة منذ أربعة عرش قرنًا ﴿من يهده الله فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل‪،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫صحيح ‪ ..‬أنا معك‪ ،‬فقد أضلّني الله لحاج ٍة ال يعلمها إال هو‪ ،‬سيقول لك‪ :‬ال‪ ..‬اسألوا‬ ‫فال هادي له﴾‪ .‬فعندما تقول له‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫أهل الذكر (أصحاب املكانس يف الوجوه) إن كنتم ال تعلمون‪ ،‬ويخرج لك تَرسان ٌة من الكتب واألحاديث‪ ،‬ليرشح لك‬ ‫استسلمت لغواية الشيطان‪ ،‬وإذا قلت له‪ :‬نعم ‪ ..‬معك حق فقد أغواين‬ ‫بالدليل أنك إذا مل تؤمن فألنك ال تريد‪ ،‬فقد‬ ‫َ‬ ‫قريب من اإلميان‪.‬‬ ‫إبليس اللعني‪ ،‬ألن الله قد ر ّخص له بذلك‪ ،‬يقول لك باب التوبة مفتوح‪ ،‬وما دمت تعرف ذلك فأنت ٌ‬ ‫‪10‬‬


‫اإلميان املطلق‬ ‫وحاجز العقل‬

‫‪Salah Iceberg‬‬

‫كيف ترشح له أنك ال متلك ذ ّر ًة من اإلميان؟ وال تشعر بتلك القشعريرة التي يشعر بها املؤمن عند ذكر الله أو أحد‬ ‫التجل الذي يشعر به‪ ،‬وهو يشاهد رشيطًا أنجزه الكفار امللحدون من دراستهم‬ ‫أنبيائه‪ ،‬أو عند سامع آذانه‪ ،‬أو ذلك ّ‬ ‫حول األرض والكواكب والنجوم‪ ،‬و وضع له املؤمنون صوت ًا عرب ًيا مبي ًنا‪ ،‬يردد آيات ب ّينات ملعجزات القرآن‪ ،‬متوع ًدا‬ ‫بعذاب أليم‪.‬‬ ‫الكافرين‬ ‫ٍ‬ ‫مستحيل أن يكون من صنعه هو من أرسل‬ ‫ٌ‬ ‫كيف ترشح له أن هذا الكون العظيم الـالنهايئ‪ ،‬املتناهي الدقّة يف الصنع‪،‬‬ ‫األنبياء للبرش‪ ،‬ليعلموهم كيف يغسلون مؤخراتهم يك يعبدونه‪ ،‬وليخربوهم أنه ما خلقهم إال من أجل ذلك‪ ،‬واصطفى‬ ‫أحسنهم وأحبهم إىل قلبه لخري أم ٍة من أممه‪ ،‬ويعدهم بالج ّنة إذا كانوا مطيعني مخلصني له الدين؟‬ ‫يفضل دي ًنا‪ ‬من أديانه‬ ‫كيف ترشح له أن هذا الرب الخالق القادر‪ ،‬كيف يحلّل شيئًا للبعض ويح ّرمه عىل البعض‪ ،‬وكيف ّ‬ ‫عىل آخر‪ ،‬وإن كانت النهاية واحدة‪ ،‬إليه املرجع واملآب‪ ،‬فإما الثواب أو العقاب؟‬ ‫كيف ترشح له أن االنسان هو من خلق الله بالتدريج وليس العكس‪ ،‬من التجسيد إىل التجريد‪ ،‬وجعل إبليس رشيكًا له‬ ‫غيتها من ٍ‬ ‫موقد آلخر؟ ويخرجه كل‬ ‫يف امللك‪ ،‬ذلك الذي ُخلق من نا ٍر وسيعذّبه بالنار‪ ،‬مبعنى ماذا يحدث لجمرة إذا أنت ّ‬ ‫مئة ألف سن ٍة من هذه النار‪ ،‬ويُحرض إليه آدم من الجنة‪ ،‬ويطلب منه السجود له من جديد ‪ ..‬فيأىب إبليس‪ ،‬ثم يعيده‬ ‫إىل النار‪ ،‬يعني أن القضية مل تنته بعد ولن تنتهي أب ًدا‪ ،‬فيام ينعم الصالحون يف الج ّنة بحور العني‪ ،‬يَ ْصىل أتباع إبليس‬ ‫نا ًرا ذات لهب‪.‬‬ ‫منتقم‪ ..‬ضا ًّرا‪..‬‬ ‫لقد َخلق اإلنسان الله عىل صورة األب املسيطر‪ ،‬يس السيّد‪﴿ ،‬جبا ًرا‪ ..‬قويًا‪ ..‬عني ًدا‪ ..‬متك ًربا‪ ..‬قها ًرا‪ ..‬ماك ًرا‪..‬‬ ‫ً‬ ‫أساسا برشط العبودية املطلقة‪،‬‬ ‫خافضا‪ ..‬مميتًا‪ ..‬مان ًعا‪ً ..‬‬ ‫ً‬ ‫مذل‪ ..‬متعال ًيا﴾‪ ،‬باإلضافة إىل األسامء اللطيفة الجميلة التي تُقرتن ً‬ ‫للنجاة من الصفات األوىل املقيتة‪.‬‬ ‫كانت القنوات الدينية تعمل جاهد ًة للرفع من كلمة الله‪ ،‬وتدفع بالعملة الصعبة ملجتبيها‪ ،‬فرتى الشيوخ من املنابر‬ ‫كاملالئكة أو الحامم األبيض فوق زرا ّيب مبثوثة‪ ،‬ينبّهون الغافلني والعصاة عن ِذكر الله‪ ،‬أو يناظرون بعضهم البعض حول‬ ‫الظاهر والباطن من اآلية‪ ،‬وتأويل النص الربّاين والحديث النبوي الصحيح والضعيف‪ ،‬وينتهون بالشتم والقذف وأحيانًا‬ ‫بالرضب‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫اإلميان املطلق‬ ‫وحاجز العقل‬

‫‪Salah Iceberg‬‬

‫وملا فُ ِتح الباب أمام امللحدين والالدينيني ليقولوا كلمتهم‪ ،‬تأيت قناة بشي ٍخ دكتو ٍر ملت ٍح ليناظر ملح ًدا‪ ،‬فيبدأ بالالزمة‬ ‫املعروفة‪ ،‬بعض اآليات حول اإلميان واالستعاذة بالله من الشيطان‪ ،‬ثم يدخل يف املوضوع مستشه ًدا مبا قاله عتاه‬ ‫وكبار امللحدين من الغرب الكافر عندما إكتشفوا الله يف عليائه‪ ،‬والحقيقة ليس الغرض من العمل ّية إقناع امللحد وأمثاله‬ ‫عمل بقول (كارل ماركس)‬ ‫مستحيل أن يُق ِنع ملح ًدا بيشء يعرفه‪ ،‬ورمبا أحسن منه‪ً ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫للرجوع إىل الرصاط املستقيم‪ ،‬ألنه‬ ‫ريض الله عنه‪« :‬الدين أفيون الشعوب» إمنا لتثبيت املؤمنني عىل إميانهم و خوفًا من الزيغ بعد أن اهتدوا‪.‬‬ ‫مستحيل ألنه‬ ‫ٌ‬ ‫قائل‪( :‬هذا‬ ‫كام قال أحد الجهابذة إلثبات وجود الله‪( :‬أغمض عينيك وفكّر أنك لست موجو ًدا)‪ ،‬ثم ابتسم ً‬ ‫مبجرد أن تفكّر أنك غري موجود‪ ،‬فهذا معناه أنك موجود‪ ،‬مبا يفيد أن الله موجود) ‪ ،‬وعندما ال يكون هناك من يناظر‪...‬‬ ‫فالشيخ الدكتور يأيت بوصف ٍة عجيب ٍة حتى ال ينقطع األجر بالدوالر ﴿عليه أزىك السالم﴾‪ ،‬وهي كيفية الرد عىل امللحدين‪،‬‬ ‫فقد يصادفك شخص‪ ،‬ويبدأ بطرح أسئل ٍة عليك حول الله والخلق‪ ،‬وأنت إنسا ٌن عادي‪ ،‬لست دكتو ًرا وال شي ًخا عاملًا‪ ،‬وال‬ ‫تفهم إال ما علّمك الله‪ ،‬فكيف ترد إذًا‪ ،‬وأنت مل تتعلم من درس الشيخ ما تر ّد به عىل الزنادقة؟!‬ ‫طريق يأخذين إىل الج ّنة؟‬ ‫غافل عن ديني ولسنوات‪ ،‬فام أقرب‬ ‫مثل ذلك الذي ذهب إىل أحد الشيوخ وقال له‪ :‬لقد كنت ً‬ ‫ٍ‬ ‫يهودي يف الحي الذي‬ ‫فقال الشيخ‪ :‬سهل ٌة هذه‪ ،‬أن ت ُدخل يهوديًا إىل اإلسالم وأخذ املؤمن سكي ًنا وخرج وملّا رأى أ ّول‬ ‫ٍّ‬ ‫عيب‪ ،‬فنحن جريان‪ ،‬وأنا عىل‬ ‫يسكنه أوقفه ً‬ ‫قائل‪ :‬اسمع أنت طريقي إىل الجنة‪ ،‬فإما أن تسلم أو أنحرك‪ ،‬فقال اليهودي‪ٌ :‬‬ ‫دين أجدادي‪ ،‬فكيف أتخىل عنه؟‪ ،‬فضغط املؤمن عىل عنق اليهودي الذي شعر بالخوف وقال‪ :‬ط ّيب كفى ‪ ...‬ماذا أقول؟‬ ‫ففكر املؤمن ومل يدر ما يصنع‪ ،‬فقال‪ :‬من حسن حظّك أن الشيخ ليس موجو ًدا معنا‪ ،‬وأخىل سبيله‪.‬‬ ‫قرى كثري ٌة كبري ٌة متناثرة متنافر ٌة تجتهد يف محاربة وقتل‬ ‫العامل ليس قري ًة صغري ًة كام يحلو للبعض أن يقول‪ ‬ويتص ّور‪ ،‬فهو ً‬ ‫يفسون‬ ‫بعضها بالرصاص والسكاكني والكالم‪ ،‬لكن األقرب إىل اإلتفاق واإللتحام قرية (امللحدين والالدينيني)‪ ،‬ألنهم ال ّ‬ ‫الظاهرة بنا ًءا عىل فرضي ٍة معين ٍة وفق منه ٍج معني‪ ،‬مؤمن أو غري مؤمن‪ ،‬وانتهى األمر‪ ،‬فلِيك يكون امللحد ملح ًدا ليس‬ ‫الوهمي من املجهول‪ ،‬الذي حشوا به‬ ‫متعلم‪ ،‬أو دكتو ًرا منظّ ًرا للكون‪ ،‬يلزمه فقط أن يقتل ذلك الخوف‬ ‫رشطًا أن يكون‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫رأسه منذ نعومة أظفاره بعذا ّيب القرب وتارك الصالة‪ ،‬والجنة والنار‪ ،‬وشلّوا دماغه ومنعوه من التفكري‪ ،‬وأن يتوقف عن‬ ‫تقديس البرش ونصوصهم املختومة باسم إل ٍه ال وجود له إال يف حكاياتهم املرعبة عنه‪.‬‬ ‫عندما أشاهد عىل اليوتيوب ملح ًدا يتحدث عن إلحاده‪ ،‬يزيد من قناعتي أن داروين وأمثاله مل يأتوا إىل الحياة عبثًا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فكيف يرشح يل شيخ ملاذا ُ‬ ‫أشخاص من كل بقاع األرض ال أعرفهم؟! فكون مرورنا جمي ًعا بنفس‬ ‫أشرتك بنفس األفكار مع‬ ‫الظروف النفسية السيئة التي دفعتنا إىل الضياع‪ ،‬كام يقول إختصاصيو علم النفس املسلمون‪ ‬الذين يحرضون أحيانًا‬ ‫لقمع ومحارصة امللحدين‪ ،‬أم أن اإلنسان ملح ٌد بالفطرة وأبواه يسلامنه‪ ،‬أو ينرصانه‪ ،‬أو يهودانه‪ ،‬أو يصبئانه‪ ،‬أو يزيّدانه‪،‬‬ ‫أو يب ّوذانه‪ ،‬أو يسيخانه إلخ‪..‬‬ ‫‪12‬‬


‫اإلميان املطلق‬ ‫وحاجز العقل‬

‫‪Salah Iceberg‬‬

‫ومن غريب الصدف أين عرفت س ّيد ًة روسي ًة ملحدة ومتزوجة من افريقي مسلم‪ ،‬إضطرت لتتعلم اللغة العربية لتُحفّظ‬ ‫إبنها الذي يدرس القرآن يف األول اإلبتدايئ ‪ ...‬ألنه مدع ٌو لإلمتحان فيه‪.‬‬ ‫لن يصلح من شأن مستعمرات قريش القدمية إال عندما تتوقف عن تسمية نفسها عربية‪ ،‬ألن الحكومات الفقرية تس ّمي‬ ‫نفسها كذلك مقابل ناقالت النفط باملجان‪ ،‬وحقائب الدوالر‪ ،‬وتؤ ّجر أو تبيع األفخاذ البائسة‪ ،‬فالكندي الناطق بالفرنسية‬ ‫مثل ال يقول عندما يتحدث عن فرنسا أخي الفرنيس‪ ،‬فهو يعتز بلغته الفرنسية‪ ،‬ويتشبث بهويته األمريكية الشاملية‬ ‫ً‬ ‫تحل اإلخوة اإلنسانية‬ ‫(الكندية)‪ ،‬وأمريكيو الواليات املتحدة ال يقولون إخواننا اإلنكليز ‪ ..‬هنا املعضلة الكربى‪ ،‬يجب أن ّ‬ ‫محل العروبة والدين‪ ،‬وأن تتعامل الدول فيام بينها عىل أساس القوانني الدول ّية املعمول بها يف كل أرجاء العامل‪.‬‬ ‫يف الختام‪ ،‬ال ب ّد من اإلشارة إىل مناظرة بني أستاذ جامعي ملت ٍح متفتح‪ ،‬وأستاذ آخر علامين‪ ،‬يقول الشيخ إنه ضد الدولة‬ ‫املتحضة املتط ّورة الحديثة‪ ،‬لكن مبرجعي ٍة دينية‪ ،‬فهل هذا‬ ‫الدينية (الثيوقراطية) األوروبية‪ ،‬ومع الدولة املدن ّية املتفتّحة‬ ‫ّ‬ ‫إجتها ٌد صادق‪ ،‬أم محاول ٌة ذكية للدخول‪ ،‬فيتمسكن يف انتظار أن يتمكن؟!‬ ‫يذكّرين ما سبق برواية‪" :‬إبليس" لـ (توفيق الحكيم) ‪ ،‬وباختصار حني ذهب إبليس إىل شيخ األزهر ليعلن توبته‪ ،‬فقال‬ ‫له الشيخ‪ :‬بالنسبة يل ال أُمانع‪ ...‬لكن كيف سنفعل يف القرآن‪ ،‬أنحذف أعوذ بالله من الشيطان الرجيم‪ ،‬والشيطان عد ّوا ٌ‬ ‫مبني‪ ،‬أو أنك ملن املنظرين إىل يوم الدين؟! فخرج إبليس مغضوبًا عليه‪.‬‬ ‫يف تحليله‪ ،‬يريد دول ًة مدني ًة مبرجعية ديني ٍة ال تحلّل ما ح ّرم الله‪ ،‬للذكر حظ األنثيني‪ ،‬وانكحوا ما طاب لكم‪ ،‬والحجاب‪،‬‬ ‫وأطيعوا الله وو‪..‬إلخ‪ ،‬أين القانون املدين الذي يتساوى فيه املوطنون بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو دينهم؟!‬ ‫ونفس الشيخ مع مناظر آخر متديّن وليس علامن ًيا‪ ،‬خلع القناع وأبان عن حقيقته وسوقيته وبلطجته وسعة علمه‪ ،‬وأنه‬ ‫ال ميلك ذ ّرة من أخالقٍ أو أدب حوار‪ ،‬ختمها بـ (خلع نعله ليرضب به محاوره) ‪.‬‬ ‫نت الْ َعلِي ُم الْ َح ِكي ُم ﴾‬ ‫﴿س ْب َحانَ َك الَ ِعلْ َم لَ َنا إِالَّ َما َعلَّ ْمتَ َنا إِنَّ َك أَ َ‬ ‫ُ‬

‫‪13‬‬


‫سنة ‪ 400‬بعد النبوة‪..‬‬ ‫تشتهر مدينة هندباد بزراعة‬ ‫الربتقال‪ ،‬املحاصيل كثرية وأكرب من‬ ‫استهالك السكان املحليني‪ ،‬وملّا كان‬ ‫صاحب املزارع هو أحد أفراد األرسة‬ ‫الحاكمة املتدينة‪ ،‬قرر أن يبحث عن‬ ‫طريقة لبيع املحصول‪..‬‬ ‫أعرف طريقة يا سيدي ستجعلنا ال‬‫نبيع الربتقال فحسب‪ ،‬بل ستجعلنا‬ ‫نستورده من املدن املجاورة!‬ ‫هكذا قال املستشار (مكار) لسيده‪.‬‬ ‫ أجابه ‪ ...‬وما الطريقة؟!‬‫قال ‪ ...‬إنك تحتاج إىل لقاء الشيخ‬‫“الكذاب امل ُ ّصدق”‬

‫‪Hussein Alqizwiny‬‬

‫امل ُ ْرتَد‬ ‫‪14‬‬


‫املرتد‬ ‫‪Hussein Alqizwiny‬‬

‫التقى السيد بالكاهن وقال له‪:‬‬ ‫أُريدك يف خدمة يا شيخنا؟ خدمة ستدر خ ًريا عىل املدينة ‪ ..‬وعىل كل املؤمنني!‬‫ رد الشيخ ‪ ...‬وأنا بخدمتك يا سيدي!‬‫قال ‪ ..‬أُريد أن أبيع محصول الربتقال لهذه السنة‪ ،‬فالرزق وف ٌري والشكر لإلله‪ ،‬لكننا ال نبيع إال النصف‪ ،‬أما الباقي فهو‬‫يتلف‪ ،‬وهذا كام تعرف يا شيخنا تبذير بالنعمة يزعج اآلله‪ ،‬البد من حل‪.‬‬ ‫أجابه ‪ ...‬ال تخف يا سيدي‪ ،‬سيباع املحصول بإذن اإلله‪ ...‬التبذير عمل مشني‪ ،‬البد من أن نحافظ عىل الرزق الذي‬‫أهدته السامء لنا‪..‬‬ ‫إذا حصل ونجحت يف مهمتك‪ ،‬لك الحالوة!‬‫يخطب يف الناس‪:‬‬ ‫يف صالة اإلثنني‪ ،‬جلس الشيخ «الكذاب امل ُ ّصدق» عىل املنرب وراح‬ ‫ُ‬ ‫﴿باسم إله السامء واألرض واملاء‪ ،‬الذي خلق كل األشياء‪ ،‬وبالصدفة هو قد جاء‪ ،‬وباسم نبينا أفضل األنبياء وأنبغ‬‫األذكياء‪ ،‬قاهر العلامء وأشعر الشعراء‪ ،‬فارس الفرسان‪ ،‬وحامل الفرقان‪ ،‬صاحب الوجه األجمل والخلق األكمل والدين‬ ‫األمثل‪ ،‬نبينا الصنديد‪ ،‬آيه اإلله الحميد‪ ،‬النبي طرزان﴾‪!...‬‬ ‫حالل طي ًبا أيها التابعون﴾‪ ،‬واآلية هنا ال تقصد الليمون فقط وإمنا‬ ‫قال اإلله يف كتابه املحكم الواضح ﴿ولكم يف الليمون ً‬ ‫كل الحمضيات ولكنها بالغـة كتابنا العظيم‪.‬‬ ‫سأح ّدثكم اليوم عن فوائد الربتقال‪ ،‬هذه الثمرة العظيمة‬ ‫التي يهديها اإلله فقط لألقوام الخرية املفضلة لديه‪ ،‬فأنتم‬ ‫يا إخويت شعب اإلله املحبوب‪ ،‬والله أهداكم الربتقال ألنّه‬ ‫يحبّكم ‪...‬الربتقال مثرة النبي طرزان املفضلة‪ ،‬اكتشفت‬ ‫هذا وأنا أبحث يف أمهات الكتب التاريخية‪ ،‬أن للربتقال‬ ‫فوائد كثرية‪ ،‬فهو يساعد عىل طرد األرواح الرشيرة‪ ،‬ومينع‬ ‫الجن من تلبس الجسد‪ ،‬والربتقال يحافظ عىل عفة املرأة‬ ‫كذلك‪..‬هكذا قال السلف‪ ،‬وإنها لعمري حكمة عظيمة‬ ‫من اآلله ال نعرفها نحن فعقلنا نحن البرش محدود‪ ،‬لكن النبي ﴿طرزانﷺ﴾ ُعرف عنه أنه كان يوزع الربتقال عىل‬ ‫أهل بيته ‪..‬فهل منكم من يكره أن يتبع خطى النبي ﴿طرزانﷺ﴾؟!‬ ‫لذا سأفتيكم اليوم‪ :‬عىل رضورة تناول الربتقال يف الوجبه األويل كل يوم ورشاب عصري الربتقال واجب يف شهر﴿طوباوان﴾‪،‬‬ ‫وألن اإلله مينحنا حرية اإلختيار‪ ،‬فلكم أن تختاروا الفطور أو السحور يف رشب العصري‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫املرتد‬ ‫‪Hussein Alqizwiny‬‬

‫بعـد ألف سنـة …‬ ‫قاعة املحكمة تغص بالحضور‪ ،‬عىل الحائط املقابل للحضور‪ُ ،‬علِق ميزان مصنوع من النحاس ومكتوب تحته‪﴿ :‬اإلله‬ ‫ظلم﴾‪ ،‬تحت امليزان يجلس القضاة الثالثة‪ ،‬وعىل اليسار يقف املدعي العام وعىل اليمني‬ ‫يحقق العدل‪ ،‬حتى لو كان ً‬ ‫القفص الذي وضع فيه املتهم‪ ..‬سأل القايض املتهم‪:‬‬ ‫هل صحيح بأنك رشبت عصري «الكوكتيل» عىل السحور‬‫بدل عصري الربتقال؟!‬ ‫نعم يا سيدي‪ ،‬لقد فعلت ولكني نادم أشد الندم‪ ،‬لقد‬‫أغراين إبليس وزين يف وجهي ارتكاب املعصية ولقد لعب‬ ‫بعقيل فجعلني أشعر أن عصري الكوكتيل أطيب من عصري‬ ‫الربتقال‪...‬كلنا برش يا سيدي ومعرضون للخطأ!‬ ‫قاطعه املدعي العام موجها الكالم إىل القايض‪:‬‬ ‫أخل بإحدى‬ ‫يا سيدي هذه معصية كبرية‪ ،‬هذا الرجل قد ّ‬‫أهم األركان من أركان اإلميان املليون‪ ،‬البد أن نطبق عليه‬ ‫حد الردة ونقطع رأسه ليصبح عربة لغريه‪ ،‬فإن عفونا عنه‬ ‫سينرش الفتنة والعياذ باإلله‬ ‫البد للجميع بأن يعرف أن رشب عصري الربتقال يف شهر طوباوان واجب مقدس‪ ،‬عن «أبو الهنابل الجحش» قال‪﴿ :‬ذهبت‬ ‫والنبي ﴿طرزانﷺ﴾ إىل رجل يتلبسه الجن‪ ،‬فقام النبي ﴿طرزان﴾ بسقيه شيئا من عصري الربتقال وإذا هي ملحه برص‬ ‫واألرواح الرشيرة تخرج منه‪ ،‬وتعود له االبتسامة والنضارة والقوة‪ ،‬وبعدها وقف البني ﴿طرزانﷺ﴾ وقال‪ :‬أوصيكم‬ ‫برشب عصري الربتقال فهو دواء لألمراض‪ ،‬حامي للرشف‪ ،‬يطرد الجن﴾ وهذا الحديث مثبت يف صحيح العالمة الشيخ‬ ‫الجليل الفاضل «الكذاب امل ُ ّصدق» رحم ُه اإلله وهو أحد أكرب العلامء وأهمهم منزلة‪..‬‬ ‫وعليه يا سيادة القايض أُطالب بقطع رأس هذا الكافر تحت الفقره (‪ 37‬من القانون) التي تنص عىل عقوبة اإلعدام‬ ‫للمرتد وفقا للامدة (‪ 15‬من قانون حفظ االميان) والذي يعد فيه اإلنسان مرت ًدا إذا خالف أي ركن من أركان اإلميان‬ ‫املليون!‬

‫‪16‬‬


‫املرتد‬ ‫‪Hussein Alqizwiny‬‬

‫بعد بضعة أيام صدر حكم اإلعدام عىل الرجل املرتد‪ ،‬وقطع رأسه يف األسواق العامة أمام الجميع‪ ،‬ل ُيصبح عربة لغريه‪..‬‬ ‫لكن أحد الصحفيني الشباب والذي ينتمي إىل أرسة (مكار) العريقة‪ ،‬حيث كان أجداده موظفون لدى األُرسة الحاكمة‬ ‫ملئات السنني‪ ،‬قام هذا الصحفي بنرش خرب مفاده أن الحديث ملفق وأنه ال يوجد حديث للنبي ﴿طرزانﷺ﴾ عن‬ ‫الربتقال‪ ،‬وأن هذه الفتوى قام بها الشيخ الكذاب قبل ألف سنة تقري ًبا متلقًا للسلطة‪ ،‬ليبيعوا الربتقال الذي كان ميأل‬ ‫األرض واملخازن وال يشرتيه أحد‪ ،‬ويقول أنه عرف القصة من خالل أحد الكتب التاريخية التي كتبها أحد أجداده قبل‬ ‫مئات السنني‪ ،‬لكن الكتاب غري معروف أو منترش عيل نطاق واسع‪ ..‬بعد فرته تم إعتقال الصحفي الشاب بتهمة إهانة‬ ‫رجل الدين الطاهر الرشيف العفيف «الكذاب امل ُ ّصدق»‪ ،‬وبتهمة تحريف سريه النبي ﴿الطرزانﷺ﴾‪ ،‬وتم إعدامه‬ ‫بحد الردة كذلك ألنه خالف أحد األركان املليون لإلميان!‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫مدعو‬ ‫ماذا يفعل ّ‬ ‫اإلعجاز العلمي؟‬

‫‪John Silver‬‬ ‫عندما يظهر لنا يف التلفاز أحد املشايخ أو أباطرة‬ ‫عم أىت به‬ ‫اإلعجاز العلمي نراهم يتحدثون بثق ٍة مفرط ٍة ّ‬ ‫القرآن‪ ..‬وأنّه أخرب معلوم ًة كانت من املستحيل أن تعرف‬ ‫منذ زمن النبي أي قبل ‪ 1433‬سن ٍة‪ ،‬ويق ّدمون أنّه قد ت ّم‬ ‫إكتشافها عرب العلم الحديث‪ ،‬وها هي موجودة يف القرآن‪،‬‬ ‫كل ما ُذكِر يف القرآن‪ ،‬وعليه‬ ‫فعندها يجب علينا أن نص ّدق ّ‬ ‫ﷲ موجو ٌد‪ ،‬واإلسالم هو الدين الصحيح‪.‬‬ ‫‪18‬‬


‫مدعو‬ ‫ماذا يفعل ّ‬ ‫اإلعجاز العلمي؟‬

‫‪John Silver‬‬

‫هناك مشكل ٌة جوهري ٌة يف هذا الطرح‪ ،‬فهو سوا ٌء كان‬ ‫إعجازًا رقميًا أم إعجازًا كالميًا أو أي نو ٍع من هذه‬ ‫دليل عىل وجود الله‪،‬‬ ‫طرح ال يرقى ليكون ً‬ ‫اإلعجازات‪ ،‬فهو ٌ‬ ‫فالباحث يف هذه األمور يقوم بالنظر لفقر ٍة بعينها من‬ ‫القرآن‪ ،‬ثم يبحث يف الظواهر الطبيعية‪ ،‬وعندما يجد شيئًا‬ ‫مشاب ًها لها يقول لك «فوا ‪ ..‬ها هو الدليل» هذا بالفعل‬ ‫عملية تقديم العربة عىل الخيل‪ ،‬ألن الطريقة مقلوبة‪،‬‬ ‫مثال عىل هذا األسلوب‪.‬‬ ‫ودعوين أقدم لكم ً‬

‫«يف العدد السادس من مجلة امللحدين العرب يوجد إثنا عرش موضو ًعا‪ ،‬وهو عدد األشهر يف السنة‪ ،‬وعدد صفحات‬ ‫رص يف‬ ‫املجلّة ‪ 86‬صفحة دون الغالف والخلفية‪ ،‬وهو العدد (الذري للرادون)‪ ،‬والرادون غا ٌز ٌ‬ ‫خامل‪ ،‬وهو سادس عن ٍ‬ ‫مجموعة الغازات الخاملة متا ًما كام رقم عدد املجلة‪ ،‬وكتلته الذرية (‪ ،)222‬وإذا جمعنا (‪ )2 + 2 + 2‬سينتج عندنا‬ ‫وأيضا هو رقم (العدد السادس)‪ ،‬وقد اكتشف الرادون سنة ‪ ،1900‬وهنا بعد إزالة األصفار نالحظ يف‬ ‫أيضا ناتج (‪ً ، )6‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل منها مك ّو ٌن من (لونني)‪ ،‬وباعتبار أن العنرص مش ٌّع‪،‬‬ ‫خطوط مش ّع ٍة‪ٌّ ،‬‬ ‫الصفحة ‪ 19‬من املجلة صورة رجلٍ يش ّع بستة‬ ‫إذًا هناك رسال ٌة خفي ٌة وراء ذلك و‪.» ....‬‬ ‫أستطيع أن أستخرج لكم إعجاز ٍ‬ ‫وحقائق بهذا األسلوب قدر ما تريدون‪ ،‬لكن هل هكذا تقاس األمور‪!..‬‬ ‫ات وأرقا ًما‬ ‫َ‬ ‫هل هي الطريقة املثىل لنكتشف عنرص (الرادون)‪ ،‬وعدد أشهر السنة‪ ،‬وهل توضع األرسار يف كتاب لتكتشفها بعد‬ ‫‪ 1400‬سن ٍة؟ وماذا عن الذين كانوا قبل ذلك‪ ،‬ومل يكتشفوا ذلك أم أنهم قد عرفوا مبا يقول القرآن‪ ،‬وأن اإلعجازات‬ ‫موجود ٌة وأبقوا ذلك مخ ًّبا عن العامل إىل أن يأيت الوقت الذي يقولون به «لقد كنا نعرف قبلكم‪ ..‬يا خبيتكم»‪.‬‬ ‫سخيف‪ ،‬ومكان هؤالء هو إما مشفى املجانني أو عىل ناصية الطريق بعي ًدا عن العلم‪.‬‬ ‫األمر برمته‬ ‫ٌ‬ ‫شخص‪ ..‬ويجتزئ ج ّز ًءا من كتاب‪ ،‬ثم ينظر حوله لريى ماذا يوجد يف الدنيا يشابه هذا املجتزأ‪ ،‬وبعدها‬ ‫رصاح ًة‪ ،‬أن يأيت ٌ‬ ‫رضب من التخلف إن مل يصل للجنون‪.‬‬ ‫يظهر كسوبرمان الذي أحرض الذئب من ذيله‪ ،‬هو ٌ‬ ‫َالس َم ِء ذ ِ‬ ‫علمي‪ ،‬وال يف ٍ‬ ‫َات‬ ‫نقاش عقال ٍّين‪...‬فهو كلّه عت ٌه‪ ،‬سواء يف سورة الحديد ﴿أو َّ‬ ‫كل هذا لن يقبل يو ًما‪ ،‬ال يف حوا ٍر ٍّ‬ ‫سليم‪.‬‬ ‫الس َح ِ‬ ‫اب او َم َر َج‪ ‬الْ َب ْح َريْنِ عرب الربزخ ‪ ..﴾ ...‬ألن املبدأ غري ٍ‬ ‫الْ ُح ُب ِك أو الْ ِج َب َال‪ ‬أَ ْوت َا ًدا وهي تَ ُ ُّر َم َّر َّ‬ ‫‪19‬‬


‫مدعو‬ ‫ماذا يفعل ّ‬ ‫اإلعجاز العلمي؟‬

‫‪John Silver‬‬

‫(زغلول النجار) و (عمر خالد) َو ( َعبَد الدائم كحيل)‬ ‫و (الكيايل) وكل من هو مثلهم‪ ،‬يف أفالمهم ومقابالتهم‬ ‫هم ال يخاطبون امللحد‪ ،‬ألن امللحد ال مجال للعب معه‬ ‫ٍ‬ ‫وألعاب لغوي ٍة صبياني ٍة‪ ،‬ومخاطبة‬ ‫مبغالطات كالمي ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫املشاعر‪.‬‬ ‫هم بكل بساط ٍة يحاولون أن يبقوا عىل املؤمنني عىل ما‬ ‫هم عليه‪ ،‬والسبب حتى ال يخرسوا لقمة عيشهم‪.‬‬ ‫التجارة بالجهل تجارتهم‪ ،‬وهي ما يسرتزقون منها ‪...‬‬ ‫فإن أي ملحد سيسمع كالمهم سوف يستسخف هذا الهراء وسريى كمية العطب يف أطروحاتهم‪ .‬فهم يحاولون جاهدين‬ ‫تثبيت الغباء يف املتلقي املؤمن‪.‬‬ ‫ولألسف يف أحيان كثرية نجد مؤم ًنا يحرض لنا فيديو أو مقط ًعا من موقع لهؤالء الدجالني متوق ًعا أنه سيفحم امللحدين‪،‬‬ ‫وينترص عليهم هل تعرفون ملاذا؟ ‪ ...‬بسبب ما ذكرته سابقًا‪ ،‬وما يحاول أولئك الدجالون إقناع املؤمنني به‪.‬‬ ‫تحيايت ألصحاب العقول الحرة‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫حاتم اإلمام‬

‫ح‬ ‫و‬

‫ار‬

‫م‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫‪21‬‬


‫حوار مـع ‪...‬‬ ‫حامت اإلمام‬

‫سيايس بالحزب الليربايل التونيس‪ ،‬ومرشَّ ح الحزب يف االنتخابات الترشيع ّية‪ ،‬إضاف ًة‬ ‫مكتب‬ ‫مد ّو ٌن وناش ٌط جمع ّيايت‪ ،‬وعضو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫إىل إدارته لـ (حركة املفكّرين األحرار) يف تونس‪ .‬إكتسب شهر ًة يف املشهد الس ّيايس التونيس بعد جهره باإللحاد ولفته‬ ‫اإلنتباه إىل أعداد الالدينيّني املهولة يف تونس‪ ،‬وكذلك من خالل مشاركته يف حوار ٍ‬ ‫ات مع شيوخ الدين املعروفني يف تونس‬ ‫عرب اإلذاعات والفضائ ّيات‪ ،‬كـ (اإلذاعة الوطن ّية) و (قناة املتوسط الفضائ ّية اإلخوان ّية) و (قناة نسمة) ‪ ...‬وغريها‬ ‫خاص ًة بعد دعوته العلن ّية يف الحوارات املتلفزة ملنع تدريس آيات‬ ‫تع ّرض لحملة شيطنة شعواء أيام اإلنتخابات التونس ّية‪ّ ،‬‬ ‫القتل لألطفال وإعادة النظر يف قانون تجريم املثل ّية الجنس ّية‪.‬‬ ‫املوسعة هناك‪ .‬إالّ أنه يعيش‬ ‫• ُولد (حاتم اإلمام) يف مدينة «سرتاسبورغ» الفرنسيّة‪ ،‬وعاش طفولته فيها‪ ،‬وال تزال عائلته ّ‬ ‫اليوم يف تونس وميارس نشاطه فيها‪ ،‬كانت دراسته يف ميدان اإلتصاالت‪ ،‬وهو يُدير اليوم رشكة مقاوالت إتصاالت ومصن ًعا‬ ‫لتذويب البلّور‪ ،‬قام بصنع آالته بنفسه وحصل عىل ٭براءة إخرتاع٭ بذلك‪.‬‬

‫‪22‬‬


‫حوار مـع ‪...‬‬ ‫حامت اإلمام‬

‫ ‪ 1-‬نر ّحب بك ضيفًا علينا‪ ،‬هل أغفلنا شيئًا تود إضافته إىل هذه املق ّدمة؟‬ ‫ج‪ 1-‬أود إضافة أن أغلب عائلتي‬ ‫املوسعة موجود ٌة يف تونس‪ ،‬وهم‬ ‫ّ‬ ‫أحفاد (املوريسكيّني األندلسيّني)‬ ‫الهاربني من إنتقام اإلسبان منذ‬ ‫قرون‪ ،‬والذين أَث ْروا الهويّة التونس ّية‬ ‫تونيس حتى النخاع‬ ‫يف كل املجاالت‪ ..‬أنا‬ ‫ٌّ‬ ‫بغض النظر عن مكان والديت‪ ،‬وتواجد العائالت‬ ‫ّ‬ ‫تقليدي‪ ،‬بحكم الجوار والثقافة‬ ‫التونسيّة بفرنسا أم ٌر‬ ‫ّ‬ ‫الفرنكوفون ّية واملايض املشرتك‪.‬‬ ‫س‪ 2-‬ال شك أن مرحلة الطفولة تلعب دو ًرا محوريًّا يف تكوين‬ ‫شخص ّية الفرد ومواقفه من الكثري من األشياء‪ .‬ح ِّدثنا عن طفولتك يف فرنسا‪،‬‬ ‫هل من حوادث بارز ٍة تحملها معك اليوم عن تلك املرحلة قبل قدومك إىل تونس؟‬ ‫ج‪ 2-‬الذكريات كثرية‪ ،‬لكن غرقي بد ّراجتي يف إحدى (بحريات األلزاس) وإختفايئ تحت الطحالب التي تغطي سطح‬ ‫البحرية‪ ،‬ثم يد أيب التي إنتشلتني من قاع البحرية رغم كرثة عدد الغاطسني الباحثني عني‪ ،‬كان أهم ما علّق بذاكريت‪..‬‬ ‫كنت أفكّر بوضو ٍح وسط ظالم املاء اآلسن‪...‬وفكرت يف حبس أنفايس أطول م ّد ٍة حتى يتم إنقاذي‪ ،‬ال أعلم ملاذا كنت‬ ‫متأك ًدا من وصول أيب بالذات رغم بعده عن مكان الحادث‪ ،‬كنت متي ّق ًنا ومؤم ًنا بوصوله يل‪ ،‬ولعل ذلك ما ساعد يف‬ ‫هدويئ وإنقاذ حيايت‪ ،‬اليوم أمارس الغطس البحري يف أماكن خطرية‪ ،‬وأعلم أن الهلع هو املسؤول عن أغلب حوادث‬ ‫الغرق‪ ،‬وأن الدرس الذي إستقيته من تجربتي‪ ،‬كان “رضورة تهدئة األعصاب عند األزمات” وليس اإلميان بقدوم الفرج‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫حوار مـع ‪...‬‬ ‫حامت اإلمام‬

‫س‪ 3-‬كيف تصف البيئة التي نشأت فيها يف فرنسا‪ ،‬هل كانت منفتح ًة عىل قيم املجتمع الفرنيس‪ ،‬أم أنها كانت‬ ‫مثل يف تلك الفرتة من حياتك وحياة أرستك؟‬ ‫عم حوله؟ وما الدور الذي لعبه الدين ً‬ ‫ً‬ ‫مجتم ًعا تونس ًّيا منغلقًا‬ ‫منفصل ّ‬ ‫وكتونيس ُولد ونشأ يف فرنسا‪ ،‬ماذا تعني فرنسا لك؟‬ ‫ٍّ‬ ‫ج‪ُ 3-‬ولدت يف “سرتاسبورغ” وهي مدين ٌة شامل ّي ٌة شديدة الجامل‪ ،‬تكاد تخلو من العرب آنذاك‪ ،‬إنها سبب الحرب العامل ّية‬ ‫األوىل والثانية لكنها مق ّر الربملان األور ّيب اليوم‪ ..‬إنها خالصة الفرق بني الجنوب املوبوء بالحقد والكره وبني الشامل الذي‬ ‫يتعلّم من أخطائه‪ ،‬ويبني عىل أنقاضها مستقبله‪ ،‬وعدم وجود (فيتو) عر ّيب هناك ساعد يف إندماج عائلتي مع محيطها‪،‬‬ ‫ويف طريقة معاملتنا يف ما بيننا‪ ،‬لكن كل ذلك كان يسقط يف املاء ويعود إىل الصفر مبج ّرد عودتنا لتونس لتمض ّية‬ ‫هائل وهو يشمل كل امليادين‪ ،‬وكل ذلك يؤث ّر يف الشخص ّية الجنوب ّية بش ّدة‪..‬‬ ‫الحضاري ٌ‬ ‫الصيف‪ ..‬الفرق‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا‬ ‫ملحيط‬ ‫محيط منفتح‪،‬‬ ‫تتغي مبج ّرد اإلنتقال من‬ ‫ذكوري ٍ‬ ‫مغلق يرى يف التساوي مذلّ ًة للرجل‪ ،‬واألبوة ً‬ ‫ٍّ‬ ‫عالقة األزواج ّ‬ ‫تتغي‪ .‬فأيب مل يتعامل مع أبنائه بالرضب سوى يف تونس‪ ،‬حيث يُعترب الرضب ثقاف ًة إسالمي ًة بامت ّياز‪ ،‬أتحدث هنا عن‬ ‫ّ‬ ‫تغيت بعض اليشء اآلن‪ ..‬لكن يف فرتة السبعينات يف فرنسا‬ ‫فرتة السبعينات وبداية الثامنينات طب ًعا فالوقت والعقل ّيات ّ‬ ‫إضط ّر أيب إلمضاء إلتز ٍام قانو ٍّين ملج ّرد أنه وصل ملدرستي متأخ ًّرا ألخذي وه ّددوه بسحب وصايته وتحوييل للشؤون‬ ‫االجتامع ّية إن ك ّرر تأخره وتركني آلخر اليوم مر ًة أخرى‪ ،‬إنهم صارمون ج ًّدا يف كل ما يتعلق بحقوق الطفل ويرون أن‬ ‫مساس بحقوق مستقبل بالدهم‪...‬‬ ‫املساس بها‬ ‫ٌ‬ ‫عند وصويل لتونس كنت ال أتكلم غري الفرنس ّية وال أفهم حرفًا باللّغة العرب ّية (أو اللهجة التونس ّية) باألصح ‪ ،‬فنصح‬ ‫إنتقلت إليها‬ ‫بعضهم أيب بإدخايل لـ﴿كُتّاب﴾ لحفظ القرآن وتعلُّم اللغة العرب ّية بالتوازي مع املدرسة الحكوم ّية التي‬ ‫ُ‬ ‫حينها‪ ،‬مل أكن أفهم ملاذا يحمل (املؤدب) عصا زيتونٍ حتى ذُقت لسعتها وفهمت املطلوب مني‪ ..‬كان كرس شوكتي‬ ‫واستبدال أسلوب التعليم الذي إستعملوه معي يف مدرستي الفرنسيّة بأسلوب التلقني والحفظ األعمى العرويب هو كل‬ ‫املطلوب!!‬

‫‪24‬‬


‫حوار مـع ‪...‬‬ ‫حامت اإلمام‬

‫س‪ 4-‬اإلنتقال من بيئة املولد واملنشأ إىل بيئة أخرى‪ ،‬ال بد أن لها أث ًرا يف الهويّة والشخص ّية‪ ،‬ح ِّدثنا عن إنتقالك إىل‬ ‫تونس‪ ،‬كيف حدث ويف أي س ّن؟ ما اإلنطباعات األوىل التي حصلت عليها من تونس وكيف م ّرت عمليّة إندماجك يف‬ ‫ادي ممثّلٍ ملجموعة يف هذا املجتمع؟‬ ‫املجتمع‬ ‫التونيس‪...‬حتى وصلت إىل ما أنت عليه من موضعٍ ق ّي ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫ج‪ 4-‬كانت صدم ًة حضاريّة يل يف عمر مثاين سنوات‪ ،‬اضطررت فيها لتح ّمل تغيري اللغة وتغيري األصدقاء والعقل ّيات‬ ‫واملحيط‪ ،‬وتحمل تغيري طباع عائلتي مبا أنّهم عانوا من نفس الصدمة بعد قرار رجوعهم النهايئ لتونس‪ ،‬تم ختاين يف عم ٍر‬ ‫كبريٍ نسبيًّا يف أحد أرضحة األوليّاء الصالحني املعروفني‪ ،‬لذلك أتذكّر كل تفاصيل تلك الجرمية‪ ،‬بعد بضع سنوات كنت‬ ‫كانتقام من سنوات جهيل بها‪ ،‬كانت طريقة التحفيز يل عىل‬ ‫متفوقًا يف دراستي‪ ،‬وكنت أكتب الشعر بلغتي الجديدة‬ ‫ٍ‬ ‫التفكري والتي يعتمدها األورب ّيون يف مدارسهم‪ ،‬وهي ما جعلني قاد ًرا عىل مجاراة أقراين والتف ّوق رغم قرص م ّدة دراستي‬ ‫مهووسا بالكتب‬ ‫بفرنسا‪ ،‬ورغم كل الظروف املعرقلة يف مراهقتي كانت كرثة مطالعايت سب ًبا يف تط ّريف الديني آنذاك‪ ،‬كنت‬ ‫ً‬ ‫الدين ّية وكتب التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ومل أفهم كيف يعلم الجميع بوجود حيا ٍة بعد املوت و أنهم وال يعملون عىل ضامن‬ ‫ٍ‬ ‫حلقات باملسجد رغم‬ ‫دروسا دينيّة يف‬ ‫ج ّنة الخمر والنكاح عرب اسرتجاع أمجاد العرب واملسلمني بالق ّوة واللني‪ ،‬كنت ألقي ً‬ ‫إسالمي أستطيع نيل ثقته وكنت أوزّع منشورات (حزب التحرير) وأشارك يف‬ ‫تنظيم‬ ‫ألي‬ ‫ٍ‬ ‫صغر س ّني‪ ،‬وكنت أنتمي حينئذ ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫تنظيم املظاهرات واإلحتجاجات ذات الطابع القومي واإلسالمي‪ ،‬كنت مقتن ًعا أن اهلل إختار جحافل قُطّاع الطرق هؤالء‬ ‫كشعبه املختار وكنت مفتخ ًرا مبذابح سكّان شامل إفريقيا األمازيغ وسبيهم وتعريب أوطانهم‪ ،‬معت ًربا ذلك فت ًحا مباركًا‬ ‫مربوكًا‪.‬‬ ‫اليوم أنا أتفهم طريقة تفكري الدواعش وال أعتربهم منافقني بل مج ّرد مغسويل أدمغة‪ ،‬ومغ ّيبني كمعظم سكّان هذه‬ ‫الربوع املنكوبة‪.‬‬ ‫س‪ 5-‬متى وكيف تشكّل موقفك من الدين‪ ،‬وهل كان مثّة نقطة تح ّو ٍل يف موقفك من الدين يف حياتك جعلتك تحيد‬ ‫عن التو ّجه العام السائد؟‬ ‫بورقيبي)‪،‬‬ ‫ميول وهاب ّية كنت مختلفًا عن التوجه العام السائد‪ ،‬قبل بضع عقود‪ ،‬كان إما (حدا ٍّيث‬ ‫ج‪ 5-‬حني كنت أحمل ً‬ ‫ّ‬ ‫ال يرى يف الدين سوى آل ّية للحث عىل العمل وإعامل العقل‪ ،‬أو (صوف ًّيا) يق ّدس األول ّياء الصالحني الذين كانت أعداد‬ ‫حق الشيعة الذين‬ ‫أرضحتهم باملئات يف كل أنحاء تونس‪ ،‬كان إكتشايف ملجازر الو ّيل الصالح األشهر (سيدي محرز) يف ّ‬ ‫ّأسسوا عاصمة الفاطميّني يف املهديّة بتونس هو بداية الطريق لفهم ما جرى بأعني الضحايا‪..‬‬ ‫‪25‬‬


‫حوار مـع ‪...‬‬ ‫حامت اإلمام‬

‫اإلسالمي من‬ ‫اإلسالمي من طرح (الصوف ّيني)‪ ،‬وكان طرح (الشيعة) أقرب للمنطق‬ ‫كان طرح (الوهاب ّيني) أقرب للمنطق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمي نفسه فقد كل منطق ّيته أمام ق ّوة وجربوت (املنطق اإلنسا ّين) الذي ج ّرين إليه ج ًّرا‪،‬‬ ‫طرح اإلثنني‪ ،‬لكن املنطق‬ ‫ّ‬ ‫فجأ ًة إشتعلت مفرداتٌ كانت تبدو يل عاديّ ًة مبعاين أكرث قب ًحا من طاقة استيعايب‪ ،‬مفرداتٌ كـ “الغزوات” و “السبي” و‬ ‫“اإلحتطاب” و “التقيّة” و “عتق الرقاب”‪ ،‬كانت مفاتي ًحا واضح ًة منلكها جمي ًعا‪ ،‬لكننا مل نجرؤ يو ًما عىل التفكري فيها‪،‬‬ ‫مل أفكر يو ًما مبنطق ّية إباحة اإلسالم للسبي والعبوديّة‪ ،‬وحني فعلت نظرت إليها مبنظور (طفل ٍة تُساق من وسط أهلها‬ ‫دنيوي ال يقوى عىل‬ ‫يف إحدى بساتني شامل إفريقيا لتباع كالبهائم يف أحد أسواق الشام)‪ ،‬ومتيض بق ّية حياتها يف جحيٍم‬ ‫ٍّ‬ ‫إحتامله برش‪ ...‬مل يكن مثايل هذا إفرتاض ًّيا‪ ،‬فتونس عىل مدى قرونٍ وحتى بعد إسالم أهلها‪ ،‬كانت منجم ٍ‬ ‫عبيد وسبايا‬ ‫لل ُغزاة وت ّجار الرقيق العرب‪ ،‬حتى إبادة سكّانها األمازيغ‪ ،‬وهروب بعضهم نحو الجبال وا ّدعاء بعضهم أنسابًا عرب ّي ًة‬ ‫(رب ٌ‬ ‫عادل خلق مليارات املج ّرات والكائنات)‪ ،‬رسعان ما رحت‬ ‫لحامية أبنائهم من السبي‪ ،‬كان األمر أقىس من أن يأمر به ٌّ‬ ‫أبحث عن الحقيقة بني األديان بع ٍني فاحص ٍة باحث ٍة عن املنطق بعي ًدا عن اللغة الشعريّة وطالسم التهريج‪،‬‬ ‫اللغوي والتاريخ األسود؟‪.‬‬ ‫كان السؤال هو ‪ ...‬أين الدليل وسط كل ذلك الهراء‬ ‫ّ‬ ‫خالق بغض النظر عن ص ّحة األديان‪ ،‬ولكن إمياين بدأ يهت ّز منذ أن فكّرت بطريقة‬ ‫رب ٍ‬ ‫أثناء بحثي كنت متي ّق ًنا من وجود ٍّ‬ ‫تسيريه للطبيعة القامئة عىل القتل وأكل الضحايا‪ ،‬مل يستطع عقيل قبول منظر فيلٍ مييض كامل ليلته يحترض ويتألّم أثناء‬ ‫سي‬ ‫أكل الضباع لنصفه السفيل‪ ،‬وأ ّمه تواسيه بخرطومها عاجز ًة عىل فعل ّ‬ ‫حيين بقدر عجز امل ُ ّ‬ ‫أي يشء‪ ،‬مل يكن أمل الفيل ما ّ‬ ‫عن إيجاد طريق ٍة أخرى يُشبع بها جوع الضباع‪ ،‬كانت الضباع بريئ ًة برأيي!!‪.‬‬ ‫مل يكن منطق ًّيا أن تنفق آالف الفقامت جو ًعا ملج ّرد أن جبلٍ‬ ‫وس ّد عليهم طريق البحر!‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫جليدي ُعلّق عىل الشاطئ ُ‬ ‫سي‪!..‬؟‬ ‫كنت أشاهد حوادث طبيعيّة كهذه وأتساءل عن حقيقة وجود ّم ّ‬ ‫طالعت كل كتب (مصطفى محمود) عىل أمل إسرتجاع طأمنينة الوهم وسعادته‪ ،‬لكن ما فعله كان مبثابة فتح آفاقٍ‬ ‫أرحب و أوسع أمام عقيل املتعب‪ ،‬و بفضله تع ّرفت أكرث عىل (التطور الدارويني) وإكتشفت طريقة تفكري أخرى‪،‬‬ ‫(مصطفى محمود) وأثناء محاوالته الدفاع عن خرافاته كان من أهم أسباب إلحادي!!‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مكتبات عموم ّي ٍة من الصباح حتى توقيت‬ ‫كل يش ٍء تقري ًبا‪ ،‬كنت أدخل‬ ‫دخلت بعدها يف هسترييا من املطالعات شملت ّ‬ ‫هستريي‪ ،‬كنت عطشان‪ ،‬كنت كمن أفاق من نوم ٍة طويلة وإكتشف أن كل يش ٍء حوله‬ ‫بنهم‬ ‫الغلق‪ ،‬وأطالع كل ما أطاله ٍ‬ ‫ّ‬ ‫حلم زائف‪ ،‬مجـ ّرد كذبــ ٍة كبرية‪ ،‬وكنت أريد أن أفهم‪!..‬‬ ‫كان مج ّرد ٍ‬ ‫هل عرص اإلنرتنت والكتب اإللكرتون ّية وفتحت أمامي آفاق ال حد لها وإكتشفت بإستغراب‬ ‫مل يطل األمر كث ًريا حتى ّ‬ ‫ٍ‬ ‫شديد أين لست وحي ًدا‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫حوار مـع ‪...‬‬ ‫حامت اإلمام‬

‫س‪ 6-‬عىل صفحتك يف الفيس بوك تطالعنا جمل ٌة عىل لسانك “من آذى ملح ًدا فقد آذاين” ‪ ،‬اإلطار الذي ُوضعت به‬ ‫أيضا فحوى مهمة‪ ،‬ما الذي دعاك لربط إسمك بإعالن من‬ ‫هذه الجملة فيه نو ٌع من الهزل والكوميديا‪ ،‬لكن الجملة فيها ً‬ ‫هذا النوع‪ ،‬وما طبيعة األذيّة التي قد يتعرض لها امللحد وكيف والتي عنيتها هنا؟‬ ‫نبوي كنوع من الهزل‪ ،‬ور ّد فعلٍ للهجومات وحمالت التشويه التي‬ ‫ج‪ 6-‬وضعت تلك الجملة املستوحاة من حديث ّ‬ ‫مسلم يرانا ع َبدة شياط ٍني نرشب دماء القطط ومنارس طقوس الجنس‬ ‫نتعرض لها كمجتمع ملفكرين أحرا ًرا داخل مجتمعٍ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الجامعي‪ .‬يف ٍ‬ ‫موقف ما‪ ،‬حتى أن‬ ‫وقت ما‪ ..‬كرثت دعوات األصدقاء يل ملحاورة مسلمني أو شيوخ دين أو للدفاع عن‬ ‫ّ‬ ‫اسمي أصبح مقرتنًا باملشاحنات واملجادالت الدينيّة و الالدينيّة‪ ،‬كان ذلك عندما كان صوت املفكرين األحرار ضعيفًا‪،‬‬ ‫لكننا اليوم باآلالف ومل نعد أيتا ًما‪ ،‬اليوم أمتتّع مبتابعة حامس ش ّبان وشابّات مل يبلغوا العرشين‪ ،‬ويحاورون ويدافعون‬ ‫عن حقوقهم بحكمة شيو ٍخ يف الستّني‪ ،‬دفاعنا عن مجتمع املفكرين األحرار اليوم دفا ٌع قانو ّين‪ ،‬يتم عرب الحفاظ عىل‬ ‫قدس ّية بنود حريّة الضمري وحريّة التعبري يف دستور تونس ما بعد الثورة بكل السبل وعرب كل اآلل ّيات‪ ،‬لدينا محاميني‬ ‫وإعالم ّيني وجمع ّيات يتعاطفون مع قضايانا ميكنهم مساعدة كل مف ّك ٍر ح ٍّر يتع ّرض للهرطقة والظلم كام حدث ل(جابر‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات‬ ‫اإلعالمي إطالق رساحه يف ظرف سن ٍة بعد أن كان محكو ًما بسبع‬ ‫املاجري)‪ ،‬الذي إضطرت الدولة تحت ضغطنا‬ ‫ّ‬ ‫بتهمة اإلساءة للخرافات‪.‬‬ ‫س‪ 7-‬كام هو واضح‪ ،‬فمدى نشاطاتك واس ٌع ومتن ّوع‪ ،‬بني ٍ‬ ‫تقني مؤهلٍ‬ ‫ايس ذي طابعٍ غري‬ ‫ّ‬ ‫نشاط س ّي ٍّ‬ ‫تقليدي‪ ،‬إىل ٍّ‬ ‫ومقاول إتصاالت‪ ،‬إىل مدي ٍر ملصنعٍ وحتى مخرتعٍ‪ .‬كيف يع ّرف حاتم اإلمام نفسه من خالل هذه الشخص ّيات املتع ّددة؟‬ ‫مهووس ومختلف‪ ،‬وكان‬ ‫عادي ميارس هواياته‪ ،‬لكن هنا أنا‬ ‫ج‪ 7-‬لوكنت يف ضفّة‬ ‫املتوسط الشامل ّية لقلت إين مواط ٌّن ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫األوىل أن أُميض وقتي يف التسبيح واإلستغفار والعمل يف وظيف ٍة حكوم ّي ٍة روتين ّية‪ ،‬وانتظار حياة شبح ّية بعد مويت!‬ ‫حسب رأيي فإن وهم الحياة الخالدة بعد املوت‪ ،‬ومتضية العمر يف التحضري ملا بعده عرب ضياع نصفه يف شكر عفاريت‬ ‫السامء هو ما يجعل مجتمعاتنا عقيم ًة وغري مبدعة‪ ،‬طب ًعا مع إضافة القيم اإلسالم ّية الكسولة عىل غرار الصرب والقناعة‪،‬‬ ‫والتواضع والقضاء والقدر‪ ،‬والنوم يف العسل بانتظار فرج السامء وشفاعتها‪ .‬لست مختلفًا برصاحة‪ ،‬فمجتمعاتنا هي‬ ‫املختلفة!‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫حوار مـع ‪...‬‬ ‫حامت اإلمام‬

‫س‪ 8-‬ال بد أن جهرك باإللحاد ودخولك عامل السياسة يجعل منك هدفًا لعمليّات تشويه السمعة املنظّمة وغري ذلك‬ ‫التونيس‪ .‬هل لك أن تعطينا نُبذ ًة عن بعض ما‬ ‫من املضايقات‪ ،‬التي تهدف إىل إسكاتك أو إضعاف تأثريك يف الشارع‬ ‫ّ‬ ‫تع ّرضت له‪ ،‬وعن طبيعة الناس الذين كانوا وراء ذلك‪ ،‬وعن تأثري مضايقاتهم عىل نشاطك؟ هل اقترص هذا التضييق عىل‬ ‫فرتة اإلنتخابات أم هو موجو ٌد بإستمرار؟‬ ‫يوم إنتقدت فيه ما أراه سببًا رئيسيًّا يف تخلّف‬ ‫ج‪ 8-‬التشويه والتهديدات واإلت ّهامات‪ ،‬هم مل يتوقفوا ومل تتوقّف منذ أ ّول ٍ‬ ‫(الفلقة) قد‬ ‫شعوبنا‪ ،‬لكنها إتخذت منحى خطري وأكرث قذارة أيّام اإلنتخابات‪ .‬كانت مجموعة “هاكر إخوان ّية” تدعى ّ‬ ‫بدعم من إيران‬ ‫تخصصت بعد الثورة يف صنع فيديوهات غب ّية تتحدث عن املؤامرات املاسون ّية‪ ،‬التي أحيكها “بزعمهم” ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ومحل تن ّدر كل أصدقايئ‪ ،‬لكنها كانت تحىض بشعب ّي ٍة غريبة وسط قطعان‬ ‫ّ‬ ‫وإرسائيل‪ ،‬وكانت تلك الفيديوهات مسل ّي ًة‬ ‫اإلستحامر‪ ،‬ومل يهمني ذلك كث ًريا‪ ،‬بل كنت أعتربه سب ًبا يف الشهرة و أستطيع من خاللها إيصال صوت العقل‪ ،‬وهو ما‬ ‫كان يحدث أغلب الوقت‪ ،‬فالكثري من أصدقايئ الناشطني اليوم أتوين عن طريق تلك الفيديوهات شامتني مدافعني عن‬ ‫خرافاتهم‪ ،‬وما لبثوا أن أصبحوا من أش ّد املدافعني عن الفكر الحر‪ ،‬لكن إتهامي بقرصنة صفحة املنتج والناشط املعروف‬ ‫منحى خط ًريا آخر‪ ،‬فرغم إعرتاف صاحب الفعل و وضع‬ ‫(سامي الفهري)‪ ،‬وشتم الرسول باسمه‪ ،‬جعل األمور تتخذ‬ ‫ً‬ ‫إسمه وصورته عىل الصفحة نفسها‪ ،‬فقد تداولت صفحات الفنانني التونس ّيني املتعاطفني مع (سامي الفهري)‪ ،‬صوريت‬ ‫يل بجرمي املشهود‪،‬‬ ‫تعليق يفيد ّ‬ ‫وإسمي الكامل مع‬ ‫ٍ‬ ‫بأن صاحب أكرب صفحات الكفر‪ ،‬وأين مسجو ٌن بعد أن ت ّم القبض ع ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لتهديدات بالقتل‬ ‫وساندتهم يف ذلك ميليشيات ما يعرف بـ (لجان حامية الثورة) ذات امليول اإلخوانيّة‪ .‬و وصل األمر‬ ‫والذبح و قد وصلتني من بعض من تو ّرطوا وإت ُّهموا الحقًا بقتل الس ّيايس (شكري بالعيد)‪ ،‬وكل ذلك موث ٌّق عندي بالصور‪،‬‬ ‫أصل‪.‬‬ ‫كان ذلك قبل اإلنتخابات وقبل دخويل املجال الس ّيايس ً‬ ‫إستغل ّيت الشورشة والشهرة املحل ّية الناتجة عن ذلك إليصال صوت الفكر الحر‪ ،‬ومل أحاول الدفاع عن نفيس بغري تقديم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وإذاعات معروف ٍة بإتجاهها اإلخواين وطالبت مبنع‬ ‫قنوات فضائ ّية‪،‬‬ ‫العلني يف‬ ‫ترشّ حي عىل رأس قامئ ٍة ليربال ّي ٍة وظهوري‬ ‫ّ‬ ‫تدريس آيات الجهاد القرآنيّة لألطفال‪ ،‬وباملساواة يف اإلرث بني الجنسني‪ ،‬وبحذف قانون تجريم املثليّة الجنسيّة‪ ،‬وقدمت‬ ‫بكل وضوح‪.‬‬ ‫رأيي فيها ّ‬ ‫وخالل اإلنتخابات كُتبت كلمة كاف ٍر ونازي‪ ،‬عىل صورنا املعلّقة يف الشوارع و ُم ّزق بعضها وشُ طّب بعضها اآلخر‪ ،‬لكننا‬ ‫متكنا من إيصال أصواتنا ومل نعد نعمل يف الظل‪ .‬اتخذت بعد اإلنتخابات طريقة حمالتهم الهجومية مسا ًرا مضحكًا‪ ،‬فقد‬ ‫أجنبي‪ ،‬ومل أعد أفتح رسائل التهديد أو أكرتث لها منذ ذلك الحني‪.‬‬ ‫اتُّهمت بأين تاجر سالح وإرها ّيب وعميل‬ ‫ّ‬ ‫و وصلَت املضايقات إىل عائلتي أيضا ومحيط عميل وكانت سببًا يف طالقي ونبذ محيطي يل ّ‬ ‫وتعث أعاميل لكني كنت‬ ‫أخرج أقوى كل م ّرة‪.‬‬ ‫‪28‬‬


‫حوار مـع ‪...‬‬ ‫حامت اإلمام‬

‫ٍ‬ ‫ىل الساحة التونس ّية ُولد ونشأ يف فرنسا‪ ،‬كيف تع ّرف هويّتك اليوم يف ظل فكرك‬ ‫كناشط‬ ‫س‪9-‬‬ ‫سيايس له تأث ٌري ع ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫السيايس الذي يتعارض مع فكر من ينادون بهويّة عرب ّي ٍة إسالم ّي ٍة لتونس؟ وما هو تعريفك للوطن؟‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫إنتامءات إقليم ّية‪ ،‬م ّرت عىل تونس عرشات الحضارات‪ ،‬وحتى قبائل‬ ‫ألقاب وال‬ ‫ج‪ 9-‬أنا تونيس‪ ،‬وهويّتي “تونس ّي ٌة” بال ٍ‬ ‫املنطقي أن نطالب ب ُهويّ ٍة‬ ‫وأسسوا فيها دول ًة عاصمتها قرطاج فهل من‬ ‫الوندال اإلسكندنافيّة غزوا تونس وإستوطنوها‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫جينات وندا ٍل بيننا‪..‬؟‬ ‫تونس ّي ٍة وندال ّية‪ ،‬ملج ّرد وجود‬ ‫الرومان ‘ستوطنوا تونس لفرتة أطول من العرب وبنوا فيها مدنًا وأطاللها أكرب وأكرث من أطالل مدن العرب‪ ،‬فهل نطالب‬ ‫ب ُهويّ ٍة رومان ّي ٍة خاص ًة وهم أقرب جغراف ًيا من السعوديّة موطن قبائل الغزاة العرب‪..‬؟ الجنس ال تح ّدده اللغة واللغة ال‬ ‫تعني الهويّة رغم إنتامئنا العضوي لل َهم (الرشق أوسطي) بحكم الدين واللغة املشرتكتني‪ ،‬لكن لكل ٍ‬ ‫بلد هويّته الخاصة‪،‬‬ ‫وال وجود أل ّم ٍة واحد ٍة إال يف أذهان الحاملني بعودة الخالفة تحت شتّى املس ّميات‪.‬‬ ‫التونيس‪ ،‬من حيث النشأة‪ ،‬واألجندة واألطروحات اإلجتامع ّية واإلقتصاديّة؟‬ ‫هل أعطيتنا نبذ ًة عن الحزب مصن ًعا‬ ‫س‪ّ 10-‬‬ ‫ّ‬ ‫قصتك مع هذا الحزب ومع السياسة عمو ًما؟‬ ‫وما األحداث األبرز يف تاريخه وكيف بدأت ّ‬ ‫مبطالب‬ ‫ج‪ 10-‬بعد الثورة الحظنا تر ّدد كل األحزاب التقدميّة يف الجهر مبطالب العلامنيّة وتخوفهم من تأثر شعبيّتهم‬ ‫َ‬ ‫الشق اإلخواين‪ ،‬كانت (العلامن ّية) تس ِّمي مدن ّية وحريّة‬ ‫الئك ّي ٍة علامن ّي ٍة واضحة‪ ،‬تقف ضد مرشوع األفغنة الذي يتب ّناه ّ‬ ‫تقدمي حدا ّيث عىل نقد ما يسمى‬ ‫حزب‬ ‫املعتقد حريّة الضمري‪ ،‬و (اإلرهاب‬ ‫أي ٍ‬ ‫اإلسالمي) يس َّمى إرهابًا دين ًّيا ومل يجرؤ ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫غينا إسمه‬ ‫التونيس كخليف ٍة لحزب (األحرار‬ ‫تأسس الحزب مصن ًعا‬ ‫بال ُهويّة العرب ّية اإلسالم ّية‪ ،‬حينها ّ‬ ‫التونيس) الذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوطني للحزب‪ ،‬وذلك إثر إنضامم أغلب الناشطني الالدين ّيني إليه‪ ،‬وأخذ قرار املبادرة‬ ‫وتوجهاته يف جلس ٍة عام ٍة للمجلس‬ ‫ّ‬ ‫بالتغيري ووضع رؤيتنا للحل عىل الساحة‪ ،‬ك ّنا نعلم أن الساحة السيّاسيّة يف البلدان ذات األغلبيّة املسلمة ال تتّسع لغري‬ ‫ديني‪ ،‬وأن كل ما يتحدثون عنه من فروقٍ “ايديولوج ّي ٍة ‪ ..‬س ّياس ّي ٍة ‪ ..‬حداث ّية”‪ ،‬مج ّرد‬ ‫وشق‬ ‫شق‬ ‫تقدمي حدا ّيث‪ٌّ ،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫رجعي ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٍّ‬ ‫واقعي بالساحات الس ّياس ّية الغرب ّية العريقة دميقراط ًّيا‪ ،‬مل يكن هناك يش ٌء أكرث إلحا ًحا من مقاومة املرشوع‬ ‫تش ّبيه غري‬ ‫ّ‬ ‫الرجعي يف أول تجرب ٍة دميقراط ّي ٍة تجري عندنا منذ سقوط قرطاج‪ ،‬وأول تجرب ٍة دميقراط ّي ٍة غري طائف ّية‪ ،‬وال‬ ‫اإلخوا ّين‬ ‫ّ‬ ‫يحكمها الجيش تجري يف البلدان ذات الغالب ّية املسلمة‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫حوار مـع ‪...‬‬ ‫حامت اإلمام‬

‫ٍ‬ ‫وخوف غري م ّرب ٍر من فقدان الشعب ّية‪ ،‬وأول من تحدث‬ ‫كنا أول من طالب بالعلامن ّية بشكلٍ واض ٍح ورصي ٍح دون موارب ٍة‬ ‫اإلسالمي” وسميناه بإسمه دون تجميل وماكيا ٍج غري مربر‪ ،‬و أول من طالب بغلق املدارس والجمع ّيات‬ ‫عن “اإلرهاب‬ ‫ّ‬ ‫هي أن تسم ّية األشياء مبسمياتها سيكون صاد ًما‪ ،‬لك ّنه‬ ‫اإلسالم ّية التي إنترشت كالفقاقيع بعد الثورة‪ ،‬كانت وجهة نظرنا ّ‬ ‫شق يقف حتى وإن مل يصوت لنا‪ ،‬بعد مشاركتنا مل نربح مقاعد نيّابيّة‪،‬‬ ‫كان أكرث من‬ ‫أي ٍّ‬ ‫رضوري ليفهم كل مواطنٍ إىل ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫لكن املرشوع اإلخوا ّين سقط بالرضبة القاض ّية وكنا مساهمني يف سقوطه بالتأكيد‪ ،‬واألهم أننا بنظر الشعب مل نعد أولئك‬ ‫رسي‪ ،‬بل أصبح الجميع يتحدث عنا كت ّيا ٍر‬ ‫املاسون ّيني الذين يلبسون األسود ويرشبون دماء القطط ويعيشون يف عامل ّ‬ ‫فكري موجود‪ ،‬وميكن مناقشة أفكاره‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫كانت أهم مطالبنا هي اإلميان بالهويّة التونس ّية‪ ،‬وعلمنة الدولة التونس ّية‪ ،‬وفصل الدين عن السياسة واملساواة الكاملة‬ ‫بني جميع التونسيّني ومحاربة اإلرهاب اإلسالمي‪ ،‬وإلغاء الفصل الذي يج ّرم املقدسات‪ ،‬وإلغاء القانون القايس املتعلّق‬ ‫مبادة الزطلة (حشيش تونيس) والذي أتخذ مط ّي ًة للقمع البولييس عىل مدى عقود‪ .‬كانت أول تجرب ٍة شخص ّي ٍة يل مع‬ ‫الس ّياسة ومل أندم قط عىل خوضها‪.‬‬ ‫س‪ 11-‬إىل ماذا تعزو كرثة الالدين ّيني يف تونس‪ ،‬وما سامتهم الغالبة وهل توجد إحصائ ّياتٌ حول أعدادهم‪ ،‬وما هي‬ ‫املطالب الشعبيّة لجمهور الالدينيّني التونسيّني‪ ،‬وما مدى تواصلهم مع حزبكم؟‬ ‫ج‪ 11-‬أعزوه أولً إىل النظام التعليمي البورقيبي‪ ،‬الذي قطع مع التعليم الديني الزيتو ّين القديم‪ ،‬والذي بلغ من الجرأة‬ ‫رغم‬ ‫إىل ح ّد تدريس نظريّة التطور‬ ‫الدارويني منذ بداية الدراسة الثانويّة‪ ،‬وإىل قوانينه التقدم ّية الحاسمة التي فرضها ً‬ ‫ّ‬ ‫عن إرادة الشيوخ‪ ،‬ورغم معارضة املجتمع املحافظ أيّامها‪ .‬وأعزوه ثان ًّيا للصدمة العقائديّة التي فرضتها أحداث وجود‬ ‫الدواعش وتطبيقهم ملا جاء يف كتب اإلسالم والسرية النبويّة‪ ،‬تلك األحداث ع ّرت ما فعله النظام البورقيبي من تجميلٍ‬ ‫وإنتقاء ق ّي ٍم إسالمي ٍة بعينها تدعو للعمل وإعامل العقل‪ ،‬وإغفال ق ٍّيم أخرى تدعو للقتل والكره والكسل‪ ،‬أغلب ّية الشعب‬ ‫مثل‪ّ ،‬إل بعد أن فرضت‬ ‫للسبي والعبوديّة ً‬ ‫مل تكن تعرف عن اإلسالم غري ما تقبله عقولهم ومل يسمعوا بإباحة اإلسالم‬ ‫ّ‬ ‫األحداث نفسها عىل الساحة العاملية‪ ،‬وجعلتهم يحاولون فهم حقيقة إرتباط ما يفعله الدواعش‪ ،‬وما تبثّه فضائ ّيات‬ ‫السمرسة الدين ّية باإلسالم‪ ،‬واألغلب ّية ممن فهموا حقيقة ما جرى وكانوا بني خيارين‪ ،‬إما اإللتحاق بداعش وتطبيق دينهم‬ ‫كام هو ببشاعته‪ ،‬أو الخروج من غسيل الدماغ الذي تعرضوا له منذ والدتهم وهو ما يفرس كرثة الالدينيّني التونسيّني من‬ ‫جهة‪ ،‬وكرثة الدواعش التونس ّيني من جهة أخرى‪..‬طب ًعا ال توجد إحصائ ّياتٌ رسم ّية بأعدادنا‪ ،‬لكننا يف كل مكانٍ ومبئات‬ ‫اآلالف إذا إستثنينا عدم املجاهرين بالدين ّيتهم‪ ،‬وأعدادنا تتضاعف بإطّرا ٍد ال مثيل له‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات ك ّنا بضع عرش ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مجموعات رسيّ ٍة وال نجرؤ عىل وضع أسامئنا أو صورنا‪ ،‬واليوم‬ ‫ات أو مئات‪ ،‬نختبئ يف‬ ‫منذ أربعة‬ ‫‪30‬‬


‫حوار مـع ‪...‬‬ ‫حامت اإلمام‬

‫اب وآالف املتعاطفني يف كل مكان‪.‬‬ ‫لدينا جمعيّاتٌ وأحز ٌ‬ ‫التونيس وحركة املفكّرين األحرار‪ ،‬ما الفرق بني التنظيمني‪ ،‬ما أعداد‬ ‫س‪ 12-‬حدثنا عن العالقة بني الحزب مصن ًعا‬ ‫ّ‬ ‫ادي فيهام؟‪.‬‬ ‫املنتسبني إليهام وما هي نشاطاتهام ودورك كق ّي ّ‬ ‫ج‪ 12-‬حركة (املفكرين األحرار) جمعيّة قانونيّ ٌة مستقلّ ٌة بذاتها‪ ،‬تعمل عىل تحقيق أهدافها عرب املشاركة يف نشاط‬ ‫رأي يف أحداثه‪ ،‬وهي طب ًعا تضم كل الت ّيارات الفكريّة وال تتب ّنى‬ ‫ايس‪ ،‬وإن كان لها ٌ‬ ‫املجتمع املدين وال تدعو للعمل الس ّي ّ‬ ‫إيديولوجيا س ّياس ّي ٍة مع ّينة‪ ،‬وميكن أن نجد فيها الالديني اللبريا ّيل أو اليساري اإلشرتايك‪ ،‬أو حتى مفكرين أحرا ًرا بال مواقف‬ ‫س ّياس ّي ٍة مع ّينة‪ ،‬أو من أقل ّي ٍ‬ ‫ات دين ّية أخرى تعترب نفسها منتمي ًة لقبيلتنا الفكريّة‪ ،‬وهي معن ّي ٌة بالدفاع عن قضايا الفكر‬ ‫الحر بكل الطرق املمكنة (القانون ّية طب ًعا) وهي أول جمع ّي ٍة قانون ّي ٍة الدين ّية‪ ،‬فالحزب اللبريايل هو من شجع منخرطيه‬ ‫وقيّاديّيه عىل املشاركة يف املجتمع املدين عرب اإلنخراط وتأسيس الجمعيّات‪ ،‬وهو من منحنا مق ّره الرسمي و ُمع ّداته دون‬ ‫أن يتدخل يف الشأن الداخيل للجمع ّية‪.‬‬ ‫أنا عضو املكتب السيايس بالحزب الليربايل التونيس الذي يضم ستة أعضاء إضافة للمجلس الوطني الذي يضم ثالث مئة‬ ‫عضو دون إحتساب بقية منخرطي الحزب و هم باآلالف‪.‬‬ ‫وأنا مؤسس حركة املفكرين األحرار‪ ،‬ورئيس هيئتها املديرة التي تض ّم عدة ناشطني معروفني بإنتظار التوسعة‪ ،‬وفتح‬ ‫باب اإلنخراط بعد بعض التعديالت املنتظرة يف قانوننا الداخيل لضامن عدم اإلندساس والتد ّخالت الخارج ّية مبا يضمن‬ ‫حياديّة نشاطاتنا وشفاف ّيتها‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫حوار مـع ‪...‬‬ ‫حامت اإلمام‬

‫مفصل ٌة يف هذا السياق‪ ،‬ما املطلب‬ ‫مطلب واس ٌع‪ ،‬ال ميكن تحقيقه دفع ًة واحدة‪ .‬لحزبكم‬ ‫س‪ 13-‬العلامنيّة‬ ‫مطالب ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫قبول ‪-‬حسب رأيك‪ -‬عىل التونيس العادي‪ ،‬وهل هو نفسه املطلب الذي قد يكون األسهل تحقيقًا من ناحية‬ ‫األسهل ً‬ ‫ترشيع ّية؟‪ ،‬كيف تنظرون اليوم إىل نتيجة اإلنتخابات الترشيعية والرئاسية األخرية عىل التيار العلامين التونيس‪ ،‬وهل‬ ‫جاءت متوامئة مع توقعاتكم‪ ،‬وما الدروس التي إستقيتموها من تلك اإلنتخابات كتجهيز للدورة القادمة من حيث‬ ‫النشاطات الحال ّية من خارج الحكومة؟‬ ‫ج ‪ - 13‬هناك مطالب تم قبولها باستحيا ٍء كمطلب حريّة املعتقد الذي أسموه حريّة الضمري وربطوه بعدم اإلساءة‬ ‫للمق ّدسات‪ ،‬أو مطلب علامن ّية الدولة الذي أسموه مدن ّية وربطوه ايضا بهويّة إسالم ّية عرب ّية‪ ،‬وزادوها قوانني لحفظ‬ ‫فصل عىل قياس حمق الشعوب!‬ ‫الحياء والحشمة وما أسموه باألخالق الحميدة‪ ،‬وكأن العلامن ّية ثوب سهر ٍة يجب أن يُ ّ‬ ‫دستور ما بعد الثورة رغم حداثيته الظاهرة مل يرتق لسمعة ثورتنا وتطلعات الت ّيار الحدايث يف تونس‪ ،‬وقد جاء كرتضية‬ ‫لكل األطراف يف الساحة وهو يحمل بذور إختالفات مستقبليّة أكيدة نتيجة لتعارض قيم الحداثة والعلامنيّة مع قيم‬ ‫رشا كرتضية للتيار اإلسالمي هو اآلخر املنترص يف اإلنتخابات األوىل‪ .‬إن تلك الرتضيات للت ّيار‬ ‫األسلمة التي تم حرشها ح ً‬ ‫الرجعي هي املشكلة‪ ،‬وهي ما تجعلنا نخاف من “هرسلة” (‪ - Harcelement‬تحرش و مضايقة) الحكومات التق ّدمية‬ ‫أكرث من خوفنا من الحكومات ذات الخلف ّية الدين ّية التي تحسب ردود الفعل قبل القيام مبا من شأنه أن يثري ض ّدها‬ ‫سند معارض يحمينا‪ ،‬وهو ما يدفعنا ٍ‬ ‫ضج ًة إعالمية ‪٠٠‬صعود حكومة تق ّدمية مل يجعلنا أكرث أمانًا بقدر ما جعلنا بال ٍ‬ ‫ملزيد‬ ‫من الحرص للحفاظ عىل املكتسبات الحقوقية‪ ،‬ويبقى التحضري للمرحلة االنتخابيّة القادمة رهني إلتزام قطيع القطط‬ ‫الذي منثله‪.‬‬ ‫س‪ 14-‬من ضمن الدول ذات الغالب ّية اإلسالم ّية تربز تونس إىل جانب تركيا وماليزيا يف القرن العرشين كدو ٍل تبنت‬ ‫العلامنية وفرضتها كسياسة دولة‪ ،‬إال أن تونس تحت حكم أبورقيبة مل تنبذ الدين متا ًما و وظفته ألغراضها‪ ،‬لكن يف كلتا‬ ‫تقبل للفكر العلامين‪ ،‬ما رأيك بهذا النوع من الفرض السلطوي للعلامنيّة عىل املجتمع ال سيام‬ ‫الحالتني نجد الشعب أكرث ً‬ ‫اإلسالميي يف الدول اإلسالم ّية؟ و ما هي نظرتكم إىل السبيل األمثل نحو‬ ‫أن اإلنتخابات الح ّرة غال ًبا ما ت ُفيض إىل ظهور‬ ‫ّ‬ ‫علمنة الدول ذات الغالب ّية اإلسالم ّية؟‬ ‫ج ‪ 14-‬حني ُسئل (أبورقيبة) عن عدم تطبيقه للدميقراط ّية عىل شعب مسلم حديث ٍ‬ ‫عهد باإلستقالل‪ ،‬وتبلغ نسبة األم ّية‬ ‫فيه نسبة قياسيّة‪...‬‬ ‫قال‪ :‬ال أعتقد أن الوقت مالئ ٌم للحديث عن الدميقراط ّية يف مفهومها املطلق‪ ،‬فاملجتمعات العرب ّية ه ّمشت مفكريها‬ ‫وعلامئها الحداثيني لحساب شيو ٍخ توقف الزمن بهم قبل أربعة عرش قرنًا‪ ،‬وهو الفارق بيننا وبينهم لذا وجب العمل‬ ‫مثل‪ ،‬لو طلبنا من الشعب التونيس وقتها‬ ‫عىل نرش ثقافة أكرث واقع ّية‪ ،‬يكون فيها للعلوم الحديثة مكانًا أوفر‪ ..‬فخذ ً‬ ‫‪32‬‬


‫حوار مـع ‪...‬‬ ‫حامت اإلمام‬

‫إجراء إستفتاء عن موقفه من تعليم املرأة‪ ،‬فسأجزم بأن ‪ % 99.99‬سريفضون تعليمها ‪٠٠‬‬ ‫وقال يف مناسبة أخرى سأفرض حرية املرأة وحقوقها بقوة القانون ولن أنتظر دميقراط ّية شعب من املنخدعني بالثقافة‬ ‫الذكورية بإسم الدين‪ ،‬و تقبل الشعب التونيس للفكر العلامين سبقته عقود طويلة من الدكتاتوريّة املستنرية التي فرضت‬ ‫التعليم الحديث اإلجباري والقوانني الحداث ّية املثرية للجدل أيامها‪ ،‬تــونس كانت أ ّول دولة ذات أغلبية مسلمة تلغي‬ ‫اض شديد من شيوخ الدين يف ذلك العهد‪ ،‬وهي منذ الحكم البورقيبي أول دولة تحاول‬ ‫العبوديّة وصا َح َب ذلك إعرت ٌ‬ ‫إستخراج وبث قيم العلامن ّية عن طريق الدين نفسه رغم تعارضهام ‪ ٠٠‬التونيس يرى الدين كام يريده أن يكون وليس‬ ‫أيضا‪ .‬لذلك كانت‬ ‫كام هو‪ ،‬وقد أمىض عقو ًدا طويل ًة يرى اإلسالم خري ممثّل لقيم التسامح والدميقراط ّية والعلامن ّية ً‬ ‫الصدمة شديدة عىل املواطن العادي عند إنتشار امل ّد الو ّهايب والداعيش والفهم الرشقي للدين‪ ،‬التونيس اليوم يتعلم دينه‬ ‫واإلجتهاديي‪ ،‬وهو ما يفرس كرثة‬ ‫املالكيي‬ ‫الصحيح من جديد بعي ًدا عن ماكياج أبورقيبة وبعي ًدا عن فهم شيوخ الزيتونة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أعداد الدواعش والالدينيني التونسيني كام أسلفت الذكر‪.‬‬ ‫س‪ 15-‬كيف تش ّخص ما حدث للحريّات من خالل إسقاط نظام بن عيل؟ ولتأطري اإلجابة‪ ،‬حبذا لو تقارن بني الوضع‬ ‫السائد أثناء حكم بن عيل وما حدث بُعيد سقوطه من إدان ٍة للشابني غازي بيجي وجابر املاجري الذين ُحكم عليهام‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وكتابات ضد اإلسالم عىل‬ ‫سنوات بتهمة انتهاك األخالق‪ ،‬ومحاولة اإلخالل بالنظام العام بعد نرشهام صو ًرا‬ ‫بالسجن سبع‬ ‫ّ‬ ‫متأصل ٍة يف الناس والقوانني؟‬ ‫مواقع التواصل االجتامعي؛ هل كان هذا مخاض الثورة أم أنه‬ ‫انعكاس لسم ٍة ّ‬ ‫ٌ‬ ‫أي ض ّج ٍة إعالم ّي ٍة‪ ،‬ولدينا‬ ‫ج ‪ 15-‬لنكن رصيحني‪ ،‬يف أيام بن عيل‪َ ،‬س ْجن شخصني ٍ‬ ‫بتهم مامثل ٍة كان سيم ّر يف الخفاء ودون ّ‬ ‫عرشات الحاالت املامثلة املوث ّقة‪ ٠٠‬كانت الحريّات املفتكّة بعد الثورة والرصاع اإليديولوجي بني التيّارات واألحزاب‬ ‫الدين ّية وبني الت ّيار التق ّدمي هي ما جعل قضية غازي وجابر املاجري تطفو عىل السطح‪ ،‬وتأخذ ذلك الزخم ‪ ٠٠‬ما حدث‬ ‫أيضا كان استعراض قو ٍة من الجانب التق ّدمي الذي أرغم التيار‬ ‫بعدها من إطالق رساحهام وإطالق رساح أمينة فيمن ً‬ ‫ٍ‬ ‫حريات بقدر ما كان ّيل ذرا ٍع للتيار الديني‬ ‫الديني عىل الرتاجع وتعديل مواقفه أكرث من م ّرة ‪ ٠٠‬ما حدث مل يكن انتكاسة‬ ‫وانتصا ًرا عليه يف مرحل ٍة حاسم ٍة من تاريخ تقاسم قوى ما بعد الثورة‪ .‬لكن الرسالة مل تصل للعامل كام يجب حسب ما‬ ‫الحظت‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫حوار مـع ‪...‬‬ ‫حامت اإلمام‬

‫شك فيه أن كل ٍ‬ ‫س‪ 16-‬مام ال ّ‬ ‫بلد له طابعه وخصوص ّياته‪ ،‬وتونس تتسم بتأثريات عرب ّي ٍة وأمازيغ ّي ٍة ورومان ّي ٍة‬ ‫وفرنس ّي ٍة؛ ولو افرتضنا أن اإلسالم والعروبة تح ّولوا يف الوعي التونيس إىل تأثري ٍ‬ ‫ات دخيل ٍة عىل اعتبار أن اإلسالم ما كان‬ ‫ليأيت إىل تونس لوال الفتوحات العرب ّية اإلسالم ّية‪ ،‬ما هي طبيعة الشخص ّية التونس ّية التي ستظهر كبديلٍ ؟ وإن كان‬ ‫أيضا طر ًحا عنرصيًّا؟ كيف تضع ذلك يف إطار‬ ‫الرتويج للعروبة يحوي طر ًحا عنرصيًا‪ ،‬ألن يكون الرتويج للهوية األمازيغيّة ً‬ ‫أطروحات الحريّة واملساواة التي تتبناها ويتبناها حزبكم؟‬ ‫ج ‪ 16 -‬ستكون شبيه ًة بطبيعة الجزر املتوسط ّية السياح ّية الساحرة القريبة م ّنا‪ ،‬والتي رغم أنها تتبع إيطاليا تراب ًيا‪ ،‬إال‬ ‫أن معامر بنائها تونيس وألقاب سكانها تونسية وتقاليدهم املطبخية تونسية‪ ،‬وعادات أعراسهم تونسية ‪ ٠٠‬تلك الجزر‬ ‫اإليطاليّة الساحرة التي ميكن رؤيتها من تراب تونس والتي يفرتش السياح فيها الشوارع نتيجة ازدحام النزل‪ ،‬كانت‬ ‫تونس ّي ًة لعصو ٍر طويل ٍة وهي خري إجاب ٍة عىل سؤالك حول ما يس ّمى ))بالفتوحات(( ‪ ،‬باعتبار غزوات التتار واملغول‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا!!‪.‬‬ ‫فتوحات ً‬ ‫أغلب أهل شامل إفريقيا أمازيغ ناطقني بالعرب ّية ونطقهم للّغة جاء من غزاة أرضهم؛ واتخاذ أوطانهم منجم ٍ‬ ‫عبيد‬ ‫جنس أو طائفة‪ ،‬لكنني أتساءل‬ ‫عاملي ال يحتويني ٌ‬ ‫لقرونٍ طويل ٍة ال يجب أن يسلبهم هويتهم ‪٠٠‬أنا أؤمن بأنني مواط ٌن ّ‬ ‫ملاذا يعتز الرتيك بهويته والكردي بهويته وكذلك الفاريس والعريب واألملاين والهندي بينام ينسب األمازيغي نفسه ٍ‬ ‫لجنس‬ ‫رص أىت من تلك الصحاري؟ ملاذا ينسب األمازيغ أنفسهم‬ ‫يقطن قار ًة بعيد ًة نسبيا‪ ،‬ملجرد أن جيشً ا غزى وطنه ذات ع ٍ‬ ‫لغزاتهم العرب ملجرد أنهم يتكلمون لغتهم بل ويس ّمون أنفسهم برب ًرا كام يسميهم أعداؤهم العرب والرومان ‪٠٠‬إن كان‬ ‫ذلك مفهو ًما منذ عصو ٍر نتيج ًة للجهل وربط قداسة الدين بقداسة العروبة‪ ،‬فهو بحاج ٍة للتوضيح عىل األقل بعد انتشار‬ ‫املعرفة اليوم وإمكانية كشف املجازر والجرائم التي حدثت خالل عصو ٍر من التاريخ اإلسالمي األسود‪.‬‬ ‫قيم مشابه ًة ملا قد مت ّخض يف أوربا عن عمل ّي ٍة‬ ‫س‪ 17-‬شعار حزبكم هو «حريّة‪ ،‬مساواة‪ ،‬الئك ّية علامنية؛ تبدو هذه ً‬ ‫قيم ليست‬ ‫مط ّول ٍة تُ ّوجت يف فرنسا تحدي ًدا بثور ٍة لها قي ٌم مشابه ٌة يف روحها ومضمونها‪ .‬هل ترى أنكم تريدون فرض ٍ‬ ‫قيم عامل ّية؛ مثة نو ٌع من الرضورة‬ ‫من املجتمع التونيس‪ ،‬وعليه قولبته بشكلٍ يتناىف مع أسسه‪ ،‬أم أنكم ترون هذه القيم ً‬ ‫االجتامعية يف تطور الشعوب يجعل الوصول إليها أم ًرا حتميًا؟‬ ‫ج ‪17 -‬بالفعل نحن نشهد أُوىل موجات عرص تنوي ٍر جنو ّيب شبي ٌه مبا حدث يف أوروبا؛ وما نراه من ظهور الدواعش‬ ‫والرصاعات األديولوج ّية والتوق الجامعي نحو الحريّة هو رقص ٍ‬ ‫ديك يحترض ‪٠٠‬السياق التاريخي للشعوب يجعل التق ّدم‬ ‫‪34‬‬


‫حوار مـع ‪...‬‬ ‫حامت اإلمام‬

‫حل مستدا ًما إىل ما ال نهاية ‪٠٠‬‬ ‫أم ًرا ال مف ّر منه وال ميكن لتجميل الخرافات ومحاولة التأقلم مع الرسطان أن يكون ً‬ ‫أظن أن مال البرتول ساهم يف إطالة رسطاننا ولواله لشهدنا عرص التنوير مع منتصف القرن املايض يف مختلف ربوع‬ ‫آجل ‪٠٠‬ال ميكن أن يبقى الوضع عىل ما هو عليه‬ ‫عاجل أم ً‬ ‫املسلمني‪ ،‬ألن الخرافة ستفقد مصدر متويلها وستنقرض إن ً‬ ‫وال ميكن مداواة حالة رسطان بأقراص أسربين ‪ ٠٠‬نحن نرى أن أغلب مشاكلنا مصدرها الخرافة وقيم الخرافة وتعاليم‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات مضت‪ ،‬وأن ثاين أحسن ٍ‬ ‫الخرافة‪ ،‬ونرى أن أحسن ٍ‬ ‫وقت هو اآلن!!‪.‬‬ ‫وقت لزراعة شجر ٍة هو خمس‬ ‫إذا كانت أسس قيم الشعب ترفض التقدم يجب تغيريها بكل بساطة!‪.‬‬ ‫التونسيي للمرور يف تح ّو ٍ‬ ‫الت اجتامعي ٍّة تؤدي إىل فصل الدين عن الدولة؟‪ ،‬هل تعتقد أن‬ ‫س‪ 18-‬ما مدى استعداد‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫التونسيي من عالقة الدولة بالدين‪،‬‬ ‫تحوالت جوهري ٍة يف موقف‬ ‫نظم الحكم السابقة وخاصة تحت أبورقيبة قد ولّدت‬ ‫ّ‬ ‫أم أن املسألة كانت مفروض ًة عليهم ومل ترتك آثا ًرا باقي ًة ميكن البناء عليها الحقًا؟‬ ‫فرضا‪ ٠٠‬قرب تونس‬ ‫قيم مفروض ًة ً‬ ‫ج ‪ 18-‬مل يكن أبورقيبة وحده من صنع الخصوص ّية التونس ّية حتى نتح ّدث عن آثار ٍ‬ ‫الجغرايف من أوربّا وطبيعتها الساحل ّية املتوسط ّية والسياح ّية‪ ،‬ومتازج مختلف الحضارات فيها‪ ،‬وبُعدها النسبي عن‬ ‫مركز التوترات الرشق أوسطية‪ ،‬ساهموا يف صنع الشخصيّة التونسيّة ‪ ٠٠‬تونس كانت أ ّول من ح ّرر العبيد‪ ٠٠‬والتيارات‬ ‫التقدم ّية بدأت منذ ما قبل االستقالل ‪ ٠٠‬وأبورقيبة حينها كان نقط ًة يف بحر وسط عرشات األسامء التي نادت باالجتهاد‬ ‫التقدميي يف كل أنحاء العامل اإلسالمي‪ ،‬لكن من حسن حظ‬ ‫والحريّة والحداثة ‪٠٠‬يف تلك الفرتة برز عد ٌد من املثقفني‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مستعد لتقبل االجتهاد بطبعه ‪٠٠‬يف تونس‬ ‫شعب‬ ‫تونس أن أحد مثقفيها حكمها وحاول تطبيق أفكاره الحداث ّية وسط ٍ‬ ‫أي من‬ ‫أي منهام أو إجبارهام عىل الرتاجع يف ٍّ‬ ‫اليوم تيا ٌر حدا ٌيث قوي‪ ،‬وحرك ٌة نسائ ّي ٌة متثّل نصف املجتمع‪ ،‬وال ميكن إغفال ٍّ‬ ‫آجل رغم إرصار التيّارات الدينيّة‬ ‫عاجل أم ً‬ ‫املكتسبات ‪٠٠‬و العلامنيّة الكاملة عىل النمط الغريب محط ٌة ستصلها تونس إن ً‬ ‫عىل تعطيلها وتأخريها بشتى السبل ‪ ٠٠‬تلك هي رحى املعركة الفكريّة والسياس ّية الدائرة عندنا اليوم‪.‬‬ ‫التغيات التي نراها اليوم يف تونس بدأت مع إسقاط بن عيل وانطالقة ما صار يُعرف بالربيع العريب‪ ،‬لكن‬ ‫س‪ّ 19-‬‬ ‫ٍ‬ ‫وعنف غلبت عليه الصبغة الدين ّية والقبل ّية‪ .‬كيف يفهم‬ ‫إرهاصات الربيع العريب يف الدول األخرى أدت إىل فوىض‬ ‫التونسيون هذا التباين؟‬ ‫ج ‪ 19 -‬تلك نتائج رفع غطاء القدر مبك ًرا ‪ ..‬يرى كث ٌري من التونسيني أن الثورة عندنا كانت أبكر مام ينبغي وأن الشعب‬ ‫مل يكن جاه ًزا مبا يكفي للتغيري الشامل‪ ،‬وللثورة الفكريّة العميقة التي تُخرجنا من املستنقع‪ ،‬وقد أخالفهم عندما أقارن‬ ‫وضعنا مع غرينا أو أساندهم أمام ما أراه من مظاهر دعشش ٍة وأسلم ٍة وجهويّ ٍة بغيض ٍة يف بعض جهاتنا‪ ،‬لكن الجميع‬ ‫مناسب متا ًما يف ليبيا أو اليمن التي‬ ‫متفق عىل أن الوقت مبك ٌر يف مرص نتيجة عوامل عديدة يطول رشحها‪ ،‬وهو غري‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫‪35‬‬


‫حوار مـع ‪...‬‬ ‫حامت اإلمام‬

‫تبلغ فيهام نسب األم ّية مستوياتٌ قياس ّي ٌة عامل ًيا ‪..‬‬ ‫طبعا لن أتحدث عن سوريا فهي استثنا ٌء‪ ،‬والوقت فيها كان متأخ ًرا وليس مبك ًرا ‪٠٠‬أيضا ثورة تونس فاجأت الجميع ومل‬ ‫أي ٍ‬ ‫سيايس ادعاء تبنيها وهو ما‬ ‫طرف‬ ‫قوى سياسيّ ٍة مبا ّ‬ ‫حصنها من عوامل التد ّخل الخارجي‪ ،‬ومل يستطع ّ‬ ‫أي ً‬ ‫تشارك فيها ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ساعد يف نجاحها النسبي‪.‬‬ ‫كسيايس تونيس‪ ،‬ما املرحلة القادمة يف تص ّورك للتجربة التونس ّية‬ ‫اقب ومحللٍ للشأن التونيس‪ ،‬وليس فقط‬ ‫س‪ 20-‬كمر ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وما الدور الذي قد يلعبه الالدين ّيون فيها؟‬ ‫ج ‪ 20-‬من أهم إيجابيات الدميقراط ّية هو حملها بذور التطور واإلصالح الدوري مع تق ّدم الزمن ‪ ٠٠‬التداول عىل السلطة‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات‪ ،‬سيضمن أن اآليت أحسن ممن سبقه‪،‬‬ ‫ويغيهم كل خمس‬ ‫وإتاحة الفرصة للشعب يك يعاقب الحكّام الفاشلني ّ‬ ‫لذلك سيكون القادم أفضل‪ ،‬إذا كان الشعب يستحق ذلك ‪ ٠٠‬طب ًعا إذا كان القادم أسوء فالشعب سيستحق ذلك أيضا‬ ‫وبجدار ٍة!!‪.‬‬ ‫رضوري مع‬ ‫كالدينيي منثّل أحد مك ّونات الشعب‪ ،‬وأحد أه ّم مكونات املجتمع املدين والتيّار التقدمي‪ ،‬ووجودنا‬ ‫نحن‬ ‫ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫داعيش يف الطرف املقابل يحاول الشد للوراء وإرجاع البالد للعصور الوسطى‪ ،‬عرب نرش ثقافة املوت وعبادة‬ ‫وجود ت ّيا ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫الوهم املقدس ‪ ٠٠‬لوال وجودنا الحتلت النهضة ومن واالها مام يُسمى باإلسالم املعتدل املُع ّدل منطقة الوسط يف الساحة‬ ‫والتقدميي ‪ ٠٠‬وجودنا الذي يراه البعض تطرفًا فكريًا جعل التيار التقدمي بيساره وحداثييه‬ ‫السياس ّية بني الدواعش‬ ‫ّ‬ ‫وسطًا ورمى بالنهضة ودواعشها لليمني وأقىص اليمني‪.‬‬ ‫س‪ 21-‬وبالنسبة لك شخص ًّيا‪ ،‬هل لك مبشاركتنا بيش ٍء من مشاريعك الحال ّية أو املستقبل ّية؟ هل لك أي مخططات‬ ‫كتاب أو توثيق األحداث السياس ّية يف عملٍ ما؟‬ ‫يف املستقبل القريب كنرش ٍ‬ ‫شخيص؛ لكن الكتابة االحرتاف ّية‬ ‫ج ‪21-‬ال أدري إن استطعت إيجاد فسح ًة من الزمن لذلك ‪ ٠٠‬قد أفعلها يو ًما كإنجا ٍز‬ ‫ّ‬ ‫ال تغري عندنا أمام انتشار كتب الطبخ والسحر والخرافات الدينية وبيع األوهام ‪٠٠‬الكتابة كاملامرسة الجنسيّة تحتاج‬ ‫رشيكني وال ميكن أن تبدع أو تكتب يف غياب القارئ‪.‬‬ ‫حتى ذلك الوقت سأك ّرس حيايت لبناء جبهة مفكرين أحرارا‪ ،‬قادر ًة عىل فرض رؤيتهم للحل يف وطني املنكوب واملكبل‬ ‫بالخرافة‪.‬‬

‫‪36‬‬


‫حوار مـع ‪...‬‬ ‫حامت اإلمام‬

‫ٍ‬ ‫سنوات من اآلن؟‬ ‫س‪ - 22‬كيف تتخ ّيل املستقبل يف تونس وشامل أفريقيا والعامل العريب كـ كل بعد عرش‬ ‫ج ‪ 22 -‬سأكون متشامئًا وأقول‪ :‬إن الوضع سيكون كام كانت فيه أوربا يف آخر سنوات عصور الظالم وقبل بداية عرص‬ ‫يلق األورب ّيون الكنيسة وراء ظهورهم إال بعد أن أصبحت لحوم الجثث اآلدم ّية تباع يف األسواق جراء تن ّبآت‬ ‫التنوير‪ ،‬مل ِ‬ ‫الكهنة بنهاية العامل واملجاعات واألوبئة التي انترشت‪ ،‬فيام انهمك الجميع يف رشاء صكوك الغفران والج ّنة ‪ ٠٠‬ولن يُلقي‬ ‫املسلمون خرافات دينهم وراء ظهورهم لريتقوا حيث تعيش األمم الحية إال بعد أنهار من الدماء والحروب التي لن‬ ‫متفائل وأقول أن اإلنسان ّية تتعلم من أخطائها‪ ،‬وأن داعش التي تعيد ما حصل عىل مدى ألف‬ ‫ً‬ ‫تبقي ولن تذر‪ ،‬وسأكون‬ ‫وأربعامئة سنة بالصوت والصورة قد دقّت املسامر األخري يف نعش الخرافة املحمديّة‪ ،‬وأن هذا املد الالديني الغري مسبوق‬ ‫يف التاريخ هو خري دليلٍ عىل أن العرب واملستعربني قد بدأوا بفتح كتب تاريخهم األسود أخ ًريا ‪٠٠‬‬ ‫يف الحاتني أظن أن عرص التنوير يف صحاري الجنوب أصبح عىل مرمى كلامت‪ ،‬وأن بضع عقو ٍد قادم ٍة لن تكون كالسابقة‬ ‫بأي حال من األحوال‪.‬‬ ‫س‪ 23-‬حاتم اإلمام‪ ،‬شك ًرا عىل قبولك دعوتنا يف املجلة‪ .‬ختا ًما‪ ،‬هل لديك كلمة توجهها للملحدين العرب ولق ّراء‬ ‫املجلة؟‬ ‫حي يف‬ ‫ج ‪ -23‬أولً أود تعزيتكم وتعزية نفيس بوفاة مؤسس املجلة والصديق العزيز ٭جون سيلفر٭‪ ،‬وأقول أنه ٌّ‬ ‫عقولنا‪ ،‬وأنه نجح يف تخليد اسمه بأحرف من ذهب‪ ،‬ولن متر حياته يف الخفاء كاملاليني الذين يظهرون ويختفون دون أن‬ ‫يالحظ وجودهم أحد‪ ،‬وهو ما أراه معنى الخلود الحقيقي‪ ،‬ثان ًيا سأقول ال تيأسوا فأنتم أوىل موجات عرص التنوير القادم‬ ‫ثواب‬ ‫ومن الطبيعي أن نخترب قسوة االرتطام بصخور خرافاتهم املقدسة ‪ ..‬لقد إخرتنا مواجهة الظالم‪ ،‬وإنقاذ شعوبنا بال ٍ‬ ‫عقاب خرا ٍيف يرتصدنا‪ ،‬ال لـيشء إال ألننا عرفنا وفهمنا مكمن داء مجتمعاتنا وق ّررنا إنقاذها رغم الكره‬ ‫شبحي يرتقبنا‪ ،‬وال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مثيل يف العامل‪ ،‬كام ال يوجد لقسوة ما تواجهونه من‬ ‫والهرطقة والقمع والتهديد‪ ،‬ال تيأسوا فأنتم فريدون وال يوجد لكم ٌ‬ ‫خر ٍ‬ ‫كورم رسطا ٍين ترى أ ّن قتله‬ ‫افات ٌ‬ ‫مثيل امللحد الغريب ال يواجه دعوات القتل والذبح‪ ،‬وال تطارده ميليشيات الخرافة ٍ‬ ‫مقدس يُثاب فاعله ح ًّيا وم ّيتًا‪ .‬ودين أهله ال يبلغ ُعرش همج ّية وقسوة ما نواجهه‪ ،‬ورغم ذلك فأنتم تعرضون‬ ‫واجب‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫صدوركم وبكل شجاعة وفخ ٍر وأملٍ بالتغيري ‪ ..‬ال تيأسوا فالقادم أفضل وأسامؤكم ستخلّد وسيرتدد صداها عرب التاريخ‬ ‫كأوىل زخات أمطار نهاية الصيف الطويل‪ ،‬تلك التي ستغسل صحارينا من أدرانها وأوثانها‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫الدين و منوذج عجلة القوة والسيطرة‬ ‫ترجمة‪:‬‬

‫‪Ishtar Serene‬‬

‫المقال لطبيب نفسي أمريكي‬ ‫عاش فترة طويلة من حياته‬ ‫كمسيحي مخلص‪ ،‬ثم قاده‬ ‫التساؤل والبحث لإللحاد‪.‬‬ ‫له العديد من المقاالت القيمة‬ ‫ينتقد فيها األديان‪ ،‬والمسيحية‬ ‫على وجه التحديد‪ .‬ينشر‬ ‫أفكاره في مدونته المعنونة‬ ‫‪The Serene Atheist‬‬

‫‪38‬‬


‫الدين و منوذج عجلة القوة‬ ‫والتحكم‬

‫‪Ishtar Serene‬‬

‫نفيس زائ ٍر ملرضاه‪ ،‬وقد اشتغلت يف مجال الصحة العقلية نحو عرشين عا ًما‪ .‬أما يف الكلية‪ ،‬عندما كنت‬ ‫أعمل‬ ‫ٍ‬ ‫كطبيب ٍ‬ ‫طال ًبا‪ ،‬فقد تطوعت وعملت يف مأوى لضحايا العنف املنزيل لحوايل سنتني أو ثالث‪ .‬تعلمت الكثري من العمل يف امللجأ‬ ‫مع النساء واألطفال‪ .‬واحد ٌة من األشياء التي أراين إياها املوظفون هناك كانت ما يسمى بنموذج عجلة الق ّوة والسيطرة‬ ‫للتحكم يف ضحايا العنف املنزيل‪.‬‬ ‫ط ّورت السلطة يف (دولوث ‪ )Duluth‬بـ والية (مينيسوتا‪ )Minnesota-‬منوذج عجلة القوة والتحكم لخدمة مرشوع‬ ‫«التدخل ملنع العنف املنزيل» ‪ ، Domestic Abuse Intervention Preject‬ويستخدم لتثقيف الناس حول السلوكيات‬ ‫والتكتيكات املشرتكة التي يستخدمها مرتكبوا العنف املنزيل للحفاظ عىل الق ّوة والسيطرة عىل أولئك الذين يسيئون‬ ‫لهم‪ .‬وشكل العجلة مناسب جدا‪ ،‬ألن املتعرضة للعنف املنزيل عادة ما تقع فريسة دوامة ال متناهية من الرتهيب‪،‬‬ ‫مام يبقيها تدور يف حلقة مفرغة تبقيها ضحية ألطول مدة ممكنة‪ .‬وقد ال تخرج منها إال بتد ّخل خارجي‪ .‬واستنا ًدا إىل‬ ‫تجربتي الشخصية يف العمل مع الناس يف أماكن مختلفة يف هذا املجال‪ ،‬أود القول أن هذا النموذج يقوم بعملٍ ٍ‬ ‫جيد‬ ‫رجل ييسء معاملة امرأ ٍة‪ ،‬كام هو الحال يف‬ ‫لوصف ما يفعله املعتدون‪ .‬ويستند هذا النموذج عىل أساس أن املعتدي ٌ‬ ‫معظم األحيان‪ ،‬ولكن ليس دامئا‪ .‬هنا صور ٌة لنموذج عجلة القوة والسيطرة‪:‬‬

‫‪39‬‬


‫الدين و منوذج عجلة القوة‬ ‫والتحكم‬

‫‪Ishtar Serene‬‬

‫ٍ‬ ‫عالقات مسيئ ٍة‪ ،‬وجلّهن وجدنه مفي ًدا ج ًدا‪ ،‬ألنه يق ّدم لهن‬ ‫استخدمت هذا النموذج يف عالج النساء املتورطات يف‬ ‫و قد‬ ‫ُ‬ ‫معروضا أمامهن‪.‬‬ ‫وصفًا برصيًا لخرباتهن‬ ‫ً‬ ‫كان قد م ّر زم ٌن ال بأس به بعدما استقر عقيل عىل‬ ‫ٍ‬ ‫جديد ومن‬ ‫اإللحاد‪ ،‬حني رأيت هذا النموذج يف ضو ٍء‬ ‫زاوي ٍة مختلف ٍة‪ .‬يف لحظ ٍة من البصرية اكتشفت أن هذا‬ ‫النموذج ال يكتفي بوصف كيف يحافظ املعتدون عىل‬ ‫السلطة والسيطرة للتحكم يف ضحاياهم‪ ،‬ولكن كيف‬ ‫أن بعض األديان تستمر يف السيطرة عىل أتباعها‪ .‬أود‬ ‫أن أشري إىل أن ما أنا عىل وشك مناقشته ينطبق عىل‬ ‫العديد‪ ،‬إن مل يكن عىل جميع األديان‪ ،‬وسوف أستخدم‬ ‫بشكلٍ‬ ‫رئييس عىل سبيل املثال املسيحية‪ .‬وميكن تقديم‬ ‫ٍ‬ ‫نفس القياس لإلسالم واليهودية وغريها‪ .‬هذه املادة‬ ‫سوف تعالج كل جزء من األجزاء الثامنية من هذا‬ ‫الرسم البياين لتوضيح أوجه التشابه‪:‬‬ ‫‪ .1‬املعتدي الذي يسيطر عىل الضحية من خالل اإلكراه والتهديد‪:‬‬ ‫كالتهديد بفعل أشياء إليذائها‪ ،‬التهديد بهجرها و تحسيسها بأنها من دونه ستبقى وحيدة منبوذة‪ ،‬التهديد باالنتحار إن‬ ‫هي رحلت ‪ ،‬التهديد برفع تقرير يدخلها مص ًحا عقل ًيا‪ ،‬إكراهها عىل إسقاط التهم عنه‪ ،‬إكراهها عىل القيام بأشياء غري‬ ‫قانونية‪.‬‬ ‫هذا ينطبق عىل املسيحية يف نوا ٍح كثري ٍة‪ .‬فأنت مهد ٌد إن مل تفعل ما يقوله الله لك‪ ،‬بأن يتم إرسالك إىل الجحيم لتتعرض‬ ‫لتعذيب مر ّو ٍع إىل األبد‪ .‬يف الواقع‪ ،‬ال أستطيع أن أتخيل تهدي ًدا وال إساء ًة ميكن أن يعتدي بها إنسا ٌن عىل إنسانٍ آخر‬ ‫ٍ‬ ‫أكرث توحشً ا من هذا‪ ،‬بل إن امليسء قد يقدم عىل تنفيذ تهديداته عىل الفور‪ ،‬ما يجعلها وشيكة الوقوع وبالتايل يُنظر‬ ‫إليها عىل أنها خط ٌر فوري‪ .‬أما تهديدات املسيحية فتخلق خوفًا شدي ًدا مستم ًرا‪ ،‬ما يطيل حالة الرعب والرتقب يف نفوس‬ ‫الكثري من أو رمبا معظم املؤمنني‪ .‬وأعتقد أنها واحد ٌة من األسباب الرئيسية التي تجعل الناس يخافون التفكري أو حتى‬ ‫التساؤل بشأن معتقداتهم‪ .‬‬ ‫‪40‬‬


‫الدين و منوذج عجلة القوة‬ ‫والتحكم‬

‫‪Ishtar Serene‬‬

‫‪ . 2‬املعتدي عن طريق التخويف‪:‬‬ ‫كأن يجعل الضحية تخاف باستخدام النظرات‪ ،‬واإلجراءات‪ ،‬واإلمياءات‪ .‬التظاهر بالغضب الشديد و تحطيم األشياء‪ .‬تدمري‬ ‫ممتلكاتها‪ .‬إساءة معاملة الحيوانات األليفة‪ .‬واستعراض أسلحة‪ .‬وكل هذا إلرهابها وإعطائها ومضات عن الخطر الذي‬ ‫ينتظرها‪.‬‬ ‫بطبيعة الحال‪ ،‬يعج الكتاب املقدس باألمثلة عن اإلله الذي ال يكتفي بتخويف األفراد‪ ،‬بل يرهب حضار ٍ‬ ‫ات بأكملها إن‬ ‫هي خالفت أوامره‪ .‬الكتاب املقدس ميل ٌء باآليات التي ترشح أهمية «الخوف» من الله‪ .‬أعلم أن العديد من املسيحيني‬ ‫يحاولون التامس األعذار لهذه الكلمة قائلني إن املقصود من «الخوف» هو «االحرتام»‪ ،‬ولكن إذا كان ذلك صحي ًحا‪،‬‬ ‫فلامذا مل ت ُستخدم كلمة «احرتام»؟‪ ‬من الواضح أن التهديدات والرتهيب هي السبب الوجيه لكل التقوى التي يظهرها‬ ‫املؤمنون‪ .‬إله الكتاب املقدس‪ ،‬يف معظم الحاالت يُتبع أقواله بأفعا ٍل‪ ،‬كأن يغرق العامل بأرسه باستثناء بعض العائالت‬ ‫وزو ٍج من كل نو ٍع من املخلوقات (ما من شأنه أن يؤدي إىل سفاح القرىب يف جميع أنحاء العامل و بني كل الكائنات الحية‬ ‫عىل نح ٍو ملحمي)‪ .‬‬ ‫مبا أن اإلله املسيحي يزعم لنفسه القوة املطلقة‪ ،‬فهو ال يحتاج أسلح ًة ليامرس تخويفه بالطبع‪ ،‬هل من ٍ‬ ‫عرض أكرث إظها ًرا‬ ‫مثال يقوم فيه الله‬ ‫للسلطة من تحويل إنسان إىل ثعبانٍ أو خنزي ٍر أو قر ٍد مثال؟ ‪ ‬أما بالنسبة لإلساءة للحيوانات‪ ،‬ال أذكر ً‬ ‫باإلساءة للحيوانات األليفة بغرض التخويف‪ ،‬ولكني متأك ٌد أن الله يف الكتاب املقدس كان مول ًعا باألضاحي‪ ،‬وبالذبائح‬ ‫الحيوانية متجي ًدا له‪.‬‬ ‫تاريخياً‪ ،‬قام املسيحيون عىل نطاق واسعٍ برتهيب الناس الذين يخالفونهم‪ ،‬و محاكم التفتيش والحروب الصليبية خري‬ ‫شاهد عىل ذلك‪ .‬لقد أخذ التخويف شكل‪« :‬اتبعنا» أو «اعتقد ما نعتقد وإال‪ .»...‬اليوم‪ ،‬ميارس املسيحيون يف أمريكا‬ ‫التخويف عىل فئات مختلفة كاملثليني وامللحدين‪ ،‬ولكن ليس بنفس الحدة واالنتشار كام يف املايض‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬أظهر‬ ‫استطالع للرأي أجرته مجلة نيوزويك ‪ Newsweek‬يف مارس ‪ 2007‬أن ‪ 62٪‬من األمريكيني يرفضون التصويت لصالح أي‬ ‫مرشح رئايس إذا كان ملح ًدا‪ .‬وهذا من شأنه أن يجعل أي مرشح ملحد يشعر بالتخوف حول مصداقيته‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫الدين و منوذج عجلة القوة‬ ‫والتحكم‬

‫‪Ishtar Serene‬‬

‫‪ .3‬امليسء باستخدام اإلساءة العاطفية‪:‬‬ ‫بألقاب قبيح ٍة‪ ،‬بأن يجعلها‬ ‫من خالل تحسسها بالخيبة‪ ،‬وجعلها تشعر بالخذالن وبالسوء من نفسها‪ ،‬مناداتها و تعيريها‬ ‫ٍ‬ ‫تعتقد أنها مجنونة‪ ،‬والتالعب بذهنها‪ ،‬من خالل إهانتها ‪ ،‬وجعلها تشعر بالذنب‪.‬‬ ‫هناك العديد من األمثلة عن اإلساءة العاطفية يف املسيحية‪ ،‬حتى إن قامئة األمثلة تشكل كتابًا يف حد ذاتها‪ .‬إن مفهوم‬ ‫وكلمة «مذنب» نفسها وما يتبعها عن كون املخطئ ال يستحق محبة الله‪ ،‬هي إساء ٌة عاطفي ٌة تسقط احرتام الشخص‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت‬ ‫لذاته وتحطم نظرته لنفسه‪ .‬الكثري من املسيحيني ينظرون ألغنية «النعمة املذهلة» عىل أنها أغنية جميلة‪ ،‬لكن‬ ‫تعيسا مثيل» هي مناذج مثالية عن سوء املعاملة العاطفية‪ ،‬وخاصة‬ ‫مثل «نعم ٌة مذهلة‪ ...‬ما أحىل الصوت‪ ...‬الذي أنقذ ً‬ ‫أن أتباع الدين يتلون‪ ‬مثل هذه الترصيحات مرا ًرا وتكرا ًرا يف صلواتهم‪ .‬هذه الطريقة التي يعمل بها غسيل املخ‪ .‬‬ ‫أخرب أي شخص شيئًا عن نفسه‪ ،‬وقل له ردد ذلك لفظيًا مرا ًرا وتكرا ًرا‪ ،‬مع الوقت سيصدق بفحوى الكالم الذي‬ ‫أساسا عىل أن البرش مذنبون وخطأة‪ ،‬وأنهم بحاج ٍة دامئ ٍة لإللحاح يف طلب املغفرة من‬ ‫يردده‪ .‬الفرضية املسيحية تقوم ً‬ ‫الله‪ .‬‬ ‫لقد سمعنا جميعا عن زرع «الشعور بالذنب الكاثولييك» يف األطفال‪ ،‬لكن الطوائف األخرى تفعل اليشء نفسه‪ .‬غالبا‬ ‫ما يشعر املؤمنون بالذنب تجاه أفكارهم ومشاعرهم حتى الالإرادية منها‪ ،‬ألنهم تربوا عىل أن املشاعر الجنسية اتجاه‬ ‫اآلخر خطيئ ٌة مثال‪ .‬ال تؤدي األفكار بالرضورة إىل أفعا ٍل عندما نوظف قوة إرادتنا‪ ،‬لهذا فهذه الطريقة يف غرس الشعور‬ ‫بالذنب و قمع األفكار الطبيعية هي قم ٌة يف التعنيف العاطفي‬

‫‪42‬‬


‫الدين و منوذج عجلة القوة‬ ‫والتحكم‬

‫‪Ishtar Serene‬‬

‫‪ .4‬اإلساءة عن طريق عزل الضحية‪:‬‬ ‫من خالل السيطرة عىل ما تفعله‪ ،‬ما تراه‪ ،‬ما تقرؤه‪ ،‬أين تذهب‪ ،‬من خالل الحد من مشاركتها و تفاعلها مع املحيط‬ ‫الخارجي‪ ،‬ومن خالل استخدام الغرية والحب لتربير كل هذا‪.‬‬ ‫تعب بعمق عن حقيقة جميع األديان والطوائف وطريقتها يف تشجيع الناس‬ ‫أرى أن هذه القطعة بالذات من النموذج ّ‬ ‫عىل الحفاظ عىل معتقداتهم الدينية‪ .‬وهناك أمثل ٌة من الواقع ال حرص لها عىل ذلك‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬تقوم املؤسسات‬ ‫الدينية وعىل نطاق واسع بربمجة الناس عىل أن اإللحاد وصمة عا ٍر ما يغذي التمييز العنرصي ضد امللحدين‪ .‬مر ًة أخرى‪،‬‬ ‫نذكر استطالع مارس ‪ 2007‬كمثا ٍل ممتا ٍز عىل ذلك‪ .‬و ال يحدث هذا عىل الساحة الوطنية فقط‪ ،‬ولكن حتى يف املؤسسات‬ ‫مثل‪ ،‬كل من يتحدث بانفتاح و صدق عن إلحاده يع ّرض نفسه لإلقصاء‬ ‫املحلية‪ ،‬كانتخاب أعضاء مجلس إدارة املدرسة ً‬ ‫أو التهميش‪.‬‬ ‫هناك طريقة أخرى لعزل املؤمنني من خالل خلق و‬ ‫حامية معتقدات ثقافية تقول‪:‬‬ ‫من الفظ وغري األخالقي النقد أو التساؤل عن صحة‬ ‫أساسا‪ .‬‬ ‫املعتقدات الدينية أو التحدث يف الدين ً‬ ‫هذه محاولة للتحكم من خالل وأد أي محادث ٍة أو ٍ‬ ‫نقاش‬ ‫وخصوصا امللحدين‬ ‫منطقي من البداية‪ .‬وأغلب الناس‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫يوافقون عىل العيش تحت سيطرة و تالعب هذه الرقابة‪،‬‬ ‫ما يسبب مزي ًدا من العزلة‪.‬‬ ‫تحاول األديان أيضا السيطرة عىل ما يقرأه الناس‪ .‬كان‬ ‫هذا يحدث يف املايض القريب‪ ،‬كم أحرقوا من كتب‪..‬؟ وكم‬ ‫ٍ‬ ‫حديث‪ ،‬هاهم الزعامء الكاثوليك‬ ‫منعوا غريها‪..‬؟ ‪ .‬كمثا ٍل‬ ‫يأمرون الناس أال يقرؤوا كتاب شيفرة دافنيش‪ .‬ها هم‬ ‫املسلمون يدعون إىل قتل سلامن رشدي لكتابته ٍ‬ ‫آيات‬ ‫شيطاني ٍة‪ ،‬دون أن ننىس ردة الفعل املسيحية األصولية‬ ‫عىل هاري بوتر‪ .‬‬ ‫الدين يهدف للحد مام يقرأه الناس حتى يحد من تفكريهم ومعارفهم‪ .‬وكلام كان حظ الضحية من العلم والتفكري قليالً‪،‬‬ ‫زادت سيطرة امليسء عليه‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫الدين و منوذج عجلة القوة‬ ‫والتحكم‬

‫‪Ishtar Serene‬‬

‫من النادر أن أرى أحد الزعامء الدينيني يشجع عىل البحث الصادق واملفتوح عن الحقيقة بني أتباعه‪ .‬ليست هناك‬ ‫حاج ٌة إىل ٍ‬ ‫مزيد من األدلة عىل ذلك‪ ،‬أكتفي بالذهاب إىل الكنيسة املسيحية والبحث يف املكتبة‪ .‬هناك لن تجد أياً من‬ ‫كتب سوزان جاكويب ‪ ،Susan Jacoby‬سام هاريس ‪ ، Sam Harris‬أو ريتشارد دوكينز ‪ ، Richard Dawkins‬رغم أنها‬ ‫تناقش العديد من املوضوعات الدينية الهامة‬

‫‪ .5‬السيطرة عىل الضحية من خالل التقليل من أهمية ما يحدث لها‪ ،‬نفي األفعال و‬ ‫األقوال‪ ،‬أو إلقاء اللوم عىل الضحية‪:‬‬ ‫كأن يتغاىض عن سوء املعاملة وأال يتخذ مخاوفها حيال ذلك عىل محمل الجد‪ ،‬قائال إن االعتداء مل يحدث‪ ،‬وتحويل‬ ‫املسؤولية عن السلوك امليسء إىل الضحية قائال إنها السبب يف كل ما يحدث لها‪.‬‬

‫يف هذا الجزء بالذات من عجلة القوة والسيطرة‪ ،‬يتشابه الدين مع العنف األرسي متاماً‪ ،‬يقلل الدين من أهمية‬ ‫األفعال التعسفية للغاية لإلله املسيحي ويضع اللوم عىل الناس‪ .‬يف الديانة املسيحية‪ ،‬يتم تعليم املؤمنني عىل أن الله‬ ‫أخالقي يف كل أفعاله وصفاته‪ .‬و مع هذا يسعى الزعامء الدينيون للتجاوز عن همجية األفعال التي يرتكبها‬ ‫مثا ٌيل‬ ‫ٌ‬ ‫حي عىل هذا الكوكب يف فيضان‪ ،‬وإرسال ٍ‬ ‫شخص للتعذيب املروع لألبد يف‬ ‫الله يف الكتاب املقدس‪ ،‬مثل قتل كل يش ٍء ٍ‬ ‫الجحيم‪ ‬عقابًا عىل انتهاكات محدودة الزمن والتأثري! الذبائح الحيوانية‪ ،‬التضحية البرشية‪ ،‬وإرسال مجموعات من الناس‬ ‫الرتكاب مجازر اإلبادة الجامعية‪ ،‬والتغايض عن العبودية‪ ،‬وإعطاء اآلباء إذنًا بقتل أطفالهم لسوء سلوكهم‪ ،‬إضاف ًة إىل‬ ‫إقناع الناس برضورة قتل املثليني جنس ًيا‪ ،‬الخ‪.‬‬ ‫أعامل صالح ًة‪ .‬هذا ما يفعله املعتدون‬ ‫كل هذه األشياء وأكرث من ذلك بكثري‪ ،‬ال يتم التغايض عنها فقط‪ ،‬بل اعتبارها ً‬ ‫ِ‬ ‫لهم‪“ .‬أنت جعلتني أفعل ذلك بك” هذه هي اإلجابة املسيئة‬ ‫أيضا‪ .‬يقولون لضحاياهم إنهم يستحقون ما يحدث‬ ‫الصبيانية التي يرددونها‪ .‬يف علم النفس هذا ما يسمى “الدفع للجنون”‪ ،‬ما يعني أن الضحية تتقبل أنها تستحق اإلساءة‪،‬‬ ‫ومكانها سلة املهمالت‪ ،‬ألنها بال قيمة‪ ،‬أو كام تصفها التعاليم املسيحية‪“ ،‬مذنبة”‪ .‬‬ ‫ٍ‬ ‫شخص أو إلـ ٍه‪ .‬لكن الكهنة الدينيني‬ ‫اسمحوا يل أن أقولها بكل وضوح‪ :‬ال أحد يستحق أن يُعذب لألبد‪ ،‬من قبل أي‬ ‫يرصون عىل برمجة الناس عىل أنهم يستحقون ذلك‪ .‬يثقلون ضامئر الناس بالهراء‪ .‬نحن ال نعلّم األطفال أن إلحاق األذى‬ ‫فعل محمو ٌد‪ .‬بل نلق ّنهم أن هناك بدائل للرضب أو إيذاء اآلخرين‪ .‬هناك بدائل للعنف‪ .‬وبنفس الطريقة‪ ،‬كان‬ ‫باآلخرين ٌ‬ ‫أيضا‪ .‬وينبغي أن يكون اللوم عن أعامل العنف واالعتداء عىل املعتدي‪.‬‬ ‫عىل الله إيجاد بدائل للعنف ً‬ ‫‪44‬‬


‫الدين و منوذج عجلة القوة‬ ‫والتحكم‬

‫‪Ishtar Serene‬‬

‫‪ .6‬اإلساءة باستخدام األطفال‪:‬‬ ‫كأن يجعلها تشعر بالذنب تجاه األطفال‪ ،‬أو باستخدام األطفال لنقل الرسائل و التهديدات‪.‬‬ ‫هناك العديد من الطرق التي يستخدم فيها الدين األطفال للتالعب باألتباع‪ .‬واح ٌد منها هو إقناع اآلباء واألمهات أن‬ ‫الدين والكنيسة هام السبيل الوحيد لتعليم األطفال األخالق بشكلٍ فعا ٍل وأن عليهم أخذ أطفالهم إىل الكنيسة إذا أرادوا‬ ‫أشخاصا ناضجني مسؤولني‪ .‬يتم إشعار اآلباء الذين ال يأخذون أطفالهم إىل الكنيسة بالذنب‬ ‫أن يكرب أبناؤهم ليصبحوا‬ ‫ً‬ ‫وأنهم يرتكبون خطأً فاد ًحا‪.‬وتنبع هذه األفكار من أسطورة أن امللحدين ال ميكن أن يكونوا أخالقيني‪ .‬أقول ببساطة إن‬ ‫امللحدين يستطيعون أن يكونوا أخالقيني متا ًما كاملتدينني‪.‬‬ ‫يُستخدم األطفال أيضا من خالل األدلجة والرتبية الدينية يف سنٍ مبكر ٍة‪ ،‬وخاص ًة قبل أن تتطور القدرة عىل التفكري‬ ‫النقدي‪ .‬فشعرية املعمودية تشجع اآلباء عىل إلحاق أطفالهم بالكنيسة من املهد‪ .‬يف هذه املرحلة يكون األطفال بال حو ٍل‬ ‫وال قو ٍة‪ ،‬وال يستطيعون التفكري أو تقييم ما يتعلمونه بشكلٍ موضوعي‪ .‬هذا جنبا إىل جنب مع وسائل أخرى للسيطرة‬ ‫كبوا عليه‪ ،‬أو يفكّروا فيه بوضوح‪ ،‬أو يروا الفرق بني‬ ‫عىل عجلة القيادة تجعل من الصعب عىل الناس أن يرتاجعوا ّ‬ ‫عم ُ‬ ‫ما هم عليه حقًا و ما تم تلقينهم إياه‪.‬‬ ‫يستخدم امليسء األطفال لنقل الرسائل ألمهم لتهديدها أو خلق البلبلة والتوتر‪ .‬ال يختلف اإللـه املسيحي عنه كث ًريا‪ .‬يصبح‬ ‫التواصل فعاال أكرث كلام كانت الرسائل مبارش ًة واضح ًة‪ .‬لكن الله قام باستخدام كتاب يعاين من التناقضات والغموض وال‬ ‫دليل‬ ‫ميكن اعتباره وسيل ًة جيد ًة لنقل رسال ٍة ذات أهمية قصوى‪ .‬من الواضح أن وجود اآلالف من الطوائف املسيحية ٌ‬ ‫أخالقي و عقالين كان ليبذل جهو ًدا مبارش ًة لتوضيح اللبس‪ .‬حقيق ُة‬ ‫عىل االرتباك والبلبلة التي سببتها الرسالة‪ .‬إن أي إله‬ ‫ٍ‬ ‫دليل عىل أن ال وجود ملثل هذا اإلله‪.‬‬ ‫رش ال لبس فيه هي ٌ‬ ‫أن الله مل يوضح األمور بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫العنف يضعف اإلنسان‪ .‬أمتنى أن يُق َّوى اعتقاد اآلباء بأنهم يستطيعون أن يكونوا معلمني ملهمني لألخالق هم أنفسهم‪،‬‬ ‫قيم صحيح ٍة متين ٍة‪ ،‬دون الحاجة لتعاليم الدين العنيفة‪.‬‬ ‫وأن بإمكانهم تربية أطفالهم عىل ٍ‬

‫‪45‬‬


‫الدين و منوذج عجلة القوة‬ ‫والتحكم‬

‫‪Ishtar Serene‬‬

‫‪ .7‬اإلساءة من خالل استخدام امتيازاته كرجل‪:‬‬ ‫معاملتها مثل العبد‪ ،‬اتخاذ كل القرارات الكبرية‪ ،‬أن يترصف كأنه سيد القرص اآلمر الناهي‪ ،‬أن يحدد لها دورها يف الحياة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص يتساءلون كيف ميكنهم‬ ‫هذا متاما ما يتم تلقينه للمسيحي عن عالقته بربه‪ .‬ميتلئ الكتاب املقدس بالقصص عن‬ ‫أن يخلصوا يف إتباع وخدمة الله‪ .‬هذه العقلية متنع الناس من التفكري بأنفسهم وتقوية مداركهم‪ .‬كام متنع‪ ،‬أو يف أحسن‬ ‫بنظم غري أخالقي ٍة قدمي ٍة‪ ،‬مثل السامح بالعبودية‬ ‫األحوال تؤخر التطور الصحي لألخالق‪ ،‬ما يؤدي بالناس إىل التمسك ٍ‬ ‫واضطهاد املثليني‪.‬‬ ‫مع هذا اإلله الذي يضع كل القواعد‪ ،‬ليس هناك مجال للتعاون عىل اإلطالق‪ .‬ال أستطيع أن أفكر يف مثال أفضل عىل‬ ‫تعاليه ورفضه التعاون من الطلب البرشي املرشوع واملفهوم بأن يبني وجوده بوضوح دون ٍ‬ ‫لبس‪ ،‬و كذلك أن يوضح‬ ‫توقعاته ومطالبه من الجنس البرشي‪ ،‬وهذا األخري يعترب جز ًءا أساسيًا من أي عالق ٍة جيد ٍة وصحي ٍة‪ .‬أال يفعل الله ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫وخصوصا أن تلك‬ ‫شخص يطلب املساعدة حقًا‪،‬‬ ‫فهذا عنا ٌد وأناني ٌة وإساء ٌة عقلي ٌة‪ .‬فمن غري األخالقي عدم مساعدة‬ ‫ً‬ ‫املساعدة لن تأخذ أي ٍ‬ ‫هائل يف حياة الشخص املعني‪.‬‬ ‫جهد يذكر من الله‪ ،‬ولسوف تحدث فارقًا إيجاب ًيا ً‬ ‫وصولً إىل هذا الجزء من النموذج ننبه لحقيقة أن الكنيسة قد علّمت الناس أيضا أن الرجال أفضل من النساء‪ ،‬وهذا‬ ‫أخالقي‪ .‬وقد استُ ِغلَّت هذه التعاليم الدينية بالفعل للحث عىل الخنوع وللتغايض عن االعتداء عىل‬ ‫مؤملٌ ج ًدا وغري‬ ‫ٍ‬ ‫النساء‪ .‬نزلت قيمة املرأة يف املايض من خالل إبقائها محدود ًة يف املنزل‪ ،‬ما أوقف منونا و تطورنا كنوع ألننا مل نتمكن‬ ‫إال يف اآلونة األخرية فقط من االستفادة من مهارات وقدرات ومواهب وإمكانات املرأة يف العديد من املجاالت واملهن‪.‬‬ ‫حتى يومنا هذا‪ ،‬تكافح املرأة للتغلب عىل تخفيض قيمة العاملة بسبب الدين‪ ،‬مثل القاعدة التي تؤكد أن الرجال‬ ‫فقط يستطيعون أن يكونوا كهن ًة يف الكنيسة‪ .‬هذا الوضع يتغري اآلن‪ ،‬لكن ليس عىل يد الله‪ .‬بل يتغري ألن البرش‬ ‫يغيونه‪ .‬األخالق اإلنسانية تتطور نحو األفضل مع مرور الزمن‪ ،‬ما يؤدي إىل زياد ٍة يف الحريات وحقوق اإلنسان‪ .‬ملواصلة‬ ‫ّ‬ ‫التطور األخالقي لدينا‪ ،‬نحن بحاجة لتجاهل التعاليم األخالقية املسيئة القادمة من املايض‪ ،‬متا ًما كام فعلنا مع الرق الذي‬ ‫تغاىض عنه اإلله املسيحي يف الكتاب املقدس‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫الدين و منوذج عجلة القوة‬ ‫والتحكم‬

‫‪Ishtar Serene‬‬

‫‪ .8‬اإلساءة من خالل االستغالل االقتصادي‪:‬‬ ‫كمنعها من الحصول عىل عملٍ أو الحفاظ عليه‪ ،‬دفعها لطلب املال منه‪ ،‬أخذ أموالها‪ ،‬وعدم السامح لها أن تعرف أو‬ ‫تتمكن من استعامل دخل األرسة‪.‬‬ ‫ولعل النموذج األكرث وضو ًحا عن االستغالل االقتصادي يف املسيحية هو الكهنة الذين يضغطون عىل املذنبني إلعطاء‬ ‫املال للكنيسة أو للكهنة أنفسهم‪ .‬ميكننا أن ننظر إىل املايض للحصول عىل أمثل ٍة جيد ٍة‪ ،‬مثل صكوك الغفران البابوية‪،‬‬ ‫لكن هناك العديد من األمثلة املعارصة أيضا‪ .‬يف املسيحية‪ ،‬للكنيسة الكاثوليكية وللقادة اإلنجيليني املعروفني ٌ‬ ‫أصول‬ ‫بدل من االهتامم بالناس‪ .‬أتساءل عن‬ ‫مالي ٌة هائل ٌة بشكل ال يُصدق‪ ،‬ينفقونها عىل الكنائس الفخمة والحيل واالحتفاالت‪ً ،‬‬ ‫اإلنجازات العلمية والتقدم الطبي الذي كان سيتحقق لو أُنفقت كل تلك األموال عىل البحوث الطبية بدال من إعطائها‬ ‫للكنائس‪ .‬ال شك لدي يف أننا كبرش كنا لنتمكن يف أقرب ٍ‬ ‫وقت من جعل املكفوفني يبرصون والصم يسمعون عىل نطاق‬ ‫عاملي‪.‬‬ ‫يف الختام ‪ ...‬من املهم أن نعرف أن سوء املعاملة تزيد يف وجود الصمت والتعتيم والعزلة‪ .‬هذا هو السبب الذي يجعلني‬ ‫ٍ‬ ‫بأشخاص مثل ريتشارد دوكينز ‪ ،Richard Dawkins‬وسام هاريس ‪ ،Sam Harris‬سوزان جاكويب ‪Susan‬‬ ‫فخو ًرا ج ًدا‬ ‫‪ ،Jacoby‬آين لوري ‪ ،Gaylor Annie Laurie‬دان باركر ‪ ،Dan Barker‬دانيال دينيت ‪ ، Daniel Dennet‬وكريستوفر‬ ‫هيتشنز ‪ ، Christopher Hitchins‬ملا أبدوه من شجاعة للوقوف واإلشارة إىل أن اإلمرباطور‪ ‬ليس عاريا فقط‪ ،‬بل‬ ‫هذا اإلمرباطور ٍ‬ ‫معتد أيضا‪ .‬لطاملا تجنب الناس التحدث عن العنف املنزيل وكلام طال الصمت زاد القبول السلبي‬ ‫للظاهرة‪ .‬مع مرور الوقت و بالتنسيق مع التطور اإليجايب لألخالق من قبل البرش تغريت األمور‪ ،‬لهذا فضحايا اإلساءة‬ ‫اآلن يتمتعون بالعديد من املوارد التي متكنهم من الحصول عىل أكرث مام كانوا ينالون بكثري‪ .‬اآلن حان الوقت للملحدين‬ ‫للوقوف والتحدث علنا​​ضد ظلم وتعسف التعاليم الدينية‪ ،‬ألنها الوسيلة الوحيدة لوقف اإلساءة‪ .‬‬ ‫ميكننا أن نرتك امليسء ونستمر يف التطور أخالقيا نحو األفضل دون الحاجة للتمسك باملعتقدات الخرافية القدمية والقيم‬ ‫التي نعرف أنها مل تعد صالحة‪.‬‬ ‫هنا هو رابط املنظمة التي أنشأت منوذج عجلة القوة والتحكم للعنف املنزيل‪:‬‬ ‫هذا رابط املقال األصيل‪:‬‬

‫‪http://www.theduluthmodel.org‬‬

‫‪http://sereneatheist.blogspot.com/2010/02/power-and-control-wheel-of-religion.html‬‬

‫‪47‬‬


‫‪Matheos Harison‬‬

‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز‪..‬‬ ‫الحلقة الخامسة‪ :‬الساموات واألرض وما بينهام ومن بينهام‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫الشبهة األوىل‪ :‬ناصية كاذبة خاطئة‪ ...‬كنوايص اإلعجازيني‪.‬‬

‫ملخص الشبهة‪ :‬نسب القرآن الخطأ والكذب إىل الناصية ملا قال عن أيب الحكم ﴿ك ََّل ل َِئ لَّ ْم يَنتَ ِه لَ َن ْس َف ًعا بِال َّن ِاص َي ِة •‬ ‫نَ ِاص َي ٍة كَا ِذبَ ٍة َخ ِاطئَ ٍة‪﴿-﴾ ‬العلق‪ .﴾ 15،16 :‬وأىت العلم الحديث ليؤكد أن مراكز “الخطأ والكذب“ تقع من اإلنسان يف‬ ‫ناصيته‪ُ :‬مق ّدمة مخه‪ ،‬ما مل يكن ل ُيعلم حينها إال بالوحي اإللهي إلستحالة املعرفة بالطرق الطبيعية‪.‬‬ ‫التفنيد‪ :‬الشبهة ساقطة من النواح العلمية‪ -‬املنطقية واللغوية ‪ -‬التاريخية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أول‪:‬‬ ‫إن اإلشارة ألن الفص الجبهي من املخ هو «مركز»‬ ‫قول غري ذي ٍ‬ ‫األكاذيب واألخطاء تحدي ًدا‪ ،‬هو ٌ‬ ‫أساس‬ ‫من الناحية العلمية‪ .‬فالدراسات األحدث‪ ،‬والتي‬ ‫توظف أشعة الرنني املغناطييس الوظيفي للكشف‬ ‫عن النشاط املخي أثناء مامرسة الكذب‪ ،‬قد أبلغت‬ ‫أنه أثناء مامرسة األكاذيب تزداد درجة نشاط مناطق‬ ‫«عديدة» يف الدماغ‪.‬‬ ‫يف مراجع ٍة شامل ٍة لهذا النوع من الدراسات‪ ،‬نُرشت يف‬ ‫(جورنال نيترش) وجدت الباحثة (مارثا فرح) ورفاقها‬ ‫ٍ‬ ‫اختالفات معترب ًة بني نتائج هذه الدراسات التي‬ ‫وصفت إجاملً تغ ًريا يف نشاط ‪ 321‬بقعة مختلفة يف‬ ‫املخ‪ ،‬ال توجد واحدة منها متكررة بني كل الدراسات‪.‬‬ ‫ولعل هذا يرجع إىل نوعية اإلجراءات املُتبعة يف كل‬ ‫دراس ٍة وطبيعة الكذبة املطلوب من املشاركني القيام‬ ‫بها‪.‬‬ ‫ولكن عىل الرغم من عدم وجود بقع ٍة مخي ٍة واحدة مشرتك ٌة بني كل الدراسات اال أن هناك بق ًعا معين ًة تتكرر أكرث من‬ ‫غريها يف معظم الدراسات بشكلٍ الفت وهي‪:‬‬ ‫القرشة أمام الجبهية ‪،prefrontal cortex‬‬ ‫وفص الجزيرة األمامي ‪،anterior insula‬‬ ‫والفصيص الجداري السفيل ‪،inferior parietal lobule‬‬ ‫والقرشة الجبهية اإلنسية العلوية ‪.superior middle frontal cortex‬‬ ‫اثنتان من هذه البقع يف الفص الجبهي واثنتان خارجه‪.]1[.‬‬ ‫‪49‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫عيوب كثرية كشفتها هذه املراجعة الشاملة لتلك األبحاث املتعلقة بالرتابط بني الكذب والنشاط املخي‪ .‬ولعل هذه‬ ‫ٌ‬ ‫تفس عدم االتساق الواضح بني نتائج تلك األبحاث‪ ،‬ومن العيوب‪:‬‬ ‫العيوب ّ‬ ‫مثل‪ :‬يف إحدى‬ ‫فعل بالكذب أم بشئٍ آخر‪ً .‬‬ ‫• (‪ )1‬ال ميكن معرفة هل البقع املخية املرصود نشاطها أثناء الكذب تتعلق ً‬ ‫التجارب قد طُلب من التالميذ أن يختاروا شيئًا من األدوات املوضوعة أمامهم ليرسقوه‪ ،‬ثم ليكذبوا بشأن ذلك عند‬ ‫بذكرى معينة ما يؤدي الستثارة مراكز الذاكرة‬ ‫سؤالهم عنه‪ .‬التلميذ عندئذ قد يختار إحدى األدوات املرتبطة عنده‬ ‫ً‬ ‫الخاصة بذلك‪.‬‬ ‫ويف دراسة أجراها جوناثون هاكون عىل الرتابط بني الكذب والنشاط املخي‪ ،‬ظهر مثال رائع عىل مثل هذه املشكلة‪ ،‬إذ‬ ‫رقم من بني عدة أرقام‪ ،‬وطُلب من بعضهم الكذب بشأن ذلك‪ ،‬والبعض اآلخر أن ال‬ ‫أنه قد طلب من التالميذ أن يختاروا ً‬ ‫يكذب أو أن يصمت متا ًما‪ .‬والالفت أن بعض املراكز التي ُرصد تكرارها يف املراجعة الشاملة للدراسات أعاله‪ ،‬قد لوحظ‬ ‫نشاطها يف كلٍ من الكاذبني والصادقني والصامتني عىل السواء![‪]2‬‬ ‫إذًا ال بد من استنتاج ارتباط هذه املراكز بأشياء أخرى غري الكذب‪ ،‬يف الحقيقة نحن نعرف أن الفص الجبهي بالذات‬ ‫(الفص املستهدف من اإلعجازيني) مرتبط بأمناط من ’الذاكرة‘ التي ال ب ّد من استحضارها المتام األكاذيب‪ ،‬مثل الذاكرة‬ ‫السيمنطيقية ‪ semantic memory‬وذاكرة األحداث ‪ episodic memory‬والذاكرة العاملة ‪.]working memory [3‬‬ ‫وأيضا فإن اإلجراءات األخرى التي يتبعها الطلبة أثناء التجارب يكون لها تأث ٌري درامي يف بعض األحيان‪ ،‬إذ أن ضغط أحد‬ ‫ً‬ ‫األزرار أو االنتباه إلحدى الشاشات التي تخطره أن يكذب أو يصدق‪ ..‬الخ يكون له تأثري يف النشاط املخي‪ .‬ولتوضيح أثر‬ ‫تلك األشياء يف إحدى الدراسات التي استطاعت تحديد الكاذب‬ ‫من الصادق بنسبة ‪ ،100%‬طُلب من التالميذ أن يذبذبوا أصابعهم جيئ ًة وذهابًا أثناء إعادة االختبار وكانت النتيجة أن‬ ‫قلّت الدقة إىل ‪]4[!38%‬‬ ‫• (‪ )2‬ال ميكن تعميم النشاط املخي املصاحب للكذب عند أحد األفراد عىل الجميع‪ .‬إذ توجد أدلة عىل اختالفات فردية‬ ‫وأيضا باختالف قدراتهم عىل الكذب‪.‬‬ ‫يف النشاط املخي أثناء الكذب بني األشخاص باختالف خصائص الشخصية عندهم‪ً ،‬‬ ‫فمثل وجدت احدى الدراسات منوذ ًجا مختلفًا للكذب عند األشخاص املصابني باضطراب الشخصية املعادية للمجتمع‬ ‫ً‬ ‫أيضا أنه بزيادة قدرة هؤالء عىل الكذب يقل الفرق بني منوذج النشاط الدماغي أثناء الكذب وبينه‬ ‫‪ ،ASPD‬كام وجدت ً‬ ‫أثناء قول الحقيقة‪ .‬أي أن األبرع يف الكذب دماغهم يعمل أقرب ملا يبدو وكأنه يقول الحقيقة‪.]5[ .‬‬ ‫‪50‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫ويف دراس ٍة أخرى نجد أن زيادة كمية املادة البيضاء وزيادة نسبتها إىل كمية املادة الرمادية يف الفص الجبهي تظهر‬ ‫بوضوح عند املصابني بالكذب املريض ‪ ،pathological liars‬وتفرتض الورقة لتفسري ذلك أن هاتني الزيادتني ترفعان من‬ ‫القدرة عىل الكذب عند هؤالء املصابني بالكذب املريض‪ ،‬يدعم ذلك أن نقيض هاتني الزيادتني يؤ ّدي لقلة القدرة عىل‬ ‫الكذب عند األطفال تحت عرشة سنوات‪ ،‬وعند املصابني بالتوحد [‪ .]6‬نربط ذلك مبا اقرتحته دراسة أخرى من ارتباط‬ ‫الفص الجبهي بآليات استعادة الذاكرة والتالعب بها أثناء الكذب بينام يأيت تثبيط قواعد السلوك املتعلمة من الرتبية‬ ‫وتثبيط آلية تصحيح أخطاء االنتباه من مناطق تحت قرشية عميقة ‪ ،subcortical areas‬ويتم تنشيط دائرة جبهية‬ ‫جدارية‪ -‬تحت قرشية ألجل تنفيذ األكاذيب [‪.]7‬‬‫ٍ‬ ‫مجموعات من الناس وتخلط نتائجهم سويًا للحصول عىل إحصاء عام‪ ،‬قلة من الدراسات‬ ‫أيضا الدراسات جميعها تدرس‬ ‫ً‬ ‫عملت عىل املستوى الفردي وحده‪.‬‬ ‫• (‪ )3‬الكذب نفسه ليس منطًا واح ًدا‪ ،‬بل تندرج تحته تفرعاتٌ كثرية وأنوا ٌع مختلفة فعىل أحد املحاور هناك األكاذيب‬ ‫التلقائية االرتجالية وهناك األكاذيب امل ُ َعدة مسبقًا‪ ،‬وعىل محور آخر هناك األكاذيب املعزولة عن أي سياقٍ وهناك‬ ‫األكاذيب التي يجب أن تتّسق مع أحد السيناريوهات وإال ستنكشف‪ ..‬الخ وحال أجرينا تجارب ألنواع مختلفة لألكاذيب‬ ‫نجد لكل منها نشاطًا مخ ًيا مختلفًا‪ ،‬وبق ًعا مخية نشطة متباينة [‪]3‬‬ ‫وثان ًيا‪:‬‬ ‫متعلق بالفص الجبهي هو ٌ‬ ‫قول ساقطٌ‪.‬‬ ‫أي يش ٍء‬ ‫وبغض ال ّنظر عام ذُكر ً‬ ‫ٍ‬ ‫أساسا أن القرآن عنى ّ‬ ‫أول يف هذا الباب فإن الزعم ً‬ ‫أل ّن العرب قبل اإلسالم كانوا يذكرون ال ّناصية مجازًا عن اإلنسان كلّه‪ .‬يقول القرطبي‪:‬‬ ‫عب بها عن جملة اإلنسان‪ ،‬كام يقال‪ :‬هذه ناصي ٌة مبارك ٌة‪ ..‬إشار ٌة إىل جميع اإلنسان‪.‬‬ ‫والناصية‪ :‬شعر مقدم الرأس‪ .‬وقد يُ ّ‬ ‫وخص ال ّناصية بالذكر عىل عادة العرب فيمن أرادوا إذالله وإهانته أخذوا بناصيته‪ «.‬فإنك إذًا ال تعلم من العرب من‬ ‫جبهي ال يعلم عنه شيئًا‪..‬‬ ‫ٍ ‬ ‫فص‬ ‫قال عن غريه أنه ’ناصي ٌة كاذبة‘ دون أن يرمي إىل أي ٍّ‬ ‫اإلعجازي السخيف ُيكن االستهزاء به أبعد من هذا وأش ّد إمعانًا‪.‬‬ ‫بل إ ّن املنطق‬ ‫ّ‬ ‫فنقرأ يف لسان العرب ﴿وإِين ألَجِد يف بطني نَ ْص ًوا و َو ْخ ًزا أَي َو َج ًعا‪ ،‬وال َّن ْص ُو مثل امل َ َغس‪ ،‬وإِمنا ُسمي بذلك ألَنه يَ ْنصوك أَي‬ ‫يُ ْز ِع ُجك عن ال َقرار﴾‪ .‬قال أَبو الحسن‪« :‬وال أَدري ما وجه تعليله له بذلك»‪ ،‬اغفر أليب الحسن يا أبتاه فإنه ال يعلم أن‬ ‫الفص الجبهي‪ ،‬فاستخدم ال ّناصية إشار ٌة إىل هذا املعنى اللطيف‪،‬‬ ‫العرب «علموا» أن مركز االختيار واتخاذ القرار يوجد يف ّ‬ ‫وعليه فإن العرب قد عرفوا إذًا أن ما يختار الكذب عىل الصدق يف اإلنسان إمنا تكون ناصيته‪.]8[ .‬‬ ‫جل أَي اخرتته﴾ و﴿نَ ِ‬ ‫واصيهم ه ُم الرؤوس واألَ ْشاف﴾‪.‬‬ ‫أيضا يف لسان العرب‪﴿ :‬انْتَ َص ْي ُت من القوم َر ً‬ ‫ونقرأ ً‬ ‫‪51‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫وباملنطق اإلعجازي فالعرب قد جعلوا االنتصاء مرادفًا لالختيار ألن االختيار إمنا يت ٌّم يف الناصية‪ ،‬وجعلوا رؤساء القوم‬ ‫ٍ‬ ‫نواص ألن الرؤساء هم من يختارون ويقررون أمور القوم فهم يف قومهم كال ّنواص يف األجساد!‬ ‫أما حقيقة القياس هذا فهو كون الناصية مقدمة الرأس فهي أرشف ما فيه فقيس لرؤساء القوم كذلك لرشفهم‪ ،‬ومنه أىت‬ ‫انتصاء اليشء مبعنى اعتباره األفضل بني أقرانه‪ ،‬وبالتايل اصطفائه من بينهم واختياره‪.‬‬ ‫وتجد قول القرآن أن الله آخ ٌذ بناصية الدواب ﴿هود ‪ ،﴾56 :‬ال عىل أنه يتدخل يف مراكز قرارها التي يف نواصيها بل‬ ‫عىل كام ذكر الطربي يف تفسريه من أن ﴿ َوكَ ْي َف ِق َيل‪ُ :‬ه َو ِ‬ ‫آخذ ِب َن ِاص َي ِت َها‪ ،‬فَ َخ َّص بِالْ َ ْخ ِذ ال َّن ِاص َية ُدون َسائِر أَ َماكِن الْ َج َسد؟‬ ‫ِق َيل‪ِ :‬لَ َّن الْ َع َرب كَانَ ْت ت َْستَ ْع ِمل َذلِ َك ِف َو ْصف َها َم ْن َو َص َفتْ ُه بِال ِّذلَّ ِة َوالْ ُخ ُضوع‪ ،‬فَتَقُول‪َ :‬ما نَ ِاص َية ف َُلن إِ َّل ِب َي ِد ف َُلن‪ ،‬أَ ْي أَنَّ ُه‬ ‫صف ُه كَيْف شَ ا َء‪َ ،‬وكَانُوا إِذَا أَرسوا ْالَ ِسري فأرادوا إِطالقه َوامل ّن عليه ج ُّزوا ناصيته ليعت ُدوا بِذلك عليه فخ ًرا ِع ْند‬ ‫لَ ُه ُم ِطيع يَ ْ ِ‬ ‫الْ ُمفَا َخ َرة‪ .‬فَ َخاطَ َب ُه ْم اللَّه بِ َا يَ ْع ِرفُو َن ِف ك َ​َلمه ْم‪َ ،‬والْ َم ْع َنى َما َذكَ ْرت﴾‪.‬‬ ‫أيضا من‬ ‫ونرى األخذ بالنوايص يستمر مع املجرمني عند دفعهم يف جهنم ﴿الرحمن ‪ ﴾41 :‬كام تؤخذ الجارية املُشرتاة ً‬ ‫ناصيتها بعد الرشاء (السنن الكربى للنسايئ‪ ،‬كتاب الزينة‪ ،‬حديث رقم ‪]9[.)9680‬‬ ‫الشّ بهة الثانية‪« :‬بدّلناهم جلو ًدا غريها»‪.‬‬ ‫ملخص الشبهة‪:‬‬ ‫أ ّن القرآن قد سبق إىل معرفة حقيقة أ ّن اإلحساس إمنا يكون‬ ‫بالجلد‪ ،‬ملا قال‪« :‬إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم‬ ‫نا ًرا كلام نضجت جلودهم‪ ‬بدلناهم جلو ًدا غريها‪ ‬ليذوقوا‬ ‫العذاب إ ّن الله كان عزي ًزا حكيام» (النساء‪.)56:‬‬ ‫التفنيد‪ :‬الحروق من الدرجة الثالثة والرابعة‪ ،‬التي تأيت‬ ‫عىل الجلد‪ ،‬تكون غري مصحوب ٍة بأي آالم‪ ،‬والتي (أي اآلالم)‬ ‫وقليل يف الدرجة الثانية‪.‬‬ ‫تقترص عىل حروق الدرجة األوىل‪ً ،‬‬ ‫[‪ ]10‬أنواع الحروق معروفة منذ فجر التاريخ [‪ ]11‬والعالج‬ ‫بالك (الحرق) كان معروفًا عند العرب وقد مارسه محمد‬ ‫َ‬ ‫بيديه[‪ .]12‬تقع هذه الشبهة يف مغالطة عدم التفريق بني‬ ‫الظاهرة والتحليل العلمي لها؛ فمالحظة انتهاء األمل عند‬ ‫تآكل الجلد وبالتايل معرفة أن الجلد مسؤول عن اإلحساس‪،‬‬ ‫ال عالقة له مبعرفة أن اإلحساس باألمل له مستقبالتٌ عصبية‬ ‫موجودة يف الجلد وحده‪ ،‬أو غري ذلك من املعرفة الحديثة‪.‬‬ ‫‪52‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫الشبهة الثالثة‪ :‬يف وصف مصدر ودورة املياه يف الطبيعة‪.‬‬

‫الس َم ِء كَ ْي َف‬ ‫اح فَتُ ِث ُري َس َحابًا فَ َي ْب ُسطُ ُه ِف َّ‬ ‫ملخص الشبهة‪ :‬وصف السحاب يف القرآن‪ ،‬يف اآليات‪﴿ :‬اللَّ ُه ال َِّذي يُ ْر ِس ُل ال ِّريَ َ‬ ‫شونَ﴾‪﴿-‬الروم‪،﴾48 :‬‬ ‫يَشَ ا ُء َويَ ْج َعلُ ُه كِ َسفًا ف َ َ​َتى الْ َو ْد َق يَ ْخ ُر ُج ِم ْن ِخ َللِ ِه فَ ِإذَا أَ َص َ‬ ‫اب ِب ِه َم ْن يَشَ ا ُء ِم ْن ِعبَا ِد ِه إِذَا ُه ْم يَ ْستَبْ ِ ُ‬ ‫الس َم ِء ِم ْن‬ ‫ً‬ ‫وأيضا‪﴿ :‬أَلَ ْم ت َ َر أَ َّن اللَّ َه يُ ْزجِي َس َحابًا ث ُ َّم يُ َؤل ُِّف بَ ْي َن ُه ث ُ َّم يَ ْج َعلُ ُه ُركَا ًما ف َ َ​َتى الْ َو ْد َق يَ ْخ ُر ُج ِم ْن ِخ َللِ ِه َويُ َن ِّز ُل ِم َن َّ‬ ‫صفُ ُه َع ْن َم ْن يَشَ ا ُء يَكَا ُد َس َنا بَ ْر ِق ِه يَ ْذ َه ُب بِالْ َبْ َصارِ﴾‪﴿-‬النور‪﴾43 :‬‬ ‫يب ِب ِه َم ْن يَشَ ا ُء َويَ ْ ِ‬ ‫ِج َبا ٍل ِفي َها ِم ْن بَ َر ٍد فَ ُي ِص ُ‬ ‫اب الثِّق َ​َال﴾‪﴿-‬الرعد ‪ ﴾12 :‬و ﴿ َوالس ََّمء ذ ِ‬ ‫َات ال َّر ْجعِ﴾‪﴿-‬الطارق‪.﴾11 :‬‬ ‫وقوله‪َ ﴿ :‬ويُ ْن ِش ُئ َّ‬ ‫الس َح َ‬ ‫وقوله‪َ ﴿ :‬و ْالَ ْر َض بَ ْع َد َذلِ َك َد َحا َها • أَ ْخ َر َج ِم ْن َها َما َء َها َو َم ْر َعا َها﴾‪﴿-‬النازعات‪﴾30،31 :‬‬ ‫وقوله‪﴿ :‬أَلَ ْم ت َ َر أَ َّن اللَّ َه أَن َز َل ِم َن الس ََّمء َما ًء ف َ​َسلَ َك ُه يَ َنابِي َع ِف الْ َ ْر ِض﴾‪﴿-‬الزمر‪.﴾21:‬‬ ‫قد انطوى عىل معلومات مل تنكشف اال حديثًا وهي‪:‬‬ ‫‪)1‬أ ّن البحر مصدر املطر‪..‬‬ ‫‪ )2‬أن الرياح هي التي تحرك السحاب‪.‬‬ ‫وركامي‪.‬‬ ‫‪ )3‬أ ّن السحاب نوعان مبسو ٌط‬ ‫ٌّ‬ ‫‪ )4‬أن السحاب يتكاثف مع بعضه حتى يرتاكم فيهبط‬ ‫منه املاء‪.‬‬ ‫الركامي الذي يُشبه الجبال هو املختص‬ ‫‪ )5‬أن السحاب‬ ‫ّ‬ ‫بإسقاط ال َربد‪.‬‬ ‫‪ )6‬أ ّن الربق مرتب ٌط بال َربد ومرتب ٌط بالسحاب ‬ ‫الركامي‪.‬‬ ‫‪ )7‬أن مصدر املياه الجوف ّية هو املطر‪.‬‬ ‫‪ )8‬أ ّن مياه املحيطات خرجت من األرض‪ ،‬ومل تهبط من‬ ‫السامء‪.‬‬ ‫التفنيد‪:‬‬ ‫واضح التهافت‪ ،‬وكث ٌري منها تتم مالحظته دون‬ ‫ال يخفى عىل من يُلقي نظرة رسيعة عىل مثل هذه املزاعم أ ّن أغلَبها‬ ‫ُ‬ ‫الحاجة الستخدام األساليب العلمية الحديثة‪ ،‬فقد َع َرف الناس قبل اإلسالم أ ّن بُخار املاء هو مصدر املطر [‪( ،]13‬تكوين ‪،)5,6: 2‬‬

‫‪53‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫كام أ ّن حركة السحاب بفعل الرياح وأشكاله املختلفة التي تُشبه القالع والجبال ال تخطئها العني املجردة‪ ،‬كام أ ّن‬ ‫تَشكّالت السحاب وتكتّالته وعالقته باألمطار والجو قد اعتم َد عليها األقدمون كث ًريا للتنبؤ بحالة الطقس‪ ،‬و َخربوا بها من‬ ‫كرثة التأمل يف السامء خرب ًة عظيمة‪ ،‬وبَلَغوا يف وصفها دق ًة عجيبة‪ ،‬خاص ًة األعراب منهم اللذين يعيشون حيثُ يوجد املاء‬ ‫ويرحلون خلفه ويتتبعون منابعه ويتسقطون ُهطوله من السامء‪ ،‬فقد بلغت أسامء السحاب واألمطار والرياح عندهم‬ ‫العرشات ولتوصيفات أحوالها عندهم ألفا ٌظ ال تكا ُد تع ُّد وال ت ُحىص [‪.]16[ ]15[ ] 14‬‬ ‫وأ ّما عن أ ّن السحاب ال ُركامي الذي يشبه الجبال هو املرتبط بال َربد فهذا ٌ‬ ‫قول ُمف َّند‪ ،‬فالسحاب الركامي ال يُشبه الجِبال‬ ‫سوى يف الضخامة امللحوظة واإلرتفاع العايل‪ ،‬أ ّما يف الشكل فهو يُشبه السندان حيثُ تستعرض ق ّمته عندما تصل الرتفا ٍع‬ ‫فالبد يسق ُط‬ ‫عي لعدم قدرتها تجاوزه[‪ ،the tropopause [17‬كام أ ّن‬ ‫َ‬ ‫ُم ّ‬ ‫السحاب الركامي ال يختّص وحده بإسقاط ال َربد؛ َ‬ ‫من أنوا ٍع كثري ٍة من السحاب‪ ،‬فال معنى للعالقة بني ال َربد وبني الربق [‪.]18‬‬ ‫وأ ّما عن مصدر املياه يف الطبيعة فلدينا اآليتني األخرتني متناقضتني عىل أحد الوجوه‪ ،‬وبالتايل ميكن استخراج أي حقيق ٍة‬ ‫تظهر منهام‪ ،‬فآية إنزال املاء من السامء ليسلك ينابيع يف األرض (راجع تفسري القرطبي والطربي يف هذا الشأن) قد فُهم‬ ‫أي ماء موجود يف األرض هو ماء (نازل) من السامء‪ ،‬ومع ذلك يأيت أهل اإلعجاز باآلية األخرى التي تتحدث عن‬ ‫منها أن ّ‬ ‫خارج منها وليس هابطًا من‬ ‫إخراج املاء من باطن األرض للداللة عىل تنبؤ القرآن بصحة فرضية أ ّن املاء الذي يف األرض ٌ‬ ‫السامء‪.‬‬ ‫كفيل وحده بأن يجعلنا ال نُقيم لهذه املزاعم أي وزن أو أعتبار‪ ،‬ألنها غري قابلة للتخطيء‪،‬‬ ‫هذا التناقض(عىل أحد الوجوه) ٌ‬ ‫أي منهام لصالح األخرى حال ثبوت أي من الفرضيات (التي مل يثبت احداها حتى اآلن) عن مصدر مياه‬ ‫إ ْذ ميكن ُ‬ ‫تأويل ٍ‬ ‫األرض البحرية أَنَ َزلت يف مذنبات؟ أم رشحت من ماء داخيل[‪]19‬؟‬ ‫أيضا القول بأن ماءها قد أىت من‬ ‫ولكن األرض باملناسبة تشكّلت ً‬ ‫أصل من الفضاء الذي يسمونه سامء‪ ،‬فبالتايل ميكن ً‬ ‫السامء عىل أي حال وهو من األرض يف نفس الوقت !!‪ ،‬وهذه التشابك والضبابية يف املفاهيم سبَبُها األلفاظ الغري علمية‬ ‫أيضا أ ّن مفهوم إخراج املاء من األرض أثناء َخل ِقها هو‬ ‫التي يستخدمها الدين ويُرا ُد لل ِعلم أن يؤكدها ُعنوة‪ ،‬جدي ٌر بالذكر ً‬ ‫رش من ِسفْر التكوين التورايت‪ ،‬وقد يشري إىل بدء عملية ال َب ْخر السابقة عىل املطر (تكوين ‪.)5,6: 2‬‬ ‫ٌ‬ ‫اقتباس مبا ٌ‬

‫‪54‬‬


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫يحتج اإلعجازيون هنا بسالمة القرآن من أفكار القدماء الخرافية عن دورة املياه‪ِ ،‬مثل أ ّن أرسطو واليونانني قالوا بوجود‬ ‫ّ‬ ‫ثقوب توصل املياه من البحار إىل الينابيع بينام نعلم اآلن أ ّن األمطار هي مصدر تلك املياه‪ ،‬ولكن هذا الرس ُد ناقص‪،‬‬ ‫فقبل امليالد بقرون عدة أعتقد الكثريون بأن مياه األنهار مصدرها األمطار‪ ،‬وإ ْن كان بالتشارك مع فكرة الثقوب[‪ ،]20‬وال‬ ‫يفيد هذا األمر االعجازيني شيئًا يذكر فهذه األفكار تتامهى مع القرآن الذي يؤكد أن الله «أخرج» من األرض ماءها‪.‬‬ ‫وعمو ًما فإ ّن حديث القرآن الواضح الوحيد إمنّا كان عن الينابيع التي تستقي من مياه املطر املنسلكة يف األرض وهو‬ ‫أم ٌر يعرفه عوام الفالحني [‪ ]22[ ]21‬ويُرى ويُالحظ ويُعرف دون جهد [‪ ]23‬حتى مبكة فعندما تهطل األمطار عىل املناطق‬ ‫املحيطة مبكة كالطائف وغريها تزداد املياه زيادة عظيمة يف برئ زمزم [‪ ،]24‬والينابيع ال تستقى فقط من األمطار‪ ،‬بل‬ ‫صب يف (بالوعة)‬ ‫تستقي ً‬ ‫أيضا من مياه األنهار من خالل (ثقوب) يف باطن األرض‪ ،‬كام يف الصورة حيث نرى نهر أالباها يَ ُّ‬ ‫أيضا من األمطار‪.‬‬ ‫تغذي طبقات املياه الجوفية يف فلوريدا‪ ،‬وإن كانت األنهار أتي ٌة ً‬

‫الشبهة الرابعة‪ :‬لؤلؤ ال َع ِذ ْب‬ ‫ُملخص هذه الشبهة يف قوله‪:‬‬ ‫اج َو ِم ْن ك ٍُّل تَأْ ُكلُو َن لَ ْح ًم طَ ِريًّا َوت َْستَ ْخ ِر ُجو َن ِحلْ َي ًة‬ ‫شابُ ُه َو َهذَا ِمل ٌْح أُ َج ٌ‬ ‫﴿ َو َما يَ ْستَوِي الْ َب ْح َرانِ َهذَا َعذ ٌْب فُ َراتٌ َسائِ ٌغ َ َ‬ ‫تَلْ َب ُسونَ َها﴾‪﴿-‬فاطر ‪﴾35:12‬‬ ‫وقوله‪:‬‬ ‫﴿مرج البحرين يلتقيان بينهام برزخ ال يبغيان فبأي آالء ربكام تكذبان يخرج منهام اللؤلؤ واملرجان﴾‪﴿-‬الرحمن ‪،)22:‬‬ ‫أثبت القرآن أن األحجار الكرمية تخرج من املاء العذب كام املالح‪ ،‬ما مل يعرف إالّ حديثًا‪..‬‬

‫‪55‬‬


Matheos Harison

‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز‬

:‫التفنيد‬ ‫حاول الرازي يف تفسريه لهذه اآلية أن يُبعد عن القرآن شُ به َة الخطأ حينام كان السائد وقتها أ ّن اللؤلؤ إمنا يخرج من البحر‬ ‫ لكن ال حاجة لنا‬،‫ فأىت بعدة تخريجات كفيلة برفع ال َقطْع عن داللة اآلية وبالتايل إنهاء أي مزعم لإلعجاز‬،‫املالح فقط‬ ‫] واستخراج‬27[ ]26[ ‫بذلك إذ أ ّن أقدم كتابة تاريخية عن الآللئ عىل اإلطالق كانت يف الصني وهي عن آللئ املاء العذب‬ .]28[‫رشا وليس خف ًيا يستدعي معجز ًة لتفسري العلم به‬ ً ‫األحجار الكرمية من املياه العذبة كان أم ًرا شائ ًعا ومنت‬ :‫الهوامش‬ •]1[• Farah MJ, Hutchinson JB, Phelps EA, & Wagner AD (2014). Functional MRI-based lie detection: scientific and societal challenges. Nature reviews. Neuroscience, 15 (2), 123-31 PMID: 24588019 •]2[• J. G. Hakuna, D. Seeliga, K. Ruparela, J. W. Lougheada, E. Buscha, R. C. Gura & D. D. Langlebena* . fMRI investigation of the cognitive structure of .the Concealed Information. Neurocase: The Neural Basis of Cognition . Volume 14, Issue 1, 2008 •]3[• G. Ganis, S.M. Kosslyn S. Stose, W.L. Thompson, D.A. Yurgelun-Todd. Neural Correlates of Different Types of Deception: An fMRI Investigation. Cerecral cortex. Volume 13, Issue 8.Pp. 830-836 •]4[• Giorgio Ganis , J. Peter Rosenfeld, John Meixner, Rogier A. Kievit, Haline E. Schendan : Lying in the scanner: Covert countermeasures disrupt deception detection by functional magnetic resonance imaging. NeuroImage, Volume 55, Issue 1, 1 March 2011, Pages 312–319 •]5[• W. Jiang, H. Liu, J. Liao, X. Ma, P. Rong, Y. Tang, , ,W. Wang, A functional MRI study of deception among offenders with antisocial personality .disorders. neuroscience , Volume 244, 6 August 2013, Pages 90–98 •]6[• YALING YANG, ADRIAN RAINE, TODD LENCZ, SUSAN BIHRLE, LORI LACASSE, PATRICK COLLETTI. Prefrontal white matter in pathological liars. The British Journal of Psychiatry Sep 2005. Vol 187 Issue 4 •]7[• Tatia M. C. Lee; Ho-Ling Liu; Li-Hai Tan; Chetwyn C. H. Chan; Srikanth Mahankali; Ching-Mei Feng; Jinwen Hou; Peter T. Fox; Jia-Hong Gao. Lie .detection by functional magnetic resonance imaging. Human Brain Mapping 15(3):157-64, 2002. PMID: 11835606. WOBIB: 37 •]8[• . ‫لنا أن نأخذ القرار مبعناه الشامل وهو استقرار الجسد عىل حال واستقرار العقل عىل رأي‬ .‫ فاملنص ّو هنا هو الذي قوطعت ناصيته عن القرار‬،‫كام أن ينصوك يف هذا املثال الساخر ستكون عىل شاكلة اشتقاق «املرسور» أي الذي قُطع حبل رسته‬ •]9[• ‫ ماله صدى يف لسان العرب ايل يورد أنها قد تقرأ‬،‫ال بد هنا أن أذكر أطروحة كريستوف لوكسمبريج أن كلمة ’ناصية‘ أصلها كلمة «ناصايا» الرسيانية والتي تعني املنازع والخصم‬ 316/317 ‫ صــ‬،‫ يف تفسريه لسورة العلق‬،‫ الطبعة االنجليزية‬،»‫عىل «ناصاة» وأن «تناصيني» معناها تنازعني وتباريني ارجع لكتابه «قراءة سريوآرامية أللفاظ القرآن‬ •]10[• Tintinalli, Judith E. (2010). Emergency Medicine: A Comprehensive Study Guide (Emergency Medicine (Tintinalli)). New York: McGraw-Hill Companies. pp. 1374–1386

56


‫اإلجهاز عىل شبهة اإلعجاز يف‬ ‫أساطري الحجاز‬

‫‪Matheos Harison‬‬

‫الهوامش‪:‬‬ ‫•[‪•]11‬‬ ‫‪.Herndon D (ed.). «Chapter 1: A Brief History of Acute Burn Care Management». Total burn care (4th ed.). Edinburgh: Saunders. p. 1‬‬ ‫•[‪•]12‬‬ ‫سنن الرتمذي‪ ،‬كتاب السري‪ ،‬باب النزول عىل الحكم ‪ .‬حديث رقم ‪1582‬‬ ‫•[‪•]13‬‬ ‫راجع تفسري الرازي لآلية (والسامء ذات الرجع) إذ قال أن العرب كانوا يزعمون أن السحاب يحمل املاء من بحار األرض ويعيده لألرض‪.‬‬ ‫•[‪•]14‬‬ ‫جريدة الرياض‪ ،‬عدد الخميس ‪ 28‬جامدى األوىل ‪ 1431‬هـ ‪ 13 -‬مايو ‪2010‬م ‪ -‬رقم ‪15298‬‬ ‫‪ ،‬أسامء وأوصاف املطر‪.‬‬ ‫•[‪•]15‬‬ ‫جريدة االقتصادية‪ ،‬السبت ‪ 12‬محرم ‪ 1432‬هـ‪ .‬املوافق ‪ 18‬ديسمرب ‪ 2010‬العدد ‪ ،6277‬عرشات األسامء للمطر عند العرب‪.‬‬ ‫•[‪•]16‬‬ ‫رسالة يف أسامء الريح‪ .‬البن خالويه‪.‬‬ ‫•[‪•]17‬‬ ‫‪.Clouds and Patterns of the Weather DVD, discovery education‬‬ ‫•[‪•]18‬‬ ‫‪)Gavin Pretor-Pinney-The Cloudspotter›s Guide_ The Science, History, and Culture of Clouds-Perigee Trade (2007‬‬ ‫•[‪•]19‬‬ ‫‪.new scientist, 12 June 2014, Massive ‘ocean’ discovered towards Earth’s core‬‬ ‫•[‪•]20‬‬ ‫‪.The Basis of Civilization--water Science?, J. C. Rodda, Lucio Ubertini. P4‬‬ ‫•[‪•]21‬‬ ‫القرآن والكتاب املقدس يف نور التاريخ والعلم‪ .‬وليم كامبل‪ .‬القسم الرابع‪ ،‬ال ِعلم والوحي‪ .‬الفصل األول‪ ،‬هل تنبأ القرآن والكتاب املقدس بال ِعلم الحديث؟‬ ‫•[‪•]22‬‬ ‫صحيفة عكاظ ‪.‬العدد ‪ .4396 :‬مياه األمطار تعود من األرض يف الحريق‪ .‬املزارع تنتعش باآلبار االرتوازية‪.‬‬ ‫•[‪•]23‬‬ ‫كتاب الرد عىل ابن النغريلة البن حزم‪ .‬الفصل الثامن‬ ‫•[‪•]25‬‬ ‫‪http://www.alarabiya.net/articles/2006/04/13/22833.html‬‬ ‫•[‪•]26‬‬ ‫‪ Pearls: Natural, Cultured and Imitation. P56 .‬‏ ‪Alexander E. Farn‬‬ ‫•[‪•]27‬‬ ‫‪http://www.britannica.com/topic/pearl-gemstone‬‬ ‫•[‪•]28‬‬ ‫راجع املنتخب يف تفسري القرآن‪ .‬التعليق عىل اآلية ‪ 12‬من سورة فاطر‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫رواية فـاتنة‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مختلف عن‬ ‫بأسلوب‬ ‫شخصيات مميز ٍة‬ ‫رواية فاتنة تحيك قصة‬ ‫ٍ‬ ‫املعتاد يف الروايات‪.‬‬ ‫تبدأ الرواية مبشاهد حوار ٍ‬ ‫ات تلقي الضوء عىل تعامل الشخصيات‬ ‫مع مواضيع يومية‪ .‬إىل أن تتحول إىل ٍ‬ ‫خليط فري ٍد من األحداث‬ ‫يتخذ طاب ًعا روائ ًيا‪ .‬ستتعرف عىل عا ٍمل آخر‪ ،‬بل عىل عاملك نفسه‬ ‫وغي التاريخ يف املستقبل‬ ‫من منظو ٍر آخر‪ .‬إخرت من تكون وأين‪ّ ،‬‬ ‫حي الرماد املوحلة مع سامل الصغري‪ ،‬أو‬ ‫القريب‪ ،‬ت َّ‬ ‫رشد يف أزقة ّ‬ ‫خض حربًا رضوس إىل جانب الزير املهلهل وتفنن يف االنتقام‬ ‫من الذين يرتكبون خطأ مواجهتك‪ ،‬تحدى الخنزير األكرب وليد‬ ‫حب‬ ‫ومساعده الدينء يوسف‪ ،‬تعرف إىل امرأ ٍة تعيش قصة ٍّ‬ ‫مع مالك املوت إسمها دليله‪ ،‬أو كن فتا ًة بارعة الجامل وأثره‬ ‫يغي الحب‬ ‫يف مختلف املجتمعات مع فاتنة‪ ،‬واكتشف كيف ّ‬ ‫الطاغية!‬ ‫‪58‬‬

‫سام مار‬


‫رواية فــاتنة‬ ‫سام مار‬

‫قريب من الجامعة لكنه منز ٍو‪ ،‬وال تنتبه أ ّن هناك من يتبعها‪ .‬يقرتب املهلهل خلف فاتنة‬ ‫أيام‪ ،‬فاتنة تسري يف شار ٍع ٍ‬ ‫بعد ٍ‬ ‫التي تتحدث عىل الهاتف دون انتباه‪ ،‬لقد ميّز أنها تلك الفتاة التي كانت مع الشاب الرثي يف حيّه منذ رأى صورتها يف‬ ‫تصميم عىل إنهاء املهمة‪ .‬تندفع الدماء يف عروق املهلهل الذي يبدأ بالركض كال َع ّداء‪ ،‬ومع‬ ‫يد أبو صابر‪ ،‬ذلك جعله أكرث‬ ‫ً‬ ‫كل خطو ٍة تزداد ثورته ويتدفّق األدرينالني بفضل ذكريات الحرمان والعنف والتعاسة التي عاشها يف طفولته‪...‬املهلهل‪،‬‬ ‫ذلك القاتل الذي دامئًا يرتك بصمته بآثار التعذيب الشديد عىل ضحاياه‪ ،‬ال يقتل فقط؛ هو يلوم ضحاياه عىل كل يشء‪.‬‬ ‫عذاب وحرمانٍ يف هذه اللحظة‪ ،‬سببها تلك الفتاة الجميلة ذات القوام املتناسق واملشية‬ ‫يف عقل املهلهل كل لحظة‬ ‫ٍ‬ ‫املتاميلة بطبيعتها‪.‬‬ ‫رجل يحب أن يشعر بتحطّم‬ ‫يش ٌء آخر ُي ّيز جرائم الزير املهلهل‪ ،‬هو أنه غال ًبا ما يقتل بيديه القويتني دون سالح‪ .‬املهلهل ٌ‬ ‫عظم ضحاياه بني يديه‪ ،‬باختناقهم بعذابهم بفنائهم أن يتصل به مبارشةً‪.‬‬ ‫أقدام منها‪ ،‬بينام تبدأ بالركض ترصخ يف الهاتف‪ :‬جميل! الرجل من حي الرماد صاحب‬ ‫فاتنة تنتبه واملهلهل عىل بعد ٍ‬ ‫الندب!‬ ‫يسقط هاتف فاتنة منها بينام تحاول العدو بأرسع ما ميكن‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬فاتنة ال تخايف سأجدك عن طريق الهاتف ‪...‬فاتنة‪...‬أجيبيني ‪...‬فاتنة؟ ‪....‬آلو …‪.‬‬ ‫فاتنة رشيق ٌة وتركض عىل جهاز الركض يف بيتها كل يوم‪ ،‬وهي تركض اآلن لتنجو بحياتها بال شُ ٍّح من األدرينالني يف دمها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مشهد يُذكّر مبطاردة الفهد للغزال‪ .‬يرصخ املهلهل وراءها‬ ‫لكن املهلهل بقفزاته الواسعة وساق ْيه القويتني يقرتب منها يف‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت مرعب‪ :‬سأشقك نصفني عندما أمسك بك أيتها العاهرة!‬ ‫كلام ركضت فاتنة كلام زاد حقد املهلهل وبالتايل تسا ُرع قفزاته‪ .‬مير يف رأسه رشيط الذكريات عندما كان يبيع الجرائد‬ ‫حي الرماد الذين يكربونه يرضبونه بقسو ٍة ويأخذون ما جمعه من‬ ‫عىل إشارات املرور بعمر ‪ ٥‬سنوات‪ .‬كيف كان أوالد ّ‬ ‫رضب وينكّل به أشد تنكيل‪ .‬مل يكن لدى‬ ‫ما ٍل قليل‪ .‬فيذهب إىل بيت الصفيح الذي فيه والده السكّري‪ ،‬ليرضبه أشد ٍ‬ ‫املهلهل أُ ٌّم ومل يعرف معنى الحنان يو ًما‪ .‬كلام أنجز شيئًا ولو صغ ًريا يف حياته هدموه‪ .‬الحقد يغيل يف صدر املهلهل‪ .‬كُلهم‬ ‫السبب!‬ ‫وبينام تتفادى فاتنة إحدى السيارات التي م ّرت بطريق الصدفة يقفز املهلهل من فوق ُمقدمتها‪ .‬املهلهل ركض من أجل‬ ‫حياته وهو صغ ٌري عرشات املرات‪ .‬عندما يندفع وراء ضحاياه يدفعه خلي ٌط من املشاعر‪ ،‬الحقد‪ ،‬الخوف‪ ،‬الكراهية‪ ،‬األمل‪.‬‬ ‫يُطلق املهلهل رصخ ًة أشبه بعويل الذئب‪.‬‬ ‫‪ ‬يرت ّجل ركاب السيارة بينام تستمر فاتنة بالركض‪ .‬يتفاجأ الرجالن باملهلهل عائ ًدا باتّجاههم‪ ،‬ثم تتعاىل األصوات‪ .‬بالنسبة‬ ‫‪59‬‬


‫رواية فــاتنة‬ ‫سام مار‬

‫له‪ ،‬هؤالء يقفون يف وجه تحقيق العدالة وانتقامه‪.‬‬ ‫الشارع ُمغلق‪ ،‬لكن يوجد يف آخره بيت‪ُّ .‬‬ ‫طفل صغري يف الثامنة من العمر‪.‬‬ ‫تدق فاتنة باب البيت بقوة‪ .‬يفتح الباب ٌ‬ ‫فاتنة‪ :‬أين أهلك؟‬ ‫الطفل‪ :‬أنا وحدي يف البيت لقد خرجوا‪.‬‬ ‫تدخل فاتنة وتُغلق الباب‪.‬‬ ‫يسألها الطفل برباءة‪ :‬هل أرسلتك أمي؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ال يا صغريي لكنني أحتاج أن أكون هنا‪ .‬تعال نختبىء‪.‬‬ ‫الطفل‪ :‬م ّمن نختبىء؟‬ ‫رجل رشير‪ .‬هل معك هاتف؟‬ ‫فاتنة‪ٌ :‬‬ ‫يتحطّم باب البيت ويدخل املُهلهل‪.‬‬ ‫تُرسع فاتنة وتُخبّىء الطفل ثم تقفز من النافذة الخلفية بعد أن تتأكّد أنها لفتت نظر املهلهل وحرصت انتباهه بعي ًدا‬ ‫عن الطفل‪ .‬حقول القمح الواسعة وراء البيت قد تكون فرص ًة جيد ًة للهروب أو مكانًا مثال ًيا لنهاية حياتها عىل يد‬ ‫املهلهل‪.‬‬ ‫قل اعتامد اإلنسان عىل قدراته الجسديّة للبقاء‪ .‬إال أن الطبيعة تأىب إال أن تُذكِّر بني الحني واآلخر أن‬ ‫يف العرص الحديث ّ‬ ‫اإلنسان قىض بداياته يف حقول السافانا يركض من أجل حياته متا ًما كام يف هذا املشهد‪.‬‬ ‫تركض فاتنة بات ّجاه منطق ٍة منحني ٍة يف الحقل‪ ،‬املهلهل يُدركها‪ ،‬ت ُخرج علبة الفلفل وتحاول استخدامها لكن املهلهل يحمي‬ ‫ويسك فاتنة من شعرها ويش ّدها إليه‪.‬‬ ‫عينيه ُ‬ ‫املهلهل‪ :‬أيتها العاهرة املُدللة‪.‬‬ ‫فاتنة تحاول اإلفالت‪ ،‬يُو ّجه لها لكم ًة عىل بطنها لكرس مقاومتها تشعر فاتنة بسببها أن أحشاءها مت ّزقت‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ساقتلك بقسو ٍة أقل إذا مل تقاومي‪.‬‬ ‫‪ ‬املهلهل‪ :‬ما بك تقاومني أيتها العاهرة؟ ماذا يؤثر عليك لو دخلك رجل آخر؟‬ ‫ُي ّزق املهلهل قميص فاتنة ثم يرضبها عىل رأسها ويحملها ويرميها عىل األرض بقوة‪ ،‬تهبط عىل ذراعها وتتأذّى واملهلهل‬ ‫يراقبها وهي تتأمل‪.‬‬ ‫تستجمع فاتنة قواها ورغم الدوار تنهض وتستأنف الركض‪ .‬املهلهل يرى يف ذلك تحديًا له ويتبعها برسعة‪ .‬لكنها تفقد‬ ‫توازنها وتتدحرج عىل املنحدر‪ .‬تشعر باألمل الشديد يف ذراعها وتزحف ثم تقف وتركض إىل أعىل التلّة املُقابلة‪.‬‬ ‫املهلهل ينزل املنحدر بقفز ٍ‬ ‫ات عمالقة ويخترص املسافة بينه وبينها برسعة‪ ،‬يُدركها يف أعىل التلّة ولكن‪...‬التلّة تنتهي عىل‬

‫‪60‬‬


‫رواية فــاتنة‬ ‫سام مار‬

‫مزدحم ومنظر فتا ٍة متأذي ٍة وبدون قميص جلب انتباه عرشات الشباب الذين تجمهروا‪ ،‬يهرب املهلهل يف حقول‬ ‫شار ٍع‬ ‫ٍ‬ ‫القمح‪.‬‬ ‫يف املستشفى تكتب فاتنة يف دفرتها الرسي‪:‬‬ ‫ليلة أمس مل أستطع النوم‪...‬كوابيس‪...‬كوابيس أرى فيها وجه الرجل ذو الندب‪...‬ونظرة عينيه الغائرتنب وتلك الندبة التي‬ ‫تشق حاجبه وتكمل أسفل عينه‪.‬‬ ‫زلت أشعر بالجلد امليت الذي يغطي يديه القاسيتني عىل جلدي‪ .‬أنا مرتعبة‪ ،‬لكنني أحاول أن أكون منطقية وأقنع‬ ‫ما ُ‬ ‫نفيس أن الخطر زال‪ .‬أحاول أن أكون منطقي ًة ألنني أشعر بالضعف واحتقار الذات‪ .‬عندما تُقهر األنثى ‪...‬يرتك ذلك‬ ‫جر ًحا يف كربيائها ونظرتها لنفسها‪ ،‬رغم أن الخطأ ليس خطأها‪ ،‬لكن إقناع نفسها بذلك تح ٍّد صعب‪..‬اللعنة‪...‬حتى أنا ال‬ ‫أستطيع أن أقنع نفيس أن كل يشء عىل ما يرام‪ .‬للحظة عندما كنت عىل األرض كنت عىل وشك االستسالم‪ .‬نهضت‪...‬‬ ‫لكن هل ستنهض نفيس من الداخل؟‬ ‫الطبيب يف املستشفى‪ :‬العظم مشعور لذلك يجب أن تلبيس حامل ًة لذراعك فرتة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أشكرك دكتور‪.‬‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫الطبيب‪:‬‬ ‫تقييم لحالتك النفسية كون االعتداء اشتمل عىل محاولة اغتصاب ً‬ ‫أوصيت أيضا بجلسة ٍ‬ ‫ُ‬ ‫فاتنة‪ :‬شك ًرا دكتور لكن أعتقد أنني سأكون بخري‪.‬‬ ‫األم‪ :‬يا ابنتي ملاذا حدث لك هذا ملاذا ِ‬ ‫أنت!‬ ‫فاتنة مبتسمة‪ :‬اهديئ يا أمي مل يحدث يشء‪.‬‬ ‫أبو صابر ويوسف يدخالن الغرفة‪ ،‬يوسف‪ :‬فاتنة الحمد لله أنك بخري! سمعنا عن الحادثة و‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬شك ًرا لكن‪...‬‬ ‫وخصوصا أنك جميلة و‪...‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬يا ابنتي والله ّإن نصحتك قبل ذلك أن اللباس املُغري يسبب لك التح ّرش‬ ‫ً‬ ‫فاتنة‪ :‬أخرج من هنا أيها الحقري!‬ ‫أبو صابر‪ :‬سامحك الله يا ابنتي‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬جزاك الله خ ًريا يا أبو صابر كيف تقابل تلك اإلساءة بالتسامح‪.‬‬ ‫األم تفقد أعصابها‪ :‬أُخرجا من هنا اآلن! اآلن!‬ ‫يخرج األخوان برسعة‬ ‫أبو صابر‪ :‬الحمد لله أنها ال ّ‬ ‫تشك يب وبزيارتنا أزلنا الشك‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬أجل لكن اآلن علينا التهدئة وعدم إثارة الشكوك حتى ال تعود إىل السجن‪.‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬أرجو أال يقبضوا عىل الزير‪.‬‬ ‫‪61‬‬


‫رواية فــاتنة‬ ‫سام مار‬

‫جميل يصل لزيارة فاتنة‪ :‬آسف مل آيت ليلة أمس ‪ .‬أردتُ أن تأخذي وقتك مع أمك وعائلتك‪ .‬أعتذر كث ًريا عىل عدم وصول‬ ‫املساعدة ِ‬ ‫إليك يف الوقت املناسب‪ .‬املنطقة كانت محارص ًة خالل نصف ساع ٍة لكن كل يش ٍء حدث برسعة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬هل قبضوا عليه؟ من هو؟‬ ‫جميل‪ :‬ال‪ ،‬رغم أن كل عنارص األمن قلبت الدنيا عليه‪ .‬اكتشفت شخصيته واآلن اسمه وصوره ُموزّع ٌة يف كل مكان‪ .‬هو‬ ‫صاحب سوابق ُملقب بالزير املُهلهل‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬هل تعتقد أنه أراد قتيل ألنه رآين معك؟ هل يعرف من أنت؟‬ ‫رصفه‬ ‫جميل‪ :‬ليس لدي معلومات‪ ،‬ال أعرف إن كان يعرفني ً‬ ‫أصل‪ ،‬ال أعتقد أنه كان يعرفني عندما رأيناه يف حي الرماد‪ .‬ت ّ‬ ‫ال يدل عىل ذلك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬رمبا إنه الحظ اليسء إذًا‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬رمبا‪...‬‬ ‫يل الذهاب ألرى الدكتور وأستفرس عن الحالة وهكذا…‬ ‫األم‪ :‬ع ّ‬ ‫تبتسم لها فاتنة‬ ‫جميل يُخرج من جيبه قالد ًة من الكريستال فيها بعض الرتاب‬ ‫جميل‪ :‬من اآلن وصاع ًدا ستلبسني القمر يف عنقك‬ ‫فاتنة مبتسمة‪ :‬جميل‪...‬‬ ‫جميل‪ :‬اخرتت التصميم بنفيس و‪..‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال أقصد اسمك‪..‬جميل أنت رائع‬ ‫جميل‪ :‬رمبا يو ًما ّما سأستحقك‬ ‫فاتنة‪ :‬اهدأ…‬ ‫األم تعود‬ ‫فاتنة‪ :‬هل كان الدكتور خلف الباب يا أمي؟‬ ‫األم‪ :‬ال‪...‬أنا‪...‬أقصد‪...‬أنه‪...‬مل أجد الدكتور لكن حالتك تبدو جيدة‬ ‫جميل يستأذن‬ ‫األم‪ :‬متى سنفرح بك وبه؟ ملاذا ال يخطبك؟‬ ‫فاتنة‪ :‬أمي‪...‬إنيس آخر جمل ٍة قلتيها‪ ،‬ألنك فيام عدا ذلك ِ‬ ‫كنت األم التي نزلت من السامء هذا اليوم‪.‬‬ ‫تصل املمرضة مع أوراق الخروج من املستشفى‬ ‫بضيق من ذراعها املُعطل‪ .‬الكثري من األشياء التي تفعلها صارت تأخذ وقتًا‬ ‫تقيض فاتنة األيام بعد خروجها من املستشفى ٍ‬ ‫بدل من ‪ ٣‬مثالً‪.‬‬ ‫مضاعفًا الوقوف أمام املرآه لتغيري شكلها يأخذ اآلن ‪ ٦‬دقائق ً‬ ‫‪62‬‬


‫رواية فــاتنة‬ ‫سام مار‬

‫ير ُّن هاتفها‪ ،‬إنه الدكتور رامي‪ :‬فاتنة‪...‬سمعت بالحادث الذي جرى لك‪ ،‬واطّلعت عىل سجلّك يف املستشفى‪ .‬سعي ٌد ج ًدا‬ ‫يل أو كسو ٌر أكرث خط ًرا من شع ٍر يف عظم الذراع‪.‬‬ ‫بسالمتك كان من املمكن أن يُصيبك ٌ‬ ‫نزيف داخ ٌ‬ ‫فاتنة‪ :‬شك ًرا التصالك دكتور‪ .‬كيف حالك أنت؟‬ ‫الدكتور رامي‪ :‬جيد‪ ،‬لكن تعرفني‪ ،‬أمتنى لو أر ِ‬ ‫اك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬عندما تقتنع بفكرة أصدقاء فقط‪.‬‬ ‫الدكتور رامي‪ :‬اقتنعت‬ ‫فاتنة‪ :‬أمتنى ذلك‪ ،‬لدي مراجع ٌة يف املستشفى لحالة ذراعي ممكن أن نرشب بعض القهوة يف كفترييا املستشفى بعدها‬ ‫الدكتور رامي‪ :‬رائع‪ ،‬أراك إذًا‬ ‫فاتنة‪ :‬إىل اللقاء دكتور رامي‬ ‫األم‪ :‬فاتنة ملاذا مازلت تتحدثني مع الدكتور؟‬ ‫فاتنة‪ :‬كصديق‬ ‫األم‪ :‬وجميل؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ما مناسبة هذا التحقيق؟ تفاجئينني كل فرت ٍة بهذا التناقض‬ ‫خصوصا أن هذا نرصاين وال فائدة من عالقتك‬ ‫األم‪ :‬كل ما أريد قوله هو كلام قلّت عالقاتك مع شباب كلام كان أفضل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫به سوى املشاكل‪.‬‬ ‫تزوجت من ٍ‬ ‫شخص ليس من طائفتنا؟‬ ‫فاتنة؛ فقط ليك أفهم كيف تفكرين‪ ،‬هل لديك مشكلة لو كنت يف الخارج إذا‬ ‫ُ‬ ‫األم‪ :‬هل جننتي؟ طب ًعا لدي مشكلة‬ ‫فاتنة‪ :‬لكنني سأكون يف الخارج املجتمع لن يهتم‬ ‫األم‪ :‬لكنه حرام يا ابنتي‬ ‫فاتنة‪ :‬أمي سامعك املوسيقى حرام مشاهدتك التلفاز حرام االنرتنت حرام كل يشء حرام وتفعلينه‪ ،‬ملاذا فقط الحرام‬ ‫بحزم عىل هذه املواضيع؟‬ ‫يُط ّبق ٍ‬ ‫األم‪ :‬ال يا ابنتي حرام عن حرام يختلف‪ ،‬يوجد حرام التوبة عنه متحوه ويوجد حرام من الكبائر‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أُمي اكتشفت شيئًا‪.‬‬ ‫األم‪ :‬ما هو؟‬ ‫ِ‬ ‫فاتنة‪ :‬ما ِ‬ ‫تطورت‪ ،‬سيظل هناك جوانب ال منطقي ًة يف تفكريك‪ ،‬ألن اإلميان نفسه غري منطقي‪.‬‬ ‫دمت مؤمنة‪ ،‬مهام‬ ‫منطقي يف هذا العامل يا ابنتي‪ ،‬قويل يل ما هو غري املنطقي يف اإلميان؟‬ ‫األم‪ :‬اإلميان هو أكرث يش ٍء‬ ‫ٍّ‬ ‫‪63‬‬


‫رواية فــاتنة‬ ‫سام مار‬

‫ٍ‬ ‫مبخلوقات‬ ‫فاتنة‪ :‬أمي!! أنت كمؤمنة تؤمنني بأن اإلنسان يعيش يف عا ٍمل تتحول فيه العصا اىل أفعى تسعى‪ ،‬عاملٌ ميل ٌء‬ ‫للتنصت فتصطادها الشهب وترجمها النجوم! عاملٌ فيه بغل ٌة مجنح ٌة‬ ‫ناري ٍة ال نراها‪ ،‬وتحاول الصعود إىل السامء السابعة ّ‬ ‫ٌ‬ ‫خفي يكرهنا؛ وظيفته الوحيدة هي ج ّر البرش إىل نا ٍر هائل ٍة‬ ‫تعرب الكون ذهابًا وإيابًا يف ليلة‪،‬عاملٌ يتواجد فيه‬ ‫مخلوق ٌ‬ ‫تتكلم وتقول هل من مزيد‪ .‬عاملٌ تزوره مخلوقاتٌ مثل البرش لكنها مجنحة‪ ،‬وتنزل إليه من نافذ ٍة يف ٍ‬ ‫سقف يف الفضاء‬ ‫طوابق وفوقها كلها يوجد آرائك عليها نسا ٌء‪ ،‬ويوجد خي ٌم وقصو ٌر وأنهار خم ٍر ولنب وحدائق وغلامن يطوفون‬ ‫ست‬ ‫ٍ‬ ‫فوقه ُ‬ ‫عىل الرجال الذين يُصدقون هذا الكالم باألباريق‪ .‬عاملٌ عىل أطراف كونه املتمدد يوجد شجر ٌة مثمر ٌة إسمها ُسدرة‬ ‫املنتهى! عامل ‪...‬‬ ‫األم‪ :‬يكفي يا فاتنة!‬ ‫رسك وتتعوذّي بل فكّري يف الكالم و‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال يا أمي ال تقريئ آية الكريس يف ّ‬ ‫األم‪ :‬توقفي‪ ،‬ال أريد النقاش يف املوضوع‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬كام تشائني يا أمي‪ ،‬لكن ال تقويل يل أن اإلميان منطقي‪.‬‬ ‫األم‪ :‬اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا عىل دينك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬انيس املوضوع يا أمي‪.‬‬ ‫ومتر األيام‪...‬‬ ‫فاتنة تستعد للتخرج وإكامل أوراقها ولكنها ال ت ُخطط لحضور الحفل‪ ،‬األم حالتها مستقرة‪ .‬تذهب فاتنة إىل املستشفى‬ ‫ِّ‬ ‫لفك ذراعها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫شفيت برسعة‪ ،‬عمليات األيض عندك رسيع ٌة جدا ً‪.‬‬ ‫الدكتور‪ :‬لقد‬ ‫فاتنة‪ :‬شك ًرا عىل عنايتك يا دكتور‪.‬‬ ‫الدكتور‪ :‬الدكتور رامي أوىص بك كث ًريا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬شك ًرا دكتور‪.‬‬ ‫تذهب للقاء الدكتور رامي‪.‬‬ ‫الدكتور رامي‪ :‬أنا سعي ٌد ج ًدا ِ‬ ‫أنك بخري‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬شك ًرا يا رامي‪ ،‬كيف حالك؟ ما أخبارك؟‬ ‫رامي‪ :‬جي ٌد ج ًدا ِ‬ ‫وأنت؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ممتازة‪ ،‬قل يل‪ ،‬متى سنفرح بك؟‬ ‫رامي بضيق‪ :‬ال ال أفكر بالزواج‪ ،‬فاتنة أنا‪...‬اشتقت ِ‬ ‫لك‬ ‫فاتنة‪ :‬معك حق ‪):‬‬ ‫رامي‪ِ :‬‬ ‫جامل كل يوم‪.‬‬ ‫أنت تزدادين ً‬ ‫‪64‬‬


‫رواية فــاتنة‬ ‫سام مار‬

‫فاتنة‪ :‬صحيح ‪):‬‬ ‫رامي‪ :‬وانا أحبك و‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬شك ًرا لك‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬يعني ال أمل؟‬ ‫فاتنة‪ :‬أمل يف ماذا؟‬ ‫رامي‪ :‬أن نكون م ًعا إىل األبد‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬آخر مر ٍة فكرتُ يف يش ٍء مثل هذا كان عندما قرأت سندريال‪...‬كنت صغري ًة ج ًدا وقتها‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬ال تؤمنني بالحب؟‬ ‫فاتنة‪ :‬أنا ال أؤمن بيش ٍء بدون دليلٍ منطقي‪ ،‬إمنا لو اختربت شيئًا لن أنكره‪ .‬لكنني ال أتص ّنع مشاعري‪ .‬أنت درست تاريخ‬ ‫اإلنسان بيولوج ًيا أليس كذلك؟‬ ‫رامي‪ :‬أجل‪.‬‬ ‫شخصا واح ًدا فقط يف حياته‪ ،‬رغم أنها ممكنة‪ ،‬فهي ليست قانونًا‬ ‫فاتنة‪ :‬أنت تعرف إذًا أن مسألة أن يحب اإلنسان‬ ‫ً‬ ‫مهووسا بها أو اإلثنني م ًعا مثل قيس‬ ‫مفروضا علينا اتباعه‪ .‬قد تحب امرأ ًة واحد ًة كل حياتك أو تكون‬ ‫طبيع ًيا وال شيئًا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بن امللوح مجنون ليىل‪ .‬وقد تحب الكثري من النساء‪ .‬من أين أىت قانون الحب الواحد؟ أقصد من َجعله اليشء املثايل؟‬ ‫رامي‪ :‬ال أعرف‪ ،‬لكنه الفطرة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أنا سأقول لك‪ ،‬ليس هو فطر ًة بل قصة آدم وحواء واألفكار الدينية‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬ليس صحي ًحا‪ ،‬أنا لست مقتن ًعا‪ ،‬عىل أية حال ما عالقة هذا مبوضوعنا؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ما أقصده أن عليك أن تنىس شيئًا اسمه أحب فاتنة‪ ،‬وتجد لك عالق ًة مناسبة لوضعك ومستقبلك أو عىل األقل‬ ‫هذه املرحلة من حياتك‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬كم قلبك بار ٌد يا فاتنة‪ ،‬بل متجمد! هل هذا ما فعل ِته؟ عالقة مصلحة؟‬ ‫فاتنة‪ :‬رامي‪ ،‬كصديق عليك أن تلزم حدودك‪ ،‬وإال ال داعي لهذه الصداقة! أنا مل أعدك بيشء! وال شأن لك يف عالقايت وال‬ ‫يشء يُجربين أن أب ّرر لك وليس من حقك أن تحكم عيل!‬ ‫رامي‪ :‬أنا اسف تجاوزت حدودي فعالً‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬رمبا سنستطيع أن نكون أصدقاء عندما يكون لديك عالق ٌة جديدة‪ .‬إىل ذلك الحني عالقتنا ُمعلّقة‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬ال تكوين متطرفة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬لست متطرفة بل عملية‪ .‬عىل أية حا ٍل أشكرك عىل مساعدتك يف موضوع أمي وأشكرك لتوصيتك يب يف املستشفى‪.‬‬ ‫شخص جي ٌد من حيايت لكن ثق متا ًما أنني سأكون دامئًا حازم ًة‬ ‫شخص جيد‪ .‬ال أحب أن يخرج ٌ‬ ‫أمتنى لو بقينا أصدقاء ألنك ٌ‬ ‫يف تحديد أطر العالقة‪.‬‬ ‫‪65‬‬


‫رواية فــاتنة‬ ‫سام مار‬

‫رامي‪ :‬لنبدأ من جديد‪ .‬متى ستسافرين؟‬ ‫رسمي لبضع دقائق بعد ذلك‪ ،‬ثم تو ّدعه فاتنة بلطف‪ .‬يف تلك األثناء ويف منطق ٍة أخرى من العاصمة‪.‬‬ ‫يستمر حوا ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫أبو صابر‪ :‬أُتركوين أنا مل أفعل شيئًا‪.‬‬ ‫مبنى يبدو مهجو ًرا‪ ،‬عندما يدخل يجد‬ ‫الرجال بالبدالت السوداء يستم ّرون بج ّره بدون أن يأبهوا مبا يقول‪ .‬يقتادونه إىل ً‬ ‫ورجال بالبدالت السوداء يُحيطون به أيضاً‪ .‬يدخل جميل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يوسف أخاه‬ ‫أبو صابر‪ :‬سيد جميل الحمد لله أنك هنا قل لهؤالء أن يرتكوين‪.‬‬ ‫جميل يُشري لهم برتكه ثم يقرتب من أيب صابر ويوسف ثم ينظر بعينيهام نظر ًة تجعلهام يشعران باالضطراب‪ .‬تلك النظرة‬ ‫يف الحقيقة‪ ،‬قد يكون تفسريها األمثل هو أنه هناك يش ٌء ممي ٌز دامئًا يف الرجل القوي‪ ،‬رمبا أن ليس كل أصحاب السلطة‬ ‫أيضا تلك امليزة التي تجعله‬ ‫يصلون لها بالحظ أو الظروف‪ .‬جميل‪ ،‬رغم أنه ُولد بالسلطة من والده‪ ،‬إال أنه ورث عنه ً‬ ‫يخرتق اآلخرين بعينيه‪ .‬بعد حوايل دقيق ٍة من تبادل النظرات‪ ،‬يبدأ جميل بالكالم‪:‬‬ ‫عم حدث لفاتنة؟‬ ‫جميل‪ :‬ماذا تعرفان ّ‬ ‫أبو صابر‪ :‬حادثٌ عريض ولله الحمد مل تتأذى‪ ،‬والله إنني نصحتها كث ًريا أن تتخىل عن ثيابها الفاضحة و‪...‬‬ ‫أرضا‪...‬‬ ‫يعاجله جميل بلكم ٍة تطرحه ً‬ ‫جميل‪ :‬هل أنا ٌ‬ ‫أيام من خروجك تتعرض ابنتك ملحاولة قتل!‬ ‫بكالم فارغ؟ بعد ٍ‬ ‫يل يف نظرك ليك تضيع وقتي ٍ‬ ‫معاق عق ٌ‬ ‫أقل إذا مل تقاوم؟‬ ‫محاولة قتل وليس اغتصاب فقط! أمل تعرف من أقوالها للرشطة أن الرجل قال لها أنه سيقتلها بقسو ٍة ّ‬ ‫مغتصب يطارد فتاة يف الشارع ويكرس أنف ورقبة رجلني‬ ‫الرجل مل يجدها بالصدفة بل كان يقصد قتلها! هل هناك‬ ‫ٌ‬ ‫حاوال إنقاذها ثم يستمر يف مطاردتها هكذا بال سبب؟ أنت ما تزال ح ًيا فقط ألنك والد فاتنة مع أنك ال تستحق أن‬ ‫يكون لديك ابن ٌة مثلها!‬ ‫ينظر إىل يوسف‪ :‬وأنت ماذا تعرف عن املوضوع؟‬ ‫رجل مسكني غلبان ال عالقة يل بيشء‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬يا سيدي أنا ٌ‬ ‫الرجال يُنهضون أبو صابر‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬اسمعاين جي ًدا‪ ،‬إذا حدث يش ٌء لفاتنة‪ ،‬أي يشء ولو بطريق الصدفة أو حادث‪ ،‬سأعتربكام مسؤولني عن ذلك‪.‬‬ ‫كنت به ك ُمتن ّزه بالنسبة له! وإياكام أن تعرف أنكام رأيتامين‪ .‬سأترككام هذه‬ ‫وسأرسلكم إىل مكانٍ يبدو السجن الذي َ‬ ‫املرة‪ ،‬لكنني ال أعطي أكرث من فرصة‪ .‬مفهوم؟‬ ‫أبو صابر‪ :‬والله العظيم يا سيدي فاتنة ابنتي وأحبها أكرث من نفيس‪ .‬والله يا سيدي سأفديها بروحي‪ .‬والله يا سيدي هي‬ ‫رجل متحرض وال يهمني إن خرجت ابنتي عارية!‬ ‫أصل أنا ٌ‬ ‫حر ٌة ً‬ ‫يوسف‪ :‬والله يا سيدي إنها إبنة أخي الحبيبة وإنها مثل ابنتي متا ًما ولها مكان ٌة خاصة يف قلبي‪.‬‬ ‫‪66‬‬


‫رواية فــاتنة‬ ‫سام مار‬

‫جميل‪ :‬أنتام أغبياء‪ ،‬خبثاء ج ًدا لكن أغبياء‪ ،‬هل تعرفان الفرق بني الذيك والخبيث؟‬ ‫ينظران إىل بعضهام بحرية‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬الخبيث يعرف كيف يؤذي لكن ال يعرف كيف يُصلح‪ .‬حتى عندما تريد أن تتصنع التحرض يا أبو صابر تُظهر‬ ‫جهلك به! أخرجوهام من وجهي‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬اللهم ُم ّد بعمر السيد جميل‪.‬‬ ‫اتصال مع وزير الرتبية والتعليم يأمره فيه برتتيب بعثة ماجستري لفاتنة يف البلد‬ ‫أيضا‪ .‬يُجري ً‬ ‫يه ّز جميل رأسه ويغادر هو ً‬ ‫دون أن تعرف أن له ي ًدا بها‪ .‬فاتنة يف الواقع كانت تستحق تلك البعثة لكن زميلتها يف الكلية أسامء كانت يف رأس القامئة‬ ‫بفضل وساطة ع ّمها النائب‪ .‬بعد مكاملة السيد جميل يقفز اسم فاتنة إىل رأس القامئة مر ًة أخرى‪.‬‬ ‫يُرسل جميل رسال ًة لفاتنة يسألها فيها إن كانت تريد الذهاب معه إىل منفى العشاق مبناسبة التخرج‪ ،‬تتصل به فاتنة‪.‬‬ ‫قمت بالتقديم لكل يش ٍء‬ ‫فاتنة‪ :‬جميل كيف حالك اشتقت لك! إسمع؛ أمتنى ذلك لكن هذه األيام مشغول ٌة برتتيب بعثة‪ُ .‬‬ ‫فضل الخروج منها‪.‬‬ ‫حتى بعثات هنا يف البلد لكنني أُ ِّ‬ ‫جميل‪ :‬هل تريدين أن أتدخل؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ال! آسفة نسيت مع من أتحدث! مل أكن أُملِّح ليش ٍء كنت فقط أُح ّدثك عن مشاغيل ألنك صديقي‪.‬‬ ‫صديق فقط؟‬ ‫جميل‪ :‬أنا‬ ‫ٌ‬ ‫فاتنة‪ :‬أعرف ستقول يل لدي مشكلة يف تعريف كلمة صديق‪ ،‬حسنا أنت «الصديق» كام يف اإلنجليزية وليس صديق‪.‬‬ ‫مبسوط؟‬ ‫جميل‪ :‬حقًا ؟؟؟ أنا بوي فريند؟ أخ ًريا؟‬ ‫أغي رأيي!‬ ‫فاتنة‪ :‬ال تركّز عىل املوضوع لئال ّ‬ ‫جميل والفرح يف صوته‪ :‬الطقس رائ ٌع اليوم!‬ ‫فاتنة‪ :‬أليس كذلك؟ اسمع أريد أن أراك لكن لِمسا ٍء قصري وليس رحل ًة إىل منفى العشاق‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬حسناً‪ .‬أر ِ‬ ‫اك الليلة؟‬ ‫أنت ما يُناسبك منها‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ليس الليلة لكنني سأرسل لك مواعيد فراغي واخرت َ‬ ‫جميل‪ :‬إىل اللقاء يا حبيبتي‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬إىل اللقاء‪.‬‬ ‫تكتب فاتنة يف دفرتها الرسي يف تلك الليلة‪:‬‬ ‫فعل؟ أم أنه تعلق األنثى مبن‬ ‫ما الذي أفعله! ال أعرف أين سأنتهي ومع ذلك أبدأ عالق ًة مجنونة‪ .‬هل الحب موجو ٌد ً‬ ‫يُساعدها يف وقت ضعفها؟‬ ‫‪67‬‬


‫رواية فــاتنة‬ ‫سام مار‬

‫يف ليل ٍة مظلم ٍة ج ًدا وعىل منطق ٍة حدودي ٍة جبلي ٍة منعزلة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫والكهوف نها ًرا‪ .‬لوا ُه الجوع حتى اقتات عىل الحرشات وأنهكه التعب‪.‬‬ ‫الليل ستا ًرا وينا ُم يف الحفر‬ ‫رجل يلتحف َ‬ ‫يسري ٌ‬ ‫لكن هذه ليست أول مر ٍة يف حياته يلويه فيها الجوع ويُنهكه التعب‪ .‬يف تلك الليلة مت ّر بقربه دوري ٌة حدودي ٌة تتألّف من‬ ‫اثنني من حرس الحدود يف سيارة‪ ،‬يتحدثان عن صعوبة املعيشة وقلّة الراتب ال يُلقون بالً إىل الطريق‪ .‬يرمتي ويتظاهر‬ ‫باملوت قبل أن تصله أضواء السيارة‪ .‬السائق ال يراه إال يف اللحظة األخرية‪ ،‬يحاول التوقف لكن أحد دواليب السيارة أصبح‬ ‫فوق ساقه‪ .‬يرجع العسكري بالسيارة إىل الخلف قليالً‪ .‬يرت ّجالن بال حذ ٍر ملُعاينة جثة امليت‪ ،‬فهو مل يُصدر أي ٍ‬ ‫صوت أو‬ ‫أن ٍني لصعود سيار ٍة فوق ساقه‪ .‬عندما يقلبه العسكري األول يتفاجأ بالندب عىل وجهه‪ ،‬املهلهل يعاجله برضب ٍة قاصم ٍة‬ ‫تسحق حنجرته‪ .‬قبل أن يسحب العسكري الثاين مسدسه يرمي املهلهل مسدس العسكري األول عىل وجهه وقبل أن‬ ‫يستيقظ من أثر الصدمة ينهض املهلهل عىل رجلٍ واحدة ويُطبق بيديه عىل رقبته‪ .‬العسكري يلكم ويركل لكن رضباته‬ ‫بتسم بينام يلفظ‬ ‫تهبط ضعيف ًة عىل جسد املهلهل امليلء بالعضالت املفتولة املشدودة‪ .‬يراقبه املهلهل بعينيه الغائرتني ُم ً‬ ‫أنفاسه األخرية ثم يعود ويُجهز عىل العسكري األول الذي كان ما يزال يحاول التنفس‪ .‬يكشف عن ساقه أمام ضوء‬ ‫السيارة‪ُ ،‬ي ّرر يده عليها‪ ،‬يبتسم ثم يسري مع عرج ٍة خفيفة‪ .‬يصعد إىل السيارة ويُكمل طريقه باتّجاه الحدود‪.‬‬ ‫يف أحد أحياء العاصمة الراقية‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫تعلمت أن ترقيص هكذا؟‬ ‫جميل‪ :‬من أين‬ ‫كنت يف السادسة عرشة؟‬ ‫فاتنة‪ :‬هل كانت حياتك بيت مدرسة ومدرسة بيت عندما َ‬ ‫جميل‪ :‬ال‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬كفتا ٍة عادية‪ ،‬هذه كانت حيايت‪ ،‬الرقص كان أحد طرق تفريغ طاقايت وبناء ثقتي بنفيس‪ .‬أما أنواعه فأنا من جيل‬ ‫االنرتنت التي تستطيع أن تتعلم منها أي يشء‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬لكنك تتقنينه أكرث من املُحرتفات ‪ .‬كل العيون عليك!‬ ‫فاتنة‪ :‬بل كل العيون عليك!‬ ‫جميل‪ :‬تسمحني يل بهذه الرقصة يا سيديت؟‬ ‫فاتنة تستدير وت ُك ِتف ذراعيها‪ :‬ال‪.‬‬ ‫رص‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬أنا أُ ّ‬ ‫فاتنة‪ :‬ال‪.‬‬ ‫جميل يسحبها من ذراعها ويُدير وجهها إليه‪ ،‬تبتسم فاتنة‪ :‬أقنعتني‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬تعرفني؟ إنه الحظ الجيد مل أسحبك من ذراعك املصابة‪ .‬صدقًا نسيت‪ ،‬هل ما زالت تؤملك؟‬ ‫فاتنة‪ :‬قليالً‪.‬‬ ‫‪68‬‬


‫رواية فــاتنة‬ ‫سام مار‬

‫جميل‪ :‬أنا آسف لسامع ذلك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال إنه أملٌ خفيف‪ ،‬نحتاج بعض األمل من فرت ٍة إىل أخرى‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬ملاذا؟‬ ‫فاتنة‪ :‬ليك نفرح عندما يزول‪ .‬أتعلم؟ الغني والفقري يأكالن‪ ،‬يرشبان‪ ،‬يعشقان‪ ،‬ميرضان‪ ،‬ميوتان‪ .‬يوجد فق ٌري يعيش سعي ًدا‬ ‫يوم وميوت ُمنتح ًرا‪ .‬رمبا لو ذاق بعض الحرمان لعرف معنى الراحة‪ ،‬وهكذا من مل يذُق األمل ال يُق ّدر‬ ‫وغني يتأفّف كل ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ثانوي وميكن تجاوزه‬ ‫الصحة‪ .‬طب ًعا ال أعني أن الفقر جي ٌد أو ال ِغنى يسء‪ ،‬إمنا أقصد أن كل يش ٍء بعد الصحة والحريّة‬ ‫ٌّ‬ ‫بالقناعات‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬وضعتي الصحة والحريّة يف نفس الدرجة؟‬ ‫فاتنة‪ :‬رمبا الحريّة أكرث أهمية‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬هذه عبار ٌة عاطفية‪.‬‬ ‫نقاش فلسفي‪ ،‬أمل ِ‬ ‫لست بصدد ٍ‬ ‫نأت هنا لرنقص؟‬ ‫فاتنة‪ :‬أب ًدا‪ ،‬لكنني ُ‬ ‫جميل‪ :‬لرنقص إذًا‪.‬‬ ‫بعد يومني‪:‬‬ ‫فاتنة تتصل بجميل‪ :‬جمييييل لقد قبلوين يف البعثة!‬ ‫جميل يتظاهر أنه متفاجىء‪ :‬رائع يا فاتنة! متى تبدئني؟‬ ‫سهل بوجود بعثة!‬ ‫أول؛ لكن ذلك سيكون ً‬ ‫فاتنة‪ :‬عيل أخذ تأشرية سف ٍر ً‬ ‫جميل‪ :‬سفر؟ عن أي بعث ٍة تتكلمني؟‬ ‫فاتنة‪ :‬بعث ٌة إىل الواليات املتحدة‪ ،‬مشرتك ٌة بني الحكومة والجامعة‪ ،‬أعجبتهم ورقة التقديم التي كتبتها ووافقوا عيل!‬ ‫جميل‪ :‬مربوك يا فاتنة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬جميل لدي بضعة أسابيع قبل السفر‪ ،‬أريد أن أقيض معك أكرث ٍ‬ ‫وقت ممكن‪ .‬متى أستطيع رؤيتك؟ هل ليلة الغد‬ ‫موع ٌد مناسب؟‬ ‫جميل‪ :‬سأجعله مناس ًبا ألجلك!‬ ‫فاتنة‪ :‬سأخرب أمي أنني قد أتأخر أو أقيض الليلة يف الخارج‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬يبدو أن لديك خططًا رشيرة! اىل أين تريدين أن نذهب؟‬ ‫فاتنة دون تردد‪ :‬إىل منفى العشاق!‬ ‫جميل‪ :‬السيارة ستأخذك من بيتك يف الساعة السابعة إذًا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أراك قري ًبا!‬ ‫‪69‬‬


‫رواية فــاتنة‬ ‫سام مار‬

‫جميل يغلق الخط‪...‬يرت ّدد قليالً‪...‬ثم يجري اتصالً مع الوزارة!‬ ‫جميل‪ :‬أجل‪ ،‬هذا متا ًما ما أطلبه‪ ،‬عند نهاية األسبوع أبلغوها أن املنحة ألغيت‪ .‬أبقوا لها فقط عىل املنحة املحلية‪ .‬طب ًعا‬ ‫ألي ٍ‬ ‫طرف عالق ٌة بإلغائها‪ .‬املنحة ألغيت وحسب!‬ ‫ال أريد أن تعرف أ ّن ّ‬ ‫يف الليلة التالية يلتقيان عند طائرة جميل الخاصة‪ .‬فاتنة معها حقيبة ألبسة!‬ ‫جميل بينام يُقلع بالطائرة‪ :‬غريب ٌة أنت يا فاتنة‪ ،‬أليس قضاء ٍ‬ ‫وقت م ًعا قبل الوداع يزيد األمل؟‬ ‫فاتنة‪ :‬هل زرتَ الجنة ‪ -‬عىل فرض وجودها‪ -‬يف حياتك؟‬ ‫جميل‪ :‬ال‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬لو أتيح لك زيارتها لشهر‪ ،‬هل سرتفض بحجة أنك سوف تتألّم بعد عودتك لفراقها؟‬ ‫جميل‪ :‬رمبا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أنا فضولي ٌة إىل درج ٍة كافية أن آخذ تلك املخاطرة‪ .‬وأحب الحياة إىل درج ٍة كافية ألن أستمتع بكل لحظة‪ .‬وفوق‬ ‫فحتم سنعود لها ولو بعد حني!‬ ‫ذلك‪ ،‬نحن لسنا جن ًة بال عودة‪ ،‬أي أننا لو وجدنا يف بَعضنا الجنة ً‬ ‫جميل‪ :‬منطقك رغم شدة ترابطه يُظهر أنك فتا ٌة يافعة‪ .‬الحياة ليست هكذا‪.‬‬ ‫يسأم!‬ ‫فاتنة‪ :‬اقرتب عيد ميالدك الثالثني ومن يعش ثالثني ً‬ ‫حول ال أبا لك ِ‬ ‫حول وليس ثالثني‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬البيت يقول مثانني ً‬ ‫فاتنة‪ :‬لكن كالمك يقول مثانية وتسعني‪.‬‬ ‫يبتسم جميل بينام يبدأ عملية الهبوط ‪ .‬عندما يدخالن ت ُشعل فاتنة املدفأة وتطلب مرشوبًا يحتوي ثالثة أنواع من ال َرم‬ ‫بطعم األناناس واملوز وجوز الهند مع عصري األناناس‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لحظات بينام ترشب كأسك!‬ ‫منيس يف البحر الكاريبي أيها القبطان! انتظر‬ ‫فاتنة‪ :‬أنت اآلن عىل شاطى ٍء ٍّ‬ ‫نوم أسود اللون‪ ،‬يتألّف من قطعتني‬ ‫تدخل فاتنة إىل الغرفة املجاورة مع حقيبتها‪ ،‬بعد سبع دقائق تخرج مرتدي ًة لباس ٍ‬ ‫موصولتني مبا يشبه العروق السوداء فوق بطنها وظهرها مع تنور ٍة قصري ٍة جدا ً‪ ،‬وشعرها قد تناثر عىل كتفيها‪ ،‬جل ُدها‬ ‫صف أسنانها‬ ‫مرطب برائحة الفانيال‪ ،‬أحمر شفا ٍه خفيف‪ ،‬عط ٌر‬ ‫صيفي جذاب‪ ،‬بعض الكحلة وابتسامتها الساحرة تكشف ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫اللؤلؤية‪،‬‬ ‫جميل يقرتب منها ُمرتد ًدا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ما بك يا كابنت؟ أكاد أص ّدق أن هذه أول جوالتك‪.‬‬ ‫جميل باضطراب‪ :‬فاتنة ال أنا فقط‪...‬متفاجى ٌء بعض اليشء‪ ،‬و‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬إسمع جميل‪ ،‬أنا أعرف متا ًما أنه ما من رجلٍ عىل األرض إال وسيجدين جذاب ًة هذه الليلة‪ ،‬لذلك لن أقول لك ما‬ ‫املشكلة وهل أعجبك أم ال‪ ،‬أنت تخفي شيئاً! ما هو؟‬ ‫جميل يتدارك املوقف ويبتسم‪ :‬هذه أول مر ٍة أكون فيها مع امرأ ٍة حقيقية! إنها أوىل جواليت!‬ ‫‪70‬‬


‫رواية فــاتنة‬ ‫سام مار‬

‫فاتنة مبتسمة‪ :‬ق ّبلني إذًا‪.‬‬ ‫تتمسك به وكأنه الدنيا‪،‬‬ ‫يُقبّلها جميل‪ ،‬ت ُقبّله بحب‪ ،‬ينظر يف عينيها الفاتنتني‪ ،‬ووجهها بجاذبيّته التي ال تخلو من الرباءة‪ّ .‬‬ ‫تُالعب خصالت شعره‪ ،‬تُسيِّ يديها عىل وجهه بحنان‪.‬‬ ‫‪ ‬لو كان دفرته الرسي معه اآلن لكتب‪ :‬حتى فاتنة التي أراها ال ت ُكرس‪ ،‬طفل ٌة عند الحب‪ .‬املرأة هي املرأة يف أمور القلب‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أتعرف ملاذا أردتُ أن نقيض آخر األيام كعاشقني يا جميل؟‬ ‫جميل‪ :‬ملاذا؟‬ ‫فاتنة‪ :‬هل قرأت لديستوفسيك؟‬ ‫جميل‪ :‬القليل‪ ،‬ملاذا؟‬ ‫لدي عىل اإلطالق‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فاتنة‪ :‬هناك عبار ٌة له رمبا هي من أكرث األقوال‬ ‫تفضيل ّ‬ ‫جميل‪ :‬ما هي؟‬ ‫فاتنة‪ :‬يقول‪ ،‬أن أفضل لحظ ٍة للتعارف يف نظري هي تلك اللحظة التي تسبق الفراق!‬ ‫تعرف يا جميل؟ يف العالقات بني الرجل واملرأة‪ ،‬طاملا يوجد فائد ٌة متبادلة‪ ،‬مستحيل أن تعرف إذا كان الحب موجو ًدا‪.‬‬ ‫عندما تزول الفائدة املتبادلة‪ ،‬وأشمل موقف لذلك هو الفراق‪ ،‬يظهر الحب الحقيقي‪ ،‬أو الكره‪ ،‬يظهر معدن اإلنسان‪.‬‬ ‫ظللت وف ًيا عىل حبك يل حتى وأنت تعرف أنني مزمع ٌة أن أسافر إىل اآلن أي حصويل عىل البعثة‪ ،‬قررتُ ّأل‬ ‫لذلك وألنك‬ ‫َ‬ ‫بحب بعضنا‪.‬‬ ‫أض ّيع وقتًا أكرث‪ .‬أريد أن أفعل كل يش ٍء معك ونشعر ّ‬ ‫تحم ّر عني جميل وكأنه سيدمع بينام تتحدث فاتنة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬جميل! هل كالمي غري مقنع؟ آسفة إن كان رومانسيًا أكرث من الالزم رمبا إن‪...‬‬ ‫مم تظنني‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬ال‪...‬بل مقن ٌع أكرث ّ‬ ‫فاتنة‪ :‬إذًا ملاذا تكاد تدمع؟‬ ‫جميل‪ :‬أنا ال أستحقك يا فاتنة‬ ‫فاتنة‪ :‬توقف أنت وتواضعك!‬ ‫لست متواض ًعا عىل اإلطالق‪ .‬لكنني حقًا ال أستحقك‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬أنا ُ‬ ‫رجل جائ ٌع جدا ً‪ ،‬يحتاج طعا ًما قبل أن يقطع‬ ‫بينام يحدث ذلك داخل البيت‪ ،‬حول البحرية تسري سيارة حرس حدود‪ ،‬فيها ٌ‬ ‫الحدود من هذا الجبل املنعزل إىل البلد املجاور‪ .‬لقد رأى البيت لكنه مل يجد طريق ًة للوصول إليه‪...‬إىل اآلن!‬ ‫أما يف بيت أبو صابر‪...‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬أكاد أفقد عقيل يا يوسف‪ .‬كيف يذلّني ذلك الولد ومينعني من التعرض البنتي!‬ ‫‪71‬‬


‫رواية فــاتنة‬ ‫سام مار‬

‫انس فاتنة اعتربها ليست ابنتك ت ّربأ منها‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬نحن لسنا ً‬ ‫أهل لهكذا مواجهات‪ .‬إحمد الله أنك مل تعد اىل السجن‪َ .‬‬ ‫أبو صابر‪ :‬لكنها أذلّتني وتس ّببت بسجني وإهانتي ولطّخت سمعتي!‬ ‫يوسف‪ :‬برصاحة أنا ال أريد أن أكسب سخط السيد رفيق أو ابنه‪ .‬هي ابنتك ومشكلتك أنت‪.‬‬ ‫كنت ع ّمها ومسؤولً عنها وعن رشفها! واآلن ال عالقة لك؟‬ ‫أبو صابر‪ :‬عندما كنا سنقبض املهر َ‬ ‫يوسف‪ :‬تأ ّخر الوقت‪ ،‬تصبح عىل خري‪.‬‬ ‫يف منفى العشاق‪...‬‬ ‫أحزنت قلبي يا جميل‬ ‫فاتنة‪ :‬لقد‬ ‫َ‬ ‫جميل‪ :‬ألنني قلت ال أستحقك؟‬ ‫فاتنة‪ :‬مل أتوقع ذلك منك‪ ،‬املرأة التي تكون مع رجلٍ تراه ال يستحقها ال تحرتم نفسها‪ ،‬أما ألرجل الذي يرى نفسه ال‬ ‫ٍ‬ ‫كنت أنت تقول ذلك‬ ‫يستحق املرأة التي يحبها فسيظل يحاول إثبات نفسه لها‪ ،‬ويف‬ ‫حاالت أسوأ اإلنزال من قيمتها‪ .‬إذا َ‬ ‫فمن الرجل الذي أستطيع أن أكون عىل طبيعتي معه إذًا؟‬ ‫خجل‪ ،‬لكنني سأصلحه‪ ،‬وعندها سأستحقك‪ .‬اتفقنا؟‬ ‫فعلت شيئا ُم ً‬ ‫جميل‪ :‬ال أعرف ماذا أقول‪ .‬إسمعي‪ ،‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫فاتنة‪ :‬ال‪ ،‬عليك مبراضايت اآلن‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬كيف؟‬ ‫فاتنة مبتسمة‪ :‬بخمرة الروح ‪):‬‬ ‫يُق ّبلها جميل ويتبادالن القُبل أكرث وأكرث‪...‬‬ ‫يف الخارج ما زال الرجل يتج ّول بسيارة حرس الحدود حول البحرية‪ .‬يجد كو ًخا عىل ساحلها‪ .‬يبدو أنه كو ٌخ للطوارىء‬ ‫قارب صغري!‬ ‫كون البيت ُمنعزل‪ .‬يرت ّجل ويخلع الباب بركل ٍة من قدمه‪ .‬أول يشء يقع برصه عليه هو ٌ‬ ‫يف البيت جميل يحمل فاتنة إىل الرسير‪ ،‬ويبدأ بخلع ثيابها‪ ،‬ثم يغرقان يف بحور لذة الحب والغرام‪ ...‬‬ ‫يف ساعات الصباح األوىل تستيقظ فاتنة وتفتح باب الغرفة‪ ...‬لتجد املهلهل بوجهه امليلء بالندب أمامها مبارشةً! تبدأ‬ ‫بالركض من غرف ٍة إىل غرفة لكن املهلهل يخرتق الجدران‪ ،‬جميل يحاول املساعدة ويقفز عىل ظهر املهلهل‪ ،‬يرميه املهلهل‬ ‫مسدسا‪ ،‬تو ّجهه عىل املهلهل وتضغط الزناد‪ ،‬كلام أطلقت النار‬ ‫أرضا ويرصعه بكرس رقبته تحت قدميه‪ ،‬فاتنة تجد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪...‬تستسلم‪...‬يسك املهلهل رقبتها ويبدأ‬ ‫يدب يف أوصالها‬ ‫ُ‬ ‫خرجت نسخ ٌة جديد ٌة من املهلهل من مكعب الزجاج! اليأس ُّ‬ ‫بخنقها ٍ‬ ‫بيد واحدة ‪...‬تحاول أن ترصخ جميييييييل‪...‬‬ ‫يتبـــ؏ يف العدد القــاد ‪...‬‬ ‫‪72‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلّة امللحدين العرب مجل ٌة رقمي ٌة مبني ٌة‬ ‫ج ٍه سياسي؛‬ ‫ي تو ّ‬ ‫بجهودٍ فردي ٍة؛ وال تتبنّى أ ّ‬ ‫هدفها نشر أفكار امللحدين على اختالف‬ ‫جهاتهم وانتماءاتهم بحرّي ٍة كامل ٍة‪.‬‬ ‫تو ّ‬ ‫املعلومات والرسومات واملواضيع املطروحة‬ ‫تُعتبر مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية‬ ‫وناحية حقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬ ‫الناشرون‬ ‫امللحدين‬ ‫والالديني‬ ‫ّ‬ ‫بالنشر ‪.‬‬

‫هم من أعضاء مجموعة مجلة‬ ‫العرب‪ ،‬أو من الك ّتاب امللحدين‬ ‫ممّن مت ّ التواصل معهم ألخذ اإلذن‬

‫العامة‪،‬‬ ‫مناف لألخالق‬ ‫ُينع نشر كل ماهو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‪.‬‬ ‫لهيئة التحرير احلق ّ في نشر ما تراه مناس ًبا‬ ‫من املواضيع املوجودة في مجموعة اجمللة على‬ ‫موضوع ضمنها يُعتبر‬ ‫ي‬ ‫الفيس بوك ‪ ،‬فنشر أ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تفويضا ً للمجلّة بنشره‪.‬‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬ ‫‪magazine@arabatheistbroadcasting.org‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.