Issue 29

Page 1

‫العـدد التاسع والعشرون | عـدد الصفحات ‪ 12‬صفحة‬ ‫السـعر‪ 15 :‬ليـرة سـورية‬

‫جريدة مستقلة تسلط الضوء على الواقع الميداني وأهم التطورات على التراب السوري‬

‫‪www.facebook.com/alkataebjareda‬‬

‫الكتائب | العـدالتاسع والعشرون |األحد ‪2014/06/15‬‬

‫االفتتاحية‬

‫أكاذيب مكشوفة‬ ‫دأبــت الواليــات المتحدة‪ ،‬ومــن خلفها‬ ‫الكثيــر مــن دول العالــم‪ ،‬علــى إطــاق‬ ‫التصريحــات الرنانــة عن فقدان األســد‬ ‫لشــرعيته‪ ،‬وعــن وجوب رحيلــه‪ ،‬وأن‬ ‫أيامــه باتــت معــدودة‪ ،‬ولم تقتــرن تلك‬ ‫التصريحات بأي فعل عملي على األرض‬ ‫أو المشــاركة بجهــد فعــال يصــب فــي‬ ‫مصلحة الثورة السورية‪.‬‬ ‫بــل علــى العكــس‪ ،‬كانــت جميــع‬ ‫أفعالهــم تصــب فــي خانــة تفكيــك‬ ‫المعارضــة‪ ،‬وتفكيك كتائب الجيش الحر‬ ‫والعمل على تشتيتتها‪.‬‬ ‫كانــت تلــك التصريحات مجــرد أكاذيب‬ ‫هدفهــا إعالمــي بالدرجــة األولــى‪ ،‬أما‬ ‫الواقع على األرض فيشــير إلى تغاضي‬ ‫تلك الدول عن دعم حلفاء األسد له‪ ،‬وفي‬ ‫مقدمتهــم نــوري المالكي الــذي نصبته‬ ‫الواليات المتحــدة على حكم العراق قبل‬ ‫أن تغادره‪.‬‬ ‫اســتطاع النظــام مؤخــراً إجــراء‬ ‫االنتخابــات‪ ،‬ورغم كونها مهزلة بكل ما‬ ‫تعنيــه الكلمة‪ ،‬لــم يعقب ذلك أي فعل من‬ ‫قبل واشنطن وحلفائها سوى تصريحات‬ ‫فارغة تفتقد إلى أي معنى‪.‬‬ ‫تشــير التطورات األخيــرة إلى أن صمت‬ ‫العالم جــزء من خطة مرســومة إلعادة‬ ‫ترتيــب المنطقــة بالكامــل‪ ،‬فســيطرة‬ ‫تنظيــم داعش علــى محافظات كاملة في‬ ‫العــراق‪ ،‬إضافة لمــا تســيطر عليه في‬ ‫سوريا‪ ،‬يضع المنطقة بأكملها على حافة‬ ‫بتشــظ خطير قد يصيب‬ ‫الهاويــة‪ ،‬وينذر‬ ‫ٍ‬ ‫دول المنطقة‪ ،‬وبكل تأكيد فواشنطن على‬ ‫علم بكل ما يجري‪ ،‬وربما كانت المخطط‬ ‫والداعم الرئيسي له في إطار مشروعها‬ ‫الغنــي عن التعريف‪ ،‬الشــرق األوســط‬ ‫الجديد‪.‬‬

‫عبث الداعمين في الثورة السورية‬

‫صفحـة‬

‫هل مايزال الحل‬ ‫السياسي ممكنا‬

‫مشروع التوطين‬ ‫في سورية‬

‫الشهيد محمد‬ ‫طيب إسماعيل‬ ‫الغزال‬

‫هيئة التحرير‬

‫صفحـة ‪8‬‬

‫صفحـة ‪9‬‬

‫‪3‬‬

‫صفحـة ‪10‬‬


‫الكتائب العـددالتاسع والعشـرون ‪2014/05/15‬‬

‫ملفـات قانونية‬

‫‪02‬‬

‫مفهوم السيادة في القانون الدولي‬

‫تثيــر المتغيــرات الراهنــة فــي النظــام الدولــي‬ ‫التساؤالت حول مصير الســيادة الوطنية للدولة‪،‬‬ ‫هــذه الســيادة التي تعتبــر إحدى أهــم المقومات‬ ‫األساسية التي تبنى عليها نظرية الدولة في الفكر‬ ‫السياســي والقانوني‪ ،‬وإحدى أهم أســس التنظيم‬ ‫الدولــي التــي تنظم العالقــات بين الــدول وتحدد‬ ‫حقوقهــا وواجباتهــا‪ .‬فهنــاك مــن يبشــر بنهاية‬ ‫السيادة‪ ،‬ومن ينظر بتقليص السيادة أو بنسبيتها‪،‬‬ ‫ومن يدافع عن استمرارية السيادة‪.‬‬

‫مفهوم السيادة‪:‬‬

‫الســيادة مفهوم قانوني‪ -‬سياســي يتعلق بالدولة‬ ‫باعتباره أحد أهم خصائصها وســماتها الرئيسية‪.‬‬ ‫وهي شرط من الشروط األساسية العتبار أي كيان‬ ‫سياسي دولة‪ ،‬أي عضواً في المجتمع الدولي ‪.‬‬ ‫يرتبــط مفهــوم الســيادة بمفهــوم االســتقالل‪.‬‬ ‫فالدولة المســتقلة هي الدولة السيدة القادرة على‬ ‫ممارسة مظاهر سيادتها على الصعيدين الداخلي‬ ‫والخارجــي بحرية دون تدخل مــن أحد‪ .‬على هذا‬ ‫فــإن مفهوم الســيادة ينطوي علــى معنيين‪ .‬من‬ ‫جهة أولى‪ ،‬السيادة تعني السلطة العليا والمطلقة‬ ‫التي تتمتع بها الدولة لمزاولة وظائفها وممارسة‬ ‫صالحياتها داخل إقليمها الوطني دون أن تنازعها‬ ‫أو تتد خل فيها أية دولة آخرى‪ .‬وهذا‪ ،‬هو المعنى‬ ‫األساســي والمركــزي لمفهوم الســيادة‪ ،‬وهو ما‬ ‫يطلق عليه تسمية السيادة االقليمية‪.‬‬ ‫ومن جهة ثانية‪ ،‬فإن الســيادة تعني األهلية التي‬ ‫تتمتــع بها الدولــة للدخول في عالقــات والتعامل‬ ‫علــى قــدم المســاواة‪ ،‬بنديــة وتكافؤ مــع الدول‬ ‫األخرى علي الصعيد الدولي‪ .‬وهذا المعنى يرتبط‬ ‫بمفهوم الشخصية الدولية‪.‬‬ ‫الســيادة هي التــي تخول الدولة الحق بالتشــريع‬ ‫وتطبيــق قوانينها ومحاكمة األشــخاص واألفعال‬ ‫داخــل إقليمها الوطني‪ ،‬والحــق بالدخول بعالقات‬ ‫مــع الدول األخــرى وعقد االتفاقــات والمعاهدات‬

‫الدولية وإرســال ممثلين ودبلوماســيين يمثلونها‬ ‫فــي الدول األخــرى‪ ،‬والحق بالتمتــع بالحصانات‬ ‫واالمتيــازات في الدول األخــرى وأمام محاكمها‪،‬‬ ‫وهذه هي الحقوق التي يشملها مفهوم السيادة في‬ ‫القانون الدولي‪.‬‬ ‫والســيادة هي التي تكفل المســاواة والتكافؤ بين‬ ‫الــدول واحترام االســتقالل السياســي والســامة‬ ‫االقليميــة للدولة‪ ،‬وتوجب عدم تدخل أية دولة في‬ ‫شؤون دولة أخرى‪.‬‬ ‫فالســيادة هــي التــي تضمــن لكيــان سياســي ما‬ ‫وجوده واســتقالله ومساواته ونديته مع الكيانات‬ ‫السياســية األخرى المكونة لمجتمــع األمم‪ .‬وهي‬ ‫بهذا المعنى تتماهى مع مفهوم االستقالل‪.‬‬

‫نشأة مبدأ الســيادة وتطوره عبر‬ ‫الزمن‪:‬‬

‫يرتبــط ظهور مبدأ «الســيادة» فــي قانون األمم‬ ‫(القانــون الدولي العام) مع انبثاق الدولة القومية‬ ‫(الحديثــة) فــي أوروبــا بعــد معاهــدة وســتفاليا‬ ‫‪ ،1648‬التــي أنهت حرب الثالثيــن عاما ً الدينية‬ ‫في القــارة األوروبية‪ .‬فهذه المعاهــدة أقرت مبدأ‬ ‫«ســيادة الدولة» باعتبار هذه السيادة هي سلطة‬ ‫الدولة العليا والمطلقة على إقليمها‪ ،‬أي حق الدولة‬ ‫في ممارسة وظائفها وصالحياتها واختصاصاتها‬ ‫داخــل إقليمهــا القومــي دون تدخل مــن أية دولة‬ ‫آخرى‪ .‬وقد أقرت معاهدة وســتفاليا مبدأ الســيادة‬ ‫في العالقات الدولية كمبدأ يكفل المساواة والتكافؤ‬ ‫بيــن الــدول ويمنــع تدخــل دول في شــؤون دول‬ ‫أخــرى‪ .‬وعليه‪ ،‬اعتبر أي تدخــل من قبل دولة ما‬ ‫في شؤون أية دولة أخرى عمالً غير مشروع‪.‬‬ ‫هذا المفهوم لمبدأ الســيادة‪ ،‬الــذي أقرته معاهدة‬ ‫وســتفاليا والذي حكم وهيمن علــى العالقات بين‬ ‫دول القــارة األوروبية خالل القرن الثامن عشــر‬ ‫والنصف األول من القرن التاســع عشر‪ ،‬سرعان‬ ‫ما انتشــر ليشــمل العالقات بين دول العالم جميعا ً‬

‫في المرحلة التي تلت‪.‬‬ ‫وجاءت معاهــدة «مونتافيديو» في العام ‪1933‬‬ ‫‪ ،‬المتعلقــة بحقــوق وواجبات الــدول‪ ،‬لتأكد على‬ ‫هــذا المفهــوم عندمــا اعتبــرت أن جميــع الدول‬ ‫متســاوية وتتمتع بنفس الحقــوق وبنفس األهلية‬ ‫لممارســتها‪ ،‬وبأنه ال حق أليــة دولة بالتدخل في‬ ‫الشؤون الداخلية لدولة أخرى‪ .‬وتبنى ميثاق األمم‬ ‫المتحدة الموقع في العام ‪1945‬‬ ‫هــذا المفهوم‪ ،‬وحــدد المبادئ التــي على منظمة‬ ‫األمم المتحــدة والدول األعضــاء العمل بموجبها‬ ‫لتحقيق مقاصد المنظمة‪ ،‬وهي مبدأ المســاواة في‬ ‫الســيادة‪ ،‬ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية‬ ‫ألية دولة‪ ،‬ومبدأ االمتناع عن التهديد أو استخدام‬ ‫القوة ضد وحدة أو ســامة أراضي أو االســتقالل‬ ‫السياســي ألية دولة‪ .‬فبمقتضى هــذا الميثاق فإن‬ ‫جميع الــدول األعضاء في منظمــة األمم المتحدة‬ ‫متســاوون في الحقــوق والواجبــات‪ ،‬ولهم الحق‬ ‫في المشاركة والتصويت في أعمال المنظمة وفقا ً‬ ‫لقاعدة أن لكل دولة صوت واحد‪.‬‬ ‫علــى الرغــم مــن أن جوهر مفهوم الســيادة كما‬ ‫أقرتــه معاهدة وســتفاليا لم يطرأ عليــه أي تغيير‬ ‫يذكــر منــذ هــذه المعاهــدة‪ ،‬إال أن مجــال ومدى‬ ‫وحدود السيادة هي التي خضعت للتطور والتغيير‬ ‫عبر الزمن‪.‬‬ ‫فخالل القرنين الثامن عشر والتاسع عشر‪ ،‬عصر‬ ‫انبعــاث الدولة القوميــة‪ ،‬لم تقبل الــدول بأي قيد‬ ‫على سيادتها‪ ،‬فمارست سلطة مطلقة دون أي قيد‬ ‫أو حدود داخل إقليمها الوطني‪.‬‬ ‫غير أن هــذا الموقف بدأ يتغير بعد النصف الثاني‬ ‫من القرن العشــرين‪ .‬فالــدول بدأت تقبل‪ ،‬من أجل‬ ‫صالــح المجتمــع الدولي‪ ،‬بعض القيــود والحدود‬ ‫على تصرفاتها الداخلية والخارجية‪.‬‬ ‫فأخضعــت بعــض صالحياتهــا الســيادية لبعــض‬ ‫القيــود‪ ،‬وتم ذلك إما بحكم المعاهدات أو االتفاقات‬ ‫الدوليــة‪ ،‬أو بحكــم قــرارات المنظمــات الدوليــة‬

‫(العالميــة أو اإلقليمية)‪ ،‬أو بمقتضــى قرار ذاتي‬ ‫منها‪ .‬ونتيجة لذلك لم تعد الســيادة التي تتمتع بها‬ ‫الدولة مطلقة‪.‬‬ ‫فنشوء المنظمات الدولية بجميع أنواعها (العالمية‬ ‫واإلقليميــة‪ ،‬السياســية واألمنيــة والمتخصصة)‬ ‫وتطور العالقات بين الدول والمتغيرات المصاحبة‬ ‫للعولمة وثورة التكنولوجيا هي التي حتمت تكييف‬ ‫مبدأ السيادة وبالتالي تقييد الحقوق والصالحيات‬ ‫والوظائــف الســيادية للدولــة بما يكفــل مصالح‬ ‫المجتمع الدولي‪ .‬وبذلك لم يعد التدخل في الشــؤن‬ ‫الداخليــة للدولة أمراً غير مشــروع‪ ،‬كما كان في‬ ‫الماضي‪ ،‬بل أمراً جائزاً تبرره الحقائق الراهنة‪.‬‬ ‫ومن أبرز نواحي الشــؤون الداخلية للدولة التي‬ ‫طالها التدخل الدولي هي عالقة الدولة مع رعاياها‬ ‫خاصة في مجال حقوق االنسان والحريات العامة‪،‬‬ ‫والسياسات المالية واالقتصادية واإلدارية للدولة‪.‬‬ ‫وطــال التدخــل أيضــا ً جميــع نواحــي العالقــات‬ ‫االقتصادية بين الدول‪.‬‬ ‫وأبرز مظاهر التدخل في شؤون الدول والتي تحد‬ ‫من السلطات والصالحيات السيادية للدول نجدها‬ ‫فــي ميثــاق األمم المتحــدة الذي جعــل صالحيات‬ ‫واختصاصــات هــذه المنظمــة تشــمل باإلضافــة‬ ‫للنواحي السياسية واألمنية المجاالت االقتصادية‬ ‫واإلجتماعية والثقافية وغيرها‪ ،‬التي كانت تعتبر‬ ‫تقليديا ً من صميم االختصاص الداخلي للدول‪.‬‬ ‫ونجدهــا أيضــا ً في معاهــدة ماســترخت الموقعة‬ ‫فــي العام ‪ 1991‬والمنشــئة لالتحــاد األوروبي‪،‬‬ ‫والمعاهدات المعدلة لها‪ ،‬والتي أنشأت مؤسسات‬ ‫اتحادية فوق المؤسسات الوطنية للدول األعضاء‪.‬‬ ‫وكذلك نجدها في نظــام المحكمة الجنائية الدولية‬ ‫الذي جعل أصحاب الســيادة في الــدول المصدقة‬ ‫لهذا النظام‪ ،‬من رؤساء الدول ورؤساء الحكومات‬ ‫والــوزراء والنــواب والموظفييــن الرســميين‪،‬‬ ‫خاضعين الختصاص المحكمــة في حال ارتكابهم‬ ‫جرائم دولية‪.‬‬ ‫وفي الخالصة يمكننا القول بأن التطورات‬ ‫الراهنــة في النظام الدولي على الرغم من أنها قد‬ ‫قلصت من الســلطات والوظائف التقليدية للدولة‪،‬‬ ‫إال أنها لم تأت على السيادة‪.‬‬ ‫صحيــح أن الســيادة تواجه في الوقــت الحاضر‬ ‫وضعا ً صعبا ً بســبب القيود والضوابط والشــروط‬ ‫التي تفرض على الدول في ممارســة سيادتها‪ ،‬إال‬ ‫أنها بقيت على اعتبــار أنها أداة ضرورية لتنظيم‬ ‫العالقات بين الدول‪ ،‬وهي ســتبقى ما بقيت الدولة‬ ‫القومية‪.‬‬ ‫وجــل ما في األمــر أن الدولة لم تعــد مطلقة اليد‬ ‫فــي شــؤونها الداخلية كمــا كانت فــي الماضي‪،‬‬ ‫بــل أصبحــت محكومة ومقيدة بضوابط وشــروط‬ ‫تضمن عدم تعــارض إدارتها لشــؤونها الداخلية‬ ‫مع التزاماتها ومسؤولياتها الدولية‪ ،‬وعدم المس‬ ‫بحقــوق ومصالــح الــدول األخرى واألشــخاص‬ ‫الدوليين اآلخرين‪.‬‬


‫الكتائب العـدد التاسع والعشـرون ‪2014/06/15‬‬

‫ملـف العـدد‬

‫‪03‬‬

‫عبث الداعمين في الثورة السورية‬

‫أسلوب إيصال الدعم‪:‬‬

‫بقلم‪ :‬فاضل الحمصي‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫بعــد أن بدأت مرحلة العســكرة وحمل الســاح‬ ‫في الثورة الســورية‪ ،‬بــدأ الدعم ينهــال عليها‬ ‫من جهــات بعضها معــروف وأغلبها مجهول‪،‬‬ ‫وبــدأ معهــا العبــث بمصيــر الثــورة والتحكــم‬ ‫بضعاف النفوس من قادة الكتائب من قبل أولئك‬ ‫الداعمين‪.‬‬ ‫(إذا أردت أن تفشل ثورة فأغرقها بالمال)‪ ،‬كان‬ ‫هذا ما فعله الداعمون بثورتنا‪ ،‬لكنهم أخفقوا‬ ‫بإفشالها‪ ،‬واستمرت الثورة رغم كل ما أحيك‬ ‫ضدها من مؤامرات‪.‬‬ ‫ض ُعــف الكثيــرون أمام ســلطان المــال ولمعان‬ ‫َ‬ ‫الذهب‪ ،‬ففي النهاية هم بشــر‪ ،‬وطبع البشر حب‬ ‫الدنيا وحب المال‪.‬‬ ‫تفرقــت الكتائــب وتشــتتت بســبب هــذا المال‬ ‫السياسي الملعون‪ ،‬وبتنا نرى تشكيالت ال تضم‬ ‫ســوى بضعة أشخاص من عائلة واحدة‪ ،‬ورغم‬ ‫ذلــك يصلها الدعــم والمال بهــدف إظهار تفكك‬ ‫الثوار بأكبر شكل ممكن‪.‬‬

‫ورأيــت صــورة تجمع ‪ 24‬عنصــراً كانوا فيما‬ ‫ســبق أفراد كتيبة واحدة‪ ،‬وهــم اآلن متفرقون‪،‬‬ ‫كل واحــد منهم يرأس كتيبتــه الخاصة! كل هذا‬ ‫التفكك والتشتت كان الداعمون سببه الرئيسي‪،‬‬ ‫ســواء عن خبث في نيتهم أو عن طيبة‪ ،‬وأشــك‬ ‫في طيبة نوايا معظمهم‪.‬‬

‫بداية الدعم‪:‬‬

‫كانــت األمــوال تأتــي على شــكل تبرعــات من‬ ‫مغتربيــن ســوريين بشــكل بســيط ال يتجــاوز‬ ‫مئــات اآلالف مــن الليــرات الســورية‪ ،‬وكانت‬ ‫تصرف جميعها فــي دفع ثمن الذخيرة ومعالجة‬ ‫المصابيــن والجرحــى‪ ،‬ثم تطور األمــر وبدأت‬ ‫األموال تتدفق بشــكل كبيــر‪ ،‬خصوصا ً مع بداية‬ ‫شــهر آذار من العام ‪ ،2012‬وبدأ بعدها إغراء‬ ‫العناصر لتشــكيل كتائبهم الخاصة‪ ،‬ففي حمص‬ ‫مثالً وعنــد بداية معركة بابا عمــرو كان معظم‬ ‫العمــل العســكري محصوراً بتشــكيل واحد‪ ،‬هو‬ ‫كتيبــة الفاروق‪ ،‬وبعد نهايــة تلك المعركة بدأت‬ ‫الكتائب بالتكاثر إلــى أن وصل العدد في حمص‬ ‫وحدهــا إلى ‪ 65‬كتيبة خالل شــهرين فقط‪ ،‬وما‬ ‫زالت أعداد التشكيالت تتزايد وتتكاثر!!‬

‫ال يتواصل الداعمون مع قــادة الكتائب والثوار‬ ‫بشكل مباشر‪ ،‬بل بشكل خفي أقرب ما يكون إلى‬ ‫العمل المخابراتي‪ ،‬فيعمل الداعمون على إظهار‬ ‫شخصيات معروفة بطيبتها أو تقواها ليضعونها‬ ‫في الواجهة‪ ،‬مســتغلين طيبتهم وحسن نواياهم‬ ‫ورغبتهم فــي خدمة الثورة لتنفيــذ مخططاتهم‬ ‫الخبيثــة‪ ،‬وقــد تصل حلقــات الدعــم في بعض‬ ‫األحيان إلى ‪ 10‬أو ‪ 15‬شخصاً‪ ،‬يتسلسلون في‬ ‫معرفــة بعضهم بحيث ال يعرف الجميع بعضهم‪،‬‬ ‫(تمامــا ً كمــا تفعــل أجهــزة األمــن والتنظيمات‬ ‫الســرية)‪ ،‬وهكذا تضيع هوية الداعم الحقيقية‪،‬‬ ‫الــذي قد يكــون مرتبطا ً بأجهــزة المخابرات أو‬ ‫غيرهــا‪ ،‬ويظهر فــي الواجهة فقط األشــخاص‬ ‫البسطاء الطيبون المخدوعون‪.‬‬

‫السعي إلرضاء الداعمين‪:‬‬

‫كثيــراً مــا غيّــر قــادة الكتائــب مــن أفكارهــم‬ ‫وإيديولوجياتهــم ســعيا ً إلرضــاء الداعميــن‪،‬‬ ‫وبتنا نشــاهد في مقاطع الفيديو تسجيالت لقادة‬ ‫وعناصــر يتبنــون أفــكاراً ال يفهمــون حقيقتها‬ ‫فعالً‪ ،‬فالشــخص البســيط العادي الذي لم يكمل‬ ‫تعليمــه االبتدائــي بــات يتحــدث فــي مواضيع‬ ‫تصعــب حتــى على العلمــاء‪ ،‬وبتنا نــرى جهلة‬ ‫يتحدثون في أمــور التكفير والخروج من الدين‬ ‫التي ال يفهمونها على اإلطالق‪.‬‬

‫استغالل النظام لهذا األمر‪:‬‬

‫اســتغل نظــام األســد الخبيــث موضــوع الدعم‬ ‫المالــي وشــ ّكل كتائــب محســوبة علــى الثوار‬ ‫لتعمل لصالحه ســراً‪ ،‬وذلك عن طريق داعمين‬ ‫مرتبطيــن بــه بشــكل خفــي‪ ،‬وحقــق مــن هذا‬ ‫الموضوع فائدة كبرى من خالل الترويج لقضية‬ ‫اإلرهاب والتطرف‪ ،‬فكان يطلب من تلك‬

‫الكتائــب تصوير مقاطع فيديو معينة ليســتغلها‬ ‫فــي الترويــج اإلعالمــي في الغــرب خصوصاً‪،‬‬ ‫وقد حقق نجاحا ً كبيــراً في هذا األمر‪ ،‬باإلضافة‬ ‫الستغالله وجود هذه الكتائب في بعض المناطق‬ ‫لتسهيل اقتحامها والسيطرة عليها‪.‬‬ ‫كمــا نجح بعــض الداعميــن المرتبطيــن به في‬ ‫تهدئــة بعض الجبهــات من خالل دفــع األموال‬ ‫لقــادة تلك الكتائب المرابطــة عليها‪ ،‬حيث نجح‬ ‫الداعمــون عن طريــق المال بإقناعهــم بإيقاف‬ ‫العمل مؤقتا ً ريثما يتم التجهيز بشــكل أفضل مع‬ ‫وعود بإرسال األسلحة والذخائر‪ ،‬هذا األمر الذي‬ ‫يطفئ الحماس في النفوس ويبعث على اإلحباط‬ ‫لدى المقاتلين‪ ،‬والذي يعطي النظام الوقت الذي‬ ‫يحتاجه ويســمح له باالستفراد بالمناطق واحدة‬ ‫تلو األخرى‪.‬‬ ‫كما اســتطاع النظام عن طريــق هؤالء تخفيف‬ ‫الدعم الشعبي الهائل الذي كان موجوداً في بداية‬ ‫الثورة للجيــش الحر‪ ،‬حيث أمر بعض المرتزقة‬ ‫التابعيــن له بقصف األحياء اآلمنة والتي تحوي‬ ‫نازحين من المناطق المنكوبة أصالً‪ ،‬مما ساهم‬ ‫في تراجع التأييد الشعبي للجيش الحر‪.‬‬

‫ما هوالبديل عن أموال الداعمين؟؟‬ ‫يتشــدق الكثيرون أن الدعم ضروري وأساسي‬ ‫الســتمرار القتال‪ ،‬وهذا األمر غير صحيح على‬ ‫اإلطــاق‪ ،‬فالدعــم المســيّس عدمــه أفضل من‬ ‫وجــوده‪ ،‬والداعمون الذيــن يطرحون مواضيع‬ ‫سياسية مستقبلية يسيؤون إلى الثورة ويأخرون‬ ‫انتصارها ويقدمون خدمات لنظام األسد أضعاف‬ ‫ما يعطون من فوائد للثورة‪.‬‬

‫علــى الصعيد السياســي لم يقــدم الداعمون أي‬ ‫مساعدة ساهمت في صنع إنجاز واحد‪ ،‬وإعطاء‬ ‫الدعم أو قطعه أمر ســواء ال يقدم وال يؤخر في‬ ‫عمل المعارضة السياسية المشلولة أصالً‪.‬‬ ‫أمــا على الصعيد العســكري فالدعم ســاعد في‬ ‫السيطرة على قرار قادة الكتائب وتهدئة جبهات‬ ‫مهمة وفتح جبهات عديمة الفائدة اســتراتيجياً‪،‬‬ ‫وقطــع الدعــم العســكري ربما يكــون ذو فائدة‬ ‫كبيرة من خالل عــودة القرار إلى قادة الكتائب‪،‬‬ ‫والبديل عن الدعم المالي هو االغتنام من قوات‬ ‫النظام‪ ،‬والتي سيكون مفعولها أضعاف أضعاف‬ ‫أموال الدعم المشبوهة‪.‬‬ ‫البد من اإلشــارة أن الدعم اإلغاثي واإلنســاني‬ ‫كان له أثر إيجابي كبير‪ ،‬وســاهمت المشــاريع‬ ‫اإلغاثية بتقديم المساعدة للمحتاجين بشكل فعال‬ ‫جــداً‪ ،‬ورغم ذلك البــد من تنظيم عملها بشــكل‬ ‫أفضل وتجاوز األخطاء التي تحدث بكثرة نتيجة‬ ‫أخطاء صغيرة يمكن تداركها بخطوات بسيطة‪.‬‬


‫الكتائب العـددالتاسع والعشـرون ‪2014/05/15‬‬

‫المشهد الميداني‬

‫‪04‬‬

‫معارك المليحة ال تزال مستمرة‬ ‫وداعش تحاصر دير الزور‬

‫جريدة الكتائب‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫تســلل الثوار إلى داخــل مدينة رنكوس في ريف‬ ‫دمشق في خطوة فاجأت قوات النظام‪ ،‬كما أحرز‬ ‫الثــوار تقدمــا ً في حلــب على عدة جبهــات‪ ،‬اما‬ ‫في ريف حمص فاســتطاع الثوار تحرير منطقة‬ ‫جديدة‪ ،‬في حين اســتمرت طائرات النظام بزرع‬ ‫الرعب والدمار في مختلف أنحاء البالد‪.‬‬ ‫في العاصمة دمشــق‪ ،‬قتل سبعة أشخاص‬ ‫وأصيــب آخــرون إثــر قصف مدفعي مــن قوات‬ ‫النظــام علــى حي جوبــر‪ ،‬كما دارت اشــتباكات‬ ‫عنيفة على أطراف الحي‪ ،‬كما سقط تسعة شهداء‬ ‫وعشــرات الجرحى جراء قصف تعرض له حي‬ ‫القابون بالمدفعية الثقيلة وقذائف الهاون‪.‬‬ ‫وفي ريف دمشــق اســتطاع الثوار التســلل‬ ‫لداخــل مدينــة رنكــوس المحاطــة بالكثيــر من‬ ‫الحواجز‪ ،‬ودارت اشتباكات عنيفة على محورين‬ ‫داخل المدينة استطاع الثوار خاللها قتل عدد من‬ ‫عناصــر النظــام وتدميــر عدد من اآلليــات‪ .‬كما‬ ‫نصــب مقاتلو الجيش الحر كمينــا ً لقوات النظام‬ ‫في محيط مطار الضمير العســكري‪ ،‬مما أســفر‬ ‫عن مقتل وجرح عدد منهم‪.‬‬ ‫واســتمرت المعــارك العنيفــة فــي محيــط بلدة‬ ‫المليحــة‪ ،‬ونجح الثوار بالســيطرة على نقطتين‬ ‫علــى طريــق زبديــن المليحة بعد قصــف موقع‬ ‫للنظام قرب إدارة الدفاع الجوي‪ .‬وسيطرت قوات‬ ‫النظام علــى مبنيين بمنطقتــي البلدية واألفران‬ ‫قرب إدارة الدفاع الجوي بالمليحة‪.‬‬ ‫وشــن الطيران الحربي غــارات جوية على دير‬ ‫العصافير ومســرابا ودوما والمليحة وبســاتين‬ ‫رنكــوس خان الشــيح وعــدة مناطــق بالغوطة‬ ‫الشرقية‪.‬‬ ‫واســتهدفت قوات النظام بصواريخ أرض أرض‬ ‫أحيــاء ســكنية في المليحــة ومــزارع وأطراف‬ ‫بلــدة جســرين‪ ،‬كمــا قصفــت القــوات النظامية‬ ‫باألسطوانات المتفجرة والمدفعية الثقيلة منطقة‬ ‫الكورنيش القديم في مدينة داريا بريف دمشــق‪،‬‬ ‫وامتد القصف ليشمل المناطق الواقعة بين داريا‬ ‫ومعضميــة الشــام‪ ،‬وفي دوما اســتهدفت قوات‬ ‫النظام بالمدفعية ســوقا ً شــعبية في المدينة مما‬ ‫أوقع عشرات الجرحى نقلوا إلى مشاف ميدانية‬ ‫في المدينة‪.‬‬ ‫وأصيــب ســبعة أشــخاص علــى األقــل بحاالت‬ ‫اختنــاق نتيجة هجــوم نفذته قــوات النظام على‬ ‫مدينة عربين بالغوطة الشــرقية بقذائف تحتوي‬ ‫على غازات ســامة‪ .‬وأظهــرت الصور عدداً من‬ ‫المصابيــن وقد ظهــرت عليهم أعــراض إعياء‬ ‫وتشــنج فــي القصبــة الهوائيــة‪ ،‬حســبما أورد‬ ‫األطبــاء فــي المستشــفيات الميدانيــة بالمدينة‪.‬‬ ‫وقــد أخذ األطبــاء بعض العينات مــن المصابين‬ ‫باالختناق للتحقق من طبيعة المادة السامة التي‬ ‫أصيبــوا بها‪ ،‬ورجح أحد األطبــاء أن تكون غاز‬ ‫الكلور الذي اســتخدمته قوات النظام منذ شــهر‬ ‫تقريبــا ً في قصف مدينة حرســتا وبلــدة المليحة‬ ‫بريف دمشق‪.‬‬ ‫وفي حلب دارت اشتباكات عنيفة بين الجيش‬ ‫الحر وقوات النظــام على جبهة البريج في حلب‬ ‫وفــي منطقــة العواميد بأحيــاء حلــب القديمة‪،‬‬

‫واســتهدف الجيش الحر بالرشاشات مقار قوات‬ ‫النظام في الشــيخ نجار‪ ،‬وقتل أربعة عناصر من‬ ‫هــذه القوات خالل االشــتباكات فــي محيط قلعة‬ ‫حلب‪.‬‬ ‫فــي غضون ذلك ســيطر الثوار على تلة شــهيد‬ ‫جنــوب جبــل عزان بريــف حلب إثر اشــتباكات‬ ‫عنيفــة مع قوات النظام‪ ،‬ودمرت ســيارة محملة‬ ‫بالذخيــرة لهذه القوات علــى طريق خناصر في‬ ‫محيط بلدة عزان بريف حلب الجنوبي‪ .‬وبدورها‬ ‫ســيطرت كتائــب الثوار علــى مبان فــي محيط‬ ‫المخابــرات الجوية بحلب‪ ،‬وعلــى قرية عزيزة‬ ‫بريف حلب الجنوبي‪.‬‬ ‫يأتــي ذلــك بينمــا اســتهدفت مروحيــات النظام‬ ‫بالبراميل المتفجرة والصواريخ الموجهة أحياء‬ ‫المواصــات والصاخور وبســتان الباشــا وحي‬ ‫الشــعار وقاضي عســكر واألشــرفية وبني زيد‬ ‫والمدينة الصناعية والقاطرجي وبســتان القصر‬ ‫فــي مدينــة حلــب‪ ،‬كما اســتهدفت غــارة جوية‬ ‫مناطــق مــارع وعندان وكفر حمــرة وتل رفعت‬ ‫بريف حلب‪.‬‬ ‫وشــمل القصــف حــي الحيدرية‪ ،‬وألحــق دماراً‬ ‫واســعا ً بالمبانــي والمرافق‪ .‬كمــا قصفت قوات‬ ‫النظــام بصواريــخ فراغية بلدة حيــان في ريف‬ ‫حلب الشمالي فأصيب سبعة أشخاص من عائلة‬ ‫واحدة‪.‬‬ ‫كما سقط شهداء وجرحى إثر قصف قوات النظام‬ ‫ببراميــل متفجرة في حــي الحلوانية‪ ،‬وشــملت‬ ‫الغــارات أيضا ً أحياء اإلنذارات ومناشــر الحجر‬ ‫وطريق الكاســتيلو ودوار بعيديــن وحي طريق‬ ‫الباب‪.‬‬ ‫وقصف الثوار بالهاون والدبابات تجمعات قوات‬ ‫النظام في محيط ســجن حلب المركزي‪ ،‬في حين‬ ‫دارت اشــتباكات عنيفة بيــن الطرفين بالمدفعية‬ ‫الثقيلة في منطقة الشيخ نجار مما أدى إلى مقتل‬ ‫ضابط وخمسة من جنود قوات النظام‪.‬‬ ‫وفي حمص اســتطاع الثوار الســيطرة على‬ ‫قريــة أم شرشــوح بعــد معــارك أســفرت عــن‬ ‫مقتــل ‪ 14‬من قوات النظــام‪ ،‬بينهم ضابط‪ .‬كما‬ ‫ســيطر الثوار أيضا ً على قريتي الثورة والوعرة‬ ‫الواقعتين شــمال أم شرشــوح‪ ،‬وذلك بعد عملية‬ ‫تفجير اســتهدفوا خاللها تجمعا ً لقوات النظام في‬ ‫المنطقة‪ ،‬وقد قصــف الطيران مواقع المعارضة‬ ‫في أم شرشــوح بالقنابل العنقودية والصواريخ‬ ‫الفراغيــة‪ ،‬كمــا شــن عدة غــارات علــى مدينة‬ ‫الحولة ومزارع الرســتن وتلبيسة‪ ،‬مما أدى إلى‬ ‫سقوط شهداء وجرحى‪.‬‬ ‫مــن ناحيــة أخرى مازالــت المفاوضــات جارية‬ ‫برعاية إيرانية بين الثوار وقوات النظام بشــأن‬ ‫هدنة في حي الوعر الذي يســيطر عليه الثوار‪،‬‬ ‫وتــدور محاور المفاوضــات حول عدة أمور من‬ ‫بينها تســليم الســاح مقابــل إطــاق المعتقلين‬ ‫وتســوية أوضــاع المطلوبيــن والمنشــقين عن‬ ‫الجيــش‪ ،‬إضافة إلى عــودة األهالي إلى حمص‬ ‫القديمــة‪ .‬وتضمنت كذلــك فتح الطرقــات ورفع‬ ‫الحصــار عــن الحي‪ ،‬وإخــراج مــن يرغب في‬ ‫التســوية من الحي‪ .‬ونصــت القائمة التي قدمها‬ ‫النظــام أن جيش النظام ســيدخل إلى الحي حتى‬ ‫ينتهي من تفتيشــه ثم ينســحب مع آلياته‪ ،‬فضالً‬ ‫عن دخول جهاز أمن الدولة بضمان عدم اعتقال‬

‫أحد‪ .‬كمــا تضمنت فتح مكتب للوســيط اإليراني‬ ‫فــي الحي لمراقبة االتفــاق ومعالجة أي مخالفة‬ ‫أو تجاوز‪.‬‬ ‫وفي درعا اســتهدفت قوات النظام بالمدفعية‬ ‫الثقيلــة بلدة تســيل بريــف درعا الغربــي‪ ،‬كما‬ ‫قصفــت مدفعية النظام أيضــا ً قرية عدوان‪ ،‬فيما‬ ‫اســتهدف الجيش الحر بالدبابات والرشاشــات‬ ‫الثقيلــة تجمعات لقــوات النظام بتــل الهش في‬ ‫محيــط بلدة نــوى‪ ،‬بالتزامن مع اشــتباكات عند‬ ‫تــل الجموع أســفرت عــن استشــهاد عنصرين‬ ‫من الجيش الحــر‪ .‬ودار قتال أيضا ً على أطراف‬ ‫حي المنشــية‪ .‬واستهدف الجيش الحر براجمات‬ ‫الصواريــخ اللواء ‪ ١٢‬والفــوج ‪ ١٧٥‬والمطار‬ ‫الزراعي التابع للفرقة الخامسة في مدينة ازرع‬ ‫بريف درعا‪.‬‬ ‫وتمكنــت كتائب الثــوار من نســف مبنى لقوات‬ ‫النظــام في بلدة عتمــان بريف درعا‪ ،‬بعد عملية‬ ‫تســلل تمكنت فيها من تفخيخ المبنى ثم تفجيره‪،‬‬ ‫وأســفرت العملية عن مقتل ســبعة عناصر من‬ ‫قوات النظام‪.‬‬ ‫فــي الوقــت ذاتــه قصفــت مروحيــات النظــام‬ ‫بالبراميــل المتفجرة حي طريق الســد في درعا‬ ‫ومدينــة الحراك في ريفها‪ ،‬وقصفــت بالمدفعية‬ ‫بلــدة اليــادودة فــي ريــف درعــا‪ .‬كمــا قصفت‬ ‫بالمدفعية بلدات تسيل وسحم الجوالن واليادودة‬ ‫والحي الغربي لمدينة نوى بريف درعا‪ .‬كما شن‬ ‫الطيــران الحربي أربع غارات جوية على مدينة‬ ‫نوى بريف درعا‪.‬‬ ‫وفي إدلب قصف الطيــران الحربي بالبراميل‬ ‫المتفجرة مدينة معرة مصرين‪ ،‬كما شن غارات‬ ‫جويــة على بلــدة الهبيط ومدينة معــرة النعمان‬ ‫بريف إدلب‪ ،‬واســتهدفت الغــارات الجوية أيضا ً‬ ‫معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا‪.‬‬ ‫وشــنت قــوات النظــام غــارات علــى معســكر‬ ‫الخزانــات فــي مدينــة خــان شــيخون وقريــة‬ ‫الكندة بجســر الشــغور في ريف إدلب‪ ،‬وقصفت‬ ‫بالمدفعية والدبابات بلدات الرامي بجبل الزاوية‬ ‫وبسامس بريف إدلب‪.‬‬ ‫وفــي حماه قتل عدد من قــوات النظام جراء‬ ‫تفجيــر ســيارة كانــت تقلهــم بين قريتــي معان‬ ‫والشعثة بريف حماة‪ .‬كما دارت اشتباكات عنيفة‬ ‫بين الجيش الحر وقوات النظام في محيط قاعدة‬ ‫تل عثمان العسكرية وحاجز البانة بريف حماه‪.‬‬ ‫وقصفــت مروحيات النظــام بالبراميل المتفجرة‬ ‫أكثــر مــن ثالثيــن برميــاً متفجــراً علــى مدن‬

‫وبلدات تل هــواش والجابرية وكفرزيتا ومورك‬ ‫وجبيــن والجلمة والزوار بريف حماة الشــمالي‬ ‫والجنوبي‪ .‬واســتهدف الجيش الحر مطار حماة‬ ‫العســكري بصواريــخ غــراد وحقــق إصابــات‬ ‫مباشرة‪.‬‬ ‫وقصفت طائرات ميــغ بصواريخ فراغية مدينة‬ ‫كفرزيتــا‪ ،‬فــي حين دمــرت كتائب الثــوار دبابة‬ ‫لقوات النظام بمدينة مورك مســتخدمة صاروخا ً‬ ‫مضادا للــدروع‪ .‬كما اســتهدفت الثوار تجمعات‬ ‫قوات النظام في محردة وجورين‪.‬‬ ‫وفــي الالذقيــة دارت اشــتباكات فــي محيط‬ ‫قمة النبــي يونس بجبــال الالذقية‪ ،‬واســتهدف‬ ‫الجيــش الحر بالمدفعيــة قوات النظــام في قمة‬ ‫تشــالما وقســطل معاف وبكســا بريف الالذقية‪.‬‬ ‫كما اســتهدف بقذائــف الهاون تجمعــات للنظام‬ ‫فــي ضاحية ســقوبين وبلدة البدروســية بريف‬ ‫الالذقية‪ .‬وتصدى الجيش الحر لمحاولة عناصر‬ ‫من الدفــاع الوطني اقتحام منطقة النبعين بريف‬ ‫الالذقيــة‪ .‬وتضاربت األنباء عن ســيطرة قوات‬ ‫النظام على مدينة كسب‪.‬‬ ‫وفــي ديــر الــزور يفــرض تنظيــم الدولــة‬ ‫اإلسالمية في العراق والشــام (داعش) حصاراً‬ ‫على المدينة‪ ،‬بعدما قطع الطريق الوحيد إلدخال‬ ‫المواد الغذائية‪ .‬ومن الجانب اآلخر تحاصر قوات‬ ‫النظام األحياء التي تســيطر عليهــا المعارضة‪.‬‬ ‫وقد وقعت اشــتباكات بين الجيــش الحر وقوات‬ ‫النظام في أحياء الراشدية والحويقة والموظفين‬ ‫والجبية والعمال بالمدينة‪ .‬كما دارت اشــتباكات‬ ‫بيــن الثــوار ومســلحي داعش في محيــط دوار‬ ‫الواحة وبلدة الحسينية بريف دير الزور الغربي‪.‬‬ ‫وقد أعلن مجلس شــورى المجاهدين ســيطرته‬ ‫علــى قرية الحريجــة إثر اشــتباكات مع مقاتلي‬ ‫تنظيم داعش بريف المدينة‪.‬‬ ‫وشن الطيران الحربي ثماني غارات على أحياء‬ ‫الحميديــة والشــيخ ياســين المكتظة بالســكان‬ ‫فــي دير الزور‪ ،‬مما أســفر عن ســقوط عدد من‬ ‫الجرحــى بين المدنيين وخلف دماراً واســعا ً في‬ ‫هذه المناطق‪.‬‬ ‫في هذه األثناء ســيطر تنظيــم داعش على معبر‬ ‫اليعربية الحــدودي الذي يربط ســوريا بالعراق‬ ‫ويعتبــر أحــد ثالثــة معابر بيــن البلديــن‪ ،‬حيث‬ ‫انسحب عناصر وحدات الحماية الشعبية الكردية‬ ‫من الجانب السوري بعد ذلك إلى مدينة اليعربية‬ ‫شمال الحسكة‪.‬‬


‫الكتائب العـدد التاسع والعشـرون ‪2014/06/15‬‬

‫الصفحة اإلخبـارية‬

‫‪05‬‬ ‫مصدر بالجيش السوري الحر‪ :‬هدن النظام مهددة بالفشل‬ ‫قلــل مصدر قيادي في الجيش الســوري الحر مــن أهمية الهدن التي‬ ‫يقــوم بها النظام مع مقاتلي المعارضة في بعض مناطق البالد‪ ،‬وقال‬ ‫إنهــا «مهــددة بالفشــل في أي لحظــة»‪ ،‬ورأى فيها دليــل على عدم‬ ‫القدرة على الحســم عســكريا ً للنظام‪ .‬وقال المصــدر القيادي لوكالة‬ ‫(آكي) اإليطالية لألنباء «إن حالة التهدئة التي يحاول النظام فرضها‬ ‫على بعض مناطق ســورية مقابل فك الحصار عنها ليست مصالحات‬ ‫وإنمــا هدن مؤقتة وهشــة ووهمية ومع ّرضة للفشــل في أي لحظة‪،‬‬ ‫خاصة مع افتقاد النظام ألي مصداقية من جهة ولقلة العنصر البشري‬ ‫الكافي لحربه ضد الشــعب من جهة ثانية» على حد تعبيره‪ .‬وأضاف‬ ‫“هــذه الهدن هي دليل ضعف على عكس ما يحاول النظام اإليحاء به‬

‫وترويجه‪ ،‬فالنظام عمليا ً وعلى أرض الواقع غير قادر على االنتصار‬ ‫ميدانيا ً وليســت لديه القدرة على الحســم عســكريا ً في هذه المناطق‬ ‫رغم الدعم الكبير الذي يتلقاه من حلفائه إيران وحزب هللا وروسيا»‪.‬‬ ‫وأوضــح «ما يؤكد لنا ضعف النظام هو رضوخه لشــروط الثوار في‬ ‫العديــد مــن المناطــق‪ ،‬ففي هدنة برزة بدمشــق مثالً اشــترط الثوار‬ ‫البقاء في المنطقة بأسلحتهم وعتادهم‪ ،‬وفي المعضمية بريف دمشق‬ ‫اشترط النظام أن يُرفع علمه فوق خزان المياه بالبلدة فقط مقابل فك‬ ‫الحصــار عن المدينة‪ ،‬وهذا دليل ضعــف‪ ،‬بينما يحاول النظام البحث‬ ‫عــن انتصارات معنوية وهمية ليوحي ألنصاره وللعالم الخارجي أنه‬ ‫يتقدم ميدانياً»‪.‬‬

‫إعالن فوز األسد في المهزلة االنتخابية بنسبة ‪% 88,7‬‬ ‫أعلن رئيس مجلس الشــعب الســوري جهاد اللحام فوز بشــار‬ ‫األسد بفترة رئاسية ثالثة في االنتخابات الرئاسية التي شهدتها‬ ‫البالد‪ ،‬وقال إنه حصل على أكثر من عشرة ماليين صوت وبنسبة‬ ‫مشــاركة بلغت ‪ .%88.7‬وكانت المحكمة الدســتورية العليا في‬ ‫ســوريا قد أعلنت أن نسبة المشــاركة في االنتخابات الرئاسية‬ ‫تجــاوزت ‪ .%73‬وقــال المتحدث باســم المحكمــة ماجد خضرة‬

‫في بيان تاله عبر التلفزيون الرســمي‪ ،‬إن عدد المشــاركين في‬ ‫االنتخابــات بلغ «‪ 11‬مليونا ً و‪ 634‬ألفا و‪ »412‬من أصل ‪15‬‬ ‫مليونا ً و‪ 840‬ألفا و‪ 575‬ناخبا ً داخل سوريا وخارجها‪ ،‬مشيراً‬ ‫إلى أن نســبة المشــاركة بلغت ‪ ،%73.42‬وأن نسبة األصوات‬ ‫الباطلة بلغت ‪..»%3.8‬‬

‫استقالة عدد من رؤساء المجالس العسكرية وقادة الجبهات‬ ‫أعلــن عــدد من قادة الجبهات ورؤســاء المجالس العســكريّة في‬ ‫مدن مختلفة اســتقالتهم من مهامهــم القياديّة تاركين المه ّمة لمن‬ ‫يســتطيع تحمل المســؤوليّة من بعدهم ويختاره الشعب السوري‪.‬‬ ‫وكان الموقعيــن علــى البيــان‪ :‬العقيد الركن عبد الباســط الطويل‬ ‫قائد الجبهة الشــماليّة‪ ،‬العقيد مصطفى هاشــم قائد الجبهة الغربية‬ ‫الوســطى‪ ،‬العقيد الركن فاتح حســون قائد جبهــة حمص‪ ،‬المقدم‬

‫محمد العبود قائد الجبهة الشــرقية‪ ،‬العقيد الركن عفيف ســليمان‬ ‫رئيــس المجلس العســكري في ادلــب‪ ،‬العقيد الركــن محمد معتز‬ ‫رســان رئيس المجلس العســكري في الرقة‪ ،‬العقيد الركن بشــار‬ ‫ســعد الديــن رئيس المجلس العســكري في حمــص‪ ،‬العقيد محمد‬ ‫عواد رئيس المجلس العســكري في الســاحل‪ ،‬المقدم عبد المجيد‬ ‫سلطان رئيس المجلس العسكري في الحسكة‪.‬‬

‫المالح‪ :‬ال صحة لما تم نشره بخصوص التحضير لتجمع سياسي جديد‬ ‫أصــدر هيثم المالــح‏رئيس المكتــب القانوني‏ في‏االئتــاف الوطني‬ ‫الســوري تصريحــا ً صحفيا ً قــال فيه‪« :‬أوردت صفحــة مزورة على‬ ‫أحــد مواقــع التواصــل االجتماعــي أخبــاراً كاذبة حــول تحضيرات‬ ‫لتجمع سياســي ســوري جديــد معــارض‪ ،‬وقد قامت بعض وســائل‬ ‫اإلعــام باعتماد تلك األخبــار دون التحقق منها كمــا تقتضي مهنية‬

‫العمل الصحفي»‪ .‬وأضاف في التصريح الذي نشــره موقع االئتالف‪:‬‬ ‫«وعلــى ذلــك فقد أصبح من الواجب تأكيد عــدم وجود أي عالقة لي‬ ‫بتلك الصفحة التي أوردت ذلك الخبر‪ ،‬ونفيه بشــكل كامل‪ ،‬فالمطلوب‬ ‫حاليــا ً هو تعزيز وتفعيل عمل االئتالف الوطني الســوري خاصة بعد‬ ‫حصوله على اعتراف سياسي ودبلوماسي من قبل دول كثيرة»‪.‬‬

‫السجن ل ‪ 13‬سوري ًا معارض ًا في مصر‬ ‫قضت محكمة جنايات القاهرة بالسجن المشدد خمس سنوات على‬ ‫ثالثة عشــرة سوريا ً من معارضي النظام السوري بتهمة التجمهر‬ ‫وتعريض الســلم العام للخطر‪ .‬ووجهت النيابــة إلى المدانين تهما ً‬ ‫أخرى منها االعتداء على المارة ومواجهة السلطات بالعنف خالل‬ ‫تظاهرهم ضد نظام األســد‪ .‬وكانت النيابة قــد أمرت عام ‪،2013‬‬ ‫بحبس ثالثة عشــر سوريا ً خمسة عشــر يوما ً على ذمة التحقيق‪.‬‬ ‫كمــا أصــدرت النيابة أمــراً بضبط وإحضار ســبعة آخرين وجهت‬ ‫إليهم تهم تعطيل الســير‪ ،‬وإتالف ممتلــكات عامة وخاصة‪ .‬وكان‬ ‫مراقبــون قد رصــدوا عقب االنقالب حملة إعالمية غير مســبوقة‬ ‫تشــترك فيها قنوات فضائية مصرية وصحــف ومواقع إلكترونية‬ ‫تتهم الســوريين بالتدخل في شؤون مصر لصالح مرسي وجماعة‬

‫اإلخوان المسلمين‪ .‬وفي وقت سابق‪ ،‬اتهمت منظمة العفو الدولية‬ ‫(أمنستي) مصر صراحة بتوقيف وإبعاد مئات الالجئين الذين ف ّروا‬ ‫إليهــا من ســوريا‪ ،‬ونددت باعتقــال أطفال‪ ،‬وكذلــك فصل عائالت‬ ‫خــال طردهم إلى ســوريا‪ .‬وجاء فــي بيان أمنســتي ‪-‬الذي صدر‬ ‫في ديســمبر‪/‬كانون األول الماضــي‪ -‬أن مصر تحتجز بطريقة غير‬ ‫مشــروعة مئــات الالجئين الســوريين والفلســطينيين الذين فروا‬ ‫من النــزاع الذي بدأ في مارس‪/‬آذار ‪ 2011‬في ســوريا‪ ،‬مضيفة‬ ‫أن «مصر فشــلت فشــاً ذريعا ً في احترام واجباتها الدولية لناحية‬ ‫حماية حتى الالجئين المعدمين‪ ،‬وبدالً من أن تقدم لهم دعما ً حيويا ً‬ ‫أوقفتهم وأبعدتهم‪ ،‬مما يشكل انتهاكا لحقوق اإلنسان»‪.‬‬

‫أوربا تشدد إجراءاتها بشأن القتال في سوريا‬ ‫تبنــت تســع دول أوروبية الخميس خططا ً لزيــادة تبادل معلومات‬ ‫المخابــرات وإغــاق المواقــع اإللكترونيــة لمــن وصفتهــم‬ ‫بـ»المتشددين»‪ ،‬في محاولة لمنع توجه مواطنين أوروبيين للقتال‬ ‫في سوريا‪ .‬وقد قررت هذه الدول إعداد سلسلة إجراءات ملموسة‬ ‫للتعــرف على «متطرفيــن» أوروبييــن ذهبوا للقتال في ســوريا‬ ‫ومنعهــم مــن ارتكاب «مجــازر» في دولهــم التي انطلقــوا منها‪.‬‬

‫ونقلت وكالة الصحافة الفرنســية عن المنسق األوروبي لمكافحة‬ ‫اإلرهــاب جيل دو كيرشــوف قوله إنه تم تحديد سلســلة إجراءات‬ ‫«للرصــد والوقاية والردع»‪ ،‬وذلك في اجتمــاع عمل بين وزراء‬ ‫داخلية تســع دول هي بلجيكا وفرنســا وألمانيا والمملكة المتحدة‬ ‫وإسبانيا وإيطاليا والدانمارك والسويد والنمسا‪.‬‬

‫دراسة‪ :‬إدارة أوباما تؤيد تدريب‬ ‫الثوار السوريين‬ ‫قالــت دبلوماســية أميركيــة إن إدارة الرئيــس‬ ‫األميركي باراك أوباما تؤيد خطة لتدريب المعارضة‬ ‫الســورية المعتدلة‪ .‬وأعلنت دانا شــل سميث التي‬ ‫رشحها أوباما ســفيرة للواليات المتحدة لدى قطر‬ ‫أن اإلدارة تؤيد ما ورد في مشــروع قانون دفاعي‬ ‫لمجلس الشيوخ سيســمح بتدريب عسكري علني‬ ‫للمعارضــة الســورية المعتدلة‪ .‬وأضافت ســميث‬ ‫أثنــاء جلســة للمصادقة على تعيينهــا «في حدود‬ ‫فهمي فإن اإلدارة تؤيد ما ورد في مشروع القانون‬ ‫الدفاعــي بالســماح بتدريــب المعارضــة المعتدلة‬ ‫وتزويدها بالعتاد»‪ .‬وكانت سميث ‪-‬التي تعمل حاليا ً‬ ‫مستشــارة كبيرة في وزارة الخارجيــة‪ -‬ترد على‬ ‫سؤال بشــأن العبارات الواردة في مشروع قانون‬ ‫الدفاع الوطني المطروح حاليا ً على مجلس الشيوخ‬ ‫والذي يســمح ببرنامج علني للتدريب العســكري‬ ‫للمعارضة السورية المعتدلة تقوده قوات العمليات‬ ‫الخاصــة األميركية‪ .‬وقبل أيام ذكرت صحيفة وول‬ ‫ستريت جورنال األميركية أن الرئيس باراك أوباما‬ ‫يعتزم الســماح للقوات األميركيــة بتدريب مقاتلين‬ ‫من المعارضة السورية المعتدلة من أجل التصدي‬ ‫لتصاعــد نفــوذ «المتطرفين» المرتبطيــن بتنظيم‬ ‫القاعــدة في هــذا البلد‪ .‬ورفض البيــت األبيض أن‬ ‫يؤكــد أو ينفــي الخبــر مكتفيا ً بالقول إن الرئاســة‬ ‫«تواصل تقييم الخيارات المتاحة لمكافحة المخاطر‬ ‫اإلرهابية الصادرة من ســوريا‪ ،‬والمســاعدة على‬ ‫وضع حد لألزمة»‪.‬‬

‫أول صفقة تبادل أسرى في‬ ‫الغوطة الشرقية‬ ‫فــي عملية غيــر مســبوقة‪ ،‬أجرى الثــوار صفقة‬ ‫لتبادل األســرى مع النظام السوري قبل بضعة أيام‬ ‫في غوطة دمشــق الشــرقية التي لم تشهد من قبل‬ ‫صفقــة من هذا النوع‪ .‬وتمثلــت الصفقة في إفراج‬ ‫جيــش اإلســام التابع للجبهــة اإلســامية ولواء‬ ‫شــهداء دوما عن ســتة عناصر من قــوات النظام‬ ‫بينهــم ضابط‪ ،‬مقابل إفراج نظام األســد عن عائلة‬ ‫كاملــة مــن مدينــة دوما مكونــة من أربعــة أفراد‬ ‫إضافة إلى شخص آخر‪ .‬وأوضح قائد لواء شهداء‬ ‫دوما أحمد طه أن المفاوضات بهذا الشأن استمرت‬ ‫أربعة أشــهر وتمت بواســطة الوســيط أبو زهير‬ ‫سريول‪ ،‬وهو والد فتاة أفرج عنها ضمن الصفقة‪،‬‬ ‫وانتهت بتســليم الطرفين للمحتجزين‪ .‬وأضاف أن‬ ‫قوات النظام كانت قد أفرجت عن الطفلين عائشــة‬ ‫وحســين مرجان‪ ،‬وهما من ضمن األسماء المتفق‬ ‫عليهــا مع النظام‪ ،‬قبــل إتمام العملية بأســبوعين‬ ‫كبــادرة حســن نية‪ ،‬و»فــي النهاية تمــت العملية‬ ‫النهائيــة عنــد المعبــر الوحيــد للغوطة الشــرقية‬ ‫والواقــع عنــد مخيــم الوافديــن للنازحيــن‪ ،‬حيث‬ ‫انطلقت ســيارة مــن المخيم يســتقلها أحد المفرج‬ ‫عنهم لتصل إلى القســم األخر الواقع تحت سيطرة‬ ‫الثوار‪ ».‬وتابع قائال «بعد وصول السيارة للطرف‬ ‫المحرر يســتقلها أحد أسرى جنود النظام باالتجاه‬ ‫المعاكس‪ ،‬وكلما تسلم قوات النظام معتقال نسلمهم‬ ‫أسيرا حتى نهاية الصفقة»‪.‬‬


‫الكتائب العـددالتاسع والعشـرون ‪2014/05/15‬‬

‫مقاالت‬

‫‪06‬‬

‫الجاسوس اإلسرائيلي (كوهين)‬

‫جريدة الكتائب‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫الياهــو بن شــاؤول كوهيــن يهــودي من أصل‬ ‫ســوري حلبي‪،‬‏ولــد باإلســكندرية‪ ،‬التي هاجر‬ ‫إليها أحد أجداده سنة ‪.1924‬‬ ‫وفي عام ‪ 1944‬انضم إيلي كوهين إلى منظمة‬ ‫الشــباب اليهودي الصهيوني في اإلســكندرية‪،‬‬ ‫وبدا متحمســا ً للسياســة الصهيونية وسياستها‬ ‫العدوانيــة على البالد العربية‪،‬‏ وفي ســنة‏ وبعد‬ ‫حــرب ‪ 1948‬أخذ يدعو مع غيــره من أعضاء‬ ‫المنظمة لهجرة اليهود المصريين إلى فلسطين‪،‬‬ ‫وبالفعــل فــي عــام ‪1949‬‏ هاجر أبــواه وثالثة‬ ‫من أشــقاءه إلى إســرائيل بينمــا تخلف هو في‬ ‫اإلسكندرية‏‪.‬‏‬ ‫وقبــل أن يهاجر إلى اســرائيل عمــل تحت قيادة‬ ‫إبراهــام دار‪ ،‬وهــو أحــد كبــار الجواســيس‬ ‫اإلسرائيليين الذي وصل إلى مصر ليباشر دوره‬ ‫في التجســس ومســاعدة اليهود علــي الهجرة‬ ‫وتجنيــد العمالء‏ ‏‪ ،‬واتخذ الجاســوس اســم جون‬ ‫ج وشــكل شــبكة للمخابرات اإلســرائيلية‬ ‫دارلين ‏‬ ‫بمصــر نفذت سلســلة مــن التفجيــرات ببعض‬ ‫المنشــأت األمريكيــة في القاهرة واإلســكندرية‏‬ ‫بهــدف إفســاد العالقــة بيــن مصــر والواليات‬ ‫المتحــدة األمريكية‪ ،‬وفي عــام ‪ 1954‬تم إلقاء‬ ‫القبــض على أفراد الشــبكة فــي فضيحة كبرى‬ ‫عرفــت حينهــا بفضيحة الفــون‪ ،‬وبعــد انتهاء‬ ‫عمليات التحقيــق‏ كان إيلي كوهين قد تمكن من‬ ‫إقناع المحققين ببراءة صفحته إلى أن خرج من‬ ‫مصر‏ عــام ‪1955‬‏ حيث التحق هنــاك بالوحدة‬ ‫رقم‏‪131‬‏ بجهاز أمــان لمخابرات جيش الدفاع‬ ‫اإلسرائيلي‏‪ ،‬ثم أعيد إلى مصر‏‪ ،‬ولكنه كان تحت‬ ‫عيون المخابرات المصرية‏ التي لم تنس ماضيه‬ ‫فاعتقلتــه مع بدء العدوان الثالثي ضد مصر في‬ ‫أكتوبر‏‪.1956‬‏‬ ‫وبعــد اإلفــراج عنــه هاجر إلــى إســرائيل عام‬ ‫‪1957‬‏‪ ،‬حيث استقر به المقام محاسبا ً في بعض‬ ‫الشــركات‏‪،‬‏ وانقطعت صلته مع «أمــان» لفترة‬ ‫مــن الوقت‏‪،‬‏ ولكنها اســتؤنفت عندمــا طرد من‬ ‫عملــه ‏‪ ،‬وعمل لفترة كمترجم فــي وزارة الدفاع‬ ‫اإلسرائيلية‪ ،‬ولما ضاق به الحال استقال وتزوج‬ ‫من يهودية من أصل مغربي عام ‪.1959‬‬

‫الــروح الوطنيــة العالية التي يتميــز بها‏ ‏‪ ،‬والتي‬ ‫تســتحق أن يكــون محــل ترحيــب واهتمام من‬ ‫المسؤولين في سوريا‏‪.‬‏‬ ‫وبالطبــع‏ ‏‪ ،‬لم يفت كوهيــن أن يمر على تل أبيب‬ ‫قبل وصوله إلى دمشــق‏ ‏‪ ،‬ولكــن ذلك تطلب منه‬ ‫القيام بدورة واســعة بين عواصم أوروبا قبل أن‬ ‫ينزل في مطار دمشــق وســط هالة من الترحيب‬ ‫واالحتفال‏‪.‬‏ وأعلن الجاسوس أنه قرر تصفية كل‬ ‫أعمالــه العالقة في األرجنتين ليظل في دمشــق‪،‬‬ ‫مدعيا ً الحب لوطن لم ينتمي إليه يوماً‪.‬‬ ‫وبعد أقل من شــهرين من استقراره في دمشق‏‪،‬‬ ‫تلقــت أجهزة االســتقبال في أمان أولى رســائله‬ ‫التجسســية التــي لم تنقطع على مــدى ما يقرب‬ ‫من ثالث سنوات‏ ‏‪ ،‬بمعدل رسالتين على األقل كل‬ ‫أسبوع‏‪.‬‏‬ ‫وفي الشــهور األولى تمكــن كوهين أو كامل من‬ ‫إقامة شــبكة واســعة مــن العالقــات المهمة‏‏ مع‬ ‫ضباط الجيش والمسؤولين الحربيين‏‪.‬‏‬ ‫وكان مــن األمــور المعتــادة أن يقــوم بزيــارة‬ ‫أصدقائــه في مقــار عملهم‏‪،‬‏ ولم يكن مســتهجنا ً‬ ‫أن يتحدثــوا معه بحرية عــن تكتيكاتهم في حالة‬ ‫نشــوب الحرب مــع إســرائيل‏ ‏‪ ،‬وأن يجيبوا بدقة‬ ‫على أي ســؤال فنــي يتعلق بطائــرات الميج أو‬ ‫ي أو الغواصات التي وصلت حديثا من‬ ‫الســوخو ‏‬ ‫االتحاد الســوفيتي أو الفرق بين الدبابة تي ـ‏‪52‬‏‬ ‫وتــي ـ‏‪54‬‏‪ ...‬الخ من أمور كانــت محل اهتمامه‬ ‫كجاسوس‪.‬‬ ‫وبالطبع كانت هذه المعلومات تصل أوال بأول إلى‬ ‫إسرائيل‏ ‏‪ ،‬ومعها قوائم بأسماء وتحركات الضباط‬ ‫السوريين بين مختلف المواقع والوحدات‏‪.‬‏‬ ‫‪ 1‬صحبه أحــد أصدقائه في‬ ‫وفــي ســبتمبر‏‪ 962‬‏‬ ‫جولــة داخــل التحصينــات الدفاعيــة بمرتفعات‬ ‫الجــوالن‏‪.‬‏‪ .‬وقــد تمكــن مــن تصويــر جميــع‬ ‫التحصينات بواسطة آلة التصوير الدقيقة المثبتة‬ ‫في ساعة يد ‏ه‪،‬‏ وهي إحدى ثمار التعاون الوثيق‬ ‫بين المخابرات اإلسرائيلية واألمريكية‪.‬‬ ‫ومع أن صور هذه المواقع ســبق أن تزودت بها‬ ‫إســرائيل عن طريق وسائل االســتطالع الجوي‬ ‫األمريكية‏‪،‬‏ إال أن مطابقتها على رســائل كوهين‬ ‫كانــت لها أهمية خاصة‏ ســواء مــن حيث تأكيد‬ ‫صحتهــا‏‪ ،‬أو مــن حيث الثقــة في مــدى قدرات‬ ‫الجاسوس اإلسرائيلي‏‪.‬‏‬ ‫وفــي عــام‏‪ ،1964‬عقــب ضــم جهــاز أمــان‬ ‫إلــى الموســاد ‏‪ ،‬زود كوهين قادته فــي تل أبيب‬ ‫بتفصيــات وافية للخطط الدفاعية الســورية في‬ ‫منطقة القنيطرة‏‪،‬‏ وفي تقرير آخر أبلغهم بوصول‬ ‫صفقة دبابات روسية من طراز تي ـ‏‪ ،54‬وأماكن‬ ‫توزيعه‏ا ‏‪ ،‬وكذلك تفاصيل الخطة الســورية التي‬ ‫أعــدت بمعرفة الخبراء الــروس الجتياح الجزء‬ ‫الشمالي من إسرائيل في حالة نشوب الحرب‏‪.‬‏‬ ‫وازداد نجــاح ايلــي كوهيــن خاصة مــع إغداقه‬ ‫األمــوال علــى حــزب البعــث وتجمعــت حولــه‬ ‫الســلطة واقترب من أن يرشح رئيسا ً للحزب أو‬ ‫للوزراء!‪.‬‬

‫وقــد رأت المخابرات اإلســرائيلية في إيلي‬ ‫كوهين مشروع جاســوس جيد‪ ،‬فتم إعداده‬ ‫في البداية لكي يعمل في مصر‏‪ ،‬ولكن الخطة‬ ‫ما لبثــت أن عدلت‏‪ ،‬ورأي أن أنســب مجال‬ ‫لنشاطه التجسسي هو دمشق‏‪.‬‏‬ ‫وبدأ اإلعداد الدقيق لكي يقوم بدوره الجديد‏‪،‬‏‬ ‫ولم تكن هناك صعوبة في تدريبه على التكلم‬ ‫باللهجة الســورية‏‪ ،‬ألنــه كان يجيد العربية‬ ‫بحكم نشأته في اإلسكندرية‏‪.‬‏‬ ‫ورتبــت لــه المخابــرات اإلســرائيلية قصة‬ ‫ملفقــة يبدو بها مســلما ً يحمل اســم (كامل‬ ‫أمين ثابت) هاجر وعائلته إلى االســكندرية‬ ‫ثم ســافر عمه إلى األرجنتيــن عام ‪1946‬‬ ‫حيــث لحق به كامل وعائلتــه عام ‪،1947‬‬ ‫وفي عام ‪ 1952‬توفي والده في األرجنتين‬ ‫بالسكتة القلبية‪ ،‬كما توفيت والدته بعد ستة‬ ‫أشــهر وبقى كامل وحده هنــاك يعمل في تجارة‬ ‫األقمشة‪.‬‬ ‫وتم تدريبه على كيفية اســتخدام أجهزة اإلرسال‬ ‫واالســتقبال الالســلكي والكتابة بالحبر السري‪،‬‬ ‫كما راح يدرس في الوقت نفسه كل أخبار سوريا‬ ‫ويحفظ أســماء رجالهــا السياســيين والبارزين‬ ‫فــي عالم االقتصاد والتجــارة‪ .‬مع تعليمه أصول‬ ‫اآليات القرآنية وتعاليم الدين اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪ 1‬غــادر إيلــي كوهيــن‬ ‫‪ 3‬فبرايــر‏‪ 961‬‏‬ ‫وفــي‏ ‏‬ ‫إســرائيل إلى زيوريخ‏ ‏‪ ،‬ومنها حجز تذكرة ســفر‬ ‫إلى العاصمة التشيلية سنتياجو باسم كامل أمين‬ ‫ثابت‏‪،‬‏ ولكنه تخلف في بيونس آيرس حيث كانت‬ ‫هناك تســهيالت معدة سلفا ً لكي يدخل األرجنتين‬ ‫بدون تدقيق في شخصيته الجديدة‏‪.‬‏‬ ‫وفي األرجنتين اســتقبله عميل إسرائيلي يحمل‬ ‫اســم ابراهام‪ ،‬حيث نصحه بتعلم اللغة االسبانية‬ ‫حتى ال يفتضح أمره‪ ،‬وبالفعل تعلم كوهين اللغة‬ ‫اإلســبانية‪ ،‬وكان ابراهــام يمده بالمــال ويطلعه‬ ‫على كل ما يجب أن يعرفه لكي ينجح في مهمته‪.‬‬ ‫وبمســاعدة بعض العمالء تــم تعيين كوهين في‬ ‫شــركة للنقل‪ ،‬وظل كوهين لمدة تقترب من العام‬ ‫يبنــي وجوده فــي العاصمــة األرجنتينية كرجل‬ ‫أعمال سوري ناجح‏‪ ،‬فك ّون لنفسه هوية ال يرقى‬ ‫إليها الشك‪،‬‏ واكتسب وضعا ً متميزاً لدى الجالية‬ ‫العربيــة في األرجنتين‏ ‏‪ ،‬باعتباره قوميا ً ســوريا ً‬ ‫شديد الحماس لوطنه‪ ،‬وأصبح شخصية مرموقة‬ ‫فــي كل ندوات العــرب واحتفاالتهم‏‪،‬‏ وســهل له‬ ‫ذلــك إقامة صداقــات وطيدة مع الدبلوماســيين‬ ‫الســوريين وبالــذات مــع الملحــق العســكري‬ ‫بالسفارة السورية‏‪،‬‏ العقيد أمين الحافظ‪.‬‬ ‫وخالل المــآدب الفاخرة التي اعتــاد كوهين‪ ،‬أو‬ ‫كامــل أمين ثابت‪ ،‬إقامتها في كل مناســبة وغير‬ ‫مناســبة‏ ‏‪ ،‬ليكون الدبلوماسيون السوريون على‬ ‫رأس الضيــوف‏‪ ،‬لم يكن يخفي حنينه إلى الوطن‬ ‫ب ورغبته في زيارة دمشــق ‏‪ ،‬لذلك لم يكن‬ ‫الحبي ‏‬ ‫غريبا ً أن يرحل إليها بعد أن وصلته اإلشارة من‬ ‫المخابرات اإلســرائيلية‪ ،‬ووصل إليها بالفعل في‬ ‫يناير‏‪ 1962‬حامالً معه آآلت دقيقية للتجسس‪،‬‏‬ ‫ومزوداً بعدد غير قليل من التوصيات الرســمية وهناك أكثر من رواية حول ســقوط ايلي كوهين‬ ‫وغيــر الرســمية ألكبــر عــدد من الشــخصيات نجــم المجتمــع الســوري‪ ،‬لكن الروايــة األصح‬ ‫المهمة في ســوريا‏ ‏‪ ،‬مع اإلشادة بنوع خاص إلى هــي تلك التي يذكرها رفعت الجمال الجاســوس‬

‫المصري الشــهير بنفســه ‪»...‬شــاهدته مرة في‬ ‫ســهرة عائلية حضرها مســؤولون في الموساد‬ ‫وعرفونــي به أنــه رجــل أعمال إســرائيلي في‬ ‫أمريكا ويغدق على إسرائيل بالتبرعات المالية‪..‬‬ ‫ولــم يكــن هنــاك أي مجال للشــك فــي الصديق‬ ‫اليهــودي الغني‪ ،‬وكنت علــى عالقة صداقة مع‬ ‫طبيبة شــابة مــن أصــل مغربي اســمها (ليلى)‬ ‫وفي زيارة لها بمنزلها شــاهدت صورة صديقنا‬ ‫اليهودي الغني مع امرأة جميلة وطفلين فسألتها‬ ‫مــن هذا؟ قالت إنــه ايلي كوهين زوج شــقيقتي‬ ‫ناديــا وهو باحث في وزارة الدفاع وموفد للعمل‬ ‫في بعض الســفارات اإلسرائيلية في الخارج‪.. ،‬‬ ‫لم تغب المعلومة عن ذهني كما أنها لم تكن على‬ ‫قدر كبير مــن األهمية العاجلة‪ ،‬وفي أكتوبر عام‬ ‫‪ 1964‬كنــت في رحلة عمل لالتفاق على أفواج‬ ‫ســياحية في رومــا وفــق تعلميــات المخابرات‬ ‫المصرية‪ ،‬وفي الشــركة السياحية وجدت بعض‬ ‫المجالت والصحــف ووقعت عيناي على صورة‬ ‫ايلــي كوهين فقــرأت المكتوب أســفل الصورة‪،‬‬ ‫(الفريــق أول علــي عامــر والوفــد المرافق له‬ ‫بصحبة القادة العســكريين في ســوريا والعضو‬ ‫القيادي لحــزب البعث العربي اإلشــتراكي كامل‬ ‫أميــن ثابــت) وكان كامــل هذا هو ايلــي كوهين‬ ‫الذي ســهرت معه في إسرائيل وتجمعت الخيوط‬ ‫في عقلي فحصلت على نســخة من هذه الجريدة‬ ‫اللبنانيــة من محل بيــع الصحــف بالفندق وفي‬ ‫المساء التقيت مع (قلب األسد) محمد نسيم رجل‬ ‫المهام الصعبة في المخابرات المصرية وســألته‬ ‫هل يســمح لي أن أعمل خارج نطاق إســرائيل؟‬ ‫فنظر لي بعيون ثاقبة‪..‬‬ ‫ ماذا ؟‬‫ قلت‪ :‬خارج إسرائيل‪.‬‬‫ قال‪ :‬أوضح‪.‬‬‫ قلــت‪ :‬كامل أمين ثابت أحد قيادات حزب البعث‬‫السوري هو ايلي كوهين اإلسرائيلي مزروع في‬ ‫سوريا وأخشى أن يتولى هناك منصبا ً كبيراً‪.‬‬ ‫ قال‪ :‬ما هي أدلتك؟‬‫ قلــت‪ :‬هذه الصورة ولقائــي معه في تل أبيب‪،‬‬‫ثــم أن صديقة لــي اعترفت أنــه يعمل في جيش‬ ‫الدفاع‪.‬‬ ‫ابتســم قلــب األســد وأوهمنــي أنه يعــرف هذه‬ ‫المعلومــة فأصبت بإحباط شــديد ثــم اقترب من‬ ‫النافذة وعاد فجأة واقترب مني وقال‪..‬‬ ‫ لو صدقت توقعاتك يا رفعت لسجلنا هذا باسمك‬‫ضمــن األعمــال النادرة فــي ملفــات المخابرات‬ ‫المصرية‪»..‬‬ ‫وعقب هذا اللقاء طار رجال المخابرات المصرية‬ ‫شرقا ً وغربا ً للتأكد من المعلومة‪.‬‬ ‫وفــي مكتب مديــر المخابــرات في ذلــك الوقت‬ ‫الســيد صالح نصر تجمعت الحقائق وقابل مدير‬ ‫المخابرات الرئيس جمال عبد الناصر ثم طار في‬ ‫نفس الليلة بطائرة خاصة إلى دمشق حامالً ملفا ً‬ ‫ضخما ً وخاصا ً إلى الرئيس السوري أمين حافظ‪.‬‬ ‫وتــم القبــض علــى ايلي كوهين وســط دهشــة‬ ‫الجميع وأعدم هناك في ‪ 18‬مايو ‪1965‬‬


‫الكتائب العـدد التاسع والعشـرون ‪2014/06/15‬‬

‫مختارات من الصحافة‬

‫‪07‬‬

‫الكذب أعلى مراحل «الثورية»‬ ‫حازم صاغية ‪ -‬صحيفة الحياة‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ســبق الوزير وليد المعلّم األمينَ العا ّم لـ «حزب‬ ‫هللا» الســيد حســن نصر هللا إلى ذاك االســتنتاج‬ ‫التاريخ ّي الكبير‪ :‬هذه االنتخابات الرئاســيّة التي‬ ‫شهدنا هي مقدّمة الح ّل السياس ّي في سوريّة‪.‬‬ ‫الــدول الديموقراطيّــة فــي العالم‪ ،‬حيــث ولدت‬ ‫البرلمانــات وتط ّورت‪ ،‬كان من الطبيع ّي أنّ ترى‬ ‫في االنتخابات المذكــورة مهزلة موصوفة‪ .‬لكنْ‬ ‫عندنــا‪ ،‬لم يتــردّد البعــض في الحديــث عن أنّ‬ ‫الغرب‪ ،‬الذي «يزعم» أنّه ديموقراط ّي‪ ،‬لم يتح ّمل‬ ‫صدمة الديموقراطيّة الســوريّة ولم يســتوعبها‪.‬‬ ‫وبدورهــا فإنّ دوالً على رأســها إيــران وكوريا‬ ‫الشــماليّة ســارعت إلى مباركــة الديموقراطيّة‬ ‫السوريّة كما كشفت عنها االنتخابات‪.‬‬ ‫هــا نحن‪ ،‬مــ ّرة أخرى‪ ،‬أمام معادلــة َمن ال يملك‬ ‫و َمن ال يســتحقّ‪ .‬بيــد أنّنا‪ ،‬وأيضا ً مــ ّرةً أخرى‪،‬‬ ‫ي» و «سياســ ّي» وظيفته‬ ‫أمــام تزويــر «فكــر ّ‬ ‫تبرير الكذب العاري‪.‬‬ ‫فال ُمدافــع عــن ديموقراطيّة االنتخابــات األخيرة‬ ‫يســعه أن يستشــهد بأطنــان مــن الخرافــات‬ ‫«الفكريّــة» التــي تؤ ّكد له أنّ شــهادة إيران في‬

‫الديموقراطيّة أه ّم من شهادة بلد كالسويد‪ .‬لماذا؟‬ ‫ألنّ إيران تقف في وجه االستعمار‪ ،‬فيما السويد‬ ‫دولة استعماريّة في آخر المطاف‪ .‬كما أنّ موقف‬ ‫إيران من إسرائيل أفضل آالف الم ّرات من موقف‬ ‫السويد‪ .‬أ ّما إذا وضعنا الواليات المتّحدة وفرنسا‬ ‫وبريطانيــا محــ ّل الســويد‪ ،‬وأجرينــا المقارنة‪،‬‬ ‫حجــة ال ُمدافع عن الديموقراطيّة الســوريّة‬ ‫فإنّ ّ‬ ‫ً‬ ‫تكســب مزيدا من الق ّوة‪ :‬هل نســينا هذه الدول؟‬ ‫هل نســينا شــريطا ً يمت ّد من سايكس بيكو ووعد‬ ‫بلفور إلــى اســتيطان الجزائر‪ ،‬ومن الســويس‬ ‫والعدوان الثالث ّي إلى العنصريّة ض ّد الســود في‬ ‫أميــركا‪ ،‬ومن فيتنــام إلى الهنــود الحمر مروراً‬ ‫باإلســاموفوبيا في الغــرب‪ .‬وبــدوره فالذي ال‬ ‫يزال يذكر نظريّة «المراحل الخمس» الستالينيّة‬ ‫الشــهيرة‪ ،‬ويأخــذ بهــا‪ ،‬ســيثق بــرأي كوريــا‬ ‫الشــماليّة «االشــتراكيّة» أكثر م ّما بآراء أميركا‬ ‫وبريطانيا والسويد «الرأسماليّة»‪ .‬أال تقول تلك‬ ‫النظريّــة إنّ هذه الدول األخيــرة محطّة انتقاليّة‬ ‫علــى طريق الوصول إلى حيث كوريا الشــماليّة‬ ‫اآلن؟ أوليــس الســويديّون مدع ّوين للنضال كي‬ ‫يصلوا إلــى المرتبة الكوريّة الشــماليّة‪ ...‬وهم‪،‬‬ ‫بعد جهد جهيد منهم‪ ،‬قد ال يُوفّقون في بلوغ تلك‬ ‫السويّة!؟‬ ‫هنــا نبلغ الذروة الكاريكاتوريّة في التذاكي الذي‬

‫ربّما بدأ مــع إحالل «الديموقراطيّة الشــعبيّة»‪،‬‬ ‫المناهضــة للديموقرطيّــة وللشــعب‪ ،‬محــ ّل‬ ‫«الديموقراطيّــة البورجوازيّة» التي هي وحدها‬ ‫الديموقراطيّــة‪ .‬ونضيــف‪ ،‬ضــ ّداً علــى الهذيان‬ ‫المع ّمم‪ ،‬أنّ «االســتعمار» ليس المعيار الصالح‬ ‫لمحاكمة الديموقراطيّــة‪ ،‬ألنّ الديموقراطيّة إنّما‬ ‫نشــأت حيث نشــأ االســتعمار‪ .‬وال يلزمنا للتأ ّكد‬ ‫مــن ذلك أكثر مــن معرفة مدرســيّة وأوليّة ج ّداً‬ ‫بالتاريخ‪.‬‬ ‫والحــال أنّ الفضيحــة الســوريّة وفضائح الذين‬ ‫باركوهــا تنبّــه إلى ضــرورة رمي األفــكار التي‬ ‫تشــ ّكلت منها منظومــة «التحــ ّرر الوطن ّي» في‬ ‫أقرب ســال المهمالت‪ .‬فهذه‪ ،‬في آخر المطاف‪،‬‬ ‫ال تعدو كونها تجميالً متحذلقا ً الســتبداد المستب ّد‬ ‫ي عــن الح ّريّة‬ ‫عبــر إزاحــة الموضــوع المركز ّ‬ ‫والديموقراطيّة وكرامة اإلنســان وتركيزه على‬ ‫سلسلة الهذر والموات الممتدّة من الهنود الحمر‬ ‫إلى وعــد بلفور‪ .‬وليس بال داللــة‪ ،‬هنا‪ ،‬أنّ أحد‬ ‫ي» المنتفــخ‪ ،‬المثقل بذاته‬ ‫ســادة الكالم «النظر ّ‬ ‫وبمط ّوالتــه‪ ،‬أي نايف حواتمــة‪ ،‬األمين العا ّم لـ‬ ‫«الجبهة الديموقراطيّة لتحرير فلســطين»‪ ،‬كان‬ ‫م ّمن أبرقوا تأييداً النتخاب سيادة الرئيس‪.‬‬ ‫وهــذا‪ ،‬فــي عمومه‪ ،‬اســتخدام عريق ســبق أن‬ ‫حاول إقناعنا بأنّ الحزب الذي لم يحقّق ال الوحدة‬

‫وال الح ّريّــة وال االشــتراكيّة هــو حــزب الوحدة‬ ‫والح ّريّــة واالشــتراكيّة‪ ،‬وأنّ القائد الذي خســر‬ ‫الجوالن هو بطل الجوالن‪ ،‬وأنّ النظام الذي فعل‬ ‫مــا فعله بالفلســطينيّين واللبنانيّيــن والعراقيّين‬ ‫إنّمــا هو نظام الغيــرة «القوميّة» الناصعة‪ ،‬وأنّ‬ ‫ما حــ ّل بنا في حرب ت ّمــوز (يوليو) ‪ 2006‬هو‬ ‫انتصار إله ّي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أ ّما اليوم تحديدا‪ ،‬فيحتفي بعض أعداء اإلمبرياليّة‬ ‫بـــ «انتصار» التفاوض المباشــر في جنيف بين‬ ‫ســخ النظام‬ ‫إيران و‪ ...‬الواليات المتّحدة! ومع تف ّ‬ ‫الذي لن تســتطيع أيّة انتخابات من الصنف الذي‬ ‫رأيناه ترقيع شــرعيّته‪ ،‬تتقدّم سوريّة‪ ،‬محمولةً‬ ‫على جنــاح األكاذيب‪ ،‬إلى الح ّل السياســ ّي الذي‬ ‫يقيهــا الموت والدمار!‪ .‬هكــذا إذاً‪ ،‬وعلى طاولة‬ ‫واحدة‪ ،‬قد يجلس بشّار األسد وحسن عبدالعظيم‬ ‫وقــدري جميــل‪ ،‬وربّما جلس معهم المرشّــحان‬ ‫اآلخران اللذان نافســا األســد على رئاســته‪ ،‬ث ّم‬ ‫تُمــأ األرض قســطا ً وعــدالً بعدما ُملئــت جوراً‬ ‫وظلمــاً‪ .‬وبالطبع فإنّ المباركة الديموقراطيّة من‬ ‫إيران وكوريا الشماليّة جاهزة سلفاً‪.‬‬ ‫أ ّمــا الرجل األبيــض الذي يوســوس في صدور‬ ‫الناس فلعنة هللا عليه‪.‬‬

‫فورد والسياسة األمريكية في سوريا‪ :‬كم مرة سيقلب المعطف؟‬ ‫صبحي حديدي ‪ -‬القدس العربي‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫فــي آذار (مــارس) ‪ ،2013‬كان روبــرت فورد‬ ‫ســفير الواليات المتحــدة إلى النظام الســوري‪،‬‬ ‫ومبعــوث وزارة الخارجيــة إلــى مؤسســات‬ ‫المعارضة الســورية الرســمية؛ ولهــذا فقد كان‬ ‫طبيعياً‪ ،‬ومنطقيا ً بالطبع‪ ،‬ان ين ّزه سياسات بالده‬ ‫ـ عموماً‪ ،‬في المنطقة؛ وبصدد الملفّ السوري‪،‬‬ ‫بصفــة خاصة ـ من ك ّل خطــأ أو زلل أو تقصير‪.‬‬ ‫«علّــی أن أكــون صريحا ً جداً مــع أصدقائي فی‬ ‫المعارضة السورية‪ ،‬إذا قرر الرئيس أوباما غداً‬ ‫أنّ سقوط ‪ 146‬ألف قتيل‪ ،‬أو أي عدد آخر‪ ،‬بات‬ ‫كافيا ً ويتخــذ قراراً حول ضربة عســكرية‪ ،‬ماذا‬ ‫ســيحدث األســبوع المقبل؟ هل لــدى المعارضة‬ ‫الســورية تصور حول من ســيتولى أي مناصب‬ ‫إلدارة الدولــة‪ ،‬ومــا اإلجــراءات الضروريــة‬ ‫لحماية الشــعب وتوفير األمن وتقديم الضمانات‬ ‫لألقليات؟»‪ ،‬ص ّرح فورد‪.‬‬ ‫كذلــك فإنّ المعارضة «لم تســتطع أبداً أن تف ّرق‬ ‫بيــن ما تمثّله هي وما يمثّلــه تنظيم «القاعدة»‪.‬‬ ‫لفتــرة طويلة جداً‪ ،‬لم ينتقــدوا حتى «القاعدة»‪،‬‬ ‫وحتى اآلن ال ينتقدون «جبهة النصرة»‪ .‬ولنكن‬ ‫صريحين‪ ،‬نعرف ما هی جبهة النصرة‪ ،‬وقد دخل‬ ‫عناصرهــا مناطــق وقتلوا مدنيين مــن األقليات‬ ‫الطائفية ويجب إدانة ذلك»‪.‬‬ ‫فــي حزيــران (يونيــو) ‪ ،2014‬بــات فــورد‬ ‫«مواطنــا ً أمريكيــا ً عاديــاً»‪ ،‬حســب توصيــف‬ ‫ماري هــوف‪ ،‬المتحدثة باســم وزارة الخارجية‬ ‫األمريكية؛ ولهــذا‪ ،‬صار من حقه أن يص ّرح بما‬ ‫ي رادع وظيفي‪ .‬إلى درجة‬ ‫يشاء ويعتقد‪ ،‬خارج أ ّ‬ ‫قلــب المعطف تمامــاً‪ ،‬وارتدائه مــن القفا؟ نعم‪،‬‬ ‫كمــا تقول تصريحاته األخيرة‪ :‬الواليات المتحدة‬ ‫ترددت في دعم المعارضة المعتدلة في ســوريا‪،‬‬ ‫والسياســية األمريكية لــم تتطور‪ ،‬حتى أنّ فورد‬ ‫بلغ «الح ّد الذي ال يمكنه فيه بعد اآلن الدفاع عنها‬ ‫عالنيــة»‪ ،‬وكان على واشــنطن أن تفعل المزيد‬ ‫وتبــادر منذ وقت طويل بمســاعدة المعتدلين في‬ ‫صفوف المعارضة الســورية؛ و«لــو فعلنا ذلك‬

‫قبل عامين‪ ،‬لما اســتطاعت جماعات ‘القاعدة’‪،‬‬ ‫التي تكســب أتباعاً‪ ،‬أن تنافــس المعتدلين الذين‬ ‫نتفق معهم فــي الكثير من األمور»؛ مع التأكيد‪،‬‬ ‫من جانــب فورد دائماً‪ ،‬على أنّ روســيا وإيران‬ ‫و«حــزب هللا» ظلت‪ ،‬في غضــون ذلك‪ ،‬تواصل‬ ‫زيادة مســاعداتها لنظام بشــار األسد‪ ،‬بدرجات‬ ‫كبيرة بلغت مستوى القتال إلى جانبه‪.‬‬ ‫والحــال أنّ هذا التط ّور فــي «عقيدة» فورد‪ ،‬إذا‬ ‫جاز اعتباره كذلك‪ ،‬يذ ّكر بنقلة أخرى لعلها األكثر‬ ‫دراماتيكــة‪ ،‬علــى امتداد ســجلّه الدبلوماســي‪،‬‬ ‫وربما الشــخصي‪ ،‬الحافــل‪ :‬الزيارة التي قام بها‬ ‫إلــى مدينة حماة‪ ،‬مطلع تمــوز (يوليو) ‪.2011‬‬ ‫ولعــ ّل المــرء ال يبالغ إذا منح تلــك النقلة مكانة‬ ‫خاصــة فــي أرشــيف العالقــات بيــن الواليــات‬ ‫المتحــدة ونظــام «الحركــة التصحيحية»‪ ،‬على‬ ‫امتداد ‪ 30‬سنة من حكم حافظ األسد‪ ،‬و‪ 11‬سنة‬ ‫من حكم وريثه بشار األســد‪ .‬مكانة دراماتيكية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫كما يتوجــب القول‪ ،‬ليس بمعنى أنها أضافت أ ّ‬ ‫تبدّل حاســم ونوعي على مســارات تلك العالقة‬ ‫(وهي‪ ،‬بالفعل‪ ،‬سلســلة مســارات متغايرة‪ ،‬ولم‬ ‫تكن متجانســة على الدوام)؛ بــل بمعنى الدراما‬ ‫التي تســتدعي المســرح والمســرحة‪ ،‬ك ٌّل على‬ ‫خشــبته‪ :‬في واشنطن ودمشــق على ح ّد سواء‪،‬‬ ‫وك ٌّل على طرائقه‪ ،‬واســتناداً إلى ما يريد إرساله‬ ‫من إشارات‪.‬‬ ‫ورحلة السفير إلى حماة اختارت توقيت «جمعة‬ ‫ال حوار»‪ ،‬حيث شــهدت ساحة العاصي مشاركة‬ ‫مئات اآلالف‪ .‬ولع ّل رمزية غضب النظام‪ ،‬ومثلها‬ ‫رمزية ابتهــاج الخارجية األمريكية‪ ،‬كانت تكمن‬ ‫في هذا التفصيل المباشــر‪ ،‬أي المبيت في فندق‬ ‫يط ّل على الساحة‪ ،‬وتثبيت شهادة عيان على هذه‬ ‫الجمعة تحديداً؛ قبل الرمزية األخرى األكبر‪ ،‬التي‬ ‫الخاص‪ ،‬ســواء في تاريخ‬ ‫تنبثق من موقع حماة‬ ‫ّ‬ ‫االستبداد السوري‪ ،‬أو صمت واشنطن على ذلك‬ ‫االســتبداد‪ .‬مــا لم يكــن متفقا ً عليــه‪ ،‬كما اتضح‬ ‫الحقاً‪ ،‬أن تأخذ ردود أفعال الطرفين‪ ،‬في واشنطن‬ ‫ودمشق‪ ،‬ذلك المستوى من حدّة التراشق اللفظي‬ ‫(خارجية النظــام اتهمت واشــنطن بـ«التورط»‬

‫فــي الحركــة االحتجاجيــة و«التحريــض علــى‬ ‫التصعيد»‪ ،‬والناطقة باســم الخارجية األمريكية‬ ‫ردّت بأنّ هذه االتهامات «قمامة صرفة»)‪ .‬ومن‬ ‫المشروع التفكير بأن تصريح الرئيس األمريكي‬ ‫باراك أوباما (أنّ األسد «فقد شرعيته‪ .‬وقد ضيّع‬ ‫الفرصة تلو الفرصة لتقديم جدول أعمال حقيقي‬ ‫لإلصالح»)؛ اســتهدف تهدئة اللغة‪ ،‬أو باألحرى‬ ‫ضبــط مفرداتها عند المعــدّل الذي كان يمثّل خطّ‬ ‫واشنطن تجاه النظام السوري‪.‬‬ ‫لماذا ذهب الســفير فــورد إلى حمــاة‪ ،‬إذاً‪ ،‬وهل‬ ‫كانت زيارته مقدّمة لنقلة نوعية في السياســة؟‬ ‫كال‪ ،‬في اإلجابة على الشطر الثاني‪ ،‬ألنّ أية نقلة‬ ‫نوعية هي رهن بما تحققه االنتفاضة الســورية‬ ‫تســجله من عالئم ملموسة‬ ‫من انتصارات‪ ،‬وما‬ ‫ّ‬ ‫على طريق تقويض نظام «الحركة التصحيحة»؛‬ ‫والموقــف األمريكــي ســيكون عندهــا بمثابــة‬ ‫انحنــاءة أمام ق ّوة الواقع‪ ،‬موضوعية وقســرية‬ ‫ال منّــة فيهــا وال فضيلــة‪ ،‬تماما ً كمــا كانت حال‬ ‫واشنطن في تونس ومصر‪.‬‬ ‫سئل‬ ‫حين‬ ‫أوباما‪،‬‬ ‫تصريح‬ ‫وهكذا ينبغي أن يُفهم‬ ‫ُ‬ ‫بتنحي‬ ‫عــن الســبب في أنه لــم يطالب صراحــة ّ‬ ‫األســد‪« :‬الشــعب السوري ســيكون‪ ،‬ويجب أن‬ ‫يكون‪ ،‬قاد ًرا على تقرير مستقبله بنفسه‪ ،‬وهناك‬ ‫حقا ً توافق متزايد بين الشــعب السوري على أنه‬ ‫يجب أن يحدث هذا التح ّول‪ ،‬وأن الرئيس األســد‬ ‫لن يقود هذا التحول»‪.‬‬ ‫أ ّمــا اإلجابــة عن الشــطر األ ّول فهــي أنّ مكوث‬ ‫اإلدارة علــى هــذا الموقــف‪ ،‬أي الدعــم اللفظي‬ ‫لمطامح الشــعب الســوري والمراهنة الضمنية‬ ‫علــى إمكانية بقاء نظــام «الحركة التصحيحية»‬ ‫وإجــراء «إصالحــات» داخليــة تجميليــة هنــا‬ ‫وهنــاك؛ كان يتطلب شــحنة مــن الدراما إلقناع‬ ‫الــرأي العام األمريكي والدولي بأنّ واشــنطن لم‬ ‫تعد صديقة الطغاة والطغيان‪.‬‬ ‫كذلــك اقتضى الحال اللجوء إلى بعض الســلوك‬ ‫المسرحي في مخاطبة الشارع الشعبي السوري‪،‬‬ ‫األمر الذي كان يشــمل النظام وشــارعه المؤيد‬ ‫أيضاً‪ ،‬وكان يدخل في باب الضغط الشكالني على‬

‫السلطة‪ ،‬والبحث عن «رمزية» ما‪ ،‬هنا وهناك‪،‬‬ ‫تُشبع اللفظ والبالغة الجوفاء‪.‬‬ ‫لقد اضط ّر السفير‪ ،‬في كلمته ألقاها أمام الحشود‪،‬‬ ‫إلى امتداح متظاهــري حماة‪ ،‬وأطلق على أفراد‬ ‫األمــن صفة «الســفاحين»‪ ،‬كما نفــى أنه أبصر‬ ‫«عالمــات علــى وجــود أي عصابات مســلحة‬ ‫فــي أي مكان» م ّر بــه خالل زيارتــه الحموية؛‬ ‫لكنــه تفــادى الحديث عن ســج ّل بالده األســود‬ ‫فــي الموقف من مجزرة المدينة‪ ،‬ســنة ‪.1982‬‬ ‫آنذاك‪ ،‬ظلّت األقمــار الصناعية األمريكية ترصد‬ ‫دقائــق الدمار الذي تع ّرضــت له المدينة‪ ،‬وتتابع‬ ‫ك ّل طلعة طيران‪ ،‬وك ّل تحليق ح ّوامة‪ ،‬وك ّل قذيفة‬ ‫مــن دبابــة أو من مدفــع ثقيل؛ لكنّ لســان حال‬ ‫اإلدارة‪ ،‬أيــام رونالــد ريغان دون ســواه‪ ،‬التزم‬ ‫«الصمت البنّاء» حيــال المجزرة‪ ،‬ودمدم بعض‬ ‫مســؤولي اإلدارة حول سقوط عدد من الضحايا‬ ‫يقــ ّل عن األلــف‪ ،‬حين كانت األعــداد تتجاوز الـ‬ ‫‪ 20‬ألفاً!‬ ‫ولعــ ّل الحظر الذي كســره فورد‪ ،‬اليــوم‪ ،‬فانتقد‬ ‫سياســات بالده‪ ،‬وكان قبل أشــهر مدافعا ً شرسا ً‬ ‫عنهــا‪ ،‬ينبثــق بــدوره مــن «رمزيــة» طارئة‪،‬‬ ‫دراماتيكيــة بدورها في ناظر الســفير الســابق‪:‬‬ ‫ال القصــف بصواريخ «ســكود»‪ ،‬وال بالقاذفات‬ ‫المقاتلــة والبراميــل المتفجــرة‪ ،‬وال الهجمــات‬ ‫باألســلحة الكيماويــة والغــازات الســامة‪ ،‬وال‬ ‫‪ 165‬ألــف شــهيد… بــل‪ ،‬أغلــب الظــنّ ‪ ،‬هذه‬ ‫المهزلة األخيرة‪ ،‬األشــ ّد ابتــذاالً وفجوراً وقحة‬ ‫وبذاءة‪ ،‬التي يســير فورد على نهج نظام األسد‪،‬‬ ‫فيســ ّميها «انتخابــات»‪ .‬وكما فــي تموز‪/‬يوليو‬ ‫‪ ،2011‬وآذار‪/‬مارس ‪ ،2013‬وحزيران‪/‬يونيو‬ ‫‪ …2014‬ظ ّل فورد يقلــب المعطف تلو اآلخر‪،‬‬ ‫ويتنقل من خشــبة مســرحية ركيكــة إلى أخرى‬ ‫أكثر ركاكة‪ ،‬مقتفيا ً في ذلك أثر سياســات بالده‪،‬‬ ‫قبلئذ وبعدئذ؛ وهكذا سيظ ّل‪ ،‬وأمثاله‪ ،‬حتى يتولى‬ ‫الشــعب الســوري القول الفصل‪ ،‬ويُسدل الستار‬ ‫على الطغاة والمنافقين‪ ،‬سواء بسواء‪.‬‬


‫الكتائب العـددالتاسع والعشـرون ‪2014/05/15‬‬

‫آراء‬

‫‪08‬‬

‫هل ما يزال الحل السياسي ممكن ًا‬ ‫بقلم‪ :‬بشار ادلبي‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫تتعدّد معاني عبارة الحل السياســي في ســورية‬ ‫وتختلف تفســيراتها بحسب قائلها‪ ،‬فإذا أتت من‬ ‫أحد السياســيين األمريكييــن أو الغربيين فتعني‬ ‫اســتمرار تغاضيهــم عن جرائم النظــام ورغبته‬ ‫فــي بقــاء الحال على ما هو عليــه‪ ،‬وإذا خرجت‬ ‫عن مسؤولين سعوديين فإنها تحمل غزالً إليران‬ ‫ربما ال يكــون متبادالً‪ ،‬أمــا ورودها عن مصدر‬ ‫تركي فيؤكد رغبتها في توطيد العالقة مع إحدى‬ ‫الدول الداعمة للنظام لتســتفيد من أزمة تمر بها‬ ‫تلك الدولة وتحقق من ورائها منفعة اقتصادية‪.‬‬ ‫يخــرج من بين ذلك الصخب صوت الســيد معاذ‬ ‫الخطيــب الذي ال يــزال يؤكد على رغبته في حل‬ ‫سياســي وبطريقــة ســلمية مشــروطة‪ ،‬تحولت‬ ‫رغبتــه هذه من مبادرة رســمية منذ كان رئيس‬ ‫لالئتالف إلى فردية تصدر عن شــخصية وطنية‬ ‫تحظــى باحترام الجميع‪ ،‬ال تلبــث تخفت نداءاته‬ ‫حتى يعود ويكررها‪ ،‬وال مجيب في كلى الحالتين‪.‬‬ ‫ولكن ما يعني الحل السياســي لألزمة السورية؟‬ ‫وهل ال يزال هذا ممكنا ً أو مجدياً؟‬ ‫من البديهي أن ذلك الحل ســيأتي عبر التفاوض‬ ‫بيــن الطرفيــن المتحاربيــن‪ ،‬ويجــب أن يحظى‬ ‫فــي النهاية على الموافقة مــن كليهما‪ ،‬وبالطبع‬ ‫لــن يوقع أح ٌد على قرار إعدامــه‪ ،‬وبالتالي بقاء‬ ‫مجرمــي النظام دون محاســبة‪ ،‬ولعل أبعد ما قد‬ ‫تبلغــه تلــك االتفاقية هــو تغيير بعــض القيادات‬ ‫العســكرية واألمنيــة‪ ،‬أي اســتبدال عــدد مــن‬ ‫المجرميــن الكبــار بآخريــن أصغر منهــم ليبقى‬ ‫الوضــع على مــا هو عليــه في نهايــة المطاف‬ ‫وتذهب كل التضحيات أدراج الرياح‪.‬‬ ‫في خضم هــذا اإلجرام واإلرهــاب الذي ما برح‬ ‫يقاســيه الســوريون‪ ،‬ليــس أقســى مــن فــرار‬ ‫المجرمين من القصاص إال استمرار تلك المذابح‬ ‫إلــى أم ٍد غير منظور‪ ،‬والتي ما فتئت تزداد قبحا ً‬ ‫يوما ً بعد آخر‪ ،‬وربما هذا ما يدفع البعض‪ ،‬وعلى‬ ‫رأسهم الســيد معاذ الخطيب‪ ،‬إلى طرح مثل تلك‬ ‫المبادرات لحقن دماء من تبقى من الســوريين‪،‬‬ ‫فليس أكرم من اإلنســان والثورة التي قامت من‬ ‫أجله وال فائدة من االنتصار فيها من دونه‪ .‬على‬ ‫كل حــال يبقى الحل السياســي في الوقت الراهن‬ ‫غيــر وارد نظراً لغياب أدنى مقوماته‪ ،‬فال بوادر‬ ‫عن تحرك جدي أو ضغــط دولي ‪-‬كان الكثيرون‬ ‫يمنّــون النفس به ويربطونه بموعد االنتخابات‪-‬‬ ‫يجبر مندوبهم في ســورية عليه‪ ،‬فال يخفى على‬ ‫أحد التغاضي عن المهزلة االنتخابية وتمريرها‪،‬‬ ‫وكذلك السكوت عن الفظائع المرتكبة يومياً‪ ،‬وما‬ ‫تــزال التقارير الصحفية الغربية تؤكد اســتمرار‬ ‫اســتخدام النظام للســاح الكيماوي‪ ،‬وحسب ما‬ ‫ذكرتــه مؤخراً صحيفــة لوموند الفرنســية عن‬ ‫اســتعمال النظام لغازات ســامة بشكل روتيني ال‬ ‫يصــدر عنهــا رائحة أو دخان‪ ،‬فــي الوقت الذي‬ ‫تتقاســم فيه جميع الدول إثم تعطيلها لمؤسسات‬ ‫المجتمــع الدولــي‪ /‬التي من المفتــرض أن يحتّم‬ ‫عليهــا عملهــا أن توقــف تلــك المذابــح وذلــك‬

‫اإلرهــاب غيــر المســبوق‪ ،‬فأي شــيء بعد هذا‬ ‫يمكنــه أن يجبر النظام علــى الجلوس إلى موائد‬ ‫التفاوض والتي ســتفضي في النهاية إلى تخلّيه‬ ‫عن الســلطة أو جزء منها وأقصى ما تواجه به‬ ‫إرهــاب النظــام التعبير عن رغبتهــا بين الحين‬ ‫واآلخر في الحل السلمي السياسي في سورية‪.‬‬ ‫قــد يتمخــض مســتقبل األيــام عــن جديــد متى‬ ‫شبعت إســرائيل من دماء الســوريين واطمأنت‬ ‫لخروج ســورية ربما لعشرات السنين من دائرة‬ ‫المواجهة معها‪ ،‬فيُجبَر النظام وقتئذ على القبول‬ ‫بحــل سياســي يرضيــه أوالً تختلــف التكهنــات‬ ‫كثيــراً حول ماهيتــه‪ ،‬لكن باالنطــاق مما حدث‬ ‫في الجوار الســوري وما يسعى الغرب لتكريسه‬ ‫مــن فوضــى وعدم اســتقرار على كافــة الصعد‬ ‫فلن يكــون أمام الســوريين إال طائف جديد‪ ،‬أي‬ ‫تبقى الدول السورية على شكلها السابق للثورة‬ ‫مــع احتفاظ كل دولة داعمــة لطرف من أطراف‬ ‫الصــراع بحصتها منها‪ ،‬والنمــوذج اللبناني هو‬ ‫األقــرب للتطبيق في ســوريا بعــد «نجاحه» في‬ ‫العراق‪ ،‬فبعد عشر سنوات ومئات المليارات من‬ ‫عائــدات النفــط ال تختلف مدنه أو أحوال شــعبه‬ ‫كثيــراً عما فــي الصومــال‪ ،‬وال يخفى على أحد‬ ‫تم ّزقه واستمرار رزوحه تحت نير الدكتاتورية‪،‬‬ ‫وهذا ما يهم الغرب وإســرائيل‪ ،‬فإما الفوضى أو‬ ‫الرضوخ لدكتاتوريات يدعمونها‪ ،‬وبكل بســاطة‬ ‫هذه قاعدتها في التعامل مع شرقنا النفطي‪.‬‬ ‫في لبنان تقاسم أمراء الحرب السلطة بعد تقاسم‬ ‫لآلثــام والجرائــم طيلة خمســة عشــر عاما ً من‬ ‫القتــال‪ ،‬أما الشــعب فدفع ثمن الحــرب وال يزال‬ ‫يدفع ثمــن الخالفات بين ملهميــه‪ ،‬يلعبون على‬ ‫أوتار الطائفية فيتخدر وينسى آالمه واحتياجاته‬ ‫يرص صفوفــه خلف أولئك القادة‬ ‫وفســادهم‪ ،‬ثم‬ ‫ّ‬ ‫الذيــن ضحــوا بــكل شــيء وأقحمــوا أنفســهم‬ ‫يقاســون ترف القصور‪ ،‬بينمــا تركوا ألنصارهم‬ ‫لذائذ االســتمتاع بنشــوة االحتفاء بهم‪ ،‬تحكمهم‬

‫الغوغــاء فتحركهم أدنى إشــارة من إصبع ِر ْج ِل‬ ‫زعيم الطائفة دون التفكير بحق أو محاولة تجنب‬ ‫باطل‪ ،‬في سورية من المفترض أن تكون الحال‬ ‫أقل ســوءاً نظراً لكون الســنّة أكثرية ســاحقة‪،‬‬ ‫وهذا ما يضمن إبعاد ســورية كثيراً عن أشــباح‬ ‫الطائفيــة علــى الرغم مــن الترويــج اإلعالمي‬ ‫لمــا يعاكس ذلــك‪ ،‬لكن تعدد األطــراف في داخل‬ ‫المعارضة واالنقســامات والخالفات فيما بينها‪،‬‬ ‫والتــي تعكس التناحر بيــن داعميها اإلقليميين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أخــل كثيراً بميزان القــوة ذاك‪ ،‬وجعل إلى ح ٍّد ما‬ ‫كل فصيل معارض يعتبر نفســه طرفا ً مســتقالً‪،‬‬ ‫وبذلــك تشــرذمت األكثريــة ويُخــاف أن تذهب‬ ‫ريحها‪ ،‬وإثر أي ح ٍّل سياسي سنكون أمام مشهد‬ ‫تتنازع وتتقاســم الســلطة فيه عــدة أطراف من‬ ‫أمــراء الحرب األميين‪ ،‬وصوالً إلى بقايا النظام‪،‬‬ ‫ومــروراً بالثوار الحقيقيين‪ ،‬والذين ســيحرص‬ ‫الغرب علــى إضعافهم بقدر حرصه على الحفاظ‬ ‫على إبقاء بعض القوة بأيديهم لتكريس الصراع‬ ‫ومنحــه صفــة الديمومــة‪ ،‬وهــذا ما ســيضعف‬ ‫الجميــع ويلهيهم عن النهــوض‪ ،‬ومن ثم تهديد‬ ‫إســرائيل‪ ،‬فالدول الداعمة لمعارضي النظام هي‬ ‫بحد ذاتها متصارعة متناحرة ولم توفر دولة من‬ ‫دول الربيع العربي إال وحولّتها إلى ســاحة لذلك‬ ‫الصــراع‪ ،‬وباألخــص أكبر دول داعمــة للثوار‪،‬‬

‫الســعودية‪ ،‬والمســؤولة عــن إفشــال الربيــع‬ ‫العربــي‪ ،‬فســعيها إلعــادة األنظمة الســابقة ال‬ ‫يخفــى على أحد‪ ،‬وقد نجحت في ذلك‪ ،‬فإذا كانت‬ ‫تلك سياســة ذلك الداعم والممول واستراتيجيته‬ ‫التي يربــط وجوده وترســيخ أركان حكمه بها‪،‬‬ ‫فماذا ننتظر منه في سورية؟‬ ‫ممــا يؤخــر الحــل السياســي صعــود القــوى‬ ‫اإلسالمية في سورية وظهور تأييد شعبي واسع‬ ‫لهــا‪ ،‬وهذا ما يســتدعي تجهيز حفتــر جديد في‬ ‫سورية لمواجهتها في مستقبل األيام قبل التفكير‬ ‫بإنهــاء الصراع‪ ،‬أما داعــش فهي صمام األمان‬ ‫إلسرائيل والواليات المتحدة‪ ،‬والذي تع ّول عليه‬ ‫إن فشلت كل خططها‪.‬‬ ‫النظــام انتهى‪ ،‬ولم يعد له وجود إال إعالمياً‪ ،‬أما‬ ‫على األرض فتدار وتقاد المعارك بأيادي إيرانية‪،‬‬ ‫وينفذهــا المؤمنون بوالية الولي الســفيه‪ ،‬وأي‬ ‫حل سياســي ال ب ّد أنّه ســيخرج أولئك الحاقدين‬ ‫الطائفييــن مــن ســورية‪ ،‬الذين يمثلــون أغلب‬ ‫قوى النظام على األرض‪ ،‬فبدونهم هو ال شيء‪،‬‬ ‫ولعــ ّل هذا ما يمثل أكبر العقبــات أمام هكذا حل‪،‬‬ ‫ولنفــرض أنّــه حدث فإنّ من شــأن ذلك أن يقدم‬ ‫طــوق النجــاة لبقايا النظــام ويمنحهــا الفرصة‬ ‫للعودة إلى الحياة من جديد‪.‬‬


‫الكتائب العـدد التاسع والعشـرون ‪2014/06/15‬‬

‫مقاالت‬

‫‪09‬‬

‫مشـروع الـتوطـين في سـوريـة‬ ‫بقلم‪ :‬القاضي مصطفى القاسم‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ارتفعت األصوات في األشهر األخيرة متحدثة عن‬ ‫جهود حثيثة وعالية يبذلها نظام األســد وموالوه‬ ‫بغــرض تهجيــر وتشــريد شــرائح واســعة من‬ ‫المواطنين وتوطين جماعات بشــرية مستحدثة‬ ‫ومســتقدمة من بلــدان أخرى مــكان المواطنين‬ ‫األصليين المهجرين‪ ،‬والسؤال الذي يطرح نفسه‬ ‫أوالً وقبــل كل شــيء‪ :‬هل هناك مؤشــرات على‬ ‫صحة هذه األنباء؟ وفي حال وجود المؤشــرات‪:‬‬ ‫متى بدأت هذه العملية وما مداها؟‬ ‫فهل هناك مؤشــرات على الشروع في التوطين‬ ‫في سوريا؟‬ ‫أوالً‪ ،‬لــم يعــد خافيا ً علــى كل ذي نظر الجهود‬ ‫الحثيثــة والواســعة التــي ينتهجهــا النظام غير‬ ‫الشرعي في ســوريا لتهجير وتشــريد تجمعات‬ ‫ســكانية كاملــة مــن المواطنيــن الســوريين‬ ‫األصلييــن إلى بلدان خارجيــة أو مناطق داخلية‬ ‫ثانويــة‪ ،‬وقد بــدأ ذلك بتهجير القســم األكبر من‬ ‫أهالي مدينة حمص من المســلمين السنة الذين‬ ‫يزيد عددهم عن مليون ونصف المليون مواطن‬ ‫وهدم أحيائهم بشكل كامل للحيلولة دون أي أمل‬ ‫فــي عودتهم إلى أرضهم‪ ،‬ثم فعل المثل في درعا‬ ‫ودير الزور وريف دمشــق وهــو يفعله اآلن في‬ ‫حلب‪ ،‬وتدل مســيرة األحداث أنه ســيفعله عندما‬ ‫يحين الوقت في باقي المدن‪.‬‬ ‫ثانيا ً‪ ،‬استقدم النظام غير الشرعي مجموعات‬ ‫كبيرة نســبيا ً من جنســيات غير سورية وسكنوا‬ ‫تدريجيا ً في عقــارات محيطة ببعض المعابد في‬ ‫المرحلــة األولى ثم توســعوا بباقــي االتجاهات‬ ‫وشــرعوا في تملك العقارات وإقامــة التجارات‬ ‫وتأســيس الصناعات مع الكثير والكثير جداً من‬ ‫االمتيازات على حساب حق المواطنين في العمل‬ ‫واالستفادة من الفرص‪ .‬ثم راحوا أخيراً يظهرون‬ ‫باللباس العسكري على الحواجز وفي الدوريات‪،‬‬ ‫وشرعوا في التضييق على المواطنين واعتقالهم‬ ‫وتعذيبهم وحتى قتلهم وتهجيرهم‪.‬‬ ‫ثالثا ً‪ ،‬أعلــن النظام الالشــرعي عن مجموعة‬ ‫مــن اإلجراءات الهادفة إلى الحيلولة دون عودة‬ ‫المواطنيــن األصليين إلى مناطقهم األصلية‪ ،‬من‬ ‫ذلك إحراق القيود المدنية والعقارية واالستيالء‬ ‫على العقارات التي تركها أصحابها مؤقتا ً نتيجة‬ ‫اضطرارهــم للهــرب بأرواحهــم وتوزيــع هــذه‬ ‫العقــارات على أشــخاص آخرين تحــت عنوان‬ ‫حاجتهم الماسة إلى الســكن لفقدانهم مساكنهم‪،‬‬ ‫والكل يعلم أن المســاكن الوحيدة التي فقدت هي‬ ‫مساكن أولئك الذين اضطروا للهرب تحت قصف‬ ‫جيش النظام وميليشياته نجاة بأرواحهم‪.‬‬ ‫رابعــا ً‪ ،‬ترافــق كل مــا ســلف مــع الكثير من‬ ‫أعمــال القصــف والتدميــر والقمــع والقتــل‬ ‫والتعذيب واالختفاء القسري والخطف الممنهج‬ ‫واالغتصاب واإلرهاب المنظم والتسريب المتعمد‬ ‫لمقاطع مصورة عن أعمال غير إنســانية بقصد‬ ‫زرع الرعب في قلوب فئة محددة من المواطنين‬ ‫هي المقصودة بالطرد والتهجير‪ ،‬وذلك لدفع من‬ ‫بقــي إلى الهجــرة والحيلولــة دون أن يفكر من‬ ‫هاجر بالعودة مجرد تفكير‪.‬‬

‫فإذا كانت هذه المؤشــرات قد ظهرت وهي تثبت‬ ‫بشكل قطعي التوجه الحاسم نحو تهجير السكان‬ ‫األصليين واســتقدام بدالء للحلــول محلهم على‬ ‫األرض وفــي القيــود وعلــى مســتوى المكون‬ ‫األساسي للدولة المتمثل في الشعب‪ ،‬فهنا يتوارد‬ ‫إلى األذهان الســؤال الثاني الذي طرحناه سابقا ً‬ ‫وهو‪ :‬متى بدأت هذه العملية؟ وما مداها؟‬ ‫لقد بــدأت هــذه العملية منذ عقــود ونفذت على‬ ‫مراحــل‪ ،‬ســيفاجأ البعــض وقــد ينكــر أن هــذه‬ ‫العمليــة قــد بــدأت منذ عقــود! وقد يكــون أحد‬ ‫أسباب اســتغرابه ناجما ً عن ظن وقر في صدره‬ ‫بأن توجه النظام األســدي هذا قــد بدأ كردة فعل‬ ‫علــى الثــورة وموقــف الحاضنة الشــعبية‪ .‬لكن‬ ‫المطلعــون على بواطن األمــور يدركون أن هذه‬ ‫الممارســة قديمــة ومتأصلة في ممارســات هذا‬ ‫النظام منذ نشوئه‪.‬‬

‫المرحلة األولى‪:‬‬

‫تحيط الشــكوك بأصول رأس النظام حافظ األسد‬ ‫إذ ال يعرف له من أجداده في ســوريا ســوى جد‬ ‫واحد‪ ،‬وبالتالي تســري في صفوف الســوريين‬ ‫حتــى المحيطيــن باألســد الكثيــر مــن األقاويل‬ ‫والتأويالت والشــكوك حول أصــول هذه العائلة‬ ‫والبالد التي انحدرت منها‪.‬‬ ‫وممــا زكــى هــذه الشــكوك تولــي الكثيــر من‬ ‫األشــخاص فــي عهد األســد مفاصــل هامة في‬ ‫الســلطة (رئاســة الــوزراء‪ ،‬رئاســة األركان‪،‬‬ ‫رئاســة أجهزة أمنية‪ ،‬محافظيــن‪ )...‬دون وجود‬ ‫ما يثبت أنهم سوريين منذ بضعة سنوات سابقة‬ ‫لتوليهم وظائفهم العامة‪ ،‬ولمعت في هذا المجال‬ ‫العديد من األسماء في عهد األسدين األب واالبن‬ ‫التي تناقلت األلســن أخبــار انحدارها من طائفة‬ ‫بعينها تنتسب إلى لواء اسكندرون الذي يحتوي‬ ‫علــى الكثيرين من أبناء الديانة العلوية الموالية‬ ‫لألسد‪.‬‬ ‫وقــد يتبادر إلى الذهن أن هذه ممارســات فردية‬ ‫ال ترقى إلى مســتوى التهجير والتوطين‪ ،‬ولكن‬ ‫حقيقــة الممارســة تثبت أن هؤالء المســؤولين‬ ‫كانــوا واجهــة لممارســة متأصلة تجســدت في‬ ‫إدخــال أعداد كبيرة جداً من غير الســوريين إلى‬ ‫السجالت السورية وتسجيلهم كسوريين أبا ً عن‬ ‫جد‪ ،‬وإدراج أســمائهم في قيود األحوال المدنية‬ ‫ضمن مراكز المدن الرئيســية وفي األحياء التي‬ ‫تقع ضمن أســوار المدن القديمة بحيث يظهرون‬ ‫كســوريين أصــاء منبثقيــن مــن قلــب الوطن‬ ‫تاريخيا ً وجغرافياً‪.‬‬ ‫وترافــق ذلك مــع عمل النظام األســدي بشــكل‬ ‫حثيث على اســتمالك عقــارات المالكين القدامى‬ ‫وتوزيعهــا بطريقــة جديدة بحيــث تخصص في‬ ‫معظمهــا للوافديــن الجــدد‪ ،‬كما أعطــي هؤالء‬ ‫الضــوء األخضــر لبنــاء المســاكن العشــوائية‬ ‫في عقــارات ال تعود لهم أصالً لتســهيل تملكهم‬ ‫لها مســتقبالً‪ .‬كما ترافق ذلك مــع ضغوط أمنية‬ ‫مارســتها األجهــزة المختصة بشــكل تصاعدي‬ ‫علــى الفعاليــات االقتصادية وأصحــاب رؤوس‬ ‫المــال للتخلي عن اســتثماراتهم ومغادرة البالد‬ ‫إلتاحة الفرصة للمستثمرين الجدد وفتح الملعب‬ ‫أمامهــم كامــاً‪ .‬وفــي عهد األســد االبــن قفزت‬ ‫المخططــات قفــزات جديــدة فوضعــت القوانين‬ ‫والتشريعات في خدمة هذه المخططات ولتسهيل‬ ‫اســتثمار األمــوال المنهوبة وتبييضهــا ونقلها‬ ‫إلــى الخارج وتنقلهــا بين الــدول بغرض خدمة‬

‫المشــاريع الخاصة للنظام ومقربيــه‪ ،‬وزاد ذلك‬ ‫مــن قــدرة النظــام االقتصاديــة وإمكانية فرض‬ ‫مشــاريعه الداخليــة فــي إطــار تغييــر الواقــع‬ ‫الديمغرافــي‪ ،‬فأرســل مندوبه محمــد إياد غزال‬ ‫(المنحدر من لواء اســكندرون أصــاً) كمحافظ‬ ‫لحمــص‪ ،‬وبادر هذا األخير عقــب وصوله بأيام‬ ‫إلى إعالن مشروعه (حلم مدينة حمص) !! كان‬ ‫هذا الحلــم بمثابة كابوس ألهالي حمص‪ ،‬فالحلم‬ ‫الكابوس يقتضي هدم مركز المدينة حيث المركز‬ ‫التجــاري ومعظــم الفعاليــات االقتصاديــة ألهل‬ ‫حمص األصليين من المســلمين الســنة‪ ،‬وإعادة‬ ‫إعمــار هــذه المنطقة بأســلوب معمــاري جديد‬ ‫ســيؤدي إلى حلول مالكين جــدداً محل المالكين‬ ‫الســابقين‪ ،‬كما سيستملك الحلم مساحات واسعة‬ ‫من أراضي المسلمين السنة األكثر خصوبة تمتد‬ ‫من بحيرة قطينة فــي الجنوب الغربي من مدينة‬ ‫حمص إلى شمال شــرقي تلك المدينة‪ ،‬وبغرض‬ ‫التغلب على أية ممانعة من المالكين والتي بدأت‬ ‫معالمهــا في الظهور ولتســخير المشــروع في‬ ‫خدمة كبار المسؤولين والمستثمرين فقد أصدر‬ ‫(رئيس البالد) قانونا ً تحت اســم قانون التطوير‬ ‫العمراني‪ ،‬ويســمح هذا القانون للذين يسجلون‬ ‫أنفســهم أو شــركاتهم كمطورين عمرانيين بأن‬ ‫يقدموا مخططــات ألي منطقة عقارية مهما كان‬ ‫نوعها أو عمر البناء فيها‪ ،‬وتقوم الدولة عندها‬ ‫بتشــكيل لجنــة لتقدير قيمــة العقــارات في تلك‬ ‫المنطقــة وإخالئها من ســاكنيها عنوة في مقابل‬ ‫القيمــة المقدرة لعقاراتهم أو اعتبارهم شــركاء‬ ‫في رأســمال المشــروع بما يعادل قيمة حصتهم‬ ‫والتــي لن تعادل شــيئا ً على اإلطــاق إذا اكتمل‬ ‫المشروع‪.‬‬ ‫لكن الذي لم يكن بحســبان ذلــك النظام أن يكون‬ ‫تدبيــره ســببا ً فــي انطــاق شــرارة تدميرية ال‬ ‫تبقــي وال تذر‪ ،‬ولئن كانت درعا شــرارة الثورة‬ ‫فــإن حمص كانــت مادتها المتفجــرة‪ ،‬فقد اندفع‬ ‫أبناؤها المحقونين بالممارســات التعسفية التي‬ ‫مارستها السلطة ورجاالتها و(الطائفة المميزة)‬ ‫مــن خــال احتــكار الســلطة والوظيفــة العامة‬ ‫والمصالح االقتصاديــة وهيمنة األجهزة األمنية‬ ‫ومن ثم محاولة ســلب األمــاك الخاصة‪ ،‬اندفع‬ ‫أبناء حمص في مظاهرات عارمة رســمت أولى‬ ‫مالمــح الثــورة الســورية‪ ،‬لقد كان ذلــك بمثابة‬ ‫طلقة الرحمة التي أعلنــت وفاة المرحلة األولى‬ ‫سريرياً‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪:‬‬

‫لقــد حاول األســد االبــن إنعاش مشــروع حلمه‬ ‫وحلم طائفته في اســتكمال االستيالء على مدينة‬ ‫حمص‪ ،‬لذلك واصل تمســكه بمحمــد إياد غزال‬ ‫كمحافــظ لحمــص رغــم تصاعــد االحتجاجــات‬ ‫الشعبية المطالبة بإسقاط المحافظ‪ ،‬ولكنه اضطر‬ ‫الحقا ً الســتبداله مكرهاً‪ ،‬كان تمسكه هذا مكابرة‬ ‫وعنجهيــة‪ ،‬كمــا كان مؤشــراً علــى االســتعداد‬ ‫للذهاب بعيداً في طريق رفض المطالب الشعبية‪.‬‬ ‫وعندمــا أيقــن النظــام اســتحالة تحقــق حلمــه‬ ‫باالســتراتيجيات الهادئة اســتبدل اســتراتيجيته‬ ‫وقرر التنفيذ عنوة‪ ،‬وأصدر أوامره باستخدام كل‬ ‫الوســائل التدميرية لهدم مــا كان يأمل في هدمه‬ ‫بالطرق الخداعية‪.‬‬ ‫وتحــت أنظــار العالم‪ ،‬وفــي ســابقة تاريخية لم‬ ‫يشــهد لها التاريخ المعاصر مثيالً‪ ،‬شــرعت آلة‬ ‫التدميــر األســدية في قتل وتهجير البشــر وهدم‬

‫الحجر‪ ...‬لم يصدق السوريون أعينهم وهم يرون‬ ‫جيشهم يفتك بهم‪ ،‬وأســلحتهم التي دفعوا ثمنها‬ ‫من مســتوى معيشــتهم لتحميهم من غدر العدو‬ ‫توجه إلى صدورهم ورؤوسهم‪ ،‬لقد حاصرت آلة‬ ‫عسكرية متكاملة ومدججة بكل صنوف األسلحة‬ ‫حي بابا عمرو السكني الفقير في حمص ومنعت‬ ‫ســكانه مــن الخروج وشــرعت فــي هدمه فوق‬ ‫رؤوس ســاكنيه‪ .‬ومــن بين ســكان الحي الذين‬ ‫يزيد عددهم عن ثالثين ألفا ً من الرجال والنساء‬ ‫واألطفــال كان هنــاك فقــط بضــع عشــرات من‬ ‫الشبان المســلحين‪ ،‬ولم تكن أســلحتهم تتجاوز‬ ‫بضــع بنادق صيــد أو بنادق كالشــينكوف أو آر‬ ‫بــي جــي‪ ،‬وكان يتناوب علــى الســاح الواحد‬ ‫مجموعــة منهم‪ ،‬ورغم ذلــك فقد قاوموا الجيش‬ ‫العرمرم لمدة شهر كامل وهم ينتظرون تحركات‬ ‫(المجتمــع الدولــي والقانون الدولي اإلنســاني‬ ‫والضمير العام العالمي) !!!‬ ‫وعندمــا تبين لهم أنهم (فــي انتظار غودو) وقد‬ ‫نفــذت ذخيرتهــم‪ ،‬انســحب الثوار المســلحون‪،‬‬ ‫ودخــل الجيــش وميليشــياته الحي واســتكملوا‬ ‫مسيرة القتل واالعتقال والتدمير‪ .‬ثم راح النظام‬ ‫ومن يقف وراءه يفتعلون األحداث في هذا الحي‬ ‫وذاك متنقلين بين األحياء في اســتكمال لمسيرة‬ ‫التدميــر والتشــريد والتهجير‪ ،‬حتــى إذا انتهت‬ ‫أعمال القصف وهدأت األصوات حينا ً عاد بعض‬ ‫األهالي لتفقد ما تبقى من بيوتهم فوجدوا البيوت‬ ‫القليلــة التــي ال تزال صالحة للســكن محتلة من‬ ‫قبل غرباء مسلحين‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪:‬‬

‫ومــع توالي فصول المرحلــة الثانية في مختلف‬ ‫المدن فقد شــرع سماســرة النظام فــي المرحلة‬ ‫الثالثــة‪ ،‬وتتمثــل هــذه المرحلة فــي البحث عن‬ ‫المشــردين في الداخل والمهجرين في الخارج‪،‬‬ ‫والســعي الســتغالل يأســهم وظروفهــم المادية‬ ‫القاســية وإلقناعهــم ببيــع عقاراتهــم لتجــار‬ ‫مســتعدين لشــرائها رغم ظروف الحرب والهدم‬ ‫ووجــود إشــارات الحجــز!! وراجــت فــي هذا‬ ‫المعرض أســماء مشــهورة تتدلى من رؤوسها‬ ‫لحــى عرفــت بتجارتها فــي الدين وبيعهــا للقيم‬ ‫واألخالق والمبادئ‪.‬‬ ‫لقد بات الســوريون أمام نمط اســتيطاني مخطط‬ ‫وخارجــي تســتوطن فيه جماعة بشــرية غريبة‬ ‫أرضهــم‪ ،‬علــى الرغــم مــن إرادة المواطنيــن‬ ‫األصليين سكان تلك األرض‪ ،‬مع شعور بالتفوق‬ ‫العرقي عليهم‪ ،‬وممارســة شتى ضروب التمييز‬ ‫العنصــري‪ ،‬وإنكار وجــود المواطنين األصليين‬ ‫القومــي وادعــاء الحــق التاريخــي واســتخدام‬ ‫العقيدة لتغطية المطامع االستعمارية‪.‬‬ ‫لكــن (النظــام) الــذي أغــرق البالد فــي دوامة‬ ‫الفوضى هذه‪ ،‬قد فقد ســيطرته وسلطته لصالح‬ ‫داعميــه الخارجييــن‪ ،‬وفقــد شــباب مؤيديه من‬ ‫طائفتــه‪ ،‬وال زال يتابــع حربا ً ســتفقده من بقي‪،‬‬ ‫وســتدخل إن لم تكن أدخلــت مؤيديه من طائفته‬ ‫في صراع على الســيطرة والســلطة مع مؤيديه‬ ‫مــن الخــارج بعد أن تكــون حربه مع شــعبه قد‬ ‫أنهكته بشكل كامل‪.‬‬ ‫إنهــا ذات خطــوات بنــي صهيون فــي احتاللهم‬ ‫لفلســطين‪ ،‬اســتعماراً واســتيطاناً‪ ،‬فهــل نحــن‬ ‫متعظون؟ وماذا نحن فاعلون؟؟‬


‫الكتائب العـددالتاسع والعشـرون ‪2014/05/15‬‬

‫إضاءات‬

‫‪10‬‬

‫الوسطية بين اإلفراط والتفريط‬ ‫إعداد‪:‬الشيخ أبو الحسن‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫وســطية اإلســام تســتلزم االبتعــاد عــن اإلفراط‬ ‫والتفريط في كل شيء‪ ،‬ألن الزيادة على المطلوب‬ ‫فــي األمر إفــراط‪ ،‬والنقص عنه تفريــط‪ ،‬وكل من‬ ‫اإلفراط والتفريط خروج عن جادة الطريق ‪.‬‬ ‫فوسطية اإلســام تقتضى إيجاد شخصية إسالمية‬ ‫متزنة تقتدي بالســلف الصالح في شــمول فهمهم‬ ‫واعتدال منهجهم وســامة ســلوكهم مــن اإلفراط‬ ‫والتفريــط‪ ،‬والتحذيــر من الشــطط فــي أي جانب‬ ‫مــن جوانب الدين‪ ،‬والتأكيد علــى النظرة المعتدلة‬ ‫المنصفــة والموقــف المتــزن مــن المؤسســات‬ ‫واألشخاص في الجرح والتعديل‪.‬‬ ‫فوســطية اإلســام تلزم األمة اإلســامية بمقاومة‬ ‫الغلــو والتطرف في الديــن‪ ،‬ورد الغالة إلى منهج‬ ‫االعتدال والحكمة‪ ،‬ورعاية حقوق نفســه وحقوق‬ ‫غيره‪ ،‬وحينما نتحدث عن وســطية اإلسالم يتبادر‬ ‫إلى أذهاننا ما يقابلها من كلمة ســائدة على ألسنة‬ ‫الناس اليوم وهي التطرف الديني‪ ،‬فاإلسالم يدعو‬ ‫إلى الوســطية ويحذر من التطــرف بجميع صوره‬ ‫وأشكاله ‪.‬‬

‫فالنصوص اإلســامية تدعو إلــى االعتدال وتحذر‬ ‫مــن التطرف‪ ،‬وتعبر عنه بعــدة ألفاظ منها ‪ :‬الغلو‬ ‫والتنطع والتشديد‪ ،‬فمن خالل تلك النصوص أصبح‬ ‫من الواضح الجلي أن اإلسالم ينفر أشد النفور من‬ ‫هذا الغلو ويحذر منه أشد التحذير ‪.‬‬ ‫ب الَ تَ ْغلُو ْا فِي ِدينِك ْمُ‬ ‫قــال تعالى ‪ (( :‬قُ ْل يَا أَ ْه َل ا ْل ِكتَا ِ‬ ‫ضلُّو ْا ِمن قَ ْب ُل‬ ‫َغ ْيــ َر ا ْل َح ِّ‬ ‫ق َوالَ تَتَّبِ ُعو ْا أَ ْه َواء قَ ْو ٍم قَ ْد َ‬

‫ويقــول شــيخ اإلســام ابن تميــة ‪ :‬قولــه «إياكم‬ ‫والغلــو في الدين» عام في جميــع أنواع الغلو في‬ ‫االعتقادات واألعمال ‪.‬‬ ‫وعن ابن مســعود قــال قال رســول هللا صلى هللا‬ ‫عليه وســلم ‪ (( :‬هلــك المتنطعون « قالها ثالثا ))‬ ‫أي المتعمقــون المجــاوزون الحدود فــي أقوالهم‬ ‫وأفعالهم ‪».‬‬ ‫عــن أنس بن مالك ان رســول هللا صلى هللا عليه‬ ‫وســلم يقول‪ (( :‬التشــددوا على أنفســكم‪ ،‬فيشدد‬ ‫عليكــم‪ ،‬فــإن قومــا ً شــددوا على أنفســهم فشــدد‬ ‫عليهم))‪.‬‬ ‫قــال تعالــى ‪ (( :‬يَا بَنِــي آ َد َم ُخ ُذو ْا ِزينَتَ ُكــ ْم ِعن َد ُك ِّل‬ ‫ســ ِرفُو ْا إِنَّهُ الَ يُ ِح ُّب‬ ‫ــج ٍد و ُكلُو ْا َواشْــ َربُو ْا َوالَ تُ ْ‬ ‫َم ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ســ ِرفِينَ ))‪ .‬وقال تعالى ‪ (( :‬يَا أَيُّ َها الَّ ِذينَ آ َمنُو ْا‬ ‫ا ْل ُم ْ‬ ‫للاُ لَ ُك ْم َوالَ تَ ْعتَدُو ْا إِنَّ ّ‬ ‫ت َما أَ َح َّل ّ‬ ‫الَ ت َُح ِّر ُمو ْا طَيِّبَا ِ‬ ‫للاَ‬ ‫يل ))‪.‬‬ ‫س َواء ال َّ‬ ‫ضلُّو ْا عَن َ‬ ‫ضلُّو ْا َكثِي ًرا َو َ‬ ‫َوأَ َ‬ ‫سبِ ِ‬ ‫الَ يُ ِح ُّب ا ْل ُم ْعتَ ِدينَ ))‪.‬‬ ‫ب الَ تَ ْغلُو ْا في دين ُكم‬ ‫وقــال تعالى ‪ (( :‬يَا أَ ْه َل ا ْل ِكتَــا ِ‬ ‫ِ ِ ِ ْ وقــد اتضح مــن النصــوص الشــرعية المذكورة‬ ‫َوالَ تَقُولُو ْا َعلَى ّ‬ ‫ق ))‪.‬‬ ‫للاِ إِالَّ ا ْل َح ِّ‬ ‫وغيرها أن اإلســام منهج وســط في كل شــيء‪،‬‬ ‫وعن ابن عباس رضــي هللا عنهما أن النبي صلى‬ ‫في التصور واالعتقاد والتعبد والتنســك واألخالق‬ ‫هللا عليه وســلم قــال ‪ (( :‬إياكم والغلــو في الدين‪،‬‬ ‫والسلوك والمعاملة والتشــريع‪ ،‬وينهى عن الغلو‬ ‫فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين ))‪.‬‬ ‫والتطرف ‪.‬‬

‫الشهيد محمد طيب إسماعيل الغزال (أبو الطيب)‬ ‫ق‬ ‫في الشــهباء حلب‪ ..‬يتــأألُ كل‬ ‫صباح نو ٌر ينبث ُ‬ ‫ٍ‬ ‫جليل‪ ،‬لم تثنه ســني عمره عن‬ ‫شــيخ‬ ‫من عيني‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الجهــاد في ســبيل هللا‪ ،‬ولــم تقعده شــيبته عن‬ ‫نصرة ديــن هللا‪ ،‬ولم يوقفه حب الحياة عن فداء‬ ‫الوطــن بروحــه ومالــه‪ ،‬ولم يمنعــه ضعفه من‬ ‫تحفيز همم الشــباب‪ ،‬وفي إصرار منقطع النظير‬ ‫لحمل الســاح ضد الظلــم جمع أحبابــه وأبنائه‬ ‫وأحفاده شــكل كتيبة هو قائدها‪ ،‬سماها «أحباب‬ ‫المصطفى»‪.‬‬ ‫إنه الشــيخ المجاهد القائد البطل الشــهيد محمد‬

‫طيب إســماعيل الغزال (أبو الطيــب)‪ ،‬الملقب بـ خرجت أكثر من مرة إشاعات تفيد بمقتل الشيخ‪،‬‬ ‫«شــيخ المجاهديــن الســوريين»‪ ،‬والبالــغ من وقد نفاها الشيخ‪.‬‬ ‫العمر‪ 70‬عاماً‪ ،‬من مدينة الباب األبية‪.‬‬ ‫وجــه شــيخ المجاهدين رســالة للحــكام العرب‬ ‫ســئل العم أبو الطيب ذات مرة عن ســبب حمله والمســلمين‪ ،‬وقال قولته الشــهيرة التي تذكرنا‬ ‫ُ‬ ‫للســاح والقتال فأجــاب إجابت ِه الشــهيرة التي بالبطل عمر المختار‪( :‬نحن بركان إما الشــهادة‬ ‫حفظهــا الكبير والصغير‪ »:‬خرجت ألمور ثالثة‪ :‬عن بكرة أبينا أو النصر)‪.‬‬ ‫لطلــب الشــهادة ولرفــع كلمــة هللا ألن هــؤالء‬ ‫يخــش فــي هللا لومة الئــم فوجــه العديد من‬ ‫يُقاتِلوننا في ديننا‪ ،‬ولرفع همم الشباب القاعدين لــم‬ ‫َ‬ ‫الرســائل للطاغية بشــار‪ ،‬كانت إحداها‪« :‬أوجه‬ ‫‪ ،‬والثالثة أبقيـها سراً بينــي وبين اللــه»‪.‬‬ ‫رســالة لهذا الذي يسمي نفســه أسداً‪ ،‬وهو خلد‬ ‫بصدق فنالها بعد عام من الجهاد وأصغــر مــن الخلــد‪ ،‬وأقول لــه‪ :‬كل نار تشــب‬ ‫تمنى الشــهادة‬ ‫ٍ‬ ‫ب في العشــرين‪ ،‬يستطيع اإلنســان إخمادها أو الحد من نشاطها‪،‬‬ ‫مقبــاً غير مدب ٍر‪ ،‬بعزيمة شــا ٍ‬ ‫ض خط علــى جدرانه‪ :‬هللا ثم الوطن‪ ،‬أما ثوراتنا فهي بركان ال أحد يســتطيع أن يقرب‬ ‫وبقلــ ٍ‬ ‫ب أبي ٍ‬ ‫وبتصميــم فوالذي نــادر في هذا الزمــن‪ ،‬اختار منهــا إال ويحتــرق‪ ،‬كبيــراً كان أو صغيراً‪ ،‬وكل‬ ‫لنفســه القتال بشــجاعة وثبات في الصف األول دول العالم ال تستطيع إخماد هذه الثورة»‪.‬‬ ‫من الجبهة‪.‬‬ ‫كان يقــوم بمهــام القائد بعزيمة وقــوة كتغطية وفــي يــوم اإلثنيــن ‪ ،2013/03/25‬وأثنــاء‬ ‫ت مشــاركته في اقتحــام األبنية التــي تتمركز فيها‬ ‫أفراد الكتيبة أثناء انتقالهم من مبنى آلخر مرا ٍ‬ ‫عــدة‪ ،‬وتعامل مــع الجميــع بأخالقــه الفاضلة‪ ،‬قوت النظام في حي سيف الدولة سدد له القناص‬ ‫رصاصةً زفته شهيداً‪.‬‬ ‫وصفاته الكريمة‪.‬‬ ‫رحل شيخ وظلت شمسه تشرق على المجاهدين‬ ‫صباح؛ لتكون نبراسا ً يضيء طريقهم‪.‬‬ ‫اشتهر شيخ المجاهدين بخفة الظل‪ ،‬واالبتسامة كل‬ ‫ٍ‬ ‫التي تزين وجهه المنير‪ ،‬ورواية الكثير من‬ ‫القصائد واألشعار الحماسية‪.‬‬ ‫وقد حاول النظام قتل صموده فباء بالفشل‪ ،‬حيث‬


‫الكتائب العـدد التاسع والعشـرون ‪2014/06/15‬‬

‫الصفحـة األدبـيـــة‬

‫‪11‬‬

‫معتقلــة‬

‫بقلم‪ :‬بشار إدلبي‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫كان من حســن حظّها تقلّبها بين غيبوبة وصحو‬ ‫بعــد توقفهــا عن الشــراب أيضــا ً فــي اليومين‬ ‫األخيريــن‪ ،‬لم يكترث لهــا أحد‪ ،‬انزوت كل منهن‬ ‫بمــا على وجهها مــن أخاديد أظافــر‪ ،‬وبما طبع‬ ‫عض‪ ،‬إال أصغرهن التي‬ ‫على جسدها من دوائر‬ ‫ٍّ‬ ‫لم تتعدى السابعة عشرة‪ ،‬غير أنّها كانت حنونة‬ ‫كأ ّمة‪ ،‬تزود عنها الحمى‪ ،‬تترقّب دقائق الغيبوبة‬ ‫لتحمــل بكفيها ‪ -‬المثقلتين بآثــار العض ‪ -‬الماء‬ ‫تســكب منه في فمها تارة وتريقــه على وجهها‬ ‫وجســدها في أخرى‪ ،‬قبــل أن تمتنع في صحوها‬ ‫عنه‪ ،‬فإذا أفاقت جلســت قربها تمسح بيدها على‬ ‫رأســها وتتمتم بشــفتيها‪ ،‬ظلّــت تتقاذفها نيران‬ ‫الحمــى راقدة في قاع الغيبوبــة‪ ،‬يخنق األنفاس‬ ‫غيظ فتجهد‬ ‫في صدرها ما جثــم فوقها من جبال ٍ‬ ‫كثيــراً لســرقة بعضهــا‪ ،‬كلمــا وعت مــا حولها‬ ‫تراجعت جهنم إشــفاقا ً من نيرانهــا‪ ،‬وتدفق من‬ ‫جانبي عينيها تياران من الحمم‪ .‬تئنّ في صحوها‬ ‫عبثاً‪ ،‬تحاول حبس أنفاســها قبل أن تسعف بقايا‬ ‫جسدها المحطم شــهقةٌ تعيده مرغما ً إلى شظف‬ ‫الحياة‪ .‬تخبئ لها حصتها من فتات الطعام‪ ،‬وتظ ّل‬ ‫تهمــس في أذنهــا‪« :‬الزم تاكلي حــرام اللي عم‬ ‫تسويه بحالك»‪ ،‬فتر ّد زمردتان خضراوان احم ّر‬ ‫واسو ّد ما حولها بشاللين أسودين‪.‬‬ ‫فــي تلك الليلة تمنّت جميعهــن أن ال يأتي عليها‬ ‫الصباح‪ ،‬وتوقعنّ ذلك‪ ،‬لم يجرؤ السجانون على‬ ‫االقتراب مــن زنزانتها‪ ،‬وعلى الرغم من منعهم‬ ‫حتى للهمس‪ ،‬تقطع سكونهن القسري بصرخات‬ ‫مطلقةً معها رصاص كلمات ســريالية ال يجمعها‬ ‫شيء‪ ،‬ازدادت حرارتها وغرق جسدها بماء تينك‬ ‫ســت أنّها النهاية‪ ،‬فجلست واحتضنت‬ ‫اليدين‪ ،‬أح ّ‬ ‫رأســها وبدأت تداعب شــعرها‪ ،‬تتســابق دقات‬ ‫دموع تمر على خدوش أظاف ٍر فتلسعها‪.‬‬ ‫قلبها مع‬ ‫ٍ‬ ‫مــع خيــوط الفجــر األولى بــدأت تهــدأ ليختفي‬ ‫هذيانهــا تماماً‪ ،‬وراحــت تُخفّض تلــك المعجزة‬ ‫مــن حرارتها‪« ،‬مــا بيهمني كــون فرحان ئد ما‬ ‫بتمنى شــوف البســمة ما عم تفارء شــفايفك»‪،‬‬ ‫تغيرت تضاريس وجهها قليالً لتوحي بما يشــبه‬ ‫االبتســام‪ ،‬ثم فتحت عينيهــا‪« :‬وين أنا» تحالف‬ ‫ذلك الصوت مع قد ٍر ظنّ أنّه سينصفها تلك الليلة‬ ‫وأتوها بمواكب النصر‪ .‬حملتها وســاعدتها على‬ ‫االســتحمام‪ ،‬وتبادلت معها المالبس‪ ،‬ث ّم حرصت‬ ‫علــى إطعامهــا كامل الرغيــف‪ .‬بقيــت تتقاذفها‬ ‫رغبات الموت والبقاء حتى أرغمها ذلك الصوت‬ ‫علــى العودة إلى مضارب الحياة‪ ،‬تتل ّكم نادراً مع‬ ‫منقذتها التي انشغلت بأخرى‪ ،‬وتبقى صامتة في‬ ‫ضيق ركنها تتعاقب ماليين الفصول على روحها‬ ‫في الدقيقة‪« ،‬بدي وحدة عظيمة متل جبل رائعة‬ ‫متل حلم مســتحيلة متل أسطورة» تُفرحها كثيراً‬ ‫قبل أن تهصر فؤادها تلك الكلمات وتبلّل أطراف‬ ‫أجفانها بدمع كاد ينضب قبل أن تنفلق الذكريات‬ ‫عن مشــهدها األســطوري اقترب فيه شــاب من‬ ‫فتاتيــن في ســنتهما األولى فــي الجامعة وطلب‬ ‫التحدث مع إحداهما على انفراد‪ ،‬تجاهلنه فزجر‬ ‫إحداهــن‪« :‬ال تخافي مــا رح آكلها خمس دئايئ‬ ‫وبترجع لك»‪.‬‬ ‫ابتعدت صديقتها يحذوها الخوف‪« ،‬من اآلخر لو‬ ‫كنتي مخطوبة بدي آخدك من خطيبك‪ ،‬ولو كنتي‬ ‫متزوجة بــدي آخدك من زوجــك وما معك وئت‬ ‫تفكري هلئ بدي الجواب»‪ .‬تســقط كلماته كوابل‬ ‫مط ٍر ربيعــي على روحها‪ ،‬ال تقابلهــا بغير قليل‬ ‫وحمرة ظلّت تتماوج فوق أعالي وجنتيها‬ ‫ابتسام ُ‬

‫حتــى صرعــت بياضهمــا واســتوطنت مكانــه‪،‬‬ ‫وتتقاطر بعــض حبات اللؤلؤ على جبهتها لتؤ ّكد‬ ‫له أنّهــا ال غيرها كل الحياة‪ ،‬لم تكن تدري بماذا‬ ‫أُســرت أكثر بوســامته أم بعنفوانه أم بما يفيض‬ ‫من عينيه من استجداء يجهد في مداراته‪ ،‬وكلما‬ ‫ظهــر أكثــر ازداد ِح ّدةً محــاوالً إخفــاءه‪ .‬تركته‬ ‫غارقا ّ في أمانيه وابتعدت تخبّئ دمعتين عاكستا‬ ‫بعذوبتهما قوانين الطيبيعة‪.‬‬ ‫بعد أســبوع من تبادل النظــرات أتى مع غروب‬ ‫تلك الشــمس الخريفيــة تحمله نســمات تضفي‬ ‫برودتها الــدفء على األرواح‪ ،‬فتغلغل في بضع‬ ‫ثواني شــذاً من عبقه فــي دقائق روحها لتقترن‬ ‫منذ تلك اللحظة أطياف السعادة بمالمحه‪ ،‬وترد ّد‬ ‫فــي أرجائها صدى همســات أخبرتهــا أنّها على‬ ‫حافة منتهى األحالم‪ ،‬ال تفتأ تتذكر ذلك المشــهد‬ ‫فتداعب الســكينة قليالً ما بيــن ضلوعها قبل أن‬ ‫يحرقها جحيم الواقــع ويصعقها التفكير بالقدوم‬ ‫الحتمــي للمســتقبل‪ .‬تقبــع فــي قيعــان براكين‬ ‫تتفجــر مــن قلبهــا حمم‬ ‫الحســرات وال تبــرح‬ ‫ّ‬ ‫النــدم قبل أن يمســح عنها قليل األلــم يقينها بما‬ ‫فعلــت‪ ،‬حلم بالحرية وعــدة مظاهرات قذفوا بها‬ ‫فــي زنزانة ُملئت حقــداً‪ ،‬يتزاحمن فيها على كل‬ ‫شــيء حتــى األنفــاس‪ ،‬تتمنى إحداهــن أن تعاد‬ ‫للتعذيب هربا ً من سعير ما يعتبره السجان راحة‬ ‫لهن‪ .‬انسلخت عن واقعها وظلّت تتح ّمل التعذيب‬ ‫أجج حقد الجالدين عليها‪.‬‬ ‫ت ّ‬ ‫بصم ٍ‬ ‫عدة شهور على التخرج سيح ّل وعده عقبها‪ ،‬قبل‬ ‫أن تجــري ذلك االتصال وجمت كثيراً تصخب في‬ ‫أذنها كلماته األخيرة‪« :‬أنا هلئ مسافر عالخليج‬ ‫انتظرينــي بس ســنة وبرجع بخطبــك ومنتجوز‬ ‫وباخدك ومنســافر»‪ .‬بضعة شهور على معانقة‬ ‫حلمها لكنها ضغطت الزر األخضر وانضمت إلى‬ ‫شبكة قبل أن ترأســها وتنظّم مظاهراتها‪ ،‬آثرت‬ ‫المســتقبل على مســتقبلها‪ ،‬وصدقت كذبها عن‬ ‫خوفــه عليها ال أكثــر حين زجرهــا وطلب منها‬ ‫التوقف عن كل شيء بعد أن أخبرته بما تفعل‪.‬‬ ‫دخل ثالثة جالدين وحملوا جثّةً لفتاة عشــرينية‪،‬‬ ‫انزلــق أحدهــم فارتفــع رأســها‪ ،‬ليطــ ّل عليهن‬ ‫وجهها وقد توســدته ابتسامة تقطر السكينة من‬ ‫بهاء ضيا ٍء طغى على قسماتها‪ ،‬شهقن وانفجرن‬ ‫جميعهنّ بالبكاء‪ ،‬أنشبت أظافرها وظلّت تضغط‬ ‫علــى رأســها حتــى راحــت تقطــر الدمــاء من‬ ‫معصميها‪ ،‬كــم تمنّت لو كانت مكانها‪ .‬تتســارع‬ ‫أنفاســها وتتصارع فــي مخيّلتهــا آالف الصور‬ ‫لتسكب اللهيب فوق جمرها‪ ،‬كم من أمر يف ّر منه‬ ‫المرء ليكون لغيره غاية المنى‪..‬‬ ‫أطبق الليل مزيداً من ظالمه لتطوف مع انسحاب‬ ‫آخــر األضــواء القليل من مالمح الســكينة على‬ ‫مــا تبقى بين ظهراني تلــك الزنزانة من أرواح‪،‬‬ ‫تقوقعت على نفسها تجلدها سياط كانون لتنقذها‬ ‫صورة لشاب وفتاة ارتقيا يوما ً ما حافة الزمان‪،‬‬ ‫ينير مســاءهما ما يصــدر عن تألــق عيونهما‪،‬‬ ‫ويعطــر األجواء حولهما طهر حلمهما‪ ،‬اصطّ ّكت‬ ‫أســنانها فخلع معطفه ولفّها به‪ ،‬أحست في قاع‬ ‫زنزانتها بــدفء ذلك المعطف‪ ،‬فنامت ونســيت‬ ‫فوق شفتيها ابتسامة‪.‬‬ ‫كالــوا لها أفظــع صنــوف العــذاب‪ ،‬لتبقى على‬ ‫فجــر أحقاد شــياطين العالــم ودفقها في‬ ‫ت ّ‬ ‫صمــ ٍ‬ ‫عروق الجالد ينهال عليها ركالً وضربا ً وإذالالً‪،‬‬ ‫ث ّم يســحلها من شــعرها بعد غيابها عن الوعي‬ ‫ويكدســها جثة شــبه هامدة لتزاحــم الضيق في‬ ‫زنزانــة تشــارك ســاكنيها اآلالم قبــل أن تتك ّرر‬ ‫آثامه من جديد‪.‬‬ ‫أكــدت لــه توقفها عــن التظاهر‪ ،‬لكن لــم يتمكن‬

‫حلمهــا األصغر من مجــاراة األكبــر‪ ،‬متيقنة أنّ‬ ‫مــن كان يعشــق غيفارا ويفوح مــن مالمحه ما‬ ‫يذ ّكر بعنفوانه سيفخر يوما ً بما تفعل ‪« .‬شو بدو‬ ‫يئول» سؤا ٌل ظ ّل يتردّد صداه في رأسها‪ ،‬يخفت‬ ‫ت أعادتها‬ ‫قليــاً حين تحملها األحالم إلــى ذكريا ٍ‬ ‫للحياة ورســمت عقب ثواني اســترجاعها فتات‬ ‫بســمات انعكســت عما اعترى روحها من ظالل‬ ‫الســكينة قبل أن تدوي في رأســها تلك الكلمتان‬ ‫اآلثمتان من جديد‪.‬‬ ‫دخل شبح وقرأ اسمها مع ستة أخريات‪ّ ،‬‬ ‫تأخرت‬ ‫تعب آخر الصور لمطبّبتها‪ ،‬يتزاحم‬ ‫عنهنّ لثواني ّ‬ ‫علــى وجههــا مزيج مــن المشــاعر المنتاقضة‬ ‫في صورة ســريالية تتعارك فيهــا دموع الحزن‬ ‫والفرح‪ ،‬ويزيد في ألغازها منظر شفتين تضيعان‬ ‫بين ابتسام وشهقات تنبئ بلحظة الفراق‪ .‬أغمي‬ ‫عليها لمــا عرفت أنّ أمامهن عدة ســاعات قبل‬ ‫اإلفــراج عنهــن‪ ،‬وبقيت متكومــة ترتجف فوق‬ ‫كرســيها كمن يســاق إلى اإلعدام‪ ،‬لم تكن تدري‬ ‫هــل وضعها القدر مع المفــرج عنهن في صفقة‬ ‫لتبادل األسرى أم الرغبة في التخلص منها‪.‬‬ ‫خمســة عشر شــهراً من لهيب الحســرات أذاب‬ ‫جســدها وأبقى فيه القليل من شــظايا الروح‪ ،‬ال‬ ‫شــيء غير تعاقب األنفاس يربطــه بالحياة‪ ،‬في‬ ‫ت يهيم فؤادها في أكوان الحســرات واآلالم ال‬ ‫وق ٍ‬ ‫يبغي الخالص‪ ،‬وكأن األقدار ترســل بنبوءاتها‪.‬‬ ‫رأت الشــمس ألول مرة بعد تلك الشــهور وهي‬ ‫تغيب‪ ،‬وبدأ يزداد رجفانها‪ .‬غدت ثقيلة أنفاســها‬ ‫كجبل قبل أن تزاحمها بعض الشــهقات التي أبت‬ ‫توليــد الدموع‪ .‬ســاعة من المشــي تفصلها عن‬ ‫منزلها‪ ،‬أخذت منها أربع ســاعات ث ّم ظلّت تدور‬ ‫حوله متردّدة‪ ،‬حسم البرد الشديد أمرها وطرقت‬ ‫الباب‪ ،‬لم يبق سوى أبويها وأختها الصغرى بعد‬ ‫أن هاجــر إخوتها‪ ،‬لم تطل ثواني الدموع ووهج‬ ‫العنــاق حتى أخذ الجميع مســافته منها يحدقون‬ ‫فيها‪ ،‬تداعب محبسا ً في بنصرها األيمن وتقول‪:‬‬ ‫ت‬ ‫«شو صار معك جوا»‪ ،‬في أجوا ٍء مريع ٍة لصم ٍ‬ ‫متحف ٍز جفــت حتى دموع والدتها‪« ،‬تعذيب بس‬ ‫أنا لسا متل ما أنا»‪.‬‬ ‫تركتهم الحتفاالتهم وقذفت بنفسها على سريرها‬ ‫تعتمــل فــي جمجمتهــا كهرباء العالم وتتســابق‬ ‫رمــاح األوليــن واآلخرين في نهــش صدرها‪،‬‬ ‫«انتي أحلى شي صار لي بحياتي» لم يتأتّى عن‬ ‫تلــك الكلمات التأثير الســحري المعتاد وقد بدأت‬ ‫رياح الواقع تهب على عوالم أحالمها‪.‬‬ ‫راعهــا تركها لعــدة أيــام دون تعذيــب‪ ،‬اقتادها‬ ‫الجــاد إلــى غرفة المحقــق معصوبــة العينين‪،‬‬ ‫أجلســت علــى كرســي‪ ،‬ســاد الصمــت لدقائق‪،‬‬ ‫انفجــر بعدهــا بكيل التهــم والســباب‪ ،‬ثم انقض‬ ‫مســعوراً يضــرب رأســها حتــى أغمــي عليها‪.‬‬ ‫أفاقت لتجد نفســها عارية في ســرير‪ ،‬وجسدها‬ ‫مثقــل بالكدمات‪ ،‬وكل جزئيّة فيــه تؤلمها‪ .‬ألول‬ ‫مــرة انفجر صوتها مدويا ً ليزلــزل المكان‪ .‬دخل‬ ‫ثالثــة كالب‪ ،‬خافــت واختبــأت تحــت الغطــاء‪،‬‬ ‫ظلّوا يضربونها ويشــدون الغطاء ويركلونها ثم‬ ‫خرجوا‪ ،‬رموها في زنزانة واســعة استلقت على‬ ‫وجهها لدقائق وجسدها ينضح بالكدمات‪ ،‬وعلى‬ ‫نــزف تحت الجلــد تنتجه‬ ‫ســاعدها األيســر آثار‬ ‫ٍ‬ ‫إبرة‪ ،‬ســكبت النيران فوق لهيبها عبثا ً تستجدي‬ ‫إخمــاد جحيمها‪ ،‬ثــم انتفضت تصــرخ وتضرب‬ ‫الباب‪ ،‬وراح صوتها يكسر صمت القسري اآلثم‬ ‫«بدي شــوف رئيــس الفرع»‪ ،‬يدخــل الجالدون‬ ‫ويســحبونها ثــم يقذفونها مغمى عليها ســابحة‬ ‫فــي دمائها‪ ،‬ثم ما إن تفيق حتى تعود لصراخها‪،‬‬ ‫لتبقى تدور في حلقات التعذيب والصراخ‪ .‬ضاقت‬

‫بها ذرعا ً السجينات‪ ،‬فانضممن إلى الجالدين في‬ ‫ضربها‪ ،‬فأنشــبت أظافرها في وجوههم وراحت‬ ‫تعض من تصل إليها ال تفرق بين من يدفع عنها‬ ‫ومــن يضربها‪ ،‬ظلّــت تتقاذفها أمــواج التعذيب‬ ‫والصراخ حتى سقطت في قاع الحمى‪.‬‬ ‫ظنّت أنّها الدعوة المليون لتناول العشــاء‪ ،‬لكنها‬ ‫كانــت األمر األول بإعداد حقائبها‪ ،‬تداعب خيوط‬ ‫الفجــر األولى خجلى جبين مدينــ ٍة يؤ ّرقها كثيراً‬ ‫جميــل‪ ،‬متجاهلة مــا يدوي من‬ ‫حلم‬ ‫ٍ‬ ‫ســلبها من ٍ‬ ‫القذائف ويئ ّز الرصاص في ضواحيها‪ ،‬أســندت‬ ‫رأســها إلى زجاج النافذة ترتد إليه عدة ضربات‬ ‫إثر ك ّل مطب تســتجدي آالما ً تدفع بها أخرى‪ ،‬لم‬ ‫تكــن متأكــدة أنّ نزوحهم خوفا ً عليهــا أم منها‪،‬‬ ‫تقــود أ ّمها الســيارة بعزم ينقــص الكثيرين من‬ ‫الرجــال‪ ،‬أمــا أبوهــا فلم يعــد يدري أيهــم يهزه‬ ‫أكثــر‪ ،‬الباركنســون أم رعــب الحواجــز‪ .‬ثبّتت‬ ‫األخت بصرها إلى األمام ولم تُ ِز ْغهُ حتى غادروا‬ ‫س من عــادت إليه الحياة وكأن‬ ‫البــاد‪ ،‬فعبّت نَفَ َ‬ ‫تلــك الكيلو مترات كانت تفصلهــا عنها‪ ،‬أدركت‬ ‫اقتراب دفن تلك الفتــاة الحالمة ولم يعد ينقصها‬ ‫سوى برهان واحد‪.‬‬ ‫ليس أشد ألما ً من الحزن سوى التتظاهر بسعادة‬ ‫فرض عليها إبداؤها أمــام عائلتها هربا ً بها من‬ ‫سياط الش ّك في نظراتهم‪.‬‬ ‫لــم يكــن ليخفى عليهــا قرا ٌر يصرخ بــه بروده‬ ‫وتجاهله‪ ،‬ولكن الحقائق الكبرى تحتاج لبراهين‬ ‫أكبــر‪ ،‬قطعت جملة واحــدة ك ّل الحجج والذرائع‬ ‫وقذفته خالل أسبوع في ذلك المطار‪:‬‬ ‫«معروض عليي مقابلة‪ ،‬بدي احكي ئصتي كلها‬ ‫وخبرهم عن اللي علمني مين هاد غيفارا»‪.‬‬ ‫انتظرته باكراً أمام مقهى رفضت دعوته لدخوله‪،‬‬ ‫ارتعــش لحظــة رؤيتها واشــتعل به ألــ ٌم وكأنه‬ ‫اصطدم بقطار بثقل جحيم لم تتمكن أسراب الجراد‬ ‫وشهور السجن من جمالها‪ ،‬لكنها أورثتها نحالً‬ ‫زادها ألقا ً وال يزال يعبق من حولها سح ٌر تتدفق‬ ‫بدمــوع ال تفتأ تأبى‬ ‫عيون مملوء ٍة‬ ‫أنهــاره من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إطالق ســراحها‪ ،‬تحفّها هالة ّ‬ ‫أخــاذه تنير درب‬ ‫س تصارع الضباب‪ ،‬يتأخر عن‬ ‫بقايا أشــعة شــم ٍ‬ ‫خطواتها ليســترق آخر النظرات منها‪ ،‬كســرت‬ ‫تنهيــدة منه عدة دقائق من الصمت‪« :‬الحياة مو‬ ‫متل ما كنــا مفكرينها‪ ،‬ما منئدر نطلع من واقعنا‬ ‫أو ننسلخ عن المجتمع من حوالينا»‪،‬‬ ‫بدأت تتحول كل ذكرياتها وعوالمها إلى سراب‪.‬‬ ‫«أنــا بالنهاية بشــر ومــا بئدر غيــر اتعامل مع‬ ‫النتائج «‪.‬‬ ‫راح صوته يخفت ويخفت ثم تالشى مع كل شيء‬ ‫جميــل مــن ماضيها تبتعد عنه‪ ،‬أكثــر ما يؤلمها‬ ‫ســهام الشــفقة في نظراتــه تزيد في ســرعتها‬ ‫لتنســلخ عــن آخــر أحالمها وقــد بــدأت تضيع‬ ‫مالمحــه في الضباب‪ ،‬وأيقنت أخيراً أنّه لن يأتي‬ ‫ليزرع األحــام على صخور الواقــع فتزهر‪ ،‬لو‬ ‫كانت تعرف أنّ الســام ال يعقب دائما ً كل حرب‬ ‫ســرت بذلــك لندمها‪ ،‬ما‬ ‫لما اقتحمت معركتها‪ ،‬أ ّ‬ ‫أفظع أن يفقد المرء إيمانه بنفسه‪.‬‬ ‫محطمةً يرقد اليأس في بقايا ترغمها على عبور‬ ‫جســر الحياة بعد أن انســكبت على حافة حلمها‬ ‫آخر قطرة من دما ٍء كم تمنّت أن تتقاســمها معه‪،‬‬ ‫أربع وعشــرون سنةً لم تعد تجد الفرح بين ثنايا‬ ‫صحاريهــا إال في صورة لرجل يحمل فوق كتفيه‬ ‫طفلةَ الرابعةَ غارقةً في ضحكات متعاقبة يجري‬ ‫بها يالحقه عدد من األطفال ويصرخون «بابا بابا‬ ‫دوري دوري»‪ ،‬فيــردّ‪« :‬أل هلئ دور أميرتي»‪،‬‬ ‫يمكن ألي شخص أن يدفع أثمان الخسارة ولكن‬ ‫ال يستطيع الجميع تحمل ذلك‪.‬‬


‫الكتائب العـددالتاسع والعشـرون ‪2014/05/15‬‬

‫الورقـــة األخيــرة‬

‫‪12‬‬

‫أبـو الـفـاروق السـوري‬ ‫إعداد‪ :‬عبد الرزاق زقزوق‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫أبو فاروق شاب من الساحل السوري‪ ،‬كان طالبا ً‬ ‫في المرحلــة الثانوية عند اندالع ثورة الكرامة‪،‬‬ ‫وقــرر االنخراط فــي صفوف الثــورة مهما كان‬ ‫الثمن‪ ،‬فاضطر لترك دراســته وتــرك منزله في‬ ‫سبيل تحقيق هدفه األسمى‪ ،‬حرية الوطن‪.‬‬ ‫كغيره من شــباب الوطن كان أبو فاروق يشــعر‬ ‫بالغربــة في بلــده‪ ،‬الذي تح ّول إلــى غابة البقاء‬ ‫فيهــا لألقــوى على حد قوله‪ .‬عانــى ما عناه من‬ ‫فســاد النظام وأعوانه‪ ،‬والذيــن كانوا يتحكمون‬ ‫برقاب الشــعب وأرزاقه‪ ،‬ولم يكــن يملك الجرأة‬ ‫علــى نقــد الخطــأ مهمــا كان «كنــا نعيــش في‬ ‫جمهورية الخــوف‪ ،‬إن نطقت بكلمة منتقداً أحداً‬ ‫من أعوان األســد فذلك معناه أن يقطع لســانك‪..‬‬ ‫أي خوف زرعه فينا هذا النظام المجرم!!»‪.‬‬ ‫بــدأ الثــورة متظاهــراً ســلمياً‪ ،‬وشــارك بجميع‬ ‫المظاهــرات التــي جــرت فــي بلدته‪ ،‬ثــم بدأت‬ ‫مســاهمته الفعالة في تنظيــم المظاهرات وكتابة‬ ‫الالفتات التي ترفع أثناءها‪ ،‬ثم المشاركة بنشرها‬ ‫على شبكة االنترنت‪.‬‬ ‫تحول أبو فاروق إلى العمل كإعالمي مع الكتائب‬ ‫العســكرية‪ ،‬فتوحش النظام فــرض على الجميع‬ ‫حمل السالح للدفاع عن النفس‪.‬‬ ‫يعتبــر أبو فاروق أن إعالم الثورة مازال مبتدءاً‬ ‫ويحتاج إلى الكثير من الجهد ليصل إلى مستوى‬

‫مقبول يســتطيع من خالله تمثيل الثورة وإعطاء‬ ‫الصورة الصحيحة عنها‪.‬‬ ‫يحــن أبــو فــاروق إلــى أيــام التظاهر الســلمي‬ ‫ويقــول‪« :‬كان الشــعب إيد وحــدة»‪ ،‬ويعتبر أن‬ ‫تلك اللحظات كانت األجمل في حياته‪ ،‬فحين كان‬ ‫األمــن يداهمهم فــي المظاهــرة كان يخاف على‬ ‫أصدقاءه أكثر من خوفه على نفســه‪ ،‬ويضيف‪:‬‬ ‫«هــذا مــا نحتاجه في هــذه األيــام لننتصر على‬ ‫عدونا‪ ،‬التكاتف والتماسك والخوف على بعضنا‬ ‫وإيثار الغير على النفس»‪.‬‬ ‫يعتبــر أبو فاروق أن أســوء ما جرى للثورة هو‬ ‫تكالــب دول العالم عليهــا (خصوصا ً من يدعون‬ ‫الصداقــة للثورة وللشــعب الســوري) ومحاولة‬ ‫إفشــالها وااللتفاف عليها‪ ،‬ويقــول أن هؤالء لم‬ ‫يقدمــوا أي مســاعدة للثــورة‪ ،‬بل علــى العكس‬ ‫ساهموا في تفتيتها ووضع العوائق في طريقها‪.‬‬ ‫تحتاج ســوريا إلى الكثير مــن الوقت لتعود إلى‬ ‫عافيتهــا‪ ،‬لكــن الخطــوة األهم حاليا ً هــي إعادة‬ ‫التماســك إلى صفــوف الثورة وتصفيــة القلوب‬ ‫والتوحــد في وجه النظــام المجرم وصــوالً إلى‬ ‫هزيمته وإسقاطه‪.‬‬ ‫يحلم أبو فاروق بســوريا أن تكون دولة الحرية‬ ‫والعدالــة والمســاواة‪ ،‬ويــ ّود العــودة لحياتــه‬ ‫الطبيعية ودراســته بعد الثورة‪ ،‬وأن يشارك في‬ ‫بنــاء ما تهدّم من وطنه‪ .‬ال يعلم بعد ما هو دوره‬ ‫فــي ســوريا المســتقبل‪ ،‬لكنه جاهــز لتحمل أية‬ ‫مسؤولية تفرضها عليه الظروف‪.‬‬

‫كريكاتير العدد‬ ‫رئيـس التحـرير‬ ‫فاضــل الحمصــي‬

‫فريـق التحـرير‬

‫د‪ .‬مصعب سليمان الجمل‬ ‫أ‪ .‬مصطفـى القاسـم‬ ‫الشيخ أبو الحسن‬ ‫بشــــــار إدلبـــــــي‬ ‫أصالن أصالن‬ ‫عبـد الرزاق زقزوق‬

‫إعـداد وإخـراج‬ ‫أنس أبو ابراهيم‬

‫للمتابعة والتواصل‬

‫‪alktaeb-newspaper@hotmail.com | www.fb.com/alkataebjareda‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.