مجلة العلوم القانونية - العدد الخامس

Page 1

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬

‫‪Email: lawmagazine@ajman.ac.ae‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة تعنـــــي بالدراسات الشرعية والقانونية واالقتصاديـــــة‬

‫• اللقيط َ‬ ‫وأحكام جنايته على المال والجماد‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬حسني محمود عبد الدامي عبد الصمد‬

‫• االبتكار في المالية العامة‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬محمد احلسني‬

‫• حق المسجون في الرعاية الصحية واالإجتماعية والتعليمية‬

‫د‪ .‬عادل خميس املعمري‬

‫• دعوى ُمخاصمة ُ‬ ‫العامة‬ ‫القضاة وأعضاء ال ّنيابة ّ‬

‫د‪ .‬محمد سامر القطان‬

‫• مصلحة المحضون بين الشريعة والقانون‬ ‫• اإلرهاب اإللكتروني‬

‫أ ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬ ‫د‪ .‬أنيس بن علي العذار ود‪ .‬خالد بن عبداهلل الشافي‬

‫• النظام القانوني للحساب الجاري المصرفي في التشريع الفلسطيني‬

‫د‪ .‬أنس أبو العون‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪law.ajman.ac.ae‬‬

‫الترقيم الدولي‪ISBN978 – 9948 – 15 – 966 - 7 :‬‬

‫(نصف سنوية)‬

‫مجلة العلوم القانونية‬



‫مجلة العلوم القانونية ‪ -‬مجلة دورية علمية محكمة‬ ‫(نصف سنوية) تقبل النشر باللغات العربية واإلجنليزية والفرنسية‪،‬‬ ‫ترمي إلى اإلسهام في تطوير املعرفة ونشرها‪ ،‬وذلك بنشر البحوث‬ ‫والدراسات الشرعية والقانونية واالقتصادية‪ ،‬وتعتبر اجمللة سجال ً وثائقيا ً‬ ‫للبحوث والدراسات الشرعية والقانونية واالقتصادية‪.‬‬

‫مدير التحرير ‪:‬‬ ‫الدكتورة ‪ /‬لطيفة حميد محمد‬

‫اجمللس االستشاري ‪:‬‬

‫القاضي الدكتور ‪ /‬عبد الوهاب عبدول‬ ‫رئيس احملكمة االحتادية العليا – اإلمارات السابق‬ ‫معالي األستاذ الدكتور ‪ /‬أحمد جمال الدين موسى‬ ‫وزير التعليم األسبق ‪ -‬أستاذ االقتصاد بكلية احلقوق – جامعة املنصورة‬ ‫األستاذ الدكتور ‪ /‬رفعت العوضي‬ ‫رئيس مكتب هيئة اإلعجاز العلمي بالقاهرة التابع ملنظمة املؤمتر اإلسالمي‬ ‫ أستاذ االقتصاد بكلية التجارة – جامعة األزهر‬‫األستاذ الدكتور ‪ /‬محمد املرسي زهرة‬ ‫عميد كلية الشريعة والقانون – جامعة اإلمارات العربية املتحدة األسبق –‬ ‫أستاذ القانون املدني بكلية احلقوق – جامعة عني شمس‬ ‫األستاذ الدكتور ‪ /‬جاسم الشامسي‬ ‫عميد كلية القانون األسبق – جامعة اإلمارات العربية املتحدة‬ ‫القاضي الدكتور ‪ /‬جمال السميطي‬ ‫مدير عام معهد دبي القضائي‬

‫أمني التحرير ‪:‬‬ ‫الدكتور محمد ولي اهلل عبد الرحمن‬


‫أهداف اجمللة‪ :‬تسعى جملة العلوم القانونية إىل حتقيق عدة‬ ‫أهداف‪ ،‬أهمها‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعميق املعرفة بأحكام الشريعة اإلسالمية والتشريعات القانونية واإلقتصادية على املستويني احمللي‬ ‫واإلقليمي‪.‬‬ ‫‪ -2‬املساهمة في إثراء البحث القانوني لدى املشتغلني بالقانون داخل الدولة وخارجها‪.‬‬ ‫‪ -3‬التعاون مع كليات القانون والشريعة واحلقوق على املستوى احمللي واإلقليمي والدولي‪.‬‬ ‫‪ -4‬تدعيم التواصل مع كافة األجهزة احلكومية والهيئات واملؤسسات العامة واخلاصة العاملة في اجملال‬ ‫القانوني‪.‬‬ ‫‪ -5‬تقدمي العون للجهات القضائية من خالل التعليق على األحكام واملبادئ القضائية وحتليلها‪.‬‬

‫اهتمامات اجمللة‪ :‬تعنى اجمللة بنشر ما يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬البحوث العلمية الرصينة في مجاالت التخصص‪.‬‬ ‫‪ -2‬البحوث والدراسات املعنية بالفقه االسالمي‪.‬‬ ‫‪ -3‬البحوث والدراسات النقدية التي تتصل باإلصدارات في مجاالت التخصص التي تعنى بها اجمللة‪.‬‬ ‫‪ -4‬البحوث والدراسات العلمية املعنية مبعاجلة املشكالت املعاصرة والقضايا املستجدة في مجال الشريعة‬ ‫والقانون واإلقتصاد‪.‬‬ ‫‪ -5‬البحوث والدراسات العلمية التي تسهم في رقي اجملتمع حضاريا ً واحملافظة على هويته العربية واإلسالمية‪.‬‬

‫قواعد النشر يف اجمللة‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعهد من الباحث بأن البحث لم يسبق نشره وأنه يلتزم باملبادرة بإخطار اجمللة في حالة تقدمي البحث للنشر في‬ ‫مجلة أخرى طاملا لم تبد اجمللة رأيها ‪ -‬بعد ‪ -‬في البحث‪.‬‬ ‫‪ -2‬ال يجوز نشر البحث في مجلة أخرى (أو مؤمتر أو ندوة علمية أو بأي وسيلة أخرى) بعد قبوله للنشر في اجمللة إال ّ بعد‬ ‫احلصول على إذن كتابي من مدير التحرير‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن يلتزم الباحث املنهجية العلمية والتوثيق العلمي ملادة البحث ‪ ،‬وأن يتسم البحث باألصالة واإلضافة للمعرفة‬ ‫القانونية‪.‬‬ ‫‪ -4‬أال يكون البحث مستال ً من رسالة علمية (ماجستير أو دكتوراه) نال بها الباحث درجة علمية‪ ،‬أو منشورا من قبل‬ ‫على أي صورة من صور النشر‪.‬‬ ‫‪ -5‬أال يتجاوز حجم البحث خمسني صفحة إال ّ إذا اقتضى ذلك احلفاظ على وحدة البحث‪.‬‬ ‫‪ -6‬على الباحث أن يختتم بحثه بخامتة يبني فيها أهم النتائج التي توصل إليها‪ ،‬وكذلك التوصيات التي يراها‪.‬‬ ‫‪ -7‬تقدم البحوث مطبوعة بخط ‪ Simplified Arabic‬وتكتب العناوين الرئيسة والفرعية باخلط األسود العريض‬ ‫بحجم (‪ ، )16‬وحجم (‪ )14‬للنصوص في املنت‪ ،‬وبحجم (‪ )12‬للهوامش في أسفل كل صفحة‪ ،‬ويكتب البحث على‬ ‫وجه واحد‪ ،‬مع ترك مسافة ‪ 1.5‬بني السطور‪ .‬وينبغي مراعاة التصحيح الدقيق في جميع النسخ‪.‬‬ ‫‪ -8‬تكون احلواشي ‪ 2.5‬سم على جوانب الصفحة األربعة‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫‪ -9‬أن يراعي في التهميش والترقيم والتواريخ وذكر املراجع واملؤلفني اآلتي‪:‬‬ ‫أ‪ .‬أن تكون اإلشارة إلى صفحات املصادر واملراجع في الهامش وليس في صلب البحث‪.‬‬ ‫ب‪ .‬أن ترقم هوامش كل صفحة على حده‪ ،‬ويراعي في الترقيم األرقام املتعارف عليها في األسلوب العربي‪.‬‬ ‫ت‪ .‬عند ذكر األعالم واملؤلفني يذكر اسم الشخص أوال ثم اسم أبيه وجده ثم لقبه‪.‬‬ ‫ث‪ .‬تثبت املصادر واملراجع العلمية ومؤلفوها في نهاية البحث بالترتيب الهجائي‪ ،‬مع بيانات الطباعة والنشر‪.‬‬ ‫‪ -10‬يقدم البحث في نسخة إلكترونية مع مراعاة التدقيق اللغوي‪.‬‬ ‫‪ -11‬يقدم الباحث موجزا ً لسيرته العلمية في حدود عشرة سطور في صفحة مستقلة‪ ،‬تتضمن‪ :‬االسم‪ ،‬وجهة عمله‪،‬‬ ‫ورتبته العلمية‪ ،‬وأهم أبحاثه‪ ،‬مع صورة شخصية حديثة‪ ،‬وملخص للبحث في حدود ‪ 500‬كلمة باللغتني العربية‬ ‫واإلجنليزية‪.‬‬ ‫‪ -12‬يتم عرض البحث ‪ -‬على نحو سري – على محكمني من ذوي الكفاءة ممن يقع عليهم اختيار اجمللة‪.‬‬ ‫‪ -13‬تخطر اجمللة أصحاب البحوث املقدمة مبوقفها من نشر بحوثهم على النحو التالي‪:‬‬ ‫أ‪ .‬يخطر أصحاب البحوث الواردة بوصولها إلى اجمللة خالل أسبوع من تاريخ الوصول‪.‬‬ ‫ب‪ .‬يخطر أصحاب البحوث املقبولة بإجازة بحوثهم للنشر‪.‬‬ ‫ت‪ .‬في حالة وجود مالحظات على البحث‪ ،‬يعاد البحث لصاحبه الستيفاء هذه املالحظات ليكون صاحلا ً للنشر‪.‬‬ ‫‪ -14‬يعتذر للباحث الذي لم توافق جلنة احملكمني على نشر بحثه دون االلتزام بإبداء األسباب‪.‬‬ ‫‪ -15‬أصول البحوث املقدمة للمجلة ال ترد سوا ًء نشرت أو لم تنشر‪.‬‬ ‫‪ -16‬ما ينشر في اجمللة من آراء تعبر عن أفكار أصحابها وال متثل بالضرورة رأي اجمللة أو اجلامعة‪.‬‬ ‫‪ -17‬مينح الباحث نسخة إلكترونية حتتوي على‪ :‬بحثه املنشور‪ ،‬والعدد الذي نشر فيه البحث كامالً‪ ،‬كل في ملف‬ ‫مستقل‪.‬‬ ‫‪-18‬توجه جميع املراسالت باسم عميد كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬على البريد اإللكتروني‬ ‫اآلتي‪lawmagazine@ajman.ac.ae :‬‬

‫املستندات املطلوب تسليمها‪:‬‬ ‫‪ -1‬طلب بنشر البحث‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقدم البحوث وجميع املراسالت إلكترونية من خالل البريد اإللكتروني املبني ‪.‬‬ ‫ص‪ .‬ب‪ 346 :.‬عجمان‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬هاتف‪ 6131 705 6 971+ :‬أو ‪6441 705 6 971+‬‬ ‫فاكس‪ ،6270 705 6 971+ :‬البريد اإللكتروني‪lawmagazine@ajman.ac.ae :‬‬

‫‪law.ajman.ac.ae‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪5‬‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫كلمة العدد‬ ‫بسم اهلل واحلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على نبيه األمني‪ ،‬وبعد‪:‬‬ ‫يعد النشر العلمي من املتطلبات األساسية لدعم وتنشيط البحث العلمي في مختلف اجملاالت‬ ‫وشتى التخصصات‪ ،‬حيث يوفر للباحثني فرصة عظيمة لتقييم بحوثهم عن طريق التحكيم‬ ‫العلمي الذي تخضع له البحوث العلمية كشرط أساسي إلجازة نشرها‪.‬‬ ‫وتسعى هيئة التحرير حاليا وبالتعاون مع الهيئة االستشارية للمجلة سعيا حثيثا نحو رفع‬ ‫تصنيف اجمللة عامليا‪ ،‬وذلك من خالل تطوير قواعد النشر والتدقيق في اختيار البحوث التي تنشر‬ ‫فيها‪ ،‬واعتماد محكمني مبستوى عال من الكفاءة العلمية الرصينة‪.‬‬ ‫ويطيب لي أن أقدم لكم هذا العدد وهو العدد اخلامس ‪ .‬ويصدر هذا العدد مبواضيع متنوعة ومتعددة‬ ‫في تخصصات مختلفة في القانون والشريعة‪ .‬فالبحث األول عن اللقيط وأحكام جنايته على‬ ‫املال واجلماد ‪ .‬وأما البحث الثاني فقد تناول موضوع االبتكار في املالية العامة‪ ،‬محاكاة حالة دولة‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة ‪ .‬وجاء البحث الثالث في تخصص القانون اجلنائي عن حق املسجون في‬ ‫الرعاية الصحية واالجتماعية والتعليمية‪ .‬وجاء البحث الرابع في تخصص اإلجراءات املدنية عن‬ ‫دعوى مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة في ضوء قانون اإلجراءات املدنية اإلماراتي االحتادي‬ ‫رقم ‪ 11‬لسنة ‪ 1992‬وتعديالته ‪.‬‬ ‫وأما البحث اخلامس فقد جاء في بيان ودراسة مصلحة احملضون بني الشريعة والقانون‪.‬‬ ‫وتضمن البحث السادس موضوعا في تخصص القانون اجلنائي خصصه الباحث للدراسة عن‬ ‫اإلرهاب اإللكتروني‪.‬‬ ‫وأما البحث السابع فكان في مجال القانون التجاري‪ ،‬تناول فيه الباحث دراسة النظام القانوني‬ ‫للحساب اجلاري املصرفي في التشريع الفلسطيني‪.‬‬ ‫واملتخصصني في فروع القانون اخملتلفة‬ ‫واملهتمني‬ ‫وأخيرا أغتنم الفرصة لدعوة جميع الباحثني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمية لنشر بحوثهم الثرية في اجمللة‪ ،‬ونتمنى من قرائنا االعزاء أال‬ ‫باالنضمام إلى مسيرتنا‬ ‫ّ‬ ‫يبخلوا علينا مبالحظاتهم واقتراحاتهم حول اجمللة‪ ،‬التي تسعى دائما للمحافظة على سمعتها‬ ‫ومكانتها‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى فإ ّن هذا العدد هو ثمرة اجلهود املضنية ألعضاء هيئة التحرير واللجنة االستشارية‬ ‫لهذا العدد واملدقق اللّغوي‪ ،‬فلهم منا أسمى عبارات ّ‬ ‫الشكر والثّناء وال ّتقدير‪.‬‬ ‫واهلل املوفق‬ ‫‪6‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫المحتويات‬ ‫الصفحة‬

‫الموضوع‬

‫اللقيط وأَحكام جنايته على املال واجلماد‬

‫‪9‬‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬حسني محمود عبد الدامي عبد الصمد‬

‫االبتكار في املالية العامة‬

‫‪43‬‬

‫حق املسجون في الرعاية الصحية واالإجتماعية والتعليمية‬

‫‪79‬‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬محمد احلسني‬

‫د‪ .‬عادل خميس املعمري‬

‫دعوى ُمخاصمة القُ ضاة وأعضاء النّيابة العا ّمة‬

‫‪137‬‬

‫مصلحة احملضون بني الشريعة والقانون‬

‫‪173‬‬

‫اإلرهاب اإللكتروني‬

‫‪219‬‬

‫د‪ .‬محمد سامر القطان‬

‫أ‪ .‬أحمد يعقوب أحمد‬

‫د‪ .‬أنيس بن علي العذار ود‪ .‬خالد بن عبداهلل الشافي‬

‫النظام القانوني للحساب اجلاري املصرفي في التشريع الفلسطيني‬ ‫د‪ .‬أنس أبو العون‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪257‬‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫اللقيط َ‬ ‫وأحكام جنايته على المال والجماد‬ ‫اإلسالمي والقانونين المصري واإلماراتي‬ ‫في الفقه ِ‬ ‫دراسة مقارنة‬

‫إعداد األستاذ الدكتور‬

‫حسني محمود عبد الدامي عبد الصمد‬ ‫أستاذ القانون املدني بكلية القانون‬ ‫جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪9‬‬


‫‪10‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫امللخص‬ ‫هذا بحث عن اللقيط وأحكام جنايته علي املال واجلماد ‪ ،‬متت معاجلته من خالل مقدمة ‪ ،‬ومبحثني ‪ ،‬وخامتة ‪.‬‬ ‫عالج الباحث في املقدمة ‪ ،‬أهمية املوضوع ‪ ،‬وأسباب الكتابة فيه ‪ ،‬والدراسات السابقة ‪ ،‬واملنهج الذي اتبعه في‬ ‫البحث ‪ ،‬واخلطة التي صار عليها ‪ .‬وفي املبحث األول ‪ ،‬حتدث الباحث عن التعريف باللقيط واجلناية ‪ ،‬ومت تقسيمه‬ ‫إلي مطلبني ‪ُ ،‬خصص األول منهما ملفهوم اللقيط ‪ ،‬وتناول املطلب الثاني التعريف باجلناية ‪ ،‬وبيان أنواعها ‪ .‬وفي‬ ‫املبحث الثاني ‪ ،‬تناول الباحث جناية اللقيط على املال واجلماد ‪ ،‬ومت تقسيم هذا املبحث إلي مطلبني ‪ ،‬خصص‬ ‫املطلب األول لنظرة الفقه اإلسالمي جلناية اللقيط على املال واجلماد ‪ ،‬وعالج املطلب الثاني موقف املشرعان‬ ‫املصري واإلماراتي من جناية اللقيط على املال واجلماد ‪ .‬وفي اخلامتة ‪ ،‬تناول الباحث أهم النتائج والتوصيات التي‬ ‫توصل إليها من خالل بحثه ‪.‬‬ ‫وخلص البحث ‪ ،‬إلي أن اللقيط ‪ ،‬هو ‪ :‬اسم ملولود ( ذكرا ً أو أنثى ) آدمي حي حديث الوالدة ‪ ،‬غالبا ً ‪ ،‬مجهول الوالدين‬ ‫والهوية ‪ ،‬أَو ْ صغير لم يصل ِإلي سن التمييز ‪ ،‬وقيل ‪ِ :‬إلي البلوغ ‪ ،‬وقيل ‪ِ :‬إلي سن الرشد ‪ ،‬وال كافل له معلوم ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ألي باعث آخر حملهم على‬ ‫َ‬ ‫ضلَّ الطريق ‪ ،‬أو ْ طرحه ( نبذه ) أهله خوفا ً من العيلة ‪ ،‬أو ْ فرارا ً من تهمة الريبة ‪ ،‬أو ْ ِ‬ ‫هذا ‪ ،‬التقط حلفظه ورعايته ‪ .‬هذا ‪ ،‬وقد أظهر البحث مدي عناية الشريعة اإلسالمية بأمر اللقيط ‪ ،‬وحضها‬ ‫على التقاطه وكفالته ورعايته ‪ ،‬فالشريعة اإلسالمية سبَّاقة إلي كل مجال حيوي مفيد ‪ ،‬على نحو يفوق ما‬ ‫تعارف عليه عالم اليوم من إقامة دور احلضانة واملالجئ ‪ ،‬للحفاظ على األيتام ومن ال عائل لهم من األطفال‬ ‫والعجزة ‪.‬‬ ‫وفضال ً عن ذلك ‪ ،‬فقد خلص البحث ‪ ،‬إلي أنه ال خالف بني الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬وكل من قانون املعامالت املدنية‬ ‫االحتادي والقانون املدني املصري فيما يتعلق باملسؤولية املدنية للصغير املميز – لقيطا ً كان أو معروفا ً نسبه –‬ ‫حيث أَقْرَّت هذه الشرائع مسؤولية الصغير املميز بتضمينه عن فعله الضار مبجرد حتقق الضرر ‪ .‬وإمنا اخلالف‬ ‫ومن ْ في حكمه ‪ ،‬هل يُسأل عن فعله‬ ‫بينهم جاء ودَار َ ‪ ،‬حول مسؤولية الصغير غير املميز ‪ ( ،‬أي عدمي التمييز ) ‪َ ،‬‬ ‫الذي يترتب عليه إحلاق الضرر بأموال اآلخرين أم ال ؟ ‪ .‬وقد أجاب البحث ‪ ،‬من خالل صفحاته ‪ ،‬عن هذا التساؤل‬ ‫بالتفصيل ‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪11‬‬


Summary This search for a foundling and the provisions of the capital crime of money and inanimate objects, has been processed through the introduction, two sections, and a conclusion. Researcher treated in the introduction, the importance of the subject, and the reasons for writing it, and previous studies, the methodology used in the search, and the plan that became them. In the first section, , A researcher from the definition Balgayt and crime occur, were divided into two demands, the first of them devoted to the concept of a foundling, eat Paljnaah second requirement definition, a statement of sorts. In the second section, the researcher felony foundling money and inanimate objects, were divided this section into two demands, devoted the first requirement to look at Islamic jurisprudence to felony foundling money and inanimate objects, and dealt with the second demand position of Egyptian lawmakers and the UAE of a felony foundling money and inanimate objects. In conclusion, the researcher the most important findings and recommendations reached through his research. The research found to be the bastard, is the following: name of Mouloud (male or female) Ademi neighborhood newborn, often, of unknown parentage, identity, or a young person up to the age of discretion, and was told: to adulthood, and was told: to adulthood, and tutor him known , lost their way, or put (About) his family for fear of Aila, or to escape from the charge of suspicion, or any other motive to get them to this, pick up the save and sponsorship. This, the research shows the extent of the attention of Islamic law ordered a foundling, and urge them to be captured and sponsorship and sponsorship, Sharia Islamic forerunner to every vital area useful, than has long upon the world today than the establishment of nurseries and shelters, to keep the orphans and not host them children and infirm. Moreover, research has concluded, that there is disagreement between the Islamic Sharia, and all of the Code of Federal Civil Transactions and civil law Masri respect of civil liability for a small privileged - an abandoned baby was or known lineage - where these laws approved small distinctive by including all do harmful Once responsibility check the damage. But their disagreement came and House, about the responsibility of the small non-privileged (ie, non-discrimination), and the like, would you ask about who did the consequent damage with others' money or not? . The research was answered, through its pages, this question in detail.

‫م‬2017 ‫ يناير‬- ‫هـ‬1438 ‫ جمادي األولى‬:‫ العدد اخلامس‬- ‫السنة الثالثة‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

12


‫الـمقـدمـــة‬

‫إ ّن احلمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل‬ ‫فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده‬ ‫ورسوله‪.‬‬ ‫س ِل ُمو َن ‪.)1( ‬‬ ‫‪ ‬يَا أَي ُّ َها ال َّ ِذي َن آ َ َم ُنوا اتَّقُ وا َّ َ‬ ‫م ُم ْ‬ ‫اهلل َحق َّ تُقَ اتِهِ وَ َال َمتُوتُن َّ ِإالَّ وَأَن ْ ُت ْ‬ ‫ث ِمنْ ُه َما رِ َج ًاال كَثِيرًا وَن ِ َســـا ًء‬ ‫ُم ِمنْ نَف ٍْس وَا ِح َد ٍة وَ َخ َلق َ ِمنْ َها زَو ْ َج َها وَبَ َّ‬ ‫‪ ‬يَا أَي ُّ َها ال نَّ ُ‬ ‫اس اتَّقُ وا رَبَّك ُ​ُم ا لَّ ِذي َخلَقَ ك ْ‬ ‫ُم ر َ ِقي ًبا ‪.)2( ‬‬ ‫وَاتَّقُ وا َّ َ‬ ‫ام ِإنَّ َّ َ‬ ‫اهلل ال َّ ِذي تَ َس َ‬ ‫اءلُو َن بِهِ وَاألْ َر ْ َح َ‬ ‫اهلل كَا َن عَ ل َْيك ْ‬ ‫اهلل‬ ‫ُم وَ َمنْ يُطِ ِع َّ َ‬ ‫‪ ‬يَا أَي ُّ َها ال َّ ِذي َن آ َ َم ُنوا اتَّقُ وا َّ َ‬ ‫اهلل وَقُولُوا قَوْ ًال َســ ِدي ًدا ي ُ ْ‬ ‫ُم ذُنُوبَك ْ‬ ‫ُم وَي َ ْغ ِفر ْ َلك ْ‬ ‫ُم أَع َْمالَك ْ‬ ‫صــ ِل َْ َلك ْ‬ ‫يما ‪.)4( )3( ‬‬ ‫وَر َ ُسو َل ُه فَقَ دْ فَاز َ فَوْزًا عَ ِ‬ ‫ظ ً‬ ‫أما بعد‪..‬‬ ‫فإنَّ الشريعة اإلسالمية الغراء لم تقصر رعايتها واهتمامها على األوالد الذين يولدون من آباء وأمهات معروفني‬ ‫وح ِر َم من الرعاية الوالدية ألي سبب‬ ‫جدَّ في هذه الدنيا‪ُ ،‬‬ ‫فحسب‪ ،‬بل امتدت رعايتها وحمايتها لتشمل كل ولد و ُ ِ‬ ‫كان ( كاليتم‪ ،‬أو مجهولية النسب – اللقيط – أو التشرد‪ ،‬وما في حكمها‪ ،) ..‬حتى ولو عُ ِر َف أَنَّه ابن زنى‪ ،‬ألنّه‬ ‫جتن في دنياها شيئا ً‪ ،‬وقد قرر اإلسالم مبدأ املسؤولية الشخصية عن كل عمل‪،‬‬ ‫نفس مصونّة محترمة بريئة لم ِ‬ ‫‪5‬‬ ‫ت ر َ ِهي َن ٌة ‪.)6( ‬‬ ‫قال تعالى ‪  :‬و َ َال ت َ ِزر ُ وَازِرَة ٌ وِزْر َ أ ُ ْخرَى ‪ .) ( ‬وقال تعالى ‪  :‬كُلُّ نَف ٍْس ِمبَا كَ َس َب ْ‬ ‫هذا‪ ،‬وقد عنيت الشريعة اإلسالمية بحفظ حقوق اللقيط‪ ،‬وحمايته من التعدي عليها‪ ،‬وتقدمي يد العون‬ ‫واملساعدة له‪ ،‬حتى إ ّن ذلك يعد بابا ً من أبواب اجلنة في الثواب واألجر‪.‬‬ ‫وال شك في أ ّن تقدمي هذه احلقوق للولد اللقيط والعمل على حمايتها من االعتداء‪ ،‬هو أمر بالغ األهمية في‬ ‫مجال اندماج هذا اللقيط في اﺠﻤﻟتمع‪ ،‬الذي يجب عليه أن يُعامل هذا الولد على أساس األخوة اإلنسانية‪ ،‬وعدم‬ ‫النظر إليه على أنه صاحب الذنب أو اإلثم في هذا الوضع‪ ،‬ألنّه في احلقيقة هو اﺠﻤﻟني عليه أو الضحية(‪.)7‬‬ ‫‪ )1‬سورة آل عمران اآلية رقم ‪.102 :‬‬ ‫(‪ )2‬سورة النساء اآلية األولى‪.‬‬ ‫(‪ )3‬سورة األحزاب اآليتان رقما ‪.71 – 70 :‬‬ ‫(‪ )4‬هذه اخلطبة هي خطبة احلاجة كما ذكرها ابن مسعود‪ ،‬وقد استحب أهل العلم البدء بها بني يدي كل خطبة‪ ،‬سواء كانت جمعة‪ ،‬أو عيداً‪،‬‬ ‫أو نكاحاً‪ ،‬أو درساً‪ ،‬أو محاضرة‪ ،‬تأسيا ً بالنبي صلي اهلل عليه وسلم‪ .‬وقد رواها أبو داود في سننه ‪ :‬في كتاب النكاح – باب ‪ :‬في خطبة النكاح‬ ‫– ج‪ 2‬ص ‪ – 291‬اﶈقق ‪ :‬محمد محيي الدين عبد احلميد – الناشر‪ :‬املكتبة العصرية – صيدا – بيروت‪ ،‬والترمذي في سننه ‪ :‬كتاب النكاح – باب‬ ‫‪ :‬ما جاء في خطبة النكاح – ج ‪ 3‬ص ‪ 404‬وقال ‪ :‬حديث حسن سنن الترمذي– اﶈقق ‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬وآخرون – الناشر ‪ :‬دار إحياء التراث‪،‬‬ ‫كما رواها ابن ماجه في سننه ‪ :‬كتاب النكاح – باب ‪ :‬خطبة النكاح – ج ‪ 1‬ص ‪ – 609‬حديث رقم ‪ – 1892 :‬حتقيق ‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي –‬ ‫الناشر ‪ :‬دار إحياء الكتب العربية – فيصل عيسى البابي احللبي ‪.‬‬ ‫(‪ )5‬سورة األنعام جزء من اآلية رقم ‪ ،164 :‬سورة اإلسراء جزء من اآلية رقم ‪ ،15 :‬سورة فاطر جزء من اآلية رقم ‪ ،18 :‬سورة الزمر جزء من اآلية‬ ‫رقم ‪ .7 :‬ومن املعلوم شرعا ً وعقال ً أنَّ الولد غير الشرعي والولد اللقيط‪ ،‬أو مجهول النسب‪ ،‬لم يكن له ثمة اختيار أو ذنب فيما حدثّ ‪ ،‬فليس‬ ‫له اختيار في طريقة خروجه إلي هذه الدنيا حتى يؤخذ بجريرة غيره‪ ،‬بل إنَّ التعامل معه من منطلق ذنب وخطيئة والديه يُخالف نصوص‬ ‫القرآن الكرمي الصريحة في عدم حتمل اإلنسان ألفعال وتبعات غيره‪.‬‬ ‫(‪ )6‬سورة املدثر اآلية رقم ‪ .38 :‬وعليه‪ ،‬فإنَّ الولد اللقيط تثبت له جميع احلقوق التي تثبت للمواليد الثابت نسبهم‪ ،‬ما عدا احلق في النسب‪.‬‬ ‫س بلقيط فِي عَا َّمة األْ َ ْحكَام‪ ،‬وَله أ َ ْحك َام على ْ‬ ‫اخل ُ​ُصوص )‪ .‬انظر ‪ :‬حتفة الفقهاء ‪ :‬محمد‬ ‫اوي َّ‬ ‫الص ِبي ال َّ ِذي ل َْي َ‬ ‫يقول السمرقندي ‪ِ ( :‬إن الل َِّقيط ي ُ َس ِ‬ ‫بن أحمد أبو بكر عالء الدين السمرقندي – ج ‪ 3‬ص ‪ – 351‬الطبعة الثانية عام ‪1414‬هـ‪1994/‬م – الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان‪.‬‬ ‫(‪ ) 7‬حماية حقوق الطفل دراسة مقارنة بني القانون الدولي العام والفقه اإلسالمي ‪ :‬د‪ /‬منتصر سعيد حمودة – ص ‪ – 285‬الطبعة األولى عام‬ ‫‪2010‬م – الناشر ‪ :‬دار الفكر اجلامعي – اإلسكندرية‪ .‬هذا‪ ،‬وعناية الشريعة اإلسالمية للقيط لم تقف عند حث املسلمني على رحمته والعطف‬ ‫عليه واإلحسان إليه‪ ،‬وإمنا جتاوزت ذلك إلي إيالئه عناية مركّزة‪ ،‬وسنت جملة من األحكام الفقهية التي ُمتثل نظاما ً متكامال ً لرعاية اللقطاء‬ ‫في اﺠﻤﻟتمع املسلم ﳝا يحفظ لهم كرامتهم‪ ،‬وحقوقهم املادية واملعنوية‪ ،‬وخاصة على الدولة‪ ،‬ويدفع عنهم ضرر التعيير والتحقير‪ ،‬وضياع‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪13‬‬


‫وفي مقابل هذه العناية التي أولتها الشريعة اإلسالمية للقيط‪ ،‬فرضت عليه ضرورة عدم التعدي على املال‬ ‫واجلماد‪ ،‬وأوجبت عليه الضمان عند إتالفه وإهالكه‪ ،‬ال فرق في ذلك بني العمد واخلطأ‪ ،‬وال بني البلوغ أو عدمه‪.‬‬ ‫وهذا اجلانب هو ما سوف يُوضحه البحث‪ ،‬ويُظهره جليا ً‪.‬‬ ‫أهمية وأسباب الكتابة في املوضوع‪:‬‬ ‫تنبع دواعي وأ سباب اختياري للكتابة في هذا املو ضوع بالذات – عدا ما فيه من أهمية وحيوية بالغة – من عدة‬ ‫أسباب‪ ،‬لعل من أبرزها ما يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬أ ّن موضــوع اللقطاء‪ ،‬بصــفة عامة‪ ،‬يُع ّد في بعض البلدان العربية موضــوعا ً حســاسـا ً من النادر أن تتناوله‬ ‫وسائل اإلعالم أو الندوات واألنشطة االجتماعية‪ ،‬وذلك على أساس أ ّن هؤالء اللقطاء نِتاج أخطاء مرفوضة في‬ ‫مجتمع محافظ ومراع لتعاليم ال شريعة اإل سالمية‪ .‬وبالرغم من اإلنفاق املالي ال ضخم التي تبذله حكومات‬ ‫هذه الدول على دور اللقطاء من أجل توفير وضــع معيشــي جيد لهذه الفئة‪ ،‬إال أ ّن التعتيم اإلعالمي على هذه‬ ‫القضــية أدى لوجود عدد من القضـــايا االجتماعية التي تؤثر على احلياة اليومية لهؤالء اللقطاء‪ ،‬ســواء في‬ ‫طفولتهم‪ ،‬أو حتى في شبابهم‪ .‬وقد جاء هذا البحث ليوجه أنظار الباحثني‪ ،‬وأجهزة ووسائل اإلعالم إلى أهمية‬ ‫موضوع جناية اللقطاء على املال واجلماد‪ ،‬حتى يعطوه حقه من اإلعالم الصحيَ‪ ،‬والبحث اجلاد‪.‬‬ ‫‪ -2‬إظهار عدالة وشمول أحكام الشريعة اإلسالمية الغراء لكل متطلبات احلياة‪ ،‬وسبقها إلى كل مجال حيوي‬ ‫مفيد‪ ،‬على نحو يفوق ما تعارفت عليه التشــريعات الوضــعية في عالم اليوم‪ ،‬وكيفية معاجلتها ملســـألة‬ ‫اللقيط‪ ،‬وبيان حكم جنايته على املال واجلماد‪ .‬فاإلسالم نظام فريد لم يُسبق‪ ،‬ولم يُلحق ركبه‪.‬‬ ‫‪ -3‬بيان مدى توافق وتناغم القوانني املصرية‪ ،‬والقوانني اإلماراتية‪ ،‬السيما القانون االحتادي رقم (‪ )1‬لسنة ‪2012‬م‬ ‫بشأن رعاية األطفال مجهولي النسب‪ ،‬وكذا قانون املعامالت املدنية (القانون املدني) في كال البلدين‪ ،‬مع أحكام‬ ‫الشريعة اإلسالمية ومدى انسجامهما معها في معاجلة هذا املوضوع‪.‬‬ ‫أهدف البحث‪:‬‬ ‫يهدف هذا البحث إلي حتقيق ما يلي‪:‬‬ ‫ حتديد مفهوم اللقيط‪ ،‬وبيان ماهية اجلناية‪ ،‬وأنواعها‪ ،‬وحتديد الفرق بينها وبني اجلرمية‪.‬‬‫ بيان آراء فقهاء الشــريعة اإلســالمية في جناية اللقيط على املال واجلماد‪ ،‬وبيان موقف املشــرع اإلماراتي‬‫واملصري من هذه اجلناية‪.‬‬ ‫الدراسات السابقة‪:‬‬ ‫أثناء كتابتي لهذا البحث‪ ،‬وقع بصــري على مجموعة من املؤلفات واملراجع‪ ،‬تناولت موضــوع اللقيط‪ ،‬وأظهرت‬ ‫العديد من األحكام املتعلقة به‪ ،‬أذكر بعض منها على سبيل املثال ال احلصر‪:‬‬ ‫ أح كام اللقيط في اإلســالم مع دراســـة م يدان ية ‪ :‬د‪ /‬مرمي أح مد ا لداغســ تاني– الطب عة األولى عام‬‫‪1413‬هـ‪1992/‬م – الناشر ‪ :‬املطبعة اإلسالمية احلديثة – حلمية الزيتون – القاهرة‪.‬‬ ‫ أحكام رعاية الطفل اللقيط في الشــريعة اإلســالمية ‪ :‬د‪ /‬أمني عبد املعبود زغلول – بحث منشــور مبجلة‬‫األحمدية والتي تصــدرها دار البحوث للدراســات اإلســالمية وإحياء التراث بدبي – اإلمارات العربية املتحدة –‬ ‫العدد السادس – جمادى األولى ‪1421‬هـ‪ /‬أغسطس ( آب ) ‪2000‬م‪.‬‬ ‫احلقوق واملصالَ‪ ( .‬راجع ‪ :‬أحكام اللقيط في الفقه اإلسالمي – دراسة فقهية مقارنة ‪ : -‬د‪ /‬وليد خالد الربيع – ص ‪ – 1‬جامعة الكويت عام‬ ‫‪1425‬هـ‪2004/‬م – بحث منشور على الشبكة العاملية للمعلومات ( اإلنترنت )‪ .‬انظر املوقع التالي ‪:‬‬ ‫) ‪http://riyadhalelm.com/play-10736.html‬‬ ‫‪14‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ كفالة اللقيط وأثرها في الوقاية من اجلرمية دراســة تأصــيلية‪ :‬علي بن محمد آل كليب – رســالة ماجســتير‬‫مقدمة إلي كلية الدراسات العليا بجامعة نايف العربية للعلوم األمنية – قسم العدالة االجتماعية – الرياض‬ ‫– عام ‪1432‬هـ‪2011/‬م‪.‬‬ ‫ أحكام اللقيط في الفقه اإلســالمي – دراســـة فقهية مقارنة ‪ : -‬د‪ /‬وليد خالد الربيع – جامعة الكويت عام‬‫‪1425‬هـ‪2004/‬م – بحث منشور على الشبكة العاملية للمعلومات ( اإلنترنت )‪.‬‬ ‫ أحكام اللقيط بني ال شريعة اإل سالمية والقانون ‪ :‬منير عبد الغني أبو الهيجاء – ر سالة مقدمة ا ستكماال ً‬‫ملتطلبات درجة املاجســتير في القضــاء الشــرعي بكلية الدراســات العليا بجامعة اخلليل – مدينة نابلس –‬ ‫فلسطني – عام ‪1427‬هـ‪2006/‬م ‪.‬‬ ‫ أحكام اللقيط درا سة تأ صيلية تطبيقية ‪ :‬سعيدي زيان – مذكرة لنيل شهادة املاج ستير ‪ -‬تخ صص أ صول‬‫الفقه ‪ -‬كلية العلوم اإلسالمية ‪ -‬جامعة اجلزائر ‪ -‬عام ‪1427 -1426‬هـ‪2006 -2005/‬م‪.‬‬ ‫هذه املؤلفات‪ ،‬وغيرها كثير‪ ،‬تناولت موضــوع اللقيط غير أن غالبيتها تناولت دراســـة اللقيط من الناحية‬ ‫الشــرعية‪ ،‬ولم تعرض ملســألة جنايته‪ ،‬فضــال عن عدم تناولها له من الناحية القانونية‪ ،‬وحتى املؤلفات التي‬ ‫عاجلت جنايته‪ ،‬وتناولته من الناحية القانونية‪ ،‬لم تعرض جلنايته على املال واجلماد‪ ،‬فجاء هذا البحث ليغطي‬ ‫هذه املسألة من الناحيتني الشرعية والقانونية‪ ،‬وحتديدا ً في القوانني املصرية واإلماراتية‪.‬‬ ‫منهج البحث‪:‬‬ ‫هذا‪ ،‬واملنهج الذي سوف نسلكه في دراسة هذا املوضوع‪ ،‬هو املنهج الوصفي التحليلي املقارن‪ ،‬حيث نقوم‬ ‫بتحديد حقيقة اللقيط‪ ،‬وبيان أحكام جنايته على املال واجلماد كما جتلّت في فقهنا اإلسالمي الذي شاده‬ ‫علماؤنا عبر التاريخ‪ ،‬واملقارنة بني تلك اجلهود العلمية والترجيَ بينها في دراسة مفردات هذا املوضوع‪ .‬ثم يتطرق‬ ‫البحث للمقارنة بني الفقه اإلسالمي والقوانني الوضعية‪ ،‬السيما قانون الطفل املصري رقم (‪ )12‬لسنة ‪1996‬م‪،‬‬ ‫وقانون رعاية مجهولي النسب اإلماراتي رقم (‪ )1‬لسنة ‪2012‬م ‪ ،‬وكذا القانون املدني املصري وقانون املعامالت‬ ‫املدنية اإلماراتي للوصول إلي بيان عظمة الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ورحمتها بالناس من خالل تلك األحكام التي‬ ‫شرعتها في هذا اخلصوص‪.‬‬ ‫خطة البحث‪:‬‬ ‫لقد اقتضــت طبيعة البحث ضــرورة معاجلته في مقدمة‪ ،‬ومبحثني‪ ،‬وخامتة‪ ،‬وثبت للمصــادر واملراجع‪ ،‬وفهرس‬ ‫للموضوعات‪ ،‬وذلك علي النحو التالي‪:‬‬ ‫املقدمة‪ :‬وت شمل اال ستفتاحية‪ ،‬وأهمية املو ضوع‪ ،‬ودواعي وأ سباب الكتابة فيه‪ ،‬والدرا سات ال سابقة‪ ،‬واملنهج‬ ‫املتبع في البحث‪ ،‬وخطته‪.‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬في التعريف باللقيط واجلناية‪.‬‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬جناية اللقيط على املال واجلماد‪.‬‬ ‫ا خلا متة ‪ :‬وجع لت في ها أهم ما توصــ لت إل يه ووفقني اهلل ت عالى إلي إث با ته وتقريره من الن تائج‪ ،‬ثم توج يه‬ ‫توصيات أراها نافعة خادمة ألهداف البحث‪ ،‬محققة ملقاصد الشرع وشراح القانون‪.‬‬ ‫وأخيرا ً‪ ،‬الفهارس‪ :‬فهرس لثبت املصادر واملراجع‪ ،‬وفهرس للموضوعات‪.‬‬ ‫األستاذ الدكتور‬ ‫حسني محمود عبد الدامي عبد الصمد‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪15‬‬


‫املبحث األَول‬ ‫التعريف باللقيط واجلناية‬

‫وفيه مطلبان ‪:‬‬ ‫املطلب األَول ‪ :‬التعريف باللقيط‪.‬‬ ‫املطلب الثاني ‪ :‬التعريف باجلناية وبيان أَنواعها‪.‬‬

‫املطلب األَول‬ ‫مفهوم اللقيط‬

‫أوال‪ :‬حقيقة اللقيط في اللغة‪:‬‬ ‫اللقيط في اللغة‪ :‬اســم لشــيء موجود على وزن فعيل مبعنى مفعول(‪ ،)8‬أي‪ :‬ملقوط‪ ،‬كقولهم‪ :‬قتيل وجريَ‬ ‫وطريَ ودهني‪ ،‬مبعنى مقتول ومجروح ومطروح و مدهون(‪ .)9‬مشــتق من اللقط‪ ،‬ي ُ قال‪ :‬لقَ َطه يَلْقُ طه َلقْ طا ً‬ ‫‪10‬‬ ‫ضا‪ .‬وَيُقَ الُ لِكُلِّ َسا ِق َط ٍة‬ ‫اب ن َ َصر َ‪ ،‬وَالْ َتقَ َط ُه أَي ْ ً‬ ‫والتقَ َطه فهو لقيط َ‬ ‫وملْقُ وط‪ ،‬أي‪ :‬أخذه ورفعه من األرض( )‪ِ ،‬منْ بَ ِ‬ ‫يع َها(‪.)11‬‬ ‫س َم ُع َها وَي ُ ِذ ُ‬ ‫َال ِق َط ٌة‪ ،‬أَيْ‪ :‬لِكُلِّ َما ن َ َدر َ ِمنْ كَ ِل َم ٍة َمنْ ي َ ْ‬ ‫اط‪ ،‬وَ َم ْع َنا ُه ال ُْعثُور ُ عَ لَى َّ‬ ‫صــا َد َف ًة‬ ‫ط وَ ِااللْتِقَ ِ‬ ‫وه َو ف َِعيلٌ مبعنى مفعول من اللَّقْ ِ‬ ‫واللقيط مفرد اللقطاء‪ُ ،‬‬ ‫الشــيْ ِء ُم َ‬ ‫م عَ ُدوًّا وَ َحزَنًا‪ .)12(‬وقَالَ الرَّا ِجز ُ ي َ ِص ُف َما ًء‬ ‫ِمنْ غَ ْي ِر َط َل ٍ‬ ‫ب وَ َال ق َ ْص ٍد‪ .‬وفي التنزيل ‪ :‬فَالْ َتقَ َط ُه آَلُ فِرْعَ وْ َن لِ َيكُو َن ل َُه ْ‬ ‫آ ِج ًنا‪:‬‬ ‫اطا‬ ‫اطا‬ ‫ت َملا َّ َش َ‬ ‫و َ َمن ْ َه ٍل وَرَدْت ُ ُه الْتِقَ َ‬ ‫ضر َ ِمث ْلَ الزَّي ْ ِ‬ ‫أ َ ْخ َ‬ ‫ب (‪.)13‬‬ ‫ك الل َِّق ُ‬ ‫ص ٍد‪َ ،‬ش َ‬ ‫ت ِإذَا ن َ ِ‬ ‫ض َج َحتَّى ا ْح َتر َقَ ‪ ،‬وَكَذَلِ َ‬ ‫يط ي ُ َ‬ ‫ب وَ َال ق َ ْ‬ ‫وج ُد ِمنْ غَ ْي ِر َط َل ٍ‬ ‫اط الزَّي ْ ُ‬ ‫أَيْ‪ :‬وَرَدْتُ ُه ِمنْ غَ ْي ِر َط َل ٍ‬

‫(‪ )8‬إنَّ فعيال ً في اللغة العربية تأتي مبعنى مفعول في مواطن كثيرة‪ ،‬يُقال‪ :‬قتيل مبعنى مقتول‪ ،‬وجريَ مبعنى مجروح‪ ،‬وطريَ مبعنى مطروح‪.‬‬ ‫وإال فاألصل أ َّن فعيال ً مبعنى فاعل‪ ،‬لكنها قد تأتي مبعنى مفعول حسب السياق والقرائن‪ ،‬فلقيط مبعنى ملقوط‪ ،‬أي‪ :‬مأخوذ‪ ( .‬راجع ‪ :‬الشرح‬ ‫املمتع على زاد املستنقع ‪ :‬محمد بن صالَ بن محمد العثيمني – ج ‪ – 10‬ص ‪ - 383‬الطبعة األولى عام ‪1422‬هـ ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار ابن اجلوزي –‬ ‫بالسعودية )‪.‬‬ ‫(‪ )9‬راجع ‪ :‬البيان في مذهب اإلمام الشافعي ‪ :‬أبو احلسني يحيي بن أبي اخلير العمراني – ج ‪ 8‬ص ‪ – 7‬اﶈقق‪ :‬قاسم محمد النووي – الطبعة‬ ‫األولى عام ‪1421‬هـ‪2000/‬م – الناشر ‪ :‬دار املنهاج – جدة‪.‬‬ ‫(‪ )10‬قال الكفوي ‪ ( :‬اللقيط ‪ :‬هو في اآلدمي يُقال‪ :‬صبي منبوذ‪ ،‬اعتبارا ً مبن طرحه‪ ،‬ولقيط وملقوط أيضاً‪ ،‬اعتبارا ً مبن تناوله‪ .) ..‬انظر ‪ :‬الكليات‬ ‫معجم في املصطلحات والفروق اللغوية‪ :‬أيوب بن موسى احلسيني الكفوي‪ ،‬أبو البقاء احلنفي – ص ‪ – 799‬اﶈقق ‪ :‬عدنان درويﺶ‪ ،‬محمد املصري‬ ‫– الناشر ‪ :‬مؤسسة الرسالة – بيروت‪ ،‬أنيس الفقهاء في تعريفات األلفاظ املتداولة بني الفقهاء ‪ :‬قاسم بن عبد اهلل بن أمير علي القونوي‬ ‫الرومي احلنفي – ص ‪ - 67‬اﶈقق ‪ :‬يحيى حسن مراد – طبعة عام ‪1424‬هـ‪2004/‬م – الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬ ‫(‪ )11‬راجع ‪ :‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪ :‬أبو نصر إسماعيل بن حماد اجلوهري – ج ‪ 3‬ص ‪– 1157‬حتقيق ‪ :‬أحمد عبد الغفور عطار –‬ ‫الطبعة الرابعة عام ‪1407‬هـ‪1987/‬م – الناشر ‪ :‬دار العلم للماليني – بيروت‪ ،‬مختار الصحاح ‪ :‬زين الدين أَبو عبد اهلل محمد بن أَبي بكر بن عبد‬ ‫القادر احلنفي الرازي – مادة ‪( :‬ل ق ط) – ص ‪ – 284‬اﶈقق ‪ :‬يوسف الشيخ محمد – الطبعة اخلامسة عام ‪1420‬هـ‪1999/‬م – الناشر ‪ :‬املكتبة‬ ‫العصرية ‪ -‬الدار النموذجية – بيروت – صيدا‪.‬‬ ‫السيَّار َ ِة‬ ‫ض َّ‬ ‫(‪ )12‬سورة القصص جزء من اآلية رقم ‪ .8 :‬قال ابن عرفة‪ :‬االلتقاط‪ :‬وجود الشيء من غير طلب له‪ ،‬وعليه قوله تعالى‪  :‬يَلْ َت ِقطْ هُ ب َ ْع ُ‬ ‫يتحسسها‪ ( .‬انظر‪ :‬عمدة احلفاظ في‬ ‫ْطةُ‪ ،‬أل ّن واجدها لم‬ ‫‪ ( ‬يوسف جزء من اآلية رقم ‪ ،) 10 :‬أي ‪ :‬يجدوه على غير قصد منهم له‪ .‬ومنه ال ُّلق َ‬ ‫َّ‬ ‫تفسير أشرف األلفاظ ( معجم لغوي أللفاظ القرآن الكرمي ) تأليف ‪ :‬الشيخ ‪ /‬أحمد بن يوسف بن عبد الدائم‪ ،‬املعروف بالسمني احللبي – ج‪4‬‬ ‫السود – الطبعة األولى عام ‪1417‬هـ‪1996/‬م – الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان‪ ،‬لسان‬ ‫ص ‪ – 36 – 35‬حتقيق ‪ :‬محمد باسل عيون ّ‬ ‫العرب ‪ :‬محمد بن مكرم بن على‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬جمال الدين ابن منظور األنصاري اإلفريقي – ج‪ 7‬ص ‪ – 394‬الطبعة الثالثة عام ‪1404‬هـ‪1984/‬م –‬ ‫الناشر ‪ :‬دار صادر – بيروت‪ ،‬النهاية في غريب احلديث واألَثر ‪ :‬مجد الدين أَبو السعادات املبارك بن عبد الكرمي الشيباني اجلزري ابن األَثير ‪ -‬ج‪ 4‬ص‬ ‫‪ – 264‬حتقيق‪ :‬طاهر أَحمد الزاوى‪ ،‬محمود محمد الطناحي– الطبعة األَولى عام ‪1399‬هـ‪1979/‬م – الناشر ‪ :‬املكتبة العلمية – بيروت )‪.‬‬ ‫(‪ )13‬االختيار لتعليل اجملتار‪ :‬عبد اهلل بن محمود بن مودود املوصلي–ج ‪ 3‬ص ‪ – 29‬طبعة عام ‪1356‬هـ‪1937/‬م – الناشر ‪ :‬مطبعة احللبي – القاهرة‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫والتقطت الشــيء جمعته‪ ،‬ولَقَ َط الثَ ُو َب‪ ،‬أي‪ :‬رفَا ُه‪ ،‬ولقطت العلم من الكتب لقطا ً‪ ،‬أي‪ :‬أخذته من هذا الكتاب‬ ‫‪15‬‬ ‫غلب اللقيط على‬ ‫ومن هذا الكتاب(‪ ،)14‬وَلقَ ط َّ‬ ‫ب‪ :‬أخذه مبنقاره من األرض بسرعة بدون ِّ‬ ‫مسها( )‪ .‬وقد ّ‬ ‫الطائر ُ احل َ َّ‬ ‫جل‬ ‫الو لد املنبوذ(‪ )16‬من بني آدم(‪ِ ،)17‬أل َ َّن ُه عَ لَى عَ ر ْ ِض أ َ ْن يُلْقَ َط‪ ،‬واألُنْثَى ل َِقي َطةُ(‪ .)18‬والل َِّقي ط ُة والالَّ ِق طةُ‪ :‬الر ُ‬ ‫لقيطة‪،‬‬ ‫لق ٌ‬ ‫َســق ٌ‬ ‫ك‪ .‬تَقُ ولُ ‪ِ :‬إنه ل‬ ‫الســا ِق ُط الرَّذْل امل َ ِهني ُ‪ ،‬واملرأَة كَذَلِ َ‬ ‫لســ ِقيطة ِ‬ ‫يط ِ‬ ‫ِ‬ ‫يط ِوإنه لســا ِقط ال ِقط ِوإنه َ‬ ‫واجلمع‪ :‬لقائط(‪ .)19‬ولعله ُس ِمي بهذا االسم املهني على عادة العرب في تسمية أبنائهم بأهون األسماء وأقلَّها‪،‬‬ ‫حتى إذا ق َ َتلَّه األعداء ال يشعر أهله بشديد أسف‪ ،‬وال تشعر األعداء بكبير تشف(‪.)20‬‬ ‫يث‪ :‬عَ تِيقَ َها‪،‬‬ ‫والذي يأخذ ال صبي‪ ،‬أو ال شيء ال ساقط يُقال له‪ :‬امللتقط (‪ ،)21‬وفي احلديث ‪ :‬املَْرْأَةُ َحتوز ُ ث َ​َالث َ َة َم َوار ِ َ‬ ‫ت عَ نْه‪.)22( ‬‬ ‫وَل َِق َ‬ ‫يط َها‪ ،‬وَوَ َل َد َها ال َّ ِذي َالعَ َن ْ‬ ‫‪24‬‬ ‫‪23‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُوع عَ ادَةً( ) َف كَا َن‬ ‫فه َو‪ْ :‬‬ ‫وَأ َ َّما اللقيط فِي ال ُْعر ْ ِف‪ُ ،‬‬ ‫اســ ٌ‬ ‫م لِلطِّ فْ ِل املَْفْقُ ودِ وَ ُه َو املُْلْقَ ى( )‪ ،‬أو ْ الطِّ فْ ِل ا ْملَأ ُخوذِ وَاملَْرْف ِ‬ ‫اس ِم ال َْعا ِق َب ِة؛ ِألَن َّ ُه يُلْقَ ُط عَ ادَةً‪ ،‬أَيْ‪ :‬يُؤ ْ َخذ ُ وَيُر ْ َف ُع من األرض(‪ .)25‬وَتَ ْس ِم َي ُة َّ‬ ‫اس ِم عَ ا ِق َبتِ ِه‬ ‫تَ ْس ِم َي ُت ُه ل َِق ً‬ ‫يطا ب ِ ْ‬ ‫الشيْ ِء ب ِ ْ‬ ‫ك‬ ‫اهلل تَ َعالَى َجلَّ َشأْن ُ ُه‪ِ  :‬إنِّي أَرَانِي أ َ ْع ِصر ُ َخ ْمر ً ‪ ،)26( ‬وَقَالَ َّ ُ‬ ‫أ َ ْمر ٌ َشائِ ٌع فِي ال ُّل َغ ِة‪ ،‬قَالَ َّ ُ‬ ‫اهلل تَ َعالَى َجلَّ َشأْن ُ ُه‪ِ  :‬إن َّ َ‬

‫(‪ )14‬املصباح املنير في غريب الشرح الكبير‪ :‬أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم احلموي‪ ،‬أبو العباس – ج‪ 2‬ص ‪ – 557‬مادة ‪( :‬لقط) ‪ -‬الناشر ‪:‬‬ ‫املكتبة العلمية – بيروت‪ ،‬دائرة معارف القرن العشرون ‪ :‬د‪ /‬محمد فريد وجدي – ج ‪ 8‬ص ‪ – 369‬الطبعة الثالثة عام ‪1971‬م – الناشر ‪ :‬دار الفكر‬ ‫– بيروت‪.‬‬ ‫(‪ ) 15‬راجع ‪ :‬معجم اللغة العربية املعاصرة ‪ :‬د‪ /‬أحمد مختار عبد احلميد عمر‪ ،‬مبساعدة فريق عمل ‪ -‬ج‪ 3‬ص ‪ - 2027‬مادة ‪( :‬ل ق ط ) ‪ -‬الطبعة‬ ‫األولي عام ‪1429‬هـ‪2008/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬عالم الكتب‪ ،‬تكملة املعاجم العربية ‪ :‬رينهارت بيتر آن ُدوزِي ‪ -‬ج‪ 9‬ص ‪ - 264‬مادة ‪( :‬لقط) ‪ -‬نَقَ ل َّه إلى‬ ‫العربية وعَ ل َّق عليه ‪ :‬جمال اخلياط ‪ -‬الطبعة األولى عام من عام ‪2000/1979‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬وزارة الثقافة واإلعالم ‪ -‬اجلمهورية العراقية‪.‬‬ ‫رمتْه عَ لَى الطَّ ريق‪ .‬واملنبوذون َطائِفَ ة فِي ال ِْهنْد يتجنبهم ْ‬ ‫اﺠﻤﻟ ُ ْ َتمع ال ِْهن ْ ِد ّي ويزدريهم لضعتهم وفقرهم‬ ‫(‪ُ )16‬‬ ‫وس ِّمي الل َّقيط َمن ْ ُبوذا ً ؛ ِألَنَّ أ َّمه َ‬ ‫ْ‬ ‫ز‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫يم‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫لقَ‬ ‫اخل‬ ‫أصل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫اهلل‬ ‫على‬ ‫عمو َن (محدثة)‪ ( .‬راجع ‪ :‬املعجم الوسيط‪ :‬مجمع اللغة العربية بالقاهرة – إبراهيم مصطفى‪،‬‬ ‫وهوانهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫وأحمد الزيات‪ ،‬وحامد عبد القادر‪ ،‬ومحمد النجار ‪ -‬ص ‪ - 897‬الناشر‪ :‬دار الدعوة )‪.‬‬ ‫الليث‪ :‬اللقيطةُ‪ :‬الر ُجلُ املهني ُ الرذلُ ‪ ،‬واملرأة‬ ‫ط‪ .‬وبنو ل َِق ْي ٍط‪ :‬حيٌ من العرب‪ ..‬وقال‬ ‫وط ‪ :‬املولودُ الذي ينبذ ُ ف َُيلْقَ ُ‬ ‫اللق ُ‬ ‫يط وامللقُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫(‪ )17‬قال ابن دريد ‪ِ :‬‬ ‫كذلك‪ .‬وبنو اللقيط ِة‪ُ :‬س ُموا بذلك أل َّن أمهم ‪ -‬زعموا ‪ -‬التقطها ُحذيف ُة ب ُن بدر في جوارٍ قد أضرت بهن السنةُ؛ فضمها إليه‪ ،‬ثم أعجبت ُه‬ ‫بنت عُصم بن مروان بن وهب‪( .‬انظر‪ :‬العباب الزاخر واللباب الفاخر‪ :‬رضي الدين احلسن بن محمد بن احلسن‬ ‫فخطبها إلى أبيها وتزوجها وهي ُ‬ ‫بن حيدر العدوي العمري القرشي الصنعاني احلنفي – مادة ‪( :‬لقط)‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪ – 312‬مأخوذ من املكتبة الشاملة موافق للمطبوع بدون ذكر‬ ‫الطبعة ودار النشر)‪.‬‬ ‫(‪ )18‬املْ ُ ْغ ِر ُب في ترتيب املعرب‪ :‬ناصر بن عبد السيد أبى املكارم اخلوارزمي امل ُ َطرِّزِى ّ – مادة ‪( :‬ل ق ط) – الالم مع القاف – ص ‪ – 426‬بدون طبعة‬ ‫وبدون تاريخ – الناشر ‪ :‬دار الكتاب العربي‪.‬‬ ‫(‪ )19‬لسان العرب ‪ :‬ابن منظور – ج‪ 7‬ص ‪ ،394‬تاج العروس ‪ :‬للزبيدي – ج‪ 20‬ص ‪ ،78‬املعجم الوسيط ‪ :‬ج‪ 2‬ص ‪.853‬‬ ‫(‪ )20‬انظر ‪ :‬دراسة في نصوص العصر اجلاهلي حتليل وتذوق ‪ :‬د‪ /‬السيد أحمد عمارة – ص ‪ – 119‬بدون تاريخ طبع أو سنة نشر – الناشر ‪ :‬مكتبة‬ ‫املتنبي‪.‬‬ ‫(‪ )21‬انظر ‪ :‬تهذيب اللغة ‪ :‬لألزهري الهروي – ج‪ 9‬ص ‪.17‬‬ ‫(‪ )22‬سنن الترمذي ‪ :‬محمد بن عيسى الترمذي – كتاب الفرائض – باب ‪ :‬ما يرث النساء من الوالء – ج ‪ 4‬ص ‪ – 429‬حديث رقم ‪ .2115 :‬قال عنه‬ ‫‪ ( :‬هذا حديث حسن غريب‪ ،‬ال يُعرَّف إال من هذا الوجه )‪ ،‬السنن الكبرى‪ :‬أحمد بن احلسني بن علي بن موسى اخلرساني‪ ،‬أبو بكر البيهقي – كتاب‬ ‫الفرائض – باب ‪ :‬الوالء بامليراث – ج ‪ 6‬ص ‪ – 394‬حديث رقم ‪ . 12383 :‬وقال عنه ‪ ( :‬هذا غير ثابت‪ – ) ..‬اﶈقق ‪ :‬محمد عبد القادر عطا – الطبعة‬ ‫الثالثة عام ‪1424‬هـ‪2003/‬م – الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس ‪ :‬الزَّبيدي – ج ‪ 20‬ص ‪ 76‬وما بعدها‪.‬‬ ‫الضائِ ِع ‪ :‬ل َِق ٌ‬ ‫ي‪ ( .‬انظر ‪ :‬روضة الطالبني وعمدة املفتني ‪ :‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن‬ ‫يط‪ ،‬و َ َملْقُ ٌ‬ ‫لص ِبيِّ املُْلْقَ ى َّ‬ ‫(‪ )23‬وَيُقَ الُ لِ َّ‬ ‫وط‪ ،‬و َ َمن ْ ُبوذٌ‪ ،‬و َ َد ِع ُّ‬ ‫شرف النووي – ج‪ 5‬ص ‪ – 418‬حتقيق ‪ :‬زهير الشاويش – الطبعة الثالثة عام ‪1412‬هـ‪1991/‬م – الناشر ‪ :‬املكتب اإلسالمي – بيروت – دمشق ‪-‬‬ ‫عمان‪ ،‬فتَ الوهاب بشرح منهج الطالب ‪ :‬زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا األنصاري – ج‪ 1‬ص ‪ – 317‬الطبعة ألولى عام ‪1414‬هـ‪1994/‬م –‬ ‫الناشر ‪ :‬دار الفكر للطباعة والنشر )‪.‬‬ ‫(‪ )24‬راجع ‪ :‬دستور العلماء ( جامع العلوم في اصطالحات الفنون ) ‪ :‬القاضي عبد النبي األحمدي نكري – ج ‪ 3‬ص ‪ – 125‬باب الالم مع القاف–‬ ‫عَ ر َّ َب عبارته الفارسية ‪ :‬حسن هاني فحص– الطبعة األولى عام ‪1421‬هـ‪2000/‬م – الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان‪.‬‬ ‫(‪ )25‬وهو من ناحية أخرى من باب التفاؤل بالتقاطه بخالف تسميته منبوذا‪.‬‬ ‫(‪ )26‬سورة يوسف جزء من اآلية رقم ‪.36 :‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪17‬‬


‫ح َت ِملُ املَْوْ َت َم ِّي ًتا بِا ْس ِم ال َْعا ِق َب ِة فكَذ َا الن سبة هنا‬ ‫م َم ِّي ُتو َن‪َ ،)27( ‬س َّمى ال ِْع َن َب َخ ْمرًا‪ ،‬وَاحلْ َيَّ ال َّ ِذي ي َ ْ‬ ‫َم ِّي ٌ‬ ‫ت وَ ِإن َّ ُه ْ‬ ‫‪29‬‬ ‫‪28‬‬ ‫السم لقيط( )‪ ،‬فهي تطلق على الطفل الذي يوجد ُملْقَ ى على األرض في الطريق العام( )‪.‬‬ ‫‪30‬‬ ‫مما ســبق يتبني ل َّنا‪ ،‬أنَّ اللقيط في الل غة‪ ،‬هو‪ :‬الو لد – ذكرا ً كان أو أنثى – املنبوذ أو املطروح املُرمي به( ) في‬ ‫الطريق العام‪ ،‬أو باألسواق‪ ،‬أو بباب مسجد ونحو ذلك‪ ،‬وال يُعرف أَبُوهُ وال أُمه وال قبيلته‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬حقيقية اللقيط في االصطالح الشرعي‪:‬‬ ‫يتقارب التعريف اللغوي للقيط مع تعريفه اال صطالحي‪ ،‬وتعريفات الفقهاء للقيط في اال صطالح تكاد تتفق‬ ‫في مجمل معانيها‪ ،‬لكن اخلالف بدا وا ضحا ً في الت سمية‪ ،‬حيث سماه البعض ا سما ً حلي مولود‪ ،‬وآخر طفل‬ ‫منبوذ‪ ،‬وغيره كل طفل ضائع‪ ،‬وهي م صطلحات ومفردات ذات صلة باللقيط‪ ،‬وحتمل صورة من صوره‪ .‬وهذا ما‬ ‫سيتضَ لن َّا جليا ً من خالل التعريفات اآلتية‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعريف احلنفية ‪:‬‬ ‫ي َموْلُودٍ َطر َ َح ُه أ َ ْه ُل ُه َخوْفًا ِمنْ ال َْع ْي َل ِة (‪ )31‬أَو ْ فِرَارًا ِمنْ تُ ْه َم ِة‬ ‫عَ ر َّ َف بعض فقهاء احلنفية اللقيط‪ ،‬بأنَّه ‪ْ ( :‬‬ ‫اس ـ ٌ‬ ‫م ِحل َ م‬ ‫ح ِرز ُ ُه غَ ِان ٌ‪.)33( ) ..‬‬ ‫م‪ ،‬وَ ُم ْ‬ ‫الرِّي َب ِة (‪ُ ،)32‬م َ‬ ‫ض ِّي ُع ُه آث ِ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُوع عَ ا َدةً) (‪.)34‬‬ ‫وعرّفه الكاساني‪ ،‬بأنَّه ‪ْ :‬‬ ‫(اس ٌ‬ ‫م لِلطِّ ف ِْل املَْفْقُ ودِ‪ ،‬وَ ُه َو املُْلْقَ ى‪ ،‬أو ْ الطِّ ف ِْل املَْأ ُخوذِ وَاملَْرْف ِ‬ ‫ض ِّي ُع ُه‬ ‫وعرّفه صاحب اجلوهرة النيرة‪ ،‬بأنَّه ‪ْ ( :‬‬ ‫م ِملَنْ ُبوذٍ ِمنْ بَ ِني آ َد َم ن ُ ِبذ َ َخوْفًا ِمنْ ال َْع ْي َل ِة‪ ،‬أَو ْ فِرَارًا ِمنْ ال ُّت ْه َم ِة‪ُ ،‬م َ‬ ‫اس ٌ‬ ‫ح ِرز ُ ُه غَ ِان ٌ‪.)35( ) ..‬‬ ‫م وَ ُم ْ‬ ‫آث ِ ٌ‬ ‫وك فِي َّ‬ ‫ج ُهولَ األْ َ ِب وَاألْ َوْلِ َياء ) (‪.)36‬‬ ‫وعَ رَّفَه صاحب درر احلكام‪ ،‬بأنَّه ‪ ( :‬ال َْو َل ُد املَْتْر ُ ُ‬ ‫الش َوارِ ِع‪َ ،‬م ْ‬ ‫(‪ )27‬سورة الزمر اآلية رقم ‪.30 :‬‬ ‫(‪ )28‬راجع ‪ :‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ‪ :‬عالء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني ‪-‬ج‪ 6‬ص ‪ – 197‬الطبعة الثانية عام ‪1406‬هـ‪1986/‬م –‬ ‫الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬ ‫(‪ ) 29‬انظر ‪ :‬أحكام رعاية الطفل اللقيط في الشريعة اإلسالمية ‪ :‬د‪ /‬أمني عبد املعبود زغلول – بحث منشور مبجلة األحمدية والتي تصدرها‬ ‫دار البحوث للدراسات اإلسالمية وإحياء التراث بدبي – اإلمارات العربية املتحدة – العدد السادس – جمادى األولى ‪1421‬هـ‪ /‬أغسطس ( آب )‬ ‫‪2000‬م – ص ‪.136‬‬ ‫م ‪ ( ‬سورة آل عمران جزء من اآلية رقم ‪ ،) 187 :‬ومنه ُس ّمي‬ ‫(‪ )30‬مأخوذ من نبذت الشيء‪ ،‬أي ‪ :‬رميته‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪َ  :‬ف َن َبذ ُو ُه وَر َ َاء ُظ ُهورِ ِه ْ‬ ‫سمى دَ ِعيَّا ً أيضاً‪ ،‬على أ ّن تسميته لقيطا ً أو منبوذا ً قبل األخذ حقيقة لغوية‪،‬‬ ‫سمى ملقوطا ً باعتبار أنه يلقط‪ ،‬وي ُ ّ‬ ‫النبيذ‪ ،‬ألنه يُطرّح فيه املاء‪ .‬وي ُ ّ‬ ‫وبعدها مجاز بناءً على زوال احلقيقة بزوال املعنى املشتق منه‪ ،‬أو باعتبار ما كان عليه‪ ( .‬راجع ‪ :‬فقه املعامالت ‪ :‬د‪ /‬عبد العزيز محمد عزام – ص‬ ‫‪ – 139‬الطبعة األولى عام ‪1998/1997‬م – الناشر ‪ :‬مكتب الرسالة الدولية للطباعة والكمبيوتر ‪ -‬مصر )‪.‬‬ ‫اب َسارَ‪ ،‬ف َُه َو عَائِلٌ ‪ .‬وَاجلْ َ ْم ُع ‪ :‬عَا َلةٌ‪( .‬‬ ‫ب‬ ‫ص َدر ُ عَ الَ ي َ ِعيلُ ‪ ،‬عَ ْيلَة وَعَ ُي َ‬ ‫ي َم ْ‬ ‫والً‪ِ ،‬من ْ َ ِ‬ ‫َ ‪ :‬الْفَ قْر ُ والْقَ ا َفةُ‪ ،‬و َ ِه َ‬ ‫(‪ )31‬قَوْ ُل ُه ‪َ ( :‬خوْفًا ِمنْ ال َْع ْي َل ِة )‪ ،‬ال َْع ْي َل ُة بالْفَ تْ ِ‬ ‫انظر ‪ :‬املصباح املنير ‪ :‬للفيومي – ج ‪ 2‬ص ‪ – 440‬العني والياء وما يثلثهما ‪ -‬مادة ‪( :‬ع ي ل)‪ ،‬إعراب القرآن العظيم ‪ :‬زكريا بن محمد بن أحمد بن‬ ‫زكريا األنصاري السنيكي ‪ -‬ص ‪ - 303‬حققه وعل َّق عليه ‪ :‬د‪ /‬موسى على موسى مسعود ‪ -‬الطبعة األولى عام ‪1421‬هـ‪2001/‬م ‪ -‬بدون دار نشر‬ ‫)‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫الر‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫س‬ ‫‪:‬‬ ‫لُ‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫ْه‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫)‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫‪.‬‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫‪:‬‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ك‬ ‫الش‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫الر‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫ك‬ ‫الش‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ُو‬ ‫ك‬ ‫الر‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ار‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫)‬ ‫‪32‬‬ ‫(‬ ‫ُّ ً َ ْ ُ َ ِ َ ُ ِ ْ‬ ‫َ ْ ُ ُ ِ َ ً ِ ْ ُ ْ َ ِ ِّ َ ِ ُّ ْ َ ُ ِفَ ْ ِ َ ِ َ ُ‬ ‫َِ‬ ‫ِ ْ ً َ ِ َ ٍ َ َّ ْ ُ‬ ‫ُّ َ ِّ َ ُ الظَّ ُّ َ‬ ‫كن َّ املُْرَادَ ب ِ َها ُهنَا الزِّنَا‪ ( .‬انظر املصباح املنير ‪ :‬للفيومي – ج ‪ 1‬ص ‪ – 247‬الراء مع الياء وما يثلثهما )‪.‬‬ ‫احلْ َا َجةُ‪َ ،‬ل ِ‬ ‫(‪ )33‬املبسوط ‪ :‬محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي – ج‪ 10‬ص ‪ – 209‬بدون رقم طبعة – الناشر ‪ :‬دار املعرفة – بيروت – عام ‪1414‬هـ‪1993/‬م‪،‬‬ ‫البحر الرائق شرح كنز الدقائق ‪ :‬زين الدين بن إبراهيم بن محمد‪ ،‬املعروف بابن ُ​ُنيم – ج‪ 5‬ص ‪ – 155‬الطبعة الثانية بدون تاريخ – الناشر ‪ :‬دار‬ ‫الكتاب اإلسالمي‪ ،‬رد اﶈتار على الدر اﺨﻤﻟتار ‪ :‬محمد أمني بن عمر بن عبد العزيز عابدين – ج ‪ 4‬ص ‪ – 269‬الطبعة الثانية عام ‪1412‬هـ‪1992/‬م –‬ ‫الناشر ‪ :‬دار الفكر – بيروت‪ ،‬كتاب األحكام الشرعية في األحوال الشخصية على مذهب اإلمام أبي حنيفة النعمان ‪ :‬محمد قدري باشا –‬ ‫الفصل اخلامس في أحكام اللقيط – مادة ‪ – 256‬ص ‪ – 68‬الطبعة الثالثة عام ‪1895‬م – الناشر ‪ :‬مطبعة التأليف بالفجالة مبصر‪.‬‬ ‫(‪ )34‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ‪ :‬ج‪ 6‬ص ‪.197‬‬ ‫(‪ )35‬اجلوهرة النيرة ‪ :‬أبو بكر بن علي بن محمد احلدادي الزبيدي اليمني – ج ‪ 1‬ص ‪ – 353‬الطبعة األولى عام ‪1322‬هـ ‪ -‬املطبعة اخليرية ‪ -‬مصر‪،‬‬ ‫مجمع األنهر في شرح ملتقى األبحر ‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن سليمان‪ ،‬املدعو بشيخي زاده‪ ،‬وَيُعرَّف بداماد أفندي – ج ‪ 1‬ص ‪ – 701‬بدون‬ ‫طبعة وبدون تاريخ – الناشر ‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬تبيني احلقائق شرح كنز الدقائق ‪ :‬عثمان بن علي فخر الدين الزيلعي – ج ‪ 3‬ص ‪– 297‬‬ ‫الطبعة األولى عام ‪1313‬هـ ‪ -‬الناشر ‪ :‬املطبعة الكبرى األميرية – ببوالق – القاهرة‪.‬‬ ‫(‪ )36‬درر احلكام شرح غرر األحكام ‪ :‬محمد بن فرامرز بن علي‪ ،‬الشهير مبال خسرو – ج ‪ 1‬ص ‪ – 90‬بدون طبعة وبدون تاريخ – الناشر ‪ :‬دار إحياء‬ ‫الكتب العربية‪.‬‬ ‫‪18‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وعرّفه البابرتي‪ ،‬بأنَّه ‪ ( :‬اسم ملولود حي‪ ،‬طرحه أهله خوفا ً من العيلة‪ ،‬أو فرارا ً من تهمة الزنا ) (‪.)37‬‬ ‫وَعً ر َّ َف ُه األ سترو شي‪ ،‬بأنه ‪( :‬اللقيط ‪ :‬ا سم للولد الذي يوجد على قارعة الطريق‪ ،‬أو في املفازة (‪ ،)38‬أو على باب‬ ‫املسجد‪ ،‬وال يُعرَف أبُو ُه وال أُمه ) (‪.)39‬‬ ‫هذا‪ ،‬ويؤخذ على تعريفات علماء احلنفية املتقدمة ما يلي ‪:‬‬ ‫(طر َ َح ُه أ َ ْه ُل ُه ) أي نبذه أو تركه أهله‪ ،‬فليس جامعا ً‪ ،‬فاللقيط قد يُطرح بغير ســبب من أهله‪ ،‬كأن‬ ‫ قولهم ‪َ :‬‬‫يكون ضائعا ً‪ ،‬أو ضاال ً‪ ،‬أو مفقودا ً (‪.)40‬‬ ‫ يُفهم من جملة تعريفات فقهاء احلنفية للّقيط‪ ،‬أ َّن اللقيط مقتصــر على الطفل حديث الوالدة(‪ ،)41‬أو أ َنَّه‬‫صــغير غير مميز‪ .‬أما الصــبي املميز‪ ،‬واﺠﻤﻟنون ‪ -‬وإن كان بالغا ً ‪ -‬فقد صــرّح الشــافعية – كما ســيأتي – بجواز‬ ‫التقاطهما حلاجتهما إلي احلفظ والرعاية (‪ ،)42‬ولم يتعرض فقهاء احلنفية لذلك (‪.)43‬‬ ‫(خوْ فً ا ِمنْ ال َْع ْي لَ ِة‪ ،‬أَو ْ فِرَارًا ِمنْ تُ ْه َم ِة الرِّي َب ِة )‪ ،‬وهذا وإن كان ال غالب في اللقيط (‪ ،)44‬إال أ َ َّن الن بذ أو‬ ‫ قولهم ‪َ :‬‬‫الطرح أو اإللقاء‪ ،‬قد يكون ألســباب أخرى (‪ ،)45‬كعدم رغبة أهله فيه إذا كان معاقا ً‪ ،‬أو لوجود عيب َخل ِْقي فيه‪،‬‬ ‫وكاخلوف من ال سلّطة احلاكمة الطاغية‪ ،‬كما وقع مع نبي اهلل مو سى – عليه ال سالم – قال تعالى ‪  :‬وَأَو ْ َحيْ َنا‬ ‫اعلُوهُ ِم َن‬ ‫وســى أ َ ْن أَر ْ ِضــ ِع يهِ فَإِذَا ِخ فْ ِ‬ ‫ِإلَى أ ُ ِّم ُم َ‬ ‫ك وَ َج ِ‬ ‫م وَ َال تَ َخافِي وَ َال َحتْزَنِي ِإ نَّا ر َا ُّدوهُ ِإل َْي ِ‬ ‫ت عَ ل َْيهِ َفأَل ِْق يهِ فِي ال َْي ِّ‬ ‫م عَ ُدوًّا وَ َحزَنًا ‪ ،)46( ‬ولم يكن خوف أم موسى من العيلة أو الزنا والعياذ‬ ‫املُْر ْ َس ِلني فَالْ َتقَ َط ُه آَلُ فِرْعَ وْ َن لِ َيكُو َن ل َُه ْ‬ ‫باهلل‪ ،‬بل اخلوف كان من السلّطة الطاغية املتمثلة في فرعون (‪.)47‬‬ ‫‪ -2‬تعريف املالكية‪:‬‬ ‫(‪ )37‬العناية شرح الهداية ‪ :‬محمد بن محمد بن محمود أكمل الدين البابرتي – ج ‪ 6‬ص ‪ – 110‬بدون طبعة وبدون تاريخ – الناشر ‪ :‬دار الفكر‪،‬‬ ‫البناية شرح البداية ‪ :‬أبو محمد محمود بن أحمد احلنفي بدر الدين العيني – ج ‪ 7‬ص ‪ – 312‬الطبعة األولى عام ‪1420‬ه‪2000/‬م – الناشر ‪ :‬دار‬ ‫الكتب العلمية – بيروت – لبنان‪.‬‬ ‫س َم ُع فيها صوت‪ ( .‬راجع ‪ :‬لسان العرب ‪ :‬ابن منظور‬ ‫(‪ )38‬املفازة‪ ،‬هي ‪ :‬الفالة‪ ،‬أي القفر أو البادية‪ ،‬املهلكة التي ال ماء فيها وال نبات و َ َال َشي ْ َء‪ ،‬وال ي ُ ْ‬ ‫ ج ‪ 5‬ص ‪ ،110‬العني ‪ :‬للفراهيدي ‪ -‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،101‬تهذيب اللغة ‪ :‬لألزهري ‪ -‬ج‪ 6‬ص ‪ ،251 - 247‬الصحاح تاج اللغة ‪ :‬للجوهري ‪ -‬ج ‪ 2‬ص ‪،797‬‬‫معجم مقاييس اللغة ‪ :‬أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي‪ ،‬أبو احلسني ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ – 230‬اﶈقق ‪ :‬عبد السالم محمد هارون – طبعة عام‬ ‫‪1399‬هـ‪1979 /‬م – الناشر ‪ :‬دار الفكر – عام النشر‪ ،‬املصباح املنير ‪ :‬للفيومي ‪ -‬ج ‪ 2‬ص ‪ - 511‬مادة ‪( :‬ق ف ر )‪.‬‬ ‫(‪ )39‬أحكام الصغار ‪ :‬اإلمام محمد بن محمود األستروشي – ص ‪ – 149‬حتقيق ‪ :‬د‪ /‬مصطفى صميدة – الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية – بيروت ‪-‬‬ ‫لبنان‪.‬‬ ‫(‪ )40‬فتعريف اللقيط باملنبوذ‪ ،‬أي املطروح‪ ،‬يحتاج إلي إضمار‪ ،‬لتضاد ما بني اللقط والنبذ‪ ..‬ومع هذا‪ ،‬فليس جامعا ً ـ أل ّن الطفل قد يكون ضائعاً‪،‬‬ ‫ال منبوذا ً‪ ( .‬انظر ‪ :‬اإلنصاف في معرفة الراجَ من اخلالف ‪ :‬عالء الدين أبو احلسن علي بن سليمان املرداوي ‪ - -‬ج ‪ 6‬ص ‪ – 432‬الطبعة الثانية بدون‬ ‫تاريخ – الناشر ‪ :‬دار إحياء التراث العربي )‪.‬‬ ‫(‪ )41‬ومع ذلك‪ ،‬فإننا نري أَنَّ تعريف فقهاء األحناف يشمل اللقيط الذي جتاوز حداثة الوالدة‪ ،‬وهذا مستفاد من تعريف األْ َتْقَ انِيّ للقيط بقوله ‪( :‬‬ ‫و َ ِفي َّ‬ ‫م ِملَا يُو َج ُد َمطْ رُو ًحا عَ لَى األْ َر ْ ِض ِمن ْ ِصغَار ِ ب َ ِني آ َد َم )‪ .‬انظر ‪ :‬تبيني احلقائق شرح كنز الدقائق ‪ :‬للزيلعي – ج‪ 3‬ص ‪.) 297‬‬ ‫يع ِة ْ‬ ‫الش ِر َ‬ ‫اس ٌ‬ ‫(‪ )42‬مغني اﶈتاج إلي معرفة ألفاظ املنهاج ‪ :‬شمس الدين محمد بن أحمد اخلطيب الشربيني – ج ‪ 3‬ص ‪ – 598‬الطبعة األولى عام‬ ‫‪1415‬هـ‪1994/‬م – الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬نهاية اﶈتاج إلي شرح املنهاج ‪ :‬شمس الدين محمد بن أبي العباس بن حمزة الرملي – ج ‪ 5‬ص‬ ‫‪ – 447‬الطبعة األخيرة عام ‪1404‬هـ‪1984/‬م – الناشر ‪ :‬دار الفكر – بيروت‪.‬‬ ‫(‪ )43‬وعليه‪ ،‬فال يدخل البالغ العاقل في مفهوم اللقيط عادة الستغنائه عن احلفظ والرعاية‪.‬‬ ‫(‪ )44‬ومعنى ذلك ‪ :‬أَنَّ تعريف فقهاء احلنفية‪ ،‬جاء مقتصرا ً على الصورة الغالبة‪ ،‬وهي النبذ واإللقاء والطرح‪ ،‬الذي هو نتّاج عملية الزنا‪ ،‬أي خوفا ً‬ ‫من التهمة‪ ،‬أو أنه ن ُتاج لعملية الفقر الذي يعيشه أهله‪ ،‬فيلقونه خوفا ً من العيلة‪.‬‬ ‫(‪ )45‬انظر ‪ :‬أخصر اجملتصرات في الفقه على املذهب احلنبلي ‪ :‬محمد بن بدر الدين البلباني – ج ‪ – 1‬ص ‪ – 102‬حتقيق ‪ :‬محمد بن ناصر العجمي‬ ‫– الناشر ‪ :‬دار البشائر – بيروت‪ .‬هذا‪ ،‬وفضال ً عن ذلك‪ ،‬فإن النبذ أو الطرح أو اإللقاء قد يكون بسبب ضياع اللقيط من أهله‪ ،‬إما بنفسه‪ ،‬كأن‬ ‫يضل الطريق‪ ،‬أو بسبب غيره‪ ،‬كأن يُختطف ويُبعد عن أهله‪ ،‬وال ُميك ِّن الوصول إليه‪ ،‬أو بسبب احلروب والفنت‪ ،‬حيث يفقد الكافل وامل ُ ِع ْني ُ‪ ..‬وكل‬ ‫هذا مما يستوجب التقاطه‪.‬‬ ‫(‪ )46‬سورة القصص اآليتان رقما ‪.8 – 7 :‬‬ ‫(‪ )47‬أحكام اللقيط بني الشريعة اإلسالمية والقانون ‪ :‬منير عبد الغني أبو الهيجاء – رسالة مقدمة استكماال ً ملتطلبات درجة املاجستير في‬ ‫القضاء الشرعي بكلية الدراسات العليا بجامعة اخلليل – مدينة نابلس– فلسطني– عام ‪1427‬هـ‪2006/‬م – ص ‪.6‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪19‬‬


‫عَ ر َّ َف ابن احلاجب‪ ،‬اللقيط بقوله ‪ ( :‬واللقيط طِفْل ضـــائع َال كافل َل ُه ) (‪ ،)48‬وزاد في التعريف ابن عبد الســالم‬ ‫َم ) (‪.)49‬‬ ‫َم ي ُ ْعل ْ‬ ‫قوله ‪ ( :‬وَ َس َو ُاء عُ ِل َم ن َ َس ُب ُه أَو ْ ل ْ‬ ‫وَقَدْ عَ ر َّ َف اب ْ ُن عَ ر َ َف َة الل َِّق َ‬ ‫خر ُ ُج وَ َل ُد الزَّان ِ َي ِة‪،‬‬ ‫َم أَبُو ُه وَ َال رِق ُّ ُه ) (‪ .)50‬قَالَ اخلرشي ‪ ( :‬ف َ​َي ْ‬ ‫يط‪ ،‬بِقَ وْلِهِ ‪َ ( :‬‬ ‫َم ي ُ ْعل ْ‬ ‫يل ْ‬ ‫ص ِغير آ َد ِم ّ‬ ‫َم أَبُو ُه؛ ِأل َ َّن َهذَا قَدْ عُ ِل َم أ َ َح ُد ُه َما‪ ،‬وَفِي‬ ‫وَ َمنْ عُ ِل َم رِقُّ ُه لُقَ َط ٌة َال ل َِق ٌ‬ ‫يط‪ ،‬فَقَ وْ ُل ُه ‪ :‬وَي َ ْ‬ ‫َم ي ُ ْعل ْ‬ ‫خر ُ ُج وَ َل ُد الزَّان ِ َي ِة‪ ،‬بِقَ وْلِهِ‪ :‬ل ْ‬ ‫يقيِّ ؛ ِألَن َّ ُه انْقَ َط َع ن َ َســ ُب ُه ِمنْ أَبِيهِ‬ ‫وج َما ذُ ِكر َ ن َ َظر ٌ‪ ،‬إالَّ أ َ ْن يُقَ الَ ُمرَا ُد ُه األْ َ ُب وَلَوْ ُحك ًْما‪ ،‬وَاألْ ُ ُّم ُه َنا ِمبَنْ ِز َل ِة األْ َ ِب احلْ َ ِق ِ‬ ‫ُخر ُ ِ‬ ‫ت ل َ​َها )(‪.)51‬‬ ‫وَثَ َب َ‬ ‫ْسهِ ِمنْ نَفَ قَ ٍة وَ ِغذ َا ٍء(‪.)52‬‬ ‫َ نَف ِ‬ ‫وَعَ رّفّه الصاوي‪ ،‬بقوله ‪َ ( :‬‬ ‫ص ِغي ٍر َال قُدْرَةَ َل ُه عَ لَى ال ِْق َي ِام ِمب َ َ‬ ‫صالِ ِ‬ ‫ويؤخذ على تعريف املالكية األول القائل بأ َّن اللقيط‪ ( :‬طِفْل ضائع َال كافل َل ُه )‪ ،‬أنَّه ال يدل صراحة على اللقيط‬ ‫املنبوذ واملُلْقى من ِقبْ ِل أهله خوفا ً من العيلة‪ ،‬أو خوفا ً من العار والريبة‪ ،‬أل ّن أهله ألقوه بعلمهم‪.‬‬ ‫َم أَبُو ُه وَ َال رِ ُّق ُه )‪ ،‬أ نَّه غير مانع‪،‬‬ ‫ويؤخذ على تعريف املالكية الثاني القائل بأ َّن اللقيط ‪َ ( :‬‬ ‫َم ي ُ ْعل ْ‬ ‫يل ْ‬ ‫صــ ِغير آ َد ِم ّ‬ ‫ي ) ســواء أُخذ أم لم يؤخذ‪ ،‬وحديثنا هنا عن املأخوذ‪ ،‬أي امللتقط‪ ،‬دون ســواه‪ .‬وكان‬ ‫إلطالقه لفظ‪َ ( :‬‬ ‫صــ ِغير آ َد ِم ّ‬ ‫َم أَبُو ُه وَ َال رِق ُّ ُه)‪.‬‬ ‫ي يُ َ‬ ‫األولى أن تُذكر في التعريف لفظة ‪( :‬يُؤخذ)‪ ،‬ليكون مانعا ً‪ ،‬فنقول‪َ :‬‬ ‫َم ي ُ ْعل ْ‬ ‫ؤخذ ُ ل ْ‬ ‫(ص ِغير ٌ آ َد ِم ٌّ‬ ‫‪ -3‬تعريف الشافعية‪:‬‬ ‫الص ِبيِّ الْ َبالِ ِغ‪ِ ،‬ألَن َّ ُه‬ ‫ضائِ ٍع َال كَافِلَ َل ُه ) (‪ .)53‬قال النووي ‪ ( :‬ف َ​َي ْ‬ ‫ي َ‬ ‫عَ ر َّ َف الشافعية اللقيط‪ ،‬بأنَّه ‪( :‬كُلُّ َ‬ ‫خر ُ ُج بِقَ ْي ِد َّ‬ ‫ص ِب م‬ ‫ضان َ ِة‪ ،‬وَالتَّ َع ُّه ِد‪ ،‬ف َ​َال َم ْع َنى لِ ِاللْتِقَ ِ‬ ‫ُم ْس َتغ ٍْن عَ ِن احلْ َ َ‬ ‫اط‪َ .‬ل ِ‬ ‫َّص‪ .‬وَفِي َّ‬ ‫كنْ لَوْ وَق َ َع فِي َم ْع ِر ِض َه َال ٍك‪ ،‬أ ُ ِعني َ لِ َي َت َخل َ‬ ‫الص ِبيِّ‬ ‫اجتِهِ ِإلَى التَّ َع ُّه ِد‪.‬‬ ‫ال َّ ِذي بَ َل َغ ِ‬ ‫سن َّ التَّ ْم ِيي ِز (‪ )54‬تَر َ ُّددٌ لِْلْ ِ َم ِام‪ ،‬وَاألْ َو ْ َفق ُ لِك َ​َال ِم األْ َ ْ‬ ‫اب ‪ :‬أَن َّ ُه يُلْ َتقَ ُط‪ِ ،‬حل َ َ‬ ‫ص َح ِ‬ ‫(‪ )48‬جامع األمهات ‪ :‬عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس بن احلاجب الكردي املالكي ‪ -‬ص ‪ - 460‬اﶈقق ‪ :‬أبو عبد الرحمن األخضر األخضري ‪-‬‬ ‫ضائِ ِع َال كَافِلَ َل ُه )‪ .‬انظر‬ ‫ص ِبي َ‬ ‫الطبعة الثانية عام ‪1421‬هـ‪2000/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع‪ .‬وعَ رّفَه ابن شاس بأنه ‪ ( :‬كُلُّ َ‬ ‫التاج واإلكليل جملتصر خليل ‪ :‬محمد بن يوسف بن العبدري أبو عبد اهلل املواق – ج ‪ 8‬ص ‪ – 53‬الطبعة األولى عام ‪1416‬هـ‪1994/‬م – الناشر ‪ :‬دار‬ ‫الكتب العلمية‪.‬‬ ‫(‪ )49‬راجع ‪ :‬مواهب اجلليل في شرح مختصر خليل ‪ :‬شمس الدين أبو عبد اهلل محمد بن عبد الرحمن‪ ،‬املعروف باحلطاب – ج ‪ 6‬ص ‪ – 80‬الطبعة‬ ‫الثالثة عام ‪1412‬هـ‪1992/‬م – الناشر ‪ :‬دار الفكر‪.‬‬ ‫(‪ )50‬شرح مختصر خليل ‪ :‬محمد بن عبد اهلل اخلرشي املالكي – ج‪ 7‬ص ‪ – 130‬بدون طبعة وبدون تاريخ – الناشر ‪ :‬دار الفكر للطباعة – بيروت‪.‬‬ ‫ص ِغيرًا‪ ،‬ف َُه َو اللُّقَ َطةُ‪ ،‬و َ ِإ ْن كَا َن كَ ِبيرًا‪،‬‬ ‫وجاء في الفواكه الدواني ‪ ( :‬وَأ َ َّما الل َِّق ُ‬ ‫م رِق ُّ ُه‪ ،‬فَإ ِ ْن كَا َن َ‬ ‫يط ف َُه َو َ‬ ‫َم ي ُ ْعل ْ‬ ‫يل ْ‬ ‫َم أَبُو ُه و َ َال رِق ُّ ُه‪ ،‬أ َ َّما لَوْ عُ ِل َ‬ ‫ص ِغير ُ آ َد ِم م‬ ‫ح َتر َ ٌم و ُ ِج َد بِغ َْي ِر ِحرْزٍ )‪.‬‬ ‫ف َُه َو اآلْ بِق ُ و َ َج ُّدهُ ر َ ِقيق ٌ كَ ِبير ٌ ُم ْ‬ ‫انظر ‪ :‬الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني ‪ :‬أحمد بن غان بن سالم النفراوي األزهري – ج ‪ 2‬ص ‪ – 172‬بدون طبعة – الناشر ‪ :‬دار‬ ‫الفكر – عام ‪1415‬هـ‪1995/‬م‪ ،‬حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني ‪ :‬أبو احلسن علي بن أحمد بن مكرم الصعيدي العدوي – ج ‪2‬‬ ‫ص ‪ – 279‬بدون طبعة – الناشر ‪ :‬دار الفكر – بيروت – عام ‪1414‬هـ‪1994/‬م‬ ‫(‪ )51‬شرح مختصر خليل ‪ :‬للخرشي املالكي – ج‪ 7‬ص ‪ ،130‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪ :‬محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي – ج ‪4‬‬ ‫ص ‪ – 124‬بدون طبعة وبدون تاريخ – الناشر ‪ :‬دار الفكر‪.‬‬ ‫(‪ ) 52‬بلغة السالك ألقرب املسالك‪ ،‬املعروف بحاشية الصاوي على الشرح الصغير للدردير ‪ :‬أبو العباس أحمد بن محمد اخللوتي‪ ،‬الشهير‬ ‫بالصاوي املالكي – ج ‪ 4‬ص ‪ – 178‬بدون طبعة وبدون تاريخ – الناشر ‪ :‬دار املعارف ‪ ،‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪ :‬ابن عرفة الدسوقي –‬ ‫ج ‪ 4‬ص ‪.124‬‬ ‫(‪ )53‬روضة الطالبني وعمدة املفتني ‪ :‬للنووي – ج‪ 5‬ص ‪ ،418‬الوسيط في املذهب ‪ :‬أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي– ج ‪ 4‬ص ‪– 303‬‬ ‫اﶈقق ‪ :‬أحمد محمود إبراهيم ‪ ،‬ومحمد محمد تامر– الطبعة األولى عام ‪1417‬هـ‪1997/‬م – الناشر ‪ :‬دار السالم – القاهرة‪ ،‬كفاية األخيار في حل‬ ‫غاية االختصار ‪ :‬أبو بكر بن محمد بن عبد املؤمن احلسيني‪ ،‬تقي الدين الشافعي – ص ‪ – 319‬اﶈقق ‪ :‬علي عبد احلميد بلطجي‪ ،‬ومحمد وهبي‬ ‫سليمان – الطبعة األولى عام ‪1414‬هـ‪1994/‬م – الناشر ‪ :‬دار اخلير – دمشق‪ .‬هذا‪ ،‬ويُالحظ أ ّن تعريف الشافعية هذا للقيط يتطابق مع تعريف‬ ‫املالكية األول‪.‬‬ ‫ت وَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َص ُلهُ ِمن ْ غَيْ ِر ِه‪ .‬وَيَك ُو ُن فِي املْ ُ ْ‬ ‫اب بَاعَ‪ ،‬و َ ُه َو ‪َ :‬عزْل َّ‬ ‫ت‪ ،‬و َ َم ْعنَى َمت َ ُّي ِز‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ز‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫م‬ ‫‪:‬‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ذ‬ ‫و‬ ‫خ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬ ‫غ‬ ‫ل‬ ‫ُّ‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ش َت ِب َها ِ‬ ‫اجمل ُ ْ َت ِل َطا ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫(‪ )54‬الت َّ ْم ِييز ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الشي ْ ِء وَف ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ضار َّ ُه و َ َم َنافِ َع ُه‪،‬‬ ‫ْك‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫‪:‬‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ز‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫‪:‬‬ ‫ن‬ ‫ُو‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫قُ‬ ‫ي‬ ‫اء‬ ‫ه‬ ‫قَ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫َإ‬ ‫ف‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ص‬ ‫ْفُ‬ ‫عَ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫الس ُّن الَّتِي ِإذَا انْتَ َهى ِإل َْي َها عَر َ َف َم َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫الشي ْ ِء ‪ :‬ان ْ ِف َ ُ ْ َ ْ ِ َ ِ ْ َ ِ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ْ ِ ِ َ ُ َ ُ ْ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ق‬ ‫َر‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫‪:‬‬ ‫اء‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫أل‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ذ‬ ‫و‬ ‫خ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ة‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ط‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫اغ‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ز‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫‪:‬‬ ‫ن‬ ‫ُو‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫قُ‬ ‫ي‬ ‫اس‬ ‫ي‪ .‬وي ُ َع ِر َف ُه آخرون‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ْ ِ ُ ُ َّ ٌ ِ‬ ‫وَكَ َّ ُ َ ُ ٌ ِ ْ َ َّ ْ ُ‬ ‫َ َ ِ َ َّ ْ ُ َ َ ْ َ َ ْ ِ ِ ِ َ َ َ ْ ُ َّ ِ َ‬ ‫ِّ َ ِ ُ ْ َ ْ َ ِ َ َ َ ِ َ‬ ‫بأنَّ ‪ :‬يصير لْلنسان وعي وإدراك يفهم به خطاب الشارع إجماالً‪ ،‬فيدرك معاني األلفاظ الدينية واملعامالت املدنية‪ ،‬ويفهم نتائج هذه املعامالت‬ ‫في تبادل احلقوق وااللتزامات ولو بصورة مجملة‪ ،‬فيعرف الفرق بني البيع والشراء‪ ،‬وأ َّن أحدهما سالب‪ ،‬واآلخر جالب‪ ( .‬راجع ‪ :‬لسان العرب ‪ :‬ابن‬ ‫(م َيز َ)‪ ،‬أصول الفقه ‪ :‬الشيخ‪ /‬محمد أبو زهرة ‪ -‬ص‬ ‫(م َيز َ)‪ ،‬معجم مقاييس اللغة ‪ :‬ابن فارس ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪ - 289‬مادة ‪َ :‬‬ ‫منظور ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪ - 412‬مادة ‪َ :‬‬ ‫‪20‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫اضــي‪،‬‬ ‫َحف ُ‬ ‫ْظ ُه ِمنْ وَ ِظيفَ ِة الْقَ ِ‬ ‫ي‪ ،‬ف ِ‬ ‫وَاملُْرَا ُد ب ِ َّ‬ ‫الضــائِ ِع ‪ :‬املَْنْ ُبوذُ‪ .‬وَأ َ َّما غَ ْير ُ املَْنْ ُبوذِ‪ ،‬فَإ ِ ْن ل ْ‬ ‫َم يَكُنْ َل ُه أ َ ٌب وَ َال َج ٌّد وَ َال وَ ِصــ ٌّ‬ ‫ام ُه‪ .‬وَقَوْ ُل َنا ‪(َ :‬ال كَافِلَ َل ُه )‪ ،‬املُْرَا ُد‬ ‫ام الْقَ ا ِضي َمقَ َ‬ ‫ُوم‪ ،‬فَإِذَا ف ُِق َد‪ ،‬ق َ َ‬ ‫وم بِهِ‪ِ ،‬ألَن َّ ُه كَا َن َل ُه كَافِلٌ َم ْعل ٌ‬ ‫ف َُي َسل ُِّم ُه ِإلَى َمنْ يَقُ ُ‬ ‫بِالْكَافِ ِل ‪ :‬األْ َ ُب وَ ْ‬ ‫ام ُه َما‪ .‬وَاملُْلْ َتقَ ُط ِممَّنْ ُه َو فِي َح َ‬ ‫وم َمقَ َ‬ ‫اجل َ ُّد وَ َمنْ يَقُ ُ‬ ‫ض ـان َ ِة أ َ َح ِد َهؤُ َال ِء‪َ ،‬ال َم ْع َنى ِاللْتِقَ اطِهِ‪ِ ،‬إالَّ أَن َّ ُه لَوْ‬ ‫اض ِنهِ ) (‪.)55‬‬ ‫ض َي َع ٍة أ ُ ِخذ َ لِ ُيرَد َّ ِإلَى َح ِ‬ ‫صلَ فِي َم ْ‬ ‫َح َ‬ ‫ُوم وَلَوْ ُمم َ ِّيزًا‬ ‫ح ِو ذَلِ َ‬ ‫وعَ ر َّ َف ُه صاحب مغني اﶈتاج بقوله ‪َ ( :‬ص ِغير ٌ َمنْ ُبوذٌ فِي َشارِ ٍع أَو ْ َم ْس ِج ٍد أَو ْ ن َ ْ‬ ‫ك َال كَافِلَ َل ُه َم ْعل ٌ‬ ‫اصــ ُه بِغ َْي ِر املْ ُ َم ِّي ِز‪ .‬فَإ ِ َّن املَْنْ ُبوذَ وَ ُه َو ال َّ ِذي يُنْ َبذ ُ ُدو َن التَّ ْم ِيي ِز‪،‬‬ ‫صــ َ‬ ‫ِحل َ َ‬ ‫اجتِهِ إلَى التَّ َع ُّه ِد‪ ،‬وَ ِإ ْن أَف َْه َم التَّ ْع ِبير ُ بِاملَْنْ ُبوذِ ا ْختِ َ‬ ‫وَنَبْذ ُ ُه فِي الْغَالِبِ إ َّما لِكَوْنِهِ ِمنْ فَا ِح َ‬ ‫ج ِز عَ نْ ُمؤْنَتِهِ ) (‪.)56‬‬ ‫ش ٍة َخوْفًا ِمنْ ال َْعارِ‪ ،‬أَو ْ لِل َْع ْ‬ ‫ويؤخذ على تعريف ال شافعية األول ذات املآخذ التي وُ ِج َهت إلي تعريف املالكية األول‪ ،‬فالتعريف ال يدل صراحة‬ ‫على اللقيط املنبوذ واملُلْقى من ِقبْ ِل أهله خوفا ً من العيلة‪ ،‬أو خوفا ً من العار والريبة‪ ،‬أل ّن أهله ألقوه بعلمهم‪.‬‬ ‫ويؤخذ على تعريف ال شافعية الثاني – وكذا التعريف األول – أ َ َّن التعريف ي شمل العبد وغيره‪ .‬والعبد لقطة ال‬ ‫لقيط‪ ،‬أل ّن العبد مال أو في حكم املال‪ .‬كما يُفهم من التعريفني أ ّن ال ضائع واملنبوذ شيء واحد‪ ،‬وفي احلقيقية‬ ‫هما مختلفان‪ ،‬إذ املنبوذ َمنْ كان تركه قصدا ً‪ ،‬على خالف الضائع (‪.)57‬‬ ‫‪ -4‬تعريف احلنابلة‪:‬‬ ‫عَ رَّف احلنابلة اللقيط‪ ،‬بأنَّه ‪ ( :‬الطِّ فْلُ املَْنْ ُبوذُ ) (‪ .)58‬قال ابن مفلَ ‪ ( :‬وَ ُه َو الطِّ فْلُ املَْنْ ُبوذُ ) ِمنْ ن َ َبذ َ‪ ،‬أَيْ َطر َ َح‪َ ،‬س َو ٌاء‬ ‫ُوغ‪ ،‬وَعَ ل َْي ِه األْ َكْثَر ُ ) (‪.)59‬‬ ‫س ُه َن َ‬ ‫كَا َن فِي َشارِ ٍع أَو ْ غَ ْي ِر ِه‪ ،‬وَل َْي َ‬ ‫اك َمنْ يَدَّ ِعي ِه‪ ،‬وَ ِقيلَ ‪ :‬وَاملْ ُ َم ِّيز ُ ِإلَى الْ ُبل ِ‬ ‫وعَ ر َّ َف ُه الزرك شي‪ ،‬بأنَّه‪ ( :‬الذي يوجد مرميا على الطرق‪ ،‬ال يُعرف أبوه‪ ،‬وال أمه‪ ،‬ب شرط أن ال يبلغ سن التمييز‪ ،‬أو‬ ‫بلغها‪ ،‬ولم يبلغ على املذهب) (‪.)60‬‬ ‫ول‪ ،‬أَيْ ‪ُ :‬ط ِر َح‬ ‫وجاء في دقائق أولي النهى‪ ،‬أنَّ اللقيط شرعا ً‪ ( :‬طِفْلٌ َال ي ُ ْعر َ ُف ن َ َس ُب ُه وَ َال رِق ُّ ُه‪ ،‬ن ُ ِبذ َ ) بِال ِْب َنا ِء لِل َْم ْ‬ ‫ج ُه ِ‬ ‫الط ِريق َ ) َما بَ ْني َ ِو َالدَتِهِ ( إلَى ِسنِّ التَّ ْم ِيي ِز ) فَقَ ْ‬ ‫اف (‬ ‫فِي َشارِ ٍع أَو ْ غَ ْي ِر ِه ( أَو ْ َضلَّ َّ‬ ‫ط عَ لَى ال َّص ِ‬ ‫يَ‪ .‬قَا َل ُه فِي اإلْ ِن ْ َص ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫‪ - 333‬الطبعة األولى عام ‪1958‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار الفكر العربي ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الفقه اإلسالمي في ثوبه اجلديد ‪ :‬د‪ /‬مصطفى أحمد الزرقاء ‪ -‬ج‪ 1‬ص‬ ‫‪ - 739‬الطبعة السادسة عام ‪1959‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬مطبعة جامعة دمشق ‪ -‬دمشق‪ ،‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ :‬د‪ /‬محمد سالم مدكور ‪ -‬ص ‪- 80‬‬ ‫الطبعة األولى عام ‪1976‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار النهضة العربية ‪ -‬القاهرة‪ ،‬املوسوعة الفقهية الكويتية ‪ :‬ج‪ 7‬ص ‪ – 157‬الطبعة الثانية عام‬ ‫‪1410‬هـ‪1990/‬م – صادرة عن وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية بدولة الكويت ‪ -‬الكويت – مطبعة الوزارة )‪.‬‬ ‫(‪ )55‬روضة الطالبني وعمدة املفتني ‪ :‬للنووي ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪.418‬‬ ‫ُ‬ ‫(‪ )56‬مغني اﶈتاج إلي معرفة ألفاظ املنهاج ‪ :‬للخطيب الشربيني – ج ‪ 2‬ص ‪ .598‬وعرفه الرملي بقوله ‪ ( :‬طِفْلٌ ن َ ِبيذ ٌ بِنَ ْ‬ ‫ح ِو َشارِ ٍع َال ي ُ ْعرَف َلهُ‬ ‫ُمد َّ ٍع )‪ .‬راجع ‪ :‬نهاية اﶈتاج إلي شرح املنهاج ‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ .446‬وجاء في اإلقناع ‪ ( :‬وَاللّق ِْي ُ‬ ‫ص ِغير ٌ أَو َم ْ‬ ‫َّاني‪َ ،‬‬ ‫جنُون َمن ْ ُبوذٌ َال كَافِلَ لَهُ‬ ‫ط‪ ،‬و َ ُه َو الرُّكْن الث ِ‬ ‫ُوم وَلَوْ ُمم َ ِّيزًا ِحلَا َجتِهِ إلَى الت َّ َع ُّه ِد )‪ .‬انظر اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ‪ :‬محمد بن أحمد اخلطيب الشربيني – ج ‪ – 2‬ص ‪ – 375‬اﶈقق ‪:‬‬ ‫َم ْعل ٌ‬ ‫مكتب البحوث والدراسات – دار الفكر‪ -‬بدون تاريخ طبع أو سنة نشر – الناشر ‪ :‬دار الفكر – بيروت‪.‬‬ ‫(‪ )57‬راجع تفصيل ذلك في ‪ :‬منَ اجلليل شرح مختصر خليل ‪ :‬محمد بن أحمد بن محمد بن عليش – ج ‪ 8‬ص ‪ 245‬وما بعدها – بدون طبعة –‬ ‫الناشر ‪ :‬دار الفكر – بيروت – عام ‪1409‬هـ‪1989/‬م‪ ،‬لسان العرب ‪ :‬ابن منظور – ج ‪ 3‬ص ‪ 511‬وما بعدها – مادة ‪( :‬نبذ) – فصل النون‪.‬‬ ‫(‪ ) 58‬راجع في ذلك ‪ :‬الكافي في فقه اإلمام أحمد ‪ :‬أبو محمد موفق الدين عبد اهلل بن أحمد بن محمد بن قدامة – ج ‪ 2‬ص ‪ – 203‬الطبعة‬ ‫األولى عام ‪1414‬هـ‪1994/‬م – الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬املغني ‪ :‬البن قدامة املقدسي – ج ‪ 6‬ص ‪ – 112‬بدون طبعة – الناشر ‪ :‬مكتبة القاهرة‬ ‫– عام ‪1388‬هـ ‪1968 -‬م‪ ،‬العدة شرح العمدة ‪ :‬عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد‪ ،‬أبو محمد بهاء الدين املقدسي – ص ‪ 290‬بدون طبعة – الناشر‬ ‫‪ :‬دار احلديث – القاهرة – عام ‪1424‬هـ‪2003/‬م‪ ،‬الشرح الكبير على منت املقنع ‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة املقدسي – ج ‪ 6‬ص‬ ‫‪ – 374‬الناشر ‪ :‬دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع‪ ،‬كتاب الفروع ومعه تصحيَ الفروع لعالء الدين علي بن سليمان املرداوي ‪ :‬محمد بن مفلَ‬ ‫بن محمد بن مفرج‪ ،‬أبو عبد اهلل – ج ‪ 7‬ص ‪ – 321‬اﶈقق ‪ :‬عبد اهلل بن عبد اﶈسن التركي – الطبعة األولى عام ‪1424‬هـ‪2003/‬م‪ ،‬اإلنصاف في‬ ‫معرفة الراجَ من اخلالف ‪ :‬للمرداوي – ج ‪ 6‬ص ‪.432‬‬ ‫(‪ )59‬املبدع في شرح املقنع ‪ :‬إبراهيم بن محمد بن عبد اهلل بن محمد بن مفلَ ‪ -‬ج ‪ 5‬ص ‪ – 135‬الطبعة األولى عام ‪1418‬هـ‪1997/‬م – الناشر‬ ‫‪ :‬دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان‪.‬‬ ‫(‪ ) 60‬شرح الزركشي على مختصر اخلرقي ‪ :‬شمس الدين محمد بن عبد اهلل الزركشي املصري احلنبلي – ج ‪ 4‬ص ‪ – 351‬الطبعة األولى عام‬ ‫‪1413‬هـ‪1993/‬م – الناشر ‪ :‬دار العبيكان‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪21‬‬


‫ضــلَّ َم ْعر ُ ُ‬ ‫ُوغ ) قَالَ فِي الْفَ ائِ ِق ‪ :‬وَ ُه َو املْ َ ْ‬ ‫وف‬ ‫ي ‪َ :‬هذ َا املَْذ ْ َه ُب‪ .‬فَإ ِ ْن ن ُ ِبذ َ أَو ْ َ‬ ‫شــ ُهور ُ‪ .‬قَالَ الزَّرْكَ ِشــ ُّ‬ ‫وَ ِعنْ َد األْ َكْثَ ِر ‪ :‬إلَى الْ ُبل ِ‬ ‫يط ) (‪.)61‬‬ ‫س بِل َِق ٍ‬ ‫الن َّ َسبِ أَو ْ الرِّقِّ ‪َ ،‬فأ َ َخذ َ ُه َمنْ ي َ ْع ِر ُف ُه أَو ْ غَ ْير ُ ُه َفل َْي َ‬ ‫يص‪ ،‬وَ ْ‬ ‫م قَالُوا ‪ :‬إذَا الْ َتقَ َط ر َ ُجلٌ‬ ‫صــ َحاب ِ َنا أ َ َّن املْ ُ َم ِّيز َ ‪ :‬يَكُو ُن ل َِق ً‬ ‫اجمل ُ ْ َتار ُ ِعنْ َد أ َ ْ‬ ‫قال الرحيباني ‪ ( :‬قَالَ فِي التَّل ِْخ ِ‬ ‫يطا‪ِ ،‬ألَن َّ ُه ْ‬ ‫ض ـلَّ طِفْلٌ‬ ‫وَا ْمرَأَةٌ َم ًعا َمنْ َل ُه أَكْثَر ُ ِمنْ َس ـبْ ِع ِ‬ ‫َم ي ُ َخيَّر ْ ب ِ ِ‬ ‫خ َال ِف األْ َبَ َوي ْ ِن‪ .‬وَعُ ِل َم ِممَّا تَقَ دَّ َم‪ ،‬أَن َّ ُه لَوْ ن ُ ِبذ َ أَو ْ َ‬ ‫س ـ ِنني َ أُق ْ ِر َع وَل ْ‬ ‫َم ْعر ُ ُ‬ ‫يط ُل َغ ًة َال َشرْعً ا ) (‪.)62‬‬ ‫ُوم الر ِّقِّ فَرَف َ​َع ُه َمنْ ي ُ َعر ِّ ُف ُه أَو ْ غَ ْير ُ ُه‪ ،‬ف َُه َو ل َِق ٌ‬ ‫وف الن َّ َسبِ أَو ْ َم ْعل ُ‬ ‫س‬ ‫وقد اعترض على هذه التعريفات املتقدمة بأمرين ‪ :‬األول ‪ :‬أ َ ّن تعريف اللقيط بأنه الطفل املنبوذ‪ ،‬تعريفا ً ل َْي َ‬ ‫ضائِ ًعا‪ .‬والثاني ‪ :‬أَنَّها لم حتدد سن الطفل إلي سن التمييز أم إلي سن البلوغ (‪)63‬‬ ‫ام ًعا‪ِ ،‬أل َ َّن الطِّ فْلَ قَدْ يَكُو ُن َ‬ ‫َج ِ‬ ‫العالقة بني املعنى اللغوي واالصطالحي الشرعي‪:‬‬ ‫إ َّن املتأمل في املعنى اللغوي واملعنى اال صطالحي ال شرعي للفظة ‪ ( :‬اللقيط ) يتبني له احتاد املعني ال شرعي‬ ‫واللغوي‪ ،‬فاملعني الشرعي أو االصطالحي عند الفقهاء ال يخرج عن معناه اللغوي‪ .‬وإن ك ّنا نرى أَنَّهما افترقا في‬ ‫التعريف الشــرعي‪ ،‬من ناحية جعل اللقيط أو املنبوذ حيا ً‪ ،‬فلو كان غير حي‪ ،‬فال يعتبر مندرجا ً حتت مســمى‬ ‫اللقيط‪ .‬قال ابن عابدين ‪:‬‬ ‫احتَا ُد املْ َ ْع َنى ال َّشر ْ ِعيِّ وَال ُّلغ َِويِّ‪ ،‬وَعَ لَى َما ُه َنا‬ ‫َ ِّ‬ ‫ي َموْلُودٍ إلَخْ ) كَذ َا فِي الْ َب ْ‬ ‫( قَوْ ُل ُه ‪ :‬وَ َشرْعً ا ا ْس ٌ‬ ‫م ِحل َ م‬ ‫ح ِر‪ ،‬وَ َظا ِهر ُ الْفَ تْ ِ‬ ‫ت كَذَلِ َ‬ ‫يما يَظْ َهر ُ َحتَّى ي ُ ْ‬ ‫فَاملُْغَايَرَةُ بَ ْي َن ُه َما ب ِ ِزيَا َد ِة ق َ ْي ِد احلْ َ َيا ِة وَ ُه َو غَ ْير ُ َظا ِه ٍر ؛ ِأل َ َّن املْ َ ِّي َ‬ ‫ك فِ َ‬ ‫حك َ​َم بِإ ِ ْس ـ َال ِم ِه تَ َب ًعا لِلدَّارِ‬ ‫صلَّى عَ ل َْي ِه)(‪.)64‬‬ ‫ف َُيغ َ‬ ‫ْسلُ وَي ُ َ‬ ‫ثالثا‪ :‬حقيقية اللقيط في القانون ‪:‬‬ ‫عَ ر َّ َف امل شرع امل صري اللقيط‪ ،‬بأنَّه ‪ :‬من وُلِ ّد على التراب ( اإلقليم ) امل صري من أبوين مجهولني‪ .‬وقد أ شارت إلي‬ ‫هذا التعريف الفقرة الرابعة من املاد الثانية من قانون اجلن سية امل صري رقم ‪ 26‬ل سنة ‪1975‬م بقولها ‪ ( :‬يكون‬ ‫مصريا ً َمنْ وُلِدَّ في مصر من أبوين مجهولني‪ ،‬ويُعتبر اللقيط في مصر مولودا ً فيها ما لم يثبت العكس )‪.‬‬ ‫كما عَ ر َّ َفتْ ُه املادة ‪ )65( 25‬من قانون األحوال املدنية املصري رقم ‪ 143‬لسنة ‪1994‬م في شأن األحوال املدنية بأنَّه ‪:‬‬ ‫( يقصد بالطفل املعثور عليه كل طفل حديث الوالدة مجهول الوالدين ) (‪.)66‬‬ ‫وَعَ ر َّ َف ُه املشرع اإلماراتي‪ ،‬بأنَّه ‪ ( :‬الطفل الذي يُعثر عليه في الدولة لوالدين مجهولني ) (‪.)67‬‬ ‫(‪ )61‬انظر ‪ :‬دقائق أولي النهى لشرح املنتهى املعروف بشرح منتهى اإلرادات ‪ :‬منصور بن يونس بن إدريس البهوتى احلنبلى – ج‪ 2‬ص ‪– 387‬‬ ‫الطبعة األولى عام ‪1414‬هـ‪1993/‬م – الناشر ‪ :‬عالم الكتب‪ ،‬اإلقناع في فقه اإلمام أحمد بن حنبل ‪ :‬موسى بن أحمد بن موسى بن سالم‬ ‫احلجاوي – ج ‪ 2‬ص ‪ – 405‬اﶈقق ‪ :‬عبد اللطيف محمد موسى السبكي – الناشر ‪ :‬دار املعرفة بيروت – لبنان‪ ،‬زاد املستقنع في اختصار املقنع ‪:‬‬ ‫العسكر – الناشر ‪ :‬دار الوطن للنشر –‬ ‫موسى بن أحمد بن موسى بن سالم احلجاوي – ص ‪ – 139‬اﶈقق ‪ :‬عبد الرحمن بن علي بن محمد‬ ‫ّ‬ ‫الرياض‪ ،‬دليل الطالب لنيل املطالب ‪ :‬مرعي بن يوسف بن أبى بكر بن أحمد الكرمى املقدسي – ‪ – 182‬اﶈقق ‪ :‬أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي‬ ‫– الطبعة األولى عام ‪1425‬هـ‪2004/‬م – الناشر ‪ :‬دار طيبة للنشر والتوزيع – الرياض‪.‬‬ ‫(‪) 62‬مطالب أولي النهى في شرح غاية املنتهى ‪ :‬مصطفى بن سعد بن عبده السيوطي الرحيبانى – ج ‪ 4‬ص ‪ – 243‬الطبعة الثانية عام‬ ‫‪1415‬هـ‪1994/‬م – الناشر ‪ :‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬كشاف القناع عن منت اإلقناع ‪ :‬منصور بن يونس بن إدريس البهوتى احلنبلى ‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪ – 226‬الناشر‬ ‫‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬ ‫(‪ )63‬ومن امللحوظات التي ُميك ِّن أن توجه إلي هذه التعريفات أيضا ً اشتراكها في معنى جامع بينها‪ ،‬وهو النبذ والطرح دون اإلشارة إلي معنى‬ ‫االلتقاط وهو أولّى‪ ،‬باعتباره املعنى احلقيقي للقيط الذي إليه يؤول أمره وعليه معقد جميع أحكامه‪.‬‬ ‫(‪ )64‬رد اﶈتار على الدر اجملتار ‪ :‬ابن عابدين – ج ‪ 4‬ص ‪.269‬‬ ‫(‪ )65‬تنص املادة ‪ 25‬من قانون األحوال املدنية املصري رقم ‪ 143‬لسنة ‪1994‬م على اآلتي ‪ ( :‬إذا عثر على طفل حديث الوالدة‪ ،‬يُسلّم فورا ً باحلالة‬ ‫التي عُ ثِر َ عليه بها إلحدى اجلهات اآلتية ‪ ..-3 ..-2 ..-1 :‬وتنظم الالئحة التنفيذية‪ ..‬اإلجراءات التي تُتّبع حتى إصدار شهادة امليالد على أال يُذكّر‬ ‫فيها أَنَّه لقيط )‪.‬‬ ‫(‪ )66‬وهذا التعريف هو ذات التعريف الذي نصت عليه املادة ‪ 32‬من الالئحة التنفيذية لقانون الطفل املصري رقم ‪ 12‬لسنة ‪1996‬م‪.‬‬ ‫(‪ )67‬وهذا التعريف هو ما أشارت إليه املادة األولى من القانون االحتادي اإلماراتي رقم ‪ 1‬لسنة ‪2012‬م في شأن رعاية األطفال مجهولي النسب‬ ‫بقولها ‪ ( :‬في تطبيق أحكام هذا القانون يقصد بالكلمات والعبارات التالية املعاني املوضحة قرين كل منها‪ ،‬ما لم يقض سياق النص بغير‬ ‫‪22‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫هذا‪ ،‬وقد عرَّفت املادة األولى من القانون االحتادي اإلماراتي رقم (‪ )2‬ل سنة ‪2001‬م في شأن ال ضمان االجتماعي‪،‬‬ ‫مجهول األبوين‪ ،‬بأنَّه ‪ ( :‬من وُلِ ّد ألبوين غير معلومني‪ ،‬ولم يُجاوز ســن الرشــد (‪ ،)68‬وليس له مصــدر دخل‪ ،‬ولم‬ ‫يتكفل برعايته شخص مقتدر‪ ،‬وال تقوم جهة اعتبارية باإلنفاق عليه ورعايته )‪.‬‬ ‫واملتأمل في التعريفات املتقدمة‪ ،‬يتبني له أَن َّها تتفق في تعريف اللقيط من حيث كونه طفال حديث الوالدة –‬ ‫باعتبار الواقع والغالب – مجهول األبوين‪ .‬كما أَنَّها تتفق في أ َ َّن منَ اجلنســية للقيط مشــروط بأمرين‪ ،‬هما ‪:‬‬ ‫األول ‪ :‬حتقق واقعة امليالد في اإلقليم‪ .‬والثاني ‪ :‬عدم معرفة الوالدين‪ .‬وهذا معناه أ َ َّن الدولة تُقدِّم خدمات الرعاية‬ ‫االجتماعية لألطفال مجهولي النســب ( اللقطاء ) من املقيمني على التراب املصــري أو اإلماراتي‪ ،‬أي أ ّن الرعاية‬ ‫تُغطي املواطنني والوافدين على حد سواء (‪.)69‬‬ ‫هذا‪ ،‬وجتدر اإلشارة إلي أ َ َّن املشرع اإلماراتي – على خالف سائر التشريعات العربية األخرى – كان له فضل السبق‬ ‫(‪ )70‬حيث أ صدر لرعاية فئة اللقطاء أو مجهولي الن سب قانونا خا صا بهم يُعالج م شاكلهم وق ضاياهم‪ ،‬وقد‬ ‫احتوى هذا القانون على خمســة وعشــرين مادة من شــأنها أن تُلبي أهم احتياجات الرعاية االجتماعية لهذه‬ ‫الفئة من األطفال‪ ،‬واملتمثلة في تأمني اخلدمات املعي شية الالزمة من الغذاء وامللبس وامل سكن‪ ،‬وتوفير الرعاية‬ ‫االجتماعية وال صحية والنف سية لهم مبا يتنا سب ومراحل أعمارهم اجملتلفة‪ ،‬وغرس القيم النبيلة وتر سيخ‬ ‫امل بادئ واألخالق اإلســالم ية فيهم‪ ،‬وتوفير فرص تعليم مت كاف ئة في مرا حل التعليم اجملتل فة في جميع‬ ‫املؤســســات التعليمية النظامية أو املتخصــصــة‪ ،‬وتعزيز الهوية الوطنية وتعزيز االنتماء إلي الدولة‪ ،‬وتنمية‬

‫ذلك‪ ...‬مجهول النسب ‪ :‬الطفل الذي يُعثر عليه في الدولة لوالدين مجهولني )‪ ،‬وهو ذات التعريف الذي جاء في املادة األولى من قرار وزير الشؤون‬ ‫االجتماعية رقم ‪ 368‬لسنة ‪2014‬م بشأن الالئحة التنفيذية للقانون االحتادي رقم (‪ )1‬لسنة ‪2012‬م في شأن رعاية األطفال مجهولي النسب‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬وجتدر اإلشارة‪ ،‬إلي أ ّن املشرع اإلماراتي كان يصبو‪ ،‬من خالل هذا القانون‪ ،‬إلي حتقيق األهداف اآلتية ‪ )1( :‬تنظيم رعاية مجهولي النسب في‬ ‫الدولة من خالل إنشاء وتطوير دور الرعاية‪ ،‬وتأمني أ ُ َسر حاضنة لتوفير الرعاية الصحية والنفسية واالجتماعية والترفيهية والتعليمية لهم‪.‬‬ ‫(‪ )2‬كفالة حقوق مجهولي النسب‪ ،‬وحرياتهم املدنية‪ ،‬وحماية حياتهم اخلاصة‪ ،‬وحقهم في األمن الشخصي‪ ،‬واحلفاظ على املصالَ الفضلى‬ ‫للطفل‪ )3( .‬حماية مجهولي النسب من التعرض لْلساءة‪ ،‬أو املعاملة غير اإلنسانية واإلهمال‪ )4( .‬تهيئة وتأمني الظروف املعيشية الالزمة‬ ‫لنموهم الطبيعي‪ ،‬وتنشئتهم النشأة اإلسالمية واالجتماعية الواجبة ( راجع ‪ :‬املادة الثانية من القانون االحتادي اإلماراتي رقم (‪ )1‬لسنة ‪2012‬م‬ ‫في شأن رعاية األطفال مجهولي النسب )‪.‬‬ ‫(‪ )68‬وسن الرشد في القانون اإلماراتي هي بلوغ الشخص إحدى وعشرين سنة قمرية‪ ،‬شريطة أن يبلغ هذه السن خاليا ً من عوارض األهلية‬ ‫التي تنقص من أهلية الشخص ( السفه أو الغفلة )‪ ،‬أو تعدم هذه األهلية ( اجلنون أو العته )‪ ( .‬راجع املادة رقم ‪ 85‬من قانون املعامالت املدنية‬ ‫االحتادي رقم (‪ )5‬لسنة ‪1985‬م واملعدل بالقانون االحتادي رقم (‪ )1‬لسنة ‪1987‬م‪ ،‬وكذا املادة رقم ‪ 172‬من قانون األحوال الشخصية االحتادي رقم‬ ‫(‪ )28‬لسنة ‪2005‬م )‪.‬‬ ‫(‪ )69‬هذا‪ ،‬ويالحظ‪ ،‬أَنَّ لفظة ‪ ( :‬اللقيط ) في تشريعات بعض الدول العربية غير موجودة‪ ،‬وإمنا يُقابلها لفظة ‪ ( :‬مجهولو األبوين ) أو لفظة ‪( :‬‬ ‫مجهولي النسب ) كما هو احلال والشأن في التشريع االحتادي اإلماراتي رقم ‪ 13‬لسنة ‪1972‬م ( مادة ‪ ،) 6/3‬واملادة األولى من التشريع االحتادي‬ ‫اإلماراتي رقم ‪ 1‬لسنة ‪2012‬م‪ ،‬وكذلك تشريع رعاية الطفولة السوداني رقم ‪ 3‬لسنة ‪1971‬م‪ .‬كما لوحظ كذلك‪ ،‬أ َ َّن لفظة ‪ ( :‬اللقيط ) ي ُقابلها‬ ‫في بعض التشريعات لفظتا ‪ ( :‬مجهولو األبوين )‪ ،‬و ‪ ( :‬أب مجهول وأم معروفة )‪ ،‬كما في التشريع العماني قرار رقم ‪1988/96‬م ( مادة ‪ 1‬فقرة‬ ‫سميه ‪( :‬‬ ‫ج – رقم ‪ .) 2 – 1‬كما لوحظ أ َ َّن هناك بعض التشريعات العربية األخرى ُجتري تفرقة بني الطفل التائه‪ ،‬والطفل غير الشرعي‪ ،‬فاألول ت ُ‬ ‫ِّ‬ ‫لقيطا ً ) وتُقصره عليه‪ ،‬وأما اآلخر فتسميه ‪ ( :‬مجهول النسب ) كما في التشريع العراقي الصادر عام ‪1978‬م‪ ( .‬راجع ‪ :‬كفالة اللقيط وأثرها‬ ‫في الوقاية من اجلرمية دراسة تأصيلية ‪ :‬علي بن محمد آل كليب – رسالة ماجستير مقدمة إلي كلية الدراسات العليا بجامعة نايف العربية‬ ‫للعلوم األمنية – قسم العدالة االجتماعية – الرياض – عام ‪1432‬هـ‪2011/‬م – ص ‪ 16 – 15‬واملراجع املشار إليها بالهامش )‪.‬‬ ‫(‪ ) 70‬جاءت حماية غالبية التشريعات العربية للقيط في نصوص متناثرة وقليلة العدد‪ ،‬أو في إرفاق هذه النصوص اخلاصة باللقيط ضمن‬ ‫قانون شامل يتعلق بحقوق الطفل‪ ،‬كما فعل املشرع املصري في قانون حماية الطفل رقم ‪ 12‬لسنة ‪1996‬م وتعديالته‪ ،‬ولم تهتم – كما فعلت‬ ‫دولة اإلمارات العربية املتحدة – بوضع قانون خاص حلماية هذه الفئة من األطفال‪ .‬هذا‪ ،‬وجتدر اإلشارة‪ ،‬ومن باب األمانة العلمية‪ ،‬إلي أ ّن املشرع‬ ‫السوري كان من أوائل املشرعني في إصدار قانون خاص بحماية فئة اللقطاء وهو ‪ :‬قانون رعاية اللقطاء السوري املرسوم التشريعي رقم ‪107‬‬ ‫بتاريخ ‪1970/5/4‬م‪ ،‬ويتكون هذا القانون من إحدى وعشرين مادة‪ ،‬جاءت موزعة على ثالثة فصول‪ ،‬و َعر َّ َف اللقيط في مادته األولى بأَنَّه ‪ ( :‬الوليد‬ ‫ص هذا القانون على أَنَّ يُعامل اللقيط ُمعاملة اليتيم فيما يتعلق بالوصاية على ماله‪ ،‬أو تسري‬ ‫الذي يُعثر عليه ولم يُعرف والداه )‪ ،‬كما ن َ َّ‬ ‫عليه أحكام الوصاية الواردة في قانون األحوال الشخصية ( مادة ‪ ،) 7‬ويُع ُّد هذا القانون بحق نقلة حضارية رائعة‪ ،‬ألَنَّه جاء بأحكام مفصلة في‬ ‫رعاية ألطفال اللقطاء‪ ،‬كما أَنَّ أحكامه جاءت مستمدة من الشريعة اإلسالمية الغراء ومتطابقة معها‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪23‬‬


‫قدراتهم اإلبداعية والفنية والفكرية وا ستثمارها في صقل شخ صيتهم‪ ،‬باإل ضافة إلي دمجهم مع غيرهم‬ ‫من األطفال في املراكز واألندية الرياضية والثقافية واجمليمات وتوفير األنشطة املناسبة لهم (‪.)71‬‬ ‫رأينا في تعريف اللقيط‪:‬‬ ‫بعد اســتعراض جملة من تعريفات اللقيط التي قال بها أهل اللغة‪ ،‬وفقهاء الشــريعة اإلســالمية الغراء‪،‬‬ ‫نصلَّ ِإلي أ َ َّن اللقيط‪ ،‬هو ‪:‬‬ ‫والقانون املصري واإلماراتي‪ ،‬نستطيع أ َ ْن ِ‬ ‫اسم ملولود ( ذكرا ً أو أنثى ) آدمي حي حديث الوالدة‪ ،‬غالبا ً‪ ،‬أَو ْ صغير لم يصل ِإلي سن التمييز‪ ،‬وقيل ‪ِ :‬إلي البلوغ‬ ‫(‪ ،)72‬وقيل ‪ِ :‬إلي سن الر شد (‪ ،)73‬مجهول الوالدين والهوية‪ ،‬وال كافل له معلوم‪َ ،‬ضلَّ الطريق‪ ،‬أَو ْ طرحه ( نبذه )‬ ‫‪74‬‬ ‫‪َ 76‬‬ ‫‪َ 75‬‬ ‫َ‬ ‫ألي باعث آخر حملهم على هذا‪ ،‬التقط حلفظه‬ ‫أهله ( ) خوفا ً من العيلة ( )‪ ،‬أو ْ فرارا ً من تهمة الريبة ( )‪ ،‬أو ْ ِ‬ ‫ورعايته (‪.)77‬‬

‫(‪ )71‬راجع ‪ :‬املادة اخلامسة من القانون االحتادي رقم (‪ )1‬لسنة ‪2012‬م في شأن رعاية األطفال مجهولي النسب‪ ،‬وانظر كذلك ‪ :‬الرعاية‬ ‫االجتماعية بني االتفاقيات الدولية والقوانني اﶈلية ‪ :‬دولة اإلمارات العربية املتحدة منوذجا ً ‪ :‬د‪ /‬عثمان سراج الدين فتَ الرحمن – بحث منشور‬ ‫بدورية رؤى استراتيجية – دورية علمية فصلية ُم َحك َ​َّمة يصدرها مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية – اﺠﻤﻟلد األول – العدد الرابع‬ ‫– سبتمبر ‪2013‬م – ص ‪.68‬‬ ‫(‪ )72‬وهو الذي تطمئن إليه النفس‪ ،‬الحتياجه إلي احلفظ والقيام بتربيته وتعهد أحواله‪.‬‬ ‫(‪ )73‬طبقا ملا نصت عليه املادة األولي من القانون االحتادي رقم (‪ )2‬لسنة ‪2001‬م بشأن الضمان االجتماعي‪.‬‬ ‫(‪ )74‬طرحه أهله‪ ،‬أي ‪ :‬ألقوه سرا ً على قارعة الطريق‪ ،‬أو عند باب مسجد‪ ،‬أو في املسجد‪ ،‬أو في املفازة‪ ،‬أو في املستشفيات‪ ،‬أو في أماكن القمامة‬ ‫أو نحوه‪.‬‬ ‫(‪ )75‬أَيْ لفقرهم وفاقتهم‪ ،‬ولعجزهم عن اإلنفاق عليه‪.‬‬ ‫سفاحا ً من زنا‪.‬‬ ‫(‪ )76‬أَيْ تخلصا ً منه إذا كان قد وُلِدّ ِ‬ ‫(‪ )77‬ومن خالل هذا التعريف الذي اخترناه للقيط يتبني لنَّا أَنَّه البد من توافر ركنني‪ ،‬هما ‪ :‬األَول ‪ :‬الداللة على الصغر‪ .‬والثاني ‪ :‬جهالة األَبوين‪،‬‬ ‫أَو ْ عدم معرفة الكافل له ِمن قريب أَو ْ سيد أَو ْ وصي‪ ،‬أَو ْ َمن ْ يقوم مقامهم في الرعاية‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وفيه فرعان‪:‬‬ ‫الفرع األَول ‪ :‬التعريف باجلناية‪.‬‬ ‫الفرع الثاني ‪ :‬أَنواع اجلناية‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬ ‫التعريف باجلناية وبيان أَنواعها‬

‫الفرع األَول‬ ‫التعريف باجلناية‬

‫أَوال ً‪ :‬حقيقة اجلناية في اللغة‪:‬‬ ‫اجلناية في اللغة‪ ،‬هي ‪ :‬اسم ملا يجنيه املرء من شر وما اكتسبه‪ ،‬تسمية باملصدر من جنى الذنب عليه يَجنيه‬ ‫‪78‬‬ ‫جان وجناة‪ .‬واجلناية ‪ :‬الذنب‪ ،‬واجلرم‪ ،‬وما يفعله اإلنسان مما يوجب عليه العقاب‬ ‫جناية‪ ،‬أي ‪َ :‬جرَّه إليه ( )‪ .‬والفاعل ٍ‬ ‫ْسه ‪ .)79( ‬أو هي ‪ :‬عامة في كل ما يقبَ‬ ‫أو القصاص في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وَفِي احلْ َ ِدي ِ‬ ‫ان ِإالَّ عَ لَى نَف ِ‬ ‫ث ‪َ  :‬ال ي َ ْ‬ ‫ج ِني َج ٍ‬ ‫ويسوء‪ ،‬فيقال ‪ :‬جني على نفسه‪ ،‬أي ‪ :‬أساء إليها‪ ،‬وجني على قومه جناية‪ ،‬أي ‪ :‬أذنب ذنبا ً يؤاخذ به‪ ،‬وغلبت اجلناية‬ ‫على ألسنة الفقهاء على اجلرح والقطع (‪.)80‬‬ ‫َم يَف َْعلْ ُه‪،‬‬ ‫ي عَ ل َْيهِ ذَن ْ ًبا ل ْ‬ ‫وقيل هي ‪ :‬فعل كل محظور يضر بالنفس وغيرها‪ .‬وَالت َّ َجنِّي ِمث ْلُ التَّ َجر ُّ ِم‪ ،‬و َ ُه َو أ َ ْن يَدَّ ِع َ‬ ‫يُقال ‪ :‬جتنَّى فالن عليه ذنبا ً‪ ،‬إذا تقوَّله عليه وهو برئ (‪ .)81‬وتطلق اجلناية على كل ما يرتكبه اإلنسان من شر‪ ،‬سواء‬ ‫وقع على النفس أو األطراف أو املال‪ ،‬وسواء كانت العقوبة على ما ارتكبه في الدنيا أو اآلخرة (‪.)82‬‬ ‫صل أَخذ الث َّمر من ّ‬ ‫وجاء في دستور العلماء‪ْ ( :‬‬ ‫الشجر‪ ،‬فنقلت ِإلَى ِإ ْح َداث‬ ‫اجل ِ َنايَة ‪ :‬بِالْك َْس ِر من جني يجني‪ .‬فِي األ َ ْ‬ ‫ثم ِإلَى َّ‬ ‫َّ‬ ‫يرها ) (‪.)83‬‬ ‫ثم ِإلَى فعل محرم‪ .‬و َ ُه َو كل فعل َم ْ‬ ‫ضرَرا على النَّفس أَو على غَ َ‬ ‫ح ُظور ي َت َ‬ ‫ض َّمن َ‬ ‫الشر ّ‪َّ ،‬‬ ‫الشر ّ‪َّ ،‬‬

‫(‪ )78‬جاء في البناية شرح الهداية ‪ :‬للعيني ‪ -‬ج ‪13‬ص ‪ ( : 62‬اجلنايات‪ ..‬وهي جمع جناية‪ ،‬وهي لغة ‪ :‬اسم ملا يجنيه من شر‪ ،‬أي يكسبه‪ ،‬تسميته‬ ‫ص مبا يحرم ِمن ال ِف ْع ِل شرعا‬ ‫باملصدر إذ هي في األصل مصدر جني عليه شرا‪ ،‬وأصله من جني الثمر‪ ،‬وهو أخذه من الشجر‪ ،‬وهو عام‪ ،‬إال أنّه ُخ َّ‬ ‫سواء جني بنفس‪ ،‬أو مبال )‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ام ‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪ - 31‬حديث‬ ‫صل َّى ُ‬ ‫ول ا ِ‬ ‫هلل َ‬ ‫اهلل عَ لَيْهِ و َ َسل َ​َّم ‪ -‬ب َ ُ‬ ‫(‪ )79‬انظر ‪ :‬سنن الترمذي ‪ -‬أب ْ َو ُ‬ ‫اب َما َج َ‬ ‫ُم َحر َ ٌ‬ ‫ُم عَ لَيْك ْ‬ ‫م وَأ ْم َوالُك ْ‬ ‫اء دِ َماؤكُ ْ‬ ‫اب الْ ِف َ ِ‬ ‫نت عَ نْ ر َ ُس ِ‬ ‫ج ِني أ َ َحدٌ عَ لَى أ َ َح ٍد ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ - 890‬حديث رقم ‪:‬‬ ‫اب الدِّيَا ِ‬ ‫رقم ‪ .2159 :‬وقال عنه ‪ :‬و َ َهذ َا َح ِد ٌ‬ ‫اب َال ي َ ْ‬ ‫يث َح َسنٌ َ‬ ‫ص ِح ٌ‬ ‫ت ‪ -‬بَ ُ‬ ‫يَ‪ ،‬سنن ابن ماجه ‪ِ :‬ك َت ُ‬ ‫‪.2669‬‬ ‫(‪ )80‬راجع ‪ :‬لسان العرب ‪ :‬ابن منظور ‪ -‬ج‪ 14‬ص ‪ 154‬وما بعدها ‪ -‬مادة ‪ ( :‬جني )‪ ،‬املصباح املنير ‪ :‬للفيومي ‪ -‬ص ‪ - 112‬مادة ‪( :‬ج ن ي )‪ ،‬تاج العروس‬ ‫‪ :‬للزبيدي ‪ -‬ج‪ 37‬ص ‪ - 374‬مادة ‪ ( :‬جني )‪ ،‬مختار الصحاح ‪ :‬للرازي ‪ -‬ص ‪ - 62‬مادة ‪( :‬ج ن ي )‪ ،‬املعجم الوسيط ‪ :‬ج‪ 1‬ص ‪ - 141‬مادة ‪( :‬جني )‪.‬‬ ‫يها‪،‬‬ ‫ح َملُ عَ لَى ذَلِ َ‬ ‫ُم ي ُ ْ‬ ‫ت الث َ​َّمرَةَ أ َ ْج ِن َ‬ ‫اء أ َ ْ‬ ‫ك‪ ،‬تَقُ ولُ ‪َ :‬ج َن ْي ُ‬ ‫يم وَالنُّو ُن وَال َْي ُ‬ ‫صلٌ وَا ِحدٌ‪ ،‬و َ ُه َو أ َ ْخذ ُ الث َ​َّمر َ ِة ِمنْ َش َج ِر َها‪ ،‬ث َّ‬ ‫ي‪ ،‬اجلْ ِ ُ‬ ‫(‪ )81‬قال ابن فارس ‪َ ( :‬جنَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اجلْ‬ ‫يها )‪ .‬انظر ‪ :‬معجم مقاييس اللغة ‪ :‬ابن فارس ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪ - 482‬مادة‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫اي‬ ‫ن‬ ‫اﶈ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫‪:‬‬ ‫ه‬ ‫َي‬ ‫ل‬ ‫ول‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫عَ‬ ‫ي‪ ،‬أَيْ أ ُ ِ ِ َ ْ ِ ِ َ ِ َ ْ ُ ِ ْ ِ َ َ ْ ُ ِ َ َ ْ ِ َ‬ ‫وَا ْج َت َن ْي ُت َها‪ .‬وَث َ​َمر ٌ َج ِن ٌّ‬ ‫ي )‪.‬‬ ‫‪َ ( :‬جنَ َ‬ ‫(‪ )82‬راجع ‪ :‬التعريفات ‪ :‬علي بن محمد بن علي الزين الشريف اجلرجاني ‪ -‬ص ‪ - 79‬باب اجليم ‪ -‬مادة ‪ ( :‬اجلناية) – الطبعة األولى عام‬ ‫‪1403‬هـ‪1983/‬م – الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية بيروت – لبنان‪ ،‬التشريع اجلنائي اإلسالمي مقارنا ً بالقانون الوضعي ‪ :‬الشيخ‪/‬عبد القادر عودة ‪-‬‬ ‫ج‪ 1‬ص ‪ – 67‬بدون تاريخ طبع أو سنة نشر – الناشر ‪ :‬دار الكتاب العربي – بيروت‪ ،‬اجلناية على النفس وعقوبتها في الفقه اإلسالمي ‪ :‬د‪ /‬محمد‬ ‫عبد الفتاح البنهاوي ‪ -‬ص ‪ - 16 - 15‬طبعة عام ‪2003/2002‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬بدون دار نشر‪ ،‬االمتناع عن اإلغاثة وتطبيقاتها املعاصرة من الوجهتني‬ ‫الشرعية والقانونية دراسة مقارنة ( االمتناع عن املساعدة البحرية – االمتناع في حالة التصادم البحري – االمتناع عن املساعدة الطبية‬ ‫والعالجية ) ‪ :‬د‪ /‬حسني محمود عبد الدامي ‪ -‬ص ‪ 77‬وما بعدها ‪ -‬الطبعة األولى عام ‪1429‬هـ‪2008/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار الفكر اجلامعي ‪ -‬اإلسكندرية‬ ‫)‪.‬‬ ‫(‪ )83‬انظر ‪ :‬دستور العلماء ( جامع العلوم في اصطالحات الفنون ) ‪ :‬القاضي عبد النبي بن عبد الرسول األحمد نكري ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪ - 285‬باب اجليم‬ ‫مع النون‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪25‬‬


‫وهكذا‪ ،‬ومن جماع ما تقدم‪ ،‬يتبني لنا أنَّ اجلناية في اللغة تُطلق على أي ذنبِ أ َو ُجر ْ ِم يصدر من اإلنسان‪ ،‬مهما‬ ‫صغر أو كبر‪ ،‬كما تُطْ لق على ما يصدر من اإلنسان مما يُوجب عليه العقاب في الدنيا واآلخرة‪ .‬هذا باإلضافة إلي‬ ‫أ َ َّن معنى اجلناية في اللغة أوسع كثيرا ً من معناها في االصطالح على نحو ما سيأتي‪.‬‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬حقيقة اجلناية في االصطالح الشرعي ‪:‬‬ ‫وأما اجلناية في اصطالح الفقهاء‪ ،‬فقد تعددت تعريفاتها بتعدد املذاهب الفقهية‪ ،‬وذلك على النحو التالي ‪:‬‬ ‫(‪ )1‬اجلناية عند احلنفية ‪:‬‬ ‫الس ِرق َ َة والنهب‬ ‫عرفها احلنفية اجلناية بأنها ‪ْ ( :‬‬ ‫َص َب وَ َّ‬ ‫اء الْغ ْ‬ ‫ص الْفُ قَ َه ُ‬ ‫ال أَو ْ نَف ٍْس‪ ،‬وَ َخ َّ‬ ‫اس ٌ‬ ‫م لِ ِف ْع ٍل ُم َحر َّ ٍم َحلَّ ِمب َ ٍ‬ ‫ال‪ ،‬وَ ْ‬ ‫اف ) (‪.)84‬‬ ‫اجل ِ َناي َ َة ِمبَا َحلَّ ب ِ َنف ٍْس وَأَطْ ر َ ٍ‬ ‫واالختالس واإلتالف ِمبَا َحلَّ ِمب َ ٍ‬ ‫وجاء في درر احلكام ‪ْ ( :‬‬ ‫ت ِمبَا‬ ‫اص ِ‬ ‫اجل ِ َناي َ ُة ْ‬ ‫م لِ ِف ْع ٍل ي َ ْ‬ ‫ال أَو ْ نَف ٍْس‪ .‬وَفِي ْ‬ ‫ط َال ِح الْفُ قَ َها ِء ُخ َّ‬ ‫ص ْ‬ ‫اس ٌ‬ ‫حر ُ ُم َشرْعً ا َس َواء تَ َعلَّق َ ِمب َ ٍ‬ ‫ال ) (‪.)85‬‬ ‫وس وَاألْ َطْ ر َ ِ‬ ‫َص ُب وَ َّ‬ ‫ص الْغ ْ‬ ‫تَ َعلَّق َ بِال ُّنفُ ِ‬ ‫اف‪ .‬وَ ُخ َّ‬ ‫الس ِرق َ ُة ِمبَا تَ َعلَّق َ بِاألْ َ ْم َو ِ‬ ‫اإلسالم ‪:‬‬ ‫ْس أَو َ‬ ‫الطر ْ ِف‪ .‬وَق َالَ َشيخُ ْ‬ ‫طالق اسم اجلناية عند الفقهاء‪ ،‬فِ ْعلُ َحلَّ في النَّف ِ‬ ‫وقال العيني ‪ ( :‬وَيُرا ُد بإ ِ ِ‬ ‫ْس قَطْ َعا ً وَجرحا ) (‪.)86‬‬ ‫يما ُدو ْ َن النَّف ِ‬ ‫اجل ِ َناي ُة عَ لَى النَّف ِ‬ ‫ْس ي ُ َس َّمى قَتْال ً‪ .‬وَفِ َ‬ ‫(‪ )2‬اجلناية عند املالكية ‪:‬‬ ‫ضر ُّ َح ًاال أَو ْ َمآ ًال ) (‪ .)87‬أو هي ‪( :‬‬ ‫ح ِدثُ ُه الر َّ ُجلُ عَ لَى نَف ِ‬ ‫أما املالكية‪ ،‬فقد عرفوا اجلناية بأنها ‪َ ( :‬ما ي ُ ْ‬ ‫ْسهِ أَو ْ غَ ْي ِر ِه ِممَّا ي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َاع ِل ِه ب ِ َ َ‬ ‫ْي ) (‪.)88‬‬ ‫فِ ْعلٌ يُو ِج ُب عُ قُ وبَ َة ف ِ‬ ‫ح مد‪ ،‬أو ْ قَتْ ٍل‪ ،‬أو ْ قَطْ ٍع‪ ،‬أو ْ نَف ٍ‬ ‫س ِمهِ‪ ،‬أَو ْ َم ْع ًنى قَائِ ًما بِهِ‪ ،‬أَو ْ َج ِني َن ُه‬ ‫أو هي ‪ ( :‬إت ْ َال ُف ُمكَل ٍ‬ ‫وم‪ ،‬أَو ْ عُ ْ‬ ‫ص ًاال ب ِ ِج ْ‬ ‫ص ٍ‬ ‫ض َو ُه‪ ،‬أَو ْ ات ِّ َ‬ ‫ان َم ْع ُ‬ ‫ي نَف َ‬ ‫ْس إن ْ َس ٍ‬ ‫َّف غَ ْي ِر َحرْب ِ م‬ ‫يق أَو ْ تُ ْه َم ٍة ) (‪.)89‬‬ ‫عَ ْم ًدا أَو ْ َخ َطأ ً‪ ،‬ب ِ َت ْ‬ ‫ح ِق ٍ‬ ‫(‪ )3‬اجلناية عند الشافعية ‪:‬‬ ‫‪90‬‬ ‫اح ٍة ( )‪ ،‬وَ ْ‬ ‫عَ بَّر َ الشافعية عن اجلناية باجلراح‪ .‬وَ ْ‬ ‫وق‬ ‫اجلِر َ َ‬ ‫اح َج ْم ُع ِجر َ َ‬ ‫اح ُة غُلِّ َب ْ‬ ‫ت عَ لَى اجل ِ َنايةِ ؛ ِألَن َّ َها أَكْثَر ُ ُطر ُ ِق الز ُّ ُه ِ‬ ‫اجلِر َ ِ‬ ‫(‪ .)91‬والتعبير بلفظ اجلناية عندهم أعم من اجلراح‪ ،‬لشمولها القتل‪ ،‬واجلراح‪ ،‬والقطع‪ ،‬ونحوها مما يوجب حدا ً أو‬ ‫ي الْقَ تْلُ وَالْقَ طْ ُع وَ ْ‬ ‫اب ْ‬ ‫اجلُر ْ ُح ال َّ ِذي َال يُز ْ ِهق ُ وَ َال ي َ ِبني ُ ) (‪ .)92‬وَعَ رَّفَها صاحب‬ ‫اجل ِ َنايَا ِ‬ ‫تعزيرا ً‪ .‬قال النووي ‪ِ ( :‬ك َت ُ‬ ‫ت‪ ،‬و َ ِه َ‬ ‫صاص في ال ُدن ْ َيا‬ ‫العقَ اب أَو ْ ِ‬ ‫تكملة اﺠﻤﻟموع بقوله ‪ ( :‬وَاجلِنَاي ُة الذَن ْ َب وَاجلُر ْ َم‪ ،‬وما يفعله اإلِنسا ُن ِممَا يُو ِج ُب عَ لَيهِ ِ‬ ‫الق َ‬ ‫واآلخرة ) (‪.)93‬‬ ‫(‪ )84‬رد اﶈتار على الدر اجملتار ‪ :‬ابن عابدين ‪ -‬ج‪ 6‬ص ‪ ،527‬مجمع األنهر في شرح ملتقى األبحر ‪ :‬لداماد أفندي ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪.292‬‬ ‫(‪ )85‬درر احلكام شرح غرر األحكام ‪ :‬مال خسرو ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪.88‬‬ ‫(‪ )86‬البناية شرح الهداية ‪ :‬للعيني ‪ -‬ج‪ 13‬ص ‪.62‬‬ ‫(‪ )87‬مواهب اجلليل ‪ :‬للحطاب ‪ -‬ج‪ 6‬ص ‪ ،277‬التوضيَ في شرح اجملتصر الفرعي البن احلاجب ‪ :‬خليل بن إسحاق بن موسى اجلندي املالكي ‪ -‬ج‪8‬‬ ‫ص ‪ - 211‬اﶈقق ‪ :‬د‪ /‬أحمد بن عبد الكرﱘ ُنيب ‪ -‬الطبعة األُولى عام ‪1429‬هـ‪2008/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬مركز ُنيبويه للمخطوطات وخدمة التراث‪.‬‬ ‫(‪ )88‬الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق اإلمام ابن عرفة الوافية ( شرح حدود ابن عرفة للرصاع ) ‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن قاسم األنصاري‬ ‫الرصاع ‪ -‬ص ‪ – 489‬الطبعة األولى عام ‪1350‬هـ ‪ -‬الناشر ‪ :‬املكتبة العلمية‪.‬‬ ‫(‪ )89‬حاشية العدوي على شرح مختصر خليل ‪ :‬ج‪ 8‬ص ‪.3 - 2‬‬ ‫لر‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫قَ‬ ‫ه‬ ‫ز‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫ة‬ ‫ح‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫صل وَا ِح َدا ً ِمن ْ ُه َما )‪ .‬وجاء‬ ‫ٌ‬ ‫ض ِو‪ ،‬أَو ْ ال َ ُحت َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وح‪ ،‬أَو ْ ُم َب ِّينَ ٌة لِل ُْع ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )90‬جاء في مغني اﶈتاج ‪ :‬ج‪ 4‬ص ‪ِ ( : 96‬ك َت ُ‬ ‫َ َ َّ ُ‬ ‫اح‪َ ،‬ج ْم ُع ِ َ‬ ‫ُّ ِ‬ ‫اب اجلْ ِر َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ْع‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫وح‬ ‫لر‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫قَ‬ ‫ه‬ ‫ز‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ح‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫صر ُ ِفي‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫و‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ك و َ َط ِريق ُ املُْؤَا َخذ َ ِة َال تَن ْ َح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ْ ِ ْ َُْ َ‬ ‫اح‪ ،‬و َ َج ْ ِ َ َ َ ِ َ َّ ُ ْ ِ‬ ‫ُّ ِ ْ ُ ِ َ‬ ‫في الغرر البهية ‪ :‬ج‪ 5‬ص ‪ ( : 2‬ب َ ُ‬ ‫اب اجلْ ِر َ ِ‬ ‫اح )‪.‬‬ ‫اجلْ ِر َ ِ‬ ‫(‪ )91‬نهاية اﶈتاج ‪ :‬للرملي ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ ،245‬فتوحات الوهاب بتوضيَ شرح منهج الطالب املعروف بحاشية اجلمل ‪ :‬سليمان بن عمر بن منصور‬ ‫األزهري‪ ،‬املعروف باجلمل ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪ – 3‬بدون طبعة وبدون تاريخ – الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬حتفة اﶈتاج في شرح املنهاج ‪ :‬أَحمد بن محمد بن علي بن‬ ‫حجر الهيتمي ‪ -‬ج‪ 8‬ص ‪ - 375‬بدون طبعة ‪ -‬الناشر ‪ :‬املكتبة التجارية الكبرى مبصر لصاحبها مصطفى محمد ‪ -‬عام النشر ‪1357‬هـ‪1938/‬م‪.‬‬ ‫(‪ )92‬روضة الطالبني ‪ :‬ج‪ 9‬ص ‪ ،122 - 121‬أسنى املطالب في شرح روض الطالب ‪ :‬زكريا بن محمد بن زكريا األنصاري ‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪ – 2‬بدون طبعة‬ ‫وبدون تاريخ – الناشر‪ :‬دار الكتاب اإلسالمي‪.‬‬ ‫(‪ )93‬تكملة اﺠﻤﻟموع الثانية ﶈمد ُنيب املطيعى ‪ -‬ج‪ 18‬ص ‪.344‬‬ ‫‪26‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫(‪ )4‬تعريف اجلناية عند احلنابلة ‪:‬‬ ‫صلُ‬ ‫وص ٌة ِمبَا ي َ ْ‬ ‫كن َّ َها فِي ال ُْعر ْ ِف َم ْ‬ ‫ال‪َ .‬ل ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ح ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫وأما احلنابلة فعرفوا اجلناية بأنها ‪ ( :‬كُلُّ فِ ْع ِل عُ دْوَ ٍان عَ لَى نَف ٍْس أَو ْ َم ٍ‬ ‫فِيهِ التَّ َعدِّي عَ لَى األْ َب ْ َد ِان‪ .‬وَ َس َّموْا ْ‬ ‫ص ًبا‪ ،‬وَن َ ْه ًبا‪ ،‬وَ َس ِرق َ ًة‪ ،‬وَ ِخ َيان َ ًة‪ ،‬وَ ِإت ْ َالفًا ) (‪ .)94‬قال البهوتي ‪:‬‬ ‫اجل ِ َنايَا ِ‬ ‫ال غَ ْ‬ ‫ت عَ لَى األْ َ ْم َو ِ‬ ‫( ْ‬ ‫اصا أَو ْ يُو ِج ُب‬ ‫ص ً‬ ‫ال‪ .‬وَ َشرْعا ً التَّ َعدِّي عَ لَى الْ َب َد ِن ِمبَا يُو ِج ُب ِق َ‬ ‫اجل ِ َناي َ ُ‬ ‫ي لُ َغ ًة ‪ :‬التَّ َعدِّي عَ لَى نَف ٍْس أَو ْ َم ٍ‬ ‫ات َج ْم ُع ِج َناي َ ٍة‪ ،‬وَ ِه َ‬ ‫َماال ً‪ .‬وَت ُ َس َّمى ْ‬ ‫ص ًبا‪ ،‬وَ َس ِرق َ ًة‪ ،‬وَ ِخ َيان َ ًة‪ ،‬و َ ِإت ْ َالفًا‪ ،‬وَن َ ْه ًبا ) (‪.)95‬‬ ‫ال غَ ْ‬ ‫اجل ِ َناي َ ُة عَ لَى املْ َ ِ‬ ‫هذا‪ ،‬واملتأمل في التعاريف املتقدمة‪ ،‬يتبني له أنَّ أكثر الفقهاء يرون أ ّن لفظ ‪ ( :‬اجلناية )‪ ،‬إذا أُط ِلق َ ال يُراد معناها‬ ‫العام‪ ،‬وهو الفعل اﶈَُرَّم شرعا ً‪ ،‬سواء تعلق بنفس أو مال أو غيرهما‪ ،‬وإمنا املعنى اجملصص بالعرف‪ ،‬وهو األفعال‬ ‫الواقعة علي نفس اإلنسان أو أطرافه‪ ،‬وهي ‪ :‬القتل‪ ،‬واجلرح‪ ،‬والضرب‪ ،‬واإلجهاض (‪.)96‬‬ ‫فيعمون بها االعتداء على‬ ‫بينما يطلق البعض من الفقهاء لفظ ‪ ( :‬اجلناية ) علي جرائم احلدود والقصاص (‪،)97‬‬ ‫ّ‬ ‫النفوس واألبدان‪ ،‬والفروج واألعراض واألموال‪ ،‬وكذلك استباحة ما حرَّمه اهلل تعالي من املأكوالت واملشروبات (‪.)98‬‬ ‫قال ابن رشد ‪ ( :‬وَ ْ‬ ‫ات الَّتِي ل َ​َها ُح ُدودٌ َم ْ‬ ‫ْضا ِء‪ ،‬و َ ُه َو املْ ُ َس َّمى‬ ‫وس وَاألْ َع َ‬ ‫ات عَ لَى األْ َب ْ َد ِان وَال ُّنفُ ِ‬ ‫اجل ِ َناي َ ُ‬ ‫شرُوعَ ٌة أَرْبَ ٌع ‪ِ :‬ج َناي َ ٌ‬ ‫ال‪ ،‬و َ َه ِذ ِه َما كَا َن ِمنْ َها َمأ ْ ُخوذا ً‬ ‫وج‪ ،‬وَ ُه َو املْ ُ َس َّمى زِنا ً وَ ِ‬ ‫سفَ احا ً‪ .‬وَ ِج َناي َ ٌ‬ ‫قَتْال ً و َ َجرْحا ً‪ .‬وَ ِج َناي َ ٌ‬ ‫ات عَ لَى األْ َ ْم َو ِ‬ ‫ات عَ لَى ال ْفُ ر ُ ِ‬ ‫َص ِة ِمنْ ِحرْزٍ ي ُ َس َّمى‬ ‫ي بَغْيا ً‪ ،‬وَ ِإ ْن كَا َن َمأ ْ ُخوذا ً عَ لَى وَ ْج ِه املْ ُ َعاف َ‬ ‫يل‪ ،‬ب ِ َتأْوِ ٍ‬ ‫ي ِحرَابَ ًة ِإذَا كَا َن بِغ َْي ِر تَأ ْ ِو ٍ‬ ‫يل ُس ِّم َ‬ ‫ب ِ َحر ْ ٍب ُس ِّم َ‬ ‫ات‬ ‫ات عَ لَى األْ َعْر َ ِ‬ ‫ي غَ ْ‬ ‫اض‪ ،‬وَ ُه َو املْ ُ َس َّمى قَذ ْفا ً‪ .‬وَ ِج َناي َ ٌ‬ ‫صبا ً‪ .‬وَ ِج َناي َ ٌ‬ ‫َس ِرق َ ًة‪ ،‬وَ َما كَا َن ِمنْ َها ي َ ُعلُو َمرْتَ َبة وَقُوَّة ُسل َْط ٍ‬ ‫ان ُس ِّم َ‬ ‫ول وَاملْ َ ْ‬ ‫اح ِة َما َحر َّ َم ُه َّ‬ ‫وب) (‪ .)99‬بل وذهب ابن جزي املالكي إلي أنها تشمل‬ ‫بِالتَّ َعدِّي عَ لَى ْ‬ ‫استِ َب َ‬ ‫شر ُ ِ‬ ‫الشر ْ ُع ِم َن املَْأْكُ ِ‬ ‫أكثر من هذا‪ ،‬كاﶈظورات األخرى املوجبة للعقوبة (‪.)100‬‬ ‫والذي متيل وتطمئن إليه النفس في هذا املقام‪ ،‬هو أنَّ يظل االصطالح الشرعي للجناية على عمومه‪ ،‬ويدخل‬ ‫نون لكل‬ ‫حتته أنواع اجلنايات‪ ،‬سواء أوجبت القصاص‪ ،‬أو املال‪ ،‬أو الكفارة‪ ،‬أو أوجبت احلد‪ ،‬أو التعزير‪ .‬على أن ي ُ َع َ‬ ‫جناية بنوعية الفعل الذي حصل من اجلاني‪ ،‬فإن كانت اجلناية على اآلدمي‪ ،‬يُعنون لها بــ ‪ ( :‬اجلناية على اآلدمي‬ ‫(‪ )94‬املغني ‪ :‬ابن قدامة ‪ -‬ج‪ 8‬ص ‪ ،259‬املبدع في شرح املقنع ‪ :‬ابن مفلَ ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪.190‬‬ ‫(‪ )95‬دقائق أولي النهى لشرح دقائق املنتهى املعروف بشرح منتهى اإلرادات ‪ :‬البهوتي ‪ -‬ج‪ 3‬ص ‪ ،253‬دليل الطالب لنيل املطالب ‪ :‬مرعي بن‬ ‫يوسف املقدسي ‪ -‬ص ‪.295‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وا‬ ‫ا‪..‬‬ ‫ه‬ ‫َام‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫ان‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫في‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫ة‪،‬‬ ‫اي‬ ‫ايات عَ لَى األَب ْ َد ِان‪ .‬وَأ َ َّما‬ ‫ن‬ ‫جل‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫امل‬ ‫و‬ ‫‪..‬‬ ‫اح‬ ‫ر‬ ‫جل‬ ‫با‬ ‫هم‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َى‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ير‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫(‪ )96‬قال البكري ‪ ( :‬ب َ ُ‬ ‫ْ ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ َ َُ ِ‬ ‫ِ ُ ِ‬ ‫اب اجلْ ِنَ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اب احل ُ ُدودِ )‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫في‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫تأ‬ ‫َس‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫و‬ ‫اب‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫أل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫اض‬ ‫ْر‬ ‫ع‬ ‫األ‬ ‫ْ‬ ‫ال و َ َ ِ َ َ ِ َ َ ْ ِ َ َ ِ‬ ‫َِ ِ‬ ‫اجل ِ َناي َ ُة عَ لَى األ َ ْم َو ِ‬ ‫راجع ‪ :‬إعانة الطالبني على حل ألفاظ فتَ املعني ( هو حاشية على فتَ املعني بشرح قرة العني مبهمات الدين ) ‪ :‬أبو بكر (املشهور بالبكري)‬ ‫عثمان بن محمد شطا الدمياطي الشافعي ‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪ - 124‬الطبعة األولى عام ‪1418‬هـ‪1997/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‬ ‫ بيروت ‪ -‬لبنان‪.‬‬‫ُ‬ ‫اجلْ‬ ‫ْ‬ ‫الس ِرق َ ُة وَاحلْ ِرَاب َ ُة و َ ُّ‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫‪:‬‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫قُ‬ ‫ْع‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫ات‬ ‫اي‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ْف‬ ‫ذ‬ ‫ْقَ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫الر‬ ‫و‬ ‫ْي‬ ‫الشر ْ ُب )‪ .‬انظر ‪ :‬مواهب‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫املالكي‬ ‫احلطاب‬ ‫قال‬ ‫(‪ )97‬ومن هنا‪،‬‬ ‫َ َّ‬ ‫َ ِ َ َ ُ ُ ِ َ ُ ِ ُ َ ِ َ ْ ٌ ْ َ ُ َ ِّ َّ ُ َ ِّ َ َ‬ ‫اجلليل ‪ :‬ج‪ 6‬ص ‪ ،277‬التوضيَ في شرح مختصر ابن احلاجب ‪ :‬ج‪ 8‬ص ‪ ،211‬الذخيرة ‪ :‬أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس‪ ،‬الشهير بالقرافي‬ ‫ ج‪ 12‬ص ‪ – 5‬اﶈقق ‪ :‬محمد بو خبزة – الطبعة األولى عام ‪1414‬هـ‪1994/‬م – الناشر ‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ -‬بيروت‪ ،‬التاج واإلكليل ‪ :‬للمواق ‪ -‬ج‪8‬‬‫ص ‪ ،365‬الوسيط في املذهب ‪ :‬للغزالي ‪ -‬ج‪ 6‬ص ‪ ،413‬العزيز شرح الوجيز املعروف بالشرح الكبير ‪ :‬عبد الكرمي بن محمد بن عبد الكرمي‪ ،‬أَبو‬ ‫القاسم الرافعي القزويني ‪ -‬ج‪ 11‬ص ‪ – 69‬اﶈقق ‪ :‬علي محمد عوض‪ ،‬عادل أَحمد عبد املوجود – الطبعة األَولى عام ‪1417‬هـ‪1997/‬م – الناشر ‪:‬‬ ‫دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان‪.‬‬ ‫(‪ )98‬االختيار لتعليل اجملتار ‪ :‬املوصلي ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪ ،22‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد ‪ :‬أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي‪ ،‬الشهير بابن‬ ‫رشد احلفيد ‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪ – 177‬الطبعة ‪ :‬بدون – الناشر ‪ :‬دار احلديث – القاهرة – عام ‪1425‬هـ‪2004/‬م‪ ،‬حاشية الباجوري ‪ :‬ج‪ 2‬ص ‪ ،199‬أحكام جناية‬ ‫البهائم واجلناية عليها في الفقه اإلسالمي دراسة مقارنة ‪ :‬د‪ /‬إسماعيل شندي ‪ -‬بحث منشور مبجلة اجلامعة اإلسالمية ‪ -‬سلسلة الدراسات‬ ‫اإلسالمية ‪ -‬اﺠﻤﻟلد اخلامس عشر ‪ -‬العدد الثاني يونيه علم ‪2007‬م ‪ -‬ص ‪.293‬‬ ‫(‪ )99‬بداية اﺠﻤﻟتهد ونهاية املقتصد ‪ :‬ابن رشد ‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪.177‬‬ ‫(‪ )100‬قال ابن جزي الغرناطي ‪ ( :‬اجلْ ِنَايَات املُْوج َبة للعقوبة ث َ​َالث َة عشر‪ ،‬و َ ِهي ‪ :‬الْقَ تْل‪ ،‬وَاجلْ رْح‪ ،‬والزنى‪ ،‬وَالْقَ ذ ْف‪ ،‬وَشرب ْ‬ ‫الس ِرقَة‪ ،‬و َالْ َبغي‪،‬‬ ‫اخلمر‪ ،‬و َ َّ‬ ‫الص َيام )‪ .‬انظر ‪ :‬القوانني الفقهية ‪ :‬أبو القاسم‬ ‫الص َالة و َ ِّ‬ ‫واحلرابة‪ ،‬وَالرِّدَّة‪ ،‬والزندقة‪ ،‬و َ َسب اهلل و َ َسب األْ َن ْ ِب َياء وَاملْ َ َالئِك َة‪ ،‬وَعمل السحر‪ ،‬وَترك َّ‬ ‫محمد بن أحمد بن محمد بن عبد اهلل بن جزي الكلبي الغرناطي ‪ -‬ص ‪ - 226‬الطبعة األولى ‪ -‬بدون تاريخ ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار الفكر ‪ -‬بيروت ‪ -‬لبنان‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪27‬‬


‫)‪ ،‬وإن كانت اجلناية على العرض‪ ،‬يُعنون لها بــ ‪ ( :‬اجلناية على العرض )‪ ،‬وإن كانت اجلناية على املال‪ ،‬يُعنون لها‬ ‫بــ ‪ ( :‬اجلناية على املال )‪ ..‬وهكذا حتى تتميز كلُّ جناية عن األخرى (‪.)101‬‬ ‫ثالثا ً ‪ :‬حقيقة اجلرمية وعالقتها باجلناية ‪:‬‬ ‫يُطْ ِلق بعض الفقهاء ‪ -‬أحيانا ً ‪ -‬لفظة ‪ ( :‬اجلرمية ) بدل لفظة ‪ ( :‬اجلناية )‪ ،‬األمر الذي يستوجب علينا أن نبني‬ ‫معناها وعالقتها باجلناية ‪:‬‬ ‫(‪ )1‬حقيقة اجلرمية ‪ :‬اجلرمية في اللغة‪ ،‬هي ‪ :‬مشتقة من الفعل جرم‪ ،‬وهو من باب ضرب‪ ،‬ومعناه ‪ :‬أذنب‪ ،‬أو اكتسب‬ ‫اإلثم‪ ،‬وقطع‪ .‬واجلُرم – بضم اجليم – مبعني التعدي والذنب‪ .‬واجلمع ‪ :‬أجرام‪ ،‬وجرم‪ ،‬وجرائم‪ .‬فتقول ‪ :‬أجرم فالن يجرم‬ ‫جرما ً‪ ،‬واجترم‪ ،‬وأجرم فهو مجرم‪ ،‬أي ‪ُ :‬مذنِب ومعت ِد‪ ،‬ويُقال ‪ :‬جرم إذا عظم جرمه‪ ،‬أي ‪ :‬أذنب ذنبا ً عظيما ً‪ ،‬وفي‬ ‫سأَلَتِهِ ‪ .)102( ‬ومنه قوله‬ ‫احلديث ‪ِ  :‬إنَّ أَع َ‬ ‫َحر ِّ َم ِمن ْ أ َ ْج ِل َم ْ‬ ‫حر َّ ْم‪ ،‬ف ُ‬ ‫َم ي ُ َ‬ ‫ْظ َم امل ُ ْ‬ ‫س ِل ِمني َ ُجر ْ ًما‪َ ،‬من ْ َسأَلَ عَ ن ْ َشي ْ ٍء ل ْ‬ ‫‪103‬‬ ‫ك َُن ْ ِزي ْ‬ ‫ص ْف َنا َُن ْ ِزي اﺠﻤﻟ ُ ْ ِر ِمني َ‪ .‬واﺠﻤﻟ ُ ْ ِرمون هاهنا‪،‬‬ ‫اج ‪ ( :‬أَي وَ ِمث ْلُ ذَلِ َ‬ ‫تعالى ‪  :‬وَكَذَل ِ َ‬ ‫ك الّ ِذي وَ َ‬ ‫اﺠﻤﻟ ُ ْ ِر ِمني َ ‪ ،) ( ‬قَالَ الز ّ َج ُ‬ ‫‪104‬‬ ‫َّ‬ ‫اهلل وَ ِاال ْستِك ْ َبار ُ عَ نْ َها ) ( )‪.‬‬ ‫يب بِآيَا ِ‬ ‫وَ َّ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫َم‪ ،‬الْكَافِرُو َن ألَن ال َّ ِذي ذُ ِكر َ ِمنْ ِق َّ‬ ‫صتهم التَّك ْ ِذ ُ‬ ‫اهلل أ َ ْعل ُ‬ ‫مت النخل‪ ،‬أي ‪ :‬قطعته‪ .‬واجلِرم ‪ -‬بكسر اجليم – اجلسد (‪.)105‬‬ ‫كما تقول ‪َ :‬جر َ ُ‬ ‫(‪ )101‬انظر ‪ :‬اجلنايات في الفقه اإلسالمي دراسة مقارنة بني الفقه اإلسالمي والقانون ‪ :‬د‪ /‬حسن علي الشاذلي ‪ -‬ص ‪ - 25‬الطبعة الثانية بدون‬ ‫َس ِر من جني يجني ‪ ..‬و َ ِإ َّمنَا جتمع على اجلْ ِ َنايَات‪ِ ،‬ألَن‬ ‫تاريخ ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار الكتاب اجلامعي‪ .‬وجاء في دستور العلماء ‪ :‬ج‪ 1‬ص ‪ ( : 285‬اجلْ ِ َنايَة ‪ :‬بِالْك ْ‬ ‫الْ ِف ْعل ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال‪ ،‬وَيُسمى غصبا أو َسرقَة أو ِخ َيانَة‪ .‬و َ ِمن ْ َها ‪:‬‬ ‫اﶈرم أَن ْ َواع‪ِ .‬من ْ َها ‪َ :‬ما ي َت َعل َّق بِالْ ِ‬ ‫عرض بِالْك َْس ِر‪ ،‬وَيُسمى قذفا أَو شتما أَو غي َبة‪ .‬و َ ِمن ْ َها ‪ :‬بِاملْ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كن فِي عرف الْفُ قَ َهاء‬ ‫فس‪ ،‬وَيُسمى قتال ً أو إحراقا ً أو صلبا ً أو خنقا ً أو تغريقا ً‪ .‬و َ ِمن ْ َها ‪ :‬بالطرف‪ ،‬وَيُسمى قطعا ً أو كسرا ً أو شجا ً أو فَقَ أ‪ .‬وَلَ ِ‬ ‫بِالن َّ ِ‬ ‫يُرَاد بِاجلْ ِ َناي َ ِة قتل ال ُّنفُوس وَقطع األْ َطْ رَاف )‪.‬‬ ‫(‪ )102‬اجلامع املسند الصحيَ اجملتصر من أمور رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وسننه وأيامه‪ ،‬املشهور بصحيَ البخاري ‪ :‬محمد بن‬ ‫ُّف َما ال َ ي َ ْع ِنيهِ ‪ -‬ج‪ 9‬ص ‪- 95‬‬ ‫ال وَتَكَل ِ‬ ‫ص ِام بِال ِ‬ ‫اب َما يُك ْرَهُ ِمن ْ كَث ْر َ ِة ُّ‬ ‫اب و َ ُّ‬ ‫اب ِاال ْعتِ َ‬ ‫السن َّ ِة ‪ -‬ب َ ُ‬ ‫إسماعيل أبو عبد اهلل البخاري اجلعفي‪ِ -‬ك َت ُ‬ ‫ك َت ِ‬ ‫السؤَ ِ‬ ‫حديث رقم ‪ – 7289 :‬اﶈقق ‪ :‬محمد زهير بن ناصر الناصر – الناشر ‪ :‬دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد‬ ‫اب ال َّ ِذي قَا َل ُه ْ‬ ‫ي وَغَ ْير ُ ُه َما ‪ِ -‬منْ َج َما ِهير ُ ال ُْعل َ​َما ِء فِي َشر ْ ِح َهذ َا‬ ‫الباقي) الطبعة ‪ :‬األولى عام ‪1422‬هـ‪ .‬وقال ابن حجر ‪ ( :‬و َ َّ‬ ‫الص َو ُ‬ ‫اخل َطَّ ابِيِّ وَالت َّ ْي ِم ُّ‬ ‫يما َال َحا َج َة لَ ُه بِهِ إلَيْهِ )‪ .‬انظر فتَ الباري شرح صحيَ البخاري ‪:‬‬ ‫احلْ َ ِدي ِ‬ ‫ث ‪ -‬أَنَّ املُْرَادَ بِاجلْ ُر ْ ِم ‪ :‬اإلْ ِث ُْم‪ ،‬وَالذَّن ْ ُب َح َملُوهُ عَ لَى َمنْ َسأ َلَ تَكَ ُّلفًا وَت َ َعنُّتًا فِ َ‬ ‫ُّف َما َال ي َ ْع ِنيهِ ‪ -‬ج‪ 13‬ص ‪ - 268‬رقم‬ ‫ؤ‬ ‫الس‬ ‫ة‬ ‫ْر‬ ‫ث‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ْر‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫اب‬ ‫ب‬ ‫‬‫نت‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫اب‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫‬‫الشافعي‬ ‫العسقالني‬ ‫الفضل‬ ‫أبو‬ ‫حجر‬ ‫بن‬ ‫علي‬ ‫بن‬ ‫أحمد‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال وَتَكَل ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ُ َُ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كتبه وأبوابه وأحاديثه ‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي – قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه ‪ :‬محب الدين اخلطيب – عليه تعليقات العالمة ‪:‬‬ ‫عبد العزيز بن عبد اهلل بن باز– الطبعة األولى عام ‪1379‬هـ ‪ -‬الناشر‪ :‬دار املعرفة – بيروت‪ ،‬املنهاج شرح صحيَ مسلم بن احلجاج ‪ :‬أبو زكريا‬ ‫اهلل عَ ل َْيهِ و َ َسل َ​َّم وَتَر ْ ِك ِإكْثَارِ ُسؤَالِهِ ‪ -‬ج‪ 15‬ص ‪ - 111‬الطبعة الثانية‬ ‫صل َّى َّ ُ‬ ‫محيي الدين يحيى بن شرف النووي ‪ِ -‬ك َتاب الْفَ َ‬ ‫اب تَوْ ِقي ِر ِه َ‬ ‫ضائِ ِل‪ -‬ب َ ُ‬ ‫ك‬ ‫اب األْ َطْ ِع َم ِة‬ ‫ت‬ ‫‬‫اليمني‬ ‫الشوكاني‬ ‫اهلل‬ ‫عبد‬ ‫بن‬ ‫محمد‬ ‫بن‬ ‫علي‬ ‫بن‬ ‫محمد‬ ‫‪:‬‬ ‫األوطار‬ ‫نيل‬ ‫بيروت‪،‬‬ ‫عام ‪1392‬هـ ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار إحياء التراث العربي ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اإلْ‬ ‫ْ‬ ‫األْ‬ ‫ز‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫َى‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ة‬ ‫ح‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ام ‪ -‬ج‪ 8‬ص ‪ – 123‬حتقيق ‪ :‬عصام الدين الصبابطي –‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫و‬ ‫ان‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ َِ َ ُ‬ ‫اب فِي أَنَّ األْ َ ْ‬ ‫و َ َّ‬ ‫َ ‪ -‬بَ ٌ‬ ‫صلَ ِفي األْ َع َْي ِ َ‬ ‫ْ َِ ْ َ ْ ٌ ْ َ ٌ‬ ‫الص ْي ِد وَالذَّبَائِ ِ‬ ‫الطبعة األولى عام ‪1413‬هـ‪1993/‬م – الناشر ‪ :‬دار احلديث – مصر‪.‬‬ ‫(‪ )103‬سورة األعراف جزء من اآلية رقم ‪.40 :‬‬ ‫(‪ )104‬معاني القرآن وإعرابه ‪ :‬أَبُو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج ‪ -‬ج ‪ 2‬ص ‪ - 338‬اﶈقق ‪ :‬عبد اجلليل عبده شلبي ‪ -‬الطبعة األولى‬ ‫عام ‪1408‬هـ‪1988/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬عالم الكتب ‪ -‬بيروت‪.‬‬ ‫(‪ )105‬لسان العرب ‪ :‬ابن منظور ‪ -‬ج‪ 12‬ص ‪ - 90‬مادة ‪َ ( :‬جر َ َم )‪ ،‬املصباح املنير ‪ :‬للفيومي ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪ - 97‬مادة ‪ ( :‬ج ر م )‪ ،‬املوسوعة الفقهية‬ ‫الكويتية ‪ :‬ج‪ 16‬ص ‪ .59‬هذا‪ ،‬وتطلق كلمة اجلرمية ويراد منها ‪ :‬الكسب املكروه غير املستحسن‪ ،‬ومنها احلمل علي فعل حمال آثما‪ .‬قال تعالي ‪:‬‬ ‫َ‪ (  ..‬هود اآلية ‪ ،) 89 :‬أي ‪ :‬ال يحملنكم حمال آثما‬ ‫ُم ِشقَ ا ِقي أ َ ْن ي ُ ِ‬ ‫‪ ‬وَيَا قَوْ ِم َال ي َ ْ‬ ‫وح أَو ْ قَوْ َم ُهودٍ أَو ْ قَوْ َم َ‬ ‫ُم ِمث ُْل َما أ َ َ‬ ‫ص َ‬ ‫صي َبك ْ‬ ‫ج ِر َمنَّك ْ‬ ‫صالِ ٍ‬ ‫اب قَوْ َم ن ُ ٍ‬ ‫شقاقي ومنازعتكم لي علي أن يصيبكم من العذاب مثل ما أصاب من سبقكم من قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالَ‪ .‬كما تطلق كلمة‬ ‫اجلرمية علي ارتكاب كل ما خالف احلق والعدل والطريق املستقيم‪ .‬وقد ورد في القرآن الكرمي آيات كثيرة تدل علي هذا املعني‪ ،‬ومنها قوله تعالي‬ ‫‪ِ  :‬إنَّ ْ‬ ‫ض َحكُو َن ‪ ( ‬املطففني اآلية ‪29 :‬‬ ‫ض َال ٍل و َ ُس ُع ٍر ‪ ( ‬القمر اآلية ‪ ،) 47 :‬وقوله تعالي ‪ِ  :‬إنَّ ال َّ ِذينَ أ َ ْجر َ ُموا كَانُوا ِمنَ ال َّ ِذينَ آ َ َمنُوا ي َ ْ‬ ‫اﺠﻤﻟ ُ ْ ِر ِمني َ فِي َ‬ ‫سيرُوا ِفي األْ َر ْ ِض فَان ْ ُظرُوا كَ ْي َف كَا َن عَ ا ِق َب ُة ْ‬ ‫اﺠﻤﻟ ُ ْ ِر ِمني َ ‪ ( ‬سورة النمل اآلية ‪ ،)69 :‬وقوله تعالي ‪  :‬كُلُوا و َ َمتَت َّ ُعوا ق َ ِل ً‬ ‫ُم‬ ‫)‪ ،‬وقوله تعالي ‪  :‬قُلْ ِ‬ ‫يال ِإنَّك ْ‬ ‫ج ِر ُمو َن ‪ ( ‬املرسالت اآلية ‪ .) 46 :‬وهكذا‪ ،‬نستخلص مما تقدم‪ ،‬أنَّ اجلرمية في معناها اللغوي يدور على ‪ :‬اجلرم‪ ،‬مبعنى القطع‪ ،‬والتعدي والذنب‪،‬‬ ‫ُم ْ‬ ‫والكسب‪ ،‬ولكنها تُستعمل في األعم األغلب في ‪ :‬فعل ما يستقبَ‪ .‬واﺠﻤﻟرم‪ ،‬هو ‪ :‬من يأتي املستقبَ ويستمر في إتيانه‪ ،‬ويصر على ارتكابه‪،‬‬ ‫وال يرغب في تركه‪ ( .‬راجع ‪ :‬اجلرمية والعقوبة في الفقه اإلسالمي ‪ :‬الشيخ‪ /‬محمد أبو زهرة ‪ -‬فقرة ‪ 19‬ص ‪ - 19‬الطبعة األولى عام ‪1419‬هـ‪1998/‬م‬ ‫ مطبعة املدني ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار الفكر العربي ‪ -‬القاهرة‪ ،‬د‪ /‬البنهاوي املرجع السابق ‪ :‬ص ‪ ،12‬بحوث في احلدود ‪ :‬محمد فهمي السرجاني – ص ‪5‬‬‫ بدون دار طبع أو سنة نشر )‪.‬‬‫‪28‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وأما اجلرمية في االصطالح الشرعي‪ ،‬فقد تعددت تعريفاتها عند الفقهاء نظرا ً لتعدد مذاهبهم‪ ،‬ورغم كثرة‬ ‫التعاريف واختالف ألفاظها إال أن جميعها قريبة املعنى وسنذكر بعض من هذه التعاريف فيما يلي ‪:‬‬ ‫(أ) عَ رَّف َ​َها اإلمام أبو احلسن املاوردي ‪ -‬من فقهاء الشافعية ‪ -‬بقوله ‪ْ ( :‬‬ ‫اهلل تَ َعالَى‬ ‫ات َشر ْ ِعيَّ ٌة ز َ َجر َ َّ ُ‬ ‫اجلَرَائِ ُم َم ْ‬ ‫ح ُظور َ ٌ‬ ‫حتِ َها َحال‬ ‫استِبْرَا ٍء تَقْ َت ِ‬ ‫عَ نْ َها ب ِ َح مد أَو ْ تَ ْع ِزي ٍر‪ ،‬وَل َ​َها ِعنْ َد ال ُّت ْه َم ِة َحال ْ‬ ‫الس َي َ‬ ‫اس ُة الدِّي ِنيَّ ُة‪ ،‬وَل َ​َها ِعنْ َد ثُ ُبوت ِ َها وَ ِص َّ‬ ‫ضيهِ ِّ‬ ‫َام َّ‬ ‫الشر ْ ِعيَّ ُة ) (‪.)106‬‬ ‫ْ‬ ‫استِيفَ ا ٍء تُو ِج ُب ُه األ ْ ْحك ُ‬ ‫واﶈظورات‪ ،‬هي ‪ :‬إتيان فعل منهي عنه‪ ،‬كشرب اخلمر‪ ،‬أو فعل الزنا‪ ،‬أو السرقة‪ ،‬وغيرها‪ .‬أو ترك فعل مأمور به‪،‬‬ ‫كترك الفرائض الدينية‪ ،‬وقد وصفت اﶈظورات بأنها شرعية‪ ،‬إشارة إلى أنه يجب في اجلرمية أن تكون محظورة‬ ‫بنصوص الشريعة‪ ،‬وأن الفعل والترك ال يعتبر بذاته جرمية‪ ،‬إال إذا كان معاقبا ً عليه‪ ،‬وهذا العقاب إما أن يكون‬ ‫حدا ً‪ ،‬وإما أن يكون تعزيرا ً (‪ .)107‬أما إذا كانت اﶈظورات عن ﻃريق األعراف والتقاليد االجتماعية‪ ،‬فال تُسمى حينئذ‬ ‫جرائم (‪.)108‬‬ ‫(ب) وَعَ رَّف َ​َها بعض الفقهاء‪ ،‬بأنها ‪ ( :‬إتيان فعل محرم معاقب على فعله‪ ،‬أو ترك فعل مأمور به معاقب على تركه‬ ‫صت الشريعة على حترميه والعقاب عليه ) (‪ .)109‬وذلك ألنَّ اهلل تعالى قرر عقابا لكل من‬ ‫)‪ .‬أو هي ‪ ( :‬فعل أو ترك ن َ َّ‬ ‫يخالف أوامره ونواهيه‪ ،‬وهو إما أن يكون عقابا دنيويا ينفذه احلكام‪ ،‬وإما أن يكون تكليفا دينيا يكفر به عما‬ ‫ارتكب في جنب اهلل ‪ ،‬وإما أن يكون عقابا أخرويا ً يتولّى تنفيذه احلاكم الديان يوم ال ينفع مال وال بنون‪ ،‬إال من‬ ‫أتى اهلل بقلب سليم‪ .‬فكل جرمية لها في الشرع جزاء‪ ،‬إما عاجل في الدنيا‪ ،‬وإما آجل في اآلخرة‪ ،‬ويتولَّ اآلخرة رب‬ ‫العاملني‪ ،‬إال أن يتوب توبة نصوحا‪ ،‬ويتغمده اهلل برحمته وغفرانه‪ ،‬وهو الغفور الرحيم (‪.)110‬‬ ‫هذا‪ ،‬والناظر إلى التعريفني السابقني يتبني له‪ ،‬أَنَّ األول منهما تعريف خاص للجرمية يخضع للقضاء في توقيع‬ ‫العقوبة الدنيوية‪ ،‬واحلد فيها عقوبة ُمقَ دَّرة‪ .‬ومعنى ُمقَ دَّرة ‪ :‬أنها محددة معينة‪ ،‬فليس لها حد أدنى وال حد‬ ‫أعلى تتراوح بينهما‪ ،‬ومعنى أنها حق هلل‪ ،‬أي ‪ :‬أنها ال تقبل اإلسقاط ال من األفراد وال من اجلماعة (‪ .)111‬أما‬ ‫التعريف الثاني‪ ،‬فهو تعريف للجرمية باملعنى العام إذ يعم كل معصية‪ .‬باإلضافة إلي أنَّ اجلرمية‪ ،‬وفقا ً للتعريف‬ ‫باملعنى العام‪ ،‬توجد ولو لم يكن لها عقاب دنيوي‪.)112( ..‬‬ ‫(‪ )2‬العالقة بني اجلرمية واجلناية ‪ :‬اختلف الفقهاء في حتديد العالقة بني اجلرمية واجلناية‪ ،‬وجاء خالفهم علي رأيني‬ ‫‪:‬‬ ‫(‪ )106‬األَحكام السلطانية ‪ :‬أَبُو احلسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي‪ ،‬الشهير باملاوردي ‪ -‬ص ‪ - 322‬الباب التاسع عشر‬ ‫في أحكام اجلرائم – الناشر ‪ :‬دار احلديث – القاهرة‪ .‬هذا‪ ،‬ويفهم من تعريف اإلمام املاوردي أربعة أمور‪ ،‬وهي ‪( :‬أ) أن التجرمي منوط باهلل تعالي‬ ‫وحده‪( .‬ب) أن هذا التعريف يتسع للفعل والترك (ج) أن الفعل ليس جرمية‪ ،‬إال إذا كان اهلل قد زجر عنه بعقوبة‪( .‬د) أن اجلرمية في اإلسالم تنقسم‬ ‫إلي ‪ :‬جرائم حدية‪ ،‬وجرائم تعزيرية‪.‬‬ ‫(‪ )107‬التشريع اجلنائي اإلسالمي ‪ :‬الشيخ‪ /‬عبد القادر عودة ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪ ،66‬وج‪ 1‬ص ‪.110‬‬ ‫(‪ )108‬الشيخ‪ /‬عبد القادر عودة ‪ :‬املرجع السابق ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪ ،110‬اجلنايات في الفقه اإلسالمي ‪ :‬د‪ /‬حسن علي الشاذلي ‪ -‬ص ‪ ،12‬الشبهات وأثرها‬ ‫في العقوبة اجلنائية في الفقه اإلسالمي مقارنا بالقانون ‪ :‬د‪ /‬منصور محمد منصور احلفناوي ‪ -‬ص ‪ - 25‬الطبعة األولى عام ‪1406‬هـ‪1986/‬م ‪-‬‬ ‫الناشر ‪ :‬مطبعة األمانة بالزقازيق ‪ -‬مصر‪.‬‬ ‫(‪ )109‬اجلرمية والعقوبة في الفقه اإلسالمي ‪ :‬الشيخ‪ /‬محمد أبو زهرة ‪ -‬ص ‪ ،20‬التشريع اجلنائي اإلسالمي ‪ :‬الشيخ‪ /‬عبد القادر عودة ‪ -‬ج‪ 1‬ص‬ ‫‪ .66‬هذا‪ ،‬واجلرمية‪ ،‬وفقا ً لهذا التعريف‪ ،‬تكون مساوية لْلثم واخلطيئة‪ ،‬إن كان لهما عقوبة في الدنيا‪ ،‬أو كانت العقوبة واجلزاء في اآلخرة فقط‪،‬‬ ‫كالغيبة والنميمة‪ ،‬فجزاؤهما عند اهلل تعالى في اآلخرة‪ ،‬وليست لهما عقوبة في الدنيا‪ ،‬إال أن يترتب عليهما جرمية أخرى‪ ( .‬راجع ‪ :‬اجلناية على‬ ‫األشخاص وعقوبتها في الفقه اإلسالمي ‪ :‬د‪ /‬عبد احلكيم أحمد محمد عثمان ‪ -‬ص ‪ - 53‬الطبعة األولى عام ‪1422‬هـ‪2002/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬مكتبة‬ ‫األمانة باملنصورة ‪ -‬مصر )‪.‬‬ ‫(‪ )110‬انظر ‪ :‬د‪ /‬محمد عبد الفتاح البنهاوي ‪ :‬املرجع السابق ص ‪.15 -14‬‬ ‫(‪ )111‬التشريع اجلنائي اإلسالمي ‪ :‬الشيخ‪ /‬عبد القادر عودة ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪.79‬‬ ‫(‪ )112‬راجع ‪ :‬د‪ /‬محمد عبد الفتاح البنهاوي ‪ :‬املرجع السابق – ص ‪ ،15‬د‪ /‬محمد فهمي السرجاني ‪ :‬املرجع السابق ‪ -‬ص ‪ ،6‬املوسوعة الفقهية‬ ‫الكويتية ‪ :‬ج‪ 16‬ص ‪.59‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪29‬‬


‫الرأي األول ‪ :‬ذهب بعض احلنفية املالكية والشافعية إلي أن اجلرمية واجلناية لفظتان مترادفتان‪ ،‬وهما مبعني واحد‪،‬‬ ‫فما تدل عليه اجلرمية تدل عليه اجلناية والعكس صحيَ‪ ،‬ألنهما محظورات شرعية زجر الشارع عنها بحد أو‬ ‫تعزيز‪ ،‬فكل ما أوجب احلد أو أوجب القصاص‪ ،‬يُعد جرمية أو جناية‪ ،‬سواء كان علي النفس أو العقل أو النسل أو‬ ‫املال (‪ .)113‬وعليه‪ ،‬فإن ّه ال فرق بني اجلرمية واجلناية في املدلول عند هذا الفريق من الفقهاء‪ .‬جاء في تبصرة احلكام‬ ‫ال‪ ،‬وَ ْ‬ ‫قْل‪ ،‬وَ ْ‬ ‫ْس‪ ،‬وَ ْ‬ ‫ي‪ْ :‬‬ ‫اشر ُ فِي ْ‬ ‫اجل ِ َناي َ ُة عَ لَى‬ ‫اجل ِ َنايَا ِ‬ ‫صلُ ال َْع ِ‬ ‫اجل ِ َناي َ ُة عَ لَى النَّف ِ‬ ‫‪ ( :‬الْفَ ْ‬ ‫اجل ِ َناي َ ُة عَ لَى ال َْع ِ‬ ‫اجل ِ َناي َ ُة عَ لَى املْ َ ِ‬ ‫ت‪ ..‬وَ ِه َ‬ ‫اجل ِ َناي َ ُة عَ لَى ال ِْعر ْ ِض‪ ،‬و َ ِج َناي َ ُة ْ‬ ‫اﶈَُارَبِني َ‪ ،‬وَ ْ‬ ‫الن َّ َسبِ‪ ،‬وَ ْ‬ ‫ان ) (‪.)114‬‬ ‫اجل ِ َناي َ ُة فِي األْ َدْي َ ِ‬ ‫الرأي الثاني ‪ :‬ذهب جانب آخر من الفقهاء (‪ )115‬إلي التفريق بني اجلرمية واجلناية‪ ،‬فجعل كل ما يوجب احلد أو‬ ‫التعزيز جرمية‪ ،‬وما يوجب القصاص أو الدية جناية‪ ،‬أل ّن موجب احلد‪ ،‬وإن كان يجوز فيه الستر علي من ارتكبه‪ ،‬إال‬ ‫أَنَّه ال عفو فيه بعد رفعه للحاكم‪ ،‬بخالف موجب القصاص‪ ،‬فيدخله العفو والتنازل إ َّما مجانا أو مبقابل‪ .‬وال فرق‬ ‫في العفو بني أن يكون قد رُفع األمر للقاضي أو قبل رفعه إليه (‪.)116‬‬ ‫عم من اجلناية‪ ،‬ألنَّ اجلناية نوع من أنواع اجلرمية‪ ،‬يكون‬ ‫هذا‪ ،‬وإذا نظرنا إلى تعريف اجلرمية واجلناية‪ُ ،‬ند أن اجلرمية أ َ ّ‬ ‫محلها نفس اإلنسان أو بدنه‪ .‬أما اجلرمية‪ ،‬فهي كل فعل محرم وقع على النفس أو البدن أو املال أو العرض‪ ..‬أو‬ ‫غير ذلك من كل ما نهى الشارع عنه‪ ،‬وتوعد فاعله بالعقاب (‪ .)117‬وعلي أية حال‪ ،‬فإذا ما غضضنا النظر عما‬ ‫تعارف عليه الفقهاء من إطالق لفظ‪ ( :‬اجلناية ) علي بعض اجلرائم دون البعض اآلخر أمكننا القول بأنَّ ‪ :‬لفظ ‪( :‬‬ ‫اجلناية ) في االصطالح الفقهي‪ ،‬مرادف للفظ ‪ ( :‬اجلرمية ) (‪.)118‬‬ ‫رابعا ً ‪ :‬حقيقة اجلناية في االصطالح القانوني ‪:‬‬ ‫تتفق القوانني الوضعية احلديثة مع الشريعة اإلسالمية متام االتفاق في تعريفها للجرمية (‪ ،)119‬فهذه القوانني‬ ‫تُ َع ِرف اجلرمية بأنها ‪ :‬إما عمل يُحرمه القانون‪ ،‬أو امتناع عما يقضي به القانون‪ ،‬وال يُعتبر الفعل أو الترك جرمية‬ ‫في نظر القوانني الوضعية‪ ،‬إال إذا كان ُمعاقبا ً عليه طبقا ً للتشريع اجلنائي (‪.)120‬‬ ‫(‪ )113‬االختيار لتعليل اجملتار ‪ :‬املوصلي ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪ ،22‬بداية اﺠﻤﻟتهد ‪ :‬ابن رشد ‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪ ،177‬القوانني الفقهية ‪ :‬ابن جزي ‪ -‬ص ‪ ،226‬حاشية‬ ‫الباجوري ‪ :‬ج‪ 2‬ص ‪.199‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )114‬تبصرة احلكام في أصول األقضية ومنَّاهج األحكام ‪ِ :‬إبراهيم بن علي بن محمد‪ ،‬ابن فرحون ‪-‬ج‪ 2‬ص ‪ - 227‬الطبعة األولى عام‬ ‫‪1406‬هـ‪1986/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬مكتبة الكليات األَزهرية‪.‬‬ ‫(‪ )115‬روضة الطالبني ‪ :‬ج‪ 9‬ص ‪ ،122 - 121‬أسني املطالب ‪ :‬أبو يحيى السنيكي ‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪ ،2‬إعانة الطالبني على حل ألفاظ فتَ املعني ‪ :‬البكري‬ ‫ ج‪ 4‬ص ‪ ،124‬املغني ‪ :‬ابن قدامة ‪ -‬ج‪ 8‬ص ‪ ،259‬املبدع في شرح املقنع ‪ :‬ابن مفلَ ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪.190‬‬‫(‪ )116‬وباإلضافة إلي ذلك‪ ،‬فإن القصاص يثبت بإشارة األخرس وكتابته‪ ،‬واحلد ال يثبت بشيء من ذلك‪ .‬ومن ثم‪ ،‬كانت هذه التفرقة في التسمية‬ ‫مراعاة لهذه االعتبارات‪ .‬وعليه‪ ،‬فاجلرمية عندهم أعم من اجلناية‪.‬‬ ‫(‪ )117‬التشريع اجلنائي اإلسالمي ‪ :‬الشيخ‪ /‬عبد القادر عودة ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪ ،67‬د‪ /‬محمد عبد الفتاح البنهاوي ‪ :‬املرجع السابق ‪ -‬ص ‪ ،24‬املوسوعة‬ ‫الفقهية الكويتية ‪ :‬ج‪ 16‬ص ‪.59‬‬ ‫(‪ )118‬التشريع اجلنائي اإلسالمي ‪ :‬الشيخ‪ /‬عبد القادر عودة ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪.67‬‬ ‫(‪ )119‬أغفل املشرعان املصري واإلماراتي تعريف اجلرمية‪ ،‬وهذا املسلك ال يعتبر بدعا ً من جانبهما‪ ،‬فاألغلبية الساحقة من التشريعات املعاصرة‬ ‫تسلك هذا املسلك‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن هناك بعض التشريعات القليلة اهتمت بوضع تعريف للجرمية‪ ،‬ومنها ‪ :‬التشريع املكسيكي الصادر في عام‬ ‫‪1935‬م ( املادة السابعة )‪ ،‬والتشريع اإلسباني الصادر في عام ‪1928‬م ( املادة األولي )‪ ،‬والتشريع البولوني الصادر في عام ‪ (1932‬املادة األولي )‪،‬‬ ‫والتشريع اليوناني الصادر عام ‪1950‬م ( املادة الرابعة عشر )‪ ،‬والتشريع اﺠﻤﻟري الصادر في عام ‪1950‬م ( املادتان الثانية والثالثة )‪ ،‬والتشريع الروسي‬ ‫الصادر في عام ‪1960‬م ( املادة السابعة )‪ ،‬والتشريع الشيك وسلوفاكيا الصادر في عام ‪ (1961‬املادة الثالثة ) والتشريع الروماني الصادر في عام‬ ‫‪1968‬م ( املادة السابعة عشر )‪ ( .‬انظر ‪ :‬شرح قانون العقوبات ( القسم العام ) ‪ :‬د‪ /‬محمود محمود مصطفي – ص ‪ - 35‬الطبعة العاشرة عام‬ ‫‪1983‬م – الناشر ‪ :‬مطبعة جامعة القاهرة )‪.‬‬ ‫(‪ )120‬التشريع اجلنائي اإلسالمي ‪ :‬الشيخ‪ /‬عبد القادر عودة ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪ ،67‬شرح قانون العقوبات ( القسم العام ) النظرية العامة للجرمية‬ ‫والنظرية العامة للعقوبة والتدبير االحترازي ‪ :‬د‪ /‬محمود ُنيب حسني ‪ -‬فقرة ‪ - 44‬ص ‪ - 60‬الطبعة السابعة عام ‪2012‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار النهضة‬ ‫العربية ‪ -‬القاهرة‪ ،‬املوسوعة اجلنائية ‪ :‬جندي عبد امللك ‪ -‬ج‪ 3‬ص ‪ 3‬وما بعدها ‪ -‬الطبعة ‪ :‬بدون طبعة وسنة نشر ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار إحياء التراث‬ ‫العربي ‪ -‬بيروت‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫هذا‪ ،‬ويختلف معنى اجلناية االصطالحي في القوانني الوضعية عنه في الشريعة اإلسالمية‪ .‬فيعتبر الفعل في‬ ‫القانون جناية‪ ،‬إذا كان ُمعاقبا ً عليه باإلعدام‪ ،‬أو السجن املؤبد‪ ،‬أو السجن املشدد‪ ،‬أو السجن (‪ .)121‬وإذا كانت‬ ‫عقوبة الفعل حبسا ً‪ ،‬أو الدية‪ ،‬أو الغرامة التي تزيد على مائة جنيه‪ ،‬في القانون املصري‪ ،‬أو تزيد على ألف درهم‪،‬‬ ‫في القانون اإلماراتي‪ ،‬فالفعل جنحة (‪ .)122‬وإذا كانت عقوبة الفعل الغرامة التي ال تزيد على مائة جنيه‪ ،‬في‬ ‫القانون املصري‪ ،‬أو ألف درهم‪ ،‬في القانون اإلماراتي‪ ،‬فالفعل مخالفة (‪.)123‬‬ ‫أما في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فكل جرمية هي جناية‪ ،‬سواء عوقب عليها باحلبس والغرامة أم بأشد منهما‪ .‬وعلى‬ ‫ذلك‪ ،‬فاجملالفة القانونية تعتبر جناية في الشريعة‪ ،‬واجلنحة تعتبر جناية‪ ،‬واجلناية في القانون تعتبر جناية في‬ ‫الشريعة أيضا ً‪ .‬وأساس اخلالف بني الشريعة اإلسالمية والقانون هو أنَّ اجلناية في الشريعة تعني اجلرمية أيا ً كانت‬ ‫درجة الفعل من اجلسامة‪ ،‬أما اجلناية في القانون فتعني اجلرمية اجلسيمة دون غيرها (‪.)124‬‬ ‫هذا‪ ،‬وترتيبا ً على ما تقدم‪ ،‬فإ َّن مفهوم اجلناية في الشريعة اإلسالمية أوسع منه في القوانني والتشريعات‬ ‫الوضعية‪ ،‬نظرا ً لشمول مفهوم املعصية الذي ميتد إلي كل عمل آثم يغضب اهلل تعالى‪.‬‬ ‫الفرع الثاني‬ ‫أنواع اجلناية (‪)125‬‬ ‫اجلناية مبعناها العام الشامل لالعتداء على النفوس واألطراف واألموال تنقسم في الشريعة اإلسالمية إلي‬ ‫نوعني ‪ :‬اجلناية الواقعة على النفوس‪ ،‬واجلناية الواقعة على البهائم واجلمادات من عقار ومنقول (‪.)126‬‬ ‫(‪ )121‬هذا‪ ،‬ويُالحظ أنَّ العقوبات املقررة جلرائم اجلنايات في القانون اإلماراتي تختلف بعض الشيء عن العقوبات املقررة جلرائم اجلنايات في‬ ‫القانون املصري‪ .‬ففي قانون العقوبات املصري رقم (‪ )58‬لسنة ‪1973‬م وتعديالته‪ ،‬تنص املادة العاشرة منه على اآلتي ‪ ( :‬اجلنايات هي اجلرائم‬ ‫املعاقب عليها بالعقوبات اآلتية ‪ :‬اإلعدام‪ ،‬السجن املؤبد‪ ،‬السجن املشدد‪ ،‬السجن )‪ .‬بينما تنص املادة ‪ 28‬من قانون العقوبات االحتادي رقم (‪)3‬‬ ‫لسنة ‪ 1987‬م وتعديالته على أنه ‪ ( :‬اجلناية هي اجلرمية املعاقب عليها بإحدى العقوبات اآلتية ‪ )1( :‬أية عقوبة من عقوبات احلدود أو القصاص‬ ‫فيما عدى حدي الشرب والقذف‪ )2( .‬اإلعدام‪ )3( .‬السجن املؤبد‪ )4( .‬السجن املؤقت )‪.‬‬ ‫(‪ )122‬اجلنحة في قانون العقوبات املصري‪ ،‬هي اجلرمية املعاقب عليها بالعقوبات اآلتية ‪ :‬احلبس‪ ،‬الغرامة التي يزيد أقصى مقدار لها على مائة‬ ‫جنيه ( مادة ‪ .) 11‬بينما اجلنحة في قانون العقوبات االحتادي‪ ،‬فهي اجلرمية املعاقب عليها بعقوبة أو أكثر من العقوبات اآلتية ‪ )1( :‬احلبس‪)2( .‬‬ ‫الغرامة التي تزيد على ألف درهم‪ )3( .‬الدية‪ )4( .‬اجللد في حدي الشرب والقذف ( مادة ‪.) 29‬‬ ‫(‪ ) 123‬اجملالفة في قانون العقوبات املصري‪ ،‬هي اجلرمية املعاقب عليها بالغرامة التي ال يزيد أقصى مقدار لها على مائة جنيه ( مادة ‪ ،) 12‬بينما‬ ‫اجملالفة في قانون العقوبات االحتادي‪ ،‬فهي اجلرمية املعاقب عليها بالعقوبتني التاليتني أو بإحداهما ‪ )1( :‬احلجز مدة ال تقل عن أربع وعشرين‬ ‫ساعة‪ ،‬وال تزيد على عشرة أيام‪ ،‬ويكون احلجز بوضع اﶈكوم عليه في أماكن تخصص لذلك‪ )2( .‬الغرامة التي ال تزيد على ألف درهم‪ ( .‬مادة ‪30‬‬ ‫)‪.‬‬ ‫(‪ )124‬التشريع اجلنائي اإلسالمي ‪ :‬عبد القادر عودة ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪ ،68‬اجلنايات في الفقه اإلسالمي ‪ :‬د‪ /‬حسن علي الشاذلي ‪ -‬ص ‪ 27‬وما بعدها‪،‬‬ ‫الشبهات وأثرها في العقوبة اجلنائية ‪ :‬د‪ /‬منصور محمد منصور احلفناوي ‪ -‬ص ‪ 28‬وما بعدها‪ ،‬أحكام املتهم في الفقه اإلسالمي ‪ :‬نزار رجا‬ ‫سبتي صبرة ‪ -‬رسالة مقدمة استكماال ً ملتطلبات درجة املاجستير في الفقه والتشريع بكلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية ‪-‬‬ ‫نابلس ‪ -‬فلسطني ‪ -‬عام ‪2006‬م ‪ -‬ص ‪ ،22‬املسؤولية اجلنائية في الفقه اإلسالمي والقانون اجلنائي ( القانون اجلزائري منوذجا ً ) ‪ :‬أمينة زواوي ‪-‬‬ ‫رسالة مقدمة إلي كلية العلوم اإلسالمية ‪ -‬اخلروبة ‪ -‬جامعة اجلزائر ‪ -‬عام ‪1427 -1426‬هـ‪2006-2005/‬م ‪ -‬ص ‪.29‬‬ ‫َ‬ ‫األْ‬ ‫اب‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ذ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وب ِحف ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ول‪ ،‬وَاألْ َعْر َ ِ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )125‬قَالَ اب ْ ُن عَ ر َ َف َة ‪ ( :‬نَقَ لَ األْ ُ ُ‬ ‫ان‪ ،‬وَالنُّفُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫اض‪ ،‬وَاألْ َ ْ َ ِ َ َ‬ ‫صولِ ُّيو َن إ ْج َما َع املِْل َِل عَ لَى و ُ ُج ِ‬ ‫وس‪ ،‬وَال ُْعقُ ِ‬ ‫ْظ األْ َدْي َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ني‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫ال‬ ‫خ‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ْظ‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫َي‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫ير‬ ‫ب‬ ‫ك‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ح‬ ‫الص‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫عَ‬ ‫ٌ‬ ‫عُ‬ ‫عَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ال‪ ،‬و َ َال َش َّ‬ ‫ِ َ ْ َ َْ َ‬ ‫ُ ِ ْ َ َ ِ َُ ِ َ َِْ َ َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ َ َّ َ َ ِ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ‬ ‫ك أ َ َّن قَتْلَ املْ ُ ْ ِ ْ‬ ‫ب َ َدلَ األْ َ ْم َو ِ‬ ‫)‪ .‬انظر ‪ :‬منَ اجلليل ‪ :‬الشيخ‪ /‬عليش ‪ -‬ج‪ 9‬ص ‪. 3‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫األْ‬ ‫األْ‬ ‫األْ‬ ‫األْ‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫اض‬ ‫ْر‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ان‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫و‬ ‫وس‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ول‬ ‫وس‪ ،‬وَفِي الْقَ طْ ِع‬ ‫اص ِحف ُ‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫فُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ْظ النُّفُ ِ‬ ‫اب‪َ ،‬ف ِفي ال ِْق َ‬ ‫ْ‬ ‫وقال العدوي ‪ ( :‬و َ َهلْ احلْ ُ ُدودُ زَوَا ِجر ُ عَ ن ْ إت ْ َال ِف ال ُْعقُ ِ َ‬ ‫َ َ ِ َ‬ ‫َ َ ِ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫احلْ‬ ‫ُّ‬ ‫ول‪ ،‬وَفِي احلْ َدِّ لِلْقَ ذ ِْف ِحف ُ‬ ‫لس ِرق َ ِة ِحف ُ‬ ‫قُ‬ ‫ْع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ْظ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫لش‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ْظ‬ ‫اض‪ ،‬وَفِي الْقَ تْ ِل لِلرِّد َّ ِة ِحف ُ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ال‪ ،‬وَفِي احلْ َدِّ لِلزِّنَا ِحف ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ْظ األْ َعْر َ ِ‬ ‫َ‬ ‫لِ َّ‬ ‫ِْ ِ‬ ‫اب َ‬ ‫ْظ األْ َن ْ َس ِ‬ ‫ْظ األْ َ ْم َو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين )‪ .‬راجع ‪ :‬حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني ‪ :‬ج‪ 2‬ص ‪.288‬‬ ‫ال ِّد ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عَان‬ ‫ان ‪ِ :‬جنَاي َ ٌة عَ لَى الْ َب َهائِ ِم وَاجلْ َ َمادَا ِ‬ ‫ت‪ ،‬و َ ِجنَاي َ ٌة عَ لَى اآلْ دَ ِميِّ‪ .‬أ َّما اجلْ ِنَاي َ ُة عَ لَى الْ َب َهائِ ِم وَاجلْ َ َمادَا ِ‬ ‫(‪ )126‬قال الكاساني ‪ ( :‬اجلْ ِنَاي َ ُة فِي األْ ْ‬ ‫ت َفنَوْ ِ‬ ‫ص ِل نَوْعَ ِ‬ ‫ْس ُمطْ لَقً ا‪ ،‬و َ ِجنَاي َ ٌة عَ لَى‬ ‫أَي ْ ً‬ ‫ب و َ ِإت ْ َال ٌف‪ ..‬وَاجلْ ِنَاي َ ُة عَ لَى اآلْ َد ِميِّ فِي األْ َ ْ‬ ‫ْس ُمطْ لَقً ا‪ ،‬و َ ِجنَاي َ ٌة عَ لَى َما ُدو َن النَّف ِ‬ ‫ص ِل أَن ْ َوا ٌع ث َ​َالث َ ٌة ‪ِ :‬جنَاي َ ٌة عَ لَى النَّف ِ‬ ‫ضا ‪ :‬غ َ ْ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ْس ِمن ْ و َ ْجهٍ ُدو َن و َ ْجهٍ )‪ .‬راجع ‪ :‬بدائع الصنائع ‪ :‬ج‪ 7‬ص ‪ ،233‬بداية اﺠﻤﻟتهد ‪ :‬ابن رشد ‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪ ،177‬فتَ الوهاب بشرح منهج الطالب ‪:‬‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫َما ُ َ َ ٌ‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪31‬‬


‫أوال ً ‪ :‬اجلناية الواقعة على النفوس‬ ‫وتكون هذه اجلناية إما باالعتداء على النفس‪ ،‬وهي جناية القتل‪ ،‬أَو ْ باالعتداء على ما دون النفس وهي الضرب‬ ‫واجلرح‪ ،‬وإما أن تكون باالعتداء على ما هو نفس من وجه دون وجه‪ ،‬وهي اجلناية على اجلنني في بطن أمه‪ ،‬أو‬ ‫اإلجهاض في اصطالح القانونيني (‪.)127‬‬ ‫(‪ )1‬اجلناية على النفس اإلنسانية بالقتل ‪ :‬وقد اشتهر تعريف القتل في الشريعة ‪ -‬كما اشتهر في القانون ‪-‬‬ ‫آخر َ (‪.)129‬‬ ‫بأنه ‪ ( :‬فِ ْعلٌ ِمن ْ ال ِْع َبادِ تَزُولُ بِهِ احلياة) (‪ ،)128‬أي ‪ :‬أنّه َ‬ ‫وح آ َد ِمي ب ِ ِف ْع ِل آ َد ِمي َ‬ ‫إزهاقُ ر ُ ِ‬ ‫هذا‪ ،‬وقد حرمت الشريعة اإلسالمية االعتداء على النفس اإلنسانية كال وبعضا ً‪ ،‬سواء أكان االعتداء صادرًا من‬ ‫اء‬ ‫اإلنسان على نفسه‪ ،‬أم منه على غيره‪ ،‬بل وجعلت القتل من أكبر الكبائر‪ ،‬وأخطر اجلرائم‪ ،‬قال املواق ‪ ( :‬الدِّ َم ُ‬ ‫ين‪ ،‬وَالْقَ تْلُ كَ ِبيرَةٌ فَا ِح َ‬ ‫ش ٌة ُمو ِج َب ُة ال ُْعقُ وبَ ِة فِي ال ُّدن ْ َيا وَاآلْ ِخر َ ِة‪ ،‬وَ ُمو ِج َباتُ َها فِي ال ُّدن ْ َيا َخ ْم َس ٌة‬ ‫َخ ِ‬ ‫طيرَةُ الْقَ دْرِ فِي الدِّ ِ‬ ‫يم ُة ) (‪.)130‬‬ ‫صا ُ‬ ‫‪ :‬ال ِْق َ‬ ‫ص‪ ،‬وَالدِّي َ ُة‪ ،‬وَالْكَفَّارَةُ‪ ،‬وَالتَّ ْع ِزير ُ‪ ،‬وَال ِْق َ‬ ‫وقد أفاضت في حترمي القتل نصوص الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلجماع‪ ،‬واملعقول ‪:‬‬ ‫حيما ً ‪ .)131( ‬وقال تعالى ‪  :‬و َ َال ت َ ْق ُتلُوا‬ ‫ُم إِنَّ َّ َ‬ ‫ُم ر َ ِ‬ ‫ فمن الكتاب‪ ،‬قال تعالى ‪  :‬و َ َال ت َ ْق ُتلُوا أَن ْفُ َسك ْ‬‫اهلل كَا َن بِك ْ‬ ‫صورًا‬ ‫ْس الَّتِي َحر َّ َم َّ ُ‬ ‫اهلل ِإالَّ بِاحلْ َق ِّ و َ َمن ْ قُتِلَ َمظْ لُو ًما فَقَ دْ َج َعلْ َنا ل ِ َول ِ ِّيهِ ُسل َْطانًا ف َ​َال ي ُ ْ‬ ‫س ِر ْف فِي الْقَ تْ ِل ِإن َّ ُه كَا َن َمن ْ ُ‬ ‫النَّف َ‬ ‫ْس الَّتِي َحر َّ َم‬ ‫‪ .)132( ‬وقال تعالى‪ ،‬في وصفه لعباد الرحمن ‪  :‬وَال َّ ِذي َن َال يَدْعُ و َن َم َع َّ ِ‬ ‫اهلل ِإل ًَها آ َ َخر َ و َ َال ي َ ْق ُتلُو َن النَّف َ‬ ‫ك يَلْق َ أَث َا ًما ‪.)133( ‬‬ ‫َّ ُ‬ ‫اهلل ِإالَّ بِاحلْ َق ِّ و َ َال يَزْنُو َن و َ َمن ْ يَف َْعلْ ذَل ِ َ‬ ‫س ِل ٍم‪ ،‬ي َ ْ‬ ‫اهلل‪،‬‬ ‫ش َه ُد أ َ ْن ال َ إِلَ َه ِإالَّ َّ ُ‬ ‫اهلل وَأَنِّي ر َ ُسولُ َّ ِ‬ ‫ ومن السنة‪ ،‬قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪  :‬ال َ ي َ ِ‬‫حلُّ دَ ُم ا ْم ِر ٍئ ُم ْ‬ ‫ك لِل َْج َماعَ ةِ ‪ .)134( ‬وقوله صلى اهلل عليه‬ ‫ين التَّار ِ ُ‬ ‫ْس بِالنَّف ِ‬ ‫ِإالَّ بِإ ِ ْح َدى ثَال ٍَث ‪ :‬النَّف ُ‬ ‫ْس‪ ،‬وَالث َِّّي ُب الزَّانِي‪ ،‬وَاملَارِقُ ِم َن الدِّ ِ‬ ‫أبو يحيى السنيكي ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ ،154‬املوسوعة الفقهية الكويتية ‪ :‬ج‪ 16‬ص ‪ ،60‬الفقه اإلسالمي وأدلته ‪ :‬د‪ /‬وهبة الزحيلي ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪- 5612‬‬ ‫الطبعة الرابعة عام ‪1405‬هـ‪1985/‬م – الناشر ‪ :‬دار الفكر – سورية – دمشق‪ ،‬الشيخ‪ /‬عبد القادر عودة ‪ :‬املرجع السابق ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪.5‬‬ ‫(‪ )127‬وسميت كذلك‪ ،‬ألنَّ اجلنني يُعد جزءا ً من أمه‪ ،‬غير مستقل عنها في الواقع‪ ،‬حيث يتحرك بحركتها‪ ،‬ويستقر بقرارها‪ ،‬فليس نفسا ً‪ .‬ومن‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬يُعد نفسا ً مستقلة عن أمه بالنظر للمستقبل‪ ،‬أل َّن له حياة خاصة‪ ،‬وهو يتهيأ ألن ينفصل عنها بعد حني‪ ،‬ويُصبَ ذا وجود‬ ‫مستقل‪ ،‬وتثبت له بعض احلقوق‪ : ( .‬انظر ‪ :‬بدائع الصنائع ‪ :‬الكاساني ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ ،325‬حكم اجلناية على اجلنني (اإلجهاض) دراسة فقهية مقارنة‬ ‫‪ :‬د‪ /‬عبد اهلل بن عبد العزيز العجالن ‪ -‬بحث منشور مبجلة البحوث اإلسالمية ‪ -‬مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة إلدارات البحوث العلمية‬ ‫واإلفتاء والدعوة واإلرشاد ‪ -‬العدد الثالث والستون من ربيع األول إلي جمادى الثانية عام ‪1422‬هـ‪2002/‬م ‪ -‬ص ‪ ،241‬اجلناية على اجلنني وعقوبتها‬ ‫دراسة فقهية مقارنة ‪ :‬د‪ /‬سيف رجب قزامل ‪ -‬ص ‪ - 19‬الطبعة األولى عام ‪1433‬هـ‪2012/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬مكتبة الوفاء القانونية ‪ -‬مصر‪ ،‬الفقه‬ ‫اإلسالمي وأدلته ‪ :‬د‪ /‬وهبة الزحيلي ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ ،5612‬الشيخ‪ /‬عبد القادر عودة ‪ :‬املرجع السابق ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪.)5‬‬ ‫(‪ )128‬البحر الرائق ‪ :‬ابن ُنيم ‪ -‬ج‪ 8‬ص ‪ ،326‬فتَ القدير ‪ :‬كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي‪ ،‬املعروف بابن الهمام ‪ -‬ج‪ 10‬ص ‪– 203‬‬ ‫بدون طبعة وبدون تاريخ – الناشر ‪ :‬دار الفكر‪ ،‬العناية شرح الهداية ‪ :‬البابرتي ‪ -‬ج‪ 10‬ص ‪ ،203‬الفتاوى الهندية ‪ :‬جلنة علماء برئاسة نظام الدين‬ ‫البلخي ‪ -‬ج‪ 6‬ص ‪ - 2‬الطبعة الثانية عام ‪1310‬هـ ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار الفكر‪.‬‬ ‫(‪ )129‬التشريع اجلنائي اإلسالمي ‪ :‬الشيخ‪ /‬عبد القادر عودة ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ .6‬هذا‪ ،‬ويالحظ على هذا التعريف املذكور للقتل أنّه غير جامع‪ ،‬ألنَّه قصر‬ ‫القتل على كونه ( فعل ) أو ( بفعل ) فقط‪ ،‬علما ً بأ َّن القتل قد يحدث بالترك أيضا ً وبغيره‪ ،‬والترك هو إسقاط ما ثبت شرعا ً‪ .‬ومثاله ‪ :‬أن تترك‬ ‫سمى قتالً‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪( :‬يَا أَي ُّ َها ال َّ ِذي َن‬ ‫األم وليدها دون رضاعة حتى ميوت‪ ،‬فهذا قتل‪ .‬وفضال ً عن ذلك‪ ،‬فإ ّن القتل قد يحدث لغير اآلدمي‪ ،‬وي ُ ّ‬ ‫َجز َ ٌاء ِمث ْلُ َما ق َ َتلَ ِم َن الن َّ َع ِم ) ( سورة املائدة جزء من اآلية رقم ‪ .) 95 :‬وقد يحدث‬ ‫ُم ُمتَ َع ِّمدًا ف َ‬ ‫آ َ َمنُوا َال ت َ ْق ُتلُوا َّ‬ ‫الص ْي َد وَأَن ْ ُت ْ‬ ‫م ُحر ُ ٌم و َ َمنْ ق َ َت َل ُه ِمنْك ْ‬ ‫القتل من غير اآلدمي‪ ،‬كما لو صال حيوان على إنسان فقتله‪ .‬وعليه‪ ،‬يري أحد الباحثني‪ ،‬بحق‪ ،‬أن القتل هو ‪ :‬إزهاق روح آدمي أو غيره بفعل أو‬ ‫غيره من آدمي أو غيره‪ ( .‬راجع ‪ :‬الشرح الكبير ‪ :‬للرافعي ‪ -‬ص ‪ ،74‬د‪ /‬عبد احلكيم أحمد عثمان ‪ :‬املرجع السابق ‪ -‬ص ‪.) 85‬‬ ‫(‪ )130‬التاج واإلكليل ‪ :‬للمواق ‪ -‬ج‪ 8‬ص ‪.289‬‬ ‫(‪ )131‬سورة النساء جزء من اآلية رقم ‪.29 :‬‬ ‫(‪ )132‬سورة اإلسراء اآلية رقم ‪.33 :‬‬ ‫(‪ )133‬سورة الفرقان اآلية رقم ‪.68 :‬‬ ‫وح‬ ‫اب الدِّيَا ِ‬ ‫اب قَوْ ِل َّ ِ‬ ‫ني وَاألَن ْ َف بِاألَن ْ ِ‬ ‫ْس بِالنَّف ِْس و َ َ‬ ‫الع ْني َ ب ِ َ‬ ‫السن َّ ب ِ ِّ‬ ‫ف وَاألُذُ َن بِاألُذُ ِن و َ ِّ‬ ‫السنِّ وَاجلُر ُ َ‬ ‫ت ‪ -‬بَ ُ‬ ‫(‪ )134‬صحيَ البخاري ‪ِ :‬ك َت ُ‬ ‫اهلل ت َ َعالَى ‪ { :‬أَنَّ النَّف َ‬ ‫الع ْ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ك ُه ُم الظَّ ِاملُو َن } [ املائدة ‪ - ]45 :‬ج‪ 9‬ص ‪ - 5‬حديث رقم ‪ ،6878 :‬املسند‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫َم‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫َّار‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫صدَّقَ بِهِ ف َُه َو‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُم ِمبَا أَنْزَلَ ُ‬ ‫اهلل َفأُو َل ِئ َ‬ ‫ْ‬ ‫ص ف َ​َمن ْ ت َ َ‬ ‫صا ٌ‬ ‫ِق َ‬ ‫َ ُ َ​َ ْ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫الصحيَ اجملتصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم املشهور بصحيَ مسلم ‪ :‬مسلم بن احلجاج أبو احلسن‬ ‫‪32‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫اهلل وَ َما ُهن َّ ؟ قَالَ ‪ِّ  :‬‬ ‫ْس‬ ‫الشر ْ ُ‬ ‫السبْ َع املُوبِقَ ا ِ‬ ‫ك ب ِ َّ ِ‬ ‫ت ‪ ،‬قَالُوا ‪ :‬يَا ر َ ُسولَ َّ ِ‬ ‫الس ْ‬ ‫اهلل‪ ،‬و َ ِّ‬ ‫حر ُ‪ ،‬وَقَتْلُ النَّف ِ‬ ‫وسلم ‪  :‬ا ْج َت ِن ُبوا َّ‬ ‫ال ال ُّدن ْ َيا ‪‬‬ ‫اهلل ِإالَّ بِاحلَق ِّ‪ .)135( ..‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪  :‬قَتْلُ املُْؤ ْ ِم ِن أَع َ‬ ‫الَّتِي َحر َّ َم َّ ُ‬ ‫م ِعن ْ َد َّ ِ‬ ‫ْظ ُ‬ ‫اهلل ِمن ْ زَو َ ِ‬ ‫ب دَ ًما َحرَاما ً ‪.)137( ‬‬ ‫َم ي ُ ِ‬ ‫ُس َ‬ ‫(‪ .)136‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪َ ( :‬ال يَزَالُ املُْؤ ْ ِم ُن فِي ف ْ‬ ‫ص ْ‬ ‫ح ٍة ِمن دِي ِنهِ َما ل ْ‬ ‫ وأما اإلجماع‪ ،‬فقد أجمعت األمة اإلسالمية منذ الصدر األول إلى يومنا هذا على حترمي القتل وسفك الدماء ـ‬‫خ َال َف بَ ْني َ األْ ُ َّم ِة فِي َحت ْ ِرميِهِ‪ ،‬فَإ ِ ْن ف َ​َع َل ُه إن ْ َسا ٌن‬ ‫ولم يعلم مخالف في ذلك فكان إجماعا ً‪ .‬قال ابن قدامة ‪ ( :‬وَ َال ِ‬ ‫اء غَفَ ر َ َل ُه‪ ،‬وَتَوْبَ ُت ُه َمقْ ُبو َل ٌة فِي قَوْ ِل أَكْثَ ِر أ َ ْه ِل ال ِْعل ِْم‪ .‬وَقَالَ اب ْ ُن‬ ‫َسق َ‪ ،‬وَأ َ ْمرُهُ إلَى َّ ِ‬ ‫ُم َت َع ِّمدا ً‪ ،‬ف َ‬ ‫اء عَ ذَّبَ ُه‪ ،‬وَ ِإ ْن َش َ‬ ‫اهلل‪ ،‬إ ْن َش َ‬ ‫اس ‪ :‬إ َّن تَوْبَ َت ُه َال تُقْ َبلُ ) (‪.)138‬‬ ‫عَ بَّ ٍ‬ ‫ وأما املعقول‪ ،‬فقد َحر َّ َم اهلل اجلناية صيانة عن الهالك‪ ،‬ألنَّه فعل ُم َحرَّم حظره الشارع ومنع منه‪ ،‬ملا فيه من‬‫ضرر واقع على الدين‪ ،‬أو النفس‪ ،‬أو العقل‪ ،‬أو العرض‪ ،‬أو املال‪ ،‬وهذه هي مقاصد الشريعة التي تؤكد دوما ً على‬ ‫حفظها‪ ،‬فاقتضت الضرورة حترميها‪ ،‬واجلنايات أوكد الضروريات التي يجب ُمراعاتها (‪.)139‬‬ ‫هذا‪ ،‬واختلف العلماء ‪ -‬رحمهم اهلل تعالى ‪ -‬في أنواع اجلناية على النفس‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫ام ِة و َ ْ‬ ‫س ِل ِم ‪ -‬ج‪ 3‬ص ‪ - 1302‬حديث رقم ‪ – 1676 :‬اﶈقق ‪:‬‬ ‫اص وَالدِّيَا ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫اح بِهِ َد ُم املْ ُ ْ‬ ‫اﶈَُارِبِني َ وَال ِْق َ‬ ‫اب َما ي ُ َب ُ‬ ‫القشيري النيسابوري ‪ِ -‬ك َت ُ‬ ‫ت ‪ -‬بَ ُ‬ ‫اب الْقَ َس َ‬ ‫محمد فؤاد عبد الباقي الناشر ‪ :‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‪.‬‬ ‫صلَوْ َن‬ ‫اب قَوْ ِل َّ ِ‬ ‫الو َ‬ ‫م نَارًا و َ َس َي ْ‬ ‫صايَا ‪ -‬ب َ ُ‬ ‫(‪ )135‬صحيَ البخاري ‪ِ :‬ك َت ُ‬ ‫الي َتا َمى ُظل ًْما‪ِ ،‬إ َّمنَا يَأْكُلُو َن فِي ب ُ ُطون ِ ِه ْ‬ ‫اب َ‬ ‫اهلل ت َ َعالَى ‪ِ { :‬إنَّ ال َّ ِذي َن يَأْكُلُو َن أ َ ْم َوالَ َ‬ ‫اإلْ‬ ‫ان الْكَ َبائِ ِر وَأَك ْ َب ِر َها ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪ - 92‬حديث رقم ‪:‬‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫مي‬ ‫‪2766‬‬ ‫‪:‬‬ ‫رقم‬ ‫حديث‬ ‫‬‫‪10‬‬ ‫ص‬ ‫َس ِعيرًا } [ النساء‪ - ]10 :‬ج‪4‬‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫اب‬ ‫ب‬ ‫‬‫اب‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫‪:‬‬ ‫مسلم‬ ‫صحيَ‬ ‫‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ َ َ‬ ‫ُ َ ِ‬ ‫‪.)89( 145‬‬ ‫يم الد َّ ِم ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ - 82‬حديث رقم ‪.3988 :‬‬ ‫(‪ )136‬سنن النسائي ‪ِ :‬ك َت ُ‬ ‫اب َحت ْ ِر ِمي الد َّ ِم ‪ -‬ت َ ْع ِظ ُ‬ ‫‬‫اص‬ ‫ص‬ ‫ْق‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫اب‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫‬‫البغوي‬ ‫الفراء‬ ‫بن‬ ‫مسعود‬ ‫بن‬ ‫احلسني‬ ‫محمد‬ ‫(‪ )137‬شرح السنة ‪ :‬أبو‬ ‫اب َحت ْ ِر ِمي الْقَ تْ ِل ‪ -‬ج‪ 10‬ص ‪ - 149‬حديث رقم ‪– 2520 :‬‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫حتقيق ‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬محمد زهير الشاويش – الطبعة الثانية عام ‪1403‬هـ‪1983/‬م – الناشر ‪ :‬املكتب اإلسالمي – دمشق – بيروت‪ .‬وقال عنه‬ ‫اص‪ ،‬عَ ن ْ أَبِيهِ‪ ،‬فيض القدير شرح اجلامع الصغير‬ ‫‪َ :‬هذ َا َح ِد ٌ‬ ‫ي‪ ،‬عَ نْ إِ ْس َحاقَ ب ْ ِن َس ِعي ِد ب ْ ِن ع َْم ِرو ب ْ ِن َس ِعي ِد ب ْ ِن ال َْع ِ‬ ‫يث َ‬ ‫ص ِح ٌ‬ ‫يَ أ َ ْخر َ َجهُ ُم َح َّمدٌ عَ نْ عَ ِل م‬ ‫‪ :‬زين الدين محمد املدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفني بن علي بن زين العابدين احلدادي ثم املناوي ‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪ - 506‬حديث رقم ‪ - 7810 :‬حرف‬ ‫القاف – الطبعة األولى عام ‪1356‬هـ ‪ -‬الناشر ‪ :‬املكتبة التجارية الكبرى – مصر‪.‬‬ ‫(‪ )138‬املغني ‪ :‬ابن قدامة ‪ -‬ج‪ 8‬ص ‪.259‬‬ ‫(‪ )139‬اجلنايات وموجبها في الفقه اإلسالمي دراسة فقهية مقارنة ‪ :‬د‪ /‬بديعة علي أحمد الطماالوي ‪ -‬ص ‪ - 6‬الطبعة األولى عام ‪1426‬هـ‪2007/‬م‬ ‫ الناشر ‪ :‬دار الوفاء لدنيا للنشر والتوزيع ‪ -‬اإلسكندرية ‪ -‬مصر‪ ،‬كفالة اللقيط وأثرها في الوقاية من اجلرمية دراسة تأصيلية ‪ :‬علي بن محمد‬‫آل كليب ‪ -‬ص ‪.57‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪33‬‬


‫ َفذ َ​َه َب أَكْثَر ُ أ َ ْهل ال ِْعل ِْم ِإلَى أ َ َّن ْ‬‫ص ِد وَعَ َد ِمهِ ِإلَى ‪ :‬عَ ْم ٍد (‪ ،)140‬و َ ِشبْهِ عَ ْم ٍد‬ ‫ْس تَنْقَ ِ‬ ‫س ُم ب ِ َ‬ ‫اجل ِ َناي َ َة عَ لَى النَّف ِ‬ ‫ح َسبِ الْقَ ْ‬ ‫‪142‬‬ ‫‪141‬‬ ‫ي (‪.)143‬‬ ‫يم ِعنْ َد ُه ْ‬ ‫( )‪ ،‬وَ َخ َطأٍ ( )‪ ،‬فَالتَّقْ ِس ُ‬ ‫م ثُالَث ِ ٌّ‬ ‫ وذهب املالكية‪ ،‬في املعتمد عندهم‪ ،‬والظاهرية‪ ،‬والليث بن سعد‪ ،‬إلى تقسيم اجلناية على النفس إلي قسمني‪،‬‬‫وهما ‪ :‬العمد‪ ،‬واخلطأ‪ ،‬ونفوا شبه العمد‪ ،‬ألنَّ اهلل تعالى ذكر اخلطأ والعمد‪ ،‬ولم يذكر غيرهما‪ .‬فالتقسيم‬ ‫ك ِشبْ َه ال َْع ْم ِد فِي‬ ‫ح ُنو ٌن ‪ :‬قُلْت ِالب ْ ِن الْقَ ِ‬ ‫اس ِم ‪َ :‬هلْ كَا َن ي َ ْع ِر ُف َمالِ ٌ‬ ‫عندهم ثنائي (‪ .)144‬جاء في املدونة ‪ ( :‬قَالَ َس ْ‬ ‫ْ‬ ‫ك ‪ِ :‬شبْ ُه ال َْع ْم ِد بَاطِلٌ ‪ ،‬وَ ِإ َّمنَا ُه َو عَ ْمدٌ أَو ْ َخ َطأ ٌ‪ ،‬وَ َال أ َ ْع ِر ُف ِشبْ َه ال َْع ْم ِد )‬ ‫احا ِ‬ ‫ْس ؟ قَالَ ‪ :‬قَالَ َمالِ ٌ‬ ‫اجلِر َ َ‬ ‫ت‪ ،‬أَو ْ فِي قَتْ ِل النَّف ِ‬ ‫(‪.)145‬‬ ‫كيَّ ُة و َ َّ‬ ‫وس َف و َ ُم َح َّمدٌ ِم َن احلْ َ َن ِفيَّ ِة‪ِ ،‬إلَى أَنَّ الْقَ تْل ال َْع ْمدَ‪،‬‬ ‫اء فِي ت َ ْع ِر ِ‬ ‫الشافِ ِعيَّ ُة وَاحلْ َ َناب ِ َلةُ‪ ،‬وَأَب ُو ي ُ ُ‬ ‫ب املَْالِ ِ‬ ‫يف الْقَ تْل ال َْع ْم ِد‪َ ،‬فذ َ​َه َ‬ ‫(‪ )140‬ا ْخ َتل َ​َف الْفُ قَ َه ُ‬ ‫جر َ ُح‪ ،‬وَغَ ْير ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اﶈَُدَّدِ‪ُ ،‬ه َو ‪َ :‬ما‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫مم‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫َا‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ِّني‬ ‫ك‬ ‫الس‬ ‫و‬ ‫اﶈ‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫الس‬ ‫ك‬ ‫‪،‬‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ع‬ ‫ْط‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫‪:‬‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫‪،‬‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫الضر ْ ُب ِمب ُ َحدَّدٍ أَو ْ َ ْ ِ ُ َ َّ ٍ َ َ َّ ُ ُ َ َ َ َ ُ َ َ ْ ُ ِ‬ ‫ُه َو ‪َّ :‬‬ ‫ِ َ ْ ِ ِ َ ِ َّ ُ َ ِّ ُ َ َ ْ‬ ‫َ َ ِ َ َّ ْ ِ َ ِّ‬ ‫َ‬ ‫ج ٍر كَ ِبي ٍر‪ ،‬أو ْ َخ َ‬ ‫ي‪ ،‬وَالز ُّ ْه ِر ُّي‪ ،‬وَاب ْ ُن ِ‬ ‫وق بِهِ ِعن ْ َد ْ‬ ‫ش َب ٍة كَ ِبير َ ٍة‪ .‬وَبِهِ قَال الن َّ َ‬ ‫استِ ْع َمالِهِ‪ ،‬كَ َح َ‬ ‫ي َ ْغ ِل ُب عَ لَى الظَّ نِّ ُح ُ‬ ‫سي ِري َن و َ َح َّمادٌ‪ ،‬وَعَ ْمرُو بْنُ‬ ‫صول الز َّ ُه ِ‬ ‫خ ِع ُّ‬ ‫ضر ْ َب املْ َ ْق ُتول فِي أَيِّ َموْ ِض ٍع ِمنْ َج َس ِد ِه بِآ َل ٍة تُفَ رِّقُ األ َ ْجز َ َاء‪،‬‬ ‫دِينَارٍ‪ ،‬وَاب ْ ُن أ َبِي ل َْيلَى‪ ،‬و َ ِإ ْس َحاقُ ‪ .‬وَذَ َه َب أَبُو َح ِنيفَ ةَ‪ِ ،‬إلَى أَنَّ الْقَ تْل ال َْع ْم َد‪ُ ،‬ه َو ‪ :‬أ َ ْن يَتَ َع َّم َد َ‬ ‫اشرَةُ اآلْلَ ِة‬ ‫ص ُد‪ ،‬وَال َ يُوق َ ُف عَ ل َْيهِ ِإال َّ ب ِ َدلِي ِلهِ‪ ،‬و َ ُه َو ُم َب َ‬ ‫ف‪ ،‬وَالل َ‬ ‫الس ْي ِ‬ ‫كَ َّ‬ ‫ب ؛ ألَن َّ ُه الْقَ ْ‬ ‫ي ِفلْقَ ُة الْقَ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ب ‪ -‬وَاملَْر ْو َ ِة وَالنَّارِ ؛ أل َ َّن ال َْع ْم َد ِف ْعل الْقَ لْ ِ‬ ‫ِّيط ِة ‪ -‬و َ ِه َ‬ ‫س الْقَ تْل بِهِ عَ ْمدًا ِعن ْ َدهُ‪ ( .‬راجع ‪ :‬االختيار لتعليل اجملتار ‪ :‬املوصلي ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪ ،23‬كنز الدقائق ‪ :‬أبو‬ ‫املُْو ِج َب ِة لِلْقَ تْل عَادَةً‪ .‬و َ َهذ َا ب ِ ِ‬ ‫خال َِف املُْثْقَّل َفلَيْ َ‬ ‫البركات عبد اهلل بن أحمد بن محمود حافظ الدين النسفي ‪ -‬ص ‪ - 633‬اﶈقق ‪ :‬د‪ /‬سائد بكداش ‪ -‬الطبعة األولى عام ‪1432‬هـ‪2011/‬م ‪ -‬الناشر‬ ‫‪ :‬دار البشائر اإلسالمية ‪ -‬دار السراج تبيني احلقائق ‪ :‬الزيلعي ‪ -‬ج‪ 6‬ص ‪ ،97‬فتَ القدير ‪ :‬ابن الهمام ‪ -‬ج‪ 10‬ص ‪ ،205‬املبسوط ‪ :‬السرخسي ‪ -‬ج‪30‬‬ ‫ص ‪ ،47‬التاج واإلكليل ‪ :‬للمواق ‪ -‬ج‪ 8‬ص ‪ ،304‬شرح ميارة ‪ :‬أبو عبد اهلل محمد الفاسي ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ ،269‬شرح حدود ابن عرفة ‪ :‬للرصاع ‪ -‬ص ‪،473‬‬ ‫احلاوي الكبير في فقه مذهب اإلمام الشافعي ‪ :‬أبو احلسن علي بن محمد بن حبيب املاوردي ‪ -‬ج‪ 12‬ص ‪ – 34‬اﶈقق ‪ :‬الشيخ‪ /‬علي محمد معوض‪،‬‬ ‫والشيخ‪ /‬عادل أحمد عبد املوجود – الطبعة األولى عام ‪1419‬هـ‪1999/‬م – الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان‪ ،‬اإلقناع في حل ألفاظ‬ ‫أبي شجاع ‪ :‬اخلطيب الشربيني ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ ،494‬املغني ‪ :‬ابن قدامة ‪ -‬ج‪ 8‬ص ‪ ،260‬املوسوعة الفقهية الكويتية ‪ :‬ج‪ 16‬ص ‪ ،60‬الفقه اإلسالمي‬ ‫وأدلته ‪ :‬د‪ /‬وهبة الزحيلي ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ 5617‬وما بعدها‪ ،‬اجلنايات في الفقه اإلسالمي دراسة مقارنة ‪ :‬د‪ /‬حسن الشاذلي ‪ -‬ص ‪ 54‬وما بعدها )‪.‬‬ ‫ْصدَ الْ ِف ْعل و َ َّ‬ ‫(‪ )141‬ذَ َه َب َّ‬ ‫ص‪ِ ،‬مبَا ال َ ي َ ْق ُتل غَالِبًا‬ ‫وس َف و َ ُم َح َّمدٌ ِم َن احلْ َنَ ِفيَّ ِة‪ِ ،‬إلَى أَنَّ ِشبْهَ ال َْع ْم ِد‪ُ ،‬ه َو ‪ :‬أ َ ْن يَق ِ‬ ‫الشافِ ِعيَّةُ‪ ،‬وَاحلْ َنَاب ِ َلةُ‪ ،‬وَأَبُو ي ُ ُ‬ ‫الش ْ‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫أل‬ ‫؛‬ ‫ال‬ ‫ْع‬ ‫ف‬ ‫أل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫اص‬ ‫ق‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ْع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ى‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫أل‬ ‫َا‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫َى‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ؤ‬ ‫َي‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ير‬ ‫غ‬ ‫الص‬ ‫ا‬ ‫ص‬ ‫ْع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ط‬ ‫و‬ ‫عَ‬ ‫ْ‬ ‫ْص ُد بِهِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ​ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫كَ َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ ِ َ ِ ُ ِّ ِ َ ْ ِ َ َ‬ ‫َ ْ ِ َّ ِ َ ِ ٌ ِ ِ‬ ‫الضر ْ ِب ب ِ َّ‬ ‫َّ َ ْ َ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫الس ْ ِ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫صا‪ ،‬وَال َْي ِد‪ .‬وَأ َّما‬ ‫ح ِو ِه‪َ ،‬فكَا َن ِشبْ َه ال َْع ْم ِد‪ .‬وَقَال أبُو َح ِنيفَ َة ‪ِ :‬شبْهُ ال َْع ْم ِد أ ْن يَتَ َع َّم َد َّ‬ ‫غَيْر ُ الْقَ تْل‪ ،‬كَالتَّأدِيبِ وَن َ ْ‬ ‫الضر ْ َب ِمبَا ال َ يُفَ رِّقُ األ ْجز َ َاء‪ ،‬كَاحلْ َ َج ِر‪ ،‬و َال َْع َ‬ ‫ْصدَ الْقَ تْل‪ ،‬فَا ْمل َ ْ‬ ‫ش ُهور ُ أَنَّهُ كَال َْع ْم ِد‪ ،‬و َ ِقيل‬ ‫الضر ْ َب وَال َ يَق ِ‬ ‫كيَّةُ‪َ ،‬فال َ يَقُ ولُو َن ب ِ ِشبْهِ ال َْع ْم ِد فِي قَوْ ٍل‪ ،‬وَعَ لَى الْقَ وْل اآل ْ َخ ِر ِشبْهُ ال َْع ْم ِد ‪ُ :‬ه َو أَنْ يَق ِ‬ ‫ْصدَ َّ‬ ‫املَْالِ ِ‬ ‫‪ :‬كَ ْ‬ ‫ث ‪ :‬و َ ُه َو أَن َّ ُه ت ُ َغل َُّظ فِيهِ الدِّيَةُ‪ .‬و َ ُمو ِج ُب ُه اإلِث ُْم‪ ،‬وَالْكَفَّارَةُ‪ ،‬وَدِي َ ٌة ُم َغل َ​َّظ ٌة عَ لَى ال َْعا ِق َل ِة فِي قَوْل ُج ْم ُهورِ الْفُ قَ َها ِء‪ ( .‬انظر ‪:‬‬ ‫اخل َ​َطأِ‪ ،‬و َ ُه َنا َ‬ ‫ك قَوْلٌ ث َال ِ ٌ‬ ‫كفاية األخيار في حل غاية االختصار ‪ :‬احلسيني احلصني ‪ -‬ص ‪ ،451‬حاشيتا قليوبي وعميرة ‪ :‬أحمد سالمة القليوبي‪ ،‬وأحمد البرلسي عميرة‬ ‫ ج‪ 4‬ص ‪ – 97‬الطبعة ‪ :‬بدون – الناشر ‪ :‬دار الفكر – بيروت – عام ‪1415‬هـ‪1995/‬م‪ ،‬املغني ‪ :‬ابن قدامة ‪ -‬ج‪ 8‬ص ‪ ،271‬املوسوعة الفقهية الكويتية‬‫‪ :‬ج‪ 16‬ص ‪.) 61‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ْص‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫‪:‬‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫و‬ ‫ني‬ ‫ب‬ ‫لضر ْ َب وَال َ‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫ص‬ ‫خ‬ ‫الش‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫‪:‬‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫‪،‬‬ ‫أ‬ ‫َط‬ ‫اخل‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ْقَ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫قَ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ْ‬ ‫ْفُ‬ ‫َ ِ ِ َّ ْ‬ ‫ْ ِ ْ ُ َ َ ْ ِ َ ِ ِ َ ْ ُ َ ْ َ ِ َ َّ‬ ‫َ ُ َ َ َ​َ​َ ُ َ َ ْ ِ ِ ْ َ‬ ‫(‪ )142‬ال َ ِخال َ​َف َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ان ف َ​َي ْق ُت َل ُه‪ .‬و َ ُمو ِج ُبهُ الدِّي َ ُة عَ لَى ال َْعا ِق َل ِة وَالْكَفَّارَةُ‪ ( .‬راجع ‪:‬‬ ‫ص ْيدًا أو ْ َه َدفًا ف َُي ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ص َ‬ ‫يب ِإن ْ َسانًا‪ ،‬أو ْ يَنْقَ ِل َب النَّائِ ُم عَ لَى ِإن ْ َس ٍ‬ ‫الْقَ تْل‪ِ ،‬مث ْل ‪ :‬أ َ ْن يَر ْ ِم َ‬ ‫املبسوط ‪ :‬السرخسي ‪ -‬ج‪ 27‬ص ‪ ،85‬حتفة الفقهاء ‪ :‬للسمرقندي ‪ -‬ج‪ 3‬ص ‪ ،103‬بدائع الصنائع ‪ :‬الكاساني ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ ،233‬القوانني الفقهية ‪:‬‬ ‫ابن جزي ‪ -‬ص ‪ ،226‬الغرر البهية في شرح البهجة الوردية ‪ :‬أبو يحيى السنيكي ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪ ،11‬املغني ‪ :‬ابن قدامة ‪ -‬ج‪ 8‬ص ‪ ،272 - 271‬العدة‬ ‫شرح العمدة ‪ :‬عبد الرحمن بن إبراهيم املقدسي ‪ -‬ص ‪ ،529‬املوسوعة الفقهية الكويتية ‪ :‬ج‪ 16‬ص ‪ ،61‬وج‪ 32‬ص ‪.) 325‬‬ ‫(‪ )143‬وهذا التقسيم الثالثي قال به محمد من احلنيفة‪ ،‬وهو قول للمالكية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬واملشهور للحنابلة‪ ،‬وقد رُو ّي عن بعض الصحابة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ي‪ ،‬والثوري‪ ،‬وحماد‪ ،‬وقتادة‪ ،‬وأهل‬ ‫كعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي‪ ،‬وأبي موسى األشعري‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،،‬كما روي عن بعض التابعني‪،‬‬ ‫كالش ْع ِبي‪ ،‬والن َّ َخ ِع ّ‬ ‫العراق‪ ،‬وأصحاب الرأي‪.‬‬ ‫( راجع ‪ :‬املبسوط ‪ :‬السرخسي ‪ -‬ج‪ 26‬ص ‪ ،59‬االختيار لتعليل اجملتار ‪ :‬املوصلي ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪ ،23‬فتَ القدير ‪ :‬ابن الهمام ‪ -‬ج‪ 10‬ص ‪ ،205‬التلقني‬ ‫في الفقه املالكي ‪ :‬أبو محمد عبد الوهاب بن علي الثعلبي البغدادي ج‪ 2‬ص ‪ – 184‬اﶈقق ‪ :‬أبي أويس محمد بو خبزة – الطبعة األولى عام‬ ‫‪1425‬هـ‪2004/‬م – الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬التاج واإلكليل ‪ :‬للمواق ‪ -‬ج‪ 8‬ص ‪ ،304‬احلاوي الكبير ‪ :‬للماوردي ‪ -‬ج‪ 12‬ص ‪ ،34‬املغني ‪ :‬ابن قدامة‬ ‫ ج‪ 8‬ص ‪ ، 260‬منت اخلرقى على مذهب أبي عبد اهلل أحمد بن حنبل الشيباني ‪ :‬أبو القاسم عمر بن احلسني بن عبد اهلل اخلرقي‪ -‬ص ‪- 123‬‬‫الطبعة األولى عام ‪1413‬هـ‪1993/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار الصحابة للتراث‪ ،‬املوسوعة الفقهية امليسرة في فقه الكتاب والسنة املطهرة ‪:‬حسني بن‬ ‫عودة العوايشة ‪ -‬ج‪ 6‬ص ‪ - 151‬الطبعة األولى عام ‪1429 -1423‬هـ‪2009 - 2004 /‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬املكتبة اإلسالمية ‪ -‬عمان ‪ -‬األردن‪ ،‬ودار ابن حزم ‪-‬‬ ‫بيروت ‪ -‬لبنان )‪.‬‬ ‫(‪ )144‬التلقني في الفقه املالكي ‪ :‬أبو محمد بن نصر الثعلبي ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ ،184‬املعونة على مذهب عالم املدينة اإلمام مالك بن أنس ‪ :‬أبو محمد‬ ‫عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪ - 1306‬حتقيق ودراسة ‪ :‬حميش عبد احلق ّ ‪ -‬والكتاب في األصل رسالة دكتوراه بجامعة‬ ‫أم القرى مبكة املكرمة ‪ -‬الطبعة ‪ :‬بدون ‪ -‬الناشر ‪ :‬املكتبة التجارية ‪ -‬مصطفى أحمد الباز ‪ -‬مكة املكرمة‪ ،‬اجلناية على األطراف في الفقه‬ ‫اإلسالمي ‪ :‬د‪ُ /‬نم عبد اهلل إبراهيم العيساوي ‪ -‬ص ‪ - 34‬الطبعة األولى عام ‪1422‬هـ‪2002/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار البحوث للدراسات اإلسالمية وإحياء‬ ‫التراث ‪ -‬دبي ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‪.‬‬ ‫(‪ )145‬املدونة ‪ :‬اإلمام مالك بن أنس بن عامر األصبحي‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪ – 558‬الطبعة األولى عام ‪1415‬هـ‪1994/‬م – الناشر ‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬ ‫‪34‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وقال ابن حزم الظاهري ‪:‬‬ ‫س ًما ثَالِثًا‪ ،‬و َ ُه َو‬ ‫َم ي َ ْ‬ ‫س ًما ث َالِثًا‪ ،‬وَادَّعَ ى قَوْ ٌم أ َ َّن َه ُ‬ ‫اه َنا ِق ْ‬ ‫ج َعلْ عَ ز َّ وَ َجلَّ فِي الْقَ تْ ِل ِق ْ‬ ‫( وَالْقَ تْلُ ِق ْ‬ ‫ان ‪ :‬عَ ْمدٌ‪ ،‬وَ َخ َطأ ٌ‪َ ..‬فل ْ‬ ‫س َم ِ‬ ‫عَ ْم ُد ْ‬ ‫ص ًال ) (‪.)146‬‬ ‫اخل َ​َطأ ِ‪ ،‬وَ ُه َو قَوْلٌ ف ِ‬ ‫َم ي َ ِ‬ ‫َ فِي ذَلِ َ‬ ‫ص أَ ْ‬ ‫ص َّ‬ ‫َاسدٌ ؛ ِألَن َّ ُه ل ْ‬ ‫ك ن َ ٌّ‬ ‫ وذهب الكاساني‪ ،‬من احلنفية‪ ،‬وجماعة من احلنابلة‪ ،‬كأبي اخلطاب‪ ،‬وصاحب املذهب‪ ،‬ومسبوك الذهب‪،‬‬‫واملستوعب‪ ،‬واخلالصة‪ ،‬والرعايتني‪ ،‬واحلاوي‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬إلي تقسيم اجلناية على النفس إلي أربعة أقسام‪ ،‬هي ‪:‬‬ ‫العمد‪ ،‬وشبه العمد‪ ،‬واخلطأ‪ ،‬وما جرى مجرى اخلطأ (‪ .)147‬ولم يقولوا بقتل السبب؛ ألنهم يدخلونه في ما جرى‬ ‫مجرى اخلطأ‪ ،‬فالتقسيم عندهم رباعي (‪ .)148‬قال الكاساني ‪:‬‬ ‫س فِيهِ ُشبْ َهة اخلطأ‪ ،‬وَقَتْلٌ عَ ْمدٌ فِيهِ ُشبْ َه ُة اخلطأ‪ ،‬وَ ُه َو املْ ُ َس َّمى‬ ‫( فَالْقَ تْلُ أَرْبَ َع ُة أَن ْ َو ٍاع ‪ :‬قَتْلٌ ُه َو عَ ْم ٌد َم ْ‬ ‫ض ل َْي َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫س فِيهِ ُشبْ َه ُة ال َْع ْم ِد‪ ،‬وَقَتْلٌ ُه َو فِي َم ْع َنى الْقَ تْ ِل ْ‬ ‫اخل َ​َطأ ِ ) (‪.)149‬‬ ‫ب ِ ِشبْهِ ال َْع ْم ِد‪ ،‬وَقَتْلٌ ُه َو َخ َطأ ٌ َم ْ‬ ‫ض ل َْي َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫س َم الْقَ تْلَ إلَى أَرْبَ َع ِة أَق ْ َس ٍام‪ .‬وَكَذ َا ف َ​َعلَ أ َبُو ْ‬ ‫اب فِي‬ ‫صنِّ َف ‪ -‬ر َ ِح َم ُه َّ ُ‬ ‫اهلل ‪ -‬ق َ َّ‬ ‫َم أ َ َّن املْ ُ َ‬ ‫وجاء في اإلنصاف ‪ ( :‬ا ْعل ْ‬ ‫اخل ََّط ِ‬ ‫س َتوْ ِعبِ‪ ،‬وَ ْ‬ ‫اك الْغَاي َ ِة‪،‬‬ ‫س ُب ِ‬ ‫ني‪ ،‬وَاحلْ َاوِي‪ ،‬وَال َْو ِجي ِز‪ ،‬و َ ِإدْر َ ِ‬ ‫وك الذ َ​َّهبِ‪ ،‬وَا ْمل ُ ْ‬ ‫صا ِحبِ املُْذ َْهبِ‪ ،‬و َ َم ْ‬ ‫ال ِْه َداي َ ِة‪ .‬وَ َ‬ ‫اخل ُ َال َ‬ ‫ص ِة‪ ،‬وَالرِّعَ اي َ َت ْ ِ‬ ‫جرَى ْ‬ ‫ح ِفر َ بِئْرًا‪،‬‬ ‫الس َببِ‪ِ ،‬مث ْلَ أ َ ْن ي َ ْ‬ ‫م‪َ .‬فزَا ُدوا ‪َ :‬ما أ ُ ْج ِر َي َم ْ‬ ‫ان ف َ​َيقْ ُت ُل ُه‪ ،‬أَو ْ يَقْ ُتلُ ب ِ َّ‬ ‫وَغَ ْي ِر ِه ْ‬ ‫اخل َ​َطأِ‪ ،‬كَالنَّائِ ِم يَنْقَ ِل ُب عَ لَى إن ْ َس ٍ‬ ‫ان ) (‪.)150‬‬ ‫ص َب ِ‬ ‫أَو ْ يَن ْ ِ‬ ‫سك ِّي ًنا‪ ،‬أَو ْ َح َجرًا‪ ،‬ف َ​َيؤولُ إلَى إت ْ َال ِف إن ْ َس ٍ‬ ‫ وذهب جماعة من احلنفية‪ ،‬كالرازي‪ ،‬واجلصاص‪ ،‬والقدوري‪ ،‬والنسفي‪ ،‬إلي تقسيم اجلناية على النفس إلى‬‫خمسة أقسام‪ ،‬وهي ‪ :‬العمد‪ ،‬وشبه العمد‪ ،‬واخلطأ‪ ،‬واجلاري مجرى اخلطأ‪ ،‬والقتل بالسبب (‪ ،)151‬فالتقسيم‬

‫(‪ )146‬اﶈلى باﻵثار ‪ :‬أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلسي – ج‪ 10‬ص ‪ – 214‬بدون طبعة وبدون تاريخ – الناشر دار الفكر – بيروت‪.‬‬ ‫السغْدي ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ – 662‬اﶈقق ‪ :‬د‪ /‬صالح الدين الناهي – الطبعة الثانية عام‬ ‫(‪ )147‬النتف في الفتاوى ‪ :‬أَبُو احلسن علي بن احلسني بن محمد ُّ‬ ‫‪1404‬هـ‪1984/‬م – الناشر ‪ :‬دار الفرقان – مؤسسة الرسالة – عمان – األُردن – بيروت – لبنان‪ ،‬بدائع الصنائع ‪ :‬الكاساني ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ ،233‬املبدع في‬ ‫شرح املقنع ‪ :‬ابن مفلَ ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ ،190‬االشتراك املتعمد في اجلناية على النفس بالقتل أو اجلرح ‪ :‬عبد اهلل بن معتق السهلي ‪ -‬بحث منشور‬ ‫مبجلة اجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة ‪ -‬العدد ‪ - 119‬السنة ‪ - 25‬عام ‪1423‬هـ‪2004/‬م ‪ -‬ص ‪ ،342‬املوسوعة الفقهية الكويتية ‪ :‬ج‪ 16‬ص ‪،59‬‬ ‫التشريع اجلنائي اإلسالمي ‪ :‬عبد القادر عودة ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪ 405‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪ ) 148‬والقتل بالسبب‪ ،‬هو ما كان بغير قصد ومباشرة‪ ،‬بأن يتسبب اجلاني في وقوع الفعل اﶈرم دون أن يقصد إتيانه‪ ،‬كمن يحفر حفرة في‬ ‫ب‪ ،‬أَيْ ‪ :‬بِكَوْنِهِ َس َب ًبا لِلْقَ تْ ِل‪ ،‬كَإ ِت ْ َالفِهِ ب ِ َح ْف ِر ال ِْبئ ْ ِر‬ ‫الطريق لتصريف ماء‪ ،‬مثالً‪ ،‬فيسقط فيها أحد املارة ليال ً ‪ .‬قال ‪ :‬مال خسرو ‪ ( :‬و َ ِإ َّما قَتْلٌ ب ِ َّ‬ ‫الس َب ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ض ِع َخ َ‬ ‫ح ِو ِه‪،‬‬ ‫ي ال َْهالِ ُ‬ ‫يق وَن َ ْ‬ ‫ك عَ ل َْيهِ‪ ،‬أيْ عَ لَى ال ِْبئْ ِر وَن َ ْ‬ ‫ض ِع احلْ َ َج ِر فِي غَ ْي ِر ِملْ ِ‬ ‫كهِ‪ ..‬أَو ْ و َ ْ‬ ‫أَو ْ و َ ْ‬ ‫ح ِو ِه ِممَّا ُه َو َس َب ٌ‬ ‫ش َب ٍة عَ لَى قَارِ َع ِة الطَّ ِر ِ‬ ‫ب لِْلْ ِت ْ َال ِف‪ ،‬إالَّ أنْ َمي ْ ِش َ‬ ‫اعلَ َس َب ُب التَّل ِ‬ ‫ح ِو ِه‪ ،‬ف ِ‬ ‫َحينَ ِئ ٍذ َال يَلْز َ ُم َشي ْ ٌء عَ لَى احلْ َافِ ِر وَن َ ْ‬ ‫ب َ ْع َد ِعل ِْمهِ بِاحلْ َ ْف ِر وَن َ ْ‬ ‫ح ِو ِه‪ .‬و َ ُحك ُْمهُ الدِّي َ ُة عَ لَى ال َْعا ِق َل ِة‪ِ ،‬ألَنَّ الْفَ ِ‬ ‫َف‪ ،‬و َ ُه َو ُم َت َع مد فِيهِ‪َ ،‬فكَأَنَّهُ‬ ‫َ‬ ‫احلْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ُ‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ج‬ ‫َو‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫وم َح ِقيقَ ًة )‪ .‬راجع ‪ :‬درر احلكام‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫لَ‬ ‫ت‬ ‫ْقَ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫أل‬ ‫‪،‬‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ْقَ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َي‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫إ‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫َّار‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ْع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َى‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫عَ‬ ‫عَ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٍَ َ ِ‬ ‫َ ِ ِ ِ‬ ‫ْ ِ ِ َّ ْ ِ ْ ُ َ ْ ُ ٌ‬ ‫ُمو ِق ٌع فِي ال ِْبئْ ِر و َ َدا ِف ٌع ْ َ َ َ َ َ َ ِّ َ َ ِ َ‬ ‫شرح غرر األحكام ‪ :‬مال خسرو ‪-‬ج‪ 2‬ص ‪ ،91‬عبد القادر عودة ‪ :‬املرجع السابق ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪.407‬‬ ‫(‪ )149‬بدائع الصنائع ‪ :‬الكاساني ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪.233‬‬ ‫(‪ )150‬اإلنصاف في معرفة الراجَ من اخلالف ‪ :‬املرداوي ‪ -‬ج‪ 9‬ص ‪.433‬‬ ‫(‪ )151‬انظر ‪ :‬املبسوط ‪ :‬السرخسي ‪ -‬ج ‪ 26‬ص ‪ ،59‬االختيار لتعليل اجملتار ‪ :‬املوصلي ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪ ،23‬البحر الرائق ‪ :‬ابن ُنيم ‪ -‬ج‪ 8‬ص ‪ ،328‬حاشية‬ ‫رد اﶈتار على الدر اجملتار ‪ :‬ابن عابدين ‪ -‬ج‪ 6‬ص ‪ ،527‬عبد القادر عودة ‪ :‬املرجع السابق ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ 8‬وما بعدها‪ ،‬الفقه اإلسالمي وأدلته ‪ :‬د‪ /‬وهبة‬ ‫الزحيلي ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ ،5617‬درر احلكام ‪ :‬مال خسرو ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ ،90‬املوسوعة الفقهية الكويتية ‪ :‬ج‪ 16‬ص ‪ ،59‬عبد اهلل بن معتق السهلي ‪ :‬البحث‬ ‫السابق اإلشارة إليه ‪ -‬ص ‪ ،347‬اجلناية على األشخاص ‪ :‬د‪ /‬عبد احلكيم أحمد عثمان ‪ -‬ص ‪.91‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪35‬‬


‫عندهم خماسي (‪ .)152‬قال املوصلي ‪ ( :‬الْقَ تْلُ املْ ُ َت َعلِّق ُ بِاألْ َ ْحك َِام َخ ْم َس ٌة ‪ :‬عَ ْمدٌ‪ ،‬وَ ِشبْ ُه عَ ْم ٍد‪ ،‬وَ َخ َطأ ٌ‪ ،‬وَ َما أ ُ ْج ِر َي‬ ‫جرَى ْ‬ ‫ب ) (‪.)153‬‬ ‫ُم ْ‬ ‫اخل َ​َطأِ‪ ،‬وَالْقَ تْلُ ب ِ َس َب ٍ‬ ‫وجاء في املبسوط ‪ ( :‬كَا َن أَبُو بَك ْ ٍر الرَّازِ ّي يَقُ ولُ ‪ :‬الْقَ تْلُ عَ لَى َخ ْم َس ِة أَو ْ ُج ٍه ‪ :‬عَ ْمدٌ‪ ،‬و َ ِشبْ ُه عَ ْم ٍد‪ ،‬وَ َخ َطأ ٌ‪ ،‬وَ َما أ ُ ْج ِر َي‬ ‫جرَى ْ‬ ‫جرَى ْ‬ ‫اخل َ​َطأِ ) (‪.)154‬‬ ‫س ب ِ َع ْم ٍد وَ َال َخ َطأٍ وَ َال أ ُ ْج ِر َي َم ْ‬ ‫َم ْ‬ ‫اخل َ​َطأِ‪ ،‬وَ َما ل َْي َ‬ ‫هذا‪ ،‬وقد َشرَّعَ ت الشريعة اإلسالمية عقوبة رادعة وزاجرة لهذه اجلرمية الشنعاء ( جرمية القتل ) في الدنيا‬ ‫واآلخرة‪ ،‬وهي عقوبة تختلف باختالف نوعها‪ .‬وهي في الدنيا‪ ،‬إن كان القتل عمدا ً وقصدا ً‪ ،‬القصاص‪ ،‬إال أن يعفو‬ ‫أولياء املقتول‪ ،‬والدية‪ ،‬والكفارة ‪ -‬على خالف بني الفقهاء ‪ -‬وتعزير القاتل‪ ،‬واحلرمان من الوصية وامليراث‪ .‬قال تعالي‬ ‫ي لَ ُه‬ ‫صا ُ‬ ‫ب عَ لَيْك ُ​ُم ال ِْق َ‬ ‫‪  :‬يَا أَي ُّ َها ال َّ ِذي َن آ َ َمنُوا كُتِ َ‬ ‫ص فِي ال ْقَ تْلَى احلْ ُر ُّ بِاحلْ ُر ِّ وَال َْعبْ ُد بِال َْعبْ ِد وَاألْ ُنْثَى بِاألْ ُنْثَى ف َ​َمن ْ عُ ِف َ‬ ‫‪155‬‬ ‫ُم‬ ‫خ ِف ٌ‬ ‫ان ذَل ِ َ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫خيهِ َشيْءٌ فَات ِّ َبا ٌع بِاملْ َ ْعر ُ ِ‬ ‫ِمن ْ أ َ ِ‬ ‫يف ِمن ْ رَبِّكُم وَر َ ْح َم ٌة ‪ .) ( ‬وقال تعالى ‪  :‬وَلَك ْ‬ ‫وف وَأَدَاءٌ ِإلَيْهِ بِإ ِ ْح َس ٍ‬ ‫حلُّ دَ ُم‬ ‫ُم تَتَّقُ و َن ‪ .)156( ‬وفي احلديث‪ ،‬قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪  :‬ال َ ي َ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫فِي ال ِْق َ‬ ‫اب لَ َعلَّك ْ‬ ‫اص َح َياة ٌ يَا أُولِي األْ َل ْ َب ِ‬ ‫س ِل ٍم‪ ،‬ي َ ْ‬ ‫ش َه ُد أَنْ ال َ ِإلَ َه ِإالَّ َّ ُ‬ ‫اهلل وَأَنِّي ر َ ُسولُ َّ ِ‬ ‫ا ْم ِر ٍئ ُم ْ‬ ‫ْس بِالنَّف ِ‬ ‫ْس‪ ،‬وَالث َِّّي ُب الزَّانِي‪ ،‬وَاملَارِقُ ِمنَ‬ ‫اهلل‪ِ ،‬إالَّ بِإ ِ ْح َدى ثَال ٍَث ‪ :‬النَّف ُ‬ ‫خيْ ِر الن َّ َظرَي ْ ِن ‪ِ :‬إ َّما‬ ‫ين التَّار ِ ُ‬ ‫ك لِل َْج َماعَ ةِ ‪ ،)157( ‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪  :‬و َ َمن ْ قُتِلَ لَ ُه قَتِيلٌ ف َُه َو ب ِ َ‬ ‫الدِّ ِ‬ ‫‪158‬‬ ‫س لِقَ ات ِ ٍل و َ ِصيَّ ٌة ‪ ،)159( ‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫يُودَى و َ ِإ َّما يُقَ ادُ ‪ ،) ( ‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪  :‬لَيْ َ‬ ‫ول َشيْئًا ‪.)160( ‬‬ ‫‪َ  :‬ال ي َ ِر ُث ال ْقَ اتِلُ ِمنَ املْ َ ْق ُت ِ‬

‫(‪ )152‬هذا‪ ،‬وي ُ ْعزَى َ التقسيم اخلماسي إلى أبى بكر الرازى‪ ،‬فقد أداه منطقه إلى اختراع هذا التقسيم‪ ،‬حيث رأى أن اخلطأ على ضربني ‪ :‬أحدهما‬ ‫حربيا‪ ،‬ألنه في صفوفهم أو‬ ‫شخصا‪ .‬والثاني ‪ :‬خطأ في قصد‪ ،‬كأن يقصد إصابة من يظنه‬ ‫‪ :‬خطأ في الفعل‪ ،‬كأن يقصد رمى طائر‪ ،‬فيصيب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عليه لباسهم‪ ،‬فيتبني أنه معصوم‪ .‬وإذا كان هذا هو اخلطأ‪ ،‬فإنه ال ينطبق على فعل الساهي أو النائم‪ ،‬ألن الفعل في اخلطأ مقصود‪ ،‬إال أن‬ ‫اخلطأ يقع تارة في الفعل وتارة في القصد‪ ،‬وفعل الساهي والنائم غير مقصود أصالً‪ ،‬فليس هو إذن في حيز اخلطأ‪ ،‬كما أنه ليس في حيز العمد‬ ‫أو شبه العمد‪ ،‬وملا كان حكم فعل الساهي والنائم هو حكم اخلطأ من حيث اجلزاء‪ ،‬فقد رأى أبو بكر الرازي إحلاقه باخلطأ باعتباره جاريًا مجراه‪.‬‬ ‫كذلك الحظ هذا الفقيه أ ّن الفقهاء يلحقون بحكم القتل ما ليس بقتل في احلقيقة ال عمدًا وال غير عمد‪ ،‬وذلك نحو فعل حافر البئر وواضع‬ ‫احلجر في الطريق إذا عطب به إنسان‪ ،‬وقال ‪ :‬إن هذا ليس بقاتل في احلقيقة إذ ليس له فعل في قتل اﺠﻤﻟني عليه‪ ،‬ألن القاتل إما أن يكون مباشرا ً‬ ‫من اجلاني أو متولدًا عن فعله‪ ،‬وليس من واضع احلجر وحافر البئر فعل في العاثر باحلجر والواقع في البئر ال مباشرة وال متولدًا‪ ،‬فلم يكن قاتال ً‬ ‫في احلقيقة‪ ،‬وإمنا ميكن اعتباره قاتال ً بالتسبب‪ ( .‬راجع ‪ :‬أَحكام القرآن ‪ :‬أَحمد بن علي أَبو بكر الرازي اجلصاص احلنفي‪ -‬ج‪ 3‬ص ‪ - 193‬اﶈقق ‪:‬‬ ‫محمد صادق القمحاوي ‪ -‬الطبعة األُولى عام ‪1405‬هـ‪1985/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار إحياء التراث العربي ‪ -‬بيروت‪ ،‬التشريع اجلنائي اإلسالمي ‪ :‬الشيخ‪/‬‬ ‫عبد القادر عودة ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪.) 9‬‬ ‫(‪ )153‬االختيار لتعليل اجملتار ‪ :‬املوصلي ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪.23‬‬ ‫(‪ )154‬املبسوط ‪ :‬للسرخسي ‪ -‬ج‪ 26‬ص ‪.59‬‬ ‫(‪ )155‬سورة البقرة اآلية رقم ‪.178 :‬‬ ‫(‪ )156‬سورة البقرة اآلية رقم ‪.179 :‬‬ ‫ت ‪ -‬بَاب قول َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وح‬ ‫ر‬ ‫جل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫الس‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫الس‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ذ‬ ‫أل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ذ‬ ‫ني‬ ‫الع‬ ‫و‬ ‫ْس‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ْس‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫{‬ ‫‪:‬‬ ‫َى‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫اهلل‬ ‫أل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫األ‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫األ‬ ‫و‬ ‫ني‬ ‫الع‬ ‫ب‬ ‫اب الدِّيَا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ َ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫(‪ )157‬صحيَ البخاري ‪ِ :‬ك َت ُ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َ َ ِ ِ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ َ ِ ِْ َ‬ ‫ُ َِْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫لَ‬ ‫ك ُه ُم الظَّ ِاملُو َن } [ املائدة ‪ - ]45 :‬ج‪ 9‬ص ‪ - 5‬حديث رقم ‪ ،6878 :‬صحيَ‬ ‫مب‬ ‫ُم‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫َم‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫َّار‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫صدَّقَ بِهِ ف َُه َو‬ ‫ئ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫اهلل‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ُ َ​َ ْ ْ َ ْ ْ َِ َ‬ ‫ص ف َ​َمن ْ ت َ َ‬ ‫صا ٌ‬ ‫ِق َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫س ِل ِم ‪ -‬ج‪ 3‬ص ‪ - 1302‬حديث رقم ‪.1676 :‬‬ ‫اص وَالدِّيَا ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫اح بِهِ دَ ُم املْ ُ ْ‬ ‫اب الْقَ َسا َم ِة وَاﶈَارِبِني َ وَال ِْق َ‬ ‫اب َما ي ُ َب ُ‬ ‫ت ‪ -‬بَ ُ‬ ‫مسلم ‪ِ :‬ك َت ُ‬ ‫اب َمن ْ قُتِلَ لَ ُه قَتِيلٌ ف َُه َو ب ِ َخ ْي ِر الن َّ َظرَي ْ ِن ‪ -‬ج‪ 9‬ص ‪ - 5‬حديث رقم ‪.6880 :‬‬ ‫اب الدِّيَا ِ‬ ‫ت ‪ -‬بَ ُ‬ ‫(‪ )158‬صحيَ البخاري ‪ِ :‬ك َت ُ‬ ‫اء فِي ال َْو ِصيَّ ِة لِلْقَ ات ِ ِل ‪ -‬ج ‪ 6‬ص ‪ - 460‬حديث رقم ‪ ،12652 :‬فتَ القدير ‪ :‬للمناوي ‪:‬‬ ‫اب ال َْو َ‬ ‫صايَا ‪ -‬ب َ ُ‬ ‫(‪ )159‬السنن الكبرى ‪ :‬للبيهقي ‪ِ -‬ك َت ُ‬ ‫اب َما َج َ‬ ‫اب‬ ‫ب‬ ‫‬‫لطبراني‬ ‫ا‬ ‫مطير‬ ‫بن‬ ‫أيوب‬ ‫بن‬ ‫أحمد‬ ‫بن‬ ‫سليمان‬ ‫‪:‬‬ ‫األوسط‬ ‫املعجم‬ ‫الالم‪،‬‬ ‫حرف‬ ‫‬‫‪7664‬‬ ‫‪:‬‬ ‫رقم‬ ‫حديث‬ ‫باب ليس لقاتل وصية ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪- 380‬‬ ‫َ ُ‬ ‫اس ُم ُه ‪ُ :‬م َح َّمدٌ ‪ -‬ج ‪ 8‬ص ‪ - 161‬حديث رقم ‪ – 8271 :‬اﶈقق ‪ :‬طارق بن عوض اهلل بن محمد ‪ ,‬عبد اﶈسن بن إبراهيم احلسيني – الناشر‪:‬‬ ‫يم َم ِن ْ‬ ‫املْ ِ ِ‬ ‫دار احلرمني – القاهرة‪.‬‬ ‫اث الْقَ ات ِ ِل ‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪ - 1988‬حديث رقم ‪.3122 :‬‬ ‫اب الْ َفرَائِ ِ‬ ‫اب ‪ِ :‬مير َ ِ‬ ‫ض ‪ -‬بَ ُ‬ ‫(‪ )160‬مسند الدارمي املعروف بـ (سنن الدارمي) ‪ :‬و َ ِمن ْ ِك َت ِ‬ ‫‪36‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫هذا‪ ،‬وإن كان القتل شبه عمد‪ ،‬فال خالف بني الفقهاء‪ ،‬ممن يقولون بشبه العمد‪ ،‬في أنه موجب للدية‪ ،‬والدية في‬ ‫شبه العمد مغلطة‪ .‬ودليل وجوبها وتغليظها في القتل شبه العمد قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪  :‬أ َ َال و َ ِإنَّ‬ ‫قَتِيلَ ْ‬ ‫صا‪ِ ،‬ما َئ ٌة ِم َن اإلْ ِب ِ ِل أَرْب َ ُعو َن فِي ب ُ ُطون ِ َها أَو ْ َالدُ َها ‪.)161( ‬‬ ‫السوْ ِ‬ ‫اخل َ​َطإ ِ ِشبْهِ ال َْع ْم ِد َما كَا َن ب ِ َّ‬ ‫ط وَال َْع َ‬ ‫ح ِرير ُ رَق َ َب ٍة‬ ‫وأما إذا كان القتل َخ َطأ ً‪ ،‬ففيه الدية‪ ،‬والكفارة‪ ،‬واألصل فيه قوله تعالى ‪  :‬و َ َمن ْ ق َ َتلَ ُمؤ ْ ِمنًا َخ َطأ ً َف َت ْ‬ ‫صدَّقُوا ‪.)162( ‬‬ ‫ُمؤ ْ ِمنَ ٍة وَدِي َ ٌة ُم َسل َ​َّم ٌة ِإلَى أ َ ْه ِلهِ ِإالَّ أ َ ْن ي َ َّ‬ ‫وأما عقوبة هذه اجلرمية في اآلخرة‪ ،‬وهي خاصة بالقتل العمد الذي لم يتب منه صاحبه‪ ،‬فهي دخول جهنم‬ ‫واخللود فيها‪ ،‬واستحقاق الغضب واللعنة من اهلل تعالى‪ ،‬والعذاب العظيم الذي أعده اهلل للقاتل في اآلخرة‪،‬‬ ‫اهلل عَ لَيْهِ وَل َ​َعنَهُ وَأَعَ د َّ لَهُ عَ ذ َابًا‬ ‫ب َّ ُ‬ ‫يها وَغَ ِ‬ ‫َجزَا ُؤهُ َج َهن َّ ُم َخالِدًا فِ َ‬ ‫قال تعالى ‪  :‬و َ َمن ْ ي َ ْق ُتلْ ُمؤ ْ ِمنًا ُم َت َع ِّمدًا ف َ‬ ‫ض َ‬ ‫يما ‪.)163( ‬‬ ‫عَ ِ‬ ‫ظ ً‬ ‫(‪ )2‬اجلناية على ما دون النفس ‪ :‬يراد باجلناية على ما دون النفس لدى الفقهاء ‪ :‬كل اعتداء أو أذى يقع على اإلنسان‬ ‫من الغير مما ال يوجب موته (‪ ،)164‬أو قُلْ ‪ِ -‬إ ْن شئت ‪ -‬كل سلوك ُم َحر َّ ُم يقع على جسم اإلنسان‪ ،‬يفضي إلي تفويت‬ ‫عضو أو منفعته‪ ،‬أو جرحه دون أن يصل أثر ذلك العدوان إلي زهوق روح اﺠﻤﻟني عليه‪ ،‬يستوي في ذلك أن يكون هذا‬ ‫االعتداء بقطع طرف أو انفصاله‪ ،‬أو توقف معنى من املعاني‪ ،‬مثل ‪ :‬تعطيل وظيفة عضو أو جهاز من األجهزة‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬أو ﲤثل هذا العدوان في شﺞ أو جرح أو ضرر مادي حلق باﺠﻤﻟني عليه (‪.)165‬‬ ‫هذا‪ ،‬واجلناية على ما دون النفس أربعة أنواع ‪ :‬األول ‪ :‬قطع األطراف‪ ،‬كاليد والرجل واألصبع واللسان ونحوها‪.‬‬ ‫والثاني ‪ :‬إذهاب منافع األطراف‪ ،‬كإذهاب البصر مع بقاء العني‪ ،‬وإذهاب السمع مع بقاء األذن‪ ،‬وشل الرجل مع‬ ‫بقائها‪ .‬الثالث ‪ :‬جرح البدن‪ ،‬كجرح اليد أو الصدر أو البطن‪ .‬الرابع ‪ :‬كسر العظام‪ ،‬ككسر عظم اليد أو الساق‬ ‫ونحوهما (‪.)166‬‬ ‫والعقوبة املقدرة في الشرع للجناية على ما دون النفس‪ ،‬تختلف بحسب ما إذا كانت عمدا ً‪ ،‬أو غير عم ٍد‪ ،‬سواء‬ ‫في ذلك اخلطأ وشبه العمد‪ .‬فإن كانت عمدا ً‪ ،‬فعقوبتها القصاص لقوله تعالى ‪  :‬و َ ْ‬ ‫ص ‪ ،)167( ‬وإن‬ ‫صا ٌ‬ ‫وح ِق َ‬ ‫اجلُر ُ َ‬

‫م دِي َ ُة ِشبْهِ ال َْع ْم ِد ‪ -‬ج‪ 8‬ص ‪ - 41‬حديث رقم ‪ ،4793 :‬معرفة السنن واآلثار ‪ :‬أبو بكر البيهقي‬ ‫(‪ )161‬سنن النسائي ‪ِ :‬ك َت ُ‬ ‫اب الْقَ َسا َم ِة ‪ -‬باب ‪ :‬كَ ْ‬ ‫َ‬ ‫‬‫ت‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫اب‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫‬‫ردي‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ُس‬ ‫اخل‬ ‫موسى‬ ‫أحمد بن احلسني بن‬ ‫ان اإلْ ِب ِ ِل املْ ُ َغل َ​َّظ ِة ‪ -‬ج‪ 12‬ص ‪ - 93‬حديث رقم ‪ - 15984 :‬اﶈقق ‪:‬‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫اء‬ ‫ج‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫‪:‬‬ ‫اب‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫عبد املعطي أمني قلعجي ‪ -‬الطبعة األولى عام ‪1412‬هـ‪1991/‬م ‪ -‬الناشرون ‪ :‬جامعة الدراسات اإلسالمية ( كراتشي ‪ -‬باكستان )‪ ،‬دار قتيبة (‬ ‫دمشق ‪ -‬بيروت )‪ ،‬دار الوعي ( حلب ‪ -‬دمشق )‪ ،‬دار الوفاء ( املنصورة ‪ -‬القاهرة )‪.‬‬ ‫(‪ )162‬سورة النساء جزء من اآلية رقم ‪.92 :‬‬ ‫(‪ )163‬سورة النساء اآلية رقم ‪.93 :‬‬ ‫(‪ )164‬التشريع اجلنائي اإلسالمي مقارنا ً بالقانون الوضعي ‪ :‬الشيخ‪ /‬عبد القادر عودة ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ ،204‬االشتراك املتعمد في اجلناية على النفس‬ ‫بالقتل أو اجلرح ‪ :‬عبد اهلل بن معتق السهلي ‪ -‬ص ‪ ،351‬الفقه اإلسالمي وأدلته ‪ :‬د‪ /‬وهبة الزحيلي ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ ،5737‬اجلناية على األطراف في‬ ‫الفقه اإلسالمي ‪ :‬د‪ُ /‬نم العيساوي ‪ -‬ص ‪.37‬‬ ‫(‪ )165‬املوسوعة الفقهية الكويتية ‪ :‬ج‪ 16‬ص ‪ ،60‬وج‪ 25‬ص ‪ ،344‬اجلناية على ما دون النفس ‪ :‬د‪ /‬كيالني محمد املهدي ‪ -‬ص ‪ - 11‬الطبعة األولى‬ ‫عام ‪1422‬هـ‪2002/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬مكتبة األمانة باملنصورة ‪ -‬مصر‪ ،‬الفقه امليسر في ضوء الكتاب والسنة ‪ :‬مجموعة من املؤلفني ‪ -‬ص ‪.350‬‬ ‫اب َم َعانِي‬ ‫ْس ُمطْ لَقً ا أَن ْ َوا ٌع أَرْب َ َع ٌة ‪ :‬أ َ َحدُ َها ‪ :‬إبَان َ ُة األْ َطْ ر َ ِ‬ ‫جرَى األْ َطْ ر َ ِ‬ ‫ج ِري َم ْ‬ ‫اف‪ ،‬و َ َما ي َ ْ‬ ‫(‪ )166‬قال الكاساني ‪َ ( :‬فاجلْ ِنَاي َ ُة عَ لَى َما دُو َن النَّف ِ‬ ‫اف‪ ،‬وَالث َّانِي ‪ :‬إذ ْ َه ُ‬ ‫اجلْ‬ ‫ث ‪ِّ :‬‬ ‫ر‬ ‫اح‪ .) ..‬انظر ‪ :‬بدائع الصنائع ‪ :‬الكاساني ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ ،296‬موسوعة الفقه اإلِسالمي ‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ع‬ ‫اب‬ ‫الر‬ ‫ُ‬ ‫اف َم َع إبْقَ ا ِء أَع َْيان ِ َها‪ ،‬وَالث َّال ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫األْ َطْ ر َ ِ‬ ‫الش َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫اج‪ ،‬و َ َّ ِ‬ ‫محمد بن إبراهيم بن عبد اهلل التويجري ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪ - 83‬الطبعة األَولى عام ‪1430‬هـ‪2009/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬بيت األَفكار الدولية‪ ،‬الفقه اجلنائي في‬ ‫اإلسالم ( ضروب القتل ‪ -‬القصاص ‪ -‬الديات ‪ -‬احلدود ‪ -‬التعازير ‪ -‬أمثلة وتطبيقات ) ‪ :‬د‪ /‬أمير عبد العزيز ‪ -‬ص ‪ - 117‬الطبعة الرابعة عام‬ ‫‪1431‬هـ‪2010/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ‪ -‬القاهرة‪.‬‬ ‫(‪ )167‬سورة املائدة جزء من اآلية رقم ‪.45 :‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪37‬‬


‫‪170‬‬ ‫‪169‬‬ ‫‪168‬‬ ‫كانت غير عم ٍد‪ ،‬فعقوبتها الدية‪ ،‬أو األرش ( )‪ ،‬أو حكومة عدل ( ) على حسب األحوال ( )‪ .‬وفي احلديث ‪ :‬أَنَّ‬ ‫العف َْو‪َ ،‬فأَبَوْا‪َ ،‬فأَتَ ُوا الن َّ ِبي َّ صلى اهلل عليه‬ ‫ض ِر‪ ،‬كَ َسر َ ْت ثَ ِنيَّ َة َجارِي َ ٍة‪ ،‬ف َ‬ ‫َط َل ُبوا األَر ْ َش‪ ،‬وَ َط َل ُبوا َ‬ ‫ي اب ْ َن ُة الن َّ ْ‬ ‫الرُّبَ ِّي َع‪ ،‬و َ ِه َ‬ ‫اهلل‪ ،‬ال َ وَال َّ ِذي بَ َعثَ َ‬ ‫ض ِر ‪ :‬أَتُك َْسر ُ ث َ ِنيَّ ُة الرُّبَ ِّي ِع يَا ر َ ُسولَ َّ ِ‬ ‫س ب ْ ُن الن َّ ْ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫الق َ‬ ‫اص‪ ،‬فَقَ الَ أَن َ ُ‬ ‫وسلم َفأ َ َمر َ ُه ْ‬ ‫ك بِاحلَق ِّ‪ ،‬ال َ تُك َْسر ُ‬ ‫اهلل ِ‬ ‫اب َّ ِ‬ ‫صا ُ‬ ‫الق َ‬ ‫ي صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ  :‬إنَّ‬ ‫س ِك َت ُ‬ ‫ثَ ِنيَّ ُت َها‪ ،‬فَقَ الَ ‪  :‬يَا أَن َ ُ‬ ‫ي القَ وْ ُم وَعَ فَ وْا‪ ،‬فَقَ الَ الن َّ ِب ُّ‬ ‫ص ‪ ،‬فَر َ ِض َ‬ ‫ي القَ وْ ُم وَق َ ِبلُوا األَر ْ َش (‪.)171‬‬ ‫اهلل َمن ْ لَوْ أَق ْ َس َم َعلَى َّ ِ‬ ‫ِمن ْ ِع َباد ِ َّ ِ‬ ‫اهلل َألَبَرَّهُ ‪ ،‬زَا َد الفَ زَارِ ُّي‪ ،‬عَ نْ ُح َم ْي ٍد‪ ،‬عَ نْ أَن َ ٍس‪ ،‬فَر َ ِض َ‬ ‫(‪ )3‬اجلناية على نفس غير مكتملة ( اجلناية على اجلنني‪ ،‬أو اإلجهاض ) (‪: )172‬‬ ‫اجلناية على ما هو نفس من وجه دون وجه‪ ،‬وهو اجلنني فإذا ضرب أحد امرأة حامال ً على بطنها أو ظهرها‪ ،‬أو جنبها‬ ‫أو رأسها أو عضو من أعضائها‪ ،‬أو أخافها بالضرب أو القتل أو الصياح عليها‪ ،‬فأجهضت وألقت جنينها‪ ،‬فإن‬ ‫ألقته ميتا ً‪ ،‬فعقوبة اجلاني هي دية اجلنني غُرَّةٌ (‪ ،)173‬عبد أو أمة‪ ،‬قيمتها خمس من اإلبل‪ ،‬وهي نصف عشر الدية‪،‬‬

‫ال ال َْوا ِجب على َما دون النَّفس ي َ ْع ِني دِيَة اجلْ ِرَا َحات‪ .‬واجلمع ‪ :‬أروش‪ ( .‬انظر ‪ :‬قواعد الفقه ‪ :‬محمد عميم اإلِحسان‬ ‫(‪ )168‬واألرش‪ُ ،‬ه َو ‪ْ :‬‬ ‫اسم لِل َْم ِ‬ ‫َ‬ ‫اﺠﻤﻟددي البركتي‪ -‬ص ‪ – 168‬الطبعة األولى عام ‪1407‬هـ‪1986/‬م – الناشر ‪ :‬الصدف ببلشرز – كراتشي‪ ،‬التعريفات ‪ :‬للشريف اجلرجاني ‪ -‬ص ‪،17‬‬ ‫القاموس اﶈيﻂ ‪ :‬للفيروزآبادي ‪ -‬ص ‪ ،584‬الكليات ‪ :‬للكفوي ‪ -‬ص ‪.) 78‬‬ ‫(‪ ) 169‬احلكومة في اللغة ‪ :‬مصدر الثالثي ( حكم )‪ ،‬واسم مصدر من ( غير الثالثي )‪ ،‬ومن معانيها رد الظالم عن الظلم‪ .‬قال األزهري في‬ ‫تعليقه على حديث ‪  :‬في أرش اجلراحات احلكومة ‪ .‬معنى احلكومة في أرش اجلراحات التي ليس فيها دية معلومة‪ ،‬أن يجرح اإلنسان في‬ ‫بدنه مما يبقى شينه‪ ،‬وال يبطل العضو‪ ،‬فيقتاس ( يقدر ) احلاكم أرشه‪ .‬هذا‪ ،‬وال يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللفظ عن املعنى اللغوي‪ ،‬فقد‬ ‫ُوم ِة ‪:‬‬ ‫َاش ٍر ‪ ( :‬اتَّفَ قَ ِ‬ ‫أطلقوه على الواجب الذي يقدره عدل في جناية ليس فيها مقدار معني من املال‪ .‬ق َال ابْنُ ع ِ‬ ‫ت األَنْقَ ال عَ لَى أَنَّ املُْرَادَ بِاحلْ ُك َ‬ ‫حقُّ ُه ْ‬ ‫ي عَ ل َْيهِ ِم َن اجلْ َانِي )‪.‬‬ ‫س َت ِ‬ ‫يما ي َ ْ‬ ‫اال ِ ْجتِ َهادُ و َ ِإع َْمال الْ ِفك ْ ِر فِ َ‬ ‫اﺠﻤﻟ َ ْ ِن ُّ‬ ‫راجع ‪ :‬لسان العرب ‪ :‬ابن منظور ‪ :‬ج‪ 12‬ص ‪ - 145‬مادة ‪( :‬حكم )‪ ،‬شرح مختصر خليل ‪ :‬للخرشي ‪ -‬ج‪ 8‬ث ‪ ،34‬حاشية الصاوي على الشرح‬ ‫الصغير ‪ :‬ج‪ 4‬ص ‪ ،381‬النهاية في غريب احلديث واألثر ‪ :‬ابن األثير ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪ ،420‬املوسوعة الفقهية الكويتية ‪ :‬ج‪ 18‬ص ‪.69 - 68‬‬ ‫(‪ )170‬بدائع الصنائع ‪ :‬الكاساني ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ ،297‬املوسوعة الفقهية الكويتية ‪ :‬ج‪ 16‬ص ‪.62‬‬ ‫َْ فِي الدِّي َ ِة ‪ -‬ج‪ 3‬ص ‪ - 186‬حديث رقم ‪.2703 :‬‬ ‫اب ُّ‬ ‫اب ُّ‬ ‫َْ ‪ -‬ب َ ُ‬ ‫(‪ )171‬صحيَ البخاري ‪ِ :‬ك َت ُ‬ ‫الصل ِ‬ ‫الصل ِ‬ ‫نفسا من وجه‪ ،‬وال يعتبر كذلك من‬ ‫يعتبر‬ ‫اجلنني‬ ‫ن‬ ‫أل‬ ‫؛‬ ‫وجه‬ ‫دون‬ ‫وجه‬ ‫من‬ ‫نفس‬ ‫هو‬ ‫ما‬ ‫على‬ ‫باجلناية‬ ‫اجلناية‬ ‫هذه‬ ‫عن‬ ‫(‪ )172‬ي ُ َع ِبر ُ فقهاء احلنفية‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫نفسا من وجه ألنّه آدمي‪ ،‬وال يعتبر كذلك‪ ،‬ألنّه لم ينفصل عن أمه‪ ،‬ويعللون ذلك بأن ‪ :‬اجلنني ما دام مختبئًا في بطن أمه‪،‬‬ ‫وجه آخر‪ ،‬فيعتبر ً‬ ‫فليس له ذمة صاحلة أو كاملة‪ ،‬وال يعتبر أهال ً لوجوب احلق عليه لكونه في حكم جزء من األم‪ ،‬لكنه ملا كان منفردًا باحلياة‪ ،‬فهو نفس وله ذمة‪،‬‬ ‫نفسا من وجه‪ ،‬إذا نظرنا إلى أنّه أهل لوجوب احلق له‪ ،‬ولم‬ ‫وباعتبار هذا الوجه‪ ،‬يكون أهال ً بوجوب احلق له من إرث ونسب ووصية‪ ..‬ولذلك اعتبر ً‬ ‫يعتبر كذلك من وجه آخر‪ ،‬إذا نظرنا إلى أنّه ليس أهال ً لوجوب احلق عليه وصار نفسا ً من كل وجه ؛ فإذا انقلب على مال إنسان فأتلفه‪ ،‬ضمنه‪.‬‬ ‫وإذا زو َّ َجه وليه‪ ،‬لزمه مهر امرأته في ماله‪ .‬وي ُ َع ِبر ُ املالكية والشافعية واحلنابلة عن هذه اجلناية باجلناية على اجلنني‪ ،‬ولكن اختالف الفقهاء في‬ ‫التعبير عن اجلناية ليس له أية أهمية‪ ،‬أل ّن ما يقصده هؤالء من تعبيرهم هو ما يقصده اآلخرون بالذات‪ ،‬ومحل اجلناية عندهم جميعا ً هو‬ ‫إجهاض احلامل واال عتداء على حياة اجلنني‪ ،‬أو هو كل ما يؤدى إلى انفصال اجلنني عن أمه‪ ( .‬راجع ‪ :‬البحر الرائق ‪ :‬ج‪ 4‬ص ‪ ،250‬رد اﶈتار ‪ :‬ج‪ 6‬ص‬ ‫‪ ،590‬املدونة ‪ :‬ج‪ 4‬ص ‪ ،631‬بداية اﺠﻤﻟتهد ‪ :‬ج‪ 4‬ص ‪ ،198‬األم ‪ :‬ج‪ 6‬ص ‪ ،110‬أسنى املطالب ‪ :‬ج‪ 4‬ص ‪ ،90‬املغني ‪ :‬ج‪ 8‬ص ‪ ،404‬املبدع في شرح املقنع‬ ‫‪ :‬ج‪ 7‬ص ‪ ،294‬التشريع اجلنائي اإلسالمي ‪ :‬الشيخ‪ /‬عبد القادر عودة ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪.) 292‬‬ ‫ضم الْغ َْني املْ ُ ْع َج َمة وَت َ ْ‬ ‫م‪ .‬وَالْغُرَّةُ ِمنْ كُل َشيْ ٍء أَوَّلُ ُه وَأَكْر َ ُم ُه‪ ،‬وَاجلْ َ ْم ُع ‪ :‬غُرَرٌ‪ِ ،‬مث ْلُ ‪:‬‬ ‫الض‬ ‫(‪ )173‬الْغُرَّةُ ‪ -‬ب ِ َ‬ ‫شديد الرَّاء ‪ -‬و َ ُه َو جمع أغر‪ ،‬أَي ‪ :‬ذُو غُرَّة ب ِ َّ ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ِمن ْ أول كُلِّ َش ْه ٍر ق َ َم ِر ّي‪ .‬وغُرّةُ َّ‬ ‫اض أولها‪ ،‬و َ ِقيلَ ‪ :‬غُرّةُ ال ِْه َال ِل‬ ‫الش ْه ِر ‪ :‬ليل ُة ْ‬ ‫استِ ْه َال ِل الْقَ َم ِر لِ َب َي ِ‬ ‫غُر ْ َف ٍة‪ ،‬وَغُر َ ٍف‪َ ،‬ف ُغرّة اإلِسالم ‪ :‬أوَّلُه‪ .‬وال ُغرَر ُ ‪ :‬ث َ​َال ُث ل َ​َي ٍ‬ ‫ض فَوْقَ الدِّر ْ َه ِم‪ ،‬يُقَ الُ ‪ :‬فَر َ ٌس أَغَر ُّ و َ ُم ْهرَة ٌ غَر َّ ُاء‪ِ ،‬مث ْلُ ‪ :‬أ َ ْح َم َر‬ ‫ان ‪:‬‬ ‫بياضها‪ ،‬وَكُلُّ ذَلِ َ‬ ‫ك ِم َن الْ َب َي ِ‬ ‫ُ‬ ‫اض‪ .‬وَالْ ُغرَّةُ فِي َجبْ َه ِة الْفَ ر َ ِس ‪ :‬ب َ َيا ٌ‬ ‫َطل َْع ُته‪ ،‬وَغُرَّةُ األ َ ْسنَ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫األْ‬ ‫األْ‬ ‫ْو‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫ُر‬ ‫غ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫يل‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫(‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫يَ‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫يف‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫‪:‬‬ ‫ضو ِء‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ار‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫‪:‬‬ ‫اع‬ ‫ت‬ ‫امل‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫غ‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫ض‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ض‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫)‬ ‫ر‬ ‫غ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫طْ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ْ َ ِ ٌ ْ َ ِّ ٌ‬ ‫َ ُّ ْ ً‬ ‫ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َِْ َ‬ ‫و َ َح ْمر َ َاء‪ ،‬وَر َ ُجلٌ أَغَرُّ‪ ،‬أَيْ‬ ‫َ ُ َ ُ َّ َ َّ ِ ِ َ َ ُ َ ُ ُ َ ُ َ ُ ِ َ ِ ِ‬ ‫اق َم َع ال َْي ِد وَالر ِّ ْج ِل‪ .‬قال ابن حجر ‪ ( :‬الْغرَّة ب َ َياض فِي‬ ‫سلُ َشي ْ ٍء ِمن ْ ال َْع ُ‬ ‫‪ :‬غَ ْ‬ ‫ض ِد و َ َّ‬ ‫ْح ِة ال ُْعنُ ِق‪ .‬و َ ِقيلَ ‪ :‬غ َ ْ‬ ‫صف َ‬ ‫سلُ ُمقَ د َّ ِم الرَّأ ْ ِس َم َع ال َْو ْجهِ‪ ،‬وَغَ ْ‬ ‫سلُ َ‬ ‫الس ِ‬ ‫َ‬ ‫اخل َيار‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫على‬ ‫ة‬ ‫ْغر‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫تطلق‬ ‫و‬ ‫األعالي‪،‬‬ ‫بيض‬ ‫‪:‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الذرى‪،‬‬ ‫غر‬ ‫‪:‬‬ ‫وله‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫غرته‪.‬‬ ‫يل‬ ‫ط‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َاحش‪،‬‬ ‫ف‬ ‫غير‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫سمة‪ ،‬و َ ِمنْه بغرة عبدا ً وَأمه‪ ،‬وَقيل ‪ :‬الغرَّة ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َْو ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْبياض )‪.‬‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫‪:‬‬ ‫قيل‬ ‫وَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫األْ‬ ‫َ‬ ‫األْ‬ ‫ن‬ ‫جمل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ث‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫األ‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ْع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫‪:‬‬ ‫ي‬ ‫َه‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫ط‬ ‫االص‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫ُر‬ ‫غ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ث‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫غ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫مفلَ‬ ‫ابن‬ ‫قال‬ ‫‪.‬‬ ‫ار‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ ُ ِ َ عَ ْ ٌ ْ َ ٌ ِ َ ْ ِ ْ َ ِ َ َ ُ ِ َ عَ ْ‬ ‫َ َّ‬ ‫َّ ُ ِ ْ ْ ِ ِ ِ َ َ ْ ُ ِ َ ُ ِ َ ْ ِ ْ َ ِ َ ُ َ ْ َ ُ‬ ‫سي ِري َن َمكَا َن‬ ‫وسى عَ ِن الرُّوَا ِة‪ ،‬و َ ُه َو َمتْرُو ٌ‬ ‫ك فِي النَّق ِْل‪ ،‬و َ َج َعلَ اب ْ ُن ِ‬ ‫يسى ب ْ ُن ُم َ‬ ‫وس ‪ :‬أَو ْ فَر َ ٌس‪ .‬ف َ‬ ‫م ان ْفَ رَدَ بِهِ ِع َ‬ ‫عُ رْوَةَ‪ ،‬و َ ُم َجا ِه ٍد‪ ،‬و َ َطاو ُ ٍ‬ ‫َج َواب ُ ُه ‪ :‬أَن َّ ُه و َ ْه ٌ‬ ‫ص َف ُع ْ‬ ‫الْفَ ر َ ِس ِمائَ َة َشا ٍة )‪ .‬و َ ِمنْ َم َعانِي الْغُرَّةُ فِيْ َّ‬ ‫س ِم َن‬ ‫الشر ْ ِع‪ ،‬أيضا ً ‪َ :‬‬ ‫يم ُت َها ن ِ ْ‬ ‫ي َخ ْم ٌ‬ ‫ني‪ ،‬وَتَبْ ُل ُغ ِق َ‬ ‫ض َما ٌن ي َ ِج ُب فِي اجلْ ِنَاي َ ِة عَ لَى اجلْ َ ِن ِ‬ ‫ش ِر الدِّي َ ِة‪ ،‬و َ ِه َ‬ ‫ت غُرَّةً ؛ ألِن َّ َها أَوَّل َمقَ ادِي ِر الدِّي َ ِة‪ ،‬وَأَقَل َما قَدَّر َ ُه َّ‬ ‫ت‪.‬‬ ‫الشر ْ ُع فِي اجلْ ِ َنايَا ِ‬ ‫اإلِبِل‪ ،‬أَو ْ َخ ْم ُس ِما َئ ِة دِر ْ َه ٍم‪ ،‬و َ ُس ِّم َي ْ‬ ‫َّ‬ ‫ني غُرَّة ٌ عَ بْدٌ أَو ْ أ َ َم ٌة ‪ ،‬لَوْ َال أَنَّ ر َ ُسولَ‬ ‫ول ِ‬ ‫َهذ َا‪ ،‬و َ َال تَكُو ُن ال ْ ُغر َّةُ ِإالَّ ب َ ْي َ‬ ‫ض َ‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪  :‬فِي اجلْ َ ِن ِ‬ ‫اء‪ ،‬قَالَ أَبُو عَ ْم ِرو ب ْ ُن ال َْع َال ِء فِي قَوْ ِل ر َ ُس ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اجلْ‬ ‫َ‬ ‫الَّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الَ‬ ‫ض‪ ،‬أَو ْ َجارِي َ ٌة‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫غ‬ ‫إ‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫لُ‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫َال‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ض‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ى‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ٌ‪،‬‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫‪:‬‬ ‫َقَ‬ ‫ل‬ ‫ى‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫ُر‬ ‫غ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫أراد‬ ‫وسلم‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫ب‬ ‫ني‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ َّ ِ َ ْ ً‬ ‫َ ِ ِ عَ ْ ٌ ْ َ َ َ ِ َّ ُ عَ َ‬ ‫َ​َ َ‬ ‫ِّ َ ِ ِ ُ ٌ ْ َ ُ‬ ‫يها أ َ ْس َودُ و َ َال َسوْدَ ُاء‪ .‬وَلم ْ‬ ‫يش َترط األْ َكْثَرُو َن ذَلِك‪.‬‬ ‫اء‪ ،‬ف َ​َال َ ي ُ ْق َبلُ فِ َ‬ ‫ب َ ْي َ‬ ‫ض ُ‬ ‫( راجع ‪ :‬لسان العرب ‪ :‬البن منظور ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪ 15‬وما بعدها ‪ -‬مادة ‪( :‬غرر)‪ ،‬تهذيب اللغة ‪ :‬لألزهري ‪ -‬ج‪ 8‬ص ‪ 15‬وما بعدها‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‬ ‫‪ :‬البن فارس ‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪ - 382‬مادة ‪( :‬غَر َّ)‪ ،‬العني ‪ :‬للفراهيدي ‪ -‬ج‪ 3‬ص ‪ ،266‬املصباح املنير ‪ :‬للفيومي ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ - 445 - 444‬مادة ‪( :‬غ ر ر)‪ ،‬مختار‬ ‫‪38‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫أو ما يعادلها وهو خمسون دينارا ً‪ ،‬أو خمس مئة درهم عند احلنفية‪ ،‬أو ست مئة درهم عند اجلمهور‪ ،‬على اخلالف‬ ‫في تقومي الدينار بالدراهم (‪ .)174‬فإن كانت اجلناية عمدا ً‪ ،‬وجبت حال َّة في مال اجلاني‪ ،‬وإن كانت اجلناية خطأ أو‬ ‫شبه عمد‪ ،‬وجبت الدية على العاقلة (‪ ،)175‬وتتعدد الغرة بتعدد األجنة‪ ،‬وال يرث الضارب منها شيئا ً‪ ،‬وإن انفصل‬ ‫اجلنني حيا ً‪ ،‬ثم مات بسبب اجلناية‪ ،‬فتجب الدية كاملة‪ ،‬فإن ماتت األم من الضرب بعد موت اجلنني‪ ،‬فعلى الضارب‬ ‫ديتان لألم واجلنني‪ ،‬وال يرث منها شيئا ً‪ .‬وجتب الكفارة في اإلجهاض على الضارب‪ ،‬سواء ألقت اجلنني حيا ً أو ميتا ً ؛‬ ‫ألنه نفس معصومة مضمونة (‪.)176‬‬ ‫ولعل الدليل على صحة ما تقدم أحاديث صحيحة متعددة‪ ،‬منها ‪ :‬ما رواه أبو ُهرَيْرَةَ قَالَ ‪ :‬اق ْ َت َت َل ِ‬ ‫ان ِمن ْ‬ ‫ت ا ْمرَأتَ ِ‬ ‫ص ُموا ِإلَى الن َّ ِبيِّ صلى اهلل عليه وسلم ‪‬‬ ‫ت ِإ ْح َد ُ‬ ‫اه َما األ ُ ْخرَى ب ِ َ‬ ‫ح َج ٍر فَقَ َت َلتْ َها وَ َما فِي بَطْ ِن َها‪ ،‬فَا ْخ َت َ‬ ‫ُهذ َي ْ ٍل‪ ،‬فَر َ َم ْ‬ ‫ضى أنَّ دِي َ َة املَرْأ ِة عَ لَى عَ ا ِق َلتِ َها ‪.)177( ‬‬ ‫ضى أنَّ دِي َ َة َج ِني ِن َها غُرَّة ٌ‪ ،‬عَ بْدٌ أو ْ وَلِي َدة ٌ‪ ،‬وَق َ َ‬ ‫فَقَ َ‬

‫الصحاح ‪ :‬للرازي ‪ -‬ص ‪ - 225‬مادة ‪ ( :‬غ ر ر )‪ ،‬فتَ الباري ‪ :‬ابن حجر ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪ ،162‬عمدة القاري شرح صحيَ البخاري ‪ :‬أبو محمد محمود بن‬ ‫أحمد بن موسى بن أحمد بن حسني الغيتابى احلنفى بدر الدين العينى‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ – 247‬الناشر ‪ :‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‪ ،‬فيض القدير ‪:‬‬ ‫للمناوي ‪ -‬ج‪ 3‬ص ‪ ،184‬اجلامع ألحكام القرآن ‪ :‬شمس الدين أبو عبد اهلل محمد بن أحمد بن فرح األنصاري القرطبي‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪ – 322 - 321‬حتقيق‬ ‫‪ :‬أحمد البردوني‪ ،‬وإبراهيم أطفيش‪ -‬الطبعة الثانية عام ‪1384‬هـ‪1964/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار الكتب املصرية – القاهرة‪ ،‬املبسوط ‪ :‬للسرخسي ‪ -‬ج‪26‬‬ ‫ص ‪ ،87‬حتفة الفقهاء ‪ :‬للسمرقندي ‪ -‬ج‪ 3‬ص ‪ ،118‬املدونة ‪ :‬لْلمام مالك ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ ،139‬الذخيرة ‪ :‬للقرافي ‪ -‬ج‪ 12‬ص ‪ ،405‬األُم ‪ :‬ل ِْلمام الشافعي‬ ‫أبو عبد اهلل محمد بن ِإدريس بن العباس بن عثمان ‪ -‬ج‪ 6‬ص ‪ - 117‬الطبعة ‪ :‬بدون طبعة ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار املعرفة ‪ -‬بيروت ‪ -‬عام ‪1410‬هـ‪1990/‬م‪،‬‬ ‫احلاوي الكبير ‪ :‬للماوردي ‪ -‬ج‪ 12‬ص ‪ ،385 - 384‬اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ‪ :‬للخطيب الشربيني ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ ،513‬املغني ‪ :‬البن قدامة ‪ -‬ج‪8‬‬ ‫ص ‪ ،404‬املبدع في شرح املقنع ‪ :‬ابن مفلَ ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ ،295‬كشاف القناع ‪ :‬للبهوتي ‪ -‬ج‪ 6‬ص ‪ ،23‬اﶈلى باﻵثار ‪ :‬البن حزم الظاهري ‪ -‬ج‪ 11‬ص‬ ‫‪ ،235‬املوسوعة الفقهية الكويتية ‪ :‬ج‪ 2‬ص ‪ 59‬و ج‪ 18‬ص ‪ 270‬وج‪ 21‬ص ‪.) 45‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫ُو‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫لُ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫أل‬ ‫‪،‬‬ ‫ب‬ ‫ار‬ ‫الض‬ ‫َى‬ ‫ل‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫اس‬ ‫ي‬ ‫ْق‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ا‪،‬‬ ‫عَ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )174‬جاء في البدائع‪ ،‬في وجوب الْ ُغر َّ ِة في اجلنني ‪ ( :‬فَال ْ ُغرَّةُ وَا ِج َب ٌة ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫استِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ِ ْ َ َ ًّ َ ْ َ‬ ‫ح َسان ً َ َ ُ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫َّ‬ ‫الش‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫الض‬ ‫ب‬ ‫ك ) وهذا هو رأى سائر الفقهاء‪ ،‬وأساسه عدم اليقني من‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫الضر ْ ِب‪ ،‬وَي َ ْ‬ ‫َم ت ُ ْ‬ ‫خ َلق ْ ِفي ِه احلْ َ َياةُ ب َ ْع ُد‪ ،‬ف َ​َال ي َ ِج ُ َّ َ ُ ِ‬ ‫َم يَكُنْ بِأ َ ْن ل ْ‬ ‫ح َت ِملُ أَن َّ ُه ل ْ‬ ‫وجود اجلنني أو موته‪ ( .‬انظر ‪ :‬بدائع الصنائع ‪ :‬الكاساني ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ ،325‬الذخيرة ‪ :‬ج‪ 12‬ص ‪ ،402‬احلاوي الكبير ‪ :‬ج‪ 12‬ص ‪ ،397‬الوسيط في املذهب‬ ‫‪ :‬ج‪ 6‬ص ‪ ،380‬املغني ‪ :‬ج‪ 8‬ص ‪ ،404‬املبدع في شرح املقنع ‪ :‬ج‪ 7‬ص ‪ ،294‬املوسوعة الفقهية الكويتية ‪ :‬ج‪ 16‬ص ‪ ،63‬التشريع اجلنائي اإلسالمي‬ ‫‪ :‬الشيخ‪ /‬عبد القادر عودة ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪.) 292‬‬ ‫َ‬ ‫(‪ِ )175‬إنَّ َلف َ‬ ‫اف ‪َ -‬ج ْم ُع عَ ا ِقل‪ ،‬وَتُطْ َلق ُ فِي ال ُّل َغ ِة عَ لَى اجلْ َ َماعَ ِة َال عَ لَى ال َْوا ِح ِد‪ ،‬كَ َما يُف ِ‬ ‫ْص َُ عَ ن ْ ُه كَ َال ُم الْفُ قَ َها ِء أي ْ ً‬ ‫َس ِر الْقَ ِ‬ ‫ْظ َة ال َْعا ِق َل ِة ‪ -‬بِك ْ‬ ‫ضا‪ ،‬فَإِنَّ‬ ‫َ‬ ‫اجلْ‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫َ‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ْر‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ُو‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ذ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ْع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫‪:‬‬ ‫ُوا‬ ‫اء قَال‬ ‫‪:‬‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ُ‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ْع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫‪:‬‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫غ‬ ‫ْ‬ ‫م عَ ِشيرَةُ الر َّ ُج ِل‪،‬‬ ‫ه‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫ُ‪.‬‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ْلَ‬ ‫ق‬ ‫ْع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫الْفُ قَ َه َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ َ ْ‬ ‫ُ ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الَ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫الر‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫‪:‬‬ ‫ح‬ ‫م الْقَ رَاب َ ُة ِمنْ ِق َب ِل األْ َ ِب ال َّ ِذي َن ي ُ ْع ُطو َن دِي َ َة‬ ‫ا‬ ‫ح‬ ‫الص‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫َى‬ ‫ل‬ ‫ان‬ ‫يو‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ذ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫‪:‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫يو‬ ‫َّ‬ ‫عُ‬ ‫ُ‬ ‫عَ‬ ‫عَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ َ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ُ ِ ْ َ ُ َ ُ ْ‬ ‫أَو ْ أ َ ْهلُ دِ َ‬ ‫َ َْ ِ ُ َ ِ ْ َ ٍ‬ ‫َ​َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْالً‬ ‫اإلْ‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫ء‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫ب‬ ‫لُ‬ ‫قَ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫لَ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫أل‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫االستِ ْع َمالُ َحتَّى أُطْ ِلق َ ال َْعقْلُ عَ لَى الدِّي َ ِة‪،‬‬ ‫ُر‬ ‫ث‬ ‫ك‬ ‫ُم‬ ‫ث‬ ‫‪،‬‬ ‫يل‬ ‫ت‬ ‫ْقَ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ق‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ط‬ ‫خ‬ ‫َمنْ ق َ َت َل ُه َ َ َ ُ ِّ َ ِ ِّ َ ُ عَ‬ ‫َ ْ ِ َ ً ِ َ ْ َ ِ ِ َّ ِ ِ َ َ ْ ُ ْ‬ ‫ِ ِ َ ِ َ ِ ِّ ِ ِ َّ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َم تَكُنْ ِإبِال ً ؛ ألنها تعقل الدماء من أن تسفك‪ ،‬أي ‪ :‬متسكه‪ .‬وقيل ‪ :‬سميت عقالً‪ ،‬ألنها تعقل لسان ولي املقتول‪ ،‬أو ْ ألن َّ ُهم ًميْنَ ُعو َن عَ ن ْ القَ اتِل‬ ‫وَلَوْ ل ْ‬ ‫عَقلَ ت ُ ِف ْيدُ املَن ْ ُع‪ ( .‬راجع ‪ :‬املغرب في ترتيب املعرب ‪ :‬للمطرزي ‪ -‬ث ‪ - 324‬مادة ‪( :‬ع ق ل)‪ ،‬الصحاح تاج اللغة ‪:‬‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ار‬ ‫ِ‬ ‫اص وَدِي َ ٍة‪ِ ،‬إذ َما َدةُ ِ‬ ‫ص ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫األضر َ َ ْ َ‬ ‫اجلوهري ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪ - 1771‬مادة ‪( :‬عقل)‪ ،‬معجم مقاييس اللغة ‪ :‬ابن فارس ‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪ - 71‬مادة ‪( :‬عقل)‪ ،‬البناية شرح الهداية ‪ :‬للعيني ‪ -‬ج‪ 13‬ص‬ ‫‪ ،363‬فتَ القدير ‪ :‬ابن الهمام ‪ -‬ج‪ 10‬ص ‪ ،340‬فتَ الباري ‪ :‬ابن حجر ‪ -‬ج‪ 12‬ص ‪ ،246‬الفقه اإلسالمي وأدلته ‪ :‬د‪ /‬وهبة الزحيلي ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪،5727‬‬ ‫التشريع اجلنائي إلسالمي ‪ :‬الشيخ‪ /‬عبد القادر عودة ‪ -‬ج‪ 1‬ص ‪ ،673‬العاقلة في الفقه اإلسالمي دراسة مقارنة ‪ :‬د‪ /‬سيف رجب قزامل ‪ - -‬ص ‪8‬‬ ‫ الطبعة األولى عام ‪1433‬هـ‪2012/‬م ‪ -‬الناشر مكتبة الوفاء القانونية ‪ -‬مصر )‪.‬‬‫(‪ )176‬انظر في ذلك ‪ :‬بدائع الصنائع ‪ :‬ج‪ 7‬ص ‪ ،326‬الذخيرة ‪ :‬ج‪ 12‬ص ‪ ،401‬التاج واإلكليل ‪ :‬ج‪ 8‬ص ‪ ،352‬عقد اجلواهر الثمينة ‪ :‬ج‪ 3‬ص ‪،1126‬‬ ‫احلاوي الكبير ‪ :‬ج‪ 12‬ص ‪ ،403‬مغني اﶈتاج ‪ :‬ج‪ 5‬ص ‪ ،372‬أسنى املطالب ‪ :‬ج‪ 4‬ص ‪ ،94‬العزيز شرح الوجيز ‪ :‬ج‪ 10‬ص ‪ ،517‬شرح منتهى اإلرادات ‪:‬‬ ‫ج‪ 3‬ص ‪ 304‬وما بعدها‪ ،‬املوسوعة الفقهية الكويتية ‪ :‬ج ‪ 14‬ص ‪ ،107‬ج‪ 16‬ص ‪ ،62‬الفقه اإلسالمي وأدلته ‪ :‬د‪ /‬وهبة الزحيلي ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ 5771‬وما‬ ‫بعدها‪ ،‬موسوعة الفقه اإلسالمي ‪ :‬للتويجري ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪ ،70‬التشريع اجلنائي اإلسالمي ‪ :‬الشيخ‪ /‬عبد القادر عودة ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ 292‬وما بعدها‪.‬‬ ‫الو َل ِد ‪ -‬ج‪ 9‬ص ‪ - 11‬حديث رقم ‪،6910 :‬‬ ‫اب الدِّيَا ِ‬ ‫ني املَرْأ َ ِة‪ ،‬وَأَنَّ َ‬ ‫الوال ِ ِد وَع َ‬ ‫ت ‪ -‬بَ ُ‬ ‫(‪ )177‬صحيَ البخاري ‪ِ :‬ك َت ُ‬ ‫الوالِ ِد‪ ،‬ال َ عَ لَى َ‬ ‫َص َب ِة َ‬ ‫العقْلَ عَ لَى َ‬ ‫اب َج ِن ِ‬ ‫ْ‬ ‫وب الدِّي َ ِة فِي قَتْ ِل ْ‬ ‫ُ‬ ‫اجلْ‬ ‫‬‫اﶈ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ام‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ني‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫اص‬ ‫ص‬ ‫ْق‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ني‬ ‫ب‬ ‫ار‬ ‫اخل َ​َطإِ‪ ،‬و َ ِشبْهِ ال َْع ْم ِد عَ لَى عَ ا ِقلَ ِة اجلْ َانِي ‪-‬‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫اب‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اب الْقَ َس َ َ َ ِ ِ َ َ َ‬ ‫صحيَ مسلم ‪ِ :‬ك َت ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ َُ ِ‬ ‫ج‪ 3‬ص ‪ - 1309‬حديث رقم ‪.1681 :‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪39‬‬


‫هذا‪ ،‬والقول بتقسيم اجلناية على النفس وما دونها إلي ‪ :‬عمد‪ ،‬وشبه عمد‪ ،‬وخطأ‪ ،‬هو التقسيم الراجَ عند‬ ‫الباحثني في الفقه اجلنائي اإلسالمي (‪ ،)178‬وهو ما أخذت به واعتنقته القوانني الوضعية‪ ،‬فقد قسم قانون‬ ‫العقوبات املصري القتل إلى ‪ :‬عمد‪ ،‬وخطأ‪ ،‬وضرب أفضى إلى موت‪ ،‬أي القتل شبه العمد (‪.)179‬‬ ‫هذا‪ ،‬ونظرا ً الستمداد قانون العقوبات االحتادي من نصوص املذاهب الفقهية‪ ،‬السيما املذهب املالكي‪ ،‬فقد اتبع‬ ‫في تقسيم اجلناية الواقعة على النفس وما دونها ما قرره فقهاء املالكية‪ ،‬في املعتمد عندهم‪ ،‬وهو تقسيم‬ ‫هذه اجلناية إلي قسمني‪ ،‬وهما ‪ :‬العمد‪ ،‬واخلطأ‪ ،‬ونفوا شبه العمد‪ ،‬ألنَّ اهلل تعالى ذكر اخلطأ والعمد‪ ،‬ولم يذكر‬ ‫غيرهما (‪.)180‬‬ ‫ثانياً‪ :‬اجلناية الواقعة على البهائم واجلمادات من عقار ومنقول‬ ‫وهذه اجلناية تكون بالتعدي على املال غصبا ً وَ َس ِرق َ ًة وَ ِخ َيان َ ًة وَ ِإت ْ َالفًا وَن َ ْه ًبا‪ )181( ،‬وهي ‪ :‬فعل محرم؛ ألنّه عدوان‬ ‫ص ُه‪،‬‬ ‫صا ِح ُب املُْقَ دِّ َما ِ‬ ‫وظلم‪ ،‬قال القرافي‪ ( :‬قَالَ َ‬ ‫ال َسبْ َع ُة أَق ْ َس ٍام‪ ،‬لِكُلم ِمنْ َها ُحك ٌْم ي َ ُخ ُّ‬ ‫ت ‪ :‬التَّ َعدِّي عَ لَى رِق َ ِ‬ ‫اب األْ َ ْم َو ِ‬ ‫اخل َيان َ ُة‪ ،‬وَاإلْ ِد ْ َاللُ ‪ ،‬وَ ْ‬ ‫َج َعلَ‬ ‫الس ِرق َ ُة‪ ،‬وَ ْ ِ‬ ‫ي‪:‬ا ِ‬ ‫اجل َ ْ‬ ‫ي كُل َُّها ُم ْ‬ ‫ح ُد ف َ‬ ‫َص ُب‪ ،‬وَ ِاال ْختِ َال ُس‪ ،‬وَ َّ‬ ‫حلرابة‪ ،‬وَالْغ ْ‬ ‫ج َم ٌع عَ لَى َحت ْ ِرمي ِ َها‪ ،‬وَ ِه َ‬ ‫وَ ِه َ‬ ‫الظل َْم فِي األْ َ ْخ ِذ أَن ْ َواعً ا ُم َت َبايِ َن ًة ) (‪.)182‬‬ ‫ُّ‬ ‫‪183‬‬ ‫وَي َ ُدلُّ على َحت ْ ِرميِهِ في الشرع الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬وإجماع األْ ُ َّم ِة( )‪.‬‬ ‫ُم بِال ْ َباطِ ِل إِالَّ أ َ ْن تَكُو َن ِجتَارَةً عَ ن ْ تَرَا ٍض‬ ‫ُم بَيْ َنك ْ‬ ‫ أما الكتاب‪ ،‬فقوله تعالى‪  :‬يَا أَي ُّ َها ال َّ ِذي َن آ َ َم ُنوا َال تَأْكُلُوا أ َ ْم َوالَك ْ‬‫‪184‬‬ ‫صلَوْ َن َس ِعيرًا‬ ‫م نَارًا و َ َس َي ْ‬ ‫ُم ‪ .) ( ‬وقال تعالى‪ِ  :‬إنَّ ال َّ ِذي َن يَأْكُلُو َن أ َ ْم َوالَ ال َْي َت َ‬ ‫امى ُظل ًْما ِإ َّمنَا يَأْكُلُو َن فِي ب ُ ُطون ِ ِه ْ‬ ‫ِمنْك ْ‬ ‫‪.)185( ‬‬

‫(‪ )178‬التشريع اجلنائي اإلسالمي ‪ :‬عبد القادر عودة ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ ،10‬شرح قانون العقوبات ( القسم العام ) ‪ :‬د‪ /‬محمود ُنيب حسني ‪ -‬ص ‪،60‬‬ ‫قانون العقوبات ( القسم العام ) النظرية العامة للجرمية ‪ :‬د‪ /‬محمد ُنم ‪ -‬ص ‪ 311‬وما بعدها ‪ -‬الطبعة األولى عام ‪2008‬م ‪ -‬اإلصدار الثاني‪،‬‬ ‫الناشر ‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع ‪ -‬عمان ‪ -‬األردن‪ ،‬شرح األحكام العامة في قانون العقوبات األردني دراسة مقارنة ‪ :‬د‪ /‬كامل السعيد ‪ -‬ص‬ ‫‪ 279‬وما بعدها ‪ -‬الطبعة األولى عام ‪2002‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬الدار العلمية الدولية‪ ،‬ودار الثقافة للنشر والتوزيع ‪ -‬عمان ‪ -‬األردن‪ ،‬اجلناية على األطراف‬ ‫في الفقه اإلسالمي ‪ :‬د‪ُ /‬نم عبد اهلل العيساوي ‪ -‬ص ‪ ،37‬الفقه اجلنائي في اإلسالم ‪ :‬د‪ /‬أمير عبد العزيز ‪ -‬ص ‪ ،10‬اجلناية على األشخاص ‪ :‬د‪/‬‬ ‫عبد احلكيم عثمان ‪ -‬ص ‪ ،97‬اجلنايات اجملتلف في حتمل العاقلة لها في الفقه اإلسالمي دراسة مقارنة ‪ :‬د‪ /‬إسماعيل شندي ‪ -‬ص ‪ - 7‬الطبعة‬ ‫األولى عام ‪1431‬هـ‪2010/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬منشورات جامعة القدس املفتوحة ‪ -‬فلسطني‪.‬‬ ‫(‪ ) 179‬فقد خصص املشرع املصري في قانون العقوبات كتاب خاص بهذه اجلرائم‪ ،‬هو الكتاب الثالث‪ ،‬والذي جاء بعنوان ‪ ( :‬اجلنايات واجلنَ التي‬ ‫حتصل آلحاد الناس )‪ ،‬وجاء الباب األول منه حتت عنوان ‪ ( :‬القتل واجلرح والضرب )‪ ،‬وخصص املواد من ‪ 230‬وحتى ‪ 251‬مكرر ملعاجلة هذا الباب‪.‬‬ ‫وفضال ً عن ذلك‪ ،‬فقد خصص املشرع الباب الثالث من هذا الكتاب الثالث سالف الذكر ملعاجلة جرائم إسقاط احلوامل ووضع وبيع األشربة‪ ،‬أو‬ ‫اجلواهر املغشوشة املضرة بالصحة ( املواد ‪.)265 - 260‬‬ ‫(‪ )180‬وقد أشارت إلي هذا التقسيم صراحة املادة ‪ 38‬من هذا القانون بقولها ‪ ( :‬يتكون الركن املعنوي للجرمية من ‪ :‬العمد أو اخلطأ‪ .‬ويتوفر‬ ‫العمد باجتاه إرادة اجلاني إلى ارتكاب فعل أو االمتناع عن فعل متى كان هذا االرتكاب أو االمتناع ُم َجر َّ َما ً قانوناً‪ ،‬وذلك بقصد إحداث نتيجة‬ ‫جر َّ َمة قانونا ً يكون اجلاني قد توقعها‪ .‬ويتوفر اخلطأ إذا وقعت النتيجة اإلجرامية بسبب خطأ الفاعل سواء أكان‬ ‫مباشرة أو أية نتيجة أخرى ُم َ‬ ‫هذا اخلطأ إهماال‪ ،‬أم عدم انتباه‪ ،‬أم عدم احتياط أو طيشا ً أو رعونة‪ ،‬أم عدم مراعاة القوانني أو اللوائَ أو األنظمة أو األوامر )‪.‬‬ ‫(‪ )181‬شرح منتهى اإلرادات ‪ :‬البهوتي ‪ -‬ج‪ 3‬ص ‪ ،253‬مطالب أولي النهى ‪ :‬الرحيباني ‪ -‬ج‪ 6‬ص ‪ .3‬قال الكاساني‪ ،‬في بدائعه ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪( : 233‬‬ ‫ب‪ ،‬و َ ِإت ْ َال ٌف‬ ‫ت‪ ،‬و َ ِجنَاي َ ٌة عَ لَى اآلْ دَ ِميِّ‪ .‬أ َ َّما اجلْ ِنَاي َ ُة عَ لَى الْ َب َهائِ ِم وَاجلْ َ َمادَا ِ‬ ‫ان ‪ِ :‬جنَاي َ ٌة عَ لَى الْ َب َهائِ ِم وَاجلْ َ َمادَا ِ‬ ‫ان أَي ْ ً‬ ‫اجلْ ِنَاي َ ُة فِي األْ َ ْ‬ ‫ضا ‪ :‬غ َ ْ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ت‪َ ،‬فنَوْعَ ِ‬ ‫ص ِل نَوْعَ ِ‬ ‫)‪.‬‬ ‫اق‪.‬‬ ‫قَ‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫اال‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫َص‬ ‫غ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫اب‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫‬‫‪255‬‬ ‫ص‬ ‫‪8‬‬ ‫ج‬ ‫‬‫القرافي‬ ‫‪:‬‬ ‫الذخيرة‬ ‫)‬ ‫‪182‬‬ ‫(‬ ‫ْ‬ ‫َِ ُ‬ ‫ْ ِ َِ ْ ِ ْ ِ‬ ‫(‪ )183‬املبسوط ‪ :‬للسرخسي ‪ -‬ج‪ 11‬ص ‪ ،49‬موسوعة الفقه اإلسالمي ‪ :‬للتويجري ‪ -‬ج‪ 3‬ص ‪ 622‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪ )184‬سورة النساء جزء من اآلية رقم ‪.29 :‬‬ ‫(‪ )185‬سورة النساء اآلية رقم ‪.10 :‬‬ ‫‪40‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫س ِل ٍم ِإالَّ بِطِيبِ نَف ٍْس ِمن ْ ُه ‪ ،)186( ‬وقوله‬ ‫السن َّ ُة‪ ،‬فقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪َ  :‬ال ي َ ِ‬ ‫حلُّ َمالُ ا ْم ِر ٍئ ُم ْ‬ ‫ وأما ُ‬‫حر ْ َم ِة دَ ِمهِ ‪.)187( ‬‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ  :‬‬ ‫ُسوقٌ ‪ ،‬و َ ِق َتالُ ُه كُفْر ٌ‪ ،‬و َ ُحر ْ َم ُة َمالِهِ كَ ُ‬ ‫اب املْ ُ ْ‬ ‫س ِل ِم أ َ َخاهُ ف ُ‬ ‫س َب ُ‬ ‫ْسهِ‪ ،‬وَ ِإ ْن قَلَّ (‪.)188‬‬ ‫س ِل ِم‪ ،‬إالَّ ب ِ ِ‬ ‫طي َب ٍة ِمنْ نَف ِ‬ ‫ال املْ ُ ْ‬ ‫ وأما اإلجماع‪ ،‬فإنّه وَا ِق ٌع وَ ُمن ْ َع ِق ُد عَ لَى َحت ْ ِر ِمي َم ِ‬‫وبناء على ما تقدم‪ ،‬فقد ثبت أن الفعل الذي فيه أخذ مال معصوم بغير رضا مالكه عدوان محض وظلم صرف‪،‬‬ ‫واالعتداء عليه ُم َحر َّ ُم كحرمة االعتداء على النفس ؛ ولهذا تترتب عليه آثار شرعية‪ .‬وهذه اآلثار الشرعية تختلف‬ ‫باختالف نوع التعدي‪ ،‬إذ قد يكون عن طريق الغصب‪ ،‬أو السرقة‪ ،‬أو اخليانة‪ ،‬أو النهب‪ ،‬أو اإلتالف بقصد أو بغير‬ ‫قصد‪ ،‬بطريق مباشر‪ ،‬أو عن طريق التسبب‪ ،‬وكل نوع من أنواع التعدي هذه له آثاره املترتبة عليه واخلاصة به‪،‬‬ ‫ُوميكننا إجمال هذه اآلثار في اآلتي ‪:‬‬ ‫هلل إِيَّاهُ يَوْ َم‬ ‫(‪ )1‬املأثم في اآلخرة ‪ ،‬كما قال صلى اهلل عليه وسلم ‪َ  :‬م ِن اق ْ َت َط َع ِشبْرًا ِم َن األْ َر ْ ِض ُظل ًْما‪َ ،‬طوَّق َ ُه ا ُ‬ ‫امةِ ِمن ْ َسبْ ِع أَر َ ِضني َ ‪ ،)189( ‬إال أ ّن املأثم عند قصد الفاعل للفعل مع العلم به‪ ،‬ألنَّ ارتكاب املعصية عمدا ً‪،‬‬ ‫ال ِْق َي َ‬ ‫يُو ِجب املأثم واملؤاخذة (‪.)190‬‬ ‫خذ َ من األموال (‪ ،)191‬لقوله‬ ‫(‪ )2‬وجوب رد األموال املأخوذة بالغصب أو السرقة‪ ،‬أو التعويض والضمان ِملاَّ أُت ْ ِل َف وأ ُ ِ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪  :‬عَ لَى ال َْيدِ َما أ َ َخذ َْت َحتَّى تَرُد َّ ‪ ، ‬وفي رواية ‪  :‬تُؤَد ِّ َي ‪ ،)192( ‬وقوله صلى اهلل عليه‬

‫م أَبِي ُحرَّةَ‬ ‫ص ِريِّني َ ‪َ -‬ح ِد ُ‬ ‫(‪ )186‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل ‪ :‬أبو عبد اهلل أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ‪ -‬كتاب أَوَّلُ ُم ْ‬ ‫سنَ ِد الْ َب ْ‬ ‫يث عَ ِّ‬ ‫اشيِّ ‪ :‬ج‪ 34‬ص ‪ - 299‬حديث رقم ‪ – 20695 :‬اﶈقق ‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬وعادل مرشد‪ ،‬وآخرون – إشراف ‪ :‬د‪ /‬عبد اهلل بن عبد اﶈسن التركي–‬ ‫الرَّق َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْي‬ ‫ْي ‪ -‬ب َ ُ‬ ‫الطبعة األولى عام ‪1421‬هـ‪2001/‬م – الناشر ‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬معرفة السنن واآلثار ‪ :‬للبيهقي‪ِ -‬ك َت ُ‬ ‫اب ِق َت ِ‬ ‫اب ِق َت ِ‬ ‫ال أ ْه ِل الْ َبغ ِ‬ ‫ال أ ْه ِل الْ َبغ ِ‬ ‫َ‬ ‫يم ِة‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫ى‬ ‫ض‬ ‫َقُ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫عَم‬ ‫ز‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ار‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ ج‪ 12‬ص ‪ - 216‬حديث رقم ‪ ،16483 :‬شرح صحيَ البخاري البن بطال ‪ِ :‬ك َتاب احلْ ِ َي ِل ‪ -‬باب ِإذَا غَ َ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ص َب ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ َ‬ ‫يم ُة ث َ​َمنًا ‪ -‬ج‪ 8‬ص ‪.321‬‬ ‫ُم و َ َج َد َها َ‬ ‫اجلْ َارِي َ ِة املْ َ ِّي َت ِة‪ ،‬ث َّ‬ ‫يمةَ‪ ،‬وَال تَكُو ُن ال ِْق َ‬ ‫ي َل ُه وَيَرُدُّ ال ِْق َ‬ ‫صا ِح ُب َها‪ ،‬ف َِه َ‬ ‫ْ‬ ‫هلل ت َ َعالَى عَ ن ْ ُه ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ - 296‬حديث رقم ‪.4262 :‬‬ ‫س ُعودٍ ر َ ِضيَ ا ُ‬ ‫سنَدُ عَ بْ ِد ا ِ‬ ‫هلل ب ْ ِن َم ْ‬ ‫الص َحاب َ ِة ‪ُ :‬م ْ‬ ‫(‪ )187‬مسند اإلمام أحمد ‪ُ :‬م ْ‬ ‫سنَدُ املُكْثِ ِري َن ِم َن َّ‬ ‫أمالي بن بشران ‪ :‬أبو القاسم عبد امللك بن محمد بن عبد اهلل بن ْ‬ ‫بشران ‪ -‬ص ‪ - 260‬حديث رقم ‪ - 602 :‬ضبط نصه ‪ :‬أبو عبد الرحمن عادل‬ ‫بن يوسف العزازي‪ -‬الطبعة األولى عام ‪1418‬هـ‪1997/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬دار الوطن ‪ -‬الرياض‪ ،‬فيض القدير شرح اجلامع الصغير ‪ :‬للمناوي ‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪84‬‬ ‫ حديث رقم ‪ - 4634 :‬حرف السني‪.‬‬‫َ‬ ‫وع ِمن ْ ُه )‪ .‬وقال الصنعاني‬ ‫(‪ )188‬جاء في املغني ‪ :‬البن قدامة ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪ ( : 177‬وَأ ْج َم َع املْ ُ ْ‬ ‫س ِل ُمو َن عَ لَى َحت ْ ِر ِمي الْغ ْ‬ ‫َصبِ فِي اجلْ ُ ْم َل ِة‪ ،‬و َ ِإ َّمنَا ا ْخ َتلَفُ وا فِي فُر ُ ٍ‬ ‫ك )‪ .‬راجع ‪ :‬سبل السالم ‪ :‬محمد بن إسماعيل بن‬ ‫ْسهِ‪ ،‬و َ ِإ ْن قَلَّ ‪ .‬وَاإلْ ِ ْج َما ُع و َا ِق ٌع عَ لَى ذَل ِ َ‬ ‫‪ ( :‬وَاألْ َ َحادِ ُ‬ ‫س ِل ِم إالَّ بِطِي َب ٍة ِمنْ نَف ِ‬ ‫ال املْ ُ ْ‬ ‫يث دَال َّ ٌة عَ لَى َحت ْ ِر ِمي َم ِ‬ ‫‬‫وع‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫اب‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫‬‫باألمير‬ ‫كأسالفه‬ ‫املعروف‬ ‫الصنعاني‪،‬‬ ‫الكحالني‬ ‫احلسني‬ ‫محمد‬ ‫صالح بن‬ ‫َْ (حرمة اغتصاب املَْال ) ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪- 86‬‬ ‫ل‬ ‫الص‬ ‫اب‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ُ ُ ِ َ ُ ُّ ِ‬ ‫الطبعة ‪ :‬بدون طبعة وبدون تاريخ – الناشر ‪ :‬دار احلديث‪ ،‬اإلحكام شرح أصول األحكام ‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي ‪ 3 -‬ص ‪218‬‬ ‫ الطبعة الثانية عام ‪1406‬هـ‪1985/‬م ‪ -‬الناشر ‪ :‬بدون دار نشر‪ ،‬احلاوي الكبير ‪ :‬املاوردي ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪.133‬‬‫ب األْ َر ْ ِض وَغَ ْي ِر َها ‪ -‬ج‪ 3‬ص ‪ - 1230‬حديث رقم ‪.1610 :‬‬ ‫اب َحت ْ ِر ِمي ُّ‬ ‫الظل ِْم وَغَ ْ‬ ‫(‪ )189‬انظر ‪ :‬صحيَ مسلم ‪ِ :‬ك َت ُ‬ ‫اب املْ ُ َساقَا ِة ‪ -‬ب َ ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫(‪ )190‬أما إذا كان مخطئاً‪ ،‬بأن ظن املأخوذ ماله‪ ،‬أو كان جاهالً‪ ،‬بأن اشترى عيناً‪ ،‬ثم ظهر استحقاقه‪ ،‬لم يكن آثما لقوله صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫‪  :‬ر ُ ِف َع عَ نْ أ ُ َّم ِتي ْ‬ ‫س َيا ُن ‪ ،‬أَيْ ‪ِ :‬إث ُْم ُه َما و َ ُحك ُْم ُه َما ‪ .‬وقيل ‪ :‬املراد املأثم فقط دون احلكم‪.‬‬ ‫اخل َ​َطأ ُ وَالن ِّ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َم يَذْكُر ‪ -‬ج‪ 2‬ص ‪ ،518‬شرح‬ ‫( راجع املبسوط ‪ :‬ج‪ 11‬ص ‪ ،49‬واحلديث أخرجه الصنعاني في كتابه ‪ :‬سبل السالم ‪َ -‬ما ذِكْر عَ لَيْهِ ْ‬ ‫اسم اهلل و َ َما ل ْ‬ ‫يما أ َ ْخ َطأ ْ ُمت ْ بِهِ ‪ [ ‬األحزاب ‪،] 5 :‬‬ ‫ف‬ ‫اح‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ُم‬ ‫ث نَ ِ‬ ‫ان وَال ُّنذ ُور ِ ‪ -‬باب ِإذَا َح ِن َ‬ ‫صحيَ البخاري ‪ :‬البن بطال ‪ِ -‬ك َتاب ْ‬ ‫اس ًيا‪ ،‬وَقَوْلِهِ ت َ َعالَى ‪  :‬ل َْي َ‬ ‫س عَ ل َْيك ْ ُ َ ٌ ِ َ‬ ‫األمي َ ِ‬ ‫يت ‪ [ ‬الكهف ‪ - ] 73 :‬ج‪ 6‬ص ‪ ،127‬فتَ الباري ‪ :‬ابن حجر ‪ -‬ج‪ 3‬ص ‪.) 102‬‬ ‫وَقَالَ ‪  :‬ال تُؤَا ِخذْنِى ِمبَا ن َ ِس ُ‬ ‫(‪ )191‬انظر في ذلك ‪ :‬فتَ القدير ‪ :‬ابن الهمام ‪ :‬ج‪ 9‬ص ‪ ،363‬املبسوط ‪ :‬السرخسي ‪ -‬ج‪ 14‬ص ‪ ،52‬بدائع الصنائع ‪ :‬الكاساني ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪،143‬‬ ‫املدونة ‪ :‬اإلمام مالك ‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪ ،169‬التاج واإلكليل ‪ :‬املواق ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ ،311‬احلاوي الكبير ‪ :‬املاوردي ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ ،135‬اﺠﻤﻟموع شرح املهذب ‪ :‬النووي ‪-‬‬ ‫ج‪ 14‬ص ‪ ،227‬املغني ‪ :‬ابن قدامة ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪ ،177‬املبدع في شرح املقنع ‪ :‬ابن مفلَ ‪ -‬ج‪ 5‬ص ‪ ،16‬اإلنصاف في معرفة الراجَ من اخلالف ‪ :‬املرداوي‬ ‫ ج‪ 6‬ص ‪ ،121‬اﶈلى باآلثار ‪ :‬ابن حزم ‪ -‬ج‪ 6‬ص ‪ 431‬وما بعدها‪.‬‬‫َم َش ْيئا ً ِم َن األر ْ ِض ‪ -‬ج‪ 12‬ص ‪ .299‬وقال‬ ‫تاب املْ َ َظالِ ُم والْغ َ‬ ‫َضبِ ‪ُ -‬‬ ‫(‪ )192‬عمدة القاري شرح صحيَ البخاري ‪ :‬بدر الدين العيني ‪ِ -‬ك ُ‬ ‫باب إث ِْم َمنْ َظل َ‬ ‫احلْ‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫يَ عَ لَى َشر ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وع‪ ،‬وَقَالَ ‪َ :‬ح ِد ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫يث َ‬ ‫َ‬ ‫ص ِح ٌ‬ ‫عنه الزيلعي في نصب الراية ‪ِ -‬ك َتاب الْغ ْ‬ ‫َصب ‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪ ( : 167‬وَأ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ​ُ ِ‬ ‫الْ ُب َخارِ ِّي )‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪41‬‬


‫خيهِ َفل َْيرُد َّ َها ِإلَيْهِ ‪ ،)193( ‬وقوله صلى‬ ‫صا أ َ ِ‬ ‫م َمتَا َع أ َ ِ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خيهِ َال ِعبًا أَو ْ َجادًّا‪ ،‬و َ ِإذَا أ َ َخذ َ أ َ َح ُدكُ ْ‬ ‫وسلم ‪َ  :‬ال يَأ ْ ُخذ ْ أ َ َح ُدكُ ْ‬ ‫عَني َ َمالِهِ ف َُه َو أ َ َحق ُّ بِهِ ‪.)194( ‬‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪َ  :‬من ْ و َ َج َد ْ‬ ‫(‪ )3‬احل َ ُد‪ ،‬وهو ‪ :‬العقوبة املُقَ دَّرَةُ شرعا ً في الدنيا‪ ،‬إذا كان التعدي عن طريق السرقة أو احلرابة‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬ونلفت النظر‪ ،‬إلي أ َّن املشرعني املصري واإلماراتي قد عاجلا في قانون العقوبات في كال البلدين اجلرائم‬ ‫الواقعة على األموال واملمتلكات من ‪ :‬غصب‪ ،‬وسرقة (‪ ،)195‬وخيانة (‪ ،)196‬ونهب‬ ‫‪ ،‬وإتالف (‪.)197‬‬

‫اب َمنْ يَأ ْ ُخذ ُ َّ‬ ‫تال أ ْه ِل‬ ‫اح ‪ -‬ج‪ 4‬ص ‪ - 301‬حديث رقم ‪ ،5003 :‬شرح السنة ‪ :‬للبغوي ‪ِ -‬ك ُ‬ ‫(‪ )193‬سنن أبي داود ‪ِ :‬ك َتاب األْ َدَ ِب ‪ -‬ب َ ُ‬ ‫تاب ِق ِ‬ ‫الشيْ َء عَ لَى املِْز َ ِ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ب‬ ‫َص‬ ‫غ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫مي‬ ‫ر‬ ‫‬‫ب‬ ‫َص‬ ‫غ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫اب‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫‬‫للبيهقي‬ ‫‪:‬‬ ‫الكبرى‬ ‫السنن‬ ‫‪،‬‬ ‫‪2572‬‬ ‫‪:‬‬ ‫رقم‬ ‫حديث‬ ‫‬‫‪264‬‬ ‫ص‬ ‫‪10‬‬ ‫ج‬ ‫‬‫حت‬ ‫اب‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اب َال ي َ ِحلُّ ِمل ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْي ‪ -‬ب َ ُ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫س ِل ٍم أ َ ْن يُرَو ِّ َع ُم ْ ً‬ ‫ُ ِْ ِ‬ ‫الْ َبغ ِ‬ ‫َ‬ ‫اس بِغ َْي ِر َحق م ‪ -‬ج‪ 6‬ص ‪ - 154‬حديث رقم ‪.11499 :‬‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫وَأ َ ْخ ِذ ْ َ ِ َّ ِ‬ ‫اب ق َ َتادَةُ عَ ِن احلْ َ َس ِن ‪ -‬ج‪ 7‬ص ‪ - 207‬حديث رقم ‪ .6860 :‬وجاء في املبسوط ‪ :‬السرخسي ‪ -‬ج‪ 11‬ص ‪50 - 49‬‬ ‫(‪ )194‬املعجم الكبير ‪ :‬للطبراني ‪ -‬ب َ ٌ‬ ‫‪ ( :‬ومن ضرورة كونه أحق بالعني وجوب الرد على اآلخذ‪ ،‬واملعنى فيه أنه مفوت عليه يده باألخذ‪ ،‬واليد لصاحب املال في ماله مقصود به يتوصل‬ ‫إلى التصرف واالنتفاع ويحصل ثمرات امللك‪ ،‬فعلى املفوت بطريق العدوان نسخ فعله ليندفع به الضرر واخلسران عن صاحبه‪ .‬وأمت وجوهه رد‬ ‫العني إليه‪ ،‬ففيه إعادة العني إلى يده كما كان‪ ،‬فهو الواجب األصلي ال يصار إلى غيره‪ ،‬إال عند العجز عنه‪ ،‬فإن عجز عن ذلك‪ ،‬بهالكه في يده‬ ‫بفعله أو بغير فعله‪ ،‬فعليه ضمان املثل جبرانا ً ملا فوت على صاحبه ؛ ألن تفويت اليد املقصودة كتفويت امللك عليه باالستهالك )‪.‬‬ ‫(‪ )195‬راجع املواد من ‪ 311‬وحتى ‪ 327‬من الباب الثامن ( السرقة واالغتصاب ) من قانون العقوبات املصري‪ ،‬وكذا املواد ‪ 381‬وحتى ‪ 398‬من الفصل‬ ‫األول اخلاص بـــ ( السرقة ) من الباب الثامن امل ُ َس َّمى ‪ ( :‬اجلرائم الواقعة على األموال ) من قانون العقوبات االحتادي‪.‬‬ ‫(‪ )196‬راجع املواد من ‪ 337‬وحتى ‪ 343‬من الباب العاشر ( النصب وخيانة األمانة ) من قانون العقوبات املصري‪ ،‬وكذا املواد من ‪ 399‬وحتى ‪406‬‬ ‫وهي متعلقة بالفصلني الثاني اخلاص بــ ‪ ( :‬االحتيال )‪ ،‬والثالث اخلاص بــ ‪ ( :‬خيانة األمانة وما يتصل بها ) من الباب الثامن امل ُ َس َّمى ‪ ( :‬اجلرائم‬ ‫الواقعة على األموال ) من قانون العقوبات االحتادي‪.‬‬ ‫(‪ )197‬راجع املواد من ‪ 354‬وحتى ‪ 368‬من الباب الثالث عشر ( التخريب والتعييب واإلتالف ) من قانون العقوبات املصري‪ .‬واملادة ‪ 163‬من القانون‬ ‫املدني املصري‪ ،‬وكذا املواد من ‪ 424‬وحتى ‪ 433‬من الفصل التاسع اخلاص بـ ‪ ( :‬إتالف املال‪ ،‬والتعدي على احليوان ) من الباب الثامن امل ُ َس َّم ى ‪( :‬‬ ‫اجلرائم الواقعة على املال ) من قانون العقوبات االحتادي‪ ،‬وكذا املادتان ‪ ،282‬و ‪ 303‬من قانون املعامالت املدنية االحتادي‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫االبتكار في المالية العامة‬ ‫محاكاة حالة دولة االمارات العربية المتحدة‬ ‫‪Innovation in public finance‬‬ ‫‪U.A.E. Simulation‬‬

‫إعداد األستاذ الدكتور‬ ‫محمد احلسني‬ ‫أستاذ املالية واالقتصاد بكلية القانون‬ ‫جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪43‬‬


‫‪44‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ملخص البحث‬ ‫عنوان البحث‪ " :‬االبتكار في املالية العامة‪ ،‬محاكاة حالة دولة اإلمارات العربية املتحدة "‬ ‫إن املالية العامة متثل ميدانا ً خصبا ً لإلبداع واالبتكار مبا يشمل جانبيها الرئيسيني‪ :‬النفقات العامة واإليرادات‬ ‫العامة‪ ،‬باإلضافة إلى جانب إدارة املالية العامة‪.‬‬ ‫إن ترسيخ أخالقيات العمل في القطاع وتطبيق احلوكمة وإحداث إدارة للمخاطر وكذلك لإلمتثال في إدارة‬ ‫املالية العامة يعد أمرا ً بالغ الضرورة‪ ،‬ألنه يسهم حتقيق الشفافية واملسؤولية واملساءلة واحلد من اجملاطر‬ ‫اجملتلفة‪ .‬كما أن من الضروري التفكير بوسائل دعم للمالية العامة‪ ،‬باستخدام صيغ مبتكرة منها عقود‬ ‫االمتياز ‪ ،BOT‬وعقود الشراكة بني القطاعني العام واخلاص ‪ PPP‬وهوما قامت به القيادة الرشيدة في إمارة‬ ‫دبي بإصدار القانون رقم ‪ 22‬لسنة ‪2015‬م‪ ،‬قانون الشراكة بني القطاعني العام واخلاص‪.‬‬ ‫إن بعض القرارات املالية تعد مؤملة للناس من حيث آثارها األولية‪ ،‬لكن هذه القرارات تعطي نتائج إيجابية‬ ‫على املدى الطويل‪ ،‬مثل فرض ضرائب جديدة أو رسوم أو تقليص الدعم العيني أو استبداله بصيغ ذكية‬ ‫مبتكرة تقوم على التعويض النقدي املباشر‪ ،‬ما يحافظ على املال وينعكس إيجابيا ً على خطط التنمية‪ ،‬كما‬ ‫تقوم به اآلن دول مجلس التعاون ومن ضمنها دولة اإلمارات‪ ،‬ومن ضمن ذلك تطبيق الضريبة على القيمة‬ ‫املضافة‪ VAT‬وإدارة أفضل للمال العام وعقلنة الدعم وخاصة دعم حوامل الطاقة‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪45‬‬


Abstract “Innovation in public finance, U.A.E. Simulation” Public finance represented fertile arena for creativity and innovation, including the main aspects: public expenditure and revenue, in addition to Public Financial Management: PFM To solidify the work ethic in the sector, and application of Governance and Risk Management as well as Compliance in managing public finance is crucial, because it contributes to Transparency, Responsibility and Accountability and reduce risk. It is also necessary to think about the means of public financial support, using innovative formats including BOT concession contracts, contracts of public-private partnership PPP as what its leadership in Dubai issued law number 22 for the year 2015, law of public-private partnership PPP. Some financial decisions are painful for people in terms of the initial impact, but these decisions give positive results in the long term, such as imposing some new taxes or fees or even cancel subsidy, and replace it with a smart innovative formulas based on direct cash compensation, which keeps the money and positively affect development plans, as it does now, GCC, including the U.A.E., including the application of Value Added Tax VAT and better management of public money and rationalize subsidy the power holder's subsidy. ‫ بالطبع‬،‫ ألنها متثل العصب احلساس في االقتصاد‬،‫املالية العامة من أكثر القطاعات التي يتم االهتمام بإدارتها‬ ‫ و توازن املوازنة‬،‫ ألن اإلدارة الناجحة للمالية العامة تعني االستقرار املالي في الدولة‬،‫إلى جانب املالية اخلاصة‬ ‫ لذلك يكون احلرص كبيرا ً على ادارة أفضل لهذا القطاع‬،‫ و حتقيق أهداف التنمية و إشباع احلاجات العامة‬،‫العامة‬ ..‫احليوي‬ ‫أهمية البحث‬ ‫ و أهمية تطبيق بعض األساليب والنماذج التي‬،‫البحث ميثل محاولة لبيان أهمية االبتكار في إدارة املالية العامة‬ ،‫ إدارة اجملاطر‬، ‫ الشفافية‬، ‫ مثل احلوكمة‬،‫سجلت جناحا ً في إدارة املالية اخلاصة لتطبيقها على إدارة املالية العامة‬ ‫ انطالقا ً من أهمية املالية العامة وكون إدارتها بشكل أفضل تنعكس إيجابيا ً على عامة‬، ‫االمتثال و غيرها‬ .‫ وعكس ذلك بالعكس‬، ‫اﺠﻤﻟتمع‬ ‫منهج البحث‬ .ً ‫لقد اعتمدنا املنهجني الوصفي واالستقرائي (التأصيلي) معا‬ ‫مشكلة البحث‬ ‫تتمثل مشكلة البحث في محاولة تكييف وتطبيق مفاهيم إدارية جنح تطبيقها في إدارة املالية اخلاصة على‬ .‫ بهدف إدارتها بنجاح واحلفاظ على املال العام وتنميته وحسن استخدامه وتوظيفه‬،‫إدارة املالية العامة‬

‫م‬2017 ‫ يناير‬- ‫هـ‬1438 ‫ جمادي األولى‬:‫ العدد اخلامس‬- ‫السنة الثالثة‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

46


‫مخطط البحث‬

‫مقدمة‬ ‫املبحث األول‪ -‬ماهية االبتكار‬ ‫املطلب األول‪ :‬مفهوم االبتكار‬ ‫املطلب الثاني‪ -‬البيئة االبتكارية‬ ‫املطلب الثالث ‪ -‬املؤسسة االبتكارية‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬االبتكار املالي‬ ‫املطلب األول‪ -‬ماهية االبتكار املالي‬ ‫املطلب الثاني‪ -‬محاور االبتكار في املالية العامة‬ ‫الفرع األول ‪ -‬تنمية املوارد‬ ‫الضريبة على القيمة املضافة‬‫الفرع الثاني‪ -‬االستخدام الكفؤ و الفعال للموارد‬ ‫‪ )1‬االبتكار في توظيف املوارد املالية‬ ‫عقود االمتياز " البوت ‪" BOT‬‬‫عقود الشركة بني القطاعني العام واخلاص‪PPP‬‬‫حالة إمارة دبي‬‫‪ -)2‬ضبط وترشيد اإلنفاق العام‬ ‫‪ )3‬الدعم احلكومي‬

‫املبحث الثالث‪ -‬احلوكمة في إدارة املالية العامة‬ ‫املطلب األول‪ -‬الشفافية في املالية العامة‬ ‫مبادئ الشفافية املالية‬‫املطلب الثاني‪ -‬احلوكمة و إدارة اجملاطر و االمتثال في املالية العامة‬ ‫إدارة اخلطر‬‫االمتثال‬‫املطلب الثالث‪ -‬االبتكار املالي عامليا ً‬ ‫اخلامتة‬ ‫التوصيات‬ ‫املراجع‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪47‬‬


‫منت البحث‬ ‫مقدمة‬ ‫من املعلوم أن علم االقتصاد هو العلم يدرس كيفية املواءمة بني احلاجات العامة ‪ ،‬وهي متنامية وال محدودة‪،‬‬ ‫بقصد إشباعها من جهة‪ ،‬وبني املوارد االقتصادية و هي محدودة وتتصف بالندرة من جهة ثانية‪ ،‬و هذا يعني أن‬ ‫املشكلة في هذه املعادلة هي ندرة املوارد ومحدوديتها‪ ،‬لذلك جاء علم اإلدارة ليركز على كيفية إدارة املوارد‬ ‫بطريقة جتعلها قادرة على إشباع احلاجات العامة بطريقة فعالة‪.‬‬ ‫إن مسألة شح املوارد أو ندرتها و محدوديتها تتطلب جهودا كبيرة‪ ،‬و تفكيرا مختلفا ‪ ،‬و سلوكا ابتكاريا يؤدي‬ ‫إلى تعزيز هذه املوارد و تنميتها وجعلها مستدامة و قادرة على تلبية متطلبات إشباع احلاجات العامة‪.‬‬ ‫ان محدودية املوارد تعد ظاهرة عامة و حتديا أو مشكلة تواجه الدول واملؤسسات واألسر واألفراد‪ ،‬فثمة مورد هام‬ ‫للغاية من بني املوارد املتاحة للدول واملؤسسات واألفراد هي املوارد املالية ‪ ،Financial Resources‬و هي كباقي‬ ‫املوارد تتصف باﶈدودية والندرة‪ ،‬فما لم تتم إدارتها بالشكل األمثل ‪-‬البل و تنميتها‪ -‬لن تتمكن ال احلكومات وال‬ ‫املؤسسات وال األفراد من حتقيق الغايات واألهداف اﶈددة‪ ،‬فبدون توفر موارد مالية كافية ال ميكن للحكومة القيام‬ ‫بواجباتها جتاه مواطنيها حسب تطلعاتهم‪ ،‬و ال ميكن للمؤسسة أن حتقق النتائج املتوخاة ألصحاب العمل‪ ،‬و ال‬ ‫ميكن لألسرة أن حتقق مستوى مرغوبا من احلياة الكرمية ألفرادها‪.‬‬ ‫إذا ً فإن املوارد املالية متثل العنصر احليوي ‪ Vital‬في حتقيق الرغبات وإشباع احلاجات‪ ،‬من هنا كان البد من بذل جهود‬ ‫حثيثة لتحقيق كفاءة وفعالية إدارة هذه املوارد‪ ،‬ال بل تعزيزها و تطويرها عن طريق ابتكار أساليب جديدة وذكية‬ ‫لتأمني استمراريتها و زيادتها وكذلك للحفاظ عليها من الهدر والتبذير والفساد‪.‬‬ ‫املبحث األول‪ -‬ماهية االبتكار‬ ‫املطلب األول‪ -‬مفهوم االبتكار‬ ‫االبتكار ‪ Innovation‬يعني استخدام فكرة جديدة أو أسلوب جديد‪ ،‬أو استحداث نظرية أو اختراع أو طريقة‬ ‫جديدة تنتج عنها فوائد ومنافع سواء كانت عامة أو خاصة‪.‬‬ ‫ويحدث االبتكار عندما يحاول الفرد البحث واإلجابة عن الكثير من التساؤالت التي تخرج عن املألوف أو التي لم‬ ‫يتم بحثها من قبل‪ ،‬مما ينتج عنه نوع من اﶈاكاة والتفكير بشكل متميز عن التفكير واﶈاكاة التقليديني‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫المشكلة‬ ‫الفرصة‬

‫الفكرة‬

‫التنفيذ‬

‫االبداع‬

‫المنفعة‬ ‫القابلية‬ ‫لالستخدام‬

‫الشكل رقم (‪ )1‬ماهية االبتكار‬ ‫تتعدد أوجه االبتكار وتختلف أشكاله وهو يتضمن عادة أحد األمور التالية‪:‬‬ ‫ تطوير طرائق أو أساليب عمل جديدة و مبتكرة ‪ ،‬أي تختلف عما سبقها‪ ،‬حتقق منافع للمبتكر سواء‬‫أكان فردا ً أو مؤسسة أو حكومة‪.‬‬ ‫ تطوير أو إنتاج منتجات أو مواد جديدة‪ ،‬وتصريفها تبعا ً لنوعية الطلب ‪ ،‬وليس لكميته ‪ ،‬في األسواق‬‫التي تتبع ألذواق وتفضيالت املستهلكني‪.‬‬ ‫ تطوير األجهزة واآلالت واألدوات؛ وما يرافقها من ابتكار في طرائق‪ :‬النقل والتوزيع والتجميع والتصنيع‬‫املؤدية إلى زيادة اإلنتاجية‪.‬‬ ‫ تطوير األداء والسلوك اإلداري؛ أي تطوير مناذج و أساليب إدارية و تنظيمية و تخطيطية ‪ ،‬تسهم في‬‫تطوير أداء األفراد و زيادة والئهم ورضاهم وزيادة إنتاجيتهم ‪ ،‬وتؤدي إلى حتقيق منافع للمؤسسة‪ ،‬سواء‬ ‫ألصحابها أو للعاملني فيها‪ ،‬أو حتديث الطرائق واألساليب اإلدارية املتبعة إليجاد حلول للمشكالت‬ ‫التي تواجه املؤسسة‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ -‬البيئة االبتكارية‬ ‫ميكننا القول إن البيئة االبتكارية هي مجموعة من العوامل و العناصر و الظروف املناسبة و التي إن‬ ‫توفرت فإنها ستسهم في حفز األفراد على اإلبداع واالبتكار في مختلف اﺠﻤﻟاالت‪.‬‬ ‫أي أن االبتكار يبدأ وينطلق من الفرد أو من مجموعة أفراد ومن الظروف اﶈيطة به‪ ،‬و يساعد الفرد على االبتكار‬ ‫توفر خصائص معينة فيه‪ ،‬وأن تكون أسرته داعمة و مشجعة له ‪ ،‬و أن تكون هناك مؤسسة تتبنى إبداعه‪،‬‬ ‫وأن تكون الدولة راعية و مشجعة لالبتكار‪..‬‬ ‫أوال ً‪ -‬اخلصائص والصفات الشخصية‬ ‫حتى يكون الفرد مبتكرا ً ينبغي أن تتوفر فيه الصفات واخلصائص الشخصية اآلتية‪:‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪49‬‬


‫الثقة بالنفس والفضول والرغبة في البحث والطموح وبُعد النظر والرغبة في التجديد واحلرص على التفوق‬ ‫والقدرة على التحمل واملثابرة‪ ،‬ومستوى عال من الذكاء واملعرفة العلمية في مجال اختصاصه‪.‬‬ ‫فقد دلت بعض الدراسات على أن املبتكرين هم ‪ ،‬على الغالب‪ ،‬أشخاص أذكياء لكنهم ليسوا عباقرة بالضرورة‪،‬‬ ‫وأنهم أفراد مثقفون لكنهم ال يحملون بالضرورة شهادات عالية‪ ،‬يدفعهم في عملهم حماسهم ورغبتهم في‬ ‫العمل ومثابرتهم عليه‪ ،‬و احلافز الذاتي إلى حتقيق األفضل‪.‬‬ ‫ثانيا ً‪ -‬األسرة‬ ‫إن لألسرة دورا مهما في تكوين شخصية املبتكر و تطويرها ‪ ،‬فهي تغرس فيه الثقة بالنفس والطموح والنزوع‬ ‫إلى اإلبداع‪ ،‬وتنمي لديه املوهبة والقدرات االبتكارية وتشجعه على إبداء الرأي بحرية والدفاع عن رأيه‪.‬‬ ‫ثالثا ً‪ -‬املؤسسة الداعمة‬ ‫إن دور املؤسسات االقتصادية والعلمية والثقافية واالجتماعية‪ ،‬يعد هاما ً في تطوير الفكر اإلبداعي والسلوك‬ ‫االبتكاري سواء للعاملني فيها أو لغير العاملني فيها‪ .‬و املؤسسة االبتكارية هي التي تتبنى سياسة حتفيز‬ ‫االبتكار للعاملني لديها من حيث توفير البيئة املناسبة لطرح األفكار بحرية و توفير مستلزمات العمل االبتكاري‬ ‫املادية من آالت و جتهيزات و مواد و أماكن مناسبة‪ ،‬و من حيث تشجيع العاملني على االبتكار سواء ماديا ً او‬ ‫معنوياً‪ ،‬فالفكر اإلبداعي يحتاج إلى حاضنة ينمو فيها و تقدم له الرعاية الالزمة‪ ،‬و خاصة أن ابتكار العاملني‬ ‫في املؤسسة سينطلق في الغالب من املشكالت التي تواجهها املؤسسة‪ ،‬أو ينطلق من الرغبة لتطوير أداء‬ ‫املؤسسة و زيادة حصتها السوقية و أرباحها‪ ،‬إذا ً فإن االبتكار سيكون في صالح املنظمة و بالتالي عليها تبنيه‬ ‫ورعايته ‪.‬‬ ‫من ناحية ثانية فإن للمؤسسات بشكل عام‪ ،‬و خاصة املؤسسات االقتصادية منها‪ ،‬دور مهم في تبني بعض‬ ‫املبدعني و مساعدتهم على ﻃرح أفكار و ﻃراﺋق وأساليب جديدة تكون في مصلحة اﺠﻤﻟتمع والبيئة‪ ،‬و إن لم‬ ‫تكن في صالح املؤسسة نفسها ومبا يخدم أغراضها‪ ،‬إن ذلك ميكن وضعه في خانة املسؤولية االجتماعية‬ ‫ملؤسسات األعمال‪ ،‬و كم سمعنا‪ ،‬و خاصة في الدول املتقدمة‪ ،‬عن مؤسسات اقتصادية حكومية أو خاصة‬ ‫وفرت الدعم املادي و املالي إلجناز بحوث و إنتاج تقنيات و ﻃراﺋق جديدة تخدم اﺠﻤﻟتمع‪ .‬و ما يؤسف له أن عدد‬ ‫املؤسسات الراعية للبحوث والتطوير واالبتكار في الدول النامية عدد محدود جدا ً رغم احلاجة املاسة للتطوير‬ ‫في هذه الدول‪.‬‬ ‫إن ما ذكرناه عن ضرورة توافر مؤسسات ترعى البحث والتطوير هو أن التطوير واالبتكار له تكلفة قد ال يستطيع‬ ‫الفرد حتملها لوحده‪ ،‬لذلك البد من جهة راعية له‪ ،‬وتأخذ على عاتقها متويل حتويل الفكرة والناجت االبتكاري إلى‬ ‫منتج جديد وتسويقه جتاريا ً‪.‬‬ ‫إن وجهة نظرنا هي أن املؤسسة التي ال ترعى ابتكارات موظفيها فهي بالتأكيد لن ترعى ابتكارات من هم من‬ ‫خارجها‪ ،‬وعكس ذلك صحيح‪.‬‬ ‫رابعا ً‪-‬دور الدولة‬ ‫إن اهتمام الدولة بالبحث والتطوير وتخصيص موازنة كافية له يعد من املؤشرات على اهتمام الدولة باإلبداع‬ ‫واالبتكار‪ ،‬فالدولة من خالل وضع وتنفيذ سياسات داعمة تستطيع أن تؤمن الرعاية للمبتكرين وحتفيزهم‬ ‫وتشجيعهم وتأمني املستلزمات الضرورية لتهيئة بيئة ابتكارية‪..‬‬ ‫والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف ميكن للدولة دعم النشاط االبتكاري في اﺠﻤﻟتمع؟‬

‫‪50‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫إن اإلجابة على هذا السؤال هي أن الدولة تستطيع توفير بيئة ابتكارية وذلك بطريقتني للدعم‪ :‬مباشرة وغير‬ ‫مباشرة‪.‬‬ ‫آ‪-‬الدعم املباشر‬ ‫أي أن الدولة ميكن أن‪:‬‬ ‫ تضع سياسات وبرامج لدعم اإلبداع واالبتكار‪.‬‬‫ تخصص بندا خاصا في إطار املوازنة العامة للدولة لتمويل االبتكار وحتفيز املبتكرين (كما تفعل حكومة دبي‬‫حاليا ً)‪.‬‬ ‫ حتدث صندوقا لتمويل األفكار االبتكارية وحتويلها إلى منتج جديد‪.‬‬‫ تنشئ ما تسمى حاضنات لالبتكار وتؤمن لها كل ما يلزم‪.‬‬‫ حتتضن األطفال املتميزين وتنشئ مدارس خاصة بهم‪ ،‬وكذلك تساعد الشباب املبدع سواء في تنمية‬‫مواهبهم أو متابعة حتصيلهم العلمي‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الدعم غير املباشر‬ ‫ عندما تكون احلالة االقتصادية جيدة ومستوى احلياة أفضل فإن ذلك يشجع على االبتكار‪ ،‬فالفرد الذي‬‫يقضي جل وقته في تأمني معيشته لن يكون بإمكانه االبتكار‪.‬‬ ‫ طبيعة النظام السياسي واستقراره مهمان لتشكيل بيئة ابتكارية‪ ،‬ألن الظلم واالستبداد وقمع احلريات‬‫مبا فيها حرية التعبير ال يشجع على االبتكار‪.‬‬ ‫ العدالة االجتماعية والتوازن االجتماعي تعد هامة لتشجيع االبتكار‪ ،‬فإننا نرى أن وجود الطبقة الوسطى‬‫في اﺠﻤﻟتمع يساعد على تشجيع االبتكار‪ .‬من ناحية ثانية فإن اﺠﻤﻟتمع املثقﻒ واحلضاري يشجع على االبتكار‬ ‫ويؤمن بيئة لإلبداع‪.‬‬ ‫تعد دولة االمارات العربية املتحدة من الدول األولى التي متتلك استراتيجية لالبتكار‪ ،‬حيث أطلق صاحب السمو‬ ‫الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم‪ ،‬نائب رئيس الدولة‪ ،‬رئيس مجلس الوزراء ‪ ،‬حاكم دبي ‪ ،‬في أكتوبر‬ ‫‪" 2014‬االستراتيجية الوطنية لالبتكار"‪ 1‬والتي تهدف جلعل اإلمارات ضمن الدول األكثر ابتكارا ً على مستوى‬ ‫العالم خالل السنوات السبع القادمة‪ ،‬و كانت أهم مسارات االستراتيجية هي‪:‬‬ ‫‪ .1‬املسار األول يركز على إرساء بيئة محفزة لالبتكار‪.‬‬ ‫‪ .2‬املسار الثاني يركز على تطوير االبتكار احلكومي من خالل حتويل االبتكار احلكومي لعمل مؤسسي‪ ،‬وتوجيه‬ ‫جميع اجلهات احلكومية بخفض مصروفاتها بنسبة ‪ % 1‬ليتم تخصيصها لدعم مشاريع االبتكار‪.‬‬ ‫‪ .3‬املسار الثالث يركز على دفع القطاع اخلاص نحو مزيد من االبتكار‪.‬‬ ‫‪ .4‬املسار الرابع يركز على بناء أفراد ميتلكون مهارات عالية في االبتكار من خالل بناء املواهب والقدرات الوطنية في‬ ‫مجال االبتكار‪ ،‬وترسيخ ثقافة وطنية تشجع على االبتكار وريادة األعمال‪.‬‬ ‫‪ 1‬منشورة على موقع حكومة دولة االمارات العربية املتحدة ‪www.uaecabinet.ae‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪51‬‬


‫أما أهم القطاعات االستراتيجية السبعة التي ستركز عليها االستراتيجية فهي‪ :‬الطاقة املتجددة‪ ،‬النقل‪،‬‬ ‫التعليم ‪ ،‬الصحة ‪ ،‬املياه ‪ ،‬التكنولوجيا ‪ ،‬الفضاء‪.‬‬ ‫املطلب الثالث ‪-‬املؤسسة االبتكارية‬ ‫حتى تكون املؤسسة ابتكارية ينبغي أن تتوفر فيها عناصر محددة و خاصة في البيئة الداخلية للمؤسسة و‬ ‫كذلك في محيطها (بيئتها اخلارجية)‪.‬‬ ‫آ‪-‬البيئة الداخلية‬ ‫إن البيئة الداخلية للمؤسسة تشمل عناصر عديدة‪ ،‬لكننا نرى أن أكثر العناصر املتصلة باالبتكار هي‪:‬‬ ‫آ‪ -‬الثقافة التنظيمية‬ ‫إذ ينبغي أن تكون ثقافة املؤسسة مبا تتضمنه من سلوكيات وقواعد وقيم محفزة لالبتكار وليست محبطة‪،‬‬ ‫فالفرد املبتكر ينبغي أن يشجعه زمالؤه ورؤساؤه ألن اجلميع مؤمن بأهمية االبتكار وتشجيعه‪.‬‬ ‫ب‪ -‬أسلوب اإلدارة‬ ‫نعتقد أن أفضل أساليب اإلدارة املناسبة لالبتكار هي اإلدارة باملشاركة‪ ،‬و الالمركزية ‪ ،‬وتطبيق سياسة الباب‬ ‫املفتوح‪ ،‬و فتح قنوات اتصال مع املرؤوسني و مع البيئة اﶈيطة لتلقي األفكار و ردود الفعل‪ ،‬و أن تضع اإلدارة‬ ‫أهدافا ً محددة ومتنوعة‪ ،‬وتدعم وسائل حتقيقها ‪ ،‬وأن تشجع جميع من يعمل باملؤسسة على االبتكار و حتفزهم‬ ‫وترعى ابتكاراتهم وتؤمن املستلزمات املادية واملالية لالبتكار‪ ،‬و كذلك تنظم جلسات للعصف الذهني لطرح‬ ‫األفكار ‪،‬وتشجع على التغيير و على جتريب األفكار اجلديدة و ترعاها‪ ،‬وتنمي ثقة األفراد بأنفسهم وتنمي عندهم‬ ‫القدرة على التساؤل وتقبل االنتقادات و طلب مساعدة اجلميع في حل املشكالت التي تواجه املؤسسة‪ ،‬أو في‬ ‫نقلها الى مرحلة أفضل‪.‬‬ ‫باملقابل فإن البيئة غير املبتكرة تتبنى اإلدارة فيها قيما ً تنظيمية تقتل املناخ اإلبداعي وحتبط السلوك االبتكاري‬ ‫وترفض أية آراء أو مقترحات جديدة فال تقبل التغيير وترفض النقد‪ ،‬وتتبع أسلوب االدارة املستبدة‪ ،‬مما يؤدي في‬ ‫النهاية إلى سيادة مشاعر اإلحباط وبالتالي إلى انخفاض الروح املعنوية وانعدام الثقة بالنفس لدى املوظفني‪.‬‬ ‫ج‪-‬الهيكل التنظيمي‬ ‫ينبغي تصميم البناء التنظيمي للمؤسسة و خطوط السلطة فيها‪ ،‬بطريقة مرنة و سهلة جتعلها مناسبة‬ ‫لالبتكار‪ ،‬إننا نرى أن الهيكل التنظيمي املناسب لالبتكار هو الهيكل التنظيمي األفقي وهو أفضل من الهيكل‬ ‫العمودي(الرأسي)‪ .‬ثمة اجتاه آخر هو أن حتدث املؤسسة في بنائها التنظيمي إدارات خاصة تتولى مهمة البحث‬ ‫و التطوير و االبتكار والتطبيق‪ ،‬تكون منفصلة عن اإلدارات التقليدية في املؤسسة‪ ..‬كما يوضح الشكل التالي‪:‬‬

‫‪52‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫رئيس المنظمة‬

‫االدارة التقليدية‬

‫إدارة الموارد‬ ‫البشرية‬

‫إدارة اإلنتاج‬

‫ادارة االبتكار‬

‫استكشاف‬ ‫الفرص‬

‫البحث‬ ‫والتطوير‬

‫التمويل‬

‫التصنيع‬

‫الشكل رقم(‪ )2‬الهيكل التنظيمي في املؤسسة االبتكارية‬

‫املبحث الثاني‪ -‬االبتكار املالي‬ ‫املطلب األول‪-‬ماهية االبتكار املالي‬ ‫في بيئة عاملية معقدة وغير مؤكدة بشكل متزايد‪ ،‬فإن إدارة املالية العامة ‪Public Finance Management‬‬ ‫يتطور اهتمامها من التركيز الضيق على املوازنة العامة نحو مجاالت أوسع حيث تكون املالية العامة هي محرك‬ ‫رئيسي للسياسات واالستراتيجيات في جميع املستويات احلكومية واخلدمات العامة واملؤسسات العامة و‬ ‫مشروعات الشراكة بني القطاعني العام واخلاص‪.‬‬ ‫إننا نعتقد بأن قطاع املالية العامة يعد واحدا ً من أكثر القطاعات أهمي ًة وبالتالي فهو ميثل ميدانا ً خصبا ً‬ ‫لالبتكار‪ ،‬ألن نظرة بسيطة على الواقع املالي العاملي تبني بجالء ووضوح األوضاع املالية الصعبة التي تعاني منها‬ ‫دول عديدة في العالم‪ ،‬وأستطيع اجلزم بأن معظم دول العالم تعاني من مشكالت في ماليتها العامة‪ ،‬وهذا‬ ‫يشمل دول متقدمة وصناعية ناهيك عن الدول النامية فأغلبها يعاني من صعوبات مالية و هو ما يؤخر فرص‬ ‫حتقيق التنمية في تلك الدول‪.‬‬ ‫إن املشكالت التي تواجه املالية العامة في الدول النامية عديدة ومتنوعة منها على سبيل املثال ال احلصر‪:‬‬ ‫• شح املوارد املالية بسبب ضعف النمو االقتصادي‪.‬‬ ‫• معدالت التزايد السكاني املرتفعة وتنامي احلاجات العامة تبعا ً لذلك‪.‬‬ ‫• سوء إدارة املالية العامة‪ ،‬ومنها ضعف الشفافية‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪53‬‬


‫• ضعف أجهزة حتصيل اإليرادات العامة وفي املقدمة منها ضعف النظام الضريبي حيث إن الضرائب‬ ‫والرسوم متثالن العمود الفقري لإليرادات العامة في دول العالم كافة‪.‬‬ ‫• الهدر والتبذير واإلسراف في النفقات العامة ناهيك عن الفساد ونتائجه اخلطيرة على املالية العامة‪.‬‬ ‫• سيادة عقلية "أبوية الدولة" التي ترى أن مالية الدولة هي الوحيدة املطلوب منها حتقيق التنمية وتوفير‬ ‫فرص العمل والتعليم والصحة وفي كافة اﺠﻤﻟاالت‪.‬‬ ‫• قصور التشريعات اﶈفزة على االستثمار اخلاص و كذلك استمرار الصعوبات أمام تنفيذ برامج عقود‬ ‫االمتياز ‪ BOT‬و مشتقاته و عقود الشراكة بني القطاعني العام واخلاص(‪ ،) PPP‬هذا إن وجدت التشريعات‬ ‫لهذه الصيغ االستثمارية‪ ،‬فحسب علمنا أنها لم تسن في بعض دول العالم الثالث‪.‬‬ ‫• األزمات املالية العاملية وآثارها املباشرة وغير املباشرة على مالية الدول‪.‬‬ ‫• عدم شفافية األسواق العاملية ملواد الطاقة وغيرها مما يؤدي إلى تقلبات شديدة في أسعارها مما ينعكس‬ ‫سلبا ً على الدول املصدرة وكذلك املستوردة لها‪.‬‬ ‫• الدين احلكومي‪ ،‬والذي تعاني منه الدول املتقدمة والنامية على حد سواء‪.‬‬ ‫• ضعف التنسيق بني السياسة املالية من جهة‪ ،‬وبني السياسة النقدية من جهة أخرى‪.‬‬ ‫هذه املشكالت وغيرها جتعل من الضروري بل من الواجب البحث في أساليب وطرائق عمل جديدة ميكن تطبيقها‬ ‫في قطاع املالية العامة لتجاوز هذه املشكالت وإال فإن دوال عديدة في العالم تنحدر نحو الهاوية املالية‪.‬‬ ‫مفهوم االبتكار في املالية العامة‬ ‫االبتكار في املالية العامة يقصد به‪:‬‬ ‫استحداث أو تصميم طرائق وأساليب جديدة تسهم في تنمية املالية العامة وفي حسن إدارة املال العام‬ ‫بشقيه النفقات وااليرادات لتحقيق األهداف االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬ ‫فكما نقول احلاجة أم االختراع فإن الصعوبات التي تواجهها املالية العامة ينبغي أن تكون مصدر إلهام للباحثني‬ ‫وصناع القرار في ميدان املالية العامة على تطوير أساليب جديدة حتى لو كان ذلك انطالقا ً من املشكالت‬ ‫القائمة في املرحلة األولى‪.‬‬ ‫منطلقات االبتكار في املالية العامة‬ ‫إن االبتكار في قطاع املالية العامة ينبغي أن ينطلق من‪:‬‬ ‫• املشكالت والصعوبات التي تواجهها الدولة في ماليتها العامة‪ ،‬وإن كان ثمة مشكالت عديدة‪ ،‬وهي‬ ‫كذلك‪ ،‬فينبغي وضع أولويات وترتيب لهذه املشكالت حسب أهميتها‪ ،‬ويبدأ االبتكار باستنباط أو‬ ‫تصميم حلول تخص املشكلة األكثر أهمية أو األكثر إحلاحا ً‪.‬‬ ‫• االستفادة من النجاحات التي حققتها دول أخرى في إدارة ماليتها العامة‪ ،‬عندها يكون االبتكار في‬ ‫تكييف وأقلمة األساليب التي جنحت فيها دول أخرى مع واقع الدولة املهتمة باالبتكار‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫املطلب الثاني‪-‬محاور االبتكار في املالية العامة‬ ‫ثمان سنوات بعد أن ضربت األزمة املالية العاملية‪ ،‬وما تزال باقية آثارها على إدارة املالية العامة في بلدان عديدة‬ ‫حول العالم‪ ،‬فبينما كان لألزمة العديد من اآلثار السلبية مثل؛ زيادة العجز وانخفاض فرص احلصول على املوارد‪،‬‬ ‫فقد وجد فيها ممارسو املالية العامة أيضا ً تأثيرات إيجابية‪ ،‬مثل إصالح أنظمة التحصيل‪ ،‬وتعزيز الشفافية‬ ‫املالية‪.‬‬ ‫انطالقا ً من املشكالت التي تواجهها املالية العامة‪ ،‬والتي أشرنا إلى بعض منها آنفاً‪ ،‬فإن املسألة الصعبة في‬ ‫إدارة املالية العامة هي أن اإليرادات العامة ليست كافية لتغطية النفقات العامة‪ ،‬وبالتالي ستقع املوازنة‬ ‫العامة للدولة في عجز‪ ،‬وهذا العجز سوف تتم تغطيته عن طريق االقتراض أو عن طريق اإلصدار النقدي (الذي‬ ‫ال نؤيد استخدامه إال في حاالت الضرورة القصوى)‪ .‬إذا ً فإن املشكلة هي ذات وجهني‪:‬‬ ‫فمن جهة عدم القدرة على زيادة االيرادات العامة‪ ،‬وفي اجلهة املقابلة هناك تزايد ضروري في النفقات العامة‬ ‫يستلزمه زيادة احلاجات العامة املطلوب إشباعها‪.‬‬ ‫لذلك فإننا نرى التركيز على عدة محاور إلصالح املالية العامة هي‪:‬‬ ‫ تطبيق برامج لإلصالح االقتصادي‪ ،‬تهدف الى زيادة النمو االقتصادي وهذا من شأنه زيادة اإليرادات العامة‪.‬‬‫ مراجعة البيئة االستثمارية في البالد وحتديث التشريعات وتسهيل اإلجراءات وتقدمي املزيد من التسهيالت‬‫واخلدمات للمستثمرين‪.‬‬ ‫ تسهيل عمليات عقود االمتياز ‪ BOT‬ومشتقاته‪.‬‬‫ تسهيل عقود الشراكة بني القطاعني العام واخلاص ‪PPP‬‬‫ حتسني كفاءة إدارة املالية العامة وذلك من خالل‪:‬‬‫• تطوير آليات حتصيل اإليرادات العامة‪ ،‬وخاصة من النظام الضريبي‪.‬‬ ‫• حتسني كفاءة النفقات العامة‪ ،‬واحليلولة دون مظاهر اإلسراف والتبذير والهدر في اإلنفاق العام‪.‬‬ ‫• تطبيق احلوكمة في إدارة املالية العامة‪.‬‬ ‫• إحداث إدارة لالمتثال في اإلدارة املركزية ‪.‬‬ ‫• تطبيق معايير الشفافية في إدارة املالية العامة سواء في النفقات أو في اإليرادات العامة‪.‬‬ ‫• إدماج نظم املعلومات بشكل معمق في ممارسة إدارة املالية العامة‪ ،‬واالستخدام الواسع‬ ‫لوسائل التواصل االجتماعي‪. Social Media‬‬ ‫• االستخدام الفعال ألدوات اﶈاسبة احلكومية‪.‬‬ ‫ تنويع مصادر الدخل للخزانة العامة للدولة وعدم االعتماد على مورد واحد أو مصدرين‪ ،‬بل يجب أن تتنوع‬‫مصادر اإليرادات‪.‬‬ ‫ إعطاء دور أكبر ملكاتب التدقيق واملراجعة املالية واﶈاسبية‪ ،‬وأن يكون التدقيق متزامنا مع تنفيذ املوازنة‪.‬‬‫ميكننا القول إن اﶈاور الرئيسة لالبتكار في إدارة املالية العامة هي‪:‬‬ ‫‪ .1‬التركيز‪ ،‬أكثر من أي وقت مضى‪ ،‬على تنمية موارد اخلزانة العامة واالستخدام الكفء والفعال للموارد‬ ‫مبا يلبي احتياجات املواطنني بشكل أفضل‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪55‬‬


‫‪ .2‬زيادة في التركيز على إدارة اجملاطر‪.‬‬ ‫‪ .3‬ضرورات تطبيق احلوكمة في إدارة املالية العامة‪.‬‬ ‫‪ .4‬تطبيق الشفافية‪.‬‬ ‫‪ .5‬االستخدام الواسع لتكنولوجيا املعلومات ونظم املعلومات واملواقع االلكترونية التفاعلية‪.‬‬ ‫إننا نرى أن االبتكارات ﳑكنة في كل محور من اﶈاور أعاله‪.‬‬ ‫آ‪ -‬تنمية املوارد‬ ‫يعد هذا اﶈور هو العمود الفقري للمالية العامة‪ ،‬فنحن هنا نتحدث عن جانب اإليرادات العامة‪ ،‬فاملطلوب هو‬ ‫استحداث طرائق وأساليب جديدة ومبتكرة لغاية تنمية املوارد العامة‪ ،‬أي زيادتها‪ ،‬حيث إن زيادة املوارد العامة‬ ‫تأتي عن طريق‪:‬‬ ‫تنويع مصادرها؛ أو حتسني كفاءة املصادر املوجودة‬ ‫إن تنويع املصادر يعني البحث عن مصادر جديدة لرفد اخلزانة العامة باملوارد‪ ،‬وهذا يكون عبر مسارات عديدة من‬ ‫بينها؛ فرض ضرائب جديدة أو زيادة معدالت الضريبة النافذة‪ ،‬أو فرض رسوم جديدة أو زيادة معدالت الرسوم‬ ‫النافذة‪.‬‬ ‫إن فرض رسم أو ضريبة جديدة أو زيادة الرسم أو الضريبة النافذة ليس أمرا ً يسيرا ً إذ ينبغي دراسة أثر ذلك على‬ ‫االستقرار االقتصادي والتوازنات الكلية في االقتصاد وعلى االستقرار االجتماعي أيضا ً‪ .‬وهنا يكون االبتكار في‬ ‫حتديد أي من الضرائب والرسوم ينبغي فرضها أو زيادة معدالتها‪.‬‬ ‫كما قد تفكر اإلدارة املالية مبصادر أخرى لتنويع أو زيادة املوارد وذلك من خالل توظيفات أو استثمارات ألموالها‬ ‫الفائضة‪ ،‬مع التأكيد على حسن هذه التوظيفات مبا يحقق عائدا لصالح اخلزانة العامة‪ ،‬كما أن الدولة ستفكر‬ ‫باالقتراض‪ ،‬وهذا أمر طبيعي ووارد‪ ،‬لكن االبتكار هنا سيكون في إيجاد أفضل مصدر لالقتراض وأفضل الشروط‪،‬‬ ‫وبنفس الوقت أفضل استخدام للقرض حيث إننا نؤكد على استخدام القروض فقط في متويل مشروعات‬ ‫انتاجية ذات جدوى اقتصادية أو اجتماعية‪.‬‬ ‫في حالة دولة االمارات العربية املتحدة‪ ،‬فإن املوازنة العامة للحكومة االحتادية تتمول من مصادر عديدة من بينها‬ ‫الرسوم‪ ،‬و مساهمة كل إمارة في املوازنة‪ ،‬و بعض العائدات من النفط‪ ،‬و بعض العوائد االستثمارية‪ .‬إذا ً فهناك‬ ‫تنوع في مصادر اإليرادات العامة‪ ،‬لكن هذه املصادر تغيب عنها الضرائب كلياً‪ ،‬حيث ال توجد ضرائب على الدخل‬ ‫‪ Income tax‬في الدولة‪ ،‬واليوم وبعد سنتني من تدهور أسعار النفط عامليا ً (أي منذ سنة ‪2014‬م) فإن من حق‬ ‫دولة اإلمارات أن تبحث عن مصادر إضافية لتمويل املوازنة االحتادية وكذلك لتمويل موازنات احلكومات اﶈلية‪.‬‬ ‫نحن هنا و بتواضع‪ ،‬ندعم ما تقوم به قيادة دولة اإلمارات في التوجه نحو تنويع مصادر متويل املوازنة االحتادية و‬ ‫املوازنات اﶈلية عبر البحث عن مصادر أخرى مستدامة و االستغناء عن االعتماد ‪ ،‬وإن كان هذا االعتماد جزئيا ً‬ ‫‪،‬على عائدات النفط‪ ،‬ولهذه الغاية عقدت احلكومة االحتادية في دولة االمارات العربية املتحدة بحضور مسؤولني‬ ‫اقتصاديني وماليني من الدولة وخبراء ومستشارين‪ ،‬خلوة وزارية موسعة ‪ ،‬أو جلسة عصف ذهني بتاريخ ‪ 30‬يناير‬ ‫‪2016‬م في منتجع باب الشمس في دبي‪ ،‬ملناقشة سبل تعزيز اقتصاد دولة االمارات بعيدا ً عن النفط‪ ،‬ورسم‬ ‫تصورات مختلفة و مناقشة سيناريوهات محتملة في قطاعات جديدة‪ .‬أي أنها كانت جلسة البتكار طرائق‬ ‫جديدة لتنويع مصادر دخل الدولة وتعزيز اقتصادها‪ ،‬وقد كانت هذه اخللوة هي البداية‪ ،‬ورسمت اإلطار العام‪ ،‬ومن‬ ‫املؤكد أن ثمة فنيني وخبراء ومستشارين يعكفون اليوم على بلورة أساليب جديدة لترجمة ما أقرته اخللوة‬ ‫الوزارية‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫الضريبة على القيمة املضافة‬ ‫إن دولة اإلمارات العربية املتحدة تنسق مع دول مجلس التعاون اخلليجي األخرى لفرض الضريبة على القيمة‬ ‫املضافة ‪ ، Value-Added Tax-VAT‬فهذه الضريبة مطبقة في ‪ 150‬دولة حول العالم و منذ عقود (حيث عرفت‬ ‫في فرنسا و طبقت منذ سنة ‪1954‬م)‪ ،‬حيث إن الضريبة على القيمة املضافة سيتم بدء تطبيقها خليجياً‪،‬‬ ‫اعتبارا ً من مطلع سنة ‪2018‬م‪ ،‬وأنه سيسبق ذلك قيام دول مجلس التعاون اخلليجي بتوحيد سياساتها‬ ‫الضريبية ‪.‬‬ ‫ماهية ومزايا الضريبة على القيمة املضافة‬ ‫عرفت الضريبة على القيمة املضافة بأنها‪" :‬فريضة إلزامية يلتزم املمول بأدائها إلى الدولة تبعا ً ملقدرته على‬ ‫الدفع‪ ،‬بغض النظر عن املنافع التي تعود عليه من وراء اخلدمات التي تؤديها السلطات العامة‪ ،‬و تستخدم‬ ‫حصيلتها في تغطية النفقات العامة من ناحية‪ ،‬وحتقيق األهداف االقتصادية واالجتماعية و السياسية و غيرها‬ ‫‪1‬‬ ‫من األغراض التي تنشد الدولة حتقيقها من ناحية أخرى‪".‬‬ ‫تتميز هذه الضريبة بأنها ضريبة غير مباشرة على اإلنفاق‪ ،‬ألنها ال جتبى مباشرة من املستهلك بل تستوفى من‬ ‫املؤسسات واألفراد املكلفني بدفعها‪ ،‬وأنها ضريبة عامة ألنها تفرض على جميع السلع واخلدمات‪ ،‬سواء كانت‬ ‫محلية الصنع أم مستوردة وال يعفى منها إال ما استثنى منها بنص خاص في قانون فرضها‪ ،‬وأنها ضريبة تدفع‬ ‫مجزأة على مراحل (متعددة) ألنها تفرض على السلعة في مختلف مراحل إنتاجها أو تداولها عند انتقالها من‬ ‫املنتج إلى املستهلك‪ ،‬فتفرض على مبيعات كل من املنتجني وجتار اجلملة وجتار التجزئة واملستوردين‪ ،‬بحيث‬ ‫تفرض على القيمة املضافة التي يضيفها كل منهم على السلعة‪ ،‬وأنها ضريبة تقوم على نظام اخلصم‬ ‫الضريبي أي أنها تتيح تنزيل مجموع الضرائب املدفوعة على السلع واخلدمات املشتراة ‪ ،‬من مجموع الضرائب‬ ‫اﶈصلة على بيع املنتجات أو تقدمي اخلدمات‪ ،‬و أنها تساعد على احلد من التهرب الضريبي فكل مكلف بها يصبح‬ ‫حريصا على تنظيم فاتورة ضريبية عند البيع والشراء من أجل إثبات ذلك عند تقدمي اإلقرار الضريبي ملعرفة رقم‬ ‫أعماله وطلب اخلصم واالسترداد‪.‬‬ ‫إن من أهم أسباب جلوء الدول لتطبيق ضريبة ‪ VAT‬هي احلاجة امللحة لزيادة اإليرادات العامة ومتويل املوازنة العامة‬ ‫للدولة‪ .‬يشار الى أن عائدات هذه الضريبة تصل إلى نسبة تتراوح بني ‪ %7-5‬من الناﰋ اﶈلي اإلجمالي ‪ ،‬وفي‬ ‫الدامنارك تصل عائداتها الى حوالي ‪ 10%‬من الناﰋ اﶈلي اإلجمالي ‪ ،‬و بالتالي فهي مصدر دخل مهم جدا ً لتمويل‬ ‫املوازنة العامة‪.‬‬ ‫لذلك تعتبر الضريبة على القيمة املضافة من أهم صور الضرائب غير املباشرة وأكثرها انتشارا ً وشيوعا ً و‬ ‫أهمية‪ ،‬ليس لكونها ضريبة حتقق العدالة الضريبية في حال تطبيقها ‪ ،‬ولكن بسبب قدرتها على تأمني موارد‬ ‫هامة خلزائن الدول التي تطبقها‪ ،‬إذ تطبق على كافة السلع واخلدمات أو معظمها مبناسبة تداول تلك السلع أو‬ ‫‪2‬‬ ‫أداء اخلدمات‬ ‫في دولة اإلمارات قدرت أوساط وزارة املالية أن حصيلة تطبيق هذه الضريبة في العام األول لها ستتراوح بني ‪-10‬‬ ‫‪ 12‬مليار درهم‪.‬‬ ‫‪ 1‬د‪ .‬محمد فؤاد ابراهيم‪ ،‬مبادئ علم املالية العامة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة النهضة العلمية‪ ،‬ص ‪261‬‬ ‫‪ 2‬د‪ .‬خالد عبد احلليم السيد عوض‪ ،‬الضريبة على القيمة املضافة‪ ،‬دراسة مقارنة للنظم الضريبية العاملية‪ ،‬إيتراك للطباعة والنشر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2007،‬ص ‪5‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪57‬‬


‫إن االبتكار هنا ليس في إقرار تطبيق ضريبة ‪ VAT‬فهي معروفة منذ ما يزيد على ‪ 60‬عاماً‪ ،‬بل إن االبتكار سيكون‬ ‫في‪:‬‬ ‫❖ حتديد معدلها‪ :‬فهل سيكون معدال وحيدا أم سيكون هناك أكثر من معدل؟ إن وجهة نظرنا هي أن يتم‬ ‫تطبيقها في البداية مبعدل واحد ألن ذلك سيكون أسهل إدارياً‪ ،‬ويساعد على بناء القدرات البشرية‬ ‫وتراكم اخلبرة واملعرفة‪.‬‬ ‫❖ حتديد مجاالت فرضها‪ :‬فهل ستشمل كافة السلع واخلدمات أم أنه سيكون هناك استثناءات من‬ ‫فرضها؟ إننا منيل إلى استثناء قطاعات التعليم والتدريب والصحة والقوات املسلحة ووزارة الداخلية‪،‬‬ ‫واملؤسسات اخليرية والوقفية‪ ،‬إضافة إلى استثناء السلع األساسية االستهالكية من هذه الضريبة‪.‬‬ ‫❖ املشمولني بها‪ :‬فقد يفكر البعض في أن الدولة ميكن أن تستثني املواطنني اإلماراتيني من تطبيقها‬ ‫بحيث يتم فرضها على املقيمني فقط‪ ،‬إن وجهة نظرنا أن ذلك غير مفيد‪ ،‬ألن هذا االستثناء سيخلق‬ ‫جتاوزات و سوء استخدام لهذه امليزة‪ ،‬لذلك فنحن ندعم فكرة التعويض املالي (يصرف نقدا ً) ملن ترغب‬ ‫الدولة تعويضهم‪ ،‬سواء أكانوا عاملني في الدولة (االحتادية أو اﶈلية) أو ال يعملون ممن يستحقون الدعم‪،‬‬ ‫كما تستطيع الدولة إلزام القطاع اخلاص بتعويض منتسبيه عن طريق منحهم عالوات على الراتب‬ ‫توازي الزيادة املترتبة على تكاليف املعيشة بسبب تطبيق الضريبة‪.‬‬ ‫❖ كيفية معاجلة آثارها على معيشة الناس‪ :‬خاصة وأن تطبيقها ميكن أن يؤدي إلى ضغوط تضخمية‪،‬‬ ‫فإن اجلهات الرقابية على األسواق في الدولة ينبغي أن تقوم بجهد إضافي ملنع استغالل تطبيق الضريبة‬ ‫لزيادة أسعار املستهلك بطريقة مبالغ فيها أو بدافع اجلشع‪.‬‬ ‫❖ تأمني مستلزمات تطبيقها وجناحها‪ ،‬من كوادر بشرية مدربة تدريبا ً خاصاً‪ ،‬ونظم معلومات وتكنولوجيا‬ ‫معلومات متطورة‪ ،‬ونظام فوترة (تطبيق حازم لنظام الفواتير في كافة األنشطة التجارية)‪.‬‬ ‫❖ إحداث كيان مستقل على صيغة دائرة أو إدارة الضريبة على القيمة املضافة ترتبط بوزارة املالية‬ ‫االحتادية‪.‬‬ ‫❖ تنفيذ حملة ترويجية كبيرة قبل تطبيقها لشرح مضمونها وقواعد تطبيقها وأهميتها‪.‬‬ ‫ب‪ -‬االستخدام الكفؤ والفعال للموارد‬ ‫إن وفرة املوارد املالية لدى الدولة يعد أمرا ً هاما ً لكن األكثر أهمية هو كيفية استخدام هذه املوارد بشكل‬ ‫أمثل‪ .‬إن إدارة املوارد املالية يعد حتديا ً آخر تواجهه إدارة املالية العامة إلى جانب حتدي تنمية املوارد (أي زيادتها‬ ‫وتنويع املصادر)‪ ،‬إن هذا اﶈور من محاور االبتكار املالي يتعلق باإلنفاق العام و كيفية توزيع و توجيه‬ ‫استخدامات املال العام بغية إشباع احلاجات العامة‪.‬‬ ‫‪ )1‬االبتكار في توظيف املوارد املالية‬ ‫في أي بلد من البلدان تكون أمام احلكومة مشروعات اقتصادية واجتماعية كثيرة مطلوب منها القيام بها‪،‬‬ ‫فإذا كانت املوارد غير كافية فما العمل؟ وإن كانت املوارد كافية فكيف سيتم توظيف هذه األموال في‬ ‫املشروعات اجملططة وتنفيذها مبا يحقق كفاءة وفاعلية استخدام هذه األموال؟‬ ‫إن االبتكار هنا يكون في‪:‬‬ ‫ وضع تصنيف لهذه املشروعات تبعا ً ألهميتها وتبعا ً ألولويتها‪ ،‬بعدها يجب على احلكومة أن تقرر في ضوء‬‫مواردها املالية‪:‬‬ ‫‪58‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ ماهي املشروعات التي ينبغي أن تقوم الدولة بتنفيذها اعتمادا ً على مواردها املالية وال ميكن تركها للقطاع‬‫اخلاص‪ ،‬وال متكنه املشاركة في تنفيذها؟‬ ‫ و ماهي املشروعات التي ميكن أن تقوم بتنفيذها بالشراكة بني القطاعني العام و اخلاص ‪ PPP‬؟‬‫ و ماهي املشروعات التي ميكن أن تعهد بها للقطاع اخلاص لتنفيذها و فق صيغة عقود االمتياز ‪ BOT‬أو‬‫غيرها ؟‬ ‫ و ماهي املشروعات التي ميكن أن تتركها للقطاع اخلاص ليقوم بتنفيذها لصاحله ؟‬‫إن هذه التساؤالت تدفعنا للحديث عن االستثمار املشترك بني الدولة أو إحدى هيئاتها أو مؤسساتها من‬ ‫جهة‪ ،‬وبني القطاع اخلاص من جهة ثانية‪.‬‬ ‫عقود االمتياز " البوت ‪" BOT‬‬ ‫ميثل اإلنفاق احلكومي على مشروعات البنية التحتية و املرافق العامة و مشروعات الطاقة نسبة كبيرة جدا ً‬ ‫من االنفاق االستثماري العام‪ ،‬و ألن هذه املشروعات تعد ضرورة و البد من تنفيذها‪ ،‬وملا كانت تتطلب إنفاق‬ ‫أموال طائلة قد تعجز مالية احلكومة عن تنفيذها مما يؤدي إلى إطالة أمد تنفيذها و معاناة املواطنني من‬ ‫جراء ذلك‪ ،‬لذلك بدأت بالظهور ‪ ،‬منذ ثمانينيات القرن ‪ 20‬صيغ جديدة لعقود األشغال و املرافق العامة‪ ،‬وفق‬ ‫صيغة‪:‬‬ ‫بناء‪ ،‬تشغيل‪ ،‬حتويل ‪Built-Operate-Transfer :BOT‬‬ ‫إن فكرة هذا العقد أو االتفاقية تقوم على أن املستثمر من القطاع اخلاص (املتعهد أو امللتزم) يتفق مع‬ ‫احلكومة أو إحدى اجلهات التابعة لها سواء أكانت احتادية أو محلية‪ ،‬ببناء مشروع جديد أو إعادة تأهيل‬ ‫مشروع موجود‪ ،‬وتشغيله حلسابه لفترة يتفق عليها‪ ،‬ثم إعادة املشروع للجهة احلكومية املعنية‪.‬‬ ‫لقد انتشرت هذه الصيغة من العقود أو االتفاقيات في الدول حول العالم‪ ،‬وتطورت هذه الصيغ واشتقت‬ ‫منها صيغ عديدة مبا يخدم مصالح الطرفني‪ :‬احلكومة واملتعهد‪.‬‬ ‫لقد أقيمت الطرق السريعة‪ ،‬املطارات‪ ،‬املوانئ‪ ،‬املستشفيات‪ ،‬املسارح‪ ،‬وغيرها من مشروعات البنى التحتية‬ ‫في دول كثيرة في العالم مبوجب هذه العقود‪..‬‬ ‫إن االبتكار في هذه العقود هو أنها تعمل على تنفيذ مشروعات عامة بأموال القطاع اخلاص‪ ،‬تخدم اﺠﻤﻟتمع‬ ‫و يستفيد منها القطاع اخلاص‪ ،‬أما املالية العامة فتستفيد منها في تخفيف الضغوط التمويلية عليها‬ ‫و تقليص عجز املوازنة العامة‪ ،‬و إمكانية استخدام األموال التي كانت ستصرف من احلكومة على تنفيذ‬ ‫هذه املشروعات؛ في مجاالت أخرى تكون أكثر أهمي ًة ‪.‬‬ ‫إننا نرى أن هذه العقود مفيدة وتسهم في إراحة املالية العامة‪ ،‬مع أننا نود التأكيد على ضرورة توخي الدقة‬ ‫خالل صياغة هذه العقود‪ ،‬والرقابة على املتعهدين وخاصة فيما يخص بيع السلع أو اخلدمات حتى ال يبالغ‬ ‫املتعهد برفع األسعار‪ ،‬وكذلك التدقيق في املستوى الفني للمشروع عند إعادته إلى اجلهة احلكومية‪ ،‬بحيث‬ ‫يكون بكامل طاقته وليس متهالكا‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪59‬‬


‫عقود الشراكة بني القطاعني العام واخلاص ‪PPP‬‬ ‫الشراكة بني القطاع العام و اخلاص ‪ public–private partnership – PPP‬هي نوع من أنواع التعاقدات التي تتم‬ ‫بني قطاعات الدولة مع القطاع اخلاص‪ ،‬لتنفيذ مشروعات حتتاج إلى متويل كبير‪ ،‬مثل مشروعات البنية التحتية‪.‬‬ ‫اي أنها تقوم على التفاعل والتعاون بني القطاعني العام واخلاص وتوظيف إمكانياتهما البشرية واملالية واإلدارية‬ ‫والتكنولوجية واملعرفية على أساس من املشاركة واملسؤولية املشتركة وااللتزام باألهداف من أجل حتقيق‬ ‫األهداف االقتصادية واالجتماعية التي تهم العدد األكبر من أفراد اﺠﻤﻟتمع‪.‬‬ ‫ظهر هذا النوع من العقود في تسعينيات القرن ‪ ، 20‬و يزداد الطلب عليها في الوقت احلالي نظرا ً لعدم كفاية‬ ‫األموال احلكومية ‪ ،‬والطلب املتزايد على مشاريع البنية التحتية نظرا ً للزيادة املضطردة في عدد السكان‪.‬‬ ‫بالرغم من أن مفهوم الشراكة بني القطاع العام واخلاص حديث العهد لكنه أصبح ثقافة حديثة تبنتها معظم‬ ‫الدول املتقدمة في نشاطاتها االقتصادية ومشاريعها اخلدمية‪ ،‬وبدرجة أقل في الدول النامية‪ .‬مع ذلك فعلى‬ ‫الرغم من أن الشراكة بني القطاعني العام واخلاص تتيح وسيلة ذات شعبية متزايدة لتوفير خدمات البنية‬ ‫التحتية‪ ،‬فإنها ليست باحلل السحري الذي يصلح في جميع احلاالت‪ .‬فمن الضروري التأكد من تنفيذ الشراكات‬ ‫بني القطاعني لألسباب الصحيحة (زيادة الكفاءة) وليس لتلبية رغبة في حتويل بنود النفقات خارج املوازنة‬ ‫والديون خارج امليزانية العمومية‪.1‬‬ ‫مفهوم عقد الشراكة ‪PPP‬‬ ‫إن عقد الشراكة يعد نوعا من العقود اإلدارية‪ ،‬ومضمونه هو؛ أن يقوم القطاع اخلاص بتمويل وإنشاء املشروعات‬ ‫وتشغيلها مقابل هامش ربح متفق عليه‪ ،‬تدفعه الدولة على شكل أقساط شهرية أو ربع سنوية أو سنوية‬ ‫(حسب االتفاق)‪ ،‬وهذا يفضي إلى انخفاض األعباء املالية التي تتحملها خزانة الدولة‪ ،‬وبذات الوقت إلى تنفيذ‬ ‫مشاريع وخصوصا ً في املشاريع املتعلقة بالبنية التحتية‪ ،‬أو مراكز لتقدمي خدمات للمواطنني‪.‬‬ ‫مبررات وأهداف الشراكة بني القطاعني العام واخلاص‬ ‫إن عقود الشراكة بني القطاعني العام واخلاص بدأ ينظر إليها في كثير من الدول على أنها املالذ اآلمن جلميع‬ ‫األطراف وخاصة في متويل مشاريع البنية األساسية‪ .‬حيث تعتبر الشراكة بني القطاعني العام واخلاص منوذجا ً‬ ‫متطورا ً ألنشطة األعمال يساعد على زيادة استثمارات القطاع اخلاص في كافة مجاالت النشاط االقتصادي‬ ‫واالجتماعي من أجل الوفاء باحتياجات اﺠﻤﻟتمع من السلع واخلدمات ‪ ،‬كما أن أهميتها تزداد بسبب عدم‬ ‫قدرة احلكومات على حتقيق التنمية املستدامة بأموالها الذاتية‪ ،‬ناهيك عن محدودية املوارد املالية والبشرية‬ ‫والتكنولوجية‪. 2‬‬ ‫لذلك فإن عقود الشراكة تفيد في تنفيذ مشروعات التنمية في الوقت اﶈدد‪ ،‬كما تساعد على منع تدهور‬ ‫األصول واملؤسسات واملرافق العامة نتيجة عدم توفر األموال الكافية للصيانة أو نتيجة التشغيل السيء لها‪،‬‬

‫‪ 1‬االستثمار العام والشراكة بني القطاعني العام واخلاص‪ ،‬برناردين أكيتوبي‪ ،‬ريتشارد همينغ‪ ،‬غيرد شوارتز‪ ،‬منشورات صندوق النقد‬ ‫الدولي‪.2007،‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪Irwin, Timothy, 2003, “Public Money for Private Infrastructure—Deciding When to Offer Guarantees, Output-Based Subsidies,‬‬ ‫‪and Other Fiscal Support,” World Bank Working Paper No. 10 (Washington: World Bank).‬‬ ‫‪60‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫كما أن عقود الشراكة تسهم في إدخال االبتكارات على هذه القطاعات‪ ،‬من ناحية أخرى فإن القطاع اخلاص‬ ‫سيكون شريكا ً في حتمل اجملاطر في هذه العقود‪.‬‬ ‫جتربة إمارة دبي‬ ‫انطالقا ً من أهمية عقود الشراكة وضرورتها فقد أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم‪ ،‬نائب‬ ‫رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء‪ ،‬بصفته حاكما ً إلمارة دبي القانون رقم ‪ 22‬في شهر أغسطس من سنة‬ ‫‪2015‬م بشأن تنظيم الشراكة بني القطاعني العام واخلاص في إمارة دبي‪.‬‬ ‫يهدف القانون اجلديد إلى تشجيع القطاع اخلاص على املشاركة في املشاريع التنموية وزيادة االستثمار في‬ ‫مجاالتها اجملتلفة مبا يخدم التنمية االقتصادية واالجتماعية في اإلمارة‪ ،‬وكذلك إلى متكني احلكومة من تنفيذ‬ ‫مشاريعها االستراتيجية بكفاءة وفعالية واالستفادة من الطاقات واخلبرات املالية واإلدارية والتنظيمية والفنية‬ ‫والتكنولوجية املتوفرة لدى القطاع اخلاص مبا ﳝكن أفراد اﺠﻤﻟتمع من احلصول على أفضل اخلدمات وبأقل التكاليف‪.‬‬ ‫كما يهدف القانون إلى زيادة اإلنتاجية‪ ،‬وحتسني جودة اخلدمات العامة‪ ،‬ونقل املعرفة واخلبرة من القطاع اخلاص‬ ‫إلى القطاع العام‪ ،‬وتدريب موظفي اجلهات احلكومية وتأهيلهم إلدارة املشاريع وتشغيلها‪ ،‬عالوة على تخفيف‬ ‫األعباء التمويلية عن املوازنة العامة للحكومة في حتمل تكاليف املشاريع‪ ،‬ويهدف القانون كذلك إلى توفير قدرة‬ ‫تنافسية أعلى للمشاريع‪ ،‬وتعزيز مبادئ احلوكمة في إدارة النشاط االقتصادي وحتسني إجراءات إدارة املوارد املالية‪.‬‬ ‫ضوابط عقد الشراكة حسب القانون رقم ‪ 22‬لسنة ‪2015‬م‬ ‫ يشترط إلبرام عقد الشراكة وفقا ً ألحكام هذا القانون أن يكون املشروع ذا جدوى اقتصادية ومالية وفنية‬‫واجتماعية‪.‬‬ ‫ ال يجوز إبرام أي عقد للشراكة يرتب دفعات مالية على اجلهة احلكومية دون أن تكون مخصصات تلك الدفعات‬‫مرصودة في موازنة هذه اجلهة‪.‬‬ ‫ حدد القانون السلطة اجملتصة باعتماد املشاريع حيث يتم اعتماد العقد من‪:‬‬‫• مدير عام اجلهة احلكومية أو من يفوضه؛ للمشاريع في حال كانت الكلفة اإلجمالية التي سوف‬ ‫تتحملها اجلهة احلكومية عن عقد الشراكة ال تزيد على ‪ 200‬مليون درهم‪.‬‬ ‫• الدائرة املالية؛ للمشاريع التي تزيد كلفتها اإلجمالية على ‪ 200‬مليون درهم ولغاية ‪ 500‬مليون درهم‬ ‫• اللجنة العليا للسياسة املالية؛ للمشاريع في حال زادت كلفة عقد الشراكة على ‪ 500‬مليون درهم‪.‬‬ ‫وأناط القانون بدائرة املالية وضع السياسة العامة لتنظيم مشاريع الشراكة بني القطاعني العام واخلاص‬ ‫ورفعها إلى اللجنة العليا للسياسة املالية العتمادها واقتراح حتديث وتطوير التشريعات املنظمة للشراكة‪،‬‬ ‫وتقدمي العون واملساعدة للجهات احلكومية في إعداد وتطوير مبادراتها في مجال الشراكة‪ ،‬والترويج ملشاريع‬ ‫الشراكة داخل اإلمارة وخارجها بالتنسيق مع اجلهات اجملتصة في اإلمارة‪ ،‬وإعداد دليل عام يتضمن القواعد‬ ‫واإلجراءات الواجب مراعاتها في حال رغبة اجلهة احلكومية في إبرام عقد الشراكة وتذليل كافة الصعوبات‪.‬‬ ‫كما نص القانون على أن تشكل لدى اجلهة احلكومية جلنة داخلية تسمى "جلنة الشراكة"‪ ،‬كما تضمن القانون‬ ‫العديد من املواد املتعلقة بأسس اختيار الشريك وآليات تأهيل الشركات‪ ،‬ومضمون ومدة عقد الشراكة والرقابة‬ ‫عليها‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪61‬‬


‫دليل الشراكة‬ ‫في شهر مايو ‪2016‬م أصدرت دائرة املالية في حكومة دبي دليل الشراكة بني القطاعني العام واخلاص‪ ،‬تنفيذا ً ملا‬ ‫نص عليه القانون رقم ‪ 22‬لسنة ‪2015‬م‪ ،‬ويعد الدليل نظام إرشاد وتوضيح وتعريف للمعنيني في تفعيل‬ ‫منظومة الشراكة بني القطاعني العام واخلاص‪ ،‬سواء من اجلهات احلكومية أو من الشركات العاملة في شتى‬ ‫اﺠﻤﻟاالت بالقطاع اخلاص‪.‬‬ ‫وبذلك اكتمل اإلطار التشريعي والقانوني في إمارة دبي‪ ،‬ما ميهد النطالقة قوية ملشروعات الشراكة بني‬ ‫القطاعني العام واخلاص‪ ،‬ونحن نتوقع جناحا ً باهرا ً لهذه املنظومة التشريعية نظرا ً ملا متتلكه إمارة دبي من‬ ‫مشروعات طموحة وعدد كبير من الشركات اخلاصة واملتخصصة في مختلف اﺠﻤﻟاالت‪.‬‬ ‫و االبتكار سيكون في كيفية اختيار اجلهات العامة في دبي للمشروعات التي ستعرض للشراكة و ذلك وفقا ً‬ ‫ألولويات احلكومة مستهدي ًة بأهداف و غايات رؤية دبي ‪. 2021‬‬ ‫إننا نقترح على اجلهات االحتادية في الدولة ‪ ،‬وفي املقدمة منها وزارة املالية بالتعاون مع باقي اجلهات االحتادية‬ ‫املعنية‪ ،‬إعداد تشريع احتادي للشراكة بني القطاعني العام واخلاص ينظم هذا اﺠﻤﻟال احليوي على مستوى الدولة‪،‬‬ ‫ألن وجود تشريع كهذا سيساعد في الوصول للغايات التي تنشدها احلكومة االحتادية‪ ،‬بنا ًء على توجيهات‬ ‫القيادة الرشيدة في الدولة‪ ،‬و املتمثلة بابتكار أساليب جديدة لتنمية املالية العامة وإدارتها بشكل يضمن‬ ‫تنفيذ مشروعات التنمية وإشباع حاجات املواطنني‪ ،‬وفي نفس الوقت مينع الهدر والتبذير واإلسراف في املالية‬ ‫العامة‪ .‬ونرى أن تطبيقها سيسهم بال شك‪ ،‬وبشكل كبير‪ ،‬في حتقيق نتائج إيجابية على مجمل حركة‬ ‫االقتصاد الوطني‪.‬‬ ‫‪ )2‬ضبط وترشيد اإلنفاق العام‬ ‫إن من أهم التحديات التي تواجه إدارة املالية العامة هو إدارة النفقات العامة بهدف منع الهدر واإلسراف‬ ‫والتبذير‪ ،‬ومنع التجاوزات على املال العام من قبيل الفساد املالي بكافة صوره‪ ،‬من ناحية ثانية ميكن أن يأخذ هدر‬ ‫املال العام صيغة اإلنفاق الزائد على بعض الهيئات العامة مع وجود ضعف في االدارة يتسبب بخسائر مالية‬ ‫وتبديد اإلنفاق العام‪.‬‬ ‫إن الهدر في املال العام يعني إنفاقه في مجاالت ال تعطي أية نتيجة مفيدة وال حتقق الغايات املنشودة منه‪.‬‬ ‫أما اإلسراف فنحن نراه يتمثل في إنفاق مال عام زيادة عن املستوى الالزم‪.‬‬ ‫في حني أن الفساد ميثل آفة تفتك باملال العام ميارسه موظفون كبار في األجهزة احلكومية مستغلني مناصبهم‬ ‫أو مسؤولياتهم‪ ،‬لتحقيق مصالح شخصية على حساب املصلحة العامة‪.‬‬ ‫إن مكافحة الهدر واإلسراف ليست من الصعوبة مبكان إذا توفرت اإلرادة القوية لذلك‪ ،‬فينبغي على احلكومة أن‬ ‫تصدر تشريعات وقرارات وقواعد ناظمة لذلك‪ ،‬مع وجود آلية فعالة للرقابة على ذلك سواء رقابة إدارية أو رقابة‬ ‫مالية وخاصة الرقابة املسبقة على املصروفات العامة‪.‬‬ ‫هنا يأتي دور االبتكار في تصميم طرائق وأساليب جديدة في الرقابة تكون فعالة‪ ،‬وتستفيد من النظم الرقابية‬ ‫التي كانت تسود على مدى عقود ولم تنجح في منع الهدر واالسراف‪.‬‬ ‫إننا ندعو هنا إلى تطبيق احلوكمة في إدارة املالية العامة‪ ،‬حيث أن احلوكمة تهدف‪ ،‬من بني ما تهدف إليه‪ ،‬إلى‬ ‫حتقيق الشفافية واملساءلة في املالية العامة سواء في جانب النفقات العامة أو في جانب اإليرادات العامة‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫‪ )3‬الدعم احلكومي‬ ‫الدعم احلكومي ‪ subsidy‬هو مساعدات مالية تقدّم من احلكومة لتخفيض األسعار إما لصالح قطاع اقتصادي‬ ‫ما (صناعة‪ ،‬زراعة‪ ،‬صحة‪ ،‬تعليم‪ ).. ،‬وإما لصالح املواطن‪ .‬و في مجتمعات عديدة يهدد إلغاء الدعم احلكومي أو‬ ‫تقليصه بردات فعل قوية من الشعب‪ ،‬ومن أهم السلع التي يتم دعمها عادة؛ الدقيق (الطحني)‪ ،‬السكر‪ ،‬احلليب‪،‬‬ ‫الكهرباء‪ ،‬األدوية‪ ،‬املشتقات النفطية‪.‬‬ ‫أما في قطاع الصناعة فيكون هدف الدعم هو تنمية تلك الصناعة أو جعلها ذات تنافسية أعلى في األسواق‬ ‫العاملية‪ .‬من أشكال دعم الصناعة؛ اإلعفاء من الضرائب‪ ،‬منح تخفيضات على أسعار املواد اخلام‪ ،‬تقدمي محفزات‬ ‫مادية للمستهلك لشراء منتوجات الصناعة (كما في خطط حتفيز قطاع الطاقات املتجددة)‪.‬‬ ‫وفي قطاع الزراعة يكون الدعم بتأمني مستلزمات الزراعة (بذور‪ ،‬سماد‪ ،‬مبيدات‪ )..‬بأقل من تكلفتها احلقيقية‪،‬‬ ‫كذلك قد يأخذ الدعم في الزراعة شراء بعض اﶈاصيل الزراعية بأسعار تفوق األسعار العاملية‪ ،‬وذلك تشجيعا ً‬ ‫للعاملني في الزراعة وتأمني الغذاء للشعب‪ ،‬و تثبيت الفالحني في مناطقهم (أي للحد من الهجرة الى املدن)‪.‬‬ ‫إذا ً فإن للدعم أنواعا وصورا مختلفة منها؛ دعم اإلنتاج‪ ،‬دعم االستهالك‪ ،‬دعم التصدير‪ ،‬دعم النقل‪ ،‬الدعم‬ ‫البيئي‪ ،‬الدعم الضريبي‪ ،‬دعم حوامل الطاقة (مشتقات نفطية‪ ،‬كهرباء) وغيرها من أشكال الدعم واإلعانات‬ ‫التي تقدمها احلكومة‪.‬‬ ‫والدعم ميكن أن يكون مباشرا ً كالدعم التمويني (دعم أسعار السلع الغذائية األساسية)‪ ،‬أو دعم أسعار‬ ‫املشتقات النفطية‪ ،‬أو دعم األدوية حيث يصل إلى املستفيد مباشرة‪ ،‬وقد يكون الدعم غير مباشر من خالل‬ ‫منح إعفاءات ضريبية‪ ،‬أو منح قروض بدون فائدة‪ ،‬أو تخفيض الضرائب اجلمركية على املواد األولية دعما ً‬ ‫للصناعة وغيرها‪..‬‬ ‫ونحن هنا ال نريد الدخول في مزيد من التفصيل في موضوع الدعم ألن اﺠﻤﻟال ال يتسع لذلك وهو ليس موضوع‬ ‫بحثنا‪ ،‬لذلك سنقتصر على مناقشة أثر الدعم على املالية العامة وجدوى هذا الدعم‪ .‬إن العبء الذي تتحمله‬ ‫احلكومة أو املالية العامة يتمثل بدفع الفرق بني أسعار السلع املدعومة وبني أسعارها الفعلية‪ .‬املعترضون على‬ ‫الدعم يرون فيه أن الدولة تقوم بشراء السلم االجتماعي بطريقة حتمل الدولة ديونا ً كبيرة‪ ،‬خصوصا ً أن الشرائح‬ ‫االجتماعية امليسورة كثيرا ً ما تستفيد من الدعم بدرجة أكبر من الفئات الفقيرة‪ .‬في الدول العربية يشكل‬ ‫الدعم حوالي نحو ‪ %5.7‬من الناﰋ اﶈلي اإلجمالي ‪ ،‬وهي نسبة تفوق بكثير املعدل املوجود في بقية الدول‬ ‫النامية والذي يبلغ نحو ‪ %1.3‬فقط ‪.‬‬ ‫يعد دعم املشتقات النفطية هو األكبر بني عناصر الدعم احلكومي‪ ،‬وتكون فاتورته هي األكثر ثقال ً على املالية‬ ‫العامة‪ ،‬فقد كان تبرير دعم املشتقات النفطية أنها األداة الرئيسية لتوفير احلماية االجتماعية وتقاسم الثروة‬ ‫النفطية‪ .‬وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي‪ 1‬إلى أن دعم الطاقة قبل الضريبة ‪ -‬أي الدعم املقاس باعتباره‬ ‫الفرق بني قيمة االستهالك بالسعر العاملي وقيمته بالسعر اﶈلي ‪ -‬في منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا‬ ‫ككل بلغت حوالي ‪ 237‬مليار دوالر في سنة ‪2011‬م‪ ،‬وتعادل هذه القيمة ‪% 6.8‬من إجمالي الناﰋ اﶈلي للمنطقة‪،‬‬ ‫أو ‪ % 22‬من اإليراد احلكومي‪ ،‬ومتثل أكثر من ‪ %48‬من دعم الطاقة على مستوى العالم حيث وصل مجموع الدعم‬ ‫العاملي للطاقة الى ما قيمته ‪ 492‬مليار دوالر في سنة ‪2011‬م ‪ .‬ويتجاوز دعم الطاقة بكثير في قيمته أنواعا ً‬ ‫‪ 1‬املصدر‪ :‬دراسة أعدها ادارة الشرق األوسط وآسيا الوسطى‪ ،‬في صندوق النقد الدولي بعنوان‪ :‬دعم الطاقة في منطقة الشرق األوسط‬ ‫وشمال إفريقيا‪ :‬دروس مستفادة لإلصالح مارس ‪2014‬م‪ .‬منشورة على موقع صندوق النقد الدولي ‪www.imf.org‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪63‬‬


‫أخرى من الدعم يجري تقدميها في الوقت الراهن في عدد كبير من بلدان منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا‪.‬‬ ‫فعلى سبيل املثال‪ ،‬بلغ دعم الغذاء حسب التقديرات ‪ %0.7‬من إجمالي الناﰋ اﶈلي في سنة ‪2011‬م مقارنة بـ‬ ‫‪ %6.8‬كدعم حلوامل الطاقة في املنطقة ‪ .‬ومتثل املنتجات البترولية نحو نصف مجموع دعم الطاقة في منطقة‬ ‫الشرق األوسط وشمال إفريقيا‪ ،‬بينما ميثل النصف اآلخر دعم الكهرباء والغاز الطبيعي‪.‬‬ ‫فعلى سبيل املثال كان توزيع فاتورة الدعم للمشتقات النفطية في اململكة العربية السعودية لسنة ‪2013‬م‬ ‫كما يوضح اجلدول اآلتي‪:‬‬ ‫الوقود‬ ‫قطاع الكهرباء‬ ‫قطاع النقل (البنزين والديزل)‬ ‫الغاز الطبيعي و اإليثان‬ ‫سوائل الغاز الطبيعي‬ ‫زيت الوقود‬ ‫غاز البترول املسال‬

‫تكلفة الدعم‬ ‫(مليار ريال)‬ ‫‪150‬‬ ‫‪168‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪14.6‬‬ ‫‪23.3‬‬ ‫‪3.5‬‬

‫اجمالي الدعم‬ ‫‪ 451‬مليار ريال‬

‫إن إجمالي الدعم للمشتقات النفطية املذكور أعاله يعادل نصف النفقات العامة أو يزيد عن ذلك و هو‬ ‫أمر جدا ّ مقلق‪ ،‬لذلك بادرت اململكة للبدء مبعاجلة هذا الوضع و بشكل تدريجي اعتبارا ً من سنة ‪2016‬م‪.‬‬ ‫إن معدالت منو استهالك الطاقة سنويا ً تتضاعف في الوطن العربي مقارنة باملعدالت العاملية‪ ،‬حيث تتراوح‬ ‫نسبة النمو عربيا ً بني ‪ ،%8-%7‬بينما ال تتجاوز عامليا ً ‪ %3-%2‬في السنة‪ .‬إن أسباب ذلك في الغالب‪ ،‬تعود‬ ‫الى انخفاض األسعار وبالتالي عدم الترشيد‪ ،‬إضافة الى عمليات التهريب للمنتجات البترولية‪.‬‬ ‫و انطالقا ً من ضرورة ترشيد استهالك الطاقة و التخفيف من وطأة فاتورة الدعم احلكومي فقد بادرت دول‬ ‫املنطقة العربية و منها دول مجلس التعاون اخلليجي بتحرير أسعار املشتقات النفطية ‪ ،‬فقد بدأت دولة اإلمارات‬ ‫العربية املتحدة بتحرير األسعار منذ بداية أغسطس ‪2015‬م فقد اختارت دولة االمارات التوقيت املناسب لهذه‬ ‫اخلطوة الهامة حيث جاءت في ظل االنخفاض املستمر ألسعار النفط و بالتالي لم يكن لها أثر واضح على‬ ‫االقتصاد الوطني‪ ،‬و تبعتها دول اﺠﻤﻟلس األخرى‪ ،‬حيث أعلنت السعودية عن رفع أسعار البنزين والغاز و الكهرباء‬ ‫و املياه والصرف الصحي‪ ،‬إضافة إلى تطبيق ضرائب على املشروبات الغازية و منتجات التبغ ضمن إعالن موازنة‬ ‫الدولة لسنة ‪2016‬م‪ ،‬كذلك فعلت دول اﺠﻤﻟلس األخرى‪ ،‬أما باقي الدول العربية فقد بدأت قبل ذلك بتحرير الدعم‬ ‫على حوامل الطاقة‪.‬‬ ‫إن وجهة نظرنا‪ ،‬حول الكلفة املالية للدعم وأثر ذلك على املالية العامة‪ ،‬تتلخص في اآلتي؛ نحن نرى أن‬ ‫استمرار الدعم بالطرق التقليدية (أي دعم األسعار أو الطاقة‪ ،‬و حتى الدعم التمويني‪ ،‬و الدعم القطاعي)‬ ‫فيه هدر للمال العام و ال طائل منه‪ ،‬خاصة وأننا نتفق مع الكثير من الدراسات التي أثبتت بالدليل القاطع‬ ‫أن املستفيد األكبر من الدعم هم فئة األغنياء ‪ ،‬وليس فئة الفقراء املستهدفة بالدعم‪ .‬إن فاتورة الدعم‬ ‫تزداد مع زيادة السكان‪ ،‬و في ظل محدودية املوارد املالية‪ ،‬فال بد من ابتكار أساليب أفضل إليصال الدعم‬

‫‪64‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫الى مستحقيه فعالً‪ ،‬إننا ندعم فكرة التعويض املالي ملستحقي الدعم على شكل تعويض يصرف مع‬ ‫الراتب ملن يعمل بأجر و يصرف على شكل إعانة مالية نقدية ملن ال يعمل‪.‬‬ ‫حتى الدعم الصحي عن طريق متويل املستشفيات احلكومية و غير ذلك‪ ،‬فإننا ال نرى جدوى منه ألن خدمات‬ ‫هذه املستشفيات في تراجع بادعاء أنها تقدم اخلدمة مجاناً‪ ،‬و املالية العامة تهدر أمواال ً طائلة عليها‪،‬‬ ‫لذلك فإننا ندعم أسلوب التأمني الصحي ملن هم مستهدفون بالدعم الصحي من غير املوظفني‪ ،‬أما‬ ‫املوظفون فتتكفل مؤسساتهم بالتأمني الصحي عليهم وعلى أفراد أسرهم‪ ،‬وعند تطبيق هذا األسلوب‬ ‫ستستفيد اخلزانة العامة بشكل أفضل‪ ،‬مع أنها ستتكفل بالتأمني الصحي للناس املستحقني له ( أي‬ ‫على نفقة الدولة)‪ ،‬لكن فاتورة ذلك ستكون أقل بكثير من األموال التي تصرف على املستشفيات العامة‪.‬‬ ‫و من ناحية ثانية فإن هذه املستشفيات بعد تطبيق هذا األسلوب ستعمل على أسس جتارية فتطور‬ ‫أعمالها و تبدأ بالتنافس مع مستشفيات القطاع اخلاص‪ ،‬إذا ً فنحن نضرب ثالثة عصافير بحجر واحد‪:‬‬ ‫• فالدولة تكفلت بالتأمني الصحي للمستحقني ممن ال يعملون‪ ،‬أو املعاقني أو الفقراء‪ ،‬أو كبار السن‬ ‫في كافة املستشفيات‪ ،‬مبوجب بطاقات التأمني الصحي‪.‬‬ ‫• املستشفيات العامة ستتخلﺺ من عبء اخلدمة اﺠﻤﻟانية وتبدأ تتقاضى األموال وال مناص لها من‬ ‫أن تطور أعمالها وتنافس القطاع اخلاص‪.‬‬ ‫• اخلزانة العامة ستستفيد من ضبط اإلنفاق العام وسيكون ذلك أوفر عليها‪.‬‬ ‫من ناحية ثانية فإن دعم قطاعات الصناعة والزراعة والتعليم والتصدير وغيرها‪ ،‬أمر وارد على شكل‬ ‫دعم غير مباشر‪ ،‬ونحن نؤيده‪ ،‬لكننا ندعو الى توجيه هذا الدعم إلى مستحقيه فعالً‪ ،‬وأن يأخذ صيغة‬ ‫الدعم النقدي؛ كمنح املنتجني تخفيضا ضريبيا أو جمركيا‪ ،‬أو دعم الفائدة‪ ،‬أو شراء اﶈاصيل بأسعار‬ ‫فيها دعم‪ ،‬مبعنى أن يكون الدعم مباشرا بحيث ال تضطر اخلزانة العامة إلى دعم مواد أو مستلزمات‬ ‫إنتاج أو غيرها ميكن أن تباع في السوق غير النظامية‪ ،‬فليكن دعما ً مباشرا ً يذهب إلى املنتجني فعال ً‬ ‫في هذه القطاعات‪.‬‬ ‫إن ادارة املال العام وترشيد استخدامه‪ ،‬ومكافحة الهدر والتبذير واالسراف ليس باألمر العسير‪ ،‬فذلك‬ ‫يحتاج إلى إرادة من احلكومة‪ ،‬وتفهم من اﺠﻤﻟتمع في ضوء حملة معلومات وتوضيحات وشرح لهذه‬ ‫اخلطوة‪.‬‬ ‫العقود واملناقصات‬ ‫آخر ما نود اإلشارة إليه في محور ضبط استخدام املال العام‪ ،‬هو مسألة العقود أو املناقصات‪ ،‬حيث‬ ‫إننا نعتقد أن هذا البند ميثل أكثر بنود اإلنفاق العام عرضة لتغلغل الفساد فيه‪ ..‬لذلك فالبد من‬ ‫تطبيق الشفافية بدرجة أكبر في مسائل العقود‪ ،‬والبد من أن تركز اجلهات الرقابية معظم جهدها‬ ‫في الرقابة على املناقصات وتنفيذ العقود‪ ،‬وينبغي إشراك املواطنني في الرقابة على ذلك‪ ،‬ألن التنفيذ‬ ‫السيء للعقود سيضر بالناس وخاصة بالنسبة للمشروعات ذات الصلة املباشرة بالناس مثل الطرق‪،‬‬ ‫اجلسور‪ ،‬بناء املدارس‪ ،‬مد خطوط الكهرباء واملياه واالتصاالت وغيرها‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪65‬‬


‫املبحث الثالث‪-‬احلوكمة في إدارة املالية العامة‬

‫احلوكمة ‪ Governance‬تعني احلكم الرشيد ‪ Good Governance‬أو االدارة الرشيدة‪ ،‬وهي مصطلح حديث‬ ‫العهد ظهر في تسعينيات القرن ‪ ، 20‬يتركز استخدامها منذ وجودها على حتقيق إدارة أفضل ملؤسسات‬ ‫األعمال‪. 1‬‬ ‫إننا نرى إمكانية تطبيق احلوكمة في كافة القطاعات سواء أكانت خاصة أم عامة مبا فيها اإلدارات احلكومية و‬ ‫من ضمنها إدارة املالية العامة‪ ،‬بل إن تطبيقها في ميدان إدارة املالية العامة يعد هاما ً و ضرورياً‪ ،‬نظرا ً الهتمام‬ ‫جميع املواطنني باملالية العامة من منظمات أعمال تنتظر اجتاهات الضرائب و الدين العام و توقعات عجز املوازنة‬ ‫العامة ‪ ،‬إلى موظفي الدولة الذين يستلمون معاشاتهم وعالواتهم منها‪ ،‬إلى أفراد اﺠﻤﻟتمع العاديني من ﻏير‬ ‫املوظفني‪ ،‬فهذا ينتظر شق طريق إلى بلدته‪ ،‬وثان ينتظر بناء مركز صحي في منطقته‪ ،‬و ثالث ينتظر ليرى‬ ‫املشروعات اجلديدة عله يحصل على فرصة عمل‪ ،‬و هكذا فإن اجلميع بأكمله يهتم باملالية العامة و بشكل‬ ‫خاص باملوازنة العامة للدولة‪ ،‬فإذا عُ دت احلوكمة بالغة الضرورة في الشركات املساهمة‪ ،‬حيث يوجد مئات‬ ‫املساهمني أو أكثر أو أقل‪ ،‬لتحقيق مصالح األطراف الثالثة فيها و هم؛ إدارة الشركة ومجلس اإلدارة واجلمعية‬ ‫العمومية للشركة‪ ،‬فما بالك بإدارة املالية العامة التي تهم ماليني الناس‪ ،‬فهي من باب أولى أن تخضع ملعايير‬ ‫احلوكمة ‪ ،‬حيث إن احلوكمة من بني أهدافها العمل على حتقيق الشفافية‪ ،‬واملسؤولية‪ ،‬واملساءلة‪.2‬‬ ‫املطلب األول‪-‬الشفافية في املالية العامة‬ ‫يقصد بالشفافية في املالية العامة ‪ Transparency in Public Finance‬توفير معلومات شاملة وموثوقة‬ ‫للجمهور عن األنشطة املالية للحكومة و هيئاتها املركزية والفرعية في املاضي واحلاضر واملستقبل‪ ،‬ألن توفير‬ ‫هذه املعلومات يساعد املواطنني على احلكم على أداء احلكومة ومؤسساتها و مساءلتها‪ ،‬كما أن توفير هذه‬ ‫املعلومات يساعد وسائل اإلعالم و مؤسسات اﺠﻤﻟتمع املدني على رقابة احلكومة‪ ،‬مما يقلل من حاالت الضعف في‬ ‫األداء أو الهدر أو الفساد‪ .‬حتى األسواق و قطاع األعمال تستفيد من نشر املعلومات عن اجتاهات و سياسات‬ ‫املالية العامة‪.3‬‬ ‫إننا نرى أن التطبيق احلقيقي للشفافية في املالية العامة وفي أداء اجلهات العامة يعد أمرا ً مهما ً لضبط اإلنفاق‬ ‫العام وترشيد أوجه صرف املال العام وجدواه‪.‬‬ ‫قام صندوق النقد الدولي ‪ IMF‬بوضع دليل شفافية املالية العامة‪ 4‬في سنة‪Manual on Fiscal 2007‬‬ ‫‪ ،Transparency 2007‬و هذا الدليل جاء تطويرا ً مليثاق املمارسات السليمة في مجال شفافية املالية العامة‪،‬‬ ‫الذي كان وضعه الصندوق في سنة ‪1998‬م ‪ ،‬لقد جاء إصدار هذا الدليل نتيجة توافق اآلراء الواضح حول ما‬

‫‪ 1‬محمد احلسني‪ ،‬احلوكمة في البنوك االسالمية‪ ،‬مجلة العلوم القانونية التي تصدرها كلية القانون في جامعة عجمان للعلوم‬ ‫والتكنولوجيا‪ ،‬العدد ‪ ،4‬يوليو ‪2014‬م‪ ،‬ص‪16‬‬ ‫‪ 2‬دليل احلوكمة‪ ،‬منشورات مركز أبوظبي للحوكمة‪ ،‬ص ‪ ،10‬منشورة على موقعه ‪www.adccg.ae‬‬ ‫‪Hameed, Farhan, 2005, “Fiscal Transparency and Economic Outcomes,” IMF WP/05/225 (Washington: International Monetary‬‬ ‫‪Fund).‬‬ ‫‪ 4‬صندوق النقد الدولي دليل شفافية املالية العامة (‪ ، Manual on Fiscal Transparency (2007 , (٢٠٠٧‬منشور على موقع صندوق النقد‬ ‫الدولي ‪WWW.imf.org‬‬

‫‪3‬‬

‫‪66‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫تشكله شفافية املالية العامة من عنصر هام في إدارة املالية العامة و نحن نراه داعما ً قويا ً لتطبيق احلوكمة‬ ‫في إدارة املالية العامة‪.‬‬ ‫وقد ازداد االهتمام بتعزيز شفافية املالية العامة منذ إعالن امليثاق سنة ‪1998‬م‪ .‬فقد ظهر عدد من املبادرات‬ ‫املعنية بالشفافية في مجال املالية العامة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫مبادرة " أفضل املمارسات املتعلقة بشفافية املوازنة"‪.‬‬ ‫‪ Best Practices for Budget Transparency‬الصادرة عن منظمة التعاون والتنمية االقتصادية ‪ OECD‬في سنة‬ ‫‪2001‬م‪.‬‬ ‫"مبادرة املوازنة املفتوحة ‪ " Open budget initiative‬لتقييم املعلومات املتاحة للمواطنني في أهم وثائق املوازنة‪،‬‬ ‫والصادرة في سنة ‪2005‬م‪.‬‬ ‫مبادئ الشفافية املالية‬ ‫يرتكز ميثاق املمارسات السليمة في مجال الشفافية في املالية العامة‪ ،‬الذي متت اإلشارة إليه آنفاً‪ ،‬على‬ ‫أربعة مبادئ عامة هي‪:‬‬ ‫املبدأ األول ‪ -‬وضوح األدوات واملسؤوليات‪.‬‬ ‫املبدأ الثاني‪ -‬إتاحة املعلومات للجمهور‪.‬‬ ‫املبدأ الثالث‪ -‬عالنية اعداد املوازنة وتنفيذها‪.‬‬ ‫املبدأ الرابع ‪ -‬ضمانات صحة املعلومات‪.‬‬ ‫• وضوح األدوات واملسؤوليات‪ :‬أي حتديد هيكل القطاع احلكومي ووظائفه‪ ،‬واملسؤوليات داخل احلكومة‪،‬‬ ‫والعالقة بني القطاع احلكومي وباقي قطاعات االقتصاد‪ ،‬حيث يتعني على املؤسسات والقطاعات املالية‬ ‫ومؤسسات األعمال العامة مراعاة متطلبات اإلفصاح والشفافية‪ ،‬ومراعاة أخالقيات اإلدارة ‪Ethics‬‬ ‫‪ Management‬في القطاع العام ‪.‬‬ ‫• إتاحة املعلومات للجمهور‪ :‬ويؤكد هذا املبدأ على أهمية نشر املعلومات املالية الشاملة عن املالية‬ ‫العامة في أوقات يتم حتديدها بوضوح‪ ،‬حيث ينبغي أن تتضمن وثائق املوازنة العامة عرضا ً للتوقعات‬ ‫في املالية العامة في الفترة املستقبلية‪ ،‬و عرض التكلفة التقديرية جلميع بنود النفقات‪ ،‬وكذلك نشر‬ ‫املعلومات عن الدين العام ‪.‬‬ ‫• عالنية إعداد املوازنة وتنفيذها؛ أي نشر املعلومات للجمهور فيما يخص عملية املوازنة وذلك من خالل‬ ‫‪:‬‬ ‫ عرض تقرير عن املوازنة قبل تاريخ مناقشة واعتماد املوازنة السنوية وبوقت كاف‪ ،‬مع بيان توجهات‬‫احلكومة االقتصادية واملالية العامة في املدى املتوسط‪ ،‬وإبراز مجموع اإليرادات ومجموع النفقات‬ ‫والفائض أو العجز و الدين العام‪ ،‬وعرض مشروع املوازنة على السلطة التشريعية قبل بداية السنة‬ ‫املالية بثالثة أشهر على األقل واعتماد املوازنة قبل بداية السنة املالية‪.‬‬ ‫‪ -‬اطالع اجلمهور على اآلثار املالية العامة التقديرية جلميع التشريعات املقترحة في مشروع املوازنة ‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪67‬‬


‫ ينبغي تصنيف املعامالت حسب األنشطة أو اجملرجات وحسب البرامج أو النتائج‪ ،‬وينبغي أن تشمل‬‫وثائق املوازنة معلومات أداء تفصيلية مالية وغير مالية عن جميع اجملرجات واألنشطة والبرامج مع‬ ‫بيانات مقارنة عن سنوات سابقة‪.‬‬ ‫ ينبغي عرض تقارير املصروفات واإليرادات الشهرية والربع والنصف سنوية في مواعيد محدد قانونا ً على‬‫السلطة التشريعية‪.‬‬ ‫ ينبغي إجراء مراجعة مستقلة للنتائج املتحققة بالقياس إلى جميع أهداف األداء وعرضها على اجلهات‬‫ذات االختصاص في مواعيد محددة قانونا ً‪.‬‬ ‫• ضمانات صحة املعلومات‪ :‬أي جودة بيانات املالية العامة واحلاجة إلى التدقيق املستقل لها ‪ ،‬فينبغي‬ ‫وضع آليات تكفل عالنية إرساء املعايير اﳋاصة باﶈاسبة احلكومية وإبالغ املعلومات املالية‪ ،‬كما تكفل‬ ‫استقاللها عن احلكومة‪.‬‬ ‫كما ينبغي أن تقوم األجهزة العليا للرقابة واﶈاسبة ﲟطابقة توقعات ونتائج املالية العامة وحتليل‬ ‫جميع الفروق امللحوظة وعرض تقريرها على السلطة التشريعية واجلمهور بشأن جميع األمور املتعلقة‬ ‫بسالمة سياسات املالية العامة وشفافيتها‪.‬‬ ‫من ناحية ثانية ‪ ،‬و بغية دعم وحتسني الشفافية في املالية العامة‪ ،‬هناك عدة أساليب وإجراءات‬ ‫لتحسني مستوى الشفافية في أداء املؤسسات العامة سواء االقتصادية واالجتماعية وحتى النظام‬ ‫السياسي و صوال ً إلى إشاعة الشفافية في اﺠﻤﻟتمع كله‪ ،‬و من هﺬه األساليب؛ تطوير النظام القانوني‪،‬‬ ‫وتكوين جلان للنزاهة في املؤسسات اجملتلفة‪ ،‬و تنمية املمارسات اإلدارية األخالقية وااللتزام بالقيم في‬ ‫أداء الوظائف اجملتلفة التي تقوم بها مؤسسات الدولة‪ ،‬و إنشاء وكاالت ﶈاربة الفساد‪،‬و تنمية القيم‬ ‫الدينية والتركيز على البعد األخالقي في محاربة الفساد ألن القيم الدينية تدعو إلى الفضيلة وااللتزام‬ ‫باألخالق في جميع نواحي السلوك البشري ‪ ،‬ويقوم جوهر تلك القيم على فرض رقابة ذاتية على الفرد‬ ‫في كل أعماله‪ ،‬وتبني برنامج لتنمية ثقافة حق املعرفة واالطالع لدى املواطن وحق احلصول على البيانات‬ ‫واملعلومات من املوظفني‪ ،‬و تضييق ضرورات األمن وأخطار اإلفشاء حلجب املعلومات والبيانات التي قد‬ ‫تكون أهمية وصولها للمواطنني تفوق مخاطر إخفائها‪.‬‬ ‫إن الشفافية تساوي االنفتاح والتخلي عن الغموض والسرية والتضليل‪ ،‬وجعل كل شيء قابال للتحقق والرؤية‬ ‫الواضحة‪ ،‬وتطبيق ذلك يعد هاما ً في املالية العامة ‪ ،‬وعندها سيكون اجلميع رقيبا ً على إدارة املالية العامة وإدارة‬ ‫اجلهات العامة بشكل عام‪.‬‬ ‫املسؤولية‬ ‫نحن نرى أن حوكمة اإلدارة في املالية العامة ستسهم في حتديد املسؤوليات بشكل أوضح وتسهم في رفع‬ ‫اإلحساس باملسؤولية لدى املوظف املعني باملال العام وخاصة مع تطبيق الشفافية‪ ،‬وستتطور مع مرور الوقت‬ ‫األخالقيات في املالية العامة ‪ Ethics in Public finance‬وهو أمر بالغ األهمية إذا سادت املعايير األخالقية في‬ ‫إدارة املالية العامة‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫املساءلة‬ ‫عندما تسود الشفافية‪ ،‬ويتعمق اإلحساس باملسؤولية وتسود القيم األخالقية‪ ،‬ستصبح مساءلة أو محاسبة‬ ‫املقصرين أو املسيئني للمال العام أمرا ً مشروعا ً وسهال ً ومطلبا ً جماهيريا ً وسيشكل ذلك رادعا ً أكبر لهؤالء‬ ‫بعدم تكرار إساءاتهم مستقبال ً‪.‬‬ ‫ميكننا القول بأن الشفافية واملسؤولية واملساءلة ليست غاية في حد ذاتها كما أنها ليست عالجا ً شامال ً‬ ‫ومضمونا بشكل مطلق حلل جميع املشاكل‪ ،‬لكن الهدف منها هو املساعدة في رفع فاعلية األداء وتعظيم‬ ‫جودة اتخاذ القرار ومساهمة ومشاركة ذوي العالقة في صنع القرار السليم والقضاء على الهدر واإلسراف‬ ‫والفساد‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ -‬احلوكمة وإدارة اجملاطر واالمتثال في املالية العامة‬ ‫‪Governance, Risk Management, and Compliance: GRC‬‬ ‫نظرا ً لكون اﺠﻤﻟاالت الثالثة متقاربة إلى حد كبير‪ ،‬و توجد نقاط متاس بينها‪ ،‬ومبا أن االستخدام املشترك لها‬ ‫سيؤدي إلى تقليل تبذير املوارد و جتنب اجملاطر و األزمات و حاالت عدم التأكد‪ ،‬ففي الشركات يشمل ‪ GRC‬عدة‬ ‫أنشطة مثل حوكمة الشركات و إدارة اجملاطر وامتثال الشركات للقوانني واللوائح املعمول بها‪ ،‬لقد خلصت‬ ‫دراسة عاملية أجرتها شركة ارنست ويونغ ‪ Ernst & Young‬مؤخرا ً على ‪ ٢٥٠‬من املؤسسات الرائدة إلى وجود‬ ‫وحتسن األداء املالي‪ .‬ولكن لكي تقوم الشركات بتنفيذ ممارسات‬ ‫صلة مباشرة بني املمارسات الفعالة إلدارة اجملاطر ُّ‬ ‫فعالة إلدارة اجملاطر وجنْي الفوائد املالية ستحتاج إلى عملية متكاملة ومستدامة للحوكمة (احلكم الرشيد)‬ ‫وإدارة اجملاطر واالمتثال ‪. GRC‬‬ ‫إننا نرى ضرورة لتطبيق هذه الثالثية في إدارة املالية العامة‪ ،‬فهي بأمس احلاجة لتطبيق معايير احلوكمة وإدارة‬ ‫اجملاطر واالمتثال(االلتزام) حفاظا ً على املال العام وحسن إدارته وتوظيفه‪.‬‬ ‫إدارة اخلطر‬ ‫إدارة اخلطر أو إدارة اجملاطر ‪ Risk Management‬هي النشاط اإلداري الذي يهدف إلى التحكم باجملاطر وتخفيضها‬ ‫إلى مستويات مقبولة‪ .‬وبشكل أدق هي عملية التحديد والقياس والسيطرة والتخفيض للمخاطر التي تواجه‬ ‫املنظمة‪.‬‬ ‫اجملاطر املالية ‪ : Financial risk‬هو مصطلح يعبر عن أية مخاطر مرتبطة بأي شكل من أشكال التمويل‪ .‬واجملاطر‬ ‫هنا تأخذ شكال سلبيا يعبر عن الفرق بني العوائد احلقيقة والعوائد املتوقعة ( حيث تكون العوائد احلقيقية‬ ‫‪1‬‬ ‫أقل)‪.‬‬ ‫إن قطاع املالية العامة يعد من أكثر القطاعات تعرضا ً للمخاطر‪ ،‬فاإليرادات العامة تعد معرضة للخطر بشكل‬ ‫دائم و خاصة ما يتصل منها بانخفاض اإليرادات الفعلية إلى أقل من اإليرادات املتوقعة أو املقدرة‪ .‬ثمة مثال‬ ‫واضح و هو مدى اخلطر الذي يكتنف إيرادات النفط ‪ ،‬التي يتم تقديرها عند إعداد املوازنة العامة‪ ،‬ولكن أسعارها‬ ‫عرضة للتقلبات في السوق العاملية‪ ،‬من ناحية ثانية هناك مخاطر بعدم تنفيذ نفقات املوازنة كما مت تقديرها‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪Grant Thoronton, Public financial management reform in a period of global adjustment. Results of a worldwide survey‬‬ ‫‪December 2013, PP 4‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪69‬‬


‫بسبب صعوبات و عوائق مختلفة‪ ،‬أو حصول أزمات اقتصادية أو مالية محلية أو اقليمية أو دولية تؤثر سلبا ً‬ ‫على املوازنة العامة‪ .‬هذا يعني أن اجملاطر تعد جدية في املالية العامة وتترك أثرا ً على عموم الشعب و ليس على‬ ‫أصحاب الشركة فقط كما في حال الشركات‪ ..‬لذلك فنحن نؤكد على ضرورة وجود إدارة للمخاطر في اإلدارة‬ ‫املركزية للمالية العامة على األقل ‪ ،‬تكون مهمتها دراسة متواصلة لظروف تنفيذ املوازنة العامة وتوقع ورصد‬ ‫أية مصاعب و أحداث غير متوقعة بهدف إيجاد احللول املناسبة لها إما بتجنبها‪ ،‬أو للتقليل من آثارها‪ ،‬أو‬ ‫ملواجهتها‪.‬‬ ‫على الرغم من وجود العديد من النماذج الدولية إلدارة اجملاطر لكن معظمها يركز على القطاع اخلاص‪ ،‬فقد‬ ‫قامت املنظمة العاملية للمعايير(التقييس)‪-‬آيزو‬ ‫‪International Organization for Standardization-ISO‬‬ ‫بوضع معيار ‪ ، ISO 31000‬وهو املعيار األكثر تطبيقا ً لدى اجلهات احلكومية ‪ ،‬لبساطته في توضيح دورة إدارة‬ ‫اجملاطر والطبيعة املباشرة لها‪ ،‬و في مقاربة اجملاطر وربطها باجلهات املعنية‪ ،‬حيث يهدف هذا املعيار الى تقدمي‬ ‫أساسيات وخطوات إرشادية إلدارة اجملاطر‪.‬‬ ‫االمتثال‬ ‫االمتثال( أو االلتزام) ‪ Compliance‬يعني االلتزام بتنفيذ أمر ما أو إرادة ما‪ ،‬في ظل ظرف معني يكون طوعا ً و ليس‬ ‫ً‪1‬‬ ‫قسرا‪.‬‬ ‫اذا ً فإن االمتثال له عالقة وثيقة بكل من إدارة اجملاطر واحلوكمة‪ ،‬فوجود إدارة أو مكتب لالمتثال في املؤسسة‬ ‫يقلل من اجملاطر ويسهم في خلق الظروف املالئمة لتطبيق احلوكمة‪ .‬أما في قطاع املالية العامة‪ ،‬فإننا نرى‬ ‫ضرورة وجود مكتب لالمتثال على األقل في اإلدارة املركزية تكون مهمته املتابعة والتأكد من التزام إدارة املالية‬ ‫العامة بالقوانني واللوائح والقواعد الناظمة للمالية العامة‪ ،‬ويكون هذا املكتب مرتبطا ً بوزير املالية مباشرة‪،‬‬ ‫أي أنه يرفع تقاريره ومالحظاته إلى وزير املالية مباشرة‪ ،‬حتى يكون مبثابة املرصد لرصد أية انحرافات عن اخلطة‬ ‫املقررة واملعتمدة من احلكومة ومن السلطة التشريعية‪.‬‬ ‫املطلب الثالث‪-‬االبتكار املالي عامليا ً‬ ‫من خالل عملية مسح‪ 2‬متت في سنة ‪ 2015‬لوحظ وجود زيادة ملحوظة في االبتكار وتنامي العديد من االجتاهات‬ ‫العاملية الهامة‪ ،‬تندرج ضمن أربعة مجاالت رئيسية تؤثر في إدارة املالية العامة هي‪:‬‬ ‫ برامج اإلصالح‪.‬‬‫ تطوير البنية التحتية‪ ،‬وخاصة عن طريق الشراكات بني القطاعني العام واخلاص (‪.)ppps‬‬‫ الشفافية ‪ Transparency‬خاصة عبر القنوات الرقمية ‪Digital Channels‬‬‫ العمل على جتنب آثار األزمات االقتصادية واملالية العاملية‪.‬‬‫‪ 1‬محمد احلسني‪ ،‬مرجع سبق ذكره ‪،‬ص ‪18‬‬ ‫‪ 2‬املسح نشر في ‪ 8‬ديسمبر‪ ، 2015‬شمل ‪ 278‬ممارس إلدارة املالية العامة في العالم‪ ،‬إضافة إلى رؤى من خبراء تابعني لالحتاد الدولي لإلدارة‬ ‫املالية احلكومية (‪ ،) ICGFM‬مركز جامعة ماساشوستس للمالية و السياسة‪ ،‬و جرانت ثورتون الدولية‪ ، Grant Thornton‬وهذه هي أحدث‬ ‫حلقة في سلسلة طويلة العقد نشرت باالشتراك مع جرانت ثورنتون ‪ .‬منشور على موقع مؤسسة جرانت ثورتون الدولية املتخصصة‬ ‫بالبحوث ‪WWW.gti.org‬‬ ‫‪70‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫النتائج الرئيسية للمسح‬ ‫• ‪ ٪68‬من املستطلعني قالوا إن بلدانهم لديها برنامج حكومي جار تنفيذه إلصالح إدارة املالية العامة‪،‬‬ ‫لكنهم يواجهون مصاعب في القدرة على حتقيق اإلصالحات‪ ٪38 ،‬منهم قالوا إنها بسبب ضعف اجلانب‬ ‫التقني‪ ،‬في حني أن ‪ ٪33‬منهم قالوا إنها بسبب قلة املوظفني املدربني‪ ،‬و بعض من املصاعب كانت بسبب‬ ‫قدم التشريعات‪.‬‬ ‫• تسعة من أصل عشرة شملهم االستطالع قالوا إن بلدانهم حتتاج إلى استثمارات كبيرة في البنية‬ ‫التحتية لدعم النمو االقتصادي وما يقارب ‪ %75‬منهم يأملون في الشراكات بني القطاعني العام واخلاص‬ ‫‪ PPP‬في متويل مشروعات البنى التحتية‪.‬‬ ‫• يتوقع معظمهم أن وسائل التواصل االجتماعي ستصبح في نهاية املطاف القناة الرئيسية لزيادة‬ ‫الشفافية‪ ،‬مع أن ‪ ٪43‬فقط يستخدمونها في سنة ‪2013‬م ‪ .‬ويعتقد ‪ %73‬من املشاركني أن وسائل‬ ‫التواصل االجتماعي فعالة في حتقيق قدر أكبر من الشفافية‪ ،‬وترى ‪ %53‬منهم يرى أن التوظيفات املالية‬ ‫احلكومية ستكون أكثر استجابة ألولويات املواطنني‪ ،‬كما أن نحو ‪ ٪75‬من املستطلعني يستخدمون‬ ‫وسائل التواصل االجتماعي لزيادة الشفافية‪ .‬ومع أن النسبة تبدو مرتفعة ‪ ،‬لكنها ماتزال منخفضة‬ ‫مقارنة بعمر هذه الوسائل‪.‬‬ ‫• في سنة ‪2013‬م‪ ،‬قال ‪ ٪76‬من املستطلعني إن األزمة املالية العاملية تستمر في التأثير على جدول أعمال‬ ‫إصالح إدارة املالية العامة في بالدهم‪ .‬وقد شهد عام ‪2015‬م انخفاضا ً ملحوظا ً في هذه النتيجة حيث‬ ‫بلغت ذات النسبة ‪ ،%66‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬فقد أشار ‪ %59‬من املستطلعني في سنة ‪2015‬م إلى أن األزمة‬ ‫دفعتهم إلى اعتماد أساليب جديدة إلدارة اجملاطر‪ ،‬بعد أن كانت هذه النسبة ‪ %38‬في سنة ‪2013‬م ‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪71‬‬


‫اخلامتة‬ ‫يعد قطاع املالية العامة واحدا من القطاعات اﶈورية في االقتصاد واﺠﻤﻟتمع‪ ،‬لذلك فإن وجهة نظرنا أن إدارة‬ ‫املالية العامة ينبغي أن تكون على أعلى درجات االقتدار واحلداثة‪ ،‬وأن املالية العامة متثل ميدانا ً خصبا ً‬ ‫لإلبداع واالبتكار مبا يشمل جانبيها الرئيسيني‪ :‬النفقات العامة وااليرادات العامة‪ ،‬باإلضافة إلى إدارة املالية‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫لقد دأب الباحثون واملبتكرون على تركيز معظم اهتمامهم على تطوير منظمات األعمال في القطاع‬ ‫اخلاص‪ ،‬سواء في اﺠﻤﻟاالت اإلدارية أو التنظيمية أو املالية أو التقنية حيث جنحوا في استحداث وتطبيق‬ ‫العديد من األساليب اجلديدة واملبتكرة أعطت نتائج إيجابية لهذه املنظمات‪ ،‬ولم حتظ اإلدارة العامة بذات‬ ‫القدر من اهتماماتهم‪ .‬إننا نعتقد أن معظم األفكار التي كتب لها النجاح في القطاع اخلاص ميكن أن‬ ‫تنجح في اإلدارة العامة وفي مؤسسات القطاع العام مع إجراء بعض التعديالت لتتناسب مع واقع اإلدارة‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫إن تطبيق احلوكمة في إدارة املالية العامة يسهم في حتقيق الشفافية واملسؤولية واملساءلة ما يعد أمرا ً‬ ‫مطلوبا ً وضرورياً‪ ،‬كما أن إحداث إدارة للمخاطر ومكتب لالمتثال في إدارة املالية العامة يدعم جهود تطبيق‬ ‫احلوكمة في هذا القطاع‪ ،‬كما أن ترسيخ القيم األخالقية و ما يسمى أخالقيات العمل يعد ضروريا ً أيضا ً‬ ‫في إدرة املالية العامة‪.‬‬ ‫إن التفكير التقليدي املستند إلى مبدأ الرعاية األبوية للدولة‪ ،‬في دور و أهداف املالية العامة لم يعد ممكنا ً‬ ‫في العصر الراهن‪ ،‬في ظل تنامي احلاجات العامة الناجمة عن تزايد السكان و تطور حاجاتهم من جهة‪ ،‬و‬ ‫محدودية املوارد املالية املتاحة للحكومات من جهة ثانية‪ ،‬ما يجعل من الضروري التفكير في وسائل دعم‬ ‫للمالية العامة‪ ،‬باستخدام صيغ مبتكرة منها عقود االمتياز (‪ ،) BOT‬و عقود الشراكة بني القطاعني العام‬ ‫واخلاص( ‪ ) PPP‬التي ينتشر استخدامها في الدول املتقدمة حيث األوضاع االقتصادية واملالية فيها جيدة ‪،‬‬ ‫لكن استخدامها كان أقل بكثير في الدول النامية‪ ،‬بل إن العديد من هذه الدول لم تهيئ البيئة التشريعية‬ ‫واإلدارية املناسبة لتطبيق ذلك‪ ،‬على الرغم من معاناة هذه الدول من شح كبير في املوارد املالية وبالتالي‬ ‫استمرارها في متاهات التخلف‪ .‬إنني أشيد وأدعم ما قامت به القيادة الرشيدة في إمارة دبي بإصدار‬ ‫القانون رقم ‪ 22‬لسنة ‪2015‬م قانون الشراكة بني القطاعني العام واخلاص ‪. PPP‬‬ ‫إن بعض القرارات املالية تعد مؤملة للناس من حيث آثارها األولية‪ ،‬لكن هذه القرارات تعطي نتائج ايجابية‬ ‫على املدى الطويل‪ ،‬مثل فرض بعض الضرائب اجلديدة أو الرسوم أو تقليص الدعم أو حتى إلغاؤه و استبداله‬ ‫بصيغ ذكية مبتكرة تقوم على التعويض النقدي املباشر‪ ،‬مما يحافظ على املال و ينعكس إيجابيا ً على‬ ‫خطط التنمية االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬كما تقوم به اآلن دول مجلس التعاون اخلليجي ومن ضمنها دولة‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة ‪ ،‬فهذه الدول تعاني منذ أكثر من عامني من نقص االيرادات النفطية‪ ،‬و بالتالي‬ ‫فهي كانت أمام ثالثة خيارات‪:‬‬

‫‪72‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫‪ )1‬إما تقليص اإلنفاق العام مبا يوازي انخفاض إيرادات النفط ما يؤدي إلى توقف العديد من األنشطة‬ ‫والبرامج ومن ضمنها املشروعات اجلديدة وما ينجم عن ذلك من بطالة وانخفاض في معدل النمو‬ ‫االقتصادي وغيرها من الصعوبات واملشكالت االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬ ‫‪ )2‬أو متويل العجز في جزء منه عن طريق السحب من االحتياطي العام للدولة (فقد كان الهدف من تكوين‬ ‫هذه االحتياطيات هو ترك موجوداتها لألجيال القادمة أو لظروف قاهرة)‪ ،‬و اجلزء اآلخر سيتم تغطيته عن‬ ‫طريق االقتراض‪ ،‬و في كلتا احلالتني‪ :‬السحب من االحتياطي و االقتراض سيترك آثارا ً سلبية على املدى‬ ‫الطويل‪ ،‬حيث سيتم استنزاف االحتياطيات خالل فترة ليست طويلة‪ ،‬و ستتراكم الديون على احلكومة مما‬ ‫يخلق صعوبات مالية واقتصادية جديدة‪.‬‬ ‫‪ )3‬أو ايجاد مصادر جديدة لتمويل املوازنة العامة‪ ،‬ومن ضمن ذلك تطبيق الضريبة على القيمة املضافة‬ ‫‪ VAT‬وإدارة أفضل للمال العام و عقلنة الدعم و خاصة دعم حوامل الطاقة‪ ،‬مما يساعد حكومات هذه الدول‬ ‫على االستمرار بذات الوتيرة من النمو التي سادت في السنني املاضية‪.‬‬ ‫لقد اختارت حكومات دول اﺠﻤﻟلﺲ اخليار الﺜالث وهو اخليار الصحيح‪ ،‬و نحن نؤيد و ندعم ذلك‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪73‬‬


Conclusion “Innovation in public finance, U.A.E. Simulation” Public finance sector as one of the focal sectors in the economy and society, so it is our view that public finance management should be at the highest level of competence and modernity, and public finance represent fertile for creativity and innovation, including the main aspects: public expenditure and revenue, plus management of public finance. Researchers and innovators must focus most of their attention on the development of business organizations in the private sector, both in the administrative areas, organizational or technical or financial terms they succeeded in developing and implementing new and innovative methods many yielded positive results for these organizations, and public administration are not equally concerns. We believe that the most successful ideas in the private sector can work in public administration and in public sector institutions with some modifications to suit the reality Public administration. The application of governance in public finance management contributes to transparency and accountability and responsibility which is required and necessary, as the establishing the Risk Management, and Office of Compliance in the public finance management supports the application of governance in the sector. As to inculcate moral values and what is called work ethics is also necessary in public finance management. The conventional thinking, based on the principle of parental care of government, the role and objectives of public finance is no longer possible in the current era, under growing public needs arising from population growth and increasing public needs on the one hand, and the limited financial resources available to Governments on the other hand, what makes it necessary to think about supporting the public finance, using innovative formats including concession contracts (BOT) contracts of public-private partnership (PPP) that spreads used in developed countries where good economic and financial conditions , But their use was much less in developing countries, even some of these States have not provided legislative and administrative environment to apply, although these States suffering from the scarcity of financial resources and thus continuing the maze of underdevelopment. I applaud and support the Leadership of Dubai issued law number 22 for the year 2015 law of public-private partnership PPP.

‫م‬2017 ‫ يناير‬- ‫هـ‬1438 ‫ جمادي األولى‬:‫ العدد اخلامس‬- ‫السنة الثالثة‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

74


Some financial decisions are painful for people in terms of the initial impact, but these decisions give positive results in the long term, such as imposing some new taxes or fees or reduce or even cancel subsidy , and replace it with a clever innovative formulas based on direct monetary compensation, which keeps the money and positively affect economic and social development plans, as it does now, GCC, including the U.A.E. State, these countries suffer more than two years of lack of oil revenues, So they was in front of three options: 1) Reduce public spending equivalent to lower oil revenues leading to stop many activities and programs, including new projects and consequent unemployment and low economic growth rate and other economic and social difficulties and problems. 2) Or financing deficit in part by withdrawals from general reserve of the State (it was the target of the composition of these reserves is to leave assets for future generations or to force majeure), and the other part will be covered by borrowing, and in both cases: dragging from the reserve and borrow would leave a negative impact in the long term, which will drain the reserves during the period is not long, and the Government debt will accumulate which creates new financial and economic difficulties. 3) Or find new sources of financing of the general budget, including the application of value added tax VAT and better management of public money and rationalize subsidy the power holder's subsidy, helping the Governments of these States to continue with the same pace of growth that had prevailed in the past years. GCC Governments have chosen the third option and is the right choice. And I support and strengthen it.

75

‫ دولة اإلمارات العربية املتحدة‬- ‫ جامعة عجمان‬،‫تصدر عن كلية القانون‬


‫التوصيات‬ ‫في ضوء ما مت عرضه في منت البحث‪ ،‬فإننا نوصي باآلتي‪:‬‬ ‫‪ )1‬ضرورة تطوير اإلدارة في املالية العامة‪ ،‬وذلك عن طريق‪:‬‬ ‫ تطبيق احلوكمة وحتقيق الشفافية ووضوح املسؤولية واملساءلة‪.‬‬‫ إحداث إدارة للمخاطر في إدارة املالية العامة‪.‬‬‫ إحداث مكتب لالمتثال في إدارة املالية العامة‪ ،‬فهو سيساعد على تطبيق احلوكمة‪.‬‬‫ تطبيق واسع لنظم املعلومات وتكنولوجيا املعلومات واخلدمات اإللكترونية‪ ،‬مبا يسهم في حتقيق‬‫الشفافية وتقدمي اخلدمات بشكل أفضل‪.‬‬ ‫ إلغاء ما يسمى بسرية العمل املالي وإخفاء املعلومات املالية‪ ،‬فنحن ندعو إلى اإلفصاح عن كل‬‫املعلومات املالية‪ ،‬عدا ما يخص قطاعات الدفاع واألمن الوطني‪ ،‬وبعض البنود التي تخص املناصب‬ ‫العليا في الدولة‪.‬‬ ‫‪ )2‬ضرورة مراجعة املصروفات اإلدارية في إدارات الدولة لضبط هذه املصروفات وتقنينها ومنع الهدر‬ ‫واإلسراف‪.‬‬ ‫‪ )3‬ابتكار أساليب جديدة إليصال الدعم احلكومي إلى مستحقيه‪ ،‬فنحن نؤيد التعويض املادي الذي مينح‬ ‫على شكل عالوات على املعاش أو الراتب‪ ،‬واالستغناء عن الدعم باألساليب التقليدية‪ ،‬فقد ثبت أنه كان‬ ‫ملصلحة األغنياء وليس الفقراء‪.‬‬ ‫‪ )4‬نشيد مبا قامت به حكومة دبي من إصدار قانون للشراكة بني القطاعني العام واخلاص ‪ ، PPP‬و تطبيقها‬ ‫لعقود البوت ‪ . BOT‬ونقترح على احلكومة االحتادية في دولة اإلمارات إصدار قانون احتادي للشراكة بني‬ ‫القطاعني العام واخلاص ‪.PPP‬‬ ‫‪ )5‬نؤيد ما تخطط له حكومة دولة اإلمارات و قيادتها الرشيدة في االستغناء عن النفط كممول للموازنة‬ ‫العامة‪ ،‬و ابتكار مصادر جديدة للتمويل من بينها الضريبة على القيمة املضافة ‪ ،VAT‬وإنني على ثقة من‬ ‫أن هذه الضريبة ستنجح جناحا ً باهرا ً في الدولة‪ ،‬كما أنني أقترح على احلكومة االحتادية أن تعمل من اآلن‬ ‫على تدريب الكوادر‪ ،‬و حتضير نظم املعلومات و التكنولوجيا الالزمة ‪ ،‬وإحداث دائرة متخصصة في ضريبة‬ ‫‪ VAT‬في وزارة املالية‪ ،‬والتأكد من جاهزية نظام الفواتير في الدولة‪ ،‬كذلك البدء في حملة توعية وتثقيف‬ ‫للناس حول هذه الضريبة‪ .‬كما نقترح البدء بتطبيق هذه الضريبة مبعدل واحد في البداية ريثما يتم بناء‬ ‫املهارات وتتوفر اخلبرة الكافية عندها ميكن تطبيق أكثر من معدل (ألن تطبيق أكثر من معدل يعد أكثر‬ ‫عدالة من معدل واحد)‪ ،‬وأخيرا ً نقترح أن يعفى منها السلع األساسية حلياة الناس‪ ،‬وقطاعات اجليش‬ ‫والشرطة والتعليم والتدريب والصحة واملؤسسات الوقفية واخليرية ودور العبادة‪.‬‬ ‫‪76‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ومع تطبيق هذه الضريبة اجملطط له في بداية ‪2018‬م ينبغي أن تكون وزارة االقتصاد ودوائر التنمية‬ ‫االقتصادية في كل إمارة‪ ،‬وكافة اجلهات املعنية باألسواق‪ ،‬وكذلﻚ مﺆسسات اﺠﻤﻟتمع األهلي مستعدة‬ ‫للعمل معا ً لضبط األسعار مع بداية التطبيق لكي ال يستغلها التجار لرفع أسعار منتجاتهم أو‬ ‫خدماتهم بطريقة مبالغ فيها‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪77‬‬


‫املراجع‬ ‫آ‪-‬باللغة العربية‬ ‫‪ )1‬برناردين أكيتوبي‪ ،‬ريتشارد همينغ‪ ،‬غيرد شوارتز‪ ،‬االستثمار العام والشراكة بني القطاعني العام واخلاص‪،‬‬ ‫منشورات صندوق النقد الدولي‪.2007،‬‬ ‫‪ )2‬محمد احلسني‪ ،‬احلوكمة في البنوك االسالمية‪ ،‬مجلة العلوم القانونية التي تصدرها كلية القانون في‬ ‫جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬العدد ‪ ،4‬يوليو ‪2014‬م‪.‬‬ ‫‪ )3‬خالد عبد احلليم السيد عوض‪ ،‬الضريبة على القيمة املضافة‪ ،‬دراسة مقارنة للنظم الضريبية العاملية‪،‬‬ ‫إيتراك للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪.2007،‬‬ ‫‪ )4‬محمد فؤاد ابراهيم‪ ،‬مبادئ علم املالية العامة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة النهضة العلمية‪.‬‬ ‫‪ )5‬االستراتيجية الوطنية لالبتكار الصادرة في سنة ‪2014‬م‪ ،‬منشورة على موقع حكومة دولة االمارات العربية‬ ‫املتحدة ‪www.uaecabinet.ae‬‬ ‫‪ )6‬دليل احلوكمة‪ ،‬منشورات مركز أبوظبي للحوكمة‪ ،‬منشور على موقعه ‪www.adccg.ae‬‬ ‫‪ )7‬دليل شفافية املالية العامة ‪ ، 2007‬منشور على موقع صندوق النقد الدولي ‪www.imf.org‬‬ ‫‪ )8‬دعم الطاقة في منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا؛ دروس مستفادة لإلصالح‪ ،‬دراسة أعدتها ادارة الشرق‬ ‫األوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي ‪،‬مارس ‪2014‬م‪ .‬منشورة على موقع صندوق النقد الدولي‬ ‫‪. www.imf.org‬‬ ‫ب‪ -‬باللغة اإلجنليزية‪:‬‬ ‫‪1) Grant Thoronton,2013, Public Financial Management reform in a period of global adjustment.‬‬ ‫‪2) Hameed, Farhan, 2005, “Fiscal Transparency and Economic Outcomes,” IMWP/05/225‬‬ ‫‪(Washington: International Monetary Fund).‬‬ ‫‪3) Irwin, Timothy, 2003, “Public Money for Private Infrastructure—Deciding When to Offer‬‬ ‫‪Guarantees, Output-Based Subsidies, and Other Fiscal Support,” Working Paper No. 10 (World‬‬ ‫‪Bank, Washington).‬‬

‫‪78‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫حق المسجون في الرعاية الصحية‬ ‫واالجتماعية والتعليمية‬

‫إعداد الدكتور‬

‫عادل خميس املعمري‬

‫أستاذ القانون اجلنائي بكلية القانون‬ ‫جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪79‬‬


‫‪80‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ملخص البحث‬ ‫عمال بأحكام الشريعة اإلسالمية املصدر األساسي للتشريع ومراعاة لقواعد احلد األدنى ملعاملة املسجونني‬ ‫ وانطالقا من متسك دولة اإلمارات العربية باحلريات الفردية‬. 1955 ‫الصادر عن مؤمتر جنيف املنعقد في‬ .‫واجلماعية ومبدأ شريعة العقوبة‬ ‫تأسيسا على أن العقوبة السالبة للحرية تستهدف أساس إصالح اﶈكوم عليهم وتهذيبهم وتكيفهم‬ ،‫ وتأكيدا على أن التهذيب والتأهيل واألعمال النافعة هي وسائل فعالة في إصالح املسجونني‬،‫االجتماعي‬ ‫مع العمل الدائم لترقيتها وتطويرها‬ ‫ومن هنا جاء هذا البحث ليعالج موضوع حق امل سجون في الرعاية الصحية واالجتماعية والتعليمية‬ ‫ لسنة‬43 ‫وطبيعة هذا احلق وبيان أنواع الرعاية التي كفلتها األنظمة املقارنة واملشرع االحتادي احتادي رقم‬ ‫ وبيان نصوصها ولوائحها القانونية التي‬،‫ ومدى فائدتها للمسجون‬.‫ بشأن تنظيم املنشآت العقابية‬1992 ‫ وأسلوب وطريقة تقدميها حسب طبيعة املؤسسة‬،‫فرضها القانون ا إلماراتي في مرحلة التنفيذ العقابي‬ ‫ وكذلك مدى مالءمتها للمحكوم عليه سواء كانت مصلحة عمل أو رعاية‬،‫العقابية وفقا ً للمعايير الدولية‬ .‫ إلخ‬.‫صحية أو تعليمية أو اجتماعية أو تهذيبية‬

Extract Pursuant to the provisions of Islamic, the main source of legislation and taking into account the minimum rules for treatment of prisoners adopted by the meeting in 1955. The Geneva Conference based on adherence to the UAE individual and collective liberties and the principle of the law of punishment. Based on the negative punishment for freedom of targeting based reform convicts and politeness and social adaptation, and confirmation that discipline, rehabilitation and beneficial business is an effective means to reform prisoners, with a permanent work for the promotion and development in This research to address the issue of a prisoner in the health, social and educational care is a right and the nature of this right and the statement of care guaranteed by the comparison of the Federal reg ulations and a federal legislator No. 43 of 1992 on the organization of penal institution types. The usefulness of the jail, the statement texts are legal and regulations imposed by the UAE law in the enforcement of penalties, and style of the stage and the method presented by the nature of the penal institution in accordance with international standards, as well as the suitability of the convicted, whether the interests of the work, health, educational, social or care. etc. Finally we will address the nature of the care provided to the convicted juveniles period of implementation of punitive and knowledge of the legal and practical for this care privacy.

81

‫ دولة اإلمارات العربية املتحدة‬- ‫ جامعة عجمان‬،‫تصدر عن كلية القانون‬


‫‪-1‬املقدمة‬ ‫رعاية املسجون ما هي إال ثمرة اجلهود الدولية واإلقليمية التي ينص عليها القانون الداخلي بالدولة‪ ،‬وتشرف‬ ‫عليها اجلهة القضائية‪ ،‬وتنفذها اإلدارة العقابية‪ ،‬بحيث ترتقي هذه الرعاية إلى درجة من املثالية في اإلصالح‬ ‫والتأهيل تسعى إليها كل دولة‪ ،‬ولذلك فإننا نرى أن الطر يق الذي يوصلنا إلى ضمان حق اﶈكوم عليه في‬ ‫التأهيل هي طبيعة الرعاية التي تقدم له والتي تتحدد أحكامها بحيث تكفل أن تكون رعاية مناسبة‬ ‫لضمان هذا احلق‪.‬‬

‫( ‪)1‬‬

‫وفي ضوء ذلك سوف نتناول في هذا البحث طبيعة هذه الرعاية ومدى فائدتها للمسجون‪ ،‬وبيان نصوصها‬ ‫ولوائحها القانونية التي فرضها القانون اإلماراتي في مرحلة التنفيذ العقابي‪ ،‬وأسلوب وطريقة تقدميها‬ ‫حسب طبيعة املؤسسة العقابية وفقا ً للمعايير الدولية‪ ،‬وكذلك مدى مالءمتها للمحكوم عليه سواء‬ ‫كانت مصلحة عمل أو رعاية صحية أو تعليمية أو اجتماعية أو تهذيبية إلخ‪ ..‬وأخيرا ً سوف نتطرق إلى‬ ‫طبيعة الرعاية التي تقدم ل ألحداث اﶈكوم عليهم بفترة تنفيذ عقابي ومعرفة اﳋصوصية القانونية‬ ‫والعملية لهذه الرعاية‪.‬‬

‫(‪)2‬‬

‫‪-2‬أهمية وأهداف الدراسة‪:‬‬ ‫تتمثل أهمية موضوع هذه الدراسة في إبراز حقوق اإلنسان في مرحلة مهمة من مراحل حياة اﶈكوم‬ ‫عليه بعقوبة سالبة للحرية أال وهي مرحلة التنفيذ العقابي‪.‬‬ ‫ويتم ذلك من خالل املقارنة بني املواثيق والعهود والقوانني املنظمة لذلك‪ ،‬لتكون وسيلة من وسائل‬ ‫التقارب التشريعي بني هذه املواثيق‪ ،‬رغبة في خدمة التجمعات الدولية واإلقليمية العربية واإلسالمية‪ ،‬حيث‬ ‫يسعى هذا البحث إلى إيجاد أوجه التشابه واالختالف في هذه النظم والتشريعات‪ ،‬وذلك متهيدا ً للسير في‬ ‫طريق توحيد التشريعات املنظمة للتنفيذ العقابي على املستوى العربي واإلسالمي‪.‬‬ ‫كما تبدو أهمية موضوع الدراسة في إلقاء الضوء على الوضع القائم في دولة اإلمارات العربية املتحدة‪،‬‬ ‫بغية الوصول إلى الهدف املنشود الذي يتمثل في احترام حقوق اإلنسان في مرحلة التنفيذ العقابي حتى يخرج‬ ‫اﶈكوم عليه للمجتمع عضوا ً صاحلا ً يساهم في مسيرة التنمية بناء لوطنه‪.‬‬

‫(‪ ( 1‬راجع حول رعاية اﶈكوم عليهم وعنايتهم وكيفية التعامل معهم‪ :‬د‪ .‬عبد اﷲ محمد بوهندي‪ ،‬حقوق اإلنسان في مرحلة‬ ‫التنفيذ العقابي‪ ،‬الناشر‪ :‬القاهرة‪ :‬أكادميية مبارك لألمن‪ ،‬كلية الدراسات العليا سنة النشر‪ ، 2005 :‬ص ‪. 319‬‬ ‫(‪ ) 2‬ﰎ تقسيم املباحث بصورة تتفق مع الدراسات السابقة في هذا اﺠﻤﻟال وذهن الباحث ينصب حول أولوية الرعاية التي تقدم‬ ‫للسجني وترابطها وقد روعي فيها مستوى تطبيقها في املؤسسات العقابية بدولة اإلمارات العربية ومدى توافقها مع املعايير‬ ‫الدولية محاوال ً تقدمي صورة خاصة عن طبيعتها في هذه الدولة ودراستها دراسة تفصيلية وحتليلية‪.‬‬ ‫‪82‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وأخيرا ً فإن الباحث يهدف من وراء هذه الدراسة إلى اإلسهام ‪-‬ولو بجزء ضئيل‪ -‬في إثراء املكتبة العربية‬ ‫بإحدى الدراسات املتخصصة في مجال حقوق اإلنسان‪ ،‬والذي ميثل في وقتنا احلاضر موضوع الساعة‪.‬‬

‫‪-3‬مشكلة الدراسة‪:‬‬ ‫أثبتت الدراسات احلديثة أن معدل اجلرائم يقل تدريجيا ً عند قيام املؤسسات اإلصالحية والعقابية بكامل‬ ‫عملها اإلصالحي‪ ،‬ويرتبط ذلك بكفاءتها في إعادة اﶈكوم عليهم إلى مجتمعهم أفرادا ً صاحلني يشاركون اﺠﻤﻟتمع‬ ‫في حتقيق أهدافه وقيمه السائدة‪ ،‬بدال ً من رجوعهم إلى عالم اجلرمية مرة أخرى مسلحني بسالح اخلبرة‬ ‫اإلجرامية؛ لذلك وجب البحث في أساليب عمل املؤسسات العقابية‪ ،‬وأيضا ً تكمن مشكلة الدراسة في كيفية‬ ‫اﶈافظة على حقوق اإلنسان اﶈكوم عليه في مرحلة التنفيذ العقابي بدولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬ومدى‬ ‫توافقها مع املعايير الدولية‪ .‬ورغم عدم وجود قانون موحد يحكم التنفيذ باملؤسسات اإلصالحية والعقابية في‬ ‫الدولة وذلك نظرا ً لتعدد اجلنسيات واألديان بصورة كبيرة داخل املؤسسات اإلصالحية‪ ،‬حيث هنالك مسائل لم‬ ‫يتم تنظيمها‪.‬‬ ‫‪-4‬منهجية الدراسة‪:‬‬ ‫مت االعتماد في هذه الدراسة على املنهج املقارن‪ ،‬ويقصد به تلك الطريقة أو أسلوب البحث الذي يقوم‬ ‫على املقابلة بني قوانني أو مواثيق أو عهود قانونية مختلفة‪ ،‬وذلك إما بدراسة اخلصائص العامة املميزة للقوانني‬ ‫واملواثيق األجنبية‪ ،‬وإما بدراسة خصائص قطاع أو مشكلة قانونية معينة في أكثر من قانون وضعي أو أكثر من‬ ‫تشريع قانوني‪ ،‬مع التركيز بصفة خاصة على تشريع دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ .‬وتهدف الدراسة املقارنة‬ ‫إلى الرغبة في فهم القواعد القانونية لدى كثير من الدول وذلك بتقريب وجهات النظر واحللول املعمول بها في‬ ‫أنظمتها اجملتلفة‪ ،‬وأيضا ً تنظيم القدر املشترك بينها بأمل حتقيق أكبر قدر من التفاهم الدولي مبا ينعكس أثره‬ ‫بالتأكيد على حسن تفهم القانون الوطني والسعي إلى حتقيق تطويره إلى األفضل دائما ً‪.‬‬ ‫‪-5‬أهم القضايا التي تثيرها الدراسة‪:‬‬ ‫هناك عدة تساؤالت تسعى الدراسة لإلجابة عليها وهي‪:‬‬ ‫‪ -1‬ما هي أهداف ونظم املؤسسات اإلصالحية والعقابية وأساليب التنفيذ بوجه عام؟ وما هي تلك‬ ‫األهداف والنظم في دولة اإلمارات العربية املتحدة باخلصوص؟ وما هي كيفية إدارتها على وجه‬ ‫أخص؟‬ ‫‪ -2‬ما هي أحكام وقواعد املواثيق املنظمة حلقوق اإلنسان اﶈكوم عليهم خالل فتره التنفيذ العقابي‬ ‫على املستويني الدولي واإلقليمي؟ وكذلك على املستويني العربي واإلسالمي؟ وما هي الطبيعة‬ ‫القانونية والعملية للتنفيذ العقابي بدولة اإلمارات العربية املتحدة؟‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪83‬‬


‫‪ -3‬ما هي ضمانات حقوق اإلنسان اﶈكوم عليه بفترة تنفيذ عقابي وفقا ً للقانون الدولي واإلماراتي؟‬ ‫‪-6‬خطة الدراسة‪:‬‬ ‫تنقسم هذه الدراسة إلى مبحثني وذلك على النحو التالي‪:‬‬ ‫نتناول في املبحث األول التصنيف والرعاية الصحية واالجتماعية‪ ،‬وينقسم هذا املبحث إلى ثالثة‬ ‫مطالب وهي كاآلتي‪ :‬املطلب األول‪ :‬الفحص والتصنيف‪ ،‬واملطلب الثاني‪ :‬الرعاية الصحية‪ ،‬واملطلب الثالث‪:‬‬ ‫الرعاية االجتماعية‪ .‬أما املبحث الثاني فقد تناول الرعاية التعليمية والتهذيبية وحق العمل‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫املبحث األول‬ ‫الفحص و التصنيف والرعاية الصحية واالجتماعية‬ ‫متهيد وتقسيم‪:‬‬ ‫سوف نقسم هذا املبحث إلى ثالثة مطالب نبني في األول الفحص والتصنيف‪ ،‬ثم نتناول في الثاني‬ ‫الرعاية الصحية‪ ،‬وأخيرا ً الرعاية االجتماعية‪.‬‬

‫املطلب األول‬ ‫فحص وتصنيف اﶈكوم عليهم‬ ‫تعد عمليتا الفحص و التصنيف من أهم الضمانات التي تقدم للمحكوم عليه لتأهيله وإصالحه‪،‬‬ ‫وذلك بوضعه في املكان املناسب داخل املؤسسة اإلصالحية والعقابية‪ ،‬وكذلك أيضا تساعد على تقدمي‬ ‫الرعاية الصحية واالجتماعية له‪.‬‬ ‫أوال ً‪ :‬الفحص‬ ‫الفحص هو نوع الدراسة الفنية التي يقوم بها اختصاصيون في مجاالت مختلفة إلجراء الدراسة‬ ‫على اﶈكوم عليه لتحديد ﺷخصية وبيان العوامل اإلجرامية التي دفعته إلى ارتكاب اﳉرﳝة‪ ،‬حتى متكن‬ ‫املالء مة بني ﻇروفه اإلجرامية وبني األساليب العقابية التي ﲡعل اﳉﺰاء اﳉنائي اﶈكوم به يحقق تأهيله‪،‬‬ ‫ويعتبر الفحص خطوة متهيدية لتصنيف اﶈكوم عليه‪ .‬ولذلك يجب أن يحدد الفحص درجة خطورة اﶈكوم‬ ‫عليه على اﺠﻤﻟتمﻊ‪ ،‬ثم مدى استعداده للتجاوب مﻊ األساليب العقابية‪.‬‬

‫(‪)3‬‬

‫وبذ لك يتضح أن الفحص في جوهره عمل فني يفترض تضافر جهود فريق من اجملتصني في علوم‬ ‫الطب وعلم النفس واالجتماع‪ ،‬وهو ما يفترض بعد ذلك تأهيل النتائج التي أثمرتها أعمالهم وإعدادها في‬ ‫صورة صاحلة لتكون أساسا للتصنيف‪.‬‬

‫(‪ )3‬د‪ .‬فوزية عبد الستار‪ ،‬مبادئ علم العقاب‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬طبعة ‪ ،2000‬ص‪351‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪85‬‬


‫ثانيا ً‪ :‬التصنيف‬ ‫يقصد بالتصنيف‪ :‬وﺿع اﶈكوم عليه بفترة تنفيذ عقابي في إحدى املؤسسات اإلصالحية‬ ‫والعقابية املالئمة؛ من حيث حاجته للتأهيل ونوع املعاملة العقابية املناسبة لتأهيله‪ ،‬وذلك عن طريق‬ ‫تقسيم اﶈكوم عليهم إلى فئات متجانسة على ﺿوء الفحص الذي يسبق التصنيف وتوزيعهم بداخل‬ ‫املؤسسات العقابية إلى مجموعات مت شابهة في الظروف ومدى نوع العالج واملعاملة املطلوبة‪.‬‬

‫( ‪)4‬‬

‫ويعد فحص السجني أهم مقومات السياسة العقابية احلديثة‪ ،‬وهو عمل فني يقوم به متخصصون‬ ‫يتولون دراسة شخصية اﶈكوم عليه من مختلف النواحي الصحية؛ سواء كانت عقلية أو نفسية أو‬ ‫اجتماعية أو عضوية‪ ،‬للوقوف على مدى صحتها وكشف أي خلل فيها‪ ،‬ومدى تأثير ذلك على السلوك ومدى‬ ‫إمكانية عالج أي منها‪ ،‬وحتديد املدة الالزمة لذلك وكيفية تنفيذ العالج‪ ،‬وتقدير اخلطورة اإلجرامية الكامنة‬ ‫في الشخص ومدى جتاوبه مع األساليب الع قابية‪ .‬ويهدف الفحص إلى الوقوف على احلالة النفسية‬ ‫والبيولوجية واالجتماعية ملرتكب اجلرمية لتحديد خطورته اإلجرامية‪ ،‬كما أنه يعتبر مقدمة لعملية‬ ‫تصنيف اﶈكوم عليهم إلى فئات وذلك بوﺿع كل فئة من اﶈكوم عليهم املتشابهني في الظروف في أماكن‬ ‫معينة‪ )5( .‬وكذلك التأكد من مدى جتاوب اﶈكوم عليه مع األسلوب العقابي وبيان مدى اكتمال شفائه متهيدا ً‬ ‫لإلفراج عنه‪.‬‬ ‫ويتم التصنيف على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫أ) التصنيف على أساس اجلنس‪ ،‬ويتم فصل الرجال عن النساء وتخصيص مؤسسه إصالحيه لكل فئة‪.‬‬ ‫ب) التصنيف على أساس السن‪ ،‬ويكون بفصل البالغني عن األحداث وتخصيص مؤسسه إصالحيه خاصه‬ ‫لكل فئة تتميز كل منها بنظام معني يتالء م مع طبيعة النزالء‪.‬‬

‫(‪) 4‬‬

‫حتى حتقق أساليب املعاملة العقابية الغرض منها يتعني "أن يوجد جهاز متخصص لتصنيف اﶈكوم عليهم‪ .‬ويؤدي هذا‬

‫اجلهاز وظيفته على مرحلتني‪ :‬األولى مرحلة التشخيص والفحص‪ ،‬ويقوم بها متخصصون في النواحي الطبية والنفسية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬وتشمل دراسة شخصية اﶈكوم عليهم من جميع جوانبها‪ ،‬ومعرفة العوامل التي دفعت بهم إلى اإلجرام‬ ‫واقتراح سبل مواجهتها‪ ،‬والثانية‪ :‬تتمثل في توزيع اﶈكوم عليهم حسب ف ئاتهم على املؤسسات العقابية اجملتلفة‪ ،‬ويتولى‬ ‫هذه املرحلة إداريون لديهم خبرة في املعاملة العقابية"‪ :‬انظر في ذلك‪ :‬د‪ .‬فتوح عبد اهلل الشاذلي‪ ،‬أساسيات علم اإلجرام‬ ‫والعقاب‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬االسكندرية‪ 2000 ،‬م‪.‬ص ‪. 234‬‬ ‫(‪ ) 5‬د‪ .‬أحمد عوض بالل‪ ،‬مبادئ علم العقاب‪ ،‬د‪ .‬محمود جنيب حسني‪ ،‬علم العقاب‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬طبعة ‪ ، 2000‬ص ‪،443‬‬ ‫د‪ .‬علي القهوجي‪ ،‬علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬دار الفمر العربي‪ ،‬طبعة ‪ ، 2002‬ص ‪ 331‬وما بعدها‪ ،‬د‪ .‬فتوح عبد اهلل الشاذلي‪ ،‬مبادئ‬ ‫علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬طبعة ‪ ، 2000‬ص ‪ 268‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪86‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ج) التصنيف على أساس السوابق‪ ،‬ويكون الفصل بني اﶈكوم عليهم الذين يدخلون السجن ألول مره‪ ،‬وبني‬ ‫اﶈكوم عليهم الذين لهم سوابق دخول السجن‪.‬‬ ‫د) التصنيف على أساس نوع اجلرمية‪ ،‬وذلك بفصل اﶈكوم عليهم ال رتكابهم جرائم سرقة عن مرتكبي‬ ‫اجلرائم األخرى‪.‬‬ ‫هـ) التصنيف على أساس اخللق الشخصي لكل سجني ومدى استعداده واستيعابه لإلصالح‪.‬‬ ‫فاملشرع اإلماراتي قد ابتدع نظاما ً حديثا ً لبرامج التصنيف بالنسبة لألحداث ونزالء املؤسسة اإلصالحية‬ ‫دمج فيه برنامج اال ستقبال الذي يعنى بحسن ا ستقبال احلدث في جناح خاص يضم مجموعة من‬ ‫املتخصصني‪ .‬ويعتبر تصنيف النزالء في مقدمة أساليب املعاملة العقابية احلديثة التي نص عليها املشرع‬ ‫اإلماراتي وفقا ً للقانون االحتادي رقم (‪ )43‬لسنه ‪ 1992‬م اخلاص بتنظيم املنشآت العقابية‪.‬‬

‫(‪)6‬‬

‫وينقسم التصنيف إلى التصنيف األفقي‪ :‬وهو توزيع اﶈكوم عليهم على املؤسسات العقابية‬ ‫اجملتلفة حسب تخصص كل منهم‪ ،‬كتوزيع السجناء الرجال على سجون الرجال‪ ،‬والنساء على سجون‬ ‫النساء‪ ،‬واألحداث على سجون األحداث‪ .‬وهناك التصنيف الرأسي‪ :‬وهو توزيع اﶈكوم عليهم داخل املؤسسة‬ ‫الواحدة حسب مقتضيات املعاملة العقابية لكل شخص‪ ،‬وكال هذين النوعني مكمل لآلخر حيث يبدأ‬ ‫التصنيف أفقيا ثم رأسيا‪.‬‬

‫( ‪)7‬‬

‫كما يراعى في فصل اﶈكوم عليهم أن يكون أيضا ً على أساس نوع اجلرائم التي يرتكبونها‪ ،‬فيوضع‬ ‫الذين يحكم عليهم ألسباب مدنية‪ ،‬مبا في ذلك الديون‪ ،‬ف ي أماكن منفصلة عن الذين يرتكبون جرائم‬ ‫جنائية‪ ،‬وفي احلالة األخيرة يراعى أيضا ً مدى جسامة اجلرمية املرتكبة ومدى خطورة اجلاني اإلجرامية‪ .‬ويرى‬ ‫لفيف من علماء العقاب أن التصنيف يعد أهم خطوة في أساليب املعاملة العقابية‪ ،‬وعليه فإن إعادة‬ ‫تأهيل النزالء داخل املؤسسة اإلصالحية والعقابية تبدأ ب تقسيم النزالء واﶈكوم عليهم وفق معطيات‬ ‫توضح احلالة الصحية واألوضاع النفسية والقدرات العقلية واملستوى التعليمي للمحكوم عليهم‪.‬‬

‫(‪)8‬‬

‫(‪ )6‬وفقا ً للمواد (‪ )57-58-59-60-61‬من القانون اإلحتادي رقم (‪ )43‬لسنه ‪1992‬م التي إختصت بتصنيف النزالء‪.‬‬ ‫(‪ ) 7‬للمزيد في ذلك راجع كل من‪ :‬د‪ .‬عبد الفتاح مصطفى الصيفي‪ ،‬حق الدولة في العقاب‪ ،‬دار النهضة العربية طبعة ‪،1996‬‬ ‫ص ‪ 50‬وما بعدها‪ ،‬د‪ .‬محمود جنيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ، 229‬د‪ .‬فوزي ة عبد الستار‪ ،‬مبادئ علم العقاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪ ، 331‬د‪ .‬عمر الفاروق احلسيني‪ ،‬علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬طبعة ‪ ، 1990‬ص ‪ ، 410‬د‪ .‬مأمون محمد سالمة‪ ،‬علم‬ ‫اإلجرام والعقاب‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ، 1983 ،‬ص ‪ 160‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪ ) 8‬د‪ .‬علي محمد جعفر‪ ،‬السجون وسياسة تطوير وظائفها اإلصالحية‪ ،‬دراسة مقارنة مع أحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬مجلة‬ ‫األمن والقانون‪ ،‬كلية شرطة دبي‪ ،‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬يوليو ‪ 2000‬م‪ ،‬ص ‪ 65‬وما بعدها‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪87‬‬


‫وللتصنيف وظائف عديدة وأدوار مهمة في تأهيل النزالء ميكن تلخيصها فيما يلي‪:‬‬ ‫(‪ )1‬أن التصنيف يساعد على فصل فئة النزالء األكثر انحرافا عن رفقائهم األقل انحرافا مما يقلل من فرص‬ ‫(التلوث اإلجرامي)‪.‬‬

‫( ‪)9‬‬

‫(‪ )2‬أن تقسيم السجناء وتوزيعهم بناء على تصنيفهم يساعد على إجناح برامج التأهيل النفسي والتربوي‬ ‫واملهني للفئات املستفيدة من تلك البرامج‪.‬‬

‫(‪)10‬‬

‫ومن املالحظ أن قوانني املؤسسات العقابية في معظم دول العالم تتفاوت في تقديرها لكثير من‬ ‫املسائل التفصيلية في عمليات التصنيف العقابية حسب تشريعاتها وقوانينها ولوائحها الداخلية‬ ‫وأنظمة مؤسساتها وبرامجها التأهيلية‪ ،‬ولكنها جميعا تتفق على أهمية التصنيف ووجوده كأسلوب‬ ‫أساسي من أساليب املعاملة العقابية‪ ،‬حيث إنه األساس الذي يتم تكليفهم وفقه باالنخراط في بعض‬ ‫األنشطة والفعاليات التي تهدف إلى إعادة تأهيلهم ورفع كفاءاتهم وقدراتهم العقلية واجلسدية‬ ‫والنفسية والثقافية والدينية‪.‬‬

‫(‪)11‬‬

‫وينقسم الفحص من حيث معيار مواعيد إجرائه إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫(‪ ) 9‬إن االختالط بني اﶈكوم عليهم يؤدي إلى جعل املؤسسة العقابية (مدرسة لتعليم وتعلم اجلرمية(‪ ،‬حيث يتلقى اﺠﻤﻟرم املبتدئ‬ ‫أساليب وفنون ارتكاب اجلرمية على أيدي اﺠﻤﻟرمني العائدين أو اﺠﻤﻟرمني اخلطرين‪ .‬كما أن اختالط اﶈكوم عليهم ميكن أن يؤدي إلى‬ ‫إنشاء عصابات إجرامية متارس عملها بعد اخلروج من املؤسسة العقابية ‪ .‬راجع في ذلك‪ :‬د‪ .‬حسن طالب‪ ،‬اﺠﻤﻟرم والسجن واﺠﻤﻟتمع‪،‬‬ ‫الفكر الشرطي‪ ،‬شرطة الشارقة‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬اﺠﻤﻟلد الثامن‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬يناير ‪ 2000‬م‪ ،‬ص ‪ 14‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪ ) 10‬د‪.‬حسن إسماعيل عبيد‪ ،‬أساليب إعادة تأهيل نزالء السجون‪ ،‬ملاذا وكيف‪ ،‬الفكر الشرطي‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ال سابع‪ ،‬العدد األول‪ ،‬تصدر‬ ‫عن شرطة الشارقة‪ ،‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬أبريل ‪ ، 1998‬ص ‪ 249‬وما بعدها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(‪ ) 11‬عند تصنيف اﶈكوم عليهم جند أن هناك فئة اﶈكوم عليهم بالسجن باقي مدة احلياة وهؤالء يعتبرون فئة خاصة جد ا ألن‬ ‫عقوباتهم غير محددة وبالتالي ينجم عنها آثا ر نفسية سيئة لديهم بسبب طول املدة من ناحية ولعزلهم متاما عن احلياة‬ ‫االجتماعية مدة غير محددة من ناحية أخرى‪ ،‬خصوصا وأن هناك الكثير من الدول توجد في قوانينها نصوص حتول دون اإلفراج‬ ‫عنهم أو منحهم العفو‪ .‬ومن املعلوم أن كل محكوم عليه ولو كان لباقي مدة احلياة يجب أن يعطي فرصة إلعادة التأهيل‬ ‫خصوصا وأنهم من مرتكبي اجلرائم اخلطيرة‪ .‬وإعطاء فرصة للتأهيل دون أن يكون لدى النزيل أمل في اإلفراج عنه بعد مدة‬ ‫محددة يكون عدﱘ اجلدوى‪ .‬وبالتالي فإن تطبيق عقوبة السجن باقي مدة احلياة ينطوي على إنكار حق اﶈكوم عليه في إعطائه‬ ‫فرصة ل لتأهيل واملعاملة اإلنسانية حلرمانه من إمكان اإلفراج عنه‪ ،‬مبا ينطوي بالتالي على حرمانه من األمل في التحرر وأن‬ ‫يعود مواطن ا ً مسؤوال‪ ،‬ولذلك قررت اللجنة األوروبية ملشكالت اجلرمية التابعة ﺠﻤﻟلس دول أوروبا وهي جلنة خبراء ملنع اجلرمية‬ ‫ومعاملة املذنبني إمضاء االتفا قية األوروبية حلماية حقوق اإلنسان واحلريات األساسية في سنة ‪ 1977‬م بأن السياسة اجلنائية‬ ‫التي تنطوي على إبقاء السجني باقي مدة حياته في السجن حتى لو قو ّ م نفسه بنفسه ولم يصبح خطر ا ً على اﺠﻤﻟتمع تتعارض‬ ‫مع املبادئ احلديثة في معاملة السجناء أثناء التنفيذ اجلزائي وأ يض ا ً مع فكرة إعادة دمج اﺠﻤﻟرمني في اﺠﻤﻟتمع من جديد‪ ،‬ولهذا‬ ‫ال توجد من الناحية العملية عقوبة سجن مؤبد في دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬فإذا كان القانون نص على هذه العقوبة‬ ‫لبعض اجلرائم إال أنه أخضعها لإلفراج الشرطي بعد مضي عشرين عام ا ً‪ ،‬وأخضعها كذلك لنوع خاص من اإلفراج بعد مضي‬ ‫خمسة عشر عام ا ً‪ ،‬وفي هذه احلالة األخيرة يكون األمر باإلفراج من اختصاص اﶈكمة التي أصدرت احلكم‪.‬‬ ‫أنظر في ذلك د‪ .‬محمد محي الدين عوض‪ ،‬االجتاهات احلديثة في السياسات العقابية ومدى انعكاسها في العالم العربي‪،‬‬ ‫اﺠﻤﻟلة العربية للدراسات األمنية والت دريب‪ ،‬تصدر عن املركز العربي للدراسات األمنية والتدريب بالرياض‪ ،‬العدد ‪ ، 21‬مايو ‪،1996‬‬ ‫ص ‪ 17‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪88‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫األول‪ :‬فحص سابق على صدور احلكم باجلزاء اجلنائي‪ ،‬وهو فحص تدرج نتائجه مبلف الشخصية الذي يحدد‬ ‫حالة الشخص من خالل نتائج الفحص اجملتلفة على شخصية اجلاني‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬فحص يجرى بعد صدور احلكم باجلزاء اجلنائي‪ .‬ويقصد به حتديد املعاملة العقابية املالئمة‪ ،‬أي أسلوب‬ ‫تنفيذ العقوبة واملكان اجملصص له داخل املنشآت ضمن الطائفة التي تتالءم وتتشابه معه في الظروف‪ ،‬أو‬ ‫في مكان منفرد إذا كان له خطورة خاصة‪.‬‬ ‫الثالث‪ :‬فحص يجرى بعد صدور احلكم باجلزاء اجلنائي‪ ،‬والبدء في تنفيذه‪ ،‬ويهدف هذا الفحص إلى مالحظة‬ ‫اﺠﻤﻟرم وسلوكه خالل مرحلة اجلزاء اجلنائي‪ ،‬أي مرحلة التنفيذ العقابي لبيان مدى التجاوب مع املعاملة‬ ‫العقابية اﶈددة له ومدى احترام النظام والتعاون مع املسؤولني والزمالء‪.‬‬

‫ثالثا ً‪ :‬التصنيف في دولة اإلمارات‬

‫(‪)12‬‬

‫(‪)13‬‬

‫إن تصنيف النزالء في مقدمة أساليب املعاملة العقابية التي نص عليها التشريع اإلماراتي‪ ،‬وهو‬ ‫يبدأ حلظة دخول النزيل إلى املؤسسة اإلصالحية والعقابية وحتى اال نتهاء من تنفيذ العقوبة‪.‬‬ ‫وقد راعى املشرع اإلماراتي تصنيف اﶈكوم عليهم حسب اجلنﺲ‪ ،‬وقد نصت املادة األولى من القانون‬ ‫االحتادي رقم (‪ )43‬لسنه ‪ 1992‬م اخلاص بتنظيم املنشآت العقابية على تصنيف املنشآت العقابية إلى ثالثة‬ ‫أنواع‪-1 :‬منشآت للرجال‪-2 .‬منشآت للنساء‪ -3 .‬منشآت لﻸحداث اﶈكوم عليهم باحلبﺲ‪ ،‬ويراعي فيها فصل‬ ‫اجلنسني‪.‬‬ ‫ويالحﻆ في هذا الصدد أن احلدث ينفذ العقوبة اﶈكوم بها عليه في األماكن اجملصصة لﻸحداث‬ ‫شرط أال يتجاوز الثمانية عشرة من العمر طبقا ً لقانون األحداث رقم (‪ )9‬لسنة ‪ ،1976‬وبالتالي ال ينطبق‬ ‫هذا األمر على من توافر فيه عذر حداثة السن‪ ،‬وأساس ذلك ‪ -‬كما تقول محكمة متييز دبي‪ -‬أن (القانون‬ ‫السالفة اإلشارة إليه قد حدد سن احلدث والعقوبات املقررة للجرائم التي يرتكبها ونوع العقوبات والتدابير‬ ‫تبعا لسن احلدث‪ ،‬فمن ثم يكون هو القانون الواجب التطبيق على كل من يعد حدث ًا طبقً ا‬ ‫الواجب إعمالها ً‬ ‫لهذا القانون‪ .‬أما املقصود بعذر حداثة سن اﺠﻤﻟرم الذي يعتبر من األعذار اجملففة عمال ً باملادة (‪ )96‬من قانون‬ ‫(‪ ) 12‬د‪ .‬محمد أبو شادي‪ ،‬مبادئ علم العقاب‪ ،‬كلية الشرطة‪ ،‬الكويت‪ ،‬مطابع الكلية‪ ، 1983 ،‬ص ‪ 150‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪ ) 13‬انظر تفصيال ً حول تصنيف النزالء في دولة اإلمارات‪ :‬د‪ .‬شر يف سيد كامل‪ ،‬د‪ .‬موسى مصطفى شحاته‪ ،‬قواعد احلد األدنى‬ ‫ملعاملة النزالء وأثرها على قانون تنظيم املنشآت العقابية في دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬الفكر الشرطي‪ ،‬شرطة الشارقة‪.‬‬ ‫دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬مركز البحوث والدراسات‪ ،‬اﺠﻤﻟلد العاشر‪ ،‬العدد ( ‪ ،) 13‬أكتوب ر ‪ ، 2001‬ص ‪ 178‬وما بعدها‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪89‬‬


‫العقوبات فهو أن يكون اﺠﻤﻟرم قد جتاوز سن احلدث أي من جتاوز سن الثامنة عشرة‪ ،‬وال يجوز اجلمع بني قانون‬ ‫األحدا ث وعذر حداثة السن الوارد في قانون العقوبات ألن لكل مجال ونطاق إلعماله‪ ،‬ومن ثم يكون منعى‬ ‫الطاعن في هذا الصدد في غير محله(‪)14‬‬ ‫ونصت املادة (‪ )16‬من القانون االحتادي رقم (‪ )43‬لسنة ‪ 92‬اخلاص بتنظيم املنشآت العقابية على أن‬ ‫النزالء في تطبيق أحكام هذا القانون أربع فئات‪:‬‬ ‫الفئة (أ)‪ :‬وتشمل اﶈبوسني احتياطيا‪ ،‬واﶈبوسني في دين مدني أو نفقة شرعية أو لسداد الدية أو حالة‬ ‫اإلكراه البدني‪ ،‬وكذلك اﶈكوم عليهم في اﺨﻤﻟ الفات بعقوبة احلجز‪.‬‬ ‫الفئة (ب)‪ :‬وتشمل املودعني على ذمة تنفيذ عقوبات اإلعدام واحلدود والقصاص‪.‬‬ ‫الفئة (جـ)‪ :‬وتشمل اﶈكوم عليهم بعقوبة احلبس أو السجن املؤقت أو السجن املؤبد‪.‬‬ ‫الفئة (د)‪ :‬وتشمل األحداث اﶈكوم عليهم بعقوبة احلبس‪.‬‬ ‫ومع عدم اإلخالل بحكم املادة الثالثة‬

‫(‪)16‬‬

‫(‪)15‬‬

‫من هذا القانون‪ ،‬ت خصص في كل منشأة أماكن خاصة‬

‫لكل فئة من الفئات املذكورة‪ ،‬وتصنف كل فئة إلى درجات بحسب السن والسوابق اإلجرامية ونوعها‪ .‬وتبني‬ ‫الالئحة التنفيذية هذه الدرجات واألحكام املتعلقة بنقل النزيل من درجة إلى أخرى‪.‬‬

‫(‪)17‬‬

‫(‪ )14‬حيث قضي بأنه ملا كان ذلك الثابت من إفادة اإلدارة العامة للمؤسسات العقابية املؤرخة ‪ 1999 / 1 / 23‬واملرفقة باألوراق أن‬ ‫الطاعن ينفذ احلكم الصادر عليه مبركز املنخول اخلاص باألحداث نفا ذ ًا حلكم املادة ‪ 3 / 3‬من القانون رقم ( ‪ ) 43‬لسنة ‪ 1992‬فمن‬ ‫ثم يكون منعي الطاعن في هذا اخلصوص غير مقبول‪ ،‬ملا كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعي ن ً ا رفضه‬ ‫موضو ًع ا‪ .‬محكمة متييز دبي ‪ -‬األحكام اجلزائية ‪ -‬الطعن رقم ‪ - 1‬لسنة ‪ 1999‬قضائية ‪ -‬تاريخ اجللسة ‪ - 1999 - 2 - 27‬مكتب فني‬ ‫‪ - 10‬رقم اجلزء ‪ - 1‬رقم الصفحة ‪1163‬‬ ‫(‪ ) 15‬جاء القانون املصري رقم ‪ 396‬لسنة ‪ 1956‬م في شأن تنظيم السجون في مادته ( ‪ ) 13‬ليقسم اﶈكوم عليهم إلى درجات ال‬ ‫تقل عن ثالث‪ .‬وتبني كيفية املعاملة واملعيشة لكل درجة بقرار من وزير الداخلية بناء على اقتراح مدير عام السجون وموافقة‬ ‫النائب العام‪ .‬وتراعى اللوائح الداخل ية للسجون في ترتيب وضع املسجونني في كل درجة وفي نقلهم من درجة إلى أخرى مع‬ ‫مراعاة السن‪.‬‬ ‫(‪ ) 16‬تنص املادة الثالثة من القانون االحتادي اإلماراتي رقم ( ‪ ) 43‬لسنة ‪ 1992‬على أن املنشآت العقابية ثالثة أنواع‪ 1 :‬ـ منشأة‬ ‫للرجال‪ 2 ،‬ـ منشأة للنساء‪ 3 ،‬ـ منشأة لألحداث اﶈكو م عليهم باحلبس‪ ،‬ويراعى فيها فصل اجلنسني‪.‬‬ ‫(‪ ) 17‬ويجب أن يتوافر العدد الكافي من املؤسسات العقابية املتخصصة‪ ،‬حتى توضع كل فئة تتشابه ظروفها ـ استناد ا ً إلى‬ ‫مرحلة التصنيف ـ في مؤسسة عقابية مستقلة‪ ،‬أو على األقل في جناح مستقل من املؤسسات العقابية فيوجد مثال سجن‬ ‫للرج ال وآخر للنساء‪ ،‬وثالث لألحداث ورابع ملرضى العقل‪ ،‬وخامس ملرضى البدن‪ ،‬ويكون منها ما هو مغلق‪ ،‬ومنها ما هو شبه‬ ‫مفتوح‪ ،‬وما هو مفتوح وهكذا‪ .‬وأن يراعى في تشييد تلك املؤسسات االشتراطات العامة املالئمة لكل منها‪ .‬فمن الشروط‬ ‫العامة أن تكون املؤسسة اإلصالحية والعقابية خارج املدينة حتى ال يساعد على الهرب أو باألجهزة احلديثة للتنبيه عن‬ ‫محاوالت الهرب وكذلك ملراقبة سير حركات اﶈكوم عليهم واحلراس في املؤسسة ويجب أن تكون قاعات الطعام‪ ،‬وأماكن‬ ‫الزيارة فسيحة‪ ،‬وأن تخصص أماكن للعبادة إلى آخر ذلك من األمور املهمة والتي تساعد في ع مليات التصنيف وكذلك على‬ ‫تطبيق وسائل التأهيل األخرى‪ .‬أنظر في ذلك الدكتور‪ :‬فتوح عبد اهلل الشاذلي‪ ،‬أساسيات علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص ‪ 235‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪90‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫واألسس التي اعتمد عليها املشرع اإلماراتي في تقسيم اﶈكوم عليهم ميكن إجمالها في اآلتي‪:‬‬ ‫‪ )1‬بالنسبة للمحكوم عليهم من الفئة (ب) فقد مت تقسيمهم إلى درجتني؛ األولى تشمل املودعني لتنفيذ‬ ‫عقوبة اإلعدام‪ .‬وتقسم هذه الفئة إلى مجموعتني‪ :‬اﺠﻤﻟموعة (أ) وتضم املودعني الذين تزيد أعمارهم على‬ ‫‪ 18‬سنة وحتى ‪ 25‬سنة‪ .‬اﺠﻤﻟموعة (ب) وتضم املودعني الذين تزيد أعمارهم على ‪ 25‬سنة‪ .‬الدرجة الثانية‪:‬‬ ‫وتضم املودعني لتنفيذ عقوبات احلدود والقصاص‪ .‬وتقسم هذه الدرجة إلى أربع مجموعات‪ :‬اﺠﻤﻟموعة (أ)‬ ‫للذين تتراوح أعمارهم ما بني ‪ 15‬سنة وحتى ‪ 18‬سنة‪ .‬اﺠﻤﻟموعة (ب) للذين تزيد أعمارهم على ‪ 18‬سنة‬ ‫وحتى ‪ 25‬سنة‪ .‬اﺠﻤﻟموعة (ج) للذين تزيد أعمارهم على ‪ 25‬سنة وحتى ‪ 40‬سنة‪ .‬اﺠﻤﻟموعة (د) للذين تزيد‬ ‫أعمارهم على ‪ 40‬سنة‪ .‬وتقسم كل مجموعة إلى قسمني‪ :‬القسم األول‪ :‬للمودعني ألول مرة‪ .‬القسم‬ ‫الثاني‪ :‬لذوي السوابق (‪.)18‬‬ ‫‪ )2‬تقسم الفئة (د) من فئات املسجونني املنصوص عليها املادة (‪ )16‬من القانون االحتادي رقم (‪ )43‬لسنة‬ ‫‪ 1992‬املشار إليﻪ إلى درجتني هما‪ :‬الدرجة األولى‪ :‬وتضم األحداث اﶈكوم عليهم بعقوبة احلبس والذين‬ ‫تزيد أعمارهم على ‪ 16‬سنة وحتى ‪ 18‬سنة‪ .‬وتقسم هذه الدرجة إلى قسمني‪ :‬يضم القسم األول‬ ‫اﶈبوسني ألول مرة‪ .‬ويضم القسم الثاني اﶈبوسني من ذوي السوابق‪ ،‬أما الدرجة الثانية فتشمل الذين‬ ‫جتاوزت أعمارهم ‪ 18‬سنة أثناء إيداعهم املنشأة العقابية‪.‬‬ ‫ويستفاد ﳑا تقدم أن النظام املعمول بﻪ لتصنيف اﶈكوم عليهم في دولة اإلمارات العربية يتخذ‬ ‫من اخلطورة اإلجرامية أساسا للتصنيف؛ فهو يجنب اﶈكوم عليهم ألول مرة مخاطر االختالط باﺠﻤﻟرمني ذوي‬ ‫السوابق‪ ،‬ومن ثم فهو يتفق مع القانون النموذجي العربي املوحد لتنظيم السجون الصادر بتاريخ‬ ‫‪ 2000/04/23 :‬حيث يتم تصنيف املسجونني وتوزيعهم في السجون‪ ،‬حسب العقوبات املقررة عليهم‪،‬‬ ‫وخطورة اجلرائم التي حبسوا من أجلها‪ ،‬وسنهم وشخصيتهم‪ ،‬وقدرتهم على حتسني حالتهم‪ .‬ثانيا‪ :‬يقع‬ ‫التعامل مع املسجونني حسب الفئة التي ينتمون إليها وفق ما يلي‪ :‬الفئة أ‪ :‬وتشمل اﶈبوسني احتياطيا‪،‬‬ ‫واملسجونني في دين مدني أو نفقة شرعية أو سداد لدية أو في حاالت اإلكراه البدني‪ .‬الفئة ب‪ :‬وتشمل‬ ‫املودعني على ذمة تنفيذ عقوبات اإلعدام أو احلدود أو القصاص‪ .‬الفئة ج‪ :‬وتشمل اﶈكوم عليهم بعقوبة‬ ‫السجن املؤبد أو املؤقت‪ .‬الفئة د‪ :‬وتشمل األحداث اﶈ كوم عليهم بعقوبة احلبس‪.‬‬

‫(‪ )18‬املادة (‪ )32‬من قرار وزير الداخلية رقم ‪ 471‬لسنة ‪ 1995‬بشأن إصدار الالئحة التنفيذية للقانون االحتادي رقم (‪ )43‬لسنة ‪1992‬م في شأن‬ ‫تنظيم املنشآت العقابية‪ .‬اجلريدة الرسمية‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪91‬‬


‫املطلب الثاني‬ ‫الرعاية الصحية‬ ‫يقصد بالرعاية الصحية الوقاية وا تخاذ كافة اإلجراءات ملنع إصابة السجني باملرض املعدي الذي قد‬ ‫يصب ﻏيره من املساجني وقد ﳝتد إلى خارج املؤسسة العقابية ويتفشى بني أفراد اﺠﻤﻟتمع عن طريق الزائرين‬ ‫أو موظفي املؤسسات العقابية الذين يقيمون خارجها‪.‬‬

‫(‪)19‬‬

‫والرعاية الصحية هي حق لكل إنسان‪ ،‬ومن ثم يجب على الدولة أن توفر الرعاية الصحية أو العالج‬ ‫الطبي للمحكوم عليه بوصفه إنساناً‪ ،‬فإذا كانت الدولة سلبته حريته‪ ،‬وحرمته من الذهاب أو التردد على‬ ‫الطبيب من أجل العالج‪ ،‬فإن واجب هذه الدولة أن تقدم له البديل عما حرمته منه‪ ،‬بحيث توفر له العالج‬ ‫والرعاية الصحية في املؤسسة العقابية‪ ،‬والﻐرض منها منع إصابة اﶈكوم عليه باملرض املعدي الذي قد‬ ‫يصيب ﻏيره من اﶈكوم عليهم‪ ،‬الذي قد ﳝتد إلى خارج املؤسسة العقابية ويتفشى بني أفراد اﺠﻤﻟتمع‪.‬‬ ‫وحلماية السجني من األمراض املعدية أثناء فترة التنفيذ العقابي داخل املنشأه العقابية‪ ،‬يلزم توافر شروط‬ ‫معينة في كل من الهيكل املادي لهذه املنشأه وفي السجني ذاته‪.‬‬ ‫كما أن حرمان اﶈكوم عليهم من الرعاية الصحية يتضمن إيالما إﺿافيا يقره القانون لكونه يزيد عن‬ ‫األ لم الذي يستهدفه القانون واملتمثل في سلب احلرية فقط‪.‬‬

‫(‪)20‬‬

‫وقد أكدت القواعد النموذجية الدنيا ملعاملة السجناء الصادرة بتاريخ ‪ 1957/07/31‬والقوانني‬ ‫املقارنة ومنها القانون اإلماراتي عل ى أهمية الرعاية الصحية للسجناء فنصت على أساليب وقائية وأخرى‬ ‫عالجية وسوف نتناول كال منهما على النحو التالي‪:‬‬ ‫أوال ً‪ :‬األساليب الوقائية للرعاية الصحية للسجناء‪:‬‬ ‫تتنوع األساليب الوقائية الصحية للسجناء؛ فمن ها ما يتعلق مبباني السجن‪ ،‬ومنها ما يتعلق‬ ‫ب الطعام اجملصص للسجني‪.‬‬

‫(‪ )19‬د‪ .‬شريف زيفر هاللي‪ ،‬واقع السجون في الوطن العربي بني التشريعات الداخلية واملواثيق الدولية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬املنظمة العربية لإلصالح‬ ‫اجلنائي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ص‪.2004 ،90‬‬ ‫(‪ ) 20‬راجع في ذلك د‪ .‬نبيه صالح‪ ،‬دراسة في علمي اإلجرام والعقاب‪ ،‬الدار العلمية للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ، 2003 ،‬ص ‪ ، 256‬د‪.‬‬ ‫شريف سيد كامل‪ ،‬املعاملة العقابية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 56‬وما بعدها‪ ،‬د‪ .‬حسن محمد ربيع‪ ،‬اإلجرام والعقاب‪ ،‬دار النهضة‬ ‫العربية‪ ،‬طبعة ‪ ، 2000‬ص ‪. 549‬‬ ‫‪92‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫‪ -1‬مباني السجن‬ ‫يتعني أن ت توافر في جميع أجنحة املؤسسة العقابية أسس فنية تكفل جميع الشروط الصحية‪،‬‬ ‫سواء من حيث‪ :‬املساحة والتهوية واإلضاءة واملرافق الصحية والنظافة‪ .‬ومن ثم يجب أن تساعد هذه‬ ‫املؤسسات على تنفيذ برامج اإلصالح العقابي املنشود‪ ،‬كما يجب أن يخصص لكل محكوم عليه سرير‬ ‫مزود بالغطاء الذي يتناسب مع فصول السنة‪ ،‬وأن تتخذ كافة االحتياطات الصحية الالزمة لعدم تعرض‬ ‫اﶈكوم عليهم لألخطار واألمراض الوبائية (‪ ، )21‬وأن تكون هناك صيانة ورقابة ومتابعة دائمة لها‪ .‬وقد أكدت‬ ‫املادة العاشرة من القواعد النموذجية الدنيا ملعاملة السجناء على ضرورة أن يتوافر جلميع الغرف املعدة‬ ‫الستخدام املسجونني‪ ،‬والسيما حجرات النوم ليال‪ ،‬جميع املتطلبات الصحية مع احلرص على مراعاة الظروف‬ ‫املناخية؛ وخصوصا من حيث حجم الهواء واملساحة الدنيا اجملصصة لكل سجني واإلضاءة والتدفئة‬ ‫والتهوية‪ .‬كما نصت املادة (‪ ) 11‬من هذه القواعد على أنه يجب أن تكون النوافذ من االتساع بحيث متكن‬ ‫السجناء من استخدام الضوء الطبيعي في القراءة والعمل‪ ،‬وأن تكون مركبة على نحو يتيح دخول الهواء‬ ‫النقي سواء وجدت أم لم توجد تهوية صناعية‪ .‬ويجب أن تكون اإلضاءة الصناعية كافية لتمكني السجناء‬ ‫من القراءة والعمل دون إرهاق نظرهم‪ .‬هذا مع أنه يجب أن تكون املراحيض كافية لتمكني كل سجني من‬ ‫تلبية احتياجاته الطبيعة في حني ضرورتها وبصورة نظيفة والئقة (م‪ .)12‬ويجب أن تتوفر منشآت‬ ‫االستحمام واالغتسال بالدش بحيث يكون في مقدور كل سجني أو نزيل أن يستحم أو يغتسل بدرجة حرارة‬ ‫متكيفة مع الطقس بالقدر الذي تتطلبه الصحة العامة تبعا للفصل واملوقع اجلغرافي للمنطقة على أال‬ ‫يقل ذلك عن مرة في األسبوع في مناخ معتدل (م‪ .)13‬وال تش مل النظافة الصحية مكان إيداع اﶈكوم‬ ‫عليهم بل يجب أن تكون جميع األماكن التي يتردد عليها السجناء بانتظام في املؤسسة مستوفاة الصيانة‬ ‫والنظافة في كل حني(م‪.)14‬‬

‫(‪ ) 21‬األمراض الوبائية‪ :‬هي األمراض سريعة االنتشار‪ ،‬تؤدي غالب ا ً إلى الوفاة‪ ،‬وتنقسم إلى وباء انفجاري‪ ،‬وهو الذي يوجد له‬ ‫مصدر مشترك أو أداة نقل مشتركة حيث يظهر عدد كبير من احلاالت في اﺠﻤﻟتمع في فترة قصيرة من الوقت تتراوح ما بني يوم‬ ‫إلى خمسة أيام‪ ،‬واألوبئة ذات النمط طويل األمد حيث حتدث حاالت قليلة فقط كل يوم أو أسبوع على امتداد عدة أسابيع‪.‬‬ ‫كما أن بعض هذه األمراض يتم انتقال العدوى بها من الهواء أو من تناول أطعمة معينة‪ .‬أما من ناحية أساليب مواجهة‬ ‫األمراض الوبائية فهي تكمن في‪:‬‬ ‫وضع خطط للوقاية من هذه األمراض‪ ،‬من خالل الت عريف باألمراض‪ ،‬ومسبباتها‪ ،‬وطرق العدوى‪ ،‬وطرق املناعة‪ ،‬وطرق املكافحة‪.‬‬ ‫تدريب فرق طبية على االكتشاف املبكر للحاالت وسرعة اإلبالغ عنها‪ .‬جتهيز معامل متحركة لبحث احلاالت املشتبه بها‪ ،‬واتخاذ‬ ‫اإلجراءات الوقائية وتوفير األدوية الالزمة لعالج األمراض الوبائية وتوفير ا ألمصال واللقاحات الالزمة ملنع انتشار الوباء بني‬ ‫األصحاء‪ .‬راجع حول ذلك‪ :‬د‪ .‬عزة عبد اهلل‪ ،‬أساليب مواجهة الكوارث الطبيعية‪ ،‬مجلة مركز بحوث الشرطة‪ ،‬أكادميية مبارك‬ ‫لألمن‪ ،‬جمهورية مصر العربية‪ ،‬العدد احلادي والعشرون‪ ،‬يناير ‪ ، 2002‬ص ص ‪. 550 – 549‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪93‬‬


‫‪ -2‬النظافة الشخصية للسجناء‬ ‫يجب توفير األدوات اﳋاصة بالنظافة الشخصية‪ ،‬كما يجب إلزام اﶈكوم عليه بالنظافة الشخصية‬ ‫املناسبة‪ ،‬وهذا اإللزام إمنا هو حق من حقوق النزالء للحصول على النظافة العامة فال يؤذي أي محكوم عليه‬ ‫زمالءه بسوء نظافته أو إهماله الذي قد يؤدي ل ألمراض املعدية‪ .‬وب خصوص النظافة الشخصية تنص املادة‬ ‫(‪ ) 15‬من هذه القواعد على أنه تفرض على السجناء العناية بنظافتهم الشخصية‪ ،‬ومن أجل ذلك يجب أن‬ ‫يوفر لهم املاء وما تتطلبه الصحة والنظافة من أدوات‪ .‬وبغية متكني السجناء من احلفاظ على مظهر‬ ‫مناسب يساعدهم على احترام ذواتهم يزود السجن بالتسهيالت الالزمة لل عناية بالشعر والذقن ويجب‬ ‫متكني الذكور من احلالقة بانتظام‪( .‬م ‪.)16‬‬ ‫‪ -3‬توافر الغذاء املناسب للسجناء‬ ‫يجب أن تكون وجبات الطعام التي تقدم للمحكومني متنوعة وكافية من حيث الكمية والقيمة‬ ‫الغذائية‪ ،‬وأن يتم إعدادها وتقدميها بطريقة نظيفة‪ ،‬وما من شك أن تنوع وجبات الغذاء‪ ،‬واالهتمام بالطريقة‬ ‫التي يعد بها الطعام ونظافة املطبخ ونظافة القائمني عليه‪ ،‬وتقدمي الطعام بطريقة كرمية ومهذبة‪ ،‬إمنا‬ ‫هي أهم مقومات حفﻆ كرامة اإلنسان وكرامة اﶈكوم عليه‪ .‬كما يجب أن تقدم وجبات خاصة للنساء أثناء‬ ‫احلمل‪ ،‬أو الرضاعة‪ ،‬وكذلك احلال بالنسبة ألي محك وم عليه يقرر الطبيب له ذلك وهو ما أكدته املادة (‪)20‬‬ ‫من قواعد احلد األدنى ملعاملة السجناء بقولها "على إدارة السجن أن توفر ‪ -‬في الساعات املعتادة ـ وجبة‬ ‫طعام ذات قيمة غذائية كافية للحفاظ على صحته وقواه‪ ،‬جيدة النوعية وحسنة اإلعداد والتقدمي‪ .‬وتوفر‬ ‫لكل سجني إمكان ية احلصول على ماء صالح للشرب كلما احتاج إليه"‪.‬‬ ‫‪ -4‬حق السجناء في ممارسة األنشطة الرياضية‬ ‫في الواقع أن التمرينات واألنشطة الرياضية والترفيهية وخاصة التنزه في الهواء الطلق لها أكبر‬ ‫األثر في صحة اﶈكوم عليه‪ ،‬حيث يكون من الضروري توفير األماكن واألدوات الالزمة لتحقيق هذا الهدف‪،‬‬ ‫كما يجب أن يتوافر املدرب الرياضي في املؤسسة اإلصالحية والعقابية‪ ،‬حتى يقوم ﲟساعدة اﶈكوم عليه‬ ‫على ممارسة التمارين الرياضية املناسبة‪ ،‬ثم يجب تخصيص أوقات محددة للقيام بهذه التمرينات‪ ،‬أو التمتع‬ ‫بالهواء الطلق‪ .‬و قد تضمنت قواعد معاملة السجناء ضرورة أن يكون لكل سجني غير مستخدم في عمل‬ ‫في الهواء الطلق حق في ساعة على األقل في كل يوم ميارس فيها التمارين الرياضية املناسبة في الهواء‬ ‫الطلق‪ ،‬إذا سمح الطقس بذلك‪ .‬كما توفر تربية رياضية وترفيهية خالل الفترة اجملصصة للتمارين للسجناء‬

‫‪94‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫األحداث وغيرهم ممن يسمح لهم عمرهم ووضعهم الصحي‪ ،‬ويجب أن توفر لهم ـ على هذا القصد ـ األرض‬ ‫واملنشآت واملعدات الالزمة (م‪.)21‬‬ ‫‪ -5‬حق السجناء في الرعاية الطبية‬ ‫يجب أن يتولى اإلشراف على تنفيذ جميع الوسائل الوقائية التي سبق ذكرها اإلدارة الطبية داخل‬ ‫املؤسسة اإلصالحية والعقابية‪ ،‬بحيث يجب على طبيب السجن التأكد من توفر الشروط الصحية‬ ‫الالزمة‪ ،‬وذلك حتى تتقن الوسائل الوقائية دورها في حتقيق بيئة صحية مناسبة داخل املؤسسة‬ ‫العقابية‪.‬‬ ‫وال تقتصر الرعاية الصحية على تلك الوسائل التي تهدف إلى حماية اﶈكوم عليه من مختلف‬ ‫األمراض واالضطرابات‪ ،‬بل تشمل أيضا ً العالج الطبي كلما تطلب ذلك‪ .‬ويتولى ذلك جهاز فني مستقل‬ ‫يتألف من طبيب أو أطباء في التخصصات اجملتلفة‪ ،‬وهيئة متريض بجانب املكان اخلاص باستقبال املرضى‬ ‫واألجهزة الطبية الالزمة‪.‬‬ ‫و ﲡمع النظم العقابية احلديثة على حق اإلنسان اﶈكوم عليه بفترة تنفيذ عقابي في العالج إذا أصابه‬ ‫مرض أثناء خضوعه لتنفيذ العقوبة‪ ،‬بل إن هذا احلق ميتد إلى العالج من األمراض التي كان مصابا ً بها قبل‬ ‫دخوله املؤسسة العقابية‪ ،‬والسيما إذا كانت هي أحد العوامل التي دفعته للسلوك اإلجرامي‪ ،‬فضال ً عن أن‬ ‫اإلنسان اﶈكوم عليه في وضع ال ميكنه من الذهاب للطبيب اجملتص لعالجه‪ .‬واختيار الطبيب يخضع لظروف‬ ‫كل مؤسسة واإلمكانيات املتوافرة لها‪ .‬كما أن العالج الذي ميس سالمة اجلسم أو اخلاضع لعمليات جراحية‬ ‫ي تطلب رضا املريض أو ولي أمره تطبيقا ً للقواعد العامة‪ .‬أما فيما يختص بالعالج الذي يستهدف برامج‬ ‫للتهذيب والتأهيل فيجب إخضاعه له وذلك حسب القانون دون أن يكون هناك إهدار لكرامته كإنسان‪.‬‬

‫(‪)22‬‬

‫وقد جاء التشريع اإلماراتي مراعيا ً ألهم املبادئ في مجال الرعاية الصحية‪ ،‬وتضمنها في القانون االحتادي‬ ‫رقم (‪ )43‬اخلاص بتنظيم املنشآت العقابية وكذلك الئحته التنفيذية وفقا ً ملا يلي‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫أوجبت املادة (‪ ) 29‬من القانون أن يكون لكل منشأة طبيب أو أكثر‪ ،‬أحدهم مقيم تناط به‬ ‫الرعاية الصحية للمسجونني‪ ،‬وعليه أن يفحص كل مسجون عند دخوله املنشأة‪ ،‬ويثبت‬

‫(‪ ) 22‬راجع في ذلك كل من‪ :‬د‪ .‬محمود جنيب حسني‪ ،‬علم العقاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ . 438‬د‪ .‬محمد صبحي جنم‪ ،‬علم اإلجرام‬ ‫والعقاب‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬طبعة ‪ ، 1989‬ص ‪. 144‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪95‬‬


‫حالته الصحية والعقلية في السجل العام لكل فئة من املسجونني‪ ،‬وأن يحدد األعمال التي‬ ‫متكنه صحته من أدائها‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬

‫(‪)23‬‬

‫يوجب القانون على إدارة املنشأة أن تهيئ للمسجونني وسائل النظافة الشخصية الضرورية‪،‬‬ ‫بحيث يلزم بنظافة جسمه ومالبسه وكل ما هو متعلق بحالته العامة الشخصية‪.‬‬

‫ت‪-‬‬

‫للمسجونني حق التجمع ساعتني على األقل يوميا ً في أوقات الفراغ يقضونها في الهواء‬ ‫الطلق‪.‬‬

‫ث‪-‬‬

‫يجب أن يحتوي طعام اﶈكوم عليهم على القيمة الغذائية التي حتفظ الصحة والقوى‬ ‫ويكون متنوعا ً وجيد التجهيز‪.‬‬

‫ج‪-‬‬

‫إذا بلغت حالة املسجون املريض درجة اخلطورة وجب على إدارة املنشأة أن تبادر إلى إخطار‬ ‫أهله وأن ترخص لهم بزيارته دون التقيد باملواعيد الرسمية للزيارة‪.‬‬

‫كذلك تبني املادة (‪ ) 33‬من القانون وكذلك الالئحة التنفيذية اإلجراءات الواجب اتخاذها في حالة الوفاة‪.‬‬

‫(‪)24‬‬

‫(‪ ) 23‬تنص املادة ( ‪ ) 23‬من قانون تنظيم السجون املصري على أن يكون في كل ليمان أو سجن غير مركزي طبيب أو أكثر‪ ،‬أحدهم‬ ‫مقيم ‪ ،‬ت ُناط به األعمال الصحية وفقا ملا حتدده الالئحة الداخلية‪ ،‬ويكون للسجن املركزي طبيب‪ ،‬فإذا لم يعني له طبيب كلف‬ ‫أحد األطباء احلكوميني بأداء األعمال املنوطة بطبيب السجن‪.‬‬ ‫كما تقضي القاعدة ( ‪ ) 22‬من قواعد احلد األدنى ملعاملة املسجونني أنه يجب أن يتوافر لكل مؤسسة طبيب واحد على األقل‬ ‫مؤهل لذلك ولديه بعض املعرفة بطب األمراض العقلية والنفسية‪ ،‬ويجب أن تنظم اخلدمات الطبية على أساس اتصالها‬ ‫اتصاال ً وثيق ا ً بخدمات اإلدارة الصحية العامة للمجتمع اﶈلي واألمة‪ ،‬كما يجب أن تتضمن حتم ا ً لطب األمراض العقلية‬ ‫للتشخيص ولعالج حاالت ال شذوذ العقلي املناسبة‪.‬‬ ‫(‪ ) 24‬إن اإلجراءات التي يجب اتخاذها في حالة الوفاة تتضمنها املادة ( ‪ ) 33‬التي تنص على أنه‪" :‬إذا بلغت حالة املسجون املريض‬ ‫درجة اخلطورة بنا ء ً على تقرير طبيب املنشأة وجب على إدارة املنشأة أن تبادر إلخطار أهله وأن ترخص لهم في زيارته دون التقيد‬ ‫باملواعيد الرسمية للزيارة‪ ،‬وإذا ما توفي املسجون يقدم الطبيب إلى النيابة تقرير يدون فيه التفاصيل التالية ـ بقدر ما يتاح‬ ‫له التأكد منها‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ اليوم الذي اشتكى فيه املريض املتوفى من املرض ألول مرة أو اليوم الذي لوحظ فيه ألول مرة أنه مريض‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ العمل الذي يقوم به في ذلك اليوم‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ صنف الطعام الذي تناول في ذلك اليوم‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ اليوم الذي دخل فيه إلى املستشفى‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ اليوم الذي بلغ فيه نبأ مرض السجني ألول مرة‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ نوع املرض‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ آخر مرة كشف فيها الطبيب على املريض قبل وفاته والعالج الذي وصف له‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ الوقت الذي توفي فيه السج ني‪.‬‬ ‫ويخطر أهل املريض فور ا ً الستالم جثته وفي جميع األحوال ال يجوز دفنه قبل إخطار النيابة العامة اجملتصة بواقع حالة الوفاة‬ ‫وسببها واحلصول على تصريح منها بالدفن وإذا لم يحضروا بالوقت املناسب جاز دفنه في مقبرة اجلهة الكائنة بها املنشأة‬ ‫العقابية بعد أداء الشعائ ر الدينية املقررة‪.‬‬ ‫‪96‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫كما يحق ملدير املؤسسة إرسال اﶈكوم عليه املريﺾ ألقرب مستشفى متوافر فيه العالج املناسب له‬ ‫في حالة ما إذا رأى طبيب املؤسسة ذلك‪ ،‬مع مراعاة األمن والسالمة حسب خطورة احلالة وتقديرها وأخذ‬ ‫االحتياطات الضرورية‪.‬‬

‫(‪)25‬‬

‫ومن أبرز األساليب الوقائية للرعاية الصحية رعاية املرأة احلامل؛ ففي سجون النساء يجب أن تتوفر‬ ‫املنشآت اخلاصة الضرورية لتوف ير الرعاية والعالج قبل الوالدة وبعدها ويجب ـ حيثما كان ذلك في اإلمكان‬ ‫ـ اتخاذ ترتيبات جلعل األطفال يولدون في مستشفي مدني‪ ،‬وإذا ولد الطفل في السجن ال ينبغي أن يذكر‬ ‫ذلك في شهادة ميالده‪ .‬حني يكون من املسموح به بقاء األطفال الرضع إلى جانب أمهاتهم في السجن‪،‬‬ ‫وتت خذ التدابير الالزمة لتوفير دار حضانة مجهزة مبوظفني مؤهلني يوضع فيها الرضع خالل الفترات التي ال‬ ‫يكونون أثناءها في رعاية أمهاتهم‪( .‬م‪)23‬‬ ‫ثانيا ً‪ :‬األساليب العالجية للسجناء‬ ‫األساليب العالجية للجناء تشمل الفحص الطبي الدوري للسجناء‪ ،‬والتقارير الطبية؛ فمن حيث‬ ‫الفحص الطبي يقوم الطبيب بفحص كل سجني في أقرب وقت ممكن بعد دخوله السجن‪ ،‬ثم يفحصه بعد‬ ‫ذلك كلما اقتضت الضرورة‪ ،‬وخصوصا بغية اكتشاف أي مرض جسدي أو عقلي ميكن أن يكون مصابا به‪،‬‬ ‫واتخاذ جميع التدابير الضرورية لعالجه‪ ،‬وعزل السجناء الذين يشك في كونهم مصابني بأمراض معدية أو‬ ‫سارية‪ ،‬واستبانه جوانب القصور اجلسدية أو العقلية التي ميكن أن تشكل عائقا دون إعادة التأهيل‪ ،‬والبت‬ ‫في الطاقة البدنية على العمل لدى كل سجني‪( .‬م‪)25‬‬ ‫وفيما يتعلق بالتقارير الطبية فعلى الطبيب أن يقابل يوميا ً جميع السجناء املرضى وجميع أولئك‬ ‫الذين يشكون من اعتالل وأي سجني استرعى انتباهه إليه على وجه خاص‪ ،‬وأن يقدم تقريرا إلى املدير كلما‬ ‫بدا له أن الصحة اجلسدية أو العقلية لسجني ما قد تضررت أو ستتضرر من جراء استمرار سجنه أو من‬ ‫جراء أي ظرف من ظروف هذا السجن‪( .‬م‪)26‬‬ ‫وقد جاءت قواعد الرع اية الصحية للسجناء في الفصل الثالث من القانون االحتادي رقم ‪ 43‬لسنة ‪1992‬‬ ‫بشأن تنظيم املنشآت العقابية متوافقة مع القواعد النموذجية الدنيا ملعاملة السجناء على النحو التالي‪:‬‬

‫(‪ ) 25‬انظر في ذلك املادة ( ‪ ) 31‬من القانون اإلماراتي اخلاص بتنظيم املؤسسات اإلصالحية والعقابية وطبقا ملا جاء بالقاعدة رقم‬ ‫( ‪ ) 9‬من املبادئ األساسية ملعاملة السجناء ينبغي أن توفر للسجناء سبل احلصول على اخلدمات الصحية املتوافرة في البلد‬ ‫دون متيي ز على أساس وضعهم القانوني‪( .‬الوثيقة رقم ‪.) 12‬‬ ‫انظر في ذلك د‪ .‬عدنان زيدان‪ ،‬االجتاهات احلديثة في قانون املنشآت العقابية اإلماراتي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 42‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪97‬‬


‫‪ -1‬يكون لكل منشأة طبيب أو أكثر أحدهم مقيم تناط به الرعاية الصحية للمسجونني وفقا ملا حتدده‬ ‫الالئحة التنفيذية‪ ،‬وعليه أن يفحص كل مسجون عند دخوله املنشأة ويثبت حالته الصحية والعقلية‬ ‫في السجل العام لكل فئة من املسجونني وأن يحدد األعمال التي متكنه صحته من أدائها‪ .‬على أنه‬ ‫بالنسبة للمنشآت اخلاصة بالنساء يتعني أن يكون األطباء فيها من النساء إال إذا اقتضت الضرورة أن‬ ‫يكون باملنشأة طبيب أو أكثر من الرجال (م‪.)29‬‬ ‫‪ -2‬على الطبيب تفقد املنشأة واملسجونني للتحقق من النواحي الصحية وخاصة ما يتعلق منها بالنظافة‬ ‫والغذاء‪ .‬وعلى ضابط املنشأة تنفيذ التدابير الصحية التي يرى الطبيب اتخاذها‪.‬‬ ‫وعلى إدارة املنشأة اجملتصة أن تهيئ للمسجونني وسائل النظافة والرياضة البدنية‪ .‬وللمسجونني حق‬ ‫التمتع بساعتني على األقل يوميا من أوقات الفراغ يقضونها في الهواء الطلق وذلك في حدود ما تقرره‬ ‫الالئحة التنفيذية (م‪.)30‬‬ ‫‪ -3‬وإذا تبني لطبيب املنشأة أن املسجون مصاب مبرض عقلي قرر عرضه على جلنة طبية تشكل بقرار من‬ ‫وزير الصحة يكون من بني أعضائها أحد أطباء السجن والطبيب الشرعي لفحصه والتثبت من حالته‬ ‫فإذا تقرر نقلة إلى مستشفى لألمراض العقلية نقل إليه بأمر من مدير اإلدارة اجملتصة مع إخطار النيابة‬ ‫العامة‪ ،‬وحتسب املدة التي يقضيها املسجون في املستشفى من مدة العقوبة (م‪.)31‬‬ ‫‪ -4‬وإذا تبني لطبيب املنشأة أن املسجون مصاب مبرض يهدد حياته أو حياة اآلخرين أو يعجزه كليا فعلى‬ ‫إدارة املنشأة أن تعرضه على اللجنة الطبية املشار إليها في املادة السابقة وذلك لفحصه والنظر في‬ ‫اإلفراج الصحي عنه‪ .‬ويصدر باإلفراج الصحي قرار من النائب العام و تخطر به وزارة الداخلية‪ .‬وعلى‬ ‫مركز الشرطة الذي يقيم املسجون في دائرته عرضه على الطبيب احلكومي اجملتص كل ثالثة أشهر‬ ‫على األكثر ما لم يتم إبعاده عن البالد لتقدمي تقرير طبي عنه توطئة إللغاء أمر اإلفراج الصحي إذا‬ ‫اقتضى احلال ذلك‪ .‬ويعرض التقرير على اللجنة الطبية املذكورة فإذا قررت زوال احلالة املرضية التي‬ ‫استوجبت اإلفراج عنه يعرض األمر على النائب العام ليقرر إعادة املسجون إلى املنشأة الستيفاء باقي‬ ‫مدة العقوبة‪ .‬وحتسب املدة التي يقضيها املسجون املفرج عنه خارج املنشأة من مدة العقوبة(م‪.)32‬‬ ‫‪ -5‬وإذا بلغت حالة املسجون املر يض درجة اخلطورة بناء على تقرير طبيب املنشأة وجب على إدارة املنشأة‬ ‫أن تبادر إلى إخطار أهله وأن ترخص لهم في زيارته دون التقيد باملواعيد الرسمية للزيارة‪ .‬وإذا توفي‬ ‫املسجون يقدم الطبيب إلى النيابة العامة تقريرا يدون به التفاصيل التالية بقدر ما يتاح له التأكد‬ ‫منها‪:‬‬ ‫ اليوم الذي اشتكى فيه املريض املتوفى من املرض ألول مرة‪ ،‬أو اليوم الذي لوحظ فيه ألول مرة أنه‬‫مريض‪.‬‬ ‫‪98‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ العمل الذ ي كان يقوم به في ذلك اليوم‪.‬‬‫ صنف الطعا م الذي تناوله في ذلك اليوم‪.‬‬‫ اليوم الذي أدخل فيه إلى املستشفى‪.‬‬‫ اليوم الذي بلغ ف يه نبأ مرض السجني ألول مرة‪.‬‬‫ نوع املرض‪.‬‬‫‪-‬‬

‫آخر مرة كشف فيها الطبيب على املريض قب ل وفاته والعالج الذي وصف له‪.‬‬

‫ الوقت الذي توفى فيه السجني‪.‬‬‫ ويخطر أهل املتوفى فورا الستالم جثته‪ ،‬فإذا لم يحضروا في الوقت املناسب‪ ،‬جاز دفنه مبقبرة اجلهة‬‫الكائنة بها املنشأة بعد أداء الشعائر الدينية املقررة‪ .‬وفي جميع األحوال ال يجوز دفنه قبل إخطار‬ ‫النيابة العامة اجملتصة بواقعة الوفاة وسببها‪ ،‬واحلصول على تصريح منها بالدفن‪.‬‬ ‫كما خص املشرع االحتادي املرأ ة احلامل ببعض قواعد الرعاية الصحية تتميز عن تلك الواردة في‬ ‫قواعد احلد األدني ملعاملة السجناء؛ فمن ناحية يؤجل تنفيذ عقوبة اإلعدام على املرأة احلامل إلى أن تضع‬ ‫حملها‪ ،‬وتتم رضاعته في عامني هجريني وحتبس حتى يحني وقت التنفيذ (املادة ‪ 289‬عقوبات احتادي)‪.‬‬ ‫ويتفق ذلك وقواعد الشريعة اإلسالمية ألن تنفيذ حكم االعدام على املرأة احلامل من شأنه قتل‬ ‫اجلنني دون ذنب اقترفه‪ ،‬فضال ً عن أن ذلك يخالف مبدأ شخصية العقوبة‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى تعامل املسجونة احلامل ابتداء من وقت ظهور احلمل معاملة املسجونني من‬ ‫الفئة)أ( إذا لم تكن من هذه الفئة وتعفى من العمل باملنشأة ومتنح رعاية طبية خاصة من حيث الغذاء‬ ‫والنوم‪ ،‬ويؤجل تنفيذ أية جزاءات تأديبية عليها إلى ما بعد الوضع أو إلى حني انتهاء فترة وجود مولودها‬ ‫معها بحسب األحوال‪ ،‬ويجب نقلها إلى املستشفى عند اقتراب الوضع وتبقى فيه حتى تضع حملها‬ ‫وإلى أن يقرر الطبيب خروجها منه‪ ،‬وتبذل لها وملولودها العناية الصحية الالزمة مع الغذاء وامللبس‬ ‫املناسب والراحة‪ .‬وللمسجونة أن حتتفظ مبولودها حتى يبلغ من العمر عامني هجريني فإذا لم ترغب في‬ ‫بقائه معها أو بلغ هذه السن سلم ملن تختاره ممن لهم حق احلضانة وإال سلم ألبيه‪ ،‬وإذا لم يوجد يودع‬ ‫في إحدى دور رعاية األطفال مع إخطار األم في جميع احلاالت مبكانه وتيسير رؤيتها له في أوقات دورية‬ ‫على النحو الذي تبينه الالئحة التنفيذية‪ .‬وفي جميع األحوال يجب أال يذكر في شهادة ميالد الطفل ما‬ ‫(‪)26‬‬ ‫يشير إلى مولده في املنشأة أو في مستشفى خاص بها أو إلى واقعة سجن أمه‪.‬‬

‫(‪ ) 26‬املادة (‪ ) 21‬من القانون احتادي رقم (‪ )43‬لسنة ‪ 1992‬م في شأن تنظيم املنشآت العقابية والالئحة التنفيذية‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪99‬‬


‫وبعد دراسة الرعاية الصحية للمحكوم عليه خالل فترة التنفيذ العقابي جند أنها حتقق األغراض‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫(‪ )1‬الوقاية الصحية العامة‬ ‫البد أن تتخذ اإلجراءات الضرورية حلماية اﶈكوم عليهم من األمراض اجملتلفة أثناء إيداعهم باملنشأة‬ ‫العقابية للحيلولة دون تفشي األمراض بينهم داخل املؤسسة‪ ،‬ومن ثم بني أفراد اﺠﻤﻟتمع عند عودتهم إليه‪.‬‬ ‫(‪)27‬‬

‫(‪ )2‬منع العود للجرمية‬ ‫أكدت أبحاث ودراسات علم اإلجرام وجود عالقة بني املرض واجلرمية‪ ،‬فقد يكون املرض بالنسبة لبعض‬ ‫اﶈكوم عليه أحد العوامل في إقدامهم على اقتراف اجلرمية‪ ،‬ومن ثم يحقق عالجهم وشفاؤهم من تلك‬ ‫األمراض استئصال أحد العوامل اإلجرامية (‪ ، ) 28‬خاصة وأن تدهور الصحة يجعل اﶈكوم عليهم فريسة‬ ‫لألمراض اجملتلفة‪ ،‬ومن ثم فعدم سالمة املفرج عنهم من الناحية الصحية قد يؤدي إلى الفشل في الدراسة‬ ‫إذا كان صغير السن‪ ،‬أو الفشل في مزاولة أعماله‪ ،‬وبالتالي تدفع هذه احلالة الصحية اﶈكوم عليه إلى‬ ‫الفشل والبطالة‪ ،‬وهي ظواهر اجتماعية ضارة كثيرا ما تُعيد املفرج عنه مرة أخرى إلى اجلرمية‪.‬‬

‫(‪)29‬‬

‫‪ ) 3‬إزالة اآلثار النفسية الضارة‬ ‫إن سلب احلرية وما يسبقه من إجراءات قبض وحجز وحتقيق ومحاكم‪ ،‬تترك أثرا ً على نفسية اﶈكوم‬ ‫عليه قد يقوده لإلحساس باملرارة واليأس نتيجة كثرة التفكير في وضعه اجلديد‪ ،‬فالصحة العامة تكفل‬ ‫سالمة عمليات التهذيب والتأهيل‪ ،‬فكلما كان اﶈكوم عليه سليم البدن والعقل والتفكير‪ ،‬كلما ساعده‬ ‫ذلك في االبتعاد عن أوجه السلوك غير املشروع‪ ،‬وإزالة تلك اآلثار الضارة أو في التخفيف من حدتها‪.‬‬

‫(‪)30‬‬

‫(‪ ) 27‬د‪ .‬محمد زكي أبو عامر‪ ،‬د‪ .‬فتوح عبد اهلل الشاذلي‪ ،‬أساسيات علم اإلجرام ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ، 264‬وهذا ما نصت عليه‬ ‫القاعدة ( ‪ ) 24‬من مجموعة قواعد احلد األدنى ملعاملة املسجونني التي أقرتها اجلمعية العامة للمؤمتر الدولي سنة ‪ 1995‬م‬ ‫بقولها أن "يوقع الطبيب الكشف على كل مسجون ع قب قبوله بالسجن بأسرع ما ميكن‪ ،‬وكلما دعت الضرورة بعد ذلك‪،‬‬ ‫لغرض الكشف بصفة خاصة عما يحتمل أن يكون مصابا به من مرض جسماني أو عقلي واتخاذ كل التدابير الضرورية‪ ،‬كعزل‬ ‫املسجونني املشتبه في إصابتهم بأمراض معدية أو وبائية‪ ،‬وإثبات العجز اجلسماني أو العقلي الذي قد ي عوق التأهيل وحتديد‬ ‫مدى القدرة البدنية لكل مسجون للعمل"‪.‬‬ ‫(‪ ) 28‬محمد زكي أبو عامر‪ ،‬د‪ .‬فتوح عبد اهلل الشاذلي‪ ،‬أساسيات علم اإلجرام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 264‬‬ ‫(‪ ) 29‬راجع في ذلك كال من‪:‬‬ ‫د‪ .‬محمود جنيب حسني‪ ،‬علم العقاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ، 412‬حسنني عبيد‪ ،‬الوجيز في علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬دار النهضة‬ ‫العربية‪ ،‬طبعة ‪ ، 1996‬ص ‪ ، 432‬د‪ .‬نبيه صالح‪ ،‬دراسة في علمي اإلجرام والعقاب‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬طبعة ‪ ، 2004‬ص ‪. 259‬‬ ‫(‪ ) 30‬د‪ .‬يسر أنور علي‪ ،‬د‪ .‬آمال عبد الرحيم عثمان‪ ،‬علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬مطبعة جامعة عني شمس‪ ، 2010 ،‬ص ‪ 217‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪100‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ويرى الباحث أن الرعاية الصحية ال تقتصر على عالج اﶈكوم عليه من املرض‪ ،‬إﳕا تشمل هذه الرعاية‬ ‫الصحية أيضا إجراءات احتياﻃية لوقاية اﶈكوم عليهم من اﻷمراض‪ ،‬وبالتالي فﺈن الرعاية الصحية تتضمن‬ ‫أساليب وقائية وأساليب عالجية‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬ ‫الرعاية االجتماعية‬ ‫تعد الرعاية االجتماعية من أهم احلقوق للمحكوم عليه التي جت ب اﶈافظة عليها ودعمها في‬ ‫عمليات اإلصالح والتأهيل‪ ،‬وهذا ما عنيت به النظم العقابية احلديثة‪ ،‬سواء متثلت هذه الرعاية في صورة‬ ‫إقامة إدارة للخدمة االجتماعية العقابية كما هو احلال في فرنسا‪ ،‬أو في صورة اختصاصي اجتماعي فأكثر‬ ‫كما هو احلال في أغلب املؤسسات اإلصالحية العقابية العربية‪.‬‬ ‫وتكمن أهمية الرعاية االجتماعية في التعرف على املشكالت التي يعاني منها اﶈكوم عليه قبل‬ ‫دخوله املؤسسة العقابية وكذلك التي يعاني منها بعد دخوله إليها‪ ،‬إذ البد من مواجهة هذه املشكالت‬ ‫وحلها حتى يتوافر له الهدوء النفسي الذي يتيح له االستجابة جلهود التهذيب والتأهيل‪ .‬فضال عن أن‬ ‫الرعاية االجتماعية أثناء التنفيذ هي متهيد للرعاية الالحقة التي تعقب اإلفراج‪ ،‬ذلك أنه ال ميكن إرجاء‬ ‫الرعاية إلى حني اإلفراج‪ ،‬إذ تكون عندئذ متأخرة فال يتاح لها الوقت لقطف ثمرتها‪ ،‬خاصة وأن هذه الرعاية‬ ‫االجتماعية إذا ما جنحت جهودها فهي تعتبر حلقة الوصل بني هذا اإلنسان اﶈكوم عليه بفترة تنفيذ عقابي‬ ‫وبني عامله اخلارجي‪ ،‬فهي املسؤولة عن مراسالته وزياراته وترتيبها والعناية بها‪.‬‬

‫(‪)31‬‬

‫أوال ً‪ :‬أساليب الرعاية االجتماعية‬ ‫وتشمل هذه اﻷساليب دراسة مشكالت اﶈكوم عليه‪ ،‬وتنظيم أوقات فراغه‪ ،‬وكفالة الصلة بني اﶈكوم‬ ‫عليه واﺠﻤﻟتمع اخلارجي‪.‬‬

‫(‪ ) 31‬راجع في ذلك تفص يال‪ :‬د‪ .‬محمود جنيب حسني‪ ،‬علم العقاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ، 470‬د‪ .‬فوزية عبد الستار‪ ،‬مبادئ علم اإلجرام‬ ‫والعقاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ، 366‬د‪ .‬يسر أنور‪ ،‬آمال عثمان عبد الرحيم‪ ،‬علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 48‬وما بعدها‪،‬‬ ‫د‪ .‬فتوح عبد اهلل الشاذلي‪ ،‬أساسيات علمي اإلجرام والع قاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ، 272‬د‪ .‬إبراهيم جابر خالد عبد العزيز‪ ،‬رعاية‬ ‫املسجونني واملفرج عنهم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 283‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪101‬‬


‫أ) دراسة مشكالت اﶈكوم عليه‬ ‫ال شك أن اإلنسان اﶈكوم عليه كانت له حياته قبل دخوله املنشأة العقابية‪ ،‬ومن املمكن أن تكون هذه‬ ‫احلياة هي السبب في ارت كاب اجلرم والتسبب مبعاقبته في دخول املؤسسة العقابية‪ ،‬أو أن هذه احلياة اخلاصة‬ ‫ليست هي السبب لدخوله للمنشأة العقابية ولكن هناك موقف تعرض له‪ ،‬وعلى سبيل املثال حادث السير‬ ‫الذي يؤدي للوفاة مثال‪ ،‬فهذا خطأ قانوني ارتكبه السائق نتيجة اإلهمال أدى إلى الوفاة مما أدى إلى دخوله‬ ‫املؤسسة العقابية‪ ،‬وبالتالي فدراسة مشكالت اﶈكوم عليه حتدد كيفية وطريقة تأهيليه وإصالحه وكيفية‬ ‫قضائه لفترة عقوبته‪ .‬وكذلك الوقوف على مشكالت اﶈكوم عليه أثناء وجوده في املؤسسة العقابية‬ ‫يساعد على رعايته واألخذ بيده‪ ،‬فال شك أن احلياة في املؤسسة الع قابية مختلفة عن خارجها‪ ،‬واألسرة‬ ‫التي يعولها قد تركها‪ ،‬والعمل الذي كانت تعيش منه أسرته قد توقف‪ ،‬وال زوجة فارقها زوجها وحتملت‬ ‫وحدها مسؤولية األسرة‪ ،‬واألم أو االبنة مريضة مثال‪ ..‬كل ذلك يحتاج للرعاية واحللول للمشاكل التي‬ ‫يعتبرها أكبر املشكالت وال يجد لها حال‪.‬‬

‫(‪)32‬‬

‫وهنا يظهر دور االختصاصي االجتماعي في األخذ بيد اﶈكوم عليه ومساعدته على اجتياز األزمة‪ ،‬وتوجيهه‬ ‫إلى الوسائل التي يستطيع عن طريقها حل مشاكله واالندماج والتجاوب مع النظام املفروض في املؤسسة‬ ‫العقابية‪ ،‬واالتصال بأسرته‪ ،‬وكذلك االتصال بالهيئات االجتماعية اجمل تصة برعاية نزالء املؤسسات العقابية‬ ‫وأسرهم لتقدمي املساعدة والعون له‪ ،‬وإبالغه بذلك كي يطمئن نفسيا ً ويذهب عنه القلق واالضطراب‪،‬‬ ‫ويكون مؤهال الستقبال برامج التأهيل والتهذيب داخل املؤسسة‪.‬‬

‫(‪)33‬‬

‫(‪ ) 32‬انظر في ذلك د‪ .‬أحمد عبد اﺠﻤﻟيد الصمادي‪ ،‬د‪ .‬عبد القادر عبد اﷲ‪ ،‬االجتاهات احلديثة في إرشاد نزالء مراكز اإلصالح والتأهيل‪،‬‬ ‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ، 29‬وما بعدها‪ ،‬كما تأتي أهمية الرعاية االجتماعية وتفرض وجودها كحق مكتسب للمحكوم عليه أثناء‬ ‫فترة التنفيذ العقابي‪ ،‬ما نتج في تاريخ مهنة اإلرشاد النفسي من مجموعة كبيرة من الطرق والنظريات لدراسة وتفسير‬ ‫السلوك اإلنساني من زاويتها اخلاصة والتي تساعده على حل مشاكله االجتماعية‪ .‬كما حتدد مالمح وأساليب العملية‬ ‫اإلرشادية (العملية اإلصالحية) اخلاصة بها‪ ،‬مما يعطيها أسلوبا منفردا نستطيع من خاللها الوصول باﶈكوم عليه ملرحلة‬ ‫ممتازة لوضعه االجتماعي وجعله في منطقة األمان من التفكير بالنواحي االجتماعي‪ .‬وهذه النظريات تكمل بعضها البعض‬ ‫وتعطي بعدا جديدا لعملية اإلرشاد (اإلصالح والتأهيل)‪ .‬ولكن هناك أربع نظريات معاصرة سيطرت على امليدان تدرس كل‬ ‫نظرية املناهج األساسية وتطور الشخصية السوية والال سوية وتفسير السلوك اإلجرامي وإهداره العملية اإلرشادية وهي‬ ‫كاآلتي‪:‬‬ ‫‪ 2‬ـ نظرية امل درسة السلوكية‬ ‫‪ 1‬ـ نظرية التحليل النفسي‬ ‫‪ 4‬ـ نظرية الضبط والعالج الواقعي‬ ‫‪ 3‬ـ نظرية االجتاه الوجودي‬ ‫(‪ ) 33‬راجع في ذلك‪ :‬د‪ .‬خالد عبد العزيز الشريدة‪ ،‬تكامل التكافل في تنمية وتطوير أساليب الرعاية القبلية والبعدية‬ ‫للمسجونني‪ ،‬ورقة عمل مقدمة لندوة اإلصالح والتأهيل في املؤسسات العقابية واإلص الحية باململكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫‪ ، 2001 / 11 / 1 - 10 / 30‬ص ‪ ، 64‬د‪ .‬علي محمد جعفر االسجون وسياسة تطوير وظائفها اإلصالحية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 73‬وما بعدها‪.‬‬ ‫وأيضا ـ أدوين هـ‪ .‬سندر الند‪ ،‬دونالدر‪ .‬كريسي‪ .‬ترجمة اللواء ‪ /‬محمود السباعي‪ ،‬مبادئ علم اإلجرام‪ ،‬مؤسسة فرنكلني‬ ‫للطباعة والنشر‪ 1968 ،‬م‪ ،‬ص ‪. 228‬‬ ‫‪102‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ب) تنظيم أوقات الفراغ‬ ‫البد من تنظيم أوقات فراغ اﶈكوم عليهم عن طريق وضع برنامج يومي لهم‪ ،‬يبدأ من استيقاظهم صباحا ً‬ ‫وحتى وقت نومهم ليال‪ ،‬ويضم هذا البرنامج أساليب الرعاية اجملتلفة‪ ،‬من حيث التعليم والتثقيف والنواحي‬ ‫الصحية وطرق العمل التي من شأنها أن تنظم أوقات الفراغ وﲡعل وقت اﶈكوم عليه وقتا مفيدا ً مع إدخال‬ ‫بعﺾ البرامج عليها مثل‪ :‬الوجبات الغذائية والنظافة العامة‪ ،‬ويعتمد فيها اﶈكوم عليه على نفسه من‬ ‫ناحية تنظيف مكان السكن سواء كان العنبر أو احلوش وغرفته وكل متعلقاته الشخصية‪ ،‬وبالتالي يتعلم‬ ‫اﶈكوم عليه ضبﻂ برنامجه اليومي بعد أن كان عدمي االحترام للوقت والنظام‪ .‬ومن األنشطة التي البد من‬ ‫إضافتها ألي برنامج يومي‪:‬‬ ‫‪-1‬األنشطة االجتماعية‬ ‫البد من عمل أنشطة اجتماعية متنوعة للمحكوم عليهم تستهدف تغيير الروتني اليومي؛ منها املسابقات‬ ‫الدينية والثقافية والعلمية ويجب اإلكثار منها‪ ،‬وكذلك املسابقا ت الشهرية واألسبوعية وأثناء املناسبات‬ ‫مثل شهر رمضان واألعياد‪ ،‬وتخصيﺺ اجلوائز املناسبة ملا لها من تأثير على حرص اﶈكوم عليه الستكمال‬ ‫عملية التأهيل اجملصصة له‪.‬‬

‫(‪)34‬‬

‫‪-2‬تنظيم األنشطة الرياضية البدنية‬ ‫كما أن للرياضة البدنية أهمية كبرى في اﶈافظة على صحة اﶈكوم عليه‪ ،‬وعلى اندماجه مع باقي اجلماعة‪،‬‬ ‫وتعليمه االختالط وروح اجلماعة‪ ،‬وبالتالي زيادة تفاعله االجتماعي وذلك بتنظيم مترينات رياضية بدنية‪.‬‬ ‫ويجب أن تعد املنشأة العقابية املساحات والساحات الرياضية واملعدات الالزمة وتعيني مدربني‪.‬‬

‫(‪)35‬‬

‫ثانياً‪ :‬كفالة الصلة بني اﶈكوم عليه واﺠﻤﻟتمع اخلارجي‬ ‫عزل اﶈكوم عليه عن العالم يؤثر في نفسية املسجون بشكل سلبي ويضعه في ضيق نفسي‪ ،‬ويعوده على‬ ‫اعتزال الناس وحب الوحدة‪ ،‬وقد يكره التعاون معهم وهذا راجع إلى العزلة الطويلة عن اﺠﻤﻟتمع‪ ،‬فالبد من‬

‫(‪ ) 34‬د‪ .‬شريف سيد كامل‪ ،‬موسى مصطفى شحاته‪ ،‬قواعد احلد األدنى ملعاملة النزالء وأثرها على قانون تنظيم املؤسسات‬ ‫العقابية في دولة اإلمارات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 179‬وما بعدها‪ ،‬علي محمد جعفر‪ ،‬السجون وسياسة تطوير وظائفها اإلصالحية‪،‬‬ ‫مرجع سابقن ص ‪. 73‬‬ ‫(‪ ) 35‬أحمد عبد اﺠﻤﻟيد الصمادي‪ ،‬عبد القادر عبد اﷲ‪ ،‬االﲡاهات احلديثة في إرشاد نزالء مراكز اإلصالح والتأهيل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪. 31‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪103‬‬


‫االتصال اخلارجي حتى يستطيع اﶈكوم عليه اإلملام واملعرفة باألمور اخلارجية سواء كانت اخلاصة أو األسرية‬ ‫أو العامة‪ ،‬وبالتالي تسهل من عودته للمجتمع‪ .‬ويكون هذا االتصال بالعالم اخلارجي بإحدى الطرق التالية‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ الزيارات‬ ‫جتوز زيارة اﶈكوم عليه من خالل اللقاء مع (أسرته ـ أصدقائه‪ .)...‬وتعتبر حقا من حقوقه؛ ملا لها من أثر كبير‬ ‫في تخفيف األعباء الكثيرة واآلثار النفسية للمحكوم عليه بسبب وجوده باملؤسسة العقابية‪ ،‬وخاصة‬ ‫عدم جلوسه واجتماعه مبن يحب من األهل واألصدقاء‪ ،‬ولكنه البد من املراقبة التامة للمحكوم عليه أثناء‬ ‫الزيارة عن قرب ملنع أية مخالفات قد حتدث للقواعد التنظيمية للمؤسسة العقابية‪.‬‬

‫(‪)36‬‬

‫وتتم الزيارة وفقا لضوابط معينة بحيث تخصص ثالثة أيام في األسبوع لزيارة املسجونني‪ ،‬ويراعى أن تكون‬ ‫األوقات اجملصصة غير تلك اجملصصة للزائرات‪ ،‬وحتدد أيام ومواعيد وأماكن الزيارة بقرار من مدير املنشأة‬ ‫اإلصالحية والعقابية على أال تقل مدة الزيارة الواحدة عن خمس عشرة دقيقة‪ .‬كما يُسمح بزيارة املسجونني‬

‫في أيام األعياد واملناسبات الرسمية‪ ،‬ويكون حتديد موعد الزيارة بقرار من مدير املنشأة اإلصالحية والعقابية‪.‬‬

‫(‪)37‬‬

‫وفي السابق كانت الزيارة التي يسمح بها للمحكوم عليه تنحصر فقط في سماع أصوات أسرته وأقربائه‪،‬‬ ‫ولكن تغير هذا احلال باعتبار أن ذلك ميثل إهدارا ً حلقوق اإلنسان اﶈكوم عليه وآدميته‪ ،‬وقد عدلت بعد ذلك‬ ‫بحيث يستطيع اﶈكوم عليه التواصل واللقاء ورؤية أسرته وأصدقائه واالجتماع بهم في غرفة مخصصة‬ ‫لذلك وفي جلسات شبه عائلية‪.‬‬

‫(‪)38‬‬

‫(‪ ) 36‬خالد محمود اخلمري‪ ،‬ﺿمانات اﶈكوم عليه خالل التنفيذ العقابي‪ ،‬أطروحة (دكتوراه) ‪ -‬جامعة القاهرة‪ ، 1999 ،‬ص ‪. 421‬‬ ‫(‪ ) 37‬انظر املادتان ( ‪ ) 1 7 ، 16‬من الالئحة التنفيذية لقانون تنظيم املنشآت العقابية اإلماراتي‪.‬‬ ‫(‪ ) 38‬د‪ .‬أحمد عبد اﺠﻤﻟيد الصمادي‪ ،‬عبد القادر عبد اﷲ‪ ،‬االجتاهات احلديثة في إرشاد نزالء مراكز اإلصالح والتأهيل‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص ‪. 32‬‬ ‫ومن اجلدير بالذكر أنه في جمهورية مصر العربيةـ وفي إطار توجهات وز ارة الداخلية باالهتمام بحقوق اإلنسان في مرحلة‬ ‫التنفيذ العقابي ـ ثم إلغاء حاجز األسالك بني اﶈكوم عليهم وذويهم أثناء الزيارة ملراعاة شعورهم أثناء الزيارة والتي كان‬ ‫عبارة عن حواجز فاصلة بينهم وأهليهم إمعان ا ً في مراعاة شعورهم وصون كرامتهم‪ ...‬ومتشي ا ً مع االجت اه العاملي املنادي‬ ‫بالنهوض برعاية السجناء ورعاية حقوقهم‪ ،‬وقد بدأ التنفيذ اعتبار ا ً من منتصف شهر سبتمبر في عام ‪ ، 2004‬راجع حول ذلك‬ ‫د‪ .‬أحمد جاد منصور‪ ،‬دور وزارة الداخلية في حماية وتعديل مفاهيم حقوق اإلنسان‪ ،‬مجلة الشرطة‪ ،‬وزارة الداخلية‪ ،‬اإلصدار‬ ‫الثاني‪ ،‬العدد األ ول‪ ،‬القاهرة‪ ، 2005 ،‬ص ‪ . 25‬العقيد خالد إسماعيل‪ ،‬دور قطاع السجون ومنظمات اﺠﻤﻟتمع املدني في إعادة تأهيل‬ ‫السجناء وأثره في منع اجلرمية‪ ،‬ورقة عمل مقدمة إلى ندوة دور اﺠﻤﻟتمع املدني في منع اجلرمية‪ ،‬مركز بحوث الشرطة‪ ،‬أكادميية‬ ‫الشرطة‪ ،‬القاهرة‪ 12 ،‬يناير ‪ ، 2005‬ص ‪. 5‬‬ ‫‪104‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫‪ 2‬ـ املراسالت‬ ‫املراسلة هي طريقة قدمية مفيدة لﻺنسان على وجه العموم‪ ،‬وعلى اﶈكوم عليه بفترة تنفيذ عقابي‬ ‫على وجه اخلصوص‪ ،‬ملا لها من تأثير إيجابي على معنوياته النفسية‪ ،‬ألنها تقوم بدور التخفيف عنه بكتابة‬ ‫ما يضيق به صدره ملن يحب ويرتاح له ‪ ،‬وهو على يقني أن هذه الرسالة سوف تصل لصاحبها وكذلك‬ ‫استقباله الرد واخلطابات املكتوبة إليه‪ .‬ووصول األخبار واملعلومات عن طريق مراسلته تعتبر أفضل طريقة‬ ‫لراحته النفسية واطمئنانه وسكونه‪.‬‬

‫(‪)39‬‬

‫وعلى الرغم من أن أغلب القوانني املقارنة تقر بحق املسجون في تلقي املراسالت وتفرض السرية‬ ‫على هذه املراسالت (‪ )40‬إال أن بعض من هذه التشريعات تفرض قيودا على هذه املراسالت فعلى سبيل املثال‬ ‫املشرع املصري نص في املادة (‪ )61‬من القرار بقانون ‪ 396‬لسنة ‪ 1956‬اخلاص بتنظيم السجون على التزام‬ ‫مدير السجون باالطالع على هذ ه املراسالت كما جعل املشرع املصري احلرمان من املراسلة ملدة مؤقتة من‬ ‫اجلزاءات التي يجوز توقيعها على السجني‪.‬‬

‫(‪)41‬‬

‫بينما املشرع اإلماراتي قصر حق املراسالت على املسجونني من الفئة (ج) فتنص املادة (‪ )23‬من قانون‬ ‫تنظيم املنشآت العقابية رقم (‪ )43‬لسنة ‪ 1992‬على أنه للمسجون من الفئة (ج) احلق في مراسلة ذويه‬ ‫وأصدقائه واستقبالهم في حدود ما تقرره الالئحة التنفيذية‪ ،‬ويرخص ﶈاميه في مقابلته على انفراد بشرط‬ ‫احلصول على إذن كتابي من النيابة العامة اجملتصة‪ ،‬وتتم املقابلة على مرأى من أحد املسؤولني باملنشأة‬ ‫بحيث ال يسمع ما يدور من حديث‪ .‬وعلى ضابط املنشأة أن يطلع على مراسالت املسجونني من الفئة‬ ‫املذكورة وله أن مينع إرسالها أو تسليمها له إذا رأى ما يبرر ذلك مع إثبات الواقعة في امللف اخلاص باملسجون‪.‬‬ ‫واحلكمة من ذلك أن املسجونني من هذه الفئة قد تكون مدة العقوبة عليهم كبيرة فهي تشمل‬ ‫ا ﶈكوم عليهم بعقوبة احلبﺲ أو السجن املؤقت أو السجن املؤبد‪ ،‬ومن ثم ينبغي السماح لهم باحلق في‬ ‫املراسالت ولكن وفقا ً للقيود سالفة الذكر‪.‬‬

‫(‪ ) 39‬خالد محمود اخلمري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 421‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪ ) 40‬حيث تنص املادة ‪ R57 - 6 - 1‬من قانون اإلجراءات اجلزائية الفرنسي املضاغة ب املرسوم رقم ‪ 1634 - 2010‬في ‪ 23‬ديسمبر ‪2010‬‬ ‫على أنه توفر إدارة السجن للمحتجز في أي وقت احلق في تلقي املراسالت‪ ،‬في مظاريف مغلقة حلفظها و اﶈافظة على سرية‬ ‫جميع الوثائق الشخصية‪ ،‬سواء املرسلة منه أو تلك التي ترد إليه ‪http://www.legifrance.gouv.fr/‬‬ ‫(‪ ) 41‬وفي املقابل لم ينص املشرع الكويتي في القانون رقم ‪ 26‬لسنة ‪ 1962‬على جزاء احلرمان من املراسالت ملزيد من التفصيل‬ ‫راجع د‪.‬غنام محمد غنام‪ ،‬حقوق اإلنسان في السجون‪ ،‬مطبعة جامعة املنصورة‪ ،‬طبعة ‪ 2011‬ص ‪ 157‬وما بعدها‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪105‬‬


‫ويرى الباحث ضرورة عدم قصر احلق في املراسالت على فئة معينة من املسجونني دون ما عداها مع‬ ‫عدم تقييد ذلك إال لضرورات احلفاظ على األمن العام‪.‬‬

‫املبحث الثاني‬ ‫الرعاية التعليمية والتهذيبية وحق العمل‬ ‫تتواصل الرعاية التي تقدم للمحكوم عليهم لتأهيلهم وإصالحهم والعودة بهم إلى اﺠﻤﻟتمع أفرادا ً‬ ‫صاحلني‪ ،‬فكما تناولنا في املبحث السابق التصنيف والرعاية الصحية واالجتماعية كحق للمحكوم عليه‪،‬‬ ‫نتناول في هذا املبحث الرعاية التعليمية التهذيبية وحق العمل وفق املطالب التالية‪:‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬الرعاية التعليمية‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬الرعاية التهذيبية‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬حق العمل‬

‫املطلب األول‬ ‫الرعاية التعليمية‬ ‫ترجع أحقية اﶈكوم عليه أثناء فترة التنفيذ العقابي في ال رعاية التعليمية لكونها تسهم ‪-‬بدور‬ ‫أساسي‪ -‬في تأهيل اﶈكوم عليه‪ ،‬فالتعليم يستأصل أحد العوامل اإلجرامية فيﺰيل بذلك عامال ً للعودة إلى‬ ‫اإلجرام‪ ،‬ويعتبر من هذه الناحية نظاما ً تهذيبيا ً؛ فاألمية واجلهل قد يوفران املناخ املالئم للسلوك اإلجرامي‪،‬‬ ‫ومن شأن العلم استئصالهما‪.‬‬

‫(‪)42‬‬

‫والتعليم يﺆدي إلى تأهيل اﶈكوم عليه‪ ،‬ويجعله أكثر قدرة على التحكم في أفعاله‪ ،‬والتكيف مع األشخاص‬ ‫اﶈيطني به‪ ،‬والتصرف على النحو املطابق للقانون‪ ،‬نظرا لنضوج إمكانياته الذهنية‪ ،‬وأسلوب تفكيره‪،‬‬

‫(‪ ) 42‬تناول العديد من العلماء والدارسني العالقة بني التعليم واجلرمية‪ .‬وظهر أن للتعليم أثر ا ً واضح ا ً في البعد عن ارتكاب‬ ‫اجلرمية‪ .‬وبالتالي في ﲢقيق األمن‪ .‬حيث إن التعليم يﺰود الشخص بالوعي األمني ومخاﻃر اجلرمية على الشخص واﺠﻤﻟتمع‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى أنه يتيح للشخص سبل ال عيش واالكتساب التي تنأى به عن الوقوع في براثن اجلرمية‪ ،‬على عكس الشخص الذي‬ ‫لم ينل قسطا من التعليم فيشعر بعدم الثقة في احلاضر واملستقبل ويكون عرضة لالنحراف‪.‬‬ ‫‪106‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وكيفية احلكم على األشياء‪ ،‬ومنهج التصرف في احلياة (‪ .)43‬كما أن التعليم يتيح له فرصا ً للحصول على‬ ‫عمل شريف بعد اإلفراج عنه‪ ،‬مما يسهل عليه التكيف االجتماعي‪ ،‬هذا باإلضافة ملا للتعليم من دور في‬ ‫شﻐل أوقات فراغ اإلنسان اﶈكوم عليه فيما هو مفيد كالقراءة أو التحصيل الدراسي‪ ،‬وكذلك يساعده‬ ‫على تنمية معلوماته‪ ،‬ويجنبه ال شعور بامللل الذي يدفعه الرتكاب الكثير من اجملالفات القانونية‪.‬‬

‫(‪)44‬‬

‫وبالتالي فإذا كان تعليم اﶈكوم عليه ينتقل من فئة يفتقد أفرادها التفكير السليم‪ ،‬مما يجعلهم‬ ‫يسيئون احلكم والتصرف فيقدمون على اجلرمية‪ ،‬إلى فئة أفرادها ذوو تفكير وتصرف أدنى إلى السالمة‬ ‫فيستنكرون اإلجرام ويرونه سلوكا ً غير الئق بهم‪ ،‬والتعليم بذلك يكفل النأي باملفرج عنه عن طريق اإلجرام‬ ‫فيعتبر أسلوب تأهيل فعال‪.‬‬

‫(‪)45‬‬

‫ومن أجل ذلك نصت املادة (‪ )35‬من القانون اال حتادي بشأن تنظيم املنشآت العقابية على أنه "تقوم إدارة‬ ‫املنشأة بتعليم املسجونني وتدريبهم مهنيا كلما أمكن ذلك وذلك مع مراعاة السن ومدى االستعداد ومدة‬ ‫العقوبة‪ ،‬ويض ع وزير الداخلية باالتفاق مع وزير التربية والتعليم منهج الدراسة العلمية واملهنية بعد أخذ‬ ‫رأي اإلدارة اجملتصة‪ .‬ويكون في كل منشأة مكتبة حتوي كتبا وصحفا ومجالت لتثقيف املسجونني من‬ ‫النواحي الدينية واخللقية واالجتماعية وغيرها مع تشجيعهم على االنتفاع بها في وقت فراغهم‪ .‬ويجوز‬ ‫للمسجون أن يستحضر على نفقته الكتب واﺠﻤﻟالت والصحف وفقا ملا تقرره الالئحة التنفيذية"‪.‬‬ ‫غير أنه يلزم في رأينا ملنح السجني حق إحضار كتب أو مجالت أو صحف من اخلارج أن يكون اﶈكوم‬ ‫عليه محكوما ً عليه وليس محبوسا ً احتياطيا ً وأال تكون اجلرمية من اجلرائم املاسة بأمن الدولة‪.‬‬ ‫هذا وقد أضاف القانون الفرنسي –وبحق‪ -‬قيدا على السجني فتنص املادة ‪ R57-9-8‬املعدلة املرسوم رقم‬ ‫‪ 1634-2010‬من ‪ 23‬ديسمبر ‪ 2010‬على أنه يحظر على املعتقلني نشر كتب أو شرائط سمعية أو بصرية‬

‫(‪ ) 43‬فعلى قدر العلم واملعرفة بكون اخلوف اﶈمود الصادق الذي يحول بني صاحبه وبني محارم اهلل عز وجل‪ ،‬و تأتي بعدها اإلرادة‬ ‫التي يفسدها عدم اجلد‪ ،‬وهو اللهو واللعب‪ ،‬فالعالم يشفق على إرادته مما يفسدها‪ ،‬فإذا صح له عمله وخلقه وإرادته استقام‬ ‫سلوكه وقلبه وحاله‪ ،‬واهلل املستعان‪ .‬انظر‪ :‬اإلمام أبي عبد اهلل محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم اجلوزية ( ‪ ) 691-751‬رحمه‬ ‫اهلل‪ ،‬كت اب مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪ 550‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪ ) 44‬راجع في ذلك كل من د‪ .‬محمود جنيب حسني‪ ،‬حقوق اإلنسان في اإلجراءات اجلنائية مرحلة ما بعد اﶈاكمة‪ ،‬تقرير مقدم‬ ‫للمؤمتر الدولي الثاني للجمعية املصرية للقا نون اجلنائي‪ ،‬اإلسكندرية‪ 12 - 9 ،‬أبريل ‪ ، 1988‬باالشتراك مع املعهد الدولي‬ ‫للدراسات اجلنائية العليا ص ‪ ، 76‬وما بعدها‪ .‬محمود جنيب حسني‪ ،‬علم العقاب‪ ،‬ص ‪ ، 403‬د‪ .‬مأمون محمد سالمة‪ ،‬أصول علم‬ ‫اإلجرام والعقاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ، 343‬د‪ .‬فوزية عبد الستار‪ ،‬مبادئ علم العقاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 129‬‬ ‫(‪ ) 45‬جعلت املادة ( ‪ 452‬م) من قانون اإلجراءات اجلنائية الفرنسي التعليم إجباريا بالنسبة للمحكوم عليهم الذين تقل أعمارهم‬ ‫عن اخلامسة والعشرين‪ ،‬ثم أجازت ملن تزيد أعمارهم على ذلك أن يطلبوه‪ .‬ونصت الفقرة الثالثة من القاعدة ( ‪ ) 29‬من مجموعة‬ ‫قواعد السجون اإل جنليزية على وجوب توجيه عناية خاصة إلى تعليم اﶈكوم عليهم األميني‪ ،‬وأجازت‪ .‬إذا اقتضت الضرورة ذلك‬ ‫ـ أن يقتطع لتعليمهم بعض الوقت اجملصص للعمل‪ .‬كما جاءت املادة ( ‪ ) 28‬من قانون تنظيم السجون املصري لتنص على أن‪:‬‬ ‫"تقوم إدارة السجن بتعليم املسجونني مع مراعاة السن وم دى االستعداد ومدى العقوبة"‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪107‬‬


‫حتتوي على املساس بأمن األشخاص واملؤسسات أو كلمات مهينة أو تشهيرية ضد ضباط وموظفي إدارة‬ ‫السجون العامة (‪.)46‬‬ ‫أوال‪ :‬صور التعليم في املؤسسات العقابية‪ :‬هناك عدة صور للتعليم بداخل املؤسسات العقابية منها‪:‬‬ ‫أ) التعليم األولي‬ ‫يقصد به‪ :‬محو أمية اإلنسان اﶈكوم عليه والذي ال يعرف القراءة والكتابة‪ ،‬ولهذه الصورة أهمية كبرى‬ ‫بالنظر إلى تفشي األمية بني اﶈكوم عليهم واحلاجة إلى محوها كي يتاح لهم طريق التأهيل‪ ،‬ويجب أن‬ ‫يكون هذا التعليم إلزاميا حسب القاعدة رقم (‪ ) 77‬من قواعد احلد األدنى مل عاملة املسجونني‪ ،‬والتي تنص‬ ‫على أن "تعليم األميني وشبان اﶈكوم عليهم ينبغي أن يكون إجباريا‪ ،‬وعلى اإلدارة العقابية أن تبذل جهدها‬ ‫لتحقق ذلك"‬

‫(‪)47‬‬

‫ب) استكمال الدراسة‬ ‫ال يقتصر التعليم في املؤسسات العقابية واإلصالحية على مرحلة محو األمية‪ ،‬وإمنا يتعني أن تتاح الفرصة‬ ‫للمحكوم عليه الستكمال دراسته التي قد تصل إلى مراحل اجلامعة‪ ،‬وفي هذا املعنى تنص املادة (‪ )31‬من‬ ‫قانون تنظيم السجون االماراتي على أن "على إدارة السجن أن تشجع املسجونني على االطالع والتعليم وأن‬ ‫تيسر االستذكار للمسجونني الذين لديهم الرغبة في مواصلة الدراسة ‪ ،‬وأن تسمح لهم بتأدية االمتحانات‬ ‫اخلاصة بها في مقار اللجان"‪ .‬وهذا طبعا يخلق حقا للمحكوم عليه في مواصلة دراسته للتعليم خارج‬ ‫املؤسسة اإلصالحية والعقابية ولكن في حدود التزاماته العقابية‪ .‬ونظرا ً خللو االتفاقية األوروبية حلقوق‬ ‫اإلنسان من نص صريح يقرر التزام اإل دارة العقابية بهذا اخلصوص‪ ،‬قررت اللجنة األوروبية حلقوق اإلنسان في‬ ‫‪ 1980‬عدم تعارض موقف إدارة املنشأة العقابية مع أحكام االتفاقية األوروبية حلقوق اإلنسان وخاصة باملادة‬ ‫(‪ ) 2‬من البروتوكول األول امللحق باالتفاقية والذي يقرر احلق لكل فرد في التعليم‪ ،‬إذا ما كان املسجون يريد‬ ‫متابعة دراسته العليا باملراسلة مع أحد املعاهد املتخصصة‪.‬‬

‫‪(46)http://www.legifrance.gouv.fr/‬‬

‫(‪ ) 47‬ووفقا للمادة ( ‪ ) 452‬من قانون اإلجراءات اجلنائية الفرنسي يجب توفير التعليم األولي في جميع املؤسسات العقابية‪ ،‬في لزم‬ ‫به اﶈكوم عليه م الذين تقل أعمارهم عن اخلامسة والعشرين الذين ال يجيدون القراءة والكتابة وال احلساب‪ ،‬ويجوز لغيرهم‬ ‫أن يطلبو ذلك‪ .‬كما جتيز املادة ( ‪ ) 454‬من نفس القانون للمحكوم عليهم أن يتلقوا ويواصلوا الدراسة عن طريق املراسلة ‪ .‬كما‬ ‫نص قانون تنظيم السجون املصري في املادة ( ‪ ) 29‬م نه على أنه ‪" :‬يضع وزير الداخلية باالتفاق مع وزير التربية والتعليم منهج‬ ‫الدراسة للرجال والنساء وذلك بعد أخذ رأي مدير عام السجون"‪.‬‬ ‫‪108‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫فقد انتهت اللجنة في قرارها بأنه يجوز وضع قيد على احلق في التعليم فيما يتعلق باملستويات العليا‬ ‫للتعليم ملا يتطلبه من حرية أكثر من ناحية احلضور ومواعيد االمتحانات‪ ،‬األمر الذي يصعب في بعض‬ ‫األحيان أن يتماشى مع طبيعة املؤسسة العقابية‪.‬‬

‫(‪)48‬‬

‫ويرى الباحث هنا أنه يجب على اإلدارة العقابية مساعدة اإلنسان اﶈكوم عليه بفترة تنفيذ عقابي في‬ ‫استكمال دراسته‪ ،‬مبعنى أال تفوت عليه الفر صة بدون أن يتعارض ذلك مع واجبات اﶈكوم عليه وسنه ومدى‬ ‫االستعداد ومدة العقوبة‪ ،‬والدواعي األمنية‪.‬‬ ‫ج) التعليم التثقيفي‬ ‫مبعنى أال يكون التعليم ﶈو األمية وليﺲ للحصول على شهادة وإﳕا لتثقيف هذا اإلنسان اﶈكوم عليه‪،‬‬ ‫بحيث تتغير معالم شخصيته وأسلوب ومنهاج حكمه على األمور‪ ،‬وكيفية التصرف في املواقف اجملتلفة‪،‬‬ ‫ويتنقل بهذا التغيير إلى فﺌة املثقفني الذين يدركون أصول احلياة في اﺠﻤﻟتمع ويعتنق ون القيم االجتماعية‬ ‫السوية‪ ،‬ويؤثرون الطرق السلمية املشروعة ويستنكرون اإلجرام‪ )49( .‬ويكون ذلك بالدروس واﶈاضرات سواء‬ ‫كانت من قبل محاضرين يحضرون من خارج املؤسسة أو أنهم مدرسني متخصصني بداخل املؤسسة‪.‬‬ ‫وتعتبر املكتبة في املؤسسة اإلصالحية والعقابية من أهم الوسائ ل التثقيفية التي يجب احلرص عليها‪،‬‬ ‫نظرا ً ألهمية القراءة واالطالع في تنمية شخصية اﶈكوم عليهم الثقافية‪ .‬كما أننا ال ننسى دور الصحف‬ ‫واﺠﻤﻟالت في تثقيف اﶈكوم عليهم‪ ،‬فهي تتيح لهم العلم باألخبار العامة في اﺠﻤﻟتمع‪ ،‬مما يوفر نوعا ً من الصلة‬ ‫بينهم وبني اﺠﻤﻟتمع احل ر‪ ،‬األمر الذي يسهل عليهم التكيف االجتماعي‪.‬‬

‫(‪)50‬‬

‫(‪ ) 48‬راجع في ذلك‪ .‬غنام محمد غنام‪ ،‬حقوق اإلنسان في السجون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ، 167‬د‪ .‬شريف سيد كامل‪ ،‬املعاملة العقابية‪،‬‬ ‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 167‬كما جاء في القانون الكويتي لتنظيم السجون في مادة ( ‪ ) 88‬لتنص على أن تقوم إدارة السجن بتعليم‬ ‫املسجونني مع مراعاة السن ومدى االستعداد ومدة العقوبة‪ .‬ويضع وزير الداخلية ب االتفاق مع وزير التربية والتعليم منهج‬ ‫الدراسة العلمية واملهنية للرجال والنساء وقد جاء في هذ ا القانون في املادة ( ‪" ) 90‬وجب إمداده بالكتب العلمية التي يحتاج‬ ‫إليها في مواصلة دراسته"‪ .‬ويعتبر هذا نصا صريحا على حق اإلنسان اﶈكوم عليه في احلصول على الكتب الدراسية إذا كان‬ ‫راغبا في مواصلة دراسته‪ .‬غير أنه جاء صامتا حول حق هذا اإلنسان في االستذكار‪ .‬وبالتال ي ترجع املسألة إلى مدى توفر‬ ‫الوقت لهذا االستذكار وتقدير إدارة املؤسسة اإلصالحية والعقابية‪.‬‬ ‫(‪ ) 49‬والثقافة ما هي إال محصلة ﲡارب ماضية وحاضرة في اﺠﻤﻟتمع‪ ،‬وتختلف مكونات الثقافة من مجتمع ﻵخر ومن زمن ﻵخر‬ ‫رغم ثباتها النسبي‪ ،‬وتكتسب من العالقات االجتماعية كالتعلي م والتربية‪ ،‬ويتأثر سلوك الفرد بثقافته منذ الطفولة‪،‬‬ ‫فالثقافة إذن عبارة عن مجموعة القيم واألفكار والعادات والتقاليد والنظم التي حتافﻆ اﺠﻤﻟتمعات على بقائها‪ .‬راجع في ذلك‪:‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرزاق حلبي‪ ،‬دراسات في اﺠﻤﻟتمع والثقافة والشخصية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ 1984 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 65‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪ ) 50‬نصت املادة ( ‪ ) 30‬من قانون تنظيم السجون املصري على أن تنشأ في كل سجن مكتبة للمسجونني حتوي كتب ا ً دينية وعلمية‬ ‫ويشجع املسجون على االنتفاع بها في أوقات فراغه‪ .‬وأجاز القانون للمحكوم عليهم أن يستحضروا على نفقتهم الكتاب‬ ‫والصحف من جرائد ومجال ت"‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪109‬‬


‫ثانيا ً‪ :‬التعليم في النظام العقابي اإلماراتي وفقا ً للمعايير الدولية‬ ‫اهتم القانون اإلماراتي بتعليم النزالء‪ ،‬فقد نصت املادة (‪ )35‬من القانون االحتادي رقم ‪ 43‬لسنة ‪ ،1992‬في‬ ‫شأن تنظيم املنشآت العقابية في دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬على أن تقوم إدارة املنشأة بتعليم‬ ‫املسجونني وتدريبهم مهنيا كلما أمكن ذلك مع مراعاة السن ومدى االستعداد ومدة العقوبة‪ .‬و"يضع وزير‬ ‫الداخلية باالتفاق مع وزير التربية والتعليم منهج الدراسة العلمية واملهنية بعد أخذ رأي اإلدارة اجملتصة"‪.‬‬ ‫كما نصت املادة (‪ ) 36‬من نفس القانون على أنه " على إدارة املنشأة أن تشجع املسجونني على االطالع‬ ‫والتعلم‪ ،‬وأن تيسر االستذكار للمسجونني الذين لديهم الرغبة في مواصلة الدراسة‪ ،‬وأن تسمح بتأدية‬ ‫االمتحانات اخلاصة مبباني مقار اللجان"‪ .‬وفي ذلك تذهب املادة (‪ )77‬من الالئ حة التنفيذية لهذا القانون على‬ ‫أنه "يجوز السماح بتأدية االمتحان في األماكن اﶈددة من قبل وزارة التربية والعليم أو جامعة اإلمارات‬ ‫العربية املتحدة‪ ،‬إذا تعذر إرسال جلنة إلى املنشأة العقابية‪ ،‬وتتخذ االحتياطات األمنية في هذا الشأن‪."...‬‬ ‫وتسري هذه األحكام السابقة على منتسبي املدارس والكليات اخلاصة من املسجونني بعد موافقة مدير‬ ‫املنشأة العقابية حيث جاءت املادة (‪ ) 78‬من الالئحة التنفيذية لنفس القانون صريحة بذلك‪ ،‬وكما جاءت‬ ‫املادة (‪ ) 84‬من الالئحة التنفيذية لهذا القانون في فقرتها الثالثة على أنه‪" :‬في جميع األحوال يجب السماح‬ ‫للمسجون اﶈب للدراسة بﺈحضار كتبه الدراسية واالحتفاظ بها"‪.‬‬ ‫ويري الباحث أن احلق في التعليم كما ورد باملادة (‪ ) 35‬سابقة الذكر ليس حقا ثابتا‪ ،‬وقد جاءت جملة "كلما‬ ‫أمكن ذلك" لتثبت املعنى‪ ،‬ولكن إذا أمكن التعليم من جميع اجلوانب املذكورة‪ ،‬من حيث إنه ال يتعارض مع‬ ‫واجبات اﶈكوم عليه وسنه ومدى االستعداد ومدة العقوبة وليست هناك دواع أمنية فﺈنه يحق للمحكوم‬ ‫عليه وفق هذه املادة املطالبة بحق التعليم‪ .‬كما أن هذه املادة لم حتدد كيفية تنظيم التعليم الوارد بها‪،‬‬ ‫واكتفت بالتنظيم الذي يضعه وزير الداخلية باالتفاق مع وزير الترب ية والتعليم حول منهج الدراسة‬ ‫العلمية واملهنية بعد أخذ رأي اإلدارة اجملتصة‪ ،‬وهذه املادة وما حتتويه بهذا املعنى هو أمر غير متصور تطبيقه‬ ‫على أرض الواقع‪ ،‬ألن اﶈكوم عليه إذا ما أراد إكمال تعليمه فﺈن ذلك يتطلب خروجه خارج املؤسسة العقابية‬ ‫ملتابعة هذه الدروس باخل ارج‪ ،‬وهو ليس من حقه‪ ،‬وإما أن يكون هناك عدد من التالميذ واملدرسني واإلمكانيات‬ ‫التدريسية داخل املؤسسة العقابية تلبي الغرض‪ ،‬وهو أمر ليس باليسير‪ .‬هذا باإلضافة إلى أن برنامج‬ ‫اﶈكوم عليه اليومي ال يترك له اﺠﻤﻟال في كثير من األحيان‪ .‬ويجب هنا وضع تصور مدروس في كيفية تطبيق‬

‫‪110‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫نظام الدراسة في املؤسسات العقابية‪ ،‬ومن ثم النص عليها في قانون املنشآت العقابية حتى يكون األمر‬ ‫أكثر وضوحا ً ويسهل تطبيقه‪.‬‬

‫(‪)51‬‬

‫ولقد أحسن القانون بأن جعل الفرصة متاحة للمحكوم عليه بأن يواصل دراسته التي قد تصل إلى مراحل‬ ‫اجلامعة حسبما نصت عليه املادة (‪ ) 36‬املذكورة سابقا‪ ،‬بل أضافت عليه متكﲔ اﶈكوم عليه من اخلروج ألداء‬ ‫االمتحانات‪ ،‬مع األخذ باالحتياطات الالزمة‪ ،‬كل ذلك في سبيل التشجيع على التعليم‪.‬‬ ‫كما نصت املادة (‪ ) 79‬من الالئحة التنفيذية على لقانون االحتادي في تنظيم املنشآت العقابية في دولة‬ ‫اإلمارات العر بية املتحدة على أنه يجوز عقد ندوات تعليمية وتدريبية متخصصة مثل (الطباعة‪،‬‬ ‫والسكرتارية‪ ،‬الكمبيوتر‪ )...‬لتأهيل اﶈكوم عليهم‪ ،‬وفقا ً للنظام الذي يتقرر باالتفاق مع وزير التربية‬ ‫والتعليم‪ .‬وحرصا على مستقبل اﶈكوم عليهم‪ ،‬وملساعدتهم على االندماج في اﺠﻤﻟتمع تنص املادة (‪ )80‬من‬ ‫الالئحة املشار إليها على أنه يجب أن ال يذكر في الشهادة العلمية أو التدريبية املمنوحة للمسجون ما‬ ‫يشير إلى واقعة سجنه أو اجلرمية املرتبكة أو عقوبته‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬ ‫الرعاية التهذيبية‬ ‫ال يكفي التعليم في مجال تأهيل اﶈكوم عليه‪ ،‬إال إذا أضيﻒ إليه عنصر آخر هو التهذيب‪ ،‬وحسن التوجيه‪.‬‬ ‫فالتعليم ال يفيد من الناحية األخالقية فيما إذا اقتصر على إعطاء املعلومات‪ ،‬بل يجب أن يالحظ فيه‬ ‫التهذيب اخللقي والتربية االجتماعية والنفسية‪ ،‬إذ ميهد ذلك الندماجهم ف ي اﺠﻤﻟتمع وتكيفهم معه بعد‬ ‫اإلفراج‪ )52( .‬وعلى ذلك فإن التهذيب يعني غرس وتنمية القيم املعنوية لدى اإلنسان سواء من الناحية الدينية‬ ‫أو األخالقية‪ ،‬وندرس ذلك كما يلي‪:‬‬

‫(‪ ) 51‬وقد مت تدارك هذا املوضوع عند فتح مركز األحداث (باملفرق) التابع لإلدارة العامة لشرطة أبو ظبي في دولة اإلمارات العربية‬ ‫املتحدة والذي يشترك باإلشراف عليه باإلضافة لإلدارة العامة لشرطة أبوظبي وزارة العمل والشؤون االجتماعية ووزارة التربية‬ ‫والتعليم حيث مت تخصيص مدرسة كاملة متكاملة من جميع النواحي ومطبق بها الدراسة حتت نظام تعليم الكبار املسائي‬ ‫متمشيا مع تعليم الكبار نفسه بوزارة التربية والتعليم وبالتالي مت ت االستفادة من هذا النظام استفادة تامة لدرجة أن‬ ‫كثير ا من األحداث املوجودين باملركز املذكور قد أنهوا دراسة الثانوية العامة عن طريق هذا املركز‪ .‬راجع في ذلك‪ :‬تقرير مركز‬ ‫دار رعاية األحداث باملفرق التابع لإلدارة العامة لشرطة أبوظبي‪ ،‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬واملقدم إلدارة املؤسسات‬ ‫اإلصالحية والعقابية‪ ،‬مارس ‪. 2000‬‬ ‫(‪ ) 52‬د‪ .‬عمر الفاروق احلسيني‪ ،‬أصول علمي اإلجرامى والعقاب‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬طبعة ‪ ، 2000‬ص ‪. 415‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪111‬‬


‫أوال‪ :‬التهذيب الديني‬ ‫خلق اهلل سبحانه وتعالى اإلنسان على الفطرة السليمة التي تقبل احلالل وتأبى احلرام‪ ،‬تنشد احلق والعدل‪،‬‬ ‫وترفض الظلم واالستبداد‪ ،‬ويرى اإلنسان ـ بفطرته ـ أن أي خروج على السنن أو التقاليد واألعراف‪ ،‬من شأنه‬ ‫أن يﻐﻀب اهلل‪ ،‬وال يرتفع غﻀب اهلل إال بإنزال العقاب باﺠﻤﻟرم ‪ ،‬وهذا هو العدل‪ ،‬ومن صور العدل في احلياة‪:‬‬ ‫القصاص من (الظالم) ورد احلق لصاحبه‪.‬‬

‫(‪)53‬‬

‫وتفسر العديد من الدراسات أن السلوك اجلنائي ناجت عن ضعف اإلميان لدى مرتكب هذا السلوك‪ ،‬حيث ال‬ ‫توجد قوى داخلية تردع الفرد عن ارتكاب اجلرائم‪ ،‬من هنا كانت احلاجة إلى التهذيب الديني‪ ،‬الذي يُقص ُد به‬

‫غرس املبادئ والقيم الدينية التي حتض على اخلير وتنهى عن الشر وت ُذكِّر باهلل سبحانه وتعالى وبقدرته‬

‫وعدله وعقابه على الشر وثوابه على اخلير‪ .‬وقد لوحظ أن نقﺺ الوازع الديني من أسباب إقدام اﶈكوم‬ ‫عليهم على سلوك اإلجرام‪ .‬فمتى ما عرفوا وأدرك وا أن اهلل غفار رحيم يقبل توبة التائبني متى صدقت‬ ‫توبتهم وخلصت نيتهم في عدم ارتكاب اآلثام في املستقبل‪ ،‬فإن ذلك من شأنه استئصال العامل اإلجرامي‬ ‫لديهم‪.‬‬ ‫كما يجب أن يلم علماء الدين بقدر كاف من علم النفس وعلم االجتماع‪ ،‬وكيفية معاملة اﶈكوم عليهم‪،‬‬ ‫وطرق جذبهم وال تأثير في عقولهم‪ ،‬كما يجب أن يكون رجال الدين قدوة حسنة للمحكوم عليهم في‬ ‫أقوالهم وأفعالهم‪.‬‬

‫(‪)54‬‬

‫ثم بدأ التهذيب في املؤسسات اإلصالحية‬ ‫وقد اعتبر التهذيب الديني الوسيلة لتحقيق التوبة‪ ،‬ومن ّ‬ ‫العقابية التي أصبحت حقا من حقوق اﶈكوم عليه يجب اﶈافظة عليها وتشجيعها واالهتمام بها بعدة‬ ‫طرق أهمها‪:‬‬

‫(‪ ) 53‬راجع حول التهذيب الديني كل من‪ :‬لواء‪ .‬سراج الدين الروبي‪ ،‬البحث اجلنائي في جرائم النفس‪ ،‬العدد العشرون‪ ،‬يوليو‬ ‫‪ ، 2001‬ص ‪ ، 295‬د‪ .‬محمود جنيب حسني‪ ،‬علم العقاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ، 404‬د‪ .‬يسر أنور علي‪ ،‬د‪ .‬آمال عبد الرحيم عثمان‪ ،‬علم‬ ‫العقاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 233‬وما بعدها‪ ، ،‬د‪ .‬فتوح عبد اهلل الشاذلي‪ ،‬مبادئ علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 261‬وما‬ ‫بعدها‪ ،‬د‪ .‬فتوح عبد الشاذلي‪ ،‬علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 261‬وما بعدها‪ .‬د‪ .‬علي القهوجي ـ علم اإلجرام والعقاب‪،‬‬ ‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 324‬‬ ‫(‪ ) 54‬إن الوعظ بالقرآن الكرمي والسنة املطهرة املصدر األساسي لألمر باملعروف والنهي عن املنكر وذلك نتيجة للعالقة املتبادلة‬ ‫بني الفرد واﺠﻤﻟتمع اإلسالمي املتميز عن غيره من اﺠﻤﻟتمعات اإلنسانية أو الدينية األخرى ‪ ،‬لذلك فللقرآن الكرمي والسنة املطهرة‬ ‫دور كبير في الوقاية من اجلرمية بصورة عامة‪ .‬ومن بعض اجلرائم بصورة خاصة حيث حث القرآن الكرمي باآليات الكرمية من جهة‪،‬‬ ‫والسنة املطهرة واألحاديث الشريفة من جهة أخرى‪ ،‬على عدم ارتكاب اجلرائم عموما وجرائم خاصة على وجه اخلصوص‪ .‬ا نظر‬ ‫في ذلك‪ :‬د‪ .‬محمد رياض اخلاني‪ ،‬دور األمر باملعروف والنهي عن املنكر في الوقاية من اجلرمية في التشريع اجلزائي اإلسالمي‬ ‫"دراسة مقارنة مع التشريعات اجلزائية والوضعية العربية واألجنبية"‪ ،‬مجلة الشريعة والقانون‪ ،‬جامعة اإلمارات العربية‬ ‫املتحدة‪ ،‬كلية الشريعة والق انون‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬سبتمبر ‪ 1992‬م‪ ،‬ص ‪ 381‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪112‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫أوال ً‪ :‬تنظيم الندوات واﶈاضرات واملناقشات اجلماعية‬ ‫لتحقيق األهداف املطلوبة من التهذيب واإلرشاد الديني(‪ )55‬فإنه البد من تنظيم برامج للمحاضرات والندوات‬ ‫والدروس الدينية وتوزيع الكتب واملنشورات‪ ،‬وعقد اللقاءات داخل املؤسسات اإلصالحية والعقابية‪ ،‬ويتعني‬ ‫مع ذلك إجابة رجال الدين على استفسارات اﶈكوم عليه وبيان حكم الدين فيها‪ ،‬كما يجب أن يجتمع رجل‬ ‫الدين على انفراد بأح د اﶈكوم عليهم إذا وجد أن هناك ما يستوجب أو ما يقتضي هذا االجتماع‪ )56(.‬كما‬ ‫ﳝكن استضافة رجال الدين واإلعالم البارزين في اﺠﻤﻟتمع والذين لهم تأثير في سلوك اآلخرين‪ ،‬ملا لذلك من‬ ‫دور فعال لدى اﶈكوم عليهم ليسمعوا نصائحهم ويتقبلوا توجيهاتهم‪ ،‬وما يعقب ذلك من تنمية الوازع‬ ‫الديني لديهم‪.‬‬

‫(‪)57‬‬

‫ثانيا ً‪ :‬إقامة الشعائر الدينية‬ ‫من أهم احلقوق الواجب اﶈافظة عليها لإلنسان اﶈكوم عليه هو أن يخصص في داخل املؤسسة مكانا ً‬ ‫إلقامة الشعائر الدينية التي أهمها الصالة(‪ ، )58‬وكذلك التزام املؤسسة العقابية بوجوب إقامة االحتفاالت‬ ‫أثناء حلول األعياد الدينية‪.‬‬

‫(‪)59‬‬

‫كما يجب احترام الشعائر الدينية األخرى‪ ،‬مثل شعائر صوم شهر رمضان‬

‫املبارك‪ ،‬وما ي لزم ذلك من تعديل البرنامج اليومي للمحكوم عليه مثل‪ :‬تعديل الوجبات اليومية وتغيير بقية‬ ‫األنشطة وبرامج العمل العقابي‪ ،‬وأمور أخرى من مستلزمات إقامة هذه الفريضة الغراء وهي فريضة‬ ‫الصوم‪ ،‬إذ أ ن مقتضيات التأهيل تستلزم أن يشعر اﶈكوم عليه بأنه اليزال على اتصال بالظروف العامة‬ ‫واخلاصة مبجتمعه‪ ،‬فضال ً عن إضفاء روح البهجة والسعادة في قلبه‪.‬‬

‫(‪)60‬‬

‫وهذا ما ذهب إليه القانون اإلماراتي حيث ذكر في الفقرة األولى من املادة (‪ ) 34‬من القانون االحتادي رقم ‪43‬‬ ‫لسنة ‪ 1992‬في شأن تنظيم املنشآت العقابية في دولة اإلمارات العربية املتحدة أن يكون لكل منشأة‬ ‫عقابية واعﻆ ديني أو أكثر حلث اﶈكوم عليهم على مراعاة أحكام الد ين والتحلي مبكارم األخالق وترسيخ‬ ‫(‪ ) 55‬التهذيب واإلرشاد الديني‪ :‬املراد به إصالح األخالق وتصفيتها مبوجب العلم‪ ،‬فال يتحرك اإلنسان بحركة ظاهرة أو باطنة إال‬ ‫مبقتضى العلم‪ ،‬فتكون حركات ظاهره وباطنه موزونة مبيزان الشرع‪ .‬راجع في ذلك‪ :‬اإلمام العالمة أبي عبد اهلل محمد بن أبي‬ ‫بكر بن أيوب ابن قيم اجلوزية‪ ،‬كتاب مدارج السالكني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 511‬‬ ‫(‪ ) 56‬د‪ .‬نبيه الصالح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 253‬‬ ‫(‪ ) 57‬د‪ .‬أحمد عبد اﺠﻤﻟيد الصمادي‪ ،‬د‪ .‬عبد القادر عبد اهلل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 99‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(‪ ) 58‬للصالة في اإلسالم منزلة ال تعدلها منز لة أي عبادة أخرى؛ فهي عماد الدين الذي ال يقوم إال به قال ‪( ‬رأس األمر اإلسالم‪،‬‬ ‫وعموده الصالة‪ ،‬وذروة سنامه اجلهاد في سبيل اهلل) رواه الترمذي وقال حسن صحيح‪ ،‬وال يختلف املسلمون في أن ترك الصالة‬ ‫عمد ا ً من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر‪ ،‬وأن إثمه عند اهلل أعظم من إثم قتل النفس وأخذ األموال‪ ،‬ومن إثم الزنا والسرقة‬ ‫وشرب اخلمر‪ ،‬وأنه متعرض لعقوبة اهلل وسخطه وخزيه في الدنيا واآلخرة‪ .‬راجع في ذلك‪ :‬اإلمام أبي عبد اهلل محمد بن أبي‬ ‫بكر بن أيوب ابن القيم اجلوزية‪ ،‬الصالة وحكم تاركيها‪ ،‬حتقيق‪ :‬سيد إبراهيم‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبع ة الثالثة‪،‬‬ ‫‪ 1418‬هـ‪ 1997 /‬م‪ ،‬ص ‪. 13‬‬ ‫(‪ ) 59‬د‪ .‬خالد اخلمري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 451‬‬ ‫(‪ ) 60‬د‪ .‬محمود جنيب حسني‪ ،‬دروس في علم العقاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 110‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪113‬‬


‫الوازع الديني في نفوسهم‪.‬‬

‫(‪)61‬‬

‫ويجب أن يكون في املنشأة مكان تقام فيه الصالة في مواعيدها ويسمح لكل مسجون بالصالة فيه إال إذا‬ ‫اقتضت ضرورة األمن غير ذلك‪ ...‬وقد أشارت إلى نفس املعني املادة (‪ ) 74‬من الالئحة التنفيذية بهذا القانون‪.‬‬ ‫وأضافت املادة (‪ ) 72‬من هذه الالئحة‪" :‬يخصص مسجد أو مكان مناسب ألداء صالة اجلماعة في املنشأة‬ ‫العقابية‪ ،‬ويسمح للمسجون بالصالة في جماعة مستقلة‪ ،‬وذلك ما لم تقتض ضرورة األمن غير ذلك‪.‬‬

‫(‪)62‬‬

‫كما أقر النظام العقابي اإلماراتي وسيلة إلقاء الندوات واﶈاضرات والدروس الدي نية ووسائل عديدة من‬ ‫وسائل التهذيب الديني‪ ،‬فقد نصت املادة (‪ ) 73‬من الالئحة التنفيذية للقانون رقم ‪ 43‬لسنة ‪ 1992‬في شأن‬ ‫تنظيم املنشآت العقابية على أن تعقد ندوات ومحاضرات دينية وعملية وثقافية‪ ،‬وفق برنامج مرتب تعده‬ ‫إدارة املنشآت العقابية بحيث ال يقل عدد اﶈاضرات والندوات عن مرتني في األسبوع‪ ،‬ويحدد مكان اﶈاضرة أو‬ ‫الندوة بقرار من مدير املنشأة العقابية‪ ،‬مع مراعاة النواحي األمنية الضرورية‪ ،‬كما تعقد الندوات واملناقشات‬ ‫واﶈاضرات في املنشآت العقابية اﳋاصة بالنساء مع مراعاة عدم اختالط الرجال باملسجونات‪.‬‬ ‫واجلدير بالذكر أن "حرية القيام بشعائر الدين طبقا للعادات املرعية مصونة‪ ،‬على أال يخل ذلك بالنظام‬ ‫العام‪ ،‬أو ينافي اآلداب العامة"‪ )63(.‬وهذا ما ينطبق على احلال في املؤسسات اإلصالحية والعقابية بحيث‬ ‫يسمح للشخص غير املسلم بأخذ حريته الدينية‪ ،‬دون اإلخالل بحق الفرد في االعت قاد أو ممارسة الشعائر‬ ‫الدينية‪ ،‬غير اجمللة بالنظام العام‪ ،‬أو املنافية لآلداب العامة‪.‬‬ ‫ويرى الباحث أن دستور دولة اإلمارات العربية املتحدة نص على أن "اإلسالم هو الدين الرسمي لالحتاد‪،‬‬ ‫والشريعة اإلسالمية مصدر رئيسي للتشريع فيها‪ .‬وعلى ذلك فإن الشخص غير املسلم يجب أن يلتزم‬ ‫بالنظام العام اإلسالمي‪ ،‬فال يخرج عليه أو يخل به بإقامة شعائر غير إسالمية ب صورة علنية‪ ،‬وليس هناك‬

‫(‪ ) 61‬إن ترسيخ الوازع الديني في النفس البشرية واألخذ بها في مسالك الهداية والنور تقضي إلى انفساح اآلفاق أمام النفس‬ ‫لزيادة السمو واالرتقاء‪ ،‬واإلشراق‪ ،‬وقد قال اهلل سبحانه وتعالى‪  :‬والذين جاهدوا فينا لنهدي ن ّ هم سبلنا ‪ ‬جزء من اآلية ( ‪) 69‬‬ ‫سورة العنكبوت فكلما زادت اﺠﻤﻟاهدة قويت البصيرة وعظمت معرفة اإلنسان باهلل ثم النفس وبالعالم من حوله‪ ،‬كما جاء‬ ‫في قول اهلل تعالى‪  :‬والذين اهتدوا زا د َ هم هدى وآتاهم تقواهم ‪ ‬اآلية ( ‪ ) 17‬سورة محمد‪ ،‬وفعل األوامر واتباع املواعظ يفضي‬ ‫إلى األجر العظيم في الدنيا واآلخرة ويفضي إلى زيادة الهداية واالستقامة على نهج احلق‪ ،‬وفي ذلك قال تعالى‪...  :‬ولو أنهم‬ ‫فعلوا ما ي ُوعظون به لكان خير ا ً لهم وأشد تثبيا‪ .‬وإذ ا ً آلتيناهم من ل دنا أجرا عظيما‪ .‬ولهديناهم صراطا مستقيما ‪ ‬اآليات‬ ‫( ‪ ) 67 - 66‬سورة النساء‪ ،‬راجع في ذلك د‪ .‬أكرم ضياء العمري‪ ،‬السيرة النبوية الصحيحة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬اجلزء الثاني‪ ،‬مكتبة‬ ‫العبيكان‪ ،‬الرياض‪ 1416 ،‬هـ‪ 1995 /‬م‪ ،‬ص ‪. 601‬‬ ‫(‪ ) 62‬جاءت املادة ( ‪ ) 19‬من الالئحة الداخلية للسجون املركزية في مصر العربية لتنص على ذلك بأنه "‪....‬ويكلف واعظ املركز أو‬ ‫القسم بزيارة املسجونني مرتني كل أسبوع لترغيبهم في الفضيلة وحثهم على الشعائر الدينية"‪.‬‬ ‫(‪ ) 63‬املادة ( ‪ ) 6‬من دستور دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬باملقابل نصت املادة ( ‪ ) 46‬من الدستور املصري الدائم والصادر سنة‬ ‫‪ 1971‬م على أن‪" :‬تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية"‪.‬‬ ‫‪114‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ما مينعه من القيام مبمارسة شعائره الدينية بصورة منفردة‪ ،‬ال تخل بالعادات املرعية وال النظام العام أو‬ ‫البرنامج اليومي اإلصالحي للمؤسسة وال تزعج أي إنسان آخر محكوم عليه‪ ،‬كما يجب أن يتقيد بالشعائر‬ ‫اإلسالمية وفرائضها بحيث ال يخل مثال بحرمة شهر رمضان بصورة علنية‪ ،‬وهو باملقابل غير ملزم بالصيام‬ ‫أو القيام بأية شعائر دينية إسالمية‪.‬‬

‫(‪)64‬‬

‫ثالثا ً‪ :‬التهذيب األخالقي‬ ‫املقصود بالتهذيب األخالقي هو‪ :‬غرس القيم واملبادئ األخالقية في نفس اﶈكوم عليه‪ ،‬وتنمية روح التعاون‬ ‫لديه وإقناعه وتدريبه على أن يستمد منها معيار السلوك في اﺠﻤﻟتمع ثم يلتزم بها‪.‬‬

‫(‪)65‬‬

‫ولهذا النوع من التهذيب أهمية واضحة بالنسبة جلميع اﶈكوم عليهم‪ ،‬سواء الذين يحتل الدين في‬ ‫قلوبهم مكانة كبيرة أو الذين ال أثر للدين في نفوسهم وتصرفاتهم‪ ،‬ولذلك فقدره أكبر بالنسبة ألفراد‬ ‫الطائفة الثانية ألن امل هذب يخاطبهم بأسلوب أقرب إلى طريقة تفكيرهم(‪ ، )66‬ويوجه اﶈكوم عليه بفترة‬ ‫تنفيذ عقابي إلى كيفية حل مشاكله‪ ،‬وإلى احترام النظام والق انون وإلى معرفة واجباته االجتماعية‪،‬‬ ‫وأهمية أدائها على الوجه املطلوب عن طريق بث الفضيلة والقيم األخالقية في نفسه وبداخل وجدانه‪،‬‬ ‫ليدفعه إلى السلوك املشروع واحترام اآلخرين ويتجنب اإلقدام على األفعال غير املشروعة‪.‬‬

‫(‪)67‬‬

‫وهو ما حرص عليه القانون اإلماراتي واهتم به القائمون على املؤسسات اإلصالحية والعقابية بدولة اإلمارات‬ ‫بإيجاد اختصاصيني مؤهلني لذلك‪ ،‬لديهم املعرفة بقواعد علوم القانون واألخالق وعلم النفس والتربية وعلم‬ ‫االجتماع‪ ...‬إلﺦ‪ ،‬ويكون دورهم دراسة شخصية اﶈكوم عليه للتعرف على جوانبها املتعددة‪ ،‬وبالتالي كسب‬ ‫ثقته للوصول إلى العوامل التي دفعته إلى ارتكاب اجلرمية‪ ،‬ثم توضح له القيم األخالقية التي ينبغي أن‬ ‫يتحلى بها ويتمسك بها‪ ،‬وتدريبه على العادات والتقاليد احلميدة في مجتمعه(‪ ، )68‬وكيفية احترام الغير فال‬

‫(‪ ) 64‬وهذا ما جاء في املادة ( ‪ ) 18‬من العهد الدولي للحقوق املدنية والسياسية والتي نصت على احلق في حرية العقيدة والعبادة‬ ‫ولكن قيدتها في الفقرة الثالثة بأنه ال يجوز إخضاع حرية اإلنسان في إظهار دينه أو معتقده إال للقيود التي يفرضها القانون‬ ‫والتي تكون ضرورية حلماية السالمة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو اآلداب العامة أو حق وق اآلخرين وحرياتهم‬ ‫األساسية‪ .‬وكذلك نصت املادة ( ‪ ) 9‬من االتفاقية األوروبية حلقوق اإلنسان‪ ،‬واملادة ( ‪ ) 12‬من االتفاقية األمريكية حلقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫واملادة ( ‪ ) 9‬من مشروع امليثاق العربي حلقوق اإلنسان على نفس املعنى‪.‬‬ ‫(‪ ) 65‬د‪ .‬محمود جنيب حسني‪ ،‬السجون اللبنانية في ضوء ال نظريات احلديثة في معاملة السجناء‪ ،‬جامعة بيروت العربية‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪ ، 1970‬ص ‪. 82‬‬ ‫(‪ ) 66‬د‪ .‬شريف سيد كامل‪ ،‬املعاملة العقابية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 175‬‬ ‫(‪ ) 67‬د‪ .‬يسر أنور علي‪ ،‬د‪ .‬آمال عبد الرحيم عثمان‪ ،‬علم اإلجرام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 224‬‬ ‫(‪ ) 68‬د‪ .‬حسن محمد ربيع‪ ،‬دور الشرطة في تعزيز حقو ق اإلنسان وحرياته األساسية في دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬الفكر‬ ‫الشرطي‪ ،‬شرطة الشارقة‪ ،‬مركز البحوث اﺠﻤﻟلد الثالث‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬مارس ‪ 1995‬م‪ ،‬ص ‪ 69‬وما بعدها‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪115‬‬


‫يعتدي بالفعل أو القول أو الكتابة أو بأية طريقة أخرى من طرق التعبير على أي من العاملني في املنشأة‬ ‫العقابية أو غيرهم‪.‬‬ ‫كما يجب عليه تنفيذ التعليمات واألوامر الصادرة من املسؤولني باملنشأة العقابية‪ ،‬وجتنب ارتكاب األفعال‬ ‫اﶈظور ارتكابها من تعاطي أو حيازة أو ترويج اﺨﻤﻟدرات واملسكرات أو السرقة أو الرشوة أو انتهاك حرمة شهر‬ ‫رمضان املبارك وبرنامجه اليومي‪ ،‬وأال يتسبب في إتالف أو تشويه ممتلكات املنشأة العقابية أو اإلهمال في‬ ‫عمله أو برنامجه املطلوب منه تنفيذه‪ ،‬أو عدم التعاون مع العاملني في املنشأة العقابية بخصوص ذلك أو‬ ‫اإلزعاج واإلخالل بالنظام بأية طريقة‪ ،‬وكل ما يتعلق بتنفيذ تعليمات ول وائح املنشأة العقابية‪ ،‬فيجب‬ ‫التعود على احترام ذلك وبالتالي احترام القانون فال يعود التباع هواه في سلوكه غير املشروع‪.‬‬

‫(‪)69‬‬

‫املطلب الثالث‬ ‫حق العمل‬ ‫من أساليب التأهيل املهمة للمحكوم عليهم بفترة تنفيذ عقابي هو أن يكفل البرنامج التأهيلي ‪-‬‬ ‫بغض النظر عن نوع من يوج ه لهم من النزالء ـ مجموعة من املهن واألعمال ميكن أن ميتهنها النزيل‬ ‫وميارسها‪ ،‬فهناك فرق بني العمل الذي كان يكلف به النزالء كنوع من العقاب في املاضي‪ ،‬الذي كان طابعه‬ ‫إنزال اإليالم بهم كجزء من تنفيذ العقوبة املقررة لسلب احلرية‪ ،‬دون اعتبار لطابعه اإلنساني أو اإلنتاجي أو‬ ‫التأهيلي‪ ،‬وبني العمل حاليا وما يتطلبه من توافر مجموعة املهن التي تهيﺊ النزيل للتعايﺶ مع اﺠﻤﻟتمع‬ ‫الكبير بعد اإلفراج عنه مما يشكل له فرصة ووسيلة لدفع امللل والكسب املادي وإعادة االندماح مع اﺠﻤﻟتمع‪.‬‬ ‫(‪)70‬‬

‫وبالتالي صار العمل حقا للمحكوم عليه تلتزم الدولة بتوفيره وتدفع مقابله للنزيل‪ ،‬وأصبح من األمور‬ ‫املستقرة في الفكر العقابي أال يكلف اﶈكوم عليه بعمل يفوق طاقته وأال يعمل في ﻇروف غير مالئمة‪ ،‬بل‬

‫(‪ ) 69‬د‪ .‬علي محمد جعفر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 66‬‬ ‫(‪ ) 70‬كان العمل مبثابة عقوبة إضافية إلى جانب سلب احلرية‪ ،‬وكان ت قسوة العمل تتناسب وقسوة العقوبة‪ ،‬فحني كانت‬ ‫العقوبة األشغال الشاقة‪ ،‬كان يستخدم اﶈكوم عليهم في أشق األعمال وأقساها‪ ،‬وتخف حدة تلك القسوة تدريجي ا ً إذا كانت‬ ‫هذه العقوبة السجن أو احلبس‪ .‬وكانت الدولة تستخدم اﶈكوم عليهم طبق ا ً حلاجتها أو حاجة رجال الصناعة‪ ،‬دو ن اهتمام‬ ‫بأمر اﶈكوم عليهم من حيث تلقينهم أصول مهنة يتعيشون منها بعد اإلفراج‪ ،‬أو من حيث الظروف التي يعملون فيها‪ .‬انظر‬ ‫في ذلك‪ :‬د‪ .‬محمد صبحي جنم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 120‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪116‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫لقد بلغ األمر أن أصبح احلرمان من العمل جزا ًء تأديبيا ملا يرتبط به من فراغ يحدثه في حياة النزيل‪ ،‬وما‬ ‫(‪)71‬‬ ‫يحدثه هذا الفراغ من ملل وضجر في حياته‪.‬‬

‫أوال ً‪ :‬ضوابط عمل نزالء املؤسسات العقابية‬ ‫والعمل باعتباره الوسيلة األولى من وسائل تأهيل نزالء املؤسسات العقابية ينبغي أن يكون في إطار‬ ‫ضوابط معينة من شأنها إعادة تأهيل النزالء لالندماج في اﺠﻤﻟتمع مرة أخرى‪ ،‬وإال فﺈن عمل النزالء بدون تلك‬ ‫الضوابط من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة عكسية تتمثل في النظر إلى العمل من وجهة نظر النزالء‪ ،‬وكأنه‬ ‫أمر يتسم بصفة العقوبة وال طائل من ورائه سوى اجلهد واملشقة‪.‬‬

‫(‪)72‬‬

‫وبالرغم من تعدد وضوابط عمل نزالء املؤسسات العقابية التي حتمي حقوق اﶈكوم عليهم أثناء فترة‬ ‫التنفيذ العقابي إال أنه ميكن ردها إلى ثالث فئات رئيسية‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬تتعلق بالعمل ذاته‪ ،‬فتتمثل في وجوب كونه غير متسم بالتعذيب في طبيعته وأن يكون كافيا‬ ‫ومفي دا ويستحوذ على نشاط النزالء طوال الفترة العادية ليوم العمل‪ ،‬وأن يكون من شأنه املساعدة على‬ ‫كسب أرزاقهم بطريقة شريفة‪ ،‬وأن يتم حتديد ساعات عمل النزالء يوميا وأسبوعياً‪ ،‬مبا يتماثل مع ساعات‬ ‫العمل املقررة لنظرائهم األحرار‪ ،‬وأن يتم تخصيص يوم للراحة األسبوعية‪.‬‬

‫(‪)73‬‬

‫الثانية‪ :‬تتعلق باﶈكوم عليهم فت جب مراعاة مدى استعدادهم اجلسماني والعقلي‪ ،‬وأن يتم متكينهم‬ ‫من اختيار نوع العمل الذي يرغبون في أدائه‪ ،‬وأن يتم تعويضهم عن حوادث العمل‪ ،‬مبا فيها أمراض املهنة‬ ‫(‪ ) 71‬د‪ .‬فوزية عبد الستار‪ ،‬مبادئ علم العاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 242‬د‪ .‬عمر السعيد رمضان‪ ،‬علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬دار النهضة‬ ‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ 1978 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 118‬وما بعدها‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم جابر عبد العزيز‪ ،‬رعاية املسجونني واملفرج عنهم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪ 254‬وما بعدها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫(‪ ) 72‬د‪ .‬فتوح عبد اهلل الشاذلي‪ ،‬مبادئ علم العقاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 238‬والذي يقرر‪ :‬أن للعمل غرض ا إنساني ا يتمثل في حفظ‬ ‫التوازن النفسي والبدني للمحكوم عليه‪ ،‬ويتحقق هذا التوازن على نحو أفضل كلما كان ذلك العمل منتج ا ً ويستغرق الوقت‬ ‫اﶈدد له‪ .‬ولقد أكدت القاعدة ( ‪ ) 3 / 72‬من قواعد احلد األدنى هذا املعنى كما أكدته املذكرة اإليضاحية لقانون تنظيم السجون‬ ‫في مصر على هذا النحو‪ .‬وتظهر إنسانية العمل العقابي كذلك في وفاء اﶈكوم عليه بقدر من التزامه وتخفيﻒ جانب من‬ ‫األعباء التي تثقل كاهله ‪ ،‬إذ يتم توزيع مقابل العمل بطريقة حتقق هذا الغ رض ؛ فجزء منه يساعد به أسرته ‪ ،‬وجزء ثالث يدفع‬ ‫للمضار أو اﺠﻤﻟني عليه كتعويض‪ ،‬وجزء رابع يسدد به الغرامات واملصاريﻒ التي ﲡب عليه للخزانة العامة‪ .‬إلﺦ‪ ،‬وهو ما جاء‬ ‫باملادة ‪ 14‬من الالئحة الداخلية للسجون الصادرة بقرار من وزير الداخلية املصري رقم ‪ 79‬لسنة ‪ 1961‬م‪.‬‬ ‫(‪ ) 73‬د‪ .‬محمود جنيب حسني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 379‬وما بعدها‪ ،‬د‪ .‬يسر أنور علي‪ ،‬آمال عثمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 443‬وما بعدها‪،‬‬ ‫خالد حمود اخلمري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 455‬‬ ‫كما نصت املادة ( ‪ ) 74‬من قواعد احلد األدنى ملعاملة املسجونني على‪:‬‬ ‫يجب أن تتخذ املؤسسات العقابية جميع االحتياطات املق ررة حلماية صحة العمال من غير املسجونني وسالمتهم‪.‬‬ ‫يجب اتخاذ الوسائل الالزمة لتعويض املسجونني عن إصابات العمل مبا فيها أمراض املهنة طبقا لنفس الشروط التي يقررها‬ ‫القانون للعمال األحرار‪ .‬كما حددت القاعدة ( ‪ ) 75‬من قواعد احلد األدنى عدد ساعات العمل يوميا وأسبوعيا وأوجبت حتديد يوم‬ ‫للراحة األسبوعية وكذا وقت كاف للتعليم وأوجه النشاط األخرى إلصالح املسجونني وتأهيلهم‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪117‬‬


‫طبقا لنفس الشروط التي يقررها القانون للعمال األحرار‪ ،‬وأن تتم إثابتهم على عملهم طبقا لنظام‬ ‫مكافآت عادلة‪ ،‬وأن يسمح لهم بإنفاق جزء من أجرهم لشراء األشياء املصرح لهم بها الستعمالهم‬ ‫الشخصي‪ ،‬وإرسال جزء من األجر إلى أسرهم‪ ،‬وأن يتم تسليمهم اجلزء الذي حتتفظ به إدارة املؤسسة‬ ‫اإلصالحية والعقابية من أجرهم عند اإلفراج عنهم‪.‬‬

‫(‪)74‬‬

‫الثالثة‪ :‬أما ما يتعلق بإدارة العمل‪ ،‬فيتمثل في قيام املؤسسة اإلصالحية والعقابية بإدارة مشروعات‬ ‫سواء مصانع أو مزارع أو غيرها مباشرة‪ ،‬وليس عن طريق متعهدين مختصني‪ ،‬وفي حالة العمل الذي ال‬ ‫تتحكم فيه إدارة املؤسسة بنفسها‪ ،‬فيجب أن يكون النزالء حتت إشراف موظفي املؤسسة على األقل‪ ،‬وال‬ ‫مينع ذلك من أن يوضع برنامج للتدريب ضمن خطة العمل العقابي باملؤسسة العقابية يتضمن التدريب‬ ‫على مثل هذه املهن واألعمال اجلديدة‪.‬‬ ‫ويرى الباحث أن األعمال التي يقوم بها اﶈكوم عليهم تتوقف على طبيعة املؤسسة في أية دولة وما‬ ‫يحكمها من قوانني ولوا ئح السوق الفعلية‪ ،‬وهذه األعمال مبا أنها سوف تفيد اﶈكوم عليه بعدما يتم‬ ‫اإلفراج عنه‪ ،‬يجب أن تكون حتت إشراف فريق متخصص يضمن مهندسني ومساعدين وحرفيني ومعلمني‬ ‫على مستوى عال‪ ،‬ويتم القيام بهذه األعمال بعد وضع خطة من قبل اإلدارة‪ ،‬مبا يفيد ويكمل عمليات التأهيل‬ ‫امل توافرة األخرى وحصوال على األغراض املطلوبة من العمل لتحقيقها مبا يحقق الهدف العام املنشود وهو‬ ‫اإلصالح والتأهيل‪.‬‬

‫(‪)75‬‬

‫ثانيا ً‪ :‬حق العمل وفق التشريع اإلماراتي‬ ‫وقد نظم القانون الوطني اإلماراتي موضوع عمل اﶈكوم عليهم بفترة تنفيذ عقابي من خالل نصوص‬ ‫عديدة وردت بالقانون رقم (‪ ) 43‬اخلاص بتنظيم املنشآت اإلصالحية والعقابية وكذلك الئحته التنفيذية‪ ،‬كما‬ ‫هو احلال في النظم العقابية احلديثة باعتباره من أهم اﺠﻤﻟاالت التي تسهم في اﶈافظة على الصحة‬ ‫النفسية والعقلية لﻺنسان اﶈكوم عليه(‪ ، )76‬ويعتبر حقا من حقوقه جت ب اﶈافظة عليه‪ ،‬ملا له من دور يساعد‬ ‫(‪ ) 74‬د‪ .‬محمود جنيب حسني‪ ،‬علم العقاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ، 231‬عبود السراج‪ ،‬الوجيز في علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬الكويت‪،1979 ،‬‬ ‫ص ‪. 218‬‬ ‫(‪ ) 75‬ولقد بينت التوصية األولى ملؤمت ر الهاي‪ ،‬تنظيم تلك احلرية وحدودها حيث قررت أنه يكون للمحكوم عليهم احلق بحرية‬ ‫االختيار للعمل الذي يرغبون في أدائه ‪ ،‬وذلك في احلدود التي تتفق مع اعتبارات التوجيه املهني ومقتضيات اإلدارة العقابية‬ ‫والنظام التأديبي والعقابي‪ .‬كما أشارت إلى هذا احلق كذلك التوصية ا خلامسة مبؤمتر جنيف والقاعدة ( ‪ ) 6 / 71‬من مجموعة احلد‬ ‫األدنى ملعاملة املسجونني‪ ،‬واملادة الثانية من الالئحة الداخلية للسجون املصرية‪ ،‬واملادة ( ‪ ) 50‬من الالئحة الداخلية لقانون‬ ‫تنظيم املؤسسات العقابية اإلماراتي‪.‬‬ ‫(‪ ) 76‬انظر املادة ( ‪ ) 31‬وما بعدها من الالئحة التنفيذية ل قانون تنظيم املنشآت العقابية االحتادي‪ ،‬وأيضا د‪ .‬شريف سيد كامل‪ ،‬د‪.‬‬ ‫موسى مصطفى شحاده‪ ،‬قواعد احلد األدنى ملعاملة النزالء وأثرها على قانون تنظيم املنشآت العقابية في دولة اإلمارات‬ ‫العربية املتحدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 178‬‬ ‫‪118‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫على تأهيله مهنيا ملرحلة ما بعد اإلفراج‪ .‬هذا إلى جانب ما يوفره العمل من أجر ميكن للمحكوم عليه من‬ ‫حتمل نفقاته الشخصية خالل فترة وجوده باملؤسسة اإلصالحية والعقابية‪ ،‬عالوة على تكوين بعض‬ ‫املدخرات التي يواجه بها املتطلبات األساسية عقب اإلفراج عنه‪ ،‬وحتى إن كان ال يحتاج ألي عائد مالي‬ ‫فيكفي أنه يستغل وقته في شيء مفيد‪ ،‬وكذلك يرجع للمؤسسة بفائدة الهدوء واحلد من مشكالت النزالء‪.‬‬ ‫وأخذ القانون اإلما راتي مبا أوصت به املواثيﻖ العاملية واإلقليمية فيما يخﺺ بعمل اﶈكوم عليهم بفترة‬ ‫تنفيذ عقابية‪.‬‬

‫(‪)77‬‬

‫وفيما يلي أهم الضوابط التي وردت بالقانون في هذا اخلصوص‪:‬‬ ‫(‪ )1‬جتدر اإلشارة في هذا الصدد إلى ما نصت عليه املادة (‪ ) 24‬بشأن املسجونني من الفئة (ج) باعتبارهم‬ ‫أكثر الفئ ات اتصاال مبوضوع العمل داخل املنشأة العقابية‪ ،‬حيث تقرر هذه املادة أهم املبادئ املنظمة‬ ‫لعمل اﶈكوم عليهم ومن ذلك‪:‬‬ ‫(أ) عدم جواز تشغيلهم إال في األعمال التي حتددها الالئحة التنفيذية‪.‬‬

‫(‪)78‬‬

‫(ب) أن ُمينحوا أجرا ً مناسبا ً عن قيامهم بهذه األعمال‪.‬‬ ‫(ت) ال يجوز أن تزيد مدة التشغيل على بضع ساعات في اليوم‪.‬‬ ‫(ث) أن تراعى في تشغيلهم حالتهم الصحية‪.‬‬ ‫(ج) أن يعملوا بقدر اإلمكان في احلرف التي كانوا يعملون بها قبل دخول املنشأة‪.‬‬ ‫(ح) كما ال يجوز تشغيلهم في أيام اجلمع واألعياد الرسمية‪ ،‬فيما عدا أعمال املؤسسة اإلصالحية‬ ‫والعقابية الضرورية كالنظافة والطهي‪.‬‬ ‫(‪ )2‬حددت الالئحة التنفيذية باملادة (‪ ) 47‬األعمال التي يجوز تشغيل املسجونني فيها في ثالثة أقسام هي‪:‬‬ ‫(أ) األعمال اخلفيفة (مثل الطباعة‪ ،‬التجليد‪ ،‬النجارة‪)...‬‬ ‫(ب) األعمال الشاقة (مثل الطابوق والبناء ـ تعبيد الطرق ـ صناعة اخلبز‪).‬‬

‫(‪ ) 77‬راجع في ذلك‪ :‬د‪ .‬محمود محمد عبد النبي‪ ،‬دور املؤسسات العقابية في إعادة تأهيل النزالء‪ ،‬الفكر الشرطي‪ ،‬إصدارات‬ ‫شرطة الشارقة‪ ،‬دولة اإلمارات‪ ،‬اﺠﻤﻟلد السابع‪ ،‬العدد األول‪ ،‬أبريل ‪ 1998‬م‪ ،‬ص ‪ 229‬وما بعدها‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل عبد الغني غامن‪ ،‬التأهيل‬ ‫والسياسات العقابية‪ ،‬شرطة الشارقة مركز البحوث والدراسات‪ ، 1999 ،‬ص ‪. 31‬‬ ‫(‪ ) 78‬يجوز للنزالء الذين يظهرون اجتاهات دينية أو حرفية خاصة أو أدبية أو فنية أن يحصلوا على اإلعفاء من العمل اإلصالحي‬ ‫والعادي‪ ،‬ويسمح لهم مبمارسة هذا النشاط اخلاص أو األدبي أو الفني حتت الرقابة واإلشراف‪ .‬راجع في ذلك‪ :‬املواد من ( ‪) 10-15‬‬ ‫من النظام القانوني االسترش ادي املوحد للمؤسسات اإلصالحية والعقابية في دول مجلس التعاون لدول اخلليج العربية‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪119‬‬


‫(ت) أعمال املنشآت اإلصالحية والعقابية الضرو رية (مثل النظافة‪ ،‬طهو الطعام‪ ،‬غسيل املالبس‪.)...‬‬ ‫وجميعها ال تخرج عن صور األعمال التقليدية في املنشآت العقابية‪.‬‬

‫(‪)79‬‬

‫ويرى الباحث أن هذه املبادئ ال تتفق في مجملها مع ما جرى األخذ به في مجال العمل العقابي بالنسبة‬ ‫للمحكوم عليهم في النظم العقابية املقارنة‪ ،‬إذ البد من فتح اﺠﻤﻟال أمام مجموعة معينة من اﶈكوم‬ ‫عليهم حسني السلوك والذين أكملوا ﺛلثي املدة اﶈكوم بها عليهم بالعمل خارج املؤسسة العقابية ـ‬ ‫وفق ما تراه اإلدارة العقابية مناسبا ً لذلك ـ لزرع الثقة في نفس اﶈكوم عليه وخاصة امللتزم بالقوانني‬ ‫واللوائح‪ ،‬وكذلك تشجيع باقي اﶈكوم عليهم على ذلك‪ ،‬وللتفرقة بني املتلزمني وغيرهم‪ ،‬وكذلك للتدرج‬ ‫في عملية اإلفراج بحيث تكون هذه املرحلة سابقة لإلفراج بفترة معينة‪.‬‬

‫(‪)80‬‬

‫كما يرى الباحث أن وسائل العمل حتل مشكلة تعدد اجلنسيات باملؤسسات العقابية بدولة اإلمارات‬ ‫العربية املتحدة(‪ )81‬و ذلك متى ما طبق التطبيق السليم من حيث تشغيل اﶈكوم عليهم في العمل الذي‬ ‫يناسب إمكانياتهم وطبيعتهم‪ ،‬وبالتالي تعود الفائدة عليهم من ناحية حتقيق الربح املادي لهم‪ ،‬وأيضا ً من‬ ‫ناحية االستفادة من أوقات الفراغ لديهم خاصة لصعوبة توفير اإلمكانيات التأهيلية لهم على كافة‬ ‫مستوياتها‪ ،‬من حيث طبيعتهم الثقافية والتعليمية واختالف لغاتهم‪ ،‬كما أن ذلك يفيد اإلدارة العقابية‬ ‫بتنظيم برامجها التأهيلية وجعلها تتماشى مع مشكلة تعدد اجلنسيات املعقدة في املؤسسات العقابية‬ ‫اإلماراتية‪ ،‬ولكن ينبغي أن يكون هناك تنظيم قانوني للعمل العقابي بدول ة اإلمارات يختلف باختالف الدور‬ ‫الذي حتتفظ به اإلدارة لنفسها في اإلشراف على هذا العمل؛ فقد ينعدم اإلشراف كليا ً وقد يكون كامالً‪،‬‬ ‫وقد يكون وسطا ً بني هذا وذاك‪ )82( .‬وتتحقق الصورة األولى من ذلك في نظام املقاولة؛ ففي هذا النظام تلجأ‬ ‫اإلدارة العقابية إلى أحد مقاولي القطاع اخلاص وتعهد إليه بالنزالء لكي يتولى تشغيلهم وإعاشتهم‪،‬‬ ‫ويجب أن يقتصر هذا النظام على الفﺌة التي تتمتع بحسن السير والسلوك من قائمة اﶈكوم عليهم‪.‬‬ ‫وتوضع له اللوائح الداخلية التي تنظمه وتشرف عليه اإلدارة العقابية‪ .‬مع االعتبار بأنه ال يصلح حاليا ً في‬ ‫املؤسسات العقابية اإلماراتية ذات النظام املغلق والذي ال يسمح بخروج السجناء خارج املؤسسة العقابية‪،‬‬

‫(‪ ) 79‬أقرت هذا املعنى القاعدة ( ‪ ) 2 / 72‬من مجموعة القواعد الدنيا ملعاملة املسجونني حيث نصت على أنه يجب أن يلزم بالعمل‬ ‫جميع املسجونني اﶈكوم عليهم مع مراعاة مدى استعدادهم اجلسماني والعقلي وفق ما يقرره الطبيب‪ ،‬وكذلك التوصية‬ ‫األولى لكل من مؤمتر جنيف والهاي‪ .‬وكذلك جاءت املادة ( ‪ ) 21‬من قانون تنظيم السجون في مصر متوافقة مع هذا املعنى‬ ‫وأكدته املادة األولى من الالئحة الداخلية للسجون املصرية‪.‬‬ ‫(‪ ) 80‬راجع في ذلك‪ :‬د‪ .‬شريف سيد كامل‪ ،‬املعاملة العقابية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 27‬‬ ‫(‪ ) 81‬راجع مشكالت تعدد اجلنسيات في املؤسسات العقابية في دولة اإلمارات العربية املتحدة في الباب األول ـ الفصل الثالث‬ ‫من هذه الدراسة‪.‬‬ ‫(‪ ) 82‬انظر في التنظيم القانوني للعمل العقابي بصوره الثالث اجمل تلفة سواء (املقاولة أو االستغالل املباشر أو التوريد) تفصيال‬ ‫لدى‪ :‬فتوح عبد اهلل الشاذلي‪ ،‬مبادئ علم العقاب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 248‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪120‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ولكنه ميكن تطبيقه في حالة وضع أسس علمية مدروسة لالجتاه إلى النظام شبه املفتوح في املؤسسات‬ ‫العقابية كخطوة مستقبلية للنظام العقابي بدولة اإلمارات العربية املتحدة‪.‬‬ ‫أما الصورة الثانية والتي تكون في نظام االستغالل املباشر‪ ،‬فت قوم على العكس متاما من النظام‬ ‫السابق‪ ،‬على أساس أن اإلدارة هي التي تتولى تشغيل النزالء وإعاشتهم‪ .‬ويكون هذا بالنسبة للنزالء‬ ‫اخلطرين الذين يجب أن يكونوا حتت سيطرة اإلدارة العقابية ويكون سبب خط ورتهم إما نوع جرمية اﶈكوم‬ ‫عليهم‪ ،‬أو مستوى سلوكهم في املؤسسة العقابية‪ ،‬وكذلك يوضع لهم من اللوائح الداخلية ما حتكم به‬ ‫نظام لعمل‪.‬‬ ‫وأخيرا ً الصورة الثالثة املتمثلة في نظام التوريد‪ ،‬و هذا النظام وسط بني النظامني السابقني‪ ،‬فال تتخلى‬ ‫اإلدارة العقابية عن النزالء كلية كما في نظام املقاولة‪ ،‬وال تخضعهم لها كلية كما في نظام االستغالل‬ ‫املباشر وإمنا تتعاقد مع أحد رجال األعمال على أن يقدم اآلالت واملواد األولية‪ ،‬ويتولى النزالء اإلنتاج حتت‬ ‫إشرافها حلسابه مقابل مبلغ من املال يلتزم بدفعه لإلدارة‪ ،‬وهذا النظام هو األنسب إلدارة املؤسسات‬ ‫العقابية في دولة اإلمارات العربية املتحدة والتي هي من النوع (املغلق)‪ ،‬الذي يعتمد على التركيز في‬ ‫اﶈافظة على مستوى املؤسسات العقابية املتميزة بحفاﻇها على حقوق اإلنسان اﶈكوم بفترة التنفيذ‬ ‫العقابي‪ ،‬ويجب العمل بالسرعة املمكنة لوضع نظام معني يتفق مع التوجه احلديث الذي تنتهجه دولة‬ ‫اإلمارات في رفع مستوى كفاءة املؤسسات العقابية‪.‬‬

‫(‪)83‬‬

‫(‪ ) 83‬وذلك ألن العمل يحقق أهم أهداف املؤسسات العقابية عن طريق األخذ في االعتبار أن يكون العمل في املؤسسة العقابية‬ ‫على غرار مثله في اﺠﻤﻟتمع اخلارج حتى يتحقق هدف دمﺞ اﶈكوم عليه إلى حد كبير في اﺠﻤﻟتمع عند خروجه ‪ .‬والعمل أهم‬ ‫وسيلة لتأهيل اﶈكوم عليه‪ ،‬ويجب أن يكون بضوابط وقيود لضبط العملية في اجتاه إعادة التأهيل واالستعداد لالندماج في‬ ‫اﺠﻤﻟتمع مرة أخرى‪ .‬ومن هذه الضوابط أال يتسم ب تعذيب السجني في طبيعته وإمنا تأهيله ‪ ،‬وأن يكون مفيدا وأن يكون لساعات‬ ‫محدودة ومع راحة حسب ما هو معمول به ‪ .‬وأن يتناسب مع االستعداد اجلسماني والعقلي للنزيل‪ ،‬وأن مينح الفرصة في اختيار‬ ‫نوع العمل الذي يرغب في أدائه ‪ ،‬وأن تكون هناك مكافآت على العمل‪.‬‬ ‫انظر في ذلك‪ :‬الفريق الدكتور‪ ،‬عباس أبو شامة‪ ،‬دور املؤسسات اإلصالحية والعقابية في حتقيق األمة‪ ،‬الفكر الشرطي‪ ،‬شرطة‬ ‫الشارقة‪ ،‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬مركز البحوث‪ ،‬مجلد ( ‪ ) 12‬العدد ( ‪ ) 1‬أبريل ‪ ، 2003‬ص ‪ 101‬وما بعدها‪ ،‬خالد حمود‬ ‫اخلمري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 456‬وما بعدها‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪121‬‬


‫اخلـاتـمة‬ ‫مرت اإلنسانية بظروف قاسية عبر عصور التاريخ املتعاقبة‪ ،‬أهدرت فيها كرامة الشعوب عصرا ً بعد عصر‪،‬‬ ‫وشهد الناس ما ارتكبته بعض من ميلكون القوة املتخلفة من استعباد للشعوب‪ ،‬وإذالل لألمم في صور مختلفة‬ ‫حتت شعار احلماية والوصاية تاره‪ ،‬وباالحتالل العسكري تاره أخرى وبالنفوذ االقتصادي تاره ثالثة‪.‬‬ ‫وإذا كانت كافة املواثيق والعهود واالتفاقيات العاملية واإلقليمية‪ ،‬وكذلك الدساتير والتشريعات الوطنية حترص‬ ‫على النص على حقوق اإلنسان‪ ،‬والضمانات التي تكفل ممارستها والتمتع بها دون االنتقاص منها أو إهدارها‪،‬‬ ‫فإنها ال تنص بالقدر الكافي على حقوق هذه الفئة‪ ،‬فئة املسجونني‪ ،‬واحلقيقة أن حقوق اإلنسان املسجون‬ ‫وحرياته األساسية كثيرة ومتنوعة‪ ،‬فمنها احلقوق الشخصية ومنها أيضا ً احلقوق السياسية واالقتصادية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬وغيرها من احلقوق وقد آثرنا انتقاء أحد أهم تلك احلقوق وهي حقوق اإلنسان في مرحلة التنفيذ‬ ‫العقابي باعتبارها من احلقوق األساسية اللصيقة بشخصية كل إنسان مسجون‪.‬‬ ‫وتناولت هذه الدراسة موضوعا ً حديثا ً يتعلق باألهداف التي ترمي إليها دولة اإلمارات العربية املتحدة من التنفيذ‬ ‫العقابي على السجني ومدى مالءمة هذه األهداف للمعايير الدولية‪ .‬كما تناولت الدراسة احلقوق األساسية‬ ‫والنسبية للمساجني في املواثيق الدولية والقانون اإلماراتي من حيﺚ الرعاية التي تقدم إليهم‪ ،‬ورعاية اﶈكوم‬ ‫عليهم‪ ،‬وحماية املسجون من التعذيب‪.‬‬ ‫وال نريد أن جنعل من خامتة هذه الدراسة تلخيصا ً فيما ورد في متنها‪ ،‬إال أن الواقع يتطلب منا أن نتعرض ملا‬ ‫توصلنا إليه من نتائج وتوصيات تتمثل مبا يأتي‪:‬‬

‫أوال ً‪ :‬النتائج‪:‬‬ ‫من خالل دراستنا توصلنا إلى عدد من االستنتاجات أهمها‪:‬‬ ‫‪ -1‬أن حقوق اإلنسان املسجون لم تعد كما كانت في املاضي مسألة داخلية تعالج في نطاق القوانني واألنظمة‬ ‫الداخلية بل أصبحت قضية عاملية وإنسانية تهم كل إنسان فاإلنسان في األنظمة الدميقراطية هو محور‬ ‫كل احلقوق ومن ضمنها احلق في أن يتم التخفيف عليه من عنصر اإليالم والتركيز على التأهيل االجتماعي‬ ‫لﻺنسان اﶈكوم عليه‪.‬‬

‫‪122‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫‪ -2‬يلقى السجني خالل فترة التنفيذ العقابي باملؤسسات اإلصالحية والعقابية بدولة اإلمارات الكثير من‬ ‫الرعاية لتحقيق األهداف األخالقية للتنفيذ العقابي كالرعاية الصحية واالجتماعية والنفسية للمحكوم‬ ‫عليه خالل فترة التنفيذ العقابي‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن حقوق اإلنسان اﶈكوم عليه خالل فترة التنفيذ العقابي في دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬وما تعانيه من‬ ‫تعدد اجلنسيات بداخل املؤسسة العقابية تتضمن مجموعة من األساليب التي يضمنها القانون ويشرف‬ ‫عليها القضاء‪ ،‬وينفذها موظفو اإلدارة العقابية التي تؤدي في النهاية إلى تأهيل اﶈكوم عليه‪.‬‬ ‫‪ -4‬الرعاية الصحية ال تقتصر على تلقي العالج بل تشمل أيضا إجراءات احتياطية لوقاية اﶈكوم عليهم‬ ‫من األمراض‪ ،‬تتضمن أساليب وقائية وأساليب عالجية‪.‬‬ ‫‪ -6‬ﲡمع النظم العقابية احلديثة على حق اﶈكوم عليه خالل فترة التنفيذ العقابي في الرعاية التعليمية‬ ‫والعمل‪ ،‬والرعاية اخلاصة باألحداث أيضاً‪ ،‬وقد نظم القانون اإلماراتي تلك احلقوق من خالل نصوص عديدة‬ ‫وردت بالقانون االحتادي رقم (‪ )43‬اخلاص بتنظيم املنشآت اإلصالحية‪ ،‬وكذلك الئحته التنفيذية‪.‬‬

‫ثانيا ً‪ :‬التوصيات‬ ‫‪ -1‬البد من ضرورة االستفادة من معطيات وتوجيهات املغفور له بإذن اهلل صاحب السمو الشيخ زايد نحو‬ ‫حتقيق العدل واملساواة واﶈافظة على حقوق اإلنسان بصفة عامة وحقوق اإلنسان اﶈكوم عليه في فترة‬ ‫التنفيذ العقابي بصفة خاصة‪.‬‬ ‫‪ -2‬إدراج مادة تهتم بحقوق السجني أثناء فترة التنفيذ العقابي في اجلامعات واملدارس وبخاصة كليات الشرطة‬ ‫ملا لذلك من دور في تثبيﺖ مفاهيم دعم حقوق اإلنسان واﶈافظة عليه‪.‬‬ ‫‪ -3‬تشكيل مجلس أعلى للمؤسسات اإلصالحية والعقابية يعمل على تعديل قانون تنظيم املؤسسات‬ ‫اإلصالحية والعقابية مبا يتوافق مع الضرورة العملية‪.‬‬ ‫‪ -4‬اإلعداد اجليد والتدريب والتأهيل املستمر للعاملني باملؤسسات اإلصالحية والعقابية بدولة اإلمارات الذي‬ ‫يرتبط بالبحث العلمي لألخذ بالفكر احلديث املتطور للنظام العقابي وأهدافه‪.‬‬ ‫‪ -5‬ضرورة تدخل املشرع اإلماراتي لتنظيم زيارة الزوجة " اخللوة الشرعية " في السجون حيث أن نزالء السجن‬ ‫يعانون من متاعب جمة ومعقدة من جراء حرمانهم من املعاشرة الزوجية الطبيعية السيما بالنسبة‬ ‫املتزوجني منهم مما يجعلهم فريسة سهلة للعالقات اجلنسية الشاذة واﶈرمة‪ ،‬خصوصا ً مع ازدحام‬ ‫السجون‪.‬‬ ‫‪ -6‬التوسع في تطبيق اإلشراف القضائي مبفهومه احلديث على جميع املراحل‪ ،‬ملا له من دور كبير في مجال‬ ‫التنفيذ العقابي وفقا ً للسياسة اجلنائية احلديثة‪.‬‬ ‫‪ -7‬إمتام تنظيم الرعاية الالحقة من خالل إقرار قوانني خاصة بها‪ ،‬مبا يؤكد ضرورة توجيه العناية منذ بدأ تنفيذ‬ ‫العقوبة على مستقبل اﶈكوم عليه بعد اإلفراج‪ ،‬وكفالة أسباب العيش الشريف‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪123‬‬


‫‪ -8‬وضع برامج للتأهيل واإلصالح تطبق من خالل مؤسسة مختصة تراعي عملية اخلصائص األساسية للنظام‬ ‫التدريجي لتحقيق التأهيل واإلصالح للمحكوم عليهم‪ ،‬كما يجب التوسع في إنشاء املصانع واملزارع اخلاصة‬ ‫لتدريب اﶈكوم عليهم مع ضرورة وضع خطة ﺷاملة للبرامج التأهيلية واإلصالﺣية للمحكوم عليهم‪.‬‬ ‫‪ -9‬ضرورة عدم قصر احلق في املراسالت على فئة معينة من املسجونني مع عدم تقييد ذلك إال لضرورات‬ ‫احلفاظ على األمن العام‪.‬‬

‫‪124‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫قائمة املراجع‬ ‫املؤلفات العامة‪:‬‬ ‫‪ -1‬د‪.‬إبراهيم نافع‪ ،‬جنون اخلطر األخضر وحملة تشويه اإلسالم‪ ،‬كتاب حتت الطبع عرضته جريدة اخلليج‬ ‫اإلماراتية‪ ،‬في عددها ‪ ،9235‬املوافق ‪/31‬أغسطس ‪2015 /‬م‪ ،‬احللقة األولى‬ ‫‪ -2‬د‪.‬أحمد أبو الوفا احلماية الدولية حلقوق اإلنسان‪ ،‬الطبعة الثانية‪2005 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -3‬د‪.‬أحمد الدبايﻐه‪ ،‬أﺛر الثقافة واﺠﻤﻟتمع إلى إرتكاب اجلرمية‪ ،‬املركز العربي للدراسات األمنية والتدريب‪ ،‬الرياض‪،‬‬ ‫بدون سنة نشر‪.‬‬ ‫‪ -4‬د‪.‬أحمد بدر‪ ،‬الرأي العام طبيعته وتكوينه وقياسة دوره في السياسة العامة‪ ،‬مكتبة غريب‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪1977‬م‪.‬‬ ‫‪ -5‬د‪.‬أحمد بن عبداهلل بن باز‪ ،‬تطور النظام السياسي واإلداري في اململكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ ‪/‬‬ ‫‪1996‬م ‪.‬‬ ‫‪ -6‬د‪.‬أحمد حبيب السماك‪ ،‬عن ظاهرة العودة إلى اجلرمية في الشريعة اإلسالمية والفقه اجلنائي الوضعي‪،‬‬ ‫مطبوعات جامعة الكويت‪1985 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -7‬د‪ .‬أحمد عبد احلميد الدسوقي‪ ،‬احلماية املوضوعية واإلجرائية حلقوق اإلنسان في مرحلة قبل‬ ‫اﶈاكمة‪ ،‬دار ال نهضة العربية‪2007 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -8‬د‪.‬أحمد عوض بالل‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫النظرية العامة للجزاء اجلنائي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫محاضرات في اجلزاء اجلنائي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -9‬د‪.‬أحمد فتحي سرور‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫الوسيط في القانون العام‪ ،‬دار املطبوعات‪ ،‬القاهرة‪1997 ،‬م‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫أحوال السياسة اجلنائية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪1972 ،‬م‪.‬‬

‫‪-10‬‬

‫د‪.‬أحمد هبه‪ ،‬موجز أحكام الشريعة اإلسالمية في التجرمي والعقاب‪ ،‬ط‪ ،1‬عالم الكتب القاهرة‪1985 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -11‬د‪.‬إدريس باﶈجوب‪ ،‬قواعد تنفيﺬ العقوبات‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬بابل للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الرباط‪1988 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-12‬‬

‫د‪.‬أديب اجلادر‪ ،‬حقوق اإلنسان واحلاجات األساسية‪ ،‬حقوق اإلنسان في الوطن العربي‪ ،‬املنظمة العربية‬ ‫حلقوق اإلنسان‪ ،‬العدد ‪ ،19‬يوليو ‪1986‬م‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪125‬‬


‫‪-13‬‬

‫د‪.‬أسامة عبداهلل قايد‪ ،‬مبادئ علم اإلجرام وعلم العقاب‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪1990‬م‪.‬‬

‫‪-14‬‬

‫د‪.‬آمال عبدالرحيم عثمان‪ ،‬علم العقاب‪ ،‬اجلزء الثاني‪ ،‬الطبعة السادسة عشرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫القاهرة‪1998 ،‬م‪.‬‬

‫‪-15‬‬

‫د‪.‬أمنية مصطفى محمد‪ ،‬النظرية العامة لقانون العقوبات اإلداري‪ ،‬ظاهرة احلد من العقاب‪ ،‬دار اجلامعة‬ ‫اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪1996 ،‬م‪.‬‬

‫‪-16‬‬

‫د‪.‬أنور أحمد رسالن‪ ،‬احلقوق واحلريات العامة في عالم متغير‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪1998 ،‬م‪.‬‬

‫‪-17‬‬

‫د‪.‬باسيل يوسف باسيل‪ ،‬سيادة الدول في ضوء احلماية الدولية حلقوق اإلنسان‪ ،‬دراسات إستراتيجية‪،‬‬ ‫العدد (‪ ،)49‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث اإلستراتيجية‪ ،‬أبوظبي‪2001 ،‬م‬

‫‪-18‬‬

‫د‪.‬بركات املهدي‪ ،‬سياسات الرعاية اإلجتماعية وتدعيم املواطنة للمسجونني‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫‪2010‬م‪.‬‬

‫‪-19‬‬

‫د‪.‬حازم عبداملتعال الصعيدي‪ ،‬اإلسالم واخلالفة في العصر احلديث‪ ،‬مكتبة اآلداب‪1984 ،‬م‪.‬‬

‫‪-20‬‬

‫د‪.‬حامد راشد‪ ،‬شرح قانون العقوبات – القسم العام‪ ،‬اجلزء الثاني‪ ،‬النظرية العامة للعقوبة‪ ،‬النسر‬ ‫للطباعة‪ ،‬القاهرة‪2002 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -21‬د‪.‬حسام أحمد محمد هنداوي‪ ،‬القانون الدولي العام وحماية احلريات الشخصية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة‬ ‫العربية‪ ،‬القاهرة‪1992 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -22‬د‪.‬حسام الدين محمد أحمد‪ ،‬النظرية العامة للعقوبة والتدابير االحترازية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪1988‬م‪.‬‬ ‫‪ -23‬د‪ .‬حسن املرصفاوي‪ ،‬اإلجرام والعقاب في مصر‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪1995 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -24‬د‪.‬حسن أيوب‪ ،‬السلوك اإلجتماعي باإلسالم‪ ،‬دار التوزيع والنشر اإلسالمية‪ ،‬القاهرة ‪1417‬هـ ‪1996 /‬م‪.‬‬ ‫‪ -25‬د‪.‬حسن محمد ربيع‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫مبادئ علمي اإلجرام والعقاب‪ ،‬كلية الشرطة‪ ،‬مطابع البيان التجارية‪ ،‬دبي‪1991 ،‬م‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫شرح قانون العقوبات اإلحتادي لدولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬القسم العام‪ ،‬اجلزء الثاني‪ ،‬مطابع البيان‬ ‫التجارية‪ ،‬دبي‪1993 ،‬م‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫املبادئ العامة للجزاء اجلنائي‪ " ،‬العقوبة والتدبير"‪ ،‬مطابع البيان التجارية‪ ،‬دبي‪1993 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -26‬فضيلة الشيخ حسن أيوب‪ ،‬السلوك اإلجتماعي باإلسالم‪ ،‬دار التوزيع والنشر اإلسالمية‪ ،‬القاهرة ‪1417‬هـ‬ ‫‪1996 /‬م‪.‬‬

‫‪126‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫‪ -27‬د‪.‬خالد حمود العامري‪ ،‬ضمانات اﶈكوم عليهم خالل التنفيذ العقابي‪ ،‬كلية الشرطة‪ ،‬مطابع البيان‬ ‫التجارية‪1999 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -28‬د‪ .‬رفيق أسعد سيدهم‪ ،‬دور القاضي اجلنائي في تنفيذ العقوبة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪1996 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -29‬د‪.‬رمسيس بهنام‪ ،‬علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬ناشئة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪1986 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -30‬د‪ .‬رؤوف عبيد‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫مبادئ القسم العام من التشريع العقابي‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪1979 ،‬م‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫أصول علمي اإلجرام والعقاب‪ ،‬دار اجليل للطباعة‪ ،‬القاهرة‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -31‬د‪ .‬زينب أحمد عوين‪ ،‬قضاء األحداث‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الدار العلمية الدولية للنشر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪2003 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -32‬د‪ .‬سليمان الطماوي‪ ،‬القضاء اإلداري قضاء التأديب‪ ،‬دار الفكر العربي‪1987 ،‬م‬ ‫‪ -33‬د‪.‬سليمان عبداملنعم‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫القسم العام من قانون العقوبات‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬االسكندرية‪2002 ،‬م‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫أصول علم اجلزاء اجلنائي‪ ،‬اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬سنة ‪1994‬م‪.‬‬

‫‪ -34‬د‪ .‬الشافعي محمد بشير‪ ،‬قانون حقوق اإلنسان‪ ،‬الناشر مكتبة اجلالء اجلديدة‪ ،‬املنصورة‪1988 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -35‬د‪.‬شريف زيفر هاللي‪ ،‬واقع السجون في الوطن العربي بني التشريعات الدخلية واملواثيق الدولية‪ ،‬دراسة‬ ‫مقارنة‪ ،‬املنظمة العربية لإلصالح اجلنائي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪2004 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -36‬د‪.‬شريف سيد كامل‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫علم العقاب‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪1995 ،‬م‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫جرائم الصحافة في القانون املصري‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار النهضة املصرية‪ ،‬القاهرة‪1994 ،‬م‬

‫‪ -37‬د‪ .‬طارق عزت رخا‪ ،‬قانون حقوق اإلنسان بني النظرية والتطبيق في الفكر الوضعي والشريعة‬ ‫اإلسالمية ‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ 2001 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -38‬د‪ .‬عبد احلميد الشورابي‪ ،‬التنفيذ اجلنائي في ضوء القضاء والفقه‪ ،‬منشأة املعارف اإلسكندرية‪،‬‬ ‫‪1988‬م‪.‬‬ ‫‪ -39‬د‪ .‬عبد الرزاق حلبي‪ ،‬دراسات في اﺠﻤﻟتمع والﺜقافة والشﺨصية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪ 1984‬م‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪127‬‬


‫‪ -40‬د‪.‬عبدالرحيم رضا عبدالعال‪ ،‬الرعاية الالحقة للمفرج عنهم بني النظرية والتطبيق‪ ،‬املركز العربي‬ ‫للدراسات األمنية في الرياض‪ ،‬سنه ‪1987‬م‪.‬‬ ‫‪ -41‬د‪.‬عبدالرحيم محمد الكاشف‪ " ،‬الرقابة الدولية على تطبيق العهد الدولي اخلاص باحلقوق املدنية‬ ‫والسياسية‪ :‬دراسة مقارنة حول دور اللجنة املعنية بحقوق اإلنسان في تفسير وحماية احلقوق التي‬ ‫تضمنها العهد واملبادئ التي أرستها في هذا اخلصوص "‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية ‪2012‬م‪.‬‬ ‫‪ -42‬د‪.‬عبدالواحد محمد الفار‪ ،‬قانون حقوق اإلنسان في الفكر الوضعي والشريعة اإلسالمية‪ ،‬دار النهضة‬ ‫العربية‪1991 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-43‬‬

‫د‪.‬عبود السراج‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬جامعة مطبوعات دمشق‪1985 ،‬م‪.‬‬

‫‪-44‬‬

‫د‪.‬عزت حسنني‪ ،‬النظرية العامة للعقوبة والتدابير االحترازية‪ ،‬الهيئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪1988‬م‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫علم العقاب‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪1995 ،‬م‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫علم العقاب‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪1973 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -45‬د‪.‬علي راشد‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫دروس في القانون اجلنائي‪ ،‬مطبعة نهضة مصر‪ ،‬القاهرة‪1960 ،‬م‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫نظرية القانون اجلنائي االجتماعي أو املفهوم االجتماعي للقانون اجلنائي‪ ،‬دروس ألقيت على طلبة‬ ‫الدراسات العليا بجامعة بغداد‪ ،‬خالل العام اجلامعي ‪1980 -1979‬م‪.‬‬

‫‪ -46‬د‪ .‬علي عبد الواحد وافي‪ ،‬حقوق اإلنسان في اإلسالم‪ ،‬نهضة مصر للطباعة‪ ،‬الطبعة السادسة‪،‬‬ ‫القاهرة‪ 1999 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -47‬د‪.‬علي عبدالقادر القهوجي‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار املطبوعات‪1997 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-48‬‬

‫د‪.‬عمر السعيد رمضان‪ ،‬شرح قانون العقوبات املصري‪ ،‬القسم العام‪ ،‬ط‪ ،1‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪1991‬م‪.‬‬

‫‪ -49‬د‪.‬عمر الفاروق احلسيني‪:‬‬ ‫ أصول علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬مطبعة اإلميان‪ ،‬القاهرة – ‪1990‬م – ‪1991‬م‬‫ تعذيب املتهم حلمله على االعتراف‪ ،‬اجلرمية واملسئولية‪ ،‬دراسة حتليلية على ضوء أحكام القانونني‬‫املصري والفرنسي وآراء الفقه وأحكام القضاء‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪1994 ،‬م‪.‬‬

‫‪128‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫‪-50‬‬

‫د‪ .‬عمر سالم‪ ،‬املراقبة اإللكترونية طريقة حديثة لتنفيذ العقوبة السالبة ل لحرية خارج السجن‪،‬‬ ‫الطبعة األولى‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ 2000 ،‬م‪.‬‬

‫‪-51‬‬

‫د‪.‬عمر سعد اهلل‪ ،‬مدخل القانون الدولي حلقوق اإلنسان‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪2004 ،‬م‪.‬‬

‫‪-52‬‬

‫عمر محمد محمد سالم‪ ،‬القانون اجلنائي اإلمارات وحقوق اإلنسان‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪2006‬م‪.‬‬

‫‪-53‬‬

‫د‪.‬غازي حسن صباريني‪ ،‬الوجيز في حقوق اإلنسان وحرياته األساسية‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬عمان – األردن‪1997 ،‬م‪.‬‬

‫‪-54‬‬

‫د‪.‬غنام محمد غنام‪ ،‬حقوق اإلنسان املسجون في مرحلة التنفيذ العقابي‪ ،‬مطبعة جامعة املنصورة ‪،‬‬ ‫‪.2011‬‬

‫‪-55‬‬

‫د‪ .‬فتوح عبد اهلل الشاذلي‪:‬‬

‫‪-‬‬

‫مبادئ علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬منشأة املعارف االسكندرية‪2000 ،‬م‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫أساسيات علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬االسكندرية‪2000 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -56‬د‪ .‬فوزية عبد الستار‪ ،‬مبادئ علم العقاب‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬طبعة ‪.2000‬‬

‫الكتب املتخصصة‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫د‪.‬أحمد منيسي‪ ،‬حقوق اإلنسان‪ ،‬موسوعة الشباب‪ ،‬مركز األهرام للدراسات السياسية واالستراتيجية‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫د‪ .‬أحمد عبد اﺠﻤﻟيد الصماوي‪ ،‬عبد القادر عبد اهلل‪ ،‬االﲡاهات احلديثة في إرﺷاد نزالء مراكز اإلصالح‬ ‫والتأهيل‪ ،‬منشورات مركز البحوث والدراسات األمنية واإلجتماعية‪ ،‬اإلدارة العامة لشرطة أبوظبي وزارة‬ ‫الداخلية‪ ،‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬بدون تاريخ نشر‬

‫‪ -3‬د‪ .‬أحمد جاد منصور‪ ،‬حقوق اإلنسان في ضوء املواثيق الدولية واإلقليمية والتشريعية الداخلية ودور‬ ‫الشرطة في حمايتها‪ ،‬مطبعة كلية الشرطة‪ ،‬القاهرة‪2000 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬د‪ .‬أحمد ضياء الدين محمد خليل‪ ،‬اجلزاء اجلنائي بني العقوبة والتدبير‪ ،‬مطابع الطوبجي التجارية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪1997 – 1996‬م‪.‬‬ ‫‪ -5‬د‪ .‬الشحات إبراهيم محمد منصور‪ ،‬ضمانات اﶈكوم عليه في مرحلة التنفيذ العقابي‪ ،‬بحﺚ فقهي مقارن‪،‬‬ ‫دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪1999 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -6‬د‪ .‬جعفر عبدالسالم‪ ،‬القانون الدولي حلقوق اإلنسان‪ ،‬دراسات في القانون الدولي والشريعة اإلسالمية‪ ،‬دار‬ ‫الكتاب املصري‪1999 ،‬م‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪129‬‬


‫‪ -7‬د‪ .‬جمال العفيفي‪ ،‬محمد وفيق أبو أتلة‪ ،‬موسوعة حقوق اإلنسان‪ ،‬اﺠﻤﻟلد األول‪ ،‬حقوق اإلنسان في االتفاقيات‬ ‫والقرارات الدولية التي صدرت في ظل األمم املتحدة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬اجلمعية املصرية لالقتصاد السياسي واإلحصاء‬ ‫والتشريع‪1970 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -8‬د‪ .‬خير الدين عبد اللطيف محمد‪ ،‬د‪ .‬عز الدين فودة‪ ،‬اللجنة األوروبية حلقوق اإلنسان‪ ،‬ودورها في‬ ‫تفسير حماية احلقوق واحلريات األساسية لألفراد واجلماعات‪ ،‬الهيئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬سنة‬ ‫‪1991‬م‪.‬‬ ‫‪ -9‬د‪ .‬سعاد محمد الصباح‪ ،‬حقوق اإلنسان في العالم املعاصر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار سعاد الصباح للنشر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬الكويت‪1996 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -10‬د‪ .‬عبداحلميد الشواربي‪ ،‬التنفيذ اجلنائي في ضوء القضاء والفقه‪ ،‬منشأة دار املعارف‪ ،‬االسكندرية‪2003 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -11‬د‪ .‬عبدالعزيز محمد سرحان‪ ،‬االتفاقية األوروبية حلماية حقوق اإلنسان واحلريات األساسية‪ ،‬دار النهضة‬ ‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون سنة نشر‪.‬‬ ‫‪ -12‬د‪ .‬عبدالعزيز محمد محسن‪ ،‬حماية حقوق اإلنسان في مرحلة تنفيذ األحكام اجلنائية‪ -‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار‬ ‫النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪1997 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -13‬د‪ .‬عبدالفتاح مصطفى الصيفي‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫األحكام العامة للنظام اجلنائي والشريعة والقانون‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫حق الدولة في العقاب‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار الهدى للمطبوعات‪ ،‬االسكندرية‪1985 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -14‬د‪ .‬عبداهلل خليل‪ ،‬أمير سالم‪ ،‬السجون في مصر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مكتبة اﶈامي‪ ،‬نقابة اﶈامني جلنة املكتبة‬ ‫والفكر القانوني‪ ،‬القاهرة‪1990 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -15‬د‪ .‬عبدالواحد محمد الفار‪ ،‬قانون حقوق اإلنسان في الفكر الوضعي والشريعة اإلسالمية‪ ،‬دار النهضة‬ ‫العربية‪ ،‬القاهرة‪1991 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -16‬د‪ .‬عزت حجازي‪ ،‬الشباب العربي واملشكالت التي يواجهها‪ ،‬دار الكتب الوطنية‪ ،‬أبوظبي‪2005 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -17‬د‪ .‬علي سالم الناعوق‪ ،‬حقوق اإلنسان طبقا ً للقوانني الفلسطينية واألنظمة الدولية األخرى‪ ،‬غزة‪ ،‬إصدار‬ ‫اﶈامون العرب من أجل حقوق اإلنسان‪ ،‬فلسطني‪2007 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -18‬د‪ .‬عمر رضا بيومي‪ ،‬أحوال املرأة داخل السجون املصرية‪ ،‬دراسة تطبيقية‪ ،‬مركز حقوق اإلنسان ملساعدة‬ ‫السجناء‪ ،‬القاهرة‪2002 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -19‬د‪ .‬فوزية عبدالستار‪ ،‬املبادئ العامة في علم اإلجرام والعقاب‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪1972 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -20‬د‪ .‬محمد عبداهلل الركن‪ ،‬حقوق اإلنسان بني التنظيم واإلستباحة (بحوث ومقاالت)‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطابع‬ ‫البيان التجارية‪ ،‬دبي‪1999 ،‬م‪.‬‬ ‫‪130‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫الرسائل العلمية والدوريات‪:‬‬ ‫‪ -1‬د‪ .‬أحمد أبو الوفا‪ ،‬احتجاز األشخاص بدون وجه حق في القانون املصري والقانون الدولي‪ ،‬مجلة مركز بحوث‬ ‫الشرطة‪ ،‬أكادميية مبارك لألمن‪ ،‬العدد اخلامس والعشرون‪ ،‬يناير ‪2004‬م‬ ‫‪ -2‬د‪ .‬أحمد الرشيدي‪ ،‬الضمانات االدولية حلقوق اإلنسان وتطبيقاتها في بعض الدساتير العربية‪ ،‬سلسلة‬ ‫بحوث سياسية‪ ،‬العدد رقم ‪ 110‬الدراسات السياسية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سبتمبر – أيلول‪1996 ،‬م‬ ‫‪ -3‬د‪ .‬أحمد جاد منصور‪:‬‬ ‫ حقوق اإلنسان في ضوء املواثيق الدولية واإلقليمية والتشريعات الداخلية ودور الشرطة في حمايتها‪ ،‬مطبعة‬‫كلية الشرطة‪ ،‬القاهرة‪2000-1999 ،‬م‪.‬‬ ‫ دور وزارة الداخلية في حماية وتعديل مفاهيم حقوق اإلنسان‪ ،‬مجلة الشرطة‪ ،‬وزارة الداخلية‪،‬‬‫اإلصدار الثاني‪ ،‬العدد األول‪ ،‬القاهرة‪ 2005 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬د‪ .‬أحمد حويتي‪ ،‬أسلوب تطوير العمل اإلصالحي والتهذيبي في الدول العربية‪ ،‬مجلة الفكر الشرطي‪،‬‬ ‫شرطة الشارقة‪ ،‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬اﺠﻤﻟلد الرابع‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬سبتمبر ‪1995‬م‪.‬‬ ‫‪ -5‬د‪ .‬أحمد ضياء محمد خليل‪ ،‬آفاق تطوير العقوبة وأبعادها املستقبلية وردوده على ترشيد السياسة اجلنائية‪،‬‬ ‫مجلة مركز بحوث الشرطة‪ ،‬أكادميية الشرطة‪ ،‬جمهورية مصر العربية‪ ،‬العدد الثالث عشر‪ ،‬يناير ‪1998‬م‪.‬‬ ‫‪ -6‬د‪ .‬أسامة عبد اهلل قايد‪ ،‬علم اإلجرام وعلم العقاب‪ ،‬ص ‪ ، 376‬اﺠﻤﻟلة اجلنائية القومية‪ ،‬العدد األول‪،‬‬ ‫مارس‪ 1980 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -7‬د‪ .‬أماني قنديل‪ ،‬حقوق اإلنسان بني العهود الدولية والعمل الدولي املنظم‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد رقم‬ ‫(‪ ،)99‬إبريل ‪1989‬م‪.‬‬ ‫‪ -8‬د‪ .‬باسيل يوسف باسيل‪ ،‬سيادة الدول في ضوء احلماية الدولية حلقوق اإلنسان‪ ،‬دراسات إستراتيجية‪ ،‬العدد‬ ‫(‪ ،)49‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،‬أبوظبي‪2001 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -9‬د‪ .‬حسن طالب‪ ،‬اﺠﻤﻟرم والسجن‪ ،‬واﺠﻤﻟتمع‪ ،‬الفكر الشرطي‪ ،‬شرطة الشارقة‪ ،‬اإلمارات العربية‬ ‫املتحدة‪ ،‬اﺠﻤﻟلد الثامن‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬ينا ير ‪ 2000‬م‪.‬‬ ‫‪ -10‬د‪ .‬حسن محمد املرزوقي‪ ،‬أهمية الطب وتعلمه في نظر الشريعة اإلسالمية‪ ،‬مجلة العدالة‪،‬‬ ‫مجلة قانونية تصدرها وزارة العدل‪ ،‬دول اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬العدد املائة‪ ،‬أكتوبر ‪ 1999‬م‪.‬‬ ‫‪ -11‬حسن إسماعيل عبيد‪ ،‬أساليب إعادة تأهيل نزالء السجون‪ ،‬ملاذا وكيف‪ ،‬الفكر الشر طي‪ ،‬اﺠﻤﻟلد‬ ‫السابع‪ ،‬العدد األول‪ ،‬تصدر عن شرطة الشارقة‪ ،‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬أبريل ‪1998‬م‪.‬‬ ‫‪ -12‬خالد محمود اخلمري‪ ،‬ضمانات اﶈكوم عليه خالل التنفيذ العقابي‪ ،‬أطروحة )دكتوراه) ‪ -‬جامعة‬ ‫القاهرة‪. 1999 ،‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪131‬‬


‫‪ -13‬د‪ .‬طﻪ زهران‪ ،‬معوقات تطبيﻖ قواعد احلد األدنى ملعاملة املسجونني في املﺆسسات العقابية‪ ،‬اﺠﻤﻟلة العربية‬ ‫للدفاع االجتماعي‪ ،‬يوليو ‪1984‬م‪.‬‬ ‫‪ -14‬د‪ .‬عادل أمني‪ ،‬هيﺌة األﱈ املتحدة‪ ،‬وحقوق اإلنسان في مصر‪ ،‬مجلة اﶈاماة‪ ،‬العددان التاسع والعاشر‪ ،‬نوفمبر‬ ‫و ديسمبر ‪1984‬م‪.‬‬ ‫‪ -15‬د‪ .‬عبد اهلل عبد الغني غامن‪ ،‬التأهيل والسياسات العقابية‪ ،‬شرطة الشارقة مركز البحوث‬ ‫والدراسات‪ 1999 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -16‬د‪ .‬عبد املنعﻢ محمد بدر‪ ،‬عدم تقبل اﺠﻤﻟتمع للمفرج عنهﻢ من املﺆسسات اإلﺻﻼحية )املأزق واﺨﻤﻟرج(‪ ،‬مجلة‬ ‫الفكر الشرطي‪ ،‬شرطة الشارقة‪ ،‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬اﺠﻤﻟلد السابع‪ ،‬العدد األول‪ ،‬إبريل ‪1998‬م‪.‬‬ ‫‪ -17‬د‪ .‬عبدالرؤوف مهدي‪:‬‬ ‫ السجن كجزاء جنائي في ضوء العدالة اجلنائية احلديثة‪ ،‬مجلة القانون واالقتصاد‪ ،‬السنة ‪ ،48‬العددين‬‫األول والثاني‪ ،‬جامعة القاهرة‪2003 ،‬م‪.‬‬ ‫ اإلثبات بالدليل الفني‪ ،‬مجلة مركز بحوث الشرطة‪ ،‬أكادميية مبارك لألمن‪ ،‬جمهورية مصر‬‫العربية‪ ،‬العدد الثالث والعشرون‪ ،‬يناير ‪2003‬م‪.‬‬ ‫‪ -18‬د‪ .‬عزة عبد اهلل‪ ،‬أساليب مواجهة الكوارث الطبيعية‪ ،‬مجلة مركز بحوث الشرطة‪ ،‬أكادميية‬ ‫مبارك لألمن‪ ،‬جمهورية مصر العربية‪ ،‬العدد احلادي والعشرون‪ ،‬يناير ‪2002‬م‬ ‫‪ -19‬د‪ .‬محمد أحمد بن فهد‪ ،‬الهجرة إلى دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬اإلمارات‪ ،‬القيادة العامة لشرطة دبي‪،‬‬ ‫مركز البحوث‪ ،‬الطبعة الولى‪2000 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -20‬د‪ .‬محمد أمني امليداني‪ ،‬اآلليات الدولية حلماية حقوق اإلنسان‪ ،‬مجلة البحوث القانونية واالقتصادية‪ ،‬كلية‬ ‫احلقوق بني سويف‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬عدد يناير ويوليو‪ ،‬سنة ‪1994‬م‪.‬‬ ‫‪ -21‬د‪ .‬محمد سامي الشوا‪ ،‬ظاهرة احلد من العقاب‪ ،‬مجلة مركز بحوث الشرطة‪ ،‬أكادميية مبارك لألمن‪ ،‬وزارة‬ ‫الداخلية‪ ،‬جمهورية مصر العربية‪ ،‬القاهرة‪1996 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -22‬د‪ .‬محمد محي الدين عوض‪ ،‬االجتاهات احلديثة في السياسات العقابية ومدى انعكاسها في‬ ‫العالﻢ العربي‪ ،‬اﺠﻤﻟلة العربية للدراس ات األمنية والتدريب‪ ،‬تصدر عن املركز العربي للدراسات‬ ‫األمنية والتدريب بالرياض‪ ،‬العدد ‪ ، 21‬مايو ‪1996‬م‪.‬‬ ‫‪ -23‬د‪ .‬محمد مراد عبداهلل‪ ،‬األمن والتنمية في دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬مجلة الوعي اإلجتماعي‪ ،‬جمعية‬ ‫توعية ورعاية احلداث دولة اإلمارات‪ ،‬دبي‪ ،‬العدد ‪ ،13‬ديسمبر ‪2001‬م ‪.‬‬

‫‪132‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ندوات ومؤمترات‪:‬‬ ‫‪ -1‬د‪ .‬التهامي نقره‪ ،‬حقوق اإلنسان بني دافع املمارسة وتعاليم األديان‪ ،‬امللتقى اإلسالمي املسيحي الثالث في‬ ‫قرطاج‪ ،‬وحول حقوق اإلنسان‪ ،‬مركز الدراسات واألبحاث االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬سلسلة الدراسات‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬رقم ‪ ،91‬تونس‪ 29-24 ،‬مايو ‪1985‬م‪.‬‬ ‫‪ -2‬د‪ .‬خالد عبد العزيز الشري دة‪ ،‬تكامل التكافل في تنمية وتطوير أساليب الرعاية القبلية والبعدية‬ ‫للمسجونني‪ ،‬ورقة عمل مقدمة لندوة اإلصالح والتأهيل في املؤسسات العقابية واإلصالحية‬ ‫باململكة العربية السعودية‪2001 / 11 / 1 - 10 / 30 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -3‬د‪ .‬سهير عبد املنعم‪ ،‬إشكاليات تطبيق حقوق اإلنسان بني املعايير التشريعية والواقع في السجون‬ ‫املصرية ورشة العمل حول احلقوق الدنيا للمسجونني في ضوء املواثيق الدولية والتشريعات اﶈلية‪،‬‬ ‫اﺠﻤﻟلس القومي حلقوق اإلنسان‪ ،‬القاهرة في ‪ 29‬أغسطس ‪2008‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬د‪ .‬عبدالعظيم مرسي وزير‪ ،‬احلماية الوطنية والدولية حلقوق اإلنسان وحرياته األساسية‪ ،‬ورقة عمل مقدمة‬ ‫إلى ندوة‪ " :‬دور وزارة الداخلية في حماية حقوق اإلنسان وصون حرياته األساسية"‪ ،‬مركز بحوث الشرطة‪،‬‬ ‫أكادميية مبارك لألمن‪ ،‬وزارة الداخلية‪ ،‬جمهورية مصر العربية‪ ،‬يناير ‪2003‬م‪.‬‬ ‫‪ -5‬د‪ .‬عبد اهلل محمد بوهندي‪ ،‬صالح البليسي‪ ،‬تصور ملركز رعاية األحداث‪ ،‬بحث مقدم للمؤمتر األول‬ ‫للمنشآت اإلصالحية والعقبية‪ ،‬اإلدارة العامة لشرطة أبو ظبي‪ ،‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‪،‬‬ ‫الفترة ‪ 1999 / 6 / 16 - 14‬م‪.‬‬ ‫‪ -6‬د‪ .‬عدنان زيدان‪ ،‬اإلجتاهات احلديثة في قانون املنشآت العقابية‪ ،‬بحث مقدم للمؤمتر األول للمنشآت‬ ‫اإلصالحية والعقابية احلاضر واملستقبل‪ ،‬أبوظبي‪ ،‬وزارة الداخلية‪ ،‬اإلدارة العامة لشرطة أبوظبي‪-14 ،‬‬ ‫‪1998/6/16‬م‪.‬‬ ‫‪ -7‬فوزية عبد الستار‪ ،‬تطور الفكر العقابي حول حقوق املسجون‪ ،‬بحث حقوق املسجونني في االتفاقيات‬ ‫الدولية والنظام العقابي املصري‪ ،‬دراسة مقارنة املركز القومي للبحوث االجتماعية واجلنائية بأكادميية‬ ‫البحث العملي والتكنولوجيا‪2007 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -8‬د‪ .‬محمد عبد العزيز "صياغة وتطبيق معايير األمم املتحدة في القضاء اجلنائي" تقرير مقدم إلى‬ ‫ندوة حقوق اإلنسان في العالم العربي‪ ،‬سيراكوزا‪ ،‬إيطاليا‪ ،‬يناير ‪1988‬م‪.‬‬ ‫‪ -9‬د‪ .‬محي حسن درويش‪ ،‬الرعاية الالحقة آثارها في احلد من العود للجرمية‪ ،‬بحث مقدم للندوة العلمية‬ ‫الثامنه عشر بعنوان‪ :‬الرعاية الالحقة للمفرج عنهم بني النظرية والتطبيق‪ ،‬جامعة نايف للعلوم األمنية‪،‬‬ ‫الرياض‪ 23-22 ،‬شوال ‪1406‬هجري‪1986 /‬م‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪133‬‬


‫‪ -10‬د‪ .‬محمد خليفة املعال‪ ،‬قانون الشرطة وحقوق اإلنسان‪ ،‬ورقة عمل مقدمة إلى ندوة الشرطة وحقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬كلية الشرطة‪ ،‬معهد تدريب الضباط‪ ،‬وزارة الداخلية‪ ،‬أبوظبي‪ 28-27 ،‬نوفمبر‪2004 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -11‬د‪ .‬محمد رياض اخلاني‪ ،‬معاملة النزالء‪ ..‬ومتطلبات القانون‪ ،‬وقواعد احلد األدنى النموذجية ملعاملة‬ ‫املسجونني‪ ،‬بحث مقدم للمؤمتر األول للمنشيت اإلصالحية والعقابية احلاضر واملستقبل‪ ،‬دولة اإلمارات‬ ‫العربية املتحدة‪ ،‬وزارة الداخلية‪ ،‬اإلدارة العامة للمنشآت اإلصالحية والعقابية‪1998/6/16 -14 ،‬م‪ ،‬أبوظبي‪.‬‬ ‫‪ -12‬د‪ .‬محمد عبد اهلل املطوع‪ ،‬مشكالت الشباب في دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬دراسة ميداني ة‪،‬‬ ‫بحث مقدم للندوة العلمية التي نظمتها جمعية االجتماعيني‪ ،‬الشارقة‪ ،‬ديسمبر ‪ 1999‬م‪.‬‬ ‫‪ -13‬د‪ .‬محمد يس الرفاعي‪ ،‬الشرطة وحقوق اإلنسان من منظور إسالمي‪ ،‬بحث مقدم لندوة الشرطة وحقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬معهد تدريب الضباط بكلية الشرطة‪ ،‬وزارة الداخلية‪ ،‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬أبوظبي‪،‬‬ ‫‪ 28-27‬نوفمبر ‪2004‬م‪.‬‬ ‫‪ -14‬د‪ .‬محمود ﳒيب حسني‪ ،‬حقوق اإلنسان في اإلجراءات اجلنائية )مرحلة ما بعد اﶈاكمة(‪ ،‬تقرير مقدم‬ ‫للمؤمتر الرابع للجمعية املصرية للقانون اجلنائي‪ ،‬القاهرة‪1989 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -15‬محمود حسني موسى‪ ،‬حقوق املسجونني في التشريعات الوطنية ورقة عمل وزارة العدل بورشة العمل‬ ‫حول "احلقوق الدنيا للمسجونني في ضوء املواثيق الدولية والتشريعات اﶈلية" التي نظمها املشروع‬ ‫القومي لنشر ثقافة حقوق اإلنسان‪ ،‬القاهرة‪ ،‬األربعاء املوافق ‪2007/8/29‬م‪.‬‬ ‫‪ -16‬د‪ .‬مراد عبد اهلل‪ ،‬أمن الطفل ومؤشرات اختالفه‪ ،‬بحث مقدم لندوة أمن الطفل‪ ،‬مركز دعم اتخاذ‬ ‫القرار‪ ،‬القيادة العامة لشرطة دبي‪ ،‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬اجلزء األول ‪2002‬م‪.‬‬ ‫‪ -17‬د‪ .‬نوال خليفة احلوسني دور عمارة املنشيت اإلصالحية والعقابية في إستدامة برامج التأهيل احلديثة في‬ ‫دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬ورقة عمل مقدمة لندوة اإلصالح والتأهيل بني الواقع والتطلعات‪ ،‬معهد‬ ‫تدريب الضباط كلية الشرطة‪ ،‬وزارة الداخلية‪ ،‬أبوظبي‪ ،‬املوافق ‪ 11-10‬مارس ‪2013‬م‪.‬‬ ‫‪ -18‬د‪ .‬هشام مخلوف‪ ،‬إستخدام املقاييس الدميوجرافية في بناء املؤشرات األمنية‪ ،‬بحث مقدم للمؤمتر‬ ‫الشرطي الثالث لتطوير العلوم األمنية‪ ،‬مركز البحوث والدراسات‪ ،‬القيادة العامة لشرطة دبي‪ ،‬دولة‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دبي‪1999 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -19‬العقيد خالد إسماعيل‪ ،‬دور قطاع السجون ومنظمات اﺠﻤﻟتمع املدني في إعادة تأهيل السجناء‬ ‫وأثره في منع اجلرمية‪ ،‬ورقةى عمل مقدمة إلى ندوة دور اﺠﻤﻟتمع املدني في منع اجلرمية‪ ،‬مركز بحوث‬ ‫الشرطة‪ ،‬أكادميية الشرطة‪ ،‬القاهرة‪ 12 ،‬يناير ‪2005‬م ‪.‬‬

‫‪134‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫التقارير‪:‬‬ ‫‪ -1‬التقرير املقدم حول حقوق اإلنسان وواقعها في دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬من إصدار مركز زايد للتنسيق‬ ‫واملتابعة‪ ،‬أبوظبي‪2006/1/3 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -2‬تقرير مركز دار رعاية األحداث باملفرق التابع لإلدارة العامة لشرطة أبو ظبي‪ ،‬دولة اإلمارات العربية‬ ‫املتحدة‪ ،‬واملقدم إلدارة املؤسسات اإلصالحية والعقابية‪ ،‬مارس ‪2000‬م‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقرير من إعداد األمانة العامة‪ ،‬مؤﲤر األﱈ املتحدة الﺜامن ملنع اﳉرﳝة ومعاملة اﺠﻤﻟرمﲔ‪ ،‬األﱈ املتحدة‪ ،‬نيويورك‪،‬‬ ‫‪1991‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬حقوق اإلنسان وواقعها في دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬من إصدار مركز زايد للتنسيق واملتابعة‪ ،‬أبوظبي‪،‬‬ ‫‪2001‬م‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪135‬‬


‫‪136‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫دعوى ُمخاصمة‬ ‫ُ‬ ‫العامة‬ ‫القضاة وأعضاء ال ّنيابة ّ‬

‫االتحادي‬ ‫اإلماراتي‬ ‫في ضوء قانون اإلجراءات المدن ّية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫رقم ‪ 11‬لسنة ‪ 1992‬وتعديالته‬

‫د‪ .‬محمد سامر القطان‬

‫أستاذ مساعد – كل ّ​ّية القانون‬ ‫جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة  ‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪137‬‬


‫‪138‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫ملخص البحث‬ ‫امل ُاصمة هي دعوى مسؤولية مدنية خاصة‪ ،‬تُتيح ملن يتضرر من أخطاء القضاة أو أعضاء النيابة العامة –‬ ‫العمدية أو غير العمدية ‪ -‬التي تقع منهم أثناء قيامهم بأعمالهم القضائية‪ ،‬املطالبة بالتعويض ورفع الضرر‪.‬‬ ‫وهي دعوى حديثة العهد نسبيا ً في دولة اإلمارات؛ حيث أدخلها املشرع ألول مرّة في قانون اإلجراءات املدنية‬

‫االحتادي رقم ‪ 11‬لسنة ‪ ،1992‬وأفرد لها نصوصا ً خاصة أوردها في الباب الثاني املُع ّنون "مخاصمة القضاة وأعضاء‬ ‫النيابة العامة"‪ ،‬من الكتاب الثاني (املواد من ‪ 197‬إلى ‪ )202‬من هذا القانون‪ .‬ومبوجب هذه النصوص‪ ،‬أباح املشرع‬

‫دعوى امل ُاصمة في حاالت معينة حددها على سبيل احلصر‪ ،‬ووضع لها شرائط شكلية وموضوعية‪ ،‬ورسم‬ ‫إجراءات إقامتها والبت فيها‪.‬‬ ‫وتناولنا في هذا البحث دراسة هذه النصوص‪ ،‬وما تيسر لنا من اجتهادات قضائية وآراء فقهية حولها‪ ،‬من خالل‬ ‫مباحث ثالثة؛ خصصنا األول منها لدراسة ماهية دعوى ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة‪ ،‬والثاني‬ ‫لدراسة نطاق هذه الدعوى من حيث األشخاص ومن حيث املوضوع‪ ،‬والثالث لدراسة اإلجراءات الواجب اتباعها‬ ‫في هذه الدعوى واحلكم فيها‪ ،‬وختمنا بحثنا هذا بالنتائج والتوصيات التي أمكننا التوصل إليها‪.‬‬ ‫واهلل من وراء القصد‬ ‫‪Judge suing lawsuit is one of the guarantees of the litigation process, even though a Judge must‬‬ ‫‪have a lot of characteristics that he has to fit in order to match the criteria of a Judge to be appointed,‬‬ ‫‪a Judge is still a human being that can do wrongs and rights, since then, Legislations has to set rules‬‬ ‫‪for protecting rights of litigants from this kind of acts that a Judge might has a fault Judgment that‬‬ ‫‪affects these rights. This research focuses light on Judge Suing Lawsuit, its nature, conditions, and‬‬ ‫‪its range, this study aims to analyze the legal provisions governing judicial work in the UAE‬‬ ‫‪legislation and comparative legislations that set rules for.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪139‬‬


‫املقدمة‬ ‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعني‪ .‬اللهم ال علم ل َنا إالا ما‬ ‫عل ْامتنا إنّك أنت العليم احلكيم‪ .‬اللهم أرنا احلق حقا وارزقنا اتباعه‪ ،‬وأرنا الباطل باطال وارزقنا اجتنابه‪ ،‬واجعلنا‬ ‫ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه‪.‬‬ ‫‪ -1‬أهمية القضاء‬

‫القضاء هو بحق من أهم الوظائف العامة املناطة بالدولة على مر العصور؛ نظرا ً لدوره األساس في حماية حياة‬ ‫الناس وحرياتهم وحقوقهم‪ ،‬وحفظ كراماتهم‪ ،‬وصون أموالهم‪ ،‬وحتقيق العدالة فيما بينهم‪.‬‬

‫بينه اخلليفة العادل عمر بن‬ ‫يض ٌة ُم ْ‬ ‫والقضاء في الشريعة االسالمية هو " َف ِر َ‬ ‫حك َ​َم ٌة وَ ُسن ا ٌة ُمتا َب َع ٌة " وفق ما ّ‬ ‫الصحابي اجلليل القاضي أبي موسى األشعري‬ ‫اخلطاب ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬في رسالته الشهيرة التي بعث بها إلى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عندما واله القضاء(‪.)1‬‬

‫‪ -2‬العدل في القضاء‬ ‫ت‬ ‫ولقد أوجب اهلل عز ّ وجل العدل في القضاء في آيات كثيرة من القرآن الكرمي؛ منها قوله تعالى‪" :‬وَ ِإ ْن َحك َْم َ‬ ‫( ‪)2‬‬ ‫م‬ ‫ط ِإ ان ا َ‬ ‫"إ ان ا َ‬ ‫اهلل ي ُ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ح ُّب املْ ُ ِ‬ ‫م بِال ِْق ْ‬ ‫ُم بَ ْي َن ُه ْ‬ ‫فَا ْحك ْ‬ ‫اهلل يَأ ْ ُمرُكُ ْ‬ ‫قْسطِني َ" ‪ .‬وقوله جلا شأنه مخاطبا ً الناس كلهم‪ِ :‬‬ ‫اس أ َ ْن َحتْك ُ​ُموا بِال َْعدْ ِل ‪.)3("...‬‬ ‫أ َ ْن تُؤَ ُّدوا األْ َ َمانَا ِ‬ ‫م بَ ْني َ الن ا ِ‬ ‫َى أ َ ْه ِل َها وَ ِإذَا َحك َْم ُت ْ‬ ‫ت ِإل ٰ‬ ‫ونظرا ألهمية القضاء في حتقيق العدل في اﺠﻤﻟتمع‪ ،‬كان البد فيمن يتواله أن يكون أهال ً له؛ حتى يؤدي هذا الغرض‬ ‫النبيل من وجوده(‪ .)4‬ولهذا اهتمت مختلف التشريعات السماوية والوضعية بالقائمني مبرفق العدالة وهم‬ ‫القضاة بالدرجة األولى‪ ،‬وحرصت على وضع القواعد التي تعنى بأسلوب اختيارهم‪ ،‬وفق معايير تضمن توافر‬ ‫العلم واألمانة والنزاهة والكفاءة والسمعة احلميدة فيهم؛ فالقضاة هم عماد النظام القضائي في أي مجتمع‬ ‫من اﺠﻤﻟتمعات(‪ ،)5‬والقاضي هو العنصر األساس في القيام بأعباء الوظيفة القضائية(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن قيم اجلوزية‪ ،‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬جزء ‪ ،1‬ط‪ ،1‬حتقيق محمد محي الدين عبد احلميد‪ ،‬بيروت‪ ،‬املكتبة العصرية‪،2003 ،‬‬ ‫ص ‪.69‬‬ ‫(‪ )2‬اآلية (‪ )42‬من سورة املائدة‪.‬‬ ‫(‪ )3‬اآلية (‪ ،)58‬سورة النساء‪.‬‬ ‫(‪ )4‬د‪ .‬أمين نصر عبد العال‪ ،‬ضمانات حياد القاضي كأحد مظاهر وضمانات املساواة في النظام اإلجرائي‪ ،‬مجلة البحوث القانونية واالقتصادية‪،‬‬ ‫كلية احلقوق‪ ،‬جامعة املنصورة‪ ،‬العدد التاسع واألربعون‪ ،‬ابريل ‪ .2011‬ص‪.644‬‬ ‫(‪ )5‬د‪ .‬علي الشحات احلديدي‪ ،‬القضاء والتقاضي وفقا لقانون اإلجراءات املدنية لدولة االمارات العربية املتحدة‪ ،‬ج‪ 1‬القضاء‪ ،‬ط ‪ ،3‬أكادميية‬ ‫شرطة دبي‪ ،2008 ،‬ص‪.73‬‬ ‫(‪ )6‬د‪ .‬علي عبد احلميد تركي‪ ،‬الوسيط في شرح قانون اإلجراءات املدنية اإلماراتي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2009 ،‬ص ‪.54‬‬ ‫‪140‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وكيييي ييييؤدي القضييياء دوره فيييي حتقييييق العيييدل‪ ،‬ومييين أجيييل أن يطميييون املتقاضيييون إليييى األحكيييام‬ ‫التييي تصييدر عنييه‪ ،‬أحاطييت مختلييف الييدول ‪ -‬ومنهييا دوليية اإلمييارات العربييية املتحييدة‪ -‬القاضييي‬ ‫بجمليية ميين الضييمانات التييي تهييدظ إلييى احلفييا علييى اسييتقالله وحييياده ونزاهتييه‪ ،‬والتييي ميين‬ ‫أهمهيييا احلصيييانة الشخصيييية التيييي تعفييييه مييين املسيييؤولية عييين األضيييرار التيييي قيييد تلحيييق‬ ‫مبصالح املتخاصمني أمامه من جراء قيامه بعمله القضائي(‪.)7‬‬ ‫‪ -3‬مسؤولية القاضي‬ ‫ثم هو غير معصوم من اخلطأ‪ ،‬فقد يرتكب ‪-‬كغيره من أفراد اﺠﻤﻟتمع ‪ -‬بعض األفعال‬ ‫القاضي من البشر‪ ،‬ومن ّ‬ ‫التي ترتب مسؤوليته القانونية‪ ،‬جنائية كانت أم مدنية حسب الفعل املرتكب‪.‬‬

‫وتنظم قوانني مختلف الدول – ومنها دولة اإلمارات – عادةً املسؤولية اجلنائية للقاضي‪ ،‬وتخضعها إلجراءات‬ ‫هيبة القضاء ومكانته في اﺠﻤﻟتمع(‪ .)8‬أما بشأن‬ ‫خاصة من شأنها حتقيق العدالة‪ ،‬واجملافظة في ذات الوقت على ْ‬

‫ميز تشريعات الدول عادةً‪ ،‬ومنها التشريع اإلماراتي‪ ،‬بني شقني منها‪:‬‬ ‫املسؤولية املدنية للقاضي‪ ،‬فت ّ‬

‫الشق األول‪ :‬املسؤولية املدنية للقاضي التي تتعلق بأعماله وتصرفاته الشخصية في حياته اليومية؛ كتلك‬ ‫التي تتعلق بإخالله بأي من التزاماته التعاقدية (مسؤولية تعاقدية)‪ ،‬أو تلك التي تتعلق باألفعال أو احلوادث التي‬ ‫قد يرتكبها وتلحق أضرارا ً بالغير (مسؤولية تقصيرية)‪ ،‬وفي كل منها يخضع القاضي ملا يخضع له باقي أفراد‬ ‫اﺠﻤﻟتمع من أحكام وإجراءات‪.‬‬ ‫خصها املشرعون‬ ‫الشق الثاني‪ :‬املسؤولية املدنية للقاضي التي تتعلق حصرا ً بأعمال وظيفته القضائية‪ ،‬وهذه ّ‬ ‫في أكثر الدول بإجراءات خاصة وشروط محددة من شأنها اجملافظة على مكانة القضاء في اﺠﻤﻟتمع من جهة‬ ‫أولى‪ ،‬وإيصال كل ذي حق إلى حقه ‪ -‬ولو كان خصمه قاضيا ً‪ -‬من جهة ثانية‪ ،‬وترمي في ذات الوقت إلى حماية‬ ‫القاضي نفسه مما قد يوجه ضده من دعاوى التعويض الكيدية أو االنتقامية من جهة ثالثة‪.‬‬ ‫هذا باإلضافة إلى املسؤولية التأديبية أو املسلكية التي تنص عليها تشريعات مختلف الدول إزاء إخالل القاضي‬ ‫بأي من الواجبات التي يفرضها عليه القانون‪ ،‬شأنه في ذلك شأن باقي موظفي الدولة(‪.)9‬‬ ‫‪ -4‬نطاق البحث‬

‫(‪ )7‬انظر الحقا ً البند (‪ )9.4‬وما بعد‪.‬‬ ‫(‪ )8‬انظر‪ :‬املادة ‪ 52‬وما بعد من قانون السلطة القضائية االحتادية اإلماراتي رقم (‪ )3‬لسنة ‪.1983‬‬ ‫(‪ )9‬انظر‪ :‬املادة ‪ 41‬وما بعد من القانون السابق‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪141‬‬


‫ينحصر موضوع بحثنا هذا في الشق من املسؤولية املدنية الذي يتعلق باألعمال القضائية‪ ،‬والتي من أجلها‬ ‫منحت التشريعات اإلجرائية في معظم الدول‪ ،‬ومنها دولة اإلمارات‪ ،‬اخلصم املتضرر من أخطاء القضاة أو أعضاء‬ ‫النيابة العامة حق إقامة ما يسمى بدعوى املُاصمة من أجل املطالبة بالتعويض ورفع الضرر‪.‬‬ ‫وعلى ذلك‪ ،‬تَخرج عن نطاق بحثنا هذا كل من املسؤولية اجلزائية‪ ،‬والتأديبية أو املسلكية‪ ،‬واملسؤولية املدنية‬ ‫التي تترتب على النشاطات والعقود التي يباشرها القضاة وأعضاء النيابة العامة في حياتهم اخلاصة‪.‬‬ ‫‪ -5‬أهمية البحث وإشكالياته‬ ‫تكمن أهمية هذا البحث من حيث أن دعوى ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة هي دعوى حديثة العهد‬

‫نسبيا ً في دولة اإلمارات؛ حيث أدخلها املشرع ألول مرّة في قانون اإلجراءات املدنية االحتادي رقم ‪ 11‬لسنة ‪،1992‬‬ ‫وقد خلت القوانني السابقة‪ ،‬االحتادية منها واجمللية‪ ،‬من النص على هذه الدعوى‪ .‬ولعلّ هذا ما يفسر ندرة‬

‫االجتهادات القضائية وندرة الكتابات الفقهية بشأن هذه الدعوى في دولة اإلمارات‪.‬‬ ‫وما من شك أن فهم مختلف اجلوانب القانونية لدعوى املُاصمة‪ ،‬املوضوعية منها واالجرائية‪ ،‬وإدراك الغرض‬ ‫منها‪ ،‬يسهم في االبتعاد عن إقامة هذا النوع من الدعاوى إن لم يكن لها أساس سليم من حيث الواقع والقانون‪،‬‬ ‫ويسهم أيضا ً في االبتعاد عن اللجوء إلى هذه الدعاوى كوسيلة ضغط أو تهديد للقضاة وأعضاء النيابة‪ ،‬حتى‬ ‫ال ينشغلوا بالدفاع عن أنفسهم إلى جانب قيامهم بأعباء الوظيفة القضائية امللقاة على عاتقهم‪ ،‬مما ينعكس‬ ‫سلبا ً على مستوى أدائهم‪ ،‬وعلى مرفق العدالة برمته‪.‬‬ ‫‪ -6‬منهج البحث‬ ‫سنقوم في هذا البحث ‪ -‬إن شاء اهلل‪ -‬بدراسة حتليلية ملتلف اجلوانب القانونية لدعوى املُاصمة‪ ،‬منطلقني‬ ‫بصورة أساسية من القواعد التشريعية الواردة في قانون اإلجراءات املدنية االحتادي اإلماراتي رقم ‪ 11‬لسنة ‪،1992‬‬ ‫ومستنيرين – كلما أمكن‪ -‬بأحكام القضاء وآراء الفقه في دولة اإلمارات رغم قلتها‪ ،‬وباملقارنة أحيانا ً مع بعض‬ ‫نصوص التشريعات واآلراء الفقهية واالجتهادات القضائية في بعض الدول؛ كمصر وسورية وليبيا وغيرها‪ ،‬والتي‬ ‫تسهم بوجه أو بآخر في توضيح بعض النقاط التي يشوبها نقص أو غموض‪ .‬وسنستبعد من نطاق البحث‬ ‫القوانني اجمللية في اإلمارات ذات القضاء اجمللي‪ ،‬كإمارة دبي‪ ،‬التي ال جتيز دعوى املُاصمة على قضاتها وأعضاء‬ ‫النيابة العامة لديها وفق ما استقر عليه اجتهاد محكمة متييز دبي(‪.)10‬‬

‫(‪ )10‬انظر الحقا ً البند (‪.)24‬‬

‫‪142‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وعليه‪ ،‬سنتناول هذا البحث من خالل املطط اآلتي‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬ماهية دعوى ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة‬ ‫املطلب األول‪ :‬الطبيعة القانونية لدعوى امل ُاصمة‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬تعريف دعوى املُاصمة‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬األساس القانوني لدعوى املُاصمة‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬نطاق دعوى ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة‬ ‫املطلب األول‪ :‬نطاق دعوى املُاصمة من حيث األشخاص (أطراظ الدعوى)‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬نطاق دعوى املُاصمة من حيث املوضوع (حاالتها أو أسبابها)‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬إجراءات دعوى ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة‬ ‫املطلب األول‪ :‬اجملكمة املتصة بنظر دعوى املُاصمة‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬قيد دعوى املُاصمة وميعاده‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬مراحل نظر دعوى املُاصمة واحلكم فيها‬ ‫اخلامتة‪ :‬نتائج وتوصيات‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪143‬‬


‫املبحث األول‬ ‫ماهية دعوى ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة‬ ‫من أجل تبيان ماهية دعوى املُاصمة‪ ،‬البد لنا من إيضاح طبيعتها القانونية في املطلب األول‪ ،‬وتعريفها في‬ ‫املطلب الثاني‪ ،‬وأساسها القانوني في املطلب الثالث‪.‬‬

‫املطلب األول‬ ‫الطبيعة القانونية لدعوى امل ُاصمة‬ ‫‪ -7‬تكمن أهمية حتديد الطبيعة القانونية لدعوى ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة في معرفة القواعد‬

‫واإلجراءات التي تخضع لها هذه الدعوى‪ ،‬ال سيما عند الغياب أو النقص في النصوص اخلاصة التي تنظم‬

‫أحكامها‪ .‬وقد اختلف رجال الفقه في حتديد الطبيعة القانونية لدعوى املُاصمة(‪ ،)11‬ولعل السبب في ذلك يرجع‬ ‫– برأينا‪ -‬إلى بعض االختالفات الواردة في النصوص التشريعية واالجتهادات القضائية اجمللية التي مت االستناد‬ ‫إليها‪.‬‬ ‫‪ -7.1‬ففي سورية مثالً‪ ،‬جند تضارب في آراء الفقه والقضاء حول طبيعة هذه الدعوى في ظل قانون أصول‬ ‫اجملاكمات املدنية – السابق‪ -‬الصادر باملرسوم التشريعي (‪ )84‬لعام ‪:1953‬‬ ‫ فمنهم من عدّها‪ ،‬انطالقا ً من الواقع العملي املتواتر‪ ،‬كطريق من طرق الطعن غير العادية في األحكام؛ على‬‫اعتبار أن الغرض األساسي منها يكمن في إلغاء احلكم محل دعوى املُاصمة ال في احلصول على التعويض‪،‬‬ ‫خاصة وأن العادة جرت في مثل هذه الدعاوى أن يطلب املدعي مبلغا ً رمزيا ً من النقود كتعويض(‪ .)12‬وفي هذا‬ ‫السياق‪ ،‬كانت محكمة النقض في سورية قد ذكرت في عدة قرارات صدرت عن هيوتها العامة أن‪" :‬االجتهاد‬ ‫مستقر على أن املراد احلقيقي من دعوى املُاصمة هو الطعن االستثنائي باألحكام املبرمة إضافة إلى مساءلة‬ ‫القاضي"(‪.)13‬‬

‫(‪ )11‬انظر‪ :‬د‪ .‬عيد محمد القصاص‪ ،‬الوسيط في قانون املرافعات املدنية والتجارية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2005 ،‬ص ‪.86‬‬ ‫(‪ )12‬انظر‪ :‬د‪ .‬محمد واصل‪ ،‬أصول اجملاكمات املدنية‪ ،‬اجلزء (‪ ،)1‬منشورات جامعة دمشق‪ -‬كلية احلقوق‪ ،2011-2010 ،‬ص‪.116‬‬ ‫(‪ )13‬انظر‪ :‬قرار هيوة عامة‪ ،‬محكمة النقض في سورية‪ ،‬رقم (‪ )72/204‬تاريخ‪ ،1996/4/15‬والقرار رقم (‪ )122/253‬تاريخ ‪ ،1996/7/22‬والقرار رقم‬ ‫(‪ )27 /59‬تاريخ ‪ ،1987/9/22‬منشورين في اﺠﻤﻟموعة القضائية‪ ،‬ياسﲔ دركزللي‪ ،‬القاعدتان ‪ 201‬و‪.536‬‬ ‫‪144‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ ومنهم من عدّها دعوى من دعاوى املسؤولية املدنية التي تقوم على اخلطأ والضرر والعالقة السببية بينهما‪،‬‬‫والتي ينتج عن إثباتها باألدلة املقبولة قانوناً‪ ،‬إلغاء احلكم محلها؛ وهذا ما ذهبت إليه أيضا ً محكمة النقض‬ ‫في سورية في قرارات أخرى صادرة عن هيوتها العامة(‪.)14‬‬ ‫‪ -7.2‬وفي ليبيا‪ ،‬يرى البعض أن دعوى املُاصمة هي نوع من أنواع الرقابة‪ ،‬التي أوجدها املشرع للوقوظ على مدى‬ ‫صحة تطبيق القضاء والنيابة العامة لنصوص القانون‪ ،‬ومبعنى أوضح يذكر أصحاب هذا الرأي أنها‪" :‬رقابة‬ ‫اخلصوم والدفاع عن ضمير القضاء والنيابة"؛ ألنها تتعلق مبسألة إثبات انحراظ القضاة وأعضاء النيابة العامة‬ ‫عن التطبيق الصحيح للقانون‪ ،‬ولذا يخلص أصحاب هذا الرأي إلى القول أ ّن غاية دعوى املُاصمة هي " تقومي ما‬ ‫اعوج من عمل القضاء أو النيابة إذا جاء عن خطأ مهني جسيم أو غش أو تدليس أو غدر"(‪.)15‬‬

‫‪ -7.3‬وفي مصر‪ ،‬كانت قد أثيرت أيضا ً نقاشات فقهية عديدة حول التكييف القانوني لدعوى املُاصمة(‪)16‬؛ ودارت‬ ‫معظمها حول ما إذا كانت هذه الدعوى عبارة عن إجراء من إجراءات تأديب القضاة تتواله الهيوة القائمة على‬ ‫تأديب القضاة؟ أم أنها مجرد اجراء من إجراءات املرافعات التي تهدظ إلى تصحيح خطأ القاضي؟ أي أنها عبارة‬ ‫عن طريق من طرق الطعن باألحكام؟ أم هي دعوى من دعاوى املسؤولية املدنية يقصد بها تعويض اخلصم املتضرر‬ ‫من عمل القاضي؟‬ ‫ويبدو أن هذه النقاشات – وغيرها‪ -‬انتهت إلى اعتبار املُاصمة دعوى من دعاوى املسؤولية‪ ،‬لها طابع خاص‬ ‫وتخضع إلجراءات خاصة(‪.)17‬‬ ‫مسماه؛ ال ترفع إال على القضاة وأعضاء‬ ‫‪ -7.4‬وعليه‪ُ ،‬ميكن القول أن املُاصمة هي دعوى مسؤولية مدنية خاصة‬ ‫ّ‬

‫وخصها‬ ‫النيابة العامة الذين أجاز املشرع ُمخاصمتهم‪ ،‬وقد أطلق عليها املشرع نفسه هذا االسم "مخاصمة"‪،‬‬ ‫ّ‬

‫ومتكن املضرور من‬ ‫بنصوص بينت شروطها وحاالتها بطريقة ترمي إلى اجملافظة على هيبة القضاء من جهة‪ُ ،‬‬

‫أخطاء القاضي أو عضو النيابة العامة – العمدية أو غير العمدية ‪ -‬من الوصول إلى حقه في التعويض ورفع‬ ‫الضرر‪.‬‬

‫(‪ )14‬انظر‪ :‬قرار هيوة عامة‪ ،‬محكمة النقض في سورية‪ ،‬رقم (‪ )639/188‬تاريخ ‪ ،2002/5/13‬والقرار رقم (‪ )488‬تاريخ ‪ ،2002/11/18‬مشار إليهما‬ ‫في مؤلف‪ :‬د‪ .‬محمد واصل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬هامش (‪ ،)1‬ص ‪.117‬‬ ‫(‪ )15‬اجملامي عبد الباري عبد اهلل تربل‪ ،‬دعوى املُاصمة بني النصوص والتطبيق وتداعياتها في القانون الليبي‪ ،‬بحث منشور في الشبكة‬ ‫العنكبوتية‪ ،2010 ،‬في املوقع‪http://www.f-law.net/law/archive/index.php/t-41451.html :‬‬ ‫(‪ )16‬انظر‪ :‬د‪ .‬محمد عبد الوهاب العشماوي‪ ،‬قواعد املرافعات في التشريع املصري واملقارن‪ ،‬ج ‪ ،1‬مكتبة اآلداب‪ ،‬القاهرة‪ ،1957 ،‬ص‪ ،171‬هامش‬ ‫(‪.)2‬‬ ‫(‪ )17‬انظر‪ :‬د‪ .‬علي عبد احلميد تركي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 198‬وص‪.199‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪145‬‬


‫املطلب الثاني‬ ‫تعريف دعوى املُاصمة‬ ‫خاص َم‬ ‫اص َم ٌة َش ِدي َدةٌ‪ُ :‬م َنازَعَ ةٌ‪ ،‬نِزَا ٌع‪ُ ،‬م َعا َداةٌ)‪ ،‬والفعل‬ ‫َ‬ ‫اص َم (بَ ْي َن ُه َما ُم َخ َ‬ ‫املُاصمة في اللغة اسم مصدره َخ َ‬ ‫اء‪،‬‬ ‫يم‪ ،‬واملفعول‬ ‫ومخاص َمةً‪ ،‬فهو‬ ‫خاصم يخاصم‪ِ ،‬خصا ًما‬ ‫(‬ ‫وخ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫مخاصم وجمع األَخير ُخ َ‬ ‫ص َم ُ‬ ‫ص ٌ‬ ‫مخاص ٌ‬ ‫َ‬ ‫صمان)(‪.)18‬‬ ‫ُ‬ ‫وخ ْ‬

‫‪ -8‬وفي االصطالح القانوني‪ ،‬اختلف رجال القانون في تعريف املُاصمة تبعا ً الختالفهم في حتديد طبيعتها‬ ‫القانونية‪:‬‬ ‫‪ -8.1‬ففي الفقه الليبي جند من عرّفها بقوله‪" :‬هي نوع من الرقابة اخلاصة على أعمال وتصرفات الهيوة‬ ‫ليتمكن بواسطتها من تصحيح أخطاء الهيوة‬ ‫القضائية الكرمية أو هي مكنة منحها املشرع للمتضرر والدفاع ُ‬

‫القضائية"(‪.)19‬‬

‫‪ -8.2‬وفيييي الفقيييه املصيييري‪ ،‬عر ّفهيييا اليييبعض " بأنهيييا دعيييوى مسيييوولية تُرفيييع مييين أحيييد اخلصيييوم‬

‫علييى القاضييي أو عضييو النيابيية فييي احليياالت ووفقييا للشييروط واإلجييراءات اجملُييددة قانونييا‪ ،‬يُطالبييه‬ ‫للحكيييم اليييذي صيييدر أو‬ ‫فيهيييا‪ ،‬بصيييفة أساسيييية‪ ،‬بيييالتعويض عميييا ناليييه مييين ضيييرر نتيجييية ُ‬ ‫للتصرظ اخلطأ املنسوب إلى القاضي أو عضو النيابة العامة"(‪.)20‬‬

‫للمخاصمة‪ُ ،‬ميكننا القول أ ّن املُاصمة هي نظام قانوني‬ ‫‪ -8.3‬ودون الغوص كثيرا ً في التعريفات التي أعطيت ُ‬

‫يتيح للمضرور أن ي ُخاصم القاضي أو عضو النيابة‪ ،‬الذي يرتكب في عمله القضائي أي من األخطاء العمدية أو‬

‫غير العمدية التي حددها املشرع على سبيل احلصر‪ ،‬ومطالبته بالتعويض ورفع الضرر‪ ،‬وذلك من خالل دعوى‬ ‫قضائية يرفعها عليه أمام اجملكمة املتصة وفق اإلجراءات والشروط اجملددة في القانون(‪.)21‬‬ ‫‪ -8.4‬وبذلك تُشكل دعوى املُاصمة ضمانة هامة تضاظ إلى غيرها من الضمانات التي قررها املشرع حلماية‬ ‫استقالل القضاء؛ فبموجبها ال يخضع القضاة وال أعضاء النيابة العامة ‪ -‬بشأن أعمالهم القضائية ‪ -‬لذات‬

‫(‪ )18‬انظر‪ :‬معنى " ُمخاصمة" في معجم املعاني اجلامع‪ ،‬الشبكة العنكبوتية‪/http://www.almaany.com :‬‬ ‫(‪ )19‬اجملامي عبد الباري عبد اهلل تربل‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬على الشبكة العنكبوتية‪.‬‬ ‫(‪ )20‬د‪ .‬علي عبد احلميد تركي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.199‬‬ ‫(‪ )21‬حول تعريف املُاصمة انظر‪ :‬عبد الفتاح مراد‪ ،‬املالفات التأديبية للقضاة وأعضاء النيابة‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪،1993 ،‬‬ ‫ص‪ .603‬ود‪ .‬ابراهيم جنيب سعد‪ ،‬القانون القضائي اخلاص‪ ،‬ج‪ ،1‬منشأة املعارظ‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1980 ،‬ص‪ 190‬وما بعد‪ .‬ود‪ .‬عادل محمد جبر‬ ‫الشريف‪ ،‬حماية القاضي وضمانات نزاهته‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة‪ ،2008 ،‬ص‪.191‬‬ ‫‪146‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫املسؤولية املدنية التي يخضع لها سائر األشخاص أو املوظفني اآلخرين‪ ،‬وإمنا ُميكن مالحقتهم بدعوى املُاصمة‬ ‫في احلاالت التي حددها املشرع على سبيل احلصر‪ ،‬ومن خالل اإلجراءات التي رسمها لذلك‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬ ‫األساس القانوني لدعوى املُاصمة‬ ‫‪ -9‬لم تولد دعوى ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة من فراغ‪ ،‬وإمنا كانت حصيلة فكر قانوني تطور مع‬

‫الزمن لتلبية مقتضيات حتقيق العدالة‪ ،‬وطمأنة الناس في وصول كل ذي حق إلى حقه‪ ،‬حتى لو كان خصمه‬

‫قاض أو عضو نيابة عامة(‪.)22‬‬ ‫‪ -9.1‬فمما ال شك فيه‪ ،‬أ ّن حياد القاضي هو أحد أهم األركان التي يقوم عليها مبدأ استقالل القضاء؛ إذ ْ ال عدل‬ ‫من دون حياد وال حياد من دون استقالل‪ ،‬وال قيمة ألي منهما من دون اآلخر(‪ .)23‬ومن أجل ضمان حياد القضاة‬

‫وحمايتهم من أي تدخل في عملهم القضائي أو التأثير على أحكامهم‪ ،‬كرّست مختلف دول العالم‪ ،‬ومنها‬

‫دولة اإلمارات‪ ،‬مبدأ استقالل القضاء في دساتيرها وفي تشريعاتها الداخلية(‪ .)24‬فقد تبنى املشرع االحتادي مبدأ‬ ‫استقالل القضاء بنص صريح في دستور الدولة الصادر سنة ‪1971‬؛ حيث نصت املادة (‪ )94‬منه على أن‪" :‬العدل‬ ‫أساس امللك والقضاة مستقلون ال سلطان عليهم في أداء واجبهم لغير القانون وضمائرهم"‪ .‬وكذلك‪ ،‬نصت‬ ‫املادة األولى من قانون السلطة القضائية االحتادية الصادر سنة ‪ 1983‬على أن‪ " :‬العدل أساس امللك والقضاة‬ ‫مستقلون ال سلطان عليهم في اداء واجبهم لغير أحكام الشريعة االسالمية والقوانني املرعية وضمائرهم‪ ،‬وال‬ ‫يجوز ألي شخص أو سلطة املساس باستقالل القضاء أو التدخل في شوون العدالة"‪.‬‬ ‫‪ -9.2‬ولكن‪ ،‬لطاملا أن القاضي هو من البشر‪ ،‬فهو غير معصوم من اخلطأ‪ ،‬وقد يرتكب في معرض ممارسته ألعماله‬ ‫القضائية أخطا ًء عمدية أو غير عمدية تلحق أضرارا ً مبصالح أي من اخلصوم؛ كما لو تسبب مثال ً في فقدان‬

‫غير‬ ‫بعض األدلة اخلطية املوجودة في ملف الدعوى املنظورة من قبله‪ ،‬على سبيل العمد أو اإلهمال‪ ،‬بشكل ي ُ ّ‬

‫(‪ )22‬حول نشأة فكرة مخاصمة القضاة‪ ،‬انظر‪ :‬د‪ .‬إبراهيم محمد الشرفي‪ ،‬مخاصمة القضاة في القانون اليمني ‪ -‬دراسة مقارنة – مجلة‬ ‫الدراسات االجتماعية‪ ،‬جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية‪ ,‬العدد ‪ ،34‬يناير – يونيو‪ ،2012 ،‬ص‪ 31‬وما بعد‪.‬‬ ‫(‪ )23‬انظر‪ :‬د‪ .‬امين نصر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.677‬‬ ‫(‪ )24‬انظر املادة ‪ 186‬من الدستور املصري لسنة ‪.2014‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪147‬‬


‫يعوض عنه؛ فالقاعدة العامة‬ ‫كليا ً وجهة احلكم في الدعوى ‪ ...‬وتأبى العدالة طبعا ً أال يُزال الضرر عن املضرور أو ّ‬ ‫في الشريعة اإلسالمية تقضي بأن "ال ضرر وال ضرار"(‪.)25‬‬

‫‪ -9.3‬وإذا كان قانون املعامالت املدنية اإلماراتي قد قضى‪ ،‬كغيره من القوانني املدنية في مختلف الدول‪ ،‬مبا يسمى‬ ‫باملسؤولية التقصيرية التي ع ّبر عنها بالنص على أن‪ " :‬كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر"‬ ‫(م ‪ ،)282‬وكذلك ع ّبر عنها القانون املدني املصري باملادة ‪ 163‬من القانون املدني بالنص على أن‪ " :‬كل خطأ س ّبب‬ ‫ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض"‪ ،‬فإن تطبيق هذه القاعدة العامة في املسؤولية على القضاة وأعضاء‬ ‫النيابة العامة بشأن أعمالهم القضائية‪ ،‬قد يعرضهم من ‪ -‬الناحية العملية‪ -‬للعديد من دعاوى التعويض بنا ًء‬ ‫على هذا النوع من املسؤولية‪ ،‬من قبل اخلصوم الذين ال تُلبى جميع طلباتهم أو ادعاءاتهم أو دفوعهم أمام‬ ‫القضاء‪.‬‬ ‫وقد يُعبر املتقاضون عن عدم رضاهم بالقرارات أو األحكام التي تصدر بحقهم بالطعن في حياد القاضي أو في‬ ‫مهنيته أو حتى في علمه أو فهمه‪ ،‬فيالحقوه بدعوى املسؤولية التقصيرية أو الضمان أو التعويض‪ .‬فالقاضي‬

‫ال يعمل على استرضاء اخلصوم‪ ،‬بل إن طبيعة عمله تفرض عليه إعمال حكم القانون بغض النظر عن رضا أو‬ ‫عدم رضا اخلصوم‪.‬‬ ‫‪ -9.4‬لذلك‪ ،‬وكي ال يتم وضع القضاة وأعضاء النيابة العامة حتت دائرة التهديد املستمر مبالحقتهم من قبل‬ ‫اخلصوم بدعاوى املسؤولية التقصيرية أو التعويض‪ ،‬مما قد يشغلهم بالدفاع عن أنفسهم على حساب أدائهم‬ ‫ملهامهم القضائية‪ ،‬ومن أجل أال يفقد القضاة شعورهم باالستقالل في عملهم‪ ،‬كان البد من أن يتمتعوا‬ ‫بضمانات تؤمن لهم حصانة شخصية في مواجهة هذا النوع من الدعاوى؛ ذلك ألن شعور القضاة بانعدام مثل‬ ‫هذه احلصانة ميكن أن يؤدي إلى اإلرباك في عملهم‪ ،‬وقد يحول دون إبداعاتهم في العمل واالجتهاد‪ ،‬وال سيما في‬ ‫املسائل التي ي ُحيلها املشرع إلى سلطتهم التقديرية‪ ،‬األمر الذي يؤثر سلبا ً على تسيير مرفق القضاء عموماً‪،‬‬ ‫والذي هو بالطبع من أهم املرافق العامة املناطة بالدولة‪.‬‬

‫‪ -9.5‬ولذلك أوجد الفكر القانوني في هذا الشأن‪ ،‬قاعدة عامة تقضي بعدم مسؤولية القضاة عن أعمال‬ ‫السلطة القضائية(‪ .)26‬وهذا ما يعبر عنه أيضا ً باحلصانة القضائية للعمل القضائي ومن يقوم به(‪ .)27‬ولكن‪ ،‬وفي‬ ‫الوقت ذاته‪ ،‬يُجمع الفقه القانوني عموما ً على أن هذه احلصانة ليست مطلقة‪ ،‬بل لها شروط وحدود تبينها‬

‫(‪ )25‬انظر‪ :‬محمد بن يزيد بن ماجة‪ ،‬السﲍ‪ ،‬اﺠﻤﻟلد (‪ ،)2‬من دون تاريخ‪ ،‬ص ‪.784‬‬ ‫(‪ )26‬انظر‪ :‬د‪ .‬محمد واصل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.113‬‬ ‫ّ‬ ‫العنكبوتية؛ موقع صيد الفوائد‪:‬‬ ‫بكة‬ ‫الش‬ ‫القضائية‪،‬‬ ‫احلصانة‬ ‫(‪ )27‬انظر‪ :‬سلطان بن عثمان البصيري‪ ،‬مفهوم‬ ‫ّ‬ ‫‪http://www.saaid.net/Doat/busairi/56.htm‬‬ ‫‪148‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫القواعد والنصوص القانونية في كل دولة؛ ذلك ألن إعفاء القاضي بشكل مطلق من كل مسؤولية بشأن أعماله‬ ‫القضائية‪ ،‬فيه ظلم وإجحاظ بحق املضرور‪ ،‬ويتعارض بالنتيجة مع مقتضيات العدل واإلنصاظ‪.‬‬ ‫‪ -9.6‬ومن أجل التوفيق بني ضرورة احلصانة الشخصية للقضاة وأعضاء النيابة العامة عن أعمالهم القضائية‬ ‫من جهة‪ ،‬وبني ضرورة حماية حقوق من قد يتضرر من هذه األعمال من جهة أخرى‪ ،‬قرر الفكر القانوني قواعد‬ ‫خاصة ملسؤولية القضاة وأعضاء النيابة العامة عن أعمالهم القضائية‪ ،‬تتيح ملن قد يتضرر منها من املتقاضني‪،‬‬ ‫إقامة دعوى مدنية خاصة تسمى "دعوى املُاصمة" أي ُمخاصمة القاضي أو عضو النيابة العامة املسبب للضرر‪،‬‬ ‫ولكن بشروط وإجراءات خاصة تبينها عادةً القوانني اإلجرائية الداخلية لكل دولة‪ ،‬وتهدظ إلى ضمان حماية‬

‫القضاة من الدعاوى العبثية أو الكيدية‪ ،‬وتضمن في الوقت ذاته إيصال كل متضرر إلى حقه حتى لو كان خصمه‬ ‫قاض أو عضو نيابة عامة(‪.)28‬‬ ‫‪ -9.7‬وفي هذا السياق تقول اجملكمة االحتادية العليا اإلماراتية‪ " :‬ملا كان األصل هو عدم مسوولية القاضي عما‬ ‫يصدر منه من تصرفات أثناء عمله فال ينطبق عليه األحكام العامة للمسوولية املدنية التي قررها املشرع في‬ ‫املواد ‪ 282‬وما بعدها من قانون املعامالت املدنية ألنه يستعمل في ذلك حقا ً خوله له القانون وترك له سلطة‬ ‫التقدير فيه وقد رأى املشرع أن يقرر مسووليته على سبيل االستثناء إذا انحرظ عن واجبات وظيفته وأساء‬ ‫استعمالها فنص في املادة ‪ 197‬من قانون اإلجراءات املدنية على جواز املاصمة إذا وقع من القاضي في عمله‬ ‫غش أو تدليس أو خطأ مهني جسيم ‪.)29("...‬‬ ‫‪ -9.8‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تستند دعوى ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة إلى النصوص التشريعية الداخلية‬

‫الواردة في قوانني اإلجراءات أو املرافعات املدنية في كل دولة؛ فهي التي تبيحها في حاالت معينة‪ ،‬وتبني شروطها‬ ‫وترسم إجراءاتها(‪ .)30‬وفي دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬لم تكن دعوى ُمخاصمة القاضي أو عضو النيابة العامة‬

‫معروفة في النظام القانوني اإلماراتي قبل سنة ‪1992‬؛ فقد خلت القوانني النافذة آنذاك من نص يبيح هذه‬ ‫الدعوى‪ ،‬حتى تدخل املشرع اإلماراتي وأصدر قانون االجراءات املدنية االحتادي رقم (‪ )11‬لعام ‪1992‬؛ فأجاز إقامة‬ ‫هذه الدعوى ونظم أحكامها في الباب الثاني‪" :‬مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة"‪ ،‬من الكتاب الثاني‬ ‫"إجراءات وخصومات متنوعة"‪ ،‬في املواد من ‪ 197‬إلى ‪ 202‬من هذا القانون‪.‬‬

‫(‪ )28‬انظر‪ :‬د‪ .‬فتحي والي‪ ،‬الوسيط في قانون القضاء املدني‪ ،‬اجلزء (‪ ،)1‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2001 ،‬البند (‪ ،)101‬ص ‪.169‬‬ ‫(‪ )29‬انظر‪ :‬قرار اجملكمة االحتادية العليا‪ ،‬األحكام املدنية والتجارية‪ ،‬الصادر بالطعن رقم ‪ ،351‬تاريخ ‪ ،2012-11-7‬منشور في موقع شبكة قوانني‬ ‫الشرق‪/http://www.eastlaws.com :‬‬ ‫(‪ )30‬انظر‪ :‬د‪ .‬سيد أحمد محمود‪ ،‬أصول التقاضي وفقا ً لقانون املرافعات‪ ،‬دار الفكر والقانون‪ ،‬املنصورة‪ ،2007 ،‬ص ‪.373‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪149‬‬


‫‪ -9.9‬وكانت اجملكمة االحتادية العليا في دولة اإلمارات قد رفضت صراح ًة االستعانة بالقوانني املقارنة الستحداث‬ ‫"مخاصمة القضاء"؛ ورفضت تطبيقها بشأن الوقائع التي حدثت قبل صدور قانون اإلجراءات املدنية رقم‬ ‫نظام ُ‬

‫(‪ )11‬لعام ‪ .1992‬فمثالً‪ ،‬امتنعت في حكم لها صدر سنة ‪ ،1993‬عن تطبيق قواعد القانون املقارن بشأن دعوى‬

‫ُمخاصمة‪ ،‬كان قد رفعها أحد املتقاضني على أحد رؤساء النيابة العامة مسندا ً إلى هذا األخير ارتكاب خطأ‬

‫مهني جسيم إلى جانب التدليس؛ فقد ورد في هذا احلكم‪ ..." :‬وحيث إنه ملا كان نظام ُمخاصمة أعضاء السلطة‬

‫القضائية غير معروظ في ظل القوانني السابقة على صدور القانون االحتادي رقم (‪ )11‬لسنة ‪ 1992‬في شأن‬

‫اإلجراءات املدنية‪ ،‬بل كان بعضها ينص صراحة على عدم جواز محاكمتهم مدنيا ً أو جنائيا ً‪ .‬وال يجوز تقرير هذا‬ ‫النظام باالستعارة من القوانني املقارنة في هذا الصدد حيث ال يجوز إعمالها في خلق نظام بأكمله ‪.)31("...‬‬ ‫‪ -9.10‬وجدير بالذكر أن األحكام اخلاصة الناظمة لدعوى املُاصمة تتصل بالنظام العام؛ ألنها تتعلق مببادئ‬ ‫التنظيم القضائي وأسسه؛ ولذا ال يجوز االتفاق على ما يخالفها‪ ،‬حتت طائلة البطالن(‪.)32‬‬ ‫‪ -9.11‬وعالوة على النصوص اخلاصة التي حتكم دعوى املُاصمة‪ ،‬فإن هذه الدعوى تخضع أيضا ً إلى القواعد‬ ‫العامة الواردة في قانون اإلجراءات املدنية االحتادي اإلماراتي رقم ‪ 11‬لسنة ‪ 1992‬التي تخضع لها سائر الدعاوى(‪.)33‬‬ ‫وذلك فيما ال يتعارض طبعا ً مع القواعد اخلاصة‪.‬‬

‫املبحث الثاني‬ ‫نطاق دعوى ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة‬ ‫رأينا أن دعوى ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة متثل خروجا ً عن األصل العام الذي يقرر حصانة خاصة –‬

‫شخصية‪ -‬حتمي القضاة وأعضاء النيابة العامة من املساءلة تقصيريا ً عما يلحق املتداعني من أضرار من جراء‬ ‫أعمالهم القضائية(‪)34‬؛ وإمنا ميكن مساءلتهم استثنا ًء من خالل دعوى املُاصمة؛ وقد عنيت التشريعات اإلجرائية‪،‬‬

‫في الدول التي أباحت هذه الدعوى ‪ -‬ومنها دولة اإلمارات‪ -‬بتحديد نطاق هذه الدعوى من حيث موضوعها أو من‬ ‫حيث أشخاصها‪ ،‬وفق مقتضيات سياستها التشريعية‪ .‬وهذا ما سنتناوله بالدراسة وفق اآلتي‪:‬‬

‫(‪ )31‬اجملكمة االحتادية العليا‪ ،‬األحكام املدنية والتجارية‪ ،‬الطعن رقم (‪ ،)1‬تاريخ ‪ ،1993/2/9‬وبذات السياق القرار الصادر بالطعن رقم (‪ ،)2‬تاريخ‬ ‫‪ ،1997/9/17‬منشوران في موقع شبكة قوانني الشرق‪/ http://www.eastlaws.com :‬‬ ‫(‪ )32‬د‪ .‬أحمد ماهر زغلول‪ ،‬املوجز في أصول وقواعد املرافعات‪ ،1991 ،‬البند (‪ ،)119‬ص‪.226‬‬ ‫(‪ )33‬د‪ .‬انظر‪ :‬د‪ .‬علي عبد احلميد تركي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.203‬‬ ‫(‪ )34‬انظر ما سبق البند رقم (‪.)9.4‬‬ ‫‪150‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫املطلب األول‬ ‫نطاق دعوى املُاصمة من حيث األشخاص (أطراظ الدعوى)‬ ‫‪ -10‬يقصد بنطاق دعوى ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة من حيث األشخاص أي أطراظ هذه الدعوى‪،‬‬ ‫وهم‪:‬‬

‫‪ -10.1‬أوال ً‪ -‬املدعي في دعوى املُاصمة‪ :‬وهو اخلصم الذي أصابه ضرر من جراء قيام القاضي أو عضو النيابة العامة‬ ‫بأي عمل من األعمال التي أجاز املشرع من أجلها ُمخاصمته(‪ .)35‬وهو حتما ً أحد أطراظ الدعوى األصلية التي من‬

‫خاللها أتى القاضي أو عضو النيابة هذا العمل‪ .‬أما إذا لم يكن طرفا ً فيها‪ ،‬فتكون دعواه باملُاصمة غير مقبولة؛‬ ‫وذلك النعدام الصفة‪ .‬وكذلك تكون غير مقبولة‪ ،‬ولو كان املدعي فيها خصما ً في الدعوى املشار إليها ولكن لم‬ ‫يصبه أي ضرر من جراء العمل الذي أتاه القاضي أو عضو النيابة املُاصم‪ ،‬وذلك النتفاء املصلحة؛ إذ ال يقبل في‬ ‫القضاء أي طلب ال تكون لصاحبه مصلحة فيه(‪.)36‬‬ ‫وعليه‪ ،‬من أجل أن تقبل دعوى املُاصمة‪ ،‬البد مبدئيا ً من أن تقام من أحد اخلصوم ‪ -‬في الدعوى التي من خاللها‬ ‫أتى القاضي أو عضو النيابة أي من األعمال التي حددها املشرع كسبب ي ُبيح ُمخاصمته‪ -‬مهما كان مركزه‬ ‫مدعى عليه أم متدخال ً أم مدخال ً فيها‪ ،‬طاملا أنه أُصيب بضرر من جراء العمل‬ ‫فيها؛ أي سواء أكان مدعيا ً أم‬ ‫ً‬

‫املشار إليه‪.‬‬

‫ويجوز أن يكون املدعي في دعوى املُاصمة واحدا ً أو أكثر‪ ،‬وإذا توفي من له احلق في إقامتها‪ ،‬انتقل حقه إلى خلفه‬ ‫العام وفق القواعد العامة(‪.)37‬‬ ‫‪ -10.2‬ثانيا ً‪ -‬املدعى عليه في دعوى املُاصمة‪ :‬نصت املادة ‪ 197‬من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي في مطلعها‬ ‫على أنه‪ " :‬جتوز مخاصمة قضاة اجملاكم االبتدائية ومحاكم االستوناظ وأعضاء النيابة العامة ‪ ." ...‬وعليه‪ ،‬ال‬ ‫تقام دعوى املُاصمة على كافة القضاة‪ ،‬وإ ّمنا ترفع فقط على القضاة وأعضاء النيابة العامة الذين حددهم‬ ‫املشرع االحتادي في النص املشار إليه‪ ،‬والذين ُميكن حصرهم في الفوات الثالث اآلتية‪:‬‬

‫(‪ )35‬انظر‪ :‬الحقاً‪ ،‬البند (‪.)12‬‬ ‫(‪ )36‬نصت املادة الثانية من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي اإلماراتي على أنه‪ " :‬ال يقبل أي طلب أو دفع ال يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة‬ ‫ومشروعة ‪." ...‬‬ ‫(‪ )37‬محمد مرعي صعب‪ٌ ،‬مخاصمة القضاة – دراسة مقارنة – اجلزء األول‪ ،‬املؤسسة احلديثة للكتاب‪ ،‬طرابلس – لبنان‪ ،2006 ،‬ص‪.70‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪151‬‬


‫‪(.10.2‬أ)‪ -‬قضاة اجملاكم االبتدائية االحتادية‪ُ :‬ميكن أن ترفع دعوى املُاصمة على أي قاض من قضاة اجملاكم االبتدائية‬ ‫االحتادية‪ ،‬سواء أكان يعمل في محكمة فردية؛ كاجملكمة اجلزئية أو محكمة األمور املستعجلة أو محكمة‬ ‫التنفيذ‪ ،‬أو كان يعمل في محاكم جماعية؛ كاجملاكم الكلية‪.‬‬ ‫‪(-10.2‬ب)‪ -‬قضاة اجملاكم االستونافية االحتادية‪ :‬كذلك‪ُ ،‬ميكن أن ترفع دعوى املُاصمة على أي قاض من قضاة‬ ‫اجملاكم االستونافية االحتادية‪.‬‬ ‫‪(-10.2‬ج)‪ -‬أعضاء النيابة العامة‪ :‬دعوى املُاصمة ال تخص القضاة فقط‪ ،‬وإمنا تشمل أعضاء النيابة العامة؛ على‬ ‫اعتبار أن دورهم يُعد مكمال ً لدور القضاة في تطبيق القانون‪ ،‬وال سيما في القضايا اجلنائية(‪ .)38‬وقد أجاز املشرع‬ ‫االحتادي في دولة اإلمارات ُمخاصمة أي عضو من أعضاء النيابة العامة‪ ،‬أيا ً كانت درجته أو مرتبته؛ فالنص جاء‬

‫مطلقا ً في هذا الشأن؛ والقاعدة العامة تقضي بأن املطلق يجري على إطالقه ما لم يقم دليال على تقييده‪.‬‬

‫‪(-10.2‬د)‪ -‬الدولة‪ :‬يذهب بعض الفقهاء إلى جواز اختصام الدولة (أو إدخالها أو تدخلها) في دعوى املُاصمة‪،‬‬ ‫إضافة للمدعى عليه القاضي أو عضو النيابة العامة الذي انطوى عمله على أي من أسباب املُاصمة؛ وذلك‬ ‫تطبيقا ً للقواعد العامة في مسؤولية املتبوع عن أعمال التابع(‪ .)39‬وفي جميع األحوال‪ ،‬سواء مت اختصام الدولة‬ ‫ابتدا ًء أو مت إدخالها أو تدخلها في الدعوى أثناء نظرها‪ ،‬أو إذا لم تكن طرفا ً في الدعوى‪ ،‬فقد قضى املشرع صراح ًة‬

‫في هذا الصدد مبسؤولية الدولة عما يحكم به من التضمينات على القاضي أو عضو النيابة املاصم‪ ،‬كما أجاز‬ ‫التنفيذ عليها مباشرة باحلكم الصادر في دعوى املُاصمة‪ ،‬وللدولة حق الرجوع على القاضي أو عضو النيابة‬ ‫العامة اجملكوم ضده (الفقرة الثانية من املادة ‪ 201‬من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي)‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬إن إقامة دعوى املُاصمة مبواجهة القاضي أو عضو النيابة املعني هو أمر حتمي حتت طائلة احلكم بعدم‬ ‫قبولها؛ ذلك ألنه هو خصم أصلي فيها‪ .‬أما إقامة هذه الدعوى مبواجهة الدولة‪ ،‬إضافة للقاضي أو عضو النيابة‬ ‫العامة‪ ،‬أو حتى إدخالها أو تدخلها فيها‪ ،‬فهو أمر جوازي‪.‬‬ ‫‪(-10.2‬ه)‪ -‬اخلصم الذي صدر احلكم ملصلحته في الدعوى األصلية‪ :‬يتطلب املشرع اإلماراتي إدخال اخلصم الذي‬ ‫صدر احلكم ملصلحته في الدعوى األصلية(‪ ،)40‬إن لم يكن مدخال ً أو متدخال ً فيها‪ ،‬وفي حال اجتهت اجملكمة الناظرة‬ ‫في دعوى املُاصمة إلى إبطال هذا احلكم؛ فقد نصت الفقرة الثالثة من املادة ‪ 201‬من قانون اإلجراءات املدنية‬ ‫على أنه‪" :‬ومع ذلك ال يقضى ببطالن احلكم الصادر ملصلحة خصم آخر غير املدعي في دعوى املُاصمة إال بعد‬

‫(‪ )38‬انظر‪ :‬د‪ .‬علي الشحات احلديدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.149‬‬ ‫(‪ )39‬انظر‪ :‬د‪ .‬علي عبد احلميد تركي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.216‬‬ ‫(‪ )40‬أي الدعوى التي من خاللها أتى القاضي أو عضو النيابة املاصم أي من األخطاء التي حددها املشرع كسبب يُبيح ُمخاصمته‪.‬‬ ‫‪152‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫إعالنه إلبداء أقواله ويجوز في هذه احلالة أن تصدر اجملكمة في الدعوى األصلية حكما ً جديدا ً إذا رأت أنها صاحلة‬ ‫للفصل وذلك بعد سماع أقوال اخلصوم"‪.‬‬ ‫‪ -10.3‬وجتدر املالحظة إلى جواز ُمخاصمة جميع قضاة الدائرة التي نظرت الدعوى‪ ،‬سواء أكانت من الدوائر الكلية‬

‫أو االستونافية‪ ،‬وذلك في حال كان سبب املُاصمة قد صدر عن كامل أعضائها‪ ،‬أو كان من املتعذر معرفة القاضي‬

‫أو القاضيان املتسببان باملُاصمة‪ .‬أما لو أمكن معرفة القاضي أو القاضيني املتسببني باملُاصمة فترفع الدعوى‬ ‫حينو ٍذ مبواجهة هذا ‪ -‬أو هذين القاضيني‪ -‬دون اآلخرين‪.‬‬ ‫‪ -11‬ثالثا ً‪ -‬استثناء رئيس وأعضاء اجملكمة االحتادية العليا‪ :‬يستنتج من منطوق املادة ‪ 197‬من قانون اإلجراءات‬ ‫املدنية االحتادي اإلماراتي ‪ -‬املذكورة آنفا ً – أنه يستثنى من دعوى املُاصمة رئيس وأعضاء اجملكمة االحتادية العليا‪،‬‬ ‫ويقتصر تطبيقها فقط على قضاة اجملاكم االبتدائية ومحاكم االستوناظ وأعضاء النيابة العامة دون غيرهم‪.‬‬ ‫حصن رئيس وأعضاء اجملكمة االحتادية العليا من‬ ‫وبهذا يكون قانون اإلجراءات املدنية االحتادي اإلماراتي قد ّ‬

‫حصنهم من الرد (‪ -)41‬وهذا موقف محل نظر لدى بعض الفقهاء(‪)42‬؛ حيث يرون أنه ال مبرر منطقي‬ ‫املُاصمة ‪-‬كما ّ‬ ‫لهذا االستثناء؛ على اعتبار أن القاضي أو عضو النيابة العامة من البشر مهما كانت منزلته؛ وهو بذلك ليس‬ ‫معصوما ً من اخلطأ؛ فضال ً عن أن نظام املُاصمة هو في ذاته ضمانة للقاضي وللمتقاضي في الوقت ذاته‪ ،‬وأن‬ ‫حتصني أي من القضاة من إقامة دعوى املُاصمة بواجهته‪ ،‬يعني حرمان املتضرر من أخطائهم من حقه في‬ ‫املطالبة بالتعويض ورفع الضرر‪.‬‬ ‫‪ -11.1‬أما في مصر‪ ،‬فقد أجاز قانون املرافعات املدنية املصري رقم ‪ 13‬لسنة ‪ُ 1968‬مخاصمة جميع القضاة‬ ‫وأعضاء النيابة العامة دون استثناء؛ حيث نصت املادة ‪ 494‬منه على أنه‪ " :‬جتوز مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة‬

‫في األحوال اآلتية‪ ،"... :‬ولم يورد املشرع املصري أي استثناء على هذه القاعدة‪ .‬وكذلك فعل املشرع السوري في‬ ‫قانون أصول اجملاكمات اجلديد الصادر سنة ‪.)43(2016‬‬ ‫‪ -11.2‬ومن جانبنا‪ ،‬نرى– كما رأى غيرنا‪ -‬أنه خير للعدالة العدول عن هذا االستثناء‪ ،‬وتطبيق نظام املاصمة على‬ ‫جميع القضاة؛ كي ال يترك مضرور من دون تعويض‪ ،‬سيما وأن املشرع حدد أسباب املُاصمة على سبيل احلصر‪،‬‬ ‫وفي ذلك حتصني للقضاء من جهة‪ ،‬وطمأنة للمتقاضني من جهة أخرى‪ .‬ومن غير املنطقي إباحة ُمخاصمة‬

‫(‪ )41‬وكذلك‪ ،‬استثنى املشرع االحتادي اإلماراتي رئيس وأعضاء اجملكمة االحتادية العليا من الرد؛ حيث نصت املادة ‪ 34‬من قانون اجملكمة االحتادية‬ ‫العليا اإلماراتي‪ ،‬رقم ‪ 10‬لسنة ‪ ،1973‬صراحة على أنه‪" :‬ال يجوز رد رئيس أو قضاة اجملكمة االحتادية العليا"‪ ،‬وجدير بالذكر أن نظام رد القاضي‬ ‫يهدظ إلى مجرد إبعاد القاضي عن نظر الدعوى وال يرتب أية مسؤولية عليه‪.‬‬ ‫(‪ )42‬انظر‪ :‬د‪ .‬علي عبد احلميد تركي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 201‬و‪ .202‬ود‪ .‬علي احلديدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.166‬‬ ‫(‪ )43‬انظر‪ :‬املادة ‪ 466‬وما بعد من قانون أصول اجملاكمات السوري اجلديد رقم ‪ 1‬الصادر سنة ‪.2016‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪153‬‬


‫قضاة اجملاكم االبتدائية واالستونافية االحتادية من أجل األخطاء التي حددها املشرع نفسه‪ ،‬ومنع ُمخاصمة‬ ‫قضاة اجملكمة االحتادية العليا فيما لو ارتكبوا في عملهم ذات األخطاء!‬

‫املطلب الثاني‬ ‫نطاق دعوى املُاصمة من حيث املوضوع (حاالتها أو أسبابها)‬ ‫‪ -12‬ال يكفي إلقامة دعوى املُاصمة أن يكون املدعي ذا صفة فيها وله مصلحة منها‪ ،‬وأن يكون املدعى عليه ممن‬ ‫أجاز القانون ُمخاصمته‪ ،‬على النحو الذي بيناه في املطلب السابق‪ ،‬بل البد فوق ذلك من أن تتوافر إحدى احلاالت‬ ‫أو األسباب التي حددها املشرع اإلماراتي في املادة ‪ 197‬من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي‪ ،‬التي نصت على أنه‪:‬‬ ‫" جتوز مخاصمة قضاة اجملاكم االبتدائية ومحاكم االستوناظ وأعضاء النيابة العامة في االحوال اآلتية‪ -1 :‬إذا‬ ‫وقع من القاضي او عضو النيابة العامة في عملهما غش او تدليس او خطأ مهني جسيم ‪ -2‬في األحوال األخرى‬ ‫التي يقضي فيها القانون مبسوولية القاضي واحلكم عليه بالتعويضات"‪.‬‬

‫ومفاد هذا النص‪ ،‬بحسب تعبير اجملكمة االحتادية العليا‪ ،‬أنه‪ ... " :‬ال جتوز املاصمة إال لسبب من أسباب‬ ‫معينة نصت عليها املادة سالفة الذكر على سبيل احلصر حتى يبعد القاضي من دعاوي املسوولية‬ ‫غير اجلدية ‪.)44("...‬‬ ‫وعليه‪ ،‬يتضح أن املشرع اإلماراتي حدد‪ ،‬كغيره من املشرعني(‪ ،)45‬حاالت املُاصمة على سبيل احلصر‪ ،‬ومن ثم ال‬ ‫يجوز القياس عليها وال التوسع في تفسيرها‪ ،‬وسنتناول كل من هذه احلاالت على حدة تباعا ً فيما يأتي‪:‬‬ ‫‪ -12.1‬أوال ً‪ -‬إذا وقع من القاضي أو عضو النيابة العامة في عملهما غش أو تدليس‪ :‬حالة الغش أو التدليس هي‬ ‫أولى احلاالت التي أجاز فيها املشرع اإلماراتي رفع دعوى املُاصمة على القاضي أو عضو النيابة الذي يقوم بهذا‬ ‫الغش أو التدليس‪ .‬وهناك من املشرعني من أحلق بهاتني احلالتني حالة الغدر؛ كاملشرع املصري (م ‪ 1/494‬من قانون‬ ‫املرافعات رقم ‪ 13‬لسنة ‪ )1968‬وغيره‪.‬‬

‫(‪ )44‬انظر‪ :‬قرار اجملكمة االحتادية العليا‪ ،‬األحكام املدنية والتجارية‪ ،‬الصادر بالطعن رقم ‪ ،297‬تاريخ ‪ ،2009-10-27‬منشور في موقع شبكة‬ ‫قوانني الشرق‪/http://www.eastlaws.com :‬‬ ‫(‪ )45‬انظر على سبيل املثال املادة ‪ 466‬من قانون أصول اجملاكمات السوري اجلديد الصادر سنة ‪.2016‬‬ ‫‪154‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وفي الواقع‪ ،‬ال يفرق فقهاء قانون اإلجراءات املدنية (أو املرافعات) – كما االجتهاد القضائي‪ -‬بني الغش والتدليس‪,‬‬ ‫وحتى الغدر أو اخلداع(‪ ،)46‬في معرض شرحهم ألسباب ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة؛ إذ ْ يرى كل من‬

‫الفقه والقضاء ‪ -‬في أغلب الدول‪ -‬في كل من الغش والتدليس والغدر أو اخلداع‪ ،‬أنه انحراظ القاضي أو عضو‬

‫النيابة العامة في عمله عما تقتضيه قواعد القانون‪ ،‬بقصد وسوء نية‪ ،‬وذلك العتبارات خاصة تتنافى مع مبدأ‬ ‫احلياد والنزاهة؛ كالرغبة في اإلضرار بأحد اخلصوم أو في محاباته دون وجه حق‪ ،‬أو الرغبة في حتقيق مصلحة‬ ‫خاصة للقاضي أو عضو النيابة العامة‪ ،‬أو غير ذلك من االعتبارات اخلاصة ‪.)47( ...‬‬ ‫وهذا ما ع ّبرت عنه اجملكمة االحتادية العليا في دولة اإلمارات‪ ،‬في إحدى قراراتها‪ ،‬بقولها أ ّن‪ ..." :‬الغش أو التدليس‬ ‫هو ارتكاب الظلم ومخالفة العدالة بالتحريف في املستندات أو الوقائع أو األقوال عمدا لتحقيق مصلحة‬ ‫شخصية أو جملاباة أحد اخلصوم أو لتحيزه ضده وهذه الصور يجمعها جامع واحد وهو حصولها بسوء نية من‬ ‫القاضي بقصد االنحراظ عن العدالة لقاء احلصول على منفعة أو فائدة ‪ .)48("...‬وورد في قرار آخر لها‪ " :‬ويقصد‬ ‫بالغش انحراظ القاضي في عمله عما يقتضيه القانون قاصدا ً هذا االنحراظ وذلك إما إيثارا ً ألحد اخلصوم أو‬ ‫نكاية في خصم أو حتقيقا ً ملصلحة خاصة للقاضي"(‪.)49‬‬ ‫وجتدر املالحظة إلى أن الغش أو التدليس قد يحصل في أي مرحلة من مراحل الدعوى‪ ،‬فاالنحراظ عن العدالة قد‬ ‫غير أقوال أي من الشهود أو أقوال أي من اخلصوم‪ ،‬أو في مرحلة‬ ‫يقع أثناء التحقيق أو أثناء اجملاكمة؛ كما لو ّ‬

‫غير القاضي في‬ ‫مسودة احلكم بعد تالوتها أصوال ً(‪ ،)50‬وقد أورد القضاء كما الفقه أمثلة متعددة‬ ‫ّ‬ ‫احلكم؛ كما لو ّ‬ ‫مودع مبلف الدعوى ‪.)51( ...‬‬ ‫عن الغش أو التدليس؛ كإخفاء أو إتالظ مستن ِد‬ ‫ِ‬

‫(‪ )46‬يعتقد البعض في هذا الصدد‪ ،‬أن ال فارق في املعنى بني هذه املصطلحات‪ ،‬وأن الفارق بينهم يكمن فقط في الدافع أو الرغبة التي تدفع‬ ‫القاضي إلى االنحراظ عن واجباته الوظيفية‪ ،‬حيث يتميز الغدر بتوافر منفعة معينة يحصل عليها القاضي في مقابل انحرافه‪ ،‬انظر‪ :‬د‪ .‬عيد‬ ‫محمد القصاص‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.87‬‬ ‫(‪ )47‬انظر‪ :‬د‪ .‬رمزي سيف‪ ،‬الوسيط في شرح قانون املرافعات املدنية والتجارية‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1969 ،‬البند‬ ‫(‪ )43‬ص‪ .58‬ود‪ .‬فتحي والي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬البند (‪ )102‬ص‪.170‬‬ ‫(‪ )48‬انظر‪ :‬قرار اجملكمة االحتادية العليا‪ ،‬األحكام املدنية والتجارية‪ ،‬الصادر بالطعن رقم ‪ ،297‬تاريخ ‪ ،2009 –10 -27‬منشور في موقع شبكة‬ ‫قوانني الشرق‪/ http://www.eastlaws.com :‬‬ ‫(‪ )49‬قرار اجملكمة االحتادية العليا‪ ،‬األحكام املدنية والتجارية‪ ،‬الصادر بالطعن رقم ‪ ،351‬تاريخ ‪ ،2012-11-7‬منشور في موقع شبكة قوانني‬ ‫الشرق‪/http://www.eastlaws.com :‬‬ ‫(‪ )50‬انظر‪ :‬د‪ .‬فتحي والي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬البند (‪ )102‬ص‪.170‬‬ ‫(‪ )51‬انظر‪ :‬د‪ .‬علي عبد احلميد تركي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.205‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪155‬‬


‫ويستوي أن يكون انحراظ القاضي أو عضو النيابة العامة في عمله بقصد حصوله على منفعة له أو لغيره‪ ،‬وال‬ ‫يشترط هنا أن يُشكل فعله جرمية مكتملة األركان كالرشوة أو التزوير(‪ .)52‬وعليه‪ ،‬يلزم لتوافر الغش أو التدليس‬

‫اجتماع الشرطني اآلتيني(‪:)53‬‬

‫أ‪ -‬سوء النية‪ :‬وهو انحراظ القاضي أو عضو النيابة العامة عن إدراك وعمد عن مقتضيات القانون والعدالة التي‬ ‫تفرض عليه احليادية والنزاهة في عمله القضائي‪ .‬وسوء النية هو أمر ضروري والزم لتوافر الغش أو التدليس‬ ‫كسبب يُبيح املُاصمة‪ ،‬فإذا لم يتم إثباته بالطرق القانونية فال يكون هناك غش أو تدليس‪.‬‬ ‫ب‪ -‬حتقيق مصلحة خاصة‪ :‬البد من أن يثبت أيضا ً ارتكاب القاضي أو عضو النيابة العامة الغش أو التدليس في‬ ‫عمله بقصد حتقيق مصلحة خاصة له‪ ،‬أو ألحد املتخاصمني أمامه‪ ،‬أو بقصد اإلضرار بأحد اخلصوم انتقاما ً منه‬ ‫أو نكاية به أو ألي سبب كان‪.‬‬ ‫ويقع عبء إثبات الغش أو التدليس على من يدعيه‪ ،‬أي على املدعي طالب املُاصمة؛ تطبيقا ً للقاعدة العامة‬ ‫التي تقضي بأن البينة على من ادعى‪ .‬وال يخفى على أحد صعوبة إثبات سوء النية في الغش أو التدليس في‬ ‫الواقع العملي؛ نظرا ً ألن العمد أو سوء القصد هو أمر يتطلب البحث عنه في النية الداخلية للقاضي أو عضو‬ ‫النيابة العامة‪.‬‬ ‫‪ -12.2‬ثانيا ً‪ -‬إذا وقع من القاضي أو عضو النيابة العامة في عملهما خطأ ً مهنيا ً جسيما ً‪ :‬كذلك يرى القضاء‬ ‫والفقه في أغلب الدول في اخلطأ املهني اجلسيم‪ ،‬الذي من أجله يبيح املشرع امل ُاصمة‪ ،‬أنه اخلطأ الذي ال يقع‬ ‫من القاضي أو عضو النيابة العامة الذي يهتم بواجبات وظيفته اهتماما ً عاديا ً‪ .‬أو هو‪ ،‬مبعنى آخر‪ ،‬اخلطأ الفادح‬ ‫الذي ال يرتكبه القاضي أو عضو النيابة العامة املتبصر واحلريص في عمله(‪.)54‬‬ ‫وهذا ما ع ّبرت عنه اجملكمة االحتادية العليا في دولة اإلمارات بقولها أ ّن‪ ..." :‬اخلطأ املهني اجلسيم هو اخلطأ الذي‬ ‫ال يغتفر إذا وقع من قاض وال يشترط فيه أن يكون عمدا أو بسوء قصد إذ ال يتطلب األمر البحث عن النية‬ ‫الداخلية للقاضي‪ ،‬فهو خطأ فاحش ينشأ عن االستهتار وعدم احليطة بدرجة جتعله في مرتبة الغش كإغفال‬ ‫الوقائع الثابتة بالدعوى أو اجلهل باملبادئ األولية للقانون التي ال يحتاج اإلملام بها إلى خبرة خاصة ال تتوافر في‬ ‫القاضي ذي املستوى املعتاد‪ .‬وال يعد خطأ مهنيا جسيما تفسير القاضي للقانون ولو كان على وجه يخالف‬

‫(‪ )52‬د‪ .‬علي احلديدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.163‬‬ ‫(‪ )53‬انظر‪ :‬د‪ .‬فتحي والي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 170‬وما بعد‪ .‬وقرار اجملكمة االحتادية العليا‪ ،‬األحكام املدنية والتجارية‪ ،‬الصادر بالطعن رقم ‪،297‬‬ ‫تاريخ ‪ ،2009 –10 -27‬منشور في موقع شبكة قوانني الشرق‪/ http://www.eastlaws.com :‬‬ ‫(‪ )54‬د‪ .‬علي عبد احلميد تركي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.206‬‬ ‫‪156‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫املتعارظ عليه بني رجاله ما دام قد انتفت سوء النية واجلهل الفاضح واإلهمال املفرط‪ ،‬أما ما يذهب إليه القاضي‬ ‫في تقدير األدلة واستخراج النتائج منها أو عدم إجابة بعض الطلبات أو عدم بحث بعض الدفوع أو امليل في‬ ‫مسألة تقديرية إلى جانب دون آخر ألن التقدير ليس له معيار ثابت أو القصور في أسباب احلكم وعدم األخذ‬ ‫بتقرير اخلبير أو استناده إلى مستند دون آخر‪ ،‬فإن هذه األخطاء ال تستوجب في حد ذاتها مساءلة القاضي ألنها‬ ‫أسباب تصلح للطعن في احلكم إن كان مما يقبل الطعن إذ القاضي بشر يخطئ ويصيب وما قررت طرق الطعن‬ ‫في األحكام إال لتالفي ما قد يعتريها من عيوب"(‪.)55‬‬ ‫وعليه ال يسأل القاضي أو عضو النيابة العامة عن الهفوات أو األخطاء غير اجلسيمة التي قد يرتكبها أثناء‬ ‫قيامه بأعباء وظيفته‪.‬‬ ‫ومما ال شك فيه أن إثبات ارتكاب القاضي أو عضو النيابة العامة خطأ مهني جسيم يقع على عاتق املدعي طالب‬ ‫امل ُاصمة؛ تطبيقا ً للقاعدة العامة التي تقضي بأن البينة على من ادعى‪.‬‬ ‫‪ -12.3‬ثالثا ً‪ -‬في األحوال األخرى التي يقضي فيها القانون مبسؤولية القاضي واحلكم عليه بتعويضات‪:‬‬ ‫خالفا ً للحالتني السابقتني من حاالت امل ُاصمة اللتني حصرهما املشرع بالغش أو التدليس وباخلطأ املهني‬ ‫اجلسيم‪ ،‬أورد املشرع احلالة الثالثة بنص عام ومطلق‪ ،‬يبيح مبوجبها امل ُاصمة في كل مر ّة ينص فيها املشرع على‬ ‫مسؤولية القاضي واحلكم عليه بالتعويضات(‪.)56‬‬

‫ولم نعثر ‪ -‬في هذا الصدد‪ -‬على أي تطبيق مباشر لهذه احلالة في القانون اإلماراتي‪ ،‬إال أن الفقه املصري أورد‬ ‫كمثال عليها؛ احلالة املنصوص عنها في املادة ‪ 175‬من قانون املرافعات املدنية املصري‪ " :‬يجب في جميع األحوال‬ ‫أن تودع مسودة احلكم املشتملة على أسبابه موقعة من الرئيس ومن القضاة عند النطق به وإال كان احلكم‬ ‫باطالً‪ ،‬ويكون املتسبب بالبطالن ملزما ً بالتعويضات"‪.‬‬ ‫وجدير بالذكر‪ ،‬أن املشرع اإلماراتي قضى – في هذا اﺠﻤﻟال‪ -‬مبا ذهب إليه املشرع املصري‪ ،‬لكن مع االكتفاء بجزاء‬ ‫بطالن احلكم دون إلزام القاضي املعني بالتعويضات(‪.)57‬‬

‫(‪ )55‬انظر‪ :‬قرار اجملكمة االحتادية العليا‪ ،‬األحكام املدنية والتجارية‪ ،‬الصادر بالطعن رقم ‪ ،297‬تاريخ ‪ ،2009 –10-27‬والقرار الصادر بالطعن رقم‬ ‫‪ ،351‬تاريخ ‪ .2012-11-7‬منشوران في موقع شبكة قوانني الشرق‪/http://www.eastlaws.com :‬‬ ‫(‪ )56‬د‪ .‬جمال الدين عبد اهلل مكناس ود‪ .‬محمد ناصر اخلوالدة‪ ،‬النطاق املوضوعي لدعوى مخاصمة القضاة بني النظرية والتطبيق‪ ،‬مجلة‬ ‫علوم الشريعة والقانون‪ ،‬اﺠﻤﻟلّد ‪ ،42‬العدد ‪ ،2015 ،1‬ص‪.214‬‬ ‫(‪ )57‬انظر‪ :‬املادة ‪ 129‬من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي اإلماراتي‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪157‬‬


‫ويرى البعض(‪ ،)58‬أن إمكانية ُمخاصمة القاضي استنادا إلى هذه احلالة‪ ،‬أي احلالة التي يقضي فيها القانون‬ ‫مبسؤولية القاضي واحلكم عليه بالتعويضات‪ ،‬منوط بتحقق الشرطني اآلتيني‪:‬‬ ‫‪ -1‬احلكم مبسؤولية القاضي‪ :‬حيث تقضي النصوص اإلجرائية ‪ -‬في دولة اإلمارات كما في غيرها ‪ -‬ال سيما تلك‬ ‫الواردة في قانون السلطة القضائية‪ ،‬بإحالة القاضي إلى مجلس التأديب(‪ ،)59‬إذا أخل بواجباته املنصوص عنها‬ ‫في القانون(‪ ،)60‬وإذا شكّل الفعل املرتكب من قبل القاضي جرمية‪ ،‬فتتم مالحقته وفقا ً لإلجراءات اخلاصة الواردة‬ ‫في قانون السلطة القضائية االحتادية(‪ ،)61‬ويكون هذا الشرط قد حتقق إذا انتهت الدائرة أو اجملكمة املتصة إلى‬ ‫إدانته وثبوت مسؤوليته‪.‬‬ ‫‪ -2‬احلكم على القاضي بالتعويض‪ :‬من أجل توافر حالة امل ُاصمة التي نحن بصددها‪ ،‬ال تكفي مالحقة القاضي‬ ‫مدع شخصي كطرظ في‬ ‫جزائيا ً أمام الدائرة أو اجملكمة املتصة وفق اإلجراءات التي حددها املشرع‪ ،‬بل البد من ٍ‬

‫هذه الدعوى‪ ،‬وأن حتكم اجملكمة على القاضي بالتعويض عن الضرر الذي أصاب هذا املدعي الشخصي من جراء‬

‫الفعل اجلرمي املرتكب من قبل القاضي‪.‬‬ ‫هذه هي إذا ً احلاالت الثالث التي تُبيح إقامة دعوى املُاصمة‪ .‬فإذا لم تتوافر إحداها‪ ،‬فال جتوز ُمخاصمة القاضي أو‬

‫عضو النيابة العامة‪ ،‬وإذا ما رفعت دعوى ُمخاصمة ألسباب أخرى – مهما كانت‪ -‬فسيكون مصيرها احلكم بعدم‬ ‫قبولها منذ املرحلة األولى من نظرها على النحو الذي سنبينه الحقا ً(‪.)62‬‬

‫(‪ )58‬د‪ .‬جمال الدين عبد اهلل مكناس ود‪ .‬محمد ناصر اخلوالدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.215‬‬ ‫(‪ )59‬انظر إلى الفصل الرابع " في مساءلة رجال القضاء" من الباب الثالث " في القضاة " املواد ‪ 41‬وما بعد من قانون السلطة القضائية‬ ‫االحتادية اإلماراتي رقم ‪ ،3‬لسنة ‪.1983‬‬ ‫(‪ )60‬انظر‪ :‬إلى الفصل الثالث " في واجبات القضاة" من الباب الثالث " في القضاة " املواد ‪ 35‬وما بعد من قانون السلطة القضائية االحتادية‬ ‫اإلماراتي رقم ‪ ،3‬لسنة ‪.1983‬‬ ‫(‪ )61‬املواد ‪ 35‬وما بعد من قانون السلطة القضائية االحتادية اإلماراتي رقم ‪ ،3‬لسنة ‪.1983‬‬ ‫‪ 62‬انظر‪ :‬الحقاً‪ ،‬البند رقم (‪ )17‬وما بعد‪.‬‬

‫‪158‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫املبحث الثالث‬ ‫إجراءات دعوى ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة‬ ‫‪ -13‬تنظم التشريعات اإلجرائية في الدول التي أباحت ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة‪ ،‬ومنها دولة‬ ‫اإلمارات‪ ،‬دعوى امل ُاصمة بقواعد إجرائية خاصة‪ ،‬تختلف في الكثير من الوجوه عن القواعد اإلجرائية العامة‬ ‫التي تخضع لها سائر الدعاوى األخرى‪ ،‬وذلك بقصد توفير الضمانات الالزمة حلماية القضاة وأعضاء النيابة‬ ‫العامة وحتصينهم من الدعاوى الكيدية أو العبثية‪ ،‬التي ليس لها من هدظ سوى الكيد أو االنتقام‪ .‬وما من‬ ‫شك‪ ،‬أن النصوص اخلاصة بدعوى امل ُاصمة هي األولى بالتطبيق‪ ،‬وال يرجع الى النصوص العامة التي حتكم سائر‬ ‫الدعاوى إال في حاالت النقص‪ ،‬تطبيقا للقاعدة القانونية التي تقضي بأن اخلاص أولى بالتطبيق من العام‪ .‬وعليه‬ ‫سنتناول إجراءات دعوى امل ُاصمة من خالل ما يأتي‪:‬‬

‫املطلب األول‬ ‫اجملكمة املتصة بنظر دعوى املُاصمة‬ ‫‪ -14‬حرصت التشريعات اإلجرائية التي تبنت نظام املُاصمة‪ ،‬ومنها التشريع اإلماراتي‪ ،‬على جعل اختصاص‬ ‫النظر في دعوى املُاصمة جملكمة أعلى درجة من اجملكمة التي يتبع لها القاضي أو عضو النيابة العامة؛ ولعل‬ ‫املبرر في ذلك هو عدم عرض هذه الدعوى على قضاة أحدث من القاضي أو عضو النيابة العامة املُاصم أو قضاة‬ ‫أقل مرتبة أو درجة منه‪ ،‬دفعا ً للحرج الذي قد يؤثر في‬

‫(‪)63‬‬ ‫حيادهم ‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬تختلف اجملكمة املتصة بنظر دعوى املُاصمة بحسب درجة القاضي أو عضو النيابة العامة املراد‬ ‫ُمخاصمته‪ ،‬وفق ما يأتي‪:‬‬ ‫‪ -14.1‬أوال ً‪ -‬اختصاص محكمة االستوناظ‪ :‬إذا كان القاضي املراد ُمخاصمته من قضاة اجملاكم االبتدائية‪ ،‬جزئية‬ ‫كانت أم كلية‪ ،‬أو كان عضوا ً في النيابة العامة تقل درجته عن‬ ‫محام عام‪ ،‬فترفع الدعوى عليه أمام محكمة‬ ‫ٍ‬

‫االستوناظ التي يتبع لها‪ ،‬وذلك بعد تقرير قبولها من إحدى دوائر محكمة االستوناظ؛ فبعد أن أجاز املشرع‬ ‫اإلماراتي‪ ،‬في مطلع املادة ‪ 197‬من قانون اإلجراءات‪ُ ،‬مخاصمة قضاة اجملاكم االبتدائية ومحاكم االستوناظ‬ ‫وأعضاء النيابة العامة في األحوال التي نص عليها‪ ،‬قضى في الفقرة األولى من املادة ‪ 198‬من ذات القانون بأن‬ ‫ترفع دعوى املُاصمة بتقرير يقدم إلى مكتب إدارة الدعوى في محكمة االستوناظ التي يتبع لها القاضي أو عضو‬

‫(‪ )63‬انظر‪ :‬د‪ .‬فتحي والي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.910‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪159‬‬


‫النيابة العامة املُاصم(‪ .)64‬ومن ثم قضى‪ ،‬في الفقرة الثانية من ذات املادة‪ ،‬بعرض هذه الدعوى للنظر في جواز أو‬ ‫عدم جواز قبولها‪ ،‬على إحدى دوائر محكمة االستوناظ بأمر من رئيسها‪.‬‬ ‫‪ -14.2‬ثانيا ً‪ -‬اختصاص اجملكمة االحتادية العليا‪ :‬إذا كان املراد ُمخاصمته هو قاض ّيا من قضاة محكمة االستوناظ‪،‬‬ ‫أو كان عضوا ً في النيابة العامة بدرجة محامي عام أو نائب عام‪ ،‬فترفع الدعوى في هذه احلالة أمام دائرة خاصة‬ ‫تتألف من خمسة من أقدم قضاة اجملكمة االحتادية العليا‪ ،‬ولكن بعد أن تقرر جواز قبولها إحدى دوائر النقض‬ ‫فيها؛ وهذا ما قضت به الفقرة الثانية من املادة ‪ 198‬من قانون اإلجراءات‪ ... " :‬وإذا كان القاضي املُاصم قاضيا ً‬ ‫مبحكمة االستوناظ أو كان عضو النيابة املُاصم النائب العام أو محاميا ً عاما ً على األقل تولت الفصل في قبول‬ ‫املُاصمة إحدى دوائر النقض في غرفة املداولة فإذا حكمت بقبولها أحالت نظر موضوع املاصمة إلى دائرة خاصة‬ ‫مؤلفة من خمسة من قضاتها بحسب ترتيب أقدمياتهم"‪.‬‬ ‫‪ -14.3‬واختصاص النظر بدعوى املُاصمة من قبل محكمة االستوناظ أو اجملكمة االحتادية العليا‪ ،‬بحسب درجة‬ ‫القاضي أو عضو النيابة العامة املُاصم‪ ،‬هو اختصاص نوعي متعلق بالنظام العام‪ ،‬وال يجوز بالتالي االتفاق على‬ ‫خالفه‪ ،‬وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها(‪ .)65‬أما االختصاص املكاني‪ ،‬فهو ال يثار إذا كان املُاصم قاضيا ً‬ ‫مبحكمة االستوناظ أو كان هو النائب العام أو محاميا ً عاما ً على األقل؛ ألن اجملكمة االحتادية العليا هي الوحيدة‬ ‫التي تتولى وظيفة النقض في القضاء االحتادي(‪ .)66‬أما لو كان القاضي املراد ُمخاصمته من قضاة اجملاكم‬ ‫االبتدائية أو كان عضوا ً في النيابة العامة تقل درجته عن محامي عام‪ ،‬فترفع الدعوى أمام محكمة االستوناظ‬ ‫التي يتبع لها مكانيا ً هذا القاضي أو عضو النيابة العامة‪.‬‬ ‫‪ -14.4‬والعبرة في حتديد اجملكمة املتصة – نوعيا ً أو مكانيا ً‪ -‬بالنظر في دعوى املُاصمة‪ ،‬هي بصفة القاضي أو‬ ‫عضو النيابة العامة املراد ُمخاصمته وقت صدور احلكم أو العمل الذي كان السبب في إقامة دعوى املُاصمة‪،‬‬ ‫وال يؤثر على حتديد اجملكمة املتصة نقل أو ندب القاضي إلى دائرة أو محكمة أخرى‪ ،‬أو حتى إحالته إلى التقاعد(‪.)67‬‬

‫‪ -14.5‬وبحسب القواعد العامة‪ ،‬يجب أن تقدم دعوى ُمخاصمة أي قاض من قضاة محكمة االستوناظ أو أي‬

‫عضو من أعضاء النيابة العامة إن كان بدرجة محامي عام أو نائب عام‪ ،‬من أحد اجملامني املقبولني للمرافعة أمام‬ ‫اجملكمة االحتادية العليا؛ وفي هذا الشأن قضت هذه األخيرة بأنه‪ ... " :‬إذا ما رفعت دعوى املاصمة بتقرير في قلم‬

‫(‪ )64‬جتدر اإلشارة إلى أن القانون رقم (‪ )10‬لسنة ‪ – 2014‬املُعدّل لبعض أحكام قانون اإلجراءات املدنية االحتادي‪ -‬نص على استخدام عبارة‬ ‫"مكتب إدارة الدعوى" بدال ً عن عبارة " قلم الكتاب"‪.‬‬ ‫(‪ )65‬د‪ .‬إبراهيم محمد الشرفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.62‬‬ ‫(‪ )66‬انظر‪ :‬املادة ‪ 2/188‬من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي‪.‬‬ ‫(‪ )67‬انظر‪ :‬نقض مدني‪ ،‬مجموعة النقض املصرية‪ ،‬ص ‪ ،1241‬مشار إليه في كتاب‪ :‬د‪ .‬علي بركات‪ ،‬دعوى مخاصمة القضاة بني النظرية‬ ‫والتطبيق‪ ،‬دار النهضة‪ ،‬القاهرة‪.2001،‬‬ ‫‪160‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫كتاب اجملكمة العليا فإنه يجب على طالب التنفيذ التقيد باإلجراءات املتبعة أمام هذه اجملكمة ومنها املادة ‪21‬‬ ‫من القانون رقم ‪ 91/23‬في شأن تنظيم مهنة اجملاماة التي تنص على أنه ال يجوز لغير اجملامني املقبولني للمرافعة‬ ‫أمام اجملكمة االحتادية العليا احلضور أمامها نيابة عن أطراظ الدعوى أو تقدمي الطلبات أو الطعون أو صحف‬ ‫الدعاوى وهو ما يوافق نص املادة ‪ 52‬من القانون رقم ‪ 73/10‬في شأن اجملكمة االحتادية العليا حتت عنوان اإلجراءات‬ ‫أمام اجملكمة العليا الذي يوجب رفع الدعاوى والطلبات املقدمة من األفراد من أحد اجملامني املقبولني للمرافعة‬ ‫أمامها ‪.)68(" ...‬‬

‫املطلب الثاني‬ ‫قيد دعوى املُاصمة وميعاده‬ ‫ترفع دعوى املُاصمة بقيدها في مكتب إدارة الدعوى في اجملكمة املتصة ضمن امليعاد القانوني‪ ،‬وذلك وفق اآلتي‪:‬‬ ‫‪ -15‬أوال ً‪ -‬قيد دعوى املُاصمة‪ :‬قضى املشرع اإلماراتي في الفقرة األولى من املادة ‪ 198‬من قانون اإلجراءات املدنية‬ ‫االحتادي اإلماراتي بأن‪ " :‬ترفع دعوى املُاصمة بتقرير يقدم إلى مكتب إدارة الدعوى في محكمة االستوناظ التابع‬ ‫لها القاضي أو عضو النيابة يوقعه الطالب أو من يفوضه في ذلك ويجب أن يشتمل التقرير على بيان أوجه‬ ‫املُاصمة وأدلتها وأن تودع معه األوراق املؤيدة لها مع تأمني مقداره ألف درهم"‪ .‬وحول هذا النص‪ ،‬ميكننا ذكر‬ ‫املالحظات اآلتية‪:‬‬ ‫‪( -15.1‬أ)‪ -‬فيما يتعلق مبصطلح " تقرير" الذي ورد في نص الفقرة املشار إليها أعاله‪ ،‬وهو ذات التعبير الذي‬ ‫استخدمه املشرع املصري(‪ ،)69‬والذي ترفع دعوى املُاصمة بتقيده أو تسجيله – مع مرفقاته‪ -‬في مكتب إدارة‬ ‫الدعوى في اجملكمة املتصة‪ ،‬نرى أن املقصود به هو عبارة عن صحيفة دعوى ليس إال؛ إذ ْ إن املُاصمة ال تكون إال‬ ‫بدعوى مبتدئة‪ ،‬والبد من أن تفتتح –كسائر الدعاوى‪ -‬بصحيفة تشتمل بشكل عام على كافة البيانات التي‬ ‫نصت عليها املادة (‪ )42‬من قانون اإلجراءات املدنية‪ ،‬والتي من بينها اسم املدعي ولقبه ‪ ،)70(...‬إضافة طبعا ً إلى‬ ‫البيانات التي أوجبتها النصوص اخلاصة باملُاصمة؛ والتي من بينها بيان أوجه املُاصمة ‪ ...‬وباعتقادنا أنه من‬ ‫األنسب استخدام مصطلح "صحيفة" بدال من " تقرير" انسجاما ً مع املصطلحات املستخدمة في القانون‬

‫(‪ )68‬انظر‪ :‬قرار اجملكمة االحتادية العليا‪ ،‬األحكام اجلزائية‪ ،‬الصادر بالطعن رقم ‪ ،308‬تاريخ ‪ ،2002 –5-27‬منشور في موقع شبكة قوانني الشرق‪:‬‬ ‫‪/http://www.eastlaws.com‬‬ ‫(‪ )69‬تنص املادة ‪ 495‬من قانون املرافعات املصري على أن‪ " :‬ترفع دعوى املاصمة بتقرير ‪."...‬‬ ‫(‪ )70‬انظر‪ :‬املادة ‪ 42‬من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي اإلماراتي‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪161‬‬


‫ذاته‪ ،‬ورمبا في غيره من القوانني النافذة في الدولة وفي غيرها(‪ .)71‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تصدر التقارير عادةً – وبرأينا‪-‬‬ ‫عن أشخاص عامة أو مكلفني بخدمة عامة‪.‬‬ ‫‪(-15.2‬ب)‪ -‬وفيما يتعلق مببلغ التأمني الذي حدده املشرع اإلماراتي بألف درهم‪ ،‬فهو شرط ضروري لقيد دعوى‬ ‫امل ُاصمة مهما كانت درجة القاضي أو عضو النيابة العامة املاصم‪ ،‬ويتوجب على مدعي املُاصمة أن يرفق‬ ‫إيصال الدفع أو ما يثبت هذا اإليداع مع تقرير الدعوى‪ .‬وجدير بالذكر أن بعض التشريعات بدأت متيل إلى رفع‬ ‫مبلغ التأمني في دعوى املُاصمة للحد من الدعاوى الكيدية؛ كما فعل مؤخرا ً املشرع اليمني الذي حدد مبلغ‬ ‫التأمني بخمسني ألف‪ ،‬وموة ألف ريال ميني‪ ،‬حسب درجة القاضي املاصم(‪ .)72‬إال أن املشرع اإلماراتي أبقى على‬ ‫مبلغ األلف درهم كتأمني لدعوى املُاصمة‪ ،‬مهما كانت درجة القاضي أو عضو النيابة العامة املاصم‪ ،‬رغم‬ ‫تعديل ‪ 2014‬الذي تناول بعض من جوانب قانون اإلجراءات املدنية(‪ .)73‬ونحن بدورنا نؤيد إبقاء مبلغ التأمني في‬ ‫حدود املعقول‪ ،‬بحيث ال يُشكل عقبة في وجه من يتضرر من أعمال القضاة أو أعضاء النيابة العامة التي أجاز‬

‫املشرع بشأنها دعوى املُاصمة من جهة‪ ،‬ويضمن حماية القضاة وأعضاء النيابة العامة من الدعاوى الكيدية أو‬ ‫العبثية من جهة أخرى‪ ،‬حيث يُحكم مبصادرة التأمني في حال ثبت عدم جدية الدعوى (املادة ‪ 1/201‬من قانون‬

‫اإلجراءات املدنية االحتادي)‪.‬‬

‫‪ -16‬ثانيا ً‪ -‬ميعاد رفع دعوى املُاصمة‪ :‬لم يحدد املشرع اإلماراتي‪ ،‬كاملصري والسوري وغيرهما‪ ،‬ميعادا ً معينا ً لرفع‬ ‫دعوى املُاصمة‪ .‬لذا نرى – مع غيرنا (‪ -)74‬أنه من اجلائز رفعها طاملا أن احلق في رفعها لم يسقط مبرور الزمن‬ ‫(بالتقادم)‪.‬‬ ‫‪ -16.1‬وعليه‪ ،‬تخضع هذه الدعوى‪ ،‬باعتبارها من دعاوى املسؤولية املدنية‪ ،‬إلى القواعد العامة التي حتكم مسألة‬ ‫مرور الزمن (التقادم) على هذا النوع من الدعاوى(‪ .)75‬وبالرجوع إلى نصوص قانون املعامالت املدنية اإلماراتي جند‬ ‫أنها تقضي بسقوط دعوى الضمان الناشوة عن الفعل الضار بانقضاء ثالث سنوات‪ ،‬تبدأ من اليوم الذي يعلم‬ ‫فيه املضرور بوقوع الضرر وبالشخص املسؤول عنه (م ‪ .)1/298‬أما لو كانت دعوى املسؤولية ناشوة عن جرمية‪،‬‬ ‫وكانت الدعوى العامة التزال منظورة بعد انقضاء املوعد املذكور أعاله‪ ،‬ففي هذه احلالة ال ميتنع نظر دعوى‬

‫(‪ )71‬ففي سورية مثالً‪ ،‬نصت املادة ‪ 471‬من قانون أصول اجملاكمات اجلديد الصادر سنة ‪ 2015‬على أن‪ ... " :‬أ‪ -‬تقدم الدعوى باستدعاء من قبل‬ ‫محام أستاذ مضى على تسجيله في جدول اجملامني األساتذة مدة ال تقل عن عشر سنوات باالستناد إلى سند توكيل يتضمن تفويضه‬ ‫مبُخاصمة القضاة‪.‬‬ ‫(‪ )72‬املادة ‪ 148‬من قانون املرافعات اليمني رقم ‪ 40‬الصادر سنة ‪.2002‬‬ ‫(‪ )73‬القانون رقم (‪ )10‬لسنة ‪ 2014‬املُعدل لبعض أحكام قانون اإلجراءات املدنية االحتادي‪.‬‬ ‫(‪ )74‬انظر‪ :‬د‪ .‬علي عبد احلميد تركي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.213‬‬ ‫(‪ )75‬انظر‪ :‬د‪ .‬أحمد ماهر زغلول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬البند (‪ ،)125‬ص‪.234‬‬ ‫‪162‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫الضمان (م ‪ .)2/298‬وفي جميع األحوال‪ ،‬يسقط احلق في رفع هذه الدعوى بانقضاء خمس عشرة سنة‪ ،‬تبدأ من‬ ‫يوم وقوع الفعل الضار (م ‪ ،)3/298‬أي الفعل املنسوب للقاضي أو عضو النيابة العامة املُراد مخاصمته بسببه‪.‬‬ ‫‪ -16.2‬في حني أننا جند أن املشرع اليمني‪ ،‬هو من املشرعني النادرين الذين وضعوا ميعادا ً خاصا ً لرفع دعوى‬ ‫املُاصمة؛ إذ نص في املادة ‪ 155‬من قانون املرافعات الصادر سنة ‪ 2002‬على أنه‪ " :‬ال يجوز قبول دعوى املُاصمة‬ ‫بعد مرور ثالثني يوما تبدأ من تاريخ إعذار القاضي إذا تعلق األمر بسبب االمتناع عن الفصل في الدعوى كما ال‬ ‫يجوز قبولها بعد مضي املدة املذكورة من تاريخ العلم بالواقعة بالنسبة لبقية أسباب املُاصمة الواردة في هذا‬ ‫الفصل"‪.‬‬ ‫‪ -16.3‬ويرى البعض(‪ ،)76‬أن الغرض من حتديد امليعاد الذي نص عليه قانون املرافعات اليمني هو التقليل من الدعاوى‬ ‫املرفوعة ضد القضاة‪ ،‬ورمبا جاء هذا التحديد كرد فعل في مواجهة االنتقادات املوجهة لنظام ُمخاصمة القضاة‬

‫من قبل رجال السلطة القضائية نفسها‪.‬‬

‫‪ -16.4‬ونحن بدورنا نعتقد أنه‪ ،‬لطاملا أن دعوى املُاصمة هي دعوى مسؤولية مدنية من نوع خاص وتخضع‬ ‫إلجراءات وشروط خاصة ‪-‬كما مر ّ معنا‪ -‬لذلك كان من األنسب النص على مهلة قصيرة ومعقولة لرفع هذه‬

‫الدعوى‪ .‬بحيث إذا لم ترفع خاللها يسقط احلق في إقامتها؛ كي ال ت ُشكّل مثل هذه الدعاوى تهديدا ً يستمر‬ ‫مدة طويلة من الزمن للقضاة وأعضاء النيابة العامة‪ ،‬وخاصة هؤالء الذين يرتكبون أخطاء مهنية جسيمة‬ ‫لكنها غير عمدية‪ ،‬ونقترح أيضا ً أن تكون مدة هذا التقادم اخلاص أطول في حال ارتكاب الغش أو التدليس؛ نظرا ً‬ ‫لتوافر سوء النية ‪ -‬لدى القاضي أو عضو النيابة املعني ‪ -‬في احلالة الثانية خالفا ً للحالة األولى‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬ ‫مراحل نظر دعوى املُاصمة واحلكم فيها‬ ‫نسيييتنتج مييين النصيييوص الناظمييية إلجيييراءات املُاصيييمة فيييي قيييانون اإلجيييراءات املدنيييية االحتيييادي‬ ‫اإلميياراتي أن هييذه الييدعوى تنظيير علييى مييرحلتني‪ :‬فييي املرحليية األولييى ينظيير بشييكل مبييدئي فييي‬ ‫جييواز أو عييدم جييواز قبييول املُاصييمة‪ ،‬وفييي املرحليية الثانييية تنظيير الييدعوى بعمييق ويييتم إصييدار‬ ‫احلكم النهائي فيها‪ .‬وسنتناول كل من هاتني املرحلتني تباعا ً فيما يأتي‪:‬‬

‫(‪ )76‬د‪ .‬إبراهيم محمد الشرفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.63‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪163‬‬


‫‪ -17‬أوال ً‪ -‬مرحلة البت في جواز أو عدم جواز قبول دعوى املُاصمة‪ :‬بعد قيد دعوى املُاصمة في مكتب إدارة‬ ‫الدعوى في اجملكمة املتصة على النحو الذي بيناه آنفاً‪ ،‬وقبل الفصل نهائيا ً في موضوعها‪ ،‬البد من التأكد من‬ ‫جديتها ومن توافر شروطها الشكلية‪ ،‬عن طريق فحصها فحصا ً مبدئيا ً وظاهريا ً من قبل إحدى دوائر اجملكمة‬ ‫املتصة؛ وفق التفصيل اآلتي‪:‬‬ ‫‪( -17.1‬أ)‪ -‬إذا كان القاضي املراد ُمخاصمته من قضاة اجملاكم االبتدائية‪ ،‬أو كان عضوا ً من أعضاء النيابة العامة‬

‫تقل درجته عن محامي عام‪ ،‬تعرض الدعوى على إحدى دوائر محكمة االستوناظ بأمر من رئيسها(املادة ‪1/198‬‬

‫من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي)‪.‬‬ ‫‪( -17.2‬ب)‪ -‬وإذا كان املراد ُمخاصمته هو قاض في محكمة االستوناظ‪ ،‬أو كان عضوا ً في النيابة العامة بدرجة‬

‫محامي عام أو نائب عام‪ ،‬تعرض الدعوى على إحدى دوائر النقض في اجملكمة االحتادية العليا بأمر من رئيسها‬

‫(املادة ‪ 2/198‬من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي)‪.‬‬ ‫‪ -17.3‬وي ُصار إلى إعالن صورة عن تقرير دعوى املُاصمة إلى القاضي أو عضو النيابة املطلوب ُمخاصمته‪ ،‬ومن ثم‬ ‫تُنظر الدعوى من قبل الدائرة املتصة في غرفة املداولة في أول جلسة تعقد بعد انقضاء ثمانية أيام تلي اإلعالن‪،‬‬

‫ويقوم مكتب إدارة الدعوى التابع للمحكمة املتصة بإخطار موعدها إلى كل من طالب املُاصمة واملطلوب‬ ‫ُمخاصمته (املادة ‪ 2/198‬من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي)‪.‬‬ ‫‪ -17.4‬وفي هذه املرحلة‪ ،‬تقوم الدائرة أو اجملكمة املتصة ببحث سريع وظاهري مللف الدعوى‪ ،‬من أجل التأكد من‬ ‫أن رفعها مت ّ وفق اإلجراءات‪ ،‬وتوافرت فيها إحدى احلاالت‪ ،‬املنصوص عنها في القانون‪ ،‬وكذلك تقوم اجملكمة بسماع‬ ‫أقوال كل من طالب املُاصمة أو وكيله‪ ،‬والقاضي أو عضو النيابة املُاصم سواء بنفسه أو بواسطة وكيل من‬ ‫رجال القضاء‪ ،‬وسماع أقوال النيابة العامة إن تدخلت في الدعوى (املادة ‪ 199‬من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي)‪،‬‬ ‫ومن ثم حتكم – في ضوء كل ذلك‪ ،‬وعلى وجه السرعة‪ ،‬بقبول أو عدم قبول املُاصمة‪.‬‬ ‫‪ -17.5‬وفي هذا الشأن‪ ،‬يقرر االجتهاد القضائي في مصر أن البت في دعوى املُاصمة في مرحلتها األولى‪ ،‬ال يكون‬ ‫إال على أساس ما يرد في تقرير املُاصمة واألوراق أو الوثائق املودعة معه‪ ،‬وال يجوز لطالب املُاصمة في هذه املرحلة‬ ‫فيمكنه تقدمي املستندات والوثائق التي‬ ‫تقدمي أي مستندات أخرى‪ ،‬أما القاضي أو عضو النيابة العامة املُاصم ُ‬

‫تؤيد دفاعه(‪.)77‬‬

‫(‪ )77‬انظر‪ :‬قرار محكمة النقض املصرية الصادر بالطعن رقم (‪ ،)8569‬تاريخ ‪ ،1997-7-8‬والقرار الصادر بالطعن رقم (‪ ،)3447‬تاريخ ‪،1994-2-28‬‬ ‫منشوران في موقع شبكة قوانني الشرق‪/http://www.eastlaws.com :‬‬ ‫‪164‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫‪ -17.6‬وهذا ما أكدته أيضا ً اجملكمة االحتادية العليا في دولة اإلمارات بقولها‪ " :‬ملا كان نص املادة ‪ 199‬من قانون‬ ‫اإلجراءات املدنية على أنه (( حتكم اجملكمة على وجه السرعة في تعلق أوجه املاصمة بالدعوى وقبولها وذلك‬ ‫بعد سماع الطالب أو وكيله والقاضي أو عضو النيابة املاصم حسب األحوال بنفسه أو بوكيل من رجال القضاء‬ ‫وأقوال النيابة العامة إذا تدخلت في الدعوى )) يدل بجالء على أن الفصل في دعوى امل ُاصمة وهى في مرحلتها‬ ‫األولى مرحلة الفصل في تعلق أوجه امل ُاصمة بالدعوى وجواز قبولها ال يكون إال على أساس ما يرد في تقرير‬ ‫امل ُاصمة واألوراق املودعة معه وعلى أنه ال يجوز في هذه املرحلة تقدمي أو قبول أوراق أو مستندات غير تلك التي‬ ‫أودعت مع التقرير‪ ،‬األمر الذي ينبني عليه أنه ال يجوز في هذه املرحة األولى االستماع إلى الشهود أو اتخاذ‬ ‫إجراءات التحقيق سواء بادعاء تزوير مستندات أو شهادات الزور ‪.)78(" ...‬‬ ‫‪ -17.7‬ويتضح من كل ذلك أن الغرض من هذه املرحلة املبدئية يكمن في استبعاد الدعاوى ال تتوافر فيها كافة‬ ‫الشروط الشكلية التي رسمها القانون‪ ،‬أو التي ال تستند إلى أي من األسباب احلصرية التي أباح املشرع من‬ ‫أجلها إقامة دعوى املُاصمة‪ .‬ففي مثل هذه احلاالت تقضي الدائرة املتصة بعدم قبول دعوى املُاصمة ومبصادرة‬ ‫التأمني (املادة ‪ 1/201‬من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي)‪ ،‬أما لو وجدت أنها مستوفية لشروطها الشكلية‬ ‫وجديرة بالنظر‪ ،‬فتحكم بقبولها وحتدد جلسة علنية للنظر في موضوعها (املادة ‪ 1/200‬من قانون اإلجراءات‬ ‫املدنية االحتادي)‪ .‬وبذلك‪ ،‬تبدأ املرحلة الثانية من نظر دعوى املُاصمة‪ ،‬وي ُعد القاضي املُاصم – من تاريخ احلكم‬ ‫بقبول دعوى املُاصمة في هذه املرحلة ‪ -‬غير صالح ملتابعة النظر في الدعوى األصلية‪ ،‬هذا في حال كانت الدعوى‬

‫الزالت معروضة أمام اجملكمة التي يعمل بها (املادة ‪ 2/200‬من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي)‪.‬‬ ‫‪ -17.8‬وباعتقادنا‪ ،‬كان من األنسب النص على قيام اجملكمة بفحص تقرير الدعوى (أي صحيفتها) مع الوثائق‬ ‫املرفقة فيها دون حاجة إلى إعالن القاضي أو عضو النيابة املطلوب ُمخاصمته‪ ،‬فإذا تبني لها عدم جديتها أو‬

‫عدم قانونيتها حتكم من تلقاء نفسها بعد قبولها‪ ،‬ما لم ترى ضرورة االستماع إليه فتقرر حينوذ إعالنه‪ ،‬وذلك‬ ‫كي ال ينشغل القضاة وأعضاء النيابة بدعاوى ُمخاصمة ال أساس قانوني لها‪.‬‬ ‫‪ -18‬ثانيا ً‪ -‬مرحلة البت نهائيا ً في دعوى املُاصمة‪ :‬إذا توصلت الدائرة املتصة إلى احلكم بقبول دعوى املُاصمة‬ ‫في مرحلتها األولى املشار إليها أعاله‪ ،‬حتدد بذات احلكم موعدا ً لنظرها مجددا ً في جلسة علنية ي ُعلن األطراظ‬

‫مبوعدها أصوال ً‪ .‬وفي هذه املرحلة يُبت في الدعوى من حيث الشكل ومن حيث املوضوع‪ ،‬وذلك بعد أن تستمع‬

‫(‪ )78‬انظر‪ :‬قرار اجملكمة االحتادية العليا الصادر بالطعن رقم ‪ ،187‬األحكام اجلزائية‪ ،‬تاريخ ‪ ،1999–1-27‬منشور في موقع شبكة قوانني‬ ‫الشرق‪/http://www.eastlaws.com :‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪165‬‬


‫الدائرة املتصة ‪ -‬من جديد‪ -‬إلى أقوال كل من طالب املُاصمة واملُاصم وأقوال النيابة العامة إذا تدخلت في‬ ‫الدعوى (املادة ‪ 1/200‬من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي)‪.‬‬ ‫وجتدر املالحظة هنا إلى أن الفقرة اخلامسة من املادة ‪ 61‬من ذات القانون‪ ،‬تلزم النيابة العامة بالتدخل في بعض‬ ‫الدعاوى ومنها دعاوى ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة وردهم ‪ ...‬حتت طائلة بطالن احلكم الذي سيصدر‪،‬‬

‫بينما الفقرة األولى من املادة ‪ 200‬املشار إليها أعاله‪ ،‬أوجبت سماع أقوال النيابة العامة إن تدخلت في الدعوى‪،‬‬

‫مما يفيد بأن تدخلها في دعوى املاصمة هو أمر جوازي وليس وجوبي خالفا ً ملا أوجبته املادة ‪ 61‬من ذات القانون!‬ ‫وإلزالة هذا التناقض‪ ،‬نرى أن نص املادة ‪ 1/200‬هو األولى بالتطبيق لسببني‪ :‬األول يكمن في أنه نص خاص؛ حيث‬ ‫النيابة العامة(‪ ،)79‬بينما نص املادة ‪ 61‬ورد في الكتاب األول الذي‬ ‫ورد في الباب املصص ملاصمة القضاة وأعضاء ّ‬ ‫تناول أحكام التداعي أمام اجملاكم‪ ،‬أما السبب الثاني فيكمن في أن نص املادة ‪ 200‬الحق على نص املادة ‪.61‬‬

‫‪ -18.1‬وإذا وجدت الدائرة املتصة أن الدعوى غير جديرة بالقبول من الناحية الشكلية حكمت بعدم قبول‬ ‫املُاصمة شكالً‪ ،‬وإذا وجدتها غير جديرة بالقبول من الناحية املوضوعية‪ ،‬حكمت برفضها موضوعاً‪ ،‬وفي احلالتني‬ ‫تقضي الدائرة على طالب املُاصمة مبصادرة التأمني مع احلكم عليه بالتعويضات إن كان لها وجه (املادة ‪1/201‬‬ ‫من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي)‪.‬‬ ‫‪ -18.2‬أما لو وجدت الدائرة املتصة أن الدعوى صحيحة من الناحيتني الشكلية واملوضوعية‪ ،‬فتقضي عندئ ٍذ‬ ‫بصحة املُاصمة‪ ،‬وحتكم على القاضي أو عضو النيابة امل ُاصم بالتضمينات واملصروفات وببطالن تصرفه‪ .‬وتكون‬ ‫الدولة مسؤولة عما يحكم به من التضمينات على القاضي أو عضو النيابة‪ ،‬ويجوز التنفيذ عليها مباشرة‪،‬‬ ‫ولها طبعا ً حق الرجوع عليه مبا دفعته (املادة ‪ 2/201‬من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي)‪.‬‬ ‫‪ -18.3‬وإذا اجتهت الدائرة املتصة إلى احلكم ببطالن القرار – أو احلكم‪ -‬الصادر ملصلحة خصم آخر غير املدعي‬ ‫في دعوى املُاصمة‪ ،‬فال تقضى ببطالن هذا احلكم إال بعد إعالن هذا اخلصم ‪ -‬ان لم يكن طرفا ً أصليا ً أو متدخال ً‬ ‫في دعوى املُاصمة‪ -‬وذلك من أجل إبداء أقواله‪ .‬وفي هذه احلالة‪ ،‬يجوز أن تُصدر الدائرة الناظرة بدعوى املُاصمة‬

‫حكما ً جديدا ً بالدعوى األصلية إن رأت أنها صاحلة للفصل فيها‪ ،‬وذلك بعد سماع أقوال كافة األطراظ (املادة‬ ‫‪ 3/201‬من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي)‪.‬‬

‫(‪ )79‬انظر‪ :‬ما سبق‪ ،‬البند رقم (‪.)9.5‬‬

‫‪166‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫‪ -219‬ثالثا ً‪ -‬الطعن في احلكم الصادر بدعوى املُاصمة‪ :‬نصت املادة ‪ 202‬من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي‬ ‫صراح ًة على أنه‪" :‬ال يجوز الطعن في احلكم الصادر في دعوى املاصمة إال بطريق النقض"‪ .‬وعلى اعتبار أن‬ ‫اجملكمة املتصة بنظر دعوى املاصمة قد تكون محكمة االستوناظ أو اجملكمة االحتادية العليا‪ ،‬وذلك بحسب‬ ‫درجة القاضي أو عضو النيابة العامة املراد ُمخاصمته(‪ ،)80‬األمر الذي يقتضي التفرقة في هذا الشأن بني احلالتني‬

‫اآلتيتني‪:‬‬

‫‪ -19.1‬احلالة األولى‪ -‬إذا كان احلكم صادرا ً عن إحدى دوائر محكمة االستوناظ‪ :‬وهي املتصة‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬بنظر‬ ‫دعاوى ُمخاصمة قضاة اجملاكم االبتدائية وأعضاء النيابة العامة التي تقل درجتهم عن محامي عام‪ ،‬وهنا نفرق‬

‫أيضا ً بني احلكم الصادر بشأن قبول أو عدم قبول دعوى امل ُاصمة‪ ،‬أي احلكم الصادر في املرحلة األولى من نظر‬

‫الدعوى‪ ،‬على النحو اآلتي‪:‬‬

‫‪( -19.1‬أ)‪ -‬إذا قضى احلكم بعدم قبول املاصمة فإنه يقبل‪ ،‬في هذه احلالة فقط‪ ،‬الطعن بطريق‬ ‫النقض أمام اجملكمة االحتادية العليا‪ ،‬من قبل طالب امل ُاصمة ‪ -‬الذي له مصلحة طبعا ً من الطعن‪-‬‬ ‫وذلك وفقا ً للمادة ‪ 202‬املشار إليها أعاله‪.‬‬ ‫‪( -19.1‬ب)‪ -‬أما إذا قضى احلكم بقبول امل ُاصمة‪ ،‬فال يقبل هذا احلكم عندئ ٍذ الطعن بطريق النقض‬ ‫بشكل مستقل؛ ألنه ال ينهي اخلصومة‪ ،‬ولكن يجوز الطعن فيه مع احلكم املنهي للخصومة؛‬ ‫استنادا ً للمادة ‪ 151‬من قانون اإلجراءات املدنية التي تنص على أنه‪ " :‬ال يجوز الطعن في األحكام‬ ‫التيي تصدر أثناء سير الدعوى وال تنتهي بها اخلصومة إال بعد صدور احلكم املنهي للخصومة‬ ‫كلها ‪."...‬‬ ‫‪ -19.2‬احلالة الثانية‪ -‬إذا كان احلكم صادرا ً عن إحدى دوائر النقض في اجملكمة االحتادية العليا‪ :‬وهي املتصة‪ ،‬كما‬ ‫رأينا‪ ،‬بنظر دعاوى ُمخاصمته قضاة محاكم االستوناظ وأعضاء النيابة العامة من درجة محامي عام أو نائب‬

‫عام‪ ،‬فهنا البد من تطبيق نص املادة ‪ 187‬من قانون اإلجراءات املدنية الذي يقضي بأنه‪ " :‬ال يجوز الطعن في‬ ‫أحكام النقض بأي طريق من طرق الطعن وذلك فيما عدا ما صدر منها في أصل النزاع فيجوز الطعن فيها‬ ‫بطريق التماس إعادة النظر في احلاالت املنصوص عليها في البنود أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬من املادة (‪.")169‬‬

‫(‪ )80‬انظر ما سبق البند (‪.)14‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪167‬‬


‫وبالرجوع إلى نص املادة ‪ 169‬من قانون اإلجراءات املدنية االحتادي‪ ،‬جند أنها تقضي بأن‪ " :‬للخصوم أن يلتمسوا‬ ‫إعادة النظر في األحكام الصادرة بصفة انتهائية في األحوال اآلتية‪ -1 :‬إذا وقع من اخلصم غش كان من شأنه‬ ‫التأثير في احلكم ‪ -2‬إذا كان احلكم قد بني على أوراق حصل بعد صدوره إقرار بتزويرها أو قضي بتزويرها أو بني‬ ‫على شهادة شاهد قضي بعد صدوره بأنها شهادة زور ‪ -3‬إذا حصل امللتمس بعد صدور احلكم على أوراق قاطعة‬ ‫في الدعوى كان خصمه قد حال دون تقدميها‪."...‬‬ ‫وعليه‪ ،‬ال يجوز الطعن في حكم دائرة النقض املتصة في اجملكمة االحتادية العليا‪ ،‬الصادر بقبول أو عدم قبول‬ ‫امل ُاصمة الذي انتهت إليه في املرحلة األولى من نظر الدعوى‪ ،‬ولكن ُميكن الطعن ‪ -‬وبطريق التماس إعادة النظر‬ ‫فقط ‪ -‬في حكمها " النهائي" الذي تتوصل إليه بنتيجة نظر الدعوى في مرحلتها الثانية‪ ،‬وذلك إذا توافرت‬ ‫حالة أو أكثر من احلاالت الثالث املذكورة أعاله‪ ،‬وسواء قضى احلكم بصحة امل ُاصمة أو بعدم صحتها‪.‬‬

‫اخلامتة‬ ‫‪ -20‬وبنتيجة بحثنا هذا‪ ،‬وجدنا أن دعوى ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة هي دعوى مسؤولية مدنية‬

‫خاصة تتمتع بأهمية كبيرة؛ باعتبارها متثل استثنا ًء من األصل العام الذي ي ُقر حصانة شخصية للقضاة‬ ‫وأعضاء النيابة العامة تعفيهم من املسائلة عن األضرار التي قد تنشأ للمتداعني من جراء قيامهم مبهامهم‬ ‫القضائية‪ ،‬وذلك حماية لهم من الدعاوى العبثية والكيدية التي تسيء إليهم وتنال بوجه أو بآخر من هيبة‬ ‫القضاء‪ .‬ولكن باعتبار أن القضاة وأعضاء النيابة العامة من البشر‪ ،‬وقد يرتكبون في أعمالهم أخطا ًء عمدية أو‬ ‫غير عمدية تلحق أضرارا ً بأي من املتداعني أمامهم‪ ،‬فإن من مقتضيات العدل واالنصاظ رفع هذه األضرار‪.‬‬

‫‪ -21‬وقد ُشرّعت دعوى امل ُاصمة ل ُتتيح للمتضرر من أخطاء القاضي أو عضو النيابة العامة التي تقع منه أثناء‬

‫قيامه بعمله القضائي‪ ،‬املطالبة بالتعويض وجبر الضرر في حاالت‪ ،‬وضمن شروط‪ ،‬وإجراءات حددها املشرع‬

‫بنصوص خاصة‪ .‬وكان املشرع في دولة اإلمارات العربية املتحدة قد تبنى هذه الدعوى ألول مرّة في قانون االجراءات‬

‫بينها في املواد من ‪ 197‬إلى ‪ 202‬من هذا القانون‪،‬‬ ‫املدنية االحتادي رقم (‪ )11‬لعام ‪1992‬؛ ووضع لها أحكاما ً خاصة ّ‬ ‫والتي انصب عليها جوهر بحثنا هذا بشكل أساسي‪.‬‬

‫‪ -22‬ووفقا ً لذلك‪ ،‬وجدنا أن دعوى امل ُاصمة تتناول جميع أعضاء النيابة العامة دون استثناء‪ ،‬لكنها ال تتناول من‬ ‫القضاة سوى قضاة اجملاكم االبتدائية ومحاكم االستوناظ االحتادية‪ .‬وبذلك استثنى قانون اإلجراءات املدنية‬ ‫االحتادي من امل ُاصمة رئيس وأعضاء اجملكمة االحتادية العليا‪ .‬ونحن بدورنا نرى –مع جانب من الفقه‪ -‬إلغاء هذا‬ ‫االستثناء لتشمل دعوى امل ُاصمة جميع القضاة؛ باعتبار أن القاضي أو عضو النيابة العامة هو من البشر مهما‬

‫‪168‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫كانت منزلته أو درجته؛ وهو بذلك ليس معصوما ً من اخلطأ؛ فضال ً عن أن نظام املُاصمة هو في ذاته ضمانة‬ ‫للقاضي وللمتقاضي في ذات الوقت‪.‬‬ ‫‪ -23‬ومن جهة أخرى‪ ،‬نرى أن حتصني قضاة اجملكمة االحتادية العليا – أو غيرهم‪ -‬من إقامة دعوى املُاصمة‬ ‫مبواجهتهم‪ ،‬يعني حرمان املتضرر من أخطائهم ‪ -‬العمدية وغير العمدية ‪ -‬من حقه في املطالبة بالتعويض‬ ‫وجبر الضرر الذي يلحق به من جراء اتيانهم أي من األخطاء التي أجاز املشرع بشأنها دعوى امل ُاصمة لغيرهم‬ ‫من القضاة األقل مرتبة أو درجة‪ ،‬وهذا باعتقادنا ال ينسجم مع مقتضيات العدالة‪.‬‬ ‫فمن غير املنطقي إباحة ُمخاصمة قضاة اجملاكم االبتدائية واالستونافية االحتادية من أجل األخطاء التي حددها‬ ‫املشرع نفسه‪ ،‬ومنع ُمخاصمة قضاة اجملكمة االحتادية العليا فيما لو ارتكبوا في عملهم ذات األخطاء!‬

‫‪ -24‬وكذلك‪ ،‬جتدر املالحظة إلى أن بعض اإلمارات‪ ،‬ذات القضاء اجمللي كإمارة دبي‪ ،‬ال جتيز دعوى املُاصمة على‬ ‫قضاتها وأعضاء النيابة العامة لديها؛ وهو ما استقر عليه اجتهاد محكمة متييز دبي(‪)81‬؛ املستند إلى القوانني‬ ‫اجمللية السائدة في اإلمارة(‪ .)82‬وقد استبعدنا التطرق إلى هذا األمر في بحثنا هذا؛ إذ ْ يحتاج الغوص فيه إلى بحث‬ ‫مستقل‪ .‬ولكننا نرى ضرورة تطبيق نظام املُاصمة الوارد في قانون اإلجراءات املدنية االحتادي على جميع القضاة‬ ‫وأعضاء النيابة العامة‪ ،‬وفي كافة اإلمارات سواء أكان قضاؤها احتاديا ً أم محلياً‪ ،‬لألسباب التي بيناها أعاله‪.‬‬ ‫‪-25‬ومن جهة أخرى‪ ،‬حسنا ً فعل املشرع االحتادي اإلماراتي عندما حصر‪ ،‬على غرار ما هو سائد في تشريعات‬ ‫أخرى‪ -‬دعوى امل ُاصمة في حاالت معينة؛ وهي ارتكاب القاضي أو عضو النيابة العامة في عمله غش أو تدليس‬ ‫أو خطأ مهني جسيم‪ ،‬أو في احلاالت األخرى التي ينص فيها القانون على مسؤولية القاضي واحلكم عليه‬ ‫بالتضمينات‪ ،‬حتى ال يبقى باب امل ُاصمة مفتوحا ً على مصراعيه‪ ،‬فينشغل القضاة بالدفاع عن أنفسهم في‬ ‫دعاوى امل ُاصمة التي تقام عليهم‪ ،‬مما يؤدي إلى اإلرباك في عملهم‪ ،‬وقد ي َحول ذلك دون إبداعاتهم في العمل‬

‫واالجتهاد‪ ،‬وال سيما في املسائل التي يحيلها املشرع إلى سلطتهم التقديرية‪ ،‬األمر الذي يؤثر سلبا ً على تسيير‬

‫مرفق القضاء عموماً‪ ،‬والذي هو بالطبع من أهم املرافق العامة املناطة بالدولة‪.‬‬ ‫‪ -26‬ورأينا أيضاً‪ ،‬أن دعوى املُاصمة ترفع بتقرير يقدم إلى مكتب إدارة الدعوى في اجملكمة املتصة‪ ،‬وكان من‬ ‫األنسب – باعتقادنا‪ -‬استخدام مصطلح "صحيفة" بدال من " تقرير" انسجاما ً مع املصطلحات املستخدمة‬

‫(‪ )81‬انظر قرار محكمة متييز دبي ‪ -‬األحكام املدنية – الصادر بالطعن رقم (‪ ،)1‬تاريخ ‪ .1993-3-14‬والقرار الصادر بالطعن رقم (‪ ،)109‬تاريخ ‪-24‬‬ ‫‪ .2007-6‬منشوران في موقع شبكة قوانني الشرق‪/ http://www.eastlaws.com :‬‬ ‫(‪ )82‬نصت املادة ‪ 1/14‬من قانون تشكيل اجملاكم في إمارة دبي رقم ‪ 3‬لسنة ‪ 1992‬على أنه‪ " :‬ال جتوز الدعوى اجلزائية أو احلقوقية ضد أي قاض‬ ‫من قضاة اجملاكم ألي وقائع تتصل بواجبه كقاضي"‪ .‬ونصت املادة ‪ 25‬منه على أن " يلغى أي نص في أي تشريع أخر إلى املدى الذي يتعارض‬ ‫فيه وأحكام هذا القانون"‪ .‬وهذا ما قرره أيضا ً القانون رقم ‪ 8‬لسنة ‪ 1992‬بشأن النيابة العامة (م ‪ 9‬وما بعد)‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪169‬‬


‫في القانون ذاته وفي غيره من القوانني النافذة في الدولة؛ فالتقرير الذي تفتتح به دعوى املُاصمة ال يختلف عن‬ ‫صحيفة أي دعوى أخرى ال من حيث الشكل وال املضمون‪.‬‬ ‫‪ -27‬وكان من األنسب في رأينا أيضاً‪ ،‬النص على قيام اجملكمة املتصة بفحص تقرير الدعوى (أي صحيفتها) مع‬ ‫الوثائق املرفقة به دون حاجة إلى إعالن القاضي أو عضو النيابة العامة املطلوب ُمخاصمته‪ ،‬فإذا تبني لها عدم‬

‫جدية الدعوى أو عدم قانونيتها حتكم من تلقاء نفسها بعدم قبولها‪ ،‬ما لم ترى ضرورة االستماع إلى القاضي‬

‫أو عضو النيابة العامة فتقرر حينوذ إعالنه بالدعوى‪ ،‬وذلك كيال ينشغل القضاء بدعاوى ُمخاصمة ال أساس‬

‫قانوني سليم لها‪.‬‬

‫‪ -28‬وأمام إغفال قوانني معظم الدول‪ ،‬ومنها دولة اإلمارات‪ ،‬عن إخضاع دعوى املُاصمة لتقادم خاص‪ ،‬إسوة ً‬ ‫باإلجراءات اخلاصة التي أحاطتها بها‪ ،‬كنا قد اقترحنا النص على مهلة قصيرة ومعقولة لرفع هذه الدعوى‪،‬‬ ‫بحيث إذا لم ترفع خاللها يسقط احلق في إقامتها؛ كيال ت ُشكّل مثل هذه الدعاوى تهديدا ً يستمر مدة طويلة‬ ‫من الزمن للقضاة وأعضاء النيابة العامة‪ ،‬وخاصة الذين يرتكبون منهم أخطا ًء مهني ًة جسيم ًة لكنها غير‬

‫عمدية‪ ،‬واقترحنا أيضا ً أن تكون مدة هذا التقادم اخلاص أطول في حال ارتكابهم الغش أو التدليس؛ نظرا ً لتوافر‬ ‫سوء النية ‪ -‬لدى القاضي أو عضو النيابة املعني ‪ -‬في احلالة الثانية خالفا ً للحالة األولى‪.‬‬ ‫‪ -29‬وأخيرا ً‪ ،‬نذكر أن رجال القانون‪ ،‬من قضاة وأعضاء نيابة عامة وأساتذة ومحامني‪ ،‬هم كبقية أفراد اﺠﻤﻟتمع من‬ ‫خطاء وخير اخلطائني‬ ‫البشر‪ ،‬وجلّ من ال يخطئ؛ ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلّم يقول‪ " :‬كل بني آدم ّ‬ ‫التوابون"(‪ .)83‬لذا نأمل بأن ميتد تشريع دعوى ُمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة‪ ،‬في دولة اإلمارات العربية‬ ‫املتحدة‪ ،‬كما في غيرها‪ ،‬ليشمل كافة القضاة مهما كانت درجتهم‪ ،‬وسواء كانوا يعملون في اجملاكم االحتادية‬ ‫أو في اجملاكم اجمللية(‪ ،)84‬وذلك من أجل حتقيق عدالة متوازنة توصل كل ذي حق إلى حقه من جهة‪ ،‬ومتنع بذات‬ ‫الوقت احتماالت الكيد أو التعسف في استخدام هذه الدعوى‪.‬‬ ‫فمما ال شك فيه أن إجازة دعوى امل ُاصمة تلعب دورا ً أساسيا ً في تأمني ثقة الناس مبؤسسة القضاء ومبا متثله‬ ‫من قيم احلق والعدالة‪ .‬فعندما يخضع القاضي أو عضو النيابة العامة للمسؤولية عن األضرار التي تلحق‬ ‫باملتداعني أمامه‪ ،‬من جراء أخطائه العمدية وغير العمدية‪ ،‬فهذا أمر يعزز مبدأ سيادة القانون على اجلميع‪.‬‬

‫(‪ )83‬انظر‪ :‬أبو عبد اهلل احلاكم النيسابوري‪ ،‬املستدرك على الصحيحني‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،4‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬من دون تاريخ نشر‪ ،‬ص ‪.272‬‬ ‫(‪ )84‬انظر ما سبق البند رقم (‪.)24‬‬

‫‪170‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وفي النهاية نأمل من اهلل عز وجل أن يسهم بحثنا هذا – ما أمكن‪ -‬في ثراء املكتبة القانونية اإلماراتية خاصة‬ ‫والعربية على وجه العموم‪.‬‬ ‫واهلل ولي األمر والتوفيق‬

‫قائمة املصادر واملراجع‬ ‫أوال ً‪ -‬كتب ورسائل ومقاالت‪:‬‬ ‫•‬

‫•‬

‫إبراهيم محمد الشرفي‪ ،‬مخاصمة القضاة في القانون اليمني ‪ -‬دراسة مقارنة – مجلة الدراسات االجتماعية‪ ،‬جامعة‬ ‫العلوم والتكنولوجيا اليمنية‪ ,‬العدد ‪ ،34‬يناير – يونيو‪.2012 ،‬‬ ‫ابراهيم جنيب سعد‪ ،‬القانون القضائي اخلاص‪ ،‬ج‪ ،1‬منشأة املعارظ‪ ،‬اإلسكندرية‪.1980 ،‬‬ ‫ابن قيم اجلوزية‪ ،‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬جزء ‪ ،1‬ط‪ ،1‬حتقيق محمد محي الدين عبد احلميد‪ ،‬بيروت‪ ،‬املكتبة‬ ‫العصرية‪.2003 ،‬‬ ‫أبو عبد اهلل احلاكم النيسابوري‪ ،‬املستدرك على الصحيحني‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،4‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬من دون تاريخ نشر‪.‬‬ ‫أحمد ماهر زغلول‪ ،‬املوجز في أصول وقواعد املرافعات‪.1991 ،‬‬ ‫أمين نصر عبد العال‪ ،‬ضمانات حياد القاضي كأحد مظاهر وضمانات املساواة في النظام االجرائي‪ ،‬مجلة البحوث‬ ‫القانونية واالقتصادية‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬جامعة املنصورة‪ ،‬العدد التاسع واألربعون‪ ،‬ابريل ‪.2011‬‬ ‫جمال الدين عبد اهلل مكناس ود‪ .‬محمد ناصر اخلوالدة‪ ،‬النطاق املوضوعي لدعوى مخاصمة القضاة بني النظرية‬ ‫والتطبيق‪ ،‬مجلة علوم الشريعة والقانون‪ ،‬اﺠﻤﻟلّد ‪ ،42‬العدد ‪.2015 ،1‬‬ ‫رمزي سيف‪ ،‬الوسيط في شرح قانون املرافعات املدنية والتجارية‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.1969 ،‬‬ ‫سلطان بن عثمان البصيري‪ ،‬مفهوم احلصانة القضائية‪ ،‬منشور على ّ‬ ‫العنكبوتية؛ موقع صيد الفوائد‪:‬‬ ‫الشبكة‬ ‫ّ‬ ‫‪http://www.saaid.net/Doat/busairi/56.htm‬‬ ‫سيد أحمد محمود‪ ،‬أصول التقاضي وفقا ً لقانون املرافعات‪ ،‬دار الفكر والقانون‪ ،‬املنصورة‪.2007 ،‬‬

‫•‬

‫عادل محمد جبر الشريف‪ ،‬حماية القاضي وضمانات نزاهته‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪.2008 ،‬‬

‫•‬

‫عبد الباري عبد اهلل تربل‪ ،‬دعوى املُاصمة بني النصوص والتطبيق وتداعياتها في القانون الليبي‪ ،‬بحث منشور في‬ ‫الشبكة العنكبوتية‪ ،2010 ،‬في املوقع‪http://www.f-law.net/law/archive/index.php/t-41451.html :‬‬ ‫عبد الفتاح مراد‪ ،‬املالفات التأديبية للقضاة وأعضاء النيابة‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪.1993 ،‬‬ ‫علي الشحات احلديدي‪ ،‬القضاء والتقاضي وفقا لقانون اإلجراءات املدنية لدولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬ج‪ 1‬القضاء‪ ،‬ط‬ ‫‪ ،3‬أكادميية شرطة دبي‪.2008 ،‬‬ ‫علي بركات‪ ،‬دعوى مخاصمة القضاة بني النظرية والتطبيق‪ ،‬دار النهضة‪ ،‬القاهرة‪.2001 ،‬‬ ‫علي عبد احلميد تركي‪ ،‬الوسيط في شرح قانون اإلجراءات املدنية اإلماراتي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.2009 ،‬‬ ‫عيد محمد القصاص‪ ،‬الوسيط في قانون املرافعات املدنية والتجارية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.2005 ،‬‬ ‫فتحي والي‪ ،‬الوسيط في قانون القضاء املدني‪ ،‬اجلزء (‪ ،)1‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.2001 ،‬‬ ‫محمد بن يزيد بن ماجة‪ ،‬السﲍ‪ ،‬اﺠﻤﻟلد (‪ ،)2‬دار الرسالة العاملية‪ ،‬من دون تاريخ‪.‬‬ ‫محمد عبد الوهاب العشماوي‪ ،‬قواعد املرافعات في التشريع املصري واملقارن‪ ،‬ج ‪ ،1‬مكتبة اآلداب‪ ،‬القاهرة‪.1957 ،‬‬ ‫محمد مرعي صعب‪ٌ ،‬مخاصمة القضاة – دراسة مقارنة – ج‪ ،1‬املؤسسة احلديثة للكتاب‪ ،‬طرابلس – لبنان‪.2006 ،‬‬ ‫محمد واصل‪ ،‬أصول اجملاكمات املدنية‪ ،‬منشورات جامعة دمشق‪.2011-2010 ،‬‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪171‬‬


‫ثانيا ً‪ -‬دساتير وقوانني‪:‬‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫دستور دولة اإلمارات العربية املتحدة الصادر سنة ‪.1971‬‬ ‫قانون اإلجراءات املدنية االحتادي اإلماراتي رقم ‪ 11‬لسنة ‪.1992‬‬ ‫قانون السلطة القضائية االحتادية اإلماراتي رقم ‪ 3‬لسنة ‪.1983‬‬ ‫قانون اجملكمة االحتادية العليا اإلماراتي رقم ‪ 10‬لسنة ‪.1973‬‬ ‫قانون تشكيل اجملاكم في إمارة دبي رقم ‪ 3‬لسنة ‪.1992‬‬ ‫دستور جمهورية مصر العربية لسنة ‪.2014‬‬ ‫قانون املرافعات املدنية والتجارية املصري رقم ‪ 13‬لسنة ‪.1968‬‬ ‫القانون املدني املصري رقم ‪ 131‬لسنة ‪.1948‬‬ ‫قانون أصول اجملاكمات السوري القدمي‪ ،‬الصادر باملرسوم التشريعي ‪ 84‬لعام ‪.1953‬‬ ‫قانون أصول اجملاكمات السوري اجلديد‪ ،‬القانون رقم ‪ 1‬لعام ‪.2016‬‬ ‫قانون املرافعات اليمني رقم (‪ )40‬الصادر سنة ‪.2002‬‬

‫ثالثا ً‪ّ -‬‬ ‫العنكبوتية‪:‬‬ ‫الشبكة‬ ‫ّ‬ ‫•‬

‫موقع شبكة قوانني الشرق‪/http://www.eastlaws.com :‬‬

‫رابعا ً‪ -‬مجالت ومجموعات ومعاجم‪:‬‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫مجلة " اجملامون " تصدر عن نقابة اجملامني في اجلمهورية العربية السورية‪.‬‬ ‫اﺠﻤﻟموعة القضائية‪ ،‬سورية‪ ،‬ياسني دركﺰللي‪ ،‬دمشق‪.1999 ،‬‬ ‫معجم املعاني اجلامع‪ ،‬الشبكة العنكبوتية‪/http://www.almaany.com :‬‬

‫‪172‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫مصلحة المحضون بين الشريعة والقانون‬

‫أ‪ .‬أحمد يقوب أحمد‬

‫احملاضر في كلية الدراسات العامة‬ ‫جامعة عجمان – دولة اإلمارات العربية املتحدة‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪173‬‬


‫‪174‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ملخص‬ ‫يتناول هذا البحث موضوعا في غاية األهمية‪ ،‬أﻻ وهو مراعاة مصلحة اﶈضون في الشريعة اإلسالمية مقارنة‬ ‫بالتوجهات القانونية في هذا اﺠﻤﻟال‪ .‬لكنه ﻗبل ذلك يلقي نظرة عﺠلى على مفهوم املصلحة وأنواعها ودرجات‬ ‫مراعاتها في الفقه اإلسالمي‪ ،‬وعالﻗة مصلحة اﶈضون ومكانتها من كل ذلك‪ .‬ثم يسلط البحث الضوء على‬ ‫مفهوم مصلحة اﶈضون في الشريعة اإلسالمية وفي بعﺾ املعاهدات والنظم والقوانﲔ العاملية والعربية‬ ‫ومدى ﻗرب كل منها أو بعده عن مراعاة مصالح اﶈضون نظريا وعمليا‪ .‬ويفصل بعﺾ التفصيل في أحكام‬ ‫احلضانة في الشريعة اإلسالمية مع التركيز بقدر كبير على املذهب املالكي مقارنا إياه باملذاهب األخرى ومبينا‬ ‫أين كان الفقه مراعيا للمصالح وأين كان فيه اهتمام بالظواهر على حساب البواطن‪ .‬ويقترح البحث ضرورة‬ ‫مراعاة مصلحة اﶈضون أوﻻ وﻗبل كل ﺷيء‪ ،‬ويرى أن مصلحة اﶈضون هي املعيار األساسي في منح احلضانة‬ ‫ومنعها دون إهمال لالعتبارات الشرعية األخرى لكن مع إعﻄاء األولوية ملصلحة اﶈضون التي من أجلها ﺷرعﺖ‬ ‫احلضانة من األصل‪.‬‬

‫‪Abstract‬‬ ‫‪The research "interests of the child between the law and the law" focuses on the concept of‬‬ ‫‪MASLAHA in general, and on the concept of child custody particularly; explaining its meaning and‬‬ ‫‪its place in jurisprudence and Shara, and explaining the rules of the Islamic ruling and edict‬‬ ‫‪jurisprudence and governance judiciary on the subject of the MASLAHA of the child between the‬‬ ‫‪consideration of the MASLAHA and spin them where they are, and considered among the phenomena‬‬ ‫‪of religious texts and legal rules and stand with them in all circumstances. The study concludes after‬‬ ‫‪consideration of the religious texts contained in the subject and some of the legal rules governing‬‬ ‫‪him to the need to find a middle way in which texts and rules phenomena considered without‬‬ ‫‪prejudice to the MASLAHA of the child, and even give it a priority because they are initiated for her‬‬ ‫‪nursery in the Shara and in the p‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪175‬‬


‫مقدمة‬ ‫نظرا ألهمية األسرة في بناء اﺠﻤﻟتمع؛ إذ هي لبنته األولى وهي مصنع األجيال‪ ،‬ونظرا حلساسية مرحلة الطفولة؛‬ ‫من حيث إنها مرحلة ضعف ومنو بدني وعقلي ركز عليها التشريع وأوضح كل ما يتعلق بها مما يكفل صالح‬ ‫األسرة والطفل‪ ،‬فأخذ االحتياطات الضرورية لذلك حتى فيما قبل والدة الطفل مبراحل ليجد أمامه اجلو املالئم‬ ‫حلضانته وتربيته ماديا ومعنويا‪ ،‬ويستمر ذلك معه إلى انتهاء مرحلة الطفولة‪.‬‬ ‫ولهذه األهمية‪ ،‬وإلحساس العالم األخطار التي تهدد الطفولة بدأ بتصديق املعاهدات وتأسيس املنظمات التي‬ ‫تهدف إلى حماية وإصالح الطفولة‪ ،‬وكانت درة تاجها منظمة األمم املتحدة اخلاصة باألمومة والطفولة‪ .‬وكذلك‬ ‫بدأت الدول تصدر القوانني اخلاصة باﺠﻤﻟال انطالقا من املﺆثرات اﺨﻤﻟتلفة؛ الدينية واحلضارية والعقلية والواقعية‪.‬‬ ‫وأهم املنطلقات التي تأثرت بها قوانني األحوال الشخصية ‪-‬ومن ضمنها نظام حضانة الطفل‪ -‬التشريع‬ ‫اإلسالمي الذي يعتبر في أغلب البلدان املصدر الوحيد أو األساسي للقوانني عموما ولقوانني األسرة على سبيل‬ ‫اخلصوص‪ ،‬وإن كان في بعض األحيان يتأثر بفهم واضعي القوانني في كل بلد‪ ،‬وببعض املمارسات االجتماعية‬ ‫اﶈلية والوافدة‪.‬‬ ‫إال أنه ميكن أن يقال –نظريا على األقل‪ -‬إن مصدر التشريع في مجال األسرة هو الشريعة اإلسالمية في أغلب‬ ‫البلدان اإلسالمية‪ ،‬ومن ثم كان أغلب القوانني املتعلقة مبوضوع احلضانة ال تخالف الشريعة اإلسالمية من‬ ‫جميع الوجوه غالبا؛ إذ منها ما يحيل للشريعة اإلسالمية جملة أحيانا‪ ،‬وتفصيال أحيانا أخر‪ ،‬ومنها ما يترك‬ ‫اﺠﻤﻟال برمته خاضعا للتشريع اإلسالمي‪.‬‬ ‫وملا كان األمر كذلك ركزت في هذا البحث على رؤية الشريعة اإلسالمية للموضوع محاوال استيعابه ما أمكن‬ ‫من خالل عرض مختلف اآلراء مرجحا ما أراه راجحا بالدليل واملصلحة الراجحة‪ ،‬مقارنا ذلك بالقوانني في بعض‬ ‫الدول العربية مع شيء من التركيز على آراء املذهب املالكي‪.‬‬ ‫ومع أني ال أدعي االستيعاب فإني حاولت استقراء أحكام احلضانة في الفقه اإلسالمي مع التركيز على الفقه‬ ‫املالكي‪ ،‬وقارنت ذلك ببعض ما نصت عليه مدونات األحوال الشخصية املتأثرة باملذهب املالكي مثل مدونة‬ ‫األسرة املغربية وقانون األحوال الشخصية اإلماراتي وقانون األحوال الشخصية املوريتاني‪ ،‬وحاولت أن أدرس مدى‬ ‫قرب أو بعد كل منها عن املرونة الضرورية ملراعاة مصالح اﶈضون‪ ،‬ولم يفتني أن أقترح بعض التعديالت‬ ‫والترجيحات التي أرى أنها ضرورية حلفﻆ مصالح اﶈضون‪.‬‬ ‫وقد قسمت املوضوع إلى أربعة مباحث درست فيها أصل احلضانة وهو املصلحة الشرعية ومصلحة اﶈضون‬ ‫على وجه اخلصوص‪ ،‬وألقيت فيها نظرة على مفهوم احلضانة في مختلف القوانني والتشريعات‪ ،‬وبينت فيها ما‬ ‫أمكن بيانه من أحكام احلضانة وعالقتها مبصلحة اﶈضون‪ .‬هذا على سبيل اإلجمال وأما تفصيال فقد قسمت‬ ‫البحث للمحاور التالية‪:‬‬

‫‪176‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫املبحث األول‪ :‬مفهوم املصلحة وأنواعها واعتبارها الشرعي‬ ‫املطلب األول‪ :‬مفهوم املصلحة‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬أنواع املصلحة‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬مفهوم مصلحة اﶈضون‬ ‫املطلب األول‪ :‬مفهوم مصلحة اﶈضون ﻓي املعاهﺪات الﺪولية‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬مفهوم مصلحة اﶈضون ﻓي الﻘوانﲔ اﶈلية العربية‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬مفهوم مصلحة اﶈضون ﻓي الفﻘﻪ اﻹﺳﻼمي‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬أوﺟﻪ الﻨﻈر ﻓي مصالﺢ اﶈضون‬ ‫املطلب األول‪ :‬اﻓتراض مصلحة اﶈضون‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬الﺪوران مع مصلحة اﶈضون‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬طبيعة احلضانة وأحكامها‬ ‫املطلب األول‪ :‬مصلحة اﶈضون وطبيعة احلضانة‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬مصلحة اﶈضون وأحكام احلضانة‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪177‬‬


‫املبحث األول‪ :‬مفهوم املصلحة وأنواعها واعتبارها الشرعي‬ ‫قبل الدخول في تفاصيل مصلحة اﶈضون كجزء محدد من املصالح املعتبرة ﺷرعا‪ ،‬ال بد من إلقاء نظرة سريعة‬ ‫على املصلحة بشكل عام لنتعرف على مفهومها (املطلب األول) وعلى أنواعها (املطلب الثاني) وعلى اعتبارها‬ ‫الشرعي (املطلب الثالث) ليكون ذلك فاحتة لهذا البحث‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬مفهوم املصلحة‬ ‫تختلف تفاسير املصلحة تبعا الختالف الفلسفات واآلراء واملذاهب واألديان‪ ،‬إذ اجلميع يتفق على أن املصلحة‬ ‫واملنفعة غاية فطرية‪ ،‬لكنهم جميعا يختلفون في حتديد مفهوم هذه املصلحة وقياسها وأين تكمن ومن األولى‬ ‫بتقديرها‪ .‬لذلك ميكن أن يقال إن املصلحة لغة معروفة ال خالف فيها (الفقرة األولى) وإمنا اخلالف في حتديدها في‬ ‫اصطالح كل ذي اصطالح (الفقرة الثانية)‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬املصلحة لغة‬ ‫املصلحة لغة هي املنفعة وزنا ومعنى‪ ،‬فهي مصدر مبعنى الصالح كاملنفعة مبعنى النفع‪ ،‬وهذا هو تفسيرهما‬ ‫املعنوي املصدري‪ ،‬أي في حال جعلهما مصدرا للفعلني نفع وصلح‪ ،‬وأما من الناحية االسمية املادية فتطلق‬ ‫املصلحة على املكمن املادي للمصالح‪ ،‬ومن هنا تطلق املصلحة على واحدة املصالح‪ ،‬ألن التاء –كما هو معروف‪-‬‬ ‫تأتي للواحدة‪ 1،‬والواحدة تدل على أمر محسوس قابل للعد‪ ،‬بخالف املصادر فإنها تدل على املعاني املطلقة التي‬ ‫‪2‬‬ ‫ال تقبل العد‪ .‬وقد قال ابن منظور موجزا لذلك إن "املصلحة‪ :‬الصالح‪ ،‬واملصلحة واحدة املصالح"‪.‬‬ ‫وانطالقا من هذا املعنى اللغوي العام ميكن أن يقال إن "كل ما فيه نفع بأي معيار كان؛ جلبا أو حتصيال‪ ،‬دفعا أو‬ ‫اتقاء يطلق عليه‪ :‬مصلحة"‪ 3،‬هذا من حيث موضوع املصلحة‪ ،‬وأما من حيث فعل املكلف فيمكن أن يقال إنها‬ ‫‪4‬‬ ‫"جلب املنفعة ودفع املضرة"‪.‬‬ ‫إذن ال خالف بني جميع األعراف اللغوية واالجتماعية أن املصلحة تطلق على املنفعة بشكل عام‪ ،‬دون حتديد من‬ ‫يحق له تقديرها‪ ،‬والذي هو مكمن اخلالف تبعا لالصطالحات‪ ،‬فنجد من ربطها مبجرد اللذة كبعض الفلسفات‬ ‫الوجودية‪ ،‬وال يبعد منه تعريف بعض الفقهاء املصلحة بأنها "اللذة حتصيال أو بقاء‪ 5".‬وأرى أن من عرف هذا‬ ‫التعريف من الفقهاء املسلمني؛ إما أنه أراد التعريف اللغوي‪ ،‬وال يبعد عدم اتفاقه مع التعريف االصطالحي في‬ ‫بعض األحيان‪ ،‬وإما أنه أراد اللذة مقيدة بالقيود الشرعية التي يعرفها كل مصنف ويذكرها كل مؤلف‪ ،‬وميكن‬ ‫أن تكون (ال) هنا عهدية تشير إلى اللذة املعهودة املعروفة في اصطالح علماء الشرع‪.‬‬

‫‪ 1‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬ضوابط املصلحة‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ ،1982 ،‬الرياض ‪ ،‬ص ‪23‬‬ ‫‪ 2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة‪ :‬ص ل ح (وقد اكتفيت في املعجم باملادة عن الصفحة والطبعة الستواء الطبعات)‬ ‫‪ 3‬البوطي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪23‬‬

‫‪ 4‬محمد أحمد خزرجي‪ ،‬املصالح املرسلة‪ ،‬من بحوث املؤمتر الرابع للفقه املالكي‪ ،‬ط‪ .‬القضاء الشرعي باإلمارات‪ ، 1986 ،‬ص ‪ 3‬وما بعدها‬

‫‪ 5‬البوطي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪23‬‬ ‫‪178‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫الفقرة الثانية‪ :‬املصلحة في اصطالح الشرع‬ ‫لم تترك الشريعة اإلسالمية الباب مفتوحا في تقدير املصلحة حتى ال يقول كل إنسان ما يحلو له وينسبه‬ ‫للدين‪ ،‬بل جند أنها قيدتها بقيود وجعلت لها ضوابط وأوكلت تقديرها إلى الشارع احلكيم‪ 6،‬أو من ينوب عنه من‬ ‫أهل العلم واالختصاص‪ .‬وتظهر تلك الضوابط مختصرة في تعريف الفقهاء للمصلحة الشرعية بأنها‬ ‫"املنفعة التي قصدها الشارع احلكيم لعباده من ضبط دينهم ونفوسهم وعقولهم ونسلهم وأموالهم طبق‬ ‫‪7‬‬ ‫ترتيب معني فيما بينها‪".‬‬ ‫واملالحظ في هذا التعريف أنه يحصر املصلحة في الضروريات اخلمس أو ما يؤدي لها‪ ،‬ذلك أنها هي أصول جميع‬ ‫الشرائع‪ ،‬ومبدأ جميع املصالح‪ ،‬ومن ثم قالوا إنه "ما من حكم فرعي إال ويرجع إليها وله دور في حفظها أو‬ ‫تكميلها"‪ 8.‬وهذا ال مراء فيه‪ ،‬إال أنه قد يخرج عليه بعض املباحات كالبيع‪ ،‬وما هو حاجي أو حتسيني فقط‪،‬‬ ‫‪9‬‬ ‫وميكن أن يضاف إليهما ما ال يعارض القواعد العامة للتشريع‪.‬‬ ‫وأرى أن األولى أال حتصر املصلحة في الضروريات وإن كانت هي األساس‪ ،‬فيقال إن املصلحة هي "السبب املؤدي‬ ‫إلى مقصد الشرع عبادة أو عادة"‪ 10.‬وبذلك يشمل التعريف املصالح كلها وأنواعها اجملتلفة والسبل املؤدية‬ ‫إليها‪ ،‬إال أنه أيضا ميكن أن يقال إن الضروريات أصل للحاجيات والتحسينيات‪ 11،‬فنعود للتعريف األول‪ ،‬إال أن ذلك‬ ‫ال يخلو من تكلف في بعض األحيان في رد بعض األحكام إلى الضروريات اخلمس ومن هنا يترجح التعريف الثاني‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬أنواع املصلحة‬ ‫درج األصوليون على تقسيم املصالح الشرعية باعتبارات عدة‪ ،‬أولها ترتيبها تنازليا في درجات تتفاوت أهميتها‪،‬‬ ‫وذلك حسب الدور الذي تقوم به والفراغ الذي تسده في مقاصد الشرع ومصالح املكلفني‪ ،‬والثاني هو النظرة‬ ‫في املصالح من حيث االعتبار واإللغاء في الشرع احلنيف‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬درجات املصالح‬ ‫قسم األصوليون املصالح إلى درجات ثالث هي‪ :‬الضروريات‪ ،‬واحلاجيات‪ ،‬والتحسينيات‪ ،‬وسنعرف بكل منها بإيجاز‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬الضروريات‪ ،‬وهي التي ال بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا‪ ،‬بحيث إذا فقدت لم جتر مصالح الدنيا على‬ ‫استقامة بل على فساد وتهارج وفوت للحياة‪ ،‬وفي اآلخرة فوت النعيم واخلسران واملبني‪ 12.‬وقد استغنى كثير من‬

‫‪ 6‬الشاطبي‪ ،‬املوافقات‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة الرياض احلديثة‪ ،‬دون تاريخ ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪37‬‬ ‫‪ 7‬البوطي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪23‬‬

‫‪ 8‬محمد اجملتار‪ ،‬املصالح املرسلة‪ ،‬بحوث املؤمتر الرابع للفقه املالكي‪ ،‬اإلمارات‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ ، 1986 ،‬ص ‪614‬‬ ‫‪ 9‬عبد الرحمن بالل‪ ،‬الضروريات احلاجيات التحسينيات‪ ،‬من بحوث املؤمتر الرابع للفقه املالكي‪ ،‬ط‪ .‬رئاسة القضاء الشرعي باإلمارات العربية‬ ‫املتحدة‪ ،1986 ،‬ص ‪526-525‬‬

‫‪ 10‬الطوفي‪ ،‬مختصر الروضة‪ ،‬والغزالي في املستصفى‪ ،‬نقال عن‪ :‬اخلزرجي م س‪ ،‬ص ‪558-557‬‬ ‫‪ 11‬الشاطبي‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪16‬‬ ‫‪12‬‬ ‫الشاطبي‪ ،‬املوافقات‪ ،‬م س ج‪ ،2‬ص ‪8‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪179‬‬


‫األصولني عن تعريفها بعدها وحصرها في الكليات اخلمس‪ ،‬ومن املعروف أن اﶈصور بالعد ال يحتاج إلى احلد كما‬ ‫‪13‬‬ ‫قيل‪ ،‬وهذه الضروريات هي‪:‬‬ ‫ الدين‪.‬‬‫ النفس‪.‬‬‫ العقل‪.‬‬‫ النسل‪.‬‬‫ املال‪.‬‬‫‪ -‬وزاد بعضهم العرض‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫وذلك بناء على أنه هو والنسل متغايران‪ ،‬وأما من جعلها خمسا فقط –وهو األكثر‪ -‬فإنه جعل النسل داخال في‬ ‫العرض‪ .‬وقد جعل الفقهاء واألصوليون هذه الضروريات أصال جلميع األحكام وذلك إما أصالة أو تبعا‪ ،‬ومن أكثر‬ ‫األبواب التي جندهم يربطون بها املقاصد باب العقوبات واحلدود الشرعية فربطوا كل واحد منها بإحدى‬ ‫الضروريات‪ ،‬فشرع اجلهاد وحد الردة والعبادات حلفظ الدين‪ ،‬وشرع القصاص حلفظ النفس‪ ،‬وشرع حد اخلمر‬ ‫والسكر حلفظ العقل‪ ،‬وشرع حد الزنا وحد القذف حلفظ النسل‪ ،‬وشرع حد السرقة حلفظ املال‪ ،‬وميكن أن يقال‬ ‫إن حد القذف شرع حلفظ العرض بناء على استقالله‪ ،‬وأما إن قلنا باندراجه في الرابع فال داعي لذكره‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬احلاجيات‪ ،‬وهي املفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق املؤدي في الغالب إلى احلرج واملشقة‪ ،‬فإذا لم‬ ‫تراع وقع احلرج لكن ال يبلغ ما يبلغ الفساد احلاصل بفوات الضروري‪ ،‬ومثالها في العبادات الرخص‪ ،‬وفي العادات‬ ‫‪15‬‬ ‫التمتع بالطيبات‪ ،‬وفي املعامالت العقود اجملتلفة‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬التحسينيات‪ ،‬وهي األخذ مبا يليق من محاسن‪ ،‬وجتنب األحوال املدنسات التي تأنفها العقول الراجحات‪،‬‬ ‫ويجمع ذلك قسم مكارم األخالق‪ 16.‬وهي في العبادات كإزالة النجاسة والطهارة والتقرب بالنوافل والصدقات‪،‬‬ ‫وفي العادات مثل آداب األكل والشرب وغيرها‪ ،‬وفي املعامالت كمنع بيع املستقذرات‪.‬‬ ‫فكل دائرة من دوائر املصالح أقل دورا من التي قبلها‪ ،‬واألخيرتان مكملتان لألولى‪ ،‬لذلك فإنها مقدمة عليهما‪،‬‬ ‫كما أن التأثير عليها يؤثر فيهما‪ ،‬والتأثير في احلاجيات يقتضي التأثير على التحسينيات من غير عكس‪ ،‬ومن‬ ‫هنا اشترطوا في كل رتبة أال تعود على ما أهم منها باإلبطال‪ .‬وعلى هذا التقسيم سار جمهور األصوليني قدميا‬ ‫وحديثا‪ ،‬وبينوا أنه ال ميكن أن يخرج عنه مقصد من مقاصد الشرع وال فعل من أفعال املكلفني‪.‬‬

‫‪ 13‬الشاطبي‪ /‬املوافقات‪ /‬ج‪ 2‬ص ‪10‬‬ ‫‪ 14‬اخلزرجي م س ص ‪565‬‬ ‫‪ 15‬الشاطبي‪ /‬املوافقات‪ /‬ج‪ 2‬ص ‪11-10‬‬ ‫‪ 16‬الشاطبي‪ /‬املوافقات‪ /‬ج‪ 2‬ص ‪11-10‬‬ ‫‪180‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫الفقرة الثانية‪ :‬اعتبار املصلحة في الشرع‬ ‫أخصر وأوضح وأضبط وأشمل ما وقفت عليه من تلك التقسيمات هو تقسيم الشيخ محمد يحيى بن الشيخ‬ ‫احلسني‪ ،17‬وأكتفي بتقسيمه دون اختياراته وتعريفاته‪ ،‬حيث جعل القسمة أوال رباعية‪ ،‬فقسم الوصف إلى‬ ‫أربعة أقسام رئيسية هي‪:‬‬ ‫‪1‬ـ املؤثر‪ :‬وهو عند احلنفية‪ :‬ما شهد الشارع باعتبار عينه في عني احلكم أو جنس احلكم‪ ،‬وعند الشافعية‪ :‬ما‬ ‫شهد الشارع باعتبار عينه في عني احلكم وهو رأي اآلمدي وابن احلاجب‪ ،‬وعند الرازي ما أثر جنسه في نوع احلكم‪.‬‬ ‫‪19‬‬ ‫وعرفه الغزالي بأنه ما ظهر تأثيره في احلكم‪ ،‬أي الذي عرف إضافة احلكم إليه وجعله مناطا‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ويظهر من خالل هذه التعريفات أمور أهمها أن التأثير هنا مبني على املعرفة وهي العلم‪ ،‬وكان من املفروض أن‬ ‫يذكروا سبيل احلصول على ذلك العلم الذي يحصل به التاثير في التعريف‪ ،‬وإن لم يفعلوا هنا فقد بينوا في‬ ‫مواضع أخر أن ذلك "ال يكون إال بنص أو إجماع"‪.20‬‬ ‫إال أن اآلمدي رأى أن التأثير يكون على حالني‪ ،‬أحدهما ما كانت العلة اجلامعة فيه منصوصة بالصريح أو اإلمياء‬ ‫أو مجمعا عليها‪( ،‬وكأن هذا هو التأثير الشرعي)‪ ،‬وظاهر كالمه أنه ال يشترط أن يكون تأثير املؤثر قد علم بنص‬ ‫أوإمياء أو إجماع‪ ،‬بدليل أنه ذكره على أنه قسم من أقسام التأثير ال أنه هو نفسه‪ ،‬وقسيمه هو ما أثر فيه عني‬ ‫الوصف اجلامع في عني احلكم‪ ،‬أو عينه في جنس احلكم أو جنسه في عني احلكم‪ ،‬وبهذا يكون قد وسع دائرة‬ ‫التأثير ليشمل كل أوجل املناسب واملالئم‪ ،‬وهو ما ال يتماشى مع التعريف املنسوب إليه فوق‪ ،‬وال مخرج من ذلك‬ ‫إال أن نقول إنه ال يقسم التأثير الذي اصطلح عليه مبا مر‪ ،‬وإمنا يقسم مطلق التأثير الذي يراد به انصباب وصف‬ ‫أيا كان بالتأثير على حكم معني‪ ،‬ويكون بذلك شامال لكل أنواع األوصاف‪ ،‬ولكن ذلك أيضا ينافيه قوله "ومن‬ ‫الناس من جعل املؤثر هو األول ال غير واملالئم ما بعده"‪ 21‬مما يدل على أنه يرى أن املؤثر يشمل كل ما ذكر في‬ ‫التقسيم السابق‪ ،‬وكأنه يرى أن التأثير نوعان؛ تأثير ثابت بالنص أو اإلجماع‪ ،‬وميكن أن نسميه تأثير شرعيا‪ ،‬وتأثير‬ ‫ثابت بطرق االستدالل األخرى وميكن أن نسميه تأثيرا عقليا‪ ،‬وال مشاحة في االصطالح‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫محمد يحيى ولد الشيخ احلسني‪ /‬لب النقول في اختصار علم األصول‪ /‬ت ابنه محمد عبداهلل ط‪ .‬أبو ظبي ‪ ،1997‬ص ‪217‬‬

‫‪ 18‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬أصول الفقه‪ / ،‬ط‪ .‬دار الفكر ‪ 1996‬ج‪ ، 1‬ص ‪688‬‬ ‫‪ 19‬الغزالي‪ ،‬املستصفى‬

‫ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،1413 ،‬ت محمد عبد السالم عبد الشافي‪ ،‬ج‬

‫‪ 2‬ص ‪320‬‬

‫‪20‬‬ ‫‪ 21‬اآلمدي‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬تعليق وحتقيق عبد الرزاق عفيفي‪ /‬ط‪ .‬املكتب اإلسالمي‪ /‬بيروت ‪1402‬هـ ‪ ،‬ج ‪4‬ص‪3‬‬ ‫الزحيلي‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪653‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪181‬‬


‫أما من حيث القبول واالعتبار فإن "املؤثر مقبول باتفاق القائلني بالقياس"‪ 22‬وهو قبول يرقى من مرحلة اجلواز إلى‬ ‫مرحلة الوجوب‪ ،‬إذ أن التأثير شرط لوجوب العمل بالوصف‪ ،‬لقربه من النص وداللة النص ومقتضى اإلجماع‪،‬‬ ‫بخالف املالءمة التي هي شرط جلواز العمل به‪ ،‬ويبقى مشمولها محل أخذ ورأي واجتهاد‪.23‬‬ ‫‪2‬ـ املالئم‪ :‬وهو عند احلنفية‪ :‬ما اعتبر الشارع جنسه في عني احلكم‪ ،‬وعند الشافعية ما شهد الشارع باعتبار‬ ‫عينه أو جنسه في جنس احلكم‪ ،‬ومن التعريفني ومقارنتهما بتعريفي أصوليي املذهبني للمؤثر يظهر أن احلنفية‬ ‫وسعوا دائرة املؤثر وضيقوا دائرة املالئم‪ ،‬بينما عكس الشافعية فضيقوا دائرة املؤثر ووسعوا دائرة املالئم‪ ،‬فنجد‬ ‫مثال أن ما اعتبر الشارع عينه في جنس احلكم من املؤثر عند احلنفية وهو من املالئم عند الشافعية‪ ،‬كما يتبني‬ ‫أن الشافعية جعلوا ما أثر جنسه في جنس احلكم من املالئم‪ ،‬بينما لم يعتبره احلنفية ال من املؤثر وال من املالئم‪.‬‬ ‫وأهم ما مييز املالئم عن سابقه أن املؤثر ظهر تأثيره بنص أو إجماع كما مر‪ ،‬بينما املالئم هو "الوصف الذي اعتبره‬ ‫الشارع ال من جهة النص على أنه علة"‪ 24‬بل من وجه أو أوجه أخرى من أوجه االستدالل وبذلك يخرج القسم‬ ‫الثاني من تقسيم اآلمدي الذي ذكرنا من قبل من دائرة التأثير إلى دائرة املالءمة‪.‬‬ ‫كما يتميز املالئم عن املؤثر بسعته وشموله وكثرة ما يصدق عليه‪ ،‬فاملؤثر مرتبط بالنص واإلجماع ومن املعلوم‬ ‫أن ما نص عليه وما أجمع عليه من العلل واألحكام غير كثير مقارنة بغيره‪ ،‬في حني جند أن املالئم أيسر وأسهل‬ ‫في االستدالل عليه‪ ،‬ويكتفى فيه بأدلة غير قاطعة قطع النص واإلجماع‪.‬‬ ‫أما من حيث االعتبار فالفرق أوضح‪ ،‬إذ اعتبار األول كاعتبار األصول واعتبار الثاني كاعتبار الفروع؛ فاملالئم الذي‬ ‫شهد له أصل معني يقبل قطعا عند القائسني‪ ،‬بخالف املناسب الذي ال يالئم وال يشهد له أصل معني فال يقبل‬ ‫قطعا ألنه استحسان ورأي‪ ،‬وهذا بناء على رأي الشافعية القائلني مبنع االستحسان‪ ،‬ومثاله حرمان القاتل لو لم‬ ‫يرد فيه نص‪ .‬وأما املناسب الذي يشهد له أصل معني لكن ال يالئم فهو في محل االجتهاد‪ ،‬مثله في ذلك مثل‬ ‫‪25‬‬ ‫املالئم الذي ال يشهد له أصل معني وهو االستدالل املرسل وهو أيضا محل اجتهاد‪.‬‬ ‫وقسم ابن الشيخ احلسني وغيره املالئم إلى أقسام أربعة تبعا الحتماالت اعتبار العني واجلنس وأهمل النوع‪،‬‬ ‫وأراه بذلك يحمله محمل اجلنس الشتراكه معه في العموم‪ ،‬وتلك األقسام األربعة‪ ،‬يجمع بينها أنها اعتبرت‬ ‫في الشرع بدرجات متفاوتة‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ـ ما اعتبر عينه في عني احلكم من جهة ترتيب احلكم على وفقه ال من جهة النص مثل علة حترمي اخلمر‪.‬‬ ‫ـ ما اعتبر فيه نوع الوصف في جنس احلكم مثل اعتبار القتل العمد العدوان في جنس احلكم الذي هو القصاص‪.‬‬ ‫ـ ما اعتبر فيه جنس الوصف في عني احلكم‪ ،‬كاعتبار القرابة في اإلرث‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫الغزالي‪ ،‬املستصفى‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪312‬‬

‫‪ 23‬السعدي‪ /‬العلة في القياس عند األصوليني‪ /‬عبد احلكيم السعدي‪ /‬ط‪ .‬دار البشائر اإلسالمية‪ /‬بيروت ‪ 2000‬ص ‪395‬‬ ‫‪ 24‬لب النقول (م س) ‪217‬‬

‫‪25‬‬

‫الغزالي‪/‬‬

‫املستصفى ‪315 /2‬‬

‫‪182‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ـ ما اعتبر فيه جنس الوصف في جنس احلكم‪ ،‬مثل عدم حفظ املال في جنس احلجر الذي هو أنواع مختلفة‪.‬‬ ‫‪3‬ـ الغريب‪ :‬وهو الطردي وهو ما طرده الشارع عن االعتبار مع مناسبته كعدم اعتبار مشقة سفر املترف أربعة‬ ‫برد‪.‬‬ ‫‪4‬ـ املصلحة املرسلة‪ :‬ويسمى االعتماد عليها وبناء األحكام الفقهية على مقتضاها باالستصالح‪ ،26‬وهي‬ ‫الوصف املناسب الذي لم يثبت فيه عن الشارع اعتبار وال إلغاء‪ ،‬وهو معتبر عند املالكية واحلنفية‪ ،‬وعند أكثر‬ ‫احلنابلة‪ ،‬وهي املقصودة بالقول املنسوب إليهما بعدم اشتراط اعتبار الشارع للمناسبة بنص أو إجماع واالكتفاء‬ ‫‪27‬‬ ‫مبجرد إبداء املناسبة‪ ،‬قيل وما من أحد من األئمة إال عمل به إال أنه يسميه بغير اسمه‪.‬‬ ‫القرة الثالثة‪ :‬عالقة مقاصد احلضانة بهذه األقسام‬ ‫إذا أردنا حتقيق مناط هذه األقسام في موضوع احلضانة نرى بدون شك أو تردد أن احلضانة ورعاية اﶈضون داخلتان‬ ‫في القسم األول الذي هو قسم الضروريات‪ ،‬وذلك لعدة اعتبارات‪:‬‬ ‫أولها‪ :‬أنها داخلة في حفظ الدين‪ ،‬ألن من مصالح اﶈضون حفظ دينه‪ ،‬والدين هو أول وأولى املصالح بالرعاية‬ ‫واحلفظ‪ ،‬سواء كان ذلك في أصله جلبا أو حفظا أو فروعه تعليما وتوجيها وتربية‪.‬‬ ‫ثانيها‪ :‬أن احلضانة وسيلة مباشرة حلفظ النفس ماديا ومعنويا جلبا ودفعا‪.‬‬ ‫ثالثها‪ :‬أن هذا التقسيم نسبي؛ ومن ثم فإنه ال توجد حدود فاصلة بني كل قسم وآخر‪ ،‬لذلك فإن من احلاجيات‬ ‫بل وأحيانا من التحسينيات ما يتحول إلى ضروريات إن كان ال بد منه في استقامة أمور الدنيا أو صالح الدين‪،‬‬ ‫لذلك نرى مثال أن كثيرا من املعامالت في األصل من باب التحسينيات لكنها ملا تعلقت في بعض صورها بضروري‬ ‫‪28‬‬ ‫–هو النفس‪-‬صارت من باب الضروريات‪ ،‬ومن أمثلة ذلك القريبة من موضوعنا مسألة اإلجارة لتربية الطفل‪،‬‬ ‫التي عدها بعض الفقهاء من الضروريات لتأديتها إلى ضروري هو حفظ النفس‪ ،‬ولهذا قال الفهري‪" :‬وليس من‬ ‫‪29‬‬ ‫هذا –بعض احلاجيات‪ -‬تسليط الولي على تربية الطفل ورضاعه فإن ذلك من باب الضروريات‪.‬‬ ‫فحضانة اﶈضون إﳕا شرعت ألجل مصلحة عليا تتقاطع فيها جميع املصالح الضرورية‪ ،‬لذلك فهي ضرورية‬ ‫شرعا وعادة وعقال لترتب صالح الدين والدنيا عليها‪ ،‬بل إن متعلقاتها وفروعها قد تتحول إلى ضروريات‪ .‬لكن‬ ‫هذا التعلق ال ينفي أنه قد يكون من مصالح اﶈضون ما هو في دائرة احلاجيات أو التحسينيات شأنه في ذلك‬ ‫شأن كل إنسان في هذه الدنيا‪ .‬وال بد من التنبيه هنا إلى أن تصنيف فعل أو تكليف ضمن دائرة التحسينيات‬ ‫ال يعني إهماله وال إلغاءه شرعا بل إنه قد يكون حاجيا أو حتسينيا وهو ضمن أهم الفرائض ولذلك جندهم ميثلون‬ ‫للتحسينيات بالطهارة وهي من أهم الفرائض الشرعية‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫الشاطبي‪ /‬االعتصام‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ 1988 ،‬ج ‪ 2‬ص ‪324‬‬

‫‪27‬‬

‫الزحيلي (م س) ج ‪ 1‬ص ‪679‬‬ ‫ابن بالل‪( ،‬م س )‪ ،‬ص ‪526‬و ‪567‬‬

‫‪28‬‬

‫‪29‬‬

‫محمود األصبهاني‪ ،‬بيان اجملتصر‪ ،‬شرح مختصر بن احلاجب‪ ،‬ت د‪ .‬مظهر بقا‪ ،‬ط‪ .‬جامعة أم القرى‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪120‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪183‬‬


‫أما بالنسبة للتقسيم الثاني فنرى أن مصلحة اﶈضون تتناولها األصناف الثالثة؛ فإن منها ما هو مؤثر العتبار‬ ‫الشرع في نصوص عديدة ملصالح اﶈضون اعتبارا أوجب رضاعته وحضانته وكفالته‪ ،‬وهذا اجلزء هو األغلب وهو‬ ‫األصل‪ ،‬إال ذلك ال ينفي أن من مصالح اﶈضون ما هو مالئم العتبار جنسه دون عينه في إناطة احلكم‪ ،‬كما أنها‬ ‫منها ما هو مرسل‪ ،‬ولكن إرساله ال يعني عدم اعتباره كما فصلنا من قبل‪.‬‬

‫املبحﺚ الثاني‪ :‬مفهوم مصلحة اﶈضون‬ ‫إن حتديد مفهوم مصلحة اﶈضون ال يكتمل إال بالنظر في املفهوم ضمن األطر القانونية الدولية واﶈلية وقبلها‬ ‫ومعها وبعدها النظر في داللة املفهوم في الشريعة اإلسالمية؛ فإنها أصل معاني احلضانة وأحكامها في أغلب‬ ‫القوانني العربية‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬مفهوم مصلحة اﶈضون في املعاهدات الدولية‬ ‫تتجه املعاهدات الدولية في هذا املضمار ‪-‬وفي غيره‪ -‬إلى العمومية عادة‪ ،‬ولذلك ما يبرره؛ إذ أن هذه املعاهدات‬ ‫موجهة إلى دول مختلفة وشعوب متباينة املوارد واملصادر‪ ،‬مما يتطلب تكوين مسارات عامة تدور فيها أفالك‬ ‫جميع الدول تضمن احلد األدنى من اخلالف واحلد األعلى من االتفاق‪ .‬لذلك تنص املعاهدات الدولية في مجال‬ ‫حقوق الطفل دائما على ضروريات ال خالف فيها‪ ،‬ثم حتيل تصريحا أو ضمنا إلى القوانني والنظم اﶈلية في‬ ‫التفاصيل‪ ،‬ولكن ذلك في إطار القواعد العامة املتفق عليها طبيعيا ودوليا‪.‬‬ ‫وملا كان الطفل إنسانا فإن جميع احلقوق املكفولة لإلنسان في املعاهدات الدولية تشمل الطفل‪ ،‬لكن بحكم‬ ‫وضع الطفولة ووضع الطفل وتعرضه للمخاطر انضافت حقوق أخر تضمن له حماية خاصة تقيه اجملاطر التي‬ ‫يعجز عن دفعها عن نفسه وجتلب له املصالح التي ال يقدر على جلبها لنفسه‪ .‬ومن هنا بدأت املنظمات الدولية‬ ‫في صياغة اإلعالنات واملعاهدات التي تضمن حماية الطفل منذ نشﺄة اﺠﻤﻟتمع الدولي إلى اليوم‪.‬‬ ‫فقد متت املصادقة على بيان جنيف من قبل عصبة األمم‪ ،‬والذي كان األساس لبيان حقوق الطفل الذي متت‬ ‫املصادقة عليه في الـ‪ 20‬من نوفمبر ‪1959‬م‪ 30.‬وقد نص في املبدأ الثاني من املبادئ العشرة التي أقرها على أنه‬ ‫"يجب أن يتمتع الطفل بحماية خاصة‪ ،‬وأن يعطى كافة الفرص والتسهيالت مبوجب القانون أو أي وسيلة أخرى‬ ‫‪31‬‬ ‫حتى يتمكن من النمو جسديا وعقليا وأخالقيا واجتماعيا بصورة صحيحة وطبيعية"‪.‬‬ ‫ومن الواضح أن هذا اإليجاب موجه إلى الدول املوقعة بالدرجة األولى‪ ،‬ما يجعلها ملزمة بتطبيق تلك املعاهدة‬ ‫مباشرة إذا كانت الدولة تقدم املعاهدات على قوانينها اﶈلية أو تساويها بها‪ ،‬أو بشكل غير مباشر عن طريق‬ ‫سن القوانني وتعديلها بطريقة تتالءم مع هذه املعاهدة‪ ،‬ثم بعد ذلك من خالل اتباع السياسات الكفيلة بضمان‬ ‫تنفيذ املعاهدة وتطبيق القانون بطريقة حتمي مصالح الطفل حسب املتاح‪.‬‬ ‫‪ 30‬الشيخ ولد حرم‪ ،‬إشكالية حقوق الطفل في معاهدة نيويورك‪ ،‬مجلة القانون واالقتصاد املوريتانية‪ ،‬عدد‪ ،11‬سنة ‪ ،1996‬ص‪21‬‬ ‫‪ 31‬للتوسع انظر‪ :‬مصطفى العوجي‪ ،‬احلدث املنحرف واملهدد باالنحراف في التشريعات العربية‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ ،1986 ،‬ص‪8‬‬

‫‪184‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وباإلﺿافة إلى إحالة املعاهدات الدولية على القوانني اﶈلية ﳒدها كذلك تلزم األسر بضمان حقوق ومصالح‬ ‫أطفالهم وأن يضمنوا لهم التربية داخل اإلطار األسري الذي هو البوتقة األولى للسلوك والقيم‪ ،‬لذلك نص‬ ‫االلتزام الذي صادقت عليه اجلمعية العامة لألمم املتحدة بقرارها ‪ 86/41‬الصادر في ‪ 3‬ديسمبر ‪1986‬م واملتعلق‬ ‫باملبادئ االجتماعية والقانونية وخاصة في اجلزء الذي تعلق باحلماية حيث نص على أن "الطفل كائن بشري‬ ‫تتوقف رفاهيته على رفاهية األسرة"‪ 32.‬وكذلك فعلت اتفاقية حقوق الطفل املصادق عليها من األمم املتحدة‬ ‫بتاريخ ‪ 20‬نوفمبر ‪1989‬م والتي تعترف للطفل بحقوق منها‪" :‬أسرة توفر له احلماية الكافية"‪ 33.‬وتبعا لذلك‬ ‫‪34‬‬ ‫أوصى ميثاق حقوق الطفل العربي مبا يحقق مصلحة الطفل واألسرة ورعايتهما ورعاية الطفل وحمايته‪.‬‬ ‫من هنا ميكن أن نقول إن الدول ملزمة ‪-‬بشكل أو بآخر‪ -‬بتطبيق املعاهدات التي صادقت عليها‪ ،‬كما أن األسرة‬ ‫ملزمة مبقتضى هذه املعاهدات أيضا ومبقتضى القوانني اﶈلية للدول املوقعة ثانيا‪ ،‬الكل ملزم بتشريع وتطبيق‬ ‫النظم واملبادئ والقواعد والسياسات الكفيلة بحماية اﶈضون وﺿمان مصاحله‪ .‬وال يهمنا هنا سرد احلقوق التي‬ ‫نصت عليه املعاهدات واملواثيق الدولية اخلاصة بالطفل فهي كثيرة ومتشعبة‪ ،‬إذ أن منها ما هو داخل في اإلطار‬ ‫العام حلقوق اإلنسان‪ ،‬ومنها ما هو مخصص بعهود ومواثيق محددة مثل احلقوق االقتصادية واملدنية والثقافية‬ ‫واالجتماعية للطفل‪ 35،‬بل يكفينا هنا أن نشير إلى ما يلي‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن املواثيق الدولية نصت على أغلب حقوق الطفل األساسية وألزمت الدول بالسير وفقها وتكييف اﺠﻤﻟتمع‬ ‫واألسرة مبا يضمنها حسب اإلمكان‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن من تلك احلقوق‪ :‬أسرة تكفل الرعاية واحلماية للطفل‪ ،‬ومؤسسات تقوم مقامها عند فقدها حقيقة أو‬ ‫حكما‪ ،‬مما يضمن حضانة الطفل في جو يصون مصاحله ويدفع عنه اجملاطر‪.‬‬ ‫‪3‬ـ تلك الرعاية التي تقع على كاهل الدولة وعاتق األسرة أو من يقوم مقامها تشمل جميع اجلوانب األخالقية‬ ‫والنفسية واالقتصادية وغيرها‪ ..‬أي كل ما يكفل الراحة والطمأنينة والرفاهية للطفل‪ ،‬ولكن مع ترك القانون‬ ‫الدولي للتقديرات والتطبيقات والتفسيرات الفرعية للقوانني اﶈلية‪.‬‬ ‫إال أن هذه النصوص الدولية –على أهميتها‪ -‬ال تكفي وحدها لضمان مصلحة الطفولة في جميع األحيان‪ ،‬إذ‬ ‫أنها تصطدم بعقبات عديدة أهمها‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن التوقيع على هذه املعاهدات يرجع الختيار الدول وليس ملزما للجميع من األساس‪.‬‬ ‫‪2‬ـ كون بعﺾ هذه املعاهدات ﺷبيه بالنظرية غير القابلة للتطبيق في كثير من اﺠﻤﻟتمعات التي تعاني مشاكل‬ ‫اجتماعية واقتصادية عميقة ومزمنة‪.‬‬

‫‪ 32‬الشيخ ولد حرم‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪19‬‬ ‫‪ 33‬عبد الفتاح باباه‪ ،‬اﺠﻤﻟال املتاح ملصلحة اﶈضون من طرف مبادئ وتطبيقات قانون األسرة املوريتاني‪ ،‬بحث مقدم للملتقى األول حول قوانني األسرة‬ ‫املغاربية‪ ،‬جامعة سيدي بلعباس‪ ،‬اجلزائر‪ 8-7-6 ،‬يونيو ‪1999‬‬ ‫‪ 34‬العوجي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪21‬‬ ‫‪ 35‬للتفصيل انظر‪ :‬الشيخ ولد حرم‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪ 22‬وما بعدها‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪185‬‬


‫‪3‬ـ كون بعض هذه املبادئ ال يرقى إلى مستوى املعاهدة وليست له أي صفة إلزامية للدول املوقعة واملصادقة‬ ‫أحرى غيرها‪.‬‬ ‫‪4‬ـ ضعف املتابعة والتقييم‪ ،‬حيث إن التقارير عن تطبيق هذه املعاهدات ترفع لهيئة األمم املتحدة كل خمس‬ ‫‪36‬‬ ‫سنوات ‪-‬وهذه مشكلة‪ -‬ومن قبل الدول املعنية –وهذه مشكلة أكبر‪.-‬‬ ‫‪5‬ـ أن املعاهدات املوقع عليها ما زال تطبيقها على املستوى اﶈلي يثير جدال سياسيا وقانونيا في بعض الدول‪،‬‬ ‫فرغم وجود من يدعو لتطبيقها محليا مباشرة ال يزال هناك رأي قانوني وفقهي بعكس ذلك متاما‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يفسر –مثال‪ -‬عدم إثارة اي قضية من هذا القبيل أمام اﶈاكم املوريتانية‪ ،‬وقد كان مجلس الدولة الفرنسي أصرح‬ ‫بكثير عندما أصدر قرارا بتاريخ ‪ 30‬يونيو ‪ 1993‬بشان (قضية كمارا) يعتبر أن التطبيق املباشر ملعاهدة نيويورك‬ ‫حلقوق الطفل ال يعتبر مسألة مطروحة‪ 37،‬ولذلك كان ال بد من سن القوانني والتشريعات اﶈلية التي تخرجنا‬ ‫من هذا اخلالف‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬مفهوم مصلحة اﶈضون في القوانني اﶈلية العربية‬ ‫أوصت املعاهدات اإلقليمية العربية من جهتها أيضا بحماية ورعاية حقوق الطفل املادية واملعنوية‪ ،‬وقد بدأ ذلك‬ ‫االهتمام مبكرا جدا فعمره يكاد يقترب من عمر أهم وأوسع منظمة في املنطقة هي جامعة الدول العربية‪،‬‬ ‫‪38‬‬ ‫فقد أوصى مؤمتر اجلامعة العربية حلل مشاكل الطفولة في بيروت سنة ‪ 1949‬مبا يلي‪:‬‬ ‫‪1‬ـ إعداد البيئة الصاحلة لتنشئة الطفل‪.‬‬ ‫‪2‬ـ سن القوانني والتشريعات الكفيلة بذلك‪.‬‬ ‫إال أن هذه التوصية األخيرة لم يصل صدى صوتها إلى كثير من الدول العربية إال في فترات متأخرة‪ ،‬فقد ظل‬ ‫مجال األسرة واألحوال الشخصية لفترة طويلة يعاني فقرا في التقنني جعلته من املسكوت عنه أو املؤجل في‬ ‫بعض الدول‪ ،‬ورمبا كان ذلك اكتفاء بخضوع مجال األحوال الشخصية للشريعة اإلسالمية أو لبعض مذاهبها‬ ‫أو للجهات الوصية على تلك املذاهب‪ ،‬ورمبا كان سبب ذلك عمق اخلالفات التي ظلت عقبة في سبيل تقنني‬ ‫متفق عليه بني جميع اﻵراء والتوجهات داخل اﺠﻤﻟتمع كما حدث في املغرب‪.‬‬ ‫إال أننا وبحمد اهلل شهدنا في اخلمس عشرة سنة األخيرة مزيدا من التقنني والتطوير القانوني في مجال األسرة‬ ‫فصدرت مدونات لألحوال الشخصية في كثير من الدول وعدلت أخرى لتواكب التطور الفقهي والقانوني‬ ‫واالجتماعي في اﺠﻤﻟتمعات املعاصرة‪ ،‬وأهم ما يهمنا من ذلك مدونات األسرة اإلماراتية واملغربية واملوريتانية التي‬ ‫يجمع بينها جميعا األخذ بالشريعة اإلسالمية‪ ،‬والتأثر بأصول وفروع املذهب املالكي‪ ،‬ولكن دون تضييق للفهم‬ ‫أو حتجير ملرونة الشريعة اإلسالمية ومذاهبها الفقهية كما سنرى فيما بعد‪ ،‬فقد أخذت هذه املدونات بآراء‬ ‫تقدمية تعتمد على جلب مصلحة اﶈضون ودفع املضار عنه وإن خالف ذلك ما هو معهود في مشهور املذهب‬ ‫‪ 36‬الشيخ ولد حرم‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪27‬‬ ‫‪ 37‬الشيخ ولد حرم‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪32-30‬‬

‫‪ 38‬مصطفى اخلشاب‪ ،‬دراسات في االجتماع العائلي‪ ،‬ط‪ .‬جلنة البيان العربي‪ ،1957 ،‬ص ‪112‬‬

‫‪186‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫أو الذي سارت عليه الفتاوى في القدمي‪ ،‬وغالبا ما يكون ذلك مراعاة لقول من أقوال املذاهب الفقهية األخرى‪،‬‬ ‫ومراعاة اخلالف –كما هو معلوم‪ -‬أصل أصيل من أصول مذهب اإلمام مالك رحمه اهلل‪.‬‬ ‫ورمبا يؤخذ على بعض القوانني العربية في هذا اﺠﻤﻟال أنه حاول التوفيق بني الشريعة ومصادر القانون الوضعية‪،‬‬ ‫وبني مختلف املذاهب واألفهام للشريعة‪ ،‬وبني مختلف الطوائف واألديان والفرق املؤلفة للمجتمعات في الدول‬ ‫العربية ذات التعددية الدينية واملذهبية‪ ،‬ونتيجة لكل هذه التباينات وقعت إشكالية كبرى هي االزدواجية في‬ ‫املصادر التي نتج عنها ازدواجية أخرى في التقنني وحتى في القضاء‪ ،‬ونتج عن تلك النظرة انشطار في بعض‬ ‫‪39‬‬ ‫قوانني األسرة العربية أدى بدوره إلى تباين في النظر إلى مصالح اﶈضون‪.‬‬ ‫لكن هذا اخلالف في موضوع مصالح اﶈضون يقل اجلدل فيه إذ أن ضمان مصلحة اﶈضون –وإن اختلف في‬ ‫تقديره‪ -‬مجمع عليه‪ ،‬والتشريع اإلسالمي كذلك مرن جدا في مراعاة مصالح الطفل مهما كانت الظروف‬ ‫والعوا مل واملسؤول عن ذلك‪ ،‬ولذا جند أن الفقه لم مينع األم الكتابية من حضانة مولودها‪ ،‬وهذا رمبا كان سببا‬ ‫لتقليل اخلالف في موضوع احلضانة بسبب اختالف األديان‪ ،‬ومن هنا جند دوال مذاهبية تأخذ أحكام وتطبيقات‬ ‫‪40‬‬ ‫احلضانة من التشريع اإلسالمي‪.‬‬ ‫فمصلحة اﶈضون في أغلب التشريعات العربية حتدد وتفصل –غالبا‪ -‬وفق التشريع اإلسالمي متمثال في‬ ‫املذاهب الفقهية اجملتلفة‪ ،‬واملذهبان األكثر تطبيقا وتأثيرا في هذا اﺠﻤﻟال هما املذهب احلنفي واملذهب املالكي‪ .‬إال‬ ‫أن هذا األخذ والتأثر باملذاهب الفقهية في القوانني ال يخلو من مشاكل يجب بحثها حتى يتم التغلب عليها‬ ‫قدر املستطاع ومنها‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أخذ بعض القوانني والنظم القضائية باملذهب بشكل حرفي‪ ،‬يتمثل في مشهور املذهب‪ ،‬أو ما سارت عليه‬ ‫الفتوى قدميا‪ ،‬أو نص عليه ضمن أحد اجملتصرات الفقهية األكثر تداوال مثل مختصر خليل في املذهب املالكي‬ ‫في موريتانيا مثال‪ .‬وهذه احلرفية قد تتناقض أو على األقل ال تضمن مصالح اﶈضون بشكل كامل‪ ،‬بينما لو‬ ‫أعطي القاضي مستوى من املرونة في تقدير األصلح للطفل لكان ذلك أولى بكثير من إلزامه بنص فقهي‬ ‫اجتهادي يناسب في بعض الظروف دون بعض‪ .‬ويساعد في هذه النظرة املصلحية قلة النصوص الواردة في‬ ‫موضوع احلضانة وهذا ما يجعل املصلحة هي األصل الوحيد الذي يتفق عليه اجلميع‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أخذت بعض القوانني بنصوص واضحة اجملالفة ملبادئ التشريع اإلسالمي –وهذه القوانني قليلة‪ -‬والواقع‬ ‫يشهد أن التشريع اإلسالمي لو فهم على عمومه وأخذ به بشكل صحيح قادر على حل جميع املشاكل‬ ‫واستيعاب جميع املستجدات وإنصاف جميع الناس دون استثناء‪.‬‬ ‫وال تزال األحوال الشخصية ومنها أحكام احلضانة بني أن تكون خاضعة ألحكام الشريعة اإلسالمية إما بشكل‬ ‫مرسل‪ ،‬وإما اعتمادا على مدونات ال يخفى فيها التأثر بالشريعة اإلسالمية وخاصة باملذهبني احلنفي واملالكي‪.‬‬

‫‪ 39‬عبد الفتاح باباه‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪2‬‬

‫‪ 40‬معوض عبد التواب‪ ،‬موسوعة األحوال الشخصية‪ ،‬ط‪ .‬دار املعارف‪ ،1995 ،‬ج‪ ،3‬ص ‪2066‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪187‬‬


‫ويظهر ذلك بوضوح من خالل تعريف احلضانة في بعض هذه القوانني فـهي تبني ماهيتها وحدودها‪ ،‬فقد عرفت‬ ‫مدونة األسرة املغربية احلضانة تعريفا مجمال في املادة ‪ 163‬إال أنه يراعي الناحيتني الرئيستني وهما درء املفاسد‬ ‫عن اﶈضون وجلب املصالح له فقالت إنها‪" :‬حفظ الولد مما قد يضره والقيام بتربيته ومصاحله"‪ 41.‬كما أنه‬ ‫شامل للناحيتني املعنوية واملادية‪ ،‬ولعل األولى هي املقصود بعبارة "تربيته" ولعل الثانية هي املقصود بعبارة‬ ‫"مصاحله" الواردتان في املادة املذكورة‪.‬‬ ‫وتقريرا ملصلحة اﶈضون وانطالقا من قول ابن رشد إنه ليس في نقل احلضانة إلى ما بعد األم من القرابات شيء‬ ‫يعول عليه اكتفت املدونة بالنص في املادة ‪ 164‬على أن "احلضانة من واجبات األبوين ما دامت عالقة الزوجية‬ ‫قائمة"‪ 42‬وفي حالة االنفصال بني األبوين اكتفت بالنص على ثالث درجات النتقال ترتيب أصحاب احلضانة في‬ ‫املادة ‪ 171‬وهم‪ :‬األم ثم األب ثم أم األم‪ 43‬وفيما عدا ذلك أطلقت للمحكمة واسع النظر في التقدير والتقدمي بناء‬ ‫على مصالح اﶈضون‪ ،‬وهنا تنص املادة نفسها‪" :‬فﺈن تعذر ذلك فللمحكمة أن تقرر بناء على ما لديها من قرائن‬ ‫لصالح رعاية اﶈضون إسناد احلضانة ألحد األقارب األكثر أهلية مع جعل توفير سكن الئق للمحضون من واجبات‬ ‫النفقة"‪ 44.‬وهذا املعنى تكرار للحكم األعم املنصوص عليه في املادة ‪" :165‬إذا لم يوجد بني مستحقي احلضانة‬ ‫من يقبلها أو وجد ولم تتوفر فيه الشروط رفع من يعنيه األمر أو النيابة العامة األمر إلى اﶈكمة لتقرر من تراه‬ ‫‪45‬‬ ‫صاحلا من أقارب اﶈضون أو غيرهم وإال اختارت إحدى املؤسسات املؤهلة لذلك"‪.‬‬ ‫ولعل أهم ما يذكر للمدونة املغربية عموما ولهذه املواد منها على اخلصوص التزامها إلى حد كبير باملذهب‬ ‫املالكي‪ ،‬لكن دون تقيد حرفي بالقول الواحد الذي يعبر عنه امل مفتون غالبا باملشهور‪ ،‬كما أنها جنت من طول‬ ‫القائمة للحاضنني الذي جنده في كتب الفقه وفي بعض القوانني‪ ،‬وبدال من ذلك اعتمدت أمرين‪ :‬أولهما فتح‬ ‫الباب واسعا أمام اﶈكمة لنقل احلضانة بناء على تقدير مصالح اﶈضون وفق املعطيات املتاحة‪ ،‬وثانيهما إدخال‬ ‫حاضن جديد لم جند له ذكرا من قبل في كتب الفقه القدمية ألنه لم يكن شائعا في ذلك الزمن مثل ما هو اآلن‬ ‫أال وهو "املؤسسات املؤهلة"‪ .‬إال أنه رمبا يؤخد على املادة ‪ 164‬شيء من عدم التحديد ألنه نصت على بقاء‬ ‫"الزوجية قائمة" وقيام الزوجية يقصد به شرعا عدم الطالق أو ما في معناه‪ ،‬واملالحظ في الواقع أن الزوجية‬ ‫مبعناها الشرعي قد تكون قائمة لكنها مبعناها الواقعي قد تكون بعيدا من ذلك‪ .‬وهذا ما تنبه له املشرع‬ ‫اإلماراتي بنصه على أن "لكل من األم واألب ضم األوالد إليه إذا كان بينهما نزاع وخرجت األم من مسكن الزوجية‬ ‫ولو كانت الزوجية قائمة بينهما" وأضاف إضافة أخرى في غاية األهمية وهي أن القاضي "يفصل (‪ )...‬في الطلب‬ ‫اعتبارا مبصلحة األوالد"‪46.‬‬ ‫أما قانون األحوال الشخصية املوريتاني فعباراته ال تبعد كثيرا عن مدونة األسرة املغربية فقد عرف احلضانة‬ ‫بأنها‪" :‬حفظ الولد مما قد يضره قدر املستطاع والقيام بتربيته ومصاحله وال تترتب عليها والية"‪ 47‬ورمبا متيز‬ ‫القانون في هذه املادة بالتنبيه على أن كل الواجبات على احلاضن منوطة باالستطاعة‪ ،‬وبالتفريق بني احلضانة‬ ‫‪ 41‬مدونة األسرة املغربية املادة ‪ 163‬اجلريدة الرسمية املغربية‪ ،‬ع ‪ 26 ،5859‬يوليو ‪2010‬‬ ‫‪ 42‬مدونة األسرة املغربية املادة ‪164‬‬ ‫‪ 43‬نص املادة ‪ 171‬من مدونة األسرة املغربية‪" :‬تخول احلضانة لألم ثم لألب ثم ألم األم‪"..‬‬ ‫‪ 44‬مدونة األسرة املغربية املادة ‪171‬‬ ‫‪ 45‬مدونة األسرة املغربية املادة ‪165‬‬ ‫‪ 46‬قانون األحوال الشخصية اإلماراتي‪ ،‬املادة ‪146‬‬ ‫‪ 47‬قانون األحوال الشخصية املوريتاني‪ ،‬املادة ‪121‬‬ ‫‪188‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫والوالية‪ ،‬وتبيني كون الثانية ال تترتب على األولى‪ ،‬وإن كنت أرى من ناحية الصياغة فقط أن محل هذه اجلزئية‬ ‫ينبغي أن ينص عليه في مكان آخر‪.‬‬ ‫وعلى عكس مدونة األسرة املغربية جند القانون املوريتاني يقيد كثيرا نظر القاضي وتقدير اﶈكمة ملصالح‬ ‫اﶈضون بنصه على قائمة ﻃويلة من احلاضنني واحلاضنات ﲡاوز عددهم عشرين ‪ 48،‬بناء على مشهور املذهب‬ ‫املالكي الذي سارت عليه فتاوى املتأخرين ونص عليه في اجملتصرات‪ .‬ولم تترك للقاضي النظر إال في حالتني؛ ففي‬ ‫األولى أعطت القاضي حق "تعيني أمني يثق فيه لتولي حضانة من ليس له حاضن"‪ 49.‬وفي الثانية أعطته "اختيار‬ ‫األصلح للمحضون"‪ 50‬إذا احتدت رتبة مستحقي احلضانة‪ .‬وهذا ما نصت عليه املادة ‪ 155‬من قانون األحوال‬ ‫الشخصية اإلماراتي بالقول‪" :‬إذا تعدد أصحاب احلق في احلضانة وكانوا في درجة واحدة اختار القاضي األصلح‬ ‫‪51‬‬ ‫للولد"‪.‬‬ ‫وأرى أن احلالة األولى يصعب أو يندر أن تتحقق في ظل هذا العدد الهائل من اخليارات املرتبة مسبقا‪ ،‬والتي نصت‬ ‫املادة ‪ 124‬على ترتيبها ترتيبا وجوبيا بالقول‪" :‬يراعى الترتيب املشار إليه في املادة ‪ "123‬وهو ما زاد نظر القاضي‬ ‫في مصلحة اﶈضون تقييدا‪ ،‬وأما احلالة الثانية فكأن املادة التي نصت عليها تريد أن تقول إن النظر في رتبة‬ ‫احلاضن مقدم على النظر في تقدير مصالح اﶈضون‪.‬‬ ‫في املقابل جند قانون األحوال الشخصية اإلماراتي يرتب احلاضنني ترتيبا قريبا من املعهود في مشهور املذهب‬ ‫املالكي‪ ،‬وإن أضاف إليها اختيارات حنبلية وحنفية‪ ،‬إال أنه امتاز بخاصيتني‪ :‬أوالهما اختصار ترتيب احلواضن‬ ‫وإجمالهن بالصفة مثل "اﶈارم من النساء"‪ 52‬وثانيتهما أنه أشار إلى أن الترتيب املذكور في املادة ‪ 146‬غير ملزم‬ ‫‪53‬‬ ‫بل "على القاضي أن يراعي عند البت في ذلﻚ مصلحة اﶈضون"‪.‬‬ ‫وقد كان القانون اإلماراتي متحفظا بتعريفه للحضانة في املادة ‪ 142‬بأنها "حفظ الولد وتربيته ورعايته مبا ال‬ ‫يتعارض مع حق الولي في الوالية على النفس"‪ 54‬وكأن املادة املعرفة تريد أن تقيد سلوك احلاضن وأعماله‬ ‫وتصرفاته املتعلقة باﶈضون لصالح الولي على النفس وإن كان تصرفه هو أيضا مقيدا في بعض احلاالت التي‬ ‫نص عليها القانون مثل السفر باﶈضون مراعاة ملصلحته وحلق احلاضن أيضا في احلضانة‪.‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬مفهوم مصلحة اﶈضون في الفقه اإلسﻼمي‬ ‫سبق أن قررنا ما هو معلوم من أن أحكام الشريعة إمنا جاءت كلها من أجل جلب املصالح ودفع املفاسد عن‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وأن الشرع يدور مع املصلحة وجودا وعدما ولو عكسنا العبارة وقلنا إن املصلحة تدور مع الشرع حيث‬ ‫دار لكان التعبير صحيحا أيضا‪ ،‬كما سلمنا أن الشرع هو األولى واألجدر بتقدير املصالح ولكن دون إهمال ما‬ ‫للعقل من دور بديهي ال يتناقض مع مقاصد الشريعة‪ .‬ومن شأن الشريعة أن تنحاز دائما للضعيف وال أضعف‬ ‫من الطفل‪ ،‬ومن ثم جند الشريعة تقرر أولوية مصالح اﶈضون وتوجب ما يكفلها وتلزم مبا يحميها‪ ،‬ومما امتاز به‬ ‫‪ 48‬قانون األحوال الشخصية املوريتاني‪ ،‬املادة ‪ 123‬اجلريدة الرسمية املوريتانية‪ ،‬ع ‪ 15 ،1004‬اغسطس ‪2001‬‬ ‫‪ 49‬قانون األحوال الشخصية املوريتاني‪ ،‬املادة ‪123‬‬ ‫‪ 50‬قانون األحوال الشخصية املوريتاني‪ ،‬املادة ‪125‬‬ ‫‪ 51‬قانون األحوال الشخصية اإلماراتي املادة ‪ 155‬فقرة ‪ ،7‬انظر القانون مع مذكرته اإليضاحية‪ ،‬ملحق مجلة الشريعة والقانون‪ ،‬ع ‪ ،26‬ابريل ‪ 2006‬ص ‪13‬‬ ‫‪ 52‬قانون األحوال الشخصية اإلماراتي املادة ‪146‬‬ ‫‪ 53‬قانون األحوال الشخصية اإلماراتي املادة ‪146‬‬ ‫‪ 54‬قانون األحوال الشخصية اإلماراتي املادة ‪142‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪189‬‬


‫التشريع اإلسالمي أنه راعى مصالح اﶈضون التي كفلتها النﻈم والقوانني الوضعية وزاد على ذلك مبراعاة ما‬ ‫غاب عنها من حقوق معنوية؛ فكفل الشرع للطفل أمور دينه ودنياه‪ ،‬وضمن حقوقه العاجلة واآلجلة‪ ،‬وراعى‬ ‫مصاحله املادية واملعنوية‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬املصالح املعنوية للمحضون في الفقه اإلسالمي‬ ‫يضمن التشريع اإلسالمي للمحضون مصاحلة املعنوية التي تعنى برعاية أدبه وعلمه ودينه وخلقه لينشأ عضوا‬ ‫صاحلا ومصلحا بعد ذلك في اﺠﻤﻟتمع‪ ،‬ومن أهم احلقوق املعنوية التي نﺺ الشرع على مراعاتها‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬حفظ الدين‪ :‬ونقصد بالدين هنا مفهومه العام الذي يشمل العقائد والشرائع واآلداب على تنوعها‪ ،‬إذ من‬ ‫املعروف أن اﶈضون في صﻐره تابع حلاضنه متأثر به ال محالة في دينه وخلقه‪ ،‬ومن هنا كان من أهداف احلضانة‬ ‫شرعا حفظ دين اﶈضون وتنمية فطرته الدينية واخللقية السوية وحمايتها من أن تنتكس‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫حسن القول والفعل بالنسبة للمحضون‪ ،‬ومن خالل حسن التربية والتوجيه من قبل احلاضن‪ ،‬وقد ورد في احلديث‬ ‫الصحيح‪ " :‬ما من مولود إال يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو ميجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة‬ ‫جمعاء هل حتسون فيها من جدعاء ثم يقول فطرة اهلل التي فطر الناس عليها ال تبديل خللق اهلل ذلك الدين‬ ‫القيم‪ 55".‬وهذا احلديث وإن كان ظاهره اإلخبار فإنه معناه األمر بوجوب االهتمام بحال األبوين إذا أردنا أن نصلح‬ ‫حال األبناء‪ ،‬وفيه النهي عن تضييع مصالح األبناء بالتفريط في دين وخلق اآلباء‪.‬‬ ‫وليس دور األبوين احلاضنني مقتصرا على التوجيه فيما يتعلق بأصول اإلميان ومبادئ االعتقاد بل يشمل كذلك‬ ‫التربية على شرائع اإلسالم وآدابه وأخالقه وتوفير البيئة السكنية واالجتماعية املالئمة لذلك‪ ،‬ففي احلديث أن‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪" :‬مروا أوالدكم بالصالة وهم أبناء سبع واضربوهم وهم أبناء عشر وفرقوا‬ ‫‪56‬‬ ‫بينهم في املضاجع‪".‬‬ ‫وقد كان الفقه وفروعه وفيني لهذه املبادئ التي أرستها السنة ففي حني لم يشترط الفقهاء في احلاضنة‬ ‫اإلسالم‪ ،‬جند أنهم اشترطوا فيها األمانة وأن ال تهدد حضانتها للطفل دينه وال خلقه في املستقبل‪ ،‬قال خليل‬ ‫‪57‬‬ ‫في مختصره الذي يعتبر أهم مصدر فقهي ملشهور مذهب اإلمام مالك‪" :‬ال إسالم‪ ،‬وضمت إن خيف ملسلمني"‬ ‫أي ال يشترط في احلاضنة اإلسالم بل إنه إن خيف منها عليه ال ينتزع منها وإمنا يضم ملسلمني إن كان ذلك كافيا‬ ‫في حماية دينه وخلقه‪ .‬ومبا أن املرتدة عن اإلسالم في وضع غير طبيعي وغير شرعي أفتى الفقهاء بانتزاع احلضانة‬ ‫منها مراعاة ملصلحة الطفل الدينية ورمبا كان في األمر تأديب لها هي أيضا‪ ،‬وأحلقوا بها الفاسقة التي ال يؤمن‬ ‫تأثيرها على خلق اﶈضون تأثيرا سلبيا‪ ،‬وإن كان كل ذلك ينبﻐي أن تراعى فيه مصالح اﶈضون‪ ،‬وال أدل على ذلك‬ ‫من كون بعﺾ الفقهاء قصر انتزاع احلضانة في احلاالت السابقة على ما إذا كان اﶈضون يعي سلوك احلاضن‬

‫‪ 55‬رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن (سورة الروم) رقم ‪ ،4497‬ورواه مسلم في كتاب القدر برقم ‪2658‬‬ ‫‪ 56‬رواه أبو داوود في كتاب الصالة‪ ،‬احلديث رقم ‪26‬‬ ‫‪57‬‬

‫محمد سالم عبد الودود‪ ،‬مختصر خليل مع شرحه التسهيل والتكميل ‪ ،‬ط‪ .‬دار الرضوان‪ ،‬موريتانيا‪ 2012 ،‬ج‪ 2‬ص ‪744‬‬

‫‪190‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ويتأثر به‪ 58.‬وال يرد على ذلك السماح للكتابية بتربيتها إذ أن ذلك مشروط مبا إذا كانت ال تربيه على مبادئ دينها‬ ‫إن كان أبوه مسلما‪ ،‬وبالتأكد من أنها ال تغذيه بخمر أو خنزير‪ 59‬أو غيرهما من اﶈرمات الشرعية‪.‬‬ ‫إذن احلاضن مسؤول عن احلفاظ على أخالق اﶈضون مبساعدة من عليه ذلك من األولياء واألوصياء والقضاة‬ ‫واﺠﻤﻟتمﻊ املسلم‪ ،‬وفي حال عجز من له احلضانة عن حماية دين اﶈضون وخلقه أو توقﻊ ذلك منه يجب على‬ ‫القاضي أو من ينوب عنه انتزاع احلضانة ممن هي له أصال إن كان مارسها فعال‪ ،‬أو جتاوزه بها إذا ثبت أن به فسقا‬ ‫أو فسادا في الدين أو األخالق قد يتأثر به اﶈضون‪.‬‬ ‫وال شك أن اآلداب واألخالق منها الواجب املفروض ومنها ما هو دون ذلك‪ ،‬وال شك أيضا أن مصلحة اﶈضون‬ ‫تشملها جميعا‪ ،‬بل تشمل األمور النفسية وشخصية احلاضن ورحمته ورفقه ليعيﺶ اﶈضون في جو من‬ ‫العطف واحلنان واحلب يجعله في املستقبل سليما معنويا معافى نفسيا من العقد واالضطرابات‪ .‬قال اللخمي‪:‬‬ ‫"إن علم جفاء األحق لقسوته ورأفة األبعد قدم األبعد"‪ 60‬وهذا نص مالكي أصيل صريح على وجوب رعاية‬ ‫مصلحة اﶈضون املعنوية والنفسية‪.‬‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬املصالح املادية للمحضون في الفقه اإلسالمي‬ ‫لعل خير تلخيص ملستلزمات احلضانة املادية ما عبر عنه الفقيه املالكي ابن عرفة الشهير بحدوده وتعريفاته‬ ‫التي لم تستثن بابا وال مصطلحا جديرا بالتعريف في الشريعة اإلسالمية وفي الفقه املالكي إال حدته حدا‬ ‫جامعا للمحدود مانعا من غيره من وجهة نظره‪ ،‬فقد عرف احلضانة بأنها "هي محصول قول الباجي‪ :‬حفظ‬ ‫الولد في مبيته ومؤونة طعامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جسده"‪ 61.‬قال شارح احلدود‪ " :‬قصر احلفظ‬ ‫للحاضن على ما ذكر فال نظر له في غير هذا "‪ 62‬ولعل املالحظ يرى أن هذا التعريف قصر احلضانة على املصالح‬ ‫املادية وسكت عن غيرها‪ ،‬ورمبا كان ذلك لكونها تابعة للمصالح املادية غالبا مقترنة بها‪ ،‬ورمبا اكتفاء بشروط‬ ‫احلاضن التي تضمن أغلب األمور املعنوية‪ ،‬ورمبا كان ذلك عن قصد يراد به التمييز بني مقتضيات احلضانة‬ ‫ومقتضيات الوالية‪ ،‬ولذا قال الفقهاء إن احلضانة إذا كانت "عند غير األب فإن له (وملن يقوم مقامه من ولي أو‬ ‫وصي) تعاهد ولده وتأديبه وإرساله للمكتب لتعلم القراءة والكتابة والقرآن"‪ 63.‬إال أن املالحظ على هذا التفريق‬ ‫صعوبة أو استحالة الفصل بني املصالح املادية واملعنوية للطفل الواحد في املكان الواحد وفي الزمان الواحد‬ ‫أيضا‪ .‬وال يبعد من التعريف السابق وإن كان أعم منه تعريف احلضانة بأنها "حفظ الولد في مبيته ونومه‬

‫‪ 58‬عزة ضاحي‪ ،‬املبادئ التي قررتها محكمة النقض السورية في األحوال الشخصية من ‪ 1976-1953‬ص ‪121‬‬

‫‪ 59‬محمد محيي الدين‪ ،‬األحوال الشخصية في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ط‪ .‬دار السعادة‪ ،1958 ،‬ص ‪432‬‬

‫‪ 60‬محمد سالم عبد الودود‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪742‬‬

‫‪ 61‬الرصاع أبو عبد اهلل األنصاري‪ ،‬شرح حدود ابن عرفة‪ ،‬الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق اإلمام ابن عرفة الوافية‪ ،‬حتقيق‪ :‬محمد أبو‬ ‫األجفان وآخر‪ ،‬ط‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،1993 ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ ، 324‬محمد الشيباني‪ ،‬تبيني املسالك‪ ،‬ط‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،1988 ،‬ج‪ ،3‬ص‪251‬‬

‫‪ 62‬الرصاع أبو عبد اهلل األنصاري‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪324‬‬ ‫‪ 63‬محمد الشيباني‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪253‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪191‬‬


‫وطعامه ولباسه ومصيفه وتنظيف جسمه"‪ 64‬ويالحظ عليه ما لوحظ على سابقه ومحاولة حصر واجبات‬ ‫احلضانة بالعد وهو أمر ال يخلو من صعوبة بسبب تﻐير األحوال واألعراف واﺠﻤﻟتمعات‪.‬‬ ‫وميكن أن يصاغ ضابﻂ أعم من التعريف السابق نقول فيه‪ :‬إن جميع احلاجات املادية الضرورية أو اﶈتاج لها من‬ ‫قبل اﶈضون يجب على احلاضن ومساعديه توفيرها وحمايتها حسب املستطاع ومن ذلك على سبيل املثال ال‬ ‫احلصر‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬املسكن املالئم بقدر االستطاعة؛ فقد اشترط الفقهاء في احلاضن أن يكون مكان إقامته الذي يجمعه‬ ‫باﶈضون آمنا‪ ،‬وأن ال يشكل أي خطر مادي او معنوي على اﶈضون‪ ،‬وﳒد النصوص الفقهية املالكية تزيد موضوع‬ ‫املسكن تأكيدا إذا تعلق األمر بحضانة بنت‪ ،‬ولهذا حكموا بنزع حضانة البنت من حاضنتها إن لم يكن لها‬ ‫مسكن محرز يكفل حماية اﶈضونة من الضرر الواقع أو املظنون‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الرعاية‪ ،‬أي توفير جميع املستلزمات املادية للمحضون من طعام ولباس ونظافة‪ ،‬وذلك بدعم وتوجيه من‬ ‫الشركاء في رعاية اﶈضون‪ ،‬ألن احلاضن قد ال يكون هو الولي‪ ،‬وقد يكون غير املنفق فيكون هو صاحب الرعاية‬ ‫املباشرة ويكون كل طرف آخر مسؤوال عن توفير ما يجب عليه توفيره للمحضون‪.‬‬ ‫ونرى أنه ال ميكن حصر جميع املصالح املادية وال املعنوية املطلوب جلبها أو توفيرها للمحضون‪ ،‬إذ هي تتجدد‬ ‫عبر األزمنة وتختلف عبر األمكنة‪ ،‬وإمنا تكفي اإلشارة إلى أن الشرع لم يهمل أي جانب من جوانب مصالح‬ ‫اﶈضون‪ ،‬وأنه أوجب حضانته شرعا‪ ،‬وحضانته مكونة من شقﲔ أساسيﲔ ال قيام ألحدهما دون اﻵخر هما‪:‬‬ ‫"التوجيه السلوكي للطفل والقيام بشؤونه الشخصية‪ 65".‬إال أننا ال ننسى أن كل ذلك مقيد باإلمكان وبعدم‬ ‫اإلضرار باحلاضن أيضا‪ ،‬كما أن عبء كل التكاليف ليس على احلاضن وحده بالضرورة فقد يكون له في التوجيه‬ ‫والتعليم والنفقة شركاء مثل األولياء واألوصياء وغيرهم ممن عليه حق للمحضون بل إن الطفل نفسه قد يكون‬ ‫شريكا في اإلنفاق إذا كان له مال ولكن حتت رعاية وليه بالطبع‪.‬‬ ‫ونالحظ أن النصوص الشرعية في هذا املقام محدودة جدا‪ ،‬وأغلبها قضاءات وحوادث عينية وليست نصوصا‬ ‫عامة عند جميع الفقهاء‪ ،‬ولعل أول ما يعول عليه الفقهاء ويجب أن يعتمدوا عليه هو باب االستصالح الذي‬ ‫هو املصدر األساس والرئيس ألحكام احلضانة في التشريع اإلسالمي‪ ،‬وهذا ما يفسر لنا كذلك كثرة االختالفات‬ ‫املذهبية وتعدد التفسيرات الفقهية وتنوع التطبيقات القضائية في هذا املوضوع‪ ،‬ولعل هذا ما أراد ابن رشد‬ ‫اإلشارة إليه عندما قال‪" :‬وأما نقل احلضانة من األم إلى غير األب فليس في ذلك شيء يعتمد عليه" ‪ 66‬وما أراه‬ ‫يقصد بـ"شيء" إال النصوص الشرعية من القرآن والسنة‪ ،‬وهذا يعني أن كل ذلك اجتهادات استصالحية‬ ‫فينبﻐي أن تكون مصلحة اﶈضون هي األساس الذي تبنى عليه أحكام احلضانة‪.‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬أوجه النظر في مصالح اﶈضون‬ ‫‪ 64‬نبيلة إسماعيل سالمة‪ ،‬حقوق الطفل في القانون املصري‪ ،‬ط‪ .‬الهيئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪79‬‬ ‫‪ 65‬نبيلة إسماعيل‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪79‬‬

‫‪ 66‬ابن رشد احلفيد‪ ،‬بداية اﺠﻤﻟتهد‪ ،‬حتقيق عبد الزاق املهدي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتاب العربي ‪ ،2006‬ص ‪410‬‬

‫‪192‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫من املسلمات األصولية أن الشريعة إمنا جاءت ملصالح العباد عاجال وآجال‪ ،‬وأن األحكام واالجتهادات يجب أن تكون‬ ‫وفق ذلك األصل‪ ،‬وما احلضانة إال جزء مهم من كل من أحكام الشرع املبنية على املصلحة‪ ،‬لهذا جند الفقهاء‬ ‫اشترطوا الشروط ووضعوا الضوابط الكفيلة بحماية مصالح اﶈضون‪ ،‬ومن هنا لم ﲡعل على أساس القرابة‬ ‫فقط‪ ،‬وإمنا بنيت على كلي تتفرع عنه كثير من اجلزئيات والفرعيات أال وهو املصلحة‪ .‬ومما يؤكد ذلك أن الشارع‬ ‫احلكيم ال يعطي احلضانة ملستحقها بالقرابة إال إذا توفرت الشروط الالزمة والتي تدور كلها حول مصالح‬ ‫اﶈضون‪ ،‬فإن فقد منها واحد أو اختل كان ذلك كافيا في البحث عن بديل له يكفل مصالح اﶈضون‪.‬‬ ‫صحيح أن هذه املصلحة غالبا ما تكون مفترضة في مظانها في كثير من حاالت اﶈضون‪ ،‬لكن ذلك ال يعني أن‬ ‫ذلك االفتراض دائم‪ ،‬بل هو قابل إلثبات العكس شرعا وواقعا‪ .‬واملتأمل يجد أن أحكام اﶈضون تدور مع املصلحة‬ ‫املفترضة أو الواقعة‪ ،‬ومن املعروف في أصول الفقه أن من مسالك تعليل األحكام ومن شروط العلة‪ :‬الدوران‪ ،‬أي‬ ‫بوجود احلكم مع العلة أو احلكمة وفقده بفقدها‪ .‬وفي املقابل فإن مما يظهر فساد التعليل وجود احلكم دون‬ ‫العلة أو احلكمة أو العكس‪ 67،‬وال أرى أن هذه الضوابط تنطبق على أي علة أو حكمة للحضانة غير مصلحة‬ ‫اﶈضون‪.‬‬ ‫وأرى أن هذا األصل متفق عليه وإمنا يختلف في بعض اجلزئيات لالختالف في مكمن املصلحة أو لالختالف في‬ ‫مظنتها‪ ،‬ورمبا كان ذلك راجعا للمنهج العام في التعامل مع احلكمة واملصلحة والتعليل بها بشكل مباشر‪،‬‬ ‫فهناك من الفقهاء من يكتفي باملظان‪ ،‬وهناك من يرى دوران احلكم مع املصلحة واحلكمة في حال الوجود وفي‬ ‫حال العدم‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬افتراض مصلحة اﶈضون‬ ‫يرى جمهور األصوليني أن األحكام الشرعية ال تناط باملصلحة وال باحلكمة‪ ،‬ويعللون ذلك بإجمال املصلحة وعدم‬ ‫انضباط احلكمة‪ 68،‬ومبا أن مصلحة اﶈضون هي حكمة احلضانة جند جماهير الفقهاء وأغلب القوانني يذهبون‬ ‫إلى نصب مظان وعلل وضوابط ظاهرة منضبطة للحضانة واستحقاقها وسقوطها وحتديد من هو األولى بها‪،‬‬ ‫مثل وجود املولود وصغره وأبوته وقرابته‪ ،‬ويستدل أصحاب هذا الرأي عموما بأن الغالب وجود احلكمة واملصلحة‬ ‫عند وجود املظنة‪ ،‬والقاعدة الفقهية تقول إن "العبرة بالغالب ال بالنادر من األحكام واألعراف"‪ 69.‬وانطالقا من‬ ‫هذا األصل جند أغلب التشريعات يفترض مظان غالبا ما تكون مناطا للمصلحة‪ ،‬ومن ثم تكون علة للحضانة‪،‬‬ ‫وإن كانت التشريعات تختلف بعد ذلك من حيث املرونة في إثبات عكس ذلك االفتراض من عدمه‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬افتراض مصلحة اﶈضون مع أبويه إن كانا معا‬

‫‪ 67‬الباجي‪ ،‬املنهاج في ترتيب احلجاج‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد اﺠﻤﻟيد تركي‪ ،‬ط‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،1987 ،‬ص‪185‬‬ ‫‪68‬‬

‫ابن احلاجب‪ ،‬مختصر ابن احلاجب‪ ،‬مع شرح شمس الدين األصبهاني‪ ،‬حتقيق‪ :‬مظهر بقا‪ ،‬ط‪ .‬جامعة أم القرى‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪26‬‬

‫‪ 69‬عبد اهلل العجالن‪ ،‬القواعد الكبرى في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ط‪ .‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪ ،‬ص ‪ ،1416‬ص ‪1416‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪193‬‬


‫ملا كانت األسرة هي اخللية االجتماعية احلاضنة ونظرا "لغريزة األمومة وغريزة األبوة"‪ 70‬التي فطر اهلل عليها‬ ‫األبوين جند الفقهاء والقوانني تفترض افتراضا ‪-‬في محله‪ -‬وهو أن مصلحة الطفل تكمن في حضانته وتربيته‬ ‫بيدي وحتت أعني والديه‪ ،‬وتبعا لهذه الغريزة زود اهلل الوالدين بغريزة أخرى لم يشذ عنها إال من شذ وهي "محبة‬ ‫الطفل ورحمته والعناية به وشعور األنس والطمأنينة للقائه"‪ 71‬وهذا يلخص كثيرا من معاني احلضانة‪.‬‬ ‫ففي العادة يضمن داخل بيئة األسرة الطبيعية املتكاملة أكبر وأكثر مصالﺢ اﶈضون؛ إذ أن كال من األب واألم‬ ‫يقوم بدوره املنوط به شرعا واملهيأ له بالفطرة والعادة‪ ،‬ومن هنا فال غرابة في كون الفقه كافة ومختلف‬ ‫التشريعات جتمع على افتراض كون مصلحة اﶈضون تقع في حضن والديه‪ 72،‬وليس بالسهل إثبات العكس‪.‬‬ ‫وهذه احلالة لوضوحها لم تأخذ كثيرا من الفقهاء ألنها معلومة ضرورة وليست محال للنزاع وال لالختالف في‬ ‫الغالب‪ ،‬إال أنه وفي بعﺾ األحيان النادرة قد ال تكون مصلحة اﶈضون في عيشه حتت حضانة أبيه وأمه إذا اختل‬ ‫شرط أو أكثر من الشروط‪ ،‬مما يدعو إلى الرقابة واملتابعة اجليدة للطفل من املؤسسات االجتماعية املتخصصة‬ ‫وهو ما يزال لﻸسف ضعيفا في كثير من اﺠﻤﻟتمعات العربية‪.‬‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬افتراض مصلحة اﶈضون مع أمه‬ ‫عندما يفترق الوالدان ألي سبب كان جند أن الشرع يفترض أن مصلحة الصغير مع أمه‪ ،‬ما دامت تتوفر فيها‬ ‫الشروط وتنتفي عنها املوانع‪ ،‬قال ابن قدامة بعد أن أسند هذا احلكم إلى القائلني به‪" :‬ال نعلم أحدا خالفهم"‪.‬‬ ‫وهذا االفتراض املتفق عليه أصل يستند إليه وال يعمل بخالفه إال إذا وجدت بينة قوية صادقة على ضده‪ ،‬وقد‬ ‫سئل ابن أبي زيد عن أب يدعي أن األم غير مأمونة على الولد؟ فأفتى بأنه ليس له نزع ولده حتى يأتي ببينة على‬ ‫عدم أمانتها"‪ 74.‬وقد حكم أبو بكر الصديق بعاصم بن عمر بن اخلطاب ألمه وقال‪" :‬هي أعطف وألطف وأرضى‬ ‫‪75‬‬ ‫وأرحم"‪.‬‬

‫‪73‬‬

‫وهذا احلكم لم يأت من فراغ وإمنا هو مستند إلى مقومات شرعية ونفسية وعاطفية ال حتصى‪ ،‬فاألم بحكم‬ ‫قربها من الطفل وأنه ال أحد أقرب منه إليها وال منها إليه أحق بحضانته‪ ،‬إذ في جتاوزها باحلضانة ظلم لها وله‪،‬‬ ‫واألم تتوفر غالبا فيها كل املقومات الالزمة لتوفير مصلحة اﶈضون املعنوية واجلسمية‪ 76.‬وملا كانت احلضانة‬ ‫‪77‬‬ ‫مبنية على مصلحة اﶈضون أوال فﺈن األم "مظنة الشفقة والرحمة واملصلحة"‪.‬‬ ‫الفقرة الثالثة‪ :‬افتراض مصلحة اﶈضون مع النساء‬ ‫‪ 70‬حسن مال عثمان‪ ،‬الطفولة في اإلسالم‪ ،‬ط‪ .‬دار املريخ‪ ،1982 ،‬ص‪5‬‬ ‫‪ 71‬حسن مال عثمان‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪5‬‬

‫‪ 72‬عبد الرحمن الصابوني‪ ،‬شرح قانون األحوال الشخصية السوري‪ ،‬ط‪ .‬دار جامعة دمشق‪1392 ،‬هـ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪254‬‬ ‫‪ 73‬ابن قدامة‪ ،‬املغني‪ ،‬ط‪ .‬دار الرياض احلديثة‪ ،1981 ،‬ج‪ ،7‬ص‪614‬‬ ‫‪ 74‬أحمد الونشريسي‪ ،‬املعيار‪ ،‬ط‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪43‬‬

‫‪ 75‬رواه عبد الرزاق في مصنفه‪ ،‬ج‪ ،7‬رقم ‪12600‬‬ ‫‪ 76‬أحمد العزب‪ ،‬األمومة في عهد النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬مجلة البحوث اإلسالمية‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،1‬العدد ‪1397 ،3‬هـ‪ ،‬ص ‪294‬‬

‫‪ 77‬محمد مجيد‪ ،‬الصغير بني أهلية الوجوب وأهلية األداء‪ ،‬ط‪ .‬إحياء التراث العربي بقطر‪1403 ،‬هـ‪ ،‬ص‪294‬‬

‫‪194‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫يفترض الفقه ان مصلحة اﶈضون يظن حصولها مع النساء أكثر من الرجال‪ ،‬ومن ثم ﳒد القوانني بني مقتصر‬ ‫على النساء ال يتجاوزهن إال في حاالت قليلة يشترط فيها أن يكون احلاضن الذكر "معه أنثى حتضن"‪ 78‬أي تصلح‬ ‫للحضانة‪ ،‬ومنها ما يتجاوز النساء إلى العصبة لكن بعد قائمة طويلة من النساء األولى باحلضانة كما فعل‬ ‫قانون األحوال الشخصية اإلماراتي‪ ،‬وال شك أن هذا االفتراض أيضا في محله‪ ،‬ألن النساء أقدر على رعاية اﶈضون‬ ‫والقيام بحاجياته والتي منها ما ال يقدر على القيام به إال النساء ألنهن أرأف وأرحم وأرق عاطفة وهن أولى وأقرب‬ ‫بديل عن األم‪ ،‬ولكن ليس كل النساء بل بشروط دقيقة تضمن أن املصلحة واقعة في مظنتها ومنها كون‬ ‫النساء األولى باحلضانة من ذوات اﶈارم‪ 79.‬وقد وضع ابن عرفة ضابطا لنساء األم واألب املستحقات للحضانة‪،‬‬ ‫فضبط األوائل بقوله‪" :‬من لها عليه أمومة والدة بسببها ولو بعدت وأول فصل منها" وضبط األواخر بقوله‪:‬‬ ‫"من له عليه أمومة كما مر وأول فصل ملن هي له عليه" قال شارحه‪" :‬ويعني بقوله‪ :‬كما مر‪ ،‬في نساء األم‬ ‫فيقال‪ :‬من له عليه أمومة والدة بسببه ولو بعدت‪ ،‬فتدخل جدة األب وإن علت‪ .‬وقوله‪" :‬وأول فصل ملن هي له‬ ‫‪80‬‬ ‫عليه" فتدخل العمة وتخرج األخت ألب"‪.‬‬ ‫الفقرة الرابعة‪ :‬افتراض مصلحة اﶈضون مع قرابات األم‬ ‫االفتراضات الثالثة السابقة تكاد تكون مجمعا عليها في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ويأتي بعدها في االتفاق افتراض‬ ‫كون مصلحة اﶈضون في أن تكون حضانته عند قرابات أمه قبل أي حاضن آخر‪ 81،‬وذلك راجع لكون األم أقرب‬ ‫وأكثر حنانا‪ ،‬فكانت قريباتها مثل أمها وأختها من أولى املظان التي يتوقع معها وجود تلك املصلحة وتلك‬ ‫العاطفة‪ ،‬ومن هنا جعلت قراباتها مقدمة على قرابات األب‪ ،‬وإمنا اخلالف في تقدميهن على األب نفسه أو تقدميه‬ ‫عليهن‪ ،‬وليس األمر محسوما في املذهب املالكي الذي هو العمدة األولى لقوانني األحوال الشخصية اإلماراتية‬ ‫واملغربية واملوريتانية‪ ،‬إذ أن فقهاء املذهب املالكي مختلفون في تقدمي قرابات األب عليه أو تقدميه عليهن بحيث‬ ‫يكون هو احلاضن الثاني بعد األم‪ ،‬وهو ما أخذت به مدونة األسرة املغربية‪ ،‬متبعة بذلك حتفة ابن عاصم التي هي‬ ‫‪82‬‬ ‫من أشهر املراجع في القضاء في املذهب املالكي‪ ،‬قال محمد سالم عبد الودود في نظمه جملتصر خليل‪:‬‬ ‫واألب بني أمه وجدته ** قد أدرج ابن عاصم في حتفته‬ ‫وذلك خالفا ملا أخذ به قانونا األحوال الشخصية اإلماراتي واملوريتاني‪ ،‬ألن مشهور املذهب تقدمي نساء األب عليه‪،‬‬ ‫وقول جماهير أهل العلم تقدميهن على نساء األب كذلك‪ ،‬ولم يخالف في ذلك إال بعض احلنابلة في بعض‬ ‫اجلزئيات‪ ،‬مثل تقدمي العمة وأم األب على اخلالة‪ 83،‬ورأى بعضهم تقدمي نساء األب على نساء األم مطلقا واستدلوا‬ ‫على ذلك بأن األبوة أصل الوالية‪ 84،‬ورمبا كان هذا من مظاهر التداخل بني احلضانة والوالية في رأي بعض الفقهاء‪.‬‬

‫‪ 78‬محيي الدين عبد احلميد‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪406‬‬ ‫‪ 79‬محيي الدين عبد احلميد‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪406‬‬ ‫‪ 80‬الر صاع‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪325‬‬ ‫‪81‬‬

‫خليل‪ ،‬مختصر خليل‪ ،‬ط‪ .‬املكتبة التجارية الكبرى‪ ،1972 ،‬ص‪168‬‬

‫‪ 82‬محمد سالم عبد الودود‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪742‬‬ ‫‪ 83‬ابن قدامة‪ ،‬املغني‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪619‬‬

‫‪ 84‬ابن القيم‪ ،‬زاد املعاد‪ ،‬ط‪ .‬البابي احللبي‪ ،1955 ،‬ج‪153 ،2‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪195‬‬


‫وكذلك املذهب الشافعي فإنه يقدم نساء األم على غيرهن إال في حاالت مستثناة كاجتماع األختني ألم وألب‬ ‫‪85‬‬ ‫فاألخت ألب مقدمة على اجلديد من مذهب الشافعي‪.‬‬ ‫الفقرة اخلامسة‪ :‬افتراض االستغناء عن احلضانة‬ ‫يفترض أغلب الفقهاء أن حضانة الصغير يستغنى عنها في مرحلة معينة‪ ،‬وذلك بناء على الغالب ومراعاة‬ ‫ملصالح اﶈضون ومصالح احلاضن أيضا‪ ،‬لكن العلماء اختلفوا اختالفا كثيرا في حتديد هذه املرحلة التي تكون‬ ‫فيها املصلحة في رفع احلضانة‪ ،‬أو تغيير مضمونها وإحالتها إلى جهات أخر‪ .‬فرجوع اﶈضون ألبيه مثال قد ال‬ ‫يعني بالضرورة انتهاء احلضانة واستغناء اﶈضون عنها وإمنا يعني أنه استغنى عن خدمة النساء وأصبح األصلح‬ ‫له أن يكون حتت ساعد أبيه بدال من حضن أمه وحاضنته‪.‬‬ ‫أـ املذهب احلنفي‪ :‬املشهور في املذهب احلنفي عدم حتديد احلضانة بسن معينة بل بحد معني وهو استغناء‬ ‫اﶈضون‪ 86،‬وال يسعني هنا ـ رغم متذهبي مبذهب اإلمام مالك ـ إال أن أعبر عن دقة نظر هذا الرأي وتقديره ملصلحة‬ ‫اﶈضون‪ ،‬فإنها إمنا شرعت حلكمة فال ينبغي أن ترفع إال بزوال أو حتقق تلك احلكمة‪ .‬وقال بعض األحناف بتحديد‬ ‫أمارة النتهاء احلضانة بالنسبة للبنت وذهبوا إلى أنها تنقضي عندما حتيض اجلارية أو تشتهى‪ ،‬ومنهم من حدد‬ ‫مدى احلضانة باألعوام فجعل انتهاء حضانة الغالم ببلوغه سبع سنني أو تسعا‪ ،‬وانتهاء حضانة الفتاة تسعا‬ ‫‪87‬‬ ‫أو إحدى عشرة سنة‪.‬‬ ‫ب ـ املذهب املالكي‪ :‬أما املالكية فيفترضون أن احلضانة تنتهي باحتالم الغالم‪ ،‬وهذا هو مشهور املذهب املروي‬ ‫عن ابن القاسم‪ ،‬وقيل بإثغاره وهي رواية ابن وهب عن اإلمام مالك‪ ،‬واألنثى حتى تتزوج ويدخل بها زوجها‪ 88.‬وال‬ ‫يخفى أن احلدين مبنيان على الواقع وعلى الغالب‪ ،‬لكن هذا الغالب قد يتخلف فالفتاة قد تتزوج ويدخل بها‬ ‫زوجها فتطلق أو يتوفى زوجها‪ ،‬وتعود حاجتها للحضانة‪ ،‬وهنا يختلف الفقهاء املالكية في عودة احلضانة بسبب‬ ‫اخلالف في أي املصلحتني أولى بالترجيح؟ مصلحة احلاضن أم مصلحة اﶈضون؟ كما ال يخفى تباعد احلدين‬ ‫بالنسبة للولد في الروايتني؛ فرواية ابن القاسم حتد بالبلوغ بأماراته الشرعية املعروفة‪ ،‬ومنتهى ذلك نحو‬ ‫الثامنة عشرة من العمر‪ ،‬ورواية ابن وهب حتد باإلثغار وهو اكتمال منو األسنان الدائمة للطفل وهذا عادة ما يكون‬ ‫ذلك نحو العاشرة من العمر‪.‬‬ ‫ج ـ املذهب الشافعي‪ :‬يرى الشافعية أن احلضانة تكون بيد مستحقها حتى يبلغ الولد سبع سنني أو ثمانيا‪،‬‬ ‫وإذا كان الولد مع أمه في هذه املرحلة وبلغ هذا املبلغ وأصبح يعقل ويدرك خير بني أبيه وأمه فأيهما اختار كان‬

‫‪ 85‬السيوطي‪ ،‬األشباه والنظائر‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،1979 ،‬ص ‪483‬‬ ‫‪ 86‬محيي الدين‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪408‬‬

‫‪ 87‬أحمد عثمان‪ ،‬آثار عقد الزواج في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ط‪ .‬جامعة اإلمام محمد بن سعود‪ ،1981 ،‬ص‪250‬‬ ‫‪ 88‬املدونة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ ،244‬والكافي البن عبد البر‪ ،‬ص ‪ ،97‬نقال عن‪ :‬محمد عبد اهلل محمد‪ ،‬ما انفرد به املذهب املالكي في مسائل األسرة‬ ‫واألقضية‪ ،‬ط‪ .‬جامعة اإلمام محمد بن سعود‪ ،1995 ،‬ص ‪385‬‬

‫‪196‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫معه‪ 89.‬وهذا كذلك بناء على مصلحته املادية واملعنوية‪ ،‬واعتبارا إلرادته وتطبيقا لبعض األحاديث الواردة في‬ ‫التخيير‪.‬‬ ‫د ـ املذهب احلنبلي‪ :‬أما احلنابلة ففرقوا بني الولد والبنت؛ فيحكمون بانتهاء حضانة الولد الذكر ببلوغه سبع‬ ‫سنني‪ ،‬فإن كان عند أمه وبلغها خير بني أبويه فكان مع من اختار منهما‪ ،‬وإذا بلغت اجلارية سبعا فاألب أولى‬ ‫بها‪ 90.‬دون تخيير‪ ،‬ولعل ذلك منهم نظر إلى حاجتها للرعاية واحلماية أكثر من الولد‪ ،‬واستدالل بأن كافة‬ ‫النصوص التي وردت في التخيير كانت متعلقة بأوالد ذكور ‪،‬كما أن األب عند وجوده هو ولي البنت في الزواج‬ ‫فكانت بحاجة لقربه‪ ،‬ال مبعنى أن للولد الذكر رأي وال رأي للبنت في أمر احلضانة‪ .‬وأما مسألة تخيير الولد ففيها‬ ‫شبه استثناء من االفتراض السابق وهو كون األم أولى باحلضانة‪ ،‬وذلك إذا قلنا إن انتقال اﶈضون إلى أبيه ال يعني‬ ‫انتهاء احلضانة بل يعني انتقاال لها وتخفيفا في أعبائها‪ ،‬وأما إذا قلنا بأنه انتهاء فال إشكال‪.‬‬ ‫ه ـ وذهب ابن حزم الظاهري إلى انتهاء احلضانة للولد الذكر والبنت ببلوغها مع التمييز وصحة اجلسم دون‬ ‫تفريق‪ ،‬فظهر أن رفع احلضانة منوط عنده بسببني هما‪ :‬السن واالستغناء‪ 91،‬ومأخذ ذلك عنده النصوص ال‬ ‫التعليل ألنه ال يراه وال يبني عليه األحكام‪ ،‬ولكن جاء قوله من حيث ال يحتسب معلال بعلة مركبة فيها شبه‬ ‫جمع وتوفيق بني املذاهب اجملتلفة‪.‬‬ ‫وانتهاء احلضانة قد يكون بسبب استغناء اﶈضون أو افتراض استغنائه عن احلضانة مطلقا أو استغنائه عنها‬ ‫على احلالة التي كانت عليها من قبل‪ ،‬كما أنه انتهاءها قد يكون بسبب مسقطات؛ منها ما يرجع للحاضن‪،‬‬ ‫ومنها ما يرتبط بعوامل خارجية‪ ،‬واجلامع بني كل ذلك هو مراعاة مصلحة اﶈضون أوال‪ ،‬ومن أهم املسقطات‪:‬‬ ‫فقدان شرط أو شروط ضرورية ملصلحة اﶈضون‪ ،‬ولذا أسقط الفقهاء احلضانة بردة احلاضنة وفسقها‪ ،‬احتياطا‬ ‫ملصالح اﶈضون املعنوية‪ ،‬كما أسقطوها بزواج احلاضنة من أجنبي‪ ،‬واحلق أن هذا املسقط األخير سهل إﺛبات‬ ‫عكسه وميكن أن تستمر احلضانة معه‪ ،‬ألنه إمنا شرع ملقاصد قد ال تتعارض مع مصلحة اﶈضون‪ ،‬ومن تلك‬ ‫املقاصد‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬خوف تهديد مصلحة اﶈضون ألن الرجل األجنبي مظنة لذلك‪ ،‬ولكن قد ال يكون كذلك‪.‬‬ ‫ﺛانيا‪ :‬خوف تهديد مصلحة اﶈضون ملصلحة هذا الرجل األجنبي وذلك باألخذ من وقت زوجه أو شغلها عن‬ ‫مصالح زوجها األجنبي عن الطفل‪.‬‬ ‫ولذلك إذا انعدم السببان وانتفى املقصدان اللذان من أجلهما أسقطت احلضانة بهذا السبب بأن لم يكن في‬ ‫بقاء اﶈضون مع أمه املتزوجة من أجنبي تهديد ملصاحله وال ملصاحلها وال ملصالح الزوج ورضي الزوج اختيارا ببقائه‬ ‫معها‪ ،‬وهذا الرضا ال يطلب بالتصريح به وإمنا تكفي مظنته بحيث إذا سكت من له احلضانة عن طلب نقل‬

‫‪ 89‬أحمد عثمان‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪82‬‬ ‫‪ 90‬ابن قدامة‪ ،‬املغني‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪614‬‬ ‫‪ 91‬معوض عبد التواب‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪2006‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪197‬‬


‫احلضانة إليه نحو السنة فإن ذلك يعتبر أمارة الرضا وال يحق له بعد ذلك أن يطالب باحلضانة‪ .‬ويؤيد هذا ما قال‬ ‫‪92‬‬ ‫به ابن حزم من أن زواج األم ال يعتبر مسقطا للحضانة والدليل أن ذلك لم يدل عليه دليل صحيح يعتمد عليه‪.‬‬ ‫صحيح أن كل ما سبق ما هو إال افتراضات للمصالح في مظانها درج عليها الفقه وبناها على سلسلة من‬ ‫املبررات الغالبة عادية وفطرية وشرعية‪ ،‬وهدفها هو إيجاد مناط وعلة ظاهرة منضبطة ألحكام احلضانة وإثباتها‬ ‫ونفيها وتثبيتها ونقلها ‪ ،‬يغلب كون املصلحة معها ألن الغلبة معتبرة شرعا وال ميكن االستغناء عن االعتماد‬ ‫عليها في العادة‪ .‬إال هذه الضوابﻂ ال ينبغي أن تعتبر إال في حدود الشروط الضامنة ملصلحة اﶈضون‪ ،‬وال ينبغي‬ ‫أن يكون التعلق بها على حساب مصلحة اﶈضون الذي يدندن حوله الفقه في اتفاقه على بعض االفتراضات‬ ‫وفي اختالفه حول بعضها اآلخر‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬الدوران مع مصلحة اﶈضون‬ ‫ملا كانﺖ مصلحة اﶈضون هي احلكمة من تشريع احلضانة‪ ،‬وملا كان علماء األصول ينصون على أن احلكمة ميكن‬ ‫أن تكون علة ومناطا للحكم الشرعي وتطبيقه بشكل عملي وذلك إذا أمكن حتديدها واعتبارها‪ 93‬لذلك ذهب‬ ‫بعض الفقهاء والباحثني إلى أنه ميكن تقدير املصلحة والدوران معها دون اعتبار لكثير من املظان املفترضة التي‬ ‫قد ال تكون مقارنة ملصلحة اﶈضون بالفعل‪ ،‬لكن هذا الدوران مع املصلحة يبقى دائما في إطار الثوابﺖ النصية‬ ‫الصريحة الصحيحة ـ وهي قليلة ـ واملسلمات الفقهية الضرورية لضمان استقرار األحكام وانضباطها‪ ،‬فال‬ ‫ميكن مثال تقدﱘ األم ﺠﻤﻟرد أنها أم إن فقدت شرطا أساسيا من شروط احلواضن‪ ،‬بل إنها تنتقل بداهة إلى من تتوفر‬ ‫فيه الشروط أو جلها‪.‬‬ ‫والسالكون لهذا املسلك يقيمون فكرتهم على مجموعة من األدلة من أهمها‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن األحاديث الواردة في احلضانة في الغالب حوادث عني يقول بعض علماء األصول إنها ال عموم لها‪ ،‬ومن‬ ‫أشهر تلك األحاديث‪:‬‬ ‫ قضاؤه صلى اهلل عليه وسلم بابنة حمزة جلعفر رضي اهلل عن اجلميع‪ 94،‬فإنه قد يكون بناء على رؤيته‬‫صلى اهلل عليه وسلم أن مصلحتها هي خاصة في ذلك احلكم‪ ،‬ولو كان ثمة من هو أصلح منه ومن‬ ‫زوجته لها لقضا بها له‪ .‬لذلك اختلف الفقهاء في وجه قضائه صلى اهلل عليه وسلم بها جلعفر؛ هل‬ ‫لكونه عمها وعاصبها؟ أم لكون خالتها حتته رضي اهلل عنه وعنها‪ 95.‬كما ميكن أن يختلف فيه من وجه‬ ‫آخر هو اختالف تصرفات النبي صلى اهلل عليه وسلم وترددها بني أن تكون تشريعا عاما أو فتوى محددة‬ ‫‪96‬‬ ‫أو حكما قضائيا يخص محله الذي حكم فيه‪.‬‬

‫‪ 92‬ابن حزم‪ ،‬اﶈلى‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪323‬‬ ‫‪ 93‬ابن احلاجب‪ ،‬اجملتصر مع بيانه‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪26 ،3‬‬ ‫‪ 94‬البخاري‪ ،‬كتاب املغازي‪ ،‬رقم ‪43‬‬ ‫‪ 95‬ابن القيم‪ ،‬زاد املعاد‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪153‬‬ ‫‪ 96‬انظر لالستزادة في هذا املوضوع رسالة القرافي اإلحكام في متييز الفتاوى عن األحكام وتصرفات القاضي واإلمام‪ ،‬للقرافي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪،‬‬ ‫ط‪ .‬مكتب املطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪ ،‬ودار البشائر‪ ،‬بيروت‪1995 ،2 ،‬‬ ‫‪198‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ قوله صلى اهلل عليه وسلم لألم املترافعة مع زوجها في شأن ولده وولدها‪" :‬أنت أحق به ما لم‬‫تنكحي"‪ 97‬وهذا احلديث في سنده مقال‪ ،‬وعلى فرض صحته قد ال يعني أن كل أم كذلك بل ميكن أن‬ ‫‪98‬‬ ‫يكون معناه‪ :‬أنت أيتها األم اجملاطبة أحق بولدك ما لم تتزوجي‪.‬‬ ‫ كما ورد في حديث آخر أنه صلى اهلل عليه وسلم خير غالما بني أبويه‪ 99،‬وهو كذلك حادثة عينية قضائية‬‫جاءت بعد التنازع بني األب واألم‪ ،‬وقد تكون راجعة إلى ما ظهر من القرائن أن مصلحة الغالم تستوي‬ ‫عند األب وعند األم أو أن الغالم يعرف مصلحته وسيختار األصلح‪ ،‬بل قد يكون لذلك سبب غيبي خاص‬ ‫وهو أن التخيير جاء مقرونا بدعائه صلى اهلل عليه وسلم الذي ال يرد بقوله عندما خير غالما‪" :‬اللهم‬ ‫سدده"‪ 100‬مع أنه قد يكون هذا الصبي أو غيره‪.‬‬ ‫ومما يؤكد أن أحكام احلضانة ليست عامة اختالف أقضيته صلى اهلل عليه وسلم في قضايا احلضانة‬ ‫اجملتلفة‪ ،‬فترد أحيانا باحلكم لألم‪ ،‬وأحيانا للخالة‪ ،‬وأحيانا بالتخيير‪ ،‬لكن لم ترد نصوص عامة جلميع احلاالت‬ ‫في أي من تلك النصوص‪ ،‬ولذا قال ابن تيمية مع أنه أقرب للمذهب احلنبلي‪" :‬لم يرد نص عام يجيز تخيير‬ ‫‪101‬‬ ‫الولد"‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن مناط احلضانة كما قررنا هو مصلحة اﶈضون‪ ،‬وملا كان األمر كذلك فإن على الفقيه وعلى القاضي أن‬ ‫يبحث بالقرائن واألدلة عن املوضع الذي هي فيه‪ ،‬فاين وجدت حكمنا باحلضانة‪ ،‬ومتى انعدمت حكمنا‬ ‫بعدمها أو بنزعها إن كانت ثابتة في األصل‪ ،‬ونحكم بالراجح من املصلحتني عن التعارض أو التنازع‪ ،‬وإن كان‬ ‫في كل منهما مفسدة ولم يوجد بدل ولو أجنبي يقدم أخفهما ضررا‪.‬‬ ‫وهذا األمر وإن كان يكلﻒ جهدا إداريا وقضائيا في البحث والتشخيص إال أنه أجدر بضمان مصلحة اﶈضون‬ ‫ومن ثم حماية اﺠﻤﻟتمع واألسرة بأسرها من األضرار التي ميكن أن تنجم عن اخللل في الوقع عند فقد تلك‬ ‫املصلحة‪ .‬فاملواد القانونية اجلامدة ال ميكن أن حتل مشاكل إنسانية واجتماعية متغيرة ومتحولة‪ ،‬لذلك نرى‬ ‫أن القوانني في هذا الباب يجب أن تكون مرنة بقدر اإلمكان‪ ،‬وأن ميتع القاضي في هذا الباب مبساحة تقديرية‬ ‫واسعة يحكم من خاللها احلكم املناسب للمحضون "واألحوط له في دينه ودنياه فحيث ما كانت احليطة‬ ‫‪102‬‬ ‫له وجبت هنالك عند األم وعند األب أو األخ أو األخت أو العمة"‪.‬‬ ‫ومن الغريب أن يكون املذهب الظاهري املعروف بحرفيته في فهم النصوص هو أكثر املذاهب مرونة في هذا‬ ‫الباب ألنه لم يأخذ بأي من النصوص السابقة على عمومه‪ ،‬ورمبا كان املذهب احلنفي هو الذي يليه في تلك‬ ‫املرونة‪ ،‬حيث إن ابن عابدين نص على نحوه فقال‪" :‬إذا كان الزوج األجنبي أكثر شفقة من احلاضنة التي ينقل‬ ‫إليها فللقاضي إبقاؤه مع أمه املتزوجة"‪ 103‬وهذا الرأي يؤكد ما مر سابقا من أن حديث أحقية األم ما لم‬ ‫تتزوج ليس على سبيل العموم بل على سبيل اخلصوص‪ .‬وقال أيضا‪ :‬ينبغي للمفتي أن يكون ذا بصيرة فإنه‬ ‫‪ 97‬رواه أبو داوود برقم ‪2276‬‬ ‫‪ 98‬عبد الرحمن الصابوني‪ ،‬م س‪ ،‬ص ج‪ ،2‬ص ‪269‬‬ ‫‪ 99‬رواه أبو داوود برقم ‪ 2277‬والترمذي برقم ‪ 1357‬وابن ماجه برقم ‪2373‬‬ ‫‪ 100‬رواه ابن ماجه برقم ‪2374‬‬

‫‪ 101‬ابن تيمية‪ ،‬الفتاوي‪ ،‬ط‪ .‬دار عالم الكتب‪ ،1991 ،‬ج‪ ،34‬ص ‪116‬‬

‫‪102‬‬ ‫‪103‬‬

‫ابن حزم‪ ،‬اﶈلى‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،10‬ص ‪323‬‬ ‫ابن عابدين‪ ،‬الدر اجملتار‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ 565‬نقال عن الصابوني‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪630‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪199‬‬


‫قد يكون زوج األم مشفقا عليه وإذا علم املفتي شيئا من ذلك فال يحل له نزعه من أمه ألن مدار احلضانة‬ ‫‪104‬‬ ‫على نفع الولد‪.‬‬ ‫وأما املذاهب األخرى فإنها أقرب إلى مسلك التنصيص والتحديد وافتراض املصلحة في مظانها الظاهرة‪،‬‬ ‫فتكون بذلك أقرب إلى العلل منها إلى املقاصد‪ ،‬إال أنه مع ذلك كثيرا ما جند عبارات وفتاوى عن بعض فقهاء‬ ‫هذه املذاهب توحي بأنهم قد يأخذون بهذا املسلك املقاصدي أحيانا أو في بعض احلاالت‪ ،‬قال ابن قدامة‬ ‫احلنبلي‪ :‬استقر القضاء على أن مدار احلضانة على نفع اﶈضون فمتى حتققت مصلحة الصغير بوجه وجب‬ ‫املصير إليها‪ 105،‬وهذا نص واضح إال أنه قد تغمره الفروع الفقهية في بعض األحيان‪ .‬كما نص الفقهاء على‬ ‫‪106‬‬ ‫تقدمي األرفق واألشفق من املتساويني في القرابة‪.‬‬ ‫وهنا لنا أن نسأل كما سأل كثير من األصوليني‪ :‬إذا كانت احلكمة هي مقصود احلكم‪ ،‬وكانت شرطا في‬ ‫العلة الواحدة ومرجحا بني العلل املتعددة فلم ال تكون هي العلة نفسها إذا كان ذلك ممكنا‪ ،‬ونرى أنها‬ ‫بالفعل كذلك في موضوع احلضانة‪ ،‬ومن هنا ينبغي النظر فيها لألصلح مطلقا سواء كان املتقدمون‬ ‫للحضانة متساوون في القرابة أو بعضهم أدنى من بعض‪ ،‬إذ مناط احلضانة املصلحة ال مجرد القرابة‪ .‬ولوال‬ ‫أن في إعطاء احلضانة لألجنبي عن الطفل ظلما له بتكليفه حضانة صغير ال عالقة له به وظلم للصغير‬ ‫بفصله عن قرابته لوال هذان األمران لكان إعطاء احلضانة لألجنبي مشروعا‪ ،‬وعليه لو كان األقربون ممن ال‬ ‫يحمون اﶈضون أو لم تتوفر فيهم الشروط نقلت احلضانة ألجنبي إن رضي بذلك وكان كفيال بضمان‬ ‫مصالح اﶈضون أو تنقل حضانته إلى املﺆسسات املعنية حكومية أو غيرها إن كانت موجودة‪.‬‬ ‫وقد قال ابن القيم إنه لم يرد نص عام في تقدمي أحد األبوين مطلقا وال تخييره مطلقا‪ 107،‬مما يشي مبيله‬ ‫للرأي املذكور آنفا‪ ،‬كما أن شيخه ابن تيمية أفتى بالتخيير للولد بني والديه‪ ،‬إذا كان فيه مصلحة ورأي ال‬ ‫شهوة‪ 108‬وطبق ذلك املبدأ عمليا عندما أفتى بغالم ألمه بعدما اختار أباه ألنه عرف أن سبب اختياره ألبيه‬ ‫‪109‬‬ ‫أنه كان يتركه يلعب وأن أمه كانت ترسله للك ّتاب‪.‬‬ ‫وهذا كله بالرغم من أن ابنا تيمية والقيم يقوالن بالتخيير من حيث املبدأ لوروده في حديث صحيح‪ ،‬لكن‬ ‫ذلك ليس على عمومه وال إطالقه بل بشرط كونه محققا ملصلحة الصغير التي هي أساس النظر في هذا‬ ‫املوضوع‪ .‬وبناء على هذه األقوال وغيرها رجح عبد الرحمن الصابوني أن على القاضي النظر ملصلحة اﶈضون‬ ‫بصرف النظر عن العوارض التي يذكرها الفقهاء مثل زواج األم رغم أن املادة ‪ 138‬من قانون األحوال‬ ‫‪110‬‬ ‫الشخصية السوري تنص على خالف ذلك‪.‬‬ ‫وخالصة القول أن مدار احلضانة على مصلحة اﶈضون‪ ،‬وبناء على ذلك يجب الدوران مع تلك املصلحة حيث‬ ‫دارت دون تقيد حرفي بالفتاوى الفقهية‪ ،‬كما أنه من الضرورة مبكان مراجعة كثير من املواد القانونية في‬ ‫‪ 104‬ابن عابدين‪ ،‬الدر اجملتار‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ 565‬نقال عن الصابوني‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪630‬‬ ‫‪ 105‬عن معوض عبد التواب‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪1098‬‬ ‫‪106‬‬

‫عبد السميع اآلبي‪ ،‬جواهر اإلكليل‪ ،‬شرح مختصر خليل‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬دون تاريخ ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪409‬‬

‫‪ 107‬ابن القيم ‪ ،‬زاد املعاد‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪271-270‬‬ ‫‪ 108‬ابن تيمية‪ ،‬الفتاوى‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪117‬‬ ‫‪ 109‬محمود مجيد‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪303‬‬ ‫‪ 110‬الصابوني‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪270‬‬ ‫‪200‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫مدونات األحوال الشخصية التي جتعل نقل احلضانة واحلق فيها مسألة تسلسل منطي ال مسألة نظر في‬ ‫املقاصد واحلكم واملصالح‪ ،‬ألن في بعﺾ تلك الفتاوى واملواد تهديدا ملصالح اﶈضون في حني أنها جاءت‬ ‫لتحميه من اجملاطر‪ .‬وعليه ينبغي احترام الشروط املنصوصة واﺠﻤﻟمع عليها وترك مجال تقديري واسع‬ ‫للقاضي دون إلزامه بالتقليد الفقهي اجلامد وإن كان ال بد مه فليكن في إطار من املرونة التي حتمي املصالح‬ ‫وترسخ املقاصد الشرعية‪.‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬طبيعة احلضانة وأحكامها‬ ‫سلك التشريع اإلسالمي مسلكا فريدا في أحكام رعاية اﶈضون والقاصر عموما فقسمها إلى مجموعة من‬ ‫االختصاصات يقوم بكل منها أشخاص مختلفون‪ ،‬وذلك ليلي كل شأن من هو أكثر أهلية للقيام به‪ ،‬ولكيال‬ ‫يقع عبء كل تلك االلتزامات على طرف واحد‪ ،‬ولكي تضمن استقاللية كل من تلك املصالح عن األخرى بحيث‬ ‫إذا انهار طرف منها ال ينهار جميع جوانبها املتنوعة‪ .‬وهذه املهام تقوم على أركان أربعة هي‪ :‬الوالية‪ ،‬والنفقة‪،‬‬ ‫والرضاعة‪ ،‬واحلضانة‪ ،‬وهذه األربعة متيز الطبيعة الطبيعية للحضانة (املطلب األول) وبالتعرض حلكمها وعلى‬ ‫من جتب ومتى تنتقل ومتى تسقط تتميز لنا طبيعتها التشريعية (املطلب الثاني)‬ ‫املطلب األول‪ :‬مصلحة اﶈضون وطبيعة للحضانة‬ ‫يحسم التشريع اإلسالمي اجلدل في العالقة بني احلضانة وغيرها‪ ،‬ومن ثم فإن واجبات احلضانة متميزة بوضوح‬ ‫عن غيرها من الواجبات ونستنتج ذلك من خالل التعريف واألحكام‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف احلضانة‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬احلضانة لغة واصطالحا‪:‬‬ ‫احلضانة بالكسر تعني لغة وضع الشيء في احلضن الذي هو ما بني اإلبط والكشح‪ ،‬وتطلق اشتقاقا من ذلك‬ ‫على تربية الولد‪ 111،‬وقد وجدتها في الصحاح مضبوطة بالفتح‪ ،‬والذي في القاموس اﶈيط أنها بالفتح تعني‬ ‫معنى آخر وهو التنحية واملنع‪ ،‬وال يبعد ربط هذا املعنى األخير أيضا مبصطلح احلضانة إذ أن فيها ومنها ما هو‬ ‫وقاية للمحضون مما يضره‪ ،‬بل إن املعنى األول قد يرجع للثاني بوجه وهو أن احلضن هو وسيلة من وسائل ذلك‬ ‫املنع وتلك الوقاية وعليه يكون ضبط اجلوهري لها بالفتح صحيحا بناء على اشتقاقها من املعنى األخير ال من‬ ‫األول‪.‬‬ ‫وفي االصطالح عرفﺖ احلضانة بكثير من التعاريف تدور كلها على مصلحة اﶈضون وحماية مصاحله اجملتلفة‪،‬‬ ‫ومن تلك التعاريف‪:‬‬ ‫‪ -‬أنها حفظ الولد في مبيته وقوته ولبسه وتنظيف جسمه‪.‬‬

‫‪112‬‬

‫‪ 111‬الفيروز آبادي‪ ،‬القاموس اﶈيط‪ ،‬مادة حضن‪ ،‬ولم أحل للصفحة والطبعة الستواء املعاجم في املادة‪.‬‬

‫‪ 112‬محمد مولود املوسوي‪ ،‬الرحمة‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،1991 ،‬ج‪ 1‬ص‪446‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪201‬‬


‫ أو هي تربية الطفل الذي ال يستقل بشؤون نفسه في سن معينة ممن له احلق في ذلك‪.‬‬‫‪ -‬أو هي صيانة العاجز والقيام مبصاحله‪.‬‬

‫‪113‬‬

‫‪114‬‬

‫‪ -‬أو هي تربية من ال يستقل بنفسه عما يؤذيه لعدم متييزه كطفل وكبير ومجنون‪.‬‬

‫‪115‬‬

‫وهذه التعريفات متقاربة‪ ،‬وسليمة إلى حد ما ولكنها ال تخلو من بعض الثغرات‪ ،‬إذ بعضها غير جامع كاألول‬ ‫حلصره أعمال احلضانة‪ ،‬والثاني لنصه على الطفل واﶈضون قد ال يكون كذلك‪ ،‬والرابع لنصه على دفع املؤذيات‬ ‫دون جلب املنافع‪ ،‬ومنها ما هو غير مانع وهو الثالث لدخول ما ليس من احلضانة فيها من رعاية كل عاجز‪ .‬وعليه‬ ‫ميكن أن نعرف احلضانة تعريفا يتفادى نواقص التعاريف السابقة فنقول إنها‪ :‬القيام باملصالح الشخصية‬ ‫للطفل ومن في معناه وجلب ما ينفعه ودفع ما يضره ممن له احلق في ذلك‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬التزامات احلضانة‬ ‫من خالل ما سبق نستنتج أن احلضانة تتمثل في ما يلي‪:‬‬ ‫‪-1‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫‪-3‬‬ ‫‪-4‬‬ ‫‪-5‬‬ ‫‪-6‬‬

‫احلماية الشخصية للطفل‪.‬‬ ‫اجلانب احلفظي‪ ،‬أي درء اجملاطر‪.‬‬ ‫اجلانب الكسبي‪ ،‬أي جلب املصالح‪.‬‬ ‫اجلانب الروحي واملعنوي مثل التربية على األصول الدينية والسلوك اخللقي احلسن‪.‬‬ ‫اجلانب املادي مثل النظافة والصحة وغيرهما‪.‬‬ ‫كل ما من شأنه ضمان مصالح اﶈضون لكن باملعروف‪.‬‬

‫وهذا ما يؤكد أن احلضانة يجب أن تكون مرنة منوطة باملصالح وأال حتصر في أعمال جزئية محددة وإن كان ميكن‬ ‫ذكرها على أنها هي األساس أو املثال ال أنها على سبيل احلصر‪.‬‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬عالقة احلضانة بغيرها من مصالح اﶈضون‬ ‫نستشف من خالل تعريفات احلضانة وبقية احلقوق املترتبة لضمان مصالح القاصر أن هناك متايزا واضحا بني‬ ‫هذه احلقول فلنلق نظرة على كل منها باختصار‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬الوالية وعالقتها باحلضانة‬ ‫أـ تعريف الوالية‪:‬‬ ‫الوالية لغة تأتي مبعنى الدنو والنصرة واﶈبة‪ 116،‬وتأتي مبعنى تولي أمر الشخص‪ 117،‬فهي في أصل اللغة تطلق‬ ‫على املعنى شأنها شأن جميع املصادر لكنها استعملت اسما وصارت تطلق على هذه املهمة‪ ،‬ومعنى الوالية‬ ‫‪ 113‬محيي الدين‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪404‬‬ ‫‪ 114‬عبد السميع اآلبي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪408‬‬ ‫‪ 115‬أحمد عثمان‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪236‬‬ ‫‪ 116‬الفيروزآبادي‪ ،‬القاموس اﶈيﻂ‪ ،‬مادة (و ل ي)‬ ‫‪ 117‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح‪ ،‬مادة (و ل ي )‬ ‫‪202‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫على الصغير في االصطالح يلمح في املعنى اللغوي إال أنه أكثر حتديدا وميكن أن يقال إنها‪" :‬السلطة واإلدارة‬ ‫القانونية للطفل"‪ 118‬فهي تشمل السلطة عليه من خالل الرقابة والتوجيه وإدارة جميع التصرفات القانونية‪.‬‬ ‫وأهل هذه الوالية في النواحي غير املالية في الفقه املالكي مرتبون كاآلتي‪ :‬االبن فابن االبن فاألب فوصيه فاألخ‬ ‫فابنه فاجلد فالعم فابنه فاملعتق فالكافل‪ 119‬ويلحق بالوالية اإلدارة املالية للمولى عليه واألحق بها‪ :‬األب فالوصي‬ ‫فالقاضي وفق املذهب املالكي‪ .‬ولضمان مصالح املولى عليه يشترط في الولي شرط من أهمها‪ :‬اإلسالم إذا كان‬ ‫املولى عليه مسلما‪ ،‬والتكليف ويشمل البلوغ والعقل‪ ،‬والقدرة على تسيير ممتلكات القاصر‪ 120،‬وهو ما ميكن أن‬ ‫يعبر عنه بالرشد‪.‬‬ ‫ب ـ عالقة الوالية باحلضانة‬ ‫تتقاطع الوالية مع احلضانة في بعض النقاط مثل الوجوب ورعاية املصالح‪ ،‬وذلك رغم متايزهما في أكثر األحكام‪،‬‬ ‫ومن أهم نقاط التمايز بينهما‪:‬‬ ‫‪1‬ـ كون الوالية مهمة عمومية بينما احلضانة واجب معني يكلف به مأمور معني وإن كان فيه نوع التوسعة في‬ ‫االختيار‪.‬‬ ‫‪2‬ـ من حيث الطبيعة يختلفان؛ فالوالية رعاية وسلطة قانونية تعنى بالتصرفات القانونية‪ ،‬بينما تعنى احلضانة‬ ‫بتوفير املصالح املادية واملعنوية للمحضون‪.‬‬ ‫‪3‬ـ من حيث األحكام يشترط اإلسالم في الولي دون احلاضن عند اجلمهور‪.‬‬ ‫‪4‬ـ من حيث املكلف بكل منهما؛ األصل في الوالية الرجال العصبة األقربون‪ ،‬واألصل في احلضانة النساء مراعاة‬ ‫لطبيعة كل مهمة‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬النفقة وعالقتها باحلضانة‬ ‫أـ تعريف النفقة‪:‬‬ ‫عرفها ابن عرفة بأنها "ما به قوام معتاد حال اآلدمي دون سرف"‪ 121‬وهذا تعريف لها باملعنى املادي وفصله‬ ‫بعضهم بالقول إنها تشمل املسكن والكسوة والطعام واإلدام باملعروف‪ ،‬وميكن أن تعرف بالنظر إلى معناها‬ ‫القانوني بالقول إنها التزام الشخص أو إلزامه بإعالة من تلزمه إعالته شرعا‪ .‬وأهم أسبابها الزوجية فتجب‬ ‫نفقة الزوجة غير الناشز على زوجها والقرابة وأولى تلك القرابة األبوة والبنوة‪.‬‬ ‫ب ـ عالقة النفقة باحلضانة‬

‫‪ 118‬باباه‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪6‬‬ ‫‪ 119‬محمد مولود املوسوي‪ ،‬الرحمة‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪345‬‬ ‫‪ 120‬باباه‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪6‬‬

‫‪121‬‬

‫الدردير‪ ،‬الشرح الصغير‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪590‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪203‬‬


‫تشارك النفقة احلضانة في بعض اخلصائص أيضا مثل الوجوب بغض النظر عمن يقع على عاتقه هذا اإللزام‪،‬‬ ‫ومثل حدود انتهاء كل منهما فإن ذلك متقارب في الفقه املالكي‪ .‬وتختلفان في كثير من احلقائق واألحكام‬ ‫منها‪:‬‬ ‫‪1‬ـ طبيعة كل منهما إذ النفقة عبارة عن توفير الضروريات املادية للمنفق عليه‪ ،‬واحلضانة هي الرعاية واإلشراف‬ ‫املستمر على اﶈضون‪.‬‬ ‫‪2‬ـ النفقة أعم من وجه من احلضانة إذ أنه جتب نفقة منفقني ال تلزم حضانتهم‪.‬‬ ‫‪3‬ـ نفقة الصغير يكلف بها األب أوال‪ ،‬وأما احلضانة فعليه مع األم عند االجتماع ولها وعليها عند االفتراق‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬الرضاعة وعالقتها باحلضانة‬ ‫أـ حقيقة الرضاعة‬ ‫الرضاعة في طبيعتها أقرب للنفقة من الناحية القانونية ألن وجوبها عند املالكية على األب‪ ،‬ومن هنا وجبت‬ ‫عليه النفقة على الولد وعلى أمه املرضع ووجب عليه اإليجار لإلرضاع عند احلاجة إليه‪ ،‬وهي أقرب إليها كذلك‬ ‫من الناحية املادية ألنها غذاء للولد لوقت مخصوص محدد بحولني كاملني كما بينت اآلية‪( :‬والوالدات يرضعن‬ ‫أوالدهن حولني كاملني‪ )...‬إلى قوله تعالى‪( :‬وعلى املولود له رزقهن وكسوتهن باملعروف) وألجل صيغة هذه اآلية‬ ‫اختلف الفقهاء في إيجاب الرضاعة هل هو على العني فتكلف به األم شرعا؟ أم هو على الكفاية وال يجب على‬ ‫األم حتديدا إال في حاالت مخصوصة وهي‪ :‬أال يقبل الولد غير األم‪ ،‬أو ال توجد مرضع غيرها‪ ،‬أو توجد ولكن األب‬ ‫معسر عاجز عن دفع أجرة الرضاع‪.‬‬ ‫ب ـ عالقتها باحلضانة‬ ‫تشبه الرضاعة احلضانة في أوجه عدة منها الوجوب العيني أو الكفائي عند من قال بكل منهما‪ ،‬وأن األصل في‬ ‫الرضاعة أن تقوم بها األم نفسها مثل احلضانة‪ ،‬ومن أوجه االختالف بني االثنتني‪:‬‬ ‫‪1‬ـ اختالف طبيعة الرضاعة عن احلضانة إذ الرضاع هو توفير اللنب للطفل‪ ،‬واحلضانة حفظه وتربيته‪.‬‬ ‫‪2‬ـ يختلفان كذلك في املأمور بهما فبعد أصالة األم في الرضاعة ينتقل الوجوب مباشرة إلى األب بعدها‪ ،‬أما‬ ‫احلضانة فال تصله في الفقه املالكي إال عند انعدام احلواضن من النساء‪.‬‬ ‫يتبني من كل ما سبق أن هذه املصالح متمايزة بشكل واضح وإن كانت في الواقع يستحيل الفصل الكامل‬ ‫بينها ألنها يخدم بعضها بعضا وال ﳝكن تصور تام وال حكم صحيح ملصالح اﶈضون إال بتأدية جميع هذه‬ ‫الواجبات على الوجه الشرعي الصحيح‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬مصلحة اﶈضون وأحكام احلضانة‬

‫‪204‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫من املتفق عليه بﲔ املذاهب أن احلضانة مشروعة لضمان مصالﺢ اﶈضون‪ ،‬وأن احلضانة في نفسها ضرورة من‬ ‫الضروريات‪ ،‬لكنها تختلف بعد ذلك في كثير من الفروع الفقهية وأهم سبب لالختالف مدى ضمان هذا الفرع‬ ‫أو ذاك لهذه املصلحة‪.‬‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬حكم احلضانة‬ ‫اتفق الفقهاء بل والعقالء جميعا على وجوب احلضانة وجوبا ضروريا‪ ،‬واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة منها‪ :‬قوله‬ ‫تعالى‪( :‬ال تضار والدة بولدها)‪ 122‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬أنت أحق به ما لم تنكحي)‪ 123‬ونقل ابن املنذر‬ ‫واحلطاب املالكي‪ 125‬اإلجماع على وجوب احلضانة على العموم وإن كثر اخلالف في الفروع والتفاصيل‪ .‬ويؤكد األدلة‬ ‫السابقة داللة العقل والضرورة على وجوب احلضانة إذ بدونها تفسد األجيال وتنهار اﺠﻤﻟتمعات‪ ،‬وما نقص جزء‬ ‫من احلضانة والرعاية إال ظهر ما يوازيه من االنحراف في النشء‪ ،‬وما متت احلضانة على وجهها إال وظهر ذلك‬ ‫سعادة للمحضون وصالحا وسكينة للمجتمع‪.‬‬

‫‪124‬‬

‫وبناء على هذه األدلة نص الفقهاء في مؤلفاتهم على وجوب احلضانة وجوبا مسلما به ال جدال فيه‪ ،‬فقد قال‬ ‫خليل املالكي عاطفا احلضانة على النفقة الواجبة‪" :‬وحضانة الذكر للبلوغ‪ 126"..‬وقال ابن قدامة احلنبلي‪:‬‬ ‫‪127‬‬ ‫"وكفالة الطفل وحضانته واجبة ألنه يهلك بتركها فيجب حفظه عن الهالك كما يجب اإلنفاق عليه"‪.‬‬ ‫ومن كل هذا نستنتج أن وجوب احلضانة محل إجماع ال خالف فيه وإمنا محل اخلالف في نوع هذا الواجب هل هو‬ ‫عيني أو كفائي‪ ،‬وهل هو حق هلل أم للحاضن أم للمحضون أم لهما معا أم هي حق للجميع؟‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬من له احلق في احلضانة‬ ‫اختلف الفقهاء في أصل حق احلضانة‪ ،‬إلى أقوال تتفرع عنها فروع كثيرة تعددت فيها اآلراء تبعا لالختالف في‬ ‫هذا األصل‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ فقيل إن احلضانة حق هلل تعالى‪ ،‬وعليه فإن القيام بها أمر إلزامي تعبدا هلل تعالى‪ ،‬وينبني على هذا الرأي‬ ‫‪128‬‬ ‫التضييق في التصرف في هذا احلق والتنازل عنه‪.‬‬ ‫‪2‬ـ وقيل إنها حق للحاضن‪ ،‬وهو مشهور املذهب املالكي‪ 129،‬وعلى هذا القول فهي ليست أمرا تكليفيا بل منحة‬ ‫شرعية للمستحق‪ ،‬وينبني على هذا القول التوسع في نقل هذا احلق والتصرف فيه ﲟا ال يخل ﲟصالﺢ اﶈضون‪.‬‬

‫‪ 122‬سورة البقرة ‪233‬‬ ‫‪ 123‬سبق‬

‫‪ 124‬انظر‪ :‬سعاد إبراهيم‪ ،‬عالقة اآلباء باألبناء‪ ،‬ط‪ .‬دار تهامة‪ ،‬جدة‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪ 180‬وقد تصفحت كتاب اإلجماع البن املنذر من باب النكاح‬ ‫إلى باب البيع فما وفقت في العثور عليه‪.‬‬ ‫‪ 125‬احلطاب‪ ،‬مواهب اجلليل شرح مختصر خليل‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ، ،1978 ،‬ج‪ ،4‬ص ‪214‬‬

‫‪ 126‬خليل‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪168‬‬ ‫‪ 127‬ابن قدامة‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪612‬‬ ‫‪ 128‬محمد مولود‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪446‬‬ ‫‪ 129‬محمد مولود‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪446‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪205‬‬


‫‪3‬ـ وقيل إنها حق للمحضون وبهذا قال جمع من الفقهاء وهو مقتضى إحدى الروايات في املذهب املالكي‪ .‬وهذا‬ ‫القول أقرب إلى القول األول وإن اختلفت التسمية وعليه تلزم احلاضنة مبقتضيات احلضانة وال يجوز التصرف‬ ‫‪130‬‬ ‫فيها أو التنازل عنها إال إذا كان ذلﻚ في مصلحة اﶈضون بحيﺚ إنه إذا قدر راشدا عاقال فإنه سيقبل بذلﻚ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ وقيل إنها حق للحاضن واﶈضون معا وهي رواية كذلﻚ في املذهب املالكي‪ 131،‬وبها أخذ بعض الباحثني‬ ‫‪132‬‬ ‫املعاصرين ورجحوها على غيرها جلمعها بني األقوال ورعايتها مصالح جميع األطراف‪.‬‬ ‫وهذا القول األخير وإن حاول اجلمع بني األقوال فإنه لم يعط حال واضحا لإلشكاالت املتعارضة التي تنبني على‬ ‫التعارض بني الطرفني‪ ،‬مثل القول بصحة اختالع األم مقابل حقها في احلضانة وعدمه‪ ،‬ومثل إجبار صاحبة احلق‬ ‫في احلضانة على القيام بها بالفعل‪ .‬واحلق الذي ال مراء فيه أن احلضانة فيها وجوه من جميع هذه احلقوق ولكن‬ ‫حلول املسائل املبنية على التعارض والتداخل بينها ميكن أن يرجح بينها على أساس مصلحة اﶈضون ألنها‬ ‫أساس حكم احلضانة‪ .‬ومن هنا تكسب احلضانة اإللزام من جعلها حقا هلل‪ ،‬واملصلحة من جعلها حقا‬ ‫للمحضون‪ ،‬واألولوية من جعلها حقا للحاضن‪.‬‬ ‫الفقرة الثالثة‪ :‬شروط احلضانة‬ ‫وميكن تقسيمها إلى ثالثة أنواع من الشروط‪ :‬أولها الشروط العامة‪ ،‬وثانيها الشروط اخلاصة باملرأة احلاضنة‪،‬‬ ‫وثالثها الشروط اخلاصة بالرجل احلاضن‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬الشروط العامة للحضانة‪:‬‬ ‫‪1‬ـ ال بد للحاضن أيا كان من توفر شروط أساسية تضمن مصلحة اﶈضون‪ ،‬وهذه الشروط منها ما هو بدني‬ ‫يتعلق بقدرة احلاضن‪ ،‬ومنها ما هو معنوي يتعلق بكفاءته لهذه املهمة‪.‬‬ ‫أـ الشروط املتعلقة بالقدرة البدنية وأهمها‪:‬‬ ‫• الكفاءة وهي القدرة على القيام بﺄمر اﶈضون‪ 133.‬ويخرج بهذا الشرط العاجز عن توفير مصالح‬ ‫اﶈضون عجزا بدنيا لكونه زمنا )بكسر امليم ضعيفا( أو كبيرا ال ميكنه التصرف إال مبشقة وكذلﻚ‬ ‫‪134‬‬ ‫األعمى واألصم واألخرس‪.‬‬ ‫• عدم استخدام مضر‪ 135،‬ريحه أو رؤيته‪ ،‬وعدم املرض الذي تخاف منه العدوى‪ ،‬حتى ولو كان اﶈضون فيه‬ ‫‪136‬‬ ‫من املرض مثل ما في احلاضن خوف الزيادة‪.‬‬

‫‪ 130‬انظر محمد مولود‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪ ،446‬وأحمد عثمان م س‪ ،‬ص ‪259‬‬ ‫‪ 131‬محمد مولود‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪446‬‬

‫‪ 132‬عبد الرحمن تاج‪ ،‬أحكام األحوال الشخصية في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتاب العربي‪ ،1955 ،‬ص ‪433‬‬ ‫‪ 133‬الزرقاني‪ ،‬شرح الزرقاني جملتصر خليل‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪1978 ،‬ج‪ ،4‬ص ‪266‬‬

‫‪ 134‬شرح الزرقاني‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪266‬‬ ‫‪ 135‬خليل‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪168‬‬ ‫‪ 136‬شرح الزرقاني‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪266‬‬ ‫‪206‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وقد حاول بعض الفقهاء سرد األمراض التي تعد سببا لزوال أهلية احلاضن‪ ،‬واألصح أن ذلك شامل لكل مرض‬ ‫سواء كان معديا أو مﺆذيا أو منفرا أو غير ذلك حفاظا على مصالح اﶈضون‪ .‬إال أنه ملا كان املرض سببا ﻃارﺋا‬ ‫فإن للحاضنة استرجاع احلضانة بعد زواله بخالف ما لو تنازلت عنها فإنها ال تعود إليها عند املالكية خالفا‬ ‫‪137‬‬ ‫للمذاهب الثالثة‪.‬‬ ‫‪2‬ـ الشروط املعنوية للحاضن‪:‬‬ ‫مﻊ السالمة البدنية ال بد للحاضن من السالمة املعنوية التي تنبثق عنها مصالح اﶈضون املعنوية ومن أهم‬ ‫الشروط املتعلقة بهذه الناحية‪:‬‬ ‫• العقل‪ 138،‬وهو أول الشروط وأهمها ألن فاقده بحاجة إلى من يحضنه فكيف يحضن غيره؟!‬ ‫• الشفقة‪ ،‬ويعبر عنها أحيانا بعدم القسوة‪ 139،‬فإن علمت قسوة احلاضن قدم عليه األبعد واألجنبي‪،‬‬ ‫والشفقة كما هي شرط الستحقاق احلضانة واستمرارها تعتبر كذلك مرجحة بني مستحقي احلضانة‬ ‫‪141‬‬ ‫املتساوين في الدرجة عند التنازع‪.‬‬

‫‪140‬‬

‫• الرشد‪ ،‬ويشمل ناحتني؛ األولى سالمة الدين مبعنى أن ال يكون احلاضن فاسقا خصوصا إذا كان الولد‬ ‫يعقل ممارسات احلاضن‪ 142.‬والفقه املالكي يعطي حق احلضانة للكافرة غير املرتدة دون الفاسقة‪،‬‬ ‫وميكن أن يفسر ذلك بأن الكافر له دين ومبادئ يحترمها و ميكن أن يقر عليه بخالف الفاسق‪ .‬لكن يشترط‬ ‫في الكافرة إذا كان الولد له حكم املسلم أن متارس احلضانة حسب اإلسالم ال حسب دينها‪ ،‬وأال تغذي‬ ‫الولد مبحرم‪ ،‬فإن خيف منها ذلك ال تنزع منها احلضانة وإمنا تضم ملسلمني كما في املدونة‪ 144.‬والثانية‬ ‫مما يقتضيه الرشد القدرة على التسيير املالي وعدم السفه‪ ،‬ألن للحاضنة قبض نفقة اﶈضون‪ 145،‬فال‬ ‫بد من رشدها حفاظا على ماله‪ .‬فإن لم تكن كذلك أفتى بعض الفقهاء بنزع احلضانة منها وأفتى‬ ‫آخرون بخالفه‪ ،‬وأرى أن ميكن حل هذه املسألة بالنﻈر إلى مصلحة اﶈضون فإن كانت مﻊ هذه احلاضنة‬ ‫غير الرشيدة في تصريف املال روعيت هذه الناحية بتوكيل ﻃرف آخر بصرف مال اﶈضون أو تشديد‬ ‫الرقابة على احلاضنة في صرف نفقة اﶈضون‪.‬‬

‫‪143‬‬

‫‪ 137‬محمد عبد اهلل محمد‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪396‬‬ ‫‪ 138‬خليل‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪168‬‬ ‫‪ 139‬الزرقاني‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪266‬‬ ‫‪ 140‬محمد مولود‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪260‬‬ ‫‪ 141‬خليل‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪168‬‬ ‫‪ 142‬محمد مولود‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪447‬‬ ‫‪ 143‬الزرقاني‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪268 ،4‬‬ ‫‪ 144‬احلطاب‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪217‬‬ ‫‪ 145‬خليل‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪168‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪207‬‬


‫ثانيا‪ :‬الشروط اخلاصة باملرأة احلاضنة‬ ‫باإلضافة إلى الشروط العامة يشترط في املرأة احلاضنة ما يلي‪:‬‬ ‫أن يكون وضعها األﺳري مناﺳبا للمحضون مثل أن تكون زوجة أب اﶈضون‪ ،‬أو تكون أميا إن لم تكن زوجته أو‬ ‫خالية من زوج دخل بها‪ 146.‬وتفسير هذه األحوال أن الزوج األجنبي قد يشكل ضررا على اﶈضون كما قد يكون‬ ‫اﶈضون ﺳببا لﻺضرار بالزوج الذي ال تربطه به صلة‪ ،‬ويستثنى من شرط عدم زواج احلاضنة من أجنبي حاالت‬ ‫‪147‬‬ ‫يظن أال ضرر فيها على الطرفني‪:‬‬ ‫ـ أن يعلم الزوج أواألب إعالما صريحا ببقاء الولد مع زوجته احلاضنة‪.‬‬ ‫ـ أن يسكت الزوج أو من له احلضانة بعد األم عن ذلك عاما كامال‪.‬‬ ‫ـ أن يكون الزوج محرما للمحضون‪.‬‬ ‫ـ أن يكون وليا للمحضون‪.‬‬ ‫ـ أال يقبل الولد غير أمه أو حاضنته املتزوجة بأجنبي‪.‬‬ ‫ـ أال تقبل املرضعة ‪-‬أما أو غيرها‪ -‬إرضاعه عند احلاضنة اجلديدة‪.‬‬ ‫ـ أن ينعدم غيرها حقيقة أو حكما‪.‬‬ ‫وهذا كله يﺆكد الدوران مع مصلحة اﶈضون دون إضرار ﲟصالﺢ جميع األﻃراف ذات العالقة ﲟسألة احلضانة‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬شروط خاصة بالرجل احلاضن‪:‬‬ ‫مع الشروط العامة كذلك يشترط في الرجل إن وصل إليه احلق في احلضانة أن تتوفر فيه شروط تخصه‬ ‫وأهمها‪:‬‬ ‫ـ أن يكون له انثى حتضن جامعة لشروط احلضانة‪.‬‬ ‫ـ أن يكون محرما للمحضونة األنثى املطيقة‪.‬‬

‫‪148‬‬

‫‪149‬‬

‫ومع توفر هذه الشروط في جميع احلاضنني تشترط شروط أخرى خارجية من أهمها أمن املكان الذي متارس فيه‬ ‫احلضانة وعدم ﺳفر احلاضنة باﶈضون عن أبيه وأوليائه رعاية ملصاحلهم وحماية ملصاحله‪.‬‬ ‫الفقرة الرابعة نقل احلضانة على أﺳاس مصلحة اﶈضون‬

‫‪ 146‬خليل ‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪168‬‬ ‫‪ 147‬الزرقاني‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪270-269‬‬ ‫‪ 148‬خليل ‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪168‬‬ ‫‪ 149‬الزرقاني‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪268‬‬ ‫‪208‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫في إﻃار الشروط السابقة يفترض الفقه املالكي مصلﺤة اﶈضون مﻊ قرابته وفق ترتيب تنازلي تقدم فيه‬ ‫اﻹناث ألنهن مظنة املصلﺤة والشفقة على اﶈضون‪ .‬وسواء كان نقل احلضانة إلى احلاضن التالي ألجل فقد‬ ‫احلاضن السابق حقيقة مبوته مثال‪ ،‬أو حكما بفقده بعض الشروط أو كلها فإن نقل احلضانة في مشهور‬ ‫‪150‬‬ ‫املذهب املالكي يتم حسب الترتيب التالي‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أم اﶈضون‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أم أمه‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أم أم أمه‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أم أم أبيه أو أبيها وهما في رتبة واحدة‪ ،‬وعليه فالترجيح بينهما إمنا يكون بالصالح‪.‬‬ ‫‪5‬ـ اخلالة الشقيقة ثم ألم ثم ألب‪.‬‬ ‫‪6‬ـ خالة أم اﶈضون‪.‬‬ ‫‪7‬ـ خالة أب اﶈضون‪.‬‬ ‫‪8‬ـ عمة أم اﶈضون ولم يذكرها خليل مﻊ أنه حاول جمﻊ فروع املذهب املالكي‪.‬‬ ‫‪9‬ـ عمة جدته‪.‬‬ ‫‪10‬ـ جدته ألبيه وهي أم األب‪.‬‬ ‫‪11‬ـ أمها‪.‬‬ ‫‪12‬ـ أم أم األب‪.‬‬ ‫‪13‬ـ أب اﶈضون‪.‬‬ ‫‪14‬ـ أخت اﶈضون‪.‬‬ ‫‪15‬ـ عمته‪.‬‬ ‫‪16‬ـ عمة أبيه‪.‬‬ ‫‪17‬ـ خالة أبيه‪.‬‬ ‫‪18‬ـ بنت أخيه الشقيق ثم ألم ثم ألب‪.‬‬

‫‪ 150‬انظر الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير‪ ،‬ط‪ .‬املكتبة التجارية الكبرى‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪269‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪209‬‬


‫‪19‬ـ بنت أخته الشقيقة ثم ألب ثم ألم‪.‬‬ ‫‪20‬ـ الوصي‪.‬‬ ‫‪21‬ـ أخ اﶈضون الشقيق ثم ألب‪ ،‬وروي أن ال حضانة لألخير ألنه ابن ضرة‪.‬‬ ‫‪22‬ـ اجلد لألب األقرب فاألقرب ولم يذكره خليل أيضا‪.‬‬ ‫‪23‬ـ ابن أخ اﶈضون‪.‬‬ ‫‪24‬ـ عمه‪.‬‬ ‫‪25‬ـ ابن عمه‪.‬‬ ‫هذا الترتيب هو املشهور في املذهب املالكي وعليه درج الشيخ خليل في مختصره مع زيادات طفيفة‪ ،‬وهو‬ ‫ترتيب اجتهادي مبني على مجموعة من اﶈددات منها مظنة املصلحة والشفقة‪ ،‬ولكن تلك املظنة قد ال تقع‬ ‫في جميع األحوال فكان ال بد من رعاية ذلك‪.‬‬ ‫الفقرة اخلامسة‪ :‬ممارسة احلضانة على أساس مصلحة اﶈضون‬ ‫ال تنتهي الضوابط والشروط التي وضعها الشرع عند استحقاق احلضانة وإمنا تستمر خالل ممارستها عمليا‪،‬‬ ‫ولضمان ذلك وضع الشرع عدة رقابات على أداء احلاضن‪ ،‬أوالها الرقابة األخالقية التي يتضمنها اشتراط الوازع‬ ‫الديني واخللقي لدى احلاضن‪ ،‬وثانيتها الرقابة القانونية والقضائية التي تتابع أداء كل األطراف‪ ،‬وثالثتها رقابة‬ ‫األب أو من ينوب عنه في والية اﶈضون‪ ،‬ورابعها رقابة اﺠﻤﻟتمع الذي يطلب منه الشرع والقانون متابعة تلك‬ ‫املصالح حسب ما تقتضيه األحوال‪ .‬وعلى كل حال يجب على احلاضن أيا كان أن يعمل وفق املصالح التالية‪:‬‬ ‫‪1‬ـ توفير املصالح املادية للمحضون من غذاء وملبس ونظافة ورعاية للنمو البدني ووقاية من األمراض والعمل‬ ‫على عالجها إن وقعت‪ ،‬وكل ذلك مبساعدة األب ودعمه املالي‪.‬‬ ‫‪2‬ـ توفير الرعاية النفسية للمحضون‪ ،‬وذلك بخلق اجلو املالئم للنمو النفسي السليم والتوازن في االنفعاالت‪،‬‬ ‫فإن الطفل كثيرا ما يتأثر باملمارسات اخلاطئة فيجب مراعاة ذلك حسب اإلمكان‪.‬‬ ‫‪3‬ـ القدوة احلسنة‪ ،‬ومن هنا اشترط في احلاضن واحلاضنة كثير من الشروط منها الدين في أغلب األحوال‬ ‫واخللق في جميعها ابتداء واستمرارا‪ ،‬ولذلك تنزع احلضانة عند الفسق الطارئ على احلاضن أو احلاضنة‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أمن اﶈضون‪ ،‬إذ يجب على احلاضن توفير سكن مقبول للمحضون حسب احلال‪ ،‬وأهم شروط ذلك السكن‬ ‫أن يكون نظيفا وآمنا وخصوصا إذا كان اﶈضون بنتا كما أكد الفقهاء‪ .‬وهذا الشرط كذلك ال بد منه ابتداء‬ ‫وانتهاء فلو طرأ اخلوف على املكان وتعذر على احلاضن غيره مما فيه الضوابط املذكورة نزعت احلضانة من ذلك‬ ‫احلاضن وأعطيت لغيره‪ ،‬ولكن هذا العذر الطارئ الذي ليس من فعل احلاضن تعود احلضانة بزواله‪ ،‬بخالف العذر‬ ‫الذي هو من فعله كاالمتناع والفسق فال تعود بعدهما إليه‪.‬‬

‫‪210‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫‪5‬ـ اإلقامة باحلاضن بني أوليائه وعدم السفر به سفر نقلة‪ ،‬وحدده الفقهاء ببريدين أو ستة والبريد نحو ‪12‬‬ ‫ميال‪ ،‬وحدده بعضهم مبا ينقطع خبر الولد فيه‪ ،‬والظاهر أن الضابط األول ضيق جدا‪ ،‬والثاني يصعب حتديده في‬ ‫عصر االتصال والتواصل‪ ،‬ولذا وضع جل القوانني ضابط السفر متعلقا باحلدود بني الدول‪ ،‬فمنع سفر احلاضنة‬ ‫باﶈضون من دولته إال ملصلحته وبإذن من وليه وموافقة اجلهات اجملتصة‪.‬‬ ‫‪6‬ـ مسايرة حاجات اﶈضون‪ ،‬فاﶈضون ينمو من حال إلى حال‪ ،‬وفي كل ﻃور له متطلبات تﺨتلف عن سابقتها‬ ‫ففي مرحلة الطفولة الصغرى يحتاج للحنان والرعاية البدنية‪ ،‬فلما يكبر قليال يحتاج معهما إلى التوجيه‬ ‫والتربية والتعليم فكان ال بد من مرونة النظر في أعمال احلضانة ومراعاة جميع مصالﺢ اﶈضون‪ ،‬وإن كان جزء‬ ‫كبير من ذلك يسأل عنه األب أو من ينوب عنه‪.‬‬ ‫الفقرة السادسة‪ :‬انتهاء احلضانة على أساس مصلحة اﶈضون‬ ‫من مقتضيات األحوال‪ ،‬ومن مصلحة اﶈضون واحلاضن أن تكون للحضانة حدود تنتهي بها‪ ،‬إال أن نهايتها‬ ‫قسمان‪:‬‬ ‫األول‪ :‬انتهاء احلضانة بالنسبة للحاضن‪ ،‬وهذا ال يعني بالضرورة انتهاءها بالنسبة للمحضون وإمنا يعني‬ ‫نقلها إلى آخر‪ ،‬وتنتهي احلضانة بالنسبة للحاضن في ثالث حاالت‪:‬‬ ‫‪1‬ـ فقد شرط من الشروط كان موجودا وقت استحقاقه للحضانة‪.‬‬ ‫‪2‬ـ وجود مانع كان معدوما وقت استحقاقه احلضانة كردة احلاضنة وتزوجها من أجنبي عن اﶈضون‪ ،‬ومثل بلوغ‬ ‫اﶈضونة التي هي في رعاية رجل غير محرم‪ .‬وأحلق بذلك بعض الفقهاء ما إذا كانت املرأة تعمل عمال مينعها‬ ‫‪151‬‬ ‫من أداء حقوق اﶈضون‪.‬‬ ‫‪3‬ـ اخللل في ﳑارسة احلضانة‪ ،‬كما إذا لم توفر مصالﺢ اﶈضون أو ﻇهر خلل في تسييرها املالي لنفقته كما‬ ‫سبق‪ ،‬أو خيف تأثره بدينها إن كانت كتابية ولم ينفع ضمها ملسلمني‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬انتهاء احلضانة بالنسبة للمحضون‪ :‬فإذا زالت احلاجة للحضانة رفع حكمها‪ ،‬وقد وضع الفقهاء لذلك‬ ‫‪152‬‬ ‫ضوابط من أهمها‪:‬‬ ‫‪1‬ـ البلوغ بالنسبة للولد الذكر‪ ،‬وذلك باألمارات املعروفة فقها وعادة‪.‬‬ ‫‪2‬ـ دخول الزوج بالبنت‪.‬‬ ‫وهنا ينبغي التذكير بأن انتهاء احلضانة بالنسبة للمحضون ال يعني رفع القلم عنه‪ ،‬وإمنا يعني االنتقال من‬ ‫نوع من الرعاية إلى نوع آخر‪ ،‬ومن هنا نرى أن نقل الرعاية من األم لألب ال يعني انتهاء احلضانة وإمنا يعني نقلها‬ ‫وتطورها من حال إلى آخر‪.‬‬

‫‪ 151‬باباه م س ص ‪15‬‬ ‫‪ 152‬خليل‪ ،‬م س ص ‪167‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪211‬‬


‫الفقرة السابعة‪ :‬متديد احلضانة على أساس مصلحة اﶈضون‬ ‫مع ما ميتاز به املذهب املالكي من مرونة في األصول والفروع جنده من أكثر املذاهب تضييقا في مسألة متديد‬ ‫احلضانة حيث يرى جمهور املالكية أن احلضانة تنقضي تلقائيا في حال ظهور أحد املناطني الذين علق بهما‬ ‫‪153‬‬ ‫انتهاء أمد احلضانة مهما كان حال اﶈضون وهما‪:‬‬ ‫ـ البلوغ للذكر‪.‬‬ ‫ـ ودخول الزوج باألنثى‪.‬‬ ‫وذهب ابن شعبان من املالكية خالفا للمشهور إلى متديد حضانة الذكر إلى أن يبلغ عاقال غير زمن (بكسر امليم‬ ‫أي غير عاجز)‪ 154‬وهو أقرب ملصلحة اﶈضون وإلى املقصد الذي من أجله شرعت احلضانة‪ ،‬ألن هذين الوصفني؛‬ ‫البلوغ والدخول قد ال يتوفر عندهما بالضرورة االستغناء عن احلضانة‪ ،‬بل إن الواقع يشهد باحلاجة امللحة‬ ‫للحضانة رغم وجود الوصفني في بعض األحوال‪ .‬فبالنسبة للولد قد يبلغ مع عدم النضج مما يتطلب متديد‬ ‫احلضانة إلى حني يقرر القاضي بعد التمحيص واالستقصاء االستغناء عنها‪ ،‬وأما بالنسبة للبنت فمديد‬ ‫احلضانة قد يكون أكثر إحلاحا‪ ،‬ألن بعض األزواج قد ال يقوم بكامل مسؤولياته وقد يكون غير قادر على ذلك من‬ ‫األصل بشكل كامل‪.‬‬ ‫ويزداد متديد احلضانة تأكيدا مع ظهور بعض العادات مثل التزويج املبكر لألوالد والبنات‪ ،‬ومثل الطالق املبكر‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬مما يتطلب متديد احلضانة عند احلاجة‪ ،‬أو على أقل تقدير عودتها بعد زوال املناط الذي علق به‬ ‫انتهاؤها‪ ،‬واحلكم بعودة احلضانة في حال عود البنت مطلقة إلى بيت أهلها مثال‪ .‬وملا كان هذا الضابط اجلامد‬ ‫ال يحمي املصالح بشكل كامل ذهب بعض الفقهاء وخصوصا احلنابلة كابن تيمية وابن القيم وكذلك الزيدية‬ ‫إلى عدم حتديد سن معينة وال أمارة معينة محددة النتهاء احلضانة‪ ،‬بل علقوا األمر ابتداء وانتهاء باالستغناء‬ ‫‪155‬‬ ‫وعدمه‪ ،‬وهذا أقرب إلى مقاصد الشرع وأضمن ملصالح اﶈضون‪.‬‬ ‫وبهذا الرأي نادى باحثون معاصرون مطالبني بتعديل القوانني التي تقف في وجه ذلك‪ 156،‬كما قضت به‬ ‫محاكم عدة منها على سبيل املثال اﶈكمة السودانية العليا حيث حكمت بأن "األصلحية التي يترتب على‬ ‫ثبوتها حق احلضانة بالرغم من انقضائه باملدة اﶈددة شرعا (وأرى أن يكون بدل كلمة شرعا هنا كلمة فقها)‬ ‫‪157‬‬ ‫تعني أمرا يتوفر لدى احلاضنة يحقق مصلحة اﶈضون ال يوجد عند األب"‪.‬‬

‫‪ 153‬الدردير‪ ،‬الشرح الصغير‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪632‬‬

‫‪ 154‬الدردير‪ ،‬الشرح الكبير‪ ،‬ط‪ .‬املكتبة التجارية الكبرى‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪468‬‬ ‫‪155‬‬

‫الصابوني‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪ ،293‬ومحيي الدين‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪408‬‬ ‫‪ 156‬الصابوني‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪296‬‬ ‫‪ 157‬قرار رقم ‪ 1984/2/28/84/25‬اﺠﻤﻟلة العربية للفقه والقضاء‪ ،‬عدد ‪ ،5‬ابريل ‪ ،1987‬ط‪ .‬األمانة العامة ﺠﻤﻟلﺲ وزراء العدل العرب‪ ،‬ص ‪98‬‬ ‫‪212‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫خامتة‪:‬‬ ‫بعد التطواف في املقاصد الشرعية والتﺠول في أهداف وغايات الشرع من توفير مصالح اﶈضونني وحمياتهم‬ ‫توصلنا إلى جملة من النتائج والتوصيات‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬النتائج‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن الشرع احلنيف يدور مع املصالح املعتبرة اخلالصة والراجحة‪ ،‬مع وضع ضوابط حتمي الناظرين في تلك‬ ‫املصالح من جتاوز حدود النصوص الشرعية‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن مصلحة اﶈضون إﳕا شرعت من أجل مصلحة اﶈضون أوال ومصلحة احلاضنة ثانيا ومصلحة اﺠﻤﻟتمع‬ ‫ثالثا‪ ،‬وكل ذلك فيه شائبة من التعبد جتعل كل مكلف يؤدي واجبه برضى وبنية التقرب إلى اهلل‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن مراعاة مصالح اﶈضون محل إجماع بني الفقهاء بل والعقﻼء وإن اختلفت االجتهادات والتشريعات في‬ ‫التفاصيل في كثير من األحيان‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أن النصوص الشرعية في هذا الباب محدودة وأغلبها وقائع عني وهو ما يفتح باب االجتهاد واسعا في هذا‬ ‫اﺠﻤﻟال‪.‬‬ ‫‪5‬ـ أن الفقهاء قدميا وضعوا ضوابط واجتهادات صارمة في استحقاق احلضانة ونقلها تبعها بعض القوانني‬ ‫املعاصرة فأدت إلى التزام املبني أكثر من املعنى في بعض الفروع‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬التوصيات‪:‬‬ ‫‪1‬ـ ضرورة ربط األحكام الشرعية مبعانيها ومقاصدها الشرعية دون إفراط وال تفريط‪.‬‬ ‫‪2‬ـ التمييز الواضح بني ما هو وحي معصوم عام لكل الناس‪ ،‬وبني ما هو اجتهادات فقهية جاءت في سياق‬ ‫زمانها ومكانها دون أن يدعي أصحابها أنها شرع ثابت أو وحي منزل‪.‬‬ ‫‪3‬ـ جعل مصلحة اﶈضون هي معيار ومناط استحقاق احلضانة دون النظر في اعتبارات أخرى قد تخل بأصل‬ ‫املعنى الذي من أجله شرعت احلضانة‪.‬‬ ‫‪4‬ـ إعطاء سلطة تقديرية واسعة للقضاة في هذا الباب وعدم تقييد نظرهم بفتاوى جامدة أو بنصوص‬ ‫قانونية ال تترك فرصة العتبار األصلح للمحضون‪.‬‬ ‫‪5‬ـ فتح الباب أمام إمكان متديد احلضانة إن كان في ذلك مصلحة وعدم تعليقها بشروط شكلية بدل‬ ‫تعليقها باملقاصد الشرعية‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪213‬‬


‫املراجع‬ ‫اآلبي‪ ،‬جواهر اإلكليل‪ ،‬شرح مختصر خليل‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬دون تاريخ‬ ‫اآلمدي‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬تعليق وحتقيق عبد الرزاق عفيفي‪ /‬ط‪ .‬املكتب اإلسالمي‪ /‬بيروت ‪1402‬هـ‬ ‫األمانة العامة ﺠﻤﻟلس وزراء العدل العرب ‪ ،‬اﺠﻤﻟلة العربية للفقﻪ والقﻀاء‪ ،‬عدد ‪ ،5‬ابريل ‪1987‬‬ ‫ابن تيمية‪ ،‬الفتاوي‪ ،‬ط‪ .‬دار عالم الكتب‪1991 ،‬‬ ‫ابن حزم‪ ،‬ج‪ ،10‬اﶈلﻰ‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬دون تاريخ‬ ‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‬ ‫ابن احلاجب‪ ،‬مختصر ابن احلاجب‪ ،‬مع شرح شمس الدين األصبهاني‪ ،‬حتقيق‪ :‬مظهر بقا‪ ،‬ط‪ .‬جامعة أم القرى‬ ‫ابن القيم‪ ،‬زاد املعاد‪ ،‬ط‪ .‬البابي احللبي‪1955 ،‬‬ ‫ابن قدامة‪ ،‬املغني‪ ،‬ط‪ .‬دار الرياض احلديثة‪1981 ،‬‬ ‫الباجي‪ ،‬املنهاج في ترتيب احلجاج‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد اﺠﻤﻟيد تركي‪ ،‬ط‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪1987 ،‬‬ ‫ابن رشد احلفيد‪ ،‬بداية اﺠﻤﻟتهد‪ ،‬حتقيق عبد الزاق املهدي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتاب العربي ‪2006‬‬ ‫أحمد العزب‪ ،‬األمومة في عهد النبي صلﻰ اهلل عليﻪ وسلم‪ ،‬مجلة البحوث اإلسالمية‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،1‬العدد ‪،3‬‬ ‫‪1397‬هـ‬ ‫أحمد الونشريسي‪ ،‬املعيار‪ ،‬ط‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بدون تاريخ‬ ‫أحمد عثمان‪ ،‬آثار عقد الزواج في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ط‪ .‬جامعة اإلمام محمد بن سعود‪1981 ،‬‬ ‫الرصاع أبو عبد اهلل األنصاري‪ ،‬شرح حدود ابن عرفة‪ ،‬الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق اإلمام ابن عرفة‬ ‫الوافية‪ ،‬حتقيق‪ :‬محمد أبو األجفان وآخر‪ ،‬ط‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪1993 ،‬‬ ‫اجلوهري‪ ،‬الصحاح‬ ‫احلطاب‪ ،‬مواهب اجلليل‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪1978 ،‬‬ ‫حسن مال عثمان‪ ،‬الطفولة في اإلسالم‪ ،‬ط‪ .‬دار املريخ‪1982 ،‬‬ ‫خليل‪ ،‬مختصر خليل‪ ،‬ط‪ .‬املكتبة التجارية الكبرى‪1972 ،‬‬ ‫الدردير‪ ،‬الشرح الكبير‪ ،‬ط‪ .‬املكتبة التجارية الكبرى‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬

‫‪214‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫الدردير‪ ،‬الشرح الصغير‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬ ‫الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير‪ ،‬ط‪ .‬املكتبة التجارية الكبرى‪.‬‬ ‫الزحيلي‪ ،‬أصول الفقه‪ / ،‬ط‪ .‬دار الفكر ‪1996‬‬ ‫الزرقاني‪ ،‬شرح الزرقاني‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪1978 ،‬‬ ‫الفيروز آبادي‪ ،‬القاموس اﶈيﻂ‬ ‫القرافي‪ ،‬اإلحكام في متييز الفتاوى عن األحكام وتصرفات القاضي واإلمام‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬ط‪.‬‬ ‫مكتب املطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪ ،‬ودار البشائر‪ ،‬بيروت‪1995 ،2 ،‬‬ ‫السعدي‪ /‬العلة في القياس عند األصوليني‪ /‬عبد احلكيم السعدي‪ /‬ط‪ .‬دار البشائر اإلسالمية‪ /‬بيروت ‪2000‬‬ ‫السيوطي‪ ،‬األشباه والنظائر‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1979 ،‬‬ ‫الشيخ ولد حرم‪ ،‬إشكالية حقوق الطفل في معاهدة نيويورك‪ ،‬مجلة القانون واالقتصاد املوريتانية‪ ،‬عدد‪،11‬‬ ‫سنة ‪1996‬‬ ‫الشاطبي‪ ،‬املوافقات‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة الرياض احلديثة‪ ،‬دون تاريخ‬ ‫الشاطبي‪ /‬االعتصام‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪1988 ،‬‬ ‫عزة ضاحي‪ ،‬املبادئ التي قررتها محكمة النقض السورية في األحوال الشخصية من ‪1976-1953‬‬ ‫الغزالي‪ ،‬املستصفى ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،1413 ،‬ت محمد عبد السالم عبد الشافي‬ ‫قانون األحوال الشخصية املوريتاني‪ ،‬املادة ‪ 123‬اجلريدة الرسمية املوريتانية‪ ،‬ع ‪ 15 ،1004‬اغسطس ‪2001‬‬ ‫قانون األحوال الشخصية اإلماراتي املادة ‪ 155‬فقرة ‪ ،7‬انظر القانون مع مذكرته اإليضاحية‪ ،‬ملحق مجلة‬ ‫الشريعة والقانون‪ ،‬ع ‪ ،26‬ابريل ‪2006‬‬ ‫سعاد إبراهيم‪ ،‬عالقة اآلباء باألبناء‪ ،‬ط‪ .‬دار تهامة‪ ،‬جدة‪ ،‬دون تاريخ‬ ‫عبد الفتاح باباه‪ ،‬اﺠﻤﻟال املتاح ملصلحة اﶈضون من طرف مبادئ وتطبيقات قانون األسرة املوريتاني‪ ،‬بحﺚ مقدم‬ ‫للملتقى األول حول قوانني األسرة املغاربية‪ ،‬جامعة سيدي بلعباس‪ ،‬اجلزائر‪ 8-7-6 ،‬يونيو ‪1999‬‬ ‫عبد الرحمن بالل‪ ،‬الضروريات احلاجيات التحسينيات‪ ،‬من بحوث املؤمتر الرابع للفقه املالكي‪ ،‬ط‪ .‬رئاسة القضاء‬ ‫الشرعي باإلمارات العربية املتحدة‪1986 ،‬‬ ‫عبد الرحمن الصابوني‪ ،‬شرح قانون األحوال الشخصية السوري‪ ،‬ط‪ .‬دار جامعة دمشق‪1392 ،‬ه‬ ‫عبد الرحمن تاج‪ ،‬أحكام األحوال الشخصية في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتاب العربي‪1955 ،‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪215‬‬


‫عبد اهلل العجالن‪ ،‬القواعد الكبرى في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ط‪ .‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪ ،‬ص ‪1416‬‬ ‫محمد مولود املوسوي‪ ،‬الرحمة‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪1991 ،‬‬ ‫محمد عبد اهلل محمد‪ ،‬ما انفرد به املذهب املالكي في مسائل األسرة واألقضية‪ ،‬ط‪ .‬جامعة اإلمام محمد بن‬ ‫سعود‪1995 ،‬‬ ‫محمد مجيد‪ ،‬الصغير بني أهلية الوجوب وأهلية األداء‪ ،‬ط‪ .‬إحياء التراث العربي بقطر‪1403 ،‬هـ‬ ‫محمد الشيباني‪ ،‬تبيني املسالك‪ ،‬ط‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪1988 ،‬‬ ‫محمد محي الدين‪ ،‬األحوال الشخصية في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ط‪ .‬دار السعادة‪1958 ،‬‬ ‫محمد سالم عبد الودود‪ ،‬مختصر خليل مع شرحه التسهيل والتكميل ‪ ،‬ط‪ .‬دار الرضوان‪ ،‬موريتانيا‪2012 ،‬‬ ‫مدونة األسرة املغربية املادة ‪ 163‬اجلريدة الرسمية املغربية‪ ،‬ع ‪ 26 ،5859‬يوليو ‪2010‬‬ ‫معوض عبد التواب‪ ،‬موسوعة األحوال الشخصية‪ ،‬ط‪ .‬دار املعارف‪1995 ،‬‬ ‫مصطفى اخلشاب‪ ،‬دراسات في االجتماع العائلي‪ ،‬ط‪ .‬جلنة البيان العربي‪،1957 ،‬‬ ‫مصطفى العوجي‪ ،‬احلدث املنحرف واملهدد باالنحراف في التشريعات العربية‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة الرسالة‪1986 ،‬‬ ‫محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬ضوابط املصلحة‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ ،1982 ،‬الرياض‬ ‫محمد أحمد خزرجي‪ ،‬املصالح املرسلة‪ ،‬من بحوث املؤمتر الرابع للفقه املالكي‪ ،‬ط‪ .‬القضاء الشرعي باإلمارات‪،‬‬ ‫‪1986‬‬ ‫محمد اجملتار‪ ،‬املصالح املرسلة‪ ،‬بحوث املؤمتر الرابع للفقه املالكي‪ ،‬اإلمارات‬ ‫محمد يحيى ولد الشيخ احلسني‪ /‬لب النقول في اختصار علم األصول‪ /‬ت ابنه محمد عبداهلل ط‪ .‬أبو ظبي‬ ‫‪1997‬‬ ‫محمود األصبهاني‪ ،‬بيان اجملتصر‪ ،‬شرح مختصر بن احلاجب‪ ،‬ت د‪ .‬مظهر بقا‪ ،‬ط‪ .‬جامعة أم القرى‬ ‫نبيلة إسماعيل سالمة‪ ،‬حقوق الطفل في القانون املصري‪ ،‬ط‪ .‬الهيئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬بدون تاريخ‬

‫‪216‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫املوضوعات‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬مفهوم املصلحة وأنواعها واعتبارها الشرعي‬ ‫املطلب األول‪ :‬مفهوم املصلحة‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬املصلحة لغة‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬املصلحة في اصطالح الشرع‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬أنواع املصلحة‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬درجات املصالح‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬اعتبار املصلحة في الشرع‬ ‫القرة الثالثة‪ :‬عالقة مقاصد احلضانة بهذه األقسام‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬مفهوم مصلحة اﶈضون‬ ‫املطلب األول‪ :‬مفهوم مصلحة اﶈضون في املعاهدات الدولية‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬مفهوم مصلحة اﶈضون في القوانﲔ اﶈلية العربية‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬مفهوم مصلحة اﶈضون في الفقه اإلسالمي‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬املصالح املعنوية للمحضون في الفقه اإلسالمي‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬املصالح املادية للمحضون في الفقه اإلسالمي‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬أوجه النﻈر في مصالح اﶈضون‬ ‫املطلب األول‪ :‬افتراض مصلحة اﶈضون‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬الدوران مع مصلحة اﶈضون‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬طبيعة احلضانة وأحكامها‬ ‫املطلب األول‪ :‬مصلحة اﶈضون وطبيعة احلضانة‬ ‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف احلضانة‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬عالقة احلضانة بغيرها مﻦ مصالح اﶈضون‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬مصلحة اﶈضون وأحكام احلضانة‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪217‬‬


‫الفقرة األولى‪ :‬حكم احلضانة‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬من له احلق في احلضانة‬ ‫الفقرة الثالثة‪ :‬شروط احلضانة‬ ‫الفقرة الراﺑﻌة نقﻞ احلضانة ﻋﻠى أﺳاس مﺼﻠﺤة اﶈضون‬ ‫الفقرة اﳋامﺴة‪ :‬ﳑارﺳة احلضانة ﻋﻠى أﺳاس مﺼﻠﺤة اﶈضون‬ ‫الفقرة الﺴاﺑﻌة‪ :‬ﲤﺪﻳﺪ احلضانة ﻋﻠى أﺳاس مﺼﻠﺤة اﶈضون‬

‫واهلل املوفق‬

‫‪218‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫اإلرهاب اإللكتروني‬

‫د‪ .‬أنيس بن علي العذار‬

‫أستاذ القانون املدني املساعد‬

‫د‪ .‬خالد بن عبداهلل الشافي‬ ‫أستاذ القانون اجلنائي املشارك‬

‫بحث مدعوم من مركز العلوم اإلنسانية واإلدارية بعمادة البحث العلمي‬ ‫بجامعة اجملمعة باململكة العربية السعودية‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪219‬‬


‫‪220‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ملخص البحث‬ ‫يهتم هذا البحث بدراسة اإلرهاب اإللكتروني الذي أضحى اليوم ظاهرة عاملية خطيرة نظرا العتماده على‬ ‫اإلنترنت و وسائل االتصال احلديثة التي سهلت نشر مقاطع الفيديو على األنترنت و التي مكّنت اإلرهابيني من‬ ‫ إال أن أضراره ال‬،‫ و رغم أن اإلرهاب اإللكتروني ال يتطلب اللجوء إلى العنف‬.‫معطيات حيوية ميكنهم قرصنتها‬ ,‫ و يحاول البحث حتديد مفهوم اإلرهاب اإللكتروني و استعراض صوره‬.‫تقل خطورة عن أضرار اإلرهاب التقليدي‬ ‫ كما يهدف البحث إلى استعراض احللول املمكنة‬.‫إضافة إلى إظهار خطورته الناجتة عن خصوصية اجلرمية‬ .‫ملكافحته‬

The purpose of this paper is to study the cyber terrorism, which is today a serious global phenomenon. This is mainly due to its usage of internet and modern communication, which are facilitating the publication of videos and also allowing the terrorists to get access to vital data through computer hack. Even if the cyber terrorism does not require the usage of violence, its impact is not less dangerous than the effect caused by the traditional one. This research is trying to define the concept of cyber terrorism. In addition, it shows the seriousness of this crime due to its privacy. This research also aims to review possible solutions to fight cyber terrorism.

221

‫ دولة اإلمارات العربية املتحدة‬- ‫ جامعة عجمان‬،‫تصدر عن كلية القانون‬


‫املقدمة‪:‬‬ ‫يُعتبر اإلرهاب اإللكتروني من املفاهيم املُعقدة واخلطيرة‪ ،‬العتبارات عدة‪ ،‬منها ما يتصففف به هذا النو‬ ‫من اإلرهاب من تعقيدات فنية ناجمة عن ثورة التقنيات واملعلومات‪ ،‬ومنها ما ي ّتصففل بقدرة اجلماعات اإلرهابية‬ ‫على ا ستغالل و سائل االت صال الرقمي في الو صول إلى شرائح متعددة ومختلفة من الب شر‪ ،‬لن شر فكرها‬ ‫املتطرّف‪ .‬إن مفهوم االرهاب لم يعد ذلك املفهوم ال ضيق الذي يحده املكان والزمان‪ ،‬بل أ صبح االرهاب ي ّ شكّل‬ ‫تهديدا للدول واﺠﻤﻟتمعات على م ستوى أنظمتها ال سيا سية واالقت صادية واالجتماعية‪ .‬ويندرج هذا النو من‬ ‫املنظمة العابرة للحدود‪.‬‬ ‫اإلرهاب ضمن صور اجلرمية‬ ‫ّ‬ ‫وقد ساهمت عدة أ سباب في تو سع مجال اإلرهاب اإللكتروني‪ ،‬من ذلك تدني ن سبة اجملاطرة بالن سبة‬ ‫للمجرم وقلة كلفتها وصففعوبة ضففب اجلرمية وتتبعها‪ ،‬إضففافة إلى وجود الثغرات في التشففريعات اخلاصففة‬ ‫مبكافحة اإلرهاب اإللكتروني‪.‬‬ ‫مشكلة البحث‪:‬‬ ‫أصبح اإلرهاب اليوم واحدا من أخطر اآلفات التي تهدد أمن الدول واستقرارها‪ ،‬وقد ساهمت شبكة‬ ‫اإلنترنت في تنامي خطورته‪ ،‬إذ لم يعد ينحصر في املفهوم التقليدي الذي يقوم على العنف والترويع‪ ،‬بل جتاوزه‬ ‫إلى صنف مستحدث من اإلرهاب‪ ،‬وهو اإلرهاب اإللكتروني‪.‬‬ ‫لقد أضحت مواقع التنظيمات اإلرهابية مصدرا لهجمات إلكترونية يصعب صدّها‪ .‬ويكمن اإلشكال‬ ‫فيما يتعلق باإلرهاب اإللكتروني‪ ،‬في صعوبة التنبؤ مبا يستجد من صوره ومساراته‪ ،‬ومن ثم صعوبة مكافحته‪،‬‬ ‫إذ يصعب عمليا مراقبة كل املواقع اإللكترونية عبر العالم وحجب املواقع ذات النزعة اإلرهابية‪ .‬وال شيء مينع‬ ‫تعقب كل اتصاالت اﺠﻤﻟرمني املعلوماتيني عبر‬ ‫اإلرهابيني من إعادة إنشاء املواقع اإللكترونية اﶈجوبة‪ ،‬كما أن‬ ‫ّ‬ ‫اإلنترنت أمر صعب التحقيق‪ ،‬فبإمكانهم تبادل رسائل إلكترونية مشفّ رة في شكل صورة عادية أو مقطع فيديو‪.‬‬ ‫إن التقدم احلاصل في مجال تكنولوجيا املعلومات وشيو اإلنترنت‪ ،‬جعل معظم الدول تعتمد في‬ ‫تسيير أنشطتها (املرافق الصناعية‪ ،‬البورصات‪ ،‬املصارف‪ ،‬األنظمة العسكرية‪ ،‬التحكم في املالحة اجلوية‪ ،‬توليد‬ ‫الطاقة) على برامج معلوماتية‪ .‬ومهما كانت جناعة هذه البرامج‪ ،‬فإنها ليست في منأى عن القرصنة‪ ،‬وقد تكون‬ ‫هدفا مغريا لإلرهاب اإللكتروني‪.‬‬ ‫أهمية البحث‪:‬‬ ‫يهتم هذا البحث بدراسة اإلرهاب اإللكتروني الذي أضحى اليوم ظاهرة عاملية خطيرة‪ .‬وال يخفى ما‬ ‫تشكله هذه اآلفة من خطورة على األمن الفكري‪ ،‬فإذا كان اإلرهاب التقليدي في حد ذاته ال يعترف باحلدود‬ ‫الدولية بالنسبة لألضرار التي يسببها‪ ،‬فإن اإلرهاب اإللكتروني يحقق انتشارا أوسع على مستوى العالم نظرا‬ ‫العتماده على اإلنترنت ووسائل االتصال احلديثة‪ .‬وبقدر ما يتزايد استعمال وسائل تقنية املعلومات احلديثة‪ ،‬بقدر‬ ‫ما تشتد خطورة اإلرهاب اإللكتروني‪ .‬وتُع ُد مقاطع الفيديو التي تسربها بعض املنظمات اإلرهابية بني الفينة‬ ‫واألخرى على مواقع اإلنترنت‪ ،‬والتي تصور عمليات قتل لألسرى بطرق همجية‪ ،‬بزعم أنها بطوالت تتضمن دعوات‬

‫‪222‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ضمنية لفئة الشباب لالنضمام لها‪ ،‬تعد دليال على خطورة هذه الظاهرة وتفشيها‪ .‬وفي العالم اإلسالمي‪،‬‬ ‫أسهمت اإلنترنت بشكل واضح في بس نفوذ التطرف الفكري جملتلف التيارات من خالل املواقع واملنتديات التي‬ ‫تديرها اجلماعات االرهابية‪.‬‬ ‫ويتناول البحث من خالل املطالب واملباحث التي يوردها عددا من القوانني في محيطنا العربي واخلليجي‬ ‫مع العناية مبا صدر من قوانني في اململكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫فقد شهدت السنوات القليلة املاضية ه ّبة تشريعية على مستوى الدول العربية تهدف إلى التصدي‬ ‫لإلرهاب اإللكتروني‪ ،‬فقد اعتمدت اململكة العربية السعودية نظام مكافحة جرائم املعلوماتية‪ ،‬الصادر‬ ‫باملرسوم امللكي رقم (م ‪ )17/‬بتاريخ ‪ 1428 /3/8‬هف‪ ،‬إضافة إلى نظام جرائم اإلرهاب ومتويله الصادر باملرسوم‬ ‫امللكي رقم (م ‪ )16‬بتاريخ ‪ 1435 /2/24‬ه(‪.)1‬‬ ‫وفي إطار مكافحة اإلرهاب‪ ،‬صدر باإلمارات العربية املتحدة القانون االحتادي رقم ‪ 7‬لسنة ‪ 2014‬م اخلاص‬ ‫مبكافحة اجلرائم اإلرهابية‪ .‬وفي تونس‪ ،‬صدر مؤخرا القانون األساسي عدد ‪ 26‬لسنة ‪ 2015‬املؤرخ في ‪ 7‬أوت‬ ‫تطور‬ ‫(أغسطس) ‪ 2015‬والذي يتعلق مبكافحة اإلرهاب ومنع غسيل األموال‪ .‬وقد أخذ هذا القانون بعني االعتبار ّ‬ ‫مفهوم اإلرهاب وتنامي خطورته‪ ،‬محاوال إيجاد توازن بني املقاربتني‪ ،‬األمنية واحلقوقية‪.‬‬ ‫أهداف البحث‪:‬‬ ‫يهدف البحث إلى‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬إلقاء الضوء على خطورة اإلرهاب اإللكتروني الذي يعتبر وليد التطور التكنولوجي الذي نعيشه اليوم‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬إيجاد مفهوم لإلرهاب اإللكتروني‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬إلقاء الضوء على مدى كفاءة وكفاية التشريعات اجلزائية في مواجهة اإلرهاب اإللكتروني‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬استعراض السياسة اجلنائية في مكافحة اإلرهاب اإللكتروني‪.‬‬ ‫منهجية البحث‪:‬‬ ‫اتّبعنا املنهج الوصفي االستقرائي التحليلي النقدي‪ .‬وقد اعتمدنا في هذا البحث على املراجع والبحوث‬ ‫العلمية القانونية‪ ،‬واألنظمة والقوانني اخلاصة مبكافحة اإلرهاب ومتويله‪ ،‬واجلرائم اإللكترونية‪ ،‬الستجالء احللول‬ ‫الكفيلة بالتص ّدي لإلرهاب اإللكتروني‪.‬‬

‫‪ 1‬عرّف نظام جرائم اإلرهاب و متويله الصففادر في السففعودية اجلرمية اإلرهابية بأنها كل فعل يقوم به اجلاني تنفيذا ملشففرو إجرامي فردي أو‬ ‫جماعي بشفكل مباشفر أو غير مباشفر‪ ،‬يُقصفد به اإلخالل بالنظام العام‪ ،‬أو زعزعة أمن اﺠﻤﻟتمع واسفتقرار الدولة أو تعريض وحدتها الوطنية‬ ‫للخطر‪ ،‬أو تعطيل النظام األ سا سي للحكم أو بعض مواده‪ ،‬أو اإل ساءة إلى سمعة الدولة أو مكانتها‪ ،‬أو إحلاق ال ضرر بأحد مرافق الدولة أو‬ ‫مواردها الطبيعية‪ ،‬أو محاولة إرغام إحدى سفففلطاتها على القيام بعمل ما أو االمتنا عنه‪ ،‬أو التهديد بتنفيذ أعمال تؤدي إلى املقاصفففد‬ ‫املذكورة أو التحريض عليها ‪ .‬وقد سفففمح النظام و فقا للمادة ( ‪ )17‬لوزير الداخلية أو ملن يفوضفففه بأن يأمر مبراقبة الرسفففائل و اخلطابات‬ ‫واملطبوعات والطرود و سائر وسائل االتصال واﶈادثات الهاتفية‪ ،‬وضبطها و تسجيلها‪ -‬سواء أكان ذلك في جرمية وقعت أو يحتمل وقوعها –‬ ‫إذا كانت لها فائدة في ظهور احلقيقة‪ ،‬على أن يكون األمر مسببا‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪223‬‬


‫خطة البحث‪:‬‬ ‫مقدمة‪.‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬مفهوم اإلرهاب اإللكتروني‬ ‫املطلب األول‪ :‬اإلرهاب املرتكب بوسائ معلوماتية‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬اإلرهاب املستهدف للوسائ املعلوماتية‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬خصوصية اإلرهاب اإللكتروني‬ ‫املطلب األول‪ :‬خصوصية اجلرمية‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬خصوصية اﺠﻤﻟرم‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬مكافحة اإلرهاب اإللكتروني‬ ‫املطلب األول‪ :‬املكافحة اآلنية‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬املكافحة طويلة األمد‬ ‫اخلامتة‬

‫‪224‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫املبحث األول‪ :‬مفهوم اإلرهاب اإللكتروني‬ ‫يتعني التمييز بني اإلرهاب اإللكتروني الذي تكون فيه الوسائ املعلوماتية وسيلة الرتكاب اجلرمية‬ ‫ّ‬ ‫اإللكترونية‪ ،‬واإلرهاب اإللكتروني الذي تكون فيه الوسائ املعلوماتية هدفا في حد ذاتها لالعتداء اإلرهابي‪ .‬إن‬ ‫اإلرهاب اإللكتروني هو السلوك اإلجرامي املستند إلى دوافع سياسية أو إيديولوجية والذي يستهدف املعطيات‬ ‫بأنواعها ونظم وبرامج الكمبيوتر واالتصاالت حتقيقا ألغراض إرهابية‪ .‬كما يستهدف هذا الصنف املستحدث‬ ‫من اإلرهاب األفراد ويسعى إلثارة الفوضى وإشاعة اخلوف وتعطيل األداء الطبيعي لنظم السيطرة والرقابة‬ ‫االلكترونية وتعطيل عمل األجهزة والهيئات احلكومية واملرافق االستراتيجية في الدولة‪ .‬وبهذا الوصف‪ ،‬تندرج‬ ‫جرائم اإلرهاب اإللكتروني ضمن اجلرائم اإللكترونية التي تستهدف املعطيات والنظم كهدف للجرمية أو‬ ‫تستخدم نظم الكمبيوتر والشبكات كوسيلة الرتكاب اجلرائم التقليدية ضد األشخاص واألموال(‪.)1‬‬ ‫لقد أضحى اإلرهاب اإللكتروني هاجسا يخيف العالم الذي أصبح مسرحا للهجمات اإللكترونية‪،‬‬ ‫وتتفاقم هذه اجملاطر يوما بعد يوم‪ ،‬ألن التقنية احلديثة غير قادرة مبفردها على جتنب العمليات اإلرهابية‬ ‫اإللكترونية‪ .‬وقد سعت عديد الدول إلى اتخاذ التدابير الوقائية ملواجهة اإلرهاب اإللكتروني‪ ،‬إال أن هذه اجلهود‬ ‫تبقى محدودة األثر‪ .‬ويتعني مضاعفة اجلهد ملواجهة هذا العدو اخلطير(‪ .)2‬وميكن لإلرهاب اإللكتروني أن يصبح‬ ‫عامال مساعدا لإلرهاب التقليدي‪ ،‬عبر توفير املعلومات عن األماكن املستهدفة وعبر نشر الكراهية والتطرف‪.‬‬ ‫وقد استغلت اجلماعات اإلرهابية اإلنترنت لتلميع صورتها ونشر أفكارها اله ّدامة بشكل يُغري وي ُقنع ضعاف‬ ‫العقول‪.‬‬ ‫وت ّتسم التعريفات التي تناولت مفهوم االرهاب بالتع ّدد واالختالف‪ ،‬وهو ما انعكس بدوره على تعريف‬ ‫اإلرهاب اإللكتروني‪ .‬وقد عرّف نظام جرائم اإلرهاب ومتويله الصادر في السعودية اجلرمية االرهابية في مادته األولى‬ ‫بأنها‪ :‬كل فعل يقوم به اجلاني تنفيذا ملشرو إجرامي فردي أو جماعي بشكل مباشر أو غير مباشر‪ ،‬يقصد به‬ ‫اإلخالل بالنظام العام‪ ،‬أو زعزعة أمن اﺠﻤﻟتمع واستقرار الدولة أو تعريض وحدتها الوطنية للخطر‪ ،‬أو تعطيل‬ ‫النظام األساسي للحكم أو بعض مواده‪ ،‬أو اإلساءة إلى سمعة الدولة أو مكانتها‪ ،‬أو إحلاق الضرر بأحد مرافق‬ ‫الدولة أو مواردها الطبيعية أو محاولة إرغام إحدى سلطاتها على القيام بعمل ما أو االمتنا عنه‪ ،‬أو التهديد‬ ‫بتنفيذ أعمال تؤدي إلى املقاصد املذكورة أو التحريض عليها ‪ .‬وبذلك ينطبق هذا التعريف على ما تقوم به‬ ‫التنظيمات اإلرهابية من نشر ملقاطع فيديو وصور لعمليات قتل وتعذيب‪.‬‬ ‫ويُعرّف اإلرهاب اإللكتروني بأنفه نشاط إجرامي يتم من خالل شبكة اإلنترنت بهدف بث األفكار‬ ‫املتطرفة سواء كانت سياسية أو دينية أو عنصرية للسيطرة على وجدان األفراد وإفساد عقائدهم وإذكاء متردهم‬ ‫واستغالل معاناتهم في حتقيق مﺂرب خاصة تتعارض مع مصالح اﺠﻤﻟتمع” (‪.)3‬‬ ‫وجاء في تعريف آخر للجرمية االلكترونية ذات اخللفية اإلرهابية بففففأنها ا ستخدام احلا سوب الرقمي‬ ‫بنظمه وبرامجه وملحقاته وو سائل االت صال في ارتكاب اجلرائم اإلرهابية سواء كانت تلك التقنية هي محل‬ ‫‪ 1‬يونس محمد عرب‪ ،‬بحث بعنوان اإلطار القانوني لإلرهاب اإللكتروني واسففتخدام االنترنت لألغراض اإلرهابية ‪ ،‬منشففور ضففمن كتاب‬ ‫استعمال اإلنترنت في متويل اإلرهاب وجتنيد اإلرهابني‪ ،‬نشر مركز البحوث والدراسات بجامعة نايف العربية‪1433 ،‬هف ‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪ 2‬أيسففر محمد عطية القيسففي‪ ،‬ورقة علمية بعنوان اآلليات احلديثة للحد من اجلرائم املسففتحدثة "اإلرهاب االلكتروني وطرق مواجهته‬ ‫ضفففمن امللتقى العلمي اجلرائم املسفففتحدثة في ظل املتغيرات والتحوالت اإلقليمية والدولية الذي نظمته كلية العلوم االسفففتراتيجية‪،‬‬ ‫باململكة األردنية الهاشمية‪1435 ،‬هف‪.‬‬ ‫‪ 3‬حسنني بوادي‪ ،‬اإلرهاب ‪ ،‬الرياض‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط‪2006 ،‬م‪ ،‬ص ‪.54‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪225‬‬


‫اجلرمية أو كانت وسففيلة في ارتكابها وسففواء كانت عبر شففبكة اإلنترنت أو بدونها (‪ .)1‬وقد اسففتغل اإلرهابيون‬ ‫اإلنترنت في نشففر ما يعرف بالرعب اإللكتروني باعتباره أحد الصففور اجلديدة لإلرهاب‪ ،‬وصففورة مطورة من‬ ‫اإلرهاب الصامت (‪.)2‬‬ ‫وميكننا أن نعرّف اإلرهاب اإللكتروني بأنه العدوان أو التخويف أو التهديد ماديا أو معنويا باستخدام‬ ‫الوسائل اإللكترونية الصادر من الدول أو اجلماعات أو األفراد على اإلنسان في دينه‪ ،‬أو نفسه‪ ،‬أو عرضه‪ ،‬أو عقله‪،‬‬ ‫أو ماله‪ ،‬بغير حق‪ ،‬بشتى صنوف وصور اإلفساد في األرض )‪ .(3‬وعادة ما تُستخدم الوسائل اإللكترونية كوسيلة‬ ‫لنشر اإلرهاب (مثل نشر مقاطع الفيديو أو الكتب اإللكترونية التي ُحترّض على اإلرهاب)‪ ،‬كما ميكن أن يكون‬ ‫اإلرهاب اإللكتروني تقنيا بحتا‪ ،‬يُرتكب عبر استهداف وتخريب الوسائ اإللكترونية للفئة املستهدفة‪.‬‬ ‫ويستهدف اإلرهاب اإللكتروني باألساس املعلومات وأنظمة وبرامج الكمبيوتر والبيانات‪ .‬ويُعد بذلك‬ ‫منطا مستحدثا من اإلرهاب‪ ،‬ال يعتمد على استخدام األسلحة واملتفجرات‪ ،‬وإمنا يرتكز على استغالل اﺠﻤﻟرمني‬ ‫للثغرات املوجودة في ال ُنظم اإللكترونية‪ ،‬لذلك يشهد القرن احلادي والعشرون أسوء أنوا اإلرهاب اإللكتروني‬ ‫(‪.)4‬‬ ‫ولتحديد مفهوم اإلرهاب اإللكتروني بدقة‪ ،‬سوف نتناول في املطلب األول اإلرهاب املرتكب بوسائ‬ ‫معلوماتية ‪ ،‬لنتعرّض في املطلب الثاني إلى اإلرهاب املستهدف للوسائ املعلوماتية ‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬اإلرهاب املرتكب بوسائ معلوماتية‬ ‫ساهم تطور العلوم واملعارف واقتحام التكنولوجيا شتى مناحي احلياة‪ ،‬في دخول اجلرمية مرحلة جديدة‪،‬‬ ‫فبدأت تخرج عن منطها التقليدي لتدخل مرحلة استغالل مخرجات العلوم واملعرفة في ارتكاب اجلرمية‪ ،‬وأصبحت‬ ‫األسلحة واملواد الكيمياوية واإلرهاب عنصرا من العناصر املكونة للجرمية (‪ .)5‬وقد تصاعدت حدة اإلرهاب نظرا‬ ‫الستخدامه للشبكة العنكبوتية كأداة لتصدير اإلرهاب حول العالم‪ ،‬إضافة إلى ظهور مواقع إلكترونية ذات‬ ‫خلفية إرهابية شكلت نواة لشبكة عنكبوتية خاصة باإلرهاب(‪.)6‬‬ ‫وفيما يلي نتناول صورا من اإلرهاب التي يتم ارتكابها بوسائ معلوماتية‪ ،‬والتي تُشكل خطورة بالغة‬ ‫على األفراد والدول‪:‬‬ ‫‪ .1‬التهديد والترويع اإللكتروني عبر نشر الصور ومقاطع الفيديو اإلرهابية‬ ‫استفادت اجلماعات اإلرهابية من شبكة اإلنترنت لنشر اخلوف والترويع‪ .‬وتتعدد أساليب التهديد وتتنو‬ ‫طرقه‪ ،‬والهدف واحد‪ ،‬وهو نشر اخلوف والرعب ومحاولة الضغ على الفئة املستهدفة باإلرهاب للرضوخ ألهداف‬ ‫‪ 1‬مصطفى موسى‪ ،‬أساليب إجرامية بالتقنية الرقمية ماهيتها‪ ...‬مكافحتها‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬اﶈلة الكبرى‪ ،‬مصر‪2005 ،‬م‪ ،‬ص‪.74 ،‬‬ ‫‪ 2‬د‪ .‬محمد مؤنس محب الدين‪ ،‬حتديث أجهزة مكافحة اإلرهاب وتطوير أساليبها‪ ،‬الرياض‪ ،‬جامعة نايف العربية‪ ،‬ط‪1427 ،1‬هف‪ ،‬ص ‪.119‬‬ ‫‪ 3‬د‪ .‬عبدالرحمن بن عبداهلل السففند‪ ،‬وسففائل االرهاب اإللكتروني وحكمها في اإلسففالم وطرق مكافحتها‪ ،‬بحث علمي مقدم ملؤمتر موقف‬ ‫اإلسالم من االرهاب‪ ،‬جامعة االمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬الرياض‪2004 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ 4‬د‪ .‬أحمد فالح العموش‪ ،‬مستقبل اإلرهاب في هذا القرن‪ ،‬جامعة نايف العربية‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1427 ،1‬ه‪ ،‬ص ‪.90‬‬ ‫‪ 5‬محمد أمني البشري‪ ،‬التحقيق في اجلرائم املستحدثة‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬ط‪ ،1‬الرياض‪1425 ،‬ه‪.‬‬ ‫‪ 6‬حسني اجلندي‪ ،‬جرائم املساس بأمن الدولة واإلنترنت‪ ،‬ندوة األمن واالنترنت‪ ،‬القاهرة‪ ،‬أكادميية الشرطة‪2003 ،‬م‪.‬‬ ‫‪226‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫تلك التنظيمات اإلرهابية من ناحية‪ ،‬وإلبراز قوة هذه التنظيمات من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫واملقصود بالتهديد‪ :‬الوعيد ببث اخلوف في النفس وذلك بالضغ على إرادة اإلنسان وتخويفه من ضرر ما‬ ‫سيلحقه أو سيلحق أشخاصا أو أشياء له بها صلة (‪.)1‬‬ ‫ويعد التهديد والترويع بواسطة وسائل التقنية احلديثة‪ ،‬من األساليب املستحدثة التي تستخدمها‬ ‫املنظمات اإلرهابية خللق ما يسمى بتوازن الرعب‪ ،‬وإحداث الصدمة وترويع األفراد والدول‪ ،‬ولذلك تسعى تلك‬ ‫اجلماعات واملنظمات لبث أقصى درجات الترويع من خالل نشر مقاطع وصور ُمفجعة وهي متارس القتل واإلبادة‬ ‫والتنكيل‪ ،‬بأسلوب همجي منح ‪.‬‬ ‫وتكمن اخلطورة في أن هذا التهديد والترويع بنشر تلك املقاطع والصور يتم في أغلب احلاالت على خلفية‬ ‫دينية‪ ،‬حيث يزعم مرتكبو هذه اجلرائم بأنهم ميثلون اإلسالم وبأنهم يطبقون تعاليمه‪ ،‬كما أنهم يُكفّ رون من‬ ‫ال يشاركهم فكرهم املتطرف‪ ،‬في تشويه صارخ لسماحة االسالم ومبادئه السامية‪ .‬ويجب التأكيد على أن هذا‬ ‫النو من اإلرهاب ليس حكرا على تلك املنظمات اإلرهابية التي تنسب نفسها لإلسالم بل تنتهج هذا املنحى‬ ‫جماعات وتنظيمات إرهابية من ديانات وملل أخرى‪ .‬ومن صور التهديد والترويع اإللكتروني‪ ،‬قيام تنظيم داعش‬ ‫بنشر مقاطع فيديو وصور على شبكة اإلنترنت ألفعال تقشعر لها اإلبدان‪ ،‬ومنها حرق الطيار االردني معاذ‬ ‫الكساسبه حيا داخل قفص حديدي‪ ،‬وقطع الرؤوس بالسكني‪ ،‬ورمي األسرى من بناء شاهق‪ ،‬وغيرها من طرق‬ ‫القتل الهمجية واملبتدعة البشعة‪ .‬وال شك أن نشر مثل هذا املقاطع والصور هو توظيف من قبل هذا التنظيم‬ ‫اإلرهابي للرعب واخلوف‪ ،‬ومحاولة منه لترويع خصومه‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫تعني اإلشارة إلى أن املادة الثالثة من نظام مكافحة اجلرائم املعلوماتية السعودي ( ) قد نصت في‬ ‫وت ّ‬ ‫فقرتها الثالثة على جترمي الدخول غير املشرو لتهديد شخص أو ابتزازه‪ ،‬حلمله على القيام بفعل أو االمتنا‬ ‫عنه‪ ،‬ولو كان القيام بهذا الفعل أو االمتنا عنه مشروعا ‪ ،‬كما نصت الفقرة اخلامسة من املادة الثالثة من‬ ‫النظام على جترمي إحلاق الضرر باآلخرين عبر وسائل تقنيات املعلومات اجملتلفة‪ .‬ويكون العقاب املستوجب هو‬ ‫السجن مدة ال تزيد على سنة وبغرامة مالية أو بإحدى هاتني العقوبتني‪.‬‬ ‫‪ . 2‬تبادل املعلومات اإلرهابية عبر شبكة اإلنترنت ‪:‬‬ ‫اسففتطاعت املنظمات اإلرهابية توظيف شففبكة اإلنترنت في احلصففول على كم هائل من املعلومات‬ ‫تتبادلها أفرادها فيما بينها بُغية حتديد أهداف محتملة لالعتداءات أو لتكوين قاعدة بيانات ت ساعد في توجيه‬ ‫ضربات م ستقبلية للم ستهدفني باإلرهاب‪ .‬وت شمل هذه األن شطة جميع املعطيات واملعلومات املتاحة عبر‬ ‫اإلنترنت من تقارير وقوائم البريد اإللكتروني واملدونات وغيرها‪ ،‬فالقاسم املشترك لهذه األنشطة هو استغالل‬ ‫اإلنترنت كبيئة حاضنة للجرمية واالرهاب (‪.)3‬‬ ‫وال شك في أن املنظمات اإلرهابية قد استغلت شبكة اإلنترنت كمصدر ثري للمعلومات والبيانات مبا‬ ‫ساعدها في إعداد موسوعة إجرامية تضم زخما من األعمال اإلجرامية العنيفة أو اإلرهابية التي قامت بها‬ ‫أو التي ميكنها القيام بها عبر دول العالم‪ .‬وتضففم هذه املعلومات املواقع احلسففاسففة داخل الدولة‪ ،‬مثل البنوك‬ ‫‪ 1‬عبداهلل بن عبدالعزيز العجالن‪ ،‬اإلرهففففففاب اإللكتفففرونففففففي في عصر املعلومات‪ ،‬بحث مقدم إلى املؤمتر الدولي األول حول حماية أمن‬ ‫املعلومات واخلصوصية في قانون اإلنترنت ‪ ،‬و املنعقد بالقاهرة‪ ،‬يونيو ‪2008‬م‪.‬‬ ‫‪ 2‬نظام مكافحة جرائم املعلوماتية السعودي الصادر باملرسوم امللكي رقم (م ‪ )17/‬بتاريخ ‪ 1428 /3/8‬ه‪..‬‬ ‫‪ 3‬أنظر ‪ :‬يونس محمد عرب‪ ،‬اإلطار القانوني لإلرهاب اإللكتروني واستخدام االنترنت لألغراض اإلرهابية‪ ،‬بحث منشور ضمن كتاب استعمال‬ ‫اإلنترنت في متويل اإلرهاب وجتنيد اإلرهابني‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪227‬‬


‫والسفففارات واملسففتشفففيات وغيرها من املواقع املهمة التي تسففجلها الدولة كمواقع يحتاج إليها املواطن‬ ‫للحصول على اخلدمات‪ ،‬أو كمواقع تنشر املعرفة وتوفر املعلومات للجماهير (‪.)1‬‬ ‫وتُ قدم اإلنتر نت خد مات حيو ية للمنظ مات اإلر هاب ية‪ ،‬ح يث متكنهم من ت بادل املعلو مات‪ ،‬من خالل‬ ‫الر سائل الن صية أو ر سائل الو سائ أو اﶈادثات الفورية‪ .‬وت ستطيع هذه املنظمات حماية ات صاالتها بنظم‬ ‫مشفرة وباستخدام ِحيل جتعل من كشفها ومالحقاتها أمرا مستعصيا‪ .‬وقد أكدت تقارير إعالمية استخدام‬ ‫اإلنترنت كوسفيلة اتصفال للتنسفيق بني منفذي الهجوم على مبنى مركز التجارة العاملية في نيويورك ومبنى‬ ‫البنتاغون في ‪ 11‬سبتمبر ‪ 2001‬م(‪.)2‬‬ ‫وقد أصبح اآلن متاحا للمنظمات اإلرهابية نقل املعلومات واألفكار والتوجيهات من الرؤوس املدبّرة إلى‬ ‫بقية األعضاء واألنصار‪ ،‬حيث يتم إرسال تلك املعلومات والتوجيهات من قيادات املنظمات اإلرهابية إلى الكوادر‬ ‫التي تتولى التنفيذ عبر شففبكة اإلنترنت‪ .‬وتُظهر هذه التراتبية طبيعة األدوار وقوة االلتزام بني قادة التنظيمات‬ ‫اإلرهابية ومتلقي املعلومات ومنفذها (‪.)3‬‬ ‫وي شمل تبادل املعلومات عبر ال شبكة العنكبوتية‪ ،‬املعلومات احل سا سة‪ ،‬كمواقع املن شآت النووية‪،‬‬ ‫ومصففادر توليد الطاقة‪ ،‬وأماكن القيادة والسففيطرة واالتصففاالت‪ ،‬ومواعيد الرحالت اجلوية الدولية‪ ،‬واملعلومات‬ ‫املرتبطة مبكافحة اإلرهاب‪ ،‬ونحو ذلك من املعلومات التي تعتبر مبثابة الكنز الثمني بالنسففبة لإلرهابيني‪ ،‬نظرا‬ ‫ملا حتتويه من معلومات تفصففيلية مدعمة بالصففور الضففوئية‪ ،‬مما أعطى مسففاحة للمنظمات اإلرهابية جلمع‬ ‫املعلومات وتبادلها في تنفيذ األعمال اإلرهابية(‪.)4‬‬ ‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬نص نظام مكافحة اجلرائم املعلوماتية في اململكة العربية السففعودية في الفقرة‬ ‫الثانية من املادة السابعة على جترمي الدخول غير املشرو إلى موقع إلكتروني‪ ،‬أو نظام معلوماتي مباشرة‪ ،‬أو‬ ‫عن طريق الشففبكة املعلوماتية‪ ،‬أو أحد أجهزة احلاسفففب اآللي للحصففول على بيانات متس األمن الداخلي أو‬ ‫اخلارجي للدولة أو اقت صادها الوطني ‪ .‬ويعاقب مرتكب هذه األفعال بال سجن مدة ال تزيد على ع شر سنوات‬ ‫وبغرامة مالية أو بإحدى هاتني العقوبتني‪.‬‬ ‫‪ .3‬نشر األفكار املتطرفة عبر الوسائ املعلوماتية‬ ‫قد ال يدرك كثيرون أن اجلماعات املتطرفة الغربية كانت من أوائل اجلماعات التي استغلت الفضاء‬ ‫اإللكتروني لنشر فكرها اله ّدام‪ .‬وتشير بعض املصادر الغربية إلى أن توم ميتزقر ‪ ،Tom Metzger‬أحد أشهر‬ ‫املتطرفني األمريكيني العنصرين ( اليمني املتطرف ) ومؤسس مجموعة املقاومة اآلرية البيضاء ‪white Aryan‬‬ ‫‪ ،Resistance‬كان أول من أسس مجموعة بريدية إلكترونية بهدف التواصل مع أتباعه وبث أفكاره‪ ،‬وذلك سنة‬ ‫‪1985‬م (‪.)5‬‬ ‫‪ 1‬د‪ .‬محمد مؤنس محب الدين‪ ،‬حتديث أجهزة مكافحة اإلرهاب وتطوير أساليبها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.122‬‬ ‫‪ 2‬د‪ .‬فايز بن عبداهلل ال شهري‪ ،‬ا ستخدامات شبكة اإلنترنت في مجال اإلعالم األمني العربي‪ ،‬مجلة البحوث األمنية‪ ،‬مركز الدرا سات بكلية‬ ‫امللك فهد األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،‬اﺠﻤﻟلد (‪ )10‬العدد (‪ ،)19‬نوفمبر ‪2001‬م‪ ،‬ص ‪.182‬‬ ‫‪ 3‬أنظر‪ :‬د‪.‬فايز بن عبداهلل الشفففهري‪ ،‬ثقافة التطرف والعنف على شفففبكة االنترنت ‪ :‬املالمح واالجتاهات ‪ ،‬اسفففتعمال اإلنترنت في متويل‬ ‫اإلرهاب وجتنيد اإلرهابني‪ ،‬نشر مركز البحوث والدراسات بجامعة نايف العربية‪1433 ،‬هف‪.‬‬ ‫‪ 4‬عبداهلل بن عبدالعزيز العجالن‪ ،‬اإلرهففاب اإللكتفرونففي في عصر املعلومات‪ ،‬املرجع السابق‪.‬‬ ‫‪5 Phyllis B. Gerstenfeld & Others (2002) Hate Online: A Content Analysis of Extremist Internet Sites In Analyses of Social Issues‬‬ ‫‪and Public Policy، Vol. 3، No. 1، 2003، pp. 29-44.‬‬ ‫نقال عن د‪.‬فايز بن عبداهلل الشهري‪ ،‬بحث بعنوان ثقافة التطرف والعنف على شبكة االنترنت ‪ :‬املالمح واالجتاهات ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫‪228‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وقد عرفت جماعات كثيرة عبر شبكات املعلومات‪ ،‬مثل مجموعة املتطرف األمريكي دان جانوون‬ ‫‪ Dan Gannon‬الذي يعد بحسب املصادر الغربية أول من أنشأ موقعا متطرفا‪ ،‬وكان ذلك في شهر ديسمبر من‬ ‫مجد فيه نقاء العرق األبيض‪ .‬وتلى ذلك عدة مجموعات مثل‬ ‫عام ‪1991‬م‪ ،‬وقد بث من خالله أفكاره العنصرية و ّ‬ ‫مجموعة جبهة العاصفة ‪ Storm front‬األمريكية املسيحية املتطرفة بقيادة دون بالك ‪Don BlacK‬‬ ‫التي أنشأت أول موقع متكامل عن التطرف وثقافة الكراهية في عام ‪1995‬م‪ .‬وقد ظهرت فيما بعد مواقع تابعة‬ ‫جلماعات متطرفة من الواليات املتحدة األمريكية وأوروبا وبشكل خاص بريطانيا وأستراليا‪ ،‬ثم انتشرت عدد من‬ ‫املواقع في بقية دول العالم انتشار النار في الهشيم‪.‬‬ ‫وفي العالم االسالمي‪ ،‬ساهمت شبكة االنترنت بشكل واضح في بس نفوذ التطرف الفكري جملتلف‬ ‫التيارات‪ ،‬من خالل املواقع واملنتديات التي تديرها اجلماعات والرموز املتطرفة‪ .‬وهي تقدم أفكارها وتصوراتها وفق‬ ‫خطاب جذ ّاب‪ ،‬مستغلة حالة االحتقان والسخ التي تعيشها بعض الشعوب اإلسالمية‪ .‬ومع أن التطرف ال‬ ‫دين له وال جنس‪ ،‬إال أن ما أصاب املسلمني من شرور التطرف في العقود املاضية يتجاوز ما حصل لبقية شعوب‬ ‫األرض (‪.)1‬‬ ‫وتشففير الدراسفففات إلى تزايد نشففر اإلرهابني ألفكارهم املتطرفة سففواء كانت هذه األفكار دينية أو‬ ‫سيا سية من خالل مواقعهم على شبكة االنترنت‪ ،‬وتكمن خطورة ذلك في أن العديد من هذه املواقع متاحة‬ ‫للجميع بدون أي رقابة (‪.)2‬‬ ‫وتتخذ املنظمات اإلرهابية أسففاليب مختلفة لترويج أفكارها املنحرفة واسففتهداف الشففباب وصففغار‬ ‫السففن‪ .‬وهي تسففتغل العوامل النفسففية للتأثير على الغير‪ ،‬كما تقوم بقلب احلقائق وتسففمية األمور بغير‬ ‫مسففمياتها‪ .‬ويتمتع الفكر املنحرف لهذه املنظمات اإلرهابية بال قدرة على قلب املفاهيم وتشففويه احلقائق‬ ‫وطمسففها‪ ،‬ومناقضففة الواقع‪ ،‬إضففافة إلى تغذية اخلالف وتنمية الصففرا وعدم القبول بتعدد اآلراء‪ .‬وقد مكّنت‬ ‫الوسفففائ املعلوماتية من نشففر الفكر اإلرهابي‪ ،‬من خالل توظيف عدد من األسفففاليب التي تركز على اﺠﻤﻟال‬ ‫طيعة في يد التنظيمات اإلرهابية‪)3(.‬‬ ‫الفكري‪ ،‬والذي ي ُ ّ‬ ‫حول الشباب وصغار السن إلى أدوات ّ‬ ‫‪ .4‬متويل اإلرهاب عن طريق حتويل األموال باإلنترنت‬ ‫يُعتبر املال مبثابة الشففريان املغذي للجماعات املتطرفة واإلرهاب (‪ .)4‬و قد عر ّفت املادة الثانية من‬ ‫االتفاقية الدولية لقمع متويل اإلرهاب لعام ‪1999‬م متويل اإلرهاب كاآلتي‪ :‬يرتكب جرمية مبفهوم هذه االتفاقية‬ ‫كل شخص يقوم بأية وسيلة كانت مباشرة أو غير مباشرة وبشكل غير مشرو وبإرادته بتقدمي أو جمع أموال‬ ‫بنية استخدامها‪ ،‬أو هو يعلم أنها ستستخدم كليا أو جزئيا للقيام بعمل إرهابي ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ 1‬أنظر‪ :‬د‪.‬فايز بن عبداهلل الشفففهري‪ ،‬بحث بعنوان ثقافة التطرف والعنف على شفففبكة االنترنت ‪ :‬املالمح واالجتاهات ضفففمن كتاب‬ ‫استعمال اإلنترنت في متويل اإلرهاب وجتنيد اإلرهابني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.13-12‬‬ ‫‪ 2‬وليد محمد أبو رية‪ ،‬بحث بعنوان التعرف على اإلرهاب اإللكتروني ‪ ،‬منشففور ضففمن كتاب اسففتعمال اإلنترنت في متويل اإلرهاب وجتنيد‬ ‫اإلرهابني‪ ،‬نشر مركز البحوث والدراسات بجامعة نايف العربية‪1433 ،‬هف‪.‬‬ ‫‪ 3‬يُجرّم نظام مكافحة اجلرائم املعلوماتية في اململكة العربية السففعودية في الفقرة األولى من املادة السففابعة إنشففاء موقع ملنظمات‬ ‫اإلرهابية على ال شبكة املعلوماتية‪ ،‬أو أحد أجهزة احلا سب اآللي أو ن شره لت سهيل االت صال بقيادات تلك املنظمات‪ ،‬أو أي من أع ضائها أو‬ ‫ترويج أفكار ها‪ . .....‬و يعاقب بالسجن مدة ال تزيد على عشر سنوات وبغرامة ال تزيد على خمسة ماليني ريال أو بإحدى هاتني العقوبيني كل‬ ‫شخص يرتكب تلك اجلرائم‪.‬‬ ‫‪ 4‬د‪ .‬نايف بن محمد املرواني‪ ،‬متويل اإلرهاب إلكترونيا و طرق املواجهة التجربة ال سعودية ‪ ،‬اﺠﻤﻟلة العربية للدرا سات األمنية والتدريب‪ ،‬اﺠﻤﻟلد‬ ‫‪ ،29‬العدد ‪ ،58‬محرم ‪ ،1435‬ص ‪.11‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪229‬‬


‫ك ما عر ّ فت ا ملادة األولى من االت فاق ية ذات ها األموال بأن ها‪ :‬أي نو من األموال ا ملاد ية أو غير ا ملاد ية‪،‬‬ ‫املنقولة أو غير املنقولة التي يح صل عليها بأي و سيلة كانت‪ ،‬والوثائق أو ال صكوك القانونية أيا كان شكلها‪،‬‬ ‫مبا في ذلك الشففكل اإللكتروني أو الرقمي‪ ،‬والتي تدل على ملكية تلك األموال أو مصففلحة فيها‪ ،‬مبا في ذلك‪،‬‬ ‫على سبيل املثال ال احل صر‪ ،‬االئتمانات امل صرفية‪ ،‬و شيكات ال سفر‪ ،‬وال شيكات امل صرفية‪ ،‬واحلواالت‪ ،‬واأل سهم‪،‬‬ ‫واألوراق املالية والسندات والكمبياالت‪ ،‬وخطابات االعتماد (‪.)1‬‬ ‫و تسففتغل بعض التنظيمات اإلرهابية شففبكة اإلنترنت جلمع األموال بغية متويل نشففاطها اإلرهابي‪،‬‬ ‫م ستفيدة بذلك من الفرص التي وفرّتها اإلنترنت في حقل اال ستثمار الرقمي والتوا صل مع املتعاطفني معها‬ ‫من مختلف أرجاء املعمورة‪.‬‬ ‫فعالة في‬ ‫و ُمت ّثل تشففريعات مكافحة متويل االرهاب‪ ،‬مبا فيها تلك التي جترّم غسفف يل األموال‪ ،‬أدوات ّ‬ ‫مكافحة اإلرهاب االلكتروني‪ ،‬لكنها ال تُ شكّل بديال عن التدابير التشريعية املنطبقة على الفضاء االفتراضي‪،‬‬ ‫وفي مقدمتها التشففريعات التي حتي بصففور اإلرهاب االلكتروني ومتويله في البيئة الرقمية سففواء كان هذا‬ ‫التدبير جزءا من تشريعات اجلرائم اإللكترونية املوضوعية أو اإلجرائية أو كان مستقال عنها(‪.)2‬‬ ‫ولإلرهاب منابع متويل متعددة‪ ،‬قد تأخذ شففكل التمويل املباشففر‪ ،‬باألموال النقدية والعينية التي‬ ‫يقدمها بعض األفراد واجلماعات واملؤسففسففات‪ ،‬كما قد تكون في شففكل تدريب للجماعات اإلرهابية من أجل‬ ‫اقتراف أعمال تخريبية‪ .‬وميكن أن ينتج التمويل من الهبات والتبرعات‪ ،‬أو التهديد واالبتزاز (‪.)3‬‬ ‫وقد ي ستعني اإلرهابيون ببيانات إح صائية سكانية منتقاة من املعطيات ال شخ صية التي ي ُدخلها‬ ‫املستخدمون على الشبكة عند اإلجابة على االستفسارات واالستطالعات املوجودة على املواقع اإللكترونية‪،‬‬ ‫مبا ي سمح بالتعرف على األ شخاص ذوي القلوب الرحيمة ومن ثم يتم ا ستجداؤهم للح صول على تبرعات‬ ‫مالية ألشففخاص اعتباريني‪ ،‬ميثلون واجهة لهؤالء اإلرهابيني‪ .‬ويتم ذلك بواسففطة البريد االلكتروني بطريقة‬ ‫ماكرة ال يشك فيها املتبر بأنه يساعد إحدى املنظمات اإلرهابية (‪.)4‬‬ ‫ولتجفيف منابع اإلرهاب‪ ،‬نص نظام مكافحة اجلرائم املعلوماتية ال سعودي في املادة الرابعة منه على‬ ‫معاقبة كل من يقوم باال ستيالء لنف سه أو غيره على مال منقول أو على سند‪ ،‬وذلك عن طريق االحتيال‪ ،‬أو‬ ‫اتخاذ اسم كاذب‪ ،‬أو انتحال صفة غير صحيحة‪ ،‬كما نصت الفقرة الثانية من املادة ذاتها على جترمي الوصول‬ ‫– دون مسفو نظامي صفحيح – إلى بيانات بنكية‪ ،‬أو ائتمانية‪ ،‬أو بيانات متعلقة مبلكية أوراق مالية للحصفول‬ ‫على بيانات‪ ،‬أو معلومات‪ ،‬أو أموال‪ ،‬أو ما تتيحه من خدمات ‪.‬‬ ‫وفي نفس السففياق‪ ،‬نصففت الفقرة األولى من املادة السففابعة من نظام مكافحة اجلرائم املعلوماتية‬ ‫ال سعودي على جترمي إن شاء موقع ملنظمات إرهابية على ال شبكة املعلوماتية‪ ،‬أو أحد أجهزة احلا سب اآللي أو‬ ‫نشره لتسهيل االتصال بقيادات تلك املنظمات‪ ،‬أو أي من أعضائها أو ترويج أفكارها أو متويلها‪. .....‬‬ ‫‪.5‬شراء األسلحة والذخيرة عبر اإلنترنت الستعمالها في أعمال إرهابية‬

‫‪ 1‬انظر ‪ :‬موقع األمم املتحدة على الراب ‪www.un.org/ar/index.html :‬‬ ‫‪ 2‬يونس محمد عرب‪ ،‬بحث بعنوان اإلطار القانوني لإلرهاب اإللكتروني واستخدام االنترنت لألغراض اإلرهابية ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫‪ 3‬د‪ .‬محمد السيد عرفة‪ ،‬جتفيف مصادر متويل االرهاب ‪ ،‬الرياض‪ ،‬جامعة نايف العربية‪ ،‬ط ‪1430 ،1‬هف ص ‪.73‬‬ ‫‪ 4‬أيسر محمد عطية القيسي‪ ،‬اآلليات احلديثة للحد من اجلرائم املستحدثة ‪":‬اإلرهاب االلكتروني وطرق مواجهته ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫‪230‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫األصل أن يخضع شراء األسلحة والذخيرة إلى إجراءات مقنّنة‪ ،‬غير أن اإلنترنت تسمح اليوم ببيعها‬ ‫في اخلفاء ودون رقابة‪ ،‬كما تسمح بإبرام صفقات بني بعض الشركات املنتجة وبعض التنظيمات اإلرهابية‪،‬‬ ‫وبواسطة عمالء متخصصني في هذا اﺠﻤﻟال(‪.)1‬‬ ‫وتكمن اخلطورة في إمكانية وصول اجلماعات واملنظمات اإلرهابية لألسلحة غير التقليدية‪ ،‬عبر‬ ‫التواصل عن طريق شبكة اإلنترنت‪ ،‬مبا ميكنهم من حظوظ أوفر في العثور على من يزودهم بالعتاد‪ .‬وقد جتاوز‬ ‫اإلرهاب اليوم املفهوم التقليدي وأصبح باإلمكان استخدام أسلحة مستحدثة يتسع نطاق تأثيرها ليمتد من‬ ‫الناحية املكانية إلى مساحة واسعة لتشمل دولة كاملة أو مجموعة من الدول‪ ،‬كما قد ميتد تأثيرها لتشمل‬ ‫الكائنات احلية مبختلف أصنافها‪ ،‬وهو ما يسمى في هذا العصر بأسلحة الدمار الشامل (‪.)2‬‬ ‫و للحد من خطر املنظمات اإلرهابية ف قد نصفففت الفقرة (‪ )1‬من املادة السفففابعة من نظام مكافحة‬ ‫اجلرائم املعلوماتية على جترمي إنشفففاء موقع ملنظمات اإلرهابية على الشففبكة املعلوماتية‪ ،‬أو أحد أجهزة‬ ‫احلاسففب اآللي أو نشففره‪ ،‬لتسففهيل االتصففال بقيادات تلك املنظمات‪ ،‬أو أي من أعضففائها أو ترويج أفكارها أو‬ ‫متويلها‪ ،‬أو نشر كيفية تصنيع األجهزة احلارقة‪ ،‬أو املتفجرات‪ ،‬أو أي أدارة تستخدم في األعمال اإلرهابية‪. ..‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬اإلرهاب املستهدف للوسائ املعلوماتية‬ ‫ميكن اعتبار هذا الصنف من اإلرهاب بأنه اإلرهاب اإللكتروني باملعنى الدقيق‪ .‬وهو يتط ّلب إملاما بأنظمة‬ ‫احلاسب ومهارة يفتقر إليها الشخص العادي‪ .‬وتكون فيه الوسائ املعلوماتية هدفا لإلرهاب وليست وسيلة‬ ‫الرتكابه‪ .‬و ُميكن أن يأخذ اإلرهاب املستهدف للوسائ املعلوماتية عدة أشكال‪ :‬مثل تدمير وقرصنة مواقع‬ ‫باإلنترنت أو تعطيل األجهزة اإللكترونية‪ ،‬كما قد يتخذ هذا اإلرهاب شكل التجسس اإللكتروني أو سرقة‬ ‫األموال إلكترونيا من أجل متويل اإلرهاب‪.‬‬ ‫‪ .1‬تدمير وقرصنة مواقع باإلنترنت‬ ‫لقد أصبح تدمير وقرصنة مواقع اإلنترنت شبحا يهدد العالم‪ ،‬مما يستدعي تأمني البيانات واملعلومات‪،‬‬ ‫لبعث الثقة واألمان في التعامل في البيئة الرقمية املفتوحة التي نعيشففها اليوم (‪ .)3‬وال يتوانى اإلرهابيون عن‬ ‫اختراق املواقع وسففرقة البيانات واملعلومات ومن ثم تدميرها أو ابتزاز أصففحابها للحصففول على مطالب غير‬ ‫مشروعة‪ .‬وي ُقصد بتدمير املواقع‪ :‬الدخول غير املشرو إلى نقطة ارتباط أساسية أو فرعية متصلة باإلنترنت‬ ‫من خالل ن ظام آلي ‪ Server-PC‬أو مجمو عة نظم متراب طة شففبك يا ‪ ، Intranet‬ب هدف تخر يب نق طة‬ ‫االتصال أو النظام‪.‬‬

‫‪ 1‬أنظر د‪ .‬محمد جمال مظلوم‪ :،‬التجارة غير امل شروعة لل سالح واالرهاب‪ ،‬بحث مقدّم ضمن احللقة العلمية ‪ :‬جتارة ال سالح غير امل شروعة‬ ‫وغسل األموال ‪ ،‬الرياض‪ ،‬جامعة نايف العربية‪1434،‬هف‪.‬‬ ‫‪ 2‬د‪ .‬محمد عبداهلل ولد محمدن‪ ،‬اإلرهاب البيولوجي من منظار الشففريعة‪ ،‬بحث منشففور ضففمن حلقة عمل اإلنتربول اخلاصففة مبنع اإلرهاب‬ ‫البيولوجي‪ ،‬مسق – سلطنة عمان‪ ،‬مارس ‪2007‬م‪.‬‬ ‫‪ 3‬أنظر ‪ :‬د‪ .‬ليتيم فتيحة‪ ،‬بحث بعنوان ا ألمففن املعلففوماتفي للحكففومة اإللكفففففترونية و إرهففففاب القففففرصففنة ‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬مجلة‬ ‫املفكففففففر‪ ،‬كلية احلقوق و العلوم السياسية يجامعه محمد خيضر بسكرة‪،‬العدد (‪ ،)12‬ص ‪.238‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪231‬‬


‫وميكن تعريف القرصنة بأنها عملية دخول غير مصر ّح به إلى أجهزة الغير وشبكاتهم اإللكترونية‪:‬‬ ‫أي توجيه هجمات إلى معلومات الكمبيوتر أو خدماته‪ ،‬بق صد امل ساس بال سرية أو امل ساس ب سالمة اﶈتوى‬ ‫والت كامل ية‪ ،‬أو تعط يل ال قدرة والك فاءة لألنظ مة للق يام بأع مال ها‪ .‬ف هدف هذا النم اإلجرامي هو ن ظام‬ ‫الكمبيوتر وبشكل خاص املعلومات اجملزنة داخله‪ .‬وبذلك‪ ،‬فإن القرصنة هي الوصول بطريقة غير مشروعة إلى‬ ‫الهدف من خالل ثغرات في نظام احلماية اخلاص به (‪.)1‬‬ ‫وليس هناك وسففيلة تقنية أو تنظيمية حتول متاما دون تدمير املواقع أو اختراقها‪ ،‬فاملتغيرات التقنية‪،‬‬ ‫وإملام اجملترق بالثغرات في التطبيقات التي بنيت في معظمها على أسففاس التصففميم املفتوح ملعظم األجزاء‬ ‫‪ ، Open source‬سواء كان ذلك في مكونات نقطة االت صال أو النظم أو ال شبكة أو البرمجة‪ ،‬جعلت الوقاية‬ ‫من االختراقات أمرا صففعبا‪ .‬ويزداد األمر تعقيدا مع وجود مؤسففسففات تعمل على االختراق وتدمير املواقع ملعرفة‬ ‫القدرة على اختراق نظم احلوا سيب اآللية‪ ،‬والتج سس ال سيا سي والع سكري وتدمير املواقع امل ضادة‪ ،‬و سرقة‬ ‫بيانات مخزنة أو برامج أو ملفات أو التالعب مبوجودات أو أصول كاحلسابات البنكية وبطاقات االئتمان (‪.)2‬‬ ‫ويستطيع قراصنة احلاسب اآللي (‪ )Hackers‬التوصل إلى املعلومات املالية والشخصية واختراق‬ ‫اخلصوصية وسرية املعلومات‪ .‬وقد أضحت القرصنة أكثر سهولة مع التطور املذهل الذي شهده احلاسب اآللي‪،‬‬ ‫ال سيما وأن مرتكبيها ليسوا مستخدمني عاديني بل لهم خبرة في مجال احلاسب اآللي‪ .‬ومن احلاالت الواقعية‬ ‫للقرصنة املعلوماتية ما حدث في أملانيا‪ ،‬حني قام أحد القراصنة بالتحكم في مزود خدمة اإلنترنت‪ ،‬مستوليا‬ ‫على معلومات مخز ّنة على بطاقات االئتمان‪ .‬وقد حاول ابتزاز مزود اخلدمة من خالل طلب مبلغ مالي‪ ،‬إال أن‬ ‫السلطات األملانية متكّنت من القبض على اجلاني حلظة تسلمه املبلغ املالي‪ .‬ولم يكن لهذه اجلرمية أن تُكشف‬ ‫لو لم يطلب اجلاني ماال (‪.)3‬‬ ‫وفي إطار مكافحة القرصنة‪ ،‬اعتبر نظام مكافحة اجلرائم املعلوماتية في اململكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫في صلب املادة الرابعة‪ ،‬من قبيل اجلرائم املعلوماتية‪ :‬تدمير وقر صنة مواقع باإلنترنت لال ستيالء على البيانات‬ ‫واملعلومات و سرقتها‪ .‬وبذلك‪ ،‬يعتبر مجرما معلوماتيا من يقوم باال ستيالء لنف سه أو غيره على مال منقول‬ ‫أو على سند‪ ،‬وذلك عن طريق االحتيال‪ ،‬أو اتخاذ اسم كاذب‪ ،‬أو انتحال صفة غير صحيحة ‪ .‬كما نصت الفقرة‬ ‫(‪ )2‬من املادة الرابعة من النظام على جترمي الوصففول – دون مسففو نظامي صففحيح – إلى بيانات بنكية‪ ،‬أو‬ ‫ائتمانية‪ ،‬أو بيانات متعلقة مبلكية أوراق مالية للحصففول على بيانات‪ ،‬أو معلومات‪ ،‬أو أموال‪ ،‬أو ما تتيحه من‬ ‫خدمات ‪ ،‬واملعاقبة على ذلك بال سجن مدة ال تزيد على ثالث سنوات وبغرامة‪ ،‬أو بإحدى هاتني العقوبيني لكل‬ ‫شخص يرتكب تلك اجلرائم‪.‬‬ ‫وقد نصففت الفقرة (‪ )1‬من املادة اخلامسففة على جترمي الدخول غير املشففرو إللغاء بيانات خاصففة‪ ،‬أو‬ ‫حذفها‪ ،‬أو تدميرها‪ ،‬أو تسفريبها‪ ،‬أو إتالفها أو تغييرها‪ ،‬أو إعادة نشفرها ‪ ،‬كما نصفت الفقرة (‪ )2‬من املادة ذاتها‬ ‫على جترمي‪ :‬إيقاف ال شبكة املعلوماتية عن العمل‪ ،‬أو تعطيلها أو تدميرها‪ ،‬أو ت سريبها‪ ،‬أو إتالفها أو تغييرها‪،‬‬

‫‪ 1‬جميل زكريا محمود‪ ،‬ورقة بحثية عن اجلرمية املعلوماتية وأسفففاليب التأمني ‪ ،‬مقدم للمؤمتر الدولي ألمن املعلومات اإللكترونية ‪ :‬معا‬ ‫نحو تعامل رقمي آمن ‪ ،‬سلطنة عمان‪2005 ،‬م‪ ،‬ص ‪.147‬‬ ‫‪ 2‬أنظر‪ :‬د‪ .‬عبدالرحمن بن عبداهلل ال سند‪ ،‬األحكام الفقهية للتعامالت اإللكترونية – احلا سب اآللي و شبكة املعلومات ‪ ،-‬بيروت‪ ،‬دار الوراق‪،‬‬ ‫ط‪1424 ،1‬هف‪ ،‬ص ‪.283‬‬ ‫‪ 3‬أنظر ‪ :‬د‪ .‬سففهير حجازي‪ ،‬التهديدات اإلجرامية للتجارة اإللكترونية‪ ،‬مركز البحوث والدراسففات‪ ،‬شففرطة دبي‪ ،‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‪،‬‬ ‫العدد (‪.)91‬‬ ‫‪232‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫أو إعادة نشففرها واملعاقبة على ذلك بالسففجن مدة ال تزيد على أربع سففنوات وبغرامة ال تزيد على ثالثة ماليني‬ ‫ريال‪ ،‬أو بإحدى هاتني العقوبتني لكل شخص يرتكب تلك اجلرائم‪.‬‬ ‫‪ .2‬تعطيل األجهزة اإللكترونية‬ ‫تزداد خطورة اإلرهاب اإللكتروني في الدول املتقدمة‪ ،‬حيث ُتدار بنيتها التحتية باحلواسفف يب اآللية‬ ‫مدمر من خالل تعطيل‬ ‫والشففبكات املعلوماتية‪ .‬و بإمكان اجلماعات واملنظمات اإلرهابية شففن هجوم إرهابي ّ‬ ‫األجهزة اإللكترونية‪ ,‬وهو ما قد يؤدي إلى إغالق املواقع احليوية بالبالد وإحلاق الشلل بأنظمة القيادة والسيطرة‬ ‫واالت صاالت‪ ،‬كما قد يؤول إلى قطع شبكات االت صال بني الوحدات والقيادات املركزية‪ ،‬أو تعطيل أنظمة الدفا‬ ‫اجلوي‪ ،‬أو إخراج الصواريخ عن مسارها‪ ،‬أو التحكم في خطوط املالحة اجلوية والبرية والبحرية‪ ،‬أو شل محطات‬ ‫إمداد الطاقة واملاء‪ ،‬أو شل النظام امل صرفي وإحلاق ال ضرر بأعمال البنوك وأ سواق املال العاملية‪ .‬ويُؤدي تعطيل‬ ‫األجهزة اإللكترونية‪ ،‬إلى تعطيل املرافق احليوية في الدولة‪ ،‬ومن ثم سففيادة الفوضففى‪ ،‬وشففل احلركة في عموم‬ ‫البالد(‪.)1‬‬ ‫وقد تعمد التنظيمات اإلرهابية إلى تعطيل األجهزة اإللكترونية لبث الفوضى في مؤسسات الدولة‬ ‫ذات العالقة بالشبكات املتعطلة‪ ،‬وهو ما يسبب خسائر مالية كبيرة‪ ،‬قد تؤدي إلى اإلفالس (‪ .)2‬وتسعى الدول‬ ‫املتقدمة إلى تطوير برامجها اإللكترونية وحتقيق أعلى درجات أمن املعلومات‪ ،‬للحيلولة دون متكن املنظمات‬ ‫املدمرة‪.‬‬ ‫اإلرهابية من تعطيل األجهزة اإللكترونية وإحداث أثارها‬ ‫ّ‬ ‫وحلماية شبكة اإلنترنت من الهجمات‪ ،‬جرّمت الفقرة (‪ )2‬من املادة اخلامسة من نظام مكافحة اجلرائم‬ ‫املعلوماتية‪ :‬إيقاف الشبكة املعلوماتية عن العمل‪ ،‬أو تعطيلها أو تدميرها‪ ،‬أو تسريبها‪ ،‬أو إتالفها أو تغييرها‪،‬‬ ‫أو إعادة نشرها ‪ ،‬كما جرّمت الفقرة (‪ )3‬من املادة ذاتها إعاقة الوصول إلى اخلدمة‪ ،‬أو تشويشها‪ ،‬أو تعطيلها‪،‬‬ ‫بأي وسيلة كانت ‪ .‬ونصت على معاقبة مرتكب هذه األفعال بالسجن مدة ال تزيد على أربع سنوات وبغرامة‬ ‫ال تزيد على ثالثة ماليني ريال‪ ،‬أو بإحدى هاتني العقوبيني‪.‬‬ ‫‪ .3‬التجسس اإللكتروني‬ ‫ي ُقصفففد بالتجسففس اإللكتروني االطال على معلومات خاصفففة بالغير مؤمنة في جهاز آخر‪ ،‬و ليس‬ ‫م سموحا لغير املعنيني االطال عليها (‪ .)3‬ويعتمد التج سس اإللكتروني على استخدام الو سائ اإللكترونية‬ ‫في احل صول على املعلومات‪ .‬وهناك عدة أنوا من التج سس اإللكتروني‪ ،‬كالتج سس عن طريق االنترنت على‬ ‫األفراد‪ ،‬والتجسس من خالل الشبكات السلكية والالسلكية‪ ،‬والتجسس اإللكتروني عن طريق اجلوال (‪.)4‬‬

‫‪ 1‬أنظر ‪ :‬د‪.‬عبداهلل بن عبدالعزيز العجالن‪ ،‬اإلرهففاب اإللكتفرونففي في عصر املعلومات ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫‪ 2‬انظر ‪ :‬زكريا أحمد عمار‪ ،‬حماية الشبكات الرئيسية من االختراق والبرامج الضارة ‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة النيلني‪ ،‬السودان‪2011 ،‬م‪،‬‬ ‫ص ‪.2‬‬ ‫‪ 3‬محمد عبدالرحيم سلطان العلماء‪ ،‬بحث بعنوان جرائم االنترنت واالحتساب عليها ضمن مؤمتر القانون والكمبيوتر واالنترنت املنعقد‬ ‫من ‪2000/5/ 3-1‬م‪ ،‬بجامعة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬كلية الشريعة والقانون‪ ،‬اﺠﻤﻟلد الﺜالث‪ ،‬ط‪2004 ،3‬م‪ ،‬ص ‪.880‬‬ ‫‪ 4‬د‪ .‬حسفن بن أحمد الشفهري‪ ،‬بحث بعنوان ‪ :‬األنظمة اإللكترونية الرقمية املطورة حلفﻆ وحماية سفرية املعلومات من التجسفس اﺠﻤﻟلة‬ ‫العربية للدراسات األمنية والتدريب‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،28‬العدد ‪ ،56‬الصارة عن جامعة نايف العربية‪ ،‬الرياض‪ ،‬ص ‪.11‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪233‬‬


‫لقد أضحى التجسس اليوم أكثر خطورة نظرا للتقدم التقني الذي نعيشه والذي وفر أجهزة عديدة‬ ‫ومعدات دقيقة‪ ،‬وصففغيرة احلجم‪ ،‬وذات كفاءة في التنصففت واالسففتشففعار عن بعد (‪ .)1‬وقد سففهلت شففبكة‬ ‫االنترنت األعمال التجسففسففية بشففكل كبير‪ ،‬حيث يقوم اﺠﻤﻟرمون بالتجسففس على األشففخاص أو الدول أو‬ ‫املنظمات أو الهيئات أو املؤ س سات الدولية‪ ،‬أو الوطنية‪ .‬وت ستهدف عملية التج سس في ع صر املعلومات‬ ‫ثالثة مجاالت رئيسية‪ ،‬وهي اﺠﻤﻟال العسكري‪ ،‬واﺠﻤﻟال السياسي‪ ،‬واﺠﻤﻟال االقتصادي(‪.)2‬‬ ‫وتختلف خطورة التجسس اإللكتروني بحسب ما إذا كان موجها ضد األشخاص الطبيعيني أو‬ ‫األشخاص االعتباريني‪ .‬ويتم التجسس اإللكتروني عادة عن طريق إدخال ملف جتسس إلى حاسوب اﺠﻤﻟني عليه‪.‬‬ ‫ويسمى هذا امللف حصان طروادة ‪ .‬وفي حالة إصابة ملف اجلهاز مبلف التجسس‪ ،‬يقوم على الفور بفتح أحد‬ ‫املنافذ في جهاز الشخص اﺠﻤﻟني عليه‪ ،‬وهذا املنفذ هو الباب اخللفي حلدوث اتصال بني جهاز الشخص اﺠﻤﻟني‬ ‫عليه وجهاز اجملترق(‪ .)3‬و يسمى امللف الذي يكون لدى اﺠﻤﻟني عليه باخلادم ‪ ،‬بينما يسمى اجلزء اآلخر منه‬ ‫بالعميل ويكون لدى اجملترق‪ .‬وميكن للمخترق من خالله أن يسيطر على جهاز اﺠﻤﻟني عليه دون أن يشعر‪،‬‬ ‫فبإمكان اجملترق فتح القرص الصلب جلهاز اﺠﻤﻟني عليه والعبث به كيفما يشاء سواء بحذف أو إضافة ملفات‬ ‫جديدة‪ .‬وميكن كذلك للمخترق معرفة كلمة السر اجملزنة في اجلهاز وحتى رقم بطاقة االئتمان‪ ،‬كما يستطيع‬ ‫اجملترق‪ ،‬إذا كان لدى اﺠﻤﻟني عليه ميكرفون أو كاميرا‪ ،‬سما ورؤية كل ما يفعله اﺠﻤﻟني عليه في املساحة التي‬ ‫يغطيها امليكرفون أو الكاميرا (‪.)4‬‬ ‫وغالبا ما يتم التجسس اإللكتروني عن طريق جلوء اﺠﻤﻟرم إلى إخفاء املعلومة احلساسة املستهدفة داخل‬ ‫معلومة أخرى موجودة داخل احلاسب اآللي‪ ،‬ومن ثم يجد وسيلة ما لتهريب تلك املعلومات العادية في مظهرها‬ ‫وغير العادية في محتواها‪ ،‬بحيث ال يشك أحد أن هناك معلومات حساسة يتم تهريبها‪ .‬وحتى ولو مت ضب‬ ‫الشخص متلبسا‪ ،‬فمن الصعب جدا الوصول إلى تلك املعلومات اجملزّنة في ملفات أخرى غير مشكوك فيها‬ ‫على اإلطالق (‪ .)5‬وتُصبح أعمال التجسس اإللكتروني أكثر خطورة إذا كانت تقف خلفها التنظيمات اإلرهابية‬ ‫التي توظف ما تصل إليه من معلومات وملفات وبيانات في عملياتها اإلرهابية‪.‬‬ ‫وللوقاية من مخاطر التجسس اإللكتروني جرّم نظام مكافحة اجلرائم املعلوماتية السعودي في الفقرة‬ ‫األولى من املادة الثالثة التنصت على ما هو مرسل عن طريق الشبكة املعلوماتية أو أحد أجهزة احلاسب اآللي‪،‬‬ ‫دون مسو نظامي صحيح أو التقاطه أو اعتراضه ‪ ،‬كما نصت الفقرة اخلامسة من املادة الثالثة منه على‬ ‫جترمي إحلاق الضرر باآلخرين عبر وسائل تقنيات املعلومات اجملتلفة‪ .‬وي ُعاقب مرتكب تلك األفعال بالسجن مدة ال‬ ‫تزيد على سنة وبغرامة قدرها خمسمائة ألف ريال أو بإحدى هاتني العقوبتني‪.‬‬ ‫‪.4‬سرقة األموال إلكترونيا من أجل متويل اإلرهاب‬ ‫ساهم التطور التقني الذي شهدته التعامالت املالية في تنامي التجارة اإللكترونية‪ .‬وقد انتهزت‬ ‫التنظيمات اإلرهابية‪ ،‬القادرة على اختراق احلسابات البنكية إلكترونيا‪ ،‬الفرصة لسرقة األموال إلكترونيا بهدف‬ ‫متويل عملياتها اإلرهابية‪ .‬ومتكن سرقة األموال باستعمال املعطيات الشخصية للضحية مثل االسم والعنوان‬ ‫‪ 1‬د‪ .‬ح سن بن أحمد ال شهري‪ ،‬بحث بعنوان ‪ :‬األنظمة اإللكترونية الرقمية املطورة حلفظ وحماية سرية املعلومات من التج سس مرجع‬ ‫سابق‪ ،‬ص ‪.7‬‬ ‫‪ 2‬علي عدنان الفيل‪ ،‬اإلجرام اإللكتروني‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ ،‬منشورات زين احلقوقية‪2011 ،‬م‪ ،‬ص ‪.97-96‬‬ ‫‪ 3‬محمد أمني الرومي‪ ،‬جرائم الكمبيوتر واإلنترنت دار املطبوعات اجلامعية‪2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪.136‬‬ ‫‪ 4‬محمد أمني الرومي‪ ،‬جرائم الكمبيوتر واإلنترنت مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.137‬‬ ‫‪ 5‬منير محمد اجلنبيهي‪ ،‬جرائم االنترنت واحلاسب اآللي ووسائل مكافحتها دار الفكر اجلامعية‪ ،‬ط ‪2004‬م‪ ،‬ص ‪.86‬‬ ‫‪234‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫واألرقام اخلاصة‪ ،‬ومن ثم انتحال شخصية اﺠﻤﻟني عليه لسرقة حسابه البنكي (‪ .)1‬وميكن أن يشمل السطو‬ ‫أموال البنوك عن طريق استخدام احلاسب اآللي للدخول إلى شبكة اإلنترنت والوصول غير املشرو إلى البنوك‬ ‫واملصارف واملؤسسات املالية (‪ .)2‬ويزداد األمر خطورة مع سهولة االستيالء على بطاقات االئتمان مقارنة باملاضي‪،‬‬ ‫فلصوص بطاقات االئتمان يستطيعون اليوم سرقة مئات األلوف من أرقام البطاقات في يوم واحد من خالل‬ ‫شبكة االنترنت ومن ثم بيع هذه املعلومات للغير (‪.)3‬‬ ‫وتستطيع التنظيمات اإلرهابية حتويل األموال إلكترونيا‪ ،‬من خالل احلصول على كلمة السر املدرجة في‬ ‫ملفات أنظمة الكمبيوتر اخلاصة باﺠﻤﻟني عليه‪ ،‬مما يسمح للجاني بالتوغل في النظام املعلوماتي‪ .‬وعادة ما يكون‬ ‫هؤالء من العاملني على إدخال البيانات في ذاكرة اجلهاز أو من قبل املوجودين على الشبكة أثناء عملية تبادل‬ ‫البيانات (‪.)4‬‬ ‫وقد تتم عمليات التحويل االلكتروني غير املشروعة من خالل إيهام اﺠﻤﻟني عليه مبشرو كاذب أو إغرائه‬ ‫باحلصول على ربح سريع‪ ،‬فيتم حتويل املال بطريق التحويل اإللكتروني السريع ومن ثم التصرف فيه ‪ ،5‬كما ميكن‬ ‫االحتيال باستخدام بطاقات الدفع اإللكتروني والتي مبوجبها يتم التحويل من حساب بطاقة العميل بالبنك‬ ‫املصدر للبطاقة إلى رصيد التاجر أو الدائن الذي يوجد به حسابه من خالل شبكة التسوية اإللكترونية‬ ‫للبطاقات االئتمانية هيئة الفيزا كارد ‪ ،‬هيئة املاستر كارد (‪.)6‬‬ ‫و قد دف عت هذه األخ طار املتزا يدة‪ ،‬املنبث قة عن املنظ مات اإلر هاب ية‪ ،‬و قدرت ها على اختراق الب يا نات‬ ‫واملنظومة التجارية واملالية‪ ،‬إلى ظهور االتفاقية الدولية لقمع متويل اإلرهاب لعام ‪1999‬م‪ ،‬وعلى ضوئها صدرت‬ ‫الت شريعات في عدد من الدول لقطع سبل التمويل للمنظمات اإلرهابية‪ ،‬وأعطيت أهمية للت صدي لعمليات‬ ‫ال سطو وال سرقة والتزوير واالحتيال في البيانات واملعلومات من خالل مواد ون صوص قانونية تتناول هذا اجلانب‬ ‫حتديدا‪ ،‬إضافة لغيره من اجلوانب التي تتصدى للمنظمات اإلرهابية‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬خصوصية اإلرهاب اإللكتروني‬

‫عادة ما يقترن مفهوم اإلرهاب بالعنف والترويع‪ ،‬غير أن اإلرهاب اإللكتروني ال يتطلب ا ستعمال العنف‬ ‫والقوة‪ ،‬ما يجعله يختلف عن اإلرهاب التقليدي‪ .‬ورغم أن مفهوم اإلرهاب اإللكتروني يعتبر من قبيل املفاهيم‬ ‫املسففتحدثة‪ ،‬إال أنه أصففبح هاجسففا يؤرق الدول واﺠﻤﻟتمعات املعاصففرة‪ .‬ويعود ذلك باألسففاس إلى تنامي ظاهرة‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬من جهة‪ ،‬وتزايد االعتماد على احلواسيب والشبكات املعلوماتية‪ ،‬من جهة أخرى‪ .‬وال غرو في أن اإلرهاب‬ ‫اإللكتروني هو إرهاب امل ستقبل‪ ،‬حيث ستت ضاعف وتيرته مع تزايد االعتماد على التكنولوجيا احلديثة‪ .‬ويعتبر‬ ‫اإلرهاب اإللكتروني إجراما من نو خاص‪ .‬وتظهر هذه اخلصففوصففية على مسففتوى اجلرمية (املطلب األول) وعلى‬ ‫مستوى اﺠﻤﻟرم (املطلب الثاني)‪.‬‬ ‫‪ 1‬نايف بن محمد املرواني‪ ،‬جرمية ال سرقة درا سة نف سية اجتماعية ‪ ،‬ر سالة ماج ستير غير من شورة‪ ،‬الرياض‪ ،‬جامعة نايف العربية‪ ،‬ط ‪،1‬‬ ‫‪2011‬م‪ ،‬ص ‪.59‬‬ ‫‪ 2‬د‪ .‬عباس أبو شامة عبد اﶈمود‪ ،‬عوملة اجلرمية االقتصادية‪ ،‬الرياض جامعة نايف العربية‪2007 ،‬م‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫‪ 3‬حسن طاهر داود‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة جرائم نظم املعلومات ‪ ،‬الرياض‪ ،‬جامعة نايف العربية‪ ،‬ط‪2000 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.73‬‬ ‫‪ 4‬خالد ممدوح إبراهيم‪ ،‬أمن اجلرمية املعلوماتية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬الدار اجلامعية‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫‪ 5‬أنظر‪ :‬يونس عرب‪ ،‬قراءة في االجتاهات التشففريعية للجرائم االلكترونية مع بيان موقف الدول العربية وجتربة سففلطنة عمان‪ ،‬بحث قُدم‬ ‫ضمن ورشة عمل تطوير التشريعات في مجال مكافحة اجلرائم االلكترونية املنعقدة مبسق ‪2006/4/4-2 ،‬م‪ ،‬ص ‪.16‬‬ ‫‪ 6‬أنظر‪ :‬عمر الشففيخ األصففم‪ ،‬البطاقات االئتمانية املسففتخدمة األكثر انتشففارا في البالد العربية ‪ ،‬بحث مقدم ضففمن أعمال ندوة «تزوير‬ ‫البطاقات االئتمانية ‪ ،‬الرياض‪ ،‬جامعة نايف العربية‪ ،‬ط‪2002 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.12‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪235‬‬


‫املطلب األول‪ :‬خصوصية اجلرمية‬ ‫يجمع اإلرهاب اإللكتروني بني سففهولة احلصففول على أداة اجلرمية‪ ،‬املتمثلة في احلاسففب اآللي‪ ،‬وخطورة‬ ‫األضففرار املترتبة عن اجلرمية‪ ،‬والتي تهدف إلى ترويع الناس وبث الرعب في نفوسففهم‪ .‬وتزداد خطورة اجلرمية‪ ،‬مع‬ ‫سففهولة حتميل البرامج املعلوماتية التي ميكن اسففتخدامها في اإلرهاب اإللكتروني‪ ،‬حيث ميكن حتميل مقاطع‬ ‫الفيديو أو الصور أو الكتب اإللكترونية دون عناء يذكر(‪.)1‬‬ ‫و ميكن للمجرم نشففر الفيروسفففات اإللكترونية أو تنزيل مقاطع الفيديو أو املعطيات ذات الصففبغة‬ ‫اإلرهابية وهو موجود في منزله أو في مقهى أو حتى في غرفة أحد الفنادق(‪ .)2‬وتتجلى ال صبغة اخلا صة جلرمية‬ ‫اإلرهاب اإللكتروني على مستوى طابعها الدولي (‪ )1‬وعلى مستوى صعوبة تعقّ بها( ‪.)2‬‬ ‫‪ .1‬الصبغة الدولية لإلرهاب اإللكتروني‬ ‫يعد اإلرهاب اليوم ظاهرة عاملية‪ .‬وقد سمحت عوملة االت صاالت وتبادل املعلومات لإلرهاب بأن تكون له‬ ‫أبعاد عاملية (‪ ،) 3‬فالنشففاط اإلرهابي قد يقع في شففرق الكرة األرضففية والنتيجة الضففارة تقع في غربها‪ ،‬األمر‬ ‫الذي يُثير التناز في االختصففاص في شففأنها‪ ،‬وهو ما يتطلّب صففياغة قواعد قانونية مالئمة لهذا النم من‬ ‫اإلجرام (‪.)4‬‬ ‫وقد ساهمت شبكة اإلنترنت في سهولة انت شار اإلرهاب‪ ،‬حيث ُميكن للمجرم ن شر أفكاره اإلرهابية‬ ‫ب سرعة الضوء (‪ ،)5‬من خالل بث خطب حتريضية ضد ال سلطات ال شرعية أو إ صدار فتاوى تكفيرية تؤجج نار‬ ‫الفتنة واحلقد‪ .‬كما أن منتديات الدردشفففة ومواقع التواصفففل االجتماعي جعلت من تالقي أفراد متباعدين‬ ‫ومنت شرين في أرجاء املعمورة‪ ،‬أمرا ممكنا وي سيرا (‪ .)6‬وقد ا ستطاعت بعض املنظمات اإلرهابية ا ستغالل املزايا‬ ‫التي توفرها اإلنترنت أميا استغالل‪ ،‬عبر تطوير استراتيجيات االتصال‪ ،‬ليس فق فيما بينها‪ ،‬وإمنا كذلك بينها‬ ‫وبني العالم‪ .‬فأضحى العالم االفتراضي وسيلة لتبادل األفكار الهدامة واملتطرفة‪ .‬ويسمح الفضاء االفتراضي‬ ‫للمجرمني املعلوماتيني بتقليل فرص ضففبطهم‪ ،‬من خالل جتنيبهم التنقل من بلد إلى بلد آخر‪ .‬كما تسففمح‬ ‫تقنيات التشفير بجعل محادثاتهم سرية وآمنة إزاء التعقب‪.‬‬ ‫متحو لة من النم املركزي إلى النم‬ ‫و قد تطورت اسففتراتيج يات تواصفففل الشففب كات اإلر هاب ية‬ ‫ّ‬ ‫الالمركزي‪ ،‬عبر التوظيف اإلعالمي وعبر االعتماد على شففبكة اتصفففال مفتوحة ومعقدة التركيب‪ .‬وقد ترتب‬ ‫على ذلك تنامي قدرة اجلماعات اإلرهابية على الوصول إلى جمهورها مهما كان مشتتا عبر العالم‪ .‬وقد شهد‬ ‫عام ‪ 2001‬م نشأة مؤسسة السحاب لإلنتاج اإلعالمي اإلسالمي الصادرة عن تنظيم القاعدة ‪ ،‬كما أطلق‬

‫‪ 1‬عبد اهلل بن عبد العزيز العجالن‪ ،‬اإلرهاب املعلوماتي ‪ ،‬بحث مقدّم ضفففمن املؤمتر الدولي األول ملكافحة اجلرائم املعلوماتية‪ ،‬الرياض‪،2015 ،‬‬ ‫ص ‪.50‬‬ ‫‪ 2‬علي عدنان الفيل‪ ،‬اإلرهاب اإللكتروني ‪ ،‬مجلة اجلامعة اخلليجية‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،2‬قسم القانون‪ ،‬العدد ‪ ،2010 ،2‬ص ‪.237‬‬ ‫‪ 3‬انظر ‪ :‬د‪ .‬مها عبد احلميد صففالح اسففتراتيجيات االتصففال في مواقع اجلماعات اإلرهابية على شففبكة األنترنت ‪ ،‬مجلة شففؤون اجتماعية‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،121‬ربيع ‪ ،2014‬ص ‪.2‬‬ ‫‪ 4‬انظر ‪ :‬د‪ .‬موسففى مسففعود أرحومة‪ ،‬السففياسففة اجلنائية في مواجهة جرائم اإلنترنت ‪ ،‬بحث مقدم إلى املؤمتر الدولي جلامعة الطفيلة‬ ‫التقنية حول التنمية البشرية واألمن في عالم متغير ‪ ،‬األردن‪ 2007/7/12-10 ،‬م‪ ،‬ص ‪.8‬‬ ‫‪ 5‬هذا التعبير ليس مجازيا‪ ،‬فاملعطيات تتدفق عبر اإلنترنت بسرعة الضوء‪.‬‬ ‫‪ 6‬د‪ .‬أي سر محمد عطية‪ ،‬دور اآلليات احلديثة للحد من اجلرائم امل ستحدثة اإلرهاب اإللكتروني وطرق مواجهته ‪ ،‬ملتقى اجلرائم امل ستحدثة‬ ‫في ظل املتغيرات و التحوالت اإلقليمية‪ ،‬ص ‪.17‬‬ ‫‪236‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫التنظيم مؤسففسفففة املالحم لإلنتاج اإلعالمي والتي أنتجت اﺠﻤﻟلة اإللكترونية األولى التي تصفففدر باللغة‬ ‫اإلجنليزية عن تنظيم القاعدة في شبه اجلزيرة العربية(‪.)1‬‬ ‫‪ .2‬صعوبة تعقّ ب اجلرمية‬ ‫رغم أن اجلرمية اإلرهاب ية تهدف إلى الترويع والترويج اإلعالمي‪ ،‬إال أنها من أكثر اجلرائم صففعوبة في‬ ‫التعقّ ب‪ ،‬إلى حد اعتبارها من طرف البعض من قبيل اجلرائم النظيفة (‪ .)2‬وتعود هذه ال صعوبة إلى سهولة‬ ‫محو آثارها‪ ،‬و إلى السففرية التي يعمل بها اإلرهابيون عند إعدادهم جملططاتهم‪ ،‬حيث يعمدون إلى تشفففير‬ ‫مراسالتهم‪ ،‬كما يعمد اإلرهابيون إلى املراوغة‪ ،‬فإذا ظهر موقع إرهابي اليوم فسرعان ما يُغير منطه اإللكتروني‪،‬‬ ‫ثم يختفي ليظهر بشففكل جديد وعنوان إلكتروني جديد (‪ .)3‬وعادة ما يشففن اإلرهابي هجماته اإللكترونية من‬ ‫دول غير مستقرة سياسيا أو تعيش حروبا أهلية لإلفالت من املساءلة والعقاب‪ .‬ويزداد األمر صعوبة مع التباين‬ ‫الكبير في مواقف الدول من ظاهرة اإلرهاب‪ ،‬فما تعتبره بعض الدول إرهابا قد تراه دول أخرى مقاومة شففرعية‪.‬‬ ‫بل إن مواقف بعض الدول قد تتغير جذريا مبرور الوقت حول بعض التنظيمات اإلرهابية (‪.)4‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬خصوصية اﺠﻤﻟرم‬ ‫تناولت عدة دراسفات وبحوث شفخصفية اﺠﻤﻟرم املعلوماتي مقارنة باﺠﻤﻟرم التقليدي‪ .‬وتكاد جتمع على أن‬ ‫اﺠﻤﻟرم املعلوماتي شخﺺ يتميز بارتفا مستوى الذكاء وبتمكنه من ناصية التكنولوجيا(‪ ،)5‬إضافة إلى احترافه‬ ‫العالي وقدرته على التخفي‪ .‬وي ُحاول مرتكب اجلرمية املعلوماتية دائما إخفاء آثاره حتى ال يتم القبض عليه(‪.)6‬‬ ‫ويجمع اﺠﻤﻟرم املعلو ماتي ذو اخللف ية اإلر هاب ية بني امل هارة واخلطورة اإلجرام ية‪ .‬وتكمن امل هارة في قدر ته على‬ ‫ك سر حواجز ال شفرة وأنظمة األمن املعلوماتي وارتكاب اجلرمية بحرفية كبيرة تعتمد على تطويع التقنية في‬ ‫سففبيل حتقيق أهدافه (‪ .)7‬ويزداد األمر صففعوبة مع قدرة اﺠﻤﻟرم املعلوماتي على محو وتدمير الدليل الرقمي‪ ،‬ما‬ ‫يجعل من إدانته أمرا في غاية الصففعوبة(‪ .)8‬وعادة ما يتخذ اﺠﻤﻟرم املعلوماتي كلمات سففر تزيد من صففعوبة‬ ‫اجراءات التفتيش‪ .‬وقد يلجأ إلى دس تعليمات خفية ( ‪ ) Hidden instructions‬بني هذه البيانات أو اسففتخدام‬ ‫الرمز أو التشفير‪ ،‬بحيث يستحيل على اﶈققني االطال عليها(‪.)9‬‬ ‫وتكمن اخلطورة اإلجرامية في طبيعة اجلرمية املرتكبة والتي تهدف إلى الترويع ونشففر الرعب‪ .‬ويُشففكل‬ ‫التخفي استراتيجية يهدف من خاللها اﺠﻤﻟرم إلى خلق عنصر املفاجأة قصد مباغتة أهدافه‪ .‬ويسعى اإلرهابي‬ ‫‪ 1‬انظر ‪ :‬د‪ .‬مها عبد احلميد صففالح‪ ،‬اسففتراتيجيات االتصففال في مواقع اجلماعات اإلرهابية على شففبكة اإلنترنت ‪ ،‬مجلة شففؤون اجتماعية‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،121‬ربيع ‪ ،2014‬ص ‪.173‬‬ ‫‪ 2‬انظر ‪ :‬د‪ .‬أيسر محمد عطية‪ ،‬دور اآلليات احلديثة للحد من اجلرائم املستحدثة اإلرهاب اإللكتروني وطرق مواجهته ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫‪ 3‬انظر‪ :‬د‪ .‬أيسر محمد عطية‪ ،‬دور اآلليات احلديثة للحد من اجلرائم املستحدثة اإلرهاب اإللكتروني وطرق مواجهته ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.17‬‬ ‫‪ 4‬ويرى البعض أنه قد تنهج بعض الدول إلى دعم بعض التيارات السياسية أو التنظيمات اإلرهابية و متويلها‪ ،‬لتتخلى عنها فيما بعد‪ ،‬لتغير‬ ‫مصاحلها و أولوياتها السياسية‪.‬‬ ‫‪ 5‬انظر‪ :‬محمد قاسفففم أحمد الردفاني‪ ،‬حتقيقات الشفففرطة في مواجهة حتديات اجلرائم السفففيبرانية ‪ ،‬اﺠﻤﻟلة العربية للدراسفففات األمنية و‬ ‫التدريب‪ ،‬الرياض‪ ،‬جامعة نايف العربية‪ ،‬اﺠﻤﻟلّد ‪ ،30‬العدد ‪ ،61‬صفر ‪ 1436‬هف‪ 2014 /‬م‪ ،‬ص ‪.6‬‬ ‫‪ .6‬د‪ .‬أسفامة بن غا العبيدي‪ ،‬التفتيش عن الدليل في اجلرائم املعلوماتية ‪ ،‬اﺠﻤﻟلة العربية للدراسفات األمنية والتدريب‪ ،‬اﺠﻤﻟلد‪ 29،‬العدد ‪،58‬‬ ‫جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ 1435 ،‬هف‪ ،‬ص ‪.121‬‬ ‫‪ 7‬نا صر بن محمد البقمي‪ ،‬جرائم املعلوماتية ومكافحتها في اململكة العربية ال سعودية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الرياض‪ 1430 ،‬هجري ‪ 2009-‬م‪ ،‬ص‬ ‫‪.45‬‬ ‫‪ 8‬من األمثلة على سفففهولة محو الدليل الرقمي‪ ،‬قيام أحد مرتكبي جرائم غسفففل األموال في فرنسفففا بإدخال تعديالت على األوامر العادية‬ ‫لنظام ت شغيل احلا سب اآللي الذي ي ستخدمه في تخزين عناوين عمالئه بحيث يترتب على إدخال أمر الن سخ أو الطباعة إلى هذا احلا سب‬ ‫محو وتدمير كل البيانات اجملزنة فيه‪( .‬انظر ‪ :‬علي الفيل‪ ,‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.)521‬‬ ‫‪ .9‬د‪ .‬أسامة بن غا العبيدي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪237‬‬


‫املعلوماتي إلى التوا صل سواء مع أ شخاص يتبنون نفس فكره اإلجرامي‪ ،‬وذلك بتبادل املعلومات وبتجنيد من‬ ‫يرى فيهم إرهابيني محتملني‪ ،‬أو مع ضحاياه اﶈتملني من خالل القيام بأعمال إجرامية تخرج عن املألوف بهدف‬ ‫إيصال رسالة معينة إلى الفئة املستهدفة‪ .‬إن احلرب التي يش ّنها اإلرهابي هي حرب دعائية باألساس‪ ،‬فضحايا‬ ‫اإلرهاب ميثلون أدوات احلرب الدعائية‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬مكافحة اإلرهاب اإللكتروني‬

‫تُعد ظاهرة اإلرهاب من أكثر الظواهر تعقيدا‪ ،‬فهو نتيجة لعوامل متضفففافرة ومتداخلة (إيديولوجية‬ ‫وثقافية واجتماعية واقتصففادية)‪ .‬ولذا‪ ،‬فإن مكافحته يجب أن تتم وفق رؤية اسففتراتيجية واضففحة ترتكز على‬ ‫الت شخيص العلمي والصحيح للم شكلة‪ .‬ولكي حتقق مكافحة اإلرهاب اإللكتروني النجاعة املرجوة‪ ،‬يجب أن‬ ‫تتم في شففكل حلول آنية (املطلب األول)‪ ،‬كما يجب اعتماد حلول طويلة األمد (املطلب الثاني) الجتثاث‬ ‫اإلرهاب من جذوره‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬املكافحة اآلنية‬ ‫ميكن أن تأخذ املكافحة اآلنية شكل مكافحة تقنية (‪ )1‬أو مكافحة قانونية (‪.)2‬‬ ‫‪ .1‬املكافحة التقنية‬ ‫ميكن للمكافحة التقنية أن تأخذ شففكل حماية من االعتداءات اإللكترونية ( أ ) أو مراقبة املواقع‬ ‫متجد اإلرهاب و تنشففر األفكار املتطرفة ( ج )‪،‬‬ ‫واملنتديات ذات اخللفية اإلرهابية ( ب ) أو حجب املواقع التي ّ‬ ‫وميكننا بيان بعض تلك اجلوانب من خالل ما يلي‪:‬‬ ‫أ‪ .‬احلماية من االعتداءات اإللكترونية‬ ‫يستدعي شن الهجمات اإللكترونية اجتما ثالثة عناصر‪ :‬وجود الدافع ووجود طريقة لتنفيذ الهجوم‬ ‫ووجود الثغرة‪ .‬ويقصد بالثغرة وجود نقطة ضعف في تصميم أو تهيئة البرمجيات أو قواعد تخزين البيانات أو‬ ‫األجهزة اجملزّنة فيها املعطيات‪ .‬ويستغل املهاجم الثغرات إلحداث الدمار الذي يريده (‪.)1‬‬ ‫وقد تأخذ االعتداءات أ شكاال عدة‪ ،‬كالفيرو سات اإللكترونية أو برامج التج سس أو أح صنة طروادة‪.‬‬ ‫وقد ازدادت هذه االعتداءات خطورة مع تنامي دور احلاسب اآللي في اﺠﻤﻟتمعات املعاصرة‪ ،‬فلم يعد أثر الفيروسات‬ ‫ينحصففر في تعطيل و تخريب احلاسففب اآللي بل أضففحى يشففمل املنظومات التي تعمد عليه‪ ،‬من ذلك إدارة‬ ‫منظومة الطاقة و سوق البور صة والنظم الع سكرية(‪ .)2‬وال يخفى ما قد ي سببه اختراق هذه املنظومات من‬ ‫أضففرار للدول واألفراد‪ .‬وبالفعل‪ ،‬توجد سففوابق على هجمات إلكترونية ضفففد بعض الدول‪ ،‬من ذلك الهجوم‬ ‫اإللكتروني الذي تعر ضت له إ ستونيا في عام ‪ 2007‬م من خالل ا ستهداف خوادم امل صارف البنكية لديها‪ .‬ولم‬ ‫يتم التعرف آنذاك على مرتكب هذا االعتداء‪ .‬وقد ا ستغلت إ ستونيا هذا االعتداء لتن ضوي حتت منظمة حلف‬ ‫الشففمال األطلسففي والتي أحدثت منذ ذلك التاريخ مركزين للدفا اإللكتروني‪ ،‬أحدهما ببروكسفففل والثاني‬ ‫بالعاصمة اإلستونية (‪.)3‬‬ ‫‪ 1‬د‪ .‬خالد بن سفففليمان الغثبر و د‪ .‬محمد بن براهيم السفففويل‪ ،‬أمن املعلومات بلغة ميسفففرة ‪ ،‬مركز التميز ألمن املعلومات‪ ،‬جامعة امللك‬ ‫سعود‪ 1429 ،‬هف‪ 2009 -‬م‪ ،‬طبعة أولى‪ ،‬ص ‪.25‬‬ ‫‪ 2‬عبد اهلل بن عبد العزيز العجالن‪ ،‬اإلرهاب املعلوماتي ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫‪ 3‬أنظر املقال‪:‬‬ ‫‪238‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وميكن أن تتخذ احلماية من االعتداءات اإللكترونية شكل حماية عامة أو حماية خاصة من خالل تقنية‬ ‫التشفير‪.‬‬ ‫‪ -1‬احلماية العامة‪:‬‬ ‫تتمثل أهم أشكال هذه احلماية في اتخاذ اإلجراءات التالية‪:‬‬ ‫‪ .1‬اسففتخدام كلمات سففر للدخول للحاسففب اآللي وللبرمجيات احلسففاسففة داخل الدوائر احلكومية‬ ‫والشركات ( الشركات البترولية‪ ،‬املطارات‪ ،‬مراكز األمن‪ ،‬املؤسسات العسكرية)‪.‬‬ ‫‪ .2‬القيام بنسخ احتياطي للبيانات وتخزينها بانتظام في أقراص صلبة مؤمنة‪.‬‬ ‫‪ .3‬استعمال برامج احلماية من الفيروسات اإللكترونية وحتديثها بصفة دورية‪.‬‬ ‫‪ .4‬ا ستخدام و سائل أمن تعتمد القيا سات احليوية (اعتماد ب صمة اإل صبع أو ب صمة ال شبكية) قبل‬ ‫السماح بالنفاذ ملراكز احلاسب اآللي داخل املؤسسات واملنشآت احلساسة‪.‬‬ ‫‪ .5‬تكليف مهنيني مختصففني في علوم احلاسفففب مبتابعة أمن شففبكة املعلومات والبرمجيات و تدريب‬ ‫منسوبي املنشآت احلساسة على الوقاية من اجلرائم املعلوماتية‪.‬‬ ‫‪ -2‬احلماية اخلاصة‪ :‬تشفير املعطيات احلساسة املتبادلة عبر اإلنترنت‬ ‫أ‪ -‬التشفير‬ ‫والت شفير هو ا ستعمال رموز أو إ شارات غير متداولة ت صبح مبقت ضاها املعلومات املرغوب في متريرها غير‬ ‫قابلة للفهم من قبل الغير‪ ،‬أو اسففتعمال رموز أو إشففارات ال ميكن الوصففول إلى املعلومة بدونها (‪ .)1‬وميكن‬ ‫للمستخدم معرفة ما إذا كان موقع اإلنترنت آمنا من خالل طريقتني‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬عندما تشير مواقع الويب إلى أن التحويالت مشفّرة‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬عند وجود رمز التشفففير‪ ،‬الذي يأخذ عادة شففكل قفل في أعلى الزاوية اليسففرى أو اليمنى لصفففحة‬ ‫الويب‪ .‬ويكتسففي تشفففير البيانات أهمية كبيرة عندما يتعلق األمر بتبادل املعطيات احلسففاسففة‪ ،‬مثل أرقام‬ ‫بطاقات االئتمان أو املعطيات الع سكرية‪ ،‬إذ ميكن لإلرهابيني ا ستغالل هذه املعطيات احل سا سة املتبادلة عبر‬ ‫اإلنترنت أو اجملزنة في احلواسيب لشن هجمات إلكترونية تشل مرافق الدولة احليوية‪ .‬وغني عن البيان أن شبكة‬ ‫اإلنترنت أضحت اليوم موسوعة إلكترونية شاملة‪ ،‬مثقلة باملعلومات احلساسة التي ميكن لإلرهابيني احلصول‬ ‫عليها دون عناء‪ ،‬كمواقع املنشآت النووية ومصادر توليد الطاقة وأماكن القيادة والسيطرة واالتصاالت ومواعيد‬ ‫الرحالت اجلوية (‪ .)2‬وقد نادى الكاتب رونالد كريلن سنت بحماية البنية التحتية احل سا سة للدولة والتي ت شمل‬

‫‪« Cyber terrorisme، la guerre de l’information »، L’Atlas du monde diplomatique، p. 46، téléchargeable sur le site internet‬‬ ‫‪www.monde-diplomatique.fr.‬‬ ‫‪ 1‬الفصل ‪ 1‬من القانون التونسي عدد ‪ 83‬لسنة ‪ 2000‬املؤرخ في ‪2000/8/9‬م‪ ،‬املتعلق باملبادالت و التجارة اإللكترونية‪.‬‬ ‫‪ 2‬انظر‪ :‬عبد اهلل بن عبد العزيز العجالن‪ ،‬اإلرهاب املعلوماتي ‪ ،‬املؤمتر الدولي األول ملكافحة اجلرائم املعلوماتية‪ ،‬الرياض‪ ،2015 ،‬ص ‪.58‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪239‬‬


‫قطاعات حيوية (‪ ،)1‬وال تزال دعوات املنظمات الدولية والبحوث العلمية تنادي بشففكل ملح إلى حتقيق أعلى‬ ‫درجات احلماية وأمن املعلومات‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬مراقبة املواقع واملنتديات ذات اخللفية اإلرهابية‬ ‫لئن مكنت اإلنترنت اﺠﻤﻟرمني املعلوماتيني من نشر اإلرهاب ومن استقطاب وجتنيد املتعاطفني معهم‪ ،‬إال‬ ‫أنه من املمكن أن ينقلب السحر على الساحر‪ ،‬بأن تتحول اإلنترنت إلى أداة ملراقبة اإلرهابيني ورصد حتركاتهم‬ ‫وشبكاتهم‪ .‬ويكون ذلك من خالل مراقبة املواقع ذات اإليديولوجيا املتطرفة‪ ،‬إضافة إلى مراقبة صفحات مواقع‬ ‫التواصل االجتماعي ذات اخللفية اإلرهابية ومنتديات احلوار املشبوهة‪ ،‬من طرف أعوان أمن مختصني في اإلجرام‬ ‫املعلوماتي‪ .‬ومتثل املعلومة خ الدفا األول ضد اإلرهاب اإللكتروني‪ ،‬فمن ميلك املعلومة ميلك القوة (‪ .)2‬ويسمح‬ ‫تخزين بيانات االتصال اخلاصة مبستعملي شبكة اإلنترنت بجمع معطيات هامة في صورة ما إذا اكتشف بأن‬ ‫الشخص املستهدف إرهابي‪ .‬وبالفعل‪ ،‬فقد سمح تخزين معطيات االتصاالت اخلاصة بالهواتف اﶈمولة‬ ‫واإلنترنت بتعقّ ب مرتكبي تفجيرات مدريد في ربيع ‪ 2004‬م‪ .‬وتشمل هذه املعطيات حتديد توقيت ومكان‬ ‫االتصاالت دون التجسس على املعطيات اخلاصة التي تبقى محمية بالسرية (‪.)3‬‬ ‫ويع ّبر بعض الناس عن تخوفه من إمكانية استغالل بيانات االتصال أو املعطيات الشخصية التي يتم‬ ‫جتميعها عند القيام بالتتبع اإللكتروني للتجسس على األفراد واالطال على حياتهم اخلاصة(‪ .)4‬ورغم‬ ‫مشروعية هذا التخوف‪ ،‬إال أنه ال ينبغي أن يقف حاجزا أمام حق اﺠﻤﻟتمع في احلماية من اإلرهاب‪ ،‬مع إقرار عقوبات‬ ‫صارمة لكل من يستغل السلطة املسندة له على مستوى مراقبة املواقع اإللكترونية أو جتميع بيانات االتصال‬ ‫ألغراض مخالفة ملا أع ّدت له‪.‬‬ ‫وقد صرّح منسق االحتاد األوربي ملكافحة اإلرهاب أمام البرملان األوربي في ‪ 2008 /4/7‬م بأن حوالي خمسة‬ ‫آالف موقع على اإلنترنت تساهم في تشدد الشباب في أوروبا‪ ،‬وعلى أساس ذلك أوصى بالعمل باقتراح ق ّدمته‬ ‫أملانيا يقضي بتخويل شرطة يوروبول مهمة مراقبة اإلنترنت (‪ .)5‬وبناء على هذه التوصية فقد قرر وزراء العدل‬ ‫في االحتاد االوروبي جترمي التحريض على ارتكاب أعمال إرهابية‪ ،‬مبا في ذلك التحريض عبر اإلنترنت‪ ،‬عند‬ ‫استخدامها وسيلة للدعاية واستقطاب العناصر‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬رونالد كريلنسنت مكافحة اإلرهاب ‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،‬الطبعة األولى‪ 2011 ،‬م‪ ،‬ص ‪.177-176‬‬ ‫‪ 2‬عز الدين أحمد جالل‪ ،‬استراتيجية مكافحة اإلرهاب ‪ ،‬مجلة الفكر الشرطي‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،8‬العدد ‪ ،2‬اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬ص ‪.237‬‬ ‫‪ La France face au terrorisme, Livre blanc de la sécurité intérieure ،La documentation française، 2006، p. 52.‬أنظر‪3 :‬‬ ‫‪ La France face au terrorisme, Livre blanc de la sécurité intérieure ،La documentation française، 2006، p. 52.‬انظر ‪4 :‬‬ ‫‪Soumaya AKKOUR ،« La lutte anti-terroriste et le traçage électronique une antinomie stérile entre « sécurité » et « liberté » ،‬‬ ‫‪Revue marocaine des politique publique ،n° 3 ،2010, p. 19.‬‬ ‫‪ 5‬انظر املقال املنشفففور على اإلنترنت‪ :‬االحتاد األوربي يجرم الدعاية لإلرهاب عبر اإلنترنت ‪ ،‬مقال منشفففور على املوقع اإللكتروني جلريدة‬ ‫القبس على الراب ‪.http://beta.www.skedaddle.co.uk :‬‬ ‫‪240‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫من جهة أخرى‪ ،‬فقد جلأت بعض الدول الغربية إلى إنشاء نظام إيشلون (‪ ، Echelon )1‬وهونظام عاملي‬ ‫لرصد البيانات‪ ،‬واعتراضها‪ ،‬ونقلها‪ ،‬يتم تشغيله من قبل مؤسسات استخبارية في خمس دول ( الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬واململكة املتحدة‪ ،‬وكندا‪ ،‬وأستراليا‪ ،‬ونيوزلندا)‪ .‬وطبقا للتقرير الذي أعدته اللجنة األوروبية‪ ،‬فإن بإمكان‬ ‫إيشلون اعتراض وتعقب أكثر من ثالثة مليارات عملية اتصال يوميا (تشمل املكاملات الهاتفية العادية‪،‬‬ ‫ومكاملات اجلوال‪ ،‬واتصاالت اإلنترنت‪ ،‬واالتصاالت التي تتم عبر األقمار االصطناعية)‪ .‬ويقوم نظام إيشلون بجمع‬ ‫كافة هذه االتصاالت دون متييز ومن ثم تصفيتها وفلترتها باستخدام برامج الذكاء االصطناعي إلنشاء تقارير‬ ‫استخبارية‪ .‬وبذلك‪ ،‬فإن حماية األمن الوطني تستدعي حدا أدنى من الرقابة على تكنولوجيا االتصال‪ ،‬دون أن‬ ‫تكون مبررا للتجسس على املعطيات الشخصية لألفراد العاديني الذين ال يشكلون خطرا على الغير‪ .‬ويجب أن‬ ‫تكون عملية املراقبة متسقة مع الهدف اﶈدد من أجلها‪ ،‬وأن تكون مقيدة زمنيا وحتت إشراف القضاء‪.‬‬ ‫ويضطلع القانون هنا مبهمة سفّن تشريعات محددة وواضحة تعطي توازنا بني حماية احلياة اخلاصة‬ ‫وحق اخلصوصية وبني متطلبات احلفاظ على األمن الوطني‪.‬‬ ‫متجد اإلرهاب وتنشر األفكار املتطرفة‬ ‫ج‪ .‬حجب املواقع التي ّ‬ ‫إن احلرب على اإلرهاب هي باألسفففاس حرب أفكار‪ .‬و عادة ما يسففتقطب اﺠﻤﻟرم املعلوماتي ذو اخللفية‬ ‫يجيش املشاعر‪ ،‬كما يعتمد شعارات حماسية بهدف استقطاب‬ ‫اإلرهابية أتباعه من خالل خطاب ديني جذاب ّ‬ ‫الشففباب املتحمس الراغب في تغيير الوضففع الراهن‪ .‬وقد اسففتفادت اجلماعات اإلرهابية من شففبكة اإلنترنت‬ ‫وا ستغلتها لن شر أفكارها وا ستقطاب أكبر عدد ممكن من األ شخاص‪ ،‬حيث فقز عدد املواقع اإللكترونية التي‬ ‫تديرها املنظمات اإلرهابية على شففبكة اإلنترنت من ‪ 12‬موقعا في عام ‪1998‬م إلى ‪ 4800‬موقعا في عام ‪2006‬‬ ‫م(‪ .)2‬وقد ساهم ظهور الويب ‪ 2.0‬الذي نشأ بظهور املواقع التفاعلية مثل املدونات والشبكات االجتماعية‪ ،‬في‬ ‫فتح اﺠﻤﻟال أمام للجميع للم شاركة والتفاعل بال قيود‪ .‬وبذلك أ صبح بإمكان كل شخص التعبير عن رأيه على‬ ‫شبكة اإلنترنت بسهولة وبال رقابة مسبقة‪.‬‬ ‫وقد سمحت املنتديات ومواقع التواصل االجتماعي لإلرهابيني بتحديد األشخاص املتعاطفني معهم‬ ‫(من خالل تعليقاتهم أو نشرهم ملقطع فيديو أو عبر محادثاتهم داخل املنتديات) في مرحلة أولى‪ ،‬واستقطابهم‬ ‫في مرحلة ثانية‪ ،‬وجتنيدهم في مرحلة ثالثة‪ .‬وال يجد اإلرهابيون اليوم صعوبة في احلصول على معلومات‬ ‫حساسة‪ ،‬مثل مواقع بعض املنشآت احليوية أو صورها امللتقطة من الفضاء عبر موقع ‪ ،Google earth‬كما أن‬ ‫بينت التحقيقات األولية في‬ ‫بإمكانهم تصنيع قنابل باالسترشاد مبقاطع فيديو منتشرة عبر االنترنت‪ .‬وقد ّ‬ ‫حادث األزهر مبصر (‪2005/4/8‬م)‪ ،‬أن منفّ ذ احلادث‪ ،‬الذي ذهب ضحيته‪ ،‬حصل على معلومات عبر شبكة اإلنترنت‪،‬‬ ‫ساعدته على تصنيع قنبلة بدائية الصنع انفجرت في وجهه(‪ .)3‬وفي نفس السياق‪ ،‬نشرت مؤخرا مجموعة من‬ ‫‪ 1‬انظر‪ :‬علي عدنان الفيل‪ ،‬اإلرهاب اإللكتروني مجلة اجلامعة اخلليجية‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،2‬قسم القانون‪ ،‬العدد ‪،2010 /2‬‬ ‫‪ 2‬انظر ‪. Gabriel Weimann، « Terror on the internet »، USP Press Books, 2006 :‬‬

‫ص ‪.272‬‬

‫‪ 3‬أنظر محمد سيد سلطان‪ ،‬قضايا قانونية في أمن املعلومات و حماية البيئة اإللكترونية ‪ ،‬دار ناشرين للنشر اإللكتروني‪ ،‬ربيع األول ‪1433‬‬ ‫هف‪ /‬يناير ‪ 2012‬م‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪241‬‬


‫القراصنة اإللكترونيني التابعني لتنظيم داعش قائمة اغتياالت تضم أسماء عشرات العسكريني‬ ‫األمريكيني زعموا أنهم شاركوا في الغارات اجلوية ضد التنظيم في سوريا والعراق‪ .‬وقامت اﺠﻤﻟموعة بنشر أسماء‬ ‫وعناوين منازل وصور أكثر من ‪ 70‬من العسكريني األمريكيني وفي مقدمتهم الفريق شون ماكفرالند ‪ ،‬القائد‬ ‫األمريكي لقوات التحالف(‪ .)1‬وتُبرز هذه األمثلة الواقعية ضرورة حجب املواقع ذات اخللفية اإلرهابية كطريقة‬ ‫وقائية لتجفيف منابع االستقطاب والتجنيد اإلرهابي وقطع الطريق أمام توظيف اإلرهابيني لإلنترنت للدعاية‬ ‫ألعمالهم اإلرهابية‪.‬‬ ‫وقد اعتمدت عدة دول تنقية الدخول على اإلنترنت حلجب املواقع الضارة؛ ففي اململكة العربية‬ ‫السعودية –مثال‪ -‬يتم حجب املواقع اإلباحية واملفسدة ألخالق الشباب‪ ،‬حيث صدر في ‪1417 /10/24‬هف قرار‬ ‫مجلس الوزراء السعودي رقم ( ‪ )163‬الذي أوكل ملدينة امللك عبد العزيز للعلوم والتقنية مهمة إدخال خدمة‬ ‫اإلنترنت للمملكة‪ ،‬إضافة إلى ترشيح محتواها وحجب املواقع الضارة واجمللة باآلداب‪ .‬وتختص هيئة االتصاالت‬ ‫وتقنية املعلومات (‪ )2‬بعملية ترشيح اإلنترنت‪ .‬ورغم االنتقادات التي توجه لتقنية احلجب‪ ،‬بحجة أنها حتد من‬ ‫حرية التعبير‪ ،‬إال أنها ضرورية فيما يتعلق مبواقع اإلنترنت اجملالفة للقوانني كاملنظمات اإلرهابية ومواقعها‪ ،‬أو‬ ‫اجملالفة ألحكام الشريعة واألخالق احلميدة‪ .‬ولم يقتصر استعمال تقنية احلجب على الدول العربية‪ ،‬فقد جلأت‬ ‫بعض الدول الغربية إلى هذا احلل‪ ،‬من ذلك قيام أستراليا‪ ،‬منذ سنة ‪1999‬م‪ ،‬بتكليف هيئة مستقلة مبراقبة‬ ‫يتعني على مزوّدي‬ ‫اإلنترنت‪ .‬وقد اعتمدت هذه الهيئة قائمة سوداء للمواقع األسترالية اجملالفة للقانون التي‬ ‫ّ‬ ‫االستضافة إغالقها‪ .‬وفي السياق نفسه اعتمدت عدة محرّكات بحث أملانية منذ سنة ‪2005‬م‪ ،‬قائمة سوداء‬ ‫تشمل املواقع اجملالفة للقانون األملاني‪.‬‬ ‫‪ .2‬املكافحة القانونية‬ ‫إن احلاجة التخاذ تدابير تشريعية (دولية ووطنية) ُجترّم اإلرهاب اإللكتروني ترجع إلى ثالث حقائق قانونية‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬أن مجال جرائم الكمبيوتر ذو طبيعة غير مادية‪ ،‬على خالف اجلرائم التقليدية‪ ،‬فعندما يكون الكمبيوتر‬ ‫هدفا للجرمية فإن السففلوك يسففتهدف املعلومات اجملزنة فيه أو املنقولة منه أو إليه‪ ،‬وعندما يكون وسففيلة‬ ‫الرتكاب الفعل‪ ،‬فإن السففلوك يسففتهدف بيانات ذات قيمة مادية‪ ،‬وعندما يكون احلاسففوب ذاته بيئة حاضففنة‬ ‫للجرمية فإن محتوى الفعل غير املشرو هو املعلومات غير املشروعة اجملزّنة فيه‪.‬‬ ‫الثانية‪ :‬أن مبدأ الشففرعية اجلنائية مينع املسففاءلة اجلنائية في غياب نص قانوني سففابق الوضففع‪ ،‬فال جرمية وال‬ ‫عقوبة بدون نص‪ ،‬ومتى انتفى التنصيص على جترمي مثل هذه األفعال‪ ،‬انعدمت املسؤولية وأصبح هناك قصور‬ ‫في مكافحة هذه اجلرائم‪.‬‬ ‫‪ 1‬انظر مقال ‪ :‬البنتاغون يستنفر بعد نشر داعش قائمة اغتياالت ‪ ،‬مقال منشور على موقع ‪.https://arabic.rt.com‬‬ ‫يوضفح موقع األنترنت اخلاص بهيئة االتصففاالت وتقنية املعلومات كيف تتم خدمة الترشففيح ‪ :‬تقوم هيئة االتصففاالت وتقنية املعلومات‬ ‫‪ّ 2‬‬ ‫بتقدمي خدمة تر شيح محتوى االنترنت في اململكة‪ ،‬وذلك من خالل و ضع ال ضواب واملتطلبات اخلا صة بتر شيح خدمات اإلنترنت بالتن سيق‬ ‫مع اللجنة األمنية الدائمة لإلنترنت‪ ،‬كما تقوم بتوفير القوائم اخلاصفففة باملواقع اﶈجوبة يوميا ملزودي خدمة املعطيات‪ ،‬في حني يتولى مزودو‬ ‫خدمة املعطيات مسئولية توفير احللول التقنية مبا يتوافق مع متطلبات الهيئة وسياساتها‪ .‬ويتم حجب املواقع واملواد التي تتنافى مع الدين‬ ‫احلنيف واألنظمة الوطنية بناء على توجيهات اللجنة األمنية الدائمة‪ .‬وقد أوكلت اللجنة مهمة حجب املواقع التي تروج لإلباحية وتوفر‬ ‫وسففائل لتجاوز احلجب إلى هيئة االتصففاالت وتقنية املعلومات‪ .‬وتتم عملية الترشففيح من خالل قائمتني إحداهما جتارية تضففم أكثر من ‪90‬‬ ‫تصففنيفا‪ ،‬ويتم حجب التصففنيفات املتعلقة باملواد اإلباحية والقمار واجملدرات‪ .‬هذه القائمة يتم حتديثها يوميا‪ ،‬ومن ثم توفيرها ملزودي خدمة‬ ‫املعطيات بعد دمجها مع القائمة اﶈلية لتطبيقها على أجهزة التر شيح لديهم‪ .‬كما يتوفر لدى الهيئة قائمة أخرى محلية‪ ،‬وهي عبارة عن‬ ‫قائمة داخلية يتم إعدادها من قبل هيئة االتصفففاالت وتقنية املعلومات وذلك من خالل إضفففافة املواقع الواردة إلى الهيئة من قبل عموم‬ ‫املستخدمني أو التوجيهات الواردة من اجلهات اجملتصة‪( .‬انظر ‪ :‬موقع هيئة االتصاالت وتقنية املعلومات ‪)www.citc.gov.sa‬‬ ‫‪242‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫الثالثة ‪ :‬أن القياس في النصففوص اجلنائية املوضففوعية محظور‪ ،‬ويكاد ينحصففر مجاله في احلقل اجلنائي في‬ ‫نصففوص اإلجراءات اجلنائية كلما كانت أصففلح للمتهم‪ ،‬ومؤدى ذلك امتنا قياس أمناط جرائم الكمبيوتر على‬ ‫اجلرائم التقليدية التي تستهدف األموال واالعتبار املالي(‪.)1‬‬ ‫ولكي تكون مكافحة اإلرهاب اإللكتروني فاعلة فإنها تستدعي التحرك على مستوى دولي (أ) وعلى مستوى‬ ‫داخلي (ب)‪.‬‬ ‫أ‪ .‬املكافحة القانونية على املستوى الدولي‬ ‫ي ُشكل اإلرهاب آفة دولية بامتياز‪ ،‬حيث اتسعت خارطة ضحاياه لتشمل كل دول العالم‪ .‬وقد لعبت منظمة‬ ‫األمم املتحدة دورا فاعال في مكافحة اإلرهاب(‪ ،)1‬كما ساهمت اتفاقية بودابست في وضع األسس القانونية‬ ‫ملكافحة اجلرائم املعلوماتية على مستوى دولي‪ ،‬مبا فيها جرائم اإلرهاب املعلوماتي(‪.)2‬‬ ‫‪ .1‬دور منظمة األمم املتحدة‬ ‫اهتمت منظمة األمم املتحد مبكافحة اإلرهاب منذ عشففرات السففنني‪ ،‬حيث أصففدرت بني عامي ‪1963‬م‬ ‫و‪2005‬م ثالث عشففرة اتفاقية مناهضففة لإلرهاب(‪ .)2‬وقد سففاهمت أحداث‪ 11‬سففبتمبر ‪2001‬م‪ ،‬في تزايد وتيرة‬ ‫القرارات الصففادرة عن منظمة األمم املتحدة التي تهدف ملكافحة اإلرهاب‪ ،‬حيث أصففدرت املنظمة ثالثة من أهم‬ ‫القرارات املناهضة لإلرهاب‪ :‬القرار (‪ )1368‬الذي اتخذه مجلس األمن في جلسته ‪ ،4370‬املنعقدة في ‪2001/9/12‬‬ ‫م‪ ،‬والقرار ( ‪ ،)1373‬والقرار (‪ ) 1390‬الذي صدر في ‪2002/2/16‬م(‪.)3‬‬ ‫وقد ألزم قرار مجلس األمن رقم (‪ )1373‬لسففنة ‪ 2001‬م‪ ،‬والقرار رقم ( ‪ )1566‬لسففنة ‪2004‬م كل الدول‬ ‫األعضففاء باملنظمة‪ ،‬مبا فيها الدول التي لم تنخرط في االتفاقيات الثالث عشففرة‪ ،‬بتجرمي األعمال التي نصففت‬ ‫عليها هذه االتفاقيات‪ ،‬كما أنها ملزمة بالتصفففديق على هذه االتفاقيات والعمل على نحو عاجل على منع‬ ‫األعمال اإلرهابية والقضاء عليها من خالل التعاون املتزايد فيما بينها(‪.)4‬‬ ‫‪ .2‬دور اتفاقية بودابست ملكافحة اجلرائم املعلوماتية‬ ‫مت توقيع هذه االتفاقية في العاصمة اﺠﻤﻟرية بودابست في ‪2001 /11/23‬م(‪ )5‬من طرف نحو ثالثني دولة‬ ‫مبا فيها دول خارج مجلس أوروبا‪ .‬وهي تعتبر ثمرة اجلهود التي بذلها االﲢاد األوربي واﺠﻤﻟلس األوربي‪ ،‬كما تعتبر‬ ‫نصت االتفاقية في مقدمتها‬ ‫إطارا مرجعيا ملكافحة اجلرائم املعلوماتية‪ ،‬مبا فيها جرائم اإلرهاب اإللكتروني‪ .‬وقد ّ‬ ‫على احلاجة التخاذ تدابير تشريعية ملكافحة اجلرائم املعلوماتية‪ .‬وتشتمل اتفاقية بودابست على مقدمة وأربعة‬ ‫‪ 1‬يونس محمد عرب‪ ،‬بحث بعنوان اإلطار القانوني لإلرهاب اإللكتروني واسففتخدام االنترنت لألغراض اإلرهابية ‪ ،‬ضففمن كتاب اسففتعمال‬ ‫اإلنترنت في متويل اإلرهاب وجتنيد اإلرهابني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.4‬‬ ‫‪ 2‬انظر ‪ :‬د‪ .‬جنالء فليح و د‪ .‬عبد الرحمن الطحان‪ ،‬دور االمم املتحدة في مكافحة االرهاب في العصر الرقمي ‪ ،‬مقال منشور على موقع ‪www.f-‬‬ ‫‪.law.net‬‬ ‫‪ 3‬ميكن االطال على قرارات منظمة األمم املتحدة‪ ،‬من خالل موقعها اإللكتروني على الرباط ‪.http://www.un.org :‬‬ ‫‪ 4‬يفرض البند الثالث من القرار ‪1373‬على الدول املعنية تقدمي التقارير‪ ،‬والتي تركز على أربعة ميادين يجب على الدول اإلفصفففاح عنها‪ ،‬فيما‬ ‫ترفعه إلى جلنة مكافحة اإلرهاب وهي على اآلتي ‪:‬‬ ‫أوال ف ما هي التشريعات ذات الصلة باإلرهاب املتخذة‪ ،‬أو التي ستتخذ في إطار احلملة الدولية ملكافحة اإلرهاب؟‬ ‫ثانيا ف ما هو التحرك العملي الذي اتخذ‪ ،‬أو الذي سيتم اتخاذه في هذا اإلطار؟‬ ‫ثالثا ف ما هي املبادرات األخرى‪ ،‬إن وجدت‪ ،‬والتي قامت بها الدول املعنية لتنفيذ نص وروح القرار ‪1373‬؟‬ ‫رابعا ففف ما هي اخلطوات التي اتخذت أو التي من املتوقع اتخاذها لتعزيز التعاون الدولي في اﺠﻤﻟاالت التي يشملها القرار‪( .‬انظر ‪ :‬د‪ .‬جنالء فليح و‬ ‫د‪ .‬عبد الرحمن الطحان‪ ،‬دور االمم املتحدة في مكافحة االرهاب في العصر الرقمي ‪ ،‬مقال منشور على الراب ‪www.f-law.net. :‬‬ ‫‪ 5‬انظر‪ :‬د‪ .‬هاللي عبد اهلل أحمد‪ ،‬اتفاقية بودابسفففت ملكافحة جرائم املعلوماتية معلقا عليها ‪ ،‬دار النهضفففة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‬ ‫الثامنة‪.2011 ،‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪243‬‬


‫فصول توضح أهداف االتفاقية ومنطلقاتها ومرجعياتها السابقة وجهودها اإلرشادية والتوجيهية‪ .‬وتغطي‬ ‫املصطلحات األساسية‪ ،‬وتعالج النصوص املوضوعية جلرائم احلاسوب‪ ،‬وتوضح القواعد اإلجرائية وجهات‬ ‫االختصاص املكلفة بتطبيقها‪ ،‬إضافة إلى املبادئ العامة اخلاصة بالتعاون الدولي في مكافحة اجلرمية‬ ‫املعلوماتية(‪.)1‬‬ ‫وتبعا لذلك‪ ،‬صدرت عديد االتفاقيات والتشريعات الدولية واإلقليمية التي تتصدى لإلرهاب بصورة‬ ‫شاملة ومنها اإلرهاب اإللكتروني وطرقه ومتويله بشكل أخص‪.‬‬ ‫ب‪ .‬املكافحة القانونية على املستوى الداخلي‬ ‫يُعد اإلرهاب اإللكتروني من اجلرائم املستحدثة‪ ،‬وتعتبر الواليات املتحدة األمريكية من الدول األولى التي‬ ‫وسعت من خاللها‬ ‫أصدرت قانونا ملكافحته‪ ،‬فقد أصدرت في أكتوبر ‪2001‬م اتفاقية ملكافحة اإلرهاب اإللكتروني‪ّ ،‬‬ ‫سلطات البحث والتحقيق واملراقبة اإللكترونية‪ ،‬كما أنشأت وزارة العدل األمريكية جلنة ملكافحة اإلرهاب‬ ‫اإللكتروني‪ ،‬وقد ُدعي البنتاغون في عام ‪ 2005‬م إلى إنشاء جلنة تضم عباقرة االختراق لتأمني وحتصني الفضاء‬ ‫اإللكتروني(‪.)2‬‬ ‫ولم تبق الدول العربية مكتوفة األيدي أمام تنامي ظاهرة اإلرهاب اإللكتروني‪ ،‬فقد جرّم التشريع‬ ‫السعودي اإلرهاب اإللكتروني في صلب نظام مكافحة اجلرائم املعلوماتية(‪ ،)3‬حيث أقرت املادة السابعة من‬ ‫النظام عقوبة السجن ملدة ال تزيد على عشر سنوات وغرامة مالية أو بإحداهما ضد كل شخص يرتكب اجلرائم‬ ‫التالية‪ .1 :‬إنشاء موقع ملنظمات إرهابية على الشبكة املعلوماتية‪ ،‬أو أحد أجهزة احلاسب اآللي أو نشره‬ ‫لتسهيل االتصال بقيادات تلك املنظمات‪ ،‬أو أي من أعضائها أو ترويج أفكارها أو متويلها‪ ،‬أو نشر كيفية تصنيع‬ ‫األجهزة احلارقة‪ ،‬أو املتفجرات‪ ،‬أو أداة تستخدم في األعمال اإلرهابية‪ .2 .‬الدخول غير املشرو إلى موقع إلكتروني‪،‬‬ ‫أو نظام معلوماتي مباشرة‪ ،‬أو عن طريق الشبكة املعلوماتية‪ ،‬أو أحد أجهزة احلاسب اآللي للحصول على بيانات‬ ‫متس األمن الداخلي أو اخلارجي للدولة‪ ،‬أو اقتصادها الوطني ‪.‬‬ ‫و في نفس السياق‪ ،‬يعاقب قانون جرائم أنظمة املعلومات األردني رقم ‪ 30‬لسنة ‪2010‬م في املادة العاشرة منه‬ ‫باألشغال الشاقة املؤقتة‪ :‬كل من استخدم نظام املعلومات أو الشبكة املعلوماتية أو أنشأ موقعا إلكترونيا‬ ‫لتسهيل القيام بأعمال إرهابية أو دعم جلماعة أو تنظيم أو جمعية تقوم بأعمال إرهابية أو الترويج التبا‬ ‫أفكارها‪ ،‬أو متويلها ‪.‬‬ ‫وقد أصدرت في السنوات األخيرة في بعض الدول العربية قوانني ملكافحة اإلرهاب تعتمد نظرة‬ ‫مستحدثة ملكافحة اإلرهاب‪ .‬ومن بني هذه القوانني‪ :‬نظام جرائم اإلرهاب ومتويله السعودي الصادر باملرسوم‬ ‫امللكي رقم م‪ 16/‬بتاريخ ‪ 1435 /2/24‬هف‪ ،‬والقانون االحتادي اإلماراتي رقم ‪ 7‬لسنة ‪2014‬م في شأن مكافحة اجلرائم‬

‫‪ 1‬انظر ‪ :‬د‪ .‬رائد العدوان‪ ،‬املعاجلة الدولية لقضفففايا اإلرهاب اإللكتروني دورة تدريبية منعقدة بالرياض حول توظيف شفففبكات التواصفففل‬ ‫االجتماعي في مكافحة اإلرهاب ‪ 2013/2/ 27-23‬م‪ ،‬ص‪( ،14‬ميكن حتميل البحث على موقع ‪.)http://repository.nauss.edu.sa‬‬ ‫‪ 2‬أنظر محمد سيد سلطان‪ ،‬قضايا قانونية في أمن املعلومات و حماية البيئة اإللكترونية ‪ ،‬دار ناشرين للنشر اإللكتروني‪ ،‬ربيع األول ‪1433‬‬ ‫هف‪ /‬يناير ‪ 2012‬م‪ ،‬ص ‪.42‬‬ ‫‪ 3‬الصادر مبوجب املرسوم امللكي رقم (م ‪ ) 17‬و بتاريخ ‪ 1428/7/8‬هف‪.‬‬ ‫‪244‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫اإلرهابية‪ ،‬والقانون األساسي التونسي عدد (‪ )26‬لسنة ‪ 2015‬املؤرخ في ‪2015 /8/7‬م املتعلق مبكافحة اإلرهاب‬ ‫ومنع غسل األموال‪.‬‬ ‫وعلى خالف ما هو معمول به في قوانني مكافحة اإلرهاب‪ ،‬لم يتضمن نظام جرائم اإلرهاب ومتويله‬ ‫السعودي فصوال جترّم اإلرهاب‪ .‬ويسمح هذا احلل للقاضي اجلزائي بتطبيق أحكام الشريعة على اجلرمية اإلرهابية‬ ‫كلما انطبقت عليها هذه األحكام‪ ،‬ومن ذلك تطبيق حد احلرابة إذا ما توفرّت في اجلرمية شروط احلرابة(‪ .)1‬وميكن‬ ‫للقاضي اجلزائي إصدار عقوبة تعزيرية(‪ )2‬في األعمال اإلرهابية التي لم يرد فيها نص جترميي صريح‪ .‬وقد حدد‬ ‫نظام جرائم اإلرهاب ومتويله السعودي املفاهيم املرتبطة باإلرهاب‪ ،‬حيث عرّف اجلرمية اإلرهابية بأنها كل فعل‬ ‫يقوم به اجلاني تنفيذا ملشرو إجرامي فردي أو جماعي بشكل مباشر أو غير مباشر‪ ،‬يقصد به اإلخالل بالنظام‬ ‫العام‪ ،‬أو زعزعة أمن اﺠﻤﻟتمع واستقرار الدولة أو تعريض وحدتها الوطنية للخطر‪ ،‬أو تعطيل النظام األساسي‬ ‫للحكم أو بعض مواده‪ ،‬أو اإلساءة إلى سمعة الدولة أو مكانتها‪ ،‬أو إحلاق الضرر بأحد مرافق الدولة أو مواردها‬ ‫الطبيعية أو محاولة إرغام إحدى سلطاتها على القيام بعمل ما أو االمتنا عنه‪ ،‬أو التهديد بتنفيذ أعمال تؤدي‬ ‫إلى املقاصد املذكورة أو التحريض عليها ‪ .‬ورغم أهمية هذا التعريف‪ ،‬إال أنه قد يطرح إشكاالت عملية نتيجة‬ ‫مرونته(‪ ،)3‬مما يسمح بالتوسع في اجلرمية اإلرهابية‪.‬‬ ‫وقد أقر النظام استثناء هذا النو من اجلرائم من مبدأ إقليمية النص اجلزائي(‪ ،)4‬كما اعتمد إجراءات‬ ‫خولت املادة السابعة عشرة‬ ‫جزائية خاصة باجلرائم اإلرهابية‪ ،‬تتماشى مع خطورة هذا الصنف من اجلرائم‪ .‬فقد ّ‬ ‫من النظام لوزير الداخلية أو من يفوضه بأن يأمر مبراقبة الرسائل واخلطابات واملطبوعات والطرود وسائر وسائل‬ ‫االتصال واﶈادثات وضبطها وتسجيلها سواء كان ذلك في جرمية وقعت أو يحتمل وقوعها إذا كانت لها فائدة‬ ‫في ظهور احلقيقة‪ ،‬على أن يكون األمر مسببا ‪ .‬كما سمحت املادة التاسعة عشرة للمحكمة اجلزائية‬ ‫املتخصصة أثناء نظر الدعوى بأن تأمر باحلجز التحفظي على األموال أو املتحصالت أو الوسائ واستمراره إلى‬ ‫حني االنتهاء من اﶈاكمة ‪.‬‬ ‫وتسمح هذه املواد بتعقب وتتتبع اإلرهابي جزائيا عند ارتكابه جلرمية معلوماتية‪ ،‬حتى ولو كان قاطنا‬ ‫خارج البالد‪ ،‬كما أن رقابة وسائل االتصال تشمل اإلنترنت‪ ،‬مبا يسمح بالقيام بعمليات استباقية قبل ارتكاب‬ ‫اجلرمية اإلرهابية‪ .‬وتسمح املادة التاسعة عشرة من النظام للقاضي اجلزائي بحجز الوسائل التي تستعمل في‬ ‫اإلرهاب اإللكتروني‪ ،‬مبا يقلل من إمكانية إتالفها أو محو محتواها من طرف اﺠﻤﻟرم املعلوماتي‪.‬‬

‫‪ 1‬في ‪ ، 2016 /1 /2‬ن ّفذت اململ كة العرب ية السفففعود ية حكم احلرا بة و التعزير في حق ‪ 47‬إر هاب يا‪( ،‬انظر جر يدة الر ياض ليوم ‪: 2016/1/2‬‬ ‫الداخلية‪ :‬تنفيذ حكم احلرابة والتعزير بحق ‪ 47‬شخصا من الفئة الضالة (‪.)http://www.alriyadh.com/1115750‬‬ ‫‪ 2‬جرائم التعزير‪ ،‬هي كل جناية ليس فيها حد‪ .‬والتعزير‪ :‬هو تأديب على معاص لم ت ُ شر فيها عقوبات مقدرة ابتداء‪ .‬و قد ن صت ال شريعة‬ ‫على بعض اجلرائم‪ ،‬مثل جرمية الربا و خيانة األمانة و ال سب و الر شوة‪ ,‬دون حتديد عقابها‪ ،‬و تركت ألولي األمر النص على بع ضها اآلخر (مثل‬ ‫اجل رائم املعلوماتية و غيرها من اجلرائم املسفففتحدثة)‪ ،‬و هو القسفففم األكبر من جرائم التعزير‪( .‬انظر ناصفففر البقمي‪ ،‬جرائم املعلوماتية و‬ ‫مكافحتها في اململكة العربية السعودية املرجع السابق‪ ،‬ص ‪)207-206‬‬ ‫‪ 3‬تتجلى مرونة التعريف في اعتبار املادة ‪ 7‬من النظام من قبيل اجلرمية اإلرهابية «اإلساءة إلى سمعة الدولة أو مكانتها ‪ .‬و هو أم قد يرتكبه‬ ‫صحفي عن حسن نية عند نقده لألوضا االقتصادية أو االجتماعية داخل الدولة‪.‬‬ ‫نصت املادة الثالثة من النظام على عدم تطبيق مبدأ إقليمية النص اجلزائي من خالل تطبيق أحكام النظام على كل شخص‪ ،‬سعوديا كان‬ ‫‪ّ 4‬‬ ‫أو أجنبيا‪ ،‬ارتكب خارج اململكة العربية السعودية جرمية من اجلرائم املنصوص عليها في هذا النظام‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪245‬‬


‫وبالنسبة للنظام القانوني لإلرهاب اإللكتروني باململكة العربية السعودية‪ ،‬ميكن القول أن النص‬ ‫املنطبق على هذا الصنف من اإلجرام هو املادة السابعة من نظام مكافحة اجلرائم املعلوماتية‪ ،‬وذلك وفقا‬ ‫لضواب نظام جرائم اإلرهاب ومتويله‪ ،‬الذي أفرد اجلرمية اإلرهابية بإجراءات أكثر صرامة (وجوبية التوقيف‪،‬‬ ‫االستثناء من مبدأ إقليمية النص اجلزائي‪ ،‬منع املتهم من االتصال بالغير خالل مدة قد تصل إلى تسعني يوما)‬ ‫من تلك املقررة جلرائم احلق العام‪.‬‬ ‫وفي السياق نفسه‪ ،‬صدر القانون االحتادي اإلماراتي رقم ‪ 7‬لسنة ‪2014‬م في شأن مكافحة اجلرائم‬ ‫وتضمن القانون سبعني مادة‪ .‬وقد عرّفت‬ ‫اإلرهابية الذي يعتبر نقلة نوعية مقارنة بسابقه الصادر في ‪2004‬م‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املادة األولى من القانون بعض املفاهيم الدقيقة‪ ،‬من ذلك «اجلرمية اإلرهابية»‪ ،‬و الغرض اإلرهابي و التنظيم‬ ‫اإلرهابي ‪ .‬وتنص املادة ‪ 14‬من القانون على أنه «يعاقب باإلعدام أو السجن املؤبد كل من ارتكب فعال أو امتنع‬ ‫عن فعل من شأنه أو قصد به تهديد استقرار الدولة أو سالمتها أو وحدتها أو سيادتها أو أمنها‪ ،‬أو مناهضا‬ ‫للمبادئ األساسية التي يقوم عليها نظام احلكم فيها‪ ،‬أو قصد به قلب نظام احلكم فيها أو االستيالء عليه‪ ،‬أو‬ ‫تعطيل بعض أحكام الدستور بطريقة غير مشروعة‪ ،‬أو منع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة‬ ‫من ممارسة أعمالها‪ ،‬أو اإلضرار بالوحدة الوطنية أو السلم االجتماعي ‪ .‬وقد أقر القانون االحتادي عقوبات صارمة‬ ‫جتاه اجلرائم اإلرهابية قد تصل إلى اإلعدام(‪.)1‬‬ ‫ومن بني القوانني العربية احلديثة اخلاصة مبكافحة اجلرائم اإلرهابية‪ ،‬القانون األساسي التونسي عدد‬ ‫(‪ )26‬لسنة ‪ 2015‬املؤرخ في ‪2015 /8/7‬م املتعلق مبكافحة اإلرهاب ومنع غسل األموال(‪ .)2‬وقد تفادى هذا القانون‬ ‫تعريف مفهوم اإلرهاب‪ ،‬خوفا من املنزلقات التي قد يؤول إليها هذا التعريف‪ .‬ويحتوى هذا القانون على فصول‬ ‫خاصة باإلرهاب اإللكتروني‪ ،‬حيث اعتبر الفصل (‪ )34‬في فقرته الثانية أنه من قبيل ارتكاب جرمية إرهابية‬ ‫مستوجبة لعقاب من عشرة أعوام إلى عشرين عاما وبخطية من خمسني ألف دينار إلى مائة ألف دينار‪ ،‬توفير‬ ‫بأي وسيلة كانت املعدات‪ -‬للمواد أو املعدات أو األزياء أو وسائل النقل أو التجهيزات أو املؤونة أو املواقع‬‫اإللكترونية أو الوثائق أو الصور لفائدة تنظيم أو وفاق إرهابي أو أشخاص لهم عالقة باجلرائم اإلرهابية املنصوص‬ ‫عليها بهذا القانون ‪ .‬ويسمح الفصل ‪ 57‬من قانون ‪2015/8/7‬م باختراق اجلماعات اإلرهابية بواسطة عون أمن‬ ‫متخف أو مخبر معتمد من قبل مأموري الضابطة العدلية اجملول لهم معاينة اجلرائم اإلرهابية‪ .‬وقد وردت عبارة‬ ‫االختراق مطلقة مما يسمح بأن تشمل عدة صور‪ ،‬كاالنضمام للمنتديات ومواقع التواصل االجتماعي وجتميع‬ ‫البيانات واملعطيات حول األشخاص الذين يشكلون تهديدا إرهابيا محتمال‪.‬‬ ‫ويُجرّم الفصل ‪ 32‬من القانون التونسي املتعلق مبكافحة اإلرهاب ومنع غسل األموال‪ ،‬االنضمام إلى أي‬ ‫تنظيم إرهابي أو وفاق إرهابي له عالقة باجلرائم اإلرهابية‪ .‬وميكن اعتبار االنضمام إلى املنتديات التي متجد األعمال‬ ‫تشجع عليها من قبيل االنضمام إلى تنظيم إرهابي‪ .‬ولم يقف القانون عند هذا احلد‪ ،‬بل اعتبر من‬ ‫اإلرهابية أو‬ ‫ّ‬ ‫قبيل اجلرمية اإلرهابية املستوجبة للسجن من عام إلى خمسة أعوام وبخطية من خمسة آالف دينار إلى عشرة‬ ‫آالف دينار كل من يتعمد داخل اجلمهورية وخارجها علنا وبصفة صريحة اإلشادة أو التمجيد بأ ّي وسيلة كانت‬ ‫‪ 1‬انظر املقال‪ :‬قانون مكافحة اجلرائم اإلرهابية‪...‬الدوافع واملضمون واملردود على األمن الوطني ‪ ،‬مقال منشور باﺠﻤﻟلة اإللكترونية العسكرية‬ ‫واالستراتيجية در الوطن (‪.)http://www.nationshield.ae‬‬ ‫‪ 2‬قانون أسففاسففي عدد ‪ 26‬لسففنة ‪ 2015‬املؤرخ في ‪ 2015/8/7‬متعلق مبكافحة اإلرهاب ومنع غسففل األموال‪ ،‬الرائد الرسففمي للجمهورية‬ ‫التونسية‪ ،‬عدد ‪ ،63‬صادر في ‪ 7‬أوت ‪ ،2015‬ص ‪.2163‬‬ ‫‪246‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫بجرمية إرهابية أو مبرتكبها أو بتنظيم أو وفاق له عالقة بجرائم إرهابية أو بأعضائه أو بنشاطه أو بآرائه وأفكاره‬ ‫املرتبطة بهذه اجلرائم اإلرهابية ‪.‬‬ ‫وميكن أن يأخذ هذا التمجيد املستوجب للعقاب شكل مقطع فيديو أو تسجيل صوتي منشور على‬ ‫موقع تواصل اجتماعي أو داخل مدوّنة أو تغريدة على تويتر أو تعليق على خبر مت تداوله على صفحات اإلنترنت‪.‬‬ ‫وقد أحيل أمام القضاء التونسي بعض األشخاص من أجل جرمية متجيد اإلرهاب‪ ،‬من ذلك إيقاف فتاة‪ ،‬على إثر‬ ‫نشرها تعليقا في أحد مواقع التواصل االجتماعي متنت فيه املوت مع عناصر إرهابية مت القضاء عليها في مدينة‬ ‫بن قردان التونسية‪ ،‬حيث كتبت تعليقا على صور اإلرهابيني القتلى التي مت تداولها في مواقع التواصل‬ ‫االجتماعي‪ :‬اللهم أرزقني الشهادة معهم (‪.)1‬‬ ‫ويكتسي جترمي متجيد اإلرهاب أهمية وقائية‪ ،‬حيث يحول دون تعبير األشخاص املتعاطفني مع اإلرهابيني‬ ‫عن ميولتاهم الشخصية خوفا من املساءلة القانونية‪ ،‬وهو ما يحول دون معرفة اإلرهابيني خللفيتهم‬ ‫اإليديولوجية‪ ،‬ويجعل من استقطابهم وجتنيدهم أمرا أكثر صعوبة‪.‬‬ ‫وفي الوقت الذي ينادي فيه عدد من الباحثني بضرورة وجود تشريعات وقوانني موحدة وملزمة على‬ ‫مستوى دول اخلليج العربي‪ ،‬أو الدول العربية‪ ،‬أو على مستوى العالم إال أن الواقع أن غالب الدول متيل إلى االكتفاء‬ ‫بالقانون الوطني لكل دولة‪ .‬وما يوجد من قوانني موحدة في مجال مكافحة اإلرهاب ميثل احلد األدنى من التعاون‬ ‫وفي ما هو محل اتفاق فق ‪ ،‬وهذا في حد ذاته يعد خطوة نحو حترك فاعل ملكافحة اإلرهاب إقليما ودوليا مع‬ ‫احترام سيادة الدول القانونية فيما تراه من تشريعات وقوانني‪.‬‬ ‫ويبقى مستغربا تأخر وتخلف عدد من دول العالم في إصدار القوانني التي تتصدى لإلرهاب وهو ظاهرة‬ ‫عاملية لم تعد أي دولة في منأى عنه‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬املكافحة طويلة األمد‬ ‫اجلرمية اإلرهابية هي جرمية من نو خاص‪ ،‬فعلى خالف اﺠﻤﻟرم التقليدي الذي يسعى جاهدا إلى تفادي‬ ‫العقاب‪ ،‬فإن اإلرهابي ال يخشى عادة من العقاب‪ .‬ويتجلى ذلك خاصة في اإلرهاب الناجت عن التطرف الديني‪ ،‬حيث‬ ‫ال يتوانى اإلرهابي عن تفجير نفسه وس احلشود‪ .‬وبالنسبة لهذا النو من اإلرهاب‪ ،‬فإن عقوبة اإلعدام‪ ،‬والتي‬ ‫تعد أشد عقوبة ميكن أن تصدر عن القاضي‪ ،‬غير قادرة على رد اﺠﻤﻟرم الذي يعمد أصال إلى االنتحار بتفجير‬ ‫نفسه‪ .‬وميكن القول بأنه ال يوجد حل سريع ملشكلة اإلرهاب (‪ )2‬و أن احللول الفعالة ﺠﻤﻟابهة الظاهرة اإلرهابية‬ ‫ال ميكن أن تكون حلوال قانونية وتقنية صرفة‪ ،‬بل يجب أن تكون حلوال متعددة الزوايا وطويلة األمد‪ .‬ويكون ذلك‬ ‫من خالل نشر ثقافة احلوار(‪ )1‬وتعزيز ثقافة املواطنة(‪.)2‬‬ ‫‪ .1‬نشر ثقافة احلوار‬

‫‪ 1‬انظر ‪ :‬املقال املنشور على املوقع اإللكتروني إيقاف امرأة منقبة بتهمة متجيد اإلرهاب ‪.http://www.kapitalis.com ،‬‬ ‫‪ 2‬رونالد كريلنسنت‪ ،‬مكافحة اإلرهاب ‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،‬الطبعة األولى‪ 2011 ،‬م‪ ،‬ص ‪.203‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪247‬‬


‫يعتبر اإلرهاب من أكثر الظواهر اإلجرامية تعقيدا‪ .‬وال ميكن ل سلطات األمن مبفردها حل م شكلة لها‬ ‫جذور متشفعبة (اقتصفادية وسفياسفية واجتماعية ونفسفية وثقافية وتربوية)(‪ .)1‬وتتطلّب مكافحة اإلرهاب‬ ‫اسففتنباط حلول جذرية ومنهجية السففتئصففال الفكر املتطرف الذي يقوم على الدغمائية(‪ )2‬ونفي اآلخر‪ ،‬كما‬ ‫يتعني جتفيف منابع هذا الفكر املتطرّف الذي يُعد أحد مظاهر التلوث الفكري(‪ ،)3‬من خالل نشففر ثقافة احلوار‬ ‫ّ‬ ‫والتسامح‪ ،‬سواء على مستوى املؤسسات التعليمية أو الدينية‪.‬‬ ‫وميكن للمؤسسات التعليمية أن تساهم في الوقاية من اإلرهاب اإللكتروني‪ ،‬خاصة وأن اإلرهاب‬ ‫اإللكتروني يتطلّب حدا أدنى من التعلّم وإملاما بعلوم احلاسب وبتكنولوجيا االتصال‪ .‬ويكمن دور املنظومة‬ ‫التعليمية في تنمية احلس النقدي لدى الطالب وتعويده على احلوار وتفهم الفكر اجملالف‪ ،‬ومعرفة احلقوق‬ ‫العامة واخلاصة‪ ،‬وتقدير والة األمر والعلماء وأهل احلل والعقد في اﺠﻤﻟتمع‪ ،‬وحتذير الطالب من االنخدا بأفكار‬ ‫أصحاب التيارات الفكرية املنحرفة والتي هي ضد ثوابتهم وواقعهم الديني والسياسي واالجتماعي(‪ .)4‬وميكن‬ ‫للنظام التعليمي أن يساهم في مكافحة الفكر املتطرّف الذي قد يؤدي إلى اإلرهاب من خالل تعويد طالب‬ ‫العلم على قبول بعض املبادئ التربوية‪ ،‬من قبيل مبدأ النسبية الثقافية(‪ )5‬ومبدأ عاملية السمات اإلنسانية(‪6‬‬ ‫) ومبدأ التوافق مع اآلخرين(‪.)7‬‬ ‫وتستطيع املؤسسات الدينية ‪-‬من جهتها‪ -‬أن تلعب دورا محوريا في جتفيف منابع اإلرهاب‪ ،‬من خالل‬ ‫جتديد اخلطاب الديني(‪ )8‬ونشر فكر ديني وسطي ومعتدل ينبذ العنف والغلو في الدين‪ .‬وترى عديد الدراسات أن‬ ‫التربية اإلسالمية تُكسب الشباب التسامح واللني والرحمة واﶈبة والرفق‪ ،‬والوسطية‪ ،‬واالعتدال‪ ،‬واالستقامة‪،‬‬ ‫والثبات‪ ،‬واتبا منهج اهلل القومي‪ ،‬كما أنها تبعده عن التشدد‪ ،‬والقسوة والعنف‪ ،‬والكراهية‪ ،‬واحلقد(‪.)9‬‬

‫‪ 1‬انظر ‪ :‬د‪ .‬نهى حامد عبد الكرمي‪ ،‬دور التر بية في مواجهة اإلرهاب ‪ ،‬املؤمتر العلمي الثاني لكلية الشفففريعة ة القانون (اإلرهاب في ضفففوء‬ ‫الشريعة والقانون ‪ ،‬جامعة إربد األهلية‪ ،‬األردن‪ 2002 ،‬م‪ ،‬ص ‪.31‬‬ ‫‪ 2‬الدوغمائية أو الوثوقية هي التع صب لفكرة معينة من قبل مجموعة دون قبول النقاش فيها أو اإلتيان بأي دليل ينق ضها ملناق شته‪ .‬وهي‬ ‫التشدد في االعتقاد الديني أو اإليديولوجي‪ ،‬أو موضو غير مفتوح للنقاش أو للشك‪.‬‬ ‫‪ 3‬انظر‪ :‬د‪ .‬منيرة عبد اهلل السفففنبل‪ ،‬التلوث الفكري لدى الشفففباب و دور خدمة الفرد في التعامل معه ‪ ،‬اﺠﻤﻟلة العربية للعلوم األمنية‬ ‫والتدريب‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،29‬العدد ‪ ،58‬محرم ‪ 1435‬هف‪ ،‬ص ‪.146‬‬ ‫‪ 4‬انظر ‪ :‬د‪ .‬مفلح بن دخيل األكلبي و د‪ .‬محمد آدم أحمد‪ ،‬دور محتوى مناهج التعليم الثانوي باململكة العربية السفففعودية في مواجهة‬ ‫اإلرهاب الفكري والتقني (الواقع واملأمول)‪ ،‬بحث مقدم للمؤمتر الوطني األول لألمن الفكري املفاهيم والتحديات ‪1430 ،‬هف‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫معني في زمان و مكان محدد‪ ،‬ومن ثم ال توجد ثقافة أفضل‬ ‫‪ 5‬يقوم هذا املبدأ على اعتبار أن كل ثقافة ن شأت إل شبا حاجات خاصة ب شعب ّ‬ ‫من ثقافة أخرى‪ ،‬مبا يعني ن سبية الثقافات و احترام املؤ س سات الدولية و املنظمات العاملية جلميع الثقافات دون تفرقة أو متييز بينها‪ ( .‬انظر‪:‬‬ ‫نهى حامد عبد الكرمي‪ ،‬دور التربية في مواجهة اإلرهاب ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.) 38‬‬ ‫‪ 6‬يعني هذا املبدأ أن اختالف الثقافات و القوميات و العادات و الشففخصففيات القومية املميزة لكل شففعب من شففعوب العالم ال ينفي وجود‬ ‫سففمات انسففانية مشففتركة بني جميع البشففر مثل احلق في احلرية ة ودرء األخطار و األمراض و مواجهة اإلرهاب و العنف و اﺠﻤﻟاعات والكوارث‬ ‫الطبيعية‪ ( .‬انظر‪ :‬د‪ .‬نهى حامد عبد الكرمي‪ ،‬دور التربية في مواجهة اإلرهاب ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.) 39‬‬ ‫‪ 7‬يعني هذا املبدأ قبول آلخرين و قبول حقهم في الوجود واحلياة بالرغم من اختالف عقيدتهم و حضففارتهم و ثقافتهم منعا حلدوث تصففادم‬ ‫احلضففارات والثقافات‪ .‬و يترتب على هذا املبدأ إحالل مبدأ املفاوضففات محل مبدأ املواجهات و توازن املصففالح‪ ،‬بدال من توازن اجملاوف‪ ،‬أي بعبارة‬ ‫أخرى التوازن بني األنا و اآلخرين‪( .‬انظر‪ :‬د‪ .‬نهى حامد عبد الكرمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.) 40‬‬ ‫‪ 8‬انظر ‪ :‬د‪ .‬نهى حامد عبد الكرمي‪ ،‬دور التربية في مواجهة اإلرهاب ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.46‬‬ ‫‪ 9‬فالح سعيد املغام سي‪ ،‬أثر التربية اإلميانية في حت صني ال شباب ضد االنحراف ‪ ،‬بحث مقدم ملؤمتر حت صني شباب اجلامعات ضد الغزو‬ ‫الفكري الذي أقيم في رحاب اجلامعة اإل سالمية باملدينة املنورة‪ ١٤٢٤ ،‬هفففف‪ ( ،‬انظر‪ :‬د‪ .‬مفلح بن دخيل األكلبي و د‪ .‬محمد آدم أحمد‪ ،‬دور‬ ‫محتوى مناهج التعليم الثانوي باململكة العربية السفففعودية في مواجهة اإلرهاب الفكري والتقني (الواقع واملأمول)‪ ،‬بحث مقدم للمؤمتر‬ ‫الوطني األول لألمن الفكري املفاهيم والتحديات ‪1430 ،‬هف‪ ،‬ص ‪.) 4‬‬ ‫‪248‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫تبني مقاطع الفيديو املبثوثة عبر اإلنترنت من طرف بعض التنظيمات اإلرهابية‪ ،‬وخصوصا تنظيم‬ ‫و ّ‬ ‫داعش ‪ ،‬استغاللها للدين اإلسالمي احلنيف ﶈاولة تبرير تصرفاتها اإلرهابية‪ ،‬وذلك من خالل االستشهاد ببعض‬ ‫اآليات القرآنية أو األحاديث النبوية املعزولة عن سياقها‪ ،‬أو االعتماد على تأويل خاطئ ألقوال بعض العلماء‪ .‬وقد‬ ‫تصدر عنها بعض الفتاوى التي حتلل القتل وتستبيح األعراض(‪ ،)1‬ومن ذلك الفتوى الصادرة في عام ‪ 2005‬م من‬ ‫طرف جماعة الدعوة واجلهاد ‪ ،‬واملعروفة حاليا بتنظيم القاعدة في املغرب العربي ‪ ،‬والتي تقضي باجلهاد ضد‬ ‫األجانب في اجلزائر‪ .‬واألصل في األمور أن إصدار الفتوى حق من حقوق أولياء األمور العامة ومن صالحياتهم‬ ‫الزمنية (‪ ،)2‬كما أنها تخضع لضواب وقيود‪ ،‬فتنظيم الفتوى يختلف باختالف الزمان واملكان‪ ،‬فقد يوجب‬ ‫املنظم اليوم طريقة ثم يرى غدا ما هو أسهل وأحوط وأفضل فيعدل إليه (‪ .)3‬وقد ساهمت اإلنترنت في تنامي‬ ‫خطر الفتاوى التي تعطي غطاء دينيا لإلرهاب(‪ .)4‬ويرى خبير اإلرهاب الدولي جابرييل وميان أن اإلنترنت قد‬ ‫أصبحت قاعدة عملية لوضع الفتاوى وتأويلها (‪ ،)5‬وقد أدى ذلك إلى خروج اخلطاب الديني عن السيطرة‪ ،‬فأضحى‬ ‫املتحمس‪ ،‬ممن يفتقر إلى احلس النقدي والتضلع في الدين‪ ،‬وقودا لإلرهاب بعد أن تش ّبع بالفكر‬ ‫بعض الشباب‬ ‫ّ‬ ‫املتطرّف الصادر من بعض املُغالني في الدين‪ ،‬واحلال أن الدين اإلسالمي هو دين رحمة‪ ،‬جاء ليو ّحد الناس ال للتفرقة‬ ‫اك ِإالا ر َ ْح َمة لِل َْعا َملِني َ (‪.)6‬‬ ‫بينهم‪ .‬يقول اهلل عز وجل مخاطبا نبيه الكرمي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬وَ َما أَر ْ َسلْ َن َ‬ ‫خ َت ِل ِفني َ‪.)7( ..‬‬ ‫اء رَبُّ َ‬ ‫اس أ ُ امة وَا ِح َدة وَ َال يَزَالُو َن ُم ْ‬ ‫ك جلَ َ َعلَ الن ا َ‬ ‫كما يقول تبارك وتعالى‪ :‬وَلَوْ َش َ‬ ‫‪ .2‬تعزيز ثقافة املواطنة‪:‬‬ ‫املواطنة في معناها العام هي انتماء اإلنسان لبقعة أرض (‪ .)8‬و تعرّف أيضا بأنها العضوية الكاملة‬ ‫واملتساوية في اﺠﻤﻟتمع مبا يترتب عنها من حقوق وواجبات (‪ .)9‬ومبا أنها تستند على فكرة االنتماء إلى الوطن‪ ،‬فإن‬ ‫املواطنة تعتبر أهم دعائم وحدة اﺠﻤﻟتمع‪ ،‬كما تساهم في تدعيم الشراكة اﺠﻤﻟتمعية واحلد من الفنت والصراعات‬ ‫الطائفية والعرقية‪ .‬ورغم أن املواطنة تعتبر من املفاهيم احلديثة نسبيا‪ ،‬إال أننا جند لها جذورا تاريخية في الدين‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬فقد قال الرسول صلى اهلل وسلم مخاطبا وطنه مكة املكرمة‪ :‬واهلل إنك خلير أرض اهلل وأحب أرض‬ ‫اهلل إلى اهلل ولوال أني أخرجت منك ما خرجت (‪.)10‬‬ ‫ويستهدف اإلرهابيون ذوي اخللفية الدينية إضعاف حس املواطنة في الفئات التي يسعون لتجنيدها‬ ‫عبر اإلنترنت‪ ،‬من خالل عدم اعترافهم بالدولة القُ طرية وطرح مفهوم مغلوط لتشكيل دولة إسالمية مترامية‬ ‫‪ 1‬انظر ‪p. 765 ، 2011، 1ssue 10، volume 34، Studies in Conflict & Terrorism، « Cyber-Fatwa and terrorism »،Gabriel Weiman :‬‬ ‫‪ 2‬انظر ‪ :‬فهد بن سفففعد املاجد‪ ،‬اإلفتاء بني املؤسفففسفففات الفقهية و االجتهادات الفردية ‪ ،‬ملتقى دور العلماء في الوقاية من اإلرهاب و‬ ‫التطرف‪ ،‬ملتقى دولي نظمته جامعة نايف العربية للعلوم األمنية بالرياض في ‪ 2015 9-7‬م‪ ،‬ص ‪.7‬‬ ‫‪ 3‬فهد بن سعد املاجد‪ ،‬اإلفتاء بني املؤ س سات الفقهية و االجتهادات الفردية ‪ ،‬ملتقى دور العلماء في الوقاية من اإلرهاب و التطرف‪ ،‬ص‬ ‫‪.7‬‬ ‫‪ 4‬انظر ‪p. 765. ، 2011، 1ssue 10، volume 34، Studies in Conflict & Terrorism، « Cyber-Fatwa and terrorism »، Weiman Gabriel :‬‬ ‫‪ 5‬انظر ‪ :‬املرجع السابق‪.‬‬ ‫‪ 6‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪29.107‬‬ ‫‪ 7‬سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.118‬‬ ‫‪ 8‬انظر ‪ :‬د‪ .‬نهاد فاروق عباس محمود‪ :‬املواطنة و دورها في مكافحة اإلرهاب في اململكة العربية السففعودية ‪ ،‬مجلة الفكر الشففرطي‪ ،‬اﺠﻤﻟلد‬ ‫الثالث والعشرون‪ ،‬العد ‪ ،89‬أبريل ‪ ،2014‬ص ‪.151‬‬ ‫‪ 9‬انظر ‪ :‬د‪ .‬نهاد فاروق عباس محمود‪ :‬املواطنة و دورها في مكافحة اإلرهاب في اململكة العربية السعودية ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.156‬‬ ‫‪ 10‬أخرجه الترمذي‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪249‬‬


‫األطراف‪ ،‬على من اخلالفة‪ ،‬جتمع شتات األمة اإلسالمية‪ .‬ويفتقر هؤالء إلى فهم مستجدات العصر واستقاللية‬ ‫الدول وسيادتها السياسية والقانونية‪ ،‬وفي الوقت نفسه ال مينع وجود قواسم مشتركة بني الدول للتكامل‬ ‫والتعاون‪ .‬ولعل جتربة مجلس تعاون اخلليج العربي ومراحل االحتاد التي مير بها خير دليل‪.‬‬ ‫ولذلك ميكن إحباط مخططات هذه اجلماعات اإلرهابية بتعزيز ثقافة االنتماء لدى املواطن وإعالء قيمة‬ ‫الوطن لديه حتى ال يتم استقطابه إيديولوجيا من طرف التنظيمات اإلرهابية‪ ،‬ولكي يكون العني الساهرة‬ ‫للدولة على اجملططات اإلرهابية املزمع ارتكابها وخ دفا أول ضد اإلرهاب‪.‬‬ ‫متميزة تناولت سبل املكافحة واملعاجلة لظاهرة اإلرهاب‬ ‫ومما يشار إليه‪ ،‬وجود دراسات وبحوث أكادميية‬ ‫ّ‬ ‫وباإلمكان اعتمادها عند اتخاذ التدابير واحللول لهذا الداء بالغ اخلطورة‪.‬‬

‫اخلامتة‬ ‫في ختام هذا البحث‪ ،‬ميكن القول إن اإلرهاب اإللكتروني من اجلرائم املستحدثة بالغة التعقيد‪ ،‬فهو وليد عوامل‬ ‫عديدة ومتضافرة ( اجتماعية‪ ،‬أيديولوجية‪ ،‬ثقافية)‪ .‬ورغم أهمية النصوص القانونية‪ ،‬فإن القضاء على هذا النو‬ ‫من اإلجرام يستدعي حلوال تتجاوز فكرة العقاب وتكرّس ما ُميكن تسميته مبكافحة اإلرهاب اإلقناعية (‪ ،)1‬التي‬ ‫تقوم على كسب القلوب والعقول في مكافحة اإلرهاب‪.‬‬ ‫وقد سمح البحث بالتوصل إلى النتائج التالية‪:‬‬ ‫ النتائج‬‫‪.1‬‬

‫‪.2‬‬ ‫‪.3‬‬

‫‪.4‬‬

‫يسففتهدف اإلرهاب االلكتروني بعدين هامني‪ :‬يتمثل أولهما في أنه أصففبح عامال مسففاعدا لإلرهاب‬ ‫التقليدي‪ ،‬من خالل توفير املعطيات عن األماكن املستهدفة أو املساهمة في تنفيذ العملية اإلرهابية‪،‬‬ ‫والبعد الثاني معنوي‪ ،‬يتمثل في بث الكراهية ونشر األفكار اله ّدامة عبر خطاب إعالمي منهجي‪.‬‬ ‫استطاعت املنظمات اإلرهابية توظيف شبكة اإلنترنت في احلصول على كم هائل من املعلومات ومن‬ ‫ثم تبادلها بني أفردها بصورة خفية لتحقيق أهدافها اإلجرامية‪.‬‬ ‫أسففهمت شففبكة االنترنت بشففكل واضففح في بسف نفوذ التطرف الفكري جملتلف التيارات من خالل‬ ‫املواقع واملنتديات التي تديرها اجلماعات والرموز املتطرفة التي تقدم منتجاتها الفكرية وفق خطاب‬ ‫جاذب‪ ،‬مسففتغلني في ذلك الهشفففاشفففة الفكرية لبعض الف ئات االجت ماع ية في العاملني العربي‬ ‫واإلسالمي‪.‬‬ ‫ت ستغل املنظمات اإلرهابية شبكة االنترنت جلمع األموال لتمويل الن شاط اإلرهابي وم ساندته‪ ،‬وقد‬ ‫اسففتفادت من الفرص الكبرى التي وفّرتها االنترنت في حقل االسففتثمار الرقمي والتواصففل بني شففتى‬ ‫الدول‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬رونالد كريلنسنت مكافحة اإلرهاب ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.133‬‬ ‫‪250‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫‪ .5‬أصففبح تدمير وقرصففنة مواقع اإلنترنت هدفا للمنظمات اإلرهابية من خالل اختراق املواقع وسففرقة‬ ‫البيانات واملعلومات ومن ثم تدميرها وممارسفففة االبتزاز بهذه الطريقة للحصففول على مطالب غير‬ ‫مشروعة لها‪.‬‬ ‫‪ .6‬هناك إمكانية لشففن اجلماعات واملنظمات اإلرهابية هجوما إرهابيا مدمرا بواسففطة تعطيل األجهزة‬ ‫اإللكترونية مما يترتب عنه إغالق املواقع احليوية وإحلاق الشلل بأنظمة القيادة والسيطرة واالتصاالت‪ ،‬أو‬ ‫قطع شففبكات االتصفففال بني الوحدات والقيادات املركزية‪ ،‬أو تعطيل أنظمة الدفا اجلوي‪ ،‬أو إخراج‬ ‫الصواريخ عن مسارها‪ ،‬أو التحكم في خطوط املالحة اجلوية والبرية والبحرية‪ ،‬أو شل النظام املصرفي‬ ‫وإحلاق الضرر بأعمال البنوك وأسواق املال العاملية‪.‬‬ ‫التجس سية بشكل كبير‪ ،‬حيث تقوم املنظمات اإلرهابية‬ ‫‪ .7‬أسهمت شبكة اإلنترنت في توسع األعمال‬ ‫ّ‬ ‫بالتجسففس على األشففخاص والدول واملنظمات والهيئات أو املؤسففسففات الدولية‪ ،‬وتسففتهدف عملية‬ ‫التجسس اﺠﻤﻟال العسكري والسياسي واالقتصادي واألمني‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التوصيات ‪:‬‬ ‫‪ .1‬ضرورة حماية ال شبكات وأجهزة احلا سب اآللي من خالل ت شفير املعطيات احل سا سة املتبادلة عبر‬ ‫اإلنترنت‪ ،‬وتعزيز أعلى قدرة ألمن املعلومات‪.‬‬ ‫‪ .2‬ضففرورة تعقب وحجب املواقع ذات اخللفية اإلرهابية‪ ،‬كطريقة وقائية لتجفيف منابع االسففتقطاب‬ ‫والتجنيد اإلرهابي وقطع الطريق أمام توظيف اإلرهابيني لإلنترنت للدعاية ألعمالهم اإلرهابية‪.‬‬ ‫‪ .3‬نظرا لعوملة االت صاالت وتبادل املعلومات لإلرهاب‪ ،‬فالن شاط اإلرهابي قد يقع في شرق الكرة األر ضية‬ ‫والنتيجة الضففارة تقع في غربها‪ ،‬وهذا يثير التناز في االختصففاص مما يتطلّب معه صففياغة قواعد‬ ‫قانونية مالئمة لهذا النم من اإلجرام‪.‬‬ ‫‪ .4‬ضففرورة حتديد نو األدلة وطرق اإلثبات للجرائم املندرجة ضففمن اإلرهاب اإللكتروني‪ ،‬نظرا لصففعوبة‬ ‫اكتشاف دليل إثباتها وسهولة محو آثارها‪ ،‬ولسرية عمل اإلرهابيني عند إعدادهم جملططاتهم‪.‬‬ ‫‪ .5‬ضرورة تكليف مهنيني مختصني في علوم احلاسب مبتابعة أمن شبكة املعلومات والبرمجيات وتدريب‬ ‫منسوبي املنشآت احلساسة على الوقاية من اجلرائم املعلوماتية‪.‬‬ ‫‪ .6‬ضرورة فرض حد أدنى من الرقابة على تكنولوجيا االتصال‪ ،‬دون أن تكون مبررا للتجسس على املعطيات‬ ‫يتعني سن تشريعات محددة وواضحة‬ ‫الشخصية لألفراد العاديني الذين ال يشكلون خطرا على الغير‪ .‬و ّ‬ ‫تعطي توازنا بني حماية احلياة اخلاصففة وحق اخلصففوصففية وبني متطلبات احلفاظ على األمن الوطني‬ ‫للقضايا بالغة اخلطورة كقضايا اإلرهاب‪.‬‬ ‫‪ .7‬ضرورة جتنب الفرا التشريعي في مكافحة اإلرهاب اإللكتروني‪.‬‬ ‫‪ .8‬أهمية التكامل والتنسففيق بني التشففريعات الدولية واإلقليمية من جهة‪ ،‬والتشففريعات والقوانني‬ ‫الوطنية من جهة أخرى للتصدي لإلرهاب اإللكتروني بجميع أشكاله وصوره‪.‬‬ ‫‪ .9‬إن احللول الفعالة ﺠﻤﻟابهة الظاهرة اإلرهابية ال ﳝكن أن تكون حلوال قانونية وتقنية صففرفة‪ ،‬بل يجب أن‬ ‫يتعني اتبا رؤية اسففتراتيجية حتترم‬ ‫تكون حلوال متعددة الزوايا‪ ،‬آنية وطويلة األمد في نفس الوقت‪ ،‬و ّ‬ ‫العدالة وحقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪251‬‬


‫فهرس املراجع‬

‫الكتب‬

‫‪ .1‬د‪ .‬أحمد فالح العموش‪ ،‬مستقبل اإلرهاب في هذا القرن ‪ ،‬الرياض‪ ،‬جامعة نايف العربية‪ ،‬ط‪1427 ،1‬هف‪.‬‬ ‫‪ .2‬د‪ .‬حسنني بوادي‪ ،‬اإلرهاب ‪ ،‬الرياض‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط‪2006 ،1‬م‪.‬‬ ‫التميز‬ ‫‪ .3‬خالد بن سفليمان الغثبر و د‪ .‬محمد بن براهيم السفويل‪ ،‬أمن املعلومات بلغة ميسفرة ‪ ،‬مركز‬ ‫ّ‬ ‫ألمن املعلومات‪ ،‬جامعة امللك سعود‪ 1429 ،‬هف (‪ 2009‬م)‪ ،‬طبعة أولى‪.‬‬ ‫‪ .4‬د‪ .‬خالد ممدوح إبراهيم‪ ،‬أمن اجلرمية املعلوماتية ‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬الدار اجلامعية‪2010 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .5‬رونالد كريلنسففنت‪ ،‬مكافحة اإلرهاب ‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسففات والبحوث االسففتراتيجية‪ ،‬الطبعة‬ ‫األولى‪ 2011 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .6‬د‪ .‬عباس أبو شامة عبد اﶈمود‪ ،‬عوملة اجلرمية االقتصادية ‪ ،‬الرياض‪ ،‬جامعة نايف العربية‪2007 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .7‬د‪ .‬عبدالرحمن بن عبداهلل ال سند‪ ،‬األحكام الفقهية للتعامالت اإللكترونية‪ -‬احلا سب اآللي و شبكة‬ ‫املعلومات ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الوراق‪ ،‬ط‪1424 ،1‬هف‪.‬‬ ‫‪ .8‬د‪ .‬علي عدنان الفيل‪ ،‬اإلجرام اإللكتروني ‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ ،‬منشورات زين احلقوقية‪2011 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .9‬د‪ .‬محمد السيد عرفة‪ ،‬جتفيف مصادر متويل االرهاب ‪ ،‬الرياض‪ ،‬جامعة نايف العربية‪ ،‬ط ‪1430 ،1‬ه‪.‬‬ ‫‪ .10‬د‪ .‬محمد أمني الب شري‪ ،‬التحقيق في اجلرائم امل ستحدثة ‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫الرياض‪1425 ،‬ه‪.‬‬ ‫‪ .11‬د‪ .‬محمد أمني الرومي‪ ،‬جرائم الكمبيوتر واإلنترنت ‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪ 2003 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .12‬د‪ .‬محمد سيد سلطان‪ ،‬ق ضايا قانونية في أمن املعلومات و حماية البيئة اإللكترونية ‪ ،‬دار نا شرين‬ ‫للنشر اإللكتروني‪ ،‬ربيع األول ‪ 1433‬هف‪ /‬يناير ‪ 2012‬م‪.‬‬ ‫‪ .13‬د‪ .‬محمد مؤنس محب الدين‪ ،‬حتديث أجهزة مكافحة اإلرهاب وتطوير أسفففاليبها ‪ ،‬الرياض‪ ،‬جامعة‬ ‫نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬ط‪1427 ،1‬ه‪.‬‬ ‫‪ .14‬د‪ .‬مصطفى موسى‪ ،‬أساليب إجرامية بالتقنية الرقمية ماهيتها‪ ،‬مكافحتها ‪ ،‬دار الكتب القانونية‪،‬‬ ‫اﶈلة الكبرى‪ ،‬مصر‪2005 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .15‬د‪ .‬منير محمد اجلنبيهي‪ ،‬جرائم االنترنت واحلاسففب اآللي ووسففائل مكافحتها‪ ،‬دار الفكر اجلامعية‪،‬‬ ‫‪2004‬م‬ ‫‪ .16‬د‪ .‬نا صر بن محمد البقمي‪ ،‬جرائم املعلوماتية ومكافحتها في اململكة العربية ال سعودية ‪ ،‬الطبعة‬ ‫األولى‪ ،‬الرياض‪ 2009 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .17‬د‪ .‬هاللي عبد اهلل أحمد‪ ،‬اتفاقية بوداب ست ملكافحة جرائم املعلوماتية معلقا عليها ‪ ،‬دار النه ضة‬ ‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثامنة‪ 2011 ،‬م‪.‬‬

‫‪252‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫الرسائل اجلامعية‬

‫‪ .1‬د‪ .‬ح سن طاهر داود‪ ،‬ر سالة ماج ستير غير من شورة‪ ،‬جرائم نظم املعلومات ‪ ،‬الرياض‪ ،‬جامعة نايف‬ ‫العربية للعلوم األمنية‪ ،‬ط‪ 2000 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪ .2‬د‪ .‬زكريا أحمد عمار‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬حماية الشبكات الرئيسية من االختراق والبرامج‬ ‫الضارة ‪ ،‬جامعة النيلني‪ ،‬السودان‪2011 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .3‬د‪ .‬نايف بن محمد املرواني‪ ،‬جرمية ال سرقة‪ ،‬درا سة نف سية اجتماعية ‪ ،‬ر سالة ماج ستير الرياض‪،‬‬ ‫جامعة نايف العربية‪ ،‬ط ‪2011 ،1‬م‪.‬‬ ‫البحوث‬ ‫‪ .1‬د‪ .‬أسففامة بن غاﱎ العبيدي‪ ،‬التفتيﺶ عن الدليل في اجلرائم املعلوماتية ‪ ،‬اﺠﻤﻟلة العربية للدراسففات‬ ‫األمنية والتدريب‪ ،‬اﺠﻤﻟلد‪ 29،‬العدد ‪ ،58‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،‬محرم ‪ 1435‬هف‪.‬‬ ‫‪ .2‬د‪ .‬حسفن بن أحمد الشفهري‪ ،‬األنظمة اإللكترونية الرقمية املطورة حلفظ وحماية سفرية املعلومات‬ ‫من التجسففﺲ ‪ ،‬اﺠﻤﻟلة العربية للدراسففات األمنية والتدريب‪ ،‬اﺠﻤﻟلد‪ 28،‬العدد ‪ ،56‬جامعة نايف العربية‬ ‫للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ 1434 ،‬هف‪ -‬نوفمبر‪/‬ديسمبر ‪.2012‬‬ ‫‪ .3‬د‪ .‬حسففني اجلندي‪ ،‬جرائم املسففاس بأمن الدولة واإلنترنت ندوة األمن واالنترنت ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬أكادميية‬ ‫الشرطة ‪2003‬م‪.‬‬ ‫‪ .4‬د‪ .‬سهير حجازي‪ ،‬التهديدات اإلجرامية للتجارة اإللكترونية ‪ ،‬مركز البحوث والدرا سات‪ ،‬شرطة دبي‪،‬‬ ‫دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬العدد (‪.)91‬‬ ‫‪ .5‬د‪ .‬عز الدين أحمد جالل‪ ،‬اسففتراتيجية مكافحة اإلرهاب ‪ ،‬مجلة الفكر الشففرطي‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،8‬العدد ‪،2‬‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة‪.‬‬ ‫‪ .6‬د‪ .‬علي عدنان الفيل‪ ،‬اإلرهاب اإللكتروني ‪ ،‬مجلة اجلامعة اﳋليجية‪ ،‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،2‬قسففم القانون‪ ،‬العدد ‪/2‬‬ ‫‪2010‬م‪.‬‬ ‫‪ .7‬د‪ .‬فايز بن عبداهلل الشهري‪ ،‬ثقافة التطرف والعنف على شبكة االنترنت ‪ :‬املالمح واالجتاهات ‪ ،‬بحث‬ ‫منشور ضمن كتاب استعمال اإلنترنت في متويل اإلرهاب وجتنيد اإلرهابني ‪ ،‬مركز البحوث والدراسات‬ ‫بجامعة نايف العربية‪1433 ،‬هف‪.‬‬ ‫‪ .8‬د‪ .‬فايز بن عبداهلل ال شهري‪ ،‬ا ستخدامات شبكة اإلنترنت في مجال اإلعالم األمني العربي ‪ ،‬مجلة‬ ‫البحوث األمنية‪ ،‬مركز الدراسفففات بكلية امللﻚ فهد األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،‬اﺠﻤﻟلد (‪ ،)10‬العدد (‪ ،)19‬نوفمبر‬ ‫‪ 2001‬م‪.‬‬ ‫‪ .9‬د‪ .‬ليتيم فتيحة و د‪ .‬ليتيم نادية‪ ،‬األمففن املعلففوماتفي للحكففومة اإللكفففففترونية وإرهففففاب‬ ‫الق ف ف ف فرص ف فنة ‪ ،‬مجلة املفك ف ف ف ف ف فر‪ ،‬كلية احلقوق والعلوم السياسية بجامعه محمد خيضر‪،‬‬ ‫بسكرة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬العدد (‪.)12‬‬ ‫‪ .10‬د‪ .‬محمد قاسففم أحمد الردفاني‪ ،‬ﲢقيقات الشففرطة في مواجهة ﲢديات اجلرائم السففيبرانية ‪ ،‬اﺠﻤﻟلة‬ ‫العربية للدراسات األمنية والتدريب‪ ،‬الرياض‪ ،‬جامعة نايف العربية‪ ،‬اﺠﻤﻟلّد ‪ ،30‬العدد ‪ ،61‬صفر ‪ 1436‬ه ف‪/‬‬ ‫‪ 2014‬م‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪253‬‬


‫‪ .11‬د‪ .‬مها عبد احلميد صالح‪ ،‬استراتيجيات االتصال في مواقع اجلماعات اإلرهابية على شبكة األنترنت ‪،‬‬ ‫مجلة شؤون اجتماعية‪ ،‬العدد ‪ ،121‬ربيع ‪ 2014‬م‪.‬‬ ‫‪ .12‬جنالء فليح و د‪ .‬عبد الرحمن الطحان‪ ،‬دور االمم املتحدة في مكافحة االرهاب في العصففر الرقمي ‪،‬‬ ‫مقال منشور على الراب ‪www.f-law.net. :‬‬ ‫‪ .13‬د‪ .‬نهاد فاروق عباس محمود‪ ،‬املواطنة ودورها في مكافحة اإلرهاب في اململكة العربية السففعودية ‪،‬‬ ‫مجلة الﻔكر الشرطي‪ ،‬اﺠﻤﻟلد الثالث والعشرون‪ ،‬العد ‪ ،89‬أبريل ‪ 2014‬م‪.‬‬ ‫ا ستعمال‬ ‫‪ .14‬د‪ .‬وليد محمد أبو رية‪ ،‬التعرف على اإلرهاب اإللكتروني ‪ ،‬بحث من شور ضمن كتاب‬ ‫اإلنترنت في متويل اإلرهاب وجتنيد اإلرهابني ‪ ،‬نشففر مركز البحوث والدراسفففات بجامعة نايف العربية‪،‬‬ ‫‪1433‬ه‪.‬‬ ‫‪ .15‬د‪ .‬يونس محمد عرب‪ ،‬اإلطار القانوني لإلرهاب اإللكتروني واسففتخدام االنترنت لألغراض اإلرهابية ‪،‬‬ ‫بحث من شور ضمن كتاب ا ستعمال اإلنترنت في متويل اإلرهاب وجتنيد اإلرهابني‪ ،‬ن شر مركز البحوث‬ ‫والدراسات بجامعة نايف العربية‪1433 ،‬هف‪.‬‬

‫أعمال املؤمترات‬ ‫‪.1‬‬

‫‪.2‬‬ ‫‪.3‬‬ ‫‪.4‬‬

‫د‪ .‬أيسففر محمد عطية القيسففي‪ ،‬ورقة علمية بعنوان اآلليات احلديثة للحد من اجلرائم املسففتحدثة‬ ‫"اإلرهاب االلكتروني وطرق مواجهته ‪ ،‬ضففمن امللتقى العلمي اجلرائم املسففتحدثة في ظل املتغيرات‬ ‫والتحوالت اإلقليمية والدولية الذي نظمته كلية العلوم االستراتيجية‪ ،‬باململكة األردنية الهاشمية‪،‬‬ ‫‪1435‬هف‪.‬‬ ‫د‪ .‬جميل زكريا محمود‪ ،‬اجلرمية املعلوماتية وأساليب التأمني ‪ ،‬ورقة بحثية مقدمة في املؤمتر الدولي‬ ‫ألمن املعلومات اإللكترونية ‪ :‬معا نحو تعامل رقمي آمن ‪ ،‬سلطنة عمان‪2005 ،‬م‪.‬‬ ‫د‪ .‬رائد العدوان‪ ،‬املعاجلة الدولية لقضفففايا اإلرهاب اإللكتروني ‪ ،‬دورة تدريبية منعقدة بالرياض حول‬ ‫توظيف شبكات التواصل االجتماعي في مكافحة اإلرهاب ‪ 2013/2/ 27-23‬م‪.‬‬ ‫د‪ .‬عبداهلل بن عبدالعزيز العجالن‪ ،‬اإلره ف فاب اإللكت فرون ف في في عصر املعلومات ‪ ،‬بحث مقدم في‬ ‫املؤمتر الدولي األول حول حماية أمن املعلومات واخلصوصية في قانون اإلنترنت ‪ ،‬واملنعقد بالقاهرة في‬ ‫يونيو ‪2008‬م‪.‬‬

‫‪ .5‬د‪ .‬ع بد اهلل بن ع بد العزيز العجالن‪ ،‬اإلر هاب املعلو ماتي ‪ ،‬املؤمتر ا لدولي األول مل كاف حة اجلرائم‬ ‫املعلوماتية‪ ،‬الرياض‪2015 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .6‬د‪ .‬عمر الشففيخ األصففم‪ ،‬بحث بعنوان ‪ :‬البطاقات االئتمانية املسففتخدمة األكثر انتشففارا في البالد‬ ‫العربية ‪ ،‬منشففور ضففمن أعمال ندوة تزوير البطاقات االئتمانية ‪ ،‬الرياض‪ ،‬جامعة نايف العربية‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪2002‬م‪.‬‬ ‫‪ .7‬د‪ .‬عبدالرحمن بن عبداهلل السند‪ ،‬وسائل االرهاب اإللكتروني وحكمها في اإلسالم وطرق مكافحتها ‪،‬‬ ‫بحث علمي مقدم في مؤمتر موقف اإلسالم من االرهاب ‪ ،‬جامعة االمام محمد بن سعود اإلسالمية‪،‬‬ ‫الرياض‪2004 ،‬م‪.‬‬ ‫‪254‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫‪ .8‬د‪ .‬فالح سعيد املغام سي‪ ،‬أثر التربية اإلميانية في حت صني ال شباب ضد االنحراف ‪ ،‬بحث مقدم في‬ ‫مؤمتر حتصني شباب اجلامعات ضد الغزو الفكري ‪ ،‬اجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة‪ 1433 ،‬ه‪.‬‬ ‫‪ .9‬د‪ .‬فهد بن سعد املاجد‪ ،‬اإلفتاء بني املؤسسات الفقهية واالجتهادات الفردية ‪ ،‬بحث مقدم في ملتقى‬ ‫دور العل ماء في الو قا ية من اإلر هاب والتطرف‪ ،‬جام عة نايف العرب ية للعلوم األمن ية‪ ،‬الر ياض‪9-7 ،‬‬ ‫‪ 2015‬م‪.‬‬ ‫‪ .10‬د‪ .‬محمد جمال مظلوم‪ ،‬التجارة غير املشففروعة للسففالح واالرهاب ‪ ،‬بحث منشففور ضففمن احللقة‬ ‫العلمية جتارة السالح غير املشروعة وغسل األموال ‪ ،‬الرياض‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪،‬‬ ‫‪1434/4-3-1‬ه‪.‬‬ ‫‪ .11‬د‪ .‬محمد عبدالرحيم سلطان العلماء‪ ،‬جرائم االنترنت واالحتساب عليها ‪ ،‬بحث مقدم ضمن مؤمتر‬ ‫القانون والكمبيوتر واالنترنت ‪2000/5/ 3-1 ،‬م‪ ،‬جامعة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬كلية الشففريعة‬ ‫والقانون‪ ،‬اﺠﻤﻟلد الثالث‪ ،‬ط‪2004 ،3‬م‪.‬‬ ‫‪ .12‬د‪ .‬محمد عبداهلل ولد محمد‪ ،‬اإلرهاب البيولوجي من منظار الشففريعة ‪ ،‬بحث مقدم ضففمن حلقة‬ ‫عمل اإلنتربول اخلاصة مبنع اإلرهاب البيولوجي‪ ،‬مسق ‪ ،‬مارس ‪ 2007‬م‪.‬‬ ‫‪ .13‬د‪ .‬مفلح بن دخ يل األكلبي و د‪ .‬مح مد آدم أح مد‪ ،‬دور محتوى م ناهج التعليم ال ثانوي باململ كة‬ ‫العرب ية السففعود ية في مواج هة اإلر هاب الفكري والتقني (الواقع واملأمول) ‪ ،‬ب حث م قدم للمؤمتر‬ ‫الوطني األول لألمن الفكري املفاهيم والتحديات ‪1430 ،‬هف‪.‬‬ ‫‪ .14‬د‪ .‬نهى حامد عبد الكرمي‪ ،‬دور التربية في مواجهة اإلرهاب ‪ ،‬املؤمتر العلمي الثاني لكلية الشففريعة‬ ‫والقانون‪ ،‬اإلرهاب في ضوء الشريعة والقانون ‪ ،‬جامعة إربد األهلية‪ ،‬األردن‪ 2002 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ .15‬د‪ .‬يونس مح مد عرب‪ ،‬قراءة في اال جتاهات التشففريع ية للجرائم االلكترون ية مع ب يان موقف الدول‬ ‫العربية وجتربة سلطنة عمان ‪ ،‬بحث ق ُ ّدم ضمن ور شة عمل تطوير الت شريعات في مجال مكافحة‬ ‫اجلرائم االلكترونية املنعقدة مبسق ‪ ،‬سلطنة عمان‪2006/4/4-2 ،‬م‪.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪255‬‬


:‫املراجع األجنبية‬ 1. Gabriel Weiman، « Cyber-Fatwa and terrorism »، Studies in Conflict & Terrorism، volume 34، issue 10، 2011; « Terror on the internet», USIP Press Books، 2006. 2. Phyllis B. Gerstenfeld & Others (2002) Hate Online: A Content Analysis of Extremist Internet Sites In Analyses of Social Issues and Public Policy، Vol. 3، No. 1، 2003. 3. Soumaya AKKOUR، « La lutte anti-terroriste et le traçage électronique une antinomie stérile entre « sécurité » et « liberté »، Revue marocaine des politique publique، n° 3، 2010. 4. « Cyber terrorisme، la guerre de l’information »، L’Atlas du monde diplomatique، p. 46، téléchargeable sur le site internet www.monde-diplomatique.fr. 5. «La France face au terrorisme, Livre blanc de la sécurité intérieure face au terrorisme », La documentation française ،2006.

:‫املواقع اإللكترونية‬ www.un.org/ar/index.html : ‫ موقع األمم املتحدة على الراب‬.1 www.citc.gov.sa :‫ موقع هيئة االتصاالت وتقنية املعلومات باململكة العربية السعودية‬.2 www.un.org : ‫ من خالل موقعها اإللكتروني على الراب‬،‫ قرارات منظمة األمم املتحدة‬.3

‫م‬2017 ‫ يناير‬- ‫هـ‬1438 ‫ جمادي األولى‬:‫ العدد اخلامس‬- ‫السنة الثالثة‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

256


‫النظام القانوني للحساب الجاري المصرفي‬ ‫في التشريع الفلسطيني‬

‫إعداد الدكتور‬

‫أنس أبو العون‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪257‬‬


‫‪258‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ملخص البحث‬ ،‫تناول هذا البحث عقد احلساب اجلاري الذي يشكل إطارا لتقدمي العديد من العمليات واخلدمات البنكية‬ ‫ ويستفيد كل من العميل‬،‫والهدف من هذا العقد هو حتقيق وظيفة البنك األساسية أال وهي خلق النقود‬ ‫ وقد توصلنا إلى أن عقد احلساب‬،‫والبنك في تسوية جميع املعامالت التي تتم بني الطرفني من خالل هذا العقد‬ ‫ وأن تطبيق هذه املرتكزات التي يقوم عليها عقد احلساب‬،‫اجلاري كعقد جتاري يقوم على ثالث مرتكزات أساسية‬ .‫اجلاري املصرفي يؤدي لعدم قيام هذا األخير بوظيفته بالطريقة املطلوبة‬ ‫لذلك تدخل القضاء في تطوير قواعد هذا العقد وجتاوز املرتكزات األساسية التي يقوم عليها العقد‬ ‫ علما بأن القواعد القانونية التي تقوم عليها هذه املرتكزات قواعد‬،‫ملواكبة التطور االقتصادي لعمليات البنوك‬ ‫ وحتى يواكب‬،‫مكملة مما دفع البنوك لصياغة عقود احلساب اجلاري مبا يواكب التطور االقتصادي الذي طاله‬ ‫القانون هذا التطور قامت بعض التشريعات املقارنة بتبني بعض القواعد التي أقرها العمل القضائي واالتفاقات‬ ‫ وهذا ما جاء به مشروع القانون التجاري الفلسطيني عند تنظيمه لعقد احلساب اجلاري املصرفي‬،‫البنكية‬ ‫ ومن هنا فقد انصب البحث على‬، 1966 ‫( لسنة‬12) ‫والذي جتاوز ما كان ينص عليه قانون التجارة األردني رقم‬ .‫رصد مواطن تبني املشرع والقضاء للتوجهات احلديثة في احلساب اجلاري‬

Abstract This research tackles the current account contract which is considered the framework for offering various operations and banking services. The goal of this contract is to realize the bank core function which is the creation money. Both the customers and the bank get benefits from the settlement of the transactions between the both parties through this contract. Thus, this research concludes that the current account contract is a commercial contract based on three basic pillars. The application of the commercial pillars on the current account contract will end up with the failure of the latter to function properly. As a result, the jurisdiction has contributed in enhancing the pillars of this contract by disregarding its basic pillars in order to keep up with the economic development of banking operations. Rules of law on which these pillars based on are complementary rules. This forced banks to formulate the contracts of current account in a way that keeps up with economic development. For that reason, comparative laws adopted a number of rules which are approved by jurisdiction and banking agreements. And this is what the bill of the Palestinian commercial law has stated at in the regulation of the banking current account contract. This regulation has exceeded what was stated in the Jordanian commercial law number 12 of 1966. Based on this point this research has focused on the adoption of the law for the new trends of the current account contract.

259

‫ دولة اإلمارات العربية املتحدة‬- ‫ جامعة عجمان‬،‫تصدر عن كلية القانون‬


‫املقدمة‬ ‫تعاني املنظومة القانونية الفلسطينية من نقص كبير في التشريعات وخصوصا املتعلقة باجلانب‬ ‫االقتصادي واملالي‪ ،‬ومع مجيء السلطة الوطنية الفلسطينية حاول املشرع رغم محدودية اإلمكانيات إعادة‬ ‫بناء املنظومة القانونية التي ﲢكم اﺠﻤﻟال االقتصادي‪ ،‬للنهوض باالقتصاد الوطني والتخلص من اإلرث القانوني‬ ‫القدﱘ الذي لم يعد يواكب التطورات االقتصادية على املستوى اﶈلي والدولي‪ ،‬فبادرت إلى إنشاء سلطة النقد‬ ‫التي تعتبر مبثابة البنك املركزي‪ ،‬كما أصدرت قانون املصارف رقم (‪ )9‬لسنة ‪ ،12010‬ومع ذلك لم يتطرق املشرع‬ ‫في هذا القانون إلى العقود املصرفية وبقيت خاضعة لقانون التجارة األردني الصادر أيام احلقبة األردنية قبل عام‬ ‫‪ ،1967‬وقد بادر املشرع بوضع مشروع القانون التجاري والذي لم يرى النور بسب تعطل عمل اﺠﻤﻟلﺲ التشريعي‪.‬‬ ‫في ظل هذا الواقع حاول القضاء الفلسطيني تطويع القواعد القانونية ملواكبة التطورات االقتصادية على‬ ‫املستوى املصرفي‪.‬‬ ‫يعتبر احلساب اجلاري أداة لتسوية جل املعامالت التي تربط العميل مع املصرف‪ ،‬وبالتالي فإن احلساب‬ ‫اجلاري يعتبر الوعاء الذي يستوعب أغلب العمليات واخلدمات التي يقدمها املصرف‪ ،‬ونتيجة لذلك يلعب هذا‬ ‫احلساب دورا في إعطاء صورة واضحة عن وضعية العميل االقتصادية‪ ،‬مما يشكل منطلقا إلبرام عقود مصرفية‪،‬‬ ‫كما أن تشغيل احلساب يعود على املصرف مبداخيل هامة من خالل الفوائد والعموالت التي يحصل عليها من‬ ‫العميل في حال اتصفت العمليات املدرجة باحلساب بطابع االستمرارية‪.‬‬ ‫لذلك تسعى املصارف من خالل العقود التي تبرمها مع عمالئها إلى ضبط العالقة بينها وبني العمالء‬ ‫من خالل التأكيد على أن األمر يتعلق بعقد حساب جار‪ ،2‬ويترتب على ذلك أن هذا العقد يستقبل عمليات‬ ‫متعددة تشكل في األصل عقودا والتزامات مستقلة عن عقد احلساب‪ ،‬ولكن تقيد في اجلانب الدائن واملدين‬ ‫حسب طبيعة املدفوع‪.‬‬ ‫إن االتفاق الذي يبرمه املصرف مع العميل يكرس ما وصل إليه التطور االقتصادي والقانوني لعقد احلساب‬ ‫اجلاري من إمكانية التصرف في الرصيد املؤقت الذي يظهر فورا عند تقييد أي دين داخل احلساب اجلاري‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يتعارض مع األحكام القانونية التي جاء بها قانون التجارة األردني (‪ )12‬لسنة ‪ 31966‬التي متنع التصرف بالرصيد‬ ‫املؤقت كما تتعارض مع الوظيفة االقتصادية للعقد‪.‬‬ ‫في ظل هذه التطورات التي شهدها امليدان املصرفي وعجز قانون التجارة األردني (‪ )12‬لسنة ‪ 1966‬عن‬ ‫مواكبة هذه التطورات جاء مشروع القانون التجاري الفلسطيني كمحاولة لتبني التوجهات احلديثة في‬ ‫احلساب اجلاري التي أفرزها واقع العمل املصرفي وأقرتها أحكام اﶈاكم املقارنة‪.‬‬ ‫‪ - 1‬القرار بقانون رقم (‪ )9‬لسنة ‪ 2010‬بشأن املصارف املنشور عدد ممتاز رقم ‪ 4‬من الوقائع الفلسطينية بتاريخ ‪ ،2010/11/27‬ص ‪.5‬‬ ‫‪ - 2‬يتم إضافة بنود مطبوعة الي الشروط العامة لفتح احلساب يتم اإلشارة إليها عند فتح حساب جار‪ ،‬انظر الشروط العامة لفتح احلساب‬ ‫لدى البنك العربي فرع فلسطني‪ ،‬وبنك القدس‪ ،‬والبنك العقاري املصري‪ ،‬والعربي اإلسالمي‪ .‬ويذهب البعض إلى أنه ميكن استنباط وجود العقد‬ ‫من النية املشتركة للمتعاقدين‪ .‬انظر محمد الكيالني‪ ،‬املوسوعة التجارية واملصرفية‪ ،‬اﺠﻤﻟلد الرابع‪ ،‬عمليات البنوك "دراسة مقارنة"‪ ،‬دار‬ ‫الثقافة‪ ،‬عمان‪ ،2014 ،‬ص ‪.134-133‬‬ ‫‪ - 3‬قانون التجارة األردني رقم (‪ )12‬لسنة ‪ ، 1966‬املنشور في العدد (‪ )1910‬من اجلريدة الرسمية األردنية (احلكم األردني) ‪ ،‬بتاريخ ‪1966/03/30‬‬ ‫صفحة‪.469 ،‬‬ ‫‪260‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫أهمية الدراسة‬ ‫بناء على سبق فإن احلساب اجلاري له أهميته العملية ألنه يشكل الوعاء الذي من خالله جترى جل‬ ‫العمليات واخلدمات املصرفية‪ ،‬وأصبحت شريحة واسعة من الناس يتوفرون على حسابات جارية‪ ،‬ولكن األحكام‬ ‫القانونية املنظمة للموضوع في قانون التجارة النافذ جاءت قاصرة عن معاجلة جميع املشكالت التي يثيرها‬ ‫البحث‪ ،‬وبالتالي جاءت الدراسة كمحاولة لسد النقص في األحكام القانونية التي تنظم املوضوع‪ ،‬ومعرفة‬ ‫مدى مواكبة مشروع قانون التجارة الفلسطيني للتطورات التي طالت العقد على املستوى القانوني‬ ‫واالقتصادي‪ ،‬كما تكمن أهمية املوضوع في معرفة مصير الشخص الذي يرفض فتح حساب مصرفي له والذي‬ ‫يكون في أمس احلاجة إليه من أجل تلقي الرواتب من خالل هذا احلساب‪ ،‬حيث تشترط كل املؤسسات العامة‬ ‫واخلاصة حتويل الراتب على حساب بنكي‪ ،‬أو من أجل احلصول على دفتر الشيكات الذي يعتبر وسيلة مهمة‬ ‫للحصول على االئتمان‪.4‬‬

‫أهداف الدراسة‪:‬‬ ‫وجاءت هذه الدراسة لتركز على أحد العقود املصرفية أال وهو احلساب اجلاري املصرفي‪ ،‬وحتاول رصد‬ ‫القواعد التي حتكمه‪ ،‬والتي أرستها االتفاقات املصرفية وأقرها القضاء‪ ،‬متجاوزا نصوص التشريع الذي أصبح‬ ‫عاجزا عن مواكبة هذا التطور‪ ،‬ولتعرف اجلديد الذي جاء به مشروع القانون التجاري ومدى تبنيه للتوجهات‬ ‫احلديثة للحساب اجلاري‪.‬‬ ‫إشكالية البحث‬ ‫يطرح موضوع البحث عدة تساؤالت حول مدى تبني قانون التجارة األردني (‪ )9‬لسنة ‪ 1966‬ومشروع‬ ‫القانون التجاري التوجه احلديث في احلساب؟ وفي ظل هذا التوجه هل بقيت مرتكزات احلساب اجلاري من جتديد‬ ‫وعدم جتزئة وعمومية قادرة على متكني احلساب اجلاري من لعب دوره أم مت جتاوز هذه املرتكزات‪ ،‬ومدى إمكانية وقف‬ ‫احلساب مؤقتا واستخراج الرصيد املتوفر والتصرف فيه واحلجز عليه؟ لكي يستطيع لعب الدور املناط به رغم‬ ‫قصور التنظيم التشريعي؟ وهل يعتبر التوفر على حساب جاري حق للشخص الطبيعي؟ وما مصير الشخص‬ ‫الذي يرفض فتح حساب جاري له؟ هل من الواجب حتديد مدة الشتغال احلساب اجلاري؟ أم أنه ميكن فتح حساب‬ ‫جار دون حتديد مدة انتهائه؟ كيف يتم إغالق احلساب غير محدد املدة؟ وما هو مصير الديون املؤجلة عند إقفال‬ ‫احلساب اجلاري؟ ونتساءل هل من املمكن أن يكون احلساب اجلاري موصوفا‪ ،‬وبالتالي فتح حساب لعدة أشخاص‪،‬‬ ‫أو فتح عدة حسابات لشخص واحد؟‬ ‫الدراسات السابقة‬ ‫يوجد هناك العديد من الدراسات التي تناولت احلساب اجلاري‪ ،‬ففي مصر أبرزها كتاب الدكتور على جمال الدين‬ ‫عوض عمليات البنوك من الوجهة القانونية‪ ،‬وفي األردن كتاب الدكتور فائق الشماع احلساب املصرفي‪ ،‬ودراسة‬ ‫‪ - 4‬أمر عسكري (لالحتالل اإلسرائيلي) بشأن تعديل قانون التجارة األردني رقم (‪ )12‬لسنة ‪( 1966‬يهودا والسامرة) (رقم ‪ )889‬لسنة ‪،1981‬‬ ‫والذي حول الشيك من أداة وفاء إلى أداة ائتمان‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪261‬‬


‫الدكتور محمد لفروجي في املغرب‪ ،‬ولكن ال توجد أي دراسة عامة أو خاصة للحساب اجلاري في التشريع‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬ومن هنا جاءت الدراسة من أجل إبراز النظام القانوني الذي يحكم العقد‪.‬‬

‫املنهجية املتبعة‬ ‫لقد اتبع الباحث في هذه الدراسة املنهج الوصفي واملنهج التحليلي املقارن من خالل حتليل النصوص‬ ‫القانونية الواردة في قانون التجارة األردني رقم (‪ )12‬لسنة ‪ 1966‬واملتعلقة باحلساب اجلاري‪ ،‬وحتليل نصوص‬ ‫مشروع قانون التجارة الفلسطيني املنظمة للحساب اجلاري‪ ،‬وحتليل بعض نصوص القوانني املقارنة وخصوصا‬ ‫القانون املصري الذي اقتبس منه مشروع القانون التجاري الفلسطيني‪ ،‬كما متت املقارنة مع القانون الفرنسي‬ ‫والذي يعتبر املصدر التاريخي لقانون (‪ )12‬لسنة ‪ ،1966‬كما مت حتليل أحكام اﶈاكم العربية واملقارنة والتي عاجلت‬ ‫موضوع احلساب اجلاري‪.‬‬ ‫وبناء على ما سبق تتطلب معاجلة املوضوع تقسيمه إلى مبحثني‪:‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬ماهية احلساب اجلاري املصرفي‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬اآلثار القانونية املترتبة على تشغيل احلساب اجلاري املصرفي‬

‫‪262‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫املبحث األول‪ :‬ماهية احلساب اجلاري املصرفي‬ ‫متهيد‬ ‫إن حتديد املاهية يقتضي في البداية حتديد مفهوم احلساب اجلاري سواء في قانون التجارة رقم (‪ )12‬لسنة‬ ‫‪ 1966‬أو في مشروع القانون التجاري الفلسطيني‪ ،‬وذلك ملعرفة مدى مواكبة املشرع للمفهوم احلديث للحساب‬ ‫اجلاري الذي أقره كل من التشريع الفرنسي واملصري‪.‬‬ ‫ويقتضي أيضا حتديد صور وأشكال احلساب اجلاري املصرفي والذي قد يكون طرفه عميل واحد أو عدة‬ ‫عمالء بسبب وجودهم في وضعية واحدة‪ ،‬مما يثير التساؤل حول مدى إمكانية حتول احلساب الفردي تلقائيا بعد‬ ‫وفاة صاحبه إلى حساب شائع بني الورثة؟ وهل ميكن للعميل أن يفتح أكثر من حساب مصرفي جار في نفس‬ ‫املصرف سواء بنفس الفرع أو في عدة أفرع أخرى؟ هل يعتبر التوفر على حساب جار مصرفي لدى البنك حقا؟‬ ‫وهذا ما سنتناوله في " املطلب األول"‪.‬‬ ‫وال يكتمل هذا التحديد إال إذا تعرفنا على الطريقة التقنية والقانونية التي يتم فيها تشغيل احلساب‬ ‫اجلاري‪ ،‬والذي يتحكم في هذا التشغيل مبدأ يطلق عليه "عمومية احلساب اجلاري"‪ ،‬فما هو هذا املبدأ؟‬ ‫إن الوظيفة التي يقوم بها احلساب اجلاري كطريقة للوفاء بواسطة القيد في احلساب‪ ،‬يقتضي أن تتوافر‬ ‫في الديون املقيدة به بعض الشروط‪ ،‬منها أن تكون متبادلة‪ ،‬وعلى سبيل التمليك‪ ،‬وأن تكون مستحقة األداء‪،‬‬ ‫ومعينة املقدار‪ ،‬ومؤكدة‪ ،‬وخالية من النزاع‪ ،‬وهذا ما سنبحثه في " املطلب الثاني"‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬مفهوم احلساب اجلاري املصرفي‬ ‫إن تعريف احلساب اجلاري املصرفي يجب أن يتوافق مع الهدف الذي يسعى إلى حتقيقه هذا العقد‪ ،‬فهو‬ ‫باإلضافة إلى أنه أداة تسوية‪ ،‬هو أداة ضمان للعميل واملصرف‪ ،‬وهنا نتساءل حول قدرة التعريفات التشريعية‬ ‫على استيعاب مفهوم احلساب اجلاري املصرفي في ظل هذه الغايات " الفرع األول"‪.‬‬ ‫كما نتعرف على مدى أحقية األشخاص بفتح حساب جار‪ ،‬كما نتعرف على الصور اجملتلفة للحساب‬ ‫اجلاري املصرفي " الفرع الثاني"‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف احلساب اجلاري املصرفي‬ ‫تنص املادة (‪ )106‬من القانون التجاري (‪ )12‬لسنة ‪ 1966‬األردني على أنه " يراد بعقد احلساب اجلاري‪ ،‬االتفاق‬ ‫احلاصل بني شخصني على أن ما يسلمه كل منهما لآلخر بدفعات مختلفة من نقود وأموال وأسناد جتارية قابلة‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪263‬‬


‫للتمليك‪ ،‬يسجل في حساب واحد ملصلحة الدافع ودينا على القابض‪ ،‬دون أن يكون ألي منهما حق مطالبة اآلخر‬ ‫بكل دفعة على حدة‪ ،‬بحيث يصبح الرصيد النهائي وحده عند إقفال هذا احلساب دينا مستحقا ومهيأ لألداء"‪.5‬‬ ‫وقد جاء مشروع القانون التجاري بتعريف للحساب اجلاري قريب من التعريف السابق‪ ،‬فقد نصت املادة‬ ‫(‪ )393‬من مشروع القانون التجاري على أن" احلساب اجلاري عقد يتفق مبقتضاه طرفان على أن يقيدا في حساب‬ ‫عن طريق مدفوعات متبادلة ومتداخلة الديون التي تنشأ عن العمليات التي تتم بينهما‪ ،‬بحيث يستعيضان‬ ‫عن تسوية هذه الديون تباعا بتسوية واحدة تقع عند قفله"‪.‬‬ ‫من املالحظ أن مشروع القانون التجاري مازال ينظر إلى احلساب اجلاري بتلك النظرة القدمية التي كانت‬ ‫جتعل رصيد هذا احلساب غير قابل للتصرف فيه قبل إقفال احلساب بصفة نهائية‪.‬‬ ‫وبالتالي فالتساؤل املطروح حول مدى قدرة هذا التعريف على استيعاب مدلول احلساب اجلاري املفتوح‬ ‫لدى مؤسسة مصرفية؟‬ ‫احلساب اجلاري يعتبر أداة لتسوية احلقوق والديون الناشئة عن العمليات اجلارية واملتبادلة بشكل مستمر‬ ‫بني الطرفني‪ ،‬والطريق الوحيد لهذه التسوية هو اتفاق الطرفني على أـن حق كل منهما يندمج في الرصيد‪،6‬‬ ‫وهذا االندماج مع الرصيد يتم بشكل فوري مبوجب النظرية احلديثة‪ ،‬على عكس النظرية التقليدية التي ال‬ ‫تندمج فيها املفردات إال عند إقفال احلساب وعمل تسوية نهائية‪.‬‬ ‫ولكن التساؤل املطروح هل تبنى مشروع القانون اجلديد املفهوم اجلديد للحساب اجلاري؟‬ ‫بالرجوع إلى املادة (‪ )393‬من مشروع القانون التجاري جند أنه تبنى النظرية التقليدية للحساب اجلاري‪،‬‬ ‫ولكن املادة (‪ )397‬من نفس املشروع تنص على أنه "يجوز وقف احلساب مؤقتا أثناء سيره لبيان مركز كل من‬ ‫الطرفني وذلك في املواعيد التي يتفق عليها الطرفان‪ ،‬أو يحددها القانون ويكون لكل طرف أن يتصرف في الرصيد‬

‫‪ -5‬وقد رفضت محكمة التمييز األردنية تكييف أي عالقة متبادلة بني البنك والعميل على أنها حساب جار إذا لم تتوافر فيها خصائص‬ ‫احلساب الواردة في التعريف فذهبت إلى أن " ‪- 1‬احلساب اجلاري هو اتفاق بني شخصني على أن ما يسلمه كل منهما لآلخر بدفعات مختلفة‬ ‫من نقود وأموال وأسناد جتارية قابلة للتمليك يسجل في حساب واحد ملصلحة الدافع ودينا على القابض دون أن يكون ألي منهما حق مطالبة‬ ‫اآلخر مبا سلمه له بكل دفعة على حدة بحيث يصبح الرصيد النهائي وحده عند إقفال هذا احلساب دينا مستحقا ومهيئا لألداء‪ ،‬عمال بنص‬ ‫املادة ‪ 106‬من قانون التجارة رقم ‪ 12‬لسنة ‪. 1966‬‬ ‫‪ -2‬يتوقف مدى احلساب اجلاري على إرادة املتعاقدين فلهما أن يجعاله شامال جلميع معامالتهما أو لنوع معني منها فقط‪ ،‬عمال بنص املادة‬ ‫‪ 107‬من قانون التجارة رقم ‪ 12‬لسنة ‪.1966‬‬ ‫‪ -3‬عمال بنص الفقرتني األولى والثانية من املادة ‪ 112‬من قانون التجارة رقم ‪ 12‬لسنة ‪ 1966‬فانه ال يعد أحد الطرفني‬ ‫دائنا أو مدينا للفريق اآلخر قبل ختام احلساب اجلاري‪ ،‬إذ أن إيقاف هذا احلساب هو وحده الذي يحدد حالة العالقات القانونية‬ ‫بني الطرفني وهو الذي تنشأ عنه حتما املقاصة االجتماعية جلميع بنود احلساب من تسليف واستالف وهو الذي يعني الدائن واملدين ‪.‬‬ ‫‪-4‬اذا كانت العالقات بني الطرفني املدعي واملدعى عليهما ال تقوم على أساس فتح حساب جار للمدعى عليهما لدى البنك‬ ‫املدعي وإمنا لفتح اعتماد مستندي غير قابل للنقض باملبلغ املذكور باالعتماد وقام البنك املدعي بدفع هذا املبلغ عن املدعى عليها األولى‬ ‫فيكون املبلغ املذكور والذي استحق بالتاريخ اﶈدد باالعتماد دين بذمة املدعى عليهما وال يحتاج إلى قفل أو ختام أو إيقاف كاحلساب اجلاري‬ ‫ألنه مبلغ محدد ومعلوم ويستحق الدفع بتاريخ محدد بفائدة وعمولة معلومة حسب الشرط الوارد في طلب فتح االعتماد املبرز بالدعوى‬ ‫وتعليمات وأوامر البنك املركزي‪ .‬وال يغير من ذلك قيام املدعى عليهما بدفع قيمة التأمني املقتطع لتنفيذ االعتماد ودفعتني مببالغ بسيطة‬ ‫كتسديد جزئي من الرصيد املستحق الن الدين محدد املقدار ومحدد االستحقاق"‪.‬‬ ‫ قرار محكمة التميز األردنية ‪ 1989/1068‬مجلة اﶈامني األردنيني ‪ ،1991‬ص‪.1333‬‬‫‪ - 6‬الياس ناصيف‪ ،‬احلساب اجلاري في القانون املقارن‪ ،‬سلسلة أبحاث قانونية مقارنة‪ ،‬دون ذكر دار النشر‪ ،‬بيروت‪ ،1992 ،‬ص‪12‬‬ ‫‪264‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫الدائن الذي قد يظهر في الوقف املؤقت في أي وقت مالم يتفق على غير ذلك"‪ ،‬ومن هنا جند أن املشروع التجاري‬ ‫تبنى النظرية احلديثة للحساب اجلاري وإن لم يشر لها في التعريف‪.7‬‬ ‫ومن خالل ما سبق ومبا جرى عليه العمل املصرفي‪ 8‬نقترح إعطاء تعريف لعقد احلساب اجلاري املصرفي‬ ‫بحيث يكون " اتفاق املصرف مع العميل على حتويل الديون واحلقوق الناشئة عن عالقتهما املتبادلة إلى قيود في‬ ‫احلساب ودمجها على شكل أبواب دائنة ومدينة‪ ،‬على أنه يجوز استخراج الرصيد املؤقت لفائدة أحد الطرفني‬ ‫في أي وقت"‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬فتح احلساب اجلاري املصرفي‬ ‫قد يفتح البنك حساب لشخص واحد ومن املمكن أن يشترك اكثر من شخص في نفس احلساب وقد تتعدد‬ ‫احلسابات املصرفية لنفس الشخص‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬فتح احلساب اجلاري‬ ‫تختلف الشروط التي تتطلبها سلطة النقد واملصارف عند فتح احلساب‪ ،‬بحسب إذا ما تعلق األمر بشخص‬ ‫طبيعي أو معنوي نظرا لقيام العقد على االعتبار الشخصي‪.‬‬ ‫‪ -1‬فتح حساب جار لشخص طبيعي‬ ‫يالحظ من خالل املادة (‪ )106‬من القانون التجاري األردني رقم (‪ )12‬لسنة ‪ 1966‬واملادة (‪ )393‬من مشروع‬ ‫القانون التجاري الفلسطيني أن ما مييز احلساب اجلاري كونه يشكل عقدا يبرم بني املصرف وعميله من أجل‬ ‫تسوية ديونهما املتبادلة الناجتة عن معاملتهما احلالية واملستقبلية‪ ،‬فهذا العقد يقوم على االعتبار الشخصي‪،‬‬ ‫إذ أن لشخصية املتعاقدين أثر في إبرامه‪ ،‬ذلك ألن آثاره تتضمن مخاطر ال يقبل عليها طرفاه إال ا بوجود الثقة‬ ‫املتبادلة‪ ،‬إذ قد يتعرض البنك جملاطر عدم احلصول على حقه إذا كان الطرف اآلخر وقت قفل احلساب معسرا‪،‬‬ ‫ولذلك من املفروض أن يقوم بإجراء حتريات عميقة عن عميله قبل اإلقدام على فتح حساب له‪ ،‬وغالبا ما يرفض‬ ‫البنك فتح احلساب عندما يتبني أن املقصود منه اإلضرار بالغير وذلك حرصا على سمعته وسمعة عمالئه‪.9‬‬ ‫وبناء على هذه اخلاصية ألزمت سلطة النقد املصارف مبتطلبات احلد األدنى من املعلومات التي يجب أن‬ ‫يحصل عليها البنك من عميله‪ ،‬وذلك مبوجب تعليمات رقم (‪ 10)2009/8‬في فقرتها األولى والتي جاءت حتت عنوان‬

‫‪ -7‬للمزيد من التفصيالت حول مبدأ عدم التجزئة نحيل للمبحث الثاني من هذا البحث عندما نتناوله بالتحليل كأثر لدخول الدين للحساب‬ ‫اجلاري املصرفي‪.‬‬ ‫‪ http://www.bankofpalestine.com/ar/retail/accounts/current -- 8‬موقع بنك فلسطني‬ ‫ ‪ http://www.qudsbank.ps/page/current-account‬موقع بنك القدس فلسطني‬‫ ‪ http://ahli.com/palestine/arabic/Current_Checking_Account_pl_ar.shtm#1‬موقع البنك األهلي األردني فلسطني‬‫ ‪ /http://www.arabbank.ps/ar‬موقع البنك العربي فلسطني‬‫‪ -9‬د‪ .‬سميحة القليوبي‪ ،‬الوسيط في شرح قانون التجارة املصري‪ ،‬الطبعة اخلامسة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2007 ،‬ص‪.891-890‬‬ ‫‪ - 10‬منشور على موقع سلطة النقد الفلسطينية ‪http://www.pma.ps/ar-eg/home.aspx‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪265‬‬


‫تعليمات فتح احلسابات للعمالء وحتديثها وإغالقها‪ .‬إن الهدف من احلصول على هذه املعلومات هو التأكد من‬ ‫مالءمة العميل ملثل هذا العقد‪ ،‬ومن أبرز هذه الواجبات‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪-2‬‬ ‫‪-3‬‬ ‫‪-4‬‬ ‫‪-5‬‬ ‫‪-6‬‬ ‫‪-7‬‬

‫احلصول على املعلومات والبيانات واملستندات الكافية لتحقيق متطلبات "اعرف عميلك"‪ ،‬وهذه‬ ‫املستندات تختلف باختالف الشكل القانوني للجهة مقدمة طلب احلساب‪ ،‬ويجب على موظف‬ ‫البنك اجملتص أن يتأكد من املستندات األصلية ومقارنتها مع املرفقات‪ ،‬وكافة البيانات املقدمة لغايات‬ ‫فتح احلساب مبا في ذلك نشاط العميل التجاري والصناعي‪.‬‬ ‫عملية فتح احلساب تكون على النماذج اخلاصة بالبنك والتي يتعني تعبئتها وتوقيعها من قبل‬ ‫العمالء‪.‬‬ ‫توقيع العميل على إقرار يسمح مبوجبه للمصرف بتزويد سلطة النقد بالبيانات الالزمة ألغراض‬ ‫الرقابة‪ ،‬وتوقيع إقرار آخر يسمح للمصرف باالستعالم عنه لدى مكتب معلومات االئتمان في حال‬ ‫رغبته احلصول على ائتمان من املصرف أو دفتر شيكات‪.‬‬ ‫التأكد من مصداقية العميل فيما يتعلق بإصدار شيكات وااللتزام بتسديد قيمتها‪.‬‬ ‫إقرار من قبل فاحت احلساب بأنه املالك األصلي واملستفيد الوحيد من فتح احلساب‪ ،‬وإقراره بعدم ايداع‬ ‫مبالغ مجهولة املصدر أو مشبوهة‪.11‬‬ ‫عدم حصر مهام عملية فتح احلساب مبوظف واحد‪ ،‬بحيث يقوم موظف بتعبئة الطلب وموظف آخر‬ ‫مبراجعته‪ .‬كما يصادق املسؤول الرئيسي للفرع على كل احلسابات التي يتم فتحها باليوم‪.‬‬ ‫يتم ربط رقم احلساب الرئيسي وامللف األساسي برقم هوية العميل أو جواز سفره بالنسبة‬ ‫لألشخاص الطبيعني‪ ،‬ورقم تسجيله بالنسبة لألشخاص املعنويني‪.‬‬

‫لذلك ألزمت تعليمات رقم (‪ )2009/8‬الصادرة عن سلطة النقد الفلسطينية املصرف عند تقدم شخص‬ ‫لفتح حساب لديه‪ ،‬أن يضع التوقيع اخلاص بالعميل أو البصمة على منوذج بطاقة التوقيع‪ ،‬وأن يحصل على‬ ‫صورة عن إثبات الشخصية‪ ،‬وتوقيع شاهدي عدل على البصمة بالنسبة للعميل األمي واملكفوف‪ ،‬كما يجب‬ ‫ربط رقم احلساب الرئيسي برقم هوية العميل‪.12‬‬ ‫ولكن في ظل هذا الطابع الشخصي هل ميكن إلزام املصرف بفتح حساب لشخص في حال رفض طلبه‬ ‫بفتح حساب جار؟‬ ‫‪ - 11‬وهذا يتناقض مع الشروط التي تضعها املصارف لفتح احلساب‪ ،‬فعلى سبيل املثال البند اخلامس من الشروط العامة التي تخضع لها‬ ‫جميع احلسابات املفتوحة لدى البنك العربي فرع فلسطني تنص على أنه " يوافق املعتمد على أية إيداعات قد تتم في حسابه من الغير سواء‬ ‫كان االيداع نقدا أو أوراقا جتارية أو حواالت واردة شريطة موافقة البنك على قبول هذه االيداعات"‪ ،‬فكيف ميكن للعميل مراقبة ما يدخل حسابه‬ ‫من أموال ومعرفة مصدرها إذا لم يعلمه املصرف مسبقا بهذه اإليداعات ويطلب موافقته عليها‪.‬‬ ‫‪ - 12‬يجب على العميل أن يقوم شخصيا بعمليات السحب وااليداع في احلساب مهما كانت األداة املستخدمة في ذلك‪ ،‬ولكن بإمكانه أن‬ ‫يفوض شخصا آخر بالسحب واإليداع‪ ،‬وبهذا الشأن تنص املادة ‪ 22‬من الشروط العامة لفتح احلساب لدى البنك العربي على إن " أية وكالة أو‬ ‫تفويض قد يصدره املعتمد بعد فتح احلسابات عاما كان أو خاصا إذا كان من شأنه أن يتيح للوكيل أو املفوض التصرف بحسابات املعتمد‬ ‫يبقى نافذا إلى حني قيام املعتمد بإخطار البنك خطيا بخالف ذلك"‪.‬‬ ‫كما منح البنك لنفسه ودون أي إلزام عليه اعتماد أي تفويض أو توكيل مصادق على صحة التوقيع الذي يعود للعميل من املراجع الرسمية‬ ‫ألي دولة أو البنو ك املراسلة حتى لو كان توقيع املعتمد غير مطابق لنموذج التوقيع اﶈفوظ لدى البنك (املادة ‪ )23‬من الشروط العامة لفتح‬ ‫احلساب لدى البنك العربي فرع فلسطني‪ .‬أعتقد أن مثل هذا الشرط فيه خطورة على حقوق مودعي األموال لدى البنك خصوصا إذا ما مت تزوير‬ ‫توقيع العميل‪ ،‬فيجب على البنك في مثل هذه احلاالت االتصال بعميله والتأكد من صحة التفويض‪.‬‬ ‫‪266‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫بالرجوع إلى تعليمات سلطة النقد (‪ 13)2012/3‬والتي جاءت حتت عنوان حساب لكل مواطن وتهدف هذه‬ ‫التعليمات إلى حﺚ املصارف لتشجيع املواطنني ذوي الدخل اﶈدود واملتوسط على فتح حسابات أساسية‪ ،‬من‬ ‫أجل حتسني ظروف معيشتهم من خالل منحهم قروضا وائتمانات صغيرة تتناسب مع ميزانياتهم مثل بطاقات‬ ‫االئتمان وغيرها من املنتجات املصرفية‪ ،‬كما تسعى هذه التعليمات إلى منح فرصة للعمالء الذين مروا بحاالت‬ ‫تعثر في السابق من أجل إعادة التعامل مع املصارف ‪.‬‬ ‫ومن أجل حتقيق هذا الهدف أوجبت هذه التعليمات على املصارف اتباع منهجية فعالة للوصول إلى‬ ‫املواطنني الذين ال ميلكون حسابا مصرفيا‪ ،‬كتقدمي منتجات غير معقدة تتناسب مع احتياجاتهم وبتكاليف‬ ‫معقولة‪ ،‬وتسهيل شروط فتح احلساب في املصارف‪ ،‬وعدم فرض أي رسوم‪ ،‬وإلغاء رصيد احلد األدنى‪ ،‬ونشر الثقافة‬ ‫والتوعية املصرفية‪ ،‬وبشكل عام تقدمي محفزات مناسبة لتشجيع الفئات غير املتعاملة مع املصارف‪.‬‬ ‫ومثل هذه احلسابات تعطي للعميل خدمات الصندوق فقط من إيداع وسحب أموال من خالل الصندوق‬ ‫أو الصراف اآللي أو التحويل‪ ،‬وتوفير خدمة صناديق احلفظ األمني‪ .‬يالحظ من خالل الوظائف التي يقوم بها‬ ‫احلساب أنه ال مينح عنه دفتر شيكات‪ ،‬نظرا خلطورة التعامل بالشيك في فلسطني والذي حوله األمر العسكري‬ ‫إلى أداة ائتمان‪ ،‬وبالتالي هذا النوع من احلسابات يوفر حدا أدنى من اخلدمات‪.‬‬ ‫من خالل صيغة الوجوب التي جاءت بها الفقرة األولى من التعليمات ميكن أن نستنتج أن التوفر على‬ ‫حساب مصرفي أصبح حقا لكل مواطن فرد‪ ،14‬ولكن هذا احلق كرس بشكل واضح في القانون الفرنسي‪ ،‬ففي‬ ‫مقابل حق البنك برفض فتح حساب جار للشخص الذي تختل فيه الثقة‪ ،‬أعطى املشرع الفرنسي مبقتضى‬ ‫قانون ‪ 29‬يوليو ‪ 1998‬في املادة (‪ )137‬احلق لكل شخص طبيعي يقطن في فرنسا بفتح حساب ودائع في‬ ‫مؤسسة مصرفية باختياره‪ ،‬أو لدى مصلحة بريدية‪ ،‬أو لدى اخلزينة‪.15‬‬ ‫ولكن يجوز أن يكون صاحب احلساب اجلاري شخصا معنويا مهما كانت طبيعته ما دام يتمتع‬ ‫بالشخصية القانونية‪.‬‬

‫‪ - 13‬منشور على موقع سلطة النقد ‪http://www.pma.ps/ar-eg/home.aspx‬‬ ‫‪ -14‬فقد استثنت الفقرة السابعة من تعليمات سلطة النقد رقم (‪ )2012/3‬بعض األشخاص من نطاق تطبيق هذه التعليمات وهم‪:‬‬ ‫األفراد الذين تزيد عدد احلركات الشهرية في حساباتهم اجلارية عن عشر حركات سحب وايداع‪ ،‬أو في حال التوفر على ودائع ألجل‪ ،‬واألفراد‬ ‫احلاصلون على تسهيالت ألغراض استهالكية‪ ،‬واألفراد احلاصلون على تسهيالت استثمارية طويلة األجل‪ ،‬واالشخاص االعتباريون بكافة‬ ‫أشكالهم القانونية‪.‬‬ ‫‪15- Modifié par Loi n°98-657 du 29 juillet 1998 - art. 137 JORF 31 juillet 1998‬‬ ‫‪« Toute personne physique résidant en France, dépourvue d'un compte de dépôt, a droit à l'ouverture d'un tel compte dans‬‬ ‫» …‪l'établissement de crédit de son choix ou auprès des services financiers de La Poste ou du Trésor public‬‬ ‫نشأ مفهوم احلق في احلساب مع القانون الفرنسي الصادر بتاريخ ‪ 24‬يناير ‪ 1984‬الذي فسح اﺠﻤﻟال امام االفراد الذين رفض الطلب الذي‬ ‫تقدموا به لفتح حساب من طرف عدة مؤسسات مصرفية وسمح لهم أن يتوجهوا إلى البنك املركزي لطلب تعيني أحد املصارف‪ ،‬وذلك في‬ ‫املادة ‪ 58‬من القانون‪.‬‬ ‫‪- HUGON (Christine), Le droit au compte, Mélanges Michel Cabrillac, 1999, p.483.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪267‬‬


‫‪ -2‬فتح حساب جار لالشخاص املعنويني‬ ‫أ‪ -‬احلسابات اجلارية للشركات واملؤسسات والهيئات‬ ‫نظمت التعليمات رقم (‪ )2009/8‬احلسابات اجلارية اخلاصة باألشخاص املعنويني‪ ،‬فيما يتعلق بالشخص‬ ‫املعنوي فإن املؤسسة املصرفية ملزمة أيضا بالتحقق من الوجود القانوني للشخص املعنوي‪ ،‬قبل أن تفتح له‬ ‫حسابا مصرفيا باسمه‪ ،‬ويتم هذا التحقق عن طريق مطالبة املمثل القانوني لهذا الشخص باإلدالء مبا يثبت‬ ‫إمتام إجراءات التأسيس بالكيفية التي ينص عليها القانون اجلاري به العمل بالنسبة لكل شخص معنوي على‬ ‫حدة‪ .‬أي حسب ما إذا كان األمر يتعلق بشركة أو مؤسسة أو جمعية إلى غير ذلك‪ .‬ونكتفي باإلشارة إلى حساب‬ ‫الشركات واجلمعيات اخليرية والتعاونية والهيئات اﶈلية‪.‬‬ ‫• الشركات املساهمة العامة واخلاصة‬ ‫يجب على املصرف استكمال املستندات التالية عند فتح احلساب للشركات املساهمة العامة واخلاصة‪.16‬‬ ‫ صورة مصدقة من السجل التجاري‪.‬‬‫ صورة مصدقة ومحدثة من عقد التأسيس والنظام الداخلي‪.‬‬‫ قائمة محدثة باألشخاص املفوضني بالتوقيع وفق شهادة التسجيل وصالحياتهم وشروط حتريك‬‫احلساب‪.‬‬ ‫ قرار مجلس اإلدارة املتعلق باملوافقة على فتح احلساب‪.‬‬‫ منوذج يحمل اسم الشركة وعنوانها وخامتها الرسمي‪.‬‬‫ تعهد خطي من قبل مجلس اإلدارة بضرورة إجراء ما يلزم لدى املصرف في حال حدوث أي تغييرات‬‫بخصوص املفوضني بالتوقيع‪.‬‬ ‫يكون التعامل على هذه احلسابات بواسطة املفوض بالتوقيع عن الشركة وبحدود صالحياته‪ ،‬وال تعتبر هذه‬ ‫احلسابات حسابات مشتركة وإمنا حسابات شخصية ألشخاص معنويني‪.‬‬ ‫• حسابات اجلمعيات اخليرية والتعاونية‬ ‫اشترطت التعليمات رقم (‪ )2012/8‬والتي عدلت التعليمات (‪ )2009/8‬والصادرة عن سلطة النقد‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬لفتح حساب للجمعيات اخليرية والتعاونية والهيئات ما يلي‪:‬‬ ‫ شهادة تسجيل للجمعية اخليرية أو التعاونية أو الهيئة األهلية صادرة من وزارة الداخلية أو جهة‬‫االختصاص حسب القانون‪.‬‬ ‫‪ - 16‬تنص الشروط اخلاصة بفتح حساب جار لدى بنك القدس فرع فلسطني على أنه "‪ -6 ...‬في حالة كون صاحب احلساب من األشخاص‬ ‫احلكمية (االعتبارية) فعليه تزويد البنك مبا يلي‪:‬‬ ‫أ‪ -‬عقد تأسيسه ونظامه األساسي وشهادة تسجيله‪.‬‬ ‫ب‪ -‬قائمة بأسماء املفوضني بالتوقيع على احلساب منظمة ومعتمدة حسب األصول وشروط ومناذج تواقيع املفوضني املعدة من قبل البنك‬ ‫لهذا الغرض‪.‬‬ ‫ت‪ -‬يلتزم صاحب احلساب بإبالغ البنك عن أي تعديل يطرأ على اسماء املفوضني بالتوقيع على احلساب ويتحمل كافة املسؤوليات املترتبة مبا‬ ‫في ذلك القانونية واملالية الناجمة عن تقصيره في تنفيذ ذلك في حينه"‬ ‫‪268‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ نسخة من النظام األساسي للجمعية اخليرية أو التعاونية مصادقا عليه من وزارة الداخلية أو اجلهة‬‫ذات االختصاص‪.‬‬ ‫ التحقق عند فتح حسابات للجمعيات اخليرية والهيئات األهلية من الوضع القانوني للجمعية‬‫‪17‬‬ ‫واملفوضني بالتوقيع عنها‪.‬‬ ‫وأيضا هذه احلسابات ال تعتبر من احلسابات املشتركة وإمنا هي حسابات لهيئات تتمتع بشخصية معنوية‪ ،‬وهذا‬ ‫ما يدعوا للحديث عن احلسابات املشتركة‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬فتح حساب واحد الكثر من شخص‬ ‫قد يتم فتح حساب جار مصرفي ألطراف متعددة بسبب وجودهم في وضعية واحدة‪ ،‬حيث يكون لكل‬ ‫طرف حق في هذا احلساب‪ ،‬كما هو الشأن في احلالة التي يتوفى صاحب احلساب مما يفرض انتقال هذا احلساب‬ ‫من شخص واحد إلى الورثة انتظارا ملا تسفر عنه قسمة التركة‪.‬‬ ‫األصل في احلساب الشائع الناجت عن وفاة صاحب احلساب أن يكون بغير تضامن بني أصحابه ‪ ،‬ومن ثم إذا‬ ‫أصبح احلساب مدينا‪ ،‬فيكون على البنك الرجوع إلى كل منهم النتفاء التضامن بينهم‪ ،‬األمر الذي يوجب على‬ ‫املصرف معرفة حصة كل شريك من الشركاء‪ ،‬وينتهي احلساب الشائع بانتهاء حالة الشيوع بالقسمة بني‬ ‫املستحقني ‪ ،‬ومن ثم ال تبرأ ذمة البنك إال ا بتوزيع الرصيد الدائن املوجود في احلساب الشائع على املستحقني‬ ‫كل بحسب نصيبه في القسمة‪.‬‬ ‫بالرجوع إلى املادة (‪ )338‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني جندها تنص في فقرتها األولى على أنه"‬ ‫يجوز أن يفتح املصرف حسابا مشتركا بني شخصني أو أكثر بالتساوي فيما بينهم‪ ،‬ما لم يتفق على غير ذلك‪.‬‬ ‫ويفتح احلساب املشترك بناء على طلب أصحابه جميعا‪ ،‬وال يجوز السحب من هذا احلساب إال مبوافقتهم‬ ‫جميعا‪ ،‬ما لم يتفق على غير ذلك"‪ .18‬ومعنى ذلك أن املشرع لم ينظم احلساب الشائع الناجت عن وفاة صاحب‬ ‫احلساب األصلي‪ ،‬والدليل على ذلك أن املشرع وبنفس القانون نص في املادة (‪ )401‬في الفقرة الثالثة على أنه "‬ ‫في جميع األحوال يقفل احلساب اجلاري بوفاة أحد طرفيه أو شهر إفالسه أو إعساره أو احلجر عليه"‪.‬‬ ‫وبالتالي فإن استمرار املصرف في عالقته مع ورثة صاحب احلساب اجلاري املتوفى أمر اختياري ما دام هذا‬ ‫احلساب يقفل ويصفى عند الوفاة‪ ،‬ولكن يبقى مفتوحا لغايات التصفية فقط ال غير‪ .19‬وإذا أراد ورثة صاحب‬ ‫احلساب فتح حساب مشترك فيما بينهم يجب عليهم االتفاق ابتداء على فتح مثل هذا احلساب وفق مفهوم‬ ‫املادة (‪ )338‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني‪.20‬‬ ‫ومن هنا كنا نتمنى على املشرع الفلسطيني أن يتناول احلساب الشائع بالتنظيم وخصوصا بالفترة‬ ‫الفاصلة بني قفل احلساب بسبب الوفاة وتصفيته نهائيا‪.‬‬ ‫‪ - 17‬راجع تعليمات (‪ )200/8‬واملتعلقة بفتح احلسابات وإغالقها واحلسابات اجلامدة والسرية املصرفية واحلواالت وصناديق األمانات‪ ،‬منشور‬ ‫على موقع سلطة النقد الفلسطينية‪.‬‬ ‫‪ - 18‬ويرى بعض الفقه أن احلساب الشائع هي الصورة التي قام بتقنينها املشرع في هذه املادة وهي التي ال تقوم على التضامن السلبي‬ ‫وااليجابي‪ - .‬جديع فهد الرشيدي‪ ،‬الودائع املصرفية في القانون املصري واملقارن‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬جامعة املنصورة‪ ،2002 ،‬ص ‪.307‬‬ ‫‪ - 19‬د‪ .‬محمد لفروجي‪ ،‬العقود البنكية بني مدونة التجارة والقانون البنكي‪ ،‬ط‪ ،2‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2001 ،‬ص ‪.147‬‬ ‫‪ - 20‬ولكن من املتصور أن يكون احلساب اجلاري شائعا بني أصحابه منذ فتحه‪ ،‬كما هو احلال للحساب اجلاري املصرفي املفتوح لشركاء في‬ ‫شركة محاصة‪ ،‬ويالحﻆ أن شركة اﶈاصة ليس لها شخصية اعتبارية‪ ،‬ومن ثم ال يجوز فتح حساب باسمها بيد أنه يجوز فتح حساب باسم‬ ‫الشريك الذي يباشر عمليات الشركة‪ ،‬كما ﳝكن فتح احلساب باسم جميع الشركاء الذين يباشرون عمليات شركة اﶈاصة‪.‬‬ ‫ د جمال الدين عوض‪ ،‬عمليات البنوك من الوجهة القانونية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة‪ ،2000 ،‬ص‪.220‬‬‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪269‬‬


‫وهناك نوع آخر من احلساب اجلماعي هو احلساب املشترك سواء كان مع التضامن السلبي‪ ،‬أو احلساب‬ ‫املشترك مع التضامن اإليجابي‪ ،‬وهذا النوع نصت عليه املادة (‪ )338‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني‪.‬‬ ‫فالنوع األول يكون مفتوحا ألكثر من عميل في مواجهة البنك‪ ،‬ويشترط البنك عند إبرام اتفاقية احلساب‬ ‫على أصحاب احلساب أن يكونوا ملتزمني قبله بالتضامن عن الرصيد املدين الذي ينجم عنه‪ ،‬وبالتالي يحق للبنك‬ ‫مطالبة أي مشتاع بكل الرصيد‪ ،‬فال يجب على البنك العلم بحصة كل شريك‪ ،‬واحلساب الشائع يستلزم‬ ‫إجماعا من أصحابه في تشغيله‪ ،‬بعكس اإليداع الذي يجوز أن يقوم به أي واحد من أصحاب احلساب‪ 21.‬وانطالقا‬ ‫من ذلك ال يستطيع أحد أصحاب احلساب الشائع السحب من احلساب منفردا بصفته الشخصية طاملا لم‬ ‫يكن يحمل وكالة للتصرف بالرصيد باألصالة عن نفسه وبالنيابة عن غيره‪.22‬‬ ‫أما النوع الثاني فهو احلساب املشترك التضامني (التضامن اإليجابي) والذي يعطي لكل أطراف احلساب‬ ‫املتعددين سلطة تشغيل احلساب بتوقيعه‪ ،‬دون ضرورة موافقة بقية الشركاء في احلساب‪ ،‬ويجوز ألحد الشركاء‬ ‫إنذار البنك ملنع أي شريك من السحب من احلساب‪ ،‬ويسأل البنك في حالة الدفع بعد اإلنذار‪ ،‬وهذا ما نصت‬ ‫عليه املادة (‪ )338‬في فقرتها الثالثة "‪ -3 ...‬إذا أخطر أحد أصحاب احلساب املشترك املصرف كتابة بوجود خالف‬ ‫بينهم‪ ،‬وجب على املصرف جتميد احلساب حتى تتم تسوية اخلالف رضاء أو قضاء"‪.23‬‬ ‫كما أنه يجوز توقيع احلجز على احلساب املشترك لدين على بعض الشركاء ولكن في حدود نصيبه‬ ‫فقط‪ ،24‬أما إذا كان احلجز على جميع الشركاء فإنه يسري على جميع أموال احلساب املشترك‪ ،‬ومن يوم إبالغ‬ ‫املصرف باحلجز يجب عليه أن يوقف السحب من احلساب اجلاري بحدود احلصة اﶈجوزة‪ ،‬ويجب عليه إبالغ جميع‬ ‫الشركاء باحلساب أو من ميثلهم بوقوع احلجز خالل مدة خمسة أيام‪.25‬‬ ‫أما إذا توفي أحد أطراف احلساب املشترك أو فقد أهليته فعلى باقي األطراف إخطار املصرف بذلك‪ ،‬مع‬ ‫إعالن رغبتهم في االستمرار بتشغيل احلساب املشترك أو قفله خالل مدة ال تتجاوز ‪ 10‬أيام‪ .26‬ويجب على املصرف‬ ‫جتميد احلساب حتى يتم حتديد الورثة وال يترتب على ذلك حلول ورثته محله تلقائيا ألن هذا العقد قائم على‬

‫‪ - 21‬د عبد الرحمن سيد قرمان‪ ،‬عمليات البنوك طبقا لقانون التجارة اجلديد‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ ،2000 ،‬ص ‪.190‬‬ ‫‪ - 22‬د‪ .‬علي البارودي‪ ،‬العقود التجارية وعمليات البنوك‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1999 ،‬ص‪.302‬‬ ‫‪- 22‬د‪ .‬محمد حسن اجلبر‪ ،‬العقود التجارية وعمليات البنوك‪ ،‬مطابع جامعة امللك سعود‪ ،‬الرياض ط‪ ،1997 ،2‬ص‪227‬‬ ‫‪ - 23‬تدرج البنوك شرطا صريحا في بنود طلب فتح احلساب تنص من خالله على أن نشوء نزاع يتعلق باحلساب فيما بني العمالء أو جميعهم‬ ‫سبب من أسباب جتميد أو إغالق احلساب فور إبالغ أي من عمالء البنك بذلك‪.‬‬ ‫ انظر شروط طلب فتح احلساب لدى البنك العقاري املصري فرع فلسطني املادة ‪15‬‬‫‪ - 24‬علي البارودي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.303‬‬ ‫‪ - 25‬تنص املادة (‪ )338‬من مشروع القانون التجاري على أنه " ‪ -4...‬إذا وقع حجز على رصيد أحد أصحاب احلساب املشترك‪ ،‬سرى احلجز على‬ ‫حصة اﶈجوز عليه من رصيد احلساب يوم إبالغ املصرف باحلجز‪ ،‬وعليه وقف السحب من احلساب املشترك مبا يساوي احلصة اﶈجوز عليها‪،‬‬ ‫وإخطار أصحابه أو من ميثلهم باحلجز خالل مدة ال جتاوز خمسة أيام"‪.‬‬ ‫وهذا ما كرسته شروط طلب فتح احلساب في البنك العقاري املصري العربي فرع فلسطني‪ ،‬حيث نص البند ‪ 15‬منه في الفقرة ه على أنه "‬ ‫يجمد أو يغلق احلساب حسب مقتضى احلال لدى حدوث أي من احلاالت املدرجة في الفقرات من (‪...... )1-6‬‬ ‫‪-2‬وقوع حجز قضائي أو إداري حتت يد البنك على حصة عميل أو أكثر وفي هذه احلالة يجمد البنك حصة اﶈجوز عليه ونقلها إلى حساب خاص‬ ‫يفتح لهذه الغاية أو حتول احلصة اﶈجوزة للجهة طالبة احلجز حسب مقتضى احلال‪"....‬‬ ‫‪ -26‬الفقرة الرابعة من املادة (‪ )338‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني‪.‬‬ ‫‪270‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫االعتبار الشخصي‪ 27.‬ويذهب بعض الفقه‪ 28‬إلى أن احلساب ال يجمد وال يوقف إذا كان ورثة املتوفي هم باقي‬ ‫أطراف احلساب‪.29‬‬ ‫تذهب بعض البنوك إلى اعفاء نفسها من املسؤولية في حال عدم اتخاد اإلجراءات املناسبة إذا وقعت‬ ‫إحدى احلاالت التي قد تؤدي إلى إغالق احلساب أو جتميده‪.30‬‬ ‫ولكن ما هو االثر املترتب على هذا الشرط املعفي من املسؤولية عنها؟‬ ‫يرى الباحث أن املسؤولية امللقاة على عاتق البنك إذا ما أخل بالواجبات املفروضة عليه بالعقد هي‬ ‫مسؤولية عقدية ومادام أن البنك قد أعفي نفسه منها فأنه ال يتحمل املسؤولية‪ ،‬إال إذا ارتكب غشا أو خطأ‬ ‫جسيما‪ ،‬حيث إن هذه األخطاء ال يجوز االتفاق على خالفها ألنها تدخل في نطاق املسؤولية التقصيرية‪ ،‬ومادام‬ ‫أن البنك مهني محترف فإن ما يعتبر خطأ يسيرا بالنسبة لغيره‪ ،‬يعتبر خطأ جسيما له وبالتالي فإن أثر الشرط‬ ‫يقتصر على قلب عبء اإلثبات‪ ،‬فيثبت العميل خطأ البنك اجلسيم أو غشه‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬فتح اكثر من حساب للعميل الواحد في نفس املصرف‬ ‫بالرجوع إلى املادة (‪ )393‬من مشروع القانون‪ 31‬جند أنها أحالت في فقرتها الرابعة على املادة (‪ )338‬من‬ ‫نفس املشروع‪ ،32‬ولكنها لم تقم باإلحالة على املادة (‪ )337‬من نفس املشروع‪ ،33‬مما يدعونا للتساؤل حول مدى‬ ‫جواز تعدد احلسابات اجلارية لدى املؤسسة املصرفية‪ ،‬سواء في نفس الفرع أم بأفرع مختلفة تعود لنفس‬ ‫املؤسسة؟‬ ‫يرى الباحث أنه لإلجابة على هذا التساؤل يجب الرجوع إلى ما تقرره املادة (‪ )399‬من مشروع القانون‬ ‫التجاري‪ ،‬والتي تنص في فقرتها األولى على أنه " تقيد في احلساب اجلاري جميع الديون الناشئة عن عالقات‬ ‫‪ - 27‬د‪ .‬علي جمال الدين عوض‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .619‬نصت املادة ‪ 15‬من شروط طلب فتح احلساب في البنك العقاري املصري العربي فرع‬ ‫فلسطني السابق اإلشارة إليها في فقرتها ه على أنه " يجمد أو يغلق احلساب حسب مقتضى احلال لدى حدوث أي من احلاالت املدرجة في‬ ‫الفقرات ‪ .3 ....‬وفاة أحد العمالء وفي هذه احلالة تدفع حصته لورثته الشرعيني حسب أحكام القانون"‪.‬‬ ‫ولكن العقود البنكية لم تلزم العميل مبدة إلعالمها في حال وفاة أحد عمالء احلساب املشترك ونصت في نفس الفقرة السابقة على أنه " ‪...‬‬ ‫ويتعهد كل عميل بإعالم البنك خطيا فور علمه بحدوث أي من احلاالت املدرجة في الفقرات (‪ )1-6‬أدناه واال كان مسؤوال ‪"....‬‬ ‫‪ -28‬د‪ .‬مراد منير فهيم‪ ،‬القانون التجاري عمليات البنوك‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1982 ،‬ص‪184‬‬ ‫‪ - 29‬ولكن هذا الرأي األخير يتناقض مع ما جاء باملادة ‪ 401‬من مشروع القانون التجاري واملادة (‪ )111‬من قانون التجارة األردني (‪ )12‬لسنة ‪.1966‬‬ ‫‪ - 30‬تنص شروط فتح احلساب لدى البنك العربي اإلسالمي فرع فلسطني‪ :‬يجمد أو يلغى احلساب حسب مقتضى احلال‪ ،‬ويقسم الرصيد‬ ‫الدائن ويوزع بالتسـاوي أو حسـب حتديـد احلصص املذكورة في البند (‪ )2‬لدى حدوث أي من احلاالت التالية دون أن يترتب على البنك أية مسؤولية‬ ‫نتيجة عدم التجميد أو اإللغاء بسبب السهو أو اخلطأ أو نتيجة لعدم علم البنك ألي من تلك احلاالت أو ألي سبب كان‪ ،‬ويتعهد كل من‬ ‫الشركاء بإعالم البنك خطيا فور علمه بحدوث أي من احلاالت املدرجة أدناه وإال كان مسؤوال جتاه البنك واجتاه شركائه اآلخرين واجتاه الغير عن‬ ‫أية أضرار قد تترتب على عدم إعالم البنك بها‪:‬‬ ‫نشوء نزاع يتعلق باحلساب بني الشركاء‪.‬‬ ‫وقوع حجز قضائي أو إداري على حصة أحدهم ‪/‬جميعهم‪.‬‬ ‫وفاة أحد الشركاء‪ ،‬وفي هذه احلالة تدفع حصة املتوفى لورثته الشرعيني وفق أحكام القانون‪.‬‬ ‫إشهار إفالس أحد أصحاب احلساب‪ ،‬وفي هذه احلالة ينفذ البنك بالنسبة حلصة املفلس التعليمات التي يتلقاها من وكيل التفليسة أو اجلهة‬ ‫القضائية القائمة على طابق اإلفالس ‪.‬‬ ‫فقدان أو نقص أهلية أحد أصحاب احلساب‪ ،‬وفي هذه احلالة يتم التصرف بحصة فاقد األهلية أو ناقضها من قبل الشخص املعني من اجلهة‬ ‫القضائية اجملتصة‪.‬‬ ‫قيام البنك بإجراء التقاص بني حصة أي فرد من أصحاب احلساب وبني االلتزامات املترتبة بذمة صاحب احلصة جتاه البنك أو أي فرع من فروعه‪.‬‬ ‫‪ - 31‬تنص الفقرة الرابعة من املادة (‪ )393‬على أنه" تسري األحكام املنصوص عليها في املادة (‪ )٣٣٨‬من هذا القانون على احلساب اجلـاري املشترك‬ ‫املفتوح لدى مصرف"‪.‬‬ ‫‪ - 32‬انظر نص املادة (‪ )338‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني والتي سبق دراستها عند دراسة تعدد أطراف احلساب اجلاري املصرفي‪.‬‬ ‫‪ - 33‬تنص املادة (‪ ) 337‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني على أنه "إذا تعددت حسابات املودع في مصرف واحد أو في فروعه اعتبر كل‬ ‫حساب منها مستقال عن احلسابات األخرى‪ ،‬ما لم يتفق على غير ذلك"‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪271‬‬


‫األعمال التي تتم بني طرفي احلساب‪ ،‬ما لم تكن هذه الديون مصحوبة بتأمينات قانونية أو اتفاقيه‪ ،‬أو اتفق على‬ ‫استبعادها من احلساب"‪.‬‬ ‫هذه املادة تقرر مبدأ يجمع عليه الفقه والقضاء‪ 34‬وهو مبدأ شمولية احلساب اجلاري‪ ،‬ذلك أن اإلجماع‬ ‫منعقد على أن املبدأ بالنسبة للحساب اجلاري هو عموميته ليشمل جميع الديون الناشئة عن عالقات طرفيه‪،‬‬ ‫وأن االستثناء هو عدم عمومية هذا احلساب فيما يخص تسجيل الديون فيه‪.‬‬ ‫وبناء على ذلك يذهب هذا االجتاه‪ 35‬إلى أنه ال يحتاج تسجيل دين من هذه الديون إلى اتفاق خاص لهذا‬ ‫الغرض‪ ،‬كما ال يكون في املقابل من حق أي واحد من طرفي احلساب أن مينع دينا من التقيد في هذا األخير‪ ،‬ألن‬ ‫هذا التقيد يعد من جهة واجبا على أحدهما ومن جهة أخرى حقا لآلخر‪ ،‬ومبدأ الشمول هذا ال يعني أن كل‬ ‫واحد من الطرفني ملزم بالتعامل مع اآلخر‪ ،‬بل إن لكل منهما كامل احلرية في اللجوء إلى هذا التعامل‪ ،‬ولكن‬ ‫إذا ما مت التعامل فإن الدين الناجت عن ذلك يسجل في احلساب اجلاري‪.‬‬ ‫نستنتج من املبدأ السابق أنه ال يجوز أن تتعدد احلسابات اجلارية للعميل الواحد داخل املصرف إال استثناء‪،‬‬ ‫ألنه من الواجب تسوية الديون بني الطرفني عن طريق حساب واحد‪ ،‬وما يؤكد ذلك ما ذهبت اليه املادة (‪ )400‬من‬ ‫مشروع القانون التجاري الفلسطيني التي نصت على أنه " ‪ .1‬إذا تضمنت مفردات احلساب ديونا نقدية مقومة‬ ‫بعمالت مختلفة‪ ،‬أو أشياء قيمية جاز للطرفني أن يتفقا على إدخالها في احلساب بشرط أن تقيد في أقسام‬ ‫مستقلة يراعى التماثل في املدفوعات التي تتضمنها وأن يصرح الطرفان ببقاء احلساب رغم تعدد أقسامه‬ ‫محتفظا بوحدته‪.‬‬ ‫‪ .2‬يجب أن تكون أرصده األقسام املستقلة قابلة للتحويل فيما بينها‪ ،‬بحيث ميكن في الوقت الذي حدده‬ ‫الطرفان‪ ،‬أو عند القفل على األكثر‪ ،‬إجراء املقاصة بينها الستخراج رصيد واحد"‪.‬‬ ‫ويرى الباحث أن السماح بفتح حساب بعدة عمالت هو تكريس ملبدأ عمومية احلساب ألنه من الواجب‬ ‫تسوية جميع احلقوق بني املصرف وعميله من خالل حساب واحد‪ ،‬وهذا ما جرى عليه العمل املصرفي في‬ ‫فلسطني بفتح حساب بالشيكل وحساب فرعي تابع للحساب بالدينار وبالدوالر أو العكس ويتم االتفاق على‬ ‫إمكانية إجراء املقاصة بني أقسام احلساب في الوقت املتفق عليه بني الطرفني أو عند إغالق احلساب‪.‬‬ ‫إن السحب واإليداع في مثل هذه احلسابات يكون بالعملة التي فتح لها قسم باحلساب‪ 36 ،‬كما أن االتفاق‬ ‫على املقاصة ال يترتب عليه سوى أحقية املصرف في إجراء املقاصة كلما رأى ذلك في مصلحته‪ .37‬ويكون سعر‬ ‫الصرف حسب اتفاق األطراف فإن لم يوجد اتفاق‪ ،‬يتم حتديد سعر الصرف في تاريخ إجراء املقاصة حسب القواعد‬ ‫العامة‪.38‬‬ ‫ولكن ماذا لو كانت طبيعة احلسابات يختلف بعضها عن بعض؟ كما لو كان حساب مفتوح الحد اﶈامني‬ ‫ويتعلق بأمور مهنته وآخر شخصي له‪ ،‬ففي هذه احلالة يحق فتح حساب مستقل‪ ،‬كما ألطراف احلساب أن‬ ‫يدخلوا التقييدات في نفس احلساب بشرط أن تكون أقسامه مستقال بعضها عن بعض‪ ،‬وأن يتفق على وحدة‬ ‫األقسام صراحة وإال اعتبرت هذه األقسام مستقلة‪.‬‬ ‫‪ - 34‬ملزيد من التفاصيل يراجع املطلب الثاني من هذا املبحث عند تناول مبدأ العمومية بالدرس والتحليل‪.‬‬ ‫‪ - 35‬د محمد لفروجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.105‬‬ ‫‪ - 36‬املادة ‪ 4‬من شروط فتح احلساب لدى البنك العقاري املصري العربي‪.‬‬ ‫‪ - 37‬محمد لفروجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،82‬صفوت بنهساوي‪ ،‬مرجع سابق‪.415 ،‬‬ ‫‪ - 38‬عدنان إبراهيم السرحان‪ ،‬نوري حمد خاطر‪ ،‬شرح القانون املدني مصادر احلقوق الشخصية "االلتزامات" دراسة مقارنة‪ ،‬دار الثقافة للنشر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة اخلامسة ‪ ،2012‬ص ‪.174‬‬ ‫‪272‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ففي هذا السياق قضت محكمة استئناف باريس في قرار لها بتاريخ ‪ 25‬سبتمبر ‪ 391990‬بأن احلساب‬ ‫املصرفي املهني الذي يفرض القانون على بعض األشخاص كاﶈامني واملوثقني فتحه إليداع األموال املأخوذة من‬ ‫عمالئهم‪ ،‬ال يكون موضوع أي إدماج أو وحدة مع احلساب الشخصي املفتوح لدى نفس املؤسسة املصرفية باسم‬ ‫كل واحد من هؤالء األشخاص‪.‬‬ ‫وهذا ما ذهب إليه الفقه‪ 40‬من جواز فتح أكثر من حساب مصرفي للعميل الواحد‪ ،‬ومن ثم يخضع كل‬ ‫حساب من هذه األنواع إلى القواعد اخلاصة في وقفه وتشغيله‪ ،‬ويتمتع كل منها باستقاللية تامة عن اآلخر‪،41‬‬ ‫إال إذا كان هناك اتفاق صريح بني البنك وعميله‪ ،‬وهذا ما يعرف عمال (باتفاق أو خطاب وحدة احلساب) أو (خطاب‬ ‫املقاصة)‪ .42‬ويرى الباحث أن هذا التعدد ال يكون إال استثناء وفي حالة كانت احلسابات ليست من طبيعة واحدة‪.‬‬

‫‪39 - cour d'appel de paris -25 semptembre 1990 – revue de droit bancaire et bourse. 1991. P 62.‬‬ ‫‪ - 40‬د رضا سيد عبد احلميد‪ ،‬النظام املصرفي‪ ،‬وعمليات البنوك‪ ،‬ط‪ ،1‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2000 ،‬ص ‪.226‬‬ ‫ د علي البارودي العقود التجارية وعمليات البنوك‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1999 ،‬ص‪301‬‬‫ د‪ .‬د‪ .‬حسن املصري احلسابات املصرفية في القانون الكويتي‪ ،‬ط‪ ،1‬الناشر جامعة الكويت‪ ،‬الكويت‪ ،1994 ،‬ص‪.93‬‬‫‪ - 41‬رغم أن كل حساب من احلسابات املتعدد منفصل عن اآلخر في طريقة تشغيله إال أن املصارف تشترط كون " حسابات املؤسسات‬ ‫الفردية اململوكة ألشخاص طبيعني شأنها شأن احلسابات التي تكون بأسماء مالكي تلك احلسابات وتكون الوكالة أو التفويض الصادر عن‬ ‫مالكي تلك املؤسسات نافذا للتعامل بحساباتهم الشخصية وحسابات املؤسسات اململوكة لهم‪ .‬املادة ‪ 24‬من الشروط العامة لفتح‬ ‫احلساب لدى البنك العربي فرع فلسطني‪.‬‬ ‫‪ - 42‬تنص املادة ‪ 25‬من الشروط العامة لفتح احلساب لدى البنك العربي فرع فلسطني على أنه " إذا كان املعتمد مدينا أو كفيال ألية التزامات‬ ‫مهما كان سببها مبا فيها الكمبياالت اجملصومة أو املكفولة‪...‬أو لغايات تعزيز الضمانات والتأمينات املقررة لصالح البنك‪ ،‬يحق للبنك أن يتخذ‬ ‫كل أو أيا من اإلجراءات املبينة الحقا على الرغم من اختالف عمالت تلك احلسابات أو االلتزامات‪-:‬‬ ‫‪ -1‬أن يجري املقاصة االتفاقية بني أرصدة حسابات املعتمد القائمة حاليا أو التي يتم فتحها مستقبال وبني ما للبنك من حقوق مالية‪.‬‬ ‫‪ -2‬أن يدمج كل أو بعض حسابات املعتمد في حساب واحد وأن يجري املناقلة من حساب آلخر ‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن ينقل أية أموال أو أرصدة للمعتمد إلى حساب تأمينات بأسم البنك تأمينا ألي دين مستحق أو يستحق"‪.‬‬ ‫من خال ما سبق يتبني أن البنك يعطي لنفسه إمكانية املقاصة بني احلسابات ويعتبر أن احلسابات في نفس الوقت وحدة واحدة ‪ ،‬إن االتفاق‬ ‫على وحدة احلسابات املتعددة التي للعميل بنفس البنك يجعل هذه احلسابات أقساما من حساب بنكي واحد‪ ،‬وبالتالي اليجوز أن يكون اتفاق‬ ‫الوحدة منصب على حسابات من طبيعة مختلفة‪.‬‬ ‫أما اتفاق املقاصة فال يجعل احلسابات املتعددة حسابا واحدا‪ ،‬وامنا يترتب عليه إعطاء احلق للمصرف في إجراء املقاصة بني األرصدة كلما أن‬ ‫ذلك في مصلحته‪ .‬محمد لفروجي‪ ،‬مرجع سابق‪82-76 ،‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪273‬‬


‫املطلب الثاني‪ :‬تشغيل احلساب اجلاري‬ ‫نتناول في هذا املطلب نطاق احلساب اجلاري والذي يتحكم فيه مبدأ العمومية ولكن ترد على هذا املبدأ‬ ‫استثناءات سنتناولها في (الفرع األول)‪ ،‬كما أنه يجب أن تتصف الديون الداخلة في احلساب ببعض الصفات‬ ‫لكي تتمكن من الدخول فيه‪ ،‬وهذا ما نتطرق إليه في (الفرع الثاني)‪.‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬نطاق احلساب اجلاري‬ ‫أوال‪ :‬مبدأ عمومية احلساب اجلاري‬ ‫يفترض هذا املبدأ وجود مدفوعات متعددة ومتبادلة بني الطرفني يتم تسويتها من خالل احلساب اجلاري‪،‬‬ ‫واحلساب اجلاري كما سبق القول عقد متبادل وملزم جلانبني‪ ،‬وإرادة الطرفني هي املناط الوحيد في حتديد نطاقه‬ ‫ورسم حدوده‪ ،‬فإذا لم ترسم هذه احلدود اعتبر عاما شامال لكل الديون املترتبة بني املصرف والعميل وهذا هو‬ ‫األصل‪ 43،‬وذلك على أساس اإلرادة الضمنية ألطرافه‪ ،44‬وبالتالي ال يعد حسابا جاريا العقد الذي يعطي احلق ألي‬ ‫من الطرفني استبعاد دين من الديون القائمة بني الطرفني من الدخول في احلساب إال ا ما اتفق على استبعادها‬ ‫منذ البداية‪.‬‬ ‫وهذا املبدأ جاءت به املادة (‪ )399‬من مشروع القانون التجاري حيث نصت على انه " ‪ .1‬تقيد في احلساب‬ ‫اجلاري جميع الديون الناشئة عن عالقات األعمال التي تتم بني طرفي احلساب‪ ،‬ما لم تكن هذه الديون مصحوبة‬ ‫بتأمينات قانونية أو اتفاقيه‪ ،‬أو اتفق على استبعادها من احلساب"‪.‬‬ ‫وأشارت املادة (‪ )107‬من قانون التجارة األردني (‪ )12‬لسنة ‪ 1966‬على هذا املبدأ في فقرتها األولى حيث‬ ‫نصت على أنه " ‪-1‬يتوقف مدى احلساب اجلاري على إرادة املتعاقدين فلهما أن يجعاله شامال جلميع معامالتهما‬ ‫أو لنوع معني منها فقط"‪.‬‬ ‫وتعتبر العمومية خاصية مميزة للحساب اجلاري‪ ،‬حيث يفترض في أطراف احلساب اجلاري العلم بهذا املبدأ‬ ‫الذي يشمل كل املدفوعات املتبادلة بينهما‪ ،‬ألن حسن تشغيل احلساب يتطلب عدم انفراد طرف واحد بتحديد‬ ‫وضعيته‪ ،‬مما يؤدي إلى دعم الثقة وتقوية الروابط بني طرفيه‪ ،‬وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية‬ ‫فقد اعتبرت املتراسل الذي لم يقم بإدراج دين ناشئ عن عالقة الطرفني داخل احلساب اجلاري مرتكبا جلرمية خيانة‬ ‫األمانة‪.45‬‬ ‫ويترتب على هذا املبدأ أن الديون تدخل في احلساب اجلاري مبجرد توفر الشروط ا‬ ‫الالزمة لها دون حاجة إلى‬ ‫اتفاق جديد‪ ،‬أو انتظار القيد املادي‪ ،46‬وإمنا تترتب مسؤولية املصرف إذا تأخر بالقيد‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه القضاء‬

‫‪ - 43‬د علي جمال الدين عوض‪ ،‬عمليات البنوك من الوجهة القانونية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1981 ،‬ص ‪.281‬‬ ‫‪ - 44‬د‪-‬صفوت بهنساوي‪ ،‬األوراق التجارية وعمليات البنوك‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2010 ،‬ص ‪.433‬‬ ‫‪45- Cass .com. RTD civ, 1975 , p 385.‬‬ ‫أورده عبد الرحيم املودن‪ ،‬النظام القانوني لعقد احلساب اجلاري البنكي‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون اخلاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬ ‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد اخلامس‪ ،‬الرباط‪ ،‬ص ‪.117‬‬ ‫‪ - 46‬د‪ .‬علي البارودي‪ ،‬د‪.‬محمد فريد العريني‪ ،‬القانون التجاري‪ ،‬اجلزء الثاني‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2000 ،‬ص ‪.337‬‬ ‫‪274‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫الفرنسي الذي حمل املصرف كامل املسؤولية عن عدم تقييده قيمة الشيكات التي تسلمها كمدفوع في‬ ‫احلساب‪ ،‬مما مكن ممثل الشركة التي تعتبر طرفا في احلساب من قبض قيمتها واختالسها‪.47‬‬ ‫وكما سبقت اإلشارة فإن وجوب إدراج جميع العمليات التي تقع بني طرفي احلساب اجلاري ال يعني فرض‬ ‫التزام على كل طرف بالتعامل مع اآلخر‪ ،‬بل يظل كل منهما حرا في هذا التعامل فله أن يتعامل مع الطرف‬ ‫اآلخر‪ ،‬وله أن يتعامل مع غيره‪ ،‬كل ما في األمر أنه إذا قبل أحد الطرفني التعامل مع اآلخر‪ ،‬فإنه يلتزم مببدأ‬ ‫العمومية ويقيد الدين أو احلق الناجت عن هذا التعامل في احلساب اجلاري املفتوح بينهما‪.48‬‬ ‫ولكن التقييدات في احلساب اجلاري ال تشمل كل الديون املترتبة بني الطرفني طوال فترة تشغيله‪ ،‬وإمنا‬ ‫تشمل الديون الناجتة عن عالقات األعمال حسب ما نصت على ذلك املادة (‪ )399‬من مشروع القانون التجاري‪،‬‬ ‫وهي العالقات التي فتح احلساب من أجلها كنتائج العمليات التجارية واالئتمانية وفقا لالتفاق بني الطرفني‪.49‬‬ ‫وهذا ما يدعونا للحديث عن االستثناءات التي ترد على مبدأ عمومية احلساب اجلاري‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬استثناءات مبدأ العمومية‬ ‫بالرجوع إلى املادة (‪ )399‬من مشروع القانون التجاري جند أن مبدأ العمومية ال يتعلق بالنظام العام‪ ،‬وإمنا‬ ‫جاء فقط حلماية مصلحة طرفي احلساب‪ ،‬وبالتالي ميكن بإرادة الطرفني استبعاد بعض العمليات خارج نطاق‬ ‫احلساب اجلاري‪ ،‬وهذا االستبعاد إما أن يكون باإلرادة الصريحة أو الضمنية ألطرافه‪.‬‬ ‫كما سبقت اإلشارة فإن احلساب اجلاري يشمل فقط الديون الناشئة عن عالقات األعمال بني الطرفني‪،‬‬ ‫وبالتالي تخرج عن نطاقه الديون واحلقوق التي ال تنشأ عن عالقات األعمال املتوقعة بني الطرفني‪.‬‬ ‫ولكن ماهي الديون الناشئة عن عالقات األعمال؟‬ ‫ذهب الفقه والقضاء الفرنسي‪ 50‬إلى حتديد املقصود بهذه األعمال‪ ،‬موضحني أن مضمون هذه األخيرة‬ ‫يشمل جميع الديون ذات املصدر التعاقدي‪ ،‬مبا فيها املترتبة على فوائد التأخير أو الناجتة عن الشرط اجلزائي‪،‬‬ ‫وبالتالي تستبعد من نطاق احلساب اجلاري‪ ،‬الديون الناجتة عن املسؤولية التقصيرية‪ ،‬وكذلك تخرج من احلساب‬ ‫اجلاري الديون الناجتة عن أشباه العقود كاإلثراء بال سبب واسترداد غير مستحق‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق تقول محكمة النقض الفرنسية‪ 51‬بأن التعويض الذي يكون مصدره عدم تنفيذ أحد‬ ‫طرفي احلساب اجلاري التزاما تعاقديا مرتبطا بذات احلساب يدخل في نطاق هذا األخير ألنه ناجت عن حدث متوقع‬ ‫من الطرفني‪ ،‬وذلك عكس التعويض الناجت عن خطأ غير تعاقدي الذي ال يدخل في هذا النطاق ألنه ال يشكل‬ ‫واقعة غير محتملة من قبل طرفي احلساب اجلاري‪ ،‬وفسر بعض الفقه استبعاد احلقوق والديون غير الناجتة عن‬ ‫عالقات األعمال إلى اإلرادة الضمنية للطرفني‪.52‬‬ ‫وإذا كان يترتب على قيد العمليات التي تتم بني طرفي احلساب اجلاري فقدانها لطبيعتها األصلية‬ ‫ولذاتيتها اخلاصة‪ ،‬فتتحول بفعل التجديد إلى مفردات دائنة ومدينة تتقاص فيما بينها من أجل استخراج‬ ‫‪47 - Rea – 28 dec 1937. G P .1938. I. 345‬‬ ‫أشار إلى هذا القرار د‪ .‬محمد جنكل‪ ،‬العمليات البنكية املباشرة‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬ط‪ ،1‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2003 ،‬ص‪.52‬‬ ‫‪ - 48‬رفعت فخري‪ ،‬دروس في عمليات البنوك‪ ،‬ط‪ ،1‬بدون ذكر ناشر‪ ،‬القاهرة‪.155-147 ،1991،‬‬ ‫‪ - 49‬د‪ .‬سميحة القليوبي‪ ،‬الوسيط في شرح قانون التجارة املصري‪ ،‬الطبعة اخلامسة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2007 ،‬ص‪.914‬‬ ‫‪ - 50‬انظر هذه اآلراء للقضاء والفقه الفرنسي الدكتور محمد جنكل‪ ،‬العمليات البنكية‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪54‬‬ ‫‪51 - Cour de cassation Française, chambre civile 3, 3 juin 1982, JCP, 1985,I. 3221.‬‬ ‫أشار إليه د‪ .‬محمد لفروجي‪ ،‬مرجع‪ ،‬ص ‪106‬‬ ‫‪ - 52‬د‪ .‬صفوت بنهساوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.434-433‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪275‬‬


‫الرصيد املؤقت أو النهائي‪ ،‬وهذا هو املظهر الرئيسي للتسوية السريعة لعقد احلساب اجلاري‪ ،‬وبالتالي فإن أي‬ ‫دين مضمون بتأمني شخصي أو عيني يفقد مبجرد دخوله في احلساب اجلاري التأمني اخلاص به‪ ،‬بعد أن يتحول‬ ‫إلى مفرد مندمج في هذا احلساب‪ ،‬وملا كان الدائن بالدين املضمون يستطيع اقتضاءه كامال بفضل ماله من‬ ‫ضمان‪ ،‬فإن من مصلحته عدم دخول هذا الدين في احلساب حتى ال تزول ضماناته‪.53‬‬ ‫ومن هذا املنطلق نصت املادة (‪ )399‬من مشروع القانون التجاري على استبعاد الديون املصحوبة بتأمينات‬ ‫قانونية أو اتفاقية‪ ،‬وبالتالي يجوز استبعاد مثل هذه الديون باإلرادة املنفردة كما في حالة اخلصم في احلساب‬ ‫اجلاري‪ ،‬فالقيد العكسي للورقة اجملصومة لدى املصرف التي ال يتم حتصيل قيمتها اختياري بالنسبة للمصرف‪،‬‬ ‫فهو مجرد رخصة يستطيع اإلفادة منها أو التنازل عنها ومباشرة حقوقه الصرفية كمستفيد جتاه العميل‬ ‫الدافع والضامنني املوقعني على الورقة عن طريق دعوى الرجوع الصرفي التي توفر له ضمانا أكبر من قيدها‬ ‫باحلساب اجلاري‪.54‬‬ ‫ونالحظ أن املادة (‪ )399‬من مشروع القانون التجاري بعد أن نصت على مبدأ العمومية واالستثناءات الواردة‬ ‫عليه في فقرتها األولى‪ ،‬جاءت فقرتها الثانية تقضي مبا يلي‪:‬‬ ‫" مع ذلك يجوز قيد الديون املصحوبة بتأمينات اتفاقية‪ ،‬سواء أكانت تلك التأمينات مقررة من املدين أم من‬ ‫الغير‪ ،‬في احلساب اجلاري إذا اتفق جميع ذوي الشأن كتابة على ذلك‪"....‬‬ ‫وهذا يعني أن الديون املضمونة بتأمينات قانونية يكون استثناؤها الزاميا‪ ،‬فال ميكن االتفاق على إدخالها‬ ‫في احلساب اجلاري‪ ،‬أما الديون املضمونة بتأمينات اتفاقية فيكون استثناؤها قاعدة ميكن لألطراف مخالفتها‬ ‫واالتفاق على إدخالها في احلساب اجلاري‪.55‬‬ ‫كما أنه يجوز ألطراف احلساب اجلاري أن يتفقوا على استبعاد بعض احلقوق من نطاق احلساب اجلاري أو‬ ‫تخصيصها لغرض معني‪ ،‬سواء مبقتضى عقد احلساب نفسه أو مبقتضى عقد الحق ال لبس فيه‪.‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬شروط الديون القابلة للتقييد في احلساب‬ ‫هناك عدة شروط يجب أن تتوفر في الديون لتمكن من إجراء املقاصة املؤقتة أو النهائية تتمثل فيما يأتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬أن يكون الدين معني املقدار محقق الوجود‪.‬‬ ‫تقضي القواعد العامة أن يكون الدين محقق الوجود‪ ،‬األمر الذي يلزم أن يكون قائما وخاليا من النزاع‪ ،‬لذا ال‬ ‫يدخل في احلساب الدين املعلق على شرط واقف‪ ،‬ولكن يجوز دخول الدين إذا كان معلقا على شرط فاسخ‬ ‫ألن احلق في هذه احلالة موجود ولكنه مهدد بالزوال‪ ،‬والدين املؤجل يعد دينا محقق الوجود وبالتالي يدخل‬ ‫في احلساب‪ ،‬كما يلزم لدخول الديون في احلساب من أجل تسويته مع بقية مفردات احلساب أن يكون معني‬ ‫املقدار‪ ،‬وهذا الشرط تنص عليه القواعد العامة أيضا التي تشترط تعيني اﶈل‪.56‬‬

‫‪ - 53‬عبد الرحمن مودن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.123‬‬ ‫‪ - 54‬صفوت بهنساوي‪ ،‬مرجع سابق‪434 ،‬‬ ‫‪ - 55‬محمد جنكل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪53‬‬ ‫‪- 56‬فايق محمود الشماع‪ ،‬احلساب املصرفي دراسة قانونية مقارنة‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار العلمية للنشر والتوزيع ودار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬‬ ‫‪ ،2003‬ص ‪.109 ،108‬‬ ‫‪276‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫‪ -2‬أن تكون الديون متبادلة‬ ‫يعني هذا الشرط أن يقوم كل من طرفي احلساب اجلاري بدور الدافع أحيانا وبدور القابض في أحيان أخرى‪،‬‬ ‫وشرط تبادل الديون ال يحتم استمرارية وعدم انقطاع الطرفني عن التعامل‪ ،‬بل ميكن االكتفاء باالتفاق الصريح‬ ‫أو الضمني على التبادل وإن لم يحصل التبادل فعال‪.‬‬ ‫وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية‪ " 57‬للحساب صفة اجلاري ولو لم حتصل املدفوعات فيه‬ ‫إال من أحد الطرفني عندما يكون االتفاق قد حصل على أن تكون املدفوعات متبادلة"‪ .‬وعلى ذلك إذا اجتهت إرادة‬ ‫أحد الطرفني إلى أن يكون فقط قابضا فإننا ال نكون بصدد حساب جار‪.‬‬ ‫وفي اجتاه آخر ذهبت نفس اﶈكمة‪ 58‬إلى أن االتفاق على التبادل ال يكفي العتبار احلساب جاريا‪ ،‬وإمنا يجب‬ ‫أن يتم التبادل الفعلي للمدفوعات‪ ،‬وتتلخص وقائع القضية موضوع القرار املطعون فيه أن موردا فتح حسابا‬ ‫لعميله وأخذ يسجل في جانبه املدين ثمن البضاعة التي يوردها لهذا العميل وفي جانبه الدائن ما يدفعه‬ ‫العميل كوفاء لهذا الثمن‪ ،‬مما جعل محكمة النقض تقضي بأن التسجيالت التي متت من اجلانب الدائن من‬ ‫حساب العميل املعني باألمر ال متثل حقوقا له في مواجهة املورد‪ ،‬وإمنا تعبر فقط عن وفاء حقوق هذا األخير‪،‬‬ ‫وبالتالي فليس هناك تبادل في الديون بني طرفي احلساب يؤدي إلى كشفه في جانبهما معا‪ .‬ويرى بعض الفقه‬ ‫باالستناد إلى هذا القرار أن توافر العنصر القصدي ال يكفي للقول بوجود احلساب اجلاري وإمنا يجب أن يتوفر‬ ‫العنصر املادي‪.59‬‬ ‫وقد ثار خالف حول الطبيعة القانونية للحساب اجلاري بني الشريك والشركة‪ ،‬والذي عرفه الفقه‬ ‫الفرنسي‪ 60‬بأنه " تلك املبالغ املالية أو التقدميات أو القروض التي يرتضي املسيرون و الشركاء منحها للشركة‪،‬‬ ‫وما تركوه حتت تصرفها من املكافآت سواء كانت أتعابا أو خدمات أدوها أو أرباحا"‪.‬‬ ‫تتجه محكمة النقض الفرنسية بشأن الطبيعة القانونية للحساب اجلاري للشركاء‪ ،‬على أنه عقد‬ ‫قرض‪ ،‬حيث يكون فيه الشريك املقرض دائنا للشركة ويستطيع استرداد هذا املبلغ في أي وقت يطلبه‪ ،‬أو عند‬ ‫حلول األجل اﶈدد‪ .61‬وقد سارت في ذات االجتاه‪ ،‬محكمة استئناف أبيدجان في ساحل العاج حيث قضت بأن‪:‬‬ ‫"احلساب اجلاري للشركاء هو عقد قرض طاملا ال يشتمل على دفعات متبادلة وهو يخضع لنظام قانوني مختلف‬ ‫عن احلساب اجلاري البنكي‪ ،‬ويعد قرضا وافق عليه الشريك ملصلحة الشركة"‪.62‬‬ ‫‪ - 57‬قرار محكمة النقض الفرنسية بتاريخ ‪ 2‬يوليوز ‪1890‬‬ ‫‪civ. 2 juill 1890. S. 1890. I . P. 177, not Wahl , D . 1891, I. p 377.‬‬ ‫ أشار اليه الدكتور محمد جنكل‪ ،‬العمليات البنكية املباشرة‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،1‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2003 ،‬ص‪.47‬‬‫‪58 Cour de français, Arrêt commercial – 26 novembre 1974- RTD Com – 1975 . p 571. Nate Cabrillac et R. lange.‬‬ ‫أشار إليه محمد لفروجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.98‬‬ ‫‪ - 59‬سمير عبد العليم محمد محسن‪ ،‬تبادل املدفوعات وتشابكها في احلساب اجلاري في ضوء أحكام قانون التجارة اجلديد رقم (‪ )17‬لسنة‬ ‫‪ ،1999‬املؤمتر العلمي الثاني للقانونني املصريني‪ ،‬حتت رعاية اجلمعية املصرية لالقتصاد السياسي واإلحصاء والتشريع‪ ،2000 ،‬ص ‪.15‬‬ ‫‪60 - Philippe merle, droit commercial, sociétés commerciales, 9éme éd, Dalloz, Paris, 2003,p 47.‬‬ ‫‪Cass. com., 24 juin 1997, n° 95-20.056 : Joly Sociétés 1997, p. 871 ; voir aussi, Cass. com. 10 mai 2011, n° 10-18749. 61‬‬ ‫‪CA Abidjan, n° 401, 13/4/2001, World City c/Sow Souleymane, Ecodroit, n° 11, mai 2002, p. 57, cité par Delabriere A., 62‬‬ ‫‪Aguemon K., “Le compte courant d’associés en droit (OHADA)”, Revue du droit des affaires en Afrique (RDAA), sept. 2015,‬‬ ‫‪note n° 3, p. 4.‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪277‬‬


‫ويرى الباحث أن هذا احلكم ال ينطبق على احلساب اجلاري املفتوح بني البنك وعميله‪ ،‬فطبيعة عالقة طرفي‬ ‫احلساب اجلاري املصرفي ببعضهما تختلف عن طبيعة عالقة طرفي احلساب اجلاري املتعارف عليه لدى التجار‪،‬‬ ‫ذلك أن عالقة املصرفي بعميله عالقة مودع مبودع لديه أي رابطة دائن مبدين باجتاه واحد من حيث املبدأ‪ ،‬مما‬ ‫يستوجب أال يتحول العميل املودع إلى مدين للمصرف إال مبوافقة هذا األخير طبقا ألحكام املادة (‪ )333‬من‬ ‫مشروع القانون التجاري الفلسطيني‪.63‬‬ ‫ويظهر هذا جليا من الشروط التي تدرجها املصارف في مناذج فتح احلساب‪ ،‬حيث تفرض املصارف أن يكون احلساب‬ ‫دائنا وكافيا ملقابلة السحوبات عليه في جميع األوقات‪ 64.‬ويحق للمصرف رفض الوفاء بقيمة الشيكات أو‬ ‫السحوبات وأوامر الدفع األخرى على حساب العميل إذا لم يف رصيد احلساب املسحوب عليه بذلك‪.65‬‬ ‫‪ -3‬تقييد الديون في احلساب على سبيل التمليك‬ ‫يعني هذا الشرط أن الديون ال تدخل كقيد في احلساب اجلاري إال إذا انتقلت إلى القابض على سبيل‬ ‫التمليك‪ ،‬بحيث يقوم كل واحد من طرفي هذا احلساب بدور الدافع أحيانا وبدور القابض أحايني أخرى‪ ،‬ويعتبر هذا‬ ‫الشرط نتيجة طبيعية للوظيفة التي يقوم بها احلساب اجلاري كطريقة للوفاء بواسطة القيد في احلساب‪،‬‬ ‫وبذلك فكل دفعة لم يتم تسجيلها في احلساب على سبيل التمليك فإنها ال تشكل قيدا في احلساب‪.66‬‬ ‫والعبرة في حتديد تاريخ دخول القيد للحساب اجلاري ليس بتاريخ قيده املادي‪ ،‬ولكن في الوقت الذي انتقلت‬ ‫فيه ملكية املدفوع من الدافع إلى القابض‪ ،‬فإذا ظهرت ورقة جتارية تظهيرا ناقال للملكية‪ ،‬فإن ملكيتها تنتقل‬ ‫من العميل املظهر إلى املصرف مبجرد التظهير لو تراخى القيد إلى وقت الحق‪.67‬‬ ‫وقد قضت محكمة النقض املصرية‪ 68‬بخصوص هذا الشرط بأنه‪" :‬متى كان املدفوع في احلساب اجلاري‬ ‫دينا ثابتا بورقة جتارية حررها العميل لصالح اجلهة املفتوح لديها احلساب‪ ،‬فإن مجرد قيد قيمتها في اجلانب‬ ‫الدائن من احلساب اجلاري ال مينع من مطالبة العميل بقيمتها في ميعاد االستحقاق‪ ،‬وليس له أن يحتج بدخول‬ ‫الورقة التجارية في احلساب واندماجها فيه‪ ،‬بل من تاريخ الوفاء وحده‪ ،‬يعتبر املدفوع قد دخل احلساب اجلاري‬ ‫واندمج فيه بغض النظر عن تاريخ قيده‪ .‬إذ يعتبر القيد في هذه احلالة قيدا مؤقتا بشرط الوفاء‪."...‬‬ ‫‪ - 63‬تنص املادة ‪ 333‬من مشروع القانون الفلسطيني على أنه " ‪-1‬ال يترتب على عقد وديعة النقود حق للمودع في سحب مبالغ من حساب‬ ‫الوديعة إذا لم يكن رصيد هذا احلساب دائنا‪.‬‬ ‫‪-2‬وإذا أجرى املصرف عمليات حلساب املودع ترتب عليها أن صار حساب الوديعة مدينا‪ ،‬فيجب على املصرف إخطار املودع فورا لتسوية مركزه"‪=.‬‬ ‫= وهذا ما تذهب إليه الشروط العامة لفتح احلساب اجلاري لدى البنك العربي فرع فلسطني في املادة ‪ ،32‬فحسب هذه األخيرة للبنك أن يقوم‬ ‫بكشف أية من حسابات املعتمد طبقا لتقديره وهو غير ملزم بذلك وال يعتبر كشف احلساب حقا مكتسبا للمعتمد‪ ،‬وامنا يعتبر من باب‬ ‫التسهيل والتيسير من البنك‪ ،‬ويلتزم املعتمد بتغطية قيمة الكشف خالل شهر من تاريخ الكشف على أبعد تقدير مع ما يترتب عليه من‬ ‫فوائد وعموالت يحتسبها البنك على القروض والتسهيالت أيهما أفضل للبنك"‬ ‫‪ - 64‬الشروط العامة لفتح احلساب في بنك القدس فرع فلسطني‪.‬‬ ‫‪ - 65‬الشروط اخلاصة بفتح احلساب اجلاري ببنك القدس فرع فلسطني‪.‬‬ ‫‪ - 66‬د‪ .‬محمد جنكل مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.45‬‬ ‫ فائق محمود الشماع‪ ،‬دراسة قانونية مقارنة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الثقافة‪ ،‬عمان‪ ،2003،‬ص ‪ 110‬وذهب إلى أن القابض للشيء إذ يتلقى الشيء املقبوض‬‫يقوم بقيد قيمته في اجلانب الدائن من حساب الدافع‪ ،‬فكأنه إذا قد دفع مقابال ملا يتلقاه‪ ،‬مما يتطلب أن يكون قد تسلم الشيء على السبيل‬ ‫التمليك‪.‬‬ ‫‪ - 67‬عبد الرحمن السيد قرمان‪ ،‬العقود التجارية وعمليات البنوك طبقا لألنظمة القانونية باململكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة الشقري‪،‬‬ ‫اململكة العربية السعودية‪ ،2010 ،‬ص ‪348‬‬ ‫‪ - 68‬قرار صادر عن محكمة النقض املصرية‪ ،‬بتاريخ ‪ 17‬ماي ‪ 1976‬اشار اليه د علي جمال الدين عوض‪ ،‬عمليات البنوك من الوجهة‬ ‫القانونية‪ ،‬ط ‪ ،4‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2008 ،‬ص ‪334‬‬ ‫‪278‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وكأن محكمة النقض اعتبرت أن قيد األوراق التجارية املؤجلة باحلساب هو قيد مؤقت إلى حني الوفاء بها‪،‬‬ ‫وإلى حني الوفاء بهذه األوراق تبقى ذمة مقدمها مشغولة بالدين الثابت فيها‪ ،‬وبالتالي ال يستطيع نقل هذا‬ ‫احلق من ذمته إلى ذمة املصرف‪ ،‬وبالتالي لم يتحقق شرط نقل امللكية الضروري لدخول املدفوع في (التخصيص‬ ‫العام للحساب) أو مبدأ العمومية‪.‬‬ ‫وهذا الشرط أشارت إليه املادة (‪ )106‬من القانون التجاري األردني رقم (‪ )12‬لسنة ‪ ،691966‬ولكن مشروع‬ ‫القانون أشار بشكل غير مباشر إلى عدم دخول الدين في احلساب اجلاري إذا لم يكن على سبيل التمليك‪ ،‬فقد‬ ‫نصت املادة ‪ 407‬من املشروع على أنه " ‪-1‬إذا قيدت حصيلة خصم ورقة جتارية في احلساب اجلاري ولم تدفع‬ ‫قيمتها في ميعاد استحقاقها جاز ملن خصم الورقة‪ ،‬ولو بعد شهر افالس من قدمها للخصم‪ ،‬إلغاء القيد‬ ‫بإجراء قيد عكسي‪.‬‬ ‫‪-2‬ال يجوز إجراء القيد العكسي إال فيما يتعلق باألوراق التجارية التي لم تدفع قيمتها في مواعيد استحقاقها‪،‬‬ ‫ويقع باطال كل اتفاق على خالف ذلك"‪.‬‬ ‫مما يالحظ أن مشروع القانون التجاري الفلسطيني قد تبنى النظرية احلديثة التي تذهب إلى أن املصرف‬ ‫مبجرد تسلمه ورقة جتارية من عميله قصد استخالصها يعتبر مدينا بقيمتها من تاريخ تسلمه إياها‪ ،‬بالرغم‬ ‫من تعلق املديونية على شرط مفاده حتقق واقعة االستخالص أو التحصيل‪ .‬وهكذا واستنادا إلى هذه النظرية‬ ‫فإن الدين الناجت عن تسلم املصرف ورقة جتارية من أجل التحصيل‪ ،‬يدخل في احلساب ويقيد في اجلانب املؤجل‬ ‫إلى حني وقوع هذا التحصيل ثم ينتقل إلى اجلانب احلال‪ .‬ولكن اذا سلم صاحب احلساب سندات على سبيل‬ ‫الرهن فإن هذه السندات ال تقيد في احلساب النعدام توافر شرط التملك‪.70‬‬ ‫ومن النتائج التي تترتب على هذا املبدأ أن القابض إذا تلقى املدفوع على سبيل التمليك تكون له حرية‬ ‫التصرف فيه وال يعد مرتكبا جلرمية خيانة األمانة إذا استعمل احلق‪ ،‬ومتى دخل املدفوع على احلساب اجلاري ال‬ ‫ميكن استرداده‪ ،‬والعبرة في إمكانية االسترداد أو عدمه بتاريخ نقل ملكية املدفوع والذي قد يختلف أو يتفق مع‬ ‫تاريخ القيد في احلساب‪ ،‬ونتيجة لنقل امللكية ال يستطيع الدافع استرداد املدفوع من تفليسة القابض‪.71‬‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬اآلثار املترتبة على تشغيل احلساب اجلاري‬ ‫متهيد‬ ‫توجد ثالث قواعد تتحكم في كيفية تشغيل احلساب املصرفي‪ ،‬حيث إن هذه القواعد تساعد في حتقيق‬ ‫التسوية السريعة وتضمن تسوية هذه الديون‪.‬‬ ‫ومن هذه القواعد قاعدة عمومية احلساب اجلاري والتي متت دراستها في املبحث األول من هذا البحث عند‬ ‫احلديث عن كيفية تشغيل احلساب‪.‬‬ ‫‪ - 69‬تنص املادة (‪ )109‬من قانون (‪ )12‬لسنة ‪ 1966‬في فقرتها األولى على أنه" إن الدفع بواسطة سند جتاري ال يعد حاصال إال بشرط قبض‬ ‫قيمته ما لم يكن اتفاق مخالف‪"...‬‬ ‫‪ - 70‬د‪ .‬محمد لفروجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪101-100‬‬ ‫‪ - 71‬د‪ .‬علي جمال الدين عوض‪ ،‬عمليات البنوك من الوجهة القانونية‪ ،‬ط‪ ،4‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2008 ،‬ص‪.336‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪279‬‬


‫ولكن القاعدتني اللتني تشكالن مرتكزات تشغيل احلساب اجلاري املصرفي‪ ،‬هما قاعدتا التجديد وعدم‬ ‫التجزئة‪ ،‬ولكن هل مازالت هذه املرتكزات قادرة على حكم احلساب اجلاري املصرفي مع كل التطورات االقتصادية‬ ‫التي طالت هذا العقد؟‬ ‫وكباقي العقود فال بد لعقد احلساب اجلاري من نهاية‪ ،‬وينتهي عقد احلساب اجلاري املصرفي إما ألسباب‬ ‫إرادية أو ألسباب خارجة عن إرادة أطرافه‪ ،‬وفي كلتا احلالتني تترتب آثار على هذا اإلقفال‪.‬‬ ‫وعليه سنقوم بدراسة هذا املبحث من خالل مطلبني نتناول في (املطلب األول) اآلثار املترتبة على تقييد‬ ‫الديون في احلساب وفي (املطلب الثاني) اآلثار التي تترتب على إقفال احلساب اجلاري‪.‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬اآلثار املترتبة على التقييد في احلساب اجلاري‬ ‫نتناول في هذا املطلب جتديد الدين كأثر لتقييد الدين في احلساب اجلاري (الفرع األول) وكما سبق القول‬ ‫يترتب على دخول الديون أن جميع املفردات تصبح متماسكة ومرتبطة باحلساب وال يجوز استخراج أي مفرد من‬ ‫مفردات احلساب‪ ،‬وإمنا يجب انتظار حتديد الرصيد النهائي‪ ،‬أو يتشكل الرصيد املؤقت بشكل فوري عند دخول‬ ‫الدين إلى احلساب وهذا ما يسمى مبدأ عدم التجزئة (الفرع الثاني)‬ ‫الفرع األول‪ :‬جتديد الدين كأثر لتقييد الدين في احلساب اجلاري‬ ‫أوال‪ :‬قاعدة جتديد الدين‬ ‫من القواعد املتفق عليها في احلساب اجلاري خضوع الدين الداخل في احلساب اجلاري لألثر التجديدي‪،‬‬ ‫واملقصود بذلك أن دخول الدين للحساب يزيل عنه هذه الصفة‪ ،‬كما يحرره من الضمانات التي حتميه ليصبح‬ ‫مفردا من مفردات احلساب‪ ،‬فالتحول احلاصل للحق من مدفوع إلى مفرد محاسبي هو جتديد من نوع خاص‪ ،‬مبعنى‬ ‫أنه نشأت عالقة قانونية جديدة حلت محل العالقة األصلية أو العقد األصلي الذي كان سببا في نشوء الدين‬ ‫الذي دخل في احلساب‪.72‬‬ ‫إن هذا املعنى للتجديد يحقق غاية احلساب اجلاري في تفادي تعدد التسويات وتأجيلها لتسوية واحدة‬ ‫عند إيقاف احلساب أو غلقه‪ ،‬إن هذه الغاية ال تتحقق طاملا بقي املدفوع املقيد باحلساب محتفظا بذاتيته‬ ‫واستقالله‪ ،‬ذلك أن احلساب اجلاري في هذه احلالة ال يعدو أن يكون مجرد متثيل حسابي لعالقة الطرفني‪ ،‬أو أداة‬ ‫إلثبات حصول العملية التجارية يستلزم أن يتبع ذلك تسوية فورية ملا في احلساب بحيث يدفع املدين ما يتوجب‬ ‫عليه للدائن‪ ،‬ومن هنا كان البد من إخضاع كل املدفوعات في احلساب اجلاري لتكييف واحد وإخضاعها لنظام‬ ‫قانوني واحد مهما كان أصل تلك احلقوق‪ ،‬إيداعا‪ ،‬أو سحبا أو خصم ورقة جتارية أو غير ذلك‪.73‬‬ ‫فالتحول احلاصل للحق من مدفوع إلى مفرد محاسبي هو جتديد من نوع خاص‪ ،‬ألن التجديد الذي يحصل‬ ‫للمدفوعات التي تدخل في احلساب اجلاري ليس هو نفسه الذي يتم في إطار القانون املدني‪ ،‬فإذا كان التجديد‬

‫‪ - 72‬علي جمال الدين عوض‪ ،‬عمليات البنوك‪ ،‬ط ‪ ،2008‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪374‬‬ ‫‪ - 73‬يوسف عودة غامن‪ ،‬األثر التجديدي للحساب اجلاري‪ ،‬مجلة جامعة ذي قار‪ ،‬العدد (‪ ،)4‬اﺠﻤﻟلد (‪ ،)2‬العراق‪ ،2007 ،‬ص ‪.153‬‬ ‫‪280‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫في القانون املدني يتعلق بالتزامني يحل االلتزام اجلديد محل االلتزام القدمي‪ ،74‬فإنه في إطار عقد احلساب اجلاري‬ ‫يتعلق بانقضاء الدين األصلي ليحل محله مفرد محاسبي يندمج مع غيره من املفردات داخل هذا احلساب‪.75‬‬ ‫فالتجديد في القانون املدني كصورة من صور انقضاء االلتزام بصفة عامة ال يفترض‪ ،‬وإمنا يجب االتفاق‬ ‫عليه بني األطراف املعنية باألمر‪ .‬إال أنه خالفا لهذه القاعدة‪ ،‬فالتجديد املترتب على تقييد الديون في احلساب‬ ‫اجلاري مفروض بقوة القانون‪ ،‬أي أن األمر في ذلك ال يتوقف على رغبة الطرفني وإمنا هو نتيجة حتمية يقررها‬ ‫القانون‪.76‬‬ ‫وجتد هذه الفكرة أساسها ومصدرها في قرار ﶈكمة النقض الفرنسية صادر في ‪ 25‬يناير ‪ ،771955‬ففي‬ ‫هذا القرار اعتبرت اﶈكمة أن الدفع في احلساب اجلاري يساوي الوفاء‪ ،‬مما شكل آنذاك قطيعة مع ما كان البعض‬ ‫يراه بخصوص احلساب اجلاري‪ ،‬إذ كان هناك من يعارض هذه الفكرة ملا تؤدي إليه من نتائج قاسية والسيما‬ ‫بالنسبة للطرف الذي تكون ديونه مضمونة بتأمينات مهمة‪.‬‬ ‫أما الفقه في مصر‪ 78‬فقد كان قبل صدور القانون التجاري رقم (‪ )17‬لسنة ‪ 1999‬يتجه إلى رفض فكرة‬ ‫التجديد في احلساب اجلاري مستندا في ذلك إلى املادة (‪ )355‬من القانون املدني املصري‪ 79‬والتي تنص على " ‪-1‬‬ ‫ال يكون جتديدا مجرد تقييد االلتزام في حساب جار‪-2 .‬وإمنا يتجدد االلتزام إذا قطع رصيد احلساب ومت إقراره‪ .‬على‬ ‫أنه إذا كان االلتزام مكفوال بتأمني خاص‪ ،‬فإن هذا التأمني يبقى ما لم يتفق على غير ذلك"‪.‬‬ ‫في حني اعتبر جانب فقهي‪ 80‬آخر هذه املادة تراجعا عن فكرة التجديد ما دام أن مضمون هذا النص يوحي‬ ‫بأن احلق يظل محتفظا بوجوده وكيانه وصفاته ودفوعاته‪ ،‬كما يحتفظ بتأميناته حتى بعد قيده باحلساب‬ ‫اجلاري وال ميكن استبعاد هذه التأمينات إال إذا اتفق األطراف على ذلك‪ ،‬وملا كان الدين عندما يدخل احلساب يختفي‬ ‫دون أن يحل محله دين آخر وإمنا مفرد حسابي غير مستحق األداء‪ ،‬فإن التجديد ال يتم مبجرد دخول الدين احلساب‪،‬‬ ‫بل إنه ال يتم إال عند قفل احلساب واستخراج الرصيد وإقراره‪ ،‬ألن هذه هي اللحظة التي يظهر فيها الدين اجلديد‬ ‫الذي يحل محل الدين الذي انقضى بدخوله إلى احلساب‪.‬‬ ‫أما فيما يتعلق بالتأمينات التي تضمن الوفاء بالدين الذي أدرج في احلساب اجلاري‪ ،‬فالقاعدة في التجديد‬ ‫أن تنقضي التأمينات الضامنة لاللتزام القدمي إال إذا مت االتفاق صراحة على نقل التأمينات إلى االلتزام اجلديد‪،81‬‬ ‫وهذا ما تخالفه املادة (‪ )355‬من القانون املدني املصري سالفة الذكر‪.‬‬

‫‪ - 74‬د‪ .‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني‪ ،‬ج‪ ،3‬دار املعارف القانونية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ نشر‪ ،‬ص ‪1176‬‬ ‫‪ - 75‬د‪ .‬محمد جنكل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.57‬‬ ‫ يرى بعض الفقه أن املفهوم التقليدي للتجديد ال يسعف في تبرير التجديد احلاصل في احلساب اجلاري‪ ،‬فاملدين والدائن ومحل الدين ومصدره‬‫هي عناصر موجودة في الدين قبل دخوله في احلساب اجلاري وهي موجودة في الرصيد الناجت عن احلساب‪ ،‬األمر الذي يستدعي فهم التجديد‬ ‫مبعنى أوسع أو معنى آخر يناسب احلساب اجلاري‪ ،‬لذا يلزم وجود عنصر قانوني جديد يضاف إلى الدين بعد دخوله احلساب اجلاري يثبت وجود‬ ‫التجديد‪ ،‬وهذا العنصر هو الدعوى‪ ،‬فالدين قبل دخوله احلساب اجلاري لم يكن مضمونا بدعوى احلساب اجلاري ولكن بعد دخوله أصبح مضمونا‬ ‫بتلك الدعوى‪ ،‬فالذي تغير في الدين هو عنصر املسؤولية دون عنصر املديونية إذ أن األخير لم يطرأ عليه أي تغيير‪ ،‬ويشبه ذلك بالكفيل قبل‬ ‫الكفالة وبعد الكفالة‪ .‬فائق محمود الشماع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص؟‬ ‫‪ - 76‬د‪ .‬محمد لفروجي‪ ،‬العقود البنكية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.107‬‬ ‫‪77 - Cour de cassation francaise – Arret Commercial – 25 Janvier 1955 – JCP– 1955 II – 854 bis not H. Cabrillac‬‬ ‫‪ -78‬د محمد حسني عباس‪ ،‬القانون التجاري‪ ،‬عمليات البنوك والعقود التجارية‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،1966 ،‬ص ‪.206‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني‪ ،‬ج‪ ،3‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.838‬‬ ‫‪ - 79‬القانون املدني‪ :‬جمهورية مصر العربية قانون رقــم (‪ )131‬لسنة ‪ 1948‬بتاريخ ‪1948 / 7 / 29‬‬ ‫‪ - 80‬د‪ .‬علي جمال الدين عوض‪ ،‬عمليات البنوك من الوجهة القانونية‪ ،‬ط‪ ،1989‬دار النهضة العربية القاهرة‪ ،‬ص ‪.313‬‬ ‫‪ 81‬د‪-‬عبد القادر الفار‪ ،‬أحكام االلتزام " آثار احلق في القانون املدني األردني "‪ ،‬ط ‪ ،6‬مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان ‪ ،2001‬ص‪55‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪281‬‬


‫ولكن تغير احلال بعد صدور القانون التجاري املصري رقم (‪ )17‬لسنة ‪ (1999‬والذي يعد مصدر مشروع‬ ‫القانون التجاري الفلسطيني) مت الغاء املادة ‪ 355‬من القانون املدني وحلت محلها املادة (‪ )367‬من القانون التجاري‪،‬‬ ‫التي أرست قاعدة جديدة تتمثل في أن األصل هو عدم قيد الديون املصحوبة بتأمينات قانونية أو اتفاقية في‬ ‫احلساب اجلاري إال اذا اتفق على خالف ذلك‪.82‬‬ ‫ومبقتضى هذه القاعدة يكون املشرع قد أبقى على فكرة التجديد مع ضمان بقاء التأمينات في حال اتفاق‬ ‫األطراف على إدخال الدين املضمون في احلساب‪ ،83‬ومادامت هذه الضمانات تابعة للدين‪ ،‬وألن الدين فقد ذاتيته‬ ‫واستقالله واندمج مع بقية العناصر املكونة للحساب‪ ،‬فإن الضمانات التابعة تزول‪ .‬وقد اعتبر الفقه الفرنسي‬ ‫أن هذا األثر أهم نتائج قاعدة التجديد‪.84‬‬ ‫إن االتفاق على قيد الديون املصحوبة بتأمينات اتفاقية في احلساب اجلاري‪ ،‬سواء كانت مقررة من املدين‬ ‫أو من الغير‪ ،‬يفترض أن يتم نقل التأمني لضمان رصيد احلساب اجلاري عند قفله‪ ،‬ولكن في حدود مقدار الدين‬ ‫املضمون ابتداء قبل دخوله للحساب‪ ،‬دون ما اعتبار ملا قد يطرأ على احلساب أثناء تشغيله من تغيرات‪ ،‬اللهم‬ ‫إذا مت االتفاق على غير ذلك‪.85‬‬ ‫وسبب النص على إمكانية نقل الضمان إلى رصيد احلساب هو أن زوال هذه الضمانات من شأنه أن يضعف‬ ‫مركز الطرف الذي تكون له ديون من هذا النوع جتاه الطرف اآلخر‪ ،‬أما الغاية من النص على أن الضمان ينتقل‬ ‫إلى الرصيد املستخرج عند قفل احلساب ال على املفرد احلسابي املقابل للدين املعني باألمر في احلساب‪ ،‬فيعود‬ ‫إلى أن نقل هذه الضمانات إلى املفردات احلسابية يؤدي الى املساس مببدأ عدم التجزئة‪.86‬‬ ‫‪87‬‬ ‫و أعتقد أن هذا املعنى للتجديد مت النص عليه في املادة (‪ )399‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني‬ ‫والتي اقتبست من املادة (‪ )367‬من القانون التجاري املصري رقم (‪ )17‬لسنة ‪.1999‬‬ ‫ويثار التساؤل عند قراءة املادة (‪ )399‬من مشروع القانون التجاري حول التاريخ الذي يجب أن يتم فيه‬ ‫االتفاق على حتويل الضمانات على رصيد احلساب اجلاري‪ ،‬هل هي حلظة تقييد الدين في احلساب أم بعد ذلك؟‬ ‫لم تبني لنا املادة السابقة الوقت الذي يجب االتفاق فيه على نقل الضمانات‪ ،‬كل ما اشترطته هذه املادة‬ ‫أن يتم اتفاق جميع ذوي الشأن كتابة على ذلك‪ ،‬ويذهب بعض الفقه‪ 88‬إلى أنه يتعني أن يبرم االتفاق في نفس‬ ‫الوقت الذي يتم فيه تسجيل الدين املعني باألمر في احلساب اجلاري لكي ينتج أثره بالنسبة للغير‪.‬‬ ‫ونؤيد هذا الرأي فيما ذهب إليه وذلك قياسا على ما جاء في املادة (‪ )389‬من مشروع القانون املدني‬ ‫الفلسطيني الفقرة األخيرة والتي نصت على أنه " ‪ ...‬ال يكون االتفاق على نقل التأمينات العينية نافذا بحق‬ ‫‪ - 82‬أحمد بركات مصطفى‪ ،‬العقود التجارية وعمليات البنوك‪ ،‬ط‪ ،3‬دار النهضة العربية القاهرة‪ ،‬دون ذكر تاريخ النشر‪ ،‬ص‪.269‬‬ ‫‪ 83‬عبد احلميد الشواربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.472‬‬ ‫‪84 - Calais – Auloy MT, “Compte Courant, banque et crédit”, fasc 210. N 86.‬‬ ‫‪- Riper et Roblot, “Traité élémentaire de droit commercial”, T.II. LGDJ, Paris, 1992, n2335‬‬ ‫أورده د‪ .‬محمد جنكل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪59‬‬ ‫‪ - 85‬عبد احلميد الشواربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.472‬‬ ‫‪ - 86‬محمد جنكل‪ ،‬العمليات البنكية‪ ،‬ج‪ ،1‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.60-59‬‬ ‫‪ - 87‬املادة (‪ )399‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني‬ ‫‪ . ٢‬ومع ذلك يجوز قيد الديون املصحوبة بتأمينات اتفاقيه‪ ،‬سواء أكانت تلك التأمينات مقررة من املدين أم من الغير‪ ،‬في احلساب اجلاري إذا‬ ‫اتفق جميع ذوي الشأن كتابة على ذلك‪ .‬وفي هذه احلالة ينتقل التأمني لضمان رصيد احلساب اجلاري عند قفله مبقدار الدين املضمون‪ ،‬دون‬ ‫اعتبار ملا يطرأ على احلساب أثناء تشغيله من تغييرات‪ ،‬إال إذا اتفق على غير ذلك ‪ .‬وال يحتج على الغير بانتقال التأمني إلى رصيد احلساب إال‬ ‫من تاريخ شهره إذا كان القانون يستلزم هذا الشهر"‪.‬‬ ‫‪ - 88‬د‪ .‬محمد لفروجي‪ ،‬عمليات البنوك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.109‬‬ ‫‪282‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫الغير إال إذا مت مع التجديد في وقت واحد‪ ،‬مع مراعاة األحكام املتعلقة بالتسجيل"‪ .‬ولكن إذا كان الضمان‬ ‫يستلزم التسجيل فقد نصت املادة (‪ )399‬من مشروع القانون التجاري على أنه ال يحتج بانتقال التأمني على‬ ‫رصيد احلساب إال في الوقت الذي يتم فيه التسجيل‪.‬‬ ‫ويرى الباحث أن القانون التجاري األردني رقم (‪ )12‬لسنة ‪ 1966‬أكثر وضوحا في إبراز خاصية التجديد‪ ،‬حيث‬ ‫نصت املادة (‪ )111‬من هذا القانون على أن " ‪ ...‬الديون املترتبة ألحد الفريقني إذا أدخلت في احلساب اجلاري فقدت‬ ‫صفاتها اخلاصة وكيانها الذاتي فال تكون بعد ذلك قابلة على حدة للوفاء وال املقاصة وال للمداعاة وال إحدى طرق‬ ‫التنفيذ وال للسقوط منفردة بالتقادم"‪.‬‬ ‫وبالتالي إن الدين بدخوله في احلساب اجلاري ال يكون قابال للسقوط منفردا مبرور الزمان‪ ،‬وتصبح خاضعة‬ ‫للتقادم الذي يخضع له احلساب عند إقفاله‪ ،‬ألنه ال يوجد ال دائن وال مدين إال ا عند إقفال احلساب‪ ،‬والسبب في‬ ‫ذلك أن التقادم يفترض إمكانية املطالبة بالدين خالل مدة بفعل قاعدة التجديد‪.89‬‬ ‫ثانيا‪ :‬االستثناءات على قاعدة التجديد‬ ‫هنالك بعض االستثناءات التي ترد على قاعدة األثر التجديدي لدخول الدين في احلساب اجلاري‪ ،‬مما يحول‬ ‫دون اندماج هذا الدين في رصيد احلساب بصورة نهائية‪ ،‬وذلك ألن تقييد الدين في احلساب اجلاري يعتبر كأنه‬ ‫وفاء‪ ،‬فإن هذا الوفاء ال يكون نهائيا إال إذا توافرت فيه الشروط القانونية لصحة الوفاء‪ ،‬فتقييد الدين في احلساب‬ ‫اجلاري ميكن أن يتبع بقيد عكسي يلغيه في احلاالت التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬تعديل التقييد في حالة بطالن العالقة األصلية‬ ‫هذا االستثناء يستوجب النظر إلى الدين املندرج في احلساب بصفة مستقلة عن احلساب اجلاري‪ ،‬ألنه ال‬ ‫يجوز التمسك باندماج الدين في احلساب اجلاري إذا كان الدين متسما بأحد أسباب البطالن كأن يكون محله‬ ‫غير مشروع‪.90‬‬ ‫إن مبدأ التجديد ال يغطي على عدم مشروعية الديون املقيدة‪ ،‬بل تبقى تلك الديون غير مشروعة رغم‬ ‫قيدها في احلساب اجلاري‪ ،‬ويلزم في هذه احلالة إلغاء ذلك القيد ‪ ،‬مبعنى أ ان املدفوع املقيد في احلساب اجلاري رغم‬ ‫جتديده يبقى مستندا في وجوده على صحة العالقة األصلية التي نشأ عنها‪.91‬‬ ‫وعليه فقد اجته الفقه الفرنسي‪ 92‬إلى وضع استثناء على قاعدة التجديد‪ ،‬يتعلق بعدم قطع كل ارتباط‬ ‫بني الدين األصلي واملفرد اخلاص به في احلساب‪ ،‬فاألصل أن اندماج الدين مع باقي مفردات احلساب اجلاري يفترض‬ ‫أن هذا الدين صحيح ال يشوبه أي عيب مبطل‪ .‬أما إذا كان الوضع غير ذلك‪ ،‬فإن دخوله في احلساب ال يقطع صلة‬ ‫املفرد متاما مع أصله‪ ،‬فال ميكن استنادا إلى قاعدة التجديد غض النظر عن بطالنه‪ ،‬وال إقرار استمراريته بالرغم‬ ‫من انقضائه بانقضاء العقد الذي تولد عنه الدين‪ ،‬فإذا حكم بعد قيد الدين في احلساب ببطالن العقد الذي‬

‫‪ - 89‬د‪ .‬علي جمال الدين عوض‪ ،‬عمليات البنوك من الوجهة القانونية‪ ،‬ط‪ ،2008‬ص‬ ‫‪ - 90‬محمد جنكل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪60‬‬ ‫‪ - 91‬يوسف عودة غامن‪ ،‬األثر التجديدي للحساب اجلاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪159‬‬ ‫‪92- Rives- Lange et Contamine- Raynaud, op. cit. n 238.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪283‬‬


‫نشأ عنه الدين أو بفسخه وجب الغاء هذا القيد بقيد عكسي يلغيه وذلك تطبيقا لقاعدة استرجاع القيد غير‬ ‫املستحق‪.‬‬ ‫وفي هذا االجتاه ذهبت محكمة النقض الفرنسية‪ 93‬في أحد قراراتها إلى أن إجراء قيد عكسي كلي أو‬ ‫جزئي في احلساب اجلاري من أجل تسوية وضعية احلساب اجلاري‪ ،‬ميكن أن تتم إذا ما كان دفعه أحد الطرفني غير‬ ‫واجب دفعه أو أكثر مما يجب دفعه‪ ،‬وبالتالي تعتبر التسوية وجها من أوجه استرجاع غير املستحق‪.‬‬ ‫ويرى الباحث أن مشروع القانون التجاري الفلسطيني لم يبتعد عن هذا التوجه‪ ،‬حيث ذهبت املادة (‪)395‬‬ ‫منه إلى أن " قيد الدين في احلساب اجلاري ال يحول دون استعمال احلقوق املتعلقة بالعملية املنشئة لهذا الدين"‪.‬‬ ‫ومن هنا ميكن القول بأن قيد الدين في احلساب اجلاري ال يقطع الصلة مع العالقة األصلية التي أوجدته‪ ،‬بل يحق‬ ‫ألطراف احلساب االعتداد بهذه العالقة التي ترتب عليها دخول املدفوعات للحساب‪.94‬‬ ‫كما نصت املادة (‪ )396‬منه على أنه " إذا انقضى القيد في احلساب اجلاري أو خفض مقداره بسبب الحق‬ ‫لدخوله احلساب وجب إلغاء قيده أو تخفيضه وتعديل احلساب تبعا لذلك"‪.‬‬ ‫وبالتالي إذا أبطل الدين الذي أدخل في احلساب نتيجة بطالن العقد الذي كان مصدره وجب إلغاء القيد‬ ‫في احلساب‪ ،‬أو تخفيض مقدار الدين املدرج فيه في حال كان الفسخ أو البطالن جزئيا‪ ،‬حيث يقوم أطراف احلساب‬ ‫بتعديله تعديال جزئيا‪.‬‬ ‫وقد خال قانون التجارة األردني رقم (‪ )12‬لسنة ‪ 1966‬من اإلشارة إلى مصير التقييد في احلساب في حال‬ ‫بطالن العقد الذي أنشأ الدين‪ ،‬ولكن من املمكن إبطال هذا القيد باالستناد إلى القواعد العامة وخصوصا قاعدة‬ ‫استرجاع غير املستحق‪.‬‬ ‫‪ -2‬القيد العكسي لألوراق التجارية‬ ‫سبق القول إن مبدأ التجديد يقتضي انقضاء الدين تلقائيا عندما يدخل إلى احلساب اجلاري‪ ،‬وفقدانه‬ ‫لذاتيته وتنقضي تبعا لذلك الدعاوي والتأمينات الضامنة له‪ ،‬ولكن هذا املبدأ ال يطبق حسب املادة (‪ )407‬من‬ ‫املشروع في حالة ما إذا ما كان املدفوع حصيلة ورقة جتارية مخصومة‪ ،95‬طاملا لم تدفع قيمتها في تاريخ‬ ‫استحقاقها‪ .‬وهذا ما نصت عليه بشكل واضح املادة (‪ )109‬من قانون التجارة األردني (‪ )12‬لسنة ‪ 1966‬في‬ ‫فقرتها األولى والتي ذهبت إلى القول إن " ‪-1‬إن الدفع بواسطة سند جتاري ال يعد حاصال إال بشرط قبض قيمته‬ ‫ما لم يكن اتفاق مخالف"‪.96‬‬

‫‪ -93‬قرار محكمة النقض الفرنسية ‪ 25‬ماي ‪ 1993‬أورده محمد لفروجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪110‬‬ ‫‪ - 94‬يوسف عودة غامن املنصوري‪ ،‬نحو تطورات في املسائل التجارية واملصرفية‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،2013،‬ص ‪.31-29‬‬ ‫‪ - 95‬ميكن تعريف عملية اخلصم بأنها " عقد يلتزم مبقتضاه البنك أن يدفع قيمة الورقة التجارية إلى حاملها قبل تاريخ استحقاقها‪ ،‬مقابل‬ ‫خصم جزء من قيمتها متثل عمولة البنك والفائدة ومصاريف حتصيل قيمتها‪ ،‬على أن يلتزم حاملها بنقل ملكية احلق الثابت فيها‪ ،‬وهو مبلغ‬ ‫من النقود إلى البنك ورد قيمتها االسمية إليه إذا لم يدفعها املدين األصلي في تاريخ االستحقاق"‪.‬‬ ‫ د‪ .‬عزيز العكيلي‪ ،‬الوسيط في شرح القانون التجاري‪ ،‬األوراق التجارية وعمليات البنوك‪ ،‬اجلزء الثاني‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬عمان‪ ،2010 ،‬ص ‪.463‬‬‫ تنص املادة ‪ 16‬من الشروط العامة لفتح احلساب لدى البنك العربي فرع فلسطني على أن " تظهير املعتمد أية ورقة إليداعها في حساباته‬‫املدينة هو تظهير ناقل للملكية مالم يذكر صراحة أن القيمة للتحصيل‪ ،‬وال يعتبر ذكر رقم حساب املعتمد إزاء التظهير قرينة على أن‬ ‫التظهير توكيلي‪/‬للتحصيل"‬ ‫‪ - 96‬ذهبت محكمة التمييز األردنية إلى أنه " ‪-1‬ال يعد الدفع بواسطة سند جتاري حاصال إال ا بقبض قيمته عمال باملادة (‪ )109‬من قانون التجارة‪.‬‬ ‫فإذا أودع املميز ضده ش يكا في حسابه لدى البنك التعاوني فللبنك بعد أن قيد قيمته في احلساب أن يعكس هذا القيد إذا لم يتم صرف‬ ‫‪284‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وهذا املعنى للخصم أكدته محكمة النقض الفلسطينية‪ ..." 97‬خصم الكمبياالت عند تظهيرها للبنك‬ ‫تظهيرا ناقال للملكية يجعل البنك حامال شرعيا لها‪ ،‬وعليه يجب أن يتم السداد للبنك ذاته املظهر له وفي‬ ‫تاريخ االستحقاق وليس في حساب املستفيد األصلي من الكمبيالة الذي لديه حساب لدى البنك‪ ،‬وإذا مت الوفاء‬ ‫بطريقة أخرى فإن ذلك ال يبرئ ذمة العميل جتاه البنك‪".‬‬ ‫وقد حاول الفقه الفرنسي‪ 98‬تبرير هذا االستثناء لقاعدة التجديد‪ ،‬فقد ذهب رأي أول إلى أن هذا االستثناء‬ ‫يستشف من القاعدة املنصوص عليها في القواعد العامة واملتمثلة في وجود الشرط الفاسخ في العقود‬ ‫امللزمة للجانبني‪ ،‬ففي حال عدم تنفيذ االلتزام من أحد طرفي العقد يحق للطرف اآلخر فسخ العقد‪ ،‬فيما ذهب‬ ‫رأي آخر إلى أن هذا االستثناء يستند إلى اإلرادة الضمنية للطرفني‪ ،‬حيث إن أساس القيد العكسي هو الشرط‬ ‫الضمني املستمد من إرادة الطرفني‪.‬‬ ‫أما الفقه املصري‪ 99‬فيذهب إلى أنه تنشأ للمصرف دعويان‪ :‬األولى مصدرها الورقة التجارية اجملصومة‬ ‫(الدعوى الصرفية) أي متابعة املوقعني من أجل استخالص الورقة التجارية‪ ،‬ومن ضمن املوقعني على الورقة‬ ‫التجارية العميل الذي قدم الورقة التجارية للخصم‪ ،‬أما الدعوى الثانية فمصدرها عقد اخلصم ذاته وليس‬ ‫الورقة اجملصومة‪ ،‬وفي هذه احلالة األخيرة يكون املصرف ملزما بإرجاع الورقة إلى العميل‪ ،‬وبالتالي يحرم املصرف‬ ‫من كل احلقوق املتصلة بالورقة التجارية‪.‬‬ ‫لقد أعطت املادة (‪ )407‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني للمصرف إجازة بإجراء القيد العكسي‬ ‫للورقة اجملصومة التي لم تدفع في ميعاد استحقاقها‪ ،‬ألنه حسب القواعد العامة يحق للمصرف أيضا أن يقوم‬ ‫بتقدمي الورقة التجارية للقبول والوفاء في األجل‪ ،‬كما يتعني عليه حترير ورقة االحتجاج لعدم الدفع وإال اعتبر‬ ‫حامال مهمال‪ ،‬ليتمكن من الرجوع على الضامنني وهم املوقعون على الورقة التجارية ومبن فيهم املظهر عميل‬ ‫البنك‪ ،100‬وهو نفس توجه الفقه املصري السابقة اإلشارة إليه‪.‬‬ ‫وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض املصرية‪ 101‬من أن" حق البنك في إجراء القيد العكسي باحلساب‬ ‫اجلاري لألوراق التجارية التي تخصم لديه وال يتم حتصيلها‪ ،‬حق يستند إلى حقه في دعوى الضمان الناشئة عن‬ ‫عقد اخلصم والتي تخول البنك الرجوع على طالب اخلصم بقيمة الورقة في حال عدم الوفاء بقيمتها في تاريخ‬ ‫االستحقاق‪ ،‬كما يستند كذلك إلى حقه في دعوى الصرف الناشئة عن تظهير الورقة إليه تظهيرا ناقال‬ ‫للملكية يخوله حق الرجوع على املظهر طبقا لإلجراءات واملواعيد املنصوص عليها في القانون التجاري‪ ،‬بحيث‬ ‫إذا سقط حق البنك في تلك الدعوى لعدم مراعاة تلك اإلجراءات واملواعيد امتنع عليه إجراء القيد العكسي‬

‫الشيك‪ ،‬وال يرد االحتجاج بأن البنك املسحوب عليه (بنك األردن واخلليﺞ) قد حصل على كمبيالة من اﺠﻤﻟير لقاء قيمة الشيك ذلك أن الدفع‬ ‫أيضا بهذه الطريقة ال يعتبر أيضا دفعا صحيحا ووفاء للدين باملعنى املقصود في املادة املشار إليها "‪.‬‬ ‫ قرار محكمة التمييز األردنية رقم ‪ 1993/1042‬مجلة نقابة اﶈامني األردنيني‪ ،‬تاريخ النشر ‪ ،1995‬ص ‪.642‬‬‫‪ - 97‬قرار محكمة النقض في رام اهلل رقم ‪ 2011/125‬منشور على موقع جمعية البنوك الفلسطينية على الرابط‬ ‫‪http://www.abp.ps/files/server/Court%20decisions.pdf‬‬ ‫‪ -98‬راجع آراء الفقه الفرنسي‪ ،‬محمد جنكل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪62‬‬ ‫‪ -99‬د‪ .‬محمود مختار محمد أحمد بريري‪ ،‬قانون املعامالت التجارية (عمليات البنوك واألوراق التجارية)‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة ‪،2001‬‬ ‫ص‪.102-101‬‬ ‫ د‪ .‬أحمد محمود جمعة‪ ،‬أحكام عقد احلساب اجلاري في قانون التجارة‪ ،‬ط‪ ،1‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،2001‬ص ‪.29‬‬‫‪ -100‬د‪ .‬عزيز العكيلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.471‬‬ ‫‪ - 101‬قرار محكمة النقض املصرية رقم ‪ 346‬بتاريخ ‪ 1976/05/17‬املستشار سعيد أحمد شعلة‪ ،‬قضاء النقض في املواد التجارية خالل ثالثة‬ ‫وسبعني عاما (‪ )1931-2003‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2004 ،‬ص ‪.372‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪285‬‬


‫لسقوط حقه في دعوى الصرف‪ ،‬على أن سقوط حق البنك في دعوى الصرف ال يخل بحقه في إجراء القيد‬ ‫العكسي استنادا إلى حقه في دعوى الضمان الناشئة عن عقد اخلصم"‪.‬‬ ‫ويرى الباحث أن هذا التوجه من قبل محكمة النقض يتوافق مع ما جاءت به املادة (‪ )584‬من مشروع‬ ‫القانون التجاري الفلسطيني واملستمدة من املادة (‪ )549‬من القانون التجاري املصري والتي تنص على أنه " ال‬ ‫يترتب على قبول الدائن تسلم ورقة جتارية وفاء لدينه جتديد هذا الدين إال إذا أثبت بوضوح اجتاه قصد املتعاقدين‬ ‫إلى إحداث التجديد"‪.‬‬ ‫واستنادا إلى هذه اجملاطر‪ ،‬أي حرمان املصرف من احلقوق املتصلة بالورقة خصوصا إذا كان احلساب ال‬ ‫يتضمن موجودات كافية في حال اختار املصرف إجراء القيد العكسي‪ ،‬فقد اعتبرت محكمة النقض‬ ‫الفرنسية‪ 102‬املصرف دائنا مرتهنا ميكنه االحتفاظ بالورقة التجارية على سبيل الرهن رغم إجراء القيد‬ ‫العكسي‪.‬‬ ‫وهذا هو نفس احلكم الذي تنص عليه املادة (‪ )109‬من قانون التجارة (‪ )12‬األردني لسنة ‪ 1966‬والتي جاء‬ ‫فيها " ‪- 2‬وإذا لم تسدد قيمة السند في موعد استحقاقه فيحق ملستلمه مع االحتفاظ به على سبيل التأمني‬ ‫ومع استعمال احلقوق املنوطة به‪ ،‬أن يقيد قيمته على حساب مسلمه"‪ .‬ونالحظ أن مشروع القانون التجاري قد‬ ‫تراجع عن هذا املقتضى ولم يعط للمصرف احلامل للورقة التجارية االحتفاظ بها على سبيل الرهن‪.‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬مبدأ عدم جتزئة احلساب اجلاري‬ ‫نتحدث في البداية عن املفهوم التقليدي لعدم التجزئة ثم نتعرض للمفهوم احلديث‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬املفهوم التقليدي ملبدأ عدم التجزئة‬ ‫يقصد مببدأ عدم التجزئة وفق هذا املفهوم أن املفردات املوجودة باحلساب تشكل فيما بينها كال واحدا‬ ‫متماسكا ال يقبل االنفصال عنه قبل إقفاله‪ ،‬ووقوع املقاصة بني املفردات الدائنة واملدينة واستخراج الرصيد‬ ‫النهائي الذي ميثل وحده الدين املستحق‪.103‬‬ ‫وقد متت صياغة هذا املبدأ في القرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية‪ 104‬بتاريخ ‪ 26‬يوليو ‪1903‬‬ ‫حيث ذهب إلى أن " عمليات احلساب اجلاري تتابع كل منها تلو األخرى إلى حني تسويتها نهائيا‪ ،‬وتكون كال واحدا‬ ‫غير قابل للتجزئة‪ ،‬فطاملا أن احلساب مفتوح فال يوجد أي حق أو دين‪ ،‬وإمنا يوجد فقط مفردات دائنة ومدينة وأن‬ ‫امليزان النهائي للحساب هو وحده الذي يحدد املديونية على عاتق أي من الطرفني‪ ،‬و نتيجة لذلك‪ ،‬فإن صفتي‬ ‫الدائن واملدين ال تتحقق إال وقت قفل احلساب"‪.‬‬ ‫‪102 Com . 14 avril 1959. R T D Com, 915. Banque, 1959, p608‬‬ ‫‪ - 103‬د‪ .‬محمد توفيق بطاح‪ ،‬آثار احلساب اجلاري في العمليات املصرفية‪ ،‬مؤسسة الوراق للنشر‪ ،‬عمان‪ ،‬االردن‪ ،2003،‬ص‪.84‬‬ ‫ د‪ .‬منير محمد اجلنبيهي‪ ،‬د‪ .‬ممدوح محمد اجلنبيهي‪ ،‬أعمال البنوك‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2000 ،‬ص‪.269‬‬‫ د‪ .‬محمود مختار أحمد بريري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.70‬‬‫‪104 - Cour de cassation française- Arret civil- 24 juin 1903, Sirey, 1904, p 220‬‬ ‫أورده محمد لفروجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪112‬‬ ‫وهذا ما سارت عليه محكمة التمييز األردنية حيث ذهبت إلى أنه " بناء على املادة (‪ )112‬بفقرتيها األولى والثانية أنه ال يعد أحد الطرفني دائنا‬ ‫أو مدينا للفريق اآلخر قبل ختام احلساب اجلاري" قرار متييز حقوق ‪ 89/1068‬مجلة نقابة اﶈامني لسنة ‪ ،1991‬ص‪. 1333‬‬ ‫‪286‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وكرست التشريعات التجارية العربية‪ 105‬ومنها التشريع التجاري األردني رقم (‪ )12‬لسنة ‪ 1966‬في املادة‬ ‫(‪ )112‬منه هذا املبدأ حيث ذهبت إلى أنه " ‪-1‬ال يعد أحد الفريقني دائنا أو مدينا للفريق اآلخر قبل ختام احلساب‬ ‫اجلاري"‪.‬‬ ‫‪ -2‬إن إيقاف هذا احلساب هو وحده الذي يحدد حالة العالقات القانونية بني الطرفني وهو الذي تنشأ عنه حتما‬ ‫املقاصة االجتماعية جلميع بنود احلساب من تسليف واستالف وهو الذي يعني الدائن واملدين‪".‬‬ ‫وهذا ما كرسته محكمة النقض الفلسطينية‪ 106‬في أحد قراراتها "‪ ...‬كذلك يتضح أن البنك أغلق‬ ‫احلساب اجلاري للطاعن بتاريخ ‪ 24/7/2001‬مبوجب املبرز م‪ 7/‬وقد أقيمت الدعوى بتاريخ ‪ ،30/7/2001‬وهذا يتفق مع‬ ‫أحكام املادة (‪ )106‬من قانون التجارة رقم (‪ )12‬لسنة ‪ 66‬التي تنص في ذيلها على اعتبار أن قيمـة الدين‬ ‫مستحقـه األداء عند إقفال احلسـاب‪ ،‬واملادة ‪/7‬ب من عقد فتح االعتماد املبرز م‪ ،1/‬و ذلك يتفق مع نص املادة (‪)85‬‬ ‫من قانون أصول اﶈاكمات احلقوقية الساري املفعول في ذلك احلني ألغراض إلقاء احلجز"‪ .‬نستنتج من هذا القرار‬ ‫أن محكمة النقض اعتبرت أن دين احلساب ال يعتبر مستحقا إال عند إقفال احلساب‪ ،‬ومادام أن احلساب أغلق‬ ‫قبل رفع دعوى احلجز فإن احلجز يكون صحيحا‪.‬‬ ‫وهذا ما نصت عليه املادة(‪ )٣٩٤‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني "‪ .١‬ال تقبل املفردات املقيدة في‬ ‫احلساب اجلاري التجزئة قبل قفل احلساب واستخراج الرصيد‪ .2 ،‬وال جتوز املقاصة بني مفرد في احلساب ومفرد‬ ‫آخر في نفس احلساب"‪.‬‬ ‫ويذهب أنصار هذا املبدأ من الفقه الفرنسي‪ 107‬إلى القول إن املفردات داخل احلساب اجلاري تشكل كتلة‬ ‫واحدة متماسكة مع احلساب‪ ،‬إذ ال ميكن استخراج رصيد منها أو املطالبة بأحد مفردات هذه الكتلة أو معاملة‬ ‫مفرد معاملة خاصة‪ ،‬ومع ذلك تبقى املفردات املقيدة باحلساب مستقال بعضها عن بعض‪ ،‬فال عالقة بني مفرد‬ ‫وآخر‪ ،‬ويترتب على ذلك أن قيد مفرد في احلساب ال يعد وفاء لقيد مفرد آخر‪.108‬‬ ‫وبالتالي ال جتوز املطالبة باستحقاق أي مفرد في احلساب‪ ،‬ويقوم هذا احلكم على إرادة الطرفني إذ قصدا‬ ‫تأجيل تسوية الديون حتى وقت قفل احلساب‪ ،‬كما ال يجوز أن تصدر املطالبة من دائن ألحد طرفي احلساب على‬ ‫حق دخل للحساب‪ ،109‬كما أنه ال يجوز أثناء تشغيل احلساب اجلاري إجراء مقاصة بني مفرد في احلساب ومفرد‬ ‫آخر في احلساب ذاته‪ ،‬ألن املقاصة عملية وفاء واستيفاء‪ ،‬وهذه العملية ال ميكن إجراؤها إال إجماليا وملرة واحدة‬ ‫عند إقفال احلساب‪ ،‬فاملقاصة النهائية تتم فقط عند قفل احلساب‪.110‬‬ ‫ويالحظ من خالل املوقف التشريعي والقضائي والفقهي السابق إنكار القيمة القانونية للرصيد املؤقت‬ ‫في حالة الوقف املؤقت للحساب‪ ،‬حيث ميكن معرفة الدائن ليتمكن من اإلفادة من صفته كدائن أو يستفيد‬ ‫منها الغير الدائن له‪ ،‬باعتبار أن ما يسفر عنه الوقف املؤقت يعتبر جزءا من الضمان العام لطرفي احلساب‬

‫‪ - 106‬قرار محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 37‬لسنة‪ ، 2003‬صادر بتاريخ ‪.2004/01/25‬‬ ‫‪ / http://muqtafi.birzeit.edu‬منظومة التشريع و القضاء في فلسطني‬ ‫‪107 - ESCARRA- Principes de droit commercial – Tome VI- ( Banque et Commerce de banque) Sirey 1937, n° 413.‬‬ ‫‪ 108‬هامل ‪ 372-‬أشار إليه الدكتور علي جمال الدين عوض‪ ،‬عمليات البنوك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ط ‪ ،2008‬ص ‪402‬‬ ‫‪ - 109‬د‪ .‬علي جمال الدين عوض‪ ،‬عمليات البنوك‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ط‪ ،2008‬ص ‪.403‬‬ ‫‪ - 110‬د‪ .‬هاني دويدار‪ ،‬القانون التجاري (العقود التجارية والعمليات املصرفية‪ ،‬األوراق التجارية‪ ،‬اإلفالس)‪ ،‬منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪،2008،‬‬ ‫ص‪.323‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪287‬‬


‫اجلاري‪ ،‬مما دفع بعض الفقه‪ 111‬إلى القول بأن اتفاق طرفي احلساب على حتقيق ديون متبادلة ومتشابكة وعلى‬ ‫حتديد الرصيد النهائي مرة واحدة عند قفل احلساب‪ ،‬ال ينفي وجود دين لفائدة طرف من طرفي احلساب على اآلخر‬ ‫خالل مدة تشغيل احلساب‪ ،‬وإمنا يعني أن الدين ال يكون حاال إال عند قفل احلساب‪.‬‬ ‫وقد ساير القضاء الفرنسي هذا االجتاه متاشيا مع العرف املصرفي السائد‪ ،‬فإذا كان ال يرتب أي أثر على‬ ‫الرصيد املؤقت تطبيقا لقاعدة عدم التجزئة‪ ،‬إال أنه استثناء من هذه القاعدة أخذ هذا القضاء‪ 112‬يقر ببعض‬ ‫اآلثار القانونية لهذا الرصيد‪ ،‬فذهب إلى أنه يجوز لعميل املصرف أثناء اشتغال احلساب اجلاري وعندما يكون‬ ‫رصيد احلساب دائنا ملصلحته أن يسحب شيكا على املصرف‪.‬‬ ‫وقضت أيضا محكمة النقض الفرنسية استثناء على مبدأ عدم التجزئة‪ ،‬أن لدائن صاحب الرصيد املؤقت‬ ‫احلق في رفع الدعوى البوليصية للطعن في تصرفات الطرف اآلخر والتي تنطوي على غش لإلضرار مبصاحله‪،‬‬ ‫ويعتبر اإلقرار للطرف املضرور برفع دعوى إبطال التصرفات التي تنطوي على غش مبثابة اعتراف بدائنية أحد‬ ‫الطرفني لآلخر رغم استمرار تشغيل احلساب اجلاري وعدم قفله‪.113‬‬ ‫كما أقر هذا القضاء‪ 114‬للمصرف إمكانية مطالبة الشركاء املتضامنني املنسحبني من الشركة بالرصيد‬ ‫املؤقت الذي يظهر في تاريخ انسحابهم من الشركة‪ ،‬وذلك ألن هؤالء الشركاء مسؤولون مسؤولية تضامنية‬ ‫وشخصية عن ديون الشركة‪.‬‬ ‫ويذهب رأي فقهي‪ 115‬إلى أن األصل أنه ال يوجد ال دائن وال مدين أثناء اشتغال احلساب‪ ،‬واستثناء يصلح‬ ‫الرصيد املؤقت مؤونة للشيك استنادا إلى الغاية االقتصادية للحساب املتمثلة بتقدمي العديد من اخلدمات من‬ ‫خالل احلساب اجلاري عن طريق استخدام الرصيد املوجود في احلساب والذي يجب أن يكون دائما دائنا من جهة‬ ‫العميل‪ ،‬وإلى اإلرادة الضمنية للطرفني مبنح اعتماد للزبون بكل وقت‪ ،‬فإن استخدم العميل االعتماد دخل في‬ ‫احلساب ويسجل في اجلانب املدين من احلساب‪ ،‬وهذا الرأي يتفق مع ما جرى عليه العرف املصرفي‪.‬‬ ‫ثانيا‪- :‬املفهوم احلديث ملبدأ عدم التجزئة‬ ‫إن املفهوم احلديث ملبدأ عدم التجزئة يسمح بتحديد صفة الدائن واملدين قبل اإلقفال النهائي للحساب‪،‬‬ ‫وذلك من خالل الدين الذي يسفر عنه الرصيد املؤقت الذي يظهر في كل وقت بفعل املقاصة املتتابعة والسريعة‬ ‫بني املدفوع املقيد في احلساب وبقية املدفوعات املقيدة لتشكل كال ال ميكن جتزئته عن طريق اندماجها في رصيد‬ ‫‪111 - Calais- Auloy MT, “Commpte Courant, banque et Credit”, fasc – C.210. N° 106‬‬ ‫‪112- Paris, 25 Oct 1967‬‬ ‫‪ - 113‬نقض فرنسي مدني جلسة ‪ 21‬يوليو‪ 1931‬داللوز األسبوعي ‪ 1931- 435‬أشار إليه محمد توفيق عبد الفتاح بطاح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪ ،113‬د‪ .‬سميحة القليوبي‪ ،‬األسس القانونية لعمليات البنوك‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.518 ،‬‬ ‫‪114 - Ripert et Roblot . " Traités Clémentaire Commercial". T .II , LGDT. Paris, 1992. N° 2344.‬‬ ‫مشار إليه عند محمد جنكل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪66‬‬ ‫وهذا التوجه ذات توجه محكمة التمييز األردنية والتي ذهبت إلى أنه " يجوز للبنك أن يطالب الشريك املتضامن الذي يخرج من الشركة بأن‬ ‫يدفع رصيدها املدين في احلساب اجلاري املفتوح بينها وبني البنك‪ ،‬والعلة من هذا هو عدم جتريد الدين من ضمانات الشركات بانسحابهم من‬ ‫الشركة الواحد تلو اآلخر قبل إقفال احلساب فيجد الدائن نفسه أمام شركة منحلة أو عاجزة عن الوفاء"‬ ‫ قرار محكمة التمييز األردنية ‪ 160/1989‬صفحة ‪ 2161‬أورده محمد توفيق عبد الفتاح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .117‬وهو املبدأ الذي أقرته‬‫محكمة التمييز األردنية ‪ 1994/1362‬مجلة نقابة اﶈامني األردنيني‪ ،‬تاريخ نشر اﺠﻤﻟلة ‪ ،1995‬ص‪.2543‬‬ ‫كما ذهبت نفس اﶈكمة إلى أنه " تلتزم الشركة والشركاء الكفالء بكامل الدين املتراكم مبوجب تسهيالت احلساب اجلاري سواء انسحبوا‬ ‫من الشركة أم ال‪ ،‬ولكنهم ال يسألون عن الديون التي تترتب على الشركة بعد انسحابهم"‬ ‫ قرار محكمة التمييز األردنية ‪ 93 /1045‬مجلة نقابة اﶈامني‪ ،‬العدد )‪ )6-8‬ص‪ ،2161‬سنة ‪.1991‬‬‫‪ - 115‬د‪ .‬علي جمال الدين عوض‪ ،‬عمليات البنوك‪ ،‬ط‪ ،2008‬ص ‪.417-416‬‬ ‫‪288‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫واحد‪ ،‬مما يسفر عنه ظهور رصيد جديد عند دخول كل دين في احلساب يسمى الرصيد املؤقت‪ ،‬وبالتالي فإن‬ ‫حقوق كل من طرفي احلساب تنتقل مباشرة من املفردات املقيدة إلى الرصيد اجلديد الذي ينشأ تلقائيا بفعل‬ ‫اندماج هذه املفردات‪.116‬‬ ‫إن نظرية املقاصة املتتابعة حتاول التخفيف من االنتقادات التي تعرضت لها نظرية عدم جتزئة احلساب‬ ‫اجلاري‪ ،‬وهي تهدف إلى حتقيق ذات اآلثار املترتبة على عقد احلساب دون االستناد إلى فكرتي التجديد وعدم‬ ‫التجزئة‪ ،‬بل تستند إلى تطبيق القواعد املدنية املرتبطة باملقاصة‪ ،‬ألن عدم جتزئة مفردات احلساب اجلاري ما هي‬ ‫إال ا نتيجة مباشرة للمقاصة‪ .117‬فاملقاصة أداة وفاء تساعد على التسوية السريعة للديون املتبادلة‪.‬‬ ‫وال ينحصر دور املقاصة داخل احلساب اجلاري في التسوية السريعة للديون املتبادلة فقط‪ ،‬بل إن املقاصة‬ ‫تشكل أداة ضمان‪ ،‬ويتجلى ذلك في كون الدائن يستوفي حقه من ذمة املدين باألسبقية على باقي الدائنني مما‬ ‫يجعلها مبثابة تأمني‪.118‬‬ ‫ويعتبر بعض الفقه الفرنسي‪ 119‬مبدأ عدم جتزئة مفردات احلساب اجلاري املصرفي وفق مفهومه احلديث‬ ‫يعبر عن الطريقة التي يحقق مبقتضاها هذا احلساب وظيفته في مجال التسوية السريعة للمعامالت املتبادلة‪.‬‬ ‫وتتم هذه التسوية وفق املفهوم احلديث بطريقتني‪:‬‬ ‫الطريقة األولى‪ :‬ومبقتضاها يتفق الطرفان على إبرام عقد احلساب اجلاري ملدة محددة ال يتم خاللها استخراج‬ ‫الرصيد إلى حني انتهاء هذه املدة‪ ،‬وتعرف هذه الطريقة باحلسابات اجلارية العادية التي تكون بني التجار وال يكون‬ ‫طرفها مصرف‪.‬‬ ‫والطريقة الثانية‪ :‬يتم من خاللها تسوية كل عملية تدخل احلساب بعد حتولها إلى مفرد محاسبي باندماجها‬ ‫املباشر في الرصيد املؤقت الذي يظهر في كل وقت بفعل املقاصة السريعة واملتتالية‪ ،‬حيث أن كل عملية تدخل‬ ‫تؤثر في الرصيد املؤقت بالزيادة أو النقصان‪ ،‬والتطبيق العملي لهذه الطريقة ميكن تلمسه في احلسابات اجلارية‬ ‫البنكية‪.120‬‬ ‫وقد بدأت مظاهر هذا التوجه احلديث بالظهور في قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر في ‪13‬‬ ‫نوفمبر‪ ،1211973‬حيث ذهبت إلى أنه ملا كان الرصيد املؤقت للحساب اجلاري يعد بالضرورة عنصرا في ذمة املدين‬ ‫التي هي الضمان العام لدائنه فإن هذا الرصيد املؤقت يشمله احلجز الذي وقعه الدائن‪ ،‬وعلى القاضي أن يبحث‬ ‫في هذا الرصيد عن العناصر اجلائز التصرف فيها وقت احلجز"‪.‬‬ ‫يذهب جانب فقهي إلى أن هذا احلل يتفق مع ما تأخذ به النظرية احلديثة وتقوم على فهم صحيح إلرادة‬ ‫الطرفني‪ ،‬فليس صحيحا أنهما أرادا إرجاء استحقاق حقوقهما وتسويتها إلى حني قفل احلساب‪ ،‬بل املؤكد أن‬ ‫كال الطرفني ينظر إلى مركزه دائنا أو مدينا ويرتب على ذلك نتائج قانونية‪ ،‬وأهمها أنه عقب كل مدفوع ينشأ‬

‫‪ - 116‬د‪-‬محمد الفروجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪113-112‬‬ ‫‪117 - Zamfresco (G), Contribution à l' étude du contrat de compte courant en droit comparé- thèse de doctorat paris 1923,‬‬ ‫‪108‬‬ ‫أشار إليه عبد الرحمن املدون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.172‬‬ ‫‪- 118‬مصطفى عبد احلميد عدوي‪ ،‬املقاصة‪ ،‬مجلة البحوث القانونية واالقتصادية‪ ،‬كلية احلقوق جامعة املنوفية‪ ،‬مصر ع‪ ،1،1991‬ص‪.53‬‬ ‫‪119 - Didier Martin, Elements de droit bancaire- 3 édition – I.T.B – 1996, 162‬‬ ‫‪ - 120‬عبد الرحيم املودن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.155‬‬ ‫‪ 121‬د‪ .‬علي جمال الدين عوض‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬طبعة ‪ 2008‬ص‪428‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪289‬‬


‫رصيد جديد‪ ،‬وهو حق أو دين باملعنى القانوني‪ ،‬مؤكد ومقدر وميكن التصرف به‪ ،‬وبالتالي قابل إليقاع احلجز‬ ‫عليه‪.122‬‬ ‫ويرى الباحث أن القضاء الفلسطيني‪ 123‬قد جانب الصواب في تفسيره للمادة ‪ 106‬من قانون التجارة‬ ‫األردني ‪ 12‬لسنة ‪ ،1966‬ففي نفس الوقت الذي يعطي للعميل إمكانية التصرف بالرصيد املوقت أثناء اشتغال‬ ‫احلساب إال أنه ال يوجد ال دائن وال مدين إال عند إغالقه‪ ،‬حيث ذهبت محكمة النقض إلى أنه " وبالنسبة للسبب‬ ‫األول املتعلق بتفسير املادة ‪ 106‬من قانون التجارة‪ ،‬وعدم التزام البنك ببيان مبلغ املديونية‪ ،‬والفوائد‪ ،‬وملا كانت‬ ‫املادة املذكورة تفيد أن احلساب اجلاري يتكون من دفعات مختلفة هي عمليات إيداع وسحب تندمج في احلساب‬ ‫بحيث يصبح الرصيد النهائي وحده عند إقفال احلساب دينا مستحقا ومهيأ لألداء سواء ملصلحة العميل أو‬ ‫البنك‪"....‬‬ ‫ومن هنا يري الباحث أن دائنية العميل للبنك حتققت قبل إغالق احلساب‪ ،‬وإال ملا كان بإستطاعة العميل‬ ‫أن يسحب من احلساب وبغض النظر عن مصدر هذه املبالغ‪ ،‬سواء إيداعات من العميل أو الغير أو عبارة عن مبلغ‬ ‫اعتماد وضع حتت يد البنك‪ .‬ومن هنا نرى أن القضاء يخلط بني استحقاق مبلغ االعتماد املدرج في حساب جار‬ ‫والذي يربط عادة بإغالق احلساب‪ ،‬وبني الوقت الذي تصبح فيه أطراف احلساب دائنا ومدينا‪.‬‬ ‫ولكن ما هو األساس القانوني الذي يعطي العميل إمكانية السحب من احلساب قبل إقفاله؟‬ ‫أعتقد أن اتفاقية احلساب اجلاري املبرمة بني العميل واملصرف هي من تعطيه إمكانية ذلك ولكن في حدود‬ ‫ما يكون له من حقوق لدى املصرف‪ ،‬وهذا ما يدفعنا إلى القول إن املصرف يقوم بعمل ميزان مؤقت للجانب الدائن‬ ‫واملدين عقب كل مدفوع يدخل في احلساب‪ ،‬وكأننا ضمنيا أمام نظرية املقاصة املتتابعة ولكن مكرسة مبقتضى‬ ‫االنفاقات املصرفية‪.‬‬ ‫‪124‬‬ ‫وفي هذا اإلطار ذهبت محكمة النقض الفلسطينية إلى أنه " ‪ ...‬بالرجوع إلى العقد املذكور جند أنه‬ ‫حساب جار‪ ،‬وينص في شروطه على أنه ( يكون صاحب احلساب اجلاري مقيدا في احلساب في حدود الرصيد‬ ‫اجلاهز واملهيأ لألداء ولو كان لديه شيكات مودعة لم يتم حتصيل قيمتها‪."...‬‬ ‫ولكن ما هي الديون التي تشملها املقاصة املتتابعة؟ فهل يشمل الديون املقيدة باجلانب احلال أم ميتد‬ ‫ليشمل الديون املسجلة باجلانب املؤقت؟‬ ‫‪ 122‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص ‪429‬‬ ‫وهو ذات توجه محكمة التمييز األردنية حيث ذهبت إلى أن املادة (‪ )112‬السابقة ليست من النظام العام وأنه يجوز االتفاق على خالفها وقضت"‬ ‫‪- 1‬وان كانت املادة (‪ )112‬من قانون التجارة تنص على أنه ال يعد أحد الفريقني في احلساب اجلاري دائنا أو مدينا قبل ختام هذا احلساب‪ ،‬إال أن هذا‬ ‫النص ال يكون نافذا إال إذا ورد شرط في العقد على خالفه عمال باملادة (‪ )174‬من قانون أصول اﶈاكمات احلقوقية‪.‬‬ ‫‪-2‬إن تعهد املدين والكفيل في عقد احلساب اجلاري بأن يدفعا للبنك جميع املبالغ املطلوبة منهما في أي وقت مع الفوائد واملصاريف والعموالت‪،‬‬ ‫هو تعهد غير ممنوع بقانون أو نظام خاص وال مخل باآلداب أو النظام العام ويعتبر واجب التنفيذ بحيث يكون من حق البنك مطالبة املدين‬ ‫والكفيل مبا ترتب بذمتهما في احلساب اجلاري في أي وقت ولو لم يتم إقفال احلساب اجلاري"‬ ‫وهذا ما ذهبت إليه املادة (‪ )362‬من القانون التجاري املصري رقم (‪ )17‬لسنة ‪-1 "1999‬ال تقبل املفردات املقيدة في احلساب اجلاري التجزئة قبل‬‫قفل احلساب واستخراج الرصيد ‪- 2.‬وال جتوز املقاصة بني مفرد في احلساب ومفرد آخر في نفس احلساب"‬ ‫‪ - 123‬حكم محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 261‬لسنة ‪ ،2010‬صادر بتاريخ ‪2011/06/06‬‬ ‫‪ / http://muqtafi.birzeit.edu‬منظومة التشريع و القضاء في فلسطني‬ ‫‪ - 124‬حكم محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 57‬لسنة ‪ ،2010‬صادر بتاريخ ‪.2011/01/20‬‬ ‫‪ /http://muqtafi.birzeit.edu‬منظومة التشريع و القضاء في فلسطني‬

‫‪290‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫إن اجلانب املؤجل من احلساب يتضمن الديون التي لم يحل أجل استحقاقها بعد‪ ،‬ويتم تقييدها باحلساب‬ ‫وفق نظام خاص بها‪ ،‬وهذه الديون ال تخضع للتجديد بل تظل محافظة على خصائصها األصلية ونظامها‬ ‫القانوني األصلي‪ ،‬وتظل مقيدة على شكل مفردات محاسبية إلى أن تستوفي الشروط الال ازمة للوفاء بها‬ ‫لتنتقل إلى اجلانب احلال وتتقاص مع الرصيد املؤقت‪.125‬‬ ‫ويرى جانب من الفقه أن الديون املؤجلة ليست منفصلة عن الرصيد املؤقت املفتوح لدى املصرف‪ ،‬بل‬ ‫تعتبر الديون املقيدة باجلانب الدائن ضمانة بالنسبة للموجود باجلانب املدين‪ ،‬فلو أوقع دائن العميل حجزا لدى‬ ‫املصرف على الرصيد املؤقت املوجود في احلساب فإن احلجز يشمل حتى احلقوق املؤجلة املوجودة باحلساب‪.126‬‬ ‫وإن كان املشرع الفلسطيني لم يحدد نصا لتصفية العمليات اجلارية املؤجلة على غرار كرسته املادة ‪47‬‬ ‫من املساطر املدنية للتنفيذ الفرنسي الصادرة في ‪ 9‬يوليوز ‪ ،1991‬حيث نصت على أنه يظل رصيد احلساب‬ ‫اجلاري املفتوح لدى البنك‪ ،‬طيلة مدة ‪ 15‬يوما من تاريخ احلجز‪ ،‬قابال للتغير إما بالزيادة أو النقص بفعل تسجيل‬ ‫ديون كان تاريخ نشأتها سابقا على احلجز‪ ،‬وترتفع املدة لشهر إذا تعلق األمر باألوراق التجارية اجملصومة التي لم‬ ‫توف في تاريخ االستحقاق‪.127‬‬ ‫ولكن وجهت انتقادات إلى هذه النظرية؛ فإن كانت تفسر بعض االستثناءات التي أقرها القضاء‪ ،‬إال أنها‬ ‫تعجز في الوقت نفسه عن تفسير آثار كثيرة وهامة كاستبعاد قواعد اقتطاع املدفوعات‪ ،‬ومنع املطالبة به من‬ ‫أحد الطرفني قبل قفل احلساب‪ ،‬كما أن مبدأ عدم التماسك فكرة نشأت على أساس إرادة طرفي احلساب‪ ،‬وهذه‬ ‫اإلرادة هي التي حتدد حدوده وآثاره‪ ،‬فهما أرادا أن يكون أداة لتسوية ديونهما بطريقة سهلة يتوافر فيها ضمان‬ ‫لكل منهما في مواجهة اآلخر‪ ،‬وقدر القضاء أن إرادة األطراف لم تنصرف إلى حرمان كل منهما من التصرف‬ ‫بالرصيد املؤقت‪ ،‬كما أن القضاء أهدر مبدأ عدم التجزئة إذا خالف نصا قانونيا آمرا‪.128‬‬ ‫ويرى الباحث أن واضعي مشروع القانون التجاري الفلسطيني كان حاضرا في ذهنهم هذا النقاش وأخذوا‬ ‫برأي الفقهاء الذين وجهوا انتقادات للمفهوم احلديث للحساب اجلاري‪ ،‬وتبنوا وجهة نظرهم في املادة (‪ )394‬من‬ ‫املشروع‪ ،‬وقد اعتبرت هذه املادة أن األصل أنه ال يوجد دائن وال مدين حتى إقفال احلساب في املوعد املتفق عليه‪.‬‬ ‫ولكن يحتاج اخلروج على األصل الوارد النص عليه في املادة (‪ )394‬من مشروع القانون التجاري االتفاق على‬ ‫‪129‬‬ ‫ذلك أو ورود نص في القانون يبرر اخلروج‪ .‬وهذا ما أكدته املادة (‪ )397‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني‪،‬‬ ‫حيث ذهبت إلى أنه " يجوز وقف احلساب مؤقتا أثناء سيره لبيان مركز كل من الطرفني‪ ،‬وذلك في املواعيد التي‬ ‫يتفق عليها الطرفان‪ ،‬أو يحددها القانون‪ .‬ويكون لكل طرف أن يتصرف في رصيده الدائن الذي قد يظهر عن‬ ‫الوقف املؤقت في أي وقت‪ ،‬ما لم يتفق على غير ذلك"‪.‬‬ ‫ومن النصوص القانونية التي تبرر اخلروج على مبدأ عدم جتزئة احلساب اجلاري ما جاءت به املادة (‪ )٤٠٥‬من‬ ‫مشروع القانون التجاري حيث نصت على أنه‪" :‬يجوز لدائن أحد طرفي احلساب اجلاري توقيع احلجز أثناء سير‬ ‫‪ - 125‬د‪ .‬أحمد محمود جمعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.289‬‬ ‫‪ -126‬د‪ .‬محمد لفروجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.131‬‬ ‫‪ 127‬نفس املرجع السابق ص ‪.133‬‬ ‫‪ - 128‬مراجعة هذه االنتقادات انظر د‪ .‬علي جمال الدين عوض‪ ،‬عمليات البنوك ط ‪ ،2008‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.444-443‬‬ ‫‪ - 129‬وتشير املذكرة اإليضاحية ملشروع القانون التجاري إلى أن املادة (‪ )٣٩٧‬من املشروع أكدت ما استقر عليه العرف وما كانت قد نصت عليه‬ ‫(املادة ‪ )١١٣‬من قانون التجارة األردني رقم (‪ )١٢‬لسنة ‪ ١٩٦٦‬وهو جواز وقف احلساب مؤقتا وذلك بهدف معرفة مركز الطرفني وذلك في املواعيد‬ ‫التي يتفق عليها الطرفان أو يحددها القانون ويكون لكل طرف أن يتصرف في رصيده الدائن الذي قد يظهر عند الوقف املؤقت في أي وقت ما‬ ‫لم يتفق على غير ذلك‪ .‬وقد جرى العمل في البنوك الفلسطينية استنادا إلى نص املادة (‪ )١١٣‬من القانون رقم ‪١٢‬لسنة ‪ ١٩٦٦‬أن يكون اإليقاف‬ ‫الدوري للحسابات اجلارية كل ستة أشهر ما لم يتفق على غير ذلك‪ .‬وعادة تستخلص املصارف لنفسها الرصيد املؤقت بعد كل عملية تقييد‬ ‫في احلساب لكي تتأكد من أن العميل لم يتجاوز احلد األقصى املتفق عليه‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪291‬‬


‫احلساب على الرصيد الدائن ملدينه وقت توقيع احلجز‪ ،‬وفي هذه احلالة يجري الطرف املفتوح لديه احلساب ميزانا‬ ‫مؤقتا للحساب للكشف عن مركز اﶈجوز عليه وقت توقيع احلجز"‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬أحكام قفل احلساب اجلاري‬ ‫تنص املادة (‪ )401‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني على أنه" ‪-1‬إذا حددت مدة للحساب اجلاري‪،‬‬ ‫فيجب قفله بانتهائها ويجوز قفله قبل املدة باتفاق الطرفني‪.‬‬ ‫‪ -3‬وإذا لم حتدد مدة للحساب اجلاري‪ ،‬جاز قفله في كل وقت بإرادة أي من الطرفني‪ ،‬مع مراعاة مواعيد‬ ‫اإلخطار املتفق عليها والتي يجري عليها العرف‪.‬‬ ‫‪ -4‬وفي جميع األحوال يقفل احلساب اجلاري بوفاة أحد طرفيه أو شهر إفالسه أو إعساره أو احلجر عليه‪".‬‬ ‫يتبني من خالل املادة السابقة أن احلساب اجلاري إما أن يقفل بإرادة أحد طرفيه أو بفعل تغير الوضعية‬ ‫القانونية للعميل أو املصرف‪ ،‬وهذا ما سنبحثه في (الفرع األول)‪ ،‬ويترتب على هذا اإلقفال العديد من النتائج‪،‬‬ ‫سوف نبينها في (الفرع الثاني)‪.‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬أسباب إقفال احلساب اجلاري‬ ‫تتعدد األسباب التي تؤدي إلى إقفال احلساب اجلاري‪ ،‬وميكن تصنيف هذه األسباب إلى صنفني‪ ،‬أسباب‬ ‫إرادية وأسباب تتعلق بتغيير الوضعية القانونية للعميل‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬إقفال احلساب اجلاري بإرادة الطرفني‬ ‫تنتهي اتفاقية احلساب اجلاري كباقي االتفاقات بحلول أجلها إذا كان عقد احلساب محدد املدة‪ ،‬وإذا لم‬ ‫يكن محدد املدة وهذا الوضع الغالب بالنسبة للحسابات اجلارية البنكية‪ ،‬يحق ألي طرف إقفاله حتت ضغط‬ ‫أسباب معقولة‪.130‬‬ ‫وقد ألزمت املادة (‪ )401‬من مشروع القانون التجاري كال من املصرف والعميل مبراعاة مواعيد اإلخطار املتفق‬ ‫عليها بني الطرفني أو التي يجري بها العرف‪ ،‬وهذا يعني أن اإلنهاء من قبل العميل أو املصرف يجب أن يكون‬ ‫صريحا من خالل اإلنذار الذي يوجهه املصرف ومراعاة مدة يحددها العرف واالتفاق‪ ،‬وليس لإلنذار شكل خاص‬ ‫فيمكن أن يتم بأي وسيلة‪.131‬‬ ‫وقد ألزمت محكمة النقض الفلسطينية‪ 132‬املصرف بإخطار كتابي حتى يعتبر احلساب اجلاري مغلقا‪،‬‬ ‫حيث ذهبت إلى أنه "‪ ...‬يجب على البنك تقدمي بينة للمحكمة أنه قام بإبالغ العميل بإغالق حسابه‪ ،‬وقيام البنك‬ ‫بإبراز كتاب إغالق احلساب غير كاف‪ ،‬بل يجب على البنك أن يثبت إخطار العميل بإغالق حسابه عن طريق البريد‬ ‫أو عن طريق تسليمه كتاب اإلغالق بيده أو غير ذلك من الوسائل املتاحة واملتعامل بها‪".‬‬ ‫‪ - 130‬الياس ناصيف‪ ،‬الكامل في قانون التجارة‪ ،‬عمليات املصارف‪ ،‬ج‪ ،3‬ط‪ ،1‬منشورات البحر املتوسط‪ ،‬بيروت‪ ،1989 ،‬ص‪.516‬‬ ‫‪ - 131‬د‪ .‬صفوت بهنساوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪447‬‬ ‫‪ - 132‬قرار محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 57‬لسنة ‪ ،2010‬صادر بتاريخ ‪.2011/01/20‬‬ ‫‪/ http://muqtafi.birzeit.edu‬‬

‫‪292‬‬

‫منظومة التشريع و القضاء في فلسطني‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ويحق للمصرف أن ينهي اتفاقية احلساب اجلاري إذا كانت غير محددة املدة بشرط مراعاة اإلخطار‬ ‫املنصوص عليه في املادة (‪ )401‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني‪ ،‬ولكن املشروع لم يحدد شكل اإلخطار‬ ‫الذي يوجهه البنك لعميله‪ ،‬ويرى الباحث أنه كان من الواجب النص على اإلشعار الكتابي لكي يتمكن البنك‬ ‫من إثبات توجيهه اإلخطار وإثبات بداية مدة اإلخطار‪.‬‬ ‫ويذهب بعض الفقه‪ 133‬إلى أن العرف املصرفي لم يجر على حتديد ميعاد لقفل احلساب عند االتفاق على‬ ‫فتحه‪ ،‬إذ جرت العادة على فتح احلساب بغير حتديد مدته‪ ،‬والوضع العادي أن يأتي طلب قفل احلساب اجلاري من‬ ‫جانب العميل‪ ،‬إذ ال مصلحة للمصرف في قفله في الظروف التي يسير فيها احلساب سيرا طبيعيا‪.‬‬ ‫واملصرف الذي ال يلتزم باإلخطار وال يحترم مدته يكون مسؤوال عما يلحق بصاحب احلساب اجلاري من ضرر‪،‬‬ ‫وهذا ما أكده القضاء الفرنسي‪ 134‬حيث جاء في قرار محكمة النقض الفرنسية بتاريخ ‪ 20‬مايو ‪ 1980‬ما يلي "‬ ‫أن املصرف الذي يعمل على وضع حد للحساب بإرادته املنفردة بدون احترام مهلة اإلشعار اﶈددة مبقتضى القانون‬ ‫أو االتفاق يكون مسؤوال جتاه صاحب هذا احلساب عن الضرر احلاصل له بفعل ذلك"‪.‬‬ ‫وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفلسطينية‪ "135‬العالقة التي حتكم الطاعن باملطعون ضدها هي‬ ‫عالقة تعاقدية بنيت على اتفاقية موقعة بني الطرفني تعطي للمصرف احلق في إغالق احلساب كما جاء في‬ ‫املبرز ط‪ 4‬واملبرز ط‪ 2‬في البند ‪ 13‬منه‪ ...‬وجميعها أكدت حق املصرف ‪-‬وفي أي وقت من االوقات ومبحض إرادته‬ ‫ومبجرد إشعار الطاعن خطيا بذلك‪ -‬أن يقفل احلساب ويطلب تسديده فورا ويوافق العميل على إجراء املصرف‬ ‫بإقفال احلساب‪ ،‬ويصبح نافذا وملزما من تاريخ اإلشعار‪ .‬وحيث تخلف شرط اإلشعار فإن اخلصومة تغدو غير‬ ‫منعقدة‪ "...‬وبالتالي خلصت اﶈكمة إلى أن احلساب مازال مفتوحا على اعتبار أن اإلشعار إجراء تطلبه العقد‪.‬‬ ‫ولكن هل ميكن إنهاء عقد احلساب اجلاري باإلرادة الضمنية للعميل؟‬ ‫لقد استخلص القضاء املقارن اإلرادة الضمنية من ظروف احلال‪ ،‬كما لو كانت العمليات بني الطرفني قد‬ ‫توقفت ملدة طويلة‪ ،‬فذهبت محكمة التمييز األردنية‪ ،136‬إلى أنه " إذا لم يحدد طرفا احلساب اجلاري تاريخا معينا‬ ‫لوقف احلساب اجلاري‪ ،‬فان توقف احلساب اجلاري فعال منذ تاريخ قيد آخر حركة فيه يجعل من هذا التاريخ تاريخا‬ ‫لتوقف حركة احلساب عمال باملواد (‪113‬و‪ )114‬من قانون التجارة"‪.‬‬ ‫وفي هذا االجتاه ذهبت محكمة النقض الفلسطينية‪ 137‬في قرار لها إلى ما يلي‪... " :‬وعن أسباب الطعن‬ ‫كافة وحاصلها النعي على محكمة البداية بصفتها االستئنافية خطأها في عدم اعتماد آخر حركة في‬ ‫‪ - 133‬د‪ .‬عبد الفتاح مراد‪ ،‬موسوعة أعمال البنوك‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬الناشر الكاتب نفسه‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2003 ،‬ص ‪187‬‬ ‫‪134- Com. 20 mai 1980 . D.P.185. NOT, Vasseur.‬‬ ‫ مشار إليه عند د‪ .‬محمد لفروجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪143‬‬‫وقد ذهب إلى أن عدم احترام هذا االلتزام من قبل البنك تترتب عليه نتيجة مهمة تكمن في اعتبار احلساب مازال مفتوحا بالنسبة للزبون‪ ،‬بل‬ ‫ميكنه مقاضاة هذا البنك في حالة ما إذا امتنع عن وفاء الشيكات التي يسحبها عليه بني تاريخ إقفال احلساب وتاريخ تصفيته بصفة نهائية‪.‬‬ ‫‪ - 135‬قرار محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 8‬لسنة‪ ، 2013‬صادر بتاريخ ‪.2014/10/27‬‬ ‫‪ / http://muqtafi.birzeit.edu‬منظومة التشريع و القضاء في فلسطني‬ ‫‪ 136‬قرار محكمة التمييز األردنية رقم ‪ 1995/157‬مجلة نقابة اﶈامني ‪ ،1998‬ص ‪1501‬‬ ‫‪ - 137‬قرار محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 394‬لسنة‪ 2009‬صادر بتاريخ ‪.2010/04/25‬‬ ‫‪ / http://muqtafi.birzeit.edu‬منظومة التشريع و القضاء في فلسطني‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪293‬‬


‫احلساب اجلاري مدينا إغالقا فعليا له بدال من التاريخ الذي حدده البنك لغايات اإلغالق‪ ،‬وفي ذلك جند أن األوراق‬ ‫تشير بأن اجلهة املدعية (املصرف) أغلق احلساب اجلاري مدينا موضوع الدعوى املاثلة بتاريخ ‪ ...2004/03/09‬وجند‬ ‫أن اجلهة املدعى عليها وفي جوابها على الئحة الدعوى تتذرع بأن احلساب غير منذ العام ‪... 1999‬‬ ‫وحيث إن العقد املبرم بني الطرفني هو حساب جار مدين وإن كشف احلساب شابته حركات بعد عام‬ ‫‪."....1999‬‬ ‫نستنتج من قرار محكمة النقض أنها تعترف بإنهاء عقد احلساب اجلاري باإلرادة الضمنية‪ ،‬ولكن لم‬ ‫تطبقه في القرار السابق ألن شروط انطباقه لم تتوفر‪ ،‬حيث إن كشف احلساب شابته حركات بعد املوعد اﶈدد‬ ‫لإلغالق من قبل العميل‪.‬‬ ‫وقد نصت تعليمات سلطة النقد الفلسطينية رقم (‪ 138)2009/8‬على أنه يجوز للمصرف القيام بإغالق‬ ‫احلسابات التي ال تتوفر فيها أرصدة دائنة أو احلسابات املكشوفة بعد مرور فترة ال تقل عن ستة أشهر من التاريخ‬ ‫الذي أصبح فيه الرصيد صفرا‪ ،‬أما بالنسبة للحسابات اخلامدة أو اجلامدة والتي ال يجري عليها أي تعامل خالل‬ ‫فترة معينة‪ ،‬فإن احلساب اجلاري يغلق بعد مرور مدة عام على آخر حركة‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬إقفال احلساب بسبب تغير الوضعية القانونية للعميل‬ ‫ملا كان عقد احلساب اجلاري يقوم على االعتبار الشخصي فإنه يقفل كقاعدة عامة إذا طرأت حادثة تؤثر‬ ‫على هذا االعتبار‪ ،‬كإفالس أحد طرفيه أو إعساره أو وفاته أو احلجر عليه‪ .‬وهذا ما ذهبت إليه املادة (‪ )401‬من‬ ‫مشروع القانون التجاري في فقرتها الثالثة " في جميع األحوال يقفل احلساب اجلاري بوفاة أحد طرفيه أو شهر‬ ‫إفالسه أو إعساره أو احلجر عليه"‪.‬‬ ‫‪ -1‬اإلفالس واإلعسار‬ ‫يترتب على شهر إفالس أحد طرفي احلساب اجلاري إقفاله‪ ،‬إذ تغل يد املفلس عن إدارة أمواله والتصرف‬ ‫فيها بحكم القانون من تاريخ صدور حكم شهر اإلفالس‪ 139،‬ويظل غل يد املدين قائما ما بقيت التفليسة قائمة‪،‬‬ ‫وليس النتهاء غل اليد أي أثر رجعي‪ ،‬ولذلك ال يؤدي الصلح مع املفلس إلى إعادة احلساب الذي انتهى‪ ،‬بل ميكن‬ ‫للمفلس أن يفتح حسابا جديدا إن توفرت الشروط‪ ،‬وكما يقفل احلساب بإفالس أحد طرفيه فإنه يقفل‬ ‫‪140‬‬ ‫بإعساره‪.‬‬ ‫‪ -2‬الوفاة‬ ‫إذا كان صاحب احلساب شخصا طبيعيا وتوفي فإن احلساب يغلق فورا‪ ،‬ولكن هل من املمكن استمرار‬ ‫احلساب مع ورثته؟‬

‫تعليمات ‪138 - http://www.pma.ps/Portals/1/Users/002/02/2/Legislation/Instructions/Banks/2009/instructions-8-2009.pdf‬‬ ‫منشورة على موقع سلطة النقد الفلسطينية‬ ‫‪ -139‬نصت املادة (‪ )327‬من القانون التجاري األردني رقم (‪ )12‬لسنة ‪ 1966‬على أنه " ‪-1‬يترتب حتما على احلكم بشهر اإلفالس ومن تاريخ صدوره‬ ‫تخلي املفلس لوكالء التفليسة عن إدارة جميع أمواله مبا فيها األموال التي ميكن أن يحوزها في مدة اإلفالس‪.‬‬ ‫‪-2‬وال يجوز للمفلس على اخلصوص أن يبيع شيئا من أمواله وال يحق له القيام بأي وفاء أو قبض إال إذا كان الوفاء عن حسن نية لسند جتاري‪،"...‬‬ ‫وهذا هو نفس مقتضى املادة (‪ )625‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني‪.‬‬ ‫‪ - 140‬د‪ .‬صفوت بنهساوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪448‬‬ ‫‪294‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ويرى الباحث أنه مع صراحة نص املادة (‪ )401‬من مشروع القانون التجاري‪ ،‬ينتهي احلساب اجلاري‪ ،‬ولكن من‬ ‫املمكن االستمرار في تشغيله مع الورثة‪ ،‬ويتحول في هذه احلالة إلى حساب تركة بناء على اتفاق جديد بني‬ ‫البنك وبقية الشركاء‪.‬‬ ‫أما إذا كان صاحب احلساب جماعة لها شخصية معنوية كاجلمعيات والشركات‪ ،‬فإن حلها يشبه املوت‬ ‫بالنسبة للشخص الطبيعي‪ ،‬وكذلك احلكم إذا انقضت اجلماعة ألي سبب من أسباب االنقضاء‪ ،‬على أنه إذا‬ ‫كان املستفيد من احلساب شركة فإن احلساب يستمر في التشغيل خالل فترة التصفية وذلك بالقدر الالزم‬ ‫لعمليات التصفية‪ ،‬واملصفي هو الوحيد الذي يستطيع تشغيل احلساب خالل فترة التصفية‪ ،‬كما أنه هو الذي‬ ‫يقدم طلب قفله‪ ،‬إذ هو املمثل القانوني للشركة خالل فترة التصفية‪.141‬‬ ‫‪ -3‬احلجر على أحد أطراف احلساب اجلاري‬ ‫اعتبرت املادة ‪ 393‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني أن احلساب اجلاري هو عبارة عن عقد‪ ،‬ومادام أنه عقد‬ ‫فإنه يشترط أن تتوفر في طرفيه األهلية الالزمة إلبرام العقود‪ ،‬أو أن يبرم العقد عن ناقص األهلية وفاقدها نائبه‬ ‫القانوني‪ ،‬وذلك نظرا لآلثار الهامة التي تترتب على تشغيل احلساب البنكي وتعقيد العمليات املصرفية التي‬ ‫تتخلل هذا التشغيل والتي غالبا تستوجب أهلية التصرف في الشخص الذي يجريها‪.‬‬ ‫ونتيجة لذلك‪ ،‬يكون من املنطقي أن يتم السماح للمؤسسة املصرفية بإقفال احلساب اجلاري املفتوح‬ ‫عندها في حال أصبح العميل عدمي األهلية‪ ،‬وإعطاء النائب إمكانية إدارة هذا احلساب في حدود السلطات اجملولة‬ ‫له بالقانون ومبا يحقق مصلحة فاقد األهلية‪.142‬‬ ‫ويرى الباحث أنه أمام وضوح نص املادة (‪ )401‬في فقرتها الثالثة والتي تنص على أنه " وفي جميع األحوال‬ ‫يقفل احلساب اجلاري‪ "....‬أي سواء كان محدد املدة أو غير محدد املدة وال خيار للبنك وال للنائب القانوني في‬ ‫استمرار احلساب في هذه احلاالت بل إن عملية قفل احلساب هنا عملية وجوبية‪ .‬وهو نفس توجه املادة (‪ )114‬من‬ ‫قانون التجارة األردني (‪ )12‬لسنة ‪.1966‬‬ ‫‪ -4‬إغالق احلساب بسبب ارتكاب العميل لفعل مخالف للقانون‬ ‫يذهب اجتاه فقهي‪ 143‬إلى أنه يقفل احلساب مببادرة من البنك كإجراء عقابي ضد الزبون الذي يظهر سلوكا‬ ‫سيئا في معامالته فيخل مبصداقيته‪ ،‬وفي هذه احلالة يتم إخطار البنك املركزي بذلك‪ ،‬وهذا ما تكرسه الشروط‬ ‫العامة لفتح احلساب اجلاري في فلسطني حيث تنص املادة الرابعة من الشروط العامة لفتح احلساب لدى البنك‬ ‫العربي على أنه " يقر املعتمد بأن إدارته حلسابه لدى البنك تتفق مع الغرض الذي فتح احلساب من أجله ‪...‬وأن‬ ‫حسابه يستخدم ألغراض مشروعة ومتفقة مع القوانني والتعليمات السارية في فلسطني‪ ،‬مع حق البنك في‬ ‫إغالق احلساب دون إشعار مسبق وفقا خلياره‪ ،‬وفي أي وقت يشاء في حال ثبت خالف ذلك"‪.‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬اآلثار املترتبة على إقفال احلساب اجلاري‬ ‫تنص املادة (‪ )402‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني على أنه " يستخرج رصيد احلساب اجلاري عند‬ ‫قفله‪ .‬ويكون دين الرصيد حاال‪ ،‬ما لم يتفق على غير ذلك‪ ،‬أو كانت بعض العمليات الواجب قيدها في احلساب‬ ‫‪ -141‬د‪ .‬صفوت بهنساوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.449-448‬‬ ‫‪ 142‬د‪ .‬محمد لفروجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪149‬‬ ‫‪ - 143‬الطاهر لطرش‪ ،‬تقنيات البنوك‪ ,‬الطبعة السابعة‪ ,‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ,‬اجلزائر‪ ,2011 ,‬ص‪.23‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪295‬‬


‫ال يزال جاريا وكان من شأن قيدها تعديل مقدار الرصيد‪ .‬وفي هذه احلالة يكون دين الرصيد حاال من اليوم التالي‬ ‫آلخر قيد تستلزمه تلك العمليات"‪.144‬‬ ‫يترتب على قفل احلساب اجلاري منع أي من طرفيه قيد مدفوعات أخرى أو تسجيل عمليات تتم بني‬ ‫الطرفني بعد ذلك‪ ،‬إذ أن صفة احلساب اجلاري تزول عنه فور إقفاله‪ ،‬وتصبح الديون املقيدة بعد هذا التاريخ خارجة‬ ‫عن نطاق وخصائص احلساب اجلاري‪.145‬‬ ‫كل ذلك يأتي من أجل التمهيد لوقوع املقاصة العامة بني مفرداته‪ ،‬ويستخلص من هذه املقاصة رصيد‬ ‫وحيد هو الذي يحل محل حقوق كل من الطرفني في مواجهة اآلخر‪ ،‬أي أنه متى أقفل احلساب قام كل من‬ ‫املصرف والعميل بعمل ميزان للديون يظهر على إثره الرصيد النهائي‪ ،146‬ويعتبر دين الرصيد حال األداء بعد قفل‬ ‫احلساب‪.147‬‬ ‫ويرى الباحث أن قاعدة حلول دين الرصيد عند قفل احلساب ليست من النظام العام‪ ،‬بل يجوز االتفاق على‬ ‫خالفها‪ ،‬مبعنى أنه يجوز أن يتفق املصرف مع العميل على إدراج الرصيد الدائن ملصلحة العميل في حساب ألجل‬ ‫ملدة سنتني مثال وبعدها يصبح الرصيد حاال‪ ،‬وهذا ما نصت عليه املادة (‪ )402‬من مشروع القانون التجاري‬ ‫الفلسطيني‪.‬‬ ‫ولكن ما هي الطبيعة القانونية للرصيد النهائي بعد إقفال احلساب اجلاري؟‬ ‫يتحول الرصيد إلى دين عادي بعد اإلقفال فتجوز املقاصة في الرصيد النهائي واحلجز عليه واملطالبة به‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى أن املطالبة بدين الرصيد يعتبر مبرئا لذمة املدين‪ ،‬ودين الرصيد يتقادم وفقا لألحكام العامة‬ ‫للتقادم ووفقا لطبيعة دين الرصيد‪.148‬‬ ‫كما أنه يخضع للقواعد العامة في طريقة احتساب الفوائد على الرصيد النهائي‪ ،‬وهذا ما أكدته املادة‬ ‫(‪ )404‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني‪ 149‬والفقرة الثانية من املادة (‪ )113‬من قانون التجارة األردني (‪)12‬‬ ‫لسنة ‪.1966‬‬ ‫‪ - 144‬نصت املادة ‪ 113‬من قانون التجارة ‪ 12‬لسنة ‪ " 1966‬يوقف احلساب ويصفى في آجال االستحقاق املعينة مبقتضى العقد أو بحسب‬ ‫العرف اﶈلي وإال ففي نهاية كل ستة أشهر‪.‬‬ ‫‪-2‬ويؤلف الرصيد الباقي دينا صافيا مستحق األداء ينتج ابتداء من يوم التصفية فائدة باملعدل املعني في احلساب اجلاري إذا نقل هذا الرصيد‬ ‫إلى حساب جديد وإال فاملعدل القانوني‪.‬‬ ‫‪- 3‬إن الدعاوى اجملتصة بتصحيح احلساب من جراء خطأ أو إغفال أو تكرار أو غير ذلك من التصحيحات يجب أن تقام في مهلة ستة أشهر"‪.‬‬ ‫‪ - 145‬د‪ .‬سميحة القليوبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.945‬‬ ‫‪ - 146‬د‪ .‬صفوت بنهساوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪449‬‬ ‫‪ - 147‬د‪ .‬عبد الفضيل محمد أحمد‪ ،‬عمليات البنوك‪ ،‬دار الفكر والقانون‪ ،‬املنصورة (مصر)‪ ،2010 ،‬ص‪.105‬‬ ‫‪ - 148‬د‪ .‬سميحة القليوبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.948-946‬‬ ‫‪ - 149‬تنص املادة (‪ )404‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني على أنه " تسري القواعد العامة على تقادم الرصيد وعائده‪ ،‬ويحسب العائد‬ ‫على دين الرصيد من تاريخ قفل احلساب ما لم يتفق على خالف ذلك"‪ .‬وهو نفس ما نصت عليه الفقرة الثانية من املادة (‪ )113‬من قانون التجارة‬ ‫‪ 12‬لسنة ‪.1966‬‬ ‫وهذا احلكم الذي جاءت به املادة السابقة يخالف ما كرسته محكمة النقض الفرنسية والتي ذهبت إلى إخضاع الرصيد النهائي للحساب‬ ‫اجلاري البنكي من حيث التقادم ملقتضيات القانون التجاري باعتبار الرصيد التزاما ناشئا عن عمل جتاري فقد ورد في أحد قرارتها أنه " تطبيقا‬ ‫ألحكام املادة (‪ )189‬مكرر من قانون التجارة املعدل بقانون ‪ 3‬يوليوز ‪ ،1977‬يتقادم رصيد احلساب البنكي مبرور عشر سنوات سواء كان احلساب‬ ‫جتاريا من جانب الزبون أو غير جتاري من جانبه‪"...‬‬ ‫‪- Cour de Cassation Française – Arrêt Civil- 1 Chambre, 29 avril 1997, Dalloz 1997- jurisprudence- p. 327 not y. Chartier.‬‬ ‫ وفيما يتعلق بالعائد على الرصيد النهائي تركت محكمة النقض الفرنسية لقاضي املوضوع تطبيق السعر الذي يستخلصه في كل حالة‬‫بذاتها من قصد املتعاقدين وفي حال عدم االتفاق نرجع إلى قصد صاحب احلساب عند فتح احلساب اجلاري‪ ،‬فصحيح أن صاحب احلساب يقبل‬ ‫بأسعار فائدة مرتفعة أثناء تشغيل احلساب اجلاري وهو يقبل ذلك نظرا للمنافع العديدة التي يجنيها أثناء فترة تشغيل احلساب‪ ،‬ويترتب‬ ‫على ذلك إذا اغلق احلساب فإنه لم يعد هناك مبرر لبقاء العميل ملتزما بهذه األعباء الباهظة‪.‬‬ ‫ محمد لفروجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪167-166‬‬‫‪296‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫وهو نفس توجه محكمة النقض املصرية نقض ‪ 13‬مايو ‪ 1974‬والتي ذهبت إلى أن دين الرصيد دين عادي تسري عليه الفوائد القانونية من‬ ‫تاريخ املطالبة القضائية بها ال الفوائد االتفاقية التي خال العقد من االتفاق على سريانها بعد قفل احلساب اجلاري‪.‬‬ ‫ د‪ .‬علي جمال الدين عوض‪ ،‬عمليات البنوك‪ ،‬ط‪ ،2008‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪494-492‬‬‫لم تكن طريقة حساب الفوائد سواء أثناء تشغيل احلساب اجلاري أو بعد إقفاله تطرح مشكلة في فلسطني‪ ،‬حيث مت حتديد احلد األقصى‬ ‫للفائدة سواء االتفاقية أو القانونية بـ ‪ %9‬وفق نظام املرابحة العثماني الساري املفعول‪ ،‬وبالتالي ال يجوز للبنك اشتراط فوائد تزيد عن ‪%9‬‬ ‫أثناء تشغيل احلساب‪ ،‬ولكن إذا اشترط فائدة اقل من ‪ %9‬أثناء اشتغال احلساب واغلق احلساب اجلاري يحق له أن يطالب بفائدة عن الرصيد‬ ‫النهائي تقدر بـ ‪ %9‬الن العقد احلساب قد انتهى وحتول دين الرصيد إلى دين عادي يستطيع أن يطالب البنك بالعائد من تاريخ قفل احلساب‪،‬‬ ‫وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفلسطينية " وملا كان احلد األقصى للفوائد االتفاقية ‪ %9‬وفق نظام املرابحة العثماني الساري املفعول‪،‬‬ ‫فقد كان على اﶈكمة وفق املادة ‪ 2‬من قانون الربا الفاحش ‪ 20‬لسنة ‪ 1934‬أن تدقق في احلساب الذي مت بني الطرفني وأن تنقص الفائدة‬ ‫السنوية إلى ‪ %9‬وبعد ذلك تقرر معدل الفائدة باملعدل القانوني على الرصيد الباقي دينا صافيا مستحق األداء من يوم التصفية عمال باملادة‬ ‫(‪ )2/113‬من قانون التجارة رقم (‪ )12‬لسنة ‪ 1966‬وملا لم تفعل فإن السبب من سببي الطعن يكون واردا ويكون احلكم املطعون فيه بناء على‬ ‫ذلك حريا بالنقض"‪.‬‬ ‫ قرار محكمة النقض الفلسطينية‪ ،‬نقض مدني رقم ‪ 2009/152‬صادر بتاريخ ‪.2010/03/08‬‬‫ ‪ / http://muqtafi.birzeit.edu‬منظومة التشريع و القضاء في فلسطني‬‫ انظر أيضا بنفس املعنى قرار محكمة التمييز األردنية ‪ ،2005/1459‬منشور في مجلة نقابة اﶈاميني ‪32121 ،2005‬‬‫أما في الوقت احلاضر فقد أصبحت الفوائد على التسهيالت والتمويالت املمنوحة لصاحب احلساب اجلاري تخضع لتعليمات رقم ‪2009/1‬‬ ‫والذي ألغي سقف الفوائد اﶈدد بـ ‪ %9‬وأصبحت نسبة الفوائد تخضع للمنافسة بني املصارف‪.‬‬ ‫لقد سعت هذه التعليمات إلى توحيد نسب الفائدة على احلساب اجلاري وعدم التمييز بالنسبة حسب العملة املفتوح بها احلساب‪ ،‬والذي‬ ‫كرسه االحتالل الصهيوني في االمر العسكري رقم ‪ 980‬لسنة ‪ 1982‬الذي نص على عدم سريان قانون املرابحة بشأن مقدار الفائدة إذا كان‬ ‫األمر يتعلق بعملة الشيكل‪ ،‬ولقد رفضت محكمة النقض الفلسطينية تطبيق هذا األمر بعد مجيء السلطة الوطنية الفلسطينية‬ ‫حيث ذهبت محكمة النقض إلى أنه " ‪ ...‬وملا كانت محكمة االستئناف قد قررت أن نسبة الفائدة الواردة في العقد هي ‪ %22‬وهي نسبة‬ ‫ضمن النسبة القانونية ألن املبلغ بالشيكل وأن قانون املرابحة ال يحكم العالقة ‪ ،....‬وملا كانت املادة ‪ 43‬من الئحة الهاي لعام ‪ 1907‬اخلاصة‬ ‫باحلرب البرية قد أوجبت على سلطة االحتالل اﶈافظة على القوانني املطبقة في البلد اﶈتل ما لم يحل دون ذلك مانع مطلق‪ ،‬بحيث تبقى‬ ‫التشريعات التي كانت عشية االحتالل سارية املفعول وال يجوز لسلطة االحتالل تعديل هذه التشريعات‪ ،‬إال إذا تطلب ذلك اﶈافظة على‬ ‫أمن قواته أو اقتضت ذلك مصلحة السكان‪ ،‬وملا كان األمر ‪ 980‬الذي استثنى عملة الشيكل من اخلضوع لنظام املرابحة بالنسبة للحد‬ ‫االقصى لسعر الفائدة ال يتعلق بأمن قوات االحتالل وال مصلحة ظاهرة للسكان‪ ،‬بل يظهر جليا انه تقرر ملصلحة االحتالل ومواطنيه‬ ‫ومﺆسساته العاملة في مناطه اﶈتلة حني صدوره‪ ،‬وبذا فإنه يغدو مخالفا الحكام القانون الدولي ويتعني على القضاء الوطني استبعاده‪."...‬‬ ‫ حكم محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 156‬لسنة ‪ ،2006‬صادر بتاريخ ‪.2007/07/04‬‬‫ ‪ / http://muqtafi.birzeit.edu‬منظومة التشريع و القضاء في فلسطني‬‫كما سعت سلطة النقد من خالل هذه التعليمات الى خفض نسبه الفائدة من خالل فتح باب املنافسة بني املصارف من أجل جذب‬

‫العمالء‪.‬‬ ‫وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفلسطينية في تفسيرها لتعليمات سلطة النقد ‪ 2009/1‬حيث ذهبت إلى أن " تعميم سلطة‬ ‫النقد برفع الرقابة على نسبة الفائدة جاء خللق جو من التنافس بني املصارف‪ ،‬وكان ينطلق أن هذا القرار سيخفض نسبة الفائدة حيث أن‬ ‫املنافسة ال تكون بزيادة أسعار الفائدة‪"...‬‬ ‫ حكم محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 381‬لسنة ‪ ،2010‬صادر بتاريخ ‪.2011/05/21‬‬‫‪ / http://muqtafi.birzeit.edu -‬منظومة التشريع و القضاء في فلسطني‬

‫ولكن هل يجوز للبنك تقاضي فائدة مركبة في حال كان رصيد احلساب اجلاري مدين؟‬ ‫ذهبت املادة اخلامسة من قانون املرابحة العثماني إلى استثناء أعمال البنوك من احلظر على تلقي فوائد مركبة‪.‬‬ ‫وهذا ما أكدته محكمة التمييز األردنية "‪ ...‬إن الطعن بعدم جواز إجراء فائدة مركبة طعن مردود الن معامالت الفائض املركب الناشئ عن‬ ‫احلساب اجلاري بني التجار توفيقا ألحكام قانون التجارة هو جائز ألنه من املعامالت املستثناة من احلظر املنصوص عليه في املادة اخلامسة من‬ ‫نظام املرابحة بحكم الفقرة األخيرة من نص املادة اخلامسة ذاتها" ‪ .‬قرار محكمة التمييز األردنية رقم ‪ 1986/834‬مجلة نقابة اﶈاميني ‪،1990‬‬ ‫ص ‪.17‬‬ ‫ومع ذلك يجب أن ال تتجاوز مقدار رأس املال وفي هذا اإلجتاه ذهبت محكمة النقض الفلسطينية " وعليه ملا كان الثابت من عقد التسهيالت‬ ‫االئتمانية حساب جاري مدين حسب (املبرز م‪ )1/‬ان القيمة الكلية املمنوحة للمدعي عليه هو مبالغ مائة وثالثون الف شيكال فقط وحيث‬ ‫نصت املادة الرابعة من نظام املرابحة على أن فائدة الدين مهما مر عليها من السنني يجب أن ال تتجاوز مقدار رأس املال وان جميع احلكام‬ ‫ممنوعون من احلكم بالفائدة التي تتجاوز ذلك املقدار"‪.‬‬ ‫ حكم محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 184‬لسنة‪ ، 2011‬صادر بتاريخ ‪2012/2/12‬‬‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪297‬‬


‫إن حتديد الرصيد النهائي للحساب اجلاري ال يتم فقط من خالل إمساك أطراف احلساب اجلاري عن تقييد‬ ‫الديون املتبادلة ابتداء من تاريخ إقفاله‪ ،‬وإمنا يلزم لتحديد هذا الرصيد أن تتم تصفية العمليات اجلارية بني املصرف‬ ‫وزبونه من تاريخ إقفال احلساب اجلاري املفتوح بينهما‪ ،‬وهذه التصفية حتتاج إلى مدة معينة يتحدد مبرورها‬ ‫الرصيد النهائي للحساب‪.‬‬ ‫ومينع على األطراف أن يقوموا بتقييد ديونهما املتبادلة في احلساب بعد إقفاله‪ ،‬إال أن ذلك ال يعني إال‬ ‫الديون اجلديدة الال احقة لهذا اإلقفال‪ ،‬أما بالنسبة للعمليات التي كانت قبل إقفال احلساب والتي كانت في‬ ‫اجلانب املؤجل للحساب اجلاري‪ ،‬فإن انتقالها للجانب احلال لهذا احلساب خالل فترة التصفية ليس سوى انتقال‬ ‫ملفردات مؤجلة دخلت احلساب قبل إقفاله‪.150‬‬ ‫فاألوراق التجارية املقدمة للمصرف أثناء فترة تشغيل احلساب اجلاري والتي لم توف في تاريخ حتصيلها‪،‬‬ ‫أو أغلق احلساب قبل عملية التحصيل يجوز إجراء قيد عكسي مببلغها في مديونية العميل في اجلانب احلال‬ ‫من رصيد احلساب‪ ،‬وهذه قاعدة مكملة يجوز لألطراف االتفاق على خالفها‪ ،‬فقد يتفق املصرف مع العميل على‬ ‫عدم إجراء القيد العكسي إال إذا كان رصيد احلساب دائنا‪ ،‬وعندها يجب اعمال هذا االتفاق‪ ،‬وال يحق للبنك قيدها‬ ‫عكسيا حتى بعد اإلقفال‪ ،151‬ولكن يحق له أن يطالب بها وفقا للدعاوي التي حتميها‪.‬‬ ‫ولكن هل يعني إقفال احلساب اجلاري حلول أجل األوراق التجارية اجملصومة أو املقدمة لالستخالص؟‬ ‫يذهب بعض الفقه‪ 152‬إلى أنه عند قفل احلساب اجلاري ال يساهم في تكوين الرصيد النهائي سوى القيود‬ ‫الظاهرة في اجلانب احلال‪ ،‬والقيود املقيدة في اجلانب املؤجل عندما تنتقل إلى اجلانب احلال‪ ،‬والديون املقيدة في‬ ‫اجلانب املؤجل ال تصلح للوفاء بسبب كونها غير مؤكدة أو غير حالة‪ ،‬واألوراق التجارية التي خصمت عند املصرف‬ ‫أو قدمت له من أجل التحصيل هي ديون معلقة على شرط واقف وهو التحصيل‪ ،‬وهذه الديون املوقوفة تظهر‬ ‫في اجلانب املؤجل‪ ،‬وعند حتقق الشرط ميكن للبنك أن يقيد في اجلانب احلال الدين الناجت عن عدم الوفاء بالورقة‬ ‫التجارية في تاريخ الوفاء‪.‬‬ ‫وبالرجوع إلى املادة (‪ )407‬من مشروع القانون التجاري جند أنها تشير إلى أن املصرف ال يجري تقييدا‬ ‫عكسيا إال بالنسبة لألوراق التجارية التي لم تخصم في تاريخ االستحقاق‪ ،‬وبالتالي ال يجوز للمصرف إجراء‬ ‫قيد عكسي عند إقفال احلساب وإمنا عليه انتظار أجل استحقاقها‪ ،‬وبالتالي ال يعتبر قفل احلساب اجلاري سببا‬ ‫لسقوط آجال األوراق التجارية املقيدة فيه‪.‬‬ ‫ولكن هل ينطبق هذا احلكم إذا كان سبب إقفال احلساب اجلاري هو اإلفالس‪ ،‬وما مدى صحة القيد‬ ‫العكسي الذي يجريه املصرف بعد إقفال احلساب لإلفالس؟‬ ‫األصل أنه ال يجوز للمدين إجراء أية تصرفات خارج نطاق أمني التفليسة‪ ،‬لكن محكمة النقض الفرنسية‬ ‫في قرار لها سنة ‪153 1991‬اعتبرت "أن التقييد العكسي للورقة اجملصومة خالل اشتغال احلساب اجلاري يساوي‬ ‫‪/ http://muqtafi.birzeit.edu‬‬

‫منظومة التشريع و القضاء في فلسطني‬

‫‪ - 150‬د‪ .‬محمد لفروجي‪ ،‬مرجع سابق‪162 ،‬‬ ‫‪ - 151‬حكم محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 57‬لسنة ‪ ،2010‬صادر بتاريخ ‪2011/01/20‬‬ ‫‪ / http://muqtafi.birzeit.edu‬منظومة التشريع و القضاء في فلسطني‬ ‫‪ - 152‬د‪ .‬علي جمال الدين عوض‪ ،‬عمليات البنوك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ط‪ ،2008‬ص ‪.485‬‬ ‫‪153 - Cass Comm. Arrèt, commercial, 5 November 1991, Revue Banque 1992.p 952.‬‬ ‫‪298‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫الوفاء نتيجة األثر التجديدي لهذا احلساب‪ ،‬وباملقابل فإن التقييد بعد التوقف عن الدفع ال يساوي الوفاء‪ ،‬والطرف‬ ‫الذي يقيد عكسيا يظل ماسكا للورقة التجارية"‪ .‬ولكن اشترط هذا القضاء أن يكون املدفوع قد مت بصدق‬ ‫وأمانة بأن يكون الهدف منه حتقيق وسيلة مشروعة ال تغليب مصلحة القابض ووضعه مبركز ممتاز على بقية‬ ‫الدائنني‪.154‬‬ ‫وهذا ذات توجه املادة (‪ )109‬من قانون التجارة األردني (‪ )12‬لسنة ‪ 1966‬والتي نصت على أن "‪ .2 ...‬وإذا لم‬ ‫تسدد قيمة السند في موعد استحقاقه فيحق ملستلمه مع االحتفاظ به على سبيل التأمني ومع استعمال‬ ‫احلقوق املنوطة به‪ ،‬أن يقيد قيمته على حساب مسلمه‪.‬‬ ‫‪ .3‬وفي حالة إفالس مسلم السند ال يحق للمستلم بالرغم من كل اتفاق مخالف أن يقيده في احلساب إال بعد‬ ‫أن يحل أجل االستحقاق ويثبت عدم الوفاء‪.‬‬ ‫‪ .4‬وإذا قيدت سندات على هذه الصورة وجب على متسلمها أن يخفض مبلغ طلباته في التفليسة‬ ‫بنسبة الدفعات التي أداها موقعو تلك السندات "‪.‬‬ ‫ونتيجة لذلك فإن املصرف الذي يقوم بإجراء قيد عكسي لألوراق التجارية التي سلمت له من أجل‬ ‫االستخالص أو التحصيل عند إفالس صاحب احلساب اجلاري ال يعتبر قد استوفى حقه من الورقة التجارية‪ ،‬مما‬ ‫يعطي للمصرف إمكانية االحتفاظ بالورقة التجارية ومتابعة املوقعني عليها الستيفاء ما قد ينتج عنه الرصيد‬ ‫النهائي للحساب من حقوق ملصلحتها في مواجهة العميل صاحب احلساب‪.155‬‬ ‫ويرى الباحث أن هذا التوجه فيه حماية أكبر للمصرف مما جاء به مشروع القانون التجاري الفلسطيني‬ ‫في املادة (‪ )407‬الذي أجاز إجراء القيد العكسي للورقة التجارية التي لم تدفع قيمتها في ميعاد االستحقاق‪،‬‬ ‫ولو مت ذلك القيد العكسي بعد شهر إفالس من قدمها للخصم‪ ،‬ولكن لم يعط املصرف حق االحتفاظ بالورقة‬ ‫على سبيل الرهن‪ ،‬وهذا احلق قاصر على األوراق التجارية التي لم تدفع قيمتها في مواعيد االستحقاق‪ ،156‬وبذلك‬ ‫خالف املشروع قاعدة عدم إجراء املدين املفلس ألية تصرفات خارج نطاق أمني التفليسة‪ ،‬ويخالف أيضا قاعدة‬ ‫سقوط آجال الديون باإلفالس‪.‬‬

‫أورده محمد لفروجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪164‬‬ ‫‪ - 154‬د‪ .‬أحمد عبد اجلليل حسنني‪ ،‬دراسة حتليلية لبعض املشاكل العملية التي يثيرها احلساب اجلاري خالل فترة الريبة‪ ،‬املؤمتر العلمي‬ ‫الثالث للقانونني املصريني‪ ،‬اجلوانب القانونية للعمليات املصرفية‪ ،‬اجلمعية املصرية لالقتصاد السياسي واالحصاء والتشريع‪ ،2002 ،‬ص ‪.15‬‬ ‫‪155 - Cour de cassation française- Arrèt commercial- 8 juin 1982, Dalloz, 1983, I, 186, obs. Vassaeur.‬‬ ‫أشار إليه محمد لفروجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪165‬‬ ‫والقاعدة السابقة وضعت من أجل حماية املصرف في مواجهة صاحب احلساب الذي يفلس بعد أن يكون قد قدم ورقة جتارية للبنك من اجل‬ ‫اخلصم‪ ،‬ولكن القضاء الفرنسي طبق هذه القاعدة على جميع احلاالت التي يقفل فيها احلساب اجلاري سواء اإلرادية أو التي تقع بقوة القانون‪.‬‬ ‫‪ -156‬الفقرة األولى من املادة (‪ )407‬من مشروع القانون التجاري الفلسطيني‪.‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪299‬‬


‫اخلامتة‪:‬‬ ‫لقد توصلنا من خالل هذه الدراسة إلى أن املصارف جعلت احلساب وعاء لعملياتها وخدماتها نظرا‬ ‫لقيامها على ثالث مرتكزات أساسية‪ ،‬وهي مبدأ عمومية احلساب اجلاري‪ ،‬ومبدأ التجديد‪ ،‬ومبدأ عدم التجزئة‪،‬‬ ‫وأن الهدف من هذه املبادئ هو حتقيق التسوية السريعة للمعامالت القائمة بني أطرافه‪ ،‬وخضوعها لنظام‬ ‫قانوني موحد حتى ال يضطر األطراف إلى إجراء تسوية لكل تصرف على حدة‪ .‬في نفس الوقت‪ ،‬كانت هذه املبادئ‬ ‫وخصوصا مبدأ عدم التجزئة عائقا في سبيل حتقيق الهدف الذي تسعى إليه املصارف‪.‬‬ ‫فاملبدأ السابق كان مينع التصرف في الرصيد املؤقت قبل إقفال احلساب اجلاري‪ ،‬فالقاعدة السابقة كانت‬ ‫تعلق كل احلقوق املترتبة على هذا العقد على إقفال احلساب واستخراج الرصيد النهائي‪ ،‬ولكن التطورات‬ ‫االقتصادية فرضت ضرورة تطوير هذه القاعدة مبا يحقق مصالح أطراف العقد وحقوق الغير‪ .‬وبناء على ذلك‬ ‫أصبح بإمكان أطراف هذا العقد السحب من احلساب بواسطة شيك أو مباشرة من صندوق املصرف أو بواسطة‬ ‫التحويل من حساب إلى حساب آخر‪ ،‬وأيضا أصبح بإمكان دائن العميل احلجز على الرصيد املؤقت للحساب‪،‬‬ ‫وبالتالي أصبح احلساب اجلاري قادرا على تأدية وظيفة املصرف بخلق النقود القيدية‪ ،‬وكذلك أداء وظيفته‬ ‫بتسوية املعامالت بني أطرافه مع خضوع هذه التسوية لنظام قانوني واحد‪.‬‬ ‫لقد كان للقضاء الفرنسي الدور الكبير في تطوير القاعدة السابقة‪ ،‬وتبعه في ذلك كل من محكمة‬ ‫التمييز األردنية ومحكمة النقض الفلسطينية‪ ،‬فمحكمة التمييز اعتبرت القواعد التي يقوم عليها احلساب‬ ‫اجلاري قواعد مكملة‪ ،‬وبالتالي يجوز االتفاق على خالفها‪ ،‬وهذا ما تسير عليه أغلب املصارف من خالل إعطاء‬ ‫القيمة القانونية للرصيد املؤقت الذي يظهر نتيجة تسجيل أي مفرد‪ ،‬أما محكمة النقض الفلسطينية فقد‬ ‫أسست إمكانية التصرف بالرصيد املؤقت من قبل أطرافه واحلجز عليه من قبل الغير للعرف الذي استقر في‬ ‫العمل املصرفي‪ .‬وهذا ما حاول مشروع القانون التجاري تبنيه والذي نتمنى أن يخرج إلى التطبيق في أسرع وقت‬ ‫ممكن‪.‬‬ ‫إن اتفاقية احلساب اجلاري املبرمة بني العميل واملصرف تلعب دورا مهما في جتاوز النتائج الالمنطقية ملبدأ‬ ‫عدم التجزئة‪ ،‬بحيث تعطي للعميل إمكانية التصرف في حدود ما يكون له من حقوق لدى املصرف‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يدفعنا إلى القول إن املصرف يقوم بعمل ميزان مؤقت للجانب الدائن واملدين عقب كل مدفوع يدخل في احلساب‪،‬‬ ‫وكأننا ضمنيا أمام نظرية املقاصة املتتابعة ولكن مكرسة مبقتضى االتفاقات املصرفية‪.‬‬ ‫وما دام أن احلساب املصرفي يستخدم لتسوية االلتزامات املترتبة بني الطرفني خالل فترة تشغيل احلساب‪،‬‬ ‫فقد اعتبر القضاء أن توقف هذا احلساب عن تلقي أي مدفوع خالل فترة طويلة يجعل احلساب مغلقا من تاريخ‬ ‫قيد آخر عملية فيه‪.‬‬ ‫إن احلساب اجلاري عقد كأي عقد من العقود البد من نهاية له‪ ،‬حيث ينتهي لعدة أسباب من ضمنها‬ ‫اختالل الثقة في شخص العميل‪ ،‬كما أن الرصيد الذي يسفر عنه إقفال احلساب اجلاري يتحول من رصيد خاضع‬ ‫للنظام القانوني للحساب إلى دين عادي يخضع للقواعد العامة‪ ،‬مع مراعاة ما يكون قد قيد في اجلانب املؤجل‬ ‫من احلساب فال يقفل احلساب بشكل نهائي حتى يحل أجل هذه القيود املوجودة في اجلانب املؤجل‪.‬‬

‫‪300‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫من النتائج التي توصلنا اليها أن القضاء الفلسطيني ال يفرق بني إنهاء االعتماد كعقد قائم بذاته مع‬ ‫بقاء احلساب اجلاري املرتبط به‪ ،‬فتبادر املصارف إلى إغالق احلساب من أجل املطالبة مببلغ االعتماد‪ ،‬وبالتالي‬ ‫ابتعدت عن الدور احلقيقي الذي يجب أن تلعبه من مصرف شريك الى تاجر نقود‪.‬‬ ‫التوصيات‬ ‫‪ -1‬اإلسراع في إصدار مشروع القانون التجاري الفلسطيني‪ ،‬كتشريع جتاري حديث قادر على مواكبة‬ ‫التطورات االقتصادية‪.‬‬ ‫‪ -2‬إفراد تعريف لعقد احلساب اجلاري املصرفي بحيث يكون " اتفاق املصرف مع العميل على حتويل الديون‬ ‫واحلقوق الناشئة عن عالقتهما املتبادلة إلى قيود في احلساب ودمجها على شكل أبواب دائنة ومدينة‪،‬‬ ‫على أنه يجوز استخراج الرصيد املؤقت لفائدة أحد الطرفني في أي وقت"‪ .‬حتى يحسم املشرع الطبيعة‬ ‫القانونية لهذا العقد‪.‬‬ ‫‪ -3‬توصلنا الى أن مشروع القانون التجاري لم يتنب النظرية احلديثة للحساب اجلاري‪ ،‬ونص على أن األصل‬ ‫أنه ال يوجد دائن وال مدين حتى إقفال احلساب في املوعد املتفق عليه‪.‬‬ ‫ولكن يحتاج اخلروج على األصل الوارد النص عليه في املادة (‪ )394‬من مشروع القانون التجاري االتفاق‬ ‫على ذلك أو ورود نص في القانون يبرر اخلروج‪ .‬وهذا ما أكدته املادة (‪ )397‬من مشروع القانون التجاري‬ ‫الفلسطيني‪.‬‬ ‫‪ -4‬ندعو القضاء إلى تكييف عقد احلساب املصرفي وفقا لإلرادة املشتركة للطرفني‪ ،‬حيث إن العميل في‬ ‫أغلب احلاالت يقصد إبرام عقد حساب حتت الطلب والبنك يقصد فتح حساب جار حتى يتمكن من‬ ‫إدراج جميع املعامالت بينه وبني العميل في هذا احلساب لكي يوفر أكبر حماية له‪.‬‬ ‫‪ -5‬تعديل الفقرة (‪ )2‬من املادة (‪ )399‬لكي يتم حتديد الوقت الذي يجب أن يتم فيه االتفاق على نقل‬ ‫الضمانات بحيث تصبح " ‪ .٢‬ومع ذلك يجوز قيد الديون املصحوبة بتأمينات اتفاقيه‪ ،‬سواء أكانت تلك‬ ‫التأمينات مقررة من املدين أم من الغير‪ ،‬في احلساب اجلاري إذا اتفق جميع ذوي الشأن كتابة على ذلك‬ ‫في حلظة دخول الدين"‪.‬‬ ‫‪ -6‬النص صراحة على أن احلساب اجلاري ال يعتبر مقفال إال بتوجيه إخطار كتابي من املصرف إلى العميل‪.‬‬ ‫‪ -7‬عدم الربط بني إغالق احلساب اجلاري وإغالق االعتماد‪ ،‬والنص بشكل صريح بالقانون على ذلك‪ ،‬ووضع‬ ‫أسباب خاصة بإنهاء االعتماد‪ ،‬وحتميل البنوك املسؤولية عن األضرار التي تصيب العميل نتيجة‬ ‫تعسفها في إغالق احلساب اجلاري والذي يترتب عليه تلقائيا إغالق احلساب‪.‬‬ ‫‪ -8‬وبناء على التوصية السابقة نتمنى من القضاء عدم مسايرة املصارف بهذا اإلجراء الذي تستند فيه‬ ‫إلى بنود العقد الذي يعطيها حق إغالق احلساب بأي وقت واعتباره من الشروط التعسفية وما يترتب‬ ‫على ذلك من نتائج‪.‬‬ ‫‪ -9‬التنصيص صراحة في مشروع القانون التجاري على أن احلساب اجلاري املصرفي يعتبر مقفال في حال‬ ‫توقفت احلركة فيه ملدة طويلة من تاريخ آخر حركة متت فيه‪ ،‬ويعود تقدير املدة للقاضي‪.‬‬ ‫‪ -10‬جعل احلساب املصرفي حقا للمواطنني‪ ،‬بحيث يستطيع إجبار املصرف على فتح هذا احلساب من خالل‬ ‫التوجه لسلطة النقد كسلطة مشرفة على املصارف‪ ،‬على غرار ما ذهب اليه املشرع الفرنسي‬ ‫مبقتضى قانون ‪ 29‬يوليو ‪ 1998‬في املادة ‪.137‬‬ ‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪301‬‬


‫قائمة املصادر واملراجع‪:‬‬

‫أوال‪ :‬املصادر‬ ‫القوانني‪:‬‬ ‫‪ -1‬قانون التجارة‪ ،‬رقم ‪ 12‬لسنة ‪ ،1966‬املنشور في العدد ‪ 1910‬من اجلريدة الرسمية األردنية (احلكم‬ ‫األردني)‪ ،‬بتاريخ ‪ 1966/03/30‬صفحة‪.469 ،‬‬ ‫‪ -2‬قرار بقانون ‪ 9‬لسنة ‪ 2010‬بشأن املصارف املنشور بالعدد؟ من الوقائع الفلسطينية بتاريخ ‪،2010/11/27‬‬ ‫ص ‪.5‬‬ ‫‪ -3‬قانون التجارة املصري رقم القانون ‪ 17‬لسنة ‪ 1999‬نشر باجلريدة الرسمية العدد (‪ )19‬مكررا الصادر في‬ ‫‪.1999/5/17‬‬ ‫‪ -4‬القانون املدني‪ :‬جمهورية مصر العربية قانون رقــم ‪ 131‬لسنة ‪ 1948‬بتاريخ ‪.1948 / 7 / 29‬‬ ‫االحكام القضائية‬

‫‪ -‬قرار محكمة التمييز األردنية رقم ‪ 1986/834‬مجلة نقابة اﶈاميني األردنيني‪.1990 ،‬‬

‫‪ -‬قرار محكمة التميز األردنية ‪ 1989/1068‬مجلة اﶈامني االردنيني ‪ ،1991‬ص‪.1333‬‬

‫‪ -‬قرار محكمة التمييز األردنية ‪ 93 /1045‬مجلة نقابة اﶈامني‪ ،‬العدد ‪ 8-6‬ص‪.2161‬‬

‫‪ -‬قرار محكمة التمييز األردنية رقم ‪ 1993/1042‬مجلة نقابة اﶈامني األردنيني‪ ،‬تاريخ النشر ‪.1995‬‬

‫‪ -‬قرار محكمة التمييز األردنية ‪ 1994/1362‬مجلة نقابة اﶈامني األردنيني‪ ،‬تاريخ نشر‪.1995‬‬

‫ قرار محكمة التمييز األردنية رقم ‪ 1995/157‬منشور في مجلة نقابة اﶈامني ‪ ،1998‬ص ‪.1501‬‬‫‪ -‬قرار محكمة التمييز األردنية ‪ ،2005/1459‬منشور في مجلة نقابة اﶈاميني ‪.2005‬‬

‫ قرار محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 37‬لسنة ‪ ،2003‬صادر بتاريخ‬‫‪.2004/01/25‬‬ ‫ قرار محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 37‬لسنة‪ ، 2003‬صادر بتاريخ‬‫‪2004/01/25‬‬

‫ حكم محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 156‬لسنة ‪ ،2006‬صادر‬‫بتاريخ ‪.2007/07/04‬‬

‫ قرار محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 57‬لسنة ‪ ،2010‬صادر بتاريخ‬‫‪.2011/01/20‬‬ ‫ قرار محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 394‬لسنة ‪ 2009‬صادر بتاريخ‬‫‪.2010/04/25‬‬

‫‪ -‬قرار محكمة النقض الفلسطينية‪ ،‬نقض مدني رقم ‪ 2009/152‬صادر بتاريخ ‪2010/03/08‬‬

‫‪302‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫ قرار محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 381‬لسنة ‪ ،2010‬صادر‬‫بتاريخ ‪2011/05/21‬‬

‫ قرار محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 261‬لسنة ‪ ،2010‬صادر‬‫بتاريخ ‪2011/06/06‬‬ ‫ حكم محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 184‬لسنة‪ ، 2011‬صادر‬‫بتاريخ ‪2012/2/12‬‬

‫ قرار محكمة النقض املنعقدة في رام اهلل في الدعوى احلقوقية رقم ‪ 8‬لسنة‪ ، 2013‬صادر بتاريخ‬‫‪.2014/10/27‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪303‬‬


‫املراجع‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الكتب‬ ‫‪ -1‬أحمد بركات مصطفى‪ ،‬العقود التجارية وعمليات البنوك‪ ،‬ط‪ ،3‬دار النهضة العربية القاهرة‪ ،‬دون ذكر‬ ‫تاريخ النشر‪.‬‬ ‫‪ -2‬أحمد محمود جمعة‪ ،‬أحكام عقد احلساب اجلاري في قانون التجارة‪ ،‬ط‪ ،1‬منشأة املعارف‪ ،‬االسكندرية‬ ‫‪.2001‬‬ ‫‪ -3‬احمد محمود جمعة‪ ،‬مبدأ عدم جتزئة احلساب اجلاري في الفقه والقضاء‪ ،‬منشأة املعارف اإلسكندرية‪،‬‬ ‫‪.1980‬‬ ‫‪ -4‬حسن املصري احلسابات املصرفية في القانون الكويتي‪ ،‬ط‪ ،1‬الناشر جامعة الكويت‪ ،‬الكويت‪.1994 ،‬‬ ‫‪ -5‬رزق اهلل االنطاكي‪ ،‬احلسابات واالعتمادات املصرفية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،1969 ،‬ص‪12‬‬ ‫‪ -6‬رضا سيد عبد احلميد‪ ،‬النظام املصرفي‪ ،‬وعمليات البنوك‪ ،‬ط‪ ،1‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.2000 ،‬‬ ‫‪ -7‬رفعت فخري‪ ،‬دروس في عمليات البنوك‪ ،‬ط‪ ،1‬بدون ذكر ناشر‪ ،‬القاهرة‪.1991،‬‬ ‫‪ -8‬سميحة القليوبي‪ ،‬الوسيط في شرح قانون التجارة املصري‪ ،‬الطبعة اخلامسة‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫القاهرة‪.2007 ،‬‬ ‫‪ -9‬صفوت بهنساوي‪ ،‬االوراق التجارية وعمليات البنوك‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.2010 ،‬‬ ‫‪ -10‬عبد الرحمن سيد قرمان‪ ،‬عمليات البنوك طبقا لقانون التجارة اجلديد‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫القاهرة‪.2000 ،‬‬ ‫‪ -11‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني‪ ،‬ج‪ ،3‬دار املعارف القانونية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‬ ‫نشر‪.‬‬ ‫‪ - -12‬عبد الرحمن السيد قرمان‪ ،‬العقود التجارية وعمليات البنوك طبقا لألنظمة القانونية باململكة‬ ‫العربية السعودية‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة الشقري‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪.2010 ،‬‬ ‫‪ -13‬عبد الفتاح مراد‪ ،‬موسوعة اعمال البنوك‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬الناشر الكاتب نفسه‪ ،‬االسكندرية‪.2003 ،‬‬ ‫‪ -14‬عبد الفضيل محمد أحمد‪ ،‬عمليات البنوك‪ ،‬دار الفكر والقانون‪ ،‬املنصورة (مصر)‪2010 ،‬‬ ‫‪ -15‬عبد القادر الفار‪ ،‬أحكام االلتزام " آثار احلق في القانون املدني االردني"‪ ،‬ط ‪ ،6‬مكتبة دار الثقافة للنشر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬عمان ‪.2001‬‬ ‫‪ -16‬عزيز العكيلي‪ ،‬الوسيط في شرح القانون التجاري‪ ،‬االوراق التجارية وعمليات البنوك‪ ،‬اجلزء الثاني‪ ،‬دار‬ ‫الثقافة‪ ،‬عمان‪.2010 ،‬‬ ‫‪ -17‬علي البارودي‪ ،‬د‪ .‬محمد فريد العريني‪ ،‬القانون التجاري‪ ،‬اجلزء الثاني‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪،‬‬ ‫االسكندرية‪.2000 ،‬‬ ‫‪ -18‬علي البارودي‪ ،‬العقود التجارية وعمليات البنوك‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية‪ ،‬االسكندرية‪.1999 ،‬‬ ‫‪ -19‬علي جمال الدين عوض‪ ،‬عمليات البنوك من الوجهة القانونية‪ ،‬ط‪ ،4‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.2008 ،‬‬ ‫‪ -20‬علي جمال الدين عوض‪ ،‬عمليات البنوك من الوجهة القانونية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة‪.2000 ،‬‬ ‫‪ -21‬علي جمال الدين عوض‪ ،‬عمليات البنوك من الوجهة القانونية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.1981 ،‬‬ ‫‪ -22‬فائق محمود الشماع‪ ،‬احلساب املصرفي دراسة قانونية مقارنة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الثقافة‪ ،‬عمان‪2003،‬‬ ‫‪ -23‬محسن شفيق‪ ،‬الوجيز في القانون التجاري‪ ،‬دار النهضة العربية القاهرة‪.1969 ،‬‬ ‫‪304‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫‪ -24‬محمد توفيق بطاح‪ ،‬آثار احلساب اجلاري في العمليات املصرفية‪ ،‬مؤسسة الوراق للنشر‪ ،‬عمان‪،‬‬ ‫االردن‪.2003،‬‬ ‫‪ -25‬محمد جنكل‪ ،‬العمليات البنكية املباشرة‪ ،‬اجلزء االول‪ ،‬ط‪ ،1‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬ ‫‪.2003‬‬ ‫‪ -26‬محمد حسن اجلبر‪ ،‬العقود التجارية وعمليات البنوك‪ ،‬مطابع جامعة امللك سعود‪ ،‬الرياض ط‪.1997 ،2‬‬ ‫‪ -27‬محمد حسني عباس‪ ،‬القانون التجاري‪ ،‬عمليات البنوك والعقود التجاري‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬كلية احلقوق‪،‬‬ ‫‪.1966‬‬ ‫‪ -28‬محمد لفروجي‪ ،‬العقود البنكية بني مدونة التجارة والقانون البنكي‪ ،‬ط‪ ،2‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار‬ ‫البيضاء‪.2001 ،‬‬ ‫‪ -29‬محمد الكيالني‪ ،‬املوسوعة التجارية واملصرفية‪ ،‬اﺠﻤﻟلد الرابع‪ ،‬عمليات البنوك "دراسة مقارنة"‪ ،‬دار‬ ‫الثقافة‪ ،‬عمان‪2014 ،‬‬ ‫‪ -30‬محمود مختار محمد أحمد بريري‪ ،‬قانون املعامالت التجارية (عمليات البنوك واألوراق التجارية)‪ ،‬دار‬ ‫النهضة العربية‪ ،‬القاهرة ‪.2001‬‬ ‫‪ -31‬مراد منير فهيم‪ ،‬القانون التجاري عمليات البنوك‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬االسكندرية‪.1982 ،‬‬ ‫‪ -32‬منير محمد اجلنبيهي‪ ،‬د‪ .‬ممدوح محمد اجلنبيهي‪ ،‬أعمال البنوك‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬االسكندرية‪.2000 ،‬‬ ‫‪ -33‬هاني دويدار‪ ،‬القانون التجاري (العقود التجارية والعمليات املصرفية‪ ،‬األوراق التجارية‪ ،‬اإلفالس)‪،‬‬ ‫منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بيروت‪.2008،‬‬ ‫‪ -34‬إلياس ناصيف‪ ،‬الكامل في قانون التجارة‪ ،‬عمليات املصارف‪ ،‬ج‪ ،3‬ط‪ ،1‬منشورات البحر املتوسط‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.1989‬‬ ‫‪ -35‬إلياس ناصيف‪ ،‬احلساب اجلاري في القانون املقارن‪ ،‬سلسلة أبحاث قانونية مقارنة‪ ،‬دون ذكر دار النشر‪،‬‬ ‫بيروت‪.1992 ،‬‬ ‫‪ -36‬يوسف عودة غامن املنصوري‪ ،‬نحو تطورات في املسائل التجارية واملصرفية‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات احللبي‬ ‫احلقوقية‪ ،‬بيروت‪.2013،‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الرسائل واالطروحات‬ ‫‪ -1‬جديع فهد الرشيدي‪ ،‬الودائع املصرفية في القانون املصري واملقارن‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية احلقوق‪،‬‬ ‫جامعة املنصورة‪.2002 ،‬‬ ‫‪ -2‬عبد الرحيم املودن‪ ،‬النظام القانوني لعقد احلساب اجلاري البنكي‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون‬ ‫اخلاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد اخلامس‪ ،‬الرباط‪.2004-2003 ،‬‬ ‫‪ -3‬عبد السالم املريني‪ ،‬الوديعة النقدية املصرفية في القانون املغربي واملقارن‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في‬ ‫القانون اخلاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة احلسن الثاني عني الشق‪،‬‬ ‫‪.2004‬‬

‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬

‫‪305‬‬


‫ثالثا‪ :‬الدوريات‬

‫ يوسف عودة غامن‪ ،‬األثر التجديدي للحساب اجلاري‪ ،‬مجلة جامعة ذي قار‪ ،‬العدد ‪ ،4‬اﺠﻤﻟلد ‪ ،2‬العراق‪،‬‬‫‪.2007‬‬

‫رابعا‪ :‬املؤمترات والندوات‪:‬‬ ‫ سمير عبد العليم محمد محسن‪ ،‬تبادل املدفوعات وتشابكها في احلساب اجلاري في ضوء أحكام‬‫قانون التجارة اجلديد ‪ 17‬لسنة ‪ ،1999‬املؤمتر العلمي الثاني للقانونيني املصريني‪ ،‬حتت رعاية اجلمعية‬ ‫املصرية لالقتصاد السياسي واإلحصاء والتشريع‪.2000 ،‬‬

‫ د‪ .‬أحمد عبد اجلليل حسنني‪ ،‬دراسة حتليلية لبعض املشاكل العملية التي يثيرها احلساب اجلاري‬‫خالل فترة الريبة‪ ،‬املؤمتر العلمي الثالث للقانونيني املصريني‪ ،‬اجلوانب القانونية للعمليات املصرفية‪،‬‬ ‫اجلمعية املصرية لالقتصاد السياسي واإلحصاء والتشريع‪2002 ،‬‬ ‫املراجع باللغة الفرنسية‪:‬‬ ‫‪Le François (Alfred) , “Traité du crédit ouvert en compte courant moyennant affectation‬‬ ‫‪hypothécaire” , 1978 , n 4 et suirant.‬‬

‫‪1-‬‬

‫‪2- J.-L. Rives-Langes et M. Contamine-Raynaud, Précis de Droit bancaire, Dalloz 6è Edition,‬‬ ‫‪1995 ; p 220‬‬ ‫)‪ESCARRA- Principes de droit commercial – Tome VI- ( Banque et Commerce de banque‬‬ ‫‪Sirey 1937, n° 413.‬‬ ‫‪Christine Hugon ,le droit au compte , in Mélange Michel Cabrilac , litec Dalloz 1999.‬‬ ‫‪Calais- Auly MT, “Commpte Courant, banque et Credit” , fasc – C.210. N° 106‬‬ ‫‪Didier Martin, Elementes de droit bancaire- 3 édition – I.T.B – 1996, 162‬‬ ‫‪HUGON (Christine), Le droit au compte, Mélanges Michel Cabrillac, 1999, p.483‬‬

‫‪2-‬‬

‫‪306‬‬

‫مجلة العلوم القانونية‬

‫‪3‬‬‫‪4‬‬‫‪5‬‬‫‪6‬‬‫‪7-‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد اخلامس‪ :‬جمادي األولى ‪1438‬هـ ‪ -‬يناير ‪2017‬م‬


‫تصدر عن كلية القانون‪ ،‬جامعة عجمان ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.