العدد 12

Page 1

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫سوف حنيا هنا‬ ‫سوف حيلو النغم‬ ‫السنة األولى‬

‫العدد ‪12‬‬

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫الثمن ‪ :‬دينار‬

‫ملف العدد ‪ :‬األغنية السياسية‬

‫ال للسالح داخل املدن ـ عائد من طرابلس ـ األيام اجلنوبية ـ وقائع فضيحة‬ ‫معلنة ـ ثورات ليبيا األربع ـ استقالل البالد الثاني ـ األمازيغ ‪ :‬األحرار النبالء‬


‫‪02‬‬

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫سوف حنيا هنا‬ ‫سوف حيلو النغم‬ ‫السنة األولى‬

‫العدد ‪12‬‬

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫الثمن ‪ :‬دينار‬

‫ملف العدد ‪ :‬األغنية السياسية‬

‫ال للسالح داخل املدن ـ عائد من طرابلس ـ األيام اجلنوبية ـ وقائع فضيحة‬ ‫معلنة ـ ثورات ليبيا األربع ـ استقالل البالد الثاني ـ األمازيغ ‪ :‬األحرار النبالء‬

‫‪miadeenm@yahoo.com‬‬

‫ميادين صحيفة ليبية متنوعة‬ ‫تصدر من بنغازي‬

‫رئيس التحرير‬ ‫أمحد الفيتو ري‬ ‫مدير التحرير‬ ‫سامل العوكلي‬ ‫مدير فين‬ ‫أمحد العرييب‬ ‫إشراف فين‬

‫عمر جهان‬ ‫مدير إداري‬

‫ال للسالح داخل املدن‬ ‫الضربة الموجعة التي وجهت إلى الثورة بمقتل اللواء الشهيد عبد‬ ‫الفتاح يونس رئيس أركان جيش التحرير الوطني بقدر قوتها وحجم‬ ‫تأثيرها على المستويات المختلفة فإنها لم تقصم ظهر الثورة ولذلك‬ ‫فان ما ال يقصم ظهرك يقويك ويجعل منك أكثر تصميما على مواصلة‬ ‫الطريق الذي ال عودة منه إلى النصر‪.‬‬ ‫ورغم الغموض الذي الزال يحيط ببعض األحداث المتعلقة بهذه الفاجعة‪،‬‬ ‫فان تشكيل لجنة قانونية ومحكمة لمحاكمة الجناة على هذه الجريمة‬ ‫البشعة وتنفيذ الحكم العادل في حقهم يعد أمرا يؤدي إلى تهدئة النفوس‬ ‫وتعزيز الثقة في عدالة الثورة وقدرتها على الدفاع عن نفسها ويجعل‬ ‫من مسألة وجود المسلحين داخل المدن أمرا اليمكن قبوله تحت أي‬ ‫ظرف من الظروف ‪.‬‬ ‫إن الدعوة التي وجهها المجلس الوطني االنتقالي إلى هذه التشكيالت‬ ‫المسلحة باالنضواء تحت قيادة سرايا الثوار والقتال في الجبهات أو‬ ‫االنضمام إلى قوى األمن الوطني الذي يحق له وحده ـ ووحده فقط ـ‬ ‫حمل السالح داخل المدن‪ ،‬هذه الدعوة تأتي مدعومة بكل إفراد الشعب‬ ‫الليبي في المناطق المحررة التي تساند ـ دون تحفظ ـ أي إجراء يتخذ‬ ‫من أجل تحقيق هذا الهدف‪ ،‬وإعادة مدننا المحررة إلى خط التظاهر‬ ‫السلمي واالعتصام الذي كان سالحا ماضيا وفعاال في مواجهة القذافي‬ ‫حتى تم تحرير هذه المناطق من قبضته‪ ،‬ولذلك فإن هذه الجماهير‬ ‫المسالمة المعتصمة في ميدان الحرية والموجودة في كل المدن ملزمة‬ ‫بالدفاع عن نفسها وثورتها في حالة عدم انصياع قادة هذه التشكيالت‬ ‫المسلحة إلى صوت الضمير واستلهام مصلحة الوطن‪ ،‬وذلك بأن تتجه‬ ‫إلى هذه الكتائب متظاهرة ومعتصمة أمام مقراتها حتى تسلم سالحها‪.‬‬ ‫إن من هزم القذافي بالتظاهر ال يعجز عن مواجهة مسلحين في المدن‪.‬‬ ‫وسأكون أول من يتقدم هذه التظاهرات‪.‬‬ ‫إدريس ابن الطيب‬

‫خليل العرييب‬ ‫‪0926234108‬‬ ‫صورة الغالف‬

‫عادل جربوع‬ ‫طباعة‬ ‫دار النور للطباعة‬

‫توزيع‬ ‫دار الفارس العربي‬

‫إخراج وتنفيذ‬ ‫رؤيا ألعمال الطباعة والتجهيزات الفنية‬

‫كل عام وأنتم خبري‬ ‫بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك تتقدم أسرة صحيفة ميادين‬ ‫بأحر التهاني إلى شعبنا الليبي الصامد واألمنيات بالنصر المبين‬ ‫بإذن هللا أعاده هللا علينا وعليكم باليمن والبركات‬


‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫رسوم ازوواوا‬

‫‪03‬‬

‫هذه اللوحات للفنان المرحوم محمد الزواوي تنشر للمرة األولي‬

‫‪.‬‬


‫‪04‬‬

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫مراد اهلوني‬ ‫حاوره ‪ :‬سالم العوكلي‬

‫عائد من طرابلس‬

‫طلبت من حممد ان يدعو فى مداخلته شبابنا الثائر الزاحف‬ ‫حنو سرت بأن يؤمنوا الناس على ارواحهم و ممتلكاتهم‬ ‫ـ ماذا حدث بطرابلس في االيام االولي؟‬ ‫لحظة اندالع الثورة كنت متواجدآ بحكم‬ ‫عملى بمدينة سرت فكنت اتابع االحداث‬ ‫عن طريق الهاتف متصآل باالصدقاء‬ ‫و باالهل للسؤال عن مجريات االمور‬ ‫و االطمئنان على الصحة و غير ذلك و‬ ‫عبر التلفزيون الذى كان ينقل مباشرة ما‬ ‫كان يحدث فى بنغازى و غيرها من المدن‬ ‫الليبية كنت اتفحص عيون اصدقائى من‬ ‫مدينة سرت فأجد بها مسحة من القلق و‬ ‫الترقب لما قد يحصل و خاصة و ان االنباء‬ ‫المتواترة من بنغازى قد حملت فى طياتها‬ ‫خبر سقوط اغلب المدن الشرقية فى قبضة‬ ‫الثوار و هروب قادة الكتائب و قتل و اسر‬ ‫البعض االخر و هو ما جعل االمور فى‬ ‫مدينة سرت تتأزم و تخرج عن السيطرة‬ ‫فى صورة من الفزع و الخوف على‬ ‫مصير من زج بهم النظام لدحر الثورة فى‬ ‫ايامها االولى فأنتشرت المظاهر المسلحة‬ ‫فى ارجاء المدينة و سمع دوى العيارات‬ ‫النارية التى كانت تطلق دونما سبب الهم‬ ‫اال الثبات الوجود و الننى عايشت معاناة‬ ‫هوالء البسطاء من الناس فى محنتهم هذه‬ ‫و الننى اعرف نيتهم الصادقة التى و ان‬ ‫لم يعبرو عنها صراحة اال اننى اراها فى‬ ‫عيونهم فقد عز على و انا فى تلك الظروف‬ ‫التى لم تمنعهم عن ظيافتى و رعايتى و‬ ‫االهتمام بى و الحرص على سالمتى ان‬ ‫ارى حالة الجزع و الهلع هذه من وصول‬ ‫مرتقب للثوار بعد ان سرت اشاعات بثها‬ ‫النظام بعزم هوالء على االنتقام من سكان‬ ‫هذه المدينة و الحت الفرصة امامى مواتية‬ ‫للقيام بما يمليه على واجب االخوة تجاهم‬ ‫عندما استمعت لمداخلة الناشط السياسى‬ ‫محمد بويصير من عين المكان بالساحة‬ ‫الخظراء بطرابلس حيث توافدت الجماهير‬ ‫الطرابلسية الغاضبة و الثائرون فاتصلت‬ ‫به عن طريق الصديق محمد السويحلى‬ ‫الذى كان متواجدآ الى جانبه فطلبت من‬ ‫محمد ان يدعو فى مداخلته شبابنا الثائر‬ ‫الزاحف نحو سرت بأن يؤمنوا الناس على‬ ‫ارواحهم و ممتلكاتهم و قد وعدنى خيرآ و‬ ‫حدث ما حدث بعد ذلك من اقتحام و تنكيل‬

‫بالمتظاهرين بساحة الشهداء بطرابلس‬ ‫و بعد خطابى االب و االبن و قلقى على‬ ‫اهلى بمدينة طرابلس و رغم توجسى‬ ‫من الطريق و انتشار نقاط التفتيش بها‬ ‫و المعاملة الفظة للكتائب المسلحة بها‬ ‫اال اننى توكلت على هللا و انطلقت باتجاه‬ ‫طرابلس عن طريق بنى وليد الصلها بعد‬ ‫غروب الشمس مباشرة اال اننى و نتيجة‬ ‫للحالة االمنية التى وجدت عليها طرابلس‬ ‫فقد قررت المبيت فى احد اطراف المدينة‬ ‫عند احد االصدقاء و فى الصباح اكملت‬ ‫مسيرى نحو البيت الجد الجميع بانتظارى‬ ‫ابنائى االربعة و والدتهم و هم فى حالة من‬ ‫القلق على مصيرى و على ما عانوه هم فى‬ ‫غيابى طرابلس التى كنت اعرفها تغيرت‬ ‫المدينة المكتظة بسكانها اصبحت طاردة‬ ‫لهم نزح البعض الى مدنهم االصلية و‬ ‫هجرها البعض االخر خوفآ على مصيرهم‬ ‫و من تردد فى تركها اصبح سجينآ لجدران‬ ‫بيته فى االيام االولى كحالى انا الذى حولت‬ ‫غرفة نومى الى قاعة للمطالعة و مكانآ‬ ‫لمشاهدة قنوات االخبار العربية التى عادة‬ ‫ما يختفى ترددها بفعل التشويش المتعمد‬ ‫الرياضة الوحيدة التى كنت اقوم بها هى فى‬ ‫خروجى لشراء االحتياجات الضرورية و‬ ‫تحديدآ قريبآ من البيت و لخوفنا من نقص‬ ‫التموين و انقطاعه فقد تحولت دار الخزين‬ ‫بالمطبخ الى سوبر ماركت بسلعه المكدسة‬ ‫و رغم حالة القلق و الترقب لما قد يحدث‬ ‫لنا اذا تأزمت االمور فأن وزن الجميع زاد‬ ‫بما فيهم العبدهلل ‪ -‬اكل و مرعى و قلة‬ ‫صنعة – و شيئآ فشيئآ بدأت االمور تتحسن‬ ‫من حيث القدرة على الخروج و الذهاب‬ ‫الى زيارة االصدقاء و االقارب و تفقدهم و‬ ‫فى المقابل كانت مشكلة التزود بالوقود و‬ ‫االنتظار المزعج لساعات فى البداية الذى‬ ‫تحول الى ايام طوال و ارتفاع سعر اللتر‬ ‫فى السوق السوداء الى اضعاف مضاعفة‬ ‫قد قيدت حركة البعض منا حتى وصل‬ ‫االمر للبعض الى استعمال الدرجات‬ ‫النارية و الهوائية التى اختفت من االسواق‬ ‫و زاد ثمنها و كذلك ارغم البعض االخر‬ ‫على ممارسة رياضة المشى رغما عنه و‬

‫اصبحت شوارع طرابلس شبه خاوية من‬ ‫السيارات كل ما كانت تستورده طرابلس‬ ‫عن طريق الشرق او مصراتة اختفى تباعآ‬ ‫و الباقى منها ارتفع سعره و اغلقت بعض‬ ‫المتاجر لخلو ارففها من البضاعة و البعض‬ ‫االخر لصعوبة وصول ماليكيها اليها بفعل‬ ‫نقص الوقود او لوجودها فى بؤر التوتر‬ ‫فى االحياء التى غالبآ ما تشهد انتفاظات او‬ ‫اعمال نوعية لثوارها كتاجوراء او فشلوم‬ ‫و سوق الجمعة و شط الهنشير و غيرها‬ ‫من احياء المدينة التململ واضح على‬ ‫الجميع حتى تحول مع االيام الى انتقاد‬ ‫علنى للنظام تعود الجميع على صوت‬ ‫المظادات االرضية التى كان صوتها فى‬ ‫االيام االولى للحضر مزعجآ و باعثآ على‬ ‫الخوف لدى الصغار و شيئآ فشيئآ اختفى‬ ‫هذا الصوت الستهدافه من قبل طيران‬ ‫الحلف او لقناعتهم بعدم جدوى استعمالهم‬ ‫فى حين كانت طائرات التحالف التى لم‬ ‫نستطع رؤيتها ابدآ و ان كنا نسمع اصواتها‬ ‫تقصف ليليآل اهدافها الم و مقراته االمنية‬ ‫و كان الناس يهرعون الى الشوارع بمجرد‬ ‫بدء القصف حيث يتبادل الجميع الحديث‬ ‫عن تأثيرات القصف و تمنياتهم بأن يسرع‬ ‫فى سقوط النظام عسكرية المتواجدة فى‬ ‫احياء المدينة المتفرقة و خاصة منطقة‬ ‫باب العزيزية التى نالت نصيبها الوافر‬ ‫من الضربات و كذلك مناطق تاجوراء و‬ ‫عين زارة و السوانى و غيرها من المناطق‬ ‫التى كانت تظم معسكرات النظام و مقراته‬ ‫االمنية‪ .‬و ينظر الرأى العام لهذه العمليات‬ ‫على انها عامل مساعد فى اسقاط النظام‬ ‫الطرابلسية فى معظمهم هم ضد هذا النظام‬ ‫والن طرابلس هى المركز و هى مقر رأس‬ ‫النظام فأن التواجد االمنى المكثف للكتائب‬ ‫بكافة صورها و اشكالها و وجود مرتزقة‬ ‫اللجان الثورية و الحرس الثورى الذين‬ ‫فرو من المناطق المحررة بها هى من‬ ‫االشياء التى اعاقت و تعيق اى صورة من‬ ‫صور الرفض لهذا الحكم و رغم ذلك فأن‬ ‫ارادة الثوار و عزمهم و ايمانهم العميق‬ ‫بانتصارهم القوى من كل شئى ‪.‬‬ ‫ـ ما حديثك حول الثورات في الشرق‬

‫االوسط؟‬ ‫انا في اعتقادي ان ما يحصل في ليبيا االن‬ ‫او في سوريا او فى اليمن و ما حصل فى‬ ‫مصر و تونس هو نتيجة طبيعية لثورة‬ ‫المظلومين و لما عانته المنطقة العربية‬ ‫و بالدنا على وجه الخصوص من ظلم‬ ‫و عسف و غبن و جور طوال عقود‬ ‫من الزمن‪..‬االمر الذى ادى النتفاضة‬ ‫هذه الشعوب فى ثورة عارمة قلبت كل‬ ‫الموازين‬ ‫هل كان في تصورك ان الثورة الليبية‬ ‫كانت لن تقوم لوال ثورة مصر و تونس؟‬ ‫بالتأكيد كان االسهام واضحا رغم إنه فى‬ ‫الحالة الليبية االمر معقد بعض الشئى‬ ‫نتيجة لعدة عوامل منها العامل الجغرافى‬ ‫التساع رقعة االرض و الدور الهامشى‬ ‫للمؤسسة العسكرية وعدم قدرتها على‬ ‫احداث التغيير السياسى بليبيا اذا صح‬ ‫التعبير و كذلك تغييب مؤسسات المجتمع‬ ‫المدنى بليبيا اذا تصورنا وجودها فعليآ و‬ ‫بالتالى انحسار الدور المؤثر لها ‪.‬‬ ‫ورغم الدور النضالى المستمر و المتعاضم‬ ‫منذ بدايات انقالب سبتمبر للقوى الوطنية‬ ‫الليبية اال ان هذه العوامل مجتمعة كانت من‬ ‫االسباب الحاسمة التى اجلت ساعة الصفر‬ ‫لسقوط هذا النظام غير ان رياح التغيير و‬ ‫التى عصفت بتونس كان لها دور رئيسى‬ ‫و فعال فى اشعال فتيل الثورات الشعبية‬ ‫التى امتدت الى ليبيا فى شكل عاصفة‬ ‫قوية هادرة كان لها اثرها فى نهاية حكم‬ ‫الطاغوت و فى تصورى ان سقوط انظمة‬ ‫الحكم الدكتاتورية فى تونس و فى مصر‬ ‫كان من اهم العوامل المساعدة فى انجاح‬ ‫هذه الثورة الشعبية العارمة بالنظر الى‬ ‫طبيعة العالقات المميزة و الدور المشبوه‬ ‫لنظام مبارك بمساعدته عسكريآ فى قمع‬ ‫انتفاظة ‪ 1996‬بالجبل االخضر و هو احد‬ ‫وجوه التعاون االستخباراتى لهذه الدول فى‬ ‫تقديم الدعم اللوجيستى النظمتهم‬ ‫ـ يعني انك تعتبرها ثورة شرق اوسط اكثر‬ ‫منها ثورة محلية اقليمية ؟‬ ‫فى تصور البعض هى كذلك و لكننى‬ ‫ال اريد ان استعمل هذه المصطلحات‬


‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫و بالذات مصطلخ « الشرق اوسطية‬ ‫« فهي بالنسبة لى هذه الثورة و غيرها‬ ‫تجاوزت كل هذه المسميات ففى عصر‬ ‫العولمة هى ثورة عالمية بامتياز ‪..‬الثورة‬ ‫فى ليبيا بخصوصيتها التى تفردت بها‪.‬‬ ‫اختلف شكلها عن مصر و عنها في تونس‬ ‫حدة و عنفآ و لكنها ظلت امتدادآ طبيعيآ‬ ‫لهاتين الثورتين و ينطبق هذا الوصف‬ ‫على الحالة السورية بمجملها فالشروط‬ ‫الموضوعية التى ادت الى قيام الثورة فى‬ ‫المغرب العربى هى ذاتها التى املت واقعآ‬ ‫جديدآ فرض نفسه فى المشرق العربى‬ ‫لتتوحد شعارات هذه الجموع العربية و‬ ‫تختزل فى عبارة واحدة و هى « الشعب‬ ‫يريد اسقاط النظام «‪.‬و هذه الكلمات القوية‬ ‫المعبرة يمكن ترجمتها بكل لغات العالم‬ ‫متجاوزة حدودها الجغرافية و االقليمية‬ ‫فالعالم االن يشهد ربيعآ للثورات العربية‬ ‫و يرسم واقعآ مغايرآ فرضته ارادة هذه‬ ‫الشعوب المتعطشة للحرية بكل ما تعنيه‬ ‫هذه الكلمة من معنى‬ ‫و مارايكم بثورة اليمن ؟‬ ‫القاسم المشترك بيننا هى ارادة الشعب‬ ‫اليمنى فى التغيير و فى اسقاط حكم‬ ‫الفرد و هى كذلك امتداد لما سبقها من‬ ‫الثورات العربية و هى ثورة سلمية رغم‬ ‫محاوالت البعض عسكرتها هى ثورة‬ ‫الجياع و المظلومين الذين همشهم نظام‬ ‫بالى و مستبد هى صورة منسوخة عن‬ ‫معاناة شعوبنا العربية اتابعها و اتأثر بما‬ ‫اشاهده و بما اسمعه عنها كتأثرى بما‬ ‫حدث و يحدث فى ليبيا فقد وحدتنا االمال‬ ‫و الطموحات و المشاعر و االحاسيس كما‬ ‫لم توحدنا من قبل و هذه هى بعضآ من‬ ‫ايجابيات ربيع الثورات العربية‬ ‫هل تري االمور اسهل في ليبيا ؟‬ ‫اذااردنا ان نتحدث بمنطق التفأول فأن‬ ‫االسوء فى اعتقادى قد مضى بايامه‬ ‫العصيبة و بمشهده المؤثر و ما هو اتى‬ ‫من االيام فأنه يحمل معه تباشير النصر‬ ‫و العزة لهذا الوطن‬ ‫لقد علمتنا االيام ان ارادة الشعوب الحرة‬ ‫هى فوق كل شئى و هى الوحيدة القادرة‬

‫على التعبير بشفافية و وضوح عن معاناتنا‬ ‫و عن امالنا و عن طموحاتنا و هذه االرادة‬ ‫ال يمكن لها ان تهزم او ان تستكين مهما‬ ‫كانت االسباب و الظروف و هذه الثقة‬ ‫المفرطة فى التفآول املتها هذه االرادة‬ ‫الشعبية التى لم يكن لها ان تتحقق لوال‬ ‫ربيع الثورات العربية و لوال هذا الزخم‬ ‫الالمتناهى من الدعم و التأييد العربى و‬ ‫الدولى لعدالة قضيتنا و حقنا فى الحياة‬ ‫الحرة الكريمة و لوال شجاعة و عزم‬ ‫شبابنا الليبى البطل فى جبهات القتال على‬ ‫االنتصار لقضيتهم لكانت االمور اكثر‬ ‫ضبابية و و تشأوم و لكان من الصعب‬ ‫ان يتحول المستحيل الى ممكن و الصعب‬ ‫من االمور سهل و قريب المنال‬ ‫هل كنت لتتصور ما يحدث االن فى ليبيا ؟‬ ‫فى تقديرى الشخصى لم نكن لنتصور‬ ‫جميعآ هذا السيناريو المتالحق لالحداث‬ ‫حتى فى اقصى حاالت التفآؤل برغم‬ ‫قناعتى الشخصية بحتمية التغيير اال انه‬ ‫لم يدر بخلدى ان اكون شاهدآ على هذه‬ ‫النهاية المخزية و هذا السقوط المدوى‬ ‫لهذا النظام و كانت للبعض منا و انا‬ ‫شخصيآ تجربة مع هذا النظام خضنا‬ ‫غمارها فى الساحات الدولية دفاعآ عن‬ ‫هذا الشعب و هذا الوطن بما أوتينا‬ ‫من قوة و عزم عبر سنوات طوال من‬ ‫الغربة اختزلت معها صور قاتمة و باهتة‬ ‫من المعاناة و االلم و الحرمان ‪ .....‬و‬ ‫برغم ذلك ظل انتمائنا لهذا الوطن و لهذه‬ ‫االرض الطيبة المعطاة اقوى من كل شئى‬ ‫و طوال سنوات تهجيرنا الفصرى هذا‬ ‫كانت جهودنا و جهود الوطنيين من ابناء‬ ‫ليبيا تصب للبحث عن السبل الناجعة من‬ ‫اجل انقاذ هذا الوطن فالى جانب التواجد‬ ‫االعالمى المكثف فى الساحات الدولية‬ ‫لفضح و تعرية و توضيح حقيقة ما يعانيه‬ ‫اهلنا فى الداخل كانت الجهود متكاتفة‬ ‫ايظآ و على نطاق واسع للبحث فى اسقاط‬ ‫النظام عسكريآ باستهدافه فى العمق عبر‬ ‫عمليات نوعية كعملية باب العزيزية فى‬ ‫العام ‪ 1984‬بقيادة الجبهة الوطنية النقاذ‬ ‫ليبيا و غيرها التى كان لها اكبر األثر‬

‫داخليآ و هو ما حذا بهذا الطاغية الى‬ ‫التنكيل بمنفذى هذه العمليات و صب جام‬ ‫غضبه و بشكل ممنهج و مبرمج على‬ ‫قطاعات و اسعة من المعارضين لحكمه‬ ‫فى سلسلة من االعدامات استرجع معها‬ ‫شعبنا صور اعدامات الوطنيين الليبيين‬ ‫على ايدى الفاشيين الغزاة فلم يخلو بيتنا‬ ‫اال و نال حصته من غضب القذافى و‬ ‫اجرامه و لم تكن المرة االولى التى يتعمد‬ ‫فيها ارهاب الشعب الليبى بهذا القدر من‬ ‫العنف فقد شهدت ساحات مدننا و ميادينها‬ ‫اعدامات اخرى سيق لها اساتذة و طلبة‬ ‫و كنت شاهدآ عليها فى ميدان الكنيسة‬ ‫( ميدان الشهداء ) بمدينة بنغازى فى‬ ‫مشهدآ محزنآ و مؤثرآ ‪.‬‬ ‫اتذكر انه فى منتصف الثمانينيات و كنت‬ ‫وقتها عضوآ بالجبهة الوطنية النقاذ ليبيا‬ ‫توفرت للمعارضة الليبية من الظروف‬ ‫الموضوعية ما مكنها من التواجد فى‬ ‫معسكرات باالراضى الجزائرية فى‬ ‫محاولة التغلغل الى داخل االراضى‬ ‫الليبية السقاط النظام مستفيدة من العالقات‬ ‫المتردية لدول الجوار و على رأسهم‬ ‫الجزائر و مصر و تونس و كذلك دول‬ ‫الجوار االفريقى مثل تشاد و النيجر و‬ ‫توفر الدعم اللوجيستى و العسكرى لهذه‬ ‫الدول لتلك التحركات التى قادتها الجبهة‬ ‫الوطنية النقاذ ليبيا و التى كانت اكبر‬ ‫فصيل وقتها متواجد على الساحمة الليبية‬ ‫بامكانياته و قدراته المادية و البشرية التى‬ ‫تمكنت بفضل هذه العوامل من تجميع اكبر‬ ‫عدد ممكن من الشباب الليبى المعارض‬ ‫فى تلك المعسكرات التى تم تجهيزها‬ ‫بشكل ادهش الكثيرين و اولهم النظام‬ ‫ذاته الذى قام على أثرها بعقد صفقة مع‬ ‫النظام الجزائرى الذى تملص على عجل‬ ‫من تعهداته للمعارضة الليبية و اصدر‬ ‫اوامره بابعاد اعظائها خارج االراضى‬ ‫الجزائرية مما اسقط كل حساباتها و افشل‬ ‫اكبر المخططات العسكرية للمعارضة‬ ‫الليبية فى التغيير فى ذلك الوقت و برغم‬ ‫كل ذلك لم تستكن ارادة شعبنا و لم تهن‬ ‫بل زادنا ذلك ايمانآ و عزمآ على المضى‬

‫‪05‬‬

‫قدمآ فى السعى السقاط النظام مهما كلفنا‬ ‫ذلك و توالت هزائم النظام الخارجية فى‬ ‫تشاد و غيرها من الساحات و استجمعت‬ ‫المعارضة الليبية قوتها و تنادت للتواصل‬ ‫مع اسرانا فى تشاد و ساهمت بشكل كبير‬ ‫فى رفع الضيم عنهم و فى االفراج عنهم‬ ‫ليتشكل منهم جيش التحرير الوطنى الليبى‬ ‫الذى كان ليكون له دور مهم و رئيسى‬ ‫فى التغيير لوال حسابات بعض الدول و‬ ‫تأثير القذافى عليها سياسيآ و اقتصاديآ‬ ‫وهو الشئى الذى ساعد فى تغيير رؤية‬ ‫المعارضة الليبية و رؤيتنا نحن كشباب‬ ‫ليبى معارض فى أن الرهان الحقيقى اوآل‬ ‫و اخيرآ هو على الشعب الليبى دون سواه‬ ‫االن هناك تحركات في اوروبا وفي‬ ‫اسبانيآ والمانيا و في ايطاليا و اليونان و‬ ‫حتي في فرنسا فهل يمكن القول ان هناك‬ ‫ثورة عالمية مشابهه او تذكرنا بحركة‬ ‫‪1968‬م الحركة الطالبية ؟‬ ‫هناك اوجه تشابه كبيرة بين ما يحدث‬ ‫االن و بين ما حدث فى الستينيات و‬ ‫تحديدآ فى الحركة الطالبية باوروبا فيما‬ ‫عرف بالثورة الطالبية التى عصفت‬ ‫بالحكومات االوروبية و على رأسها‬ ‫حكومة شارل ديغول التى اطاحت بها‬ ‫فالعنصر الرئيسى و الفاعل و المؤثر لكال‬ ‫الثورتين كان هو الشباب الذى لم يجد بدآ‬ ‫فى الخروج الى الساحات للتعبير عن‬ ‫رأيه و كذلك رغبة هذه الشعوب و تطلعها‬ ‫الى الحرية فالثورات الشعبية الى اعقبت‬ ‫تفكك االتحاد السوفيتى ليطيح طوفانها‬ ‫تلك االنظمة الشمولية هى نفسها ثورات‬ ‫شعوبنا العربية التى اسقطت من حساباتها‬ ‫هذه االنظمة الغاشمة و برأى فأن هذه‬ ‫العدوى اليمكن لنا تحديدها ال جغرافيآ و‬ ‫ال اقليميآ و سوف نرى اثارها فى مناطق‬ ‫اخرى من العالم و خاصة و اننا نعيش‬ ‫عصر العولمة و عصر المعلوماتية الذى‬ ‫كان عامآل مؤثرآ فى نجاح هذه الثورات و‬ ‫عليه فأننا قد نكون فى الحقيقة مشاركين و‬ ‫شاهدين على هذه الثورة العالمية ‪.‬‬


‫‪06‬‬

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫د مطاوع‪ :‬الشاعر اللييب الذي التحق بالثورة‬ ‫جاءت الثورة اللي‬ ‫بية وسرقت الشاعر خالد مطا‬ ‫وع‬ ‫من‬ ‫ع‬ ‫مله‬ ‫ا‬ ‫ألك‬ ‫ادي‬ ‫مي‬ ‫ك‬ ‫اإل‬ ‫أس‬ ‫تاذ للكتابة‬ ‫بداعية في جامعة «ميتشغان» ا‬ ‫ألم‬ ‫يرك‬ ‫ية‪،‬‬ ‫و‬ ‫من‬ ‫مزا‬ ‫جه‬ ‫ك‬ ‫متر‬ ‫جم‬ ‫جديدة‪ .‬لقد‬ ‫للشعر‪ ،‬ودفعت به الى تجربة‬ ‫انخرط في فريق عمل قناة «ليبيا‬ ‫ال‬ ‫حر‬ ‫ة»‬ ‫ال‬ ‫تي‬ ‫ت‬ ‫بث‬ ‫من‬ ‫ق‬ ‫طر‬ ‫د‬ ‫ً‬ ‫يعمل مطاوع‬ ‫عما للثورة الليبية‪.‬‬ ‫إعالميا ً محترفا ً في القناة‪ .‬يحرّر‬ ‫الك‬ ‫ثير‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫ألخ‬ ‫بار‬ ‫ويت‬ ‫رج‬ ‫مها‬ ‫و‬ ‫يشرف على مقاالت‬ ‫الرأي في موقعها اإللكت‬ ‫روني‪ .‬وأحياناً‪ ،‬يط ّل على المحط‬ ‫ات‬ ‫اإل‬ ‫خبا‬ ‫رية‬ ‫األ‬ ‫ّ‬ ‫مير‬ ‫كية‬ ‫ليع‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫مهمة‬ ‫على األحداث‪.‬‬ ‫جديدة ال يعتقد مطاوع أنها تناسبه‪ ،‬لكنّ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫خو‬ ‫ضها‬ ‫من‬ ‫م‬ ‫وقع‬ ‫ا‬ ‫لدعم الثورات ا‬ ‫لمثقف النقدي الباحث عن أفق‬ ‫لعربية بطريقة يعجز عنها الشعر‬ ‫‪ .‬يقول مطاوع‪َ « :‬من يعرف قصيدتي‪ ،‬يدرك أنّها‬ ‫ال تصلح ألن تكون رداً مباشراً على األحداث‪ .‬هي‬ ‫ليست وقتية‪ ،‬بل تأملية قائمة على خبرات تراكمية‪،‬‬ ‫وفيها الكثير من التاريخ‪ .‬وبالتالي‪ ،‬عندما بدأت‬ ‫ُ‬ ‫أحسست ّ‬ ‫أن الشعر لم يكن‬ ‫موجة الثورات العربية‪،‬‬ ‫ردي العاجل على األحداث‪ .‬ول ّما انتقلت الثورة الى‬ ‫ليبيا‪ ،‬شعرت بمسؤولية مضاعفة‪ ،‬وخصوصا ً بعد‬ ‫ظهوري في أكثر من محطة أميركية لتقديم تعليقات‬ ‫على ما يحدث‪ ،‬بهدف تمكين المشاهد األميركي‬ ‫من تكوين وجهة نظر‪ .‬وهذا الطلب حفزني على‬ ‫خوض تجربة العمل اإلعالمي»‪.‬‬ ‫في البداية‪ ،‬كتب مجموعة من المقاالت عن‬ ‫الموسيقى الليبية وعمليات تحديثها‪ ،‬وهي مقاالت‬ ‫فنية سياسية سعى فيها إلى كشف جريمة ارتكبها‬ ‫نظام القذافي عندما حاصر تنوّعها‪ ،‬وغلّب طابعها‬ ‫البدوي فقط‪ .‬وفي مسار آخر‪ ،‬كتب مقاالت للتعريف‬ ‫بأسماء حُجبت في األدب الليبي‪ ،‬وبعض أصحابها‬ ‫سُجنوا سنوات بسبب محاولتهم «تخصيب الثقافة‬ ‫الليبية بعد سنوات من الجدب واإلحباط‪ .‬فما ال‬ ‫يعرفه بعضهم ّ‬ ‫أن الثورة في ليبيا لم تكن وليدة‬ ‫مصادفة‪ ،‬بل نتاج جذوة اشتعلت منذ زمن‪ ،‬ربما‬ ‫بطريقة لم يلمسها أحد خارج ليبيا»‪.‬‬ ‫بابتسامته الهادئة‪ ،‬يشدد مطاوع على ّ‬ ‫أن الثورة‬ ‫ّ‬ ‫وأن‬ ‫الليبية ستطبع القرن الحادي والعشرين‪...‬‬ ‫الحدث يفوق بأهميته مقاومة المحتل اإليطالي‪.‬‬ ‫ويستدرك‪ :‬لكن «الشعب الليبي أجبر على تبني‬ ‫خيار المسار المسلّح»‪ .‬وبحماسة الفتة‪ ،‬يرى‬ ‫الشاعر المتأمل بطبيعته ّ‬ ‫أن الثورات العربية بما‬ ‫قدمته من تضحيات‪ ،‬تمثّل وسيلة لدفعنا إلى األمام‪،‬‬ ‫لكنّها أيضا ً قد تقودنا الى سنوات ردة عميقة إذا لم‬ ‫نحسن استغاللها‪ .‬ال يشعر مطاوع باالرتباك وهو‬ ‫يؤكد وقوفه كمثقف نقدي وراء القرارات الدولية‬ ‫بشأن ليبيا‪ ،‬بما في ذلك تدخل «الناتو»‪ ،‬إذ يرى ّ‬ ‫أن‬ ‫«ال حل آخر في مواجهة قاتل»‪ ،‬الفتا ً الى أنّه يساند‬ ‫حلف شمالي األطلسي لغاية اكتمال تركيبة وطنية‬ ‫تستطيع إجبار القذافي على التنحي والخروج من‬ ‫ليبيا كلها‪.‬‬ ‫ال يبدو مطاوع متحمسا ً لإلجابة عن سؤال يتعلّق‬ ‫بموقف المثقفين الليبيّين الكبار من الثورة‪ .‬يفضل‬ ‫أن ينقل الكرة الى ملعب آخر‪ ،‬مؤكداً ّ‬ ‫أن مواقف‬ ‫معظم المثقفين العرب من الثورات في بالدهم‬ ‫كانت ملتبسة وغامضة‪ ،‬لكن في الحالة الليبية‪،‬‬ ‫كانت األمور أشد تعقيداً‪ ،‬كما يشير‪ .‬ثم سرعان‬ ‫ما يقول‪« :‬منذ البداية‪ ،‬لم أرغب في إنهاك طاقتي‬ ‫في متابعة ما يقوله اآلخرون‪ .‬أنا أعرف أن معظم‬ ‫المثقفين ضد النظام الليبي‪ ،‬وأعلنوا ذلك فعالً‪.‬‬ ‫وبالتالي ليس مطلوبا ً التفتيش في مواقف اآلخرين‪.‬‬ ‫اللحظة الراهنة تتطلب السمو فوق هذه النزعات‪،‬‬ ‫وخصوصا ً ّ‬ ‫أن للناس ذاكرة قادرة على الفرز»‪.‬‬ ‫يكتب خالد مطاوع شعره باللغة اإلنكليزية‪ ،‬ثم‬ ‫يترجم بعضه‪ .‬مع ذلك‪ ،‬ال يرى ّ‬ ‫أن ما يكتبه سعي‬ ‫إلى بناء هوية أدبية مغايرة‪ .‬يرى أن نصه الشعري‬ ‫ابن هوية مر ّكبة‪« :‬حاولت دوما ً مواكبة الحركة‬ ‫األدبية الليبيبة على نحو جيد منذ الثمانينيات‪ .‬عندما‬ ‫بدأت الكتابة‪ ،‬قرأت ما تيسّر لي من نصوص ليبيبة‪.‬‬ ‫وعندما عشت في القاهرة خالل مرحلة من سنوات‬ ‫الدراسة‪ ،‬تمكنت من ذلك بطريقة أفضل‪ ،‬ألن‬ ‫بعض النصوص كانت مفقودة‪ .‬وفي العقد األخير‪،‬‬

‫استطعت بفضل زياراتي المتكررة لبنغازي من‬ ‫الوصول الى ما غاب عني قدر اإلمكان‪ .‬مع ذلك‪،‬‬ ‫ال أعتقد أنني جزء من هذا السياق على الصعيد‬ ‫الفني»‪.‬‬ ‫ال يرى خالد مطاوع أن النجاح الذي تحقق‬ ‫ألعماله وألعمال مجايله الروائي الليبي هشام‬ ‫مطر (نافس على «مان بوكر» ‪ 2006‬بروايته‬ ‫«أرض الرجال») هو بداية تأسيس ألدب ليبي‬ ‫مزدوج الهوية‪ .‬يشير إلى ّ‬ ‫أن الرواية الليبيّة التي‬ ‫تكتب بالعربية هي رواية معاصرة فرضت نفسها‬ ‫في متن نصوص الحداثة العربية‪ ،‬وكرست أسما ًء‬ ‫مهمة مثل إبراهيم الكوني‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬يؤمن‬ ‫صاحب «فلك األصداء» بأن فكرة أدب المهجر لم‬ ‫يعد لها وجود‪ .‬الكاتب األميركي من أصول عربية‬ ‫لن ينجح ما لم يكن قادراً على االنخراط في منافسة‬ ‫تستند باألساس إلى أدوات فنية عالية‪« .‬الكتابة‬ ‫في أميركا مثالً ال تسمح باستمرار «متوسطي‬ ‫الموهبة»‪ ،‬على عكس العالم العربي‪ ،‬الذي يفتقر‬ ‫إلى معايير شفافة للتقويم بسبب غياب الحركة‬ ‫النقدية الجادة‪ ،‬أو شفافية سوق النشر والتوزيع‪.‬‬ ‫واألهم في أميركا ّ‬ ‫أن الكاتب يشتغل على نصه‪،‬‬ ‫ويسعى إلى تطويره مع ناشره‪ ،‬أو عبر المحرر‬ ‫األدبي‪ ،‬وهي وظيفة ال وجود لها أيضا ً على‬ ‫الصعيد العربي»‪.‬‬ ‫يعتقد صاحب «خسوف اإلسماعيلية» أن األدب‬ ‫المكتوب باإلنكليزية مفتوح من ناحية موضوعه‬ ‫ومكانه أيضاً‪ .‬هذه السمة ساعدت الشعر األميركي‬ ‫على إيجاد قبول في أنحاء العالم‪ .‬ويفضل مطاوع‬ ‫أن يُحسب على شعر األقليات في الواليات المتحدة‪،‬‬ ‫فهو يكتب عن األقلية العربية‪ ،‬لكن بتقنيات مستمدة‬ ‫من القصيدة األميركية‪.‬‬ ‫خالل سنوات عمله في الجامعات األميركية‪ ،‬ترجم‬ ‫تسعة دواوين ألسماء بارزة‪ ،‬منها أدونيس‪ ،‬وسعدي‬ ‫يوسف‪ ،‬وفاضل العزاوي‪ ،‬وأمجد ناصر‪ ،‬وجمانة‬ ‫حداد‪ ،‬ومرام المصري‪ ،‬وإيمان مرسال‪ ،‬وهاتف‬ ‫الجنابي‪ .‬ويرى ّ‬ ‫أن عمله كمترجم للشعر العربي‬ ‫أكسبه معرفة بتقنيات هذا الشعر‪ ،‬لكنّه لم يمنحه‬ ‫جرأة الكتابة في هذا المجال‪ ،‬لذلك يبقى منحازاً‬ ‫النتمائه إلى الشعر بالمعنى الكوني‪ ،‬وبمعزل عن‬ ‫التقسيمات الجغرافية‪ ،‬فهوية الشاعر تكمن في‬ ‫نصه‪.‬‬ ‫مر خالد مطاوع بتجارب ال يود تكرارها‪ ،‬منها‬ ‫نشر ترجمات عربية لنصوصه‪ ،‬ونشرها في‬ ‫دواوين مستقلة‪ ،‬مشيراً إلى ّ‬ ‫أن التجربة «محبطة‬ ‫بامتياز»‪ .‬يقول‪« :‬عندما أنشر باإلنكليزية‪ ،‬أجد‬ ‫أصدا ًء تسمح لي بتأمل تجربتي‪ .‬وهو أمر لم يحدث‬ ‫عربياً‪ .‬والمؤسف أن شعراء عربا ً كباراً أكثر مني‬ ‫شهرةً‪ ،‬قالوا لي إنّهم يعيشون الماسأة ذاتها‪ .‬لألسف‪،‬‬ ‫فالكتابة بالعربية لم تفتح لي مجاالً للحوار‪ ،‬سواء‬ ‫مع الشعراء أو مع القراء‪ ،‬لكنّي أعتقد أن اسمي‬ ‫مطروح عربياً‪ ،‬إلاّ ّ‬ ‫أن قصيدتي غير معروفة»‪.‬‬ ‫مدفوعا ً بعقدة األخ األوسط‪ ،‬كما يقول‪ ،‬سعى‬ ‫مطاوع الى تأسيس «رواي»‪ ،‬وهي مؤسسة‬ ‫أميركية للكتّاب العرب‪ .‬نجحت المؤسسة في ل ّم‬ ‫شمل الكتّاب العرب في بالد العم سام‪ ،‬والتعريف‬ ‫بإنتاجهم األدبي في األوساط األميركية‪ .‬خالل‬ ‫رئاسة مطاوع لها من ‪ 2005‬حتى ‪ ،2009‬أقامت‬ ‫المؤسسة مؤتمرين نشرت أوراقهما في دوريات‬

‫سيد محمود‬

‫أميركية مهمة‪ ،‬وكما يرى‪ّ ،‬‬ ‫فإن للكتّاب العرب هناك‬ ‫هموما ً وطرائق كتابة فيها الكثير من التجانس‪،‬‬ ‫مدعومةً بإيمان ضروري بفكرة التعددية الثقافية‬ ‫والقضايا العربية‪ ،‬لذلك‪ ،‬يشعر مطاوع بالرضى‬ ‫عما أنجزه في «رواي»‪.‬‬

‫المقال الذي ثمن تجربة خالد و دوره الفعال في‬ ‫مساندة الثورة الليبة و معاضدة اخوانه المناضلين‬ ‫و اخواته الصامدات و فيما يخص بعض التفاصيل‬ ‫اود التعليق باختصار على السطر التالي “ويفضل‬ ‫مطاوع أن يُحسب على شعر األقليات في الواليات‬ ‫المتحدة‪ ،‬فهو يكتب عن األقلية العربية”‪،‬القول ان‬ ‫اعمال الشاعر االولى تمحورت فعال حول االقليات‬ ‫و ركزت اهتمامها على العرب االمريكان و‬ ‫مشاغلهم من حنين للماضي و توق لحضن العائلة و‬ ‫اهازيج المدن العربية و االحياء الشعبية واغتراب‬ ‫و وحدة و صراع بين ذات و اخرى او هويات‬ ‫مختلفة متشابكة و لكن اعماله الحديثة و اخص‬ ‫بالذكر مجموعته الشعرية توكفيل تتجاوز موضوع‬ ‫الهوية الضيقة او االقليات لتتحدث عن امريكا و‬ ‫الديمقراطية و العولمة و غيرها من القضايا التي‬ ‫ال تحصر و بالنهاية فان كتابات خالد تروم التحدث‬ ‫عن االنسان و مخاطبة المتلقي اينما كان‪...‬خالد‬ ‫يكتب عن الجميع و للجميع و هذا ما يميزه و يجعله‬ ‫شاعرا كونيا‪ .‬تحياتي‬

‫‪2010‬‬ ‫نال «جائزة واالس ستيفنس» من «أكاديمية‬ ‫الشعراء األميركيين»‬

‫رد على هذا التعليق‬ ‫‪.‬تحياتي‬ ‫نشره عطية صالح األوجلي (لم يتم التحقق) يوم‬ ‫ثالثاء‪14:51 - 07/19/2011 ,‬‬ ‫أشكرك أستاذ سيد على تسليط الضوء على هذا‬ ‫الشاعر المشاغب الساخر الجميل والذي يجب ان‬ ‫يهيء نفسه “لشرعنة” السرقة و ديمومتها‪ .‬فالثورة‬ ‫كالسلطة يكاد يستحيل الفكاك منها‪.‬‬

‫‪ 5‬تواريخ‬ ‫‪1964‬‬ ‫الوالدة في بنغازي‪ ،‬ليبيا‬ ‫‪1995‬‬ ‫أصدر باإلنكليزية ديوانه األول «خسوف‬ ‫اإلسماعيلية»‪ ،‬الذي تُرجم إلى العربية عن «دار‬ ‫شرقيات» في القاهرة بعد عشر سنوات‬ ‫‪2009‬‬ ‫نال درجة الدكتوراه وواصل عمله في جامعة‬ ‫«ميتشغان» األميركية أستاذاً للكتابة اإلبداعية‬

‫‪2011‬‬ ‫رُشحت ترجمته لمختارات من شعر أدونيس‬ ‫لجائزة «غريفين» في كندا‬ ‫مقاالت أخرى لسيد محمود‪:‬‬ ‫•بشير السباعي‪ :‬تروبادور الصمت يؤمن بالثورة‬ ‫الدائمة‬ ‫•داود عبد السيد‪ :‬مراقب متمهّل للمجتمع مهنته‬ ‫تجسيد األحالم‬ ‫•خطوات منسيّة في ميدان اللؤلؤة‬ ‫نسخة للطباعةأرسل لصديق العدد ‪ 1465‬الثالثاء‬ ‫‪ 19‬تموز ‪2011‬‬ ‫صفحة اخيرة‬ ‫‪.‬التعليقات‬ ‫تصحيح بشآن راوي‬ ‫نشره خالد المطاوع (لم يتم التحقق) يوم ثالثاء‪,‬‬ ‫‪13:47 - 2011 /07/19‬‬ ‫اشكر الزميل سيد محمود علي هذا العرض‬ ‫االيجابي لعملي‪ .‬اود فقط ان اذكر انني لم انشئ‬ ‫و انما فقط رأستها في السنوات ما بين ‪2005‬‬ ‫ال ي ‪ .2010‬راوي �‪Radius of Arab Ameri‬‬ ‫‪ )can Writers (RAWI‬تآسست عام ‪1995‬‬ ‫بريادة الباحثة و االعالمية باربرا نمري عزيز‬ ‫و رأستها الشاعرة ايتيل عدنان من ‪ 1998‬الي‬ ‫‪ .2005‬للمزيد عن راوي‪ ،‬هذا هو موقع الجمعية‪:‬‬ ‫‪/http://www.rawi.org‬‬ ‫رد على هذا التعليق‬ ‫‪.‬خالد يكتب عن الجميع‬ ‫نشره ايمان البناني (لم يتم التحقق) يوم ثالثاء‪,‬‬ ‫‪14:38 - 2011 /07/19‬‬ ‫شكري و تقديري لالستاذ خالد الذي “سرقته”‬ ‫الثورة سرقة جميلة و ليت كل الكتاب و المبدعين و‬ ‫الفنانين يتعرضون لسرقة كهذه‪ .‬اشكر كذلك كاتب‬

‫محبتي لكما‪.‬‬ ‫رد على هذا التعليق‬ ‫‪.‬نموذج يجب االحتفاء به‬ ‫نشره مجهول رءوف مسعد (لم يتم التحقق) يوم‬ ‫ثالثاء‪16:36 - 07/19/2011 ,‬‬ ‫ُ‬ ‫تعرفت بداية على خالد مطاوع حينما كان منذ‬ ‫سنوات‪ ،‬في زيارة للقاهرة مع السيدة زوجته ‪..‬كنت‬ ‫اقرا له مقاالت ودراسات في اماكن متفرقة ‪ .‬وها‬ ‫انا اعرف اآلن انه في قطر ‪..‬مجرد واحة صغيرة‬ ‫اصطناعية في قلب الصحراء العربية الملئية‬ ‫بمخاض الثورات ‪..‬وليست لندن او نيو يورك‬ ‫الضاجة بالحياة والصخب !‬ ‫وطبعا فهو كمثل كل مثقف ليبي وعربي يريد ان‬ ‫“يفعل شيئا “ للثورة الليبية وثوارها فالتحق بهذه‬ ‫القناة التي ارجو ان تكون مؤقتة واتمنى ان تصدر‬ ‫في القريب العاجل من بني غازي حتى لو لم‬ ‫يستولى الثوار على طرابلس الغرب !‬ ‫تعرفي على خالد مطاوع القصير السريع في‬ ‫القاهرة قدم لي شابا لطيفا ذكيا حاضر البديهة مثقفا‬ ‫وخبيرا في تخصصه ‪..‬لألسف لم اقرا له دواوينه‬ ‫‪ .‬لكني اتمنى ان ينتهز فرصة عمله في قناة ليبيا‬ ‫الحرة ويقدم لمستمعيه ومشاهديه الوانا من الثقافة‬ ‫الليبية المتنوعة والغنية ‪ ،‬وليس فقط الكر والفر‬ ‫الثوري ‪..‬فكالهما الثقافة والثوار يجب ان يرتبطا‬ ‫ببعضهما‬


‫ملف العدد‬

‫األغنية السياسية‬

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫‪07‬‬

‫من بالدي بالدي ‪ ..‬إلي ريس البالد ‪:‬‬ ‫رامي الكاحل مت اغتياله يوم ‪ 3_8‬ولكنه سيبقى حيا يف قلوب أهل ليبيا‬ ‫بالد‪/‬‬

‫عشت يا بالدي يا أجمل‬ ‫يا أم المبادئ‪ ،‬يا أرض الجهاد‪.‬‬ ‫األمجاد‪/‬‬ ‫صناع‬ ‫باألوالد‬ ‫عشت‬ ‫خلهن أيامك أعراس وأعياد‪.‬‬ ‫نغنى لنصل إلى أصل الحكاية‪ ،‬لنكتب سيرة‬ ‫شعب أعلن أن الموعد حان لبناء»ليبيا‬ ‫جديدة»‪.‬‬ ‫عبر ميادين نفتح ملف األغنية السياسية تلك‬ ‫التي عاصرت انتفاضة الشعب العربي على‬ ‫مر الزمن‪.‬‬ ‫هذه األغنيات هي هتاف بأعلى صوت وبنفس‬ ‫واحد»مطلبنا الحرية» وشعارها»أهي الجنة‬ ‫جت تدّن َّى»‪.‬‬ ‫بكتب اسمك يا بالدي‬ ‫ع الشمس اللي ما بتغيب‬ ‫ال مالي وال أوالدي على حبك ما في حبيب‪.‬‬ ‫•« ليبيا يا نغما ً في خاطري»‬ ‫األغنية السياسية في ليبيا لها روادها ويعد‬ ‫الفنان عبدهللا جمال الدين الميالدي من أوائل‬ ‫الذين وضعوا األساس األول للغناء الليبي‬ ‫الحديث‪،‬كان مؤمنا ً بأن الفن له كيان سياسي‬ ‫يخدم قضية الوطن‪ ،‬فعن طريق الفن واألناشيد‬ ‫استطاع أن يدفع الجماهير للنضال لطرد‬

‫الطليان من البالد من أجل نيل الحرية‪ .‬ولكن‬ ‫هذا لم يستمر طويالً الن االستعمار االيطالي‬ ‫بدأ في القبض على من يقدمون األناشيد‬ ‫الوطنية الحماسية وبسبب ذلك هاجر الفنان‬ ‫عبدهللا جمال الدين الميالدي إلى تركيا وتوفي‬ ‫هناك العام ‪ .1963‬ومن أشهر قصائده‪:‬‬ ‫حب ديني وبالدي‪ /‬هو قصدي ومرادي‪ /‬ال‬

‫تلمني يا عذولي‪ /‬فهي زادي وودادي‪.‬‬ ‫وعن االضطهاد والقسوة والحنين إلى الوطن‬ ‫يقول الشاعر أحمد رفيق المهدوي‬ ‫نساهي عقلي يخوني ويجيبه‪ /‬ويخطر علي وأنا‬ ‫في المنام سريبه‪.‬‬ ‫• سنبقى هنا‬ ‫من األغاني التي رافقت ثورة السابع عشر من‬ ‫فبراير خاصة في األيام األولى حيث كانت‬ ‫الجموع ترددها بصوت واحد رجاال ونساء‬ ‫أمام مبنى المحكمة» ساحة التحرير»‪.‬‬ ‫سوف نبقى هنا‪..‬كي يزول األلم‪ /‬سوف نحيا‬ ‫هنا‪..‬سوف يحلو النغم‪ /‬موطني موطني‪..‬‬ ‫موطني يا أنا‪ /‬رغم كيد العدا‪..‬رغم كل النقم‪/‬‬ ‫سوف نرنو إلى رفع كل الهمم‪ /‬بالمسير للعال‬ ‫ومناجاة القمم‪.‬‬ ‫• قيثارة ليبيا‬ ‫لكل ثورة أغنية ورامي شعيب الكالح أو‬ ‫قيثارة ليبيا من الشباب األوائل الذين تغنوا‬ ‫بثورتهم‪ ،‬فكانت أغنيت»ه»�‪we will not sur‬‬ ‫‪ « render we win or we die‬المتحصلة‬ ‫على المرتبة»‪ »44‬من بين أفضل مائة أغنية‬ ‫عالمية‪.‬‬ ‫رامي الكالح تم اغتياله يوم ‪ 3_8‬ولكنه سيبقى‬ ‫حيا في قلوب أهل بنغازي‬

‫إعداد خلود الفالح‬ ‫• لن نستسلم‪..‬ننتصر أو نموت‬ ‫منذ السابع عشر من فبراير ‪2011‬م ونحن‬ ‫نستمع إلى فيض من الكلمات الشعرية المغناة‬ ‫هي اليوم بمثابة الشريان المغذي لحب الوطن‬ ‫والحياة والحرية‪ .‬فهذه الكاتبة رحاب شنيب‬ ‫تقول‪ :‬شايل على كتفه سالحه‪ /‬يناضل من أجل‬ ‫بالده‪/‬بإصرار ماشي في كفاحه‪/‬نصر هللا وال‬ ‫الشهادة‪.‬‬ ‫والفنان أيمن الهوني قدم العديد من األغنيات‬ ‫نذكر منها‪:‬نحن شعب_ شكرا يا شهيد ع‬ ‫الهدية_ياهلل وحدنا‪.‬‬ ‫لن تسلبوا أيامنا‪ /‬ولن تسرقوا أحالمنا‪/‬لن‬ ‫يضيع شبابنا‪ /‬أنا هنا‪...‬نحن هنا‪.‬‬ ‫وعن ليبيا تقول كلمات الفنان تامر العلواني‪:‬يا‬ ‫بالدي‪..‬دم أوالدي‪ /‬ما يعدئ هبا‪/‬يا بالدي‪..‬دم‬ ‫أوالدي‪/‬لليبيا فدا‪.‬‬ ‫وبصوت الفنان معتز سالمة يكتب الشاعر‬ ‫توفيق قادربوه كلماته‪:‬أنا عنوان للعزة‪/‬‬ ‫صمودي الريح ما تهزه‪/‬أنا معنى الضمير‬ ‫الحي‪ /‬وروحي عليه مرتكزة‪/‬أنا عنوان للثورة‪/‬‬ ‫أنا التغيير يا زمني‪.‬‬

‫ثورة اليامسني‪ ...‬ريس البالد‬ ‫“الجنرال” هو مغني الراب التونسي الذي‬ ‫كتب وغنى”ريس البالد” التي جاءت كرد‬ ‫فعل على األوضاع الحياتية في بلده تونس‪.‬‬ ‫هاني اليوم نحكي معك‪/‬باسمي وباسم الشعب‬ ‫الكل‪/‬اللي عايش بالعام ‪/2011‬تم شكون‬ ‫يموت م الجوع‪ /‬حابب يخدم باش يعيش‪/‬لكن‬ ‫صوته مش مسموع‪/‬اهبط للشارع وشوف‪/‬‬ ‫العباد ولّت وحوش‪.‬‬ ‫عندما وصلت هذه األغنية إلى مسامع جهاز‬ ‫األمن القي القبض عليه وتم التحقيق معه‬ ‫لمدة ثالثة أيام وعلى حد قوله لم يستخدم معه‬ ‫العنف‪ ،‬وبعد أسبوع من إطالق سراحه سقط‬ ‫حكم بن علي‪ ،‬وأصبح الجنرال أو حمادة بن‬ ‫عمر صوتا قويا لثورة الياسمين وسمح بإذاعة‬ ‫أغانيه في الراديو‪.‬‬ ‫في العام ‪ 2008‬بدأ كتابة أغاني راب‬ ‫سياسية‪،‬ولم يتوقف عند وصف األوضاع في‬ ‫عهد بن علي‪ ،‬بل إنه يقوم بجوالت غنائية‬ ‫في تونس ويسجل من خالل كلمات أغانية ما‬ ‫يحدث اآلن ويقول إنه يحاول رؤية النواقص‬ ‫ليذكرها في أغاني الراب من أجل إيصالها‬ ‫إلى المسئولين‪ ،‬فالراب نظره‪ -‬أصبح في‬ ‫الوقت الحالي صوت الشعب التونسي‪.‬‬ ‫رانا عايشين كالكالب‪/‬نص الشعب عايشين‬ ‫الذل وذاقوا من كأس العذاب‪ /‬ريس‬

‫البالد‪،‬شعبك مات وبرشا عباد من الزبالة‬ ‫كألت ‪/‬هاك تشوف آش قاعد صاير في البالد‬ ‫‪/‬مآسي والناس ما لقاتش وين تبات‪ /‬هاني‬ ‫نحكي باسم الشعب‪.‬‬ ‫في استفتاء عالمي أجرته مجلة “التايم” وقناة‬ ‫“سي إن إن” األمريكيتين حول ال‪100‬‬ ‫شخصية األكثر تأثيرا في العالم لهذا العام‪.‬‬ ‫ورد اسم “الجنرال” في المرتبة”‪ ”74‬وعن‬ ‫ذلك يقول” لقد لمع اسمي في العالم ألنني‬ ‫كنت أحد شباب هذه الثورة الذين كسروا‬ ‫جدار الصمت والخوف‪ ،‬فقد غنيت في العام‬ ‫‪“ 2008‬عالش” التي تساءلت فيها عن سبب‬ ‫تخلي عدد كبير من شعبنا عن القيم اإلسالمية‬ ‫وتدهور األخالق لدى فئات معينة مرجعا ذلك‬ ‫إلى سياسة الحكومة السابقة التي كانت تعمل‬ ‫على إضعاف الواعظ الديني داخلنا وهو ما‬ ‫جعل تنبيهات صارمة تصلني من أمن الدولة‬ ‫حينها”‪.‬‬ ‫الناس اللي تعاني ونسيتهم األغاني‬ ‫عطرت ثورة الياسمين األرض التونسية‪ ،‬فبعد‬ ‫عقدين من التضييق على حرية الكلمة‪،‬منحتها‬ ‫هذه الثورة حرية التعبير عن هموم المعيشية‬ ‫لإلنسان التونسي‪.‬‬ ‫يا أهل السياسة‪/‬اليوم ثورة شعبنا‪/‬قالت كالم‬ ‫عن السياسة‪/‬قالت إن الظلم غادر‪/‬إن صوت‬ ‫الشعب هادر‪ /‬وإن رب الكون قادر‪/‬يمحق‬

‫أصحاب الكراسي وكل سياسي‪ /‬إن كان يفهم‪:‬‬ ‫خلي كرسي الحكم‪/‬واجلس مثل شعبك على‬ ‫الحصير‪.‬‬ ‫هذا المقطع من أغنية “الكراسي” للفنان‬ ‫لطفي بوشناق الذي قال”إن االلتزام الفني‬ ‫الحقيقي للمغني يجب أن يظهر في الوقت‬ ‫الذي ال يوجد فيه هامش للتعبير حتى يكون‬ ‫له معنى‪ ،‬االلتزام بالرسالة الفنية يجب أن‬ ‫نؤمن به عندما يسلط علينا سيف الرقابة ال‬ ‫بعد أن تسقط الدكتاتورية‪ .‬وأضاف لقد غنيت‬ ‫عن الوطن وأوصلت همومي ومواقفي في‬ ‫الكثير من األغاني‪ ،‬انتقدت النظام الذي كان‬ ‫سائدا بذكاء‪ ،‬فقد غنيت عن “الناس اللي تعاني‬ ‫ونسيتهم األغاني”في أغنية “هذه غناية ليهم”‬ ‫ولست أغني هنا سوى عن أهلي داخل تونس‬ ‫الذين صنعوا االحتجاجات التي قلبت النظام‬ ‫بعد سنوات من خروج أغنيتي”‪.‬‬ ‫يُجمع كثير من الفنانين التونسيين إنه وبمجرد‬ ‫القضاء على سياسة تكميم األفواه عادت‬ ‫الموسيقى الملتزمة إلى صدارة االهتمامات‬ ‫‪.‬لذلك يقول الفنان الزين الصافي”داخل كل‬ ‫واحد فينا نفسٌ تواقة ألعمال فنية راقية‬ ‫ومتكاملة من حيث الكلمة الهادفة واللحن‬ ‫الجميل والصور النابعة من الواقع الذي‬ ‫هو واقع الثورة‪ .‬واألكيد أن مستقبل الغناء‬ ‫التونسي سيكون مليئا باإلبداع بالنظر إلى ما‬

‫الجنرال‬ ‫يسود البالد من حريات”‪.‬‬ ‫أنا فهمتكم‬ ‫هذا ما تردد على لسان الرئيس السابق زين‬ ‫العابدين بن علي عشية ثورة تونس” فهمتكم”‬ ‫من هنا انطلق مغني الراب محمد علي بن‬ ‫جمعة‪.‬‬ ‫أنا فهمتكم بكل حزم‪/‬أي نعم فهمتكم‪ /‬منين‬ ‫فهمتنا‪...‬؟‪ 23/‬سنه تقول أنك كفنتنا‪ /‬تكلمنا‪..‬‬ ‫سكتنا ‪...‬‬ ‫منين فهمتنا‪...‬؟؟‪/‬تحكم مدى الحياة‪ /‬تو‪...‬‬ ‫فهمتنا‪..‬؟؟‪/‬فرقت شعوب‪/‬وحرقت قلوب‪/‬‬ ‫حبيت كرسيك‬ ‫ماصنتنا ‪..‬أنا فهمتكم‪.‬‬


‫‪08‬‬

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫ملف العدد‬

‫األغنية السياسية‬

‫أغنية الوطن ‪.....‬النغم املغيب‬ ‫عمد األعالم الليبي على استغالل الفن الغنائي وتوظيفه للتمجيد والتأليه للحاكم ملك‬ ‫الملوك ومنقذ البشرية والقائد األممي و لقد قام بهذا الدور بشكل فعال وبجدارة مطرب‬ ‫ملك الملوك»محمد حسن»وثلة أخرى من المغنين الذين تم حشدهم في كراد يس جوقة‬ ‫التعظيم والتأليه للفرد الحاكم على حساب الغناء لليبيا الوطن‪.‬‬ ‫أننا كجيل عاصر األربعين السنة الحزينة من عمرنا وعمر الوطن بجدارة فاجعة‬ ‫ومؤلمة يوما بيوم وقرار بقرار وفاجعة بفاجعة‪..‬لم نستمع يوما عبر كل تلك األربعين‬ ‫الحزينة والكئيبة والدامسة من عمرنا وعمر الوطن إلى أي أغنية ليبية تتغنى عن‬ ‫ليبيا»الوطن»‪،‬وإنما صحت طفولتنا على إيقاع األغاني الممجدة «الفارس الفرسان»‪..‬‬ ‫بالصوت الجهوري لمطرب»محرر البشرية»ومنقذها العتيد‪.‬‬ ‫واشتدت ضراوة اكتساح هذا اللون الغنائي‬ ‫التعبوي بعد عام‪.... 1977‬حين بدأت أكذوبة‬ ‫األكاذيب الكبيرة والجماهيرية المزعومة التي‬ ‫هدرت أعمار الليبيين في عقود اليباب والخراب‬ ‫الكبير في»األرض اليباب‪...‬التي عجت بصور‬ ‫األجساد المتدلية من فوق أعواد المشانق على‬ ‫إيقاع األغاني الهستيرية التي رددها الثورنجيين‬ ‫على نغمة «جماهيرية وسلطة شعبية» وموشحهم‬ ‫المتكرر‪»..‬عدل ومساواة ‪..‬الفاتح خلى الناس‬ ‫سوا»‪..‬وترسانة من األغاني الهستيرية المصاحبة‬ ‫لثورنجية الدم والقتل واإلعدامات‪...‬كل ذلك في‬ ‫عملية نفسية لزرع الخوف في نفسية أي إنسان‬ ‫يفكر مجرد تفكير في قول كلمة «ال» في وجه‬ ‫جحافل الظلم والظالم‪.‬‬ ‫كان الصمت خيار الكثيرين من الشرفاء عن‬ ‫حمى مأدبة التمجيد والتصفيق التي تدافع عليها‬ ‫االنتهازيون والوصوليون من األدباء والشعراء‬ ‫والصحافيون‪.‬‬ ‫وكان اختيار تلك األغاني مخطط ومبرمج له‬ ‫لتذاع صباحا ومساء عبر اإلذاعة والتلفزيون‬ ‫الليبي الرسمي ولم يكن هناك منفذ للهروب من‬ ‫سيل أعالم «جماهيرية الفردوس األرضي» إال‬ ‫بالتقاط ذبذبات إذاعات وتلفزيونات الدول الشقيقة‬ ‫هربا من كتائب التلفزيون الليبي المتراقص على‬ ‫إيقاع الغناء التأليهى للفرد الحاكم بأمر الشيطان‬ ‫فوق رأس ورقبة البالد والعباد سواء برضاء أو‬

‫عدم رضاء‪ ..‬وتكاثرت وتعاظمت الجوقة التأليهية‬ ‫حين أستلم قيادة األوركسترا الغنائية قادة الخيمة‬ ‫الغنائية على الكيالني وعبد هللا منصور بعد ذلك‪.‬‬ ‫لقد كانت األغنية التمجيدية للحاكم الفرد من‬ ‫ضمن األدوات المستخدمة قصدا وعن سبق‬ ‫إصرار وترصد كي تؤدى دورها في غسيل‬ ‫الدماغ لكثير من الناس واستيقظت طفولة األجيال‬ ‫طيلة األربعين عام جيل وراء جيل على صدى‬ ‫دوى تلك األغاني التي لم تنفك عن الهطول على‬ ‫الجميع وفى كل األوقات منذ الصباح المدرسي‬ ‫المتغنى بالشعارات المدوزنة على نغمة «يا قائد‬ ‫ثورتنا على دربك‪....»...‬و حتى منتصف الليل‬ ‫التلفزيوني على أالف األشعار واأللحان المدوزنة‬ ‫على نغمات «جنودك جاهزين للتحدي» و»حبيب‬ ‫الماليين» وغيرها مما عملت الذاكرة الليبية على‬ ‫حذفها تماما بـ «‪ ،»Delete‬حين دخل للبالد‬ ‫جهاز»الستااليت» الذي كان له الدور الكبير في‬ ‫أخراج المتلقي الليبي من الزاوية الضيقة للصندوق‬ ‫التلفزيوني الحكومي الليبي الذي عمل بمنهجية‬ ‫وتخطيط على بث الرعب والخوف والتهديد‬ ‫بالويل والثبور للمخالفين أو حتى لمن يجرؤ فقط‬ ‫على التفكير أو»البوح بالمخالفة أو المعارضة‪..‬‬ ‫وإنما كان على الكل أن يهزوا الرؤوس مبديين‬ ‫بهجتهم وفرحتهم العارمة حين تبث لهم أغاني‬ ‫التسبيح والتمجيد صباحا ومساء «لحبيب الماليين‬ ‫«ولمنقذ البشرية العظيم !!!!‪.‬‬ ‫وبمرور السنوات والعقود سرق األسلوب‬

‫الممنهج لتلك األغاني المؤلهة للفرد الصمد كل‬ ‫تاريخ األغنية الوطنية الليبية التي شهدت أجمل‬ ‫إبداعاتها في ستينيات القرن الماضي بأصوات‬ ‫روادها وبأسلوبها الشرقي الطربى الجميل‬ ‫الممتزج برومانسية مبدعيها وروادها األوائل‪،‬‬ ‫واختفت تماما أغنية الوطن وأسم «ليبيا» من‬ ‫مشهدية الغناء الليبي طيلة أكثر من أربعين عام‬ ‫إلى يوم ‪ 17‬فبراير أو ما قبلها بأيام حين صدحت‬ ‫أغنية راب تغنى لليبيا الوطن‪.‬‬ ‫وألن النظام كان يدرك مدى أهمية األغنية في‬ ‫تأجيج الروح الوطنية في الشباب‪...‬لذلك لم يكن‬ ‫من المستغرب أن يتم اغتيال الشهيد رامي شعيب‬ ‫الكالح الذي أطلق أغنيته التي ذكرها الرئيس‬ ‫األمريكي أوباما في إحدى خطاباته عن ليبيا والتي‬ ‫استمدت كلماتها من مقولة شيخ الشهداء عمر‬ ‫المختار «نحن النهزم ننتصر أو نمو ت»‪.‬‬ ‫ثم صدحت أغنية «سوف نبقى هنا كي يزول‬ ‫األلم» بصوت عادل ألمشيطي في ساحة التحرير‬ ‫عبر حناجر المعتصمين في األيام األولى لثورة‬ ‫‪ 17‬فبراير‪.‬‬ ‫بعد ذلك بفترة قصيرة برز مشهد الثائر»مسعود‬ ‫بويصير»عبر القنوات الفضائية وهو محتضن‬ ‫الجيتار ويصدح بأغنية اهتزت معها روح كل‬ ‫عاشق محب للوطن‪:‬‬ ‫سيبقى وطني قويا‬ ‫سيبقى وطني حرا‬ ‫سيبقى وطني عاليا‬ ‫وعانق المطربين الشعبيين أيضا ثورة الوطن‬ ‫ونالت كثير من األغنيات الشعبية رغم بساطتها‬ ‫نجاح كبير بين الناس ودخلت لقلوب الكثيرين‬ ‫ألنها كانت معنونة باسم «ليبيا»وبعضها اآلخر‬ ‫تغنى باسم المدن الليبية مثل أغنية «يا بنغازي‬ ‫فيك الخير»وأغنية «شدي العزم يا مصراته»‪،‬‬ ‫وأغنية»عاشت بنغازي والبيضاء وطرابلس‬ ‫وعاش البطنان»وغيرها من األغاني الشعبية‬ ‫التي تمازجت بمدن الوطن وبليبيا الوطن‪.‬الذي‬ ‫غاب أسمه كما غاب معناه ألكثر من أربعين عام‬ ‫في نفوس كثير من الناس‪..‬نتيجة ألسلوب ممنهج‬ ‫لتغييبه بكل السبل والطرق والوسائل حتى وصلنا‬

‫انتصار بوراوي‬

‫ذات يوم لطرح سؤال كان عنوانه «ما معنى‬ ‫الوطن؟»‪.‬‬ ‫وفى خضم واقع شرس عشناه طيلة أربعين عام‬ ‫عمل فيه النظام بشكل ممنهج على قتل الوطن في‬ ‫داخل الكثيرين من الناس وقام بكل جهده وقوته‬ ‫على طمس الوطنية وحب الوطن لذاته في داخل‬ ‫كل األجيال جيال وراء جيل بأسلوب ممنهج كان‬ ‫لألعالم ولألغاني دور كبير فيه كما قام على‬ ‫اختزال معنى الوطن في حفنة من الدوالرات‬ ‫وحياة مرفهة بأي شكل من األشكال وبأي وسيلة‬ ‫من الوسائل حتى لو كانت فوق جماجم اآلخرين‬ ‫أو بإخفائهم واختفاءهم خلف سجون ال مكان فيها‬ ‫إلشراقه الشمس أو عبر أطالق كلمة «شطارة»‪..‬‬ ‫على سارقي وناهبي المال العام وإضفاء‬ ‫المشروعية والقيمة لهم فيما هم ال يساوون حتى‬ ‫ثمن الحذاء الذي يلبسونه‪.‬‬ ‫لذا كان يجب أن يأتي يوم ‪ 17‬فبراير كي يعود‬ ‫الوطن الغائب الذي عشنا يتامى فيه ألكثر من‬ ‫أربعين عاما‪.‬‬ ‫كان يجب أن يأتي هذا اليوم كي يعود الوطن‬ ‫ومعه كل األناشيد التي كانت غائبة عن مشهديه‬ ‫الغناء الليبي ألكثر من أربعين عام وكان يجب أن‬ ‫يأتي أيضا ً ليعود الوطن ألهله الحقيقيين‪ ،‬وتعود‬ ‫معه كل األغاني واألهازيج لليبيا الوطن فقط‪..‬‬ ‫والشيء غير ليبيا الوطن‪.‬‬

‫األغنية الوطنية يف املغرب‬ ‫مسار فن يتطلع للمصاحلة مع رموز بلده‬

‫محمد سعيد الريحاني‬

‫أخرى على أن يلي فترة االستقالل والتحرر فترة‬ ‫فنية جديدة‪،‬فترة «األغنية الوطنية» التي تستبدل‬ ‫«مجموعة اإلنشاد» ب»المغني المنفرد»‪.‬‬

‫مغني «منفرد» مع ميل صريح إلى «الطربية»‬ ‫وترخيص مسبق بإمكانية الخروج عن النص‬ ‫الغنائي وهي خاصية غير متوفرة في النشيد الذي‬ ‫يجتمع فيه «ج ْمع» من المنشدين ال يسمح لهم‬ ‫باالرتجال عند األداء‪.‬‬

‫أحوال البالد والعباد بحيث يعتقد «رجل الشارع»‬ ‫بأن الوطن أهمله وأن من الواجب رد خيار اإلهمال‬ ‫باإلهمال‪.‬‬

‫«المجموعة» لنص النشيد والتزامها بعدم الخروج‬ ‫عنه أهم الخاصيات التي تميز «النشيد الوطني»‬ ‫عن»األغنية الوطنية»‪.‬‬ ‫فـ «األغنية الوطنية» تتميز بكونها تؤدى بصوت‬

‫حالتين‪ :‬حالة «االستعمار» والتوق للتحرر»=حالة‬ ‫فلسطين المحتلة»وحالة «الخطر الخارجي»رغم‬ ‫ثبوتية االستقالل والسيادة الوطنية «=حالة لبنان»‪.‬‬ ‫ولكنها تضمر مع هيمنة الفساد واالستبداد وإهمال‬

‫المتغنى به عن باقي المضامين الغنائية بينما تبقى‬ ‫«األغنية المغربية» صيغة لفرز»الشكل الموسيقي»‬ ‫ال ُمش ّغل وتمييز»األدوات الموسيقية» المستعملة‬ ‫عن باقي األشكال الغنائية واألدوات الموسيقية‬

‫«النشيد الوطني»هو نشيد رسمي حماسي‬ ‫يفترض فيه أن يُ ْلهب حب الوطن في‬ ‫ما بين «األغنية الوطنية» و»األغنية المغربية»‬ ‫أفئدة المواطنين عند إلقائه أو سماعه‪ .‬فصل المقال في ما بين «النشيد الوطني»‬ ‫بادئ ذي بدء‪ ،‬ال مناص من التمييز بين «نوعين»‬ ‫وتعتمده دول العالم قاطبة ليرمز لوجودها و»األغنية الوطنية» من اتصال‬ ‫وحضورها في الخارج كما تعول عليه يتميز «النشيد الوطني» بكونه يؤدى من خالل فترات صعود «األغنية الوطنية» وفترات ضمورها من األغنية السائدة في المغرب الراهن وهما نوعان‬ ‫كورال جماعي مع ميل واضح للتحريض وإلهاب ترتبط «األغنية الوطنية» ارتباطا عضويا بنبض يتقاطعان على مستوى التلفظ ويفترقان على مستوى‬ ‫ليجمع شمل المواطنين ويؤلف بينهم في الحماسة وحضور تماس ال تخطئه األذن الموسيقية الوطن في أي بلد من بلدان العالم عبر كل مراحل التوظيف‪»:‬األغنية الوطنية» و»األغنية المغربية»‪.‬‬ ‫الداخل‪.‬‬ ‫مع هيمنة اإليقاع العسكري فيما يبقى انضباط التاريخ‪ .‬ولذلك ف»األغنية الوطنية» تزدهر مع «األغنية الوطنية»هي صيغة لتمييز»المضمون»‬ ‫اختيار»النشيد الوطني» يكون عادة فرزا لنشيد‬ ‫واحد من بين العديد من األناشيد الوطنية الزاخرة‬ ‫بالحماسة وحب الوطن ويتحقق ذلك عادة مع‬ ‫استقالل البلدان وتحررها أو انفصالها عن دول‬


‫ملف العدد‬

‫األغنية السياسية‬

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫‪09‬‬

‫ظهرت جمموعة ناس الغيوان كرد فعل‬ ‫مزدوج يتقصد أوال إعادة االعتبار لألغنية‬ ‫الشعبية مبقاماتها وأغراضها وأدواتها‬ ‫املوسيقية‪ .‬وثانيا مقاومة املد اخلانق‬ ‫هليمنة األغنية التجارية‪.‬‬ ‫المتداولة‪ .‬ولذلك كانت «األغنية الوطنية» موجهة‬ ‫ضد االستعمار بينما وجهت «األغنية المغربية»‬ ‫ضد هيمنة التصور الفني المشرقي على الفنون‬ ‫المغربية‪.‬‬ ‫فبينما طفحت «األغنية الوطنية» للسطح ألول‬ ‫مرة قبيل ومع بداية االستقالل في الخمسينيات مع‬ ‫الموسيقار أحمد البيضاوي ورفاقه ثم عادت بقوة‬ ‫عند منتصف السبعينيات من القرن الماضي مع‬ ‫«المسيرة الخضراء» والجيل الثاني من الملحنين‬ ‫ومبدعي األغنية في المغرب‪ ،‬ركز دعاة االهتمام‬ ‫بـ»األغنية المغربية» على «الشكل الموسيقي»‬ ‫المغربي الخالص و»األدوات الموسيقية» المغربية‬ ‫الصرفة وهو ما ولد تيارين‪:‬التيار األول هو‬ ‫تيار»األغنية المغربية العصرية» ومن مبدعيه‬ ‫عبد القادر الراشدي ومحمد فويتح وإبراهيم‬ ‫العلمي وآخرون‪ ،‬أما التيار الثاني فهو تيار‬ ‫«أغنية المجموعة الشعبية» ومن أعالمها ناس‬ ‫الغيوان وجيل جياللة وإزنزارن والمشاهب وتاكدة‬ ‫وغيرهم‪.‬‬ ‫التعارض غير المسموح به فعليا بين «األغنية‬ ‫الوطنية» و»األغنية القومية»‬ ‫القومية‪،‬في السياق العربي‪،‬هي الشعور باالنتماء‬ ‫لـ»الوطن العربي»أجمع‪ .‬وعليه‪ ،‬تصبح «األغنية‬ ‫القومية» هي الغناء لمستقبل الوطن العربي‬ ‫ووحدته ورقيه وتطوره‪ ،‬في حين تركز «األغنية‬ ‫الوطنية»على مجال أضيق داخل قطر واحد من‬ ‫أقطار العالم العربي اإلثنين والعشرين‪.‬‬ ‫ولقد حاولت مجموعة «المشاعل» المغربية‪ ،‬التي‬ ‫صار اسمها فيما بعد «ألوان»‪،‬أن تختط لنفسها‬ ‫طريقا جديدا‪ ،‬طريق «األغنية القومية»‪ ،‬ولكنها‬ ‫تعرضت لإلقصاء الذي لم يعرفه مجايلوها من‬ ‫مجموعات «األغنية المغربية» الشعبية‪.‬‬ ‫مراحل نمو «األغنية الوطنية» في «المغرب‬ ‫المستقل»‬ ‫عرفت «األغنية الوطنية» مسارا تصاعديا يوثقه‬ ‫ريبرتوار األغنية في المغرب‪ .‬فمع انتفاضة‬ ‫‪ 1953‬واستقالل المغرب عن المحتلين‪ ،‬الفرنسي‬ ‫واالسباني‪ ،‬تناوب المطربون المغاربة على أداء‬ ‫«األغنية الوطنية» لكن جلّهم كان يلخص الوطن‬ ‫في التغني بـ»الملك» مع الحرص على «عدم‬ ‫ذكر اسمه» خوفا من اإلدارة االستعمارية‪ .‬فقد‬ ‫كان اسم الملك يستبدل عادة بـ «سيدي» في أغنية‬ ‫«أومالولو» لمحمد افويتح أو»صاحب الصولة‬ ‫والصولجان» في أغنية أحمد البيضاوي التي تحمل‬ ‫ذات العنوان‪ .‬ولم يدخل اسم الملك إلى»األغنية‬ ‫الوطنية « دخوال صريحا إال بعد عام ‪.1961‬‬ ‫أما في أواسط السبعينيات من القرن الماضي‪،‬‬ ‫مع «المسيرة الخضراء»‪ ،‬فقد عادت «األغنية‬ ‫الوطنية» بقوة رابطة اسم «الصحراء المغربية»‬

‫باسم الملك الحسن الثاني‪.‬‬ ‫لكن «األغنية الوطنية» بدأت تعرف تدهورا‬ ‫واضحا في الثمانينيات من القرن العشرين‬ ‫وبالخصوص بعد ضم وزارة اإلعالم لوزارة‬ ‫الداخلية عام ‪ 1986‬بحيث صارت «األغنية‬ ‫الوطنية» رمزا لـ «التكسب» و»االسترزاق»‬ ‫يحترفها مغنيات ومغنون ال يرقون حتى إلى صف‬ ‫«المطربين االستعراضيين» الذي يحالون على هذا‬ ‫الطريق لضعف إمكاناتهم الصوتية والفنية‪ .‬ومع‬ ‫ذلك فقد كانت التلفزة المغربية تقدمهم للجماهير‬ ‫كـ»مطربين» و»مطربات» في»المناسبات‬ ‫الوطنية»التي كان يصل مدة بعضها أحيانا «شهرا‬ ‫كامال» مع ما يمرر خاللها من أصوات رديئة‬ ‫«تتوسل» بـ»المناسبات الوطنية» لتسرق بطاقة‬ ‫الدخول إلى عالم الفن‪.‬‬ ‫وقد ساهمت ثقافة «التكسب» و»االسترزاق»بشكل‬ ‫كبير في تغيير صورة «األغنية الوطنية» في‬ ‫وجدان متلقي األغنية المغربية عموما ولكنها لم‬ ‫تكن السبب األوحد وراء ضمور»األغنية الوطنية»‬ ‫في المغرب‪ .‬فقد كان ثمة سبب آخر‪:‬تحجيم زعماء‬ ‫الحركة الوطنية وتقزيم حضورهم في «األغنية‬ ‫الوطنية»‪.‬‬ ‫تحجيم زعماء الحركة الوطنية وتقزيم حضورهم‬ ‫في «األغنية الوطنية»‬ ‫«األغنية الوطنية» بأشكالها المتداولة كرست‬ ‫«نفي»رموز النضال المغربي ضد ال ُمعمريْن‪،‬‬ ‫الفرنسي واإلسباني‪ ،‬لدرجة ال يمكن معها سماع‬ ‫«أغنية وطنية» واحدة تتغنى بـ»اسم مغربي‬ ‫واحد»من األسماء التي صنعت تاريخ المغرب قبل‬ ‫االستقالل‪ .‬فال عبد الكريم الخطابي وال عبد الخالق‬ ‫الطريس والعالل الفاسي وال المهدي بنبركة وال‬ ‫أي أحد‪.‬‬ ‫وألن األمر ال يُ ْقبَ ُل السكوت عليه‪ ،‬فقد قطع‬ ‫المطرب سعيد المغربي على نفسه وعدا بسلوك‬ ‫هذا الطريق المغاير في «األغنية الوطنية» من‬ ‫خالل أدائه ألغان رائعة كـ «ملحمة عبد الكريم‬ ‫وأغان أخرى عن شهداء الوطن‬ ‫الخطابي»‬ ‫ِ‬ ‫والحرية والنضال من أجل الديمقراطية ومن‬ ‫ضمنهم محمد الزقطوني و عمر دهكون وعمر بن‬ ‫جلون ومحمد كرينة وجبيهة رحال وعبد اللطيف‬ ‫زروال والمهدي بن بركة وسعيدة لمنبهي‪.‬‬ ‫كـ»أغان‬ ‫على سبيل الختم‪ :‬أغاني «الراب»‬ ‫ِ‬ ‫وطنية» في مغرب األلفية الجديدة‬ ‫اليوم‪ ،‬وفي ظل النفور الجماهيري العام الذي راكمته‬ ‫سياسات فنية أثبتت فشلها على مدى سنين تدبيرها‬ ‫للشأن الفني في مغرب االستقالل‪ ،‬يتم االلتفات إلى‬ ‫موسيقى الشباب‪ ،‬موسيقى»الراب»‪ ،‬للنهوض مرة‬ ‫أخرى بـ»األغنية الوطنية»‪ .‬وهو»خيار غريب»‬ ‫ينم عن»قرارات غير مفهومة»‪ .‬فـ»الراب» هو‬ ‫موسيقى»التمرد» و»الغضب» و»االحتجاج»‪..‬‬

‫فكيف يمكن لنوع موسيقي تثقل كاهله هذه‬ ‫يكون»أغان‬ ‫الحموالت الرمزية «الغاضبة»أن‬ ‫ِ‬ ‫وطنية»لوطن تكفيه‪ ،‬بكل بساطة‪،‬المصالحة مع‬ ‫رموزه وصانعي أمجاده واالنفتاح على مكونات‬ ‫وطنيته؟!‬ ‫ناس الغيوان‬ ‫المجموعة الغنائية الوحيدة في العالم المفتوحة‬ ‫على الزمن‬ ‫ظهرت مجموعة ناس الغيوان كرد فعل مزدوج‬ ‫يتقصد أوال إعادة االعتبار لألغنية الشعبية‬ ‫بمقاماتها وأغراضها وأدواتها الموسيقية‪ .‬وثانيا‬ ‫مقاومة المد الخانق لهيمنة األغنية التجارية‬ ‫واإليقاعات الجغرافية في الفن العربي عموما‪.‬‬ ‫وقد استطاعت المجموعة أن تؤسس لنفسها مكانة‬ ‫متميزة ليست فقط على الصعيد العربي بل على‬ ‫الصعيد اإلنساني‪ .‬وهي المكانة التي لم تتحقق‬ ‫باإليقاع والكلمة بل بالفلسفة الغنائية التي يفتقر إليها‬ ‫التقليد الغنائي في الثقافة العربية‪ .‬فمجموعة ناس‬ ‫الغيوان تبقى هي المجموعة الغنائية الوحيدة في‬ ‫التاريخ اإلنساني التي بقيت أشرعتها مفتوحة على‬ ‫الزمن‪ ،‬فقد تفرقت مجموعة البينك فلويد البريطانية‬ ‫« « ‪The Pink Floyd‬‬ ‫مرارا بسبب الخالفات الداخلية بين األعضاء التي‬ ‫بدأت في الستينيات بإبعاد المؤسس » �‪Syd Bar‬‬ ‫‪ ،»rett‬واستبداله بعازف القيتارة ديفيد غيلمر»‬ ‫‪ »David Gilmour‬ثم تبعه االستغناء في‬ ‫الثمانينيات عن المؤسس الثاني رودجر ووترز»»‬ ‫‪ Roger Waters‬ثم كان إعالن «حل» المجموعة‬ ‫نهائيا عام ‪.2005‬‬ ‫وبالمثل‪ ،‬اعتزلت فرقة األبواب األمريكية‬ ‫األسطورية الغناء «‪ »THE DOORS‬بعد‬ ‫انتحار قائدها ومنظرها «جيم موريسون» في‬ ‫الثالث من يوليو العام ‪ ،1971‬في حداد أبدي على‬ ‫موت صديق ال يشبه األصدقاء‪.‬‬ ‫كما تشتت مجموعة الخنافس» ‪»The Beatles‬‬ ‫البريطانية بعد وفاة المنتج براين إبشتاين» العام‬ ‫‪ .1967‬هذا الرجل الذي سهر منذ بداية المجموعة‬ ‫على إصالح ذات البين بين أعضاءها والحفاظ‬ ‫عليها‪ .‬لكن االنفصال النهائي كان بعد صدور‬ ‫األلبوم األخير» ‪ »Let It Be‬العام ‪.1970‬‬ ‫وفي السنة التي تليها اندفع كل عضو لالستفادة‬ ‫الفردية من اسم الخنافس ونجاح الخنافس وشعبية‬ ‫الخنافس‪.‬‬ ‫أما مجموعة الصخور المتدحرجة « �‪The Rol‬‬ ‫‪»lin› Stones‬فقد اتخذت نهجا مختلفا اتجاه قبول‬ ‫عضوية أفراد جدد إذ حافظت على أعضائها الستة‬ ‫منذ ‪ 1963‬ولم تسمح بدخول أي قادم جديد‪ ،‬فقد بقي‬ ‫األعضاء المؤسسون في بداية الستينيات من القرن‬ ‫الماضي هم أنفسهم أعضاء الفرقة في العشرية‬ ‫األولى من القرن الواحد والعشرين المغني ميك‬ ‫دجاغر» ‪»Mick Jagger‬و وكيث ريتشارلز»‬

‫‪ »KeithRichards‬و وعازفا القيثارة براين‬ ‫دجونس» ‪»Brian Jones‬وعازف الباص بيل‬ ‫ويمن» ‪ »Bill Wyman‬و وعازف البيانو آين‬ ‫ستيوورت» ‪ »Ian Stewart‬وضابط اإليقاع‬ ‫تشارلي ووتس» ‪.»Charlie Watts‬‬ ‫أعضاء مجموعة الصخور المتدحرجة اآلن في‬ ‫سن الستين لكنهم مازالوا أوفياء لبعضهم البعض‬ ‫ولنصوصهم وإيقاعهم وفلسفتهم في العزف‬ ‫والغناء التي عُرفوا بها في بداية الستينيات من‬ ‫القرن الماضي عندما كانوا في سن العشرين من‬ ‫العمر‪.‬‬ ‫لم تشبه مجموعة ناس الغيوان » �‪Pop Mu‬‬ ‫‪ »sic‬المغربية مسارات الفرق الغنائية السالفة‬ ‫الذكر رغم تقاطعها معها في فلسفتها الغنائية‪ ،‬فقد‬ ‫واصلت مشوارها بعد موت قائدها األول بوجميع‬ ‫العام ‪،1974‬ورغم المنفى (بعد ألبومها «مهمومة»‬ ‫أوائل الثمانينيات) ورحيل ربانها الثاني العربي‬ ‫باطمة العام ‪.1997‬‬ ‫«ناس الغيوان» تأسست العام ‪ 1970‬بأربعة‬ ‫أعضاء هم بوجميع والعربي باطمة وعمر السيد‬ ‫وعالل يعلى‪ .‬لكنها فتحت ذراعيها سنة ‪1971‬‬ ‫لعضوين آخرين هما عازف الكنبري موالي عبد‬ ‫العزيز الطاهري وعازف العود محمود السعدي‬ ‫اللذان غادرا المجموعة‪ ،‬بعد وفاة بوجميع‪ ،‬لقادم‬ ‫جديد هو المعلم الكناوي عازف الكنبري المعروف‬ ‫عبد الرحمان باكو العام ‪ 1974‬الذي سيغادر‬ ‫المجموعة بدوره العام ‪ 1993‬ليحل محله عازف‬ ‫الكنبري الشاب رضوان عريف إلى حدود العام‬ ‫‪ 2000‬وهو العام الذي عرف دخول أخوي‬ ‫الراحل العربي باطمة إلى المجموعة وهما ضابط‬ ‫اإليقاع رشيد باطمة وعازف الكنبري حميد باطمة‬ ‫وال زال الباب مشرعا في وجه الزمن ما دامت‬ ‫«ناس الغيوان» فلسفة في الغناء وليست ضيعة‬ ‫موسيقية في أيدي أربابها‪ ...‬فاسمها يعني «أهل‬ ‫الغناء وعشاق السلم» على حد قول أحد روادها‪،‬‬ ‫عمر السيد‪ .‬أي أن المجموعة هي «إطار فني‬ ‫مفتوح في وجه كل عشاق الغناء والسلم»‪.‬‬ ‫ولعل الضامن األهم للفلسفة «الغيوانية» النبيلة‬ ‫هو «التعددية» التي تميز هذه المجموعة الغنائية‬ ‫عن نظيراتها من مجايليها داخليا وخارجيا‪ .‬فقد‬ ‫كانت «ناس الغيوان» جسرا تعبر من خالله‬ ‫مفاهيم التعددية واالختالف إلى الجمهور‪.‬‬ ‫فباإلضافة إلى «التعددية اإليقاعية» التي نهجتها‬ ‫المجموعة بحثا عن تعبير أصدق يوحد الشكل‬ ‫بالمضمون‪ ،‬و»التعددية الغرضية» التي جمعت‬ ‫بين الرثاء والوصف والحكم والغزل والتصوف‬ ‫ومدح النبي‪ ...‬فثمة «تعددية وجودية» غدت هذه‬ ‫الفلسفة الغيوانية ورعتها‪ ،‬ولم تكن في األصل‬ ‫غير»التعددية اإلثنية» ألفراد المجموعة‪ .‬فقد كان‬ ‫بوجميع صحراويا‪ ،‬وعالل يعلى وعمر السيد‬ ‫أمازيغيان‪ ،‬وعبد الرحمان باكو صويريا‪.‬‬


‫‪10‬‬

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫ملف العدد‬

‫األغنية السياسية‬

‫األغنيات والسجن والسفر‬ ‫وصلنا إلى نيويورك في الرابع‬ ‫عشر من شهر تموز بعد يومين‬ ‫في روما‪ ،‬وفي يد كل منا‬ ‫تذاكر ال أظن أن أحدًا حمل ذات‬ ‫يوم هذا العدد منها‪ .‬كانت أشبه ما‬ ‫تكون بمجلد ضخم‬ ‫كل شيء أُع َّد تماما في تلك الرحلة‬ ‫التي تم تنظيمها لدعم االنتفاضة‬ ‫الفلسطينية األولى‪ ،‬من قبل‬ ‫مجموعة الشباب النشطاء هناك‪.‬‬ ‫كانت «فرقة بلدنا» قد غدت واحدة من‬ ‫ْ‬ ‫وباتت تجربتي معها‬ ‫أه ِّم الفرق الوطنية‪،‬‬ ‫واحدة من أهم تجارب الشعر مع األغنية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أدركت أهمية هذا الغناء حينما سمعتُهم‬ ‫وقد‬ ‫يقدمون أغنية هي األولى من أشعاري‪.‬‬ ‫علِّمونا كيف نصنع‬ ‫من ظالم الليل شعلةْ‬ ‫علمونا كيف نجني‬ ‫من جراح القلب فـُلّة‬ ‫علمونا كيف يغدو قلبنا لألرض أزهارا‬ ‫وفوق الجرح قُ ْبلة‬ ‫ُ‬ ‫كانت واحدة من القصائد التي كتبتها حين‬ ‫كنت في السعودية‪ ،‬وفي نهاية السبعينيات‬ ‫اكتشف «وضّاح َزقَطان» ذات ليلة‬ ‫مصادفة أن القطعة الموسيقية التي ألفها‬ ‫منذ زمن طويل وتعزفها الفرقة بين حين‬ ‫وآخر هي اللحن المثالي لهذه القصيدة‪.‬‬ ‫بهذه الطريقة العجيبة وجدت « علِّمونا»‬ ‫القصيدة جسدها في اللحن منذ تلك اللحظة‬ ‫نشيد الفرقة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫استمعت لألغنية‬ ‫في مخيم الوحدات‪،‬‬ ‫مع مئات الناس‪ ،‬وفور انتهاء الفرقة من‬ ‫غنائها طالب الجمهور بإعادتها ثانية‬ ‫وسط حماس ال مثيل له ولعل أبناء أولئك‬ ‫الشباب الصغار الذين كانوا يستمعون لها‬ ‫في تلك األمسية‪ ،‬كانوا هم من يرددونها‪،‬‬ ‫قبل شهور‪ ،‬بعد ستة وعشرين عاما‬ ‫بالحماس نفسه ويرقصون على أنغامها‬ ‫والفرقة تختتم أمسية غنائية مشتركة أقمتها‬ ‫وإياها في ذكرى استشهاد فنان الكاريكاتير‬ ‫الفلسطيني ناجي العلي‪.‬‬ ‫في أمسية أخرى مشتركة ال تقل تأثيرا‪ ،‬في‬ ‫الثمانينات‪ ،‬أقيمت في مخيم البقعة لالجئين‬ ‫الفلسطينيين‪،‬وبسبب حركة تهدف لوقف‬ ‫األمسية‪ ،‬كما تبين الحقاً‪،‬تم قطع التيار‬ ‫الكهربائي عن القاعة‪،‬فأطبقت العتمة على‬ ‫الجميع‪،‬لكن األمسية ما لبثت أن استمرت‬ ‫بصورة عبقرية حين وقف ذلك الشخص‬ ‫الذي ال نعرفه من بين الحضور‪ ،‬ولن‬

‫ذكرياتي مع فرقة بلدنا‬

‫إبراهيم نصر هللا‬ ‫وسألته عن الكيفية التي يعرف بها أخبار‬ ‫الخارج‪ ،‬قال الصحف‪ ،‬وأيُّ الصحف تلك‬ ‫التي يُسمح بها؟ عدد لي أسماءها‪.‬‬ ‫وعندها لمعت تلك الفكرة البسيطة‪،‬‬ ‫سأنشرها في الصحيفة‪ ،‬وأنتَ تلحِّ نها هنا‪،‬‬ ‫ويأتي»نعمان» شقيق «كمال» ويحفظ‬ ‫اللحن خالل الزيارة‪ ،‬تتدرب الفرقة عليها‬ ‫و تُغنّيها‪ ،‬ورغم انه لم يكن قد سبق لي‬ ‫ُ‬ ‫نشرت أغنيات بالعامية في الصحف‬ ‫أن‬ ‫أبدا‪،‬إال أنني تجاوزت األمر‬ ‫الوطن من لون الناس‬ ‫الح ّراس‬ ‫والسجن لون ُ‬ ‫كتبتها‪ ،‬نشرتها‪ ،‬لحنها كمال‪ ،‬حفظ نعمان‬ ‫اللحن يوم الزيارة‪ ،‬وغنتها الفرقة فيما بعد‪.‬‬

‫نعرفه فيما بعد‪ ،‬وأضاء والعته وراح‬ ‫يُغني وحده وسط الصمت‪.‬‬ ‫علِّمونا كيف نصنع‬ ‫من ظالم الليل شعلة‬ ‫علمونا كيف نجني‬ ‫من جراح القلب فُلة‪.‬‬ ‫‪...‬‬ ‫فإذا بكل من في القاعة يُنشدون معه‪ ،‬وإذا‬ ‫بالضوء يعود ساطعا ً وبهيا كما لم أره من‬ ‫قبل وقد أشعل كل من يستطيع والعة أو‬ ‫عود ثقاب‪.‬إنه واحد من المشاهد الجليلة‬ ‫حقاً‪ ،‬المشاهد التي يح ٌ‬ ‫ق للمرء أن يقول‬ ‫بزهو إنني عشتها‪.‬‬ ‫باتت الفرقة في الثمانينات مرتبطة بي كما‬ ‫أنا مرتبط بها‪ ،‬وقد كان حصاد ذلك أكثر‬ ‫من خمس وأربعين أغنية كتبتُها خصيصا ً‬ ‫لها أو اخترتها من قصائدي المنشورة‪،‬‬ ‫وباتت أغنياتنا معروفة ومنتشرة إلى‬ ‫ذلك الحد الذي سمعت فيه أمي وأخواتي‬ ‫يرددنَ أغنيات!! كتبتُها أنا‪ ،‬في عرس‬ ‫كتب تلك‬ ‫أخ لي‪ ،‬دون أن يعرفن أنني من َ‬ ‫األغنيات‪.‬‬ ‫هذه األغنيات التي تحولت إلى جزء صميم‬ ‫من تراث شعبي قد ال يخطر ببال المرء أن‬ ‫يسأل عن اسم كاتبه‪.‬‬ ‫ورغم أن الفرقة لم تحظ بأ ّ‬ ‫ي ظهور‬ ‫تلفزيوني أو إذاعي‪ ،‬أو حتى فرصة‬ ‫تسجيل أغنياتها في أستوديو إال في‬ ‫التسعينات‪ ،‬وفي ظل ظروف مالية صعبة‬

‫للغاية‪ ،‬إال أن ذلك لم ‪ ،‬إال أن ذلك يحُلْ‬ ‫دون وصولها للناس‪.‬‬ ‫لكن مشكلة الفرقة التي لم يدركها أحد‬ ‫هي أن أعضاءها بشر ولهم الحق في‬ ‫الحياة‪ ،‬وأن لهم وألوالدهم حاجات يومية‪.‬‬ ‫ولذا حين فكرت الفرقة بأن تكون هنالك‬ ‫تذاكر رمزية لحضور حفالتها‪ ،‬تعامل‬ ‫كثيرون معها وكأنها تريد أن تجمع ثروة‬ ‫من «أغنيات الثورة»‪ ،‬في الوقت الذي‬ ‫كان يدفع أي شخص من هؤالء لسيارة‬ ‫التاكسي التي تقله للقاعة ما يفوق سعر‬ ‫التذكرة‪ .‬رحلة أمريكا كانت بمثابة أول‬ ‫اعتراف كبير بدور الفرقة التي لم تنل‬ ‫في أي يوم قرشا ً واحداً عما قدمته‪ ،‬وفي‬ ‫أفضل الحاالت كان يتم تامين مبلغ كاف أو‬ ‫نصف كاف الستئجار تجهيزات الصوت‪،‬‬ ‫وما ينطبق عليها كان ينطبق على كاتب‬ ‫األغنيات أيضا ً إذ لم يحدث أن نال فلسا‬ ‫واحد مقابل أغنياته التي كتبها‪ ،‬بل إنه‬ ‫اشترى نسخة من شريط التسجيل األول‬ ‫الذي يضم سبعا ً من قصائده وأغنياته‪،‬‬ ‫وهي كل أغاني الشريط‪ ،‬كما اشترى‬ ‫أي شخص هذا الشريط‪ ،‬في محاولة لكي‬ ‫نقول للجميع» هكذا سندعم الفرقة»‪ .‬إال‬ ‫أن األمور راحت تسوء أكثر فأكثر‪ ،‬وفي‬ ‫الوقت الذي تم فيه زج كمال خليل»رئيس‬ ‫الفرقة و ُملحنها ومغنيها» في السجن ‪،‬‬ ‫ي أن أبتكر طريقة جديدة إليصال‬ ‫كان عل َّ‬ ‫األغنيات إليه رغم الحراسات المشددة التي‬ ‫تمنع وصول أي ورقة‪ ،‬زرته في السجن‬

‫إنها الرحلة األطول!!‬ ‫حيث تنقَّلنا من نيويورك إلى سان‬ ‫فرانسيسكو ومن ديترويت حتى تامبا‬ ‫على خليج المكسيك‪ ،،‬مرورا بواشنطن‪،‬‬ ‫بوسطن‪ ،‬لوس أنجلوس‪ ،‬شيكاغو‪،‬‬ ‫داالس‪،‬سكرمنتو‪ ،‬الس فيجاس وحين‬ ‫وصلنا إلى» أورنج كاونتي» سمعنا ذلك‬ ‫الخبر الزلزال» دخول الجيش العراقي‬ ‫للكويت» األسابيع التالية كانت مشهداً‬ ‫واسعا لرؤية نُذر الحرب على العراق‬ ‫واستعدادات أمريكا للتدخل‪ ،‬وحينما‬ ‫وصلنا ع ّمان عائدين‪ ،‬كانت طالئع القوات‬ ‫األمريكية قد سبقتنا للمنطقة‪ .‬لكن ذلك‬ ‫لم يقلل من أثر الرحلة وال من االنطباع‬ ‫الذي تركته لدينا جميعا والمت ِّمثل في أننا‬ ‫قادرون على أن نعطي وأن نُحْ ِد َ‬ ‫ث فَرْ ً‬ ‫ق‪،‬‬ ‫فقد وصلت حصيلة الجولة كما علمت فيما‬ ‫بعد إلى حوالي مليون ونصف المليون‬ ‫دوالر لصالح االنتفاضة‪ ،‬تبرعات وأثمان‬ ‫تذاكر‪ ،‬وقد كان منظمو الرحلة رائعين‬ ‫بحيث تذكروا أننا جميعا تركنا أسرنا‬ ‫وراءنا وأن كال منا جاء في إجازة غير‬ ‫مدفوعة الراتب‪،‬فسألونا عن رواتبنا التي‬ ‫نتقاضاها ودفعوا لنا المبلغ نفسه‪.‬‬ ‫في أمريكا أقيمت أمسيات نادرة‪ ،‬ففي‬ ‫واشنطن كان عدد الحضور في القاعة‬ ‫الكبرى لذلك الفندق أكثر من ألفين‬ ‫وخمسمائة شخص‪ ،‬كثيرون ال يعرفون‬ ‫العربية أبدا‪ ،‬لكنهم رقصوا على أنغام‬ ‫الفرقة واستمعوا بإصغاء عميق للقصائد ‪،‬‬ ‫وكثير منهم جاؤوا يعانقوننا بعد األمسية‬ ‫دون أن يفهموا أي كلمة‪.‬‬


‫ملف العدد‬

‫األغنية السياسية‬

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫‪11‬‬

‫الغ ّناوة املقا ِومة‬ ‫السلطة‬ ‫النص املخت َزل الذي ُيرعب ُ‬ ‫(فصل من مخطوط كتاب (القذاذير) للكاتب أحمد يوسف عقيلة)‬

‫األغنام تُش ِّكل نوعا ً من ا ْلمجتمع‬ ‫ا ْل ُموازي‪ ..‬حتَّى إنَّها تأخذ أسما ًء‬ ‫ُم َعيَّنة تُنادَى بها‪ ..‬وتُع َرف حتَّى‬ ‫الجيل الرابع‪ ..‬وربّما أكثر‪ ..‬لهذا‬ ‫ُو ِّ‬ ‫ظفت في األدب الشعبي في الرمز‬ ‫سلطة‪ ..‬فاألغنام (الرعيّة)‬ ‫لنقد ال ُ‬ ‫ترمز للشعب‪ ..‬ولهذا مرجعية‬ ‫دينية من خالل تسمية (الراعي‬ ‫والرعية)‪ ..‬والراعي هو الحاكم‪..‬‬ ‫وإذا كان الحاكم ظالما ً تحول من‬ ‫رمز (الراعي) إلى رمز (الذيب)‪..‬‬ ‫الص ْوف ُمحملة‬ ‫وغنّاوة َج ّز‬ ‫ُّ‬ ‫بالرمز‪ ..‬فظاهرها على األغنام‪..‬‬ ‫وباطنها غنّاوة َعلَم‪ ..‬أوما يُمكن‬ ‫س ُكوت عنه‪ ..‬وهو‬ ‫تسميته بال َم ْ‬ ‫ال َمقصود‪ ..‬وهذا نوع من التَّ ْو ِريَة‪..‬‬ ‫وهذه التورية هي التي منحتها‬ ‫ومضتها الشعرية‪ ..‬حيث أمكنَ من‬ ‫خاللها تهريب الكثير من المكابيت‪..‬‬ ‫وما يهمنا هنا هو الرمز السياسي‬ ‫سلطة‪.‬‬ ‫في نقد ال ُ‬ ‫للتدليل على أهمية الغنّاوة ـ هذا النص المختزل‬ ‫الذي يرعب السُلطة ـ فقد دفع الشاعر محمود‬ ‫بوشعيب الشهير بلقب (البولندي) حياته ثمنا ً‬ ‫لسبع كلمات فقط‪:‬‬ ‫َس ْمسارة ه َِويْد الليل ‪َ ...‬ك َّدوا الضان وازَوا‬ ‫ثَنُوها‪.‬‬ ‫يتحدث هنا عن االعتقاالت التي تجري‬ ‫آخر الليل‪ ..‬ونعت السُلطة بالسمسرة‪..‬‬ ‫السمسار الشرعي ينبغي أن يأتي في وضح‬ ‫النهار‪ ..‬أ ّما من يأتي تحت جنح الظالم فهو‬ ‫مشبوه‪ ..‬والثنو‪ :‬جمع ثني‪ ..‬وهو الكبش‬ ‫الفت ّي‪ ..‬بعد تجاوز الحوْ ل‪ ..‬وتُجمع ثني على‬ ‫ثنيان أيضاً‪ ..‬غير أن (ثنو) من جموع الكثرة‬ ‫في اللهجة الليبية‪ ..‬فالشاعر يريد أن يدلل على‬ ‫كثرة المعتقلين‪ ..‬نص مختزَل في مقابل ترهّل‬ ‫السُلطة‪.‬‬ ‫في ثمانينيات القرن الماضي قال الشاعر‪:‬‬ ‫الذيب ما القي قَنّاص ‪ ...‬يلقط مساربه نين‬ ‫يقتله‪.‬‬ ‫وهو تحريض على قتل الحاكم‪ ..‬مما جعل‬ ‫شاعراً آخر يقول‪:‬‬ ‫إن زلت في اطراد الذيب ‪ ...‬بسالح يا غلَم‬ ‫نين نقتله‪.‬‬ ‫لكن حين ظهر موضوع توريث السُلطة في‬ ‫ليبيا رد الشاعر‪:‬‬ ‫ساطي َع‬ ‫َحتَّى لُو قت َْلت ال ِّذيْب ‪ ...‬اي ِْجي ولده‬ ‫ِ‬ ‫ال َغلَم‪.‬‬ ‫فقتل الحاكم الظالم لن يحل المشكلة نظراً ألن‬ ‫وريثه هو ابنه‪ ..‬والمثل الليبي يقول (ما ايجي‬

‫لبوه غير الذيب)‪.‬‬ ‫بعدما اختلطت األمور في ليبيا‪ ..‬ولم‬ ‫يعرف الناس المسؤول من اللص قال الشاعر‪:‬‬ ‫كاثِر جفِيْل الضان ‪ ...‬تَ ّما كلبها َك ْي ذيبها‪.‬‬ ‫حين كثر القتل في السجون وحرب تشاد‬ ‫قال الشاعر سليمان الشرّيمة‪:‬‬ ‫ما من ا ْغذا قَ ّزنت ‪ ...‬قَ ِّزن ضناك يا ِذيْب يا‬ ‫هللا‪.‬‬ ‫عندما احتج الناس على قتل الجنود الليبيين‬ ‫في تشاد‪ ..‬في حرب ال ناقة فيها لليبيين وال‬ ‫جمل‪ ..‬أنكر الحاكم موت أي جندي هناك‪ ..‬بل‬ ‫أنكر حرب تشاد من أساسها‪ ..‬فقال الشاعر‬ ‫عبدالكافي البرعصي‪:‬‬ ‫علي َمن تريد اتخيل ‪ ...‬الراعي جحد ريحة‬ ‫الغذا؟!‬ ‫فصغار ااألغنام (الغذا) ترمز للشباب‪ ..‬ومن‬ ‫المستحيل أن ينكر الراعي ضياع الغذا‪ ..‬ألن‬ ‫األمهات ستجأر بالصياح!‬ ‫في موضوع حرب تشاد أيضا ً وضياع‬ ‫الجنود الليبيين في الصحراء قال الشاعر‬ ‫عبدالعالي القطعاني‪:‬‬ ‫تضّابَح غ َشيْت الضان ‪ ...‬ازعَما يا اغذا وين‬ ‫منفرع‪.‬‬ ‫المنفرع هو المنعزل التائه‪ ..‬والكلمة جاءت‬ ‫من الفرع الذي ينفصل عن األصل‪.‬‬ ‫بعض الجنود المحاربين في تشاد عادوا‬ ‫معاقين‪ ..‬فقال الشاعر اخويطر الواحدي‪:‬‬ ‫س َرح سلِيْم حاش َع ِديْم ‪ ...‬ال َكبْش يا الرّاعي‬ ‫تغر َمه‪.‬‬ ‫فهو يح ّمل الحاكم مسؤولية اإلعاقة (عديم)‬ ‫التي لحقت بالجنود‪.‬‬ ‫الشاعر يوسف الدريبي يتساءل‬ ‫ ‬ ‫عن المفقودين‪:‬‬ ‫َم ّديتِي معاك رفيق ‪ ...‬ح ْشتِي باله يا ضان‬ ‫وينهو؟‬ ‫بعد موت بعض أعضاء مجلس‬ ‫ ‬ ‫قيادة انقالب سبتمبر ‪ ..1969‬وهم اثنا عشر‬ ‫عضواً‪ ..‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫كانن اطناشر ذيب ‪ ...‬اشوي اعدادهن حاتر‬ ‫ادعا‪.‬‬ ‫فهو هنا يرجّح أن دعاء المظلومين كان سببا ً‬ ‫في نقص أعضاء مجلس قيادة االنقالب‪.‬‬ ‫حين ضاقت الحال بالناس‪ ..‬وعجز الكثير‬ ‫منهم عن تأمين لقمة العيش تناول الشعراء‬ ‫ذلك‪ ..‬فقال الشاعر عبدالفتاح العقيبي‪:‬‬ ‫َحلِيبِك ك َمل ت ْش ِحيْت ‪ ...‬وهلِك يا َغلَم في‬ ‫ْ‬ ‫عازته‪.‬‬ ‫فهو ينتقد تبديد األموال في الخارج مع احتياج‬ ‫الناس‪ ..‬وفي رواية‪َ ( :‬حلِيبِك ك َمل قانون)‪..‬‬ ‫والقانون‪ :‬هو المقرّر المعلوم من الحليب الذي‬ ‫يُمنح للغير‪.‬‬ ‫وقال آخر‪:‬‬ ‫جواعَى ضناك وهَلك ‪ ...‬رعيانك ْل َمن فيك‬ ‫يحلبوا؟!‬ ‫يتساءل‪ :‬أين تذهب األموال والناس جياع؟!‬ ‫وقال الشاعر إبراهيم سعد مجيد‪:‬‬ ‫حالبِينِّك ِجيْران ‪ ...‬وا ْنتِي ا ْغذاك َموْ تَى م‬

‫المتقلّبة‪ ..‬يقولون في التعبير الشعبي‪( :‬فالن‬ ‫ريح بريح)‪ ..‬أي متقلّب المزاج‪ ..‬واللغب‬ ‫هو الطرد‪ ..‬والحظ أن الشاعر قال (حنون‬ ‫وقت)‪ ..‬بينما القسوة (أوقات)!‬

‫ال َعطَش‪.‬‬ ‫فهو هنا يُح ّدد أن األموال تُبدد على الدول‬ ‫المجاورة‪.‬‬ ‫الشاعر يونس محمد بواشنابو يستغرب من‬ ‫وجود الكثير من الناس تحت خط الفقر مع‬ ‫كثرة خيرات البلد‪:‬‬ ‫الشاعر مسعود اللواج ينتقد إهمال الحكومة‬ ‫فا‬ ‫ع‬ ‫وال‬ ‫ار‬ ‫م‬ ‫ض‬ ‫‪...‬‬ ‫ْت‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ال‬ ‫بارم لشعبها‪:‬‬ ‫َ‬ ‫الضان حايْشة َع َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫بْها!‬ ‫علي هلِك هنتي نين ‪ ...‬تردي اعطاش‬ ‫ض ّمار‪ :‬جمع ضامر‪ ..‬وهو الهزيل‪.‬‬ ‫واعطاش تصدري‪.‬‬ ‫ويقول الشاعر آدم بوالنيّانية‪:‬‬ ‫بعد ثورة ‪ 17‬فبراير ‪ ..2011‬عبّر‬ ‫ ‬ ‫ربيعك اللي محجور ‪ ...‬ترميص بين جيرانك الشعراء عن نقدهم للسُلطة ومقاومتهم لها‪..‬‬ ‫ك َمل‪.‬‬ ‫فحين لجأ الحاكم إلى مخبئه تحت األرض في‬ ‫الناس ممنوعون من الحصول على خيرات اليوم الرابع للثورة‪ ..‬قال الشاعر إبراهيم سعد‬ ‫بلدهم‪ ..‬بينما يتناهبه الغرباء‪َ ..‬رمص‪ :‬تأ ّخر مجيد‪:‬‬ ‫في الرّعي حتَّى الظالم‪ ..‬الرّاعي ي َر ِّمص‪ :‬أي الضان قايلة للذيب ‪ ...‬يجيك يوم ترمي ع‬ ‫يتأخر في العودة بأغنامه إلى ظلمة أوَّل الليل‪ .‬القطَر‪.‬‬ ‫يستغرب آخر كيف كان خير البلد يطال وقال الشاعر مسعود اللوّاج‪:‬‬ ‫وشين اعمله ‪ ...‬خالّك يا غلم حيلِك‬ ‫الجيران‪ ..‬ثم يأتي زمن تعجز فيه عن إعالة م الراعي ِ‬ ‫نفسها‪:‬‬ ‫غفَد‪.‬‬ ‫ب َعد بيُوْ ضها للجار ‪ ...‬الضان في ضناها ال َغفَد‪ :‬جمع َغفُود‪ ..‬وهي التي فقدت ولدها‪.‬‬ ‫واحلة‪.‬‬ ‫يستغرب الشاعر سعد بوخويدم من قسوة‬ ‫البيوض هو ما يعطَى للجار من الحليب الحاكم الذي يُفت َرض أن يكون راعيا ً شفوقا ً‬ ‫واللبن‪ ..‬جاء من البياض‪.‬‬ ‫يحميها من الذئاب‪ ..‬لكنه تحوّل هو نفسه إلى‬ ‫ذئب‪:‬‬ ‫يقول الشاعر إبراهيم سعد مجيد منتقداً الحاكم يدير فيك دَورة ذيب ‪ ...‬تخطر عليك راعيك‬ ‫لكونه دخيالً‪:‬‬ ‫يا غلم؟!‬ ‫الفِي علَيْها لَفو ‪ ...‬اللي حالِب الضان ما رعَى‪.‬‬ ‫الشاعر عبدالحميد يحيى ينتقد غطرسة‬ ‫عندما ُمنِع الليبيون من السفر إلى الخارج‪ ..‬الحاكم‪ ..‬ووهمه ّ‬ ‫بأن حُكمه سيدوم إلى األبد‪:‬‬ ‫وفُ ِرض عليهم ما يشبه الستار الحديدي قال يطّيشم عليهم هلِك ‪ ...‬يحسابها الراعي اتدوم‬ ‫الشاعر‪:‬‬ ‫له‪.‬‬ ‫َعلَيْها ا ْم َس ِّكر باب ‪ ...‬وراقِد هَنِي راع ال َغلَم‪.‬‬ ‫الشاعر مسعود اللوّاج يؤ ّكد أن الحاكم جنَى‬ ‫فهو يرى أن البلد تحولت إلى زريبة‪.‬‬ ‫على نفسه‪:‬‬ ‫بروحك لروحك جبت ‪ ...‬اطياح يا الراعي‬ ‫في نفس المعنى‪ ..‬وهو التضييق على الناس‪ ..‬قِيمتك‪.‬‬ ‫يقول الشاعر‪:‬‬ ‫الشاعر سعد الصادق يمتدح الثوّار‪:‬‬ ‫زارِّ ينها ر ْعيان ‪ ...‬الضان لَ ْي عَشاة ولَ ْي ن َشر‪ .‬عليك ضايقة يا ذيب ‪ ...‬ف ّزاعة الغلم بارمين‬ ‫ال َعشاة هي الرعي ليالً‪ ..‬والنشر هو الخروج بك‪.‬‬ ‫من المراح‪.‬‬ ‫فَ ّزاعة‪ :‬جمع فازع‪ ..‬وهو المنجد‪.‬‬ ‫الشاعر عبدالفتاح العقيبي يقول بأن سوء‬ ‫الحاكم لم يكن خافيا ً منذ البداية‪:‬‬ ‫الشاعر مسعود اللوّاج يُذ ّكر الحاكم‬ ‫ِمن يَوم َو ْقفته في الضان ‪ ...‬الرّاعي اللي فِيْه بالقانون اإللهي‪( :‬كما تدين تُدان)‪:‬‬ ‫بايتة‪.‬‬ ‫اللي درتّا في الضان ‪ ...‬من ظلم يا الراعي‬ ‫اللي فِيْه بايتة‪ :‬تعبير شعبي للداللة على القيتّا‪.‬‬ ‫معرفة عواقب األمور وحتميَّتها‪.‬‬ ‫حين تح ّدث الحاكم عن تقسيم البلد بعد ثورة‬ ‫عندما قصف الرئيس األميركي رونالد ‪ 17‬فبراير‪ ..‬قال الشاعر الشتّاي عبدالكريم‬ ‫ريغان باب العزيزية‪ ..‬وصفه اإلعالم الليبي بوسيف‪:‬‬ ‫بـ(راعي البقر)‪ ..‬فقال الشاعر عبدالفتاح راعيها م الخير حرمها ‪ ...‬واليوم يريد يقَسّمها‪.‬‬ ‫العقيبي‪:‬‬ ‫اقطَر بصيد مسكونات ‪ ...‬الراعي كبر نار لقد كانت الغنّاوة بالمرصاد للسُلطة‪ ..‬فهي‬ ‫فوقهن‪.‬‬ ‫برقية سهلة الحفظ واالنتشار‪ ..‬ومن رعب‬ ‫القطَر‪ :‬جمع قطرة‪ ..‬وهي وكر الوحش‪ ..‬السُلطة من الغنّاوة قامت بتوظيف الشارحين‬ ‫تكون تحت األرض أو الصخر‪.‬‬ ‫والمؤولين ذوي الخبرة بدالالت الغنّاوة‪ ..‬وهو‬ ‫قد يحسن الحاكم في بعض القرارات‪ ..‬نوع غريب من البوليس‪ ..‬بوليس الغناوي!!‬ ‫ّ‬ ‫ثم فجأة يتخذ قرارات معاكسة‪ ..‬فقال الشاعر‬ ‫لكن هذا ليس غريبا ً على أجهزة األمن في‬ ‫يوسف الدريبي‪:‬‬ ‫ليبيا التي من بين مكاتبها‪( :‬مكتب مكافحة‬ ‫مريوح يا َغلَم راعيك ‪َ ...‬حنون وقت واوقات النجوميّة)!!‬ ‫يلغبِك‪.‬‬ ‫المريوح هو المجنون‪ ..‬جاءت من الريح‬


‫‪12‬‬

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫ميكيس ثيوذوراكيس‪..‬موسيقار اليونان العاملي‬ ‫عبد السالم الزغيبي‬ ‫مقتطفات من قصيدة المرثاة* ليانيس ريتسوس التي لحنها‬ ‫ثيوذوراكيس‪.‬‬ ‫«سالونيك في عام ‪ ،1936‬أم تجلس في منتصف الطريق‬ ‫ترثي ابنها الذي استلقى ميتا على االسفلت‪ ،‬غير ملتفتة ألمواج‬ ‫المتظاهرين التي كانت تهدر حولها»‬

‫‪1‬ـ‬ ‫يا ولدي‪ ..‬يا مهجة مهجتي وفؤاد فؤادي‬ ‫يا عصفور الدار الفقيرة وزهرة وحدتي‬ ‫لم أغمضت عينيك فال تراني أبكي‬ ‫وال تتحرك‪ ،‬وال تستمع إلى ما أقوله من مرارة‬ ‫يا ولدي‪ ..‬أنت من كنت دواء لكل ما أشكو منه‬ ‫وتحس بما أشعر به تحت أهدابي‬ ‫لم ال تعزيني اآلن وال تنبس لي ببنت شفة‬ ‫وال تحس بالجراح التي تأكل فؤادي‬ ‫يا عصفوري الذي كان يأتيني بالماء في راحتيه‬ ‫لم ال تنظر إلي وأنا أنتفض منتحبة وأرتعش كقصبة في‬ ‫الريح‬ ‫أحل في منتصف الشارع شعري األبيض‬ ‫ألغطي جسدك كسوسنة ذابلة‬ ‫أقبل شفتك الباردة الصامتة‬ ‫والتي تظل مقفلة كما لو كانت غاضبة علي‬ ‫أال تتحدث إلى‪ ..‬أنا المنكودة الحظ‬ ‫إذا فانظر كيف أفتح صدري‬ ‫وأغرز في نهدي الذين رضعتهما أضافري‬ ‫‪2‬ـ‬ ‫يا تاج رأسي وفرح شيخوختي‬ ‫وشمس شتائي الثقيل وشجرة سروي النحيلة‬ ‫كيف تتركني أجرجر نفسي واتألم وحيدة‬ ‫دون قطرة ماء وال ضوء وال زهرة وال سنبلة‬ ‫بعينيك كنت أرى أزهار الحياة كلها‬ ‫وبشفتيك كنت أغني لك أغنية الفجر‬ ‫وبيديك اللتين داعبتهما كثيرا‬ ‫كنت أحتضن العالم بأسره‬ ‫كنت أحس بأن كل شيء وجد من أجلي‬ ‫كنت أجدد شبابي من شبابك الذي ما زلت أتنفسه‬ ‫لم تكن الشيخوخة ترعبني‬ ‫بل كنت أتجاهل الموت‬ ‫واآلن على أي شيء سأستند‬ ‫وأين سأقف وكل شيء يظلم في عيني‬ ‫وصرت شجرة يابسة في مرج تغطيه الثلوج‬ ‫إن لم يعد بمقدورك يا ولدي أن تعود مرة أخرى لتكون‬ ‫بقربي‬ ‫فخذني معك يا رفقتي العذبة‬ ‫فرغم أن ساق ّي ضعيفتان‪ ،‬إال أنه يمكنني المشي‬ ‫وعندما تتعب سأحملك على صدري‬ ‫‪3‬ـ‬ ‫كنا أمرر أصابعي فوق الشعر األجعد‬ ‫فيما أنت نائم‪ ،‬وأنا أسهر إلى جانبك‬ ‫يا حاجب عيني الرائع المرسوم بالقلم‬ ‫والقوس الذي كان بصري يتكئ عليه ليرتاح‬ ‫والعيون الناعسة التي تتألأل فيها أبعاد السماء الصباحية‬ ‫فأبذل ما في وسعي لكي ال تعكرها دمعة‬

‫الكتابة عن ميكس ثيوذاركيس بشكل عام ليست باألمر السهل‬ ‫مطلقا‪ ،‬ليس فقط ألن الرجل جعل من حياته وموسيقاه والسياسة‬ ‫شيئا واحدا‪ ،‬أو مجرد أوجه مختلفة لظاهرة واحدة‪ ،‬هي ظاهرة‬ ‫ثيوذوراكيس‪ ،‬وذلك منذ بدايات حياته في مدينة (تريبولي) خالل‬ ‫الربع الثاني من القرن الدموي الماضي‪ .‬حيث بدأ حياته مناضال‬ ‫من أجل الحرية وهو لم يزل فتى يافعا خالل الحرب العالمية‬ ‫الثانية‪ ،‬عندما احتلت القوات الفاشستية الغازية مدينته‪ .‬إذ أعتقل‬ ‫وهو لم يتجاوز السابعة عشر من العمر‪ ،‬وتعرض للتعذيب في‬ ‫المعتقل‪ ،‬حتى تمكن من الهرب إلى أثينا‪ ،‬ليلتحق بجبهة التحرير‬ ‫الوطني التي كانت تقف بصالبة في وجه االحتالل النازي‪ ،‬وذلك‬ ‫إلى جانب دراسته للموسيقى‪.‬‬ ‫ثم استمر في نضاله السياسي خالل فترة الحرب األهلية‪ ،‬والتي‬ ‫قضى جزءا منها في معسكرات اإلعتقال‪ ،‬والسجون‪ .‬وبالرغم من‬ ‫من كل ذلك‪ ،‬إستمر في عطائه الموسيقي‪ ،‬وألف أولى سيمفونياته‬ ‫في معتقل جزيرة (ماكرونيسوس) السيئ الصيت‪.‬‬ ‫وبالرغم من الظروف السيئة والقاسية في ذلك المعتقل‪ ،‬حيث‬ ‫التعذيب والقتل على الهوية‪ ،‬أو بسبب المعتقد‪ .‬بدأ ثيوذوراكيس‬ ‫نضاله الطويل من أجل المصالحة بين أطراف النزاع في‬ ‫الحرب األهلية‪ ،‬و تجاوز آثار تلك الفترة فيما بعد‪ .‬حيث وظف‬ ‫ثيوذوراكيس خبرته النضالية وموسيقاه معا‪ ،‬من أجل ذلك‬ ‫الهدف‪ .‬وبكلمة واحدة‪ ،‬قام بتوظيف كل عناصر حياته البالغة‬ ‫التنوع والثراء‪.‬‬ ‫وخالل تواجده في باريس منذ ‪ 1954‬للدراسة‪ ،‬بدأ يشق طريقه‬ ‫لكي يصبح واحدا من أعمدة الموسيقى الكالسيكية العالمية‪ ،‬ممثال‬ ‫لوجهها اليوناني‪ .‬وبدا في التعاون مع الشاعر الراحل يانيس‬ ‫ريتسوس‪ ،‬بعدما أطلع على مجموعة قصائده «التأبين»‪ ،‬والتي‬ ‫استوحاها ريتسوس من حادثة مقتل عامل تبغ خالل إضراب‬ ‫للعمال‪ .‬فكتب موسيقاها خالل يوم واحد‪ ،‬وخالل ذلك اليوم‪ ،‬قرر‬ ‫العودة إلى الوطن‪ ،‬ليواصل نضاله الذي بدأه هناك‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ 1963‬شهدت اليونان مقتل البرلماني اليساري‬ ‫غريغوريس المبراكيس‪ ،‬وهي الحادثة التي أسست لمرحلة‬ ‫جديدة في حياة الفنان والمناضل معا‪ ،‬فرشح نفسه للبرلمان‪،‬‬ ‫وترأس حركة شبيبة المبراكيس‪ .‬حيث بدأ مرحلة نضال أخرى‬ ‫سياسيا وموسيقيا‪ ،‬من أجل الديمقراطية والحقوق العامة ونزع‬ ‫السالح‪ .‬وقد استمرت هذه المرحلة من حياة ثيوذوراكيس الفنان‬ ‫والمناضل والسياسي طوال فترة الحكم العسكري‪ ،‬وكان لها‬ ‫صداها ليس في اليونان فحسب‪ ،‬وحتى آخر وأصغر قرية فيها‪.‬‬ ‫بل في كان لها أثرها في األوساط الشبابية على وجه الخصوص‪،‬‬ ‫في جميع أنحاء العالم‪ ،‬وخاصة في البلدان المجاورة لليونان‪،‬‬ ‫فكان طلبة الجامعات في بلدان مثل مصر ولبنان وليبيا وغيرها‪،‬‬ ‫يذيعون اشرطة موسيقاه خالل االعتصامات واالحتجاجات التي‬ ‫يقومون بها للتعبير عن مطالب جيلهم‪ ،‬بالرغم من انهم لم يكونوا‬ ‫يفهمون كلمات القصائد‪ ،‬ألن موسيقى ثيوذوراكيس لم تكن في‬ ‫حاجة إلى قواميس‪ .‬كانوا يفهمونها كما هي‪ ،‬وكانوا على ثقة بأنها‬ ‫تعبر عنهم تماما‪ ،‬وعن مطالبهم‪ ،‬والتي هي نفس المطالب التي‬ ‫عبر عنها ثيوذوراكيس بعمق وصدق من خالل القصائد التي‬ ‫لحنها‪ ،‬واأللحان التي وضعها لتلك القصائد‪.‬‬ ‫وقد تعاون مع ثيوذوراكيس خالل تلك الفترة الغنية من حياته‬ ‫الفنية شعراء ومغنون عظام‪ ،‬مثل اوذيسياس اليتيس‪ ،‬ويانيس‬ ‫ريتسوس‪ ،‬ويورغيا ذيليانيس‪ ،‬وياكوف كامبانيليس‪ ،‬ومانوس‬ ‫الفثيريو‪ ،‬ونيكوس غاتسوس‪ ،‬ولفثيريس باباذوبولوس‪ ،‬ويانيس‬ ‫ثيوذوراكيس‪ ،‬من الشعراء‪ .‬ومع ماريا فارادوري‪ ،‬وزاخوس‬ ‫تيرزاكيس‪ ،‬والفرنديوس ماخيريتساس‪ ،‬من المغنين‪ ،‬وغيرهم‬ ‫كثير‪ ،‬وذلك على سبيل المثال ال الحصر‪.‬‬ ‫ولمكانته في قلوب الشعب اليوناني بكافة فصائله كرمته الدولة‬ ‫اليونانية احسن تكريم فقدنظم البرلمان اليوناني يوم ‪ 12‬مارس‬ ‫‪ 2009‬بالتعاون مع التلفزيون اليوناني وقناة البرلمان سلسلة‬

‫من التظاهرات الثقافية على شرف الموسيقار الكبير ميكيس‬ ‫ثوذوراكيس في صالة المعارض بميدان الدستور» سندغما»‬ ‫وتتضمن عرض حفالت موسيقية وافالم وثائقية عن حياة‬ ‫الموسيقارومقابالت وعرض فيلم «اليكترا» التي قامت ببطولته‬ ‫الفنانة العالمية «ايرين باباس» وألف موسيقاه التصويرية‬ ‫«ميكيس»‪ ،‬وعرض باليه « زوربا « الشهير‪،‬واالعمال‬ ‫االوبرالية المشهورة للموسيقار‪،‬واستمرت هذه العروض لمدة‬ ‫اسبوع كامل‪.‬‬ ‫وقداحتفل اليونانيون في العام ‪ 2005‬بذكرى ميالد موسيقارهم‬ ‫العالمي ميكيس ثيودوراكيس‪ ،‬الذي أتم عامه الثمانين ‪ .‬وبهذه‬ ‫المناسبة أقامت قصورالموسيقى اليونانية في جميع أنحاء البالد‬ ‫حفالت متنوعة من مؤلفاته الموسيقية الحافلة بالمقطوعات‬ ‫الفريدة‪.‬‬ ‫ومن أبرز الحفالت التي أقيمت لالحتفال بميالد ثيودوراكيس‪ ،‬ما‬ ‫قدمته أوركسترا اليونان الوطنية في قصر الموسيقى في مدينة‬ ‫ثيسالونيكي‪ ،‬شمال البالد‪ ،‬بإشراف الملحن ستافرو كساراخاكو‪،‬‬ ‫ومن ضمن ما استمع إليه المشاركون ألبوم إيريميا (الهدوء) من‬ ‫إخراج وتلحين ثيودوراكيس‪.‬‬ ‫والموسيقار ثيودوراكيس‪ ،‬الذي ارتبط اسمه عند كثير من‬ ‫الناس بموسيقى فيلم «زوربا اليوناني» (‪ 1964‬للمخرج مايكل‬ ‫كوكيانس المأخوذ عن رواية لنيكوس كازانتزاكس‪ ،‬وأبطال الفيلم‬ ‫انتوني كوين وآالن بيتس وآيرين باباس)‪.‬‬ ‫وزوربا ‪ ..‬رقصة الحياة ‪ ،‬ليس مجرد فيلم أو باليه يقدمه راقصون‬ ‫من شتى أنحاء العالم ‪ ،‬أو تلك الموسيقى الشهيرة التي ما إن‬ ‫تسمعها حتى تصفق يداك‪ ،‬وتبدأ في الدرب بإيقاع فطري على‬ ‫األرض ‪ ،‬وأنما هو قصة حياة حاكتها العوامل المنتجة للعرض‪،‬‬ ‫والتي إن فتشنا فيها سنجد زوربا راقصا ً فيها‪.‬‬ ‫زوربا هو ذلك الرحالة اليوناني الذي يعيش الحياة في تنقل‬ ‫دائم ‪ ،‬بحثا ً عن الحب ومعنى الحياة ‪ ،‬إلى أن يجد محبوبته‬ ‫هورتنس‪،‬ولكن القدر ال يمهله الكثير من الوقت لتتركه حبيبته‬ ‫ليعود إلى صديقه جون ‪ ،‬الفتى الراقص والصديق الحقيقي‪،‬‬ ‫والذي عاش نفس جرح زوربا بعدما تركته حبيبته مارينا هي‬ ‫األخرى‪ ،‬لكنه يتجاوز أحزانه‪ ،‬ويعلم زوربا كيفية يغلب جرحه‬ ‫معه‪ ،‬ويرقصا معا ً رقصة الحياة ليبدءا رحلة جديدة‪.‬‬


‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫زوربا خرج من عقل المؤلف الموسيقي الرحالة اليوناني ميكيس‬ ‫ثيوردوركس الذي عاش متنقالً مثل بطله الخيالي‪.‬‬ ‫وقد اشتهر ميكيس بمواقفه الصلبة ضد عسكر اليونان ووقوفه‬ ‫مع قضايا حقوق اإلنسان‪ ،‬من أبرز الشخصيات الدولية المساندة‬ ‫للقضية الفلسطينية‪،‬وكان يظهر كثيرا في حفالته بالكوفية‬ ‫الفلسطينية‪،‬ومن ضمن مقوالته الشهيرة عن اسرائيل «إنها أمة‬ ‫صغيرة‪ ،‬هي أساس السوء في العالم» وفي مرة أخرى قال‪:‬‬ ‫«اليونانيون ال يدركون بعد ما هي خطورة وأبعاد المفاهيم‬ ‫اليهودية المتعصبة وما ينجم عنها من سياسة عنف وبطش‬ ‫وهمجية‪ .‬فنحن أمة عريقة لها جذور عميقة في التاريخ البشري‪،‬‬ ‫بينما هم يسيرون على نهج ال يخرجون منه أو يتخيلون غيره»‪.‬‬

‫وقد صدمت هذه التصريحات إسرائيل وحكومتها واتهمته‬ ‫بالتحريض على معاداة السامية‪.‬‬ ‫وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة «هآرتس» اإلسرائيلية بسبب‬ ‫تلك التصريحات في الشهر نفسه قال «إنني صديق إلسرائيل‬ ‫وصديق للشعب اليهودي ولكن سياسة شارون المؤيدة لسياسة‬ ‫بوش تشوه صورة إسرائيل‪ ..‬أتخوف من قيادة شارون لليهود‬ ‫بنفس األسلوب الذي فعله هتلر لأللمان‪ ..‬هذه هي جذور الشر (‪)..‬‬ ‫لقد أصبحت إسرائيل كدولة عظمى لديها سالح نووي وقوية جدا‪،‬‬ ‫إنها مثل اسبارطة‪ ،‬ومن تحاربون؟ مليون من النساء واألطفال‬ ‫الفلسطينيين‪ ..‬أنتم اآلن جوليات وفلسطين هي دافيد‪ ،‬وأنا مع‬ ‫دافيد»‪.‬‬ ‫من معروف من ميكيس و قوفه إلى جانب القضايا األنسانسة‬ ‫كقصف بلغراد و كوسفو‪ .‬كما عارض الحرب على العراق ووجه‬ ‫انتقادات الذعة لحكومته التي ساندت الحرب و لجورج دبليو‬ ‫بوش ‪.‬‬ ‫بعد التحرير ناضل ميكيس ضد الجماعات المعادية للثورية حتى‬ ‫ال يستولو على السلطة‪ .‬شارك في عدة مظاهرات وتم إيقافه في‬ ‫إحداها و عذب خالل إيقافه بشدة و اعتبر من عداد األموات في‬ ‫‪ 26‬مارس ‪ 1946‬و تم نقله إلى المشرحة‪ .‬تم نفيه إلى جزيرة‬ ‫إيكاري سنة ‪ 1947‬و في سنة ‪ 1948‬تم نقله إلى ماكرونيسوس ‪.‬‬ ‫عذب بشدة وتم دفنه مرتين حيا‪.‬‬ ‫في سنة ‪ 1950‬قام بتأدية امتحاناته في معهد أثينا العالي للموسيقى‬ ‫و تحصل على ديبلومه في التناغم ‪ .‬في سنة ‪ 1953‬تزوج ميكيس‬ ‫من ميرتو ألتينجلو و تحصل معها في السنة التي بعدها على منحة‬ ‫للدراسة في باريس ‪ .‬إنضم إلى المعهد العالي للموسيقى بباريس‬ ‫و درس عند اوجين بيجو و اوليفية مسيان و هما يعدان من أشهر‬ ‫الموسيقيين الفرنسيين‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ 1963‬شهدت اليونان مقتل البرلماني اليساري‬ ‫غريغوريس المبراكيس‪ ،‬وهي الحادثة التي أسست لمرحلة جديدة‬ ‫في حياة الفنان والمناضل معا‪ ،‬فرشح نفسه للبرلمان‪ ،‬وترأس‬ ‫حركة شبيبة المبراكيس‪ .‬حيث بدأ مرحلة نضال أخرى سياسيا‬ ‫وموسيقيا‪ ،‬من أجل الديمقراطية والحقوق العامة ونزع السالح‪.‬‬ ‫وقد استمرت هذه المرحلة من حياة ثيوذوراكيس الفنان والمناضل‬ ‫والسياسي طوال فترة الحكم العسكري‪ )1967-1973(،‬أجبر‬ ‫ميكيس على االختباء مرة اخرى من النظام و دعى إلى مقاومة‬ ‫النظام الجديد بعد يومين من االنقالب ‪ .‬اوقف في ‪ 21‬اغسطس‬ ‫‪ 1967‬و وضع تحت اإلقامة الجبرية في فارشاتي و نفي بعدها‬ ‫مع عائلته إلى زاتونا و هي قرية تقع في جبال االركيدس ‪ .‬و‬ ‫من ثم نقل إلى معسكر إعتقال في اوربوس و نفي بعد ذلك إلى‬

‫‪13‬‬

‫الخارج ‪.‬‬ ‫وكان لها صداها ليس في اليونان فحسب‪ ،‬وحتى آخر وأصغر‬ ‫قرية فيها‪ .‬بل في كان لها أثرها في األوساط الشبابية على وجه‬ ‫الخصوص‪ ،‬في جميع أنحاء العالم‪ ،‬وخاصة في البلدان المجاورة‬ ‫لليونان‪ ،‬فكان طلبة الجامعات في بلدان مثل مصر ولبنان‬ ‫وليبيا وغيرها‪ ،‬يذيعون اشرطة موسيقاه خالل االعتصامات‬ ‫واالحتجاجات التي يقومون بها للتعبير عن مطالب جيلهم‪،‬‬ ‫بالرغم من انهم لم يكونوا يفهمون كلمات القصائد‪ ،‬ألن موسيقى‬ ‫ثيوذوراكيس لم تكن في حاجة إلى قواميس‪ .‬كانوا يفهمونها كما‬ ‫هي‪ ،‬وكانوا على ثقة بأنها تعبر عنهم تماما‪ ،‬وعن مطالبهم‪ ،‬والتي‬ ‫هي نفس المطالب التي عبر عنها ثيوذوراكيس بعمق وصدق من‬ ‫خالل القصائد التي لحنها‪ ،‬واأللحان التي وضعها لتلك القصائد‪.‬‬ ‫وصل ميكيس إلى باريس في ‪ 13‬ابريل ‪ . 1970‬ترأس الجبهة‬ ‫الوطنية مواصال النضال ‪ .‬تعرف في باريس على بابلو نيرودا‬ ‫‪ .‬أقام ميكيس عدة جوالت فنية حول العالم أجمع داعيا فيها إلى‬ ‫عودة الديموقراطية في بالده مما جعله رمز النضال في بالده‬ ‫ضد الديكتاتورية ‪.‬‬ ‫عاد ميكيس إلى اليونان في ‪ 24‬يوليو ‪ 1974‬و أصبح محل نقد‬ ‫اليسار اليوناني و ذلك لدعمه كونستنتين كرمناليس و مساندته‬ ‫لتحول بطيء و تدريجي إلى الديموقراطية و ذلك لخوفه من‬ ‫عودة النظام االستبدادي إلى بالده عن طريق انقالب جديد‪.‬‬ ‫في سنة ‪ 1980‬عاد بمحض إرادته إلى باريس و قام بإعادة كتابة‬ ‫قطعه الموسيقية التي كتبها في الخمسينات ‪.‬‬ ‫في سنة ‪ 1981‬انتخب عضوا في البرلمان و تخلى عن منصبه‬ ‫سنة ‪ 1986‬ليتفرغ كليا إلى الموسيقى ‪ .‬في سنة ‪ 1987‬كتب أول‬ ‫اوبرا له و هي و قام بتأسيس فرقة باليه سماها زوربا التي أدت‬ ‫أكثر من ‪ 600‬عرض حول العالم ‪.‬‬ ‫في سنة ‪ 1989‬دعا إلى ائتالف مكون من اليسار اليوناني و‬ ‫الحزب الشيوعي لوضع حد لفضائح الحكومة اليمينية ‪ .‬بعد‬ ‫انتخابات ابريل ‪ 1990‬دخل إلى الحكومة كوزير من دون حقيبة‬ ‫و ناضل ضد المخدرات و من أجل التعليم كما عمل مع الموسيقي‬ ‫التركي زولفو لفنالي (من أجل التصالح بين الشعبين اليوناني و‬ ‫التركي‪.‬‬ ‫في ابريل ‪ 1992‬غادر الحكومة ليصبح مديرا عاما للكورال‬ ‫و االوركسترات السمفونية في التلفزيون ‪ .‬توقف ميكيس عن‬ ‫العمل إثر وفات أخيه و لمعاناته من مشاكل في التنفس‪ .‬قرر‬ ‫أيضا التخلي عن الوثائق التي كان يمتلكها لصالح مكتبة ليليان‬ ‫فودوري‪.‬‬ ‫في ‪ 14‬مارس تحصل وسام ضابط في مرتبة كتيبة الشرف) من‬ ‫قبل السفير الفرنسي في اليونان و ذلك في حفل أقيم على شرفه‬ ‫في السفارة الفرنسية في اليونان ‪.‬‬ ‫في سنة ‪ 1991‬قام بتأسيس اوبرا ميديا) في بلباو ‪5 .‬في أكتوبر‬ ‫من سنة ‪ ، 1992‬قام بطلب من خوان انتونيو سامرانش رئيس‬ ‫اللجنة األولمبية الدولية بكتابة النشيد االولمبي من أجل األلعاب‬ ‫االولمبية لسنة ‪ 1992‬و التي اقيمت ببرشلونة ‪.‬‬ ‫لميكيس دكتوراه فخرية من جامعة مونريال ‪،‬سالونيك و كريت‬ ‫‪ .‬بمناسبة عيد ميالده الثمانون تحصل على جائزة سانت اندريه‬ ‫من قبل مؤسسة سانت اندريه « لشجاعته و لالتزامه من أجل‬ ‫وطنه و أيضا من أجل مؤلفاته الرائعة التي تغني ألجل السالم‬ ‫بين الشعوب ‪.‬‬ ‫حاز ثيودوراكيس على جائزة من هيئة اليونيسكو بعنوان‬ ‫«الموسيقي الدولي لعام ‪ ،»2005‬وتم اختيار ثيودوراكيس‬ ‫للجائزة من بين ‪ 40‬مرشحا آخر من أشهر الموسيقيين الدوليين‪.‬‬ ‫في سنة ‪ 2007‬تحصل تم رفعه إلى رتبة قائد في مرتبة كتيبة‬ ‫الشرف‪ .‬نحصل على المرتبة من قبل يدي وزير الثقافة الفرنسي‬ ‫يوم ‪ 26‬مارس في سفارة فرنسا بأثينا ‪.‬‬ ‫التقيته أكثر من مرة في مناسبات مختلفة ومهرجانات موسيقية‬ ‫لكنه قليل الظهور في الفترة االخيرة لمعاناته من صعوبات في‬ ‫التنفس من جراء سنوات السجن‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫* االيبيتاف ‪ epitaph‬قد تعني التأبين‪ ،‬وقد تعني المرثاة أو المناحة‪.‬‬ ‫وهي مكونة من أداة التصدير ‪ ،epi‬وكلمة ‪ taphos‬التي تعني القبر‪.‬‬ ‫أي إلقاء خطاب لتمجيد الميت‪ ،‬أو قصيدة لرثائه والبكاء عليه‪( .‬ترجمه‬ ‫عن اليونانية زكري العزابي)‪.‬‬ ‫مصادر‪:‬‬ ‫ موقع راديو وتلفزيون اليونان(‪) art‬‬‫صحف ومجالت يونانية‬‫ المجلد التذكاري الصادر عام ‪ 2005‬عن وزارة الثقافة اليونانية‪.‬‬‫ترجمه عن اليونانية بتصرف‪ /‬ز‪ .‬العزابي‪.‬‬


‫‪14‬‬

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫ملف العدد‬

‫األغنية السياسية‬

‫األغنية امللتزمة‪ ....‬تاريخ‬ ‫يقول الفنان أحمد قعبور» هناك حقيقة ال يمكن تجاهلها وهي أنه ما من أغنية‪،‬أو ربما ما من عمل‬ ‫فني‪ ،‬أستطاع يوما ً أن يغير نظاما ً أو أن يقلب نظما ً سياسية ولكن األغنية الوطنية وجدت لتنمي‬ ‫وتحافظ على الحس الوطني لدى الشعوب‪ ،‬لتحرك مشاعرهم وتدفعهم للصمود‪.‬‬ ‫فأغنية»أناديكم» وغيرها من األغاني الوطنية األخرى كانت والزالت رفيقة المقاوم‪،‬كانت معه‬ ‫كالحجر والبندقية في مواجهة العدو»‪.‬‬ ‫أناديكم‪/‬أناديكم‪ ..‬أشد على أياديكم‪ /‬وأبوس األرض تحت نعالكم‪ /‬وأقول أفديكم‪ /‬وأهديكم ضيا‬ ‫عيني‪ /‬ودفئ القلب أعطيكم‪ /‬فمأساتي التي أحيا‪ /‬نصيبي من مآسيكم‪/‬أنا ما هنت في وطني‬ ‫وال صغرت أكتافي‪ /‬وقفت بوجه ظالمي‪ /‬يتيما ً عاريا ً حافي‪.‬‬ ‫ويضيف الشاعر الفلسطيني ماجد أبو‬ ‫غوش « ظهرت األغنية الوطنية بشكل‬ ‫مستقل بعد هزيمة ‪ 1967‬مع ظهور‬ ‫الثنائي العبقري احمد فؤاد نجم والشيخ‬ ‫إمام ‪ ،‬في مرحلة السبعينات والمد اليساري‬ ‫على مستوى الوطن العربي والذي رافق‬ ‫انتصار الثورات في أفريقيا وأمريكا‬ ‫الالتينية وهزيمة أمريكا في فيتنام‪،‬ظهر‬ ‫مارسيل خليفة وخالد الهبر واحمد قعبور‬ ‫في لبنان‪ ،‬ومصطفى الكرد في فلسطين‪،‬‬ ‫وفرقة بلدنا في األردن وعدلي فخري في‬ ‫مصر‪،‬وفرقة الطريق العراقية‪.‬‬ ‫في بداية الثمانينات تبلورت فرقة‬ ‫صابرين في القدس المحتلة وبروز كاميليا‬ ‫جبران‪،‬وبعد ذلك بدأ اسم أميمه الخليل‬ ‫من فرقة الميادين يبرز منفردا في أغاني‬ ‫خاصة بإميمة‪،‬وفي مرحلة التسعينيات‬ ‫سمعنا ريم بنا من مدينة الناصرة في‬ ‫أغاني لشعراء فلسطينيين وأغاني مستمدة‬ ‫من التراث الشعبي الفلسطيني‪ ،‬هناك‬ ‫أصوات عديدة اآلن تغني أغاني ملتزمة‬ ‫أمثال مي نصر ومارسيل وسميح شقير‬ ‫وخالد الهبر وأسماء كثيرة أصبحت تتجه‬ ‫لغناء الشعر الملتزم وحتى الصوفي‪.‬‬ ‫أنا الشعب ماشي وعارف طريقي‬ ‫كلمات‪ :‬احمد فؤاد نجم‬ ‫الحان‪ :‬الشيخ إمام‬ ‫كفاحي سالحي وعزمي صديقـي‬ ‫أخوض الليالي وبعيون أمالي‬ ‫أحدد مكان الصباح الحقيقي‬ ‫أنا الشعب ماشي وعارف طريقي‪.‬‬ ‫‪.......‬‬ ‫أنا الشعب كفي تقيد الحياة‬ ‫تخضر صحاري تبيد الطغاة‬ ‫تعلي الحقايق رايات في البنادق‬ ‫ويصبح تاريخي منارتي ورفيقي‬ ‫أنا الشعب ماشي وعارف طريقي‪.‬‬ ‫‪.......‬‬ ‫أنا الشعب مهما يقيموا السجون‬ ‫ومهما كالبهم تحاول تخون‬ ‫حيطلع ناري وأدمر بناري‬ ‫بحور الكالب والسجون من طريقي‬ ‫أنا الشعب ماشي وعارف طريقي‪.‬‬ ‫مارسيل خليفة والعود‬ ‫عرف مارسيل بأغانيه التي تأخذ الطابع‬ ‫الوطني‪ ،‬وبأسلوب دمجه بين الموسيقى‬ ‫العربية واآلالت الغربية كالبيانو‪.‬‬ ‫إيمانه بالقضية الفلسطينية رافقه في أغانيه‬

‫مارسيل خليفة‬

‫الشيخ إمام‬ ‫وموسيقاه رغم أن طابع الموسيقى قد‬ ‫اختلف بشكل واضح حسب مراحل حياته‬ ‫من الحرب األهلية اللبنانية والنضال‬ ‫الفلسطيني إلى مرحلة السلم اللبناني‬ ‫ومرحلة ما بعد الطائف‪ ،‬واتفاق أوسلو‬ ‫على الجانب الفلسطيني‪.‬‬ ‫إنهض للثورة َوالثَّأْر‪....‬انهض كهبوب‬ ‫اإلعصار‪َ /‬وارْ جُم أعداءك بالنار‪...‬واهتف‬ ‫بالصوت الهدار‪/‬الثورة‪..‬الثورة‪..‬الثورة‪..‬‬

‫مسيح شقري املقيم يف‬ ‫باريس اليوم يعترب‬ ‫األغنية الوطنية خيارا‬ ‫وحيدا لتحقيق حرية‬ ‫األرض واإلنسان‪.‬‬

‫الثورة نهج االحرار‪.‬‬ ‫في عام ‪ 2003‬تعرض مارسيل لدعوى‬ ‫قضائية في لبنان ألنه استخدم آية قرآنيةً‬ ‫في أغنية «أنا يوسف يا أبي» وهي قصيدة‬ ‫كتبها محمود درويش تستلهم قصة يوسف‬ ‫عليه السالم من القرآن في إسقاط على‬ ‫القضية الفلسطينية‪ ،‬تمت تبرئة مارسيل‬ ‫خليفة الحقاً‪.‬‬ ‫ً‬ ‫في العام ‪ 2004‬عين سفيرا للسالم من‬ ‫قبل منظمة اليونسكو‪.‬‬ ‫ِمن غزة من قدس العرب‪ِ /‬من أسرْ النقمة‬ ‫والتعب‪ /‬اخرج كالريح وال تهب‪/‬يا جيل‬ ‫النخوة والغضب‪/‬وتدفق‪..‬وتدفق‪..‬وتدفق‪..‬‬ ‫وتدفق‪..‬وتدفق نهرا ِمن لهب‪.‬‬ ‫بيان رقم واحد‪ ....‬يا حيف‬ ‫بيان رقم واحد‪/‬الشعب السوري ما بينذل‪/‬‬ ‫بيان رقم واحد أكيد هيك ما حنظل‪/‬بيان‬ ‫رقم واحد من حوران جاءت البشاير‪/‬بيان‬ ‫رقم واحد الشعب السوري ثائر‪.‬‬ ‫على‬ ‫األغنية‬ ‫عرض‬ ‫يُصاحب‬

‫أحمد فؤاد نجم‬ ‫موقع»اليوتيوب» مشاهد من مظاهرات‬ ‫الشعب السوري الذي بدأ ثورته في‪15‬‬ ‫مارس‪ .‬تحت راية» الشعب يريد إسقاط‬ ‫النظام»‪.‬‬ ‫أن تكون حراً يعني بداية أن ال تكون‬ ‫منصاعا ً وال منساقا ً في قطيع‪ ,‬هو أن‬ ‫تمتلك فكرتك وتدافع عنها‪ ،‬أما سقوف‬ ‫التعبير عن الرأي فتحكمها مجموعة‬ ‫من االعتبارات تنطلق من قراءة الواقع‬ ‫وتوسيع مساحة الممكن في التعبير‪ ,‬وهي‬ ‫ال تعني بالضرورة أن تقول كل شيء في‬ ‫كل الظروف‪,‬أما أنا فقد مارست الحرية‬ ‫دائما ً بقدر ما استطيع‪.‬‬ ‫هذا القول للفنان السوري سميح شقير‬ ‫الذي لحن وغنى أكثر من ‪ 200‬أغنية‬ ‫وطنية‪.‬هدفه أن يكون قريبا من الناس‪ ،‬من‬ ‫همومهم وأحالمهم فكتب لهم أغنيات تعبر‬ ‫عنهم‪ .‬وتعد أغنيته» يا حيف» التي تحكي‬ ‫مأساة أهل مدينة درعا السورية التي‬ ‫شهدت انطالق شرارة غضب الشعب‪.‬‬ ‫«ويا حيف زخ رصاص على الناس الع ّزل‬ ‫يا حيف‪ ،‬وأطفال بعمر الورد تعتقلن كيف‪،‬‬ ‫وأنت ابن بالدي تقتل بوالدي‪ .‬وظهرك‬ ‫للعادي وعليي هاجم بالسيف‪ ،‬يا حيف يا‬ ‫حيف‪ ،‬وهذا اللي صاير يا حيف‪ .‬بدرعا‬ ‫ويا يما ويا حيف‪ ،‬سمعت هالشباب يما‬ ‫الحرية عالباب يما‪ .‬طلعو يهتفوا‪ ،‬شافوا‬ ‫البواريد يما‪ .‬قالوا أخوتنا هن ومش‬ ‫رح يضربونا‪ ،‬ضربونا يما بالرصاص‬ ‫الحي‪ .‬متنا‪ .‬بأيد إخوتنا باسم امن الوطن‪،‬‬ ‫وإحنا مين إحنا واسألوا التاريخ‪ .‬يقرا‬ ‫صفحتنا مش داري السجان يم‪،‬ا كلمة‬ ‫حرية وحدة‪ ..‬هزتلو أركانو‪ ،‬ومن هتفت‬ ‫لجموع يما أصبح كالملسوع يما‪ ،‬يصلينا‬ ‫بنيرانو‪ ،‬وإحنا اللي قلنا اللي بيقتل شعبو‪،‬‬ ‫خاين‪ .‬يكون من كاين‪ .‬والشعب‬ ‫مثل القدر‪ ،‬من ينتخي ماين‪ ،‬والشعب مثل‬ ‫القدر‪ ،‬واألمل‪ ،‬يا حيف»‪.‬‬ ‫وتعتبر هذه األغنية األولى من نوعها‪،‬‬ ‫كما يقول السوريون من حيث االحترافية‬ ‫والجرأة في التعبير عن حدث سياسي ما‬ ‫زال يتفاعل‪ ،‬وإعالن رفض القمع الذي‬ ‫مارسته السلطة على المحتجين والمطالبين‬ ‫بالحرية‪ ،‬وإطالق النار على شباب رفضوا‬ ‫الضيم وتنسموا هواء الحرية‪ ،‬ولعل األكثر‬ ‫تأثيرا في األغنية إدانة اعتقال األطفال‬ ‫وقتل ابن البلد ألخيه وأوالده‪.‬‬ ‫سميح شقير المقيم في باريس اليوم يعتبر‬ ‫األغنية الوطنية خيارا وحيدا لتحقيق حرية‬ ‫األرض واإلنسان‪.‬‬


‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫قصة قصيرة‬

‫أحـجـاب‬

‫منذ أن ق ّدر له الخالق أن يولد هناك ألبوين مجهولي‬ ‫الهوية ‪ ..‬ترعرع « أحجاب « بين أيدي أوالد الحي ‪ ..‬في‬ ‫أحد المسارب الطينية «بسانية السالك « ‪ ..‬وشب يقتات‬ ‫على ما توجد به الطبيعة ‪ ..‬ومخلفات الحومة ‪ ..‬وعلى‬ ‫التسلل الخجول إلى بيوت المنطقة التي اعتادت استقباله‬ ‫بقلب سليم ‪.‬‬ ‫فلم يك مدالالً ‪ ..‬وال مشرداً ‪ ..‬وأخذ من صفات عيش‬ ‫(الطبقة الوسطى) التي تستوطن الحي ‪.‬‬ ‫ال أعلم من أطلق عليه اسم (احجاب)‪ ..‬لكني ـ كأوالد‬ ‫الحومة ـ صحوت على وجوده بيننا ‪ ..‬ومقاسمته لنا‬ ‫مراسيم اليوم الكامل ‪ ..‬ال يكل وال يمل من مشاكساتنا ‪..‬‬ ‫وال يضجر من طلب الصحبة في مشاوير اليوم ‪ ..‬وكانت‬ ‫له القدرة على مسايرة الجميع كما لو أنهم أول الواصلين ‪.‬‬ ‫كان يختفي مع العتمة ‪ ..‬ليظهر مع ساعات الفجر األولى‬ ‫في (الوسعاية) ‪ ..‬يرافقنا صباحا ً إلى آخر منعطف يؤدي‬ ‫إلى الشارع المزدحم بالمارة قرب مدرسة (حطين‬ ‫اإلبتدائية) ‪ ..‬وبواعز من أخالقه ونبله يتركنا لهموم‬ ‫(القراية) ‪ ..‬وكدر حصص التسميّع ‪ ..‬وينحدر نحو غابة‬ ‫الزيتون « بسانية السالك»‪.‬‬ ‫وفى الظهيرة ‪ ..‬ما أن نغادر المدرسة حتى نلمحه في‬ ‫األفق بلونه األحمر المبرقع ببعض البياض ‪ ..‬واقفا على‬ ‫ناصية (الوسعاية) ال يكاد ذيله يكف عن التلويح للجميع‬ ‫‪ ..‬يلهث من شدة القيظ ‪ ..‬غير أن انضباطه بطقوس الرفقة‬ ‫يجعله ال يتأخر عنها ‪ ..‬وال يكسرها لمجرد الشعور‬ ‫ببعض الملل ‪ ..‬أو لسماع شنشنة هنا أو هناك ‪.‬‬ ‫كنا نحن ـ عيال الشارع ـ نتنافس حول من يمتلك قلب «‬ ‫أحجاب» ‪ ..‬كي يفوز بيوم من المرح مع الكلب األكثر‬ ‫جماالً ونظافة وشهرة وشعبية في الحي ‪ ..‬والعجيب أنني‬ ‫ال أذكر له صاحبا ً أو مالكا ً ‪ ..‬ولم أره يوما ً مربوطا ً بحبل‬ ‫‪ ..‬واألعجب هي قدرته المذهلة على جعل الكل يبدون كما‬ ‫لو أنهم ُملاّ ِكه ‪.‬‬ ‫كان شهما ً برتبة (جدع) ‪ ..‬ويمتلك من المروة ما يجعل‬ ‫دفاعه عن أبناء الحي ـ الذين تربى معهم ـ يأتي بشكل‬ ‫متسا ٍو في الرغبة والحماسة ‪ ..‬مما رشحه ألن يحوز‬ ‫صفة ( رفيق ) بجدارة ‪ ..‬وينال ثقة «عجايز» الشارع‬ ‫‪ ..‬إلى درجة تشعرك بوجود ميثاق غير مكتوب بينهّن‬ ‫على أنه ال يغدر ‪ ..‬عبر ترديد عبارة (الكلب ما يعضش‬ ‫صاحبه) ‪.‬‬ ‫فرغم توافره على بنية قوية وأنياب حادة ‪ ..‬لم يُسجل عليه‬ ‫تاريخه أنه استعملها لنهش ( رفيق ) ‪ ..‬أو التسبب في‬ ‫فجيعة أي من عجايز مناطق نفوذه ‪.‬‬ ‫وتبقى مهمة حماية (رفاقه) من كالب سبخة مصنع «‬ ‫ق ّزح « أثناء عبورها ‪ ..‬أبرز ما يعبّر به «احجاب» عن‬ ‫عرفناه لكرم أوالد الحومة معه ‪ ..‬وعن صرامته في‬ ‫التعامل مع تقاليد الرفقة ‪ ..‬فحتى اآلن ال أعلم كيف كان‬ ‫يعرف أن هناك من يريد عبور ذلك الممر ال ُموحش ‪..‬‬ ‫و(المتروس) بالكالب المتشردة ‪ ..‬فما أن يصل أحد أبناء‬ ‫الحي إلى هناك حتى تسمعه يصيح «احجاب ‪ ..‬احجاب»‬

‫‪15‬‬

‫عيسى عبدالقيّوم‬ ‫أحد أهم متداوالته عبارة «العوض على هللا بيده» ‪ ..‬في‬ ‫إشارة إلى فقدان شيء ما ‪ ..‬وما أكثر ما نفقد في هذه األيام‬ ‫المنحوسة ‪.‬‬ ‫ذات صباح الزلت أذكره جيداً ‪ ..‬استيقظت والتهمت‬ ‫فطوري على عجل ‪ ..‬حملت شنطتي على ظهري ‪..‬‬ ‫وانتعلت حذائي الرياضي ‪ ..‬ويممت وجهي شطر باب‬ ‫الخروج قبل الوقت بكثير ‪ ..‬كي ألحق بعيال الشارع في‬ ‫الوسعاية للفوز ببعض مشاغبات صباح طري ‪.‬‬ ‫أطليت على الوسعاية من (شوكة) الشارع ‪ ..‬فوجدت‬ ‫(العيال) متحلقين حول شيء ما ‪ ..‬لم أتمكن من التعرف‬ ‫عليه بشكل واضح لبعد المسافة ‪ ..‬ولحجب أجسام األوالد‬ ‫وشنطهم للرؤية الكاملة ‪.‬‬ ‫وما إن اقتربت حتى الح لي «احجاب» ممدداً بينهم على‬ ‫األرض ‪ ..‬كنت أظنه في حالة دالل صبّاحي يداعب فيها‬ ‫كعادته الرفاق‪ ..‬أو أنه مريض على أبعد تقدير ‪ ..‬ولكن‬ ‫ما أن وقفت على حافة الحلقة حتى شاهدت ما هو غير‬ ‫متوقع‪ ..‬لقد شاهدت بقع الدم وقد غطت وجه « احجاب»‪..‬‬ ‫وال حركة في جسده ‪.‬‬ ‫تمتم أحد األوالد بصوت مخنوق ‪:‬‬ ‫ـ سمعت البارحة صوت رصاص (كرهبة) البلدية ‪..‬‬ ‫أظنها كانت تطارد الكالب وتقتلها ‪.‬‬ ‫نظرت إلى «احجاب» فهالتني حالة الصمت التي تحوطه‬ ‫‪ ..‬وتلبستني قشعريرة الموت ‪ ..‬ومررت بسرعة على‬ ‫شريط حياته معنا ‪ ..‬منذ أن كان بحجم راحتي اليد ‪ ..‬والى‬ ‫أن صار وحشا ً بقلب إنسان ‪ ..‬وحتى لحظة موته على يد‬ ‫إنسان ‪.‬‬ ‫تحولت بنظري إلى وجهه فخيّل إلي أنه ينظر إلي مباشرة‬ ‫‪ ..‬فركت عيني فتأكدت من ذلك ‪ ..‬بدا لي كما لو أنه يريد‬ ‫أن يبوح بسره ‪ ..‬غير أن قاضي الموت كان قد أصدر‬ ‫قرار الصمت األزلي ‪.‬‬ ‫صباح ذلك اليوم الشتوي ال ُملبد بالغيوم ‪ ..‬من سنة‬ ‫‪1976‬م ‪ ..‬دفن «احجاب» تحت الزيتونة التي وجد تحتها‬ ‫رضيعاً‪ ..‬في الناحية الغربية من «سانية السالك»‪ ..‬وال‬ ‫أدري لماذا بادرت ـ يومها ـ بوضع (شاه ٍد) على قبره ‪..‬‬ ‫وحففته بحجارة صغيرة كما لو أنه قبر إنسان !!‪.‬‬ ‫اليوم ‪ ..‬وبعد مرور قرابة الـ ‪ 35‬سنة ‪ ..‬أستطيع أن أخ ّمن‬ ‫ماذا كان يريد «احجاب» أن يقول ‪ ..‬أتصور أنه كان يريد‬ ‫أن يهمس للرفاق‪:‬‬ ‫ـ آسف ‪ ..‬لقد كان في وسعي أن أهرب وأنفذ بجلدي ‪..‬‬ ‫كما تفعل الكالب المتشردة ‪ ..‬ولكنني حاولت أن أدافع عن‬ ‫الوسعاية فى غيابكم (!!!) ‪.‬‬

‫‪ ..‬وهو يشير بيده ناحية (الوسعاية) إلى (الرفيق) ذي‬ ‫البنية القوية ‪ ..‬والشعر األحمر المبرقع ‪ ..‬القادم بعينين‬ ‫تقدحان الشرار ‪ ..‬ومخالب تنهش األرض ‪ ..‬ليقف في‬ ‫حالة استنفار المحارب وكبرياء الطاووس ‪ ..‬في المسافة‬ ‫الفاصلة بين (رفاقه) والكالب المتشردة ‪.‬‬ ‫رغم مرور كل تلك السنين ال أتذكر بأنه خذل أحداً من‬ ‫رفاقه ‪ ..‬وكم ناله من أذى الكالب المتشردة ولم يتنازل‬ ‫عن صفة « الوفاء» التي ورثها عن أجداده ‪ ..‬ويبدو أنه‬ ‫كان فخورا بها ‪ ..‬كان عقب كل معركة طاحنة لعبور‬ ‫ممر مصنع « ق ّزح» ال ُموحش يعود ليبحث ـ بلهفة ـ عن‬ ‫عالمات الرضا في عيوننا‪ ..‬ولنجد نحن بدورنا عبارة‬ ‫«لن أخذلكم» تنضح من عينيه ‪.‬‬ ‫وعندما كنا نتجمع ليالً ‪ ..‬ونتحلق حول النار ‪ ..‬نتحدث‬ ‫عن بطوالته ذاك اليوم ‪ ..‬كان ال يكترث كثيرا لعبارات‬ ‫الشكر ‪ ..‬فقط كان يرفع رأسه قليال كلما مر ذكر اسمه‬ ‫في كالم أحد األوالد ‪ ..‬والطريف هو إصراره الدائم على‬ ‫أن يأخذ مكانه ضمن تتمة الحلقة ‪ ..‬ويرفض مزمجراً إن‬ ‫ترك خارجها ‪ ..‬كما لو أنه يذكرنا بالعيش والملح الذي‬ ‫بيننا ‪ ..‬وإن أختلف الجلد واللسان ‪ ..‬ال ُمعوّل عليهما في‬ ‫الشدائد ! ‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫وإن‬ ‫‪..‬‬ ‫؟!‬ ‫ال‬ ‫أم‬ ‫‪..‬‬ ‫المنطقة‬ ‫سكان‬ ‫نسيه‬ ‫هل‬ ‫ال أدري‬ ‫•( الحجاب ) ‪ :‬هو التميمة التى يعلقها الناس طلبا ً للسالمة من‬ ‫فصفة‬ ‫‪..‬‬ ‫بسهولة‬ ‫ينسونه‬ ‫لن‬ ‫ـ‬ ‫مثلي‬ ‫ـ‬ ‫أنهم‬ ‫أخمن‬ ‫كنت‬ ‫عوارض الدنيا ‪ ..‬ويتوسمون فيها الخير‪ ..‬وغالبا ً ما تكون ورقة‬ ‫السالك‬ ‫سانية‬ ‫كلب‬ ‫فينا‬ ‫زرعها‬ ‫التي‬ ‫الحسنة‬ ‫للرفقة‬ ‫الوفاء‬ ‫يكتبها رجل يشتهر بالصالح ‪ ..‬أو خرقة تؤخذ من قبور من يعرفون‬ ‫«احجاب» ‪ ..‬باتت من الندرة التي ستجعل من سيرة باألولياء ‪.‬‬ ‫«احجاب» أسطورة نرويها ونعيد إنتاجها في زمن أمست‬


‫‪16‬‬

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫سرية الشريف [‪]2‬‬

‫األيام اجلنوبية‬ ‫عندما اختفى العمران‬ ‫بدأت السيارة تتقدم‬ ‫الصحراء‪،‬كلما‬ ‫نحو‬ ‫تقدمت اتسع كل ما‬ ‫حولها وامتد‪،‬ألول مرة‬ ‫أراها وهي ليست كما‬ ‫في الكتب‪،‬من أحضر‬ ‫كل هذه الرمال إلى‬ ‫هنا‪،‬ومن أرسى الجبال‬ ‫ولماذا هناك عمران‬ ‫وهنا صحراء‪،‬ولماذا ال‬ ‫يوجد بحر هنا‪،‬الرياح‬ ‫تهب وتشتد وأرى التراب‬ ‫يتشكل في دوامات‬ ‫حلزونية ويرتفع في‬ ‫السماء مستديرا زاحفا‬ ‫على سطح الرمال‬ ‫النائمة‪،‬احتميت بمعطفي‬ ‫وكنت سعيدا به‪،‬قال أبي‬ ‫عندما اشتراه بثمن بخس‬ ‫من السوق القديم إنه‬ ‫يحمي الجنود من البرد‬ ‫عندما يذهبون للحرب‪،‬‬

‫أس��ئ��ل��ة ك��ث�يرة‬ ‫غ�����زت ع��ق��ل��ي‬ ‫وبقيت حبيسة‬ ‫صدري‪،‬محلتها‬ ‫معي وأن��ا أعود‬ ‫إىل حم��ب��س��ي‬ ‫وجسمي يعاني‬ ‫احلمى‬

‫في الروايات التي قرأتها عن الحرب رأيت‬ ‫الجنود يموتون واستعدت في ذاكرتي ما قرأته‬ ‫عنهم في رواية الحرب والسالم‪،‬ثم سرحت‬ ‫مع كتبي المكشوفة ألعين أصدقائي في‬ ‫مربوعتي التي كثيرا ما يقتحمونها حتى من‬ ‫دون استئذان ألنها مشرعة في النهار ومشرعة‬ ‫في الليل‪،‬وألن أبي يعرفهم وأمي أيضا تعرفهم‬ ‫بأسمائهم‪،‬بعضهم ما زال يحتفظ وبعد خمسين‬ ‫عاما بما أخذ منها من كتب‪،‬يقولون إنها ذكرى‬ ‫من زمن جميل لن يعود‪.‬‬ ‫وأنا في القمة رأيت على البعد ماء ورأيت‬ ‫جماال وسيارات تسير فوق الماء‪،‬سألت‬ ‫نفسي كيف يوجد الماء في الصحراء وكيف‬ ‫تسير عليه السيارات وال تغرق‪،‬وهذه الجمال‬ ‫التي أراها في الماء‪،‬هل سينتهي الطريق‬ ‫هناك‪،‬لكن كلما تقدمت السيارة صار الماء أبعد‬ ‫ثم أبعد‪،‬السيارة تتقدم وهو يبتعد ‪،‬فجأة رأيته‬ ‫يختفي ثم رأيته يظهر‪،‬تعبت عيني من مالحقته‬ ‫فاكتفيت بما هو قريب‪،‬على مد النظر ال أرى‬ ‫سوى رمال بعدها رمال خلفها في عمق األفق‬ ‫جبال بعدها جبال‪،‬تراها على بعد الخطى‬ ‫منك لكنها تزداد بعدا في اللحظة التي تراها‬ ‫على بعد خطوة واحدة‪،‬نسيت جوعي وكنت‬ ‫مشدوها بما أرى‪،‬تذكرت كاتبا وصف الطريق‬ ‫في الصحراء كأنه أفعى سوداء تمتد إلى ما‬ ‫ال نهاية‪،‬أبقيت نظري على الطريق األسود‬ ‫الضيق ألرى أين ينتهي رأس األفعى‪،‬كنا‬ ‫وحدنا في السيارة‪،‬ال إنس يسير وال طير يطير‬ ‫ورأس األفعى ال يظهر‪،‬ولم أكن على علم ببعد‬ ‫المسافات ولم أكن على علم بموعد الوصول‪،‬ال‬ ‫شيء أعرفه ألن األستاذ محمد الشريف لم‬ ‫يزودني بأية معلومات عن البالد التي أنا ذاهب‬ ‫إليها‪،‬تذكرت أنه في اليوم الثاني الذي جاء فيه‬ ‫إلى بيتنا وأخبرني وشرح لي معنى مدرس‬ ‫مؤقت أنه ناداني‪..‬األستاذ يوسف‪،‬لعله كان‬ ‫يعرف عشقي للقراءة ولعل أبي بالغ في وصف‬ ‫صفاتي العقلية له‪،‬اآلن يعود إلى الذاكرة وجه‬ ‫ذلك الجندي المجهول‪،‬ضخم البنيان يرتدي‬ ‫الجرد والبذلة الليبية وكان دائما سريع الخطى‬ ‫كأنه على موعد أخير‪،‬عندما كان يمر أمام بيتنا‬ ‫كان يلقي السالم علينا نحن الصغار كومضة‬ ‫برق‪،‬كان يبتسم ووجهه كان دائما مبتسما‪،‬ال‬ ‫أعرف كيف جاء إلى الزنقة وكيف امتلك‬ ‫سانية صارت معروفة بأنها سانية الشريّف‬ ‫وهي التي تنتهي فيها زنقة الباز‪،‬تذكرته‬ ‫وتمنيت لو كان معي وأنا هنا يقتلني الجوع‬ ‫والخوف والعطش‪،‬لكنني أجد نفسي وحيدا‬ ‫واألرض من تحتي بعيدة‪،‬فجأة بدأت السيارة‬ ‫تبطئ في مسيرها ثم تتوقف‪،‬في قلب الصحراء‬ ‫توقفت‪،‬غمرتني سعادة ال حد لها‪،‬خرجت‬

‫يوسف الشريف‬

‫من محبسي ونشرت أطراف جسدي إلى‬ ‫مداها‪،‬وقفت وأرسلت بصري فلم أر سوى‬ ‫فضاء يبدأ برتقالي أصفر ثم يذوب في فضاء‬ ‫آخر رمادي يلتف حول أشكال غريبة تختفي‬ ‫نهاياتها في فراغ أسود‪،‬هي الجبال الموغلة‬ ‫في البعد‪،‬غادرت السيارة خفيفا‪،‬فوجئت برجل‬ ‫آخر معنا عرفت فيما بعد أنه مساعد السائق‪،‬لم‬ ‫أسأل عمي علي عن سبب توقفه‪،‬ألن عيني‬ ‫رأت ما جرى‪،‬أخرج شيئا طويال محفوظا‬ ‫في جراب اكتشفت عندما ظهر أنه يشبه ذلك‬ ‫الشيء الذي أحضره أبي إلى بيتنا ذات يوم‬ ‫من أيام الحرب‪،‬بندقية‪،‬نازعتني مشاعر خوف‬ ‫منها‪،‬تراجعت إلى الوراء فيما عيني تراقب ما‬ ‫يحدث أمامها‪،‬حمل عمي علي بندقيته وابتعد‬ ‫عنا خطوات ثم أخفى نفسه خلف كتل حجرية‬ ‫‪،‬أخرستني الدهشة حتى على التنفس‪،‬رأيته‬ ‫يتخذ وضعا معينا ويصوب البندقية نحو‬ ‫هدف ال أراه‪، ،‬فجأة فرقع صوت مدوي كأنه‬ ‫انفجار‪،‬بعد دقائق خرج من مكمنه واندفع يقفز‬ ‫على الرمل والحجر‪،‬ابتعد ثم اختفى خلف‬ ‫مرتفع‪،‬قالت لي نفسي أنه لن يعود‪،‬لكنه عاد‬

‫يحمل على كتفه حيوانا‪،‬كان الفرح ظاهرا على‬ ‫وجهه وهو يلقي بالحيوان على األرض‪،‬كان‬ ‫الرأس الصغير مهشما والدماء منه تسيل‪،‬لم‬ ‫أفرق بين خوفي وغضبي‪،‬لعلي صرخت‬ ‫ولعلي بكيت‪،‬سمعته يقول إنه ثعلب‪،‬ألول مرة‬ ‫أرى حيوانا مقتوال وألول مرة أرى دما‪،‬ألول‬ ‫مرة أسمع صوت انطالق الرصاصة‪.‬‬ ‫رغم خوفي سألته‪:‬لماذا قتلته‪..‬؟‬ ‫أجاب‪:‬إنه ثعلب‪..‬الثعلب حيوان مفترس‪.‬‬ ‫سألته‪:‬هل سنأكله‪..‬؟‬ ‫أجاب‪:‬لحم الثعلب ال يأكله البشر‪.‬‬ ‫الدم‪،‬في العيد الكبير كنت أختفي داخل البيت‬ ‫عندما يشد الحاج محمد قوائم الضحية بحبل‬ ‫متين ويخرج السكين من غمده الجلدي ثم‬ ‫يختبر رهافة شفرته على ظفر إبهامه‪،‬يناديني‪..‬‬ ‫تعالى يا خواف‪،‬ال أستجيب‪،‬ال احتمل رؤية‬ ‫نفس تقتل‪،‬ستبقى صورة ذلك الحيوان محفورة‬ ‫في الذاكرة حتى والعمر يقترب من نهاية‬ ‫خريفه‪..‬انتظرت ماذا سيفعل بالقتيل‪،‬خفت أن‬ ‫يلقي به قرب محبسي‪،‬لكنه لم يفعل‪،‬رفع الجثة‬ ‫ثم قذف بها بعيدا‪.‬‬ ‫أسئلة كثيرة غزت عقلي وبقيت حبيسة‬ ‫صدري‪،‬حملتها معي وأنا أعود إلى محبسي‬ ‫وجسمي يعاني الحمى‪،‬غسلني عرق غزير‬ ‫وصارت كل أطراف جسدي ترتعد‪،‬تكومت‬ ‫واختفيت تحت طيات معطفي العسكري القديم‬ ‫واحترقت بعطش من نار‪،‬ال من يراني وال من‬ ‫يسمع شكواي‪،‬تذكرت أمي فسحقتني وحدة‬ ‫قاتلة‪،‬اآلن فقط أدركت أنني ما كان علي أن‬ ‫أغادر بيتي ومدرستي وكتبي‪،‬تركت دموعي‬ ‫تنساب وتختلط بعرقي‪،‬سأموت بعيدا عن أمي‬ ‫وسيتركني عمي علي على رمل الصحراء كما‬ ‫ترك جسد الثعلب المسكين‪،‬لكن هل سيخبر أبي‬ ‫بموتي ومن سيأكلني بعد موتي‪،‬هل سيأكلني‬ ‫ثعلب مفترس‪،‬هذا ما فكرت فيه قبل أن‬ ‫يأخذني النوم أو تأخذني الغيبوبة‪،‬كان جسدي‬ ‫يذوب تحت حرارة ال تطاق وأنا أتمنى قطرة‬ ‫ماء‪،‬قطرة واحدة‪،‬حتى لعابي جف وتخشبت‬ ‫شفتي وعجزت عن الكالم‪،‬قطرة ماء واحدة‬ ‫يا عمي علي‪،‬فقدت السمع والبصر واإلحساس‬ ‫بما حولي‪،‬بعد زمن ال أعرف إن كان ليال‬ ‫أو نهارا أفقت من نومي أو من غيبوبتي‬ ‫فوجدت نفسي في غرفة القيادة ووجه يتفحص‬ ‫وجهي‪،‬كان عمي علي يبتسم‪..‬قال يحذرني‪..‬‬ ‫أنت أمانة عندي متموتش‪،‬سقاني ماء كثيرا‬ ‫وقدم لي طعاما فأكلت بشراهة كأني لم أذق‬ ‫طعاما منذ عام‪،‬تحركت السيارة فخفت العودة‬ ‫إلى محبسي لكن عمي علي قال‪:‬أقعد معانا‬ ‫سوق السيارة‪،‬في هذه اللحظة رأيت في وجه‬ ‫عمي علي وجه أبي‪.‬‬


‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫‪17‬‬

‫«نيوز أوف ذي وورلد» وقائع فضيحة معلنة‬ ‫صت‬ ‫لن تهدأ تداعيات أزمة «نيوز أوف ذي وورلد» قريباً‪ .‬فضيحة التن ّ‬ ‫التي شغلت الدنيا في األسبوعَين األخي َرين تخطّت حدودها اإلعالمية‪،‬‬ ‫وحتى السياسية‪ ،‬لتصل إلى األسس األخالقية والمهنية التي أرستها‬ ‫المنظومة اإلعالمية إلمبراطورية روبرت مردوخ في العالم خالل نصف‬ ‫قرن‪ .‬وال ش ّك في أن الفضيحة التي ه ّزت بريطانيا أخيراً‪ ،‬بدأت تظهر‬ ‫ارتداداتها في كل الدول التي دخلها الحوت األوسترالي وشركته «نيوز‬ ‫كورب» لته ّز عرش إحدى أضخم المجموعات اإلعالمية في العالم‪.‬‬ ‫حتى الساعة‪ ،‬ال يزال مبكراً الحديث عن انهيار «نيوز كورب»‪.‬‬

‫مل يستغرب مراقبون بريطانيون‪،‬‬ ‫وحتى فرنسيون‪ ،‬وأمريكيون‪،‬‬ ‫أن تكون إحدى مطبوعات «نيوز‬ ‫التنصت‬ ‫ك���ورب» ق��د جل��أت إىل‬ ‫ّ‬ ‫على شخصيات عامة‪ ،‬ومواطنني‬ ‫عاديني للحصول على سبق صحايف‬

‫ليال حداد‬ ‫سلطة هذه الشركة تخطّت خالل أكثر من خمسين عاما ً‬ ‫الدور اإلعالمي‪ ،‬لتصبح العبا ً رئيسيا ً على الساحتَين‬ ‫السياسية واالقتصادية في العالم‪ .‬ولم يلقّب روبرت‬ ‫مردوخ مصادفةً بـ«صانع الملوك»‪ .‬بل أدى دوراً‬ ‫رئيسيا ً في دعم عدد من السياسيين في الواليات المتح ّدة‪،‬‬ ‫وبريطانيا‪ ...‬مثل وزيرة الخارجية األميركية هيالري‬ ‫كلينتون‪ ،‬ورئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت‬ ‫تاتشر‪ ،‬و‪ ...‬رئيس الوزراء البريطاني الحالي دايفيد‬ ‫كاميرون‪ .‬ولع ّل هذه النقطة تحديداً زادت من ح ّدة‬ ‫األزمة التي تعيشها لندن حالياً‪ ،‬وخصوصا ً أن كاميرون‬ ‫عيّن رئيس التحرير السابق لصحيفة «نيوز أوف ذي‬ ‫وورلد» آندي كولسون‪ ،‬مسؤوالً عن االتصاالت في‬ ‫مكتبه‪ .‬وكان قد أفرج عن كولسون أخيراً بشروط‪ ،‬بما‬ ‫أنه كان يرأس تحرير الصحيفة من عام ‪ 2003‬حتى‬ ‫‪ ،2007‬وهي السنوات التي كانت عمليات التنصت في‬ ‫المطبوعة في أوجها‪.‬‬ ‫لكن هل تنقذ العالقات السياسية روبرت مردوخ مرة‬ ‫جديدة؟ يبدو الجواب صعبا ً حتى الساعة‪ ،‬وخصوصا ً‬ ‫إذا ما نظرنا إلى تعاطي السلطات البريطانية مع أزمة‬ ‫التنصّت منذ خروجها إلى العلن للمرة األولى عام‬ ‫‪2005‬؛ إذ تر ّددت أجهزة األمن في فتح تحقيق في‬ ‫هذا الموضوع‪ ،‬بل كان جوابها واحداً‪« :‬ال أدلّة على‬ ‫عمليات تنصّت»‪ .‬وهو ما دفع صحيفة «فايننشل تايمز»‬ ‫أخيراً إلى نشر افتتاحية طرحت فيها عالمات استفهام‬ ‫حول تورّط الحكومة وأجهزة األمن في هذه الفضيحة‪:‬‬ ‫«إن تردد المسؤولين السياسيين في فتح تحقيق في هذا‬ ‫الملف‪ ،‬وفي مجموعة مردوخ اإلعالمية‪ ،‬أمر يثير‬ ‫الريبة»‪.‬‬ ‫وإن كان لقب «صانع الملوك» ينطبق على مردوخ‪ ،‬فإن‬ ‫لقبا ً آخر قد يشبهه أكثر‪ ،‬هو «صانع الصحافة الصفراء‬ ‫في بريطانيا»‪ .‬في عام ‪ ،1969‬وفي وقت كانت فيه‬ ‫الصحافة «الشعبية ـــــ ‪ »people‬تشهد موجة انحسار‬ ‫في العالم‪ ،‬وتحديداً في أوروبا‪ ،‬قرر روبرت مردوخ‬ ‫شراء «نيوز أوف ذي وورلد» و«صن»‪ ،‬ليعيد البريق‬ ‫إلى هذا النوع من المطبوعات‪ .‬هكذا باتت صحافة‬ ‫الفضائح صفة تالزم اإلعالم البريطاني حتى اليوم‪ .‬وقد‬ ‫ارتكزت هاتَان المطبوعتَان على «ثالوث مق ّدس» رفع‬ ‫عدد مبيعاتها إلى أرقام قياسية‪ ،‬هو‪ :‬الجرائم الغامضة‪،‬‬ ‫مثل اختطاف الفتاة ميلي داولر (‪ 13‬سنة) وقتلها‪،‬‬ ‫والجنس من خالل كشف تفاصيل العالقات الحميمة‬

‫(والسرية) للمشاهير مثل الممثل هيو غرانت‪ ،‬العب‬ ‫كرة القدم دايفيد بيكهام وزوجته فيكتوريا‪ ،‬عارضة‬ ‫األزياء كايت موس‪ ...‬أما األقنوم الثالث‪ ،‬فهو الفضائح‬ ‫التي غالبا ً ما كان يتّضح أنها خاطئة أو ناقصة‪ .‬ولع ّل خير‬ ‫دليل على ذلك الحملة الشعواء التي أطلقتها «نيوز أوف‬ ‫ذي وورلد» عام ‪ ( 2000‬بقيادة ريبيكا بروكس) على‬ ‫المتحرّشين جنسيا ً باألطفال‪ ،‬فنشرت أسماء وعناوين‬ ‫أشخاص «اشتبهت» بأنهم قاموا بعمليات تحرّش بأوالد‬ ‫قاصرين‪ ،‬ليتّضح الحقا ً أن أغلب هذه األسماء والعناوين‬ ‫كانت خاطئة!‬ ‫كذلك‪ ،‬تظهر نظرة سريعة إلى أبرز وسائل اإلعالم التي‬ ‫يملكها مردوخ حول العالم قاسما ً مشتركا ً في ما بينها‪،‬‬ ‫هو ترويج مجموعة من المواقف السياسية واالقتصادية‪.‬‬ ‫وخير مثال على ذلك أداء شبكة قناة «فوكس نيوز»‬ ‫األميركية (هل سمعتموها تلصق صفة «إرهابيين»‬ ‫باألميركيين ذوي األصول العربية ‪arab terrorist‬؟)‪.‬‬ ‫حتى ّ‬ ‫إن االختصاصي في مجال الميديا‪ ،‬الفرنسي جان‬ ‫ـــــ ماري شارون‪ ،‬ذهب أبعد من ذلك‪ ،‬فقال في مقابلة‬ ‫مع صحيفة «لو موند» الفرنسية إن «مردوخ جعل من‬

‫«نيوز أوف ذي وورلد» مطبوعة شوفينية‪ ،‬معادية‬ ‫ألوروبا‪ ،‬وتعاني من رهاب األجانب»‪ .‬وهي صفات‬ ‫تنطبق على معظم وسائل اإلعالم التابعة لـ«نيوز‬ ‫كروب»‪ ،‬وعلى شخصية مردوخ ربما‪ ،‬أليس هو القائل‬ ‫خالل العدوان على غزة‪« :‬الشعب اإلسرائيلي يحارب‬ ‫حاليا ً عدوّنا المشترك‪ ،‬وهو عبارة عن مجموعة من‬ ‫المجرمين الذين يقتلون بدم بارد‪ ،‬ويكرهون الحرية‬ ‫والسالم»! وفي عام ‪ُ ،2006‬سرّب إلى العلن حديث‬ ‫بين مردوخ‪ ،‬والعاملَين في «فوكس نيوز» بيل أورايلي‪،‬‬ ‫وشون هانيتي‪ .‬يومها قال صاحب «نيوز كورب»‪:‬‬ ‫«ليحم هللا مشاهدينا األغبياء والحمقى‪ ،‬فلوالهم لما‬ ‫ِ‬ ‫استمرّت «فوكس نيوز» ولما أصبحت مليارديراً»‪.‬‬ ‫أما الحادثة األشهر فكانت عام ‪ ،2009‬عندما نشرت‬ ‫صحيفة «نيويورك بوست» (يملكها مردوخ أيضاً)‬ ‫رسما ً كاريكاتوريا ً عنصريا ً صوّر الرئيس باراك أوباما‬ ‫عى شكل قرد‪ .‬وقد أثار هذا الرسم حفيظة األميركيين‬ ‫ذوي األصول األفريقية‪ ،‬ما اضطر مردوخ إلى االعتذار‬ ‫في رسالة مكتوبة في الصحيفة نفسها‪.‬‬ ‫نتيجة لك ّل ما سبق‪ ،‬لم يستغرب مراقبون بريطانيون‪،‬‬ ‫وحتى فرنسيون‪ ،‬وأميركيون‪ ،‬أن تكون إحدى مطبوعات‬ ‫«نيوز كورب» قد لجأت إلى التنصّت على شخصيات‬ ‫عامة‪ ،‬ومواطنين عاديين للحصول على سبق صحافي‬ ‫«روبرت مردوخ بنى إمبراطوريته على مبدأ المنافسة‬ ‫المشروعة وغير المشروعة‪ ،‬وهنا كل شيء مباح»‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬تطول الئحة االنتقادات الموجّهة إلى مردوخ‬ ‫ووسائله اإلعالمية‪ ،‬لكنّها حتما ً ال تنفي واقعا ً واحداً‪ ،‬هي‬ ‫أن هذا الرجل الثمانيني أعاد هيكلة الخريطة اإلعالمية‬ ‫في العالم‪ ،‬وإن بطريقة بعيدة عن مهنية وغير إنسانية‪:‬‬ ‫في ‪ 24‬كانون الثاني (يناير) ‪ ،1986‬صرف روبرت‬ ‫مردوخ أكثر من ‪ 5‬آالف موظّف في المطابع التي‬ ‫كانت تصدر مطبوعات «نيوز إنترناشونال» في لندن‪.‬‬ ‫والسبب إضراب هؤالء للحصول على بعض المطالب‬ ‫المعيشية والمهنية! يومها قال الحوت األوسترالي إن كل‬ ‫يوم إضراب يكلّف ماليين الدوالرات‪ ،‬وأعلن من دون‬ ‫مورابة أنه يجب التخلّص من الحركة النقابية في بريطانيا‬ ‫والعالم‪ .‬هل سمعتم يوما ً بـ«الرأسمالية المتوحّشة»؟ إن‬ ‫لم تفعلوا‪ ،‬فتعرّفوا إلى روبرت مردوخ‪ ...‬قد تتضح‬ ‫الصورة‪.‬‬


‫‪18‬‬

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫ثورات ليبيا األربع‬ ‫بقلم انطوني فيتكن ـ ترجمة ‪:‬فؤاد سالم‬ ‫التعليقات التي رافقت االحتفال بمرور‬ ‫‪ 3‬أشهر على التدخل الجوي في‬ ‫ليبيا خلفت في الظل غالبا بعدا آخر‬ ‫لالزمة‪ .‬بتدخلنا العسكري فإننا تحملنا‬ ‫في الواقع على عاتقنا مسؤولية‬ ‫سياسية لمستقبل هذا البلد‪ .‬هل كان‬ ‫يجب أن نتحرك؟‪ .‬بقايا عشرات‬ ‫الدبابات واآلليات الثقيلة المدمرة‬ ‫بفعل الطيران الفرنسي في ضواحي‬ ‫بنغازي ال يترك أي مجال للشك في‬ ‫المجزرة التي أوشكت أن تقع لدى‬ ‫دخول هذه اآلليات إلى مدينة انتفضت‬ ‫الشهر السابق‪ .‬في ‪ 19‬مارس أنقذنا‬ ‫مدينة عدد سكانها ‪ 700000‬نسمة‬ ‫من حمام دم ومنعنا شعلة المقاومة‬ ‫الليبية من االنطفاء‪ .‬ولكن منذ األيام‬ ‫األولى ما كان يجب علينا إن ننخدع‪:‬‬ ‫إنه سواء وعينا لذلك أم ال كانت‬ ‫بداية تداعيات سياسية وليست فقط‬ ‫عسكرية‪.‬‬

‫حدث غير مسبوق‪ ،‬فهذه المسؤولية تقع على‬ ‫فرنسا في المقام األول منذ البداية والتي بدونها‬ ‫قد ال يكون الغرب تدخل ضد نظام معمر‬ ‫القذافي‪ .‬ثالثة أشهر بعد هذا التدخل ومازلنا‬ ‫هنا‪ .‬مكنا المتمردين من االحتفاظ برؤوسهم‬ ‫خارج الماء وسيصلون غدا بالقوة أو بوسائل‬ ‫سياسية للسلطة‪ .‬وهذا سيأتي بأسرع مما نظن‬ ‫ألن كل يوم يمر يترك القذافي أكثر ضعفا ً‬ ‫وأكثر عزلة‪ .‬بطريقة أو بأخرى سنكون‬ ‫مسئولين على ما يفعلونه بانتصارهم‪ .‬مكافأة‬ ‫عظيمة لمسؤوليتنا إذا تم كل شي على ما‬ ‫يرام‪ ،‬وكم ستكون ثقيلة إذا عمت الفوضى‬ ‫أو الحرب األهلية عقب سقوط العقيد‪ .‬إننا لن‬ ‫نستطيع أن نغسل أيدينا من هذا ونذهب بعد‬ ‫أن ساهمنا بهذا القدر في سقوط الدكتاتور‪.‬‬ ‫األمر الملح والمستعجل ليس في تقييم أثر‬ ‫ضربات التحالف أو تثمين شجاعة المقاتلين‬ ‫في مصراتة أو اجدابيا‪ ،‬ولكن بمحاولة فهم ما‬ ‫هو المستقبل الذي يعد لليبيا ومحاولة التأثير‬ ‫في مجريات األحداث‪ .‬المستقبل يرسم في‬ ‫هذه اللحظة نفسها ببنغازي معقل ليبيا الجديدة‬ ‫حيث تجري أربع ثورات تتداخل وربما‬ ‫تتعارض‪.‬‬ ‫الثورة األولى‪:‬‬ ‫تشبه كميونة باريس بمدنييها وشبابها‬ ‫وتجارها وموظفيها الصغار‪ ،‬مسلحين‬ ‫ببنادقهم الكالشينكوف وبحماسهم ومدافعين‬ ‫ببسالة عن مدينة ثائرة وأراض محررة‪ .‬بدون‬ ‫هؤالء ما كان لشيء أن يتحقق‪ ،‬ألنهم قاوموا‪.‬‬ ‫لقد أخذوا في فبراير كتيبة بنغازي بأيد عارية‬ ‫وتحت وابل الرشاشات‪ ،‬لقد حفظوا بعد ذلك‬ ‫المدينة من النهب وسمحوا بتدمير المباني‬

‫التابعة للقذافي ولكن ليس تلك التابعة للدولة‪.‬‬ ‫شعورهم الكبير تجاه وطنهم وإحساسهم‬ ‫الجديد بان مصيرهم أصبح بين أيديهم دفعهم‬ ‫إلى خلق حالة من األمن والنظام‪ ،‬هشة لكنها‬ ‫حقيقية بقوة الدوريات ونقاط التفتيش‪ .‬هذه‬ ‫الوطنية التي تذكي أوارها الحرية هي رأس‬ ‫مال مستقبل البلد‪ .‬إنهم يخوضون حربا ً بال‬ ‫هوادة على الجبهة الشرقية وفي مصراتة وفي‬ ‫جبال نفوسة‪ .‬في البداية يمكن ألي شخص أن‬ ‫يشعل النار‪ ،‬ولكن أصبحت الحرب اليوم أكثر‬ ‫حرفية والمتمردون تسلحوا‪ .‬تحولت بنغازي‬ ‫إلى قاعدة خلفية كبيرة تعج بورش األسلحة‬ ‫ويعالج الجرحى ويُحول على عجل بائعو‬ ‫الهواتف المحمولة إلى رماة مهرة وطلبة‬ ‫علوم األحياء إلى رجال إسعاف‪.‬‬ ‫ولكن كلما طالت األحداث تركت الحرب أثرها‬ ‫أكثر على المجتمع الليبي ‪ :‬هؤالء األطفال‬ ‫ذوو ‪ 10‬سنوات الذين يتجولون مسلحين‪،‬‬ ‫هؤالء الشباب الصغار الذين يعايشون الموت‬ ‫و هيجان المعركة‪ ،‬هذه األسر التي تغرق‬ ‫شيئا ً فشيئا ً في الحداد والرغبة في االنتقام‪.‬‬ ‫وسم عناد القذافي وتصلبه مستقبل ليبيا‬ ‫بالعنف‪ .‬قال احد الطلبة‪ :‬األمن ليس سيئا ً ألن‬ ‫الشباب الرديئين ليسوا هنا‪ ،‬إنهم في الجبهة‪.‬‬ ‫النسيج االجتماعي الهش يتوتر كل يوم أكثر‪:‬‬ ‫بدأنا نحس بمرحلة ما بعد القذافي‪ .‬يجب أن‬ ‫يحث التحالف الخطى ‪ ،‬ليس فقط من أجل‬ ‫حماية األرواح‪.‬‬ ‫الثورة الثانية‪:‬‬ ‫هي ثورة برجوازية ‪ -‬والتي ال تكون كذلك‬ ‫بدون استذكار ثورة سنة ‪( 1848-‬في فرنسا‬ ‫قادت إلى تأسيس الجمهورية الفرنسية الثانية)‬ ‫تحت رعاية المجلس الوطني االنتقالي‪ ،‬تجمع‬ ‫لصفوة الليبيين‪ ،‬من عائالت نافذة‪ ،‬من قبائل‪،‬‬ ‫من معارضين بالخارج‪ ،‬من شخصيات‬ ‫مؤثرة‪ ،‬من محامين وأطباء ومهندسين‪ ،‬ومن‬ ‫جماعة رجال األعمال يتحدثون االنجليزية‬ ‫وواقعيون مرتبطون غالبا ً بالبترول‪ .‬وبعيداً‬ ‫عن غليان الجبهة فإنها ثورة برجوازية لديها‬ ‫اجتماعاتها الغير معلنة في فندق تيبستي‬ ‫الراقي‪ ،‬ولقاءاتها الصحفية وطيرانها الخاص‬ ‫ومفاوضاتها في الخارج يقودها رجال‬ ‫يرتدون بزات داكنة أنيقة وبعض النساء‪.‬‬ ‫هؤالء البرجوازيون يتناقشون أحيانا ً بصعوبة‬ ‫مع المقاتلين‪ .‬هؤالء الصفوة الذين يأتون من‬ ‫كل المناطق الليبية بالرغم من التمثيل السيادي‬ ‫للبنغازيين‪ ،‬استفادوا من انفتاح نظام القذافي‬ ‫االقتصادي وعرفوا كيف ينسجون عالقات‬ ‫في أوروبا وأمريكا‪ .‬لقد أعمى بصيرتنا شذوذ‬ ‫القذافي وغرابة أطواره فأهملنا هذا الوجه‬ ‫لليبيا‪ .‬إن هذه البرجوازية تجد نفسها أالن‬ ‫على رأس ثورة فاجأتها هي نفسها‪.‬‬ ‫ثم الثورة الثالثة‪:‬‬ ‫وهي حرب مقدسة على هتاف هللا اكبر‪،‬‬ ‫يطلقها المقاتلون في الجبهات كما يطلقها‬ ‫المحتشدون في ميدان بنغازي الكبير‪ .‬وهو‬

‫حدث يسبق الصالة الجماعية‪ :‬يجب أن يكون‬ ‫القضاة رجال دين‪ ،‬صرخ احد المعلمين‪ ،‬نحن‬ ‫ال نريد تقليد السعودية ولكن حكومتنا ستكون‬ ‫إسالمية‪ ،‬قال ذلك أحد كبار قادة المتمردين‬ ‫بدون أي تفصيل أكثر‪ ،‬وقد سكت عندما‬ ‫طلبنا منه ذلك‪ .‬إسالم بنغازي النقي في مقابلة‬ ‫القذافي الكافر‪ ،‬خائن الملة‪ :‬نقاشات سمعت‬ ‫ألف مرة‪ .‬اإلسالم يجمع المتمردين ويقدم‬ ‫لهم الحد األدنى من الوحدة السياسية‪ .‬وليبيا‬ ‫كما العالم العربي تغلي‪ ،‬تبحث عن طريق‬ ‫إسالمية نحو الديمقراطية‪ .‬والكثير يختلسون‬ ‫النظر إلى مصر والى اإلخوان المسلمين‪.‬‬ ‫يوجد حقيقة إسالميون مخالفون‪ ،‬إنهم قليلون‬ ‫جداً‪ ،‬لكن ال يستهان بهم‪ .‬في درنة على سبيل‬ ‫المثال – الواقعة ‪ 300‬كم إلى الشرق ‪ -‬عضو‬ ‫سابق من القاعدة يقود المدينة ‪ ،‬وفي الجبهة‬ ‫يمكن أن نقابل مقاتلين ال يمكننا التأكد من‬ ‫كونهم كلهم ليبيين‪ .‬كل يوم يمر في هذه الحرب‬ ‫يقوي شوكة الجهاديين الذين يرون أن هذا‬ ‫الصراع فرصة لهم‪ .‬غدا سوف يتم تحييدهم‬ ‫بسهولة عندما يصل المتمردون إلى السيطرة‬ ‫على البالد‪ .‬ولكن إذا لم يحدث ذلك فيجب أن‬ ‫يحسب حسابهم‪ ،‬حيث يمكن أن يؤسس قوس‬ ‫من الجهاديين من دول الصحراء إلى الشرق‬ ‫الليبي على الضفة األخرى من المتوسط‪.‬‬ ‫وفي النهاية الثورة الرابعة‪:‬‬ ‫مهما كانت هامشية هي ثورة مايو‪-1968‬‬ ‫(احتجاجات طالبية في فرنسا)‪ .‬بحريتها‬ ‫الجديدة‪ ،‬وإبداعها التصويري وبشعاراتها‬ ‫وأحالمها الضبابية في الغد التي تغنيها‪،‬‬ ‫وشبابها الناضج التكوين‪ ،‬العديد من الطالب‬ ‫والمتحدثين باالنجليزية الذين يشاهدون قناة‬ ‫الجزيرة القطرية والفيسبوك والحالمون‬ ‫على أجهزة حواسيبهم أينما وجدوا الويفي‪.‬‬ ‫هذه الثورة التي المست األطفال من الطبقة‬ ‫المتوسطة العربية البازغة في ليبيا وفي‬ ‫غيرها لطفتها التقاليد المحافظة القوية‪ .‬ال‬ ‫يوجد جنس أو مخدرات‪ ،‬ويوجد القليل من‬ ‫موسيقى الروك اندرول في بنغازي‪ .‬الجوقات‬ ‫أغان ثورية‬ ‫الموسيقية للثورة هي عبارة عن‬ ‫ٍ‬ ‫بموسيقى تقليدية‪ .‬هؤالء الشباب انضموا يوما‬ ‫أو آخر للجبهة ولكنهم أدركوا سريعا أن القتال‬ ‫هو احتراف‪ .‬هؤالء الشباب ال يهتمون كثيراً‬ ‫بالسياسة لكن اهتمامهم هو بتحقيق ذاتهم‪،‬‬ ‫ويفضلون بحماس أن يؤثروا في الحياة‬ ‫اليومية بكل أشكال المدونات على الشبكة‬ ‫والجرائد الجديدة والمحطات المرئية الجديدة‬ ‫التي تمثل رأس حربتها‪ .‬إذا لم تأكل فترة ما‬ ‫بعد القذافي أحالمهم فإنهم سيكونون ليبيا ما‬ ‫بعد الغد‪.‬‬ ‫يجب التحاور مع هذه الثورات األربع‪ ،‬وال‬ ‫نستهين بأي منها‪ .‬نساعد الكميونة على‬ ‫االنتصار بأسرع ما يمكن ونقوي ثورة‬ ‫البورجوازيين‪ ،‬ألنها الوحيدة القادرة على‬ ‫حكم ليبيا‪ ،‬وال نهمل الثورة اإلسالمية‪ ،‬كما‬ ‫إننا يجب أن ال نضحي في سبيل الثالثة‬

‫األولى بثورة الشباب التي تحاول اإلطاحة‬ ‫بالنماذج القديمة‪.‬‬ ‫ثورة البورجوازيين هي التي ستقوم في‬ ‫الوقت القريب بتحديد االنتقال بين ليبيا‬ ‫القديمة والجديدة‪ ،‬ليس الجبهة وال الشارع‬ ‫ولكن قياديي المجلس االنتقالي‪ .‬هذا التالقي‬ ‫عالي القيمة‪ .‬مفعمين بالعزة والوقار مثل عبد‬ ‫الكريم بازامة الذي خرج صُلبا ً بعد ‪ 8‬سنوات‬ ‫في أسوأ السجون‪ .‬مثل الجنرال عبد الفتاح‬ ‫يونس وزير سابق للداخلية وزعيم حربي‬ ‫اآلن ومثاليته‪ .‬مثل الجامعية ذات الثقافة‬ ‫الفرنسية سلوى الدغيلي الوزيرة المؤقتة‬ ‫للعدل‪ .‬ودون أن ننسى محمود جبريل الرجل‬ ‫الصاعد والذي أكسبته خبرته على رأس‬ ‫البترول مهارة المفاوض المتفطن‪ .‬أو الداهية‬ ‫مصطفى عبد الجليل‪ .‬هل هم قادرون على‬ ‫حكم ليبيا؟‬ ‫إن لديهم مؤهالت في أيديهم‪ :‬الوطنية الليبية‪،‬‬ ‫الثروة النفطية الهائلة‪ ،‬صفوة مقبولة‪ ،‬الوحدة‬ ‫الدينية‪ ،‬كثافة سكانية منخفضة‪ ،‬لم يقطعوا‬ ‫الحوار أبداً في الخفاء مع رجال من النظام‪.‬‬ ‫وللغرابة‪ :‬فإن المرحلة االنتقالية ما بعد القذافي‬ ‫يمكن أن تكون أكثر سالسة منها في مصر أو‬ ‫تونس و أكثر تطوراً‪ .‬أو على العكس ستكون‬ ‫كابوساً‪ .‬ألنه غدا يجب حكم طرابلس وإرساء‬ ‫حكومة فيها تحكم كل الوطن‪ ،‬وال يجب أن‬ ‫تتشرذم البالد‪ ،‬ويجب إدارة القوى الطاردة‬ ‫وتفكيك نظام شمولي عجوز له أكثر من‬ ‫أربعين عاماً‪ ،‬ومواجهة مئات اآلالف ممن‬ ‫انتفعوا من ذلك النظام‪.‬‬ ‫طبيعة وطول تورطنا في األزمة الليبية تعتمد‬ ‫على كفاءة قادة المجلس االنتقالي وأهليتهم‬ ‫واتجاههم الجماعي وسلطتهم‪ .‬يجب أن ندفعهم‬ ‫إلى عملية انتقال سلسة بدون عنف مفرط‬ ‫وإدماج جزء من النظام في طرابلس‪ ،‬لنتجنب‬ ‫األخطاء العراقية‪ ،‬مثل إقصاء كل أعضاء‬ ‫حزب البعث‪ .‬يمكن أن يكون النموذج الممكن‬ ‫إتباعه هو النموذج األرجنتيني حيث ضحى‬ ‫األرجنتينيون في سبيل تقوية الديمقراطية‬ ‫بتأجيل محاكمات عاجلة للفاسدين‪ .‬الطريق‬ ‫بعد القذافي وعرة‪ .‬نحن حليف لليبيا ولثوراتها‬ ‫األربع‪ .‬إن هذا يتعلق بمستقبل بلد مفصلي بين‬ ‫أوربا وإفريقيا حيث ستكون عواقب عدم‬ ‫استقراره وخيمة‪ ،‬ويتعلق ذلك أيضا ً بدور‬ ‫فرنسا المستقبلي في المنطقة أبعد من التجربة‬ ‫الليبية وعالقاتها مع العالم العربي الثائر‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫•نشر في ‪ 5‬يوليو ‪ - 2011‬جريدة العالم (‪Le‬‬ ‫‪ )monde‬الفرنسية‬ ‫•*الكاتب ‪ :‬صحافي وكاتب فرنسي ومخرج‬ ‫أفالم وثائقية‬


‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫‪19‬‬

‫امللحمة الليبية ‪ :‬استقالل البالد الثاني‬ ‫فجأة وجد اإلعالم ليبيا وتحولت الميديا إلي كولومبس جديد فرح بالذهب المتمثل في‬ ‫األخبار وطازجتها ‪ ،‬هذا اإلعالم الذي كان كما األعمى الفاقد البصر والبصيرة اتجاه ما‬ ‫يحدث في ليبيا ‪ ،‬وكما فوجئ هذا اإلعالم فوجئ العالم الذي لم ينمل وجدانه ما يفعله القذافي‬ ‫بالبشر في ليبيا ‪ ،‬الذي كمثال فقط ؛ ذبح في ساعات ‪ 1278‬من السجناء في سجن بوسليم‬ ‫عام ‪ 1996‬م ‪.‬‬

‫أحمد الفيتوري‬ ‫وهكذا كما انهالت على البالد أضواء اإلعالم‬ ‫انهالت قرارات دولية يعجز المرء العاقل‬ ‫عن متبعاتها ‪ ،‬وكان تجاهل الميديا لما‬ ‫يحدث في ليبيا ‪ ،‬وتواطؤ الغرب الحريص‬ ‫على استقرار الشرق األوسط الذي يقع‬ ‫جنوب أوربا ومصدر طاقته قد مكن القذافي‬ ‫من إخراج ليبيا من الجغرافيا والتاريخ ‪،‬‬ ‫هذا إلي جانب ضعف بنيوي في تركيب‬ ‫المؤسسات الليبية ‪.‬‬ ‫وقد ساهمت في تفاقم هذه الوضعية ثروة‬ ‫هائلة مكن منها القذافي شخصيا وحُرم منها‬ ‫الليبيون ‪ ،‬وحتى العمالة العربية واآلسيوية ‪،‬‬ ‫التي تربو عن مليون ونصف أي ما يعادل‬ ‫ربع السكان تقريبا‪ ،‬كانت تحصل على أقل‬ ‫األجور ؛ لذا كانت هذه العمالة التي تأتي إلي‬ ‫ليبيا فقيرة المال والمعرفة وأقل كفاءة من‬ ‫مثيلها في منطقة الخليج مثال ‪.‬‬ ‫مما جعل البالد تتدحرج إلي فجوة من‬ ‫ثقوب سوداء ال كنه لها هي سديم من عنف‬ ‫مضطرد من قبل القذافي ‪ ،‬من عمل على‬ ‫تفتيت النخب وتقسيم الكيان االجتماعي وهدم‬ ‫الروح اإلنسانية بأن جعل التفكير تهمة ‪،‬‬ ‫وفعل المستحيل من أجل أن تفر العقول إلي‬ ‫شتات يطارد فيه كل ليبي ‪ ،‬ويقتل الفرد فيه‬ ‫تحت أسماع وبصر الجميع دون أن يحرك‬ ‫أحد ساكنة ‪ ،‬ولعل ألحد ذاكرة غير مثقوبة‬ ‫فيتذكر كم اغتيل من الليبيين في عواصم‬ ‫العالم الحر ؛ من لجوء إليه مستغيثين وما من‬ ‫نجدة ‪ ،‬وأحد من تم اغتيالهم في لندن مدينة‬ ‫الحرية كان مذيعا بأشهر إذاعات الكون ‪:‬‬ ‫إذاعة لندن ‪.‬‬ ‫هذا العالم اآلن يمارس هوايته المعتادة‬ ‫في التسلية بمتابعة الجرائم ضد البشرية ‪،‬‬ ‫رغم أن الليبيين هذه المرة لم يكتفوا بتقديم‬ ‫الضحايا كقربان على مذبح الحرية في‬ ‫بالدهم بل تقدموا لتقديم درس في أن تحرير‬ ‫البالد من القوات األجنبية ‪ ( -‬االيطاليون‬ ‫الذين قام الليبيون بحرب مسلحة ضدهم‬ ‫ما بين عامي ‪ 1939 – 1911‬م وأيقونة‬ ‫نضالهم عمر المختار شيخ الشهداء ) ‪ -‬ال‬ ‫يكتمل إال بتحرير البالد من القوات المحلية‬ ‫التي تمثل ذلك االحتالل األجنبي ‪ .‬ولذا نجد‬ ‫شباب انتفاضة ‪ 17‬فبراير الليبية يستخدمون‬ ‫مصطلح ‪ :‬تحرير وكلما تسنى لهم افتكاك‬ ‫موقع ‪ ،‬من فلول الكتائب األمنية للقذافي‬

‫المستعينة بقوات أجنبية عرفت بالمرتزقة‬ ‫‪،‬عدوه موقعا محررا ‪ ،‬وقد تمكنوا في أربعة‬ ‫أيام من تحرير أكثر من نصف البالد ‪.‬‬ ‫الملحمة الليبية ‪:‬‬ ‫لقد تمكن الليبيون من إسقاط النظام في أربعة‬ ‫أيام وبذلك حققوا ما لم تستطع تحقيقه ثورتا‬ ‫تونس ومصر ! ‪ ،‬لقد اسقطوا النظام وان‬ ‫بقي رأس النظام حتى الساعة ‪ ،‬ويخوضون‬ ‫حرب تحرير بصدورهم في مواجهة جحافل‬ ‫من قوات أجنبية القلب والقالب ‪ :‬بمعنى‬ ‫أن الكثير من الليبيين المنضوين تحت هذه‬ ‫القوات والؤهم الحقيقي لمصالحهم الشخصية‬ ‫ولمن يملك زمام هذه المصالح بين يديه وهو‬ ‫رأس النظام المنهار ‪ ،‬وبمعنى أن الكثير من‬ ‫أفراد هذه القوات من المرتزقة ‪ ،‬وبمعنى‬ ‫آخر إن بالدا كروسيا من هي مصدر هذه‬ ‫األسلحة تقف في المحافل الدولية مدافعة عن‬ ‫عقود هذه األسلحة مع القذافي ‪ .‬أما الدعم‬ ‫السياسي لرأس النظام فيتمثل في هذا الخرس‬ ‫ما أصاب دول الجوار واإلقليم ومن يتستر‬ ‫تحت مطالب تدعو – للموت ضحكا – بكف‬ ‫العنف بين الطرفين ‪.‬‬ ‫أما كيف تم إسقاط النظام وكيف أن الرأس‬ ‫باقية حتى الساعة ؟ ‪ ،‬فبمكنة أي مراقب أو‬ ‫متابع غير حصيف إدراك ذك ‪ ،‬لنتصور أن‬ ‫هناك من لديه فضول لمتابعة هذا االندالق‬ ‫اإلعالمي فسيالحظ دون جهد يذكر أن ما‬ ‫تبقي من نظام القذافي هو القذافي وابنه فقط‬ ‫‪ ،‬وان ليس ثمة رجل غيرهما ‪ ،‬مسؤول‬ ‫غيرهما ‪ ،‬ليس ثمة رئيس وزراء ‪ ،‬وزير‬ ‫ألي شيء ‪ ،‬عسكري ‪ ،‬إعالمي ‪ ،‬رجل يفكر‬ ‫؛ وما أكثر المفكرين في دولة القذافي الذين‬ ‫كانوا ينظرون لنظريته العالمية لخالص‬ ‫البشرية ‪ ،‬دون المزيد وما أكثره ال أحد‬ ‫غيرهما ‪.‬‬ ‫أضف إلي ذلك أن هذه بالد مترامية‬ ‫األطراف ‪ ،‬وتقع على بعد ‪ 12‬ساعة من‬ ‫إبحار فرد في قارب بمجدافين من جزيرة‬ ‫المبدوزا اإليطالية ؛ وهذا ما دعا وزير‬ ‫ايطالي يصرح أن تفاقم الوضع في ليبيا‬ ‫يمكن أن يجعل ما يقارب النصف مليون من‬ ‫الليبيين يتدفقون علي الشواطئ االيطالية ؛‬ ‫هذه البالد سيطر شباب انتفاضة ‪ 17‬فبراير‬ ‫على أكثر مدنها على األرض وأقاموا في‬ ‫أقل من أسبوعين إدارت محلية تدير شؤونها‬ ‫‪ ،‬وقد طالع جمهور شاشات الدنيا أغلب‬

‫شوارع هذه المدن والحظ أن التسيير الذاتي‬ ‫قد نجح إلي حد بعيد ؛ حتى أن من يدير‬ ‫المرور في مدينة بنغازي هم الصبية الذين‬ ‫ينصاع المشاة وسائقو السيارات لتوجيهاتهم‬ ‫‪ ،‬أما على مستوى التموين فقد أقيمت مطاعم‬ ‫طوارئ تقدم الطعام مجانا للمعتصمين‬ ‫والمتظاهرين ‪ ...‬الخ ‪.‬‬ ‫لقد تمكن الليبيون من استعادة البالد من‬ ‫سيطرة القذافي ‪ ،‬بل وحوصر هو ذاته رغم‬ ‫ما يمتلكه من قوات عسكرية التي لم يتمكن‬ ‫من تحريكها بسب تمرد أفرادها وانضمامهم‬ ‫لالنتفاضة ‪.‬‬ ‫علم االستقالل‬ ‫وتم تأسيس مجلس وطني مؤقت حصل‬ ‫بشكل عاجل على التأييد من كل المدن‬ ‫المحررة ‪ ،‬ومن التنظيمات السياسية الليبية‬ ‫المعارضة وشخصيات بارزة ومن سفارات‬ ‫ليبية في الخارج ‪.‬‬ ‫لعله من هذا قد أدرك كل مراقب أو متابع‬ ‫حصيف األدلة علي سقوط النظام في ليبيا‬ ‫وبقاء الرأس متحصنا في قلعته ‪ ،‬يبعث بين‬ ‫الحين واآلخر قواته كي تنكل بمدينة الزاوية‬ ‫– مثال‪ -‬وهي تبعد عن مقر قيادته ‪ 40‬كم‬ ‫فقط ‪ .‬وفي البالد المترامية األطراف اآلن‬ ‫إدارة عليا تدير ما تم تحريره من أراض‬ ‫ليبية ‪ .‬لكن هذه اإلدارة المستحدثة تعاني كل‬ ‫ما تعانيه البالد ؛ القذافي عمل طوال العقود‬ ‫األربعة الماضية علي إلغاء الدولة ‪ ،‬وقد‬ ‫نظر كثيرا لمفهوم أال دولة تحت شعارات‬ ‫عدة أشهرها اإلدارة الشعبية المفرغة من‬ ‫مضمونها ‪ ،‬ورفع شعارات منها إلغاء‬ ‫القوانين ورمى بدستور البالد معلال ذلك‬ ‫بأن بريطانيا العظمى ال دستور لها ‪ ،‬وحطم‬ ‫البنية اإلدارية للدولة الليبية الناشئة ‪ ،‬وتم‬ ‫إلغاء مؤسسة القوات المسلحة تحت شعار‬ ‫الشعب المسلح ‪ ...‬الخ ‪ ،‬ولذا فقد استلم‬ ‫المجلس الوطني بالدا تم هدم الدولة فيها ‪.‬‬ ‫لكن هذا المجلس طلع من ثنايا انتفاضة شباب‬ ‫‪ 17‬فبراير الذين رفعوا أيقونة وحدة البالد‬ ‫‪ :‬علم االستقالل ما رفع ورسم وعلق في‬ ‫كل أركان المدن المحررة وعلى السيارات‬ ‫‪ ،‬وبعض البعثات الليبية كما في األمم‬ ‫المتحدة وصدور األطفال والنساء ‪ ،‬وحتى‬ ‫في التظاهرات العربية الدولية وبعض من‬ ‫محطات التلفزيون في العالم ‪ .‬وهذا إجماع‬ ‫ذو داللة مميزة وهامة فقد انبثق العلم من‬

‫اللجنة الليبية التأسيسية الستقالل ليبيا تحت‬ ‫إشراف األمم المتحدة ومندوبها الهولندي‬ ‫أدريان بلت‪ ،‬وكانت ليبيا أول دولة تحصل‬ ‫على استقاللها بقرار من الجمعية العمومية‬ ‫لألمم المتحدة صدر في ‪ 21‬نوفمبر ‪1951‬‬ ‫م‪.‬‬ ‫مقر المجلس الوطني‬ ‫أما المقر الرئيس المؤقت لهذا المجلس‬ ‫المؤقت فقد تقرر أن يكون بنغازي التي‬ ‫انطلقت منها انتفاضة شباب ‪17‬فبراير ‪،‬‬ ‫وقد دعي إلي هذه االنتفاضة عبر الفيس‬ ‫بوك ألنه في مثل هذا اليوم قامت انتفاضة‬ ‫في المدينة عام ‪ 2006‬وسقط ‪ 19‬شهيدا‬ ‫؛ وحينها قمنا بأول استخدام لالنترنت في‬ ‫توثيق ونشر صور ومعلومات وفيديوهات‬ ‫هذه االنتفاضة ؛ مما يعد أول استخدام‬ ‫لالنترنت في الخصوص ‪ ،‬ويمكن للباحث‬ ‫عبر الغوغل اإلطالع علي ذلك ‪.‬‬ ‫بنغازي يدعوها أهلها والكتاب والشعراء‬ ‫الليبيون بـ ( روح ليبيا ) ؛ ألن تأسيسها‬ ‫الحديث تم منذ ‪ 200‬عام علي أيدي سكان‬ ‫جاؤوها من مدينة مصراتة ثم من بقية‬ ‫سكان ليبيا – وحتى أنها مدينة كوزموبولتي‬ ‫ففيها الكثير من سكان البحر المتوسط مثل‬ ‫اليونانيين والمالطيين ومن أفريقيا أي جنوب‬ ‫الصحراء الليبية ‪ .‬وكانت عاصمة ليبيا‬ ‫األولى ومن قصر المنار – مقر السفاح‬ ‫الفاشي غرسياني جنرال الجيش االيطالي‬ ‫وحاكم برقة السابق – أعلن قرار استقالل‬ ‫ليبيا وتكوين دولتها‪ ،‬وكمدينة روح للبالد‬ ‫غلب مناهضتها للسلطة السياسية المسيطرة‬ ‫منذ االيطاليين وحتى االنتداب االنجليزي‬ ‫العسكري أما في فترة النظام الملكي –‬ ‫‪ 1969 – 1951‬م فقد قامت فيها مظاهر‬ ‫عدة من المعارضة وسقط شهداء في‬ ‫صدامات مع بوليس الدولة ‪ ،‬وخالل العقود‬ ‫األربعة األخيرة علق القذافي مشانقه األولي‬ ‫للمنتفضين من أبناء المدينة ‪.‬‬

‫لقد حرر الليبييون بالدهم من النظام‬ ‫الغاصب وبقي رأس النظام يأسر‬ ‫عاصمتهم ‪ ،‬وقد دفعوا ثمنا باهظا‬ ‫وغاليا من دم أبنائهم ‪ ،‬وفي هذه الساعة‬ ‫يعانون من نقص الدواء واألطباء لكنهم‬ ‫ينجزون المهمة التي اضطلعوا النجازها‬ ‫‪ :‬االستقالل الثاني لليبيا ‪.‬‬


‫‪20‬‬

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫أمحد الفيتوري ‪......‬شاعرا‬ ‫عبد هللا عبد المحسن‬ ‫من اصدارات (عراجين) صدرت‬ ‫عام ‪ 2009‬م بالقاهرة الطبعة االولي من‬ ‫ديوان (قصيدة حب متابية ) للمبدع احمد‬ ‫الفيتوري ‪..‬التجهيز واالخراج (سما للنشر)‬ ‫و الغالف للفنان عمر جهان ‪..‬والكتاب من‬ ‫القطع الصغير و يحتوي علي ‪127‬صفحة‬ ‫تضم عشرات القصائد القصيرة جدا قد‬ ‫تكون اطولها هي اولها التي سميت باسمها‬ ‫المجموعة كلها‬ ‫وقد استقبلت االوساط االدبية في بنغازي‬ ‫هذا الكتاب االنيق فاخر الطباعة برؤي‬ ‫متباينة البعض بالالمباالة المعتادة ‪،‬‬ ‫و البعض بدهشة عارمة لم يخفها و هو يردد‪:‬‬ ‫((منذ متي صار شاعرا؟))هل حلم بهذا ثم‬ ‫صحا و املي شيطانه هذه الكلمات المبعثرة‬ ‫وهي في الواقع دهشة و هجوم كاسح في‬ ‫الوقت ذاته ‪..‬لكن هناك من اكتفي بالدهشة‬ ‫فقط ‪..‬وعدم التعقيب تاركا لالخرين هذه‬ ‫المهمة ‪..‬واطلق البعض العنان لمساحة كالم‬ ‫آخر فحواها رخصة و ظاهرها تحليلية بتجرد‬ ‫و مضمونها انه من غير المعقول ان يكون‬ ‫المرء ناقدا و كاتب مقاالت و قصاصا و‬ ‫روائيا و شاعرا في الوقت نفسه اال اذا كان‬ ‫كاتبا عموميا !!‬ ‫وهو يهمز بذلك الي االصدارات الخمسة‬ ‫السابقة للفيتوري ‪..‬مختلفة المشارب االدبية‬ ‫التي اعقبها بهذا االصدار االخير ‪.‬الذي كان‬ ‫بمثابة القشة التي قصمت ظهر الكثير من‬ ‫االصوات لكنها اطالت السنتهم ‪,‬ولعل هذا‬ ‫االمر مفرح الحمد الفيتوري فهو ال يحب‬ ‫الجمود و يعتبره موتا كما يقول بذلك المعني‬ ‫الشابي ‪,‬فبمجرد ان يصدر الكتاب يجب ان‬ ‫ياخذ دورة حياته كما ينبغي لها ان تكون و‬ ‫ذلك مايجعل هذا االبداع يتنفس في بيئة ذات‬ ‫هواء طلق فاليرفضه من يرفضه و ليقبل من‬ ‫يقبل و ليكن لذلك سبب او ليكن من دون سبب‬ ‫او ليكن السبب منطقيا بالنسبة لي وغير ذلك‬ ‫بالنسبة لك ‪..‬المهم ان يكون هناك جدل عميق‬ ‫او سطحي ‪,‬فكل هذا يحقق لالبداع كينونته‬ ‫و يرتقي به شيئا فشيئا ‪..‬و يمكن له ان يفيد‬ ‫المبدع نفسه و القارئ كذلك ‪..‬و النقاد او اشباه‬ ‫النقاد ‪..‬في معني هذه الكلمات رد علي احمد‬ ‫الفيتوري و هو يهديني نسخة من كتابه قال‬ ‫لي انها الوحيدة لديه وقد كان يامل ان يصدر‬ ‫غالفها علي (سكنر) بعد ان نفذت النسخ‬ ‫االخري التي كانت لديه‪.‬‬ ‫ويجهل البعض ان الفيتوري بدا في مطلع حياته‬ ‫االبداعية في اوائل السبعينات شاعرا و كانت‬ ‫لديه مخطوطة لديوان بعنوان (خواطر الحب‬ ‫المضروب في الخاصرة) ومع كثرة الندوات‬ ‫و الملتقيات االدبية التي شارك فيها او نظمها‬ ‫علي امتداد عقود و الكتابات التي نشرها في‬

‫مختلف الصحف السيارة و الدوريات ‪..‬اال‬ ‫انه لم يبدا بالنشر اال عام ‪1998‬م باصدار‬ ‫شخصي عنوانه (جدل القيد و الورد) او‬ ‫ستون الشريف ‪,‬ثم اصدر مسرحية بعنوان(‬ ‫شئ ما حدث –شئ لم يحدث) عن دار نقوش‬ ‫عربية بتونس عام ‪1999‬م‬ ‫وعام ‪2000‬م صدرت له ( قصيدة‬ ‫الجنود‪-‬في المسالة الشعرية الليبية )‬ ‫عن الدار الجماهيرية للنشر و التوزيع‬ ‫و االعالن –طرابلس‪.‬‬ ‫وبعد ذلك بعام واحد ‪2001‬م اصدر له مركز‬ ‫الحضارة العربية بالقاهرة روايته االولي‬ ‫(سريب) التي استقبلت ايضا بمد و جزر ال‬ ‫وسط بينها فالبعض رفضها ألول وهلة قلبا‬ ‫و قالبا و البعض اعتبرها فتحا جديدا ادبيا‬ ‫في مجال الرواية العربية بين الواقعيه و‬ ‫التسجيلية ‪..‬الخ‬

‫و عن مركز تنمية االبداع الثقافي بنغازي‬ ‫صدر للفيتوري عام ‪2003‬م كتاب (في ذاكرة‬ ‫رفيق) و قبل االتحال في عالم التأبي من خالل‬ ‫قصيدة الحب التي كتبها احمد الفيتوري نجده‬ ‫يستهل ديوانه بهذه الكلمات ‪:‬‬ ‫الي خميلة لوت وردها دالال‪..‬‬ ‫و تحتها يورد لبوشكين‪:‬‬ ‫‪ /‬اكثر حرية من طائر هو الحب ‪:‬حاول ان‬ ‫تحبسه و سوف يطير منك ‪.‬انه يجئ ثم و‬ ‫أسفاه يذهب لالبد مهما حاولت مرارا ان‬ ‫تسبقه ‪.‬‬ ‫وللوهلة االولي يفاجئك الفيتوري بالعنوان‬ ‫الداخلي الولي قصائده في الديوان و هي التي‬ ‫سمي بها المجموعة فيستكملها بانها ‪:‬‬ ‫قصيدة حب متأبية بطريقة خ خ !!‪..‬وتتكون‬ ‫القصيدة من سبعة مقاطع لكنه ايضا يسميها‬ ‫كلها (نظرة)‪..‬ثم نفطن بعد ذلك الي انه جعل‬ ‫الديوان كله حالة ‪..‬او قصيدة واحدة مجزاة‬ ‫الي مقاطع و حين نلج هذا العالم ‪..‬نستشعر‬ ‫حينا انه طفل يشخبط علي الورق تماما‬ ‫مثلما يفعل الصغار علي الجدران ‪..‬ثم‬ ‫يملؤنا شعور بانه ال يكتب شعرا بل فلسفة‬ ‫(متقاطعة )‪..‬ثم اذا به يسحبنا الي عالم الحواة‬ ‫و هو يخرج االرنب من القبعة ثم يجرنا خلفه‬ ‫الي عمق اليم الشاعري و هو يردد‪:‬‬ ‫خسرت مقعدي في حديقة العشاق‬ ‫خسرت فصاحة السمك‬ ‫ونتساءل هل خسارة هذه الفصاحة تندرج‬ ‫تحتها بعض الكلمات التي لم تعط المعني‬ ‫المطلوب (مخيالي)‪(..‬فضاضة)‬ ‫ام ان الشمس دائما في هذا الديوان تعيد‬ ‫دورتها و الكلمات ‪...‬‬ ‫لكنه في صخب البحث يعلن للحبيبة المتأبية ‪:‬‬ ‫المعاجم خرساء ‪..‬‬

‫مثلما بحرك مقفر اجدب‬ ‫فكيف يمكنه اعادة الصياغة ؟انه يفعل ذلك‬ ‫عبر المشاهد التي نجد من خاللها سحرة‬ ‫تسفك دمه ‪..‬وملحا مذابا في بنغازي ‪,‬و خلف‬ ‫مبني االذاعة ‪..‬وتتواصل الحاالت ‪..‬حالة اثر‬ ‫حالة ‪..‬وهو كتيب صغير و هي كلمات قصيرة‬ ‫لكنه حافل بعوالم و هي حافلة بحياة تبدا بنظرة‬ ‫تنتهي بقولة و كاس علي عاجل ‪ ،‬ثم حكاية‬ ‫قد تكون (فضفاضة) او ذات (فظاظة) او‬ ‫تكون متأبية و من طبع الي عناد تصهل مهرة‬ ‫في سطوة مشهدية مثني و ثالث و رباع في‬ ‫ارتقاب سرابي في سهولة السكر و استحالة‬ ‫الترادف و خسارة القطاف و عطش الريبة‬ ‫و رجم الخالف و غيرة الخوف او الخوف‬ ‫الغيرة و خيال العري و خيال الغموض‬ ‫وذبول و وثوق ‪..‬هكذا دراقة اثر دراقة تتري‬ ‫هاجرة مودعة في مرثية تبدا بلو و ال تنتهي‬ ‫بمنفي و تتوالي القصائد في تناغم و تنافر‬ ‫يشي بمكنات هذا المبدع الذي عايش مراحل‬ ‫متباينة حياتيا و ثقافيا و رؤيويا ‪..‬فليس عجيبا‬ ‫من ثم ان يتخير عناوينه تتمثل الصقر البوم‬ ‫و الخداع و الغيوم لتتفاعل مع لمسة و قبّرة‬ ‫‪.‬ليحدث قطع و غضب و حسرة‪ ..‬تتداخل مع‬ ‫بالهة و عجرفة و خيبة و وجع ‪..‬وهكذا يظل‬ ‫الفيتوري ينقش كإله أسطوري علي لوحة‬ ‫قدر اليف كل متناقضات الريح و السهر و‬ ‫الوحدة ‪:‬الياء ‪..‬س‪..‬جيم‪..‬الخ فحينا يكون‬ ‫عنوان القصيدة ليس له عالقة مع المتن مثل‬ ‫هذر و كأنه يقول كما كان األقدمون يقولون‬ ‫‪..‬ان المعني في بطن الشاعر ‪..‬واحيانا يعنون‬ ‫القصيدة بعنوان مباشر مثل ‪..‬سواد و بياض‬ ‫و تعليق و روح و حوج و لبوة و شبق و‬ ‫توضيح و حرمان و عيد و غربة و ظلمة و‬ ‫ليل و كآبة و خمر و حيه ‪..‬‬ ‫ليخرج من كل هذا الخضم الي التساؤل ‪:‬اين؟‬ ‫‪..‬وكانه يصبغ تعويذه مرارته و ضياعه و‬ ‫خسارته بل و فجيعته ‪..‬انه ببساطة في هذا‬ ‫العمل يحاصرنا بالفخاخ مستنبئا احيانا في‬ ‫صيغة رجاء و اخري بانتباه الحواس لكل‬ ‫عطور الحب في حديقته المسيجة بنظرة بكاء‬ ‫تتبع فراشة مثابرة علي الرغم من كل غمة‬ ‫غربة و كل كابوس و كل ما يظل ينهشه ‪,‬فانه‬ ‫يؤكد في اعتراف مجلجل حين يختم بقوله و‬ ‫هو يعب من كاسه المترع بالحياة‪:‬‬ ‫لست اول من تجرع الكاس ‪/‬لكني من آخر‬ ‫النبالء ‪/‬من يكرعونه حتي الثمالة ‪ /‬كباتريس‬ ‫لومومبا ‪ /‬من يخذل الرفاق ‪/‬مسقط الراس ‪/‬‬ ‫وثدي االم ‪/‬الجل خمر عينيك‪.‬‬ ‫‪..............................................‬‬ ‫• مقال للمرحوم االذاعي والكاتب عبد هللا عبد‬ ‫المحسن ينشر للمرة االولي ‪.‬‬


‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫‪21‬‬

‫األمازيغ‪ ...‬األحرار النبالء‬ ‫غادة مخلوف‬ ‫يعتبر األمازيغ السكان األصليون لشمال إفريقيا‪...‬‬ ‫وكلمة أمازيغ مفرد جمعه إيمازيغن ومؤنثه‬ ‫تمازغيت‪ ,‬وأمازيغ تعني الحر النبيل‪ ,‬أو ابن البلد‬ ‫وصاحب األرض‪ ...‬والبعض ينسب تسمية أمازيغ‬ ‫إلى أبيهم األول «مازيغ» ‪ ...‬ومع بداية الفتح‬ ‫اإلسالمي لشمال إفريقيا دخلت الغالبية العظمى من‬ ‫األمازيغ إلى اإلسالم واتجهوا إلى المذهب الصوفي‬ ‫والمالكي واألباظي الذي يعتبر المذهب األكثر‬ ‫انتشاراً بين األمازيغ‪.‬‬ ‫أما تسمية البربر أو البرابرة فأصله التيني‪ ,‬ويعني‬ ‫المتوحشين أو الهمجيين وقد أطلق الرومان على‬ ‫األمازيغ لفظ بربر نظراً لما وجدوه من تصد عنيف‬ ‫منهم حفاظا ً على أرضهم من الغزو وهو ما يتجسد‬ ‫اآلن في صمود أحرار وثوار مدننا الغربية ضد‬ ‫كتائب الطاغية الذي حاول خالل العقود األربعة‬ ‫الماضية غرس الفكر العنصري وضد األمازيغ‬ ‫الليبيين داعيا ً إلى تعريب األمازيغ و وجوب غلق‬ ‫اإلذاعات األمازيغية في العالم العربي ألن األمازيغ‬ ‫بحد قوله هم أتوا من «البر» ولهذا سموه «بالبربر»!‬ ‫إحدى فلسفات كلك ملوك إفريقيا المتحللة‪ ,‬ومما‬ ‫الشك فيه أن نظام الطاغية نجح بالتعتيم على صورة‬ ‫األمازيغ‪ ,‬فالمقررات الدراسية تحمل توجهات الفكر‬ ‫القومي العربي دون ذكر أي مفردات أمازيغية ال‬ ‫من قريب وال من بعيد‪ ,‬وألني عايشت المناهج‬ ‫الدراسية الليبية أستطيع أن أوثق ما قيل أن األمازيغ‬ ‫لم يذكروا أبداً في كتبنا‪ ...‬فكتب التاريخ لم تذكر‬ ‫لنا أن شيشنق الذي وحد ليبيا مع مصر والنوبة‬ ‫وبالد الشام في زمن فرعون أنه من أصل ليبي‬ ‫أمازيغي!‪ ...‬لم يذكروا لنا أن طارق بن زياد من‬ ‫أصل أمازيغي!‪...‬‬ ‫تعتبر تجاوزات األنظمة الحاكمة لشمال إفريقيا‬ ‫والتي ترفع شعارات القومية العربية وتمارس‬ ‫السلطة وتحتكر الحكم دون شرعية ودون تحتكم‬ ‫إلى الخيار الشعبي‪ ,‬تعتبر سببا َ مهما َ من أسباب‬ ‫نشوء المسألة األمازيغية كرد فعل على الممارسات‬ ‫االستبدادية والقمعية لهذه األنظمة فتكون مجتمع‬ ‫أمازيغي يوصف بالمنغلق على نفسه محافظا ً‬ ‫بذلك على هويته التي استهدفت على مر العصور‪,‬‬ ‫وإمعانا ً في االستبداد تفنن نظام الطاغية بمصادرة‬ ‫حقوق المتحدثين األمازيغية في لغتهم وثقافتهم‬ ‫وهويتهم والتي يعتبر منع تسمية المواليد بأسماء‬ ‫األمازيغية أحد تجسيداتها الفاضحة ‪,‬وكذلك إصدار‬ ‫القوانين بشأن منع استعمال غير اللغة العربية في‬ ‫جميع المعامالت ناهيك عن تقديم ليبيا كجماهيرية‬ ‫عربية ليبية وتغيير ما كانت عليه خالل حكم الملك‬ ‫إدريس «كدولة ليبية» فساوى بذلك بين العرب‬ ‫الليبيين واألمازيغ الليبيين‪...‬‬

‫وفي دراسات نشرت في موقع للجزيرة على‬ ‫االنترنت‪ ,‬ذكر أن نسبة‬ ‫األمازيغ في األراضي الليبية‬ ‫تشكل حوالي ‪ 10%‬من نسبة‬ ‫األمازيغ في شمال إفريقيا‪.‬‬ ‫وفي الجزائر تصل إلى حوالي‬ ‫‪ 25%‬وفي تونس حوالي‬ ‫‪ ,5%‬في حين أنهم لم يتمكنوا‬ ‫من تحديدها في موريتانيا ‪,‬أما‬ ‫النسبة األكبر من األمازيغ‬ ‫فتحظى بها المغرب حيث‬ ‫تصل نسبة األمازيغ إلى‬ ‫حوالي ‪ 60%‬من نسبة أمازيغ‬ ‫شمال إفريقيا‪.‬‬ ‫كما أوضحت الدراسة أن‬ ‫أمازيغ ليبيا تم تهميشهم من‬ ‫الناحية اإلعالمية ولم يتم‬ ‫ذكرهم في الكتب التعليمية‬ ‫أو الموسوعات التاريخية وال‬ ‫يوجد أي مؤسسات رسمية أمازيغية بخالف المغرب‬ ‫التي يوجد بها المعهد الملكي للثقافة األمازيغية‪,‬‬ ‫والمفوضية العليا لألمازيغية بالجزائر‪,‬ورغم‬ ‫محاوالت الطاغية لمحو الهوية األمازيغية في‬ ‫السابع والعشرين من شهر يوليو من كل سنة وتمكن‬ ‫أيضا ً مجموعة من الناشطين الليبيين من المشاركة‬ ‫في تكوين الكونغرس العالمي لألمازيغية سنة‬ ‫‪.1977‬‬ ‫وكانت أولى بوادر اعتراف ليبيا بالوجود‬

‫األمازيغي في عام ‪ 2007‬حين أفيم حفل طرابلس‬ ‫ألول مرة بمناسبة رأس السنة‬ ‫األمازيغية‪ ...‬فبخالف التقويم‬ ‫الذي فؤضه علينا الطاغية‬ ‫والذي تبدأ فيه السنة بذكرى‬ ‫وفاة الرسول»ص» يرتيط‬ ‫التقويم األمازيغي بذكرى‬ ‫انتصار القائد األمازيغي‬ ‫شيشنق األول على الفراعنة‬ ‫في فترة حكم رمسيس الثاني‬ ‫واعتالء عرش مصر‪...‬‬ ‫وكانت هذه البادرة جزء من‬ ‫برنامج ليبيا الغد الذي بدأ في‬ ‫تقديمه سيف اإلسالم القذافي‪,‬‬ ‫وبصفته رئيسا ً لمؤسسة‬ ‫القذافي لحقوق اإلنسان!‬ ‫قام بإلغاء التشريع الذي يمنع‬ ‫التسميات األمازيغية ووصف‬ ‫هذا التشريع بالعنصري ! فها‬ ‫هو المارد العمالق الذي سيحقق أحالم أمازيغ ليبيا‬ ‫في الحصول على حقوقهم‪...‬‬ ‫وككل المبادرات الهالمية لبرنامج ليبيا الغد لم‬ ‫يتم االعتراف الرسميي بالوجود األمازيغي الليبي‬ ‫إلى يومنا هذا ‪ ...‬ليس غريبا ً على نظام جائر أراد‬ ‫إسكات أي صوت قد ينادي بالحرية فحين نشرت‬ ‫مقالي هذا على إحدى صفحات الفيسبوك في أكتوبر‬ ‫الماضي ‪ ...‬تم محو المقال وطردي من المجموعة‬ ‫من المجموعة التي اتضح لي فيما بعد أنها أعدت‬ ‫إلستقطاب األقالم الليبية الحرة لتحديدها ومطاردتها‬ ‫ومن ثم قمعها‪...‬‬ ‫في نظري لم يقوم القذافي األب بهذه التجاوزات‬ ‫العنصرية إال لكي يقوم القذافي االبن بمبادرات‬ ‫عكسية في محاولة لتسلم السلطة خلسة تحت شعار‬ ‫ليبيا الغد أو «أنا الغد» ‪ ...‬لم يأت في أذهان الطغاة‬ ‫أننا سننتفض بحثا ً عن حريتنا ضاربين بكافة‬ ‫مبادراتهم ومحاوالتهم عرض الحائط‪ ,‬رافعين‬ ‫شهار ليبيا الغد واآلن الغد لنا ‪ ..‬ال قبلية ال جهوية ال‬ ‫تفرقة عنصرية‪ ...‬قثارت مدن الغرب لنصرة مدن‬ ‫الشرق‪...‬‬ ‫وزحفت مدن الشرق لتحرير مدن الغرب ‪ ...‬لم‬ ‫يلتفت الثائر منا إلى صاحبه ويسأله من أي قبيلة أو‬ ‫عرق أنت!!! فثورتنا واحدة وهدفنا واحد وتقبل لغة‬ ‫اآلخر في ثقافتنا هو الذي يخلق بلداً موحد‪ ...‬تقبل‬ ‫هللا شهدائنا في الجنة وأشفى جرحانا وحرر أسرنا‬ ‫وأنصرنا على القوم الظالمين‪ ...‬عاشت ليبيا حرة‬ ‫موحدة‬

‫كتب التاريخ مل تذكر‬ ‫لنا أن شيشنق الذي‬ ‫وحد ليبيا مع مصر‬ ‫والنوبة وبالد الشام يف‬ ‫زمن فرعون أنه من أصل‬ ‫لييب أمازيغي!‪...‬‬ ‫مل يذكروا لنا أن‬ ‫طارق بن زياد من أصل‬ ‫أمازيغي!‪...‬‬


‫‪22‬‬

‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫سطوع الربهان يف مشروعية االستعانة بالغرب واألمريكان‬ ‫بابكر فيصل بابكر ‬ ‫كشفت تداعيات أحداث الثورة الليبية مدى األنفصام‬ ‫ ‬ ‫الذي تعاني منه بعض الحكومات العربية و النخب القومية‬ ‫وحركات األسالم السياسي في موقفها من األستعانة بأميركا‬ ‫والدول الغربية لنجدة شعوب المنطقة من الحكام الطغاة ومن‬ ‫األنظمة الفاسدة و المستبدة ‪.‬‬ ‫الموقف من األستعانة باألجنبي في أصله موقف ينبني على‬ ‫(المصالح) و يخضع بالدرجة األولى للمعايير والتقديرات‬ ‫السياسية وليس للعقيدة الدينية أو القومية ‪ .‬وبالتالي فأنه يلزم‬ ‫عدم تصنيف من يسانده أو يرفضه وفقا لثنائية (المسلم ‪/‬‬ ‫الكافر) أو (الخائن ‪ /‬الوطني) أو (العميل ‪ /‬المناضل)‪.‬‬ ‫ومع أنّ الموقف من األستعانة باألجنبي – كما ذكرنا ‪ -‬موقف‬ ‫سياسي االّ أنّ المؤيدين أو الرافضين له كثيرا ما يسعون‬ ‫لكسب الشرعية الدينية الى جانب مواقفهم‪ ,‬ذلك ألنّ الدين‬ ‫يعتبر المصدر األكبر للمشروعية في المنطقة العربية‬ ‫واألسالمية‪.‬‬ ‫يحدثنا التاريخ أنّ الخليفة العباسي هارون الرشيد تحالف‬ ‫مع الملك الفرنسي شارليمان ضد األمويين الذين أقاموا‬ ‫دولة مستقلة في األندلس‪ ,‬ومنح هارون الرشيد شارليمان‬ ‫لقب حامي قبر المسيح في القدس والوالية على المؤسسات‬ ‫الدينية المسيحية في الشرق اإلسالمي التابع للدولة العباسية‪،‬‬ ‫كالتدريس والصيانة وتنظيم رحالت وقوافل الحج إليها‪.‬‬ ‫لقد تقاطعت (مصالح) الفرنجة والعباسيين في مقاومة‬ ‫األمويين‪ ،‬و قد كان ملوك الفرنجة أيضا على عداء مع‬ ‫البيزنطيين خصوم العباسيين‪ ،‬وهكذا فقد نشأ تحالف (عباسي‬ ‫– فرنسي) في مواجهة البيزنطيين واألمويين ‪ .‬فهل كفر‬ ‫هارون الرشيد بفعله هذا أم أصبح من الخائنين ؟‬ ‫و حينما دبّ الخالف بين الملك عبد العزيز بن سعود‪ ,‬وجنوده‬ ‫المعروفين بأسم “األخوان” الذين كانوا ذراعه الباطش الذي‬ ‫أخضع به كل قبائل الجزيرة العربية‪ ,‬لم يتوانى الملك في‬ ‫سحقهم بأنزال ضربة عسكرية قاصمة بهم مستعينا بالقوات‬ ‫ك‬ ‫البريطانية التي أستعملت الطائرات لتشتيت فلولهم ود ّ‬ ‫حصونهم وذلك في معركة السبلة عام ‪.1929‬‬ ‫ما كان للملك عبد العزيز أن يصدر هذا القرار العسكري‬ ‫الحاسم‪ ,‬ويستعين بالقوات البريطانية دون غطاء ديني‪ ,‬حيث‬ ‫أصدر( العلماء) حكمهم في “األخوان” وقيادتهم الممثلة في‬ ‫فيصل الدويش وسلطان بن بجاد ووسموهم جميعا بالكفر‬ ‫والرّ دة ‪ ,‬مع أن ّ “األخوان” لم يكونوا كفارا وال مرتدين‬ ‫ولكنهم فقط نازعوا الملك عبد العزيز سلطانه وشككوا في‬ ‫شرعية حكمه‪.‬‬ ‫وما كانت فصائل “المجاهدين” األفغان تستطيع الحاق‬ ‫الهزيمة بجيش األتحاد السوفيتي لوال التعاون الوثيق مع‬ ‫وكالة المخابرات المركزية األميركية التي مدّتهم بالمعلومات‬ ‫والسالح ‪ ,‬و على وجه الخصوص بصواريخ “ ستينجر”‬ ‫المضادة للطائرات التي لعبت الدور الحاسم في اندحار الجيش‬ ‫األحمر‪.‬‬ ‫وعندما قام صدام حسين بخطوته الهوجاء بغزو الكويت‬ ‫في ‪ 1990‬تباينت مواقف الحركات السياسية والدول من‬ ‫األستعانة بالغرب ألخراجه منها‪ .‬فعلى سبيل المثال عارضت‬ ‫حركات االسالم السياسي (على رأسها األخوان المسلمين‬ ‫وتنظيمهم الدولي) التدخل الغربي‪ .‬وكذلك عارضت بعض‬ ‫الحكومات العربية كحكومة اليمن وحكومة السودان الحلف‬ ‫الذي أقامته أميركا وشاركت فيه ما يربو على ثالثين دولة‬ ‫لتحرير الكويت من قبضة جيش صدّام‪.‬‬ ‫خرجت المسيرات تجوب شوارع الخرطوم والعديد من‬ ‫العواصم العربية مندّدة بأميركا وحلفائها‪ ,‬وصدرت الفتاوى‬ ‫الدينية التي تحرّ م األستعانة بالقوى الغربية‪ .‬وفي الجانب‬ ‫االخر صدرت فتاوى موازية من المؤسسة الدينية السلفية‬ ‫الوهابية تجيز األستعانة بالغرب من أجل تحرير الكويت‬ ‫المغتصبة بواسطة جيش صدّام ( فتوى المرحوم الشيخ عبد‬ ‫العزيز بن باز)‪.‬‬ ‫كان واضحا أنّ ألميركا والغرب (مصلحة) في أجالء قوات‬

‫‪boulkea@yahoo.com‬‬

‫صدّام من الكويت‪ ,‬فالسياسة األميركية تسعى للحفاظ على‬ ‫منطقة الخليج كبحيرة نفط هادئة وسالمة تستطيع أن تدرهذا‬ ‫النفط يوميا بمقدارعشرين مليون برميل كما تفعل االن وبحيث‬ ‫ال يكدر صفو أنسيابه أى عامل سياسي أو اقتصادي‪.‬ولكن‬ ‫– من الجانب األخر – كان للكويتيين أيضا (مصلحة) في‬ ‫األستعانة بالقوة الوحيدة القادرة على أجالء جيش صدّام الذي‬ ‫هتك أعراضهم‪ ,‬وقتل شعبهم‪ ,‬ونهب ممتلكاتهم‪ ,‬و أبتلع بلدهم‬ ‫في سويعات‪ .‬وعندما تقاطعت المصالح بين الكويت والغرب‬ ‫ت ّ‬ ‫شكل التحالف الذي حرّ ر الكويت والذي لواله ما خرج “قائد‬ ‫النشامى” من ذلك البلد الصغير حتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫واليوم ‪ -‬وبعد مرور عقدين من الزمان على تحرير الكويت‬ ‫ دعوا الكويتيين يسألون أنفسهم ونسألهم نحن ‪ :‬ماذا أخذت‬‫أميركا من تحرير الكويت ؟ هل أخذت أميركا نقطة نفط‬ ‫واحدة مجانا أم هى تشتري الى اآلن كما يشتري العالم كله‬ ‫النفط من األسواق باألسعار العالمية وبأسعار السوق المتذبذبة‬ ‫صعودا ونزوال ؟‬ ‫ثم دار الزمان دورة كاملة حتى توقف عند الثورة الليبية‪.‬‬ ‫وعندما طالب ثوّ ار ليبيا أميركا والغرب بالتدخل العسكري‬ ‫لحمايتهم من كتائب القذافي وطائراته لم ترفض حركات‬ ‫األسالمي السياسي (على رأسها األخوان المسلمين وتنظيمهم‬ ‫الدولي) والحكومات العربية بما فيها حكومة السودان التدخل‬ ‫األميركي كما فعلت أبّان غزو صّدام للكويت‪ .‬فما الذي تغيّر‬ ‫اذا ؟ أميركا هى أميركا ‪ .‬والغرب هو الغرب ‪.‬‬ ‫الذي تغيّر هو (المصالح) وليس الدين ‪ .‬فمن مصلحة حكومة‬ ‫السودان – على سبيل المثال – ذهاب نظام القذافي الذي ظل‬ ‫يدعم بالمال والسالح حركات دارفور التي تخوض صراعا‬ ‫مسلحا مع نظام الخرطوم‪ .‬ومن ( مصلحة) األخوان المسلمين‬ ‫وشيوخهم أنتصار الثورة الليبية حتى تزداد فرصهم في وراثة‬ ‫األنظمة العربية المتهالكة‪.‬‬ ‫هذا ما كان من أمر بعض الحكومات والحركات الدينية‪ .‬أمّا‬ ‫أصحاب العقيدة القومية فأمرهم عجب‪ .‬أصدر حزب البعث‬ ‫في السودان بيانا ممهورا بتوقيع السيد “علي الريّح الشيخ‬ ‫السنهوري”‪ ,‬ومكتوبا بلغة هتافية صاخبة مليئة بكلمات‬ ‫جوفاء من شاكلة “العمالء”‪ ,‬و” االمبريالية”‪ ,‬و “ النضال”‪,‬‬ ‫وبادعاءات فارغة ما عادت تنطلي على أحد ( كالم فالصو)‬ ‫بعد أن رأى الجميع الحصاد البائس لحكم “القومجية” بفروعهم‬ ‫ومسمياتهم المختلفة‪.‬‬ ‫جاء في البيان ‪ “ :‬واننا اذ نعلن رفضنا وإدانتنا للتدخل‬ ‫العسكري االمبريالي المسنود من بعض أطراف المعارضة‬ ‫الليبية العميلة نطالب بإيقافه فوراً وندعو شعب ليبيا إلى‬ ‫اليقظة لقطع الطريق أمام من يريدون تسلق انتفاضة الشعب‬ ‫واالنحراف بمسارها‪ ،‬وإلى المضي قدما في النضال لتحرير‬ ‫ليبيا العروبة من النظام الدموي الفاسد ودرء مخاطر التقسيم‬ ‫واالحتالل”‪.‬‬ ‫يعلم أصحاب البيان البعثي أ ّنه ليست هناك أطرافا عميلة‬ ‫في المعارضة الليبية‪ ,‬وأنّ المطالبة بتدخل أميركا والغرب‬ ‫جاءت مباشرة من المواطنين و الثوّ ار الليبيين ومجلسهم‬

‫األنتقالي داخل ليبيا‪ ,‬ويعلم أصحاب البيان كذلك أنّ أميركا‬ ‫تردّدت كثيرا في التدخل‪ ,‬وأنها تعرّ ضت لضغوط عديدة‬ ‫وكادت أن تتهّم من قبل الثوّ ار الليبيين بالتواطؤ مع العقيد‬ ‫القذافي‪ ,‬وواجهت انتقادات أخالقية شديدة من قبل الرأي العام‬ ‫األميركي والغربي في أنها تتفرّ ج على شعب يباد‪ ,‬وتكررت‬ ‫المخاوف من أستعادة شريط رواندا ‪ 1994‬الذي ما زال‬ ‫يؤرق الضمير الغربي‪.‬‬ ‫ويعلم أصحاب البيان البعثي كذلك أ ّنه لو ّ‬ ‫تأخر التدخل‬ ‫األميركي لساعات فقط لنفذ الطاغية الليبي تهديده الذي أطلقه‬ ‫وهو على مشارف بنغازي بابادة جميع أهلها الذين مألت‬ ‫أستغاثاتهم أسماع الدنيا‪ .‬هل كان أصحاب البيان يرغبون في‬ ‫أن يبيد العقيد ثوّ ار ليبيا مثلما فعل “قائد النشامى” مع أنتفاضة‬ ‫الشيعة في الجنوب العراقي ؟ وكيف يريدون للشعب الليبي‬ ‫المضي في النضال دون مساندة وهو يواجه الة عسكرية‬ ‫باطشة و طاغية متعطش للدماء ؟‬ ‫ونحن من جانبنا نسأل أصحاب البيان البعثي ‪ :‬لماذا نستعين‬ ‫بالغرب في قضاء كل حوائجنا اذا كانت تلك هي رغبة الحاكم‬ ‫وعندما نستعين به ألزالة الحكم الباطش ألنّ الشعب غير‬ ‫قادرعلي ازالته تصبح العملية تدخال أجنبيا في شئوننا الخاصة‬ ‫؟ ألم يكن “ قائد النشامى” الطفل المدّلل ألميركا حتى العام‬ ‫‪ 1990‬؟ ألم يستعن بها في حربه مع أيران ؟ وما تزال‬ ‫صوره مع صديقه “رامسفيلد” شاهدة على تلك االستعانة‪.‬‬ ‫لقد سئمت الشعوب من الوصاية التي يفرضها عليها أصحاب‬ ‫الفكراألحادي البائس المغلق‪ ,‬فقد جرّ بتهم جميعا ولم يعد‬ ‫لديهم صالحية لتوجيه تلك الشعوب فهى أدرى بمصالحها‪,‬‬ ‫وفي حالتنا هذه وجد الشعب الليبي (مصلحته) في األستعانة‬ ‫بأميركا والغرب للخالص من الطاغية وأبناءه‪.‬‬ ‫في كوسوفو‪ ,‬ترتفع األعالم األميركية الى جانب األعالم‬ ‫األلبانية‪ ،‬حتى في المكاتب الرسمية‪ ,‬تقديراً للدوراألميركي‬ ‫في حرب العام ‪ ,1999‬والذي أنقذ الشعب األلباني هناك (‪95‬‬ ‫‪ %‬مسلمون) من مأساة كبرى‪.‬‬ ‫ويمكن أن يقال الشيء ذاته عن البوسنة (ذات األكثرية‬ ‫المسلمة أيضاً) حيث كان للدوراألميركي في حرب البوسنة‬ ‫(‪ )1992-1995‬أثره في انقاذ المسلمين هناك من مأساة لم‬ ‫تعرفها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية‪.‬‬ ‫وكذلك األمر أيضا ً مع مقدونيا (التي يشكل المسلمون فيها ‪40‬‬ ‫‪ ،)%‬حيث لعبت الواليات المتحدة األميركية دورا رئيسا في‬ ‫انهاء النزاع العسكري في العام ‪. 2000‬‬ ‫ومع أنّ الكثيرين يرون أنّ الواليات المتحدة كانت لها‬ ‫(مصلحة) حقيقية في كل هذه التدخالت التي أعادت تشكيل‬ ‫صورة البلقان لصالحها‪ ,‬اال أنّ زعماء المسلمين هناك يرون‬ ‫أنّ هذه (المصلحة) األميركية جاءت لخدمة المسلمين في‬ ‫ظروف بالغة التعقيد‪.‬‬ ‫ختاما نقول ‪ :‬ال توجد موانع أخالقية أو دينية أو قومية تحول‬ ‫دون األستعانة بأميركا والغرب اذا كان في ذلك (مصلحة)‬ ‫للشعوب بحسب التقديرات السياسية المحض‪.‬‬


‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫‪23‬‬

‫الشرعية وما أدراكها ؟!‬ ‫المحامي سليمان عوض الفيتوري‬ ‫يوم ‪ ، 24/12/1951‬وضعت األمم‬ ‫المتحدة حملها المرتقب ‪ ،‬بعد حولين على‬ ‫قرارها ‪ ،‬ليحمل اسم المملكة الليبية المتحدة ‪،‬‬ ‫وتدخل حضيرتها كعضو لها وعليها ما تضمنه‬ ‫الميثاق واألعراف الدولية بدستورها وعلمها‬ ‫ّ‬ ‫وتوطدت عالقاتها‬ ‫ونشيدها كبقية األعضاء ‪،‬‬ ‫الدبلوماسية ‪ ،‬وحظيت بمكانة وجاذبية عربية‬ ‫وأجنبية لموقفها الم ّتزن ‪ ،‬من معالمه حسن‬ ‫الجوار والتعايش الحضري ‪،‬‬ ‫* فاليهود واإليطاليون وغيرهم يتمتعون بحرية‬ ‫غير منقوصة ‪ ،‬معتقداً ونشاطا ً ‪ ،‬سواسية كانوا‬ ‫مواطنين أم رعايا ‪،‬‬ ‫جراء حرب فلسطين‬ ‫* ولئن نكب اليهود ّ‬ ‫‪ 1948‬مثل كثير من بالد العرب ‪ ،‬فمن رحل‬ ‫منهم فبإيعاز ‪ ،‬ليح ّلوا بديالً عن الالجئين‪.‬‬ ‫واستأنف يهود ليبيا حياتهم في أمن‬ ‫*‬ ‫هجروا إلى‬ ‫وأمان ‪ ،‬حتى نكسة ‪ّ ، 1967‬‬ ‫إيطاليا ‪ ،‬لتضع الحكومة الليبية ممتلكاتهم‬ ‫تحت الحراسة قانونا ً ‪ ،‬وإلى أن فاجأتهم الطامة‬ ‫في ‪ 1/9/1969‬لتستحوذ على ممتلكاتهم مع‬ ‫اإليطاليين ‪ ،‬وتثني على الليبيين ‪ ،‬وهؤالء‬ ‫وأولئك في حقيقة الواقع ‪ ،‬كلهم ليبيون بالوالدة‬ ‫واإلقامة ‪ ،‬بنص الدستور‪.‬‬ ‫* مؤدى ما سلف ‪ :‬أن الدولة الليبية المعترف‬ ‫بها خطفت في ‪ 1/9/1969‬اغتصابا ً ‪ ،‬بقوة‬ ‫السالح مع التواطؤ األجنبي‪ ،‬الذي الذ بالقول ‪:‬‬ ‫إن نطاق االتفاقية والمعاهدة ال يبيح لبريطانيا‬ ‫ّ‬ ‫التدخل في الشؤون المحلية ‪.‬‬ ‫وال ألمريكا حق‬ ‫واالغتصاب هو االنقالب ‪ ،‬ما يعرف‬ ‫*‬ ‫بالخروج عن الحاكم ‪ ،‬فدوافع االنقالبيين في‬ ‫البيان األول ‪ ،‬لما فيه من اإلفك والتدجيل ‪ ،‬ما‬ ‫كشفته األيام الالحقة ‪.‬‬ ‫* وبعد ‪:‬‬ ‫لعل القارئ الحصيف أدرك أن هذه اللمحة‬ ‫تبحث عن الشرعية وصوالً إلى حقيقة‬ ‫تقييم هذه الحقبة ‪ ،‬من ‪ 1/9/1969‬حتى‬ ‫‪ 17/2/2011‬في وضع ليبيا الدولي منذ‬ ‫نشأتها في ‪. 24/12/1951‬‬ ‫فثورة ‪ 1952‬في مصر قامت بحفنة‬ ‫*‬ ‫من الضباط تطالب باإلصالح شعارها االتحاد‬ ‫والنظام والعمل ‪ ،‬وتجنبا ً إلراقة الدماء تنازل‬ ‫الملك فاروق البنه القاصر‪ ،‬وتش ّكل مجلس‬ ‫وصاية على العرش‪ ،‬وأبحر مودّ عا ً بتحية‬ ‫عسكرية ‪.‬‬ ‫وجد المودّ عون أن القوانين تق ّيد مبتغاهم‬ ‫*‬ ‫‪ ،‬بل تطالهم ‪ ،‬فإزاحة الملك وإن اقتضت‬ ‫إقصاء حكومته كسلطة تنفيذية ‪ ،‬إال أن السلطة‬ ‫التشريعية ليس لهم من سبيل إلى غيرها في‬ ‫إصدار القوانين ‪ ،‬وبالذات تلك التي تمكنهم من‬ ‫االستيالء على مقاليد الحكم ‪ ،‬وأ ّنى لهم ذلك ؟‬ ‫‪ ،‬مالم تكن هناك ثورة لها الشرعية ‪ ،‬كرأي‬ ‫سليمان حافظ رئيس مجلس الدولة ‪ ،‬الهيئة‬ ‫المنوط بها حلول المنازعات اإلدارية والفتوى‬ ‫والتشريع ‪،‬‬ ‫فما كان من المجلس العسكري إال أن جعل من‬ ‫الحركة االنقالبية ثورة تستمد شرعيتها من قوة‬ ‫تسلطها ‪ ،‬ال انتخابات وال استفتاء وال بيعة ‪.‬‬ ‫وهكذا انقالب ‪ 1/9/1969‬نسخة مقلدة (للثورة‬ ‫األم) ‪ ،‬و(ال تلد الح ّية إال الح ّية) ‪.‬‬ ‫ولما كان ما حدث في هذا االنقالب ال‬ ‫يخرج عن تغيير أشخاص في تصريف األعمال‬

‫كسقوط حكومة أو حتى تغيير االسم من ملكية‬ ‫إلى جمهورية ‪ ،‬في نطاق الشؤون الداخلية ‪.‬‬ ‫* وما أن ش ّكلت أول حكومة في ‪8/9/1969‬‬ ‫برئاسة محمود سليمان المغربي وأسندت‬ ‫وزارة الوحدة والخارجية إلى صالح بويصير‬ ‫‪ ،‬وكان برلمانيا ً ‪ ،‬صحفيا ً ‪ ،‬أراد في حنكة‬ ‫ّ‬ ‫تخطي ما يثار عن الشرعية التي ال يتمتع بها‬ ‫االنقالبيون ‪ ،‬فوجد في سابقة انقالب ‪1952‬‬ ‫ما جعله يفرض الواقع في التعامل المصلحي‬ ‫المستمر بغض الطرف عمن يكون الرئيس‬ ‫‪ ،‬فأعلم الدبلوماسيين أن بقاء السفارات يعد‬ ‫اعترافا ً بالعهد الجديد ‪.‬‬ ‫* ثم ماذا؟‬ ‫نخلص إلى أن ثورة الفاتح ليست ثورة‬ ‫شعب تتمتع بالشرعية ‪ ،‬ولم تباركها األمم‬ ‫المتحدة ‪ ،‬ولم تحظ باعترافات صريحة من‬ ‫سائر الدول ‪ ،‬وما استمرار العالقات وتطبيعها‬ ‫إال جريا ً على المتعارف عليه واقعا ً من تبادل‬ ‫المصالح في تصريف األعمال في حدود القانون‬ ‫الدولي واالتفاقات المبرمة ‪.‬‬ ‫والسؤال عن الشرعية جوابه بعد تجريد‬ ‫*‬ ‫(الفاتح) منها على نحو ما سلف ‪ ،‬هو العودة‬ ‫إلى الدولة الليبية في أول نشأتها ‪ ،‬ذلك أن ما‬ ‫ينشأ عن اغتصاب السلطة ‪ :‬هو باطل بطالنا ً‬ ‫مطلقا ً ‪ ،‬وسيظل كذلك مهما طال عليه الزمن‬ ‫‪ ،‬كقاعدة مقررة في شرائع األرض والسماء ‪.‬‬ ‫وتيسيراً وإيضاحا ً للمبتغى ينبغي الوقوف‬ ‫*‬ ‫عند الحقائق التالية ‪:‬‬ ‫‪ -1‬دستور المملكة الليبية بتعديله ‪ ،‬له اعتباره‬ ‫‪ ،‬بنصه ‪ ،‬وروحه ‪ ،‬ومبادئه ‪ ،‬وقد استمد‬ ‫شرعيته من إرادة الشعب‪.‬‬ ‫‪ -2‬نص الدستور على توارث العرش ‪ ،‬طبقة‬ ‫بعد طبقة ‪.‬‬ ‫‪ -3‬الملك إدريس اعتزل لس ّنه بالتنازل‬ ‫لولي العهد الشرعي الحسن الرضا المهدي‬ ‫السنوسي األول في ‪ 21‬جمادى األولى ‪1389‬‬ ‫هـ ‪ ،‬الموافق ‪ 4/8/1969‬م ‪ ،‬في وثيقة خاطب‬ ‫بها الرؤساء ‪ ،‬مجلس الشيوخ ومجلس النواب‬ ‫والحكومة‪.‬‬ ‫‪ -4‬تنازل الحسن الرضا نائب الملك إثر مباغتة‬ ‫وحدة مسلحة العتقاله ليكره على التنازل ‪،‬‬ ‫وما كان له سوى التوقيع على ما أملي عليه‬ ‫‪ ،‬ونصه ‪:‬‬ ‫(أيها الشعب الكريم ‪ ،‬أنا الحسن رضا ‪ ،‬نائب‬ ‫ملك ليبيا ‪ ،‬أعلن للشعب الليبي وللعالم أجمع‬

‫أنني تنازلت عن كامل حقوقي الدستورية‬ ‫والقانونية في العرش ‪ ،‬ويعتبر هذا مني وثيقة‬ ‫تنازل رسمية ‪ ،‬قلته بملء إرادتي وهللا على ما‬ ‫أقول شهيد ‪.‬‬ ‫كما أطلب من جميع فئات الشعب تأييد هذا‬ ‫النظام ألنني نؤيده ‪ ،‬وعدم حمل السالح ‪ ،‬ومن‬ ‫لم ينفذ فإنني بريء منه ‪ ،‬والسالم عليكم)‬ ‫وهو يستمع إلى عبارة البيان األول ‪( :‬بضربة‬ ‫واحدة من جيشك البطل تهاوت األصنام)‬ ‫وكأني به قد جال بخاطره تلك اللحظة العصيبة‬ ‫‪ ،‬ما قام به عبد الكريم قاسم العراق من وحشية‬ ‫قتل الملك فيصل وعائلته جزافا ً ‪.‬‬ ‫وال ريب في أن هذا التنازل جاء وليد‬ ‫*‬ ‫موجه إلى الشعب‬ ‫إكراه ال ينتج أثراً ‪ ،‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫الليبي الكريم وليس تنازالً للقذافي ‪ ،‬الذي ال‬ ‫يقيم وزنا ً للشعب‪.‬‬ ‫أما الباعث وراء الحصول على التنازل‬ ‫*‬ ‫عن الشرعية الدستورية فهو بال شك ‪ :‬االفتقار‬ ‫إليها شأن الزيف المصري ‪ ، 1952‬وذلك‬ ‫إلسدال الشرعية على قائد االنقالب ‪ ،‬ليكون هو‬ ‫الخلف الرسمي‪.‬‬ ‫ولو كانت ثورة شعبية ‪ ،‬لما احتاجت إلى‬ ‫*‬ ‫المشروعية عن طريق اإلكراه على التنازل‪.‬‬ ‫وبتاريخ ‪ 2‬شوال ‪ 1389‬هـ الموافق‬ ‫*‬ ‫‪ 11/12/1969‬م ‪ ،‬أصدر مجلس قيادة الثورة‬ ‫‪ ،‬اإلعالن الدستوري ‪ ،‬كأعلى سلطة تباشر‬ ‫أعمال السيادة العليا والتشريع‪ ،‬قوانين أو‬ ‫أوامر أو قرارات‪ ،‬ال يجوز الطعن فيها أمام‬ ‫أية جهة ‪.‬‬ ‫ولست في حاجة إلى الخوض في زيف‬ ‫*‬ ‫إعالن الدستور المؤقت ‪ ،‬أو إعالن قيام سلطة‬ ‫الشعب ‪ ،‬فال الشعب له رأي وال األمم المتحدة ‪،‬‬ ‫وال الجامعة العربية في دولة بال رئيس ‪ ،‬وهذا‬ ‫هو الفراغ الذي كتب على المجلس االنتقالي‬ ‫أن يمأله ‪ ،‬مؤقتا ً ‪ ،‬بالنيابة كوديعة لصاحب‬ ‫الشرعية الدستورية‪.‬‬ ‫* الملك الشرعي‬ ‫ولئن مات الحسن الرضا ولي العهد‬ ‫*‬ ‫‪ ،‬الذي تنازل له الملك كما سبق ‪ ،‬فله خلف‬ ‫في المهجر هو محمد الحسن الرضا ‪ ،‬الذي‬ ‫يسنده الدستور المغ ّيب ‪ ،‬فهو الملك الشرعي‬ ‫بحكم دستور المملكة الليبية ‪ ،‬التي استيقظت‬ ‫يوم ‪( ، 17/2/2011‬تبحث عن تاريخها‬ ‫بعدما تاهت عنه وتاه) ‪ ،‬تحمل علمها رمزاً ‪،‬‬ ‫وتردد نشيدها ‪ ،‬لتطوي صفحة مليئة بالبطش‬

‫والزيف ‪.‬‬ ‫* ماسبق سرده مس ّلم بصحته وال يتنكر له‬ ‫إال جحود ‪ ،‬بمعنى أن الشرعية لصاحب الحق‬ ‫بمقتضى الدستور ‪ ،‬ولم يسلبها الشعب الليبي‬ ‫كحق موروث ال منازعة فيه وال يحتاج إلى‬ ‫استفتاء ‪.‬‬ ‫* وما المجلس االنتقالي إال يد عارضة‬ ‫بشرعية مستعارة ووديعة ريثما يحين معادها‬ ‫‪ ،‬له أن يتصرف بمقتضاها ‪ ،‬تكليفا ً ‪ ،‬أو فضالة‬ ‫‪ ،‬فهذا قدره‪.‬‬ ‫وتعزيزاً لما سبق ‪:‬‬ ‫أهيب بالوريث الشرعي للملكة الليبية محمد‬ ‫الحسن الرضا السنوسي صاحب الشرعية‬ ‫الدستورية أن يفوض المجلس االنتقالي في‬ ‫اتخاذ ما يخوله الدستور الليبي بما في ذلك‬ ‫التعديل الذي أجمع عليه الشعب صاحب األمر‬ ‫والسلطة األصيل ‪ ،‬امتثاالً للدستور الليبي‬ ‫المعترف به دوليا ً كمرجعية ‪ ،‬مالم يعدّ ل أو يلغ‬ ‫بوسيلة تمتلك الشرعية ‪،‬‬ ‫ومن دواعي االعتزاز بماضي المملكة‬ ‫*‬ ‫دستوراً وملكا ً ‪ ،‬جاء الدعم والتأييد للشعب‬ ‫الليبي على استرداد مكانتها الدولية المعترف‬ ‫بها تتمثل بال حصر في اآلتي ‪:‬‬ ‫أ‪ -‬عدم شرعية سلطة القذافي أصالً ‪ ،‬فضالً عن‬ ‫إقراره بأنه ال يمثل سلطة وال وظيفة‪.‬‬ ‫ب‪ -‬توالي التصريحات الدولية بعدم شرعية‬ ‫القذافي كدخيل ‪.‬‬ ‫ج‪ -‬االعتراف بالمجلس االنتقالي الممثل الوحيد‬ ‫للشعب الليبي في الفترة الراهنة‪.‬‬ ‫د‪ -‬ه ّبة الشعب في تضحيات استرداداً للحق‬ ‫المغتصب تحت علمها ونشيدها ومشاركة‬ ‫رجالها‪.‬‬ ‫وأخيراً وليس آخراً ‪ ،‬تكون من أولويات‬ ‫المجلس االنتقالي ‪:‬‬ ‫‪ -1‬ترسيخ أركان الدولة ليستتب األمن وتعود‬ ‫الحياة إلى طبيعتها ‪ ،‬وال يتأتى ذلك إال بالنهج‬ ‫الذي سارت عليه المملكة حين نشأتها ونعني‬ ‫االتفاق مع الواليات المتحدة وبريطانيا كدفاع‬ ‫مشترك أنداداً لضمان االستقرار المحلي ودرءاً‬ ‫للمخاطر المتربصة ‪ ،‬وإحيا ًء لعالقة التضحية‬ ‫التي استخلصت ليبيا من النازية والفاشية حتى‬ ‫بنت كيانها حرة مستقلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬إيفاد ممثلين لمخاطبة دول العالم ‪ ،‬وعلى‬ ‫األخص الجزائر وتشاد وإسرائيل ‪،‬‬ ‫‪ -3‬واالدعاء أمام مجلس األمن لتحميل مؤيدي‬ ‫القذافي مسئولية النزيف والدمار ‪.‬‬ ‫‪ -4‬وتشكيل محكمة ‪ ،‬على غرار محكمة‬ ‫نورنبرج ‪ ،‬بدل محكمة الجنايات الدولية ‪.‬‬ ‫‪ -5‬عدم الموافقة على خروج القذافي وال أي‬ ‫من شركائه في اإلبادة‪.‬‬ ‫‪ -6‬وكل ما تقتضيه الظروف الراهنة من‬ ‫ضروريات الحياة ‪ ،‬فخارطة الطريق تحتاج إلى‬ ‫معالم‪.‬‬ ‫ملحة يدركها المجلس‬ ‫‪ -7‬والقائمة طويلة‬ ‫ّ‬ ‫االنتقالي بالبداهة ‪ ،‬وكما حسن البداية تكون‬ ‫حسن النهاية‪.‬‬


‫‪ 2‬أغسطس ‪2011‬‬

‫لوحة ‪ :‬علي البوسيفي‬

‫عدسة ‪ :‬أمحد العرييب‬

‫جممع تيبسيت السياحي مبركز مدينة بنغازي يضم ‪250‬‬ ‫غرفة ‪ 22 ،‬جناحا ممتازا و ‪ 8‬أجنحة رئاسية‬ ‫‪Tel + 218 61 909 0016, 909 0017 Fax + 218 61 909 0016‬‬ ‫‪http://www.tebistyhotel.com‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.