Alsaieda magazine 11

Page 1

‫شـهرية مستقلـة تعنى بـاملرأة السـورية‬ ‫تصدر عن املركز السوري للصحافة والنشر‬ ‫كانون ثاني ‪ / 2015‬العدد (‪)11‬‬

‫محمد حبش وآراء فقهية حول تزويج القاصرات‬ ‫تزويج القاصرات قنبلة نفسية موقوتة‬ ‫الصورة النمطية للمرأة في المجتمع‬ ‫وانعكاساتها في اإلعالم النسائي‬ ‫تحقيق ‪:‬‬ ‫ عرائس السكر‪ ..‬قاصرات يتقاذفهن المجتمع‬‫وتجارب لنساء تم تزويجهن‬ ‫ المرأة في مناطق داعش زفاف بالسواد‬‫وتضييق في األسواق‬ ‫لقاء‪:‬‬ ‫مزكين يوسف‪:‬‬ ‫إيزيديات تعرضن للسبي والبيع‬ ‫في األسواق وقدمن كهدايا‬


‫العناوين‪:‬‬

‫‪24‬‬

‫للكالم بقية‬ ‫عرائس السكر‪ ..‬قاصرات يتقاذفهن اجملتمع‬ ‫وجتارب لفتيات متّ تزوجيهن دون السن القانونية‬ ‫• حتقيق‪ :‬نور مارتيين‬ ‫‪ 15‬ألف مجعية أهلية يف مصر تبيح تزويج القاصرات‬ ‫• إميان عادل‬ ‫تزويج القاصرات السورايت جرمية من آاثر احلرب‬ ‫• سحر حوجية‬ ‫زواج األطفال يف اهلند‬ ‫• رهف موسى‬

‫رسالة عقل إىل عاقل «سيتزوج»‬ ‫• صبحي فرجنية‬ ‫اآلاثر الفيزيولوجية والسيكولوجية للزواج املبكر‬ ‫• فريق حترير سيدة سوراي‬

‫مرام‪ ..‬طفلة زوجة‪ ..‬وشابة أرملة‬ ‫• فريق حترير سيدة سوراي‬ ‫خيص محاية األطفال‬ ‫سجل املعلومات فيما ّ‬ ‫• ترمجة‪ :‬ليلى كرمي‬ ‫الزواج املبكر يف اليمن‬ ‫الفقر واجلهل والفهم اخلاطئ للدين‬ ‫• حبرية مششري علي‬

‫مزكني يوسف‪:‬‬ ‫إيزيدايت تعرضن للسيب والبيع يف األسواق وقدمن كهدااي‬ ‫•حاورهتا سيدة سوراي‬

‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫محمد ّ‬ ‫ملك‬

‫دعد حداد عاشت وماتت من شدة الشعر!‬ ‫• سامر خمتار‬

‫مدير التحرير‪:‬‬ ‫ياسمني مرعي‬

‫أيقوانت الثورة املصرية من امليدان إىل السجون‬ ‫• مها شهبة‬

‫‪26‬‬ ‫ثنائية املوت واجلنس لدى «داعش»‬ ‫• صبيحة خليل‬ ‫إهناء تزويج القاصرات‬ ‫دراسة من إعداد االحتاد العاملي لتنظيم األسرة‬ ‫• فريق ترمجة سيدة سوراي‬ ‫د‪ .‬حممد حبش وآراء فقهية حول تزويج القاصرات‬ ‫• حاورته سيدة سوراي‬ ‫اآلاثر النفسية لتزويج القاصرات وطرق عالجها‬ ‫• أمرية اجلركس‬

‫مدير عالقات عامة وترجمة‪:‬‬ ‫د‪ .‬إنعام رشف‬

‫راضية النصراوي صرخة احلرية‬ ‫• صوفية اهلمامي‬ ‫الصورة النمطية للمرأة يف اجملتمع وانعكاساهتا يف اإلعالم‬ ‫النسائي‪ /‬اجلزء الثاين‬ ‫• ترمجة‪ :‬د‪ .‬إنعام شرف‬ ‫فريق ترمجة سيدة سوراي‬ ‫املرأة اليمنية دور رئيسي يف الثورة وهتميش بعدها‬ ‫• د‪ .‬اخلنساء عبد الرمحن أنور‬ ‫تسايل‬ ‫سهر‪ ..‬الزوجة الدمية‬ ‫• فريق حترير سيدة سوراي‬

‫سكرتري تحرير‪:‬‬ ‫مراد عيد‬ ‫اإلمييل‪:‬‬ ‫الفيس بوك‪:‬‬ ‫‪www.facebook.com/‬‬ ‫‪saiedetsouria‬‬ ‫املكتب الرئييس‪:‬‬ ‫تركيا ‪ -‬غازي عينتاب‬ ‫ت‪00905533679528:‬‬ ‫‪00905435322971‬‬ ‫‪00905347362458‬‬

‫أدب‬ ‫رماد‪ ...‬ي‬ ‫• اببل األمحد‬ ‫رابعية الليلك‪ ..‬نص يف األاننية والعشق‬ ‫• علي األعرج‬

‫تزويج القاصرات قنبلة نفسية موقوتة‬ ‫• جناح سفر‬ ‫املرأة يف مناطق «داعش»‬ ‫زفاف ابلسواد وتضييق يف األسواق‬ ‫• جالل زين الدين‬ ‫حكاية وعد‬ ‫• وجدان انصيف‬ ‫‪2‬‬

‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫‪16‬‬

‫السعر خارج سوريا‪ )5( :‬يورو‬ ‫توزع مجاناً داخل األرايض السورية‬


‫للكالم بقية‬ ‫سوريات بين الفتاوى والرصاص‬ ‫إن قال قائل اليوم ماذا فعلتم ببالدان‪ ،‬بال ٍد عاشت الدميقراطية ونظام الربملاانت قبل ثالثة آالف عام‪ ،‬أين هن ملكات الزمان‪ ،‬نفرتييت وبلقيس‬ ‫وحتشبسوت‪ ،‬مسريميس وجوليا دومنا وزنوبيا وأروى؟ أسرع اجلميع ابلرد‪ ،‬هذا خطاب ممجوج مقيت خشيب عتيق‪ ،‬ملّه الناس‪ ،‬أكل الدهر عليه‬ ‫وشرب‪ ،‬وما هذا اخلطاب الذي أيتينا بعد أكثر من ألفي عام‪.‬‬ ‫لكن ماذا لو أخربانهم اليوم عن توكل كرمان صاحبة جائزة نوبل يف السالم‪ ،‬بشرى املقطري الكاتبة والناشطة صاحبة جائزة قادة من أجل الدميقراطية‬ ‫يف اليمن؟ ماذا عن التونسيات‪ ،‬املسرحية جليلة بكار‪ ،‬والكاتبة تركية العبيدي‪ ،‬والرايضية مرمي امليزوين احلاصلة على اجلائزة العاملية للمرأة الرايضية؟‬ ‫أين هن سيدات مصر املبدعات املضحيات‪َ ،‬هنا سامح الطفلة الفائزة جبائزة املسابقة الدولية لإلبداعات الفنية‪ ،‬وماهينور املصري اليت انلت جائزهتا‬ ‫الدولية عن حقوق اإلنسان وهي ال تزال يف السجن‪ ،‬وسارة عبد الرمحن وغادة عامر املبدعة يف حبوث هندسة القوى الكهربية؟‬ ‫نسأهلم يف سوراي‪ ،‬ماذا عن املغيبتني مسرية خليل ورزان زيتونة احلاصلتني على عديد اجلوائز‪ ،‬رمي تركماين عاملة الفيزايء الفلكية‪ ،‬وكذلك عال رمضان‬ ‫ومسر يزبك ورزان غزاوي‪ ،‬والكاتبتني مها حسن ولينا هواين احلسن املرشحتني إىل قائمة جائزة بوكر؟‬ ‫إن سألنا عن كل أولئك النسوة املبدعات فهل سرتدون بنفس الكالم؟ ألسن نساء هذه البالد‪ ،‬ألسن يفقن الرجال فهماً وأدابً وعلماً وإجنازاً‪ ،‬ألسن‬ ‫دعاة بناء يف زمن اهلدم واحلرب‪ ،‬واخلرس حيث ال كالم إال للرصاص‪ ،‬أو لفتوى قاتلة كالرصاص؟‬ ‫نسأل عن احلد الفاصل الذي يفتح األمان المرأة هنا‪ ،‬فيما يدمر أحالمها وإمكاانهتا‪ ،‬بل وينهي حياهتا هناك‪ .‬فمقابل املرأة املطلقة األيدي‪ ،‬حرة‬ ‫اإلرادة‪ ،‬سيدة اخليارات‪ ،‬اليت تسطر اإلجنازات والنجاحات‪ ،‬وحتصد اجلوائز كناية عن استحقاق وجودها واحرتام العامل‪ ،‬جند داخل حدود القهر‬ ‫حدود سوراي الواقع اليوم‪ ،‬مشهداً تقابله أايً كانت اجلهة اليت أطليت منها إىل سوراي‪ ،‬مشهد متشابه ميوت فيه الناس‪ ،‬وإن اختلف السالح‪ ،‬هابطاً‬ ‫من الطائرة والصاروخ‪ ،‬إىل سكني املطبخ‪ ،‬لكنها آلة املوت ذاهتا‪ ،‬وقوامها االستبداد والتخويف واجلهل وقصر األفق والطمع‪ ،‬كأسس تنتج العنف‬ ‫واملوت والقيود والتحشيد بكل أشكاله‪ ،‬دينياً طائفياً أم عرقياً قومياً‪.‬‬ ‫ونسأل‪ ،‬ما الذي حيد العنف ويرسم حدود املوت خارجي ًة وداخلية؟ حدوداً ال تعين حياتك‪ ،‬لكنها حتدد أي جه ٍة ستقتلك وأبي ذريعة‪ ،‬يف تفاصيل‬ ‫تؤدي إىل نتيجة واحدة‪ ،‬قتل احلياة‪ .‬حدوٌد كل ما فيها يسري حنو موته‪ ،‬خساراته‪ ،‬وعى ذلك أم مل ي ِع‪.‬‬ ‫ونسأهلم من منكم أقل سوءاً‪ ،‬من منكم أقل ظلماً داخل تلك احلدود على سيدات سوراي‪ ،‬طفالت سوراي اللوايت حياصرهن النظام يف املدن والبلدات‬ ‫والقرى‪ ،‬حيرمهن من التعليم واحلياة‪ ،‬من املاء والطعام والكهرابء‪ ،‬ويقتلهن جوعاً وقصفاً مع عائالهتن ابلطائرات واملدافع كل يوم‪ ،‬يقنصهن على‬ ‫احلواجز‪.‬‬ ‫فإن سلّمنا أن هذا فعل نظام اإلجرام يف سوراي‪ ،‬فما يفعل اآلخرون يف األماكن األخرى‪ ،‬احملررة‪ ،‬اليت دفع السوريون مثنها أرواحاً ال حتصى ومعتقلني‬ ‫وجرحى‪ ،‬انزحني ومهجرين‪ ،‬أرزاقاً وشقاء أايم؟‬ ‫يف هذه األماكن حتاصر نساء سوراي وطفالهتا أيضاً‪ ،‬جيربن على احلياة يف الكهوف واخليام‪ ،‬وأيضاً يف ظل اجلوع وغياب اخلدمات وانقطاع التعليم‪،‬‬ ‫حيث تتحول النساء السورايت بتأثري التخويف والقسوة واجلهل واالستغالل‪ ،‬إىل سلع وأدوات انتقام‪ ،‬من اختاذ الطفالت زوجات أبسوأ الظروف‬ ‫وأسوأ الشروط‪ ،‬إىل االنتهاك والضرب والتنكيل‪ ،‬إىل خطف وقتل املعيل حتت كل الذرائع‪ ،‬وصوالً إىل قتل النساء‪ ،‬وإعدامهن يف الشوارع والساحات‬ ‫واألقبية‪ ،‬بيد داعش وغريها من جهات التطرف والتشدد والتكفري‪ ،‬وذلك بكيل كل أنـواع التهم امللفقة غري املثبتة‪ ،‬ممن ال ميلكون أي وجاه ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ببصمات أو دليل قاطع‬ ‫أشخاصاً ليسو قضا ًة‪ ،‬ليسو حمققني جنائيني‪ ،‬ال يعرفون حداً أدىن عن علم األدلة والبحث اجلنائي‪ ،‬فلم نسمع عنهم إثبااتً‬ ‫غري الشبه ِة واستخراج االعرتافات ابلتعذيب‪ ،‬ليس لديهم إال طلق ٌة يف الرأس أو سكني على أوردة العنق‪.‬‬ ‫احلياة يف سوراي اليوم‪ ،‬من القساوة حبيث يهرب منها حىت عناصر داعش‪ ،‬وها حنن نسمع عن فرارهم خارج ملك خليفتهم املزعوم‪ ،‬وخارج ظلم‬ ‫كل مرضاه من أمراء ومحلة سكاكني‪.‬‬

‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪3 2015‬‬


‫عرائس السكر‪ ..‬قاصرات يتقاذفهن المجتمع‬ ‫تم تزويجهن دون السن القانونية‪..‬‬ ‫تجارب لفتيات ّ‬ ‫وتبعات هذه الزيجات على الفتيات والمجتمع‬

‫كثرية هي املشاكل الــي تفاقمت يف جمتمعنا الـســوري‪ ،‬نتيجة احلرب‬ ‫وال ــدم ــار الـلــذيــن شـهــدمهــا خ ــال ال ـس ـن ـوات األرب ــع املــاضـيــة مــن عمر‬ ‫الثورة السورية‪ .‬ليست ّ‬ ‫كل هذه املشكالت طارئة‪ ،‬بل كانت موجودة‬ ‫يف اجملـتـمــع ال ـســوري‪ ،‬ولـكــن ال ـظــروف الـقــاسـيــة الــي منـ ّـر هبــا أسهمت‬ ‫يف تعريتها‪ ،‬لسببني‪ :‬أوهلـمــا أن هــذه احلــاالت كانت أشبه مــا تكون‬ ‫ابالستثناء قبيل الـثــورة‪ ،‬ومــن انحية اثنية‪ ،‬أن الرتكيز اإلعــامــي على‬ ‫ما حيدث يف سوراي إابن اندالع الثورة‪ ،‬ورصد احلرب وتبعاهتا بشكل‬ ‫عــام‪ ،‬مــن الـنـواحــي االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬قــد سامهت يف كشف‬ ‫الرأي العام بسبب‬ ‫النقاب عن هذه القضااي‪ ،‬اليت كانت حمجوبة عن ّ‬ ‫أداء جهاز اإلعالم الذي يديره النظام السوري‪ ،‬وتركيزه على ّ‬ ‫كل ما ال‬ ‫خيدم املواطن يف شيء!‬ ‫من بني هــذه املشاكل الــي ليست طارئة أبــداً على اجملتمع السوري‪،‬‬ ‫مشكلة تزويج القاصرات‪ ،‬اليت كانت متواجدة يف اجملتمعات الريفية‬ ‫البسيطة‪ ،‬وكانت تعزى‪ ،‬يف الغالب‪ ،‬إىل األوض ــاع املــاديــة السيئة يف‬ ‫ظــل العجز عــن استكمال األهــل حتصيل ابنتهم العلمي‪ ،‬فيتجهون‬ ‫إىل تزوجيها‪ ،‬ويف بعض األحيان‪ ،‬ألسباب دينية‪ ،‬حيث حترص بعض‬ ‫العائالت على تــزويــج الفتاة يف ســن صـغــرة‪ ،‬كنوع للحماية هلــا من‬ ‫اجملتمع حبسب مزاعمهم!‬

‫‪4‬‬

‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫• حتقيق‪ :‬نور مارتيين‬

‫غري أن هذه الظاهرة‪ ،‬بدأت ابالحنسار قبيل الثورة‪ ،‬نتيجة ازدايد درجة‬ ‫وعــي اجملـتـمــع‪ ،‬لكن مــا حيــدث الـيــوم‪ ،‬أع ــاد اجملتمع الـســوري جبملته إىل‬ ‫الوراء‪ ،‬وأعاد الناس إىل ظروف حىت أجدادهم مل يشهدوا مثي ً‬ ‫ال هلا‪ ،‬وأعاد‬ ‫إىل الواجهة مشاكل وأمراض‪ ،‬حسبناها ابتت من املنسيات‪ ،‬ومع حالة‬ ‫التخلّف والرتاجع من انحية‪ ،‬ومحالت التشويه لصورة املرأة السورية‪ ،‬اليت‬ ‫أطلقها اإلعالم‪ ،‬تزايدت حاالت تزويج القاصرات‪ ،‬خاصة يف ظل غياب‬ ‫املعيل‪ ،‬وجتنيباً هلا لالستغالل يف بعض األحيان‪ ،‬كما يرى بعض الناس‬ ‫املوضوع‪.‬‬ ‫وابل ـت ـزام ــن م ــع احل ـمـلــة ال ــي تـطـلـقـهــا جمـلــة «س ـي ــدة سـ ــوراي» ض ــد تــزويــج‬ ‫القاصرات‪ ،‬واليت حتمل عنوان «طفلة ال زوجة»‪ ،‬نسلّط الضوء على هذه‬ ‫املشكلة‪ ،‬ونعرض شهادات لفتيات قاصرات مت تزوجيهن يف سن صغرية‪،‬‬ ‫ابإلضافة لبعض اآلراء االجتماعية‪ ،‬القانونية والطبية حول تبعات هذا‬ ‫النوع من الزجيات‪.‬‬ ‫أرملة ملرتني يف سن السابعة عشرة‬ ‫سناء شابة سورية من بلدة الكفر يف ريف مدينة معرة مصرين‪ ،‬التابعة‬ ‫حملافظة إدلب‪ ،‬تزّوجت للمرة األوىل حني كانت يف الرابعة عشرة من عمرها‬ ‫عم والدها‪ ،‬بعد أن حصلت على شهادة التعليم األساسي‪ ،‬غري‬ ‫من ابن ّ‬ ‫ـوف بعد عــام واحــد مــن زواجـهـمــا‪ ،‬تقول سـنــاء‪« :‬كنت يف‬ ‫أ ّن زوجـهــا تـ ّ‬


‫عمي يدي‪ ،‬كان شاابً لطيفاً جداً ووسيماً‪،‬‬ ‫الرابعة عشرة حني طلب ابن ّ‬ ‫عم والدي‪ ،‬فقد وافق األهل على الفور‪ ،‬غري أ ّن أهله أخفوا‬ ‫وكونه ابن ّ‬ ‫عنّا جزئية صغرية‪ ،‬وهي أنه كان مصاابً مبرض القلب‪ ،‬و ّأنــم أحبّوا أن‬ ‫الصحي سيئ‬ ‫(يفرحوا بــولــده)‪ ،‬ذلــك أن األطـبــاء أخــروهــم أب ّن وضعه ّ‬ ‫جداً‪ ،‬ودون أن يراعوا الفكرة اليت حذّرهم األطباء منها‪ ،‬وهي أ ّن قلبه‬ ‫قد ال حيتمل الزواج»‪.‬‬ ‫بعد ع ـ ّدة أشـهــر مــن زواجـهـمــا‪ ،‬محلت سـنــاء مبــولــودهــا األول‪ ،‬غــر أ ّن‬ ‫السادس من محلها‪ ،‬اتركاً إايها أرملة بعمر‬ ‫زوجها تويف وهي يف الشهر ّ‬ ‫اخلامسة عشر‪ ،‬عن تلك السنة اليت قضتها‪ ،‬تقول سناء‪« :‬كــان طيباً‬ ‫الصحي‬ ‫ولكن وضعه ّ‬ ‫جداً معي خالل هذه السنة اليت عشناها سوايً‪ّ ،‬‬ ‫ســاء كـثـراً خــال الشهور الثالثة األخ ــرة‪ ،‬وبقي مــازمـاً للفراش‪ ،‬إىل‬ ‫أن تويف حني كنت حام ً‬ ‫ال يف الشهر السادس‪ ،‬فعدت أرملة إىل بيت‬ ‫والــدي‪ ،‬كي أهنــي الـعـ ّدة بعد أن أضــع اجلنني الــذي أمحله‪ ،‬والــذي لن‬ ‫يراه أبوه»‪.‬‬ ‫بعد أن وضـعــت مــولــودهــا األول‪ ،‬صـ ّـمــم أهــل زوجـهــا املــرحــوم أن يـربّـوا‬ ‫احلفيد‪ ،‬نظراً ألنه «من رحية املرحوم»‪ ،‬واقرتحوا على أهلها أحد أمرين‪:‬‬ ‫إما أن أيخذوا الولد ويرتكوها لتعيش حياهتا‪ ،‬أو أن تتزوج شقيق زوجها‪،‬‬ ‫فتزّوجته ابلفعل حتت ضغط أهلها وأجنبت منه طفلني‪ ،‬غري أنّه وعندما‬ ‫توجه مع أبناء عمومته حلضور تشييع يف مدينة‬ ‫بــدأت الثورة السورية‪ّ ،‬‬ ‫فتعرضوا لكمني قتله مع عشرة من أبناء عمومته‪ ،‬وهي مل‬ ‫معرة مصرين‪ّ ،‬‬ ‫تكمل عامها السابع عشر‪.‬‬ ‫تـقــول «ح ــن تــزّوجــت لـلـمــرة األوىل كـنــت أصـغــر مــن أن أق ـ ّـرر‪ ،‬وحــن‬ ‫املرة الثانية‪ ،‬مل أكن يف موقف يسمح يل ابالختيار‪ ،‬أما اليوم‬ ‫تزّوجت يف ّ‬ ‫ـأرب أوالدي‪ ،‬فأان أ ّم لثالثة أطفال أيتام‪ ،‬ومل يعد‬ ‫فال أريد أن أقـ ّـرر‪ ،‬سـ ّ‬ ‫إبمكاين التفكري بنفسي بعد اليوم»!‬ ‫زواج القاصرات‪ ..‬وتبعاته على الصعيد الصحي‬ ‫يرى الطبيب وليد شحادات‪ ،‬وهو متخصص ابألم ـراض النسائية‪ ،‬أ ّن‬ ‫املبكر يرتّكز يف خماطر احلمل والوالدة ّ‬ ‫اخلطر األكرب يف الزواج ّ‬ ‫املبكرين‪،‬‬ ‫ما يتسبّب يف اضطراابت الدورة الشهرية (لعدم نضج املنظومة اهلرمونية‬ ‫للبلوغ‪ ،‬وعلى رأسـهــا عــدم انتظام اإلابضــة أو غياهبا)‪ ،‬وأتخــر احلمل‬ ‫واآلاثر اجلسدية (متــزق املهبل واألعـضــاء اجملــاورة له من آاثر اجلماع)‪،‬‬ ‫وازدايد نسبة اإلصابة مبرض هشاشة العظام يف سن مبكرة نتيجة نقص‬ ‫الكالسيوم‪ ،‬إضافة إىل أمراض مصاحبة حلمل صغريات السن من أبرزها‪:‬‬ ‫ح ــدوث ال ـقــيء املـسـتـمــر عـنــد ح ــدوث احل ـمــل ل ــدى ص ـغ ـرات الـســن‪،‬‬ ‫وفقر الــدم‪ ،‬واإلجـهــاض‪ ،‬حيث تــزداد مـعــدالت اإلجـهــاض وال ــوالدات‬ ‫املبكرة‪ ،‬وذلــك إمــا خللل يف اهلــرمــوانت األنـثــويــة‪ ،‬أو لعدم أتقلم الرحم‬ ‫على عملية ح ــدوث احلـمــل‪ ،‬مــا ي ــؤدي إىل ح ــدوث انـقـبــاضــات رمحية‬ ‫متكررة تؤدي حلدوث نزيف مهبلي‪ ،‬والــوالدة املبكرة‪ ،‬وارتفاع حاد يف‬ ‫ضغط الدم (حاالت ما قبل االرتعاج أو ما يعرف ابالنسمام احلملي‪،‬‬ ‫وخماطره كبرية على كافة أعضاء اجلسم‪ ،‬خاصة الكلى والدماغ ووظيفة‬ ‫التجلط الــدمــوي الــي قــد تصل لـلــوفــاة‪ .‬ويــؤّكــد الطبيب على أن هذا‬

‫يؤدي إىل صعوابت يف الوالدة‪ ،‬وزايدة احتمال إجراء العمليات القيصرية‬ ‫نتيجة تعسر الــوالدات يف العمر املبكر‪ ،‬وارتـفــاع نسبة الوفيات نتيجة‬ ‫املضاعفات املختلفة مع احلمل‪ ،‬وظهور التشوهات العظمية يف احلوض‬ ‫والعمود الفقري بسبب احلمل املبكر‪ .‬وكشفت التقارير عن وجود آاثر‬ ‫على صحة األطفال منها‪ :‬اختناق اجلنني يف بطن األم نتيجة القصور‬ ‫احلاد يف الــدورة الدموية املغذية للجنني‪ ،‬والــوالدة املبكرة وما يصاحبها‬ ‫من مضاعفات مثل‪ :‬قصور يف اجلهاز التنفسي لعدم اكتمال منو الرئتني‪،‬‬ ‫واعـتــاالت اجلـهــاز اهلضمي‪ ،‬وأتخــر النمو اجلـســدي والعقلي‪ ،‬وزايدة‬ ‫اإلصابة ابلشلل الدماغي‪ ،‬واإلصابة ابلعمى‪ ،‬واإلعاقات السمعية والوفاة‬ ‫بسبب االلتهاابت‪.‬‬ ‫أما عن اآلاثر النفسية‪ ،‬فريى الدكتور شحادات أ ّن «احلرمان العاطفي‬ ‫مرت‬ ‫من حنان الوالدين‪ ،‬واحلرمان من عيش مرحلة الطفولة‪ ،‬اليت إن ّ‬ ‫بسالم كربت الطفلة لتصبح إنسانة سوية‪ ،‬لذا فإن حرماهنا من االستمتاع‬ ‫هبذه السن يؤدي عند تعرضها لضغوط إىل ارتداد هلذه املرحلة يف صورة‬ ‫أم ـراض نفسية مثل اهلسترياي والفصام‪ ،‬االكتئاب‪ ،‬القلق‪ ،‬اضطراابت‬ ‫الشخصية‪ ،‬واضـطـراابت يف العالقات اجلنسية بــن الــزوجــن انتــج عن‬ ‫عــدم إدراك الطفلة لطبيعة الـعــاقــة‪ ،‬مــا ينتج عـنــه عــدم جنــاح العالقة‬ ‫وصعوبتها» ويضيف الطبيب إىل ّ‬ ‫كل ما سبق حاالت القلق واضطراابت‬ ‫عــدم التكيف‪ ،‬نتيجة للمشاكل الزوجية وعــدم ت ّفهم الــزوجــة ملــا يعنيه‬ ‫الزواج‪ ،‬ومسؤولية األسرة والسكن واملودة‪.‬‬ ‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪5 2015‬‬


‫«تنجر الفتاة إىل اإلدمان‬ ‫وحيذر الطبيب «شحادات» من احتمال أن‬ ‫ّ‬ ‫نتيجة لكثرة الضغوط‪ ،‬كنوع من أنواع اهلروب‪ ،‬وقد تعاين من آاثر ما‬ ‫بعد الصدمة (ليلة الدخلة)‪ ،‬وهــي جمموعة من األع ـراض النفسية اليت‬ ‫ترتاوح ما بني أعراض االكتئاب والقلق عند التعرض ملثل هذه املواقف‪.‬‬ ‫يشكل اخلــوف حــالــة طبيعية عند األطـفــال ومــن هــم دون ســن البلوغ‬ ‫كاخلوف من الظالم والغرابء والبعد عن الوالدين»‪.‬‬ ‫كما يشري الطبيب إىل أن هذا الشعور يزول بعد مرحلة البلوغ‪ ،‬لذلك‬ ‫فإن اخلوف وما يرتتب عليه قد يصاحب القاصر إذا تعرضت للزواج هبذا‬ ‫هن يف عمر مبكر (وهو مرض‬ ‫العمر‪ ،‬واالنغالق الالإرادي للمهبل ملن ّ‬ ‫نفسي ابتداء)‪ ،‬ويزيد من احتمال حدوث ذلك وجود اخلوف (القلق)‬ ‫مــن الـشــدة اجلسدية مــن ال ــزوج‪ ،‬وهــي حالة مرضية تستدعي التدخل‬ ‫الـطــي‪ .‬ال ميكن التغاضي عــن وجــود قابلية لإلصابة ببعض األم ـراض‬ ‫النفسية خالل فرتة النفاس (نتيجة احتمال إصابتها أبمراض نفسية قبل‬ ‫احلمل)‪ ،‬وعــدم اكتمال النضج الذهين فيما خيص اختــاذ الـقـرارات وما‬ ‫يرتتب عليها ابلنسبة للعناية ابلطفل وواجبات الزوج والعالقة مع أقاربه‪.‬‬ ‫الزواج ّ‬ ‫املبكر‪ ..‬اجتماعياً وقانونياً‬ ‫يــرى الباحث «علي األمــن السويد» أن الـنــاس ال يتذكرون مصطلح‬ ‫تزويج القاصرات إال عند وقوع املصائب االجتماعية‪ ،‬أو عندما تطغى‬ ‫قصة مؤثرة على وسائل اإلعالم‪ ،‬أو حني تصل معاانة إحدى الفتيات‬ ‫إىل مسامع اجلمهور‪.‬‬ ‫وحبسب الباحث «السويد»‪ ،‬فــإ ّن للقاصر مدلوالت قانونية‪ ،‬وعقلية‪،‬‬

‫ومادية‪ ،‬فهو قانوانً كل شخص مل يتجاوز عمراً معيناً يـراوح بني ‪16‬‬ ‫إىل ‪ 21‬عاماً‪ ،‬يف خمتلف أحنــاء العامل‪ ،‬ويــرى أ ًن «القصور العقلي هو‬ ‫لب القضيّة ومربط الفرس‪ ،‬وأنه ليس كل من جتاوز ‪ 18‬عاماً قد اكتمل‬ ‫ّ‬ ‫عقله‪ ،‬وأن املقدرة الفيزيولوجية على الزواج‪ ،‬ال تعين ابلضرورة القدرة على‬ ‫التكيّف مع مستلزمات احلياة»‪.‬‬ ‫كما يــورد «الـســويــد» مـثــاالً‪ ،‬يذكر فيه أن «الـسـيــدة عائشة رضــي هللا‬ ‫عنها كــان عمرها تسع سنوات‪ ،‬وكانت تلهو مبا تلهو به مثيالهتا من‬ ‫األطـفــال‪ ،‬مــا يـنـ ّـم عــن عــدم اسـتـعــدادهــا العقلي‪ ،‬وقــد أدرك الـنــي عليه‬ ‫الصالة والسالم ذلك‪ ،‬فلم يقرتب منها (كزوجة) إال بعد أن أتكد من‬ ‫استعدادها العقلي»‪.‬‬ ‫فيما ترى احلقوقية «أمل النعسان»‪ ،‬واليت تدير مركزاً للمناصرة والتعايف‪،‬‬ ‫بني رّواده سيدات وأمهات تزوجن وهن قاصرات‪ ،‬وبدأن ابرتياد املركز‬ ‫للتخلص من التبعات السلبية اليت خلّفها هذا الــزواج‪ ،‬تقول النعسان‪:‬‬ ‫«جاء يف املادة ‪ 15‬من قانون األحوال الشخصية السوري‪ /‬الفقرة األوىل‬ ‫أنه يشرتط يف أهلية الزواج العقل والبلوغ‪ ،‬يف حني نصت املادة ‪ 16‬من‬ ‫القانون السوري أبنه تكتمل أهلية الزواج يف الفىت بتمام الثامنة عشرة‪،‬‬ ‫ويف الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر‪ ،‬وهنا نالحظ أنه حدد سن‬ ‫الزواج»‪.‬‬ ‫وتعقّب على ذلك‪« :‬لكن أتت املادة ‪ 18‬واليت تقول‪ :‬إذا ادعى املراهق‬ ‫البلوغ بعد إكماله ‪ 15‬سنة أو املراهقة بعد إكماهلا الثالثة عشرة‪ ،‬وطلبا‬ ‫الــزواج‪ ،‬أيذن القاضي إذا تبني له صدق دعوامها واحتمال جسميهما‪،‬‬ ‫للقاضي هنا أن أيذن ابلزواج‪ ،‬وابلتايل له هنا والية بقبول زواج القاصرين‬ ‫من القاصرات‪ .‬وحسب املادة ‪ 19‬إذا كان اخلاطبان غري متناسبني سناً‬ ‫ومل تكن يف هذا الــزواج مصلحة‪ ،‬فللقاضي أن ال أيذن ابلــزواج‪ ،‬وكثرياً‬ ‫ما يلجأ الناس هنا إىل عقود الزواج العريف‪ ،‬والسيما عندما يكون الزوج‬ ‫كبرياً جداً يف السن‪ ،‬والفتاة صغرية وبعد أن يتم العقد أييت للمحكمة‬ ‫لتثبيت هذا الزواج‪ ،‬وابلتايل ليس للمحكمة إال تثبيته»!‬ ‫جدير ابلذكر أ ّن اإلحصائيات تفيد أبن حوايل (‪ )16‬مليون حالة والدة‬ ‫بني عمر ‪ 19 – 15‬سنة‪ ،‬وحوايل مليون حالة والدة عند فتيات دون‬ ‫‪ 15‬سنة كل عام‪ ،‬معظمها يف الدول ذات الدخل املتوسط أو املتدين‪،‬‬ ‫وتشكل الوفيات النامجة عن اختالطات احلمل والــوالدة السبب الثاين‬ ‫للموت عند الفتيات بني ‪ 19 – 15‬سنة حول العامل‪ .‬كما أنّه يف كل‬ ‫سنة تتعرض حوايل (‪ )3‬ماليني فتاة بني عمر ‪ 19 – 15‬سنة لعمليه‬ ‫يتبي أن ‪ 95%‬مــن ال ــوالدات حــول العامل‬ ‫إجـهــاض غــر آمـنــة‪ ،‬فيما ّ‬ ‫لفتيات بني ‪19 – 15‬سنة متّــت يف بلدان ذات دخــل منخفض إىل‬ ‫متوسط‪ .‬وتفيد إحصائيات (‪ )2014‬أبن معدل الوالدة العاملي ملن هن‬ ‫بني ‪19 – 15‬سنة قد بلغ ‪ 49‬لكل ألف فتاة‪ ،‬أما على مستوى الدول‬ ‫فترتاوح بني ‪ 299 - 1‬لكل ألــف فتاة‪ ،‬معظمها يف الــدول اإلفريقية‬ ‫جنوب الصحراء الكربى‪ ،‬ويف جنوب شرق آسيا اخنفضت الوفيات منذ‬ ‫سنة ‪ 2000‬من ‪ 100 / 9 - 21‬ألف فتاة‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬


‫‪ 15‬ألف جمعية أهلية في مصر تبيح تزويج القاصرات‬ ‫تتواىل التقارير احلقوقية املعنية ابلرصد يف مصر‪،‬‬ ‫للتأكيد على تفشي ظاهرة الزواج املبكر أو تزويج‬ ‫ال ـقــاص ـرات‪ ،‬آخــرهــا كــان ذلــك التقرير الـصــادم‬ ‫الذي خرجت به فرق الرصد يف «منظمة العدل‬ ‫والـتـنـمـيــة حل ـقــوق اإلن ـس ــان» يف م ـصــر‪ ،‬وال ــذي‬ ‫توصل إىل نتائج إحصائية وميدانية أكدت على‬ ‫ت ــورط اجلمعيات األهـلـيــة يف مـصــر‪ ،‬وال ــي تتبع‬ ‫جهات سلفية‪ ،‬يف الرتويج لتزويج القاصرات يف‬ ‫مناطق قرى الصعيد والبدو‪ ،‬وذلك يف استغالل‬ ‫واض ــح حلــالــة ضعف الــوعــي‪ ،‬واسـتـنــاد على أن‬ ‫الشريعة اإلسالمية مل حتدد سناً معينة للزواج‪ ،‬وأن‬ ‫الزواج يف سن مبكرة يصون الشباب!‬ ‫وقالت املنظمة احلقوقية يف تقرير الرصد اخلاص‬ ‫هبا إن عدد اجلمعيات األهلية املصرية اليت تروج‬ ‫لظاهرة تزويج القاصرات بلغ ‪ 15‬ألــف مجعية‬ ‫أهلية اتبعة للجمعيات اخلريية اإلسالمية‪.‬‬ ‫ورغم القوانني املصرية املشددة على جترمي تزويج‬ ‫القاصرات قبل سن ‪ ،18‬وهو األمر الذي نص‬ ‫عليه الدستور املصري يف املــادة رقم ‪ 31‬مكرر‬ ‫من قانون الطفل رقم ‪ ،126‬على أنه «ال جيوز‬ ‫توثيق عقد زواج ملن مل يبلغ من اجلنسني مثاين‬ ‫عشرة سنة ميالدية كاملة‪ ،‬ويشرتط للتوثيق أن‬ ‫يتم الفحص الطيب للراغبني يف ال ــزواج للتحقق‬ ‫مــن خلومها مــن األمـ ـراض الــي تــؤثــر على حياة‬ ‫أو صحة كــل منهما أو على صحة نسلهما‪،‬‬ ‫ويعاقب أتديـبـيـاً كــل مــن وثــق زواجـ ـاً ابملخالفة‬ ‫ألحـكــام هــذه امل ــادة»‪ ،‬رغــم ذلــك فــإن القانون‬ ‫امل ـص ــري مل يـطـبــق ع ـلــى ال ـن ـحــو ال ـصــائــب على‬ ‫مستويني‪ ،‬أوهلما على مستوى الرقابة يف تلك‬ ‫القرى والنجوع ابلصعيد والبدو‪ ،‬واثنيهما على‬ ‫مستوى ترخيص اجلمعيات األهلية الــي تــروج‬ ‫لتزويج القاصرات‪ ،‬دون توثيق رمسي بوزارة العدل‬ ‫على اعتبار ذلك خمالفاً للقانون‪.‬‬ ‫يقول تقرير منظمة العدل والتنمية حلقوق اإلنسان‬ ‫إن ظــاهــرة تــزويــج الـقــاصـرات ظــاهــرة اجتماعية‬ ‫خـ ـط ــرة يف حم ــافـ ـظ ــات ال ـص ـع ـي ــد واحمل ــافـ ـظ ــات‬ ‫احلــدوديــة‪ ،‬تتمثل بتفشي ال ــزواج يف ســن مبكر‬ ‫وغري موثق‪ ،‬ما يعترب انتهاكاً حلقوق املرأة املصرية‪،‬‬ ‫يف ظل غياب التوعية الدينية والصحية (داخل‬ ‫األرايف املصرية) خبطورة تلك الظاهرة‪.‬‬

‫وأشـ ـ ــارت امل ـن ـظ ـمــة إىل ت ـف ـشــي ظ ــاه ــرة تــزويــج‬ ‫القاصرات غري املوثق بعقود داخل قرى الصعيد‪،‬‬ ‫ومنها جـزيــرة احلـمــودي واحلـجـرات وأبــو دايب‬ ‫وجنع محادي واملراشدة والواحات وسيوة والوادي‬ ‫اجلديد وحمافظات سيناء ومطروح‪ ،‬حيث ينتشر‬ ‫بني جتمعات البدو‪ .‬إضافة النتشار الظاهرة بني‬ ‫جتمعات الغجر داخــل أس ـوان وأسـيــوط وبعض‬ ‫احملافظات األخرى‪.‬‬ ‫وأكدت املنظمة أن تزويج القاصرات غري الرمسي‬ ‫يتم بـعـيــداً عــن امل ــأذون الـشــرعــي ووزارة الـعــدل‪،‬‬ ‫حيث يتم من خالل أخذ شيكات على العريس‬ ‫حــى يتم توثيق العقد بعد وصــول الفتاة السن‬ ‫الرمسية‪ ،‬وبعد وصوهلا للسن القانونية يتم إشهار‬ ‫الــزواج يف احملكمة‪ .‬وهــي ظاهرة متفشية داخل‬ ‫القرى والنجوع‪ ،‬نتيجة انتشار األمية وتسرب‬ ‫الفتيات مــن التعليم‪ .‬وتصل نسبة زواج السنة‬ ‫داخــل الصعيد واحملافظات احلدودية إىل حوايل‬ ‫‪ % 30‬رغم القوانني احلكومية اليت حتظر زواج‬ ‫السنة‪.‬‬ ‫املتحدث اإلعالمي للمنظمة «زيدان القنائي»‬ ‫قال إن أهايل الصعيد والبدو والغجر يلجؤون إىل‬ ‫ظاهرة «تسنني» الفتاة إلمتام الزواج املبكر بعمر‬ ‫أكرب من عمرها ببعض احملافظات‪ ،‬نتيجة عدم‬ ‫تسجيل غالبية الفتيات بشهادات امليالد‪ ،‬وهذا‬ ‫الزواج املتفشي بعدد كبري من املناطق يهدر كافة‬ ‫حقوق املرأة يف املرياث ألنه زواج يتم بعيداً عن‬ ‫اجلهات املسؤولة‪.‬‬ ‫أما الباحث االجتماعي «أمحد حممود القاسم»‬

‫• إميان عادل ‪ -‬القاهرة‬

‫فقال‪« :‬تندرج ظاهرة تزويج القاصرات حتت ابب‬ ‫االستغالل اجلنسي جلسد فتاة قاصر‪ ،‬وملضمون‬ ‫وروح الزواج احلقيقي املعروف واملعهود وألبعاده‬ ‫املوضوعية‪ .‬فالزواج من فتاة قاصر ال يبين أسرة‬ ‫كرمية‪ ،‬خاصة إذا كانت هذه القاصر جاهلة ومل‬ ‫تستكمل تعليمها‪ ،‬كما أهنــا ال تستطيع فهم‬ ‫أبعاد مثل هذا الزواج وفهم اهلدف منه‪ ،‬وسوف‬ ‫تكون لعبة بيد من يتزوجها‪ ،‬ويستغلها جسدايً‪،‬‬ ‫بــدون أي عـواطــف إنسانية متبادلة تــذكــر‪ ،‬من‬ ‫أجل متعته اخلاصة فقط كوهنا صغرية»‪.‬‬ ‫وأشار القاسم أن بعض من يرغبون يف مثل هذه‬ ‫الزجيات ال يلتفتون يف األغلب إىل اآلاثر السلبية‬ ‫اليت ستعاين منها الزوجة القاصر‪ ،‬فهي قد تكون‬ ‫غري مهيأة نفسياً والجسدايً أو عقلياً أو ثقافياً‬ ‫ملثل هذا الزواج‪ ،‬فتتحمل القاصر عبئاً ال قدرة هلا‬ ‫به‪ .‬وهي لن تفهم دورها فيه مطلقاً‪ ،‬فقد يستغلها‬ ‫هــذا ال ــزوج‪ ،‬حسب رغبته وشهوته‪ ،‬مقابل أن‬ ‫يغريها حببة من العلكة أو الشوكوالتة بداية‪ ،‬وإذا‬ ‫مل تقبل‪ ،‬فقد يلجأ إىل إرهــاهبــا وختويفها وحىت‬ ‫إىل اغتصاهبا عنوة‪ ،‬وهذا هو الظلم بعينه‪ ،‬الذي‬ ‫قد يقع على هذه القاصر‪ ،‬والذي سيتسبب هلا‬ ‫آبالم متعددة من النواحي النفسية واجلسدية‪،‬‬ ‫فــالــزوج‪ ،‬يف هــذا الـنــوع مــن الــزجيــات‪ ،‬ال يهمه‪،‬‬ ‫إال أن حيصل على متعته اخلاصة‪ ،‬دون اكرتاث‬ ‫لعواطف وشعور الطرف اآلخــر‪ ،‬طاملا أنــه دفع‬ ‫مهرها لوالدها‪ ،‬ووافق الوالد على استغالل ابنته‬ ‫بدون قيد أو شرط‪.‬‬ ‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪7 2015‬‬


‫تزويج القاصرات السوريات جريمة من آثار الحرب‬

‫• سحر حوجية‬

‫تزويج القاصرات من القضااي اليت تتعلق ابنتهاك صارخ حلقوق الطفل واملعاهدات الدولية‬ ‫الناظمة هلــذه احلـقــوق‪ ،‬الــي وقعت عليها ال ــدول العربية ومنها س ــوراي‪ .‬وانـتـهــاك الشرعة‬ ‫الدولية حلقوق اإلنـســان‪ ،‬ظــاهــرة فرضت نفسها على اجملتمعات العربية وكــانــت ضاغطة‬ ‫وعميقة ت ــؤرق الـقــائـمــن عـلــى حلها يف بـعــض اجملـتـمـعــات‪ ،‬عـلــى سبيل امل ـثــال السعودية‬ ‫والـيـمــن‪ ،‬نتيجة تــداخــل ه ــذه الـظــاهــرة مــع مـشــاكــل عميقة تـعــاين منها ه ــذه اجملتمعات‪،‬‬ ‫تعرقل حــل ه ــذه القضية‪ ،‬أمهـهــا الـبــى القسرية املغلقة القبلية‪ ،‬الدينية واالقـتـصــاديــة‪.‬‬ ‫يف سوراي‪ ،‬وقبل الثورة اليت حتولت إىل حرب داخلية‪ ،‬مل تكن ظاهرة تزويج القاصرات تثري جدالً‬ ‫حمتدماً يف الشارع السوري‪ ،‬وال حىت من قبل املهتمني حبقوق اإلنسان وخصوصاً املرأة والطفل‪ ،‬مع‬ ‫أهنا كانت منتشرة يف بعض األوساط‪ ،‬خاصة القبلية والريفية‪ ،‬لكنها مل تكن ظاهرة واسعة االنتشار‬ ‫مقارنة بغريها من الــدول العربية‪ .‬على وجه العموم يف كل اجملتمعات العربية اليت تعاين من هذه‬ ‫الظاهرة‪ ،‬تواجه هذه القضية عقبات تعيق حلها‪ ،‬أتيت يف مقدمتها‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬الفتاوى الدينية اليت تدعو إىل تزويج القاصرات وتربره وتعطيه غطاء شرعياً من وحي السنة‪،‬‬ ‫على أساس االقتداء بزواج الرسول «ص» من السيدة عائشة‪ ،‬مع العلم أن الرسول أعطي امتيازاً‬ ‫إهلياً على أقرانه املسلمني يف الزواج أبكثر من أربعة‪ ،‬ومع أنه مل ينجب أطفاالً من هذا الزواج‪ ،‬إذ‬ ‫يعترب اإلجناب‪ ،‬نتيجة تزويج القاصرات من أكرب اآلاثر خطورة على الطفل واملرأة‪.‬‬ ‫ووفقاً ملصادر طبية‪ ،‬فهناك مشاكل مصاحبة حلمل قاصرات السن‪ ،‬مثل فقر الدم واإلجهاض‪،‬‬ ‫حيث تزداد معدالت اإلجهاض والوالدات املبكرة‪ ،‬كما أن له آاثراً كارثية على صحة األطفال‪،‬‬ ‫إذ يلي الوالدة املبكرة مضاعفات مثل‪ :‬عدم اكتمال منو الرئتني‪ ،‬اعتالالت اجلهاز اهلضمي‪ ،‬أتخر‬ ‫النمو اجلسدي والعقلي‪ ،‬زايدة اإلصابة ابلشلل الدماغي‪ ،‬اإلصابة ابلعمى‪ ،‬اإلعاقات السمعية‬ ‫والوفاة‪.‬‬ ‫حجج الفقهاء يف رفض حتديد سن الزواج تستند إىل أنه وعلى مر التاريخ اإلسالمي‪ ،‬مل يتم حتديد‬ ‫لسن الزواج‪ ،‬مع العلم أنه مت وضع شروط خاصة ابلنسبة لزواج الصغرية‪ ،‬إذ جيب أن يتم عقد قران‬ ‫الصغرية عرب األب أو اجلد حصراً‪ ،‬يف الوقت ذاته مل جيز الشرع هلما عقد قران على فتاة غري صاحلة‬ ‫للزواج‪ ،‬ابعتبار الفتاة القاصر غري مهيأة ال نفسياً وال عقلياً وال حىت جسدايً للزواج‪ ،‬كما أهنا ال‬ ‫تدرك أبعاد هذا الزواج‪ ،‬من رجل ال هتمه إال متعته فقط بعد أن دفع مهرها لوالدها‪.‬‬ ‫اثنياً‪ :‬قصور القوانني اليت حتدد سن الزواج‪ ،‬والطريقة اليت يتم هبا الزواج‪ ،‬ومصادر هذه القوانني‪ ،‬وإن‬ ‫كان احلقوقيون واملثقفون الرافضون لتزويج القاصرات يف السعودية واليمن يعتربون أن نصراً يتحقق‬

‫‪8‬‬

‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫عند حتديد القانون لسن الزواج خبمسة عشر عاماً‪.‬‬ ‫يف سوراي‪ ،‬ووفق ماجاء يف املادة ‪ 16‬من قانون األحوال‬ ‫الشخصية‪« :‬تكتمل أهلية الزواج يف الفىت بتمام الثامنة‬ ‫عشرة ويف الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر»‪ ،‬لكن‬ ‫الباب ترك م ـوارابً لنصوص أخــرى‪ ،‬تتعارض مع نص‬ ‫هذه املادة وتربر زواج األطفال‪ ،‬حيث جاء يف املادة‬ ‫‪ 18‬من قانون األحوال الشخصية‪« :‬إذا ادعى املراهق‬ ‫الـبـلــوغ بعد إكـمــالــه اخلــامـســة عـشــرة أو املـراهـقــة بعد‬ ‫إكماهلا الثالثة عشرة‪ ،‬وطلبا الــزواج‪ ،‬أيذن به القاضي‬ ‫إذا تبني لــه صــدق دع ـوامهــا واحـتـمــال جسميهما»‪.‬‬ ‫إذن القاضي الشرعي وموافقته تتم على أساس البلوغ‬ ‫اجل ـســدي‪ ،‬هــذا يتناقض مــع امل ــادة ‪ 15‬الــي تشرتط‬ ‫يف ال ــزواج أهلية العقل والبلوغ‪.‬إضافة إىل أن الــزواج‬ ‫يُلزم ابلتسجيل يف حال حصول محل‪ .‬وتنتشر ظاهرة‬ ‫الــزواج العريف غري املسجل‪ ،‬حيث إن جــزءاً كبرياً من‬ ‫هذه الزجيات تعقد على قاصرات‪ .‬ووفق إحصائيات‬ ‫صــادرة عن وزارة الـعــدل‪ ،‬فــإن ما نسبته ‪ % 10‬من‬ ‫الــزجيــات يف عــام ‪ 2013‬عـقــدت على قــاصـرات يف‬ ‫احملاكم الشرعية يف دمشق‪ ،‬وإن هذه النسبة تزيد كثرياً‬ ‫يف مناطق األرايف البعيدة عن العاصمة‪ .‬وإن نسبة‬ ‫‪ % 60‬من الزجيات غري املسجلة يف احملاكم عقدت‬ ‫على قاصرات‪.‬‬ ‫أضف إىل أن تزويج القاصرات يفتقر إىل شرط صحة‬ ‫الزواج يف القبول واإلجياب احلقيقي‪ ،‬فالقاصر مكرهة‬


‫من قبل ويل األمــر‪ ،‬وال تدرك أبعاد قبوهلا هبذا الــزواج‪ ،‬على ماجاء يف الفقرة‬ ‫الثانية من املادة ‪« :17‬إذا كان الويل هو األب أو اجلد اشرتطت موافقته‪».‬‬ ‫وعلى اعتبار أن لكل طائفة يف ســوراي حماكمها اخلاصة يف قضااي األح ـوال‬ ‫الشخصية وفقاً لشريعتها‪ ،‬فقد استطاعت احملاكم الروحية للطوائف املسيحية‬ ‫يف سوراي حتديد احلد األدىن لسن الزواج للفتاة ابلثامنة عشرة وللشاب بواحد‬ ‫عشرين عاماً‪.‬‬ ‫إذن يف سوراي فوضى قانونية هلا طابع رمسي‪ ،‬انهيك عن الفوضى اليت تعيشها‬ ‫البالد بسبب ظــروف احلــرب‪ ،‬مصدرها تناقض يف القوانني‪ ،‬وقوانني متعددة‬ ‫وخمتلفة تطبق على السوريني وفقاً ملرجعيات طائفية‪ ،‬ال تقوم على أساس ما‬ ‫يناسب املواطن السوري وفق مفهوم املواطنة واملساواة أمام القانون‪ ،‬وهي يف‬ ‫الوقت ذاته قوانني متييزية ضد املرأة‪.‬‬ ‫أهم أسباب تزويج القاصرات يف سوراي‬ ‫حتولت قضية تزويج القاصرات إىل مشكلة كبرية جيب العمل على وضع حد‬ ‫هلــا‪ ،‬ملــا سترتكه مــن آاثر كارثية على مستقبل شــرحيــة واسـعــة مــن القاصرات‬ ‫الـســورايت وأطـفــاهلــن‪ ،‬على اعتبار أن هــذه الظاهرة إحــدى مـفــرزات احلــرب‬ ‫القائمة يف س ــوراي‪ ،‬وابل ـتــايل فالسبب األســاســي لـتــزويــج الـقــاصـرات ال يقوم‬ ‫عــرف أو تقليد فحسب‪ ،‬بــل نتيجة اللجوء والتشرد والفقر والـبــؤس والظلم‬ ‫واالضطهاد والقهر واخلوف الذي يتعرض له الشعب السوري‪ ،‬كل هذا يدفع‬ ‫األب أو حىت يف غيابه إىل اإلقدام على قبول تزويج القاصرات حتت ضروب‬ ‫من الضغط واإلكراه أمهها‪ :‬احلاجة للمال وللتخلص من عبئهن املايل ابلدرجة‬ ‫األوىل‪ ،‬ودافع السرتة ابلدرجة الثانية‪ ،‬حيث يعيش الالجئون يف ظروف تساهم‬ ‫يف استغالل النساء جنسياً‪ ،‬أو نتيجة اخلــوف من تعرض بناهتن العتداء أو‬ ‫مسي «شرعياً»‪ .‬كما يتم تزويج القاصرات‬ ‫اغتصاب‪ ،‬فيبيعوهنا مقابل زواج ّ‬ ‫حتسباً الختطاف الفتيات يف إطار العنف الدائر‪ ،‬مقابل فدية أو انتقام‪.‬‬ ‫البــد هنا مــن اإلش ــارة إىل أن تــزويــج الـقــاصـرات يف مناطق اللجوء بعيد عن‬ ‫سلطة الـقــانــون ال ـســوري‪ ،‬حيث يـكــون ال ــزوج يف أغـلــب احل ــاالت ليس من‬ ‫التابعية السورية‪ ،‬بل يكون الزوج من السعودية أو دول اخلليج أو الدول العربية‬ ‫األخرى‪ ،‬وابلتايل يتم الزواج وفق قانون الزوج‪ ،‬نورد هنا بعض الوقائع اليت تدل‬ ‫على هذا اجلانب‪:‬‬ ‫حيث إن عدد الطلبات املقدمة من سعوديني للسفارة السعودية يف األردن‬ ‫تزايدت للموافقة على طلبات زواج من سورايت مقيمات يف األردن أغلبهن‬ ‫قاصرات‪ ،‬وأبسعار خبسة تصل حد ‪ 500‬رايل فقط مهراً للواحدة منهن‪.‬‬ ‫ويف خرب الفت مصدره الجئة على األراضي العراقية قررت إقامة دعوى قضائية‬ ‫على رجال من مكتب اجمللس اإلسالمي األعلى يف النجف‪ ،‬بعد أن اقتادوا‬ ‫مخس عشرة فتاة‪ ،‬وأعادوهن بعد يومني بعد أن عقد عليهن زواج املتعة ملدة‬ ‫يومني فقط وابإلكراه‪.‬‬ ‫يف اجلزائر‪ ،‬وبناء على مانشرته صحف جزائرية أن أئمة املساجد طالبوا اجلزائريني‬ ‫يف خطب اجلمعة ابلزواج من سورايت الجئات‪ ،‬واعتربوا هذا األمر واجباً على‬ ‫كل جزائري مقتدر النتشال السورايت من الشوارع‪.‬‬ ‫إذن أمـ ً‬ ‫ا يف التخلص من عيشة البؤس‪ ،‬وخيم اللجوء‪ ،‬وطمعاً يف محاية هلا‬ ‫ولعائلتها من قبل زوج مقتدر يف الغربة القسرية الــي يعيشوهنا‪ ،‬أمــا ابلنسبة‬ ‫للزوج الذي يتقدم بدافع الشفقة فهذه الزجيات أساسها املتاجرة جبسد الفتاة‬ ‫واستغالل جنسي لالجئات‪ ،‬دون تقدير واحرتام للفتاة أو ألهلها‪.‬‬

‫أضــف إىل أسباب تزويج القاصرات‪ ،‬أن اللجوء والتشرد نتيجة العنف‬ ‫الدائر يف سوراي أدى إىل توقف الدراسة ابلنسبة ملاليني األطفال السوريني‪،‬‬ ‫حيث مت دفع األوالد للعمل ودفع البنات للزواج‪ .‬ألن العلم يشكل مانعاً‬ ‫من تزويج القاصرات والعكس صحيح‪ .‬حيث ارتـفــاع معدالت تزويج‬ ‫الـقــاصـرات يعود إىل تسرب الفتيات مــن امل ــدارس‪ ،‬قبل إكـمــال مرحلة‬ ‫التعليم األساسي‪.‬‬

‫يف اخلالصة إن تزويج القاصرات يف أماكن اللجوء أغلبها صورية ال تلتزم‬ ‫بقواعد القانون‪ ،‬تقوم يف أساسها إمــا على الشفقة وإمــا التجارة جبسد‬ ‫الصغرية بــدالً مــن صــوهنــا‪ ،‬زواج ينقصه الكفاءة واالحـ ـرام س ـواء للفتاة‬ ‫أم ألهلها الالجئون‪ .‬وأغلب هذه الزجيات غري مسجلة‪ ،‬إما لسبب يف‬ ‫القانون أحياانً‪ ،‬أو هروابً من الزوج‪ ،‬حىت ال يتحمل مسؤولية زواج شرعي‬ ‫ٍ‬ ‫لطالق تعسفي ويف أحشائها‬ ‫أحياانً أخرى‪ ،‬كما أن الفتاة تكون معرضة‬ ‫طفل من الصعب إمتام تسجيله إذا تنكر له الرجل‪ ،‬ويعترب من أخطر آاثر‬ ‫هذا الــزواج على القاصرات‪ ،‬احلرمان العاطفي من الوالدين اليت حيتاجها‬ ‫كل طفل وطفلة يف مرحلة الطفولة‪ .‬كما يتم حرماهتا من حق أن تعيش‬ ‫مرحلة الطفولة‪ ،‬حيث أن تعرضها لضغوط الــزواج ومسؤوليته أكــر من‬ ‫قدرهتا على التحمل‪ ،‬ينتج عن ذلك وفق دراسات نفسية‪ ،‬عملية ارتداد‬ ‫ملرحلة الطفولة يف صورة أمراض نفسية مثل اهلسترياي و واالكتئاب‪ ،‬والقلق‬ ‫واضطراابت الشخصية واضطراابت يف العالقات اجلنسية بني الزوجني‪،‬‬ ‫انتج عن عدم إدراك الطفلة لطبيعة العالقة‪ ،‬وعدم تفهم الزوجة ملا يعنيه‬ ‫الزواج‪ ،‬ومسؤولية األسرة‪.‬‬ ‫إن ع ــاج ظــاهــرة تــزويــج ال ـقــاص ـرات يف دول الـلـجــوء وال ـش ـتــات حيتاج‬ ‫إىل جهود كبرية من قبل منظمات اجملتمع املــدين واملنظمات احلقوقية‪،‬‬ ‫يف سبيل دعــم املخيمات بـكـوادر خمتصة واسـتـشــارات نفسية‪ ،‬قانونية‪،‬‬ ‫اجتماعية وثقافية‪ ،‬مثل إنشاء مكاتب يتمكن الالجئون من التواصل‬ ‫معها ومراجعتها‪ ،‬يكون دورها رفع مستوى الوعي مبخاطر هذه الظاهرة‪،‬‬ ‫يف الوقت ذاته العمل على حتسني اخلدمات األساسية‪ ،‬وحتسني ظروف‬ ‫اللجوء وخاصة التعليم‪ ،‬على اعتبار أن تزويج القاصرات تنتجه ظروف‬ ‫قاهرة‪ ،‬تتعطل هبا احلكمة والعقل‪.‬‬ ‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪9 2015‬‬


‫زواج األطفال في الهند‬

‫عندما يتحول الحلم إلى كابوس‬ ‫على الرغم من أنه غري قانوين يف اهلند‪ ،‬كما هو يف بقية أحناء‬ ‫العامل‪ ،‬إال أن زواج األطفال ال يزال سارايً يف قبائل معينة أو يف‬ ‫جمتمعات الطبقات الدنيا‪ ،‬حيث مت يف والية تشاتيسغاره عام‬ ‫‪ ،2014‬زواج ‪ 3500‬طفل وطفلة أثناء مهرجان «رام انفامي»‪،‬‬ ‫الذي يقام احتفا ًال بذكرى ميالد اإلله راما‪.‬‬ ‫يف قرية كااب التابعة لوالية تشاتيسغاره‪ ،‬الواقعة يف اجلانب الشمايل من اهلند‪،‬‬ ‫يف ‪ 31‬آذار كانت كل من الفتيات الليتا (‪ 7‬سنوات)‪ ،‬ساريتا (‪ 9‬سنوات)‬ ‫وكولشمار (‪ 12‬سنة)‪ ،‬تستعد للزواج بولد يف نفس سنها دون أن تعلم عنه‬ ‫شيئاً‪ ،‬حىت امسه‪ .‬وجرت العادات أن يتم االحتفال بطقوس الزواج مبباركة‬ ‫اإلله راما‪ ،‬خالل مهرجان «رام انفامي»‪ ،‬وهي إحدى ثالث فرتات مفضلة‬ ‫للزواج يف التقومي اهلندوسي‪.‬‬ ‫تقام االحـتـفــاالت ملــدة ثالثة أايم كاملة‪ ،‬تتم خالهلا أتديــة طقوس قدمية‬ ‫مـتـوارثــة حتــت حـراســة «ال ـشــامــان»‪ ،‬وهــم رج ــال ديــن يـلـجــؤون إىل قـواهــم‬ ‫السحرية اليت متكنهم من استخدام األرواح حسب رغبتهم‪ ،‬كأن جيعلوها‬ ‫تتملك أجسادهم‪ ،‬فيكتسبوا قدراهتا على القتال‪ ،‬أو يدخلوها يف أية أداة‪،‬‬ ‫كالسيف لتتملك الروح السيف وتزيد من قوته‪.‬‬ ‫يكرس اليوم األول من االحتفاالت للصلوات وتقدمي العطااي لآلهلة احلامية‪،‬‬ ‫ويف اليوم التايل يتم تلطيخ العرسان من اجلنسني مبزيج من البذور املهروسة‬ ‫واملياه املطهرة‪ ،‬ويف اليوم الثالث فقط جيلب األطفال العرسان‪ ،‬وهم يرتدون‬ ‫األزايء املطرزة واجملوهرات‪ ،‬إىل حفل العرس‪ ،‬وهو احتفال قصري املدى‪ ،‬إذ‬ ‫تعود الفتيات يف اليوم التايل لالحتفال إىل منازل ذويهن حىت يصلن سن‬ ‫البلوغ‪.‬‬ ‫من املتعارف عليه يف اجملتمع اهلندي أن تقام االحتفاالت الضخمة يف الزواج‬ ‫على نفقة والد العروس‪ ،‬الذي يدفع كل مصاريف العرس ويفرش البيت‪،‬‬ ‫ويقدم املهر دون أن جيرب العريس على دفع شيء‪ ،‬وعلى العريس فقط أن‬ ‫يستلم العروس ومعها كل لوازم البيت‪ ،‬مما يشكل ثق ً‬ ‫ال على كاهل من عنده‬ ‫أكثر من بنت‪ ،‬لذلك يلجأ األهايل إىل التحايل على هذه املسألة‪ ،‬إبقامة‬ ‫حفالت زفــاف مجاعية‪ ،‬يتم فيها توفري املبالغ الكبرية الــي ميكن أن يتم‬ ‫إنفاقها يف حفالت الزواج الفردية‪.‬‬ ‫خمالفة القانون‬ ‫يوجد يف قرى الوالية ذات الطابع الريفي‪ ،‬عدد غري حمدود من الفتيات مثل‬ ‫الليتا‪ ،‬سارينا وكولشمار‪ ،‬يضعن عالمات محـراء على جبينهن وخـوامت يف‬ ‫أصابع أقدامهن‪ ،‬وهي عالمات تدلل على أهنن فتيات متزوجات‪ ،‬وتشكل‬ ‫مؤشراً على أن تقليد زواج األطفال ال يزال أمراً واقعاً‪ ،‬على الرغم من أنه‬ ‫ممنوع قانونياً‪ .‬وقد وقّعت اهلند على االتفاقية الدولية حلقوق األطفال‪ ،‬اليت‬ ‫مينع أحد بنودها مثل هذا الزواج منذ عام ‪ .1929‬وطبقاً لالتفاقية‪ ،‬فإن‬ ‫السن القانوين للزواج هي ‪ 18‬عاماً للنساء و‪ 21‬عاماً للرجال‪.‬‬ ‫يذكر أن بعثة تقصي احلقائق اليت تدافع عن حقوق اإلنسان‪ ،‬قد قامت‬ ‫‪ 10‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫• رهف موسى‬ ‫إبحصاء حاالت زواج األطفال يف رايبورغ‪ ،‬عاصمة الوالية‪ ،‬فتبني أن هناك‬ ‫حوايل عشرة آالف حالة احتفال بزواج األطفال جتري سنوايً يف ذلك اجلزء‬ ‫القصي من اهلند‪ ،‬وعملت البعثة لسنوات عدة على إحصاء عدد زجيات‬ ‫األطفال يف املنطقة‪ ،‬إلجبار السلطات احمللية على اختــاذ إجـراء جتاه مثل‬ ‫هذا الزواج‪ ،‬الذي يعترب أمراً غري قانوين على اإلطالق‪ ،‬لكن دون جدوى‪.‬‬ ‫توصف تلك الزجيات أبهنا غري إنسانية على اإلطالق‪ ،‬فعند عودة الفتيات‬ ‫إىل أزواجهن يف سن البلوغ سرعان ما حيملن‪ ،‬مما يزيد نسبة الوفيات بني‬ ‫األمهات واملواليد اجلدد‪ ،‬إضافة إىل أن اآلابء ميتنعون عن إرسال أطفاهلم إىل‬ ‫املدارس‪ ،‬إلجبارهم على العمل املبكر يف املزارع للمساعدة يف إعالة العائلة‪.‬‬ ‫ويقول االختصاصيون إن إجبار الفتيات على الزواج يف هذه السن املبكرة له‬ ‫آاثر مدمرة على الصعيد اجلسدي‪ ،‬الفكري‪ ،‬النفسي والعاطفي‪ ،‬فمن خالل‬ ‫هذه العملية ينكر اجملتمع عليهن حقهن يف احلرية واالختيار الشخصي‪،‬‬ ‫فالزواج املبكر ابلنسبة للفتيات يعين العبودية اجلنسية والزوجية التامة‪.‬‬ ‫من جانبها تتهم منظمة حقوق اإلنسان احلكومة اهلندية ابلتقصري جتاه اختاذ‬ ‫إجراءات صارمة للحد من هذه املمارسات‪ ،‬وتلعب االنتخاابت دوراً سيئاً‬ ‫يف هذا اجملال‪ ،‬فالعادات املفروضة تسبب دائماً ردود أفعال سلبية شعبية‪،‬‬ ‫وال يرغب أحد يف خسارة أصوات األهايل‪ ،‬فخالل فرتة االنتخاابت عادة‬ ‫ما تغض السلطات املختصة الطرف عما حيدث يف موسم الزواج‪ ،‬وال هتتم‬ ‫ابلتثبت من تطبيق الفقراء للقانون‪.‬‬ ‫يربر الفقراء هذه الظاهرة أبهنا ضرورة اقتصادية‪ ،‬وذلك بسبب عدم قدرة‬ ‫األب تزويج مجيع بناته كل على حدة‪ ،‬كما أن مهر العروس صغرية السن‬ ‫يكون يف العادة أقل بكثري من الفتاة البالغة‪.‬‬ ‫مشكلة املهور‬ ‫تعاين اهلند من االرتفاع املبالغ للمهور‪ ،‬وأييت للتخفيف من وطأة العبء‬ ‫على أسرة العريس‪ ،‬فتقدم أسرة العروس مهراً من النقود واألدوات املنزلية‬ ‫واجملوهرات أو األرض أو حيواانت املزارع أو السيارات ألهل العريس‪ ،‬ورغم‬


‫أن هــذا التقليد يعود للحقبة الرومانية‪ ،‬فإنه قد اكتسب شعبية عرب‬ ‫جنوب آسيا خــال السنوات العشرين املاضية‪ ،‬إذ تضافرت احلداثة‬ ‫واليأس ليزداد ارتفاع املهور إىل مستوايت كارثية‪.‬‬ ‫لقد أصـبــح مــوضــوع املـهــر يف اهلـنــد‪ ،‬الـنـيـبــال‪ ،‬بنغالديش وابكستان‬ ‫قضية رئيسية ابلنسبة للناشطني من أجل حقوق املرأة‪ ،‬ويف السبعينات‬ ‫حاولت كل من اهلند وابكستان حيال املخاوف اليت تشكلها املطالب‬ ‫غري العقالنية يف املهور والعنف املتنامي املرتافق معها كبح مجاح هذه‬ ‫الظاهرة وذلك بتحرميها‪ ،‬وقد صدرت قوانني حددت املهر املسموح به‬ ‫وهدااي العرائس وتكاليف الزواج‪ ،‬لكن الرتاخي يف تنفيذ القانون والقبول‬ ‫االجتماعي هبذه املمارسة قلّصا من إمكانية تطبيق هذه القوانني‪.‬‬ ‫وبينما ميثل الزواج حلم أي أنثى يف العامل‪ ،‬إال أنه كابوس ابلنسبة إلانث‬ ‫اهلند‪ ،‬فقد أظهرت دراسة قام هبا صندوق األمم املتحدة لرعاية الطفولة‬ ‫أن ‪ % 57‬من النساء يف والية راغستان اهلندية يتزوجن قبل أن يبلغن‬ ‫الثامنة عشرة‪ ،‬واألسوأ من ذلك أن هذه الوالية ال تزال تطبق التقليد‬ ‫القائم على تقدمي أطفال يف سن الثانية أو الثالثة للزواج‪ .‬وقد انتشرت‬ ‫مؤخراً ظاهرة خميفة يف اهلند‪ ،‬حيث تلجأ عائالت ميسورة إىل شراء‬ ‫فتيات فقريات لتزوجيهن أببنائها‪ ،‬وذلك بعد إغراء عائالهتن مببالغ مالية‬ ‫ضخمة تقدم إليهن بعد الزواج‪.‬‬ ‫وأد البنات‬ ‫يرجع املختصون أسباب غالء املهور يف اهلند إىل تضاؤل عدد اإلانث‬ ‫مقارنة بعدد الذكور‪ ،‬فيصبح الــزواج مسألة عرض وطلب‪ ،‬متاماً مثل‬ ‫التجارة‪ ،‬وترجع الداراسات السبب يف تناقص عدد اإلانث يف اهلند إىل‬ ‫انتشار ظاهرة وأد البنات يف السنوات األخرية‪ ،‬فقد أاتحت الوسائل‬ ‫املتطورة يف جمال التكنولوجيا اخلاصة ابلطب معرفة نوع اجلنني يف رحم‬ ‫األم مسبقاً‪ ،‬وعندما يعلم الزوجان أن الطفل القادم أنثى يسرعان إىل‬ ‫اإلجهاض‪ ،‬ما أدى إىل تناقص أعداد اإلانث يف اهلند وتفاقم مشكلة‬ ‫عنوسة الرجال‪ .‬وقد محل تفاقم املشكلة القانون اهلندي على التدخل‬ ‫بنص مينع إج ـراء الفحوص الطبية الــي تكشف عن نــوع اجلنني قبل‬ ‫والدته‪ ،‬بل من حق الشرطة هناك أن تشن محالت اعتقال تستهدف‬ ‫األطباء الذين جيرون هذه الفحوص‪.‬‬ ‫لقد بلغت ظاهرة وأد البنات يف اهلند درجة ابلغة القسوة‪ ،‬حيث يلجأ‬ ‫اآلابء إىل قتل بناهتم حديثات الــوالدة‪ ،‬إما بتجويعهن حىت املوت أو‬ ‫دس السم هلن يف الطعام‪ .‬وقد شكل اخنفاض عدد اإلانث يف اهلند‬ ‫صدمة كبرية للجهات الرمسية‪.‬‬ ‫تبادل األدوار‬ ‫حسب التقاليد يف العامل فإن الرجل يدفع املهر لعروسه‪ ،‬إال أن واقع‬ ‫احلال خمتلف متاماً يف اهلند‪ ،‬فالفتاة هي اليت تدفع املهر للزوج املعروف‬ ‫ابسم «دوري»‪ ،‬واألغرب من ذلك أن بعض العائالت حتجز الصيب‬ ‫منذ والدته لتزوجيه ابنتها‪ ،‬وتتكلف جبميع نفقاته حىت إكمال دراسته‬ ‫وأتمني مستقلبه‪ ،‬فقط لكي يتزوج ابنتهم‪.‬‬

‫واملـرأة اهلندية ملزمة بدفع مهرها‪ ،‬إال أن هناك عائالت توافق على أتجيل‬ ‫ابقي املهر‪ ،‬على أن يتم تسديده يف وقت الحق‪ ،‬لكن جيب أن يسدد حىت‬ ‫وإن مــرت سنوات على ال ــزواج‪ ،‬وجيــب عليها أن تدفع مجيع املستحقات‬ ‫املرتتبه للزوج‪ ،‬وإال فالويل كل الويل إذا مل تلتزم بدفعها فيما بعد‪ .‬وختتلف‬ ‫السن اليت يتم فيها الزواج من منطقة إىل أخرى‪ ،‬فهناك بعض القبائل الصغرية‬ ‫يف والية راغستان مشايل اهلند تعترب أن سن اخلامسة هو العمر املناسب لزواج‬ ‫أبنائها‪.‬‬ ‫وقــد تبني لبعثه تقصي احلقائق أنــه عندما تتجول ق ـوات الشرطة يف قرى‬ ‫الوالية أثناء إقامة تلك األعراس اجلماعية‪ ،‬فإن هذه اجلوالت ال تكون بقصد‬ ‫منع تلك االحتفاالت أو إلغائها‪ ،‬بل لتأنيب أصحاب هذه االحتفاالت‬ ‫املمنوعة‪ ،‬وهي فرصة للحصول على رشوة مقابل السكوت عنها‪ ،‬واجلميع‬ ‫يعلمون أن هــذه التقاليد لــن تنتهي فـجــأة‪ ،‬بــل ستبقى مكرسة طــاملــا أن‬ ‫السلطات املختصة ال تبذل أي جهد للحد منها‪ ،‬خاصة أن وضع املرأة‬ ‫ال يـزال سيئاً وال يتم السماح هلا ابملشاركة يف اختــاذ أي قـرار يتعلق حبياهتا‬ ‫اخلاصة‪.‬‬ ‫ويتذكر اهلنود أثناء صراعهم هذا «املهامتا غاندي»‪ ،‬ومقاومته للزواج املبكر‬ ‫لألطفال‪ ،‬وهــي املسألة األكثر أمهية يف حياهتم اليوم‪ ،‬والــي تــؤرق األهــايل‬ ‫والسلطات احمللية والعاملية على حد سواء‪.‬‬ ‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪11 2015‬‬


‫مرام‪ ..‬طفلة زوجة‪ ..‬وشابة أرملة‬ ‫أك ـثــر مــا فــاجــأين حــن الـتـقـيـتـهــا‪ ،‬هــو وجـهـهــا ال ــذي يـنـضــح ابحل ـيــاة‪،‬‬ ‫ثقتها الكبرية بنفسها‪ ،‬قسمات وجهها الصارمة الــي ما ّ‬ ‫تنفك تــوّزع‬ ‫االبتسامات وتزرعها يف طريقها‪.‬‬ ‫جتر خطواهتا جـ ّـراً‪ ،‬تعلو‬ ‫كنت أتوقع أن أشاهد امـرأة أربعينية ايئسة‪ّ ،‬‬ ‫وجـهـهــا مــامــح ال ـيــأس واإلح ـب ــاط‪ ،‬غــر أن ــي شــاهــدت سـيــدة مفعمة‬ ‫ملوانً وترتّبه على طريقة‬ ‫ابحلياة‪ ،‬بكامل زينتها وتربّجها‪ ،‬ترتدي حجاابً ّ‬ ‫«الصبااي»‪ ،‬بنطاالً فضفاضاً أسود‪ ،‬وسرتة تصل إىل ما فوق ركبتيها‪.‬‬ ‫استطاعت «مرام» أن تفرض استقالليتها وحضورها أمامنا وحنن نستمع‬ ‫إليها‪ ،‬واألهــم من ذلــك كلّه أهنــا قــادرة على السيطرة على مشاعرها‪،‬‬ ‫وحتييد نفسها حني تتح ّدث عن تفاصيل جتربتها املريرة مع احلياة‪ ،‬اليت‬ ‫أدخلتها عامل النساء‪ ،‬وهي ابنة اثين عشر عاماً‪.‬‬ ‫استمرت عاماً وثالثة أشهر‪ ،‬دخلت مرام عامل الزوجات‬ ‫فبعد خطوبة‬ ‫ّ‬ ‫وهي يف عامها الثالث عشر‪ ،‬كان دخوهلا خجوالً‪ ،‬رحلتها إىل منزل‬ ‫الزوجية يف محص‪ ،‬كانت أشبه ما تكون برحلة حبرية‪ ،‬جمهولة اهلدف‪،‬‬ ‫ال شــيء حيوطها ســوى الــدهـشــة‪ ،‬وال طــوق جنــاة ينقذها مــن غضب‬ ‫البحر‪.‬‬ ‫كنت أخجل من التصريح أبنين خمطوبة‬ ‫تتح ّدث مرام عن خطوبتها لزوجها‪ ،‬عن خجلها الطفويل الشديد الذي‬ ‫مل يكن يستوعبه جمتمعها‪ ،‬كانت اخلاطبات ينظرن بعيون فاحصة إىل‬ ‫تفاصيل جسمها‪ ،‬فيما كانت تنظر حبسرة إىل ال ّدمى يف أيدي بناهتن‪،‬‬ ‫كانت حتسد أبناءهن حني يطلبون إليهم أن «يلعبوا يف احلــارة» كي‬ ‫يصرفوهم من املكان‪ّ ،‬‬ ‫ويتمكنوا من فتح موضوع اخلطبة الذي ال ينبغي‬ ‫أن يسمعه األطفال‪ ،‬ولكن ال مشكلة يف أن تكون املخطوبة طفلة!‬ ‫اببتسامة هازئة ترتسم على شفتيها‪ ،‬ونظرة سارحة يف البعيد تبادرين‬ ‫مرام‪« :‬خطبين كثريون قبل زوجي‪ ،‬غري أين كنت أرفض‪ ،‬مل أكن أرغب‬ ‫يف مغادرة أمي اليت كانت أماً وأابً يل وألخي‪ ،‬بعد أن فقدت والدي‬ ‫وأان يف الرابعة من العمر‪ ،‬واختارت أن تربينا‪ ،‬رافضة كل عروض الزواج‪،‬‬ ‫علي للقبول‪ ،‬وألن زوجي كان من محص‪،‬‬ ‫لكنّها هي من كانت تضغط ّ‬ ‫وتربطه قرابة جب ّديت‪ ،‬قبلت‪ ..‬كنت أحلم مبغادرة محاة‪»..‬‬ ‫مل تكن م ـرام تعرف شيئاً عــن ال ــزواج‪ ،‬ســوى أنــه ارت ــداء فستان زفــاف‬ ‫وحلي ذهبية‪ ،‬حني متّت خطبتها‪ ،‬مل تكن قد وصلت إىل سن‬ ‫أبيض‪ّ ،‬‬ ‫البلوغ‪ ،‬وبعد أن حاضت للمرة األوىل ح ّدد موعد زفافها‪..‬‬ ‫تتابع مرام‪ ،‬وهي تستعيد مالمح الطفلة اخلجولة على قسمات وجهها‪:‬‬ ‫«مل أك ــن أرت ــدي خ ــامت اخلـطـبــة يف امل ــدرس ــة‪ ،‬كـنــت طــالـبــة يف الصف‬ ‫السادس االبتدائي حني متّت خطبيت‪ ،‬وكنت أخجل من احلديث عن‬ ‫موضوع اخلطبة‪ ،‬وألنــي كنت الفتاة الوحيدة يف البيت‪ ،‬وكنت أهاب‬ ‫والــديت ألهنا تقوم بــدور األب‪ ،‬مل أكن ّ‬ ‫أمتكن من مصارحتها بشيء‪،‬‬ ‫حىت حني تزّوجت بقيت أكثر من أسبوع إىل أن تف ّهمت ما ميكن أن‬ ‫‪ 12‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫• فريق حترير سيدة سوراي‬

‫جيري بني الرجل واملرأة بعد الزواج‪ ،‬كنت أقيم حينها مع أهل زوجي!»‬ ‫حقدي عليه كان يتزايد ابزدايد معرفيت‬ ‫تــزّوجــت م ـرام‪ ،‬وانتقلت إىل محــص‪ ،‬لتسكن مع أهــل زوجها يف املنزل‬ ‫نفسه‪ ،‬وهي الفتاة اليت عاشت مدللة على الرغم من يتمها‪ ،‬فقد كانت‬ ‫مقربة‬ ‫والدهتا على الرغم من خشونة تعاملها‪ّ ،‬‬ ‫تلب كل طلباهتا‪ ،‬وكانت ّ‬ ‫إىل أخـواهلــا الذين مل يـ ّدخــروا جهداً يف سبيل إسعادها‪ ،‬لتجد نفسها‬ ‫حتملها‪ ،‬وتواجه مشاكل غرية‬ ‫يف مواجهة متطلّبات يصعب على طفلة ّ‬ ‫محاهتا مــن اهتمام عمها (والــد زوجـهــا) هبــا‪ ،‬وتقديره لطفولتها‪ ،‬وكيد‬ ‫أخوات زوجها هلا‪ ،‬كانوا يقيمون يف الشقة ذاهتا‪ ،‬وظلّت حتت سيطرة‬ ‫إرادهتم رغم أن زوجها بىن شقة صغرية فوق بيت أهله‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عــن هــذه املــرحـلــة‪ ،‬تـقــول الـسـيــدة األربـعـيـنـيــة الــي سلبها ال ــزواج املبكر‬ ‫طفولتها‪ ،‬وحلمها أبن تبين بيتاً يواجه عواصف احلياة بثبات‪« :‬بعد‬ ‫زواج ــي بشهر واح ــد‪ ،‬ب ــدأت أكـتـشــف أن فــرحــي ابلـفـسـتــان األبـيــض‬ ‫واحلـ ـل ـ ّـي‪ ،‬كــانــت فــرحــة زائ ـف ــة‪ ،‬وأن احل ـي ــاة أص ـعــب م ــن أن نـواجـهـهــا‬ ‫ابألحــام‪ ،‬بــدأت مشاكلي بعد انقضاء شهر واحــد‪ ،‬فمن غــرة والــدة‬ ‫زوجــي وأخـواتــه من اهتمام والــده الـزائــد يب‪ ،‬إىل طباع زوجــي الصعبة‪،‬‬ ‫وضربه املربح يل‪ ،‬وشكوكه يف ّ‬ ‫حتب األانقة‪ ،‬تدلّل‬ ‫تصرفايت‪ .‬أان سيدة ّ‬ ‫كل ّ‬ ‫نفسها ابملاكياج والعطورات‪ ،‬ولكنّه كان يثور ويغضب كلّما شاهدين‬ ‫بكامل زينيت‪ ،‬وي ّدعي أب ّن مثة رجل آخر يف حيايت»‪.‬‬ ‫كان يستغل طفولتها‪ ،‬وجهلها بتفاصيل احلياة الزوجية‪ ،‬والدهتا كانت‬ ‫بعيدة ليس يف السكن فقط‪ ،‬وإمنا مل تكن تتح ّدث إىل ابنتها يف أي من‬ ‫هذه الشؤون‪ ،‬على الرغم من أهنا أقامت عند والدهتا عامني متتالني إثر‬ ‫خالف مع أهله‪ ،‬فيما كان هو يعمل يف املنطقة احلرارية‪ ،‬وأييت لرؤيتها‬ ‫يف بيت أهلها أايم العطلة‪ ،‬ويــزّودهــا ابملـصــروف ال ــازم‪ ،‬األمــر الــذي‬ ‫حسمته والدهتا ابلقول إهنا ترغب يف تزويج ابنها يف البيت‪ ،‬وبيع جزء‬ ‫من مرياثها من أبيها لشراء بيت هلما يف محص‪.‬‬ ‫«أول مرة عرفت فيها أن الزوجة تصل إىل مرحلة النشوة أثناء العالقة‬ ‫احلـمـيـمــة‪ ،‬كــانــت يف ســن الـســادســة والـعـشـريــن‪ ،‬حــن أخــرتــي جــاريت‬ ‫عن ذلــك األمــر‪ ،‬بــدأت أطالب زوجــي ابلقيام بواجبه جتاهي على أمتّ‬ ‫علي‪ ،‬وضربين‪ ،‬وكسر أاثث املنزل‪ ،‬واهتمين مبصاحبة‬ ‫وجه‪ ،‬حنق يومها ّ‬


‫الساقطات مــن الصديقات‪ ،‬الـلـوايت يرشدنين‬ ‫إىل طـريــق الــرذي ـلــة‪ ،‬ومـنـعــي مــن زايرة أي من‬ ‫صديقايت‪ ،‬ابستثناء جارة واحدة يل يف املبىن‪.‬‬ ‫أحس ابلغنب الشديد‪ ،‬وأدركت‬ ‫حينها بدأت ّ‬ ‫حجم استغالله جلسدي خالل سنوات الزواج‬ ‫الثالثة عـشــرة‪ ،‬الــي أجنـبــت خــاهلــا مخسة من‬ ‫أطفايل‪ ،‬مل أكن خالهلا أشعر أبنين أنثى‪ ،‬بل‬ ‫كنت أشعر أبنين أداة للتنفيس عن رغباته!»‪.‬‬ ‫شجارات دائمة وزواج مع وقف التنفيذ‬ ‫قـضــت مـ ـرام حـيــاهتــا الــزوج ـيــة كـلّـهــا‪ ،‬يف حالة‬ ‫شجار دائم‪ ،‬كثرياً ما أقامت يف بيت أهلها‪،‬‬ ‫لـتـعــود لـبـيــت الــزوج ـيــة يف هنــايــة امل ـط ــاف‪ ،‬فال‬ ‫اجملتمع يقبل ابنفصاهلا عــن زوجـهــا‪ ،‬وال هي‬ ‫ق ــادرة على اختــاذ ق ـرار الـطــاق يف ظــل وجــود‬ ‫ستة أوالد‪ ،‬أكربهم بنتان‪ ،‬ختشى عليهما من‬ ‫جمتمع ذكوري ال يرحم األنثى مهما كان سنّها‬ ‫أو ظرفها‪ ،‬حىت أهنا زوجتهما مها األخريني يف‬ ‫سن صغرية‪ ،‬علها تستطيع بعدها أن ّ‬ ‫تفكر يف‬ ‫طلب الطالق‪ ،‬دون خشية اجملتمع‪.‬‬ ‫أوىل الـبـنـتــن وه ــي األص ـغ ــر‪ ،‬ت ـك ـلّــل زواج ـهــا‬

‫ابلنجاح‪ ،‬مع أن أابهــا حــرم أمها من حضور‬ ‫زفافها بسبب خالفهما‪ ،‬والثانية كانت أوىل‬ ‫زايراهتــا لبيت والدها بعد الــزواج‪ ،‬عند وفاته‪،‬‬ ‫ولتعود إليه مطلّقة بعد أن أرغمها والدها على‬ ‫الــزواج من رجــل جاهل‪ ،‬وهــي الــي كانت قد‬ ‫وصلت إىل هناية التعليم الثانوي‪ ،‬فيما هو مل‬ ‫يتم تعليمه االبتدائي‪ ،‬جملرّد كونه غنياً‪.‬‬ ‫«يف آخر مرة تركت فيها املنزل‪ّ ،‬قررت العودة‬ ‫ي ظنّت أهنــا بــوفــاة زوجـهــا‪ ،‬قــد تستعيد مفاتيح‬ ‫ألن ــه ب ـيــي‪ ،‬وه ــو ك ــان ي ـتــوقــع أن تـبـقــى اب ـن ـ ّ‬ ‫لتخدماه‪ ،‬ولكنهما آثرات العودة معي إىل بيت حياهتا‪ ،‬ولكنها مل تستطع‪ ،‬فال احلبيب الذي‬ ‫جدمها‪ ،‬حينها أرغم على القبول بعوديت‪ ،‬لكنين اخـتــارتــه مبــلء إرادهت ــا بعد وفــاة زوجـهــا بثالثة‬ ‫فرضت شروطي عليه‪ ،‬وأخربته أبنين عدت من أعـوام‪ ،‬كان أه ً‬ ‫ال للثقة‪ ،‬عاشت معه حلظات‬ ‫أجل تربية أوالدي‪ ،‬كنا ننام يف غرفة واحدة‪،‬‬ ‫تعرفت إىل أنوثتها يف ظل عقد زواج مع وقف‬ ‫ّ‬ ‫ولكن ّ‬ ‫كل أشكال التواصل بيننا منقطعة متاماً‪ ،‬التنفيذ‪ ،‬وتركها يف هناية املطاف بعد أن غادرت‬ ‫امـتـ ّد هــذا األم ــر على مــدى عــامــن ونصف‪ ،‬البلد‪ ،‬وال أبناؤها الذين يعتربون أ ّن هلم حق‬ ‫زوجت خالهلما ابنيت‪ ،‬وانتهى األمر مبوته»‪ ...‬الوصاية عليها‪ ،‬كوهنا ما زالت يف سن جيعلها‬ ‫تـتــابــع مـ ـرام‪ ،‬وه ــي حت ــاول جب ــروت األن ـثــى أن مطمعاً للرجال‪ ،‬وهم يف عنفوان شباهبم‪.‬‬ ‫خت ـفــي دم ـع ــة ح ـب ـي ـســة ب ــن ج ـف ـن ـي ـهــا‪ ،‬وض ـبــط مرام‪ ،‬األم الطفلة‪ ،‬واألرملة الشابة‪ ..‬امرأة كما‬ ‫لون وجهها‪ ،‬وإيقاع صوهتا الــذي بدأ خيتنق‪ :‬الكثريات حمكومة جملتمع ذكوري يرى أن ّ‬ ‫جل‬ ‫مرتني خالل العامني والنصف ما تستحقه هو الدفن‪ ..‬زوجة يف الطفولة‪ ،‬ويف‬ ‫«أحرق وجهي ّ‬ ‫املرتني كادت تودي القرب بعد وفاة الزوج!‬ ‫الذين سبقا وفاته‪ ،‬إحدى ّ‬

‫حبيايت‪ ،‬خاصة وأنه كان مينعين من اخلروج من‬ ‫املنزل‪ ،‬فاصطحبتين جــاريت إىل الطبيب رغماً‬ ‫عنه»‪.‬‬ ‫مرام‪ ،‬امرأة ككثري من النساء يف عاملنا العريب‪،‬‬ ‫عاشت لآلخرين طيلة حياهتا‪ ،‬كانت أماً يف‬ ‫الـرابـعــة ع ـشــرة‪ ،‬أرم ـلــة يف اخلــامـســة والـثــاثــن‪،‬‬ ‫وج ّدة بعدها بعام‪.‬‬

‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪13 2015‬‬


‫يخص حماية األطفال‬ ‫سجل المعلومات فيما‬ ‫ّ‬ ‫زواج األطفال‬ ‫زواج األطـ ـف ــال ه ــو ان ـت ـهــاك حل ـقــوق اإلنـ ـس ــان‪ ،‬لـ ــإانث وكــذلــك‬ ‫الــذكــور على حــد س ــواء‪ ،‬لكن قــد يكون الشكل األكـثــر انتشاراً‬ ‫ه ــو االع ـ ـتـ ــداء واالسـ ـتـ ـغ ــال اجل ـن ـســي ل ـل ـف ـت ـيــات‪ ..‬ه ـن ــاك أي ـض ـاً‬ ‫االنـفـصــال عــن األس ــرة واألص ــدق ــاء‪ ،‬واحلــرمــان مــن حـريــة التفاعل‬ ‫مع األق ـران ومــن املشاركة يف األنشطة االجتماعية وتقييد الفرص‬ ‫التعليمية‪ ،‬كـ ّـل ذلــك يُعد مــن اآلاثر السلبية ملثل هــذه الــزجيــات‪.‬‬ ‫كما ميكن لــزواج األطـفــال أن يــؤدي للعمل يف ظل اإلك ـراه والعبودية‬ ‫واالستغالل اجلنسي ألغراض التجارة والعنف ألن الفتيات ال يستطعن‬ ‫رفــض ممارسة اجلنس أو أن يطلنب استخدام الواقي الــذكــري‪ .‬غالباً ما‬ ‫تـواجــه الفتيات املـتــزوجــات خماطر جدية على املستوى الصحي‪ ،‬مثل‬ ‫احلمل املبكر أو األمراض اليت تنتقل عن طريق االتصال اجلنسي والوصول‬ ‫شيئاً فشيئاً إىل فريوس نقص املناعة البشرية‪ ،‬اإليدز‪.‬‬ ‫يف بعض احلاالت‪ ،‬يسمح اآلابء بزواج أطفاهلم لضرورات اقتصادية‪ ،‬كما‬ ‫ميكن أن يُعترب الــزواج وسيلة لوضع الفتاة حتت وصاية رجـ ٍـل حلمايتها‬ ‫من اعتداء جنسي حمتمل‪ ،‬ولتجنب احلمل خارج إطار الزواج‪ ،‬وكذلك‬ ‫لتمديد فرتة اإلجناب لضمان تقدميها إىل أسرة الزوج‪.‬‬ ‫هتيئة بيئة حامية من أجل األطفال‬ ‫حقائق وأرقام‬ ‫• على الصعيد العاملي‪ ٪ 36 ،‬من النساء اللوايت ترتاوح أعمارهن ما بني‬

‫‪ 14‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫• ترمجة‪ :‬ليلى كرمي‬

‫‪ 20‬و ‪ 24‬عاماً متزوجات أو عشن التجربة األسرية قبل سن الـ ‪.18‬‬ ‫• عدد املراهقات البالغات من العمر مابني ‪ 15‬إىل ‪ 19‬عاماً اللوايت يلدن‬ ‫كل عام يقدر بنحو ‪ 14‬مليون‪ ،‬وتكون الفتيات من هذه الفئة العمرية عرضة‬ ‫أكثر مرتني ملخاطر املــوت أثناء احلمل والــوالدة من النساء الــايت يبلغن من‬ ‫العمر ‪ 20‬إىل ‪ 30‬عاماً‪.‬‬ ‫• غري أن الزواج املبكر للفتيات هو األكثر شيوعاً يف أفريقيا جنوب الصحراء‬ ‫الـكــرى‪ ،‬ويف آسيا اجلنوبية‪ ،‬ففي النيجر ‪ ٪ 77‬مــن النساء الـلـوايت تـراوح‬ ‫أعمارهن مابني‪ 20‬إىل ‪ 24‬عاماً تزوجن قبل سن ‪ .18‬ويف بنغالديش تبلغ‬ ‫النسبة ‪.% 65‬‬ ‫التزام احلكومات وقدرهتا على العمل‬ ‫يكمن دور املؤسسات احلكومية واجملتمع املدين يف أتسيس وتطوير أنظمة ملنع‬ ‫أو إبطاء زواج األطفال‪ .‬ومن الضروري تدخل احلكومة ملراجعة القوانني العرفية‬ ‫واملدنية‪.‬‬ ‫يرتبط زواج األطفال بشكل وثيق ابلفقر‪ ،‬لذا فــإ ّن التزام احلكومة للحد من‬ ‫الفقر قد يُقلّل‪ ،‬وبشكل جيد‪ ،‬من عدد زجيات األطفال‪.‬‬ ‫التشريعات وتطبيقاهتا‬ ‫على احلكومة أن تثبت ســن ال ـ ‪ 18‬ابعتباره السن القانوين ل ــزواج الفتيات‬ ‫وكذلك الفتيان‪ ،‬وأن تسهر على ضمان تنفيذ هذا القانون‪ .‬إ ّن تشجيع تسجيل‬ ‫الوالدات والزجيات سيساعد على تطبيق هذه القوانني‪.‬‬


‫مواقف‪ ،‬عادات وممارسات‬ ‫من الصعب وضــع حد لــزواج األطفال ألنــه حىت اآلابء واألمـهــات الذين‬ ‫يعون النتائج السلبية ملثل هذه الزجيات‪ ،‬فإنه من الصعب ابلنسبة هلم مقاومة‬ ‫الضغوط االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬كذلك مقاومة التقاليد لتغيري العمر‬ ‫الذي يصبح فيه الزواج مقبوالً‪ ،‬من الضروري مقاومة العادات والتقاليد اليت‬ ‫تفضل وتعزز هذه املمارسات‪.‬‬ ‫النقاش احلر‬ ‫يف كثري مــن الـثـقــافــات‪ ،‬يُـعــرف ال ــزواج ابنتمائه إىل اجمل ــال اخل ــاص‪ .‬ميكن‬ ‫أن تشكل محــات االتـصــال فــرصـ ًة ملناقشة املعتقدات التقليدية اخلاصة‬ ‫بــه لتشجيع حتسني السلوك يف اجملتمعات‪ ،‬جيــب أن نــركــز على احلقوق‬ ‫األساسية‪ ،‬خاص ًة حقوق املرأة‪ ،‬مبا يف ذلك املساواة‪ ،‬واحلصول على التعليم‬ ‫واحلماية من االستغالل والتمييز‪.‬‬ ‫حقوق اإلنسان‬ ‫مت االعرتاف ابحلق يف املوافقة احلرة والكاملة على الزواج يف اإلعالن العاملي‬ ‫حلقوق اإلنـســان ‪ ،1948‬إال أن هــذه املـوافـقــة الميكن أن تكون «حــرة‬ ‫وكاملة» خاص ًة عندما اليكون أحــد األط ـراف قد وصــل إىل سن املعرفة‬ ‫اليت يستطيع معها اختيار الزوج‪ .‬اتفاقية القضاء على مجيع أشكال التمييز‬ ‫ضد املرأة ‪ 1979‬ينص على أن خطبة وزواج األطفال ليس هلما أي أثر‬ ‫قانوين‪ ،‬ومجيع التدابري الالزمة‪ ،‬مبا يف ذلك األحكام التشريعية‪ ،‬جيب اختاذها‬ ‫لتحديد السن األدىن للزواج‪ .‬وقد أوصت جلنة القضاء إلزالة التتميز ضد‬ ‫املرأة بتحديد هذا السن ابلـ ‪ 18‬عاماً‪.‬‬ ‫مهارات‪ ،‬معارف ومشاركات األطفال‬ ‫من األمهية مبكان تعزيز املعرفة لدى األطفال‪ ،‬خاصة الفتيات‪ .‬فعندما يتم‬ ‫تعليمهن‪ ،‬يكن أقل عرضة للموافقة على الزواج املبكر‪.‬‬ ‫لردم اهلوة بني اجلنسني وخاص ًة يف جمال التعليم‪ ،‬ميكننا وبشكل خاص بناء‬ ‫مدارس توائم األطفال‪ ،‬وتقدمي حوافز مالية لآلابء الذين يرسلون أطفاهلم إىل‬ ‫املدارس‪ ،‬وكذلك تطوير طرق التعليم غري التقليدية‪.‬‬ ‫قدرة عمل األسر واجملتمعات احمللية‬ ‫منظمات اجملتمع املدين النسوية حتتاج الدعم ألداء دورها يف التعبئة والتعليم‬ ‫على حن ٍو ف ّعال‪ ،‬برامج التطوير والتعليم القائمة على حقوق اإلنسان ميكنها‬ ‫أن تقدم ديناميكية مواتية لتغيري العادات والتسلسالت اهلرمية واألحكام‬ ‫املسبقة احمليطة بتقليد زواج األطفال‪.‬‬ ‫خدمات أساسية‪ ،‬مبا يف ذلك الوقاية‪ ،‬الشفاء وإعادة االندماج‬ ‫ال بد من أن نضع حتت تصرف الفتيات خدمات تقدمي املشورة خبصوص‬ ‫االع ـتــداء والصحة اإلجنــابـيــة واحلـمــايــة مــن ف ــروس نقص املناعة البشرية‪.‬‬ ‫وبشكل خاص حتتاج الفتيات الالئي يغادرن زواجهن خالل فرتة قصرية إىل‬ ‫دعم عاجل‪ ،‬مثل اللوايت يغادرن منازل أسرهن عندما جيربهن هؤالء على‬ ‫الزواج دون إرادهتن‪.‬‬ ‫املتابعة‪ ،‬إعداد التقارير والرقابة‬ ‫الــدراســات االستقصائية عن الرتكيبة السكانية والصحية واالستقصاءات‬ ‫العنقودية متعددة املؤشرات تتجمع إلعطاء بياانت مفيدة عن مدى انتشار‬ ‫وأسباب زواج األطفال‪ .‬وضع أنظمة متابعة ورصد على مستوى اجملتمعات‬

‫احمللية ميكنها أن تساعد أيضاً يف حتديد وترية مثل هذه الزجيات‪ ،‬ومن املهم‬ ‫تشجيع تسجيل الزواج‪.‬‬ ‫أمثلة عن عمل ‪ UNICEF‬منظمة األمم املتحدة للطفولة‬ ‫عـلــى الصعيد الـعــاملــي‪ ،‬تـكــافــح ‪( UNICEF‬منظمة األم ــم املتحدة‬ ‫للطفولة) ضد تزويج األطـفــال‪ ،‬خاص ًة بتشجيعها لتعليم الفتيات‪ .‬وقد‬ ‫أشــارت األحبــاث إىل أن املستوى العايل لتعليم الفتيات يساعد على منع‬ ‫تزويج األطفال‪.‬‬ ‫منظمة ‪ UNICEF‬هي الوكالة الرائدة اليت تقود مبادرة األمم املتحدة‬ ‫لتعليم الفتيات‪ ،‬واليت يهدف إىل ضمان‪ ،‬متكن مجيع أطفال العامل من إمتام‬ ‫التعليم االبتدائي‪ ،‬من اآلن وحىت العام ‪.2015‬‬ ‫يف بنغالديش‪ ،‬تقدم اليونيسف الدعم ملشروع «كيشوري آدهيجان»‪،‬‬ ‫الــذي يهدف إىل تعزيز حقوق املراهقات وإىل مكافحة انتهاكات هذه‬ ‫احلقوق‪ ،‬مثل زواج األطفال واملهر‪ .‬يوفر املشروع التعليم والتدريب ويقوم‬ ‫بدمج نشاطات اقتصادية لتتمكن جمموعات من املراهقني من مساعدة‬ ‫بعضهم البعض للحصول على مهارات تسمح هلم بكسب لقمة عيشهم‪.‬‬ ‫أهداف األلفية من أجل التطوير‬ ‫زواج األطـفــال على حــد س ـواء وسيلة للكفاح ضــد الـبــؤس وممــارســة غري‬ ‫ضارة تبقي األسر على فقرها‪ .‬فاألطفال املتزوجون يكونون معزولني بشكل‬ ‫عام‪ُ ،‬مبعدين عن أسرهم‪ ،‬مسحوبني من املدرسة ولديهم عالقات خاصة‬ ‫مع أقراهنم ومع ابقي اجملتمع‪ .‬ابلنسبة للفتيات فإن احلمل املبكر يعرض‬ ‫صحتهن ملخاطر عالية جداً‪ ،‬مبا يف ذلك الوفاة أثناء الــوالدة‪ .‬فض ً‬ ‫ال عن‬ ‫املخاطر اليت ميكن أن يتعرض هلا مواليدهن‪.‬‬ ‫الفتيات املراهقات أكثر عرضة من البالغات لألمراض اليت تنتقل ابالتصال‬ ‫اجلنسي‪ .‬ومبا أن الزواج ملن هم دون سن الـ‪ 18‬شائع جداً يف العديد من‬ ‫البلدان اليت تعاين صعوابت اقتصادية وصحية‪ ،‬فإنه يصبح عقب ًة يف طريق‬ ‫خاصة فيما يتعلق ابلقضاء على الفقر‬ ‫حتقيق أهــداف الربامج التنموية‪ّ ،‬‬ ‫واجلوع‪.‬‬ ‫«اهلدف األول»‪ :‬حتقيق تعميم التعليم االبتدائي العاملي‪.‬‬ ‫«اهلدف الثاين»‪ :‬تعزيز املساواة بني اجلنسني‪.‬‬ ‫«اهلدف الثالث»‪ :‬محاية حياة األطفال‪.‬‬ ‫«اهلدف الرابع»‪ :‬حتسني الصحة‪.‬‬ ‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪15 2015‬‬


‫الزواج المبكر في اليمن‬ ‫الفقر والجهل والفهم الخاطئ للدين‬

‫• حبرية مششري علي ـ اليمن‬ ‫خبرية ابلنوع االجتماعي‬

‫ينتشر الزواج املبكر يف اجملتمع الريفي واألسر الريفية اليمنية أكثر منه يف املدن‪ ،‬وذلك بسبب اجلهل واألمية‪ ،‬وأيضاً الفقر املدقع‪ ،‬كما أن األعباء‬ ‫الكثرية اليت تتحملها املرأة الريفية يف األعمال الزراعية وتربية احليواانت جعلتها أكثر طلباً للزواج ملساعدة أهل الزوج‪ ،‬هذه الظاهرة أدت يف‬ ‫النهاية إىل تسرب الفتيات من التعليم‪ ،‬وتدين املستوى التعليمي يف األسرة‪ ،‬وزايدة معدل النمو السكاين وعدد الوفيات بني الفتيات‪ ،‬وتدهور‬ ‫الصحة عند النساء بسبب زايدة اإلجناب‪ ،‬كما أن زواج املرأة يف دون سن البلوغ جعلها عرضة حلاالت الطالق‪ ،‬وذلك لعدم استعدادها للحياة‬ ‫الزوجية وال لإلجناب أوتربية األطفال‪ ،‬ألهنا تعترب طفلة وفق قانون حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫ومن أهم أسباب زواج الفتاة يف سن مبكرة الفقر‪ ،‬الذي يدفع بكثري من األسر إىل تزويج بناهتا لكي ختفف من مصاريف وتكاليف املعيشة‪.‬‬ ‫إن الزواج املبكر املنتشر يف األسر الريفية أدى بدوره إىل خلق جمتمع غري مؤهل للمشاركة يف التنمية الشاملة‪.‬‬

‫أشكال الزواج املبكر يف الريف اليمين‪:‬‬ ‫ إجبار الفتاة الصغرية على الزواج من ابن عمها‪.‬‬‫ زواج السادة‪.‬‬‫ زواج الشغار (زواج البدل)‪.‬‬‫ الزواج اجلماعي‪ ،‬حيث تزوج الفتاة بعد تسرهبا‬‫م ــن امل ــدرس ــة م ــن ال ـص ــف الـ ـس ــادس أو الـســابــع‬ ‫ابتدائي‪.‬‬ ‫ الزواج السياحي‪.‬‬‫ي ّدعي الشيخ «حممد بن انصــر احلــزمــي»‪ ،‬عضو‬ ‫جملس النواب وأحد املناهضني لتحديد سن الزواج‬ ‫«أن مـنــع الـ ــزواج املـبـكــر وحت ــدي ــده بـســن معينة‪،‬‬ ‫ومعاقبة من أراد أن يعف ابنه أو ابنته ابلزواج قبل‬ ‫هذا السن ابلسجن والغرامة املالية‪ ،‬ماهو إال حترمي‬ ‫ملا أحله هللا سبحانه وتعاىل يف كتابه‪ ،‬وجترمي لفعل‬ ‫فعله النيب صلعم والتابعون»‪.‬‬ ‫أما الشيخ «جربي حسن»‪ ،‬عضو مجعية علماء‬ ‫اليمن وأحــد املناصرين لألمومة املــأمــونــة وحتديد‬ ‫ســن آمــن ل ـلــزواج‪ ،‬فــرى أن نـظــرة متعمقة لــزواج‬ ‫األط ـفــال أو الـفـتـيــات خ ـصــوص ـاً‪ ،‬مــن شــأهنــا أن‬ ‫ت ـكـ ّـون اع ـت ـبــارات خمتلفة ملــا فـيــه مــن تـنــاقــض مع‬ ‫املنظور اإلسالمي الشامل للزواج‪ ،‬فالزواج املبكر‬ ‫يفتقد إىل مقومات الزواج األساسية‪ ،‬ألهنا مرحلة‬ ‫الطفولة الــي تتسم بـعــدم اكتمال النمو الـبــدين‪،‬‬ ‫وخصوصاً لألجهزة التناسلية‪ ،‬وعدم القدرة على‬ ‫احلـمــل عند الـفـتــاة‪ ،‬وعــدم بـلــوغ النضج النفسي‬ ‫الكايف لتحمل عبء الزواج وتبعاته»‪.‬‬ ‫تعريف الصحة اإلجنابية‪:‬‬ ‫ورد يف ب ـرانمــج امل ـؤمتــر ال ــدويل للسكان والتنمية‬ ‫‪ 16‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫جنود علي‪ ،‬اليمنية‪ ،‬في العاشرة من عمرها‪ ،‬طلقت زوجها الذي يكبرها بعشرين عاما ً‬

‫الــذي عقد يف القاهرة عــام ‪ 1994‬أهنــا «حــالــة السالمة البدنية والعقلية واالجتماعية‬ ‫الكاملة‪ ،‬وليست جمــرد انـعــدام املــرض والعجز يف مجيع األمــور املتعلقة ابجلهاز التناسلي‬ ‫ووظائفه وعملياته»‪.‬‬ ‫ترى الدكتورة «عفاف احليمي» من جامعة صنعاء أن «املشكالت اليت تتعرض هلا الفتاة‬ ‫يف العالقة الزوجية املبكرة كثرية منها‪ :‬أن الطفلة األم والزوجة الصغرية تتعرض ملسؤولية‬ ‫كبرية ال تقدر على حتملها‪ ،‬مما يؤدي إىل توتر ذهنها ومضاعفات كثرية‪ ،‬من أمهها ترك‬ ‫التعليم الذي يعترب ضرورايً للمرأة‪ ،‬وأهم عناصر احلياة وهو التعليم‪ .‬كذلك تتسرب اإلانث‬ ‫من املدارس وحترم املتزوجة وهي صغرية من بناء شخصيتها االجتماعية‪ ،‬فتصبح مشوهة‬ ‫من الداخل‪ ،‬وتشعر ابلضعف جتاه اآلخرين وخاصة الرجل الذي هو زوجها أو ابنها أو‬ ‫أخوها‪ ،‬فال تستطيع أن حتتج أو تنتقد‪ ،‬وتشعر دائماً أبهنا إنسان ضعيف»‪.‬‬ ‫تشري األرقام إىل ارتفاع نسبة النساء املتزوجات يف أعمار صغرية‪ ،‬إذ إن الفئة العمرية من‬ ‫‪ 19 – 10‬سنة قد شكلت ‪ % 75‬مقابل ‪ % 25‬للرجال يف نفس الفئة العمرية‪.‬‬ ‫وتشري كذلك إىل ارتفاع نسبة النساء املتزوجات يف أعمار صغرية‪ .‬وفقاً لتقديرات اجلهاز‬ ‫املركزي لإلحصاء ووفقاً لنتائج املسح الدميغرايف لصحة األم والطفل‪ ،‬فإن الــزواج املبكر‬ ‫ينتشر بني الفئة العمرية من ‪ 18 – 15‬سنة‪ ،‬حيث وصلت نسبته اىل ‪% 13،% 48‬‬ ‫منهن قد تزوجن أكثر من مرة‪.‬‬


‫أما عن الرؤية العلمية للموضوع‪ ،‬فقد قامت «شبكة شيماء ملناهضة‬ ‫الـعـنــف ضــد املـ ـرأة» إبع ــداد دراس ــة ح ــول ال ــزواج املـبـكــر‪ ،‬استهدفت‬ ‫ثــاث حمافظات هي صنعاء‪ ،‬احلديدة وحضرموت‪ ،‬تطرقت الدراسة‬ ‫لعالقة الزواج املبكر حبقوق اإلنسان والطفل‪ ،‬حيث اعتربت أن زواج‬ ‫الصغريات مظهر من مظاهر ثقافة التمييز‪ ،‬وذلك بناء على االتفاقية‬ ‫الدولية ملكافحة كافة شكال التمييز ضد املرأة «سيداو»‪ ،‬حيث تبني‬ ‫االتفاقية أن التمييز اجتماعي ثقايف وليس قانونياً‪.‬‬ ‫الدراسة اليت متت يف احملافظات الثالث‪ ،‬تظهر انتشار البىن واملمارسات‬ ‫الثقافية التقليدية اليت تقوم على أساس التمييز بني الرجل واملرأة‪ ،‬واتضح‬ ‫من خالل البحث امليداين أن توجهات السكان حنو الزواج املبكر متثل‬ ‫مظهراً من مظاهر التمييز القائم على أساس النوع االجتماعي‪ ،‬فعلى‬ ‫سبيل املثال يــرى ‪ % 26.6‬من أف ـراد العينة أنــه من األفضل للفتاة‬ ‫الزواج قبل بلوغها سن الثامنة عشر‪.‬‬ ‫لتحليل وض ــع املـ ـرأة الـريـفـيــة جيــب عـلــى امل ــرء أن ي ــدرك االخـتــافــات‬ ‫اإلقليمية يف أدوار املرأة ووظائفها‪ ،‬عالوة على ظروفها العامة‪ ،‬مبا يف‬ ‫ذلك الظروف السياسية‪ ،‬االقتصادية واالجتماعية‪.‬ال زال قرار الزواج‬ ‫يف اجملتمع اليمين شأانً عائلياً أكثر منه فردايً‪ ،‬إذ عادة ما يتم االتفاق‬ ‫بــن العائلتني‪ ،‬ال بــن طــريف العالقة املـبــاشــرة (الـولــد والـبـنــت)‪ ،‬حيث‬

‫يتم االتـفــاق والـراضــي بــن اآلابء‪ ،‬األعـمــام واألج ــداد‪ ،‬الــذيــن يــررون‬ ‫احتكارهم لعمليات اختاذ القرارات اخلاصة بــزواج أبنائهم‪ ،‬أبهنم أعلم‬ ‫مبصاحل األب ـنــاء‪ ،‬وهــم يف احلقيقة يرغبون يف فــرض االمـتـثــال للمعايري‬ ‫التقليدية عـلــى األب ـن ــاء‪ ،‬واحل ـفــاظ عـلــى الـتــوجـهــات والـقـيــم التقليدية‬ ‫(االجتماعية منها والثقافية)‪ ،‬واملصاحل العائلية‪.‬‬ ‫أشارت عدة دراســات إىل أن فئات واسعة من اجملتمع اليمين ال تزال‬ ‫حبيسة النظرة التقليدية للمرأة‪ ،‬الــي تستند إىل عــدم املـســاواة والفهم‬ ‫اخلــاطــئ واملـمــارســات االجتماعية والثقافية الــي أوصـلــت امل ـرأة ملوقع‬ ‫متد ٍّن‪.‬‬ ‫الزواج املبكر الذي أثري يف اآلونة األخرية يعترب ظاهرة تستحق البحث‬ ‫وامل ـنــاق ـشــة‪ ،‬ألهن ــا قــد ت ـكــون أح ــد أس ـبــاب ب ــطء الـتـطــور االجـتـمــاعــي‬ ‫واالقتصادي يف احلياة اليمنية‪ ،‬كوهنا تثقل كاهل الزوجني الصغريين‬ ‫قبل اآلوان‪.‬‬ ‫األسباب والدوافع لزواج الصغريات‪:‬‬ ‫• الفهم اخلاطئ ملسألة الدين‪ ،‬إذ يعترب الزواج «نصف الدين»‪.‬‬ ‫• اخنفاض املستوى التعليمي وعــدم وجــود امل ــدارس الكافية لتسهيل‬ ‫تعليم الفتاة‪ ،‬كذلك عــدم وجــود صفوف حمو األمية ملتابعة الدراسة‬ ‫املسائية‪.‬‬ ‫• قلة وعــي امل ـرأة الـريـفـيــة‪ ،‬نتيجة ال ـعــادات والتقاليد الــي متنعها من‬ ‫املشاركة اجملتمعية‪.‬‬ ‫• عدم وجــود املنظمات النسائية الفاعلة يف مناطق األرايف‪ ،‬لتوعية‬ ‫اآلابء واألسر مبضار الزواج املبكر‪.‬‬ ‫• من أهــم هــذه العوامل خلفية امل ـرأة االجتماعية‪ ،‬حيث يلعب هذا‬ ‫اجلانب دوراً كبرياً يف تقبلها للعنف الواقع عليها‪.‬‬ ‫• الفقر والعامل االقتصادي‪ ،‬وارتباطها ابلــزوج أو الطالق‪ ،‬وتقبلها‬ ‫الذل واملهانة نتيجة لصغر سنها‪.‬‬ ‫• قلة وعي األهل مبضار الزواج املبكر‪.‬‬ ‫• عدم تضييع فرصة وجود زوج (بنظر األهل) جيد مادايً واجتماعياً‪.‬‬ ‫• رغبة أهل الشاب تزويج ابنهم بفتاة صغرية تسهل السيطرة عليها‪.‬‬ ‫• رغبة الرجل الزواج بفتاة صغرية سهل تطويعها وميكنه التحكم هبا‪.‬‬ ‫• عند بلوغ الفتاة سن العاشرة‪ ،‬يصبح هم األسرة تزوجيها‪ ،‬ابعتبارها‬ ‫شرف العائلة‪ ،‬حبجة سرتها‪.‬‬ ‫• ميل األس ــر الـفـقــرة لـتــزويــج بناهتن يف ســن مـبـكــرة‪ ،‬للتخفيف من‬ ‫املصاريف وتكاليف التعليم‪.‬‬ ‫موقف الدولة‪:‬‬ ‫ابلرغم من أن احلكومة اليمنية قد صادقت على اتفاقية السيداو واتفاقية‬ ‫حقوق الطفل‪ ،‬فإن موقف أعضاء جملس النواب ما زال غامضاً حىت‬ ‫يومنا هذا‪ ،‬وليس هناك من موقف واضح وصريح إلصدار قانون حيدد‬ ‫سن الزواج‪.‬‬ ‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪17 2015‬‬


‫موقف علماء الدين‪:‬‬ ‫ليس لعلماء الدين كذلك موقف واضــح‪ ،‬واألغلبية منهم مع تزويج‬ ‫الصغريات‪ ،‬وهــذا ما نستدل عليه من خــال خطب اجلمعة وطلب‬ ‫االقـتــداء ابلــرســول الـكــرمي يف زواجــه مــن عائشة رضــي هللا عنها‪ ،‬وما‬ ‫حـلـلــه ال ـش ــرع‪ ،‬فـكـيــف لــإن ـســان أن حيــرمــه‪ ،‬فـكـمــا ي ـقــال‪ :‬إن زواج‬ ‫الصغريات يدخل يف بوتقة احلفاظ على الشرف واألخالق احلميدة‪،‬‬ ‫فـيـمــا ت ـت ـعــرض ل ــه أخـ ــاق ال ـب ـنــات وت ـتــأثــر أبج ـه ــزة اإلع ـ ــام امل ـرئ ـيــة‪.‬‬ ‫مــوقف العام ــة‪:‬‬ ‫غالبية الناس ضد هذا الزواج‪ ،‬حىت يف املناطق الريفية‪ ،‬وخاصة األسر‬ ‫اليت تعرضت بناهتا لتجربة زواج قاسية‪ ،‬لكن اجلهل وموضوع السرت‬ ‫واألخـ ــاق يـلـعــب دوراً هــام ـاً‪ ،‬أض ــف إىل ذل ــك ع ــدم وج ــود األئـمــة‬ ‫املستنريين يف املناطق الريفية والنائية‪ ،‬إضافة إىل الفقر واألمية‪ ،‬اللذان‬ ‫يعتربان عاملني حامسني يف هذه القضية‪.‬‬ ‫موقف املاحنني‪:‬‬ ‫ليس هناك مــن خطط واضـحــة جتــاه هــذه الظاهرة للحد والتخفيف‬ ‫مـنـهــا‪ ،‬فـمـثـ ً‬ ‫ا منظمة األغــذيــة تـتـخــذ مــن مــوضــوع احل ــد مــن تسرب‬ ‫الفتيات من املدارس موقفاً يتجلى إبعطاء فتيات الريف أغذية‪ ،‬لكن‬ ‫هذا ال مينع الظاهرة وال خيفف منها‪ ،‬فهو إجراء مؤقت‪ ،‬خاصة وأن‬ ‫الغالبية مــن سكان الـريــف فـقـراء‪ ،‬تتفشى األمـيــة بينهم‪ ،‬فيلجأ رب‬ ‫األسرة إىل تزويج ابنته الصغرية للتخلص من أعبائها‪.‬‬ ‫مــا يتبغي فـعـلــه هــو الـضـغــط عـلــى الــدولــة الخت ــاذ إج ـ ـراءات واضـحــة‬ ‫وصرحية‪ ،‬أي إصدار قانون حيمي الفتاة الصغرية وحيدد سن الزواج‪.‬‬ ‫مقرتحات وحلول‪:‬‬ ‫• مراجعة وتعديل القوانني والتشريعات لتتالءم مع الدستور واملعاهدات‬ ‫الدولية‪.‬‬ ‫• االستناد إىل اتفاقية حقوق الطفل اليت وقعت عليها احلكومة اليمنية‬ ‫لتحديد سن الزواج‪.‬‬ ‫• حتديد السن األدىن للزواج يف التشريع الوطين‪ ،‬عن طريق وسائل‬ ‫مناصرة خمتلفة ومتكاملة‪.‬‬ ‫• دعــم محــات املناصرة الداعية إىل تثبيت احلــد األدىن لسن الــزواج‬ ‫يف القانون‪.‬‬ ‫• دعم االستمرار يف توعية اجملتمع مبخاطر تزويج الصغريات‪.‬‬ ‫• إجياد الدعم ملنظمات اجملتمع املدين للعمل مع األجهزة اإلعالمية‬ ‫املسموعة واملقروءة على برامج توعية‪.‬‬ ‫• تبين وزارة الرتبية والتعليم‪ ،‬كذلك وزارة األوقــاف موضوع الــزواج‬ ‫املبكر‪ ،‬من خالل الكتاب املدرسي‪ ،‬ومن خالل خطبة اجلمعة اليت‬ ‫توزع على املساجد أسبوعياً‪.‬‬ ‫‪ 18‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫• إجي ــاد الــدعــم مــن املــاحنــن ودول اجلـ ـوار‪ ،‬لــرفــع الــوعــي مــن خالل‬ ‫املدارس‪ ،‬وخاصة يف املرحلة األساسية من التعليم االبتدائي‪.‬‬ ‫• تفعيل دور اجمللس احمللي يف كل مديرية وخاصة اللجنة االجتماعية‬ ‫فيما خيص الصحة اإلجنابية‪.‬‬ ‫• تفعيل قــانــون الـتـعـلـيــم اإلل ـزام ــي لـلـمــرحـلــة األســاس ـيــة (يستهدف‬ ‫استيعاب السكان يف الفئة العمرية ‪ 14 – 6‬سنة)‪.‬‬ ‫• بـنــاء م ــدارس خــاصــة ابلـبـنــات‪ ،‬قريبة مــن التجمعات السكانية‪،‬‬ ‫وإجياد كادر تعليمي نسائي‪.‬‬ ‫• االهتمام بصفوف حمو األمية‪ ،‬واالهتمام مبواصلة الفتيات تعليمهن‬ ‫املسائي‪.‬‬ ‫• تفعيل دور األزه ــر الـشـريــف‪ ،‬ليقوم ب ــدوره التعبوي واإلعــامــي‪،‬‬ ‫إبع ــداد مــرشــديــن يـقــومــون على بـرامــج تــوعــويــة ل ــآابء‪ ،‬لــرفــع الوعي‬ ‫مبخاطر الزواج املبكر وكلفته االجتماعية‪.‬‬ ‫• بناء بيوت اإلغاثة أو الرعاية للهارابت من أسرهن‪ ،‬فالغالبية منهن‬ ‫قاصرات‪ ،‬أيتني من االريف بسبب العنف الذي مورس حتت مسمى‬ ‫الزواج املبكر‪.‬‬


‫ثنائية الموت والجنس لدى «داعش»‬ ‫• صبيحة خليل‬ ‫قالت الدكتورة نوال السعداوي ذات مرة إن بعض رجال الدين لديهم لوثة جنسية‪ ،‬وال يتحدثون‬ ‫إال عن املرأة واجلنس‪ ،‬حينها قامت الدنيا ومل تقعد من قبل املتشددين منهم‪ ،‬حىت إن البعض قاموا‬ ‫بتكفريها‪ ،‬وطالبوا بضرورة القصاص منها ووضع حد ألمثاهلا‪ ،‬ممن يتجرؤون على مناقشة سيكولوجية‬ ‫هؤالء الرجال وفضح دوافعهم الغريزية‪ ،‬وعالقتها مبنحى الفتاوى الدينية‪ ،‬خاصة تلك اليت تشكل‬ ‫صدمة للرأي العام‪ ،‬كوهنا خترج عن األعراف العامة واملألوفة اليت عهدها الناس‪ ،‬واليت تراكمت‬ ‫وأتصلت نتيجة اخلربة والتجربة اجملتمعية والقيم الدينية اليت تزاوجت وأنتجت معايري ابتت من‬ ‫املسلمات والبديهيات‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬وبعدما أخذ التطرف مدى شاسعاً يف أكثر من بقعة جغرافية على امتداد العامل العريب‪ ،‬وصارت‬ ‫له تنظيماته وموارده املالية والبشرية‪ ،‬واستحوذ على جزء ليس بقليل من األرض نتيجة امتالكه‬ ‫السالح‪ ،‬مستفيداً من مجلة الظروف الراهنة اليت تعصف ابلعديد من بلداننا‪ ،‬أخذت هذه اللوثة‬ ‫اجلنسية تتبلور وتغدو أكثر وضوحاً يف مواقع عديدة‪ ،‬خاصة يف البؤر الساخنة‪ ،‬كمدينيت املوصل‬ ‫العراقية والرقة السورية‪ ،‬وكلتامها ضحية دولة اخلالفة املزعومة‪ ،‬تلك اخلالفة اليت تؤرق اليوم اجملتمع‬ ‫الدويل وتدفعه للتحالف والتعاضد ملواجهتها‪ ،‬منذ قطعت (بطريقتها االستعراضية) رؤوساً أمريكية‬ ‫وأوربية‪ .‬وألن هذه التنظيمات تدرك جيداً يف نفس الوقت مدى البشاعة واألهوال اليت سطرهتا خالل‬ ‫الفرتة القصرية من حكمها‪ ،‬كان البد من خلفية مشهدية تتناسب مع واقع الذبح والقتل الرخيص‪،‬‬ ‫ختفف من وطأة تشريح اجلسد البشري هبذا الشكل املقزز واالنتقامي يف أذهان املشاهدين‪ ،‬الذين‬ ‫هم يف واقع احلال رهائن هذه القوى الطارئة‪ ،‬وتطمئن يف نفس الوقت القاتل‪ ،‬ليجد لنفسه مسوغات‬ ‫ودوافع تعمل على م ّد هذه الصريورة القاسية من الدم والتنكيل‪ ،‬لدميومتها وعدم توقفها حلني الوصول‬ ‫إىل احتالل ما تبقى من عقل قد ميكنه من إعادة األمور إىل ما وصل إليه الفكر البشري من ثقافة‬ ‫وحتضر‪ ،‬ليغدو جزءاً أصي ً‬ ‫ال من مسننات هذه املكنة اليت جتز رقاب العباد على اختالف مشارهبم‪.‬‬ ‫وقاس بكل ما للكلمة من‬ ‫وهكذا يتحفنا اليوم «داعش» وأشباهه مبشهدين خمتلفني‪ ،‬أحدمها مروع ٍ‬ ‫معىن‪ ،‬واآلخر مثري وجنسي بكل ما للكلمتني من داللة أيضاً‪ ،‬رمبا حماكاة ملا أنتجته صناعة السينما‬ ‫الرخيصة اليت تبحث عن مجهور عريض ميول شباك التذاكر‪ ،‬واجلمهور املستهدف هنا هو ابلتأكيد‬ ‫اجلماهري العربية اليت ترزح حتت قمع االستبداد واجلهل والتخلف واألمية‪.‬‬ ‫ابلتأكيد ما من أحد منا مل يشاهد فيلماً‪ ،‬خاصة يف أايم املراهقة‪ ،‬حيث يقوم البطل‪ ،‬وهو دائماً ذكر‬ ‫إال فيما ندر‪ ،‬بصوالت وجوالت من املطاردة والقتل والتفنن بتعذيب اآلخرين واهلروب من قبضة‬ ‫الشرطة‪ ،‬مث يف النهاية جنده يف مشهد ساخن على سرير وثري مع حبيبته اليت تظهر فجأة ومتنحه‬ ‫جسدها لقاء ما أحتفنا به من عنف وتنكيل‪ .‬هذه املقاربة تبدو اليوم واضحة وجلية فيما تقوم به‬ ‫القوى الظالمية املتعكزة على أتويالت فضفاضة للنص القرآين أو السنة النبوية‪ ،‬مستفيدة من تعدد‬ ‫مصادر التفسري‪ ،‬واجتهادات بعض الغالة من الفقهاء‪ ،‬فقد قامت (أي هذه القوى الظالمية) مبزج‬ ‫العنف كأداة ترهيب وسطوة‪ ،‬واجلنس كغريزة ال تقاوم‪ ،‬لتعيد مرة أخرى إنتاج اجلهاد‪ ،‬ذاك املنتج‬ ‫الذي صار جزءاً من املاضي‪ ،‬وتُس ِقط مصطلحات مثل النضال‪ ،‬الكفاح‪ ،‬الدولة املدنية والدميقراطية‪.‬‬ ‫صحيح أن «اجلهاد» مبا للكلمة من بعد ديين واترخيي ليس جبديد على ثقافة العامل اإلسالمي‪ ،‬إال‬ ‫أنه وضمن تلك الظروف كان يتماشى رمبا مع روح ذاك العصر‪ ،‬كمادة محاسية للتحفيز على خوض‬ ‫املعارك والدفاع عن املعتقدات وعن الوجود‪ .‬يضاف إىل ذلك مجلة التوازانت واألطماع وتكوينات‬ ‫الدول واإلمرباطورايت والصراعات فيما بينها‪ ،‬كل ذلك ضمن سياقات تلك املرحلة‪ .‬أما اليوم‪ ،‬وحنن‬ ‫على مسافة جاوزت األربعة عشر قرانً‪ ،‬فمن الغباء إعادة إنتاج املاضي بكل مفرداته واعتبار احلاضر‬ ‫امتداداً له‪ .‬ال‪ ،‬بل اعتبار املاضي جامثاً فوق صدوران ومل يربح مكانه قيد أمنلة‪ ،‬وهذا ما تفعله اليوم‬

‫القوى الظالمية اليت ركبت موجة الربيع العريب‬ ‫وعكرت صفوه بتقلباهتا املاضوية الطارئة‪.‬‬ ‫إن ما نشهده اليوم من سيب وبيع للنساء يف‬ ‫أسواق النخاسة‪( ،‬لدرجة أن بعض األمور‬ ‫صارت ضمن احلدود الطبيعية‪ ،‬كأن يهدي‬ ‫جماهد زميله إحدى السبااي أو يعريه إايها لقاء‬ ‫أجر‪ ،‬بعدما أصدر التنظيم قوانينه األخرية من‬ ‫عاصمة اخلالفة) قد شكل صدمة للشارع‬ ‫الشعيب‪ .‬تلك القوانني امللفوفة بسلوفان اجلنس‬ ‫والشبق واإلغواء‪ ،‬ووعود حبور العني اللوايت‬ ‫يشبهن دائماً جنمات اجلنس يف قوامهن‬ ‫ورشاقتهن‪ .‬إنه نفس الطعم بني قوسني (األنثى)‬ ‫وبعد حتويلها لسلعة‪ ،‬هبدف اصطياد املزيد‬ ‫من الشباب والرجال املغرر هبم‪ ،‬لزجهم يف‬ ‫لعبة اجلهاد‪ ،‬بل االنتحار‪ ،‬لعبة أقل ما ميكن‬ ‫القول عنها إن اجلنس هو حاملها احلقيقي‪،‬‬ ‫سواء كان يف اخلطاب الديين أو يف األانشيد‬ ‫احلماسية أو التشريعات والفتاوى الصادرة عن‬ ‫هذه اجلماعات املتطرفة‪ .‬فاملكافئة دائماً املزيد‬ ‫من العطااي اجلنسية وحرية اللعب ضمن هذا‬ ‫املضمار‪ .‬ورمبا هذا ما يدعوان للوقوف ومراجعة‬ ‫مقولة الدكتورة نوال السعداوي‪ ،‬والتفكر فيها‬ ‫بشجاعة دومنا خوف من ردات الفعل الصادرة‬ ‫عمن ميتلكون السالح بدعوى اجلهاد ال بدعوى‬ ‫الدفاع أو مناصرة قضية شعب مكلوم تواق‬ ‫للحرية والدميقراطية‪.‬‬ ‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪19 2015‬‬


‫إنهاء تزويج القاصرات‬

‫دراسة من إعداد االتحاد العالمي لتنظيم األسرة‬ ‫بالتعاون مع منتدى تزويج وحقوق المرأة والفتاة‬ ‫مقدمة‪ :‬ملاذا يشكل تزويج القاصرات قضي ًة ومصدر قلق للمجتمع‬ ‫الدويل؟‬ ‫ال تزال الدول النامية إىل اليوم‪ ،‬تتجاهل اآلاثر املدمرة لتزويج القاصرات‪،‬‬ ‫حيث يتم حــرمــان املــايــن مــن الفتيات امل ـتــزوجــات‪ ،‬وبعضهن ابلكاد‬ ‫يف سن البلوغ‪ ،‬من احلصول على اخلــدمــات الصحية والتعليم والفرص‬ ‫أنفسهن يف‬ ‫االقتصادية‪ .‬كما وجتد غالبية القاصرات‪ ،‬يف هذه الــدول‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ارهن‬ ‫مواجهة مسؤوليات تفوق‬ ‫طاقتهن‪ ،‬وال سيما فيما يتعلق مبتابعة أدو ّ‬ ‫ّ‬ ‫كزوجات وأمهات‪ ،‬دون دعم ودون موارد وقدرات كافية‪.‬‬ ‫جتــد القاصر نفسها يف هــذا املــوقــف‪ ،‬على الــرغــم مــن وجــود العديد من‬ ‫القوانني واالتفاقيات الدولية واإلقليمية املتعلقة حبقوق اإلنسان اليت حتارب‬ ‫هذه املمارسة وهذا االنتهاك الصارخ حلقوق اإلنسان‪ ،‬فمن الواضح أن‬ ‫االتفاقيات الدولية املتعلقة بتزويج القاصرات وحبقوق اإلنسان هي يف‬ ‫أحسن األح ـوال ومــن حيث املبدأ‪ ،‬جمــرد خطاابت أو تصرحيات عامة‪،‬‬ ‫دون أي سياسة وطنية أو آلية فعالة للتنفيذ والتطبيق‪ .‬لذلك أصبح من‬ ‫الضروري جــداً اآلن أن تتم اإلج ـراءات والتدابري بشكل خمتلف‪ ،‬حبيث‬ ‫تتحقق الـرامــج اإلمنائية الدولية الــي اعتمدهتا الــدول على مــدى العقد‬ ‫أقره املؤمتر الدويل للسكان والتنمية‬ ‫املاضي‪ ،‬وخاصة برانمج العمل الذي ّ‬ ‫(‪ )ICPD‬وكذلك نتائج املؤمتر العاملي الرابع املعين ابملرأة وابلقاصرات‪.‬‬ ‫يعترب تزويج القاصرات‪ ،‬يف بعض الثقافات‪ ،‬ضرورة اجتماعية‪ ،‬لكن أييت‬ ‫هذا النوع من التزويج يف كثري من احلاالت ضمن إطار «االعتداء اجلنسي‬ ‫عـلــى ال ـقــاص ـرات واسـتـغــاهلـ ّـن بتصريح رمس ــي مــن اجملـتـمــع»‪ .‬وتـعــد هــذه‬ ‫املمارسة واحدة من أكثر أشكال استمرار االعتداء اجلنسي املسموح به‬ ‫على الفتيات والشاابت‪ .‬وإذا كان هذا الرتتيب مقبوالً اجتماعياً‪ ،‬فإنه ال‬ ‫يقلل من حقيقة أن القاصر تتعرض عمداً لالعتداء واالستغالل اجلنسي‪،‬‬ ‫ويكون ذلك غالباً من قبل الوالدين واألسرة‪ .‬جيب إهناء الصمت إزاء حمنة‬ ‫هؤالء العرائس القاصرات‪ ،‬وال سيما أن دالئل ملموسة تشري على حنو‬ ‫متزايد إىل أن تزويج القاصرات يعد أحد عوامل خطر اإلصابة بفريوس‬ ‫نقص املناعة البشرية‪ .‬كما أن تــزويــج الفتاة يف ســن مبكرة يــؤدي إىل‬ ‫حمدودية سلطتها يف صنع القرار‪ ،‬خاص ًة يف املسائل األسرية‪ ،‬وإىل حمدودية‬ ‫فرصها االقتصادية وأيضاً إىل تعرضها للعديد من املخاطر الصحية‪.‬‬ ‫ويقدم اآلابء وأولـيــاء األمــور الكثري من األسـبــاب الوجيهة لتربير تزويج‬ ‫بناهتن يف سن مبكرة‪ ،‬وغالباً ما يرتكز قرار التزويج على جوانب اقتصادية‬ ‫تتعلق بشكل مـبــاشــر ابلـفـقــر وان ـعــدام الـفــرص االقـتـصــاديــة للفتيات يف‬ ‫املناطق الريفية‪ .‬ويف بعض األحيان‪ ،‬تشكل الفتاة ابلنسبة لآلابء‪ ،‬إما عبئاً‬ ‫اقتصادايً أو رأس مال قيّم ميكن مقايضته ابملمتلكات أو املــال أو حىت‬ ‫ابملاشية‪ .‬مزيج من املربرات املتعلقة ابلثقافة احمللية أو ابلعادات والتقاليد‬ ‫والدين‪ .‬وغالباً ما يكون تزويج القاصرات انمجاً عن اخلوف من وصمة‬ ‫‪ 20‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫• فريق ترمجة سيدة سوراي‬

‫العار املرتبطة ابجلنس قبل الزواج واإلجناب خارج إطار الزوجية‪ ،‬ومحاية شرف‬ ‫العائلة املرتبط هبذا املوضوع‪ .‬وأخـراً‪ ،‬مييل الكثري من اآلابء إىل تقصري أمد‬ ‫تعليم الفتاة وتزوجيها‪ ،‬خوفاً من العنف واالعتداء اجلنسي الذي قد تواجهه‬ ‫يف الطريق إىل املدرسة أو يف املدرسة نفسها‪.‬‬ ‫تعد املكافحة ضد تزويج القاصرات من املهام الكبرية‪ ،‬لكنها ممكنة‪ ،‬وال سيما‬ ‫أن األمر يتطلب إرادات سياسية واسرتاتيجيات وقائية متعددة األوجه على‬ ‫الصعيد الدويل والوطين واحمللي‪ .‬إن اهلدف من هذه الدراسة اليت مت إعدادها‬ ‫ابلتعاون مع منتدى تزويج وحقوق املـرأة والفتاة‪ ،‬يعد جــزءاً من اسرتاتيجية‬ ‫توسيع الــدعــوة على املستوى العاملي‪ ،‬لرفع مستوى الوعي املتعلق بتزويج‬ ‫القاصرات وآاثره على اجملتمعات‪ .‬وهتدف أيضاً إىل مساعدة صناع القرار‬ ‫يف مجيع أحناء العامل (وخباصة صناع السياسات احلكومية‪ ،‬واجلهات املاحنة‬ ‫ووكاالت التنمية الدولية) يف اختاذ مجيع اخلطوات الالزمة واإلجراءات لوضع‬ ‫حد هلذا االنتهاك الصارخ للحقوق‪ .‬وتعرض الدراسة هلذه املشكلة العاملية‬ ‫وأسباب استمرارها‪ .‬كما أننا نسعى من خالهلا‪ ،‬لتفسري آلية انتهاك أن هذا‬ ‫النوع من التزويج للعديد من املعايري الدولية حلقوق اإلنسان‪ .‬ونقدم أخرياً‬ ‫توصيات على صعيد السياسات والربامج وآليات تسريع أعمال املنظمات‬ ‫والدعوة إىل إلغاء هذه املمارسة‪.‬‬ ‫يف الوقت الذي تستمر فيه املفاهيم التقليدية املتعلقة بتزويج القاصرات يف‬ ‫تربير ذلك على أنه قاعدة إجيابية مقرونة ابلفوائد االجتماعية واملالية‪ ،‬كشفت‬ ‫العديد من الدراسات اجلديدة اليت تتناول اآلاثر الصحية واالجتماعية املرتتبة‬ ‫على هذا الــزواج‪ ،‬عن املزيد من النتائج السلبية‪ .‬وهــذا ما جعل من قضية‬ ‫تزويج القاصرات القضي ًة اليت تشكل مصدر قلق للمجتمع الدويل‪ ،‬وانتهاكاً‬ ‫صارخاً للقوانني الدولية املتعلقة حبقوق اإلنسان‪ ،‬وعام ً‬ ‫ال من عوامل تقويض‬ ‫مشاريع التنمية البشرية وخاص ًة املتعلقة بتنمية الفرد من الناحيتني االجتماعية‬ ‫والصحية‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫لضغطوط عدة ومستمرة‬ ‫ختضع القاصر املتزوجة‬ ‫ت ـت ـع ـلــق ب ـن ـشــاط ـهــا األس ـ ـ ــري وابحل ـ ـمـ ــل امل ـب ـكــر‬ ‫واإلجنـ ـ ــاب‪ .‬وع ـواق ــب تــزويــج ال ـقــاص ـرات تـطــال‬ ‫األس ــر واجملـتـمـعــات احملـلـيــة بنفس امل ـقــدار الــذي‬ ‫أنفسهن وترتك آاثراً سلبية‬ ‫تطال فيه القاصرات‬ ‫ّ‬ ‫بعيدة املدى وخطرية‪ .‬كما أن هذه املمارسة هي‬ ‫اليت تعزز حاالت الفقر وترتك أتثـراً سلبياً على‬ ‫قطاعات الصحة والتعليم يف أي بلد‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫ال تزال الكثري من الدول تتجاهل ظاهرة تزويج‬ ‫الـقــاصـرات وتتعامل معها إبمه ــال شــديــد‪ ،‬دون‬ ‫التفكري حىت يف إدراجها يف املناقشات الوطنية‬ ‫املتعلقة ابلسياسات وبرامج التنمية‪.‬‬ ‫االجتاهات املختلفة يف ممارسة تزويج القاصرات‬ ‫مــن الصعب جــداً احلـصــول على بـيــاانت دقيقة‬ ‫حــول النسبة احلقيقية النـتـشــار ظـهــاهــرة تزويج‬ ‫القاصرات‪ ،‬ألن معظم هذه الزجيات غري مسجلة‬ ‫رمس ـي ـاً‪ ،‬كما أن الكثري مــن اآلابء يـلـجــؤون إىل‬ ‫تزوير سن بناهتم ليتمكنوا من تزوجيهن مبكراً‪.‬‬ ‫ه ــذه امل ـم ــارس ــات يـسـهــل ات ـبــاع ـهــا يف املـنــاطــق‬ ‫الريفية‪ ،‬حيث غالباً ما تكون إجــرءات تسجيل‬ ‫ال ــزواج وشـهــادات املـيــاد غــر خاضعة لضوابط‬ ‫قانونية صــارمــة‪ .‬ويــوجــد أيـضـاً شــح يف البياانت‬ ‫حول الفتيات الصغريات الاليت تزوجن قبل سن‬ ‫‪ 15‬عاماً‪ ،‬وإذا وجــدت‪ ،‬فإهنا تكون يف معظم‬ ‫األحـيــان قدمية وعفا عليها الــزمــن‪ ،‬وهــذا يــؤدي‬ ‫ابلـضــرورة إىل إعــاقــة وتضليل املعنيني واملهتمني‬ ‫بتوفري األسس واملعايري اخلاصة بتطوير سياسات‬ ‫وبـ ـرام ــج ال ـت ـن ـم ـيــة‪ .‬ل ـكــن األحب ـ ــاث وامل ـ ـبـ ــادرات‬ ‫االسـراتـيـجـيــة مـسـتـمــرة‪ ،‬وتــركــز يف امل ـقــام األول‬ ‫على قضااي الشباب الـعــازب‪ .‬وعلى الــرغــم من‬ ‫أن نسب تزويج القاصرات‪ ،‬وفقاً لإلحصاءات‪،‬‬ ‫آخذة يف االخنفاض يف أجزاء كثرية من العامل‪ ،‬إالّ‬ ‫أن العدد اإلمجايل للفتيات املعرضات هلذا اخلطر‬ ‫أو امل ـتــأث ـرات ب ــه‪ ،‬مـهــم ج ــداً وال ميـكــن جتاهله‪.‬‬ ‫وت ـشــر ال ـت ـقــدي ـرات إىل أن ــه وع ـلــى م ــدى العقد‬ ‫املـقـبــل‪ ،‬أكـثــر مــن ‪ 100‬مليون فـتــاة يف الــدول‬ ‫النامية سيتم تزوجيها قبل سن ‪ 18‬عاماً‪.‬‬ ‫وتؤكد دراســة إحصائية قامت إبعدادها منظمة‬ ‫الـيــونـيـسـيــف ع ــن ت ــزوي ــج ال ـق ــاص ـرات‪ ،‬أن هــذه‬ ‫املمارسة هي أكثر شيوعاً يف جنوب آسيا‪ ،‬حيث‬ ‫إن أكثر من ‪ ٪ 48‬من الفتيات الــايت تـراوح‬ ‫أعـمــارهـ ّـن بــن ‪ 15‬و‪ 24‬سنة يتزوجن قبل أن‬

‫يبلغن سن الــ‪ .18‬أما يف أفريقيا وأمريكا الالتينية‬ ‫ومنطقة البحر الـكــاريــي‪ ،‬فنسبة هــذه الظاهرة‬ ‫تصل إىل ‪( ٪ 42‬وإن كان هذا الرقم يرتفع إىل‬ ‫أكـثــر مــن ‪ ٪ 60‬يف بـعــض األج ـ ـزاء مــن شــرق‬ ‫أفريقيا وغ ـرهبــا)‪ ،‬و‪ ٪ 29‬يف الـشــرق األوســط‪،‬‬ ‫ويعترب تزويج القاصرات من األمــور الشائعة يف‬ ‫اليمن وفلسطني‪ ،‬حيث إن ما يقرب من نصف‬ ‫الفتيات يتزوجن ابلفعل دون سن الــ‪.18‬‬ ‫تشري اإلحصاءات حول انتشار تزويج القاصرات‬ ‫إىل أن هـ ــذه ال ـظ ــاه ــرة ه ــي أك ـث ــر انـ ـتـ ـش ــاراً يف‬ ‫قطاعات أو مناطق هلا خصوصية عرقية أو دينية‬ ‫أو اقـتـصــاديــة‪-‬اجـتـمــاعـيــة‪ ،‬حـيــث ت ـتــزوج أغلبية‬ ‫بلوغهن ســن ال ـ ــ‪ ،15‬مثل بعض‬ ‫الفتيات قبل‬ ‫ّ‬ ‫الدول الواقعة غرب أفريقيا وجنوب آسيا وأمريكا‬ ‫الالتينية‪ .‬أما يف الدول الكبرية مثل اهلند ونيجرياي‪،‬‬ ‫فقد لوحظ أن أعداد املتزوجات قبل سن البلوغ‪،‬‬ ‫ختتلف وتتباين من منطقة إىل أخــرى‪ .‬كما أن‬ ‫نسبة تزويج القاصرات تزداد بشكل ملحوظ يف‬ ‫الدول أو املناطق اليت تعيش صراعات‪ ،‬حروابً أو‬ ‫نزاعات‪ ،‬وكذلك يف الدول واملناطق اليت تشهد‬ ‫وتـتـضــرر مــن ال ـك ـوارث الطبيعية‪ ،‬حيث يسعى‬ ‫اآلابء‪ ،‬جمـريــن يف معظم األح ـي ــان‪ ،‬إىل تــزويــج‬ ‫بناهتم كضمان ومحاية من االعتداءات اجلنسية‪،‬‬ ‫أو من أجل احلصول على املال وحتسني األوضاع‬ ‫االقتصادية يف األسرة‪.‬‬ ‫أعمارهن‬ ‫تزويج القاصرات‪ ،‬خاص ًة الــايت تقل‬ ‫ّ‬ ‫ع ــن الـ ـ ــ‪ 15‬ع ــام ـاً‪ ،‬ه ــو أي ـض ـاً شــائــع بـكـثــرة يف‬ ‫اجملتمعات الريفية‪ ،‬وذلك ألن األسر الريفية متيل‬ ‫أكثر إىل اح ـرام الـعــادات والتقاليد االجتماعية‬ ‫السائدة وإىل االلتزام هبا‪ .‬ابإلضافة إىل أن هذه‬ ‫املـنــاطــق تـعـتــر األق ــل أتث ـ ـراً ابل ـع ـوامــل اخلــارجـيــة‪،‬‬ ‫وتفتقر إىل التعددية يف اخلـيــارات املعيشية‪ ،‬وال‬ ‫سيما ابلنسبة للشاابت والفتيات‪ .‬وبصورة عامة‪،‬‬ ‫يكثر تزويج القاصرات بني األســر األكثر فقراً‪،‬‬ ‫لـكــن عـنــدمــا تصبح ه ــذه الـظــاهــرة عــاملـيــة‪ ،‬فــإن‬ ‫انتشارها وممارستها يطال أيضاً األسر األكثر ثر ًاء‪.‬‬ ‫وغالباً ما يشكل مفهوم تزويج القاصرات مرادفاً‬ ‫ملستوايت منخفضة يف التعليم أو األمية أو النقاء‬ ‫أو حىت البساطة‪ .‬وتعترب الدراسة اإلحصائية اليت‬ ‫قامت هبا اليونيسيف‪ ،‬دراسة شاملة حول انتشار‬ ‫ظــاهــرة تــزويــج الـقــاصـرات يف الـعــامل‪ ،‬وحبسب ما‬ ‫جاء فيها‪ ،‬تنتشر هذه الظاهرة يف ‪ 47‬دولة‪،‬‬ ‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪21 2015‬‬


‫حيث ترتاوح أعمار الفتيات الاليت يتزوجن قبل‬ ‫سن البلوغ بني ‪ 19-15‬عاماً‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫أن تزويج القاصرات هو يف املقام األول مشكلة‬ ‫مــن مشاكل ال ــدول النامية‪ ،‬إالّ أن الــدراســات‬ ‫واإلح ـص ــاءات بينت وج ــود ه ــذه املـمــارســة إىل‬ ‫يومنا احلــاضــر يف بعض الـبـلــدان املتقدمة‪ ،‬ومن‬ ‫بينها الــوالايت املتحدة األمريكية وأورواب‪ ،‬حيث‬ ‫ميكن للوالدين إعطاء املوافقة على تزويج الفتيات‬ ‫ما بني سن ‪ 15‬و‪ 19‬عاماً‪.‬‬ ‫ال ـعــوامــل ال ــي تـشـجــع وت ـعــزز ظــاهــرة تــزويــج‬ ‫القاصرات‬ ‫يعترب تــزويــج الـقــاصـرات‪ ،‬يف مجيع أحن ــاء الـعــامل‪،‬‬ ‫مؤسسة اجتماعية واقـتـصــاديــة عميقة اجل ــذور‪،‬‬ ‫يربرها الدين أو التقاليد‪ ،‬وتتواصل هذه الظاهرة‬ ‫ابالزده ــار ألسـبــاب كثرية ومتنوعة‪ .‬وقــد تكون‬ ‫هذه املمارسة يفكثري من األحيان مرتبطة بنواحي‬ ‫وبديناميات اجتماعية تتعلق بتشويه األعضاء‬ ‫التناسلية لدى اإلانث (ختان اإلانث)‪ ،‬املدعَّم‬ ‫هــو أيـضـاً ابألعـ ـراف االجـتـمــاعـيــة‪ .‬أمــا العوامل‬ ‫اليت تشجع على انتشار هذه الظاهرة وتعزز من‬ ‫مكانتها يف بعض اجملتمعات‪ ،‬فيمكن تلخيصها‬ ‫ابلنقاط اآلتية‪:‬‬ ‫ الروابط األسرية‪ :‬يف بعض املناطق‪ ،‬ينظر إىل‬‫تزويج القاصر على أنه وسيلة لتعزيز الروابط بني‬ ‫األسر‪ ،‬أو حلل النزاعات واخلالفات‪ .‬وميكن أن‬ ‫يكون الــزواج املبكر أيضاً وسيلة للحفاظ على‬ ‫الــروابــط بــن اجلـمــاعــات العرقية أو اجملتمعات‪.‬‬ ‫وغــالـبـاً مــا يتم جتــاهــل حـقــوق األط ـفــال يف مثل‬ ‫هــذه احل ــاالت‪ .‬ومــن املــؤســف أنــه ويف كثري من‬ ‫األحيان‪ ،‬ينظر للفتاة على أهنا جمرد منتج متاح‬ ‫لألسرة املتاجرة به‪ .‬يف ابكستان‪ ،‬يتم تقدمي الفتاة‬ ‫كهدية يف حاالت جرائم القتل وذلك للتعويض‬ ‫عن اجلرمية‪ ،‬أو السرتضاء العائالت أو العشائر‪.‬‬ ‫ الفقر واسـراتـيـجـيــات الـنـجــاة اقـتـصــادايً‪:‬‬‫عندما يكون الوضع مأساوايً‪ ،‬يق ّدر األهل أبن‬ ‫تزويج الفتاة ابكراً خيفف من املصروف العائلي‪،‬‬ ‫ظـنـاً منهم أن ذلــك حيــد مــن مـصــاريــف الطعام‬ ‫واملالبس‪ .‬وعندما يقدم أحدهم مهراً جيداً لقاء‬ ‫زواجه بفتاة يف مقتبل العمر‪ ،‬فإن هذا يعد مصدر‬ ‫دخل مرحب به ابلنسبة لألهل الذين يعيشون يف‬ ‫حالة من الفقر الشديد‪.‬‬ ‫ مزيد من اإلحساس ابألمــان ومحاية شرف‬‫‪ 22‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫العائلة‪ :‬يعتقد الكثري من األهل أن زواج الفتاة‬ ‫بعمر صـغــر حيميها مــن االعـ ـت ــداءات اجلنسية‬ ‫واحلمل واإلجناب خارج إطار املؤسسة الزوجية‪.‬‬ ‫يف حني أن الزواج املبكر‪ ،‬حسب ما بينت الكثري‬ ‫من الدراسات‪ ،‬ال يقدم أي ضمانة لعدم تعرض‬ ‫الفتاة للعنف املـنــزيل أو حــى االعـتــداء اجلنسي‬ ‫داخل املؤسسة الزوجية‪.‬‬ ‫ العادات والتقاليد‪ :‬يف غالبية األحيان‪ ،‬يرتبط‬‫الزواج املبكر بعادات وتقاليد اجتماعية تعود إىل‬ ‫زمن بعيد‪ .‬وهو شائع بكثرة يف اجملتمعات الدينية‪،‬‬ ‫علماً أنه ال يوجد أي دليل على أن األداين تنص‬ ‫رمسياً على زواج الفتاة يف سن مبكرة‪.‬‬ ‫ عــدم املـســاواة بني اجلنسني‪ :‬يف اجملتمعات‬‫اليت يتم فيها الزواج املبكر‪ ،‬ال حتظى الفتاة بنفس‬ ‫القدر من القيمة االجتماعية‪ ،‬كتلك اليت حيظى‬ ‫هبا الفتيان‪ .‬ويُنظر إىل الفتاة يف هذه اجملتمعات‬ ‫ـبء جيــب الـتـخـلــص مـنــه يف أســرع‬ ‫عـلــى أهن ــا ع ـ ٌ‬ ‫وقت‪.‬‬ ‫التوصيات‬ ‫وضــع حد لتزويج القاصرات يساعد يف تسريع‬ ‫جهود اجملتمع الدويل يف بناء مستقبل مضمون‪،‬‬ ‫صحي ومزدهر للفتاة يف مجيع أحناء العامل‪ .‬وهلذا‬ ‫ال بــد لنا مــن اخت ــاذ مجيع اإلج ـ ـراءات والـتــدابــر‬ ‫الالزمة للحد منه‪ ،‬حىت االنتهاء من هذه الظاهرة‪:‬‬ ‫ يشكل التعليم أحــد أهــم عوامل احلماية من‬‫تزويج القاصرات‪ .‬وكلما طالت فرتة التعليم لدى‬ ‫الـفـتــاة‪ ،‬كلما قلت الفرصة لـلــزواج أو اإلجنــاب‬ ‫املبكر‪.‬‬ ‫‪ -‬مت ـكــن ال ـف ـت ــاة وم ـن ـح ـهــا إم ـكــان ـيــة اكـتـســاب‬

‫املهارات والقدرة على التعلم‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫تزويدها بشبكة من الدعم وبتشكيل فضاءات‬ ‫آمنة‪ ،‬حيث يصبح مبقدورها املسامهة يف صنع‬ ‫القرار املتعلق حبياهتا وخبياراهتا يف الزواج‪.‬‬ ‫ دعم ومحاية الفتاة املتزوجة مبكراً‪ ،‬من خالل‬‫منحها خيارات العودة إىل املدرسة واحلصول على‬ ‫املعلومات واخلدمات الصحية‪ ،‬وال سيما املتعلقة‬ ‫ابحلـمــل واإلجنـ ــاب‪ .‬وكــذلــك مــن خــال منحها‬ ‫فرصاً بديلة وشبكات الدعم النفسي واملادي‪.‬‬ ‫ تبين وتطبيق التشريعات القضائية الــي حتدد‬‫السن األدىن للزواج الشرعي (‪ 18‬عــامـاً)‪ .‬ويف‬ ‫هــذا الـصــدد‪ ،‬جيب على حكومات الــدول اليت‬ ‫تعاين من ظاهرة تزويج القاصرات‪ ،‬تعزيز أنظمة‬ ‫تسجيل الزواج وشهادات الوالدات‪.‬‬ ‫ تـسـلـيــط ال ـض ــوء عـلــى ع ـواق ــب وآاثر تــزويــج‬‫القاصرات‪ ،‬وإعارة االهتمام إىل أثره يف سياسات‬ ‫وبـرامــج التنمية‪ .‬جيــب على احلكومات والــدول‬ ‫املاحنة إدراج مشكلة تزويج القاصرات يف برامج‬ ‫التوعية الصحية والتعليم وبرامج احلد من الفقر‬ ‫ومحاية األطفال‪.‬‬ ‫ جيــب أن نرفع صوتنا مــن أجــل تغيري آليات‬‫التفكري يف اجملتمعات‪ ،‬فالقانون وحده غري ٍ‬ ‫كاف‬ ‫لوضع حد لتزويج القاصرات‪ .‬وكي نتمكن من‬ ‫تغيري الذهنيات واملعايري االجتماعية اجملحفة حبق‬ ‫الفتاة‪ ،‬علينا إشراك اجلميع‪ ،‬وإعالن التعبئة العامة‬ ‫لــدى مجيع أف ـراد اجملتمع‪ ،‬خــاصـ ًة الــذكــور منهم‬ ‫والزعماء التقليديني‪.‬‬ ‫املصدر‪/http://www.ippf.org :‬‬


‫الدكتور محمد حبش وآراء فقهية حول تزويج القاصرات‬ ‫‪ .1‬زواج الـقــاصـرات يف ظــل الـعــامل املعاصر املــوجــود الـيــوم يف حياتنا‪،‬‬ ‫وكصيغة استغالل يعين (استخدام أقصى حــدود احلــال يف أن يتزوج‬ ‫رجل يف الثمانني فتاة يف ال‪ 13‬أو ‪ 14‬أو ‪ ،)15‬والعنصر الضاغط‬ ‫إلمتام هذا الزواج هو املال‪.‬‬ ‫ال يوجد يف اإلسالم أمر وال هني فيما يتصل بزواج القاصرات‪ ،‬والصحيح‬ ‫أنه جيب اعتبارها واحــدة من قضااي االجتهاد الــذي ينهض به فقهاء‬ ‫األمة‪ ،‬استصحاابً لألصل‪ ،‬وهو املشروعية وليس الوجوب‪ ،‬وقد أمجع‬ ‫الفقهاء أن لويل األمر (الدولة) التصرف يف املباح استصحاابً‪ ،‬فيجوز‬ ‫األمر به وجيوز النهي عنه‪ ،‬وجيوز تركه على اإلابحة األصلية‪.‬‬ ‫واملتفق عليه بني الفقهاء هو أنه على اإلابحة األصلية ما مل أيمر اإلمام‬ ‫بشيء‪ ،‬فيكون إذن كما اختار اإلمام وجوابً أو منعاً‪.‬‬ ‫وقد اختار الفقهاء احلنفية يف سوراي تطبيق ذلك‪ ،‬حيث أخذوا مبا أقره‬ ‫القانون السوري من منع الزواج أبقل من سبعة عشرة عاماً للمرأة ومثانية‬ ‫عشر للرجل‪ ،‬وهــذا االختيار حمكوم برؤية اإلمــام‪ ،‬وهو اجتهاد حمض‬ ‫صادر من أهله ويف حمله‪ ،‬وينقض مبثله‪.‬‬ ‫وأما استدالهلم بــزواج النيب الكرمي من عائشة وهي يف التاسعة‪ ،‬فليس‬ ‫حجة هلــم‪ ،‬ألن فعل النيب صلى هللا عليه وسلم تثبت به اإلابحــة وال‬ ‫يثبت به الوجوب‪ ،‬فيدور يف املآل على القاعدة املذكورة أعاله‪ ،‬وهي‬ ‫حق ويل األمر يف التصرف ابملباح استصحاابً‪ ،‬ويكون عندئذ وفق ما‬ ‫اختاره اإلمام وأقره املسلمون‪.‬‬ ‫على أن يف زواج الــرســول الكرمي بعائشة يف التاسعة كــام كثري ألهل‬ ‫العلم‪ ،‬واألرشد أنه ال يثبت‪ ،‬وأن زواجه هبا كان يف الثامنة عشرة‪ ،‬وحنيل‬ ‫مح ــاد‪ ،‬وكذلك‬ ‫هنا على الــدراســة القيمة الــي كتبتها الــدكـتــورة سهيلة ّ‬ ‫إسالم البحريي‪.‬‬

‫• حاورته سيدة سوراي‬

‫‪ .2‬زواج القاصرات كزوجة اثنية أو اثلثة مع اشرتاط عدم اإلجناب؟‬ ‫ال شك أن هذا الضرب من الزواج حمرم شرعاً‪ ،‬لقوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬ ‫كل شرط خالف كتاب هللا فهو ابطل‪ ،‬ولو كان ألف شرط‪ ،‬وهذا اللون‬ ‫من االشرتاط يفسد أصل العقد‪ ،‬ألنه تفويت للمنفعة الرئيسية من النكاح‬ ‫وهي اإلجناب‪ ،‬والعقد فاسد هبذا الشرط على القاصرات وعلى البالغات‪،‬‬ ‫مع اختالف الفقهاء يف تكييف هذا العقد‪.‬‬ ‫فمنهم مــن اعترب صحة العقل وفـســاد الـشــرط وهــو مذهب اإلمــام أمحــد‪،‬‬ ‫ومنهم من اعترب فساد العقد والشرط مجيعاً‪.‬‬ ‫وأما أن يكون اتفاق الزوجني على عدم اإلجناب لألبد‪ ،‬فمحل خالف بني‬ ‫العلماء‪ ،‬ف ِمن قائل ابجلـواز‪ ،‬إىل من قائل ابلتحرمي واملنع‪ ،‬وإذا ُجعل هذا‬ ‫شرطاً يف عقد النكاح‪ ،‬فمن العلماء من يرى بطالن العقد‪ ،‬ومنهم من يرى‬ ‫صحة العقد وبطالن الشرط‪ ،‬وهذا هو الصواب‪ ،‬فاملنع من اإلجناب ابلكلية‬ ‫خمالف للشرع الــذي أوصــى ابلتكاثر والتناسل‪ ،‬وجعل ذلــك من مقاصد‬ ‫الزواج‪ ،‬ويف الوقت نفسه ليس ذلك مببطل لعقد النكاح‪ ،‬بل هو شرط ابطل‬ ‫إذا ُجعل يف عقد النكاح‪ ،‬فيصح العقد ويبطل الشرط‪ ،‬وال جيوز االلتزام به‬ ‫من قبَل أي طرف من الطرفني‪.‬‬ ‫وظاهر مذهب اإلمام أمحد أهنما إذا اشرتطا‪ ،‬أو أحدمها‪ ،‬اخليار يف النكاح‬ ‫أو يف املهر أو عدم الوطء‪ ،‬أو إن جاء ابملهر يف وقت كذا‪ ،‬وإال فال نكاح‬ ‫بينهما‪ ،‬أو شرط عدم املهر أو النفقة أو قسمة هلا أقل من ضرهتا‪ ،‬أو أكثر‬ ‫أو إن أصدقها رجــع عليها‪ ،‬أو يشرتط أن يعزل عـنـهــا‪َ :...‬‬ ‫بطل الشرط‬ ‫وصح العقد‪.‬‬ ‫اإلقناع يف مذهب اإلمام أمحد‪ /‬ج‪ /3‬ص‪93‬‬ ‫‪ .3‬زواج القاصرات يف ظل وقوع أضرار جسيمة على جسد الفتاة القاصر‬ ‫بسبب عــدم احتمال جسدها‪ ،‬منــوهــا‪ ،‬أو احتمال إجنــاب طفل ضعيف‬ ‫اجلسم‪ ،‬وأم يف هذا السن غري املسؤول؟‬ ‫إذا حتقق طبياً أن الزواج ابلقاصر سيؤدي إىل أضرار جسيمة على جسدها‪،‬‬ ‫تعي حترمي هذا الزواج حترمياً قاطعاً لألدلة الشرعية الكثرية يف حترمي الضرر‬ ‫ّ‬ ‫والضرار وحتميل وازرة وزر أخرى‪.‬‬ ‫بسن تشريع ينص‬ ‫وللدولة احلق يف منع الزواج املظنون فيه الضرر واألذى‪ّ ،‬‬ ‫على ذلك‪ ،‬وهللا تعاىل أعلم‪.‬‬

‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪23 2015‬‬


‫اآلثار النفسية لتزويج القاصرات وطرق عالجها‬

‫• أمرية اجلركس‬

‫تزويج القاصرات ظاهرة موجودة يف اجملتمع السوري بنسب متفاوتة‬ ‫منذ زمن‪ ،‬ترتاوح بني كثافة احلضور واالنعدام‪ ،‬هذه النسب ازدادت‬ ‫وبكثرة نتيجة احلــرب ومــوجــات الـنــزوح وغـيــاب األمــن واألم ــان‪،‬‬ ‫ونتيجة لرتدي األوضاع االقتصادية جملتمعات أبكملها‪.‬‬ ‫مســاح‪ ،‬فتاة من أســرة ريفية نزحت مـرات عدة مع عائلتها‪ ،‬أسعفها‬ ‫شقيقها ملشفى ميداين وأخرب األطباء أبنه حادث‪ ،‬فيما أكد الطبيب‬ ‫أهنا حماولة انتحار‪.‬‬ ‫أنكرت مساح البالغة من العمر ‪14‬عاماً حماولتها االنتحار‪ ،‬وأخربت‬ ‫من يف املركز أهنا شربت دواء ابخلطأ‪ ،‬وبعد عدة حماوالت إلقناع ذويها‪،‬‬ ‫استطعنا احلديث معها‪ ،‬لتقول لنا إن أهلها زوجوها منذ عام تقريباً‪،‬‬ ‫وتضيف مســاح‪« :‬كـنــت يف الثالثة عشر مــن العمر عندما زوجــوين‬ ‫لرجل يعيش هنا يف البلدة‪ ،‬لديه سطوة يف املنطقة‪ ،‬ألبسوين الطرحة‬ ‫والفستان‪ ،‬كنت أظــن أهنــا سهرة وتنتهي‪ ،‬ومل أتـصــور مــا سيحصل‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬منذ اليوم األول شعرت أنه وحش يريد التهامي‪ ،‬خفت‬ ‫كـثـراً‪ ،‬حــاولــت اهل ــروب‪ ،‬متسكت ابلـبــاب الــذي أوص ــده‪ ،‬بكيت‪..‬‬ ‫توسلت وصرخت‪ ،‬وانتهت ليليت األوىل يف املستشفى»‪ .‬عدت إليه‬ ‫بعد شفائي وبعد هتــديــدات والــدي وحديث وال ــديت‪« :‬كــل البنات‬ ‫سـيـتــزوجــن‪ ،‬عليك طاعته بكل مــاأيمــرك بــه‪ ،‬فهو ســرك وغـطــاؤك‪،‬‬ ‫وجيب أن تبذيل كل ما بوسعك إلسعاده»‪.‬‬ ‫وتستطرد مساح قائلة «أريــد أن أركــض‪ ..‬أن ألعب‪ ،‬أراقــب الفتيات‬ ‫وهــن ذاه ـبــات إىل املــدرســة أمتــى أن أك ــون مـعـهــن‪ ،‬أك ــره أمــي وأيب‬ ‫وع ـمــي‪ ،‬فـقــد حــرمــوين مــن كــل مــا أح ــب‪ ،‬أســاعــد وال ــدة زوج ــي يف‬ ‫أعمال البيت وأذهب للحقل‪ ،‬أعمل هناك مث أعود وأحضر الطعام‪،‬‬ ‫هم عائلة كبرية ولديهم أعمال التنتهي‪ ،‬وعندما أخربهم أبين تعبت‬ ‫يسخرون مين ويقولون‪ :‬أنت صغرية كيف تتعبني؟‬ ‫أمتــى أن ال أييت الـلـيــل‪ ،‬كــي ال أييت الــوحــش مـعــه‪ ،‬عند عــودتــه كل‬ ‫مـســاء‪ ،‬تــوغــل والــدتــه ص ــدره ابلـشـكــاوى ض ــدي‪ ،‬وأكـثــرهــا اف ـراءات‬ ‫وعــدم فهم لتصرفايت‪ ،‬فيدخل الغرفة ويـبــدأ بضريب وسحلي‪ ،‬يــزرق‬ ‫جسدي‪ ،‬ويف إحدى املرات تسبب بكسر يدي»‪.‬‬ ‫ه ــذه الـطـفـلــة ال ـص ـغــرة ه ــي واحـ ــدة م ــن ك ـث ـرات ي ـتــم تــزوجي ـهــن إمــا‬ ‫ألسباب اقتصادية‪ ،‬أو انصياعاً للتقاليد واألع ـراف‪ ،‬كاخلوف من‬ ‫عنوسة الفتيات‪ ،‬وحتديد سن الزواج يف بعض هذه اجملتمعات حبيث‬ ‫تكون الفتيات صغريات جداً‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن أسباب تعود إىل «اخلوف‬ ‫على الشرف أو جنوح الفتاة» إن هي كربت يف منزل والديها‪ ،‬فينزل‬ ‫عبء هذا الشرف عن كاهله بتزويج صغريته‪ .‬كما ميكن أن‬ ‫الوالد ْ‬ ‫يعود التزويج ألسـبــاب خدمية‪ ،‬فهي يــد عاملة جمانية «التكلفهم‬ ‫سوى لقمتها»‪.‬‬ ‫‪ 24‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫هل القاصر مؤهلة لتلبية متطلبات الزواج‬ ‫ال تستطيع الطفلة الصغرية أن تفهم الواجبات واملتطلبات الزوجية‪ ،‬وهي غري‬ ‫مؤهلة نفسياً وال عاطفياً‪ ،‬لذا تتحول املمارسة اجلنسية عندها إىل تعذيب‬ ‫جسدي يفوق القدرة على التحمل‪ ،‬ما يؤدي إىل عدم اإلشباع الفطري‪،‬‬ ‫الذي يؤدي بدوره إىل فقدان اإلحساس ابلذات‪ ،‬لتبحث بشكل مستمر‬ ‫عن طريق‪ ،‬للتخلص مما تعانيه من عذاب نفسي شديد‪ ،‬فتهرب أحياانً‪،‬‬ ‫وقد يصل هبا األمــر إىل التفكري ابالنتحار والتخلص من هذه احلياة اليت‬ ‫فقدت معناها حسب عقلها وتفكريها‪.‬‬ ‫اخلوف‪ ..‬من آاثر احلرمان العاطفي‬ ‫نالحظ هنا عند هذه «السيدة» الصغرية ومثيالهتا‪ ،‬أن اخلوف يظل مصاحباً‬ ‫هلا‪ ،‬وذلك ألهنا تعيش آاثر احلرمان العاطفي من حنان الوالدين‪ ،‬واحلرمان‬ ‫مــن مرحلة الطفولة الــي تنتج إنـســانــة ســويــة‪ ،‬لــذا فــإن حــرمــاهنــا مــن هذه‬ ‫املرحلة يؤدي عند تعرضها لضغوط إىل ارتداد هلذه املرحلة يف صورة أمراض‬ ‫نفسية‪ ،‬مثل اهلسرتاي والفصام‪ ،‬االكتئاب‪ ،‬القلق‪ ،‬اضطراابت الشخصية‪،‬‬ ‫اضطراابت التكيف‪ ،‬واضطراابت يف العالقة اجلنسية بني الزوجني‪.‬‬ ‫القاصر التستطيع اختــاذ الـقـرارات وحل املشكالت لعدم نضجها العقلي‬ ‫واالنفعايل‪ ،‬وهلذا جند كثرياً من األمهات القاصرات يعانني من املشاكل‪.‬‬ ‫وقد أثبتت الدراسات أن تزويج القاصرات قد يؤدي إىل طالق مبكر‪ ،‬لعدم‬ ‫نضج الفتاة وضعف قدرهتا على التصرف‪ ،‬ويرتتب على ذلك تبعات سيئة‬


‫على األطـفــال‪ ،‬وال تقتصر اآلاثر االجتماعية لتزويج الـقــاصـرات على‬ ‫احلياة األسرية فقط‪ ،‬بل تنعكس سلباً على اجملتمع أيضاً‪.‬‬ ‫تقول أم أسـعــد‪« :‬زوجــت ابنيت فاطمة منذ أكثر مــن عــام‪ ،‬وهــي اآلن‬ ‫أم‪ ،‬وعمرها اليتجاوز الرابعة عشرة‪ ،‬أتيت إلينا كل شهر غاضبة بسبب‬ ‫خالفاهتا مع زوجها أو احد أفراد عائلته‪ ،‬وهي اآلن هنا‪ ،‬وقد وضعت‬ ‫طف ً‬ ‫ال عندي وال تريد العودة إىل بيت زوجها‪ ،‬تعرضنا خلالفات كثرية فهو‬ ‫ابن عمها وابن خالتها يف آن معاً»‪.‬‬ ‫اآلاثر النفسية على أبناء األم القاصر‬ ‫ال ميكن لألم القاصر أن تقوم بعملها كأم انضجة‪ ،‬وألهنــا حرمت من‬ ‫عاطفة الوالدين‪ ،‬فقد تتصف هذه األم ابلقسوة أو اإلمهــال والالمباالة‬ ‫أبطفاهلا كشكل من أشكال الرتويح عن االضطراب الذي تعيشه‪.‬‬ ‫كما وميـكــن أن ينتج عــن تــزويــج الـقــاصــر أتخــر يف النمو الــذهــي عند‬ ‫أطفاهلا نتيجة ضعف أو انـعــدام الرعاية الرتبوية الصحيحة‪ ،‬فال ميكن‬ ‫لألم القاصر أن تقوم بواجبها الرتبوي جتاه أطفاهلا‪ ،‬كما ميكن أن حتدث‬ ‫بعض االضطراابت النفسية لدى أطفاهلا‪ ،‬وقد تؤدي إىل أمراض نفسية‬ ‫كالفصام واالكتئاب نتيجة وجود الطفل يف بيئة اجتماعية غري متجانسة‪،‬‬ ‫وقد تكون الوالدة أحد أسباهبا‪.‬‬ ‫وتتعرض الزوجة القاصر إلجهاضات متكررة‪ ،‬وقد حتدث والدات قبل‬ ‫أواهن ــا‪ ،‬وقــد تنجب أط ـفــاالً معوقني أو مـشــوهــن‪ ،‬وذل ــك بسبب عدم‬ ‫اكتمال منوها اجلسدي واهلرموين‪.‬‬ ‫دعم القاصر املتزوجة‬ ‫بــن ضغط الـواقــع األس ــري واجملتمعي‪ ،‬احلــرب الــدائــرة وغـيــاب القانون‪،‬‬ ‫تتجرع الصغريات آالمـهــن بصمت يف ظــل غياب أي دعــم معنوي أو‬ ‫نفسي‪ .‬تقول هنادي‪« :‬استشهد والدي وأخي الكبري يف بداية الثورة‪،‬‬ ‫وكنت حينها يف الصف السابع‪ ،‬بعد أسبوعني جــاء جــدي واتفق مع‬ ‫والديت على تزوجيي البن خاليت‪ .‬جهزتين والديت يف اليوم التايل‪ ،‬وأخذين‬ ‫جدي لبيت خاليت‪ ،‬كنت اتئهة ال أدري ما جيري‪ ،‬حزينة على والدي‪،‬‬ ‫فــأان يتيمة وال أحــد حيميين كما قــالــت أم ــي‪ ،‬عانيت كـثـراً مــن خاليت‬ ‫وبناهتا‪ ،‬خاصة أن زوجي كان جمنداً يطول غيابه بعد أن اتسعت رقعة‬

‫الـنـزاع‪ .‬محلت بعد ثالثة أشـهــر‪ ،‬ومل يشفع يل محلي أمــام خاليت حبيث‬ ‫ختفف مــن ظلمها وإهانتها يل‪ ،‬وبعد والديت بعدة أايم (وزوج ــي مل ير‬ ‫ابنتنا)‪ ،‬جاءان خرب استشهاده‪ ،‬بكى اجلميع وبكيت على نفسي حينها‪،‬‬ ‫كانت أمــي تقول‪ :‬يتيمة تــريب يتيمة‪ ،‬بل طفلة تــريب طفلة‪ .‬ازداد جور‬ ‫خاليت علي وأصبحت تقول إهنا مل تفرح اببنها بسبيب‪ ،‬ووصل هبا األمر‬ ‫أن ضربتين هي وبناهتا‪ ،‬وأرسلت بطلب والديت لتأخذين‪ .‬أخذت رضيعيت‬ ‫مين ومل تسمح يل حىت بزايرهتا ومشاهدهتا رغم الوساطات اليت قام هبا‬ ‫جدي وأفراد من العشرية‪ .‬وصل القصف إىل بيوتنا‪ ،‬وعندما أصيب منزلنا‬ ‫بصاروخ نزحنا‪ ،‬واستمر نزوحنا إىل أن وصلنا تركيا‪ ،‬فزوجتين أمي من أحد‬ ‫شبان قريتنا وهو انزح أيضاً‪ ،‬لكنه يكمل دراسته اجلامعية‪ .‬فقدت الفرح‬ ‫وفقدت أي شعور مجيل‪ ،‬وأان دمية حيركوهنا كما يريدون‪.‬‬ ‫يف إحدى اجلمعيات اخلريية تعرفت على مرشدة نفسية تربعت مبساعديت‪،‬‬ ‫وخـضـعــت ل ــرانم ــج لـلــدعــم الـنـفـســي‪ ،‬وب ـعــد ع ــدة جـلـســات شخصية‪،‬‬ ‫أصبحت جتمعنا مع عدة نساء لديهن حاالت مشاهبة حلاليت‪ .‬استفدت‬ ‫كثرياً‪ ،‬وأان اآلن أقــدر نفسي‪ ،‬لدي آمــال وطموحات‪ ،‬استطعت إقناع‬ ‫زوجــي برغبيت يف إمتــام تعليمي وهو يساعدين‪ ،‬أنظم وقيت ألدرس‪ ،‬وقد‬ ‫اتفقنا أيـضـاً أن نــؤجــل إجن ــاب األط ـفــال إىل أن أحـصــل على الشهادة‬ ‫الثانوية‪ .‬أصبحت أعرف حقوقي‪ ،‬أحل مشاكلي وأشعر أبنين مميزة‪ ،‬لدي‬ ‫الكثري من األهداف واآلمال اليت سأحققها تباعاً‪.‬‬ ‫حتتاج السيدات الصغريات إلجياد هوية جديدة‪ ،‬وإلجياد القوة يف أنفسهن‪،‬‬ ‫وأن ندعمهن وجند هلن فرصاً أخرى للبدء من جديد‪ ،‬وأن ندعم لديهن‬ ‫صورة الذات واإلدراك اإلجيايب‪ ،‬ونتيح هلن ممارسة األنشطة اليت حيققن من‬ ‫خالهلا النجاح‪ ،‬يكون ذلك ابكتشاف ميول القاصر وهواايهتا‪ ،‬ووضع‬ ‫أهداف مناسبة وتوقعات مقبولة وممكنة‪ ،‬التدريب على طرق إدارة احلوار‪،‬‬ ‫وحل األزمات‪ ،‬كل ذلك يكون إبشراف متخصصني نفسيني‪ ،‬لتخضع‬ ‫القاصرات لربامج دعم تعيد دجمهن يف اجملتمع بفعالية وإجيابية‪.‬‬ ‫والننسى أيضاً الدور املهم للمثقفني يف تغيري املفاهيم املتعلقة ابلزواج وحل‬ ‫املعضالت االقتصادية والثقافية‪ ،‬وكسر سلطة العادات واألعراف وتضافر‬ ‫مجيع اجلهود للحد من ظاهرة تزويج القاصرات‪.‬‬

‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪25 2015‬‬


‫أطفال في مهب الريح‬

‫تزويج القاصرات قنبلة نفسية موقوتة‬

‫«أان جنود‪ ،‬عمري ‪ 10‬سنوات ومطلقة»‪ ...‬ليس عنواانً لفيلم إاثرة‪ ،‬بل مذكرات أصغر مطلقة يف‬ ‫العامل‪ ،‬اليمنية جنود علي‪ ،‬اليت جترأت وطلبت الطالق بعد ارتكاب جرم تزوجيها وهي يف التاسعة من‬ ‫عمرها من رجل يكربها بثالثة أمثال عمرها‪ ،‬وتعرضت للعنف الزوجي‪ ،‬ما دفعها لطلب الطالق‬ ‫وهي يف العاشرة‪ ،‬لتحصل عليه وتصبح بذلك «أصغر مطلقة يف العامل»‪.‬‬ ‫زواج األطـفــال أو «الـقــاصـرات» لعنة تلحق ابلفقراء يف كل مكان‪ ،‬تدفعهم للتضحية ببناهتم‬ ‫الصغريات على مذبح اخلالص املادي‪ .‬ويف خضم االحتفاالت ابألضحية‪ ،‬ال يفكر أحد من أهلها‬ ‫أو غريهم مبا ينتظرها بعد هذا الزواج من آاثر نفسية وجسدية‪ ،‬وال أن هذا التأثري سيمتد ألطفاهلا‪،‬‬ ‫إن ُكتبت هلم احلياة‪ ،‬وقد يطال هشيم النريان كل من ميت هلا بصلة‪.‬‬ ‫اكتئاب وقلق‬ ‫هل تساءل أحدهم حول الصدمة النفسية اليت ستلحق بتلك الطفلة اليت يشدها والدها من يدها‪،‬‬ ‫خيرجها من ساحة لعبها‪ ،‬ليزفها إىل رجل قد يتجاوز بعمره أضعاف عمرها وحيرمها من حنان والديها‪،‬‬ ‫لتنتقل إىل منزل ستكون هي املسؤولة فيه‪ ،‬ابتداء من الزوج‪ ،‬وليس انتهاء ابملسؤوليات املنزلية اليت جتهلها‬ ‫نظراً لصغر سنها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫إذن ها هي طفلتنا تــرم عاطفياً من حضن والديها والعيش بشكل طبيعي خــال مرحليت طفولتها‬ ‫ومراهقتها‪ ،‬اللتان ستؤهالهنا يف املستقبل لتصبح امرأة سوية‪ ،‬مما سيؤدي هبا بعد فرتة قصرية من زواجها‬ ‫إىل هجمات ارتدادية ملرحلة الطفولة‪ .‬وسيظهر ذلك يف املستقبل‪ ،‬ورمبا القريب جداً‪ ،‬على شكل أمراض‬ ‫نفسية‪ ،‬مثل اهلسترياي‪ ،‬انفصام الشخصية‪ ،‬االكتئاب‪ ،‬القلق واضطراابت الشخصية‪.‬‬ ‫فعندما تنتقل الطفلة إىل سرير الزوجية‪ ،‬ستشعر ابلصدمة من طبيعة العالقة اجلنسية‪ ،‬ما جيعلها تعاين من‬ ‫صدمة «ليلة الدخلة»‪ ،‬اليت تصيبها مبجموعة من األعراض النفسية‪ ،‬ترتاوح بني االكتئاب والقلق يف كل‬ ‫مرة تضطر فيها للمرور بنفس التجربة‪ ،‬ما ينتج عنه اضطراب يف تلك العالقة لعدم إدراكها لطبيعتها‪،‬‬ ‫وصعوبة يف ممارستها ومن مث فشلها‪.‬‬ ‫فهي ال تزال ختاف‪ ،‬مثلها مثل كل األطفال‪ ،‬من الظالم والغرابء والبعد عن والديها‪ ،‬وال يعوضها زوجها‬ ‫عنهما‪ ،‬بل ترى فيه وحشاً حيــاول افرتاسها يف الفراش‪ ،‬فتشعر ابلصدمة وتكره املعاشرة الزوجية ألهنا‬

‫‪ 26‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫• جناح سفر‬

‫جتد فيها عذاابً‪ ،‬ما يدفعها للتهرب منها والتمنع‪،‬‬ ‫ويستدعي ابلتايل العنف اجلسدي من قبل الزوج‪،‬‬ ‫ف ـي ــزداد خــوفـهــا وقـلـقـهــا ممــا حي ــدث‪ ،‬وميـنـعـهــا من‬ ‫الوصول إىل اإلشباع الفطري‪.‬‬ ‫وبـنــاء على مــا يـرتــب مــن أضـ ـرار نفسية خطرية‬ ‫جراء العملية اجلنسية الصادمة واملؤملة‪ ،‬قد تفكر‬ ‫ابالنتحار أو ارتـكــاب جرمية حبق زوجـهــا‪ ،‬الذي‬ ‫سيلجأ يف النهاية إىل العالقات اخلارجية إلشباع‬ ‫رغبته اجلنسية اليت متانع زوجته منحه إايها‪.‬‬ ‫وهناك جانب خطري‪ ،‬عندما تتزوج القاصر من‬ ‫رجــل مسن يعجز عــن إشـبــاع رغـبــاهتــا املكنونة‪،‬‬ ‫فتقيم عــاقــات خــارج إطــار العالقة الــزوجـيــة‪ ،‬أو‬ ‫تتحول إىل شخصية عدوانية عصبية‪ ،‬خصوصاً‬ ‫ع ـنــدمــا تـ ــرى م ـث ـيــاهتــا يف ال ـع ـمــر م ــع أزواجـ ـه ــن‬ ‫املتكافئني يف السن واحلياة االجتماعية‪ .‬ابإلضافة‬ ‫إىل احلقد الدفني الذي ستحمله لوالديها لتزوجيها‬ ‫من هذا الرجل‪.‬‬ ‫كيف ستواجه طفلتنا واقعها اجلديد؟‬ ‫وكوهنا طفلة لن تدرك مفهوم الزواج وما يعنيه من‬ ‫مسؤولية األسرة والسكن واملودة بني الزوجني‪ ،‬وبني‬ ‫الزوجة وأهل الزوج‪ ،‬فتفشل ابلتكيف مع زوجها‬ ‫وأهله نتيجة املشاكل الزوجية‪ ،‬ويزداد انتقاد الزوجة‬ ‫الطفلة من قبل الزوج وأهله لعدم درايتها بكيفية‬


‫التعامل معهم‪ ،‬وتنتقل تلك االنتقادات والشكاوى‬ ‫إىل أهلها الذين يقومون بتوبيخها وإجبارها على‬ ‫الصرب واملعاانة بصمت‪ ،‬فيزداد عنادها‪ ،‬وكنوع من‬ ‫الدفاع عن نفسها تتعمد الالمباالة جتاه منظومة‬ ‫ال ـعــادات والتقاليد الــي حتكم مــا حـوهلــا‪ ،‬فـيــزداد‬ ‫التوتر بني العائلتني مما يؤدي يف النهاية إىل الطالق‬ ‫يف كثري مــن احل ــاالت‪ ،‬حيث يتخلى ال ــزوج عن‬ ‫زوجته القاصر‪ ،‬كما يتخلى أهلها عنها‪ ،‬فكيف‬ ‫هلم بتحمل مسؤوليتها هي‪ ،‬ورمبا طفلها‪.‬‬ ‫أسهل احللول ابلنسبة لطفلتنا هو اهلروب من بيت‬ ‫الــزوجـيــة‪ ،‬كما فعلت اليمنية جنــود واجتـهــت إىل‬ ‫احملكمة لتطلب الطالق‪ ،‬أو اهلــروب إىل الشارع‬ ‫لتمارس االحنـراف واإلدمــان نتيجة كثرة الضغوط‬ ‫عليها‪ ،‬أو حماولة االنتحار للتخلص من فقداهنا‬ ‫لشعورها بذاهتا نتيجة الضغوط اهلائلة اليت وقعت‬ ‫عليها وهي ال زالت يف طور النمو والتطور النفسي‬ ‫واجلسدي‪.‬‬ ‫طفل الطفلة‬ ‫بعد ال ــزواج بقليل قد حتمل طفلتنا قبل نضجها‬ ‫ال ــذه ــي ح ــول م ــا يـنـتـظــرهــا خب ـص ــوص االه ـت ـمــام‬ ‫بطفلها ال ـقــادم والـعــاقــة مــع زوجـهــا وأقــاربــه بعد‬ ‫والدهت ــا‪ ،‬ممــا سـيــرك آاثراً ال حتمد عقباها على‬ ‫ذلــك الطفل الــذي سيشعر ابحلــرمــان‪ ،‬كــون أمه‬ ‫قاصر عاجزة عن القيام بعملها كأم انضجة‪ ،‬ما‬ ‫سـيــؤدي إىل أم ـراض نفسية يف الـكــر‪ ،‬كالفصام‬ ‫واالكتئاب نتيجة وجود الطفل يف بيئة اجتماعية‬ ‫غري متجانسة‪ ،‬وأتثر يف النمو الذهين عنده بسبب‬ ‫جهل أمه الطفلة بواجباهتا الرتبوية جتاهه‪ ،‬ما قد‬ ‫يــؤدي أحياانً إىل وفــاة الطفل الوليد نتيجة عدم‬

‫معرفتها يف اختاذ قرار ملا يصيبه من أمراض‪ ،‬وهذا‬ ‫يدخلها يف حالة من جلد الذات وأتنيب الضمري‬ ‫ال هناية هلا‪ .‬مث يتكرر احلمل والوالدة نتيجة اجلهل‬ ‫واألمية يف اجملتمع الذي تعيش فيه‪ ،‬ليتم تكريسهما‬ ‫يف األجيال التالية‪.‬‬ ‫وبـعــض الـضـحــااي األط ـفــال يـصــابــون ابالنـطـوائـيــة‬ ‫والتقوقع أو الدخول يف حــاالت اكتئاب مزمن‪،‬‬ ‫بسبب حتمل مسؤوليات احلمل والــوالدة يف سن‬ ‫الـطـفـولــة‪ ،‬لـتـواجــه مـســؤولـيــات تـفــوق خ ـراهتــا يف‬ ‫التعامل مــع أمــور وواج ـبــات ومـســؤولـيــات كبرية‪.‬‬ ‫لــذلــك ف ــإن زواج األط ـف ــال ه ــو أح ــد األس ـبــاب‬ ‫الرئيسة اليت تعمل على ظهور املشاكل الصحية‬ ‫والنفسية‪ ،‬مما يؤدي إىل زايدة األمراض يف األسرة‬ ‫واجملتمع وابلتايل تشكل عبئاً اقتصادايً على النظام‬ ‫الصحي‪.‬‬ ‫طفلتنا مطلقة!‬ ‫اآلن طفلتنا يف مهب الريح‪ ،‬فزوجها ختلى عنها‬ ‫وطلقها لتمردها وعــدم طاعته وطاعة أهله‪ ،‬وها‬ ‫هــي ت ـعــود إىل بـيــت أهـلـهــا الــذيــن نـبــذوهــا وهــي‬ ‫طفلة‪ ،‬فكيف تـعــود إليهم ومعها طفلها؟ وهنا‬ ‫ستبدأ معاانهتا احلقيقية‪« :‬ال خترجي وحدك أنت‬ ‫مطلقة‪ ...‬ال ترتدي هذه املالبس أنت مطلقة‪...‬‬ ‫ال تتحدثي مع فالن أنت مطلقة‪ ...‬أنت السبب‬ ‫يف كل ما حصل لك وعليك حتمل العواقب‪،»...‬‬ ‫وهكذا تضطر الطفلة للتقوقع على ذاهتا والدخول‬ ‫يف حالة كآبة قد تدفعها لتفكري س ــوداوي‪ .‬ويف‬ ‫أحسن األحوال قد تصاب حبالة هستريية تدخلها‬ ‫يف صراع مع من حوهلا‪ ،‬ال ينتهي إال بتزوجيها مرة‬ ‫أخرى بظروف رمبا تكون أسوأ من الزجية األوىل‪،‬‬

‫كــي يتخلصوا مــن مهـهــا وه ــم طفلها‪ ،‬ولتدخل‬ ‫الدوامة السابقة من والدات وخالفات ورمبا طالق‬ ‫آخر‪.‬‬ ‫احلل يف التمكني‬ ‫إذن ميكننا القول إن تزويج األطفال (القاصرات)‬ ‫ينتج عـنــه خمــاطــر نفسية هت ــدد الـصـحــة النفسية‬ ‫للقاصرات املتزوجات‪ ،‬السيما من ينجنب بعد فرتة‬ ‫قصرية من ال ــزواج‪ ،‬فعدم اكتمال منوهن يتسبب‬ ‫مبعاانة نفسية كبرية حلرماهنن من حنان الوالدين‬ ‫وعيش مرحلة طفولة مث مراهقة طبيعية‪.‬‬ ‫لذا يوصي املتخصصون االجتماعيون بوضع برامج‬ ‫توعوية وتثقيفية‪ ،‬وتطبيقها يف ورش عمل تركز‬ ‫على خـطــورة ظــاهــرة تــزويــج الـقــاصـرات ودوافعها‬ ‫االجتماعية واالقتصادية والثقافية‪ ،‬وما ينتج عنها‬ ‫من نتائج نفسية واجتماعية خطرية‪.‬‬ ‫ويقع على عاتق احلقوقيني جانب كبري من مهمة‬ ‫الوقوف يف وجه هذه الظاهرة اخلطرية‪ ،‬وذلك من‬ ‫خالل جترمي تزويج القاصرات‪ ،‬ووضع اسرتاتيجية‬ ‫لـتـمـكــن املـ ـ ـرأة اق ـت ـص ــادايً وإش ـراك ـه ــا يف التنمية‬ ‫االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وذلك من خالل توفري‬ ‫مشاريع تدعم دخل األسر الفقرية‪ ،‬وتوفري احلماية‬ ‫والــوقــايــة لــأطـفــال‪ ،‬وصـيــانــة حقوقهم يف التعليم‬ ‫والتأمني الصحي‪.‬‬ ‫لذلك تقع املسؤولية على مجيع مكوانت اجملتمع‬ ‫يف وضــع الـقـوانــن والـضـوابــط الــي تقف يف وجه‬ ‫حــدوث هذا النوع من الــزواج اجلرمية‪ ،‬الــذي يعد‬ ‫امتهاانً لكرامة أطفالنا‪ ،‬حيث تبدو املسألة وكأهنا‬ ‫عملية بيع سلعة وشرائها‪ ،‬لتحقيق مصاحل مادية‬ ‫واجتماعية من ورائها‪.‬‬ ‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪27 2015‬‬


‫المرأة في مناطق «داعش»‬

‫زفاف بالسواد وتضييق في األسواق‬ ‫• جالل زين الدين‬ ‫ال خيتلف وضع املرأة يف ظل سيطرة تنظيم الدولة عن وضع الرجل كثرياً‪ ،‬لكن‬ ‫فهم التنظيم اخلاص للدين‪ ،‬وتسلل العادات الشرقية‪ ،‬لعبا دوراً ابرزاً جتاه املرأة‪،‬‬ ‫فالتنظيم يدعي حرية املرأة وضرورة مشاركتها يف بناء الدولة اإلسالمية‪ ،‬حىت‬ ‫ٍ‬ ‫ومشاف يف مناطق سيطرته‪،‬‬ ‫إنه أطلق أمساء نساء (صحابيات) على مدارس‬ ‫وأشركها يف األعمال الرديفة للعمل العسكري‪ ،‬ككتيبة اخلنساء يف الرقة‪ ،‬لكن‬ ‫كل ذلك أييت ضمن قوانني التنظيم‪ ،‬وفهمه اخلاص للدين اإلسالمي‪.‬‬ ‫ومن أبرز ما يتعلق ابملرأة قضية الزواج‪ ،‬وقد حرص التنظيم وشجع عناصره على‬ ‫الزواج‪ ،‬وقدم هلم كل التسهيالت‪ ،‬فالتنظيم يقدم للشاب املقبل على الزواج‬ ‫مبلغاً يقدر أبربعمائة ألف لرية سورية مهراً للعروس‪ ،‬عدا أتمني السكن وأاثثه‪،‬‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن البدالت اليت يقدمها لألوالد‪ ،‬وهذه أشياء ابتت من األحالم لكثري‬ ‫من السوريني الذين أصاهبم الفقر والعوز‪ ،‬ودفعت كثرياً من األهايل لتزويج‬ ‫بناهتم ألعضاء التنظيم وخصوصاً املهاجرين‪ .‬والالفت أن فتيات صغريات‬ ‫يتزوجن من رجال أكرب منهن بكثري يف ُعرف اجملتمع السوري‪ ،‬ويعد إغراء املال‬ ‫يف ظل الظروف االقتصادية السيئة أحد األسباب وراء تزويج الفتيات لعناصر‬ ‫من التنظيم‪ .‬حتدثنا إحدى السيدات عن زواج «حنان» وهي فتاة انزحة من‬ ‫مدينة حلب إىل إحدى مدن التنظيم‪ ،‬حنان ابنة عائلة فقرية تعيش يف إحدى‬ ‫مدارس النازحني‪ ،‬فأبواها ال يستطيعان استئجار منزل‪ ،‬ولشدة فقرها لطاملا‬ ‫انمت العائلة دون عشاء‪ ،‬يف هذه الظروف بني احلياة واملوت بني النزوح‬ ‫واجلوع‪ ،‬يظهر هلا فجأة يف حياهتا أحد عناصر التنظيم وهو تونسي اجلنسية‪،‬‬ ‫عارضاً عليها الزواج وعندما كلمتها أمها ابملوضوع رفضت بداية وسكتت أمها‬ ‫والتزمت الصمت من دون السؤال عن السبب‪ ،‬إال أن ذلك العنصر عاود طرح‬ ‫املوضوع عرب امرأة وسيطة وهي جارة حنان األربعينية «أم حممود»‪ ،‬عارضاً‬ ‫عليها املهر الذي تطلبه‪ ،‬هنا تدخل األب ّ‬ ‫مذكراً ابنته حبياهتم اليت يعيشوهنا‬ ‫وحال إخوهتا الصغار‪ .‬وافقت حنان إلنقاذ نفسها وعائلتها من شبح اجملهول‬ ‫الذي يرتصد حياهتم عند كل منعطف‪.‬‬ ‫تقول أم حممود‪« :‬لن أنسى ما حييت منظر حنان ابنة اخلمسة عشر ربيعاً‪،‬‬ ‫والدموع تنهمر من عينيها عندما كانت تشكو يل مهها ليلة إعالن الزواج‪،‬‬ ‫كانت تقول‪« :‬ملاذا‪ ..‬ملاذا اي إهلي اخرتت يل الزواج من رجل يكربين بعشرين‬ ‫عاماً وال أعرف امسه وال أهله‪ ..‬كل ما أعرفه عنه أنه ال يكف عن الذهاب‬ ‫للمعارك‪ ،‬فإما أن يقتل األبرايء أو يقتل هو على أيدي أحدهم»‪ .‬وتتابع أم‬ ‫حممود‪ :‬عندما سألتها متعجبة‪ :‬ماذا تعنني أبنك ال تعرفني امسه‪...‬؟!‪ ،‬قامت‬ ‫إبعطائي وثيقة الزواج ليتضح أن الزوج كتب لقبه‪ ،‬وهو أبو «عبد الرمحن‬ ‫التونسي»‪ ،‬ومل يكتب امسه احلقيقي يف وثيقة الزواج وبذلك حرمت الفتاة حىت‬ ‫من أن تنادي زوجها ابمسه ألهنا قالت أنه حىت لو قام إبعطائها امسه بعد الزواج‬ ‫فهي لن تصدق أبنه أعطاها امسه احلقيقي‪ ،‬ومت الزواج وألبس الزوج عروسه‬ ‫اخلوامت واألساور‪ ،‬إال أن حنان كانت تنظر لتلك األساور حول معصميها‬ ‫وكأهنا قيود للدخول يف عامل العبودية‪ .‬يرى «احملامي حممود من ريف حلب‬ ‫‪ 28‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫الشرقي»‪« :‬إن اهلدف من ذلك اندماج املهاجرين ابجملتمع‪« :‬أعتقد أن‬ ‫هدف التنظيم ربط هؤالء األجانب ابجملتمع السوري‪ ،‬كما أن صغريات‬ ‫وهن أكثر تقب ً‬ ‫ال للجديد (أايً كان) ممن هن‬ ‫السن ال ميتلكن وعياً كافياً‪ّ ،‬‬ ‫أكرب سناً وأكثر نضجاً»‪.‬‬ ‫وال يقتصر التعويض للزوجة األوىل بل يصرف للثانية‪ ،‬والثالثة‪ ،‬والرابعة‪،‬‬ ‫فالتنظيم يشجع على الزواج والنسل‪ ،‬يقول «الشرعي» يف تنظيم الدولة‬ ‫وحرم كثري منهم‬ ‫«أبو مهام األنصاري»‪« :‬املسلمون ابتعدوا عن دينهم‪ّ ،‬‬ ‫أشياء أابحها هللا هلم كتعدد الزوجات‪ ،‬وحنن نشجع الشباب على الزواج‬ ‫ألنه سنة‪ ،‬والرسول صلى هللا عليه وسلم يقول‪( :‬من رغب عن سنيت‬ ‫فليس مين)‪ ،‬كما أن عدد العوانس واألرامل زاد‪ ،‬ومن واجبنا احلفاظ على‬ ‫أخواتنا املسلمات»‪.‬‬ ‫هناك من السوريني من يزوج ابنته طمعاً ابحلظوة واحلماية‪ ،‬ال سيما بعدما‬ ‫أحكم التنظيم سيطرته‪ ،‬وأعلن قيام دولته‪ .‬وتعترب هذه النهاية جيدة نوعاً‬ ‫ما إذا ما قورنت بنهاايت أخرى‪ ،‬كقصة فتاة من بلدة خان شيخون تبلغ‬ ‫من العمر ‪ ،14‬عاماً كانت تقيم يف مساكن سد تشرين مع عائلتها‪،‬‬ ‫حيث انضم أبوها للتنظيم وكانت الفتاة حديث الشارع وجمالس النساء‬ ‫يف مجاهلا اخلارق للعادة‪ ،‬إال أن أبوها أجربها على الزواج من أمري السد‪،‬‬ ‫وهو مصري اجلنسية‪ ،‬طامعاً يف املال والتقرب إليه‪ .‬وبعد زواجها أبشهر‬ ‫قليلة انتهت املأساة مبقتل ذاك األمري على أيدي عناصر اجليش احلر‪،‬‬ ‫ليبقى مصري تلك الفتاة يف اجملهول‪ ،‬حيث يعترب زواجها من شاب سوري‬


‫شبه مستحيل بعد ترملها ألحد رجال التنظيم املهاجرين‪ ...‬والسيناريو‬ ‫األقرب حلالة مثل تلك الفتاة هو إعادة تزوجيها من أحد رجال التنظيم‪.‬‬ ‫يدافع أبو مهام األنصاري عن هذه املسألة ابلقول‪« :‬قال رسول هللا صلى‬ ‫هللا عليه وسلم‪ :‬إذا جاءكم من ترضون أمانته وخلقه فأنكحوه كائناً من‬ ‫كان‪ ،‬فإن ال تفعلوا تكن فتنة يف األرض وفساد كبري‪ .‬فالرسول مل حيدد‬ ‫السن أو اجلنسية أو‪ ...‬بل قال أمانته وخلقه‪ ،‬فاملسلمون إخوة‪ ،‬وملاذا‬ ‫يُعاب هذا على دولتنا وهي عادات اجتماعية قبل وجودان»‪.‬‬ ‫كما عمل التنظيم على الفصل التام بني الذكور واإلانث قدر استطاعته‪،‬‬ ‫فمنع االختالط يف املدارس حىت وصل به األمر ملنع املعلمات من‬ ‫تدريس صفوف املرحلة االبتدائية قبل قرار التنظيم إيقاف التعليم هنائياً‬ ‫يف ‪ 2014 /11/18‬م‪ ،‬لتضاف عملية جتهيل اجملتمع يف سجالت‬ ‫أعباء املرأة اإلضافية‪ ،‬وشدد عليهن يف األسواق‪ ،‬يقول خريج الشريعة‬ ‫الشيخ حممود من مدينة الباب‪« :‬هم ال مييزون بني االختالط وبني‬ ‫اخللوة‪ ،‬فاالختالط شرعاً مباح ضمن قواعد وضوابط شرعية‪ ،‬فاإلسالم‬ ‫ال مينع املرأة من تعليم األطفال الصغار بل حىت الكبار‪ ،‬واملشكلة أن هذه‬ ‫القوانني تصدر ابسم الدين»‪.‬‬ ‫وقد تعسف التنظيم يف تطبيق احلجاب الشرعي‪ ،‬فسمح بداية ابلنقاب‬ ‫ليمنعه‪ ،‬ويفرض احلجاب الكامل ضارابً عرض احلائط ابجتهادات فتاوى‬ ‫وعلماء منذ العصر اإلسالمي األول وحىت اآلن‪ ،‬آخذاً برأي فقهاء‬ ‫معينني دون سواهم‪ ،‬فسيارات احلسبة تدور يف األسواق متوعدة ومهددة‬ ‫عرب مكربات الصوت املرأة وويل أمرها ابجللد إن مل تلتزم ابحلجاب‬ ‫الكامل‪ ،‬وقلما خيلو يوم من عقوابت بسبب احلجاب‪ ،‬يقول أبو فارس‬ ‫سائق حافلة‪« :‬التنظيم أحياانً ال يعاقب املرأة اليت تكشف عن وجهها‬ ‫بل يعاقب السائق‪ ،‬وويل أمرها معه‪ ،‬فهل مهمة السائق مراقبة الركاب أم‬ ‫القيادة؟»‪ ،‬وجتد على كل احملالت والصيدليات والبقاالت عبارة «أخيت‬ ‫املسلمة حتجيب قبل أن تدخلي» أو ما شاهبها‪ ،‬فأي ابئع ومهما كان‪،‬‬ ‫يعاقب ابلسجن أو إغالق احملل حني تضبط عنده امرأة كاشفة عن‬ ‫وجهها‪ ،‬وحتصل كثري من املواقف الغريبة العجيبة يقول أبو حممد‪ « :‬رأيت‬ ‫صاحب حمل ألبسة يطلب من امرأة أن تغطي وجهها وهي تقول له‪:‬‬

‫أريد رؤية اللون والقماش فقط ألشرتي‪ ،‬فقال هلا مغضباً‪« :‬هللا يسرتك غطي‬ ‫وجهك ال نريد مشاكل»‪ ،‬فأصرت على رؤية الثوب‪ ،‬فأخذ الثوب بعنف‬ ‫وقال هلا‪« :‬خلص مل أعد أريد البيع‪ ،‬سأغلق احملل»‪ ،‬وحني سألته عن سبب‬ ‫موقفه قال يل‪« :‬إجباري اي أخي‪ ..‬منذ أايم أخذوا جاري وأغلقوا حمله»‪،‬‬ ‫يقصد رجال احلسبة يف التنظيم‪ .‬ولكن ذلك ال يعين أن النساء ال يرتددن‬ ‫إىل األسواق‪ ،‬بل يفعلن ولكن بنسبة أقل بكثري عن السابق‪ ،‬فأنت جتد نساء‬ ‫عناصر التنظيم‪ ،‬وطبعاً ال ميكن معرفة أهنا من عناصر التنظيم إال من خالل‬ ‫أمرين‪ ،‬فكل النساء يرتدين زايً واحداً ويغطني وجوههن‪ ،‬فأنت تعرفهن من‬ ‫خالل األوالد‪ ،‬ومن خالل كالم كل منهن عندما تشرتي‪ ،‬وهن غالباً يشرتين‬ ‫حاجاهتن بصحبة أزواجهن‪.‬‬ ‫وأدى قرار التنظيم القاضي مبنع املرأة من السفر دون حمرم شرعي حلرمان‬ ‫عدد كبري من الفتيات إكمال تعليمهن اجلامعي‪ ،‬بل حصول كثري منهن‬ ‫على الشهادة املتوسطة أو الثانوية العامة‪ ،‬مما سينعكس مستقب ً‬ ‫ال على اجملتمع‬ ‫السوري كله‪ .‬وال يقتصر األمر على الصغريات يف السن بل على كل النساء‪،‬‬ ‫والتنظيم يطبق فهمه دون أن يراعي الظروف والنوازل واحلاجات والضرورات‪،‬‬ ‫تقول «لينا‪ ،‬طالبة يف كلية الرتبية جبامعة حلب»‪« :‬تردد والدي كثرياً خبصوص‬ ‫إكمايل لتعليمي اجلامعي‪ ،‬بسبب ظروفنا املادية وتكاليف اجلامعة والطريق‪،‬‬ ‫واآلن قررت أان ترك اجلامعة بعد أن منع التنظيم سفران دون حمرم متناسياً‬ ‫ومتجاه ً‬ ‫ال واقعنا»‪ ،‬وتتابع مستنكرة سلوك التنظيم‪« :‬مسعت أن املشرف على‬ ‫املوت من اجلوع وليس عنده إال حلم اخلنزير أو امليتة أيمث إذا مل أيكل ما ينقذه‬ ‫من املوت‪ ،‬فاإلسالم راعى الضرورات وقدر احلاجات لكن التنظيم يرى رأيه‬ ‫وفهمه فقط»‪.‬‬ ‫فما تعيشه املرأة السورية جزء بسيط مما يعيشه املواطن السوري يف إطار فهم‬ ‫فئة معينة للدين‪ ،‬ومن املؤسف أن هذه الفئة تضم من ميلكون اليد العليا يف‬ ‫مناطق تزيد مساحتها على ثلث سوراي‪ ،‬ويتحكمون فيها على هواهم‪ ،‬ويقرون‬ ‫قوانينهم اخلاصة‪ ،‬فيما تتحمل املرأة العبء األكرب من هذه القوانني املشوهة‬ ‫فكرايً ونتائجها‪ .‬واملستقبل خيبئ املزيد لسوراي اليت حتتضر يف ظل ديكتاتوريتني‪،‬‬ ‫علمانية ودينية‪.‬‬

‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪29 2015‬‬


‫حكاية وعد‬ ‫«صوت استغاثة الطفلة وصراخها عندما دخل الرجل الكبري الغرفة‬ ‫كان قوايً لدرجة أن قارع الطبل توقف عن عمله الذي كان يقوم‬ ‫بــه حبماسة شــديــدة منذ بعض الــوقــت‪ .‬تــوقــف الـراقـصــون‪ ،‬توقف‬ ‫املصلون توقفوا‪ .‬وضعت أمي يديها على أذنيها‬ ‫شاربو اخلمرة وحىت ّ‬ ‫وأدخلت أخـوايت غرفتهن وأقفلت الباب‪ ،‬أيب رفــع صــوت التلفاز‬ ‫ـت إىل‬ ‫الــذي كــان يبث نشرة األخـبــار األخــرة ذاك املـســاء‪ .‬خــرجـ ُ‬ ‫مــدخــل احل ــارة حـيــث اعـتــدان أن جنتمع أان وأصــدقــائــي كــل حــن‪.‬‬ ‫مشينا إىل بيت الرجل بدون أن نناقش األمر‪ .‬كنا مراهقني صغاراَ‬ ‫جتمعنا دم ــاء الـغـضــب ال ــي كــانــت تـنــدفــع يف رؤوس ـنــا مــع اشـتــداد‬ ‫صــوت االستغاثة‪ .‬نسيت ابلضبط مــن كــان صاحب الفكرة أبن‬ ‫نقتحم البيت وننقذ العروس الصغرية‪ .‬كانت طفلة أصغر منا وهو‬ ‫كــان بعمر آابئ ـنــا الــذيــن اع ـتــروا األم ــر يــومـهــا شخصياً ومــن غري‬ ‫املسموح أن نتدخل‪ .‬لكن «رؤوسنا كانت حامية» وال شيء كان‬ ‫ميكن أن يوقفنا‪ .‬هامجنا البيت ودخلنا الغرفة‪ ..‬لكننا مل نستطع‬ ‫إيـقــافــه‪ ،‬استمر بــذلــك رغــم وج ــودان‪ !..‬ومــع هنــايــة الليل كنا جمرد‬ ‫شهود على جرمية اغتصاب الصغرية‪ ،‬جرمية حيميها الشرع ويتغافل‬ ‫عنها القانون وال يرفضها اجملتمع»‪.‬‬ ‫ي ــروي صديقي احلـكــايــة الــي شهدها رداً على س ـؤايل عــن تزويج‬ ‫القاصرات‪« :‬حدث ذلك كثرياً يف جمتمعاتنا‪ ،‬خاصة الفقرية منها‪،‬‬ ‫وال شك أنه الزال حيدث»‪ ،‬يقول ويتابع حكايته‪:‬‬ ‫«بقيت أمسع صوهتا يف رأسي لسنوات طويلة‪ ،‬حىت عندما رأيتها‬ ‫فـيـمــا بـعــد جت ـ ُّـر ع ـربــة طـفـلـهــا ال ــذي أجن ـبــت غ ــره وغ ــره م ــن ذات‬ ‫متر يف الشارع توقظ يف رأسي مشهد‬ ‫املغتصب‪ .‬ويف كل مرة كانت ّ‬ ‫اجلرمية اليت كنت شاهداً عليها‪ .‬كنت أنظر إليها حماوالً البحث يف‬ ‫تفاصيل وجهها الذي بدأ يشيخ ابكراً عن أي احتمال للحزن أو‬ ‫للفرح أو للغضب‪ ،‬وال أجد شيئاً‪ .‬كانت قد أفرغت روحها من‬ ‫كل املشاعر ذاك املساء»‪.‬‬ ‫ذلك حدث يف بداية الثمانينات يف حي التضامن الفقري يف قلب‬ ‫العاصمة دمشق‪.‬‬ ‫روى صديقي هذا حكايته ليخفف من صدميت وأان أقرأ عليه خرباً‬ ‫صغرياً‪« :‬وعد تزوجت من سعودي»!‬ ‫حني التقيتها يف بداية ‪ 2012‬كانت قادمة من محص إىل دمشق‬ ‫مع أمها وأخويها‪ .‬كانت وعد يومها يف التاسعة‪ ،‬روت يل أمها‬ ‫كيف أنه وبسبب الرعب الذي شهدوه جراء القصف على أحياء‬ ‫محص القدمية‪ ،‬بدأت وعد تنزف‪« ،‬أجتها الدورة»‪ ،‬قالت يل األم‬ ‫‪ 30‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫• وجدان انصيف‬

‫يومها‪ ،‬مل تكن وعداً تتكلم كثرياً‪ ،‬وأستطيع القول إين مل أمسع صوهتا‬ ‫ين يف املـرات اليت زرهتم فيها كنت أتقصد خماطبتها‪،‬‬ ‫وال مرة‪ ،‬رغم أ ّ‬ ‫لكنها كانت غالباً ختتفي يف زاوية ما من الغرفة‪ ،‬فتتحدث أمها مهساً‬ ‫عنها‪« :‬ميكن الزمها طبيب بولية»!‪.‬‬ ‫ككثري مــن األطـفــال الـســوريــن الــذيــن شـهــدوا الــرعــب‪ ،‬عــانــت وعد‬ ‫من السلس البويل‪ ،‬وتربعت إحدى الطبيبات بتقدمي كل ما أمكن‬ ‫لعالجها‪ ،‬لكن صمتها وكآبتها كاان يتطلبان أكثر من ذلك بكثري‪.‬‬ ‫مع بداية العام الدراسي اختفت العائلة فجأة‪ ،‬قيل إهنم عــادوا إىل‬ ‫محص‪ ،‬وقيل إهنم ما إن أتكد نبأ مقتل األب يف إحدى املعارك حىت‬ ‫قــررت األم االلتحاق أبهلها يف لبنان‪ ،‬هــذا حيــدث! بعدها مسعت‬ ‫أشياء عن إمهال أهلها هلا وألوالدها بسبب ضيق املنزل وفقر احلال‪،‬‬ ‫هــذا أيـضـاً حيــدث! مث علمت أن وعــد وأمـهــا وأخــويـهــا أصبحوا يف‬ ‫السعودية‪ ،‬وهذا أيضاً حيدث! فالسوريون تشتتوا يف أصقاع االرض‪.‬‬ ‫لكن اخلــر ال ــذي مل أستطع أن أعـلّــق عليه جبملة‪« :‬ه ــذا حيــدث»‬ ‫هو خرب زواج وع ٍد من رجل سعودي! من السهل ختيل األسباب‪:‬‬ ‫اإلق ــام ــة‪ ،‬الـضـغــط املـ ــادي‪ ،‬احلــاجــة لــرجــل حيـمــل مـســؤولـيــة األس ــرة‪،‬‬ ‫البحث عن اآلمــان‪ ..‬لكن من الصعب ختيل فكرة أن يتجرأ رجل‬ ‫على جرح طفولة وعد وبراءهتا‪ ،‬وعد طفلة جبديلة و«خدود وردية»‪،‬‬ ‫عيناها بلون خضرة بالدي وطفولتها مثل ربيعها الذي اجتمعوا على‬ ‫اغتصابه‪ ..‬كان جيب أن تتدحرج الصغرية على ربيع طفولتها هبدوء‪،‬‬ ‫لتصل إىل حلظة يكون فيها الزوج زوجاً وليس مغتصباً‪ ،‬كان جيب أن‬ ‫نكف عن قول «هذا حيدث» وكأنه أمر طبيعي‪ ،‬فتزويج القاصرات‬ ‫جرمية يرتكبها ليس فقط املغتصب (الزوج) بل كل من يكون شاهداً‬ ‫على جرميته‪.‬‬


‫رسالة عقل إلى عاقل «سيتزوج»‬

‫• صبحي فرجنية‬

‫يعرتي احلمالت اإلنسانية‪ ،‬أحياانً‪ ،‬جوانب عاطفية‪ ،‬تطغى على هدفها احلقيقي‪ ،‬يف جوهره العقالين‪ ،‬أو املعاماليت‪ ،‬وابلتايل‪ ،‬ميكن أن تتحول‬ ‫تلك احلملة إىل قصيدة شعر‪ ،‬أو أغنية يف أوركسرتا‪ .‬وذلك حسن‪ ،‬من ابب إغراء النفس‪ ،‬ودفعها إىل التغيري‪ ،‬لكن ما يثري القلق‪ ،‬هو بقاء األثر‬ ‫يف داخل اإلنسان دون اخلروج إىل احليز العملي‪ ،‬والظهور على شكل تغيري يف جمتمعه الذي هو جزء منه‪.‬‬ ‫احلديث عن تزويج القاصرات يف جمتمعنا ابت متكرراً‪ ،‬خصوصاً مع ازدايد الظاهرة يف خميمات اللجوء السوري‪ ،‬كالزعرتي‪ ،‬حيث سجلت عدة‬ ‫شهادات حول تزويج فتيات بعمر يقل عن ‪ 15‬عاماً‪ ،‬لرجال بلغوا من العمر عتياً‪ ،‬وأحياانً‪ ،‬من شبان يف العشرينات والثالثينات من العمر‪.‬‬ ‫لكن ما لفت نظري يف حديث معظم الصحف‪ ،‬واحلمالت حول هذه الظاهرة‪ ،‬هو استثناء «الــزوج» والتوجه حبديثهم إىل أهايل الفتيات‪،‬‬ ‫وأمهاهتن على وجه اخلصوص‪ ،‬ويف أحسن األحوال إىل أولياء أمورهن‪ ،‬وبتصوري أنه من األجدى توجيه كالم‪ ،‬يبتعد عن العاطفة‪ ،‬ويالمس‬ ‫العقل‪ ،‬واملنطق‪ ،‬إىل أولئك الذين يتخذون قراراً يتناىف مع حقيقة الزواج‪ ،‬ومبدئه‪ ،‬بتزوج فتاة‪ ،‬مل تبلغ من العمر إال ما يؤهلها للعب مع صديقاهتا‪،‬‬ ‫والنوم مع ألعاهبا‪ ،‬على سرير زهري اللون‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يسعدك عزيزي «العريس»‪ ،‬أن متسك معصماً بيدك‪ ،‬ال يشكل فيها إال ما تشكله يد أختك الصغرى‪ ،‬أو ابنتك‪ ،‬تشده‪ ،‬وحتاول مأله‬ ‫هل‬ ‫بلمسات من املفرتض أن تكون عاطفية‪ ،‬إال أهنا ال تكون إال كملمس حجر خيدش زجاجاً‪ ،‬يتصور أنه يداعبه‪ ،‬أو يلمعه مجاالً‪ .‬فال الصوت‬ ‫الصادر عن االحتكاك يرضي احلجر‪ ،‬وال يسعد الزجاج إن بقي صامداً‪.‬‬ ‫هل يسعدك عزيزي «العريس» أن تشارك يف فراشك‪ ،‬فتاة‪ ،‬تراك كالوحش‪ ،‬يلتهم جسدها‪ ،‬وهترب منك برميك بلعبة‪ ،‬أو كرة مطاطية‪ ،‬صارخة‬ ‫أريد أمي‪ ،‬أريد أيب‪ ،‬أرجوك ال أتكلين‪ ،‬هل ختيلت املشهد الذي ميكن أن تكونه يف تلك اللحظات‪ ،‬عمالقاً كبرياً‪ ،‬ال رأفة فيه‪ ،‬وال حس‪،‬‬ ‫بشعر أسود‪ ،‬كتلك الوحوش اليت تراها فتاتك يف أفالم الرعب الكرتونية‪ ،‬وقصص احلسناء والوحش‪ ،‬ودماء اإلنسانية تسيل من فمك‪ ،‬مسدالً‬ ‫عليك لباس اتريخ أسود ملستقبل‪ ،‬قد‪ ،‬تواجهه ابنتك‪ ،‬أو أختك‪ .‬فهل ترى!!‬ ‫هل يرضيك عزيزي «العريس»‪ ،‬أن خترج من منزلك‪ ،‬لتلتقي أصدقاءك‪ ،‬وفتاتك‪ ،‬يف املنزل ابكية‪ ،‬تتمسك‬ ‫بقطة من صوف‪ ،‬أو دب من قماش انعم‪ ،‬وتروي له قصة‪:‬‬ ‫«كنت ألعب مع صديقايت يف الطريق‪ ،‬فجاء أيب إيل وقــال يل‪ ،‬سنذهب يف نزهة‪ ،‬إىل األبــد‪ ،‬ألبسوين‬ ‫أبـيــض‪ ،‬وسلموين لــوحــش يف غــابــة اإلن ـســان‪ ،‬أخ ــذين‪ ،‬خلع ثـيــايب‪ ،‬وضـربــي ألسـكــت بعد أن بكيت‪،‬‬ ‫وصرخت‪ ،‬خفت منه‪ ،‬احتضنين‪ ،‬اعتقدت أنه أصبح إنساانً ويعاملين كأيب‪ ،‬لكنه خدعين وفعل ما ال‬ ‫أفهمه‪ ،‬لقد جرحين‪ ،‬وسال دمي‪ ،‬خفت كثرياً‪ ،‬إال انه كان يبتسم ويقول انتهينا… أريد أن أعود‬ ‫إىل الطريق إىل صديقايت‪ ،‬أريد أن ألعب‪ ،‬أريد أن أكون طفلة‪ ،‬ال زوجة لوحش!!!»‪.‬‬ ‫ما الغاية من الزواج‪ ،‬إن كان سيجعلك يف شراكة طفلة‪ ،‬ال تعي من احلياة إال اللعب‪ ،‬واملتعة‬ ‫أبشياء ال تذكرك إال بطفلة قد تنجبها أنــت‪ ،‬هــذه الطفلة‪ ،‬لن تــدرك ما معىن أن تكون‬ ‫زوجة‪ ،‬أن تعمل معك يف بناء املستقبل‪ ،‬أن ترشدك يف حال أخطأت أنت‪ ،‬أن متسح على‬ ‫كتفيك إن كنت متعباً‪ ،‬أن تكون عامودك الفقري يف احلياة‪.‬‬ ‫لن تكون هذه الطفلة‪ ،‬تلك املرأة اليت حنلم هبا كلنا‪ ،‬راشدة‪ ،‬عاملة‪ ،‬عاقلة‪ ،‬دليلك حنو‬ ‫قلبك‪ ،‬ومنارتك حنو الكمال… لن تكون طبيباً لروحك‪ ،‬وشفاء حلاجتك ألنثى تعيدك‬ ‫من زمن الضياع إىل زمن السكون النفسي‪ ،‬وجزء روحك الذي اته منك يف عامل ما‪،‬‬ ‫وتبحث عنه يف هذا العامل‪ ،‬منذ والدتك‪ ،‬أو قل منذ وجودك يف الرحم‪.‬‬ ‫عزيزي «العريس» قف حلظة‪ ،‬أمــام نفسك‪ ،‬ومرآتك‪ ،‬وقــل‪« :‬أان لست مريضاً‪ ،‬أان‬ ‫لست مريضاً‪ ،‬أان لست مريضاً ألتزوج فتاة بعمر أخيت الصغرية املدللة‪ ،‬أو ابنيت اليت‬ ‫حتتمي أبحضاين من خوف يعرتيها»‪ ،‬أعد العبارات مراراً وتكراراً‪ ،‬فإن بقيت لديك‬ ‫رغبة بتزوج من وصفتها «أبختك املدللة‪ ،‬وابنتك اخلائفة»‪ ،‬اتــرك املــرآة وتوجه‬ ‫إىل أقرب عيادة للطب النفسي‪ ،‬قبل أن ترتكب خطأ يصم حياتك ابألسود‪،‬‬ ‫وقلبك ابلوحشية‪ ،‬وروحك ابلعفن الذي ال يزول‪.‬‬

‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪31 2015‬‬


‫اآلثار الفيزيولوجية‬ ‫والسيكولوجية‬ ‫للزواج المبكر‬ ‫• إعداد فريق حترير سيدة سوراي‬

‫ترتتب على تزويج الطفالت القصر آاثر سلبية‬ ‫ابلغة من الناحيتني الفيزيولوجية والسيكولوجية‪،‬‬ ‫إذ حيـتــاج جسد الـفـتــاة مــا بــن مخــس إىل ست‬ ‫س ـن ـوات ب ـعــد ال ـب ـلــوغ لـتـصــل إىل س ــن الـنـضــج‬ ‫اجل ـســدي‪ ،‬النفسي واجلـنـســي‪ .‬ويــؤكــد األطـبــاء‬ ‫أن زواج القصر اللوايت مل يتجاوزن سن العاشرة‬ ‫أو احلادية عشرة من العمر يعترب ظاهرة مزعجة‬ ‫وخطرية من الناحية الصحية‪ ،‬حيث تكون الفتاة‬ ‫يف سن الطفولة وليس لديها اإلدراك النفسي وال‬ ‫الصحي أو االجتماعي ابملسؤولية الــي سوف‬ ‫تلقى على عاتقها‪ ،‬كــزوجــة أوال ً‪ ،‬ومــن مث كأم‬ ‫يف هذه املرحلة املبكرة من عمرها‪ .‬من املعروف‬ ‫أن الطفلة يف هذه املرحلة العمرية املبكرة ال تعي‬ ‫حجم املسؤولية‪ ،‬وال ميكنها متييز األمور‪ ،‬وحتتاج‬ ‫إىل الكثري من التوجيه والنصح يف مسار حياهتا‬ ‫املستقبلية‪ ،‬كاالهتمام بنموها وصحتها وتربيتها‪،‬‬ ‫وهذا يتطلب سنوات حىت تصل الفتاة إىل نضج‬ ‫ميـكـنـهــا م ــن خــالــه حت ـمــل م ـســؤول ـيــة االه ـت ـمــام‬ ‫ابحلياة الزوجية‪.‬‬ ‫اآلاثر الفيزيولوجية على القاصر املتزوجة‪:‬‬ ‫إن تكوين جسم الطفلة يف هذه السن الصغرية‬ ‫ال يساعدها على تلبية متطلبات الزواج ألن هذه‬ ‫السن هي بداية مرحلة البلوغ‪ ،‬واليت قد تستمر‬ ‫إىل ســن الـثــامـنــة عـشــر مــن الـعـمــر‪ ،‬حـيــث تبدأ‬ ‫‪ 32‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫التغريات اهلرمونية‪ ،‬ويـبــدأ نــزول احلـيــض‪ ،‬ويبدأ‬ ‫ال ـثــداين ابلنمو وتنمو الـعـظــام وحت ــدث تغريات‬ ‫هيكلية يف بنية اجلسم ابلكامل‪ ،‬ويتغري شكل‬ ‫احل ــوض ويـبــدأ حجم الــرحــم ابلـنـمــو‪ ،‬وتستغرق‬ ‫هذه التغريات من مخس إىل ست سنوات بعد‬ ‫ســن الـبـلــوغ‪ ،‬أي عند وصـوهلــا إىل مــا بــن ستة‬ ‫عشر ومثانية عشر عاماً‪.‬‬ ‫وتعترب اآلاثر السلبية على جسد الطفلة القاصر‬ ‫الــي يتم تزوجيها ابلـغــة الـســوء‪ ،‬يتمثل ذلــك يف‬ ‫متزق املهبل واألعضاء اجملاورة له من آاثر اجلماع‪،‬‬ ‫وازدايد نسبة اإلصابة مبرض هشاشة العظام يف‬ ‫سن مبكرة نتيجة نقص الكلس‪ ،‬إضافة إىل ضرر‬ ‫وإعاقات دائمة تصل يف حاالت كثرية إىل عدم‬ ‫اإلجناب أو الوفاة‪.‬‬ ‫وإذا ما حصل احلمل عند القاصر‪ ،‬فسيرتافق يف‬ ‫معظم احل ــاالت بفقر الــدم واإلج ـهــاض‪ ،‬حيث‬ ‫ت ــزداد مـعــدالت اإلجـهــاض وال ــوالدات املبكرة‪،‬‬ ‫وذلك إما خللل يف اهلرموانت األنثوية‪ ،‬أو لعدم‬ ‫أتقلم الرحم على عملية حدوث احلمل‪ ،‬ما يؤدي‬ ‫إىل ح ــدوث انـقـبــاضــات رمح ـيــة م ـت ـكــررة تــؤدي‬ ‫حلــدوث نزيف مهبلي‪ ،‬ووالدة مبكرة‪ ،‬وارتفاع‬ ‫حــاد يف ضغط الــدم قد يــؤدي إىل فشل كلوي‬ ‫ونزيف‪ ،‬وحــدوث تشنجات‪ ،‬وزايدة العمليات‬ ‫القيصرية نتيجة تعسر الوالدات يف العمر املبكر‪،‬‬ ‫وارتفاع نسبة الوفيات نتيجة املضاعفات املختلفة‬

‫للحمل‪ ،‬وظهور التشوهات العظمية يف احلوض‬ ‫والعمود الفقري بسبب احلمل املبكر‪.‬‬ ‫وتـكـثــر ل ــدى الـفـتــاة مـشــاكــل اجل ـمــاع املهبلية‪،‬‬ ‫فـتـحــدث األمل بـسـبــب الـتـشـقـقــات ال ــي حتــدث‬ ‫يف املهبل‪ ،‬وذلــك بسبب عــدم نـضــوج املهبل‪،‬‬ ‫وكــذلــك عــدم إف ـراز اهلــرمــوانت األنـثــويــة بشكل‬ ‫طبيعي يف ه ــذه ال ـســن‪ .‬وتـكـثــر االل ـت ـهــاابت يف‬ ‫اجلهاز التناسلي والبويل‪ .‬ويف هذه السن تكون‬ ‫الطفلة غــر مــدركــة للجنس‪ ،‬ممــا يفقدها املتعة‬ ‫اجلنسية يف املستقبل‪.‬‬ ‫آاثر الزواج املبكر على اجلنني‪:‬‬ ‫ال ينجو اجلنني من آاثر زواج األم املبكر‪ ،‬إذ إنه‬ ‫يتعرض لكثري من املخاطر‪ ،‬منها االختناق يف‬ ‫بطن األم نتيجة القصور احلاد يف الدورة الدموية‬ ‫املغذية للجنني‪ ،‬وال ــوالدة املبكرة ومــا يصاحبها‬ ‫من مضاعفات مثل‪ :‬قصور يف اجلهاز التنفسي‬ ‫لـعــدم اكـتـمــال منــو الـرئـتــن‪ ،‬واع ـتــاالت اجلـهــاز‬ ‫اهل ـض ـمــي‪ ،‬وأتخـ ــر ال ـن ـمــو اجل ـس ــدي والـعـقـلــي‪،‬‬ ‫وزايدة احتمال اإلصابة ابلشلل الدماغي والعمى‬ ‫واإلعاقات السمعية والوفاة بسبب االلتهاابت‪.‬‬ ‫اآلاثر النفسية للزواج املبكر‪:‬‬ ‫وال تقل األضرار النفسية اليت تتعرض هلا األم‬ ‫القاصر وطفلها عن األض ـرار الصحية‪ ،‬ومن‬ ‫هذه األضرار‪:‬‬ ‫• احلــرمــان العاطفي مــن حـنــان الـوالــديــن‪ ،‬ومن‬


‫عيش مرحلة الطفولة اليت يفرتض أن متر بسالم‬ ‫لتكرب الطفلة وتصبح إنـســانــة ســويــة‪ ،‬لــذا فإن‬ ‫حرماهنا من االستمتاع هبــذه السن يــؤدي عند‬ ‫تعرضها لضغوط إىل ارتداد هلذه املرحلة يف صورة‬ ‫أمراض نفسية مثل اهلسترياي‪ ،‬الفصام‪ ،‬االكتئاب‪،‬‬ ‫القلق‪ ،‬اضـطـراابت الشخصية واض ـط ـراابت يف‬ ‫العالقات اجلنسية بني الزوجني انتج عن عدم‬ ‫إدراك الطفلة لطبيعة العالقة‪ ،‬مما ينتج عنه عدم‬ ‫جناح العالقة وصعوبتها‪ ،‬وقلق واضطراابت عدم‬ ‫التكيف‪ ،‬نتيجة للمشاكل الزوجية وعدم تفهم‬ ‫الزوجة ملا يعنيه الزواج ومسؤولية األسرة والسكن‬ ‫واملودة‪.‬‬ ‫• اإلدمان نتيجة لكثرة الضغوط كنوع من أنواع‬ ‫اهلروب‪.‬‬ ‫• آاثر مــا بعد الصدمة (ليلة الــدخـلــة)‪ ،‬وهي‬ ‫جمموعة مــن األعـ ـراض النفسية الــي تـ ـراوح ما‬ ‫بني أعراض االكتئاب والقلق عند التعرض ملثل‬ ‫هذه املواقف‪ .‬ويشكل اخلوف حالة طبيعية عند‬ ‫األطـفــال ومــن هــم دون ســن البلوغ‪ ،‬كاخلوف‬ ‫من الظالم والغرابء والبعد عن الوالدين‪ ..‬ويزول‬ ‫ه ــذا الـشـعــور بـعــد مــرحـلــة ال ـب ـلــوغ‪ ،‬لــذلــك فــإن‬ ‫اخلوف وما يرتتب عليه قد يصاحب القاصر إذا‬ ‫تعرضت للزواج يف هذا العمر‪.‬‬

‫• االنـ ـغ ــاق ال ـ ـ ـ ــاإرادي لـلـمـهـبــل مل ــن ه ــن يف‬ ‫عـمــر مـبـكــر‪ ،‬وه ــو م ــرض نفسي اب ـت ــداء‪ ،‬يزيد‬ ‫من احتمال حدوثه اخلــوف والقلق من الشدة‬ ‫اجلسدية من الزوج‪ ،‬وهي حال مرضية تستدعي‬ ‫التدخل الطيب‪.‬‬ ‫• هناك أيضاً قابلية لإلصابة ببعض األمـراض‬ ‫النفسية خ ــال ف ــرة الـنـفــاس (نـتـيـجــة احتمال‬ ‫إصــابـتـهــا أبمـ ـراض نفسية قـبــل احل ـمــل)‪ ،‬وعــدم‬ ‫اك ـت ـم ــال ال ـن ـض ــج ال ــذه ــي ف ـي ـمــا خي ــص اخت ــاذ‬ ‫الـ ـقـ ـرارات‪ ،‬وم ــا يـرتــب عليها ابلـنـسـبــة للعناية‬ ‫ابلطفل وواجبات الزوج والعالقة مع أقاربه‪.‬‬ ‫أما ابلنسبة لآلاثر النفسية على أطفال األم‬ ‫القاصر‪ ،‬فتنحصر يف‪:‬‬ ‫• الـشـعــور ابحلــرمــان‪ ،‬فــا ميـكــن أن تـقــوم األم‬ ‫القاصر بعملها كأم انضجة‪.‬‬ ‫• اضـ ـطـ ـراابت نـفـسـيــة ي ـصــاب هب ــا ط ـفــل األم‬ ‫ال ـقــاصــر‪ ،‬ت ــؤدي إىل أم ـ ـراض نفسية يف الكرب‬ ‫كالفصام واالكتئاب نتيجة وجود الطفل يف بيئة‬ ‫اجتماعية غري متجانسة‪.‬‬ ‫• أتخر النمو الذهين عند األطفال نتيجة انعدام‬ ‫أو ضعف الرعاية الرتبوية الصحيحة حيث ال‬ ‫ميكن لألم القاصر أن تقوم بواجبها الرتبوي جتاه‬ ‫أطفاهلا‪.‬‬

‫احللول‪:‬‬ ‫أفضل الطرق ملعاجلة هذه الظاهرة هي التوعية‬ ‫والتثقيف لــآابء واألمـهــات عــن طريق وسائل‬ ‫اإلعــام املـقــروءة واملسموعة واملرئية‪ ،‬ابملخاطر‬ ‫الصحية والنفسية الــي قد حتــدث لألطفال يف‬ ‫هــذه الـســن‪ ،‬فــاألطـفــال ليست هلــم دراي ــة هبذة‬ ‫املخاطر‪ ،‬وليست لديهم القدرة على االختيار‬ ‫والرأي خبصوص الزواج‪.‬‬ ‫ومــا جيب أن متارسه الطفلة هو طفولتها بكل‬ ‫ب ـراءة‪ ،‬واالستمتاع أبفضل سنوات العمر دون‬ ‫حتميلها مسؤولية ال تقدر عليها‪.‬‬

‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪33 2015‬‬


‫مزكين يوسف لسيدة سوريا‪:‬‬ ‫«‬

‫المعاناة كانت الحجر األساس في انخراطنا في الثورة السورية منذ اندالعها‪..‬‬ ‫وما تناوله اإلعالم حول أزمتنا ليس إال غيضًا من فيض»‬

‫• حاورهتا سيدة سوراي‬ ‫م ــن م ـك ــوانت الـنـسـيــج الـ ـس ــوري‪ ،‬ذي األقـلـيــة‬ ‫الـعــدديــة‪ .‬ب ــرزت قضيتهم إىل الــواجـهــة الصيف‬ ‫املاضي مع عمليات التهجري اليت قام هبا تنظيم‬ ‫«الدولة اإلسالمية» يف شنكال‪.‬‬ ‫لسيدة س ــوراي‪ ،‬تتحدث مــزكــن يــوســف‪ ،‬رئيسة‬ ‫جملس إيزيديي ســوراي‪ ،‬عن اإليزيديني‪ ،‬العقيدة‬ ‫والبنية اجملتمعية والسياسية‪.‬‬ ‫ت ـعـ ّـرف ال ـعــامل عـلــى اإلي ـزيــديــن بشكل أك ــر بكثري‬ ‫بـعــد أزم ــة «داع ـ ــش»‪ ،‬مــا ال ــذي ميـكــن أن تقوليه‬ ‫عن اإليزيديني كمكون بشري‪ ،‬ووجــود اترخيــي يف‬ ‫اجلغرافيا اليت يسكنوهنا؟‬ ‫اإليزيديون جمموعة بشرية تدين ابهلل الواحد‪ُّ ُ ،‬‬ ‫سوا‬ ‫ابإليزيديني نسبة إىل داينتهم «إيزيد‪ /‬أزدا» أو الروح‬ ‫الطاهرة اجلديرة ابلعبادة‪ .‬وتقوم هــذه الداينة على‬ ‫مبادئ التسامح واخلــر واحـرام اآلخــر ونبذ العنف‬ ‫واإلكراه‪.‬‬ ‫يتواجد اإليزيديون يف العراق وسوراي‪ ،‬ويعيش أغلبهم‬ ‫ق ــرب املــوصــل ومنطقة جـبــال سـنـجــار يف ال ـع ـراق‪،‬‬ ‫كـمــا تـعـيــش جم ـمــوعــات أص ـغــر يف تــرك ـيــا‪ ،‬س ــوراي‪،‬‬ ‫أملانيا‪،‬جورجيا وأرمينيا‪ .‬عرقياً تعود أصوهلم للشعب‬ ‫الكردي‪ ،‬والكردية هي لغتهم األم‪ ،‬ومجيع صلواهتم‬ ‫وأدعيتهم و طقوس داينتهم ابللغة الكردية‪.‬‬ ‫قبلتهم الـشـمــس‪ ،‬ومــركــزهــم الــديــي األس ــاس ــي هي‬ ‫«الل ـ ــش» مش ــايل الـ ـعـ ـراق‪ .‬ال ــداين ــة اإلي ـزي ــدي ــة غري‬ ‫ت ـب ـش ـريــة‪ ،‬ال يـسـتـطـيــع األش ـخ ــاص م ــن الـ ــدايانت‬ ‫األخ ــرى االنـتـمــاء إلـيـهــا‪ ،‬أمــا الــوجــود اإلي ـزيــدي يف‬ ‫سوراي‪ ،‬فهو وجود اترخيي‪ ،‬يعود إىل مرحلة ما قبل‬ ‫وجــود الــدولــة السورية بشكلها احلــايل‪ ،‬وليس كما‬ ‫يدعي البعض أبن الوجود اإليزيدي يف سوراي‪ ،‬يعود‬ ‫إىل حقبة ما بعد احلرب العاملية الثانية‪.‬‬ ‫يتوزع اإليزيديون يف سوراي مبحافظتني أساسيتني‪ ،‬مها‬ ‫حلب واحلسكة‪ ،‬حيث ينتشرون يف حمافظة احلسكة‬ ‫مبنطقة متتد على طــول احلــدود السورية الرتكية من‬ ‫بـلــدة تربسيب\القحطانية ش ـرق ـاً‪ ،‬حــى سريكانيه\‬ ‫رأس العني غرابً‪ ،‬مث نزوالً حىت مدينة احلسكة جنوابً‪.‬‬ ‫عدد قرى اإليزيدية يف حمافظة احلسكة حوايل ‪50‬‬ ‫قـريــة‪ ،‬أمــا يف حمافظة حلب فيرتكز اإلي ـزيــديــون يف‬ ‫منطقة عفرين بقرى عديدة تزيد على الـ ‪ 60‬قرية‪.‬‬ ‫ويُقدر عدد اإليزيديني إمجاالً (حسب إحصائيات‬ ‫غري رمسية) حبوايل ‪ 150‬ألف نسمة‪.‬‬ ‫‪ 34‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫نتمىن أن تقدمي لنا جملس إيزيديي سوراي‪.‬‬ ‫حنن ككرد إيزيديني عانينا من السياسات العنصرية‬ ‫اليت كانت تتبعها األنظمة املتعاقبة على احلكم يف‬ ‫سوراي‪ ،‬فالداينة اإليزيدية غري معرتف هبا يف الدستور‬ ‫الـســوري‪ ،‬وهــذا يعين حرمان املواطن اإليـزيــدي من‬ ‫أداء طـقــوســه الــديـنـيــة حب ـريــة‪ ،‬والـطـلـبــة اإليـزيــديـيــون‬ ‫جمربون حىت يومنا هذا على دراسة الداينة اإلسالمية‬ ‫يف املدارس‪.‬‬ ‫ابإلضافة إىل أن شهادة اإليزيديني غري معرتف هبا‬ ‫أمام احملاكم واجلهات السورية الرمسية‪.‬‬ ‫واملشكلة األكــر هي الــزواج‪ ،‬فاأليزيدي جمرب على‬ ‫الزواج وفق الشريعة اإلسالمية‪.‬‬ ‫هــذه املـعــاانة كانت احلجر األســاس يف اخنراطنا يف‬ ‫ال ـثــورة الـســوريــة منذ انــدالعـهــا‪ ،‬وع ــران عــن أنفسنا‬ ‫بنضالنا السلمي‪ ،‬الــذي هو أســاس وروح قيم هذه‬ ‫ال ــداين ــة‪ ،‬لــذلــك حنــن (الـنـخـبــة املـثـقـفــة مــن اجملتمع‬ ‫اإلي ـ ـزيـ ــدي)‪ ،‬عـمـلـنــا ع ـلــى أتس ـيــس ك ـيــان سـيــاســي‬ ‫مستقل ابسم «جملس إيزيديي سوراي»‪ ،‬وهو جملس‬ ‫س ـيــاســي‪ ،‬يـسـعــى ل ـلــدفــاع ع ــن ح ـقــوق اإلي ـزيــديــن‬ ‫الـســوريــن الثقافية‪ ،‬االجتماعية والـسـيــاسـيــة‪ ،‬وفقاً‬ ‫لشرعة حقوق اإلنسان‪ ،‬والشرعة الدولية‪ ،‬يف إطار‬ ‫الدولة السورية‪.‬‬ ‫يــؤمــن اجمل ـلــس ابل ــدول ــة املــدن ـيــة احل ــدي ـث ــة‪ ،‬ومب ـبــادئ‬ ‫الــدميـقـراطـيــة‪ ،‬احل ـريــة‪ ،‬الـعــدالــة وامل ـس ــاواة‪ ،‬بــن كافة‬ ‫املكوانت القومية‪ ،‬اإلثنية‪ ،‬الدينية واللغوية‪ ،‬ويدعو‬ ‫إىل املساواة التا ّمة بني اجلنسني‪ ،‬دون متييز‪ .‬كما ينبذ‬ ‫اجمللس كافة أشكال العنصرية والعنف واإلرهــاب‪،‬‬ ‫أايً كانت م ـصــادره‪ ،‬ودواف ـعــه‪ .‬ويتخذ مــن مبادئ‬ ‫السلم واألمــن األهليني‪ ،‬أساساً للتعايش بني مجيع‬ ‫أبناء مكوانت اجملتمع السوري املتعدد القوميات‪،‬‬ ‫األداين‪ ،‬الطوائف واالجتاهات الفكرية‪.‬‬ ‫ون ـظ ـراً لتشتت اإليـزيــديــن الـســوريــن وهـجـرهتــم إىل‬ ‫دول أوروب ـيــة‪ ،‬ال سيما أملانيا‪ ،‬يعمل اجمللس على‬ ‫أن يكون جسراً بني إيزيديي الداخل واخلارج‪ .‬يؤكد‬ ‫اجمللس على استخدام «النضال السلمي احلضاري»‬ ‫املشروع واملنصوص عليه يف الصكوك واملعاهدات‬ ‫واالتفاقات الدولية‪ ،‬سيما تلك اليت أقرت من قبل‬ ‫األمم املتحدة‪.‬‬ ‫يف سياق ملف يف جملة سيدة سوراي حول «تزويج‬ ‫القاصرات»‪ ،‬ومع علمنا مبقدار قسوة هذا السؤال‪،‬‬ ‫نتمىن أن تضعينا يف تـصــور حــول واق ــع مــا حصل‬

‫للنساء اإليزيدايت يف اجتياح «داعش» ملناطقهن‪،‬‬ ‫وقصة السيب لنساء وطفالت‪ ،‬خاصة أن الكثري من‬ ‫األحاديث انتشرت‪ ،‬ورمبا فيها شيء من املبالغة‪ ،‬أو‬ ‫لغرابتها رمبا؟ شعران أن فيها مبالغة أو هتويالً‪.‬‬ ‫ال أابلــغ لو قلت إن كل ماتناقلته وسائل اإلعــام‬ ‫كــان غيضاً من فيض‪ .‬الواقع مأساوي وغــر قابل‬ ‫للتصديق‪ ،‬فـفــي الـقــرن ال ـواحــد والـعـشـريــن يتعرض‬ ‫اإلي ـزيــديــون إلابدة مجــاعـيــة مــن قـبــل تنظيم إره ــايب‬ ‫ج ـهــادي سـلـفــي‪ ،‬حي ــاول ال ـعــودة ابلـبـشــر ق ــروانً إىل‬ ‫الوراء‪.‬‬ ‫يف عمليات اإلابدة اجلماعية هذه تعرض الشباب‬ ‫لـلـقـتــل‪ ،‬واألط ـف ــال لـلـجــوع واإلره ـ ــاب‪ ،‬والـفـتـيــات‬ ‫الـقــاصـرات والنساء للسيب والبيع يف األسـ ـواق‪ ،‬أو‬ ‫تقدميهن كهدااي‪ .‬أقل ما ميكن قوله يف هذا الصدد‬ ‫إن ــه ان ـت ـهــاك خ ــارق لـلـقـيــم اإلن ـســان ـيــة‪ ،‬هــو انـتـهــاك‬ ‫واغتصاب للطفولة‪ ،‬للمرأة‪ ،‬للدين واإلنسانية‪.‬‬ ‫ه ــذا الـتـعــذيــب اجل ـســدي والـنـفـســي دف ــع الـكـثـرات‬ ‫منهن لالنتحار خوفا من اغتصاهبن‪.‬‬ ‫مــا هــي ت ـصــوراتــك ح ــول حـلــول لـلـواقــع السياسي‬ ‫واالجتماعي يف منطقتنا يف ظل التوازانت اإلقليمية‬ ‫واملتغري الدويل؟‬ ‫إن ال ـص ـراع ــات امل ــوج ــودة عـلــى األرض الـســوريــة‬ ‫التصب يف مصلحة أحد‪ ،‬فاجلميع خاسر يف هذه‬ ‫املعركة‪ ،‬ولألسف أصبحت سوراي مرتعاً لإلرهابيني‪،‬‬ ‫مــن كــل أحن ــاء ال ـعــامل‪ ،‬وســاحــة لتصفية احلـســاابت‬ ‫الدولية واإلقليمية‪.‬‬ ‫هذا املناخ املوبوء ال بديل له سوى االحتكام للغة‬ ‫العقل واحلكمة‪ ،‬والبحث سوية عن حل سياسي‬ ‫يكفل جلميع مكوانت الشعب السوري حقوقهم‪،‬‬ ‫وذلك ببناء سوراي مدنية تعددية دميقراطية‪ ،‬تضمن‬ ‫حقوق املواطنة واملساواة لكافة أبنائها بغض النظر‬ ‫عن اجلنس أو الدين‪ ،‬أو املذاهب القومية واإلثنية‪،‬‬ ‫وم ــن أج ــل حتقيق ه ــذا اهل ــدف‪ ،‬ال بــد مــن العمل‬ ‫احلثيث مع كافة مكوانت الشعب الـســوري‪ ،‬بغية‬ ‫توحيد الرؤى السياسية من أجل الوصول إىل مؤمتر‬ ‫وطين سوري شامل يوحد األهداف‪.‬‬


‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪35 2015‬‬


‫دعد حداد عاشت وماتت من شدة الشعر!‬

‫• سامر خمتار‬

‫كثرياً ما نقرأ نصوصاً أدبية لكتّاب وكاتبات‪ ،‬رحلوا عن عاملنا‪ ،‬لكن كتاابهتم المست‬ ‫واقعنا الراهن‪ ،‬أو هكذا يرتاءى لنا وفقاً لواقع نتوق إىل تغيريه حنو األفضل‪ ،‬وإذا أردان أن‬ ‫ننظر لألمر من زاوية أخرى‪ ،‬فعلينا أن نكون أكثر جرأة‪ ،‬لنقول إن ما من أحد تنبأ حول‬ ‫مستقبل‪ ،‬هو حاضران اآلن‪ ،‬واألمر أن هناك حلظة انكسار كانت تنمو كاألعشاب الضارة‪،‬‬ ‫وأجيال تتوالد‪ ،‬ومل أيت أحد ليوقف حلظة االنكسار تلك‪ ،‬قليلون ُهم من توقفوا عن أكل‬ ‫األعشاب الضارة‪ ،‬وقليلون هم من ابدروا ابقتالعها!‬ ‫َّ‬ ‫ولعل الشاعرة السورية دعد ح ّداد (‪ )1937-1991‬كانت إحدى هؤالء الذين ابدروا‬ ‫منذ البداية يف عملية االقتالع‪.‬‬ ‫انتهاء‬ ‫حينما نبدأ بقراءة دعد ح ّداد بدءاً من ديواهنا األول «تصحيح خطأ املوت» (‪ ،)1981‬و ً‬ ‫بديواهنا األخري «الشجرة اليت متيل حنو األرض»‪ ،‬والذي نشر بعد وفاهتا يف عام ‪ ،1991‬جند أن‬ ‫خيار الشعر‪ ،‬وخيار الكتابة عند دعد هو يف املقام األول خيار العزلة‪ ،‬واخليار الثاين إبمكاننا أن‬ ‫نصيغه على شكل سؤال‪ :‬كيف للشعر أن يكون شاهد على انعدام احلياة؟‪ ..‬كيف يكون شاهداً‬ ‫على موتنا؟‬ ‫نتذكر اليوم دعد ح ّداد بوصفها أحد األصوات الشعرية املتفردة يف سوراي يف السبعينيات من القرن‬ ‫العشرين‪.‬‬ ‫نقرأ دعــد ح ـ ّداد الـيــوم لنكتشف أن قصائدها حــاضــرة بقوة يف حياتنا‪ ،‬ومالمسة لواقعنا‪ ،‬وكــأن‬ ‫هـنــاك تـقــاطـعــات بــن ال ـس ـواد ال ــذي يطغى عـلــى املـشـهــد ال ـســوري يف سـنـواتــه األخـ ــرة‪ ،‬وال ـس ـواد‬ ‫ال ــذي ي ـلّــف قـصــائــد دع ــد‪ ،‬قـصــائــد رمب ــا م ــازال ــت حت ــاول «تـصـحـيــح خـطــأ امل ـ ــوت»‪ ،‬ك ــأن تطل‬ ‫عـلـيـ َ‬ ‫ـك مــن خ ــال قـصـيــدة بـعـنـوان «اس ـت ـعــدوا‪ ،‬أدوات التحنيط ج ــاه ــزة»‪ ،‬لـتـقــول يف مطلعها‪:‬‬ ‫يعتصرون األدمغة اإللكرتونية‬ ‫حبثاً عن دور جديد‬ ‫يعتصرون فيه بؤسك املقبل‬ ‫مث ينحين املمثل‬ ‫املقتول يف الغد‬ ‫لغبائك القسري‪...‬‬ ‫هذا عاملنا‪،‬‬ ‫ارفع طفلك فوق الغيم‬ ‫قد يتلوث يف البيئة‪.‬‬ ‫وإذ نشري إىل هذه القصيدة‪ ،‬يف ديوان دعد األول‪ ،‬فألهنا أشبه ببيان احتجاج‪ ،‬وقد يكون صوت‬ ‫الشاعرة فيها أعلى‪ ،‬نسبة إىل ابقي القصائد‪.‬‬ ‫إنذار‪:‬‬ ‫اخلوا هذي الدار‬ ‫إيقاع وطبول‪ ،‬موسيقا وحشية‪،‬‬ ‫قبل البدء‪ ،‬بلحظة‪،‬‬ ‫حلظة‪ ..‬سلخ‪...‬‬ ‫وكأن الشاعرة تروي مشهداً من حرب ما‪ ،‬أو جمزرة على وشك أن تبدأ‪ ،‬أو بدأت للتو‪:‬‬ ‫استعدوا‪ ..‬ستعدوا‪ ..‬ألف مرة قلت‪ ..‬استعدوا‬ ‫‪ 36‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫فالنوم ال يكون أبداً أثناء السقوط‪..‬‬ ‫يف حفرة‪..‬‬ ‫وأخرياً‪ ..‬ما أروع أن يكون لكم‪ ...‬مأوى!‬ ‫لتختم القصيدة أيضاً مبقطع شعري‪ ،‬حممل بلغة‬ ‫بصرية عالية‪:‬‬ ‫األقدام الصغرية احلافية‪،‬‬ ‫تسابق الفئران يف األزقة‬ ‫وترفع حجراً يف وجهها‬ ‫أما الفئران‪ ،‬فرتفع‪ ...‬بندقية!‬ ‫تتشابك الـصــور واملـشــاهــد البصرية يف قصائد‬ ‫دعد‪ ،‬وكأن كل قصيدة عبارة عن لوحة جتريدية‬ ‫تتداخل فيها األل ـوان‪ ،‬ومتتزج فيما بينها‪ ،‬ليولد‬ ‫منها معىن ما‪ .‬أو أن يُغ ِرق َ‬ ‫نص ما يف مشاهد‬ ‫ُك ّ‬ ‫حية‪ ،‬تتحرك داخل نص واحد‪ ،‬صاغته شاعرة‬ ‫متتلك حساسية عالية‪ ،‬لكل مــا ي ــدور حوهلا‪،‬‬ ‫ونـقــف هـنــا عـنــد إح ــدى الـقـصــائــد مــن ديـواهنــا‬ ‫األخري «الشجرة اليت متيل حنو األرض»‪ ،‬تصف‬ ‫فيها دعد‪ ،‬كيف مات طفل وأمه من شدة الربد‪،‬‬ ‫تبدأ القصيدة من «امل ــاءة الـســوداء»‪ ،‬الــي لن‬ ‫تقي الطفل من الريح الثلجية العاصفة‪ ،‬وستكون‬ ‫سيلف جثَّ َة الطفل‪ ،‬ومن‬ ‫مبثابة الكفن‪ ،‬الــذي ّ‬ ‫بعده األم‪:‬‬ ‫استلقى الطفل فوق املالءة‪...‬‬ ‫السوداء‪...‬‬ ‫الزهرة احلمراء قرب شعره‪...‬‬ ‫األم مللمت دموعها‪...‬‬


‫وجبال الثلج ازدادت علواً‪...‬‬ ‫اقرتبت اهلِ َّرة السوداء‪...‬‬ ‫انمت قرب الزهرة احلمراء الصغرية‪...‬اقرتبت‬ ‫األم‪ ،‬لفّت نفسها مع اجلميع‪...‬‬ ‫ابملالءة السوداء‪..‬‬ ‫وانموا مجيعاً‪...‬‬ ‫َّ‬ ‫الثلج‪...‬وأشتد الربد‪...‬‬ ‫فوق جبال‬ ‫وهطلت أمطار‪...‬‬ ‫حىت غيَّبت اجلميع‪...‬‬ ‫املــوت‪ ،‬الوحدة واحلــزن‪ ،‬ثيمات تظل متالزمة‪،‬‬ ‫وح ــاض ــرة يف قـصــائــد عــديــدة لــدعــد‪ ،‬حــى مع‬ ‫اختالف مواضيع القصائد‪ ،‬إذ إن بعض القصائد‬ ‫أتيت كما أشـران سابقاً كمشاهد‪ ،‬أو لقطات‪،‬‬ ‫أشبه بلقطات سينمائية‪ ،‬لكنها معجونة بلغة‬ ‫شــاعـريــة‪ .‬وحــى القصائد الــي أتيت هبيئة بــوح‪،‬‬ ‫يتحول البوح فيها أيضاً إىل مشهد‪ ،‬كأن نقرأ يف‬ ‫إحدى القصائد‪:‬‬ ‫ثالثة أطفال‪..‬‬ ‫حيفرون قربي يف الثلج‪..‬‬ ‫الوحدة واحلزن واحلرية‪..‬‬ ‫ثالثة أطفال‪...‬‬ ‫أبرايء‪...‬‬ ‫إهنم محر الوجوه من التعب‪...‬‬ ‫ومن الشوق لدفين‪..‬‬ ‫ثالثة أطفال‪...‬‬ ‫الوحدة واحلزن واحلرية‬ ‫حتت وابل املطر‪ ...‬أو الثلج‬ ‫حيفرون‪ ...‬إهنم حيفرون بعمق والثلج‪...‬‬

‫عميق‪ ...‬عميق‪ ...‬بعمق‪...‬‬ ‫حبرية منسية‪...‬‬ ‫إن قدرة دعد حـ ّداد على كتابة قصائدها هبذه‬ ‫اجلمالية يف بـنــاء «مـشـهــد» متعدد اللقطات‪،‬‬ ‫انبع عن جتربتها يف كتابة املسرح‪ ،‬إذ إن لدعد‬ ‫أربع مسرحيات‪« :‬ابئع الزهور اجملففة»‪« ،‬فقاعة‬ ‫صابون»‪« ،‬اثنان يف األرض وواحد يف السماء»‬ ‫و«ســأح ـكــي لـكــم ق ـص ــي»‪ .‬أض ــف إىل ذلــك‬ ‫«التجريد» الذي نلحظه يف بناء النص‪ ،‬والذي‬ ‫يـبـتـعــد ع ــن أي شـكــل غـنــائــي أو مج ــايل يفقد‬ ‫النص مضمونه‪ ،‬ويعود ذلــك أيضاً إىل جتربتها‬ ‫يف النحت‪.‬‬ ‫دعد حداد من مواليد مدينة الالذقية ‪،1937‬‬ ‫تلقت تعليمها مــا قبل اجلامعي مــابــن دمشق‬ ‫والالذقية‪ ،‬بسبب ظروف عمل والدها الوطيفي‪،‬‬ ‫ومن مث التحقت بكلية اآلداب يف دمشق (قسم‬ ‫اللغة العربية)‪.‬‬ ‫مل تكمل دراستها اجلامعية‪ ،‬لكنها درست اللغتني‬ ‫الفرنسية‪ ،‬واألملانية‪ ،‬كما درست املوسيقى‪.‬‬ ‫عملت كمدققة لغوية وأدب ـيــة يف مطابع وزارة‬ ‫الثقافة‪ ،‬وكانت عضواً يف مجعية الشعر يف احتاد‬ ‫الكتّآب العرب بدمشق‪.‬‬ ‫مارست دعد النحت والرسم والعزف‪ ،‬وكتبت‬ ‫إضافة للشعر واملسرح قصصاً قصرية لألطفال‪.‬‬ ‫مل تـتــزوج‪ ،‬عاشت آخــر عقدين مــن عمرها يف‬ ‫دمشق‪ ،‬وتوفيت فيها عــام ‪ ،1991‬عن عمر‬ ‫انه ــز ‪ 54‬ع ــام ـاً‪ .‬وه ــي أخ ــت ال ـشــاعــرة نبيهة‬ ‫حداد «أزهار الليلك» (‪،)1978 - 1929‬‬

‫واملخرج السينمائي مروان حداد‪.‬‬ ‫كتب عنها الشاعر السوري نزيه أبو عفش يف‬ ‫مقدمة كتاهبا األخري (امرأة ال تشبه إالّ نفسها‪،‬‬ ‫تنفرد بني مجيع من عرفت من الشعراء بكتابة بريئة‬ ‫من «آاثر بصمات اآلخرين»‪ ،‬شاعرة ابمتياز‪،‬‬ ‫فــوضــويــة ابم ـت ـيــاز‪ ،‬كــائــن صـنــع م ــن الـفــوضــى‪،‬‬ ‫ليبشر ابلفوضى‪ ،‬ام ـرأة معجونة ابلشعر‪ ،‬امـرأة‬ ‫هي الشعر‪ ،‬وحدها اليت جترؤ على اإلفصاح عن‬ ‫رغبتها اجملنونة يف تصحيح ما يرتكب املوت‪ ،‬أو‬ ‫احلياة رمبا‪ ،‬من أخطاء‪ .‬هي وحدها اليت تكون‬ ‫مرغماً على تصديقها حني تقول‪« :‬كسرة خبز‬ ‫تكفيين» كأمنا مل ختلق ليكون هلا شأن يف العامل‪،‬‬ ‫أي شأن‪ ،‬ال يف الشعر وال يف سواه‪ ،‬لو أمكن‬ ‫أن تطرح عليها سؤاالً ما‪ ،‬يتصل ابملشهد اليومي‬ ‫حلياتنا‪ ..‬إلجابتك بكل بساطة‪:‬‬ ‫«أان ايئسة من هــذا الـعــامل»! وألمكنك بكل‬ ‫بساطة أيضاً‪ ،‬أن تدرك املغزى احلقيقي إلجابتها‬ ‫املتربمة االعتباطية‪ ،‬القاطعة‪ ،‬اليت تعين غالباً‪:‬‬ ‫«أان إمرأة بال مصري‪»..‬‬ ‫دعد تقول‪:‬‬ ‫«كسرة خبز تكفيين‪.....‬‬ ‫ال أحد يستطيع أن يسكن قربي‬ ‫أان من حتمل الزهور إىل قربها وتبكي من شدة‬ ‫الشعر‬ ‫أغمضوا أعينكم‪...‬‬ ‫سأمر وحيدة كرمح»‪.‬‬ ‫إهنا الشاعرة اليت عاشت حياهتا وماتت من‬ ‫شدة الشعر‪.‬‬ ‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪37 2015‬‬


‫أسماء البلتاجي‬

‫ثورة «ن»‪...‬‬ ‫أيقونات الثورة المصرية من الميدان إلى السجون‬

‫سامية جاهني‬

‫نوارة جنم‬

‫سميرة إبراهيم‬

‫سالي زهران‬

‫‪ 38‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫نظرة فابتسامة فموعد فلقاء فقصة حب تنتهي‬ ‫بزواج‪..‬‬ ‫متوالية تلخص حياة الكثري من الفتيات يف مصر‪،‬‬ ‫كذلك كانت قصة الثورة متوالية أخــرى‪ ..‬لكنها‬ ‫حزينة‬ ‫دعوة فشهادة فزغرودة‪ ..‬مث اعتداء وكشف عذرية‪،‬‬ ‫فاعتقال‪.‬‬ ‫هذه قصة الثورة املصرية اليت بدأت بدعوة انشطات‬ ‫للتظاهر يف ‪ ٢٥‬يناير ‪ ،٢٠١١‬وتكاد تنتهي اليوم‬ ‫ابعتقال فتيات اعرتضن على قانون مينع التظاهر‪.‬‬ ‫هذه هي قصة الثورة املصرية بتاء التأنيث‪ ،‬وكل ما‬ ‫ال يؤنث ال يعول عليه‪.‬‬ ‫املشهد األول‬ ‫الفضائيات تبث صور الثورة التونسية‪ ،‬والصرخة‬ ‫ملسن تونسي متأل الفضاء العريب كله‪ :‬بن‬ ‫الشهرية ّ‬ ‫علي هرب‪ ..‬التوانسة‪ ..‬الشعب العظيم‪..‬‬ ‫مث تتواىل صور الفرح التونسية‪ ،‬وكهل آخر يطلق‬ ‫صيحة الفرح املتأخرة‪« :‬لقد هرمنا من أجل هذه‬ ‫اللحظة التارخيية»‪.‬‬ ‫املشهد الثاين‬ ‫مـصــر‪ ..‬شـبــاب جيلسون على املـقــاهــي‪ ،‬ي ــرددون‬ ‫مقوالت املسؤولني املستقرين فوق املقاعد‪ :‬مصر‬ ‫ليست تونس‪ ..‬لكن الفتيات كان هلن رأي آخر‪،‬‬ ‫فـقــد أطـلـقــن دع ــوة عـلــى الـفـيـسـبــوك‪»..‬تـظــاهــروا‬ ‫تصحوا»‪.‬‬ ‫انطلقت الشرارة األوىل من دعوة «أمساء حمفوظ»‬ ‫اب ـن ــة ال ـع ـش ـري ــن عـ ــام ـ ـاً‪ ،‬ص ـ ــارت أي ـق ــون ــة بـســرعــة‬ ‫بسبب نضاهلا الطويل على صفحات التواصل‬ ‫االج ـت ـم ــاع ــي‪ .‬مث ت ـك ــررت ال ــدع ــوة ع ــر صفحة‬ ‫«خــالــد سعيد» إىل مظاهرات ختــرج يف اخلامس‬ ‫والعشرين من يناير ‪ ،٢٠١١‬وكــان السبب وراء‬ ‫حتديد هــذا التاريخ هــو أنــه يــوم احتفال الشرطة‬ ‫املصرية بعيدها‪..‬‬ ‫فالش ابك‬ ‫يف العام ‪ ١٩٥١‬قامت الشرطة املصرية أبعمال‬ ‫بطولية للتصدي لقوات االحـتــال اإلجنليزي يف‬ ‫اإلمســاعـيـلـيــة‪ ،‬وسـقــط شـهــداء كـثــرون مــن رجــال‬ ‫الشرطة‪ .‬وبعد جناح ثــورة ‪ ،١٩٥٢‬مت إعــان يوم‬ ‫اخلامس والعشرين من يناير كيوم للشرطة حتتفل به‬ ‫مصر كل عام‪.‬‬

‫• مها شهبة ‪ -‬القاهرة‬

‫حبـلــول عــام ‪ ٢٠١٠‬بــدأ االحـتـفــال عبثياً إىل حد‬ ‫كبري‪ ،‬حيث لعبت الشرطة دوراً سلبياً يف مصر‪،‬‬ ‫ازداد قمعها للشعب‪ ،‬وجتلى ذلك يف حادثة «خالد‬ ‫سعيد»‪ ،‬املواطن الذي مت تعذيبه حىت املوت يف أحد‬ ‫أقسام الشرطة‪ ،‬مث اإلســاءة إليه إعالمياً ابدعاء أنه‬ ‫مات بسبب «ابتالعه لفافة ابجنو»‪.‬‬ ‫املشهد الثالث‬ ‫القت دعوة أمساء حمفوظ‪ ،‬وقد انضمت إليها فتيات‬ ‫أخرايت‪ ،‬جناحاً كبرياً‪ ،‬واجتاحت الدعوة إىل التظاهر‬ ‫صفحات التواصل االجتماعي‪ .‬نزل الشباب يف يوم‬ ‫الثالاثء ‪ ٢٥‬يناير إىل الشوارع مطالباً بتغيري قيادات‬ ‫الشرطة وإبصالح ذلك اجلهاز‪ ،‬خاصة بعد حادثيت‬ ‫خالد سعيد وكنيسة القديسني ابإلسكندرية‪.‬‬ ‫وك ــان أقـصــى طـمــوح الـشـبــاب أن يـشــارك يف هذه‬ ‫التظاهرات عدة آالف‪ .‬لكن احلوادث اليت رافقت‬ ‫ذلك اليوم‪ ،‬وخاصة يف مدينة السويس‪ ،‬وحي املطرية‬ ‫ابلقاهرة‪ ،‬وسقوط شهداء وجرحى‪ ،‬جعل الشباب‬ ‫يدعون إىل اخلروج مرة أخرى‪.‬‬ ‫تكرر األمر وصارت املظاهرة انتفاضة‪ ،‬مث ثورة تتطور‬ ‫كل يوم‪ ،‬حىت هتف الشباب يف امليادين بعد أسبوع‬ ‫«الشعب يريد إسقاط النظام»‪.‬‬ ‫املشهد الرابع‬ ‫وجه صبية مسراء يطل من شاشة قناة اجلزيرة‪ ،‬وهي‬ ‫ت ـصــرخ‪« :‬مـفـيــش ظـلــم اتين» مث تطلق زعـ ــرودة يف‬ ‫احلادي عشر من فرباير‪ ،‬لتصبح هي وزعرودهتا من‬ ‫أيقوانت ثورة تتهجى الطريق إىل املستقبل‪ .‬الصبية‬ ‫هي الناشطة «نوارة جنم» ابنة شاعر العامية املعروف‬ ‫«أمحد فؤاد جنم»‪.‬‬ ‫ومثلما كانت زغرودة نوارة صرخة فرح الثورة‪ ،‬كان‬ ‫وجه الشهيدة «سايل زهران» وضحكتها رمزاً آخر‬ ‫للثورة‪ ،‬رغم أن سايل ماتت بعيداً عن كل ميادين‬ ‫الثورة‪ ،‬حيث لقيت حتفها إثر سقوطها من شرفة‬ ‫مـنـزهلــا يف مــديـنــة بــي ســويــف بصعيد مـصــر‪ ،‬وهــي‬ ‫حتاول اهلرب من املنزل للمشاركة يف الثورة يف الشارع‬ ‫رغماً عن عائلتها‪.‬‬ ‫ومــا إن نـشــرت إح ــدى الصحف ص ــورة ســايل مع‬ ‫قصة غــر حقيقية عــن استشهادها‪ ،‬حــى صــارت‬ ‫رم ـزاً لثورة تبتسم ملصر اجلــديــدة‪ ..‬وقــد كتب عنها‬ ‫الشاعر الراحل الكبري «حلمي سامل» قصيدة شهرية‬ ‫قال فيها‪:‬‬


‫كنت رأيتك قبل يناير‪ /‬كانت أسرتين‬ ‫«لو أين ُ‬ ‫عيناك الصاحيتان‪ /‬وخطفتين خصالت الشعر‪/‬‬ ‫رس ــام بوهيمي حــول الوجه‬ ‫املــروكــة ببدائية‪ّ /‬‬ ‫ال ـصــابــح‪ /‬أب ـيــض كحليب مــأطــور ابل ـضــرابت‬ ‫التلقائية‪ /‬مــن أس ــود فحمي‪ /‬فــأان ختلعين من‬ ‫جذري‪ /‬فطرايت احلس»‪.‬‬ ‫ورغــم أن الصحف نشرت القصة احلقيقية لوفاة‬ ‫ســايل فيما بـعــد‪ ،‬فــإن صــورهتــا بقيت عــامــة مع‬ ‫زميالهتا وزمالئها الذين قدموا أرواحهم يف الشوارع‬ ‫وامليادين‪.‬‬ ‫املشهد اخلامس‬ ‫وكـمــا ب ــدأت ال ـثــورة بــدعــوة مــن فـتـيــات‪ ،‬وزغ ــرودة‬ ‫وشهادة‪ ،‬بدأت الثورة املضادة ابالعتداء الوحشي‬ ‫على ن ـوارة جنم عند مبىن اإلذاعــة والتليفزيون من‬ ‫قبل بلطجية دفع هبم إىل الشوارع وامليادين ملواجهة‬ ‫ت ـظــاه ـرات ال ـث ـوار ال ــي كــانــت تـنـطـلــق ك ــل مجعة‬ ‫للمطالبة بتحقيق أهداف الثورة‪.‬‬ ‫املشهد السادس‬ ‫ك ـشــوف ال ـع ــذري ــة‪ ..‬ب ـعــد ال ـث ــورة أبايم تـعــرضــت‬ ‫الـنــاشـطــة «مس ــرة إب ـراه ـي ــم» وع ــدد م ــن الـفـتـيــات‬ ‫الاليت شاركن يف تظاهرات ميدان التحرير لإلذالل‬ ‫املعنوي‪ ،‬حيث أجرت قوات من اجليش فحوصاً‬ ‫لـلـكـشــف عـلــى عــذري ـت ـهــن‪ ،‬وك ــان ــت احل ـجــة الــي‬ ‫أعلنها اجمللس العسكري وقتها‪ ،‬والذي كان يعين‬ ‫اعرتافاً ضمنياً ابلواقعة‪ ،‬هي ضمان أال خترج فتاة‬ ‫ابدعــاء أهنا تعرضت لالغتصاب أثناء االعتقال‪.‬‬ ‫وكــانــت تـلــك الـكـشــوف مــن املـسـكــوت عـنــه يف‬ ‫أايم ال ـث ــورة‪ ،‬حـيــث مت اعـتـقــال شـبــاب وفـتـيــات‪،‬‬ ‫لكن مسرية إبراهيم رفضت السكوت‪ ،‬وابحت مبا‬ ‫حــدث‪ ،‬وقدمت بالغاً للنائب الـعــام‪ ،‬وأحدثت‬ ‫ضجة كربى يف مصر والعامل‪ ،‬حيث ابت حديث‬ ‫كشف العذرية من االهتامات الكربى لفرتة حكم‬ ‫اجملـلــس الـعـسـكــري ال ــذي ت ــوىل إدارة ال ـبــاد بعد‬ ‫سقوط مبارك يف ‪ ١١‬فرباير ‪.٢٠١١‬‬ ‫ورغم أن القضية اليت حركتها مسرية إبراهيم مل تنت ِه‬ ‫أبية إدانة ألي أحد‪ ،‬وأهنا قيدت ضد جمهول‪ ،‬رغم‬ ‫اعـراف عسكريني ابلواقعة‪ ،‬فإن كشوف العذرية‬ ‫ومســرة الــي كشفت عنها ظلت بقعة س ــوداء يف‬ ‫ثوب الثورة والسلطة يف مصر‪ ،‬ورمبا مثلت صافرة‬ ‫إنذار مبكر ملا سيجيء‪..‬‬ ‫املشهد السابع‬ ‫خرجت فتاة ترتدي احلجاب لتشارك يف املظاهرات‬ ‫عند جملس الوزراء‪ ،‬فهامجها اجلنود يف صورة ابتت‬ ‫من اللحظات الفارقة يف عمر الثورة‪ ،‬كشفت عن‬ ‫موقف اجمللس العسكري مــن تـطــورات الـثــورة يف‬

‫املـيــدان‪ .‬فقد تعرت البنت بسبب سحل اجلنود‬ ‫هلــا وضـرهبــا ابألحــذيــة‪ ،‬فما كــان مــن ال ـرأي العام‬ ‫املصري يف أغلبه إال أن أدان موقف الفتاة وسخر‬ ‫منها ألهنا ذهبت إىل مظاهرة‪ ،‬وألهنا ارتدت عباءة‬ ‫«بكباسني»‪ ،‬يسهل فتحها‪.‬‬ ‫وحتولت الضحية إىل ذبيحة يف كل من اإلعــام‬ ‫الرمسي والشعيب‪ ..‬لكن الصورة ابتت أيقونة عاملية‬ ‫ودليل إدانــة على ما تفعله السلطة العسكرية يف‬ ‫مصر ابلفتيات‪ .‬وابتت السلطة يف مرمى اهلجوم‬ ‫الــدويل‪ ،‬وخرجت تظاهرات نسائية مصرية تدافع‬ ‫ع ــن ح ــق «ف ـت ــاة جمـلــس ال ـ ـ ـ ــوزراء»‪ ..‬لـكــن األم ــر‬ ‫سرعان ما مر كغريه من وقائع االنتهاكات ضد‬ ‫املرأة والتحرش هبا يف ميدان التحرير‪ ،‬واليت تكررت‬ ‫وقائعها أكثر من أربع مرات يف صورة تكاد تكون‬ ‫مفتعلة أمنياً لتلويث صــورة املـيــدان‪ ،‬ودفــع األسر‬ ‫احملافظة إىل إبعاد بناهتن عن املشاركة يف فعاليات‬ ‫التظاهرات‪.‬‬ ‫املشهد الثامن‬ ‫بنات صغريات يف قفص االهتــام يبتسمن بـراءة‪،‬‬ ‫حتولن إىل أيقونة مصرية وعاملية جديدة تدل على‬ ‫فساد السلطة وبطشها وتغول النظام القضائي يف‬ ‫لعبة السياسة بعدما مت احلكم عليهن ملشاركتهن‬ ‫يف إحــدى التظاهرات الصباحية لإلخوان مبدينة‬ ‫اإلسكندرية‪ ،‬والــي محلت اســم «مجاعة السابعة‬ ‫صباحاً»‪ ،‬وهو موعد انطالق التظاهرات‪ ..‬وقضى‬ ‫احلكم حببس كل منهن أحد عشر عاماً لكل فتاة‪.‬‬ ‫فثار الرأي العام املصري والعاملي ضد قسوة احلكم‬ ‫ال ــذي ليس لــه مثيل يف اتري ــخ الـقـضــاء املـصــري‪،‬‬ ‫مــا أجــر الـنـظــام السياسي والقضائي على تربئة‬ ‫الفتيات يف حمكمة االستئناف‪.‬‬ ‫ل ـكــن االس ـت ـهــانــة ابل ـف ـت ـيــات ت ـواص ـلــت ووص ـلــت‬ ‫حــد االغـتـيــاالت‪ ،‬كما حــدث يف اغتيال بنات‬ ‫املنصورة‪ ،‬الاليت كن يتقدمن تظاهرات اإلخوان‪،‬‬ ‫وبدالً من صب اللعنة على القاتل‪ ،‬اهتم اإلعالم‬ ‫بتوجيه الـلــوم لــإخـوان ألهنــم حيتمون ابلنساء يف‬ ‫تـظــاهـراهتــم ال ــي سـقــط فـيـهــا ش ـهــداء ك ـثــرون يف‬ ‫املنصورة والقاهرة‪ ،‬ويف رابعة العدوية‪ ،‬كاإلعالمية‬ ‫يف جريدة اخلليج اإلماراتية «حبيبة عبد العزيز»‪،‬‬ ‫و«أمس ــاء البلتاجي» الــي حتـولــت ابتسامتها إىل‬ ‫صورة من صور الثورة املصرية‪ ،‬واليت احتفل الثوار‬ ‫منذ أايم بعيد ميالدها‪.‬‬ ‫املشهد التاسع‬ ‫وجه ايرا‬ ‫مل تتوقف السلطة عن قمع التظاهرات‪ ،‬ومل يعد‬ ‫األمن يفرق بني الشباب والبنات‪ ،‬بل صار قمعه‬

‫للبنات أكـثــر‪ ،‬وه ــذا تـطــور سليب لتعامل األمــن‬ ‫مــع الـنــاشـطــات الـسـيــاسـيــات‪ .‬صحيح أن هناك‬ ‫ســابـقــة يف أايم حـكــم م ـبــارك عـنــدمــا مت التحرش‬ ‫بصحافية معارضة يف إحدى التظاهرات أمام نقابة‬ ‫الصحافيني‪ ،‬إال أن املوقف ساعتها كان من تنفيذ‬ ‫ع ــدد مــن بلطجيات األم ــن‪ ،‬ال ــذي ك ــان خيشى‬ ‫مواجهة الرأي العام بضرب السيدات‪.‬‬ ‫ولكن هذا األمر تكرر بفداحة يف كل التظاهرات‪،‬‬ ‫وابت مشهد سحل البنات مألوفاً يف تظاهرات‬ ‫جامعة األزهر يف عام ‪ ٢٠١٣‬اليت شهدت أعلى‬ ‫موجة عنف ضد البنات يف التظاهرات السياسية‪،‬‬ ‫ووصل األمر إىل اهتامات ابجلملة لتعرض البنات‬ ‫لالغتصاب يف أماكن االحتجاز‪.‬‬ ‫ويف أحدث نسخة من قمع البنات والثوار عموماً‪،‬‬ ‫جلس القاضي بوقار غريب‪ ،‬ليصدر حكماً غريباً‬ ‫حببس متظاهري قصر االحتــاديــة‪ ،‬الذين تظاهروا‬ ‫رفضاً لقانون التظاهر الذي أصدره الرئيس املؤقت‬ ‫«ع ــديل م ـن ـصــور» يف ع ــام ‪ ،٢٠١٤‬وغ ـلــظ فيه‬ ‫العقوابت عن قانون التظاهر املصري الــذي ظل‬ ‫يعمل به ملدة مائة عام‪ ،‬والذي أصدرته سلطات‬ ‫االحتالل اإلجنليزي يف العام ‪ ،١٩١٤‬وكان أكثر‬ ‫رمحــة مــن قــانــون عــديل منصور مــن حيث طبيعة‬ ‫التهمة وعقوبتها‪.‬‬ ‫املتظاهرون الذين انل ـوا يف اجللسة األوىل حكماً‬ ‫بثالث سنوات سجن‪ ،‬كان من بينهم أربع فتيات‪،‬‬ ‫أشهرهن «ايرا رفعت ســام» الناشطة احلقوقية‬ ‫املعروفة دولياً‪ ،‬وابنة الشاعر املعروف رفعت سالم‪،‬‬ ‫و«سـنــاء سيف» ابنة احلقوقي الـيـســاري الراحل‬ ‫«أمحد سيف» اإلسالم املناضلة وشقيقة الناشط‬ ‫األكثر اعتقاالً يف مصر يف أايم الثورة ومراحلها‬ ‫املختلفة «عــاء عبد الفتاح»‪ ،‬وابنة واحــدة من‬ ‫أيـقــوانت الـثــورة‪ :‬الــدكـتــورة «ليلى ســويــف»‪ ،‬اليت‬ ‫قــدمــت درس ـ ـاً مـهـمـاً يف األايم األخ ـ ــرة‪ ،‬عندما‬ ‫أضربت عن الطعام تضامناً مع أحد املسجونني‬ ‫من اإلخوان رغم اخلصومة السياسية والفكرية هلا‬ ‫مع اإلخوان‪.‬‬ ‫الثورة ليست كلها سلبية فيما يتعلق ابلفتيات يف‬ ‫ينس أحــد دعــوة إس ـراء‪ ،‬وال زغــرودة‬ ‫مصر‪ ..‬فلم َ‬ ‫ن ـ ـ ـوارة‪ ،‬وال م ـواق ــف «ســام ـيــة ج ــاه ــن» وفـتـيــات‬ ‫اإلخـ ـوان‪ ،‬وال مـواقــف الكاتبة املعروفة «أهــداف‬ ‫سويف» والناشطة واحملامية «عايدة سيف الدولة»‬ ‫يف فضح ممارسات السلطة يف مصر‪ ،‬لكن احلقيقة‬ ‫أن املـرأة دفعت فاتورة الثورة املصرية مرتني‪ ،‬ألهنا‬ ‫اثئرة وألهنا امرأة‪..‬‬ ‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪39 2015‬‬


‫راضية النصراوي صرخة الحرية‬ ‫أعرتف منذ البدء أنين مل أستطع كتابة هذه األسطر عن احلقوقية راضية النصراوي بتجرد‪ ،‬بل‬ ‫احرتت يف التعامل معها والكتابة عن أايمها‪ ،‬بل سنواهتا الطويلة اليت أمضتها يف الدفاع عن‬ ‫حقوق اإلنسان بني أروقة احملاكم التونسية‪.‬‬ ‫أما سبب عدم التجرد واحلــرة فيعودان إىل راضية نفسها‪ ،‬فهي اليت تقفز أمامي بوجهها‬ ‫الشاحب النازف ابلدم واملزرق ابلكدمات‪ ،‬حتدق يف وجهي مبا يشبه العتب وأشعر أان مبا‬ ‫يشبه اخلجل‪.‬‬ ‫اجلريئة‪ ،‬الصابرة‪ ،‬املرتبصة‪ ،‬العنيدة‪ ،‬الصامدة‪ ،‬صرخة احلرية املرهفة واالم احلنون اجلائعة دوماً‬ ‫الكتشاف احلقيقة‪ ،‬رئيسة ّ‬ ‫املنظمة التونسية ملناهضة التّعذيب وحمامية قضااي حقوق اإلنسان‬ ‫يف تونس والوطن العريب منذ حوايل أربعة عقود‪.‬‬ ‫أول امرأة مت انتخاهبا لعضوية اهليئة املديرة جلمعية احملامني الشبان التونسيني سنة ‪،1980‬‬ ‫وأول امرأة تنتخب لعضوية اهليئة الوطنية للمحامني سنة ‪.1989‬‬ ‫أمامها يصري اخلوف قزماً والشهقة تنفساً واحلرية نسيماً والظل ضوءاً‪ ،‬أمامها يصري اآلخرون‬ ‫رفاق غضب‪ ،‬قال عنها «املنصف املرزوقي» يف مقال كتبه حني حكم على زوجها «محة‬ ‫اهلمامي» ابلسجن ثالث سنوات ودخلت يف إضراب جوع كاد يفتك حبياهتا‪« :‬إن راضية‬ ‫النصراوي مناضلة من النوع الصلب الــذي ال تُكسر له شوكة بسهولة‪ ،‬وقد عاشت منذ‬ ‫انتصاب الدولة البوليسية اضطهاداً متواص ً‬ ‫ال يندى له اجلبني يف أشكاله واحنطاطه‪ .‬كل ذلك‬ ‫مت يف ّ‬ ‫ظل تواصل اعتقال أو اختفاء زوجها»‪.‬‬ ‫راضية النصراوي صديقة اجلميع وعدوة كل املتنفذين واملارقني على القانون وعلى الشرعية‬ ‫من رموز السلطة وأصحاب رأس املال‪ .‬كل احلكومات سواء يف عهد بورقيبة أو ابن علي أو‬ ‫تلك احلكومات اليت جاءت بعد ‪ 14‬كانون الثاين ‪ 2011‬ختشى التحرك النضايل لراضية‬ ‫النصراوي‪ ،‬نظراً لقدرة هذه احملامية على التعبئة وحشد الدعم للوقوف ضد أي جتاوز ينال‬ ‫من حياة احلرية والدميقراطية والعدل واملساواة‪.‬‬ ‫يذكر أن ابن علي قال خالل مناسبتني لوزيرة املرأة ولرئيسة االحتاد النسائي ما معناه‪« :‬عندما‬ ‫تتوفر لديكم نساء خبصال راضية النصراوي تعالوا وحدثوين عن نساء التجمع»‪ ،‬فقد كان‬ ‫ابن علي وبقدر ما كان يكرهها كان خيشاها وحيرتمها‪.‬‬ ‫ولدت يف اتجروين يف ‪ 21‬نوفمرب ‪ ،1953‬وحبكم مهنة والدها مدير املدرسة كانت يف‬ ‫تتنقل دائم مع عائلتها‪ ،‬لكنها قضت معظم حياهتا يف تونس العاصمة خاصة يف جهة ابردو‪.‬‬ ‫‪ 40‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫• صوفية اهلمامي ‪ -‬تونس‬ ‫حصلت على شهادة الباكالوراي وسنها ‪ 16‬سنة‪ ،‬وخترجت‬ ‫من اجلامعة سنة ‪.1974‬‬ ‫يف اجلامعة تعرفت إىل محة اهلمامي حيث درســا يف نفس‬ ‫الفرتة‪ ،‬وكانت مناضلة ضمن احتاد طلبة تونس‪ ،‬التحقت‬ ‫راض ـي ــة بـسـلــك احمل ــام ــاة س ـنــة ‪ 1976‬ب ـعــد أن امتهنت‬ ‫الصحافة ملدة عام ونيف‪.‬‬ ‫تزوجت من محة سنة ‪ 1981‬بعد خروجه من السجن‪،‬‬ ‫وهلا ثالث بنات‪ ،‬اندية تعمل مهندسة يف اإلعالمية وهي‬ ‫خرجية مدرسة عليا بفرنسا‪ ،‬وسيماء طالبة العلوم السياسية‪،‬‬ ‫وآخر العنقود سارة تلميذة يف مرحلة التعليم األساسي‪ ،‬رغم‬ ‫أن راضية تكره الشؤون املنزلية إال أهنا شديدة الرعاية لبناهتا‬ ‫وتراهن على جناحهن يف الدراسة‪.‬‬ ‫كــانــت لـراضـيــة عــاقــة خــاصــة وسـريــة مــع والــدهــا املناضل‬ ‫ال ــوط ــي‪ ،‬إذ ك ــان ي ــرى فـيـهــا حتـقـيـقـاً لــذاتــه يف دفــاعــه عن‬ ‫املظلومني‪ ،‬أما والدهتا البالغة من العمر ‪ 83‬سنة‪ ،‬وهي أم‬ ‫لستة أبناء وبنات‪ ،‬فتقول إن راضية عني من عينيها‪.‬‬


‫يقول زوجها محة اهلمامي‪« :‬أذكــر جيداً أن راضية سافرت سنة ‪1998‬‬ ‫إىل مايل كمراقبة يف إحدى احملاكمات السياسية‪ ،‬وبلغين وأان يف السرية أن‬ ‫السلطات استغلت وجودها يف اخلارج لتلفق هلا جمموعة من التهم حكمها‬ ‫‪ 36‬سنة سجن‪ ،‬وذلك بنية دفعها للبقاء يف اخلارج‪ ،‬وابتصايل هبا إلبالغها‬ ‫ابألمر كان ردها‪ 36« :‬سنة سجن!! أان عائدة إىل تونس عليهم انتظاري‬ ‫يف املطار‪ ،‬لن حيلموا بذلك اليوم الذي أترك فيه تونس وأعيش ابخلارج‪ ،‬أان‬ ‫ابقية يف بالدي حىت منرر عيشتهم»‪.‬‬ ‫ويضيف محــة‪« :‬ذك ــرت هــذه القصة ألؤك ــد أن راضـيــة ام ـرأة ال يــوجــد يف‬ ‫قاموسها شيء امسه اخلوف‪ ،‬يبدة للبعض أن راضية امرأة شرسة‪ ،‬وهي فع ً‬ ‫ال‬ ‫شرسة ضد الظلم‪ ،‬لكنها امرأة رقيقة جدا ً‪ ،‬تدمع عيناها بسهولة حني تسمع‬ ‫قصة تعذيب أو ظلم‪ ،‬لكن دموعها سبب قوهتا وصمودها لينصب حقدها‬ ‫على الظلم والظاملني»‪.‬‬ ‫ويؤكد محة أن لقلب راضية فائضاً من احلنان على بناهتا وعائلتها وأمها وكل‬ ‫احمليطني هبا رغم انشغاالهتا‪ ،‬وخيتم ابلقول‪« :‬راضية صديقيت املقربة‪ ،‬بعيداً‬ ‫عن الزواج حنكي كل شيء لبعضنا البعض»‪.‬‬ ‫ال تشعر ابلفخر وال تشعر ابخلوف وال تكرتث مبا حيتمه القضاء والقدر‪ ،‬هي‬ ‫مصرة على ممارسة دورها كمواطنة تونسية وحمامية حقوقية‪ ،‬فقد دافعت عن‬ ‫القضااي العادلة وعن والناشطني السياسيني بعيداً عن خلفيّاهتم اإليدولوجيّة‬ ‫أمــام القضاء التونسي‪ ،‬وكانت النتيجة حمسومة لفائدة أصحاهبا ولو بعد‬ ‫سنني‪.‬‬ ‫وقفت راضـيــة مرافعة ببسالة عــن النقابيني حــن استهدفهم ظلم السلطة‬ ‫وخفتت أص ـوات الدفاع عنهم خوفاً من بطش النظام‪ ،‬كما دافعت عن‬ ‫اإلسالميني زمن بورقيبة وابن علي وهي مازالت تدافع لنصرة كل من طاله‬ ‫الظلم أو احليف بعد ثورة ‪ 14‬كانون الثاين ‪.2011‬‬ ‫وألن راضـيــة الـنـصـراوي كــانــت مــن أوائ ــل احملــامــن الــذيــن دافـعـوا عــن نساء‬ ‫احلــركــات اإلســامـيــة ال ـل ـوايت تـعــرضــن للتوقيف والـتـعــذيــب الــوحـشــي أوائــل‬ ‫التسعينات من القرن املاضي‪ ،‬مت تكرميها جبائزة «كمال جنبالط» حلقوق‬ ‫اإلنسان يف شهر مارس ‪.2012‬‬ ‫كما فازت احلقوقية النصراوي جبائزة «لوران برجر» للكرامة اإلنسانية‪ ،‬وهي‬ ‫جائزة تضاهي تقريباً جائزة «نوبل للسالم» يف قيمتها املالية‪ ،‬ولكنها تصرف‬ ‫على آخر فلس يف قضااي حقوق اإلنسان‪ ،‬أما آخر جوائز راضية النصراوي‬ ‫فكانت يوم ‪ 25‬كانون الثاين ‪ ،2013‬وهي جائزة «أولوف ابمله» حلقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وهو الوزير السويدي األول الذي اغتيل‪ ،‬وقد كان من بني القادة‬ ‫األوروبيني القالئل املناصرين للقضية الفلسطينة واملعادين للصهيونية‪.‬‬ ‫عن جائزة أولوف ابمله حلقوق اإلنسان قالت راضية‪« :‬أهدي هذه اجلائزة‬ ‫لكل ضحااي التعذيب يف تونس‪ ،‬مساندة هلم ملا يتعرضون له من عنف‬ ‫وانتهاكات مازالت متواصلة إىل اليوم»‪.‬‬ ‫يبقى صدر راضية عامراً ابإلميان ابلقضااي العادلة‪ ،‬مرصعاً ابلكثري من األومسة‬ ‫التونسية‪ ،‬العربية والدولية‪.‬‬ ‫لراضية النصراوي عالقة وطيدة مع منظمة العفو الدولية‪ ،‬تعود ألكثر من‬ ‫ثالثة عقود‪ ،‬كلفتها املضايقة والتضييق لسنوات عدة‪ ،‬وعن املنظمة تقول‪:‬‬ ‫اتصلت مبنظمة العفو الدولية أول مــرة‪ ،‬كنت حمامية انشئة يف‬ ‫«عندما‬ ‫ُ‬ ‫مستهل عملي املـهــي‪ .‬كــان ذلــك سنة ‪ ،1978‬عندما وقعت حـوادث‬

‫فهمت مدى‬ ‫الشغب وقمع النقابيني‪ .‬وأثناء عملي بشأن تلك القضااي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فعالية عمل املنظمة»‪.‬‬ ‫وان ك ــان هـنــاك تــونـسـيــون يــؤمـنــون بعمل راض ـيــة ال ـن ـص ـراوي‪ ،‬ف ــإن أعـضــاء‬ ‫ومناصري منظمة العفو الدولية يزيد عددهم عن ثالثة ماليني يف أكثر من‬ ‫‪ 150‬بلداً‪ ،‬يعرفوهنا ويساندون ويتعاطفون مع القضااي اليت تثريها أو تدافع‬ ‫عنها‪ ،‬ال ابعتبارها رئيسة اجلمعية التونسية ملناهضة التعذيب‪ ،‬بل ملواقفها‬ ‫البطولية يف خدمة قضااي اإلنسان بصرف النظر عن اجلنس أو اإلديولوجيا‬ ‫أو املكانة االجتماعية‪.‬‬ ‫كمخاطبة للمنظمات الدولية‪ ،‬راضية النصراوي ينطبق عليها املثل القائل‪:‬‬ ‫«إذا قالت حــذام فصدقوها»‪ ،‬فهم يثقون ثقة تكاد تكون مطلقة يف ما‬ ‫تقدمه من معطيات‪ ،‬جلديتها وتقصيها حول ما يردها من معلومات وأخبار‬ ‫وابتعادها عن اإلاثرة‪.‬‬ ‫مر السنني ألهنا‬ ‫قناعات ومبادىء وأهــداف احملامية الشرسة مل تتغري على ّ‬ ‫حتولت إىل ما يشبه العقيدة‪ ،‬أمــام التعذيب وانتهاكات حقوق اإلنسان‬ ‫تدافع بنفس اجلدية والشراسة عن الضحااي دون اعتبار النتماءاهتم‪ ،‬فحني‬ ‫يسأل سلفي عن راضية يقول‪ :‬هي أمي‪ ،‬وحني يسأل يساري يرد بنفس‬ ‫العبارات‪.‬‬ ‫ومن املفارقات أن املظاهر املشينة اليت متقتها املناضلة راضية النصراوي ما‬ ‫زالت متواصلة بعد ثورة ‪ 14‬كانون الثاين ‪ 2011‬حيث تقول‪« :‬التعذيب‬ ‫متواصل ويـكــاد يكون بشكل أكثر فظاعة ووحشية مــن الـســابــق‪ ،‬هناك‬ ‫ح ــاالت أصـيـبــت نتيجة الـتـعــذيــب يف الـسـجــون وم ـراكــز األم ــن التونسية‬ ‫واحلكومة ال تتخذ إجراءات فعلية إليقافه‪»..‬‬ ‫لقد عانت راضية النصراوي نفسها ولعلها مازالت تعاين من املالحقات‬ ‫واملضايقات من طرف أعــداء احلرية‪ ،‬فبعد الثورة أكدت مالحقة البوليس‬ ‫السياسي هلا وأشارت إىل تنصت على هاتفها يرافقها ابلطرق القدمية نفسها‪،‬‬ ‫تضيف‪« :‬ال توجد أية إصالحات يف وزارة الداخلية‪ ،‬ألن بعض األطراف‬ ‫تعمل على إصالح املنظومة األمنية‪ ،‬يف حني يعرقل مسرية اإلصالح العديد‬ ‫من األطراف يف اهليكل نفسه»‪.‬‬ ‫وم ــن سـخـريــة ال ـقــدر أن راض ـيــة ال ـن ـص ـراوي ال ــي حيتفظ جـســدهــا ووجهها‬ ‫بكدمات وخدوش نتيجة ما تعرضت له من عنف جسدي من طرف أعوان‬ ‫السلطة‪ ،‬مازال نضاهلا احلقوقي يصطدم هبذا العنف‪.‬‬ ‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪41 2015‬‬


‫المساواة بين الجنسين‬ ‫الصورة النمطية للمرأة في المجتمع وانعكاساتها في اإلعالم النسائي‪ /‬الجزء الثاني‬ ‫دراسة أعدها قسم الخدمات التعليمية المستدامة وقضايا الصحة‪ /‬وزارة المجتمع‪-‬فرنسا‬

‫اإلعالم النسوي واحلركات النسوية‬ ‫إذا كانت املقاالت النسوية اليوم ال تزال مشغولة ابملطالبات املتعلقة‬ ‫حبرية املرأة وحبقوقها‪ ،‬فإن احلركات النسوية يف املقابل‪ ،‬مل تعد تشكل‬ ‫موضوعاً للمعاجلة أو النقاش‪ ،‬فاإلعالم النسوي‪ ،‬حبسب «فريجني‬ ‫بويتون»‪ ،‬ليس إعــامـاً سياسياً‪ ،‬وإن كــان إبمكان املؤيدين لقضية‬ ‫املرأة تسليط الضوء على موضوعات تتعلق بعدم املساواة واإلقصاء‪،‬‬ ‫فإهنم ال يفعلون ذلك يف إطار التحليل السياسي‪ .‬علماً أن اإلعالم‬ ‫ال ـن ـس ــوي‪ ،‬ح ـســب ب ــوي ـت ــون‪ ،‬ي ـن ــال خـصــائـصــه م ــن خ ــال الـتـحـلـيــل‬ ‫السياسي‪ ،‬ومن املقرتحات النضالية واليوتوبيا االجتماعية‪.‬‬ ‫وهـنــاك العديد مــن اجملــات النسائية الــي تعترب أن اجملتمع دخــل يف‬ ‫مرحلة مــا بعد النسوية‪ ،‬خــاصـ ًة وأنــه ال يوجد أي إمجــاع على هذا‬ ‫املـفـهــوم‪ .‬هــل علينا إذن أن نفهم مــن «مــا بعد النسوية» أن امل ـرأة‬ ‫حصلت على مجيع حقوقها‪ ،‬أبنــه مل تعد هناك مشكلة يف اجملتمع‬ ‫حيث يعيش الرجال والنساء حتت مظلة املساواة والعدالة االجتماعية؟‬ ‫يوجد اليوم تيار كامل من أتباع «ما بعد النسوية» يهدد املكتسبات‬ ‫الــي متكنت امل ـرأة مــن احلـصــول عليها‪ ،‬فمثالً‪ ،‬هناك مــن يدعي أن‬ ‫املرأة هي عدوة نفسها‪ ،‬وأهنا تصنع بؤسها من تلقاء ذاهتا‪ .‬وهناك من‬ ‫أيخذ النجاحات الفردية كنموذج ويسقطه على احلالة العامة‪ ،‬مدعياً‬ ‫أن املرأة انلت مجيع حقوقها يف املساواة مع الرجل‪ .‬متجاهلني بذلك‬ ‫أن غالبية النساء ال حتصل إىل اليوم على نفس األجــور اليت حيصل‬ ‫عليها الــرجــل‪ ،‬وأبن ــه جيــب على الكثري منهن تــدبــر معيشتهن من‬ ‫خالل ممارسة عمل جزئي يكاد ال يكفيهن قوت يومهن‪ .‬هذا دون‬ ‫احلديث عن الصعوابت اليت تواجهها املـرأة عندما تسعى للحصول‬ ‫على منصب يف السلطة‪ ،‬أو على‬ ‫األقــل أن حتتل منصباً مبسؤوليات‬ ‫كبرية‪.‬‬ ‫اإلعالم النسوي واملرأة املذنبة‬ ‫بـعــض األش ـخ ــاص ال ــذي ــن تـتــم اسـتـشــارهتــم‬ ‫أو إجـراء مقابلة معهم يف اجملــات يرتكونك يف‬ ‫حــرة مــن أم ــرك‪ .‬كــذلــك بـعــض اخلـ ـراء واملختصني‬ ‫(ع ـل ـمــاء‪ ،‬صـحـفـيــن وك ـتّــاب‪ ،‬إخل‪ ).‬الــذيــن‬ ‫يـقــدمــون تـقــاريــر ح ــول مــوضــوعــات‬ ‫مثرية للجدل‪ ،‬فبعضهم يبدي مث ً‬ ‫ال‬ ‫قلقه حيال عمل امل ـرأة‪ ،‬أو حيال‬ ‫السلطة اليت اكتسبتها‪ ،‬أو الرجل‬ ‫الذي فقد مكانته وسلطته‪ ،‬أو األطفال الذين يعانون من الوحدة‬ ‫‪ 42‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫• ترمجة‪ :‬د‪ .‬إنعام شرف‬ ‫فريق ترمجة سيدة سوراي‬

‫والعزلة بسبب ابتعاد األمهات عنهم‪ ،‬إخل‪ .‬وهناك أيضاً من يذهب إىل أبعد‬ ‫من ذلك‪ ،‬ليقدم إحصائيات ودراسات تدعم ادعاءاته حول ارتفاع منسوب‬ ‫اجلرمية بسبب دخول املرأة عامل العمل بنسب غري مسبوقة!‬ ‫أليس مــن شــأن هــذه املقابالت أو االسـتـشــارات أن تدفع امل ـرأة للتساؤل‬ ‫حــول دورهــا كــأم أو كــزوجــة؟ وللشك خبياراهتا؟ ونسيان حقها يف العمل‬ ‫وممارسة دورها يف اجملتمع مثلها مثل الرجل؟‬ ‫مثل هذه التصرحيات‪ ،‬ال ميكن أن جندها مث ً‬ ‫ال يف اجملالت اليت تعىن بقضااي‬ ‫الرجل‪ ،‬ومن النادر جداً أن جند يف هذه األخرية هذا النوع من التساؤالت‬ ‫والتحليالت اليت تدفع الرجل إىل االحساس ابلذنب أو التقليل من تقدير‬ ‫ذاته أو حىت تدفعه حنو االكتئاب‪.‬‬ ‫خلف الواجهات الالمعة‬ ‫متثل قــارائت اجملــات ســوقـاً ال ميكن جتاهله‪ ،‬فالوجود اهلــائــل لإلعالانت‬ ‫يف اجملالت النسائية يطرح بدوره عدداً من التساؤالت‪ .‬والصفحات جتمع‬ ‫إعــاانت مــن كــل األن ـواع‪ ،‬وال سيما تلك الــي تالمس املــوضــة واجلـمــال‪،‬‬ ‫م ـواد التجميل واملــابــس وأدوات الـزيـنــة واألدوات املـنـزلـيــة‪ ،‬والـسـيــارات‪،‬‬ ‫والكمبيوترات‪ ،‬والتلفوانت احملمولة واملنتجات الغذائية اخلالية من الدسم‪،‬‬ ‫إخل‪.‬‬ ‫املعلن يتوجه بشكل رئيسي للمرأة على اعتبارها‪ ،‬ابلنسبة له‪ ،‬املستهلك‬ ‫األكـثــر اجن ــذاابً هلــذا الـنــوع مــن اإلع ــاانت‪ .‬ألن امل ـرأة هــي الــي تقع على‬ ‫عاتقها مسؤولية املشرتايت املتعلقة ابملنزل‪ ،‬وهي مسؤولة عن ‪ % 70‬من‬ ‫املشرتايت املتعلقة ابحلياة اليومية‪ .‬واملعلن يتوجه بصورة أساسية للمستهلك‪.‬‬


‫هــل ه ــذه اإلعـ ــاانت تـصــل إىل املـ ـرأة ال ــي ال‬ ‫ت ـشــري اجملـ ــات ال ـن ـســائ ـيــة؟ ال ت ـشــري مجيع‬ ‫النساء اجملالت النسائية‪ ،‬ومع ذلك فإن واحدة‬ ‫من اثنتني تقرأ هذه اإلعــاانت‪ ،‬كيف وأين؟‬ ‫قاعات االنتظار يف املستشفيات‪ ،‬يف عيادات‬ ‫األطـبــاء‪ ،‬أطـبــاء األسـنــان‪ ،‬صــالــوانت احلالقة‪،‬‬ ‫ال ـ ـن ـ ـوادي الـ ـرايضـ ـي ــة‪ ،‬إخل‪ .‬يف هـ ــذه األم ــاك ــن‬ ‫ال ـع ــاب ــرة‪ ،‬ن ـق ـرأ ب ـعــض املـ ـق ــاالت‪ ،‬لـكـنـنــا أي ـض ـاً‬ ‫نتصفح اجملالت كثرياً‪.‬‬ ‫وزن وأمهية املعلن‬ ‫ابلنسبة للمجالت‪ ،‬ميثل املعلن يف الواقع مصدراً‬ ‫رئيسياً للمال واألرابح‪ .‬وهلذا فإن هامش الربح‬ ‫الذي حتققه اجمللة عن طريق اإلعالانت يضمن‬ ‫هلــا وض ـع ـاً مــالـيـاً مــرحي ـاً مـهـمــا اخنـفـضــت نسبة‬ ‫قرائها‪ .‬ومع ذلك فإن هذه املسامهة املالية اليت‬ ‫يقدمها املعلن ال ختلو من العيوب‪ :‬يف بعض‬ ‫األحيان يسعى املعلن ملمارسة بعض الضغوط‪،‬‬ ‫ليس فقط على صعيد اختيار املواد املعدة للنشر‬ ‫وإمنــا أيـضـاً على نــوع املــادة اإلعــانـيــة‪ .‬واملثال‬ ‫الصارخ الــذي ســاد يف السنوات األخــرة‪ ،‬هو‬ ‫استخدام عارضات األزايء لتقدمي اإلعــاانت‬ ‫املتعلقة ابملــابــس‪ ،‬وه ــذا ضمنياً يــوجــه رسالة‬ ‫واضحة للمرأة‪ :‬الرشاقة واجلمال مينحان القيمة‬ ‫احلقيقية للمالبس الــي ترتديها‪ .‬واملــؤســف يف‬ ‫املــوضــوع‪ ،‬أن هــذه الـعــارضــات تــدفــع الفتيات‬ ‫وال ـشــاابت للتشكيك أبنفسهن وللتقليل من‬ ‫تقدير الذات لديهن‪.‬‬ ‫ويف النهاية‪ ،‬ال بد لنا من اإلشارة إىل أن حتليل‬ ‫حمتوى وآلـيــات عمل اجملــات النسائية يضعنا‬ ‫أمام جمموعة من التساؤالت‪:‬‬ ‫ هــل هناك فع ً‬‫ال تشجيع ورغـبــة يف املـســاواة‬ ‫بني اجلنسني؟‬ ‫ هل هناك تعددية يف أمناط التمثيل النسوي‪،‬‬‫كما هــو احل ــال يف وســائــل اإلع ــام األخ ــرى؟‬ ‫هل شرط املـرأة املثالية يكمن دائماً يف شباهبا‬ ‫ورشاقتها؟‬ ‫ أال ميـكــن الس ـت ـخــدام جـســد املـ ـرأة كسلعة‬‫رئيسية يف اإلع ــاانت أن ينعكس سلباً على‬ ‫دورها يف اجملتمع واألسرة؟‬ ‫م ــا الـ ــذي جي ـعــل امل ـ ـرأة ت ـشــري وت ـق ـرأ اجمل ــات‬

‫النسائية؟ بشكل أساسي‪ ،‬ألن اجمللة النسائية‬ ‫هي الشيء الوحيد الذي يتوجه للمرأة‪ ،‬وألن‬ ‫ب ـعــض ال ـن ـس ــاء ي ـع ـت ـقــدن‪ ،‬دون االن ـت ـب ــاه هلــذه‬ ‫التساؤالت أو القضااي‪ ،‬أن قراءهتن للمجالت‬ ‫تساعدهن على االسرتخاء وعلى متضية الوقت‬ ‫هبــدوء‪ ،‬خاص ًة عندما تكن حباجة إىل الراحة‬ ‫والتوقف عن العمل أو التفكري‪.‬‬ ‫أل ـيــس مــن امل ـفــرض أن متـثــل ه ــذه اجملــات‬ ‫انعكاساً للمجتمع؟‬ ‫هل من الواقعي أن تثار التساؤالت دائماً حول‬ ‫اإلعالم النسوي؟ وهل من املعقول أن نتجاهل‬ ‫م ــا حي ــدث يف اجمل ـت ـمــع؟ يف ال ـواق ــع جي ــب بـنــاء‬ ‫الــروابــط بــن اإلث ـنــن‪ ،‬حبـيــث ينظر للمجالت‬ ‫النسائية على أهنــا انفــذة مفتوحة على اخللل‬ ‫ال ــذي يـســود اجملـتـمــع‪ .‬لقد حــان الــوقــت لكي‬ ‫تـكــون اجمل ــات النسائية‪ ،‬كغريها مــن وسائل‬ ‫اإلعــام‪ ،‬قــادرة على تشخيص أعـراض املرض‬ ‫الذي تعاين منه اجملتمعات احلديثة‪.‬‬ ‫كما أن أي تقدم حاصل على صعيد احملتوى يف‬ ‫اإلعالم النسوي‪ ،‬يساهم بصورة مباشرة بتطور‬ ‫احملتوى يف وسائل اإلعــام األخــرى‪ .‬فاجملالت‬ ‫تعكس صورة اجملتمع الذي ما يزال بعيداً كل‬ ‫البعد عن موضوع املساواة‪ ،‬وعلى اجملتمع نفسه‬ ‫أن يستمر يف نضاله ضد مجيع أنواع اإلقصاء‬ ‫ومكافحة األمن ــاط والـسـلــوك املـمــارس يف حق‬ ‫املرأة‪ ،‬الذي يدفعها إىل منطقة الظل‪ ،‬ويضعها‬ ‫يف املرتبة الثانية وحيرمها من حقها يف ممارسة‬ ‫دورها احلقيقي يف اجملتمع والفضاء العام‪.‬‬ ‫يبقى أمامنا طريق طويلة لتحقيق الـتـوازن بني‬ ‫الفعل واخلـطــاب‪ ،‬أمــا الـسـؤال املتعلق ابلشرط‬ ‫األنـثــوي‪ ،‬فــإن اإلعــام البديل كفيل أبن يوفر‬ ‫نـقـطــة االن ـط ــاق حنــو أمن ــاط ومتـثـيــات نسوية‬ ‫خمتلفة‪ .‬وفيما يتعلق ابلتساؤالت العديدة اليت‬ ‫مت طرحها‪ ،‬فإهنا‪ ،‬على عكس ما يعتقد البعض‪،‬‬ ‫ليست حكراً على النساء بل إن الرجال معنيون‬ ‫أيضاً هبذا املوضوع بنفس املقدار‪.‬‬ ‫املصدر‪:‬‬ ‫‪http://www.questionsante.be/‬‬ ‫‪outils/images_femme.html‬‬ ‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪43 2015‬‬


‫المرأة اليمنية‬

‫دور رئيسي في الثورة وتهميش بعدها‬ ‫وثقت بنفسها وبقضيتها‪ ،‬محلت خيمتها واجتهت حنو‬ ‫الـســاحــة‪ ،‬متحدية بذلك الـعــادات والتقاليد الــي قد‬ ‫جتعل من املرأة ومبيتها خارج املنزل مدعاة لألقاويل‪،‬‬ ‫يف جمتمع حمــافــظ وذكـ ــوري كــالـيـمــن‪ .‬ويــوم ـاً بـعــد يــوم‬ ‫توافدت العديد من النساء‪ ،‬ومل يعد الكثري من الرجال‬ ‫يتحرجون من تشجيع زوجاهتم وبناهتم على الذهاب‬ ‫إىل الساحة واملشاركة يف إبداء الرأي‪ .‬كثري من الكتاب‬ ‫عـلـقـوا عـلــى م ـشــاركــة امل ـ ـرأة ال ـب ــارزة يف ث ــورة ‪2011‬‬ ‫وكسرها للحواجز واألع ـراف التقليدية‪ ،‬أبهنــا «الثورة‬ ‫احلقيقية»‪ ،‬وأن مقدار الوعي اجملتمعي الذي ظهر ما‬ ‫هو إال الـثــورة الفكرية املصاحبة للتغريات السياسية‪.‬‬ ‫وكان من املالحظ والبارز للعيان عدم وجود الفوارق‬ ‫الفكرية املطالبة ابإلصــاحــات السياسية‪ ،‬فالرجال‬ ‫والنساء يف اليمن رفعوا شعاراً واحداً هو سيادة القانون‬ ‫والعدالة االجتماعية‪ .‬شاركت املرأة إابن الثورة يف كثري‬ ‫مــن جمالس النقاش يف املنتدايت الثقافية الــي كانت‬ ‫تقام يف العديد من اخليام الثقافية‪ ،‬وهذا الزخم الثوري‬ ‫أعطى املرأة اليمنية الدافع احلقيقي يف قيادة الكثري من‬ ‫املسريات املنددة‪ ،‬ومل يتحرج الرجل اليمين من املشي‬ ‫يف مسرية تقوده فيها امرأة‪.‬‬ ‫اجلدير ابلذكر أن مقياس تقييم ما حققته املـرأة أثناء‬ ‫ثورة ‪ 2011‬أييت مساوايً ملا كان موجوداً من إجنازات‪،‬‬ ‫أي أن الثورة كانت وطنية شعبية ابمتياز يف الفرتات‬ ‫األوىل من الثورة‪ ،‬حيث رأينا وجود مجيع شرائح اجملتمع‬ ‫املختلفة‪ ،‬أطـبــاء وصحفيني وك ـتــاابً ونـســاء أيـضـاً من‬ ‫خمتلف االختصاصات‪ ،‬مل يقتصر التواجد من قبل فئة‬ ‫بذاهتا‪ ،‬وإمنا اختلطت مطالب املرأة املثقفة وربة البيت‬ ‫البسيطة وكل املطالب تصب يف قالب واحد‪.‬‬ ‫وأتيت بعد ذلك سيطرة بعض القوى التقليدية الدينية‬ ‫على منرب الساحة‪ ،‬وحتول اخلطاب اإلعالمي احلقوقي‬ ‫يف الساحة إىل إدخال مطالب شعبية‪ ،‬خيالطها الطرح‬ ‫الديين املتحيز لبعض األحزاب‪ ،‬وبدأت لعبة السيطرة‬ ‫والغلبة‪ ..‬ومن هنا بدأ منحىن احلقيقة ابلسقوط‪ ،‬عندما‬ ‫بــدأ العديد مــن املثقفني وأصـحــاب النظرايت املدنية‬ ‫ابالنسحاب‪ ،‬ومن ضمنهم العديد من النساء اللوايت‬ ‫نظرن إىل مستقبل اليمن حاملات بدولة مدنية حديثة‬ ‫يسودها النظام والقانون والعدالة االجتماعية‪.‬‬ ‫‪ 44‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫• د‪ .‬اخلنساء عبد الرمحن أنور‬ ‫عضو مؤمتر احلوار الوطين‬ ‫عضو اهليئة الوطنية لتنفيذ نتائج احلوار‬

‫هنا جاءت مرحلة التواجد الشكلي للمرأة يف الثورة‪ ،‬بقيادة القوى احلزبية التقليدية الدينية‪،‬‬ ‫اليت كانت تقود النساء يف املسريات الشعبية فقط للظهور ادعاء بصورة املناصر املرأة‪ ،‬لكن‬ ‫الواقع غري ذلك‪ .‬هذه القوى الدينية ال ترى يف تواجد النساء غري اللون األسود الذي يطغى‬ ‫على املسرية‪ ،‬وتعطي نوعاً من املواطنة املتساوية الشكلية هلذا احلراك‪ .‬تراجع اإلميان بوجود‬ ‫امل ـرأة احلقيقي ومشاركتها يف صنع القرار السياسي والتحول السلمي للسلطة‪ ،‬وواجهت‬ ‫الكثري من االنتقادات وضروب من القمع وتشويه السمعة‪.‬‬ ‫وعند حل النزاع يف تسوية سياسية‪ ،‬وصدور املبادرة اخلليجية اليت نصت على تسليم السلطة‬ ‫ودخول مجيع املكوانت السياسية ضمن مسار احلوار املتفق عليه‪ ،‬وخروجهم خبارطه طريق‬ ‫توثق ابسم وثيقة نتائج احلوار الوطين‪ ،‬والذي انعكس بدستور يفضي إىل انتخاابت وتشكيل‬ ‫حكومة كـفــاءات (تكنوقراط) تقود البلد يف ظل دولــة احتــاديــة فيدرالية‪ ،‬وهــذا هو املسار‬ ‫املنصوص عليه يف بنود املبادرة اخلليجية‪ ،‬عند حل النزاع نفذت البنود اخلاصة بتسليم السلطة‬ ‫ودخول مؤمتر احلوار الوطين الشامل‪ ،‬ومثلت املرأة بنسبة ‪ ،% 28‬هذا التمثيل مل ِ‬ ‫أيت بدافع‬ ‫وطين حملي‪ ،‬وإمنا كان استحقاقاً فرضته املبادرة اخلليجية والرعاية األممية هلذا االتفاق‪ ،‬حيث‬ ‫جاء متثيل النساء مستنداً على قرار جملس األمن رقم ‪ ،1325‬والذي يقضي بتمثيل املرأة مبا‬ ‫ال يقل عن ‪ % 30‬يف صنع األمن والسالم‪ .‬ومبا أن احلوار الوطين الشامل عمل بعد ثورة‬ ‫شعبية أدت إىل تسليم السلطة كشكل من أشكال إحالل السالم واألمــن يف الــدول اليت‬ ‫تعاين الصراعات السياسية‪ ،‬مت فرض تواجد النساء يف هذا املؤمتر أممياً وليس حملياً‪.‬‬ ‫ومل يشفع للمرأه اليمنية خروجها ومشاركتها ابملسريات‪ ،‬ومل تعرتف هبا القوى السياسية احمللية‬ ‫كشريكة ذات استحقاق يف املرحلة القادمة‪ ،‬حبيث انعكس هذا اإلمهال يف القرارات التعيينية‬ ‫لــوزراء وسفراء‪ ،‬دون أن متثل املـرأة مبا هو متفق عليه‪ ،‬ومت جتــاوز وثيقة نتائج احلـوار وأول‬ ‫املتجاوزين متثلوا ابلرائسة واحلكومة‪ ،‬لعدم الثقة مبشاركة املرأة‪.‬‬ ‫فليستمر النضال‪ ،‬وما نيل كل مطلب ابلتمين‪ ،‬ولكن كتب على املرأة اليمنية والعربية هذا‬ ‫الدرب الطويل من الكفاح‪ ،‬لعلها أتيت يف يوم وتصل إىل هنايته‪.‬‬


‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪45 2015‬‬


‫احلمل (‪ 21‬آذار ‪ 20 -‬نيسان)‬ ‫تكونني حمبطة يف الربع األول من الشهر‪ ،‬بسبب تراكم التعب‬ ‫والعقبات املالية‪ ،‬تستمرين متوترة حىت هناية الثلث الثاين‪ ،‬لكن‬ ‫الثلث األخري حيمل لك تغريات على صعيد العمل والعالقات‬ ‫واملال‪ ،‬ورمبا حيمل لقاءات مع أشخاص خيفق هلم قلبك‪.‬‬

‫اجلوزاء (‪ 21‬أاير ‪ 21 -‬حزيران)‬ ‫كانون الثاين هو مفتاح السنة اجلديدة‪ ،‬فرتة مليئة‬ ‫ابألحداث اهلامة‪ ،‬وإن عانيت من احمليط يف العمل‬ ‫والسكن‪ ،‬ابتعدي عن الظنون السيئة‪ ،‬والتوجه لالنتقام‬ ‫واحملاسبة ألنك قد تظلمني بريئاً‪ ،‬حتسن يف الثلث األخري من‬ ‫الشهر‪ ،‬تعيشني الرومانسية والسحر‪.‬‬

‫األسد (‪ 23‬متوز ‪ 22 -‬آب)‬ ‫تكونني خاملة بداية الشهر بسبب الضغوط والبعد عن‬ ‫الشريك‪ ،‬انتبهي من األماكن اخلطرة‪ ،‬أو التهور يف قيادة‬ ‫السيارة‪ ،‬أو الرحالت السرية‪ .‬تتحسن أوضاع العمل يف‬ ‫الثلث األخري من الشهر‪ ،‬فرصة للعاطفة يف األسبوعني‬ ‫الثاين والثالث‪.‬‬

‫امليزان (‪ 23‬أيلول ‪ 22 -‬تشرين أول)‬

‫مع األايم األوىل تعيشني بروداً على صعيد األسرة‪،‬‬ ‫لكن احلبيب واألصدقاء يساندونك بقوة‪ ،‬املشكلة‬ ‫يف رفع سقف التوقعات‪ ،‬ما يشعرك ابخليبة‪ ،‬كوين‬ ‫واقعية ومنطقية لتحصلي على جوائز تصلك يف‬ ‫الربع األخري‪ ،‬حباً وجناحاً يف العمل مع احتماالت‬ ‫زواج‪.‬‬

‫القوس (‪ 22‬تشرين اثين ‪ 20 -‬كانون أول)‬ ‫مترين بشهر جيد‪ ،‬وحتسن على صعيد املال والدراسة‪ ،‬لكنه قد‬ ‫حيمل تطورات سيئة على صعيد العائلة والعمل‪ ،‬انتبهي من‬ ‫احلروق واجلروح‪ ،‬مع هناية الشهر تكسبني الداعمني‪ ،‬تراجع‬ ‫يف النصف الثاين حيمل خالفاً عائلياً‪ ،‬يعارض األهل عالقة‬ ‫ختربينهم هبا‪.‬‬

‫الدلو (‪ 20‬كانون اثين ‪ 18 -‬شباط)‬

‫تستقرين مع مغادرة املريخ لربجك بداية الربع الثاين من‬ ‫الشهر‪ ،‬أعدي نفسك لسنة مثرية على كل الصعد‪،‬‬ ‫تسرتدين أمواالً وتؤسسني مشاريعاً مع العائلة‪ ،‬احذري‬ ‫املزاجية وإمهالك لآلخرين‪ ،‬والدتك احلقيقية تبدأ مع‬ ‫الثلث األخري من الشهر خاصة على مستوى العاطفة‬ ‫واالرتباط‪.‬‬ ‫‪ 46‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫الثور (‪ 21‬نيسان ‪ 20 -‬أاير)‬ ‫يدعمك الفلك منذ اللحظة األوىل هذا العام‪ ،‬فرصة لتعزيز‬ ‫النجاح املادي‪ ،‬طاقة وتفاؤل رغم الضغوط‪ ،‬تكونني مميزة‬ ‫على صعيد العمل‪ ،‬حضور ملفت يف حميطك‪ ،‬حتصلني على‬ ‫اهتمام أحدهم وكثري من اإلاثرة‪ ،‬عليك االنتباه إذ يرتاجع‬ ‫احلظ يف الربع األخري‪.‬‬

‫السرطان (‪ 22‬حزيران ‪ 22 -‬متوز)‬ ‫مشاكل وحتدايت تعانني منها على كل الصعد‪،‬‬ ‫مضن تضطرين إليه للوفاء بوعود سابقة‪ ،‬توتر‬ ‫عمل ٍ‬ ‫وصدام مع الشريك‪ ،‬وخذالن من احمليط‪ ،‬تبدأ األمور‬ ‫ابالنفراج يف الثلث األخري من الشهر‪ ،‬وتفهم من‬ ‫الشريك ما حيسن العالقة كثرياً‪.‬‬

‫العذراء (‪ 23‬آب ‪ 22 -‬أيلول)‬ ‫يعدك كانون الثاين ابألمل واحلب‪ ،‬انتبهي من فقدان شعبيتك‬ ‫بسبب انتقادك لآلخرين‪ ،‬فزحل يعاندك هذه الفرتة‪ ،‬عليك‬ ‫السري على خطة لتستفيدي من اإلجيابيات املتاحة‪ .‬يف الثلث‬ ‫األخري سيكون الوضع أكثر صعوبة‪ ،‬وفرص العاطفة ضعيفة‪.‬‬ ‫عليك ابلصرب لتجاوز الربود‪.‬‬

‫العقرب (‪ 23‬تشرين أول ‪ 21 -‬تشرين اثين)‬ ‫النصف األول من الشهر سيكون قاسياً‪ ،‬عليك قبول‬ ‫التنازالت يف صراعهات العمل وخالفات العائلة‪ ،‬هناك‬ ‫أشخاص يعارضون تقدمك‪ ،‬يعاندك الفلك هذا الشهر‪،‬‬ ‫عليك التحضري للفرتات القادمة‪ ،‬العاطفة تعرب الكثري‬ ‫من الربود وتتحسن قلي ً‬ ‫ال يف النصف الثاين من الشهر‪.‬‬

‫اجلدي (‪ 20‬كانون أول ‪ 19 -‬كانون اثين)‬ ‫هذا الشهر هو شهر اجلدي ابمتياز‪ ،‬تتصرفني مبثالية‬ ‫وقوة وترحبني كل اجلوالت‪ ،‬على صعيد املال والعائلة‬ ‫والشريك‪ .‬تكونني جذابة وختطفني األضواء‪ ،‬حضور‬ ‫جيد أمام رؤسائك يف العمل‪ ،‬وهج أقل يف الثلث‬ ‫األخري من الشهر‪ ،‬مناسبة جيدة للحب واالرتباط‪.‬‬

‫احلوت (‪ 19‬شباط ‪ 20 -‬آذار)‬

‫تدخلني هذا العام بتصميم وطاقة‪ ،‬ولديك دعم أصدقائك‪،‬‬ ‫يف الثلث األخري من الشهر تتعطل بعض مشاريعك‪ ،‬فيتعرقل‬ ‫حصولك على أوراق ثبوتية هامة‪ ،‬ال تبوحي مبا يف قلبك حىت‬ ‫تتأكدي من الشريك ألنك عرضة للخيبة‪ ،‬انضمامك إىل‬ ‫منتدى يعود عليك ابلفائدة‪.‬‬


‫الكلمات المتقاطعة‬ ‫أفقي‬

‫‪ -1‬روائية سورية مرشحة لقامئة‬ ‫بوكر الطويلة‪ -‬إهانة (معكوسة)‬ ‫‪ -2‬نقطف‪ -‬صوت الباب (معكوسة)‬ ‫‪ -3‬اتفاقية لحقوق املرأة‪ -‬رغبات‬ ‫(معكوسة)‬ ‫‪ -4‬ثلثي وبر‪-‬يراع (معكوسة) ‪-‬‬ ‫يشري‬ ‫‪ -5‬فرحي‪ -‬إحدى أنواع الصواريخ‬ ‫‪ -6‬حرف ناصب (معكوسة)‪ -‬قهوة‬ ‫(معكوسة)‪ -‬عتاب‬ ‫‪ -7‬شالالت يف أمريكا (معكوسة)‬ ‫‪ -8‬أبوح (معكوسة)‪ -‬أحد األطراف‬ ‫(معكوسة)‪ -‬ألح‬ ‫‪ -9‬شهر قمري‪ -‬أحد أبواب دمشق‬ ‫القدمية‬ ‫‪ -10‬بحر‪ -‬جنون‪ -‬جلس‬ ‫‪ -11‬قائد بوذيي التيبت‪ -‬جبل صغري‬ ‫‪ -12‬لحد‪ -‬دولة أوروبية‬

‫سودوكو‪ :‬هي لعبة منطقية مبنية عىل وضع األرقام يف املكان‬ ‫املناسب‪ .‬الهدف هو ملء ال ‪ 9*9‬مربعات بأرقام بحيث أن كل‬ ‫عمود وصف ومربع من املربعات التسعة (والتي تدعى مناطق)‬ ‫تحتوي عىل األرقام من واحد إىل التسعة دون تكرار‪.‬‬

‫كـلمـة الســـــــر‬

‫سودوكـــــــو‬

‫عامودي‬

‫‪ -1‬ممثلة سورية شابة‬ ‫‪ -2‬قائد قرطاجي حارب روما‪-‬‬ ‫معجم (معكوسة)‬ ‫‪ -3‬أكد يف العمل‪ -‬متشابهان‪ -‬عقل‬ ‫‪ -4‬روايئ سوري‪ -‬لقياس املساحة‬ ‫‪ -5‬جمع سيل‪ -‬طريق (معكوسة)‪-‬‬ ‫ضمري منفصل‬ ‫‪ -6‬فايروس وبايئ قاتل‬ ‫‪ -7‬قادم‪ -‬لف (معكوسة)‪ -‬أصل‬ ‫‪ -8‬ما ينزل للقاع‪ -‬أغلظ أوتار العود‬ ‫(معكوسة)‬ ‫‪ -9‬يشاهد (معكوسة)‪ -‬ال يحسن‬ ‫القراءة والكتابة‪ -‬إحدى العمليات‬ ‫التجارية‬ ‫‪ -10‬دولة أفريقية (معكوسة)‪ -‬زواج‬ ‫(معكوسة)‬ ‫‪ -11‬أبدي‪ -‬قصيدة (مبعرثة)‬ ‫‪ -12‬مطربة سورية‪ -‬حرف نهي‬

‫كلمة الرس مؤلفة من ‪ 12‬حرف‪ :‬وزيرة سابقة يف الحكومة السورية املؤقتة‬ ‫مل تأت قلت ولن إذن سأعيد ترتيب املساء مبا يليق بخيبتي وغيابها أطفأت‬ ‫نار شموعها أشعلت نور الكهرباء رشبت كأس نبيذها وكرسته أبدلت موسيقى‬ ‫الكمنجات الرسيعة باألغاين الفارسية قلت لن تأيت سأنضو ربطة العنق األنيقة‬ ‫هكذا أرتاح أكرث أرتدي بيجامة زرقاء أميش حافيا لو شئت‬

‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪47 2015‬‬


‫سهر‪ ..‬الزوجة الدمية‬ ‫ما تزال عالقة يف ذاكــريت معامل وجهها الطفويل انصع البياض‪ ،‬عيناها‬ ‫الزرقاوان اخلجولتان احلاملتان‪ ،‬شعرها األشقر املقصوص بطريقة صبيانية‪،‬‬ ‫ختفي الكثري من معامل أنوثتها‪ ،‬ومجال وجهها‪.‬‬ ‫مل يكن ذلــك منذ زمــن طــويــل‪ ،‬أربـعــة أع ـوام فقط‪ ،‬كانت جـ ّد كافية‬ ‫لتبديل مالحمها‪ ،‬من تلك الطفلة الرقيقة املرحة الــي تلعب مع بنات‬ ‫اجلـران يف فناء البيت‪ ،‬إىل فتاة شــاردة النظرات‪ ،‬ختتزل مالحمها حزن‬ ‫العامل كله‪.‬‬ ‫مل تكن سهر اليت التقيتها بعد ثالثة أعوام‪ ،‬وهي يف اخلامسة عشرة من‬ ‫عمرها‪ ،‬تشبه يف شيء‪ ،‬تلك اليت صادفتها عند أقاريب‪ ،‬وهي يف الثانية‬ ‫عشرة‪ ،‬كانت قد جاءت إىل بيت أبيها فيما كنت مع بعض القريبات‬ ‫يف زايرة ملنزهلم‪ ،‬دخلت سهر ابكية‪ ،‬وارمتت على صدر والدهتا‪.‬‬ ‫مبجرد‬ ‫ذهلنا من هــول املوقف‪ ،‬ما عساه ميكن أن يكون قد جــرى؟ و ّ‬ ‫البض انصع‬ ‫كشفها عن ظهرها ورجليها‪ ،‬صعقنا مجيعاً‪ ،‬كان جسمها ّ‬ ‫البنفسجي يف‬ ‫متحولة إىل اللون‬ ‫البياض‪ ،‬ملطخاً ببقع زرقــاء الـلــون‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫بعض األماكن‪.‬‬ ‫كن‬ ‫عقدت ال ّدهشة ألسنتنا مجيعاً‪ ،‬معظم النسوة املتواجدات حينها‪ّ ،‬‬ ‫يعرفن سهر طفلة تلهو وتلعب لدى زايرة أخواهتا الكربايت‪ ،‬كثرياً ما‬ ‫شاهدهتا تلعب مع ابنة أختها اليت تصغرها بعامني‪ ،‬يف حديقة منزهلا‬ ‫الذي جياور منزيل‪ ،‬كثرياً ما أمسع صراخهما ومها تتشاجران على دمية‪،‬‬ ‫ملونة‪.‬‬ ‫أو ربطة شعر ّ‬ ‫هتتم لربطات الشعر امللونة‪ ،‬فالسواد أخفى مالحمها‪ ،‬كما‬ ‫مل تعد سهر ّ‬ ‫أخفى الكدمات الزرقاء حتت عينيها وعلى جسدها‪.‬‬ ‫يضرهبا ليؤّدهبا!‬ ‫نتفرس‬ ‫بعينني كسريتني‪ ،‬غاب بريقهما‪ ،‬تنظر إلينا سهر وتتأملنا وحنن ّ‬ ‫مبــامــح وجهها الــذي يقطر ح ـزانً‪ ،‬ودون أن تنطق بكلمة‪ ،‬تكشف‬ ‫اخلـمــار األســود عــن وجهها‪ ،‬لنشاهد آاثر صفعة لئيمة تلطخ بياضه‬ ‫بعالمات محراء مزرقة‪ ،‬مث جتهش ابكية‪ ،‬وهي توجه احلديث لوالدهتا‪:‬‬ ‫«أرسلين إليكما لرتبياين»‪ ،‬مث رمت بنفسها يف حضن أختها الكربى‪،‬‬ ‫اليت كانت أكثران ذهوالً وأتملاً‪ ،‬راحت تتمتم يف أذهنا‪ ،‬فيما كنت أسرتق‬ ‫السمع‪ ،‬علّين أفهم ما تقوله‪« :‬ال تكاد متضي ليلة‪ ،‬دون أن يضربين‪،‬‬ ‫ال أدري مــا هــي اخل ـواطــر الــي ت ــدور يف رأس ــه لـيـاً‪ ،‬إذا حتـ ّدثــت أمــام‬ ‫أهله‪ ،‬يتهمين ابجلهل ويضربين‪ ،‬إذا زاد امللح يف الطعام يضربين‪ ،‬ويف‬ ‫النهاية‪ »...‬انفجرت سهر يومها ابكية‪« :‬ال أستطيع أن أغفر ألهلي‪،‬‬ ‫هم أجربوين على ترك املدرسة‪ ،‬كي أتزوج من مهندس»!‬ ‫حني سألتها شقيقتها عن السبب الذي دفعه لضرهبا‪ ،‬وفيما إذا كان‬ ‫معتاداً على ذلك‪ ،‬كان جواهبا بعد صمت طويل‪« :‬يف ليلة الزفاف‪،‬‬ ‫وبعد العشاء‪ ،‬ضربين بسبب خــويف‪ ،‬ضربين ألنــي تزّوجته بعد خطبة‬ ‫مرات»!‬ ‫دامت أسبوعني فقط‪ ،‬مل أشاهده خالهلا سوى ثالث ّ‬ ‫مل تدم خطبة سهر أكثر من أسبوعني‪ ،‬بسبب إجــازة والــده القصرية‪،‬‬ ‫‪ 48‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫واضـطـراره للعودة إىل عمله‪ ،‬تركت خالهلا املدرسة‪ ،‬تركت حياة الطفولة‪،‬‬ ‫لتنتقل إىل كنف زوج يكربها بثالثة عشرعاماً‪ ،‬ومهندس‪ ،‬خرب من احلياة أكثر‬ ‫مما خربته بكثري‪.‬‬ ‫طالق بعد عام‬ ‫شاهدت فيها سهر يف بيت أهلها‪ ،‬هي األوىل‪ ،‬فقد توالت‬ ‫املرة اليت‬ ‫ُ‬ ‫مل تكن ّ‬ ‫مبجرد جميئها‪،‬‬ ‫زايراهتــا الطويلة لبيت والدها‪ ،‬الذي كان يشتعل ابخلالفات‪ّ ،‬‬ ‫ـت عبئاً ثـقـيـاً‪ ،‬وحي ــاول أن خيفّفه قدر‬ ‫بــن الـوالــد ال ــذي جيــد يف بناته الـسـ ّ‬ ‫املستطاع‪ ،‬حــى لــو اضطر إىل تزوجيها طفلة‪ ،‬فكيف حيتمل فكرة عودهتا‬ ‫مطلّقة إىل بيته! وبني والدهتا اليت كانت تشفق على ابنتها من هذا الزواج‪.‬‬ ‫لطاملا التجأت سهر إىل أختها الــي تسكن يف املبىن اجملــاور ملنزيل‪ ،‬ولطاملا‬ ‫شاهدهتا حائرة‪ ،‬ابكية وساخطة‪.‬‬ ‫اعتقل زوج سهر‪ ،‬ضمن محلة اعتقاالت مشلت بعض األشخاص املتش ّددين‬ ‫يف البلد قبل عدة أعوام‪ ،‬حيث لبث يف السجن م ّدة شهرين‪ ،‬ليخرج بعدمها‬ ‫أكثر مزاجية وعصبية‪ ،‬إىل ح ّد اجلنون يف بعض األحيان‪.‬‬ ‫بعد هــذيــن الشهرين‪ ،‬ضــاقــت شقيقات سهر ذرع ـاً مبــا وصـلــت إلـيــه حال‬ ‫أختهن‪ ،‬فسعني ابلوساطات اليت مل تسفر عن نتيجة‪ ،‬ولكن النتيجة كانت يف‬ ‫النهاية‪ ،‬طالق سهر وشقيقة هلا كان زوجها قد اعتقل مع زوج سهر بذات‬ ‫التهمة‪ ،‬وفــوق ذلك كلّه طالق والدهتما من األب‪ ،‬تقول سهر‪ « :‬مل أعد‬ ‫يت الصغريتني‪،‬‬ ‫علي أن ألتحق‪ ،‬بوالديت اليت تسكن برفقة أخ ّ‬ ‫أدري مبن ينبغي ّ‬ ‫ـض أسبوع على طالقه من‬ ‫يف غرفة يف بيت أخيها‪ ،‬أم بـوالــدي الــذي مل ميـ ِ‬ ‫والــديت‪ ،‬حىت جاء بزوجة جديدة أسكنها البيت»!‪ ،‬ولكن مأساهتا مل تكن‬ ‫شيئاً إذا مــا قيست مبــأســاة أختها‪ ،‬الــي اضـطـ ّـرت إىل التخلي عــن أبنائها‬ ‫الثالثة‪ ،‬وحرماهنا من رؤيتهم‪.‬‬ ‫اهلروب زواجاً‬ ‫املرة‪ ،‬مل يكن الزواج خياراً‪ ،‬كان قدراً‪ ،‬فسهر الرقيقة‪ ،‬ذات األعوام الستة‬ ‫هذه ّ‬ ‫عشر‪ ،‬واملطلّقة سابقاً‪ ،‬سهر اليت حما هذا العامل ذاك األلق الرقيق الذي ينبعث‬ ‫من فضاء عينيها‪ ،‬مل يعد أمامها مالذ هترب إليه‪ ،‬سوى زوج جديد‪ ،‬وبيت‬ ‫يؤويها‪ ،‬فال هي قادرة على املكوث مع والدهتا واالستجابة خلاهلا الذي يريدها‬ ‫زوجة اثنية لولده‪ ،‬وال هي قادرة على البقاء يف بيت احتلّته سيدة جديدة‪،‬‬ ‫حتاول أن جتعل من ّ‬ ‫كل من يف البيت جواري هلا!‬ ‫«كان اخليار الوحيد أمامي هو الــزواج‪ ،‬وإجناب طفل‪ ،‬أجل‪ّ ،‬‬ ‫كل ما كنت‬ ‫أحبث عنه هو الطفل‪ ،‬قد يكرب وينسيين ّ‬ ‫كل ما قاسيته‪ ،‬بسمة طفلي الصغري‬ ‫اليوم هي من أنقذتين من اليأس الذي كنت أعيشه»‪.‬‬ ‫وتتابع سهر‪ ،‬أ ّن زوجها احلايل ال حيمل أايً من مسات فىت أحالمها‪ ،‬لكنها‬ ‫أساساً مل تعد تعري اهتماماً هلــذه الفكرة‪ ،‬فــالــزواج مل يعد يعين هلا أكثر من‬ ‫سقف تلتجئ إليه‪ ،‬هي زوجة وأم اآلن‪.‬‬ ‫«أق ــف أحـيــاانً أم ــام امل ــرآة حــن أمســع أص ـوات بـنــات اجل ـران وهــن ذاهـبــات‬ ‫للمدرسة‪ ،‬أج ّدل خصالت شعري‪ ،‬ولكنين أستفيق على صوت طفلي يبكي‬ ‫طلباً للحليب»!‬


‫رماد‪ ...‬ي‬ ‫وكما كل ليلة‪ ،‬عندما أالمس وساديت‪ ،‬خترج رائحتك من بني ضلوعي‪،‬‬ ‫كأنك مكيدة سرائري‪ ،‬أتبع الرائحة‪ ،‬أغرس رأسي يف شعرك‪ ،‬يف صدرك‪،‬‬ ‫وأفتش عن ورقات احلبق يف تضاريسك‪ ...‬فيهزين صوت أمي‪...‬‬ ‫ أتخرت اليوم أيضاً‪...‬‬‫أهنض‪ ،‬أعدل جملسي‪ ،‬وأغطيك حىت ال يفتضح أمري‬ ‫ اي أمي أتخر القطار‪...‬‬‫ِ‬ ‫فتبتعد أمي‪ ،‬ألتقط أنفاسي وأعود إليك‪ ،‬فأراك منكب ًة على تطريز وشاح‬ ‫أبيض‪ ،‬أتكور يف فراشي وأأتمــل أصابعك يف حركتها‪ ،‬أشعر هبا ختربش‬ ‫على شبكية عيين فراشات وأزهاراً‪..‬‬ ‫أتذكر وشاحي‪ ،‬أتفقده‪ ،‬أين كان هذا؟‬ ‫يسرع خطوايت بينما تالحقين نظرة اللوم يف‬ ‫أسري طــوال الطريق والــرد ّ‬ ‫عيين أمــي لتخمدها‪ .‬مــاذا سأقول هلــا؟ أشعر بنفسي أســر إىل اخللف‬ ‫والبيت يبتعد‪ .‬مث أحث نفسي وأســرع‪ ،‬فالربد جيلدين سأدبر روايــة متوه‬ ‫اختفاء الوشاح‪ ،‬لكنها تعرفين حني أكذب‪ .‬إذن سأدخل دون أن تراين‬ ‫لكنين أتخرت كثرياً وستكون مرتبصة بكافة املداخل‪...‬‬ ‫يعلو صوت أمي ويف عينيها عتب؟‬ ‫ أين وشاحك؟‬‫ ال أدري‪ ...‬كان حول عنقي‪ ...‬أليس كذلك؟‬‫ هل زرت النهر من جديد؟ ألن تتوب عن السباحة لي ً‬‫ال‬ ‫ لكين‪ ...‬جاف اي أمي‪ ...‬والوشاح‪ ...‬قد يكون على مقعد ما‪...‬‬‫تتربم أمي من سهوي‪ ،‬تسري حنو الباب فألتقط أنفاسي‪ ،‬مث تستدير من‬ ‫جديد كأهنا نسيت شيئاً‬ ‫ لن تنال بعد اليوم أي وشاح‪ ...‬دع االنتظار حيضنك‪..‬‬‫أضحك يف سري‪ ،‬أفكر أبهنا ستساحمين من جديد ال ألسباب تذكر‪ ،‬بل‬ ‫حلماقة كوهنا أجنبتين ذات صدفة‪ .‬مث أستشعر وخزًة يف الضمري على ٍ‬ ‫وقت‬ ‫ضاع بعد سكرة النهر وأان أالحق خماويف ممَن؟ من أمي؟ راودين خاطر أن‬ ‫سقف صويت كان منذ ولدت أوطأ بكثري مما اعتقدت‪ ...‬من أمي؟ وما‬ ‫معىن أين الحقت شياطيين حىت ساعة متأخرة‪ ،‬مث انتظرت امرأة ال أعرفها‬ ‫ساعات على مقعد يف احملطة‪ ،‬وشربت نبيذاً حارقاً وســرت إىل النهر‪،‬‬ ‫واختربت احل ـرارة يف جسدي وروح ــي‪ ...‬وال أدري آخــر مشهد حضر‬ ‫كتبت عن ذاك املوج لكانت أمجل‬ ‫فيه الوشاح‪ ...‬اي هلا من سخافة لو ُ‬ ‫القصص لكنين هدرت ذاك الوقت ألختلق أكاذيباً‪ ...‬ملن‪ ...‬ألمي!!‬ ‫مث أفكر بدفئك وأسخط من نفسي من جديد‪ ..‬ملاذا كان علي أن أقف‬ ‫عند حادث ٍة تعرض لكثريين مبعدل مرة كل ليلة‪ ،‬ملاذا أهدر الوقت اثنية؟‬ ‫األجدر يب أن أمسك بك اآلن وأتنفس رحيقك بكل حواسي حىت أضمن‬ ‫أين لن أموت‪ ...‬متسحني شعري‪..‬‬ ‫ ال تشغل نفسك اي حبييب‪ ...‬كنت طف ً‬‫ال وال أبس‪..‬‬ ‫ال مجي ً‬ ‫كنت طف ً‬ ‫ال؟ عندما حتدقني يف صوريت القدمية وتتأملني عيين‪،‬‬ ‫هل ُ‬ ‫أيراودك خاطر إجناب طفل له ذات العينني؟ أشتم رائحة جسدي‪ ...‬تتلون‬ ‫بكل درجات الرمادي‪ ...‬رائحة العرق والشمس املختلطة برائحة الرتاب‬ ‫لطفل قضى يومه ابلركض واللعب‪ ،‬هل سريكض أطفالك يف الشوارع‬

‫• اببل األمحد‬ ‫«إىل مالك احلزين»‬ ‫أم سيقضون أايمهم يلعبون ابلرمل والصلصال؟ أختيلهم منثورين حولك‬ ‫أطفال كـثــر‪ ...‬كـثــر‪ ...‬جمتمعني حولك وأنــت تــرمســن‪ ...‬يقلدونك‪...‬‬ ‫ويدندنون كلمات غري مفهومة حمورة عن فريوزك‪ِ ...‬‬ ‫أنت‪ ...‬ليتين أموت‬ ‫اآلن وأولد ابناً ِ‬ ‫لك‪...‬‬ ‫مير طيف أسود عميق ثقيل الصمت‪ ...‬اخلوف من جديد‪ ...‬كنا نلعب‬ ‫أبدب حىت يكون أتنيب املساء ألـطــف‪ ...‬أتنـيــب‪ ...‬أتنـيــب‪ ...‬لكنين‬ ‫أحبك اي أمي‪ ،‬إال أن ذاك الطفل الذي كنته ميقت نظرتك املمتعضة أبداً‬ ‫بدافع الضبط‪ ...‬ضبط اإليقاع بكتمانه‪...‬‬ ‫لكنين كربت سريعاً‪ ،‬رائحة الذكورة تشعرين ابلقرف‪ ...‬مل أكن ذكراً وال‬ ‫رج ـ ً‬ ‫ا وال لــوانً ِ‬ ‫قبلك‪ ،‬مث مــاذا؟ رائحة أفواههم وهــم يهتفون‪ ...‬أفــواه‬ ‫أخرى تشتم‪ ...‬وبقااي الدم‪ ...‬اتفقنا‪ ..‬رمادي وهذا اخللل اللوين ال ميكن‬ ‫التغاضي عنه‪...‬‬ ‫ اشتقت إليك‪ ...‬كم أنت شهية!‪..‬‬‫تبتسمني بغنج‪ ،‬تشيحني وجهك عين‪...‬‬ ‫ كل يوم تشتاق إيل؟‬‫كل يوم أشتاق إليك‪ ،‬أخطئ يف األمساء اليت أكتبها على تذاكر املسافرين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫محاقتك‪...‬‬ ‫أنتظر القطار األخري علك تشتاقني إيل وتقودين‬ ‫ ملاذا تنتظر القطار وبييت خلف احملطة!‬‫أان أصغي إىل انتظارك‪ ...‬صوت القطار‪ ...‬يشبه صوت الفرن وهو ميرر‬ ‫أرغف ًة على الشريط‪ ...‬ورائحة اخلبز‪ ...‬بيضاء بيضاء‪ ...‬أحبك واحملطة‬ ‫بيتك‪ ...‬أمجع كل الوجوه والتذاكر مث أغسلها سبع مرات يف النهر‪...‬‬ ‫فتصبحني أقرب‪ ...‬أسكب اخلمر على جسدك األبيض وألعقه‪...‬‬ ‫ سوف تفضحنا يف احلي‪ ...‬رائحتك وحدها فضيحة‪...‬‬‫أمي العمياء عن كأسي‪...‬‬ ‫ مخرك أهم من خبزان‪...‬‬‫تنتحب أمي‪ ،‬ال أفهم‪ ،‬تسحبني الغطاء‪ ،‬وتعدلني ثيابك وشعرك‪ ،‬أمسك‬ ‫يــدك خلسةً‪ ...‬مل أشبع بـعــد‪ ...‬كم مــرًة علي أن أشــرح لك أنكما ال‬ ‫تلتقيان‪ ...‬هي ال تراك فكيف تسمعينها‪...‬‬ ‫ أمسع ضمريك‪ ...‬وكفى‬‫ يعين اي ابين‪ ...‬أنت مل تكن تشتاق يل‪...‬‬‫ اذهب إىل أمك واتركين‪...‬‬‫ هل حتبها أكثر مين‪ ..‬تلك امللونة‪...‬‬‫صراخ يعلو‪ ،‬الضجيج‪ ،‬األبواب تفتح وتغلق بضجر‪ ،‬أين كنا؟‪ ...‬أقبض‬ ‫على رأسي بكلتا يدي‪ ...‬شعري امللبد‪ ...‬ذقين شائكة‪ ...‬ال لن أقربك‪...‬‬ ‫سأكون معك فقط ابلصورة اليت ترضي غ ــروري‪ ...‬أتكور على نفسي‬ ‫أكثر‪ ...‬أغمض عيين وأضغط‪ ...‬أدخــل يف السحابة الكثيفة‪ ...‬ألقي‬ ‫رأسي يف حجر أمي‪ ...‬غين يل‪ ...‬أنت ال تشمئزين مين أليس كذلك‪...‬‬ ‫تغين أمي وينزل دمعها على وجهي‪ ...‬يغسلين‪ ...‬أعتقد أين استفقت‪...‬‬ ‫وبت زاهياً‪ ...‬أتركها عند جدار املقربة وأمضي كي أصاحلك‪ ...‬ما ز ِ‬ ‫لت‬ ‫على موقفك‪ ...‬تشيحني وجهك ببطء أالحقه أبصابعي‪ ...‬أكثر فأكثر‬ ‫حىت تصطدم يدي جبدار الزنزانة‪ ...‬كأنين استفقت‪...‬‬ ‫العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪49 2015‬‬


‫رباعية الليلك‪ ..‬نص في األنانية والعشق‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫حامض‬ ‫مـزاجـ ّـي كــاملــاء‪ ..‬رمبــا كــان لـ ُه حــظ األبـ ـر ِاج املُـزيّـفـ ِة وقلي ٌل مــن‬ ‫ِ‬ ‫الليمون العايل على شر ٍ‬ ‫امش‪.‬‬ ‫متوج ُسكرًة اندرًة يف اهلو ِ‬ ‫فات ُ‬ ‫اجي ومل يعرف َ‬ ‫الليلك قبالً‪.‬‬ ‫مز ٌّ‬ ‫ـاء بصهيلها‪ ...‬يتم ّع ُن ابل ـف ـر ِاغ وأبور ِ‬ ‫ُ‬ ‫اق‬ ‫يستيقظ مــى أسعفت ُه األش ـيـ ُ‬ ‫مهل‪ ،‬فال تعجب ُه‪ُ ..‬‬ ‫حبرص املُ ِ‬ ‫تعب أثرُه على‬ ‫يرتك ِ‬ ‫البارح ِة‪ ..‬يقلبّها على ٍ‬ ‫وينهض‪ ..‬يصن ُع قهوًة‪ ..‬يُصغي إىل ِ‬ ‫الصباحي‪ ..‬رمبا‬ ‫صوت اللو ِن‬ ‫اش‬ ‫الفر ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ني البالد ِة املُستعارة‪.‬‬ ‫كانت ظهريًة‪َّ ..‬‬ ‫لكن لألشياء روت ُ‬ ‫يراقب ٍ‬ ‫زعج نفس ُه ابلعاملِ وال بكل الدمار‪.‬‬ ‫بكثب قهوت ُه‪ ،‬شب ُه ٍ‬ ‫انعس‪ ،‬ال يُ ُ‬ ‫يتأ ّم ُل األوراق واحلـَـر واملنفى‪ ..‬ال نواف َذ للريح‪ ..‬يشعر بنفس ِه الكائن‬ ‫جيلس‬ ‫األرضي‪ ..‬فال مالك يصريُ علي ِه‪ ،‬وال ّ‬ ‫بشري يرى َ‬ ‫األمور مثل هللا‪ُ ..‬‬ ‫ّ‬ ‫فيكتب‪ ..‬يسأ ُم من أملِ املعص ِم‬ ‫‪..‬‬ ‫ق‬ ‫ز‬ ‫فيم‬ ‫‪..‬‬ ‫فيكتب‬ ‫‪..‬‬ ‫ق‬ ‫ز‬ ‫ـ‬ ‫مي‬ ‫‪..‬‬ ‫ويكتب‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يل‪.‬‬ ‫اهلز ِ‬ ‫يهتم لكل ما يُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫غلق‬ ‫ّب يف‬ ‫الصفحات التكنولوجيِّة شيئاً‪ ..‬ال ُّ‬ ‫قال‪ ..‬فيُ ُ‬ ‫يُقل ُ‬ ‫البحر على أفكارِه‪.‬‬ ‫ما يُشب ُه َ‬ ‫يفعل زاه ُد ِ‬ ‫صل ل ُه كما ُ‬ ‫الليلك قبالً‪ ..‬مل يُ ِّ‬ ‫هكذا كا َن‪ ..‬مل يعرف َ‬ ‫الشرق‬ ‫يتل سوراً من ِ‬ ‫يف حمراب ِه‪ ..‬مل ُ‬ ‫آايت الوجوِد‪ ..‬ومل يقل إن ُه فقي ُه الشهوِة على‬ ‫عجل‪ ..‬وال ُ‬ ‫متوت في ِه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حامل راي ٍة أتىب الروح أن َ‬ ‫ُ‬ ‫غامض ومنفى‪.‬‬ ‫شتائي ٌ‬ ‫الليلك حكاي ُة لو ٍن‪ٌّ ..‬‬ ‫طقوس اهلــذاي ِن‪ ،‬ومل خيف من ٍ‬ ‫جمهول يسريُ ب ِه أينما شاءت ل ُه‬ ‫مل ُي ّهز‬ ‫َ‬ ‫أحالم ُه‪ ..‬مل ّ‬ ‫ِ‬ ‫ابلليلك قبالً‪.‬‬ ‫يفكر‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ُ‬ ‫تقول وهي القريب ُة من غي ٍم ُمتلبّ ٍك‪:‬‬ ‫ال أعر َ‬ ‫النص‪ ،‬فأرعا ُه ويرعاين‪.‬‬ ‫فك وال تعرفين‪ ..‬أفال تُعطيين نصف ِّ‬ ‫شكلَ‪ ..‬ويُ ّ‬ ‫احلرف املُ ّ‬ ‫يكتشف َ‬ ‫فك ُر‪:‬‬ ‫يب‪ ..‬يتم ّه ُل يف القراء ِة كي‬ ‫َ‬ ‫ال ُي ُ‬

‫‪ 50‬العدد (‪ )11‬كانون ثاني ‪2015‬‬

‫• علي األعرج‬

‫الغموض يف‬ ‫حج ُة‬ ‫ِ‬ ‫ميكث ِ‬ ‫من هي؟ وماذا تُري ُد من هوا ٍء ال ُ‬ ‫أبرض املوتى؟ ما ّ‬ ‫َ‬ ‫ين يب؟ كيف نشأت من عد ِم‬ ‫جيب‬ ‫ِ‬ ‫الشكل؟ ومل َّ‬ ‫اجملاهيل الثراثر َ‬ ‫علي أن أُ َ‬ ‫قحم نفس ُه يف ُعزل ِة‬ ‫الوعي يف تفاصيل األملِ؟ وملَ َّ‬ ‫علي أن أُ َ‬ ‫جيب كائناً غريباً يُ ُ‬ ‫الرواي ِة التائه ِة؟‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫فكر َ‬ ‫ابلليلك راود بالغت ُه املُنتهية‪ ..‬فتأ ّمل اهلو َاء‬ ‫لكن إحساساً غريباً‬ ‫بذلك‪َّ ..‬‬ ‫املُ َ‬ ‫أجاب‪:‬‬ ‫ورسم على بياض ِه ُهزال خيال ِه و َ‬ ‫حيط َ‬ ‫يل‪ ..‬إن ُه يل‪ُ ..‬ك ُّل احلربِ وما خيرُج من اخلرد ِة الدماغيّة‪ ..‬كل اهلذاي ِن اخلاص‬ ‫ابملوت‪ ..‬هي النصوص يل‪ ..‬فال ُ‬ ‫القمح املُذ ّه ِب‪ ..‬ال‬ ‫حبص ِة ِ‬ ‫ابء ّ‬ ‫أشارك الغر َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫علي‪.‬‬ ‫أشارك‬ ‫تفاصيل مائ ِه‪ ..‬وال أرفع ُه إهلاً َّ‬ ‫ٍ‬ ‫أجاب و َ‬ ‫حديث عابرٍ‪.‬‬ ‫أمهل كل ما كا َن من‬ ‫َ‬ ‫ني لشهوِة التي ِه يف حربِه‪ ..‬فتخ ّدر الد ُم يف ساقي ِة الذكرايتِ‬ ‫ُ‬ ‫اجرتَع نبيذ ُه املستك َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫صيب برعشة اهلذاي ِن وان ْم‪.‬‬ ‫املُتآكل ِة‪ ..‬آمل ُه احلن ُ‬ ‫ني‪ ..‬فأ َ‬ ‫(‪)3‬‬ ‫هو‪ ..‬فتا َه‪.‬‬ ‫كتب َ‬ ‫فوق طاق ِة ْ‬ ‫وأل ّن احليا َة شب ُه سافل ٍة‪َ ..‬‬ ‫الوقت‪ ..‬مل يعرف من َ‬ ‫ليلك ُ‬ ‫ِ‬ ‫الليلك قبالً‪ٌ ..‬‬ ‫مل يعرف َ‬ ‫األشياء‬ ‫يؤمن أب ّن‬ ‫التحم ِل‬ ‫الصامت‪ُ ..‬‬ ‫َ‬ ‫يغزل براءة ّ‬ ‫مثاليٌّة‪ٌ ..‬‬ ‫إحساس‬ ‫مهل من‬ ‫ِ‬ ‫ّب على ٍ‬ ‫ليلك خيبو من م ـز ِاج املـتـصـ ّـو ِف‪ ..‬يتقل ُ‬ ‫صر على ِ‬ ‫القلب أن يكو َن أكثر رأف ًة‪.‬‬ ‫اخليالِ‪ ..‬فيُ ُّ‬ ‫ـك املُستن َز ُف من شهو ِ‬ ‫ٌ‬ ‫يهتم ذلـ َ‬ ‫ليلك ضـبــايبٌّ‪ ..‬ال تُـعـ ُ‬ ‫ات‬ ‫ـرف تفاصيل ُه‪ ..‬ال ُّ‬ ‫يكتب على جلوِد ِ‬ ‫الوجود املُ ِ‬ ‫اإلانث‬ ‫نعزل‪ ..‬يتوُه يف هو ِ‬ ‫اجس اجلس ِد اآلخرِ‪ُ ..‬‬ ‫ين‪.‬‬ ‫ما ُ‬ ‫يشعر بشهوِة امل ِّ‬ ‫ختلق اهلو ُ‬ ‫اجس‪ ..‬ال ُ‬ ‫ذلك املُستن َز ُف حبربِه‪ُ ..‬ع ٌّ‬ ‫يض َ‬ ‫ذري مبزاج ِه املُ ِ‬ ‫طلق‪.‬‬ ‫مر ٌ‬ ‫يعيش على كهول ِة الطعا ِم وعلى تبغ ِه املُ ِ‬ ‫شرع ِة أزالً يف بصريت ِه‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫ميت وقهوت ِه املُ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫يعلم ما ُ‬ ‫اض‪ ..‬حربٌ ُمسال‪..‬‬ ‫اجس أمر ٍ‬ ‫ينتظر عاماً‪ ..‬ال ُ‬ ‫يفعل املنفى به‪ ..‬هو ُ‬ ‫ُ‬ ‫أماكن ليست ل ُه‪.‬‬ ‫قص‬ ‫ٌّ‬ ‫ور ٌ‬ ‫بوهيمي يف َ‬ ‫تدر ِ‬ ‫تشوُه ِ‬ ‫مل يعرف َ‬ ‫جات‬ ‫الليلك قبالً‪ ..‬يُعجب ُه ّ‬ ‫يفهم ّ‬ ‫املوقف يف روحـِـه‪ ..‬ال ُ‬ ‫اقب‬ ‫يستنشق‬ ‫اجلس ِد كثرياً‪..‬‬ ‫األشياء على ٍ‬ ‫ُ‬ ‫مهل‪ ،‬فتزهو من فطرِة الر ِ‬ ‫يح‪ ..‬ير ُ‬ ‫َ‬ ‫بكثب كل الليمو ِن املُ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫لملم خيبات ُه املُستن َزف َة‬ ‫سال َ‬ ‫فوق أعمد ِة الرخا ِم األثينيِّة‪ ..‬يُ ُ‬ ‫مهل‪ ،‬وخيبو مثل اخلطيئة الكونيِّة‪.‬‬ ‫على ٍ‬ ‫ني ِ‬ ‫الليلك ُ‬ ‫ويعلم‬ ‫دمن حن َ‬ ‫تتغي األشياء يف جعبت ِه‪ ..‬يُ ُ‬ ‫ّ‬ ‫وخياف‪ ..‬يسريُ بال وجه ٍة ُ‬ ‫أن ُه قتيل‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫مل يعرف َ‬ ‫الليلك قبالً‪.‬‬ ‫قابل‪ ،‬رمبا‬ ‫يب‬ ‫صفاء الشي ِء املُ ِ‬ ‫وأل ّن التجر َ‬ ‫املساء فرأى َ‬ ‫هاجس خيال ِه‪ ..‬أت ّمل َ‬ ‫ُ‬ ‫مساء‪ ..‬رمبا غيماً داكناً‪ ..‬ورمبا أخرى ليلكاً ساجداً على حزِن الفكرة ملُستثارِة‬ ‫ً‬ ‫من موته‪ِ.‬‬ ‫ني‬ ‫ني الشتا ِء األ ّولِ‪ ..‬سج ُ‬ ‫ني اللو ِن‪ ..‬سج ُ‬ ‫وحل َُم أنه سج ُ‬ ‫مل يعرف ُه قبالً‪ ..‬فنا َم َ‬ ‫ـأدرك مــرضـ ُه‪َ ..‬‬ ‫ظهر يف خــاصــرِة هـزالـ ِه‪ ..‬ف ـ َ‬ ‫ٍ‬ ‫أدرك أ ّن وشـ َـم اخلــاصــرِة ال‬ ‫ليلك َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫القليل يف دم ِه‪َ ..‬‬ ‫يزول‪َ ..‬‬ ‫أدرك َ‬ ‫أدرك اخللوَد َ‬ ‫الليلك وهذا ُكل ما يف األمر‪.‬‬


‫خاص بحملة‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.