03

Page 1

‫جامعة الهزهر‬ ‫مركزز صالح عبدز الَّلك ه‬ ‫كاملز‬ ‫للتقتصاد اللسلمي‬

‫‪Al-AZHAR UNIVERSITY‬‬ ‫‪S.A. KAMEL CENTER‬‬ ‫‪FOR ISLAMIC ECONOMICS‬‬

‫نزززدوة‬ ‫»الفسادز التقتصادي‪:‬ز الواتقع المعاصرز ‪ -‬العل ج‬ ‫اللسلمي«ز‬ ‫القاهرة‪ 17-16 :‬ذي الحجة ‪1420‬هـ ‪ 23-22 -‬مارس ‪2000‬م‬

‫الجراءاتز العمليةز اللسلميةز‬ ‫لعل ج الفسادز التقتصاديز‬

‫دكتور‪/‬ز محمدز عبد الحليمز عمرز‬ ‫أستاذ المحاسبة‬

‫مدير مركز صالح كامل للتقتصاد السلمي‬ ‫جامعة ال زـهر‬

‫مقدمززززززة‪:‬ز‬


‫يتناول هذا البحث موضوع‪" :‬الرجراءات العملية لمكافحة الفساد التقتصادي من‬ ‫منظور إسلمي" وذلك لتقديمه إلى ندوة‪" :‬الفساد التقتصادي ‪ -‬الواتقع والعل ج‬ ‫السلمي" التى تعقد بالمركز والتى سيقدم فيها بحوث أخرى حول موضوع الندوة‪.‬‬ ‫ومشكلة الفساد التقتصادي من المشكلت الخطيرة في الوتقت المعاصر وفي‬ ‫رجميع الدول بشكل أدى إلى الهتمام بمكافحة على رجميع المستويات محليًا وعالميًا فلقد‬

‫كان الفساد موضوعًا رئيسيًا في عدد من الوثائق الدولية مثل تقرير البنك الدولي عام‬

‫‪1997‬م والذى يكاد يدور كله حول دراسة مشكلة الفساد‪ ،‬كما عقدت عدة ندوات محليًا‬

‫مثل ندوة الفساد والتنمية بكلية التقتصاد والعلوم السياسية برجامعة القاهرة عام ‪1999‬م‪،‬‬ ‫ومؤتمر الفساد والدول النامية الذى عقد في نيويورك عام ‪1999‬م وشاركت فيه مصر‪،‬‬ ‫برجانب عقد مؤتمر بدولة أوررجواي ضمن فعاليات هيئة النتوساى عام ‪1998‬م‬ ‫وشاركت فيه مصر أيضًا‪.‬‬

‫ويأتي عقد هذه الندوة في رحاب رجامعة الزهر لتضيف إلى ما سبق بعدًا رجديدًا‬

‫وهو "العل ج السلمي للفساد" والذى ينبع من أن مقصود الشريعة السلمية هو‬ ‫تحقيق المصالح‪ ،‬الذى يعنى رجلب المنافع ودرء المفاسد بالنسبة لمقومات الحياة‬

‫الخمس وهى‪ :‬الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والعقل‪ ،‬والنسل‪ ،‬والمال‪ ،‬وأنه طبقًا للقواعد الصولية بأن‬

‫درء المفاسد مقدم على أو أولى من رجلب المصالح‪ ،‬فإنه يتضح أن السلم عنى عناية‬

‫كبيرة بمشكلة الفساد‪.‬‬ ‫وهذا ما نحاول أن نوضحه في هذا البحث من أرجل السهام في بيان كيفية عل ج‬ ‫الفساد التقتصادى من منظور إسلمي خاصة وأن كل ما بذل من رجهود وأفكار حتى‬ ‫الن لم يثمر عن نتائج ملموسة في الحد من هذه المشكلة‪ ،‬والعل ج السلمي للفساد‬ ‫يبدأ من الرجراءات الوتقائية لترجفيف منابع الفساد ثم يتتبع كشف ما يرتكب منه ويقرر‬ ‫له العقوبات المناسبة رجب ًار لما وتقع من فساد وردعًا عن معاودة ارتكابه‪ ،‬والخذ بهذا‬

‫ل عن كفاءته فإنه وارجب على المسلمين‪ ،‬لن الفساد من المحرمات شرعًا‬ ‫المنهج فض ً‬

‫ووارجب المسلمين برجانب اللتزام بالطاعات عدم ارتكاب المحرمات‪ ،‬هذا وينتظم البحث‬ ‫في الخطة التالية‪:‬‬ ‫المبحث الول‪ :‬مفاهيم أساسية حول مشكلة الفساد التقتصادي‪.‬‬ ‫‪-2-‬‬


‫المبحث الثاني‪ :‬الرجراءات الوتقائية من الفساد التقتصادي‪.‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬الرجراءات العلرجية للفساد التقتصادي‪.‬‬

‫‪-3-‬‬


‫المبحثز الول‬ ‫مفاهيم ألسالسيةز حول مشكلةز الفسادز التقتصاديز‬ ‫من المناسب تقبل أن نتناول المنهج السلمي في مكافحة الفساد التقتصادي أن‬ ‫نتعرف على البعاد المختلفة لهذا الفساد من حيث مفهومه وأسبابه وواتقعه وآثاره‪ ،‬وذلك‬ ‫على الورجه التالى‪:‬‬

‫أوًل‪ :‬مفهوم الفساد التقتصادي‪:‬‬

‫إن الفساد في معناه العام يشمل كل اعتداء على النفس والموال أو الموارد وفي‬ ‫ّ‬ ‫س َعـس ى ِفي الَْر ِ‬ ‫ضـِلُيْفِس َد ـِفيَه اـ َو ُيـْه ِلـَك‬ ‫ذلك يقول الله سبحانه وتعالى‪َ﴿ :‬و إِاـَذ اـتَ​َو لّـس ى َ‬ ‫س اـَد﴾)‪ ،(1‬إواذا كان الفساد في مرجال الموال فقط فإنه‬ ‫س َلـَو اـللُّه ل ُيِح ّ‬ ‫اْلَح ْرـَثـَو اـلّن ْ‬ ‫بـ اْلفَ َ‬

‫يندر ج تحت مصطلح أكل الموال بالباطل والتى نهى الّله سبحانه وتعالى عنه في تقوله‬ ‫تعالى‪َ﴿ :‬ول تَأُْك لُوا أَْم َوـاـلَُك ْمَبْي َنُك ْم ِباْلَباِط ِلـَو تُـْد لُـوا ِبَه اـ إَِلس ى اْلُح ّكـاـِم ِلتَأُْك لُوا فَِر يـًقا ِم ْنـ‬ ‫أَْم َوـاـِلالّنا ِ‬ ‫س ِباِل ثِْـم َو أَـْنتُـْم تَْع لَـُم وـَن﴾)‪ (2‬وهذا هو لب الفساد التقتصادي والذى يتفرع‬

‫إلى أنواع عدة بحسب ملكية المال ومن يقوم بالفساد‪ ،‬ولذا تورجد مصطلحات عدة في‬ ‫هذا المرجال مثل‪:‬‬

‫ الفساد السياسس ى‪ :‬والذى يعبر عنه بأنه "اساءة استعمال السلطة العامة لتحقيق‬‫مكسب خاص")‪.(3‬‬ ‫ الفساد الدارى‪ :‬والذى يعبر عنه بأنه "سلوك بيروتقراطى يستهدف تحقيق منافع‬‫ذاتية بطرق غير شرعية")‪.(4‬‬ ‫ الفساد الكبير‪ :‬وهو الذى ينخرط فيه كبار المسئولين في الدولة‪.‬‬‫ الفساد الصغير‪ :‬وهو الذى ينخرط فيه صغار الموظفين في الدولة‪.‬‬‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( الةية ‪ 205‬من سورة البقرة‬ ‫)( الةية ‪ 188‬من سورة البقرة‬ ‫)( تقرةير عن التنمية في العالم ‪1997‬م ‪ -‬البنك الدولى للشنشاء والتعمير ‪ -‬ترجمة وشنشر مؤسسة الهرام‬ ‫صـ‪112‬‬ ‫)( د‪ .‬عطية حسن افندى "الممارسات غير اللخليقية في الدارة العامة" بحث مقدم لندوة الفساد والتنمية‬ ‫ كلية اليقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة‪1999 ،‬م‪ ،‬صـ‪.53‬‬‫‪-4-‬‬


‫ فساد القمة‪ :‬وهو الذى يرتبط برأس الدولة مثلما حدث من يلستين رئيس‬‫روسيا‪ ،‬ورئيس إسرائيل‪ ،‬وكول مستشار ألمانيا‪.‬‬ ‫ الفساد المؤسسس ى‪ :‬حينما تكون مؤسسات الدولة هشة وضعيفة بما يصبح معه‬‫رجهاز الدولة نفسه مؤسسة للفساد)‪.(1‬‬ ‫ويلحظ أن هذه التقسيمات تدور كلها حول الفساد الحكومى أو الفساد المتعلق‬ ‫بالمال العام وهو رجزء من الفساد التقتصادى الذى يتسع ليشمل صور الفساد الواتقعة‬ ‫على المال الخاص برجانب المال العام‪ ،‬ورغم أن الكتابات التى تتناول الفساد تقصره‬ ‫على الفساد السياسى لكثرته وشيوعه‪ ،‬إل أنه عند التحدث عن مكافحة الفساد وآثاره في‬ ‫العادة تدخل فيه كل صور الفساد التقتصادى الخرى ففي تقرير البنك الدولى عن‬ ‫التنمية في العالم ‪1997‬م‪ ،‬وهو يحدد أورجه الضعف التى تضر بالتقتصاد وضع على‬ ‫تقمتها كل من العتداء على حقوق الملكية‪ ،‬والفساد ‪ -‬السياسى ‪ -‬والسرتقة‪،‬‬ ‫والرجريمة)‪ ،(2‬كما أنه في سنغافوره كمثال على نرجاح مكافحة الفساد فيها رجاء أن محاربة‬ ‫الفساد تكون في القطاع الحكومى والقطاع الخاص‪.‬‬ ‫ونظ ًار لن السلم يحرم العتداء على الموال عامة بصرف النظر عن ملكيتها‬

‫عامة أو خاصة كما رجاء في تقول الرسول ‪» ‬كل المسلم على المسلم حرام دمه‬

‫وعرضه وماله«)‪ (3‬فإنه يمكن تعريف الفساد التقتصادى‪ :‬بأنه كل تصرف يمثل اعتداء‬ ‫على الموال على ورجه غير شرعى باتلفها أو سوء استخدامها أو كسبها بدون ورجه‬ ‫حق‪.‬‬ ‫فإذا كان المعنى اللغوى للفساد أنه ضد الصلح فإن صلح المال كما يقول عمر‬ ‫»وانى ل أرجد في هذا المال يصلحه إل خلل ثلث‪ :‬أن يؤخذ‬ ‫بن الخطاب ‪ ‬هو‪ :‬إ‬ ‫بالحق‪ ،‬ويعطى في الحق‪ ،‬ويمنع من الباطل«)‪.(4‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( د‪ .‬شادةية فتحى "الاثار السياسية للتحول ‪ -‬حالة روسيا" بحث مقدم للندوة سالفة الذكر‪ ،‬صـ‪-118‬‬ ‫‪122‬‬ ‫)( مرجع سابق‪ ،‬صـ‪46‬‬ ‫)( رةياض الصالحين للنووى ‪ -‬مطبعة الحلبى بمصر‪1957 ،‬م‪ ،‬صـ‪.74‬‬ ‫)( الخراج لبى ةيوسف ‪ -‬دار المعرفة بيروت صـ‪.117‬‬ ‫‪-5-‬‬


‫وفي إطار هذا المعنى الشامل للفساد وهو الفساد التقتصادى سوف نتناول كيفية‬ ‫مكافحة الفساد من منظور إسلمي‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬أسباب الفساد‪:‬‬

‫يورد الكتاب)‪ (1‬عددًا من السباب المؤدية إلى الفساد في الوتقت المعاصر والتى‬

‫بالعمل على الحد منها يتم ترجفيف منابع الفساد‪ ،‬ومن أهم السباب مايلى‪:‬‬

‫أ ‪ -‬إتساع حرية التصرف للمسئولين بدون ضوابط دتقيقة بما يمكنهم من التصرف في‬ ‫الموال الموضوعة تحت تصرفهم لمصلحتهم الخاصة‪ ،‬وكذا أخذ الرشاوى لنرجاز‬ ‫الخدمات المكلفين بأدائها للمواطنين‪.‬‬ ‫ب‪ -‬تقلة المساءلة‪ :‬والتى تأتى من عدم ورجود سياسات منظمة وضابطة للتصرفات‬ ‫المالية‪ ،‬ثم عدم كفاية وضعف أرجهزة الرتقابة‪ ،‬وأخي ًار عدم توفر المعلومات‬

‫)الشفافية( عن الداء بما يمكن من خللها التعرف على حالت الفساد عند‬

‫حدوثها‪.‬‬ ‫رجـ‪ -‬الستهانة بالقوانين وضعف النظام القضائى وبطء إرجراءاته ثم التراخى في تنفيذ‬ ‫الحكام‪ ،‬وهذا ما يمكن ملحظته في العديد من الدول والتى تصدر القوانين فيها‬ ‫بدون مشاركة فعالة من المواطنين ولصالح رجهات معينة بالدررجة الولى‪ ،‬ثم تبعية‬ ‫القضاة في تعيينهم وتحديد رواتبهم للسلطة التنفيذية والتى انخرط الكثير من‬ ‫تقياداتها في الفساد‪ ،‬وأيضًا بطء إرجراءات التقاضى إوامكانية كبار المفسدين من‬

‫توكيل محامين تقادرين على إما مد أرجل التقاضى إلى أن يستطيعوا التأثير على‬ ‫أدلة الثبات‪ ،‬أو عدم تنفيذ الحكام الصادرة ضدهم‪.‬‬ ‫د‪ -‬الحتمال الضعيف للمساك بالمخالف في تقضايا الفساد خاصة في حالة الفساد‬ ‫الكبير الذى ينخرط فيه كبار المسئولين في الدولة بما لديهم من سلطة يمكنهم‬ ‫بواسطتها التأثير على أرجهزة الرتقابة‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫)( تقرةير عن التنمية في العالم ‪1977‬م البنك الدولى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪ ،114-108‬د‪ .‬حسن عطية‬ ‫أفندى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪.56-54‬‬ ‫‪-6-‬‬


‫هـ‪ -‬ضعف العقوبات المقررة على مرتكبى رجرائم الفساد التقتصادى مقارنة بما‬ ‫يحصلون عليه من عوائد ومنافع من إرتكاب الفساد‪.‬‬ ‫و‪ -‬ضعف وانعدام الخلق لدى مرتكبى الفساد والتى تمثل الرادع الول للنسان عن‬ ‫ارتكاب الفساد‪ ،‬وذلك ناتج من ضعف العقيدة وعدم مراتقبة الّله عزورجل‪.‬‬ ‫ز‪ -‬الفقر الناتج عن ضعف الدخول خاصة الرجور التى تدفع لصغار الموظفين ول‬ ‫تكفى لحارجاتهم الساسية بما يرجعلهم يحاولون تعويض ذلك باختلس ما بعهدتم‬ ‫من أموال وتقبول رشاوى من الرجماهير‪.‬‬ ‫ح‪ -‬غياب القدوة ممثلة في مديرى العمال وكبار المسئولين حيث أن انخراط هذه‬ ‫الفئات الكبيرة في الفساد يشرجع الموظفين تحت رئاستهم على تقليدهم‪.‬‬ ‫ط‪-‬‬

‫التحولت التقتصادية التى يشهدها العالم الن في ظل العولمة‪ ،‬حيث أن‬ ‫الترجاه نحو رأسمالية السوق الحرة الذى بدأ يسود العالم وما يتضمنه من‬ ‫تقليص دور الحكومة في التقتصاد وبالتالى تقلة المساءلة‪ ،‬ثم المنافسة التى‬ ‫تصل إلى حد الصراع القاتل‪ ،‬وحرية تحريك الموال بين دول العالم مما أورجد‬ ‫فرصة أمام كبار المفسدين لتحويل ما يحصلون عليه بدون ورجه حق إلى‬ ‫المؤسسات المالية العالمية وتدويرها في أعمال مشروعة لخفاء مصدرها غير‬ ‫الشرعى فيما يعرف بغسيل الموال‪ ،‬كل هذه الظروف أورجدت بيئة مناسبة أمام‬ ‫)‪(1‬‬ ‫ل على الفساد المستورد والذى‬ ‫المفسدين لمحاولة اخفاء رجرائمهم ‪ .‬هذا فض ً‬

‫أتى مع العولمة كما يشير تقرير منظمة الشفافية الدولية‪ ،‬إلى أن كثي ًار من‬ ‫الرشاوى في العالم الثالث تدفعها رجهات من العالم الول‪.‬‬

‫ونظ ًار لتوارجد هذه السباب وتزايدها‪ ،‬فإن حالت الفساد في الواتقع المعاصر‬

‫اتسعت على مستوى دول العالم وزادت‪.‬‬

‫وهو ما سنتعرف عليه في الفقرة التالية‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬الواتقع المعاصر للفساد‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( توماس فرةيدمان "السيارة ليكساس وشجرة الزةيتون ‪ -‬محاولة لفهم العولمة" ترجمة ليلى زةيدان ‪ -‬الدار‬ ‫الدولية للنشر والتوزةيع‪ ،‬صـ‪.213-207‬‬ ‫‪-7-‬‬


‫رغم أن أعمال الفساد تتسم بالسرية ويقترن بها محاولة التمويه والتحايل لخفائها‪،‬‬ ‫إل أن ما يتداول بشأن ما ظهر منها وأمكن كشفه يدل على مدى اتساعها وزيادتها‪،‬‬ ‫ويمكن التدليل على ذلك ببعض الشارات منها‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫على المستوى الدولى‪ :‬نرجد أن الفساد التقتصادى ينتشر في رجميع دول العالم‬ ‫سواء المتقدمة أو النامية وخاصة الفساد الكبير مما يصعب معه حصره ونكتفى‬ ‫بالشارة إلى ما ورد في بعض الدراسات والتى وردت في مرجلد ندوة الفساد‬ ‫والتنمية وتقرير البنك الدولى وبعض الكتب الخرى ومنها يظهر مايلى‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫اشتهار الشركات المريكية بتقديم رشاوى إلى المسئولين في دول‬ ‫الرجنوب للفوز بصفقات السلح وغيرها‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫ثبت تقاضى كبار الوزراء في حكومات بلرجيكا وايطاليا وفرنسا عمولت‬ ‫أو تقروض ميسرة أو هدايا ثمينة لتمرير صفقات مشبوهه)‪.(1‬‬

‫‪-3‬‬

‫ورجدت في ألمانيا تقبل الوحدة وبعدها)‪ (2‬عدة تقضايا فساد سياسى منها‬ ‫تقضية فساد متعلقة بإعادة التسليح‪ ،‬وحصول رجميع الحزاب في بون‬ ‫على مبالغ ضخمة في صورة تبرعات مقابل تهرب الشركات الدافعة من‬ ‫مستحقاتها الضريبية‪ ،‬وتقيام رئيس الوزراء عام ‪1991‬م برحلت خاررجية‬ ‫هو وأسرته على حساب أحدى الشركات‪ ،‬وتقيام وزير التقتصاد‬ ‫باستغلل منصبه لفتح رجريدة محاباة لحد أتقاربه عام ‪1993‬م‪،‬‬ ‫واستغلل وزيرة شئون المرأة باستغلل المال العام لترجديد ديكورات‬ ‫منزلها وغير هذا كثير عام ‪1993‬م‪ ،‬وتقيام أخر وزير خاررجية في ألمانيا‬

‫‪-4‬‬

‫الشرتقية تقبل الوحدة بمنح تسهيلت بنكية لواحد وأربعين مطعمًا‪.‬‬

‫أما في روسيا)‪ (3‬بعد إنهيارها فإن تقضايا الفساد التى ارتكبها كبار‬ ‫المسئولين أكثر من أن تحصى والتى يأتى في تقمتها الفساد الرئاسى في‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( د‪ .‬مصطفى كامل السيد ‪ -‬مجلد بحوث شندوة‪ :‬الفساد والتنمية ‪ -‬مرجع سابق صـ‪9‬‬ ‫)( أ‪ .‬غادة موسى "الشفافية والمساءلة في ألماشنيا بعد الوحدة ‪ -‬بحث منشور في مجلد الفساد والتنمية صـ‬ ‫‪.83‬‬ ‫)( د‪ .‬شادةية فتحى ‪ -‬الاثار السياسة للتحول ‪ -‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫‪-8-‬‬


‫ما نشر عن تورط رئيس الدولة يلستين نفسه وكبار المسئولين معه في‬ ‫تقضايا فساد وغسيل أموال بلغت المليارات من الدولرات‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫وفي الصين يمثل الفساد مشكلة حقيقية أظهرتها احدى الدراسات بأن‬ ‫متوسط عدد تقضايا الفساد المقدمة للمحاكمة عام ‪1982‬م تقدر بحوالى‬ ‫‪ 20000‬تقضية تقفزت في عام ‪1990‬م إلى حوالى ‪ 51000‬تقضية‪.‬‬

‫‪-6‬‬

‫في كوريا وتايوان تعددت مظاهر وصور الفساد وتراوحت ما بين تقديم‬ ‫منح سياسية غير شرعية للحزاب إلى استغلل النفوذ وخلق علتقات‬ ‫مشبوهه بين ررجال المال والسياسة‪ ،‬ونفس الحال في أندونيسيا‪.‬‬

‫‪-7‬‬

‫ومن مظاهر انتشار مشكلة الفساد في العالم ما تبذله حكومات عديدة‬ ‫والمنظمات الدولية لمكافحة الفساد ومنها سنغافورة وأوغندا‪ ،‬وكذا ما‬ ‫تبذله كل من منظمة الشفافية الدولية وصندوق النقد الدولى والبنك‬ ‫الدولى والمم المتحدة‪.‬‬

‫ب‪-‬‬

‫أما على المستوى المحلى‪ ،‬فلقد أظهرت عدة دراسات)‪ (1‬تعدد حالت الفساد‬ ‫التقتصادى في مصر‪ ،‬إضافة إلى ذلك فإن ما نشر عن رجرائم الفساد في‬ ‫الشهر القليلة الماضية منذ بداية هذا القرن كثير مثل الحالت المتعلقة بنواب‬ ‫القروض ومحافظ الرجيزة السابق‪ ،‬وسكرتير وزير الثقافة‪ ،‬وعضو مرجلس الشعب‬ ‫عن إحدى مراكز الرجيز‪ ،‬وشركة حديد أسوان‪ ،‬وأصحاب شركة الشروق‪ ،‬وهى‬ ‫كلها من الفساد الكبير إضافة إلى عشرات اللف من تقضايا الرشوة والختلس‬ ‫في حالة الفساد الصغير‪.‬‬ ‫كل ذلك يدل على أنه ل تستنى دولة من ظهور مشكلة الفساد التقتصادى مما‬

‫يرجب معه العمل على تكثيف الرجهود ولمكافحة لما له من آثار سلبية على مرجمل‬ ‫الحياة وهو ما سنوضحه في الفقرة التالية‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( أ‪ .‬أحمد حجاجى‪ ،‬أ‪ .‬كرم لخميس ‪ -‬بعض يقضاةيا الفساد في المحاكم المصرةية صـ‪265‬‬ ‫ د‪ .‬صل ح سالم ‪ -‬تحليل يقضاةيا الفساد في مصر صـ‪.293‬‬‫ لواء هتلر طنطاوى دور هيئة الريقابة الدارةية في مكافحة الفساد في مصر صـ‪305‬‬‫وهى بحوث منشورة في مجلد شندوة الفساد والتنمية ‪ -‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫‪-9-‬‬


‫رابعًا‪ :‬آثار الفساد‬

‫)‪(1‬‬

‫يؤدى الفساد إلى أضرار عديدة يمكن تلخيصها فيما يلى‪:‬‬

‫أ ‪ -‬الثار التقتصادية‪ :‬ومن أهمها مايلى‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫يضعف الفساد التنمية التقتصادية والستثمار حيث أن انتشار الرشوة‬ ‫المطلوبة من ررجال العمال بواسطة المسئولين الحكوميين يقلل من‬ ‫حوافز الستثمار‪ ،‬ويسمح بارساء العمال على التقل كفاءة‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫يؤثر الفساد على المالية العامة سواء من حيث سوء تخصيص الموارد‬ ‫العامة حينما يورجه الرجزء الكبر منها إلى النفاق على احتيارجات ذات‬ ‫مبالغ كبيرة مثل التسليح والمستودعات الستثمارية الكبيرة حتى يضمن‬ ‫ل من النفاق على احتيارجات‬ ‫المسئولون الحصول على رشاوى كبيرة بد ً‬

‫ضرورية ذات مبلغ أتقل‪ ،‬كما أن انتشار الرشوة للحصول على الخدمات‬ ‫العامة مثل الصحة والتعليم يؤدى إلى الخلل في تقديم هذه الخدمات‬ ‫ل على زيادة النفاق الحكومى بدون مبرر في حالة‬ ‫للمحتارجين‪ ،‬هذا فض ً‬

‫ترسيه المشروعات على مقاولين وموردين بأثمان مرتفعة‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫على المستوى الخاص فإن انتشار الفساد التقتصادى يؤثر على حماية‬ ‫حقوق الملكية الخاصة ويؤدى إلى أكل أموال الناس بالباطل‪.‬‬

‫ب‪ -‬الثار السياسية‪ :‬إن انتشار الفساد التقتصادى خاصة الفساد الكبير منه والذى‬ ‫ينخرط فيه كبار المسئولين في الدولة سوف يؤدى إلى أن تكون الق اررات‬ ‫التقتصادية تتخذ ليس على أساس ما يدفع بالنمو التقتصادى إلى تحقيق رفاهية‬ ‫المواطنين إوانما تتخذ الق اررات على أساس المكاسب التى تعود على كبار‬

‫المسئولين أنفسهم وعلى عائلتهم وحلفائهم من السياسيين وررجال العمال مما‬ ‫سيؤدى إلى فقدان النظام السياسى للشرعية‪ ،‬أى القبول الختيارى من رجانب‬

‫المواطنين لمؤسساته وتقيادته ويشعر المواطنون بالغتراب عنه والعزوف عن‬

‫‪1‬‬

‫)( تقرةير عن التنمية في العالم ‪1997‬م ‪ -‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪.113-110‬‬ ‫‪- 10 -‬‬


‫المشاركة في منظماته وأنشطته ومع أول ش ارره سخط يتهاوى النظام مثلما حدث‬ ‫في رومانيا وأندونيسيا والب ارزيل والكونغو)‪.(2‬‬ ‫رجـ‪ -‬الثار الجتماعية‪ :‬يؤدى الفساد التقتصادي إلى عدة آثار ارجتماعية منها‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫العمل على غرس الحقد والحسد والتباغض بين أفراد المرجتمع إواثاره‬ ‫استيائهم من نظام ارجتماعى واتقتصادى وسياسى يعمل على إتاحة‬

‫الفرصة للمفسدين لكى يغتنوا بطرق غير مشروعة مما يؤدى إلى تفكك‬ ‫المرجتمع وتقيام بنيانه ليس على أساس علتقة المودة والتكافل إوانما على‬ ‫أساس المصلحة الذاتية والكراهية للخرين‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫يؤدى الفساد إلى انتشار القيم غير الخلتقية حيث يغذى الفساد نفسه‬ ‫بنفسه ويتسع نطاتقه إن لم يوارجه بحزم‪ ،‬لن ترك المفسدين ينعمون‬ ‫بثرواتهم المنهوبة من المال العام والمال الخاص يرجعل أفراد الرجمهور‬ ‫غير الفاسدين يرون أنه ل رجدوى من اللتزام بالقيم الخلتقية والتمسك‬ ‫بأحكام القوانين ويحاولون التقتداء بالمفسدين فتتزايد رتقعة الفساد ونطاتقه‬ ‫في المرجتمع‪.‬‬

‫إوالى هذا الحد نكون تقد تعرفنا على الفساد التقتصادى بالشكل ا لذى يؤكد ضرورة‬

‫مكافحته وييسر بيان كيفية هذه المكافحة التى تبدأ بالرجراءات الوتقائية لمنع حدوث‬

‫الفساد ثم الرجراءات العلرجية لما يظهر من حالت الفساد وهذا ما سوف نتعرف عليه‬ ‫في المبحثين التاليين‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫‪-‬‬

‫)( مصطفى كامل السيد – الشروط الساسية للتنمية – مجلد شندوة الفساد والتنمية – مرجع سابق‪ ،‬صـ‬ ‫‪.10‬‬ ‫تقرةير التنمية في العالم ‪1997‬م مرجع سابق صـ‪.112‬‬ ‫‪- 11 -‬‬


‫المبحثز الثاني‬ ‫الجراءاتز الوتقائيةز من الفسادز التقتصاديز‬ ‫إن ورجود الفساد التقتصادى وتحوله من ظاهرة عادية إلى مشكلة خطيرة مرتبط‬ ‫بالعوامل البيئية التى تسمح بانتشاره ولذا فإن التقتصار على علرجه بعد ظهوره‬ ‫واكتشافه لن يؤدى إلى الحد منه وتحرجيمه‪ ،‬بل لبد من الهتمام بالعوامل البيئية التى‬ ‫تعمل على الحد منه وتقليل فرص إرتكابه‪ ،‬وهذا ما يتفق مع نظام السلم في‬ ‫ل ثم عل ج ما يظهر من‬ ‫المحافظة على الموال الذى يقوم على الوتقاية أو الحماية أو ً‬

‫العتداء عليها بصور الفساد المختلفة ثانيًا‪ ،‬علرجًا بمثل رجب ًار لما ضاع وردعًا لمن‬

‫يفكر في ارتكاب أى صورة من صور الفساد‪.‬‬

‫إواذا كان الفساد التقتصادى يتمثل في تقيام شخص بالعتداء على المال بالخرو ج‬

‫على القواعد الشرعية تهربًا من أرجهزة الرتقابة واستهانة بالعقوبات في حالة كشفه‪ ،‬فإن‬

‫العوامل البيئية المرتبطة برجرائم الفساد التقتصادى تتمثل في كل من‪:‬‬

‫مرتكب الفساد ‪ -‬القواعد المنظمة للمعاملت ‪ -‬أرجهزة الرتقابة ‪ -‬نظام العقوبات‪.‬‬ ‫وبالعمل على أن تكون هذه العوامل في حالة رجيدة تقل فرصة ارتكاب الفساد‬ ‫وتصبح البيئة مواتيه للوتقاية منه‪ ،‬وسوف نحاول في الفقرات التالية بيان موتقف السلم‬ ‫من هذه العوامل وذلك على النحو التالى‪:‬‬ ‫أوًل‪ :‬بالنسبة للعاملين‪ :‬سواء كانوا من كبار المسئولين أو صغارهم فإن من الرجراءات‬

‫الوتقائية ضد ارتكابهم الفساد ما يلى‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫حسن اختيار العاملين‪ ،‬من ذوى الدين والصلح والعفاف والمانة والصدق‬ ‫والعدل‪ ،‬وهذا ما يظهر في كثير من اليات القرآنية التى تناولت العاملين مثل‬ ‫تقوله تعالى في تقصة يوسف عليه السلم ﴿َتقاَل اْج َعـْلـِني َع لَـس ى َخ َزـاِئِنالَْر ِ‬ ‫ضـإِّني‬ ‫َح ِفـيظٌ َع ِلـيم )﴾)ـ‪ (1‬وتقوله تعالى في تقصة موسى عليه السلم ﴿َياأَ​َب ِ‬ ‫س تَـأِْج ْرـهُإِّن‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫)‪(2‬‬ ‫ي الَِم يـُن )﴾ ـ ‪.‬‬ ‫س تَـأَْج ْرـَتـاْلقَِو ّ‬ ‫َخ ْيـَرـ َم ِنـ ا ْ‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة ةيوسف ‪ :‬الةية ‪55‬‬ ‫)( سورة القصص ‪ :‬الةية ‪26‬‬ ‫‪- 12 -‬‬


‫ويلحظ في كل آية منها أنه ذكر صفتين إحداهما متعلقة بالكفاءة المطلوبة‬ ‫للعمل‪ ،‬وهى الحفظ في الية الولى‪ ،‬والقوة في الية الثانية‪ ،‬ثم التمسك بالقيم الخلتقية‬ ‫ومن أهمها المانة والتى عبر عنها بالحفظ في الية الولى‪ ،‬وبأمين في الية الثانية‪،‬‬ ‫وعلى هذا الهدى الربانى سار الرسول ‪ ‬في اختيار العاملين في الدولة السلمية‬ ‫الولى حيث كان يتخير عماله من صالحى أهله)‪.(1‬‬ ‫كما أنه صلى الّله عليه وسلم صور سوء اختيار العاملين على أنه نهاية الدنيا في‬ ‫تقوله‪» :‬إذا ضيعت المانة فانتظر الساعة ‪ -‬تقال‪ :‬كيف اضاعتها يارسول الّله ‪ -‬تقال‪:‬‬

‫)‪(2‬‬ ‫ل لها‬ ‫إذا أوسد المر إلى غير أهله« ‪ .‬ولذا فإن إسناد الوظائف لمن ليس هو أه ً‬

‫محاباة للبناء والتقارب والمعارف أو نظير رشوة يأخذها المسئول يعد من خيانة المانة‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫سـوـَل‬ ‫التى تقال فيها الله سبحانه وتعالى ﴿َياأَّيَه اـ الّذيـَن َءاَم ُنـوا ل تَُخوـنُوا اللَّه َو اـلّر ُ‬ ‫)‬ ‫)﴾ ـ‪ (3‬ثم يعقب سبحانه في كلمة بالغة بقوله تعالى‪﴿ :‬‬ ‫َو تَـُخ وـنُوا أَ​َم اـَناِتُك ْم َو أَـْن تُـْم تَْع لَـُم وـَن‬ ‫)‬ ‫)﴾ـ‪ (4‬فإن الررجل لحبه لولده‬ ‫َو اـْع َلـُم واـأَّنَم اـ أَْم َوـاـلُ​ُك ْمَو أَـْو لـُد ُكـْمِفتَْنٌة َو أَـّن اللَّه ِع ْنـَد هُـأَْج ٌرـ َع ِظـيـٌم‬ ‫أو أحد من أهله تقد يؤثره في بعض العمال محاباة وهو يرجد من خير منه لذلك العمل‪،‬‬ ‫وبالتالى يكون ولده فتنه له خان به المانة‪.‬‬ ‫ومع هذا الهدى القرآنى والتورجيه النبوى رجاء الفكر والتطبيق السلمي حيث تحدد‬ ‫مواصفات العاملين في صفتين رجامعتين هما‪ :‬الكفاءة في العمل‪ ،‬والمانة‪ ،‬وفي ذلك‬ ‫يقول الماوردى في الشروط المطلوب توافرها في العاملين بداووين الدولة »والفصل‬ ‫الثانى من يصح أن يتقلد العمالة وهو‪ :‬من استقل بكفايته‪ ،‬ووثق بأمانته«)‪ (5‬وهو ما‬ ‫يتأكد لدى عالم آخر هو أبو يوسف في تقريره الذى رفعه إلى هارون الرشيد لصلح‬ ‫حال الدولة حيث يقول‪» :‬ورأيت أن تتخذ تقومًا من أهل الصلح والدين والمانة توليهم‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( محمد كرد على – السلم والحضارة العربية‪ ،‬لجنة التأليف والترجمة والنشر – القاهرة – ‪1968‬م صـ‬ ‫‪111-96‬‬ ‫)( صحيح البخارى بشر ح السندى – دار الشعب ‪2/129‬‬ ‫)( سورة الشنفال ‪ :‬الةية ‪27‬‬ ‫)( سورة الشنفال ‪ :‬الةية ‪28‬‬ ‫)( الحكام السلطاشنية للماوردى – مطبعة مصطفى الحلبى بمصر صـ‪209‬‬ ‫‪- 13 -‬‬


‫ل ثقة أمينًا فل يؤتمن على‬ ‫الخرا ج« ويؤكد على ذلك أيضًا بقوله »فإن لم يكن عد ً‬

‫المال«)‪.(1‬‬

‫إواذا كان ما سبق من نصوص يتعلق بكل من صغار وكبار الموظفين‬

‫والمسئولين‪ ،‬فإنه تورجد نصوص أخرى تورجه نحو حسن اختيار الولة من كبار‬ ‫ل‬ ‫الموظفين ومنها تقول الرسول ‪» ‬من ولى من أمر المسلمين شيئًا فولى عليهم ررج ً‬ ‫وهو يرجد فيهم أصلح للمسلمين منه فقد خان الّله ورسوله ورجماعة المؤمنين«)‪.(2‬‬ ‫‪ -2‬وضع نظام للجور‪ :‬يراعى فيه كفاية الرجر لحتيارجات الموظف حسب‬ ‫حاله‪ ،‬ذلك أنه من أهم السباب التى يرصدها الكتاب المعاصرون‬ ‫لنتشار الفساد الصغير الذى ينخرط فيه صغار الموظفين‪ ،‬هو عدم‬ ‫كفاية ما يحصلون عليه من أرجور ومكافآت لحتيارجاتهم ومن ثم بقائهم‬ ‫في حالة الفقر وهم يتعاملون في أموال كثيرة أو خدمات للرجماهير مما‬ ‫يدفعهم إلى تقبول الرشاوى واختلس ما بعهدتهم من أموال‪ ،‬ولذا يوصى‬ ‫الرجميع بتحسين ظروف العاملين كأحدى سياسات عل ج الفساد)‪ .(3‬ولقد‬ ‫سبق السلم ذلك فالقاعدة الساسية أن يحدد الرجر للعامل بأرجر المثل‬ ‫والذى يتحدد بالنظر إلى شخص مماثل للرجير في ذلك العمل إوالى‬ ‫زمان الرجارة ومكانها لن الرجرة تختلف باختلف العمال والزمنة‬ ‫والماكن)‪ .(4‬إواذا كان الرجر العادل ل يكفيه فإن في نظام السلم ما‬ ‫يوفر له كفايته من خلل مصادر أخرى منها الزكاة‪ ،‬وعلى مستوى‬ ‫الوظائف العامة فإن المعتبر هو نظرية الكفاية في تحديد الرجور‬ ‫ل وليس له منزل‬ ‫استنادًا إلى ما ورد عن الرسول ‪)) ‬من ولى لنا عم ً‬ ‫فليتخذ منزل‪ ،‬أو ليست له زورجة فليتزو ج‪ ،‬أو ليس له خادم فليتخذ‬

‫خادما‪ ،‬أو ليس له دابة فليتخذ دابة" بل إن من الثار ما يربط بين تحديد‬ ‫الرجر بشكل يمنع من خيانة الموظف لوظيفته ‪ -‬أي يرتكب الفساد ‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( الخراج لبى ةيوسف – دار المعرفة صـ‪106‬‬ ‫)( المستدرك للحاكم ‪4/62‬‬ ‫)( تقرةير عن التنمية في العالم ‪1997‬م مرجع سابق صـ‪8‬‬ ‫)( درر الحكام شر ح مجلة الحكام ‪1/385‬‬ ‫‪- 14 -‬‬


‫فلقد ورد أن أبا عبيدة بن الرجراح تقال لعمر بن الخطاب ‪ :‬دنست‬ ‫أصحاب رسول الّله ‪- ‬لنه أسند إليهم وظائف في الدولة‪ -‬فقال له‬ ‫عمر‪ :‬يا أبا عبيدة‪ ،‬إذا لم استعن بأهل الدين على سلمة ديني فبمن‬ ‫استعين؟ تقال‪ :‬أما إن فعلت فأغنهم بالعمالة عن الخيانة‪ .‬يقول‪ :‬إذا‬ ‫استعملتهم على شئ فأرجزل لهم العطاء والرزق ل يحتارجون")‪ (1‬على أن‬ ‫رجزل العطاء له حدود ول يرجوز أن يزاد عن سد حارجة الموظف كبي اًر‬

‫كان أم صغي ًار فها هو عمر بن الخطاب رأس الدولة السلمية في أزهى‬ ‫"وانما أنا ومالكم كولي اليتيم‪ ،‬إن استغنيت‬ ‫عصورها وأكثرها مال يقول‪ :‬إ‬ ‫أعففت‪ ،‬إوان افتقرت أكلت بالمعروف")‪.(2‬‬

‫ثانيا‪ :‬القواعد المنظمة للعمل في الموال‪ :‬إن من أسباب الفساد كما سبق ذكره ضعف‬ ‫القواعد المنظمة للعمل سواء من حيث عدم وضوحها أو ورجود ثغرات بها يتمكن‬ ‫المفسدون من خللها التحايل عليها كما ورد في تقرير البنك الدولي عن أسباب الفساد‬ ‫أن من بينها الستهانة بالقوانين والنظم والقواعد‪ ،‬أما في النظام السلمي فإن كون‬

‫القواعد والقوانين المنظمة للمعاملت مستمدة من الشريعة السلمية التي شرعها الّله‬

‫لعباده فإنها تتسم بالثبات في أصولها والوضوح في دللتها كما أن عقيدة المسلم ترجعله‬ ‫يحترمها وتقل فرصة الخرو ج عليها لنه يعلم أنه بذلك يعصى الّله سبحانه‪ ،‬والنظام‬ ‫السلمي في شموله يحتوي على القواعد اليرجابية للمعاملت ببيان الطرق الصحيحة‬ ‫للتصرف في الموال‪ ،‬كما يحتوي على القواعد التي تحدد الصورة السلبية بدتقة والتي‬ ‫تمثل صو ًار للفساد أو ضياع الموال وفي هذه الفقرة سوف نحاول أن نعدد هذه الصور‬

‫وحكمها الشرعي وهي‪:‬‬

‫السرتقة‪ :‬والتي تعرف بأنها أخذ مال الغير مستت ار من غير أن يؤتمن عليه)‪ ،(3‬وهي‬

‫‪-1‬‬

‫من الصور الواضحة للفساد إذ تمثل رجريمة العتداء على مال الغير بواسطة‬ ‫محترفين هم اللصوص‪ .‬والحكم الشرعي على السرتقة أنها حرام لقوله تعالى ﴿‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( الخراج لبي ةيوسف‪ -‬مرجع سابق صـ‪. 113‬‬ ‫)( الخراج لبي ةيوسف‪ -‬مرجع سابق صـ‪. 117‬‬ ‫)( بداةية المجتهد وشنهاةية المقتصد لبن رشد – مطبعة الحلبي بمصر ‪. 2/445‬‬ ‫‪- 15 -‬‬


‫ِ‬ ‫سـَبـا َنَك اـل ِم َنـ اللِّه َو اـللُّه َع ِزـيـٌز‬ ‫قَـو اـل ّ‬ ‫َو اـل ّ‬ ‫س اـِرتقَُةَفاْتق َ‬ ‫س اـِر ُ‬ ‫طُعوا أَْي دـَيـُهَم اـَج َزـاًءِبَم اـ َك َ‬ ‫َح ِكـيـٌم )﴾)ـ‪ (1‬كما أن الرسول ‪ ‬ينفي صفة اليمان عن السارق في تقوله »ل يسرق‬ ‫السارق حين يسرق وهو مؤمن«)‪.(2‬‬

‫ولما كان السارق في العادة يبيع ما يسرق للغير لذلك فإن الرسول ‪ ‬من أرجل‬ ‫سد منافذ تصريفها وبالتالي الحد من وتقوعها يقول »من اشترى سرتقة وهو يعلم أنها‬ ‫سرتقة فقد اشترك في إثمها وعارها«)‪ .(3‬وبناء على ذلك فإن من مسئولية صاحب كل‬ ‫مال حفظه في حرز مثله ووارجب الحاكم العمل على اتخاذ كافة الرجراءات لحماية‬ ‫أموال الناس وفي ذلك يقول المام الماوردى فيما يلزم الخليفة »والثالث حماية البيضة‬ ‫والذب عن الحريم ليتصرف الناس في المعايش وينتشروا في السفار آمنين من تغرير‬ ‫بنفس أو مال«)‪.(4‬‬ ‫رجـ‪ -‬خيانة المانة‪ :‬وهي ما يعبر عنه في الفكر القانوني المعاصر برجريمة الختلس‬ ‫والتي تقتصر على استيلء الموظف العام على مال عام سلم إليه بسبب وظيفته‬

‫)‪(5‬‬

‫أما استيلء الموظف في القطاع الخاص على أموال الوحدات التي يعملون بها فهي‬ ‫تعد في نظر القانون سرتقة مشددة)‪ .(6‬والمر في النظام السلمي أشمل وأدق من‬ ‫ذلك‪ ،‬فكل من أؤتمن على مال أو عمل وتصرف فيه بغير ما تقضي به القواعد‬ ‫المشروعة والمصلحة والحق‪ ،‬فهو خائن للمانة‪ ،‬ولذا تعرف خيانة المانة من هذا‬ ‫المنظور بأنها "منع الحق الذي ضمن سلمته وأداءه على ورجه فاسد ببطلن أو‬ ‫نقصان")‪ (7‬ويندر ج تحت ذلك كل من‪:‬‬ ‫استيلء الموظفين على الموال المسلمة إليهم والتصرف فيها لصالحهم‪ ،‬سواء في‬

‫‪-1‬‬

‫القطاع الحكومى أو غيره‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( الةية ‪ 38‬من سورة المائدة‪.‬‬ ‫)( صحيح البخاري بشر ح الكرماشني ‪. 23/180‬‬ ‫)( التيسير بشر ح الجامع الصغير للمناوي – المكتبة السلمية ببيروت ‪. 2/398‬‬ ‫)( الحكام السلطاشنية للماورد ‪ ،‬صـ‪.18‬‬ ‫)( مادة ‪ 113 ، 122‬من يقاشنون العقوبات المصري‪.‬‬ ‫)( المادة ‪ 317‬من القاشنون الجنائي المصري‪.‬‬ ‫)( د‪ .‬محمد شنبيل غناةيم – د‪ .‬صدةيق أبو الحسن "دراسات في السنة النبوةية الشرةيفة" مكتبة الفل ح‬ ‫الكوةيت ‪ 1980‬صـ‪. 245‬‬ ‫‪- 16 -‬‬


‫الستيلء على منافع الموال دون أعيانها كاستخدام سيارات المصلحة في‬

‫‪-2‬‬

‫أغراض خاصة‪ ،‬مثل توصيل الولد للمدارس‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫استخدام عمال المصلحة أو الشركة في أعمال خاصة‪.‬‬

‫‪-4‬‬

‫التقصير في المحافظة على الموال وتركها معرضة للضياع أو التلف مثل ما‬ ‫نرى في الرجهزة والدوات والمستلزمات الملقاة عرضة للسرتقة‪ ،‬أو التلف بواسطة‬ ‫العوامل الرجوية‪.‬‬ ‫التربح عن طريق الحصول على أموال ومنافع من الوحدة التي يعمل بها بدون‬

‫‪-5‬‬

‫ثمن أو بثمن بخس أو الحصول على هدايا ومنح من الغير بسبب الوظيفة وهي‬ ‫صورة منتشرة بين كبار المسئولين في رجميع الدول كما سبق القول‪ ،‬ولقد حكم‬ ‫الرسول ‪ ‬على هذا الفعل بأنه غلول أي خيانة للمانة وذلك في تقصة عامله‬ ‫على الصدتقات ابن اللتيبيه حينما سأله الرسول ‪ ‬عن بعض الموال التي حضر‬ ‫بها ولم يسلمها وتقال هذا أهدي إلى‪ :‬وهنا أصدر الرسول ‪ ‬حكمه على هذا‬ ‫التربح بقوله »من استعملناه على عمل فرزتقنا رزتقا‪ ،‬فما أخذه بعد ذلك فهو‬ ‫غلول«)‪ (1‬أي خيانة‪.‬‬ ‫إساءة استعمال الموال والسلطة مثل البيع أو الشراء بثمن غير مناسب وهو يرجد‬

‫‪-6‬‬

‫خي ار منه أو المحاباة في إرساء العمليات على التقارب والمعارف والمحسوبية في‬ ‫التعيينات في الوظائف‪ .‬وفي ذلك يقول ابن تيمية "ثم الولي والوكيل متي استناب‬ ‫في أموره ررجل وترك من هو أصلح منه للترجارة أو العفارفة‪ ،‬أو باع السلعة بثمن‬ ‫وهو يرجد من يشتريها بخير من ذلك الثمن فقد خان صاحبه"‬ ‫ويقول في موضع آخر "فإن الررجل لحبه لولده تقد يؤثره في بعض الموال أو يعطيه‬ ‫مال يستحقه فقد خان المانة‪ ،‬كذلك تقد يؤثر زيادة مالية أو حفظه بأخذ مال يستحقه‬ ‫فيكون تقد خان أمانته")‪ .(2‬وخيانة المانة محرمة شرعا للنهي عنها في تقوله تعالى ﴿‬ ‫)‪(3‬‬ ‫ِ‬ ‫سـوـَلَو تَـُخوـنُوا أَ​َم اـَناِتُك ْم َو أَـْنتُـْم تَْع لَـُم وـَن )﴾ ـ‬ ‫َياأَّيَه اـ الّذيـَن َءاَم ُنـوا ل تَُخوـنُوا اللَّه َو اـلّر ُ‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( سنن أبو داود ‪. 3/353‬‬ ‫)( السياسة الشرعية لبن تيمية مرجع سابق صـ‪. 31 ، 24‬‬ ‫)( الةية ‪ 27‬من سورة الشنفال‪.‬‬ ‫‪- 17 -‬‬


‫بـ‬ ‫ولستحقاق الخائن عدم حب الّله عز ورجل في تقوله تعالى ﴿إِّن اللَّه ل ُيِح ّ‬ ‫اْلَخ اـِئِنيَن ))﴾ ـ‪ (1‬ولقول الرسول ‪» ‬أد المانة لمن ائتمنك ول تخن من خانك«)‪.(2‬‬

‫رجـ‪ -‬تلوث البيئة‪ :‬وهى من صور الفساد التقتصادي الظاهرة بشكل واضح حيث أنها‬ ‫تنطوي على اعتداء على الموال الحرة التي يستفيد منها الرجميع على تقدم‬ ‫المساواة مثل الهواء والماء‪ ،‬كما يمتد هذا التلوث إلى استنزاف الموارد الحرة‬ ‫بالسراف والتبذير‪ ،‬وينتج عنها آثار ضارة على مرجمل الحياة وهو ما ينطبق‬ ‫عليها التعريف الفقهي "بأن إتلف الشئ إخرارجه عن أن يكون منتفعا به منفعة‬ ‫مطلوبة منه عادة")‪.(3‬‬ ‫والنظام السلمي يعتبر تلوث البيئة وما ينتج عنه من إتلف الموارد فسادا‬ ‫س َعـس ى ِفي الَْر ِ‬ ‫ضـِلُيْفِس َد ـِفيَه اـ‬ ‫صريحا محرما كما في تقوله تعالى ﴿َو إِاـَذ اـتَ​َو لّـس ى َ‬ ‫ِ‬ ‫س اـَد )﴾ـ)‪ (4‬كما أن هذا التلوث يعتبر صورة‬ ‫س َلـَو اـللُّه ل ُيِح ّ‬ ‫َو ُيـْه لـَكاْلَح ْرـَثـَو اـلّن ْ‬ ‫بـ اْلفَ َ‬ ‫واضحة من صور الضرر التي نهى الرسول ‪ ‬عنها في تقوله »ل ضرر ول‬

‫ضرار«)‪ (5‬والتي استند إليه الفقهاء في تحريم كل أنواع وصور تلوث البيئة‪.‬‬ ‫د‪-‬‬

‫السراف والتبذير والتقتير‪ :‬ويعرف السراف بأنه صرف الشئ فيما ينبغي زائدا‬ ‫على ما ينبغي‪ ،‬أي الترجاوز في تقدر النفاق‪ ،‬أما التبذير فيعبر عنه بالترجاوز في‬ ‫الكيفية بما يمثل سوء تخصيص للموارد حيث رجاء فيه‪ ،‬التبذير صرف الشئ‬ ‫فيما ل ينبغي‪ ،‬وأما التقتير وهو ضد السراف فيعرف بأنه صرف الشئ فيما‬ ‫ينبغي ناتقصا على ما ينبغي‪.‬‬ ‫وكل تلك الصور محرمة شرعا سواء كانت من مال الشخصـ الخاص أو في‬ ‫مال غيره الذي يعمل فيه عاما أم خاصا فهو يتضمن سوء استخدام للموال‬ ‫بـ‬ ‫س ِرـفُوا إِّنُه ل ُيِح ّ‬ ‫إوافساد لها ولذا نهى السلم عنه في تقوله تعالى ﴿َول تُ ْ‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( الةية ‪ 58‬من سورة الشنفال‪.‬‬ ‫)( سنن أبو داود –دار الحدةيث بسورةيا‪. 3/804 -‬‬ ‫)( موسوعة جمال عبد الناصر الفقهية –المجلس العلى للشئون السلمية‪1378 -‬هـ ‪. 2/109‬‬ ‫)( الةية ‪ 205‬من سورة البقرة‪.‬‬ ‫)( ةيراجع في ذلك‪ :‬المنتقى شر ح الموطأ مالك لبي الوليد الشندلسي مطبعة السعادة بمصر ‪1331‬هـ‬ ‫‪ 6/40‬وما بعدها وفيه شر ح لهذا الحدةيث بالتطبيق على كل صور تلوث البيئة في صورتها المعاصرة‪.‬‬ ‫‪- 18 -‬‬


‫سـِرـِفيَن ))﴾‪1‬ـ( وتقوله سبحانه ﴿إِّن اْلُم َبـّذ ِرـيـَنَك اـنُوا إِْخ َوـاـَنال ّ‬ ‫ش َيـاِط يـِن ))﴾‪2‬ـ( وتقوله‬ ‫اْلُم ْ‬ ‫)‪(3‬‬ ‫ِ‬ ‫س ِرـفُوا َو لَـْم َيْقتُ​ُر واـ َو َكـاـَنَبْي َن َذ ِلـَك تقَ​َو اـًم اـ)﴾‬ ‫عز ورجل ﴿َو اـلّذيـَنإَِذ اـ أَْن فَـقُوا لَْم ُي ْ‬ ‫ويقول الرسول ‪» ‬رحم الّله امرءًا اكتسب طيبا وانفق تقصدا وتقدم فضل ليوم‬ ‫حارجته« وأنفق تقصدا أي بتدبير من غير إفراط ول تفريط)‪.(4‬‬

‫هـ‪-‬‬

‫الغش والتدليس‪ :‬وهو يمثل كل التصرفات التي تنطوي على الكذب والحتيال‬ ‫والتزوير وتقديم المعلومات المضللة التي يقصد الشخص بواسطتها أخذ مال‬ ‫يستحقه أو زيادة على مال يستحقه أو لعفائه من التزامات عليه‪ ،‬وتتعدد صور‬ ‫الغش التي حرمها السلم ويرتكبها الكثيرون في الوتقت المعاصر مثل‪ :‬ذكر‬ ‫مواصفات للسلعة ليست فيها من حيث المكونات والثار الرجانبية وتاريخ‬ ‫الصلحية وكتم العيوب فيها‪ ،‬وفي ذلك يقول الرسول ‪» ‬ل يحل لمسلم باع‬

‫من أخيه بيعا وفيه عيب إل بيّنه له«)‪ (5‬ومن صور الغش التلعب في المقدار‬ ‫كيل أو وزنا خاصة في الوتقت الحاضر الذي تباع فيه أغلب السلعة معلبة أو‬ ‫مغلفة‪ ،‬والّله سبحانه وتعالى توعد المطففين في تقوله تعالى ﴿َو ْيـٌلـِلْلُم َطـفِّفيَن ‪‬‬ ‫الِّذيـَن إَِذ اـ اْك تَـالُوا َع لَـس ى الّنا ِ‬ ‫س تَـْو فُــوَن‪َ ‬و إِاـَذ اـَك اـُلوُهْم أَْو َو َز ـُنـوُهْم‬ ‫س َي ْ‬ ‫ُيْخ ِسـ ُرــوـَن )‪(﴾)6‬ـ‪.‬‬ ‫ومن الصور أيضا تقديم المعلومات المضللة بأي صورة وشكل‪ ،‬وهذا أمر محرم‬ ‫تقياسا على تحريم النرجش وهو البيع الصوري ليهام الخرين بأن السلعة مطلوبة‬ ‫وبالسعر الذى يتواطأ عليه مع المشترى الصورى‪ ،‬وتلقي الركبان‪ ،‬وبيع الحاضر‬ ‫للبادي‪ ،‬وكلها تنطوي على تقديم معلومات مضللة عن حالة السلعة أو السوق‪،‬‬

‫ومن صور الغش أيضا كتم المعلومات إواخفائها وفي ذلك يقول الرسول ‪‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( الةية ‪ 31‬من سورة العراف‪.‬‬ ‫)( الةية ‪ 27‬من سورة السراء‪.‬‬ ‫)( الةية ‪ 67‬من سورة الفريقان‪.‬‬ ‫)( التيسير بشر ح الجامع الصغير للمناوي ‪. 2/31‬‬ ‫)( شنيل الوطار للشوكاشني ‪. 5/224‬‬ ‫)( الةيات ‪ 3-1‬من سورة المطففين‪.‬‬ ‫‪- 19 -‬‬


‫"البيعان بالخيار ما لم يتفرتقا‪ ،‬فإن صدتقا وبّينا بورك لهما في بيعهما‪ ،‬إوان كتما‬

‫وكذبا محقت بركة بيعهما")‪.(1‬‬

‫وفي الحكم على الغش عامة بكل صوره السابقة وغيرها مثل تقديم طالب‬ ‫الئتمان معلومات مضللة عن حالته المالية‪ ،‬إواعداد تقوائم مالية غير سليمة‬

‫لتقديمها للضرائب أو غيرها‪ ،‬والعلنات الكاذبة عن السلعة والستفادة من‬

‫المعلومات المتاحة لدى المسئول للحصول على نفع خاص‪ ،‬في كل ذلك يقول‬ ‫الرسول ‪" ‬من غشنا فليس منا")‪.(2‬‬ ‫و‪ -‬الرشوة‪ :‬وهى من الصور الكثر انتشا ًار في الوتقت المعاصر خاصة بين‬

‫كبار المسئولين فيما يعرف بالفساد الكبير ويطلق عليها أحيانًا العمولة‪ ،‬أو بين‬

‫صغار الموظفين فيما يعرف بالفساد الصغير ويطلق عليها أحيانًا الكرامية‪،‬‬

‫ل من غيره استغلل‬ ‫وتعرف الرشوة من منظور إسلمي بأنها أخذ الشخصـ ما ً‬

‫للمنصب أو الرجاة(()‪ .(3‬وكما يقول المام الغزالى)‪ (4‬فإن باذل المال ل يبذله إل‬ ‫لغرض كالحصول على مال مقابله كما في البيع‪ ،‬أو العانة على عمل كما في‬ ‫الرجارة‪ ،‬أو للمحبة والثواب كالهبة والصدتقة والقرض‪ ،‬وغرض الراشى لن يكون‬ ‫المحبة أو الثواب بل للحصول على مال أو العانة على فعل‪ ،‬فإن كان له حق‬ ‫فيه فأخذ المرتشى ظلم وخيانه أمانه وأكل للمال بالباطل‪ ،‬وأن لم يكن له فيه‬ ‫حق فهو من رجانبه ورجانب المشترى كذلك‪.‬‬

‫والرشوة محرمة شرعًا لقوله تعالى ﴿َول تَأُْك لُوا أَْم َوـاـلَُك ْمَبْيَنُك ْم ِباْلَباِط ِلـَو تُـْد لُـوا ِبَها‬ ‫)‬ ‫إَِلس ى اْلُح ّكـاـِم ِلتَأُْك لُـوا فَِر يـًقا ِم ْنـ أَْم َوـاـِلالّنا ِ‬ ‫)﴾ ـ‪ (5‬ويقول الرسول ‪‬‬ ‫س ِباِْل ثِْـم َو أَـْن تُـْم تَْع لَـُم وـَن‬ ‫»لعن الّله الراشى والمرتشى والرائش« إواذا كان تقرير التنمية في العالم ‪1997‬م تقد أكد‬ ‫في أكثر من مرة على ضرورة معاتقبة الراشى مع المرتشى من أرجل القضاء على‬ ‫الفساد‪ ،‬فإن هذا الحديث سبقه بل وزاد عليه‪ ،‬فلعنة الّله وبالتالى تحريم فعل الرشوة‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( صحيح البخاري بشر ح الكدماشني ‪. 9/203‬‬ ‫)( صحيح مسلم بشر ح النووي ‪. 2/108‬‬ ‫)( د‪ .‬عبد السلم العبادى – الملكية في الشرةيعة السلمية ‪2/49‬‬ ‫)( المام أبو حامد الغزالى – إحياء علوم الدةين ‪3/154‬‬ ‫)( سورة البقرة ‪ :‬الةية ‪188‬‬ ‫‪- 20 -‬‬


‫تصيب كل من الراشى الذى يدفع الرشوة‪ ،‬والمرتشى الذى يأخذها‪ ،‬كما تصيب الرائش‬ ‫أى الذى يتوسط بينهما لتسهيل الرشوة‪.‬‬ ‫ز‪ -‬الحتكار وما فس ى حكمه‪ :‬وهى كل التصرفات المؤدية إلى زيادة السعار والضرار‬ ‫بالمنافسين والمستهليكن‪ ،‬فالحتكار هو حبس السلع التى يحتارجها الناس حتى‬ ‫ترتفع أسعارها)‪ (1‬وذلك استنادًا إلى تقول الرسول ‪)) ‬من احتكر حكرة يريد أن‬

‫يغّلى بها على المسلمين فهو خاطى(()‪ (2‬كما أن التواطؤ هو اتفاق مرجموعة من‬ ‫الترجار على التحكم في سوق سلعة ما ليغلو سعرها‪ .‬والحصر‪ ،‬هو التفاق بين‬ ‫الترجار على استيلء كل مرجموعة منهم على سوق سلعة معنية وعدم تدخل‬ ‫أخرين معهم ليتمكنوا من فرض السعار التى يرونها‪ ،‬ثم هناك ما يعرف في‬ ‫الوتقت الحاضر بالغراق‪ ،‬وهو بيع السلع بأتقل من تكلفتها أو من سعر المثل‬ ‫بغرض الضرار بالمنافسين له في السوق وهو ممنوع شرعًا استنادًا إلى تقاعدة‬

‫»ل ضرر ول ضرار« ولما ورد أن عمر بن الخطاب »مر بحاطب بن أبى‬

‫بلتعه وهو يبيع زبيبًا له بالسوق ‪ -‬بسعر أتقل من سعر السوق‪ -‬فقال له عمر‪:‬‬

‫إما أن تزيد في السعر إواما أن ترفع من سوتقنا«)‪ .(3‬فكل هذه الصور فيها فساد‬

‫يتمثل في أكل أموال الناس بالباطل إواضرار بالخرين مما يؤثر على التقتصاد‬

‫القومى بشكل عام‪.‬‬

‫ولذا فإن الحتكار وما في حكمه محرم شرعًا لقول الرسول ‪» ‬ل يحتكر إل‬

‫خاطئ«)‪» (4‬والمحتكر ملعون«)‪» (5‬ول يلحق ‪ ...‬إل بمباشرة المحرم«)‪.(6‬‬

‫حـ‪ -‬الربا‪ :‬ولسنا في حارجة هنا إلى بيان مفهوم الربا أو حرمته أو بيان أض ارره‬ ‫التقتصادية إذ يكفى فيه أن المرابى في حرب مع الّله ورسوله‪ ،‬والّله سبحانه‬ ‫وتعالى ورسوله ‪ ‬هم المنتصرون على المرابى بمحق الربا‪ ،‬كما أن الربا في‬ ‫صورته المعاصرة ممثلة في فوائد القروض والصرف الرجنبى الرجل منتشر‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( د‪ .‬محمد فاروق النبهان – التجاه الجماعى في التشرةيع اليقتصادى السلمي صـ‪377‬‬ ‫)( التيسير بشر ح الجامع الصغير للمناوى ‪2/389‬‬ ‫)( الطرق الحكمية لبن القيم صـ‪ ،369‬والمنفى للباجى الشندلسى ‪5/7‬‬ ‫)( سنن ابو داود ‪3/728‬‬ ‫)( التيسير بشر ح الجامع الصغير للمناوى – ‪1/488‬‬ ‫)( بدائع الصنائع للكاساشنى – ‪5/129‬‬ ‫‪- 21 -‬‬


‫ومع زيادة الموارد وتنوع النتا ج وزيادة الستثمارات وزيادة الوفرة فإنها خالية من‬ ‫البهرجة‪ ،‬ويقابلها فقر يتسع نطاتقه وتزداد فرجوته مع زيادة الديون الربوية وعرجز‬ ‫المدينين عن دفع الديون وفوائدها‪ ،‬وكل ذلك يدل على مساوئ الربا‪.‬‬ ‫ط‪ -‬الستيلء علس ى أراضس ى الغير بدون وجه حق‪ :‬عن طريق التحايل والتزوير خاصة‬ ‫أراضى الدولة وهو أمر محرم في السلم لقول الرسول ‪» ‬من أحيا أرضًا‬

‫ميتة فهى له وليس لعرق ظالم حق«)‪ (1‬والعرق الظالم أن يأتى ملك غيره‬

‫غصبا)‪ ،(2‬ومن ذلك أيضًا ما يعرف الن بتسقيع الرض أى الحصول عليها‬

‫بطريق مشروع مثل شراء أرض من ممتلكات الدولة وبقائها معطلة ل تزرع أو‬ ‫تعمر انتظا ًار لرتفاع أسعار ويبيعها ثانية وهو ما يعرف في الفقه السلمي‬

‫بالتحرجير وفي ذلك َيُقوُل عمر بن الخطاب »من أحيا أرضًا ميته فهى له وليس‬

‫لمحترجر حق بعد ثلث سنين«)‪.(3‬‬

‫ى ‪ -‬التهرب من الواجبات المالية‪ ،‬مثل التهرب من الزكاة والضرائب التى تمثل أهم‬ ‫مصادر الموارد المالية العامة‪ ،‬والمتناع عن أداء الزكاة رجحدًا خار ج عن الملة‪،‬‬ ‫ل وتهربًا يورجب على المرجتمع عقاب الّله‪ ،‬وعلى مانع الزكاة تضعيف الزكاة‬ ‫إواهما ً‬ ‫عليه أن وبعض العلماء يقول‪ :‬مانع الزكاة ليس بمسلم)‪.(4‬‬

‫ك ‪ -‬ظلم المسئولين الحكوميين للرعية‪ :‬ذلك أن الفساد ل يقتصر على استيلء‬ ‫المسئولين على الموال العامة‪ ،‬إوانما أيضًا يمتد لستيلئهم على أموال الرعية‬

‫بدون ورجه حق وبدون رضائهم وهو ما يحرمه السلم وحذر منه خلفاء وعلماء‬ ‫المسلمين في أو ج حضاره الدولة السلمية)‪.(5‬‬ ‫ل‪ -‬المماطلة في سداد الديون‪ :‬ذلك أن الدين في السلم من بيع آرجل أو تقرض يعد‬ ‫تبرعًا من الدائن إوارفاتقًا للمدين يثاب عليه المقرض من ال عزورجل‪ ،‬ولذا يرجب‬

‫على المدين عند اتقتراضه عدم تقديم معلومات مضللة عن تقدرته على السداد وهو‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( موطأ المام مالك ‪ ،31‬فتح البارى ‪5/13‬‬ ‫)( الخراج ليحيى بن آدم التوشنسى صـ‪86-84‬‬ ‫)( المرجع السابق صـ‪95-90‬‬ ‫)( الخراج لبى ةيوسف ‪ -‬شنشر دار الصل ح‪ ،‬صـ‪.175‬‬ ‫)( المرجع السابق‪ ،‬صـ‪.248-225‬‬ ‫‪- 22 -‬‬


‫غير ذلك حيث يقول الفقهاء »ول يحل له ‪ -‬أى المدين ‪ -‬أن يظهر الغنى ويخفى‬ ‫الفاتقه ‪ -‬الفقر ‪ -‬عند القرض«)‪.(1‬‬ ‫وأنه يرجب عليه العزم على السداد إوال كان سارتقًا لقول الرسول ‪» ‬أيما ررجل‬ ‫اّد اـن دينًا وهو مرجمع على أن ل يوفيه لقى الّله سارتقًا«)‪.(2‬‬ ‫وأنه عند حلول أرجل الدين يرجب عليه المبادرة إلى سداد الدين إواذا ماطل وهو‬

‫غنى فهو ظالم كما تقال الرسول ‪» ‬مطل الغنى ظلم«)‪ (3‬والظلم من أنواع الفساد‬ ‫لنه أكل لموال الناس بالباطل‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬أجهزة الرتقابة‪:‬‬

‫ل بهدى الدين السلمي في المحافظة على الموال وفي خلل مسيرة‬ ‫عم ً‬

‫الحضارة السلمية بدءًا من نشأة الدولة السلمية في عهد الرسول ‪ ‬أنشئت أرجهزة‬

‫رتقابية عديدة لحماية المال العام والممتلكات الخاصة وأدت دورها بكفاءة‪ ،‬ولم يستطع‬ ‫الفكر والتطبيق المعاصر أن يزيد عليها سواء في عددها أو اختصاصاتها‪ ،‬أما كيفية‬ ‫تقيامها بدورها في مكافحة الفساد فسوف نتناوله في المبحث الثالث من هذه الدراسة‬ ‫ويمكن تحديد هذه الرجهزة فيما يلى‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬أجهزة الرتقابة الداخلية‪ :‬ومنها ما يلى‪:‬‬

‫‪ -1‬وظيفة المستوفس ى وهى‪» :‬وظيفة رئيسية وعلى متوليها مدار أمور الدولة في‬ ‫الضبط والتحرير ومعرفة أصول الموال وورجوه صرفها«)‪.(4‬‬ ‫‪ – 2‬وظيفة التحقيق‪ :‬ودورها المقابلة أى المرارجعة على الدوايين)‪.(5‬‬ ‫ب – أجهزة الرتقابة الخارجية‪ :‬ومنها‪:‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( مغنى المحتاج للخطيب الشربينى ‪.2/117‬‬ ‫)( التيسير بشر ح الجامع الصغير للمناوى ‪.1/409 -‬‬ ‫)( سنن أبو داود ‪.3/640‬‬ ‫)( صبح العشى للقلشقندى – ‪2/30‬‬ ‫)( الخطط المقرةيزةية‪ ،‬للمقرةيزى – مكتبة الحلبى ‪.2/242‬‬ ‫‪- 23 -‬‬


‫‪ – 1‬ديوان زمام ال زـمة )‪ :(1‬وهو يمثل الرجهاز المركزى للرتقابة على حسابات‬ ‫أموال الدولة‪ ،‬ويورجد له في كل ديوان مندوب يتبع وظيفيًا والى ديوان زمام الزمة وليس‬ ‫الديوان الذى يرارجع حساباته‪ ،‬ويتولى رئاسة ديوان الزمام أحد كبار موظفى الدولة‬

‫ورتبته تعادل الوزير أو أعظم منها)‪.(2‬‬ ‫‪ – 2‬ديوان البريد)‪ :(3‬ولم تقتصر وظيفة البريد في الدولة السلمية على توصيل‬ ‫الرسائل‪ ،‬إوانما كانت له وظيفة رتقابية أخرى وهى موافاة الخليفة بكافة الخبار والحوادث‬

‫التى تصل إليه من أعوانه المنتشرين في أنحاء الدولة‪.‬‬

‫‪ – 3‬ديوان المظالم)‪ :(4‬ومهمته الرتقابية النظر في تعدى الولة على الرعية‪ ،‬ورجور‬ ‫العمال فيما يرجبونه من الموال من الرعية بالزيادة عن المستحق عليهم إما لنفسهم أو‬ ‫لبيت المال‪ ،‬والرتقابة على كتاب الدواوين فيما يستوفون ويوفون به‪ ،‬والنظر في تظلم‬ ‫العاملين من نقص أرجورهم أو تأخرها عنهم‪ ،‬ثم رد العضوب والشراف على الوتقاف‬ ‫ومراعاة العبادات الظاهرة‪ ،‬وأخي ًار النظر فيما عرجز عنه ولة الحسبة في المصالح‬

‫العامة وتنفيذ أحكام القضاء لضعف القضاة عن التنفيذ‪ ،‬وبالرجملة فدوره الرتقابى هو‬ ‫الرتقابة على أعمال الدارة العامة برجميع مستوياتها وكانت له السلطة والمهابة لتنفيذ‬ ‫أحكامه فو ًار ودون تأخير‪.‬‬

‫‪ – 4‬القضاء)‪ :(5‬ومن اختصاصاته الرتقابية على الموال‪ ،‬استيفاء الحقوق ممن‬

‫مطل بها وايصالها إلى مستحقيها‪ ،‬إواتقامة الحدود )العقوبات( على مستحقيها‪ ،‬والرتقابة‬ ‫على المرافق العامة لضمان عدم العتداء عليها‪.‬‬

‫‪ – 6‬جهاز الحسبة)‪ :(6‬وعمل المحتسب تقام به رسول الّله بإشرافه على السواق‬

‫واكتشاف الغش‪ ،‬ثم تطور بعد ذلك بإنشاء رجهاز مستقل للحسبة ودوره الرتقابى يتسع‬ ‫ليشمل كل النواحى الدينية والتقتصادية فهو يقوم بالرتقابة الرجتماعية لكل ما يتصل‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( ةيرمز بالزمام للرباط الذى ةيربط به الكيس حتى ل ةيضيع ما فيه‪ ،‬وكان ةيوجد في كل دةيوان أى مصلحة‬ ‫حكومية‪ ،‬والى الزمام اثم في عهد الدولة العباسية أشنشئ دةيوان مركزى لجميع الزمة سمى دةيوان زمام الزمة‪.‬‬ ‫)( تجارب المم لبن مسكوةية ‪2/266‬‬ ‫)( الوزراء للصابى – صـ‪ ،280‬تارةيخ الطبرى ‪8/167‬‬ ‫)( الحكام السلطاشنية للماوردى – دار الكتب العلمية صـ‪119-97‬‬ ‫)( الحكام السلطاشنية للماوردى – مرجع سابق صـ‪90-89‬‬ ‫)( معالم القربة في أحكام الحسبة لبن ال…خ… صـ‪ ،220‬شنهاةية الرتبة في طلب الحسبة للشيرزى صـ‪11‬‬ ‫‪- 24 -‬‬


‫بمصالح المرجتمع سواء السواق وما يتم فيها‪ ،‬أو المصانع ووحدات النتا ج‪ ،‬أو مراتقبة‬ ‫البيئة وكذا مراتقبة المال العام‪ ،‬إذ أن أساس عمله المر بالمعروف والنهى عن المنكر‬ ‫في المرجتمع‪.‬‬ ‫رابعًا‪ :‬نظام العقوبات‪:‬‬

‫تأخذ فكرة العقوبات في النظام السلمي معنى رائعًا سواء فيما تحدثه في النفوس‬

‫من أثر رادع أو ما تقرره من رجزاء عادل يتكافأة مع حرجم وطبيعة الرجريمة‪ ،‬وتتعدد‬ ‫صور العقاب في النظام السلمي في مراحل ثلث متكاملة هى‪:‬‬

‫أ – الرجزاء الذاتى‪ :‬والذى يتمثل في اللم النفسى النابع من الضمير الدينى السليم‬ ‫للمسلم وما يحدثه من ندم وتقلق يدفعه للكف عن الذنب كما يقول الرسول ‪» ‬من‬ ‫سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن«)‪.(1‬‬ ‫ب – الرجزاء الشرعى‪ :‬أو الدارى أو القانونى ويتمثل في الحدود الشرعية‬ ‫والتعازير إلى رجانب تضمين المفسد ما أخذه من مال‪.‬‬ ‫رجـ‪ -‬الرجزاء اللهى‪ :‬فإن كان المفسد بدون ضمير دينى يردعه ويتوب‪ ،‬أو‬ ‫استطاع الفلت من رتقابة البشر‪ ،‬فإنه ل ولن يستطيع الفلت من رتقابة الّله عزورجل‬

‫ص ُدـوـُر ))﴾ ـ‪ (2‬والذى يحاسبه على كل تصرفاته‬ ‫الذى ﴿َيْع لَـُم َخاـِئَنَة الَْع ُيـِن َو َمـاـتُْخ ِفــي ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫سـ ِل ِ‬ ‫ن ِإل م اـ س عـس ى ‪‬‬ ‫سـاـ ِ َ َ َ‬ ‫ل ْنـ َ‬ ‫ويرجزيه الرجزاء الوفى دنيا وأخرى لقول الله تعالى ﴿َو أَـْن لَْي َ‬ ‫ف ـُيَرى‪ ‬ثُّم ُيْج َزـاهُاْلَج َزـاَءالَْو فَـس ى)﴾)‪.(3‬‬ ‫س ْوـ َ‬ ‫س ْعـَيـُه َ‬ ‫َو أَـّن َ‬

‫وبورجود هذه العوامل الربعة يمكن العمل على ترجفيف منابع الفساد‪ ،‬أما كشف ما‬ ‫يحدث منه والتصرف بشأنه فهذا ما سنحاول التعرف عليه في المبحث التالى‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( التيسير بشر ح الجامع الصغير للمناوى ‪2/423‬‬ ‫)( سورة غافر ‪ :‬الةية ‪19‬‬ ‫)( سورة النجم ‪ :‬الةيات ‪41-39‬‬ ‫‪- 25 -‬‬


‫المبحثز الثالثز‬ ‫الجراءاتز العلجية للفسادز التقتصادىز‬ ‫رغم ورجود الرجراءات الوتقائية فإن هناك من ضعاف الدين والمانة من يعتدى‬ ‫على الموال‪ ،‬وهنا يلحقه النظام السلم بعديد من الرجراءات التى تعمل على كشف‬ ‫تصرفاته الفاسدة من خلل مسئوليات محددة وأساليب عديدة‪ ،‬وعند كشفه توتقع عليه‬ ‫العقوبات الملئمة‪ ،‬وهذا ما سنحاول التعرف عليه في الفقرات التالية‪:‬‬

‫أوًل‪ :‬كشف الفساد‪:‬‬

‫ويتم ذلك من خلل مستويات وأساليب عدة تنبنى على المسئولية الدينية‪ ،‬هذه‬ ‫المسئولية التى تنبع من وارجب الرعاية بمستوياتها المتعددة التى حددها رسول الّله ‪‬‬ ‫في تقوله ))كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته(()‪ (1‬ولذلك فإن كل شخص تحت‬ ‫مسئوليته وفي نطاق سلطاته مال معين فإن عليه مسئولية المحافظة عليه وحمايته من‬ ‫ل بأول ويكشف أى انحراف في‬ ‫أى فساد‪ ،‬وعليه أن يتابع التصرفات في هذه الموال أو ً‬

‫التصرف فيه‪ ،‬ومن هذا المنطلق نرجد أن المسئولية عن كشف الفساد تتعدد بين أطراف‬ ‫عدة كل في مستواه وهم على الورجه التالى‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬رئاسة الدولة‪ ،‬ويتم أداء مسئوليتها في ذلك بطريقتين هما‪:‬‬ ‫الطريقة الولس ى‪ :‬أن يكون له علم مباشر بما يرجرى في الدولة خاصة التصرف‬ ‫في المال العام‪ ،‬وذلك من خلل ورجود مفتيشين ماليين تابعين له مباشرة فها هو عمر‬

‫بن الخطاب‪» :‬لم يكن له في تقطر من التقطار ول ناحية من النواحى ول أمير رجيش إل‬ ‫وعليه له عين ل يفارتقه ما ورجده« )‪.(2‬‬ ‫وأيضًا رجاء في كتاب على بن أبى طالب للشتر النخعى عندما وله مصر »ثم‬

‫تفقد أعمالهم وأبعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم«‬

‫)‪(3‬‬

‫وفي كتاب أخر‬

‫»وارجعل في كل كورة من عملك أمينًا يخبرك أخبار عمالك ويكتب إليك بسيرتهم«)‪.(4‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( صحيح البخارى بشر ح الكرماشنى ‪24/193‬‬ ‫)( محمد كرد على مرجع سابق صـ‪111‬‬ ‫)( المرجع السابق ‪142‬‬ ‫)( المرجع السابق صـ‪223‬‬ ‫‪- 26 -‬‬


‫كما أن هناك طريقة أخرى لكشف حال العمال ذكرها أبويوسف بقوله »فلقد تقربت‬ ‫إلى الّله تعالى ياأمير المؤمنين بالرجلوس لمظالم رعيتك في الشهر أو الشهرين مرجلسًا‬ ‫واحدًا تسمع فيه من المظلوم وتنكر على الظالم«)‪.(1‬‬

‫الطريقة الثانية‪ :‬الشراف المباشر بنفسه على العمال والموال ول يكتفى‬

‫باستخلف المناء فقط وفي ذلك يقول عمر بن الخطاب »أرأيتم إن استعملت عليكم‬ ‫خير من أعلم ثم أمرته بالعدل‪ ،‬أكنت تقد تقضيت ما علّى ؟ـ تقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬تقال‪ :‬ل‪ ،‬حتى‬

‫انظر في عمله‪ ،‬أعمل بما أمرته أم ل«)‪ ،(2‬وهو ما يؤصله الماوردى في اختصاصات‬ ‫رئيس الدولة بقوله‪» :‬والتاسع استكفاء المناء وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من‬ ‫العمال‪ ،‬ويكله إليهم من الموال‪ ،‬لتكون العمال بالكفاءة مضبوطة‪ ،‬والموال بالمناء‬ ‫محفوظة‪ ،‬والعاشر‪ :‬أن يباشر بنفسه مشارفة المور وتصفح الحوال لينهض بسياسة‬ ‫ل بلذة أو عبادة‪ ،‬فقد يخون المين‬ ‫المة وحراسة الملة‪ ،‬ول يعّو لـعلى التفويض تشاغ ً‬

‫ويغش الناصح«)‪.(3‬‬

‫ب‪ -‬الدارة المباشرة‪:‬‬ ‫ومسئوليتها عن كشف الفساد برجانب العتماد على أرجهزة الرتقابة الداخلية‬ ‫والخاررجية السابق ذكرها فإن ذلك يتم أيضًا من خلل الشراف المباشر كما سبق‬

‫القول‪.‬‬

‫رجـ‪ -‬المسلم ذاته‪:‬‬ ‫فبداية عليه حماية ماله والمحافظة عليه من اعتداء الخرين‪ ،‬ولقد أباح له الشرع‬ ‫الدفاع عن ماله حتى الستشهاد لقول الرسول ‪» ‬تقاتل دون مالك حتى تحوز مالك‬ ‫أو تقتل فتكون من شهداء الخرة«)‪ .(4‬وعليه تقبل ذلك حفظ أمواله في الماكن الملئمة‬ ‫وهو ما يعبر عنه فقهًا بالحرز المناسب‪ ،‬ثم في مرجال استخدامه لماله‪ ،‬عليه كسب‬ ‫ل وعدم دفع ماله إلى من ل يحسن‬ ‫المال من حله إوانفاتقه في حقه تقصدًا واعتدا ً‬

‫التصرف فيه‪ ،‬وفي المقابل عليه أن ل يعتدى على أموال الخرين بأى صورة خاصة‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( الخراج لبى ةيوسف صـ‪235‬‬ ‫)( الخراج لبى ةيوسف صـ‪236‬‬ ‫)( الحكام السلطاشنية للماوردى – مرجع سابق صـ‪18‬‬ ‫)( التيسير بشر ح الجامع الصغير ‪2/181‬‬ ‫‪- 27 -‬‬


‫المؤتمن عليها لنه يعد خائنًا والّله ل يحب الخائنين‪ ،‬وليعلم المسلم أنه متى التزم بعمل‬ ‫ل أمام الّله تعالى عن أداء العمل بشكل سليم وعليه أن يراتقب الّله في‬ ‫ما يصبح مسئو ً‬ ‫عمله ول يرتكب فسادًا‪.‬‬

‫د ‪ -‬جمهور المسلمين‪:‬‬ ‫إذا كانت الدراسات المعاصرة حول الفساد تركز حول ضرورة تفعيل دور المرجتمع‬ ‫)‪(1‬‬ ‫ل في‬ ‫المدنى أو المنظمات غير الحكومية في كشف الفساد وهو مابدأ تطبيقه فع ً‬

‫بعض الدول مثل سنغافورة‪ ،‬فإن نظام مشاركة الرجمهور في كشف النحرافات نظام‬

‫أصيل في السلم يبنى على تقاعدة أساسية وهى ))المر بالمعروف والنهى عن‬ ‫المنكر(( تلك القاعدة التى أهملها المسلمون وصار البعض يطبقها بطريقة غير سليمة‪،‬‬ ‫فإذا كان الفساد من المنكرات وأن النهى عن المنكر فرض عين على كل مسلم أو‬ ‫فرض كفاية تقوم به مرجموعة من المسلمين في رأى آخر‪ ،‬وأن نطاق النكار يتسع‬ ‫ليشمل كل ما يضر بالمصالح العامة ومنه صور الفساد خاصة الفساد السياسى‪ ،‬فإنه‬ ‫يمكن أن يكون في إحياء هذه الفريضة فرصة رائعة لمكافحة الفساد في الدولة‬ ‫السلمية عن طريق إما تقيام المنظمات غير الحكومية مثل الرجمعيات الهلية بإنشاء‬ ‫شعبة فيها لمكافحة الفساد‪ ،‬أو إنشاء منظمة أهلية لها أعضاء في كل أنحاء البلد وفي‬ ‫كل المصالح الحكومية ومؤسسات العمال والسواق لترصد حالت الفساد في عهدها‬ ‫وتسرجل في سرجل خاص وتبلغ عنها الرجهزة الرتقابية في الدولة‪ ،‬وبذلك يحمى‬ ‫المسلمون أموالهم ويقوموا بفريضة المر بالمعروف والنهى عن المنكر‪.‬‬ ‫وهكذا نرجد أن النظام السلمي يحاصر الفساد بعيون مفتوحة وعلى كل‬ ‫المستويات لكشفه وتقديم المفسدين لينالوا عقابهم الملئم وهو ما نختتم به هذه الدراسة‬ ‫في الفقرة التالية‪.‬‬ ‫ثانيًا‪ :‬العقوبات علس ى ارتكاب الفساد‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( مجلد الفساد والتنمية – مرجع سابق‪ ،‬صـ‪ ،37-17‬تقرةير البنك الدولى عن التنمية في العالم ‪1997‬‬ ‫صـ‪113-110‬‬ ‫‪- 28 -‬‬


‫طبقًا لنظام الرجزاء السلمي السابق ذكره فإن العقوبات على الفساد تتعدد بشكل‬

‫يؤدى إلى رجبر ما وتقع من فساد وردع من تسول له نفسه إرتكابه وذلك على الورجه‬ ‫التالى‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫العقوبات الذاتية‪ :‬إن المسئول المسلم إذا صحت عقيدته فإنه يراعى رتقابة الّله‬ ‫عليه ول يرتكب إثمًا أو فسادًا‪ ،‬فإذا ضعف ضميره أحيانًا وارتكب ذلك فإنه‬

‫ل كما يقول الرسول ‪)) ‬إن المؤمن يرى ذنبه فوتقه كالرجبل‬ ‫يحس بالذنب ثق ً‬ ‫يخاف أن يقع عليه‪ ،‬والمنافق يرى ذنبه كذباب مّر على أنفه فأطاره(()‪ (1‬والّله‬

‫سبحانه فتح الباب أمامه للتوبة التى تقتضى رد المظالم والعزم على عدم العودة‬

‫إلى الذنب‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬

‫العقوبات الشرعية‪ :‬ممثلة في الحدود والتعازير أى العقوبات التقديرية التى‬ ‫شرعها الّله ورسوله ومن هذه الحدود والتعازير تقطع يد السارق‪ ،‬والحرجر على‬ ‫المسرف والمبذر وحبس خائن المانة والمحتكر مع إلزامه بانهاء حالة إحتكاره‬ ‫وبيع بضاعته بسعر المثل‪ ،‬والضرب والرجلد والخرا ج من السوق لمرتكب‬ ‫الغش)‪ .(2‬إوالى رجانب ذلك فإنه يحكم على مرتكب الفساد برد ما أخذه أو‬ ‫تعويض ما أتلفه أو استفاد به‪.‬‬

‫ومن المهم الشارة إلى أن كثي ًار من تقضايا الفساد يتم التصرف فيها فو ًار خاصة‬ ‫إذا اكتشفها المحتسب أو إوالى المظالم والذين لديهم تقدره شرعية على إزالة‬

‫الخطاء فو ًار وبالقوة‪ ،‬إضافة إلى اختصاص والى المظالم بتنفيذ أحكام القضاء‬

‫التى يعرجز عن تنفيذها القضاة‪.‬‬

‫ومن المهم الشارة إلى أن الحدود المشروعة على مرتكبى الفساد برجانب أنها‬ ‫تنفيذ لشرع الّله عزورجل‪ ،‬فإن فيها صلحًا كما يقول أبو يوسف)‪)) (3‬إن الرجر‬

‫في إتقامة الحدود عظيم والصلح فيه لهل الرض كثير(( ويقول أيضًا ))فلو‬

‫أمرت بإتقامة الحدود لقّل أهل الحبس ولخاف أهل الفسق والدعارة‪ ،‬ولتناهوا عما‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( سنن الترمذى كتاب صفة القيامة باب ‪49‬‬ ‫)( الطرق الحكمية لبن القيم صـ‪391‬‬ ‫)( الخراج لبى ةيوسف ‪ -‬شنشر دار الصل ح صـ‪.302-301‬‬ ‫‪- 29 -‬‬


‫هم عليه(( وذلك لمناسبة العقوبات المقررة شرعًا مع حرجم الرجرائم وليس كما‬

‫يشير تقرير البنك الدولى السابق الشارة إليه من أن ضعف العقوبة مقارنة بما‬ ‫ل على أن العمل بحدود الّله‬ ‫يرتكب من فساد من أهم أسباب انتشاره‪ ،‬هذا فض ً‬

‫وعدم تعطيلها كما هو حادث الن يؤدى إلى الخير في الدنيا ولذا يقول الرسول‬ ‫‪)) ‬حّد يعمل به في الرض خير لهل الرض من أن يمطروا ثلثين‬

‫جـ‪-‬‬

‫صباحًا(()‪.(1‬‬

‫العقوبات ال لـهية والتس ى يتولها رب العزة دنيا وأخرى‪ ،‬ففى الدنيا فإنه إذا كان‬ ‫الفساد محرمًا فارتكابه ذنبًا يحرم الّله سبحانه وتعالى بسببه العبد من الرزق كما‬

‫يقول الرسول ‪)) ‬إن العبد ليحرم الرزق بذنب يصيبه(( وفي تحديد أكثر‬

‫يقول الرسول ‪)) ‬المانة ترجلب الرزق والخيانة ترجلب الفقر(()‪ (2‬وفي ذلك‬ ‫إفساد لما يعتقده خائن المانة من أنه باختلسه الموال والستيلء عليها ستزيد‬ ‫أمواله‪.‬‬

‫وبالرجملة فإن مرتكب الفساد بأى صورة كانت مستحقًا لغضب الّله سبحانه وعدم‬ ‫حبه لمرتكبه ولعنه من الّله وأنه من المنافقين وفي حرب مع الّله ورسوله وكلها تورجب‬ ‫عليه العقوبات اللهية في الدنيا والخرة بل إنه إذا انتشر الفساد في مرجتمع ولم يؤدوا‬ ‫وارجبهم في النكار على المفسدين ومنعهم يستحق المرجتمع كله العقاب اللهى دنيا‬ ‫وأخرى‪.‬‬ ‫وفي ذلك آيات وأحاديث عدة منها‪:‬‬ ‫)‪(4‬‬ ‫)‪(3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫س ِرـفُوا‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫﴿‬ ‫‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫)﴾‬ ‫ن‬ ‫ـيـ‬ ‫ـ‬ ‫د‬ ‫س‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫بـ‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫﴿‬ ‫بـ اْلَخ اـِئِنيَن )﴾ ـ‬ ‫ّ‬ ‫﴿إِّن اللَّه ل ُيِح ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫سـِرـِفيَن ))﴾‪5‬ـ(‪ ،‬ومن أتقوال الرسول ‪ ‬في ذلك »من آذى الناس في‬ ‫إِّنُه ل ُيِح ّ‬ ‫بـ اْلُم ْ‬ ‫طريقهم ورجبت عليه لعنتهم« )‪ (6‬وتقوله صلى الّله عليه وسلم »ملعون من ضار مؤمنًا‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( رواه ابن ماجه في كتاب الحدود ‪.848‬‬ ‫)( التيسير بشر ح الجامع الصغير للمناوى ‪1/425‬‬ ‫)( سورة الشنفال ‪ :‬الةية ‪58‬‬ ‫)( سورة القصص ‪ :‬الةية ‪77‬‬ ‫)( سورة العراف ‪ :‬الةية ‪31‬‬ ‫)( التيسير بشر ح الجامع الصغير للمناوى ‪2/383‬‬ ‫‪- 30 -‬‬


‫أو مكر به«)‪ (1‬وتقوله صلى الّله عليه وسلم »لعن الّله الراشى والمرتشى والرائش«‬ ‫وتقوله صلى الّله عليه وسلم »من بعثناه على عمل فليبح بقليله وبكثيره فمن خان خيطًا‬ ‫)‪(2‬‬

‫فما سواه فإنما هو غلول يأتى به يوم القيامة«)‪ (3‬وتقوله صلى الّله عليه وسلم »المحتكر‬ ‫)‪(5‬‬ ‫ملعون«)‪ (4‬وتقوله صلى الّله عليه وسلم »الربا إوان كثر فإن عاتقبته تقصير إلى تقل«‬

‫وتقوله صلى الّله عليه وسلم »لعن الّله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده«)‪ (6‬وتقوله صلى‬ ‫الّله عليه وسلم »مامنع تقوم الزكاة إل ابتلهم الّله بالسنين«)‪ (7‬أى القحط والمرجاعة‪.‬‬ ‫وهكذا نرجد أن العقاب اللهى للمفسدين سيطولهم دنيا وأخرى‪.‬‬ ‫وفي الختام نصل إلى مايلى‪:‬‬ ‫‪ -1‬أن النظام السلمي في نظرته للفساد ل يفرق بين فساد سياسى إوادارى‬

‫وفساد كبير وفساد صغير فإن كل التصرفات التى تمثل اعتداء على الموال تمثل‬ ‫فسادًا وهى محرمة‪.‬‬

‫‪ -2‬أن من أهم أسباب الفساد إنعدام الخلق لدى المفسدين وتقلة اليمان لديهم‬

‫ثم انتشار الفقر خاصة لدى صغار الموظفين وهو ما عالرجه النظام السلمي‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن واتقع الفساد في العالم المعاصر كبير ويتزايد بسرعة وينخرط فيه كبار‬ ‫المسئولين وصغارهم‪ ،‬كما تنتشر الممارسات غير الخلتقية في السواق ويتوتقع أن‬ ‫يزيد ذلك في ظل العولمة وما تحمله من فساد مستورد ولكل ذلك آثار سيئة على مرجمل‬ ‫الحياة‪ ،‬المر الذى يرجب على المسلمين وتقد رجربوا أفكار وسياسات مستوردة ولم تفلح‬ ‫في كبح رجماح الفساد‪ ،‬أن يررجعوا إلى دينهم الذى يوفر البيئة الصالحة لترجفيف منابع‬ ‫الفساد‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( سنن الترمذى ‪4/332‬‬ ‫)( سنن أبو داود ‪4/10‬‬ ‫)( صحيح مسلم كتاب المارة باب تحرةيم هداةيا العمال‬ ‫)( التيسير بشر ح الجامع الصغير ‪1/488‬‬ ‫)( المرجع السابق ‪2/39‬‬ ‫)( المرجع السابق ‪2/294‬‬ ‫)( رواه الطبراشنى في الوسط‬ ‫‪- 31 -‬‬


‫‪ -4‬أن منابع الفساد تتمثل في عدة عوامل يرجب العمل على الوتقاية منها بحسن‬ ‫اختيار العاملين من ذوى الدين والصلح وتحسين أحوالهم المعيشية‪ ،‬ثم وضع القواعد‬ ‫التى تحدد صور الفساد وكيفية البعد عنها‪ ،‬إضافة إلى رفع كفاءة الرجهزة الرتقابية‬ ‫وورجود نظام محكم للعقوبات‪ ،‬وهو ما يتوفر في النظام السلمي بصورة محكمة‪.‬‬ ‫‪ -5‬أن مسئولية كشف الفساد وارجب على كل المستويات سواء على مستوى الفرد‬ ‫ذاته صاحب مال أو مرتكب للفساد‪ ،‬أو رئيس دولة أو كبار المسئولين أو رجمهور‬ ‫المسلمين‪.‬‬ ‫‪ -6‬أنه يرجب إعمال الرجراءات السلمية لمكافحة الفساد خاصة في مرجال‬ ‫العقوبات السلمية من الحدود والتعازير وتقوية الوعى الدينى لدى رجمهور المسلمين‪.‬‬ ‫والّله الموفق‬

‫‪- 32 -‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.