2013
حتليل العمران املصري والعربي يف اإلبداع الروائي املعاصر
علي عبد الرءوف أستاذ نظريات العمارة والعمران alialraouf@yahoo.com 2013
العمارة واملدينة والرواية :بناء النص ونص البناء
من رواية المنبع The Fountainheadللكاتبة اين راند إلى رواية منزل الرمل والضباب House of Sand and Fogللكاتب اندريه دوبس ،9111ومرورا برواية المدن الالمرئية Invisible Citiesللكاتب ايتالو كالفينو ،أثبتت األعمال الروائية قدرتها المتميزة على تقديم فهما نقديا لإلنسان والمكان والعمارة والعمران .الروايات لديها القدرة لتصف بصورة مكثفة األماكن ،سواء الحقيقية أو المتخيلة ،وتختبر التأثير العاطفي لالماكن والفراغات التي نعيشها.
العمارة واملدينة والرواية :بناء النص ونص البناء حتليل العمران املصري والعربي يف اإلبداع الروائي املعاصر علي عبد الرءوف مقدمة من رواية المنبع The Fountainheadللكاتبة اين راند إلى رواية منزل الرمل والضباب House of Sand and Fogللكاتب اندريه دوبس ،9111ومرورا برواية المدن الالمرئية Invisible Citiesللكاتب ايتالو كالفينو ،أثبتت األعمال الروائية قدرتها المتميزة على تقديم فهما نقديا لإلنسان والمكان والعمارة والعمران .الروايات لديها القدرة لتصف بصورة مكثفة األماكن ،سواء الحقيقية أو المتخيلة ،وتختبر التأثير العاطفي لالماكن والفراغات التي نعيشها. "ماذا تكون المدينة سوى البشر" ....
ويليام شكسبير
توقفت مليا أمام مقولة الروائي العظيم ويليام شكسبير ،التي تلخص بعبقرية ،قيمة عالقة اإلنسان والمكان في أكثر صورها تحضرا؛ المدينة .وكما هو مطروح في أدبيات النقد المعماري فان العمارة يمكن تفسيرها وفهمها من خالل أنها نصا بصريا رمزيا .Architecture as a Textمن هنا نبعت قضية هذا المقال؛ ما هي الصورة اإلدراكية من جهة الروائيين والمبدعين القاصين للعمارة والعمران؟ كيف يتعاملون مع عمارة وعمران وشخصية المكان أو المدينة؟ و كيف تصبح الرواية مهما كان اندفاعها الخيالي وسيلة للتوثيق التاريخي للغة المعمارية أو العمرانية التي ميزت حقبات بعينها في مكان ما؟ كيف تكون الرواية أداة نقدية للعمارة والعمران؟ وأخيرا كيف يمكن أن تكون الرواية مصدر الهام للمعماري؟ وبصورة متزايدة تحظى فكرة رصد وتحليل العالقة بين اإلنسان والمكان بنصيب وافر من األطروحات والمعالجات في مجاالت إبداعية هامة مثل التصوير الفوتوغرافي والسينما والتصوير الفني .إال أن العمل الروائي بمساحاته وتركيباته المعقدة ،يبقى مجاال رائدا يتميز بسماته المتفردة في هذا الرصد .والواقع أن العالقة بين العمارة وأشكال فنية إبداعية متمايزة هي حقيقة اقرها المعماريون والنقاد على السواء ،ومن هنا صيغ التعريف الشهير للعمارة بأنها أم الفنون .وكما يطرح الخياري ( ،)2192فان كل الفنون تحب العمارة فالتصوير الفوتوغرافي ينقل طرحا صادقا عن المكان أو البناء بشكل صامت يفترض فيه الحيادية .أما الفن التشكيلي فانه يضيف إلى المكان رؤية وإحساس الفنان وتفسيره للمكان ثم يشرك المتلقي في تجربة بصرية عاطفية ثرية ومتعددة األبعاد والتفسيرات .ولكن الرواية هي نوع من العمارة في كتابتها وتنظيمها وهي تشغل أوعية وفراغات معمارية وعمرانية في أحداثها .إن عالقة الرواية بالمدينة وعالقة المدينة بالرواية ،كما يرى التكرلي ( ،)2112هي عالقة تبادل وجود وتواصل مختلط ،وهي عالقة متناقضة ومتشعبة ،تتجاوز طرفيها لتضم اليها طرفا ثالثا
علي عبد الرءوف
هم القراء ،سكان المدن .ومن تالقي وامتزاج هذه األطراف الثالثة في ما بينها على مستويات مختلفة ،ينتج ،بالضرورة ،وعي حاد بالذات وبالمحيط وبالوجود نفسه .ولذا أصبحت عالقة الروائي بالمكان هي عالقة جوهرية ،فالمكان يحمل ويحتوي الزمان والماضي والجماعة اإلنسانية والعالقات المتشابكة بين أفرادها. وعلى الصعيد اإلقليمي ،لقد وثقت الرواية العربية التجربة اإلنسانية والحس المكاني ،كما نبهت إلى حاالت تغيره أو تدهوره أو اندثاره في أحيان أخرى .في األعمال الروائية فان شخصيات األماكن والمدن التي وقعت بها أحداث روايات هامة ،شكلت عنصرا هاما في البناء الروائي .فقد استطاع الروائيون بتوظيف أنماط العمارة ،تحقيق أهداف فنية ودرامية جوهرية في رواياتهم .وميزت األوصاف السردية بين عمارة وعمران الثقافات العربية المحلية المتمايزة .فعلى سبيل المثال اختلفت حارات ومشربيات نجيب محفوظ في البيئة المصرية ،عن ديوانيات وأحواش عبده خال في الخليج، أو أبراج وناطحات سحاب هاني النقشبندي في مدينة دبي ،أو بيوت القرية الطينية في سرد الطيب الصالح ،او تطوان البيضاء ومراكش الحمراء في روايات المغاربة أمثال محمد شكري ومحمد زفزاف وسالم بن حميش .بناء على ذلك يهدف المقال إلى فهم أوسع لطبيعة العالقة بين العمل الروائي والعمل المعماري العمراني والتأثير اإلبداعي النقدي التبادلي بينهما .ويتتبع المقال في منهجية تحليلية مجموعة من األعمال الروائية الهامة التي صدرت في مصر والعالم العربي وقدمت في نسيجها الروائي فهما أو تصورا أو نقدا للعمارة والعمران العربي المعاصر.
تفاعل اإلنسان والمكان هو ركيزة لتميز النتاج المعماري والعمراني ،حالة دولة مالي والمسجد الكبير.
.1المراجعة النقدية ألدبيات بلورة العالقة بين العمارة والرواية الدراسات النقدية المنشورة باللغة العربية ،والتي تتناول موضوعات العمارة والعمران ،بصورة عامة ،محدودة للضعف المرصود من جهة الكتاب والنقاد واألكاديميين العرب في إنتاجهم المنشور. أما األدبيات المنشورة عربيا ،والتي تتأمل العالقة بين العمارة والمجاالت اإلبداعية األخرى كالموسيقى أو الرواية فيمكن عدها على أصابع األيدي .من بين هذه الدراسات المحدودة يبرز ما قدمته سامية محرز في كتابها أطلس القاهرة األدبي (محرز .)2192 ،حققت الباحثة رصدا توثيقيا ثريا للعالقة بين النص الروائي وبين حاالت المكان والفضاءات العامة والحميمة ،باإلضافة إلى تجارب التحرك في مدينة القاهرة .وفي خالل هذا الرصد يتوقف قارئ النصوص ،التي انتقتها الباحثة ،أمام أطروحات وصفية أو نقدية تتعامل مع البنية المعمارية والعمرانية لمدينة القاهرة على لسان الكاتب أو أبطال روايته .ومن أهمها االنتقاالت العمرانية من القاهرة اإلسالمية ببساطتها وتقليديتها إلى القاهرة الكوسموبوليتية كما أسمتها الباحثة (محرز .2192 ،ص .)22 :إال أنها في هذا الرصد اكتفت بالجانب ألتوثيقي دون دالالت نقدية عميقة تتولد من هذا التوثيق الثري الذي شمل February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
إطارا زمنيا ممتدا من بدايات القرن العشرين إلى العقد األول من القرن الواحد والعشرين .ومن منظور محرز ،فحين يسجل الكاتب حاضر وماضي حي معين أو منطقة معينة ،فهو يدون على الخارطة التي تنتجها انحيازاته االقتصادية واالجتماعية والسياسية والجمالية ،وهي ترى أن الجغرافيا األدبية وسيلة لطرح أسئلة جديدة والتطلع إلى إجابات جديدة. كما افرد الرباط ( )2112في كتابه ثقافة البناء وبناء الثقافة ،فصال تحدث فيه عن السرد الروائي، وعالقته بالقاهرة التاريخية في أعمال نجيب محفوظ وجمال الغيطاني .وتحدث الرباط عن أن األبنية هي أبطال هذه األعمال الروائية مؤكدا قيمة المكان ،وخاصة عميق التراث ،في توليد طاقة سردية مختلفة ينتبه إليها الروائي المبدع .كما تناولت العالقة بين العمل الروائي والبنية العمرانية مجموعة من المقاالت النقدية ،التي نشرت في جرائد يومية أو دوريات ثقافية شهرية ،منها مقالي مشاري النعيم ( ،)2192 ، 2112ومحمد الخياري ( ،)2192وحشمت ( .)2119بينما قدم السيد ()2199 مراجعة نقدية في العالقة بين العمارة واألدب ،وأشار بصورة خاصة إلى دور العمارة في الرواية. وأشار إلى أن أحداث بعض الروايات ال تكتمل روعة إدراكها إال بوصف دقيق وتفصيلي لصروح عمرانية "حقيقية" تشكل جزءا ال يتجزأ من فهم وتفاصيل الحبكة وسرد القصة .واستشهد السيد بأمثلة من التراث الروائي واألعمال المعاصرة للتأكيد على القيمة اإلبداعية للمكان في السرد الروائي .من روايات دان براون مثل رواية شيفرة دافنشي وكذلك تشارلز ديكنز ورواياته مثل قصة مدينتين او روايتي "أوليفر تويست" و"ديفيد كوبرفيلد" والتي دارت أحداثها في مدينة لندن ووصفت معالمها. وهناك رواية البؤساء لفكتور هيجو التي تناولت باريس القرن التاسع عشر بالتفصيل .وبالمقابل في األدب العربي يبرز نجيب محفوظ ورواياته زقاق المدق ونجد أمين معلوف ورواية ليو األفريقي التي تقدم حكايات مكانية ألربعة من أهم مدن العروبة و الحضارة اإلسالمية. أما المؤرخ العمراني الصياد ) (AlSayyad, 2011فقد قدم قراءة لتعددية القاهرة في كتابه المنشور باللغة االنجليزية بعنوان القاهرة :قراءات تاريخية لمدينة .يروي الصياد قصص القاهرة المتعددة المتغيرة ،المدينة أو باألحرى مجموعة المدن التي تغيرت وتبدلت وتحولت ووصلت إلى حالتها المعاصرة؛ بيئة عمرانية ومعمارية ثرية ومتعددة الطبقات .وبجانب مرجعيات وفيرة ألطروحة الصياد فانه يستخدم أعمال الروائيين القاهريين نجيب محفوظ الذي يمثل ،تبعا لتصور الصياد ،الرؤية األكثر إلهاما في رسم القاهرة وخاصة في الثالثية .ثم يتناول اثر خيري شلبي في روايته الشهيرة رحلة الطرشجي الحلوجي ويعتبرها األكثر إبداعا وخاصة قدرة المؤلف على إخراج كيانات تاريخية من إطارها الزمني وتقديمها في اللحظة المعاصرة لتتفاعل مع بطل الرواية .ووصف الصياد للرواية بأنها األكثر إبداعا ،كان مرجعه االستعادة اإلنسانية التاريخية التي يقدمها خيري شلبي لإلنسان والمكان في لحظة نشأة القاهرة .حيث يرسم شلبي صورة واقعية خيالية لبطل الرواية وهو يتلقى دعوة لإلفطار في أول شهر رمضان من مؤسس القاهرة المعز لدين هللا الفاطمي .ويصف الراوي رحلته في القاهرة الوليدة وتحيته العابرة للمقريزي صاحب "خطط المقريزي" عندما يصادفه في الطريق .ثم يلتق ي مع القائد جوهر الصقلي وهو يستعرض ويناقش خرائط المدينة الجديدة حيث يشهد اعتماد جوهر الصقلي لخرائط الجامع األزهر والقصر الشرقي الكبير ،قصر الخالفة الفاطمية بعد أن تأكد أنها تتطابق مع رؤية المعز لدين هللا الفاطمي .ثم ينهي الصياد المرجعيات الروائية بما وصفها األكثر شجاعة ،وهي رواية عمارة يعقوبيان لعالء األسواني ،وهي الرواية التي تتبعت تاريخ المدينة عبر عدة عقود خالل القرن العشرين.
علي عبد الرءوف
ولكن منذ قرابة العقدين واجهت جينفر بلومر ( )9111إشكاليات وتساؤالت فلسفية هامة عن العالقة بين النص المكتوب والعمارة .وهي تناقش أن العمارة هي نظام تمثيل وتصوير بإمكانات هامة تتجاوز الطرح الرمزي .عقدت بلومر مواجهة بين إطارين ثقافيين أولهما أدبي ممثال في رواية جيمس جويس واستخدمت االستراتيجيات المجازية التي وظفها في تحليل ثالث من أعمال جيوفاني باتيستا بيرانيزي Giambattista Piranesi (Campo Marzio, Collegio, and ) .the Carceriالمزج بين استراتيجيات "يقظة فينيجانز" Finnegans Wake ،التي اسماها جويس نفسه االستراتيجيات المعمارية مع االستراتيجيات التقليدية للتفكير المعماري، جعل بلومر تخلق أسلوب جديد في التفكير المعماري ال يسيطر عليه النموذج الخطي ،ولكنه يالءم أفكار واطر نظرية من مجاالت معرفية مختلفة .أما فاندينبرج ( )2191فقد طرح فكرة رؤية العمل الروائي كعمل معماري له بنية وهو يشير إلى أهمية المكان واصفا الرواية بأنها بناء من األحداث تجري وتحكى في بيئة مبنية من األماكن ،وهذه العالقة هي ما تقدم للراوية اإلثارة والغموض ورسم الشخصيات. .2إشكاليات وتساؤالت نظرية :المفاهيم واألفكار األساسية من التساؤالت النظرية األساسية ما له عالقة بتصور السرد الروائي للمدينة وبيئتها المبنية .ما هي المدينة الروائية ،وكيف يمكن تشكيلها؟ كيف يمكن أن نصنف اإلدراك المكاني في الرواية؟ الواقع أن في الرواية هناك مدنا متنوعة ،مدنا متخيلة وال مرئية (كالفينو ،)2192 ،ومدنا واقعية مرئية وموجودة ،على غرار اإلدراك الواقعي لمدينة لندن في أعمال تشارلز ديكنز ومدينة القاهرة في أعمال نجيب محفوظ ومدينة اإلسكندرية في سرد إبراهيم عبد المجيد .ولذلك يعتمد المقال على صياغة مجموعة من األفكار والمفاهيم تتضافر بصورة عضوية لتشكل البنية البحثية للمقال. الفكرة األولى :الرواية كبناء درامي متكامل يتمكن فيه الكاتب من خلق عالم تتفاعل فيه الشخوص واإلحداث واألماكن .فالمكان يمثل "مسرح الحدث" في كل من الرواية والعمارة. والكثير من الروايات التي تصف المكان المعماري وتعتمد عليه اعتمادا"كمنصة للقصة" اوكخشبة المسرح التي ال تقوم الرواية بدونها مطلقا .فإحدى دعائم الرواية هي قيمة المكان وقدرته على إيجاد ساحة التفاعل بين اإلنسان والحدث. الفكرة الثانية :الرواية في مجملها ،ترصد عالقة إنسان ما بمكان ما .هذا الرصد يمكن أن يتنوع ما بين ثالث احتماالت للتعامل مع إشكالية المكان .أولها أن هذا المكان واقعا حقيقيا له بيئته المادية الملموسة والمعروفة في نطاق جغرافي معلوم .ثانيها أن يكون المكان نسيجا افتراضيا لعوالم خيالية ال واقعية .من هذا المنظور فإن المهم في المدينة في الرواية ليس اسمها وال مالمحها وال التصريح بها أو الكناية عنها ،بل المهم هو ما صورة تلك المدينة في سياق الرواية؟ وما تدعم به توجهات الكاتب في رسم الشخصيات واألحداث؟ وثالثها أن يكون التعامل مع المكان كنطاق استشرافي مستقبلي .فالعمارة واألدب ،يتشابهان في القدرة على التخيل وربط األحداث ونسجها في قالب إبداعي متكامل. الفكرة الثالثة :وهي ترتبط بفرضية إمكانية رؤية القاهرة كخماسية مكانية انعكست أو يمكن استنتاجها من التحليل النقدي لألعمال الروائية المعاصرة .وهذه القراءات المكانية الخمس February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
هي القاهرة اإلسالمية ،القاهرة الخديوية ،القاهرة العشوائية ،والبيئي المقدس (فيما وراء المدينة) ،والمستقبلي (فيما بعد المدينة). بناء على المفاهيم السابقة تأتي أهمية القراءة النقدية التحليلية لإلبداع الروائي المرتبط بالنطاق جغرافي مكاني معين لقدرتها على تقديم تصورا أكثر عمقا ودقة لتعقيد وتركيب وربما إعادة تركيب عالقة اإلنسان بالمكان. .3بنية العمل الروائي العمارة والرواية شكالن من أشكال التعبير الثقافي عن المجتمعات واإلنتاج اإلبداعي لها ،تشتركان في بعض السمات وتختلفان في البعض اآلخر .تشترك الرواية والعمارة في أنهما ،كل بأسلوبه الخاص ،يتضمنان مضمونا ً ثقافيا ً يختلف من مكان إلى آخر ،ومن زمان إلى آخر ،ومن كاتب أو معماري إلى آخر .والرواية تتناول حدثا يحتاج إلى المكان ،ومحتوى البحث يربط بين التعبير الثقافي والمكان ,ومحاولة فهم عضوية التأثير المتبادل ،وآفاق التقارب واالختالف بين الرواية والعمارة في المدن العربية. القيمة الكبرى في مناقشة العمل الروائي المعاصر أنها تعني التعامل مع التغيرات االجتماعية والسياسية واالقتصادية والثقافية .وهذه التغيرات تقوم في أساسها على التغير المكاني الجغرافي الروائي ،الذي يساير تلك التغيرات التي أحدثها الزمان .إذن التعامل مع المكان باعتباره مكونا أساسيا ً في صلب المعمار الروائي هو احد المحاور الهامة في بنية العمل وتطوره .والواقع إن الروائي فرد من ضمن جماعة إنسانية ،وأحيانا يرغب أن يكون لسان حالها حيال قضية من القضايا .إنه يستقرئ الظروف والمستجدات ليصيغها في بنية روائية معالجة درامية كلية ،يخلق منها نسيجا ً متماسكا ً يكمل بعضه بعضا ً في سياقات تقرأ بكليتها وليس بجزئياتها ،في نص واحد يمكن تحليله إلى بنيات مترابطة .وهذا ما يسمى بالهيكل العام للرواية أو عمارة الرواية .فالبناء الروائي ال يختلف كثيراً عن البناء المعماري ،حيث يمكن تطويره أو هدمه من أساسه ليقوم بدال منه بناء آخر بمواصفات مختلفة، لكن يبقى البناء في أغراضه الضرورية واحدا في كل الحاالت ،والمعالجات الفنية في الرواية جزء أساسي يكمله البناء الفني (القحطاني.)2111 ، .1-3أهمية المكان في العمل الروائي إدراك العالقة الوثيقة بين اإلنسان والمكان من القيم العامة فيي اإلبيداع الروائيي .وطبيعية هيذه العالقية المركبة بين اإلنسان والمكان الذي يألفه ويعيش فيه مين خيالل عمليية التيأثير والتيأثر قيد تكيون كاشيفة ومحفزة وملهمة .وقد نشأت أهمية المكان في العمل الروائي بسيبب اليدور اليذي يقيوم بيه فيي البنياء او المعمييار اإلبييداعي للرواييية .هييذا الييدور الييذي ال يقييل أهمييية عيين بيياقي العناصيير الروائييية الرئيسييية (الحدث ،الشخصية ،الزمان) .فالمكان هو اإلطار المرئي والمادي ،الذي سيجل اإلنسيان خالليه ثقافتيه وفكره وفنونه ،مخاوفه وآماله ،وأسراره ،وكل ما يتصيل بيه وميا وصيل إلييه مين ماضييه ليورثيه إليى المستقبل (الرواية والمكان :ياسين النصير .)92 :إن المسياحة المكانيية التيي تقيع فيهيا األحيداث ،التيي تفصيل بييين القيارئ وعييالم الروايية ،لهييا دور أساسيي فييي تشيكيل اليينص الروائيي ،فالرواييية رحلية فييي الزمان ،والمكان معا.
علي عبد الرءوف
وعلى المسيتوى اإلنسياني فيان اختييار المكيان وتهيئتيه يميثالن جيزءاً مين بنياء الشخصيية .فالثابيت أن الييذات البشييرية ال تكتمييل داخييل حييدود ذاتهييا ،ولكنهييا تنبسييط خييارج هييذه الحييدود ،لتشييكل فضييائها الوجودي ،وتسقط على المكان قيمها الحضارية .وهذا ما يعزز دور المكان في العمل الروائي ويأخذه موضع دراسة واهتمام فيه ،بل أنه قد يكون في بعض األحيان هو الهدف في وجود العمل كله .وتبرز أهميية المكيان فييي البنياء الروائييي مين خيالل داللتييه وميا يحملييه مين إشيارات وتفسيييرات ،فالمكيان فييي الرواييية سييواء كييان مغلق يا ً أم مفتوح ياً ،يسييتطيع أن يفسيير كثيييراً ميين الييدالالت االجتماعييية والنفسييية، وأحالتهييا إلييى عييالم رمييزي أو واقعييي متخيييل (النصييير .)9111 ،إن مفهييوم المكييان الروائييي ق يد ميير بتحوالت أساسية ،وتعاملت الرواية مع المكان تعامالً خاصاً ،يتميز بالتنوع والتعدد ،إذ أصبح المكيان بمثابة مرآة تعكس الصدى النفسي للشخصية مع ما يعتمل في أعماقها. والتبادل اإلبداعي بين المدينة وبيئتها المعمارية وبين الرواية ثنائي االتجاهات .فبقدر ما أتاحت المدينة من مادة خام إنسانية ثرية ومتجددة إلى الروائيين على مدى القرون الثالثة الماضية ،بقدر ما عمل هؤالء على نحت مالمح المدينة وتخليدها .لقد وثقوا ،وبصورة خالدة ،صورا لغوية تعكس كل ما ملكته مدينتهم من بيئات معمارية وعمرانية وطبيعية مختلفة .لم ينسوا إي معلم من معالمها وال إي شارع أو زقاق أو زاوية من زوايا بيوتها .كانوا يسعون ،بمحبة وحماس ،لكي يحتفظوا بتفاصيل الحياة البشرية في المدن بين صفحات رواياتهم (التكرلي.)2112 ، .4العمارة والمدينة والرواية :تاريخ وإشكالية االرتباط كلمة (روى) في اللغة العربية تأتي بمعنى نقل ،والراوي هو الناقل .أما الرواية بصياغتها اإلبداعية الفنية فتعني البناء الروائي ذاتي الصياغة ،وليس النقل باللغة المباشرة للحدث .إن ربط فكرة "المكان" بالرواية لها ما يبررها من الناحية النقدية المحضة فالرواية أساسا نتاج لتيارات التمدن في القرن السابع عشر ،أي أن بداياتها كانت مع حالة التحضر والمدنية التي رافقت النهضة األوروبية الحديثة .لذا كان ظهور الرواية ترجمه لنشأة الطبقة المتوسطة في المجتمع ،وإمكانية التعبير عن هموم هذه الطبقة وإشكاالتها (النعيم .)2112 ،ويؤكد النابلسي ( )9111هذا الطرح في كتابه (جماليات المكان في الرواية العربية): "أن الرواية العربية المعاصرة قد ظهرت في العالم العربي -كما هو الحال في أوروبا -مع ظهور الطبقة المتوسطة ،وتشابك العالقات بين جماعات هذه الطبقة، سواء كان ذلك في المدينة ،أو في البلدة أو القرية ،وبما أن البيئة التي ترعرعت فيهما الطبقة المتوسطة ،كانت بالدرجة األولى المدينة ،ثم البلدة ،ثم القرية فقد كان لهذه األماكن الثالثة حضور جمالي واضح" .النابلسي (.)9111 نتناول في الجزء التالي التفسيرات المختلفة في بيان مساهمة المدينة وبيئتها المعمارية والعمرانية في نشأة مجاال إبداعيا جديدا يتجاوز القوالب التاريخية المعروفة كالمالحم واألساطير والسير الشعبية. .1-4دور المدينة في نشأة الرواية
في بدايات االستقرار اإلنساني كانت التجمعات البشرية منتشرة على األرض في مشهد مفعم بالبدائية، ثم كانت المدن ونشوء الحضارات القديمة التي رافقها ظهور المالحم واألساطير وما تتضمنه من February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
خياالت قد تكون بالقطع ملهمة ومثيرة ،ولكنها منفصلة عن شؤون البشر العاديين .وفي بداية القرن السابع عشر ،حين كانت النهضة األوروبية قد تكاملت وازدهرت المدن في أنحاء أوروبا ،ازداد الوعي بأهمية شخصية الفرد وتصاعد الشعور بالذات ضمن مجتمعات تتفاعل فيها المصالح وتتضارب اإلرادات ورغبات الطموح .كانت هذه الحقبة بصراعاتها وتفاعالتها مثالية إلفراز فن أدبي جديد ،يأخذ بنظر االعتبار ما تأسس في العالم من تغيرات ،ولم يكن في المستطاع إال أن ينشأ هذا الفن حامال صفات الفن الروائي ،من اتساع في الحدود وتنوع في المستويات وقابلية على احتواء وهضم أصناف أدبية متعددة (التكرلي.)2112 ، تعتمد طبيعة الفن الروائي في تشكيله ألطروحاته اإلبداعية على تقديم صور تعكس المجتمع في إطار زمني معين ،يتداخل فيها الواقعي والتخيلي .ولذا تتعدد فرضيات عالقة المدينة بنشأة الرواية .فمنذ بداية الفن الروائي ،واجهت الرواية المدينة مواجهة بها الكثير من المشاعر والتناقضات .هذه المواجهات كانت في معظمها كاشفة وناقدة وفي الوقت ذاته باحثة ومستكشفة .وكما يطرح التكرلي ( )2112كانت الرواية بمثابة مرآة ممتدة على سعة األفق ،وضعت أمام أبصار سكان المدينة، وراحت تبدي لهم دقائق حياتهم باأللوان ،وإذا بهم يجدون أنفسهم ،على حين غرة ،عرايا أمام أنفسهم، فال يطيقون هذا العرض الالمألوف وهذا الظهور المفاجئ لتفاصيل عيوبهم وخباياهم المخجلة. ويضيف التكرلي ( )2112متشككا في أن نشوء المدن هو السبب الوحيد لظهور الفن الروائي ،ولكنه يؤكد بأن وجود المدينة والمجتمع المدني كان من األسباب القوية الفاعلة لتأسيس الفن الروائي .لقد وفر نشوء مجتمعات المدينة بتعقيداتها وتشابك العالقات اإلنسانية بين ساكنيها ،كما ثريا من المادة الخام ألولئك الكتّاب الذين وجدوا الطريق ممهدا أمامهم البتكار فن أدبي جديد إلى ح ٍد ما ،فاندفعوا يستخدمون هذه المادة الخام لكتابة شكل أدبي له صلة بالمالحم واألساطير وحكايات الجدات ،ولكنه يختلف عنها بما يتناوله من شخصيات معاصرة وأحداث من الحاضر القريب ومشاكل تمس الناس العاديين وتمس قلب القارئ. يقدم رحيم ( )2111أيضا تفسيرا لنشأة الرواية كقالب إبداعي جديد ارتبط بنشأة المدينة .ويفسر كيف أصبح الفن الروائي ممكن الوجود مع انبثاق المدينة البورجوازية الحديثة التي ولدت إبان الثورة الصناعية؟ .وكيف أن ثقافة المدينة من خالل شروطها االجتماعية هي التي خلقت الرواية؟ .ففي المدينة التي راحت تتوسع يوما ً بعد آخر ،وتكتظ بالسكان القادمين ،في الغالب ،من األرياف واإلقطاعيات انتعش فن الرواية .فهذه المدينة شهدت تحوالت سريعة في المناحي كافة لتكون المـركز العصبـي لحضارتنـا اإلنسانية الجديدة ،وقلب أحداثها المتسارعة العاصفة .غابت الطبيعة ،وأقيمت األكواخ المتالصقة الممتدة للعمال إلى جانب فيالت البورجوازيين وعماراتهم الشاهقة .وتحدد أفق النظر ،وتعكرت زرقة السماء بدخان المصانع .وفي خضم الحياة الصعبة ،تحت وطأة عالقات اجتماعية واقتصادية جديدة ،أفرزها العهد الصناعي ،طرأ تغير على عالقة اإلنسان بالزمان والمكان ،واضمحل الحب العاطفي ،وأصبحت المدينة كما يصورها (رحيم )2111 ،مادية وفردية وقذرة ..بال قلب ..بال ضمير ..المبالية ،وقاسية. في هذا اإلطار ص ّور الروائيون في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر المدينة .وكانت رواياتهم تحمل نبرة الهجاء لها ،والشعور باالزدراء تجاهها وعدِّها موطن الخطيئة والرذائل والشر .ولعل روايات أميل زوال وتشارلس ديكنز هي األمثلة األكثر تصويراً لمناخ المدينة االجتماعي والثقافي في تلك الحقبة .فروايات ديكنز بخاصة ما هي إالّ مقاالت عن عدم وضوح لندن وعسر استيعابها (الري، 9191ص .)22:قسوة الصورة التي رسمتها الرواية للمدينة ساعد في تولّد الحنين لحياة الماضي
علي عبد الرءوف
الريفية والرعوية .ومن ثم راحت الرواية تغادر أشكالها التقليدية لتبتكر لنفسها طرقا ً مغايرة للتعبير، ورؤية متجددة للحياة والعالم ،وأسلوبا ً مبتكراً للتعامل مع األشياء ،وشكالً حديثا ً في األدب ،ولغة مختلفة. وبالفعل فإذا كانت الرواية واحدة من صناعات المدينة البورجوازية الحديثة ،فإنها لم تكتف بتصوير نمط الحياة في هذه المدينة ،بل اخترقت فضــاء المدن الصغيرة واألقاليم واألرياف .فالعالقة بين المدينة والرواية هي قلقة وغير ثابتة .بل أن البعض ناقش أنها مخلوق إقليمي في األغلب الن هناك روائيين عظام من القرنين التاسع عشر والعشرين كان بؤرة الرواية لديهم هي اإلقليم والبلدة والقرية والمقاطعة منهم وتوماس مان وكونراد وفوكنر دستويفسكي وتولستوي .إن النسيج االجتماعي عندهم هو نسيج المدينة أو المستقرة الصغيرة وليست المدينة العاصمة الكبرى .على المقابل هناك مجموعة أخرى من الروائيين كانت بؤرة رواياتهم المدينة الكبيرة مثل هنري ميلر ،ألبرتو مورافيا ،إيريس مردوك ،نجيب محفوظ ،ميالن كونديرا ،الطاهر بن جلون ،وعشرات غيرهم .فالمدينة هي التي غذت الرواية ال بمناخ فضاءاتها فقط وإنما بما وفرته من أرضية لنشوئها كذلك.
روح مدينة لندن التي صورها الروائي االنجليزي تشارلز ديكنز
ويؤكد البازعي ( )2111على العالقة بين المدينة والمجتمع ،مفسرا أن المدينة والمجتمع المدني على تفاوت أوضاعه ومستوياته وأنماطه ،هو اإلطار والمشهد الذي تنمو فيه الشخصيات وتتشكل األحداث وتنمو الدالالت" .إذن من المالمح الهامة لألعمال الروائية التعامل مع المكان ،باعتباره محتوى أساسيا ً في صلب المعمار الروائي .بعض الروايات التي يتعرض لها البحث جعلت المتلقي يعايش المكان وكأنه يسير فيه بصورة فنية ،تبعد كل البعد عن الرصد الجغرافي الجاف والحدث التاريخي المكرر ،والخيال الفارغ من المضمون .مع أن الكثير من الروايات السردية ذكرت المكان بصورته الجغرافية المباشرة ،كمكان مجسد في صورته الجامدة .هنا يتجاوز الكاتب الروائي وصف المكان بالمفردات المكررة المملة ،لكنه يوظف المكان توظيفا ً يليق به كعنصر محوري في الحدث الروائي، فتمتزج أحداث الزمان بمكونات المكان في انسجام تام مع الشخصية المحورية في العمل الروائي. يعالج المؤلف هنا عالقة اإلنسان بالواقع االجتماعي من خالل جغرافية المدينة والقرية والظروف التي تكتنف هذه البيئة .يعالج المؤلف هنا عالقة اإلنسان بالواقع االجتماعي من خالل جغرافية المدينة والقرية والظروف التي تكتنف هذه البيئة. February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
إن الرواية ،اليوم ،تتحدث عن إشكالية وجود اإلنسان وعالقته مع ذاته واآلخرين والعالم ،ومع المؤسسات وأشكال السلطة ،وحيرة اإلنسان وقلقه وهو يتعامل مع مفردات الحياة .فقد اعتمدت الرواية على الخبرة الحياتية المباشرة ،واستمدت طاقتها الداخلية من سير البشر االعتياديين الذين يولدون ويموتون ..يحبون ويكرهون ويكافحون ويعادي بعضهم بعضاً .الرواية تبحث وتسعى لإلجابة عن تساؤالت ماذا نعني بالفرد؟ أين تكمن هويته؟ .وعند هذه النقطة يمكن القول أن الفرد المستقل، المميز الشخصية هو ابن المدينة الحديثة ..المدينة التي اقترحت حين تأسيسها ،الرواية جنسا ً أدبيا ً يخصها ـ أي المدينة ـ قبل أن يخص غيرها (رحيم.)2111 ، المدينة إذن هي السبب األول واالهم في نشوء الرواية واستمرار وجودها ،وفي تطورها السريع الذي كان يماشي تطور المدينة ،ويبتكر األشكال المالئمة للتعبير عما كان يتأسس في واقع المجتمع .ولذا يمكننا االدعاء بأن الفن الروائي ،بما هو عليه من تعقيد وال تحديد ومن جمع واستفادة من أصناف أدبية متعددة ،ما كان ليوجد لوال قيام المدينة ومجتمعها قبل ذلك بزمن طويل .يشهد على ذلك ما نالحظه من تماثل يلفت النظر بين شكل الرواية بمواصفاتها المتنوعة والمتنافرة أحيانا ،وبين تركيبات المدينة االجتماعية والهندسية واألخالقية التي تحوي من المتناقضات ما ال سبيل إلى حصره .وهكذا ،حين اندثرت تلك المدن وتغيرت األمارات والمالمح بمرور الزمان القاسي ،مكثت الصور في الروايات ،حية مشرقة في أذهان البشر ،تختلط بالعواطف الحارة التي حملها أولئك المؤلفون لمدنهم (التكرلي.)2112 ، .2-4المعماري بطال أو روائيا يبحث الروائي ،على مدى تاريخ الرواية ،عن مادة فنه الخام ويجدها في مجتمع المدينة ،وهو ،بسبب وجوده داخل مجتمع المدينة ومعايشته لتصرفات وعالقات األفراد وفهمه لداللتها ،يملك حسب طاقاته الخالقة ،أن يبدع أعماال تنفذ إلى األعماق وتكشف الحقائق لمعاصريه .جانب هام من الوعي المعاصر بأهمية العالقة بين الرواية والعمارة نبع من محطات إبداعية هامة أسقطت ضوءا مكثفا على معنى أن يكون المعماري بطال مجتمعيا جديدا أو أن يكون المعماري نفسه هو راوي اإلحداث وبانيها .من أكثر الروايات التي قدمت طرحا نقديا لصياغة دور المعماري في السياق المجتمعي، رواية المنبع The Fountainheadالتي صدرت عام 9121للكاتبة أين راند .بطل الرواية هاورد روارك ،هو معماري شاب يختار النضال بدالً من تقديم تنازالت من رؤيته الفنية والشخصية .وتتبع الرواية معركته لممارسة عمارة الحداثة ،التي يؤمن أنها متفوقة ،على الرغم من أن السياق الثقافي حوله يرتكز على عبادة التقاليد .العالقات المعقدة بين بطل الرواية هاورد وأنماط مختلفة من األفراد الذين يساعدون أو يعرقلون تقدمه ،أو كليهما ،جعل الرواية دراما رومانسية وعمل فلسفي .ولذا فسرت شخصية هاورد المعماري الحداثي على انه التجسيد للروح البشرية تبعا لفهم المؤلفة راند، ونضاله يمثل انتصارا للنزعة الفردية على الجماعية. الروائي التركي اورهان باموك ،الذي درس العمارة ،والحاصل على جائزة نوبل في األدب عام ، 2111ساهم كثيرا في بلورة عالقة العمارة باألدب .تمكن باموك من فهم المدينة في حقيقتها األكثر تعقيدا من مجرد الرصد الوصفي ،وخاصة عندما يكون محور إبداعه مدينة اسطنبول متعددة الطبقات التاريخية والقراءات التفسيرية .رواية اسطنبول :ذكريات والمدينة ،هي مذكرات السيرة الذاتية أل ورهان باموك .فالرواية تتحدث عن التغيير الثقافي الشاسع التي هزت تركيا؛ معركة ال تنتهي بين الحداثة ومقاومة انحسار الماضي .كما أنها مديح للتقاليد العائلية المشتركة المفقودة.
علي عبد الرءوف
"يرى راسكن أن المشهد الرائع ال يمكن الحفاظ عليه أبدا ألنه عرضي ،إن خراب المشهد ،ال نية المصمم ،هو ما يجعله جميال ،وهذا يفسر سبب عدم حب عدد كبير من أهل اسطنبول للقصور الخشبية التي تم ترميمها ،ينقطع ارتباطهم الواهي الجميل بالماضي حين يختفي الخشب المسود المتعفن تحت دهانات المعة تجعلها تبدو كما لو كانت المدينة في قمة مجدها وازدهارها في القرن الثامن عشر". اورهان باموك ،اسطنبول :الذكريات والمدينة. والتشبيه األكثر مالئمة لسياق اورهان باموك هو ان المدينة في األصل كائن حي يعيش مع الناس ويعبر عن زمنهم وأسلوب حياتهم وصراعاتهم بالمفهوم االيجابي أو السلبي للصراع .والرواية غالبا ما تحكي عن شيء حدث في الماضي يصعب تحديده بدقة في الحاضر ،وبالتأكيد سيكون أكثر صعوبة في المستقبل .فهذه المدينة الثرية اسطنبول ،مثلها مثل المدن التاريخية االستثنائية في عمقها التاريخي كالقاهرة وروما ،هي مجموعة من الحكايات الالنهائية التي يمكن أن تصور مقاطع من المدينة في أزمنة مختلفة.
اسطنبول المدينة المركبة التي ألهمت اورهان باموك لرصد ونقد مجتمعها وأمكنتها.
.5معايير انتقاء األعمال الروائية منهجية الدراسة البحثية في هذا المقال والية اختبار الفرضيات األساسية واألفكار المحورية لها تتطلب توجه أكثر شمولية في ضمان تنوع السرد الروائي ،الذي يتعامل مع البيئة المبنية ،سواء على صعيد المدن العربية او العاصمة المصرية القاهرة .ولذلك فعلى الرغم من وفرة اإلنتاج الروائي في مصر والعالم العربي ،إال إن الدراسة انتقت مجموعة من الروايات لتحليلها اعتمادا على مجموعة متسقة من المعايير أهمها ما يلي: .9أهمية مفهوم المكان للمؤلف ،وتأثيره الواضح على الصياغة الدرامية واإلبداعية للعمل الروائي .باإلضافة إلى وعي الروائي بالتأثير المتبادل بين اإلنسان والمكان وبين بناء النص والبنية المعمارية والعمرانية. February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
.2 .1 .2 .1
تنوع الحقبات الزمنية واألطر المكانية التي أبدعت فيها وخاللها األعمال الروائية المنتقاة. القدرة النقدية في العمل الروائي على مواجهة عمارة وعمران المكان وتقديم طرح عميق لقضاياه. التنوع اإلبداعي لإلعمال الروائية من حيث واقعيتها الشديدة ،وارتباطها بعمارة وعمران مناطق قائمة ومعروفة ،أو كونها أعمال تخيلية تتناول إرهاصات مستقبلية وأماكن تخيلية. التنوع المكاني من حيث الدائرة الفراغية المعمارية والعمرانية التي تقع بها إحداث الرواية بحيث يحقق هذه المعيار ،وبقدر المتاح ،تغطية وفهما ألقاليم متمايزة مختلفة من مدن عربية أو مصرية ،وال يقتصر فقط على العاصمة أو المدن الكبرى.
.6شخصية المدينة في العمل الروائي "المدن أجساد لها روائح واختمارات شمائل وثأليل .أعراق وثماالت ندخلها متحسسين أركانها وكأننا في قبة الكون نبحث عن المدينة التي أضعناها ذات يوم". (النعيمي 2111 ،ص.)921: أخذت شخصية المدينة بعداً فنيا ً عند كبار الكتاب اإلقليميين والعالميين في القرن العشرين ،مثل تشارلز ديكنز ونجيب محفوظ والطاهر بن جلون وجيمس جويس وغيرهم .لقد ارتبط بعض الكتّاب بالمكان ،ليس بوصفه مكانا ً فحسب ،بل بوصفه إشكالية فنية وظفها الكاتب في البناء الروائي اإلبداعي .وأقام من خاللها بنا ًء روائيا ً لفت نظر الدارسين ،كظاهرة جديدة مواكبة لألحداث التي تدور في العالم العربي ،في توازن فني بين الخيال والواقع ،وان استقى المعلومة من مخزون الذاكرة فقد استطاع توظيف هذا الماضي في خدمة الحاضر ،وليس بالنقل التاريخي السردي التقليدي. تمثل المدينة الفضاء المفتوح الذي يمكن أن يسجل الحدث بكل أعماقه وتأثيراته ألنه ال يوجد من يدرك المدينة بكل تفاصيلها ،وأقصد هنا أن هناك مجاال دائما إلبداء الرأي وإلضافة الكثير على الواقع حتى المادي منه وهو ما يحتاجه األدب الروائي .في المدينة هناك شيء غامض يصعب فهمه كليا يمكن للرواية أن تسجله بتفاصيل شخصية بحته يسجلها الراوي ،يصعب رصدها على ارض الواقع (النعيم.)2112 ، عالقة الرواية بالمكان هامة في تصنيف اإلدراك اإلنساني للمكان ،سواء كانت الرواية تتعامل مع احيزة حقيقية أو تخيلية ،فإنها في كال الحالتين تقدم ما يسمى للمعماريين والعمرانيين ،األماكن التخيلية ،حتى ولو كانت واقعية ألنها تقدم بصورة ومنظور جديد على لسان الراوي .فالعالقة بين فن السرد وفن العمارة تتجلى في كيفية إدراك أو استيعاب القصة أو الرواية وفق قراءتين :األولى حدثية درامية ،أما القراءة األخرى فهي معمارية مكانية .تقدم الرواية ،في الغالب ،وصفًا ،للمظاهر والمالمح والمشاهد الطبيعية والبشرية والعمرانية .ثمة انتباه شديد لتفاصيل تلك المظاهر من أجل اكتشاف الخف ّي والجوهر ّ ي فيها .نحن في قلب تلك المالمح الدقيقة لألشكال واألشياء التي ستساهم ً بطريقة ما في إيقاظ معان يستهدفها السارد أو يحفـِّز عبرها أمرًا دفينا في ذاكرة قارئه .ومن هنا تقوم خصوصيات القصّاصين والساردين ،إلى جانب عوامل أخرى ،على الدقة الوصفية التي تستنتج المالمح المتميزة ،المرئيّة بإحساس مرهف.
علي عبد الرءوف
من أعمق ما طرح في السرد الروائي لفتح أفاق أوسع لفهم إشكالية المكان ،رواية مدن المرئية التي كتبها الروائي الفيلسوف ايتالو كالفينو عام .9122الرواية هي عمل إبداعي تش ّكل حكايات المدن بتصنيفاتها التسعة ،العمود الفقري للرواية .ح ّدد كالفينو شخصية لك ّل مدينة فهناك "مدن وذاكرة"، "مدن ورغبة"" ،مدن وعالمات"" ،مدن خفاف"" ،مدن تجاريّة"" ،مدن وعيون"" ،مدن وأسماء"، "مدن والموتى"" ،مدن والسماء"" ،مدن مستمرّة"" ،مدن مخفيّة". "هي مدن ظاهرها رموز ،مدن خفيّة ال تُرى ،والغريب فيها أنّها تفتقر إلى الصالبة، إلى الما ّدة في تكوينها .هي مدن أشكال وأصوات وحركات ،مدن تشعر بوجودها وال تراها" كالفينو .2192 ،ص.9 : مدن كالفينو مطعّمة بالخيال والمجاز وعناصر الخرافة ،وقلّما نجد وصفا ً عمرانيّا ً ما خال عدداً من األسطر السريعة الخالية من الدقّة العمرانيّة الجيوميتريّة .فعلى مستوى الوصف العمراني للمكان؛ فلم يهدف كالفينو من وصفه هذه المدن إلى تحديد مزاياها أو وصف عمران مبانيها أو طبيعتها الجغرافية ،وإنّما الوصف ثري بالخيالي والحسي والخرافي .فمدنه وإن اختلفَت أسماؤها عن مدننا، هي المدن التي نحلم بها في قرارة أنفسنا ،المدن الخرافيّة المتّشحة بالضباب :نراها لكنّنا نعجز عن تبيّن معالمها ،نتبعها ونعجز عن لمسها ،نش ّمها ونعجز عن إبقاء رائحتها في كياننا. "سأروي لكم عن مدينة زنوبيا ...فهي تقوم على أرض جافّة وهي ضخمة األبنية والدور فيها شيدت من الخيزران والخارصين .وك ّل شرفاتها تقوم على ركائز ذات ش جانبيّة ،وتعلو ارتفاعات متفاوتة ،تجتاز الواحدة األخرى ،تربطها مرتقيات ومما ٍ ّ مظالت وبراميل لخزانات الماء ،ودورات التجاه الريح ،وبكرات بارزة األبنية وبرك أسماك وغرانيق"( .كالفينو : 2192 ،ص )21 على مستوى أخر حلل النعيمي ( )2111مجموعة من المدن التي سافر إليها ،وافرد النص السردي لتقديم مفتاح شخصية كل مدينة كما اختبرها هو مكانيا وإنسانيا .واستخدم استعارة أن المكان كالكائن ال يمكن استبداله ،وأكد تحليله في المدن العربية التي كتب عنها ،ومنها اليمن ومراكش والقاهرة .كما ركز على القيمة التاريخية للمدينة وتأثيرها على تميز شخصيتها التي يلتقطها األديب المبدع .ففي رأيه أن المدن تسحرنا ال بأبهتها فقط وإنما بالتاريخ الذي يتجسد في كل زاوية منها. .7الحالة المكانية في الرواية العربية يعني هذا الجزء من الدراسة بتحليل بعض النماذج من اإلبداع الروائي العربي التي تم انتقائها بناء على المعايير التي نص عليها البحث سابقا .كما يستكشف هذا الجزء أعماال روائية تتعامل مع عمارة وعمران المدن حديثة الظهور على مسرح العمران العربي مثل دبي بجانب المدن التقليدية مثل دمشق ومراكش. يعتبر األديب السوري خيري الذهبي الرواية معماراً قبل كل شيء .مثلت بساتين دمشق وحاراتها أو باألحرى البيئة المكانية بشقيها الطبيعي والمادي ،أهم مكون لعمارة وزمن أعماله .وفي خمسينيات القرن العشرين عندما كانت دمشق ال تزال مدينة ريفية اختلط فيها الريف بكل غنائيته مع المدينة بسياقها الحضري ،قضى سنوات طفولته ومراهقته األولى .ويؤمن الذهبي( )2111بقيمة عمارة February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
المكان وتأثيرها على المبدع الروائي ،بل ويستدعي من ذاكرته حواراً للروائي الراحل نجيب محفوظ حين يسأله المحاور :من أين جئت بهذه األسئلة الصارمة المعمارية في رواياتك؟ ويكون جواب محفوظ المعتد بنفسه وبتاريخه :ال تنس أني ابن ألولئك المهندسين العظماء الذين صنعوا األهرام وأبا سنبل (الذهبي.)2111 ، ثم وجد الكاتب أرضية إبداعية خصبة في البيت الدمشقي وعمارته ،وصاغ أعمال درامية حكمها ثنائية المرأة والبيت الدمشقي ("حسيبة" .)9192 ،حيث وثق قدرة المرأة على التفرد في صناعة جنة من وورود ،فمألت البيت ،الباحة ،الجدران ،الدرج ،المشرقة ،الممر الواصل إلى المشرقة بالورود وحين غص المكان بورودها الداخلية المنعكسة وروداً في أصص .هذا البيت استطاعت المرأة تحويله إلى ذاكرة ،وإلى تاريخ وإلى حيوات فاستطاعت االغتناء به عن العالم الخارجي ،ولكنها أبداً لم تتخل عن حقها في العالم الخارجي .كما أن إشكالية حيوية المكان ونموه شغلت الذهبي في رواية "لو لم يكن اسمها فاطمة" .ففي هذه الرواية ابتعد عن المدينة في الجزء األكبر من الرواية ،ومضى إلى حيث المدن الميتة باحثا عن سبب موتها ،وسورية كانت دائما ً حافلة بالمدن والقرى الميتة تبعا لتعبيره مثل ترقا ،وتدمر ،وأفاميا ،وسرجلة ،والرصافة ،وإيبال .واستخدم الذهبي ( )2111البناء النصي للعمل في اختبار هذا التحرك البندولي ما بين االزدهار والموت في حياة المدن ،بل وقدم تفسيرا انثروبولوجيا وهو ازدهار طرق القوافل حين يهدأ الصراع بين الشرق والغرب فتأخذ حظها في التجارة بينهما وتزدهر ثم ينحرف طريق القوافل ،أو ينقطع ،فتعود إلى عزلتها وتكيسها.
صحن البيت الدمشقي ،قلب الحياة ومملكة المرأة الدمشقية وملهم للرواية السورية.
.1-7الرواية في الخليج حاولت بعض األعمال الروائية الصادرة في وعن الخليج ،الربط بين القيم االجتماعية وبين التشكيل المعماري والعمراني .وفي إطار الخط البحثي للدراسة استعرض هنا مجموعة من األمثلة البارزة والمفعمة بالدالالت .أولها عمل الروائي عبد الرحمن منيف وهو الرائد في إسقاط الضوء الكاشف على أحرج لحظات التحول في الخليج العربي من حالة ما قبل النفط إلى حالة الوفرة .كما أقدم مساهمة الروائيات السعوديات المعاصرات وخاصة من حيث تأثر إبداعهم الروائي بالتراث المكاني. آما المثالين األخيرين فهما لروائيين كتبا تصوراتهما في الخمس سنوات األخيرة .حيث رصدت الرواية األولى النقلة النوعية في عمارة وديموغرافية مدينة دبي ،المدينة التي أصبحت ماركة عمرانية سوقت خليجيا وعربيا .أما الرواية الثانية فقفزت إلى قلب المستقبل ورسمت صورة لحالة أهم مدن الخليج وسكانها بعد قرن من الزمان تنطفئ فيه كل شعالت أبار النفط.
علي عبد الرءوف
مدن الملح – عبد الرحمن منيف. تعد رواية مدن الملح واحدة من أشهر الروايات العربية ،وقد تفوقت في تصور الحياة مع بداية اكتشاف النفط والتحوالت المتسارعة التي حلت بمدن وقرى الجزيرة العربية .وتعد الرواية العمل األبرز للروائي الراحل منيف ،وهي تتألف من خمسة أجزاء :يصف الجزء األول التغيرات العميقة في بنية المجتمع البدوي الصحراوي بعد ظهور النفط ،في الجزء الثاني يبدأ بوصف رجال األعمال الذين وفدوا على المنطقة الخليجية ودخولهم في تحالفات مع حكام المنطقة .أما األجزاء الثالثة األخيرة تصف التحوالت والتفاعالت السياسية في شبه تطابق واضح مع تاريخ حكام آل سعود .هذا التناول الجريء وغير المسبوق من الروائيين السعوديين والعرب كان سببا قاطعا في تصنيف الرواية كعمال معارضا لنظام الحكم السعودي ومنعت رواياته من دخول المملكة العربية السعودية إلى وقت ليس ببعيد .ثم سمح بنشرها الحقا في معرض الكتاب بالرياض -وكثير من الدول الخليجية. "في وقت من األوقات كانت حران مدينة الصيادين والمسافرين العائدين ،أما اآلن فلم تعد مدينة ألحد .أصبح الناس فيها بال مالمح .إنهم كل األجناس وال جنس لهم. إنهم كل البشر وال إنسان .اللغات إلى جانب اللهجات واأللوان والديانات .األموال فيها وتحتها ال تشبه أية أموال أخرى .ومع ذلك ال أحد غنيا أو يمكن أن يكون كذلك. كل من فيها يركض ،لكن ال أحد يعرف إلى أين أو إلى متى .تشبه خلية النحل وتشبه المقبرة .حتى التحية فيها ال تشبه التحية في أي مكان آخر ،إذ ما يكاد الرجل يلقي السالم حتى يتفرس في الوجوه التي تتطلع إليه ،وقد امتأل خوفا من أن يقع شيء ما بين السالم ورد السالم" .من رواية األخدود.
المدن الخليجية في حقبة ما قبل النفط (مجموعة المتحف الوطني في البحرين).
وكان البيت التقليدي الخليجي بعمارته المحققة لمتطلبات هذه القيم االجتماعية ونمط الحياة المتبع ومبادئ الحياة األساسية مثل الخصوصية وعدم االختالط .ولذا مثل الفناء الداخلي أو الحوش الذي يحتل مساحة كبيرة في البيت المتنزه األول لمحارم األسرة الخليجية؛ إذ يوفر لهن تعويضا عن الخروج المقنن والمحدد بتعاليم العائلة وصحبة رجالها ،.كما يتيح متنفسا ترويحيا يقنعن به (الخياري .)2192 ،وعلي سبيل المثال نجد الروائية ليلى العثمان في روايتها المبكرة (وسمية تخرج من البحر) ترسم صورة لمنزل خليجي تقليدي في حقبة ما قبل دخول ثروة النفط ،و يبدو فيها الحوش في قلب المشهد: February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
"كان البيت كبيرا ،مربع الحوش .تتوسطه بركة ماء يتدلى دلوها .وكم سقط الدلو. وكم تراكضت وسمية القتالعه من منفاه بالملص .وحين يفلح أحدنا ينتصر على اآلخر .ويغيظه.حول البركة ،كانت تنحسر في دوائر ،قطرات الماء المتساقطة من الدلو ،وكنا نزرع حولها بعض الشعير .ونتراهن من يكبر نبته أكثر .من الحوش الكبير الذي تلتف حوله اللواوين من ثالث جهات ،تتفرع أحواش أخرى :حوش المطبخ .وفيه مطبخان ،واحد كبير أليام الوالئم ،وآخر صغير تدخله أم وسمية كل يوم ،فتفوح في خياشيمي روائح «المكبوس» و«المع ّدس» "..العثمان : 2111 ،ص 92و.91 وفي إطار قدرة العمل الروائي على رصد التغير العميق في البنية المكانية للمدينة الخليجية ،نرى أعمال الروائيين السعوديين نموذجا هاما .هنا يتطور البناء الروائي نتيجة لتطورات عمرانية ومدنية جعلت من المجتمع أكثر تعقيدا وأكثر تشابكا من ذلك المجتمع البدوي البسيط .وكما فعل عبد الرحمن منيف ،ركزت أميمة الخميس ( )2112في روايتها (بحريات) على حالة االنتقال في من التجمع البدوي الصحراوي البدائي إلى المدينة المعاصرة المعقدة: "في نهاية كل مصب لفرع وادي (حنيفة) العظيم تنشأ روضة ،تتجاور هذه الرياض لتكون مدينة تحدب عليها أشجار النخيل وتطوقها ،ولكن الرياض انفلتت من أمومة النخيل ونفرت إلى الشمال حيث الشوارع الباذخة ،وقصور االسمنت ،ومغامرة مدن النفط مع العالم .عام 9111هدمت الرياض سورها القديم ،وج َّزت الحبل السري بخفة وحذر ،كانت المدينة تتلصص بخطوات حذرة على طرق تشق وأبنية ترتفع وأصوات آلالت عجيبة تهدر هنا وهناك كغيالن ضخمة ،فتعكر هواء نسج بالصمت لمئات السنين .وفي منتصف الستينات ما ربح بيت (آل معبل) طينيا ً كبيراً وسط نخيل الباطن برزت حوله بعض البيوتات الصغيرة ،إما لزوجة جديدة أو المرأه ابن مع مالحق شرقية للخدم .تصنع البيوت الكبيرة عادة مجدها ودستورها الخاص، طقوس وتفاصيل مطمئنة لحقيقتها ،وانتماءات وشروط تقوم مقام العقيدة في البيت الكبير ،أوقات قهوه (أبوصالح) وأماكن الجلوس ،وتوزيع الهدايا بعد السفر ،يصبح البيت كتلة كبيرة ثقيلة تتحرك سوياً ،كتلة تسحب نفسها ببطء على مسارات األيام، خشية أن ينفرط أي من طقوسها العقدية المبجلة "( .الخميس.)2112 ، وكما يفسر (النعيم ،)2112 ،الصورة المعمارية في الرواية السعودية بشكل عام تتخفى خلف صدمة الحداثة التي غالبا ما تثير مخيلة كاتب الرواية ،كون الحدث هنا كان شامال على مستوى المكان واإلنسان .فلم يعد المكان الذي يعرفه جيل كامل عاش القرية والمدن الطينية موجودا وأصبح هناك مجال واسع إلعادة تصور هذا المكان بعاطفة كبيرة تخلط الحقيقة بالخيال .اختفاء المكان المادي في حد ذاته جعل من الصورة المتخيلة مقبولة طالما أن جزءا من الحقيقة موجود ،وهو ما يعطي الرواية فرادتها في تفسير الحدث ،على عكس العمارة التي تبحث في الصورة المادية األكثر جمودا وثباتا رغم أنها تقدم التفاصيل المهمة للحدث االجتماعي.
علي عبد الرءوف
مدينة الرياض الجديدة ،وهي واحدة من أسرع المدن نموا وتوسعا في العالم العربي.
تسونامي – حمود السايق .2002 "كان هناك المئات غيره من الرجال والنساء ،معظمهم في ربيع العمر قد قدموا من أنحاء البالد والكثير منهم من نجد ،ينتظرون دورهم إلنهاء فحصهم والحلم يراودهم السايق ( .)2111ص22 : بفرصة للهجرة والسفر" في عام 2111صدرت رواية "تسونامي" للمؤلف حمود السايق ،وهو غالبا اسم مستعار لمؤلف ناقد تعامل بحنكة مع الرواية التي حجبت من عدة بالد خليجية وخاصة السعودية كما سبق أن تم التعامل مع روايات عبد الرحمن منيف .والمختلف في رواية السايق أن أحداثها تدور عام 2911عن عالم لم يعد فيه للنفط قيمة تذكر ،وتعود بلدان الخليج كما كانت تعتمد على الصيد والرعي وبعض الزراعة. ويصبح أمل الشاب الخليجي حمود بطل الرواية الهجرة من الرياض الى سريالنكا للعمل سائقا عند احد األسر هناك .حيث تنقلب اآلية ويصبح خدم المنازل والعمال والسائقين في تلك البالد األسيوية من بالد الخليج .وعلى الرغم من االنطالق الخيالي للكاتب إال انه نبه بقوة إلى ما يجهله أو يتجاهله الكثيرين في بالد الخليج من االقتراب السريع نحو عصر ما بعد البترول. "مراجل وأبراج وخزانات معدنية ضخمة مطمورة في الرمال تبدو لهم من بعد ،أو ما يظهر منها بفعل انعكاس أشعة الشمس عنها ،هي أشبه ما تكون بالكائنات األسطورية ....من هنا كان يضخ النفط ،من تحت هذه الكثبان الرملية وتلك الجبال الجيرية ،من حقل يسمى بالغوار وربما الفوار يندفع إلى أعلى ليجمع ويفصل عن الغاز ثم يساق في أنابيب وناقالت ليصل الى العالم كله ويجعله يتنفس"... السايق ( .)2111ص.21: "أعلنت بعثة من الهند للتنقيب عن اآلثار في ما كان يعرف بالرياض بوسط نجد عن عثورها على بقايا جسر مدفون في األرض بمنطقة العليا األثرية مصنوع من مادة االلومنيوم والزجاج المقوى ،اتضح الحقا وبعد مقارنته بصور قديمة انه قمة برج يقال له المملكة وتعود ملكيته لثري عاش في ذلك المكان قبل مائتي عام تقريبا ،اسمه الوليد .وقد أوضح السيد كومار قائد البعثة أن أعمال الحفريات ستستغرق عدة أيام February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
إلزالة ما اندفن تحت الجسر العلوي وستكون فرصة عظيمة لدراسة ظاهرة الغني المفاجئ التي تطرأ على بعض المجتمعات وهي غير مستعدة له". السايق ( .)2111ص911 :
وانتقاال من المدن السعودية الى باقي مدن الخليج نتوقف أمام رواية ليلة واحدة في دبي – هاني نقشبندي .2191دار الساقي للطباعة والنشر .الرواية تتخذ دبي مسرحا ألحداثها وترصد تناقضاتها، وتستخدم المكان كمبرر أساسيا للبناء النصي الدرامي. "دبي هي نيويورك وهي دلهي ،هي باريس وهي القاهرة ،هي الرياض وبيروت. دبي هي أنا ،وهي أنت .دبي هي كما تريد أن تراها"( .نقشبندي.)2191 ، وتدور أحداث الرواية في أجواء دبي المدينة الصاخبة والصادمة والشهيرة بديناميكية التغيرات المعمارية والعمرانية واإلنسانية المتالحقة .المدينة التي اتهمت بأنها على حساب قيم إنسانية ،فقدت هويتها وسط صحراء تعبق رائحة المال في أجوائها .والرواية ترصد التمزق اإلنساني في مدينة تتقافز ناطحات السحاب بها .وأحداثها تصور امرأة تعيش وحيدة في دبي ،استيقظت ذات صباح على تجربة مختلفة في عالقته مكانها الحميم بضوء الشمس .لم تعد الشمس التي اعتاد ضيائها أن يمأل غرفتها كل صباح ،قادرة على النفاذ لمكانها .وعندما بحثت عن السبب صدمت بوجود عمارة تناطح السحاب نبتت بجوار نافذتها في ليلة واحدة .كانت العمارة ما تزال تصعد إلى السماء أكثر وأكثر ،فيما بدأ سكان جدد يشغلون طوابقها واحدا تلو اآلخر في مساء اليوم .أحست بضياع هويتها وبدأت تسأل: من أنا؟ أين أنا؟ وأصيبت ذاكرتها بخلل نسيت معه اسمها .هذه العمارة أو ناطحة السحاب التي نبتت بالليل ،بزجاجها األخضر مثلت مسخا أسطوريا اخضر منع الشمس وافقد الهوية والذاكرة لبطلة القصة ،كما يبدو انه افقد دبي هويتها أيضا كما يشير إليها المؤلف بأنها مدينة إشكالية حديثة .ولكن المؤلف أيضا يدافع عن دبي إيقونة الخليج ويتعاطف مع مدينة األبراج والرمال: "العراقة الحقيقية للمدن ال تكمن في األحجار ،وال في األزقة القديمة التي تتلوى في العالم كله بالطريقة ذاتها ،بل تكمن في اإلنسان ذاته ...إن العراقة التي تفتقدها دبي
علي عبد الرءوف
هي تهمة ال مبرر لها ،إذ حيث وجد اإلنسان وجدت ثقافة ضاربة في القدم ،سواء كان في دبي المدينة الحديثة ام في لندن المدينة القديمة"(.نقشبندي.)2191 ، ولكن تسلسل دراما القصة يبلور تساؤال عن تأثير المدينة وهل دبي تمسخ اإلنسان وتجرده من إنسانيته وهويته؟ وتبرر البطلة عالقتها بالمدينة عندما استعادت هويتها وتذكرت اسمها: "نحن ال نحب هذه المدينة ،بل نحب المال ...ال احد يريد أن يكون وحيدا في هذا العالم األسمنتي"(.نقشبندي.)2191 ،
شكل () :كاريكاتير يسخر من االقتصاد الهش لمدينة دبي الذي انتهى إلى مباني غير منتهية وغير مستعملة وعمران مشوه ومواطنين يستجدون لمواصلة نمط حياة استهالكي اعتادوا عليه.
.2-7الرواية العربية وقيمة التراث المكاني من أهم الروايات العربية التي تؤكد قيمة المحلية وايجابية التراث المكاني ،رواية موسم الهجرة إلى الشمال للروائي السوداني األشهر الطيب الصالح .في هذا العمل الفريد والهام في اإلبداع العربي المعاصر ،وبينما يحاول الصالح إنارة الثابت والمتحول ،األصيل والوافد ،المتكامل والمتمزق ،في هوية اإلنسان الذي يرحل من واقع له عمقه وحنكته وخبرته إلى أفق غربي مفعم بالتجريب والتجديد، يذكرنا الصالح بقيم خالدة وغامضة في عمارة وعمران المكان. "هذه الدار الكبيرة ليست من الحجر وال الطوب األحمر ،ولكنها من الطين نفسه الذي يزرع فيه القمح ،قائمة على أطراف الحقل تماماً ،تكون إمتداداً له .وهذا واضح من شجيرات الطلح والسنط النامية في فناء الدار والنباتات التي نمت في الحيطان نفسها حيث تسرب إليها الماء من األرض المزروعة .وهي دار فوضى قائمة دون نظام ،اكتسبت هيئتها هذه على مدى أعوام طويلة :غرف كثيرة مختلفة األحجام، بنيت بعضها لصق بعض في أوقات مختلفة ،أما حسب الحاجة إليها أو ألن جدي توفر له شيء من المال لم يجد وسيلة أخرى ينفقه فيها .غرف تؤدي بعضها إلى بعض ،بعضها لها أبواب وطيئة البد أن تنحني كي تدخلها وبعضها ليست لها أبواب إطالقاً ،بعضها لها نوافذ كثيرة ،وبعضها ليست لها نوافذ .حيطانها ملساء مطلية بمادة هي خليط من الرمل الخشن والطين األسود وزبالة البهائم ،وكذلك السطوح، February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
واألسقف من جذع النخيل وخشب السنط وجريد النخيل .دار متاهة ،باردة في الصيف ،دافئة في الشتاء .إذا نظرت إليها من الخارج ،دون عطف ،أحسست بها كيانا ً هشا ً لن يقوى على البقاء ،ولكنها تغالب الزمن بشيء كالمعجزة". هذا الوصف ال يتحدث فقط عن البيت كمأوى ولكن البيت ككيان يحتوي داخله حياة العائلة التي تتمدد وتنمو خالله .والوصف أيضا يقدم مالمح لمبادئ العمارة البيئية وتكنولوجيا البناء المتوافق مع الموقع ومع المواد المتاحة .يبهر األداء المناخي للبيت الكاتب أيضا وهو يستدعي صورة من قري السودان قاسية المناخ. .3-7النقد الروائي لتغريب عمارة وعمران المغرب في إطار عالقة اإلنسان والمكان سجلت الرواية المغربية ما يتميز به هذا النطاق الجغرافي الثري من العالم العربي ،وما به من تنوع وامتزاج بين كل من الحضارات اإلسالمية واألمازيغية والرومانية؛ باإلضافة إلى ألوان متعاقبة من قوى االستعمار البريطاني ثم البرتغالي والفرنسي .وهذا الخليط الممتد على مستوى الزمان والمكان يحقق نوعا فريدا من العمارة شديدة التميز والثراء .ولكن العمارة هي منتج ثقافي بامتياز ومن ثم فان ما يصيب الثقافة يصيب العمارة .فلقد تعولمت العمارة المغربية بشكل متسارع .وهي وإن كانت طوال تاريخها نموذجا لتجاور العمارات ومعرضا فريدا لتآلف الذوقين الشرقي والغربي ،إال أنها في العقود األخيرة تعرضت لعاصفة من التشويه والطمس معا .كان لحلول األبراج الضخمة والمجمعات السكنية الحديثة محل الوحدات السكنية العتيقة األنيقة الراقية ،كان لذلك كله األثر المباشر في فقدان المغرب ،السيما المدن العريقة فيه مثل مراكش وتطوان وطنجة شخصيتها المعمارية المعروفة. وقد مارس الروائيين المغاربة أقصى درجات النقد ولم يغب مشهد تداعي العمران التقليدي في المدن التاريخية عن الرواية المغربية المعاصرة .فقد وقفت الرواية حاملة كاميرا السرد لتسجل مالمح هذه العمارة المميزة ،وتدهورها المتسارع بفعل االجتياح العمراني الحداثي .ومن هؤالء المبدعين يبرز الروائي محمد األشعري في روايته (القوس والفراشة) موليا اهتماما كبيرا بمسألة العبث العمراني بالمغرب ،ما دعاه إلى اإلشارة الواضحة لما أصاب الثقافة المغربية بفعل رياح الثقافات الغربية ،وما التبدل المشوه لعمارة المغرب إال دليال شاخصا على هذا الخلل من وجهة نظره .ينعى األشعري المدينة العريقة مراكش التي فقدت شخصيتها المعمارية بشكل مؤلم ،وبدت مسرحا لعبث عمارة العولمة والرأسمالية معا .فاختفت العمارة األصيلة وسط ضجيج عمارة الغرب ،وداست العمارة العمالقة على رؤوس العمارة البسيطة ،فانتشرت األبراج على رفات المساكن الحميمية المقياس .وفي الرواية يصيغ المؤلف رثاء (مراكش) المدينة الجميلة: "وبالفعل طارت مراكش حقيقة ال مجازا في السنوات العشر األخيرة .طارت أثمنة عقاراتها إلى عنان السماء ،وطارت الدور القديمة ،والرياضات والفنادق من بين أصحابها األصليين ،وعصف بها زلزال حقيقي محا دروبا وأزقة وحواري عتيقة، وأنبت مكانها قصورا ومطاعم وإقامات ودور ضيافة ،واشتعلت بين المالكين الجدد حرب عقارية ،جعلتهم يتبارون في تشييد أبنية مذهلة ،تليق باستيهاماتهم وأحالمهم الشرقية ،مستعملين سقوفا وأبوابا وفسيفساء يقتلعونها من هنا وهناك ،حتى نشبت حمى رهيبة في مفاصل الدور القديمة جراء ما تعرضت له من بتر وتقطيع
علي عبد الرءوف
,واستئصال لكل تفاصيلها قبل زرعها بشكل عدواني في قصور ورياضات تغلق بشكل محكم على الليل السري للمدينة" - .القوس والفراشة ص .911 وهكذا يطلعنا الراوي في رواية األشعري على الشكل الذي آلت إليه العمارة المغربية بعد تشويهها بشكل ممنهج ،بدت معه العمارة بال هوية ،وهو الوصف الذي ينتظم ثقافة وعمارة العولمة على السواء. "قصور تختلط فيها أساليب معمارية ال عالقة لها بمراكش ،أساليب وأشكال استوردها الوافدون الجدد من رحالتهم وأفالمهم ولوحات مستكشفيهم من الهند وتركيا وإيران ومنغوليا والصين واليمن وزنجبار ....وفي هذا الخليط الذي حصلوا على رخص رسمية بإنجازه كترميم لذاكرة المدينة ،تم طمس هذه الذاكرة بصفة تامة ونهائية ،وفي قلب هذا الشكل الجديد ،كرس األثرياء ما جمعوه من تحف عبر العالم، زجاجيا وفسيفساء ومنحوتات وأواني وزرابي وآالت موسيقية ،بل وسواري، ومرمر وخزف من حفريات أركيولوجية عبر العالم ."....الرواية ص .919
روح مدينة مراكش مكثفة في ثراء ساحتها العامة ،ساحة الفنا (تصوير :علي عبد الرءوف)
.8البنية المعمارية والعمرانية للقاهرة تاريخ مدينة القاهرة المركب (ابو لغد؛ حمدان 9111؛ ريموند2112 ،؛ الصياد )2199يميزه تعدد الطبقات المشكلة لبنية المدينة ومورفولوجيتها العمرانية والمعمارية .كما يتميز بديناميكية وحيوية األحداث والتحوالت التي شهدتها وخاصة مع تغيرات عميقة صاحبت مشهد نمو هذه المدينة من لحظة ميالدها .أسّس القاهرة القائد المعز لدين هللا من عدة مدن ولتكون عاصمة أسس الدولة الفاطمية ،وقد قام جوهر الصقلي سنة 119هـ ( 111م) ببناء سور حول ثالث مدن وقام بتسمية المدن الثالث القاهرة ،وتض ّم القاهرة مدينة الفسطاط التي أسسها عمرو بن العاص سنة 21هـ، ومدينة العسكر التي أسسها صالح بن علي العباسى سنة 912هـ ،ومدينة القطائع التي أسّسها أحمد بن طولون سنة 211هـ .نمت القاهرة في إطار النطاق الجغرافي الذي يمكن ان يطلق عليه القاهرة اإلسالمية او قاهرة المجتمع اإلسالمي التي أحيطت باألسوار الدفاعية التي تتخللها بوابات أهمها النصر والفتوح وزويلة .هذه القاهرة األولى أنتجت الرصيد التراثي لعمارة وعمران المجتمعات February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
اإلسالمية وخاصة في الحقبات الفاطمية والمملوكية .مورفولوجية القاهرة او البنية العامة للمدينة عبارة عن مجموعة أحياء وكل حي هو وحدة مغلقة تترابط فيما بينها عن طريق شبكة متدرجة من الطرق ،وأزقة تصب في حواري (عطفات/عطفة) وتؤدي بدورها إلى الشارع الرئيسي للحي (درب) .وهو الذي يسمى الحي عادة باسمه ويتصل بالنهاية بالشارع الكبير عن طريق بوابة (ريمون.)9122 ،
وقد تجاوزت القفزات العمرانية للقاهرة الحدود الواضحة لعمران القرن الثامن عشر والتاسع عشر. فبعد تجاوز أسوار القاهرة اإلسالمية بأحيائها التراثية العريقة ،انتظم عمران أحياء جديدة ،خارج األسوار ،فاصال بوضوح بين طبقات اجتماعية وثقافية مختلفة في المجتمع .فقد ضمت القاهرة ثالث تصنيفات واضحة من األحياء العمرانية التي تعبر عن طور محدد من أطوار المدينة المركبة .هذه األحياء كان لها مالمح واضحة ولها شخصيات متمايزة حتى وعلى الرغم من التقارب المكاني بينها. فعلى سبيل المثال كان حي جاردن سيتي ،الذي انشاته شركة بلجيكية عام ،9112موطنا للطبقة االرستقراطية واألجنبية الوافدة بينما كان حي السيدة زينب المتاخم له حيا شعبيا محتفظا بأصالته. والى جانب هذين التصنيفين كان ظهور التصنيف الثالث من عمران القاهرة أو القاهرة الثالثة التي اتسمت بأحياء ومناطق بال روح أو مالمح أو شخصية وأحيانا بال تاريخ .هذا النمط العمراني مضافا إلى األنماط السابقة هو ما ساهم في خلق صورة المدينة المتشظية المبعثرة (ريموند.)2119 ، تعود بدايات ظهور هذا التشظي والتبعثر في الصورة العمرانية للقاهرة إلى بداية عقد الثمانينيات عندما بدأت الهجرة من الريف الى المدينة بمعدالت متزايدة .هذه الموجات من ترييف المدينة التي تواكبت بال هوادة توافقت مع توجه رأسمالي لمصر .وفجأة استيقظت القاهرة في نهاية الثمانينيات وأوائل التسعينيات على ازدواجيات الرسمي والالرسمي ،المخطط والعشوائي ،المبهر الرأسي والمتهالك الرديء .وأصبحت الظاهرة مجسدة بوضوح في كل حي من أحياء القاهرة بال استثناء .هذه الهجرة من الريف المصري إلى العاصمة ،لم تؤثر فقط سلبا على الرصيد الزراعي لمصر ،ولكن أنتجت إطارا عشوائيا للمدن الكبرى ،وباألخص العاصمة القاهرة .الظاهرة المشتركة في هذه األطر العشوائية أنها مجتمعات غير مرئية بالنسبة لألنساق الرسمية والقانونية للدولة ،وبالتالي تستمد كل احتياجاتها المعيشية (الكهرباء والماء وحتى البث الفضائي) من تصرفات غير قانونية.
علي عبد الرءوف
هذه الحالة من االنحدار العمراني للقاهرة أصبحت حقيقة تؤكدها األحزمة الكثيفة من المستقرات الالرسمية التي تحيط بالمدينة ،وتنتج في مجملها القاهرة الثالثة التي انعكست فيها ثقافة العشوائيات وامتدت تدريجيا الى قلب القاهرة األولى والثانية .في الجزء التالي نرصد الكيفية التي انعكس بها هذا التشريح العمراني وثالثية القاهرة :اإلسالمية والخديوية والعشوائية على اإلنتاج الروائي المعاصر. .2التصنيف المكاني لألطروحات الروائية في مصر المعاصرة .1-2االنعكاس الروائي للبنية المعمارية والعمرانية للقاهرة إذن اتسم النسيج العمراني للقاهرة األولى ،القاهرة اإلسالمية ،بتعقيد درامي عبقري الهم اثنين من أهم الروائيين المصريين وأقدرهم على التحليل الناقد والواقعية المفرطة إلى درجة الخروج من حتمية الواقعية إلى تجليات االستشراف .وهذين المبدعين الرائدين هما نجيب محفوظ ويحيى حقي .األول هو الحائز على جائزة نوبل لآلداب عام 9191عن مجمل أعماله التي رصد فيها كيف عبرت عمارة القاهرة األولى والتركيب العمراني ألزقتها وحواريها عن تفاعالت اجتماعيه وتناقضات إنسانية. لمزيد من الرصد الواقعي فقد تعمد محفوظ أن يستوحي عناوين رواياته من أسماء حقيقية ألحياء وشوارع وأزقة هذه القاهرة األولى ،ومنها على سبيل المثال روايات زقاق المدق وخان الخليلي والسكرية وكلها مناطق حقيقية في النسيج العمراني للقاهرة اإلسالمية ،ولها مفرداتها المعمارية والتشكيلية الخاصة.
.10األطروحات الروائية والتصنيفات المكانية لعمران القاهرة جماليات المكان في األعمال الروائية ،بمعناها الفني وبمعناها الجغرافي ،تعني الجماليات التي تصنع من المكان بطالً من أبطال العمل الروائي .القدرة على صياغة المهد الذي يحتضن أبطال الرواية ويتدخل في صنع مصائرهم .إنه المكان الذي نتغير خالل عبورنا فيه ،المكان الذي نغدو فيه غير ما كنا عليه قبل دخولنا فيه وهذا ما يتم تحليله من خالل فحص النماذج الروائية المنتقاة وتحليلها .تبين وجود تصنيفات بارزة أهمها: .1-10الطرح التراثي التأصيلي (القاهرة األولى :القاهرة اإلسالمية): بين القصرين والسكرية وخان الخليلي -نجيب محفوظ. February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
قنديل أم هاشم – يحيى حقي. خطط الغيطاني – جمال الغيطاني .2111
القاهرة اإلسالمية (القاهرة األولى) (علي عبد الرءوف)
ما هي الكيفية التي تعامل بها الروائيون العرب مع التراث العمراني في المدن التاريخية خاصة؟ وهل يمكن أن تكون الرواية أداة لتحفيز الحفاظ على التراث المعماري والعمراني؟ كيف قدم الروائيون صورا أكثر قيمة وداللة لهذا التراث بمكوناته المعمارية والعمرانية المختلفة؟ ،وكيف اشعروا قرائهم بالغيرة على فقد هذا التراث وتداعيه المستمر؟ بل وكيف خلقوا عالقة وثيقة بين المواطن العادي الذي يسكن النطاقات األثرية التاريخية من المدينة ،ويتعامل معها في إطار حياته اليومية ،وبين قيمة ما حوله بحيث يرتفع وعيه ويشعر بمسئوليته الوطنية نحو هذا التراث. يلعب المكان دورا محوريا بل وبطوليا في أعمال نجيب محفوظ الذي ولد في الجمالية ،وهي احد أهم أحياء القاهرة اإلسالمية التي أمدته برصيد إنساني معماري عمراني تأمل فيه منذ صغره تعقيدات الحياة اإلنسانية وتجسدها في المكان .ولذلك كان محفوظ شديد التعلق بالمكان لدرجة انه كان يعاقب أبطال رواياته ،احيانا ،على رغبة التمرد ومغادرة هذا األحياء الثرية تبعا لطرحه .كان محفوظ مؤمنا إن هذا التكوين المعماري المجسّم في الناس والمقاهي واألزقة والحارات والسالملك والحرملك وجلسات المشربيات وعالقة الناس بالمكان فيها قدرة خاصة على النفاذ والتحديد واالنضباط للمعطيات والممكنات. "أغلب رواياتي كانت تدور في عقلي كخواطر حية أثناء جلوسي في هذه المنطقة ... يخيل لي أنه ال بد من االرتباط بمكان معين أو شيء معين يكون نقطة انطالق للمشاعر واألحاسيس ،..وحتى المكان يصبح في بعض العمال بطالً (كالزقاق في"زقاق المدق"والعوامة في"ثرثرة فوق النيل"والفندق في"ميرامار". نجيب محفوظ ما كتبه نجيب محفوظ في أعماله الروائية يجعله وبامتياز معماري الرواية ،وراوي العمارة المصرية .أن قدرته في أن يصور القاهرة الفاطمية على النحو الذي أبدعه في الثالثية كان إبداعا غير مسبوقا ومفرطا في الحساسية .كما استطاعت عمارة محفوظ السردية أن تقدم لنا طبقات المجتمع حسب غناه وفقره ،فقد كان وصف مساكن كل طبقة بليغا في اإلشارة إلى المعاناة التي تسحقها ،أو إلى النعيم الذي يغرقها ...وهي تقنية تخرج عن الدور التزييني للوصف إلى مرحلة البناء النفسي للشخصية ،بل والبناء االجتماعي للوطن.
علي عبد الرءوف
تجسد روايات محفوظ أيضا لحظات االنتفاض الوطني حتى في خضم حالة اللهو التي سادت البالد وخاصة لطائفة التجار الذين تنازعهم روحانياتهم ووطنيتهم وحبهم لحياة المتعة واللهو كما جسدها محفوظ بعبقرية خالدة في شخصية "سي السيد" الذي ينطلق من عالمه األمن في القاهرة األولى إلى شوارع القاهرة الثانية (القاهرة الخديوية) أثناء ثورة 9191متأثرا ببطولة أبنائه وتضحياتهم من اجل مصر .وقد قدمت روايات محفوظ تشريحا لعمارة المسكن المصري في القاهرة اإلسالمية ووظف مكوناته المختلفة في التركيب والتصاعد الدرامي للرواية مقدما دمجا بين المفاهيم الفراغية والمفاهيم االجتماعية في الحرملك والسالملك والحوش الداخلي والمشربيات وغيرها. وعلى نفس المنهج فقد قدمت بعض األعمال الروائية التي اهتمت بالقاهرة اإلسالمية ،قدمت صرخة تحذيرية لتداعيات اإلهمال .فعلى سبيل المثال يتناول الروائي المصري محمود الورداني في روايته «أوان القطاف» قيمة مجموعة قالوون في شارع المعز مقدما وصفا باهرا لقيمتها المعمارية: "هذه أقدم مجموعة متكاملة ولو فشلت جهود الترميم لفقدنا ما ال يمكن تعويضه .في النهار -يجب أن ترى المكان في النهار -ستكتشف سحر مجموعة قالوون. وستكتشف إيقاع العمارة والعالقات المحسوبة بين القباب واألعمدة والمآذن والمداخل واألبواب" .محمود الورداني ،من محرز ( )2192ص.11: .2-10الطرح التغريبي (القاهرة الثانية :قاهرة الخديوية): قطعة من أوربا -رضوى عاشور2111 . عمارة يعقوبيان – عالء األسواني2212 . قالت ضحى – بهاء طاهر9111 . رضوى عاشور – قطعة من أوربا ترصد رضوى عاشور ( ،)2111مالبسات التحول الدرامي من القاهرة األولى؛ القاهرة اإلسالمية، إلى القاهرة الثانية؛ القاهرة الخديوية .وهذا العمل الروائي نموذجا للرصد التوثيقي الذي ندرك من خالله صفحات هامة من تاريخ العمران والعمارة في المدينة األهم في العالم العربي .فالكاتبة تفسر التحول في عمران القاهرة بحالة االنبهار التي عاشها الخديوي إسماعيل في عالقته مع مدينته المفضلة باريس منذ كان طالبا بها وحتى زيارته التاريخية التي شهد فيها مالمح ثورتها المعمارية والعمرانية التي قادها المخطط هاوسمان .تلك الثورة التي أبهرت وإعادة صياغة علوم التخطيط والعمران في أوربا .عاد الخديوي إلى مصر وهو حاسما وجازما في أن القاهرة تستحق االنتقال إلى أفق جديد ،ولذا عهد إلى وزير أشغاله على مبارك بان يتولى التنسيق ألعمال تخطيط القاهرة الجديدة تاركا القاهرة اإلسالمية ،ماديا ومعنويا ،تتوارى وتختفي خلف أسوارها العالية. "كان هذا الحي الجديد ،القاهرة الرومية كما يسميها بعض المؤرخين ،يخلف وراءه القاهرة اإلسالمية ،يتركها مستتبة في ماضيها ،قانعة به أو غارقة فيه ،ويتطلع إلى عالم جديد ،يسحب إليه المدينة بمؤسسات حكمها وقصور حكامها ومراكزها التجارية ،ينقلها غربا -ال مجاز هنا -اقصد الغرب الجغرافي ،حيث تمتد قاهرة إسماعيل من ميدان عابدين وميدان العتبة إلى النيل غربهما ،ومن شاطئ النيل إلى الجزيرة غربه .نزل الوالي من القلعة ،وانتقل مقر الحكم إلى قصر عابدين". February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
قالت ضحى – بهاء طاهر1222 . في رواية قالت ضحى للروائي بهاء طاهر ( )9111نرى مساحات موجزة ولكنها قاطعة لتفعيل دور النقد المعماري والعمراني وإدماجه في بنية النص الروائي .إشكاليتين من أهم إشكاليات عمارة وعمران القاهرة الثانية الخديوية تطرحهم الرواية .اإلشكالية األولى تخص التشوه البصري المستمر لكل النطاق التجاري الذي شغل األدوار األرضية والميزانين من عمارات وسط المدينة األنيق .في غيبة معايير يقنن االستعماالت التجارية وما يمكن لها أن تضيف للكيان المعماري الذي يأويها، أصبحت تلك المحالت اعتداءا صارخا على كل القيم الجمالية والبصرية والتشكيلية. "أنا اعني أن الشارع أيضا حياة ،أجزاؤه كأعضاء الجسم وحين تغيرها فكأنك تبتر عضوا من جسد" .بطلة القصة ضحى تستنكر ما وجدته في شارع قصر النيل من الفتات لبيع المحالت التجارية التي تميزه .ص29: كما تشير البطلة ،أصحاب المحالت يملكون كل درجات الحرية في تشكيل واجهات محالتهم وألوانها وموادها وأسلوب إضاءتها وشكل وحجم ومكان الفتاتها .هذه الحرية الغير مسئولة والتي ال تخضع إلى مرجعية قانونية من إي نوع ،أفسدت الرصيد المعماري وشوهته وخاصة عندما امتد التشويه إلى األدوار العليا بعد أن تحول معظمها إلى مكاتب وورش إنتاجية ،فتبارت في وضع الالفتات المتناثرة على جسد العمارات المستباح ومعه انتشرت أجهزة التكييف بأورامها المتعددة وانتهت بتحويل الشرفات األنيقة إلى مخازن مفتوحة لألثاث القديم .المحصلة انك تنظر إلى عمارة لها ماض جميل وتلمح عالمات ،ولكنها تحولت الى مسخ مشوه يثير األلم. " ...كانت تلتفت برأسها بعيدا عني وهي تنظر في شرود إلى مدخل "الهيلتون"، وقالت فجأة بصوت غاضب :لماذا وضعوا هذا المبنى هنا؟ لماذا بنوا هذه "التورته" الزرقاء بجوار المتحف؟ هذا تدنيس للمكان" .ص.21 :
يتناول طاهر أيضا على لسان البطلة فكرة التوافق العمراني في القاهرة .فالبطلة تستنكر التناقض العمراني بين الفندق الجديد وبين المتحف المصري وهي تساؤالت مشروعة لها عالقة بقضية
علي عبد الرءوف
التناسق والتوافق العمراني والمسئولية عن صياغة معايير عمرانية للتنمية منطقة ما تضمن استمرارية مستقبلية لهذا التوافق. عمارة يعقوبيان – عالء األسواني عمارة يعقوبيان رواية للكاتب عالء االسواني نشرت عام ،2112وهو اسم حقيقي لعمارة موجودة فعالً بشارع طلعت حرب بناها المليونير جاكوب يعقوبيان عميد الجالية األرمينية عام .9112من بداية الرواية يستوقفك أن رغبة المالك في عمل تحفة معمارية تحقق على يد المعماري االيطالي، وهنا يتضح ضعف إدراك قيمة المعماري الوطني وخاصة أن تلك الحقبة (منتصف الثالثينيات)، كانت شاهدا على عودة الجيل األول من المعماريين المصريين إلى ارض الوطن بعد إنهاء دراساتهم في أرقى مدارس العمارة بسويسرا وفرنسا وانجلترا. "في عام 9112فكر المليونير هاجوب يعقوبيان ،عميد الجالية األرمينية في مصر آنذاك ،في إنشاء عمارة سكنية تحمل اسمه فتخير لها أهم موقع في شارع سليمان باشا وتعاقد لبنائها مع مكتب هندسي ايطالي شهير وضع له تصميما جميال :عشرة ادوار شاهقة من الطراز األوربي الكالسيكي الفخم :الشرفات مزدانة بتماثيل لوجوه إغريقية منحوتة على الحجر واألعمدة والدرجات والممرات كلها بالرخام الطبيعي" وقد استخدم األسواني هذا المبنى الكائن بوسط القاهرة ،وبالتحديد في شارع سليمان باشا ،شاهدا على تاريخ مصر الحديث في المائة سنة األخيرة بكل ما يحمله من أزمات ونجاحات ونكبات .فالمبنى الذي بدا كتحفة معمارية سرعان ما ظهرت عليه أعراض قاهرة ما بعد ثورة 21يوليو وخاصة في دوره األرضي وسطحه العلوي .ففي الدور األرضي تحول المحل األنيق إلى متجر باذخ فج الذوق يبيع المالبس ويتجاهل كل القيم الجمالية والتشكيلية للمبنى .أما السطح فهو حزام عشوائي يماثل األحزمة العشوائية التي أصبحت تحيط بالقاهرة تدريجيا .لقد تحولت حجرات السطح التي بنيت لتكون مخازن وغرف للغسيل إلى مستعمرة متكاملة .لقد نشأ جمعا جديد فوق السطح له استقالليته الكاملة عن كل قيم وأسلوب حياة قاطني شقق العمارة .وتدريجيا أصبح هذا الجمع صورة من أي تجمع عشوائي محيطا بالقاهرة يمكن رصد مالمحه من أطفال تجري شبه عرايا وسيدات جالسات على أعتاب حجراتهن ومشاجرات عنيفة تنطلق في لحظات وتنطفئ في دقائق قليلة وتستمر الحياة وكأن شيء لم يكن .كما نالحظ الكثير من اإلضافات المبنية التي تقسم السطح وتعيد تقسيمه وتضيف إليه احتياجات ما يستجد من سكان فرادى أو عائالت بأكملها.
بشر وأسطح :أسطح وسط المدينة التي تحولت إلى أحزمة ال رسمية تحيط بالعمران الرأسي ( Antonino .)© Savojardo
February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
.3-10الطرح العشوائي والهامشي (القاهرة الثالثة :القاهرة العشوائية): قاع المدينة – يوسف إدريس.9111 ، مالك الحزين – إبراهيم أصالن. حكايات فضل هللا عثمان -إبراهيم أصالن. عصافير النيل – إبراهيم أصالن .9111 بيت النار -محمود الورداني.2192 ، عشوائية الوجود وعبثية العمارة التي تحتوي هذا الوجود هو طرح نقدي قيم أضاء جوانب من عمران القاهرة لم تحظى باالهتمام الذي يحولها إلى قضايا اجتماعية وعمرانية .وصف يوسف إدريس في قاع المدينة الرحلة من العمران المنتظم االرستقراطي إلى تحالف العشوائي والمهمش والالمبني والمتداعي حاد الفقر في روايته قاع المدينة ( .)1252والواقع أن رصد إدريس للمهمش والعشوائي بالقاهرة يطرح إطار زمنيا مختلفا عن ما ذهب إليه الكثيرون من منظري العمران والتخطيط من أن العشوائيات بدأت بالقاهرة في نهاية السبعينيات وبصورة أدق بعد سنوات االنفتاح االقتصادي .كما أن إدريس اعتمد على تعمق في المدينة ،أدرك منه الرؤى الحياتية المختلفة التي تتباين تباين مذهل في مسافات ال تزيد عن عدة كيلومترات. "انه مصري مائة في المائة ،أبوه من المنيرة وأمه من العباسية وله أقارب فقراء في الصعيد ،وسافر ورأى وانتقل وحقق ولمس بنفسه أقصى درجات الحاجة .وهو متأكد انه ال يزال في القاهرة لم يغادرها ،وان المكان الذي يمشي فيه حي من أحيائها، ولكن المرئيات تتاب ع كلما تقدم ويحس بالذهول وانه يدلى بحبل في بئر ال قرار فيها" قاع المدينة (.)9111 ويبدع إدريس في وصف االنحدارات المتتالية في رحلة قاع المدينة: "الشوارع أول األمر مستقيمة ذات طول وعرض وأسماء مشهورة...والبيوت على الجانبين مزدحمة ومكدسة ...ولكنها بيوت لها أرقام وبلكونات ونوافذ بشيش وزجاج وبوابات ذات زخارف ...ويتقدمون ...وتضيق الشوارع وتقل شهرتها ،وتفقد البيوت أرقامها وتنقص أدوارها ...وتصغر أبوابها وتصبح نوافذها بال شيش ... ويتقدمون ...وتضييق الشوارع وتضيق وتفضي إلى حارات ...وتتقادم البيوت ويفصلها عن الحاضر أحقاب وأحقاب ،وتصبح النوافذ فتحات ليس فيها غير الحديد ...ويتقدمون ...وتتعرج الحواري وتتداخل وتؤدي إلى أزقة ...وتفقد البيوت ما فوقها من طالء وما في نوافذها من حديد ...ويوغلون في التقدم ...وتتلوى األزقة والمسالك وتؤدي إلى مكان ليس له كيان ،كل ما فيه يختلط بكل ما فيه" .إدريس ( – )9111قاع المدينة. رحلة عمرانية من موضع إلى موضع ،أو باألحرى من قمة إلى قاع في نفس المدينة التي تفقد في تسارع مدهش كل قيم المعمار والعمران اإلنساني .وال تزيد على دهشة الراوي بما يرى ،إال دهشته وهو مدرك تماما أن كل ما يراه في نفس جغرافية مدينته التي اعتقد انه يعرفها جيدا.
علي عبد الرءوف
أعمال مختارة -إبراهيم أصالن أما الروائي إبراهيم أصالن فقد كان عنصرا أصيال في سرد عشوائية الوجود وعبثية العمارة في بعض بقاع القاهرة ،ألنه كان ينتمي إليها ويختبرها في حياته اليومية .ولد إبراهيم أصالن بمحافظة الغربية ونشأ وتربى في القاهرة وتحديدا في حي إمبابة والكيت كات ،وقد ظل لهذين المكانين الحضور األكبر والطاغي في كل أعمال الكاتب بداية من مجموعته القصصية األولى "بحيرة المساء" مرورا بعمله وروايته األشهر "مالك الحزين" ،وحتى كتابه "حكايات فضل هللا عثمان" وروايته "عصافير النيل" .واستمر أصالن يقطن في الكيت كات حتى وفاته ولم يخرج من ذلك الحي برغم شهرته التي حققها فيما بعد كأديب ورئيس تحرير .عصافير النيل :إنها حكاية المكان..ماذا لو استنطقنا األمكنة..ماذا يمكن أن تقول؟..ماذا يمكن أن تحكي؟..تلك هي حكاية عصافير النيل..هل األماكن تسكننا أم نسكنها..وهل تصبح هي هي بعد أن يمضي من يمضي ويأتي من يأتي؟ في مواقع مختلفة من سرد إبراهيم أصالن نواجه عمارة بال مسكن ،وهو ما اختص به من يعيشون تحت خط الفقر ،وهو ما يطلق عليه سكان العشوائيات؛ حيث وسمت العشوائية كل شيء حتى األشكال الثابتة والمستقرة للمساكن. "مشيت في الشارع الذي كان مسقوفا بخيوط علقت فيها آالف من األعالم الفضية المقصوصة والفوانيس الورقية الملونة .كنت اعرف انه ينتهي بتلك المنطقة المزدحمة باألكواخ التي نفصل بينه وبين الساحة التي يقام فيها السوق ،حيث يمكنني أن أدخن السيجارة وراء المساكن الشعبية الصفراء ،واشرب من األزيار المنصوبة تحت الشجرة الوحيدة عند المبنى الحكومي المهجور" .حكايات فضل هللا عثمان، ص29 : في مالك الحزين يؤكد أصالن على األهمية األكبر لنهر النيل في حياة أهل إمبابة فهو مرتبط ارتباطا وثيقا بحياة الناس .النهر هو مصدر الحياة ولذا فهو مرتبط بنشاط مهني وهو الصيد ،ولكنه أيضا مكانا للتأمل والهدوء .واستمرارية الصيد في رؤية أصالن يجعل من امبابه تجسيد للتداخل الريفي البدائي في حيز المدينة ،والمهمش فيها في الوقت نفسه (حشمت .)2119،ولكن أصالن أيضا يرصد صدمة ان النهر تغير وفقد عنفوانه وأصبح شبيها بماء قذر (ماء الغسيل) ص .921 :ولم يعد بطل الرواية يوسف يسميه نهري مستخدما ضمير الملكية للتعبير عن العالقة الحميمة بين اإلنسان والنهر. تشير الرواية أيضا إلى ما تسميه حشمت ( )2119قوة التدمير التي تعمل من داخل امبابة نفسها لتدمير البنية المكانية المالئمة لمجتمع المكان واستبدالها عن طريق تجار بدؤا فقراء ثم تيسر حالهم فاشتروا البيوت القديمة وحولوها إلى عمارات خرسانية حديثة .يصف أصالن هذا الرجل على انه سرطان حقيقي يفترس كل شيء" :انه يتقد وينتشر مثل السرطان داخل الحارة .يشتري البيوت القديمة ثم يهدمها (ص.)21:
February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
ال رسمية إمبابة والحجم المذهل لنموها العمراني في غفلة وإهمال وتهميش من القوى الحاكمة. http://www.skyscraperlife.com
بيت النار -محمود الورداني يرسم الروائي المصري محمود الورداني في روايته «بيت النار» بانوراما لتحوالت القاهرة خالل أربعة عقود تبدأ من الستينات حتى نهاية السبعينات .والبناء الدرامي للرواية يتتبع رحلة طالب يتيم يتحمل مسؤولية أسرة تتنقل بين أحياء العاصمة المصرية بسبب ضغوط الحياة ولقمة العيش .ومن خالل هذا االنتقاالت يرصد الورداني التحوالت االجتماعية والسياسية لمصر .وبصورة أليمة يتأمل المدينة العاصمة القاهرة التي تتوسع بإضافة أحياء جديدة لتصير وحشا أو متاهة .وتتزامن تحوالت الرواية مع تحوالت مكانية تصنف ما حدث في عمران القاهرة حيث ينشأ الطفل مصطفى في الحي الشعبي بوالق أبو العال .ولكنه من خالل شوارع بوالق يلمح ومضات من حي الزمالك األرستقراطي الذي يفصله نهر النيل عن بوالق .ثم ينتقل بطل الرواية إلى القاهرة الجديدة؛ قاهرة الخديوي إسماعيل حيث يعمل في مطبعة في وسط القاهرة بالقرب من قصر عابدين الذي أصبح مقرا الملك فاروق. ومع تعقد الظروف المادية ،يبدأ مصطفى عمله عند المكوجي مسئوال عن «بيت النار» كما يطلعه عمله ككواء على عالم مختلف ،هو حي الزمالك .ثم يناقش الورداني ديناميكية العمران في القاهرة ومصر بعد تدفق األموال من العمل بالخليج في عقد التسعينيات .حيث يسقط تساؤالته على حالة أخته وزوجها العائد من السعودية سمينا له لحية سوداء ضخمة ،وشرائه أرضا ليبني بيتا في حي جديد سرعان ما أصبح من عشوائيات القاهرة ،التي يرصد الورداني نموها كعشب شيطاني. النطاق الجغرافي الذي تغطيه الرواية يمتد من شبرا مصر في الستينات ،مدن العمال ،لتصل إلى بعض أحياء القاهرة الخديوية ثم إلى حدود الزمالك ،الطبقة العليا وانتهاء بالجيزة والعمرانية ،موطن العشوائي والال رسمي .وهو اهتمام يرصد بدقة وشغف مجموعة التحوالت والتشوهات كذلك التي طرأت على هذا النطاق الجغرافي وصوالً لنهاية السبعينات تقريباً .ونقصد هنا األماكن التي عمل فيها مصطفى بطل الرواية ،وكذلك األماكن التي سكنها مع أسرته الصغيرة بينما تنتقل من مسكن إلى آخر حسب موجات الصعود والهبوط في وضعهم المادي المهدد والمتأزم أغلب الوقت ،وكذلك األماكن التي هرب إليها مختبئا ً من أعين أمن الدولة في مرحلة عمله الثوري السري .في كل تلك األماكن – التي تكاد تغطي القاهرة الكبرى في الحقيقة – يصف الورداني المباني والشوارع بعين يقظة و ُمحبة، وينقل لقارئه روح المكان وسكانه. أما تحوالت األمكنة التى يسجلها «الوردانى» بحرفية بالغة فيمكن أن نقتصر في تمثيلها على حكاية شارع فيصل والحمى التي صاحبت نشأته ،حيث اندفع المئات من أصحاب األراضي الزراعية هناك
علي عبد الرءوف
والتى كانوا قد اشتروها رخيصة وقاموا بـ«تسقيعها» عدة سنوات انتظاراً المثل هذه الفرصة ،اندفعوا يبيعون ويشترون ويهرسون األرض على جانبي الطريق الذى كان مجرد ترعة عريضة تروى األرض الزراعية بموازاة شارع الهرم ،كانت خلية نحل تعمل ليالً ونهاراً ،تضع األساس على عجل ثم تقيم األعمدة وسرعان ما يمأل البناءون المساحات بين األعمدة ،بينما كان المصريون العائدون من الخليج والسعودية يشترون الشقق بسرعة ،وانتشرت الالفتات على الواجهات غير المكتملة :موبيليات حراء ،صالون مكة ،قهوة الرياض ،مصبغة المصطفى وهكذا .وتصل قمة األزمة الوجودية والعمرانية إلى أقصاها عندما يتأمل بطل الرواية تآكل المحيط الزراعي حول القاهرة الكبرى، وتحوله إلى هياكل إسمنتية ويعلق" :هذه قاهرة أخرى ال أعرفها".
شارع الملك فيصل ،تجسيد ال يعالج للتداعي المعماري والعمراني.
.4-10الطرح البيئي والمقدس (خارج القاهرة :عمارة وعمران الصحراء): الجبل – فتحي غانم9111 . واحة الغروب – بهاء طاهر2119 . أوان القطاف – محمود الورداني2112 . يخرج فتحي غانم (الجبل ،)1252 ،من نطاق جغرافيا القاهرة الكبرى الى قرى صعيد مصر .ففي رواية الجبل التي نشرت للمرة األولى عام ،9111وكانت أول عمال روائيا للمؤلف ،تتمحور أحداث القصة حول قرية القرنة الواقعة في سفح الجبل بغرب نهر النيل باألقصر ،وهي القرية التي شهدت التجسيد الحقيقي لفكر المعماري والمخطط المصري حسن فتحي .ومن الصراعات الرئيسية في القرية الخالف بين هيئ ة اآلثار التي كانت تابعة لوزارة المعارف العمومية في هذا الحين ،وبين أهالي القرية .كان محور الخالف هو فهم القرية لكل ما هو موجود في باطن أراضيهم التي ورثوها عن األجداد ،من تماثيل ومومياوات هو ملكهم في الوقت الذي اعتبرتهم الهيئة لصوص أثار .يقدم غانم طرحا جديدا لمشروع حسن فتحي يراه على هيئة حل بديل لهذا الصراع عن طريق نقل أهالي القرنة إلى ما سوق لهم على انه قرية نموذجية جهزت بيوتها بالمياه والكهرباء ،صممها حسن فتحي مؤمنا إيمانا عميقا بتقديمه حال مثاليا لبيئة معمارية وعمرانية أكثر رقيا للمجتمعات المصرية البسيطة، ولكن المفاجأة كانت في حركة الرفض النتقال تهجيري والتمسك بالمكان القديم. واستغل غانم الذي كان يعمل محققا بالشئون القانونية بوزارة المعارف تكليفه بمهمة التحقيق في القضية ككل ليستكشف آفاق جديدة لعالقة اإلنسان بالمكان ويقد تفسيرا أخرا للمشروع فرصد خالفات األ هالي مع المعماري حسن فتحي التي كانت حادة وعنيفة حرقت فيها إحدى السيارات كما رصد تعليمات مدير الشئون القانونية التي نبهه فيها إلى خطورة الموقف وإمكان اتهام األهالي بالعنف وعدم احترام القانون ،ولكن معايشة فتحي غانم حولته من محقق يتعامل مع أهالي مخربين ورافضين إلى إنسان تبين له أن هؤالء البسطاء مجني عليهم وأنهم ضحايا عملية تحديث وضعها حسن فتحي دون أن يعرف شيئا عن حياتهم وعاداتهم .بل وانتهى غانم إلى إن هؤالء البسطاء معتزون بحياتهم February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
ومتمسكون بها وليسوا ضد التطوير ،فقط يجب أن يتم من داخلهم ،وال يفرض عليهم من خارجهم أو من سلطات اعلي.
مسجد قرية القرنة التي صممها المعماري المصري حسن فتحي رائد عمارة الفقراء.
واحة الغروب – بهاء طاهر2008 . بعد تجربة بهاء طاهر في ترجمة رواية الخيميائي لباولو كويلهو ،والتي اسماها في النسخة المترجمة ساحر الصحراء ،اقترب من الصحراء كنطاق جديد او مكان يمثل أرضية جديدة إلبداعه الروائي. فقدم طاهر (واحة الغروب )2119 ،حيث يؤكد فيها على توافق العمران مع البيئة المحيطة ومع القيم االجتماعية والسياق الثقافي للواحة .وبحيث تحقق البيئة المبنية تناغما مع البيئة الطبيعية دون أن يتدخل المعماري أو العمراني المحترف ،ولكنها قيمة المعرفة الفطرية المركبة التي خلقت عمارة بال معماريين. "ولفت نظري منذ دخلنا الواحة كثرة النخيل قرب عيون الماء ،بل ورأيت نخيال غائصا في البحيرات ال تطفو سوى قممه ،ولكن اآلن ،فجأة ،بعد أن ارتقينا ربوة، اخضر األفق كله أمام عيني ،غابة ال يحدها البصر من سعف متشابك في الفضاء. بحر اخضر داكن كثيف ومتموج تنهض فوقه البلدة مثل جزيرة بأسوارها الرمادية ومساكنها الصفراء المبنية فوق هضبة هرمية" .طاهر -2119 ،ص.11: "كان األطفال يحفرون في األرض قنوات يصبون فيها ماء ويضعون على حوافها غصونا صغيرة خضراء ليرووا بساتين تشبه بساتين أبائهم .ولكن أهم شيئا أنهم ال ينسون أيضا بناء أسوارا رملية عالية حول بساتينهم .يتعلمون األسوار منذ الصغر. أما البنات فيلعبن على حدة بعيدا عن الصبيان.أسوار أخرى!" .طاهر-2119 ، ص.921:
علي عبد الرءوف
توافق المبني والطبيعي في واحة سيوة ،المصدرhttp://tourismeg2011.com :
أما محمود الورداني في (أوان القطاف )2002 ،فيطرح نقدا بيئيا لعمران المدينة وال يراه فقط في بعده اآلني ولكن يسقطه على المستقبل .ومن ثم يحذر من خطورة ما سنتركه لألجيال المستقبلية، وهذا هو المقوم الرئيسي لفكرة التنمية المتواصلة .ينقد الورداني المدينة التي فقدت القدرة على أن تشعر سكانها بالحياة وتقربهم من إنسانيتهم .المدينة التي فقدت القدرة على أن توفر لسكانها بيئة صحية متوازنة أو عمران ممتع بصريا ولونيا. "..كيف أتزوج يوما ،وأنجب أطفاال يعيشون في هذه المدينة؟ أية تعاسة ستلحق بهم عندما يتطلعون حولهم ،فيها ،فال يجدون إال غابة واسعة مزروعة باالسمنت واأللوان الرمادية والبنية؟! وال اخفي أيضا أنني خفت على أحفادي أكثر ،عندما فكرت في حالهم إذا ما خرجوا إلى الدنيا ،وعاشوا في هذه المدينة دون أن يروا زهرة أو يعرفوا معنى هذه الكلمة".. .5-10الطرح المستقبلي (القاهرة القاهرة :ماذا حدث وماذا سيحدث للمصريين): يوتوبيا – احمد خالد توفيق2010. هل يمكن أن تكون القاهرة قاهرة وقاسية لسكانها وأهلها في المستقبل؟ تساؤل مؤلم ولكنه ،وأمام شواهد متعددة ،يصبح سؤاال حيويا يستحق المواجهة .طرح توفيق ( )2191تصورا كاسحا لمنطق الحياة في مستقبل مصر ،واستخدم تداعيات فكرة انتشار المجتمعات المغلقة لتقديم معادلة عمرانية مخيفة عن مصر في عام .2121حيث يتصور الكاتب أن االنفصال واالنعزال ساد منطق الحياة بين قطاعين أساسيين أصبحا هم المكونين الوحيدين للمجتمع المصري .فقد عزل األغنياء أنفسهم في "يوتوبيا" ،وهو االسم المحمل بالدالالت الذي أطلقه الكاتب على المجمع السكني المغلق في الساحل الشمالي .هذا المجمع ،الذي يعطي فيه اإلحساس باألمان أفراد المارينز األمريكيين المنتشرين لمراقبة أسواره وبواباته وحتى مطاره .أما السكان المحظوظين في داخل المجمع ،فقد استهلكوا أوقاتهم اآلمنة ،تحت الحراسة األمريكية ،في تعاطي المخدرات وممارسة المتع إلى أقصاها بل وإعادة تفسيرها لتتجاوز حدود الجنوني والوحشي والسادي .أما المكون األخر من الشعب ،وهو الغالبية الساحقة ،فقد عاشوا خارج المجمع المغلق األمن ينسحقون انسحاقا جماعيا وفرديا وينهشون لحم بعضهم البعض من اجل العيش دون توافر ادني مالمح لحياة إنسانية.
February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
المجتمعات المغلقة Gated Communitiesهو تعبير يصف مشروعات إسكانية تعتمد على خلق مجتمع سكاني مستقل ،ومنفصل له شخصيته وهويته المتمايزة .وعلى المستوى التنظيري فال يوجد إجماع على مفهوم المجتمعات المغلقة وعن صفاتها ومالمحها التي تختلف من ثقافة إلى أخرى ومن بلد إلى أخر .والتعريف األكثر داللة واقترابا من وصف هذه المجتمعات هو أنها "مناطق خاصة يحظر وينظم الدخول إليها بحيث يتواجد داخلها القاطنون المنتمون ويبقى خارجها المتطفلون الالمنتمون" .والتعريف األكثر شيوعا أن المجتمعات المغلقة هي اصطالح عام يعبر عن مناطق سكنية مغلقة تضم خدمات متنوعة تتراوح ما بين السوبر ماركت الصغير إلى ملعب الجولف .ومنذ بداية التسعينات شهدت المجتمعات المغلقة نموا مطردا وأصبحت ظاهرة عالمية تحدث في أشكال مختلفة وثقافات وبالد مختلفة حيث انتقلت من أوربا وأمريكا إلى أمريكا الجنوبية وخاصة البرازيل واألرجنتين ثم إلى أسيا وخاصة في الهند وماليزيا والفلبين ثم أخيرا إلى العالم العربي وخاصة دول الخليج .والواقع أن المجتمعات المغلقة أو المجمعات السكنية الحدائقية Compoundsكما تسمى في نطاق عالمنا العربي أصبحت اتجاه مؤثرا وفاعال في سوق اإلسكان واالستثمار العقاري في دول العالم بشقيه المتقدم والنامي ،كما أنها بالتبعية أثرت تأثيرا جوهريا في البيئة العمرانية بإبعادها المختلفة .ظهر التوجه نحو نموذج تنمية المجتمعات المغلقة في الدول العربية وخاصة دول الخليج في نهايات الثمانينيات وبداية التسعينيات ،وساعدت الطفرة االقتصادية وظهور شرائح اجتماعية جديدة ذات متطلبات عمرانية وإسكانية مختلفة باإلضافة إلى زيادة عدد الوافدين من األجانب بسبب التوجهات االستثمار ية اإلقليمية إلى انتشار هذا النمط التنموي الذي انتشر أيضا بسبب داللته االجتماعية على انتماء قاطني هذه المجتمعات إلى فئة راقية ومتميزة. "...أحيانا يخيل لي أننا معتقلون وان الذين بالخارج هم األحرار...يذكرك األمر بمعسكرات االعتقال النازية التي تراها في أفالم الحرب( ....يوتوبيا) ...المستعمرة المنعزلة التي كونها األثرياء على الساحل الشمالي ليحموا أنفسهم من بحر الفقر الغاضب بالخارج ،والتي صارت تحوي كل شيء يريدونه...يمكنك أن ترى معي معالمها..البوابات العمالقة ..السلك المكهرب ..دوريات الحراسة التي تقوم بها شركة (س يفكو) التي يتكون أكثر العاملين فيها من (مارينز) متقاعدين...أحيانا يحاول احد الفقراء التسلل للداخل من دون تصريح ،فتلحقه طائرة الهليوكوبتر وتقتله كما حدث في ذلك المشهد الذي ال يفارق خيالي( ."...توفيق.)2191 ، .11مالحظات ختامية طبيعة تدرج العالقة اإلنسانية مع المكان تبدأ من مستوى التواجد الجغرافي ثم تصل إلى مستوى التواجد النفعي وأخيرا مستوي التواجد العاطفي الوجداني (الوجد) .ولذا فان كل مدينة أو نطاق عمراني ،لها محتواها البنائي ومحتواها الثقافي .فالمدينة تعبر عن قصص وسرد ديناميكي لحياة مجتمع هذه المدينة .ومهما كانت عمرانها وعمارتها جميلة أو قبيحة بمعايير التطور المعاصر أو القيم الجمالية المسيطرة عالميا فال يمكن أن تزال وتسقط محليتها .ال يجوز أن نطبق نموذجا عاما على كل المدن وتسقط تميز وتمايز محتوياتها الثقافية اإلنسانية .ومن هنا تأتي قيمة المعرفة الداخلية بالمكان (قراءة المجتمع والمكان) ،وهي المعرفة الحقيقية التي يجب أن يسعى إليها المصمم والمخطط من خالل فهم قصص المكان من سرد مواطنيه ومبدعيه .وهذا الفهم التركيبي له استنتاجين يمثال المحصلة المتممة للدراسة:
علي عبد الرءوف
الفكرة األولى :أن العمارة والعمران والشخصية المكانية للمدينة ،تقدم رصيدا مثيرا وملهما لإلبداع الروائي .إال أن تتبع كيفية ونوعية تأثير هذا الرصيد في العقدين األخيرين يؤكد نوعا من الضمور اإلبداعي المعاصر في فن صناعة المكان .فبينما أخذت عمارة وعمران القاهرة اإلسالمية والقاهرة الخديوية أنصبة بارزة في خريطة التأثير على المبدعين الروائيين ،فإننا في المقابل رصدنا غيابا واضحا لعمارة وعمران الحركة المعاصرة .التوجه الروائي إلدراك الحقبة المعاصرة كان منصبا على ثالث بدائل أساسية: عمارة العشوائي والالرسمي وتعبيرها عن الحالة العامة للمجتمع. عمارة االنعزال واالنفصال في المجتمعات المغلقة سواء السكنية او الترفيهية كالمول والنادي. عمارة المبهر وااليقوني الغائب عن متطلبات المجتمع. الفكرة الثانية :وهي التي تعني الحركة المعمارية والعمرانية في مصر والعالم العربي .وقد أوضحت الدراسة أن العالقة بين الرواية والعمارة وثيقة ولكنها أيضا متعددة المستويات ومتنوعة األدوار .فمن الدراسة يمكن أن نرى التداخل العميق بين األعمال الروائية وبين حركة العمارة والعمران .هذا التداخل يمكن أن يصيغ آفاق جديدة في التعليم والممارسة على السواء من خالل فهم ثالث ادوار رئيسية يمكن أن تقدمها الرواية: الراوية كعمل توثيقي. الرواية كعمل نقدي. الرواية كعمل ملهم. الدور التوثيقي :الرواية كآلية للتوثيق لقد أثبتت الرواية وخاصة التي تعاملت مع القاهرة اإلسالمية أو القاهرة الخديوية ،قدرة مبهرة على توثيق التراث المكاني للمناطق ذات القيمة في القاهرتين .لقد قدمت الروايات في مصر على مدار القرن الماضي سجال تاريخيا لنسيج عمراني متميز تتخلله حياة إنسانية مكثفة ،ورصدت الروايات في هذا السجل الشخصية العمرانية والمالمح واللغة المعمارية وحتى مستوى مواد وتفاصيل البناء .هذا الدور التوثيقي يجب رؤيته من قبل الممارسين في أثناء التعامل مع المناطق الخاصة وجعل هذه النوعية من الروايات حافزا لفهم أعمق وقراءة اصدق للمكان. الدور النقدي :الرواية كأداة نقدية كشف التحليل النصي الذي تم في أجزاء الدراسة المختلفة ،أن األعمال الروائية تملك القدرة على تقديم أطروحات نقدية متعمقة .يجب أن تتبنى برامج النقد المعماري والعمراني في مدارس العمارة والتخطيط الرؤى النقدية التي قدمتها األعمال الروائية في اإلنتاج الروائي العربي والمصري .فقد تعددت األطروحات النقدية لتشمل مفردات اللغة المعمارية وإشكاليات التوافق العمراني وتحديات الحفاظ على التراث وعلى البيئة .الرواية إذا أدركت واستوعبت كأداة نقدية في العمارة والعمران،
February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
يمكن أن نستشف منها قضايا نقدية ملحة وتلفت نظرنا إلى بقاع قد ال يسقط عليها الضوء أبدا في المشهد المعماري. الدور الملهم :الرواية كرافد إبداعي تقدم الروايات على المستوى المعماري والعمراني ما يعرف بالفراغات التخيلية أو الفراغات الالمادية التي تمثل ذخيرة إبداعية ورافد إلهامي هام للمعماريين والعمرانيين .ومن هنا قد يكون من الجائز ان تتبنى استوديوهات العمارة في مدارس العمارة أفكار حول تحويل الفراغات التخيلية Imagined Spacesفي النصوص الروائية إلى فراغات مدركة Perceived Spacesفي التصورات المعمارية والعمرانية. ومن ثم فقد يكون من الضروري للمعماريين والعمرانيين سواء العاملين في األطر األكاديمية أو أوساط الممارسة المهنية ،إدراك قيمة وقدرة الرواية بشقها ألتوثيقي أو النقدي أو الملهم على تقديم إجابات لتساؤالت مشروعة منها: هل يكون من العدالة أن نترك ألحفادنا مدن إسمنتية حديدية باردة ومشوهة كما صورت قسوتها نصوص روائية متعددة؟ هل مدينة ناطحات السحاب هي اإلجابة النموذجية لمستقبل العمران العربي والخليجي؟ هل يمكن تخيل المدينة التي يرثها األحفاد واألجيال القادمة؟ هل تتحول مدينة القاهرة بسيطرة ثقافة الزحام إلى مدينة قاسية تتنافس فيها الجماعة القاطنة بها بدون رحمة وبال إنسانية؟ هل يمكن أن تساهم الرواية في أن تستعيد المدن العربية والخليجية عامة ومدينة القاهرة خاصة ،روحها التي تتشكل من أرواح البشر القاطنين بها ،تتأثر بهم ويتأثرون بها؟ هل يمكن أن توثق الرواية الملهمة مراحل فقدان روح المدينة؟ إن ما وضح في الدراسة يؤكد أن الرواية بأدوارها الثالث ،قادرة على تنبيه وتحفيز والهام المعماريين والعمرانيين لصياغة حقبة أكثر إنسانية في العمران العربي والمصري المعاصر شريطة أن تعتبر من قبل المعماريين والعمرانيين على أنها مجال إبداعي متفرد يملك قدرات نقدية وطاقات إبداعية ملهمة. المراجع والقراءات المختارة احمد ،مرشد .2111 .أنسنة المكان في روايات عبد الرحمن منيف .دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر. األشعري ،محمد .2199.القوس والفراشة .المركز الثقافي العربي. العثمان ،ليلى .2111 .وسمية تخرج من البحر .دار المدى. الخميس ،اميمة .2112 .البحريات .دار المدى. التكرلي ،فؤاد .2112 .هل الرواية ابنة شرعية للمدينة؟ .الشرق األوسط – جريدة العرب الدولية99 . ديسمبر 2112العدد .9291 الصالح ،الطيب .موسم الهجرة إلى الشمال .دار الجبل ،بيروت. النعيمي ،خليل .2111 .مخيلة األمكنة (مدن ونصوص) .القاهرة :مكتبة األسرة. المحادين ،عبد الحميد .2119 .جدلية المكان والزمان واإلنسان في الرواية الخليجية .المؤسسة العربية للدراسات والنشر. السايق ،حمود . 2111 .تسونامي( .بيروت :دار الفارابي).
علي عبد الرءوف
الخياري ،محمد أبو السعود .2192 .الروايات العربية متاحف سردية .الرواية والعمارة .عدد خاص ،مجلة العربي ،العدد 129نوفمبر .2192 الذهبي ،خيري .2111 .الزمن والعمارة في الرواية .محاضرة في المركز الفرنسي لدراسات الشرق األدنى .جريدة الثورة السورية .عدد االثنين 2111-2-1م. الرباط ،ناصر .2002 .ثقافة البناء وبناء الثقافة :بحوث ومقاالت في نقد وتاريخ العمارة .رياض الريس للكتب والنشر. الذهبي ،خيري .2111 .لو لم يكن اسمها فاطمة .روايات الهالل. القحطاني ،سلطان .2111 .مقدمة في تحوالت الرواية في األدب المحلي .مجلة الحرس الوطني ،عدد .221 ّ النّصير ،ياسين .9111 .الرواية والمكان .دار الشؤون الثقافية العامة ،بغداد. النصير،ياسين .9199 .إشكالية المكان في النص األدبي ـ دراسات في الشعر والرواية .بغداد :دار الشؤون الثقافية . النابلسي ،شاكر .9112 .جماليات المكان في الرواية العربية .المؤسسة العربية للدراسات والنشر. النعيم ،مشاري بن عبد هللا .الرواية والعمارة - .جريدة الرياض .عدد 92 :مايو .2112 النعيم ،مشاري بن عبد هللا .الرواية والعمارة :الواقع والمتخيل -جريدة الرياض 21 .أغسطس 2192عدد.91911 : الورداني ،محمود .2192 .بيت النار .دار ميريت – القاهرة. الورداني ،محمود .2112 .أوان القطاف .دار الهالل – القاهرة. هلسا،غالب. 9191 .المكان في الرّواية العربيّة ،ط ، 9دار ابن هانىء ،دمشق . كالفينو ،إيتالو .2192 .مدن المرئية .ترجمة ياسين طه حافظ .دار المدى" (بيروت -دمشق - بغداد). توفيق ،احمد خالد .2191 .يوتوبيا .الدوحة :دار بلومزيري ،مؤسسة قطر للنشر. طاهر ،بهاء .واحة الغروب .2119 .الطبعة الرابعة .دار الشروق. حسين ،فهد .2111 .المكان في الرواية البحرينية ،دراسة نقدية .فراديس للنشر والتوزيع. حمدان ،جمال .9111 .القاهرة .كتاب الهالل ،العدد .191القاهرة :دار الهالل. محرز ،سامية .2192 .أطلس القاهرة األدبي ،مائة عام في شوارع القاهرة .دار الشروق. حشمت ،دينا .2119.إمبابة مدينة مفتوحة :دراسة لرواية مالك الحزين إلبراهيم أصالن .أمكنة .العدد الثالث .ص.992-11: الري ،جورج هنري ( .9191 .الرواية والمدينة ) مجلة الثقافة األجنبية ـ العدد .9191 / 1 رحيم ،سعد .2111 .الرواية والمدينة :إشكالية عالقة قلقة .الحوار المتمدن-العدد/ 2111 - 9291 : 92 / 9 ريمون ،اندريه .9122 .فصول من التاريخ االجتماعي للقاهرة العثمانية .ترجمة :زهير الشايب. كتاب روز اليوسف .عدد .92 السيد ،وليد .2199 .الرواية .مجلة الفن ،البحث المعماري والتصميم (لونارد) .العدد الرابع المجلد األول. حواس ،سهير .القاهرة الخديوية .القاهرة :أفاق للنشر والتوزيع. عبد الجواد ،توفيق .9191 .مصر العمارة في القرن العشرين .مكتبة االنجلو المصرية. عبد الرءوف ،علي 9119. .النقد المعماري ودوره في تطوير العمارة المصرية المعاصرة رسالة ماجستير غير منشورة جامعة القاهرة . February 28, 2013
العمارة والمدينة والرواية :نص البناء وبناء النص.
. القضايا النقدية والتوجهات اإلبداعية: العمارة المصرية المعاصرة.2119 . علي،عبد الرءوف .2119 المملكة السعودية إبريل، الرياض، مجلة البناء .) دار الشروق: (القاهرة. مؤرخ ومهندس العمران: علي مبارك.9199 . محمد،عمارة . مكتبة النهضة المصرية. (بدون تاريخ) اشتراكية الفيال. سيد،كريم Alsayyad, Nezar. 2199. Cairo: Histories of a City. Cambridge: Belknap Press of Harvard University Press. Bloomer, Jennifer. 1995. Architecture and the Text, The (S)crypts of Joyce and Piranesi. Yale University Press. Raymound, Andre. 2007. Cairo: City of Histories. Cairo: American University Press. Carr, S., M. Francis, L. Rivlin &A. Stone. 1992. Public Space. (Cambridge University Press, Cambridge). Gehi, Jan. 2010. Cities for People. (Island Press). Marcus, C.C. & Francis, C. (eds.) 1998. People Places. (John Wiley & Sons, N.Y.). Mitchell, Timothy. 1989. Colonizing Egypt, (The American University of in Cairo press, Cairo). Mitchell, Timothy. 2002. Rule of Experts, Egypt, Techno-Politics, Modernity. (University of California press, Berkeley). Sakr, Tarek. 1993. Early Twentieth-Century Islamic Architecture in Cairo. (American University in Cairo Press, Cairo). Sherif, Lobna. 2002. Architecture as a System of Appropriation: Colonization in Egypt. In UIA International Conference on Architectural Heritage, Alexandria, Egypt. Sims, David. 2199. Understanding Cairo: The Logic of a City Out of Control. The American University in Cairo Press. Vandenburgh, Jane. 2010. Architecture of the Novel. Counterpoint.