Alsaieda magazine 9

Page 1

‫شـهرية مستقلـة تعنى بـاملرأة السـورية‬ ‫تصدر عن املركز السوري للصحافة والنشر‬ ‫تشرين ثاني ‪ / 2014‬العدد (‪)9‬‬

‫حقوق المرأة وتمكينها في العالم العربي‬ ‫العدالة االنتقالية في سوريا وقضية جبر الضرر‬ ‫الدعم النفسي لفاقدي األطراف‬ ‫لقاء‪:‬‬ ‫ فاديا فضة وذاكرة لدور المرأة الفلسطينية في النضال‬‫تحقيق‬ ‫ مبتورو األطراف قليل من الحركة كثير من الحياة‬‫‪ -‬سوريون يتعايشون مع فقدان أطرافهم‬


‫العناوين‪:‬‬

‫‪12‬‬

‫افتتاحية‬ ‫مبتورو األطراف‪ ..‬قليل من احلركة كثري من احلياة‬ ‫• حتقيق‪ :‬نور مارتيين‬ ‫العودة إىل اجلامعات حلم أحرقته انر احلرب‬ ‫• شريين بريك‬

‫«داعش» وعودة املاضي إىل احلاضر‬ ‫• صبحي فرجنية‬

‫يف ظل مستقبل جمهول‬ ‫سوريون يتعايشون مع فقدان أطرافهم‬ ‫• رهف موسى‬

‫السيــداو‬ ‫ما الذي قدمه اإلعالم لتنظيم الدولة اإلسالمية‬ ‫• جالل زين الدين‬

‫الدعم النفسي لفاقدي األطراف‬ ‫• جناح سفر‬

‫عشرات الربيطانيات يلتحقن بتنظيم «الدولة»‬ ‫• فريق ترمجة سيدة سوراي‬

‫األطراف الصناعية املستقبلية‬ ‫عندما تدخل األعصاب يف تكوينهـا‬ ‫• ترمجة ليلى كرمي‬

‫احلصبة‬ ‫• فريق حترير سيدة سوراي‬

‫إرادات لبشر يسامهون يف صنع أقدارهم‬ ‫• إعداد‪ :‬حممد اجلرف‬

‫الرقة تذبح بصمت‬

‫‪32‬‬ ‫العدالة االنتقالية يف سوراي وقضية جرب الضرر‬ ‫• سحر حوجية‬ ‫سوريو الشتات يف بريطانيا يتّحدون لبناء السالم‬ ‫يف بلدهم‬ ‫• إعداد‪ :‬إميليا مسيث‬ ‫فريق ترمجة سيدة سوراي‬ ‫نساء ِّ‬ ‫الظل‪ ..‬من أجندة نساء الثورة‬ ‫• إعداد‪ :‬وجيهة عبد الرمحن‬ ‫ثالث حكاايت عن نساء سورايت يف مصر‬ ‫• سامر خمتار – القاهرة‬ ‫فاداي فضة وذاكرة لدور املرأة الفلسطينية يف النضال‬ ‫• حاورهتا سيدة سوراي‬

‫حقوق املرأة ومتكينها يف العامل العريب‬ ‫• إع ـ ــداد‪ :‬صويف بيسيس‬ ‫ترمجــة‪ :‬د‪ .‬إنع ـ ــام شرف‬ ‫‪2‬‬

‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫مدير التحرير‪:‬‬ ‫ياسمني مرعي‬

‫األرانب وسيلة لكسر احلصار‬ ‫• فريق حترير سيدة سوراي‬

‫حر‬ ‫الذراع األيسر وحده ّ‬ ‫• خومشان قادو‬

‫حماوالت للثورة السورية‬ ‫• فادي‪ .‬أ‪ .‬سعد‬

‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫محمد ّ‬ ‫ملك‬

‫مدير عالقات عامة وترجمة‪:‬‬ ‫د‪ .‬إنعام رشف‬

‫تسايل‬ ‫نضال املرأة ‪ ..‬غياب النكهة!‬ ‫• ريدي مشو‬

‫سكرتري تحرير‪:‬‬ ‫مراد عيد‬

‫عشرون مليون معجزة سريّة‬ ‫• بسمة شيخو‬

‫اإلمييل‪:‬‬

‫فيلم جليلة‪ :‬كما هي املرأة السورية‬ ‫• فريق حترير سيدة سوراي‬

‫الفيس بوك‪:‬‬ ‫‪www.facebook.com/‬‬ ‫‪saiedetsouria‬‬

‫أبو خالد ابئع احلضارة األتعس‬ ‫• سلطان جليب‬ ‫أدب‪:‬‬ ‫ أحدث صديقيت اجلالسة جبواري اآلن‬‫• لوان العبد هللا‬

‫املكتب الرئييس‪:‬‬ ‫تركيا ‪ -‬غازي عينتاب‬ ‫ت‪00905533679528:‬‬ ‫‪00905435322971‬‬ ‫‪00905347362458‬‬

‫ يف املنفى القريب‬‫• علي األعرج‬ ‫محالت‬ ‫الصفحة األخرية عمالن للتشكيلية اندية نعيم‬

‫‪48‬‬

‫السعر خارج سوريا‪ )5( :‬يورو‬ ‫توزع مجاناً داخل األرايض السورية‬


‫للكالم بقية‬ ‫ِّ‬ ‫المعطلة ومذابح السوريين جوًا وبرًا وبحرًا‬ ‫كتل االئتالف‬ ‫منذ أايم قصف طريان النظام احلريب‪ ،‬مدينة الرقة بتسع غارات قتلت أكثر من مائيت مدين‪ ،‬وجرحت مائة آخرين‪ ،‬يف استهداف مقصود ملناطق كثيفة‬ ‫السكان‪ .‬وال زالت الطائرات تتابع عملها حىت اليوم‪ ،‬حماولة إيقاع أكرب الضرر ابملدينة الشمالية احملررة امساً‪ ،‬واليت حيكمها «داعش»‪ .‬تزامن ذلك مع‬ ‫جمزرة يف ريف دمشق على طريق العتيبة‪ -‬الضمري‪ ،‬حيث فتحت قوات النظام نريان الرشاشات الثقيلة والصواريخ على قافلة من العائالت املدنية‪،‬‬ ‫جلُّهم من النساء واألطفال‪ ،‬الذين حاولوا اخلروج من حصار يفرضه نظام آل األسد عليهم‪ ،‬فقتلوا العشرات‪ ،‬فيما بقي مصري العشرات جمهوالً‪ .‬ننوه‬ ‫هنا‪ ،‬أن هذه اجملازر حبق مدنيني حياولون اهلرب من املوت جوعاً‪ ،‬ابلتسلل لي ً‬ ‫ال مع أطفاهلم خارج املناطق اليت يفرض عليها النظام حصاراً‪ ،‬حتت‬ ‫شعار «الركوع أو اجلوع»‪ ،‬ليست جديدة‪ ،‬فال تزال مشاهد جرافة قوات النظام (وهي جتمع اجلثث كأهنا حجارة أو بقااي قمامة) ماثلة يف األذهان‪.‬‬ ‫ويف البحر‪ ،‬بدأ اكتشاف عشرات اجلثث‪ ،‬اليت كانت فيما مضى ألشخاص فروا من املوت‪ ،‬وصلت مثان وثالثون منها إىل شواطئ بلدات ليبية‪ ،‬بعد‬ ‫غرق قارب كان ينقلها إىل شواطئ حلم ابألمان يف أورواب مل يتحقق‪ .‬وننوه هنا أيضاً أن هذا القارب ليس األول‪ ،‬ولن يكون األخري‪.‬‬ ‫يرافق ذلك إلقاء عشرين برميل متفجر على الغوطة الغربية‪ ،‬وقصف يقتل أكثر من عشرين شخصاً‪ ،‬وجيرح العشرات يف ريف درعا‪.‬‬ ‫لكن ملَ خيتار نظام آل األسد إيقاع هذا العدد الكبري من القتلى‪ ،‬ابستهداف مناطق كثيفة السكان يف الرقة‪ ،‬بوقت حتاصر فيه عناصر جلبهة النصرة‬ ‫وكتائب إسالمية أخرى‪ ،‬مدينيت نبل والزهراء‪ ،‬آخر معقلني لقوات النظام‪ ،‬وميليشيا حزب هللا اللبناين وأخرى إيرانية‪ ،‬يف ريف حلب الشمايل‪ ،‬نبل‬ ‫والزهراء‪ ،‬املدينتان الشيعيتان اللتان انطلقت منهما آالف القذائف والصواريخ‪ ،‬وعمليات القتل حنو اجلوار من املدن والبلدات؟‬ ‫ستسقط مدينتا نبل والزهراء تباعاً‪ ،‬وسيخلي النظام ضباطه وقادة ميليشيات حزب هللا واألخرى اإليرانية ابحلوامات‪ ،‬كما يفعل عادة‪ ،‬وسيرتك صغار‬ ‫اجلنود ومقاتلي امليليشيات‪ ،‬من أجل توابيت إضافية تزيد العداوة ضد السوريني‪ ،‬وسيرتك أيضاً مدنيي املدينتني للذبح حتت أتثري ردة الفعل‪ ،‬ملا‬ ‫تفعله طائراته ومدافعه من قتل وذبح منذ ثالث سنوات‪ ،‬وملا تضيفه جمازره األخرية يف الرقة من مربرات وأسباب للذبح‪.‬‬ ‫نعلم اليوم بعد كل ما حصل‪ ،‬بعد كل ما عرب به السوريون من موت‪ ،‬القتلة اإليرانيون‪ ،‬املرتزقة العراقيون‪ ،‬ميليشيا نصر هللا‪ ،‬السالح الروسي واإليراين‬ ‫املضخمة ملا حيدث‪،‬‬ ‫الذي مل يتوقف حىت اليوم‪ ،‬كل املال السياسي الذي أغرق سوراي‪ ،‬كل متطرف استقدم ابلفتاوى الدينية‪ ،‬والدعاية الغربية ِّ‬ ‫وأذون السماح له ابلقدوم‪ ،‬عديد الدول واإلمارات والتشكيالت اليت نشأت وستنشأ‪ ،‬مبا فيها دولة النظام اليت مل تعد أكثر من ميليشيا اليوم‪ ،‬وبعد‬ ‫كل املماطلة الدولية‪ ،‬واالستهانة مبوت السوريني‪ ،‬يف زمن يتقاعس العامل أمجع‪ ،‬ويعجز عن إدخال سلة غذائية ألطفال مهددين ابملوت جوعاً‪ ،‬يف‬ ‫غوطة دمشق وغريها من أماكن احلصار‪ ،‬وال زال يعجز عن إيقاف صواريخ وطائرات نظام آل األسد‪ ،‬بعد ما يقارب نصف مليون قتيل‪ ،‬نعلم اليوم‬ ‫كسوريني‪ ،‬أنه ما من طفل يقتل أو امرأة تغتصب‪ ،‬أو عائلة تشرد‪ ،‬إال ووراءهم قصد وقتل عمد وجرمية ال تغتفر‪.‬‬ ‫يرافق كل ذلك االستهتار الدويل‪ ،‬مشهد قبيح يرمسه نظام املاليل ووالية الفقيه يف إيران‪ ،‬أحد أهم أسباب ما حيصل من تقتيل يف سوراي واملنطقة‪،‬‬ ‫فنظرة سريعة إىل املنطقة‪ ،‬تبني األثر التوسعي إليران الساسانية اإلمرباطورية‪ ،‬بوجهها القبيح‪ ،‬واليت حتكم بوالية الفقيه األشخاص فوق انتماءاهتم‬ ‫الوطنية والقومية‪ ،‬كمطااي لسياايهتا ومصاحلها‪ ،‬احلوثيون اليمنيون امساً‪ ،‬التابعون لوالية الفقيه انتماء‪ ،‬والذين يشنون اليوم حرابً على مدن اليمن‪،‬‬ ‫يدخلوهنا‪ ،‬حيتلون مؤسساهتا‪ ،‬ويدمرون السلم األهلي فيها‪ ،‬بسالح وأوامر إيرانية‪.‬‬ ‫األمر نفسه ينطبق على حزب هللا اللبناين‪ ،‬الذي خيون مواطنيه يف خدمة والية الفقيه‪ ،‬واضعاً لبنان على حافة حرب أهلية جديدة‪ ،‬بعد سنوات من‬ ‫تعطيل قرار الدولة فيها‪ .‬وك ميليشيا حتتل الدولة وتصادر قرارها‪ ،‬ال ختتلف عن ذلك كل الشرور اليت جلبها املالكي املؤمتِر أبوامر الويل الفقيه يف‬ ‫إيران أيضاً‪ ،‬جالباً هذا الكم من الفساد واالحنياز الطائفي الذي مورس على العراقيني‪ ،‬ما مسح بتعطيل الدولة واهنيار جيشها‪ ،‬وأاتح ظهور داعش‬ ‫وكل ما حيصل يف العراق اليوم‪.‬‬ ‫كذلك يف سوراي حيث تفتّت حلمة اجملتمع السوري‪ ،‬بتأثري العدوان على الشعب السوري‪ ،‬الذي شنه نظام آل األسد الطائفي‪ ،‬مدعوماً مباليل إيران‬ ‫وأدواهتم‪ ،‬والذي يبدو أن مثنه «كامالً» مل يدفع بعد‪.‬‬ ‫اآلن‪ ،‬ويف ظل هذا املشهد‪ ،‬أين يقف مشروع استعادة قرار سوري جيمع السوريني‪ ،‬بقيادة معارضة كلما اجتمعت الختاذ قرار‪ ،‬انسحبت من جلسة‬ ‫التصويت‪ ،‬يف حماولة تعطيلها‪ .‬كثري من التعنت والالمسؤولية والشخصنة‪.‬‬ ‫وبينما يسابق السوريون الزمن من أجل ذرة دفء‪ ،‬حبة دواء‪ ،‬وشهيق إضايف حتت األنقاض‪ ،‬هتدر معارضتهم الوقت والفرص يف جدل بيزنطي‪،‬‬ ‫وصراع مقيت على املصاحل وتصارع القوى‪ ،‬لتقف عارية فيما كل شيء يدمر من حوهلا‪.‬‬ ‫رئيس التحرير‬

‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪3 2014‬‬


‫مبتورو األطراف‪ ..‬قليل من الحركة كثير من الحياة‬ ‫شهادات ألشخاص تعرضوا لبتر األطراف وبوح لذويهـم عن تفاصيل التجربة‬

‫ال يـكــاد بـيــت مــن بـيــوت الـســوريــن خيـلــو من‬ ‫م ـص ـي ـبــة خ ـلّـف ـت ـهــا احل ـ ــرب ط ــوي ـل ــة األم ـ ــد ال ــي‬ ‫ت ـش ـهــدهــا سـ ـ ــوراي‪ ،‬هـ ــذه ال ـض ـري ـبــة ت ـت ـفــاقــم أو‬ ‫تـتـضــاءل وفــق عـوامــل كـثــرة‪ ،‬واألرايف انلــت‬ ‫خالل بداايت احلراك الثوري القدر األكرب من‬ ‫اخلراب واالنتهاكات‪.‬‬ ‫يف ال ـب ــداايت‪ ،‬مل يـعـمــد الـنـظــام إىل اسـتـخــدام‬ ‫األسلحة الثقيلة بكثافة‪ ،‬حتديداً داخل املدن‪،‬‬ ‫بل كان يلجأ للرشاشات املتوسطة واخلفيفة‪،‬‬ ‫معتمداً على القناصني‪ ،‬الــذيــن كــانـوا بدورهم‬ ‫احرتافيني ومعظم طلقاهتم قاتلة‪ ،‬كوهنم اعتادوا‬ ‫الرتكيز على القسم العلوي مــن اجلـســد‪ ،‬ومن‬ ‫جنــا مــن هــذه الطلقات‪ ،‬مل يسلم مــن تبعاهتا‪،‬‬ ‫كاإلصابة ابلشلل على سبيل املثال‪ .‬ومع قدوم‬ ‫وفد املراقبني العرب وبعثة «الدايب» مطلع عام‬ ‫‪ ،2012‬كــان مــن ال ـضــروري إخـفــاء مظاهر‬ ‫التسلح داخــل املــدن‪ ،‬لــذر الــرمــاد يف العيون‪،‬‬ ‫فـقــام النظام بسحب األسلحة الثقيلة خــارج‬ ‫م ـراك ــز امل ــدن يف حمـ ــاوالت لـلـتـمــويــه‪ ،‬وإن ـكــار‬ ‫تواجدها أساساً‪ .‬غري أنه حني أتكد من مضي‬ ‫الشعب يف ثورته‪ ،‬أايً كانت النتائج‪ ،‬عمد إىل‬ ‫استخدام هذه األسلحة‪ ،‬بكل ما متتاز به من‬ ‫ق ــدرة تــدمــريــة عــالـيــة‪ ،‬يف حـربــه ضــد مواطنيه‪،‬‬ ‫األمر الذي خلف املزيد من الدمار‪ ،‬اخلسائر‬

‫‪4‬‬

‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫ال ـب ـش ـري ــة‪ ،‬وال ـك ـث ــر م ــن اإلع ــاق ــات اجل ـســديــة‬ ‫والنفسية‪ ،‬ظــاهــرة بــر أط ـراف املصابني‪ ،‬تظل‬ ‫األش ّد وطأة بني كل تلك املظاهر‪ ،‬ملا هلا من‬ ‫أتث ــر نفسي وج ـســدي عـلــى امل ـصــاب نفسه‪،‬‬ ‫وعلى احمليط االجتماعي الذي يعيش ضمنه‪.‬‬ ‫يف هذا التحقيق‪ ،‬تعرض جملة «سيدة سوراي»‪،‬‬ ‫ملـعــاانة جمموعة مــن ضحااي احلــرب الــدائــرة يف‬ ‫س ــوراي‪ ،‬ممــن خ ـســروا أط ـراف ـاً‪ ،‬أو ف ـقــدوا قــدرة‬ ‫االعـتـمــاد على أنفسهم لـتــدبّــر أم ــور حياهتم‪،‬‬ ‫وترصد كذلك معاانة من يقوم إبعالتهم‪.‬‬ ‫فاطمة‪..‬الوجع احلليب‬ ‫فــاط ـمــة س ـيــدة حـلـبـيــة‪ ،‬ان ـف ـجــر هب ــا ل ـغــم أث ـنــاء‬ ‫ه ــروهب ــا م ــن مـعــر غ ــر نـظــامــي خ ــال احلـمـلــة‬ ‫الشرسة على مدينة حلب‪ ،‬ما أسفر عن إصابة‬ ‫قدمها‪ ،‬نقلت إىل مشفى يف مدينة «كيليس»‬ ‫احل ــدودي ــة الــرك ـيــة‪ ،‬ح ـيــث خـضـعــت لعملية‬ ‫بــر لـلـقــدم‪ .‬عــن ه ــذه الـتـجـربــة تـقــول فاطمة‪:‬‬ ‫«كانت اهلجمة شديدة جداً على حلب‪ ،‬عام‬ ‫‪ ،2012‬كانت لدى زوجي ورشة موبيليا يف‬ ‫الشيخ جنــار حبلب‪ ،‬احــرقــت مبــا فيها بسبب‬ ‫القصف الشديد على احلي‪ ،‬كما قصف منزلنا‬ ‫يف حي امليدان‪ .‬عندما كنت أعرب احلدود بني‬ ‫مناطق النظام واملناطق احملــررة‪ ،‬وأان أظــن أنين‬ ‫أبمان‪ ،‬انفجر يب لغم‪ ،‬وأان أمحل طفلي الذي‬

‫• حتقيق‪ :‬نور مارتيين‬

‫كــان عمره سنة ونصف‪ ،‬فوقعت أرض ـاً‪ ،‬كل‬ ‫من عربوا احلدود‪ ،‬سواء قبلي أو بعدي خرجوا‬ ‫ساملني‪ ،‬إال أان»‪.‬‬ ‫بعد إسعافها ملدينة كيليس‪ ،‬قام األطباء برتكيب‬ ‫سيخ يف قدمها‪ ،‬مث أخرجوها من املشفى دون‬ ‫حبة مسكن‪ ،‬أو أي نوع من أنواع األدوية أو‬ ‫التعقيم‪ ،‬طبعاً بعد أربـعــة أايم مــن اإلصــابــة»‪،‬‬ ‫تتابع‪« :‬بعد خروجنا من املشفى‪ ،‬ذهبنا إىل‬ ‫مدينة غازي عينتاب الرتكية‪ ،‬بتنا مخسة أايم يف‬ ‫احلدائق‪ ،‬كان وضع قدمي يــزداد ســوءاً‪ ،‬وبدأ‬ ‫لوهنا ابلتغري‪ ،‬توسل زوجي ألحد األطباء كي‬ ‫أييت معه ويرى حاليت‪ ،‬حني شاهد قدمي‪ ،‬أكد‬ ‫أهنا حباجة للبرت بسبب إصابتها ابلغنغرينا»‪.‬‬ ‫قضت فاطمة شهرين يف أحــد مـشــايف مدينة‬ ‫غ ـ ــازي ع ـن ـت ــاب ال ــركـ ـي ــة‪ ،‬خ ـض ـعــت خــاهلـمــا‬ ‫لعملية تصحيح برت‪ ،‬بعد أن خضعت لعملية‬ ‫برت مل تكن كافية‪.‬‬


‫تقول فاطمة‪« :‬حصلت على طــرف صناعي‬ ‫بعد سبعة أشهر من إصابيت‪ ،‬لكنه سيئ‪ ،‬فهو‬ ‫من النوع البدائي الثقيل‪ ،‬لكنين سعيدة ألنين‬ ‫ـدي‬ ‫أستطيع ش ـراء حاجيات مـنــزيل‪ ،‬وأخــذ ولـ ّ‬ ‫إىل احلديقة»‪.‬‬ ‫«وف ـ ــاء» شـقـيـقــة «ف ــاط ـم ــة»‪ ،‬والـ ــي رافـقـتـهــا‬ ‫يف رح ـل ــة ال ـش ـق ــاء ت ـل ــك‪ ،‬كـ ــان هل ــا نـصـيـبـهــا‬ ‫مــن ال ـع ــذاب‪ ،‬ولـكــن يف مـنـحــى آخ ــر‪ ،‬حيث‬ ‫التحقت أبختها أثناء فرتة إقامتها يف املشفى‪،‬‬ ‫بعد أن علمت مبــا حـ ّـل هبــا‪« ،‬اضـطــرت وفــاء‬ ‫ـدي عند بعض معارفنا‪،‬‬ ‫إلبـقــاء ابنتها مــع ول ـ ّ‬ ‫غري أن األطفال أصبحوا يف وضع نفسي سيئ‬ ‫جــداً‪ ،‬كما أصيبوا ابملــرض نتيجة إلحجامهم‬ ‫عن الطعام‪ ،‬لبعدهم عن أمهاهتم لفرتة طويلة‬ ‫من انحية‪ ،‬وبسبب خوفهم على مصري أمهم‬ ‫من انحية اثنية‪ ،‬نتيجة ما كــان يــدور أمامهم‬ ‫من أحاديث»‪.‬‬ ‫بـعــد ش ـفــاء «فــاط ـمــة» ال ـت ــام‪ ،‬وتــرك ـيــب طــرف‬ ‫صناعي هلا‪ ،‬وصل أهل زوجها مدينة أنطاكيا‬ ‫حيث تقيم‪ ،‬وهنا بدأ زوجها يتذ ّمر من تواجد‬ ‫«وف ـ ــاء»‪ ،‬وم ــن امل ـصــاريــف‪ ،‬وفــوضــى ابـنـتـهــا‪،‬‬ ‫فاضطرت للعمل يف عيادة طبيب مقابل ‪70‬‬ ‫لرية تركية أسبوعياً كي تؤمن احتياجات ابنتها‬ ‫عـلــى األقـ ــل‪ ،‬تـتـحــدث «وفـ ــاء» عــن مـعــاانهتــا‬ ‫ف ـت ـقــول‪« :‬ال أل ــوم ــه‪ ،‬فــاحل ـيــاة ص ـع ـبــة‪ ،‬زوج ــي‬ ‫طلّقين ألنه طلب مين العودة ورفضت بسبب‬ ‫ع ــدم ش ـفــاء فــاطـمــة مت ــام ـاً‪ ،‬وألهن ــا مل تـكــن قد‬ ‫ركـبــت الـطــرف الـصـنــاعــي بـعــد‪ .‬مشكليت معه‬ ‫ليست تعامله معي أو مع ابنيت‪ ،‬املشكلة يف‬ ‫أخــي الــي تتعرض للضغوطات يومياً بسبيب‪،‬‬ ‫كما أنين بدأت أخاف عليها‪ ،‬يطالبها إبجناب‬ ‫طفل جديد مــع أهنــا مل تتعاف متــامـاً‪ ،‬أخــاف‬ ‫أن تـتـهـ ّـور وختــاطــر بصحتها وحـيــاهتــا إلرضــائــه‬ ‫هو وأهله‪ ،‬أما أان فسأعود لزوجي‪ ،‬وسأرجع‬ ‫إىل ســوراي‪ ،‬خاصة بعد أن طــردين زوج أخيت‬ ‫وصرت مضطرة للمبيت يف العيادة»‪.‬‬ ‫الـطـفـلــة م ـي ـســاء‪ :‬يف س ــوراي ال ي ـن ـظــرون إيل‬ ‫ابستغراب!‬ ‫أمــا الطفلة «مـيـســاء‪ 13 ،‬عــام ـاً»‪ ،‬مــن بلدة‬ ‫كفرومة يف حمافظة إدلب‪ ،‬واليت تقيم حالياً يف‬

‫دار االستشفاء التابعة للمركز الطيب السوري‪،‬‬ ‫فلها قصة مـغــايــرة‪ .‬أصيبت «مـيـســاء» بطلقة‬ ‫ق ـنــاص يف ب ــداي ــة ع ــام ‪ ،2012‬ق ـبــل خ ــروج‬ ‫جيش النظام من البلدة‪ ،‬عن إصابتها تقول‪:‬‬ ‫«يف فصل الشتاء عام ‪ ،2012‬فتحت ابب‬ ‫املنزل ألجلب احلطب من أمامه‪ ،‬حملين القناص‬ ‫فــأصــابــي يف ظ ـهــري عـلــى ال ـف ــور‪ ،‬جـئــت إىل‬ ‫مدينة الرحيانية‪ ،‬وخضعت للعالج ملدة سبعة‬ ‫أشـهــر‪ ،‬إىل أن أصبحت قــادرة على التحكم‬ ‫ابجلزء العلوي من جسمي»‪.‬‬ ‫أما والدهتا فتقول‪« :‬يف بداية إصابتها مل تكن‬ ‫تستطيع القيام أبي شيء‪ ،‬بقيت معها يف الدار‬ ‫مدة سبعة أشهر‪ ،‬وهي تتلقى العالج واملعاجلة‬ ‫الفيزايئية‪ ،‬كي تستطيع التحكم ابجلزء العلوي‬ ‫من جسمها‪ ،‬ولكنها فقدت اإلحساس كلياً‬ ‫بنصف جسمها السفلي»‪.‬‬ ‫م ـن ــذ قـ ـراب ــة الـ ـع ــام‪ ،‬غ ـ ــادرت «م ـي ـس ــاء» دار‬ ‫االستشفاء‪ ،‬غري أهنا عــادت هلا قبل شهرين‪،‬‬ ‫ب ـعــد تـعــرضـهــا لـكـســر يف ع ـظــم ال ـف ـخــذ‪ ،‬فقد‬ ‫كانت الطفلة حتــاول االنتقال من السرير إىل‬ ‫ال ـكــرســي امل ـت ـحــرك دون إزعـ ــاج وال ــدهت ــا‪ ،‬غري‬ ‫أن عظم الفخذ لديها تعرض لكسر مرتافق‪،‬‬

‫نتيجة اخرتاق العظم للحم‪ ،‬ما أدى إىل إنتان‬ ‫شديد‪ ،‬وهي حالياً تتلقى العالج‪.‬‬ ‫تقول «ميساء»‪« :‬أذهــب إىل املدرسة‪ ،‬أنوي‬ ‫مـتــابـعــة دراس ـ ــي ك ــي أع ـت ـمــد ع ـلــى نـفـســي يف‬ ‫املستقبل‪ ،‬يف سوراي ال ينظرون يل ابستغراب‪،‬‬ ‫هنالك كثريون حاهلم مثل حايل وأسـوأ‪ ،‬فقط‬ ‫يف ت ــرك ـي ــا ي ـفــاج ـئ ـهــم م ـن ـظ ــري ع ـل ــى ال ـكــرســي‬ ‫املتحرك‪ ،‬ويسألون عن السبب‪.»..‬‬ ‫وابل ــرغ ــم مــن كــل م ـعــاانة «م ـي ـســاء»‪ ،‬فـمـعــاانة‬ ‫والــدهتــا األربعينية ليست أقــل‪ ،‬وتتلخص أبن‬ ‫والــد «مـيـســاء» وشقيقها األكــر وال ــذي كان‬ ‫عمره ‪ 15‬سنة استشهدا بعد سنة واحدة من‬ ‫إصــابـتـهــا‪ ،‬ووج ــدت األم نفسها مـســؤولــة عن‬ ‫إعالة أربعة أطفال مجيعهم دون العاشرة‪ ،‬وطفلة‬ ‫مشلولة‪« :‬ال أستطيع مغادرة املنزل‪ ،‬جيب أن‬ ‫أبقى ألاتبع ابنيت‪ ،‬خاصة وأهنا تتعرض بشكل‬ ‫دائم لاللتهاابت نتيجة القسطرة البولية‪ ،‬كما‬ ‫أهنا حتتاج للمساعدة يف كل شيء‪ ،‬وهي فتاة‬ ‫حساسة ‪ ،‬سبب وجــودي يف دار االستشفاء‬ ‫جمــدداً هــو أهنــا تريد االعتماد على نفسها يف‬ ‫النهوض»‪.‬‬ ‫طـبـعـاً األط ـفــال األرب ـعــة م ـت ـواجــدون عـنــد زوج‬ ‫أختهم البالغة من العمر ‪ 14‬عاماً يف مدينة‬ ‫الرحيانية‪ ،‬وحبسب الوالدة فهو يقوم مبساعدهتم‬ ‫ابسـتـمـرار‪ ،‬أمــا عــن كــل مجعيات رعــايــة أرامــل‬ ‫الشهداء‪ ،‬فتقول‪« :‬كله كالم بكالم!»‪.‬‬ ‫ع ـبــد ال ـ ـ ـ ــرزاق‪ ..‬س ــأع ــود ل ـل ـم ـعــركــة ب ـطــريف‬ ‫الصناعي‬ ‫«عبد الرزاق»‪ ،‬مقاتل يف الثانية والعشرين من‬ ‫عمره‪ ،‬ينتمي إىل إحدى القرى احمليطة مبدينة‬ ‫حم ــردة‪ ،‬ت ـعـ ّـرض إلصــابــة أث ـنــاء امل ـع ــارك الــدائــرة‬ ‫يف ري ــف إدل ــب‪ ،‬فيما يقيم أهـلــه يف قريتهم‪،‬‬ ‫اسـتــدعــت بــر قــدمــه مــن ف ــوق ال ـكــاحــل‪ ،‬عن‬ ‫إصابته‪ ،‬يتحدث «عبد الرزاق» املتواجد حالياً‬ ‫«تعرضت لإلصابة‬ ‫يف دار االستشفاء ذاهتــا‪ّ :‬‬ ‫أثناء املعارك يف ريف إدلب منذ شهرين تقريباً‪،‬‬ ‫طبعاً كمقاتل‪ ،‬ال وجود ألي من أهلي حويل‪،‬‬ ‫كانت اإلصابة قوية أدت لتهشم عظام القدم‪،‬‬ ‫واس ـت ــدع ــت ع ـم ـل ـيــة الـ ـب ــر‪ ،‬اضـ ـط ــرت والـ ــديت‬ ‫للخروج من القرية اليت هي حالياً حتت سيطرة‬ ‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪5 2014‬‬


‫النظام‪ ،‬واستغرق وصوهلا ملكان وجودي مخسة‬ ‫أايم‪ ،‬وصلنا بعد مخسة أايم أخــرى إىل مدينة‬ ‫الــرحيــان ـيــة الــرك ـيــة‪ ،‬وك ــان م ـكــان اإلص ــاب ــة قد‬ ‫تعرض لاللتهاب الشديد جمدداً»‪.‬‬ ‫حني وصل «عبد الرزاق» إىل الرحيانية‪ ،‬اضطر‬ ‫ال ـقــائ ـمــون عـلــى دار االس ـت ـش ـفــاء إىل إج ـراء‬ ‫عملية تصحيح برت إىل ما حتت مفصل الركبة‪،‬‬ ‫مل َ‬ ‫يتعاف جرحه ابلشكل الكايف‪ ،‬وهو ينتظر‬ ‫شفاءه ابلشكل الكامل‪ .‬عن أمله يف العودة‬ ‫لساحة املـعــركــة يـقــول‪« :‬مل يــرد جــرحــي بعد‪،‬‬ ‫وحني أتعاىف سأسعى لرتكيب طرف صناعي‪،‬‬ ‫زمــائــي يقولون إهنــم ق ــادرون احلــركــة بسهولة‪،‬‬ ‫هــذا هــو احلــل األف ـضــل»‪ ،‬مث يتابع ضاحكاً‪،‬‬ ‫والــديت تقول‪« :‬إذا ذهبت إىل هناك فحاول‬ ‫أن تكون اإلصابة قاتلة»!‪.‬‬ ‫«عبد الرزاق» ال يضع أي مشاريع للزواج أو‬ ‫االستقرار يف احلسبان‪ ،‬فهو يعتقد أن إصابته‬ ‫تزيده تصميماً على االنتقام ممن تسبب له هبا‪،‬‬ ‫وأنــه كي يفكر ابلــزواج هناك احتمال واحــد‪:‬‬ ‫«إم ــا أن ينتهي هــذا الـنـظــام وحينها سأفكر‬ ‫ابالس ـت ـق ـرار وأان مـ ـراتح ال ـب ــال‪ ،‬وإال فسأظل‬ ‫أحارب»‪.‬‬ ‫والدة «عبد الرزاق» سيدة ستينية‪ ،‬وهو أصغر‬ ‫أب ـنــائ ـهــا‪ ،‬اض ـط ــرت ه ــذه ال ـس ـيــدة لـلـمـخــاطــرة‬ ‫حبياهتا كي تصل إىل مكان تواجده‪ ،‬يف منطقة‬ ‫تـشـهــد اشـتـبــاكــات عـسـكـريــة‪ ،‬ت ـقــول‪« :‬حــن‬ ‫وصلين اخلرب‪ ،‬مل يكن أمامي سوى أن أذهب‬

‫إل ـي ــه بـنـفـســي‪ ،‬زوجـ ــي م ـت ــوىف‪ ،‬وأخ ـ ــاف على أم ــا االس ـت ـم ــاع قـصـصـهــم فـيـضــاغــف الـشـعــور‬ ‫إخوته من املــرور على حواجز النظام‪ ،‬حاول ابلـ ـتـ ـع ــب»‪ ،‬وت ـت ـح ــدث ع ــن سـ ـي ــدة أص ـي ـبــت‬ ‫شقيقه األكرب أن أييت ولكنين مل أمسح له‪ ،‬هو ابلشلل وخرجت من دار االستشفاء‪ ،‬فطلب‬ ‫أب ألط ـفــال‪ ،‬أمــا شقيقه الـثــاين فـقــد أصيب ال ــزوج مــن أهلها «أخــذهــا ألنــه تعب» وحني‬ ‫إصابة كــادت تتسبب مبوته يف العام املاضي‪ ،‬رف ــض األه ــل‪ ،‬أخــذهتــا أخـتـهــا إىل اسـتــانـبــول‪،‬‬ ‫ومل أكن أريد أن يصاب مرة اثنية»‪.‬‬ ‫وذكرت حادثة طفل آخر «برت طرفاه العلواين‬ ‫تنتظر والدة «عبد الــرزاق» شفاءه التام‪ ،‬كي ورجله من الفخذ بسبب برميل مت إلقاؤه على‬ ‫تعود إىل بيتها وتطمئن على بقية إخوته الذين بيته»‪ ،‬وآخ ــر» تــركــه ذووه ملــدة عــام ونصف‪،‬‬ ‫ال تستطيع الـتـواصــل معهم‪« :‬سـيـكــون ق ــادراً بـعــد تـعــرضــه لـبــر رج ـلــه م ــن مـنـطـقــة الـفـخــذ»‬ ‫مبجرد شفائه‪ ،‬ولن دون مـراجـعــة دار االسـتـشـفــاء‪ ،‬ال ــي أسكنته‬ ‫على االعتماد على نفسه ّ‬ ‫حيتاجين بعد تركيب الطرف االصصناعي»‪.‬‬ ‫مع العاملني فيها‪ ،‬يف الطابق العلوي‪ ،‬وراحوا‬ ‫يتابعون أح ـوالــه‪ ،‬بسبب «انـشـغــال أهـلــه عنه‬ ‫املركز الطيب السوري‪ ..‬شيء من األمل‬ ‫ابلعمل يف جين حمصول القطن»‪.‬‬ ‫األس ـتــاذ «ايس ــر الـسـيــد»‪ ،‬مــديــر املــركــز الطيب يف ال ـن ـهــايــة‪ ،‬ي ـشــر األس ـت ــاذ «ايس ـ ــر»‪ ،‬مــديــر‬ ‫ال ـس ــوري (دار االس ـت ـش ـف ــاء)‪ ،‬أك ــد ع ـلــى أن املــركــز‪ ،‬أن ــه» ال تــوجــد إحـصــائـيــة دقـيـقــة لعدد‬ ‫ال ــدار تستقبل «كــافــة احل ــاالت واإلص ــاابت مبتوري األط ـراف‪ ،‬بعض اإلحصائيات تقول‬ ‫بعد العمل اجلراحي‪ ،‬فيما يتعلق مبتابعة اجلروح إن ه ـنــاك مثــانــن أل ــف ش ـخــص ع ـلــى ام ـتــداد‬ ‫الساخنة‪ ،‬واليت تتطلب اهتماماً من الناحيتني سـ ــوراي‪ ،‬لـكـنــه رق ــم غ ــر دق ـي ــق‪ ،‬بـسـبــب تـعــدد‬ ‫الصحية والنفسية‪ ،‬خاصة بعد افتتاح عيادة اجلـهــات واملنظمات وغـيــاب التنسيق‪ ،‬فض ً‬ ‫ال‬ ‫نفسية‪ ،‬كما أن العاملني يف دار االستشفاء عــن أن وزارة الـصـحــة يف احل ـكــومــة املــؤق ـتــة مل‬ ‫ت ـل ـق ـوا ت ــدري ـب ــات ع ـلــى ي ــد م ـن ـظ ـمــات أجـنـبـيــة تقم أبي من واجباهتا جتاه هذا القطاع‪ ،‬فعلى‬ ‫م ـثــل ‪ Handicap International‬سـبـيــل امل ـث ــال مل ت ـقــدم لـنــا أي دع ــم‪ ،‬ب ــل إنـنــا‬ ‫الفرنسية»‪.‬‬ ‫حــن تواصلنا معهم ل ـزايرة املــركــز يف الرحيانية‬ ‫أمــا اإلص ــاابت الــي تصلهم‪ ،‬فتتحدث عنها واالطـ ــاع عـلــى الــوضــع‪ ،‬تــذرع ـوا بـعــدم تـوافــر‬ ‫السيدة «أم مصطفى»‪ ،‬وهي ممرضة يف الدار‪ :‬الوقت للزايرة‪ ،‬وحنن املتواجدون يف منطقة هي‬ ‫« أش ـع ــر ابل ـت ـعــب ن ـتـيـجــة حلـ ــرج أوض ــاع ـه ــم‪ ،‬األقرب إىل مقر احلكومة يف عينتاب‪ ،‬فكيف‬ ‫خاصة وأنــي مسؤولة عــن النساء واألطـفــال‪ ،‬هلا أن تقوم بتوثيق عمل كل املنظمات العاملة‬ ‫داخل سوراي!»‪.‬‬ ‫يـنـتـظـران ال ـك ـثــر م ــن ال ـع ـمــل ك ــي خن ــرج س ــوراي‬ ‫مــن حمـنـتـهــا‪ ،‬فـفــي عـلــم الـنـفــس‪ ،‬يـبــدأ الـشـعــور‬ ‫ابلصدمة النفسية بعد عام ونصف على اخلروج‬ ‫مــن الـتـجــارب املـؤملــة‪ ،‬وهلــذا حنـتــاج الكثري من‬ ‫الــدعــم النفسي‪ ،‬ابإلضــافــة لتعويض األط ـراف‬ ‫املـبـتــورة‪ ،‬ألن شخصاً واح ــداً مــن األس ــرة‪ ،‬هو‬ ‫من يتعرض لإلعاقة احلركية من برت أو شلل‪،‬‬ ‫ولكن حميطه االجتماعي أبكمله حيتاج ملعاجلة‬ ‫نفسية خاصة‪ ،‬للخروج من دائــرة هذه احملنة‪،‬‬ ‫ومساعدته على اخلروج منها‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬


‫العودة إلى الجامعات حلم أحرقته نار الحرب‬ ‫جامعة حلب‬ ‫ٍ‬ ‫وعقبات يوميّة‪،‬‬ ‫تواجه طالبات اجلامعات مشاكل‬ ‫ويتوجسن خيف ًة مــن عــدم إمكانية‬ ‫حيملن مهّـهــا‪ّ ،‬‬ ‫استكمال حلم التحصيل العلمي يف ّ‬ ‫ظل األوضاع‬ ‫الراهنة‪.‬‬ ‫«خدجية‪ /‬طالبة يف كليّة اهلندسة املعماريّة» حت ّدثت‬ ‫متألّم ًة عن استهداف طــائـرات النظام ملبىن كليّة‬ ‫اهلندسة املعماريّة يف منتصف شهر كانون الثّاين من‬ ‫العام املاضي‪ ،‬أثناء تقدمي الطالب المتحاانهتم‪،‬‬ ‫تقول‪« :‬القذائف قصفت دوار العمارة‪ ،‬والسكن‬ ‫اجلــام ـعــي‪ ،‬ال ــوح ــدة الـتّــاسـعــة ُد ِّم ـ ــرت وع ــادت إىل‬ ‫هيكلها األول‪ ،‬سقط عدد من الشهداء‪ ،‬وابتت‬ ‫فرصة العودة إىل الكليّة شبه مستحيلة»‪.‬‬ ‫وثّق حينها ما يزيد عن مخسني شهيداً معظمهم من‬ ‫طالب اجلامعة‪ ،‬حيث تزامن القصف مع ازدحام‬ ‫الكليّات يف وقت االمتحاانت‪.‬‬ ‫علي إيقاف دراسيت‬ ‫تضيف خدجية‪« :‬أهلي فرضوا ّ‬ ‫حلني انفراج األزمة‪ ،‬لكن ما نشهده هو وصول‬ ‫األوض ــاع إىل حــد الكارثيّة يف حلب‪ ،‬ومثلها يف‬ ‫احملافظات األخرى‪ُ ،‬هنا أرى حلمي يتالشى أمام‬ ‫عيين يف أول خطوايت للمستقبل»‪.‬‬ ‫أح ــام الـكـثـرات كحلم «خــدجيــة» ابتَــت تنتظر‬ ‫انـفـراج األزم ــة‪ ،‬للعودة إىل اجلامعة أو استكمال‬ ‫الــدراســة على أقـ ّـل تقدير‪ ،‬بيد أ ّن خطورة السفر‬ ‫للمقيم يف احملافظات األخ ــرى تعرضه لـشــي ٍء من‬ ‫املغامرة أو املخاطرة‪ ،‬بسبب انقسام السيطرة فيها‬ ‫احلر‬ ‫بني قـوات النظام من جهة‪ ،‬وكتائب اجليش ّ‬ ‫من جه ًة أخــرى‪ ،‬وال ننسى هالة اخلطر املرسومة‬ ‫حول وجود الكتائب «املتأسلمة» يف بعض املناطق‬ ‫األخــرى‪ .‬فبسبب االقتتال فيما بينها اضطر عدد‬ ‫كبري منهن إليـقــاف دراسـتـهــن‪ ،‬حـ ّـى ال يضعهن‬ ‫الـسـفــر إىل كـلــيّــاهتــن مــوضــع اخل ـطــر‪ ،‬هــذا مــا كــان‬ ‫يشرح مشكلة «هيفي أمحــد‪ /‬كليّة االقـتـصــاد»‪،‬‬ ‫فتح ّدثت‪« :‬الطريق من دمشق إىل حلب مل يكن‬ ‫آمناً لوصويل إىل كليّيت‪ ،‬وتقدمي االمتحاانت على‬ ‫األقل‪ ،‬وقلق عائليت من خروجي إىل حمافظ ٍة أخرى‬ ‫يف ظ ـ ٍ‬ ‫علي إيقاف‬ ‫ـروف انـعــدم األمــن فيها‪ ،‬حتّم ّ‬ ‫دراسيت ٍ‬ ‫لوقت حم ّدد»‪.‬‬ ‫وختوفهم على بناهتم كان مضاعفاً أثناء‬ ‫قلق األهل ّ‬ ‫ـوجـهـهــن إىل الـعـمــل أو الــدراســة ضـمــن احملافظة‬ ‫تـ ّ‬ ‫ال ـواح ــدة‪ ،‬كـيــف وإن ك ــان حتصيلها حيـتّــم عليها‬

‫السفر إىل مناطق أخرى‪ ،‬مرّد هذا اخلوف أو القلق‬ ‫ّ‬ ‫مل يكن على حياهتا فحسب‪ ،‬بــل مبــا كــان جنود‬ ‫كالتحرش هبن إلهانتهن‪.‬‬ ‫النظام يقومون به‬ ‫ّ‬ ‫قصة نزوحها من دمشق إىل‬ ‫تستكمل «هيفي» ّ‬ ‫احلسكة‪« :‬بعد نزوحي إىل احلسكة مع عائليت‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫متكنت من تقدمي امتحان بعض املواد يف جامعتها‪،‬‬ ‫لكن املعارك واالشتباكات الــدائــرة‪ ،‬جعلتنا ّ‬ ‫نفكر‬ ‫ابللجوء إىل تركيا بعد انعدام األمن كليّاً يف املدينة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تستوف شــروط الدخول‬ ‫مــا حصل أ ّن بـيــاانيت مل‬ ‫للجامعات الرتكيّة»‪.‬‬ ‫مــا بــدا على وجــه «هـيـفــي» أظـهــر شيئاً مــن قوة‬ ‫ست‬ ‫عزميتها للتأقلم مع وض ٍع فُرض عليها‪ ،‬رغم أ ّن ّ‬ ‫ابلتخرج‪.‬‬ ‫مواد كانت تقف وبني أملها‬ ‫ّ‬ ‫الطب ابتت أكرب يف احتمال تبعات‬ ‫مهوم طالبات ّ‬ ‫يتعرضن‬ ‫الظروف السيئة‪ ،‬ففي بعض احلاالت كن ّ‬ ‫خلطر املالحقة من النظام أو من خمربيه املعروفني يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬عند حماوالهتن تقدمي الدعم أثناء إسعاف‬ ‫الشباب املصابني أثناء التظاهر‪ ،‬حت ّدثت «جنان‪/‬‬ ‫طالبة طب بشري»‪« :‬يف مظاهرات حلب األوىل‪،‬‬ ‫ك ــان قـمـعـهــا عـنـيـفـاً م ــن جـيــش ال ـن ـظــام وشبيحة‬ ‫يتعرض له‬ ‫ّ‬ ‫التجار املعروفني بوالئهم له‪ ،‬ابلنظر ملا ّ‬ ‫املتظاهرون من إطــاق للرصاص‪ ،‬وضرهبم أحياانً‬ ‫يسمى بـ (السالح األبيض)‬ ‫ابألدوات احلــادة ما ّ‬ ‫كــان مــن واجبنا تقدمي يــد الـعــون هلــم بعدما كان‬ ‫رفــاق ـهــم يـسـعـفــوهنــم إل ـي ـنــا‪ ،‬كـمـتـطــوعــن يف تـقــدمي‬ ‫اإلسعافات للحاالت غري املعق ّدة أو اخلطرية»‪،‬‬ ‫إسعاف اجلرحى من املتظاهرين‪ ،‬كــان يع ّد لدى‬ ‫الـنـظــام جـرميـ ًة يـفــوق عقاهبا عـقــاب املتظاهر حبد‬ ‫ذاته‪.‬‬ ‫تعرب «جنان» عن أسفها حني غــادرت فتقول‪:‬‬ ‫مبجرد إيقاف النزف‬ ‫«كنت ّ‬ ‫أحس بقيمة عملي‪ّ ،‬‬ ‫من جرح صغري‪ ،‬لكنين مل أستطع أن أمتّم بعد أن‬ ‫من‬ ‫تـعـ ّـرض زمـيــان لنا لــاعـتـقــال‪ ،‬حينها طلب ّ‬ ‫أبيم إىل‬ ‫الكف عن عملي‪ ،‬خرجنا بعدها ّ‬ ‫والدي ّ‬ ‫تركيا‪ ،‬حني بــدأ اخلطر حيـ ّـوم حــول عــدد من أفـراد‬ ‫عائليت‪ ،‬خسرت دراسيت‪ ،‬والعمل الّذي كان يزيدين‬ ‫شعوراً إبنسانيّيت»‪.‬‬ ‫بعض ّ‬ ‫الطالبات التحقن جبامعة تشرين يف الالذقيّة‪،‬‬ ‫بعد انقطاع السبل هبـ ّـن للوصول إىل جامعاهتن‪،‬‬ ‫كوهنا أكثر احملافظات أماانً ابملقارنة مع احملافظات‬ ‫تضم جامعات الستكمال دراستهن‬ ‫األخرى الّيت ّ‬

‫• شريين بريك‬

‫«تعي‬ ‫كـ «راما عبده‪ /‬أدب إنكليزي» اليت تقول‪ّ :‬‬ ‫علي التسجيل يف جامعة تشرين‪ ،‬حيث أصبحت‬ ‫ّ‬ ‫مقصد العديد من زمالئي‪ ،‬مل ميانع أهلي االلتحاق‬ ‫هبا‪ ،‬أل ّن الالذقيّة مل تصلها تبعات االقتتال كحلب‬ ‫أو دمـشــق‪ ،‬شعرت ابلـراحــة بعض الـشــيء‪ ،‬ألنين‬ ‫حصلت على فرص ٍة ملتابعة دراسيت‪ ،‬لكن واجهتين‬ ‫مشاكل عديدة داخــل اجلامعة وخارجها‪ ،‬فقد متّ‬ ‫حــذف نتيجة معظم امل ـواد الّــي ق ّدمتها يف الــدورة‬ ‫التكميلية‪ ،‬ومل تعرتف إدارة اجلامعة هبا‪ ،‬فاضطررت‬ ‫إلعادة تقدميها‪ ،‬األمر الّذي يعيق ختّرجي»‪.‬‬ ‫من املشاكل الّــي تواجه الطالبات املنتقالت إىل‬ ‫ـاصـ ًة بعد‬ ‫جامعة تشرين تــذ ّمــر البعض منهن‪ ،‬خـ ّ‬ ‫معرفة عناصر احلواجز واملوالني فيها ابنتمائهن إىل‬ ‫حمــافـظـ ٍ‬ ‫ـات ومـنــاطــق شـهــدت ح ـراك ـاً ض ـ ّد النظام‪،‬‬ ‫وإلقاء الكالم غري الالئق على مسامعهن يف بعض‬ ‫األحيان‪.‬‬ ‫تتابع «راما» حديثها عن املشكالت الّيت واجهتها‪:‬‬ ‫«مل يـتـسـ َّـن يل احل ـصــول عـلــى سـكــن طـ ـّـايب‪ ،‬ممّــا‬ ‫أتوجه الستئجار شقّة مع زميل ٍة يل‪ ،‬وهذا‬ ‫جعلين ّ‬ ‫ما وضعنا يف دائــرة استغالل مالكي الشقق لرفع‬ ‫كلفة اإلجيار الّيت تفوق أحياانً قدرتنا املاديّة على‬ ‫سدادها»‪.‬‬ ‫ال ّدراسة اجلامعيّة يف ّ‬ ‫ظل ظروف احلرب تبقى حلماً‬ ‫مشوابً ابلعوائق واملن ّغصات‪ ،‬الّــي تقف عائقاً يف‬ ‫سبيلهن إىل مستقبل ينتظرنه بتوق‪.‬‬ ‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪7 2014‬‬


‫في ظل مستقبل مجهول‬

‫سوريون يتعايشون مع فقدان أطرافهم‬

‫• رهف موسى‬

‫دخلت الثورة السورية عامها الرابع منذ عدة أشهر‪ ،‬مت خالهلا توثيق مقتل أكثر من ‪150‬‬ ‫ألف شخص بسبب عنف النظام‪ ،‬لكن الرقم الذي كثرياً ما يُغفل هو عدد اجلرحى‪ ،‬والذي‬ ‫جتاوز النصف مليون وفقاً للجنة الدولية للصليب األمحر‪ .‬وقد عاىن عدد غري حمدد منهم‬ ‫من إصاابت ابلغة أدت إىل إعاقات جسدية دائمة‪ .‬وميكن مالحظة أن الصراع السوري غري‬ ‫مميز هبذا اخلصوص‪ ،‬فجميع احلروب تشوه وتقتل‪ ،‬لكن املختلف هنا هو السالح املستخدم‬ ‫يف املذحبة‪ ،‬ففي كمبوداي كان السالح ألغاماً أرضية‪ ،‬ويف العراق عبوات متفجرة وعمليات‬ ‫انتحارية‪ ،‬أما يف سوراي فالذنب ذنب املدفعية والغارات اجلوية احململة ابلرباميل املتفجرة‪.‬‬ ‫معظم حــاالت اإلعــاقــة اجلسدية احلاصلة هي‬ ‫نتيجة ف ـقــدان واح ــد مــن األط ـ ـراف أو أكـثــر‪،‬‬ ‫ل ـك ــن‪ ،‬ومب ـس ــاع ــدة ب ـعــض امل ـن ـظ ـمــات الــدول ـيــة‬ ‫املتخصصة مت أتمــن أط ـراف اصطناعية لعدد‬ ‫كبري من احلــاالت ومتابعة لسري عملية التأقلم‬ ‫وسجلت‬ ‫مع الطرف اجلديد نفسياً وجسدايً‪ُ .‬‬ ‫قـصــص جن ــاح وإص ـ ـرار ك ـثــرة ت ــدل عـلــى عـزميــة‬ ‫سورية ال تلني‪ ،‬وإن عانت من حلظات ضعف‬ ‫يف وج ــه طـغـيــان ال ي ــرح ــم‪ ،‬وال ـق ـصــص الـثــاثــة‬ ‫التالية تتحدث عن أمثلة هلذه العزمية‪.‬‬ ‫حياة جديدة‬ ‫يقطب «مصطفى أمحد» حاجبيه وهو يدخل‬ ‫م ــا تـبـقــى م ــن س ــاق ــه يف ال ـس ــاق االصـطـنــاعـيــة‬ ‫اجلــديــدة‪ ،‬مــد يــديــه إىل اجلانبني ليحافظ على‬ ‫توازنه‪ ،‬ارتفع ببطء ومشى متعثراً على األرض‬ ‫الرتابية خليمته اآليلة للسقوط ابجتاه ابهبا‪ .‬يطل‬ ‫أطفال ذوي شعر أشعث من فجوة يف الغطاء‬ ‫البالستيكي الذي ميثل حيطان اخليمة‪ ،‬حماولني‬ ‫إلقاء نظرة على عملية تركيب طرف اصطناعي‬ ‫ألمحد‪ ،‬بعد أكثر من عامني على فقدانه ساقه‬ ‫يف غارة للنظام على بلدته يف مشال سوراي‪ .‬بعد‬ ‫انتهائه قــال أمح ــد‪ ،‬وجبهته تلمع مــن قطرات‬ ‫الـعــرق‪« :‬أشعر برغبة يف السري ملسافة طويلة‪،‬‬ ‫ألذه ــب وأرى أصــدقــائــي وجـ ـراين‪ .‬أشـعــر أبين‬ ‫اســرجـعــت ســاقــي‪ ،‬أشـعــر أبين طبيعي وعــدت‬ ‫كما كنت»‪.‬‬ ‫أصـيــب «أمح ــد» (‪ 19‬عــام ـاً) بـشـظــااي مزقت‬ ‫جزءاً من ساقه‪ ،‬إثر غارة جوية للنظام يف تشرين‬ ‫‪8‬‬

‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫الثاين ‪ 2011‬على بلدته «دير حافر» التابعة‬ ‫حلـلــب‪ .‬يـقــول «أمح ــد» عــن احل ــادث ــة‪« :‬عندما‬ ‫استيقظت يف املستشفى شـعــرت أبمل شــديــد‪،‬‬ ‫وعلمت أين فقدت ساقي‪ ،‬أول إحساس انتابين‬ ‫هــو أن حـيــايت انـتـهــت‪ ،‬مل يعد إبمـكــاين السري‬ ‫أو العمل أو اخلــروج‪ .‬كنت وحيداً مع سريري‬ ‫وفـقــدت األم ــل»‪ .‬مــع قلة اخل ـيــارات يف ســوراي‬ ‫استخدم «أمحــد» العكازات ليتحرك‪ ،‬ومــن مث‬ ‫صنع هو ووالــده ساقاً اصطناعية منزلية هزيلة‬ ‫مــن الـبــاسـتـيــك واجل ـ ـوارب‪ ،‬اسـتـخــدمـهــا لستة‬ ‫أشهر قبل أن يتخلص منها لكوهنا غري مرحية‬ ‫ومؤملة‪ ،‬ابإلضافة لقصرها‪ ،‬مما جعله يعرج أثناء‬ ‫استخدامها كما يقول‪.‬‬ ‫ازداد العنف يف املناطق الشمالية السورية مطلع‬ ‫عام ‪ ،2013‬ما دفع أبمحد وأسرته ملغادرة دير‬ ‫حــافــر إىل لـبـنــان‪ .‬يـعـيـشــون اآلن عـلــى أط ـراف‬ ‫أرض زراع ـيــة يف خميم متهالك‪ ،‬تتكون خيمه‬ ‫من أخشاب ومسامري وأغطية بالستيكية خارج‬ ‫بلدة «جب جنني» يف وادي البقاع‪.‬‬ ‫حصل أمحــد على ســاقــه االصطناعية اجلــديــدة‬ ‫من «املنظمة الدولية للمعاقني»‪ ،‬وهي منظمة‬ ‫غري حكومية تقوم مبساعدة الالجئني السوريني‬ ‫يف لبنان واألردن‪ ،‬الذين فقدوا أطرافهم‪ ،‬وذلك‬ ‫كجزء من نشاطها العاملي‪.‬‬ ‫يتحدث أمحــد‪« :‬أس ـوأ إحـســاس عشته خالل‬ ‫الـعــامــن الـســابـقــن ش ـعــوري أبن ــه مل يـكــن أحــد‬ ‫جبانيب‪ ،‬انتهى األمــر ابلنسبة يل‪ ،‬وفكرت أبين‬ ‫لن أحصل على ساق ولن أستطيع املشي اثنية‪.‬‬ ‫اآلن ومبا أنين حصلت على هذه الساق ميكنين‬

‫أن أج ــد ع ـم ـ ًـا‪ ،‬وأذهـ ــب أي ـن ـمــا أري ــد وألـتـقــي‬ ‫أبصدقائي»‪ .‬حاملا خرج من اخليمة تقدم أمحد‬ ‫ببطء على ممر تـرايب حييط حبفرة صغرية‪ ،‬بينما‬ ‫يراقبه عجوزان من خيمتهما هبــدوء‪ ،‬ويرتاكض‬ ‫األطفال حوله ليشاهدوا كل خطوة يقوم هبا‪.‬‬ ‫يـقــول «ه ـنــري بــونــن» (وه ــو مــديــر م ـيــداين يف‬ ‫املـنـظـمــة الــدول ـيــة لـلـمـعــاقــن) إن امل ــدة الــزمـنـيــة‬ ‫لـلـتــأقـلــم م ــع ط ــرف جــديــد م ـت ـفــاوتــة‪ ،‬وبـشـكــل‬ ‫عام يعاين البالغون أكثر من الصغار‪ ،‬وكذلك‬ ‫الــذيــن ف ـقــدوا ســاق ـاً مــن ف ــوق الــركـبــة‪ .‬كـمــا أن‬ ‫نوعية العملية اجلراحية اجمل ـراة هــي عامل آخر‬ ‫مؤثر‪ ،‬وتتفاوت بشكل كبري يف صراع كاجلاري‬ ‫يف ســوراي‪ ،‬فبعض عمليات البرت تتم يف مشايف‬ ‫ميدانية أو عـيــادات مؤقتة‪ .‬ويضيف‪« :‬هناك‬ ‫حــاالت بــر طــارئــة‪ ،‬لــذا ال تتم على يــد جـراح‬ ‫عظام بل على يد جراح عام أو طبيب أسنان‪.‬‬ ‫يف احلــاالت الطارئة واحلــرجــة‪ ،‬األهــم هو إنقاذ‬ ‫حياة املريض»‪ .‬ويتابع «بونني» أبن العديد من‬ ‫األطباء يف هذه احلاالت يقصون العظم بشكل‬ ‫عمودي وليس بزاوية كما يفرتض‪ ،‬وإذا كانت‬ ‫هنــايــة ال ـع ـضــو مـسـطـحــة بـ ــدالً م ــن أس ـط ـوان ـيــة‪،‬‬ ‫سيحتاج املريض لعملية اثنية أو اثلثة لتصحيح‬ ‫املشكلة والسماح ابستخدام طرف اصطناعي‪،‬‬


‫وهــذه العمليات مـؤملــة جــداً للمريض‪ .‬املرحلة‬ ‫الفيزايئية صعبة ومنهكة وتوازيها صعوبة اجلانب‬ ‫الـنـفـســي ل ـف ـقــدان ط ــرف ابلـنـسـبــة لـلـعــديــد من‬ ‫السوريني‪.‬‬ ‫من أجل أوالدي‬ ‫«رمي دايب» سيدة سورية يف الرابعة والثالثني‬ ‫م ــن ع ـم ــره ــا‪ ،‬ق ـصــف م ـن ـزهلــا ب ـقــذي ـفــة يف ‪25‬‬ ‫تشرين األول من عام ‪ 2012‬يف مدينة خان‬ ‫شـيـخــون وســط س ــوراي‪ ،‬تــويف زوجـهــا مصطفى‬ ‫وابنتها بتول على إثرها‪ ،‬وعانت هي يف األشهر‬ ‫التالية للحادثة أزمة نفسية حادة‪ ،‬فكان شعرها‬ ‫يتساقط ووجــدت صعوبة ابلغة يف أداء املهام‬ ‫اليومية البسيطة‪ .‬انـتــاهبــا أيـضـاً خــوف مــن أن‬ ‫ابنتها وابنيها الناجني سريتعبون من منظر أمهم‬ ‫ومــا تبقى مــن جسدها أدىن اجلهة اليمىن من‬ ‫حــوض ـهــا‪ ،‬ل ــذا رف ـضــت رؤي ـت ـهــم هلــا عـلــى هــذه‬ ‫الـصــورة‪ ،‬أرسلتهم إىل خاهلم وجــدهتــم ليعيشوا‬ ‫هـنــاك‪ .‬تقول «دايب»‪« :‬مل أرحــب بــرؤيــة أي‬ ‫شخص بسبب وضعي اجلسدي‪ ،‬وليس فقط‬ ‫أبنائي‪ .‬مل أرد أن يروين يف هذه احلالة‪ ،‬وأان غري‬ ‫قادرة على التغلب عليها»‪.‬‬ ‫ج ـ ــاءت «رمي» إىل ل ـب ـن ــان ب ـع ــد ش ـه ـري ــن مــن‬ ‫عـمـلـيــة ال ـبــر‪ ،‬ومت أتم ــن س ــاق اصـطـنــاعـيــة هلا‬ ‫يف نيسان ‪ ،2013‬بعدها قــام معاجل فيزايئي‬ ‫وم ـعــاجل نفسي مــن املـنـظـمــة الــدولـيــة للمعاقني‬ ‫بزايرهتا عدة مرات ملساعدهتا يف إعادة التأهيل‬ ‫الـنـفـســي واجل ـس ــدي‪ ،‬وق ــد أتقـلـمــت ب ـبــطء مع‬ ‫الطرف االصطناعي ابلرغم من صعوبة العملية‪.‬‬ ‫تتحدث «رمي» عن ذلك‪« :‬إهنا ليست ساقي‬

‫احلقيقية‪ ،‬أشعر أبهنا جسم غريب وال أستطيع‬ ‫التوازن ابستخدامها»‪.‬‬ ‫تعيش «رمي» اآلن مع أطفاهلا يف خيمة منصوبة‬ ‫على سطح بناء يف شتورة بلبنان‪ ،‬تتشارك هذا‬ ‫السطح مع والديها وإخواهنا اخلمسة وعائالهتم‬ ‫املكتظني يف عدد قليل من الغرف املتالصقة‪.‬‬ ‫ونزوالً عند رغبة املعاجل الفيزايئي وإصراره‪ ،‬نزلت‬ ‫«دايب» ببطء على الدرجات اإلمسنتية ابجتاه‬ ‫الشارع الرتايب يف اخلارج‪ ،‬وعرجت أثناء سريها‬ ‫بـقـلــق عـلــى الــرص ـيــف‪ .‬قــالــت «رمي»‪« :‬اع ـتــاد‬ ‫أبـنــائــي رؤي ــي بـســاق اصـطـنــاعـيــة‪ ،‬لـقــد ســألــوين‬ ‫أسئلة كثرية مثل (مل ــاذا ختليت عـنــا؟)‪ ،‬لكنهم‬ ‫سعداء اآلن ألنين أستطيع املشي»‪.‬‬

‫بعد تركيب الساق االصطناعية عــاد «أمحــد»‬ ‫لـلـعـمــل يف الـنـقـطــة الـطـبـيــة الــوح ـيــدة يف قـريـتــه‪،‬‬ ‫لكنه سرعان ما غادرها بسبب إص ـرار زمالئه‬ ‫على عدم ضــرورة وجــوده وهو يف هذه احلالة‪،‬‬ ‫وق ــام بـعــد ذلــك ابفـتـتــاح نقطة طبية متواضعة‬ ‫لوحده يقوم فيها ابإلسعاف والتمريض‪ .‬يقول‬ ‫«أمحد»‪« :‬ال شيء يثنيين عن ممارسة عملي يف‬ ‫معاجلة اجلــرحــى واملـصــابــن‪ ،‬إنــه العمل الوحيد‬ ‫الــذي أتقنه‪ ،‬وسأستمر يف خــدمــة الـثــورة حىت‬ ‫ال ـن ـصــر»‪ .‬ويـضـيــف فـيـمــا خي ــص ب ــداي ــة افـتـتــاح‬ ‫النقطة الطبية‪« :‬بدأت العمل يف نقطيت الطبية‬ ‫أبدوات تضميد اجلــروح فقط‪ ،‬ومــع دعــم أهل‬ ‫اخلري تطور العمل»‪ ،‬وتطوع العديد من األطباء‬ ‫الحقاً للعمل يف النقطة وطغى عملها وتوسعها‬ ‫على النقطة القدمية اليت ألغيت فيما بعد‪ .‬مع‬ ‫ذل ــك لـيــس إبم ـكــان «أمحـ ــد» الـعـمــل يف نقل‬ ‫اجلرحى أو إسعافهم يف مكان اإلصابة‪ ،‬بسبب‬ ‫ســاقــه االصـطـنــاعـيــة ال ــي ال متـكـنــه م ــن احلــركــة‬ ‫السريعة‪ ،‬وهــو ال خيفي حزنه مــن هــذا األمــر‪،‬‬ ‫ويضيف أنــه يـعــاين مــن صعوبة يف التأقلم مع‬ ‫الـســاق االصطناعية‪ ،‬وال ميلك الــوقــت الكايف‬ ‫ل ـل ـتــدرب عـلـيـهــا‪ .‬ل ـكــن ه ــذا ال خي ـفــي س ـعــادة‬ ‫«أمحد» أبنه مازال قادراً على ممارسة جزء من‬ ‫عمله‪ ،‬يقول‪« :‬العمل حيايت‪ ،‬أعمل ‪ 16‬ساعة‬ ‫يف ال ـي ــوم‪ ،‬وأعـ ــود بـعــدهــا ألج ـلــس مــع زوجــي‬ ‫وولدي الصغري‪ ،‬وكثرياً ما يطلبونين حلاجة ما يف‬ ‫النقطة فأعود إليها سعيداً»‪.‬‬

‫إصرار على احلياة‬ ‫«أمح ــد» شــاب ممــرض مــن قرية إبلني يف ريف‬ ‫حلب‪ ،‬يعمل كمسعف‪ ،‬فقد ساقه أثناء حماولته‬ ‫إسعاف جريح أصيب يف قصف للنظام على‬ ‫املنطقة‪ ،‬بعد سقوط قذيقة جبانبه‪ ،‬فتم إسعافه‬ ‫هــو واجل ـريــح مـعـاً ودخ ــل يف غيبوبة لـعــدة أايم‬ ‫ـت صوت‬ ‫بعد احلــادثــة‪ .‬يقول «أمح ــد»‪« :‬مسـعـ ُ‬ ‫القذيفة‪ ،‬مث وجدت نفسي يف املشفى امليداين‪،‬‬ ‫أخـ ــروين بـعــد م ــرور ع ــدة أايم عـلــى غـيـبــوبــي‪،‬‬ ‫شـ ـع ــرت أبمل يف رجـ ـل ــي‪ ،‬مـ ـ ــددت ي ـ ـ ــدي‪»...‬‬ ‫وخي ـت ـنــق بــدم ـعــة يـصـعــب إخ ـف ــاؤه ــا‪ ،‬مث يـتــابــع‪:‬‬ ‫«أص ـبــت بـشـظـيــة يف ســاقــي تـسـبـبــت يف بــرهــا‬ ‫الحقاً‪ .‬استمر عالجي حوايل شهرين‪ ،‬وعندما‬ ‫أكملت العالج سافرت إىل تركيا‪ ،‬ورّكبت ساقاً‬ ‫اصطناعية أعادت يل القدرة على املشي بشكل قصص الـنـجــاح كـثــرة‪ ،‬لكنها متعثرة يف ضوء‬ ‫طبيعي إىل حد كبري»‪.‬‬ ‫أزمــات نفسية وجسدية متتالية‪ ،‬فمن مل يغادر‬ ‫ســوراي‪ ،‬مــازال معرضاً الحتمال إصابة جديدة‬ ‫تفاقم حالته مع استمرار طغيان النظام‪ ،‬ومن‬ ‫غـ ــادر سـ ــوراي م ــا زال ي ـع ــاين آالم ال ـف ـقــد غري‬ ‫املنتهية ابإلضــافــة إىل مـعــاانة الـلـجــوء‪ ،‬فنقص‬ ‫املـ ـوارد وان ـعــدام فــرص الـعـمــل واملـعــامـلــة السيئة‬ ‫من قبل الدول املستضيفة‪ ،‬ال تضيف إال كآبة‬ ‫وصـعــوبــة يف الــركـيــز عـلــى الـتــأقـلــم مــع الـطــرف‬ ‫اجلــديــد‪ .‬ومـ ــازال الـعــديــد مــن املـصــابــن الــذيــن‬ ‫فقدوا أحد أطرافهم غري قادرين على الوصول‬ ‫إىل املنظمات املختصة‪ ،‬بسبب احلصار وانعدام‬ ‫إمكانية اخلــروج من ســوراي‪ ،‬كما هو احلــال يف‬ ‫الغوطة الشرقية بدمشق‪.‬‬ ‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪9 2014‬‬


‫أهمها الثقة بالنفس والعمل‬ ‫الدعم النفسي لفاقدي األطراف‬

‫يــاحــظ أي خبري يف الــرعــايــة الصحية يعمل مع‬ ‫أشخاص فقدوا أطرافاً‪ ،‬أن التحدايت النفسية اليت‬ ‫يواجهها املريض يومياً صعبة جــداً‪ ،‬ألهنا تؤثر يف‬ ‫مجيع جوانب حياته بشكل عميق‪ ،‬عقلياً‪ ،‬عاطفياً‪،‬‬ ‫جسدايً وروحـيـاً‪ .‬وميكن أن يكون طريق الشفاء‬ ‫قصرياً أو طوي ً‬ ‫ال ابختالف العمر‪ ،‬احلالة النفسية‬ ‫قبل احلادثة‪ ،‬احلالة املادية‪ ،‬ظروف احلادث‪ ،‬مقدار‬ ‫الدعم املقدم من العائلة واألصدقاء وقيم اجملتمع‪.‬‬ ‫يــؤكــد معظم األط ـبــاء الـنـفـسـيــون‪ ،‬عـلـمــاء النفس‬ ‫والعاملون يف اخلدمة االجتماعية‪ ،‬الذين يعاجلون‬ ‫أشخاصاً فـقــدوا طــرفـاً‪ ،‬على ض ــرورة التعامل مع‬ ‫املريض بشكل متكامل‪ ،‬وأخذ حياته بكليّتها بعني‬ ‫االعتبار‪ ،‬عــمله‪ ،‬عــائلته‪ ،‬جـ ــنسه‪ ،‬ص ـ ــحته وثقته‬ ‫بنفسه‪ .‬ال تتطابق جتربة شخصني ملشاعر احلزن‬ ‫واإلنكار والغضب الطبيعية بذات الزمن احملسوب‬ ‫أو ال ـرت ـي ــب‪ ،‬ولـ ــن ت ـت ـطــابــق ك ــذل ــك حـ ــدة هــذه‬ ‫املشاعر‪ .‬بعض األشـخــاص ال يعايشون مشاعر‬ ‫معينة أبــداً‪ ،‬مع أن األشخاص الذين يعانون من‬ ‫برت‪ ،‬ميرون عادة مبراحل نفسية متشاهبة‪ ،‬إال أنه ال‬ ‫يوجد منط معياري‪.‬‬

‫‪ 10‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫مــن ال ـض ــروري أن يستمع اخـتـصــاصــي األطـ ـراف‬ ‫الصناعية وبقية املختصني ابلتأهيل ملرضاهم‪ ،‬فهم‬ ‫أكـثــر مــن جم ــرد «الـشـخــص ال ــذي صـنــع ســاقــي»‬ ‫ابلنسبة للمريض‪ ،‬سواء الحظوا ذلك أم ال‪ .‬وقد‬ ‫حتدث الكثري ممن عانوا من حادثة أدت إىل البرت‬ ‫‪،‬أبهن ــم يـعـتــرون اخـتـصــاصــي األط ـ ـراف الصناعية‬ ‫منقذهم وصديقهم‪ ،‬وليس جمــرد طبيب‪ ،‬فهؤالء‬ ‫االخـتـصــاصـيــون مــاذهــم للحصول على السالم‬ ‫واهلــدوء‪ ،‬مبشاركتهم املشاعر الشخصية واخلاصة‪،‬‬ ‫لذا عليهم أن يتعاملوا مع وظيفتهم هذه ابهتمام‬ ‫ومن القلب‪.‬‬ ‫املراحل النفسية‬ ‫يقسم األطباء النفسيون احلزن إىل مخسة مراحل‪،‬‬ ‫وفق اآليت‪:‬‬ ‫ال ـرفــض واالنـ ـعـ ـزال‪« :‬ال أص ــدق أن ه ــذا حيــدث‬ ‫معي»‪.‬‬ ‫الغضب‪« :‬ملاذا أان؟ ال ميكنين حتمل ذلك»‪.‬‬ ‫املساومة‪« :‬إن فعلت ذلك‪ ،‬هل سأحتسن؟»‬ ‫الكآبة‪« :‬ما الفائدة؟»‬ ‫القبول‪« :‬ال ميكنين فعل شيء جتاه ما حدث يل‪،‬‬ ‫لذا علي بذل املزيد من اجلهد لتحقيق األفضل»‪.‬‬

‫• جناح سفر‬ ‫لـكــن االخـتـصــاصـيــن يـقـولــون إن تسلسل احلــزن‬ ‫هذا ال يسري بسالسة‪ .‬فالشفاء النفسي كالشفاء‬ ‫اجلسدي‪ ،‬له جدوله الزمين اخلاص‪.‬‬ ‫وقــد الحــظ خ ـراء أبن االكتئاب‪ ،‬القلق‪ ،‬فقدان‬ ‫األم ــل وامل ـيــول االنـتـحــاريــة هــي ع ـوائــق شــائـعــة يف‬ ‫عملية التأقلم النفسي والشفاء‪ ،‬ابإلضافة إىل معاانة‬ ‫األشـخــاص الذين عانوا من ح ـوادث صادمة من‬ ‫اضـطـراب ما بعد الصدمة‪ ،‬ومـعــدالت االكتئاب‬ ‫املسجلة ترتاوح بني ‪.35% 21-‬‬ ‫دعم العائلة واألصدقاء‬ ‫يـلـعــب أف ـ ـراد الـعــائـلــة واألص ــدق ــاء دوراً ك ـب ـراً يف‬ ‫مـســاعــدة املـريــض يف التأقلم مــع اإلعــاقــة‪ ،‬أفضل‬ ‫طـريـقــة لـلـتـعــامــل مــع امل ـريــض هــي ال ـعــائــات الــي‬ ‫كــان رد فعلها متعاطفاً‪ ،‬ولكن يف ذات الوقت‬ ‫استطاعوا احملافظة على مستوى توقعات مرتفع‪،‬‬ ‫من خالل الثقة بقدرته على الشفاء والتأقلم‪ .‬أما‬ ‫ابلنسبة حلاالت التعامل األسوأ‪ ،‬فأحد أمثلتها أن‬


‫تقدم العائلة واألصدقاء الكثري من املساعدة للمريض‪ ،‬فالتعاطف الشديد مع‬ ‫املريض من منط‪« :‬اي عزيزي! لقد فقدت ساقك‪ ،‬دعين أقم بذلك عنك‪»...‬‬ ‫سيطيل مدة التعايف‪.‬‬ ‫أحياانً يشعر أفراد العائلة ابخلوف‪« :‬هل سيستطيع إعالة األسرة؟»‪ ،‬وفقدان‬ ‫األمل ‪»:‬ال أدري ما الذي ميكنين فعله للمساعدة»‪ ،‬أو الكآبة‪« :‬ال أعرف إن‬ ‫كان إبمكاين االحتمال»‪ .‬األزواج بشكل خاص يعانون من مشاعر متضاربة‪،‬‬ ‫التواصل العاطفي هام جداً ابلنسبة للمتعرض للبرت‪ ،‬وكذلك ابلنسبة لعائلته‬ ‫وأصدقائه‪.‬‬ ‫كما أن املعرض لعملية البرت قد يشعر ابلذنب جتاه معاانة أسرته من الضغط‬ ‫بسبب حالته‪ ،‬فالقصور اجلسدي غري األدوار بني أفراد العائلة‪ .‬الفواتري الطبية‬ ‫وفقدان العمل قد يعززان مشاعر لوم الذات لدى املريض‪ ،‬لذلك يقرتح األطباء‬ ‫النفسيون جتاوز لوم النفس واملشاعر األخرى اهلدامة‪ ،‬والرتكيز على مواجهة‬ ‫حتدايت جديدة‪.‬‬ ‫العمل واللعب‬ ‫العودة للعمل أبسرع وقت ممكن أمر أساسي بعد عملية البرت‪ ،‬للحفاظ على‬ ‫الثقة ابلنفس‪ ،‬والسعادة بشكل عــام‪ ،‬ويؤكد االختصاصيون أن األشخاص‬ ‫الذين يعودون للعمل سيشفون بشكل أسرع من الذين جيلسون يف املنزل‪.‬‬ ‫كــون الشخص منتجاً هــي حــاجــة فطرية لــدى اجلميع‪ ،‬لــذلــك فــإن فقدان‬ ‫العمل قد يشكل صدمة كبرية‪ ،‬خاصة ابلنسبة للذين يعتربون أن وظيفتهم هي‬ ‫هويتهم‪ .‬قد يكون البعض غري قادر جسدايً على االستمرار يف وظيفته السابقة‬ ‫ويضطر لتغيريها‪ ،‬ويف هذه احلالة يكون التأهيل املهين خياراً مطروحاً‪ .‬وهذا‬ ‫أيضاً قد يكون مصدراً للكآبة‪ ،‬خصوصاً إذا كان الشخص حيب مهنته‪ .‬ولكن‬ ‫ذلــك قد يفتح عاملاً جــديــداً من اإلمكانيات‪ .‬على العديد من األشخاص‬ ‫الذين يعانون من إعاقة أن يثبتوا ألنفسهم الكثري من األشياء‪ ،‬ومكان العمل‬ ‫هو جمرد حت ٍّد آخر‪ .‬وهذا يعين أن على الشخص الدفاع عن نفسه‪ ،‬لذا عليه‬ ‫أن يعرف حقوقه القانونية‪ ،‬وحيتفظ مبصادر احتياطية تربهن قدرته على أداء‬ ‫العمل‪ .‬كذلك يعاين البعض من صعوبة يف التقدم لوظائف جديدة‪ ،‬بسبب‬ ‫حتفظ أصحاب العمل جتاه إعاقة املتقدم للوظيفة‪.‬‬ ‫يؤكد اخل ـراء على أمهية اللعب وصعوبته ابلنسبة لألشخاص الذين تعرضوا‬ ‫لتجربة البرت‪ ،‬فاجلميع حيتاج للعب‪ ،‬ال ينبغي أن يتعارض برت األعضاء مع‬ ‫ممارسة الرايضة واهلواايت والنشاطات الرتفيهية األخرى‪ .‬إن فوائد معاشرة الناس‬ ‫والنشاطات احليوية واللهو كثرية جداً‪ ،‬فاملشاركة يف فعاليات مسلية ميكنها أن‬ ‫تعزز الشعور ابملنافسة عرب نقل الرتكيز من اإلعاقة إىل القدرة‪.‬‬ ‫صورة اجلسم والنشاط اجلنسي‬ ‫لدى اجملتمع منظور ضيق وسخيف عن اجلمال اجلسدي‪ ،‬وخاصة ابلنسبة‬ ‫للمرأة‪ ،‬مما خيلق أزمة حادة ابلنسبة للشخص املتعرض للبرت‪ ،‬ألنه مهما حدث‪،‬‬ ‫يستحيل حتقيق معايري اجملتمع للجمال‪ .‬كما تعتمد صورة الذات الصحية على‬ ‫عدة أمور‪ :‬مستوى تقدير الذات‪ ،‬اخلربة‪ ،‬منظور اجملتمع واجلنس‪ ،‬يف املقابل قد‬ ‫يكون األمر شخصياً حبتاً‪ ،‬بعيداً عن نظرة اجملتمع‪.‬‬ ‫إن شعور املتعرض لعملية البرت جتاه مظهره‪ ،‬أهم بكثري من املظهر احلقيقي‬ ‫ابلنسبة للثقة ابلنفس‪ .‬يرى املتعرض لعملية برت نفسه خمتلفاً جسدايً وجنسياً‪،‬‬ ‫ابملقارنة مع الشخص غري املعاق‪ ،‬لذلك على الناس أن يعيدوا تعريف اجلنس‬ ‫واالجنذاب‪ ،‬وهي غالباً مهمة شاقة‪ ،‬مبا أهنا ختالف تعريف اجملتمعات‪.‬‬ ‫عندما تعاين النساء من فقدان األطراف‪ ،‬فذلك يؤثر على مظهرهن اجلسدي‪،‬‬

‫ومنط ارتدائهن للمالبس‪ ،‬ويسبب إحساسهن بفقدان اجلاذبية‪ ،‬وابلتايل الثقة‬ ‫ابلنفس‪ .‬وقد تعاين بعضهن من صعوبة يف التأقلم مع الطرف االصطناعي‪،‬‬ ‫بسبب شكله الضخم ومسامريه وبـراغـيــه‪ ،‬وشكل اجلسد ككل بــوجــوده‪،‬‬ ‫والذي يصبح خمتلفاً عما قبل احلادث جذرايً‪ .‬ولدى األمهات منهن معاانة‬ ‫إضافية‪ ،‬فصورة األم املثالية تتغري لدى األطفال‪ ،‬إذ تصبح غري قادرة على‬ ‫القيام جبميع مهامها‪ ،‬أو مشاركتهم نشاطاهتم الرايضية براحة اتمة‪ .‬وقد تشعر‬ ‫األم خبــوف من مــدى قــدرة أبنائها على حتمل شكلها بعد احلــادث‪ ،‬فقد‬ ‫خيافون منها ومن ساقها أو يدها الصناعية الغريبة ابلنسبة إليهم‪.‬‬ ‫صورة الذات والعمر‬ ‫من املمكن أن يكون الطرف الصناعي جــزءاً مكم ً‬ ‫ال لنظرة إجيابية للذات‬ ‫أو عائقاً‪ ،‬ويعود ذلك للشخص الذي يستخدمه‪ .‬يقول االختصاصيون إن‬ ‫الطرف الصناعي قد يستخرج قــدرات شخص مــا‪ ،‬ألنــه يؤمن له إمكانية‬ ‫احلركة واحلرية‪ .‬ولكن ذات اجلهاز قد يبدو كإعاقة لشخص آخر‪ ،‬ألنه حيرمه‬ ‫احلركة واحلرية‪ .‬لذا على اختصاصيي الصحة أن يكونوا على دراية اتمة بعالقة‬ ‫املتعرض لعملية برت طرف مع الطرف الصناعي اخلاص به‪ ،‬ومدى املساعدة‬ ‫اجلسدية اليت يقدمها له الطرف‪.‬‬ ‫وغالباً ما تتزايد درجة صعوبة التأقلم النفسي مع عملية البرت بزايدة العمر‪.‬‬ ‫فالرضع الذين ولدوا فاقدين أحد األطراف يتأقلمون على حنو مقبول لكوهنم‬ ‫يتعلمون االستفادة من أطرافهم الباقية أثناء منوهم‪ .‬وكذلك األطفال يتأقلمون‬ ‫بشكل جيد مع فقدان األطراف واستخدام الطرف الصناعي برشاقة‪ ،‬لكنهم‬ ‫يشعرون ابحلساسية‪ ،‬بشكل خاص من قبول أو رفض أصدقائهم هلم‪.‬‬ ‫أما بني الشباب‪ ،‬فإن التجاوب مع فقدان طرف يعتمد على أسبابه ودرجة‬ ‫اإلعاقة والتشوه احلاصل‪ .‬هم يتمتعون أساساً ابهلوية املكتملة‪ ،‬املرونة اجلسدية‬ ‫والثقة االجتماعية‪ ،‬لذا غالباً ما يتأقلمون بشكل جيد‪ .‬لكن ابلنسبة لألعمار‬ ‫األكرب‪ ،‬جتتمع عوامل االنعزال االجتماعي‪ ،‬العجز املادي وحمدودية العمل‪،‬‬ ‫لتزيد من صعوبة التأقلم مع فقدان الطرف‪.‬‬ ‫هناك خــاف بني االختصاصيني حــول مــدى الـرابــط بني العمر والنتائج‬ ‫العاطفية طويلة املــدى للبرت‪ .‬فالعديد من الــدراســات القدمية انطوت على‬ ‫فكرة أن الكبار املتعرضني لعملية برت كانوا أكثر عرضة لالضطراابت النفسية‬ ‫مثل االكتئاب‪ ،‬لكن دراسات حديثة قالت العكس متاماً‪ .‬ويف كال احلالتني‪،‬‬ ‫فإن التحدايت األصعب ابلنسبة للشباب تتمثل يف اهلوية‪ ،‬النشاط اجلنسي‬ ‫والقبول االجتماعي‪ ،‬أما ابلنسبة للكبار فتتمثل يف الكسب املادي‪ ،‬القدرة‬ ‫الوظيفية والتعامل مع الناس‪.‬‬ ‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪11 2014‬‬


‫األطراف الصناعية المستقبلية‬ ‫عندما تدخل األعصاب في تكوينهـا‬ ‫الطرف الصناعية التعويضية العصبية‪:‬‬ ‫يف اللغة اليواننية القدمية تشري كلمة ‪Neûro‬‬ ‫ال ــي تـعــي «األعـ ـص ــاب»‪ ،‬إىل ج ـهــاز مـربــوط‬ ‫ابجلملة العصبية‪ .‬يتم التحكم هبــذه األط ـراف‬ ‫الصناعية العصبية بشكل غري مباشر من قبل‬ ‫الــدمــاغ‪ ،‬فهو يرسل إش ــارات كهرابئية طبيعية‬ ‫من خالل األعصاب (حركات‪ ،‬ردود أفعال‪،‬‬ ‫حساسية‪ )...‬ترتجم ويعاد إنتاجها من خالل‬ ‫اجلراحة التعويضية العصبية‪.‬‬

‫الطرف الصناعية التعويضية الكهرو‪ -‬عضلية‪:‬‬ ‫يف اللغة اليواننية القدمية كلمة ‪ Muos‬اليت‬ ‫تعين «العضالت» تشري إىل األجـهــزة املتصلة‬ ‫ابلـقــوة الــدافـعــة الكهرابئية يف الـعـضــات‪ ،‬أي‬ ‫ال ـطــرف الـصـنــاعــي ال ــذي ينفذ احلــركــات على‬ ‫أس ـ ــاس اإلش ـ ـ ــارات ال ـك ـه ـرابئ ـيــة الـ ــي تـنـتـجـهــا‬ ‫العضالت‪.‬‬ ‫واجـ ـه ــات الـ ــي ت ـقــاب ـل ـهــا يف ال ـل ـغــة اإلجن ـل ـي ـزيــة‬ ‫كلمة ‪ ،Interface‬تعين يف عامل الكمبيوتر‬ ‫واإللـ ـك ــرونـ ـي ــات ج ـ ـهـ ــازاً ي ـس ـمــح ب ـت ـب ــادالت‬ ‫وتـفــاعــات بــن األجـ ـزاء املختلفة الــي يتكون‬ ‫منها‪.‬‬ ‫• اجلسم يستعيد السيطرة‬ ‫حــى الــوقــت احلــاضــر مل يتمكن اإلن ـســان من‬ ‫التحكم أبجهزته بشكل كامل‪ ،‬لكنه يستطيع‬ ‫اليوم التحكم هبا كما لو كانت أطرافه الصناعية‬ ‫‪ 12‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫• ترمجة ليلى كرمي‬

‫أع ـضــاء ع ـضــوي ـ ًة‪ .‬أوالً‪ ،‬تـعـمــل ه ــذه األج ـهــزة‬ ‫بواسطة االستشعار‪ ،‬كذلك األطراف الصناعية‬ ‫الـ ـكـ ـه ــرو‪ -‬ع ـض ـل ـيــة ال ـ ــي ت ـرت ـب ــط ابل ـن ـب ـضــات‬ ‫الكهرابئية للعضالت‪ ،‬أو االصطناعية الكهرو‪-‬‬ ‫عصبية الــي ترتبط ابلــدمــاغ‪ ،‬كــامهــا تصنفان‬ ‫على أهنما أطراف صناعية عصبية‪.‬‬ ‫هناك أيـضـاً األط ـراف الصناعية الكالسيكية‪،‬‬ ‫اليت ترتبط مباشرة على مستوى األعضاء (عرب‬ ‫األعـصــاب) أو على مستوى الــدمــاغ‪ .‬يف هذه‬ ‫احلــالــة‪ ،‬ويـتــم تضمني هــذا الـنــوع مــن األط ـراف‬ ‫الصناعية يف جمال الزراعة احليوية‪.‬‬ ‫• الواجهات الدماغية‪ -‬اآللية‬ ‫إن خيال مجيع املهندسني‪ ،‬علماء األعصاب‪،‬‬ ‫علماء الكمبيوتر‪ ،‬علماء الرايضيات والفيزايء‪،‬‬ ‫األطـبــاء‪ ،‬وكــذلــك مصنعي األط ـراف الصناعية‬ ‫وغـ ــرهـ ــا مـ ــن اجملـ ـتـ ـمـ ـع ــات ال ـع ـل ـم ـي ــة م ـت ـع ــددة‬ ‫االختصصات اليت تعمل على دراسة األطراف‬ ‫الصناعية العصبية‪ ،‬يهدف إلقامة اتصال بني‬ ‫جهاز إلكرتوين وخالاي حية (خالاي عصبية أو‬ ‫أعـصــاب)‪ ،‬لتتمكن يف املستقبل مــن استعادة‬ ‫االتصال العصيب للمصابني أو املرضى‪ ،‬أو حىت‬

‫اسـتـبــدال عضو حسي (جـلــد‪،‬عـيـنــن‪ ،‬أنــف‪..‬‬ ‫إخل)‪،‬‬ ‫واجهة بشرية‪ -‬آلية تتيح التبادل بني اإلنسان‬ ‫واآلل ــة (ص ــورة شـعــاعـيــة)‪ ،‬هــذا املـفـهــوم يسمح‬ ‫ابلتحكم ابلطرف الصناعي‪.‬‬ ‫• الطرف الصناعي الكهرو‪ -‬عصيب‬ ‫للراغبني يف احلصول على طرف صناعي دون‬ ‫اخل ـضــوع لعملية ج ـراح ـيــة‪ ،‬ه ـنــاك ‪،AMO‬‬ ‫م ـف ـه ــوم «‪( »AMO‬ال ـع ـض ـل ــة ال ـص ـنــاع ـيــة‬ ‫العاملة أوالـعـضـلــة الصناعية املُستغلة) أوجــده‬ ‫اثـنــان مــن طــاب الــدراســات العليا يف جامعة‬ ‫رايرسون (كندا)‪ ،‬مها «ميشيل بريواات» و»ثياغو‬ ‫ك ـري ــس»‪ .‬ال ـطــرف الـصـنــاعــي لـيــس هــو أول‬ ‫ج ـهــاز يـسـتـخــدم مـفـهــومـاً يـنـطــوي عـلــى تلقي‬ ‫وقـ ـراءة مــوجــات الــدمــاغ‪ .‬لـكــن‪ ،‬وعـلــى عكس‬ ‫األجـهــزة األخ ــرى الــي مت إنـشــاؤهــا قبل ذلــك‪،‬‬ ‫فهو ال يتطلب أي عملية جراحية‪.‬‬ ‫يف الـ ـواق ــع‪ ،‬ح ــى اآلن‪ ،‬األطـ ـ ـراف الـصـنــاعـيــة‬ ‫العصبية من هذا النوع تتطلب إعــادة تعصيب‬ ‫(إعادة توزيع العناصر العصبية جلزء من اجلسم)‬ ‫مــن عضلة قريبة مــن مركز الـبــر‪ ،‬وابلـتــايل ربط‬


‫الطرف الصناعي ابجلهاز العصيب‪ .‬لكن هذه‬ ‫العملية تطلبت عــدة أشهر من إعــادة التأهيل‬ ‫لكي يتمكن املــرضــى مــن اسـتـخــدام أعضائهم‬ ‫الصناعية اجلديدة بشكل صحيح‪.‬‬ ‫يستخدم ‪ »»AMO‬أعراض األعضاء الومهية‬ ‫(الـشـعــور أبن عـضـواً مـبـتــوراً أو انقـصـاً ال يـزال‬ ‫مرتبطاً ابجلسم ومتداخل مع أجزاء أخرى من‬ ‫اجلسم)‪.‬‬ ‫تعمل جمموعة أخرى من الباحثني على واجهة‬ ‫ج ــدي ــدة يف ال ــدم ــاغ – احلـ ــاسـ ــوب‪( ،‬واج ـه ــة‬ ‫الدماغ الكمبيوتر ‪ ،)BCI‬وهو كرسي متحرك‬ ‫ينفذ أفكار صاحبه‪ .‬يف الواقع‪ ،‬هؤالء العلماء‬ ‫اإلسـ ـب ــان م ــن جــام ـعــة ســرق ـس ـطــة‪ ،‬يف ب ـرانمــج‬ ‫«تـقـيـيــم الـ ــروبـ ــواتت الـطـبـيــة احل ـيــويــة ملـســاعــدة‬ ‫التنقل الـبـشــري»‪ ،‬يف حمــاولــة السـتـعــادة احلركة‬ ‫واسـتـقــالـيــة األش ـخــاص ذوي ال ـقــدرة احمل ــدودة‬ ‫على العمل عن طريق ترمجة أفكارهم‪« .‬خافيري‬ ‫مينغويز» وفريقه كانوا األوائل يف اخرتاع كرسي‬ ‫يتم توجيهه عن طريق الصوت‪ ،‬واليوم حياولون‬ ‫اجلمع بني املفهومني الذين حيتواين على خرائط‬ ‫وأجهزة استشعار ليزر‪ ،‬لتكييف الكرسي وفقاً‬ ‫للمحيط الذي يعربه‪ .‬اجلزء األصعب اآلن هو‬ ‫تصغري املعدات على نطاق البشري‪.‬‬ ‫بعد ذلــك‪ ،‬إذا وصــل هــذا املـشــروع إىل هنايته‪،‬‬ ‫يستطيع املشلول نطق جــزء من اجملــال اخلاص‬ ‫به‪ ،‬وستقوده الكرسي «إىل حيث يريد ‪ .‬على‬ ‫سبيل املثال‪« :‬اذهب إىل الصالون‪».‬‬ ‫هــذا الرجل يتجول مابني احلواجز من خالل‬ ‫التفكري‬ ‫أجهزة االستشعار العصبية‬ ‫• األطراف الصناعية الكهرو‪ -‬عضلية‬ ‫ُمسيطر عليها من خالل النبضات الكهرابئية‬ ‫ل ـل ـع ـض ــات‪ ،‬ت ـس ـم ــح ب ـس ـي ـط ــرة ج ـزئ ـي ــة عـلــى‬ ‫احلركات‪.‬‬ ‫الفيديو هو تقرير عن شركة �‪TouchBi‬‬ ‫‪ onic‬الــي تقوم بتصميم األط ـراف الصناعية‬ ‫الكهرو‪-‬عضلية‪ .‬هذا الفيلم الواثئقي يبني لنا‬ ‫ان األشخاص املزودين أبطراف صناعية ميكنهم‬ ‫تفيذ أعمال احلياة اليومية دون صعوابت كبرية‪،‬‬ ‫وميكنهم ارتداء األطراف اخلاصة هبم‪.‬‬

‫• هل لألعصاب أيضاً بدائل صناعية؟‬ ‫مل يصل اإلنسان بعد إىل حتقيق اإلجناز إبعادة‬ ‫صـيــاغــة وظــائــف أح ــد األج ـه ــزة‪ ،‬إن ــه الــدمــاغ‪.‬‬ ‫يبقى الــدمــاغ اجلهاز األكثر تعقيداً يف جسم‬ ‫اإلنسان‪ ،‬فهو منظم األجهزة األخــرى واجلهاز‬ ‫الـعـصــي‪ ،‬لـكـنــه يـشـكــل أي ـض ـاً مــركــز الــوظــائــف‬ ‫(عمليات التفكري)‪.‬‬ ‫نسمع احلديث اليوم عن الذاكرة الصناعية‪ ،‬مثل‬ ‫الكمبيوتر وقرصه الصلب‪ ،‬رمبا يتمكن اإلنسان‬ ‫يوماً ما من توسيع ذاكرته أو تطوير ردود أفعاله‬ ‫ومنطقه‪...‬‬ ‫حنن نعلم كيف تعمل اخلــااي العصبية‪ ،‬ونعلم‬ ‫أيضاً آلية ختزينها الفعلي واحلسايب للمعلومات‪،‬‬ ‫لـكـنـنــا ال ن ـع ــرف كـيـفـيــة إج ـ ـراء االتـ ـص ــال بني‬ ‫اإلثنني‪ ،‬نعود إذاً إىل واجهات الدماغ ‪-‬اآللة‪.‬‬ ‫مــا هــو مؤكد اآلن هــو أن األط ـراف الصناعية‬ ‫العصبية ليست للغد‪.‬‬ ‫• البدائل الصناعية العصبية‬ ‫على الرغم من تقدم البحوث يف جمال الذكاء‬ ‫االصطناعي‪ ،‬فإن النتائج ال تـزال غري واعــدة‪،‬‬ ‫لكن الـبــدائــل الصناعية العصبية ابل ــزرع ترتبط‬ ‫أساساً ابألجزاء العصبية‪.‬‬ ‫الطرف الصناعي العصيب هو آلية مكونة من‬ ‫أج ـه ــزة االس ـت ـش ـع ــار‪ ،‬ومـ ــن وص ـ ــات ورق ــائ ــق‬ ‫الكرتونية (صــور شعاعية) مغروسة يف اجلسم‬ ‫إلصالح بعض اإلعاقات العصبية‪ .‬جتري هذه‬ ‫ال ـغــرســات حت ـل ـيــات حـســابـيــة (رام ـ ــج) وت ـقــوم‬ ‫ابستعادة وظائف األعصاب بشكل كامل أو‬ ‫جزئي‪.‬‬ ‫هــدف ـهــا حت ـســن نــوع ـيــة احل ـي ــاة وأتم ـي ـنــاال ـراحــة‬ ‫ألولئك الذين يعانون من اضطراابت عصبية‪،‬‬ ‫للمصابني بشلل نصفي‪ ،‬وملبتوري األطراف‪...‬‬ ‫حىت يتمكنوا من استعادة بعض التحكم الذايت‪.‬‬ ‫املصدر‪:‬‬ ‫‪http://www.prothese‬‬‫_‪futur.sitew.com/Les‬‬ ‫_‪Neuroprotheses.C.htm#Les‬‬ ‫‪Neuroprotheses.C‬‬ ‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪13 2014‬‬


‫إرادات لبشر يساهمون في صنع أقدارهم‬ ‫يف ع ــام ‪ ،1989‬ق ـ ـ ّدم ال ـفــن ال ـســابــع الـفـيـلــم‬ ‫اإليرلندي الشهري «قدمي اليسرى ‪My left‬‬ ‫‪ »foot‬من إخراج جيم شرييدان‪ ،‬ومن بطولة‬ ‫دان ـي ـيــل دي لــويــس‪ .‬وه ــو مــأخــوذ مــن الـســرة‬ ‫الذاتية للروائي كريسيت براون‪.‬‬ ‫كريسيت بـراون روائــي وفنان إيرلندي ُولد العام‬ ‫‪ ،1932‬وت ــويف ع ــام ‪ .1981‬ون ـشــر سريته‬ ‫الــذات ـيــة تـلــك يف ال ـعــام ‪ ،1956‬عـنــدمــا كــان‬ ‫لــه مــن العمر أربـعــة وعـشـريــن عــام ـاً‪ ،‬وك ــان قد‬ ‫كتبها قبل ذلك بسنوات‪ ،‬فما الشيء املميز يف‬ ‫حياة براون (أحد أعظم روائيي إيرلندا‪ ،‬والبعض‬ ‫يقارنه بـ «جيمس جويس» الذي دفعه لكتابة‬ ‫سريته يف عمر ّ‬ ‫مبكر جداً؟‬ ‫وح ــده ــا اإلع ــاق ــة ه ــي م ــا م ــيّــز ح ـي ــاة كـريـســي‬ ‫ب ـ ـراون‪ ،‬ل ــذا مل تـكــن س ــرة تقليدية كتلك الــي‬ ‫احتفاء بـ «العجز‬ ‫يكتبها املشاهري ‪ ،‬بل كانت‬ ‫ً‬ ‫والقصور»‪ ،‬بدالً من التغين ابألجماد واإلجنازات‪،‬‬ ‫كما يـقــول «إبـراهـيــم حــاج عـبــدي» يف مقالة‬ ‫نقدية عن الرواية‪.‬‬

‫‪ 14‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫• إعداد‪ :‬حممد اجلرف‬

‫ُولـ ــد «بـ ـ ـراون» يف اخل ــام ــس م ــن حـ ـزيـ ـران عــام‬ ‫‪ ،1932‬وفــور والدت ــه‪ ،‬أخــر األطـبــاء أابه أ ّن‬ ‫ابنه مصاب ابلشلل االرتعاشي (وهو ما يُعرف‬ ‫مبرض ابركنسن‪Parkinson’s Disease‬‬ ‫‪ ،‬وهو يُصنّف كخلل ضمن جمموعة اضطراابت‬ ‫النظام احلركي‪ ،‬اليت تنتج بسبب خسارة خالاي‬ ‫الــدمــاغ املنتجة ل ـلــدوابمــن‪ ،‬امل ــادة الكيميائية‬ ‫ال ــي تـتـفــاعــل يف ال ــدم ــاغ لـتــؤثــر عـلــى كـثــر من‬ ‫األحاسيس والسلوكيات مبا يف ذلــك االنتباه‪،‬‬ ‫والـتــوجـيــه وحت ـريــك اجل ـســم‪ .‬وي ــؤدي الــدوابمــن‬ ‫دوراً رئـيـسـيـاً يف اإلح ـس ــاس ابملـتـعــة والـسـعــادة‬ ‫واإلدمان)‪.‬‬ ‫استيقظ براون على احلياة‪ ،‬ليجد روحه تقبع يف‬ ‫جسد ميت ال تظهر منه للعامل اخلارجي سوى‬ ‫ارتـعــاشــات ال إرادي ــة‪ ،‬وعـيـنــان بـراقـتــان‪ ،‬هــااتن‬ ‫العينان اللتان انصب عليهما اهتمام والدته‪،‬‬ ‫فقضت جـ ّـل وقتها وهــي حتــاول أخــذ رّد فعل‬ ‫طفلها منهما‪.‬‬

‫ك ـ ّـرس ب ـراون أجـ ـز ًاء كـبــرة مــن روايـتــه لـوالــدتــه‪،‬‬ ‫ف ـراون كــان واحــداً من بني ‪ 22‬طف ً‬ ‫ال (الفيلم‬ ‫اقتصر على أربعة أطفال فقط!)‪ ،‬يف بيئة فقرية‬ ‫األصحاء من أطفاهلا ال ينالون العناية املطلوبة‪،‬‬ ‫فما ابلك بطفل شبه ميت ال يقوى على احلركة‬ ‫وال الكالم‪.‬‬


‫مل تستمع زوجة البنّاء لتوصيات األقارب إبيداع‬ ‫الطفل يف مصحة عقلية‪ ،‬إلدراكها أن ال عناية‬ ‫ت ـوازي عناية األمــومــة‪ .‬فقد كــانــت األم جتلس‬ ‫مــع طفلها الــذي مل يكن يستطيع إصــدار أي‬ ‫صوت‪ ،‬بكل صرب‪ ،‬لتحاول أن تعلمه احلروف‬ ‫األجبــديــة‪ ،‬ولكي تستحثه على الـكــام‪ ،‬ورغــم‬ ‫اجل ـم ــود الـ ــذى ك ــان يــدفـعـهــا أح ـي ــاانً إىل تــركــه‬ ‫وتذهب للبكاء يف غرفتها‪ ،‬إالّ أهنا كانت تعود‬ ‫استجاب ًة لربيق عينيه‪.‬‬ ‫مل جيعل براون من سريره بط ً‬ ‫ال للرواية‪ ،‬بل أعطى‬ ‫هــذه البطولة ملــن يستحقها‪ ،‬لقدمه اليسرى‪،‬‬ ‫اجل ــزء الــوحـيــد ال ــذي ينبض ابحلـيــاة يف جسده‬ ‫تغيت حياته كلياَ‪،‬‬ ‫اهلش‪ .‬وعند اكتشافه هلا‪ّ ،‬‬ ‫إذ كانت قدمه هي بوابته إىل عامل اجملد والشهرة‪.‬‬ ‫تعلق الفىت النحيل ابلرسم تعلقاً جنونياً‪ ،‬وبدأ‬ ‫ابس ـت ـع ـمــال قــدمــه ال ـي ـســرى ف ـقــط‪ ،‬إذ مل يكن‬ ‫ابإلمـكــان استخدام غــرهــا‪ ،‬لرسم اسكتشات‬ ‫س ــرع ــان م ــا ت ـط ــورت إىل ل ــوح ــات فـنـيــة كــامـلــة‬ ‫ورائـعــة‪ ،‬كــان أبــرزهــا بــروفــايــل لوجه أمــه الــي مل‬ ‫ـس ت ــذك ــران بـفـضـلـهــا عـلــى ط ــول صفحات‬ ‫ي ـنـ َ‬ ‫الرواية‪.‬‬ ‫بعد مرحلة قـصــرة‪ ،‬اكتشف ب ـراون أ ّن احلياة‬ ‫أغــى من أن يُغطيها جانب فـ ّـي واحــد‪ ،‬فاجته‬ ‫إىل كتابة الرواية والشعر‪ ،‬وابتدأ مسريته الروائية‬ ‫بكتابة سريته الذاتية‪.‬‬ ‫رغــم إجنــازاتــه‪ ،‬إالّ أ ّن (العقل املتقد يف اجلسد‬ ‫امليت) ّ‬ ‫ظل طاغياً على الرواية‪ ،‬فأتت سوداوية‬ ‫قــامتــة‪ ،‬مليئة ابحل ــزن العميق‪ ،‬يـتـســاءل‪« :‬ملــاذا‬ ‫أملك احتياجات وأحاسيس الناس الطبيعيني‬ ‫يف الوقت الــذي أملك فيه جسداً عاط ً‬ ‫ال من‬ ‫الناحية الـعـمـلـيــة؟»‪ .‬ومتـضــي الــروايــة يف حماولة‬ ‫لإلجابة على هذا السؤال القاسي‪« :‬لقد قالت‬

‫يل املرااي الشيء الكثري‪ ،‬وأرتين ما الذي شاهده‬ ‫ال ـنــاس يف كــل م ــرة ن ـظــروا فيها َّ‬ ‫إيل‪ .‬قــالــت يل‬ ‫إن فمي‪ ،‬كلما فتحته كان ينزلق إىل اجلانب‪،‬‬ ‫وكـيــف كــان جيعلين أب ــدو قبيحاً أمح ــق‪ .‬قالت‬ ‫يل إنين كلما حاولت أن أحتــدث‪ ،‬كنت أبربر‬ ‫فـقــط ب ـكــام غــر مـفـهــوم‪ ،‬وك ــان ل ـعــايب يسيل‬ ‫إىل اخلــارج‪ ،‬يف حني يستمر رأسي يف االهتزاز‬ ‫واالرتـ ـع ــاش‪ .‬قــالــت يل إن ــي كلما حــاولــت أن‬ ‫اب ـت ـس ــم‪ ،‬ك ـنــت ألـ ــوي ف ـقــط ق ـس ـمــات وجـهــي‬ ‫وأجعد عيين‪ ،‬فيتحول وجهي إىل شــيء يشبه‬ ‫قناعاً بغيضاً»‪.‬‬ ‫ورغــم الشهرة واملـكــانــة الكبريتني اللتني حظي‬ ‫هبما يف حياته‪ ،‬إالّ أنــه بقي يعاين من نظرات‬ ‫الشفقة «املُّرة الصادمة» فـ«شخص مثلي حيتاج‬ ‫شـيـئـاً آخ ــر غــر الـعـطــف والـشـفـقــة‪ ،‬كــاحلــاجــة‬ ‫إىل القوة املنبعثة من حب إنساين أصيل ُينح‬ ‫ألضعف القلوب»‪.‬‬ ‫غــر بعيد عــن «قــدمــي الـيـســرى» الشخصية‪،‬‬ ‫ال ــرواي ــة‪ ،‬والـفـيـلــم‪ .‬يــرز فيلم آخــر تـنــاول حالة‬

‫أخرى من حاالت اإلعاقة‪.‬‬ ‫«ال ـي ــوم ال ـث ــام ــن» فـيـلــم بـلـجـيـكــي إن ـت ــاج ال ـعــام‬ ‫‪ ،1996‬وإخـراج جاكو فان دورمايل‪ ،‬ويدور‬ ‫ح ــول «هـ ــاري» وه ــو رج ــل أع ـمــال يـعــاين من‬ ‫مشاكل أسرية‪ ،‬يتورط يف حادث يدفعه ملرافقة‬ ‫«جـ ـ ــورج» امل ـري ــض الـ ــذي ي ـعــاين م ــن مـتــازمــة‬ ‫داون (وه ــي مـتــازمــة صـبـغــويــة تنتج عــن تغري‬ ‫يف الصبغيات حيث توجد نسخة إضافية من‬ ‫الصبغي ‪ 21‬أو جزء منه‪ ،‬ممّا يُسبب تغرياً يف‬ ‫املوراثت‪ .‬تتسم احلالة بوجود تغيريات كبرية أو‬ ‫صغرية يف بنية اجلسم‪ ،‬يصاحب املتالزمة غالباً‬ ‫ضـعــف يف ال ـق ــدرات الــذهـنـيــة والـنـمــو ال ـبــدين‪،‬‬ ‫ومبظاهر وجهية مميزة)‪.‬‬ ‫نلتقط حــالــة ج ــورج املــرضـيــة م ـبــاشــرًة‪ ،‬فهناك‬ ‫صـفــات ممـيــزة للمصابني بـتــازمــة داون‪ :‬صغر‬ ‫الــذقــن‪ ،‬وكــر حجم اللسان‪ ،‬واسـتــدارة الوجه‪،‬‬ ‫ولكننا أيضاً‪ ،‬نلحظ ذلك النور املشع واألمان‬ ‫مليء‬ ‫الداخلي على وجه جورج‪ .‬كائ ٌن ّ‬ ‫حيوي ٌ‬ ‫ابلـطـيـبــة واملــائ ـك ـيــة‪ ،‬تـلـقــائــي ألب ـعــد احلـ ــدود‪،‬‬ ‫منفع ٌل ابلطبيعة‪ ،‬إذ إ ّن جورج يعتقد أنه ما إن‬ ‫حت يتوحد معها ويصبحان‪،‬‬ ‫يلمس الشجرة‪ّ ،‬‬ ‫هو وهي‪ ،‬شجرًة واحدة‪.‬‬ ‫ال ح ـل ــم جل ـ ــورج سـ ــوى أن ي ـه ـبــط م ــن مـرتـبــة‬ ‫املالئكية إىل رتبة البشر الـعــاديــن‪ ،‬أن يُعامله‬ ‫البشر ككائن اعتيادي‪ ،‬أن يصادق الفتيات‪،‬‬ ‫وأن أيكل الشوكوال ابلدرجة اليت حيبها‪.‬‬ ‫على النقيض مــن شخصية «ج ــورج»‪ ،‬يُظهر‬ ‫لنا الفيلم شخصية «هاري»‪ ،‬األستاذ اجلامعي‬ ‫املتخصص ابلـتـســويــق‪ ،‬إن ـســا ٌن أن ـيــق‪ ،‬مـغــرور‪،‬‬ ‫وانج ــح يف عـمـلــه‪ .‬ويف إش ــارة ذكـيــة مــن خمــرج‬ ‫الفيلم‪ ،‬نرى يف أحد املشاهد هاري وهو ينصح‬ ‫طالبه أبن يُقلدوا حركات زبوهنم حىت يتوحدوا‬ ‫معه إذا ما أرادوا النجاح يف مهنتهم‪.‬‬ ‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪15 2014‬‬


‫إذاً‪ ،‬يعتقد «ه ــاري» أنــه إذا اقــرب مــن زبونه‬ ‫أكثر‪ ،‬فسيتوحد معه يف شخص واحــد‪ ،‬متاماً‬ ‫كـمــا يــؤمــن ج ــورج أبنّ ــه إذا م ــا مل ــس الـشـجــرة‬ ‫فسيتوحد معها‪ُ ،‬ويثّل السوق ابلنسبة هلاري ما‬ ‫ُتثّله الطبيعة ابلنسبة جلورج‪.‬‬ ‫يلتقي «جـ ــورج» و«هـ ــاري» صــدف ـ ًة يف رحلة‬ ‫جــورج ابجتــاه أمــه الــي أتخــرت عليه كما أتخر‬ ‫ه ـ ــاري ع ــن اب ـن ـت ــه‪ ،‬وال ي ـن ـعــم ه ـ ــاري ابل ـســام‬ ‫الداخلي إالّ بعدما اقرتب من جورج‪ :‬وحيدان‬ ‫يسريان على طر ٍ‬ ‫يق واحدة‪.‬‬ ‫ال أحــد ينعم ابلـســام الــداخـلــي كـمــا ينعم به‬ ‫املربمج السوري «خلدون سنجاب»‪.‬‬ ‫يف عام ‪ 2010‬طلبت إحدى الشركات السورية‬ ‫اخلاصة مربجمني للعمل لديها‪ ،‬وكانت إحدى‬ ‫السري الذاتية الواردة تتضمن هذه املالحظة «ال‬ ‫أستطيع الــدوام يف مكتب‪ ،‬أو الـقــدوم إلجـراء‬ ‫مقابلة أو التحدث على اهلاتف‪ ،‬أرجو التواصل‬ ‫معي على اإلنرتنت»‪.‬‬ ‫مهنة ُمقدم الطلب حسب السرية الذاتية هي‬ ‫«مدير سريفرات لينكس منذ ‪ 5‬سنوات ومربمج‬ ‫منذ ‪ 18‬سنة»‪ ،‬أما سبب مالحظته فهو أنه‬ ‫«مـصــاب بشلل رابع ــي ومتصل جبـهــاز تنفس‬ ‫اص ـط ـنــاعــي»‪ ،‬وأيم ــل احل ـصــول عـلــى الــوظـيـفــة‬ ‫«بسبب مؤهالته وليس بسبب ظرفه اخلاص»‪.‬‬ ‫يف صيف عــام ‪ 1994‬انل خلدون الشهادة‬ ‫ال ـثــانــويــة مب ـعــدل مم ـتــاز مـ ّـكـنــه مــن دخ ــول كلية‬ ‫الطب البشري‪ ،‬وكمكافأة على هــذه النتيجة‬ ‫الباهرة‪ ،‬ذهب مع عائلته إىل طرطوس‪ .‬وهناك‪،‬‬ ‫ارت ـطــم رأس ــه يف صـخــور الـشــاطــئ‪ ،‬ممــا تسبب‬ ‫بشلل رابعــي يف كافة أطرافه‪ ،‬إضافة إىل شلل‬ ‫يف احلـ ـج ــاب احل ــاج ــز‪ .‬كـ ــان ع ـم ــره ح ـي ـنــذاك‬ ‫سبعة عشر عاماً‪ ،‬ومن يومها وهو يعيش على‬ ‫السرير‪ ،‬مستعيناً مبنفسة اصطناعية ال يستطيع‬ ‫االستغناء عنها أبداً‪.‬‬ ‫ساعده أصدقاؤه على تصميم «ماوس» خاص‬ ‫ُيكنه حتريكه بلسانه (العضو الوحيد الذي بقي‬ ‫يعمل) وشفته السفلى‪ ،‬ومت تثبيت الكمبيوتر‬ ‫ف ــوق الـسـريــر‪ ،‬وب ــدأ يعمل حلـســابــه اخل ــاص يف‬ ‫‪ 16‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫جمال الربجمة‪.‬‬ ‫مجع سعر البيت واشرتاه من دخله اخلاص الذي‬ ‫لديه أحــام ال حــدود هلــا‪ ،‬وحلمه الكبري هو سدد منه أيضاً كل تكاليف اخلطوبة والزفاف‬ ‫أتسـيــس شــركــة كـبــرة تُـضــاهــي مــايـكــروســوفــت‪ ،‬واالحتفال‪ ،‬يقول خـلــدون‪« :‬كــل شــيء صار‬ ‫يقول‪« :‬خطيت اخلطوة األوىل ابجتاه حلمي»‪ .‬أمج ــل‪ ،‬زاد إحـســاســي ابل ـس ـعــادة واالس ـت ـق ـرار‪،‬‬ ‫ويـ ـضـ ـي ــف‪« :‬اس ـ ـتـ ــأجـ ــرت خمـ ــدم ـ ـاً إل ـك ــرون ـي ـاً وستكتمل فرحيت عندما نرزق ابلطفل»‪ ،‬الذي‬ ‫(سريفر)‪ ،‬وبدأت أحجز للزابئن وأتعامل معهم سيكون طفل أنبوب حسب زوجته‪.‬‬ ‫ابمسي الشخصي وليس كموظف لدى شركة‪ ،‬خلدون اآلن مربمج معتمد للعديد من الشركات‬ ‫ما أاتح يل حرية االختيار واختاذ القرارات‪ ،‬كما السورية اخلاصة‪ ،‬ومصمم لربامج ثالثية األبعاد‬ ‫صممت موقعاً إلكرتونياً خاصاً يب يزوره دائماً خاصة مبحطات تلفزونية تُعىن بربامج األطفال‪،‬‬ ‫الكثري من الزوار‪ ،‬ورغم أن البداية كانت متعبة ابإلضافة إىل دروس خاصة لكل من حيتاجه‪.‬‬ ‫خاصة مع اخلسارة املادية اليت منيت هبا وقتها»‪ ،‬يعاين خلدون اآلن (ال أدري إن كان قد غادر‬ ‫ولكن ذلك مل يثنيه‪ ،‬فالعمل اخلاص‪« :‬يزيد من ســوراي‪ ،‬حلد الـ ‪ 2013‬كان ما يـزال يف ريف‬ ‫الثقة ابلنفس ومينح متعة كبرية جداً»‪.‬‬ ‫دم ـشــق) مــا يـعــانـيــه ال ـســوريــون مجـيـعـاً‪ ،‬انقطاع‬ ‫م ـنــذ ب ـعــض ال ـس ـن ـوات‪ ،‬جـ ــاءت «يـ ـسـ ـرا» إىل التيار الكهرابئي يتسبب بتوقف املنفسة عن‬ ‫خلدون ملساعدته يف دروس الشهادة الثانوية‪ ،‬العمل‪ ،‬فتقوم زوجته بتأمني التنفس عن طريق‬ ‫لتصبح العالقة بعد الــدرس اخلامس حباً تُوج املنفسة اليدوية‪ ،‬تبقى تضغط عليها طوال فرتة‬ ‫ابلزواج‪.‬‬ ‫انقطاع الكهرابء‪.‬‬ ‫وه ـكــذا اكـتـمـلــت ح ـيــاة خ ـل ــدون‪ ،‬وأص ـبــح أابً يف قصة «جورج»‪ :‬الطبيعة هي البطل‪.‬‬ ‫لـطـفـلــة «يـ ـسـ ـرا»‪ ،‬وه ــو ال ـف ـخــور أبن ــه مل يلجأ يف قصص كقصة «كريسيت براون» و«خلدون‬ ‫ملساعدة مادية من أحد لتكاليف الــزواج‪ ،‬بل سنجاب»‪ ،‬مل يكن السرير هو البطل‪.‬‬


‫الذراع األيسر وحده ح ّر‬ ‫يف احلي الغريب مبدينة قامشلو على الشارع العام‪،‬‬ ‫ـرش «حممد خري»‬ ‫ابلقرب من جامع «قــامســو»‪ ،‬يـ ّ‬ ‫املــاء عــن طريق إبـريــق بالستيكي أمحــر الـلــون بيده‬ ‫اليمىن‪ ،‬دون أن يستطيع أن َّ‬ ‫يرش املاء أبصابع يده‬ ‫اليسرى‪ ،‬مستخدماً آلية الرأس املثقوبة املرّكبة على‬ ‫فاه األبريق‪.‬‬ ‫«حممد خــر» البالغ مــن العمر ح ـوايل ‪ 42‬سنة‪،‬‬ ‫ويف صبيحة كل يــوم‪ ،‬أييت إىل دكانه الصغري ذي‬ ‫الـسـقــف اخلـفـيــض (مخـســة دكــاكــن عـلــى استقامة‬ ‫واحــدة‪ ،‬متماثلة ووحيدة على طول هذا الشارع)‪،‬‬ ‫ليستلم اخلضار من السيارة اليت جتلب له ما يوصي‬ ‫به صاحبها يف الليل‪ُ ،‬ك ُّم ذراعه األيسر يبدو فارغاً‬ ‫مثل الكيس الــذي يناوله بيده اليمىن إىل من يريد‬ ‫أن ميأله مبا يبتاعه‪ ،‬الفراغ املتكور يف كمه ال يبطل‬ ‫مهمة اجلاذبية‪ ،‬إذ يبدو مستقيماً مثل ميزانه املنهك‪.‬‬ ‫ال ـطــرف املـبـتــورة عـنــد «حمـمــد خ ــر» مل ختـلــق لديه‬ ‫مشكلة يف هذه احلياة‪ ،‬ومل يشعر أبداً إبعاقة متنعه‪،‬‬ ‫حتمل مسؤولياته جتاه نفسه وعائلته‪،‬‬ ‫جسدايً‪ ،‬من ّ‬ ‫هو مؤمن دوم ـاً أب ّن يــداً واحــدة قــادرة على القيام‬ ‫بـكــل األف ـع ــال ال ــي نـقــوم هبــا بكلتا يــديـنــا‪ ،‬حيث‬ ‫تعوض عن فقدان إحدامها‪ ،‬يقول دون أن‬ ‫اإلرادة ّ‬ ‫يلتفت إ ّ‬ ‫يل‪« :‬على اإلنـســان أال يقف عند إعاقة‬ ‫جسدية‪ ،‬أو الـولــوج إىل شعور اليأس واإلحساس‬ ‫ابلنقص وعــدم املـقــدرة على فعل أي شــيء‪ ،‬ألن‬ ‫هذه احلالة هي اإلعاقة احلقيقية حبد ذاهتا»‪.‬‬ ‫من السهل أن جتالسه يف حيّزه الصغري املليء برائحة‬ ‫اخلضروات والرتاب الندي‪ ،‬إثر سقوط بعض قطرات‬ ‫املــاء على أرضية الدكان وكذلك اجلــدران الرتابية‪،‬‬ ‫دون أن يـراتب من النظرات احملدقة بكمه األيسر‬

‫قامشلو ‪ -‬خاص سيدة سوريا‬

‫قامشلو ‪ -‬خاص سيدة سوريا‬

‫• خومشان قادو‬

‫قامشلو ‪ -‬خاص سيدة سوريا‬

‫املتديل‪ ،‬والذي يظهر أنه أجوف حني حياول ترتيب حبات البندورة وجرز البقدونس‪ ،‬لكن استدراكه ملا تريده‬ ‫منه كصحفي مينعه من الكالم‪ ،‬ويضفي على املشهد حلظات متقطعة من الصمت‪ .‬يف اللحظات األخرى‬ ‫كان حيكي يل ما يريده هو‪ ،‬على فرض أنين أحد الزابئن‪ ،‬هذا ما حصل معي متاماً حني جربت االستفسار‬ ‫متحججاً ب ِقدم دكانه وأين أريد أن أُأرشفه‪.‬‬ ‫عن كيفية فقدانه لذراعه األيسر‪ ،‬كما رفض أن آخذ له صوراً‪ّ ،‬‬ ‫كل الصخب والضوضاء املنبعثة من طريق عامودا (االسم الشائع للشارع العام يف احلي الغريب) ال تستطيع‬ ‫أن تطفئ هدوء وجهه‪ ،‬ابتسامته ووجهه السمح يضفي على هذا احليّز املكاين أصالة احلي نفسه‪ ،‬على يساره‬ ‫ببضعة أمتار يوجد كافيه نت‪ ،‬أمامه جيلس الشبان وهم منهمكون أبجهزة هواتفهم النقالة بكلتا اليدين‪،‬‬ ‫«حممد خري» طبعاً ال حيسدهم‪ ،‬لكنه ينزعج من االستخدام املبالغ لليدين ووظائفهما‪« :‬يستطيعون أن‬ ‫يستثمروا هذه الطاقة يف أشياء أخرى‪ ،‬جيب أن يستفيدوا من كمال أجسادهم»‪ ،‬حسب تعبريه‪.‬‬ ‫«حممد خري» شاهد حي على أوىل املظاهرات اليت خرجت يف مدينة قامشلو‪ ،‬كذلك كانت عيناه تراقبان‬ ‫عن كثب تشييع العشرات من املقاتلني واملقاتالت الكرد من جامع «قامسو» الذي يقع على ميني حي ّزه‬ ‫ببضعة أمتار‪ ،‬هذا اجلامع الذي لطاملا كانت له قيمة وقدسية (بعيداً عن املفهوم القيمي الديين للجامع) لدى‬ ‫مواطين هذه املدينة‪ ،‬اتسم اسم هذا اجلامع مبعا ٍن عديدة يف ذاكرة هذا احلي متتد إىل العشرات من السنني‪،‬‬ ‫لذا «حممد خري» فخور جداً ببضعة األمتار املربعة اليت ُتيّز دكانه يف هذه املوقع اجلغرايف‪ ،‬عالوة على أنه‬ ‫من ّ‬ ‫سكان هذا احلي أيضاً‪.‬‬ ‫«‪ »Xwediyê bi destekî‬أي صاحب اليد الواحدة‪ ،‬كما ينادونه يف حميطه‪ ،‬طبعاً هذه التسمية‬ ‫لقب للتمييز فقط‪ ،‬دون أن تكون هلا مدلوالت تُسيء إىل شخصية «حممد خري»‪ ،‬الذي انسجم هو‬ ‫هي ٌ‬ ‫نفسه كثرياً مع هذا اللقب «نعم ينادونين بصاحب اليد»‪ ،‬يقوهلا وهو يضحك‪ ،‬وحيرك ُكمه األيسر الفارغ‬ ‫مستخدماً جذعه‪ ،‬فيما حيمل بذراعه األخرى سيجارًة توشك أن تنطفئ‪.‬‬ ‫مير أمام الدكاكني اخلمسة هذه‪ ،‬ال يستطيع إال أن يلتفت إليها‪ ،‬صغر األبواب يستوجب الكثري من‬ ‫كل من ّ‬ ‫التحديق واإلمعان‪ .‬يف أحياانً كثرية‪ ،‬اجلالسون أمامها يتصرفون هم أيضاً بنفس الطريقة مع املارة‪ ،‬صاحب‬ ‫اليد الواحدة‪ ،‬وحبكم عمله الذي يتطلب منه احلركة وعدم إمكانية اجللوس كثرياً أمام دكانه‪ ،‬هو االستثناء‬ ‫يف هذه الظاهرة‪« .‬حممد خري» يبتعد عن األحكام املسبقة حبق الناس‪ ،‬فنظراهتم ال تربكه أبــداً‪ ،‬بل على‬ ‫العكس يتجاهلها‪ ،‬ألنه أص ً‬ ‫فسر تلك النظرات أبهنا متوجهة إىل‬ ‫ال مؤمن ابلشكل اجلسدي احلايل‪ ،‬وال يُ ِّ‬ ‫عدم امتالكه إلحدى األطراف‪ ،‬يقول‪« :‬دعهم ينظرون‪ ،‬رمبا لديهم شغف هلكذا دكاكني مبنية من الطني‪،‬‬ ‫رمبا هذه األبواب اخلشبية القدمية تش ّد انتباههم»‪.‬‬ ‫يف مثل حاالت اإلعاقة هذه‪ ،‬ذوو اإلميان واإلرادة فقط يتغلبون على حاجة عض ٍو ما ابستخدام أعضاء‬ ‫أخرى‪ ،‬أو ابتكار طرائق غري معتادة للتعويض عن فقدان إحدى األطراف‪ ،‬سيما يف جمتمع ودولة ال يعريان‬ ‫أي اهتمام ألانس كثريين مثل «حممد خري»‪ ،‬انهيك عن الظروف املعيشية الصعبة اليت ميرون هبا‪« .‬حممد‬ ‫خري» مل يكن لينتظر أن تقدم له الدولة يد العون واملساعدة‪ ،‬ألنه يُدرك متاماً فساد نظام دولته‪ ،‬لذلك آثر‬ ‫بكل طاقاته وإمكانياته أن يبين عائلة تستطيع أن تعطيه أكثر من ذراع‪.‬‬ ‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪17 2014‬‬


‫العدالة االنتقالية في سوريا وقضية جبر الضرر‬ ‫ف ـظ ـي ـعــة ت ـل ــك اجل ـ ـرائـ ــم ال ـ ــي حل ـق ــت ابل ـش ـعــب‬ ‫الـســوري‪ ،‬مل يتعرض ألهـواهلــا شعب آخــر منذ‬ ‫احلرب العاملية الثانية‪ ،‬جرائم شاملة كما العنف‬ ‫الـشــامــل ال ــذي يـضــرب ال ـبــاد‪ ،‬أعــدادهــا كبرية‬ ‫نسبة لشعب تعداد سكانه حـوايل ‪ 22‬مليون‬ ‫نسمة‪ ،‬ال إحصائية دقيقة لعدد من قضوا نتيجة‬ ‫العنف الدائر‪ ،‬وإن كانت هناك مصادر تشري‬ ‫إىل أكثر من نصف مليون قتيل‪ ،‬وحوايل مائيت‬ ‫ألف مفقود ومئات آالف املعتقلني‪ ،‬لقد تنوعت‬ ‫اجلرائم‪ ،‬من جرائم احلــرب اليت تلحق ابملدنيني‬ ‫نتيجة االقتتال الدائر والقصف العشوائي من قبل‬ ‫النظام‪ ،‬إىل جرائم ضد اإلنسانية أتخذ وصفها‬ ‫من اتساعها ومــن األعــداد الكبرية للمتضررين‬ ‫املدنيني الذين تصيبهم هذه اجلرائم‪ ،‬انهيك عن‬ ‫اإلابدة اجلماعية اليت تستهدف مجاعة معينة من‬ ‫السكان‪ ،‬نتيجة االنتماء الطائفي أو املناطقي‬ ‫كما جــرى يف مناطق محــص املختلفة‪ ،‬وأيضاً‬ ‫مــا متــارســه الـقــوى املتشددة نتيجة ردود أفعال‬ ‫أو قـصــداً حبــق أبـنــاء مناطق وطـوائــف يسموهنا‬ ‫م ـوال ـي ــة‪ ،‬أض ــف أن ــه مل ت ـنــج عــائ ـلــة س ــوري ــة من‬ ‫م ـص ــاب أل ـي ــم حل ــق ابألشـ ـخ ــاص واملـمـتـلـكــات‬ ‫من املوت إىل السجن حىت الفقر املدقع‪ ،‬بعد‬ ‫تدمري املمتلكات‪ ،‬وفقدان األعمال‪ ،‬والعاهات‬ ‫الــدائـمــة الــي ال عــاج هلــا‪ ،‬واإلي ــذاء املعنوي‪،‬‬ ‫نتيجة خسارة األبناء ونتيجة التعسف والظلم‪،‬‬ ‫إضافة إىل اخلطف‪ ،‬والسرقة‪ ،‬واللجوء القسري‬ ‫والنزوح‪.‬‬ ‫ال ــاف ــت أن ك ــل ه ــذه اجلـ ـرائ ــم ذات الــوصــف‬

‫‪ 18‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫اجلنائي مل يالحق مرتكبوها‪ ،‬وال جيرؤ ضحاايها‬ ‫على رفع دعوى أمام القضاء السوري املختص‪،‬‬ ‫ح ــى ل ــو كـ ــان اجل ـ ــاين مـ ـع ــروفـ ـاً‪ ،‬ال ـل ـهــم إال يف‬ ‫حــاالت السرقة الـعــاديــة‪ .‬يـعــود هــذا حلساابت‬ ‫سياسية بـعــد تعطيل الـقــانــون نتيجة الفوضى‬ ‫وحــروب اإللغاء الدائرة‪ ،‬حيث إن قانون القوة‬ ‫هــو ال ـســاري‪ ،‬و احلــل الشخصي ال قيمة له‪،‬‬ ‫انهيك عن اخلــوف من الشكوى ضد عناصر‬ ‫النظام الــي تقوم أبعـمــال اخلطف أو السرقة‪،‬‬ ‫حــى صــدور ق ـرار احلصانة وعــدم تنفيذ عقوبة‬ ‫حبــق مــا يسمى الــدفــاع الــوطــي كــوهنــم يف حالة‬ ‫احلرب‪.‬‬ ‫هذا يقودان إىل أن الشعب الــذي أيمل بنهاية‬ ‫هذه املأساة‪ ،‬اليت لن تنتهي إال بعودة احلقوق‪،‬‬ ‫وسبل العيش الـكــرمي‪ ،‬مــع اإلش ــارة أن اخلــوف‬ ‫أخـ ــذ يـ ــدب م ــن ج ــدي ــد يف أوص ـ ـ ــال اجملـتـمــع‬ ‫الـســوري‪ ،‬من مستقبل يلفه الغموض وحاضر‬ ‫تعجز الكلمات عن وصفه‪ ،‬حىت أصبح الوضع‬ ‫السوري مأساة القرن احلادي والعشرين‪ ،‬وصل‬ ‫إىل حــالــة الـيــأس مــن تعويض املـتـضــرريــن جـراء‬ ‫هــذه احلــرب الــي ال تعرف هنايتها بعد تدويل‬ ‫ال ـص ـراع‪ ،‬فــالــدول ال ــي دخـلــت دوام ــة القضية‬ ‫السورية مل حترك ساكناً أمام اجلرائم اليت اقرتفها‬ ‫الـنـظــام وامل ـعــاقــب عليها وف ــق ال ـقــانــون ال ــدويل‬ ‫اإلن ـس ــاين‪ ،‬حــى دخـلــت ال ـبــاد مــرحـلــة أخــرى‬ ‫من الصراع وابتت مهددة ابلتقسيم والشرذمة‪،‬ـ‬ ‫تلبية للمصاحل اخلاصة اليت منت نتيجة أتجيج‬

‫• سحر حوجية‬

‫األحـقــاد‪ ،‬رغبة يف االنتقام‪ ،‬وإلغاء اآلخــر‪ ،‬يف‬ ‫حماولة نسف إرادة اجملتمع حنو أتسيس جمتمع‬ ‫املـواطـنــة والـعــدالــة وحـقــوق اإلن ـســان‪ .‬وإن كان‬ ‫األمل يف الوصول إىل حل حتت مسمى العدالة‬ ‫االنتقالية‪ ،‬فهذا النوع من العدالة حيتاج إىل‬ ‫شروط حىت ميكن العمل وفقها‪ ،‬أوهلا‪ :‬وقف‬ ‫الـعـنــف‪ ،‬اثنيها‪ :‬حتقيق ت ـســوايت بــن أط ـراف‬ ‫الصراع غايتها حتقيق املساواة بني املواطنني يف‬ ‫القانون‪ ،‬ويف احلقوق والـواجـبــات‪ ،‬يف مواجهة‬ ‫املشاريع الضيقة والفئوية اليت تقوم على التمييز‬ ‫عـلــى أس ــاس ال ــدي ــن أو اجل ـنــس أواإلث ـن ـي ــة‪ .‬إن‬ ‫إع ــادة اإلع ـمــار وع ــودة الــاجـئــن‪ ،‬والتعويض‬ ‫عــن األض ـ ـرار‪ ،‬هــي حـقــوق اثبـتــة للمتضررين‪،‬‬ ‫حيث يعلم اجلميع أن أي طرف مهما امتلك‬ ‫مــن قــوة لــن حيقق هــذا مب ـفــرده‪ ،‬وكلنا يعلم أن‬ ‫القوة املادية للنظام أو قوى املعارضة املسلحة‬ ‫مـصــدرهــا الــدعــم اخلــارجــي‪ ،‬بـعــد أن استنزفت‬ ‫البالد يف حرب طويلة‪ ،‬وهكذا فإن إعادة البناء‬ ‫والتعويض وجــر الضرر لن تصمد دون عدالة‬ ‫انـتـقــالـيــة ينظمها قــانــون ع ــادل يعيد احلـقــوق‪،‬‬


‫يسبق قانون العدالة هذا تشكيل سلطة معرتف هبا من الشعب‪ ،‬غايتها‬ ‫حتقيق هذه العدالة وألم اجلراح‪ ،‬ولن تقبل سلطة ما أن تكون حيادية‪،‬‬ ‫ولن تقبل أي سلطة أعضاؤها متهمون جبرائم حبق الشعب السوري‪ ،‬أو‬ ‫سلطة تقوم على التطرف والتشدد األيديولوجي أو املصاحل اخلاصة‪ ،‬ألن‬ ‫العدالة عند الديكتاتورية أو القوى الطائفية تقوم على التمييز‪ ،‬واحملاابة‬ ‫والوالءات اخلاصة‪.‬‬ ‫إن املــؤسـســات املــدنـيــة‪ ،‬وقــوى اجملتمع املــدين هــي الضمانة لنجاح أي‬ ‫عدالة‪ ،‬ألن مصاحلها ترتفع على املصاحل اخلاصة الفئوية‪ ،‬على الرغم من‬ ‫أن تكلفة إعــادة البناء وتعويض الضرر ستكون خيالية فوق طاقة أي‬ ‫طرف دويل‪ ،‬هذا ما يفتح اجملال أمام تدخل دويل بسبب املاحنني إلعادة‬ ‫اإلعمار‪ ،‬وهذه القضية مرهون جناحها برقابة اجملتمع املدين وتنظيماته‪،‬‬ ‫لقطع دابر الفساد والتدخل يف شؤون اجملتمع السوري‪.‬‬ ‫لكن هــل يتمكن امل ـواطــن ال ـســوري (ال ــذي تعرضت حقوقه يف احلياة‬ ‫وامللكية للتعدي والتخريب والتدمري) من الوصول إىل حقه يف التعويض‬ ‫عن طريق القانون أو القضاء السوري إذا ما استمر النظام يف احلكم؟ إن‬ ‫السلطة اليت تعترب نفسها يف حالة حرب ضد اخلارج وأعوانه يف الداخل‪،‬‬ ‫ومل تعرتف ابجليش احلر ووصمت أفـراده ابإلرهابيني‪ ،‬أحد أهدافها هو‬ ‫محاية نفسها من املساءلة القضائية مبا خيص أمــاك املواطنني وهنبها‪،‬‬ ‫ابعتبار أهنا تشن حرابً‪ ،‬وهذا يعترب عم ً‬ ‫ال من أعمال السيادة يف القانون‬ ‫السوري‪ ،‬حيث درج القضاء يف أحكامه (على عدم اختصاصه)‪ ،‬للنظر‬ ‫موضوع تبني أنــه يدخل يف نطاق أعمال السيادة‪ ،‬على اعتبار أن‬ ‫يف‬ ‫ٍ‬ ‫أعمال السيادة خارجة عن والية القضاء‪ ،‬هذا ما نص عليه قانون جملس‬ ‫الدولة يف املادة ‪ ،2‬حيث ال خيتص جملس الدولة هبيئة قضاء إداري تنظر‬ ‫يف الطلبات املتعلقة أبعمال السيادة‪ .‬أيضاً نص عليه قانون السلطة‬ ‫القضائية ابلقول‪« :‬ليس للمحاكم أن تنظر بطريقة مباشرة أو غري مباشرة‬ ‫يف عمل من أعمال السيادة‪ ..‬يف مجيع التشريعات‪ ،‬حيث يعترب إعالن‬ ‫احلرب وما يرتتب عليها من آاثر عم ً‬ ‫ال من أعمال السيادة‪ ،‬ومبقتضى‬ ‫تلك الـقـواعــد تنتفي مسؤولية السلطة عــن األعـمــال الــي جتريها مهما‬ ‫كانت األضرار اليت تلحق ابألفراد‪ ،‬وعليه ال تتحمل الدولة أي تعويض‬ ‫نتيجة األعمال احلربية‪ ،‬إن كانت األضرار نتيجة مباشرة وحتمية ألعمال‬

‫ال ـق ـتــال»‪ ،‬وق ــد ج ــاء يف ق ـرار حملكمة الـنـقــض يف س ــوراي رق ــم ‪ 113‬يف‬ ‫‪ 13‬شباطـ ‪ 1978‬أن «األعمال املرتتبة على احلرب واليت تلحق ضرراً‬ ‫ابملواطنني من هدم بيوهتم أو ختريب ممتلكاهتم تعترب من أعمال السيادة»‪.‬‬ ‫غري أن السلطة وهبدف حماصرة اجليش احلر يف أماكن تواجده‪ ،‬عمدت‬ ‫يف الوقت ذاته إىل اإلعالن عن تعويضات للمتضررين بسبب األحداث‬ ‫اجلارية‪ ،‬حتت عنوان «أضـرار سببتها العصاابت املسلحة»‪ ،‬أي حتميل‬ ‫مسؤولية كل ما جيري للمعارضة املسلحة‪ ،‬ومن انفل القول إن التدمري‬ ‫والنهب انل من املواطنني املوالني وليس املعارضني فقط‪ ،‬غري أن التعويض‬ ‫إن متكنت منه السلطة (كما يف حال استمر حكمها وهذا بعيد املنال)‬ ‫حيملون كامل املسؤولية عن األض ـرار‬ ‫لن يشمل ســوى املـوالــن‪ ،‬الذين ّ‬ ‫للمعارضة املسلحة بوصفهم إرهابيني وليسوا معارضني‪ ،‬وستتحول قضية‬ ‫التعويضات إىل فرصة للوالء والطاعة وإعادة التحكم والسيطرة من قبل‬ ‫النظام على اجملتمع السوري‪.‬‬ ‫وال خيتلف األمر كثرياً حيث تسيطر القوى املسلحة‪ ،‬خاصة املتشددة‪،‬‬ ‫والــي مل تعتمد احملــاكــم الـثــوريــة والـقــانــون ال ــدويل اإلنـســاين سبي ً‬ ‫ال هلــا يف‬ ‫القضاء‪ ،‬بل اعتمدت حماكم شرعية عــززت من القوى املتشددة‪ ،‬اليت‬ ‫تعترب ما أتخذه من أموال املدنيني املوالني يف املناطق اليت خترج عن سيطرة‬ ‫النظام «غنائم حرب»‪ ،‬وتعترب من يتم اختطافهم أو اعتقاهلم من قبلهم‬ ‫«أسرى حرب»‪.‬‬

‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪19 2014‬‬


‫سوريو الشتات في بريطانيا ي ّتحدون لبناء السالم‬ ‫في بلدهم‬ ‫رمي األصيل‪ ،‬إحدى الناشطات السورايت‪ ،‬واليت‬ ‫بدأت نشاطها مع أول شرارة للثورة السورية يف‬ ‫آذار ‪ ،2011‬هـربــت مــن س ــوراي يف مت ــوز من‬ ‫العام ذاته‪ ،‬بعد أن مت اعتقاهلا واستجواهبا مرتني‬ ‫يف الـعــام ذات ــه‪ .‬ذهـبــت بــدايــة إىل فرنسا إلمتــام‬ ‫دراساهتا العليا واحلصول على الدكتوراه‪ ،‬وبعدها‬ ‫انتقلت لالستقرار يف بريطانيا‪ ،‬وكان السبب يف‬ ‫سهولة نقلتها هذه‪ ،‬حلسن احلظ‪ ،‬هو أهنا حتمل‬ ‫جنسيتني‪.‬‬ ‫على الرغم من حقيقة كون السيدة «األصيل»‬ ‫داعـمــة فعلية لقضااي احلـريــة‪ ،‬الـعــدالــة والكرامة‬ ‫يف ســوراي ابستخدام الوسائل السلمية‪ ،‬إال أن‬ ‫تعرضا للعنف‪ ،‬ومتّت مدامهة منزهلما يف‬ ‫والديها ّ‬ ‫دمشق مرتني‪ ،‬نتيجة لنشاطها‪ .‬تقول رمي‪« :‬لقد‬ ‫كانت السنتان األخرياتن هادئتني نسبياً»‪ ،‬ولو‬ ‫كان هلا دور يف أي نشاطات عنفية‪ ،‬أو اخنرطت‬ ‫يف اجلماعات املسلحة‪ ،‬لكان األمر أسوأ بكثري‬ ‫ابلنسبة هلما‪.‬‬ ‫ابإلض ــاف ــة ل ـكــوهنــا انش ـطــة بـشـكــل دائ ـ ــم‪ ،‬فقد‬ ‫أسست األصيل مع زمالئها مشروع «املرتمجون‬ ‫الـســوريــون األحـ ـرار»‪ ،‬وهــو عـبــارة عــن فريق من‬ ‫الشباب والشاابت السوريني‪ ،‬الذين يطمحون‬ ‫إىل تـقــدمي املـعـلــومــات ح ــول ال ـص ـراع يف ســوراي‬ ‫بشكل مستقل‪ ،‬بعدة لغات‪ ،‬ودون أي احنياز‪،‬‬ ‫كبديل لوسائل اإلعالم املتداولة‪ ،‬اليت غالباً ما‬ ‫يتم التالعب هبــا‪ .‬فقد متّ‪ ،‬على سبيل املثال‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫توثيق أحداث اهلجوم ابألسلحة الكيماوية من‬ ‫قبل عدد من املواطنني الصحفيني‪ ،‬املتواجدين‬ ‫داخ ــل س ــوراي الـعــام املــاضــي‪ ،‬مــا يعين أنــه كان‬ ‫ينبغي ترمجتها وتقدميها للمجتمع الــدويل‪ .‬كما‬ ‫أن هناك حاجة ملحة لوجود مرتمجني يقومون‬ ‫برتمجة األفــام الواثئقية داخل ســوراي‪ ،‬حبيث ال‬ ‫يتم جتيريها لصاحل وكاالت أنباء النظام‪.‬‬ ‫على الــرغــم مــن أن «األص ـيــل» قــد وف ــدت إىل‬ ‫بـريـطــانـيــا‪ ،‬كنتيجة مـبــاشــرة لـلـنـزاع احلــاصــل يف‬ ‫ســوراي‪ ،‬فــإن هجرة السوريني إىل بريطانيا ميكن‬ ‫‪ 20‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫• إعداد‪ :‬إميليا مسيث‬ ‫فريق ترمجة سيدة سوراي‬

‫تقول «رمي األصيل» إن التركيز على تنظيم الدولة اإلسالمية في العراق والشام‪ ،‬قد أثر على‬ ‫جهود جمع التبرعات‪ ،‬حيث أحجم الكثيرون عن التبرع لدعم القضية السورية‪ ،‬ألنهم ال‬ ‫يدركون ما يحصل في سوريا حقيق ًة‪.‬‬

‫إرجاعها إىل هناايت القرن التاسع عشر امليالدي‪،‬‬ ‫حيث جذبت جتارة القطن يف مانشيسرت اهتمام‬ ‫ال ـس ــوري ــن م ــن ح ـلــب ودمـ ـش ــق‪ ،‬مـعـقــل جت ــارة‬ ‫املنسوجات يف س ــوراي‪ ،‬والـعــديــد منهم مــا زال ـوا‬ ‫ميلكون مصانع يف مشال اململكة املتحدة‪ .‬قسم‬ ‫آخــر مــن ســوريــي الـشـتــات وصـلـوا إىل بريطانيا‬ ‫قبل سنوات قليلة من بدء الثورة‪ ،‬لكنهم كانوا‬ ‫يعيشون منعزلني عن بعضهم البعض‪ ،‬وعندما‬ ‫انــدلـعــت ال ـثــورة الـســوريــة عــام ‪ ،2011‬قامت‬ ‫بتجميع ه ــؤالء ال ـســوريــن مــع بـعـضـهــم‪ ،‬س ـواء‬ ‫أكــانـوا حتــت خيمة املؤيدين للنظام‪ ،‬أو خيمة‬ ‫املعارضني له‪.‬‬

‫أم ــا «هـيـثــم احل ـم ــوي» فـقــد وص ــل إىل اململكة‬ ‫املتحدة لتحصيل الدكتوراه من جامعة مانشيسرت‬ ‫عام ‪ ،2007‬لكنه مل ِ‬ ‫يلتق أبي من السوريني إال‬ ‫بعد انــدالع الثورة‪ ،‬ليتحدثوا يف أمــور السياسة‬ ‫وحيتجوا أمام السفارة السورية‪ .‬فقد كسر حتدي‬ ‫سلطات األســد يف ســوراي حاجز اخلــوف لدى‬ ‫الكثريين‪ ،‬يقول «احلموي»‪« :‬لقد كان احلصار‬ ‫مطبقاً ابلكامل ما قبل عــام ‪ ،2011‬مل يكن‬ ‫أح ــدان يـعــرف اآلخ ــر‪ ،‬ابستطاعتك الـقــول إنه‬ ‫مل يكن هنالك جمتمع مدين يف ســوراي‪ ،‬مل يكن‬ ‫ال ـنــاس يـتـحــدثــون إىل بعضهم‪ ،‬كــانــت هنالك‬ ‫حــالــة خــوف دائـمــة مــن أ ّن أي شــيء يقومون‬ ‫ب ــه‪ ،‬قــد ي ـرفــع بــه تـقـريــر إىل احل ـكــومــة‪ ،‬مل يكن‬ ‫الناس يستطيعون أن يـعـ ّـروا عن أفكارهم أمام‬ ‫أي كان!»‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫وبعد وصوله إىل اململكة املتحدة أبربع سنوات‬ ‫أصـبــح «هيثم احل ـمــوي» يشغل منصب مدير‬ ‫ملنظمة «أعد التفكري إلعادة بناء اجملتمع»‪ ،‬واليت‬ ‫مت أتسيسها يف مدينة مانشيسرت‪ ،‬تعمل املنظمة‬ ‫كـمـظـلــة جتـمــع حتـتـهــا كــل ال ـســوريــن يف مدينة‬ ‫مانشيسرت‪ ،‬الذين يقومون بدورهم ابلتأثري على‬


‫احلكومة الربيطانية‪ .‬كذلك تقوم املنظمة إبدارة عدد من الربامج التعليمية‬ ‫والتثقيفية‪ ،‬اليت تركز على بناء وإدارة مدارس تعمل يف الداخل السوري‪.‬‬ ‫يقول احلموي‪« :‬حنن متيقنون من أن ما جيري اآلن سوف يؤثر يف اجليل‬ ‫القادم‪ ،‬الذي سيأخذ على عاتقه مهمة إعادة بناء سوراي»‪.‬‬ ‫بعد عام ‪ ،2011‬انتشرت ظاهرة املنظمات األهلية‪ ،‬بعضها قام لدعم‬ ‫املعارضة مباشرة‪ ،‬فيما توجد سواها يف مناطق واقعة حتت سيطرة النظام‪،‬‬ ‫األمر الذي راح يثري الشكوك فيما يتعلق أبفراد آخرين يف اجملتمع‪ ،‬بعضها‬ ‫ســاهــم يف إي ـصــال امل ـســاعــدات إىل الـبـلــد ال ــي مزقتها احل ــرب‪ ،‬مبساعدة‬ ‫وسطائهم‪ ،‬أصدقائهم وأهاليهم الذين ما يزالون متواجدين هناك‪ ،‬فسوراي‬ ‫حباجة ماسة وفعلية للمساعدة‪ .‬ما يزيد على ‪ 200‬ألف سوري قتلوا منذ‬ ‫بداية الثورة يف شهر آذار من عام ‪ ،2011‬أكثر من ثالثة ماليني هربوا‬ ‫من البلد‪ ،‬وستة ماليني آخرون نزحوا إىل مناطق أخرى داخل سوراي‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬وابلرغم من جهودهم احلثيثة‪ ،‬من جهة نظر األفراد الربيطانيني‪،‬‬ ‫فإن اجملتمعات السورية غري متناغمة‪ ،‬يقول «احلموي»‪« :‬إن واحدة من‬ ‫أهم مشاكلنا يف ســوراي‪ ،‬هي أننا كنا حتت سلطة نظام ديكتاتوري قرابة‬ ‫ّ‬ ‫مخسني عاماً‪ ،‬فال وجود لدينا جملتمع مدين‪ ،‬أو منظمات أهلية‪ ،‬هلذا وجدان‬ ‫صعوبة كبرية يف العمل مع بعضنا يداً واحدة‪ ،‬لكننا حناول أن نتعلم»‪.‬‬ ‫إن اخلوف من خمربي النظام وأفعاهلم االنتقامية مل َيـ ُزل بشكل كامل‪ ،‬خاصة‬ ‫عندما يتعلق املوضوع بنشاط للمجتمع األهلي‪ ،‬حيث تكون «يف وجه‬ ‫املدفع»‪ ،‬كما تقول «ريبيكا كروزير» (من منظمة جرس اإلنذار العاملية)‪:‬‬ ‫«لقد أنشئت منظمة للتربعات مــن خــال بناء الـســام»‪ ،‬حيث تقوم‬

‫ريبيكا بتجربة برانمج جديد‪ ،‬يهدف إىل التقريب بني السوريني يف الشتات‬ ‫على أراضي اململكة املتحدة‪ ،‬ولكن «ما زال هنالك موروث اخلوف الذي‬ ‫مينع الناس من التحدث بصوت عالٍ»‪.‬‬ ‫ويسعى الربانمج إىل إجيــاد خطاب يساعد السوريني يف الشتات داخل‬ ‫أراضي اململكة املتحدة‪ ،‬لكي حيصلوا على دع ٍم أكرب‪ ،‬بغية زايدة املبالغ‬ ‫احملتملة من أجل إعادة بناء السالم يف البلد‪ .‬يقول «طاهر زمان»‪ ،‬والذي‬ ‫ش ــارك ســوريــي الشتات يف عمليات البحث والــدراســة خــال عمليات‬ ‫التحضري للربانمج‪ ،‬إن هذا الضعف يف التنسيق يتسبب يف تردد املنظمات‬ ‫يف االخن ـراط بشكل جـ ّدي يف أي مـشــروع‪ ،‬والتأثري على سياساهتا جتاه‬ ‫سوراي‪.‬‬ ‫ابلنسبة للسيد «محوي»‪ ،‬فإن معظم النقاشات اليت تدور يف اجملتمع حوله‪،‬‬ ‫تتمحور حول كيفية بناء السالم يف ســوراي‪ ،‬وآلية إدمــاج مجيع األحـزاب‬ ‫السورية يف هذه العملية‪ ،‬لذلك كان من الطبيعي أن يكون ملنظمة «ريثينك‬ ‫– ريبيلد بيس» دور يف هذا الربانمج اجلديد‪ ،‬والذي انطلق من فرضية أن‬ ‫السوريني يف الشتات يستطيعون أن يتوصلوا إىل نتائج أفضل‪ ،‬فيما إذا قاموا‬ ‫ابلتنسيق والعمل مع بعضهم‪ ،‬أو كما طرحت السيدة «األصيل» بعبارة‬ ‫أفضل‪« :‬حنن أفضل حاالً حني نكون معاً»‪.‬‬ ‫ابلتوازي مع جتميع الفرق والزمر املنتشرة يف أرجاء اململكة املتحدة‪ ،‬سيقوم‬ ‫الربانمج بتأمني منابر توجيهية للسوريني العاملني يف هذه املنظمات‪ ،‬فالعديد‬ ‫منهم كانوا أطباء‪ ،‬مهندسني أو أصحاب حمال جتارية قبل أن يبدؤوا إبدارة‬ ‫هذا النوع من املنظمات‪ ،‬حيث يقوم مندوبون عن هذه املنظمات ابللقاء‬ ‫كل شهرين ملناقشة بعض القضااي الــي قد يستطيعون معاجلتها ســوايً‪،‬‬ ‫كمسألة كيفية أتمني التعليم لألطفال ضمن الظروف احلالية‪.‬‬ ‫وبعيداً عن الربانمج‪ ،‬هناك جزء مهم من قضااي سوريي الشتات يف اململكة‬ ‫املتحدة‪ ،‬هو قضية جمتمع الفنانني السوريني‪ ،‬فالعديد منهم مت استهدافهم‬ ‫من قبل النظام‪ ،‬بسبب طبيعة عملهم‪ ،‬وهلذا كان عليهم اهلرب من البالد‪،‬‬ ‫رغم املخاطر الكبرية اليت حتف رحلتهم‪.‬‬ ‫الفنان التشكيلي «طارق طعمة» وفد إىل لندن هناية عام ‪ ،2005‬وكان‬ ‫يف األصل قد قدم لدراسة الطب قبل أن يغري جمال اختصاصه‪ ،‬ويدرس‬ ‫دبـلــوم مــا بعد التخرج ودرج ــة املاجستري يف اختصاص الفنون اجلميلة‪.‬‬ ‫وكما هي حالة السيد «احلموي» يف مانشيسرت‪ ،‬فإن السيد طعمة مل يبدأ‬ ‫ابلتواصل مع سوريي الشتات بشكل فعلي إال بعد اندالع الثورة السورية‬ ‫عام ‪ ،2011‬حني كانوا بصدد التجمع من أجل االحتجاج خارج مبىن‬ ‫السفارة السورية‪.‬‬ ‫يقول طعمة‪« :‬ينتابك شعور مريع وأنت جالس تراقب ما جيري هناك يف‬ ‫بالدك‪ ،‬شعور شبيه ابلشلل‪ .‬ليس ابستطاعتك القيام بشيء‪ ،‬وأنت جمرب‬ ‫على مراقبة ما جيري‪ ،‬مسألة ليست سهلة على اإلطالق!»‪.‬‬ ‫وقد قام الفنان التشكيلي طارق طعمة بتشكيل قطعة فنية لصاحل منظمة‬ ‫دولـيــة تــدعــى»إنــرانشـيــوانل أل ــرت»‪ ،‬وتـعــي قــرع انق ــوس اخلـطــر يف وجه‬ ‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪21 2014‬‬


‫الكارثة‪ ،‬ضمن مشروع «الفن من أجل السالم»‪ .‬العمل الفين مستوحى‬ ‫من لوحة بيكاسو «غرينيكا»‪ ،‬وهي لوحة حتاكي القصف الذي استهدف‬ ‫بلدة الباسك‪ ،‬غرينيكا‪ ،‬خالل احلرب األهلية اإلسبانية‪.‬‬ ‫يقول السيد طعمة‪« :‬حبسب رؤيــي‪ ،‬فإن الصراع يف ســوراي جيري ضمن‬ ‫نفس سياق الصراع الذي خرجت منه غرينيكا‪ ،‬أحتدث عن هذا التشابه‬ ‫عـلــى مـسـتــويــن‪ :‬سـيــاســي وف ــي‪ ،‬رؤي ــي اخلــاصــة هــي أن احل ــرب األهلية‬ ‫اإلسبانية مشاهبة متاماً للحرب األهلية السورية اليت حتدث اآلن‪ ،‬فحني‬ ‫كسب اجلمهوريون االنتخاابت احلكومية‪ ،‬واليت قوبلت ابلصمت من قبل‬ ‫اجملتمع الدويل‪ ،‬وبشكل أساسي من قبل الشعب اإلسباين الذي مت ذحبه‬ ‫فيما بعد‪ ،‬خاصة يف غرينيكا‪ ،‬تلك كانت من أوائل معارك التفجري اليت‬ ‫تدار على أرض اخلصم‪ ،‬عرب التاريخ»‪.‬‬ ‫وحبسب طعمة‪ ،‬فإن الفن ينقل تركيز االنتباه عن القتل‪ ،‬لريكزه على الناس‪،‬‬ ‫يقول‪« :‬الفرق شاسع بني أن حتمل بندقية‪ ،‬وأن متسك بفرشاة‪ ،‬جيب أن‬ ‫جتذب االنتباه إىل الناس اليت متسك ابلفرشاة»‪.‬‬ ‫ويتابع السيد طعمة قائالً‪« :‬إن الفن يوجه االنتباه إىل اجلانب اإلنساين من‬ ‫األزمــة‪ ،‬أكثر من اجلانب السياسي هلا‪ ،‬من أجل أنسنة املأساة والتعامل‬ ‫مع الشعب الـســوري كبشر‪ ،‬فالناس ليسوا مواضيع سياسية‪ .‬إنــه يلفت‬ ‫االنتباه ملا يستطيع السوريون فعله‪ ،‬يسلّط الضوء على اجلانب املشرق لدى‬ ‫السوريني‪ ،‬إنه ّحيــول الرتكيز واالنتباه عن موضوع القتل الــذي حيدث يف‬ ‫كل مكان من البلد‪ ،‬ويرّكزه على الناس املبدعني الذين يرمسون اللوحات‬ ‫أو يشكلّون القطع الفنية»‪.‬‬ ‫إن قصص كل من السيدة «األصيل»‪ ،‬والسادة «احلموي» و»طعمة»‪،‬‬ ‫تـقـ ّدم رواي ــة خمتلفة عما تنشره وك ــاالت األنـبــاء الرمسية‪ ،‬والــي يــرّكــز ّ‬ ‫جل‬ ‫اهتمامها على تنظيم الدولة اإلسالمية يف العراق والشام‪ ،‬أو ما يسمى‬ ‫بـ ـ «داع ـ ــش»‪ .‬ذات م ــرة أخـ ــرين أح ــد األس ــاق ـف ــة املـنـتـمــن إىل منظمة‬ ‫«إنرتانشيوانل ألريت» أن أحد أفراد برانجمهم السياسي ممن اعتادوا على‬

‫‪ 22‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫اعتالء املنابر للنصح واإلرشاد‪ ،‬يزور املساجد ونوادي الشباب‪ ،‬ليتحدث‬ ‫عن األزمة السورية‪ ،‬وحياول ثنيهم عن الذهاب إىل سوراي من أجل القتال‪.‬‬ ‫فعلى الرغم من أن معظم السوريني يذهبون إىل تركيا‪ ،‬لبنان أو حىت سوراي‬ ‫لتسهيل مهمة تقدمي الدعم واملعوانت‪ ،‬فإن أصواهتم تضيع وسط ضجيج‬ ‫وسائل اإلعالم‪.‬‬ ‫وهبــذا اخلصوص يؤكد السيد «احلـمــوي»‪« :‬لقد ذهبت وسائل اإلعــام‬ ‫يف اجتــاه معني‪ ،‬من شأنه أال يقدم أي فائدة للمجتمع السوري بشكل‬ ‫ع ــام‪ ،‬وال حــى للمملكة املـتـحــدة نفسها»‪ .‬إهنــا تكتفي بــروايــة قصص‬ ‫وحـكــاايت عن تنظيم الــدولــة اإلسالمية يف الـعـراق والـشــام‪ ،‬مع أن واقع‬ ‫احلال ليس كذلك‪ .‬صحيح أن تنظيم الدولة اإلسالمية يف العراق والشام‬ ‫يشكل مشكلة كبرية‪ ،‬ولكن نسبتها ال تتجاوز ‪ 15%‬من حجم املشكلة‬ ‫احلقيقية‪ ،‬وإذا ركزان اهتمامنا على ‪ 15%‬ونسينا الـ ‪ 85%‬الباقية‪ ،‬فإننا لن‬ ‫جنين أي فائدة‪ ،‬ال يف سوراي وال يف اململكة املتحدة نفسها‪ ،‬أنمل يف أننا‬ ‫إذا متكنا من التحرك يف ذات التوقيت معاً‪ ،‬قد نستطيع أن نوجه وسائل‬ ‫اإلعالم يف االجتاه الصحيح»‪.‬‬ ‫فيما تقول السيدة «األصيل» إن تنظيم الدولة اإلسالمية يف العراق والشام‬ ‫قد أسهم يف تراجع جهود مجع التربعات‪ ،‬حيث أحجم كثريون عن تقدمي‬ ‫منح لدعم القضية السورية‪ ،‬ألهنــم يف التباس من أمرهم حــول ما جيري‬ ‫يف ســوراي‪« :‬هــم يعتقدون أهنــم فيما لو أقدموا على التربع‪ ،‬فــإن نقودهم‬ ‫ملحة لتصحيح‬ ‫ستذهب لصاحل دعم اإلرهاب هناك‪ ،‬اآلن هنالك حاجة ّ‬ ‫الرواايت املتداولة حول القضية السورية»‪.‬‬ ‫يقول الباحث «طاهر زمــان»‪« :‬ما زال هناك أانس يعملون وفق مبادئ‬ ‫الــاعـنــف‪ ،‬لكن أص ـواهتــم ال تسمع بشكل ك ـ ٍ‬ ‫ـاف‪ ،‬وال تعطى املساحة‬ ‫الكافية لتعرب عن نفسها‪ ،‬فيما تعطى مساحة أكرب لعوامل القتل»‪.‬‬

‫املصدر ‪https://www.middleeastmonitor.com/arti� :‬‬ ‫‪cles/middle-east/14710-britains-syrian-diaspora‬‬‫‪unites-to-build-peace-in-their-homeland‬‬


‫نساء ِّ‬ ‫الظل‪ ..‬من أجندة نساء الثورة‬ ‫الـ ـث ــورة ال ـس ــوري ــة كــانــت والتـ ـ ـزال ثـ ــورة حت ــدايت‪،‬‬ ‫والسيما للمرأة السورية اليت كانت قد انلت بعض‬ ‫احلقوق‪ ،‬ابملقارنة مع غريها من النساء يف بلدان‬ ‫الوطن العريب‪ ،‬فقد ختطت املـرأة السورية النضال‬ ‫التقليدي‪ ،‬إىل النضال عرب التكنولوجيا احلديثة من‬ ‫توثيق لألحداث واالنتهاكات عرب املرئي واملسموع‬ ‫مــن وســائــل اإلع ــام‪ ،‬واستطاعت بذلك ممارسة‬ ‫دوره ــا الطبيعي غــر املـفــاجــئ‪ ،‬وإن كــان متأخراً‬ ‫ق ـل ـي ـاً‪ ،‬نتيجة حتـنـيــط اجملـتـمــع هلــا كـتـمـثــال زيـنــة‪،‬‬ ‫للمكاتب الفخمة والبيوت املظلمة الــي هجرهتا‬ ‫الروح بفعل الثراء وغريه‪.‬‬ ‫صنعت احلــدث كما كانت ابألمــس تنسج أردية‬ ‫صــوفـيــة‪ ،‬دخـلــت مـعــرك ال ـثــورة مــن أضـيــق أبـواهبــا‬ ‫املواربة‪ ،‬وفتحت األبـواب على مصراعيها لتربهن‬ ‫ختش نظرة اجملتمع‬ ‫للعامل أهنا صوت حق‪ ،‬وأهنا مل َ‬ ‫هلا‪ ،‬اآلن فقط ابتت تتحرك وفق كياهنا‪ ،‬انطالقاً‬ ‫من إمياهنا بقدراهتا‪.‬‬ ‫إن حــركــة تـطــور وع ــي ال ـفــرد االجـتـمــاعــي تتبلور‬ ‫خالل الثورة‪ ،‬والنساء شكلن النسبة األعلى من‬ ‫مجاعة األفراد أولئك‪ ،‬املرأة قفزت قفزهتا النوعية‪،‬‬ ‫ويتجاوز حديثي هنا امل ـرأة املثقفة واملتعلمة‪ ،‬إىل‬ ‫نساء (رابت بيوت‪ ،‬عــامــات‪ ،‬أمـيــات‪ ،‬جدات‬ ‫و‪ ،)...‬كان دورهن رائداً يف إثبات جدارة ابحلياة‬ ‫اليت خلقن فيها‪ ،‬وقد قيل عنهن « َّإنن انقصات‬ ‫عقل ودين» أو « ضلع قاصر»‪.‬‬ ‫السيدة « انرميان» اليت انضمت إىل « مجعية آسو‬ ‫ملناهضة العنف ضد املرأة» خري مثال على نسوة‬ ‫رائعات‪ ،‬وتستحق كل منهن دخول التاريخ‪.‬‬ ‫« مجعية آســو ملناهضة العنف ضــد املـ ـرأة» هي‬ ‫مجعية أتسست يف زمــن الثورة نظراً حلاجة نساء‬

‫املــرح ـلــة ال ــي تعيشها س ــوراي لـلـتــوعـيــة والتثقيف‬ ‫حبقوقهن وبثقافة حقوق اإلنسان‪ ،‬كلمة « آسو»‬ ‫كلمة كردية تعين « األفق»‪ ،‬نظراً لدور املرأة الدائم‬ ‫يف احلياة‪ ،‬واملمتد إىل ما الهناية‪.‬‬ ‫« انرميــان» أدركــت ذلك من خالل تواصلها مع‬ ‫بعض عضوات اجلمعية‪ ،‬فانضمت إليها إبميان‪.‬‬ ‫كانت الفتاة الوحيدة يف عائلة كبرية الحتمل اهلوية‬ ‫الشخصية‪ ،‬بسبب تقاعس والدها عن تسجيلها‪،‬‬ ‫مل يـكــن للنظام ال ـســوري ه ــذه امل ـ َّـرة يــد يف كوهنا‬ ‫مكتومة القيد بل السلطة األبوية‪ .‬كانت كاملعلق‬ ‫بني السماء واألرض َّ‬ ‫ألنا فاقدة للهوية‪ ،‬تزوجت‬ ‫برجل فقري‪ ،‬مل تدرس إال لبضع سنوات التكفيها‬ ‫حاجتها للقراءة والكتابة‪ ،‬هي كما يقولون (تفك‬ ‫احل ـ ــرف)‪ .‬عــانــت األم ـ َّـري ــن بـسـبــب ال ـف ـقــر‪ ،‬ومــع‬ ‫ذلك مل تكن لزوجها غري الزوجة احملبة والصديقة‬ ‫واألخــت واألم‪ ،‬األمر الذي انعكس على تنشئة‬ ‫أوالده ــا فكانوا دوم ـاً ينالون الــدرجــات العليا يف‬ ‫صفوفهم وكانوا يف املقدمة‪.‬‬ ‫وحــن اندلعت الـثــورة السورية كانت « انرميــان»‬ ‫من أوائل النساء اللوايت خرجن للتظاهر يف مدينة‬ ‫احلسكة‪ ،‬وأوىل النساء اللوايت شاركن يف عمليات‬ ‫اإلغاثة‪ ،‬بينما بيتها يكاد خيلو من القوت اليومي‪،‬‬ ‫شــاركــت مــع نـســاء ورج ــال احل ــي‪ ،‬يف محايته من‬ ‫املدامهات‪ ،‬وكان سالحها سكني مطبخ‪.‬‬ ‫انضمت إىل «مجعية آسو ملناهضة العنف ضد‬ ‫امل ـ ـرأة» ألهن ــا آمـنــت حبـقــوقـهــا‪ ،‬ه ــذا ك ــان دافعها‬ ‫الوحيد‪ ،‬ومل تكن قد نسيت ولــن تنسى أهنــا بال‬ ‫هوية شخصية أبداً‪.‬‬ ‫«انرميـ ــان» من ــوذج لـلـمـرأة الـســوريــة املـتـصــاحلــة مع‬ ‫ذاهت ــا‪ ،‬وكـثـرات مــن مثيالهتا ابتلعهن التاريخ ومل‬

‫• إعداد‪ :‬وجيهة عبد الرمحن‬

‫ي ـعـ ّـرِج على ذكــرهــن يف صفحاته‪ ،‬هــن جندايت‬ ‫جم ـه ــوالت ألج ــل احل ـي ــاة‪ ،‬قـبــل ال ـث ــورة وأث ـنــاءهــا‪،‬‬ ‫وابل ـتــأك ـيــد ب ـعــدهــا‪َّ ،‬‬ ‫ألنـ ــن حـقـيـقـيـاً يف الـكـيــان‬ ‫وتعرضن ألقسى أنواع‬ ‫واملطلب والوجود‪ ،‬اعتقلن ّ‬ ‫االنتهاكات‪ ،‬ومل خيرجن إىل اإلع ــام ومل يظهرن‬ ‫على شاشات التلفزيون‪ ،‬مل يلتقطن الصور املبهرة‬ ‫لشهرهتن‪ ،‬اكتفني ابألمــومــة املـقــدســة‪ ،‬كمنطلق‬ ‫أساسي للمشاركة يف الثورة‪ ،‬وللدفاع عن مستقبل‬ ‫وهجرهم وقتلهم النظام‬ ‫أوالده ــن الــذيــن شــردهــم َّ‬ ‫َّ‬ ‫السوري وأجندته الداعمة لإلجرام‪ ،‬كلهن‪ ،‬انرميان‬ ‫بطريقة أو أبخرى‪ ،‬و ُّ‬ ‫كل واحدة بطريقتها اخلاصة‬ ‫يف النضال‪.‬‬ ‫حــن َّ‬ ‫ـت «انرميـ ــان» قــالــت يل مجـلــة واح ــدة‬ ‫ودعـ ـ ُ‬ ‫فـقــط‪« :‬ال تقلقي عـلــى اجلـمـعـيــة‪ ،‬أان هـنــا وهــي‬ ‫أبمانيت»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫فكرت يف نفسي‪ ،‬كيف لنارميان األمية أن تدير‬ ‫مجعية حقوقية‪ ،‬مث حني تذكرت كيف كانت تعمل‬ ‫أصبحت على يقني أن أمثاهلا من‬ ‫بتفا ٍن واندفاع‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يبنني األوطان‪.‬‬ ‫امل ـرأة السورية مل تكن يوماً اتبعة يف الـثــورة‪ ،‬وإمنا‬ ‫كــانــت عـلــى الـ ــدوام ج ــزءاً مــن حــركــة الـتـغـيــر‪ ،‬مل‬ ‫يقتصر دورهــا على توثيق األحــداث وتسجيلها‪،‬‬ ‫بل كانت عام ً‬ ‫ال مهماً يف صناعة احلدث املباغت‬ ‫ألجل التغيري والسالم‪.‬‬ ‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪23 2014‬‬


‫ثالث حكايات عن نساء سوريات في مصر‬ ‫قد ال ينتهي الكالم عن معاانة السوريني يف‬ ‫مـصــر‪ ،‬كلما دخـلــت بـيـتـاً أو اجتمعت مع‬ ‫شاب‪ ،‬أو شابة سورية يف املقهى أو يف الشارع‪،‬‬ ‫أو يف «جم ـمــع ال ـت ـح ـريــر» أو يف «ال ـس ـفــارة‬ ‫السورية»‪ ،‬هناك قصة مليئة ابلسواد‪ ،‬هناك‬ ‫مشاهد مليئة ابل ـس ـواد تـضــاف إىل الــذاكــرة‬ ‫اجلمعية لكل ف ــرد ان ـتــزع مــن جـ ــذوره‪ .‬لكن‬ ‫مــاذا عن وضــع النساء الـســورايت يف مصر؟‬ ‫ماهي التحدايت الــي تـواجــه امل ـرأة السورية‬ ‫هناك؟‬ ‫خم ــاض ــات وصـ ـراعـــات ك ـثــرة تـعـيـشـهــا املـ ـرأة‬ ‫السورية‪ ،‬بعد النزوح اجلماعي من داخل الوطن‬ ‫األم‪ ،‬قصص وح ـكــاايت كـثــرة يـطــول شرح‬ ‫بعضها‪ ،‬وبعضها تعجز الكلمات عند أهواهلا‪،‬‬ ‫ويف القصص الثالثة الــي حنكيها هنا‪ ،‬بداية‬ ‫لفتح ملف امل ـرأة السورية يف مصر‪ ،‬لنحكي‬ ‫متر هبا يف حياهتا اليومية‪.‬‬ ‫عن الصعوابت اليت ُّ‬

‫هــذا «املعتقل الكبري» كما أمسته‪ ،‬منذ بدأت‬ ‫القرارات اجلديدة مبنع السوري من دخول مصر‪،‬‬ ‫مل تعد ترى زّواراً‪ ،‬وهي غري قادرة على املغادرة‬ ‫اليت ستعين حتماً تذكرة ذهاب فقط دون رجعة‪.‬‬

‫تقول «إميان»‪« :‬يف مساحة ال تتجاوز الـ ‪70‬‬ ‫مرتاً مبعاً‪ ،‬أعيش هنا مع عائليت منذ ما يقارب‬ ‫الـعــامــن‪ ،‬كــانــت مصر خـيــاراً اتفقنا عليه بعد‬ ‫سوراي‪ ،‬هنا ال خيتلف يوم السبت عن اخلميس‬ ‫مـثـاً‪ ،‬هناية األسـبــوع كــاألعـيــاد‪ ،‬أايم ابهتة متر‬ ‫بــا أث ــر‪ ،‬سريعة ج ــداً بـقــدر مــا هــي بطيئة‪ ،‬ال‬ ‫شيء يتغري بني هذه اجلدران»‪ .‬وتتابع «إميان»‬ ‫أبن العزلة اليت كانت خيارها يف سوراي أصبحت‬ ‫فرضاً يف مصر‪ ،‬قد مير أكثر من أسبوع دون أن‬ ‫تنزل للشارع‪« ،‬ال حاجة ملزيد من اإلحساس‬ ‫ابلغربة‪ ،‬فكل شيء هنا (ديليفريي) حىت الدواء‪،‬‬ ‫االحتكاك البسيط ابلناس كسائق التاكسي أو‬ ‫ال ـبــاعــة يف ســوبــر مــاركــت أو حمــل ميـنــح بعضاً‬ ‫من الـراحــة‪ ،‬مازلت أتذكر اللحظات املؤملة يف‬ ‫عزلة امرأة‬ ‫تـقــول الـشــاعــرة وامل ــرمج ــة «إمي ــان إب ـراه ـيــم» إن أايمـنــا األوىل هنا‪ ،‬كانت الفتة جلمعية خريية‬ ‫حياهتا ال ختتلف عن حياة أي سوري يعيش يف تطلب بطانيات للسوريني كفيلة جبعلي أرجتف‬

‫‪ 24‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫• سامر خمتار – القاهرة‬

‫وأبكي»‪.‬‬ ‫ال تؤمن «إميان» أبن الشعر حمور حياهتا‪ ،‬فهو‬ ‫ابلنسبة هلا جمرد تفصيل صغري من تفاصيل كثرية‬ ‫محــام بييت‬ ‫«قــد يضحك مــن يـعــرف أين افتقد ّ‬ ‫هناك‪ ،‬ثيايب اليت تركتها وكتيب‪ ،‬األلوان‪ ،‬املوسيقا‪،‬‬ ‫البيت الذي قضيت فيه أمجل سنوايت»‪.‬‬ ‫كان احلدث األكثر إيالماً للشاعرة «إميان» هو‬ ‫وفاة والدها يف مصر‪« ،‬كسرين غيابه ومازلت‬ ‫أنكر موته وأنتظر عودته‪ ،‬مات وهو حيلم بسوراي‬ ‫جــديــدة وع ــودة قريبة‪ ،‬هربنا مــن املــوت هناك‪،‬‬ ‫فعاجلنا بسرطان هنِم فتك به وبنا معاً»‪..‬‬ ‫وعن متابعتها ملا حيدث يف سوراي تقول «إميان»‪:‬‬ ‫«منذ عام أو أكثر توقفت عن متابعة األخبار‪،‬‬ ‫من‪ ،‬لكن األخبار السيئة تصل‬ ‫فاليأس قد انل ّ‬ ‫إم ــا عــر الـفــايـسـبــوك‪ ،‬أو ات ـصــاالت األصــدقــاء‬


‫بفقدان املزيد ممن حنبهم»‪.‬‬ ‫اخل ـ ــوف م ــن احمل ـط ــة ال ـق ــادم ــة ج ـعــل «إمي ـ ــان»‬ ‫متشبثة ابملـكــان‪ ،‬فهي ال تــؤمــن بفكرة الوطن‬ ‫الذي ميلكه «فرد» حسب تعبريها‪ ،‬مضيفة أهنا‬ ‫حني ستغادر مصر ستشعر حتماً ابحلنني إليها‪:‬‬ ‫«سأشتاق تلك اجلدران اليت آوتين‪ ،‬والكلمات‬ ‫الطيبة‪ ،‬وابألخص عبارة ‪ّ :‬نوريت مصر»‪.‬‬

‫منذ ب ــدأت ال ـق ـرارات اجلــديــدة مبنع‬ ‫السوري من دخول مصر‪ ،‬مل تعد ترى‬ ‫زّواراً‪ ،‬وهــي غري قــادرة على املغادرة‬ ‫اليت ستعين حتماً تذكرة ذهــاب فقط‬ ‫دون رجعة‬ ‫أزمة العمل يف يف مصر‬ ‫«وفاء علوش» شابة سورية‪ ،‬كانت قد خترجت‬ ‫مــن كلية احلـقــوق يف دمـشــق‪ ،‬وتعمل يف جمال‬ ‫القانون‪ ،‬حيث كانت عملت يف سوراي كمديرة‬ ‫ش ــؤون قــانــونـيــة وإدراي ـ ــة أبكـثــر مــن جـهــة عامة‬ ‫حسب تعبريها‪ .‬قدمت إىل مصر منذ ثالثة‬ ‫أشهر هبدف البحث عن فرصة عمل‪ ،‬ضمن‬ ‫جماهلا‪ ،‬حيث أرسلت سريهتا الذاتية ألكثر من‬ ‫جهة‪ ،‬لكنها مل جتد العمل املناسب إىل اآلن‪،‬‬ ‫إذ كانت هناك بعض اجلهات اليت وافقت على‬ ‫تــوظـيـفـهــا‪ ،‬لـكــن ب ـراتــب ش ـهــري قـلـيــل وعلقت‬ ‫«وفاء» على ذلك‪« :‬هناك بعض الشركات أو‬ ‫جهات العمل اليت تظن أنك كسوري‪ ،‬قد تقبل‬ ‫أن تعمل أبجر زهيد»‪.‬‬

‫لقمة العيش‬ ‫السيدة «أ‪ .‬م» أم لثالثة شبان وابنة «مطلقة»‪،‬‬ ‫قدمت إىل مصر بصحبة زوجها وابنيها وابنتها‪،‬‬ ‫ابستثناء الشاب الثالث‪ ،‬الــذي توجه إىل ليبيا‬ ‫للعمل هناك‪ .‬زوجها يعمل يف مهنة النجارة‪،‬‬ ‫كان ميلك ورشة خاصة له يف دمشق‪ ،‬وعندما‬ ‫جاء إىل مصر اضطر للعمل كعامل يف إحدى‬ ‫ورشات النجارة‪ ،‬يف مدينة ‪ 6‬أكتوبر يف القاهرة‪.‬‬

‫بدأت معاانة «أ ‪ .‬م» عندما أدركت أن الراتب‬ ‫الشهري لزوجها‪ ،‬ال يكفي إال لدفع أجرة البيت‬ ‫ال ــذي يـسـكـنــون ف ـيــه‪ .‬أم ــا ال ـشــابــن‪ ،‬ف ـب ــدأا يف‬ ‫ابلعمل كأجراء‪ ،‬أو ابئعني يف حمالت األلبسة‪،‬‬ ‫السوبر مــاركــت أو ماشابه ذل ــك‪ .‬لكن الــزوج‬ ‫الذي يبلغ من العمر ‪ 55‬عاماً بدأ يتعرض لسوء‬ ‫املعاملة‪ ،‬وقلّة التقدير يف الورشة اليت يعمل فيها‪،‬‬ ‫وحتكي «وفاء» عن حياهتا مبصر‪ ،‬تعيش حالياً وهذا ما دفعه لرتك العمل‪ .‬وهنا بدأت الزوجة‬ ‫مــع عائلتها‪ ،‬واسـتـقـرارهــا يف هــذا البلد مرهون البحث عن حلول كي ال يقعوا يف أزمة مالية‪،‬‬ ‫ال مناسباً نتائجها ستكون عــدم قــدرهتــم على دفــع أجــرة‬ ‫إبجيــاد عمل‪ ،‬ويف حــال وجــدت عم ً‬ ‫ال مناسباً البيت‪ ،‬واملوت جوعاً‪.‬‬ ‫ستستقر يف مصر‪ ،‬ويف حال مل جتد عم ً‬ ‫ستسافر إىل إىل بلد آخر‪ .‬وقالت «وفاء» إهنا مل‬ ‫تتعرض أبداً ملضايقات يف مصر‪ ،‬الكل يرحب‬ ‫بك ابتداء من سائق التاكسي‪ ،‬اجلميع يريد أن‬ ‫يطمئن على األوضــاع الراهنة يف ســوراي‪ ،‬وترى‬ ‫أن الشعب املصري «شعب طيب»‪ ،‬لكنها ال‬ ‫تنكر أهنا تعرضت ملضايقات يف الشارع‪ ،‬كما‬ ‫تتعرض أي فتاة مصرية هلذه املضايقات‪.‬‬

‫الفكرة اليت خطرت يف ابل الزوجة هي أن حتضر‬ ‫«ط ـب ـخ ــات ش ــام ـي ــة» وت ـعــرض ـهــا ع ـلــى ج ـراهنــا‬ ‫املصريني يف احلــي الــذي تقطنه‪ .‬القــت الفكرة‬ ‫قبوالً عند املصريني الذين يعرفون متّيز «املطبخ‬ ‫الـســوري»‪ ،‬وبــدأت «أ ‪ .‬م» بتحضري أكالت‬ ‫م ـت ـنــوعــة‪ ،‬وت ــوزي ـع ـه ــا ح ـســب ال ـط ـلــب لـلـبـيــوت‬ ‫املصرية‪ .‬لكن حىت هذا العمل‪ ،‬مل يدر عليهم‬ ‫املال الكايف لكي يستطيعوا سداد أجرة البيت‪،‬‬ ‫وفواتري الكهرابء واملاء‪.‬‬ ‫مـعــاانة «أ‪ .‬م» ال تنتهي عند هــذا احلـ ـ ّد‪ ،‬بل‬ ‫تستمر مــع ابنتها الشابة الــي تبلغ مــن العمر‬ ‫‪ 24‬عاماً‪ .‬تقول «أ‪ .‬م»‪« :‬زّوجت ابنيت وهي‬ ‫يف السابعة عشر من عمرها‪ ،‬وهــذا أكثر شي‬ ‫سأظل اندمــة عليه ط ـوال حـيــايت‪ ،‬ألن زواجها‬ ‫ال ـ ــذي مل يـسـتـمــر سـ ــوى س ـنــة ت ـق ـري ـب ـاً‪ ،‬انـتـهــى‬ ‫ابلطالق‪ ،‬وكان نتيجته أين دمرت حيات ابنيت‪،‬‬ ‫فزوجي مل جيربها على الزواج‪ ،‬ومل يتدخل حبريتها‬ ‫يف اختيارها هلــذا األم ــر‪ ،‬إال أنــي كنت ُمـ َّـصــرة‬ ‫على زواجها‪ ،‬وحاولت إقناعها‪ ،‬وإقناع زوجي‪،‬‬ ‫حــى وافــق مجيع أف ـراد العائلة على قبول فكرة‬ ‫عدم إمتام دراستها‪ ،‬وزواجها‪.‬‬ ‫وتتابع «أ ‪ .‬م»‪« :‬بعد قدومنا إىل مصر‪ ،‬وبعدما‬ ‫س ــاءت األح ـ ـوال ه ـنــا‪ ،‬اق ــرح ــت ع ـلـ َّـي ج ــاريت‬ ‫املصرية‪ ،‬فرصة عمل البنيت‪ ،‬كمحاسبة يف حمل‬ ‫مــابــس نسائية‪ ،‬ابلـقــرب مــن الـبـيــت‪ ،‬عرضت‬ ‫الفكرة على ابنيت‪ ،‬فوافقت وهــي سعيدة أبهنا‬ ‫أخرياً ستعمل‪ .‬وما إن بدأت ابلعمل حىت اتصل‬ ‫يب ابــي الــذي يقيم يف ليبيا‪ ،‬وهــو غاضب من‬ ‫أن أخته «املطلقة» تعمل!‪ ..‬وه ــددين‪ ،‬وهدد‬ ‫شقيقته مطالباً أبن ترتك العمل «وبال فضايح»‪،‬‬ ‫إال أن هتديداته مل تؤثر يب‪ ،‬وقلت له إذا كان‬ ‫ينظر إىل شقيقته على أهنا مطلقة‪ ،‬وال جيب أن‬ ‫تعمل‪ ،‬فهذا شأنه‪ ،‬وأقفلت اهلاتف»‪.‬‬ ‫تبقى قصص كثرية للسورايت يف مصر‪ ،‬مغلفة‬ ‫ابلصمت والكتمان‪ ،‬فكثريات يرفضن احلديث‬ ‫عن أحواهلن‪ ،‬وعن تفاصيل حياهتن يف مصر‪،‬‬ ‫إم ــا ألس ـب ــاب تـتـعـلــق ابخل ــوف م ــن األهـ ــل‪ ،‬أو‬ ‫ألسباب تتعلق بـ«املكابرة» على البوح مبا خلفته‬ ‫مسرية الشتات اجلمعية‪ ،‬اليت بعثرت السوريني يف‬ ‫كل مكان خارج أرضهم‪.‬‬ ‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪25 2014‬‬


‫فاديا فضة وذاكرة لدور المرأة الفلسطينية في النضال‬ ‫«أنا متفائلة ومؤمنة بمستقبل سيصنعه شباب سوريا»‬

‫• حاورهتا سيدة سوراي‬

‫أخذهتا املنايف بعيداً‪ ،‬لكنها مل تنل من عزميتها‪ ،‬بل رمبا زادهتا قرابً كما إبمكانية فعل شيء‪ ،‬كنا نسمع أن ثورة حتدث يف املخيم‪ ،‬فلماذا ال ننضم‬ ‫تقول‪.‬‬ ‫هلا؟ ذهبت للمخيم مع رفيقة يل وجمموعة من البنات‪ ،‬كنا مجيعاً نسكن خارج‬ ‫أحد األمثلة عن نضال املرأة الفلسطينية اليت عاصرت مرحلة الكفاح املخيم‪ ،‬توجهنا إىل مركز تدريب يف املخيم‪ ،‬جمرد وقوفوان يف صف عسكري‪،‬‬ ‫الفلسطيين املسلح والعمل السلمي‪ ..‬فــاداي فضة وذاكــرة من حكااي والتجاوب مع نداءات املدربني‪« :‬واحد‪ ..‬اثنني‪ ..‬ثالثة‪ ..‬أربعة‪ »..‬كان يعين‬ ‫األمس واليوم‪..‬‬ ‫لنا أننا صران يف الثورة‪.‬‬ ‫عرفينا بفاداي‪ ،‬من هي وأين ولدت‪ ،‬وكيف بدأت العمل ابلكفاح‬ ‫املسلح؟‬ ‫أان فاداي فضة‪ ،‬ولدت عام ‪ 1959‬يف لبنان مبدينة صور اجلنوبية‪ ،‬من‬ ‫عائلة فلسطينية خرجت من مدينة عكا‪ .‬انتقل أهلي بعد والديت إىل‬ ‫بريوت‪ ،‬بقينا فيها بضع سنوات‪ ،‬مث انتقلنا إىل الضاحية اجلنوبية‪ ،‬حيث‬ ‫بدأ احتكاكي ابلفلسطينني والقضية الفلسطينية مبكراً‪ ،‬أوالً يف املدرسة‪،‬‬ ‫مع أين كنت أسكن خارج املخيم‪ ،‬لكنه كان احتكاكي املباشر ألول‬ ‫مرة مع الفلسطينني من ساكين املخيم‪ ،‬وهذا ولد تساؤالً للمرة األوىل‪:‬‬ ‫«ملاذا أختلف عنهم؟» وانتهى يب عند السؤال «من أان؟»‪ ،‬كان من‬ ‫الصعب علي كطفلة إجياد إجاابت ألسئلة صعبة‪ ،‬لكن املدرسة أاتحت‬ ‫يل فرصة اكتشاف وحدة احلال مع هذا الطالب الذي يتقاطع معي يف‬ ‫أنه ال «ضيعة» لديه لقضاء عطلة الصيف‪ ،‬وأبعد زايرة يقوم هبا ينتقل‬ ‫خالهلا من مدينة ملدينة أو ملخيم آخر‪ ،‬ليزور عمة أو خالة‪.‬‬ ‫كانت تلك بداايت اكتشاف الذات‪ ،‬ومع بداية وجود حركة املقاومة‬ ‫يف لبنان كنت صغرية يف سن السابعة عشرة‪ ،‬كانت بداية إحساسنا‬

‫‪ 26‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫خالل تلك املرحلة ما مساحة احلرية اليت أعطيت للمرأة؟‬ ‫نشأت يف بيت ليربايل‪ ،‬مل تكن لديه القيود اليت ميكن تراها يف بيت آخر‪ ،‬أمي‬ ‫سافرة وكذلك كل نساء العائلة‪ ،‬كما أننا انتقلنا من مدينة يف فلسطني ملدينة‬ ‫يف لبنان‪ ،‬وهذا كان عام ً‬ ‫ال مساعداً‪ ،‬إضافة إىل كون والــدي من املتعلمني‪.‬‬ ‫جاءت الثورة الفسطينية وانضممنا هلا‪ ،‬كنا جمموعة فتيات أبعمار ‪،18-16‬‬ ‫وافتتحنا أول مكتب لفرع احتاد املرأة الفلسطينية يف املخيم‪.‬‬ ‫هل نسجنت على منوال جتربة حمددة؟‬ ‫ال‪ ،‬كــان عملنا ولـيــد وضــع املخيم ال ــذي هــو دائ ــرة مغلقة‪ ،‬مل يكن هناك‬ ‫أي عمل من قبل الدولة اللبنانية وال األونــوروا أو أي جهة أخــرى‪ ،‬وبدأت‬ ‫التشكيالت املقاومة الفلسطينية تــرز نفسها‪ ،‬كــان احتــاد امل ـرأة الفلسطينية‬ ‫واحــداً منها‪ ،‬بفرع مركزي وفــرع يف لبنان‪ ،‬وحنن بــدأان ابلعمل على األرض‪،‬‬ ‫كانت التجربة األوىل لالحتاد‪ ،‬وكان من الصعب علينا كشاابت التعامل مع‬ ‫من هن أكرب سناً وشدهن لالحتاد‪ ،‬هذا التشكيل األويل أثر على جيلنا فقط‪.‬‬ ‫يف ذاك الوقت بــدأت احلــرب األهلية يف لبنان بني ليلة وضحاها‪ ،‬وانتقلنا‬


‫للتفكري بكيفية العمل مع الفتيات الـلـوايت بــدأن مبشاريع صغرية داخل‬ ‫املخيم‪ ،‬فعملنا على دورات أتهيل مبجال اإلسـعــافــات األولـيــة والتوعية‬ ‫الصحية العامة‪ ،‬إضافة إىل التوعية السياسية‪ ،‬أعرتف أننا مل نؤثر يف اجليل‬ ‫الكبري‪ ،‬بقدر ما أثـران ابلقريبات من سناً‪ .‬ابقــي النساء نظمن أنفسهن‬ ‫«بدون فضل منا»‪ ،‬دعمن صمود املخيم ابلطبخ مببادرة منهن‪ ،‬فثبتنا هلن‬ ‫اخلطوات وأمنا التمويل للبضائع‪.‬‬ ‫مــن األش ـيــاء اجلميلة يف ذاك الــوقــت مـبــادرتـنــا لتعلم كيفية التعامل مع‬ ‫البنادق‪ ،‬استلمنا بنادق‪ ،‬وكنت ممن نزلوا إىل حمور الطبية يف بريوت جنباً‬ ‫إىل جنب مع الشباب‪ ،‬مل أطلق الـنــار‪ ،‬لكنين كنت جاهزة مع بندقييت‬ ‫وجعبة اإلسعاف‪ .‬وقد اختلفت نظرة أهايل املخيم وزاد احرتامهم لنا حني‬ ‫رأوان ابلزي العسكري‪ ،‬حنمل الكالشن كوف‪.‬‬ ‫لكن ذلك‪ ،‬هل هي طبيعة حركة فتح‪ ،‬أم مجلة من‬ ‫برأيك ما الذي أاتح ّ‬ ‫القوانني واألنظمة اللي ربطت هذه احلالة؟ نظن اليوم أن نصف نساء‬ ‫سوراي وشاابهتا ميكن أن يكن يف صفوف املقاتلني‪ ،‬فكما تعلمني نصف‬ ‫مقاتلي الـ ‪ YPG‬والـ ‪ PKK‬تقريباً من النساء‪.‬‬ ‫أان أرى أن الظرف والبيئة مها القادران على تقبل هذه الفكرة‪ ،‬فالظرف‬ ‫الذي قرران فيه أن نشارك عسكرايً ابملهمات كان ظرف حرب‪ ،‬والبيئة اليت‬ ‫جئنا منها هي بيئة منفتحة وليست منغلقة‪ ،‬فما حتقق يف ذاك الوقت كان‬ ‫نتيجة هذه األسباب‪ .‬اليوم تلعب النساء دوراً يف احلــرب‪ ،‬لكنهن على‬ ‫األغلب ال خيطني خطوات أكرب ابلقياس على اخلطوات اليت كنا حناول‬ ‫القيام هبــا يف ذاك الــزمــن‪ ،‬ألن احلــاضــن االجتماعي واحلــاضــن السياسي‬ ‫يلعبان دوراً‪ ،‬هذا الدور يدفعك خطوة لألمام أو يعيدك للخلف‪.‬‬ ‫هل كنت ممن اتبعوا العمل يف فرتة الثمانينات ببريوت؟‬ ‫طبعاً‪ ،‬وفع ً‬ ‫ال استمرينا حبالة حت ٍّد لكل الظروف‪ ،‬استطعنا مع النساء اللوايت‬ ‫كنا نعمل معهن‪ ،‬ورغم كل االنتهاكات اللي كانت حتصل يف املخيمات‬ ‫من اختطاف واعتقال وظروف إنسانية صعبة‪ ،‬أن نوثق ونوصل املعلومات‬ ‫ملنظمة التحرير‪ ،‬اليت كانت قد انتقلت لتونس‪ ،‬بقدر اإلمكانيات املتاحة‬ ‫لنا‪ ،‬والكادر النسائي الذي كان موجوداً هو الوحيد الذي عمل يف كل‬ ‫املخيمات‪ .‬طبعاً البعض عملوا سراً‪ ،‬لكين معنية هنا ابلعمل العلين‪ ،‬فرتة الـ‬ ‫‪ 82‬كانت الفرتة الصعبة‪ ،‬إىل أن بدأت معارك ‪6‬شباط وتغريت الظروف‬ ‫من بعدها‪.‬‬ ‫هذا االنتقال كيف أثر على املرأة وواقعها فيما يتعلق ابلنضال؟‬ ‫أان أقول إن أحداث ‪ 1982‬شكلت حداً فاص ً‬ ‫ال ما بني زوال أو ضعف‬ ‫احلركات القومية الوطنية التحررية‪ ،‬وبروز حركات جديدة ذات طابع ديين‬ ‫بدأت حبركة أمل الشيعية بلبنان‪ ،‬والتوحيد يف الشمال واملناطق السنية‪.‬‬ ‫كــان ذلــك حتت أتثــر الـضــرورة وانتصار الـثــورة اإليـرانـيــة‪ ،‬الــي بــدأت متد‬ ‫خطوطها وتنسقها مع النظام السوري‪ .‬يف ذاك الوقت بدأ اخلناق يضيق‪،‬‬ ‫مل نكن نعرف احلجاب وال النقاب‪ ،‬ال أذكــر أن فتاة واحــدة يف مدرسة‬

‫األونروا يف خميم برج الرباجنة احملافظ كانت تضع احلجاب‪ ،‬لكن بعد هذه‬ ‫األحداث ما كنا لنرى فتاة بدون حجاب‪.‬‬ ‫«زكراي السقال»‪ ،‬زوجك‪ ،‬هو اليوم جزء من واجهة املعارضة السورية‬ ‫السياسية‪ ،‬كيف تفهمني تالزم املسارين السوري والفلسطيين على‬ ‫املستوى احلضاري والثقايف‪ ،‬والنضال بني سوراي وفلسطني؟‬ ‫تعرفت على زكراي يف إحدى زايرايت ملخيمات الشمال‪ ،‬كعضو يف اهليئة‬ ‫اإلداري ــة لفرع لبنان ابحتــاد امل ـرأة‪ ،‬خــال النقاشات انتبهت أنــه شخص‬ ‫قابل خلوض نقاشات عميقة‪ ،‬كانت لديه قدرة على احلديث يف مواضيع‬ ‫خمتلفة وصعبة‪ .‬خالل زايرايت املتكررة صار اللقاء معه يومياً‪ ،‬وكان ممتعاً‬ ‫جداً التعرف على شخصية خارجة عن املألوف يف ذاك الوقت‪ ،‬مل أكن‬ ‫أعرف حينها أنه سوري ومعارض‪.‬‬ ‫عدت لبريوت‪ ،‬حيث الغرق يف تفاصيل الوضع الفلسطيين املعقد‪ ،‬والدور‬ ‫النسائي كان الدور الوحيد الذي ميكن تفعيله على مستوايت خمتلفة‪ ،‬مث‬ ‫جاء زكـراي إىل بــروت‪ ،‬وانضم لإلطار السياسي الــذي كنت فيه واستلم‬ ‫مهمة قيادية‪ ،‬وصــارت لقاءاتنا يومية مكنتين من التعرف عليه بشكل‬ ‫مباشر وأكثر عمقاً‪ ،‬هو معارض سوري مالحق‪ ،‬وهذا قربين منه‪ ،‬وارتبطنا‪.‬‬

‫ابحلديث عن الفعالية السياسية‪ ،‬مع عودة الثورة السورية هل شعرت‬ ‫أبنك عدت معه لنفس األجواء جمدداَ؟‬ ‫احلقيقة أننا مل نغادر اجلو‪ ،‬صحيح أننا غادران لبنان إىل أملانيا يف ظروف‬ ‫قاهرة‪ ،‬لكين ال أعرف يوماً مر دون أن يكون لدينا فيه عمل سياسي‪.‬‬ ‫بقينا نعمل بنفس الكثافة رغم اختالف الساحة واملعطيات‪ ،‬زكراي استمر‬ ‫بشكل متواصل‪ ،‬فيما ابتعدت ألين مل أقتنع إبمكانية العمل السياسي‬ ‫الذي كنت منخرطة فيه أايم لبنان بنفس الــروح‪ ،‬ورغبت مبغادرة الدائرة‬ ‫الضيقة‪ ،‬فاخرتت العمل مع مؤسسة ابن رشد للفكر احلر‪ ،‬وهي مؤسسة‬ ‫ترى املنطقة العربية من جانب خمتلف‪ ،‬أعمل فيها مع املهاجرين‪ ،‬إضافة‬ ‫لرتمجة ما أرى وصوله ضرورايً للعامل العريب‪ .‬فيما حافظ زكراي على نفس‬ ‫طويل يف العمل السياسي‪ ،‬يذهب إىل لقاءات بربلني‪ ،‬وأتساءل كيف إنه‬ ‫ما زال يتحمل ما أراه جمرد دوائر مغلقة‪ ،‬يبحث هو فيه عن أي جانب‬ ‫مهم ميكن العمل عليه‪ ،‬أحسده على على أنه مل ينقطع عن السياسة‪.‬‬ ‫زخم الثورة السورية هز كياننا كأسرة كما فعل بكل السوريني‪ ،‬لكن وقعه‬ ‫على زكراي كان خمتلفاً‪ ،‬أذكر حني تلقى أول اتصال من صديق يسأله إن‬ ‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪27 2014‬‬


‫كان شاهد خرب أول مظاهرة خرجت يف درعا‪،‬‬ ‫ألول م ــرة رأي ـتــه يـبـكــي ويـصـمــت دون ال ـقــدرة‬ ‫على النطق بكلمة وهــو يــرى مــا كــان حيلم به‬ ‫الكثريون يتحقق‪ .‬مل ينقطع عن العمل السياسي‬ ‫لكن الوترية اختلفت مع انطالق الثورة السورية‪،‬‬ ‫ليغدو البيت كغرفة عمليات يتواصل فيها الليل‬ ‫وال ـن ـهــار‪ ،‬أم ــا أول لـقــاء مجــع ال ـك ـوادر الـســوريــة‬ ‫أبورواب فقد احتضنه بيتنا مببادرة من مجيع من‬ ‫حضر‪ .‬وسط هذه الزوبعة مل ألعب دوراً سوى‬ ‫االطــاع على كل ما كتبه زكـراي وتقدمي وجهة‬ ‫نطري فيه‪.‬‬ ‫يتفرغ زك ـراي منذ ذلــك الوقت للعمل السياسي الذي يفرتض أن خيلق مؤسسات‪.‬‬ ‫ض ـمــن إطـ ــار الـ ـث ــورة ال ـس ــوري ــة م ــا جيـعـلـنــا نلجأ ما زال السياسيون السوريون الذين جربوا وضع‬ ‫للزايرات بني تركيا وأملانيا لنلتقي‪.‬‬ ‫إطار للحراك يتخبطون‪ ،‬ال بد من االستفادة من‬ ‫تكرار األخطاء‪ ،‬والتمييز بني الصراع الشخصي‬ ‫م ــا الـ ــذي مي ـكــن قــولــه ع ــن تـ ــازم امل ـســاريــن والـصـراع املؤسسايت الــذي نواجهه أثناء البناء‪،‬‬ ‫السوري الفلسطيين على املستوى احلضاري‪ ،‬ال بــد مــن الـعـمــل امل ـشــرك وإن اخـتـلـفـنــا على‬ ‫الـثـقــايف وال ـن ـضــايل‪ ،‬وع ــن حقيقة أن قــاعــدة املستوى الشخصي‪ .‬السوريون يقعون يف املطب‬ ‫النضال شعبية وليست واجهات سياسية؟‬ ‫وخيرجون‪ ،‬لكن هناك بداايت ال بد من تثبيتها‪.‬‬ ‫فيما يتعلق بسوراي‪ ،‬مل يكن هناك فضل مباشر أعلم أنه ليس سهالً‪ ،‬ودائماً أقــول لنفسي إهنا‬ ‫للحركات السياسية السورية بكل تنوعاهتا يف جتربة مل يعشها السوريون سابقاً لذا ال ميكن خلق‬ ‫خــروج الشعب للشارع‪ ،‬ولكن كــان من حقها أطرها دون صعوابت نتعلم منها‪.‬‬ ‫االلتحاق وحماولة خلق إطار لذلك العمل الذي‬ ‫كــان مــا ي ـزال «ف ــورة»‪ .‬لكن إذا أردان املقارنة يف ظل جتربتك النضالية كناشطة فلسطينية‪،‬‬ ‫بني الوضعني السوري والفلسطيين‪ ،‬فأان عايشت كيف تـريــن ال ـثــورة الـســوريــة ال ـيــوم؟ ومــا هي‬ ‫الوضع الفلسطيين بعد أن مأسس نفسه‪ ،‬مل يكن مساحة األمل يف جناحها بداخلك؟‬ ‫عـلـ ّـي اخ ـراع احت ــاد امل ـرأة الفلسطينية ألنــه كان ال جتربة لدي على الساحة السورية‪ ،‬مير شريط‬ ‫م ــوج ــوداً‪ ،‬بــل كــان علي تعلم كيفية أن أصبح ما يقارب أربــع سنوات من عمر الثورة فيخفق‬ ‫جزءاً من كوادره‪ .‬مل يكن علي خلق نظام مركزي الفؤاد ابحلرية القريبة‪ .‬لكن هذا ال خيفي خويف‬ ‫امس ــه مـنـظـمــة ال ـت ـح ـريــر‪ ،‬فـقــد كــانــت م ــوج ــودة‪ ،‬وتـســاؤيل الــدائــم‪ :‬إىل أيــن ميكن أن تنتهي ثورة‬ ‫امل ـخــاض ي ـكــون أث ـنــاء الـتـشـكـيــل‪ ،‬وأان مــازلــت حرية حتولت ملسألة طائفية وحركات دينية متارس‬ ‫ليومي هذا أسأل‪ :‬من كتب عن هذا املوضوع؟ الــذبــح ابلـسـكــاكــن‪ ،‬وح ــن أفـكــر هب ــدوء أقــول‬ ‫أجلنا خوضها ومسائل‬ ‫عن الصعوابت واملشاكل اليت واجهت من أسس إن هناك معارك كثرية ّ‬ ‫أجـلـنــا حلها أربـعــن سـنــة‪ ،‬كنا غــارقــن خالهلا‬ ‫هذه الكياانت وأريد أن أعرف عنها‪ ،‬أن أعرف ّ‬ ‫كـيــف اسـتـطــاعــت احلــركــة الــوطـنـيــة الفلسطينية ابلكبت‪ ،‬وحــن نبدأ بنفض الغبار عن كل ما‬ ‫أن تصل لدرجة مأسسة نفسها؟ واجهنا نقداً تـراكــم خــال هــذه الـسـنـوات فــا بــد أن تطفو‬ ‫شديداً لكن كان لنا يف النهاية شكل مؤسسايت املـشــاكــل على الـسـطــح‪ ،‬أن يظهر «داع ــش»‪،‬‬ ‫نشأ‪ ،‬تعاملنا معه بعيون انقدة‪ ،‬مل نوفر ثغرة لكنه عصابة هنا وجمموعة لصوص ومتسلقني هناك‪،‬‬ ‫كان موجوداً كما قلت‪ .‬يف املسار السوري ما أين ستذهب االنتهازية اليت تعلمها الناس من‬ ‫زلت أشعر أنه حىت اللحظة يعيش حالة املخاض خالل العالقة مع االستبداد؟ حتماً ستطلع إىل‬ ‫‪ 28‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫السطح‪ ،‬ال بد أن حنيا كل هذه التفاصيل‪ ،‬أزمتنا‬ ‫أننا انتظران أكثر مما ينبغي فرتاكمت األزمــات‬ ‫أكثر مما ينبغي‪.‬‬ ‫للخالص يبدو أننا مضطرون لعبور ممرات دامية‬ ‫ومتعبة‪ ،‬أان مؤمنة أنه رغم ضبابية املشهد أمامنا‪،‬‬ ‫إال أن اجليل القادم ال بد سيمشي وعينه على‬ ‫املستقبل الذي يستحيل أن يكون هلذه احلركات‪.‬‬ ‫يف اتريخ كثري من الشعوب حصلت انتكاسات‬ ‫ومل تـنـجــز الـ ـث ــورات م ــا ه ــو مـطـلــوب مـنـهــا من‬ ‫اجلولة األوىل‪ ،‬لكن املستقبل للتغري‪ ،‬وال ميكن‬ ‫أن نرجع لعصر االستبداد‪ .‬ال ميكنين القول إن‬ ‫ظاهرة «داعش» غري موجودة‪ ،‬لكين على يقني‬ ‫ابهنيارها الحقاً ألهنا غري قابلة ألن تكون جزءاً‬ ‫من العصر‪ .‬أان متفائلة ومؤمنة مبستقبل سيصنعه‬ ‫شباب سوراي‪.‬‬ ‫مم حتذرين السوريني اليوم؟‬ ‫الـســوريــون يـثــرون حــزين بكوهنم كلهم زعـمــاء‪،‬‬ ‫دائماً يتكون لدي انطباع من خالل الفايسبوك‬ ‫وبعض القراءات والتصرحيات أبن اجلميع متعلم‬ ‫وجاهز‪ ،‬وأان هنا أشري إىل افتقاد التواضع وقابلية‬ ‫التعلم اليت هي أول أسس النجاح‪ ،‬أمتىن أن يتم‬ ‫االنتباه هلذه القضية‪ ،‬ثورة السوريني ثورتنا كلنا‪،‬‬ ‫وإذا مل حيصل تغيري يف ســوراي فإن آمــال التغيري‬ ‫ستغيب لقرنني أو ثالثة‪ ،‬ألن اجليل الذي شهد‬ ‫األزمة لن ميلك القدرة على إقناع اجليل القادم‪،‬‬ ‫وهذا يعين انتكاسة وانكسارة‪ ،‬لكين مؤمنة أننا‬ ‫لن ننكسر حني نتعلم‪..‬‬


‫محاوالت للثورة السورية‬ ‫منذ ‪ 29‬كانون الثاني ‪ 2011‬وصو ً‬ ‫ال إلى ‪ 18‬آذار‬ ‫ب ــدأت يف دمـشــق يــوم ‪ 29‬كــانــون اثين ‪2011‬‬ ‫حمــاولــة تظاهر أو اعـتـصــام‪ ،‬أتيـيــداً لـلـثــورة املصرية‬ ‫واسـتـمــرت حــى ‪ 2‬شـبــاط بشكل يــومــي‪ ،‬شــارك‬ ‫فيها عشرات من الناشطني واحلقوقيني واملثقفني‬ ‫السوريني الشباب‪ .‬كان عدد املعتصمني يف اليوم‬ ‫األول أمام السفارة املصرية يف كفرسوسة ما يقرب‬ ‫من ‪ 60‬شخصاً‪ ،‬غنوا وهتفوا للثورة املصرية‪.‬‬ ‫جتمع حوايل ‪ 25‬شخصاً عند ابب‬ ‫يوم ‪ 2‬شباط ّ‬ ‫توما األثري‪ ،‬ورفعوا الشموع من أجل أرواح شهداء‬ ‫ال ـثــورة املـصـريــة‪ ،‬وحـضــر األم ــن السياسي وحــاول‬ ‫إقناع املعتصمني بفض االعتصام وهدد ابعتقاهلم‪،‬‬ ‫ومت توقيف «سهري األاتســي» لساعات‪ ،‬يف خمفر‬ ‫القصاع القريب من ساحة ابب توما‪.‬‬ ‫دعوة فيسبوكية للتظاهر يوم السبت ‪ 5‬شباط أمام‬ ‫جملس الشعب‪ ،‬دعت إليها «رابطة شباب مستقبل‬ ‫سوراي»‪ ،‬ووزع بيان للدعوة على الفيسبوك‪ ،‬ورد فيه‪:‬‬ ‫«يراقب الشعب السوري بكل قواه ما جيري على‬ ‫أرض الكنانة من ثورة شعبية عارمة وانتفاضة اهلمم‬ ‫العالية من أبناء الشعب املصري العظيم‪ ..‬نعلن‬ ‫وبكل صراحة أ ّن زحــف هــذه الـثــورات املتالحقة‬ ‫لن يقف أمامه عائق‪ ،‬وحنــذر النظام السوري من‬ ‫مغبّة االستمرار يف القمع واعتقال األح ـرار ونفي‬ ‫الشرفاء وتسلط احلاشية واألق ـرابء على مقدرات‬ ‫البالد ومـواردهــا وأمهّها شركيت االتصال اخلليوي‪،‬‬ ‫وعليه أن يتخذ فوراً قرار ٍ‬ ‫ات حامس ًة وقبل االحتجاج‬ ‫العارم والتجمع اجلماهريي الكبري الّــذي سيجري‬ ‫أمـ ــام جم ـلــس ال ـش ـعــب يف دم ـشــق ال ـف ـي ـحــاء قلب‬ ‫العروبة والفداء‪ ،‬وذلك يوم السبت يف اخلامس من‬ ‫شـبــاط الـقــادم إبذن هللا»‪ ،‬وقــد وقــع الـبـيــان ابسم‬ ‫«التيار اإلسالمي الدميقراطي املستقل يف الداخل‬ ‫السوري»‪.‬‬ ‫يف ‪ 15‬شباط كانت هناك دعوة للتظاهر ابلقرب‬ ‫من جملس الشعب أيضاً‪ ،‬وحــن حــاول عــدد من‬ ‫الناشطني ال ـنــزول إىل ال ـشــارع‪ ،‬وج ــدوا أن األمــن‬ ‫السري حييط ابجمللس‪ ،‬فحاولوا الوصول إىل املكان‬ ‫ّ‬ ‫عرب طريق جانيب‪ ،‬لكن األمــن حاصرهم وتعرضوا‬ ‫للضرب ابلقرب من املطعم الصحي‪ ،‬واحتجزت‬ ‫جمموعة منهم كــانــت مــوجــودة يف مقهى الــروضــة‬

‫الشهري بشارع العابد‪ ،‬ومنعوا من مغادرته‪.‬‬ ‫ويف يــوم ‪ 17‬شـبــاط انطلقت تـظــاهــرة عفوية يف‬ ‫منطقة احل ـري ـقــة بــدم ـشــق‪ ،‬ش ــارك فـيـهــا أك ـثــر من‬ ‫‪ 1500‬شخص إثــر ضــرب أحــد ابئـعــي احلريقة‬ ‫م ــن ق ـبــل ش ــرط ــي‪ ،‬األم ـ ــر الـ ـ ــذي اق ـت ـضــى ق ــدوم‬ ‫وزي ــر الــداخـلـيــة يــومـهــا «حم ـمــد ال ـش ـ ّع ــار»‪ ،‬ليقدم‬ ‫بنفسه تطمينات للمتظاهرين أن املذنبني سوف‬ ‫يتم عقاهبم‪ ،‬وليقول كلمته االستنكارية الشهرية‬ ‫«مظاهرة؟»‪.‬‬ ‫يف ‪ 22‬شباط أيضاً‪ ،‬جرى اعتصام أمام السفارة‬ ‫الليبية ضد اجملزرة اليت ارتكبها القذايف يف طرابلس‪،‬‬ ‫احتجز األمن شاابً امسه «رامي»‪ ،‬لكن املعتصمني‬ ‫أصرّوا على البقاء يف املكان حىت إطالق سراحه‪.‬‬ ‫يف اليوم التايل ‪ 23‬جرى االعتصام قرب السفارة‬ ‫الليبية يف حديقة املدفع‪ ،‬وحني قرر العدد األكرب‬ ‫من اجملتمعني هنالك االقرتاب من السفارة‪ ،‬اعتدت‬ ‫ق ـوات األم ــن على املـتـظــاهـريــن‪ ،‬واعتقلت حـوايل‬ ‫عشرين شــاابً وفتاة‪ ،‬منهم من أفــرج عنه يف نفس‬ ‫اليوم‪ ،‬أو يف اليوم التايل‪.‬‬ ‫يف ‪ 27‬شباط اعتقل األمــن أكثر من ‪ 15‬طف ً‬ ‫ال‬ ‫ومـراهـقـاً مــن درع ــا‪ ،‬بعد أن كتبوا شـعــارات على‬ ‫جدران مدرستهم تدعوا إلسقاط النظام‪ ،‬فما كان‬ ‫من قوات األمن يف املدينة إال أن اعتقلتهم وقامت‬ ‫بتعذيبهم وقلع أظافرهم‪.‬‬ ‫يوم ‪ 12‬آذار كانت هناك دعوة للتظاهر يف دمشق‬ ‫لكنها فشلت‪ ...‬ويف ‪ 15‬آذار انطلقت تظاهرة‬ ‫من سوق احلميدية التجاري بدمشق‪ ،‬بدأهتا «مروة‬ ‫الـغـمـيــان» ابهل ـت ــاف‪ ،‬وه ــي تـرفــع الـعـلــم ال ـســوري‪،‬‬ ‫وســرعــان مــا شــاركـهــا نـشـطــاء م ـت ـواجــدون هـنــاك‪.‬‬ ‫حاول املتظاهرون الوصول إىل وسط املدينة‪ ،‬لكن‬ ‫ق ـوات األمــن فرقت التظاهرة واعتقلت عــدداً من‬ ‫املتظاهرين ومنهم «الغميان»‪.‬‬ ‫‪ 16‬آذار بداية اثنية‪ ،‬كانت بدعوة من عائالت‬ ‫املعتقلني لالعتصام أمام وزارة الداخلية يف ساحة‬ ‫املرجة‪ ،‬الدعوة وجهت بشكل خطي على وريقات‬ ‫صغرية قبل ذلــك بعشرين يوماً تقريباً‪ ،‬لالعتصام‬ ‫أمام وزارة الداخلية‪ ،‬قدمت معظم العائالت اليت‬ ‫متــت دعــوهتــا‪ ،‬واحجمت عــائــات أخــرى بسبب‬

‫• فادي‪ .‬أ‪ .‬سعد‬ ‫اخل ــوف مــن االع ـت ـقــال‪ ،‬يف ذل ــك ال ـيــوم جتـمــع ما‬ ‫يقارب ‪ 200‬شخص يف ساحة املرجة أمام وزارة‬ ‫الداخلية‪ ،‬وبعد انطالق اهلتاف األول بدأت قوات‬ ‫األمن والشبيحة ابالعتداء على املتظاهرين‪ ،‬ومن‬ ‫بينهم املفكر «طـيــب تـيـزيــي» ال ــذي مت االعـتــداء‬ ‫عليه بشكل وح ـشــي‪ ،‬وكــذلــك احملــامـيــة «سـريــن‬ ‫خ ــوري»‪ ،‬ومت اعتقال ح ـوايل ‪ 50‬معتصماً‪ ،‬أي‬ ‫ربع املتظاهرين املوجودين هناك‪ ،‬وقدموا للمحكمة‬ ‫لكنهم خرجوا بعد شهر‪.‬‬ ‫ويف يــوم ‪ 18‬آذار انطلقت يف درعــا تظاهرات‬ ‫عفوية شعبية احتجاجاً على السلوك العنيف لقوات‬ ‫األمن جتاه أطفال درعا‪ ،‬الذي أجرب األهايل على‬ ‫االنتفاضة ضد النظام الذي استوحش ضد أطفاهلم‬ ‫وأهاهنم يف كراماهتم‪ ،‬وهم أبناء العشائر الذين ال‬ ‫يقبلون ضيماً‪ ،‬حيث كان «عاطف جنيب» رئيس‬ ‫فــرع األمــن السياسي يف املدينة قد رفــض مطلب‬ ‫وفد العشائر حينما زاره يف مكتبه‪ ،‬مطالباً إبطالق‬ ‫سراح األطفال‪ ،‬وأهاهنم بكالم غري مقبول‪.‬‬ ‫ردد املـتـظــاهــرون هـتــافــات ضــد «عــاطــف جنيب»‬ ‫و«رامـ ـ ــي خم ـل ــوف»‪ ،‬ومل يـهـتـفـوا يــوم ـهــا إبس ـقــاط‬ ‫النظام‪ ،‬ومــع ذلــك قتلت ق ـوات األمــن ع ــدداً من‬ ‫املتظاهرين‪.‬‬ ‫استمرت التظاهرات يف درعــا بشكل يومي حىت‬ ‫‪ 25‬آذار‪ ،‬وراح ضحيتها مــاال يقل عــن عشرين‬ ‫قتيالً‪ ،‬بينهم عدد من أفراد الشرطة‪.‬‬ ‫ويف ‪ 25‬آذار انطلقت تظاهرات يف ‪ 7‬مدن سورية‬ ‫هي درعا‪ ،‬دمشق‪ ،‬ريف دمشق‪ ،‬الالذقية‪ ،‬محص‪،‬‬ ‫محاه وحلب‪ ،‬تضامناً مع مدينة درعا‪ ،‬كان أعنفها‬ ‫يف درعا والالذقية‪ ،‬حيث راح ضحيتها ما يقارب‬ ‫‪ 20‬قتيالً‪.‬‬ ‫هـكــذا اب ـتــداء مــن درع ــا اشتعلت س ــوراي ابلـثــورة‪،‬‬ ‫يـقــال إن مــن أشـعـلـهــا مـ ـزاح أط ـفــال يف اخلــامـســة‬ ‫ع ـشــرة‪ ،‬كـتـبـوا عـلــى جـ ــدران مــدرسـتـهــم «يسقط‬ ‫بشار األس ــد» و«ج ــاك ال ــدور اي دكـتــور»‪ .‬تبقى‬ ‫احلقيقة أن س ــوراي كــانــت تغلي منذ ث ــورة تونس‪،‬‬ ‫وعند سقوط مبارك كان هناك من قرر تفجري ثورة‬ ‫يف ســوراي‪ ،‬ثــورة أتخــرت كـثـراً رغــم أهنــا نضجت‪،‬‬ ‫وحان قطافها‪.‬‬

‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪29 2014‬‬


‫حقوق المرأة وتمكينها في العالم العربي‬

‫• إع ـ ــداد‪ :‬صويف بيسيس‬ ‫ترمجــة‪ :‬د‪ .‬إنع ـ ــام شرف‬

‫ميثل موضوع حقوق املرأة ومتكينها أحد التحدايت املركزية اليت يواجهها العامل العريب من أجل تطور اجملتمعات فيه‪ .‬وبقدر ما هو موضوع‬ ‫شائك ومعقد‪ ،‬بقدر ما يشكل اليوم املوضوع األكثر طرحاً ومناقش ًة يف هذه املنطقة‪ ،‬وبصورة عامة‪ ،‬فيما يسمى «ابلعامل العريب اإلسالمي»‪.‬‬ ‫وتتمحور حول هذه القضية‪ ،‬وبشكل مكثف‪ ،‬الكثري من التساؤالت والنقاشات احلادة‪ ،‬حيث أصبح موضوع املرأة‪ ،‬من اخلليج إىل املغرب‪،‬‬ ‫واحداً من اخلطوط الرئيسية اليت تفصل بني التشكيالت السياسية‪ ،‬واملشاريع اجملتمعية الكربى احملمولة على هذه التشكيالت‪ .‬ابإلضافة إىل‬ ‫أن كل ما ميس قضية دمج املرأة يف اجملتمع والفضاء العام‪ ،‬وكذلك موضوع حقوقها ووقوعها ضحية عدم املساواة‪ ،‬أصبح اليوم ميثل حمور‬ ‫النقاشات الدائرة بني الفاعلني الذين حيتلون احليز العام‪ ،‬وكذلك حموراً للقضااي اليت تطرحها النخب العربية حول مستقبل جمتمعاهتا‪.‬‬ ‫مركزية هذ القضية تعود يف احلقيقة إىل سلسلتني‬ ‫من األسباب‪:‬‬ ‫ تغري وضع املـرأة العربية‪ ،‬وهذا التغيري ال يقتصر‬‫فقط على البلدان األكـثــر عصرية‪ ،‬وإمنــا يف مجيع‬ ‫اجملتمعات العربية‪ ،‬على الرغم من أن املقارنة بني‬ ‫وض ــع امل ـ ـرأة يف ت ــون ــس‪ ،‬ال ــي خــاضــت مـنــذ الـعــام‬ ‫‪ 1956‬حرابً طويلة األمد‪ ،‬وشقت طريقاً وعرة جداً‬ ‫ابجتاه حتقيق احلرية واالستقاللية الفردية واجلماعية‪،‬‬ ‫ووضع املرأة يف السعودية أو يف اليمن أمر يف غاية‬ ‫الصعوبة‪ .‬ومع ذلــك‪ ،‬حىت يف البلدان اليت ختضع‬ ‫ألنظمة حكم حمافظة جداً‪ ،‬ويف اجملتمعات األكثر‬ ‫تعصباً واليت تعاين من رهاب التطور والتغيري‪ ،‬فقد‬ ‫حدث تغيري يف وضع املرأة ويف نظرة اجملتمع إليها‪،‬‬ ‫ال بل وعــاوًة على ذلك‪ ،‬وللمفارقة‪ ،‬ميكن قياس‬ ‫حجم هذا التغيري من خالل مقارنته حبجم العنف‬ ‫املـمــارس ضدها مــن قبل املعارضني لفكرة حتررها‬ ‫واستقالليتها‪.‬‬ ‫ ت ـقــودان املــاحـظــة األوىل إىل مــاحـظــة أخ ــرى‪:‬‬‫لقد دخل العامل العريب مرحلة احلداثة وأصبح عاملاً‬ ‫عصرايً‪ ،‬ليس فقط يف البلدان اليت تصرح وتتفاخر‬ ‫علناً حبداثتها وعصريتها‪ ،‬وإمن ــا يف مجيع البلدان‬ ‫واجملـتـمـعــات الـعـربـيــة‪ .‬وقــد ال يشكل الـعــامل العريب‬ ‫ج ــزءاً فعلياً ممــا يسمى «ابحل ــداث ــة»‪ ،‬لـكــن‪ ،‬وهــذه‬ ‫مالحظة جوهرية‪ ،‬إجـراء أي حتليل هلذا اجلــزء من‬ ‫العامل ابالستناد فقط على مفهوم وتقليد احلداثة‪،‬‬ ‫سيمنع ابلتأكيد من فهم واستيعاب ما حيدث فيه‪.‬‬ ‫ال شــك أن هـنــاك بعض املـنــاطــق الـنــائـيــة‪ ،‬الــي ما‬ ‫تزال متمسكة بعاداهتا وتقاليدها على الرغم من أن‬ ‫التلفزيون والراديو حيتالن اليوم الفضاء العام يف كل‬ ‫مكان‪ ،‬وهذه املناطق توظف عند احلاجة لصناعة‬ ‫هوية يعاد تصنيعها وابتكارها دون توقف‪ ،‬إىل درجة‬ ‫ميكننا التحدث فيها عن «تقاليد حديثة العهد»‬ ‫لوصف بعض املـمــارســات املتحفظة الــي تؤثر يف‬ ‫‪ 30‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫أجـزاء واسعة من العامل العريب‪ .‬وهذا األخري يعاين‬ ‫اليوم من التمزق واالنقسام حول مفهوم العصرنة‪،‬‬ ‫ما جيعل ابلتايل مناقشة املوضوع وتناوله ابلدراسة‬ ‫أكثر تعقيداً وغىن على حد سواء‪.‬‬ ‫لكن وكـمــا يف مجيع ال ــدول الــي مل تقطع بشكل‬ ‫فعلي مــع مشـولـيــة املـعـيــار ال ــدي ــي‪ ،‬ال ــذي يستمر‪،‬‬ ‫وهــذا يتفاوت حسب الــدولــة املعنية‪ ،‬يف التحكم‬ ‫بقوانني األسرة‪ ،‬فإن االنقسامات حول التشريعات‬ ‫املتعلقة ابملـ ـرأة وحقوقها ت ــزداد اتـســاعـاً بــن مؤي ٍد‬ ‫لـفـكــرة ال ـت ـطــور‪ ،‬ومـتـحـفـ ٍـظ يسعى لـتــأطــر النساء‬ ‫وحجبهن عن املشاركة الفعالة يف اجملتمع‪ ،‬حبجة‬ ‫الدين والعادات االجتماعية‪ .‬ومع ذلك فإن الواقع‬ ‫االجتماعي يف العامل العريب يبقى اليوم متقدماً على‬ ‫التشريعات واملعايري الرمسية احمللية‪ .‬كما أن هذه‬ ‫اهلوة بني الواقع االجتماعي والتشريعات تتفاوت يف‬ ‫حجمها من دولة إىل أخرى‪ ،‬ففي احلالة التونسية‬ ‫مثالً‪ ،‬تعد التشريعات األسرية متقدمة أكثر بكثري‬ ‫من التشريعات املوضوعة يف بقية البلدان العربية‪،‬‬ ‫وقد سامهت هذه التشريعات ابلتوافق بني القانون‬ ‫وامل ـمــارســات‪ .‬الــوضــع يف املـغــرب ال خيتلف كثرياً‬ ‫عــن احلــالــة التونسية‪ ،‬حيث ســامهــت مــدونــة عام‬ ‫‪ 2004‬وبصورة ملحوظة‪ ،‬يف التخلص من بعض‬ ‫األقفال اليت كانت تعيق املـرأة ومتنعها من التوسع‬ ‫يف استقالليتها‪.‬‬

‫من الواضح أن الوضع يف املغرب العريب متقدم جداً‬ ‫عن الوضع يف املشرق‪ ،‬حيث تعاين بعض الدول‬ ‫فيه مــن نكسات قانونية خـطــرة‪ ،‬سامهت بتفاقم‬ ‫العوامل اليت تقف يف وجه حترر املرأة واستقالليتها‪،‬‬ ‫وكذلك أمام حتسني وضعها وظروف حياهتا‪ .‬وهذا‬ ‫ينطبق متاماً على احلالة املصرية خالل الثمانينيات‪،‬‬ ‫واألخـطــر منه الوضع يف الـعـراق‪ ،‬حيث جتد املـرأة‬ ‫نفسها ال ـيــوم رهـيـنــة الـتـفـسـرات وامل ـعــايــر الدينية‬ ‫األكـثــر ختلفاً على اإلط ــاق‪ ،‬على الــرغــم مــن أهنا‬ ‫كانت قد متكنت يف سيتنيات وسبعينيات القرن‬ ‫املاضي من أن حترز تقدماً كبرياً وحتسناً ملحوظاً يف‬ ‫وضعها وظــروف معيشتها‪ ،‬وإن كان ذلك يعتمد‬ ‫يف حينها عـلــى درج ــة حتـفــظ األنـظـمــة السياسية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬فاالنقسامات كانت والتزال موجودة‬ ‫يف كل مكان‪.‬‬ ‫وهلذ السبب بدأت قطاعات واسعة من التجمعات‬ ‫الـنـســائـيــة حت ــاول أك ـثــر فــأكـثــر مـكــافـحــة الـقـوانــن‬ ‫امل ـت ـع ـس ـفــة‪ ،‬ال ــي تـعـيــق ت ـط ــور ق ــدراهت ــا واك ـت ـســاب‬ ‫املهارات اليت تؤهلها للمشاركة يف احلياة السياسية‬ ‫واالقتصادية أو حىت األسرية‪ ،‬وتسمح هلا بتوسيع‬ ‫اسـتـقــالـيـتـهــا‪ .‬وإن كــانــت أش ـك ــال ه ــذا الـكـفــاح‬ ‫م ـت ـعــددة‪ ،‬ف ــإن امل ـطــالَـبــات بـشـكــل ع ــام مـشــركــة‪،‬‬ ‫ابسـتـثـنــاء بـعــض األقـلـيــات ال ــي تـلـتــزم‪ ،‬طـواعـيـ ًة أو‬ ‫مكره ًة‪ ،‬ابلتفسريات والقواعد الدينية األكثر ختلفاً‪.‬‬ ‫هـنــاك الـكـثــر مــن الـنـســاء ال ــايت يعملن يف الـعــامل‬ ‫العريب اليوم يف جمال السياسة واألعمال‪ ،‬والكثريات‬ ‫منهن مسؤوالت عن مجعيات تتمتع ابحلد األدىن‬ ‫من الدميقراطية‪ ،‬والكثريات منهن أيضاً يعملن يف‬ ‫جمال اإلدارة واجلامعات‪ .‬ويف بعض البلدان‪ ،‬تشكل‬ ‫النساء الغالبية العظمى من اليد العاملة يف جمال‬ ‫الصحة والتعليم‪ .‬كما أن عدد النساء الاليت يرفضن‬ ‫القوانني التعسفية والتشريعات الــي متنع امل ـرأة من‬ ‫ممارسة حقها يف احلياة واملشاركة الفعالة يف اجملتمع‬ ‫والسياسة‪ ،‬يزداد بشكل مضطرد‪.‬‬


‫وإن ك ــان جـيــل ال ـش ــاابت يف الـعــديــد مــن ال ــدول‬ ‫الغربية‪ ،‬يعترب أن األمهات حققن انتصاراً كبرياً‪،‬‬ ‫يف حرهبن للحصول على حقوقهن‪ ،‬وأبنــه مل يعد‬ ‫لديهن الشيء الكبري ليحاربن من أجله‪ ،‬وهذا يف‬ ‫بعض األحيان غري صحيح‪ ،‬فإن جيل الشاابت يف‬ ‫الــدول العربية‪ ،‬على العكس متاماً‪ ،‬يعترب أن املرأة‬ ‫يف هذه اجملتمعات مل حتقق انتصارات تُذكر على‬ ‫هذا الصعيد‪ .‬وهلذا السبب‪ ،‬بقيت املطالبات قوية‪،‬‬ ‫حىت إن قضية امل ـرأة يف اململكة العربية السعودية‬ ‫أصبحت موضع نقاش مستمر‪ .‬وتسعى النساء يف‬ ‫العامل العريب اليوم لتحصيل حقوق جديدة‪ ،‬كما‬ ‫هو احلال يف الكويت‪ ،‬حيث استطاعت املرأة أخرياً‬ ‫يف العام ‪ 2005‬أن حتصل على حق التصويت‪.‬‬ ‫يف الدول اليت مسح فيها التحديث إبجياد توافق بني‬ ‫القانون واملمارسات االجتماعية اجلديدة‪ ،‬كاحلالة‬ ‫التونسية‪ ،‬ابتت احلركات النسائية تقاتل على آخر‬ ‫جبهاهتا مــن أجــل حتقيق الـعــدالــة القضائية‪ .‬وقد‬ ‫قامت مجعيتان نسائيتان يف تونس إبطــاق محلة‬ ‫من أجل املساواة بني اجلنسني يف موضوع املرياث‪.‬‬ ‫ويف عــام ‪ ،2006‬قــامــت جمموعة مــن الباحثني‬ ‫املتطوعني يف هذه اجلمعيات‪ ،‬إبعداد دراسة مهمة‬ ‫جداً حول موضوع املساواة بني اجلنسني‪ ،‬وأطلقوا‬ ‫نداء هبذا اخلصوص يقوم على الفكرة التالية‪:‬‬ ‫ً‬ ‫«حـصــول امل ـرأة عــل‪a‬ى حقها الكامل يف العمل‬ ‫واألجـ ـ ــور مي ـثــل واقـ ـعـ ـاً ج ــدي ــداً‪ ،‬ك ـمــا أن ــه يـفــرض‬ ‫متثيالت والتزامات جديدة داخل األسرة‪ .‬وإذا ما‬ ‫أخذان اجلانب املادي يف األسرة ويف اجملتمع‪ ،‬فإن‬ ‫حصول املرأة على حقها يف العمل جيعلها شريكة‬ ‫فعالة يف اإلنـتــاج‪ ،‬ويف زايدة الــدخــل‪ ،‬وابلـتــايل يف‬ ‫حتسني الوضع املعيشي‪ ،‬داخل األسرة ويف اجملتمع‬ ‫ك ـكــل‪ .‬وق ــد أظ ـه ــرت مجـيــع ال ــدراس ــات املتعلقة‬ ‫هبذا املوضوع أن عمل املـرأة خــارج حــدود منزهلا‪،‬‬ ‫يساهم يف تعزيز استقالليتها املادية‪ ،‬وقدرهتا على‬ ‫بناء عالقات الشراكة األسرية‪ ،‬ودعــم االستقالل‬ ‫االقـتـصــادي لــأســرة‪ ،‬وكــذلــك تطوير مـهــاراهتــا يف‬ ‫مواجهة صعوابت ومتطلبات احلياة العصرية‪ .‬كما‬ ‫ويـســاهــم عملها يف حتقيق تـ ـوازن األس ــرة امل ــادي‬ ‫وحتقيق مكانة اجتماعية متميزة‪ ،‬ويكسبها القدرة‬ ‫على حتمل مسؤولياهتا جتاه أسرهتا وجمتمعها على‬ ‫حد سواء»‪.‬‬ ‫ويف هذه احلالة‪ ،‬البد من إحداث توافق بني هذا‬ ‫احلق‪ ،‬واملمارسات االجتماعية اجلديدة‪ ،‬وال سيما‬ ‫يف ال ـ ــدول ال ــي عـمـلــت عـلــى حتــديــث جمتمعاهتا‬ ‫بشكل واسع‪.‬‬

‫وأحدث مثال على التعبئة املستمرة يف العامل العريب‬ ‫واملـرتـبـطــة مبــوضــوع حـقــوق املـ ـرأة ومتكينها‪ ،‬يتعلق‬ ‫ابحلملة اإلقليمية اليت أطلقتها اجلمعيات النسائية‬ ‫واملدافعون عن حقوق اإلنسان بصورة عامة‪ ،‬إللغاء‬ ‫التحفظات اليت نصت عليها معاهدة األمم املتحدة‬ ‫ع ــام ‪ ،1979‬وال ــي وقـعــت عليها مجـيــع ال ــدول‬ ‫الـعـربـيــة‪ .‬وقــد أطـلـقــت هــذه احلـمـلــة حتــت مسمى‬ ‫«مساواة بال أي حتفظ»‪ ،‬وذلك خالل لقاء مت يف‬ ‫الرابط بني مجيع من يعمل يف اجلمعيات واحلركات‬ ‫النسائية‪ ،‬وكذلك يف جمال حقوق اإلنسان من كافة‬ ‫الدول العربية‪ .‬وقد قام اجملتمعون إبطالق نداء إىل‬ ‫احلكومات يف دول املنطقة‪ ،‬من أجل تعزيز املساواة‬ ‫بــن الــرجــل واملـ ـرأة يف الـكـرامــة واحل ـقــوق‪ ،‬وكذلك‬ ‫يف جمــال احلقوق املدنية‪ ،‬السياسية‪ ،‬االقتصادية‪،‬‬ ‫االجتماعية والثقافية‪ ،‬وأيضاً من أجل ضمان حق‬ ‫املرأة الكامل يف املواطنة‪.‬‬ ‫ابختصار شديد‪ ،‬يتمثل املغزى من هذه الدراسة‬ ‫إبثـبــات أن اهلــوة بــن نساء مشــال البحر املتوسط‬ ‫ونساء جنوبه ليست ابحلجم الذي نتخيله‪ .‬الشك‬ ‫متكن‬ ‫أن نساء الشمال‪ ،‬مع بعض االستثناءات‪ّ ،‬‬ ‫من اكتساب جمموعة احلقوق الــي تضعهن جنباً‬ ‫إىل جنب مع الرجل من الناحية القضائية‪ ،‬لكن‬ ‫يف احلقيقة ال يوجد فارق بني طبيعة املطالبات اليت‬ ‫تنادي هبا النساء العربيات‪ ،‬وتلك اليت تنادي هبا‬ ‫النساء يف الغرب‪ ،‬وآماهلن يف التمكني متناظرة‪ ،‬إن‬ ‫مل تكن متطابقة‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن هذا ال يعين أن حجم عدم املساواة‬ ‫بني اجلنسني يف هذا اجلزء من العامل قد تضاءل إىل‬ ‫حــد كبري‪ ،‬لكن مــن املناسب أيـضـاً أن يتحاشى‬ ‫الـغــرب خـطــاب التعميم ال ــذي خيـتــزل ص ــورة امل ـرأة‬ ‫العربية‪ ،‬ويقلل من مكانتها ابالعتماد فقط على‬ ‫اخلطاابت واملمارسات األكثر حتفظاً وختلفاً‪ ،‬فواقع‬ ‫املـ ـرأة العربية أفـضــل مــن ذلــك بكثري‪ ،‬رغــم مجيع‬ ‫التعقيدات اليت يعاين منها‪.‬‬ ‫الفارق احلقيقي والوحيد هو حجم وطريقة املعاجلة‪،‬‬ ‫خاص ًة فيما يتعلق بقضية احلياة اجلنسية‪ ،‬إذ مايزال‬ ‫هذا املوضوع يشكل أحد احملرمات يف العامل العريب‪،‬‬ ‫وإن كــانــت بـعــض ال ــدول قــد أح ــرزت تـقــدمـاً يف‬ ‫هــذا اجملــال‪ .‬ويتعلق األمــر هنا ابجملتمعات العربية‬ ‫الــي عليها أن تقبل‪ ،‬عاج ً‬ ‫ال أم آج ـاً‪ ،‬طــرح هذا‬ ‫املوضوع ومعاجلته مبا يتناسب مع تطلعات املـرأة‬ ‫وطموحاهتا‪.‬‬ ‫امل ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ــدر‪http://www.casaasia.es/:‬‬ ‫‪dialogo/2006/esp/bessis.pdf‬‬ ‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪31 2014‬‬


‫«داعش» وعودة الماضي إلى الحاضر‬ ‫ظ ـهــور تـنـظـيــم ال ــدول ــة االســام ـيــة «داع ـ ــش»‪،‬‬ ‫أعاد إىل األذهان مراحل اترخيية ظن املفكرون‬ ‫وعـلـمــاء الــديــن عـلــى حــد س ـواء أهنــا أصبحت‬ ‫ذكـ ــرى‪ .‬أع ــاد «داع ـ ــش» إىل ال ـواج ـهــة ج ــدالً‬ ‫وح ــاج ــة لـ ــدراسـ ــة قـ ـض ــااي ف ـق ـه ـيــة ك ـ ــان عــامــة‬ ‫املسلمني حيدثون بعضهم هبا كقصص تـراث‪،‬‬ ‫أو قل كقصص اتريخ أبعد عن الواقع‪ ،‬وأقرب‬ ‫إىل اخليال‪.‬‬ ‫انتشر على شبكات التواصل االجتماعي يف‬ ‫الفرتة املاضية فيديو لعناصر من تنظيم الدولة‬ ‫اإلســامـيــة‪ ،‬يظهر فتاة تقف خاضعة لتنفيذ‬ ‫حكم خطيئة الـزان الــي ارتكبتها‪ ،‬يطلب منها‬ ‫العنصر االستغفار والتوبة قبل رمجها ابحلجارة‪،‬‬ ‫نعم رمجها ابحلجارة!!!‬ ‫لسنا هنا مبعرض احلديث عن الفيديو‪ ،‬صحته‪،‬‬ ‫م ـشــاهــده ال ـقــاس ـيــة‪ ،‬سـيـنــاريــو مـســرحـيــة الـتــوبــة‬ ‫واالعتذار‪ ،‬ورضى األب احلانق‪ ،‬حنن هنا لنمرر‬ ‫«ح ــد الــرجــم» عـلــى ثــاثــة م ـشــارح‪ :‬الشريعة‪،‬‬ ‫التاريخ واإلنسان‪.‬‬ ‫يف الشريعة‬ ‫خيتلف فـقـهــاء الـشـريـعــة ومـفـكــروهــا يف العديد‬ ‫من القضااي‪ ،‬من بينها ارتـبــاط الــزمــان واملكان‬ ‫وال ـظ ــرف ابآلايت واحل ـ ــدود‪ ،‬فمنهم مــن يــرى‬ ‫أن احل ــدود وامل ـعــاين يف الـنــص ال ـقــرآين اثبـتــة ال‬ ‫تتحول مهما تغريت األحوال واألوقات‪ ،‬ومنهم‬ ‫من يرى أن النص اثبت‪ ،‬ولكن معناه متحول‬ ‫ومتغري ابلتزامن مع حركة الزمن وتغري الظروف‪.‬‬ ‫ذهــب البعض إىل أن ظــرف الزمان قد يسمح‬ ‫إبيقاف مفعول آايت حمــددة يف الـقــرآن‪ ،‬كما‬ ‫ف ـعــل اخلـلـيـفــة ع ـمــر ب ــن اخل ـط ــاب ح ــن أوق ــف‬ ‫تطبيق حد السرقة يف عام القحط واجلوع‪ .‬وحد‬ ‫ال ـزان أخــذ نصيبه أيـضـاً مــن املـراجـعــة والتدقيق‬ ‫والتفسري من كل األطراف‪.‬‬ ‫يرى كوكبة من الفقهاء أن الزان له حدان‪ ،‬فإذا‬ ‫كان الزاين أو الزانية غري متزوج‪/‬ة فعقوبته‪/‬ا مائة‬ ‫جلدة أمام مجع من الناس‪ ،‬وأما إذا كان الزاين‬ ‫أو الزانية حمصن‪/‬ة فعقوبته‪/‬ا الرجم حىت املوت‪،‬‬ ‫‪ 32‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫مستشهدين عـلــى ذل ــك بـقـصــة رج ــم الــرســول‬ ‫حممد (ص) للغامدية ومــاعــز‪ ،‬طبعاً بعد توفر‬ ‫أربعة شهود ليسوا أقرابء أو أصدقاء‪ ،‬وهذا ما‬ ‫جيسد استحالة إقامة احلد‪ .‬يف حني يرى فقهاء‬ ‫آخ ــرون أن عقوبة ال ـزان حبسب الـنــص الـقــرآين‬ ‫ال حتمل متييزاً بني عــازب‪/‬ة أو حمصن‪/‬ة‪ ،‬وأن‬ ‫رجم الرسول حممد (ص) للغامدية وماعز كان‬ ‫قبل نزول اآلية‪ ،‬لذلك اعتربوا أن عقوبة الرجم‬ ‫نُسخت (أُلغيت) بنزول اآليــة‪« :‬الـزاين والزانية‬ ‫فاجلدوا كل واحــد منهما مائة جلدة» (النور‬ ‫‪ .)2‬وذهب البعض أبعد من ذلك‪ ،‬فقالوا إن‬ ‫قصة الرجم هي كلها تـراث يهودي وال وجود‬ ‫هلــا يف االس ــام‪ ،‬وإن قصة الــرجــم املــوجــودة يف‬ ‫ال ـراث االسالمي ال صحة هلــا‪ ،‬بل هي تراث‬ ‫تورايت أقحم يف الفقه اإلسالمي‪.‬‬ ‫يقول املفكر اإلســامــي حممد حبش‪« :‬الرجم‬ ‫عقوبة قاسية وغــر رحيمة‪ ،‬ذكــرت يف الـتــوراة‬ ‫يف سفر التثنية‪ ،‬مث نسخها السيد املسيح‪ ،‬ومل‬ ‫يرد هلا أي ذكر يف القرآن‪ ،‬على الرغم من نصه‬ ‫الـصـريــح على عقوبة الـ ـزانة»‪ .‬ويــذكــر الدكتور‬ ‫حمـمــد ش ـحــرور يف كـتــابــه «ال ـك ـتــاب وال ـقــرآن»‬ ‫أن حدي الزىن األعلى واألدىن وضعا يف نقطة‬ ‫واح ــدة‪ ،‬وهــو مائة جـلــدة‪ ،‬وأش ــار شـحــرور أن‬ ‫شروط إقامة احلد مناطة ابلبينات حبسب التعبري‬ ‫القرآين‪ ،‬وهي «أربعة شهود» و»املالعنة»‪.‬‬ ‫وم ــا ب ــن اخ ـت ــاف اجل ـم ـيــع‪ُ ،‬س ـف ـكــت دم ــاء‪،‬‬ ‫وأقيمت حدود جتعلك تقف أمام مقولة الرسول‬ ‫حممد (ص) املشهورة‪« :‬اختالف أمــي رمحة»‬ ‫بدهشة واستغراب‪.‬‬

‫• صبحي فرجنية‬

‫يف التاريخ‬ ‫وجــود تنظيم ك ـ «داع ــش» يف التاريخ املعاصر‬ ‫يعيد لألذهان حقباً اترخيية قدمية كنا نستعرضها‬ ‫يف ص ـف ـح ــات ال ـك ـت ــب وامل ـ ـقـ ــاالت الـبـحـثـيــة‪،‬‬ ‫فما أشـبــه الـيــوم ابألم ــس‪ .‬يف الـقــرون الوسطى‬ ‫استوىل «كرومويل» على احلكم يف بريطانيا‪،‬‬ ‫وادعى أن حكمه ينبع من رؤية حقيقية للدين‬ ‫املسيحي‪ ،‬أوقف دور املسارح‪ ،‬منع الغناء‪ ،‬أقام‬ ‫احلدود على الناس‪ ،‬أحرق آالف النساء بتهمة‬ ‫الشعوذة‪ ،‬وقتل مئات من الشباب والشاابت‬ ‫يف ال ـبــاد بتهمة الـعـشــق امل ـم ـنــوع‪ ،‬مـنــع األب‬ ‫م ــن مــاع ـبــة أط ـفــالــه يف الـ ـشـ ـوارع‪ .‬ب ــل ذهــب‬ ‫أب ـعــد مــن ذل ــك‪ ،‬قـســم ال ـنــاس إىل فــائـزيــن (يف‬ ‫اجلـنــة) وخــاسـريــن (إىل ال ـنــار)‪ ،‬واعـتــر أن رأس‬ ‫السلطة هو املخلص‪ .‬عشرون عاماً مرت حىت‬ ‫قتل «كرومويل»‪ ،‬ليستغرق الربيطانيون مئات‬


‫السنوات‪ ،‬وهم حياولون اخلالص من عقد خلفها «كرومويل»‬ ‫يف نفوسهم‪ ،‬ويرى علماء أن الشعب الربيطاين حىت اللحظة مل‬ ‫يتخلص من بعضها‪.‬‬ ‫وها هو «داعــش» يعيد إلينا صــوراً من التاريخ‪ ،‬لتعصف بنا‪،‬‬ ‫وتعيدان مرة أخرى إلشكاليات كنا نراها انتهت‪ ،‬أمهلها مفكرون‬ ‫وعلماء فقه‪ ،‬وطمسوا ذكرها ابحلديث عن تفاصيل يف العبادة‪،‬‬ ‫أعادها «داعش» إىل اترخينا بد ٍم وقسوة‪.‬‬ ‫التاريخ ال يرحم‪ ،‬وال ينسى‪ ،‬وال يغلق الفجوات‪ ،‬لــذا يرتتب‬ ‫على املفكرين والفقهاء أن يعيدوا ترتيب احلكاية بعقل وروية‪،‬‬ ‫ـف‪ .‬عليهم الوقوف‬ ‫ـف‪ ،‬جناه اخل ـلَـ ْ‬ ‫ويـعــرفـوا أن مــا أمهله الـسـلَـ ْ‬ ‫أمام حقيقة تقول إن حد الرجم ليس إشكالية فكرية فقط‪ ،‬بل‬ ‫فِ ْع ٌل أيضاً‪ ،‬الدماء بدأت تسيل‪ ،‬واحلجارة تتطاير فوق رؤوسنا‬ ‫معلن ًة بدء مرحلة قد نستغرق مئات السنوات يف نسياهنا‪ ،‬إذا‬ ‫مل يتداركوها‪.‬‬

‫يف اإلنسان‬ ‫يقف حد الرجم على النقيض متاماً من تكوين اإلنسان‪ ،‬فهل‬ ‫يتناسب قتل اإلن ـســان على خطيئة كــالــزىن ط ــرداً مــع وجــوده‬ ‫وتكوينه؟ ال نعين بكالمنا أن اخليانة الزوجية (زىن احملصن‪/‬ة)‬ ‫أمـ ٌـر طبيعي ال ترتتب عليه عـقــوابت‪ ،‬لكن ما نرمي إليه هو‬ ‫أال تكون عقوبته القتل‪ ،‬وأي قتل‪ ،‬رمــي ابحلجارة أمــام أعني‬ ‫الناس!!‬ ‫إذا ما خــان الــزوج زوجته أو العكس‪ ،‬فهذا يــدل على تراجع‬ ‫العالقة بينهما وهنايتها‪ ،‬وهناك حماكم تقضي بعقوبة اجلاين‪/‬ة‪،‬‬ ‫تكشف‬ ‫وذلــك إبعــان الطرف اآلخــر ختليه عن اجلــاين‪/‬ة بعد ّ‬ ‫احلقيقة‪.‬‬ ‫اخليانة الزوجية أمر إنساين‪ ،‬يرتبط ابلنسيج االجتماعي‪ ،‬وليس‬ ‫جرماً كالقتل أو السرقة‪ ،‬ألحد الطرفني حريته يف إهناء نسيجه‬ ‫األسري عندما يتخذ من اخليانة الزوجية طريقاً‪ ،‬وللطرف اآلخر‬ ‫حريته يف استنكار الفعل والــرد عليه إبهنــاء ذلك النسج الذي‬ ‫مزقه اآلخر‪.‬‬ ‫أما أن تتحول قضية اخليانة الزوجية إىل جرم يستوجب القتل‪،‬‬ ‫اإلعدام‪ ،‬وبطريقة ال ترقى أن تتناسب مع مكانة احليوان‪ ،‬فذلك‬ ‫ما ينذر إنسانياً برتدي إدراكنا ألنفسنا‪ .‬ال ينبغي أن تتحول‬ ‫املشاكل الزوجية إىل قضااي أمة يعاقب عليها الزوج‪/‬ة ابملوت‪.‬‬

‫السيــداو‬ ‫ألمهيتها‪ ،‬تقوم جملة «سيدة ســوراي» بنشر اتفاقية السيداو على أج ـزاء‪ ،‬بــدءاً من‬ ‫العدد الثاين‪.‬‬ ‫املادة ‪18‬‬ ‫‪ .1‬تتعهد الــدول األط ـراف أبن تقدم إىل األمــن العام لألمم املتحدة‪ ،‬تقريراً عما‬ ‫اختــذتــه مــن تــدابــر تشريعية وقضائية وإداري ــة وغــرهــا مــن أجــل إنـفــاذ أحـكــام هذه‬ ‫االتفاقية وعن التقدم احملرز يف هذا الصدد‪ ،‬كيما تنظر اللجنة يف هذا التقرير وذلك‪:‬‬ ‫(أ) يف غضون سنة واحدة من بدء النفاذ ابلنسبة للدولة املعنية‪.‬‬ ‫(ب) وبعد ذلك كل أربع سنوات على األقل‪ ،‬وكذلك كلما طلبت اللجنة ذلك‪.‬‬ ‫‪ .2‬جيوز أن تبني التقارير العوامل والصعاب اليت تؤثر على مدى الوفاء اباللتزامات‬ ‫املقررة يف هذه االتفاقية‪.‬‬ ‫املادة ‪19‬‬ ‫‪ .1‬تعتمد اللجنة النظام الداخلي اخلاص هبا‪.‬‬ ‫‪ .2‬تنتخب اللجنة أعضاء مكتبها لفرتة سنتني‪.‬‬ ‫املادة ‪20‬‬ ‫‪ .1‬جتتمع اللجنة‪ ،‬عــادة‪ ،‬على مدى فرتة ال تزيد على أسبوعني سنوايً للنظر يف‬ ‫التقارير املقدمة وفقاً للمادة ‪ 18‬من هذه االتفاقية‪.‬‬ ‫‪ .2‬تعقد اجتماعات اللجنة عادة يف مقر األمم املتحدة أو يف أي مكان مناسب‬ ‫آخر حتدده اللجنة‪.‬‬ ‫املادة ‪21‬‬ ‫‪ .1‬تقدم اللجنة تقريراً سنوايً عن أعماهلا إىل اجلمعية العامة لألمم املتحدة بواسطة‬ ‫اجمللس االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬وهلــا أن تقدم مقرتحات وتوصيات عامة مبنية‬ ‫على دراسة التقارير واملعلومات الواردة من الدول األطراف‪ .‬وتدرج تلك املقرتحات‬ ‫والتوصيات العامة يف تقرير اللجنة مشفوعة بتعليقات الدول األطراف‪ ،‬إن وجدت‪.‬‬ ‫‪ .2‬حييل األمني العام تقارير اللجنة إىل جلنة مركز املرأة‪ ،‬لغرض إعالمها‪.‬‬ ‫املادة ‪22‬‬ ‫حيق للوكاالت املتخصصة أن توفد من ميثلها لدى النظر يف تنفيذ ما يقع يف نطاق‬ ‫أعماهلا من أحكام هذه االتفاقية‪ .‬وللجنة أن تدعو الوكاالت املتخصصة إىل تقدمي‬ ‫تقارير عن تنفيذ االتفاقية يف اجملاالت اليت تقع يف نطاق أعماهلا‪.‬‬ ‫املادة ‪23‬‬ ‫ليس يف هذه االتفاقية ما ميس أية أحكام تكون أكثر موااتة لتحقيق املساواة بني‬ ‫الرجل واملرأة‪ ،‬تكون واردة‪:‬‬ ‫(أ) يف تشريعات دولة طرف ما‪.‬‬ ‫(ب) أو يف أية اتفاقية أو معاهدة أو اتفاق دويل انفذ إزاء تلك الدولة‪.‬‬ ‫املادة ‪24‬‬ ‫تتعهد الدول األطراف ابختاذ مجيع ما يلزم من تدابري على الصعيد الوطين تستهدف‬ ‫حتقيق اإلعمال الكامل للحقوق املعرتف هبا يف هذه االتفاقية‪.‬‬ ‫املادة ‪25‬‬ ‫‪ .1‬يكون التوقيع على هذه االتفاقية متاحاً جلميع الدول‪.‬‬ ‫‪ .2‬يسمى األمني العام لألمم املتحدة وديعاً هلذه االتفاقية‪.‬‬ ‫‪ .3‬ختضع هذه االتفاقية للتصديق‪ ،‬وتودع صكوك التصديق لدى األمني العام لألمم‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪33 2014‬‬


‫ما الذي قدمه اإلعالم‬ ‫لتنظيم الدولة اإلسالمية‬

‫أصـبــح اإلع ــام أب ــرز األسـلـحــة املستخدمة يف‬ ‫احلروب والسيطرة على عقول الشعوب‪ ،‬وبقدر‬ ‫مــا يلعب اإلع ــام دوراً إجيابياً إبمكانه لعب‬ ‫دور سـلــي‪ ،‬وقــد أربـكــت األح ــداث املتسارعة‬ ‫والـ ـصـ ـراع ــات الـ ــي ت ـش ـهــدهــا امل ـن ـط ـقــة الـعـربـيــة‬ ‫اإلعالم العريب اململوك أغلبه لألنظمة املستبدة‬ ‫فتمسك اإلع ــام الـعــريب ابخلطاب‬ ‫والـفــاســدة‪ُّ ،‬‬ ‫اخلشيب على مدى عقود‪ ،‬وجتاهله مهوم املواطن‬ ‫أفقده املصداقية يف الشارع العريب‪ ،‬ونُظر إليه‬ ‫كأداة طيعة يف يد املستبد‪ ،‬وابت املواطن يشك‬ ‫أبي خطاب يصدر عن هذا اإلعالم‪.‬‬ ‫األحداث اليت تشهدها املنطقة أوقعت اإلعالم‬ ‫يف حــرة ابلـغــة‪ ،‬فـتــارة يقف مــع التغيري العريب‬ ‫واترة حي ــارب ــه‪ ،‬مـشــى يـغـطــي األحـ ــداث تغطية‬ ‫عــرجــاء‪ ،‬فلم يـقــدم ال ـصــورة احلقيقية أو يطرح‬ ‫احللول الناجعة‪ ،‬وابلتايل مل يقدم الرسالة املأمولة‬ ‫منه‪.‬‬ ‫ولعل من اخلطااي الكربى اليت وقع فيها اإلعالم‬ ‫تناوله وتغطيته لظاهرة تنظيم الدولة اإلسالمية‬ ‫بطريقة أقــل مــا يـقــال عنها إهنــا فــاشـلــة‪ ،‬فمنذ‬ ‫الـبــدايــة ابـتـعــد اإلع ــام عــن املهنية والتوصيف‬ ‫الدقيق‪ ،‬مسى«تنظيم الدولة اإلسالمية يف العراق‬ ‫وال ـشــام» ب ـ «داع ــش»‪ ،‬وحـ ّـجــم مــن إمـكــاانت‬ ‫تـنـظـيــم ال ــدول ــة وق ــدرات ــه‪ ،‬لـيـتـفــاجــأ ب ــن عشية‬ ‫وضـحــاهــا ابلتنظيم وه ــو يبسط سيطرته على‬ ‫قسم كبري مــن دولـتــن كانتا حــى وقــت قريب‬ ‫متلكان أقوى اجليوش العربية‪.‬‬ ‫وتفاجأ اإلع ــام حبجم التطرف والتشدد عند‬ ‫‪ 34‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫هذا التنظيم فأصبح اإلعالم يشتم ويهاجم دون‬ ‫خطاب عقالين وال تغطية موضوعية‪ ،‬ووجه‬ ‫رسالته دون اسرتاتيجية واضحة‪ ،‬فقدم دون أن‬ ‫يشعر خدمات جليلة للتنظيم‪.‬‬ ‫ومن األخطاء اليت وقع فيها اإلعالم‪ ،‬أنه جتاهل‬ ‫بداية خطر التنظيم‪ ،‬وقدمه للجمهور على أهنم‬ ‫فئة قليلة ضمن صفوف الثوار‪ ،‬مما مسح للتنظيم‬ ‫ابلتمدد بشكل مريح وخفي‪ ،‬حىت متكن من‬ ‫السيطرة على مساحات واسعة‪.‬‬ ‫قــدم اإلعــام التنظيم على أهنــم عناصر أجنبية‬ ‫ال راب ــط بينها ج ــاءت لنصرة ال ـثــورة الـســوريــة‪،‬‬ ‫وتعامى عن حقيقة وطريقة انضمام كل هذه‬ ‫اجلنسيات حتت قيادة متلك التحكم والسيطرة‪،‬‬ ‫أي قيادة هلا أهداف اسرتاتيجية‪ ،‬وختطط لبناء‬ ‫مشروعها اخلاص مستغلة األحداث اجلارية‪.‬‬ ‫حت ــدث اإلعـ ــام عــن الـنـتــائــج (ظ ـهــور التنظيم‬ ‫وأعماله) وجتاهل األسباب املوضوعية اليت أدت‬ ‫لنشوئه أوالً‪ ،‬ولتمدده اثنياً‪ ،‬ولتطرفه اثلثاً‪.‬‬ ‫كما جتــاهــل اإلع ــام اإلجيــابـيــات املــوجــودة يف‬ ‫التنظيم‪ ،‬وصوره على أنه شيطان ال يرجى منه‬ ‫خري أبداً‪ .‬ضخم األخطاء البسيطة ملمارسات‬ ‫التنظيم وجتــاهــل املــوبـقــات الــي يقوم هبــا‪ .‬شوه‬ ‫مــا يسمى األحـ ـزاب الــديـنـيــة‪ ،‬ورف ــض وحــارب‬ ‫كل من ينطلق من خلفية إسالمية‪ .‬كما ضخ‬ ‫اإلعــام أخـبــاراً كاذبة وخيالية عن التنظيم يف‬ ‫وقــت كانت فيه احلقائق كافية لالستغناء عن‬ ‫صناعة اخلرب الكاذب‪.‬‬ ‫من خــال النقاط السابقة نلحظ كيف خدم‬

‫• جالل زين الدين‬

‫اإلعالم خبطابه األعرج تنظيم الدولة اإلسالمية‬ ‫فـتـصــويــره التنظيم بــدايــة عـلــى أهن ــم فـئــة هتــدف‬ ‫لنصرة الـثــورة فقط‪ ،‬دفــع الكثري مــن أصحاب‬ ‫احلـمـيــة الــديـنـيــة وال ـن ـخــوة الـعـربـيــة ل ــاخن ـراط يف‬ ‫صـفــوفــه‪ ،‬ومبـجــرد اخنـراطـهــم متــت عملية غسل‬ ‫الدماغ والشحن العقائدي‪ .‬وكان هؤالء األوائل‬ ‫أشرس مقاتلي التنظيم‪ ،‬ألهنم انتسبوا عن عقيدة‬ ‫ومبدأ‪ ،‬ال عن مصلحة‪.‬‬ ‫ت ـع ــام ــي اإلعـ ـ ـ ــام حـ ــى ال ـ ـيـ ــوم عـ ــن الـ ـظ ــروف‬ ‫املوضوعية لنشوء التنظيم من مظلومية وإرهاب‬ ‫وقـمــع لـلـحـرايت وحــرمــان مــن احلـقــوق جعلت‬ ‫املعاجلة فاشلة‪ ،‬وستستمر بفشلها‪ ،‬فاإلعالم‬ ‫جيب عليه أن يبحث عن األسباب والتفاصيل‬ ‫الدقيقة ألن النتائج يعرفها اجلميع‪.‬‬ ‫بُرمج العقل العريب على اإلميان بنظرية املؤامرة‪،‬‬ ‫ورسخ يف ذهنه أن كل شاردة وواردة حتدث يف‬ ‫املنطقة وراءها مؤامرة‪ .‬وأسهم اإلعالم يف ذلك‪،‬‬ ‫فعندما يتغاضى اإلعالم عن بعض اإلجيابيات‬ ‫للتنظيم من بسطه لألمن ومالحقته للصوص يف‬ ‫مناطق السنة و‪ ..‬وتصويره على أنه شيطان‪،‬‬ ‫جعلت الكثريين ممن خيضعون لسيطرة التنظيم‬ ‫ينظرون بعني املؤامرة هلذا اإلعالم‪ ،‬ألنه تعامى‬ ‫عن هــذه اإلجيــابـيــات‪ ،‬وتناسى أنــه ما من شر‬ ‫مـطـلــق‪ ،‬وأن ــه مــن الطبيعي أن تـكــون للتنظيم‬ ‫حسنات حىت يستمر وينمو‪ .‬ونذكر كلنا كيف‬ ‫روج اإلعالم وما زال يروج لتحالف التنظيم مع‬ ‫النظام السوري‪ ،‬لتأيت معارك التنظيم مع النظام‬ ‫وتنسف هــذا اخلطاب اإلعــامــي من أساسه‪،‬‬


‫ولتعيدان للقيادة اليت ميتلكها التنظيم‪ ،‬واليت متتلك التحكم والسيطرة‪ ،‬وليثبت‬ ‫الواقع أنه يسري وفق خطة اسرتاتيجية‪.‬‬ ‫ولعل اخلطيئة الكربى اليت تناوهلا اإلعالم‪ ،‬تتمثل بتسليط الضوء على أخطاء‬ ‫التنظيم يف تطبيق الشريعة اإلســامـيــة‪ ،‬فالشارع العريب«املسلم الـســي» يف‬ ‫غالبيته عاطفي ومييل لكل من يرفع الشعارات الدينية ويطبق أحكام اإلسالم‪،‬‬ ‫واإلعالم بدالً من أن يتحدث عن أخطاء التنظيم يف فهم الدين‪ ،‬قام بتشويه‬ ‫الدين‪ ،‬أي إنــه بــدالً من حتدثه عن أخطاء التنظيم بطريقة فــرض احلجاب‬ ‫وإقامة احلدود و‪ ...‬صور هذه األعمال على أهنا من خملفات املاضي اليت ال‬ ‫تصلح هلذا العصر‪ ،‬مما ولد ردة فعل لدى شرحية كبرية‪ ،‬فاإلسالم يصلح لكل‬ ‫زمان ومكان‪ ،‬وكان ينبغي أن يتوجه النقد للجوهر أي للفكر الذي ميتلكه‬ ‫التنظيم وجيعله ميارس اإلسالم بطريقة خاطئة‪ .‬كان ينبغي تسليط الضوء على‬ ‫الفكر التكفريي املتطرف الذي يرفض اآلخر ويسيء تطبيق اإلسالم‪ ،‬فالفكر‬ ‫اخلاطئ هو الذي دفع هلذه املمارسات اخلاطئة والتطرف‪ ،‬وهذا أسهم إبميان‬ ‫شرحية أخرى ابملؤامرة على اإلسالم نتيجة سطحية اخلطاب اإلعالمي‪.‬‬

‫تشويه اإلعــام ألصحاب التوجه اإلسالمي املعتدل وحماربتهم له وشيطنته‬ ‫جعلهم ينتقلون خلندق التطرف‪ ،‬وقد حصل ذلك يف سوراي بوضوح‪ ،‬فأغلب‬ ‫الفصائل اإلســامـيــة يف ســوريــة كــانــت ذات تــوجــه إســامــي مـعـتــدل‪ .‬ضخ‬ ‫األخبار الكاذبة املضحكة اليت تتحدث عن سوق للجواري‪ ،‬وجتاهل األخبار‬ ‫احلقيقية مثل تصفية شخصيات هلا ثقلها ووزهنا يف الشارع السوري‪ ،‬وتكفري‬ ‫التنظيم للثوار جعلت مصداقية اإلعالم على احملك‪.‬‬ ‫ويستمر اإلعالم خبطيئته‪ ،‬بتصوير التنظيم كعدو لدود ألمريكا والغرب‪ ،‬مما‬ ‫يسهم خبلق قــاعــدة شعبية للتنظيم انـطــاقـاً مــن كــره الـشــارع الـعــريب للغرب‬ ‫وأمريكا‪ ،‬نتيجة اإلرث االستعماري والدعم املستمر من هذه القوى إلسرائيل‪،‬‬ ‫انهـيــك عــن عرقلتها ملـســرة االنـتـقــال السياسي يف الــوطــن الـعــريب والــوقــوف‬ ‫يف بوجه تطلعات األمــة العربية‪ ،‬والـيــوم التنظيم يستثمر ضـرابت التحالف‬ ‫ويستقطب عناصر جدد حتت شعار معاداة الغرب‪.‬‬ ‫ابخـتـصــار ينبغي عـلــى اإلع ــام الـتـحـلــي ابملـهـنـيــة واملـصــداقـيــة واملــوضــوعـيــة‪،‬‬ ‫واالنطالق من احلقيقة وذلك كاف‪ ،‬أما غري ذلك فإنه يسهم بدعم التطرف‬ ‫وتغذيته‪.‬‬

‫عشرات البريطانيات يلتحقن بتنظيم «الدولة»‬

‫و«وحدة شرطة الشريعة» للدولة‬ ‫اإلسالمية بقيادة «محمود األقصى»‬

‫• فريق ترمجة سيدة سوراي‬

‫انضمت قرابة ‪ 60‬امرأة بريطانية إىل «وحدة شرطة الشريعة النسائية»‬ ‫يف الــدولــة اإلســامـيــة «داعـ ــش»‪ ،‬ليعاقنب أول ـئــك املـخــالـفــن لقواعد‬ ‫الشريعة املتشددة‪.‬‬ ‫من املعتقد أن لواء اخلنساء يعمل يف مدينة الرقة السورية‪ ،‬اليت تسيطر‬ ‫عليها ميليشيات «داعش» وتعد مقرهم الرئيسي‪ ،‬ووفقاً جلمعية «حبث‬ ‫وحتليل اإلرهاب (‪ ،»)TRAC‬فإن هذه امليليشيا أتسست يف بداية‬ ‫هــذا الـعــام‪ ،‬للمساعدة يف كشف الناشطني الــذكــور‪ ،‬الــذيــن يتنكرون‬ ‫يف زي نساء‪ ،‬لتجنب إلقاء القبض عليهم‪ .‬معظم النساء الربيطانيات‬ ‫اللوايت ذهنب إىل مناطق احلرب للقتال ترتاوح أعمارهن بني ‪24-18‬‬ ‫عاماً‪ .‬وتفيد صحيفة «التيليغراف»‪ ،‬أن أكثر من ثالثة نساء يعتقد أهنن‬ ‫انضممن إىل وحدات عسكرية‪.‬‬ ‫«املــركــز ال ــدويل لــدراســة التطرف» يقول إنــه رصــد ‪ 25‬ام ـرأة جهادية‬ ‫بريطانية‪ ،‬تركن حياهتن يف بريطانيا لدعم «داعش»‪.‬‬ ‫وتفيد تقارير لـ «مجعية حبث وحتليل اإلرهاب» أن النساء يف هذا اللواء‬ ‫يتلقني رواتب وقدرها ‪ 25000‬لرية سورية شهرايً (أي ما يقارب ‪100‬‬ ‫جنيه اسـرلـيــي)‪ ،‬مقابل واجـبــات ليس هلــا عالقة أبعـمــال إرهابية بل‬ ‫عمليات مترد‪ ،‬وهو لواء مؤلف من النساء فقط‪ ،‬إضافة إىل لواء آخر‪،‬‬ ‫هو لواء «أم راين»‪ ،‬الذي أتسس تقريباً يف نفس الوقت‪.‬‬ ‫ووفقاً ملوقع «‪ ،»Syria deeply‬فقد مت تكليف «لـواء اخلنساء»‬ ‫ابلتضييق على املدنيات الـلـوايت ال يتقيدن ابلشعائر الدينية الصارمة‬ ‫للشريعة املطبقة من قبل «داعش»‪ ،‬مبا يف ذلك النساء املنقبات بشكل‬ ‫كامل ويرافقهن رجاهلن‪.‬‬ ‫ويف تصريح لقيادي يف «داعش» ابلرقة‪ ،‬قال‪« :‬لقد شكلنا هذا اللواء‬ ‫لتوعية النساء بديننا‪ ،‬وملعاقبة اللوايت ال يتقيدن ابلقوانني»‪.‬‬ ‫ويضيف‪« :‬هناك نساء فقط يف هذا اللواء‪ ،‬ولقد أعطيناهن منشآت‬ ‫خاصة هبن‪ ،‬ملنع اختالطهن ابلرجال»‪.‬‬ ‫بتصرف‬ ‫‪http://www.independent.co.uk/news/‬‬ ‫‪world/middle-east/isis-british-women‬‬‫‪running-sharia-police-unit-for-islamic‬‬‫‪state-in-syria-9717510.html‬‬ ‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪35 2014‬‬


‫الحصبة‬ ‫أو ًال‪ :‬تعريف احلصبة‬ ‫تعد احلصبة مــن األمـ ـراض الــي يسببها بشكل‬ ‫أســاســي الـتـهــاب يف املـســالــك اهلـوائـيــة التنفسية‬ ‫انجم عن فريوس شديد العدوى‪ .‬ومن األعراض‬ ‫اليت ترافق مرض احلصبة‪ :‬السعال‪ ،‬الزكام‪ ،‬هتيج‬ ‫العينني وامحـرارمهــا‪ ،‬آالم يف احللق‪ ،‬ارتفاع درجة‬ ‫حرارة اجلسم وطفح على شكل بقع محراء تظهر‬ ‫على اجللد‪.‬‬ ‫مــن املمكن أن يكون داء احلصبة خـطـراً جــداً‬ ‫الرضع‪ .‬وتشري‬ ‫وقد يتسبب ابملوت لدى األطفال ّ‬ ‫التقديرات إىل أن حنو ‪ 40 - 30‬مليون حالة‬ ‫من مرض احلصبة حتدث سنوايً يف خمتلف أحناء‬ ‫العامل‪ ،‬وأن عدد الوفيات بسببه يصل سنوايً إىل‬ ‫حنو مليون شخص‪.‬‬ ‫اثنياً‪ :‬أعراض احلصبة‬ ‫تشمل األع ـراض املصاحبة ملرض احلصبة ظهور‬ ‫طفح جلدي على شكل بقع كبرية محراء اللون‪،‬‬ ‫تظهر هذه البقع عــاد َة بعد ‪ 12-10‬يوماً من‬ ‫التقاط الفريوس‪.‬‬ ‫أما ابقي األعراض فهي‪:‬‬ ‫ احلمى‪.‬‬‫ السعال اجلاف‪.‬‬‫ الزكام وإفرازات خماطية غزيرة من األنف‪.‬‬‫ التهاب امللتحمة‪.‬‬‫ حساسية زائدة من الضوء‪.‬‬‫ ظهور نقاط صغرية بيضاء اللون‪ ،‬ذات مركز‬‫أبيض مزرق‪ ،‬تظهر عاد ًة‪ ،‬داخل الفم‪ ،‬يف اجلهة‬ ‫‪ 36‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫• فريق حترير سيدة سوراي‬

‫الداخلية من اخلدين‪ ،‬وتدعى «بقـع كوبليك»‪.‬‬ ‫ ظهور طفح يف اجللد يتكون مــن بقع كبرية‬‫محراء اللون تتداخل أحياانً يف بعضها البعض‪.‬‬ ‫محــى بسيطة مث‬ ‫يبدأ داء احلصبة غالباً‪ ،‬بظهور ّ‬ ‫تزداد تدرجيياً‪ ،‬ترافقها أعراض أخرى مثل‪ :‬سعال‬ ‫متواصل‪ ،‬زكام‪ ،‬هتيج يف العينني وامحرار (التهاب‬ ‫امللتحمة) وآالم يف احللق‪ .‬بعد يومني أو ثالثة‬ ‫تبدأ بقع كوبليك ابلظهور‪ ،‬وهي العالمة األكثر‬ ‫وضوحاً وداللة على اإلصابة بداء احلصبة‪.‬‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬ترتفع درجة حرارة اجلسم أكثر‪ ،‬حىت‬ ‫تصل أحياانً إىل ‪ 40‬أو ‪ 40.5‬درجة مئوية‪ .‬يف‬ ‫املقابل‪ ،‬يبدأ الطفح املتمثل ابلبقع احلمراء الكبرية‬ ‫ابلظهور‪ ،‬عاد ًة تبدأ يف منطقة الوجه‪ ،‬على طول‬ ‫خط الشعر وما وراء األذنني‪ .‬ويثري الطفح حكة‬ ‫بسيطة‪ ،‬تبدأ ابلـنــزول إىل أسفل منطقة الصدر‬ ‫والـظـهــر‪ ،‬وبـعــد م ــرور أسـبــوع تـنــزل إىل مــا حتت‬ ‫الفخذ وحىت أمخص القدم‪.‬‬

‫فيروس احلصبة‬

‫اثلثاً‪ :‬أسباب ومضاعفات احلصبة‬ ‫الـعــامــل امل ـســؤول عــن نـشــوء م ــرض احلـصـبــة هو‬ ‫فريوس احلصبة‪ ،‬وهو فريوس مع ٍد إىل حد كبري‪،‬‬ ‫وقــد يتم نقل املــرض إىل مــا يـقــارب ‪ 90%‬من‬ ‫احمليطني ابملـصــاب بــه‪ ،‬خــاصـ ًة أولـئــك الــذيــن مل‬ ‫يتم تلقيحهم ضد الفريوس‪ .‬يعيش هذا الفريوس‬ ‫يف اجليوب األنفية ويف الفم لدى املصاب بداء‬ ‫احلصبة‪ ،‬وميكن أن يتم نقل املرض يف فرتة ترتاوح‬ ‫بني أربعة أايم قبل ظهور الطفح حىت أربعة أايم‬ ‫بعد ظهوره‪.‬‬ ‫وينتقل املــرض عــن طريق اهل ـواء‪ ،‬فعندما يسعل‬ ‫امل ـصــاب أو يعطس أو يتكلم‪ ،‬تنتشر قـطـرات‬ ‫صغرية مــن اللعاب احلاملة للفريوس يف اهل ـواء‪،‬‬ ‫وهبذه الطريقة‪ ،‬ميكن لكل من يتواجد يف احمليط‬ ‫أن يستنشقها وي ـصــاب ابل ـع ــدوى‪ .‬كـمــا ميكن‬ ‫هلذه القطرات احلاملة للفريوس أن تتساقط على‬ ‫أسـطــح حتـيــط ابمل ـصــاب‪ ،‬حـيــث يبقى الـفــروس‬ ‫ف ـعــاالً وم ـع ــدايً مل ــدة تـصــل حــى أرب ــع ســاعــات‪.‬‬ ‫وهكذا ميكن انتقال العدوى ابلفريوس عن طريق‬ ‫إدخــال األصابع إىل داخــل الفم أو األنــف بعد‬ ‫ملــس الـسـطــح امل ـلــوث ابل ـف ــروس‪ .‬وعـنــد دخــول‬ ‫ال ـف ــروس إىل اجل ـســم‪ ،‬يـبــدأ ابلـتـكــاثــر يف خــااي‬ ‫النسيج املخاطية يف احلنجرة والرئتني‪ ،‬مث االنتشار‬ ‫يف مجيع أحناء اجلسم‪ ،‬مبا يف ذلك اجلهاز التنفسي‬ ‫واجللد‪.‬‬ ‫يف حــال كــان شخص مــا قــد أصـيــب مــن قبل‪،‬‬ ‫مبرض احلصبة‪ ،‬فإن جسمه ينتج أضداداً( (�‪An‬‬ ‫‪ )tibodies‬يف جهاز املناعة حملاربة التلوث‪،‬‬


‫مــا يـعــي أنــه ال ميـكــن ان يـصــاب ابحلـصـبــة مــرًة‬ ‫اثنية‪ .‬داء احلصبة أكثر انتشاراً يف الدول النامية‪،‬‬ ‫وخاص ًة يف اجملتمعات اليت تعاين من النقص يف‬ ‫فيتامني أ (‪ )Vitamin A‬وكــذلــك بسبب‬ ‫سوء التغذية‪.‬‬ ‫مضاعفات احلصبة‬ ‫تستمر اإلصــابــة مبــرض احلصبة مــدة ت ـراوح بني‬ ‫‪ 10‬إىل ‪ 14‬يوماً‪ ،‬وتشمل مضاعفات احلصبة‪،‬‬ ‫عادة‪:‬‬ ‫• ال ـت ـهــاب األذنـ ـ ــن‪ :‬ي ـس ـبــب مـ ــرض احلـصـبــة‬ ‫ال ـت ـهــاابت األذنـ ــن ل ــدى واح ــد مــن كــل عشرة‬ ‫أطفال يصابون به‪.‬‬ ‫• التهاب السحااي‪ :‬واحد من كل ألف مصاب‬ ‫بـ ــداء احل ـص ـبــة‪ ،‬ت ـق ـري ـب ـاً‪ ،‬ق ــد ي ـص ــاب ابلـتـهــاب‬ ‫ال ـس ـحــااي‪ ،‬وه ــو الـتـهــاب يصيب ال ــدم ــاغ ج ـراء‬ ‫عدوى فريوسية (‪ )Viral infection‬تسبب‬ ‫القيء‪ ،‬االختالج (‪ )Convulsion‬والتشنج‬ ‫(‪ )Spasm‬كما قد تؤدي‪ ،‬يف حاالت اندرة‪،‬‬ ‫إىل غـيـبــوبــة (‪ .)Coma‬وق ــد يظهر التهاب‬ ‫السحااي خالل وقت قصري بعد ظهور احلصبة‪،‬‬ ‫وق ــد يظهر بـعــد ذل ــك ببضع س ـن ـوات‪ ،‬يف سن‬ ‫املراهقة نتيجة لعدوى فريوسية بشكل بطيء‪.‬‬ ‫• التهاب رئــوي‪ :‬واحــد مــن كــل ‪ 15‬مصاب‬ ‫بداء احلصبة سوف يصاب ابلتهاب رئوي‪ ،‬وقد‬ ‫يكون مميتاً‪.‬‬ ‫• إسهال وقيء‪ :‬مضاعفات كهذه هي األكثر‬ ‫انتشاراً لدى األطفال والرضع‪.‬‬ ‫ • التهاب الشعب اهلوائية (�‪Bronchi‬‬ ‫‪ ،)tis‬التهاب البلعوم (‪)Pharyngitis‬‬ ‫أو اخلـنــاق (‪ :)Diphtheria‬قــد يــؤدي‬ ‫م ــرض احلـصـبــة إىل اإلص ــاب ــة ابلـتـهــاب احلنجرة‬ ‫(‪ )Laryngitis‬أو التهاب الغشاء املخاطي‬ ‫يف اجل ـوان ــب الــداخ ـل ـيــة م ــن الـقـصـبــات اهلـوائـيــة‬ ‫الرئيسية يف الرئتني‪.‬‬ ‫• اضطراابت احلمل‪ :‬على النساء احلوامل توخي‬ ‫احلــذر الشديد يف كــل مــا يتعلق بــداء احلصبة‪،‬‬ ‫واحلــرص الشديد على عــدم التعرض للفريوس‪،‬‬ ‫ألن ذلك قد يؤدي إىل اإلجهاض‪ ،‬أو إىل والدة‬ ‫أطفال قليلي الوزن عند الوالدة‪.‬‬ ‫• اخنفاض عدد صفائح الدم( )�‪Throm‬‬ ‫‪ :)bocytes‬ق ــد يـ ــؤدي داء احل ـص ـبــة إىل‬

‫اخن ـفــاض يف ع ــدد صـفــائــح ال ــدم‪ ،‬وه ــي اخلــااي‬ ‫الضرورية لتخثر الدم (‪.)Coagulation‬‬

‫الذين تعرضوا لفريوس احلصبة أن حيصلوا على‬ ‫حقن الربوتينات (األضــداد ‪)Antibodies‬‬ ‫اليت قد تساعد يف حماربة الفريوس‪ .‬اللقاح يدعى‬ ‫مصل مناعي على أساس الغلوبولني( (�‪Glob‬‬ ‫‪ .)ulin‬هذه احلقنة تعطى على مدار ‪ 6‬أايم من‬ ‫حلظة التعرض لفريوس احلصبة‪ ،‬حيث تستطيع‬ ‫هذه األضــداد أن تساعد يف منع اإلصابة بداء‬ ‫احلصبة‪ ،‬أو ختفف من حدة األعراض املرافقة له‪.‬‬ ‫إذا كــانــت اإلص ــاب ــة مب ــرض احلـصـبــة مصحوبة‬ ‫ب ـعـ ـ�دوى جـ�رثـ�ومـيــ�ة( (�‪Bacterial Infec‬‬ ‫‪ ،)tionn‬مـثــل االل ـت ـهــاب ال ـرئ ــوي (�‪pneu‬‬ ‫‪ )monia‬أو التهاب األذن (‪ ،)Otitis‬فقد‬ ‫يقرر الطبيب املعاجلة بواسطة مضادات حيوية‬ ‫(‪ .)Antibiotics‬وألن داء احلـصـبــة مع ٍد‬ ‫ج ــداً‪ ،‬ف ــإن ع ــزل امل ـصــاب بــه ميـكــن أن يشكل‬ ‫إج ـ ـر ًاء عــاج ـي ـاً إضــاف ـي ـاً مل ـواج ـهــة ال ـ ــداء‪ ،‬جيب‬ ‫ع ــزل امل ـريــض مل ــدة متـتــد مــن ‪ 4‬أايم قـبــل ظهور‬ ‫الطفح وحىت ‪ 4‬أايم بعد ظهوره‪ ،‬كما يفضل أال‬ ‫يعمل املصابون ابحلصبة قرب أشخاص آخرين‬ ‫خــال هــذه املــدة الزمنية‪ .‬ابإلضــافــة إىل ذلــك‪،‬‬ ‫يستحسن أيضاً أن يتم إبعاد املصاب ابحلصبة‬ ‫عن األشخاص احمليطني‪ ،‬مثل األخوة واألخوات‬ ‫غري امللقحني ضد فريوس احلصبة‪.‬‬

‫تشخيص احلصبة‬ ‫ابس ـت ـطــاعــة ال ـط ـب ـيــب امل ـع ــاجل تـشـخـيــص مــرض‬ ‫احلصبة وفقاً لألعراض الواضحة اليت تصاحب‬ ‫داء احلصبة‪ ،‬مثل الطفح‪ ،‬النقاط البيضاء ذات‬ ‫املــركــز األب ـيــض‪ /‬األزرق الـفــاتــح داخ ــل الـفــم يف‬ ‫اجلهة الداخلية من اخلد‪ .‬وقد حيتاج الطبيب يف الوقاية من احلصبة‬ ‫بعض األحـيــان إىل فحص عينة مــن الــدم حىت ‪ 10%‬من األشخاص‪ ،‬يعانون عاد ًة من احلمى‬ ‫مل ــدة تـ ـ ـراوح ب ــن ‪ 5‬إىل ‪ 12‬ي ــوم ـاً بـعــد تلقي‬ ‫يتأكد من تشخيص احلصبة‪.‬‬ ‫اللقاح‪ .‬كما أن اللقاح الــذي يعطى ضــد داء‬ ‫احلصبة يعطى‪ ،‬بشكل عــام‪ ،‬كلقاح مدمج يف‬ ‫عالج احلصبة‬ ‫عندما يكون داء احلصبة يف مرحلته الفعالة‪ ،‬ال «تطعيم ثــاثــي» (‪ )MMR‬يشمل‪ ،‬أيضاً‪،‬‬ ‫يــوجــد عــاج يساعد يف التخلص مـنــه‪ .‬لكن‪ ،‬لقاحني ضــد مــرضــي احلصبة األملــانـيــة‪/‬احلـمـراء‬ ‫ابإلمـ ـك ــان تـلـقـيــح ال ــرض ــع غ ــر امل ـل ـق ـحــن ضد (‪ ،)Rubella‬والنـ ـك ـ ـ ـ ـ ــاف (‪.)Mumps‬‬ ‫الفريوس بعد حنو ‪ 72‬ساعة تقريباً من التعرض هــذا الـلـقــاح مـكــون مــن الرتكيبة األكـثــر فعالي ًة‬ ‫إىل ال ـفــروس‪ ،‬بغية تــزويــدهــم ابملناعة الضرورية لكل واحد من هذه التطعيمات‪ .‬عندما يعطى‬ ‫ضد الفريوس‪ .‬ميكن للنساء احلوامل‪ ،‬األطفال ف ــروس احلصبة اجمل ــدد لطفل يف إط ــار التطعيم‬ ‫واألش ـخــاص مــن ذوي جـهــاز املناعة الضعيف الثالثي ‪ ،MMR‬فإنه يتكاثر مسبباً عدوى‬ ‫غري ضــارة‪ ،‬حىت قبل أن حيــاول اجلهاز املناعي‬ ‫القضاء عليه‪ .‬هذه العدوى غري الضارة تؤدي إىل‬ ‫تكوين مناعة ضد فريوس احلصبة لدى ‪95%‬‬ ‫مــن األطـفــال ملــدى احلـيــاة‪ .‬أمــا ال ـ ـ ‪ 5%‬الذين‬ ‫مل يتمكنوا من تكوين مناعة يف التطعيم األول‪،‬‬ ‫فيفضل إعطاؤهم جرعة اثنية من اللقاح‪.‬‬ ‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪37 2014‬‬


‫األرانب وسيلة لكسر الحصار‬

‫تربية األرانب تتغلب على سياسة التجويع‬ ‫يف ظل احلصار املطبق الــذي فرضه النظام على‬ ‫بعض املناطق‪ ،‬خاصة يف جنوب ســوراي‪ ،‬ابتدع‬ ‫ال ـســوريــون أســالـيــب جــديــدة للتغلب عـلــى هــذا‬ ‫احلصار‪ ،‬من أجل احلفاظ على حياهتم يف سياق‬ ‫معركة البقاء تلك‪ .‬لقد أظهرت هذه األساليب‬ ‫مقدار اإلص ـرار والتصميم الــذي ميتلكه الشعب‬ ‫السوري‪ ،‬كما أظهرت مقدرته على خلق احلياة‪،‬‬ ‫والتغلب على العقبات‪ ،‬من خــال اللجوء إىل‬ ‫أبسط الوسائل املتاحة‪ ،‬لتوفري أكرب قدر من املواد‬ ‫املتوفرة يف البيئة احمللية‪ ،‬بغية مساعدة أكرب قدر‬ ‫من الناس احملاصرين يف التغلب على مصاعب‬ ‫احلياة يف ظل هذه الظروف ابلغة القسوة‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬قام السوريون بعدة مشاريع‪ ،‬ملتجئني‬ ‫إىل وسائل بدائية‪ ،‬ترتكز على ما هو متوافر بني‬ ‫يديهم‪ ،‬كزراعة أسطح املنازل ابخلـضـراوات‪ ،‬أو‬ ‫تــدويــر الـنـفــاايت مــن أج ــل تـولـيــد ال ـغــاز املـنــزيل‪،‬‬ ‫ويف بعض األحـيــان جلــؤوا إىل صهر البالستيك‬ ‫للحصول على النفط من أجل توليد الوقود‪.‬‬ ‫كما اسـتـفــادوا مــن جت ــارب الشعوب الــي مـ ّـرت‬ ‫بظروف احلصار الــي ميـ ّـرون هبا اليوم‪ ،‬ومــن بني‬ ‫ه ــؤالء أخــوتـنــا الفلسطينيون يف غ ــزة احملــاصــرة‪،‬‬ ‫الذين يعانون حصاراً شديداً منذ سنوات‪ ،‬األمر‬

‫‪ 38‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫• فريق حترير سيدة سوراي‬

‫الــذي دفعهم لرتبية األرانــب على سبيل املثال‪،‬‬ ‫بغية احلصول على اللحوم احلـمـراء‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن‬ ‫أهن ــم اع ـت ـمــدوا عـلــى ه ــذا ال ـن ــوع م ــن امل ـشــاريــع‪،‬‬ ‫كنوع من املشاريع الصغرية إلعالة أسر الشهداء‬ ‫ومعاقي احلرب‪ ،‬الذين خلّفهم العدوان اإلسرائيلي‬ ‫املستمر على غ ــزة‪ ،‬فكانت هــذه املـشــاريــع من‬ ‫النوع الــذي يسهل على النساء إدارتــه واإليفاء‬ ‫مبتطلباته‪ ،‬ما ساعدهن على جتاوز الضائقة املادية‬ ‫كن يعانيها‪.‬‬ ‫اليت ّ‬ ‫تربية األرانب نفقات ضئيلة مبردود جيد‬ ‫مل تكن ثقافة تـنــاول حلــوم األران ــب مـتــداولــة يف‬ ‫جمتمعنا ال ـس ــوري‪ ،‬ال ــذي درج عـلــى ت ـنــاول حلم‬ ‫ال ــدج ــاج األب ـي ــض‪ ،‬الــديــك ال ــروم ــي‪ ،‬والـسـمــك‬ ‫كلحوم بـيـضــاء‪ ،‬فيما اع ـتــادوا على تـنــاول حلم‬ ‫الـعـواس‪ ،‬العجل ويف بعض املناطق حلــم اجلمل‬ ‫كلحوم محراء‪ .‬غري أن ظروف احلياة قد تغريت‬ ‫خ ــال أرب ــع س ـن ـوات مــن عـمــر ال ـثــورة الـســوريــة‪،‬‬ ‫عانت خالهلا غوطة دمشق سنتني من احلصار‪،‬‬ ‫مات فيهما العديد من األشخاص جوعاً‪ ،‬خاصة‬ ‫بعد أن قصفت ابمل ـواد الكيماوية‪ ،‬ما أدى إىل‬ ‫وفاة أكثر من ‪ 1700‬شخص‪ ،‬ونفوق املواشي‪،‬‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن تلويث البيئة‪.‬‬

‫لكل هذه األسباب‪ ،‬جلأ بعض األهايل قي منطقة‬ ‫الغوطة الشرقية إىل تربية األرانــب‪ ،‬انطالقاً من‬ ‫عــدة أسباب‪ ،‬أمهها سرعة تكاثرها‪ ،‬واعتمادها‬ ‫على املواد املتوافرة يف البيئة احمللية‪ ،‬ما جيعلها ذات‬ ‫مردود اقتصادي جيد‪.‬‬ ‫يرى الطبيب البيطري أمحد حالق أن «مشروع‬ ‫تربية األرانب‪ ،‬هو مشروع جم ٍد اقتصادايً‪ ،‬السبب‬ ‫يعود إىل قــدرهتــا على التوالد السريع‪ ،‬وبتكلفة‬ ‫قليلة‪ ،‬فمن املمكن احلصول على عشر مواليد أو‬ ‫أكثر خالل ‪ 45‬يوماً»‪.‬‬


‫وعن الغذاء الذي تتناوله يرى الطبيب البيطري أن األرنب «يستهلك أي‬ ‫غــذاء أخضر‪ ،‬كما أن نسبة التحويل عالية‪ ،‬لذلك فهو جم ٍد اقتصادايً‪،‬‬ ‫واألرنب قادر على العيش يف خمتلف الظروف‪ ،‬وقد كانت هناك جتربة ملصر‬ ‫يف تربية األرانب يف املنازل‪ ،‬أو على األسطحة حلل مشكلة الربوتني احليواين‬ ‫يف مصر‪ ،‬وهي أهم التجارب يف هذا اجملال»‪.‬‬ ‫أما عن الغذاء الــذي تعتمد عليه األرانــب‪ ،‬فريى الطبيب البيطري أمحد‬ ‫ح ــاق أن «األرنـ ــب أيك ــل أي شــي مــن اخل ـض ــروات‪ ،‬وميـكـنــه االعـتـمــاد‬ ‫على بقاايها ّ‬ ‫كحل أكثر تــوفـراً‪ ،‬ميكن أن أيكــل من احلشائش املوجودة‬ ‫يف األرض»‪ ،‬ويضيف‪« :‬بشكل عام تغذية األرنب أقل تكلفة من مجيع‬ ‫يفضل‬ ‫احليواانت الداجنة‪ ،‬وجيب االنتباه ألن األرنب يكره الشمس‪ ،‬لذا ّ‬ ‫أن تكون احلظرية يف مكان ظليل»‪.‬‬ ‫عن أهــم األم ـراض الــي ميكن أن تتعرض هلا األرانــب بشكل عــام‪ ،‬يقول‬ ‫الطبيب البيطري أمحد حالق إن أهم األمـراض هي الطفيليات الداخلية‬ ‫من نوع «كوكسيداي»‪ ،‬والطفيليات اخلارجية تالحظ بكثرة عند األرانب‬ ‫وأكثرها شيوعاً هي اجلرب‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن أنواع فطرية خمتلفة‪ ،‬وهي تؤثر على‬ ‫اجلــدوى االقتصادية يف حال مت إمهاهلا‪ ،‬خاصة وأ ّن عالجها بسيط عن‬ ‫طريق الرش‪ ،‬أو ابلتعقيم‪.‬‬ ‫كما ينبّه إىل ضرورة االنتباه إىل عدم مالمسة األرنب املصاب أبي نوع‬ ‫من هذه األمراض من قبل اإلنسان‪ ،‬إال بعد ارتداء لباس حمدد للحظرية‪،‬‬ ‫وقفازين خاصني‪ ،‬وتعقيم كامل اللباس‪ ،‬ويشري إىل أن أتثريها على اجلدوى‬ ‫االقتصادية يكمن مــن حيث قلة الشهية عند األرن ــب‪ ،‬وزايدة احلركة‪،‬‬ ‫وابلتايل «قلة التحويل» وهو مصطلح للكناية عن اكتساب الــوزن لدى‬ ‫احليواانت الداجنة‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬هناك اإلسهاالت والتهاابت األمعاء‬ ‫املختلفة‪ ،‬وتالحظ عند األرانب حديثة الوالدة‪.‬‬ ‫«سوريون وسنكون»جتربة فريدة لكسر احلصار عن الغوطة الشرقية‬ ‫إدراكاً منهم ألمهية األرانب‪ ،‬ودورها يف توفري مصادر جديدة للغذاء‪ ،‬أطلق‬ ‫جمموعة من انشطي الغوطة الشرقية مشروعاً حتت عنوان «األرنب شريك‬ ‫اخلوف والــوالدة»‪ ،‬من مدينة جوبر‪ ،‬وأبعداد قليلة ال تتجاوز ‪ 150‬من‬ ‫إانث األرانب‪ ،‬وأطلقوا على احلملة اسم «سوريون وسنكون»‪.‬‬ ‫يـقــول جنـيــب‪ ،‬أحــد مطلقي احلـمـلــة‪« :‬إن أمهـيــة هــذا امل ـشــروع أتيت من‬ ‫كون أنثى األرنــب تضع ما بني ‪12-6‬أرنــب كل أربعني يوماً‪ ،‬وبعد أن‬

‫وصل احلال ابملدنيني يف املنطقة املمتدة من ريف الغوطة يف ريف دمشق‬ ‫إىل حرستا وجوبر يف مدينة دمشق‪ ،‬إىل حــدود من القسوة الــي فرضها‬ ‫واقع املوت جوعاً‪ ،‬بدأ األهايل يفكرون خبيارات تسعفهم‪ ،‬ولو بعد حني‪،‬‬ ‫من موجات اجلوع والغالء املستمرة ‪ ،‬فعملوا على مشاريع تتعلق ابلقمح‬ ‫تعمد حــرق احملاصيل قبل أوان حصادها العام‬ ‫والشعري‪ .‬إال أن النظام ّ‬ ‫الفائت‪ ،‬رغم ضآلة املساحات املزروعة‪ .‬لذلك‪ ،‬وضمن نفس السياق يف‬ ‫اتباع سياسة السعي حنو االكتفاء الذايت‪ ،‬مت االتفاق على تربية الدواجن‪،‬‬ ‫تعمد النظام خالل مدامهاته السابقة قتل أو سرقة األبقار واألغنام‪،‬‬ ‫بعد أن ّ‬ ‫وكل ما وقع حتت فوهات بنادقه أو حرابه يف تلك املناطق من مجيع أنواع‬ ‫األنعام»‪.‬‬ ‫املاسة إىل إجياد بديل متوافر يف البيئة احمللية‪ ،‬يكون‬ ‫من هنا تولّدت احلاجة ّ‬ ‫عوانً لألهايل على احلصار املطبق الذي يعانونه‪ ،‬ويكون قادراً على التعايش‬ ‫مع الظروف القاسية اليت يعانوهنا هم أنفسهم‪ ،‬وما أوحى هلم هبذه الفكرة‬ ‫هو أن األرانب وحدها من ساعدهتا صفاهتا الطبيعية على اهلرب والتملّص‬ ‫حبكم سرعتها وقدرهتا على املناورة واهلرب‪ ،‬بعد أن ُه ِدمت بيوت مربيها أو‬ ‫اهنارت مزارع تربيتها القدمية ‪،‬على تواضعها!‬ ‫نصار» يرى أن هذا النوع من املشاريع‪ ،‬مل يكن على قدر‬ ‫غري أن «أسامة ّ‬ ‫جيسد ضرورة حقيقية يف العام‬ ‫كبري من األمهية يف العام املنصرم‪ ،‬مع أنه ّ‬ ‫احلايل‪ ،‬والسبب يف رأيه يعود إىل أنه «يف السنة الفائتة مل تكن هنالك أزمة‬ ‫مرب املواشي اضطروا لذبح‬ ‫حلوم يف الغوطة‪ ،‬خاصة اللحم األمحــر‪ ،‬ألن ّ‬ ‫معظم قطعاهنم نتيجة عدم توفر العلف أو غالء سعره‪ ،‬ما جعل سعر اللحم‬ ‫أرخص نسبياً‪ .‬صحيح أن هناك أزمة حلم أبيض‪ ،‬لكن على كل حال مل‬ ‫تكن مسألة حلم األرانب حاجة ملحة أمام أزمة القمح واخلبز والسكر‪،»..‬‬ ‫فيما يبدو الوضع مغايراً يف العام احلايل‪ ،‬حيث ال وجود ال للحوم احلمراء‪،‬‬ ‫وال البيضاء‪ ،‬خاصة بعد أن ذحبت املواشي قبل أن تنفق من اجلوع‪.‬‬ ‫وعــن طريقة احلصول على األران ــب يف ظل هــذه الـظــروف‪ ،‬يقول السيد‬ ‫جنيب‪« :‬عمد األهــايل إىل مجع األرانــب بطريقة الصيد ابلفخ‪ ،‬ليمسكوا‬ ‫هبــا حـيــة‪ ،‬ومــن مث وضـعــوهــا يف حظائر مــن الـبـيــوت واألح ـ ـراش املـهـ ّدمــة‪،‬‬ ‫آنذاك‪ ،‬بلغ عدد اإلانث البالغة اليت مت مجعها قرابة ‪ 150‬أنثى‪ ،‬متّ توزيعها‬ ‫على سبعة أح ـواش يف ح ــارات خمتلفة مــن جــوبــر ليسهل ختدميها ابملــاء‬ ‫وتعم منفعتها على أوسع مساحة ممكنة حني يبدأ موسم جين‬ ‫والعشب‪ّ ،‬‬ ‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪39 2014‬‬


‫أعلى مردود منها‪ ،‬ويؤكدون على ضرورة جتديد‬ ‫‪ % 25‬مــن إانث القطيع كــل سـنــة‪ ،‬للحفاظ‬ ‫ع ـلــى اس ـت ـم ـراري ــة إدخ ـ ــال دم ج ــدي ــد لـلـقـطـيــع‪،‬‬ ‫وضمان استمرارية حتسني اإلنتاج‪.‬‬

‫الذكور‪ ،‬طبعاً ينتظر األهايل املزيد من التمويل‪،‬‬ ‫لكنهم يثابرون على العمل‪ ،‬وقد متت املوافقة يف‬ ‫وقــت سابق على بــدء التمويل مببلغ ‪16500‬‬ ‫دوالر أمريكي من قبل جملس األعمال السوري‪،‬‬ ‫كان عدد املواليد واإلانث البالغة واملنتجة ضمن‬ ‫املـ ـش ــروع ي ـف ــوق ‪ 4000‬أرن ـ ــب‪ ،‬م ــوزع ــة على‬ ‫جمموعة حواضن تربية‪ ،‬أبضعاف ما كانت قد‬ ‫ب ــدأت ب ــه‪ ،‬ويف ع ــدد أح ـيــاء أكـثــر أي ـض ـاً‪ ،‬ومــع‬ ‫ت ــوف ــر ال ـت ـمــويــل ت ـق ــرر م ــد ال ـت ـج ـربــة إىل بـســاتــن‬ ‫حرستا وزملكا وعربني‪ ،‬وصــوالً إىل دومــا‪ ،‬لكن‬ ‫ضـمــن حـظــائــر تـربـيــة مكتومة ق ــدر اإلم ـكــان»‪.‬‬ ‫مشاريع استيالد األرانب يف غزة وسيلة إلعانة‬ ‫أسر الشهداء واملعتقلني‬ ‫عملت العديد من اجلمعيات النسوية على متويل‬ ‫مشاريع الستيالد األرانب‪ ،‬رغبة منها يف متكني‬ ‫املرأة الغ ّزاوية اقتصادايً‪ ،‬يف ظل ارتفاع نسبة البطالة‬ ‫بني الرجال بسبب عدم توافر فرص العمل‪ ،‬فض ً‬ ‫ال‬ ‫عن النسب املرتفعة ملعاقي احلرب واملعتقلني من‬

‫‪ 40‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫مشاريع صغرية يف غوطة دمشق‬ ‫يــرى «أسامة نـ ّـصــار»أن «هــذه األفـكــار‪ ،‬بقيت‬ ‫على شكل م ـبــادرات أهلية صـغــرة‪ ،‬ومل تنجح‬ ‫اجلهات املعنية بعمل مشروع واسع وقوي‪ ،‬يوفر‬ ‫احلد األدىن من األمن الغذائي يف الغوطة الشرقية‬ ‫اليت تشكل األراضي الزراعية معظم مساحتها»‪.‬‬ ‫وحب ـســب رأيـ ــه فـ ــإ ّن‪« :‬ف ـك ــرة اس ـت ـيــاد األرانـ ــب‬ ‫ليست امل ـشــروع الــوحـيــد ال ــذي ميـكــن عمله يف‬ ‫الغوطة احملاصرة‪ ،‬لكن األكيد أنه جيب البحث‬ ‫عن أفكار لضمان احلد األدىن من األمن الغذائي‬ ‫وللتعامل مع احلصار‪ ،‬خاصة أن أرض الغوطة‬ ‫خصبة ويسكنها مئات اآلالف»‪.‬‬ ‫يف حني ميكن القول إن هذا النوع من املشاريع‪،‬‬ ‫قد ّ‬ ‫ميكن األهــايل من تفادي شبح العوز‪ ،‬سواء‬ ‫ع ــن ط ـريــق ت ـن ــاول ال ـل ـحــوم بـشـكــل م ـبــاشــر‪ ،‬أو‬ ‫مقايضة مثنها عـلــى املـ ـواد األســاسـيــة الـضــروريــة‬ ‫الستمرار احلياة‪ ،‬يف ظل الغالء الفاحش هلا يف‬ ‫املناطق احملاصرة اقتصادايً‪.‬‬

‫رج ــال الـقـطــاع‪ .‬وكــانــت هــذه اخل ـطــوة‪ ،‬وحبسب‬ ‫السيدة «جناة الصوص»‪ ،‬إحدى القائمات على‬ ‫«مجـعـيــة فلسطني الـغــد للتنمية»‪ ،‬ويف أعـقــاب‬ ‫احلــرب على قطاع غــزة يف مطلع عــام ‪،2009‬‬ ‫«عـمــدت منظمة الـفــاو إىل متويل قـرابــة مخسني‬ ‫أسرة إلنشاء حظائر لرتبية األرانــب‪ ،‬رغبة منهم‬ ‫يف مساعدة بعض األســر املتضررة مــن احلــرب‪،‬‬ ‫خاصة من استشهد معيلهم نتيجة احلــرب‪ ،‬أو‬ ‫تعرض لإلعاقة‪ ،‬بغية التغلب على ظروف احلياة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وأتمني احتياجاهتم الرئيسية»‪ ،‬مؤكدة أن املشروع‬ ‫در عليهم دخ ً‬ ‫ال معقوالً‪.‬‬ ‫قد ّ‬ ‫وينبّه األهــايل الذين اكتسبوا خــرة طويلة ممتدة‬ ‫عـلــى س ـن ـوات طــويـلــة مــن ح ـصــار ال ـق ـطــاع‪ ،‬إىل‬ ‫بعض النصائح ملن يريد اخلــوض يف جتــارب من‬ ‫هذا النوع‪ ،‬أمهها‪ :‬الرتكيز على ساللة اهلولندي أو‬ ‫هجينها مع ساللة الفرنسي‪ ،‬ملا هلذا اهلجني من‬ ‫قدرة إنتاجية عالية‪ ،‬مع اتباع نظام تلقيح يعتمد ويـ ــرى «ال ـط ـب ـيــب ال ـب ـي ـطــري أمح ــد حـ ــاق» أن‬ ‫عـلــى إع ــادة تلقيح األن ـثــى بـعــد ‪ 14‬يــوم ـاً بعد األران ـ ــب أق ـ ّـل احلـ ـيـ ـواانت ال ــداج ـن ــة‪ ،‬م ــن حيث‬ ‫الوالدة‪ ،‬والعناية ابإلدارة والتغذية للحصول على نقلها األم ـراض لإلنسان عند االهتمام بنظافة‬ ‫مكان تربيتها‪ ،‬مثل تنظيف احلظرية‪ ،‬وال خوف‬ ‫من انتقال أم ـراض لإلنسان‪ ،‬كما توجد بعض‬ ‫الـلـقــاحــات ال ــي تعطى لــأرنــب ولـكــن يف مثل‬ ‫هذه الظروف من املستحيل توفريها‪ ،‬وال داعي‬ ‫هلا‪ ،‬على اعتبار الغاية من الرتبية هي توفري غذاء‬ ‫وليست لغرض جتاري»‪.‬‬ ‫من املؤسف أن خييّم على الغوطة‪ ،‬سلة سوراي‬ ‫يتضور أبناؤها‬ ‫الغذائية‪ ،‬شبح العوز والفاقة‪ ،‬وأن ّ‬ ‫جوعاً يف وقت متتلك أرضها ّ‬ ‫مقومات احلياة‪.‬‬ ‫كل ّ‬ ‫غري أن االعتماد على هــذا النوع من املشاريع‪،‬‬ ‫اليت ال تستوجب دفع الكثري من التكاليف‪ ،‬فيما‬ ‫ال مقبوالً‪ ،‬ميكن أن ّ‬ ‫تدر دخ ً‬ ‫يشكل بداية احلل‬ ‫ّ‬ ‫لسلسلة املشاكل الغذائية اليت يعاين منها أهلنا‬ ‫احملاصرون هناك‪.‬‬


‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪41 2014‬‬


‫احلمل (‪ 21‬آذار ‪ 20 -‬نيسان)‬

‫ارتباك وقلق يف حميطك مع بداية الشهر‪ ،‬فال تتسرعي يف اختاذ‬ ‫القرارات‪ ،‬أو توجيه اللوم والعتب للحبيب أو لزمالء العمل‪.‬‬ ‫ركزي على أمورك الشخصية‪ ،‬الفلك ميد لك يد العون مع النصف‬ ‫الثاين من الشهر‪ ،‬ليعود إليك اهلدوء واالستقرار‪.‬‬

‫اجلوزاء (‪ 21‬أاير ‪ 21 -‬حزيران)‬ ‫بعض العقبات متر بك هذا الشهر‪ ،‬خاص ًة مع سعيك‬ ‫لتكوين مركز األحداث‪ ،‬ينصحك الفلك بتجنب‬ ‫املواجهات‪ ،‬عززي العالقة مع الشريك‪ ،‬احتماالت‬ ‫خلطبة أو زواج‪ ،‬ضعي ثق ً‬ ‫ال أكثر والتزاماً ابلعمل‪ ،‬فهناك فرص‬ ‫جلين نتائج جيدة‪ ،‬فرص جلين املال عن طريق احلظ‪.‬‬

‫األسد (‪ 23‬متوز ‪ 22 -‬آب)‬ ‫يرتاجع احلظ هذا الشهر بعد الدعم الكبري يف الشهور‬ ‫السابقة‪ ،‬جتنيب املواجهات غري احملسوبة والصفقات‬ ‫التجارية‪ ،‬ال ترتددي بطلب املساعدة من اآلخرين‪ ،‬تقريب‬ ‫من احلبيب ألنه سيساعدك ويقدم لك احللول لتخطي‬ ‫العقبات‪ ،‬وقد تلتقني ابلشريك الذي طاملا انتظرته‪.‬‬

‫امليزان (‪ 23‬أيلول ‪ 22 -‬تشرين أول)‬

‫بوجود عطارد يف النصف األول من الشهر‬ ‫احلظ إىل جانبك‪ ،‬مينحك القوة وميلؤك ابحليوية‬ ‫والنشاط‪ ،‬ال جتعلي جناحك يتسبب يف إمهال‬ ‫احلبيب‪ ،‬سفر قد يقدم لك فرصة هامة‪ ،‬فائدة‬ ‫جتنينها يف شراء عقار‪ ،‬فرصة لتحسني العالقة مع‬ ‫األخوة واجلريان‪.‬‬

‫القوس (‪ 22‬تشرين اثين ‪ 20 -‬كانون أول)‬

‫بداية الشهر حتمل لك اإلحباط وعقبات يف العمل‪ ،‬ال‬ ‫تستسلمي‪ ،‬انتبهي من انفعالك وردودك القاسية ألهنا‬ ‫تكسبك العداوات‪ ،‬اخلسوف مع هناية الشهر رمبا يقدم لك‬ ‫بداية عالقة أو انفصال‪ ،‬مع احتمال مفتوح لقصة حب‬ ‫سرية‪ ،‬حظوظ على املستوى املايل والفكري‪.‬‬

‫الدلو (‪ 20‬كانون اثين ‪ 18 -‬شباط)‬

‫جناحات تشجعك وتظهر مواهبك‪ ،‬جاذبيتك‬ ‫إحدى أسلحتك فاستخدميها‪ ،‬لكن احتفظي ابلرقة‬ ‫واهلدوء‪ ،‬تتلقني جائزة أو مكافأة‪ ،‬عليك التكتم حول‬ ‫مشروع كبري تقومني به‪ .‬خبصوص العاطفة سعادة‬ ‫كبرية مينحك إايها الفلك‪ ،‬مع احتماالت سفر‪،‬‬ ‫حياتك االجتماعية تشهد حتسناً يف العالقات‪.‬‬ ‫‪ 42‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫الثور (‪ 21‬نيسان ‪ 20 -‬أاير)‬

‫حيمل لك هذا الشهر الكثري من الضغوط واملفاجآت‬ ‫الصادمة واملكائد من زمالء العمل‪ .‬احفظي أسرارك وأوراقك‬ ‫بشكل جيد‪ ،‬عليك التعامل بليونة مع حميطك‪ ،‬فالظروف‬ ‫القاسية جتعلك متقلبة املزاج جتاه احلبيب واألصدقاء‪ ،‬تغريات‬ ‫مالية وحتسن يف األوضاع مع هناية الشهر‪.‬‬

‫السرطان (‪ 22‬حزيران ‪ 22 -‬متوز)‬

‫انفراجات ومواقف إجيابية حيملها احلظ إليك‪ ،‬هذا‬ ‫الشهر فرصة لتستعيدي الثقة بنفسك وتثريي إعجاب‬ ‫كل من حولك‪ .‬جناح ابهر على مستوى العمل‪،‬‬ ‫وعلى صعيد العاطفة‪ ،‬يقدم لك االستقرار النفسي‬ ‫راح ًة وانسجاماً مع الشريك‪ ،‬هذا الشهر جيد الرتباط‬ ‫العازبني‪.‬‬

‫العذراء (‪ 23‬آب ‪ 22 -‬أيلول)‬ ‫اغتنمي هذا الشهر لتأسيس مشاريعك‪ ،‬فاحلظ سيدفعك‬ ‫ابجتاه األمام‪ ،‬اعتمدي على حدسك وال تنتظري مشورة‬ ‫اآلخرين‪ ،‬لكن انتبهي أن تكوين متسلطة وقاسية مع احلبيب‪،‬‬ ‫تغيري يف مكان اإلقامة يقودك إىل عالقات جديدة جتعلك‬ ‫أقوى‪ ،‬تتدربني على أشياء توسع آفاقك‪.‬‬

‫العقرب (‪ 23‬تشرين أول ‪ 21 -‬تشرين اثين)‬

‫يزودك املريخ ابألفكار والطاقة‪ ،‬ويعرض فرصاً هامة‬ ‫عليك أن تستغليها‪ ،‬احذري الصدامات مع أفراد العائلة‬ ‫أو مسؤول املنطقة اليت تسكنينها‪ ،‬تشعرين ابحلرية أمام‬ ‫مبادرة عاطفية‪ ،‬حياول البعض االستحواذ عليك فيجب‬ ‫أن ختتاري‪ ،‬النصف الثاين من الشهر يقدم لك أخباراً‬ ‫مشجعة‪.‬‬

‫اجلدي (‪ 20‬كانون أول ‪ 19 -‬كانون اثين)‬

‫تراجع كوكب عطارد مع بداية الربع الثاين من الشهر‪،‬‬ ‫خيلق سجاالت وصدامات مع األصدقاء والزمالء‪ ،‬ما‬ ‫يشعرك ابالنعزال والوحدة‪ ،‬مع ذلك تستمرين ابلتقدم‬ ‫ولو بطيئاً‪ ،‬مشاكل على املستوى املهين والعاطفي‬ ‫واألسري‪ ،‬انتبهي قد يظهر يف حياتك أصحاب‬ ‫املصاحل واالنتهازيني‪.‬‬

‫احلوت (‪ 19‬شباط ‪ 20 -‬آذار)‬

‫حيمل إليك الفلك تطورات إجيابية متتالية‪ ،‬وكثرياً من التحدايت‬ ‫تنتصرين عليها‪ ،‬جتنيب السفر واملخاطرة‪ ،‬حذار من سرقة‬ ‫مستنداتك وأوراقك اخلاصة‪ .‬وضع صحي سيء ألحد املقربني‪،‬‬ ‫احتمال ملشاكل مع جهات رمسية‪ ،‬انتصارات يف النصف الثاين‬ ‫من الشهر‪ ،‬تلتقني من يؤثر يف قلبك‪.‬‬


‫الكلمات المتقاطعة‬ ‫أفقي‬

‫‪ -1‬ناشطة كردية عضو ائتالف‬ ‫‪ -2‬قليل (معكوسة)‪ -‬يفني‬ ‫‪ -3‬فاجأ (معكوسة)‪ -‬خري‬ ‫جليس(معكوسة)‪ -‬رضاب (معكوسة)‬ ‫‪ -4‬يعرفها‪ -‬عاصمة أفريقية (معكوسة)‬ ‫‪ -5‬ناهية (معكوسة)‪ -‬فاحش‪ -‬يف‬ ‫البيضة‬ ‫‪ -6‬للكتابة‪ -‬عىل اليابسة‪ -‬حرف عطف‬ ‫(معكوسة)‬ ‫‪ -7‬املزارع (معكوسة)‪ -‬عكس إدبار‬ ‫‪ -8‬احتجز (معكوسة)‪ -‬إحدى الصحارى‬ ‫(معكوسة)‪ -‬من الطنب‬ ‫‪ -9‬أغلق‪ -‬لقياس مساحة‬ ‫‪ -10‬مثلث خطر‪ -‬نفوز(معكوسة)‬ ‫‪ -11‬إحدى األطراف‪ -‬ناتج األطوال‬ ‫بالعروض‬ ‫‪ -12‬ناشطة من رابطة النساء‬ ‫السوريات‬

‫سودوكو‪ :‬هي لعبة منطقية مبنية عىل وضع األرقام يف املكان‬ ‫املناسب‪ .‬الهدف هو ملء ال ‪ 9*9‬مربعات بأرقام بحيث أن كل‬ ‫عمود وصف ومربع من املربعات التسعة (والتي تدعى مناطق)‬ ‫تحتوي عىل األرقام من واحد إىل التسعة دون تكرار‪.‬‬

‫كـلمـة الســـــــر‬

‫سودوكـــــــو‬

‫عامودي‬

‫‪ -1‬طبيبة وناشطة حقوقية سورية‬ ‫‪ -2‬يصد‪ -‬خط منحني‪ -‬انبثق‬ ‫(معكوسة)‬ ‫‪ -3‬إعالمي سوري شهري ومشاكس‬ ‫‪ -4‬أساس‪ -‬بحار عاصمة ريف دمشق‬ ‫‪ -5‬شك‪ -‬وجع(معكوسة)‪ -‬متني ما‬ ‫للغري(معكوسة)‬ ‫‪ -6‬حرف أبجدي (معكوسة)‪ -‬حرف‬ ‫نصب‪ -‬أحرف متشابهة‬ ‫‪ -7‬فاكهة صيفية (معكوسة)‪ -‬عاد ‪-‬‬ ‫بحر‪ -‬فك‬ ‫‪ -8‬منظمة سورية تعنى بالتعليم –‬ ‫أفىش‬ ‫‪ -9‬سقاية‪ -‬خفيف‪ -‬جبل صغري‬ ‫‪ -10‬عكس روحي (معكوسة)‪ -‬بني‬ ‫الليل والنهار (معكوسة)‬ ‫‪ -11‬مركز لدراسات املرأة‪ -‬شوق‬ ‫‪ -12‬حرر القدس‬

‫كلمة الرس مؤلفة من ‪ 5‬أحرف‪ :‬أول مدينة سورية تحررت‬ ‫يف غرفة العمليات كان نقاب األطباء أبيض لون املعاطف أبيض تاج الحكيامت‬ ‫أبيض أردية الراهبات املالءات لون األرسة أربطة الشاش والقطن قرص املنوم‬ ‫أنبوبة املصل كوب اللنب كل هذا يشيع بقلبي الوهن كل هذا البياض يذكرين‬ ‫بالكفن فلامذا إذا مت يأيت املعزون متشحني بشارات لون الحداد‬

‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪43 2014‬‬


‫نضال المرأة‬

‫غياب النكهة!‬

‫• ريدي مشو‬

‫هناك بداية كالسيكية فيما يتعلق بقضااي املرأة‪ ،‬اليت ترفع من شأن املرأة‬ ‫ودورها التارخيي يف بناء احلضارة‪ ،‬وكيف أهنا كانت مقدسة ويف مصاف‬ ‫اآلهلــة ذات حــن‪ .‬كل هــذا ال يعنينا بشيء حني تناضل امل ـرأة‪ ،‬ليس‬ ‫من أجل حريتها كمواطنة‪ ،‬بل من أجل حرية جنسها األنثوي وحقوقها‬ ‫االجتماعية‪ .‬واحلقيقة أنه ال معىن للنضال يف سبيل زايدة عدد أعضاء‬ ‫الربملانيات من النساء‪ ،‬يف حني ال يزال قتل املرأة جسدايً وفكرايً أمراً‬ ‫مشروعاً يف عرف قادة اجملتمع‪.‬‬ ‫مــا ال ــذي انلـتــه املـ ـرأة مـنــذ ان ــدالع ال ـثــورة الـســوريــة فـعـلـيـاً‪ ،‬هــل كانت‬ ‫مكتسبات حقيقية ميكن البناء عليها واالسرتشاد هبا ليكون للمرأة دور‬ ‫أساسي يف عملية التحول الدميقراطي‪ ،‬أم إهنا إطارات للوحات إعالنية‬ ‫ستباع الحـقـاً يف األسـ ـواق‪ ،‬على يــد منظمات وأح ـزاب وميليشيات‬ ‫الرجال‪ ،‬كما حدث يف معظم الثورات‪ ،‬القدمية منها واجلديدة؟‬ ‫إن حتـلـيــل خ ـطــاب امل ـ ـرأة مـنــذ انـ ــدالع ال ـث ــورة‪ ،‬ال يـضـفــي شـيـئـاً على‬ ‫شخصيتها ابلفعل‪ ،‬فكامل احلديث الذي يتم حول هذا املوضوع متعلق‬ ‫بدورها كأم للثائر‪ ،‬معتقلة‪ ،‬مغتصبة‪ ،‬انزحة ومشردة يف الرباري اجلرداء‪،‬‬ ‫متحملة املشقة والربد واجلوع‪ .‬هذه الديباجة ال ميكنها أن تغري من واقع‬ ‫املرأة الفعلي! إن إحداث تغيري يف واقع املرأة يتطلب املزيد من املبادرات‬ ‫الفردية‪ ،‬اليت تقوم هبا بعض الشاابت والنساء هنا وهناك‪ ،‬وهي حماوالت‬ ‫جيدة ابلتأكيد‪ ،‬لكنها ال تتعدى كوهنا قشرة يف حبر ثورة الرجل‪ ،‬وال‬ ‫أحد ميكنه أن يقول عكس ذلك‪ ،‬ال يف سوراي وال يف أي بلد آخر من‬ ‫بلدان الثورات الفتية‪ .‬قد يعد كالمي هذا تقلي ً‬ ‫ال من شأن نضال املرأة‬ ‫يف الثورة‪ ،‬لكنه ليس كذلك ابلفعل‪ ،‬أعين أنه لو ربطنا نضاهلا بقضية‬ ‫املرأة عامة‪ ،‬فال ميكنين أن اعترب أنه نضال للمرأة‪ ،‬بل هو نضال عام‬ ‫قد يكون لصاحل أي شيء‪ ،‬وهنا أقرتب من النقطة األكثر أمهية‪ ،‬وهي‬ ‫خطاب املرأة احلايل‪ ،‬الرافض للتحدث واالخنراط يف الكفاح من أجل‬ ‫ثــورة امل ـرأة حبــد ذاهت ــا‪ ،‬مبعزل عــن دع ــاايت وإع ــاانت شــركــات الرجال‬ ‫السياسية والعسكرية‪ .‬ابلفعل التقيت ابلعديد من الفتيات والنساء ممن‬ ‫يتومهن أبهنن جتاوزن قضية املرأة بشكلها الكالسيكي‪ ،‬وحينما سألتهن‬ ‫كيف مت ذلك‪ ،‬وما هي املكتسبات اليت حصلن عليها ابلفعل‪ ،‬أكثر‬ ‫من العمل مع تنسيقية‪ ،‬أو يف جريدة‪ ،‬أو أبحسن األحوال يف احلكومة‬ ‫املؤقتة‪ ،‬توقفن عن احلديث حينها‪ ،‬لكنهن مل يتنازلن عن رأيهن‪ ،‬كون‬ ‫احلديث عن قضية املرأة يف هذه األوقات هو إهانة لروح الثورة‪ ،‬فاهلدف‬ ‫األعظم لديهن هو إسقاط النظام!‬ ‫‪ 44‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫ميكننا استنتاج عدد ال هنائي من هذه الرؤى الضبابية‪ ،‬وهي رؤى متماهية‬ ‫مع اسرتاتيجية الرجل يف كل حني‪ ،‬ومل حيدث أي تغيري ملحوظ بعكس‬ ‫ذلــك‪ .‬إن استمرار امل ـرأة يف نضاهلا على هــذه الشاكلة‪ ،‬أي حتــت مظلة‬ ‫الرجل بشكل مباشر‪ ،‬سيوصلنا إىل احملطة التالية‪ ،‬املعروفة لدى اجلميع‪،‬‬ ‫وهي أن امرأتني أو ثالث ستمثلن حزهبن أو تيارهن يف احلكومة والربملان‪،‬‬ ‫وسيبقى كل شيء يف املستوى االجتماعي على حاله‪ ،‬كما فعل النظام‬ ‫البعثي من دعاية حول حترر املرأة وحريتها على مدى أربعة عقود‪ ،‬يف حني‬ ‫أن املرأة كانت األكثر تضرراً‪ ،‬حىت يف صفوف احلزب بذاته‪.‬‬ ‫على املرأة أن تقرأ املشهد الثوري بشكل أكثر ختصصاً من نظرهتا كامرأة‪،‬‬ ‫ألن قضية املـرأة ليست متعلقة بتحرر ســوراي والقضاء على النظام‪ ،‬ومن‬ ‫تفكر هبذه الطريقة فهي متومهة لدرجة كبرية‪ ،‬وميكنين القول إهنا وفق هذا‬ ‫املنظور‪ ،‬قد ابعت روحها السرتاتيجية الرجل يف احلاضر واملستقبل‪ ،‬وكما‬ ‫قــالــت «سيمون دي بــوف ـوار»‪« :‬امل ـرأة ال تـنــال إال مــا يتنازل الــرجــل عنه‬ ‫أص ـ ًـا»‪ .‬على امل ـرأة إذن أن تتخذ قـرارهــا الـثــوري كــامـرأة قبل كــل شــيء‪،‬‬ ‫فمسألة احلرية مبفهومها العام لن تفيدها كثرياً كما قرأان يف التاريخ املعاصر‪،‬‬ ‫نضال املرأة هو نضال مستمر‪ ،‬ويتعدى الرؤى احلالية املختبأة خلف صورة‬


‫شهيدة مقاتلة أو انشطة معذبة‪.‬‬ ‫مــا املـطـلــوب هنا لتتهيأ امل ـرأة لـظــروف املرحلة‬ ‫وتلعب دوراً هاماً يف التحول الدميقراطي؟‬ ‫«ال نـسـعــى ف ـقــط لـلـحـصــول ع ـلــى قـطـعــة من‬ ‫الكعكة‪ ،‬بل نريد أن خنتار النكهة كذلك‪ ،‬وأن‬ ‫نعرف كيف جنعلها ألنفسنا‪،»Ela Bhatt ،‬‬ ‫هبذه اللغة حيدث الفرق‪ ،‬فوظيفة املـرأة ليست‬ ‫مـ ــلء عـ ــدد امل ـق ــاع ــد امل ـف ــروض ــة ع ـلــى ال ــرج ــال‬ ‫وملصلحة الرجال يف النهاية‪ ،‬بل عليها اختيار‬ ‫مكاهنا بنفسها وحبسب تطلعاهتا وآرائها‪ ،‬أي‬ ‫عـلـيـهــا أن تـبـحــث ع ــن الـنـكـهــة وه ــو العنصر‬ ‫ال ـغــائــب يف ن ـض ــال امل ـ ـرأة امل ـن ـصــب ع ـلــى نيل‬ ‫قطعة من كعكة الرجل الكبرية يف احتفاالت‬ ‫انتصاراته‪ .‬كيف ميكن أن نــزرع تلك النكهة‬ ‫يف عقل املرأة احلالية ونبعدها عن فلسفة الربح‬ ‫اليومي يف أروقة شركات الرجل السياسية؟‬ ‫العملية برمتها ابلغة التعقيد ابلتأكيد وحتتاج‬

‫مل ـب ــادرات ك ـثــرة مــن أج ــل الـقـبــض عـلــى حلظة‬ ‫امل ـ ـرأة ب ــذات ــه‪ ،‬وال ـس ــر حن ــو مستقبلها يف وجــه‬ ‫ال ـت ـحــدايت امل ـت ـصــاعــدة يف اجمل ـت ـمــع ال ـس ــوري‪،‬‬ ‫ال ــذي يبلغ ح ــدوداً يصعب الــرجــوع منها إىل‬ ‫الــوراء أو تعديلها بسهولة‪ .‬وميكنين القول إن‬ ‫نضال املرأة من أجل قضاايها قد أخذ منحى‬ ‫آخ ــر‪ ،‬ألهنــا إن كــانــت مـعــارضــة للنظام‪ ،‬فهي‬ ‫تواجه مؤسسات سياسية ال متلك ما يكفي من‬ ‫الشرعية لتتخذ القرارات الدستورية‪ ،‬وإن كانت‬ ‫موالية فهي تواجه مؤسسات فقدت شرعيتها‬ ‫وهي إىل زوال‪ .‬ويف اجلهة األخرى‪ ،‬على املرأة‬ ‫أن تواجه أقــدم اإليديولوجيات املــوجــودة على‬ ‫األرض‪ ،‬واليت تنقص من قدر املرأة هنا وهناك‪،‬‬ ‫ابسم حريتها واحرتام أنوثتها‪.‬‬ ‫ويف ضــوء الـواقــع احلــايل‪ ،‬فكل إجنــاز للمرأة ال‬ ‫يشكل فــارق ـاً يــذكــر‪ ،‬يف غـيــاب قـيــادة مــوحــدة‬ ‫سياسية واجـتـمــاعـيــة‪ ،‬ميكنها أن تقبض على‬

‫مـفــاصــل واق ــع املـ ـرأة يف ال ــداخ ــل ال ـس ــوري ويف‬ ‫اخلارج‪ ،‬حبيث يتشكل خطاب سياسي نسائي‬ ‫يف وجــه تطلعات الــرجــل‪ ،‬وف ــرض هــذه الــرؤيــة‬ ‫على الـقــوى الوطنية واجل ـهــات الــداعـمــة حلرية‬ ‫سوراي‪ .‬لن تكون هذه جتربة سهلة‪ ،‬لكن البد‬ ‫منها‪ ،‬وإال ستضيع امل ـرأة يف أقنية الــرجــل هنا‬ ‫وه ـنــاك‪ ،‬وسـتـتـحــول (كـمــا قـبــل ال ـثــورة) إلطــار‬ ‫إعــاين للحزب والتيار الفالين يف كافة أرجــاء‬ ‫س ــوراي‪ ،‬وك ــأن الـثــورة مل متــر على امل ـرأة السورية‬ ‫يوماً‪ .‬أعتقد أن البحث وتشكيل هذه القيادة‬ ‫ميكن أن يكون من أعظم اخلطوات الثورية يف‬ ‫عامل املـرأة السورية يف الوقت احلــايل‪ ،‬ال أتكلم‬ ‫على منظمة‪ ،‬بل على قيادة سياسية واجتماعية‬ ‫مي ـك ــن ل ـل ـم ـرأة أن تـ ـراه ــن ع ـل ـي ـهــا يف احل ــاض ــر‬ ‫عـلــى األق ــل‪ ،‬يف وجــه مج ــوح الــرجــل السياسي‬ ‫والـعـسـكــري ابســم الــوطـنـيــة‪ ،‬ومــا إىل ذلــك من‬ ‫مفاهيم مضللة‪.‬‬

‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪45 2014‬‬


‫عشرون مليون معجزة سر ّية‬ ‫«إذا كنت مــوجــوداً بـصــورٍة مــا‪ ،‬وإذا مل أكن‬ ‫من صنائعك املكررة‪ ،‬أو أحد أخطائك‪ ،‬فإنين‬ ‫موجود ألكــون مؤلف مسرحية «األع ــداء»‪،‬‬ ‫ولكي أهني هذه املسرحيّة اليت تربر وجودي‪،‬‬ ‫ووجـ ــودك‪ ،‬فإنين أحـتــاج إىل سن ٍة أخــرى من‬ ‫أنت من له العصور‬ ‫احلياة‪ .‬امنحين هذه األايم َ‬ ‫واألزمان»‪.‬‬ ‫هب ــذه ال ـك ـل ـمــات خــاطــب «ه ــادي ــك» (بـطــل‬ ‫قصة املعجزة الـسـريّــة خلــورخــي بــورخـيــس) إهلــه‪،‬‬ ‫بـعــد أن ُحـكــم عليه ابإلعـ ــدام‪ ،‬ومل يـعــد املــوت‬ ‫خياالً بعيداً‪ ،‬بل صار على موع ٍد قر ٍ‬ ‫يب معه‪،‬‬ ‫(حدث املوت حبد ذاته بصورة عامة هو املخيف‬ ‫وليست ال ـظــروف احملـيـطــة)‪ ،‬راح يـكــرر كلماته‬ ‫هذه بعد مقارانت عبثيّة عديدة ما بني املشنقة‪،‬‬ ‫قطع الرأس واإلعدام رمياً ابلرصاص‪ ،‬حيث إنه‬ ‫سيواجه األخري‪ ،‬والذي جيده األصعب‪.‬‬ ‫ابتداء‬ ‫ٌ‬ ‫ختيالت ال هنائية‪ ،‬وقائع عملية اإلعــدام ً‬ ‫من الفجر املؤرق‪ ،‬وحىت زخة الرصاص الغامضة‪.‬‬ ‫التفكري ابملوت‪ ،‬طريقته‪ ،‬ظروفه وتفاصيله ُييتنا‬ ‫مئات امل ـرات يف أماكن وأزمـنــة خمتلفة‪ ،‬اخلوف‬ ‫من مواجهة املوت يفوق خوفنا من املوت نفسه‪،‬‬ ‫لذا كان «هالديك» حريصاً على إنقاذ ما هو‬ ‫جــوهــري يف حـيــاتــه (بـطـريـقــة رم ـزيّــة)‪ ،‬وذلــك‬ ‫إبكـمــال مضمون املسرحية األكـثــر مــاءمـ ًة‪،‬‬ ‫إلخفاء عيوبه وممارسة سعادته‪.‬‬ ‫ومن حسن حظ «هالديك» أنه وجد هللا يف‬ ‫أحــد احلــروف ضمن مكتبة «كليمنتينيوم»‪،‬‬ ‫ذات األربعمائة ألف جملد‪« ،‬لقد حبث آابؤان‬ ‫وآابء آابئ ـن ــا ع ــن ه ــذا احلـ ــرف وأان أصــابــي‬ ‫العمى» قــال موظف املكتبة هلالديك‪ ،‬وهو‬ ‫يريه عينيه امليتتني‪ .‬مل يكن ذلك ُحلماً فقط‪،‬‬ ‫فــال ـصــوت ال ـك ـلـ ُّـي ال ـقــائــل‪« :‬ل ـقــد ُم ـنــح لك‬ ‫الــزمــن ال ــازم لعملك» كــان إهلــيّـاً‪ ،‬حــى َّإن‬ ‫«ابن امليمون» أك ّد ذلك بقوله إن الكلمات‬ ‫يف احلـلــم تـكــون إهلــيّــة‪ ،‬عـنــدمــا تـكــون خمتلفة‬ ‫وواضحة»‪.‬‬ ‫يف س ــاع ــة امل ـ ــوت الـ ــي خــيّـبــت ك ــل ختـيــاتــه‬ ‫الـســابـقــة‪ ،‬حـيــث ال دهــال ـيــز وال س ــامل‪ ،‬بل‬ ‫جمرد درجة حديديّة واحــدة‪ ،‬يوٌم غائم‪ ،‬يدان‬ ‫‪ 46‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫ٍ‬ ‫بصوت خافت كما‬ ‫مرجتفتان وجنوٌد يتكلمون‬ ‫جتمدت الصورة أمامه‪ ،‬البنادق‪،‬‬ ‫لو أنه ميت‪ّ ،‬‬ ‫ذراع الــرقـيــب‪ ،‬قـطــرة املـطــر الثقيلة على خــذه‪،‬‬ ‫الرِيح‪ ،‬ظل النحلة‪ّ ...‬‬ ‫كل التفاصيل ساكنة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫هــل هــو اجلـحـيــم؟ هــل هــو اجل ـن ــون؟ أم أن هللا‬ ‫قد حقّق له معجزته السريّة‪ ،‬سنة كاملة ُمنحها‬ ‫لينهي عـمـلــه‪ ،‬فــالــرصــاص األمل ــاين سيصرعه يف‬ ‫مــوعــده‪ ،‬ولكن سنة كاملة ستمر يف ذهنه بني‬ ‫صدور األمر وتنفيذه‪.‬‬ ‫كم سن ًة من هذه السنوات عشت‪ ،‬وكم معجزة‬ ‫سريّة احتفظت هبا لنفسك؟‬ ‫كــم م ــرًة وج ــدت هللا يف ح ــرف‪ ،‬يف كـلـمــة‪ ،‬يف‬ ‫احتفظت‬ ‫تفصيل صغري‪ ،‬و‬ ‫صورة‪ ،‬يف صوت يف‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫به يف قلبك دوانً عن الباقيني؟‬ ‫كم مرًة دعوت هللا ليحقق لك معجزتك اخلاصة‪،‬‬ ‫ومينحك وقتاً إضافياً يف احلياة حىت تدرك سبب‬ ‫وج ــودك‪ ،‬وجتــد تـريـراً لكل تلك الـسـنـوات اليت‬ ‫عشتها؟ الوقت اإلضــايف وحــده من سيمنحك‬ ‫األمل أبنك ستغادر مراتح الضمري‪ ،‬اتركاً بصمة‬ ‫ملونة على كفن املدينة األبيض‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يف شـ ـوارع دمـشــق تـســر بــن كــافــة احـتـمــاالت‬ ‫املــوت الــي ختيّلها «هــايــدك»‪ ،‬فقطع الــرؤوس‬

‫• بسمة شيخو‬ ‫بدأ يف املدن اجملاورة‪ ،‬وصوت الرصاص ال يغيب‪،‬‬ ‫واملشانق ليست ابألمر البعيد‪ ،‬ونزيد عليها طبعاً‬ ‫أشكاالً مل ختطر على ابل «هالديك» وال على‬ ‫ابل األملــان أنفسهم عام ‪ .1928‬كبهلواانت‬ ‫ابلفطرة نقفز فــوق هــذه االحتماالت‪ ،‬ونكمل‬ ‫طريقنا ويف ابلنا نظريّة ترحينا للغاية‪ ،‬تقول أبن‬ ‫الواقع ال يتطابق عاد ًة مع التوقعات املسبقة‪ ،‬لذا‬ ‫ابستطاعتنا ختيل أبشع السيناريوهات‪ ،‬يف حماول ٍة‬ ‫مــاكــرٍة لتفاديها‪ ،‬فاملثاليّة العقيمة يف تفكريك‬ ‫للظن أبن هذا ال حيدث لك‪،‬‬ ‫املستقبلي تدفعك ّ‬ ‫وال خيص سوى البعض ممن حولك‪.‬‬ ‫ويف حال فشلك إببعاد يد املــوت عن عنقك‪،‬‬ ‫ستمر أم ــام انظـريــك كــل اهلـمــوم املعلّقة‪ ،‬حبل‬ ‫غسيل حياتك وهي تقطر دموعاً وآمــاالً غبيّة‪،‬‬ ‫ستناديك بعض األفكار اجلوهرية اليت كان من‬ ‫املفرتض أن متحوِر حياتك حوهلا‪ ،‬لن تستطيع‬ ‫صم أذنيك عن حقيقة أن حياتك كانت فارغة‪،‬‬ ‫لدرجة أن نفخ ًة واحدة من املع ّزِين الواقفني حول‬ ‫جثمانك ستطيح هبا وبكل إجنازاتك التافهة‪.‬‬ ‫أنت تبتهل اآلن إىل هللا الراقد يف قلبك كلؤلؤة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تذكره بقصة بورخيس‪ ،‬وتطالبه مبساوا ٍة كاملة‬ ‫مــع «ه ــاي ــدك»‪ ،‬فــأنــت أي ـض ـاً متـلــك مسرحيّة‬ ‫حتتاج لــإمتــام‪ ،‬وبــدوهنــا ستكون حياتك بال‬ ‫م ـعــى‪« ،‬س ـن ـ ُة أخـ ــرى اي صــاحــب األزمـ ــان‪،‬‬ ‫وأغادر بعدها برضى وحبور»‪.‬‬ ‫مجد‬ ‫لن أعرف طبعاً من منكم استجيب له و ِّ‬ ‫ال ـ ّزمــن ألجـلــه‪ ،‬وُمـنــح يف ذهـنــه سـنـ ًة كاملة‪،‬‬ ‫يـكـمــل فـيـهــا تـفــاصـيــل مــرمــيّــة ع ـلــى ضـفــاف‬ ‫حـيــاتــه‪ ،‬ي ـبــداً هبــا أايم ــه ببسمة‪ ،‬حيــب زوجــه‬ ‫أكـثــر‪ ،‬وميضي وقـتـاً أطــول مــع أوالده‪ ،‬ينجز‬ ‫عمله بصمت وببصم ٍة خــاصــة‪ ،‬وخيـلّــد امسه‬ ‫يف ذاكرته إىل األبد‪ .‬حيلم كثرياً كثرياً‪ ،‬وينتظر‬ ‫معجزات أخرى حتقق أحالمه‪ ،‬وهتب العشرين‬ ‫مليون سوري معجز ٍ‬ ‫ات سريّة‪.‬‬ ‫الساعة التّاسعة ودقيقتان من يوم التاسع‬ ‫إهنا ّ‬ ‫والعشرين من آذار عام ‪1928‬م‪.‬‬ ‫«هالديك» قد أهنى مسرحيته‪..‬‬ ‫«هــاديــك» قد مــات‪ ،‬وحنــن أيضاً سنموت‬ ‫معه اآلن‪.‬‬


‫أصوات يجب أال تفقدها الثورة السورية‬ ‫جليلة‪ ..‬لغة تحمل من الثقة واألمل بقدر ما تحمل من الحسرات‬

‫• فريق حترير سيدة سوراي‬

‫بدءاً من عنوانه‪ ،‬الفيلم ذي االثنتني وعشرين دقيقة‪ ،‬يسم املرأة السورية بصفات اجلالل‪ ،‬املرأة‬ ‫السورية كما ينظر إليها أبناؤها‪ .‬وجليلة اسم لزوجة «كليب» وأخت «جساس»‪ ،‬إحدى‬ ‫عزيزات العرب‪ ،‬وشخصياته امللحمية‪ ،‬اشتهرت ابجلمال واحلكمة والشجاعة‪ ،‬وينحو الفيلم‬ ‫إلظهار النساء من بطالته يف هذا السياق‪.‬‬ ‫حيث يؤكد الفيلم‪ ،‬الــذي اعتمد يف معظم مــادتــه البصرية على لقطات ومشاهد صورها‬ ‫انشـطــون‪ ،‬على دور امل ـرأة يف الـثــورة السورية‪ ،‬كذلك دورهــا يف البناء‪ ،‬خــارج العثرات اليت‬ ‫تعرب هبا سوراي اليوم‪ ،‬كالتطرف والعنف واالقتتال الذي ابت أحدى مسات املرحلة كما يراه‬ ‫اآلخرون‪.‬‬ ‫يقول «عــدانن جتو» خمــرج الفيلم‪« :‬امل ـرأة الــي قدمها الفيلم هي امل ـرأة السورية‪ ،‬ومل يتوجه‬ ‫إلظهار املرأة املخمرة أو الداعشية أو حامالت السالح‪ ،‬ألننا نظن أهنا ال متثل الكثريات‪ ،‬بل‬ ‫هي مظاهر فرضتها املرحلة احلالية‪ ،‬حنن قدمنا املرأة السورية اليت بدأت الثورة وال زالت تعمل‬ ‫هنا‪ ،‬اليت ضحت وعانت وقدمت الكثري يف سبيل بناء احلياة يف سوراي»‪.‬‬ ‫هم قضية‬ ‫«عدانن جيتو» أحد شبان سوراي الذين شقوا طريقهم يف قساوة الظرف‪ ،‬حاملني ّ‬ ‫شعب عاىن وضحى‪ ،‬وعلى مثقفيه ومبدعيه أن ينقلوا رسالته وصورته احلقيقية إىل العامل الذي‬ ‫تشاغل عنه‪ ،‬بل استغل مأساته أحياانً‪.‬‬ ‫من دراسته للفنون اجلميلة وخربته الطويلة كمونتري‪ ،‬يصنع «جتو» أفالمه‪ ،‬فقد عرض له يف‬ ‫وقت واحد يف جامعة (‪ )SOAS‬بلندن ثالثة أفالم قصرية‪ ،‬أحدها فيلم جليلة‪ ،‬وجرت على‬ ‫خلفية عرضها جلسات حوارية‪ .‬يقول «جيتو»‪« :‬حناول بقدر طاقتنا إيصال قضية الشعب‬ ‫السوري وحقيقة ثورته ومعاانته‪ ،‬وخاصة دور املرأة السورية»‪.‬‬ ‫من يتابع الترت مع بداية الفيلم سيطل على عديد األمساء لناشطني سوريني يف الداخل‪ ،‬سامهوا‬ ‫بتطوير اللقطات‪ ،‬حيث صور الفيلم يف أماكن كثرية من سوراي‪ ،‬يقول «جتو» خمرج الفيلم‪:‬‬ ‫«معظم اللقطات كنت طلبت تصويرها حسب تصور يف ذهين لتشكيل الفيلم‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫لقطات أرشيف‪ ،‬خاصة تلك اليت تتناول بداية الثورة والتظاهرات األوىل للتوثيق»‪.‬‬ ‫لقطات الفيلم اليت تبدأ من دوامة طيور هتوم يف املكان‪ٌّ ،‬‬ ‫ري وحمراث وقمح أخضر‪ ،‬هكذا بىن‬ ‫السوريون عاملهم على بساطته‪ ،‬كعش محام مهما ابتعدوا يعودون إليه‪ ،‬قبل أن تلتهم جهدهم‬ ‫وحياهتم نريان احلرب واملوت واملصاحل‪.‬‬ ‫يف أول دقيقتني سرد لبداايت الثورة االسورية‪ ،‬ومع الدقيقة الثالثة تبدأ الشخصيات النسائية‬ ‫بطالت الفيلم ابلظهور‪.‬‬ ‫الباحثة عــن متنفس لصوت حــر‪ ،‬تقول فيه أملها ‪ ،‬وأم مــن درعــا بشجاعتها الــي ضاهت‬ ‫شجاعة الرجال تواجه أمن نظام آل األسد‪ ،‬وهم يطلقون النار على شبان درعا‪.‬‬ ‫مث أييت الـصــوت الـواثــق الم ـرأة تـقــول‪« :‬مـنــذ أول رصــاصــة طلعت ابلـثــورة بــدرعــا حــى هذه‬ ‫اللحظة‪ ،‬ال تزال الثورة بقليب ولن تتغري»‪.‬‬ ‫مث تعرب لقطات الفيلم ابملظاهرات النسائية لبداية الثورة بالفتات «أيها الشعب ثر جبالدك‬ ‫الوغد‪ ،‬إن مل نرفض الظلم اليوم‪،‬فلن نرفضه أبداً»‪.‬‬ ‫حضور كثيف وتتابع ألصوات نسائية‪ ..‬سورايت قدمن وال زلن يقدمن‪.‬‬ ‫جليلة‪ ..‬قطرة مكثفة من عطر املرأة بطلة وضحية يف الثورة السورية‪.‬‬ ‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪47 2014‬‬


‫أبو خالد بائع الحضارة األتعس‬ ‫«نبحث يف هذه األرض‪ ،‬قد جند ذهباً أو آاثراً‪ ،‬ورمبا جند متثال زنوبيا‬ ‫أو هوالكو أو‪ ...‬بشار األســد»‪ .‬مث يقهقه عالياً بصوته املتعب‪ .‬يتابع‬ ‫احلفر جبهد هو وولداه اليافعان‪ ،‬اللذان يساعدانه يف العمل اجلديد‪ .‬كان‬ ‫أبو خالد اتجر ألبسة‪ ،‬يتنقل بني حلب وريفها بسيارته الضئيلة‪ ،‬يصارع‬ ‫التدهور االقتصادي السريع الــذي عاشته البالد طـوال العقد املاضي‪،‬‬ ‫يرعى أسرة مؤلفة من سبعة أنفس‪ .‬وكمعظم السوريني حينها‪ ،‬كان أبو‬ ‫خالد يزيد يف كل مرة ينخفض فيها مستوى معيشته درجة إضافية‪ ،‬من‬ ‫ساعات عمله ومن حجم مغامراته املهنية‪ ،‬حماوالً االستمرار يف بلد لطاملا‬ ‫شعر أنه مل ينل شيئاً من خرياته‪.‬‬ ‫«هــا حنــن نعمل يف وضــح الـنـهــار» يقول أبــو خــالــد‪« ،‬حنــن ال نعتدي‬ ‫على أحد‪ ،‬لذا ليس لدينا ما خنشاه‪ ،‬آل األسد كانوا حيتكرون استخراج‬ ‫وبيع آاثر البلد ألكثر من أربعني عاماً خلت‪ ،‬ألسنا أوىل؟ ما الضري إن‬ ‫استعنا هبذه األحجار يف ظرف احلرب؟ ما قيتمها إن كان الناس يقتلون‬ ‫كل يــوم؟» يقول ذلــك بينما يبدأ السري ببطء‪ ،‬متحسساً كل خطوة‬ ‫يف ذلك املوقع األثــري بريف حلب‪ ،‬واحــد بني عشرات املواقع األثرية‬ ‫الصغرية واملبعثرة يف الشمال السوري‪ ،‬معظمها مل خيضع لدراسات تبني‬ ‫أمهيتها التارخيية‪ ،‬كما أهنا غري مسجلة يف قوائم اليونسيكو‪« .‬يف زمن‬ ‫النظام‪ ،‬ال أحد منا كان جيرؤ على القدوم إىل هذا املكان‪ ،‬هم فقط كانوا‬ ‫حيفرون وخيرجون قطعاً أثرية من األرض‪ ،‬مث يكسبون ماليني الدوالرات‬ ‫من بيعها‪ .‬لقد أخذوا كل اخلري من البالد‪ ،‬مل يبقوا لنا شيئاً‪ ،‬حنن نبحث‬ ‫طوال أشهر وابلكاد جند قطعة خرز‪ ،‬أو جرة فخارية أو أي قطعة خفيفة‬ ‫ال يتجاوز مثنها بضعة آالف لرية‪ ،‬القطع الثمينة أخذها مجاعة النظام‬ ‫منذ زمن طويل»‪.‬‬ ‫كثري من اخلربة وقليل من احلظ‬ ‫يعتمد أبو خالد على أداة أساسية يف البحث عن كنزه‪ ،‬سيخ معدين‬ ‫طويل هيئت له قبضتان يف أحد أطرافه‪ ،‬ودبب الطرف اآلخر ليستخدم‬ ‫كمجس لــأرض‪ ،‬لذا يسمى (جــاســوس)‪ .‬يغرس أبو خالد جاسوسه‬ ‫يف أحد النقاط اليت يشتبه بوجود شيء ما حتتها‪ ،‬ويقول‪« :‬اجلاسوس‬ ‫يساعدان على معرفة إن كان هناك شيء مدفون يف األسفل أم ال‪ ،‬مث ً‬ ‫ال‬ ‫هنا توجد صخرة على بعد سنتيمرتات تعيق دخول اجلاسوس أكثر‪ ،‬إذاً‬

‫‪ 48‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫• سلطان جليب‬ ‫ال شيء هنا‪ ،‬لكن لو انغرس اجلاسوس أكثر فذلك يعين أن مثة فتحة يف‬ ‫اجل ــوف»‪ .‬مع ذلــك ليس األمــر هبــذه البساطة‪ ،‬يضيف أبــو خالد‪« :‬مثة‬ ‫عالمات جتدها يف كل موقع أثري‪ ،‬يف الغالب هذه العالمات ختص الناس‬ ‫الذين كانوا هنا يوماً‪ ،‬حنن حناول قراءهتا وحتديد املساحة املشتبه هبا‪ ،‬لكن‬ ‫احلقيقة‪ ،‬ال يتمكن أحد من فهم حقيقة هذه العالمات‪ ،‬إال من وضعها‪،‬‬ ‫لذلك ليس لنا إال أن نستعني هبذا اجلاسوس وجنرب»‪.‬‬ ‫مل يعثر أبو خالد حىت اآلن على شيء مهم كما يقول‪ ،‬هو يؤمن بدور‬ ‫احلظ يف مهنته هذه‪ ،‬فال زال ابناه يغوصان حفراً يف األرض منذ الصباح‪،‬‬ ‫ومل يظهر شيء‪ ،‬لقد جتاوزوا العمق الذي يفرتض أن جيدوا فيه كنزهم‪ ،‬ومل‬ ‫حيالفهم احلظ هذه املرة أيضاً‪ .‬يطلب منهم األب التوقف عن احلفر‪ ،‬بينما‬ ‫يتابع غرس جاسوسه ابحثاً عن حظ جديد‪.‬‬ ‫اسرتاحة‬ ‫جلست الورشة يف اسرتاحة قصرية‪ ،‬كانت فرصة لنسأل أاب خالد‪ ،‬كيف‬ ‫يشعر حيال ممارسته هلذا العمل‪« :‬مــاذا سنعمل إن مل ِ‬ ‫أنت للحفر هنا‪،‬‬ ‫البلد انطفأت‪ ،‬مل يعد هناك عمل ألحد‪ ،‬أي عمل مع كل هذا اخلراب‪،‬‬ ‫ولداي اللذان ترامها معي اآلن‪ُ ،‬حرما من تعليمهما‪ ،‬هل أتركهما دون عمل‬ ‫لتأخذمها احلرب مين؟‪ »..‬تلمع أشعة الشمس فوق فروة رأس الرجل‪ ،‬اليت‬ ‫«فقدت ما تبقى هلا من شعر بعد الـثــورة» كما قــال مــازحـاً‪ .‬يــوم العمل‬ ‫قارب على هنايته‪ ،‬وعاد أبو خالد للبحث مرة أخرية‪ ،‬حماوالً حتديد مكان‬ ‫احلفر لليوم التايل‪« ،‬منذ أن فتحنا أعيننا‪ ،‬كانت هذه اآلاثر موجودة‪ ،‬ال‬ ‫نعرف عنها شيئاً عدا أهنا قدمية جداً‪ ،‬وأن هناك أانس مهتمون بدفع املال‬ ‫مقابل احلصول على قطع مدفونة فيها»‪.‬‬ ‫بعد العثور على كنز أبو خالد‬ ‫الزالت السيارة الضئيلة هي ذاهتا‪ ،‬لكن مع بعض الكدمات اليت طالتها‬ ‫من شظااي احلرب يف مواقف متباعدة‪ ،‬تتهادى على الطريق الضيق املقفر‬ ‫قرب املساء‪ .‬كان وقت العودة للمنزل هو األنسب‪ ،‬ليسرتسل أبو خالد‬ ‫يف أح ــام مــا بعد الـعـثــور على كـنــزه املــدفــون‪« .‬س ــوف أش ــري للشباب‬ ‫دوشكاايت ورشاشات حديثة‪ ،‬ثواران فقراء‪ ،‬وسأنفق كل ما أحصل عليه‬ ‫لدعمهم‪ ،‬ابلطبع سأنفق على أوالدي‪ ،‬لكن ال معىن للمال إن مل تتوقف‬ ‫احلرب وهتدأ البلد»‪.‬‬


‫أحدث صديقتي الجالسة بجواري اآلن‬

‫• لوان العبد هللا‬

‫اخلامسة من مساء الثالاثء ‪ 2014 / 06 / 17‬من وراء القضبان‬ ‫ أريد أن أكتب هلم رسالة‪ ..‬ماذا ستكتبني؟‬‫ ال أدري‪..‬‬‫ ما رأيك مبتالزمة الشعب السوري «أهدي سالمي إىل أم عمار وابن خاليت املغرتب‪ ،‬وشكر خاص لعميت على قطرميز املكدوس‪،‬‬‫وأهديهم مجيعاً أغنية «لركب حدك ايملتور»‪.‬‬ ‫نكتم ضحكتنا حىت ال حتملق األعني بنا ويفتضح سر الورقة والقلم‪ ..‬حقيقة أريد أن أح ّدثهم عن التفاصيل‪ ..‬عن حجارة مدينيت السوداء‪..‬‬ ‫اصها‬ ‫يعبق صدري برائحة املطر إذ أراها‪ ..‬عن اليامسني الذي اختذها فراشاً‪ ..‬تلك احلجارة اليت تقصدت إيقاعي عدة مرات بسبب عدم تر ّ‬ ‫على سويّة واحدة‪ ،‬وابلرغم من ذلك ما زلت أحتفظ خبطوايت فوقها‪ ..‬أريد أن أحدثهم عن مدينيت‪ ..‬عن اهلرب من هنارها والكتابة على‬ ‫جدراهنا ليالً‪ ..‬عن اخلوف املالزم لعشق تلك التفاصيل‪ ،‬والعقاب الذي ينتظرك إذا ما اكتشف العابثون هبا عشقك هذا‪ ..‬كنا كثرياً ما‬ ‫نكتب هلؤالء العشاق الذين افتضح أمرهم وعوقبوا أننا لن ننساهم‪ ..‬وأننا نطلب احلرية هلم اآلن‪ ..‬وبعد أن حتول ضمري الغائب لضمري‬ ‫متكلم‪ ..‬أدرك أن املسألة ليست كما كنت أظن‪ ..‬أريد أن أكتب ملن لن ينساان‪ ..‬عندما تسري فوق حجارهتا السوداء‪ ..‬عندما تلثم ايمسينها‬ ‫فحجبت عنك رؤية قناديلها‬ ‫سكنت زجاج انفذتك‬ ‫بكف يدك حبّات مط ٍر‬ ‫صباح مساء‪ ..‬وترى الشمس يف كبد السماء‪ ..‬عندما متسح ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫احلمراء‪ ..‬عندما يوقظك صوت ابئع اخلضار ابكراً‪ ..‬ويزعجك األطفال امللتصقون بك يف سوق احلميدية‪ ..‬عندما جتاور خطواتك خطوات‬ ‫احلمام يف ساحة املرجة‪ ..‬عندما تعانق حبيبتك حتت ظل أشجار حديقة اجلاحظ ومتسك حبال األرجوحة لتتهيأ لقذف ابنك حنو مسائها‪،‬‬ ‫فيطلق ضحكته للرايح‪ ..‬عندما تتمدد يف ابحة األموي مرهقاً من كل تلك التفاصيل اليت عنت لك الكثري‪ ..‬حينها فقط‪ ..‬ال تنساان‪..‬‬ ‫حلنا أوزار عشقها‪..‬‬ ‫ففي جعبتنا شوق حبجم الفقد‪ ..‬ويف جعبتك مدينة ُّ‬ ‫اإلثنني ‪ 19/5/2014‬من وراء القضبان‬ ‫ال أعرف عن ماذا سأكتب‪ ..‬وملن‪ ..‬أريد أن أكتب لدمشق‪ ..‬سليلة األمراء ومعشوقة احملبني‪ ..‬نبض املوتى الذي ال تستطيع ّأيا قوة على‬ ‫وجه األرض أن تكتمه‪ ..‬اهلواء الذي حتتاجه وأنت تتص ّعد يف السماء‪ ..‬الغربة اليت تسكنها رغم قرب َ‬ ‫ِك والوجوه الكثرية اليت ترى انعكاساهتا‬ ‫حبجارهتا السوداء ومشوخ قاسيوهنا‪ ..‬تلك املدينة اليت حتتلّك أسوأ احتالل وأمجل احتالل‪ ..‬دمشق‪ّ ..‬‬ ‫الطفولة اليت ال تكرب واألنوثة اليت ال‬ ‫الرّمان يف حاراهتا القدمية‪َ ..‬طرق النّحاس الذي يشبهها‪..‬‬ ‫احململة على أجنحة محامات‬ ‫ّ‬ ‫تُغتصب‪ ..‬أصوات األجراس ّ‬ ‫األموي‪ ..‬ابئع عصري ّ‬ ‫ال يضنيه طول زمن وال سوء استخدام‪ ..‬لعب األطفال الطاهر والقبلة املسروقة من ابن اجلريان على حافّة الدرج القدمي‪ ..‬املراهقة الشقية‬ ‫واحلدائق املعتمة كمنازل العشاق‪ِ ..‬جيْ ُد فتا ٍة كاعب‪ ..‬يلتوي بكل طرقة حبذائها العايل‪ ..‬يثري القلوب وال يرويها‪ ..‬يعدها ابلكثري وال ينال‬ ‫بروح مع كل ه ّزة‬ ‫منها شيئاً سوى جعجع ٍة تطغى على صوت العصافري اجلائعة‪ ..‬دمشق خلخال النسوة الاليت كدن ليوسف‪ ..‬يذهب ٍ‬ ‫يهتزها برقص ٍة شرقيّة وضربة ُد ّف‪ ..‬نبيذ التني والزيتون‪ ..‬يقسم به هللا ويشرب خنبه البشر‪ ..‬دمشق‪ ..‬تلك األحجية العصيّة على الكره‪..‬‬ ‫فما أان وهي اآلن‪ ..‬إال مقاتل حيبو على هند أنثاه ليبلغ فاه‪ ..‬وما هو ببالغه‪..‬‬

‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪49 2014‬‬


‫في المنفى القريب‬ ‫تكون‪.‬‬ ‫مساء صافية‪ ،‬ولن ْ‬ ‫ليست ً‬ ‫يقول الـغـرابء‪ /‬السيّاح‪ ،‬عن املكان الغريب ويف املكان الغريب‪ ،‬أولئك‬ ‫اهلاربون من لعن ِة البال ِد واملاء‪ ،‬املصابو َن بشظااي احلن ِ‬ ‫ني والغار‪:‬‬ ‫وطن ٍ‬ ‫شاكس فيه مثلما ُكنّا نفعل‬ ‫ ال نريد شيئاً‪ ،‬ال نريد سوى ٍ‬‫عتيق لنُ َ‬ ‫قبالً‪ ..‬قبل أن خنتار ما حنن عليه اآلن من ٍ‬ ‫ني يف‬ ‫شعب يُقلّ ُد الغجر الراحل َ‬ ‫الكتب الكاذب ِة‪ ..‬ال نُري ُد سوى ٍ‬ ‫امش ِ‬ ‫دافئ وهادئ املزاج‪ ،‬وبعض‬ ‫هو ِ‬ ‫موت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫شرعن رقصات اخللوِد هلل‪.‬‬ ‫حبيبات ّ‬ ‫ُ‬ ‫ذلك‪ ،‬وينامو َن بعد عشا ٍء يُ ُ‬ ‫ابء َ‬ ‫صيب الكب َد‬ ‫ثقل املعي الدقيق‪ ،‬ويُ ُ‬ ‫يقول الغر ُ‬ ‫دهن اخلنزي ِر املشوي على ان ِر القيام ِة‪.‬‬ ‫ابالهنيار من ِ‬ ‫ِ‬ ‫حيلمو َن ابلوجود وبرائحة ِ‬ ‫اجلميالت‪ ،‬يُرحيو َن سالل َة ِ‬ ‫الكبت األزيل‬ ‫اإلانث‬ ‫ابملين غري املقصود‪ ،‬ويتأسفو َن على خطأ الشهوِة يف الريح‪.‬‬ ‫تعرق ا ُحلل ِم دماً ُمعاجلاً يف الكابوس‪..‬‬ ‫يستيقظون ّ‬ ‫ويغيون الثياب اللزج َة من ّ‬ ‫يتأ ّملون الصباح بكامل بالدت ِه املُستعارِة‪ ،‬يُتبّغون الرائت وحيتسون القهوَة‪،‬‬ ‫وال يفعلو َن ما ُ‬ ‫يفعل الشعراء‪.‬‬ ‫ابء‪ُ ،‬كل الغرابء يف املنفى‪ ،‬يبكو َن ويكتبو َن املراثي الشبيه َة مبالحم أثينا‪،‬‬ ‫الغر ُ‬ ‫اجللوس أمام انفذ ِة الغي ِم املُتدحرِج يف ِ‬ ‫الوقت‪.‬‬ ‫يضجرو َن من كثرة‬ ‫ِ‬ ‫أفق ْ‬ ‫يتأ ّملو َن ساع َة اجلــدارِ‪ ،‬يرتدون كامل االغـراب األنيق‪ّ ،‬‬ ‫ائح‬ ‫ويتعطرون برو ِ‬ ‫النجاح املُزيّف‪ ،‬يتأبّطون أشياءهم الغبيّة ويهبطو َن إىل شـوارَع ال يعرفون‬ ‫القليل من األرصف ِة وسيار ٍ‬ ‫ات ال ُيبّذون منها سوى ما يُ ِق ُّل‬ ‫منها سوى ِ‬ ‫املؤخر ِ‬ ‫ات الطريّة إىل أعماهلا الدوليّ ِة‪.‬‬ ‫يـؤملـهــم صـمــت ال ـبــاد الـغـريـبـ ِة‪ ،‬يـنــدثــرون ابنـتـقــاد غـيــم املــديـنــة املــوحـشـ ِة‪،‬‬ ‫يصخبون‪ ،‬يضحكون قلي ً‬ ‫ال بعد كل هذا األمل (فهم بشريون مثلما ُيبّذون‬ ‫القول عن أنفسهم)‪ ،‬ويشتمون كل اهلدوء احمليط‪.‬‬ ‫املسور‪ ،‬يتصاحيون وخيتلفون بسرد احلديث‪ ،‬يصعدون‬ ‫يتأ ّملون كل املنفى ّ‬ ‫أدراجاً‪ ،‬يدخلون أبواابً‪ ،‬خيرجون من أبو ٍ‬ ‫اب‪ ..‬ال شيء مهم هذا الصباح‪،‬‬ ‫ال شيء مهم مثل كل الصباحات يف كل هذا املنفى اللعني‪.‬‬ ‫جيلسون خلف املكاتب األنيق ِة‪ ،‬حياولون ّ‬ ‫حل األمل املستدمي‪.‬‬ ‫ابء عن كل الـغـرابء‪ ..‬يف‬ ‫ابء‪ ..‬وغ ـرابء عن الـغـرابء‪ ..‬كل اجلالسني غ ـر ٌ‬ ‫غ ـر ٌ‬ ‫أرض غريب ٍة عن اجلميع‪ ..‬يتح ّدثون بلغ ٍة اثلـثـ ٍة‪ ،‬ال هي عربيٌّة‪ ،‬وال هي‬ ‫ٍ‬

‫‪ 50‬العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪2014‬‬

‫• علي األعرج‬ ‫الطائش يف رحم‬ ‫تفخ ِذ‬ ‫ِ‬ ‫احتالليٌّة عتيق ٌة من عصوِر قرٍن ٍ‬ ‫ماض‪ ،‬لغ ُة ذلك املُ ّ‬ ‫عثمان‪.‬‬ ‫سبيّ ٍة داخل خيم ِة ْ‬ ‫لغ ٌة اثلث ٌة تشب ُه سوقاً لنخاسة املنفيني يف الوطن‪.‬‬ ‫وقعون كمن يُوقّع على قصيد ٍة شعريّ ٍة‪ ،‬يدخنون‪ ،‬ويطلبون‬ ‫يقرأو َن بياضاً‪ ،‬ويُ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وجبات سريع ٍة من حمـ ٍ‬ ‫ـت‪ ،‬ويتناسو َن‬ ‫ـال سريع ٍة‪ ،‬فاجلوع خيـ ُز طحال الــوقـ ْ‬ ‫اتريخ اخلب ِز ِ‬ ‫املوت‪.‬‬ ‫اجلاف يف بالد ْ‬ ‫أفضل‪.‬‬ ‫هم‪..‬‬ ‫أكثر نشوًة وحلماً بغ ٍد ٍ‬ ‫ال يُ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫فاألحياء ُ‬ ‫األرض‪ ،‬حيصو َن‬ ‫ين يف ِ‬ ‫خيرج نصف الغرابء‪ ،‬ويبقى ما تبقّى من غراب ٍء عابر َ‬ ‫أمـواالً‪ ،‬ويتأ ّملون الشوارع من النوافذ العلويّة‪ ،‬يغمضون األعني أتثّراً على‬ ‫كل ِ‬ ‫الوقت ميضي بطيئاً يف الد ِم‪.‬‬ ‫املوت‪ ،‬ويرتكون َ‬ ‫يــركــون املكاتب ويهبطون إىل املقاهي ليحتسوا قهوة مــا بعد الظهريِة‪،‬‬ ‫بنقاش قضيتني‪ :‬احلن ِ‬ ‫ني إىل اليامسني‪ ،‬وعدد شهداء اليوم‪ ،‬فكل‬ ‫حيتفلون ِ‬ ‫الغرابء يعرفون كل الشهداء‪ ،‬يستذكرون الصيف قبل املوت‪ ،‬يتحدثون عن‬ ‫ويرتحون على األصدقاء‬ ‫ذكرايت اجلنون‪ ،‬وروائح البيض يف غرف النضال‪ّ ،‬‬ ‫النافذين يف الريح‪.‬‬ ‫يف املنفى يعلو البنفسج الناصع على راايت الروح‪ ،‬فال إكبار وال إجالل‬ ‫سوى للشهداء املندثرين يف اللغة على لوائح اإلحصاء‪.‬‬ ‫يتالشى احلشد مع هناايت القهوِة يف الزمن عصراً‪ ..‬ينتشرون ويتواعدون‬ ‫حتتاج أريك ًة وبعض نوٍم يف حلظة الغروب‪.‬‬ ‫ليالً‪ ،‬فالراحة بعد يوم جمه ٍد ُ‬ ‫ني يف أزقــة التاريخ‪،‬‬ ‫يف املنفى يبكي الغرابء على أوطاهنم كالسياح التائه َ‬ ‫يتأ ّملون األحجار املُه ّدمة‪ ،‬وأشــاء الغيم الشريد‪ ..‬يشربون يف حاانت‬ ‫الضوء الضئيل أخنــاب اخلـراب والــذكـرايت‪ ،‬يغنّون للديكتاتور‪ ،‬للشهداء‬ ‫وللنصر القريب‪ ،‬يرقصو َن إبحيــاء الشهوِة‪ ،‬يثملون‪ ،‬يـغــادرون‪ ،‬يصعدون‬ ‫املنازل مجاعات‪ ،‬فالنواح على األوطان ال ينتهي بثمال ٍة طائش ٍة مل تعد تكفي‬ ‫الدماء يف أجساد الضحااي ‪ -‬أجسادهم ‪-‬‬ ‫القلب لالستمرار‪ُّ ..‬يــدرو َن‬ ‫َ‬ ‫ضباابً ُمرتقاً‪ ،‬لنسيان الوصااي‪ ..‬ويعدون غدهم وشهداءهم أن ايخذوا بثأر‬ ‫الصخب و ِ‬ ‫ِ‬ ‫العنف يف الروح‪.‬‬ ‫األحب ِة‪ ..‬وينامون بعد هتدمي املنازل من‬ ‫احللم‪ ،‬والغرابء تعبوا من املنفى‬ ‫يف املنفى‪ ..‬يقل الغرابء‪ ،‬فشبح البال ِد يُطارُد َ‬ ‫القر ِ‬ ‫يب‪ ..‬وحان وقت املنايف البعيدة‪.‬‬


‫العدد (‪ )9‬تشرين ثاني ‪51 2014‬‬


‫عمالن للتشكيلية نادية نعيم‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.