اإلفـتـتـاحيـة
أور : لغة راقية وفائدة علمية ال يخفى عىل المتتبع ،ما يعانيه المشهد الثقايف العريب اليوم من تسيد أنصاف المثقفين وأشباههم ،وتأثري الوالءات السياسية واالنتماءات الملوثة عرب أقالم صفراء وأفكار مشوهة تستمد ديمومتها من واقع مغرق بالجهل فرض نفسه بطريقته الخاصة .
معالي الدكتور علــي غــازي رئيس التحرير
س � � � � � � � �ع� � � � � � � ��دت ب � � � � �ه � � � ��ذه ال � �م � �ج � �ل ��ة وب �ح �ل �ت �ه ��ا ال � �ج � �م � �ي � �ل� ��ة ،ألن � �ه� ��ا ت � � � � � � � ��أيت يف س � � �ي� � ��اق إه � � � � �ت � � � � �م� � � � ��ام ب � �ل� ��ادن � � � ��ا ب��ال �ث �ق��اف��ة ب�م�خ�ت�ل��ف مجاالتها
ونحن إذ نؤكد عىل ضرورة العمل الجاد والمخلص للنهوض بالواقع الثقايف ،ندرك أن هكذا مهمة لن تكون سهلة ولن يكتب لها النجاح بجهود فردية ،بل ال بد من رؤى و تكامل و وازع أخالقي نبيل يدرك، كما أن الثقافة اليوم صراع حضارات تناضل أمم االرض يف سبيل كسبها ،هي سالح أيضا و حياة ال غىن للشعوب عنها . واليوم ،وبعد حلم طويل وجهود مضنية جرت عىل قدم وساق وعين مغمضة وأخ��رى مفتوحة ،ول��ف وبحث وم��راس�لات وص�ل��وات ،تكللت بهذا المولود الذي أسميناه بمسمى المدينة اليت كتب فيها الحرف االول يف تأريخ البشرية ،والذي نأمل أن يكون إضافة حقيقية لمكتبة الثقافة العربية ،وحضن دافئ لكل األقالم الناضجة والمستحقة، و بعيدا عن أي تميزي يف هوية أو جنسية أو انتماء ديين . عمل ألجل الثقافة وحدها مع رغبة مخلصة يف أن نكون عند حسن الظن و بقدر المسؤولية.
CONTENTS
أور -مجلة أدبية ثقافية العدد األول .يوليو 2020
البحرين التراثية
04 09 12 16 19 21 22 26 32 2
باب الشعر
مقربة الغرباء تحية لوحة طارش باب األقصوصة الطابور الثالث فأس أبو خالد مغادرة من يطرق الباب؟ قراءة يف نص حنين ...
04
12
09
16
إقـــــــرأ يف هذا العدد ..... م����ج����ل����ة أدب�������ي�������ة ث����ق����اف����ي����ة ت������ص������در ب���ص���ف���ة
07 يا هل ترى
15 لك أنظرُ ِ
دوري�������ة ل��ل��ن��ق��اد وال���روائ���ي���ي���ن وال��ق��ص��اص��ي��ن وال����������������ق����������������راء ال�������م�������ث�������ق�������ف�������ون ال��������ع��������رب
رئيس التحر ير عل ــي غـ ــازي سكرتري التحرير عب ــاس عل ــي العك ــري أسرة التحر ير صديق ــة ص ــديق ع ــيل سهـ ـ ــام الخليف ــة ريـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم البيـ ـ ـ ـ ـ ــايت هدى إبراهيــم أمــون جميع المراسالت بإسـم رئيـس التحـرير العدلية 21499 ص.ب. مملكة البحرين abbastrainer@gmail.com تصميم وإخراج
23 باب القصة ً جدا القصرية
36 المدينة يف السرد التونيس
م .أحمد محمد عيل Dorrart15@gmail.com رقم التسجيل 1427 / 6444 : ردمك 1658 - 3159 :
باب الشعر
مقربة الغرباء
سوق الغزل
هوامش :
الشاعر جواد الحطاب
4
ّ مقر الجواهري االن يف دمشق مقبـ ـ ــرة الغرب ـ ـ ـ ــاء – سـ ـ ـ ـ ـ ــوق الغـ ـ ـ ـ ــزل – اشهر سوق لبيع الطيور يف العراق ( منج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف) – نسبة اىل النجف االشرف مسقط راس الشاعر يا دجلـ ـ ـ ــة الخ ـ ـ ـ ـ ــري – واحدة من اشهر قصائد الجواهري المندوب السايم – ممثل االحتالل الربيطاين يف العراق ابان النصف االول من القرن العشرين شركة نفط العراق – مجموعة شركات انجلزيية كانت تحتكر النفط العراقي تحت هذه التسمية..
باب الشعر ( نص يف رثاء الجواهري ) أرب من قبل حماما لم ّ ال أشعل ؛ ال أبيض ؛ ال أصفر ؛ ال رماديا من أجلك – أنت فقط – ذهبت لسوق الغزل واشرتيت مائة طري زاجل ( بعدد سنواتك يا َن َ سر ُل َبد ) وأطلقتها ؛ باتجاه مقربة الغرباء يف ّ عز اللزوميات ؛ تابعت األخبار انفاسك قلت ألنفاسي :رجل ( منجاف ) لن تستوعب قامته ؛ أيّ ة مقربة ؛ حىت لو كانت :مقربة الغرباء ..لم ندر ؛ إنك كنت تعيّ نت ( محافظا ) فيها وليس ( مواطنا ) بمقربة النجف !! أبعيدا عن ( دجلة الخري ) تنمو الم لها بأصابعك الال َس َ عواسج الكلمات ؟!! أرى باصابع الخزاف جرحا .. ُ الخزف ..انه اباريق .. تلم دمعتها .. وكنت ّ ُ وتنصرف
ذات موت ّأول .. وضعوا المرآة أمام شفتيك فحفرت أنفاسك بزجاجها :دجلة ..والفرات ( ..دجلة والفرات محفوران – اآلن – عىل قربك كأضالع حصان ّ ميت ) .. يا محافظ مقربة الغرباء مقربتك : ّ السراط آخر لوغ عىل قدرتها نشك يف بُ ِ ...فهي تحتاج إىل حشد من الفرسان لتنمية مواردها الشحيحة :أنت :ومصطفى جمال الدين :وهادي العلوي :والبيايت :وحسن العلوي ذات يوم ،ربّ ما لماذا يا أبا فرات سميت الخصوم بأسمائهم الشخصية ّ فال يمكن حذف أي واحد منهم برغم افتقارهم للتشويق ؟!! المندوب السايم البابا يف شركة نفط العراق الملك؛ الوصي؛ رئيس الوزراء رؤساء الجمهوريات :األول ؛ والثاين ؛ والثالث ؛ واأللف ... ُ تساف ُد ) األوزان تحت طاقيتك ألم يهدأ ( العفيفة ؟؟ ............... إذن ؛ دعنا ركن( عمود ) الشعر ُن ِ بدائرة( اآلثار ) ّ ترتاح ؛ ولو ؛ لموت واحد !! لعلك ُ كدجلة ..غامض ُ سرف طبع الفرات ؛ وضوحه : وم ُ ثلهما إبا .. ِ
نهر الفرات ُ حىت الجراح ّ تحف كانها .... أعرجون كالم ّ بسلة مقربة الغرباء .. وضعك المشيّ عون َ كتائب خيّ الة من دون ّ وطين دون نيش.....ج نجهش؛ بعده ؛ بالتصفيق !! اآلتون إليك جاؤوا : َ دموع مناديل دون من ٍ ..وبقمصان ؛ دون كرفتات حداد ؟!! ( ..ذبحتين ؛ تحت الضلع األيسر ليلتها بغداد ) .. ّ النعي لم يسمع ؛ أحد ؛ يف النجف
ّ ّ عيل لكن حمام لم يهبط ؛ تلك الليلة ؛ فوق قباب أيب الحسنين الزوار ..ارتبك ّ وشالوا نعشا فارغ حىت انسدل الـ..........فجر ّ النجفي لسابع ظهر ايّ ها أأخريا .. ّ تمكنا منك
:فدفناك من دون رضاك ؟!! بعيدا ؛ عن دجى وطين ُ نرتجف انا ؛ والشمس ؛ فهل مويت :أودسيوس ُ النجف وأيثاكا :هي
النجف
5
باب الشعر
يا هل ترى !!
الشاعر ستار الزهيري
6
باب الشعر
َ الم ْق ِمرا َأو ما َترى هذا الجمال ُ كنت عندي يف غضون ُ فتويت لو ِ ِ ُ عليك بخافقي ولقلت يا ُدنيا .. ِ ُ كم ُن رَ غبَ يت فهنا ُلبانايت َ وم َ َ ُ العاشقون برحبَ يت وهنا يَ ُمرُ فالع ُ تون َ قل ُم ْف ٌ َ ظام ٌئ وق ْليب ِ
ُّ وكل َمطامحي أنت يا كيل يا ِ ُ َ خت َّ مريم األحالم يا أ َ َ الندى يا ِ ً س ُغ ُ سفا عىل عمري َتيَ بَ َ صن ُه َأ
الحياة َف َّ كلما وحبيبيت ِسرُّ ِ راع ً ما يا َم ْن َترُ ُّد الذاويات بَ ِ ِ
َ وعد معت ولئ ْن َج الغانيات َ لم ٍ ِ ِ ُ مثل الزجاج َش َ َ فيف ٌة فحبيبيت ِ ُ ً النخيل ُمهابَ ة وحبيبَ يت مثل ِ جم َع َ َّ والسنا والمهارَ َة النظارَ َة َ َ َّ يا ْ تعيد الش َ ُ عندطلوعها مس من ِ ً ُ وليوسف زليخة .. تكون َأ ُترى ٍ
قص ُد َم َ ُ قتيل يا َه ْل َترى أتراه يَ ِ َ ً كت يف َ َل َس َل ُ بحرا يك َسبْ عا أ ُ عين ِ عيدا َأ رَ ً اك ْ أن َتمضي بَ كثا إيّ ِ ِّ َ ُ جم َمعبرَ ا وهنا أكون لكل ن ٍ َ َ العاشقين ُم َو َقرا جنون ِلريوا َ عالم هذا َ هجرُ كوثرا َف الص ُّب يَ ُ َ أراك َ الجوهرا كوين كما شئت ِ .. ِ َ زت َّ جاء ِك ُم ْق ِفرا النخل َ لما َه َز ِ ِل ُت َ َ مجمرا الت َش ّو ِق حيل ُه نارُ َ األعوام َتبدو َأ َ صغرا َت َت َق َّد ُم ُ المحاس ِن ْأن ُهرا الرواء اىل رد َّ َ ِ َ أميزّ َ ما أرى فاجم ْع صوايب كي ُ َ َ الهوا ْ أن ُت َ كسرا أخىش إذا مرَّ َ َ ُ َ الضياء األشقرا كان والوجه قد َ
ترَ الكواكب َ أزهرا بين ِ ف ُاه من ِ َ وت ُ ُ أمالك َّ السما أن َتكبرُ ا عيذ زة ُ األىل يا َه ْل َترى من عج ِ بعض ُم ِ ِ
7
باب الشعر
ُ صوت َك ...
ً ُ غابة صوت َك لو كان
حط ً لرتكت أهيل وصرْ ُت ّ ُ ابة ٌ َ َّ ٌ مستعجل مطر صوت َك لكن ّ َ حقائب ُه؛ يرت ُب َ ُ َ صورة ّ َ برق!.. األخضر؛ و وقلم ُه أم ِه يغادر عىل ٍ ُ ُ كومة موسيقى ترقص عىل كريح يبعرثين؛ ما ِ ٍ رائقا َ ً ً صوت ُه َّ ُ ُّ َّ ّ رجال أن نح كل هذا يكن مثل َك؛ ِ الهبوب والر ِ ٌ ُ األهواء جارح صوت ِ ُ حكيمة ّ ً تنش ْ نسرا قت كعصفورة فتنكمش حنجريت ٍ ٍ َ بنداوة؛ ّ صوت َك: أن يلمين و ما ُّ ٍ
ّ ٌ ُ َ العناقيد. ترضع مس وهي حنون ِ كغمغمة الش ِ حميم كأجراس ّ ٌ أديرة ّ الريح, الزعرت الربي يف ِ ِ ُ ّ بأصابع الهواء. وأشبك أصابعي أتنس ُم ُه ِ طي ٌب؛ ّ ّ بدالل.. ص كصمت طي ٌب ّ ٍ ٍ محم ٍ َ ُّ ُ (ركوة) ّ الرغبة! فأفور ك رخامت ُه؛ يمد نحوي ِ َ ُ ٌ مشاكس, صوتك ٌ ماكر مغر و ٍ
امتدت إىل ّ ُ يضرب يدي ْ ّ ُ تلمذين عىل ّ اللجام! إن هيل؛ و الص ُي ِ ُ ُ العزيز.. صوت َك
الشاعرة سعاد محمد
8
َ ُ الخيال نافذة ليجلسين عىل بنربة يرفعين ِ ٍ ِ زنزانة صداه! وبأخرى يرميين يف ِ صوت َك إلاّ ُ َ ُ توقيع عينيك! ينقص ال
باب الشعر
ت � �ح � �ي � ��ة
حيّ َ اك بالورْ ِد فأع ْ زفين لحنا يا ُ قلب ْ لملم من الضوء ِ واسكب من العين دع ما يقال عن العشاق أنهم أضحوا مراسيه ً شغفا فاض الحشا كي ما ُترى فيه ضاحكة تناغيه إذ لم يسعك وجود هلل در أيديه فينا وما أبقت مبانيه ضاحك ً أبدا مثل الفجر ماضيه وقبل األمس ّ سكرة فغين يا لياليه
يه يف ماذا ُتحيّ ِ يف مغانيه ً عقدا حول منحره موسيقى تناجيه شكل الجنون بهم ُذب بالخليل فقد حد الفناء به مثل النسيمات وقت الفجر أو كالنسائم يف روض ً ّ منتشيا حلق إىل ماوراء الغيب يف مبانيه مسمى العشق مافعلت أبقت بنا عمر طفل تكسو الرباءة فاألمس شهد واليوم أحىل
الشاعرة سميا صالح
9
باب الشعر
كلمات ..
WORDS
ً ُ سعيدا اإلله عندما يكون ُ األقوياء بروح َّ َ طيبة يغمر ً سعيدا عندما يكون اإلله ُ ْ ُ الحقول عرس يبتدأ
ْ األلم ْ تقتل ُه َس ُ ْ يقت َل ْك إن َل ْم ُ أقصد َأ َ لم وعينا بهذا العالم ُ َ ألم ْ جمالها عىل يتسلط أن قلب َك ِ ْ غريزتكَ ُ و ْ أن ال تهدأ َ َ ألم ْ ُ ْ قدام َك عىل تشيخ أ أن الطريق َ أن َت ْ قبل ْ صل ُ تجوع ْ ألم ْ َ ْ افخاذ َك وأن تنثين أن َ َ َ ْ قصد يكون للدجاج دون أ ْن ألم ْ ُ ْ الجواب أن اليطيعك وقد أنهكتك االسئلة
الشاعر حيدر الفيحان
10
ْ قبل ْ َ فكرة تولد ِّأية أن ْ كانت هناك فكرة الطبيعة قبل أن تنشأ الحضارات ِّ تشي ُد أنواعها كانت الحياة وقبل ْ َ السماء أن يغلقوا ودخان الحروب بالحديد ِ ِ َّ كانت الغيوم أجنة من فرح
قبل أن ننقسم اىل أديان ً َّ بشرا صالحين كنا قبل أن ننقسم اىل دول كانت االنسانية تخفي وحشيتها ً لسن قبل أن ننقسم اىل أ ٍ متعددة ُ اللغات كلها تغين كانت َ ُ االقوياء موارد تقاسم وعندما الطبيعية ً أيضا كانت النساء فرائسهم
هذيانات التنتهي
الشاعر حمزة فيصل المردان
… \ بنيت من اوجاع السنينبيتا تأوي اليه ظاليل تسرتيح هناك من التلويح تنام ،او تصرخ يف هامش منكسر سيان عندي تتدافع عىل حفنة موت ّ التبضع يف شوارع ّ لغد القلق الذي فقس فوق اضالع االماين الخائرة القوى، آظنها الواحدة ليال الضفادع بدأت بالنقيق وقليب داهمه الخفقان اللعين وانا امام لوحة لرسام فاشل مزج االلوان ليجعل من صحراء القلوب بستانا وارفا ّ جدا، الصباح احضر هديته ّ وزع عىل البؤساء ما ال يطيقون حمله واعطى لالغنياء كذلك حصة اكرب ،النهم واجهة البلد ّ تبا له… عدالته ماكرة، الفانوس ما عاد يعين يل شيء فالليايل كلها ظالم دامس من دونك، هذيانايت ،التنتهي لذلك سأصوم يويم وافطر عىل وجع جديد فالبالد تخىش الكورونا وال تحبذ الموت المفاجئ.
11
باب الشعر
لوحة
الشاعرة نعمة حسن علوان
12
جثتان عند الباب إحداهما يل واألخرى ال أعرفها كأسان عىل الطاولة واحدة ارتشفتها يف ظهرية قائظة لضيف واألخرى أدعها ٍ يزورين كل ليلة جثتان عند الباب وكأسان عىل الطاولة ولوحتان عىل الجدار واحدة جلبتها من بازار هندي واألخرى رسمت فيها جثتين واحدة يل واألخرى لشخص لم ألتقه إذن جثتان عند الباب وكأسان عىل الطاولة ولوحتان عىل الجدار وروايتان لم اطبعهما بعد واحدة عن زوجة لجرنال عجوز واألخرى سرية ذاتية لشاعر ظريف مرة أخرى سأعيدها عىل مسامعكم جثتان عند الباب وكأسان عىل الطاولة ولوحتان عىل الجدار ومدونتان لم اطبعهما بعد ومسدس ملغم برصاصتين إحداهما سأضعها يف رأس الجثة اليت ال أعرفها رجل رأس واألخرى يف ٍ إبتاع لوحة من بازار هندي جثتان عند الباب وكأسان عىل الطاولة ولوحتان عىل الجدار ومدونتان لم اطبعهما بعد ورصاصتان ال أجيد تصويبهما هكذا يخربين ضيفي الذي يزورين كل ليلة
باب الشعر
13
باب الشعر
ْ الصفر ثقوب
الشاعرة ريم البياتي
الشمس تنزتع الفتيل ّ تلفه خصر زنار ٍ تركن المصباح خلف الغيمة السوداء تريم رأسها يف البحر خائفة ْ الظالل تطاردها الشيء يسبح يف الظالم وعنقك المشدود ينفض راحتيه ّ ْ الحبال يخزن األسرار يف رئة الكل يكذب.... نشرة االخبار..والشرطي ... صوت (الفاتحين)... ّ وجبة المفيت.. غناء البحر....موسيقا الهواء... وكذبة أخرى.. ْ ُّ الرمال تمط شفاهها فوق
ّ ٌ الثقوب المعلق يف عين عىل القمر ِ وصوتك اآليت من األ عماق سطح البحر ِ منديل لكل العابرين عىل ثقوب القلب الجسر.... فوق ِ أجنحة عىل الجدران مازالت يد ُق حفيفها المكتوم مسماراً ّ القهر.... صديء ِ يأتيه الرجال الموكلين بلحية البطحاء ُ ينزتعون من صدر النهار شعرية.. ُ ً عرية وش ليصري ذقن الموت ملتحيا ويركل ظلك المحين ً ذاكرة... ّ الصفر. تعرش يف شباك ِ 14
باب الشعر
ُ لك أنظر ِ
لك أنظر ِ لصورة عىل جدار أنظر كما ٍ َّ أتفرس بمالمحها للغبار المرتاكم عىل زجاجها بنظرة ُللعبة السنين اليت تمضي ٍ صامتة أنت تكربين ها ِ دون أتحسس الفارق بيين بينك ً معا حين نكرب ّ تودعنا المساءات بآالمها الفارقة. كل ذكرى تعود بنظرة قاتمة ٍ الرتاكمات الجزيلة ألصدقاء يسكنون ّ الصمت اليغريهم التنابز األعمى بجلسات المقاهي وال ّ الصفات التوطن بغرام ِ يستطيبون األحاديث عىل وقع ّ السفسطة
يتشبهون ًّ بمشايئ الحكمة وطروحاتهم الفذلكية . ُ أنظر كما لو أن االخرتاق لسكونية الحياة ُّ يعتد بفكرته الثاقبة حين يزيح الغبار عن وجه األيام .
الشاعر حميد الساعدي
15
باب األقصوصة
طارش
الكاتب محمد خضير
16
من األس��م��اء المغمورة يف برئ وج��داين اسم الم َ «ط�����ارش» ال���ذي ي��ع�ني ال���رس���ول أو ُ بتعث َ ب��رس��ال��ة ه��ام��ة .وم���ا زل���ت أت��ق ّ ��ص��ى ال���ط���وارش ّ «العشار» المتسلسلين الذين ينبعون من ثقوب ال���ك���ث�ي�رة ،ث���م ي��خ��ت��ف��ون ك��م��ا ظ���ه���روا ف��ج��أة، وأت���ف���ادى االح��ت��ك��اك ب��ه��مّ .إن��ن�ي أح��ك��ي عن ال��ط��ارش ال��خ ّ ��اص بحلقيت ،ولربما ي��أيت غريه لمقصود آخر أجهله؛ ُّ كل ما أنقله من رسائل ٍ ي��ح��دث ب��غ�ير م��ي��ق��ات؛ وق����د ي��ن��ق��ط��ع االت��ص��ال وت��ن��ف��ص��م ال��ح��ل��ق��ات يف ح����ادث غ�ي�ر م��وق��وت. َّ أسرح من مهميت من دون إنذار. حينذاك
باب األقصوصة
الطارش األول كان قسيمي عىل مقعد القطار الصاعد من البصرة اىل بغداد ،يف ّ أول زيارة يل للعاصمة صيف .١٩٦١صعد «طارش ّ السماوي» القطار يف أثناء وقوفه الذي يدوم ساعة بالمحطة الصحراوية الوسطى .كنت أحتاج بقوة اىل من أستند اىل قوته وقيافته يف هذه الرحلة المجهولة .أعاد الطارش ترتيب عقاله عىل رأسه ،وتثبيت عباءته عىل متنه، ّ ّ خوص من ّ طيات العباءة. مهفة يستل قبل أن ٍ شزرين بنظرة جانبية انفلتت من عدسة ّ نظارته ّ المهفة أمام وجهي الطبية ،ثم راح يحرك عصا ّ المتنكر المغمور بالعرق والغبار .نزل الطارش يف محطة صغرية شمايل الرميثة ،وترك يف َ لمس مكانه عىل المقعد جيب النظارة ،ثم ُ لفحة العباءة المنشورة كتفي وغادر ،تتبعه كجناحي طائر «أيب نعيج». لم ُ يطل ظهور الطارش الثاين الذي ّ ّ َ المحطة النظارة من يدي يف جيب سيخطف العالمية ببغداد ،ويذوب بين أكتاف الواقفين المنتظرين وصول القطار .ذاب دون وداع بين ّ المتفحصة قدوم المسافرين من أعماق العيون محطات ّ ّ سكة الحديد المتسلسلة تحت مستوى ُ التقيته يعمر طارش أعمارهم القصرية؛ إذ لم ّ ّ السكة تلك .كان أكرث من منتصف مسافة ّ ّ «السماوي» المحطة أقصر من سلفه طارش ً ّ ّ مهفة لم حامال بيده وأخف منه يف االقرتاب، ً مس كتفي ّ يستعملها إال يف ّ خفيفا. مس ًا ّ ستتنوع عالمات االستقبال والتوديع، بعدئذ وأجنحة العباءات ،ورسائل الجيوب ،حىت لقايئ الطارش األخري يف وسط العشار ،بعد سنوات طوال من رحالت القطار. ً أتذكر ّ امرأة من أن الطارش األخري كان النساء العائمات عىل ّ تيار سوق الخردوات ،أيام الحصار االقتصادي يف العقد العاشر من القرن ّ صف الماضي .كنت أتخذ مجليس كل يوم بين بائعي الكتب والمجالت القديمة؛ حين أقبلت َ قماش معقود كيس المرأة المطروشة وألقت ٍ فالح عجوز يبيع التمر اليابس ،يجلس يف زنبيل ٍ يف الصف المقابل ،بين بائعي األجهزة المزنلية الخربة ،والثياب واألحذية الملبوسة. ِ ً سريعا ،ولم أنتبه اىل خطأ حدث االحتكاك
الطارش العجول ،حىت ّ فك الفالح ُع َ قدة ِّ ً َّ واقفا وصرخ ومد يده داخله .انتفض الكيس حت من فتحة ِّ ً انسر ْ َ الكيس الملقى متألما ،بينما ّ عىل ّ والتفت حول حبات التمر أفعى صغرية، ً ّ سريعا يف الجسد السم عروة الزنبيل .سرى ُ ّ المرأة فتكو َم يف مكانه .أخطأت الضعيف َ وخل َطت يف العالمة المقصودة المطروشة اليت تميزّ ين بين الحلقات الوسطى اليت ّ ّ وتسلمها تتحرى عن مخبوءات الرسائل، ال ً َ شخص غري فأودت بحياة مختومة دون مساس، ٍ الرسالة ِه ً َ مقصودّ ، حسن مجهول، بة من ُم ظن ٍ فسارع يف ّ فضها. ً مقصودا برسالة الموت ،وشاء هل كنت القدر أن يفصم حلقيت من دون أن أعلم ِب ّ نية المهمة وحدث الطارش المأمور؟ لم تكتمل ّ ما يتناسب وفوضى ّ السوق المزدحمة بالفقراء ً ً ّ جماعيا طاما أظنه ِف والمساكين؛ وما كنت لمئات الطوارش من ربقة الرسائل المشؤومة، ً َ نظام العالمات صدفة ويزلزل سيحدث المرقومة عىل جباههم ،مع نهاية القرن.
-2زهرة
حينما تصمت المدينة بعد يوم عنيف ،تنهض ُ َ المرسلة من «الجانب اآلخر» لتطوف األيقونات يف الشوارع المقفرة ،وتنفذ يف غفلة من َّ الد َرك إىل مخادع الناس المتعبين ..ال أحد يف َّ اشتد المدينة يعرف موقع هذا «الجانب» مهما ْ حد ُسه. مع هذه األيقونات تتجدد ُ روح المدينة العتيقة أنص ْت لحفيف وتسهر عىل مصري أطفالهاِ .. ْ واسأل واستع ْن بحواسك وبداهتك. خطواتها ِ ً َ جار َك ْ َ كنت إن غافال عن زيارة واحدة منها. أسميها ب «زهرة أيقونيت واحدة ال تتغري .وأنا ّ الجماجم»ُ .ر ُ حت أناديها بهذا االسم بعد أن روى َ ٌ حكاية اختفائها ِب ِسرت شخص اسمه (ع). يل ّ ستصك َ ٌ ىّ َ سماع تسن لك بدنك لو رعدة الظالم. مقطع من أخبار زمانها. َ جيء ّ طفلتها يف ليلة لتل َد بأم «الزهرة» ِ دكناء من آذار ١٩٩١يف قسم الوالدة الباردة ً محروسة ّ بثلة ّ حراس بمستشفى األطفال، غالظ ،حىت إذا َّ تم إطالق الحياة الجديدة من
ّ الحر ُ ّ ّ اس المعذب ،اصطحبها األمويم الجسد َ سبقها عائدين بها اىل زنزانة اإلعدام ،اليت إليها زوجها. ً ً مؤقتا اسما قال (ع« :).منحت المستشفى للمولودة المجهولةَ ،ل ِص َق بها حىت َ بلغت: «فصلوا زهرة _ وهذا هو اسمها _ عن ّ أمها الحر ُ ّ اس معهم إىل غري رجعة، اليت ساقها ُ َ قابلة المستشفى خرب والدة الطفلة، وكتمت ّ وسلمتها اىل ُمعينة القسم لرتضعها ،حىت يحين وقت ايوائها بدار األيتام ،مع األطفال اللقطاء ومجهويل المولد .وكان العام الذي ُ ُل ِف ْظ ْت فيه َ اضط ّر اآلباء جوع وفقر وعطالة عام ٍ أطفالهم ُ لأل َسر الغنية». فيه اىل بيع ُ الدار عىل االسم المؤقت للطفلة أبقت المجهولة األبوين ،ولم يغيرّ (ع ).ذلك االسم َ استنقذها به من مأواها لقاء مبلغ من الذي َ دفعه إلحدى ممرضات الدار ،تلك اليت المال َ ّ الطفلة من ُمعينة المستشفى ّ أول تسلمت ٌ امرأة غريبة بيت مرة .بعد سنوات ،حين زارت المنق َذ (ع) تطالب بابنتها المبيعة ألكرث من يد، ِ َ ُ َّ ّ وسألها عن ُ المتبين بأمرها، الرجل شك المخبرِ َ الذي ّ المستنقذة .لم تكشف دلها عىل الطفلة ّ لكنها الزائرة الغريبة عن مصادر إخبارها، همست للمنقذ (ع« :).أتسألين عن ُمخبرِ ي ُ ّ أجهل َ أثر الخيط الدايم أتظنين بمكان ابنيت؟ الذي ُق ِطع من ُس ّريت ذات ليلة من آذار؟ إذن ُ فاعلم ّ ْ أمتلك أن الجماجم ال تحتاج اىل دليل .ما استدالل يفوق قدرة خرائط غوغل من قوة ٍ االفرتاضية عىل ّ تحري أوكار المدينة الملعونة. ال تعرتض طريق جمجمة يا صديقي!». َ لم يستطع ُ اعرتاض األيقونة الزائرة، نقذ (ع). الم ِ وسمح لها باصطحاب ابنتها (زهرة) معها اىل «الجانب اآلخر» ،حيث تعكف الجماجم عىل كل ليلةّ ، مسرحية جديدة ّ َ أدوارها تمثل إحياء ٍ بعد عودتها من زياراتها الخاطفة للمدينة ْ تسألين عن ذلك «الجانب» الذي المتهالكة .ال قد ْ مت منه الجمجمة ،فقد يكون موقع َ الم ْقرية ِ ْ ّ تقل ّإنها الجص؛ لكن ال القديمة ،او ُدوغة المقربة؛ فالمدينة ّ مقربة كبرية .وأنا كلها بمثابة ٍ أذهب إىل ذلك الجانب ألشاهد أيقونيت «زهرة» تلعب أحد أدوارها مع رفقتها من دار األيتام.
17
باب األقصوصة
20
ً عاما بعد عشرين قبل الكأس األخرية قال النادل: لم َيبق غريك يف الحانة. ّ ّ حدقت يف الساعة المعلقة عىل الجدار ،كانت تشري إىل الواحدة بعد منتصف ّ المتقطعة وبسعايل الجاف ،تعرتيين الليل ،يحاصرين القلق ،اختنق بأنفاسي ّ وكل الذين عرفتهم قد رعشة مزدحمة بتساؤالت غري واضحة «إىل أين سأذهب رحلوا؟». سألت النادل عن بائعة الهوى «سلمى»: ْ زالت تقطن الزقاق؟ هل ماأجابين: ّ لكنها شاخت وما نعم،عادت تلك الزهرة الفواحة اليت تجذب عشاقها.
الكاتب عبد الكريم الساعدي
18
ال أدري لماذا ذكرتها اآلن. ً مسرعا، أكرع كأسي ،أخرج ّ مبال أحث الخطى إليها ،غري ٍ بالمطر .كنت وحدي أسري يف الزقاق ،سألت نفيس كيف ً عاما؟ ستكون بعد عشرين ً شوقا لأليام يخفق قليب الخوايل« ،مهما تكن فهي سلمى الفاتنة ،ألم تذكر
ضحكتها وغنجها اآلسر؟»، يا لك من قلب! أبعد الشيب ّ تحن وتخفق لتلك األيام؟ أحاول أن أستمطر ذاكريت، لعليّ أقتنص مالمحها بعد هذا الفراق الطويل ،سأراها كما األمس مرتعة بالضياء، أغنية تقطر ندى ،تقاسمين حلكة الليل ،سأستعيد أنفاسي اليت تركتها فوق جدائلها عند ليلة ّ بحت بها مواويل الفجر ،وألثم عنقها بلهفة عاشق مجنون، وأمأل جريت من خمرها المشعشعة . وقبل أن أطرق بابها ارتجفت
ضلوعي لتطرق باب القلب، فإذا بالماضي بكامل أرقه يسطع يف ارتعاشة ّ دقاته المتوالية عىل باب سلمى: من الطارق؟ أنا... من أنت؟ وماذا تريد يف مثلهذا الوقت؟ سالم عليك يا سلمى،لقد ّ هزين الشوق إليك ،أال تفتحين...؟ ً غريبا عنيّ ، صوتك ليسانتظر دقيقة واحدة. ً عاما أخرى؛ وانتظرت عشرين ليشرق وجهها من خلف الباب.
باب األقصوصة
الطابور الثالث
الكاتب هادي المياح
1 2
أمام إحدى وكاالت البيع ،طابور مزدوج وطويل .وقف يف صف الرجال ،بعد أن ترك دراجته الهوائية تستند اىل اقرب عمود كهرباء .يف جيبه ال يوجد غري ورقة البطاقة التموينية ومبلغ ضئيل من المال ،بالكاد يكفي لشراء طبقة بيض حكويم ناصع البياض ،بيض مصلحة لم يذق طعمه منذ فرتة طويلة .لم ير أمامه غري أظهر وأكتاف الواقفين مثل حواجز كونكريتية .وجزء من ستارة مهدمة ألحدى الدور المالصقة لمحل الوكالة. لم يتحرك الطابور خطوة واحدة منذ بداية وقوفه .أخذته غفوة مباغتة،ونام .اصطدم
رأسه بأحد الحواجز أمامه ،فإنتبه .واصل َص ِّ عال .لكنه لم بيان خلفه ،ضحكهما بصوت ٍ يعبأ لهما .وبسبب الملل واالنتظار الطويل، الزمته اإلغفاءة من جديد . حلم بان البيض نفد ،دون أن يستلم أحد من الطابور بيضة واحدة .تساءل وهو يف الحلم: من سرق البيض الحكويم وحرم جميع الواقفين منه؟ سمع أحدهم يهمس بأن ً ً ثالثا اندس من الباب الخلفي ،وأخذ طابورا البيض عنوة. عندما انتبه ،وجد نفسه مازال واقفا لوحده امام الوكالة ،واىل جانبه عمود كهرباء!
خرجت صاحبة الجاللة* عىل شاشة التلفاز يف بعض القنوات وقالت :ال وجود لطابور ثالث سرق البيض ،ونفت وجود بيض ُيوزع يف الوكالة منذ أكرث من سنة! ً ً سريعا أثناء لقاء ولألمانة والتوثيق عرضوا له ً مجيبا عودته البائسة إىل بيته.وهو يظهر عىل بعض األسئلة: هل أنت من بين طوابري الواقفين الستالمالبيض؟ نعمً ً بيضا وخرج؟ احدا استلم هل رأيتال ،لم أر أحدا.-هل تعتقد بوجود طرف ثالث له عالقة
بالموضوع ؟ من أين يل أن أعرف؟ اذن هل تظن بانها إشاعة الثارة المزيد منالفوضى ؟ واهلل ،ال اعلم ما الذي يجري! ارجوكاتركيين؟ ال اعرف ،ال اعرف. لماذا انت مستاء هكذا؟انا مستاء وغاضب ألن احدهم سرق دراجيتالهوائية! *صاحبة الجاللة: مصطلح يطلق عىل وسائل اإلعالم.
19
باب األقصوصة
فوتوكويب غ����ري ٌ ����ب أخ�����ذ ال���ك���ث�ي�ر م����ن اس����م����ه ،غ���ري���ب ن��ت��ي��ج��ة خ��اط��ئ��ة َ ً ً ارت��ك��ب��ه��ا األب���������وان ..ك�لاه��م��ا ع�����اش ي��ت��م��ا م���ق���ذع���ا ،أب��و ً وح�����ي�����دا س����ائ����ح ً����ا ك���م���ي���اه األم�����ط�����ار ال�ت�ي غ����ري����ب ك������ان ت��ت��ج��زأ ح�ت�ى ي����أيت ال��ص��ب��اح ب��ال��ش��م��س وي��ن�سى ال��م��ط��ر!..
ُ يعيش قصة فقر من أبو غريب الدرجة األوىل، يعرف الكثري عن :الجورب المثقوب..الحذاء الممزق.. و الثياب اليت هتك سرتها، األوساخ ..الماء و الدماء ..ثم األيام.. تقاوم معه كما تفعل الجنود مع أوطانها. أم غريب ال تعرف الكثري عن ِّ الحب الربجوازي!.. تعي حجم الحزن يف حب ً ُ دائما َّأن ُه: تصفه األرصفة، المصباح األخري يف ظلمة األحياء العشوائية... ُ تطارد من يكسر تبدأ الحياة قوانينها، خطوة اللقاء بينهما كانت حديث األوراق الصغرية.. الحب يف األوراق الصغرية كما تقول أم غريب: تلك الكلمات هي إرث الذاكرة الوحيد.. ُ إنذار الزواج ..قسم ُر ِف َع ُ يتذكر أبو الغرف المستأجرة،
الكاتب ابراهيم عدنان
20
غريب عن أبيه حين يصفها بأنها: غرف ليايل الحب القصرية... كل تلك األفعال الشاذة مليئة بالحياة ...كل ُ القبل اليت تحدث يف القصور الضخمة ميتة ،يقول لهم ً مربهنا اسألوا:
األمري أميديو عن صدق حدييث أو انظروا لشفاه الزيابيث ماريا حين تكون خارج بوابات القصر!.
كانت حالة الوالدة سهلة ً جدا ،فقط الماء الساخن، و أثداء مكتزنة بالعطاء. ً عسريا صدقوين هذا ليس أثداء األحياء العشوائية الزالت ترضع أطفال القصور اليت أمرت باستئصالها كي ال تصاب بالعار!.. ُ يكرب! أمه ها هو غريب مبتورة الثدي تائهة يف عشوائية القبور المبعرثة! والده رهن المجهول.. إنه رقم المعركة اليت حدثت يف الوقت الذي توقف
فيه التاريخ عن الكتابة.. ً وحيدا ينفض الرتاب غريب ثيابه، عن ِ ً ً جديدا يف مصباحا وهو يضع طرقات حيه المظلم.. ً أن ُ أخربوهَّ : رقما عىل له الئحة الجند اليت ستدخل خط التماس مع العدو.. ً طفال ،تصرخ زوجته تنازع لتلد القابلة: أين الماء الساخن أخرجي أثداءك أرضعيه.. ِ ُ :أريد االنتهاء ثم ختمت أالتسمعين الصراخ.. هناك الكثري من الغرباء و الكثري من األرقام... ابراهيم عدنان فوتوكويب :إعادة المشهد
باب األقصوصة
فأس أبو خالد الكاتب ُ َ ُ علبة سيجارته ,كانت أشعل أبو خالد عندما ًَ ْ ُ ُّ قليال تعج بنصفها وأكرث مازالت الدخان َ بهدوء , األيمن كتفه الفأس عىل َ ,ر َك َن ٍ ِ ِ ٌ ً َ ُ وسيجارة طفال , مازال معول وباألخرى ٌ َ حمراء خيوط نسمات المساء , داع ُب ِ ُت ِ ً ً ُ ْ ُ ُ القصرية الدرب ماسيا , ثوبا تنسج بدأت
ُ ُ النهر ُ المحاذي بلحظة ِاسرتخاء , تتمدد ِ َ ُ كان ُ ُ سبيل يريم عابر , رقيق بلحن تمتم ي ٍ ٍ ُ ويتابع خطواته الخجولة ,ربما بالتحية ِ الشمس ُتحر ُق نفسها ُم ُ ُ ُ نذ التعب , أضناه ِ ُ خالد واع ُد أبا لحظات , ٍ حبات الترُ اب السمراء ُت ِ ُ النهر ُّ تئن ْ ُ من تحتها مياه خرير بخجل أنىث , ِ ِ ِ ُ ٌ ُ تزور المكان ازدراء لحظة شيبات قشيبة , ُع ٍ ُ تتأرجح َ َ ُ أصابع بين السيجارة دونما موعد , لف َ كانت تأىب ْ ْ ظ أنفاسها , ُمخشوشنة ُ ,ربما ٌ تابع ْ داء ُي ُ ٌ ِف ُ خريفية غيوم خلف الموكب , من ِ ُ ً َ ُ ُ يتشبث سوداد المساء , تزيد ِا لسة , تقتحم ِخ
َ سقط بشعر أسود , أبو خالد ِبصدره المعجون ٍ ً ُ َ ً ُ ستغيثا ,أم المعول ُم صرخ فجأة الفأس , خالد تقارع الزمن لتحضري طعام ،أبريق الشاي يكاد يرتعش تحت نار حطب معتق ،صبية ً ملعبا يغازل غبار يوم ،تأهب خمسة يغادرون يف أجنحة األنىث الستقبال الزائر اليويم، َ البيت َ ُ األعين المرتعشة نريان تحت مرىم بات ِ ِ ُ َ َ برأسه طرقه الباب الخشيب , صوب فداء هرع , ِ ِ ُ مطر حمقى تزور صدر أيب حبات , المرات مئات ِ ٍ َ ُ ُ وصل موال بعيد , وأشالء مياه دموع خالد , ٍ ٍ ً ُ النهر الذي ِاكتىس ّ ثوبا لتوه ثغر إىل الجميع ِ ِ َ ً حشائش ّ ُ السيجارة تزنوي َ غضة بين حالكا , ُ ُ ّ يمأل والعطش رحل أبو خالد ,كانت تبكي ,
ْ ّ كان ِف ُ الفجر الحت خيوط جوفه ,عندما داء ِ َ ُ َ ُ راقب كان ُي صغري راع صرخ , األخري باحه طل ُق ُن ُي ِ ٍ ٍ َ َ رحل ِفداء) ... انبعاث الشمس(
باقة ضوء
الكاتب سليمان جمعة
وليد.ع.العايش
صبيحة اول ايار ،من هذا العام ،بلغت سن ُ كنت أجد وردة بلون الرشد؛طوال هذا الشهر ونوع وعطر مختلف مزروعة يف اصيص حفر عىل طرف من الحديقة اليت تحيط ببيتنا الصغري . ُ كنت اقرتب منها اتأمل فيها ،واداعب بتالتها ..تزهو ..ابتسم لها ..تندى فتكرج بعض حبيبات من ندى مضيئة عىل كفي ....اتذوقها ،ارشفها فتسري يف جسدي رعشة حارة كلقاء آراد الشمس صبيحة يوم قارص. هنيهة دهشة تدثرين وتبدأ وشوشات عبريية ...تبوح يل ببعض حكاية .وهكذا اكملت الورود حكايتها تزنلها يف بايل ويف قليب . ّ هل اول حزيران ،خرجت ازور االصيص كي ارويها وامتع نظري بمشهد يتجدد كل صباح ؛واستذكر الحكاية الغريبة اليت لم افهم لماذا حكتها يل ؛مرة ومرة أسألها وكل مرة كانت تلفين الحرية وال احظى بجواب كاف . ويف منتصف الليلة نفسهاألول حزيران أيقظين شيء ما من نويم واخذتين قديم اىل حيث االصيص .كان القمر قد رىم بقرنيه وراء االفق ،نظرت فإذا بكتلة صغرية من ضوء ..تقدمت اكرث ..كان الضوء يرسم قامتها يف
العتمة ..امرأة بجلباب طويل وعصبة من قصب ..ناولتين الضوء وتالشت........انها الورود باقة من ضوء! ْ ؛خفتت االضواء ونامت ،لم عدت اىل البيت وانا احملها يرتكها نظري ،وضعتها يف مزهرية فرشحت بنداها لسقياها ...تركتها مذهوال وسكنت يف فراشي حىت الصباح الباكر وقت نهوض جديت اليت ربيت يف حضنها .ها قد عال صراخها . -فداء...فداء ..من اين هذه الورود؟للحظة كنت بقربها -انا يا جديت ..من الحديقة ..-ال..ال ..ال هذا غري صحيح .خرجنامعا اىل الحديقة حيث االصيص ،قلت لها هنا كانت مزروعة ؛ولكين لم اجد اثرا لالصيص بل الحشائش تغطي المكان .لم تهدأ االحين بدأت اروي لها الحكاية . ابتسمت ولمعت عىل وجهها الطمأنينة : هذه الورود يا فداء ال تنبت اال يف القرية اليت كانت لنا هناك بالقرب من القدس ..عطرها ولونها يستحضران الشهداء ...كل وردة حكت لك عن واحد منهم وكيف قاتلوا لمدة شهر قبل ان نهجر منها جميعا وقبل ان تهدم بيوتها وتقتل حيواناتها وتقلع اشجار زيتونها -ومن تلك المرأة يا جديت ؟انها ايم اليت استشهدت عىل البرئ وهي تمأل الجرار لهم . تركتين وهي ترتل ّ موالها وتمتمت :لقد وعدتين ولم تحنيث بوعدك ...ان سوف نلتقي يا ابنيت واحكي لك القصة كلها وغاب صوتها يف البيت وتعاىل صوت القدس يف فضاء بايل يرسم يل ايب __وراء الصخرة __قامة تحمل باقة من ورود مضيئة .
21
باب األقصوصة
مغادرة
الكاتب عمر حمش
تنهمر الرسائل اللجوجة يف هاتفي ،والحافلة لم تغادر المحطة بعد. تسأل أيم فيها:أين وصلت . ..األكل سيربد. انتبه لنفسك.. يقولون الطريق من دمشق غري آمن. انتبه لنفسك. .. .يا لتوقيت أيم ،كعادتها تضبطه وفق مشاعرها. ً ـأخريا سوف ُتفرح قلب الوالدة برؤيتك طالت غيبتك هذه المرة.قال السائق.
ُ حفرت حفريت .. الموت؛ قبل ِ ُ أخرتت موطن مأواي األخري ،ولقد راقين التعرف إليه. ُش ِده الحارس؛ حين علم ّ أن تلك الحفرة ما هي إال حفريت ،فباعد المسافة اليت بيننا ،وقد اتسعت عيناه ،وعال جبينه ،حىت أيقن أنّ أشج َ ٌّ َ ّ رأسه بالفأس؛ وشرع بمناوليت آخر قطع جدي ،وأنين لن األمر البالط. نقدته ما يف جييب ،وقلت :احفظ قربي يا أخي. ُ ُ َ أهرول خلف الجنازات ،فأشاركهم غدوت األمر عند هذا؛ بل لم أترك ُ ُ ُ َ سيهرول خلف وأخمن من منهم؛ وأتمعن يف الوجوه، الطقوس، نعيش. كنت أقول :شارك غريك؛ غدا فيك يشرتكون. الجنازات؛ لم ُ نهايات مبارحة المقربة ،بل يف أك متعجال يف بعد ِ ِ ِ ّ ُ ُ ٌ نهضت، الصمت؛ جمع ،وعاود كل مراسم؛ كنت أنزوي ،فإذا ما غادر ُ ُ َ ّ وشوك ،وشجريات ،حىت المعالم ،من شواهد، وتتبعت خطوت، ثم ٍ ّ ُ ُ ُ ويل .. بباب وخشعت كمن يقف وقفت أمام قربي، وصلت؛ إذا ما ِ ُ ُ ُ ُ ُ وقصدت مدخيلّ ، دلفت ثم فزنعت بالطيت، انثنيت، صحوت؛ فإذا ما ُ َ رطوبة تشمم رحلة يف ألشرع رميل؛ عىل وتمددت رأسي، مخضعا ِ ِ ِ صعود، الحشرات المتهيئة ،والمتالحقة يف ومراقبة صغار حفريت، ٍ ٍ ِ شقوق صفوف الطوب اليت كنت رصصتها. ويف هبوط عىل ِ ّ َ ُ ُ المتمدد، غور القادم ،وأرى جسدي أسرب األمر ،وأنا هكذا سار وأربطيت المنحلة عىل مواضع كفين. ً ّ ُ ُ ُ قمت ارتويت ،واستكان قليب؛ ساعة ،فإذا ما أظل عىل هذا كنت ُ َ متثاقال ،وخرجت راضياّ ، ألمضي نحو الحارس أعدت بالطيت، ثم ُ ً الذي ّ ُ ثم ُّ يلتقط دراهميّ ، يفر، ويؤخر أخرى ،وهو خطوة، يقدم َ َ ُ ُ العالق بجلبايب. الرمل أغادر نافضا ويلتفت ،وأنا فمت آمنا؛ وقد ّ ٌ حبور ،واكتنفتين مسين وسرعان ما حان حيينِ ، ٌ ُ ُ أرقب مراسمي. وأخذت غبطة، ُ َ َ ُ ُ وأشري، أتأرجح، وكنت من فوقهم صامتين بالقبور، يمرون كانوا ُ وأصيح: من هنا ..من هنا ..كفى ..هنا. ُ َ َ ُ يقف متنحيا، والحارس قربي، يتجاوزون ولكم كانت فجيعيت؛ وهم ُ ٌ ُ ُ ّ يرمق تجهميّ ، ويحركه. يخرج لسانه؛ ثم أنيق مبتسم؛ رجل قربه
22
يا عم أنت أدرى ...السفر واإلجازات شبه مستحيلة يف هذه الحرب. أبو مصطفى السائق ،كان مرسال أيب ّ إيل حين قطعت الطرق، وتعذر السفر ألشهر عدة لطالما أتاين محمال بمكاتيبه ـ أيب الذي ال يعرتف بالهاتف النقال ،وال بالرسائل القصرية ،ويعلن يف كل مرة أنها ال تكفيه ليشرح مشاعره ،وال تتسع لقائمة توصياته ـ وكانت اإلرسالية األشهى ،اليت أنتظرها ،هي طعام أيم الذي أتقاسمه مع أيب مصطفى ،إذ يضطر للبقاء معي ،ريثما يتمكن من العودة . ً أمال باشغاله بشابة، المقعد الخاوي بجواري ،أشعل يف نفيس لعلها تكسب السفر القاحل نداوة تنعش وتختصر الوقت .لكن خاب أميل إذ اندفعت سيدة تبدو بالستين من عمرها بكتلتها الضخمة إىل مقعدي ،أزاحتين باتجاه النافذة.وشغلت ثالثة أرباع المقعد مما دفع بالسائق لالبتسام بخبث ... تمش األمور معك عىل ما يرام ،دكتورنا الغايل. ـ لم ِ تجاهلت مزاحه ،فقد خشيت أن تنتبه السيدة بأنها المقصودة،وبدأت أبحث عن منفذ للهواء ،يخفف من رائحة تعرقها أتتعرق بكانون؟ كنت قد تعودت عىل رائحة البارود المتسرب بدماء الجرحى،لكن ما أن خرجت من دوامة ضحايا الحرب ،حىت عدت إىل نزقي ،هان األمر ّ عيل بتذكري ما تركته يف المشفى الذي أختص به.
أغلقت كتايب ،ورحت أراقب الوشوم المغروزة بتجاعيد وجهها ،واليت تعطي صرامة لوجهها العابس .عينيها كعيين الصقر .الجمود فيهما يخبئ حزنا دفينا،أرى يدها عدة أكمام فوق بعضها البعض.. كم عباءة ترتدي هذه السيدة؟.
شعرت بالعداوة اتجاهها ،قد يكون لتوتر أعصايب من رائحة العفن، أو لخيبة أصابتين باشغالها مكان صبية الحلم ،بل ربما من ازعاجها المزتايد مع مرور الوقت ،ومع كل انعطاف للطريق،تحشرين أكرث وأشعر أنين بالكاد اتنفس ،فقد تركت جسدها بال مباالة ،كتلة حرة دون أن تقاوم ،عىل األقل لو تتمسك بحافة المقعد،حاولت ان ألفت نظرها بتأففي لكن خجلت من شيخوختها ،و لم أتجرأ عىل قطع شرودها المستمر ،وبت أشك برؤيتها يل ،فمالمحها الحيادية ال توحي بأنها تهتم لمن يجلس بقربها. ساعات طويلة تفصلين عن طعام أيم .ماذا تطبخ هذه ألوالدها؟ وماذا لوكانت أيم؟ .سألت نفيس ..هل كنت سأتافف منها،راح ذهين يخلق لها األعذار،قد تكون مهجرة،أو عىل سفر طويل ،تمنيت أن أفتح حديثا معها›، لكن صمتها المربم حال دون ذلك. رددت عىل رسائل أيم باخبارها بانزعاجي من رفيقة السفر هذه، ّ ّ عيل ،تنصحين بتجاهل األمر التفاصيل،وتهون أيم تهتم بأدق المهم أن أصل بالسالمة. أجفلين صوت السيدة حين دقت بكفها عىل صدرها ،ومدت كامل جذعهاصوب مقدمة الحافلة ـ اهلل أكرب ياساتر .... جاء ذلك تزامنا مع صراخ السائق وهو يوقف الحافلة فجأة:
باب القصة القصرية
ماذا لو كانت أيم؟ ـ أكلناها ياشباب .حاجز إرهايب . عكست المرآة نظرات أبو مصطفى القلقة و ّ عيل والخائفة.بل المشفقة شعرت المسلطة أنه يشيعين. .صعد اثنان من المسلحين إىل الحافلة ،بينما أحاط بضعة منهم بمقدمة الحافلة ،وأشهروا ّ الدم يف عروقي .. بنادقهم عليها .تجمد ـ اهلل أكرب ...اهلل أكرب .صرخ أحدهم وكأنه يكرب عىل ذبيحة . قال اآلخر بلكنة غريبة قريبة للفصحى: ـ عسكري ـ موظف بالدولة الكافرة ـ أو ومن تلك الطائفة اللعينة يسلمنا نفسه ورأسه فورا لنقطعه ..مفهوم ... ّ عيل، يا لسخرية القدر ،أغلب شروطهم منطبقة ّ لجز عنقي . وكافية تراءت يل أيم ،تنتظرين عىل طاولة الطعام، وصوت أيب يطن بأذين ،وهو يديل بنصائحه ّ مذل ولو برسالته األخرية يل( ،ال تستسلم ألسر كلفك ذلك حياتك). كيف يل أال استسلم وانا األعزل إال من ذعري. شعرت بأن السيدة.تراقب ارتجاف ساقي ،وضعت يدها بحنو عىل ركبيت. وقبل أن يصل المسلحان ّ إيل ومع انشغالهما بهويات المسافرين ،نكزتين وبدأت تسرد أوامرها يل،بهمس يخرج من حلقها دون أن تحرك شفتيها ونظراتها تتابعهما: ـ بسرعة هات ..هات ياولدي ...هات اعطين مامعك . ناولتها محفظيت وهاتفي ،رفعت منديلها الملفوف عىل عنقها ،وأسقطت ما بيدها يف عبها بخفة ساحر .ثم فتحت محفظتها الرجالية ُ نسيته بيدي، المشققة .أما الكتاب الذي َ ّ ودسته تحتها برشاقة مذهلة. خطفته بغضب كانت تتصرف بثقة ،وكأنها متدربة عىل ً ً مستسلما مرتبكا أمامها، هذه المواقف ،بت ّ التتفوه لتعليماتها الصارمة ،تهمس يل: بحرف. صرخ يب أحدهما: ـ هويتك .. .لم أجرؤ عىل النظر يف عينيه .صرخت هي بوجهه:
[هذا ابين ،اهلل يحميك ..دعه يل ،هو أخرس ،ال يتكلم ..وال يسمع]. هويته معي ....نعم معي نحن من دير الزور،وعادت تولول ...هذا ولدي ...أخرس ..أخرس ال يحكي . وكأنها تؤكد عىل أوامرها يل بعدم السمع أو النطق .. ـ .آخ يا ولدي .... حرموين منك ياولدي ...ما شبعت منك ياعمري. تابعت بصوت مفجوع. تشد رأسي إليها تريد إخفاء وجهي تحت إبطها. ً ً ُّ مذعورا يف شعرت بالتالشي،بت طفال صغريا ً حضن أمه. ً أوراقا .....بيديها المرتجفتين أخذت تخرج مصفرة من محفظتها ..،امتدت األشواك من شفيت ،أخذت أتصبب ً ّ عرقا وخوفا حلقي إىل ً.خشيت عليها من موت يقرتب منها باحتمال انكشاف أمرها..وسمعت صوت ورود الرسائل إىل هاتفي المخبأ يف ثنايا عباءتها ..كصوت قطرات الماء ... نوافذ الحافلة تكاد أن تتهشم من ضغط ً هلعا األصوات المتداخلة عليها ،نساء ينتحبن ـ وأطفال يصرخون بذعر شديد .وصيحات المسلحين اهلل أكرب ...اهلل أكرب.الرجل الذي خلفي يرتل آيات قرآنية لينجو بروحه .بدا الجو جنائزيا مع غروب الشمس ،وبالتدريج بدأت انفصل عمن حويل ،اقتصر وعيي عىل إرهايب تكفل بالتحقيق معها وعىل ولولتها وندبها الهستريي،ملوحة بكمها الممتد كراية سوداء خارج كفها ،ولشدة صدقها بما كانت تفعله صدقتها. شرعت تخرج األوراق...بطريقة مسرحية مذهلة ... ..ألفي لرية هل تريدهم؟هذه شهادة معهد الصم والبكم ..وهذه شهادة طبية ،وهذي هويته ..وأسقطت من يديها هوية مشروخة. وغطتها بقدمها ،فخيمت بطرف عباءتها الواسعة عىل هوية ابنها ،وراحت تبكي وتبكي مع عينيها كل مسامات وجهها، يعلو صدرها ويهبط مع لهاثها المخيف- مسح المسلح بنظرة قاسية مشككة وجهينا ...ودفع بعقب بندقيته يدها المحملة باألوراق فتناثرت.صرخ بها :اخرسي ياامرأة. وتابع حصاده ببقية الركاب . ..سارا بضباب الرؤية ،واناأغوص يف مقعدي ،أثبت فكي بيدي كي ال أسمع اصطكاكه. لكنهما تجاوزانا .نسيا أن يعودا إلينا،أم أنهما اقتنعا بأدائها االرتجايل المذهل ،والذي لم تتوقف عنه حىت جاءها صوت كالعواء ـ قلت لك اخرسي ياامرأة ...أوجعت رأسي بنباحك.
الكاتبة صديقة علي
انحبس نشيجها،وتمسكت بيدي ،تشد أصابعي بكل قوتها ،حىت شعرت أنهم التصقوا ،وفقدت الحركة بهم. عاد البلل إىل حلقي برتجلهما من الحافلة، وبانزياح شبح الموت عنا. مع سري الحافلة الناجية سارعت بانحنايئ
اللتقط ما أسقطته ،ارتطمت جبهيت بركبتها، و فاحت من قدميها رائحة أرض موحلة . ّ مدت يدها إىل ّ عبها ،أخرجت منديال قماشيا ومسحت وجهها به ،بدأ تنفسها يهدأ ببطء، كمن توقف للتو عن الركض. عادت الحافلة للتوقف ّ توجست الخطر مرة أخرى ،ال سيما أن السائق ّ معلقة لم يربر توقفه ،وظلت نظراتنا المتسائلة به ،وهو يقفز من مقعده ،ويتجه صوبنا .انحىن بسرعة عىل رأس السيدة يقبله،ويقول بأعىل صوته وكأنه يتكلم بلسان الجميع وينظر إيل تارة وإليها تارة أخرى بعينين تشع السعادة منهما : ـ بارك اهلل بك يا أخيت ،كيف استطعت أن تتصريف بهذا الشكل المحيرّ ؟. ابتسمت بحزن شديد ،وعىل زاوية فمها تجمعت دمعتان يف أخدودين ،وكأنهما أعدا لذلك. أجابته بجمل متقطعة : ـ يا أخي أنا ما فعلت إال ما أحسست به ،إين عائدة من دفن ابين ..هربنا إىل الشام خوفا من أن نموت جوعا،فقتلوه بسيارة مفخخة ...المجرمون ال يعرفون بأن ولدي لم يسمع صوت االنفجار الذي قتله ..حىت قربه تصدق المحسنون به علينا. ً مواسيا: وعاد مرة أخرى يقبل رأسها ً شهيدا ...واآلن إىل أين ـ اهلل يرحمه ويحتسبه ً أحدا يف الالذقية؟ أنت ذاهبة..؟هل تعرفين أجابته بحسرة ،وهي تودع بحرص هوية ابنها مع أوراقه بمحفظتها المهرتئة: ـ ال أدري ...أهل ما عندي ...زوجي مات وارتاح قبل الحرب ،وتابعت تكلم نفسها ،مع تنهيدة حارة خرجت من أعماقها. (آه ...هنيئا له ما شاف الذي شفناه...مافجع بولده) . صافحين السائق ومضى يصافح كل الركاب،. مهنئا إياهم بالسالمة وأخذ يخربهم :المسلحون غادروا عىل عجل وكأن اشارة وصلت إليهم بأنهم يف خطر ،لذلك فشلوا بكمينهم هذا. ـ عىل عجل ؟قلت يف نفيس أي عجل وإحساسي يشري بأنه مضى دهر عىل احتجازنا !. راحت منقذيت تحمد اهلل عىل سالميت ،وتعيد يل أشيايئ اليت عبقت بالمسك .تطهرت دموعي بظهر كفها ...وتمتمت بشكرها لكن خذلين حلقي. بحنان غامر مسدت رأسي وهمست (:اهلل يحميك ألمك). أعدت يدها الدافئة إحساسي بالطمأنينة ،و أعادت صويت. ُ فتحت هاتفي عىل ابتهاالت أيم ،كي أصل ً بيد خجىل: سالما ،فكتبت لها ٍ اطمنيئ ...سأصل بعد قليل بصحبة أيم ...سأقيم مجلس عزاء.
23
باب القصة القصرية
حزن الفرح .. قهقهة الحزن طاو من األشواق ثالثة أصناف ،للبيت للسهل مشتاق هو، ٍ وأوال لألصدقاء ،جاء كظمآن يرد حياض الماء بعد طول ترحال تحت السماء ،والطارق ،وشمس النهار ،جلس بين أقاربه الذين لم يصدقوا احتفاظه بتلك الذاكرة ،اليت سرعان ما لمع بريقها ،وهو يتمعن يف وجوه بنات أخته، وأوالدهن ،اعتمد المالمح واألصوات مصدر إلهامه لتميزيهم ،طلب إحضار مهباج القهوة ،فأحضروه من مكانه اآلمن حيث احتفظوا به نصف قرن من الزمان إليمانهم بنبوءة أمهاتهم« :سريجع أخونا.سريجع، ويجتمع شملنا بإرادة الخالق».وصربنا ،فخجل األبناء من َ المه ٌَجر سخريتهم إزاء انتظار أمهاتهم ألخيهن الغائب عن بالده ،وأراضيه وعقاراته الكثرية ،اليت استوىل عليها االحتالل .وجاهدت األخوات يف االحتفاظ ببعض األراضي ،بعد أن دفعن كل ما يمتلكن من مجوهرات، ومدخرات ،واقرتاض من األقارب ،والمقربين ،احتفظن ببعض مالبسه ،وكوفياته وقمبازه المخطط باألسود واألبيض ،وحطته الروزا. بكى بشدة لعظيم إخالصهن ،وبعد الحديث الذي استمر ليال سبع تباعا دون أن يناموا إال سويعات اختلسوها من ساعات النهار ،أعلن الخال سعيد طوييس أنه يريد زيارة صديقه يف قرية كفر ياسيف المجاورة ،وعدوه بتنفيذ الزيارة يف الحال ..فهم عىل استعداد إلحضار لبن العصفور من أجله.
الكاتبة اسمهان خاليلة
24
يف اليوم التايل ،استحم الخال سعيد ابن العقود الثمانية ،قضى نصف قرن منها يف المهجر ،لبس حطته البيضاء المغسولة بالصابون والنيلة اليت منحتها تلك الزرقة العميقة الجذابة مع بياضها ،تناول منديل القماش ،فهو ال يحب (الكلينكس )الورقي الذي يتفتت عىل الوجه حين مسح العرق. ها قد وصلنا بيت صديق شبابك مازن سرور.اغرورقت عيناه فلملم شفتيه ،تمخط وبذل جهده الستعادة رباطة جاشه اليت وعد بها... فصديقه يعاين بضع أمراض شيخوخة ،دلف الباب مع مرافقه من أبناء اخته، - :يا ساتر ... ُ خرجت امراة متقدمة يف العمر أحدودب ظهرها بعض اليشء- :تفضل ..وجعلت تتفرس يف وجهه : هذا الوجه مألوف ..دعين َأتملىٌ من وجهك قليال ..قالت بانفعال وهو يتخذ مجلسه، »بهاتين اليدين وضعت لك طعاما ،من زمان..زمان كثري؟!» صفنت المرأة ،احتفظ بصمته مبتسما »-راح تعرفيين يا عربية ،خخخهه « وأطلق ضحكته الشهرية بصوت خفيض »- :...أنت ..أنت سعيد الطوييس ،ورحمة ابين وأبوي وأيم .أنت سعيد الطوييس»...
وكاد أن يغمى عليها ..أجهشت بالبكاء، اقرتبت منه»- :إسمح يل بأن أقبل جبينك ،وأشم رائحتك». ً واقفاّ ، شد عىل يديها ،نظر إىل زوجها انتفض مازن ..وكان ينقل نظره بينهما بذهول المصدوم من مواجهة شبح.. اقرتب سعيد من مازن»- :مازن تعال .»..شبك ّ المتعرقة المرتعشة أصابعه يف يد صديقه ُ بفعل المرض»- :هيا أنقل قدمك يا مازن .. أرجعها للوراء ..إقفز قفزتين إخبط قدمك بشدة: ِ »جفرا ويا هالربع ،ربع الفدائيةمية وعشرين سبع صاروا خمس مية» وارتفع صوت مازن مرددا : »قالت قديش العدد»ولولح سعيد الطوييس بمسبحته العبا دور رويس الدبكة ،وارتفع الصوتان األجشان المتعبان: »هذا جيل الثورة ،انطلقييا ثورتتا ِم ّدي ».. وصرخ مازن سرور : »ولك سعيد ،يا حبيب قليب «تعانقا حد االلتحام ،بكيا حىت النشيج ..ضحكا حىت الهسترييا.... نصف قرن عىل أخر لقاء لهما ،قبل إلقاء القبض عىل سعيد وخرية شباب البلد مجد الكروم، وإيداعهم شاحنة انطلقت شماال نحو الحدود اللبنانية .وصار رجوعهما تسلال ..قرن من عمر الزمان مضى عىل أمنية سعيد طوييس.
باب القصة القصرية
حين تسقط ورقة التوت عن أوهامنا الكاتبة
الدخان كثيف ،روائح التبغ والمشروبات الكحولية ،وموسيقى الجاز تمأل األجواء يف البار ،الذي يقصده كل مساء سكان الحي المجاور ،الذي يفيض الفقر عن حاجة قاطنيه ،لكنهم ال يتوانون عن طقوسهم مهما جاعت بطونهم ،يجدون يف الخمر ً أرق ُ ً سيلقي القبض عىل مالذا آمنا، الرديء ،الذي يقدمه لهم يعقوب، وهروبا من ٍ َّ غفوتهم ،فيما لو لم يأتوا إليهُ ،م َّ حملين بكوابيس ليلتهم السابقة حين يتعذر عليهم ِّ شح النقود يف جيوبهم. المجيء بسبب
ريتا الحكيم يعقوب ال يشرب الخمر ،لكنه يبيعه لهم، َّ والشبق وهم يراقبون اللذة، يشرتون منه لحظات ِ فتيات الليل ينادمن زبائنهن. يف الزوايا المعتمة من البار تتشابك األيدي، وتكرث الهمهمات ،والوشوشة ..ثم فجأة تعلو ً معلنة عن بدء طقوس الضحكات الهستريية، َ ذواكر يائسة لخلع أثواب محاوالت الثمالة يف ٍ ٍ بثقوب لم ينجح النسيان وممتلئة مثقلة بالعفن، ٍ ٍ ٍ يف رتقها. رواد البار الدائمينَّ ، كنت من َّ أتأبط خيبة أيايم الماضية ،وأعاقرها خمرة يعقوب الرديئة ،ثم صغرية، كطفلة أجلسها عىل حضين ،وأداعبها ٍ ٍ لم أفلح يف إنجابها ً يوما. تصدح الموسيقى يف األجواء ،وتبدأ القدود المياسة بالرقص ،والعناق الحار عىل أنغام ً شغوفا أغاين الستينيات ،اليت كان يعقوب بها ،وهذه هي المزية الوحيدة اليت جعلتين ال أنقطع عن البار رغم كل سيئاته. ً بعضا منيِّ هنا يف هذا الجو الخانق أستعيد بعد عدة كؤوس ،وتبدأ رحلة العودة إىل الوراء ،إىل «شام» الممشوقة القوام ،ونهديها العارمين حين يعانقان زرقة السماء ،كيف يجتمع رخام صدرها وقبة السماء؟ لطالما سألتها عن السر يف ذلك ،كانت تجيبين َّ شفيت لزتيد بقبلة وعناق ..تضع سبابتها عىل ِّ أطوق خصرها ،الذي يشبه من شهويت وأنا ً مدنا ً بكرا لم تطأها أقدام الحربُ ،تلقي برأسها الجميل عىل كتفي ،وجسدها البض يلتصق ً ُّ َّ تمت وطني ًة ال حمة بجسدي لنشكل بذلك ُل بصلة لتلك اللحمة اليت يتداولونها يف النشرات ٍ اإلخبارية والصحف المحلية. «« »La fouleشام» تذوب بين ذراعي ،وأغنية «إديث بياف» كل ِّ هربا من ِّ تطوينا تحت جناحيهاً ، الشعارات اليت أتخموا بها عقولنا القاصرة ..الجسد هو َّ ُّ اشتق ِت الحياة اسمها ،وعنوان األم ،منه الوطن سكنها. يبدأ اآلن دور يعقوب يف الشتم وكيل اللعنات عىل السكارى ..أصحو من رحليت ِّ وأربت عىل كتف يعقوب يف إىل الماضي محاولة مين لتهدئته ،وإقناعه بأنه يتصرف مثل رجال ُّ السلطة مع الشعب ،حين يقطع أعناق أحالمهم ..أو يئدها َّ حي ًة ..أو تحت التعذيب يف أقبية الموت. لم أتمالك نفيس ،وقلت له:
دعهم يف أحالمهم الوردية ،ال تمارس القمعمعهم ..يكفيهم قمع رجاالت الوطن. يطأطئ يعقوب رأسه ،ويعود أدراجه إىل مكانه المعتاد بين زجاجات الخمر والكؤوس ،وال يغادرين إال وهو ِّ يكرر سؤاله اللجوج: ألم تسأم من أحالمك؟ ،وترتفع ضحكتهلتقطع صمت الجدران الحزين.
آه! كيف يختلط الماضي بالحاضر لمجرد أن تسمع أغنية ..أغنية نقلتين بكل خيبايت، وانكسارايت إىل حضن «شام» الدافئ ..إىل رائحة الليل الحالك يف َشعرها ..إىل صوتها وضحكتها ..إىل عنادها وهي تمعن يف رجعة ..إىل تقبييل ،وكأنين سأغادر إىل غري ٍ همسها وهي تلعق شهويت عىل جسدها.
طلبت زجاجة أخرى ألكمل درب نزوحي إىل رحم الذكريات ،وأطفئ حرائق مدينيت بأعقاب سجائري وكأنين أنتقم لها ،ولنفيس و»لشام». «شام» ناشطة سياسية تدعم األحرار ،وتدافع عن المعتقلين ..إنها فاكهة الجنة عىل األرض، َّ دخلت السجن َّ ومرات ،ولم تتحدث معي ات مر ٍ عن معاناتها بين القضبان ..وألنين أحرتم صمتها ،لم أسألها عن أي شيء ..تركت لها األمر وأنا عىل يقين أنها ستفضي يل ،وتبوح بأدق التفاصيل حول تلك المرحلة اليت تشاركناها، حين كانت داخل السجن.. وأنا كنت خارجه. كيف لهذا القلب النابض بالحب ،والفكر النيرِّ أن ُي َّ زج به يف أقبية التعذيب؟ كيف لهذا الحماس أن يدفن يف رطوبة القهر؟ هذه األسئلة ما فتأت تنخر تفكريي ،إىل أن ُأ َ فرج عن «شام» ولم أصدق ذلك إال حين رأيتها بكامل عنفوانها ،وحزنها البهي تعانقين؛ لتخفي بين ُ عجزت عن دموعها ما سؤالها عنه. كانت «شام» تتحاشى َّ عيين ،وكلما النظر إىل حد ُ َّ قت يف زرقة عينيها، تغمضهما ،وتقول يل برباءة طفلة: َّ أسرتنا، هيا بنا نكمل الحلم عىل مفارشوتحت وسائدنا ..هناك ُن ُ بعث أحياء ..هناك ُن َّ خلد سأنجب َ ً َّ ُ وطنا لك سة ..هناك كأيقونات مقد ٍ ٍ َ ُّ َّ الحرية ،وفسحته تطل عىل يشبهك ..شبابيكه َّ السماوية تزخر بأغانينا المفضلة. هل تذكر هدييت األوىل َلك ..مجموعة أغاين َ لديك؟ «إديث بياف» األثرية يف هذه اللحظة اليت كنت أستعيد فيها حواري مع «شام» ،عال صوت «إديث بياف»وهي تغنيِّ : »»La vie en rose
َ وضعت يا لك من شرير أيها اليعقوب اللعين! عىل جرحي َّ ً ملحا ..كيف سأسامحك، النازف َ وأنت تغرز يف خاصرة شوقي إليها كل َ َ وخناجرك! سكاكينك استقر الوهم الجميل يف رؤوس الشاربين بعد أن هدأ يعقوب ،وعاد المقهورون إىل ملء كؤوسهم ،ومتابعة ما فاتهم من أحالم بسبب وعدت أنا ً ُ أيضا تصرف يعقوب غري المسؤول،
إىل َّ بوابة العشق األوىل ..أخطف القبالت، واللمسات ،وأحشو بها أكمام الذاكرة ،وجيوبها الواسعة؛ ألستعين بها عىل سجين الجديد بعد رحيل «شام» إىل السماء البعيدة. ٌّ ُ لالجئ وحل مثايل الموت عالج ناجع ألمثايل، ٍ ُّ يتخبط بذكرياته. رحل عنه الوطن/شام /وتركه مألت كأسي األخري ،وتجرعته دفعة واحدة ُ ً ً عانقت «شام» مقنعا أغادر به البار.. سببا ألجد ْ َّ األول واألخري ،ومسحت دموعها وهمي َّ وعد مىن بالعودة وجنيت ،عىل المنهمرة عىل ٍ إليها ً قادم األيام. غدا ،وما يليه من ِ
25
باب القصة القصرية
من يطرق الباب؟ ً ٔ استامنه صاحب البستان ليكون وحيدا يف غرفته الطينية وسط البستان، ً ٔ ٔ ٔ حارسا ..تجربة زواجه لم تدم اكرث من ثالثة اشهر ،والتحقت باهلها يف امراة ..فقد َ ٔ المدينة ,فقرر عدم الزواج بعدها ،لقناعته ٔانه ال يصلح ٔ بان الية ٓ ً وقر ْ ّ رت طلب التفريق.. كاالخرين.. فحال لزوجته عجزه التام يف ٔان يكون وافق عىل مضض ،وترك المدينة ليتفرغ لحراسة البستانٔ ..ايامه ٔ االوىل ٔ جرو يونسه ،لكنه عرث عىل كانت ثقيلة الوطاة عليه لعدم وجود من ٔ ِ
الكاتب عمر حمش ّ ليعوضه صغري ماتت ٔامه بلدغة ٔافعى ..احتضنه ً ُ يوما ٕاثر يوم ،وهو ينمو ويكرب اليتم ،كان يراقبه ً كلبا قوي البنية ..وارتبطا معا بعالقة حىت غدا ٔ وااللم، روحيةٔ .ازالت عنه شعوره بالوحدة، وفراق ٔ االحبة ..لم يكن له ٕاخوة ,ماتت ٔامه بالسرطان ،وتبعها ٔابوه بالسكري حىت ذوى، ومات بعد سنة ..كان يجمع وارد البستان من النخل ،ومنتوجهٔ ، واشجار الحمضيات .يدفعه لصاحب البستان بعد انتهاء كل موسم ..تلك متا ً الليلة عاد ٔ خرا لغرفته بعد طواف طويل حول ً جانبا من سياجه المتهاوي البستان ،وتعديل يف ٔاحد ٔاركانه ,التفت؛ لم يجد كلبه يتبعه.. دهش لعدم انتباهه طوال مسافة الطريق.. بحث عنه يف الجوار ،فلم يعرث عليه ,قضى ليله ً حامال معه فانوسه النفطي ،حىت يبحث عنه ٕاذا ما ٔاجهده البحث عاد حزينا لفقدهٔ ..اخذ يف اليوم التايل يتفحص البستان شجرة شجرة، ً وعشبة عشبة. بحث عنه يف القرى المجاورة؛ لم يجد له ٔا ً ثرا. ً ً كي ً العنا حظه حزينا, يبا ليعود ٕاىل غرفته ٔ اليسء بفقدان كل شيء يف الحياة ..استسلم لحزن كبري وهو يتذكر الذين رحلوا ..استسلم ٓ الهات بدموع حبيسة اخزتنتها المحاجر يف ذاكرة الزمن ..وحين كان يدخن سيجارته ،وهو يمال غرفتهُ ،ط َ ٔ رق عليه ينفث دخانها ،الذي ُ ينهض الباب عدة طرقات متالحقة سريعة.. ً ً ً يمينا كثريا ،ثم يفتح الباب ..يتلفت مفزوعا ،يرتدد ً وشماال ..لم يجد ٔايما ٔاثر للطارقّ .. توجس من تلك الضربات عىل بابه الخشيبٔ ،اخرج بندقيته من تحت سريره المتهالكٔ ..القمها الرصاص.. حمل فانوسه النفطي ،وخرج يتفحص المكان شيي ًا ..عاد الذي يحيط بالكوخ ..ولما لم يجد ٔ منح ً ّ يا البندقية ٕاىل غرفته ،وجلس عىل سريره ً براسه ٕاىل ٔ جانبا ..يطرق ٔ االرض ..عادت تلك ّ يتحرك ،وبدا الطرقات تثقب ٔاذنيه من جديد ..لم ينظر بقلق من فتحة الباب السفلية ,الفراغ ً خاليا ،تغمره العتمة .وال ٔاثر ٔاسفل الباب كان َٔ ٔ اتكا عىل سريره ،وراح يدخن سيجارة الحد. ٔاخرى ،وقد بدا عليه القلق ،وساوره خوف مريب.. ً واضعا زنديه خلف ٔ راسه. حاول ٕاغماض عينيه َ َ َ ورفعت تزوجت، تعبتك معي يا ولدي ..لو لقد ٔاموونة التعب. عن كاهلك ٔ
26
لن ٔا تزوج يا ٔايم ٕ ..اين متفرغ للعناية بك،وجودك يا ٔايم . الحاجة يل بامراة ..يكفيين ِ الدراسة تركتها من ٔاجيلٔ ،ا َو ترتك الزواجٔا ً يضا..؟ يا لتعاسيتٔ ، روية ٔاحفادي! وانا ُٔاحرم من ٔ تناهت ٕاىل ٔاذنيه طرقات ٔاخرى عىل الباب ٔاقل ّ حدة من سابقاتها ..فتح عينيهٔ ..القى نظرة ً محاوال طرد سريعة ..ثم عاد ليغمض جفنيه هذا الهاجس اللعين .. ً َ َ رجال كما ينبغي.. لست كنت تعرف ٕانك ٕاذالماذا تزوجتين ٕاذن ؟! موقت ،وسزيول. ارحميين ٔاِ رجوك ..ربما عارض ٔ وانا ٔانتظرك عىل ٔا َّ منذ ثالثة اشهر ٔحر من الجمر َ .. لم تعذبين هكذا ؟ ال ذنب يل يف ذلك ..ربما ٔاعاين من علة ما ؟ ّطلقين ،ودعين ٔارحل ٕاىل ٔاهيل ..ال ٔاستطيع البقاء مع زوج يفتقد الرجولة . ْ جفلت عىل ٕاثر الصفعة اليت ّ دوت عىل وجهها ..لم يرها بعد ذلك ٕا ّ ال يف المحكمة عندما حكم القاضي عليه بالتفريق ،وهو يطالع التقارير الطبية اليت ٔامامه ..ثمة طرقات خفيفة عاودت َ الطرق عىل حافة الباب من ٔ ينهض االسفل. ً ً ّ تطلب الطالق النار ٕان حامال بندقيته متهيئا ٕ ٔ االمر. َ لمح من تحت حافة الباب الخشيب ،ثمة ظل
ُ ٔ تمرق سريعا ،وتعاود الظهور من القدام تتحرك خالل خيط النور ،الذي يبعثه الفانوس المقابل للباب _من عىل الباب؟ ٕان لم تجب؛ ٔ ساطلق النار.؟! صاح بصوت عال ،لكنه لم يسمع جواباّ ، توقف ِ قليال بعد ٔان انقطع الصوت ،وشمل المكان هدوء ينذر بيشء ما ٔاخافه ،لم يلبث ٔان عادت الطرقات ٔاسفل الباب من جديد .طرقات باهتة يختلف ٕايقاعها عن اليت قبلها .يفتح النار بنفاد ُ ينطلق مع صرخات الرصاص ،ال صرب ..كان صوته يستطيع تفسري تصرفهَ ، لم كان يصرخ مع صوت الرصاص الهادر. َ مطر الباب برشقة سريعة ،وتطاير نثار ..عندما ٔا َ سمع الخشب من ٔاضلع الباب يف كل جهة.. صرخة ،صرخة غريبة لم يفهمها ..تشبه صوت ً حامال حيوان جريح ٔافزعه ،خرج يسري بحذر ً ّ ُ يسل ُط الضوء قليال ،وينظر.. يفتح الباب فانوسه.. يف كل ٕاتجاهَّ .. تعرثت قدمه بجثة ..لم يتبينها ً ٔاول ٔ جيدا االمر ..يقرتب منها ..يركز الضوء عليها الحايط الطيين، يتكي عىل ..يرتاجع ٕاىل الوراء. ٔ ٔ ويزفر بمرارة ..يريم البندقية عىل ٔ االرض، وينحين عىل الجثة المخضبة ّ بالدم ،تغرورق َّ يمسد عىل وجهه ..يتحسس عيناه بالدموع.. بوزه المديمّ . فرايه يمرر ٔاصابعه المرتعشة فوق ٔ َّ ٔ المهشمة.. قوايمه االبيض الندي ..يتفحص ٔ ً يسحب ٔ راسه ليضعه يف حجره ،ويجهش باكيا..
باب القصة القصرية
الشاهدة
الكاتبة
ت �ت��دف��ق ال �ك �ل �م��ات ال�ل�ط�ي�ف��ة م��ن ف �ي��ه ،ب�ش�ك��ل غ�ي�ر م �ع �ه��ود ،ق��د س�م�ع��ت أن�ه��م غ� ��دارون ،أن�ه��م يستعملون ال�ع�ن��ف م��ع األص��دق��اء واألع � ��داء ،وإن وج ��دوا ه��ذه ً خريا ،وأنهم الوسيلة لن تجديهم نفعا ،التجئوا إىل طريقة أخرى ،يأملون فيها يغيرّ ون من الوسائلّ ، علهم يحققون النجاح يف مسعاهم .تتواىل الكلمات المزوقة ،ذات المعاين الرقيقة ،أص��دق أحيانا مزاعمهم ،وأنهم ي��ري��دون يب ً خريا ،وأنين هنا لتوضيح بعض األمور ،اليت ما زالت غامضة أمامهم ،وتتطلب الشرح والتوضيح .حدثين األصدقاء والمعارف عن أساليبهم المختلفة ،اليت يتبعونها مع األشخاص ،لحملهم عىل تنفيذ ما يحبون.
صبيحة شبر
ً أنت صادقة ،ال تحبين عنك سمعناكثرياِ ، ِ الكذب ،وال تودين االقرتاب منه ،تقولين الحقيقة كما هي دون تغيري .أذكري لنا اآلن، ماذا حدث بالضبط؟
ٌ أهل للتقدير، أنك الناس يمدحونك ،ويقولون ِ ِ ً أيضا ،فاخربينا بما دار من أحاديث، نقدرك ونحن ِ نعيدك إىل وما تم االتفاق عليه من أمور ،ونحن ِ مزنلك معززة مكرمة. ِ
إنهم لطفاء حقا ،يقولون الكالم الجميل، ً بعيدا عن ويعربون عن أنفسهم بأسلوب رقيق، فحش القول ،كما اعتاد أعداؤهم أن يتهموهم.. كنت حاضرة أنك ِ قويل لنا ماذا حدث ،بلغنا ِسمعت ما تحدثوا به ،واصفين وأنك مع القوم، ِ ِ ً أعماال قاموا بها ،فما حقيقة هذه األعمال؟
ول َم أحضروين لم أفهم ماهو المطلوب مين؟ ِ ً ً مقاال يف مجلس كالما إىل هنا؟ وأنا لم أسمع معين .أصحايب جاءوا إىل مزنيل ،وكانوا يتحدثون عن كتاب ،استعرناه من أحد األصدقاء، واطلعنا عليه كلنا .كتاب يتحدث عن العائلة، وضرورة بنائها عىل مفاهيم الحب،واالحرتام، وليس يف الكتاب شيء جديد.
الغموض يحيط بالكالم ،أي قوم يريدون االستعالم عنهم؟ لم أحضر أنا مجلسا ،منذ ّ وأفضل البقاء زمن طويل ،فأنا قليلة الخروج، يف المزنل ،لزيورين أصدقاءي يف داري بدال من الذهاب إليهم .واألشخاص الذين أعتربهم ُ كنت أعرف الكثري من أصدقاء يل قليلين ،وإن ممن ال يرقى إىل مستوى األصدقاء. الناس ّ مزنلك نعيدك إىل سمعت ،وسوف اخربينا بماِ ِ ِ عليك إال إبالغنا بما قبل أزوف ساعة ،ليس ِ وأنت صادقة كما سمعنا. تعرفين، ِ
الغموض سيد الموقف ،ماذا يعين هذا الرجل؟ وعن أي شيء يتحدث؟ ومن هؤالء ً ُ مجلسا معهم؟واستمعت إىل حضرت الذين ّ تحدث الناس ،أو أحاديثهم؟ وما شأنه هو أن صمتوا؟ وكيف يطلب مين أن أنقل إليه أحاديث عما يجول أشخاص وثقوا يب؟ وعبرّ وا أمايم ّ يف أنفسهم ،لم أعتد عىل نقل األحاديث مهما حدثت من أمور .ال أحب دور الواشي .ال أود أن أخون ثقة الصديق. قويل الحقيقة فقط ،ماذا قال أولئكاألشخاص؟ وما هي األنشطة اليت يرغبون بالقيام بها ،من يتعاون معهم؟ بك ،ويطمئنون أنك قريبة منهم ،يثقون ِ سمعنا ِ اطالعك عىل خبايا إليك ،وال يخشون من ِ ِ قلوبهم. يريدون مين أن أخون ،وأن أغدر بأصدقايئ،وأن أنقل أحاديثهم ،أتخىل عن أحبايب ،الذين منحوين ثقة كبرية ّ عز نظريها. أصحابك؟ منك غري الحقائق ،ماذا قال ال نطلبِ ِ أنك ال تشاطرينهم وكم مرة اجتمعتم؟ نعرف ِ نعرفك تمام المعرفة. ندينك، آراءهم ،نحن ال ِ ِ
فلماذا يرغب هؤالء باالطالع عىل ما دار بيننا من أحاديث ،حول العائلة ،وتعزيز الوشائج بين أفرادها ،وضرورة القراءة الهادفة.. جماعتك مخربون ،نحن نعرفهم ،إنهم دود ِ الكتب ،يكرثون من القراءة ،ويكتمون ما يجول داخل نفوسهم ،لماذا ال يعلنون عن آرائهم، وعن حقيقة عواطفهم؟ مصلحتك أن تخربينا البد أنهم خائفون ،من ِ عن خفايا نواياهم ،هيا قويل - :ما هي أهداف تجمعكم؟ لماذا ال تعلنون عنها؟ ولماذا تكرثون من القراءة بهذا الشكل المخيف؟ منك، ماهي مطامعكم؟ كلمات قليلة ،نطلبها ِ مزنلك بسالم. فوليها ،وعودي إىل ِ يرتفع الصوت ،ويضحى صراخا : أنك منهم ،إن لم تتعاوين معنا، سوف نعلن ِنجربك عىل لماذا تعاندين؟ لنا أساليبنا ،وسوف ِ نمنحك الحرية، ذكر ما نحب ،ولكن اآلن نحب أن ِ هيا قويل ما تعرفين ،ال فائدة من الصمت، أذكري ما دار بينكم من حديث. ً نباحا: يعلو الصوت ،ويغدو كلهم تكلموا ،ال تحاويل التسرت ،جاءتنا األنباءوندعك تعودين أنك معهم ،أذكري ما تعرفين، ِ ِ مزنلك بالتقدير ،واالحرتام. إىل ِ ّ تحيطك الحرية ،لم لسانك، وجف فمك تيبس، ِ ِ ِ منك؟ ولماذا أخذ المطلوب هو تعريف بعد ما ِ المتحدثون يصرخون؟ كم مرة اجتمعتم؟ وماذا دار بينكم من حديث؟ولماذا أنت صامتة؟ ومن تحاولين حمايته؟ ما لك ولهم؟ إنهم مخربونُ ،اصدقينا القول ،هيا ِ معك ،ما بسرعة ،لم نعد قادرين عىل الصرب ِ
أنت واالجتماعات؟ ماذا تريدون؟ اللعنة شأنك ِ ِ عليكم جميعا.. ً عما يعلو الكالم ،ويأخذ منحى آخرمتناقضاّ ، ً تعبت من الجلوس، وأنت قد تماما، كان عليه ِ ِ وهذا الصراخ المستمر ،ولم تدركي ماذا أنت بالذات من جلبوها إىل هنا؟ يريدون؟ ولماذا ِ أنك واثقة تمام الثقة أن أصدقاءك أبر ياء مما ِ يحاك ضدهم ،وأنهم فقط يحلمون بجمال العالم ،ومشرق الشمس ،وظهور القمر. أنك لقد تعبنامنك ،سوف نعلن أمام المأل ِ ِ منهم ،تتآمرين ضد سالمة البالد ،وتخططين إلحراق الزرع ،ونفاد المياه ،وهالك الناس ،هيا تكلمي ،قويل لنا ما نحب. شانك أنت بما يريدون، بك ،ما ِ الغموض يحيط ِومن هؤالء الذين يسعون إىل هالكهم، عليك الحرية، وتحويل حياتهم إىل ثبور ،تهيمن ِ ً شرا، بك وأنت جالسة مع أشخاص غرباء ،يريدون ِ ِ لك؟ وال تعلمين أي أنواع من السوء يدبرون ِ تكلمي ،بسرعة ،نفذ صربنا ،سوف نرسلوجدناك معلنين يف طول البالد وعرضها ،أننا ِ عائلتك يف بيت سيء السمعة ،مشبوه ،لنجعل ِ عليك. منك ،تكلمي بسرعة ،اللعنة تتربأ ِ ِ بك ،والخوف مخلوق أخطبوطي الحرية تستبد ِ منك اليقين ،لو تعرفين فقط ماذا يريدون ينزتع ِ منك؟ ِ وجدناك يف بيت سمعتك؟ لقد تهمك أالِ ِ ِ مشبوه ،سيء السمعة. ّ تتعبك أقوالهم ،وتفكرين تمض ِك اتهاماتهم، ِ منك؟ هل يمكن أن تنفذي لهم ما يطلبونه ِ ماذا تريدون أن أقول؟إليك ،خذي هذه الورقة، عقلك قد عاد يبدو أنِ ِ وامضي عليها. ِ لم تعتادي أن توقعي عىل أمر ال تعلمين عنه ً منك الورقة شيئا ،تحاولين أن تقرأي ،ينزتع ِ ً صارخا: هيا بسرعة ،ال ترتدديِ ،امضي عىل الورقةأوال٠..
27
ً جدا باب القصة القصرية
ً جدا باب القصة القصرية قشور
هدى إبراهيم أمون
ً َر ِغ َب بعمل مميزَّ ُي ُ ُ َ ّ َ غاص ممتطيا صهواتها، السياسية اقتحم الساحات وجوده من خالله، ثبت ٍ َ َ َّ ُ ُ َ ُ َ َّ ّ َ ّ بأوحال غربة ملونة المواجع ،تشوهت الحقائق؛ تقنع ،بدت أقنعته مرئية و عنه وحده مخفية. ِ
قنعة
حيدر الناصري
ألبوا ّ َ الن َ ّ الحي؛ ّ اس عليها بعد أن تمنعت.... بيوت طافوا َ َ ُ كبريهم :واآلن أين نقضي ليلتنا!. همس ما إن شطفوا خناجرهم،
شموع
عالء عبدالحليم
مات الزعيم-..قالها المتحدث الرسمي داخل الجنازة الكبرية لوحت إحدى البائسات بمنديلها اخرى لوحت باثنين ..صارمشهد المناديل كاسراب حمام وعىل جنحي كل حمامة ترفرف روح إحدى ضحاياه ..
قوقعة
سالم الغانم
صكت مفاتيح عبوديتها ..أحكمت األغالل عىل معصميها ..انساقت لرغباتهم ...تمردوا .عند أول منعطف تحطموا بشظاياها ...بقيت روحها معلقة!..
سريرة
جمانا العامود
تعر َ للجلد حتىَّ َ َ المحكومينَّ . ض الكثري من ضمت ُن ِف َي ظليِّ إىل جزيرة َّ ِ ٍ َّ َ َّ به َّ يقو عىل َّ ْ ُ غابت الش ُ َ وارس .كلما الن حف؛ هزل .لم مس ِ سافرت ِ الز ِ ً ً ُ فيخرج ُ ُ بتسما. آمنا ُم منه أنفض ثويب،
28
ً جدا باب القصة القصرية
َج ْف ـ ـ ـ ـ ـ ٌـر
توفيق صغري المتلوي َ َ األوىل.. سار َع إىل ِف ْط َن ِت ِه ُ َ َ ْ َ َ ُ ْ ْ َ َ َ َ َ ُّ ُّ َ َ ُ امَّ ، ِا ْس َتعار ْ ثم أمر الرماة أن يهبوا... دمعتيْ ِن من مقل ٍة قذ ٍ َ َ َ شع ُب ُه ْ كان ْ ف.. يس َت ْس ِقي َخط ــيئ َت ُه بش َغ ٍ ُ َ َ َ ْ أرْ ِسل عليْ ِه َم ْن يط ُم ُر ُ المقل.
َ أ ْحـ ـلاَ ٌم
صاحب ساچت
َر َسـ َـم َو َ رد ًةِ ،ا ْص َطبرَ َ َعليهــا َ َ َ لب ِه أ ّي ً َت ُ يال. نمو يف ق ِ اما َو ل ٍ َّ ْ َ َ يم.. باح ِ خارج التق ِو ِ ذات ص ٍ َ ون، َق َط َف ْتهــا َي ٌد؛ ِا ْن َت َظ َر ْت َط ِويلاً َ ،ل ْم َترْ َت ِو ِم ْن ِشف ٍ ـاه أو ِع ُي ٍ ـت َو َأ َخ َذ ْت َطر َ َذ ُب َلـ ْ يقهــا إىل َّ يف!. الر ِص ِ ِ
تخمة فاطمة الشريي يستمع آلرائهم ..يلوك رأيه بصمت ..ويبتلعه .اشتكى الجوف عسر الهضم .تفاعل الخليط.. نشط الربكان ..أحرق األخضر باليابس.
صدمة جبار القرييش أرخت عليه العصمة ،جعلت منه مالكا ،رغم سقوطه من عينها اىل االبد ،المجنون مازال يصرخ ،من منكم جاء عىل قميصي بأحمر شفاه َك ِذب.
تنبؤ صالح الدين بوشتاوي طالبت بالصمت ...أعلنت عودة العالم للعصر الحجري بحلول الجيل الخامس من األنرتنت ... لمست الكرة البلورية مرة أخرى... بنربة خافتة؛ توقعت وصول العالقات األسرية للمرحلة الثالثة !
احتواء
سهري مصطفى انفرطت سبحة الفرح ،قهقه الحزن ساخرا ،عاركت الحياة؛ خانتها يداها الصغريتانّ ، فرت دمعة ساخنة ،مسحتها يدا ذئب ودود.
َص ْفقة
عبد الحكيم قويدر
َ ْ م ِـ ْن ُس َ اءَ ، راقش) َو ِر ْثنا ِج َر ً زر ْع َناها َم َش ِات َل يف أرْ ِض َنا.. الل ِة َ(ب اح ُل ً لدجاجَ ،ط َف َش ِت ِّ َر َّس ْم َنا ُّ غة ِل َّ اب ُ الن َب َ الذ َئ ُ الح َّر ُة.. ِ ُ ُ َ (ز َأ َر ْت) َب ُ نات َ ود؛ ين األ ُس ِ آوى قرْ َب َع ِر ِ َ اد ُرنا ُب ْهتانا. َح َبل ْت َب َي ِ
ِم ْش َك ُ اة
صقر حبوب
ُ ان َت َس َّل َل إىل َج َّنة ِ ُخ ْل ِدهمَ ،ي ْن ُف ُث كث ْع َب ٍ ُ قوانينه لزنع ُ الح ُجب ،وبرت األعضاء السليمة من ُس َّم ُهَ .س َّن الجسد. َ لأْ َ َ َ عندما َعق َر أقدامهم؛ رفعت «جاسيندا» ا ذان!. ُ ُُس ُق ّ وط/فوزية الكوراين عىل باب الوليمة أصلحت عماميت ،نظر يل باستخفاف. تحجر الدمع يف عيين عندما سألوين بأي إصبع أتشهد، ولم يسألوه لماذا قتل قابيل هابيل .بازدراءخلع الكيباه ووضعها عىل رأسي. نهوض /أسامة سالمة ليَ َ َّ أثقل َّ الد ُ هر َحراكي ..تجاسروا َع ... حين نتفوا رييش ..أغظتهم بابتسامايت!!... أن يف صدريِّ .. َ يجهلون َّ روح ُ تحل ُق ُ الح ِّر.
29
باب دراسات
ّ القصصية بوصفها الوجزية ٌ ٌ ّ رمزي نسق نص ًا… ّ يتلخص بما جاء عىل لسان فورسرت يف (صنعة يف البدء نرى أن ما ذكر حول الفارق بين الحكاية والحبكة ً مفرقا بينهما: الرواية) ،إذ قال «مات الملك ثم ماتت الملكة» هذه حكاية. ً حزنا عليه» هذه حبكة. ويقول «مات الملك ثم ماتت الملكة واالختالف بين هاتين الصيغتين هو السببية ،وهي ما تجعل الحكاية حبكة. ً أيضا ،هل الوجزية القصصية تمتلك سببيتها بحيث تقرتب من ونتساءل ّ القص األخرى ،بهذا الشرط أم ّأنها تنفرد بشرطها الذايت ،وهو أنواع االنفتاح خارج اإلطار بما يجعلها بال أنظمة وال قوانين ثم االنغالق ً ّ المطول» بعيدا عن «الوصف المسهب» و»الحوار ثانية عىل نفسها و»االسرتسال يف السرد» أي «التسريد» ،وكل ذلك يجعلها أكرث كثافة بما يطلق عليها «الميكروسردي» أو «بالغة اإليجاز القصوى». ً انغالقا داخل النص ذاته؟ قد نتساءل ،هل نجد يف االنفتاح خارج اإلطار بحيث تخلق لها قوانينها الخاصة ،وبذلك تبقي غايتها شبيهة بـ»الرمزية القصصية» أي «رمزية اإليجاز» إذا اعتربنا األخرية ضمن النوع .هنا تصبح ً ّ الصياغية ،أي (اإليجاز) بالمفهوم تأثريا من تركيبتها رمزية اإليجاز أكرث ّ الكالسيكي لتصنيف األنواع. عادة يفكر منتج الخطاب يف الموجزة (الوجزية) بتجاوز (بقصد) التسريد ّ المطول ،والتصوير الحوشي اىل الرتكزي عىل مهمة اللمحة اليت تقرتب من «التكثيف» ،وبذلك يقوم المنتج باخزتال العالم بجمل قصرية ،بمعىن، ويسميها النفري بالرؤية، «كلما ضاقت العبارة اتسع المعىن» كما يقول ّ ّ التحول من المعىن اللفظي إىل المعىن اإلشاري مراعاة لنمط أي الخطاب وسياقاته ،ومقام المتلقي وموضوع القول والمقصود منه حيث ّ عضوية بين التكثيف واإلشارة وكأنهما يمثالن أحدهما اآلخر. تنشأ عالقة )المعىن) يف اإليجاز يأيت دفعة واحدة ال مفاضلة فيها ،بين معنيين وال ٍّ ٍّ ّ يتسلمان رمز معىن متلق آخر ،االثنان متلق وفهم اختالف فيه بين فهم الموجزة القصصية بكيفية واحدة. ّ يتسيد يف اإليجاز القصصي إدراك استثنايئ ،تأميل ،بين النص والقارئ ،اذ التأويل من الطرف الثاين بوصف الطرف االول ً ّ المتسيد باثا للرمز وهو ّ مفسر للرمز ،ولهذا فهو عليه ،أما الثاين فهو يمتلك حق التأويل ،وهذا جزء من مفهوم نظرية التلقي اليت أىت بها آيزر وياوس عن عالقة «القراءة بالتفسري» ونقصد هنا تفكيك شفرة الرتمزي.
الكاتب الدكتور سلمان كاصد
ّ القصصية عىل المفارقة تشتغل الوجزية بين البنية العميقة للمعىن «الرمز» والبنية ّ السطحية لأللفاظ اليت تخلو من الحشو ،واليت تقود إىل جوهر المعىن «الرمز» ،ولذا ال ّ بد لنا أن نشخص ما تفقد الوجزية (الموجزة) كي تقرتب ّ أجناسيتها : من ً ً انتقاليا من حالة لحالة، بعدا الزمن بوصفه ً وضوحا. فكلما كرب النص ازداد ً ً ً أحاديا يف مكثفا عنصرا التسريد بوصفه ّ القصصية. الوجزية ً ّ مظهرا من مظاهر السردي بوصفه النسق
30
الرواية والقصة القصرية وال يظهر بوضوح يف الوجزية. ونسأل ..إىل أي جانب يمكن أن نحيل الوجزية؟ هل نحيلها إىل مفارقة الواقع المشاهد أم ّ التخييل نحيلها إىل منطق العقل الرتكييب لمنتج النص ،أم نحيلها إىل االفرتاضي الذي يحاول االقرتاب من الواقعي: وجزية ( -1يكتب أجمل القصائد ،يهديها لها، تتالعب بالضمائر ،تغيرّ الكلمات ،تعيدها إليه، صارت شاعرة). ومضة فكرية تقرتب من الواقع ،ولكنها ً خياال يف العبارة األخرية( ،صارت تستحيل شاعرة) .وهذا ما يجعلها غري قادرة عىل أن تسمى بالمفارقة. تخلق نقطة (ارتكاز داليل) ّ وجزية ( -2شحت لوصالهما األرض ،كان الكل ً معارضا لزواجهما ،طلب أن يوصلها لمزنلها للمرة األخرية ،جمعتهما عبوة ناسفة انفجرت،
باب دراسات
تعانقا يف السماء). هنا نجد أن نقطة االرتكاز الداليل ّ يف عبارة «جمعتهما عبوة ناسفة» وما جاء بعدها «تعانقا يف السماء» ال ضرورة لها «زائدة» وهو ما نطلق عليه بتدخل الذات الساردة للنص. وهذا ما يجعلهما نصين فارقا الداللة. يقول زكريا تامر : الوجزية ( – 3اشرتيت لولدي أقالم رسم ّ ملونة ً وورقا ،أخذ يرسم ّ طيارة ومسافرين ،أشفقت ً خوفا من أن يختطف عليه ،مزقت الورقة، ً غدا). الطائرة هنا خاتمة الوجزية ذهنية ولو قال( :ألنين رأيت طائرة مختطفة) ألصبحت الخاتمة سردية وواقعية مطابقة لسرد االستهالل يف الوجزية.
إن الوحدة الكلية للوجزية القصصية، تعيد لنا صياغة تماسك العالم ،أي أنها المقابل الداليل لوحدة العالم الذي تتناوله. ّ افرتاضي مجاورة لما هو ويشتغل ما هو ذهين واقعي : الوجزية ( -4يف الحقل ..ذي القرياطين بجوار ّ ّ (األمية) تروي الشوكي كانت أمه شجرة التين له قصة «صرب أيوب» ..لما كرب وبجوار شجرة الورد يف قصره الشاسع كان يروي ألوالده ّ قصة ثراء بيل جيتس ..ولم تفارقه ذاكرة الشوك). ّ القصصية هي هذه الزيادة يف نهاية الوجزية ما ُتفسد النص كما وجدنا هناك (تعانقا يف السما) ووجدنا هنا (لم تفارقه ذاكرة الشوك)، ألنهما زائدتان بتدخل السارد ،وكالهما إسقاط من منتج النص عىل نص يحتمل الكثري من التأويالت لوال تحديدهما بما يريد السارد ،لكون النص ال يحتمل اإلضافة ،وبذلك بدت هذه اإلضافة عىل صغر حجمها بين (كلمتين) و(ثالث كلمات) ثقيلة ال بسبب حجمها ،بل ً مربرا لوجودها يف نص لكونها ال تمتلك الوجزية لكونها خارج نصي. إن الوحدة الكلية للوجزية القصصية ،تعيد لنا صياغة تماسك العالم ،أي أنها المقابل الداليل لوحدة العالم الذي تتناوله.
العصر ما بعد الحدايث ،وبذلك تم تصنيف هذا مسميات أهمها (الصدمة الجديدة) النوع تحت ّ من قبل وبرت شابارد وجيمس توماس ()2007 و(الومضة المستقبلية) يف ( )2006حيث تعامال ً ً مستقال بعد أن ّ عده النقاد نوعا معها بوصفها ً نوعا يف السنوات األخرية من القرن العشرين ً ً فرعا عىل الفرع فرعيا من القصة القصرية ،وربما ّ مقدمة كتابه «القصة كما ذكر (شابارد) يف ً جدا ..المباغتة ..أقاصيص أمريكية». القصرية الوجزية القصصية هي ما نطلق عليه بالومضة ً جزءا من األدب الوجزي يف الشعر باعتبارها الذي يتداول اآلن ،ولذا أقرتح تسمية أقصر نص ّ قصصي بالوجزية.
إن الوجزية باهتمامها بالمدهش واليويم والعادي العرضي والمألوف من أجل تغريبه، تحاول جاهدة أن تحتفي بالذروة اليت تأيت ً سريعا ،بل ربما تسبق حىت تصوير الكلمات وتشكلها يف ذهن المتلقي .وهذا ما يمكن ّ المقدمات إىل اإلعالن أن نطلق عليه «تسارع عن الخواتيم» ،وكل ذلك يجري وفق مفهوم ً ً ً ّ القص بالغيا يف أسلوبا تقنيا ،بوصفه التسريع يتجلىّ عادة بـ ّ «مرت السنون» الذي هو من أكرث األساليب السردية يف االختصار. وكل ذلك يوجد ما يشبهه يف تقنيات السينما الكالسيكية اليت تخزتل الحدث إىل أقصاه ً زمنيا ،كي تصل باالستهالل لحرق مراحله إىل خاتمته ،بال جهد تصويري أو سردي والذي ً دالليا يعتربه منتج النص حلية ال فائدة منها بتعاملها مع الزمن ال مع الداللة. إن الحداثة وما بعدها تتمركز عىل تأصيل النوع واللعب باللغة وترسيم الهوية مع دعوى ّ الهوية اليت هي مظهر من مظاهر تكريس
31
باب دراسات
قراءة يف نص حنين ... لزنار الحاج عيل مرة أخرى أرسو عىل مرفأ جميل لالستاذ المبدع نزار الحاج عيل ،لننهل من كنوزه الثمينة ،حيث كانت هذه المرة ققجه (حنين) حيث تأخذنا معها إىل عالم من الذكريات الجميلة ،اليت تناقض الواقع المرير ،الذي مر به الكثري من شبابنا العريب.
يحاول أن يجد نفسه يف هذا الزمن الصعبً ، إذا هي محاولة من الكاتب الوقوف عىل مدلهمات الزمن الحايل الصعب اليت تقمصها أو انحرف معها الكثري من الشباب ،المغرر بهم تارة أو الفقر الكافر الذي احدث بهم الويالت ،لذا أختطوا ألنفسهم دروب ملتوية أو أنهم تعطلوا كالجماد تحرقه الرباكين ،فهم الحول والقوة لهم ،أو أنهم يكابرون عىل المصائب وقلة الرزق وضياع االحالم ،كامدين جبل من هم واالم دفينة تسحقهم كل يوم بجربوتها القاتل. أنه استزناف الشاب العريب :ذلك االنسان الذكي الذي يحاول الطاغوت الحط من شأنه وتقييده بكل ما أويت من قوة حىت الموت. لذا كانت ققج الكاتب نزار التفاتة راقية لتسليط الضوء عىل بعض مايعانيه الشاب العريب من هموم ومصاعب وكما يأيت: الققج حنين ُ رفعت عندما حان دوري ،كانوا قد أتقنوا اللعبة، ُ ُ رأسيّ ، أبحث عنهم. انطلقت ثم ً ُ لحية طويلة، مختبئا خلف عرثت عىل األول ٍ ّ أما الثاين فقد اختفى وراء ابتسامة كاذبة، معظمهم ّ تنكر عىل هيئة كرة؛ لم تستطع
شباكي أن تلتقطها. ّ ُ ُ ...ورحت ُّ أعد عيين أغمضت بالعكس.
الكاتبة احسان علي هلول
32
العنوان: حنين: كلمة نكرة تدل عىل الرجوع اىل الماضي وتأمل ذكرياته الجميلة ،أو الحزينة .أنه ذلك العالم الذي انتهى بكل ما خطه الزمن فيه.
هنا الكاتب تناول هذه الكلمة بوقعها االيجايب ،الذي يناقض الواقع الحايل المرير... المتن: عندما حان دوري: أي عندما ٱن االوان لكي أشق طريقي ،وأقوم بما أوتيت من قوة وبأس لتحقيق أهدايف يف الحياة ،الين شاب احتاج متطلبات كثرية أرنو إليها عىل احر من الجمر واسعى لتحقيقها كالزواج والعمل
وتحقيق الذات وغريها... كانوا قد أتقنوا اللعبة: أي كنت متاخرا عنهم يف فهم الحياة وكيف العب معهم ،أو أن هناك الكثري ممن عرف سر الوجود والتعايش مع الوحوش، والتشبث به بما أويت من قوة. الن الحياة عبارة عن لعبة مكونة من شخوص وساحة وأهداف وحكم ومراقبين، هي بالفعل لعبة متكاملة، يخوضها الالعبون ...الكل
باب دراسات
يحاول أن يلعب فيها سلبا أو إيجابا. رفعت رأسي: أي حاولت أن أرى دريب واستعد لخوض غمار اللعبة ،كالالعب الذي يحاول أن يسدد أو يسجل اهداف ،أو ربما كنت غافال فرفعت رأسي اىل مستوى استطيع الرؤية الصحيحة ،وارى مجريات األحداث واألمور االخرى ،وما ٱلت إليه الحياة وقت ركودي ،أو ربما كنت غافال عنها أو لم اهضمها جيدا، ربما كنت قاصرا عن ذلك ،ولكن عندما نرى الجملة الالحقة الققج نستدل انها تعين أيضا أنه ذلك البطل الذي يبحث عن أشخاص معينين كأن يكونوا رفاق صباه ومراحه ،وهو يفتقدهم كثريا ويريد معرفة اخبارهم... ثم انطلقت ابحث عنهم : أي شددت العزم لكي أبحث عن أحبايئ واصدقايئ الذين افتقدهم كثريا ،واين حطوا رحالهم ،الذين شاركوين مراحي وتطلعايت وما نصبوا اليه. اين هم يف هذا الزمن الصعب، وابن جرفتهم الحياة بتيارها الكبري ... عرثت عىل االول مختبأ خلف لحية طويلة: أي عرثت عىل صاحيب االول، ولديه لحية طويلة ،ربما دل ذلك عىل اكتئابه وقلة حيلته ويحاول أن ال يعرفه احد. أو ربما كأنه منتمي إىل جهة يبدوا أنها منحرفة يلقط رزقه السحت مما تجود به تلك الجهة له بفعل األفعال ربما كانت مشبوهة وياكرثها يف زمن العوز والبطالة والفقر. الن االختباء ربما هو الخوف من الحقيقة أو من اآلخرين أو من الشبهة... لذا كانت اللحية وسيلة وليست غاية لتحقيق مٱرب شيطانية أو منحرفة...فكان عليها الكثري من عالمات االستفهام واللبس وعدم الفهم... أما الثاين فقد اختفى وراء ابتسامة كاذبة: أي أنه عرث عىل الثاين ،ولكنه ملئ بالهم والكٱبة والضجر وربما فقدان األحبة يف ظل الحروب والمرض ،وعدم الرضا بكابر بابتسامة كاذبة تخفي ألمه ووجعه النازف الدايم ،الفقر والحرمان وضياع المستقبل واألهداف اليت طالما أراد أن
يحرزها يف حياته.
رسومات جميلة مليئة باالحساس المفعم بالحياة المتأصلة اليت تأخذنا فوق جناحيها القرمزين اىل ملكوت من تأمالت واعية تصدر من أجراس رنينها يطرب النفوس، أنه كاتب ماهر يوظف أدواته بتقنية عالية تراها للوهلة األوىل بسيطة لكنها كبرية بمكنوناتها الخالبة الساحرة ذات األبعاد القوية... فعندما نخوض بققجه حنين من العنوان الممزي الذي كان وافيا ومعربا عن المتن ،إىل تكثيف واعي حصر المعىن بأقل الكلمات، اىل سالسة بالمعىن وأسلوب ممزي بالسرد ،واحداث متنامية، ومفارقة مبدعة ودهشة صادمة، ممزية جدا.
أنه حلم كل شاب عريب يطمح لتحقيقه. معظمهم تنكر عىل هيئة كرة: يا أهلل عىل هذه العبارة المذهلة، اليت أجاد بها الكاتب بالتعبري، تريم إىل معىن قاس جدا. اي انهم أصبحوا ألعوبة ،بدل أن يكونوا هم الالعبين بالذل والوجع واالضطهاد وضياع المستقبل، لذا هم كالكرة باقدام الالعبين القساة المستعبدين للشاب العريب الكادح ،يرفسوهم من واحد اىل اخر بمتعة متناهية عىل حساب الم الشباب الحر المكافح، كأنهم يعتربوهم جماد اليشعر بالم ال أهمية لهم وال مستقبل، كرة ترىم أو تنتهي وتنفجر اىل غري رجعة ومن ثم يلعبون بأخرى وهكذا لعبة متكاملة يلعبها الساسة والطغاة... لم تستطع شباكي أن تلتقطها: أي ذلك الشاب الواعد الطموح لم يتقبل األمر وشبكته العصبية المكونة من خاليا ذكية وقفت عاجزة أن تفهم مايجري من احداث ،متحرية كان عىل رأسها الطري. أو أنه لم يقدر أن يستوعبهم ويدرك ماهذا الذي يراه ويسمعه؟ وبات فكره ووجدانه مشلول عن ذلك. كأنهم لم يسجلوا أي هدف يف عقله يذكر ،كما أنه لم يستطع أن يعيدهم بنصيحته وحبه لهم اىل تلك األحالم والطموحات وما اتفقوا عليه لكي يحقوقها ،بحيث ذهبت توسالته لثنيهم عما هم فيه من ضياع ادراج الرياح. أغمضت عيين...ورحت أعد بالعكس: هنا الدهشة الصادمة الرائعة اليت أىت بها الكاتب المبدع نزار الحاج عيل.. بأنه اغلق عينيه عما يرى ،من مأساة حاقت باصدقائه ،تكاد تذهب بلبه وعقله ،كأنه كابوس قد افزعه وصدمه ،حىت ان نظره رد إليه حسريا خائبا ،خاليا من أية حياة.
خالصة الققج: مما تقدم نستشف بأن الكاتب المبدع نزار الحاج عيل يحاول أن يقدم قضية مهمة اال وهي (قضية الشاب العريب) وما يعانيه يف هذا الزمن الصعب والخطري، من معرقالت كثرية وكبرية تحول دون تحقيق أحالمه وأهدافه وامانيه المحرتمة ،يف ظل ظروف متمثلة بالحروب والطائفية والتهجري والمعانات والزناعات المستمرة ضمن البلد الواحد بتأثريات خارجية وداخلية تقف بالمرصاد دون تحقيق هدف كل شاب بالحياة ،هذا من جهة أما من جهة أخرى تتصل الحكومات الفاسدة والدكتاتورية المقيتة عن وضع الحلول والدراسات الواجهة للنهوض بهذا الشاب ،نحو مستقبل زاهر امن.
ثم بعد أن أرخى نفسه واغمض عينيه متناسيا ما رأى ،حن اىل تلك الذكريات الرائعة ،اليت عاشها مع اصدقائه ،واحبائه ،حىت طفا عىل كل ماشاهد مؤلمة بحقهم... من الناحية الفنية: حين نتأمل كتابات الكاتب المبدع نزار الحاج عيل نجد أنفسنا أمام
فرنى تداعيات هذا اإلهمال وضعف مراعاة الدولة لهم شاب متهالك غائب عن الوعي ميت الشعور ،تغلبه الذلة أمام العوز والفقر اليعرف مايفعل ،مكتئبا أو منحرفا ،تجره االنتماءات واألفكار المنحرفة اىل هاوية السقوط. عبارة عن ألعوبة بيد من هب
نستطيع أن نقول أنها رواية باحداثها كثفها الكاتب بمهارة ضمن ققج ممزي ،بعيدا عن الرتهل غري المربر يف تسعة جمل تفاوتت يف كلماتها. استخدم الكاتب األفعال الماضية والجمل االسمية باحرتاف يف صياغة متن ققجه ،وبصورة متناوبة وجميلة اضفت للنص نكهة متوازنة وبديعة.
ودب ،والحكومات تنحو اىل منحى المتفرج العقيم ،عاجزة عن مساعدته ومنحه الفرصة المناسبة لكي يثبت وجوده من عمل صالح ،أو أي دعم مادي إلقامة مشروع معين... أو تسخري الجهود اإلعالمية والدينية إلصالح مافسد من هؤالء الشباب ،باالرشاد والتوعية، الن الكثري من الخارج والداخل يرتبصون تربص الشر بالشاب العريب بالخصوص ،ليكون عاجز كسول محبط عن تحقيق دوره يف الحياة. النهم يعرفون جيدا أن نهوض البلدان بشبابها ،النهم لبنات الحاضر والمستقبل ،وهم حماة الوطن...
33
باب دراسات
كتب الدكتور: خالد بوزان موساي ّ لما يسبح النص القصصي يف هيوىل قضايا مرتبكة بجمالية تصوير الكتابة الحداثية. ً قراءة نقدية يف المجموعة القصصية القصرية جدا (رصاص القلم) للقاص عبداهلل الميايل، عنوان الدراسةّ : لما يسبح النص القصصي يف هيوىل قضايا مرتبكة بجمالية تصوير الكتابة الحداثية. تمهيد: ً حاليا أكرث من أي وقت مضى :أي اسم نتساءل أو صفة أو نعت يمكن للفنان المبدع ريشة ً ً وعرضا أن يطلقه عىل ما يعيشه هنا / وقلما اآلن من ردود أفعال انفعالية تجاه معيشه ،من ً ً وقالبا؟ قلبا خالل ما يبدعه، هو سؤال الهيوىل كما جاء يف عنوان هذه القراءة« :لما يسبح النص القصصي يف هيوىل قضايا مرتبكة بجمالية تصوير الكتابة الحداثية». ً اصطالحا عند القدماء ،مادة ليس الهيوىل لها شكل وال صورة معينة ،قابلة للتشكيل والتصوير يف شىت الصور ( ... )1ففي فلسفة أرسطوّ ، إن اليشء بما له من هيوىل وصورة.. ً ونتساءل :هل القصة القصرية جدا ـ باعتبارها جنسا أدبيا (؟) يعايش العولمة ،وعصر السرعة، والظرفية التاريخية اإلنسانية الحرجة والمرتبكة ـ قادر عىل إعطاء صورة واضحة لهيوىل ً وجودا اإلنسان العريب المعاصر الذي أصبح ً ً وأدبيا فنيا وماهية حبيس متاهات يعبرّ عنها ً ً ً وانفالتا ،لتجعله وتعقيدا تجريدا بشكل أكرث يوصف ويظهر وتتجدد معالمه؟ هذا هو السؤال اإلشكايل الذي سنحاول اإلجابة عنه من خالل مقاربتنا للمجموعة
القصصية جدا «رصاص قلم» لألديب العراقي عبداهلل الميايل. ً وبما ّ تقنيا ،تخطيط مبديئ للصورة، أن الهيوىل، سنحاول يف تضاعيف هذه القراءة /المقال وضع األصبع عىل التصميم العمراين للقصة ً جدا يف مجموعة «رصاص القلم» ،ومن القصرية خالله تمظهرات اإلنسان العراقي والعريب ً ً وتأثرا، وتأثريا، داخل الحدث ،وخارجه ،كينونة، ً ومشاعرا..
1ـ الهيوىل كتخطيط مبديئ للصورة :البناء ً جدا يف مجموعة المعماري للقصة القصرية ً نموذجا. «رصاص القلم» ً جدا كجنس من أبجديات تعريف القصة القصرية أديب حديث ما كتبه أحمد جاسم الحسين ،فإننا عرف القصة القصرية ًّ نجده ُي ِّ جدا بالرتكزي عىل ّ خاصيتين بارزتين؛ وهما: خاصية االنتماء الجنيس المتجلية يف لفظة (قصة)
34
وخاصية الكمية المتمظهرة يف عبارة «قصرية ًّ جدا» ِّ للقص ولذلك فالقوقجة ،حسب الناقد «تنتمي ور ً ً ً ونمو ًا ُ ّ وحا ،وتنتمي وتشويقا حدثا وحكاية ً للتكثيف ِف ْك ً واقتصادا ولغة وتقنيات را
وخصائص» ...ولذلك فهو يعترب القصة القصرية ً ً ً ً حديثا عىل الرغم من كونه أدبيا جنسا جدا ً مولودا ب ْك ً ً نظرا ّ لقلة الدراسات اليت اعتنت به. را؛ ِ نقرأ بداية من باب االستطالع هذه النماذج من «رصاص القلم»: ـ ـ قصة «قلم»: ً مقاال عن حرية التعبري ،داهمه جند « كتب الحاكم ،اعتقلوا خالياه اليت حرضت عىل الشغب ،أطلقوا سراحه ،صار يطوف الشوارع يحرض الناس عىل الصمت !( .».ص.)13 ـ ـ قصة «ثورة»: ً بيانا رقم واحد ،امتشق « أصدرت األنواء الجوية ً معلنا ساعة الصفر ،سقطت دماء الربق سيفه
السماء ،الذ القمر بالفرار( .».ص.)16 ـ ـ قصة «شهيد»: « وقف يحمل سارية الوطن ،اجتاحته عاصفة ّ وظل المعركة ،أشفق عليه العلم ،ضمه إليه ً مرفرفا( ».ص.)37
ـ ـ قصة «صياد»: ّ المتسولة ،تعرثت « نصب شراكه عىل طريق بأول غمزة ،رىم بعض نقوده ،استجارت بجلبابه، أسرع بالمغادرة ،نيس ارتداء لحيته( ».ص.)32 ـ ـ قصة «قلم رصاص»: « الكلمات اليت أطلقها ،أصابت رأس الحاكم بالصداع ،صادر جميع األقالم ،عوضها بريش النعام( ».ص.)47 أوىل المالحظات اليت قد ينتبه إليها دارس علم السرديات الحديث ،كون هذه القصص ً جدا (كما النماذج أعاله) ال توظف القصرية يف شكلها الظاهر (أي يف هيكلها الخارجي) العناصر السردية التقليدية كما عهدناها يف
باب دراسات أجناس أدبية أخرى كالحكاية والقصة والمقامة والنادرة ...و اليت اخزتلها البنيويون والشكالنيون يف «الخطاطة السردية الكالسيكية» (Scéma )narratif classiqueاليت تضم خمسة عناصر« :وضعية االنطالق» أو «البداية» (،)Situation initiale و «العنصر المحفز» أو «الدافع» (،)Élément déclencheur و «العقدة» ()Le noeud بعناصرها «المزعجة» (Eléments ،)perturbateursو «الحل» / «النتيجة» ( ،)Dénouementو «وضعية النهاية» (Situation .)finale لما نقرأ هذه المقاطع اليت تشكل مطلع كل قصة من القصص (أعاله) ً مقاال عن حرية التعبري»، «كتب ً بيانا و «أصدرت األنواء الجوية رقم واحد» ،و «وقف يحمل سارية الوطن» ،و «نصب شراكه عىل ّ المتسولة» ،و « الكلمات طريق اليت أطلقها»... نكتشف أنها ال تشبه ما نسميه عادة «وضعية االنطالق» أو «البداية» (..)Situation initiale هي جمل فعلية خربية يف ً حدثا ،تربزه ،وتسلط مجملها ،تضم الضوء عليه ،مع غياب تام للوصف لضرورة احرتام عنصر «التكثيف»... نجد أنفسنا كقراء منذ المطلع يف قلب الحدث وبدون مقدمات ،أي مع «العنصر المحفز» أو «الدافع» ( )Élément déclencheurكما هو يف «الخطاطة السردية الكالسيكية» ..وكل ما يليه، ردة فعل ،أو تفاعل ،أو انفعال («داهمه جند الحاكم» ،و «امتشق ً معلنا ساعة الصفر»، الربق سيفه و « اجتاحته عاصفة المعركة»، و «تعرثت بأول غمزة» ،و « أصابت رأس الحاكم بالصداع (« .. لذا اقرتح بعض النقاد والدارسين ً جدا، المهتمين بالقصة القصرية تجاوز الخطاطة /الجذاذة السردية الكالسيكية ،واستلهام العناصر المكونة للبناء المعماري للقصة ً جدا ،من النصوص القصرية القصصية ذاتها .اخزتلها بعضهم يف ثالثة عناصر ،هي: أ ـ العنصر األول :الحالة: «المقصود بالحالة هي مواضيع وأحداث القصة ،وما تشتمله ّ عمومية، من حاالت خاصة أو بحيث يلجأ الكاتب إليها إلخماد األحداث السائدة يف القصة من أجل التمهيد للمفاجئة من خالل الخاتمة» ...والحاالت يف مجموعة «رصاص القلم» لعبد اهلل الميايل، اختصرها وبفنية عالية األستاذ الكاتب والباحث حميد الحريزي يف
تقديمه للمجموعة ،حيث كتب: «إن (رصاص القلم) هو رصاص من غضب يستهدف قلب القبح، والقهر ،والفساد ،والنفاق، ومصابيح من أمل تنري طريق المحبة والتضحية واإليثار والحب من أجل عالم أفضل وأجمل.»... (ص.)10 ب ـ العنصر الثاين :المفارقة: قد يتضح معناها قبل تعريفها من هذه القصة ،نقرأ: ـ « عطف ! افرتشت باب المسجد ،تستجدي ألطفالها ،رق لحالها إ إمام الجماعةّ ، مد يده إىل جيبه، أخرج حديثا عن فضل ّ الصوم». (ص.)13 . المفارقة الدرامية من خالل هذه القصة ،و كما عرفها الناقد كلينت روكس ،قوة فنية لها صورتان ،أي تحمل يف أحشائها نقيضها ..و هو نقيض غري منطقي ،أو منطق غري متوقع لذا يسمى مفارقة: لما وضع إمام الجماعة يده يف جيبه يف القصة ،و قد رق قلبه للمتسولة ،المفرتض كان أن يخرج ماال صدقة ،لكن أفق إنتظار خاب، لما بدل ذلك أخرج «حديثا عن فضل الصوم» ...و هو تصور يتوافق و تعريف الفيلسوف األنجلزيي مارك سينسربي ،المفارقة بالنسبة إليه تعين« :خاتمة قد تبدو غري مقبولة ،مستمدة من فرضيات قد تبدو مقبولة من خالل منطق ً مقبوال .يمكن أن تعرب قد يبدو المفارقة عن تناقض خارجي عندما تناقض معرفة أو فرضية سابقة، أو تناقض داخيل عندما تحتوي نفسها عىل شيء وعكسه..». ج ـ العنصر الثالث :الخاتمة/ النتيجة: نقرأ ألجل فهم السياق نموذجين قصصين من المجموعة: ـ النموذج :1قصة «هواجس» (ص)19 . « الحقته رصاصة هاربة تبحث عن مالذ آمن ،امتطى صهوة حلم لكي ينجو منها ،اخرتقت جمجمة الحصان ،سقط عن سريره». ـ النموذج :2قصة « ميالد» (ص)23 . « قرأ يف صفحة المفقودين: (مواصفاته :نحيل كهالل ،أصفر كحبة قمح ،أشعث الشعرّ ، رث المالبس ،يجوب الشوارع) ،فرح كثريا عندما وجد نفسه..». نستنتج من هذين النموذجين، عىل سبيل المثال ال الحصر ،ما يشبه «القاعدة» يف جنس القصة القصرية جدا :عنصر «المفاجأة» يف «نهايتها»:
ـ يف نهاية قصة « هواجس» نتفاجأ بأن البطل كان يحلم ،و أنه اكتشف ذلك لما سقط من سريره.. ـ و نهاية قصة « ميالد» يفاجئنا البطل أنه كان تائها عن نفسه، و تعرف عىل أوصافه من خالل « صفحة المفقودين»... هكذا تصبح خاتمة القصة ً جدا «وليدة فكرة /رسالة» القصرية قبلية عند القاص الحامل لهموم قضايا ،و ليست تحصيل أحداث، يصوغها بفنية عالية معتمدا عن صور بالغية فائقة الدقة ،و جد مشفرة ...تعترب «خاتمة» القصة القصرية جدا عند أغلب النقاد إن لم نقل كلهم ،العنصر األقوى واألهم ،فهي ّ تعد نقلة سريعة من داخل النص المحفز إىل خارجه المدهش والمستفز. قمة اإلبداع هذه اليت «توظف بشكل موجز ومكثف باإليحاء واالنزياح والخرق والرتمزي والتلميح المقصدي المطمعم باألسلبة والتهجين والسخرية وتنويع األشكال السردية تجنيسا وتجريبا وتأصيال( ».كما عرب عن ذلك الباحث األكاديمي الدكتور جميل حمداوي يف غري هذا المقام) ً و كما ّ جدا أن للقصة القصرية بعد جمايل فين ،بحكمه قبل كل شيء جنسا أدبيا ،فهي بأحداثها، و مواضيعها ،و نوعية أبطالها، و ظرفيتها الزمكانية (تاريخا و جغرافية) ،و بمواقف كاتبها، تصوغ صورا و مواقف ،عرب انزياحات المعجم و البالغة ،للمعيش المرتبك و الحرج. 2ـ الهيوىل كتخطيط مبديئ لموقف تجاه واقع: كتب القاص المبدع عبد اهلل الميايل يف «تصديره» لمجموعته هذه « رصاص القلم» (ص)11 : « الكلمة الهادفة اليت يسطرها قلم... كالطلقة حين تصيب هدفها... كلتاهما ترتك أثرا»... وكأن القاص عبداهلل الميايل ،وهو الكاتب ،والباحث ،والدارس والناقد، يوفر علينا مجهود مقاربة عنوان ً ومفتاحا المجموعة كعتبة للنص له« ..الرصاص» بكل معانيه «سالح» ،سواء كان مادة داخل قلم للكتابة ،أو بداخل سالح ناري ..فهو «الكلمة» اليت تشبه «الطلقة»، والهدف سيان :أن «ترتك أثرا»... يف السياق نفسه كتب األستاذ الكاتب والباحث حميد الحريزي يف تقديمه للمجموعة: « تمزيت المجموعة يف أغلب قصصها بوفائها لعنوانها (رصاص القلم)؛ لكونها وجهت نريان النقد الحامية للسلطات الظالمة
والفاسدة وإىل ممارساتها القمعية ،وبذخها غري المشروع عىل حساب جوع و قهر األغلبية من الجماهري اليت تعاين من الفاقة ،وانعدام الحرية»... (ص 8 .و .)9 وممارسة الكتابة القصصية عند المبدع عبداهلل الميايل هي فعل سخرية من الكتابة ذاتها ،لما ّ تغيب الكتابة اإلبداعية األدبية واقعها، ال تتفاعل معه وال تفعل فيه، فتكتفي الكتب باالصطفاف يف ّ ولعل من أجمل القصص الرفوف.. اليت تناولت هذا الموضوع ً سوادا ،قصة بجمالية وسخرية أكرث «أخالق» ،نقرأ: « ّ ملت حديثه عن األخالق والفضائل ،أغضبها ،صفعته، سامحها ،أفلت منها ،وقف مع زمالئه يف ّ رف المكتبة( ».ص.)15 ً أفقيا ويف هذا المضمار ،ونحن نقرأ ً وعموديا هذه المجموعة الجميلة والهادفة «رصاص قلم» للمبدع العراقي عبداهلل الميايل ،نستحضر ما كتبه الدكتور جميل حمداوي يف سياق شبيه: « تهدف القصة القصرية جدا إىل إيصال رسائل مشفرة باالنتقادات الكاريكاتورية الساخرة الطافحة بالواقعية الدرامية المتأزمة إىل اإلنسان العريب ومجتمعه الذي يعج بالتناقضات والتفاوت االجتماعي ،والذي يعاين أيضا من ويالت الحروب الدونكيشوتية واالنقسامات الطائفية والنكبات المتوالية والنكسات المتكررة بنفس مآسيها ونتائجها الخطرية والوخيمة اليت ترتك آثارها السلبية عىل اإلنسان العريب ،فتجعله يتلذذ بالفشل والخيبة والهزيمة والفقر وتآكل الذات ...كما ينتقد هذا الفن القصصي الجديد النظام العالمي الجديد وظاهرة العولمة اليت جعلت اإلنسان معطى بدون روح ،وحولته إىل رقم من األرقام، وبضاعة مادية ال قيمة لها ،وسلعة كاسدة ال أهمية لها .وأصبح اإلنسان -نتاج النظام الرأسمايل ً ً حائرا بدون ضائعا «المعولم « - فعل وال كرامة ،وبدون مروءة وال أخالق ،وبدون عز وال أنفة، ً معلبا يف أفضية رقمية مقننة باإلنتاجية السريعة واالستهالك ً مستلبا المادي الفظيع ،كما صار باآللية الغربية الطاغية عىل كل مجتمعات العالم «المعولمة» ً ً وانكسارا..». اغرتابا
35
باب دراسات
المدينة يف السرد التونيس يصور السارد المدينة بالرتكیز علی بعض عناصرها وصورها ،فهو ینتقی عناصر من المدینة لها دالالت معينة يف نسيج النص األديب .فالمدينة جسم مادي محسوس يثري العواطف واألحاسيس واألفكار ،يتحول إىل سفر يف الذاكرة نقيس من خالله تجارب الشخصيات مع الحياة .يشيده السارد عرب التصوير األديب الذي یرتقی إىل درجة الجمالیة كقيمة فنية مؤثرة حين يلعب عىل الوصف المجازي ،بأحاسيسه وخياالته. جبل جلود :المدينة المهمشة المهشمة: مدينۃ جبل جلود كما صورها “توفيق علوي” من خالل قصة “روائح جبل جلود” ال معالم واضحۃ لها غیر معالم حي ينفذ عرب الزقاق إىل مدینة هشۃ وفقريۃ من خالل مبانيها البدايئۃ واألكواخ القصديريۃ والخيام .مدينۃ يف مهب الريح ،وكل عالماتها تدل عىل أنها آيلۃ للسقوط ومهددۃ باالندثار حتی الريح تكتسب قوۃ مضاعفۃ وتصبح ریح صرصر. هي مدينۃ ضحيۃ .مدينۃ حزينۃ تعاين من قسوۃ الطبيعۃ.
الكاتبة هيام الفرشيشي
36
وجه لألحزمۃ الملفوظة اليت تحيط بالمدن الكبريۃ .فهي تصور القاع المسحوق للمركز المهيمن..إذ تغيب فيها مالمح مدينۃ ببنايات صلبۃ ومعالم حديثة.
“جبل الجلود مدينة األحواش ّ ّ الزنكية، الطينية واألكواخ ّ القماشية اليت إذا والخيم ّ هبت ريح صرصر طيرّ ت أمتعتها وحبالها وأوتادها ليحكي ّ سكان تونس العاصمة عن مصابها وألمها كما يحكون عن قرية ّ دمرتها الطبيعة يف جبال أدغال إفريقيا أو غابات األمازون رغم ّ أن جبل الجلود ال تبعد عن العاصمة سوى كيلومرتين”. نكاد نقول بأنها مدينۃ دون أسوار .أحواشها تشبه ديكورات مدن سينمائية .هي أحواش مفتوحۃ عن بعضها بحيطان رهيفۃ كأنها مقذوفۃ يف العراء .مفتوحۃ علی العيون واآلذان القادرة علی التقاط أرهف األصوات فهي مدينة فضاٸحیة..ال تحاكي المدن القديمۃ إال من خالل أزقتها الضيقۃ مما يدل علی أنها محصنۃ عن اآلخرين ،ويصعب
اقتحام دورها .فهي متشابكۃ ملتبسۃ دون وجهۃ واضحۃ.. مدينۃ مفتوحۃ دون أسرار والجميع يطل عىل الجميع من نوافذ مشرتكۃ .كل فرد عار أمام اآلخر يف مرايا منعكسۃ علی بعضها. یذکر السارد إسم المدينة وموقعها فهي قریبة من العاصمة .وهی ال تتنفس جیدا والتعرف الرواٸح الطیبة إال ىف رأس السنة الهجریة .ثم یعرج علی طبیعة الشخصيات البسيطة يف هذه المدينة المتشبثة بالتفسريات الغیبة بحكم قربها من الويل الصالح “سيدي بالحسن الشاذيل” الذي ”أوصى العمة سعدية يف المنام لتغري عادة غلق النافذة يف السنة الهجرية“ .کما یفسر العمدة دخان المصانع بأنه يقتل الحشرات و یقوی الفحولة ،ويجمل المدينة
باب دراسات
المحروسة ،مما يدل عىل عالمة الفقر والبحث عن التفسريات الواهية والقبول بالواقع والبحث عن مربرات ساذجة يف مدينة تستنشق دخان المصانع كخراطيم قاتلة تتسلل إىل أنفاس العجاٸز والرضع والزهرات. مدینة ساعلة..تستمر شخصياتها يف العيش وقبول الواقع… مدينة تونس فضاء لمعاناة المرأة يف نص “ابنة الرئيس” لنورا عبيد: المدینة فضاء لمعاناة المرأة العاملة اليت تکافأ بالحرمان والهجر حتی وإن کانت ابنة الرٸیس أو سیدة مرموقة أو سیدة کادحة. فالمدینة فضاء للعمل والکدح تغمر مياه األمطار أسطحها وطرقاتها لتعطل الحرکة .قضبانها الحدیدیة هي اليت تربط الناس بمقرات عملهم حیث صلصلة سکة الحدید تعکس ایقاع الحیاة الحدیدی اآللی ،بینما یصبح للماء معان مزدوجة فهو الکفیل بنسج طقوس الحکایات التی تسیر علی خطین مزدوجین .فالعاملة سعدیة ال تلتقی بمشغلتها وترتک لها النقود علی طاولة خشبیة فی غرفة خلفیةٖ.. وبين محطة برشلونة وشارع فرحات حشاد واليت جی آم والبحیرة الفاخرة وکراکة حلق الوادي يف القطار وتحدیدا يف العربة الثالثة ويف رکن قصي تتبدل أوجه المدینة بین وجه باذخ ووجه آخر عادی یومی کادح. وجه للعمل ومواجهة صعاب الحیاة المناخیة واالقتصادیة واالجتماعیة والنفسیة ،ووجه آخر للرفض واالحتجاج :فالناس یرفضون کل شيء ،والوجوه تکاد تکون وجها واحدا ،إال أن قانون الحیاة اآليل یجمع کل الطبقات. فهو ایقاع المدینة الذی لم تسلم من قسوته ابنة الرٸیس. ّ “انکسرالنظر فاستقر بكراكة حلق الوادي ،عندها انتبهت إىل صلصلة التقاء الحديد بالحديد المتباطئة”. صلصلة القطار صوت سيكولوجي لنساء یعانین الهجر ،محطات یومیة منذ ثالثین عام أي یتکرر الحدث رغم تعاقب ثالثة أجیال تقریبا .یجمع بین ثالث فرتات هی عالمات شواهد علی تداعیات مراحل زمنیة بکل انهیاراتها وتصدعاتها فی مدینة تقطع مسافتها عرب السکک الحدیدیة اليت
تتبادل األدوار والوجهات… والمحطات هي العالمات األساسية اليت تتفرع عنها حکایات اآلخرین ،والمحطات أهم من البیوت والمنازل يف النص .دفء البیت آين ألن الشخصیات مضطرة للعمل ومواجهة طریق الواقع والحیاة والزمن. للطریق ایقاع الصلصلة .وهو مبقع بماء المطر .والمحطات أمکنة لألحداث يف عالقة بین والراهن، أين یتمیز االیقاع بالتکرار فی ظل واقع یتنکر فیه الرجل للمرأة .تشبه المدینة أنثی حدیدیة .فما یبقی عالقا يف الذهن هو برود الراویة فی تقبلها لحکایات الشخصیات. وتشیر العالمات المکانیة إلی صورتین للطریق الذي تقطع محطاته یومیا ،صورة للنضال عرب العمل وأخرى عرب االحتجاج ورفض کل شیء وتعطیل حرکة الطریق .فلیست الطبیعة وحدها ،وال البنیة التحتیة وحدها مسٶولة عن تعطیل دورة العمل فی المدینة ،بل الناس“ :عمال شرکة النقل مضربون ،التاکسیات مفقودة ،الطریق ماٸي” یحتفل الماء بالماء…البحیرة… حلق الوادي… دواٸر الماء توسعت عىل المالبس ..الماء یغور ویحول الناس واألشياء زبدا ،کذلک هو حال الناس فی مدینة تتنكر للعواطف، لكن معيار الجمال يف كل صورة هو المفردات اللغوية وربطها باألحاسيس وااليحاء الممزي عرب لوحة متكاملة. البعد الفين يف تصوير المدينة العتيقة بسوسة يف قصة “لم أنته بعد” ألحمد بن إبراهيم: أدخلنا السارد إىل ساحة المدينة العتيقة لسوسة مساء يف مناخ جمايل تستيقظ فيه الحواس المنتشية بالموسيقى وطعم الرذاذ يف طقس روحي فين مطهر يغسل األدران.تنبعث الموسيقى من الحوانيت وأصوات الباعۃ ،ترفرف الرتانيم يف الحوانيت تشبه علب مخزنة باأللحان ،وكأنها تمارس عزف المساء الشبيه برتانيم الطري عند توديع النهار. فهو فضاء لتهجي نشوة الروح والتخفيف من اإلرهاق الجسدي. يتضاعف طرب الروح باستنشاق روائح الحناء والحرقوس والعنرب والبخور واللوبان يف ساحة الرحبۃ ذات البالط الحجري
وحوانيت المنتوجات الصويفۃ التقليديۃ لتضحى المدينة فضاء رحبا لالنغماس يف مناخات الذات المبتهجة وكأنها جذع شجرة تتفرع إىل أغصان وهي تتفرع إىل خمسۃ أنهج ضيقۃ تحتلها الظالل بأبواب خشيبۃ صلبۃ وخياالت قليلۃ الحركۃ كأنها منبثقۃ من الحيطان الخشيبۃ المرممۃ ..األنهج الضيقۃ المسقفۃ بقبو…والمقهی القديم بمعماره العريق ..النشوة روحية يف مدينۃ محافظۃ تخفي فيه المرأة الرأس والجسد بالسفساري. صور السارد فضاء المدينۃ بحس خيايل وعرب إدراك حيس جمايل وكأنه يحرره من التصاقه بأرضيۃ الواقع وحجارته الشاهدۃ عىل عدم اندثار الماضي ببث الظالل والروح الهائمۃ لمرأۃ طلقت من أجل التفرغ للمسرح …فيضعنا أمام فضاء أشبه بديكور مسرحيۃ أو مشهد سينمايئ. وتتبلور شعريۃ الفضاء من شعريۃ اللغۃ عرب انتقاء مفردات شعريۃ موحيۃ .فالفضاء يعكس ما تعيشه المرأۃ من اعتناق الجمال والتطهر من قيود الواقع والطالق من زوج محافظ لرتى نفسها كغصن يف شجرۃ الفن والجمال. بل تبدو مرتبطة بالالوعي الخالق يف حاالت وجودية صوفية تتجىل فيها اللغة ،حىت المفردات فهي تنسجم مع تلك الحالة وهي تنحت ألوانها وأشكالها وتغوص يف حالۃ من النشوۃ لها خدر رذاذ طفيف… تصميم المكان ورائحته وأشكاله ينفذ بنا إىل حاالت المرأۃ يف اصطدامها بقانون السوق مقابل قانون الفن يف البحث عن المعىن يف نص لم يجسد أمام شروط المنتجين الباحثين عن اللذۃ الجسدية ..فتنتقل من التعبري عن األعماق األكرث دهشة وسحرا إىل نشوة الخمر المزيفة اليت جعلتها تنهار يف مدينة تقاوم االستالب. عىل سبيل الخاتمة من خالل هذه النماذج القصصية التونسية انكشف الحزي الهندسي للمدن من خالل تصاميم العمارة بيوتها وأسواقها وساحاتها وطرقها ومحطاتها وأزقتها.
تفتقد إلی سقف آمن وجدران صلبة يف قصة “جبل جلود” .وهي نفسية يف قصة “ابنة الرئيس”. کما تشیر إىل البعد الروحي يف قصة “لم أنته بعد”. هذا المكون الهندسي هو الحاضن لبيئة انسانیة وطبيعة تشابک العالقات .ومن خالل المسالک واألنهج والمحطات نستشف أن المدينة موضع استقرار وتنقل وسفر ،سواء کانت مدینة حدیثة التکوین ،أم صناعیة، أم عريقة ولها بعد حضاري.
ولعبت تصامیم العمارة دورا للکشف عما یمکن فحصه من وجهات نظر مختلفة فهي هشة
37
باب دراسات
القصة القصرية تشريح البنية والشكل
الكاتب سيد عفيفي
38
كأح � � ��د أه � � ��م فن � � ��ون وأجن � � ��اس الس � � ��رد يف األدب العريب ت �ب ��رز القص � � ��ة القص �ي ��رة يف ص � � ��دارة األنم � � ��اط الحكائي � � ��ة لألدب ،وتق � � ��دم للقارئ حال � � ��ة متكاملة وموقف � � ��ا تفصيليا لحدث من أحداث الحياة ،متضمنا المتعة القرائية والفائدة الفكري � � ��ة يف آن ،وألنه � � ��ا تنبثق من عمق العم � � ��ق المجتمعي فهي تس � � ��وق مش � � ��اهد تجريبية قد يك � � ��ون القارئ قد عايش � � ��ها معايش � � ��ة المج � � ��رب ،وانفع � � ��ل بنف � � ��س ظروفه � � ��ا ،وم � � ��ن ث � � ��م فه � � ��ي تتعالق بش � � ��كل كامل مع وجدان وفكر القارئ ،حىت التيمات اليت تعرب عن الفانتازيا والس � � ��خرية من الواقع أو الميتافزييقا واألسطورة تك � � ��ون نابع � � ��ة م � � ��ن صمي � � ��م الفلكل � � ��ور الش � � ��عيب يف بيئ � � ��ة الكات � � ��ب ،وإذا كانت القصة القص �ي ��رة بكل هذه األهمية والقيمة فإنها تعد من أفضل مس � � ��احات التعب �ي ��ر وحس � � ��ن البي � � ��ان وطالق � � ��ة األداء اللغ � � ��وي ،مثله � � ��ا مث � � ��ل كاف � � ��ة االنتاج � � ��ات األدبية تحتوى ع �ل ��ى البالغة واالنزياح والرم � � ��ز والمجاز...
باب دراسات
مكونات القصة القصرية إذا كنا نعاين اآلن من عزوف القراء عن األجناس األدبية الطويلة المسرتسلة ..فيجب علينا أوال أن نقدم للقارئ والكاتب تقنيات تضمن للكاتب السهولة يف صياغة النص اإلبداعي ،وتضمن للقارئ الخروج من القراءة بنتائجها المرجوة من حيث المتعة واإلثراء واإلفادة ،وهذه بعض المكونات األساسية لفن القص القصري؛ أوال :الهيكل اإلنساين قصدت بهذه التسمية كل عناصر الشخوص البشرية يف النص ( ،)charactersوهي تشبه المثلث الهندسي ،يف قمته نجد شخصية البطل األساسي للسرد ،ثم تتشعب األحداث ومعها تتشعب الشخوص إىل أبطال ثانوية تكمل نسيج القصيجة ،ومن خالل التفاعل واالحتكاك بين شخصية البطل األول
اليت تدور فيها األحداث ،وهذا ما يطلق عليه النقاد بيئة القص ،بداية يقدم الكاتب تحديدا لحقبة زمنية تدور فيها مجريات القص ،لتكون الفرتة الزمنية محور انطالق الحدث بما يحقق انسجاما وتجانسا مابين الزمن من ناحية والحدث من ناحية أخرى ،فضال عن ذلك تبدو الخلفية المكانية لدوران األحداث يف قمة األهمية ،فال حدث بدون زمان وال مكان. رابعا؛ الحوارية هذه الجزئية تعرب عن الحراك والتفاعل بين الشخوص بما يضمن تقديم القصة يف شكل حوار متبادل ،والحوار فيه متسع لجميع الشخوص ،وهذا الحوار ربما يكون يف بعض أجزائه مونولوجا يستبطن فيه الكاتب شخص البطل أو أحدى شخصياته الثانوية ،وقد يكون الحوار يف شكل ديالوج أي حديث متبادل بين شخصيتين ،وربما تعدى ذلك ليكون حوارا جامعا للكثري من الشخوص. خامسا؛ العقدة والحل بأسلوب دراماتيكي يقدم الكاتب التيمة يف شكل صراع يمثل العقدة ،ويستند إىل عنصر الحوار والتفاعل المتبادل بشكل منطقي بين الشخوص حىت يصل يف نهاية العرض إىل حل مقنع لهذه العقدة ،وهذا هو الشكل الكالسيكي للقصة القصرية ،أضيف عليه أن
القفلة تكون أكرث وقعا وإيقاعا عىل القارئ إذا اشتملت عىل مفارقة ،والمفارقة هي منقلب حاد عن مسار السرد إىل ما لم يكن متوقعا. سادسا؛ الشكل البنيوي الشكل المعتاد والمقبول للقصة القصرية هو الفقرات المنفصلة المتصلة ،منفصلة شكال متصلة معىن وتصاعدا ،كل فقرة تقدم مرحلة من مراحلها ،مرحلة التأسيس والمقدمة، مراحل الوسط بما فيها من توصيف الخلفيات الزمكانية وتوصيف الشخوص ،وبين ذلك يكون الحوار يف شكل مستقل تخدمنا فيه عالمات الرتقيم المناسبة ،وأخريا تأيت فقرة أو فقرات الخاتمة. خاتمة هذه الهيكلة المبسطة للقصة القصرية ليست إال خطوطا اعتبارية عريضة تقوم عليها القصيجة (كتابة القصة القصرية) غري أنها ليست إلزامية وكل ماعداها يكون خطأ أو قصورا ،فقد ينقص أحد أو بعض من هذه العناصر كالشخصيات الثانوية ،أو الحوار، وبالرغم من ذلك تخرج القصة متكاملة جميلة وتؤدي األهداف المرجوة ،كل ذلك يعتمد عىل مدى خربة القاص وتمرسه يف صياغة فن القصة القصرية.
القصة القصرية والشخوص الثانوية يقدم الكاتب هيكال منطقيا يشرح التداخالت الحراكية بين الجميع، وهنا يجب أن ننبه عىل ركزية أساسية يف سرد القصة؛ إن الشخصيات كلها عىل جانب كبري من األهمية ،حىت أقلها ظهورا يف النص ،فقد تكون الشخصية ذات دور محوري برغم أنها لم تظهر يف السرد إال مرة واحدة ويف حدث واحد محدود. ثانيا؛ إحداثيات السرد وأقصد بها كل ما يخص مراحل السرد من أحداث ،بداية من مقدمة التمهيد اليت يضع فيها الكاتب توصيفا لشخصية البطل األول أو الشخوص المتفرعة ،ثم التيمة األساسية أو حبكة النص ( ،)plotثم الصراع المتصاعد يف األحداث وصوال إىل القفلة اليت تقدم خاتمة مفارقة ،ويتوجب عىل الكاتب أن ينسج األحداث بشكل متسق ومرتابط ،وإال فالتفكك كفيل بتحويل النص إىل قراءة مملة ال متعة فيها. ثالثا؛ خلفيات المشهد وهذه تعين أن القصة القصرية تشبه اللوحة الفنية ،تستند إىل تأسيس الخلفية الزمكانية
39
باب دراسات
الفرق بين (الخاطرة) والقصة القصرية ً جدا
ال
خا
لق ةا
وا أحمد طنطاوي
40
رية ص
لق ص الكاتب
ج ًدا
طرة
الخاطرة فكرة أساسها المشاعر ...انفعالية هى متدفقة , و هى ما يخطر عىل بال اإلنسان فيعرب عنه .. ووصف متدفقة أساسه أن الكتابة تسري كيفما يتدفق ً غالبا شعور واحد ذو استقامة الشعور ,و هو خطية تخلو من االلتفافات و تعقيدات التشابك , و هى أسهل أنواع الكتابة سرت ً يوما مثقل الخطى و سط طريق ممطر الغمام يمثل حرية نفىس .. هل سألقاها ً يوما ما ..لم أكن أتخيل أن للفراق هذه المجاهل الموحشة ً تاركا يدى تنساب دونما هذه الخاطرة كتبتها اآلن فورا .. تخطيط ,ألنها تستدعى من المحزون ما يمكن أن ُيعبرَّ عنه الخاطرة ً إذا انفعال +بالغة و قدرة تعبريية ً تصويرا لمشاعر نفسية بحتة أو تصورات و قد تكون الخاطرة ً تصويرا لحادثة و أثرها فلسفية أو شعرية السمة ,و قد تكون الوجداىن عىل الكاتب ,لكنها ال تتناول الحدث المحكى كحكاية بمعناها التقىن بل يكون الحدث فيها مجرد وسيلة إلظهار المشاعر ,و هو الهدف األساسى من الخاطرة ... ىف القصة المشاعر تكتىس باالحتدام الحكاىئ ,و بانتظامها ىف عقد ملزتم بالشرائط بعكس الخاطرة الىت ُتسرد فيها المشاعر لذاتها .. ُ ذكرت الحدث ىف الخاطرة حدث جاف بارد ..ال ُيحكى لذاته كما بل يستخدم كـ ـ [ تكأة ] لبيان مشاعر مصاحبة أو ناتجة شرائط القصة القصرية ً جدا توضح الفروق ً ً جامحا _ فوظيفته الجذب نسيميا كان أم االفتتاح [ العاصف] .. المبدأى_ ( عىل اختالف ىف ضرورته ) القفلة الداهشة التأزم و التوتر القصصية مرة ثاتية بريق االفتتاح و دهشة القفلة ,و شاعرية األسلوب و تدفق السرد ,و براح الفضاءات و التشظى ,و الحث عىل التخييل و التأويل فاألركان معروفة: القصصية و التكثيف و المفارقة و اإلدهاش الفاعلية و الحركية الخاطرة ً غالبا هى سرد المشاعر و المونولوج الداخىل و دون قص أو أن القص هامىش المنحى .. الخاطرة ذات مستوى واحد فقط َ أيض ًا ,ويمكننا وصفها أنها أفقية االتجاه.
باب قاص العدد
القاصة السورية د.رفاء صائب. رفاء صائب من سوريا دير الزور طبيبة أسنان لعائلة أدبية وعلمية يف آن واحد ،جدها عيل تنتمي ٍ صائب له معاجم لغوية وكان يتقن خمس لغات وكان قائم مقام ،والدها المحايم ضياء صائب له مؤلفات عديدة يف القانون ،عمها سعد صائب األديب المعروف له مؤلفات أدبية وترجمات من لغات عديدة ،أخوها األكرب وضاح صائب المهندس له عدة كتب ومؤلفات اجتماعية وسياسية ودينية ،اخوها تميم صائب الشاعر المعروف وله دواوين شعرية عديدة وكان صاحب دار نشر .. قرأت منذ نعومة أظفارها العديد من الكتب والروايات العالمية فقد كان األدب هوايتها وشغفها للقراءة ً ً الكرتونيا بعنوان( إضاءات من كتابا والعلم ،طبعت ً ذاكرة زمن) ،تكتب الخاطرة والقصة القصرية جدا مع بعض المحاوالت الشعرية المتواضعة. صواع ُ الملك
ٌ وجه أيب ُّ .. ُ َ االبتسام دائم عابسة ،وهو الذي كان الوجوه كل بحثت عن ِ ِ ِ بشموخ .. ُ ُ مرآة أطفال ،ويف الزمن وجه أيم اليت حفرها أخاديد بين ِ ِ ِ رأيت تسعة َ ٍ َ الحاملتين َ َ عشر كوكبا ! أحد ويديه ابتسامة أيب، عينيها ِ ِ
ضياع
َ ُ ُ ُ َ الرحال كيال يغتصبه العتيق تحت قدميها يشد والشارع الوقت، تثاءب ُ الظالم .. ٌ ٌ ُ نصف يبحث عن َ واآلخر تسحبه آخر الدرب، مقطوعة نصفين، خطوتها ُ ُ ً ترتجف الحرية .. الجاهلية ،وما بين األمام والخلف أعراف خلفا ِ َ ُ ختم الحكاية ! الذئاب عواء ِ
رثاء
ُ َ ُ يسمع ُ تحرك َ اليأس .. أنين قلبها آخر الجمرات، بعصاها ِ ُ فحيح األفاعي .. للريح ِ الخيمة َ الح لها ُ قرب وطن ! ثقوب غطتهم بأسمال ِ الرجاء ،ومن ِ ِ
زلزلة
ً ُ طبيبا .. أحتاج _ أيها الحارس ،أرجوك .. ُ ُ التعذيب لم يتجاوز القضبان) المرتعش من صوته ( ِ ً َ َ ُ َ ّ متفاخرا: زميله أمام اللعب أوراق فرد ه، جلست السجان عد َل ِ ِ ُ َ اليوم عىل حسابك .. ربحت ..عشايئ _ ٌ ٌ ُ ٌ َ معصوب العدالة لم يعد تمثال متكسرة عىل األرض( حجرية صابة ثم َة ُع ّ ِ العينين) !
غوريلال
َ َ أكرث من المعتاد .. الجاذبية تشدين كأن _ انهضي أيتها الكسول .
َ واستدارت ّ ْ َ َ بحاجبين معقودين) .. استدارة نصف إيل بغضب الستائر (فتح ِت ٍ ٍ ِ َ ُ وصويت الممتعض: المجاور سمعت قهقهيت الزائرة يف القرب ِ ً _ ً َ أنسيت أن زوجة أيب، السرير قصر األمري؟ انظري تحت روحي يف تبا ِ ِ ِ َ َ قطعتها ! اليت وقديم حذايئ، فردة تجدين ٍ
ُ همهمات روح
ً ُ أحاول أن َ ُ َ العالم بعدي ،هل فتحة ارى من خاللها أجد أتقلب يف قربي، َ نقصت األرض؟ هل توقف الزمن؟ َ أصوات بكاء ! ال أسمع حىت ٌ ُ ُ هدأت حية يف رواييت اليت تركتها عىل طاوليت .. لست ميتة ،أنا _ ال ُ لموت عميق.. وأسلمت نفيس ٍ ( يف الخارج كانت أوراقي ُت ُ بأقدام المارة) داس ِ _ ً ُ تركت نافذيت مفتوحة ! تبا،
ضالل
ُ ُ ٌ ُ جسد مقلوب الوجه ..يف فارغ ،وعىل سطح الماء يطفو المتحرك المقعد ُ ً القدمين وألبسها خفي منها سرق لمن عتاب رسالة كئيبة مشفى غرفة ٍ ٍ ِ حنين .. ٌ ٌ ُ ُ بحذاء من اإلبن يرقص راقصة، حفلة تدور المدينة يف الطرف اآلخر من ٍ ِ ذهب !! ُ ٌ ُ وقطة ضامرة البطن. يذرف الدموع، الناي
حصرم
ُ ُ ُ َ جسده كأفعى سامة .. تلدغ الربودة كفوهة مزمار، الفقري الكوخ سقف ِ ِ ِ َ ً َ َ الكره واغتاال السقاية مدبريْ ن ! زوجان رغم بذرة كان ،زرعها ِ ِ ُ ُ َ َ ُ ُ حسدها ..لم ذليل بعجز الموت يزفر وهو .. الريح أطفأتها الذابلة الشمعة ِ ِ ً ً ميالده ! عيد يوما ُيطفئ ِ شمعة يف ِ
أعراف
َ َ ً ُ ْ شرنقة تأملت دامعتين بعينين بقوة، أناملها عسريا ،عضت المخاض كان ِ ِ ِ ً طفلة بال جناحين _ هكذا قالوا لها _ وضعت الفراشة .. ِ ُ ض بإصرار ّ تتمخ ُ ّ َ َ تراب األجنحة قبل أن يهيلوا والدة كمل علها ُت مازالت ِ ِ الوأد ..
سيمفونية
ُ َ ُّ َ المجاورَ ، َ َ ُ ُ فنجان النادل العجوز رفع المقعد يحتل غياب َك انتظارك، طال _ َ قهوتك الباردة وأطفأ األنوار ! _ سيديت ..سنغلق . ً َ َ َ عاما لعشرين يالك من عنيدة، تمتم_ : مفتاح المقهى يف جيبه حين وضع ِ الداخل تنتظر ! وما زالت روحك يف ِ ملو ً َ َ وغادر ّ حا . المهرتئة ورقة نعو›يت طبطب عىل ِ ِ
ظلمات
ً مبتسما بأمان .. يستلقي َ ٌ ُ ّ يركله أفضل مما لدي( قال رفيقه وهو ممزي ،فأنت التمتلك التظن بأنك _ بقوة) ! ُ َ ُ والعينان الركالت، تظاهر بالنوم ..تتالت خوف ثم بنظرة اآلخر حدجه ِ ِ ِ َ َ ُ ُ حوله بالدوران الغريم ،بدأ حفيظة الالمباالة ..أثارت ر التظاه أتعبهما ِ ِ ُ خنقه .. مع ُن يف ِ والحبل ُي ِ ُ ُ عل َ َ أبصر بوالدة متعسرة ..وحده قابيل األم موت عن ن أ الليل عتمة يف ِ ِ ِ ِ ِ ِ النور!.
41
باب لقاء العدد
لقاء مع القاص األستاذ عباس عجاج
القاص عباس حجاج
42
نبذة: رئيس منظمة إدراك للتنمية البشرية رئيس تحرير وكالة خرب اإلعالمية عضو نقابة الصحفيين العراقيين عضو اتحاد أدباء وكتاب العراق عضو الرابطة العربية لآلداب و الثقافة مندوب الرابطة العربية للقصة القصرية جدا يف العراق مستشار ثقايف للمكتب المركزي للرابطة العربية للقصة ق ج عضو الهيئة العربية لنقاد القصة القصرية جدا مؤسس مشروع إدراك لتنمية مهارات الكتابة اإلبداعية 2019 منظم أول ملتقى عراقي للقصة القصرية جدا 2018 مؤسس و منظم مسابقة وكالة خرب ,السنوية ،الدولية ،للقصةالقصرية جدا = ّ أعد و أشرف عىل طباعة كتاب « 2020 « Sumerian shadesوهو مجموعة قصصية مشرتكة مرتجمة لإلنجلزيية. = ّ أعد و أشرف عىل طباعة كتاب « ترانيم الحرف» بنسخه الثالث وهو كتاب يضم القصص الفائزة بمسابقة وكالة خرب االعالمية. صدر للمؤلف: = مقاربات نقدية يف اشكاليات القصة القصرية جدا -دار ديوان العرب – القاهرة2020 - = مجموعة قصصية -شظايا ..قصص قصرية – دار المتن – بغداد /2018 دار نريفانا للنشر والتوزيع 2018سوريا -دمشق = مجموعة قصصية – رقصة الموىت – قصص قصرية جدا – دار المتن – بغداد 2018 = مجاميع قصصية قصرية جدا عربية مشرتكة (سنابل من حرب ,شرعة من ضوء ,الفائزون ,كلنا حشد ,ضفاف النيل ،ضفاف الرافدين)
باب لقاء العدد
س /ما تعريفكم للقصة القصرية جدا؟ ج /القصة القصرية جدا فن سردي حداثوي ,قصري ،مكثف ،له اشرتاطاته الخاصة ،و خطابه السردي ،ويعتمد يف بنيته عىل قول الكثري من المعىن بالقليل من الكتابة ،ينفتح عىل التأويل و يتداخل اجناسيا مع الفنون األخرى. س /يدعي البعض أن ال ق ق ج سهلة الكتابة ,فيما يرى كثري من كتابها خالف ذلك ،فما الذي يجعل أمر الكتابة متأرجحا بين السهولة والصعوبة؟ ج /لكل كاتب أدواته السردية ،ومهارته يف تسخري المفردة لمعىن أوسع يف الجملة المغتضبة ،و لكون القصة القصرية جدا ذات فضاء ضيق فإن محتوى الثقافة العامة للكاتب يكون عامال مؤثرا يف صياغة النص ،إضافة لفهم ماهية القصة القصرية جدا .لذا نجد القاص يف صراع بين االستسهال و الصعوبة ،فصغر حجم النص يضع الكاتب أمام تحدي كبري للخروج بنص ممزي. س /هل تستطيع ال ق ق ج منافسة الرواية من ناحية االنتشار؟ ج /ليس من العدالة أن نقارن فن بفن آخر فلكل منهما جمهوره و أدواته. وال ننىس بأن الرواية قد سبقت القصة القصرية جدا بالظهور بسنوات عدة ،وما يحدد االنتشار هو كم المنجز اإلبداعي المطروح يف الساحة األدبية ،إال أننا نستطيع الجزم بأن القصة القصرية جاءت مواكبة لحاجة عصرها ،زمن السرعة و عالم االنرتنت فأصبح لها انتشارا واسعا ملحوظا كتابة و نقدا وتنظريا. س /هناك اختالف حول شروط وأركان ال ق ق ج ،وكان لكم كتاب مختص حول الموضوع ,فما هي خالصة رؤيتكم بهذا الشأن؟ ج /للباحث رؤية ثاقبة يرصد خاللها مكنونات البحث و قد اجتهد من سبقنا يف هذا الميدان من األساتذة األجالء باإلحاطة يف مفاهيم تحدد معايري القصة القصرية جدا .وقد تعددت مسميات تلك المعايري ومنها (:الحكائية, الجرأة ,الوحدة ,التكثيف ,المفارقة ,الفعلية ,الشعرية ...الخ) فنحن نجد بأن تلك المعايري ال تتمثل بالقصة القصرية جدا فحسب ،إنما هي معايري تتواجد يف كافة أنواع السرد و تتعدى للشعر ،بتفاوت ،وليس منها ما يمزي القصة القصرية جدا عن باقي أنواع السرد سوى عنصر التكثيف ،بشرط أن ال يكتفي بتكثيف اللغة ،إنما يشمل تكثيف الحدث ,فتكثيف (اللغة و الحدث – معا )-هي الخاصية الوحيدة اليت تمزي القصة القصرية جدا عن أنواع القص األخرى ,اضافة للدالالت و الرتاكيب اليت ترسم صورتها الخارجية و تنطق بثنائية المعىن التأويلية. س /مازال الخالف قائما حول تجنيس القصة القصرية جدا فهنالك من يرى بأنها جنس قائم بذاته ,بينما آخرون يرونها نوعا من جنس أديب ..ما رؤيتكم لتجنيس القصة القصرية جدا؟ ج /التصنيف بحد ذاته اشكالية قائمة ,تعددت حولها اآلراء والنظريات بل إن التداخل بين األجناس دعا البعض للمناداة بإلغاء تقسيم األدب إىل أجناس ,وعد األدب وحدة متكاملة .وعليه فإن اإلشكال يف تجنيسها يجعلنا ندور يف حلقة مفرغة و األجدر اعادة دراسة األجناس األدبية قاطبة .واتفاق النقاد عىل تصنيف شامل يواكب القفزة النوعية للمستجدات األدبية ,ويحيط بتداخل األجناس فيما بينها ،و إن كان البد أن نرضخ للتجنيس فإين أرى بأن القصة القصرية جدا فرع من عدة فروع (القصة الطويلة ,القصة القصرية ،األقصوصة ,القصة القصرية جدا، القصة الومضة) ,تدور جميعها يف رحى النوع وهو (القصة) اليت بدورها تنبثق من جنس أديب أكرب هو (السرد). س /ما تأثري المواقع االلكرتونية يف مسرية القصة القصرية جدا؟ ج /ساهمت المواقع االلكرتونية إىل حد كبري يف انتشار هذا الفن إال أن مواقع الروابط القصصية كانت انعكاسا لرؤى المشرفين عىل تلك المواقع فخلقت ارباكا لدى الكتاب و القراء عىل حد سواء .س /هناك خالف بين الكتاب والنقاد حول طول القصة القصرية جدا ،ومنهم من حددها بأربعين كلمة ومنهم من قال األفضل ان تكون جدا مختصرة. كيف ترون االمر وما هو معياركم؟ حقيقة ,هذا االختالف حول حجم ال ق ق ج ,و ليس الخالف ,ليس موقوفا عند القصة العربية و كتابها و نقادها و منظريها ,انما هو اختالف عالمي, فالقصة القصرية جدا ال يحددها طول النص أو قصره ,إنما اشرتاطاتها الفنية ,و معايريها البنيوية هي اليت تحدد كينونة النص ,سواء كان بضعة كلمات أو صفحة كاملة ,لذا نالحظ بأن ذلك االختالف واقع مفروض عربيا وعالميا ,إال أن القص العالمي قد عرف طريقه إىل تلك األشكال بتسمية كل منها بما يناسبها ,فنجد أن (الشكل القصصي المكثف جدا) يتناسب مع ما هو متعارف عليه عالميا ()Mini saga و الـ (ميين ساجا) هي تلك القصص ما دون الـ ( )50كلمة ,مع األخذ بعين االعتبار أن ترجمة قصة ميين ساجا للعربية سيجعل من كلمات النص
المرتجم أقل عددا من النص األصيل ,ونعزي ذلك إىل ما للغة العربية من امكانية االخزتال ,وسعة المعىن للمفردة الواحدة ,فبإمكان مفردة عربية واحدة أن تغطي جملة تقابلها بالمعىن من اللغة األجنبية. كذلك هنالك شكل آخر ,وقد انتشر يف ثمانينات القرن الماضي تحت مسمى قصة الـ (درابل) ()Drabble ومن الطريف أن نذكر هنا أن جامعة برمنغهام يف المملكة المتحدة قد أعلنت عن مسابقة أدبية عام ,1980تحمل اشرتاطات القصة القصرية جدا ,سميت (.)Drapel flash fiction ومن أهم شروط قصص “درابل” أن تكون القصة يف مائة كلمة وهي مستوحاة من كتاب ساخر يحمل عنوان ”كتاب مونيت بايثون ً تهكما الكبري األحمر” الصادر يف لندن سنة ،1971لمجموعة مؤلفين – بكتاب ماو ”الكتاب األحمر الصغري” يصف المؤلفون يف الكتاب الكبري “لعبة كلمات” حيث يجتمع عدد من األصدقاء حول موقد النار ،يتبادلون ً جدا ،ال األحاديث الممتعة ،ويتنافسون فيما بينهم ،يف تأليف قصة قصرية ً فائزا أول من ينتهي من يتجاوز عدد كلماتها مائة كلمة بالضبط ،ويعترب تأليف القصة ،مهما كان موضوعها أو اسلوبها ,وقد تبىن الحقا (ستيف موس) رئيس تحرير مجلة نيو تايمز شروط كتابة قصص (درابل) ،ليعلن عن ً جدا ،ال يتجاوز طولها 55كلمة, مسابقة أدبية جديدة لكتابة قصة قصرية وذلك يف عام .1987 و هنالك أيضا القصة التويرتية ( ,)Twitteratureوهذا الشكل القصصي نابع من تسميته ,إذ أن ظهوره و انتشاره جاء مزتامنا لظهور موقع التواصل االجتماعي (تويرت) ,وهذا الشكل يحدد كلمات النص بما ال يزيد عن ( )280حرفا ,وهي المساحة المسموح بها للنشر يف تغريدات تويرت, إذ يستحيل كتابة نص ب ( )281حرفا ,علما بأن السائد قبل عام 2017كان يتوقف لدى ( )140حرفا. و من بين تلك األشكال نجد (قصة الست كلمات) ( ,)A six-word storyوهي من شاكلة ما اشتهرت به قصة ارنست همنغوي «».For sale: baby shoes, never worn و جميع تلك األشكال تنضوي تحت تسمية قصص الخيال أو الفالش فكشن ( ,)Flash fictionولذا فليس غريبا أن نجد تلك التعددية يف القصة العربية ,واليت تحمل طابع الثقافة العربية دون الحاجة إىل التقليد األعمى ,أو التقليد لمجرد مجاراة حداثة غربية. س /يف نصوص كثرية اطلعت عليها ،لمحت جنوحا لدى كثري من كتاب ال ق ق ج إىل استخدام التلغزي واإلبهام فهناك مدعى أن هذا ركن أو شرط لنجاح ال ق ق ج .هل ترونه كذلك؟ يف البدء البد أن نعرف بأن أنماط الكتابة متعددة ,و لكل كاتب الحق يف اختيار النمط الذي يراه مناسبا يف صياغة قصته ,وهي جميعها مقومات فنية جمالية و داللية ,يستخدم القاص خاللها المفردات األدبية داخل ّ معينة يصل من خاللها لبلوغ مراده من تلك الكتابة ,فقد يختار منظومة الكاتب النمط السردي ،أو يعتمد عىل النمط الوصفي ،أو من يلجأ إىل لغة الحوار ،وغريها من األنماط المختلفة بما يضفيه خاللها من جماليات السرد كالرتمزي ،واالنزياح ،والتناص ,و التصوير البالغي و اإليحاء ,أو ثنائية اللغة ,و أحيانا باالستعانة ببياض السرد بما تقتضيه الحاجة للوصول إىل ذهن المتلقي ,فقد يكون ما نسميه نحن التلغزي هو يف الحقيقة ليس تلغزيا ,إنما ابحار يف تعددية المعىن ,و أفق أوسع للتأويل ,فالقصة القصرية جدا ليست أحجية كي ندغمها باأللغاز و الطالسم اليت تحتاج لالستعانة بمتصفحات البحث االلكرتوين أو المعاجم اللغوية للوصول إىل معناها ,و ال أظن بأن القاص المتمكن ,الناضج كتابة يغامر بطرح سريالية قصصية تقتضي القول إن المعىن بقلب الشاعر ,و بنفس الوقت فعىل القارئ المتذوق اعادة قراءة النص الستنباط المعىن ,فقد تكون للقراءة الثانية أبواب أخرى و زوايا رؤية لم تكن حاضرة يف القراءة األوىل. س /بماذا تنصح كتاب القصة القصرية جدا ,و خصوصا الشباب منهم؟ خطان متوازيان ,القراءة و التجريب ,القراءة من حيث األهمية تطلعنا عىل منجزات اآلخرين ,و استخالص مكامن القوة و الضعف منها ,و معرفة مزايا النصوص الجيدة ,و تعدد أساليب كتابتها ,و تنوع أشكالها ,وال تقف القراءة عند زمن محدد أو عمر زمين ,فجميعنا بحاجة للقراءة حىت الثمل ,أما التجريب فهو خوض غمار التجربة لمعرفة مستوى ما نكتب من خالل ردود اآلخرين عليها ,و تقييمهم ,و تقويمهم ,وهي فرصة قائمة لالستفادة من أخطائنا و تصحيحها ,و خلق تحد مع الذات ,ليس للوصول إىل مستوى جيد فحسب بل الطموح للعبور نحو النخبة من قصاصي هذا الفن الجميل ,كما أنصح كل كاتب ّ أال يضع نفسه يف قالب ضيق فيقتل حافز اإلبداع لديه ,بل ينفتح عىل كافة ألوان و أطياف الكتابة الحكائية لفن القصة القصرية جدا.
43
باب بين السطور
ّ ّ نيب... كل عاشق ّ كل عاشق رسول يف الكون أسرار كثرية ّ يتأملها اإلنسان ويبحث فيها ويتأرجح بين ّ الش ّك واليقين .قد يصل إىل ّ لكنه يعجز عن اإلحاطة بها .وقد يعود بعضها كل بحث ،إلاّ الصفر مع ّ إىل نقطة ّ ّ سر العشق اإللهي هو الباحث عن اإلنسان والمقرتب منه بقدر ما يسمح هذا اإلنسان وبقدر ما ينفتح عىل اإللهي .واالنفتاح عىل ّ ّ ّ النور هو انفتاح عىل النور ّ اإللهي المختلفة عن لغتنا .لغة لغة العشق الصمت واإلصغاء ،لغة الفناء يف المحبوب حتىّ ّ تتجلىّ الحياة كاملة. ّ الن ّ ّ ّ الحب اإللهية ،كلمة يب هو حامل الكلمة ّ ّ بحب اهلل رسول وكل ناطق للعالم. عاشق .والمقصود ّ بالن ّ بوة المعىن ّ للحب األرحب واألشمل اإللهيّ . ّ ّ أحب عرف كل من ّ وكل من عرفه ّ أحبه اهلل وأخرب عنه .لذلك فلغة الحب هي ّ ّ الرابط المشرتك بين ّ كل العاشقين هلل. ّ وكل عبرّ بطريقته وبحسب اختباره ّ ّ خصي يف الش هذه العالقة ّ الس ّرMystère / ّاليت يصعب
تفسريهاببساطة دون أن ّ يمر من أراد الفهم بذات االختبار. ّ الناظر من الخارج ال يفهم هذا ّ الت ّ جرد ّ والتخليّ عن العالم ّ والن ّ يب ال واالمتالء باهلل. ّ ّ اإللهي الحب يحمل كلمة وإنما يبذل ّ وحسب ّ ّ فكري كل جهد ّ ّ وروحي من أجل تحقيقها يف ونفيس
العالم. ّ ّ ّ ّ اإلنساين. خالصي للكيان اإللهي فعل الحب ّ ّ ليتعرف عىل ذاته .وهذا هو يحرره من ذاته المعىن األصيل للخالص .وهذا هو المعىن الكامن يف فكر العاشقين ونقرأه يف أعمالهم وتأمالتهم .ما قيمة اإلنسان إن لم يكن ّ ّ حر ًا وما سبب وجوده وغايته إن لم يكن اختبار العشق ً ّ ّ أبدا هناك؟ ليتعرف عليه ويحيا به اإللهي هنا ّ العاشقون هلل بلغوا ّ الحر ّية حر ّيتهم بالعشق، ّ ّ ّ ّ ظاهرية. لحرية مهم أن يسعوا اإلنسانية .فما عاد الحر بامتياز ّ ّ ألنه يدور يف فلك العاشق هلل هو العشق ويقتات منه ويحيا به بمعزل عن ّ أي شيء آخر ،يف قلب اهلل.
الكاتبة مادونا عسكر
44
ّ القديس باسيليوس الكبري« :اهلل هو الجمال يقول ّ ّالذي يسعى إليه ّ وكلما أوغلنا يف كل إنسان». ً ّ ّ أمعنا يف هذا وكلما جماال، هذا الجمال ازددنا ّ وكل عاشق الجمال باتت العودة منه مستحيلة. أدرك هذا الجمال حمله يف كيانه ومنحه لآلخر. ببعيد عن هذا المفهوم وابن الفارض ليس ٍ
ّ العالئقي باهلل حين قال يف قصيدته (زدين بفرط ُ خلوت َ ّ ّ ْ الحبيب مع ولقد الحب الحب فيك تحيرّ ًا ِ وبيننا ِس ٌّر َأر ّق ِم َن ّ النسيم ،إذا َ سرى ِ َ وأباح طريف نظرة َّ أملته ــا َّ منك ً ً ُ ُ را وكنت معروفا فغدوت ُ فدهشت َ ـالله جماله وج بين ِ ِ ً ُ مخربا الحال عين لسان وغدا ِ َ حاسن َو ْج ِه ِه، فأدرْ ِل حاظ َك يف َم ِ ِ َت ْل َقى َج َ ميع ُ فيهُ ،م َص َّورا الح ْس ِنِ ، لو ّ أن ُك ّل ُ يكم ُل ُص َ ْ ُ ورة الح ْس ِن مهل ً َّ َ ُ ال ومكبرَّ ًا كان ورآه ّ اإللهي وال تخرب من العسري أن تغرق يف الجمال نيب ورسول يقول ّ للناس ّ ولما ّبلغت فأنت ّ إن عنه ّ ّ وتبينوا جماله لتحييوا اهلل حاضر هنا ،فامتلئوا منه ُ (فدهشت َ ـالله //وغدا جماله وج بين وتكتملوا. ِ ِ ً ُ مخربا) .ويف ذات ّ السياق يقول الحال عين لسان ِ ً ُ ً كثريا يف ّ حبك «تأخرت مناجيا اهلل: أغسطينس ُ كنت الق َدم. ّأيها الجمال األعظم والفائق يف ِ ّ لكنين وجدتك داخيل ويف أبحث عنك خارجي؛ ّ يتطلع أغسطينس إىل ّ السماء صميمي» .وهنا ّ الرحبة ّاليت يف داخله وأشار إليها بالجمال ّ ّ بالحب فاهلل جمال لكنه يربط الجمال األعىل. ّ ّ إلهي ّ إنساين ورد فعل يعشقه اإلنسان .فعل يخلص باإلنسان إىل رتبة ّ ٌ ّ مقام «الحب النبوة. ّ ٌّ الحق تعاىل به نفسه»( .محيي ّ الدين إلهي .وصف نحبه ّ ّ القديس يوحنا »:نحن ّ ألنه بن عريب) ويقول ال»ً . أو ً ّ ّ أحبنا ّ الحب منه وإليه .وانسكاب إذا فامتداد ّ ّ يحمله مسؤولية اإللهي يف قلب اإلنسان الحب ّ الحب فيصبح ّ بالتايل ّ ّ نبي ًا. تبليغ هذا ّ بالعلو والعمق ،باهلل عاشق هلل إنسان مرتبط ّ اإللهية وباإلنسان .إذ ال يمكن حمل الكلمة واحتكارها .ال ّ بد من تبليغها واالستبسال يف زرعها يف ّ كل نفس. ما يجمع بين العاشقين لغة اهلل لغة العشق. يقول جالل ّ الدين ّ الرويم: َ َ تعال تعال.. يهم من َ أنت ،وال إىل ّ ّ طريق تنتهي أي ال ِ َ ّ يهم من تكون تعال ..ال ً ً عاشقا للحياة ناسكا ..أو عابر سبيل.. َ تعال ..فال مكان لليأس هنا): َ َ أخللت بعهدك ألف مرة تعال ..حتىّ لو َ ّ لنتكلم عن اهلل تعال فقط ّ ّ ّ الكالم عن اهلل الزتام ّ والن ّ وكل بوة سولية بالر ً ّ شعرا كان الفكري ّالذي تركه العاشقون اإلرث أم ً ّ ّ والت ّ أمالت ما هي إلاّ نفحات وكل العظات نرثا، عطر ّ حدثت بالعشق حتىّ فنيت به غري آبهة ّ بحياتها .تواضعوا حتىّ حلقوا يف سماء اهلل، ّ تذللوا حتىّ أشرقوا يف اهلل وأشرقوا يف حياتنا. ّ والرويم ولو ّأننا درسنا يف مدارسنا سرية الحلاّ ج ويوحنا فم ّ ّ ّ الدين ّ وشمس ّ ويوحنا الذهب التربيزي ّ ممن سابا وأغسطينس ورابعة العدوية وسواهم ّ ّ إنساين هاموا باهلل لما بلغنا ما بلغناه من تدهور ّ ّ ّ فكرية وعنصرية ديين وتقوقع