مجلة أور الأدبية

Page 1

‫اإلفـتـتـاحيـة‬

‫أور ‪:‬‬ ‫لغة راقية وفائدة علمية‬ ‫ال يخفى عىل المتتبع‪ ،‬ما يعانيه المشهد الثقايف العريب اليوم‬ ‫من تسيد أنصاف المثقفين وأشباههم‪ ،‬وتأثري الوالءات السياسية‬ ‫واالنتماءات الملوثة عرب أقالم صفراء وأفكار مشوهة تستمد‬ ‫ديمومتها من واقع مغرق بالجهل فرض نفسه بطريقته الخاصة ‪.‬‬

‫معالي الدكتور‬ ‫علــي غــازي‬ ‫رئيس التحرير‬

‫س � � � � � � � �ع� � � � � � � ��دت ب � � � � �ه � � � ��ذه‬ ‫ال � �م � �ج � �ل ��ة وب �ح �ل �ت �ه ��ا‬ ‫ال � �ج � �م � �ي � �ل� ��ة ‪ ،‬ألن � �ه� ��ا‬ ‫ت � � � � � � � ��أيت يف س � � �ي� � ��اق‬ ‫إه � � � � �ت � � � � �م� � � � ��ام ب � �ل� ��ادن � � � ��ا‬ ‫ب��ال �ث �ق��اف��ة ب�م�خ�ت�ل��ف‬ ‫مجاالتها‬

‫ونحن إذ نؤكد عىل ضرورة العمل الجاد والمخلص للنهوض بالواقع‬ ‫الثقايف‪ ،‬ندرك أن هكذا مهمة لن تكون سهلة ولن يكتب لها النجاح‬ ‫بجهود فردية‪ ،‬بل ال بد من رؤى و تكامل و وازع أخالقي نبيل يدرك‪،‬‬ ‫كما أن الثقافة اليوم صراع حضارات تناضل أمم االرض يف سبيل‬ ‫كسبها‪ ،‬هي سالح أيضا و حياة ال غىن للشعوب عنها ‪.‬‬ ‫واليوم‪ ،‬وبعد حلم طويل وجهود مضنية جرت عىل قدم وساق وعين‬ ‫مغمضة وأخ��رى مفتوحة‪ ،‬ول��ف وبحث وم��راس�لات وص�ل��وات‪ ،‬تكللت‬ ‫بهذا المولود الذي أسميناه بمسمى المدينة اليت كتب فيها الحرف‬ ‫االول يف تأريخ البشرية‪ ،‬والذي نأمل أن يكون إضافة حقيقية لمكتبة‬ ‫الثقافة العربية‪ ،‬وحضن دافئ لكل األقالم الناضجة والمستحقة‪،‬‬ ‫و بعيدا عن أي تميزي يف هوية أو جنسية أو انتماء ديين ‪.‬‬ ‫عمل ألجل الثقافة وحدها مع رغبة مخلصة يف أن نكون عند حسن‬ ‫الظن و بقدر المسؤولية‪.‬‬


‫‪CONTENTS‬‬

‫أور ‪ -‬مجلة أدبية ثقافية‬ ‫العدد األول ‪ .‬يوليو ‪2020‬‬

‫البحرين التراثية‬

‫‪04‬‬ ‫‪09‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪ 19‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪2‬‬

‫باب الشعر‬

‫مقربة الغرباء‬ ‫تحية‬ ‫لوحة‬ ‫طارش‬ ‫باب األقصوصة‬ ‫الطابور الثالث‬ ‫فأس أبو خالد‬ ‫مغادرة‬ ‫من يطرق الباب؟‬ ‫قراءة يف نص حنين ‪...‬‬

‫‪04‬‬

‫‪12‬‬

‫‪09‬‬

‫‪16‬‬


‫إقـــــــرأ يف هذا العدد ‪.....‬‬ ‫م����ج����ل����ة أدب�������ي�������ة ث����ق����اف����ي����ة ت������ص������در ب���ص���ف���ة‬

‫‪07‬‬ ‫يا هل ترى‬

‫‪15‬‬ ‫لك‬ ‫أنظرُ ِ‬

‫دوري�������ة ل��ل��ن��ق��اد وال���روائ���ي���ي���ن وال��ق��ص��اص��ي��ن‬ ‫وال����������������ق����������������راء ال�������م�������ث�������ق�������ف�������ون ال��������ع��������رب‬

‫رئيس التحر ير‬ ‫عل ــي غـ ــازي‬ ‫سكرتري التحرير‬ ‫عب ــاس عل ــي العك ــري‬ ‫أسرة التحر ير‬ ‫صديق ــة ص ــديق ع ــيل‬ ‫سهـ ـ ــام الخليف ــة‬ ‫ريـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم البيـ ـ ـ ـ ـ ــايت‬ ‫هدى إبراهيــم أمــون‬ ‫جميع المراسالت‬ ‫بإسـم رئيـس التحـرير‬ ‫العدلية ‪21499‬‬ ‫ص‪.‬ب‪.‬‬ ‫مملكة البحرين‬ ‫‪abbastrainer@gmail.com‬‬ ‫تصميم وإخراج‬

‫‪23‬‬ ‫باب القصة‬ ‫ً‬ ‫جدا‬ ‫القصرية‬

‫‪36‬‬ ‫المدينة يف‬ ‫السرد التونيس‬

‫م ‪ .‬أحمد محمد عيل‬ ‫‪Dorrart15@gmail.com‬‬ ‫رقم التسجيل ‪1427 / 6444 :‬‬ ‫ردمك ‪1658 - 3159 :‬‬


‫باب الشعر‬

‫مقربة الغرباء‬

‫سوق الغزل‬

‫هوامش ‪:‬‬

‫الشاعر‬ ‫جواد الحطاب‬

‫‪4‬‬

‫ّ‬ ‫مقر الجواهري االن يف دمشق‬ ‫مقبـ ـ ــرة الغرب ـ ـ ـ ــاء –‬ ‫سـ ـ ـ ـ ـ ــوق الغـ ـ ـ ـ ــزل – اشهر سوق لبيع الطيور يف العراق‬ ‫( منج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف) – نسبة اىل النجف االشرف مسقط راس الشاعر‬ ‫يا دجلـ ـ ـ ــة الخ ـ ـ ـ ـ ــري – واحدة من اشهر قصائد الجواهري‬ ‫المندوب السايم – ممثل االحتالل الربيطاين يف العراق ابان النصف االول من‬ ‫القرن العشرين‬ ‫شركة نفط العراق – مجموعة شركات انجلزيية كانت تحتكر النفط العراقي تحت‬ ‫هذه التسمية‪..‬‬


‫باب الشعر‬ ‫( نص يف رثاء الجواهري )‬ ‫أرب من قبل حماما‬ ‫لم ّ‬ ‫ال أشعل ؛ ال أبيض ؛ ال أصفر ؛ ال رماديا‬ ‫من أجلك – أنت فقط – ذهبت لسوق‬ ‫الغزل‬ ‫واشرتيت مائة طري زاجل‬ ‫( بعدد سنواتك يا َن َ‬ ‫سر ُل َبد )‬ ‫وأطلقتها ؛ باتجاه مقربة الغرباء‬ ‫يف ّ‬ ‫عز اللزوميات ؛ تابعت األخبار انفاسك‬ ‫قلت ألنفاسي ‪ :‬رجل ( منجاف )‬ ‫لن تستوعب قامته ؛ أيّ ة مقربة ؛ حىت لو‬ ‫كانت ‪ :‬مقربة الغرباء‬ ‫‪ ..‬لم ندر ؛ إنك كنت تعيّ نت ( محافظا )‬ ‫فيها‬ ‫وليس ( مواطنا ) بمقربة النجف !!‬ ‫أبعيدا عن ( دجلة الخري ) تنمو‬ ‫الم لها‬ ‫بأصابعك الال َس َ‬ ‫عواسج الكلمات ؟!!‬ ‫أرى باصابع الخزاف جرحا ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫الخزف‬ ‫‪ ..‬انه‬ ‫اباريق ‪..‬‬ ‫تلم دمعتها ‪..‬‬ ‫وكنت ّ‬ ‫ُ‬ ‫وتنصرف‬

‫ذات موت ّأول ‪..‬‬ ‫وضعوا المرآة أمام شفتيك‬ ‫فحفرت أنفاسك بزجاجها ‪ :‬دجلة ‪ ..‬والفرات‬ ‫( ‪ ..‬دجلة والفرات‬ ‫محفوران – اآلن – عىل قربك‬ ‫كأضالع حصان ّ‬ ‫ميت ‪) ..‬‬ ‫يا محافظ مقربة الغرباء‬ ‫مقربتك ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫السراط‬ ‫آخر‬ ‫لوغ‬ ‫عىل‬ ‫قدرتها‬ ‫نشك يف‬ ‫بُ‬ ‫ِ‬ ‫‪ ...‬فهي تحتاج إىل حشد من الفرسان‬ ‫لتنمية مواردها الشحيحة‬ ‫‪ :‬أنت‬ ‫‪ :‬ومصطفى جمال الدين‬ ‫‪ :‬وهادي العلوي‬ ‫‪ :‬والبيايت‬ ‫‪ :‬وحسن العلوي ذات يوم‪ ،‬ربّ ما‬ ‫لماذا يا أبا فرات‬ ‫سميت الخصوم بأسمائهم الشخصية‬ ‫ّ‬ ‫فال يمكن حذف أي واحد منهم‬ ‫برغم افتقارهم للتشويق ؟!!‬ ‫المندوب السايم‬ ‫البابا يف شركة نفط العراق‬ ‫الملك؛ الوصي؛ رئيس الوزراء‬ ‫رؤساء الجمهوريات ‪ :‬األول ؛ والثاين ؛‬ ‫والثالث ؛ واأللف ‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫تساف ُد ) األوزان تحت طاقيتك‬ ‫ألم يهدأ (‬ ‫العفيفة ؟؟‬ ‫‪...............‬‬ ‫إذن ؛ دعنا‬ ‫ركن( عمود ) الشعر‬ ‫ُن ِ‬ ‫بدائرة( اآلثار )‬ ‫ّ‬ ‫ترتاح ؛ ولو ؛ لموت واحد !!‬ ‫لعلك‬ ‫ُ‬ ‫كدجلة ‪ ..‬غامض‬ ‫ُ‬ ‫سرف‬ ‫طبع الفرات ؛ وضوحه ‪:‬‬ ‫وم ُ‬ ‫ثلهما إبا ‪..‬‬ ‫ِ‬

‫نهر الفرات‬ ‫ُ‬ ‫حىت الجراح ّ‬ ‫تحف‬ ‫كانها‬ ‫‪....‬‬ ‫أعرجون كالم‬ ‫ّ‬ ‫بسلة مقربة الغرباء ‪..‬‬ ‫وضعك المشيّ عون‬ ‫َ‬ ‫كتائب خيّ الة‬ ‫من دون‬ ‫ّ‬ ‫وطين‬ ‫دون نيش‪.....‬ج‬ ‫نجهش؛ بعده ؛ بالتصفيق !!‬ ‫اآلتون إليك‬ ‫جاؤوا ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫دموع‬ ‫مناديل‬ ‫دون‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ..‬وبقمصان ؛ دون كرفتات حداد ؟!!‬ ‫( ‪ ..‬ذبحتين ؛ تحت الضلع األيسر‬ ‫ليلتها بغداد ‪) ..‬‬ ‫ّ‬ ‫النعي‬ ‫لم يسمع ؛ أحد ؛ يف النجف‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عيل‬ ‫لكن حمام‬ ‫لم يهبط ؛ تلك الليلة ؛ فوق قباب أيب الحسنين‬ ‫الزوار‬ ‫‪ ..‬ارتبك ّ‬ ‫وشالوا نعشا فارغ‬ ‫حىت انسدل الـ‪..........‬فجر‬ ‫ّ‬ ‫النجفي لسابع ظهر‬ ‫ايّ ها‬ ‫أأخريا ‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫تمكنا منك‬

‫‪ :‬فدفناك‬ ‫من دون رضاك ؟!!‬ ‫بعيدا ؛ عن دجى وطين‬ ‫ُ‬ ‫نرتجف‬ ‫انا ؛ والشمس ؛‬ ‫فهل مويت ‪ :‬أودسيوس‬ ‫ُ‬ ‫النجف‬ ‫وأيثاكا‪ :‬هي‬

‫النجف‬

‫‪5‬‬


‫باب الشعر‬

‫يا هل ترى !!‬

‫الشاعر‬ ‫ستار الزهيري‬

‫‪6‬‬


‫باب الشعر‬

‫َ‬ ‫ ‬ ‫الم ْق ِمرا‬ ‫َأو ما َترى هذا‬ ‫الجمال ُ‬ ‫كنت عندي يف غضون ُ‬ ‫ ‬ ‫فتويت‬ ‫لو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫عليك بخافقي‬ ‫ولقلت يا ُدنيا ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫كم ُن رَ غبَ يت‬ ‫فهنا ُلبانايت َ‬ ‫وم َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫العاشقون برحبَ يت‬ ‫وهنا يَ ُمرُ‬ ‫فالع ُ‬ ‫تون َ‬ ‫قل ُم ْف ٌ‬ ‫َ‬ ‫ ‬ ‫ظام ٌئ‬ ‫وق ْليب‬ ‫ِ‬

‫ُّ‬ ‫ ‬ ‫وكل َمطامحي‬ ‫أنت يا كيل‬ ‫يا ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫خت َّ‬ ‫مريم األحالم يا أ َ‬ ‫َ‬ ‫ ‬ ‫الندى‬ ‫يا‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫س ُغ ُ‬ ‫سفا عىل عمري َتيَ بَ َ‬ ‫ ‬ ‫صن ُه‬ ‫َأ‬

‫الحياة َف َّ‬ ‫ ‬ ‫كلما‬ ‫وحبيبيت ِسرُّ‬ ‫ِ‬ ‫راع ً‬ ‫ ‬ ‫ما‬ ‫يا َم ْن َترُ ُّد‬ ‫الذاويات بَ ِ‬ ‫ِ‬

‫َ‬ ‫ ‬ ‫وعد‬ ‫معت‬ ‫ولئ ْن َج‬ ‫الغانيات َ‬ ‫لم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫مثل الزجاج َش َ‬ ‫َ‬ ‫ ‬ ‫فيف ٌة‬ ‫فحبيبيت‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ ‬ ‫النخيل ُمهابَ ة‬ ‫وحبيبَ يت مثل‬ ‫ِ‬ ‫جم َع َ‬ ‫َّ‬ ‫ ‬ ‫والسنا‬ ‫والمهارَ َة‬ ‫النظارَ َة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫يا ْ‬ ‫تعيد الش َ‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫عندطلوعها‬ ‫مس‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ ‬ ‫وليوسف‬ ‫زليخة ‪..‬‬ ‫تكون‬ ‫َأ ُترى‬ ‫ٍ‬

‫قص ُد َم َ‬ ‫ُ‬ ‫قتيل يا َه ْل َترى‬ ‫أتراه يَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫كت يف َ‬ ‫َل َس َل ُ‬ ‫بحرا‬ ‫يك َسبْ عا أ ُ‬ ‫عين ِ‬ ‫عيدا َأ رَ‬ ‫ً‬ ‫اك ْ‬ ‫أن َتمضي بَ‬ ‫كثا‬ ‫إيّ ِ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫جم َمعبرَ ا‬ ‫وهنا أكون لكل ن ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫العاشقين ُم َو َقرا‬ ‫جنون‬ ‫ِلريوا‬ ‫َ‬ ‫عالم هذا َ‬ ‫هجرُ كوثرا‬ ‫َف‬ ‫الص ُّب يَ ُ‬ ‫َ‬ ‫أراك َ‬ ‫الجوهرا‬ ‫كوين كما‬ ‫شئت ‪ِ ..‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫زت َّ‬ ‫جاء ِك ُم ْق ِفرا‬ ‫النخل‬ ‫َ‬ ‫لما َه َز ِ‬ ‫ِل ُت َ‬ ‫َ‬ ‫مجمرا‬ ‫الت َش ّو ِق‬ ‫حيل ُه نارُ‬ ‫َ‬ ‫األعوام َتبدو َأ َ‬ ‫صغرا‬ ‫َت َت َق َّد ُم‬ ‫ُ‬ ‫المحاس ِن ْأن ُهرا‬ ‫الرواء اىل‬ ‫رد‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أميزّ َ ما أرى‬ ‫فاجم ْع صوايب كي ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الهوا ْ‬ ‫أن ُت َ‬ ‫كسرا‬ ‫أخىش إذا مرَّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الضياء األشقرا‬ ‫كان‬ ‫والوجه قد‬ ‫َ‬

‫ترَ‬ ‫الكواكب َ‬ ‫أزهرا‬ ‫بين‬ ‫ِ‬ ‫ف ُاه من ِ‬ ‫َ‬ ‫وت ُ‬ ‫ُ‬ ‫أمالك َّ‬ ‫السما أن َتكبرُ ا‬ ‫عيذ‬ ‫زة ُ‬ ‫األىل يا َه ْل َترى‬ ‫من‬ ‫عج ِ‬ ‫بعض ُم ِ‬ ‫ِ‬

‫‪7‬‬


‫باب الشعر‬

‫ُ‬ ‫صوت َك ‪...‬‬

‫ً‬ ‫ُ‬ ‫غابة‬ ‫صوت َك‬ ‫لو كان‬

‫حط ً‬ ‫لرتكت أهيل وصرْ ُت ّ‬ ‫ُ‬ ‫ابة‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫مستعجل‬ ‫مطر‬ ‫صوت َك‬ ‫لكن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫حقائب ُه؛‬ ‫يرت ُب‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫صورة ّ‬ ‫َ‬ ‫برق!‪..‬‬ ‫األخضر؛ و‬ ‫وقلم ُه‬ ‫أم ِه‬ ‫يغادر عىل ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كومة موسيقى‬ ‫ترقص عىل‬ ‫كريح‬ ‫يبعرثين؛‬ ‫ما‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫رائقا َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صوت ُه َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫رجال‬ ‫أن‬ ‫نح‬ ‫كل هذا‬ ‫يكن‬ ‫مثل َك؛‬ ‫ِ‬ ‫الهبوب والر ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫األهواء‬ ‫جارح‬ ‫صوت‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫حكيمة ّ‬ ‫ً‬ ‫تنش ْ‬ ‫نسرا‬ ‫قت‬ ‫كعصفورة‬ ‫فتنكمش حنجريت‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫بنداوة؛ ّ‬ ‫صوت َك‪:‬‬ ‫أن‬ ‫يلمين‬ ‫و ما ُّ‬ ‫ٍ‬

‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫العناقيد‪.‬‬ ‫ترضع‬ ‫مس وهي‬ ‫حنون‬ ‫ِ‬ ‫كغمغمة الش ِ‬ ‫حميم كأجراس ّ‬ ‫ٌ‬ ‫أديرة ّ‬ ‫الريح‪,‬‬ ‫الزعرت الربي يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫بأصابع الهواء‪.‬‬ ‫وأشبك أصابعي‬ ‫أتنس ُم ُه‬ ‫ِ‬ ‫طي ٌب؛ ّ‬ ‫ّ‬ ‫بدالل‪..‬‬ ‫ص‬ ‫كصمت‬ ‫طي ٌب‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محم ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫(ركوة) ّ‬ ‫الرغبة!‬ ‫فأفور ك‬ ‫رخامت ُه؛‬ ‫يمد نحوي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫مشاكس‪,‬‬ ‫صوتك‬ ‫ٌ‬ ‫ماكر‬ ‫مغر و‬ ‫ٍ‬

‫امتدت إىل ّ‬ ‫ُ‬ ‫يضرب يدي ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫تلمذين عىل ّ‬ ‫اللجام!‬ ‫إن‬ ‫هيل؛ و‬ ‫الص‬ ‫ُي‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫العزيز‪..‬‬ ‫صوت َك‬

‫الشاعرة‬ ‫سعاد محمد‬

‫‪8‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الخيال‬ ‫نافذة‬ ‫ليجلسين عىل‬ ‫بنربة‬ ‫يرفعين‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫زنزانة صداه!‬ ‫وبأخرى يرميين يف‬ ‫ِ‬ ‫صوت َك إلاّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫توقيع عينيك!‬ ‫ينقص‬ ‫ال‬


‫باب الشعر‬

‫ت � �ح � �ي � ��ة‬

‫حيّ َ‬ ‫اك بالورْ ِد‬ ‫ ‬ ‫فأع ْ‬ ‫زفين لحنا‬ ‫يا‬ ‫ُ‬ ‫قلب ْ‬ ‫ ‬ ‫لملم من الضوء‬ ‫ِ‬ ‫ ‬ ‫واسكب من العين‬ ‫ ‬ ‫دع ما يقال عن العشاق أنهم‬ ‫ ‬ ‫أضحوا مراسيه‬ ‫ ‬ ‫ً‬ ‫شغفا‬ ‫فاض الحشا‬ ‫ ‬ ‫كي ما ُترى فيه‬ ‫ ‬ ‫ضاحكة‬ ‫ ‬ ‫تناغيه‬ ‫ ‬ ‫إذ لم يسعك وجود‬ ‫ ‬ ‫هلل در‬ ‫ ‬ ‫أيديه فينا وما أبقت مبانيه‬ ‫ ‬ ‫ضاحك ً‬ ‫أبدا‬ ‫ ‬ ‫مثل الفجر ماضيه‬ ‫ ‬ ‫وقبل األمس ّ‬ ‫سكرة‬ ‫ ‬ ‫فغين يا لياليه‬

‫يه‬ ‫يف ماذا ُتحيّ ِ‬ ‫يف مغانيه‬ ‫ً‬ ‫عقدا حول منحره‬ ‫موسيقى تناجيه‬ ‫شكل الجنون بهم‬ ‫ُذب بالخليل فقد‬ ‫حد الفناء به‬ ‫مثل النسيمات وقت الفجر‬ ‫أو كالنسائم يف روض‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫منتشيا‬ ‫حلق إىل ماوراء الغيب‬ ‫يف مبانيه‬ ‫مسمى العشق مافعلت‬ ‫أبقت بنا عمر طفل‬ ‫تكسو الرباءة‬ ‫فاألمس شهد‬ ‫واليوم أحىل‬

‫الشاعرة‬ ‫سميا صالح‬

‫‪9‬‬


‫باب الشعر‬

‫كلمات ‪..‬‬

‫‪WORDS‬‬

‫ً‬ ‫ُ‬ ‫سعيدا‬ ‫اإلله‬ ‫عندما يكون‬ ‫ُ‬ ‫األقوياء بروح َّ‬ ‫َ‬ ‫طيبة‬ ‫يغمر‬ ‫ً‬ ‫سعيدا‬ ‫عندما يكون اإلله‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫الحقول‬ ‫عرس‬ ‫يبتدأ‬

‫ْ‬ ‫األلم‬ ‫ْ‬ ‫تقتل ُه َس ُ‬ ‫ْ‬ ‫يقت َل ْك‬ ‫إن َل ْم‬ ‫ُ‬ ‫أقصد َأ َ‬ ‫لم وعينا بهذا العالم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ألم ْ‬ ‫جمالها عىل‬ ‫يتسلط‬ ‫أن‬ ‫قلب َك‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫غريزتكَ‬ ‫ُ‬ ‫و ْ‬ ‫أن ال تهدأ‬ ‫َ َ‬ ‫ألم ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫قدام َك عىل‬ ‫تشيخ أ‬ ‫أن‬ ‫الطريق‬ ‫َ‬ ‫أن َت ْ‬ ‫قبل ْ‬ ‫صل‬ ‫ُ‬ ‫تجوع ْ‬ ‫ألم ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫افخاذ َك‬ ‫وأن تنثين‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قصد‬ ‫يكون للدجاج‬ ‫دون أ ْن‬ ‫ألم ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫الجواب‬ ‫أن اليطيعك‬ ‫وقد أنهكتك االسئلة‬

‫الشاعر‬ ‫حيدر الفيحان‬

‫‪10‬‬

‫ْ‬ ‫قبل ْ‬ ‫َ‬ ‫فكرة‬ ‫تولد ِّأية‬ ‫أن‬ ‫ْ‬ ‫كانت هناك فكرة الطبيعة‬ ‫قبل أن تنشأ الحضارات‬ ‫ِّ‬ ‫تشي ُد أنواعها‬ ‫كانت الحياة‬ ‫وقبل ْ‬ ‫َ‬ ‫السماء‬ ‫أن يغلقوا‬ ‫ودخان الحروب‬ ‫بالحديد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫كانت الغيوم أجنة من فرح‬

‫قبل أن ننقسم اىل أديان‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫بشرا صالحين‬ ‫كنا‬ ‫قبل أن ننقسم اىل دول‬ ‫كانت االنسانية تخفي‬ ‫وحشيتها‬ ‫ً‬ ‫لسن‬ ‫قبل أن ننقسم اىل أ‬ ‫ٍ‬ ‫متعددة‬ ‫ُ‬ ‫اللغات كلها تغين‬ ‫كانت‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫االقوياء موارد‬ ‫تقاسم‬ ‫وعندما‬ ‫الطبيعية‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫كانت النساء فرائسهم‬


‫هذيانات التنتهي‬

‫الشاعر‬ ‫حمزة فيصل المردان‬

‫… \ بنيت من اوجاع السنين‬‫بيتا‬ ‫تأوي اليه ظاليل‬ ‫تسرتيح هناك‬ ‫من التلويح‬ ‫تنام‪ ،‬او تصرخ يف هامش منكسر‬ ‫سيان عندي‬ ‫تتدافع عىل حفنة موت‬ ‫ّ‬ ‫التبضع‬ ‫يف شوارع‬ ‫ّ‬ ‫لغد القلق الذي فقس‬ ‫فوق اضالع االماين‬ ‫الخائرة القوى‪،‬‬ ‫آظنها الواحدة ليال‬ ‫الضفادع بدأت بالنقيق‬ ‫وقليب داهمه الخفقان اللعين‬ ‫وانا امام لوحة لرسام فاشل‬ ‫مزج االلوان‬ ‫ليجعل من صحراء القلوب بستانا وارفا ّ‬ ‫جدا‪،‬‬ ‫الصباح احضر هديته‬ ‫ّ‬ ‫وزع عىل البؤساء‬ ‫ما ال يطيقون حمله‬ ‫واعطى لالغنياء كذلك‬ ‫حصة اكرب‪ ،‬النهم واجهة البلد‬ ‫ّ‬ ‫تبا له…‬ ‫عدالته ماكرة‪،‬‬ ‫الفانوس ما عاد يعين يل شيء‬ ‫فالليايل كلها ظالم دامس‬ ‫من دونك‪،‬‬ ‫هذيانايت‪ ،‬التنتهي‬ ‫لذلك سأصوم يويم‬ ‫وافطر عىل وجع جديد‬ ‫فالبالد تخىش الكورونا‬ ‫وال تحبذ الموت المفاجئ‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫باب الشعر‬

‫لوحة‬

‫الشاعرة‬ ‫نعمة حسن علوان‬

‫‪12‬‬

‫جثتان عند الباب‬ ‫إحداهما يل‬ ‫واألخرى ال أعرفها‬ ‫كأسان عىل الطاولة‬ ‫واحدة ارتشفتها‬ ‫يف ظهرية قائظة‬ ‫لضيف‬ ‫واألخرى أدعها‬ ‫ٍ‬ ‫يزورين كل ليلة‬ ‫جثتان عند الباب‬ ‫وكأسان عىل الطاولة‬ ‫ولوحتان عىل الجدار‬ ‫واحدة جلبتها من بازار هندي‬ ‫واألخرى رسمت فيها‬ ‫جثتين واحدة يل‬ ‫واألخرى لشخص لم ألتقه‬ ‫إذن جثتان عند الباب‬ ‫وكأسان عىل الطاولة‬ ‫ولوحتان عىل الجدار‬ ‫وروايتان لم اطبعهما بعد‬ ‫واحدة عن زوجة لجرنال عجوز‬ ‫واألخرى سرية ذاتية لشاعر ظريف‬ ‫مرة أخرى سأعيدها عىل مسامعكم‬ ‫جثتان عند الباب‬ ‫وكأسان عىل الطاولة‬ ‫ولوحتان عىل الجدار‬ ‫ومدونتان لم اطبعهما بعد‬ ‫ومسدس ملغم برصاصتين‬ ‫إحداهما سأضعها يف رأس الجثة‬ ‫اليت ال أعرفها‬ ‫رجل‬ ‫رأس‬ ‫واألخرى يف‬ ‫ٍ‬ ‫إبتاع لوحة من بازار هندي‬ ‫جثتان عند الباب‬ ‫وكأسان عىل الطاولة‬ ‫ولوحتان عىل الجدار‬ ‫ومدونتان لم اطبعهما بعد‬ ‫ورصاصتان ال أجيد تصويبهما‬ ‫هكذا يخربين ضيفي‬ ‫الذي يزورين‬ ‫كل ليلة‬


‫باب الشعر‬

‫‪13‬‬


‫باب الشعر‬

‫ْ‬ ‫الصفر‬ ‫ثقوب‬

‫الشاعرة‬ ‫ريم البياتي‬

‫الشمس تنزتع الفتيل ّ‬ ‫تلفه‬ ‫خصر‬ ‫زنار‬ ‫ٍ‬ ‫تركن المصباح خلف الغيمة السوداء‬ ‫تريم رأسها يف البحر خائفة‬ ‫ْ‬ ‫الظالل‬ ‫تطاردها‬ ‫الشيء يسبح يف الظالم‬ ‫وعنقك المشدود ينفض راحتيه‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫الحبال‬ ‫يخزن األسرار يف رئة‬ ‫الكل يكذب‪....‬‬ ‫نشرة االخبار‪..‬والشرطي ‪...‬‬ ‫صوت (الفاتحين)‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫وجبة المفيت‪..‬‬ ‫غناء البحر‪....‬موسيقا الهواء‪...‬‬ ‫وكذبة أخرى‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫الرمال‬ ‫تمط شفاهها فوق‬

‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫الثقوب‬ ‫المعلق يف‬ ‫عين عىل القمر‬ ‫ِ‬ ‫وصوتك اآليت من األ عماق سطح‬ ‫البحر‬ ‫ِ‬ ‫منديل لكل العابرين عىل ثقوب‬ ‫القلب‬ ‫الجسر‪....‬‬ ‫فوق‬ ‫ِ‬ ‫أجنحة عىل الجدران مازالت‬ ‫يد ُق حفيفها المكتوم مسماراً‬ ‫ّ‬ ‫القهر‪....‬‬ ‫صديء‬ ‫ِ‬ ‫يأتيه الرجال الموكلين بلحية‬ ‫البطحاء‬ ‫ُ‬ ‫ينزتعون من صدر النهار شعرية‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫عرية‬ ‫وش‬ ‫ليصري ذقن الموت ملتحيا‬ ‫ويركل ظلك المحين‬ ‫ً‬ ‫ذاكرة‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫الصفر‪.‬‬ ‫تعرش يف شباك‬ ‫ِ‬ ‫‪14‬‬


‫باب الشعر‬

‫ُ‬ ‫لك‬ ‫أنظر ِ‬

‫لك‬ ‫أنظر ِ‬ ‫لصورة عىل جدار‬ ‫أنظر‬ ‫كما‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫أتفرس بمالمحها‬ ‫للغبار المرتاكم عىل زجاجها‬ ‫بنظرة‬ ‫ُللعبة السنين اليت تمضي‬ ‫ٍ‬ ‫صامتة‬ ‫أنت تكربين‬ ‫ها ِ‬ ‫دون أتحسس الفارق‬ ‫بيين بينك‬ ‫ً‬ ‫معا‬ ‫حين نكرب‬ ‫ّ‬ ‫تودعنا المساءات‬ ‫بآالمها الفارقة‪.‬‬ ‫كل ذكرى تعود‬ ‫بنظرة قاتمة‬ ‫ٍ‬ ‫الرتاكمات الجزيلة‬ ‫ألصدقاء‬ ‫يسكنون ّ‬ ‫الصمت‬ ‫اليغريهم التنابز األعمى‬ ‫بجلسات المقاهي‬ ‫وال ّ‬ ‫الصفات‬ ‫التوطن بغرام ِ‬ ‫يستطيبون األحاديث‬ ‫عىل وقع ّ‬ ‫السفسطة‬

‫يتشبهون‬ ‫ًّ‬ ‫بمشايئ الحكمة‬ ‫وطروحاتهم الفذلكية ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أنظر كما لو أن االخرتاق‬ ‫لسكونية الحياة‬ ‫ُّ‬ ‫يعتد بفكرته الثاقبة‬ ‫حين يزيح الغبار‬ ‫عن وجه األيام ‪.‬‬

‫الشاعر‬ ‫حميد الساعدي‬

‫‪15‬‬


‫باب األقصوصة‬

‫طارش‬

‫الكاتب‬ ‫محمد خضير‬

‫‪16‬‬

‫من األس��م��اء المغمورة يف برئ وج��داين اسم‬ ‫الم َ‬ ‫«ط�����ارش» ال���ذي ي��ع�ني ال���رس���ول أو ُ‬ ‫بتعث‬ ‫َ‬ ‫ب��رس��ال��ة ه��ام��ة‪ .‬وم���ا زل���ت أت��ق ّ‬ ‫��ص��ى ال���ط���وارش‬ ‫ّ‬ ‫«العشار»‬ ‫المتسلسلين الذين ينبعون من ثقوب‬ ‫ال���ك���ث�ي�رة‪ ،‬ث���م ي��خ��ت��ف��ون ك��م��ا ظ���ه���روا ف��ج��أة‪،‬‬ ‫وأت���ف���ادى االح��ت��ك��اك ب��ه��م‪ّ .‬إن��ن�ي أح��ك��ي عن‬ ‫ال��ط��ارش ال��خ ّ‬ ‫��اص بحلقيت‪ ،‬ولربما ي��أيت غريه‬ ‫لمقصود آخر أجهله؛ ُّ‬ ‫كل ما أنقله من رسائل‬ ‫ٍ‬ ‫ي��ح��دث ب��غ�ير م��ي��ق��ات؛ وق����د ي��ن��ق��ط��ع االت��ص��ال‬ ‫وت��ن��ف��ص��م ال��ح��ل��ق��ات يف ح����ادث غ�ي�ر م��وق��وت‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أسرح من مهميت من دون إنذار‪.‬‬ ‫حينذاك‬


‫باب األقصوصة‬

‫الطارش األول كان قسيمي عىل مقعد‬ ‫القطار الصاعد من البصرة اىل بغداد‪ ،‬يف ّ‬ ‫أول‬ ‫زيارة يل للعاصمة صيف ‪ .١٩٦١‬صعد «طارش‬ ‫ّ‬ ‫السماوي» القطار يف أثناء وقوفه الذي يدوم‬ ‫ساعة بالمحطة الصحراوية الوسطى‪ .‬كنت‬ ‫أحتاج بقوة اىل من أستند اىل قوته وقيافته‬ ‫يف هذه الرحلة المجهولة‪ .‬أعاد الطارش ترتيب‬ ‫عقاله عىل رأسه‪ ،‬وتثبيت عباءته عىل متنه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خوص من ّ‬ ‫طيات العباءة‪.‬‬ ‫مهفة‬ ‫يستل‬ ‫قبل أن‬ ‫ٍ‬ ‫شزرين بنظرة جانبية انفلتت من عدسة ّ‬ ‫نظارته‬ ‫ّ‬ ‫المهفة أمام وجهي‬ ‫الطبية‪ ،‬ثم راح يحرك عصا‬ ‫ّ‬ ‫المتنكر‬ ‫المغمور بالعرق والغبار‪ .‬نزل الطارش‬ ‫يف محطة صغرية شمايل الرميثة‪ ،‬وترك يف‬ ‫َ‬ ‫لمس‬ ‫مكانه عىل المقعد جيب النظارة‪ ،‬ثم‬ ‫ُ‬ ‫لفحة العباءة المنشورة‬ ‫كتفي وغادر‪ ،‬تتبعه‬ ‫كجناحي طائر «أيب نعيج»‪.‬‬ ‫لم ُ‬ ‫يطل ظهور الطارش الثاين الذي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫المحطة‬ ‫النظارة من يدي يف‬ ‫جيب‬ ‫سيخطف‬ ‫العالمية ببغداد‪ ،‬ويذوب بين أكتاف الواقفين‬ ‫المنتظرين وصول القطار‪ .‬ذاب دون وداع بين‬ ‫ّ‬ ‫المتفحصة قدوم المسافرين من أعماق‬ ‫العيون‬ ‫محطات ّ‬ ‫ّ‬ ‫سكة الحديد المتسلسلة تحت مستوى‬ ‫ُ‬ ‫التقيته‬ ‫يعمر طارش‬ ‫أعمارهم القصرية؛ إذ لم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السكة تلك‪ .‬كان‬ ‫أكرث من منتصف مسافة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫«السماوي»‬ ‫المحطة أقصر من سلفه‬ ‫طارش‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مهفة لم‬ ‫حامال بيده‬ ‫وأخف منه يف االقرتاب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مس كتفي ّ‬ ‫يستعملها إال يف ّ‬ ‫خفيفا‪.‬‬ ‫مس ًا‬ ‫ّ‬ ‫ستتنوع عالمات االستقبال والتوديع‪،‬‬ ‫بعدئذ‬ ‫وأجنحة العباءات‪ ،‬ورسائل الجيوب‪ ،‬حىت لقايئ‬ ‫الطارش األخري يف وسط العشار‪ ،‬بعد سنوات‬ ‫طوال من رحالت القطار‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أتذكر ّ‬ ‫امرأة من‬ ‫أن الطارش األخري كان‬ ‫النساء العائمات عىل ّ‬ ‫تيار سوق الخردوات‪ ،‬أيام‬ ‫الحصار االقتصادي يف العقد العاشر من القرن‬ ‫ّ‬ ‫صف‬ ‫الماضي‪ .‬كنت أتخذ مجليس كل يوم بين‬ ‫بائعي الكتب والمجالت القديمة؛ حين أقبلت‬ ‫َ‬ ‫قماش معقود‬ ‫كيس‬ ‫المرأة المطروشة وألقت‬ ‫ٍ‬ ‫فالح عجوز يبيع التمر اليابس‪ ،‬يجلس‬ ‫يف زنبيل‬ ‫ٍ‬ ‫يف الصف المقابل‪ ،‬بين بائعي األجهزة المزنلية‬ ‫الخربة‪ ،‬والثياب واألحذية الملبوسة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫سريعا‪ ،‬ولم أنتبه اىل خطأ‬ ‫حدث االحتكاك‬

‫الطارش العجول‪ ،‬حىت ّ‬ ‫فك الفالح ُع َ‬ ‫قدة‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫واقفا وصرخ‬ ‫ومد يده داخله‪ .‬انتفض‬ ‫الكيس‬ ‫حت من فتحة ِّ‬ ‫ً‬ ‫انسر ْ‬ ‫َ‬ ‫الكيس الملقى‬ ‫متألما‪ ،‬بينما‬ ‫ّ‬ ‫عىل ّ‬ ‫والتفت حول‬ ‫حبات التمر أفعى صغرية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫سريعا يف الجسد‬ ‫السم‬ ‫عروة الزنبيل‪ .‬سرى‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫المرأة‬ ‫فتكو َم يف مكانه‪ .‬أخطأت‬ ‫الضعيف‬ ‫َ‬ ‫وخل َطت يف العالمة المقصودة‬ ‫المطروشة‬ ‫اليت تميزّ ين بين الحلقات الوسطى اليت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتسلمها‬ ‫تتحرى عن مخبوءات الرسائل‪،‬‬ ‫ال‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫شخص غري‬ ‫فأودت بحياة‬ ‫مختومة دون مساس‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الرسالة ِه ً‬ ‫َ‬ ‫مقصود‪ّ ،‬‬ ‫حسن مجهول‪،‬‬ ‫بة من ُم‬ ‫ظن‬ ‫ٍ‬ ‫فسارع يف ّ‬ ‫فضها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مقصودا برسالة الموت‪ ،‬وشاء‬ ‫هل كنت‬ ‫القدر أن يفصم حلقيت من دون أن أعلم ِب ّ‬ ‫نية‬ ‫المهمة وحدث‬ ‫الطارش المأمور؟ لم تكتمل‬ ‫ّ‬ ‫ما يتناسب وفوضى ّ‬ ‫السوق المزدحمة بالفقراء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫جماعيا‬ ‫طاما‬ ‫أظنه ِف‬ ‫والمساكين؛ وما كنت‬ ‫لمئات الطوارش من ربقة الرسائل المشؤومة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫نظام العالمات‬ ‫صدفة ويزلزل‬ ‫سيحدث‬ ‫المرقومة عىل جباههم‪ ،‬مع نهاية القرن‪.‬‬

‫‪-2‬زهرة‬

‫حينما تصمت المدينة بعد يوم عنيف‪ ،‬تنهض‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫المرسلة من «الجانب اآلخر» لتطوف‬ ‫األيقونات‬ ‫يف الشوارع المقفرة‪ ،‬وتنفذ يف غفلة من‬ ‫َّ‬ ‫الد َرك إىل مخادع الناس المتعبين‪ ..‬ال أحد يف‬ ‫َّ‬ ‫اشتد‬ ‫المدينة يعرف موقع هذا «الجانب» مهما‬ ‫ْ‬ ‫حد ُسه‪.‬‬ ‫مع هذه األيقونات تتجدد ُ‬ ‫روح المدينة العتيقة‬ ‫أنص ْت لحفيف‬ ‫وتسهر عىل مصري أطفالها‪ِ ..‬‬ ‫ْ‬ ‫واسأل‬ ‫واستع ْن بحواسك وبداهتك‪.‬‬ ‫خطواتها‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫جار َك ْ‬ ‫َ‬ ‫كنت‬ ‫إن‬ ‫غافال عن زيارة واحدة منها‪.‬‬ ‫أسميها ب «زهرة‬ ‫أيقونيت واحدة ال تتغري‪ .‬وأنا‬ ‫ّ‬ ‫الجماجم»‪ُ .‬ر ُ‬ ‫حت أناديها بهذا االسم بعد أن روى‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫حكاية اختفائها ِب ِسرت‬ ‫شخص اسمه (ع‪).‬‬ ‫يل‬ ‫ّ‬ ‫ستصك َ‬ ‫ٌ‬ ‫ىّ‬ ‫َ‬ ‫سماع‬ ‫تسن لك‬ ‫بدنك لو‬ ‫رعدة‬ ‫الظالم‪.‬‬ ‫مقطع من أخبار زمانها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫جيء ّ‬ ‫طفلتها يف ليلة‬ ‫لتل َد‬ ‫بأم «الزهرة» ِ‬ ‫دكناء من آذار ‪ ١٩٩١‬يف قسم الوالدة الباردة‬ ‫ً‬ ‫محروسة ّ‬ ‫بثلة ّ‬ ‫حراس‬ ‫بمستشفى األطفال‪،‬‬ ‫غالظ‪ ،‬حىت إذا َّ‬ ‫تم إطالق الحياة الجديدة من‬

‫ّ‬ ‫الحر ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اس‬ ‫المعذب‪ ،‬اصطحبها‬ ‫األمويم‬ ‫الجسد‬ ‫َ‬ ‫سبقها‬ ‫عائدين بها اىل زنزانة اإلعدام‪ ،‬اليت‬ ‫إليها زوجها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مؤقتا‬ ‫اسما‬ ‫قال (ع‪« :).‬منحت المستشفى‬ ‫للمولودة المجهولة‪َ ،‬ل ِص َق بها حىت َ‬ ‫بلغت‪:‬‬ ‫«فصلوا زهرة _ وهذا هو اسمها _ عن ّ‬ ‫أمها‬ ‫الحر ُ‬ ‫ّ‬ ‫اس معهم إىل غري رجعة‪،‬‬ ‫اليت ساقها‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قابلة المستشفى خرب والدة الطفلة‪،‬‬ ‫وكتمت‬ ‫ّ‬ ‫وسلمتها اىل ُمعينة القسم لرتضعها‪ ،‬حىت‬ ‫يحين وقت ايوائها بدار األيتام‪ ،‬مع األطفال‬ ‫اللقطاء ومجهويل المولد‪ .‬وكان العام الذي‬ ‫ُ‬ ‫ُل ِف ْظ ْت فيه َ‬ ‫اضط ّر اآلباء‬ ‫جوع وفقر وعطالة‬ ‫عام‬ ‫ٍ‬ ‫أطفالهم ُ‬ ‫لأل َسر الغنية»‪.‬‬ ‫فيه اىل بيع‬ ‫ُ‬ ‫الدار عىل االسم المؤقت للطفلة‬ ‫أبقت‬ ‫المجهولة األبوين‪ ،‬ولم يغيرّ (ع‪ ).‬ذلك االسم‬ ‫َ‬ ‫استنقذها به من مأواها لقاء مبلغ من‬ ‫الذي‬ ‫َ‬ ‫دفعه إلحدى ممرضات الدار‪ ،‬تلك اليت‬ ‫المال‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الطفلة من ُمعينة المستشفى ّ‬ ‫أول‬ ‫تسلمت‬ ‫ٌ‬ ‫امرأة غريبة بيت‬ ‫مرة‪ .‬بعد سنوات‪ ،‬حين زارت‬ ‫المنق َذ (ع) تطالب بابنتها المبيعة ألكرث من يد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫وسألها عن ُ‬ ‫المتبين بأمرها‪،‬‬ ‫الرجل‬ ‫شك‬ ‫المخبرِ‬ ‫َ‬ ‫الذي ّ‬ ‫المستنقذة‪ .‬لم تكشف‬ ‫دلها عىل الطفلة‬ ‫ّ‬ ‫لكنها‬ ‫الزائرة الغريبة عن مصادر إخبارها‪،‬‬ ‫همست للمنقذ (ع‪« :).‬أتسألين عن ُمخبرِ ي‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫أجهل َ‬ ‫أثر الخيط الدايم‬ ‫أتظنين‬ ‫بمكان ابنيت؟‬ ‫الذي ُق ِطع من ُس ّريت ذات ليلة من آذار؟ إذن‬ ‫ُ‬ ‫فاعلم ّ‬ ‫ْ‬ ‫أمتلك‬ ‫أن الجماجم ال تحتاج اىل دليل‪ .‬ما‬ ‫استدالل يفوق قدرة خرائط غوغل‬ ‫من قوة‬ ‫ٍ‬ ‫االفرتاضية عىل ّ‬ ‫تحري أوكار المدينة الملعونة‪.‬‬ ‫ال تعرتض طريق جمجمة يا صديقي!»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫لم يستطع ُ‬ ‫اعرتاض األيقونة الزائرة‪،‬‬ ‫نقذ (ع‪).‬‬ ‫الم ِ‬ ‫وسمح لها باصطحاب ابنتها (زهرة) معها اىل‬ ‫«الجانب اآلخر»‪ ،‬حيث تعكف الجماجم عىل‬ ‫كل ليلة‪ّ ،‬‬ ‫مسرحية جديدة ّ‬ ‫َ‬ ‫أدوارها‬ ‫تمثل‬ ‫إحياء‬ ‫ٍ‬ ‫بعد عودتها من زياراتها الخاطفة للمدينة‬ ‫ْ‬ ‫تسألين عن ذلك «الجانب» الذي‬ ‫المتهالكة‪ .‬ال‬ ‫قد ْ‬ ‫مت منه الجمجمة‪ ،‬فقد يكون موقع َ‬ ‫الم ْقرية‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫تقل ّإنها‬ ‫الجص؛ لكن ال‬ ‫القديمة‪ ،‬او ُدوغة‬ ‫المقربة؛ فالمدينة ّ‬ ‫مقربة كبرية‪ .‬وأنا‬ ‫كلها بمثابة‬ ‫ٍ‬ ‫أذهب إىل ذلك الجانب ألشاهد أيقونيت «زهرة»‬ ‫تلعب أحد أدوارها مع رفقتها من دار األيتام‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫باب األقصوصة‬

‫‪20‬‬

‫ً‬ ‫عاما‬ ‫بعد عشرين‬ ‫قبل الكأس األخرية قال النادل‪:‬‬ ‫ لم َ‬‫يبق غريك يف الحانة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حدقت يف الساعة المعلقة عىل الجدار‪ ،‬كانت تشري إىل الواحدة بعد منتصف‬ ‫ّ‬ ‫المتقطعة وبسعايل الجاف‪ ،‬تعرتيين‬ ‫الليل‪ ،‬يحاصرين القلق‪ ،‬اختنق بأنفاسي‬ ‫ّ‬ ‫وكل الذين عرفتهم قد‬ ‫رعشة مزدحمة بتساؤالت غري واضحة «إىل أين سأذهب‬ ‫رحلوا؟»‪.‬‬ ‫سألت النادل عن بائعة‬ ‫الهوى «سلمى»‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫زالت تقطن الزقاق؟‬ ‫ هل ما‬‫أجابين‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫لكنها شاخت وما‬ ‫ نعم‪،‬‬‫عادت تلك الزهرة الفواحة‬ ‫اليت تجذب عشاقها‪.‬‬

‫الكاتب‬ ‫عبد الكريم الساعدي‬

‫‪18‬‬

‫ال أدري لماذا ذكرتها اآلن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مسرعا‪،‬‬ ‫أكرع كأسي‪ ،‬أخرج‬ ‫ّ‬ ‫مبال‬ ‫أحث الخطى إليها‪ ،‬غري‬ ‫ٍ‬ ‫بالمطر‪ .‬كنت وحدي أسري يف‬ ‫الزقاق‪ ،‬سألت نفيس كيف‬ ‫ً‬ ‫عاما؟‬ ‫ستكون بعد عشرين‬ ‫ً‬ ‫شوقا لأليام‬ ‫يخفق قليب‬ ‫الخوايل‪« ،‬مهما تكن فهي‬ ‫سلمى الفاتنة‪ ،‬ألم تذكر‬

‫ضحكتها وغنجها اآلسر؟»‪،‬‬ ‫يا لك من قلب! أبعد الشيب‬ ‫ّ‬ ‫تحن وتخفق لتلك األيام؟‬ ‫أحاول أن أستمطر ذاكريت‪،‬‬ ‫لعليّ أقتنص مالمحها بعد‬ ‫هذا الفراق الطويل‪ ،‬سأراها‬ ‫كما األمس مرتعة بالضياء‪،‬‬ ‫أغنية تقطر ندى‪ ،‬تقاسمين‬ ‫حلكة الليل‪ ،‬سأستعيد‬ ‫أنفاسي اليت تركتها فوق‬ ‫جدائلها عند ليلة ّ‬ ‫بحت بها‬ ‫مواويل الفجر‪ ،‬وألثم عنقها‬ ‫بلهفة عاشق مجنون‪،‬‬ ‫وأمأل جريت من خمرها‬ ‫المشعشعة ‪.‬‬ ‫وقبل أن أطرق بابها ارتجفت‬

‫ضلوعي لتطرق باب القلب‪،‬‬ ‫فإذا بالماضي بكامل أرقه‬ ‫يسطع يف ارتعاشة ّ‬ ‫دقاته‬ ‫المتوالية عىل باب سلمى‪:‬‬ ‫ من الطارق؟‬‫ أنا‪...‬‬‫ من أنت؟ وماذا تريد يف مثل‬‫هذا الوقت؟‬ ‫ سالم عليك يا سلمى‪،‬‬‫لقد ّ‬ ‫هزين الشوق إليك‪ ،‬أال‬ ‫تفتحين‪...‬؟‬ ‫ً‬ ‫غريبا عنيّ ‪،‬‬ ‫ صوتك ليس‬‫انتظر دقيقة واحدة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عاما أخرى؛‬ ‫وانتظرت عشرين‬ ‫ليشرق وجهها من خلف‬ ‫الباب‪.‬‬


‫باب األقصوصة‬

‫الطابور الثالث‬

‫الكاتب‬ ‫هادي المياح‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫أمام إحدى وكاالت البيع‪ ،‬طابور مزدوج‬ ‫وطويل‪ .‬وقف يف صف الرجال‪ ،‬بعد أن ترك‬ ‫دراجته الهوائية تستند اىل اقرب عمود‬ ‫كهرباء‪ .‬يف جيبه ال يوجد غري ورقة البطاقة‬ ‫التموينية ومبلغ ضئيل من المال‪ ،‬بالكاد‬ ‫يكفي لشراء طبقة بيض حكويم ناصع‬ ‫البياض‪ ،‬بيض مصلحة لم يذق طعمه منذ‬ ‫فرتة طويلة‪ .‬لم ير أمامه غري أظهر وأكتاف‬ ‫الواقفين مثل حواجز كونكريتية‪ .‬وجزء من‬ ‫ستارة مهدمة ألحدى الدور المالصقة لمحل‬ ‫الوكالة‪.‬‬ ‫لم يتحرك الطابور خطوة واحدة منذ بداية‬ ‫وقوفه‪ .‬أخذته غفوة مباغتة‪،‬ونام‪ .‬اصطدم‬

‫رأسه بأحد الحواجز أمامه‪ ،‬فإنتبه‪ .‬واصل‬ ‫َص ِّ‬ ‫عال‪ .‬لكنه لم‬ ‫بيان خلفه‪ ،‬ضحكهما بصوت‬ ‫ٍ‬ ‫يعبأ لهما‪ .‬وبسبب الملل واالنتظار الطويل‪،‬‬ ‫الزمته اإلغفاءة من جديد ‪.‬‬ ‫حلم بان البيض نفد‪ ،‬دون أن يستلم أحد من‬ ‫الطابور بيضة واحدة‪ .‬تساءل وهو يف الحلم‪:‬‬ ‫من سرق البيض الحكويم وحرم جميع‬ ‫الواقفين منه؟ سمع أحدهم يهمس بأن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ثالثا اندس من الباب الخلفي‪ ،‬وأخذ‬ ‫طابورا‬ ‫البيض عنوة‪.‬‬ ‫عندما انتبه‪ ،‬وجد نفسه مازال واقفا لوحده‬ ‫امام الوكالة‪ ،‬واىل جانبه عمود كهرباء!‬

‫خرجت صاحبة الجاللة* عىل شاشة التلفاز‬ ‫يف بعض القنوات وقالت‪ :‬ال وجود لطابور‬ ‫ثالث سرق البيض‪ ،‬ونفت وجود بيض ُيوزع يف‬ ‫الوكالة منذ أكرث من سنة!‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سريعا أثناء‬ ‫لقاء‬ ‫ولألمانة والتوثيق عرضوا له‬ ‫ً‬ ‫مجيبا‬ ‫عودته البائسة إىل بيته‪.‬وهو يظهر‬ ‫عىل بعض األسئلة‪:‬‬ ‫هل أنت من بين طوابري الواقفين الستالم‬‫البيض؟‬ ‫نعم‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫بيضا وخرج؟‬ ‫احدا استلم‬ ‫هل رأيت‬‫ال‪ ،‬لم أر أحدا‪.‬‬‫‪-‬هل تعتقد بوجود طرف ثالث له عالقة‬

‫بالموضوع ؟‬ ‫ من أين يل أن أعرف؟‬‫ اذن هل تظن بانها إشاعة الثارة المزيد من‬‫الفوضى ؟‬ ‫واهلل‪ ،‬ال اعلم ما الذي يجري! ارجوك‬‫اتركيين؟ ال اعرف‪ ،‬ال اعرف‪.‬‬ ‫لماذا انت مستاء هكذا؟‬‫انا مستاء وغاضب ألن احدهم سرق دراجيت‬‫الهوائية!‬ ‫*صاحبة الجاللة‪:‬‬ ‫مصطلح يطلق عىل وسائل اإلعالم‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫باب األقصوصة‬

‫فوتوكويب‬ ‫غ����ري ٌ‬ ‫����ب أخ�����ذ ال���ك���ث�ي�ر م����ن اس����م����ه‪ ،‬غ���ري���ب ن��ت��ي��ج��ة خ��اط��ئ��ة‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ارت��ك��ب��ه��ا األب���������وان‪ ..‬ك�لاه��م��ا ع�����اش ي��ت��م��ا م���ق���ذع���ا‪ ،‬أب��و‬ ‫ً‬ ‫وح�����ي�����دا س����ائ����ح ً����ا ك���م���ي���اه األم�����ط�����ار ال�ت�ي‬ ‫غ����ري����ب ك������ان‬ ‫ت��ت��ج��زأ ح�ت�ى ي����أيت ال��ص��ب��اح ب��ال��ش��م��س وي��ن�سى ال��م��ط��ر‪!..‬‬

‫ُ‬ ‫يعيش قصة فقر من‬ ‫أبو غريب‬ ‫الدرجة األوىل‪،‬‬ ‫يعرف الكثري عن‪ :‬الجورب‬ ‫المثقوب‪..‬الحذاء الممزق‪..‬‬ ‫و الثياب اليت هتك سرتها‪،‬‬ ‫األوساخ‪ ..‬الماء و الدماء‪ ..‬ثم‬ ‫األيام‪..‬‬ ‫تقاوم معه كما تفعل‬ ‫الجنود مع أوطانها‪.‬‬ ‫أم غريب ال تعرف الكثري عن‬ ‫ِّ‬ ‫الحب الربجوازي‪!..‬‬ ‫تعي حجم الحزن يف حب‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫دائما َّأن ُه‪:‬‬ ‫تصفه‬ ‫األرصفة‪،‬‬ ‫المصباح األخري يف ظلمة‬ ‫األحياء العشوائية‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫تطارد من يكسر‬ ‫تبدأ الحياة‬ ‫قوانينها‪،‬‬ ‫خطوة اللقاء بينهما كانت‬ ‫حديث األوراق الصغرية‪..‬‬ ‫الحب يف األوراق الصغرية‬ ‫كما تقول أم غريب‪:‬‬ ‫تلك الكلمات هي إرث‬ ‫الذاكرة الوحيد‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫إنذار الزواج‪ ..‬قسم‬ ‫ُر ِف َع‬ ‫ُ‬ ‫يتذكر أبو‬ ‫الغرف المستأجرة‪،‬‬

‫الكاتب‬ ‫ابراهيم عدنان‬

‫‪20‬‬

‫غريب عن أبيه حين يصفها‬ ‫بأنها‪:‬‬ ‫غرف ليايل الحب القصرية‪...‬‬ ‫كل تلك األفعال الشاذة‬ ‫مليئة بالحياة‪ ...‬كل ُ‬ ‫القبل‬ ‫اليت تحدث يف القصور‬ ‫الضخمة ميتة‪ ،‬يقول لهم‬ ‫ً‬ ‫مربهنا اسألوا‪:‬‬

‫األمري أميديو عن صدق‬ ‫حدييث أو انظروا لشفاه‬ ‫الزيابيث ماريا حين تكون‬ ‫خارج بوابات القصر‪!.‬‬

‫كانت حالة الوالدة سهلة‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ ،‬فقط الماء الساخن‪،‬‬ ‫و أثداء مكتزنة بالعطاء‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عسريا صدقوين‬ ‫هذا ليس‬ ‫أثداء األحياء العشوائية‬ ‫الزالت ترضع أطفال القصور‬ ‫اليت أمرت باستئصالها كي‬ ‫ال تصاب بالعار‪!..‬‬ ‫ُ‬ ‫يكرب! أمه‬ ‫ها هو غريب‬ ‫مبتورة الثدي تائهة يف‬ ‫عشوائية القبور المبعرثة!‬ ‫والده رهن المجهول‪..‬‬ ‫إنه رقم المعركة اليت حدثت‬ ‫يف الوقت الذي توقف‬

‫فيه التاريخ عن الكتابة‪..‬‬ ‫ً‬ ‫وحيدا ينفض الرتاب‬ ‫غريب‬ ‫ثيابه‪،‬‬ ‫عن‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جديدا يف‬ ‫مصباحا‬ ‫وهو يضع‬ ‫طرقات حيه المظلم‪..‬‬ ‫ً‬ ‫أن ُ‬ ‫أخربوه‪َّ :‬‬ ‫رقما عىل‬ ‫له‬ ‫الئحة الجند اليت ستدخل‬ ‫خط التماس مع العدو‪..‬‬ ‫ً‬ ‫طفال‪ ،‬تصرخ‬ ‫زوجته تنازع لتلد‬ ‫القابلة‪:‬‬ ‫أين الماء الساخن أخرجي‬ ‫أثداءك أرضعيه‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪:‬أريد االنتهاء‬ ‫ثم ختمت‬ ‫أالتسمعين الصراخ‪..‬‬ ‫هناك الكثري من الغرباء و‬ ‫الكثري من األرقام‪...‬‬ ‫ابراهيم عدنان‬ ‫فوتوكويب‪ :‬إعادة المشهد‬


‫باب األقصوصة‬

‫فأس أبو خالد‬ ‫الكاتب‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫علبة‬ ‫سيجارته ‪ ,‬كانت‬ ‫أشعل أبو خالد‬ ‫عندما‬ ‫ًَ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫قليال‬ ‫تعج بنصفها وأكرث‬ ‫مازالت‬ ‫الدخان‬ ‫َ‬ ‫بهدوء ‪,‬‬ ‫األيمن‬ ‫كتفه‬ ‫الفأس عىل‬ ‫‪َ ,‬ر َك َن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وسيجارة‬ ‫طفال ‪,‬‬ ‫مازال‬ ‫معول‬ ‫وباألخرى‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫حمراء‬ ‫خيوط‬ ‫نسمات المساء ‪,‬‬ ‫داع ُب‬ ‫ِ‬ ‫ُت ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫القصرية‬ ‫الدرب‬ ‫ماسيا ‪,‬‬ ‫ثوبا‬ ‫تنسج‬ ‫بدأت‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫النهر ُ‬ ‫المحاذي‬ ‫بلحظة ِاسرتخاء ‪,‬‬ ‫تتمدد‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫كان ُ‬ ‫ُ‬ ‫سبيل يريم‬ ‫عابر‬ ‫‪,‬‬ ‫رقيق‬ ‫بلحن‬ ‫تمتم‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ويتابع خطواته الخجولة ‪ ,‬ربما‬ ‫بالتحية‬ ‫ِ‬ ‫الشمس ُتحر ُق نفسها ُم ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫نذ‬ ‫التعب ‪,‬‬ ‫أضناه‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫خالد‬ ‫واع ُد أبا‬ ‫لحظات ‪,‬‬ ‫ٍ‬ ‫حبات الترُ اب السمراء ُت ِ‬ ‫ُ‬ ‫النهر ُّ‬ ‫تئن ْ‬ ‫ُ‬ ‫من تحتها‬ ‫مياه‬ ‫خرير‬ ‫بخجل أنىث ‪,‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫تزور المكان‬ ‫ازدراء‬ ‫لحظة‬ ‫شيبات قشيبة ‪,‬‬ ‫ُع‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫تتأرجح َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أصابع‬ ‫بين‬ ‫السيجارة‬ ‫دونما موعد ‪,‬‬ ‫لف َ‬ ‫كانت تأىب ْ‬ ‫ْ‬ ‫ظ أنفاسها ‪,‬‬ ‫ُمخشوشنة ‪ُ ,‬ربما‬ ‫ٌ‬ ‫تابع ْ‬ ‫داء ُي ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ِف ُ‬ ‫خريفية‬ ‫غيوم‬ ‫خلف الموكب ‪,‬‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يتشبث‬ ‫سوداد المساء ‪,‬‬ ‫تزيد ِا‬ ‫لسة ‪,‬‬ ‫تقتحم ِخ‬

‫َ‬ ‫سقط‬ ‫بشعر أسود ‪,‬‬ ‫أبو خالد ِبصدره المعجون‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ستغيثا ‪ ,‬أم‬ ‫المعول ُم‬ ‫صرخ‬ ‫فجأة‬ ‫الفأس ‪,‬‬ ‫خالد تقارع الزمن لتحضري طعام‪ ،‬أبريق الشاي‬ ‫يكاد يرتعش تحت نار حطب معتق ‪ ،‬صبية‬ ‫ً‬ ‫ملعبا يغازل غبار يوم ‪ ،‬تأهب‬ ‫خمسة يغادرون‬ ‫يف أجنحة األنىث الستقبال الزائر اليويم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫البيت َ‬ ‫ُ‬ ‫األعين المرتعشة‬ ‫نريان‬ ‫تحت مرىم‬ ‫بات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫برأسه‬ ‫طرقه‬ ‫الباب الخشيب ‪,‬‬ ‫صوب‬ ‫فداء‬ ‫هرع‬ ‫‪,‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫مطر حمقى تزور صدر أيب‬ ‫حبات‬ ‫‪,‬‬ ‫المرات‬ ‫مئات‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وصل‬ ‫موال بعيد ‪,‬‬ ‫وأشالء‬ ‫مياه‬ ‫دموع‬ ‫خالد ‪,‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫النهر الذي ِاكتىس ّ‬ ‫ثوبا‬ ‫لتوه‬ ‫ثغر‬ ‫إىل‬ ‫الجميع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫حشائش ّ‬ ‫ُ‬ ‫السيجارة تزنوي َ‬ ‫غضة‬ ‫بين‬ ‫حالكا ‪,‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫يمأل‬ ‫والعطش‬ ‫رحل أبو خالد‬ ‫‪ ,‬كانت تبكي ‪,‬‬

‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫كان ِف ُ‬ ‫الفجر‬ ‫الحت خيوط‬ ‫جوفه ‪ ,‬عندما‬ ‫داء‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫راقب‬ ‫كان ُي‬ ‫صغري‬ ‫راع‬ ‫صرخ‬ ‫‪,‬‬ ‫األخري‬ ‫باحه‬ ‫طل ُق ُن‬ ‫ُي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫رحل ِفداء) ‪...‬‬ ‫انبعاث الشمس(‬

‫باقة ضوء‬

‫الكاتب‬ ‫سليمان جمعة‬

‫وليد‪.‬ع‪.‬العايش‬

‫صبيحة اول ايار ‪،‬من هذا العام ‪،‬بلغت سن‬ ‫ُ‬ ‫كنت أجد وردة بلون‬ ‫الرشد؛طوال هذا الشهر‬ ‫ونوع وعطر مختلف مزروعة يف اصيص حفر‬ ‫عىل طرف من الحديقة اليت تحيط ببيتنا‬ ‫الصغري ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كنت اقرتب منها اتأمل فيها ‪،‬واداعب بتالتها‬ ‫‪..‬تزهو ‪..‬ابتسم لها ‪..‬تندى فتكرج بعض حبيبات‬ ‫من ندى مضيئة عىل كفي ‪....‬اتذوقها ‪،‬ارشفها‬ ‫فتسري يف جسدي رعشة حارة كلقاء آراد‬ ‫الشمس صبيحة يوم قارص‪.‬‬ ‫هنيهة دهشة تدثرين وتبدأ وشوشات عبريية‬ ‫‪...‬تبوح يل ببعض حكاية ‪.‬وهكذا اكملت الورود‬ ‫حكايتها تزنلها يف بايل ويف قليب ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫هل اول حزيران ‪ ،‬خرجت ازور االصيص كي‬ ‫ارويها وامتع نظري بمشهد يتجدد كل صباح‬ ‫؛واستذكر الحكاية الغريبة اليت لم افهم لماذا‬ ‫حكتها يل ؛مرة ومرة أسألها وكل مرة كانت‬ ‫تلفين الحرية وال احظى بجواب كاف ‪.‬‬ ‫ويف منتصف الليلة نفسهاألول حزيران‬ ‫أيقظين شيء ما من نويم واخذتين قديم‬ ‫اىل حيث االصيص ‪.‬كان القمر قد رىم بقرنيه‬ ‫وراء االفق‪ ،‬نظرت فإذا بكتلة صغرية من ضوء‬ ‫‪..‬تقدمت اكرث ‪..‬كان الضوء يرسم قامتها يف‬

‫العتمة ‪..‬امرأة بجلباب طويل وعصبة من قصب ‪..‬ناولتين‬ ‫الضوء وتالشت‪........‬انها الورود باقة من ضوء!‬ ‫ْ‬ ‫؛خفتت االضواء ونامت ‪،‬لم‬ ‫عدت اىل البيت وانا احملها‬ ‫يرتكها نظري ‪،‬وضعتها يف مزهرية فرشحت بنداها‬ ‫لسقياها ‪...‬تركتها مذهوال وسكنت يف فراشي حىت‬ ‫الصباح الباكر وقت نهوض جديت اليت ربيت يف حضنها‬ ‫‪.‬ها قد عال صراخها ‪.‬‬ ‫‪-‬فداء‪...‬فداء ‪..‬من اين هذه الورود؟‬‫للحظة كنت بقربها‬ ‫‪-‬انا يا جديت ‪..‬من الحديقة ‪..‬‬‫‪-‬ال‪..‬ال ‪..‬ال هذا غري صحيح ‪.‬‬‫خرجنامعا اىل الحديقة حيث االصيص ‪،‬قلت لها هنا‬ ‫كانت مزروعة ؛ولكين لم اجد اثرا لالصيص بل الحشائش‬ ‫تغطي المكان ‪.‬لم تهدأ االحين بدأت اروي لها الحكاية ‪.‬‬ ‫ابتسمت ولمعت عىل وجهها الطمأنينة ‪:‬‬ ‫هذه الورود يا فداء ال تنبت اال يف القرية اليت كانت لنا‬ ‫هناك بالقرب من القدس ‪..‬عطرها ولونها يستحضران‬ ‫الشهداء ‪...‬كل وردة حكت لك عن واحد منهم وكيف‬ ‫قاتلوا لمدة شهر قبل ان نهجر منها جميعا وقبل ان‬ ‫تهدم بيوتها وتقتل حيواناتها وتقلع اشجار زيتونها‬ ‫‪-‬ومن تلك المرأة يا جديت ؟‬‫انها ايم اليت استشهدت عىل البرئ وهي تمأل الجرار‬ ‫لهم ‪.‬‬ ‫تركتين وهي ترتل ّ‬ ‫موالها وتمتمت ‪:‬لقد وعدتين ولم‬ ‫تحنيث بوعدك ‪...‬ان سوف نلتقي يا ابنيت واحكي لك‬ ‫القصة كلها وغاب صوتها يف البيت وتعاىل صوت‬ ‫القدس يف فضاء بايل يرسم يل ايب __وراء الصخرة‬ ‫__قامة تحمل باقة من ورود مضيئة ‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫باب األقصوصة‬

‫مغادرة‬

‫الكاتب‬ ‫عمر حمش‬

‫تنهمر الرسائل اللجوجة يف هاتفي‪ ،‬والحافلة لم‬ ‫تغادر المحطة بعد‪.‬‬ ‫تسأل أيم فيها‪:‬أين وصلت ‪.‬‬ ‫‪..‬األكل سيربد‪.‬‬ ‫انتبه لنفسك‪..‬‬ ‫يقولون الطريق من دمشق غري آمن‪.‬‬ ‫انتبه لنفسك‪. ..‬‬ ‫‪.‬يا لتوقيت أيم‪ ،‬كعادتها تضبطه وفق مشاعرها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ـأخريا سوف ُتفرح قلب الوالدة برؤيتك طالت غيبتك‬ ‫هذه المرة‪.‬قال السائق‪.‬‬

‫ُ‬ ‫حفرت حفريت ‪..‬‬ ‫الموت؛‬ ‫قبل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أخرتت موطن مأواي األخري‪ ،‬ولقد راقين التعرف إليه‪.‬‬ ‫ُش ِده الحارس؛ حين علم ّ‬ ‫أن تلك الحفرة ما هي إال حفريت‪ ،‬فباعد‬ ‫المسافة اليت بيننا‪ ،‬وقد اتسعت عيناه‪ ،‬وعال جبينه‪ ،‬حىت أيقن أنّ‬ ‫أشج َ‬ ‫ٌّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫رأسه بالفأس؛ وشرع بمناوليت آخر قطع‬ ‫جدي‪ ،‬وأنين لن‬ ‫األمر‬ ‫البالط‪.‬‬ ‫نقدته ما يف جييب‪ ،‬وقلت‪ :‬احفظ قربي يا أخي‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أهرول خلف الجنازات‪ ،‬فأشاركهم‬ ‫غدوت‬ ‫األمر عند هذا؛ بل‬ ‫لم أترك‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫سيهرول خلف‬ ‫وأخمن من منهم؛‬ ‫وأتمعن يف الوجوه‪،‬‬ ‫الطقوس‪،‬‬ ‫نعيش‪.‬‬ ‫كنت أقول‪ :‬شارك غريك؛ غدا فيك يشرتكون‪.‬‬ ‫الجنازات؛ لم ُ‬ ‫نهايات‬ ‫مبارحة المقربة‪ ،‬بل يف‬ ‫أك متعجال يف‬ ‫بعد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫نهضت‪،‬‬ ‫الصمت؛‬ ‫جمع‪ ،‬وعاود‬ ‫كل مراسم؛ كنت أنزوي‪ ،‬فإذا ما غادر‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وشوك‪ ،‬وشجريات‪ ،‬حىت‬ ‫المعالم‪ ،‬من شواهد‪،‬‬ ‫وتتبعت‬ ‫خطوت‪،‬‬ ‫ثم‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ويل ‪..‬‬ ‫بباب‬ ‫وخشعت كمن يقف‬ ‫وقفت أمام قربي‪،‬‬ ‫وصلت؛‬ ‫إذا ما‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وقصدت مدخيل‪ّ ،‬‬ ‫دلفت‬ ‫ثم‬ ‫فزنعت بالطيت‪،‬‬ ‫انثنيت‪،‬‬ ‫صحوت؛‬ ‫فإذا ما‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫رطوبة‬ ‫تشمم‬ ‫رحلة‬ ‫يف‬ ‫ألشرع‬ ‫رميل؛‬ ‫عىل‬ ‫وتمددت‬ ‫رأسي‪،‬‬ ‫مخضعا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صعود‪،‬‬ ‫الحشرات المتهيئة‪ ،‬والمتالحقة يف‬ ‫ومراقبة صغار‬ ‫حفريت‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫شقوق صفوف الطوب اليت كنت رصصتها‪.‬‬ ‫ويف هبوط عىل‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫المتمدد‪،‬‬ ‫غور القادم‪ ،‬وأرى جسدي‬ ‫أسرب‬ ‫األمر‪ ،‬وأنا‬ ‫هكذا سار‬ ‫وأربطيت المنحلة عىل مواضع كفين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫قمت‬ ‫ارتويت‪ ،‬واستكان قليب؛‬ ‫ساعة‪ ،‬فإذا ما‬ ‫أظل عىل هذا‬ ‫كنت‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫متثاقال‪ ،‬وخرجت راضيا‪ّ ،‬‬ ‫ألمضي نحو الحارس‬ ‫أعدت بالطيت‪،‬‬ ‫ثم‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫الذي ّ‬ ‫ُ‬ ‫ثم ُّ‬ ‫يلتقط دراهمي‪ّ ،‬‬ ‫يفر‪،‬‬ ‫ويؤخر أخرى‪ ،‬وهو‬ ‫خطوة‪،‬‬ ‫يقدم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫العالق بجلبايب‪.‬‬ ‫الرمل‬ ‫أغادر نافضا‬ ‫ويلتفت‪ ،‬وأنا‬ ‫فمت آمنا؛ وقد ّ‬ ‫ٌ‬ ‫حبور‪ ،‬واكتنفتين‬ ‫مسين‬ ‫وسرعان ما حان حيين‪ِ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أرقب مراسمي‪.‬‬ ‫وأخذت‬ ‫غبطة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وأشري‪،‬‬ ‫أتأرجح‪،‬‬ ‫وكنت من فوقهم‬ ‫صامتين بالقبور‪،‬‬ ‫يمرون‬ ‫كانوا‬ ‫ُ‬ ‫وأصيح‪:‬‬ ‫من هنا ‪ ..‬من هنا ‪ ..‬كفى ‪ ..‬هنا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يقف متنحيا‪،‬‬ ‫والحارس‬ ‫قربي‪،‬‬ ‫يتجاوزون‬ ‫ولكم كانت فجيعيت؛ وهم‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫يرمق تجهمي‪ّ ،‬‬ ‫ويحركه‪.‬‬ ‫يخرج لسانه؛‬ ‫ثم‬ ‫أنيق مبتسم؛‬ ‫رجل‬ ‫قربه‬

‫‪22‬‬

‫يا عم أنت أدرى ‪ ...‬السفر واإلجازات شبه مستحيلة يف هذه الحرب‪.‬‬ ‫أبو مصطفى السائق‪ ،‬كان مرسال أيب ّ‬ ‫إيل حين قطعت الطرق‪،‬‬ ‫وتعذر السفر ألشهر عدة لطالما أتاين محمال بمكاتيبه ـ أيب الذي‬ ‫ال يعرتف بالهاتف النقال‪ ،‬وال بالرسائل القصرية‪ ،‬ويعلن يف كل مرة‬ ‫أنها ال تكفيه ليشرح مشاعره‪ ،‬وال تتسع لقائمة توصياته ـ وكانت‬ ‫اإلرسالية األشهى‪ ،‬اليت أنتظرها‪ ،‬هي طعام أيم الذي أتقاسمه‬ ‫مع أيب مصطفى‪ ،‬إذ يضطر للبقاء معي‪ ،‬ريثما يتمكن من العودة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أمال باشغاله بشابة‪،‬‬ ‫المقعد الخاوي بجواري‪ ،‬أشعل يف نفيس‬ ‫لعلها تكسب السفر القاحل نداوة تنعش وتختصر الوقت ‪.‬لكن خاب‬ ‫أميل إذ اندفعت سيدة تبدو بالستين من عمرها بكتلتها الضخمة‬ ‫إىل مقعدي‪ ،‬أزاحتين باتجاه النافذة‪.‬وشغلت ثالثة أرباع المقعد مما‬ ‫دفع بالسائق لالبتسام بخبث ‪...‬‬ ‫تمش األمور معك عىل ما يرام‪ ،‬دكتورنا الغايل‪.‬‬ ‫ـ لم‬ ‫ِ‬ ‫تجاهلت مزاحه‪ ،‬فقد خشيت أن تنتبه السيدة بأنها المقصودة‪،‬وبدأت‬ ‫أبحث عن منفذ للهواء‪ ،‬يخفف من رائحة تعرقها أتتعرق بكانون؟‬ ‫كنت قد تعودت عىل رائحة البارود المتسرب بدماء الجرحى‪،‬لكن ما‬ ‫أن خرجت من دوامة ضحايا الحرب‪ ،‬حىت عدت إىل نزقي‪ ،‬هان األمر‬ ‫ّ‬ ‫عيل بتذكري ما تركته يف المشفى الذي أختص به‪.‬‬

‫أغلقت كتايب‪ ،‬ورحت أراقب الوشوم المغروزة بتجاعيد وجهها‪ ،‬واليت‬ ‫تعطي صرامة لوجهها العابس‪ .‬عينيها كعيين الصقر‪ .‬الجمود‬ ‫فيهما يخبئ حزنا دفينا‪،‬أرى يدها عدة أكمام فوق بعضها البعض‪..‬‬ ‫كم عباءة ترتدي هذه السيدة؟‪.‬‬

‫شعرت بالعداوة اتجاهها‪ ،‬قد يكون لتوتر أعصايب من رائحة العفن‪،‬‬ ‫أو لخيبة أصابتين باشغالها مكان صبية الحلم‪ ،‬بل ربما من ازعاجها‬ ‫المزتايد مع مرور الوقت‪ ،‬ومع كل انعطاف للطريق‪،‬تحشرين أكرث‬ ‫وأشعر أنين بالكاد اتنفس‪ ،‬فقد تركت جسدها بال مباالة ‪،‬كتلة حرة‬ ‫دون أن تقاوم‪ ،‬عىل األقل لو تتمسك بحافة المقعد‪،‬حاولت ان ألفت‬ ‫نظرها بتأففي لكن خجلت من شيخوختها‪ ،‬و لم أتجرأ عىل قطع‬ ‫شرودها المستمر‪ ،‬وبت أشك برؤيتها يل‪ ،‬فمالمحها الحيادية ال‬ ‫توحي بأنها تهتم لمن يجلس بقربها‪.‬‬ ‫ساعات طويلة تفصلين عن طعام أيم ‪.‬ماذا تطبخ هذه ألوالدها؟‬ ‫وماذا لوكانت أيم؟ ‪.‬سألت نفيس ‪..‬هل كنت سأتافف منها‪،‬راح‬ ‫ذهين يخلق لها األعذار‪،‬قد تكون مهجرة‪،‬أو عىل سفر طويل‪ ،‬تمنيت‬ ‫أن أفتح حديثا معها‪›،‬‬ ‫لكن صمتها المربم حال دون ذلك‪.‬‬ ‫رددت عىل رسائل أيم باخبارها بانزعاجي من رفيقة السفر هذه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عيل ‪،‬تنصحين بتجاهل األمر‬ ‫التفاصيل‪،‬وتهون‬ ‫أيم تهتم بأدق‬ ‫المهم أن أصل بالسالمة‪.‬‬ ‫أجفلين صوت السيدة حين دقت بكفها عىل صدرها‪ ،‬ومدت كامل‬ ‫جذعهاصوب مقدمة الحافلة‬ ‫ـ اهلل أكرب ياساتر ‪....‬‬ ‫جاء ذلك تزامنا مع صراخ السائق وهو يوقف الحافلة فجأة‪:‬‬


‫باب القصة القصرية‬

‫ماذا لو كانت أيم؟‬ ‫ـ أكلناها ياشباب‪ .‬حاجز إرهايب ‪.‬‬ ‫عكست المرآة نظرات أبو مصطفى القلقة و‬ ‫ّ‬ ‫عيل والخائفة‪.‬بل المشفقة شعرت‬ ‫المسلطة‬ ‫أنه يشيعين‪.‬‬ ‫‪.‬صعد اثنان من المسلحين إىل الحافلة‪ ،‬بينما‬ ‫أحاط بضعة منهم بمقدمة الحافلة‪ ،‬وأشهروا‬ ‫ّ‬ ‫الدم يف عروقي ‪..‬‬ ‫بنادقهم عليها‪ .‬تجمد‬ ‫ـ اهلل أكرب‪ ...‬اهلل أكرب‪ .‬صرخ أحدهم وكأنه يكرب‬ ‫عىل ذبيحة ‪.‬‬ ‫قال اآلخر بلكنة غريبة قريبة للفصحى‪:‬‬ ‫ـ عسكري ـ موظف بالدولة الكافرة ـ أو ومن‬ ‫تلك الطائفة اللعينة يسلمنا نفسه ورأسه فورا‬ ‫لنقطعه ‪ ..‬مفهوم ‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫عيل‪،‬‬ ‫يا لسخرية القدر‪ ،‬أغلب شروطهم منطبقة‬ ‫ّ‬ ‫لجز عنقي ‪.‬‬ ‫وكافية‬ ‫تراءت يل أيم‪ ،‬تنتظرين عىل طاولة الطعام‪،‬‬ ‫وصوت أيب يطن بأذين‪ ،‬وهو يديل بنصائحه‬ ‫ّ‬ ‫مذل ولو‬ ‫برسالته األخرية يل‪( ،‬ال تستسلم ألسر‬ ‫كلفك ذلك حياتك)‪.‬‬ ‫كيف يل أال استسلم وانا األعزل إال من ذعري‪.‬‬ ‫شعرت بأن السيدة‪.‬تراقب ارتجاف ساقي‬ ‫‪،‬وضعت يدها بحنو عىل ركبيت‪.‬‬ ‫وقبل أن يصل المسلحان ّ‬ ‫إيل ومع انشغالهما‬ ‫بهويات المسافرين‪ ،‬نكزتين وبدأت تسرد أوامرها‬ ‫يل‪،‬بهمس يخرج من حلقها دون أن تحرك‬ ‫شفتيها ونظراتها تتابعهما‪:‬‬ ‫ـ بسرعة هات ‪..‬هات ياولدي ‪...‬هات اعطين‬ ‫مامعك ‪.‬‬ ‫ناولتها محفظيت وهاتفي‪ ،‬رفعت منديلها‬ ‫الملفوف عىل عنقها‪ ،‬وأسقطت ما بيدها يف‬ ‫عبها بخفة ساحر ‪.‬ثم فتحت محفظتها الرجالية‬ ‫ُ‬ ‫نسيته بيدي‪،‬‬ ‫المشققة‪ .‬أما الكتاب الذي‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ودسته تحتها برشاقة مذهلة‪.‬‬ ‫خطفته بغضب‬ ‫كانت تتصرف بثقة‪ ،‬وكأنها متدربة عىل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مستسلما‬ ‫مرتبكا أمامها‪،‬‬ ‫هذه المواقف ‪،‬بت‬ ‫ّ‬ ‫التتفوه‬ ‫لتعليماتها الصارمة‪ ،‬تهمس يل‪:‬‬ ‫بحرف‪.‬‬ ‫صرخ يب أحدهما‪:‬‬ ‫ـ هويتك ‪..‬‬ ‫‪.‬لم أجرؤ عىل النظر يف عينيه ‪.‬صرخت هي‬ ‫بوجهه‪:‬‬

‫[هذا ابين‪ ،‬اهلل يحميك ‪..‬دعه يل‪ ،‬هو أخرس‪ ،‬ال‬ ‫يتكلم ‪..‬وال يسمع]‪.‬‬ ‫هويته معي ‪....‬نعم معي نحن من دير‬ ‫الزور‪،‬وعادت تولول ‪...‬هذا ولدي ‪...‬أخرس‬ ‫‪..‬أخرس ال يحكي ‪.‬‬ ‫وكأنها تؤكد عىل أوامرها يل بعدم السمع أو‬ ‫النطق ‪..‬‬ ‫ـ ‪.‬آخ يا ولدي ‪....‬‬ ‫حرموين منك ياولدي ‪...‬ما شبعت منك ياعمري‪.‬‬ ‫تابعت بصوت مفجوع‪.‬‬ ‫تشد رأسي إليها تريد إخفاء وجهي تحت إبطها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫مذعورا يف‬ ‫شعرت‬ ‫بالتالشي‪،‬بت طفال صغريا ً‬ ‫حضن أمه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أوراقا‬ ‫‪.....‬بيديها المرتجفتين أخذت تخرج‬ ‫مصفرة من محفظتها ‪..،‬امتدت األشواك من‬ ‫شفيت‪ ،‬أخذت أتصبب ً‬ ‫ّ‬ ‫عرقا وخوفا‬ ‫حلقي إىل‬ ‫ً‪.‬خشيت عليها من موت يقرتب منها باحتمال‬ ‫انكشاف أمرها‪..‬وسمعت صوت ورود الرسائل‬ ‫إىل هاتفي المخبأ يف ثنايا عباءتها ‪..‬كصوت‬ ‫قطرات الماء ‪...‬‬ ‫نوافذ الحافلة تكاد أن تتهشم من ضغط‬ ‫ً‬ ‫هلعا‬ ‫األصوات المتداخلة عليها‪ ،‬نساء ينتحبن‬ ‫ـ وأطفال يصرخون بذعر شديد‪ .‬وصيحات‬ ‫المسلحين اهلل أكرب‪ ...‬اهلل أكرب‪.‬الرجل الذي‬ ‫خلفي يرتل آيات قرآنية لينجو بروحه‪ .‬بدا الجو‬ ‫جنائزيا مع غروب الشمس ‪،‬وبالتدريج بدأت‬ ‫انفصل عمن حويل‪ ،‬اقتصر وعيي عىل إرهايب‬ ‫تكفل بالتحقيق معها وعىل ولولتها وندبها‬ ‫الهستريي‪،‬ملوحة بكمها الممتد كراية سوداء‬ ‫خارج كفها‪ ،‬ولشدة صدقها بما كانت تفعله‬ ‫صدقتها‪.‬‬ ‫شرعت تخرج األوراق‪...‬بطريقة مسرحية مذهلة‬ ‫‪...‬‬ ‫‪..‬ألفي لرية هل تريدهم؟هذه شهادة معهد‬ ‫الصم والبكم ‪..‬وهذه شهادة طبية ‪،‬وهذي‬ ‫هويته ‪..‬وأسقطت من يديها هوية مشروخة‪.‬‬ ‫وغطتها بقدمها‪ ،‬فخيمت بطرف عباءتها‬ ‫الواسعة عىل هوية ابنها‪ ،‬وراحت تبكي‬ ‫وتبكي مع عينيها كل مسامات وجهها‪،‬‬ ‫يعلو صدرها ويهبط مع لهاثها المخيف‪-‬‬ ‫مسح المسلح بنظرة قاسية مشككة وجهينا‬ ‫‪...‬ودفع بعقب بندقيته يدها المحملة باألوراق‬ ‫فتناثرت‪.‬صرخ بها‪ :‬اخرسي ياامرأة‪.‬‬ ‫وتابع حصاده ببقية الركاب ‪.‬‬ ‫‪..‬سارا بضباب الرؤية‪ ،‬واناأغوص يف مقعدي‬ ‫‪،‬أثبت فكي بيدي كي ال أسمع اصطكاكه‪.‬‬ ‫لكنهما تجاوزانا ‪.‬نسيا أن يعودا إلينا‪،‬أم أنهما‬ ‫اقتنعا بأدائها االرتجايل المذهل‪ ،‬والذي لم‬ ‫تتوقف عنه حىت جاءها صوت كالعواء‬ ‫ـ قلت لك اخرسي ياامرأة ‪...‬أوجعت رأسي‬ ‫بنباحك‪.‬‬

‫الكاتبة‬ ‫صديقة علي‬

‫انحبس نشيجها‪،‬وتمسكت بيدي‪ ،‬تشد أصابعي‬ ‫بكل قوتها‪ ،‬حىت شعرت أنهم التصقوا‪ ،‬وفقدت‬ ‫الحركة بهم‪.‬‬ ‫عاد البلل إىل حلقي برتجلهما من الحافلة‪،‬‬ ‫وبانزياح شبح الموت عنا‪.‬‬ ‫مع سري الحافلة الناجية سارعت بانحنايئ‬

‫اللتقط ما أسقطته‪ ،‬ارتطمت جبهيت بركبتها‪،‬‬ ‫و فاحت من قدميها رائحة أرض موحلة ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مدت يدها إىل ّ‬ ‫عبها‪ ،‬أخرجت منديال قماشيا‬ ‫ومسحت وجهها به‪ ،‬بدأ تنفسها يهدأ ببطء‪،‬‬ ‫كمن توقف للتو عن الركض‪.‬‬ ‫عادت الحافلة للتوقف‬ ‫ّ‬ ‫توجست الخطر مرة أخرى ‪،‬ال سيما أن السائق‬ ‫ّ‬ ‫معلقة‬ ‫لم يربر توقفه ‪،‬وظلت نظراتنا المتسائلة‬ ‫به‪ ،‬وهو يقفز من مقعده‪ ،‬ويتجه صوبنا‪ .‬انحىن‬ ‫بسرعة عىل رأس السيدة يقبله‪،‬ويقول بأعىل‬ ‫صوته وكأنه يتكلم بلسان الجميع وينظر إيل‬ ‫تارة وإليها تارة أخرى بعينين تشع السعادة‬ ‫منهما ‪:‬‬ ‫ـ بارك اهلل بك يا أخيت‪ ،‬كيف استطعت أن‬ ‫تتصريف بهذا الشكل المحيرّ ؟‪.‬‬ ‫ابتسمت بحزن شديد‪ ،‬وعىل زاوية فمها تجمعت‬ ‫دمعتان يف أخدودين‪ ،‬وكأنهما أعدا لذلك‪.‬‬ ‫أجابته بجمل متقطعة ‪:‬‬ ‫ـ يا أخي أنا ما فعلت إال ما أحسست به‪ ،‬إين‬ ‫عائدة من دفن ابين ‪ ..‬هربنا إىل الشام خوفا‬ ‫من أن نموت جوعا‪،‬فقتلوه بسيارة مفخخة‬ ‫‪...‬المجرمون ال يعرفون بأن ولدي لم يسمع‬ ‫صوت االنفجار الذي قتله ‪..‬حىت قربه تصدق‬ ‫المحسنون به علينا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مواسيا‪:‬‬ ‫وعاد مرة أخرى يقبل رأسها‬ ‫ً‬ ‫شهيدا ‪...‬واآلن إىل أين‬ ‫ـ اهلل يرحمه ويحتسبه‬ ‫ً‬ ‫أحدا يف الالذقية؟‬ ‫أنت ذاهبة‪..‬؟هل تعرفين‬ ‫أجابته بحسرة‪ ،‬وهي تودع بحرص هوية ابنها‬ ‫مع أوراقه بمحفظتها المهرتئة‪:‬‬ ‫ـ ال أدري ‪...‬أهل ما عندي ‪...‬زوجي مات وارتاح‬ ‫قبل الحرب‪ ،‬وتابعت تكلم نفسها‪ ،‬مع تنهيدة‬ ‫حارة خرجت من أعماقها‪.‬‬ ‫(آه ‪ ...‬هنيئا له ما شاف الذي شفناه‪...‬مافجع‬ ‫بولده) ‪.‬‬ ‫صافحين السائق ومضى يصافح كل الركاب‪،.‬‬ ‫مهنئا إياهم بالسالمة وأخذ يخربهم‪ :‬المسلحون‬ ‫غادروا عىل عجل وكأن اشارة وصلت إليهم‬ ‫بأنهم يف خطر‪ ،‬لذلك فشلوا بكمينهم هذا‪.‬‬ ‫ـ عىل عجل ؟قلت يف نفيس أي عجل‬ ‫وإحساسي يشري بأنه مضى دهر عىل احتجازنا !‪.‬‬ ‫راحت منقذيت تحمد اهلل عىل سالميت‪ ،‬وتعيد‬ ‫يل أشيايئ اليت عبقت بالمسك ‪.‬تطهرت‬ ‫دموعي بظهر كفها ‪...‬وتمتمت بشكرها لكن‬ ‫خذلين حلقي‪.‬‬ ‫بحنان غامر مسدت رأسي وهمست ‪ (:‬اهلل‬ ‫يحميك ألمك)‪.‬‬ ‫أعدت يدها الدافئة إحساسي بالطمأنينة‪ ،‬و‬ ‫أعادت صويت‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فتحت هاتفي عىل ابتهاالت أيم‪ ،‬كي أصل‬ ‫ً‬ ‫بيد خجىل‪:‬‬ ‫سالما‪ ،‬فكتبت لها ٍ‬ ‫اطمنيئ‪ ...‬سأصل بعد قليل بصحبة أيم‬ ‫‪...‬سأقيم مجلس عزاء‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫باب القصة القصرية‬

‫حزن الفرح ‪..‬‬ ‫ قهقهة الحزن‬ ‫طاو من األشواق ثالثة أصناف‪ ،‬للبيت للسهل‬ ‫مشتاق هو‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وأوال لألصدقاء‪ ،‬جاء كظمآن يرد حياض الماء بعد طول‬ ‫ترحال تحت السماء‪ ،‬والطارق‪ ،‬وشمس النهار‪ ،‬جلس بين‬ ‫أقاربه الذين لم يصدقوا احتفاظه بتلك الذاكرة‪ ،‬اليت‬ ‫سرعان ما لمع بريقها‪ ،‬وهو يتمعن يف وجوه بنات أخته‪،‬‬ ‫وأوالدهن‪ ،‬اعتمد المالمح واألصوات مصدر إلهامه‬ ‫لتميزيهم‪ ،‬طلب إحضار مهباج القهوة‪ ،‬فأحضروه من‬ ‫مكانه اآلمن حيث احتفظوا به نصف قرن من الزمان‬ ‫إليمانهم بنبوءة أمهاتهم‪« :‬سريجع أخونا‪.‬سريجع‪،‬‬ ‫ويجتمع شملنا بإرادة الخالق»‪.‬وصربنا‪ ،‬فخجل األبناء من‬ ‫َ‬ ‫المه ٌَجر‬ ‫سخريتهم إزاء انتظار أمهاتهم ألخيهن الغائب‬ ‫عن بالده‪ ،‬وأراضيه وعقاراته الكثرية‪ ،‬اليت استوىل‬ ‫عليها االحتالل‪ .‬وجاهدت األخوات يف االحتفاظ ببعض‬ ‫األراضي‪ ،‬بعد أن دفعن كل ما يمتلكن من مجوهرات‪،‬‬ ‫ومدخرات‪ ،‬واقرتاض من األقارب‪ ،‬والمقربين‪ ،‬احتفظن‬ ‫ببعض مالبسه‪ ،‬وكوفياته وقمبازه المخطط باألسود‬ ‫واألبيض‪ ،‬وحطته الروزا‪.‬‬ ‫بكى بشدة لعظيم إخالصهن‪ ،‬وبعد الحديث‬ ‫الذي استمر ليال سبع تباعا دون أن يناموا إال‬ ‫سويعات اختلسوها من ساعات النهار‪ ،‬أعلن‬ ‫الخال سعيد طوييس أنه يريد زيارة صديقه‬ ‫يف قرية كفر ياسيف المجاورة‪ ،‬وعدوه بتنفيذ‬ ‫الزيارة يف الحال‪ ..‬فهم عىل استعداد إلحضار‬ ‫لبن العصفور من أجله‪.‬‬

‫الكاتبة‬ ‫اسمهان خاليلة‬

‫‪24‬‬

‫يف اليوم التايل‪ ،‬استحم الخال سعيد ابن‬ ‫العقود الثمانية‪ ،‬قضى نصف قرن منها يف‬ ‫المهجر‪ ،‬لبس حطته البيضاء المغسولة‬ ‫بالصابون والنيلة اليت منحتها تلك الزرقة‬ ‫العميقة الجذابة مع بياضها‪ ،‬تناول منديل‬ ‫القماش‪ ،‬فهو ال يحب (الكلينكس )الورقي‬ ‫الذي يتفتت عىل الوجه حين مسح العرق‪.‬‬ ‫ها قد وصلنا بيت صديق شبابك مازن سرور‪.‬‬‫اغرورقت عيناه فلملم شفتيه‪ ،‬تمخط وبذل‬ ‫جهده الستعادة رباطة جاشه اليت وعد بها‪...‬‬ ‫فصديقه يعاين بضع أمراض شيخوخة‪ ،‬دلف‬ ‫الباب مع مرافقه من أبناء اخته‪،‬‬ ‫‪- :‬يا ساتر ‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫خرجت امراة متقدمة يف العمر أحدودب‬ ‫ظهرها بعض اليشء‪- :‬تفضل‪ ..‬وجعلت تتفرس‬ ‫يف وجهه ‪:‬‬ ‫هذا الوجه مألوف ‪ ..‬دعين َ‬‫أتملىٌ من وجهك‬ ‫قليال ‪ ..‬قالت بانفعال وهو يتخذ مجلسه‪،‬‬ ‫»بهاتين اليدين وضعت لك طعاما‪ ،‬من زمان‪..‬‬‫زمان كثري؟!»‬ ‫صفنت المرأة‪ ،‬احتفظ بصمته مبتسما ‪»-‬راح‬ ‫تعرفيين يا عربية‪ ،‬خخخهه « وأطلق ضحكته‬ ‫الشهرية بصوت خفيض ‪»- :...‬أنت ‪..‬أنت سعيد‬ ‫الطوييس‪ ،‬ورحمة ابين وأبوي وأيم‪ .‬أنت‬ ‫سعيد الطوييس»‪...‬‬

‫وكاد أن يغمى عليها ‪ ..‬أجهشت بالبكاء‪،‬‬ ‫اقرتبت منه‪»- :‬إسمح يل بأن أقبل جبينك‪ ،‬وأشم‬ ‫رائحتك»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫واقفا‪ّ ،‬‬ ‫شد عىل يديها‪ ،‬نظر إىل زوجها‬ ‫انتفض‬ ‫مازن ‪ ..‬وكان ينقل نظره بينهما بذهول‬ ‫المصدوم من مواجهة شبح‪..‬‬ ‫اقرتب سعيد من مازن‪»- :‬مازن تعال‪ .»..‬شبك‬ ‫ّ‬ ‫المتعرقة المرتعشة‬ ‫أصابعه يف يد صديقه‬ ‫ُ‬ ‫بفعل المرض‪»- :‬هيا أنقل قدمك يا مازن ‪..‬‬ ‫أرجعها للوراء ‪..‬إقفز قفزتين إخبط قدمك بشدة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫»جفرا ويا هالربع‪ ،‬ربع الفدائية‬‫مية وعشرين سبع‬ ‫صاروا خمس مية»‬ ‫وارتفع صوت مازن مرددا ‪:‬‬ ‫»قالت قديش العدد»‬‫ولولح سعيد الطوييس بمسبحته العبا دور‬ ‫رويس الدبكة‪ ،‬وارتفع الصوتان األجشان‬ ‫المتعبان‪:‬‬ ‫»هذا جيل الثورة‪ ،‬انطلقي‬‫يا ثورتتا ِم ّدي ‪»..‬‬ ‫وصرخ مازن سرور ‪:‬‬ ‫»ولك سعيد‪ ،‬يا حبيب قليب «‬‫تعانقا حد االلتحام‪ ،‬بكيا حىت النشيج ‪..‬ضحكا‬ ‫حىت الهسترييا‪....‬‬ ‫نصف قرن عىل أخر لقاء لهما‪ ،‬قبل إلقاء القبض‬ ‫عىل سعيد وخرية شباب البلد مجد الكروم‪،‬‬ ‫وإيداعهم شاحنة انطلقت شماال نحو الحدود‬ ‫اللبنانية‪ .‬وصار رجوعهما تسلال ‪ ..‬قرن من عمر‬ ‫الزمان مضى عىل أمنية سعيد طوييس‪.‬‬


‫باب القصة القصرية‬

‫حين تسقط ورقة التوت‬ ‫عن أوهامنا‬ ‫الكاتبة‬

‫الدخان كثيف‪ ،‬روائح التبغ والمشروبات الكحولية‪ ،‬وموسيقى الجاز تمأل األجواء‬ ‫يف البار‪ ،‬الذي يقصده كل مساء سكان الحي المجاور‪ ،‬الذي يفيض الفقر عن حاجة‬ ‫قاطنيه‪ ،‬لكنهم ال يتوانون عن طقوسهم مهما جاعت بطونهم‪ ،‬يجدون يف الخمر‬ ‫ً‬ ‫أرق ُ‬ ‫ً‬ ‫سيلقي القبض عىل‬ ‫مالذا آمنا‪،‬‬ ‫الرديء‪ ،‬الذي يقدمه لهم يعقوب‪،‬‬ ‫وهروبا من ٍ‬ ‫َّ‬ ‫غفوتهم‪ ،‬فيما لو لم يأتوا إليه‪ُ ،‬م َّ‬ ‫حملين بكوابيس ليلتهم السابقة حين يتعذر عليهم‬ ‫ِّ‬ ‫شح النقود يف جيوبهم‪.‬‬ ‫المجيء بسبب‬

‫ريتا الحكيم‬ ‫يعقوب ال يشرب الخمر‪ ،‬لكنه يبيعه لهم‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫والشبق وهم يراقبون‬ ‫اللذة‪،‬‬ ‫يشرتون منه لحظات‬ ‫ِ‬ ‫فتيات الليل ينادمن زبائنهن‪.‬‬ ‫يف الزوايا المعتمة من البار تتشابك األيدي‪،‬‬ ‫وتكرث الهمهمات‪ ،‬والوشوشة‪ ..‬ثم فجأة تعلو‬ ‫ً‬ ‫معلنة عن بدء طقوس‬ ‫الضحكات الهستريية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ذواكر‬ ‫يائسة لخلع أثواب‬ ‫محاوالت‬ ‫الثمالة يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بثقوب لم ينجح النسيان‬ ‫وممتلئة‬ ‫مثقلة بالعفن‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يف رتقها‪.‬‬ ‫رواد البار الدائمين‪َّ ،‬‬ ‫كنت من َّ‬ ‫أتأبط خيبة أيايم‬ ‫الماضية‪ ،‬وأعاقرها خمرة يعقوب الرديئة‪ ،‬ثم‬ ‫صغرية‪،‬‬ ‫كطفلة‬ ‫أجلسها عىل حضين‪ ،‬وأداعبها‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لم أفلح يف إنجابها ً‬ ‫يوما‪.‬‬ ‫تصدح الموسيقى يف األجواء‪ ،‬وتبدأ القدود‬ ‫المياسة بالرقص‪ ،‬والعناق الحار عىل أنغام‬ ‫ً‬ ‫شغوفا‬ ‫أغاين الستينيات‪ ،‬اليت كان يعقوب‬ ‫بها‪ ،‬وهذه هي المزية الوحيدة اليت جعلتين ال‬ ‫أنقطع عن البار رغم كل سيئاته‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بعضا منيِّ‬ ‫هنا يف هذا الجو الخانق أستعيد‬ ‫بعد عدة كؤوس‪ ،‬وتبدأ رحلة العودة إىل‬ ‫الوراء‪ ،‬إىل «شام» الممشوقة القوام‪ ،‬ونهديها‬ ‫العارمين حين يعانقان زرقة السماء‪ ،‬كيف‬ ‫يجتمع رخام صدرها وقبة السماء؟‬ ‫لطالما سألتها عن السر يف ذلك‪ ،‬كانت تجيبين‬ ‫َّ‬ ‫شفيت لزتيد‬ ‫بقبلة وعناق‪ ..‬تضع سبابتها عىل‬ ‫ِّ‬ ‫أطوق خصرها‪ ،‬الذي يشبه‬ ‫من شهويت وأنا‬ ‫ً‬ ‫مدنا ً‬ ‫بكرا لم تطأها أقدام الحرب‪ُ ،‬تلقي برأسها‬ ‫الجميل عىل كتفي‪ ،‬وجسدها البض يلتصق‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫تمت‬ ‫وطني ًة ال‬ ‫حمة‬ ‫بجسدي لنشكل بذلك ُل‬ ‫بصلة لتلك اللحمة اليت يتداولونها يف النشرات‬ ‫ٍ‬ ‫اإلخبارية والصحف المحلية‪.‬‬ ‫«‪« »La foule‬شام» تذوب بين ذراعي‪ ،‬وأغنية‬ ‫«إديث بياف»‬ ‫كل ِّ‬ ‫هربا من ِّ‬ ‫تطوينا تحت جناحيها‪ً ،‬‬ ‫الشعارات‬ ‫اليت أتخموا بها عقولنا القاصرة‪ ..‬الجسد هو‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫اشتق ِت الحياة اسمها‪ ،‬وعنوان‬ ‫األم‪ ،‬منه‬ ‫الوطن‬ ‫سكنها‪.‬‬ ‫يبدأ اآلن دور يعقوب يف الشتم وكيل‬ ‫اللعنات عىل السكارى‪ ..‬أصحو من رحليت‬ ‫ِّ‬ ‫وأربت عىل كتف يعقوب يف‬ ‫إىل الماضي‬ ‫محاولة مين لتهدئته‪ ،‬وإقناعه بأنه يتصرف مثل‬ ‫رجال ُّ‬ ‫السلطة مع الشعب‪ ،‬حين يقطع أعناق‬ ‫أحالمهم‪ ..‬أو يئدها َّ‬ ‫حي ًة‪ ..‬أو تحت التعذيب‬ ‫يف أقبية الموت‪.‬‬ ‫لم أتمالك نفيس‪ ،‬وقلت له‪:‬‬

‫ دعهم يف أحالمهم الوردية‪ ،‬ال تمارس القمع‬‫معهم‪ ..‬يكفيهم قمع رجاالت الوطن‪.‬‬ ‫يطأطئ يعقوب رأسه‪ ،‬ويعود أدراجه إىل مكانه‬ ‫المعتاد بين زجاجات الخمر والكؤوس‪ ،‬وال‬ ‫يغادرين إال وهو ِّ‬ ‫يكرر سؤاله اللجوج‪:‬‬ ‫ ألم تسأم من أحالمك؟‪ ،‬وترتفع ضحكته‬‫لتقطع صمت الجدران الحزين‪.‬‬

‫آه! كيف يختلط الماضي بالحاضر لمجرد‬ ‫أن تسمع أغنية‪ ..‬أغنية نقلتين بكل خيبايت‪،‬‬ ‫وانكسارايت إىل حضن «شام» الدافئ‪ ..‬إىل‬ ‫رائحة الليل الحالك يف َشعرها‪ ..‬إىل صوتها‬ ‫وضحكتها‪ ..‬إىل عنادها وهي تمعن يف‬ ‫رجعة‪ ..‬إىل‬ ‫تقبييل‪ ،‬وكأنين سأغادر إىل غري‬ ‫ٍ‬ ‫همسها وهي تلعق شهويت عىل جسدها‪.‬‬

‫طلبت زجاجة أخرى ألكمل درب نزوحي إىل‬ ‫رحم الذكريات‪ ،‬وأطفئ حرائق مدينيت بأعقاب‬ ‫سجائري وكأنين أنتقم لها‪ ،‬ولنفيس و»لشام»‪.‬‬ ‫«شام» ناشطة سياسية تدعم األحرار‪ ،‬وتدافع‬ ‫عن المعتقلين‪ ..‬إنها فاكهة الجنة عىل األرض‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫دخلت السجن َّ‬ ‫ومرات‪ ،‬ولم تتحدث معي‬ ‫ات‬ ‫مر ٍ‬ ‫عن معاناتها بين القضبان‪ ..‬وألنين أحرتم‬ ‫صمتها‪ ،‬لم أسألها عن أي شيء‪ ..‬تركت لها‬ ‫األمر وأنا عىل يقين أنها‬ ‫ستفضي يل‪ ،‬وتبوح‬ ‫بأدق التفاصيل حول تلك‬ ‫المرحلة اليت تشاركناها‪،‬‬ ‫حين كانت داخل السجن‪..‬‬ ‫وأنا كنت خارجه‪.‬‬ ‫كيف لهذا القلب النابض‬ ‫بالحب‪ ،‬والفكر النيرِّ أن ُي َّ‬ ‫زج‬ ‫به يف أقبية التعذيب؟‬ ‫كيف لهذا الحماس أن‬ ‫يدفن يف رطوبة القهر؟‬ ‫هذه األسئلة ما فتأت‬ ‫تنخر تفكريي‪ ،‬إىل أن ُأ َ‬ ‫فرج‬ ‫عن «شام» ولم أصدق‬ ‫ذلك إال حين رأيتها بكامل‬ ‫عنفوانها‪ ،‬وحزنها البهي‬ ‫تعانقين؛ لتخفي بين‬ ‫ُ‬ ‫عجزت عن‬ ‫دموعها ما‬ ‫سؤالها عنه‪.‬‬ ‫كانت «شام» تتحاشى‬ ‫َّ‬ ‫عيين‪ ،‬وكلما‬ ‫النظر إىل‬ ‫حد ُ‬ ‫َّ‬ ‫قت يف زرقة عينيها‪،‬‬ ‫تغمضهما‪ ،‬وتقول يل برباءة طفلة‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫أسرتنا‪،‬‬ ‫ هيا بنا نكمل الحلم عىل مفارش‬‫وتحت وسائدنا‪ ..‬هناك ُن ُ‬ ‫بعث أحياء‪ ..‬هناك ُن َّ‬ ‫خلد‬ ‫سأنجب َ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫وطنا‬ ‫لك‬ ‫سة‪ ..‬هناك‬ ‫كأيقونات‬ ‫مقد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫الحرية‪ ،‬وفسحته‬ ‫تطل عىل‬ ‫يشبهك‪ ..‬شبابيكه‬ ‫َّ‬ ‫السماوية تزخر بأغانينا المفضلة‪.‬‬ ‫ هل تذكر هدييت األوىل َ‬‫لك‪ ..‬مجموعة أغاين‬ ‫َ‬ ‫لديك؟‬ ‫«إديث بياف» األثرية‬ ‫يف هذه اللحظة اليت كنت أستعيد فيها‬ ‫حواري مع «شام»‪ ،‬عال صوت «إديث بياف»وهي‬ ‫تغنيِّ ‪:‬‬ ‫‏»‪»La vie en rose‬‬

‫َ‬ ‫وضعت‬ ‫يا لك من شرير أيها اليعقوب اللعين!‬ ‫عىل جرحي َّ‬ ‫ً‬ ‫ملحا‪ ..‬كيف سأسامحك‪،‬‬ ‫النازف‬ ‫َ‬ ‫وأنت تغرز يف خاصرة شوقي إليها كل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وخناجرك!‬ ‫سكاكينك‬ ‫استقر الوهم الجميل يف رؤوس الشاربين بعد‬ ‫أن هدأ يعقوب‪ ،‬وعاد المقهورون إىل ملء‬ ‫كؤوسهم‪ ،‬ومتابعة ما فاتهم من أحالم بسبب‬ ‫وعدت أنا ً‬ ‫ُ‬ ‫أيضا‬ ‫تصرف يعقوب غري المسؤول‪،‬‬

‫إىل َّ‬ ‫بوابة العشق األوىل‪ ..‬أخطف القبالت‪،‬‬ ‫واللمسات‪ ،‬وأحشو بها أكمام الذاكرة‪ ،‬وجيوبها‬ ‫الواسعة؛ ألستعين بها عىل سجين الجديد بعد‬ ‫رحيل «شام» إىل السماء البعيدة‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫لالجئ‬ ‫وحل مثايل‬ ‫الموت عالج ناجع ألمثايل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫يتخبط بذكرياته‪.‬‬ ‫رحل عنه الوطن‪/‬شام‪ /‬وتركه‬ ‫مألت كأسي األخري‪ ،‬وتجرعته دفعة واحدة‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عانقت «شام»‬ ‫مقنعا أغادر به البار‪..‬‬ ‫سببا‬ ‫ألجد‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫األول واألخري‪ ،‬ومسحت دموعها‬ ‫وهمي‬ ‫َّ‬ ‫وعد مىن بالعودة‬ ‫وجنيت‪ ،‬عىل‬ ‫المنهمرة عىل‬ ‫ٍ‬ ‫إليها ً‬ ‫قادم األيام‪.‬‬ ‫غدا‪ ،‬وما يليه من‬ ‫ِ‬

‫‪25‬‬


‫باب القصة القصرية‬

‫من يطرق الباب؟‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬ ‫استامنه صاحب البستان ليكون‬ ‫وحيدا يف غرفته الطينية وسط البستان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫حارسا ‪ ..‬تجربة زواجه لم تدم اكرث من ثالثة اشهر‪ ،‬والتحقت باهلها يف‬ ‫امراة ‪..‬فقد َ‬ ‫ٔ‬ ‫المدينة‪ ,‬فقرر عدم الزواج بعدها‪ ،‬لقناعته ٔانه ال يصلح ٔ‬ ‫بان‬ ‫الية‬ ‫ٓ‬ ‫ً‬ ‫وقر ْ‬ ‫ّ‬ ‫رت طلب التفريق‪..‬‬ ‫كاالخرين‪..‬‬ ‫فحال‬ ‫لزوجته عجزه التام يف ٔان يكون‬ ‫وافق عىل مضض‪ ،‬وترك المدينة ليتفرغ لحراسة البستان‪ٔ ..‬ايامه ٔ‬ ‫االوىل‬ ‫ٔ‬ ‫جرو‬ ‫يونسه‪ ،‬لكنه عرث عىل‬ ‫كانت ثقيلة‬ ‫الوطاة عليه لعدم وجود من ٔ‬ ‫ِ‬

‫الكاتب‬ ‫عمر حمش‬ ‫ّ‬ ‫ليعوضه‬ ‫صغري ماتت ٔامه بلدغة ٔافعى‪ ..‬احتضنه‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫يوما ٕاثر يوم‪ ،‬وهو ينمو ويكرب‬ ‫اليتم‪ ،‬كان يراقبه‬ ‫ً‬ ‫كلبا قوي البنية‪ ..‬وارتبطا معا بعالقة‬ ‫حىت غدا‬ ‫ٔ‬ ‫وااللم‪،‬‬ ‫روحية‪ٔ .‬ازالت عنه شعوره بالوحدة‪،‬‬ ‫وفراق ٔ‬ ‫االحبة‪ ..‬لم يكن له ٕاخوة‪ ,‬ماتت ٔامه‬ ‫بالسرطان‪ ،‬وتبعها ٔابوه بالسكري حىت ذوى‪،‬‬ ‫ومات بعد سنة ‪ ..‬كان يجمع وارد البستان من‬ ‫النخل‪ ،‬ومنتوجه‪ٔ ،‬‬ ‫واشجار الحمضيات‪ .‬يدفعه‬ ‫لصاحب البستان بعد انتهاء كل موسم‪ ..‬تلك‬ ‫متا ً‬ ‫الليلة عاد ٔ‬ ‫خرا لغرفته بعد طواف طويل حول‬ ‫ً‬ ‫جانبا من سياجه المتهاوي‬ ‫البستان‪ ،‬وتعديل‬ ‫يف ٔاحد ٔاركانه ‪ ,‬التفت؛ لم يجد كلبه يتبعه‪..‬‬ ‫دهش لعدم انتباهه طوال مسافة الطريق‪..‬‬ ‫بحث عنه يف الجوار‪ ،‬فلم يعرث عليه‪ ,‬قضى ليله‬ ‫ً‬ ‫حامال معه فانوسه النفطي‪ ،‬حىت‬ ‫يبحث عنه‬ ‫ٕاذا ما ٔاجهده البحث عاد حزينا لفقده‪ٔ ..‬اخذ يف‬ ‫اليوم التايل يتفحص البستان شجرة شجرة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وعشبة عشبة‪.‬‬ ‫بحث عنه يف القرى المجاورة؛ لم يجد له ٔا ً‬ ‫ثرا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كي ً‬ ‫العنا حظه‬ ‫حزينا‪,‬‬ ‫يبا‬ ‫ليعود ٕاىل غرفته ٔ‬ ‫اليسء بفقدان كل شيء يف الحياة‪ ..‬استسلم‬ ‫لحزن كبري وهو يتذكر الذين رحلوا ‪ ..‬استسلم‬ ‫ٓ‬ ‫الهات بدموع حبيسة اخزتنتها المحاجر يف‬ ‫ذاكرة الزمن ‪ ..‬وحين كان يدخن سيجارته‪ ،‬وهو‬ ‫يمال غرفته‪ُ ،‬ط َ‬ ‫ٔ‬ ‫رق عليه‬ ‫ينفث دخانها‪ ،‬الذي‬ ‫ُ‬ ‫ينهض‬ ‫الباب عدة طرقات متالحقة سريعة‪..‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يمينا‬ ‫كثريا‪ ،‬ثم يفتح الباب‪ ..‬يتلفت‬ ‫مفزوعا‪ ،‬يرتدد‬ ‫ً‬ ‫وشماال‪ ..‬لم يجد ٔايما ٔاثر للطارق‪ّ ..‬‬ ‫توجس من‬ ‫تلك الضربات عىل بابه الخشيب‪ٔ ،‬اخرج بندقيته‬ ‫من تحت سريره المتهالك‪ٔ ..‬القمها الرصاص‪..‬‬ ‫حمل فانوسه النفطي‪ ،‬وخرج يتفحص المكان‬ ‫شيي ًا ‪ ..‬عاد‬ ‫الذي يحيط بالكوخ ‪ ..‬ولما لم يجد‬ ‫ٔ‬ ‫منح ً‬ ‫ّ‬ ‫يا البندقية‬ ‫ٕاىل غرفته‪ ،‬وجلس عىل سريره‬ ‫ً‬ ‫براسه ٕاىل ٔ‬ ‫جانبا‪ ..‬يطرق ٔ‬ ‫االرض‪ ..‬عادت تلك‬ ‫ّ‬ ‫يتحرك‪ ،‬وبدا‬ ‫الطرقات تثقب ٔاذنيه من جديد‪ ..‬لم‬ ‫ينظر بقلق من فتحة الباب السفلية‪ ,‬الفراغ‬ ‫ً‬ ‫خاليا‪ ،‬تغمره العتمة‪ .‬وال ٔاثر‬ ‫ٔاسفل الباب كان‬ ‫َٔ‬ ‫ٔ‬ ‫اتكا عىل سريره‪ ،‬وراح يدخن سيجارة‬ ‫الحد‪.‬‬ ‫ٔاخرى‪ ،‬وقد بدا عليه القلق‪ ،‬وساوره خوف مريب‪..‬‬ ‫ً‬ ‫واضعا زنديه خلف ٔ‬ ‫راسه‪.‬‬ ‫حاول ٕاغماض عينيه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ورفعت‬ ‫تزوجت‪،‬‬ ‫تعبتك معي يا ولدي ‪ ..‬لو‬ ‫ لقد ٔا‬‫موونة التعب‪.‬‬ ‫عن كاهلك ٔ‬

‫‪26‬‬

‫ لن ٔا تزوج يا ٔايم ‪ٕ ..‬اين متفرغ للعناية بك‪،‬‬‫وجودك يا ٔايم ‪.‬‬ ‫الحاجة يل بامراة‪ ..‬يكفيين‬ ‫ِ‬ ‫ الدراسة تركتها من ٔاجيل‪ٔ ،‬ا َو ترتك الزواج‬‫ٔا ً‬ ‫يضا‪..‬؟‬ ‫يا لتعاسيت‪ٔ ،‬‬ ‫روية ٔاحفادي!‬ ‫وانا ُٔاحرم من ٔ‬ ‫تناهت ٕاىل ٔاذنيه طرقات ٔاخرى عىل الباب ٔاقل‬ ‫ّ‬ ‫حدة من سابقاتها‪ ..‬فتح عينيه‪ٔ ..‬القى نظرة‬ ‫ً‬ ‫محاوال طرد‬ ‫سريعة‪ ..‬ثم عاد ليغمض جفنيه‬ ‫هذا الهاجس اللعين ‪..‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫رجال كما ينبغي‪..‬‬ ‫لست‬ ‫كنت تعرف ٕانك‬ ‫ ٕاذا‬‫لماذا تزوجتين ٕاذن ؟!‬ ‫موقت‪ ،‬وسزيول‪.‬‬ ‫ ارحميين ٔا‬‫ِ‬ ‫رجوك‪ ..‬ربما عارض ٔ‬ ‫وانا ٔانتظرك عىل ٔا َّ‬ ‫ منذ ثالثة اشهر ٔ‬‫حر من‬ ‫الجمر ‪َ ..‬‬ ‫لم تعذبين هكذا ؟‬ ‫ ال ذنب يل يف ذلك ‪..‬ربما ٔاعاين من علة ما ؟‬‫ ّ‬‫طلقين‪ ،‬ودعين ٔارحل ٕاىل ٔاهيل‪ ..‬ال ٔاستطيع‬ ‫البقاء مع زوج يفتقد الرجولة ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫جفلت عىل ٕاثر الصفعة اليت ّ‬ ‫دوت عىل وجهها‬ ‫‪..‬لم يرها بعد ذلك ٕا ّ‬ ‫ال يف المحكمة عندما حكم‬ ‫القاضي عليه بالتفريق‪ ،‬وهو يطالع التقارير‬ ‫الطبية اليت ٔامامه ‪..‬ثمة طرقات خفيفة عاودت‬ ‫َ‬ ‫الطرق عىل حافة الباب من ٔ‬ ‫ينهض‬ ‫االسفل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تطلب‬ ‫الطالق النار ٕان‬ ‫حامال بندقيته‬ ‫متهيئا ٕ‬ ‫ٔ‬ ‫االمر‪.‬‬ ‫َ‬ ‫لمح من تحت حافة الباب الخشيب‪ ،‬ثمة ظل‬

‫ُ‬ ‫ٔ‬ ‫تمرق سريعا‪ ،‬وتعاود الظهور من‬ ‫القدام تتحرك‬ ‫خالل خيط النور‪ ،‬الذي يبعثه الفانوس المقابل‬ ‫للباب‬ ‫_من عىل الباب؟ ٕان لم تجب؛ ٔ‬ ‫ساطلق النار‪.‬؟!‬ ‫صاح بصوت عال‪ ،‬لكنه لم يسمع جوابا‪ّ ،‬‬ ‫توقف‬ ‫ِ‬ ‫قليال بعد ٔان انقطع الصوت‪ ،‬وشمل المكان‬ ‫هدوء ينذر بيشء ما ٔاخافه‪ ،‬لم يلبث ٔان عادت‬ ‫الطرقات ٔاسفل الباب من جديد‪ .‬طرقات باهتة‬ ‫يختلف ٕايقاعها عن اليت قبلها‪ .‬يفتح النار بنفاد‬ ‫ُ‬ ‫ينطلق مع صرخات الرصاص‪ ،‬ال‬ ‫صرب ‪..‬كان صوته‬ ‫يستطيع تفسري تصرفه‪َ ،‬‬ ‫لم كان يصرخ مع صوت‬ ‫الرصاص الهادر‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مطر الباب برشقة سريعة‪ ،‬وتطاير نثار‬ ‫‪ ..‬عندما ٔا‬ ‫َ‬ ‫سمع‬ ‫الخشب من ٔاضلع الباب يف كل جهة‪..‬‬ ‫صرخة‪ ،‬صرخة غريبة لم يفهمها ‪..‬تشبه صوت‬ ‫ً‬ ‫حامال‬ ‫حيوان جريح ٔافزعه‪ ،‬خرج يسري بحذر‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫يسل ُط الضوء‬ ‫قليال‪ ،‬وينظر‪..‬‬ ‫يفتح الباب‬ ‫فانوسه‪..‬‬ ‫يف كل ٕاتجاه‪َّ ..‬‬ ‫تعرثت قدمه بجثة‪ ..‬لم يتبينها‬ ‫ً‬ ‫ٔاول ٔ‬ ‫جيدا‬ ‫االمر‪ ..‬يقرتب منها‪ ..‬يركز الضوء عليها‬ ‫الحايط الطيين‪،‬‬ ‫يتكي عىل‬ ‫‪ ..‬يرتاجع ٕاىل الوراء‪.‬‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫ويزفر بمرارة‪ ..‬يريم البندقية عىل ٔ‬ ‫االرض‪،‬‬ ‫وينحين عىل الجثة المخضبة ّ‬ ‫بالدم‪ ،‬تغرورق‬ ‫َّ‬ ‫يمسد عىل وجهه‪ ..‬يتحسس‬ ‫عيناه بالدموع‪..‬‬ ‫بوزه المديم‪ّ .‬‬ ‫فرايه‬ ‫يمرر ٔاصابعه المرتعشة فوق‬ ‫ٔ‬ ‫َّ‬ ‫ٔ‬ ‫المهشمة‪..‬‬ ‫قوايمه‬ ‫االبيض الندي‪ ..‬يتفحص‬ ‫ٔ‬ ‫ً‬ ‫يسحب ٔ‬ ‫راسه ليضعه يف حجره‪ ،‬ويجهش باكيا‪..‬‬


‫باب القصة القصرية‬

‫الشاهدة‬

‫الكاتبة‬

‫ت �ت��دف��ق ال �ك �ل �م��ات ال�ل�ط�ي�ف��ة م��ن ف �ي��ه‪ ،‬ب�ش�ك��ل غ�ي�ر م �ع �ه��ود‪ ،‬ق��د س�م�ع��ت أن�ه��م‬ ‫غ� ��دارون‪ ،‬أن�ه��م يستعملون ال�ع�ن��ف م��ع األص��دق��اء واألع � ��داء‪ ،‬وإن وج ��دوا ه��ذه‬ ‫ً‬ ‫خريا‪ ،‬وأنهم‬ ‫الوسيلة لن تجديهم نفعا‪ ،‬التجئوا إىل طريقة أخرى‪ ،‬يأملون فيها‬ ‫يغيرّ ون من الوسائل‪ّ ،‬‬ ‫علهم يحققون النجاح يف مسعاهم‪ .‬تتواىل الكلمات‬ ‫المزوقة‪ ،‬ذات المعاين الرقيقة‪ ،‬أص��دق أحيانا مزاعمهم‪ ،‬وأنهم ي��ري��دون يب‬ ‫ً‬ ‫خريا‪ ،‬وأنين هنا لتوضيح بعض األمور‪ ،‬اليت ما زالت غامضة أمامهم‪ ،‬وتتطلب‬ ‫الشرح والتوضيح‪ .‬حدثين األصدقاء والمعارف عن أساليبهم المختلفة‪ ،‬اليت‬ ‫يتبعونها مع األشخاص‪ ،‬لحملهم عىل تنفيذ ما يحبون‪.‬‬

‫صبيحة شبر‬

‫ً‬ ‫أنت صادقة‪ ،‬ال تحبين‬ ‫عنك‬ ‫ سمعنا‬‫كثريا‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫الكذب‪ ،‬وال تودين االقرتاب منه‪ ،‬تقولين‬ ‫الحقيقة كما هي دون تغيري‪ .‬أذكري لنا اآلن‪،‬‬ ‫ماذا حدث بالضبط؟‬

‫ٌ‬ ‫أهل للتقدير‪،‬‬ ‫أنك‬ ‫الناس‬ ‫يمدحونك‪ ،‬ويقولون ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ ،‬فاخربينا بما دار من أحاديث‪،‬‬ ‫نقدرك‬ ‫ونحن‬ ‫ِ‬ ‫نعيدك إىل‬ ‫وما تم االتفاق عليه من أمور‪ ،‬ونحن‬ ‫ِ‬ ‫مزنلك معززة مكرمة‪.‬‬ ‫ِ‬

‫إنهم لطفاء حقا‪ ،‬يقولون الكالم الجميل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن‬ ‫ويعربون عن أنفسهم بأسلوب رقيق‪،‬‬ ‫فحش القول‪ ،‬كما اعتاد أعداؤهم أن يتهموهم‪..‬‬ ‫كنت حاضرة‬ ‫أنك‬ ‫ِ‬ ‫ قويل لنا ماذا حدث‪ ،‬بلغنا ِ‬‫سمعت ما تحدثوا به‪ ،‬واصفين‬ ‫وأنك‬ ‫مع القوم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫أعماال قاموا بها‪ ،‬فما حقيقة هذه األعمال؟‬

‫ول َم أحضروين‬ ‫لم أفهم ماهو المطلوب مين؟ ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مقاال يف مجلس‬ ‫كالما‬ ‫إىل هنا؟ وأنا لم أسمع‬ ‫معين‪ .‬أصحايب جاءوا إىل مزنيل‪ ،‬وكانوا‬ ‫يتحدثون عن كتاب‪ ،‬استعرناه من أحد األصدقاء‪،‬‬ ‫واطلعنا عليه كلنا‪ .‬كتاب يتحدث عن العائلة‪،‬‬ ‫وضرورة بنائها عىل مفاهيم الحب‪،‬واالحرتام‪،‬‬ ‫وليس يف الكتاب شيء جديد‪.‬‬

‫الغموض يحيط بالكالم‪ ،‬أي قوم يريدون‬ ‫االستعالم عنهم؟ لم أحضر أنا مجلسا‪ ،‬منذ‬ ‫ّ‬ ‫وأفضل البقاء‬ ‫زمن طويل‪ ،‬فأنا قليلة الخروج‪،‬‬ ‫يف المزنل‪ ،‬لزيورين أصدقاءي يف داري بدال‬ ‫من الذهاب إليهم‪ .‬واألشخاص الذين أعتربهم‬ ‫ُ‬ ‫كنت أعرف الكثري من‬ ‫أصدقاء يل قليلين‪ ،‬وإن‬ ‫ممن ال يرقى إىل مستوى األصدقاء‪.‬‬ ‫الناس ّ‬ ‫مزنلك‬ ‫نعيدك إىل‬ ‫سمعت‪ ،‬وسوف‬ ‫ اخربينا بما‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عليك إال إبالغنا بما‬ ‫قبل أزوف ساعة‪ ،‬ليس‬ ‫ِ‬ ‫وأنت صادقة كما سمعنا‪.‬‬ ‫تعرفين‪،‬‬ ‫ِ‬

‫الغموض سيد الموقف‪ ،‬ماذا يعين هذا‬ ‫الرجل؟ وعن أي شيء يتحدث؟ ومن هؤالء‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫مجلسا معهم؟واستمعت إىل‬ ‫حضرت‬ ‫الذين‬ ‫ّ‬ ‫تحدث الناس‪ ،‬أو‬ ‫أحاديثهم؟ وما شأنه هو أن‬ ‫صمتوا؟ وكيف يطلب مين أن أنقل إليه أحاديث‬ ‫عما يجول‬ ‫أشخاص وثقوا يب؟ وعبرّ وا أمايم ّ‬ ‫يف أنفسهم‪ ،‬لم أعتد عىل نقل األحاديث مهما‬ ‫حدثت من أمور‪ .‬ال أحب دور الواشي‪ .‬ال أود أن‬ ‫أخون ثقة الصديق‪.‬‬ ‫ قويل الحقيقة فقط‪ ،‬ماذا قال أولئك‬‫األشخاص؟ وما هي األنشطة اليت يرغبون‬ ‫بالقيام بها‪ ،‬من يتعاون معهم؟‬ ‫بك‪ ،‬ويطمئنون‬ ‫أنك قريبة منهم‪ ،‬يثقون ِ‬ ‫سمعنا ِ‬ ‫اطالعك عىل خبايا‬ ‫إليك‪ ،‬وال يخشون من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قلوبهم‪.‬‬ ‫ يريدون مين أن أخون‪ ،‬وأن أغدر بأصدقايئ‪،‬‬‫وأن أنقل أحاديثهم‪ ،‬أتخىل عن أحبايب‪ ،‬الذين‬ ‫منحوين ثقة كبرية ّ‬ ‫عز نظريها‪.‬‬ ‫أصحابك؟‬ ‫منك غري الحقائق‪ ،‬ماذا قال‬ ‫ ال نطلب‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أنك ال تشاطرينهم‬ ‫وكم مرة اجتمعتم؟ نعرف ِ‬ ‫نعرفك تمام المعرفة‪.‬‬ ‫ندينك‪،‬‬ ‫آراءهم‪ ،‬نحن ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫فلماذا يرغب هؤالء باالطالع عىل ما دار بيننا‬ ‫من أحاديث‪ ،‬حول العائلة‪ ،‬وتعزيز الوشائج بين‬ ‫أفرادها‪ ،‬وضرورة القراءة الهادفة‪..‬‬ ‫جماعتك مخربون‪ ،‬نحن نعرفهم‪ ،‬إنهم دود‬ ‫‬‫ِ‬ ‫الكتب‪ ،‬يكرثون من القراءة‪ ،‬ويكتمون ما يجول‬ ‫داخل نفوسهم‪ ،‬لماذا ال يعلنون عن آرائهم‪،‬‬ ‫وعن حقيقة عواطفهم؟‬ ‫مصلحتك أن تخربينا‬ ‫البد أنهم خائفون‪ ،‬من‬ ‫ِ‬ ‫عن خفايا نواياهم‪ ،‬هيا قويل‪ - :‬ما هي أهداف‬ ‫تجمعكم؟ لماذا ال تعلنون عنها؟ ولماذا‬ ‫تكرثون من القراءة بهذا الشكل المخيف؟‬ ‫منك‪،‬‬ ‫ماهي مطامعكم؟ كلمات قليلة‪ ،‬نطلبها‬ ‫ِ‬ ‫مزنلك بسالم‪.‬‬ ‫فوليها‪ ،‬وعودي إىل‬ ‫ِ‬ ‫يرتفع الصوت‪ ،‬ويضحى صراخا ‪:‬‬ ‫أنك منهم‪ ،‬إن لم تتعاوين معنا‪،‬‬ ‫سوف نعلن ِ‬‫نجربك عىل‬ ‫لماذا تعاندين؟ لنا أساليبنا‪ ،‬وسوف‬ ‫ِ‬ ‫نمنحك الحرية‪،‬‬ ‫ذكر ما نحب‪ ،‬ولكن اآلن نحب أن‬ ‫ِ‬ ‫هيا قويل ما تعرفين‪ ،‬ال فائدة من الصمت‪،‬‬ ‫أذكري ما دار بينكم من حديث‪.‬‬ ‫ً‬ ‫نباحا‪:‬‬ ‫يعلو الصوت‪ ،‬ويغدو‬ ‫كلهم تكلموا‪ ،‬ال تحاويل التسرت‪ ،‬جاءتنا األنباء‬‫وندعك تعودين‬ ‫أنك معهم‪ ،‬أذكري ما تعرفين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مزنلك بالتقدير‪ ،‬واالحرتام‪.‬‬ ‫إىل‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫تحيطك الحرية‪ ،‬لم‬ ‫لسانك‪،‬‬ ‫وجف‬ ‫فمك تيبس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫منك؟ ولماذا أخذ‬ ‫المطلوب‬ ‫هو‬ ‫تعريف بعد ما‬ ‫ِ‬ ‫المتحدثون يصرخون؟‬ ‫ كم مرة اجتمعتم؟ وماذا دار بينكم من حديث؟‬‫ولماذا أنت صامتة؟ ومن تحاولين حمايته؟ ما‬ ‫لك ولهم؟ إنهم مخربون‪ُ ،‬اصدقينا القول‪ ،‬هيا‬ ‫ِ‬ ‫معك‪ ،‬ما‬ ‫بسرعة‪ ،‬لم نعد قادرين عىل الصرب‬ ‫ِ‬

‫أنت واالجتماعات؟ ماذا تريدون؟ اللعنة‬ ‫شأنك ِ‬ ‫ِ‬ ‫عليكم جميعا‪..‬‬ ‫ً‬ ‫عما‬ ‫ يعلو الكالم‪ ،‬ويأخذ منحى آخر‬‫متناقضا‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫تعبت من الجلوس‪،‬‬ ‫وأنت قد‬ ‫تماما‪،‬‬ ‫كان عليه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وهذا الصراخ المستمر‪ ،‬ولم تدركي ماذا‬ ‫أنت بالذات من جلبوها إىل هنا؟‬ ‫يريدون؟ ولماذا ِ‬ ‫أنك واثقة تمام الثقة أن أصدقاءك أبر ياء مما‬ ‫ِ‬ ‫يحاك ضدهم‪ ،‬وأنهم فقط يحلمون بجمال‬ ‫العالم‪ ،‬ومشرق الشمس‪ ،‬وظهور القمر‪.‬‬ ‫أنك‬ ‫ لقد تعبنا‬‫منك‪ ،‬سوف نعلن أمام المأل ِ‬ ‫ِ‬ ‫منهم‪ ،‬تتآمرين ضد سالمة البالد‪ ،‬وتخططين‬ ‫إلحراق الزرع‪ ،‬ونفاد المياه‪ ،‬وهالك الناس‪ ،‬هيا‬ ‫تكلمي‪ ،‬قويل لنا ما نحب‪.‬‬ ‫شانك أنت بما يريدون‪،‬‬ ‫بك‪ ،‬ما‬ ‫ِ‬ ‫ الغموض يحيط ِ‬‫ومن هؤالء الذين يسعون إىل هالكهم‪،‬‬ ‫عليك الحرية‪،‬‬ ‫وتحويل حياتهم إىل ثبور‪ ،‬تهيمن‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫شرا‪،‬‬ ‫بك‬ ‫وأنت جالسة مع أشخاص غرباء‪ ،‬يريدون ِ‬ ‫ِ‬ ‫لك؟‬ ‫وال تعلمين أي أنواع من السوء يدبرون ِ‬ ‫ تكلمي‪ ،‬بسرعة‪ ،‬نفذ صربنا‪ ،‬سوف نرسل‬‫وجدناك‬ ‫معلنين يف طول البالد وعرضها‪ ،‬أننا‬ ‫ِ‬ ‫عائلتك‬ ‫يف بيت سيء السمعة‪ ،‬مشبوه‪ ،‬لنجعل‬ ‫ِ‬ ‫عليك‪.‬‬ ‫منك‪ ،‬تكلمي بسرعة‪ ،‬اللعنة‬ ‫تتربأ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بك‪ ،‬والخوف مخلوق أخطبوطي‬ ‫الحرية تستبد ِ‬ ‫منك اليقين‪ ،‬لو تعرفين فقط ماذا يريدون‬ ‫ينزتع‬ ‫ِ‬ ‫منك؟‬ ‫ِ‬ ‫وجدناك يف بيت‬ ‫سمعتك؟ لقد‬ ‫تهمك‬ ‫ أال‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مشبوه‪ ،‬سيء السمعة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تتعبك أقوالهم‪ ،‬وتفكرين‬ ‫تمض ِك اتهاماتهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫منك؟‬ ‫هل يمكن أن تنفذي لهم ما يطلبونه‬ ‫ِ‬ ‫ ماذا تريدون أن أقول؟‬‫إليك‪ ،‬خذي هذه الورقة‪،‬‬ ‫عقلك قد عاد‬ ‫ يبدو أن‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وامضي عليها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لم تعتادي أن توقعي عىل أمر ال تعلمين عنه‬ ‫ً‬ ‫منك الورقة‬ ‫شيئا‪ ،‬تحاولين أن تقرأي‪ ،‬ينزتع‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫صارخا‪:‬‬ ‫ هيا بسرعة‪ ،‬ال ترتددي‪ِ ،‬امضي عىل الورقة‬‫أوال‪٠..‬‬

‫‪27‬‬


‫ً‬ ‫جدا‬ ‫باب القصة القصرية‬

‫ً‬ ‫جدا‬ ‫باب القصة القصرية‬ ‫قشور‬

‫هدى إبراهيم أمون‬

‫ً‬ ‫َر ِغ َب بعمل مميزَّ ُي ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫غاص‬ ‫ممتطيا صهواتها‪،‬‬ ‫السياسية‬ ‫اقتحم الساحات‬ ‫وجوده من خالله‪،‬‬ ‫ثبت‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫بأوحال غربة ملونة المواجع‪ ،‬تشوهت الحقائق؛ تقنع‪ ،‬بدت أقنعته مرئية و عنه وحده مخفية‪.‬‬ ‫ِ‬

‫قنعة‬

‫حيدر الناصري‬

‫ألبوا ّ‬ ‫َ‬ ‫الن َ‬ ‫ّ‬ ‫الحي؛ ّ‬ ‫اس عليها بعد أن تمنعت‪....‬‬ ‫بيوت‬ ‫طافوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫كبريهم‪ :‬واآلن أين نقضي ليلتنا!‪.‬‬ ‫همس‬ ‫ما إن شطفوا خناجرهم‪،‬‬

‫شموع‬

‫عالء عبدالحليم‬

‫مات الزعيم‪-..‬قالها المتحدث الرسمي‬ ‫داخل الجنازة الكبرية لوحت إحدى البائسات بمنديلها‬ ‫اخرى لوحت باثنين ‪..‬صارمشهد المناديل كاسراب حمام وعىل جنحي‬ ‫كل حمامة ترفرف روح إحدى ضحاياه ‪..‬‬

‫قوقعة‬

‫سالم الغانم‬

‫صكت مفاتيح عبوديتها ‪ ..‬أحكمت األغالل عىل معصميها ‪ ..‬انساقت‬ ‫لرغباتهم ‪ ...‬تمردوا‪ .‬عند أول منعطف تحطموا بشظاياها‪ ...‬بقيت روحها‬ ‫معلقة!‪..‬‬

‫سريرة‬

‫جمانا العامود‬

‫تعر َ‬ ‫للجلد حتىَّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫المحكومين‪َّ .‬‬ ‫ض‬ ‫الكثري من‬ ‫ضمت‬ ‫ُن ِف َي ظليِّ إىل‬ ‫جزيرة َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫به َّ‬ ‫يقو عىل َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫غابت الش ُ‬ ‫َ‬ ‫وارس‪ .‬كلما‬ ‫الن‬ ‫حف؛‬ ‫هزل‪ .‬لم‬ ‫مس‬ ‫ِ‬ ‫سافرت ِ‬ ‫الز ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫فيخرج ُ‬ ‫ُ‬ ‫بتسما‪.‬‬ ‫آمنا ُم‬ ‫منه‬ ‫أنفض ثويب‪،‬‬

‫‪28‬‬


‫ً‬ ‫جدا‬ ‫باب القصة القصرية‬

‫َج ْف ـ ـ ـ ـ ـ ٌـر‬

‫توفيق صغري المتلوي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫األوىل‪..‬‬ ‫سار َع إىل ِف ْط َن ِت ِه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ام‪َّ ،‬‬ ‫ِا ْس َتعار ْ‬ ‫ثم أمر الرماة أن يهبوا‪...‬‬ ‫دمعتيْ ِن من مقل ٍة قذ ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫شع ُب ُه ْ‬ ‫كان ْ‬ ‫ف‪..‬‬ ‫يس َت ْس ِقي َخط ــيئ َت ُه بش َغ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أرْ ِسل عليْ ِه َم ْن يط ُم ُر ُ‬ ‫المقل‪.‬‬

‫َ‬ ‫أ ْحـ ـلاَ ٌم‬

‫صاحب ساچت‬

‫َر َسـ َـم َو َ‬ ‫رد ًة‪ِ ،‬ا ْص َطبرَ َ َعليهــا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لب ِه أ ّي ً‬ ‫َت ُ‬ ‫يال‪.‬‬ ‫نمو يف ق ِ‬ ‫اما َو ل ٍ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫يم‪..‬‬ ‫باح ِ‬ ‫خارج التق ِو ِ‬ ‫ذات ص ٍ‬ ‫َ‬ ‫ون‪،‬‬ ‫َق َط َف ْتهــا َي ٌد؛ ِا ْن َت َظ َر ْت َط ِويلاً ‪َ ،‬ل ْم َترْ َت ِو ِم ْن ِشف ٍ‬ ‫ـاه أو ِع ُي ٍ‬ ‫ـت َو َأ َخ َذ ْت َطر َ‬ ‫َذ ُب َلـ ْ‬ ‫يقهــا إىل َّ‬ ‫يف!‪.‬‬ ‫الر ِص ِ‬ ‫ِ‬

‫تخمة‬ ‫فاطمة الشريي‬ ‫يستمع آلرائهم‪ ..‬يلوك رأيه بصمت‪ ..‬ويبتلعه‪ .‬اشتكى‬ ‫الجوف عسر الهضم‪ .‬تفاعل الخليط‪..‬‬ ‫نشط الربكان‪ ..‬أحرق األخضر باليابس‪.‬‬

‫صدمة‬ ‫جبار القرييش‬ ‫أرخت عليه العصمة‪ ،‬جعلت منه مالكا‪ ،‬رغم سقوطه من‬ ‫عينها اىل االبد‪ ،‬المجنون مازال يصرخ‪ ،‬من منكم جاء عىل‬ ‫قميصي بأحمر شفاه َك ِذب‪.‬‬

‫تنبؤ‬ ‫صالح الدين بوشتاوي‬ ‫طالبت بالصمت‪ ...‬أعلنت عودة العالم للعصر الحجري‬ ‫بحلول الجيل الخامس من األنرتنت ‪...‬‬ ‫لمست الكرة البلورية مرة أخرى‪...‬‬ ‫بنربة خافتة؛ توقعت وصول العالقات األسرية للمرحلة‬ ‫الثالثة !‬

‫احتواء‬

‫سهري مصطفى‬ ‫انفرطت سبحة الفرح‪ ،‬قهقه الحزن ساخرا‪ ،‬عاركت الحياة؛‬ ‫خانتها يداها الصغريتان‪ّ ،‬‬ ‫فرت دمعة ساخنة‪ ،‬مسحتها يدا‬ ‫ذئب ودود‪.‬‬

‫َص ْفقة‬

‫عبد الحكيم قويدر‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م ِـ ْن ُس َ‬ ‫اء‪َ ،‬‬ ‫راقش) َو ِر ْثنا ِج َر ً‬ ‫زر ْع َناها َم َش ِات َل يف أرْ ِض َنا‪..‬‬ ‫الل ِة َ(ب‬ ‫اح ُل ً‬ ‫لدجاج‪َ ،‬ط َف َش ِت ِّ‬ ‫َر َّس ْم َنا ُّ‬ ‫غة ِل َّ‬ ‫اب ُ‬ ‫الن َب َ‬ ‫الذ َئ ُ‬ ‫الح َّر ُة‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫(ز َأ َر ْت) َب ُ‬ ‫نات َ‬ ‫ود؛‬ ‫ين األ ُس ِ‬ ‫آوى قرْ َب َع ِر ِ‬ ‫َ‬ ‫اد ُرنا ُب ْهتانا‪.‬‬ ‫َح َبل ْت َب َي ِ‬

‫ِم ْش َك ُ‬ ‫اة‬

‫صقر حبوب‬

‫ُ‬ ‫ان َت َس َّل َل إىل َج َّنة ِ ُخ ْل ِدهم‪َ ،‬ي ْن ُف ُث‬ ‫كث ْع َب ٍ‬ ‫ُ‬ ‫قوانينه لزنع ُ‬ ‫الح ُجب‪ ،‬وبرت األعضاء السليمة من‬ ‫ُس َّم ُه‪َ .‬س َّن‬ ‫الجسد‪.‬‬ ‫َ‬ ‫لأْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عندما َعق َر أقدامهم؛ رفعت «جاسيندا» ا ذان‪!.‬‬ ‫ُ ُ​ُس ُق ّ‬ ‫وط‪/‬فوزية الكوراين‬ ‫عىل باب الوليمة أصلحت عماميت‪ ،‬نظر يل باستخفاف‪.‬‬ ‫تحجر الدمع يف عيين عندما سألوين بأي إصبع أتشهد‪،‬‬ ‫ولم يسألوه لماذا قتل قابيل هابيل‪ .‬بازدراءخلع الكيباه‬ ‫ووضعها عىل رأسي‪.‬‬ ‫نهوض‪ /‬أسامة سالمة‬ ‫ليَ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫أثقل َّ‬ ‫الد ُ‬ ‫هر َحراكي‪ ..‬تجاسروا َع ‪...‬‬ ‫حين نتفوا رييش‪ ..‬أغظتهم بابتسامايت!!‪...‬‬ ‫أن يف صدري‪ِّ ..‬‬ ‫َ‬ ‫يجهلون َّ‬ ‫روح ُ‬ ‫تحل ُق ُ‬ ‫الح ِّر‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫باب دراسات‬

‫ّ‬ ‫القصصية بوصفها‬ ‫الوجزية‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫رمزي‬ ‫نسق‬ ‫نص ًا…‬ ‫ّ‬ ‫يتلخص بما جاء عىل لسان فورسرت يف (صنعة‬ ‫يف البدء نرى أن ما ذكر حول الفارق بين الحكاية والحبكة‬ ‫ً‬ ‫مفرقا بينهما‪:‬‬ ‫الرواية)‪ ،‬إذ قال‬ ‫«مات الملك ثم ماتت الملكة» هذه حكاية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حزنا عليه» هذه حبكة‪.‬‬ ‫ويقول «مات الملك ثم ماتت الملكة‬ ‫واالختالف بين هاتين الصيغتين هو السببية‪ ،‬وهي ما تجعل الحكاية حبكة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ ،‬هل الوجزية القصصية تمتلك سببيتها بحيث تقرتب من‬ ‫ونتساءل‬ ‫ّ‬ ‫القص األخرى‪ ،‬بهذا الشرط أم ّأنها تنفرد بشرطها الذايت‪ ،‬وهو‬ ‫أنواع‬ ‫االنفتاح خارج اإلطار بما يجعلها بال أنظمة وال قوانين ثم االنغالق‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫المطول»‬ ‫بعيدا عن «الوصف المسهب» و»الحوار‬ ‫ثانية عىل نفسها‬ ‫و»االسرتسال يف السرد» أي «التسريد»‪ ،‬وكل ذلك يجعلها أكرث كثافة بما‬ ‫يطلق عليها «الميكروسردي» أو «بالغة اإليجاز القصوى»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫انغالقا داخل النص ذاته؟‬ ‫قد نتساءل‪ ،‬هل نجد يف االنفتاح خارج اإلطار‬ ‫بحيث تخلق لها قوانينها الخاصة‪ ،‬وبذلك تبقي غايتها شبيهة بـ»الرمزية‬ ‫القصصية» أي «رمزية اإليجاز» إذا اعتربنا األخرية ضمن النوع‪ .‬هنا تصبح‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الصياغية‪ ،‬أي (اإليجاز) بالمفهوم‬ ‫تأثريا من تركيبتها‬ ‫رمزية اإليجاز أكرث‬ ‫ّ‬ ‫الكالسيكي لتصنيف األنواع‪.‬‬ ‫عادة يفكر منتج الخطاب يف الموجزة (الوجزية) بتجاوز (بقصد) التسريد‬ ‫ّ‬ ‫المطول‪ ،‬والتصوير الحوشي اىل الرتكزي عىل مهمة اللمحة اليت تقرتب‬ ‫من «التكثيف»‪ ،‬وبذلك يقوم المنتج باخزتال العالم بجمل قصرية‪ ،‬بمعىن‪،‬‬ ‫ويسميها النفري بالرؤية‪،‬‬ ‫«كلما ضاقت العبارة اتسع المعىن» كما يقول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التحول من المعىن اللفظي إىل المعىن اإلشاري مراعاة لنمط‬ ‫أي‬ ‫الخطاب وسياقاته‪ ،‬ومقام المتلقي وموضوع القول والمقصود منه حيث‬ ‫ّ‬ ‫عضوية بين التكثيف واإلشارة وكأنهما يمثالن أحدهما اآلخر‪.‬‬ ‫تنشأ عالقة‬ ‫)المعىن) يف اإليجاز يأيت دفعة واحدة ال مفاضلة فيها‪ ،‬بين معنيين وال‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫يتسلمان رمز معىن‬ ‫متلق آخر‪ ،‬االثنان‬ ‫متلق وفهم‬ ‫اختالف فيه بين فهم‬ ‫الموجزة القصصية بكيفية واحدة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يتسيد‬ ‫يف اإليجاز القصصي إدراك استثنايئ‪ ،‬تأميل‪ ،‬بين النص والقارئ‪ ،‬اذ‬ ‫التأويل من الطرف الثاين بوصف الطرف االول ً‬ ‫ّ‬ ‫المتسيد‬ ‫باثا للرمز وهو‬ ‫ّ‬ ‫مفسر للرمز‪ ،‬ولهذا فهو‬ ‫عليه‪ ،‬أما الثاين فهو‬ ‫يمتلك حق التأويل‪ ،‬وهذا جزء من مفهوم نظرية‬ ‫التلقي اليت أىت بها آيزر وياوس عن عالقة‬ ‫«القراءة بالتفسري» ونقصد هنا تفكيك شفرة‬ ‫الرتمزي‪.‬‬

‫الكاتب‬ ‫الدكتور سلمان كاصد‬

‫ّ‬ ‫القصصية عىل المفارقة‬ ‫تشتغل الوجزية‬ ‫بين البنية العميقة للمعىن «الرمز» والبنية‬ ‫ّ‬ ‫السطحية لأللفاظ اليت تخلو من الحشو‪ ،‬واليت‬ ‫تقود إىل جوهر المعىن «الرمز»‪ ،‬ولذا ال ّ‬ ‫بد لنا أن‬ ‫نشخص ما تفقد الوجزية (الموجزة) كي تقرتب‬ ‫ّ‬ ‫أجناسيتها ‪:‬‬ ‫من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫انتقاليا من حالة لحالة‪،‬‬ ‫بعدا‬ ‫الزمن بوصفه‬ ‫ً‬ ‫وضوحا‪.‬‬ ‫فكلما كرب النص ازداد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أحاديا يف‬ ‫مكثفا‬ ‫عنصرا‬ ‫التسريد بوصفه‬ ‫ّ‬ ‫القصصية‪.‬‬ ‫الوجزية‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مظهرا من مظاهر‬ ‫السردي بوصفه‬ ‫النسق‬

‫‪30‬‬

‫الرواية والقصة القصرية وال يظهر بوضوح يف‬ ‫الوجزية‪.‬‬ ‫ونسأل‪ ..‬إىل أي جانب يمكن أن نحيل الوجزية؟‬ ‫هل نحيلها إىل مفارقة الواقع المشاهد أم‬ ‫ّ‬ ‫التخييل‬ ‫نحيلها إىل منطق العقل الرتكييب‬ ‫لمنتج النص‪ ،‬أم نحيلها إىل االفرتاضي الذي‬ ‫يحاول االقرتاب من الواقعي‪:‬‬ ‫وجزية ‪( -1‬يكتب أجمل القصائد‪ ،‬يهديها لها‪،‬‬ ‫تتالعب بالضمائر‪ ،‬تغيرّ الكلمات‪ ،‬تعيدها إليه‪،‬‬ ‫صارت شاعرة)‪.‬‬ ‫ومضة فكرية تقرتب من الواقع‪ ،‬ولكنها‬ ‫ً‬ ‫خياال يف العبارة األخرية‪( ،‬صارت‬ ‫تستحيل‬ ‫شاعرة)‪ .‬وهذا ما يجعلها غري قادرة عىل أن‬ ‫تسمى بالمفارقة‪.‬‬ ‫تخلق نقطة (ارتكاز داليل)‬ ‫ّ‬ ‫وجزية ‪( -2‬شحت لوصالهما األرض‪ ،‬كان الكل‬ ‫ً‬ ‫معارضا لزواجهما‪ ،‬طلب أن يوصلها لمزنلها‬ ‫للمرة األخرية‪ ،‬جمعتهما عبوة ناسفة انفجرت‪،‬‬


‫باب دراسات‬

‫تعانقا يف السماء)‪.‬‬ ‫هنا نجد أن نقطة االرتكاز الداليل ّ‬ ‫يف عبارة‬ ‫«جمعتهما عبوة ناسفة» وما جاء بعدها‬ ‫«تعانقا يف السماء» ال ضرورة لها «زائدة» وهو‬ ‫ما نطلق عليه بتدخل الذات الساردة للنص‪.‬‬ ‫وهذا ما يجعلهما نصين فارقا الداللة‪.‬‬ ‫يقول زكريا تامر ‪:‬‬ ‫الوجزية ‪( – 3‬اشرتيت لولدي أقالم رسم ّ‬ ‫ملونة‬ ‫ً‬ ‫وورقا‪ ،‬أخذ يرسم ّ‬ ‫طيارة ومسافرين‪ ،‬أشفقت‬ ‫ً‬ ‫خوفا من أن يختطف‬ ‫عليه‪ ،‬مزقت الورقة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫غدا)‪.‬‬ ‫الطائرة‬ ‫هنا خاتمة الوجزية ذهنية ولو قال‪( :‬ألنين رأيت‬ ‫طائرة مختطفة) ألصبحت الخاتمة سردية‬ ‫وواقعية مطابقة لسرد االستهالل يف الوجزية‪.‬‬

‫إن الوحدة‬ ‫الكلية للوجزية القصصية‪،‬‬ ‫تعيد لنا صياغة تماسك‬ ‫العالم‪ ،‬أي أنها المقابل‬ ‫الداليل لوحدة العالم الذي‬ ‫تتناوله‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫افرتاضي مجاورة لما هو‬ ‫ويشتغل ما هو ذهين‬ ‫واقعي ‪:‬‬ ‫الوجزية ‪( -4‬يف الحقل‪ ..‬ذي القرياطين بجوار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(األمية) تروي‬ ‫الشوكي كانت أمه‬ ‫شجرة التين‬ ‫له قصة «صرب أيوب»‪ ..‬لما كرب وبجوار شجرة‬ ‫الورد يف قصره الشاسع كان يروي ألوالده‬ ‫ّ‬ ‫قصة ثراء بيل جيتس‪ ..‬ولم تفارقه ذاكرة‬ ‫الشوك)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫القصصية هي‬ ‫هذه الزيادة يف نهاية الوجزية‬ ‫ما ُتفسد النص كما وجدنا هناك (تعانقا يف‬ ‫السما) ووجدنا هنا (لم تفارقه ذاكرة الشوك)‪،‬‬ ‫ألنهما زائدتان بتدخل السارد‪ ،‬وكالهما إسقاط‬ ‫من منتج النص عىل نص يحتمل الكثري من‬ ‫التأويالت لوال تحديدهما بما يريد السارد‪ ،‬لكون‬ ‫النص ال يحتمل اإلضافة‪ ،‬وبذلك بدت هذه‬ ‫اإلضافة عىل صغر حجمها بين (كلمتين)‬ ‫و(ثالث كلمات) ثقيلة ال بسبب حجمها‪ ،‬بل‬ ‫ً‬ ‫مربرا لوجودها يف نص‬ ‫لكونها ال تمتلك‬ ‫الوجزية لكونها خارج نصي‪.‬‬ ‫إن الوحدة الكلية للوجزية القصصية‪ ،‬تعيد لنا‬ ‫صياغة تماسك العالم‪ ،‬أي أنها المقابل الداليل‬ ‫لوحدة العالم الذي تتناوله‪.‬‬

‫العصر ما بعد الحدايث‪ ،‬وبذلك تم تصنيف هذا‬ ‫مسميات أهمها (الصدمة الجديدة)‬ ‫النوع تحت‬ ‫ّ‬ ‫من قبل وبرت شابارد وجيمس توماس (‪)2007‬‬ ‫و(الومضة المستقبلية) يف (‪ )2006‬حيث تعامال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مستقال بعد أن ّ‬ ‫عده النقاد‬ ‫نوعا‬ ‫معها بوصفها‬ ‫ً‬ ‫نوعا‬ ‫يف السنوات األخرية من القرن العشرين‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فرعا عىل الفرع‬ ‫فرعيا من القصة القصرية‪ ،‬وربما‬ ‫ّ‬ ‫مقدمة كتابه «القصة‬ ‫كما ذكر (شابارد) يف‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ ..‬المباغتة‪ ..‬أقاصيص أمريكية»‪.‬‬ ‫القصرية‬ ‫الوجزية القصصية هي ما نطلق عليه بالومضة‬ ‫ً‬ ‫جزءا من األدب الوجزي‬ ‫يف الشعر باعتبارها‬ ‫الذي يتداول اآلن‪ ،‬ولذا أقرتح تسمية أقصر نص‬ ‫ّ‬ ‫قصصي بالوجزية‪.‬‬

‫إن الوجزية باهتمامها بالمدهش واليويم‬ ‫والعادي العرضي والمألوف من أجل تغريبه‪،‬‬ ‫تحاول جاهدة أن تحتفي بالذروة اليت تأيت‬ ‫ً‬ ‫سريعا‪ ،‬بل ربما تسبق حىت تصوير الكلمات‬ ‫وتشكلها يف ذهن المتلقي‪ .‬وهذا ما يمكن‬ ‫ّ‬ ‫المقدمات إىل اإلعالن‬ ‫أن نطلق عليه «تسارع‬ ‫عن الخواتيم»‪ ،‬وكل ذلك يجري وفق مفهوم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫القص‬ ‫بالغيا يف‬ ‫أسلوبا‬ ‫تقنيا‪ ،‬بوصفه‬ ‫التسريع‬ ‫يتجلىّ عادة بـ ّ‬ ‫«مرت السنون» الذي هو من أكرث‬ ‫األساليب السردية يف االختصار‪.‬‬ ‫وكل ذلك يوجد ما يشبهه يف تقنيات السينما‬ ‫الكالسيكية اليت تخزتل الحدث إىل أقصاه‬ ‫ً‬ ‫زمنيا‪ ،‬كي تصل باالستهالل‬ ‫لحرق مراحله‬ ‫إىل خاتمته‪ ،‬بال جهد تصويري أو سردي والذي‬ ‫ً‬ ‫دالليا‬ ‫يعتربه منتج النص حلية ال فائدة منها‬ ‫بتعاملها مع الزمن ال مع الداللة‪.‬‬ ‫إن الحداثة وما بعدها تتمركز عىل تأصيل‬ ‫النوع واللعب باللغة وترسيم الهوية مع دعوى‬ ‫ّ‬ ‫الهوية اليت هي مظهر من مظاهر‬ ‫تكريس‬

‫‪31‬‬


‫باب دراسات‬

‫قراءة يف نص حنين ‪...‬‬ ‫لزنار الحاج عيل‬ ‫مرة أخرى أرسو عىل مرفأ جميل لالستاذ المبدع نزار الحاج عيل‪ ،‬لننهل من كنوزه الثمينة‪ ،‬حيث كانت هذه المرة‬ ‫ققجه (حنين) حيث تأخذنا معها إىل عالم من الذكريات الجميلة‪ ،‬اليت تناقض الواقع المرير‪ ،‬الذي مر به الكثري من‬ ‫شبابنا العريب‪.‬‬

‫يحاول أن يجد نفسه يف هذا الزمن الصعب‪ً ،‬‬ ‫إذا‬ ‫هي محاولة من الكاتب الوقوف عىل مدلهمات‬ ‫الزمن الحايل الصعب اليت تقمصها أو انحرف‬ ‫معها الكثري من الشباب‪ ،‬المغرر بهم تارة أو‬ ‫الفقر الكافر الذي احدث بهم الويالت‪ ،‬لذا‬ ‫أختطوا ألنفسهم دروب ملتوية أو أنهم تعطلوا‬ ‫كالجماد تحرقه الرباكين‪ ،‬فهم الحول والقوة‬ ‫لهم‪ ،‬أو أنهم يكابرون عىل المصائب وقلة الرزق‬ ‫وضياع االحالم‪ ،‬كامدين جبل من هم واالم‬ ‫دفينة تسحقهم كل يوم بجربوتها القاتل‪.‬‬ ‫أنه استزناف الشاب العريب‪ :‬ذلك االنسان‬ ‫الذكي الذي يحاول الطاغوت الحط من شأنه‬ ‫وتقييده بكل ما أويت من قوة حىت الموت‪.‬‬ ‫لذا كانت ققج الكاتب نزار التفاتة راقية لتسليط‬ ‫الضوء عىل بعض مايعانيه الشاب العريب من‬ ‫هموم ومصاعب وكما يأيت‪:‬‬ ‫الققج‬ ‫حنين‬ ‫ُ‬ ‫رفعت‬ ‫عندما حان دوري‪ ،‬كانوا قد أتقنوا اللعبة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫رأسي‪ّ ،‬‬ ‫أبحث عنهم‪.‬‬ ‫انطلقت‬ ‫ثم‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫لحية طويلة‪،‬‬ ‫مختبئا خلف‬ ‫عرثت عىل األول‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫أما الثاين فقد اختفى وراء ابتسامة كاذبة‪،‬‬ ‫معظمهم ّ‬ ‫تنكر عىل هيئة كرة؛ لم تستطع‬

‫شباكي أن تلتقطها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪...‬ورحت ُّ‬ ‫أعد‬ ‫عيين‬ ‫أغمضت‬ ‫بالعكس‪.‬‬

‫الكاتبة‬ ‫احسان علي هلول‬

‫‪32‬‬

‫العنوان‪:‬‬ ‫حنين‪:‬‬ ‫كلمة نكرة تدل عىل الرجوع‬ ‫اىل الماضي وتأمل ذكرياته‬ ‫الجميلة‪ ،‬أو الحزينة‪ .‬أنه ذلك‬ ‫العالم الذي انتهى بكل ما‬ ‫خطه الزمن فيه‪.‬‬

‫هنا الكاتب تناول هذه الكلمة‬ ‫بوقعها االيجايب‪ ،‬الذي يناقض‬ ‫الواقع الحايل المرير‪...‬‬ ‫المتن‪:‬‬ ‫عندما حان دوري‪:‬‬ ‫أي عندما ٱن االوان لكي أشق‬ ‫طريقي‪ ،‬وأقوم بما أوتيت من‬ ‫قوة وبأس لتحقيق أهدايف‬ ‫يف الحياة‪ ،‬الين شاب احتاج‬ ‫متطلبات كثرية أرنو إليها‬ ‫عىل احر من الجمر واسعى‬ ‫لتحقيقها كالزواج والعمل‬

‫وتحقيق الذات وغريها‪...‬‬ ‫كانوا قد أتقنوا اللعبة‪:‬‬ ‫أي كنت متاخرا عنهم يف فهم‬ ‫الحياة وكيف العب معهم‪ ،‬أو‬ ‫أن هناك الكثري ممن عرف سر‬ ‫الوجود والتعايش مع الوحوش‪،‬‬ ‫والتشبث به بما أويت من قوة‪.‬‬ ‫الن الحياة عبارة عن لعبة‬ ‫مكونة من شخوص وساحة‬ ‫وأهداف وحكم ومراقبين‪،‬‬ ‫هي بالفعل لعبة متكاملة‪،‬‬ ‫يخوضها الالعبون ‪...‬الكل‬


‫باب دراسات‬

‫يحاول أن يلعب فيها سلبا أو‬ ‫إيجابا‪.‬‬ ‫رفعت رأسي‪:‬‬ ‫أي حاولت أن أرى دريب واستعد‬ ‫لخوض غمار اللعبة‪ ،‬كالالعب‬ ‫الذي يحاول أن يسدد أو يسجل‬ ‫اهداف‪ ،‬أو ربما كنت غافال فرفعت‬ ‫رأسي اىل مستوى استطيع الرؤية‬ ‫الصحيحة‪ ،‬وارى مجريات األحداث‬ ‫واألمور االخرى‪ ،‬وما ٱلت إليه‬ ‫الحياة وقت ركودي‪ ،‬أو ربما كنت‬ ‫غافال عنها أو لم اهضمها جيدا‪،‬‬ ‫ربما كنت قاصرا عن ذلك‪ ،‬ولكن‬ ‫عندما نرى الجملة الالحقة الققج‬ ‫نستدل انها تعين أيضا أنه ذلك‬ ‫البطل الذي يبحث عن أشخاص‬ ‫معينين كأن يكونوا رفاق صباه‬ ‫ومراحه‪ ،‬وهو يفتقدهم كثريا ويريد‬ ‫معرفة اخبارهم‪...‬‬ ‫ثم انطلقت ابحث عنهم ‪:‬‬ ‫أي شددت العزم لكي أبحث عن‬ ‫أحبايئ واصدقايئ الذين افتقدهم‬ ‫كثريا‪ ،‬واين حطوا رحالهم‪ ،‬الذين‬ ‫شاركوين مراحي وتطلعايت وما‬ ‫نصبوا اليه‪.‬‬ ‫اين هم يف هذا الزمن الصعب‪،‬‬ ‫وابن جرفتهم الحياة بتيارها الكبري‬ ‫‪...‬‬ ‫عرثت عىل االول مختبأ خلف لحية‬ ‫طويلة‪:‬‬ ‫أي عرثت عىل صاحيب االول‪،‬‬ ‫ولديه لحية طويلة‪ ،‬ربما دل ذلك‬ ‫عىل اكتئابه وقلة حيلته ويحاول‬ ‫أن ال يعرفه احد‪.‬‬ ‫أو ربما كأنه منتمي إىل جهة‬ ‫يبدوا أنها منحرفة يلقط رزقه‬ ‫السحت مما تجود به تلك الجهة‬ ‫له بفعل األفعال ربما كانت‬ ‫مشبوهة وياكرثها يف زمن العوز‬ ‫والبطالة والفقر‪.‬‬ ‫الن االختباء ربما هو الخوف من‬ ‫الحقيقة أو من اآلخرين أو من‬ ‫الشبهة‪...‬‬ ‫لذا كانت اللحية وسيلة وليست‬ ‫غاية لتحقيق مٱرب شيطانية أو‬ ‫منحرفة‪...‬فكان عليها الكثري من‬ ‫عالمات االستفهام واللبس وعدم‬ ‫الفهم‪...‬‬ ‫أما الثاين فقد اختفى وراء‬ ‫ابتسامة كاذبة‪:‬‬ ‫أي أنه عرث عىل الثاين‪ ،‬ولكنه‬ ‫ملئ بالهم والكٱبة والضجر‬ ‫وربما فقدان األحبة يف ظل‬ ‫الحروب والمرض‪ ،‬وعدم الرضا‬ ‫بكابر بابتسامة كاذبة تخفي ألمه‬ ‫ووجعه النازف الدايم‪ ،‬الفقر‬ ‫والحرمان وضياع المستقبل‬ ‫واألهداف اليت طالما أراد أن‬

‫يحرزها يف حياته‪.‬‬

‫رسومات جميلة مليئة باالحساس‬ ‫المفعم بالحياة المتأصلة اليت‬ ‫تأخذنا فوق جناحيها القرمزين اىل‬ ‫ملكوت من تأمالت واعية تصدر‬ ‫من أجراس رنينها يطرب النفوس‪،‬‬ ‫أنه كاتب ماهر يوظف أدواته‬ ‫بتقنية عالية تراها للوهلة األوىل‬ ‫بسيطة لكنها كبرية بمكنوناتها‬ ‫الخالبة الساحرة ذات األبعاد‬ ‫القوية‪...‬‬ ‫فعندما نخوض بققجه حنين من‬ ‫العنوان الممزي الذي كان وافيا‬ ‫ومعربا عن المتن‪ ،‬إىل تكثيف‬ ‫واعي حصر المعىن بأقل الكلمات‪،‬‬ ‫اىل سالسة بالمعىن وأسلوب‬ ‫ممزي بالسرد‪ ،‬واحداث متنامية‪،‬‬ ‫ومفارقة مبدعة ودهشة صادمة‪،‬‬ ‫ممزية جدا‪.‬‬

‫أنه حلم كل شاب عريب يطمح‬ ‫لتحقيقه‪.‬‬ ‫معظمهم تنكر عىل هيئة كرة‪:‬‬ ‫يا أهلل عىل هذه العبارة المذهلة‪،‬‬ ‫اليت أجاد بها الكاتب بالتعبري‪،‬‬ ‫تريم إىل معىن قاس جدا‪.‬‬ ‫اي انهم أصبحوا ألعوبة‪ ،‬بدل أن‬ ‫يكونوا هم الالعبين بالذل والوجع‬ ‫واالضطهاد وضياع المستقبل‪،‬‬ ‫لذا هم كالكرة باقدام الالعبين‬ ‫القساة المستعبدين للشاب‬ ‫العريب الكادح‪ ،‬يرفسوهم من‬ ‫واحد اىل اخر بمتعة متناهية عىل‬ ‫حساب الم الشباب الحر المكافح‪،‬‬ ‫كأنهم يعتربوهم جماد اليشعر‬ ‫بالم ال أهمية لهم وال مستقبل‪،‬‬ ‫كرة ترىم أو تنتهي وتنفجر اىل‬ ‫غري رجعة ومن ثم يلعبون بأخرى‬ ‫وهكذا لعبة متكاملة يلعبها‬ ‫الساسة والطغاة‪...‬‬ ‫لم تستطع شباكي أن تلتقطها‪:‬‬ ‫أي ذلك الشاب الواعد الطموح‬ ‫لم يتقبل األمر وشبكته العصبية‬ ‫المكونة من خاليا ذكية وقفت‬ ‫عاجزة أن تفهم مايجري من‬ ‫احداث‪ ،‬متحرية كان عىل رأسها‬ ‫الطري‪.‬‬ ‫أو أنه لم يقدر أن يستوعبهم‬ ‫ويدرك ماهذا الذي يراه ويسمعه؟‬ ‫وبات فكره ووجدانه مشلول عن‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫كأنهم لم يسجلوا أي هدف يف‬ ‫عقله يذكر‪ ،‬كما أنه لم يستطع‬ ‫أن يعيدهم بنصيحته وحبه لهم‬ ‫اىل تلك األحالم والطموحات وما‬ ‫اتفقوا عليه لكي يحقوقها‪ ،‬بحيث‬ ‫ذهبت توسالته لثنيهم عما هم‬ ‫فيه من ضياع ادراج الرياح‪.‬‬ ‫أغمضت عيين‪...‬ورحت أعد‬ ‫بالعكس‪:‬‬ ‫هنا الدهشة الصادمة الرائعة اليت‬ ‫أىت بها الكاتب المبدع نزار الحاج‬ ‫عيل‪..‬‬ ‫بأنه اغلق عينيه عما يرى‪ ،‬من‬ ‫مأساة حاقت باصدقائه‪ ،‬تكاد‬ ‫تذهب بلبه وعقله‪ ،‬كأنه كابوس‬ ‫قد افزعه وصدمه‪ ،‬حىت ان نظره‬ ‫رد إليه حسريا خائبا‪ ،‬خاليا من أية‬ ‫حياة‪.‬‬

‫خالصة الققج‪:‬‬ ‫مما تقدم نستشف بأن الكاتب‬ ‫المبدع نزار الحاج عيل يحاول‬ ‫أن يقدم قضية مهمة اال وهي‬ ‫(قضية الشاب العريب) وما يعانيه‬ ‫يف هذا الزمن الصعب والخطري‪،‬‬ ‫من معرقالت كثرية وكبرية تحول‬ ‫دون تحقيق أحالمه وأهدافه‬ ‫وامانيه المحرتمة‪ ،‬يف ظل ظروف‬ ‫متمثلة بالحروب والطائفية‬ ‫والتهجري والمعانات والزناعات‬ ‫المستمرة ضمن البلد الواحد‬ ‫بتأثريات خارجية وداخلية تقف‬ ‫بالمرصاد دون تحقيق هدف كل‬ ‫شاب بالحياة‪ ،‬هذا من جهة أما‬ ‫من جهة أخرى تتصل الحكومات‬ ‫الفاسدة والدكتاتورية المقيتة عن‬ ‫وضع الحلول والدراسات الواجهة‬ ‫للنهوض بهذا الشاب‪ ،‬نحو‬ ‫مستقبل زاهر امن‪.‬‬

‫ثم بعد أن أرخى نفسه واغمض‬ ‫عينيه متناسيا ما رأى‪ ،‬حن اىل تلك‬ ‫الذكريات الرائعة‪ ،‬اليت عاشها مع‬ ‫اصدقائه‪ ،‬واحبائه‪ ،‬حىت طفا عىل‬ ‫كل ماشاهد مؤلمة بحقهم‪...‬‬ ‫من الناحية الفنية‪:‬‬ ‫حين نتأمل كتابات الكاتب المبدع‬ ‫نزار الحاج عيل نجد أنفسنا أمام‬

‫فرنى تداعيات هذا اإلهمال‬ ‫وضعف مراعاة الدولة لهم شاب‬ ‫متهالك غائب عن الوعي ميت‬ ‫الشعور‪ ،‬تغلبه الذلة أمام العوز‬ ‫والفقر اليعرف مايفعل‪ ،‬مكتئبا أو‬ ‫منحرفا‪ ،‬تجره االنتماءات واألفكار‬ ‫المنحرفة اىل هاوية السقوط‪.‬‬ ‫عبارة عن ألعوبة بيد من هب‬

‫نستطيع أن نقول أنها رواية‬ ‫باحداثها كثفها الكاتب بمهارة‬ ‫ضمن ققج ممزي‪ ،‬بعيدا عن الرتهل‬ ‫غري المربر يف تسعة جمل تفاوتت‬ ‫يف كلماتها‪.‬‬ ‫استخدم الكاتب األفعال الماضية‬ ‫والجمل االسمية باحرتاف يف‬ ‫صياغة متن ققجه‪ ،‬وبصورة‬ ‫متناوبة وجميلة اضفت للنص‬ ‫نكهة متوازنة وبديعة‪.‬‬

‫ودب‪ ،‬والحكومات تنحو اىل‬ ‫منحى المتفرج العقيم‪ ،‬عاجزة‬ ‫عن مساعدته ومنحه الفرصة‬ ‫المناسبة لكي يثبت وجوده من‬ ‫عمل صالح‪ ،‬أو أي دعم مادي‬ ‫إلقامة مشروع معين‪...‬‬ ‫أو تسخري الجهود اإلعالمية‬ ‫والدينية إلصالح مافسد من‬ ‫هؤالء الشباب‪ ،‬باالرشاد والتوعية‪،‬‬ ‫الن الكثري من الخارج والداخل‬ ‫يرتبصون تربص الشر بالشاب‬ ‫العريب بالخصوص‪ ،‬ليكون عاجز‬ ‫كسول محبط عن تحقيق دوره‬ ‫يف الحياة‪.‬‬ ‫النهم يعرفون جيدا أن نهوض‬ ‫البلدان بشبابها‪ ،‬النهم لبنات‬ ‫الحاضر والمستقبل‪ ،‬وهم حماة‬ ‫الوطن‪...‬‬

‫‪33‬‬


‫باب دراسات‬

‫كتب الدكتور‪:‬‬ ‫خالد بوزان موساي‬ ‫ّ‬ ‫لما يسبح النص القصصي يف هيوىل قضايا مرتبكة بجمالية تصوير الكتابة الحداثية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قراءة نقدية يف المجموعة القصصية القصرية جدا (رصاص القلم) للقاص عبداهلل الميايل‪،‬‬ ‫عنوان الدراسة‪ّ :‬‬ ‫لما يسبح النص القصصي يف هيوىل قضايا مرتبكة بجمالية تصوير الكتابة الحداثية‪.‬‬ ‫تمهيد‪:‬‬ ‫ً‬ ‫حاليا أكرث من أي وقت مضى‪ :‬أي اسم‬ ‫نتساءل‬ ‫أو صفة أو نعت يمكن للفنان المبدع ريشة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وعرضا أن يطلقه عىل ما يعيشه هنا ‪/‬‬ ‫وقلما‬ ‫اآلن من ردود أفعال انفعالية تجاه معيشه‪ ،‬من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وقالبا؟‬ ‫قلبا‬ ‫خالل ما يبدعه‪،‬‬ ‫هو سؤال الهيوىل كما جاء يف عنوان هذه‬ ‫القراءة‪« :‬لما يسبح النص القصصي يف هيوىل‬ ‫قضايا مرتبكة بجمالية تصوير الكتابة الحداثية»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫اصطالحا عند القدماء‪ ،‬مادة ليس‬ ‫الهيوىل‬ ‫لها شكل وال صورة معينة‪ ،‬قابلة للتشكيل‬ ‫والتصوير يف شىت الصور (‪ ... )1‬ففي فلسفة‬ ‫أرسطو‪ّ ،‬‬ ‫إن اليشء بما له من هيوىل وصورة‪..‬‬ ‫ً‬ ‫ونتساءل‪ :‬هل القصة القصرية جدا ـ باعتبارها‬ ‫جنسا أدبيا (؟) يعايش العولمة‪ ،‬وعصر السرعة‪،‬‬ ‫والظرفية التاريخية اإلنسانية الحرجة والمرتبكة‬ ‫ـ قادر عىل إعطاء صورة واضحة لهيوىل‬ ‫ً‬ ‫وجودا‬ ‫اإلنسان العريب المعاصر الذي أصبح‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأدبيا‬ ‫فنيا‬ ‫وماهية حبيس متاهات يعبرّ عنها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وانفالتا‪ ،‬لتجعله‬ ‫وتعقيدا‬ ‫تجريدا‬ ‫بشكل أكرث‬ ‫يوصف ويظهر وتتجدد معالمه؟‬ ‫هذا هو السؤال اإلشكايل الذي سنحاول‬ ‫اإلجابة عنه من خالل مقاربتنا للمجموعة‬

‫القصصية جدا «رصاص قلم» لألديب العراقي‬ ‫عبداهلل الميايل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وبما ّ‬ ‫تقنيا‪ ،‬تخطيط مبديئ للصورة‪،‬‬ ‫أن الهيوىل‪،‬‬ ‫سنحاول يف تضاعيف هذه القراءة ‪ /‬المقال‬ ‫وضع األصبع عىل التصميم العمراين للقصة‬ ‫ً‬ ‫جدا يف مجموعة «رصاص القلم»‪ ،‬ومن‬ ‫القصرية‬ ‫خالله تمظهرات اإلنسان العراقي والعريب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتأثرا‪،‬‬ ‫وتأثريا‪،‬‬ ‫داخل الحدث‪ ،‬وخارجه‪ ،‬كينونة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ومشاعرا‪..‬‬

‫‪ 1‬ـ الهيوىل كتخطيط مبديئ للصورة‪ :‬البناء‬ ‫ً‬ ‫جدا يف مجموعة‬ ‫المعماري للقصة القصرية‬ ‫ً‬ ‫نموذجا‪.‬‬ ‫«رصاص القلم»‬ ‫ً‬ ‫جدا كجنس‬ ‫من أبجديات تعريف القصة القصرية‬ ‫أديب حديث ما كتبه أحمد جاسم الحسين‪ ،‬فإننا‬ ‫عرف القصة القصرية ًّ‬ ‫نجده ُي ِّ‬ ‫جدا بالرتكزي عىل‬ ‫ّ‬ ‫خاصيتين بارزتين؛ وهما‪:‬‬ ‫خاصية االنتماء الجنيس المتجلية يف لفظة‬ ‫(قصة)‬

‫‪34‬‬

‫وخاصية الكمية المتمظهرة يف عبارة «قصرية‬ ‫ًّ‬ ‫جدا»‬ ‫ِّ‬ ‫للقص‬ ‫ولذلك فالقوقجة‪ ،‬حسب الناقد «تنتمي‬ ‫ور ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ونمو ًا ُ‬ ‫ّ‬ ‫وحا‪ ،‬وتنتمي‬ ‫وتشويقا‬ ‫حدثا وحكاية‬ ‫ً‬ ‫للتكثيف ِف ْك ً‬ ‫واقتصادا ولغة وتقنيات‬ ‫را‬

‫وخصائص» ‪ ...‬ولذلك فهو يعترب القصة القصرية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حديثا عىل الرغم من كونه‬ ‫أدبيا‬ ‫جنسا‬ ‫جدا‬ ‫ً‬ ‫مولودا ب ْك ً‬ ‫ً‬ ‫نظرا ّ‬ ‫لقلة الدراسات اليت اعتنت به‪.‬‬ ‫را؛‬ ‫ِ‬ ‫نقرأ بداية من باب االستطالع هذه النماذج من‬ ‫«رصاص القلم»‪:‬‬ ‫ـ ـ قصة «قلم»‪:‬‬ ‫ً‬ ‫مقاال عن حرية التعبري‪ ،‬داهمه جند‬ ‫« كتب‬ ‫الحاكم‪ ،‬اعتقلوا خالياه اليت حرضت عىل‬ ‫الشغب‪ ،‬أطلقوا سراحه‪ ،‬صار يطوف الشوارع‬ ‫يحرض الناس عىل الصمت !‪( .».‬ص‪.)13‬‬ ‫ـ ـ قصة «ثورة»‪:‬‬ ‫ً‬ ‫بيانا رقم واحد‪ ،‬امتشق‬ ‫« أصدرت األنواء الجوية‬ ‫ً‬ ‫معلنا ساعة الصفر‪ ،‬سقطت دماء‬ ‫الربق سيفه‬

‫السماء‪ ،‬الذ القمر بالفرار‪( .».‬ص‪.)16‬‬ ‫ـ ـ قصة «شهيد»‪:‬‬ ‫« وقف يحمل سارية الوطن‪ ،‬اجتاحته عاصفة‬ ‫ّ‬ ‫وظل‬ ‫المعركة‪ ،‬أشفق عليه العلم‪ ،‬ضمه إليه‬ ‫ً‬ ‫مرفرفا‪( ».‬ص‪.)37‬‬

‫ـ ـ قصة «صياد»‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫المتسولة‪ ،‬تعرثت‬ ‫« نصب شراكه عىل طريق‬ ‫بأول غمزة‪ ،‬رىم بعض نقوده‪ ،‬استجارت بجلبابه‪،‬‬ ‫أسرع بالمغادرة‪ ،‬نيس ارتداء لحيته‪( ».‬ص‪.)32‬‬ ‫ـ ـ قصة «قلم رصاص»‪:‬‬ ‫« الكلمات اليت أطلقها‪ ،‬أصابت رأس الحاكم‬ ‫بالصداع‪ ،‬صادر جميع األقالم‪ ،‬عوضها بريش‬ ‫النعام‪( ».‬ص‪.)47‬‬ ‫أوىل المالحظات اليت قد ينتبه إليها دارس‬ ‫علم السرديات الحديث‪ ،‬كون هذه القصص‬ ‫ً‬ ‫جدا (كما النماذج أعاله) ال توظف‬ ‫القصرية‬ ‫يف شكلها الظاهر (أي يف هيكلها الخارجي)‬ ‫العناصر السردية التقليدية كما عهدناها يف‬


‫باب دراسات‬ ‫أجناس أدبية أخرى كالحكاية‬ ‫والقصة والمقامة والنادرة‬ ‫‪ ...‬و اليت اخزتلها البنيويون‬ ‫والشكالنيون يف «الخطاطة‬ ‫السردية الكالسيكية» (‪Scéma‬‬ ‫‪ )narratif classique‬اليت تضم‬ ‫خمسة عناصر‪« :‬وضعية االنطالق»‬ ‫أو «البداية» (‪،)Situation initiale‬‬ ‫و «العنصر المحفز» أو «الدافع»‬ ‫(‪،)Élément déclencheur‬‬ ‫و «العقدة» (‪)Le noeud‬‬ ‫بعناصرها «المزعجة» (‪Eléments‬‬ ‫‪ ،)perturbateurs‬و «الحل» ‪/‬‬ ‫«النتيجة» (‪ ،)Dénouement‬و‬ ‫«وضعية النهاية» (‪Situation‬‬ ‫‪.)finale‬‬ ‫لما نقرأ هذه المقاطع اليت تشكل‬ ‫مطلع كل قصة من القصص‬ ‫(أعاله)‬ ‫ً‬ ‫مقاال عن حرية التعبري»‪،‬‬ ‫«كتب‬ ‫ً‬ ‫بيانا‬ ‫و «أصدرت األنواء الجوية‬ ‫رقم واحد»‪ ،‬و «وقف يحمل سارية‬ ‫الوطن»‪ ،‬و «نصب شراكه عىل‬ ‫ّ‬ ‫المتسولة»‪ ،‬و « الكلمات‬ ‫طريق‬ ‫اليت أطلقها»‪...‬‬ ‫نكتشف أنها ال تشبه ما نسميه‬ ‫عادة «وضعية االنطالق» أو‬ ‫«البداية» (‪..)Situation initiale‬‬ ‫هي جمل فعلية خربية يف‬ ‫ً‬ ‫حدثا‪ ،‬تربزه‪ ،‬وتسلط‬ ‫مجملها‪ ،‬تضم‬ ‫الضوء عليه‪ ،‬مع غياب تام للوصف‬ ‫لضرورة احرتام عنصر «التكثيف»‪...‬‬ ‫نجد أنفسنا كقراء منذ المطلع يف‬ ‫قلب الحدث وبدون مقدمات‪ ،‬أي‬ ‫مع «العنصر المحفز» أو «الدافع»‬ ‫(‪ )Élément déclencheur‬كما‬ ‫هو يف «الخطاطة السردية‬ ‫الكالسيكية»‪ ..‬وكل ما يليه‪،‬‬ ‫ردة فعل‪ ،‬أو تفاعل‪ ،‬أو انفعال‬ ‫(«داهمه جند الحاكم»‪ ،‬و «امتشق‬ ‫ً‬ ‫معلنا ساعة الصفر»‪،‬‬ ‫الربق سيفه‬ ‫و « اجتاحته عاصفة المعركة»‪،‬‬ ‫و «تعرثت بأول غمزة»‪ ،‬و « أصابت‬ ‫رأس الحاكم بالصداع (‪« ..‬‬ ‫لذا اقرتح بعض النقاد والدارسين‬ ‫ً‬ ‫جدا‪،‬‬ ‫المهتمين بالقصة القصرية‬ ‫تجاوز الخطاطة‪ /‬الجذاذة السردية‬ ‫الكالسيكية‪ ،‬واستلهام العناصر‬ ‫المكونة للبناء المعماري للقصة‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ ،‬من النصوص‬ ‫القصرية‬ ‫القصصية ذاتها‪ .‬اخزتلها بعضهم‬ ‫يف ثالثة عناصر‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫أ ـ العنصر األول‪ :‬الحالة‪:‬‬ ‫«المقصود بالحالة هي مواضيع‬ ‫وأحداث القصة‪ ،‬وما تشتمله‬ ‫ّ‬ ‫عمومية‪،‬‬ ‫من حاالت خاصة أو‬ ‫بحيث يلجأ الكاتب إليها إلخماد‬ ‫األحداث السائدة يف القصة من‬ ‫أجل التمهيد للمفاجئة من خالل‬ ‫الخاتمة»‪ ...‬والحاالت يف مجموعة‬ ‫«رصاص القلم» لعبد اهلل الميايل‪،‬‬ ‫اختصرها وبفنية عالية األستاذ‬ ‫الكاتب والباحث حميد الحريزي يف‬

‫تقديمه للمجموعة‪ ،‬حيث كتب‪:‬‬ ‫«إن (رصاص القلم) هو رصاص‬ ‫من غضب يستهدف قلب القبح‪،‬‬ ‫والقهر‪ ،‬والفساد‪ ،‬والنفاق‪،‬‬ ‫ومصابيح من أمل تنري طريق‬ ‫المحبة والتضحية واإليثار والحب‬ ‫من أجل عالم أفضل وأجمل‪.»...‬‬ ‫(ص‪.)10‬‬ ‫ب ـ العنصر الثاين‪ :‬المفارقة‪:‬‬ ‫قد يتضح معناها قبل تعريفها من‬ ‫هذه القصة‪ ،‬نقرأ‪:‬‬ ‫ـ « عطف !‬ ‫افرتشت باب المسجد‪ ،‬تستجدي‬ ‫ألطفالها‪ ،‬رق لحالها إ‬ ‫إمام الجماعة‪ّ ،‬‬ ‫مد يده إىل جيبه‪،‬‬ ‫أخرج حديثا عن فضل ّ‬ ‫الصوم‪».‬‬ ‫(ص‪.)13 .‬‬ ‫المفارقة الدرامية من خالل هذه‬ ‫القصة‪ ،‬و كما عرفها الناقد كلينت‬ ‫روكس‪ ،‬قوة فنية لها صورتان‪ ،‬أي‬ ‫تحمل يف أحشائها نقيضها‪ ..‬و‬ ‫هو نقيض غري منطقي‪ ،‬أو منطق‬ ‫غري متوقع لذا يسمى مفارقة‪:‬‬ ‫لما وضع إمام الجماعة يده يف‬ ‫جيبه يف القصة‪ ،‬و قد رق قلبه‬ ‫للمتسولة‪ ،‬المفرتض كان أن يخرج‬ ‫ماال صدقة‪ ،‬لكن أفق إنتظار خاب‪،‬‬ ‫لما بدل ذلك أخرج «حديثا عن فضل‬ ‫الصوم»‪ ...‬و هو تصور يتوافق‬ ‫و تعريف الفيلسوف األنجلزيي‬ ‫مارك سينسربي‪ ،‬المفارقة بالنسبة‬ ‫إليه تعين‪« :‬خاتمة قد تبدو غري‬ ‫مقبولة‪ ،‬مستمدة من فرضيات‬ ‫قد تبدو مقبولة من خالل منطق‬ ‫ً‬ ‫مقبوال‪ .‬يمكن أن تعرب‬ ‫قد يبدو‬ ‫المفارقة عن تناقض خارجي عندما‬ ‫تناقض معرفة أو فرضية سابقة‪،‬‬ ‫أو تناقض داخيل عندما تحتوي‬ ‫نفسها عىل شيء وعكسه‪..».‬‬ ‫ج ـ العنصر الثالث‪ :‬الخاتمة‪/‬‬ ‫النتيجة‪:‬‬ ‫نقرأ ألجل فهم السياق نموذجين‬ ‫قصصين من المجموعة‪:‬‬ ‫ـ النموذج ‪ :1‬قصة «هواجس»‬ ‫(ص‪)19 .‬‬ ‫« الحقته رصاصة هاربة تبحث عن‬ ‫مالذ آمن‪ ،‬امتطى صهوة حلم‬ ‫لكي ينجو منها‪ ،‬اخرتقت جمجمة‬ ‫الحصان‪ ،‬سقط عن سريره‪».‬‬ ‫ـ النموذج ‪ :2‬قصة « ميالد» (ص‪)23 .‬‬ ‫« قرأ يف صفحة المفقودين‪:‬‬ ‫(مواصفاته‪ :‬نحيل كهالل‪ ،‬أصفر‬ ‫كحبة قمح‪ ،‬أشعث الشعر‪ّ ،‬‬ ‫رث‬ ‫المالبس‪ ،‬يجوب الشوارع)‪ ،‬فرح‬ ‫كثريا عندما وجد نفسه‪..».‬‬ ‫نستنتج من هذين النموذجين‪،‬‬ ‫عىل سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬ما‬ ‫يشبه «القاعدة» يف جنس القصة‬ ‫القصرية جدا‪ :‬عنصر «المفاجأة» يف‬ ‫«نهايتها»‪:‬‬

‫ـ يف نهاية قصة « هواجس»‬ ‫نتفاجأ بأن البطل كان يحلم‪ ،‬و أنه‬ ‫اكتشف ذلك لما سقط من سريره‪..‬‬ ‫ـ و نهاية قصة « ميالد» يفاجئنا‬ ‫البطل أنه كان تائها عن نفسه‪،‬‬ ‫و تعرف عىل أوصافه من خالل «‬ ‫صفحة المفقودين»‪...‬‬ ‫هكذا تصبح خاتمة القصة‬ ‫ً‬ ‫جدا «وليدة فكرة ‪ /‬رسالة»‬ ‫القصرية‬ ‫قبلية عند القاص الحامل لهموم‬ ‫قضايا‪ ،‬و ليست تحصيل أحداث‪،‬‬ ‫يصوغها بفنية عالية معتمدا عن‬ ‫صور بالغية فائقة الدقة‪ ،‬و جد‬ ‫مشفرة‪ ...‬تعترب «خاتمة» القصة‬ ‫القصرية جدا عند أغلب النقاد إن‬ ‫لم نقل كلهم‪ ،‬العنصر األقوى‬ ‫واألهم‪ ،‬فهي ّ‬ ‫تعد نقلة سريعة‬ ‫من داخل النص المحفز إىل خارجه‬ ‫المدهش والمستفز‪.‬‬ ‫قمة اإلبداع هذه اليت «توظف‬ ‫بشكل موجز ومكثف باإليحاء‬ ‫واالنزياح والخرق والرتمزي والتلميح‬ ‫المقصدي المطمعم باألسلبة‬ ‫والتهجين والسخرية وتنويع‬ ‫األشكال السردية تجنيسا وتجريبا‬ ‫وتأصيال‪( ».‬كما عرب عن ذلك‬ ‫الباحث األكاديمي الدكتور جميل‬ ‫حمداوي يف غري هذا المقام)‬ ‫ً‬ ‫و كما ّ‬ ‫جدا‬ ‫أن للقصة القصرية‬ ‫بعد جمايل فين‪ ،‬بحكمه قبل كل‬ ‫شيء جنسا أدبيا‪ ،‬فهي بأحداثها‪،‬‬ ‫و مواضيعها‪ ،‬و نوعية أبطالها‪،‬‬ ‫و ظرفيتها الزمكانية (تاريخا و‬ ‫جغرافية)‪ ،‬و بمواقف كاتبها‪،‬‬ ‫تصوغ صورا و مواقف‪ ،‬عرب انزياحات‬ ‫المعجم و البالغة‪ ،‬للمعيش‬ ‫المرتبك و الحرج‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ الهيوىل كتخطيط مبديئ‬ ‫لموقف تجاه واقع‪:‬‬ ‫كتب القاص المبدع عبد اهلل‬ ‫الميايل يف «تصديره» لمجموعته‬ ‫هذه « رصاص القلم» (ص‪)11 :‬‬ ‫« الكلمة الهادفة اليت يسطرها‬ ‫قلم‪...‬‬ ‫كالطلقة حين تصيب هدفها‪...‬‬ ‫كلتاهما ترتك أثرا‪»...‬‬ ‫وكأن القاص عبداهلل الميايل‪ ،‬وهو‬ ‫الكاتب‪ ،‬والباحث‪ ،‬والدارس والناقد‪،‬‬ ‫يوفر علينا مجهود مقاربة عنوان‬ ‫ً‬ ‫ومفتاحا‬ ‫المجموعة كعتبة للنص‬ ‫له‪« ..‬الرصاص» بكل معانيه‬ ‫«سالح»‪ ،‬سواء كان مادة داخل قلم‬ ‫للكتابة‪ ،‬أو بداخل سالح ناري‪ ..‬فهو‬ ‫«الكلمة» اليت تشبه «الطلقة»‪،‬‬ ‫والهدف سيان‪ :‬أن «ترتك أثرا»‪...‬‬ ‫يف السياق نفسه كتب األستاذ‬ ‫الكاتب والباحث حميد الحريزي يف‬ ‫تقديمه للمجموعة‪:‬‬ ‫« تمزيت المجموعة يف أغلب‬ ‫قصصها بوفائها لعنوانها (رصاص‬ ‫القلم)؛ لكونها وجهت نريان‬ ‫النقد الحامية للسلطات الظالمة‬

‫والفاسدة وإىل ممارساتها‬ ‫القمعية‪ ،‬وبذخها غري المشروع‬ ‫عىل حساب جوع و قهر األغلبية‬ ‫من الجماهري اليت تعاين من‬ ‫الفاقة‪ ،‬وانعدام الحرية‪»...‬‬ ‫(ص‪ 8 .‬و ‪.)9‬‬ ‫وممارسة الكتابة القصصية عند‬ ‫المبدع عبداهلل الميايل هي فعل‬ ‫سخرية من الكتابة ذاتها‪ ،‬لما ّ‬ ‫تغيب‬ ‫الكتابة اإلبداعية األدبية واقعها‪،‬‬ ‫ال تتفاعل معه وال تفعل فيه‪،‬‬ ‫فتكتفي الكتب باالصطفاف يف‬ ‫ّ‬ ‫ولعل من أجمل القصص‬ ‫الرفوف‪..‬‬ ‫اليت تناولت هذا الموضوع‬ ‫ً‬ ‫سوادا‪ ،‬قصة‬ ‫بجمالية وسخرية أكرث‬ ‫«أخالق»‪ ،‬نقرأ‪:‬‬ ‫« ّ‬ ‫ملت حديثه عن األخالق‬ ‫والفضائل‪ ،‬أغضبها‪ ،‬صفعته‪،‬‬ ‫سامحها‪ ،‬أفلت منها‪ ،‬وقف مع‬ ‫زمالئه يف ّ‬ ‫رف المكتبة‪( ».‬ص‪.)15‬‬ ‫ً‬ ‫أفقيا‬ ‫ويف هذا المضمار‪ ،‬ونحن نقرأ‬ ‫ً‬ ‫وعموديا هذه المجموعة الجميلة‬ ‫والهادفة «رصاص قلم» للمبدع‬ ‫العراقي عبداهلل الميايل‪ ،‬نستحضر‬ ‫ما كتبه الدكتور جميل حمداوي‬ ‫يف سياق شبيه‪:‬‬ ‫« تهدف القصة القصرية جدا إىل‬ ‫إيصال رسائل مشفرة باالنتقادات‬ ‫الكاريكاتورية الساخرة الطافحة‬ ‫بالواقعية الدرامية المتأزمة‬ ‫إىل اإلنسان العريب ومجتمعه‬ ‫الذي يعج بالتناقضات والتفاوت‬ ‫االجتماعي‪ ،‬والذي يعاين أيضا‬ ‫من ويالت الحروب الدونكيشوتية‬ ‫واالنقسامات الطائفية والنكبات‬ ‫المتوالية والنكسات المتكررة‬ ‫بنفس مآسيها ونتائجها الخطرية‬ ‫والوخيمة اليت ترتك آثارها السلبية‬ ‫عىل اإلنسان العريب‪ ،‬فتجعله‬ ‫يتلذذ بالفشل والخيبة والهزيمة‬ ‫والفقر وتآكل الذات‪ ...‬كما ينتقد‬ ‫هذا الفن القصصي الجديد النظام‬ ‫العالمي الجديد وظاهرة العولمة‬ ‫اليت جعلت اإلنسان معطى بدون‬ ‫روح‪ ،‬وحولته إىل رقم من األرقام‪،‬‬ ‫وبضاعة مادية ال قيمة لها‪ ،‬وسلعة‬ ‫كاسدة ال أهمية لها‪ .‬وأصبح‬ ‫اإلنسان‪ -‬نتاج النظام الرأسمايل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حائرا بدون‬ ‫ضائعا‬ ‫«المعولم « ‪-‬‬ ‫فعل وال كرامة‪ ،‬وبدون مروءة‬ ‫وال أخالق‪ ،‬وبدون عز وال أنفة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫معلبا يف أفضية رقمية مقننة‬ ‫باإلنتاجية السريعة واالستهالك‬ ‫ً‬ ‫مستلبا‬ ‫المادي الفظيع‪ ،‬كما صار‬ ‫باآللية الغربية الطاغية عىل كل‬ ‫مجتمعات العالم «المعولمة»‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وانكسارا‪..».‬‬ ‫اغرتابا‬

‫‪35‬‬


‫باب دراسات‬

‫المدينة يف‬ ‫ السرد التونيس‬ ‫يصور السارد المدينة بالرتكیز علی بعض عناصرها وصورها‪ ،‬فهو ینتقی عناصر من المدینة لها دالالت معينة يف‬ ‫نسيج النص األديب‪ .‬فالمدينة جسم مادي محسوس يثري العواطف واألحاسيس واألفكار‪ ،‬يتحول إىل سفر يف‬ ‫الذاكرة نقيس من خالله تجارب الشخصيات مع الحياة‪ .‬يشيده السارد عرب التصوير األديب الذي یرتقی إىل درجة‬ ‫الجمالیة كقيمة فنية مؤثرة حين يلعب عىل الوصف المجازي‪ ،‬بأحاسيسه وخياالته‪.‬‬ ‫جبل جلود‪ :‬المدينة المهمشة‬ ‫المهشمة‪:‬‬ ‫مدينۃ جبل جلود كما صورها‬ ‫“توفيق علوي” من خالل قصة‬ ‫“روائح جبل جلود” ال معالم‬ ‫واضحۃ لها غیر معالم حي‬ ‫ينفذ عرب الزقاق إىل مدینة‬ ‫هشۃ وفقريۃ من خالل مبانيها‬ ‫البدايئۃ واألكواخ القصديريۃ‬ ‫والخيام‪ .‬مدينۃ يف مهب‬ ‫الريح‪ ،‬وكل عالماتها تدل عىل‬ ‫أنها آيلۃ للسقوط ومهددۃ‬ ‫باالندثار حتی الريح تكتسب قوۃ‬ ‫مضاعفۃ وتصبح ریح صرصر‪.‬‬ ‫هي مدينۃ ضحيۃ‪ .‬مدينۃ حزينۃ‬ ‫تعاين من قسوۃ الطبيعۃ‪.‬‬

‫الكاتبة‬ ‫هيام الفرشيشي‬

‫‪36‬‬

‫وجه لألحزمۃ الملفوظة اليت‬ ‫تحيط بالمدن الكبريۃ‪ .‬فهي‬ ‫تصور القاع المسحوق للمركز‬ ‫المهيمن‪..‬إذ تغيب فيها مالمح‬ ‫مدينۃ ببنايات صلبۃ ومعالم‬ ‫حديثة‪.‬‬

‫“جبل الجلود مدينة األحواش‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزنكية‪،‬‬ ‫الطينية واألكواخ‬ ‫ّ‬ ‫القماشية اليت إذا‬ ‫والخيم‬ ‫ّ‬ ‫هبت ريح صرصر طيرّ ت أمتعتها‬ ‫وحبالها وأوتادها ليحكي‬ ‫ّ‬ ‫سكان تونس العاصمة عن‬ ‫مصابها وألمها كما يحكون عن‬ ‫قرية ّ‬ ‫دمرتها الطبيعة يف جبال‬ ‫أدغال إفريقيا أو غابات األمازون‬ ‫رغم ّ‬ ‫أن جبل الجلود ال تبعد عن‬ ‫العاصمة سوى كيلومرتين”‪.‬‬ ‫نكاد نقول بأنها مدينۃ دون‬ ‫أسوار‪ .‬أحواشها تشبه ديكورات‬ ‫مدن سينمائية‪ .‬هي أحواش‬ ‫مفتوحۃ عن بعضها بحيطان‬ ‫رهيفۃ كأنها مقذوفۃ يف‬ ‫العراء‪ .‬مفتوحۃ علی العيون‬ ‫واآلذان القادرة علی التقاط‬ ‫أرهف األصوات فهي مدينة‬ ‫فضاٸحیة‪..‬ال تحاكي المدن‬ ‫القديمۃ إال من خالل أزقتها‬ ‫الضيقۃ مما يدل علی أنها‬ ‫محصنۃ عن اآلخرين‪ ،‬ويصعب‬

‫اقتحام دورها‪ .‬فهي متشابكۃ‬ ‫ملتبسۃ دون وجهۃ واضحۃ‪..‬‬ ‫مدينۃ مفتوحۃ دون أسرار‬ ‫والجميع يطل عىل الجميع من‬ ‫نوافذ مشرتكۃ‪ .‬كل فرد عار‬ ‫أمام اآلخر يف مرايا منعكسۃ‬ ‫علی بعضها‪.‬‬ ‫یذکر السارد إسم المدينة‬ ‫وموقعها فهي قریبة من‬ ‫العاصمة‪ .‬وهی ال تتنفس‬ ‫جیدا والتعرف الرواٸح الطیبة‬ ‫إال ىف رأس السنة الهجریة‪ .‬ثم‬ ‫یعرج علی طبیعة الشخصيات‬ ‫البسيطة يف هذه المدينة‬ ‫المتشبثة بالتفسريات الغیبة‬ ‫بحكم قربها من الويل الصالح‬ ‫“سيدي بالحسن الشاذيل”‬ ‫الذي ”أوصى العمة سعدية‬ ‫يف المنام لتغري عادة غلق‬ ‫النافذة يف السنة الهجرية“‪ .‬کما‬ ‫یفسر العمدة دخان المصانع‬ ‫بأنه يقتل الحشرات و یقوی‬ ‫الفحولة‪ ،‬ويجمل المدينة‬


‫باب دراسات‬

‫المحروسة‪ ،‬مما يدل عىل عالمة‬ ‫الفقر والبحث عن التفسريات‬ ‫الواهية والقبول بالواقع والبحث‬ ‫عن مربرات ساذجة يف مدينة‬ ‫تستنشق دخان المصانع كخراطيم‬ ‫قاتلة تتسلل إىل أنفاس العجاٸز‬ ‫والرضع والزهرات‪.‬‬ ‫مدینة ساعلة‪..‬تستمر شخصياتها‬ ‫يف العيش وقبول الواقع…‬ ‫مدينة تونس فضاء لمعاناة المرأة‬ ‫يف نص “ابنة الرئيس” لنورا عبيد‪:‬‬ ‫المدینة فضاء لمعاناة المرأة‬ ‫العاملة اليت تکافأ بالحرمان‬ ‫والهجر حتی وإن کانت ابنة الرٸیس‬ ‫أو سیدة مرموقة أو سیدة کادحة‪.‬‬ ‫فالمدینة فضاء للعمل والکدح‬ ‫تغمر مياه األمطار أسطحها‬ ‫وطرقاتها لتعطل الحرکة‪ .‬قضبانها‬ ‫الحدیدیة هي اليت تربط الناس‬ ‫بمقرات عملهم حیث صلصلة‬ ‫سکة الحدید تعکس ایقاع الحیاة‬ ‫الحدیدی اآللی‪ ،‬بینما یصبح للماء‬ ‫معان مزدوجة فهو الکفیل بنسج‬ ‫طقوس الحکایات التی تسیر علی‬ ‫خطین مزدوجین‪ .‬فالعاملة‬ ‫سعدیة ال تلتقی بمشغلتها وترتک‬ ‫لها النقود علی طاولة خشبیة‬ ‫فی غرفة خلفیةٖ‪..‬‬ ‫وبين محطة برشلونة وشارع‬ ‫فرحات حشاد واليت جی آم‬ ‫والبحیرة الفاخرة وکراکة حلق‬ ‫الوادي يف القطار وتحدیدا يف‬ ‫العربة الثالثة ويف رکن قصي‬ ‫تتبدل أوجه المدینة بین وجه باذخ‬ ‫ووجه آخر عادی یومی کادح‪.‬‬ ‫وجه للعمل ومواجهة صعاب‬ ‫الحیاة المناخیة واالقتصادیة‬ ‫واالجتماعیة والنفسیة‪ ،‬ووجه‬ ‫آخر للرفض واالحتجاج‪ :‬فالناس‬ ‫یرفضون کل شيء‪ ،‬والوجوه تکاد‬ ‫تکون وجها واحدا‪ ،‬إال أن قانون‬ ‫الحیاة اآليل یجمع کل الطبقات‪.‬‬ ‫فهو ایقاع المدینة الذی لم تسلم‬ ‫من قسوته ابنة الرٸیس‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫“انکسرالنظر فاستقر بكراكة حلق‬ ‫الوادي‪ ،‬عندها انتبهت إىل صلصلة‬ ‫التقاء الحديد بالحديد المتباطئة”‪.‬‬ ‫صلصلة القطار صوت سيكولوجي‬ ‫لنساء یعانین الهجر‪ ،‬محطات‬ ‫یومیة منذ ثالثین عام أي یتکرر‬ ‫الحدث رغم تعاقب ثالثة أجیال‬ ‫تقریبا‪ .‬یجمع بین ثالث فرتات هی‬ ‫عالمات شواهد علی تداعیات‬ ‫مراحل زمنیة بکل انهیاراتها‬ ‫وتصدعاتها فی مدینة تقطع‬ ‫مسافتها عرب السکک الحدیدیة اليت‬

‫تتبادل األدوار والوجهات…‬ ‫والمحطات هي العالمات‬ ‫األساسية اليت تتفرع عنها حکایات‬ ‫اآلخرین‪ ،‬والمحطات أهم من‬ ‫البیوت والمنازل يف النص‪ .‬دفء‬ ‫البیت آين ألن الشخصیات مضطرة‬ ‫للعمل ومواجهة طریق الواقع‬ ‫والحیاة والزمن‪.‬‬ ‫للطریق ایقاع الصلصلة‪ .‬وهو مبقع‬ ‫بماء المطر‪ .‬والمحطات أمکنة‬ ‫لألحداث يف عالقة بین والراهن‪،‬‬ ‫أين یتمیز االیقاع بالتکرار فی ظل‬ ‫واقع یتنکر فیه الرجل للمرأة‪ .‬تشبه‬ ‫المدینة أنثی حدیدیة‪ .‬فما یبقی‬ ‫عالقا يف الذهن هو برود الراویة‬ ‫فی تقبلها لحکایات الشخصیات‪.‬‬ ‫وتشیر العالمات المکانیة إلی‬ ‫صورتین للطریق الذي تقطع‬ ‫محطاته یومیا‪ ،‬صورة للنضال‬ ‫عرب العمل وأخرى عرب االحتجاج‬ ‫ورفض کل شیء وتعطیل‬ ‫حرکة الطریق‪ .‬فلیست الطبیعة‬ ‫وحدها‪ ،‬وال البنیة التحتیة وحدها‬ ‫مسٶولة عن تعطیل دورة العمل‬ ‫فی المدینة‪ ،‬بل الناس‪“ :‬عمال‬ ‫شرکة النقل مضربون‪ ،‬التاکسیات‬ ‫مفقودة‪ ،‬الطریق ماٸي”‬ ‫یحتفل الماء بالماء…البحیرة…‬ ‫حلق الوادي… دواٸر الماء توسعت‬ ‫عىل المالبس‪ ..‬الماء یغور ویحول‬ ‫الناس واألشياء زبدا‪ ،‬کذلک هو حال‬ ‫الناس فی مدینة تتنكر للعواطف‪،‬‬ ‫لكن معيار الجمال يف كل صورة‬ ‫هو المفردات اللغوية وربطها‬ ‫باألحاسيس وااليحاء الممزي عرب‬ ‫لوحة متكاملة‪.‬‬ ‫البعد الفين يف تصوير المدينة‬ ‫العتيقة بسوسة يف قصة “لم أنته‬ ‫بعد” ألحمد بن إبراهيم‪:‬‬ ‫أدخلنا السارد إىل ساحة المدينة‬ ‫العتيقة لسوسة مساء يف مناخ‬ ‫جمايل تستيقظ فيه الحواس‬ ‫المنتشية بالموسيقى وطعم‬ ‫الرذاذ يف طقس روحي فين‬ ‫مطهر يغسل األدران‪.‬تنبعث‬ ‫الموسيقى من الحوانيت وأصوات‬ ‫الباعۃ‪ ،‬ترفرف الرتانيم يف الحوانيت‬ ‫تشبه علب مخزنة باأللحان‪ ،‬وكأنها‬ ‫تمارس عزف المساء الشبيه برتانيم‬ ‫الطري عند توديع النهار‪.‬‬ ‫فهو فضاء لتهجي نشوة الروح‬ ‫والتخفيف من اإلرهاق الجسدي‪.‬‬ ‫يتضاعف طرب الروح باستنشاق‬ ‫روائح الحناء والحرقوس والعنرب‬ ‫والبخور واللوبان يف ساحة‬ ‫الرحبۃ ذات البالط الحجري‬

‫وحوانيت المنتوجات الصويفۃ‬ ‫التقليديۃ لتضحى المدينة فضاء‬ ‫رحبا لالنغماس يف مناخات الذات‬ ‫المبتهجة وكأنها جذع شجرة‬ ‫تتفرع إىل أغصان وهي تتفرع‬ ‫إىل خمسۃ أنهج ضيقۃ تحتلها‬ ‫الظالل بأبواب خشيبۃ صلبۃ‬ ‫وخياالت قليلۃ الحركۃ كأنها‬ ‫منبثقۃ من الحيطان الخشيبۃ‬ ‫المرممۃ‪ ..‬األنهج الضيقۃ المسقفۃ‬ ‫بقبو…والمقهی القديم بمعماره‬ ‫العريق‪ ..‬النشوة روحية يف مدينۃ‬ ‫محافظۃ تخفي فيه المرأة الرأس‬ ‫والجسد بالسفساري‪.‬‬ ‫صور السارد فضاء المدينۃ بحس‬ ‫خيايل وعرب إدراك حيس جمايل‬ ‫وكأنه يحرره من التصاقه بأرضيۃ‬ ‫الواقع وحجارته الشاهدۃ عىل عدم‬ ‫اندثار الماضي ببث الظالل والروح‬ ‫الهائمۃ لمرأۃ طلقت من أجل التفرغ‬ ‫للمسرح …فيضعنا أمام فضاء‬ ‫أشبه بديكور مسرحيۃ أو مشهد‬ ‫سينمايئ‪.‬‬ ‫وتتبلور شعريۃ الفضاء من شعريۃ‬ ‫اللغۃ عرب انتقاء مفردات شعريۃ‬ ‫موحيۃ‪ .‬فالفضاء يعكس ما‬ ‫تعيشه المرأۃ من اعتناق الجمال‬ ‫والتطهر من قيود الواقع والطالق‬ ‫من زوج محافظ لرتى نفسها‬ ‫كغصن يف شجرۃ الفن والجمال‪.‬‬ ‫بل تبدو مرتبطة بالالوعي الخالق‬ ‫يف حاالت وجودية صوفية تتجىل‬ ‫فيها اللغة‪ ،‬حىت المفردات فهي‬ ‫تنسجم مع تلك الحالة وهي‬ ‫تنحت ألوانها وأشكالها وتغوص‬ ‫يف حالۃ من النشوۃ لها خدر رذاذ‬ ‫طفيف…‬ ‫تصميم المكان ورائحته وأشكاله‬ ‫ينفذ بنا إىل حاالت المرأۃ يف‬ ‫اصطدامها بقانون السوق مقابل‬ ‫قانون الفن يف البحث عن المعىن‬ ‫يف نص لم يجسد أمام شروط‬ ‫المنتجين الباحثين عن اللذۃ‬ ‫الجسدية‪ ..‬فتنتقل من التعبري عن‬ ‫األعماق األكرث دهشة وسحرا إىل‬ ‫نشوة الخمر المزيفة اليت جعلتها‬ ‫تنهار يف مدينة تقاوم االستالب‪.‬‬ ‫عىل سبيل الخاتمة‬ ‫من خالل هذه النماذج القصصية‬ ‫التونسية انكشف الحزي الهندسي‬ ‫للمدن من خالل تصاميم العمارة‬ ‫بيوتها وأسواقها وساحاتها‬ ‫وطرقها ومحطاتها وأزقتها‪.‬‬

‫تفتقد إلی سقف آمن وجدران‬ ‫صلبة يف قصة “جبل جلود”‪ .‬وهي‬ ‫نفسية يف قصة “ابنة الرئيس”‪.‬‬ ‫کما تشیر إىل البعد الروحي يف‬ ‫قصة “لم أنته بعد”‪.‬‬ ‫هذا المكون الهندسي هو‬ ‫الحاضن لبيئة انسانیة وطبيعة‬ ‫تشابک العالقات‪ .‬ومن خالل‬ ‫المسالک واألنهج والمحطات‬ ‫نستشف أن المدينة موضع‬ ‫استقرار وتنقل وسفر‪ ،‬سواء کانت‬ ‫مدینة حدیثة التکوین‪ ،‬أم صناعیة‪،‬‬ ‫أم عريقة ولها بعد حضاري‪.‬‬

‫ولعبت تصامیم العمارة دورا‬ ‫للکشف عما یمکن فحصه من‬ ‫وجهات نظر مختلفة فهي هشة‬

‫‪37‬‬


‫باب دراسات‬

‫القصة القصرية‬ ‫تشريح البنية والشكل‬

‫الكاتب‬ ‫سيد عفيفي‬

‫‪38‬‬

‫كأح � � ��د أه � � ��م فن � � ��ون وأجن � � ��اس الس � � ��رد يف األدب العريب‬ ‫ت �ب ��رز القص � � ��ة القص �ي ��رة يف ص � � ��دارة األنم � � ��اط الحكائي � � ��ة‬ ‫لألدب‪ ،‬وتق � � ��دم للقارئ حال � � ��ة متكاملة وموقف � � ��ا تفصيليا‬ ‫لحدث من أحداث الحياة‪ ،‬متضمنا المتعة القرائية والفائدة‬ ‫الفكري � � ��ة يف آن‪ ،‬وألنه � � ��ا تنبثق من عمق العم � � ��ق المجتمعي‬ ‫فهي تس � � ��وق مش � � ��اهد تجريبية قد يك � � ��ون القارئ قد عايش � � ��ها‬ ‫معايش � � ��ة المج � � ��رب‪ ،‬وانفع � � ��ل بنف � � ��س ظروفه � � ��ا‪ ،‬وم � � ��ن ث � � ��م فه � � ��ي‬ ‫تتعالق بش � � ��كل كامل مع وجدان وفكر القارئ‪ ،‬حىت التيمات اليت‬ ‫تعرب عن الفانتازيا والس � � ��خرية من الواقع أو الميتافزييقا واألسطورة‬ ‫تك � � ��ون نابع � � ��ة م � � ��ن صمي � � ��م الفلكل � � ��ور الش � � ��عيب يف بيئ � � ��ة الكات � � ��ب‪ ،‬وإذا‬ ‫كانت القصة القص �ي ��رة بكل هذه األهمية والقيمة فإنها تعد من أفضل‬ ‫مس � � ��احات التعب �ي ��ر وحس � � ��ن البي � � ��ان وطالق � � ��ة األداء اللغ � � ��وي‪ ،‬مثله � � ��ا مث � � ��ل‬ ‫كاف � � ��ة االنتاج � � ��ات األدبية تحتوى ع �ل ��ى البالغة واالنزياح والرم � � ��ز والمجاز‪...‬‬


‫باب دراسات‬

‫مكونات القصة القصرية‬ ‫إذا كنا نعاين اآلن من عزوف القراء عن‬ ‫األجناس األدبية الطويلة المسرتسلة‪ ..‬فيجب‬ ‫علينا أوال أن نقدم للقارئ والكاتب تقنيات‬ ‫تضمن للكاتب السهولة يف صياغة النص‬ ‫اإلبداعي‪ ،‬وتضمن للقارئ الخروج من القراءة‬ ‫بنتائجها المرجوة من حيث المتعة واإلثراء‬ ‫واإلفادة‪ ،‬وهذه بعض المكونات األساسية لفن‬ ‫القص القصري؛‬ ‫أوال‪ :‬الهيكل اإلنساين‬ ‫قصدت بهذه التسمية كل عناصر الشخوص‬ ‫البشرية يف النص (‪ ،)characters‬وهي تشبه‬ ‫المثلث الهندسي‪ ،‬يف قمته نجد شخصية‬ ‫البطل األساسي للسرد‪ ،‬ثم تتشعب األحداث‬ ‫ومعها تتشعب الشخوص إىل أبطال ثانوية‬ ‫تكمل نسيج القصيجة‪ ،‬ومن خالل التفاعل‬ ‫واالحتكاك بين شخصية البطل األول‬

‫اليت تدور فيها األحداث‪ ،‬وهذا ما يطلق عليه‬ ‫النقاد بيئة القص‪ ،‬بداية يقدم الكاتب تحديدا‬ ‫لحقبة زمنية تدور فيها مجريات القص‪ ،‬لتكون‬ ‫الفرتة الزمنية محور انطالق الحدث بما يحقق‬ ‫انسجاما وتجانسا مابين الزمن من ناحية‬ ‫والحدث من ناحية أخرى‪ ،‬فضال عن ذلك تبدو‬ ‫الخلفية المكانية لدوران األحداث يف قمة‬ ‫األهمية‪ ،‬فال حدث بدون زمان وال مكان‪.‬‬ ‫رابعا؛ الحوارية‬ ‫هذه الجزئية تعرب عن الحراك والتفاعل بين‬ ‫الشخوص بما يضمن تقديم القصة يف شكل‬ ‫حوار متبادل‪ ،‬والحوار فيه متسع لجميع‬ ‫الشخوص‪ ،‬وهذا الحوار ربما يكون يف بعض‬ ‫أجزائه مونولوجا يستبطن فيه الكاتب شخص‬ ‫البطل أو أحدى شخصياته الثانوية‪ ،‬وقد يكون‬ ‫الحوار يف شكل ديالوج أي حديث متبادل بين‬ ‫شخصيتين‪ ،‬وربما تعدى ذلك ليكون حوارا‬ ‫جامعا للكثري من الشخوص‪.‬‬ ‫خامسا؛ العقدة والحل‬ ‫بأسلوب دراماتيكي يقدم الكاتب التيمة يف‬ ‫شكل صراع يمثل العقدة‪ ،‬ويستند إىل عنصر‬ ‫الحوار والتفاعل المتبادل بشكل منطقي بين‬ ‫الشخوص حىت يصل يف نهاية العرض إىل‬ ‫حل مقنع لهذه العقدة‪ ،‬وهذا هو الشكل‬ ‫الكالسيكي للقصة القصرية‪ ،‬أضيف عليه أن‬

‫القفلة تكون أكرث وقعا وإيقاعا عىل القارئ إذا‬ ‫اشتملت عىل مفارقة‪ ،‬والمفارقة هي منقلب‬ ‫حاد عن مسار السرد إىل ما لم يكن متوقعا‪.‬‬ ‫سادسا؛ الشكل البنيوي‬ ‫الشكل المعتاد والمقبول للقصة القصرية هو‬ ‫الفقرات المنفصلة المتصلة‪ ،‬منفصلة شكال‬ ‫متصلة معىن وتصاعدا‪ ،‬كل فقرة تقدم مرحلة‬ ‫من مراحلها‪ ،‬مرحلة التأسيس والمقدمة‪،‬‬ ‫مراحل الوسط بما فيها من توصيف الخلفيات‬ ‫الزمكانية وتوصيف الشخوص‪ ،‬وبين ذلك يكون‬ ‫الحوار يف شكل مستقل تخدمنا فيه عالمات‬ ‫الرتقيم المناسبة‪ ،‬وأخريا تأيت فقرة أو فقرات‬ ‫الخاتمة‪.‬‬ ‫خاتمة‬ ‫هذه الهيكلة المبسطة للقصة القصرية‬ ‫ليست إال خطوطا اعتبارية عريضة تقوم‬ ‫عليها القصيجة (كتابة القصة القصرية) غري‬ ‫أنها ليست إلزامية وكل ماعداها يكون خطأ‬ ‫أو قصورا‪ ،‬فقد ينقص أحد أو بعض من هذه‬ ‫العناصر كالشخصيات الثانوية‪ ،‬أو الحوار‪،‬‬ ‫وبالرغم من ذلك تخرج القصة متكاملة جميلة‬ ‫وتؤدي األهداف المرجوة‪ ،‬كل ذلك يعتمد عىل‬ ‫مدى خربة القاص وتمرسه يف صياغة فن‬ ‫القصة القصرية‪.‬‬

‫القصة القصرية‬ ‫والشخوص الثانوية يقدم الكاتب هيكال‬ ‫منطقيا يشرح التداخالت الحراكية بين الجميع‪،‬‬ ‫وهنا يجب أن ننبه عىل ركزية أساسية يف سرد‬ ‫القصة؛ إن الشخصيات كلها عىل جانب كبري‬ ‫من األهمية‪ ،‬حىت أقلها ظهورا يف النص‪ ،‬فقد‬ ‫تكون الشخصية ذات دور محوري برغم أنها لم‬ ‫تظهر يف السرد إال مرة واحدة ويف حدث واحد‬ ‫محدود‪.‬‬ ‫ثانيا؛ إحداثيات السرد‬ ‫وأقصد بها كل ما يخص مراحل السرد من‬ ‫أحداث‪ ،‬بداية من مقدمة التمهيد اليت يضع‬ ‫فيها الكاتب توصيفا لشخصية البطل األول‬ ‫أو الشخوص المتفرعة‪ ،‬ثم التيمة األساسية أو‬ ‫حبكة النص (‪ ،)plot‬ثم الصراع المتصاعد يف‬ ‫األحداث وصوال إىل القفلة اليت تقدم خاتمة‬ ‫مفارقة‪ ،‬ويتوجب عىل الكاتب أن ينسج األحداث‬ ‫بشكل متسق ومرتابط‪ ،‬وإال فالتفكك كفيل‬ ‫بتحويل النص إىل قراءة مملة ال متعة فيها‪.‬‬ ‫ثالثا؛ خلفيات المشهد‬ ‫وهذه تعين أن القصة القصرية تشبه اللوحة‬ ‫الفنية‪ ،‬تستند إىل تأسيس الخلفية الزمكانية‬

‫‪39‬‬


‫باب دراسات‬

‫الفرق بين (الخاطرة)‬ ‫والقصة القصرية ً‬ ‫جدا‬

‫ال‬

‫خا‬

‫لق‬ ‫ةا‬

‫وا‬ ‫أحمد طنطاوي‬

‫‪40‬‬

‫رية‬ ‫ص‬

‫لق‬ ‫ص‬ ‫الكاتب‬

‫ج ًدا‬

‫طرة‬

‫الخاطرة فكرة أساسها المشاعر ‪ ...‬انفعالية هى‬ ‫متدفقة ‪,‬‬ ‫و هى ما يخطر عىل بال اإلنسان فيعرب عنه ‪..‬‬ ‫ووصف متدفقة أساسه أن الكتابة تسري كيفما‬ ‫يتدفق‬ ‫ً‬ ‫غالبا شعور واحد ذو استقامة‬ ‫الشعور ‪ ,‬و هو‬ ‫خطية تخلو من االلتفافات و تعقيدات التشابك ‪,‬‬ ‫و هى أسهل أنواع الكتابة‬ ‫سرت ً‬ ‫يوما مثقل الخطى و سط طريق ممطر‬ ‫الغمام يمثل حرية نفىس ‪..‬‬ ‫هل سألقاها ً‬ ‫يوما ما ‪ ..‬لم أكن أتخيل أن للفراق‬ ‫هذه المجاهل الموحشة‬ ‫ً‬ ‫تاركا يدى تنساب دونما‬ ‫هذه الخاطرة كتبتها اآلن فورا ‪..‬‬ ‫تخطيط ‪ ,‬ألنها تستدعى من المحزون ما يمكن أن ُيعبرَّ عنه‬ ‫الخاطرة ً‬ ‫إذا‬ ‫انفعال ‪ +‬بالغة و قدرة تعبريية‬ ‫ً‬ ‫تصويرا لمشاعر نفسية بحتة أو تصورات‬ ‫و قد تكون الخاطرة‬ ‫ً‬ ‫تصويرا لحادثة و أثرها‬ ‫فلسفية أو شعرية السمة ‪ ,‬و قد تكون‬ ‫الوجداىن عىل الكاتب ‪ ,‬لكنها ال تتناول الحدث المحكى كحكاية‬ ‫بمعناها التقىن بل يكون الحدث فيها مجرد‬ ‫وسيلة إلظهار المشاعر ‪ ,‬و هو الهدف األساسى‬ ‫من الخاطرة‬ ‫‪...‬‬ ‫ىف القصة المشاعر‬ ‫تكتىس باالحتدام الحكاىئ ‪ ,‬و بانتظامها ىف عقد ملزتم‬ ‫بالشرائط بعكس الخاطرة الىت ُتسرد فيها المشاعر لذاتها ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ذكرت‬ ‫الحدث ىف الخاطرة حدث جاف بارد ‪ ..‬ال ُيحكى لذاته كما‬ ‫بل يستخدم كـ ـ [ تكأة ] لبيان مشاعر مصاحبة أو ناتجة‬ ‫شرائط القصة القصرية ً‬ ‫جدا توضح الفروق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جامحا _ فوظيفته الجذب‬ ‫نسيميا كان أم‬ ‫االفتتاح [ العاصف] ‪..‬‬ ‫المبدأى_‬ ‫( عىل اختالف ىف ضرورته )‬ ‫القفلة الداهشة‬ ‫التأزم و التوتر‬ ‫القصصية‬ ‫مرة ثاتية‬ ‫بريق االفتتاح و دهشة القفلة ‪ ,‬و شاعرية األسلوب و تدفق‬ ‫السرد ‪ ,‬و براح الفضاءات و التشظى ‪ ,‬و الحث عىل التخييل‬ ‫و التأويل‬ ‫فاألركان معروفة‪:‬‬ ‫القصصية و التكثيف و المفارقة و اإلدهاش‬ ‫الفاعلية و الحركية‬ ‫الخاطرة‬ ‫ً‬ ‫غالبا‬ ‫هى سرد المشاعر و المونولوج الداخىل و دون قص‬ ‫أو أن القص هامىش المنحى ‪..‬‬ ‫الخاطرة ذات مستوى واحد فقط َ‬ ‫أيض ًا‪ ,‬ويمكننا وصفها أنها أفقية‬ ‫االتجاه‪.‬‬


‫باب قاص العدد‬

‫القاصة السورية‬ ‫د‪.‬رفاء صائب‪.‬‬ ‫رفاء صائب من سوريا دير الزور طبيبة أسنان‬ ‫لعائلة أدبية وعلمية يف آن واحد‪ ،‬جدها عيل‬ ‫تنتمي‬ ‫ٍ‬ ‫صائب له معاجم لغوية وكان يتقن خمس لغات وكان‬ ‫قائم مقام‪ ،‬والدها المحايم ضياء صائب له مؤلفات‬ ‫عديدة يف القانون‪ ،‬عمها سعد صائب األديب المعروف‬ ‫له مؤلفات أدبية وترجمات من لغات عديدة‪ ،‬أخوها‬ ‫األكرب وضاح صائب المهندس له عدة كتب ومؤلفات‬ ‫اجتماعية وسياسية ودينية‪ ،‬اخوها تميم صائب الشاعر‬ ‫المعروف وله دواوين شعرية عديدة وكان صاحب دار‬ ‫نشر ‪..‬‬ ‫قرأت منذ نعومة أظفارها العديد من الكتب والروايات‬ ‫العالمية فقد كان األدب هوايتها وشغفها للقراءة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الكرتونيا بعنوان( إضاءات من‬ ‫كتابا‬ ‫والعلم‪ ،‬طبعت‬ ‫ً‬ ‫ذاكرة زمن) ‪ ،‬تكتب الخاطرة والقصة القصرية جدا مع‬ ‫بعض المحاوالت الشعرية المتواضعة‪.‬‬ ‫صواع ُ‬ ‫الملك‬

‫ٌ‬ ‫وجه أيب ‪ُّ ..‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫االبتسام‬ ‫دائم‬ ‫عابسة‪ ،‬وهو الذي كان‬ ‫الوجوه‬ ‫كل‬ ‫بحثت عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بشموخ ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫مرآة‬ ‫أطفال‪ ،‬ويف‬ ‫الزمن‬ ‫وجه أيم اليت حفرها‬ ‫أخاديد‬ ‫بين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رأيت تسعة َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫الحاملتين َ‬ ‫َ‬ ‫عشر كوكبا !‬ ‫أحد‬ ‫ويديه‬ ‫ابتسامة أيب‪،‬‬ ‫عينيها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ضياع‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الرحال كيال يغتصبه‬ ‫العتيق تحت قدميها يشد‬ ‫والشارع‬ ‫الوقت‪،‬‬ ‫تثاءب‬ ‫ُ‬ ‫الظالم ‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫نصف يبحث عن َ‬ ‫واآلخر تسحبه‬ ‫آخر الدرب‪،‬‬ ‫مقطوعة نصفين‪،‬‬ ‫خطوتها‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ترتجف الحرية ‪..‬‬ ‫الجاهلية‪ ،‬وما بين األمام والخلف‬ ‫أعراف‬ ‫خلفا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ختم الحكاية !‬ ‫الذئاب‬ ‫عواء‬ ‫ِ‬

‫رثاء‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يسمع ُ‬ ‫تحرك َ‬ ‫اليأس ‪..‬‬ ‫أنين‬ ‫قلبها‬ ‫آخر الجمرات‪،‬‬ ‫بعصاها‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫فحيح األفاعي ‪..‬‬ ‫للريح‬ ‫ِ‬ ‫الخيمة َ‬ ‫الح لها ُ‬ ‫قرب وطن !‬ ‫ثقوب‬ ‫غطتهم بأسمال ِ الرجاء‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫زلزلة‬

‫ً‬ ‫ُ‬ ‫طبيبا ‪..‬‬ ‫أحتاج‬ ‫_ أيها الحارس‪ ،‬أرجوك ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫التعذيب لم يتجاوز القضبان)‬ ‫المرتعش من‬ ‫صوته‬ ‫(‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫متفاخرا‪:‬‬ ‫زميله‬ ‫أمام‬ ‫اللعب‬ ‫أوراق‬ ‫فرد‬ ‫ه‪،‬‬ ‫جلست‬ ‫السجان‬ ‫عد َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫اليوم عىل حسابك ‪..‬‬ ‫ربحت ‪ ..‬عشايئ‬ ‫_‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫معصوب‬ ‫العدالة لم يعد‬ ‫تمثال‬ ‫متكسرة عىل األرض(‬ ‫حجرية‬ ‫صابة‬ ‫ثم َة ُع‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫العينين) !‬

‫غوريلال‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫أكرث من المعتاد ‪..‬‬ ‫الجاذبية تشدين‬ ‫كأن‬ ‫_ انهضي أيتها الكسول ‪.‬‬

‫َ‬ ‫واستدارت ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بحاجبين معقودين) ‪..‬‬ ‫استدارة‬ ‫نصف‬ ‫إيل‬ ‫بغضب‬ ‫الستائر‬ ‫(فتح ِت‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وصويت الممتعض‪:‬‬ ‫المجاور سمعت قهقهيت‬ ‫الزائرة يف القرب‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫_ ً‬ ‫َ‬ ‫أنسيت أن‬ ‫زوجة أيب‪،‬‬ ‫السرير‬ ‫قصر األمري؟ انظري تحت‬ ‫روحي يف‬ ‫تبا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قطعتها !‬ ‫اليت‬ ‫وقديم‬ ‫حذايئ‪،‬‬ ‫فردة‬ ‫تجدين‬ ‫ٍ‬

‫ُ‬ ‫همهمات روح‬

‫ً‬ ‫ُ‬ ‫أحاول أن َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫العالم بعدي‪ ،‬هل‬ ‫فتحة ارى من خاللها‬ ‫أجد‬ ‫أتقلب يف قربي‪،‬‬ ‫َ‬ ‫نقصت األرض؟ هل توقف الزمن؟‬ ‫َ‬ ‫أصوات بكاء !‬ ‫ال أسمع حىت‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫هدأت‬ ‫حية يف رواييت اليت تركتها عىل طاوليت ‪..‬‬ ‫لست ميتة‪ ،‬أنا‬ ‫_ ال‬ ‫ُ‬ ‫لموت عميق‪..‬‬ ‫وأسلمت نفيس‬ ‫ٍ‬ ‫( يف الخارج كانت أوراقي ُت ُ‬ ‫بأقدام المارة)‬ ‫داس‬ ‫ِ‬ ‫_ ً‬ ‫ُ‬ ‫تركت نافذيت مفتوحة !‬ ‫تبا‪،‬‬

‫ضالل‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫جسد مقلوب الوجه ‪ ..‬يف‬ ‫فارغ‪ ،‬وعىل سطح الماء يطفو‬ ‫المتحرك‬ ‫المقعد‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫القدمين وألبسها خفي‬ ‫منها‬ ‫سرق‬ ‫لمن‬ ‫عتاب‬ ‫رسالة‬ ‫كئيبة‬ ‫مشفى‬ ‫غرفة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫حنين ‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫بحذاء من‬ ‫اإلبن يرقص‬ ‫راقصة‪،‬‬ ‫حفلة‬ ‫تدور‬ ‫المدينة‬ ‫يف الطرف اآلخر من‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ذهب !!‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫وقطة ضامرة البطن‪.‬‬ ‫يذرف الدموع‪،‬‬ ‫الناي‬

‫حصرم‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫جسده كأفعى سامة ‪..‬‬ ‫تلدغ‬ ‫الربودة‬ ‫كفوهة مزمار‪،‬‬ ‫الفقري‬ ‫الكوخ‬ ‫سقف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الكره واغتاال السقاية مدبريْ ن !‬ ‫زوجان رغم‬ ‫بذرة كان‪ ،‬زرعها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫حسدها ‪ ..‬لم‬ ‫ذليل‬ ‫بعجز‬ ‫الموت‬ ‫يزفر‬ ‫وهو‬ ‫‪..‬‬ ‫الريح‬ ‫أطفأتها‬ ‫الذابلة‬ ‫الشمعة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ميالده !‬ ‫عيد‬ ‫يوما‬ ‫ُيطفئ‬ ‫ِ‬ ‫شمعة يف ِ‬

‫أعراف‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫شرنقة‬ ‫تأملت‬ ‫دامعتين‬ ‫بعينين‬ ‫بقوة‪،‬‬ ‫أناملها‬ ‫عسريا‪ ،‬عضت‬ ‫المخاض‬ ‫كان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫طفلة بال جناحين _ هكذا قالوا لها _‬ ‫وضعت‬ ‫الفراشة ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ض بإصرار ّ‬ ‫تتمخ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تراب‬ ‫األجنحة قبل أن يهيلوا‬ ‫والدة‬ ‫كمل‬ ‫علها ُت‬ ‫مازالت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الوأد ‪..‬‬

‫سيمفونية‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫المجاور‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فنجان‬ ‫النادل العجوز‬ ‫رفع‬ ‫المقعد‬ ‫يحتل‬ ‫غياب َك‬ ‫انتظارك‪،‬‬ ‫طال‬ ‫_‬ ‫َ‬ ‫قهوتك الباردة وأطفأ األنوار !‬ ‫_ سيديت ‪ ..‬سنغلق ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عاما‬ ‫لعشرين‬ ‫يالك من عنيدة‪،‬‬ ‫تمتم‪_ :‬‬ ‫مفتاح المقهى يف جيبه‬ ‫حين وضع‬ ‫ِ‬ ‫الداخل تنتظر !‬ ‫وما زالت روحك يف‬ ‫ِ‬ ‫ملو ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وغادر ّ‬ ‫حا ‪.‬‬ ‫المهرتئة‬ ‫ورقة نعو›يت‬ ‫طبطب عىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ظلمات‬

‫ً‬ ‫مبتسما بأمان ‪..‬‬ ‫يستلقي‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫يركله‬ ‫أفضل مما لدي( قال رفيقه وهو‬ ‫ممزي‪ ،‬فأنت التمتلك‬ ‫التظن بأنك‬ ‫_‬ ‫بقوة) !‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫والعينان‬ ‫الركالت‪،‬‬ ‫تظاهر بالنوم ‪ ..‬تتالت‬ ‫خوف ثم‬ ‫بنظرة‬ ‫اآلخر‬ ‫حدجه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫حوله‬ ‫بالدوران‬ ‫الغريم‪ ،‬بدأ‬ ‫حفيظة‬ ‫الالمباالة‬ ‫‪..‬أثارت‬ ‫ر‬ ‫التظاه‬ ‫أتعبهما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫خنقه ‪..‬‬ ‫مع ُن يف‬ ‫ِ‬ ‫والحبل ُي ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫عل َ‬ ‫َ‬ ‫أبصر‬ ‫بوالدة متعسرة ‪ ..‬وحده قابيل‬ ‫األم‬ ‫موت‬ ‫عن‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫الليل‬ ‫عتمة‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النور!‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫باب لقاء العدد‬

‫لقاء مع القاص‬ ‫األستاذ عباس عجاج‬

‫القاص‬ ‫عباس حجاج‬

‫‪42‬‬

‫نبذة‪:‬‬ ‫رئيس منظمة إدراك للتنمية البشرية‬ ‫ رئيس تحرير وكالة خرب اإلعالمية‬‫ عضو نقابة الصحفيين العراقيين‬‫ عضو اتحاد أدباء وكتاب العراق‬‫ عضو الرابطة العربية لآلداب و الثقافة‬‫ مندوب الرابطة العربية للقصة القصرية جدا يف العراق‬‫ مستشار ثقايف للمكتب المركزي للرابطة العربية للقصة ق ج‬‫ عضو الهيئة العربية لنقاد القصة القصرية جدا‬‫ مؤسس مشروع إدراك لتنمية مهارات الكتابة اإلبداعية ‪2019‬‬‫ منظم أول ملتقى عراقي للقصة القصرية جدا ‪2018‬‬‫ مؤسس و منظم مسابقة وكالة خرب‪ ,‬السنوية‪ ،‬الدولية‪ ،‬للقصة‬‫القصرية جدا‬ ‫= ّ‬ ‫أعد و أشرف عىل طباعة كتاب « ‪2020 « Sumerian shades‬وهو‬ ‫مجموعة قصصية مشرتكة مرتجمة لإلنجلزيية‪.‬‬ ‫= ّ‬ ‫أعد و أشرف عىل طباعة كتاب « ترانيم الحرف» بنسخه الثالث وهو‬ ‫كتاب يضم القصص الفائزة بمسابقة وكالة خرب االعالمية‪.‬‬ ‫صدر للمؤلف‪:‬‬ ‫= مقاربات نقدية يف اشكاليات القصة القصرية جدا‪ -‬دار ديوان العرب –‬ ‫القاهرة‪2020 -‬‬ ‫= مجموعة قصصية ‪ -‬شظايا ‪ ..‬قصص قصرية – دار المتن – بغداد ‪/2018‬‬ ‫دار نريفانا للنشر والتوزيع ‪ 2018‬سوريا ‪ -‬دمشق‬ ‫= مجموعة قصصية – رقصة الموىت – قصص قصرية جدا – دار المتن –‬ ‫بغداد ‪2018‬‬ ‫= مجاميع قصصية قصرية جدا عربية مشرتكة (سنابل من حرب ‪ ,‬شرعة من‬ ‫ضوء‪ ,‬الفائزون‪ ,‬كلنا حشد‪ ,‬ضفاف النيل‪ ،‬ضفاف الرافدين)‬


‫باب لقاء العدد‬

‫س‪ /‬ما تعريفكم للقصة القصرية جدا؟‬ ‫ج‪ /‬القصة القصرية جدا فن سردي حداثوي‪ ,‬قصري‪ ،‬مكثف‪ ،‬له اشرتاطاته‬ ‫الخاصة‪ ،‬و خطابه السردي‪ ،‬ويعتمد يف بنيته عىل قول الكثري من المعىن‬ ‫بالقليل من الكتابة‪ ،‬ينفتح عىل التأويل و يتداخل اجناسيا مع الفنون‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫س‪ /‬يدعي البعض أن ال ق ق ج سهلة الكتابة‪ ,‬فيما يرى كثري‬ ‫من كتابها خالف ذلك‪ ،‬فما الذي يجعل أمر الكتابة متأرجحا بين‬ ‫السهولة والصعوبة؟‬ ‫ج‪ /‬لكل كاتب أدواته السردية‪ ،‬ومهارته يف تسخري المفردة لمعىن أوسع‬ ‫يف الجملة المغتضبة‪ ،‬و لكون القصة القصرية جدا ذات فضاء ضيق‬ ‫فإن محتوى الثقافة العامة للكاتب يكون عامال مؤثرا يف صياغة النص‬ ‫‪،‬إضافة لفهم ماهية القصة القصرية جدا‪ .‬لذا نجد القاص يف صراع بين‬ ‫االستسهال و الصعوبة‪ ،‬فصغر حجم النص يضع الكاتب أمام تحدي كبري‬ ‫للخروج بنص ممزي‪.‬‬ ‫س‪ /‬هل تستطيع ال ق ق ج منافسة الرواية من ناحية االنتشار؟‬ ‫ج‪ /‬ليس من العدالة أن نقارن فن بفن آخر فلكل منهما جمهوره و أدواته‪.‬‬ ‫وال ننىس بأن الرواية قد سبقت القصة القصرية جدا بالظهور بسنوات‬ ‫عدة‪ ،‬وما يحدد االنتشار هو كم المنجز اإلبداعي المطروح يف الساحة‬ ‫األدبية‪ ،‬إال أننا نستطيع الجزم بأن القصة القصرية جاءت مواكبة لحاجة‬ ‫عصرها‪ ،‬زمن السرعة و عالم االنرتنت فأصبح لها انتشارا واسعا ملحوظا‬ ‫كتابة و نقدا وتنظريا‪.‬‬ ‫س‪ /‬هناك اختالف حول شروط وأركان ال ق ق ج‪ ،‬وكان لكم كتاب‬ ‫مختص حول الموضوع‪ ,‬فما هي خالصة رؤيتكم بهذا الشأن؟‬ ‫ج‪ /‬للباحث رؤية ثاقبة يرصد خاللها مكنونات البحث و قد اجتهد من سبقنا‬ ‫يف هذا الميدان من األساتذة األجالء باإلحاطة يف مفاهيم تحدد معايري‬ ‫القصة القصرية جدا‪ .‬وقد تعددت مسميات تلك المعايري ومنها‪ (:‬الحكائية‪,‬‬ ‫الجرأة‪ ,‬الوحدة‪ ,‬التكثيف‪ ,‬المفارقة‪ ,‬الفعلية‪ ,‬الشعرية‪ ...‬الخ) فنحن نجد‬ ‫بأن تلك المعايري ال تتمثل بالقصة القصرية جدا فحسب‪ ،‬إنما هي معايري‬ ‫تتواجد يف كافة أنواع السرد و تتعدى للشعر‪ ،‬بتفاوت‪ ،‬وليس منها ما يمزي‬ ‫القصة القصرية جدا عن باقي أنواع السرد سوى عنصر التكثيف‪ ،‬بشرط‬ ‫أن ال يكتفي بتكثيف اللغة‪ ،‬إنما يشمل تكثيف الحدث‪ ,‬فتكثيف (اللغة‬ ‫و الحدث – معا‪ )-‬هي الخاصية الوحيدة اليت تمزي القصة القصرية جدا‬ ‫عن أنواع القص األخرى‪ ,‬اضافة للدالالت و الرتاكيب اليت ترسم صورتها‬ ‫الخارجية و تنطق بثنائية المعىن التأويلية‪.‬‬ ‫س‪ /‬مازال الخالف قائما حول تجنيس القصة القصرية جدا فهنالك‬ ‫من يرى بأنها جنس قائم بذاته‪ ,‬بينما آخرون يرونها نوعا من جنس‬ ‫أديب‪ ..‬ما رؤيتكم لتجنيس القصة القصرية جدا؟‬ ‫ج‪ /‬التصنيف بحد ذاته اشكالية قائمة‪ ,‬تعددت حولها اآلراء والنظريات‬ ‫بل إن التداخل بين األجناس دعا البعض للمناداة بإلغاء تقسيم األدب‬ ‫إىل أجناس‪ ,‬وعد األدب وحدة متكاملة‪ .‬وعليه فإن اإلشكال يف‬ ‫تجنيسها يجعلنا ندور يف حلقة مفرغة و األجدر اعادة دراسة األجناس‬ ‫األدبية قاطبة‪ .‬واتفاق النقاد عىل تصنيف شامل يواكب القفزة النوعية‬ ‫للمستجدات األدبية‪ ,‬ويحيط بتداخل األجناس فيما بينها‪ ،‬و إن كان البد‬ ‫أن نرضخ للتجنيس فإين أرى بأن القصة القصرية جدا فرع من عدة فروع‬ ‫(القصة الطويلة‪ ,‬القصة القصرية‪ ،‬األقصوصة‪ ,‬القصة القصرية جدا‪،‬‬ ‫القصة الومضة)‪ ,‬تدور جميعها يف رحى النوع وهو (القصة) اليت بدورها‬ ‫تنبثق من جنس أديب أكرب هو (السرد)‪.‬‬ ‫س‪ /‬ما تأثري المواقع االلكرتونية يف مسرية القصة القصرية جدا؟‬ ‫ج‪ /‬ساهمت المواقع االلكرتونية إىل حد كبري يف انتشار هذا الفن إال‬ ‫أن مواقع الروابط القصصية كانت انعكاسا لرؤى المشرفين عىل تلك‬ ‫المواقع فخلقت ارباكا لدى الكتاب و القراء عىل حد سواء‪ .‬س‪ /‬هناك‬ ‫خالف بين الكتاب والنقاد حول طول القصة القصرية جدا‪ ،‬ومنهم من‬ ‫حددها بأربعين كلمة ومنهم من قال األفضل ان تكون جدا مختصرة‪.‬‬ ‫كيف ترون االمر وما هو معياركم؟‬ ‫حقيقة‪ ,‬هذا االختالف حول حجم ال ق ق ج‪ ,‬و ليس الخالف‪ ,‬ليس موقوفا‬ ‫عند القصة العربية و كتابها و نقادها و منظريها‪ ,‬انما هو اختالف عالمي‪,‬‬ ‫فالقصة القصرية جدا ال يحددها طول النص أو قصره‪ ,‬إنما اشرتاطاتها‬ ‫الفنية‪ ,‬و معايريها البنيوية هي اليت تحدد كينونة النص‪ ,‬سواء كان‬ ‫بضعة كلمات أو صفحة كاملة‪ ,‬لذا نالحظ بأن ذلك االختالف واقع‬ ‫مفروض عربيا وعالميا‪ ,‬إال أن القص العالمي قد عرف طريقه إىل تلك‬ ‫األشكال بتسمية كل منها بما يناسبها‪ ,‬فنجد أن (الشكل القصصي‬ ‫المكثف جدا) يتناسب مع ما هو متعارف عليه عالميا (‪)Mini saga‬‬ ‫و الـ (ميين ساجا) هي تلك القصص ما دون الـ (‪ )50‬كلمة‪ ,‬مع األخذ بعين‬ ‫االعتبار أن ترجمة قصة ميين ساجا للعربية سيجعل من كلمات النص‬

‫المرتجم أقل عددا من النص األصيل‪ ,‬ونعزي ذلك إىل ما للغة العربية من‬ ‫امكانية االخزتال‪ ,‬وسعة المعىن للمفردة الواحدة‪ ,‬فبإمكان مفردة عربية‬ ‫واحدة أن تغطي جملة تقابلها بالمعىن من اللغة األجنبية‪.‬‬ ‫كذلك هنالك شكل آخر‪ ,‬وقد انتشر يف ثمانينات القرن الماضي تحت‬ ‫مسمى قصة الـ (درابل) (‪)Drabble‬‬ ‫ومن الطريف أن نذكر هنا أن جامعة برمنغهام يف المملكة المتحدة‬ ‫قد أعلنت عن مسابقة أدبية عام ‪ ,1980‬تحمل اشرتاطات القصة القصرية‬ ‫جدا‪ ,‬سميت (‪.)Drapel flash fiction‬‬ ‫ومن أهم شروط قصص “درابل” أن تكون القصة يف مائة كلمة‬ ‫وهي مستوحاة من كتاب ساخر يحمل عنوان ”كتاب مونيت بايثون‬ ‫ً‬ ‫تهكما‬ ‫الكبري األحمر” الصادر يف لندن سنة ‪ ،1971‬لمجموعة مؤلفين –‬ ‫بكتاب ماو ”الكتاب األحمر الصغري” يصف المؤلفون يف الكتاب الكبري‬ ‫“لعبة كلمات” حيث يجتمع عدد من األصدقاء حول موقد النار‪ ،‬يتبادلون‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ ،‬ال‬ ‫األحاديث الممتعة‪ ،‬ويتنافسون فيما بينهم‪ ،‬يف تأليف قصة قصرية‬ ‫ً‬ ‫فائزا أول من ينتهي من‬ ‫يتجاوز عدد كلماتها مائة كلمة بالضبط‪ ،‬ويعترب‬ ‫تأليف القصة ‪،‬مهما كان موضوعها أو اسلوبها‪ ,‬وقد تبىن الحقا (ستيف‬ ‫موس) رئيس تحرير مجلة نيو تايمز شروط كتابة قصص (درابل)‪ ،‬ليعلن عن‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ ،‬ال يتجاوز طولها ‪ 55‬كلمة‪,‬‬ ‫مسابقة أدبية جديدة لكتابة قصة قصرية‬ ‫وذلك يف عام ‪.1987‬‬ ‫و هنالك أيضا القصة التويرتية (‪ ,)Twitterature‬وهذا الشكل القصصي‬ ‫نابع من تسميته‪ ,‬إذ أن ظهوره و انتشاره جاء مزتامنا لظهور موقع‬ ‫التواصل االجتماعي (تويرت)‪ ,‬وهذا الشكل يحدد كلمات النص بما ال يزيد‬ ‫عن (‪ )280‬حرفا‪ ,‬وهي المساحة المسموح بها للنشر يف تغريدات تويرت‪,‬‬ ‫إذ يستحيل كتابة نص ب (‪ )281‬حرفا‪ ,‬علما بأن السائد قبل عام ‪ 2017‬كان‬ ‫يتوقف لدى (‪ )140‬حرفا‪.‬‬ ‫و من بين تلك األشكال نجد (قصة الست كلمات)‬ ‫(‪ ,)A six-word story‬وهي من شاكلة ما اشتهرت به قصة ارنست‬ ‫همنغوي «‪».For sale: baby shoes, never worn‬‬ ‫و جميع تلك األشكال تنضوي تحت تسمية قصص الخيال أو الفالش‬ ‫فكشن (‪ ,)Flash fiction‬ولذا فليس غريبا أن نجد تلك التعددية يف القصة‬ ‫العربية‪ ,‬واليت تحمل طابع الثقافة العربية دون الحاجة إىل التقليد‬ ‫األعمى‪ ,‬أو التقليد لمجرد مجاراة حداثة غربية‪.‬‬ ‫س‪ /‬يف نصوص كثرية اطلعت عليها‪ ،‬لمحت جنوحا لدى كثري من‬ ‫كتاب ال ق ق ج إىل استخدام التلغزي واإلبهام فهناك مدعى أن‬ ‫هذا ركن أو شرط لنجاح ال ق ق ج‪ .‬هل ترونه كذلك؟‬ ‫يف البدء البد أن نعرف بأن أنماط الكتابة متعددة‪ ,‬و لكل كاتب الحق يف‬ ‫اختيار النمط الذي يراه مناسبا يف صياغة قصته‪ ,‬وهي جميعها مقومات‬ ‫فنية جمالية و داللية‪ ,‬يستخدم القاص خاللها المفردات األدبية داخل‬ ‫ّ‬ ‫معينة يصل من خاللها لبلوغ مراده من تلك الكتابة‪ ,‬فقد يختار‬ ‫منظومة‬ ‫الكاتب النمط السردي‪ ،‬أو يعتمد عىل النمط الوصفي‪ ،‬أو من يلجأ إىل‬ ‫لغة الحوار‪ ،‬وغريها من األنماط المختلفة بما يضفيه خاللها من جماليات‬ ‫السرد كالرتمزي‪ ،‬واالنزياح‪ ،‬والتناص‪ ,‬و التصوير البالغي و اإليحاء‪ ,‬أو ثنائية‬ ‫اللغة‪ ,‬و أحيانا باالستعانة ببياض السرد بما تقتضيه الحاجة للوصول‬ ‫إىل ذهن المتلقي‪ ,‬فقد يكون ما نسميه نحن التلغزي هو يف الحقيقة‬ ‫ليس تلغزيا‪ ,‬إنما ابحار يف تعددية المعىن ‪ ,‬و أفق أوسع للتأويل‪ ,‬فالقصة‬ ‫القصرية جدا ليست أحجية كي ندغمها باأللغاز و الطالسم اليت تحتاج‬ ‫لالستعانة بمتصفحات البحث االلكرتوين أو المعاجم اللغوية للوصول‬ ‫إىل معناها‪ ,‬و ال أظن بأن القاص المتمكن‪ ,‬الناضج كتابة يغامر بطرح‬ ‫سريالية قصصية تقتضي القول إن المعىن بقلب الشاعر‪ ,‬و بنفس الوقت‬ ‫فعىل القارئ المتذوق اعادة قراءة النص الستنباط المعىن‪ ,‬فقد تكون‬ ‫للقراءة الثانية أبواب أخرى و زوايا رؤية لم تكن حاضرة يف القراءة األوىل‪.‬‬ ‫س‪ /‬بماذا تنصح كتاب القصة القصرية جدا‪ ,‬و خصوصا الشباب‬ ‫منهم؟‬ ‫خطان متوازيان‪ ,‬القراءة و التجريب‪ ,‬القراءة من حيث األهمية تطلعنا عىل‬ ‫منجزات اآلخرين‪ ,‬و استخالص مكامن القوة و الضعف منها‪ ,‬و معرفة‬ ‫مزايا النصوص الجيدة‪ ,‬و تعدد أساليب كتابتها‪ ,‬و تنوع أشكالها‪ ,‬وال‬ ‫تقف القراءة عند زمن محدد أو عمر زمين‪ ,‬فجميعنا بحاجة للقراءة حىت‬ ‫الثمل‪ ,‬أما التجريب فهو خوض غمار التجربة لمعرفة مستوى ما نكتب من‬ ‫خالل ردود اآلخرين عليها‪ ,‬و تقييمهم‪ ,‬و تقويمهم‪ ,‬وهي فرصة قائمة‬ ‫لالستفادة من أخطائنا و تصحيحها‪ ,‬و خلق تحد مع الذات‪ ,‬ليس للوصول‬ ‫إىل مستوى جيد فحسب بل الطموح للعبور نحو النخبة من قصاصي هذا‬ ‫الفن الجميل‪ ,‬كما أنصح كل كاتب ّ‬ ‫أال يضع نفسه يف قالب ضيق فيقتل‬ ‫حافز اإلبداع لديه‪ ,‬بل ينفتح عىل كافة ألوان و أطياف الكتابة الحكائية‬ ‫لفن القصة القصرية جدا‪.‬‬

‫‪43‬‬


‫باب بين السطور‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نيب‪...‬‬ ‫كل عاشق‬ ‫ّ‬ ‫كل عاشق رسول‬ ‫ ‬ ‫يف الكون أسرار كثرية ّ‬ ‫يتأملها اإلنسان ويبحث‬ ‫فيها ويتأرجح بين ّ‬ ‫الش ّك واليقين‪ .‬قد يصل إىل‬ ‫ّ‬ ‫لكنه يعجز عن اإلحاطة بها‪ .‬وقد يعود‬ ‫بعضها‬ ‫كل بحث‪ ،‬إلاّ‬ ‫الصفر مع ّ‬ ‫إىل نقطة ّ‬ ‫ّ‬ ‫سر العشق‬ ‫اإللهي هو الباحث عن اإلنسان والمقرتب منه‬ ‫بقدر ما يسمح هذا اإلنسان وبقدر ما ينفتح عىل‬ ‫اإللهي‪ .‬واالنفتاح عىل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النور هو انفتاح عىل‬ ‫النور‬ ‫ّ‬ ‫اإللهي المختلفة عن لغتنا‪ .‬لغة‬ ‫لغة العشق‬ ‫الصمت واإلصغاء‪ ،‬لغة الفناء يف المحبوب حتىّ‬ ‫ّ‬ ‫تتجلىّ الحياة كاملة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحب‬ ‫اإللهية‪ ،‬كلمة‬ ‫يب هو حامل الكلمة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بحب اهلل رسول‬ ‫وكل ناطق‬ ‫للعالم‪.‬‬ ‫عاشق‪ .‬والمقصود ّ‬ ‫بالن ّ‬ ‫بوة المعىن‬ ‫ّ‬ ‫للحب‬ ‫األرحب واألشمل‬ ‫اإللهي‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أحب عرف‬ ‫كل من‬ ‫ّ‬ ‫وكل من عرفه ّ‬ ‫أحبه‬ ‫اهلل‬ ‫وأخرب عنه‪ .‬لذلك فلغة‬ ‫الحب هي ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرابط‬ ‫المشرتك بين ّ‬ ‫كل‬ ‫العاشقين هلل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وكل عبرّ بطريقته‬ ‫وبحسب اختباره‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خصي يف‬ ‫الش‬ ‫هذه العالقة‬ ‫ّ‬ ‫الس ّر‪Mystère /‬‬ ‫ّاليت يصعب‬

‫تفسريهاببساطة‬ ‫دون أن ّ‬ ‫يمر من أراد‬ ‫الفهم بذات االختبار‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الناظر من الخارج‬ ‫ال يفهم هذا ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫جرد‬ ‫ّ‬ ‫والتخليّ عن العالم‬ ‫ّ‬ ‫والن ّ‬ ‫يب ال‬ ‫واالمتالء باهلل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإللهي‬ ‫الحب‬ ‫يحمل كلمة‬ ‫وإنما يبذل ّ‬ ‫وحسب ّ‬ ‫ّ‬ ‫فكري‬ ‫كل جهد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وروحي من أجل تحقيقها يف‬ ‫ونفيس‬

‫العالم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلنساين‪.‬‬ ‫خالصي للكيان‬ ‫اإللهي فعل‬ ‫الحب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ليتعرف عىل ذاته‪ .‬وهذا هو‬ ‫يحرره من ذاته‬ ‫المعىن األصيل للخالص‪ .‬وهذا هو المعىن‬ ‫الكامن يف فكر العاشقين ونقرأه يف أعمالهم‬ ‫وتأمالتهم‪ .‬ما قيمة اإلنسان إن لم يكن ّ‬ ‫ّ‬ ‫حر ًا وما‬ ‫سبب وجوده وغايته إن لم يكن اختبار العشق‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أبدا هناك؟‬ ‫ليتعرف عليه ويحيا به‬ ‫اإللهي هنا‬ ‫ّ‬ ‫العاشقون هلل بلغوا ّ‬ ‫الحر ّية‬ ‫حر ّيتهم بالعشق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ظاهرية‪.‬‬ ‫لحرية‬ ‫مهم أن يسعوا‬ ‫اإلنسانية‪ .‬فما عاد‬ ‫الحر بامتياز ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألنه يدور يف فلك‬ ‫العاشق هلل هو‬ ‫العشق ويقتات منه ويحيا به بمعزل عن ّ‬ ‫أي شيء‬ ‫آخر‪ ،‬يف قلب اهلل‪.‬‬

‫الكاتبة‬ ‫مادونا عسكر‬

‫‪44‬‬

‫ّ‬ ‫القديس باسيليوس الكبري‪« :‬اهلل هو الجمال‬ ‫يقول‬ ‫ّ‬ ‫ّالذي يسعى إليه ّ‬ ‫وكلما أوغلنا يف‬ ‫كل إنسان»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أمعنا يف هذا‬ ‫وكلما‬ ‫جماال‪،‬‬ ‫هذا الجمال ازددنا‬ ‫ّ‬ ‫وكل عاشق‬ ‫الجمال باتت العودة منه مستحيلة‪.‬‬ ‫أدرك هذا الجمال حمله يف كيانه ومنحه لآلخر‪.‬‬ ‫ببعيد عن هذا المفهوم‬ ‫وابن الفارض ليس‬ ‫ٍ‬

‫ّ‬ ‫العالئقي باهلل حين قال يف قصيدته (زدين بفرط‬ ‫ُ‬ ‫خلوت َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫الحبيب‬ ‫مع‬ ‫ولقد‬ ‫الحب‬ ‫الحب فيك تحيرّ ًا‬ ‫ِ‬ ‫وبيننا‬ ‫ِس ٌّر َأر ّق ِم َن ّ‬ ‫النسيم‪ ،‬إذا َ‬ ‫سرى‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫وأباح طريف نظرة َّ‬ ‫أملته ــا‬ ‫َّ‬ ‫منك ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫را‬ ‫وكنت‬ ‫معروفا‬ ‫فغدوت‬ ‫ُ‬ ‫فدهشت َ‬ ‫ـالله‬ ‫جماله وج‬ ‫بين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫مخربا‬ ‫الحال عين‬ ‫لسان‬ ‫وغدا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫حاسن َو ْج ِه ِه‪،‬‬ ‫فأدرْ ِل‬ ‫حاظ َك يف َم ِ‬ ‫ِ‬ ‫َت ْل َقى َج َ‬ ‫ميع ُ‬ ‫فيه‪ُ ،‬م َص َّورا‬ ‫الح ْس ِن‪ِ ،‬‬ ‫لو ّ‬ ‫أن ُك ّل ُ‬ ‫يكم ُل ُص َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ورة‬ ‫الح ْس ِن‬ ‫مهل ً‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ال ومكبرَّ ًا‬ ‫كان‬ ‫ورآه‬ ‫ّ‬ ‫اإللهي وال تخرب‬ ‫من العسري أن تغرق يف الجمال‬ ‫نيب ورسول يقول ّ‬ ‫للناس ّ‬ ‫ولما ّبلغت فأنت ّ‬ ‫إن‬ ‫عنه ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتبينوا جماله لتحييوا‬ ‫اهلل حاضر هنا‪ ،‬فامتلئوا منه‬ ‫ُ‬ ‫(فدهشت َ‬ ‫ـالله ‪ //‬وغدا‬ ‫جماله وج‬ ‫بين‬ ‫وتكتملوا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫مخربا)‪ .‬ويف ذات ّ‬ ‫السياق يقول‬ ‫الحال عين‬ ‫لسان‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫كثريا يف ّ‬ ‫حبك‬ ‫«تأخرت‬ ‫مناجيا اهلل‪:‬‬ ‫أغسطينس‬ ‫ُ‬ ‫كنت‬ ‫الق َدم‪.‬‬ ‫ّأيها الجمال األعظم والفائق يف ِ‬ ‫ّ‬ ‫لكنين وجدتك داخيل ويف‬ ‫أبحث عنك خارجي؛‬ ‫ّ‬ ‫يتطلع أغسطينس إىل ّ‬ ‫السماء‬ ‫صميمي»‪ .‬وهنا‬ ‫ّ‬ ‫الرحبة ّاليت يف داخله وأشار إليها بالجمال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالحب فاهلل جمال‬ ‫لكنه يربط الجمال‬ ‫األعىل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلهي ّ‬ ‫إنساين‬ ‫ورد فعل‬ ‫يعشقه اإلنسان‪ .‬فعل‬ ‫يخلص باإلنسان إىل رتبة ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫مقام‬ ‫«الحب‬ ‫النبوة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫الحق تعاىل به نفسه»‪( .‬محيي ّ‬ ‫الدين‬ ‫إلهي‪ .‬وصف‬ ‫نحبه ّ‬ ‫ّ‬ ‫القديس يوحنا ‪»:‬نحن ّ‬ ‫ألنه‬ ‫بن عريب) ويقول‬ ‫ال»‪ً .‬‬ ‫أو ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أحبنا ّ‬ ‫الحب منه وإليه‪ .‬وانسكاب‬ ‫إذا فامتداد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يحمله مسؤولية‬ ‫اإللهي يف قلب اإلنسان‬ ‫الحب‬ ‫ّ‬ ‫الحب فيصبح ّ‬ ‫بالتايل ّ‬ ‫ّ‬ ‫نبي ًا‪.‬‬ ‫تبليغ هذا‬ ‫ّ‬ ‫بالعلو والعمق‪ ،‬باهلل‬ ‫عاشق هلل إنسان مرتبط‬ ‫ّ‬ ‫اإللهية‬ ‫وباإلنسان‪ .‬إذ ال يمكن حمل الكلمة‬ ‫واحتكارها‪ .‬ال ّ‬ ‫بد من تبليغها واالستبسال يف‬ ‫زرعها يف ّ‬ ‫كل نفس‪.‬‬ ‫ما يجمع بين العاشقين لغة اهلل لغة العشق‪.‬‬ ‫يقول جالل ّ‬ ‫الدين ّ‬ ‫الرويم‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تعال‬ ‫تعال‪..‬‬ ‫يهم من َ‬ ‫أنت‪ ،‬وال إىل ّ‬ ‫ّ‬ ‫طريق تنتهي‬ ‫أي‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫يهم من تكون‬ ‫تعال‪ ..‬ال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عاشقا للحياة‬ ‫ناسكا‪ ..‬أو‬ ‫عابر سبيل‪..‬‬ ‫َ‬ ‫تعال‪ ..‬فال مكان لليأس هنا)‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أخللت بعهدك ألف مرة‬ ‫تعال‪ ..‬حتىّ لو‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫لنتكلم عن اهلل‬ ‫تعال‬ ‫فقط‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الكالم عن اهلل الزتام ّ‬ ‫والن ّ‬ ‫وكل‬ ‫بوة‬ ‫سولية‬ ‫بالر‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫شعرا كان‬ ‫الفكري ّالذي تركه العاشقون‬ ‫اإلرث‬ ‫أم ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والت ّ‬ ‫أمالت ما هي إلاّ نفحات‬ ‫وكل العظات‬ ‫نرثا‪،‬‬ ‫عطر ّ‬ ‫حدثت بالعشق حتىّ فنيت به غري آبهة‬ ‫ّ‬ ‫بحياتها‪ .‬تواضعوا حتىّ‬ ‫حلقوا يف سماء اهلل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تذللوا حتىّ أشرقوا يف اهلل وأشرقوا يف حياتنا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والرويم‬ ‫ولو ّأننا درسنا يف مدارسنا سرية الحلاّ ج‬ ‫ويوحنا فم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدين ّ‬ ‫وشمس ّ‬ ‫ويوحنا‬ ‫الذهب‬ ‫التربيزي‬ ‫ّ‬ ‫ممن‬ ‫سابا وأغسطينس ورابعة‬ ‫العدوية وسواهم ّ‬ ‫ّ‬ ‫إنساين‬ ‫هاموا باهلل لما بلغنا ما بلغناه من تدهور‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فكرية‬ ‫وعنصرية‬ ‫ديين‬ ‫وتقوقع‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.