مجلة الملحدين العرب / العدد السادس والخمسون / يوليو تموز / 2017

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫الفلسفة يف عرص‬ ‫اإلنحطاط العريب‬ ‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫العبث بعقول املرصيني‬

‫إيهاب القسطاوي‬

‫َخ ْيـبـة اإللــــــــه‬ ‫العدد السادس والخمسون من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر يوليو ‪ /‬متوز لسنة ‪2017‬‬

‫رويدة سامل‬

‫القليل‬ ‫عن األخالق‬ ‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ًّية‪،‬‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤل ّيتهم‬ ‫مبني ٌة بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫من الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫تقوم حكوماتنا بتغذية الفكر املتطرف اإلرهايب يف مناهج التعليم من‬ ‫أي هجم ٍة إرهابي ٍة من‬ ‫ِّ‬ ‫جهة‪ ،‬ث ّم تأخذ‬ ‫بالتشك والتبايك حني تحدث ُّ‬ ‫جه ٍة أخرى‪ ،‬يُعلِّمون طالبهم التكفري والحقد والكراهية والعنرصية يف‬ ‫كلّياتهم ومدارسهم وجوامعهم‪ ،‬ثم يتساءلون من أين جاءت الجامعات‬ ‫اإلرهابية؟!‬ ‫النقدي أو التساؤل‬ ‫يُد ّرسونهم بطريقة التلقني والحفظ وال مكان للفكر‬ ‫ِّ‬ ‫يف أساليبهم‪ ،‬ف ُي ِ‬ ‫أجيال خائف ًة خانع ًة ومهزوزة‪ ،‬مناهجهم‬ ‫ً‬ ‫نشؤون‬ ‫باختالف اتجاهاتها قدمي ٌة عفى عليها الزمن‪ ،‬إ ّما تاري ٌخ بائ ٌد كاذب‪ ،‬أو‬ ‫علو ٌم مشوه ٌة بنكه ٍة دينية‪ ،‬أ ّما مناهج كتب الدين‪ ،‬فح ّدث وال حرج‪.‬‬ ‫هل يحتاج تعديل املناهج إىل التفكري والرتدد بعد كل ما شهدته بالدنا‬ ‫كل الحروب التي‬ ‫وما وصلت إليه من تر ّدي يف كافة املجاالت؟ بعد ِّ‬ ‫أخذت النهكة الدينية وقصفت بأعامر مئات اآلالف‪.‬‬ ‫ما الذي تحتاجه حكوماتنا يك تق ّرر أ ّن تعديل املناهج هو رضور ٌة ُملّح ٌة‬ ‫اليوم قبل الغد؟‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫وحروب أخرى‪ ،‬وقتىل آخرين؟ إ ّن َّ‬ ‫لسنوات أخرى؟‪،‬‬ ‫هل يحتاجون‬ ‫ٍ‬ ‫حقيقي وصارم‪ ،‬ولجا ٌن متخصص ٌة من ذوي‬ ‫ما يتطلبه األمر هو قرا ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫الكفاءات العالية وليس رجال الدين‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫رجال الدين ال عالقة لهم بالعلوم‪ ،‬وال بالتاريخ وال الجغرافيا‪ ،‬وال‬ ‫بالسياسة‪ ،‬وال باالقتصاد وال بعلم االجتامع‪ ،‬وال الفلسفة‪ ،‬وح ّبذا لو‬ ‫تُلغى مناهج الدين وتُستبدل مبناه ٍج عن األخالق واملواطنة والتفكري‬ ‫النقدي‪ ،‬وإن بقيت عليهم بتنقيحها وتلوينها وتعديلها وتأويلها حتى‬ ‫ال يخرج إرها ٌيب واح ٌد بعد دراسته لها!‬ ‫املوضوع ليس ترفًا فكريًا تناقشونه عىل طاولة العشاء‪ ،‬ال وقت لدينا‬ ‫فالبالد التي مل تسقط هي آيل ٌة للسقوط‪ ،‬تداركوا الوقت قبل أن‬ ‫تبتلعكم مزابل التاريخ‪.‬‬ ‫علّموهم كيف يكونوا أحرا ًرا‪ ،‬كيف يُفكّرون ويُبدعون وليس مباذا‬ ‫أجيال واعي ًة ال تن ّجر للقتل والتدمري بل للحياة‬ ‫ً‬ ‫يفكرون‪ ،‬اخلقوا‬ ‫كل العجائز الذين‬ ‫واملحبة واإلنسانية‪ ،‬وح ّبذا لو يصدر قرا ٌر بإعفاء ّ‬ ‫كل‬ ‫أثقلت مؤخراتهم املقاعد الحكومية من مناصبهم‪ ،‬الذين يعطّلون ّ‬ ‫تقدم ويعتقدون أنّهم يعرفون ما هو أصلح للشباب‪ ،‬واستبدلوهم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مثقف يعرف ما يريده أبناء جيله ويواكب التطور‪ ،‬وبدالً‬ ‫واعي‬ ‫ٍ‬ ‫بشباب ٍ‬ ‫من إنشاء املزيد من الجوامع ورصف املاليني عليها أنفقوا تلك املبالغ‬ ‫يف مشاريع مفيدة كاملستشفيات واملدارس ومراكز البحث العلمي‪،‬‬ ‫ومؤسساته قدر اإلمكان‪ ،‬كلّام ح ّجمتموهم‬ ‫ح ّجموا الدين ورجاله‬ ‫ّ‬

‫‪2‬‬

‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬

‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫شادي سليمي‬ ‫‪RoRo Evil-Girl‬‬

‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Antoine Tannous‬‬ ‫‪X. AHTOHOB‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫‪Liza Paloulian‬‬ ‫‪A Koder‬‬ ‫‪Romario Gamal‬‬ ‫‪Teky Mikky‬‬ ‫ليث رواندي‬

‫كلّام أصبحت بالدكم أفضل يف كافة النواحي‪.‬‬ ‫جفّفوا املستنقعات قبل أن تشتكوا من البعوض‬ ‫والذباب!‬ ‫تحركوا فال وقت للغد‪.‬‬

‫‪Gaia Athiest‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫الفلسفة يف عرص اإلنحطاط العريب‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪4‬‬

‫العبث بعقول املرصيني‬ ‫إيهاب القسطاوى‬

‫‪8‬‬

‫املوجة (النيوإلحادية) يف بالدنا‬ ‫الرشق أوسطية‬ ‫‪Jesus Zen‬‬

‫‪14‬‬

‫خيبة اإلله‪( ..‬قصة قصرية)‬ ‫رويدة سامل‬

‫‪18‬‬

‫قراءة يف كتاب‪ :‬هشام آدم‬ ‫املسلمون الجدد «يف نقد اإلسالم املعتدل»‬

‫‪26‬‬

‫القليل عن األخالق‬ ‫طائر حر‬

‫‪31‬‬

‫تصحيح املفاهيم‪ :‬اإللحاد مسؤول عن جرائم ‪42‬‬ ‫الشيوعية ألنهم ُملحدون!‬ ‫‪Ahmad F. Alabbasi‬‬ ‫سرية محمد بن آمنة‬ ‫ترجمة عن منشورات شاريل إيبدو‬

‫‪46‬‬

‫رواية فاتنة (الفصول األخرية)‬ ‫سام مار‬

‫‪58‬‬

‫كاريكاتور‬

‫‪68‬‬ ‫‪3‬‬


‫الفلسفة يف عرص‬ ‫االنحطاط العريب‬

‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫والتفرعات والنهائيات‪ .‬ونتج عن الفلسفة مدارس وتياراتٌ‬ ‫كربى انتقلت من املدرسة اليونانية األفالطونية إىل املدرسة‬ ‫التجريبية ألرسطو‪ ،‬حتى ظهرت مدارس فلسفي ٌة مستقل ٌة‬ ‫لها بنائها املنتظم وفالسفتها الكبار أمثال ديكارت وكانط‬ ‫ٍ‬ ‫فلسفات رشقي ٍة‬ ‫وهيغل وغريهم‪ ،‬وقد تفرعت الفلسفة إىل‬ ‫وغربي ٍة وديني ٍة تناولت دور اإلنسان يف التفكري املستقل‬ ‫وبناء املعرفة الزمكانية وتأثريات األديان والتقاليد عىل‬ ‫العقل والسلوك واألخالق‪.‬‬

‫حني نريد أن نفهم ماهي الفلسفة فإننا نذهب إىل‬ ‫اليونان‪ ،‬وحني نبحث عن معانيها ووسائلها ودورها فإننا‬ ‫نقرأ ألرسطو وأفالطون وسقراط وطاليس وغريهم الكثري‪.‬‬

‫ورغم أن الفلسفة ال ترتبط حرصيًا بالحضارة اليونانية‪ ،‬ألن‬ ‫تاريخي من الحضارات البرشية منذ انطالقها‬ ‫الفلسفة جز ٌء‬ ‫ٌّ‬ ‫بالتأمل والبحث والتفكري والسؤال‪ ،‬إال أن الفلسفة اليونانية‬ ‫لعبت الدور األكرب يف تأصيل املفهوم ورشح الغاية من‬ ‫الفلسفة باعتبارها كام قال أرسطو بأنها ترتبط مباهية‬ ‫ما يهمنا يف هذا املقال اليوم هو الفلسفة العربية ودورها‬ ‫اإلنسان التي تجعله يرغب بطبيعته يف املعرفة‪.‬‬ ‫ومآالتها وانحطاطها التاريخي الذي نشهد اليوم يف غيابها‬ ‫وقد تطورت مفاهيم الفلسفة خالل فرت ٍ‬ ‫ات تاريخي ٍة غياب اإلنسان العريب عن الفعل واإلرادة واألخالق‪.‬‬ ‫فعل كان لغياب الفلسفة دو ٌر كب ٌري يف تدمري مجتمعاتنا‬ ‫متعاقب ٍة تناولت عدة مواضيع تتعلق باملنطق والكون فهل ً‬ ‫والخالق والعقل واإلرادة الح ّرة والغاية من الحياة واملعرفة وتعطيل العقل العريب وسيادة االستبداد والوصاية الدينية؟‬ ‫وصفات الخري والرش والجامل والقبح والحقيقة بأمناطها‬ ‫املختلفة‪ .‬وقد تم تقديم هذه الصفات واملعاين والدالالت أم أن الفلسفة ال تزال ترفًا نخبويًا ميارسه كام يقال من‬ ‫منفصل عن الواقع؟‬ ‫ً‬ ‫وفقًا للمامرسة التحليلية واملنهجية النقدية يف األصول “يتفلسف” ومن يعيش‬ ‫‪4‬‬


‫الفلسفة يف عرص االنحطاط العريب‬ ‫رض فرنيس عمل يف االسترشاق حول أصول‬ ‫يقول (فيليب فال) وهو محا ٌ‬ ‫الفلسفة العربية‪“ :‬ال أستطيع أن أح ّدد تاري ًخا دقيقًا لظهور مفردة‬ ‫فلسفة‪ ،‬لكن بوسعنا أن نر ِّجح ظهورها بد ًءا من القرن الثاين للهجرة‬ ‫(القرن الثامن للميالد)‪ .‬مهام يكن من أمر‪ ،‬فاملؤكد أن كلمة فلسفة‬ ‫تعريب للكلمة اليونانية ‪ .Philosophia‬غري أن التعريب يختلف عن‬ ‫الرتجمة‪ ،‬ومن شأن هذه املسألة اللسانية أن تذكِّرنا بأنه مل يكن يف‬ ‫أصل ما يكافئ الفلسفة اليونانية‪ ،‬وهو سبب استشعار‬ ‫الثقافة العربية ً‬ ‫العرب الحاجة إىل تعريب الكلمة اليونانية مبارشةً‪ ،‬لكن يف صورة تيش‬ ‫بأصلها اليوناين‪ ،‬كام قال أبو نرص الفارايب‪ ،‬كبري فالسفة القرن الرابع‬ ‫دخيل يف العربية”‪ ،‬عىل ح ِّد‬ ‫للهجرة‪ ،‬إىل أن “اسم الفلسفة يوناين وهو ٌ‬ ‫قوله‪ .‬وهذا بالضبط ما أخذه عىل الفلسفة جميع خصومها حتى القرن‬ ‫الرابع عرش عىل األقل‪ :‬هي “دخيلة” عىل اللسان العريب بوصفه لغة‬ ‫القرآن‪ ،‬وبالتايل‪“ ،‬دخيلة” عىل الوحي نفسه”‪.‬‬ ‫رجسا من عمل الشيطان والخوض‬ ‫ولعل ما أساء إىل العقل العريب بصور ٍة كبري ٍة إىل اليوم هو تحريم الفلسفة واعتبارها ً‬ ‫فيام ال يجوز الكالم حوله‪ .‬ففي سؤا ٍل مو ّج ٍه يف موقع إسالم ويب هل الفلسفة يف اإلسالم حرا ٌم كانت اإلجابة كالتايل‪:‬‬ ‫“السلف قد حذّروا من الخوض يف الفلسفة والكالم‪ ،‬حتى قال الشافعي‪ُ :‬حكمي يف أهل الكالم أن يطاف بهم عىل العشائر‪،‬‬ ‫صل الله عليه وسلم‪ .‬والحاصل أنه ال‬ ‫رضبوا بالجريد والنعال‪ ،‬ويقال‪ :‬هذا جزاء من ترك كالم الله وكالم رسول الله ّ‬ ‫ويُ َ‬ ‫يجوز االشتغال بالفلسفة إال ملن أراد بيان ضالل‬ ‫الفالسفة مع الحذر الشديد‪ ،‬وبعد التمكن من‬ ‫العلوم الرشعية‪ ،‬والعقائد الصحيحة‪ ،‬وحتى بعد‬ ‫تحصيل كل هذا فاألسلم االبتعاد”‪.‬‬ ‫وجاء يف فتاوى اللجنة الدامئة لإلفتاء بالسعودية‪:‬‬ ‫ملسلم أن يدرس الفلسفة والقوانني‬ ‫«وال يجوز‬ ‫ٍ‬ ‫الوضعية ونحوهام‪ ،‬إذا كان ال يقوى عىل متييز‬ ‫حقها من باطلها خشية الفتنة واالنحراف عن‬ ‫الرصاط املستقيم»‪.‬‬ ‫ومل تستند فتاوي تحريم الفلسفة اليوم ومنع‬ ‫الناس من االنشغال بعلم الكالم والسؤال‬ ‫‪5‬‬


‫الفلسفة يف عرص االنحطاط العريب‬ ‫والشك والنقد إال بعد أن علّمهم كبريهم أبو حامد الغزايل الذي أعلن يف‬ ‫جواب لطبيعة الخالق‪ ،‬وقد‬ ‫كتابه “تهافت الفالسفة” فشل الفلسفة يف إيجاد ٍ‬ ‫رصح يف الكتاب‪ :‬إن الفلسفة يجب أن تبقى مواضيع اهتامماتها يف املسائل‬ ‫ّ‬ ‫القابلة للقياس واملالحظة مثل الطب والرياضيات والفلك‪ ،‬واعترب الغزايل‬ ‫محاولة الفالسفة يف إدراك يش ٍء غري قابلٍ لإلدراك بحواس اإلنسان مناف ًيا‬ ‫ملفهوم الفلسفة من األساس‪.‬‬ ‫وبهذا الكتالب‪ ،‬ورغم ر ّد ابن رشد عليه يف كتابه “تهافت التهافت”‪ ،‬إال ان‬ ‫لصوت الدين واملؤسسات الدينية صوتًا أعىل يف بقاء الفلسفة مح ّرم ٌة بشكلٍ‬ ‫كبريٍ إىل اليوم يف غالبية مجتمعاتنا العربية واإلسالمية‪ .‬فالدول التي تسمح‬ ‫بدراستها اليوم ال تق ّدمها بشكلٍ كبريٍ بل بأجزا ٍء معرفي ٍة تم أسلمتها وتحويرها‬ ‫بشكلٍ ال يُريض نهم القارئ أو الدارس مبعرفة ماهية الفلسفة ودورها العميق‬ ‫يف تأصيل املعنى والفهم واإلدراك‪.‬‬ ‫وخصوصا اإلسالم واملؤسسات الكهنوتية‪ ،‬بل ويتم قتل وسجن ونبذ‬ ‫فلامذا الفلسفة مهم ٌة اليوم؟ وملاذا تحاربها األديان‬ ‫ً‬ ‫كل من ميارسها بشكلها الجريء كام تم للحالج وابن املقفع وغريهم الكثري؟ يقول هيغل يف كتاب أصول فلسفة الحق‪:‬‬ ‫“إن مهمة الفلسفة تنحرص يف تص ّور ما هو كائن‪ ،‬ألن ما هو كائ ٌن ليس إال العقل نفسه”‪.‬‬ ‫وبهذا ينغلق الباب أمام رجال الدين يف توطني الفتاوي والنصوص الدينية مكان العقل‪ ،‬ويتم سحق اإلنسان وإغراقه‬ ‫بديل عن التفكري والنقد والشك املؤديان إىل الخلق واالبتكار واإلبداع يف مختلف مجاالته‪،‬‬ ‫بالغيبيات وامليتافيزيقيات ً‬ ‫مام يقود بالرضورة إىل التطور وفهم العالقات البرشية وتكوين املجتمعات والدول الحديثة‪ .‬ورغم أن الفلسفة ال تحل‬ ‫املشاكل‪ ،‬إلّ أن أهميتها تكمن يف عالقتها مع العلوم واإلنسان وتصويب األخطاء الناجمة عن الفوىض الفكرية التي‬ ‫يصنعها الجهل‪ .‬فالفلسفة هي األرضية لجميع العلوم التي أنشأها اإلنسان بعد حاجته إىل الحياة‪ ،‬فالنهج الفلسفي يف‬ ‫فكري يالزم‬ ‫فعل‬ ‫طرح األسئلة والشك باملسلامت واليقينيات يخلق أنشط ًة عقلي ًة تنبعث منها األفكار والنظريات‪ ،‬فهي ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫فعل منهجه التأمل‪ ،‬تجتمع فيه الدراسة الشاملة والتحليل‬ ‫جميع قضايا وجوانب الحياة الفردية واالجتامعية واإلنسانية‪ٌ ،‬‬ ‫املنطقي العميق والنقد الدقيق‪.‬‬ ‫وتواجه الفلسفة يف مجتمعاتنا العربية التي وصلت إىل قاع الحضيض يف الثقافة واألخالق واالقتصاد والجهل معضلتني‬ ‫يجب حلّهام للخروج من مأزق تحريم الفلسفة‪ .‬األوىل متعلق ٌة بنمط التلقني املوروث واألخرى مبحاربة الفلسفة من قبل‬ ‫املؤسسات الدينية ورجال الدين‪.‬‬ ‫حيث ميثل منط التلقني لغالبية الشعوب العربية دو ًرا أساس ًيا يف تشكيل املفاهيم واملعاين واملصطلحات‪ ،‬فام زالت‬ ‫مثل العلامنية دعو ًة إىل االنحالل ألنها تنادي باإللحاد‪.‬‬ ‫الفلسفة يف العقل العريب كف ًرا ألنها تتكلم عن الله‪ ،‬كام وال زالت ً‬ ‫‪6‬‬


‫الفلسفة يف عرص االنحطاط العريب‬ ‫فهذه املفاهيم موروث ٌة تلقيني ٌة مل تتعرض إىل النقاش والبحث والتحليل‪ ،‬بل تم اعتبارها هكذا بعد عقو ٍد من التوريث‬ ‫من خالل املساجد والتعليم واإلعالم‪.‬‬ ‫واملعضلة الثانية وهي األهم يف تشكيل املعنى واملفهوم بالعقل العريب وهي أن الفلسفة تشكّل خط ًرا عىل الدين وعىل‬ ‫العقائد اإلميانية‪ ،‬وأنها كث ٌري ما تؤدي دراستها إىل زعزعة اإلميان يف النفوس‪ ،‬وتبذر بذرة الشك واإللحاد‪ .‬وبهذا املنطق‬ ‫استطاع رجال الدين التأثري عىل التيارات الفكرية مبا فيها اإلسالمية‪ ،‬كام حدث مع ابن رشد وغريه‪ ،‬ملنع الفلسفة وعلم‬ ‫الكالم وما يتفرع منهام من تحليلٍ ٍ‬ ‫ونقد وتساء ٍل منطقي‪ .‬فاإلسالم إىل اليوم مل يقبل الفلسفة إال إذا كانت تؤدى إىل‬ ‫ٍ‬ ‫تشكيك يف مبادئه وأصوله ووحيه املن ّزل عىل النبي محمد‪ ،‬واألكرث من ذلك اعترب الفلسفة‬ ‫اإلميان‪ ،‬ويرفض باملقابل أي‬ ‫كام جاء يف الفتاوي من العلوم التي تؤدي إىل غضب الله ومعصيته‪.‬‬ ‫لكن ما غاب عن اإلسالم واملسلمني أن الفلسفة ال يعنيها اإلميان أو تحويل الناس إىل اإللحاد‪ ،‬فهي ليست دي ًنا وال‬ ‫ٍ‬ ‫مؤسسات فلسفي ًة قهري ًة‪ ،‬بل ت ُق ِّدم املعرفة إىل العقل وتطرح التساؤالت املنطقية‪ ،‬وتزيح غشاوة الجهل ليكون اإلنسان‬ ‫ح ًرا يف اختياره لنمط الحياة التي يرغب دون أي وصاي ٍة عليه‪ .‬فإذا كانت الفلسفة تعمقًا يف املعرفة والبحث للوصول إىل‬ ‫حقائق الحياة العليا‪ ،‬وعللها األوىل‪ ،‬أي تنظر إىل الوجود نظر ًة إجاملي ًة عام ًة‪ ،‬فإنها بالتايل األقدر عىل األخذ بيد املجتمع‬ ‫نحو الرقي والتمدن‪.‬‬ ‫لعب‬ ‫فام ت ُقدمه الفلسفة عىل املستوى الفردي‪ ،‬وعىل املستوى االجتامعي‪ ،‬وعىل املستوى اإلنساين‪ ،‬أي أنسنة اإلنسان‪َ ،‬‬ ‫توصل اإلنسان الحديث إىل قيم العدالة وحقوق اإلنسان واملساواة والعلامنية والدميقراطية بشكلها القانوين‬ ‫دو ًرا كب ًريا يف ّ‬ ‫واألخالقي‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫العبث بعقول املرصيني‬

‫إيهاب القسطاوى‬

‫رغم القفزة األخالقية الكبرية لإلنسانية يف‬ ‫الحضارة وحقوق اإلنسان‪ ،‬فال زالت حتى‬ ‫اليوم تُد َّرس للطالب بني أروقة األزهر‬ ‫بعض الكتب التي تُعلِّم ومت ّجد ما يسهم يف‬ ‫تخريج أجيا ٍل كامل ٍة من اإلرهابيني‪ ،‬ولهذا‬ ‫السبب فإنه ليس مفاجئًا أن يخرج من‬ ‫شخصيات‬ ‫رحم هذه املؤسسة بالذات‬ ‫ٌ‬ ‫قائد ٌة للفكر اإلرهايب الجهادي وعدة‬ ‫ٍ‬ ‫حركات مسلح ٍة إىل العامل‪ ،‬والتي‬ ‫سأذكر منها الشخصيات التالية‪:‬‬ ‫‪8‬‬


‫العبث بعقول‬ ‫املرصيني‬

‫إيهاب القسطاوى‬

‫محمد سامل رحال ويُ َعد املنظّر‬ ‫الجهادي األول للحركات من هذا‬ ‫النوع‪ ،‬وأبوبكر شيكاو زعيم تنظيم‬ ‫«بوكو حرام» النيجريي‪ ،‬وأبو أسامة‬ ‫املرصي قائد تنظيم والية سيناء‬ ‫املوالية لتنظيم الدولة اإلسالمية‪ ،‬وأبو‬ ‫ربيعة املرصي زعيم تنظيم القاعدة‬ ‫يف البرصة ‪ /‬العراق‪ ،‬وعبد الله عزام‪،‬‬ ‫وعبد رب الرسول سياف رئيس‬ ‫االتحاد اإلسالمي األفغاين‪ ،‬وبرهان‬ ‫الدين رباين زعيم تنظيم املجاهدين‬ ‫يف كابول‪ ،‬ومولوي قاسم حليمي أحد‬ ‫واملل عمر‬ ‫أهم أفراد حركة طالبان‪ّ ،‬‬ ‫رئيس ترشيفات‪ ،‬ومئات الدجالني‬ ‫اآلخرين كالشعراوي وعمرو خالد‬ ‫وزغلول النجار الذين قادوا عملية‬ ‫تغييب عقول املرصيني وتجريف‬ ‫وجدانهم ووعيهم الجمعي للحضارة‪.‬‬ ‫ومن بني الكتب املذكورة التي‬ ‫ت ُد َّرس‪ ،‬أسامء مثل‪ :‬كتاب «اإلقناع‬ ‫يف حل ألفاظ أيب شجاع» وكتاب‬ ‫«الرشح الصغري» وكتاب «االختيار‬ ‫لتعليل املختار»‪ ،‬وكتاب «الروض‬ ‫املربع برشح زاد املستقنع»‪ ،‬ويف‬ ‫ثناياها ما يُ ِحل أكل لحوم البرش‪،‬‬ ‫ومنها عىل سبيل الحرص أقتبس‪:‬‬ ‫‪9‬‬


‫العبث بعقول‬ ‫املرصيني‬

‫إيهاب القسطاوى‬

‫آدمي ٍ‬ ‫ميت إذا مل يجد ميت ًة غريه‪ ،‬أما إذا كان امليت‬ ‫«وللمضطر أكل ٍّ‬ ‫مسلم واملضطر كاف ًرا فإنه ال يجوز األكل منه لرشف اإلسالم»‪ .‬ويف‬ ‫ً‬ ‫الصفحات ‪ 257 - 255‬من كتاب «اإلقناع يف حل ألفاظ أيب شجاع» الذي‬ ‫يدرسه طالب األزهر اليوم فإنه يُ ِحل أكل اإلنسان لبعض جسمه وقت‬ ‫املجاعة‪ ،‬وللمسلم قتل املرتد وأكله‪ ،‬وقتل حريب حتى لو كان صغ ًريا‬ ‫أو امرأ ًة وأكلهام ألنهام غري معصومني ‪-‬حسب زعم ماهر‪ .‬ومل يتوقف‬ ‫األمر عند ذلك حيث يجوز لإلنسان أكل لحمه ح ًّيا‪ ،‬ففي الكتاب نفسه‬ ‫يقول املؤلف‪ :‬إن للمسلم لكفاية رش الكافر أن يفقأ عينه‪ ،‬أو أن يقطع‬ ‫يديه ورجليه‪.‬‬ ‫ويف كتاب «االختيار لتعليل املختار» الصفحة ‪ 366‬وتحت عنوان‬ ‫«أحكام املرتد» يقول‪« :‬وإذا ارتد املسلم يُحبس ويعرض عليه اإلسالم‪،‬‬ ‫قاتل قبل العرض ال‬ ‫وتُكشف شبهته‪ ،‬فإن أسلم وإال قتل‪ ،‬فإن قتله ٌ‬ ‫زوال‪ ،‬فإن أسلم عادت إىل حالها»‪،‬‬ ‫يشء عليه ويزول ملكه عن أمواله ً‬ ‫ويف صفحة ‪ 340‬يقول‪« :‬أما األسارى‪ ،‬أي األرسى‪ ،‬فيمشون إىل دار‬ ‫اإلسالم‪ ،‬فإن عجزوا قتل اإلمام الرجال وترك النساء والصبيان يف أرض‬ ‫مضيع ٍة حتى ميوتوا جو ًعا وعطشً ا‪ ،‬ألننا ال نقتلهم للنهي»‪ ،‬ويف كتاب‬ ‫«االختيار لتعليل املختار» والذي قام بتب ّنيه املسلمون يف البالد التي‬ ‫يفتحونها بعدم قتل الحيات والعقارب وذلك حتى يكرث نسلها فيكرث‬ ‫أذاها للكفار‪ ،‬ويف كتاب «اإلقناع يف حل ألفاظ أىب شجاع» ورد يف الصفحة ‪ 235‬ما نصه‪« :‬وألّ تُبنى كنيس ٌة يف‬ ‫اإلسالم ألن إحداث ذلك معصية‪ ،‬فال يجوز يف دار اإلسالم‪ ،‬فإن بنوا ذلك ُه ِدم‪ ،‬وال يجوز إعادة بناء كنيس ٍة قد‬ ‫انهدمت وبالذات يف مرص»‪.‬‬ ‫أنتقل اآلن إىل موضعٍ آخر وتحدي ًدا إىل الصفحات ‪ 238 - 236‬والتي جاء بها‪« :‬ويُع َرف أهل الكتاب يف ديار‬ ‫اإلسالم بلبس الغيار وشد الزنار‪ ،‬والغيار هو ما يتم ارتداؤه عىل أن تتم خياطة جز ٍء من أماكن غري معتا ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫الخياطة بها كلونٍ‬ ‫مثل‪ ،‬ألن عمر ريض الله عنه فعل ذلك كام يزعمون‪،‬‬ ‫مخالف تتم خياطته عىل الكتف ً‬ ‫ٍ‬ ‫مجلس فيه‬ ‫وي َنعون من ركوب الخيل‪ ،‬ويُل َجؤون إىل أضيق الطرق‪ ،‬وال ميشون إال أفرا ًدا متفرقني‪ ،‬وال يُوقَّرون يف‬ ‫ُ‬ ‫‪10‬‬


‫العبث بعقول‬ ‫املرصيني‬

‫إيهاب القسطاوى‬

‫مسل ٌم ألن الله تعاىل أذلهم»‪ ،‬وبالعودة لكتاب «اإلقناع» فإنه «متيز نساء املسيحيني بلبس طوق الحديد حول‬ ‫رقابهن ويلبسون إزا ًرا مخالفًا إلزار املسلامت‪ ،‬ومتيز دورهم بعالمات حتى ال مير السائل عليهم فيدعو لهم‬ ‫باملغفرة»‪ ،‬ويكرس الكتاب عمو ًما لكراهية الغري وعدم امليل لهم‪ ،‬استنا ًدا إىل ما جاء يف الصفحة ‪« :238‬مبا أن‬ ‫اإلساءة تقطع عروق املحبة فيجب اإلساءة إليهم وعدم امليل القلبي لهم‪ ،‬وقطع عروق املحبة معهم»‪.‬‬ ‫وكذلك كتاب‪« :‬الروض املربع برشح زاد املستقنع» الذي يُد َّرس‬ ‫للصف الثالث الثانوي األزهري إذ يقول يف الصفحتني ‪ 90‬و‪:91‬‬ ‫طبيب إذا مرضت‪ ،‬ألن ذلك‬ ‫«ال يلزم الزوج لزوجته دوا ًء وأجرة‬ ‫ٍ‬ ‫طبيب‬ ‫ليس من حاجتها الرضورية املعتادة‪ ،‬وكذا ال يلزمه مثن‬ ‫ٍ‬ ‫وخضاب ونحوه‪ ،‬وإن أراد منها تزيي ًنا أو قطع رائح ٍة‬ ‫وحنا ٍء‬ ‫ٍ‬ ‫كريه ٍة وأىت به لزمها»‪ ،‬ويف كتاب «االختيار لتعليل املختار»‬ ‫الصفحة ‪ ،171‬يقول املؤلف‪« :‬وال نفقة عىل من تم اغتصابها»‪،‬‬ ‫فيجوز إجبارها عىل الزواج‪.‬‬ ‫ويف كتاب «اإلقناع يف حل ألفاظ أىب شجاع» ورد يف الصفحتني‬ ‫‪ 430‬و ‪« :432‬أن النساء عىل رضبني‪ :‬ثيباتٌ وأبكار‪ ،‬فالبكر‬ ‫يجوز لألب والجد إجبارها عىل النكاح‪ ،‬والثيب ال يجوز‬ ‫تزويجها إال بعد بلوغها وإذنها»‪،‬‬ ‫بصوم أو حج‪،‬‬ ‫ظلم أو نشزت أو تطوعت بال إذنه ٍ‬ ‫ويف أحكام النفقة جاء يف نفس الكتاب‪« :‬ومن ُحب َِست ولو ً‬ ‫ميت غ ّرمها‬ ‫أو سافرت لحاجتها ولو بإذنه سقطت نفقتها‪ ،‬وإن أنفقت الزوجة يف غيبة الزوج من مال‪ ،‬فبان أنه ٌ‬ ‫الوارث النقطاع وجوب النفقة بعد موت الزوج»‪،‬‬ ‫ونصه‪« :‬لو استأجر الرجل املسلم امرأ ًة ليزين بها وزىن بها‪ ،‬أو وطأ‬ ‫ويف كتاب «االختيار» ما ميثل إهان ًة لإلنسان‪ّ ،‬‬ ‫أجنبي ًة فيام دون الفرج‪ ،‬أو ال َط فال حد عليه ويُع َّزر»‪ ،‬وذلك يف الصفحة ‪ ،250‬ويف الصفحة ‪ :252‬الزنا يف دار‬ ‫ِب الح ّد‪ ،‬ويف كتاب «الروض املربع يف زاد املستقنع»‪ :‬دم املرأة وحياتها أرخص من دم‬ ‫الحرب والبغاء ال يوج ُ‬ ‫الرجل وحياته‪ ،‬فـ«دية املرأة نصف دية الرجل‪ ،‬وال تغليظ إال يف اإلبل‪ ،‬ودية الذ ّمي عرش دية املسلم وليسا‬ ‫سواء»‪.‬‬ ‫‪11‬‬


‫العبث بعقول‬ ‫املرصيني‬

‫إيهاب القسطاوى‬

‫غاصب فال نفقة لها‪ ،‬ولو ُسلِّمت له مريض ًة فال نفقة لها»‪ :‬أي أن‬ ‫وجاء يف موضعٍ آخر‪ ،‬ص‪« :171‬من غصبها‬ ‫ٌ‬ ‫املرأة التي يتم هتك رشفها عنو ًة ال يرصف لها الزوج نفق ًة‪ ،‬وكذلك املرأة التي مترض ال نفقة لها عند الطالق‪ ،‬ويف‬ ‫كتاب «االختيار لتعليل املختار» املقرر عىل طلبة الصف الثالث الثانوي بد ًء من ص‪ 152‬عن باب الع ّدة‪ ،‬جاء‬ ‫أن‪« :‬عدة ال ُح ّرة يف الطالق بعد الدخول ثالث حيضات‪ ،‬والصغرية اآليسة ثالثة أشهر‪ ،‬وعدتهن يف الوفاة أربعة‬ ‫أشه ٍر وعرشة أيام‪ ،‬وعدة األَ َمة يف الطالق حيضتان‪ ،‬ويف الصغر واإلياس شه ٌر ونصف‪ ،‬وعدتها يف الوفاة شهران‬ ‫وخمسة أيام‪ ،‬وال عدة عىل الذ ّمية يف طالق الذ ّمي»‪.‬‬ ‫نستنتج منطق ًيا أن كل ما سبق هو ترشي ٌع للتمييز يُسهِم يف تخريج أجيا ٍل كامل ٍة من اإلرهابيني الحاقدين الذين‬ ‫ارتووا من ثقافة الكراهية وتحريم الرفاهية‪ ،‬فتأصيل فكر كراهية الدنيا إمنا هو أحد أسباب ِر ّدتِنا الحضارية‪،‬‬ ‫ومن أهم أسباب تأصيل فكرة أن الفقراء يدخلون الجنة قبل أغنيائها بـ‪1200‬عام إمنا هو فكر ترسيخ االستبداد‬ ‫والخنوع والخضوع الذي يثبط رغبة اإلنسان الفطرية يف الحرية واالزدهار‪ ،‬وحتى ال يفكر الناس يف الثورة بل‬ ‫غائب ننتظره»‪ ،‬وقد‬ ‫يلجؤون إىل الدعاء الذي يُو َّرث إىل األبناء باستمرار‪ ،‬عىل غرار «اللهم اجعل املوت خري ٍ‬ ‫جعلت فكرة االعتزاز باملوت يف سبيل الله من طالب األزهر أبطالً يف نظر باقي متّبعي هذا املنهج‪ ،‬حيث‬ ‫ِ‬ ‫سيلتحقون ب َوكر امللذات الذي يشغل بالَهم والذي سيلتقون فيه بالحور العني التي‬ ‫يؤمنون بكل ثق ٍة أنهم‬ ‫وعدهم بها رجال الدين‪.‬‬

‫ٕاﺪﺪاد وﺗﻘﺪﱘ‬

‫ﺣﺎﻣﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺼﻤﺪ‬ ‫‪HAMED.TV‬‬

‫‪12‬‬

‫‪FB.ME/BOXOFISLAM‬‬


13


‫املوجة (النيوإلحادية)‬ ‫يف بالدنا الرشق أوسطية‬ ‫هل يصبح امللحد ملح ًدا ألنه اكتشف فجأ ًة‬ ‫أن ِ‬ ‫خاطئ أو بسبب املامرسات‬ ‫الدين‬ ‫ٌ‬ ‫الشاذة للدين؟‬ ‫لست هنا ألتكلم عن دو ٍل‬ ‫ٍ‬ ‫ومجتمعات ال أعيش فيها‪ ،‬ولكني‬ ‫قليل أن أعتمد مبدأ‬ ‫أستطيع ً‬ ‫املقارنة والقياس بني مجتمعي‬ ‫مثل وباقي الدول‬ ‫السوري ً‬ ‫األخرى التي يشابه‬ ‫قليل وضع‬ ‫وضعها ولو ً‬ ‫سوريا مثل مرص أو‬ ‫اليمن‪.‬‬

‫‪Jesus Zen‬‬ ‫‪14‬‬


‫املوجة (النيوإلحادية)‬ ‫يف بالدنا الرشق أوسطية‬

‫‪Jesus Zen‬‬

‫هل أن حكم اإلخوان ومامرسات داعش‬ ‫وأخواتها هي من ولدت اإللحادية الجديدة‬ ‫التي نراها باملجتمع‪ ،‬قد انترشت بشكلٍ‬ ‫فعل عن أوقات األمن والسالم إ ْن‬ ‫يختلف ً‬ ‫أردنا أن نصف تلك األوقات بهذه الصفة؟‬ ‫أو أ ّن الجيل الجديد الشاب أصبح أوعى من‬ ‫سابقيه بسبب وسائل التواصل االجتامعي؟‬ ‫قليل بظاهر ٍة حقًا تستحق الدراسة‪ .‬ببساطة‪ ،‬اإللحاد ليس وض ًعا‬ ‫لست هنا يف مكان النقد‪ ،‬إمنا يف مكان التحليل والتفكري ً‬ ‫يأيت فجأ ًة برأيي‪ ،‬بل هو نتيج ٌة طبيعي ٌة لشخصي ٍة قلقل ٍة مل تحصل عىل اإلجابات من البيئة التي تعيش فيها‪ ،‬وهنا كلمة‬ ‫قلق ٍة ليست مسب ًة أو ذ ًما‪ ،‬بل توضي ًحا لحال ٍة مستمر ٍة م ْن طرح األسئلة عىل الذات‪ ،‬تبدأ من اللحظة التي يعي فيها‬ ‫اإلنسان ذاته وشخصيته يف املجتمع‪ ،‬أي بني السنتني الثانية عرش والخامسة عرش من عمره‪ ،‬أي فرتة املراهقة إن أحببنا‬ ‫أن نقول‪.‬‬ ‫لن تكون ملح ًدا إن كنت شخصي ًة تبعي ًة أو انهزامي ًة وهذه من مالحظايت وليست إحصائي ًة دقيق ًة‪ .‬من املمكن أن تكون‬ ‫علامن ًيا أو أن ترث اإللحاد عن والديك وهنا ستكون مثل املتدينني‪ .‬ولكن أن تكون ملح ًدا فهذا يعني التفكري والبحث‪،‬‬ ‫وعىل األقل السؤال والجرأة عىل طرح األسئلة‪ ،‬هذه األسئلة التي يطرحها كل إنسانٍ منذ بدء الوجود‪ ،‬فلسنا الوحيدين‬ ‫الذين فكّرنا وتساءلنا كيف بدأ الكون أو ملاذا نحن هنا أو متى سنموت‪.‬‬ ‫نحن يف املجتمعات العربية أو الرشق أوسطية من خلقْنا الله وليس العكس‪ ،‬لذلك سيكون ببساط ٍة الجواب ألي‬ ‫ٍ‬ ‫وغامض نطرحه هو الله‪.‬‬ ‫صعب‬ ‫استفسا ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫بنسب مختلف ٍة‬ ‫جاء الربيع العريب واإلنرتنت وبانتشارها الواسع أصبحنا أَمام جيلٍ ما‪ ،‬متطرفًا أو ملح ًدا أو ال يعرف‪ ،‬ولكن‬ ‫ٍ‬ ‫بجدار ٍة عن نسب ما قبل الربيع العريب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بتنظيامت مسلح ٍة أو سياسي ٍة أو اجتامعي ٍة أو اقتصادية‪،‬‬ ‫صار الدين اإلسالمي يف بالدنا أقوى‪ ،‬ومتكن من تدعيم نفسه‬ ‫وأكرب وأنجح مثا ٍل لدينا طب ًعا هو تركيا وإيران‪ ،‬وحتى إرسائيل التي نشأت بشكلٍ أو بآخر عىل مبدأٍ علام ٍّين أصبحت‬ ‫دول ًة يهودي ًة‪ ،‬وحتى الغرب أصبح ميارس االضطهاد الديني أحيانًا‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫املوجة (النيوإلحادية)‬ ‫يف بالدنا الرشق أوسطية‬

‫‪Jesus Zen‬‬

‫ما يهمنا هنا هو الجيل الجديد وتوجهه نحو اإللحاد؛ هل ت ُعترب تجربة اإلخوان املسلمني أو طريقة حكمهم أو املآيس‬ ‫التي سببها الدين سب ًبا كاف ًيا لإللحاد؟‬ ‫قوي وجبا ٍر‬ ‫برأيي هذا غري كاف‪ ،‬وامللحد الذي يجادل فقط بترصفات املتدينني أو أتباع الدين هو ملح ٌد ضعيف‪ ،‬فكل ٍّ‬ ‫فاشل أصبح كدين عبادة الرئيس‪.‬‬ ‫عرب التاريخ سيتبع نفس املنهج‪ ،‬وما زالت كوريا الشاملية منوذ ًجا إلحاديًا ً‬ ‫إلحادي إن‬ ‫فعل لها دو ٌر ولكن مقابل كل مقا ٍل‬ ‫هل وسائل التواصل االجتامعي ساهمت يف نرش الثقافة اإللحادية؟ ً‬ ‫ٍّ‬ ‫أحببت أن تسميه‪ ،‬هناك اآلالف من التزويرات الدينية املضادة‪ .‬وانتشار موضوع سودوساينس (العلم املزيف) أصبح‬ ‫أسهل والتزوير أصبح أكرث عرض ًة ألن يصبح حقيق ًة‪.‬‬ ‫هنا نعود لنقطة البداية‪ ،‬امللحد الذي يبحث بنفسه ويستمع للجميع ويدرس ويفكر هو من سيبقى ملح ًدا‪ ،‬أما هؤالء‬ ‫الذين تركوا الدين برسع ٍة أو كنتيج ٍة لوضعٍ معني‪ ،‬ال نعرف ماذا يخبئ لهم املستقبل‪ .‬رمبا سيحدث لهم ما حدث‬ ‫للشيوعيني السابقني الذين سقطت شيوعيتهم مع سقوط االتحاد السوفييتي‪ ،‬وأصبحنا نراهم بكل مكان‪ ،‬أحيانًا منظّرين‬ ‫علامنيني بأحسن األحوال‪ ،‬أو حتى رجال دين‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وأموال وفري ٌة ومكاسب اجتامعي ٌة رمبا تكون مفقود ًة حال ًيا‪.‬‬ ‫الردة املعاكسة من اإللحاد للدين لها مغرياتٌ كثري ٌة‬ ‫عم يحدث‪،‬‬ ‫وبسبب الحرب عىل اإلرهاب‪ ،‬وتداعيات الوضع العاملي املتفجر‪ ،‬فالعامل يُح ّمل اإلسالم املسؤولية الكربى ّ‬ ‫ولذلك ترى الكثري من املسلمني يحاولون التهرب من هذه التهمة‪ .‬قد يكون هذا هو السبب وراء اإللحاد الحديث أو‬ ‫النيوإلحادية كام أُ ِحب أن أسميها تشبي ًها بالنيوليربالية‪.‬‬ ‫قليل‪،‬‬ ‫رمبا حقًا يجب أن نتمعن يف العلم ً‬ ‫ونحاول نحن امللحدون نرش رسالتنا‬ ‫اإللحادية‪ ،‬ألننا ببساط ٍة ال نواجه أفرا ًدا‪ ،‬بل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وتنظيامت قدمي ًة‬ ‫ومجتمعات‬ ‫(لوب ّيات)‬ ‫متجذر ًة مستمر ًة وصاحبة نفوذ‪ .‬رمبا علينا‬ ‫حقًا أن نعترب اإللحاد رسال ًة ويجب أن تنترش‪،‬‬ ‫فالبرشية يف مرحلة الحرية والدميقراطية‪،‬‬ ‫ولكن من املالحظ أنها ستعاين الكثري من بقايا‬ ‫الهمج واملغول الجدد‪.‬‬ ‫‪16‬‬


http://www.thelandofsands.blogspot.com

17


‫خيبة اإلله‪..‬‬ ‫رويدة سامل‬

‫‪18‬‬


‫خيبة اإلله‪..‬‬ ‫رويدة سامل‬

‫كانت أمسي ًة ُممطرة‪ .‬أخذين كتاب (دين اإلنسان)‬ ‫الس ّواح إىل عوامل روحي ٍة سحري ٍة وتركني معلّق ًة‬ ‫لفراس َ‬ ‫روحي ينساب ما بني‬ ‫بني الحقيقة والخيال‪ .‬لفّـني دف ٌء‬ ‫ٌ‬ ‫السطور التي بدت باهت ًة‪ .‬سقط الكتاب من يدي وتثاقلت‬ ‫جفوين وغامت الدنيا ومل يبقى إالّ صدى قطرات املطر‬ ‫برفق زجاج نافذيت املغلقة‪ ،‬يف حني ارتسم يل يف‬ ‫ترشق ٍ‬ ‫رحيم مح ًّبا باسطًا‬ ‫األفق الرحب الالمتناهي وجه اإللــه ً‬ ‫باسم حنونًا يش ّع قو ًة سحري ًة يف‬ ‫ذراعيه الحتضاين‪ .‬كان ً‬ ‫كل يشء‪ ،‬باعثًا الحياة واألمل والثقة يف الغد‪ ،‬والطأمنينة‬ ‫والسكينة والتسليم يف نفوس البسطاء واألبرياء الذين‬ ‫مل تطلهم أدران التعصب واألديان‪ .‬ازداد الوجه القُديس‬ ‫اتسا ًعا حتّى غزى الكون نو ًرا ثم تالىش ببط ٍء كظهوره‬ ‫املفاجئ‪.‬‬ ‫ناجيتُ ُه‪ ...‬وصحت أن ُعد إ ّيل فإين أفتقدك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫جديد يغ ّديه الشوق‬ ‫طال غيابك ع ّني وقد أدمنتك وأدمنت السكون إليك‪ ،‬والحديث الذي ال ينتهي معك إال ليبدأ من‬ ‫لألبد والرغبة يف االنصهار يف املطلق‪ُ ،‬خذ بيدي إن التيه والشك َع َبثَا بروحي‪.‬‬ ‫لكنه مل يظهر وهو من تع ّود زياريت ورفقتي‪.‬‬ ‫رب ألين مسكون ٌة بالشك وتجرأتُ عىل النظر يف وجهه مبارش ًة دون أن ّ‬ ‫ترف عيني!؟‬ ‫أتُراه الفراق النهايئ بيني وبني ّ‬ ‫أم هو خجل ُه من عجز عن إصالح أوضاع البرش رغم آالف األنبياء وال ُر ُسل الذين ادعوا أنه أرسلهم وحاولوا أو ادعوا‬ ‫اإلصالح فزادوا البرشية شقا ًء؟‬ ‫قديس تنساب من بني أضلعي مخلّف ًة ما يشبه املرارة يف حلقي‪ ،‬ففاضت‬ ‫بعبق‬ ‫شعرت باللذة التي كانت تغمر روحي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عيوين دمو ًعا حا ّرةً‪.‬‬ ‫ َر ّب كام ساعدت البرش عىل العبور فوق الزمن منذ العصور الحجرية‪ ،‬ساعدين يف زمن العلم والتكنولوجيا عىل فهم كُ ْنه‬‫األشياء‪ ،‬فالتفاسري املادية املج ّردة قاسي ٌة عىل العامة والبسطاء واألطفال عىل ٍ‬ ‫حد ســواء‪.‬‬ ‫رفعت رأيس حني ارتفع صدى الطَ ْرق عىل النافذة‪ ،‬ابتسمت َج ِذل ًة فحبيبي لن يرتكني بل يتمسك يب وها أنا يدعوين اليه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪19‬‬


‫خيبة اإلله‪..‬‬ ‫رويدة سامل‬

‫إنه رسوله من ينتظرين‪.‬‬ ‫يل وال ُحلل قَ َد ٌر ال محدو ٌد وعىل ِ‬ ‫مرصع بال ُد ّر والجوهر‪.‬‬ ‫تاج ّ‬ ‫ٌ‬ ‫رأس ِه ٌ‬ ‫شخص عليه من الح ّ‬ ‫ِيائيل أو غَابْرِي ْآل) النصوص واألساطري‪.‬‬ ‫رسوله ليس سوى (غَابْر ْ‬ ‫يتجسـد يف صورة الصحايب جميل الهيئة‬ ‫أنه حامل البشارة الذي كلّم األنبياء وكلّم مريم أخت هارون‪ .‬إنه جربائيل الذي َ‬ ‫( ِدحيَة الكَلبي) ليُعلِّم املسلمني أمور دينهم‪.‬‬ ‫أنه املالك النوراين ذو الست مائة جناح‪ ،‬القوي الذي اقتلع َمدائن قوم ٍ‬ ‫السفىل فحملها عىل جناحه‬ ‫لوط من األرض ُ‬ ‫ورفعها إىل السامء حتى سمع أهل السامء نباح كالبهم وصياح ِديَكتهم ثم قَلَبها‪.‬‬ ‫هو من قال‪ :‬األنبياء واملصطَفني أنه نقل إليهم كالم اإلله نصوصه املقدسة‪.‬‬ ‫اعي فبدا يل مهمو ًما حزي ًنا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أرسعت إليه شارع ًة ذر ّ‬ ‫سألته‪ :‬فأشار أن أَ ْركب خلفه عىل الرباق‪.‬‬ ‫مل يتكلم رسول العجوز ألنه قَطع لسانه بعد أن أرسف بعض البرش‬ ‫يف نسب ما مل يقله أب ًدا اليه‪ ،‬وتحميله ثقل جرامئهم وأهوائهم‬ ‫املريضة باالستناد لنصوص كُتُبهم التي ألّفَها وزاد عليها أحبارهم‬ ‫ورجال دينهم ملصالحهم الشخصية‪.‬‬ ‫تلك النصوص التي استباحوا فيها دماء اآلخرين العاجزين األبرياء‬ ‫وال ُع ّزل واستحلوا رشفهم وممتلكاتهم وحرياتهم‪.‬‬ ‫لست أذكر منذ متى رصتُ ندمية العجوز‪ ،‬رمبا ألين مل أعرب إىل سن الرشد الذي ي ّدعي البرش أنهم ميتلكون فيه املعرفة‬ ‫ُ‬ ‫املطلقة وبقَيت طفل ًة تائه ًة يف وحديت‪.‬‬ ‫رمبا شعر باألمل ألن معانايت مل تكن أب ًدا لحكم ٍة ربّاني ٍة كام ي ّدعي امل ُـنظّرون باسمه‪ ،‬ورمبا ألين أُذكِّره مبواقف البرش منه يف‬ ‫طفل يحبو يف الكهوف برسومها الرائعة وال ُدمى (العشتارية) املقدسة‪ .‬يبدو أن العجوز‬ ‫فجر التاريخ عندما كان ال يزال ً‬ ‫الذي أنهكتْ ُه رحلته مع اإلنسان يُريدين أنا الطفلة املشاكسة الربيئة كثرية التساؤالت ألم ٍر َجلَلٍ مل يعد ينفع فيه غري براءة‬ ‫األطفال‪.‬‬ ‫‪20‬‬


‫خيبة اإلله‪..‬‬ ‫رويدة سامل‬

‫طار بنا الحصان اإللهي األسطوري الخارق لكل القوانني الفيزيائية عرب الساموات السبع املفتوحة األبواب‪ ،‬برسعة الربق‪.‬‬ ‫ردد املالئكة امل ُـكلَّفني بفتح األبواب احتفا ًء بقدومي‪:‬‬ ‫ «لقد َو َصل َْت وسيضحك الرب يف النهاية‪ ،‬ستب َعث الفرح بنفسه املر َهقة وستمسح عنه أدران البرش»‪.‬‬‫وعند ِسدرة املـُنتهى تر ّجلنا فانسحب الرباق‪ .‬تأملتُه يف عامله القديس النوراين فبدا يل غري ًبا‪ .‬كان صور ًة مش ّوه ًة من العامل‬ ‫املادي للبرش رسمه البدايئ عىل كهوفه ويف أساطريه يف شطحات خياله األشد جنو ًحا‪.‬‬ ‫منسوج بقضبان‬ ‫آدمي وجسده كجسد الفرس‪ُ .‬عرفُه من اللؤلؤ الرطب‬ ‫ٌ‬ ‫كان حيوانًا فوق الحامر ودون البغل‪ ،‬له وج ٌه ٌّ‬ ‫جل‬ ‫ري يوقد لهام شعا ٌع كشعاع الشمس‪ ،‬عليه ٌّ‬ ‫الياقوت‪ ،‬يلمع بالنور وأُذناه من ال ُزم ّرد األخرض وعيناه مثل‬ ‫ٍ‬ ‫كوكب ُد ٍّ‬ ‫مرصع بال ُد ّر والجوهر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ «يا لخيال البرش! كيف يفرضون عىل اآلخرين اإلميان مبثل هذه الكائنات‬‫األسطورية والتصديق بوجودها»؟‬ ‫لكن ّأن يل أن أنكر وجوده وقد امتطيته وطار يب ُمحلقًا يف الفضاء (عف ًوا يف‬ ‫الساموات السبع) بأبوابها ومالئكتها وقصورها؟‬ ‫َوج ْدت ُني فجأ ًة وجربائيل (الذي أختار ال ُبكْم) وحدنا وقد خال املكان عىل غري‬ ‫عادته ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بصمت وسط السكون املطبق‪...‬‬ ‫فسنا‬ ‫الحزن الذي يُخ ِّيم عىل الحرم اإللهي القديس ينساب إىل أعامق كل األشياء وكل‬ ‫ٍ‬ ‫وهمهامت مكبوت ًة موجع ًة‪...‬‬ ‫الكائنات فيرتدد نشي ًجا مؤملًا‬ ‫كانت كل األشياء تبدو ُهالمي ًة شفاف ًة باهت ًة‪ ،‬حتى النور ال َك ْوين الذي ال يرتك‬ ‫ظالل كالشمس األرضية‪ ،‬خبى لونه تعاطفًا مع الحزن العام‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫بخطوات َو ِجلَ ٍة ووقفنا أخ ًريا أمام العرش‪ ،‬ومن تحته كان البيت املعمور‬ ‫تقدمنا‬ ‫وأىس َع ّمن وجدناهم يف بيت الرضاح يف السامء‬ ‫يعج مبالئك ٍة ال ّ‬ ‫ُّ‬ ‫تقل ُحزنًا ً‬ ‫ٍ‬ ‫وصمت لحزن اإللــه‪،‬‬ ‫الرابعة‪ .‬نظرتُ إىل َح َملَة العرش فإذا هم يبكون بحرق ٍة‬ ‫‪21‬‬


‫خيبة اإلله‪..‬‬ ‫رويدة سامل‬

‫كان أحدهم عىل صورة إنسان‪ ،‬والثاين عىل صورة ثور‪ ،‬والثالث عىل صورة نرس‪ ،‬والرابع عىل صورة أسد‪ ،‬وكانت دموعهم‬ ‫تسيل أنها ًرا تكاد تُغرِق ج ّنة الرب التي وسعت الساموات السبع بكل مجراتها‪.‬‬ ‫هذا الجو الحزين الكئيب أثار َح ْييت‪.‬‬ ‫بحثت عن العجوز فإذا به غري بعيد‪ ،‬يُناجي كائ ًنا يبيك‪ ،‬مختف ًيا وراء الستائر البيضاء الحريرية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫توقفت حيث كان يَ ِقف‪.‬‬ ‫هرولت إليه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫اجعت للوراء من َه ْول املنظر‪ .‬كانت بشاع ًة بال حدود‪ .‬كان البايك َمس ًخا ُمخيفًا بش ًعا‪.‬‬ ‫تر ُ‬ ‫قلت لريب أين سأضحي بكل وقتي‬ ‫كلام عال نحيبه‪ ،‬كانت قسامت الرب تنطق بالكثري من اإلحباط واألمل‪.‬‬ ‫أشفقت عليهام‪ُ .‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫بصوت أقرب للنشيج ً‬ ‫لألخذ بيده وأدعمه يف محنته‪ ،‬فمسح عىل رأيس بحن ِّوه املـعتاد وخاطبني‬ ‫متصل واح ًدا‪ ،‬كُ ّنا القوة الخفية التي تُنظِّم سري الحياة يف الكون املـُد َرك من طرف‬ ‫«هذا شقيقي التوأم‪ ،‬يف البدء كُ ّنا كيانًا ً‬ ‫البرشي البدايئ»‪.‬‬

‫كنا مج ّرد رم ٍز وإن اختلفت أوجهه‪ .‬آمن بنا البرش كقيم ٍة ُمطلق ٍة بدون معامل‪ .‬كُ ّنا العامل الروحي املج ّرد من كل تأثريٍ عىل‬ ‫القوانني البرشية واألخالق‪ .‬ثم أَ َستنا أديان الهالل الخصيب التوحيدية واستعبدتنا‪ .‬ش َّخصتْنا وفَصلت بيننا ثم َرمت بِنا‬ ‫يف عوامل ُمتبا ِعد ٍة وفَ َرضت علينا أدوا ًرا ل ِعبناها ُمك َرهني يف مرسحها الهزيل‪.‬‬ ‫رشعت القوانني باسمي‪ .‬أراقت دماء املختلفني عن زعاماتهم إكرا ًما يل‪ ،‬واغتصبت كرامة‬ ‫رمت يب يف علياء ال تطالها ع ٌني و ّ‬ ‫أيضا‪ .‬تكلّموا وقرروا نياب ًة عني‪.‬‬ ‫املـُستضعفني لتم ِّجد اسمي‪ .‬جعلوين ُمدبِّر كل يش ٍء يف الكون ومدبّر نهايته ً‬ ‫رص أنبياؤهم وسياسيوهم و(هيئة علامء دينهم) فئ ًة واحد ًة ُمبهمة القيم والحدود عىل العرشات من الفئات األخرى‬ ‫ن َ‬ ‫املؤمنة بذات القيم واملعتقدات فتع ّمقت األزمات النفسية للمقهورين‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫خيبة اإلله‪..‬‬ ‫رويدة سامل‬

‫أنزلت بها من سلطان‪ ،‬وذبحوا يف معابد‬ ‫كفّروا حتى العجزة واألطفال وأخذوهم بقناعات أوليائهم وأقاموا حدو ًدا ما‬ ‫ُ‬ ‫تعصبهم وجهلهم امل ُـط َبق وادعاءهم بأنهم‬ ‫نسبوا لها القُدسية كل َمن اتهموه مبخالفة رشيع ٍة مل أق ُّرها‪ ،‬بل صنعها ّ‬ ‫األصدق بدون أي دليل‪.‬‬ ‫مبهدي ُمنتَظ ٍر وملحم ٍة كربى أو ما يسمونها‬ ‫تغنوا بنرصيت وحاميتي لهم من أعداء افرتضوهم‪ ،‬وآمنوا‬ ‫ٍ‬ ‫(محرقة الهرمجدون النووية ‪ )Armageddon‬التي ستنطلق من جبلٍ بوا ٍد بفلسطني‪ ،‬وتنبؤا بنرش الخراب والدمار ليولَ َد‬ ‫ٍ‬ ‫جديد يف صفا ٍء وبها ٍء قُديس (مل يوجد يو ًما ولن يوجد أب ًدا)‪.‬‬ ‫الكون من‬ ‫تصار َعت الجامعات‪ ،‬ك ٌُّل ت ّدعي امتالك الحق للكالم عىل لساين‪ ،‬فد ّمرت الحياة باسم واهب الحياة وعلّقت آثامها‬ ‫وخطاياها عىل عاتق شقيقي وصديقي العزيز (إبليس)‪ ،‬الذي غدا َمس ًخا لهول ما ُح ِّمل من معاصيهم وتعديهم عىل كل‬ ‫جميلٍ تحت مس ًمى ابتدعوه‪ ،‬هو جزايئ وعقايب الذي وضعوا هم حدوده‪.‬‬ ‫عندها تن ّهد إبليس وقال يل‪:‬‬ ‫ «يا طفلة البرش ستكربين ستتغريين كاآلخرين وستُخطئني ثم تتهمينني باإليحاء بالخطأ كام فعلوا‪ .‬ستُح ِّملينني وزر‬‫خطاياك وذنوبك ومعاصيك‪ .‬ست ّدعني الرباءة ألن سبب الرشور ليست نفسك التائقة للمحظور واملمنوع بل الشيطان‬ ‫الذي وسوس لها‪.‬‬ ‫يف البدء مل تكن أعامل البرش تُقاس إالّ مبا تحمله من منفع ٍة‬ ‫تحقيق لألمان أو‬ ‫أو رض ٍر للفرد والجامعة‪ ،‬وما ينتج عنها من‬ ‫ٍ‬ ‫الخوف أو األمل أو السعادة أو اللذة‪ .‬مل تكن املعايري األخالقية‬ ‫مرتبط ًة بالعامل الروحي‪ ،‬لذا مل يكن لوجودي (كسب ًبا لل ِغواية)‬ ‫من مع ًنى‪ ،‬ثم جاء التوحيد الذي فصلني عن شقيقي ورمى يب‬ ‫يف رحم عامل الظلامت الذي بعثني إىل الخلود يف العفن والرش‬ ‫املطلق‪ .‬رصتُ القوة السالبة‪ ،‬قوة التعطيل والتشويه واإلفساد‬ ‫يف األرض‪.‬‬ ‫رصتُ نقيض شقيقي رب الخلق والتكوين‪ .‬يف سعيهم لبناء‬ ‫األرسة والدولة واغتصاب األرض من أصحابها‪ ،‬ألبسوين أمراضهم‬ ‫نعيم افرتضوا‬ ‫النفسية وعيوبهم‪ .‬جعلوا مني سبب خروجهم من ٍ‬ ‫أنهم كانوا موجودين به قبل أن يُرمى بهم يف عامل املعاناة‪.‬‬ ‫‪23‬‬


‫خيبة اإلله‪..‬‬ ‫رويدة سامل‬

‫يل كل عيوبهم وجعلوا مني رم ًزا مطلقًا للكراهية والحسد والباطل والخبث والخديعة والغواية والتمرد والعصيان‬ ‫صبغوا ع َّ‬ ‫وال ُخ َيالء وال ِك َب والغرور وال ُعنجهية‪ .‬صارت حدود عاملي هي الجائز واملحظور والواجب‪.‬‬ ‫قال أنبياؤهم‪ « :‬افتحوا له الباب فإنه مأمور» ورغم هذا حاكموا ولعنوا‪ ،‬عربي أنا مشجب خطاياهم ومعاصيهم‪ ،‬ال‬ ‫وعيهم الذي يقول علامؤهم النفسيون «أنه يختزل كل النزوات املكبوتة الدامئة السعي للظهور يف رصاعها األبدي مع‬ ‫األنا األعىل »‪.‬‬ ‫تلك الرغبات الالأخالقية الضاربة يف أعامق طبيعتهم العدوانية أو الجنسية التي يسعون للتخلص منها ومام تسببه من‬ ‫شعو ٍر باإلثم والخطيئة‪.‬‬ ‫قويل لهم أن يكفّوا ع ّنا أذاهم‪ .‬رمبا سمعوا ِ‬ ‫منك ألنّ ِك برشي ٌة مثلهم‪ ،‬ففي غوغائهم ومناظراتهم العقيمة وصياحهم الذي‬ ‫تبي صوت ضامئرهم وتل ّمس ال ُبعد الحيواين يف‬ ‫َ‬ ‫أص ّم آذاننا ودفع حامل الكلمة جربائيل لقطع لسانه‪ ،‬مل يعد بإمكانهم ّ‬ ‫رضت عقولهم التي كانت ُمسامل ًة قبل سيطرة لغة الدم والسيف و َحد ال ِر ّدة‪.‬‬ ‫نفوسهم ال َعليلة‪ ،‬بعد أن طغت أهواؤهم و َم َ‬ ‫ثَق َُل عىل نفيس َح ْمل العجوز وشقيقه لكل هذا األمل‪،‬‬ ‫فبكيت ُمنتحب ًة‪ .‬جاءت أمي عىل صوت بُكايئ َجزِع ًة‬ ‫ُ‬ ‫تتفقّد وحيدتها‪ .‬ق ّبلتني بحن ٍو فتعلقت بعنقها قائل ًة‪:‬‬ ‫أمي إين أحمل رسالة اإلله للبرش بعد أن أجربوا جربائيل‬ ‫رشهم وعدوانيتهم عن التخيل عن دوره إىل األبد فهل‬ ‫ب ِّ‬ ‫سأنجح؟‬ ‫ أفيقي صغرييت إنها مجرد أضغاث أحالم‪ ،‬ال ت ِ‬‫ُلحدي‬ ‫فتبتعدي عن طريق الصواب‪ ،‬ال زلتي صغري ًة عىل هذا‬ ‫شمس‬ ‫األمر‪ ،‬سيَفهم البرش يو ًما حقيقة اإلله وسترشق‬ ‫ٌ‬ ‫لن تغيب أب ًدا‪.‬‬

‫‪24‬‬


25


‫صفحة ثابتة‬ ‫نقدم فيها قراءة‬ ‫ألحد الكتب‬ ‫القيمة‬

‫املسلمون الجدد‬ ‫يف نقد اإلسالم املعتدل‬ ‫للكاتب هشام آدم‬

‫“ ال نزعم أنّنا بهذا الكتاب ذهبنا مذه ًبا علم ًيا أكادمي ًيا‪،‬‬ ‫عىل النحو الذي يعرفه الدارسون واملختصون‪ ،‬ولكننا‬ ‫قدر املستطاع‪ -‬حاولنا أن نلتزم‪ ،‬يف تناولنا ملوضوع‬‫الكتاب‪ ،‬الدقة يف النقل عن املصادر اإلسالم ّية‪ ،‬والتي ال‬ ‫نعرتف بكل ما جاء فيها‪ ،‬وال نعرتف بطرائق صناعتها‪،‬‬ ‫وصياغتها‪ ،‬وجمعها‪ ،‬باعتبارها ً‬ ‫نقل أمي ًنا ومحايدً ا‪،‬‬ ‫وهو ما يقف عىل الضد من املنهج العلمي؛ إذ أنّ‬ ‫الدراسة العلم ّية واألكادمي ّية الرصينة تتطلب تَو ّفر‬ ‫مصادر تكون ‪-‬يف عينها‪ً -‬‬ ‫أهل للشُ غل (األكادميي)‬ ‫والعلمي‪ .‬ولهذا كان تناولنا للمنقول بحذر املتشكك‪،‬‬ ‫ال بثقة الدارس‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫‪Hisham Adam‬‬


‫املسلمون الجدد ‪ :‬يف نقد اإلسالم املعتدل‬

‫هشام آدم‬

‫ثم إنّنا اعتمدنا منهج فهم الواقع املنقول عف ًوا‪،‬‬ ‫ضمن ما أريدَ لنا فهمه عمدً ا‪ .‬أي أنّ ما ورد إلينا‬ ‫نقل أُريدَ له أن ُيساعد عىل تكوين صور ٍة‬ ‫هو ٌ‬ ‫ذهن ّي ٍة ما‪ .‬ولكن‪ ،‬ضمن هذا املنقول‪ ،‬ميكننا فهم‬ ‫مطموس عمدً ا‪ ،‬وهذا التع ّمد مل يكن منه ًجا‬ ‫ٍ‬ ‫واقعٍ‬ ‫يف حد ذاته‪ ،‬وإمنا لعب اإلميان دو ًرا يف تكوينه ال‬ ‫إراديًا‪ ،‬أثناء عملية النقل؛ وبالتايل فإنّ الالإميان‬ ‫وعي مغايرة‪،‬‬ ‫يلعب دو ًرا مضا ًدا يف تكوين بنية ٍ‬ ‫ومختلف ٍة أثناء عملية القراءة ”‪.‬‬

‫هكذا يبدأ هشام آدم مقدمة كتابه (املسلمون الجدد‪ :‬يف نقد اإلسالم املعتدل)‪ ،‬والذي صدر مؤخ ًرا عن دار سطور‬ ‫ٍ‬ ‫موضوعات جريئة‪ .‬يُعترب هذا‬ ‫للطباعة والنرش بالعراق‪ .‬يأيت الكتاب يف نحو ‪ 370‬صفح ًة من القطع املتوسط‪ ،‬ويتناول‬ ‫الكتاب ‪-‬يف حقيقته‪ -‬مو ّجه إىل القوى اليساريّة‪ ،‬والليربال ّية الداعمة لتيار الوعي اإلسالمي‪ ،‬الذي يقول بعقلنة النص‬ ‫عوضا عن مراجعة ونقد النص القرآين نفسه‪ .‬ويرى الكاتب‬ ‫القرآين‪ ،‬ورضورة إعادة النظر يف الرتاث‪ ،‬والتاريخ اإلسالميني‪ً ،‬‬ ‫أ ّن املشكلة ال تكمن يف سلوك املسلمني يف حد ذاته؛ بل يزعم الكاتب أ ّن املشكلة تكمن يف طبيعة اإلسالم واملتمظهرة يف‬ ‫ظاهر النص القرآين‪ .‬ويُشري إىل أنّه إن مل يتخذ املسلمون والعقالنيون موقفًا ناق ًدا من ال َنص القرآين نفسه‪ ،‬فسوف يظل‬ ‫هذا ال َنص يُف ّرخ اإلرهاب‪ ،‬والظواهر الكارث ّية عىل الدوام‪.‬‬ ‫فصول تأسيس ّي ًة‪ ،‬بينام متثل الفصول الخمسة التالية‪:‬‬ ‫ً‬ ‫يأيت الكتاب يف مثانية فصول‪ ،‬بحيث تعترب الفصول الثالث األوىل‪:‬‬ ‫بنا ًء عىل هذا التأسيس السابق‪ .‬عىل أ ّن الفصول الثامنية‪ ،‬تُشكل م ًعا‪ ،‬بنا ًء نظريًا للفكرة العامة التي يشتغل عليها هذا‬ ‫الكتاب يف أساسه‪ .‬الفصل األول من هذا الكتاب يأيت بعنوان‪ :‬اإلسالم املح ّمدي الباكر‪ ،‬ويتناول بدايات اإلسالم‪ ،‬يف مهده‬ ‫األول‪ ،‬عند نشوئه يف مكة‪ .‬كام يتناول الحياة الدين ّية‪ ،‬والفكريّة عند مجيء اإلسالم‪ ،‬وبدء مح ّم ٍد يف اإلعالن عن دعوته‪.‬‬ ‫ويسعى الكاتب يف هذا الفصل للبحث عن منابع الخالف الحقيقي بني مح ّم ٍد والقرشيني‪ ،‬عرب تتبع أهم أحداث تلك‬ ‫الفرتة املبكّرة من تاريخ الدعوة اإلسالم ّية‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫املسلمون الجدد ‪ :‬يف نقد اإلسالم املعتدل‬

‫هشام آدم‬

‫يأيت الفصل الثاين بعنوان‪ :‬أصول العنف اإلسالمي‪ ،‬والذي يتناول فيه الكاتب طبيعة الدعوة املح ّمدية يف مكة‪ ،‬واملقومات‬ ‫التي استندت عليها‪ ،‬يف بيئ ٍة ذات منا ٍخ تعددي‪ ،‬شبه علامين‪ .‬ويطرح الكاتب يف هذا الفصل أبرز خصائص الدعوة‬ ‫مخصص ألهم‬ ‫فصل‬ ‫اإلسالم ّية‪ ،‬يف املرحلة املك ّية‪ .‬أ ّما الفصل الثالث من الكتاب‪ ،‬فيتناول قض ّية‪ :‬مح ّم ٌد واليهود‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫األحداث‪ ،‬التي دارت يف يرثب‪ ،‬بعد هجرة مح ّم ٍد إليها هاربًا من مكة‪.‬‬ ‫أ ّما الفصل الرابع فيتناول‪ :‬قضايا خالف ّية‪ ،‬وهي القضايا الفقه ّية التي يدور حولها ٌ‬ ‫جدال واس ٌع بني املسلمني أنفسهم‪:‬‬ ‫كقضية الحجاب‪ ،‬وقضية حد الرجم‪ ،‬وقضية حد الردة‪ ،‬وقضية الرق والعبودية‪ .‬يتناول الكاتب هذه القضايا بيش ٍء من‬ ‫التحليل‪ ،‬والتفنيد‪ ،‬للوصول إىل حقيقة األصل الفقهي لهذه القضايا‪ ،‬ومعرفة أي اآلراء الفقه ّية هي األرجح‪ .‬ويف الفصل‬ ‫الخامس يتطرق الكاتب ملوضوع‪ :‬أكذوبة احرتام األديان‪ .‬وفيه يناقش مقولة إن اإلسالم يحرتم األديان‪ ،‬ويطرح من خالل‬ ‫النصوص‪ ،‬ومن واقع األحداث التاريخ ّية‪ ،‬ما إذا كانت لهذه املقولة ما يسندها‪ ،‬ويدعمها أم ال‪ .‬لنخلُص ‪-‬يف الختام إىل‪ -‬أ ّن‬ ‫هذا الشعار‪ :‬ما هو ّإل أكذوب ٌة كربى‪ ،‬املقصود منها فقط محاوالت تجميل اإلسالم‪.‬‬ ‫ثم يف الفصل السادس‪ ،‬يتطرق الكتاب إىل قض ّية‪ :‬جناية التأويل‪ .‬ويف هذا الفصل يتكلّم الكاتب عن قضية التأويل‪،‬‬ ‫وإعادة التأويل‪ ،‬التي ينادي بها املج ّددون‪ ،‬لنتعرف عىل آلية التأويل وأدواته ومنهجه وما يصح منه وما ال يصح‪ ،‬وما إذا‬ ‫صمدي‬ ‫نص‬ ‫كان مبدأ التأويل نفسه ً‬ ‫نصا مفتو ًحا عىل األفهام‪ ،‬كام يقال‪ ،‬أم أنّه ٌّ‬ ‫قابل للتطبيق عىل النص القرآين‪ ،‬باعتباره ً‬ ‫ٌ‬ ‫ثابت ال يتغري بتغري األزمان واألحوال واألمكنة‪.‬‬ ‫بهذا يكون الكاتب قد قام بتغطية أهم الخصائص‪ ،‬التي تشكّل ظاهرة‬ ‫املسلمني الجدد‪ ،‬والتي يتناولها بالتفصيل يف الفصل السابع‪ :‬املسلمون‬ ‫الجدد‪ ،‬حيث نتعرف عىل هذا التيار التجديدي‪ ،‬وأسباب نشوئه‪،‬‬ ‫وطبيعة دعوته‪ ،‬وأفكاره األساس ّية‪ ،‬وما إذا كانت هذه الدعوة‬ ‫ذات مصداق ّي ٍة معقولة‪ ،‬أم أ ّن لها أغر ًاضا أخرى قد تكون‬ ‫خافي ًة‪ .‬مستفيدين مام ق ّدمه لنا التاريخ اإلسالمي نفسه من‬ ‫مناذج تجديديّ ٍة سابقة‪ ،‬أقدم بكثريٍ من التجربة التي بني‬ ‫أيدينا‪ .‬كام يناقش هذا الفصل أهم الحجج التي يق ّدمها‬ ‫املسلمون الجدد يف رفضهم للمرويات وكُتب الرتاث‪،‬‬ ‫لرنى ما إذا كانت الحجج قد تصمد أمام النقد أم‬ ‫‪28‬‬


‫املسلمون الجدد ‪ :‬يف نقد اإلسالم املعتدل‬

‫هشام آدم‬

‫أنّها مج ّرد ُحج ٍج واهي ٍة ومنافي ٍة ومتعارض ٍة مع العقل‪ ،‬ومع النصوص القرآنية ذاتها‪.‬‬ ‫وأخ ًريا نصل إىل الفصل الثامن‪ :‬الدين واألخالق‪ ،‬وهو الفصل الذي يتناول مفهومي‪ :‬الدين واألخالق‪ ،‬يف محاول ٍة ملعرفة‬ ‫العالقة بينهام‪ ،‬وما إذا كان أحدهام مصد ًرا لآلخر أم ال‪ ،‬وما الذي قد يعنيه أن يكون الدين مصد ًرا لألخالق وق ّي ًم عليه‪.‬‬ ‫أيضا‪ -‬من مجمل ما سبقت اإلشارة إليه يف الفصول السابقة‪.‬‬‫مستفيدين ً‬ ‫ويناقش هذا الفصل خطورة تقاطع املستوى الرأيس‪-‬الفكري‪ ،‬مع املستوى األفقي‪-‬السلويك؛ السيام بعد معرفة أين يقع‬ ‫كل من الدين واألخالق‪ ،‬بني هذين املستويني‪ .‬كام يناقش هذا الفصل إمكانية توليد األخالق خارج إطار الدين‪ ،‬أو‬ ‫مهم ج ًدا‪ ،‬يدفعنا دف ًعا إىل التفريق بني مفهوم‪ :‬الوازع‬ ‫توليد األخالق داخل إطار الدين‪ ،‬لنتعرف ‪-‬بعد ذلك‪ -‬عىل ٍ‬ ‫جانب ٍ‬ ‫األخالقي‪ ،‬والوازع الديني‪ ،‬والفرق بينهام‪.‬‬

‫ﻣﻦ ﻧﺤﻦ؟‬ ‫ﻧﺤﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻤني ﺳﺎﺑﻘني وﻣﺴﻠﻤني ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﻣﺎذا ﻧﺮﻳﺪ؟‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺠﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ،‬ﻣﻬام ﻛﺎﻧﺖ‪ ،‬و أن ﻧﺤﺎرب ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻘﻨﺎ ﰲ اﺗﺒﺎﻋﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺨﻠﻖ ﻣﻜﺎﻧﺎ آﻣ ًﻨﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﻟﻴﺘﺒﺎدﻟﻮا ﻓﻴﻪ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻤﻨﺎ أﻻ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺴﺎﻧﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ وﻧﺴﺎﻋﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻋﲆ ﻣﻮاﺟﻬﺔ أﺳﺌﻠﺔ اﻷﻫﻞ واﳌﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬وﺗﻜﻮﻳﻦ إﺟﺎﺑﺎت ﻟﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻌﻄﻲ اﻟﻼدﻳﻨﻴني )ﺳﻮاء ﻣﻠﺤﺪﻳﻦ‪ ،‬رﺑﻮﺑﻴني أو ﻏريﻫﻢ( ﰲ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺻﻮﺗ ًﺎ ﻷﻧﻬﻢ‬ ‫ﺳﻴﻘﺘﻠﻮن إذا ﻋﻠﺖ أﺻﻮاﺗﻬﻢ‪.‬‬

‫‪29‬‬

‫مسلمش |‬

‫‪www.muslimish.com‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

30


‫القليل عن األخالق‬ ‫ُ‬

‫طائر حر‬

‫(‪)1‬‬

‫بعد قضاء فرت ٍة يف شبكة امللحدين العرب عىل موقع التواصل‬ ‫االجتامعي فيسبوك‪ ،‬الحظت أن نسب ًة كبري ًة من النقاشات يف‬ ‫املجموعة ضمن السجال القائم عمو ًما بني املتدينني وامللحدين‬ ‫تتناول موضوع األخالق البرشية‪ ،‬وذلك من خالل طرح ومحاولة‬ ‫موضوعي ذو ٍ‬ ‫هدف معر ٍّيف واآلخر‬ ‫اإلجابة عىل عدة أسئل ٍة بعضها‬ ‫ٌّ‬ ‫نفعي ينشد التم ّيز‪ ،‬وإن دأب البعض عىل الخلط بينهام؛‬ ‫ٌّ‬

‫‪ -1‬الكاتب مجهول وقد أرسل املقال للنرش قبل إغالق حسابه وتعذر الوصول إليه‬

‫‪31‬‬


‫القليل عن األخالق‬ ‫ُ‬ ‫وكث ًريا ما يأيت يف سياق تلك الطروحات تح ّجج املتدينني باألخالق اإلنسانية وتصويرها عىل أنها ظواهر غري قابل ٍة للتفسري‬ ‫إال يف إطا ٍر ديني‪ .‬هذه محاول ٌة متواضع ٌة مني إليضاح بعض األمور ودفع النقاش قُد ًما‪.‬‬

‫من األسئلة الرباجامتية التي ت ُطرح بشكلٍ متك ّر ٍر من قبل املتدينني وامللحدين ‪-‬ويتغلب املؤمنون هنا يف كثافتها‪،-‬‬ ‫االستفسار عن املبادئ العامة التي نحدد عىل أساسها أخالقية األفعال واألقاويل من عدمها‪ ،‬ومثالها السؤال الذي قد‬ ‫يطرحه املتدين بالصيغة التالية‪:‬‬ ‫«ما هي املعايري والقواعد األخالقية التي نعتمدها لنحكم بصالحية أو بطالن املامرسات والسلوكيات اليومية للبرش يف‬ ‫غياب الرقابة اإللهية أو الكود األخالقي املقدس»؟‬ ‫والسبب كون تلك األسئلة براجامتية أكرث من كونها تستقيص املعرفة هو أنها تطالب باالعرتاف بوجود ضوابط ساموي ٍة‬ ‫شمولي ٍة وأزلي ٍة لألخالق بدلً من التشجيع عىل التساؤل عن مصدرها وأسبابها‪ .‬وبنا ًء عىل ذلك فاإلجابة عىل هذا النوع‬ ‫من األسئلة مرن ًة وتتعلق بالرأي والرأي اآلخر‪ ،‬باإلضافة للظروف االجتامعية واملكانية والزمانية لألفراد‪ ،‬وإنه ملن الصعب‬ ‫تقديم تفسري ٍ‬ ‫ات شامل ٍة بخصوصها إال يف إطار عميل تحكمه مصالح متغرية‪.‬‬ ‫أما عن األسئلة النابعة من املوضوعية وحب التعلم فيمكن جمعها يف سؤالني بحيث قد تكون إجابة أحدهام تعتمد‬ ‫عىل إجابة اآلخر‪.‬‬ ‫‪32‬‬


‫القليل عن األخالق‬ ‫ُ‬ ‫السؤال األول وهو عن منبع وسبب ظاهرة النوازع األخالقية البرشية ( أي سبب الظاهرة ) ‪ ،‬وهو يرتدد دو ًما سع ًيا‬ ‫ٍ‬ ‫كمقياس للبقاء‪ ،‬وسأحاول إيضاح ما أمتكن منه‬ ‫لدحض نظرية التطور باالنتقاء الطبيعي التي تقيم مصلحة الفرد «األنا»‬ ‫كإجاب ٍة عىل هذا السؤال رغم أنني أتجه لغاي ٍة أخرى من خالل ذلك‪.‬‬ ‫السؤال الثاين ويقل أهمية‪ ،‬عن اإلرث الثقايف وأساس الق َيم الواضحة يف مختلف املجتمعات‪ ،‬والسبب يف قلة أهميته هو‬ ‫اعتبار جميع الثقافات نتا ًجا برشيًا‪ ،‬وبذلك تصبح إجابته مستساغ ًة ضمن إجابة السؤال الذي يسبقه‪.‬‬

‫بعد أنت وياه‬ ‫دارون داخل عىل الخط‬

‫قبل تشارلز داروين كان األمر كله تقري ًبا خاض ًعا ملوقف‬ ‫الفالسفة الذين احتكم بعضهم إىل الدين وأعلن استسالمه‪،‬‬ ‫وبعضهم اآلخر م ّمن مت ّعنوا أكرث يف ذلك التساؤل وحاولوا‬ ‫ٍ‬ ‫إجابات ور ًؤى افرتاضية‪ ،‬ورمبا أهم من كان مقدا ًما‬ ‫تقديم‬ ‫يف هذا هو شهيد الفلسفة سقراط‪.‬‬ ‫منحى‬ ‫لحسن الحظ بدأت األمور تتغري بعد داروين لتأخذ‬ ‫ً‬ ‫ليس ّنوا النظريات‪.‬‬ ‫أكادمييا يتشارك فيه العلام ُء الفالسفة ُ‬ ‫ِم ّم يقال يف تعريف االنتقاء الطبيعي هو أن الطبيعة‬ ‫ُفضل وتح ّبذ الطفرات التي تصب يف مصلحة الكائن‬ ‫ت ِّ‬ ‫الحي وقدرته عىل االستمرارية‪،‬‬

‫إال أننا إن أخذنا هذا الكالم بشكلٍ حر ٍيف سنقع يف مغالط ٍة كبرية‪ ،‬فالحديث عن تفضيل الطبيعة حديثٌ‬ ‫مجازي يف سبيل‬ ‫ٌّ‬ ‫تقريب الفكرة إىل األذهان فقط‪ ،‬فاألدق هو القول بأن أي طفر ٍة أو ِسم ٍة وراثي ٍة جديد ٍة تساهم بشكلٍ‬ ‫نسبي يف زيادة‬ ‫ٍّ‬ ‫نسبة نجاح الكائن الحامل لها يف مترير جيناته عرب الذرية مقارن ًة بأقرانه املعارصين‪ ،‬وأن احتامل انتشارها وهيمنتها يف‬ ‫األجيال القادمة أعىل تبا ًعا‪.‬‬ ‫إن تخيلنا مجموع ًة من الكائنات املنتمية لنفس النوع كل منها يعيش منعزلً عن اآلخر ويواجه نفس الظروف البيئية‬ ‫فإن النتيجة الحتمية هي أن الخصائص الوراثية التي تساهم بشكلٍ أكرب يف مواجهة الفرد الواحد لتلك البيئة وتأقلمه‬ ‫معها بحيث ينتج ذريّ ًة سليم ًة‪ ،‬ستتمتع مبنزلة ورقة اليانصيب لتهيمن عىل أفراد األجيال القادمة‪ .‬ورغم أن العرض‬ ‫الحقيقي عاد ًة ليس بهذه البساطة‪ ،‬فدامئًا ما نجد علامء البيولوجيا التطورية يش ّددون عىل أن جميع أشكال الحياة‬ ‫‪33‬‬


‫القليل عن األخالق‬ ‫ُ‬ ‫األخرى تخضع لنفس املتغريات البيئية التي يواجهها الكائن الحي مبا فيها الكائنات املنتمية لنفس النوع‪ ،‬وهنا ينشأ‬ ‫شكل من التعقيد‪ .‬وكمحاول ٍة لفهم تلك العالقة املعقدة وما يرتتب عليها فيام يتعلق مبوضوعنا سنحاول النظر إىل هذا‬ ‫ٌ‬ ‫التعقيد بشكلٍ تدريجي‪ ،‬ومبا أننا نخص يف حديثنا هنا البرش فمن املالئم أن نحرص طرحنا يف مجال مملكة الحيوانات‬ ‫ونتجاهل باقي األصناف الحية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫من املعروف عن الكثري من الحيوانات أنها تحتضن وترعى ذريتها لفرت ٍ‬ ‫ودرجات متباين ٍة نسب ًيا‪- ،‬مع األخذ بعني‬ ‫ات‬ ‫االعتبار متوسط أعامرها وسلوكها املميز يف بيئتها الطبيعية من حولها‪-.‬‬ ‫إن نظرنا للزواحف عىل سبيل املثال فهي عمو ًما كائناتٌ انعزالي ٌة وانفرادي ٌة مقارن ًة بالثدييات‪ ،‬وضمن الكثري من أنواع‬ ‫الزواحف تكاد عالقاتها االجتامعية بأقرانها تقترص عىل التزاوج ووضع البيض بوتري ٍة أعىل من باقي الكائنات الحية‪،‬‬ ‫إال أن بعض الزواحف كالتامسيح‬ ‫ُعرِف عنها تأمينها ألعشاشها بعد‬ ‫وضع البيض وحاميتها للصغار‬ ‫حديثي الوالدة‪ ،‬وهي بذلك‬ ‫تقايض أو تضحي بجز ٍء من وقتها‬ ‫الخاص فيام ال يعود عليها بفائد ٍة‬ ‫فردي ٍة مبارشة‪ ،‬زِد عىل ذلك أنها‬ ‫تستطيع استثامر هذا الوقت يف‬ ‫املزيد من التناسل ووضع املزيد‬ ‫املخصب مام يعني‬ ‫من البيض‬ ‫ّ‬ ‫نرش املزيد من جيناتها‪ ،‬إال أنها ال‬ ‫تفعل ذلك‪.‬‬ ‫مقياسا للبقاء‪،‬‬ ‫التفسري الواضح لهذا السلوك يف ظل مبدأ االنتقاء الطبيعي هو أن املصلحة املبارشة للفرد الواحد ليست‬ ‫ً‬ ‫إمنا املقياس هو كفاءة هذا الفرد يف تأمني دفق جيناته عرب الذرية‪،‬‬ ‫وعليه فإن أي طفر ٍة تعزز احتاملية الحفاظ عىل الذرية ستكون لها الفرصة األكرب يف الهيمنة عىل أفراد األجيال القادمة‪،‬‬ ‫وسهل بالنسبة للعديد من األنواع مبا فيها التامسيح البالغة نفسها‪،‬‬ ‫فإذا علمنا أن بيض التامسيح يُ َعد مصد ًرا غذائيا غن ًيا ً‬ ‫‪34‬‬


‫القليل عن األخالق‬ ‫ُ‬ ‫بدل من وضع‬ ‫نستنتج أن اسرتاتيجية حامية البيض ً‬ ‫املزيد منه هي أكرث نجاع ًة وفعالي ًة يف الحفاظ‬ ‫عىل الجينات يف ظل وجود عدة أنوا ٍع مفرتس ٍة‬ ‫تهدد دفقها‪ ،‬وذات األمر فيام يتعلق بحامية‬ ‫الصغار حتى مرحلة البلوغ‪ .‬مام سبق ميكننا أن‬ ‫نخرج بقاعد ٍة فرعي ٍة بسيط ٍة وهي أنه كلام زادت‬ ‫األخطار املحدقة بصغار نوع ما من الكائنات فإن‬ ‫الطفرات التي تهيئ الكائن لرعاية وحامية ذريته‬ ‫من تلك املخاطر بشكلٍ أفضل ستتمتع بنسب ٍة أكرب‬ ‫من االنتشار ضمن األجيال التالية‪.‬‬ ‫تتجسد باحتضان األم‬ ‫أما إذا انتقلنا إىل الثدييات فسنجد أنها تعاين تكلف ًة اقتصادي ًة مرتفع ًة نسبيًا إلنتاج الذرية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لصغارها داخل الرحم وتغذيتها بشكلٍ فاعلٍ وحتى إرضاعها لفرت ٍة معين ٍة بعد الوالدة‪،‬‬ ‫مام يؤثر سل ًبا بطبيعة الحال عىل متوسط عدد املواليد لدى الثدييات خالل حياتها‪.‬‬ ‫عامل جدي ًدا يف مواجهة األخطار املحدقة بالصغار الضعفاء وتعزز فرصة انتشار ظاهرة‬ ‫لكن تلك التكلفة املجهدة تشكل ً‬ ‫الحضانة األبوية ضمن األجيال الالحقة‪ ،‬رغم أن هذا يشكّل قيو ًدا تر ّجح باتجاه ٍ‬ ‫مزيد من الرعاية‪ ،‬ولهذا يتطور األمر لدى‬ ‫معظم الثدييات إىل حضان ٍة كامل ٍة لصغارها قد متتد إىل مرحلة التزاوج‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لكن ماذا عن الطفرات التي ت ُسهم يف انتشار الرعاية بشكلٍ‬ ‫معاكس كشكلٍ من رعاية األفراد لوالديهم؟ هل تُشكِّل هي‬ ‫األخرى ميز ٍ‬ ‫ات انتقائي ًة؟‬ ‫بالطبع هي كذلك فاآلباء واألمهات يتمتعون بنفس نسبة تشارك السامت الوراثية وهي النصف‪.‬‬ ‫وماذا عن طفرات رعاية وحامية اإلخوة؟‬ ‫ذات األمر يف هذه الحالة كذلك‪ ،‬فيُحتمل أكرث أن يحمل اإلخوة ذات السامت‪ .‬ومن هذا ميكننا أن نوسع القاعدة السابقة‬ ‫لتشمل اآليت‪ :‬إن أيّة طفر ٍة أو سم ٍة وراثي ٍة تهيئ الكائن لرعاية وحامية أقاربه الجين ّيني ‪-‬الذين يُحتمل ج ًدا أنهم يتمتعوا‬ ‫بنفس السمة‪ -‬ستكون لها فرص ٌة كبري ٌة يف االنتشار عرب األجيال‪ .‬ولهذا ففي املجموعات العائلية للثدييات نجد أن اآلباء‬ ‫‪35‬‬


‫القليل عن األخالق‬ ‫ُ‬ ‫واألمهات يدافعون عن أبنائهم ضد األعداء الطبيعيني وكذلك األبناء يدافعون عن آبائهم وأمهاتهم وعن أخوتهم كام‬ ‫يف السنوريات املفرتسة (القطط الكبرية) والذئاب وغريها ضمن قطيعٍ صغريٍ أو قبيلة‪ ،‬حتى إذا وصلنا لإلنسان نجد‬ ‫كقيم أخالقي ٍة ثقافي ٍة تنترش عرب التجمعات‬ ‫أخالقيات القرابة الجينية واضح ًة وجلي ًة يف صيغ ٍة نفسي ٍة غريزية‪ ،‬وكذلك ٍ‬ ‫البرشية املتقاربة واملتباعدة‪.‬‬ ‫أيضا ضمن نطاقٍ‬ ‫خاصا من االنتقاء الطبيعي يسميه العلامء بانتقاء القرابة ‪ ،Kin selection‬ويقع ً‬ ‫هذا املفهوم يُ َعد نو ًعا ً‬ ‫أكرث شمولً يسمى باللياقة الشاملة أو اللياقة الضمنية ‪ ،Inclusive fitness‬وأول من أشار إىل هذا كان تشارلز دارون‬ ‫وقد قال يف كتابه أصل األنواع‪:‬‬ ‫«سيقوم االنتقاء الطبيعي بتعديل الرتكيبة الخاصة باليافع فيام يتعلق بالوالدين‪ ،‬وبالوالدين فيام يتعلق باليافع‪ ،‬وسيك ّيف‬ ‫يف الحيوانات االجتامعية الرتكيبة الخاصة بكل فر ٍد ملا فيه فائد ٌة للمجتمع ككل» (‪.)1‬‬ ‫ولعله كان يقصد باملجتمع األفراد القريبني جين ًّيا أو العائلة‪ .‬وقد قام عامل األحياء التطورية ويليام هاملتون بوضع قاعد ٍة‬ ‫بسيط ٍة تحكم تطور السلوكيات اإليثارية بني األقارب مفادها أنه إذا كان العائد التكاثري من سلوك اإليثار من ِقبل‬ ‫كائنٍ ما عىل قريبه الجيني أعىل من تكلفة التكاثر‪ ،‬فإن السامت الوراثية التي تحفز هذا السلوك متتلك احتاملي ًة عالي ًة‬ ‫يف االنتشار عرب األجيال املتعاقبة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫نزعات‬ ‫لنعد اآلن إىل التامسيح لعلنا نكتشف خيطًا آخر يقود إىل‬ ‫سلوكي ٍة تتصف باألخالقية‪ .‬حديثا تم تجميع وتحليل كمي ٍة كبري ٍة من‬ ‫املشاهدات فيام يخص سلوكيات الصيد لدى نو ٍع من التامسيح‪ ،‬مع‬ ‫األخذ باالعتبار أن التامسيح ال تعتمد يف صيدها عىل مالحقة الفريسة‬ ‫ٍ‬ ‫ملسافات طويل ٍة كام تفعل الثدييات بل تعتمد بشكلٍ‬ ‫أسايس عىل نصب‬ ‫ٍّ‬ ‫الكامئن‪ ،‬وبسبب رسعتها البطيئة يف الع ْدو واملطاردة مقارن ًة بفرائسها‬ ‫مثل‪ ،‬فإن مدى كامئنها يكون قص ًريا للغاية‪.‬‬ ‫من الحيوانات الربية ً‬ ‫هذا الصيد التعاوين لدى التامسيح يف أبسط صوره عبار ًة عن متركز‬ ‫مجموعة أفرا ٍد يف أماكن متفرق ٍة لنصب كامئن متعدد ٍة تنتظر فرائسها‪.‬‬ ‫‪Darwin, C. - On the origin of species by means of natural selection, or the pres� -11‬‬ ‫‪ervation of favoured races in the struggle for life. London: John Murray. 1st edition‬‬ ‫‪.1859. pages 82-88‬‬

‫‪36‬‬


‫القليل عن األخالق‬ ‫ُ‬ ‫ونظ ًرا لحقيقة أن التامسيح تتشارك الفرائس‬ ‫الكبرية فيمكننا النظر إىل تلك الخطة عىل‬ ‫ٌ‬ ‫مشرتك كبري‪ ،‬حتى أن األمر ال‬ ‫أنها كم ٌني‬ ‫يقترص عىل هذا فقط‪،‬‬

‫ﻫﺎيت أﺷﻴﻞ‬ ‫ﻋﻨﻚ ﻳﺎ ﺣﺠﺔ‪..‬‬

‫ﺷﻜ ًﺮا ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ‪..‬‬ ‫ﻫﺬا ﻣﻦ ذوﻗﻚ وﺣﺴﻦ أﺧﻼﻗﻚ‬

‫فقد تم رصد متاسيح تتبادل صيد األسامك‬ ‫يف املناطق الوافرة بها‪ ،‬كام تم رصد متاسيح‬ ‫تقوم بحصار الفرائس دافع ًة إياها باتجاه‬ ‫مواقع كامئن جاهز ٍة باتجاه باقي التامسيح‪.‬‬ ‫السؤال هنا‪:‬‬ ‫هل هذا النوع من السلوك التعاوين يعود بالنفع عىل التمساح الفرد فيام يتعلق ببقائه ونجاحه يف التناسل؟‬ ‫نوسع مدى نظرتنا الزمنية‬ ‫للحصول عىل أفضل إجاب ٍة لهذا السؤال البد لنا أن ننظر نظر ًة آني ًة إىل هذا السلوك‪ ،‬وأن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫سلوكيات طارئ ٍة يف حياة الكائن الحي‪،‬‬ ‫لطبيعة النزعات السيكولوجية بصف ٍة عامة‪ ،‬فتلك النزعات ال تؤدي بطبيعتها إىل‬ ‫ٍ‬ ‫إمنا هي نزعاتٌ تصاحب الكائن الحي فرت ٍ‬ ‫سلوكيات متكررة‪ ،‬فالتمساح الذي تكون لديه‬ ‫ات طويل ًة من حياته وتتجسد يف‬ ‫ٍ‬ ‫وجبات ضخم ٍة وعىل‬ ‫نزع ٌة للصيد التعاوين ومشاركة الفرائس من املتوقع منه أن يحصل يف املتوسط عىل أجزاء كافي ٍة من‬ ‫فرت ٍ‬ ‫ات متقارب ٍة نسب ًيا‪ ،‬بينام التمساح الذي يفتقد هذه النزعة وينصب كامئنه يف مناطق نائي ٍة بعي ًدا عن القطيع فمن‬ ‫املتوقع أن ينتظر فرت ًة أطول إىل حني حصوله عىل فريسة‪ ،‬السيام الفرائس الكبرية التي تكون أحيانًا أكرب من احتياجه‪،‬‬ ‫ويُس ّمى هذا باملقايضة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ملوجات متتالي ٍة من شح الغذاء فسنكتشف بسهول ٍة أن‬ ‫وإذا نظرنا نظر ًة زمني ًة أبعد إىل األجيال املتعاقبة والتي تتعرض‬ ‫تلك السلوكيات الخاصة بالتامسيح املتعاونة ميكن أن تنترش بنسب ٍة عالي ٍة يف حال كانت املقايضة ُمربح ًة‪.‬‬ ‫إذا انتقلنا إىل الثدييات فسنجد كث ًريا من األنواع الضارية التي تشرتك بشكلٍ فعا ٍل وواض ٍح يف الصيد الجامعي‪ ،‬وطب ًعا‬ ‫ميكن تفسري تلك النوازع والسلوكيات الوراثية التي تسهم يف شيوع منط الصيد هذا عىل غرار الطريقة السابقة‪ ،‬إال أننا‬ ‫ال يجب أن نحرص األمثلة فقط بآكالت اللحوم أو بسلوكيات الصيد واالفرتاس؛ فعند االنتقال إىل أنوا ٍع أقرب من اإلنسان‬ ‫ٍ‬ ‫قيم أخالقي ًة ما‪.‬‬ ‫نجد يف الرئيسيات نوازع أكرث تعقي ًدا وبالتايل‬ ‫سلوكيات رمبا ‪ -‬بالنسبة لنا ‪ -‬تحمل ً‬ ‫‪37‬‬


‫القليل عن األخالق‬ ‫ُ‬ ‫تعيش مجموعات الشمبانزي يف بيئتها الطبيعية‬ ‫حيا ًة اجتامعي ًة لها خصائص معقدةً‪ ،‬فذكور‬ ‫مثل تقوم بعمل تحالفات ثنائي ٍة ال توفر‬ ‫الشمبانزي ً‬ ‫فقط تفوقًا وحامي ًة لكال طرفيها وذريتهام‪ ،‬لكن‬ ‫فرصا أكرب يف التناسل‪ ،‬وتلك التحالفات‬ ‫متثل ً‬ ‫أيضا ً‬ ‫تنجح بسبب الثقة املتبادلة واملساعدة عند‬ ‫الحاجة‪ .‬ميكننا بسهول ٍة أن نرى أوج ًها من الشبه‬ ‫بني تلك النوازع والسلوكيات لدى الشمبانزي وبني‬ ‫نوازع وأخالقيات الصداقة لدى البرش‪.‬‬ ‫هذه النامذج التعاونية ميكن أن تصنف ضمن إطار‬ ‫مفهوم االيثار املتبادل ‪،Reciprocal altruism‬‬ ‫والذي تُشكِّل مشاركة الخفافيش ماصة الدماء‬ ‫لوجباتها طو ًعا واح ًدا من أشهر األمثلة عليه‪،‬‬ ‫أيضا يف تفسري تلك‬ ‫وإن كان انتقاء القرابة ً‬ ‫عامل ً‬ ‫الظواهر‪ ،‬عىل أن كِال املفهومني يُع َّدان خطو ًة‬ ‫باتجاه تفسري تطور األمناط االجتامعية التعاونية‬ ‫لدى الحيوانات‪.‬‬ ‫قليل عن اإلنسان الحايل‪ .‬بعد استيعاب األفكار والنامذج السابقة ميكن أن نثري عدة أسئل ٍة عن‬ ‫اآلن حان الوقت لنتحدث ً‬ ‫سيكولوجية اإلنسان الغريزية تجاه أبناء نوعه‪ ،‬ومن هذه األسئلة‪:‬‬ ‫ملاذا مييل اإلنسان إىل الحياة االجتامعية من األساس؟‬ ‫حس ًنا‪ ،‬هذا يعتمد عىل مدى نسبة ميزات الحياة االجتامعية لدى البرش‪ ،‬وسأترك لك حرية تخيل اإلجابة يف ظل بعض‬ ‫املفاهيم املفتاحية وهي‪ :‬الحامية‪ ،‬األمان الشخيص وأمان الذرية‪ ،‬املساعدة عند الحاجة‪ ،‬مميزات التخصص‪ ،‬فرصة‬ ‫حدوث تزاوج والعثور عىل رشيك‪/‬رشيكة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫سؤال آخر مطروح‪:‬‬ ‫ما هي السامت النفسية والسلوكية التي تحفز الحياة االجتامعية البرشية وما هي السامت التي تتعارض معها؟‬ ‫‪38‬‬


‫القليل عن األخالق‬ ‫ُ‬ ‫أيضا عزيزي القارئ محاولة تخيل اإلجابة مع توفري بعض املفاهيم املفتاحية‪ :‬الصدق‪ ،‬األمانة‪ ،‬الوفاء‪ ،‬التعاطف‬ ‫سأترك لك ً‬ ‫ومساعدة اآلخرين‪ ،‬الكذب‪ ،‬الخيانة‪ ،‬الخداع‪ ،‬العدوانية واالستغالل‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫سؤال أخ ٌري يركز عىل الفرد ورمبا يل ّخص املوضوع‪:‬‬ ‫هل للنوازع األخالقية املحفزة للحياة االجتامعية لدى أفراد البرش ميزاتٌ انتقائية؟‬ ‫ميكن صياغة األمر يف شكل مقايض ٍة عامة‪ ،‬أن‬ ‫متتلك نوازع تتصف بأنها جيد ٌة أخالق ًيا سينتج‬ ‫يفضلها اآلخرون فتستقر‬ ‫عنها سلوكياتٌ متكرر ٌة ّ‬ ‫حياتك بسهول ٍة يف إحدى املجموعات‪ ،‬أو ّأل‬ ‫معزول‬ ‫ً‬ ‫متتلك تلك النوازع وينتهي بك الحال‬ ‫تواجه الحياة وحدك أو عىل أقل تقدي ٍر تكون‬ ‫منبوذًا يف مجموعتك الخاصة‪.‬‬ ‫رمبا يكون االختيار مبقاييس العرص الحايل نو ًعا‬ ‫من الرفاهية‪ ،‬إال أنه بالتأكيد مل يكن كذلك‬ ‫فضل عىل أن يكون‬ ‫منذ عرشين ألف عام‪ً ،‬‬ ‫عام وهو عمر نوعنا التقريبي‬ ‫منذ مائتي ألف ٍ‬ ‫حسب األدلة األحفورية‪.‬‬ ‫ومن الهام أن نركز يف تفكرينا عىل تأثري تلك املقايضة عىل فرص التناسل للفرد وفرصة ذريته يف الحياة حتى تتناسل‬ ‫بدورها‪.‬‬ ‫بنا ًء عىل ما سبق وعند تأمل النتاج الثقايف البرشي املعقد نكتشف أن صناعة مجموعات برشية وليس صناعة أفراد‬ ‫منعزلني‪ ،‬ولعوامل متعدد ٍة منها رضورة تواجد اللغة‪ ،‬واللغات مل تنشأ إال يف ظل حيا ٍة اجتامعية‪ ،‬وعليه ميكننا أن نتوقع‬ ‫ٍ‬ ‫صفات نفسي ٍة وسلوكي ٍة سوا ًء مرغوب ًة أو مرفوض ًة‪.‬‬ ‫ماذا قد تنتج تلك الثقافات إجاملً من‬

‫‪39‬‬


‫القليل عن األخالق‬ ‫ُ‬ ‫يقول الفيلسوف األسرتايل بيرت سينجر‪:‬‬ ‫«وهكذا فإن سلويك األناين الذي يستهدف تعزيز‬ ‫فرصتي الخاصة يف البقاء‪ ،‬بغض النظر عن أي ٍ‬ ‫شخص‬ ‫فضل من قبل التطور‪ ،‬فأنا ميّ ٌت يف كل‬ ‫آخر لن يُ َّ‬ ‫األحوال‪.‬‬ ‫بقاء جينايت يعتمد إىل ٍ‬ ‫حد كبريٍ عىل حصويل عىل‬ ‫أطفال‪ ،‬وعىل حصول أطفايل عىل أطفال‪ ،‬وهكذا‪ .‬عند‬ ‫فضل سلوكًا‬ ‫ثبات باقي املتغريات فإن التطور سوف يُ ِّ‬ ‫يحسن االحتامالت التي ألبنايئ يف البقاء والتناسل» (‪.)2‬‬ ‫يف النهاية يجب أن أن ّوه إىل أن هذا املقال ليس محاول ًة لرشح كيفية تطور النزعات النفسية والقيم الثقافية األخالقية‬ ‫توضيح إلمكانية تفسري تلك النزعات والظواهر انطالقًا من‬ ‫لدى البرش‪ ،‬فهي يف الحقيقة أعقد من ذلك بكثري‪ ،‬وإمنا هو‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وتشكيك يف النظرة املثالية اإلعجازية تجاه األخالق البرشية والتي لطاملا ر ّوج لها‬ ‫نفي‬ ‫مبدأ االنتقاء الطبيعي‪ ،‬وهو ً‬ ‫أيضا ٌّ‬ ‫وتبناها الكثري من املتدينني‪.‬‬

‫طائر حر‬

‫‪2-Singer, P. The Expanding Circule: Ethics, Evolution and Moral Progress, page 12. Princeton Press, New Jersey. 1981.‬‬

‫‪2‬‬

‫‪40‬‬


www.facebook.com/groups/arbangroup

41


‫‪Ahmad F. Alabbasi‬‬

‫اإللحاد مسؤول عن جرائم‬ ‫الشيوعيني ألنهم ُملحدون!‬

‫ِ‬ ‫يوسف ستالني‪ ،‬ماو ت ِْس تونغ‪ ،‬كيم جونغ آون (‪ . )1‬وغريهم‬ ‫شخصياتٌ غني ٌة عن التعريف ارتبطت أسامؤها بالنضال الشيوعي إبان الحرب‬ ‫العاملية الثانية والحرب الباردة‪،‬‬ ‫يختلف الكثري بأمرهم‪ ،‬فمنهم من يع ّدهم أبطال تحرير الشعوب بوجه‬ ‫اإلمرباطوريات اإلمربيالية‪ ،‬واآلخرون يرون منهم سفاحني بال رحم ٍة استغلوا‬ ‫مشاعر البؤس يف الشعوب‪ِ ،‬‬ ‫ليصلوا إىل عروش الحكم فيها!‬ ‫قاسم مشرتك بينهم‪ ،‬أال وهو الشيوعية واإللحاد!‬ ‫أيًّا كانوا‪ ،‬فإنهم يُج ِمعون عىل ٍ‬ ‫وهنا ‪ -‬عزيزي القارئ ‪ -‬يحق لك بالسؤال التايل‪:‬‬ ‫الرابط املشرتك بني هؤالء الطغاة هو اإللحاد‪ ،‬لو كان لهم دين‪ ،‬أال يكون‬ ‫الدين راد ًعا أخالق ًيا لهم؟‬ ‫حس ًنا‪ ،‬ما يحاول بعض رجال الدين ترويجه ألغر ٍ‬ ‫اض سياسية‪ ،‬وللوهلة األوىل‬ ‫يبدو كذلك!‬ ‫لكن يا له من مفاجئة‪ ،‬فاإللحاد ليس أيدولوجيا ديني ًة أو سياسي ًة‪ ،‬فهو إعادة‬ ‫ترتيب ألفكارك لتتقبل اآلراء امللموسة واملجربة علم ًيا‪ ،‬دون األخذ باالعتبار‬ ‫ٍ‬ ‫ملشاعرنا اإلنسانية تجاه فكر ٍة معينة‪ ،‬وهذا يعني أنه ميكن للملحد اعتناق‬ ‫األفكار السياسية املتعددة‪ ،‬كأن يكون شيوع ًيا أو رأسامل ًيا أو حتى قوم ًيا‪ ،‬كام‬ ‫للمسلم أن يكون كذلك‪.‬‬ ‫‪ -1‬الزعيم الكوري الشاميل‪.‬‬

‫‪42‬‬


‫أما كون الدين راد ًعا أخالق ًيا فهذا املعيار ينهار أمام محورين‪:‬‬ ‫أولهام‪ ،‬إن الثقافة واألخالق قد تطورتا بشكلٍ مستقلٍ عن الدين‪ ،‬فنحن نعامل الناس كام نحب أن يعاملونا‪ ،‬املسألة‬ ‫مسألة ٍ‬ ‫أخذ وعطا ٍء فأدمغتنا برغامتية إىل ح ٍّد ما!‬ ‫وثانيهام‪ ،‬إن ِ‬ ‫الدين يعتمد عىل التسليم املطلق إلرادة الرب‪ ،‬حتى لو كانت أوامره الإنساني ًة‪ ،‬فينفّذها املؤمن بكل‬ ‫ٍ‬ ‫شاهد عىل ذلك‪.‬‬ ‫رحابة صد ٍر والتاريخ خري‬ ‫أما كون الطغاة الثالثة (ستالني و «هو چي‬ ‫منه»(‪ )2‬وكيم) ملحدين فاألمر أشبه إىل ح ٍّد‬ ‫كبريٍ باملقارنة بني رشيف مكة الحسني وعبد‬ ‫الكريم قاسم(‪ )3‬وصدام حسني‪ ،‬فالزعامء الثالثة‬ ‫كانوا مسلمني‪ ،‬لكن األول انتهج اإلسالم السيايس‬ ‫(اإلسالموية) أما الثاين فانتهج الشيوعية التقدمية‬ ‫والثالث كان قوم ًيا متشد ًدا تسبب بسيلٍ من‬ ‫الدماء‪ ،‬أما األولَني فكانا مساملني نسبيًا‪ ،‬إذًا ملاذا‬ ‫ال نحتج بص ّدام إلثبات دموية اإلسالم؟ والسبب‬ ‫يف ذلك أن قرارات صدام كانت سياسي ًة وليست‬ ‫ديني ًة!‬ ‫األمر نفسه للقادة امللحدين يف الدول الشيوعية‪،‬‬ ‫فقراراتهم كانت سياسي ًة بحت ًة وليس ألغر ٍ‬ ‫اض‬ ‫دينية‪.‬‬ ‫أما اإللحاد فهو فلسف ٌة ذهني ٌة ليست دي ًنا وال حزبًا سياس ًيا‪ ،‬إنك ال ميكن أن تحتج بترصفات ٍ‬ ‫ملحد لِتحكم عىل كل‬ ‫امللحدين ألنه قلّام حمل ملحدان الفلسفة ذاتها‪ ،‬فاإللحاد تحر ٌر من الدوغام وإبدا ٌع يف الفكر!‬ ‫محوري قام به أحد قادة العامل‪ ،‬لندرس تأثري الرادع‬ ‫ألي كان تتبع جذور أي قرا ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫(والختبار صحة هذه الفكرة ميكن ٍ‬ ‫مثل قامت بسبب ازدياد أسعار متطلبات العيش‪ ،‬وصادف إن كان‬ ‫األخالقي الديني يف ذلك القرار؛ فالثورة البلشفية ً‬ ‫‪ -2‬هو چي منه دكتاتور فيتنام‪.‬‬ ‫‪ -3‬رئيس الوزراء العراقي بني عامي (‪ )1958-1963‬يلقبه العراقيون ب (زعيم الفقراء) لكونه عاش ومات فق ًريا‪ ،‬اته َمه املرجع الشيعي الكبري محسن الحكيم باإللحاد وأفتى‬ ‫عسكري للبعثيني وأُحرِق جثامنه ون ُِث يف نهر دجلة‪.‬‬ ‫بانقالب‬ ‫بقتله‪ ،‬اغتيل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬

‫‪43‬‬


‫قائدها ‪-‬فالدميري لينني‪ -‬ملح ًدا‪ ،‬ومل يكن إللحاده أث ٌر باندالع‬ ‫الثورة‪ ،‬ألن الحس اإلنساين الطبيعي يف اإلنسان لقمع‬ ‫الظلم أطلق صيحة النداء فيه‪ ،‬واألمر نفسة بالنسبة لغزو‬ ‫الكويت عام ‪1990‬م الذي قام به صدام حسني املجيد‪،‬‬ ‫كان نتيجة تصفية حسابات الديون التي خلفتها حربه مع‬ ‫مثل‪ ،‬لقام مبا‬ ‫حكومة املاليل يف إيران‪ ،‬فلو كان صدام ملح ًدا ً‬ ‫قام به سابقًا‪ ،‬فخلط املفاهيم الدينية باملفاهيم السياسية‬ ‫ناتج عن محاولة تص ّي ٍد يف املياه العكرة لوحل الحقيقة‪ِ ،‬من‬ ‫ٌ‬ ‫جانب َمن يستفيدون من هذا املفهوم!‬ ‫مسلم!‬ ‫ف ُهم يعيبون عىل امللحدين كون ستالني كان ملح ًدا وال يعيبون عىل أنفسهم كون صدام حسني املجيد كان‬ ‫ً‬ ‫هنا يحق للقارئ سؤال‪:‬‬ ‫ملاذا تنتقدون دين صلعم ‪-‬محمد‪-‬؟ ملاذا ال تعتربون قراراته سياسي ًة ال تنم عن ِ‬ ‫الدين الذي جاء به؟‬ ‫ٍ‬ ‫محمد السياسية‪ ،‬يكون ملجرد اعرتاف اإلسالم بها‪ ،‬فمحم ٌد‬ ‫القضية ليست معقد ًة كث ًريا وانتقادنا لإلسالم بسبب قرارات‬ ‫بنفسه يدعي أن ما يقوم به كان بأوامر من الله نفسه‪ ،‬وكذلك ما قام به الخلفاء الراشدون واألمويون والعثامنيون‪،‬‬ ‫ثابت يعتمد عىل‬ ‫كل قراراتهم السياسية تبناها اإلسالم ومل تتح فرص ٌة للتشكيك بها أو االعرتاض عليها‪ ،‬فالدين مفهو ٌم ٌ‬ ‫ما ورد يف القرآن والسرية النبوية (الرشيفة)‪ ،‬أما السياسة فهي قناع ٌة شخصية‪ ،‬أي أنك ‪-‬عزيزي القارئ الكريم‪ -‬عندما‬ ‫تتخذ قرا ًرا سياسيًا فإنه ميثل قناعتك الشخصية‪ ،‬وعندما تتخذ قرا ًرا دينيًا ميثل الوعي الجمعي لرتاكم املعرفة الدينية‬ ‫ممثل طبق ًة واسع ًة من املتدينني وقد ميثل الدين نفسه‪.‬‬ ‫لعصو ٍر طويل ٍة ً‬ ‫رشا عاديًا يخطئ ويصيب‪ ،‬ليفتح مجال التشكيك‬ ‫وهذا ما قام به محم ٌد فهو مل يكن قائ ًدا سياس ًيا تواضع ليخربنا بأنه ب ً‬ ‫لتصويب الخطأ وتصليح العيب‪ ،‬ليشفع لدينه من األخطاء فهو مل يفصل سياسته عن دينه وإمنا خلق منهام مفهو ًما‬ ‫رث ًا جلب الويالت لألمة!‬ ‫أما اإللحاد فلم يكن فك ًرا سياس ًيا من خالله ميكن انتقاد امللحدين‪ ،‬ومل يكن فك ًرا دين ًيا ليعرقل تقدم الحضارة لتقديس‬ ‫نصوصه)‪.‬‬ ‫‪ -2‬هو چي منه دكتاتور فيتنام‪.‬‬ ‫‪ -3‬رئيس الوزراء العراقي بني عامي (‪ )1958-1963‬يلقبه العراقيون ب (زعيم الفقراء) لكونه عاش ومات فق ًريا‪ ،‬اته َمه املرجع الشيعي الكبري محسن الحكيم باإللحاد وأفتى‬ ‫عسكري للبعثيني وأُحرِق جثامنه ون ُِث يف نهر دجلة‪.‬‬ ‫بانقالب‬ ‫بقتله‪ ،‬اغتيل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬

‫‪44‬‬


‫فالبعض يحتج بآرا ٍء شخصي ٍة لدوكينز أو داروين يف محاول ٍة إلخبارنا‬ ‫ٍ‬ ‫محمد وصحابته ومشايخ‬ ‫بفساد عقيدتنا‪ ،‬كام نحن نحتج بأقوال‬ ‫اإلسالم‪( ،‬حتى إن بعضهم يحاول إيقاظ مشاعر ديني ٍة ما يف أرواحنا‪،‬‬ ‫كتب مثل أصل األنواع ووهم اإلله وحتى سب دوكينز‬ ‫عن طريق حرق ٍ‬ ‫وهاوكينغ)‪ ،‬لكن ما مل ينتبه له هؤالء أن اإللحاد ليس آيديولوجيا‬ ‫أيضا فنحن ال نقدس داروين وال دوكينز فهم فالسف ٌة قد نستنري‬ ‫ديني ًة ً‬ ‫عادي يخطئون ويصيبون‬ ‫رش‬ ‫ببحوثهم واكتشافاتهم‪ ،‬وهم كأي ب ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫وآراؤهم قابلٌة للتشكيك والنقد وهذا ما يكسبهم احرتامهم‪ ،‬فهم مل‬ ‫ي ّدعوا النبوة ومل يطلبوا من ٍ‬ ‫أحد ات ِّباعهم!‬ ‫لهذا ال يعترب اإللحاد دي ًنا‪.‬‬ ‫فعىل عكس‪ ،‬الدين الذي هو غري قابلٍ للتطور وال النقد‪ ،‬فالكتب‬ ‫جنب مع العلم‪،‬‬ ‫واملواضيع والفلسفات اإللحادية تتطور جن ًبا إىل ٍ‬ ‫فال جدوى من محاولة نسف الفكر فمصادر معلوماته قدمي ٌة قد‬ ‫تجاوزها العلم‪.‬‬

‫نظرتك ترعبهم ‪..‬‬

‫وعىل عكس الدين‪ ،‬فامللحد ال يدعي معرفته بكل يش ٍء مام يثري فرص ًة كبري ًة للباحثني والعلامء الشباب لسرب متاهات‬ ‫ٍ‬ ‫بإجابات قدمي ٍة وال يسلّم للحقيقة املطلقة‪،‬‬ ‫الطبيعة واكتشاف املجهول منها‪ ،‬فهو يشجع التساؤل والبحث وال يكتفي‬ ‫ٍ‬ ‫شفاف ومرنٍ يقوده العقل‪.‬‬ ‫فكل يشء ٌ‬ ‫قابل للنقد والبحث وبذلك ميكن بناء مجتمعٍ‬ ‫أما الديانات كلها فتتبع فلسفة إله الفراغات‪:‬‬ ‫إن مل أكن أعرف السبب فهو الله‪.‬‬‫كفيل بإظهار الجواب كتفسري حركة الكواكب والتي كان الناس يعتقدون أن املالئكة‬ ‫وما أدراك أنت فلعل الزمن ٌ‬ ‫تسيها (‪ )4‬حتى اكتشاف الجاذبية!‬ ‫ّ‬ ‫علم مل يسرب أغواره‪،‬‬ ‫فلو أعطى الدين فرص ًة واحد ًة فقط للفضول ملا ُوجِد الدين ً‬ ‫أصل‪ ،‬ألن فضول اإلنسان لن يرتك ً‬ ‫فاإللحاد ليس أيدولوجيا سياسي ًة ميكن من خاللها تفسري طغيان الطغاة‪ ،‬وال هو أيدولوجيا ديني ًة جامد ًة وغري قابل ٍة‬ ‫للنقد‪،‬‬ ‫بل هو دراسة الظواهر مبوضوعي ٍة وحيادية‪.‬‬ ‫‪ -4‬من كتابات يوهانس كبلر‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫ﺳﻴﺮة‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ آﻣﻨﺔ‬

‫اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ‪ :‬ﻣﺤﻤﺪ ﻳﺘﻴ ًﻤﺎ‬

‫ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﻜﺘﺎب‬ ‫‪LA VIE DE MAHOMET‬‬ ‫ﺳﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻫﺬﻩ اﻟﺤﻠﻘﺔ‪:‬‬

‫‪Ayman Pheidias‬‬ ‫اﻟﺸﻴﺦ دﻳﻜﺎرت‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫‪46‬‬


‫وﻓﺎة آﻣﻨﺔ‬

‫ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه ﻓﺮﺻﺔ ﻋﺎﺋﻠﺔ آﻣﻨﺔ ﻟﺘﺮى ﻣﺤﻤﺪ‬

‫ٍ‬ ‫ﺳﻨﻮات‪ ،‬أﺧﺬت‬ ‫ﺣﻴﻦ ﻛﺎن ﻋﻤﺮه ﺳﺖ‬ ‫آﻣﻨﺔ ﻣﺤﻤﺪ ًا ﻟﺰﻳﺎرة ﻗﺒﺮ أﺑﻴﻪ ﻓﻲ ﻳﺜﺮب‬

‫أﻣﻀﻰ اﻟﻄﻔﻞ وأﻣﻪ ﺷﻬﺮ ًا ﻛﺎﻣ ًﻼ ﻓﻲ ﺳﻌﺎد ٍة ﻏﺎﻣﺮة‬

‫ﻋﺎﺻﻔﺔ ﺷﺪﻳﺪ ٌة‬ ‫ﻫﺒﺖ‬ ‫ٌ‬ ‫ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﻣﻜﺔ‪ّ ،‬‬ ‫ﻓﻤﺮﺿﺖ آﻣﻨﺔ‬

‫‪47‬‬

‫ﺑﻌﺪ أﻳﺎم‪ ،‬ﻣﺎﺗﺖ آﻣﻨﺔ ﺑﻴﻦ ﻳﺪي‬ ‫اﺑﻨﻬﺎ اﻟﻤﺤﺒﻮب‬


‫ﺟﺪه ﺑﺮﻓﻘﺔ‬ ‫ﺑﻌﺪ ﺧﻤﺴﺔ أﻳﺎم‪ ،‬ذﻫﺐ ﻣﺤﻤﺪ ﻟﺒﻴﺖ ّ‬ ‫أم أﻳﻤﻦ ﺟﺎرﻳﺔ أﻣﻪ آﻣﻨﺔ‬

‫ﻛﺎن ﻋﻤﺮﻫﺎ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﺳﻨﺔ‪،‬‬ ‫ودﻓﻨﺖ ﺑﻴﻦ ﻳﺜﺮب وﻣﻜﺔ‬

‫أﺻﺒﺤﺖ ﻫﺬه اﻷﺧﻴﺮة‬ ‫ﻣﺮﺑﻴﺘﻪ‬

‫دﻟﻞ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ ﻣﺤﻤﺪ‬ ‫أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أﺑﻨﺎﺋﻪ‬

‫ﻋﻨﺪ ﻛﻞ وﺟﺒﺔ ﻛﺎن ﻳﺠﻠﺲ ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ‬ ‫)‪(2‬‬ ‫وﻳﻌﻄﻴﻪ أﻓﻀﻞ اﻟﻄﻌﺎم‬

‫أﻧﺖ أﻣﻲ ﺑﻌﺪ‬ ‫)‪(1‬‬ ‫أﻣﻲ!‬

‫ﻧﺠﺢ ﻣﺤﻤﺪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﺸﻞ ﻓﻲ ﻓﻌﻠﻪ أﺑﻨﺎء ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ‬

‫ﺣﻴﻦ ﻛﺎﻧﺖ أﺑﻞ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ ﺗﻬﺮب‪ ،‬ﻛﺎن اﻟﻮﺣﻴﺪ‬ ‫)‪(3‬‬ ‫اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻴﻬﺎ وإﻋﺎدﺗﻬﺎ‬

‫‪48‬‬


‫ﻋﻼﻣﺎت اﻟﻨﺒ ّﻮة‬

‫ﻧﺒﻴﺎ ﻣﻦ أﺣﻔﺎد‬ ‫إن ً‬ ‫اﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺳﻮف ﻳﻈﻬﺮ‬ ‫ﻓﻲ ﻫﺬه اﻷﻣﺔ‪...‬‬

‫ﻋﺮاف‬ ‫ﻓﻲ ٍ‬ ‫ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم‪ ،‬أﺗﻰ ّ‬ ‫ﻧﺠﺮان ﻟﺮؤﻳﺔ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ ﺗﺤﺖ‬ ‫ﻇﻞ اﻟﻜﻌﺒﺔ‬

‫وﻟﺪﻳﻨﺎ ﻣﻮاﺻﻔﺎﺗﻪ‪..‬‬

‫ﻟﻠﻌﺮاف اﻟﺬي ﻓﺤﺺ ﻋﻴﻨﻴﻪ وﻇﻬﺮه وﺳﻴﻘﺎﻧﻪ‬ ‫أﺗﻰ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ ﺑﻤﺤﻤﺪ ّ‬ ‫ﻣﻦ ﻳﻜﻮن ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ‬ ‫ﻟﻚ؟‬

‫ﻣﺴﺘﺤﻴﻞ!‬ ‫ﻧﺤﻦ ﻧﻌﻠﻢ أن أب ﻫﺬا اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻢ‬ ‫ﻳﻌﺪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ‪.‬‬

‫إﻧﻪ اﺑﻨﻲ!‬

‫إﻧﻪ ﺣﻔﻴﺪي‪ ،‬أﺑﻮه ﻣﺎت ﻋﻨﺪﻣﺎ‬ ‫ﻛﺎن ﻓﻲ ﺑﻄﻦ أﻣﻪ‬

‫ﺻﺪﻗﺖ!‬

‫‪49‬‬

‫)‪(4‬‬


‫ﻓﻲ ﺳﻦ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ‪،‬‬ ‫ﻣﺤﻤﺪا اﻟﺮﻣﺪ‬ ‫أﺻﺎب‬ ‫ً‬ ‫ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﺔ‬

‫ﻋﻤ ًﻼ ﺑﻨﺼﺎﺋﺢ اﻟﻘﺮﻳﺔ‪ ،‬أﺧﺬه ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ‬ ‫ﻣﻌﺮوف ﺑﻘﺪرﺗﻪ‬ ‫راﻫﺐ ﻓﻲ ﺳﻮق ﻋﻜﺎظ‬ ‫ٌ‬ ‫إﻟﻰ ٍ‬ ‫ﻋﻠﻰ ﻋﻼج اﻟﺤﺎﻻت اﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻴﺔ‪..‬‬

‫ﺣﺎول أﻫﻠﻪ ﻋﻼﺟﻪ‬ ‫دون ﺟﺪوى‪..‬‬

‫ﺣﻴﻦ وﺻﻠﻮا ﻟﻠﺪﻳﺮ‪ ،‬ﻧﺎدى ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻜﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺮاﻫﺐ‪،‬‬ ‫ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻔﺘﺢ اﻟﺒﺎب!‬

‫ﺑﻌﺪ أن ﻓﺤﺺ اﻟﻄﻔﻞ‪ ،‬ﻧﻈﺮ‬ ‫إﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻜﺘﻮﺑ ًﺎ ﻋﻠﻰ ٍ‬ ‫ﻟﻮح‬ ‫ﻓﻲ ﻳﺪه‬

‫ﻓﺠﺄة ﺑﺪأت ﺟﺪران اﻟﺪﻳﺮ ﺗﻬﺘﺰ ﻓﻔﺮ‬ ‫اﻟﺮاﻫﺐ راﻛﻀ ًﺎ‬

‫ﻫﺬا اﻟﻄﻔﻞ ﻫﻮ آﺧﺮ رﺳﻮ ٍل‬ ‫ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﷲ‬

‫‪50‬‬


‫ﻟﻮ ﻟﻢ أﺧﺮج ﻟﻠﻘﺎﺋﻜﻢ‬

‫ﻫﻞ ﺑﻠﻎ ﺳﻦ اﻟﺮﺷﺪ؟‬

‫ﻻﻧﻬﺎر اﻟﺪﻳﺮ ﻋﻠﻰ رأﺳﻲ‪...‬‬

‫ﺧﺬوا ﺑﺼﺎﻗﻪ واﻣﺴﺤﻮا ﺑﻪ ﻋﻴﻨﻴﻪ!‬

‫دواؤه ﻋﻨﺪي‪...‬‬

‫ﻧﻌﻢ!‬

‫وﻫﺬا ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ اﻟﺠﺪ‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وﺟﻮع ﻋﺼﻴﺒﺔ‬ ‫ﺟﻔﺎف‬ ‫ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء‪ ،‬ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻳﺶ ﺗﻤﺮ ﺑﻔﺘﺮة‬

‫‪51‬‬

‫ﻓﺸﻔﻴﺖ ﻋﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤ ٍﺪ‬ ‫)‪(5‬‬ ‫ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر‬


‫ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﺳﻤﻌﺖ رﻗﻴﻘﺔ‪ ،‬إﺣﺪى‬ ‫زوﺟﺎت ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ‪ ،‬ﺻﻮﺗ ًﺎ ﻏﺮﻳﺒ ًﺎ‬ ‫وأﻧﺎ ﻓﻲ ﻗﻴﻠﻮﻟﺘﻲ ﺳﻤﻌﺖ‬

‫ﻳﺎﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬أﻳﺎم ﺷﻘﺎﺋﻜﻢ‬ ‫ﻗﺪ اﻧﺘﻬﺖ‪ ،‬وﺳﻮف ﺗﺮون‬ ‫اﻟﺨﺼﻮﺑﺔ واﻹزدﻫﺎر ﻗﺮﻳﺒ ًﺎ‬

‫ﺻﻮﺗ ًﺎ ﺧﺸﻨ ًﺎ وﻟﻢ أﻋﺮف‬ ‫ﻣﺼﺪره‬ ‫ﻛﺎن‬ ‫ﻳﻘﻮل‪:‬‬

‫ﻟﻜﻦ ﻗﺒﻞ ﻫﺬا أﺑﺤﺜﻮا ﻋﻦ‬ ‫ﻧﺴﺐ ﺷﺮﻳﻒ‪،‬‬ ‫رﺟ ٍﻞ ﻣﻨﻜﻢ ذو ٍ‬ ‫ﻃﻮﻳﻞ اﻟﻘﺎﻣﺔ‪ ،‬أﺑﻴﺾ اﻟﻮﺟﻪ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ورﻣﻮش‬ ‫ذو ﺣﺎﺟﺒﻴﻦ ﻣﻠﺘﺼﻘﻴﻦ‪،‬‬

‫ﻋﺎﺋﻠﺔ‬ ‫ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ﻃﻠﺐ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ أن ﺗﻘﻮم ﻛﻞ ٍ‬ ‫ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ رﺟ ٍﻞ ٍ‬ ‫ﻃﻴﺒﺔ وﺷﻜ ٍﻞ ﻳﻮاﻓﻖ‬ ‫ﻧﻈﻴﻒ ذو راﺋﺤﺔ ٍ‬ ‫اﻷوﺻﺎف اﻟﻤﺬﻛﻮرة‬

‫وﺧﺪان ﻣﻤﺘﻶن‬ ‫ﻃﻮﻳﻠﺔ‪ّ ،‬‬

‫ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻮﻣﻮا ﺟﻤﻴﻌ ًﺎ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء‬ ‫ﻟﻠﺴﻤﺎء ﻛﻲ ﺗﻤﻄﺮ‬

‫ﺣﻴﻦ اﺟﺘﻤﻊ ﺣﻜﻤﺎء اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ‪ ،‬اﺗﻀﺢ ﻟﻬﻢ أن اﻟﻮﺻﻒ ﻳﻄﺎﺑﻖ‪..‬‬

‫‪52‬‬


‫ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ!‬

‫ﻣﺘﻀﺮﻋﺎن‬ ‫رﻓﻊ اﻟﻌﺠﻮز واﺑﻨﻪ ﻳﺪاﻫﻤﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء‬ ‫ّ‬ ‫ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء‪..‬‬

‫ﻗﺒﻞ أن ﻳُﻨﻬﻲ دﻋﺎءه‪ ،‬ﻛﺎن اﻟﺴﺤﺎب ﻗﺪ اﺟﺘﻤﻊ‪ ،‬وﺑﺪأت ﻗﻄﺮات اﻟﻤﻄﺮ ﺗﺘﺴﺎﻗﻂ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮﺑﺔ اﻟﻌﻄﺸﻰ‬

‫‪53‬‬

‫)‪(6‬‬


‫(‪ .)1‬ما جاء يف وفاة آمنة بنت وهب والدة محمد‪:‬‬

‫عدي بن ال ّن ّجار باملدينة تزورهم‬ ‫‪...« l‬كان رسول اللّه ‪ّ -‬‬ ‫صل اللّه عليه وسلّم ‪ -‬مع أ ّمه آمنة بنت ٍ‬ ‫فلم بلغ ّ‬ ‫وهب‪ّ .‬‬ ‫ست سنني خرجت به إىل أخواله بني ّ‬ ‫به‪ .‬ومعه أ ّم أمين تحضنه وهم عىل بعريين‪ .‬فنزلت به يف دار ال ّنابغة‪ .‬فأقامت به عندهم شه ًرا‪ ...‬وكنت مع غلامن من أخوايل نطري طائرا كان عليه يقع‪،‬‬ ‫ونظر إىل ال ّدار فقال‪ :‬ههنا نزلت يب أ ّمي ويف هذه ال ّدار قرب أيب عبد اللّه بن عبد املطّلب وأحسنت العوم يف برئ بني عدي ابن ال ّن ّجار»‪.‬‬ ‫‪ n‬الطبقات الكربى البن سعد‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل – ‪1990‬م‪ ،‬ذكر وفاة آمنة أم رسول الله‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحات (‪.)93+94‬‬ ‫‪...« l‬وملا استغنى ولدها عن املراضع شدت رحالها مع وليدها‪ ،‬وقطعت الفيا ىف والقفار ىف مشقة ال يقدر عليها إال الصابرون‪ ،‬وذهبت إىل يرثب لرتى‬ ‫قرب زوجها الذى اختريت له وهو مرمى األنظار»‪.‬‬ ‫‪ n‬خاتم النبيني‪ ،‬محمد أيب زهرة‪ ،‬دار الفكر العريب – القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل – ‪1425‬هـ‪ ،‬صفات سامية يف آمنة‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحات (‪.)91‬‬ ‫‪...« l‬وتلبث عليه الصالة والسالم برهة ميال عينيه من هذا الحي‪ ،‬ويسرتجع ذكريات رحلته االوىل إىل يرثب‪ ،‬حني جاءت به أمه (آمنة بنت وهب) من‬ ‫مكة وهو يف السادسة من عمره‪ ،‬لتزيره قرب أبيه الثاوي هناك‪ ...‬ومع الذكريات‪ ،‬طوى سبعة وأربعني عاما من عمره‪ ،‬ليجد نفسه غالما غض الصبا‪ ،‬يعود مع‬ ‫أمه يف رحلة االياب إىل أم القرى‪ ،‬ومعهام (بركة أم أمين) فام قطعوا بعض مراحل الطريق حتى وعكت أمه‪ ،‬ثم أسلمت الروح بني يديه يف بقعة موحشة‬ ‫من الفالة‪ ،‬بني يرثب ومكة»‪.‬‬ ‫‪ n‬مع املصطفى‪ ،‬عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ)‪ ،‬دار الكتاب العريب بريوت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل – ‪1972‬م‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)198‬‬ ‫‪...« l‬ورأت آمنة وفاء لذكرى زوجها الراحل أن تزور قربه بيرثب‪ ،‬فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ خمسامئة كيلو مرتا‪ ،‬ومعها ولدها اليتيم‪ -‬محمد‬ ‫صىل الله عليه وسلم‪ -‬وخادمتها أم أمين‪ ،‬وقيمها عبد املطلب‪ ،‬فمكثت شهرا‪ ،‬ثم قفلت‪ :‬وبينام هي راجعة إذ يالحقها املرض‪ ،‬ويلح عليها يف أوائل الطريق‪،‬‬ ‫فامتت باألبواء بني مكة واملدينة»‪.‬‬ ‫‪ n‬الرحيق املختوم‪ ،‬صفي الرحمن املباركفوري‪ ،‬دار الهالل ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)48‬‬ ‫‪...« l‬الحظت آمنة أن محمدا يتمتع بقوة بدنية وعقلية‪ ،‬تفوق أقرانه من األطفال‪ ،‬ورأت أن تذهب به لزيارة أخوال أبيه من بني عدي بن النجار‪،‬‬ ‫وليعرف قرب أبيه الذي دفن يف دارهم‪ ،‬وليعلم أصوله من جهة أمه كام علمها من جهة أبيه‪ ،‬وأخذته صىل الله عليه وسلم ورحلت به عىل ناقتني لها‪،‬‬ ‫ومعهام أم أمين‪ ،‬ومكثت يف املدينة شهرا كامال؛ ليتمكن وليدها الصغري من التعرف باملكان وأهله‪ ،‬ويرى ما هم فيه من عادات وأديان وأعامل‪ ،‬من خالل‬ ‫لعبه مع الصغار‪ ،‬أو جلوسه مع الكبار‪ ،‬وعند عودة آمنة من املدينة إىل مكة ماتت يف الطريق عند األبواء ودفنت بها‪ ...‬ورجعت القافلة مرة أخرى إىل مكة‬ ‫بال آمنة‪ ،‬فاستقبلها عبد املطلب‪ ،‬وضم حفيده إليه‪ ،‬فكفل محمدا صىل الله عليه وسلم ومعه حاضنته “أم أمين” تخدمه‪ ،‬وبقيت ذكريات رحلة املدينة‬ ‫مع رسول الله صىل الله عليه وسلم طوال حياته؛ ألنه صىل الله عليه وسلم ملا هاجر يف اإلسالم إىل املدينة املنورة بعد سبع وأربعني سنة؛ نظر إىل أطم‪2‬‬ ‫بني النجار وقال‪“ :‬كنت أالعب “أنيسة” ‪-‬وهي جارية من األنصار‪ -‬عىل هذه األطم‪ ،‬وكنت مع الغلامن أبناء أخوايل نطري طائرا كان يقع علينا‪ ،‬وأحسنت‬ ‫العوم يف برئ بني عدي بن النجار”‪ ،‬وقال‪“ :‬ويف دار بني عدي نزلت مع أمي‪ ،‬وفيها قرب أيب”»‪.‬‬ ‫‪ n‬السرية النبوية والدعوة يف العهد امليك‪ ،‬أحمد أحمد غلوش‪ ،‬مؤسسة الرسالة – الطبعة األوىل ‪-2003‬م‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)202‬‬ ‫‪...« l‬ووفاتها كانت باألبواء‪ ،‬وهو محل بني مكة واملدينة‪ :‬أي وهو إىل املدينة أقرب‪ .‬وسمي بذلك ألن السيول تتب ّوأه‪ :‬أي تحل فيه ودفنت به‪ .‬فقد جاء‬ ‫أنه ﷺ ملا مر باألبواء يف عمرة الحديبية قال‪ :‬إن الله أذن ملحمد يف زيارة قرب أمه‪ ،‬فأتاه وأصلحه‪ ،‬وبىك عنده‪ ،‬وبىك املسلمون لبكائه ﷺ وقيل له يف‬ ‫ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬أدركتني رحمتها فبكيت وكان موتها وهي راجعة به ﷺ من املدينة من زيارة أخواله‪ :‬أي أخوال جده عبد املطلب‪ ،‬ألن أم عبد املطلب من‬ ‫بني عدي بن النجار كام تقدم‪ ،‬بعد أن مكثت عندهم شهرا ومرضت يف الطريق ومعها أم أمين بركة الحبشية التي ورثها من أبيه عبد الله عىل ما تقدم‪،‬‬ ‫فحضنته وجاءت به إىل جده عبد املطلب‪ :‬أي بعد خمسة أيام من موت أمه‪ ....‬أي وكان ﷺ يقول ألم أمين‪“ :‬أنت أمي بعد أمي” ويقول‪“ :‬أم أمين أمي‬ ‫بعد أمي”»‪.‬‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لعيل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1427 -‬هـ‪،‬‬ ‫باب وفاة أمه ﷺ وحضانة أم أمين له وكفالة جده عبداملطلب له‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)154‬‬

‫‪54‬‬


‫‪ n‬لتفاصيل أكرث راجع أيضً ا كتاب‪ :‬أم الرسول محمد آمنة بنت وهب‪ ،‬لـ عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ)‪ ،‬دار الهالل‪-‬مرص‪ ،‬الصفحات (‪.)159-168‬‬

‫(‪ .)2‬ما جاء يف تدليل عبداملطلب ملحمد‪:‬‬

‫«‪...‬ألن أم عبد املطلب من بني عدي بن النجار كام تقدم‪ ،‬بعد أن مكثت عندهم شهرا ومرضت يف الطريق ومعها أم أمين بركة الحبشية التي ورثها من أبيه‬ ‫عبد الله عىل ما تقدم‪ ،‬فحضنته وجاءت به إىل جده عبد املطلب‪ :‬أي بعد خمسة أيام من موت أمه‪ ،‬فضمه إليه ورق عليه رقة مل يرقها عىل ولده‪ ...‬وكان‬ ‫يوضع لعبد املطلب فراش يف ظل الكعبة ال يجلس عليه أحد من أهل بيته‪ :‬أي وال أحد من أرشاف قريش إجالال له‪ ،‬فكان بنوه وسادات قريش يحدقون‬ ‫به‪ ،‬فكان رسول الله صىل الله عليه وسلم يأيت وهو غالم جفر‪ :‬أي شديد قوي حتى يجلس عليه‪ ،‬فيأخذه أعاممه ليؤخروه عنه‪ ،‬فيقول عبد املطلب‪ :‬إذا‬ ‫رسه ما يراه يصنع‪ ...‬وعن أم أمين «كنت أحضن النبي صىل‬ ‫رأى‪ :‬أي علم ذلك منهم دعوا ابني‪ ،‬فو الله إن له لشأنا‪ ،‬ثم يجلسه عليه معه‪ ،‬وميسح ظهره وي ّ‬ ‫الله عليه وسلم أي أقوم برتبيته فغفلت‪ ،‬عنه يوما فلم أدر إال بعبد املطلب قامئا عىل رأيس يقول يا بركة‪ .‬قلت لبيك‪ ،‬قال‪ :‬أتدرين أين وجدت ابني؟ قلت‬ ‫ال أدري‪ ،‬قال‪ :‬وجدته مغ غلامن قريبا من السدرة ال تغفيل عن ابني فإن أهل الكتاب أي ومنهم سيف بن ذي يزن كام سيأيت يزعمون أنه نبي هذه األمة‪،‬‬ ‫يل بابني أي أحرضوه‪ ،‬قال‪ :‬وكان عبد املطلب إذا أيت بطعام أجلس رسول الله‬ ‫وأنا ال آمن عليه منهم‪ ،‬وكان ال يأكل يعني عبد املطلب طعاما إال يقول ع ّ‬ ‫صىل الله عليه وسلم إىل جنبه ورمبا أقعده عىل فخذه فيؤثره بأطيب طعامه انتهى»‪.‬‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لعيل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1427 -‬هـ‪،‬‬ ‫باب وفاة أمه ﷺ وحضانة أم أمين له وكفالة جده عبداملطلب له‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحات (‪.)154+158+161‬‬

‫(‪ .)3‬ما جاء يف تف ّوق محمد عىل أبناء عبداملطلب‪:‬‬

‫‪ « l‬قالوا‪ :‬عبد املطلب بن هاشم‪ ،‬بعث ابن ابنه يف طلب إبل له ضلت وما بعثه يف يشء إال جاء به‪ ،‬قال ويف رواية هذا سيد قريش عبد املطلب له إبل‬ ‫كثرية فإذا ضل منها يشء بعث فيه بنيه يطلبونها‪ ،‬فإذا غابوا بعث ابن ابنه ومل يبعثه يف حاجة إال أنجح فيها‪ ،‬وقد بعثه يف حاجة أعيا عنها بنوه وقد أبطأ‬ ‫عليه انتهى‪ ،‬فام برحت‪ :‬أي ما زلت عن مكاين حتى جاء باإلبل معه‪ ،‬فقال له‪ :‬يا بني حزنت عليك حزنا ال يفارقني بعده أبدا‪ ،‬وتقدم عن بعض املفرسين‬ ‫ما ال يحتاج إىل إعادته هنا»‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لعيل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1427 -‬هـ‪،‬‬ ‫باب وفاة أمه ﷺ وحضانة أم أمين له وكفالة جده عبداملطلب له‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)161‬‬

‫(‪ .)4‬حادثة األسقف (املنجم) النجراين الذي تنبأ بنب ّوة محمد‪:‬‬

‫«قال‪ :‬وبينا عبد املطلب يوما يف الحجر وعنده أسقف نجران‪ .‬واألسقف‪ :‬رئيس النصارى يف دينهم اشتق من السقف بالتحريك وهو طول االنحناء ألنه‬ ‫يتخاشع‪ :‬أي يظهر الخشوع وذلك األسقف يحادثه ويقول له إنا نجد صفة نبي بقي من ولد إسمعيل وهذا البلد مولده‪ ،‬ومن صفته كذا وكذا‪ ،‬وأىت برسول‬ ‫صىل الله عليه وسلم فنظر إليه األسقف إىل عينيه وإىل ظهره وإىل قدمه‪ ،‬وقال‪ :‬هو هذا ما هذا منك قال‪ :‬هذا ابني‪ ،‬قال‪ :‬ما نجد أباه حيا‪ ،‬قال‪ :‬هو ابن‬ ‫ابني‪ ،‬وقد مات أبوه وأمه حبىل به‪ .‬قال‪ :‬صدقت‪ ،‬فقال عبد املطلب لبنيه تحفظوا بابن أخيكم‪ ،‬أال تسمعون ما يقال فيه؟ انتهى»‪.‬‬

‫‪ n‬السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لعيل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1427 -‬هـ‪،‬‬ ‫باب وفاة أمه ﷺ وحضانة أم أمين له وكفالة جده عبداملطلب له‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)161‬‬

‫(‪ .)5‬ما جاء يف إصابة محمد مبرض الرمد وهو صغري‪:‬‬

‫«قال‪ :‬وذكر ابن الجوزي أنه صىل الله عليه وسلم يف سنة سبع من مولده أصابه رمد شديد‪ ،‬فعولج مبكة فلم يغن‪ ،‬فقيل لعبد املطلب إن يف ناحية عكاظ‬ ‫راهبا يعالج األعني فركب إليه ومعه رسول الله صىل الله عليه وسلم‪ ،‬فناداه وديره مغلق فلم يجبه‪ ،‬فتزلزل ديره حتى خاف أن يسقط عليه‪ ،‬فخرج مبادرا‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬يا عبد املطلب إن هذا الغالم نبي هذه األمة ولو مل أخرج إليك لخر عيل ديري‪ ،‬فارجع به واحفظه ال يقتله بعض أهل الكتاب‪ ،‬ثم عالجه وأعطاه‬ ‫ما يعالجه به‪.‬‬ ‫هذا ورأيت يف كتاب سامه مؤلفه “كريم الندماء ونديم الكرماء” أن رسول الله صىل الله عليه وسلم رمد وهو صغري‪ ،‬فمكث أياما يشكو‪ ،‬فقال قائل لجده‬ ‫عبد املطلب‪ :‬إن بني مكة واملدينة راهبا يرقي من الرمد‪ ،‬وقد شفى عىل يديه خلق كثري‪ ،‬فأخذه جده وذهب به إىل ذلك الراهب‪ ،‬فلام رآه الراهب دخل‬ ‫إىل صومعته فاغتسل ولبس ثيابه ثم أخرج صحيفة فجعل ينظر إىل الصحيفة وإليه صىل الله عليه وسلم‪ ،‬ثم قال‪ :‬هو والله خاتم النبيني‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا عبد‬ ‫املطلب هو أرمد؟ قال نعم‪ ،‬قال‪ :‬إن دواءه معه‪ ،‬يا عبد املطلب خذ من ريقه وضعه عىل عينيه فأخذ عبد املطلب من ريقه صىل الله عليه وسلم ووضعه‬ ‫عىل عينيه صىل الله عليه وسلم فربئ لوقته ثم قال الراهب يا عبد املطلب وتالله هذا هو الذي أقسم عىل الله به فأبرأ املرىض وأشفى األعني من الرمد‬ ‫فليتأمل‪ ،‬فإن تعدد الواقعة ال يخلو عن بعد‪ ،‬والله أعلم»‪.‬‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لعيل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1427 -‬هـ‪،‬‬ ‫باب وفاة أمه ﷺ وحضانة أم أمين له وكفالة جده عبداملطلب له‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحة (‪.)164‬‬

‫‪55‬‬


‫(‪ .)6‬ما جاء يف إصابة قريش بالقحط واستسقاء عبداملطلب لهم‪:‬‬

‫«وعن رقيقة بنت أيب صيفي‪ :‬أي ابن هاشم بن عبد مناف زوجة عبد املطلب‪ ،‬قالت‪ :‬تتابعت عىل قريش سنون جدبة أقحلت‪ ،‬أي أيبست الجلد‪ ،‬وأدقت‬ ‫العظم‪ ،‬فبينا أنا نامئة أو مهمومة أي بني اليقظانة والنامئة إذ هاتف هو الذي يسمع صوته وال يرى شخصه كام تقدم يرصخ بصوت صحل‪ :‬أي فيه بحوحة‬ ‫وهي خشونة الصوت وغلظه يقول‪ :‬يا معرش قريش إن هذا النبي املبعوث منكم قد أظلتكم أيامه‪ :‬أي قربت منكم‪ ،‬وهذا إبان مخرجه فحيعال بالحيا‬ ‫والخصب‪ ،‬أال فانظروا رجال منكم وسطا عظاما أبيض بضا أي شديد البياض‪ ،‬أوطف األهداب أي كثري شعر العينني أسهل الخدين‪ ،‬أشم العرنني أي مرتفع‬ ‫األنف‪ ،‬له فخر يكظم عليه أي يسكت عليه وال يظهره وسنن يهتدى إليها أي يرشد إليها‪ ،‬فليخلص هو وولده وولد ولده وليدلف أي يتقدم إليه من كل‬ ‫بطن رجل فليسنوا من املاء‪ :‬أي يفرغوه عىل أجسادهم أي يغتسلوا به‪ ،‬وليمسوا من الطيب‪ ،‬ثم يلتمسوا الركن وليطوفوا بالبيت العتيق سبعا‪ ،‬ثم لريقوا‬ ‫أبا قبيس فليستسق الرجل وليؤمن القوم أال وفيهم الطيب الطاهر فغثتم إذا ما شئتم أي جاءكم الغيث عىل ما تريدون‪.‬‬ ‫فقالت‪ :‬فأصبحت مذعورة قد اقشعر جلدي ووله أي ذهب عقيل‪ ،‬واقتصيت رؤياي أي ذكرتها عىل وجهها فنمت أي فشت وكرثت يف شعاب مكة‪ ،‬فام‬ ‫بقي أبطحي إال قال هذا شيبة الحمد يعني عبد املطلب وقامت عنده قريش وانفض إليه من كل بطن رجل فسنوا من املاء‪ ،‬ومسوا من الطيب واستلموا‬ ‫وطافوا‪.‬‬ ‫ثم ارتقوا أبا قبيس‪ ،‬فطفق القوم يدنون حوله ما إن يدركه بعضهم مهلة وهي التؤدة والتأين ومعه رسول الله صىل الله عليه وسلم قد أيفع أي ارتفع أو‬ ‫كرب أي قرب من ذلك‪ ،‬فقام عبد املطلب فقال اللهم ساد الخلة وكاشف الكربة أنت عامل غري معلم مسؤول غري مبخل‪ ،‬وهذه عبيدك وإماؤك بغدرات‬ ‫حرمك أي أفنيته يشكون إليك سنتهم التي أقحلت أي أيبست الظلف والخف‪ :‬أي اإلبل والبقر فأمطرن‪ ،‬اللهم غيثا رسيعا مغدقا فام برحوا حتى انفجرت‬ ‫السامء مبائها وكظ الوادي‪ :‬أي ضاق بثجيجه أي بسيله فلسمعت شيخان قريش وهي تقول لعبد املطلب‪ :‬هنيئا لك يا أبا البطحاء‪ ،‬بك عاش أهل البطحاء‪،‬‬ ‫انتهى‪».‬‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لعيل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1427 -‬هـ‪،‬‬ ‫باب وفاة أمه ﷺ وحضانة أم أمين له وكفالة جده عبداملطلب له‪ ،‬الجزء (‪ ،)1‬الصفحات (‪.)162+163‬‬

‫‪56‬‬


www.facebook.com/M-80-II-941772382615672

57


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬

‫مختلف‬ ‫بأسـلوب‬ ‫روايـة فاتنـة تحكي قصة‬ ‫ٍ‬ ‫شـخصيات مميزةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حوارات تلقي‬ ‫عـن المعتـاد فـي الروايات‪ .‬تبدأ الرواية بمشـاهد‬ ‫ٍ‬ ‫الضـوء علـى تعامـل الشـخصيات مـع مواضيـع يوميـة‪ .‬إلى أن‬ ‫روائيـا‪.‬‬ ‫طابعـا‬ ‫فريـد مـن األحـداث يتخـذ‬ ‫خليـط‬ ‫تتحـول إلـى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عالـم آخر‪ ،‬بل على عالمك نفسـه مـن منظو ٍر‬ ‫سـتتعرف علـى‬ ‫ٍ‬ ‫آخـر‪ .‬اختـر مـن تكـون وأيـن‪ ،‬وغ ّيـر التاريـخ فـي المسـتقبل‬ ‫حـي الرمـاد الموحلـة مـع سـالم‬ ‫القريـب‪ ،‬تشـ َّرد فـي أزقـة‬ ‫ّ‬ ‫الصغيـر‪ ،‬أو خـض حر ًبـا ضـروس إلـى جانـب الزيـر المهلهـل‬ ‫وتفنـن فـي االنتقـام مـن الذيـن يرتكبـون خطـأ مواجهتـك‪،‬‬ ‫تحـدى الخنزيـر األكبـر وليـد ومسـاعده الدنـيء يوسـف‪ ،‬تع ّرف‬ ‫حـب مـع مالك المـوت اسـمها دليله‪،‬‬ ‫إلـى امـرأةٍ تعيـش قصـة‬ ‫ٍّ‬ ‫ً‬ ‫فتـاة بارعـة الجمـال وأثره في مختلـف المجتمعات مع‬ ‫أو كـن‬ ‫فاتنـة‪ ،‬واكتشـف كيـف يغ ّيـر الحـب الطاغيـة!‬

‫‪58‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫املهلهل يُفكّر كث ًريا يف هجرتهم املزمعة ويُداوم عىل تعلم اإلنجليزية ومشاهدة الربامج التوضيحية والقراءة عن الحياة‬ ‫تجارب ليخترب قوة حرشته املدللة‪ ،‬يف خضم تجاربه قام بإطعام جمجوم حرش ٍ‬ ‫ات أكرب‪ ،‬ثم ضفادع‬ ‫يف الغرب‪ .‬بدأ بإجراء‬ ‫ٍ‬ ‫كطعام له فقام بقتله‬ ‫صغرية‪ ،‬ثم طيو ًرا صغرية‪ ،‬ثم لقي جمجموم حتفه بسبب عصفو ٍر أكرب من الالزم وضعه املهلهل‬ ‫ٍ‬ ‫اتصال من ٍ‬ ‫شخص أعاد له االبتسامة‪.‬‬ ‫خضم حزنه عىل جمجوم تلقى ً‬ ‫مبنقاره‪ .‬لكنه يف ِ‬ ‫االتصال جاء من أوروبا‪.‬‬ ‫وليد (أبو صابر) خرج من املستشفى واستقرت حالته إىل حني‪ ،‬بدأ يحاول إصالح عالقته مع ابنه وبناته عن طريق‬ ‫إغداق األموال عليهم فقد ارتفعت عقاراته بسبب قربها من مبنى الحكومة الجديد‪.‬‬ ‫يُحذِّره يوسف ‪-‬لغاي ٍة يف نفسه‪ -‬أنهم ال يح ّبونه وينتظرون موته لريثوه فحسب‪ ،‬لكن أبو صابر يرفض التصديق‪ ،‬فهو مل‬ ‫يعرف املحبة الحقيقية يو ًما ولطاملا استد ّر عطف الناس بالرتغيب والرتهيب وتحكّم بعائلته باملال وتلك هي الطريقة‬ ‫الوحيدة التي يعرفها‪ .‬كلّام ساءت صحته كلام ازداد حق ًدا عىل فاتنة ومت ّنى لها الدمار أكرث‪ .‬لكنه وبكل ج ٍنب بدأ يُنكر‬ ‫أنه ق َ​َصد أذيتها بل يزعم أنها أساءت الظن به‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بشخص مثيل من‬ ‫راندي بعد استشارة فاتنة يف فكرته املجنونة تزوج من فتا ٍة مثلية بعد اتفاقٍ وكالهام عىل عالق ٍة‬ ‫جنسهم‪ ،‬يتقابلون يف «بيت السرتة» بعي ًدا عن عيون املجتمع!‬ ‫‪ ‬أما الدكتور أسعد فقد صار أسعد الجميع‪ ،‬فهو واق ٌع يف غرام جانيت التي يقول أنها حققت حلمه الذي يشاركه فيه‬ ‫الكثري من الرجال األذكياء‪ ،‬وهو أن يقابل امرأ ًة تجعله يشعر بالغباء!‬ ‫هكذا م ّر الربع األول من القرن الواحد والعرشين صاخ ًبا باألحداث‪..‬و للحديث بقية‪.‬‬ ‫يتوقف عن الكتابة إىل حني بعد هذه الكلامت‪ ،‬لقد م ّرت ليا ٍل كثرية‪ ،‬واملطر ما زال ّ‬ ‫يدق عىل شباكه بال كلل‪.‬‬ ‫لقد عادت ليايل نوڤمرب الباردة‪.‬‬ ‫وعادت حبات املطر للطرق عىل شباكه‪ ،‬لقد كتب الكثري من الحروف يف العام املنرصم‪ ،‬ويف هذه الليلة بعد أن أغلق‬ ‫الخط مع فاتنة هذا العام‪ ،‬عاد ليكتب بقية قصة فاتنة روايته‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫العام ‪ ،٢٠٢٥‬املكان‪ :‬حي الرماد‪ ،‬أفقر أحياء العاصمة وأحد أتعس بقاع األرض قاطب ًة‪.‬‬ ‫انكب عىل مشاهدة الربامج الوثائقية والتاريخية بعزمي ٍة غريبة‪ ،‬لقد ازداد نهمه للمعرفة لكنه مل يكن‬ ‫كان سامل قد َّ‬ ‫يحب القراءة‪ .‬لقد م ّرت أسابيع منذ أن تلقى ذلك االتصال من ألبانيا‪ ،‬االتصال وضعه أمام خيارين‪ ،‬امللك منرود‬ ‫والصاحب عمر بانتظاره هو ودليله ليواصل حياة النامريد كخيا ٍر أول‪ ،‬أما الخيار الثاين فهو فرصة بدء صفحة جديدة‬ ‫يف الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫لقد احتار سامل كث ًريا‪ ،‬لكنه يف هذا املساء بالتحديد بدى أكرث هدو ًءا من األيام املاضية‪.‬‬ ‫كأسا من النبيذ‬ ‫ً‬ ‫دليله‪ :‬سامل‪ ،‬لقد انتظرتُ‬ ‫طويل أن تأيت لحظة هدوئك هذه‪ ،‬أريد أن أسألك إذا كنت تود أن تتناول ً‬ ‫معي‪.‬‬ ‫سامل‪ :‬يرشب التعيس ليك يتذكر زم ًنا أقل تعاسة فينىس تعاسته‪ ،‬ليهرب‪ ،‬ويرشب السعيد ألن السعادة تجلب األحالم‬ ‫فيو ُّد أن يعيش أحالمه‪.‬‬ ‫ولست مجنونًا ألقبل به‪،‬‬ ‫ولست سعي ًدا‪ ،‬أنا موجود‪ ،‬وذلك الوجود فُرض عيل‪ ،‬لست جبانًا ألهرب منه‪،‬‬ ‫تعيسا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أنا ُ‬ ‫لست ً‬ ‫وهلكت عىل يد رجلٍ آخر‪ ،‬لكنني‬ ‫أكره أن يُفرض عيل يشء‪ ،‬أكره ذلك ج ًدا‪ ،‬أحيانًا أمتنى لو أنني ُهزمت يف أحد نزااليت‬ ‫ُ‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫أكره الهزمية ً‬ ‫دليله‪ :‬هل تشعر بالذنب ألنك قتلت كثريين؟ هل هذا سبب متنيك ذلك؟‬ ‫قسم الناس لقتلة وغري قتلة‪ ،‬بل‬ ‫سامل‪ :‬ال‪ ،‬ال يزعجني ذلك أب ًدا يف الحقيقة‪ ،‬كل رجل ميكن أن يَقتل يا دليله‪ ،‬أنا ال أُ ّ‬ ‫ألرشا ٍر وأخيار‪ ،‬كالهام قد يقتل او ال يقتل‪ ،‬واألخيار يصبحون أرشا ًرا يف طرفة عني‪ ،‬األخيار يُقتلون‪ ،‬واألرشار يُقيمون‬ ‫مأدبات طعام‪ ،‬يوقّعون أوراق‪ ،‬أو يبتسمون أمام الكامريا‪ ،‬لقد فكرتُ كث ًريا يف هذا العامل‪ ،‬الخري والرش‪ ،‬الجهل والعلم‪،‬‬ ‫الوعي والعمى‪ ،‬كل يشء يقولونه للعامة كذب‪ ،‬كل يشء‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬كيف ذلك؟‬ ‫املهلهل‪ :‬هل القتل أسوأ جرمية؟‬ ‫دليله‪ :‬يقولون ذلك‪.‬‬ ‫‪60‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫قتلت‬ ‫قتلت الكثريين‬ ‫املهلهل‪ :‬هكذا يقولون‪ ،‬تعرفني‪ ،‬لو كان األمر كذلك‬ ‫ٍ‬ ‫ألسباب متعددة‪ ،‬بل ُ‬ ‫لقتلت نفيس اآلن‪ ،‬فلقد ُ‬ ‫ُ‬ ‫البعض ألجل حفنة دوالرات‪ ،‬لكن لو مل يستحق كل منهم القتل ملا قتلتهم وال من أجل كل ماليني العامل‪ ،‬قتل من‬ ‫يستحق املوت يف نظري يف الحقيقة أسهل لدي من أكل تفاحة‪ ،‬فأنا ال أحب التفاح‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬مل أفهم‪.‬‬ ‫املهلهل‪ :‬أنا أقتل من يستحق‪ ،‬الكثريون يستحقون املوت‪ ،‬وأنا أعطيهم ذلك بصورته الرصيحة البدائية الفجة‪ ،‬أما هم‪،‬‬ ‫فيقتلون املاليني‪ ،‬يخنقون أحالمهم‪ ،‬يغتالون الحقيقة‪ ،‬يقتلون اإلنسان ككل‪ ،‬عن السامرسة أتكلم‪ ،‬ذوي النفوذ الذين‬ ‫يضحكون كالضباع ويبكون كالتامسيح‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬ملاذا ال تواجههم إذًا؟‬ ‫املهلهل‪ :‬حتى أشجع وأقوى األسود ال يستطيع مواجهة القطيع مبارشةً‪ ،‬لكنه يبقى أس ًدا ويبقى أفراد القطيع نس ًخا‬ ‫متشابهة تخاف من زئريه‪ ،‬إال أن القطيع ال يعرف صديقه من عدوه‪ ،‬وألن رعاة القطيع يخافون من أمثايل‪ ،‬لذلك لنا‬ ‫أسامء‪ ،‬نحن الخوارج‪ ،‬نحن املعتزلة‪ ،‬نحن الثوار‪ ،‬نحن املنشقني‪ ،‬نحن الكفار‪ ،‬نحن الخارجني عن القانون‪ ،‬ثم إنني ال‬ ‫أحاول مساعدة أحد يف الحقيقة‪ ،‬بل مساعدة نفيس‪.‬‬ ‫رشا مل‬ ‫مهم‪ ،‬هي حيا ٌة واحدة‪ ،‬وسرنى أين ننتهي‪ ،‬لكن قل يل‪ ،‬هل أستطيع أن أسألك ً‬ ‫دليله‪ :‬ليس كل ذلك ً‬ ‫سؤال مبا ً‬ ‫أسألك إياه يف السابق؟‬ ‫املهلهل‪ :‬اسأيل‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬ماذا عني وعنك؟ ماذا تعتربين بالنسبة لك؟ هل تح ّبني؟‬ ‫املهلهل‪ :‬لو كنت أُ ِحب أو أعرف كيف أحب ِ‬ ‫لكنت الوحيدة التي أحبها‪.‬‬ ‫دليله‪ :‬ملاذا تقول يل أغريب عن وجهي عندما تكون مكتئبًا إذًا؟‬ ‫‪61‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫املهلهل‪ :‬ألنك نقطة ضعفي‪ ،‬وأنا أكون يف حالة خوف عندما أتعب‪ ،‬لذلك أريد أن أنىس وجودك‪ِ ،‬‬ ‫أنت ال تعرفني‪...‬‬ ‫عندما تغمرين الظلمة‪ .‬تلك الظلمة نفسها التي كانت تغمرين يف طفولتي تحت رضبات والدي أو أبناء الحي‪ ،‬عندها‬ ‫أو ّد أن أحطم كل يشء جميل يف حيايت‪ ،‬أو ّد أن أدمر كل يشء‪ ،‬أو ّد أن أكون سيئًا بحق وأعود إىل تلك اللحظات وأنقذ‬ ‫نفيس من الضعف‪ ،‬تعرتيني رغب ٌة جامحة بالقضاء عىل كل نقاط ضعفي‪ ،‬نقاط األمل والجامل‪ .‬يف الظلمة أتأمل حتى‬ ‫أفقد اإلحساس باألمل‪ ،‬عندها أقول لك أغريب عن وجهي يا دليله!‬ ‫دليله وقد م ّيزتْ األمل يف وجهه‪ :‬فهمت‪ ،‬لكن أنا أقوى مام تظن ‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت منخفض‪ :‬مل تفهمي شيئً ِ‬ ‫ا‪...‬أنت أقوى مني‪ ،‬األمر يتعلق‬ ‫ينظر إليها املهلهل نظرة ذات مغزى قبل أن يقول لها‬ ‫ظننت أن الظلمة ذهبت أجدها تعود وتزداد‪ ،‬تأكلني من الداخل‪ ،‬تحيط يب يف وضح النهار وتنبت من‬ ‫يب أنا‪...‬كلام‬ ‫ُ‬ ‫عظامي مثل الشوك! ثم‪.....‬ثم إنني أحيانًا أندم عىل ترك والدي دون عقاب‪ ،‬أفكّر أنه كان يجب عيل أن أقف أمامه‬ ‫وأجعله يرتنح تحت رضبات قبضتي ويركض هاربًا فوق زجاجات الخمر املكسورة حتى تدمي قدماه‪ ،‬أتخيل أنه‬ ‫قائل أرجوك يا سامل‪ ،‬وعندها أقول له لقد مات سامل منذ زمن بعيد‪ ،‬وبينام أقوم بخنقه أقول له مت بيد‬ ‫يرجو العفو ً‬ ‫الوحش الذي صنعته بيديك!‬ ‫تصمت دليله‪ ،‬فلقد خطر لها اآلن أنها منذ مدة طويلة مل ترى وجه سامل الربيء‪ ،‬كم تفتقده‪ ،‬لقد كانت تراه كل ليلة‬ ‫تقري ًبا عندما ينام املهلهل إىل جوارها وكان وجه سامل الصغري يظهر وكأنه انتهى للتو من اللعب بعيدان الخشب‬ ‫املكس ّوة ِ‬ ‫بالخ َرق‪.‬‬ ‫رجل أرشف عىل الهالك بعد أن عاش حياة‬ ‫يف ركنٍ آخر من تلك البالد وبالتحديد يف مستشفى العاصمة كان يقبع ٌ‬ ‫يندى لها جبني أحط الرجال‪ ،‬إنه من يُلقب من قبل من يعرفون حقيقته بالخنزير األكرب وليد‪ ،‬لقد ساءت حالته‬ ‫الصحية ومل تعد الكىل تعمل لديه عىل اإلطالق‪ ،‬وفشلت عملية زرع الكىل لديه التي تربعت له بها زوجته البلهاء‪ ،‬يف‬ ‫ذلك املساء ويف غرفته باملستشفى اجتمع ابنه وبناته لديه ٍ‬ ‫فكل منهم جاء خوفًا‬ ‫لهدف أبعد ما يكون عن املواساة‪ٌ ،‬‬ ‫ش ٍء ليحصل عىل حص ٍة أكرب من املرياث‪.‬‬ ‫من أن الطرف اآلخر سيقنع األب بتوقيع َ ْ‬ ‫خصوصا بني االبنة الكربى ُس ّمية‬ ‫كان الجو متوت ًرا وتبادل املوجودون االتهامات املُبطنة قبل أن تبدأ املشاحنات املبارشة‬ ‫ً‬ ‫واالبن صابر الذين بدءا معرك ًة رصيحة عىل املرياث رسعان ما انضم اليها بقية األطراف كالضباع التي تنهش ضحيتها‬ ‫أيضا تظاهر بأنه يحاول تهدئة الجميع‬ ‫رضا ً‬ ‫آمل يف إقناع وليد بأن يكتب له حص ًة هو ً‬ ‫وهي حية‪ ،‬يوسف الذي كان حا ً‬ ‫أول!‬ ‫لكن رد ُسمية التي مل تعد تعبأ بأحد جاء رسي ًعا وصاعقًا‪ :‬اذهب واسرت عىل ابنتك ً‬ ‫‪62‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫امتقع وجه يوسف وقبل أن يهم بالرد أخرجت ُس ّمية هاتفها وقامت بتشغيل فيديو يُظهر ابنة يوسف يف أوضا ٍع‬ ‫جنسية مع شابني يف نفس الوقت‪ ،‬ثم استطردت ُس ّمية‪ :‬الفيديو منترش عىل شبكات التواصل االجتامعي يا عمي‬ ‫العزيز‪ ،‬فهل ستقوم بغسل عارك أم أن ذلك ال ينطبق عىل بناتك؟‬ ‫تس ّمر الجميع للحظات وهم ينظرون إىل وجه يوسف الذي ُعرف بقسوته عىل بناته وتربيتهن تربية متشددة‬ ‫ومحافظة‪ ،‬تلك الرتبية التي لعلّها كانت السبب يف ترصف ابنته بهذا الشكل‪ .‬بعد ذلك نهض يوسف واندفع خار ًجا‬ ‫وهو يغيل غض ًبا‪ ،‬وع ّم الصمت والذهول للحظات‪ ،‬قبل أن ت ُو ّجه ُس ّمية الكالم ألبيها‪ :‬جيد أن مساعدك املغفل عرف‬ ‫قدره‪ ،‬اآلن أجبني‪ ،‬أنت الذي تسببت يف تدمري حيايت من أجل أن يكون لديك ابن فاشل‪ ،‬كيف ستعوضني عن حيايت‬ ‫الضائعة؟‬ ‫صابر‪ :‬اخريس ايتها العاهرة! أيب‪ ،‬اكتب يل املرياث ليك أؤدب البنات وأتأكد من سلوكهن!‬ ‫ساءت املعركة الكالمية أكرث بعد ذلك وانحط مستوى النقاش بني األطراف املتناحرة إىل ما دون الحضيض‪ ،‬أما أبو صابر‬ ‫ٍ‬ ‫ساعات قليلة‪ ،‬لقد وافقت عىل التحدث‬ ‫فظل شار ًدا صامتًا‪ ،‬فقد كان مشتت التفكري بعد مكامل ٍة أجراها مع فاتنة قبل‬ ‫معه أخ ًريا عندما وعد أن يرتك لها حص ًة كبري ًة من املرياث لتعويضها عن أخطائه معها‪ ،‬لكنها قالت له بضعة جمل ثم‬ ‫أغلقت الخط‪:‬‬ ‫« ال أريدك وال أريد َ‬ ‫منك شيئًا‪ ،‬األذى الذي سببته يل لن تصلحه كل أموال العامل‪ ،‬ما زلت تريد رشايئ أيها املريض‪،‬‬ ‫ما زلت تريد اتهام اآلخرين بعقدك ونرجسيتك وتفاهتك وهشاشة وجودك امليسء‪ ،‬أنت أجنب من أن تواجه نفسك‬ ‫خستك وأقذر من أن تنظف نواياك أيها الخنزير األكرب‪ ،‬ال أحد يحبك لذاتك ألنك بشع من‬ ‫وأحط من أن ترتفع عن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مأسوف عليك»‬ ‫الداخل‪ ،‬بش ٌع ج ًدا‪ُ ،‬مت وحي ًدا غري‬ ‫استم ّرت كلامت فاتنة يف الرتدد يف ذهن أبو صابر بينام عال صوت عراك أبنائه يف أذنه واعترصه أمل الفشل الكلوي‪،‬‬ ‫بدأت الدنيا تظلم يف عينيه تدريج ًيا ثم ابتلعه الظالم وحي ًدا‪ ،‬وهكذا هلك وليد‪ ،‬ومل يُالحظ أحد موته لنصف ساع ٍة‬ ‫كاملة فقد هاجم صابر ُس ّمية وتدخلت األخوات األخريات يف عر ٍ‬ ‫اك معه باأليدي إحداهن تشد شعره واألخرى تحاول‬ ‫ٍ‬ ‫يوضح فشل والدهم التام يف حياته التي‬ ‫خنقه حتى أن املستشفى استدعى رجال الرشطة للفصل بني األبناء يف‬ ‫مشهد ّ‬ ‫انتهت للتو‪.‬‬ ‫أما يف الواليات املتحدة‪ ،‬فلقد استقرت أمور فاتنة‪ ،‬وحصلت عىل بعث ٍة إضافية‪ ،‬وازداد نشاطها الجانبي كث ًريا‪ ،‬لكنها‬ ‫بقيت قلق ًة عىل جميل الذي بدأ يشعر بضغط والده من جهة‪ ،‬وخطورة الخطوة التي يزمع القيام بها من جهة‬ ‫‪63‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫وسجنت حبيبته ومل يقوى عىل تحريك عصاه‬ ‫أخرى‪ ،‬لقد خرس الكثري يف الفرتة األخرية‪ ،‬مل يعد يف مركز القوة املطلقة‪ُ ،‬‬ ‫السحرية بل اضطر لاللتفاف عىل الواقع‪ .‬مل يعتد عىل هذه الحياة بعد‪ ،‬لكنه يف نفس الوقت مل يعد ذلك الرجل الذي‬ ‫تغي جميل أو تطور‪ .‬كل ما يريده اآلن هو أن يعيش سعي ًدا مع ذاته ويصبح‬ ‫يفعل أي يشء من أجل السلطة‪ ،‬لقد ّ‬ ‫ذلك الرجل الذي يستحق حب وقلب فاتنة‪ .‬أهداف جميل ووالده عىل طريف نقيض‪ ،‬بعد عدة مر ٍ‬ ‫اسالت مع والده‬ ‫ات ّضح أن جميل أصبح يرى السلطة كمسؤولية بينام والده يراها من متطلبات الحياة‪ ،‬من كان يظن أن جميل‪ ،‬ذلك‬ ‫الربجوازي النشئة القايس القلب ذو القرار الصلب قد اختزل أحالمه الصباحية بالهروب مع فاتنة واالختفاء عن أنظار‬ ‫العامل؟ املشكلة أن والد جميل ليس غب ًيا أب ًدا‪ ،‬لقد ربط بني تردد جميل وعالقته بفاتنة‪ ،‬مام أقلق جميل كث ًريا‪ .‬يف‬ ‫ا ُمسية تسبق عطلة نهاية األسبوع التي خطط جميل لقضائها وحده‪ ،‬اتخذ قراره أخ ًريا ووضعه يف الرسالة التالية‪:‬‬ ‫والدي العزيز‪:‬‬ ‫لقد علّمتني منذ صغري كيف أتخذ قرارايت‪ ،‬وكيف أتحمل مسؤولية ترصفايت‪ ،‬تحدثنا كث ًريا‬ ‫وفشلت أنا يف إيجاد أرضي ٍة مشرتكة بني أهدايف وأهدافك‪.‬‬ ‫يف األسابيع املاضية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أريدك أن تعلم جي ًدا أنني أحبك أنت ووالديت وأنني أق ّدر كل يشء فعلتامه من أجيل‪،‬‬ ‫لكنني أريدك أن تتأكد أنني لن أستطيع العيش مع نفيس إذا ما عدت للسلطة ألجعلها‬ ‫استمرارية لوسائل الحكم التي رزحت تحتها شعوب العامل الثالث منذ القدم بأشكالها‬ ‫القدمية والجديدة‪ ،‬سواء الدكتاتورية الدينية الرصفة أو الدينية املعلبة بالوطنية أو أي‬ ‫ايدلوجية رائجة‪.‬‬ ‫ال أريد ذلك املستقبل لنفيس‪ ،‬وهذا القرار نها ٌيئ سواء بوجود فاتنة أو عدمه فأرجوك أن‬ ‫وتغيت مفاهيمي وأولويايت يف الحياة حتى رصتُ أرى تفاهة‬ ‫تتفهم ذلك‪ .‬لقد فكّرتُ كث ًريا ّ‬ ‫أهدايف القدمية‪ .‬أنا ال أحاول أن أكون مثال ًيا هنا‪ ،‬بل أحاول أن أكون إنسانًا يعيش لنفسه‪،‬‬ ‫أنا سعي ٌد ج ًدا بحيايت اآلن أكرث من أي ٍ‬ ‫ولست‬ ‫وقت مىض‪ ،‬وال أريد أن أفقد تلك السعادة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مستع ًدا أن أكذب عليك‪ ،‬أرجو أن تعفيني من قدري ومن الخطط الُمحكمة ومصري‬ ‫ال ُحكم والسلطة‪.‬‬ ‫أريد أن أحكم يومي وأتربع عىل عرش حيايت وحسب‪.‬‬ ‫‪64‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫وصل رد السيد رفيق برسعة‪ :‬هل هذا حقًا قرارك النهايئ؟‬ ‫فأرسل جميل رده مبارشةً‪ :‬أجل‪ ،‬لن أتراجع عنه‪.‬‬ ‫ميت بالنسبة يل»‬ ‫رد السيد رفيق يف ذلك املساء وقع عىل جميل كالصاعقة‪« :‬أنت ٌ‬ ‫أدرك جميل يف تلك اللحظة وألول مر ٍة أنه يستمد معظم ثقته من وجود والده ودعمه‪.‬‬ ‫قضت فاتنة إجازتها كاملة مع جميل يف تلك الفرتة لتشجيعه عىل تجاوز محنته‪ ،‬موقف والده زعزع ثقته بنفسه ألول‬ ‫مر ٍة يف حياته‪ ،‬لكن وجود فاتنة إىل جانبه جعله يستمد نو ًعا جدي ًدا من الثقة من داخله هو‪.‬‬ ‫ملحة من املستقبل‪-‬الزير املهلهل‬ ‫سامل الذي كان ما زال يتعلم النظام الغريب بانبهار‪ ،‬توقف يف تلك الليلة يف حانة إحدى املدن الصغرية يدفعه الفضول‬ ‫كلب من نوع «هسيك» الذي يشبه ذئب الثلج‪.‬‬ ‫أكرث من أي يش ٍء آخر‪ .‬أول ما لفت نظره يف تلك الحانة كان وجود ٍ‬ ‫بدافع الفضول ال أكرث‪ ،‬سأل صاحب الحانة بلغ ٍة ضعيفة ‪ :‬أليس من املمنوع إحضار الحيوانات إىل هنا؟‬ ‫فرد عليه روبرت‪ ،‬ذلك الشاب األشقر الطويل صاحب العضالت التي تبدو محسن ًة جين ًيا‪ :‬ماذا تفعل هنا إذًا؟‬ ‫بعد تلك الكلامت‪ ،‬أشعل سامل ‪ -‬الذي ال يدخن عادةً‪ -‬سيجار ًة من علب ٍة قبعت يف جيبه أسبوعني‪ ،‬استنشق دخانها‬ ‫كسة‪ُ ،‬مرفقًا الدخان مع كلامته‪ :‬اسمي‬ ‫بعمق ثم نظر يف عيني روبرت عن ٍ‬ ‫قرب قبل أن يتكلم بنفس اإلنجليزية امل ُ ّ‬ ‫الرسعوف!‬ ‫انقشع الدخان ليكشف عن وجه روبرت (بوب) الغاضب‪ ،‬بهدوء وسخرية ربت سامل عىل كتفه وكأنه يواسيه‪ :‬ال تخايف‬ ‫أيتها الطفلة الصغرية‪ ،‬بإمكانك إحضار كلبك!‬ ‫حرب رصيح عىل سامل‪ .‬كانت الساعة‬ ‫بعد هذه الكلمة‪ ،‬وقف بوب ودفع الكريس بكعب قدمه إىل الخلف يف إعالن ٍ‬ ‫ليل عندما وقف الرجالن يح ّدقان يف بعضهام‪ ،‬وبدت املواجهة أشبه بنسخ ٍة ليلية من مواجهات رعاة‬ ‫الثانية عرشة ً‬ ‫مسدسا خف ًيا‪ ،‬ومع أن الرجلني هنا‬ ‫البقر املميتة عند ساعة الظهر‪ ،‬كانت قبضة كل رجلٍ منهام إىل جانبه وكأنها تعانق‬ ‫ً‬ ‫‪65‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫رضا بني املتفرجني يف الصف األول‪.‬‬ ‫مل يكونا مسلحني باملعنى التقليدي‪ ،‬إال أن املوت كان حا ً‬ ‫ٍ‬ ‫خطوات مبتع ًدا عن املشهد عىل غري عادة ذلك النوع من الكالب‪ ،‬فغريزته التي ورثها‬ ‫كلب بوب «هنرت» أخذ عدة‬ ‫ُ‬ ‫عن أجيا ٍل من الذئاب املفرتسة كانت أذىك من غطرسة صاحبه‪ ،‬لقد اشت َّم نو ًعا جدي ًدا من الكائنات املفرتسة يف هيئة‬ ‫رجلٍ حنطي البرشة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ساعات يف اليوم بحكم أنه ينتمي إىل الـ «نيڤي‬ ‫صحيح أن «بوب» تلقى أحدث وأقىس التدريبات يف القتال ولعدة‬ ‫سيلز»‪ ،‬اال أن ردات فعله كانت محدود ًة بوقت تدريبه ومبا تعلمه‪ ،‬بينام خصمه املهلهل قىض كامل طفولته يف‬ ‫تدريب قرسي فشله فيه يعني العذاب أو املوت‪ِ ،‬من تفادي زجاجات الخمر الفارغة التي ألقاها والده السكّري‬ ‫ٍ‬ ‫قاص ًدا متزيق وجهه كل ليلة‪ ،‬إىل ركالت أبناء حي الرماد املرشدين املشحونة بالغضب الذي زرعته فيهم املعاناة‪ ،‬تلك‬ ‫اللحظات التي كانت ت ُظلِم فيها الدنيا كلها حوله ويفقد حواسه وكأنها طريقة ابتكرها دماغه لتفادي األمل‪.‬‬ ‫هكذا نشأ املهلهل ت ُدربه املعاناة‪ ،‬أما بوب فإن أكرث معاناته كانت من نوع نسيان والده لعيد ميالده أو طالق والديه‪،‬‬ ‫عندما كان بوب يتعلّم القيادة يف السادسة عرشة كان املهلهل قد قتل أول رجلٍ بعد تعذيبه‪ ،‬لذلك عندما يرضب بوب‬ ‫اكضا‬ ‫فهو يرضب ّ‬ ‫لشل حركة خصمه أو إسقاطه مغم ًيا عليه‪ ،‬أما املهلهل الذي اعتاد لقاء الرعب كل صبا ٍح ومساء ر ً‬ ‫خصم يقابله‪ ،‬لذلك عندما يرضب‪ ،‬فهو يرى أن‬ ‫والهالك يالحقه‪ ،‬فكان صديق املوت وخصمه و َرآه يف نفسه ويف ِّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫فشل تلك الرضبة يف قتل خصمه يعني أنه سيموت هو‪ ،‬املهلهل ما زال يخرس حواسه أحيانًا عندما ينتابه الغضب‬ ‫فيم ّزق خصمه كاألسد الذي ينتقم من ضبعٍ قتل صغاره‪.‬‬ ‫لقد تدرب بوب عىل الكثري من احتامالت القتال وتقنياته‪ ،‬اما املهلهل فأدرك القتال بغرائزه‪.‬‬ ‫بوب يهجم بتقنية الغرب وتخطيطه‪ ،‬بينام ش ّد عليه املهلهل بوحشية الرشق وغضبه وثأره وعنفوان غرائز اإلنسان‬ ‫األول!‬ ‫بدأ بوب بلكم ٍة مفاجئة تفاداها املهلهل بصعوب ٍة أفقدته بعض توازنه مام مكّن بوب من توجيه رضبة مبارشة أشد‬ ‫قوة إىل صدر املهلهل‪ ،‬كان من املفروض أن تلك الرضبة القوية سوف تحطِّم القفص الصدري لرجلٍ عادي بل وحتى‬ ‫املهلهل‪ ،‬لكن املهلهل مل يكن موجو ًدا يف ذلك الجسد يف تلك اللحظة‪ ،‬بل كان غارقًا يف الظلمة التي يفقد فيها جميع‬ ‫حواسه‪ ،‬يف لحظة صدمة بوب من ردة الفعل ‪ -‬أو باألحرى انعدام ردة الفعل‪ -‬لدى املهلهل س ّدد له الثاين لكم ًة ناري ًة‬ ‫انقض عليه املهلهل بعدها واستمر العراك الذي‬ ‫يف وجهه اقتلعته من مكانه كام يقتلع العصف النووي شجر ًة صغرية‪ّ ،‬‬ ‫‪66‬‬


‫رواية فاتنة‬ ‫سام مار‬ ‫بدا واض ًحا فيه أن بوب س ُيهزم رش هزمية‪ ،‬انهمك العديد من الزبائن باالتصال بالرشطة التي وصلت برسعة وكأن‬ ‫أفرادها كانو ينتظرون خلف الباب‪.‬‬ ‫رضر بوب جسديًا إال أنه هو الذي بدأ باالعتداء لذلك أُخيل سبيل املهلهل دون مشاكل‪ ،‬انسحب بوب بعد ذلك‬ ‫رغم ت ّ‬ ‫بعد أن رمق املهلهل بنظرة احرت ٍام فاجأته‪ ،‬وكأنه تعلم من هنرت أن يحرتم قوانني الطبيعة املتعلقة بالقوة‪.‬‬ ‫ملحة من املستقبل‪ -‬جميل وفاتنة‬ ‫استمر الرجل بالنظر يف عيني فاتنة الساحرتني بينام كانت هي تنظر إليه بطريق ٍة جعلته يظن أن ما تراه مجرد ٍ‬ ‫مقعد‬ ‫فارغ‪ ،‬لقد م ّرت ستة أشه ٍر منذ كانت مع جميل آخر مرة‪ ،‬مل تعد تعرف ما تريد‪ ،‬بل ال تعرف ملاذا فعلت ما فعلته‪،‬‬ ‫وملاذا هي هنا اآلن مع هذا الرجل «الغريب»‪ ،‬لقد بدأت ت ُعيد التفكري يف حياتها وقراراتها كلها‪ ،‬ملاذا تعيش يف حالة‬ ‫حرب مستمرة؟ هل ألن حرب الحرية األوىل مع والدها الهالك فُرضت عليها بالقوة فصارت الحرب عاد ًة لديها؟‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بلطف ونهضت‬ ‫محاول التقرب إليها أكرث‪ ،‬سحبت يدها‬ ‫ً‬ ‫ِش ٍء خاطىء عندما وضع الرجل يده عىل يدها‬ ‫شعرت ب َ ْ‬ ‫متعذرة‪ :‬أنا آسف ٌة ج ًدا‪ ،‬ال اقصد أن أكون أسوأ فتا ٍة تخرج معها‪ ،‬لكن ال ينبغي أن أكون هنا اآلن‪ ،‬اعذرين أرجوك!‬ ‫غادرت فاتنة تارك ًة الرجل يف حال ٍة يُرىث لها من خيبة األمل‪ ،‬واتّصلت بجميل الذي مل تسمع صوته منذ أشهر‪ ،‬رد جميل‬ ‫مستغربًا ‪ :‬فاتنة؟‬ ‫عندما سمعت تلك الكلمة بصوته‪ ،‬شعرت أنها عادت إىل بيتها‪.‬‬

‫النهـايــــــة‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫ال تعايرين وال أعايرك‪ ،‬العنف طايلني وطايلك!‬

‫‪Ahmed Hussein Harqan‬‬ ‫ـ‬

‫الغريب أن املتدين يصبح عقالن ًيا يف تفسريه ألديان غريه ويصبح‬ ‫أبلهاً أمام ترهات دينه‪..‬‬

‫‪Mohe Bust‬‬

‫ـ‬

‫‪Leonidas Alexopoulos‬‬

‫أصلع ويعيب عىل الصلع‪.‬‬

‫‪Ahmed Badr‬‬

‫من أرضار اإلميان أنه أعمى فكرهم عن رؤية الرش بداخل كتبهم‬ ‫املقدسة يف حني أنه أنار بصريتهم يف رؤية الرش بداخل كتب اآلخرين‪ ،‬ومل‬ ‫يعطي كليهام النظرة الحيادية التي تفرق بني الخري والرش‪.‬‬

‫‪68‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

Arab Magazine Atheists Magazine a digital publication The ArabThe Atheists is a digitalispublication produced produced by volunteers and committed to promoting by volunteers and committed to promoting the thought and theofthought writingspersuasions of atheistswith of various persuawritings atheistsand of various complete freesions with complete freedom. The Magazine does not adopt dom. The Magazine does not adopt or endorse any form of politior endorse any form of political calideology ideology or or affiliation affiliation Contributors bear responsibility of the content, illustraContributors bear thethe fullfull responsibility of the content, illustrations tions andthey topics they provide insofar as itcopyright covers copyright and topics provide insofar as it covers and issuesand of issues of intellectual property intellectual property Express permission for to publish in the Magazine is provided Express permission for to publish in the Magazine is provided by conby contributors, whether they are members of the Arab Atheists tributors, whether they are members of the Arab Atheists Magazine Magazine Group Groupofofother otheratheists atheistsand andnon-religious non-religious contributors contributors TheMagazine Magazinedoes doesnotnotpublish publish material is unethical or that The material thatthat is unethical or that inincites racism or bigotry cites racism or bigotry The Editorial Board the reserves right to republish content The Editorial Board reserves right the to republish content originally originally onFacebook the Magazine’s group, as published on thepublished Magazine’s group,Facebook as publishing there publishing implicitly consent forin republication implicitlythere contains consentcontains for republication the Magazine in the Magazine

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.