Cultural Naqsh Magazine

Page 1


‫‪2‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫صورة للفنانة التونسية‪ :‬إيمان موسى‬


‫‪33‬‬

‫خريف ‪..‬‬ ‫(ال بداية وال نهاية) لحن أيلول ا ّلشاحب‬ ‫وداد أبوشنب‬

‫وداد أبوشنب‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫((ليش‪..‬‬ ‫صيف السنة انتهى بسرعة واحمرت أحراش الغار‬ ‫واملرا الي شعرا أحمر متلن شعالنة بالنار‬ ‫ال بداية وال نهاية والوقت مارق غريب‪))...‬‬ ‫كـم متث ِّلنـي هـذه األغنيـة التـي أحفظهـا كاسـمي‪ ،‬وكسـنني عمـري املتسـاقطة مـع أوراق‬ ‫اخلريـف‪ ،‬مـع اكتئـاب موسـمي يحاصرنـي‪ ،‬ويلـ ِّون بالبرتقالـي املصفـ ّر الكالـح مسـرح عمـري‪،‬‬ ‫كئي ٌـب يـا خري ُـف كئيـب!! منـذ نعومـة أظفـاري لـم يرسـخ يف روحـي شـيء منـك أو عنـك غيـر‬ ‫كأنـا قيـل يف حضرتـي‪ ،‬ألتناثـر عنـد قـدوم كلّ‬ ‫الشـاحب‪ ،‬وبيـت مـن ّ‬ ‫رجفـة اللّـون ّ‬ ‫الشـعر ّ‬ ‫ـس وحزنـا وقلقـا‪ ،‬ذلـك هـو اإلرث اخلريفـي يف حضـرة كلمـات يوسـف‬ ‫ج‬ ‫وهوا‬ ‫خريـف أنفاسـا‬ ‫َ‬ ‫غصـوب‪:‬‬ ‫نثر اخلريف على الثرى أوراقه ‪ /‬فتناثرت كتناثر العبرات‬ ‫دون سـابق إنـذار يقـرع خريـف هـذا العـام أبوابـي باكـرا! فأغـزل الـ ّرؤى مـن الالشـيء‪،‬‬ ‫الصبايـا احلاملـات مـأوى يقينـي رع َـب اخلريـف‪ ،‬وأسـرج للح ّـب مطايـا اخليـر‬ ‫وأنسـج بعطـر ّ‬ ‫كأنـا ليـس خريفـا ذاك الـذي باغتنـي هـذا العـام؟ يشـبهه متامـا! يف اصفـرار‬ ‫والعطـاء‪ّ ،‬‬ ‫أجددهـا ك ّلمـا‬ ‫أرواحنـا الفجائـي‪ ،‬يف اسـتدراج أسـباب اخلـذالن‪ ،‬وإخفـاء مفاتيـح األمـل التـي ّ‬ ‫فأصدهـا كيلا حتجـب عنّـي وهـج الشـمس‪.‬‬ ‫عصفـت بالبـاب غمائـم ا ّلشـؤم‬ ‫ّ‬ ‫لكنّـه اخلريـف! فصـل البـكاء‪ ،‬ال فصـل للبـكاء غيـره عزيـزي نـزار‪ ،‬أتـرى ذلـك ّ‬ ‫الشـحوب‬ ‫املسـتعار؟ يحـاول أن يتمكّ ـن مـن رؤايـا التّفاؤليـة التـي تنثـر عطـرا موسـميا‪ ،‬كجاردينيـا‬ ‫حتـاول الصمـود آلخـر ّ‬ ‫الشـتاء‪ ،‬فيعانقنـي طيـف ديسـمبر األمـل‪ ،‬كزهـرة منثـور حتـاول‬ ‫معانقـة خريفهـا ليطغـى عطرهـا علـى شـجيرة كولونيـا اجلـار!!‬ ‫السـماء اخلائفـة دومـا دون هطـول! صـوت‬ ‫هـو اخلريـف‪ ،‬صـوت أجـراس املـدارس‪ ،‬ودمـوع ّ‬ ‫جلـدات وه ّـن ينهـرن أحفادهـن كـي ال تصيبهـن أمـراض آخـر الصيـف وأ ّول الشـتاء‪ ،‬فتلجـأن‬ ‫ا ّ‬ ‫ّ‬ ‫يرسـخ هـذه القواعـد‬ ‫ـا‬ ‫م‬ ‫ـيء‬ ‫ش‬ ‫ـتاء‪-‬‬ ‫والش‬ ‫ـف‬ ‫ي‬ ‫الص‬ ‫ـا‬ ‫ي‬ ‫حكا‬ ‫ـس‬ ‫ك‬ ‫–ع‬ ‫ـة‬ ‫ب‬ ‫املرع‬ ‫ـا‬ ‫ي‬ ‫احلكا‬ ‫ـكار‬ ‫ت‬ ‫اب‬ ‫ـى‬ ‫إل‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ـعر هـ ٍّر‬ ‫يف روحـي التـي ُتت َ‬ ‫َضـر مـا بين أيلـول وتشـرين‪ ،‬وكالهمـا دام ٌـع ب ٍ‬ ‫ـاك‪ ،‬خانـقٌ ككـرة ش ِ‬ ‫السـعال يصرفهـا ويخرجهـا‪ ،‬كنقطـة املنتصـف‪ ،‬كاللّـون‬ ‫علقـت يف حلقـي‪ ،‬ال املـاء ينزلهـا‪ ،‬وال ّ‬ ‫ال ّرمـادي‪ ،‬شـاحب كيفمـا كان!!‬ ‫ميتصنـي حتـى آخـر رحيـق ن َِظ ٍـر يش ّـد‬ ‫يحت ّلنـي شـحوب اخلريـف‪ ،‬بأوتـاد ُولـدت معـي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عـودي عبـر سـنوات العمـر‪ ،‬إلـى أن أدركـت ماهيـة هـذا الفصـل! أو باألحـرى فهمـت سـوداويته‬ ‫(صفراويتـه)‪ ،‬دموعـه‪ ،‬اكتئابـه الـذي يسـكنني‪ ،‬ذلـك الـذي يتج ّـدد دوريـا وال يقمعـه غيـر‬ ‫غيـث الشـتاء‪ ،‬متامـا كخريـف العمـر‪ ،‬الـذي يسـتلّ ابتسـامتنا مبكـر‪(( :‬لـم يبـقَ إ ّال القليـل!‬ ‫السـارق احملتـرف كـي يتمكّ ـن منّـا‪ ،‬وينفـث فينـا‬ ‫ِفلـ َم االبتسـام؟))‪ ،‬يرسـل وشـائجه بخفّ ـة ّ‬ ‫سـيمفونية األسـى‪ ،‬فنر ّدد‪(( :‬شـو ضلّ بهالعمر؟ ما ضلّ قد الي راح))‪ ،‬ويوشـك أن ينال من‬ ‫أرواحنـا البريئـة‪ ،‬لـوال سـحابة علقـت علـى بـاب املواسـم مـن ّ‬ ‫الشـتاء املاضـي‪ ،‬وقفـت تتفـاوض‬ ‫مـع نسـمة صيـف غادرتهـا رفيقاتهـا‪ ،‬فـكان األمـل‪ ،‬ومـا كان للخريـف املسـتعار إ ّال أن يحـزم‬ ‫الصفـراء ويرحـل! أرجـو أن يرحـل قبـل اصفـرار زهـر اجللنـار‪ ،‬ورحيـل وعـد السـنونو‪،‬‬ ‫نوايـاه ّ‬ ‫وهطـول أعيـاد األمـل‪ ،‬لنغنّـي‪(( :‬شـتّي يـا دنيـي شـتّي موسـمنا يحلـي!!))‬ ‫ك ـ بلاء ميتحننـا‪ ،‬ميـ ّر كل سـنة‪ ،‬كوحـش ض ٍـار يراقـب‪ ،‬وال يقتـرب حيـث أحج ُـب روحـي‬ ‫عـن رتابـة جـ ِّوه الكئيـب‪ ،‬أو أحـاول ذلـك علـى أقـلّ تقديـر ‪ ،‬فأقـرن قصيـدي باملع ّوذتين وأر ّدد‬ ‫يف داخلـي علـى إيقـاع املتقـارب الرقيـق‪(( :‬أناجـي التماسـا‪ /‬إلهـي عسـاه البلاء األخيـر!!))‬ ‫الصـدى ال ّلهـم آمين! اللهـم عسـاه البلاء األخيـر!!‬ ‫فيرتـد إل ّـي ّ‬


‫في هذا العدد‪:‬‬ ‫مجلــة ثقافيــة فنيــة فكريـــة أدبيـــة‬

‫العدد (‪ )2‬سبتمبر ‪ -‬أكتوبر ‪ 2021 -‬م‬

‫دراسات‬

‫‪7‬‬

‫حنظلة ‪ :‬سردية‪ /‬انتقائية الحياة والموت‬

‫‪10‬‬

‫(الطوفان الثاني)‪ ..‬من االغتراب الوجودي إلى سؤال الهوية‬

‫‪12‬‬

‫عبد التواب يوسف‪ ..‬عميد أدب الطفل العربي‪!!..‬‬

‫‪14‬‬

‫بعض تقنيات القصة القصيرة جدا في مجموعة «ماذا لو»‬

‫‪17‬‬

‫تجذير اإلشكالية العدمية في رواية (سيرة العدم)‬

‫‪19‬‬

‫(رهاب الحكايات) قصص إنسانية تحتفل بالهامش‬

‫‪20‬‬

‫سياحة في نصوص (منحدرات الكاكاو)‬

‫حوار‬ ‫الشاعر والصحافي‬ ‫عبدالرزاق الربيعي‪:‬‬

‫رئيس التحرير‪:‬‬

‫د‪ .‬وداد أبو شنب‬

‫اخترت العمل في‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ألظل‬ ‫الصحافة الثقافية؛‬ ‫على مقربة من بحر‬ ‫القصيدة وحرائقها‬

‫مدير التحرير‪:‬‬

‫أ‪ .‬سليم المسجد‬

‫‪23‬‬

‫إشراف عام‪:‬‬

‫صدام فاضل‬

‫ا ستطالع‬ ‫الغالف‪:‬‬ ‫تصوير‪ /‬صدام فاضل‬

‫الغالف الخارجي‪:‬‬ ‫تصوير‪ /‬حسين مقبل‬

‫سينما العالم اإلسالمي تجد شاشتها الذهبية‬

‫فضفضة‬ ‫كاتب وسط‬

‫‪27‬‬ ‫‪35‬‬


‫في هذا العدد‪:‬‬ ‫تراث‬

‫فنو ن‬ ‫أسعد عرابي‪ ..‬ذاكرة غنية تتأمل المسموع والمبصور في المكان‬ ‫مسلسل تروتسكي والدراما التاريخية‬ ‫شموسة‪ ..‬أو شمس الموازيني‪..‬‬

‫‪37‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪42‬‬

‫إشكالية تحييد البطل المسرحي عند “فاروق‬ ‫عبدالقادر” بين الذاتية والفعل البطولي‬

‫‪44‬‬

‫الفنانة السورية بادية حسن‪ :‬الفن النظيف هو الذي‬ ‫يحترم ذائقة الجمهور ويالمس مشاعره وهمومه‪..‬‬

‫‪48‬‬

‫في نقد الشعر‬ ‫الخطاب النقدي في كتاب الكامل في اللغة للمبرد‬ ‫الشعر والواقع‪..‬من يخذل اآلخر؟‬ ‫التقنيات السردية في النص الشعري الحديث‬

‫خيو ط‬ ‫خيط األحالم‬

‫«الشريم» في المحكية اليمنية‬ ‫إحاالت‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫المصوراتي في التراث المصري‬ ‫البارونة التي فضلت الفقر والتشرد مع كارل ماركس‬

‫شخصيا ت‬ ‫على خليج الفيل‪« ..‬نغني‪ ..‬ويصطادون السمك “‬ ‫يدا في أصابعه !‬ ‫وجدي االهدل‪ ..‬كم ً‬ ‫كيف عدت طفلة في تونس؟‬

‫‪51‬‬ ‫‪53‬‬ ‫‪54‬‬

‫نقوش إبداعية‬ ‫عزيزي ثيو‬ ‫خمري‬ ‫صرير‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫الدب‬

‫‪59‬‬

‫ال ت ُلمها‬ ‫استغماية‬ ‫المرايا‬ ‫يفنيك‬ ‫كاد غناؤنا‬ ‫ِ‬ ‫نخبك‬

‫فكر‬

‫من لَ ْم أَح ُل ْم‬ ‫ُ‬ ‫منذ َز ٍ‬

‫من األدب الهندي‪..:‬‬ ‫المقاومة الثقافية على‬ ‫الطريقة الهندية‬

‫بانوراما‬ ‫فيلم وكتاب‪ :‬جيرمينال إلميل زوال (‪)1902 - 1840‬‬ ‫مدينة عجلون األردنية‪ :‬سحر الطبيعة وعبق األصالة‬

‫‪61‬‬

‫ضوء‬ ‫والدة نور‬

‫‪68‬‬

‫‪70‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪75‬‬

‫‪79‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪85‬‬

‫‪87‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪91‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪93‬‬

‫‪94‬‬ ‫‪95‬‬ ‫‪96‬‬

‫‪98‬‬

‫‪100‬‬

‫إصدارات‬ ‫آخر النقش‬ ‫والحمام‬ ‫الحمام‪ِ ..‬‬ ‫َ‬

‫‪108‬‬


‫‪6‬‬

‫دراسات‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫حنظلة ‪ :‬سردية‪/‬‬ ‫انتقائية الحياة والموت‬ ‫الطوفان الثاني)‪..‬‬ ‫من االغتراب الوجودي‬ ‫إلى سؤال الهوية‬ ‫بعض تقنيات القصة‬ ‫القصيرة جدا في‬ ‫مجموعة «ماذا لو»‬ ‫تجذير اإلشكالية‬ ‫العدمية في رواية‬ ‫(سيرة العدم)‬

‫سياحة في نصوص‬ ‫(منحدرات الكاكاو)‬

‫عبد التواب يوسف‪..‬‬ ‫عميد أدب الطفل‬ ‫العربى‪!!..‬‬ ‫(رهاب الحكايات)‬ ‫قصص إنسانية‬ ‫تحتفل بالهامش‬


‫دراسات‬

‫‪7‬‬

‫حنظلة‪:‬‬ ‫سردية‪/‬انتقائية الحياة والموت‬ ‫«حنظلة»‪ ،‬الرواية اللغز أو‬ ‫الرواية اللغم‪ ،‬لصاحبتها‬ ‫بديعة النعيمي‪ ،‬صادرة‬ ‫عن دار فضاءات للنشر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬ممتدّة على‬ ‫‪ 190‬صفحة على مسار‬ ‫الكتاب ذي القطع‬ ‫المتوسط بين دفتين‬ ‫سوداويتي اللون‪،‬‬ ‫تستدرجان المتلقي إلى‬ ‫استحضار ناجي العلي‬ ‫وأسطورته حنظلة‪.‬‬

‫رؤية‪/‬‬

‫وداد أبوشنب‬ ‫هجرة العتبات بين المداخل‬ ‫الملغومة (الوهم) للرواية‪:‬‬

‫إلى تقسيم الهيكل أو ّ‬ ‫الشكل‬ ‫الروائي إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫القسـم األول‪ :‬تقـدمي لذكريـات حيـاة‪ ،‬ووصيـة‬ ‫ناجـي البنـه حنظلـة بفتـح صنـدوق ّأمـه (ميراثـه‬ ‫الوحيد‪ ،‬شرارة املقاومة) بعد التخرج‪ ،‬كما عرضت‬ ‫الروائيـة علينـا يف هـذا القسـم سـفر حنظلـة إلـى‬ ‫نيويـورك كـي يسـتكمل دراسـته‪ ،‬ومجموعـ َة أحداث‬ ‫يف نيويـورك تضمنـت عرضـا تاريخيـا (غرضـه‬

‫القسم الثاني‪:‬‬

‫الصفحـات‬ ‫وهـو اجلـزء األكبـر مـن حيـث عـدد ّ‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫يبـدأ التواطـؤ يف هـذه الروايـة مـن تصميـم‬ ‫الغلاف إلـى آخـر حـرف ّ‬ ‫خطتـه الروائيـة‪ ،‬مـا‬ ‫بين الروائيـة التـي ألقـت ملتلقيهـا طعـم الوهـم‬ ‫أو اإليحـاء بـأن الروايـة ترمـي إلـى حيـاة حنظلـة‬ ‫بعـد ناجـي العلـي‪ ،‬ذلـك احلنظلـة الـذي لـم يكبر‪،‬‬ ‫املصمـم الطعـم وأبـدع يف إجنـاز الغلاف‬ ‫فالتقـم‬ ‫ّ‬ ‫الـذي عـزّز مكيـدة الروائيـة يف اإليقـاع بقارئهـا‬ ‫وجذبـه ليقـرأ الروايـة مـن أولهـا إلـى آخرهـا‪.‬‬ ‫مـن عتبـة العنـوان‪« :‬حنظلـة» إلـى عتبـة‬ ‫اللوحـة السـوداء التـي تنبثـق مـن وسـطها‬ ‫خارطـة فلسـطني باللـون األبيـض ومشـهد‬ ‫القدس الذي يطلّ عليه حنظلة العلي حامال‬ ‫علـم فلسـطني!! إلـى الغلاف اخللفـي حيـث‬ ‫نصـا كمينـا يحيـل مباشـرة إلـى عـودة‬ ‫اختـارت ّ‬ ‫األمـل وعـودة حنظلـة العلـي‪(( :‬عـاد حنظلـة يـا‬ ‫ناجي وقد كبر‪ ،‬يحمل يف قلبه ثورة‪ّ ،‬‬ ‫فك قيده‪،‬‬ ‫أدار وجهـه للعالـم‪ ،‬وحمـل يف يـده قنبلـة‪ .‬قـال‬

‫حين وقـف علـى تـراب يافـا‪ ..‬كم هو غريب ذلك‬ ‫اإلحساس حينما تالمس قدماك األرض التي‬ ‫ولـدت عليهـا‪ ،‬تنفّ سـت هواءهـا‪ ،‬بعـد الضيـاع يف‬ ‫أرض كرهتـك منـذ خطواتـك األولـى عليهـا‪،‬‬ ‫منَّت عليك بذرات هوائها‪ ،‬أخذت شـبابك‪ ،‬ويف‬ ‫النهايـة اشـتهت جسـدك‪ ،‬وأرادت االحتفـاظ‬ ‫بـك داخـل أحشـائها‪...‬؟؟؟))‪ .‬يف هـذه الفقـرة‬ ‫التـي انتقتهـا الروائيـة إيهـام صـارخ بـأنّ البطل‬ ‫مـا هـو إال حنظلـة العلـي الـذي لـم يكبـر‬ ‫وبقـي يطالـع بيـارات البرتقـال وقـت النـزوح‬ ‫القسـري!!‬

‫تعزيـز املقاومـة يف روح املتلقـي وجتديـد التاريـخ‬ ‫الفلسـطيني لـه)‪ ،‬وأدخلتـه (العـرض التاريخـي)‬ ‫يف متن نصهـا عبـر أسـلوب عجائبـي فريـد‪ ،‬وهـو‬ ‫العـودة إلـى زمـن مضـى (االنتقـال عبـر الزمـن)‬ ‫حيـث علـق حنظلـة وصديقـه األسـود مارتـن‪،‬‬ ‫وكانـت هنـا لعبـة العـرض التاريخـي الـذي قدمتـه‬ ‫الروائيـة للقـارئ بـكل مهـارة ليتعلـق بالنـص‬ ‫القـدمي (تعاليـات نصيـة أو علـى سـبيل التعميـم‬ ‫كنـوع مـن التنـاص‪ ،‬أو التعالـق النصي) فيتبع بكل‬ ‫انتبـاه العـرض منتظـرا مآلـه بطريقـة عجائبيـة‬ ‫أيضـا‪ ،‬واضعـا تأويلات مختلف ًـة‪ ،‬ليتفاجـأ يف آخـر‬ ‫العـرض بـأنّ املشـهد التاريخـي العجائبـي كان‬ ‫محـض كابـوس اسـتيقظ منـه صاحبـه حنظلـة‬ ‫علـى صافـرة القطـار‪.‬‬ ‫أمـا القسـم الثالـث فهـو نتيجـة للقسـم الثاني‬ ‫وهـو مرحلـة مـا بعـد فتـح الصنـدوق (صنـدوق‬ ‫املقاومـة)‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫دراسات‬

‫ومـن حيـث األحـداث‪ .‬هنـا تكمـن الروايـة األ ّم‪ ،‬أو‬ ‫السـبب‪ ،‬أو احلافـز‪ ،‬هـذا التضمين السـردي الـذي‬ ‫جلـأت إليـه الروائيـة يحمـل أبعـادا متشـعبة‪:‬‬ ‫تاريخيـة‪ ،‬ونفسـية‪ ،‬وأيديولوجيـة‪ ،‬وسـردية‪ ،‬و‪،...‬‬ ‫روايـة حيـاة كامنـة بين قسـمني ُيعنيـان بحنظلـة‬ ‫ومسـار حياتـه وتطورهـا (مقدمـة وخامتـة)‪ ،‬تلـك‬ ‫الروايـة التـي تعتمـد تقنيـة التضمين السـردي‬ ‫عامـة‬ ‫إضافـة إلـى كونهـا متض ّ َمنـة يف روايـة ّ‬ ‫أصلا‪ .‬يف القسـم الثانـي جنـد نقلـة نوعيـة يف‬ ‫أسـلوب العـرض ويف محتـوى القصـص املطروحـة‬ ‫وطريقـة طرحهـا‪ .‬وطريقـة العـرض هنـا كانـت‬ ‫بوضـع عناويـن فرعيـة لـكلّ فصـل علـى خلاف‬ ‫القسـمني األ ّول والثالـث حيـث اكتفـت بالترقيـم‬ ‫وتصفيـر الترقيـم مـع بدايـة كلّ فصـل‪.‬‬ ‫تلـك العناويـن الفرعيـة ليسـت اعتباطيـة‪،‬‬ ‫ّإنـا جـاءت لتـروي حكايـة هامشـها احليـاة‬ ‫كلهـا‪ ،‬حيـاة تلخـص حكايـا املعتقـل التـي كانـت‬ ‫قبـل عقـود مـن الزمـن‪ ،‬حنين حيـاة ملـن تركتهـم‬ ‫خـارج قضبـان معتقـل الرملـة‪ ،‬حكايـا «مقبولـة»‬ ‫املؤملـة التـي كانـت ُتعـرض أحيانـا بقالـب سـاخر‪،‬‬ ‫وأحيانا أخرى كانت تسـردها بواقعية مؤملة جدا‪،‬‬ ‫كمـا تخطـف الصحافيـة دون اسـم معـروف بعـض‬ ‫حيـاة املعتقـل‪ ،‬قبـل انتحارهـا وبعـده‪ ،‬ودالل التـي‬ ‫كانـت تب ّـث بيانـات ثقافيـة وأخـرى وطنيـة بين‬ ‫املعتقلات‪ ،‬فمـن دخلـت املعتقـل جاهلـة خرجـت‬ ‫منـه مثقفـة‪.‬‬ ‫عناويـن القسـم الثانـي الفرعيـة تـدلّ علـى‬ ‫كـون هـذا القسـم قنبلـة موقوتـة‪ ،‬عـن طريقـه‬ ‫عامـة ووعـي الشـعب‬ ‫يتج ّـدد الوعـي القومـي ّ‬ ‫الفلسـطيني بخاصـة‪ ،‬ممثلا بحنظلـة ناجـي‪/‬‬ ‫ابـن حيـاة املقدسـية‪.‬‬ ‫السردية‬ ‫االلتفات السردي والتحوّ الت ّ‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫سـأعود إلـى تقنيـة التضمين السـردي التـي‬ ‫م ّيـزت فعلا هـذا العمـل الروائي‪ ،‬كما ذكرت‪ ،‬رواية‬ ‫حيـاة الكامنـة بين قسـمني (مقدمـة وخامتـة‬ ‫تخصـان حنظلـة بالدرجـة األولـى) جـاءت يف‬ ‫ّ‬ ‫صنـدوق ذكريـات اسـتحضره حنظلـة بنـاء علـى‬ ‫طلـب أمـه حيـاة حين أوصـت زوجهـا ناجـي‬ ‫قبـل وفاتهـا‪ ،‬صنـدوق املقاومـة الـذي قلـب حيـاة‬ ‫حنظلـة رأسـا علـى عقـب‪ ،‬فحـ ّرك فيـه اجلينـات‬ ‫الوراثيـة للمقاومـة التـي بداخلـه بعدمـا كان‬ ‫يسـتغربها‪.‬‬ ‫قسـم يحمـل يف ثنايـاه سـيرة ذاتيـة حليـاة‪،‬‬ ‫وسـير ًا غيريـة للصحافيـة ولـدالل وملقبولـة‪،‬‬ ‫علمـا بـأنّ مقبولـة كانـت تـروي سـيرتها أيضـا يف‬ ‫شـكل حكايـات ليليـة مـع حكاياهـا الشـعبية التـي‬ ‫تسـردها للمعتقلات‪.‬‬ ‫كانـت السـادرة «حيـاة» سـاردة مـن الدرجـة‬ ‫األولـى حتيـل السـرد إلـى مقبولـة علـى سـبيل‬ ‫املثـال‪ ،‬وهـي (مقبولـة) سـاردة مـن الدرجـة‬

‫الروائية بديعة النعيمي‬

‫الثانيـة‪ ،‬والتـي حتيـل السـرد بدورهـا أحيانـا‬ ‫إلـى اجل ّـدة حلـوة التـي تغـدو سـاردة مـن الدرجـة‬ ‫الثالثـة‪ .‬وكانـت الروائيـة بديعـة النعيمـي تنتقـل‬ ‫عبـر مسـتويات السـرد بطريقـة كتّـاب الواقعيـة‬ ‫السـحرية‪ ،‬اعتمـادا علـى االلتفـات السـردي‪ ،‬ال‬ ‫سـيما الكاتـب خوسـيه سـاراماغو‪ ،‬كمـا يف روايتـه‬ ‫العمـى علـى سـبيل املثـال‪ ،‬فـكان يحـ ّول درجـة‬ ‫السـارد عـن طريـق تقنيـة احلـوار‪ ،‬والـذي يكـون‬ ‫واضحـا لـدى القـارئ دون أن يسـ ِّبب لـه لبسـا‪ ،‬ألنّ‬ ‫يف اللغـة الالتينيـة ننتقـل بين املعانـي عـن طريـق‬ ‫احلروف الكبيرة ‪ ، capital letters‬بينما بديعة‬ ‫النعيمـي اسـتخدمت تقنيـ َة الكتابـة املتم ّثلـ َة‬ ‫يف االنتقـال إلـى فقـرة جديـدة‪ ،‬دون التنويـه‬ ‫باالنتقـال مـن سـارد إلـى آخـر‪ ،‬ومثـال ذلـك مـا‬ ‫جـاء يف الصفحـات ‪ 98 – 97 – 96 – 95‬حيـث‬ ‫كانـت حيـاة هـي السـاردة‪:‬‬ ‫((كثيرة هي حكاياتك البريئة (‪ )...‬لو تدري‬ ‫يـا ناجـي لقـد غدونـا كاألطفـال نسـعد عندمـا‬ ‫يأتـي الليـل‪ ،‬ويحين موعـد حكايـات مقبولـة (‪)...‬‬ ‫لـم تكـن تعـي الكثيـر عـن الثـورة والثـ ّوار‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كالقطـة املغمضـة) قالـت ذات‬ ‫(لقـد كنـت‬ ‫مـرة‪ ،‬اسـتيقظنا تلـك الليلـة علـى صـوت زواميـر‬ ‫سـيارات اليهـود (‪ )...‬واسـتحفظت وحيدهـا هلل‬ ‫وظلّـت علـى أمـل أن يعـود لتتلقـاه بين ذراعيهـا‬ ‫يو مـا‪.‬‬ ‫كانـت مقبولـة تقـول إنهـا إذا مـا خرجـت مـن‬ ‫هنـا بسلام (‪ )...‬ألنهـا تهـدم كلّ شـيء (‪ )...‬حين‬ ‫تتكلّـم مقبولـة فتخـرج الكلمـات مـن بني أسـنانها‬ ‫كاحلملان البريئـة‪.‬‬ ‫ز ّوجوني وأنا كارهة برجل من عمر جدي‪.‬‬

‫قلـت لـه مـن البـاب للطـاق بأن ترهالت جسـده‬ ‫تخيفنـي (‪ )...‬ألرى مالـذي سـتفعله تلـك الكـرة‬ ‫اجملعـدة مـن دونهـا ‪..‬؟؟‬ ‫هلل د ّرك يـا مقبولـة (‪ )...‬اآلن يف مستشـفى‬ ‫اجملانين‪.‬‬ ‫جدتـي‬ ‫كنّـا نصفـق لنـص نصيـص يف حكايـات ّ‬ ‫حلـوة (‪ )...‬ينتصـر الرجـل احلصـان يف املعركـة‬ ‫عنـد الفجـر‪.‬‬ ‫وكانـت تـردف بعـد إكمـال احلكايـة (‪ )...‬ألنهـا‬ ‫باتـت تعـرف كلّ شـيء))‪.‬‬ ‫(اخلـط العريـض للسـاردة مـن الدرجـة‬ ‫الثانيـة‪ :‬مقبولـة)‬ ‫هـذا منـوذج عـن حتويـل السـرد مـن درجـة‬ ‫إلـى أخـرى يف روايـة حنظلـة‪ ،‬وهـو معت َمـد يف‬ ‫عامـة‪ ،‬حتّـى إنّ الروائيـة كانـت تنتقـل‬ ‫السـرديات ّ‬ ‫بسالسـة كبيـرة ِوتلقائيـة وإتقـان يف إحالـة السـرد‬ ‫إلـى السـاردين‪ ،‬ال سـيما أنهـا كانـت حتتـرم‬ ‫األصـوات واختالفاتهـا‪ ،‬فلغـة مقبولـة علـى سـبيل‬ ‫املثال تختلف متاما عن لغة حياة‪ ،‬وهذا كان دأب‬ ‫الروائيـة يف الروايـة كلهـا‪ ،‬ومـع محاولتهـا اجليدة‬ ‫يف إتقـان االلتفـات السـردي أو حتويـل الضمائـر‬ ‫السـردية (السـرد) مـن درجـة إلـى أخـرى‪ ،‬إال أ ّنهـا‬ ‫أخفقـت عندمـا وقعـت يف فـخ املبالغـة عنـد نصـب‬ ‫وشده يف روايتها‪،‬‬ ‫كمائن ملتلقيها بغرض االنتباه ّ‬ ‫فكانـت عالمـات الترقيـم وتقنيـات الكتابـة‬ ‫تخونهـا كمـا يف النـص اآلتـي‪:‬‬ ‫((نضحـي بق ّوتنـا أحيانـا ونركلهـا بعيـدا مـن‬ ‫نحب (‪ )...‬يومها بكت مقبولة‪ ،‬المتني‬ ‫أجل من ّ‬ ‫كثيـرا‪ ،‬احتضنتنـي‪ ،‬غمرتنـي دمـوع صدقهـا‬ ‫وبراءتهـا‪ ،‬وهـذا يكفينـي‪ .‬ملـن سـأخرج يا حياة؟ ال‬ ‫أحد سـيكون هناك يف العراقيب بانتظاري سـوى‬ ‫ذلـك العجـوز األنانـي‪ )...( .‬هـل كرههـا بالفعـل؟‬ ‫هـل انعتـق مـن سـحر جسـدها؟ بكـت مقبولـة‬ ‫وكانـت الدمـوع تنسـرب مـن عينيهـا (‪152-()))...‬‬ ‫‪.)153‬‬ ‫الكتابـة باخلـط الغليـظ هـي للسـاردة مـن‬ ‫الدرجة الثانية التي انتقل إليها السرد بطريقة‬ ‫أخفقـت الروائيـة يف انتقائهـا‪ ،‬بحيـب ال يجـوز‬ ‫هـذا للكاتـب العربـي‪ ،‬ال شـيء يوحـي بـأن مقبولـة‬ ‫التقطت السـرد لتقوم مبهمة السـرد بعد حياة!!‬ ‫سيمياء األسماء‬

‫يف الروايـة زاويـة أجـادت الروائيـة نسـجها‬ ‫وإهداءهـا إلـى القـارئ‪ ،‬وهـي زاويـة األسـماء‬ ‫والشـخصيات‪ ،‬فتلـك األسـماء لـم تكـن أبـدا‬ ‫اعتباطيـة‪ّ ،‬إنـا هـي منتقـاة وبعنايـة فائقـة‪،‬‬ ‫ويتجلّـى ذلـك يف اسـم حنظلـة الـذي ال يشـبه‬ ‫حنظلـة العلـي يف شـيء غيـر حلـم أشـجار‬ ‫البرتقـال اليافـاوي‪ ،‬واسـم األب املنتقـى بـكل‬ ‫عنايـة ألبعـاد ترمـي إليهـا الروائيـة‪ .‬ناجـي‬


‫دراسات‬ ‫اليافـاوي هـو الناجـي الوحيـد‪ ،‬الـذي كان‬ ‫يخـرج باسـتمرار مـن املعتقـل كلمـا اقتيـد‬ ‫إليـه ((كبـرت يف بيـت عمتـي فغالبـا مـا كان‬ ‫أبـي ُيع َتقـل ألشـهر))(‪ ،)11‬وحيـاة التـي لـم تـ َر‬ ‫احليـاة إال يف معتقـل عانقتـه ورفضـت اخلـروج‬ ‫منـه إ ّال إلـى القبـر‪ ،‬ومقبولـة تلـك التـي عاشـت‬ ‫نكايـة يف املـوت ال أكثـر‪ ،‬مقبولـة فحسـب! ليسـت‬ ‫بالسـامية وال بالدانيـة! ومارتـن األسـود الـذي‬ ‫الصحـايف ألنـه يؤمـن بالقضايـا‬ ‫اغتيـل والـده ّ‬ ‫التح ّرريـة ال سـيما القضيـة الفلسـطينية!‬ ‫مارتن األسـود الذي أنقذ حنظلة الفلسـطيني‪،‬‬ ‫إحالـة واضحـة إلـى صاحـب القبضـة السـوداء‬ ‫«مارتـن لوثـر كينـغ»‪ ،‬كمـا أن الشـخصيات املعـ ّراة‬ ‫من األسماء حتمل أبعادا وظيفية يف مدلوالت‬ ‫أسـمائها‪ ،‬كالصحافيـة التـي انتحـرت‪ ،‬والسـمني‬ ‫الـذي اغتيـل‪ ،‬واليهـودي ذي الذقـن الطويـل‪،‬‬ ‫لكـن السـؤال هنـا‪ :‬ملـاذا أقرنـت الروائيـة اسـم‬ ‫اجلزائـري بجنسـيته (أحمـد‪ ،‬اجلزائـري) ولـم‬ ‫تتجاهـل أحدهمـا؟؟ وهـو شـخصية عابـرة يف‬ ‫نصهـا الروائـي؟؟‬ ‫لـن أطيـل يف سـيمياء األسـماء وأكتفـي‬ ‫باإلشـارة إليهـا بالبنـان أل ّنهـا دوال ومدلـوالت‬ ‫واضحـة تلمـس بسـهولة روح املت ّلقـي وفكـره!!‬ ‫أفق االنتظار‪:‬‬

‫تيمة القلق وتمييع الزمن‬

‫سـأن ِّوه بدايـة بزمـن ال أقصـده هنـا‪ ،‬وهـو‬ ‫الزمـن السـردي حيـث بـدأت الروايـة بزم ٍـن‬ ‫ع ٍـام‪ ،‬كان قبـل انتقـال حنظلـة إلـى مـكان‬ ‫آخـر «نيويـورك»‪ ،‬ثـم بسـابقة كبـرى متثلـت يف‬ ‫القسـم الثانـي الـذي أعادنـا عقـودا إلـى زمـن‬ ‫مضـى‪ ،‬وختمـت بالعـودة إلـى الزمـن احلالـي‪،‬‬ ‫عـن طريـق تقنيتَـي السـوابق واللواحـق‪ .‬كمـا‬ ‫لعبـت الروائيـة بخاصيـة السـفر عبـر الزمن من‬ ‫أجـل اسـتعراض مرحلـة تاريخيـة عبـر حتويـل‬ ‫الشـخصيتني مارتـن وحنظلـة إلـى شـاهدين‬ ‫ح َّيين ألحـداث تلـك الفتـرة‪...‬‬ ‫ّأمـا الزمـن الكرونولوجـي‪ ،‬فلـم يكـن ذا قيمـة‬ ‫حقيقيـة لـدى الروائيـة‪ ،‬فلـم حت ّـدده إ ّال يف‬ ‫بدايـة القسـم األخيـر‪:‬‬ ‫((السـاعة الثانيـة والنصـف صباحـا‪ ،‬املدينـة‬ ‫ال تـزال متـارس عهرهـا يف اخلـارج (‪ )...‬فصـول‬ ‫تولـد وأخـرى متـوت‪.‬‬ ‫السـاعة الرابعـة صباحـا‪ ،‬دخـان يتلـ ّوى‪ ،‬فـوق‬ ‫األوراق ‪.)171())...‬‬ ‫لـم يكـن للزمـن احلقيقـي أهميـة لـدى‬ ‫وربـا يف هـذا نـوع مـن العبثيـة‪ ،‬إذ إنّ‬ ‫الروائيـة‪ّ ،‬‬ ‫كلّ وقـت سـيمضي بشـكل أو بآخـر ((فالوقـت‬ ‫عـادة ال يعتـرف بأحالمنـا‪ ،‬ننقـاد لـه‪ ،‬يض ِّيعنـا‬ ‫ويضيـع بـدوره مـن بين أصابعنـا كـذ ّرات تهـرب‪،‬‬ ‫مسـرعة من عنق سـاعة رملية يف عماء أيامنا))‬ ‫(‪)9‬‬ ‫((هاهـي سـاعة منتصـف الليـل تـدقّ بلا‬ ‫عقـارب وال وقـت‪ ،‬فالعقـارب أصابهـا العطـب‬ ‫والوقـت مـات وسـط زحمـة الرتابـة‪.)91())..‬‬ ‫((كل شـيء هنـا يشـيخ باكـرا وبطريقـة‬ ‫اسـتفزازية للوقـت الـذي يضطـر بـأن يكسـر‬ ‫العقـارب يف سـاعاته الدائريـة‪ ،‬املربعـة‪ ،‬املثلثـة‪،‬‬ ‫ليتمكـن مـن اللحـاق بزمـن هـذا املـكان))(‪.)154‬‬ ‫((فأيقنـت بـأنّ االعتمـاد علـى الوقـت أمـل‬ ‫ـش‪ ،‬ه ّ‬ ‫ه ّ‬ ‫ـش جـدا لدرجـة أنـه قـادر علـى كسـر‬

‫اإلرادة يف النهايـة))(‪.)167‬‬ ‫الوقـت مائـع ج ّـدا يف هـذه الروايـة ألنـه ميـ ّر‬ ‫علـى شـخصيات يف زنزانـة‪ ،‬وغالبيتهـن ال أمـل‬ ‫لهـن يف رؤيـة سـماء احلريـة‪ ،‬كمـا اغتـال الوقـت‬ ‫أمـل حنظلـة قبـل عودتـه‪ ،‬وهـو بين أذرع تلـك‬ ‫املدينـة األخطبـوط‪ ،‬العاهـرة كمـا يسـميها‪،‬‬ ‫سـاعة تدق بال عقارب‪ ،‬هي سـاعة ميتة ودقاتها‬ ‫مجـ ّرد إيقـاع مسـتفز‪..‬‬ ‫يتصـل القلـق الوجـودي املرتبـط باإلنسـان‬ ‫بزمـن الروايـة املتع ِّلـق بالشـخصيات‪ ،‬وقـد‬ ‫ص ّرحـت الروائيـة بذلـك يف الصفحـة ‪،154‬‬ ‫عبثيـة يائسـة تطفـو علـى روح املقاومـة التـي‬ ‫حتملهـا بديعـة علـى لسـان حيـاة ودالل وناجـي‬ ‫وحنظلـة‪ ،‬تلـك احليـاة التـي وقَّ َعـت علـى يأسـها‬ ‫الصحافيـة باالنتحـار‪ ،‬واستسـلمت بـل وأصـ ّرت‬ ‫حيـاة علـى املـوت بين أحضـان زنزانـة باردة عفنة‬ ‫بـدل أحضـان االبـن والـزوج‪ ،‬ذلـك ألنّ الوقـت‬ ‫مائـع جـدا ح ّـد الثبـوت وعـدم احلركـة‪ ،‬وح ّـد‬ ‫االنسـياب السـريع هربا من صمود البشـر‪ ،‬ومن‬ ‫آمالهـم املتع ّلقـة بالوقـت‪..‬‬ ‫ذلـك القلـق الـذي يتسـ ّرب تناظريـا مـن‬ ‫الزنزانـة إلـى خارجهـا ومـن اخلـارج إليهـا‪ ،‬هـو‬ ‫الـذي يحـرك الشـخصيات‪ ،‬ويعبـث بالوقـت‬ ‫الذي لم يعد أحد يسـأل عنه‪ ،‬ويكفي أن ُيعرف‬ ‫بأنـه صبـاح أو مسـاء أو صيـف أو شـتاء أو ‪،...‬‬ ‫ذلـك ألنّ ((معاركنـا خاسـرة أمـام الوقـت))(‪)87‬‬ ‫وهـذا عنـوان فرعـي يؤكـد علـى خـذالن الوقـت‬ ‫املقنّـع باألسـى لإلنسـان‪ ،‬ويدعـم ذلـك املفهـوم‬ ‫عنوان آخر ((مؤلم أن تسـقط األيام منّا ونحن‬ ‫يف زنزانـة))(‪.)115‬‬ ‫الوقـت والقلـق يف روايـة «حنظلـة» صنـوان‬ ‫ُي َع ّـدان ملحـا يـرش علـى جـرح ذاكـرة الشـعب‬ ‫بخاصـة وعلـى القوميـة العربيـة‬ ‫الفلسـطيني‬ ‫ّ‬ ‫عامـة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫روايـة «حنظلـة» وشـم يف ذاكـرة اإلنسـان‬ ‫العربـي كـي ال ينسـى تاريخـه وقضايـاه ال سـيما‬ ‫القضيـة الفلسـطينية التـي حتـاول الروائيـة‬ ‫إثبـات سـرديتها الذاتيـة (الصغـرى) مـن خلال‬ ‫مفاصـل الروايـة واسـتراتيجية شـخصياتها‬ ‫وتداعيـات أحداثهـا‪ ،‬ومـن خلال تاريخيتهـا‪،‬‬ ‫وقوميتهـا‪ ،‬وأيديولوجيتهـا التـي تنحـو منحـى‬ ‫احلـركات التحرريـة يف العالـم‪.‬‬ ‫وملـن ال يعـرف بديعـة النعيمـي فهـي روائيـة‬ ‫أردنيـة مش َّـربة بالقوميـة العربيـة‪ ،‬ويسـري يف‬ ‫عروقهـا الـدم الفلسـطيني‪ ،‬لديهـا أربـع روايـات‬ ‫كلهـا تصـب يف القضيـة الفلسـطينية‪ :‬فراشـات‬ ‫ّ‬ ‫شـرانقها املـوت‪ ،‬مـزاد علنـي‪ ،‬عندمـا تزهـر‬ ‫البنـادق‪ ،‬حنظلـة‪ .‬والروايـة اخلامسـة قيـد‬ ‫اإلجنـاز ‪ ...‬تلـك هـي بديعـة النعيمـي بسـرديتها‬ ‫الصغـرى التـي لـن تتخلـى عنهـا!!‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫تـراوغ الروائيـة بديعـة النعيمـي عـن طريـق‬ ‫تقنيـات سـرد مختلفـة‪ ،‬فتح ِّيـر قارئهـا‪ ،‬وتش ُّـده‬ ‫إليهـا دون رحمـة‪ ،‬فلا شـيء ُيجنـى مجانـا‪،‬‬ ‫لكنهـا ترهقـه أحيانـا إذ تلجـأ إلـى طـرح قضايـا‬ ‫ثـم تسـكت عنهـا تاركـة لـه حرية التفسـير‪ ،‬ومثل‬ ‫ذلـك مـوت حيـاة‪ ،‬فقـد َتقَـ ّ َر َر إطلاق سـراحها‬ ‫بعـد التأكّـد مـن إصابتهـا بسـرطان الدمـاغ‪،‬‬ ‫لكنها رفضت‪ ،‬وأوحت بديعة للقارئ عن طريق‬ ‫مناجـاة حيـاة لناجـي وطلـب معطفـه الـذي‬ ‫شـهد ح ّبهمـا وميلاد طفلهمـا حنظلـة‪- ،‬أوحـت‬ ‫للقـارئ‪ -‬بهـذا احلنين‪ ،‬بأ ّنهـا سـتخرج ال محالة‬ ‫مـن أجـل ذلـك الطفـل الـذي ال تغـادر رائحتـه‬ ‫جوارحهـا‪ ،‬ومـن ناحيـة أخـرى ُتقَـ ِّرر املـوتَ يف‬ ‫تفصـل بديعـة يف هـذا التذبـذب‪،‬‬ ‫السـجن‪ ،‬ولـم ِ‬ ‫ولـم تصـ ِّرح ملتلقيهـا مبـوت حيـاة‪ ،‬وال ببقائهـا‬ ‫يف السـجن أو خروجهـا منـه‪ ،‬وكان هـذا نوعـا‬ ‫مـن مجمـل الدهشـات التـي سـجلتها الروائيـة‬ ‫يف مرمـى متلقيهـا فاحتـة أمامـه بـاب التأويـل‬ ‫مبصراعيـه‪.‬‬ ‫ومثـل ذلـك حنظلـة الـذي تغ ّيـر متامـا‬ ‫أهلتـه‬ ‫وعـاد أمريكيـا بشـهادة هندسـة نوويـة ّ‬ ‫لتفجيـر أهـم مفاعـل نـووي هنـاك (دميونـة)‪،‬‬ ‫لـم تسـرد بديعـة ذلـك‪ّ ،‬إنـا أوحـت بذلـك‬ ‫ملتلقيهـا بإعطائـه بطاقـة عـن حنظلـة‪ ،‬ولـه‬ ‫حريـة التأويـل!! وإنتـاج املعنـى بين املقصديـة‬ ‫(الروائيـة) والتأويـل (املتلقـي)‪.‬‬

‫وتكمـن مفارقـة صغيـرة يف سـ ّر اللعبـة التـي‬ ‫جلبهـا حنظلـة‪ ،‬والتـي كانـت تبادلـة احليـاة‪،‬‬ ‫كمـا كان يظـن‪ ،‬يف الوقـت الـذي كانـت تعمـل‬ ‫(اللعبـة) علـى تركيـب املـوت‪ ،‬بلغـة الصمـت‪،‬‬ ‫فاحليـاة كانـت وهمـا لديـه‪ ،‬ولعبـة طفولتـه لـم‬ ‫ت ِـف بـدور األمومـة‪ ،‬ولعبتـه كبيـرا لـم جتلـب لـه‬ ‫غيـر مشـروع املـوت الـذي صـدم القـارئ وقـت‬ ‫تصريـح مارتـن بأنهـا جاسوسـة مـزودة بجهـاز‬ ‫تسـجيل وعدسـة مراقبة‪ ،‬ذلك الصمت الذي ال‬ ‫يفسـر بغيـر املـوت كمـا يف دراسـة جيـرار جينيـت‬ ‫َّ‬ ‫يف البحـث عـن الزمـن الضائـع ملارسـيل بروسـت‪،‬‬ ‫كل صمـت داللتـه املـوت‪ ،‬فلـم تن ُـج الصحافيـة‬ ‫بصمتهـا‪ ،‬وعاشـت مقبولـة بثرثرتهـا‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫‪ 10‬دراسات‬

‫رواية ‹الطوفان الثاني› لـ «فاتح عبد السالم»‬ ‫من االغتراب الوجودي إلى سؤال الهوية‬ ‫يجعل سارد نصّ ّ‬ ‫‹›الطوفان الثاني›› للرّوائي‬ ‫العراقي «فاتح عبد السالم» القارئ منذ الصفحات‬ ‫األولى أمام صدمة الحرب التي كانت بداية‬ ‫التغييرات والحروب االرتدادية التي أحاطت‬ ‫بالعراق (الصفحات‪ .)12،15،21 :‬لتنكشف من‬ ‫خاللها تجارب المغتربين والمهجرين الذين‬ ‫خاضوا غمار بحار عدّة‪ .‬ورست سفنهم في مدن‬ ‫أضاءت ذكرياتهم‪ .‬وأخرى تشبه قوارب النجاة‬ ‫التي ال تصل إلى شواطئ األمان أبدا‪.‬‬

‫الناقد‪/‬‬

‫سعيد بوعيطة‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫اخلاصة التي تت ّب َعها السارد‪/‬‬ ‫تلك هي احلياة‬ ‫ّ‬ ‫السلام عبـر شـخصيتني‬ ‫ـد‬ ‫الروائـي فـاحت عب‬ ‫ّ‬ ‫رئيسـيتني‪ .‬وشـخصيات أخـرى اكتمـل بهـا املعمـار‬ ‫ال ّروائـي املعتمـد علـى تداخـل قصتين‪ .‬تص ّبـان يف‬ ‫مجـرى روحـي وعرفانـي عنيـف‪ .‬حيـاة شـخصية‬ ‫سـالي التـي تقـول عنهـا شـخصية كمـال‪/‬‬ ‫الشـخصية احملوريـة‪(( :‬بيـوض األرواح اجلاحـدة‬ ‫وضعوهـا يف عينيـك حين كنـت طفلـة نائمـة‬ ‫اشتدت ريح احلقد))‬ ‫وتفقست أجنة صغارا كلما‬ ‫ّ‬ ‫ص‪ّ .355:‬أمـا شـخصية سـالي‪ ،‬فتـردد يف أكثـر مـن‬ ‫موقـع ((إن امللـح األسـود حقيقـة‪ ،‬لكنـه مصنـوع‬ ‫من وهم)) ص‪ .362:‬حيث دلّت رؤى ّ‬ ‫الشـخصيات‬ ‫(سـالي‪ ،‬كمـال) علـى تصويـر عميـق ولغـة تفيـض‬ ‫بشـعرية مسـتنبطة مـن واقـع خشـن وقـاس غالبـا‪.‬‬ ‫تتكـ ّرر هـذه الـرؤى التأمل ّيـة يف عـدد غيـر قليـل‬ ‫خاصـة الصفحـات التاليـة‪،342 :‬‬ ‫الصفحـات‪ّ ،‬‬ ‫مـن ّ‬ ‫‪...573 ،532 ،397،432 ،356‬الـخ‪ .‬لكـن ال ميكـن‬ ‫السـردي أن يتوقـع وفـق أفـق‬ ‫ملتلقـي هـذا النّـص ّ‬ ‫أي فصـل مـن فصـول‬ ‫انتظـاره اخلـاص أحـداث ّ‬ ‫الروايـة العشـرين‪ .‬ألنّ ميـزة معمـار هـذا النّـص‬ ‫ال ّروائـي‪ ،‬تتسـاوق مـع انهيـارات احلـروب ومـا‬

‫حتدتـه مـن تص ّـدع‪ .‬لهـذا ال يجـد املتلقـي نفسـه‬ ‫ّ‬ ‫أمـام حـدث مركـزي علـى الرغـم مـن كـون عنـوان‬ ‫الروايـة ‪/‬الطوفـان الثانـي يوحـي بوجـوده‪ ،‬بقـدر‬ ‫مـا سـيجد نفسـه أمـام امتـدادات سـردية‪ .‬تفضـي‬ ‫بدورهـا إلـى تف ّرعـات داخليـة ‪/‬نصيـة وخارجيـة‬ ‫‪ /‬واقعيـة‪ ،‬تتالحـم مـع بعضهـا البعـض‪ .‬لتش ِّـكل‬ ‫السـردية بين‬ ‫مسـارا سـرديا عامـا‪ .‬متتـد أبعـاده ّ‬ ‫عاملين‪ :‬االغتـراب الوجـودي للشـخصيات (سـالي‪،‬‬ ‫كمـال)‪ ،‬وسـؤال الهويـة النّـاجت عـن هـذا االغتـراب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الشخصية واالغتراب الوجودي‪:‬‬

‫يفتتـح السـارد‪/‬الروائي فـاحت عبـد السلام‬ ‫الفصـل الثامـن مبقولـة اسـتقاها مـن بديـع‬ ‫الزمـان الهمدانـي (املـرء حيـث يثبـت ال حيـث‬ ‫ينبـت‪ ،‬وحيـث يوجـد ال حيـث يولـد) ص‪.216:‬‬ ‫مما يولد سطوة الشعور بالضياع والغربة الذي‬ ‫ّ‬ ‫اصطبـغ املسـار السـردي العـام للشـخصيتني‬ ‫الرئيسيتني (شخصية سالي وشخصية كمال)‪.‬‬ ‫لكـن لـم يكـن هـذا الشـعور قـد انبجـس فيهمـا‬ ‫فقـط‪ ،‬ألنّهمـا انتقلا إلـى بيئـة أجنبيـة ال مـكان‬ ‫فيها لذكريات ّ‬ ‫الطفولة (الذّ اكرة)‪ .‬ليس ألنّ كلّ‬

‫واحـد منهمـا فقـد والديـه أثنـاء رحلـة الهـروب‬ ‫بحثـا عـن وطـن بديـل‪ ،‬بـل جـاء هـذا الشـعور‬ ‫مالزما لذاكرتيهما‪ .‬فحني استيقظ وعيهما يف‬ ‫بلـد اللجوء‪/‬إجنلتـرا‪ ،‬وأخـذا يحـاوالن اإلجابـة‬ ‫على ما فرضته عليهما احلياة من أسـئلة حول‬ ‫جودهمـا‪ ،‬ح ّولـت أزمتهمـا إلـى إشـكالية‪ .‬لكـن‬ ‫علـى الرغـم مـن متكّ نهمـا مـن امتصـاص ذلـك‬ ‫مـن خلال إحساسـهما باالنسـجام(‪ ،)1‬فقـد كانـا‬ ‫يبحثـان عـن هويتهمـا وسـط مشـاعر االغتـراب‬ ‫التـي ظلّـت تالزمهمـا وهمـا يعيشـان يف بيئـة‬ ‫غريبـة‪ .‬لـم تكـن لهمـا أي إرادة يف اختيارهـا‪.‬‬ ‫بـل انسـاقا إليهـا رغمـا عنهمـا‪ .‬بفعـل فوضويـة‬ ‫ال ّزمـن العراقي‪/‬زمـن احلـرب‪ .‬فكانـت بريطانيـا‬ ‫املالذ واملنفى يف آن‪ ،‬إ ّال أنّ شخصية كمال شاء أن‬ ‫تتق ّـدم بخطـوة جريئـة الكتشـاف ذاتها‪/‬وجودهـا‬ ‫مـن خلال التواصـل مـع الوطـن والوصـول إليـه‬ ‫بعـد أن اجتـازت السـيارة التـي كان تسـتقلّها مـع‬ ‫آخريـن احلـدود األردنيـة العراقيـة‪.‬‬ ‫يقـول السارد‪/‬شـخصية كمـال‪( :‬لقـد مضـى‬ ‫وقـت طويـل‪ .‬لكـن هـذا ال يهـم مـا دمنـا سـنصل)‬ ‫ص‪ .413:‬تتكـ ّرر هـذه الهواجـس يف العديـد مـن‬


‫دراسات‬

‫الروايئ فاتح عبدالسالم‬

‫والتملّـك‪ .‬ممـا يعنـي أن جتـاوز االسـم األصلـي‪/‬‬ ‫ضعف‬ ‫كمال‪ ،‬أو أنّ نقص أ ّية صفة من صفاته‪ُ ،‬ي ِ‬ ‫دالالتـه ويحيـل فـور ًا علـى اللا أصـل‪ ،‬وهـو مـا‬ ‫عانتـه شـخص ّية «كمـال» مـن بدايـة ظهورهـا‬ ‫ـردي يف‬ ‫يف الروايـة حتـى حلظـة اإلقفـال الس ّ‬ ‫خامتتهـا‪ .‬تتقاطـع هـذه ال ّرؤيـا مـع اإلطـار الـذي‬ ‫تتحـ ّرك فيـه شـخصية سـالي يف بريطانيـا وهـي‬ ‫عمـا ميكـن أن يعـزِّز ارتباطهـا بالعالـم‬ ‫تبحـث ّ‬ ‫الـذي وجـدت نفسـها فيـه‪ .‬تخـوض شـخصية‬ ‫كمـال التـي تعيـش نوعـا مـن االزدواجية‪ ،‬مغامرة‬ ‫لتؤسـس حضورهـا اإلنسـاني‬ ‫العـودة إلـى العـراق ّ‬ ‫بهويتـه العراقيـة التـي كانـت تبحـث عنهـا‪ .‬وعلى‬ ‫هـذا النحـو املتنـاوب‪ ،‬متكـن ال ّروائـي فـاحت عبـد‬ ‫السلام مـن خلـق ع ّـدة مسـتويات متراكبـة مـن‬ ‫البنـاء والعالقـات اإلنسـانية‪ ،‬عبـر لغـة ا ّتسـمت‬ ‫بقدرتهـا علـى الغـور يف أعمـاق الشـخصيات‬ ‫السـرد ينتظـم‬ ‫واسـتبطان هواجسـها‪ ،‬مـا جعـل ّ‬ ‫يف ثنائيـات ضديـة‪ :‬داخـل وخـارج‪ ،‬املنفـى‬ ‫والوطـن‪ ،‬الغـزاة واملقاومـون‪.‬‬ ‫كشـفت هـذه الثنائيـة علـى املواجهـة الثقافيـة‬ ‫بين عناصرهـا‪ ،‬بذلـك‪ ،‬أنسـاق خطـاب روايـة‬ ‫‹›الطوفـان الثانـي›› إلـى فحـص تشـابكات هـذه‬ ‫العالئق الثنائية املعقدة‪ ،‬وكشف مضمر املسافات‬ ‫البعيـدة داخـل الشـخصية العراقيـة مـن خلال‬ ‫تقنيـة التنـاوب بين وجه َت ْـي نظـر الشـخصيتني‬ ‫الرئيسـيتني (شـخصية كمـال وشـخصية سـالي)‪،‬‬ ‫ـردي التـي عاشـتها‬ ‫الس ّ‬ ‫تؤشـر حلظـات التوتّـر ّ‬ ‫الشـخص ّية الرئيسـة «كمال‪/‬إدغـار» يف روايـة‬ ‫‹›الطوفـان الثانـي›› علـى فكـرة الهويـة علـى نح ٍـو‬ ‫السـردي‬ ‫غزي ٍـر للغايـة‪ .‬فمنـذ بدايـة مسـارها ّ‬ ‫ـداء مـن تـرك‬ ‫داخـل فضـاء الهجـرة والنـزوح‪ ،‬ابت ً‬ ‫الوطـن بحثـ ًا عـن مصيـر آمـن وغـرق األب واألم‬ ‫مع عشرات آخرين‪ ،‬وانتشالها من غضب البحر‪،‬‬ ‫تتب ّـدى فكـرة الهويـة وتشـرع باملثـول بين يـ َد ْي‬ ‫السـرد‪ .‬وال ش ّـك يف أنّ البحـر هـو «الالهويـة››‬ ‫ّ‬ ‫بامتيـاز بصفتـه النقيضـة للأرض اليابسـة‪/‬‬ ‫الوطن‪ .‬فعلى الرغم من حصول شـخصية كمال‬ ‫علـى جنسـية جديـدة‪ ،‬فإ ّنهـا ظلّـت تبحـث عـن‬ ‫هو ّيتهـا املفقـودة باسـتمرار‪.‬‬ ‫اإلحــــــــاالت الصفحـات املشـار إليهـا مأخـوذة‬ ‫من ‪:‬‬ ‫فـاحت عبـد السلام‪ ،‬الطوفـان الثانـي (روايـة)‪،‬‬ ‫ط‪ ،1‬الـدار العربيـة للعلـوم‪ ،‬بيـروت‪2020،‬‬ ‫(‪)1‬شـاكر عبد احلميد‪ ،‬الغرابة‪ ،‬املفهوم وجتلياته‬ ‫يف األدب‪ ،‬سلسـلة عالـم املعرفة‪/‬الكويـت‪،‬ع ‪،384‬‬ ‫ينايـر ‪ ،2012‬ص‪.191 :‬‬ ‫(‪ )2‬عبـد املالـك مرتـاض‪ ،‬يف نظريـة الروايـة‪،‬‬ ‫سلسـلة عالـم املعرفة‪/‬الكويـت‪ ،‬ع‪ ،240‬ديسـمبر‬ ‫‪ ،1998‬ص‪.83 :‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫الصفحات‪ .‬نذكر من بينها‪،421،426،431،433 :‬‬ ‫لكـن يف طريقهـا إلـى الوطـن‪ ،‬وجـدت شـخصية‬ ‫كمـال نفسـها محتجـزة لـدى جماعـة تابعـة‬ ‫إلحـدى فصائـل املقاومـة العراقيـة يف صحـراء‬ ‫ممـا جعلهـا تتعثّـر وهـي تبحـث عـن‬ ‫األنبـار‪ّ .‬‬ ‫أجوبـة وسـط حـاالت يسـودها اخلـوف واحلـذر‬ ‫والتوجـس‪ .‬مـن هنـا‪ ،‬تبـدأ شـخصية كمـال يف‬ ‫ّ‬ ‫تخطـي احلـدود التـي كانـت متنعهـا مـن معرفـة‬ ‫نفسـها‪ ،‬واكتشـاف حقيقـة املـكان الـذي تنتمـي‬ ‫السـؤال الوجـودي يف روايـة‬ ‫إليـه جذورهـا‪ .‬يـزداد ّ‬ ‫‹›الطوفـان الثانـي›› املرتبـط بشـخصية كمـال‪،‬‬ ‫ح ّـدة عندمـا تلتقـي شـخصية كمـال يف صحـراء‬ ‫ـال‬ ‫األنبـار مـع كفـاءات عراقيـة علـى مسـتوى ع ٍ‬ ‫مـن الدراسـة العلميـة واملهنيـة‪ ،‬واخلبـرات‬ ‫القتاليـة‪ ،‬لكـن تع ّـدد هـذه الشـخصيات وتداخـل‬ ‫ـص‬ ‫الفضـاءات (صحـراء األنبـار)‪ ،‬يجعـل بنيـة ن ّ‬ ‫ّ‬ ‫‹›الطوفـان الثانـي›› ال تخـرج عـن حـدود‬ ‫روايـة‬ ‫التّخييـل الروائـي‪ .‬ألنّ العالـم السـردي الـذي‬ ‫اجتـرح تفاصيلـه وأحداثه وشـخصياته‪ ،‬الروائي‬ ‫مبهمـة تصويـر‬ ‫فـاحت عبـد السلام‪ ،‬لـم يكت ِـف‬ ‫ّ‬ ‫الواقـع العراقي‪/‬التاريخـي (احلـرب)‪ ،‬بقـدر‬ ‫مـا كان داال عليـه عبـر جتربـة روائيـة‪ .‬حاولـت‬ ‫إعـادة إنتاجـه بفعـل سـردي قائـم علـى التّخييـل‪،‬‬ ‫شـخصية كمـال واالغتـراب املـزدوج يشـتغل هـذا‬ ‫النّـص الروائـي علـى املـكان باعتبـاره ملمحـا‬ ‫خاصـة يف مـا يتعلّـق‬ ‫السـردي‪ّ ،‬‬ ‫أساسـيا يف البنـاء ّ‬ ‫بتكويـن الشـخصيات واإلشـكالية التـي تعانـي‬ ‫منهـا يف مسـار بحثهـا عـن هويتهـا ووجودهـا‬ ‫اإلنسـاني الـذي سـلخت منـه رغـم إرادتهـا‪ .‬لهـذا‪،‬‬ ‫ميـارس املـكان يف روايـة ‹›الطوفـان الثانـي››‬ ‫دوره ال ّرمـزي إلـى جانـب وظيفتـه الواقعيـة‪.‬‬ ‫ألنّ الصراعـات التـي تطـرح يف هـذا النّـص‬ ‫السـردي‪ ،‬تـدور يف مجملهـا حـول املكان‪/‬العـراق‪.‬‬ ‫حيـث ال تنفصـل العالقـات بجميـع أوجههـا عـن‬

‫أبعـاد االسـتحواذ علـى املـكان‪ .‬تقـف شـخصية‬ ‫كمـال لتدعـم هـذه الفرضيـة يف سـعيها اجلـاد‬ ‫بالعـودة إلـى العراق‪/‬األصـل الـذي ولـدت فيـه‪،‬‬ ‫واألمريكيـون الذيـن عبـروا احمليطـات وجـاءوا‬ ‫للسـيطرة عليـه‪ ،‬كذلـك املقاتلـون العراقيـون‬ ‫والعـرب يف صحـراء األنبـار‪ .‬أمـا شـخصية‬ ‫سـالي‪ ،‬فتسـعى هـي األخـرى ألجـل أن يكـون‬ ‫لهـا مـكان واضـح يف ديـار الغربـة باعتبـاره‬ ‫بديلا عـن خسـارتها لعائلتهـا ووطنهـا‪ .‬لهـذا لـم‬ ‫يكـن املـكان مسـاحة مجازيـة فقـط‪ ،‬بـل مك ّونـا‬ ‫إجرائيـا السـتيعاب الشـخصية (كمـال‪ ،‬سـالي)‬ ‫يف بعدهـا الوجدانـي واإلنسـاني واالجتماعـي‪.‬‬ ‫إنّـه ال يقتصـر علـى املواقـع التـي تتحـ ّرك فيهـا‬ ‫الشـخصيات فحسـب‪ ،‬بقـدر مـا يحمـل دالالت‬ ‫علـى قيـم ووظائـف رمزيـة متثـل جوهرهـا‬ ‫وحقيقتهـا الداخليـة‪ .‬كمـا لـم يتموضـع احلـدث‬ ‫السـرد‬ ‫يف العالئـق السـردية التـي يطرحهـا ّ‬ ‫إ ّال عبـر مـكان متخيـل‪ ،‬ميتـد بوشـائج مـع‬ ‫الواقـع(‪ ،)2‬لكـن املتخ ّيـل املكانـي هنـا‪ ،‬لـم يكـن‬ ‫مبعـزل عـن الوجـود الواقعـي يف الوعـي اجلمعـي‬ ‫العراقـي أو الوعـي الفردي‪/‬شـخصية كمـال‬ ‫وامتـداده يف الذاكـرة اإلنسـانية مـن االغتـراب‬ ‫املـزدوج إلـى سـؤال الهويـة متثّـل إشـكال ّية االسـم‬ ‫املـزدوج لشـخصية ‹›كمـال» وهـو االسـم األصـل‬ ‫ـزي‬ ‫الـذي حملتـه منـذ والدتهـا‪ ،‬واالسـم اإلجنلي ّ‬ ‫«إدغار» الذي أطلقته عليها العائلة اإلجنليز ّية‬ ‫التـي أنقذتهـا وغ ّيب ْـت اسـمها األصـل‪ ،‬تداخـل‬ ‫سـيميائي علـى مسـتوى إثبـات الشـخصية‬ ‫ونفيهـا يف الوقـت نفسـه‪ ،‬يكـون نفـي الشـخصية‬ ‫يف االسـم اإلجنليزي‪/‬إدغـار باعتبـاره نطاقـا‬ ‫للتعيين وإشـارة وتكاملا حلضـور الشـخص ّية‬ ‫ـردي‪ .‬فيمـا‬ ‫اجلديدة‪/‬إدغـار داخـل الفضـاء الس ّ‬ ‫ينطـوي اسـم الشـخصية علـى معنـى األصـل‬ ‫والدميومـة واأللفـة واالنتمـاء واحلريـة والثبـات‬

‫‪11‬‬


‫‪ 12‬دراسات‬

‫عبد التواب يوسف‪..‬‬ ‫عميد أدب الطفل العربى‪!!..‬‬

‫في ذكراه‬ ‫السادسة‪..‬‬ ‫رحـل ‪-‬فـى هـدوء شـديد‪ -‬عـن دنيانـا صبـاح يـوم‬ ‫اإلثنين الموافق ‪ 28‬سبتمبر ‪ ،2015‬الكاتب الكبير‬ ‫عبـد التـواب يوسـف عـن عمـر يناهـز ‪ 87‬عامـا‪،‬‬ ‫فـى نفـس يـوم رحيـل الزعيـم جمـال عبـد الناصـر‪،‬‬ ‫بعـد صـراع طويـل مـع المـرض‪ ،‬لـم يمنعـه عـن‬ ‫المشـاركة فـى المحافـل والفعاليـات التـى تهتـم‬ ‫بـأدب وثقافـة الطفـل‪ ،‬ولـم يمنعـه أيضا عن حضور‬ ‫اجتماعـات لجنـة ثقافـة الطفـل بالمجلـس األعلـى‬ ‫للثقافـة‪ ،‬التـى كان أحـد أعضائهـا المؤسسـين‪،‬‬ ‫وهـو أحـد أبـرز الكتـاب العرب الذين اهتموا بالكتابة‬ ‫لألطفـال والناشـئين‪ ،‬وأغزرهـم إنتاجـا‪ ،‬وأكثرهـم‬ ‫حضـورا علـى السـاحة الثقافيـة العربيـة‪،‬‬

‫عبده الز ّراع‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫قصـا‪ ،‬ومسـرحا‪،‬‬ ‫فكتـب لهـم فـى مجـال اإلبـداع ّ‬ ‫وبحوثـا‪ ،‬ودراسـات نقديـة فـى كتـب‪ ،‬وترجـم العديد‬ ‫مـن كتـب األطفـال األجنبيـة‪ ،‬وق ّـدم لهـم أيضـا‬ ‫أعمـاال إذاعيـة‪ ،‬تتنـوع بين املسلسلات والبرامـج‬ ‫الهادفـة التـى كان يؤديهـا نخبـة مـن أملـع مذيعـى‬ ‫اإلذاعـة املصريـة‪ ،‬أمثـال‪ :‬حسـن شـمس «عمـو‬ ‫حسـن»‪ ،‬و محمـد محمـود شـعبان «بابـا شـارو»‪،‬‬ ‫ومـن أشـهر هـذه البرامـج برنامـج «غنـوة وحدوتـه»‬ ‫الـذى كانـت تؤديـه بصوتهـا الطفولـى اجلميـل‪،‬‬ ‫فضيلـة توفيـق «أبلـة فضيلـة»‪ ،‬وقـد تر ّبـى عليـه‬ ‫السـابقة‪ ،‬وكان من أجنح البرامج‬ ‫جيلى واألجيال ّ‬ ‫اإلذاعيـة لألطفـال‪ ،‬وظـلّ يق َّـدم لسـنوات طويلـة‪،‬‬ ‫وقـد شـاركه فـى كتابتـه ّ‬ ‫الشـاعر ال ّراحـل نـادر أبـو‬ ‫الفتـوح‪.‬‬ ‫تقـول الدكتـورة سـهير القلمـاوى‪« :‬نـذر عبـد‬ ‫التـواب يوسـف قلمـه ألدب األطفـال كمـا أنّـه منـذ‬ ‫وقـت مبكـر اسـتطاع أن مييـز مـا بين أدب األطفـال‬ ‫والكتابـة لألطفـال‪ ..‬إن هنـاك كثيريـن يكتبـون‬ ‫لألطفـال لكـن الكثيريـن هـم الذيـن أنتجـوا أدبـا‬ ‫كمـا وكيفـا إذ أنـه‬ ‫حقيقيـا‪ ،‬وهـو فـى طليعتهـم ّ‬ ‫حافـظ رغـم وفـرة إنتاجـه علـى جودتـه‪ ،‬وقـد ّاتـه‬ ‫بأدبـه هـذا إلـى كلّ أشـكاله املتعـارف عليهـا‪ :‬روايـة‬ ‫وقصـة ‪..‬شـعرا ومسـرحا‪ ..‬وكان أول أعمـال عبـد‬ ‫«حسـان وإحسـان فـى دار‬ ‫التـواب يوسـف ال ّروائيـة ّ‬ ‫ابـن لقمـان» التـى نشـرتها لـه إ ّبـان حتملي مسـؤلية‬ ‫رئاسـة مجلـس إدارة الهيئـة العامـة املصريـة‬

‫للكتـاب‪ ،‬ومنـذ ذلـك احلين توالـت أعمالـه ال ّروائيـة‬ ‫فـى مقدمتهـا «خيـال احلقـل» الـذى لقـى إقبـاال‬ ‫كبيـرا مـن األطفـال”‪.‬‬ ‫املولد والنشأة‬ ‫ُو ِلـد عبـد التّـواب يوسـف أحمـد‪ ،‬فـى مدينـة‬ ‫«الفشـن» مبحافظـة بنـى سـويف عـام ‪1928‬م‪،‬‬ ‫وحصـل علـى بكالوريـوس العلـوم السياسـية‪ ،‬مـن‬ ‫جامعـة القاهـرة عـام ‪1949‬م‪ ،‬عمـل فـى بدايـة‬ ‫حياتـه الوظيفيـة مشـرفا علـى برامـج اإلذاعـة‬ ‫املدرسـية بـوزارة التّربيـة والتّعليـم املصريـة‪ ،‬ثـم‬ ‫الصحافـة واإلذاعـة والتليفزيـون بهمـا‪،‬‬ ‫رأس قسـم ّ‬ ‫وتفـرغ للكتابـة لألطفـال منـذ عـام ‪1975‬م‪ ،‬وهـو‬ ‫صاحـب فكـرة إصـدار مجلـة إسلامية لألطفـال‬ ‫اسـمها (الفـردوس) فـى عـام ‪ ،1969‬وكانـت تصـدر‬ ‫علـى شـكل ملحـق مـع مجلـة (منبـر اإلسلام) التـى‬ ‫يصدرهـا اجمللـس األعلـى ّ‬ ‫للشـؤون اإلسلامية‪،‬‬ ‫ومازالـت تصـدر حتـى اآلن‪ ،‬ولكنهـا انفصلـت ‪-‬منـذ‬ ‫عـام تقريبـا‪ -‬عـن مجلـة منبـر اإلسلام‪ ،‬لتصبـح‬ ‫خاصـة بالطفـل املسـلم‪.‬‬ ‫مجلـة أطفـال‬ ‫ّ‬ ‫الجوائز‬ ‫حصـل علـى العديـد مـن اجلوائـز مـن مصـر‬ ‫والعالـم العربـى‪ ،‬فـى مجـال أدب األطفـال‪ ،‬منهـا‪:‬‬ ‫جائـزة الدولـة التشـجيعية فـى أدب األطفـال عـام‬ ‫‪ ،1975‬مـع وسـام الفنـون والعلـوم مـن الطبقـة‬

‫األولى‪ ،‬وجائزة الدولة التقديرية فى أدب األطفال‬ ‫عـام ‪ ،1981‬مـع وسـام اجلمهوريـة مـن الطبقـة‬ ‫الثانيـة‪ ،‬وجائـزة اليونسـكو العامليـة فـى محـو األمية‬ ‫عـام ‪1975‬م‪ ،‬وامليداليـة الذهبيـة مـن ّاتـاد اإلذاعـات‬ ‫العربيـة‪ ،‬وجائـزة أفضـل كاتـب أطفـال عـام ‪1998‬م‪،‬‬ ‫إضافـة إلـى بعـض اجلوائـز العامليـة‪.‬‬ ‫ق ّـدم عبـد التّـواب يوسـف للمكتبـة العربيـة مـا‬ ‫يربـو علـى ‪ 900‬كتابـا لألطفـال والكبـار فـى شـتّى‬ ‫اجملـاالت‪ ،‬منهـم ‪ 775‬كتابـا طبعـت فـى مصـر‪125 ،‬‬ ‫كتابـا طبعـت فـى ال ّـدول العربيـة‪.‬‬ ‫إنتاجه األدبي‬ ‫ويقـول دكتـور محمـود الضبـع‪« :‬تعـاون عبـد‬ ‫التّـواب يوسـف مـع كل دور ال ّنشـر املصريـة‪ ،‬ومعظـم‬ ‫دور ال ّنشـر العربيـة‪ُ ،‬‬ ‫وط ِب َع ْـت كتبـه فـى طبعـات‬ ‫كثيـرة‪ ،‬ومـن أه ّـم مؤلفاتـه لألطفـال‪:‬‬ ‫ سلسـة «هيـا نقـرأ» عـن ال ّـدار العربيـة للكتـاب‬‫مبصـر‪ ،‬وتضـم ثالثين عنوانـا‪ ،‬منهـا‪ :‬الكتـاب‬ ‫غـال‪ -‬الكتـاب إنسـان‪ -‬املسـتثمر الصغيـر‪ -‬النمـل‬ ‫والعـدل‪ -‬مذكـرات تلميـذ‪ -‬أنـا أقـرأ فأنـا موجـود‪-‬‬ ‫طـارد الطيـور‪ -‬الفـأر القـارض للشـعر‪.‬‬ ‫ سلسـلة «حكايـات مصـري يف أمريـكا» عـن دار‬‫ّ‬ ‫الشـعب‪ ،‬ومنهـا‪ :‬اخللـود ملصـر‪ ،‬بلـد آمـن‪ -‬منصـف‬ ‫ريفـي‪ -‬صديقـي احلقيقـي‪.‬‬ ‫‪ -‬سلسـلة «كتـب إسلامية» عـن دار الشـعب‪،‬‬


‫دراسات‬

‫واقتصـرت محاولتـه علـى ترتيـب حيـاة الرسـول‬ ‫منـذ طفولتـه وشـبابه‪ ،‬ومرحلـة الوحـى‪ ،‬ثـم مـا بين‬ ‫الوحـى والهجـرة وختـام رحلـة النبـى”‪.‬‬ ‫عطاءات متعددة‬

‫البشـر‪ ،‬وباختصـار ميكـن القـول إنـه ال توجـد‬ ‫دار نشـر فـى مصـر لـم يكـن لهـا نصيـب مـن نشـر‬ ‫مؤلفات عبد التّواب يوسف وقصصه لألطفال‪.‬‬ ‫ومـن أشـهر كتبـه‪ ،‬كتـاب «خيـال احلقـل» الـذى‬ ‫السـادس‬ ‫ن ُِشـر عـام ‪1970‬م وقـ ّرر علـى ّ‬ ‫الصـف ّ‬ ‫االبتدائـى باملـدارس املصريـة‪ ،‬وطبـع منـه ‪ 3‬مليـون‬ ‫«جسـد فيـه‬ ‫نسـخة‪ ،‬ويقـول الفنـان صلاح بيصـار‪ّ :‬‬ ‫بين الواقـع واخليـال روح القريـة مـن ماضـى ظلـم‬ ‫الفلاح مـن الباشـوات إلـى التطـور الـذي حـدث بهـا‬ ‫واسـترداد حقـوق أبنائهـا بعـد الثـورة‪ ..‬يحكـي فيـه‬ ‫الناطـور حركـة مجتمـع الفالحين وأبنائهـم مـن‬ ‫األطفـال بإحـدى القـرى املصريـة»‪ ،‬وكتـاب «حيـاة‬ ‫محمـد فـى ‪ 20‬قصـة» الـذى صـدر بسـوم الفنـان‬ ‫صلاح بيصـار‪ ،‬وترجـم إلـى االجنليزيـة حيـث طبـع‬ ‫منـه مـا يزيـد علـى ‪ 7‬مليـون نسـخة‪ ،‬وفـاز بجائـزة‬ ‫«اآلفـاق اجلديـدة» مـن معـرض بولونيـا الدولـى‬ ‫وهـو أكبـر معـرض لكتـب األطفـال فـى العالـم ‪..‬‬ ‫ويحكـى يف هـذا الكتـاب قصـة سـيرة سـيد البشـر‬ ‫واألنبيـاء محمـد عليـه الصلاة والسلام‪ ،‬ولكـن‬ ‫بطريقـة جديـدة حيـث جعـل كل كائـن أو جمـاد‬ ‫يصـف مـن وجهـة نظـرة عالقتـه بالنبـى محمـد‬ ‫عليه السالم‪ ،‬فبدأ من الفيل فى احلكى عن قصة‬ ‫أصحـاب الفيـل‪ ،‬ثـم بحمـارة حليمـة السـعدية‪ ،‬ثـم‬ ‫ليلـة القـدر‪ ،‬وهكـذا حتـى يصـل إلـى رايـة اإلسلام‬ ‫التـى حتكـى كيـف مـات النبـى بعـد أن رفـع رايـة‬ ‫اإلسلام عاليـة‪.‬‬ ‫كمـا يعـد كتابـه «الرسـول فـى عيـون أندرسـون»‬ ‫فـى قائمـة الشـرف مـن اجمللـس العاملـى للكتـاب‬ ‫«اآلبـى» فـرع لنـدن عـام ‪2013‬م‪.‬‬ ‫وكمـا يقـول الناقـد األردنـى موفـق ريـاض‬ ‫مقـدادى‪« :‬فعندمـا كتـب عبـد التـواب يوسـف حيـاة‬ ‫الرسـول صلـى اهلل عليـه وسـلم كان صحيحـا‬ ‫البخارى ومسـلم رفيقني له فى كتابته‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫كتـب السـيرة‪ ،‬والكاتـب ال يضيـف شـيئا مـن عنـده‪،‬‬

‫وإضافـة إلـى هـذا القصـص الدينـى فـإن عبـد‬ ‫التـواب يوسـف يعـد مـن الكتـاب املتميزيـن‪ ،‬حيـث‬ ‫جمـع بين الكتابـة لألطفـال‪ ،‬والدراسـات النقديـة‪،‬‬ ‫وكتابـة املقالـة‪ ،‬واملسـرحية والتمثليـات اإلذاعيـة‬ ‫والتليفزيونيـة‪ ،‬واالسـهام فـى املؤمتـرات اخملتلفـة‬ ‫علـى مسـتوى الوطـن العربـى‪ ،‬ممـا جعلـه كمـا يـرى‬ ‫النقـاد أن نتاجـه اإلبداعـى يجمـع «بين االهتمـام‬ ‫بالتـراث العربـى‪ ،‬والتـراث الشـعبى «الفلكلـورى»‪،‬‬ ‫والعنايـة بالعصـر‪ ،‬سـواء فـى طبائـع ومشـكالت‬ ‫احليـاة االجتماعيـة (الواقعيـة)‪ ،‬وقـراءة اآلداب‬ ‫األجنبيـة‪ ،‬واإلفـادة مـن منجزاتهـا الفنيـة فـى‬ ‫مجـال أدب األطفـال‪ ،‬فضلا عمـا اجتـه إليـه مـن‬ ‫كشـف عـن جهـود الرواد‪-‬فـى مصـر‪ -‬الذيـن سـبقوا‬ ‫جيلـه فـى الكتابـة لألطفـال”‪.‬‬ ‫اجتـه عبـد التـواب يوسـف نحـو القصـص‬ ‫الواقعيـة ‪ ،‬فقـد رأى أنـه مـن اخلطـر إغـراق الطفـل‬ ‫فـى اخليـال‪ ،‬األمـر الـذى يبـدد طاقتـه الواقعيـة‪،‬‬ ‫ويجعلـه يحيـا دائمـا فـى أحلام اليقظـة‪ ،‬ويهـرب‬ ‫مـن مواجهـة الواقـع‪ ،‬كمـا أننـا ندفعـه عـن طريـق‬ ‫اإلغـراق فـى التصـورات إلـى حتويـل اخليـال إلـى‬ ‫أكاذيـب‪.‬‬ ‫لـم يقتصـر االنتـاج األدبـى الطفولـى لعبـد‬ ‫التـواب يوسـف علـى كتابـة القصص‪ ،‬واملسـرحيات‪،‬‬ ‫والتمثليـات اإلذاعيـة‪ ،‬فقـط‪ ،‬بـل أصـدر مجموعـة‬ ‫مـن الكتـب والبحـوث فـى اجملـال النقـدى‪ ،‬منهـا‪:‬‬ ‫«ألف ليلة وحكايات الطفولة» صدر عن دار ثقافة‬ ‫الطفـل‪ -‬بغـداد ‪1986‬م‪« ،‬الطفـل العربـى واألدب‬ ‫الشـعبى» عـن املصريـة‪ ،‬القاهـرة‪1992 ،‬م‪« ،‬كامـل‬ ‫كيالنـى وألـف ليلـة وليلـة»‪ :‬فصـول‪ ،‬القاهـرة‪ ،‬م‪،9‬‬ ‫ع‪1994 ،2‬م‪ ،‬شـعر األطفـال‪ :‬اختيـار وتقـدمي عبـد‬ ‫التواب يوسـف‪« ،‬كتابة السـيرة الشـعبية لألطفال»‬ ‫مؤمتر السـيرة الشـعبية – جامعة القاهرة ‪1985‬م‪،‬‬ ‫«هـل تصلـح القصـص الشـعبية لألطفـال» إلدارة‬ ‫اآلداب‪ ،‬تونـس‪1986 ،‬م‪« ،‬حكايـات احليـوان فـى ألـف‬ ‫ليلـة وليلـة» القاهـرة‪ ،‬اجمللـس األعلـى للثقافـة‬ ‫‪1985‬م‪« ،‬عـن أدب الطفـل‪ -‬مجموعـة مقـاالت‪-‬‬ ‫صـدر عـن هيئـة قصـور الثقافـة ‪1995‬م‪ ،‬ورغـم أن‬ ‫عبـد التـواب يوسـف كاتـب قصصـى إال أنـه كان‬ ‫مـن أشـد املتحمسين لتقـدمي شـعراء األطفـال‬ ‫فـى مصـر والوطـن العربـى والكتابـة عنهـم‪ ،‬فكتـب‬ ‫كتابـا عـن أميـر الشـعراء أحمـد شـوقى بعنـوان‬ ‫«ديـوان شـوقى للألطفـال» صـدر فـى دار املعـارف‬ ‫عـام ‪1989‬م‪ ،‬ويقـول فـى مقدمتـه‪« :‬أقبـل األميـر‬ ‫شـوقى مـن أرض عبقـر ميتطـى صهـوة حصانـه‬ ‫األبيـض –أيكـون الشـعر حصانـا أبيـض؟ ولـم‬ ‫يختطـف األميـرة كمـا تقـول احلكايـات لكنـه‬ ‫اختطـف خاطـرة مـن هنـا وخاطـرة مـن هنـاك‬ ‫ونظـم منهـا عقـودا وقالئـد‪ ..‬طـوق بهـا عنـق‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫وتضـم‪ :‬محمـد خيـر البشـر‪ -‬أبطـال اإلسلام‪ -‬كوكب‬ ‫األرض‪ -‬عمـرو فـى مصـر‪ -‬رايـة اإلسلام تعلـو فـى‬ ‫عمـان‪.‬‬ ‫للصغـار» عـن دار ّ‬ ‫الشـعب‪،‬‬ ‫ سلسـلة «قصـص ّ‬‫السادسـة‪ -‬أرنـب‬ ‫ـة‬ ‫ل‬ ‫احلا‬ ‫منهـا‪ :‬شـرف احملاولـة‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫لطيـف‪ -‬الطائـر املغـرد‪ -‬اختيـار صعـب‪ -‬حيوانـات‬ ‫عصر يـة‪.‬‬ ‫ سلسـلة «قصـص عربيـة» عـن دار ّ‬‫الشـعب‪،‬‬ ‫والصغـار والوزيـر‬ ‫الص ّيـاد ّ‬ ‫ومنهـا‪ :‬احلصـان الـويف‪ّ -‬‬ ‫احلب‪.‬‬ ‫املكّ ار‪ -‬يوم احلصاد‪ -‬سلطان العلم‪ -‬مائدة‬ ‫ّ‬ ‫ سلسـلة «أوالدنـا» عـن دار املعـارف‪ ،‬وتض ّـم‪:‬‬‫األربعـة الذيـن سـرقوا ال ّزمـن‪ -‬عميـل يف املصيـدة‪-‬‬ ‫سـميراميس‪ -‬صديقـي فـوق ّ‬ ‫الشـجرة‪.‬‬ ‫ سلسـلة «الوقـت مـن ذهـب» عـن دار املعـارف‪،‬‬‫ومنهـا‪ :‬سـيف الوقـت‪ -‬سـاعة مـن عمـرك‪ -‬حفـل‬ ‫السـنة‪ -‬الوقـت املطـاط‪ -‬احليـوان وال ّزمـان‪.‬‬ ‫آخـر ّ‬ ‫ سلسـلة «املكتبـة اخلضـراء» عـن دار املعـارف‪،‬‬‫وتضم ما يزيد عن خمسني عنوانا‪ ،‬منها‪ :‬سندريال‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫السـلطان املسـحور‪ -‬البجعـات املتوحشـات‪ -‬األميـرة‬ ‫احلسـناء‪ -‬عـروس البحـر‪ -‬عقلـة اإلصبـع‪ -‬جبـل‬ ‫العجائـب‪.‬‬ ‫ سلسـلة «يحكـى أن» عـن دار املعـارف‪ ،‬ومنهـا‪:‬‬‫العنـزة اخلضـراء‪ -‬عمـرو والطائـرة الورقيـة‪ -‬عقـد‬ ‫مـن قطـرات النـدى‪.‬‬ ‫ سلسـلة «مكتبتـي» عـن دار املعـارف‪ ،‬ومنهـا‪:‬‬‫شـجار األشـجار‪ -‬سـطور مضيئـة‪ -‬أنـت ومالـك‬ ‫ألبيـك‪ -‬كوكـب األرض السـجني‪ -‬املقعـد املتحـرك‪.‬‬ ‫ سلسـلة «إجنـاز بامتيـاز» عـن دار املعـارف‪،‬‬‫ومنهـا‪ :‬شـرق العوينـات‪ -‬املدينـة املتحركـة‪ -‬متـرو‬ ‫األنفـاق‪ -‬دلتـا الصعيـد توشـكي‪ -‬النيـل يعبـر ترعـة‬ ‫السلام‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ سلسـلة «غـزوات القـرن احلـادي والعشـرين»‬‫عـن دار املعـارف‪ ،‬ومنهـا‪ :‬صناعـة األقمـار‪ -‬اجلـرار‬ ‫التـذكار‪ -‬قطـرة مـاء‪ -‬ثرثـرة مـن التـراث‪ -‬حـرب‬ ‫البحـاّر‪.‬‬ ‫ سلسـلة «الروايـة العامليـة» عـن الهيئـة املصرية‬‫العامـة للكتـاب‪ ،‬منهـا‪ :‬وداعـا مسـتر تشـيبس‬ ‫(تأليـف جيمـس هايلتـون)‪ -‬زبلـن‪.‬‬ ‫ سلسـلة «قصـص األنبيـاء لألبنـاء» عـن دار‬‫الكتـاب املصـرى اللّبنانـى‪.‬‬ ‫ سلسـلة «محمـد خـامت النّبيين‪ ،‬وسلسـلة‬‫رجـال األعمـال‪ ،‬وسلسـلة حكايـات توشـكي‪،‬‬ ‫وسلسـلة اللقـاء الفريـد بين علمـاء العـرب‬ ‫وعلمـاء الغـرب‪ ،‬وسلسـلة رائـدة املعـارف الصغرى‬ ‫للتربويـن‪ ،‬وسلسـلة كيـف ترسـم‪ ،‬وسلسـلة غنـوة‬ ‫وحدوتـه‪ ،‬وسلسـلة لغتنـا اجلميلـة‪ -‬احلـروف‬ ‫الضاحكـة‪ ،‬وسلسـلة البيئـة‪ ،‬وسلسـلة لغتنـا‬ ‫اجلميلـة حكايـات نحويـة‪ ،‬وسلسـلة لغتنـا‬ ‫اجلميلـة وعالمـات الترقيـم‪ ،‬وسلسـلة حكايـات‬ ‫عائليـة‪ ،‬وسلسـلة حكايـات مدرسـية ضاحكـة‪،‬‬ ‫وسلسـلة هيـا نتفـوق‪ ،‬وسلسـلة محمـد خيـر‬

‫‪13‬‬


‫‪ 14‬دراسات‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫األطفـال وحمـل إليهـم هدايـاه ودرره نثرهـا عليهم‬ ‫فى سخاء وكانت درره أغلى من أن يدركوا حقيقة‬ ‫قيمتهـا إال مـع الزمـن الطويـل ومـا أكثـر عشـرتهم‬ ‫لـه‪ ..‬لكنـه «أميـر» وطيـب وحسـن النيـة‪ ،‬كان طفلا‬ ‫كبيـرا يريـد أن ميتـع قبيلتـه مـن األطفـال الذيـن‬ ‫يحبهـم ويريـد أن يعلمهـم ويربيهـم ويأخـذ بيدهم‬ ‫إلـى طريـق اخليـر والنـور‪ ،‬وقـد كتب شـوقى العديد‬ ‫مـن القصائـد التربويـة والقصصيـة وحـرص‬ ‫يوسـف علـى تقـدمي القصائـد وشـرح مـا يلـزم منها‬ ‫بهدف تقريب النصوص إلى وجدان هذا القارىء‬ ‫الصغيـر» وكتـاب قـدم فيـه الشـاعر املصـرى محمـد‬ ‫الهـراوى‪ ،‬جمـع ودراسـة ألشـعاره‪ ،‬بعنـوان «أشـعار‬ ‫محمـد الهـراوى لألطفـال» وكان أول مـن تفـرغ‬ ‫كليـة لكتابـة شـعر األطفـال‪ ،‬ويقـول فـى قصيـدة‬ ‫حتيـة اللقـاء «هـل تعلمـون حتيتـى‪ ..‬عنـد احلضور‬ ‫إليكم‪ ..‬أنا إن رأيت جماعة‪ ..‬قلت السالم عليكم”‪،‬‬ ‫وكذلـك قـدم الشـاعر املصـرى إبراهيـم العـرب بعـد‬ ‫أن كان منسيا فى كتاب‪ ،‬بعنوان‪« :‬الطفل والشعر‪..‬‬ ‫ديـوان الشـاعر املصـرى إبراهيـم العـرب لألطفـال»‬ ‫جمـع ودراسـة ألشـعاره‪ ،‬صـدر عـن الهيئـة العامـة‬ ‫املصريـة للكتـاب عـام ‪1989‬م‪ ،‬يقـول فـى مقدمتـه‪:‬‬ ‫«قـرأت قصائـده القصصيـة‪ ،‬أو حكاياتـه الشـعرية‪،‬‬ ‫قبـل عـدة سـنوات‪ ..‬أمتعنـى‪ ..‬وتوقفـت عنـد اسـمه‬ ‫طويلا‪« :‬ابراهيـم العـرب»‪ ..‬اسـم غيـر مألـوف‪..‬‬ ‫ولـم أعـرف إلـى أى بلـد ينتمـى‪ ..‬وكـم سـعدت حين‬ ‫عثـرت علـى ثلاث مـن أعمالـه فـى كتـاب للمطالعـة‬ ‫يحمـل عنـوان‪ :‬املشـوق‪ ،‬كان معـدا عـام ‪1937‬م مـن‬ ‫أجـل أطفـال القـدس‪ ،‬رد اهلل غربتهـم وغربتهـا‪..‬‬ ‫وكانـت املفاجـأة أن الكتـاب ترجـم لـه فـى بضـع‬ ‫كلمـات تقـول‪« :‬شـاعر مصـرى معاصـر‪ ،‬قـد اشـتهر‬ ‫بكتابـه آداب العـرب‪ ،‬وهـو مجموعـة أمثـال عـن‬ ‫احليوانـات‪ ،‬ممتـازة بعروبـة إنشـائها وسالسـته‬ ‫ولباقتـه» وقـد اسـتطعت أن أحصـل علـى هـذا‬ ‫الديـوان‪ ،‬وكانـت فرحتـى بـه كبيـرة‪ ،‬واحتفظـت‬ ‫بـه كنـزا ثمينـا غاليـا‪ ،‬إلـى أن إكتشـفت ذات يـوم‬ ‫أنـه فقـد مـن مكتبتـى‪ ،‬وكـم شـعرت بأسـف وحـزن‬ ‫عميقين‪ ..‬ومـرت سـنوات‪ ،‬وكلمـا تذكرتـه أحسسـت‬ ‫بغصـة فـى حلقـى‪ ،‬وأسـى فـى نفسـى‪ ..‬وتـردد عل ّـى‬ ‫ابـن مـن أبنـاء كليـة اللغـة العربيـة‪ ،‬كان يعـد رسـالة‬ ‫للماجستير عن قصص احليوان الشعرى‪ ،‬وأشرت‬ ‫لهـذا الديـوان فـى واحـدة مـن جلسـتنا التـى كنـت‬ ‫أحاول خاللها أن أساعده على إجناز عمله‪ ،‬وقلت‬ ‫له إننى كنت أقتنى هذا الديوان وفقدته‪ ..‬وإذا به‬ ‫ذات يـوم يقـدم ل ّـى نسـخة مـن الديـوان هديـة”‪.‬‬ ‫وال أنسـى أن الراحـل قدمنـى أنـا والشـاعر‬ ‫الراحـل أحمـد زرزور بعـد حصولـى علـى جائـزة‬ ‫الدولـة التشـجيعية فـى شـعر األطفـال عـام ‪،2003‬‬ ‫فـى برنامـج تليفزيونـى علـى القنـاة الثقافيـة‬ ‫املصريـة بعنـوان‪« :‬مكتشـف النجـوم» وحتـدث عـن‬ ‫دواوينـى الشـعرية فـى اإلذاعـة املصريـة أكثـر مـن‬ ‫مـرة‪ ،‬وكتـب حلقـة إذاعيـة عـن قصتـى «دكان العـم‬ ‫أحمـد» التـى صـدرت عـن املركـز القومـى لثقافـة‬ ‫الطفل عام ‪2007‬م‪.‬‬

‫من أقواله‬ ‫ويقـول عبـد التـواب يوسـف عـن فضـل القـراءة‬ ‫فـى بحـث منشـور لـه بعنـوان ‪( :‬األسـرة وقـراءات‬ ‫األطفـال) عـام ‪1997‬م‪:‬‬ ‫“القـراءة مدخـل للتعليـم وأوسـع أبوابـه‬ ‫وسـوف تثيـر لـدى القـراء كمـا كبيـرا مـن الفضـول‬ ‫كلمـا أقبلـوا عليهـا‪ ،‬وسـوف تفتـح شـهيتهم إليهـا‬ ‫كمـا يحـدث مـن رائحـة الطعـام ‪ ،‬وكلمـا زاد حـب‬ ‫االسـتطالع لديهـم زادت قراءاتهـم وحتسـنت‬ ‫وراحـوا يتعرفـون علـى عاملهـم بصـورة أفضل وتثرى‬ ‫حياتهـم بشـكل أكبـر ويكتسـبون مـن املهـارات مـا‬ ‫يعينهـم علـى صياغـة مسـتقبلهم‪.‬‬ ‫وكمـا تنمـو العضلات بالتدريـب والرياضـة ينمـو‬ ‫العقـل وقـواه بفضـل القصـص الذهنـى حتدثـه‬ ‫القـراءة املتواليـة فـى شـتى املوضوعـات لكـى يصبـح‬ ‫قارئـا علـى مـدى العمـر كلـه ويصبـح الكتـاب مصـدرا‬ ‫للمعرفـة ورفيقـا مسـتمرا فيـه متعـة وسـلوى‪ ،‬ألن‬ ‫الكتـب تقـوم بتكليـف األفـكار وبلـورة اآلراء‪ ،‬واثـارة‬ ‫املشـاعر واألحاسـيس مبـا يعـد إضافـة حقيقيـة‬ ‫حلياتنـا وأيامنـا علـى هـذه األرض بجانـب تراكمهـا‬ ‫طبقـات فـوق طبقـات بصـورة تصبـح معها منجما أو‬ ‫كنزا ميكن لصاحبه أن يسـحب منه ما يشـاء سـاعة‬ ‫أن يشـاء‪ ..،‬ويقـول الـدوس هكسـلى‪« :‬إن مـن يعـرف‬ ‫كيـف يقـرأ تصبـح لديـه القـدرة علـى حتقيـق ذاتـه‪،‬‬ ‫والرقـى بنفسـه‪ ،‬ومضاعفـة أسـاليب حياتـه‪ ،‬وإدراك‬ ‫أسـباب وجـوده ‪ ،‬بجانـب أن ذلـك يجعـل أيامـه مليئـة‬ ‫وثريـة وشـائقة وهامـة وجديـرة بـأن تعـاش”‪.‬‬ ‫ويقول أيضا فى بحث له بعنوان‪:‬‬ ‫(االنترنت والتثقيف الذاتى للطفل)‪:‬‬

‫“إن موضـوع التثقيـف الذاتـى للطفـل فـى‬ ‫حاجـة ماسـة إلـى منهـج‪ ،‬سـواء كان ذلـك مـن خالل‬

‫الوسـائل التقليديـة أو عبـر جهـاز الكمبيوتـر‪ :‬كتابا‬ ‫ألكترونيـا أو انترنـت‪ ..‬ولسـوف نوالـى القضيـة‬ ‫باالهتمـام‪ ،‬ونواليهـا كل عنايـة ورعايـة‪ ،‬وصـوال إلـى‬ ‫هـدف منشـود‪ ،‬هـو‪:‬‬ ‫ مـا الـذى يجـب أن يعرفـه الطفـل ويتعلمـه‬‫ويتثقـف بـه خلال مراحـل منـوه اخملتلفـة؟”‪.‬‬ ‫ويقـول فـى كتابـه (عـن أدب الطفـل) فـى مقـال‬ ‫بعنـوان‪« :‬األدب العربـى مـن خـارج مصـر”‪:‬‬ ‫“يقـرأ الطفـل املصـرى بالعربيـة‪ ،‬وممـا الشـك‬ ‫فيـه أن األدب العربـى الـذى يصـدر خـارج مصـر‬ ‫يعتبـر رافـدا هامـا‪ ،‬يصـب فـى أدبنـا املصـرى‪،‬‬ ‫ويثريـه‪ ..‬وتفـد إلـى مصـر مجلات عـدة مـن أرجـاء‬ ‫متفرقـة مـن الوطـن العربـى‪ :‬ماجـد مـن االمـارات‪،‬‬ ‫باسـم مـن السـعودية‪ ،‬أحمـد مـن لبنـان‪ ،‬مجلتـى‬ ‫مـن العـراق‪ ...‬إلـخ‪ ،‬وهـذه أيضـا تشـارك فـى تقـدمي‬ ‫ألـوان جديـدة مـن األدب ألطفالنـا‪ ،‬خاصـة فـى‬ ‫مجـال الشـعر‪ ،‬الـذى بـرزت فيـه أسـماء عـدة مـن‬ ‫خـارج مصـر‪ :‬سـليمان العيسـى مـن سـوريا‪ ،‬فـاروق‬ ‫سـلوم مـن العـراق‪ ،‬محمـد الظاهـر مـن األردن‪،‬‬ ‫علـى الشـرقاوى مـن البحريـن‪ ،‬محمـد صيـام مـن‬ ‫الكويـت‪ ...‬وكلهـم مبدعـون اسـتطاعوا أن يصيغـوا‬ ‫قصائد جميلة ألطفالنا‪ ،‬والشك أن أدب األطفال‬ ‫النثـرى تقـدم كثيـرا فـى العـراق وسـوريا‪ ،‬وتـرد إلينـا‬ ‫كتـب مـن مؤلفين رسـخوا أقدامهـم فـى ميـدان‬ ‫األدب والقصـة لألطفـال مـن بينهـم زكريـا تامـر‪،‬‬ ‫عـادل أبـو شـنب‪ ،‬وشـريف الـراس‪ ،‬وعبـد الـرازق‬ ‫املطلبـى‪ ،‬وعبـد السـتار ناصـر‪ ،‬إلـى جـوار عـدد‬ ‫كبيـر مـن املترجمين‪ ،‬وضعـوا أيديهـم علـى أعمـال‬ ‫حديثـة وكالسـيكية عامليـة لألطفـال‪ ،‬نقلوهـا إلـى‬ ‫اللغـة العربيـة مـن خلال دار ثقافـة األطفـال‪،‬‬ ‫وظهـرت فـى طبعـات مقبولـة السـعر‪ ،‬جيـدة فـى‬ ‫مادتهـا واخراجهـا”‪.‬‬ ‫رحـم اهلل الكاتـب الكبيـر عبـد التـواب يوسـف‬ ‫الـذى أثـرى املكتبـة العربيـة بإبداعـه القصصـى‬ ‫واملسـرحى والنقـدى لألطفـال‪ ،‬ودوره االيجابـى‬ ‫باملشـاركة فـى الكثيـر املؤمتـرات وامللتقيـات املصرية‬ ‫والعربيـة اخلاصـة بـأدب وثقافـة الطفـل‪.‬‬

‫املصادر‪:‬‬

‫محمود الضبع‪ :‬أدب األطفال بني التراث واملعلوماتية‪-‬‬ ‫الدار املصرية اللبنانية‪ -‬القاهرة ‪.2009‬‬ ‫موفـق ريـاض مقـدادى‪ :‬البنـى احلكائيـة فـى أدب‬ ‫األطفال العربى احلديث‪ -‬عالم املعرفة‪ -‬الكويت – ‪.2012‬‬ ‫عبد التواب يوسف‪ :‬عن أدب الطفل‪ -‬مكتبة الشباب‪-‬‬ ‫هيئة قصور الثقافة‪ -‬القاهرة‪ -‬عام ‪1995‬م‪.‬‬ ‫مجموعـة بـا حثين‪ :‬احللقـة الدراسـية لعـام ‪1998‬‬ ‫شـبكة االنترنـت واملدخـل الثقافـى للطفـل املصـرى‬ ‫للقـرن ‪ 21-‬مركـز تنميـة الكتـاب‪ -‬هيئـة الكتـاب املصريـة‪-‬‬ ‫القاهـرة‪1999 -‬م‪.‬‬ ‫عبـد التـواب يوسـف‪ :‬الطفـل والشـعر‪ ..‬ديـوان الشـاعر‬ ‫املصـرى إبراهيـم العـرب لألطفـال‪ -‬الهيئـة املصرية العامة‬ ‫للكتـاب‪ -‬القاهـرة‪ -‬عـام ‪1998‬م‪.‬‬


‫دراسات‬

‫‪15‬‬

‫بعض تقنيات القصة القصيرة جدا في مجموعة «ماذا لو»‬ ‫للقاص «سمير الشريف»‬ ‫ماذا لو؟! لم يكن عنوانا لقصة في المجموعة‪.‬‬ ‫ماذا لو؟! سؤال كبير يبحث عن إجابات بعد الخيبات‪.‬‬ ‫اختبأ القاص خلف ضمير الغائب لتغييب الشخصيات‪.‬‬ ‫نجحت القصة القصيرة جدا بفرض نفسها على المشهد‬ ‫الثقافي بين األجناس األدبية‪ ،‬بالرغم من تباين مواقف‬ ‫النقاد والمهتمين منها ومن مشروعيتها‪ ،‬كجنس أدبي‬ ‫مستقل لها خصائصها وسماتها الخاصة؛ منهم من‬ ‫يرفضها وال يعترف بها‪ ،‬وبعضهم يدافع عنها بقوة‪،‬‬ ‫ومنهم من يقف مراقبا مترددا ينتظر عملية الحسم‬ ‫ليعلن رأيه مع أو ضد‪ّ .‬‬ ‫ولكل فريق مبرراته ورؤيته‪ .‬لسنا‬ ‫بصدد مناقشتها وتغليب فريق على اآلخر‪ ،‬وما يهمنا‬ ‫أنها موجودة في المشهد الثقافي األردني‪.‬‬

‫هاين عيل الهندي‬

‫‪ 1‬ـ الحكائية‬

‫وهـي ركـن أساسـي مـن أركان القصـة‬ ‫القصيـرة جـدا وأهمهـا‪ ،‬فـأي قصة البد وأنها‬ ‫تطـرح فكـرة معينـة مـن خلال أحـداث تؤديها‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫وحتـى الذيـن يدافعـون عنهـا لـم يتفقـوا‬ ‫علـى تعريفهـا‪ ،‬فظهـرت لهـا ع ّـدة تعريفـات‬ ‫منهـا‪ ،‬القصـة اجلديـدة والقصـة اللحظـة‬ ‫والقصـة الومضـة والقصـة الشـعرية ‪....‬‬ ‫وغيرهـا‪ ،‬إال أن مصطلـح القصـة القصيـرة‬ ‫جـدا األكثـر انتشـارا‪.‬‬ ‫فقد صدرت اجملموعة القصصية القصيرة‬ ‫جدا (ماذا لو؟) للقاص سـمير الشـريف بدعم‬ ‫مـن وزارة الثقافـة األردنيـة تقـع يف ‪ 132‬صفحـة‬ ‫من القطع املتوسط‪ ،‬وتضم ‪ 120‬نصا قصصيا‬ ‫تناول فيها الواقع االجتماعي وعوراته وكشف‬ ‫عـن الوجـع السياسـي والهـم الوطنـي والقومـي‬ ‫والديني بأساليب مختلفة‪.‬‬ ‫ولعـل أول مـا يلفـت نظـر املتلقـي عنـوان‬ ‫اجملموعـة (مـاذا لـو؟!) الـذي لـم يكـن عنوانـا‬ ‫لقصـة يف اجملموعـة‪ ،‬مـا فتـح بـاب التأويـل‬ ‫واتسـاعه‪ ،‬واالنفتـاح علـى شـرفات التحليـل‬ ‫والتخمين حسـب رؤيـة املتلقـي‪ ،‬فقـد ورد‬

‫يف معاجـم اللغـة أنّ (مـاذا) كلمـة وظيفيـة‬ ‫مركبـة مـن (مـا) االسـتفهامية و(ذا) اسـم‬ ‫إشـارة فتعنـي أي شـيء‪.‬‬ ‫فقد أحسن سمير الشريف باختيار (ماذا‬ ‫لـو؟!) عنوانـا جملموعتـه‪ ،‬ألنـه اختـار سـؤاال‬ ‫كبيـرا يبحـث عـن إجابـات بعـد اخليبـات‪،‬‬ ‫وهـذا يعنـي أن كل قصـة يف اجملموعـة تبحـث‬ ‫عـن إجابـات بعـد اخليبـات والنّكسـات‪ ،‬وألنـه‬ ‫ّ‬ ‫يتوفـر فيـه شـروط العنـوان مـن إيجـاز وإثـارة‬ ‫باإلضافـة إلـى التعبيـر عـن املضمـون‪.‬‬ ‫وبالنظـر يف مضمـون قصـص اجملموعـة‬ ‫تتضح بعض السـمات الفنية املميزة ألسـلوب‬ ‫القـاص منهـا‪:‬‬

‫شخوص لتروي حكاية ما عبر منظور سردي‬ ‫ضمـن قالـب زمكانـي متسلسـل أو متقطـع‪،‬‬ ‫وقـد جنـح سـمير الشـريف يف احملافظـة علـى‬ ‫هـذا الركـن الرئيـس يف قصـة (فضـاء) ص‪16‬‬ ‫وهـو يحكـي جـزء مـن سـيرة أسـرة ممتـدة يف‬ ‫حلظة اجتماعهم ليال‪ ،‬عندما سمعوا صوت‬ ‫حركة يف اخلارج‪ ،‬فأخذ كل منهم يفسر هذه‬ ‫احلركـة اخلارجيـة حسـب مـا يريـد أو يتوقـع‪،‬‬ ‫إال أن اجلـد املركـون بعيـد ًا لـم تشـغله هـذه‬ ‫احلركـة‪:‬‬ ‫ـ يشـغلكم اخلـارج ونحـن نضيـع يف هـذا‬ ‫العـراء؟‬ ‫إذا كانـت القصـة قـد حـددت زمـن احلـدث‬ ‫دون التصريح به من خالل احلوار بني أفراد‬ ‫األسـرة؛ عـاد نضـال بعـد تنفيـذ العمليـة‪/‬‬ ‫كالب احلـي تتضـور جوعا‪/‬عيـون احلكومـة‬ ‫ال تنام‪/‬بـل هـم املهربـون يف آخـر الليـل‪ ،‬فإ ّنهـا‬ ‫كشـفت عـن القضايـا الداخليـة للمجتمـع‬


‫‪ 16‬دراسات‬ ‫مـن جـوع وفقـر وبطالـة وعسـس احلكومـة‪،‬‬ ‫والتهريـب‪ ،‬اسـتطاع أن يجمعهـا القـاص يف‬ ‫نـص بصـورة إيحائيـة مكثفـة‪ .‬لتأتـي خامتـة‬ ‫القصـة سـاخرة مـن اجملتمـع الـذي ينشـغل‬ ‫بقضايـا خارجيـة وينسـى أو يتناسـى قضايـاه‬ ‫الداخليـة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ التكثيف‬

‫يقصـد بالتكثيـف اإليجـاز مـن غيـر خلـل‬ ‫بعيـدا عـن احلشـو والزوائـد دون اإلخلال‬ ‫بالبنيـة الفنيـة واجلماليـة للقصـة‪ ،‬فقـد‬ ‫اسـتطاع القـاص توظيـف التكثيـف يف‬ ‫قصصـه بأسـاليب متعـددة منهـا‪ :‬االعتمـاد‬ ‫علـى اجلمـل القصيـرة والتقليـل مـن حـروف‬ ‫الربط‪ ،‬منها على سبيل املثال قصة (غابة)‪:‬‬ ‫«استشـاط التاريـخ غضبـ ًا‪ ،‬حمـل األقلام‪،‬‬ ‫وأعادها ألشجار الغابة» ص‪ .42‬هذه القصة‬ ‫جـاءت محملّـة بـدالالت وإيحـاءات تكشـف‬ ‫غضـب التاريـخ مـن الذيـن يـزورون احلقائـق‬ ‫ويدونهـا بالصحائـف والكتـب‪ ،‬وحتـى يضـع‬ ‫ح ّـدا لهـم قـام بجمـع األقلام املصنوعـة مـن‬ ‫اخلشـب وأعادهـا إلـى األشـجار التـي صنعـت‬ ‫منهـا‪.‬‬ ‫ومـن أسـاليب التكثيـف اسـتعمل أفعـال‬ ‫احلركـة يف قصتـه (فلاة) ص‪ 121‬يركـض‪/‬‬ ‫يعتلـي‪ /‬تلمـس‪ /‬يبحـث‪ /‬ينحـدر‪.‬‬ ‫وسـأترك الكشـف عـن باقـي أسـاليب‬ ‫التكثيـف لضيـق املسـاحة املتاحـة‪ ،‬ولكـن‬ ‫ال بـد مـن اإلشـارة إلـى أن القـاص اختـار‬ ‫األلفـاظ بعنايـة دون زيـادة أو نقصـان‪ ،‬بحيث‬ ‫ال ميكـن حـذف أو إسـقاط أو االسـتغناء عـن‬ ‫أي مفـردة مـن مفـردات القصـة كمـا جـاء يف‬ ‫قصـة (خريطـة) التـي ال تتجـاوز ألفاظهـا‬ ‫أصابـع اليديـن‪« :‬علـى قلـق تنـام املدينـة التـي‬ ‫تركـت أطفالهـا علـى إشـارات املـرور» ص‪.43‬‬ ‫‪ 3‬ـ التناص‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫بالقصة‬ ‫من أبرز السمات الفنية املرتبطة‬ ‫ّ‬ ‫القصيـرة جـدا عنـد (جوليـا كريسـتيفا) تقنية‬ ‫التناص‪ ،‬التي يقوم بها املبدع لتخصيب نصه‬ ‫إلثـارة املتلقـي وفتـح دالالت علـى نصـوص‬ ‫أخـرى لتأكيـد وتوضيـح وخدمـة فكرتـه‪ ،‬علـى‬ ‫أال يكـون اسـتعراضا لثقافـة القـاص‪ ،‬فقـد‬ ‫وظـف سـمير الشـريف هـذه التقنيـة يف أكثـر‬ ‫مـن نـص قصصـي منهـا (قصـة سـنتياغو)‬ ‫ص‪ ،113‬بطـل روايـة الشـيخ والبحـر ألرنسـت‬ ‫همنغـواي‪ ،‬فقـد قضـى سـنتياغو عمـرا وهـو‬ ‫يجاهـد ويحـاول بنـاء آمـال هاجمتهـا قـروش‬

‫البحـر‪ ،‬لتنتهـي مغامراتـه بهيكل عظمي‪ .‬وهو‬ ‫يرمـز إلـى الشـعب الكوبـي وظـروف معيشـته‬ ‫الصعبـة‪.‬‬ ‫فهـل تبخـرت أحلام وآمـال سـمير الشـريف‬ ‫يف إصالح اخللل كما تبخرت أحالم سنتياغو ؟‬ ‫ومن التناص الديني قصة (فسادستان)‪:‬‬ ‫«العبيـد يف مـزارع فسادسـتان يلهجـون‬ ‫بصـوت واحـد‪« :‬ربنـا أخرجنـا مـن هذه القرية‬ ‫الظالـم أهلهـا» ص‪.123‬‬ ‫تعالـق هـذا النـص مـع اآليـة الكرميـة‬ ‫«ربنـا أخرجنـا مـن هـذه القريـة الظالـم أهلها‬ ‫واجعـل لنـا مـن لدنـك وليـا واجعـل لنـا مـن‬ ‫لدنـك نصيـرا» [سـورة النسـاء‪ :‬آيـة ‪.]75‬‬ ‫يف إشـارة إلـى تفشـي الفسـاد واملفسـدين‬ ‫واضطهـاد عبيـد املـزارع‪.‬‬ ‫وهكـذا كثَّـف القـاص البعد الداللي ووسـع‬ ‫آفـاق نصوصـه وداللتهـا مـا جعلهـا ثريـة‬ ‫وممتعـة‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ تنكير الشخصيات‬

‫ترتبـط األحـداث بالشـخصيات التـي‬ ‫تشـكل العمـود الفقـري للنـص‪ ،‬فلا حـدث دون‬ ‫شـخصيات وال شـخصيات دون حـدث‪ ،‬وقـد‬ ‫تكون إنسانية أو حيوانية أو نباتية أو جمادية‪،‬‬ ‫فجـاءت شـخصيات قصـص اجملموعـة إنسـانية‬ ‫نكرة‪ ،‬حيث اختبأ القاص خلف ضمير الغائب‬ ‫لتغييـب الشـخصيات وحجبهـا يف جميـع‬ ‫نصوصـه القصصيـة‪ ،‬لتصبـح نكـرة مجهولـة‬ ‫عاجـزة عـن الفعـل وتغييـر الواقـع بسـبب قـوة‬ ‫الشـد العكسـي ومنهـا علـى سـبيل املثـال قصـة‬

‫(موضـة) «بعـد انتهـاء املؤمتـر الوطنـي‪ ،‬عرجـت‬ ‫زوجـة الرئيـس علـى باريـس‪ ،‬إللقـاء نظـرة علـى‬ ‫آخـر صرعـات املوضـة» ص‪ ،9‬الـذي يديـن فيهـا‬ ‫االنتهازيـة والفسـاد السياسـي واالجتماعـي‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ المفارقة‬

‫حتضـر املفارقـة يف قصـص سـمير بصـور‬ ‫متنوعـة‪ ،‬تقـوم علـى اجلمـع بين املتناقضـات‬ ‫واملتضـادات‪ ،‬وحسـب مـا ذكـر جميـل حمداوي‬ ‫فأنهـا تبنـى علـى «التناقـض وتنافـر الظواهـر‬ ‫واألشـياء يف ثنائيـات متعاكسـة ومفارقـة يف‬ ‫جدليتهـا الكينونيـة والواقعيـة والتخيليـة»‪.‬‬ ‫وغالبا ما تأتي املفارقة ممزوجة بالسخرية‬ ‫كما هي يف قصة (دعاء)‪ :‬اغتسل‪ّ ،‬‬ ‫تعطر‪ ،‬ولبس‬ ‫أجمـل مـا لديـه قبـل أن يغـرف مـن صنـدوق‬ ‫التبرعـات مـردداً‪:‬‬ ‫ـ اللهـم اكفنـا بحاللـك عـن حرامـك»‬ ‫ص ‪.96‬‬ ‫تظهـر املفارقـة بين األفعـال‪ /‬يغـرف مـن‬ ‫صنـدوق التبرعـات واألقوال‪/‬اللهـم اكفنـا‬ ‫بحال لـك‪.‬‬ ‫ويف قصتـه (ملـل) املشـحونة بالرمزيـة‬ ‫خـرق فيهـا املتوقـع عندمـا قـال‪« :‬مـل الراعـي‬ ‫متابعـة أغنامـه‪ ،‬علـى أطـراف الصحـو مـال‬ ‫لظـل شـجرة‪ ،‬تسـربت بعـض اخلـراف‪ ،‬أوعـز‬ ‫لكالبـه تولـي شـؤون القطيـع» ص‪.112‬‬ ‫بقي أن نقول إنَّ اجملموعة تسـتحق القراءة‬ ‫والدراسـة ملـا حتملـه مـن فنيـاّت عاليـة تؤكـد‬ ‫براعـة القـاص وخبرتـه يف أسـاليب القـص‬ ‫املتنو عـة‪.‬‬


‫دراسات‬

‫‪17‬‬

‫تجذير اإلشكالية العدمية‬ ‫في رواية (سيرة العدم) لألديب المصري محمد أمان الدين‬

‫د‪ .‬عبري خالد يحيي‬

‫اإلنســاني‪.”.‬‬ ‫واســتطاع الكاتــب محمــد أمــان الديــن‪،‬‬ ‫بحنكــة وذكاء ووعــي أن يطــرح تلــك الفلســفة‬ ‫املدمــرة‪ ،‬بــكل أنواعهــا‪ ،‬كإشــكالية عبــر البطــل‬ ‫الســارد‪ ،‬الــذي تو ّلــى مهمــة ســرد قصــص‬ ‫قصيــرة مكتملــة البنــاء الفنــي‪ ،‬البؤرة الفكرية‬ ‫موضوعــا مــن موضوعــات‬ ‫يف كل قصــة تشــمل‬ ‫ً‬ ‫وجوديــا‬ ‫العدميــة‪ ،‬ظهــر فيهــا البطــل الســارد‬ ‫ً‬ ‫يائســا يحــاول جاهـ ًـدا الوقــوف يف وجــه القــوى‬ ‫ً‬ ‫املدمــرة‪ ،‬دون جــدوى‪ ،‬ثــم يحيــل‬ ‫العدميــة‬ ‫ّ‬ ‫الكاتــب تلــك اإلشــكاليات ‪-‬بعــد محاولــة‬ ‫تفكيكهــا علــى طــول املــن الروائــي‪ -‬إلــى‬ ‫جدليــة‪ ،‬إنقـ ً‬ ‫ـاذا مــن الوقــوع يف براثــن العبثيــة‪،‬‬ ‫جدليــة مطروحــة يف نهايــة العمــل الروائــي‪،‬‬ ‫علــى شــكل رســالة ألي متلـ ٍـق للمشــاركة يف‬ ‫اختيــار احلــلّ ‪ ،‬بشــكل حـ ّر‪ ،‬لكــن حتــت ســلطة‬ ‫الفرضيــات واالحتمــاالت واإلســقاطات‬ ‫الوجوديــة‪.‬‬ ‫كيــف أحــال اإلشــكالية إلــى جدليــة؟! هنــا‬ ‫كمنــت موهبــة الكاتــب‪ ،‬بعــد أن أوهمنــا علــى‬ ‫طــول خــط الســرد أنــه كاتــب عدمــي‪ ،‬بــكل‬ ‫مــا يتصــف بــه أي كاتــب متشــكّ ك‪ ،‬مرتبــط‬ ‫بالعدميــة املعرفيــة التــي تنفــي إمكانيــة‬ ‫التوصــل إلــى املعرفــة‪ ،‬وبالعدميــة السياســية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الداعيــة إلــى تدميــر جميــع األنظمــة‬ ‫السياســية واالجتماعيــة والدينيــة‪ ،‬والعدميــة‬ ‫األخالقيــة‪ ،‬التــي ال تعتــرف بوجــود األخــاق‪،‬‬ ‫واخليــر والشــر مــا همــا إال ق َيــم هالميــة‬ ‫تصنعهــا ضغــوط اجتماعيــة وعاطفيــة‪،‬‬ ‫والعدميــة الوجوديــة التــي ال تعتــرف بجــدوى‬ ‫احليــاة ومعناهــا اجلوهــري‪.‬‬

‫ج ّنــس الكاتــب عملــه حتــت مســمى (‬ ‫مقطوعــات قصصيــة حتكــي «ســيرة العــدم»)‪،‬‬ ‫بلــغ عددهــا ثمــان مقطوعــات‪ ،‬أي ثمــان‬ ‫قصــص‪ ،‬وهــذا ينســجم مــع الفلســفة‬ ‫الذرائعيــة التــي تعتبــر الروايــة مجموعــة‬ ‫مــن القصــص القصيــرة املكتملــة يف بنائهــا‬ ‫الفنــي‪ ،‬بنهايــات مفتوحــة‪ ،‬تصـ ّـب يف اجملــرى‬ ‫العــام للحبكــة الســردية‪ ،‬إذا اعتبرنــا أنّ‬ ‫العمــل الروائــي هنــا ســرد أحــداث ُمقتَطعــة‬ ‫مــن ســيرة البطــل‪ ،‬مبراحــل عمريــة متتابعــة‪،‬‬ ‫لكــن مــا بــدا لــي‪ ،‬وبشــكل جلـ ّـي‪ ،‬هــو أنّ الكاتــب‬ ‫مهمومــا بســرد األحــداث كحبكــة‬ ‫لــم يكــن‬ ‫ً‬ ‫مهمومــا بوصــف الصــراع‬ ‫ســردية بقــدر مــا كان‬ ‫ً‬ ‫الفكــري العدمــي للبطــل‪ ،‬والفكــري اجلمعــي‬ ‫للمجتمــع‪ ،‬يف إطــار حبكــة ســردية بســيطة‬ ‫نســب ًّيا ‪.‬‬ ‫بــرز البطــل الســارد يف املقطوعــة األولــى‪،‬‬ ‫املعنونــة بـ(عــزف منفــرد)‪ ،‬طف ـ ًلا محشـ ًـوا‬ ‫بالكبريــاء‪ ،‬والتفــوق العقلــي واملعــريف‪ ،‬ثــم‬ ‫مريضــا باالعتــزال االختيــاري‬ ‫طفـ ًلا ومراهقً ــا‬ ‫ً‬ ‫دفاعا عن النفس املتمردة واملنتصرة‬ ‫العدائي ً‬ ‫لعنفوانهــا والثائــرة علــى قيــم العقاب والثواب‬ ‫يف التربيــة األســرية‪ ،‬والوعــي املترعــرع يف‬ ‫حقــول الشــعور بالوحــدة واإلهمــال‪ ،‬وال ّتــوق‬ ‫إلــى التّحليــق بلــذّ ة االكتشــاف واملعرفــة‪ ،‬ثــم‬ ‫العجــب بالقــدرات املعرفيــة الفرديــة وإنــكار‬ ‫ُ‬ ‫املعرفــة عنــد الغيــر‪ ،‬والتح ـ ّول باجتــاه املعرفــة‬ ‫املاديــة البحتــة‪ ،‬وإنــكار املعــارف الروحيــة‪،‬‬ ‫واحلكــم علــى معــارف اجلـ ّـد (الســلف)‬ ‫الدينيــة بقصــور العقــل واملنطــق! وهكــذا‪،‬‬ ‫رســم الكاتــب اخلطــوط العريضــة لنشــأة‬ ‫شــخصية بطلــه العدمــي‪ ،‬شــاب مراهــق رافــض‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫والروايــة الفلســفية هــي إحــدى أنــواع الفــن‬ ‫الروائــي‪ ،‬التــي تســتقي مواضيعهــا الفكريــة‬ ‫مــن الفلســفة‪ ،‬وتبنــي صراعاتهــا الدراميــة‬ ‫علــى اإلشــكاليات واجلدليــات الفلســفية‬ ‫الق َيميــة التــي تعصــف بحيــاة بعــض‬ ‫جليــا علــى ســلوكياتهم يف‬ ‫األفــراد‪ ،‬وتنعكــس ً‬ ‫مجتمعهــم‪ ،‬فتنشــأ القصــص غيــر املألوفــة‪،‬‬ ‫وهــي قصــص مثيــرة‪ ،‬فيهــا رؤيــة مغايــرة للقيــم‬ ‫اجملتمعيــة واألمــور والقضايــا احلياتيــة مــن‬ ‫ّ‬ ‫معشــقة بالفلســفة‪،‬‬ ‫وجهــة نظــر شــخصيات‬ ‫مســلوبة بربوبيــة العقــل‪ ،‬بعيــدة عــن شــفافية‬ ‫الــروح‪ ،‬وصــدق العاطفــة‪ ،‬وصرامــة الضميــر‪،‬‬ ‫وميكــن أن نبالــغ ونقــول‪ :‬منكوبــة بالشــك‪،‬‬ ‫واألفــكار‪ ،‬والفرضيــات والنظريــات‪.‬‬ ‫وقــد ارتــأى كاتبنــا (محمــد أمــان الديــن) أن‬ ‫يبــدأ مســيرة جتربتــه اإلبداعيــة الروائيــة بهذا‬ ‫النــوع مــن الــروي‪ ،‬متأثـ ًـرا‪ ،‬كغيــره مــن األدبــاء‪،‬‬ ‫باملواضيــع طفــت علــى ســاحات الفكــر يف‬ ‫القــرن العشــرين‪ ،‬واختــار أصعــب اإلشــكاليات‬ ‫فيــه‪ ،‬موضــوع العدميــة‪.‬‬ ‫و((العدميــة ‪ Nihilism:‬هــي اإلميــان‬ ‫بــأن جميــع القيــم بــا أســاس‪ ،‬وأنّ التواصــل‬ ‫بــن األشــخاص غيــر ممكــن‪ ،‬وأن احليــاة بــا‬ ‫معنــى‪ ،‬وترتبــط غال ًبــا بالتشــاؤم الشــديد‬ ‫والشــكوكية املتطرفــة اللذً يــن ينافيــان‬ ‫الوجــود‪ ،‬والع َدمــي احلقيقــي ال يؤمــن بشــيء‪،‬‬ ‫وال يوجــد لديــه والء وال هــدف وال رغبــة إلّا‬ ‫الرغبــة يف التدميــر‪ .‬وهــي‪( ،‬العدميــة) ترتبــط‬ ‫بفريديريــك نيتشــه‪ ،‬الــذي أق ـ ّر بــأن آثارهــا‬ ‫املدمــرة ســتؤدي يف نهايــة املطــاف إلــى تدميــر‬ ‫كل القناعــات األخالقيــة والدينيــة والغيبيــة‪،‬‬ ‫وتعجــل بحــدوث أكبــر كارثــة يف التاريــخ‬ ‫ّ‬

‫يفتتـح الكاتـب روبـرت إيغلسـتون كتابـه «الروايـة‬ ‫المعاصـرة» بتعريـف مثيـر وبالغ الداللة هـو‪(( :‬قول كل‬ ‫شـيء)) في إشـارة واضحة منه لقدرة الفن الروائي على‬ ‫تنـاول ّ‬ ‫كل الموضوعـات التـي يمكـن أن تـرد فـي بالنا‪،‬‬ ‫سـواء أكانـت واقعيـة أم ميتافيزيقيـة‪ ،‬ما يعـزّز القناعة‬ ‫السـائدة بـأن الروايـة‪ ،‬وخاصـة المعاصرة منهـا ما هي‬ ‫ّإل وسـيلة ثوريـة لمقاربـة ّ‬ ‫كل المعضلات اإلشـكالية‬ ‫فـي عالمنـا علـى الصعيديـن‪ :‬الفـردي واالجتماعي‪.‬‬


‫‪ 18‬دراسات‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫للجوهــر ال ّروحــي لإلنســان‪ ،‬والســلطة‬ ‫الدينيــة باعتبارهمــا مناهضــن للحريــة‬ ‫الفرديــة‪ ،‬منتصــر لذاتــه املاديــة املتبجحــة‬ ‫بقدراتهــا املعرفيــة‪.‬‬ ‫يف املقطوعــات التاليــة‪ ،‬يث ّبــت الكاتــب‬ ‫البطــل مــا رســخ عنــد البطــل يف فكــره‬ ‫العدمــي مــن نظــرة تشــاؤمية حيــال‬ ‫النهايــات الســعيدة‪ ،‬والــدوران الســرمدي‬ ‫حــول البدايــات والنهايــات‪ ،‬واحملــاوالت‬ ‫احلثيثــة لترويــض جمــوح العقــل‪ ،‬والوقــوع‬ ‫يف شــباك األســئلة واملفاهيــم الوجوديــة‪ ،‬عــن‬ ‫ســلطة القضــاء والقــدر‪ ،‬وجــدوى احليــاة يف‬ ‫ظــلّ حتميــة املــوت‪ ،‬واالنقطــاع عــن العبــادات‬ ‫يف ظــلّ ّ‬ ‫الشــك يف أن اهلل ليــس بحاجــة إلــى‬ ‫مــن ميارســها مــن أجلــه!‬ ‫وللمعرفــة ســطوة تدعــو العقــل‬ ‫القتحامهــا‪ ،‬ثــم تفــرض علــى الع َدمــي‬ ‫ســيطرة قاهــرة‪ ،‬جتعلــه يغــوص باجتــاه‬ ‫ظالميــة الد ّاخــل بــد ًلا مــن أن يتفكّ ــر يف‬ ‫اكتشــاف أنــوار اخلــارج‪ ،‬قاتلـ ًـة يف الــروح‬ ‫حمــى‬ ‫الرضــى والســام‪ ،‬مهيجـ ًـة يف اجلــوارح ّ‬ ‫الرغبــة يف اكتشــاف اللــذة مبغامــرات (بطعــم‬ ‫املعرفــة امللموســة) كمــا جــاء بتعبيــر الســارد‪.‬‬ ‫مبفهــوم عــن اجلنــس غريــب وشــاذ‪ ،‬يعريــه‬ ‫متامــا عــن عاطفــة احلــب‪ ،‬بــل يســلخه عنــه‬ ‫ً‬ ‫سـ ً‬ ‫ـلخا‪ ،‬يقــول البطــل‪:‬‬ ‫‪(( ...‬ممارســة اجلنــس مــع مــن حتــب‬ ‫وتشــتهي‪ ،‬هــي البدايــة الواقعيــة ملــوت الشــغف‬ ‫بــه‪ ،‬وبــرودة اللهفــة إليــه‪ ،‬ببلــوغ احلـ ّـد القاتــل‬ ‫للرغبــة فيــه!! فاكتشــاف اجملهــول يصاحبــه‬ ‫دائمــا فقــدان طاقــة اإلغــواء))‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وهكــذا‪ ،‬يدخــل الشــخص العدمــي‪ ،‬حتــت‬ ‫ســطوة املعرفــة امللموســة‪ ،‬يف د ّوامــات ال تنتهــي‬ ‫ً‬ ‫الهثــا‬ ‫مــن محــاوالت التجريــب واالكتشــاف‪،‬‬ ‫وراء حقيقــة ســراب‪ ،‬لــم يجدهــا بعــد‪ ،‬ولــن‬ ‫يجدهــا أبـ ًـدا‪ ...‬فيغــرق يف بحــر مــن عــدم‪،‬‬ ‫ـلما لغوايــة اخلطيئــة عــن ســبق إصــرار‪،‬‬ ‫مستسـ ً‬ ‫تتضخــم أنــاه‪ ،‬متأل ًّيــا علــى إرادة القــدر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫موهومــا بحريــة اإلرادة‪ ،‬فيدخــل يف العالقــة‬ ‫ً‬ ‫اجلنســية مبــلء إرادتــه‪ ،‬ويقطعهــا مبــلء‬ ‫إرادتــه‪ ،‬وفقً ــا للوائــح الســيطرة التجريبيــة‬ ‫التــي أرادهــا‪:‬‬ ‫((كآلــة شــعورية تبقــى منتبهــة‪ ،‬تراقــب‬ ‫تقلبــات الشــغف وحيويــة اإلحســاس فينــا‪،‬‬ ‫ومواســم اللهفــة‪ ،‬لتنظــم جريــان الرغبــات يف‬ ‫مجــرى غرائزنــا املتشــابكة!))‬ ‫لكنــه‪ ،‬علــى كل األحــوال يعتــرف بهزائمــه‪،‬‬ ‫ويبقــى متعثـ ًـرا باخلطايــا‪ ،‬يتعاطاهــا بإدمــان‬ ‫بعــد كل خيبــة‪ ،‬فأيــن هــو قانــون الســيطرة‬ ‫الــذي ســلب عقلــه؟!‬

‫يكمــل الكاتــب التطـ ّـور الصيــروري‬ ‫العدمــي والسـ ًـيري للبطــل‪ ،‬لنجــده يتعاطــى‬ ‫اخلمــر واخملــدرات وكلّ مــا يذهــب العقــل‪،‬‬ ‫هــذا العقــل‪ ،‬الــرب الصغيــر‪ ،‬كمــا يســميه‪،‬‬ ‫يدعــي‪ ،‬يصبــح‬ ‫والــذي يشــقى بــه‪ ،‬كمــا ّ‬ ‫ألعوبــة تتولــى الغرائــز مهمــة تغييبــه‬ ‫متــى اســتحكمت الرغبــة‪ ،‬فــأي رب هــذا؟!‬ ‫هــش اإلرادة‪ ،‬ميكــن تغييبــه؟!!!! وأي إرادة‬ ‫حـ ّـرة ميكنهــا أن تبنــي كائنً ــا مســتل ًبا بــن‬ ‫عقلــه وغرائــزه؟!!! ومتيــت أســمى مــا وهــب‬ ‫اهلل‪ ،‬الــروح والعاطفــة والضميــر؟!!! كلهــا‬ ‫تســاؤالت مستشــفّ ة مــن العمــل‪ ،‬ومــن تكــرار‬ ‫اعترافــات الســارد بســقوطه يف العــدم‪،‬‬ ‫لــم متلــك إرادتــه احلــرة قــوة التغييــر‪ ،‬وال‬ ‫حتــى قـ ّـوة دفــع الظلــم والقهــر السياســي‬ ‫واالجتماعــي‪ ،‬وال حتــى التس ـلّط الدينــي‬ ‫الــذي لــم يجـ ِـد معــه احلــوار املنطقــي‪ ،‬ألنــه‬ ‫لــم يكــن مبســتوى مناظــرة فكريــة‪ ،‬يتعــادل‬ ‫فيهــا طرفــان يف طــرح أفكارهمــا بطريقــة‬ ‫دميقراطيــة راقيــة‪ ،‬بــل كان حــوار النــد للنــد‪،‬‬ ‫فأيــن احلكمــة؟! وملــاذا نســتغرب النتيجــة؟!‬ ‫وكيــف ال يســقط البطــل يف العــدم؟ عــدم‬ ‫اجلــدوى‪ ،‬وعــدم احلكمــة‪ ،‬وعــدم العنجهيــة‪،‬‬ ‫وعــدم القتامــة‪ ،‬وعــدم اخلنــوع‪ ،‬وعــدم‬ ‫الصمــت‪ ،‬وعــدم اخلطيئــة؟!!!‬ ‫جــاءت النهايــة مؤكّ ــدة أن مــا ســلف لــم‬ ‫يكــن إال براعــة إيهــام مــن الكاتــب‪ ،‬وأن النهايــة‬ ‫هــي جوهــر فكــره‪ ،‬التــي تعكــس خلفيتــه‬ ‫الســارد بنفس األدوات‬ ‫األخالقيــة‪ ،‬خاتــل فيهــا ّ‬ ‫واملوازيــن العقليــة‪ ،‬ومبــا ال ينقــص عنــه بــأي‬ ‫مقــدار مــن احلج ـ ّة والفرضيــة‪ ،‬بــل وحتــى‬ ‫الشــك‪ ،‬لتعــود األمــور إلــى نصابهــا‪ ،‬ولتتوقــف‬

‫العبثيــة‪ ،‬ولتبــدأ األفــكار باالســتكانة‪ ،‬وطلــب‬ ‫العفــو والغفــران‪ ،‬وابتغــاء العــدل‪ ،‬واخلضــوع‬ ‫للترتيــب املنطقــي‪ ،‬بعيـ ًـدا عــن العبثيــة‪،‬‬ ‫واإلقــرار واالعتــراف باملعرفــة الغيريــة‪،‬‬ ‫تخل ًّيــا عــن العنجهيــة‪ ،‬وباحلـ ّـب‪ ،‬إقــرا ًرا‬ ‫بوجــود العاطفــة اخل ّيــرة‪ ،‬وبعتمــة العقــل‬ ‫حــن ُيقصــى عــن الــروح والضميــر‪ ،‬وهــو‪،‬‬ ‫كمــا‪ ،‬يفتـ ُ‬ ‫ـرب‬ ‫ـرض الع َدمــي‪ ،‬احل َكـ ُـم العــدل‪ ،‬الـ ُّ‬ ‫الصغيــر‪ ،‬صاحــب اإلرادة املطلقــة‪ ،‬واملتف ـ ّرد‬ ‫بالســطوة والســيطرة التامــة‪ ،‬فصــل النهايــة‬ ‫ينتهــي بســؤال‪ ،‬مفتــوح النافــذة علــى شــرفة‬ ‫التلقــي‪ ،‬ينتظــر إجابــة علــى عنــوان إمييــل‪،‬‬ ‫قــد تأتــي‪ ،‬وقــد ال تأتــي‪:‬‬ ‫هــل بإمكانــك أن تضــع نفســك مكانــي‪،‬‬ ‫فتعــن عتمتــي علــى عبــور الصــراط إليهــا‪،‬‬ ‫وجتيبنــي علــى الســؤال التالــي‪:‬‬ ‫((هــل يف مقــدورك أن تغفــر المــرأة‬ ‫أنــت مت ّيــم بهــا‪ ،‬وتعــرف أنهــا كانــت عاهــرة‬ ‫يف تاريــخ لــم تكــن أنــت فيــه‪ ،‬مــع علمــك أن‬ ‫مصيرهــا ليــس بالضــرورة أن يكــون مرهو ًنــا‬ ‫بهــذا التاريــخ‪ ،‬يف مقابــل أن تتق ّبلــك هــي‬ ‫أيضــا مبصيــرك الــذي ال تعرفانــه‪ ،‬ورمبــا‬ ‫ً‬ ‫ســتكون فيــه أحــوج لهــذا الغفــران منهــا؟))‪.‬‬ ‫لــو كان بإمــكان مرآتــك أن جتــود عليــك‬ ‫بإجابــة‪ ،‬أي إجابــة‪ ،‬فبإمكانــك أن تراســلني‪،‬‬ ‫وسأســتعيض بعنوانــي االلكترونــي عــن‬ ‫عنوانــي الواقعــي‪:‬‬ ‫ومهمــا تن ّوعــت اإلجابــات واختلفــت‪ ،‬جاءت‬ ‫أم ال‪ ،‬نشـ ّـم مــن الســؤال عبــق التوبــة واإلنابــة‪.‬‬ ‫العمــل مكتــوب بأســلوب عميــق‪ ،‬بعمــق‬ ‫التنــاول الفلســفي‪ ،‬لكــن بعيـ ًـدا عــن األلفــاظ‬ ‫ّ‬ ‫الطنّانــة‪ ،‬بلغــة‬ ‫املقعــرة‪ ،‬واملصطلحــات‬ ‫فصيحــة‪ ،‬خاليــة مــن األخطــاء النحويــة‬ ‫واإلمالئيــة بشــكل عــام‪ ،‬وصــور جماليــة‬ ‫بالغيــة الفتــة تعكــس مخــزون الكاتــب اللغــوي‬ ‫والثقــايف‪ ،‬لــم ينقطــع حبــل التشــويق علــى‬ ‫امتــداد العمــل الــذي فرشــه الكاتــب علــى‬ ‫ـردا ووصفً ــا‬ ‫بيــاض ‪ 380‬صفحــة وقــد تزيــد‪ ،‬سـ ً‬ ‫وحتلي ـ ًلا‪ .‬والعمــل مــادة دســمة غنيــة التنــاول‬ ‫مــن املســتوى النفســي الذرائعــي مبداخلــه‬ ‫جميعهــا‪ ،‬الســلوكي واالســتنباطي والعقالنــي‪،‬‬ ‫وكذلــك احلــال يف باقــي املســتويات الذرائعيــة‪،‬‬ ‫البصــري واللســاني واألخالقــي‪ ،‬واملتحــرك‪.‬‬ ‫والداللــي الرقمــي‪.‬‬ ‫وأتــرك لكــم متعــة التجــوال يف رحــاب هــذا‬ ‫العمــل الروائــي الشاســع‪ ،‬متمنيــة للكاتــب‬ ‫املبــدع محمــد أمــان الديــن دوام األلــق‪ ،‬وأن‬ ‫يكــون عملــه اإلبداعــي هــذا باكــورة إبــداع‬ ‫متسلســل ال ينقطــع‪.‬‬


‫دراسات‬

‫‪19‬‬

‫(رهاب الحكايات) قصص إنسانية تحتفل بالهامش‬

‫أحمد النامويس‬

‫عمـل «صديـق لحلـو» علـى تقريـب األدب اإلفريقـي‬ ‫للقـارئ عبر خلق تواصل بينـه وبين القارئ بنصوص‬ ‫تحفـل بـأدب القارة السـمراء إذ ال يمكن أن تقرأ نصا‬ ‫للكاتـب دون أن تالمـس البـداوة الحاضـرة بامتيـاز‬ ‫فـي هـذا المنجـز األدبـي‪ ،‬فكمـا تحضـر سـيرة عبـد‬ ‫الباقـي المنسـية وداللتهـا الرمزية تحضر أيضا سـير‬ ‫أخـرى يطبعهـا الهدوء والسـكينة‪.‬‬

‫يف بعــض األحيــان ال ميكــن الفصــل بينهــم‪،‬‬ ‫بــل يخلــق داخــل عاملهــم حــوار‪ ،‬وتبــادل ألفــكار‪.‬‬ ‫يقتحــم الكاتــب حيــاة شــخصيات معينــة‪،‬‬ ‫ويصفهــا بشــكل دقيــق وباهتمــام بالــغ‪ ،‬كأنــه‬ ‫بعيــش معهــم‪ ،‬فيشــعر القــارئ بذلــك األمــر‬ ‫عنــد قــراءة أحــد قصصــه ونذكــر علــى ســبيل‬ ‫املثــال ال احلصــر ســذاجة فاطمــة نورديــن‪ ،‬مــا‬ ‫تبقــى مــن ســيرة عبــد الباقــي‪.‬‬ ‫خــال الســرد للقصــص يتحــدث الكاتــب‬ ‫أكثــر مــن مــرة وبتركيــز شــديد عــن قصــص‬ ‫حتكــي عــن أزمــات نفســية واجتماعيــة يعانيها‬ ‫الفــرد‪ ،‬يحكــي عــن الكرامــة عندمــا تبــاع بثمــن‬ ‫زهيــد يف ســوق البشــرية الرخيصــة‪ ،‬أو يحكــي‬ ‫تــارة عــن الفــرد الــذي نســي مبادئــه أصلهــا‬ ‫ودجنتــه املدينــة بــكل تفاصيلهــا‪.‬‬ ‫حتضــر يف اجملموعــة القصصيــة أزمنــة‬ ‫مختلفــة‪ ،‬تســري فيهــا أحــداث القصــص‬ ‫كلهــا‪ ،‬فمــرة يحضــر الليــل ورمزيتــه ومــرة‬ ‫أخــرى النهــار بــكل مــا يحملــه ومــا ينفتــح‬ ‫عليــه مــن عوالــم‪ ،‬إن قــدر ة القــاص علــى‬ ‫إضفــاء الواقعيــة علــى القصــص يجعــل‬ ‫القــارئ يضيــع بــن مســارب هــذه القصــص‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫إن العمــل األدبــي املوســوم ب ـ «رهــاب‬ ‫احلكايــات» عمــل حافــظ علــى الهويــة‬ ‫الســودانية بامتيــاز فهــو يذكرنــا بــكل ألعمــال‬ ‫األدبيــة التــي كتبهــا أدبــاء مــن الســودان‬ ‫ومنهــم الكاتــب الطيــب صالــح وأميــر تــاج‬ ‫الســر فكالهمــا حافظــا علــى مــا هــو محلــي‬ ‫ّ‬ ‫بامتيــاز وانتصــروا ملــا هــو محلــي يف خــال‬ ‫الغــوص يف القصــص املتنوعــة حيــث يجــد‬ ‫القــارئ أن كل األســماء التــي اختارهــا صديــق‬ ‫حللــو هــي أســماء ســودانية محليــة ميكــن‬ ‫متييزهــا منــذ الوهلــة األولــى‪.‬‬ ‫أول قصــة يبــدأ بهــا صديــق يف مجمعــه‬ ‫القصصــي قصــة اســمها رحيــل حتكــي عــن‬ ‫قصة شــاب ســوداني وهي نســخة طبق األصل‬ ‫ّ‬ ‫ملــا يعانيــه اجملتمــع العربــي عمومــا مــن متييــز‬ ‫عنصــري‪.‬‬ ‫يف القصــة املواليــة يحكــي القــاص عــن‬ ‫حيــاة ســيرة عبــد الباقــي املنســية إنهــا حكايــة‬ ‫اجتماعيــة حتتفــل بتقابــات عديــدة حيــث‬ ‫يحضــر الغنــى والفقــر املدقــع‪ ،‬ويحضــر األمــل‬ ‫ويغيــب تــارة أخــرى يحضــر أيضــا احلـ ّـب ومـ ّرة‬ ‫الكــره‪ ،‬ويف اجتــاه أخــر جنــد داخــل هــذا‬ ‫النــص القصصــي حكايــات مختلفــة متتــح‬ ‫مواضيعهــا مــن الواقــع املعــاش‪.‬‬ ‫وقصــة‬ ‫قصــة املروحــة ّ‬ ‫الســرد يف ّ‬ ‫يتجـ ّـدد ّ‬ ‫هدايــا صفــاء ليصبــح ســردا إيحائيــا مكثفــا‬ ‫أكثــر فقــد اشــتغل القــاص علــى القصــة‬ ‫ووظــف تقنيــات ســردية جديــدة‪ ،‬حيــث يبــدأ‬ ‫هاجــس املبــدع يف خلــق توافــق بــن اللغــة‬ ‫واملعنــى فهــذه القصــص تعــج بأشــكال وقيــم‬ ‫إبداعيــة يربطهــا معنــى واحــد وهــو اخللــق‬

‫واإليضــاح مــن أجــل بنــاء عالقــة مــع متخ ّيــل‬ ‫القــارئ‪.‬‬ ‫يعمــل «صديــق حللــو» علــى خلــق ســراديب‬ ‫إبداعيــة منبثقــة مــن جتربتــه احلياتيــة‬ ‫وحدقــه األدبــي يف هــذا الفــن األدبــي فكتابــة‬ ‫القصــة القصيــرة عنــد املبــدع هــي تعمــق يف‬ ‫روحانيــة مــن الطقــوس اخملتلفــة‪.‬‬ ‫امتــازت قصــص الكاتــب «صديــق حللــو»‬ ‫بأنســاق لغويــة واضحــة‪ ،‬حيــث اســتطاع‬ ‫أن يثيــر يف نفــس القــارئ مجموعــة مــن‬ ‫التســاؤالت املهمة‪ ،‬والتناقضات التي يعيشــها‬ ‫الفــرد داخــل اجملتمــع‪ ،‬ذوات تتســلق املراتــب‬ ‫بطــرق غيــر مشــروعة وذوات أخــرى مثــل‬ ‫الطحالــب تنشــر وتبيــع الوهــم بــن األحيــاء‬ ‫الفقيــرة‪.‬‬ ‫عملــت صديــق حللــو علــى الكشــف عــن‬ ‫العطــب الــذي يعانيــه اجملتمــع عامــة والفــرد‬ ‫العربــي خاصــة‪ ،‬حيــث تتهــاوى القيــم وتنشــر‬ ‫الفوضــى‪ ،‬وتتغيــر األدوار ويجــد اإلنســان‬ ‫نفســه ممســوخا أشــبه بحيوان غريب‪ ،‬تتسرب‬ ‫أحــداث القصــص برشــاقة متناهيــة وقــدرة‬ ‫كبيــرة علــى تصويــر التفاصيــل‪ ،‬النابضــة‬ ‫التــي نعيشــها بشــكل يومــي يف قصــص منهــا‪:‬‬ ‫عــرس علــي‪ ،‬أنــا جــزء مــن الهــدوء‪ ،‬أحــب أن‬ ‫أكتــب عــن الغيــاب ‪..‬‬ ‫حيــث الفــرح واحلــزن واأللــم‪ ،‬نصــوص‬ ‫حتكــي عــن اخليبــة والهزميــة التــي يعيشــها‬ ‫فئــات عريضــة مــن اجملتمــع‪ ،‬مجتمــع‬ ‫معطــوب تذبــذب قيمــه وأفــكاره‪ ،‬وتنفتــح‬ ‫اجملموعــة القصصيــة علــى عاملــن مختلفــن‪،‬‬ ‫عالــم يرصــد حيــاة املنطقــة ومشــاكلها‪ ،‬عاملــن‬


‫‪ 20‬دراسات‬

‫سياحة في نصوص (منحدرات الكاكاو)‬ ‫منحـدرات الـكاكاو هـو الديـوان األول للشـاعر السـوداني‬ ‫الشـاب بحـر الديـن عبـد اهلل‪ .‬صدر الديـوان فـي ‪2021‬م عن‬ ‫دار موزاييـك للدراسـات والنشـر بإسـطنبول – تركيـا‪.‬‬ ‫وإذا كان أغلـب (النقـاد) يعتبـرون (العنـوان) عتبة أولى للنص‬ ‫اإلبداعـي فـإن بحـر الدين عبـد اهلل قد اختـار لديوانـه عنوانًا‬ ‫يشـد إليـه عشـاق (األفريقانية) في إهابيهـا‪ ،‬القديم والجديد‪.‬‬ ‫فالـكاكاو بالنسـبة (لألفريقانييـن) يحتشـد بدالالت سياسـية‬ ‫وثقافيـة وجماليـة عزيـزة علـى قلوبهم‪.‬‬

‫صالح محمد الحسن القوييض‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫ومنــذ نــص الديــوان األول بعنــوان (يقــول‬ ‫متثــال آلخــر) تتوالــى اإلشــارات الدالــة علــى‬ ‫هويــة اخلطــاب الشــعري لبحــر الديــن عبــد‬ ‫اهلل‪ ،‬إذ يقــول‪:‬‬ ‫عاجي‬ ‫((بكل متاحفي وبكل ِ‬ ‫ُ‬ ‫الزجاج‬ ‫كبرث على مشافهة‬ ‫ِ‬ ‫ضجيجا‬ ‫فهب لطلولك األخرى‬ ‫ً‬ ‫وعر مداي من خرف األحاجي))‬ ‫ِ‬ ‫فهنــا متتــزج الــدالالت (املتاحــف – العــاج‬ ‫– الزجــاج‪ -‬الطلــول– خــرف األحاجــي)‬ ‫لتعلــن عــن متظهــر جديــد للجــدل الوجــودي‬ ‫األزلــي بــن (القــدمي ‪ /‬اجلديــد) (الشــمال‬ ‫‪ /‬اجلنــوب) (الشــرق ‪ /‬الغــرب) (العــاج ‪/‬‬ ‫الزجــاج) والرغبــة العميقــة يف دخــول العصر‪،‬‬ ‫دون التنكــر للتليــد‪.‬‬

‫و ا حلقيقــة‬ ‫أن تلــك الرغبــة يف (املزاوجــة) بــن الطــارف‬ ‫والتليــد تتبــدى قبــل ذلــك يف اإلهــداء الــذي‬ ‫خصصــه الشــاعر ألمــه (بائعــة البصــل)‬ ‫كمــا أســماها (ثــم إلــى أبــي‪ ،‬وهــو يــرد نعــاس‬ ‫القبــر كــي يســمع حديثنــا مــن بعيــد) وذلــك‬ ‫كتعبيــر عــن الرغبــة األفريقانيــة الدفينــة يف‬ ‫(اســتحضار األســاف)‪ .‬وبجولــة يف عناويــن‬ ‫النصــوص ومحتواهــا تتأكــد تلــك الرغبــة يف‬ ‫معانقــة (العصــر) مــع اســتصحاب املــوروث‬ ‫األفريقانــي يف جتلياتــه املاديــة واملعنويــة‪.‬‬ ‫يقــول بحــر الديــن يف النــص االفتتاحــي‬ ‫لديوانــه (يقــول متثــال آلخــر)‪:‬‬ ‫((أهشم مرمر املاضي عليهم‬ ‫وأوشك يف شظاياهم أنادي‬

‫فخذنــي‬ ‫نحــو تاريــخ جديــد‬ ‫فلست بغير متحفهم بناج))‬ ‫فــذات املتحــف الــذي يحــوي (املرمــر)‬ ‫الــذي يهشــمه الشــاعر هــو ســبيل النجــاة‬ ‫الوحيــد ويف هــذا النــص إحالــة شــفيفة‬ ‫لقصــة ســيدنا إبراهيــم مــع أصنــام قومــه‪.‬‬ ‫ثــم يناجــي الشــاعر (عصــر األســاف)‬ ‫طال ًبــا منــه ظـ ًلا مــن (املرمــر) يســتظل بــه يف‬ ‫عصــر (الزجــاج)‪.‬‬ ‫يف نصــه الثانــي (بعــض نبــوءة) يســتلهم‬ ‫الشــاعر ذات (اللوحــة) التــي اســتلهمها‬ ‫الراحــل محمــد محــي الديــن يف قصيدتــه‬ ‫(ذلــك الطفــل ســوف يغنــي) مســبغً ا علــى‬ ‫(الطفــل)‪ ،‬الــذي هــو (جتــل) آخــر لــذات‬


‫دراسات‬

‫بحر الدين عبداهلل‬ ‫لينتهــي بالقــول يف جملــة حاســمة جتســد‬ ‫كل مرارات (الســود ‪ /‬الســمر)‪ ،‬الذين ميثلهم‬ ‫كافــور‪ ،‬ممــن جرحتهــم ‪ -‬ومــا زالــت جترحهــم‬ ‫ مقــوالت املتنبــئ (العنصريــة)‪ ،‬حيــث يقــول‪:‬‬‫نور‬ ‫((يا َأبا املِ سك أنت نطفة ٌ‬ ‫ترابي‬ ‫الطـــيب العظيم‬ ‫وأبو‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫يا أبا املسك أي جرم أتينا‬ ‫ليكون الوفاء محض سباب))‬ ‫أمــا يف (حلــم الكوڤيــد) فيقتــرب بحــر‬ ‫خارجــا قلي ـ ًلا عــن‬ ‫الديــن مــن روح العصــر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إهــاب التاريــخ‪ .‬فيأتــي نصــه ملي ًئــا باألمــل‬ ‫والثقــة يف أن (اإلنســان) ســيتجاوز احملنــة‪:‬‬ ‫و((سيقتل حلم الفيروسات‬ ‫ويهزم باحلب‬ ‫سالالت الكوفيد))‬ ‫أمــا نــص (نخــب العراجــن) فقــد أهــداه‬ ‫الشــاعر إلــى بودليــر (صاحــب أزهــار الشــر)‬ ‫كمــا أســماه بحــر الديــن‪ .‬ويف النــص يســتلهم‬ ‫الشــاعر معالــم (باريــس) وقامــوس (بودليــر)‬ ‫مرحتـ ًلا معــه حتــى مجاهــل الكاريبــي‪ .‬يتخــذ‬ ‫بحــر الديــن مــن بودليــر وقاموســه اللغــوي‬ ‫(قناعــا) يلــج مــن خاللــه ملظالــم‬ ‫واجلغــرايف‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ومــرارات (الســود) و(اخلالســيني) و(الهنــود‬ ‫احلمــر) وكل الســاالت التــي حــاول (البيض)‬

‫عرقيــا أو لغو ًيــا‪ ،‬ليخلــص لنبوءة‬ ‫اســتئصالها‬ ‫ً‬ ‫(اخلــاص) احلتمــي‪:‬‬ ‫((ومن شجر النارجن‬ ‫تصنع معطفً ا‬ ‫ّ‬ ‫بعزة‬ ‫لكل خالسي ميوت ّ‬ ‫تؤرخ للهنود احلمر طقوسهم‬ ‫ِّ‬ ‫وتنقذ طفل املاء‬ ‫من موجك العتي‬ ‫سيؤويك يا شحاذ كهف أضالعي‬ ‫ليصدق يف حزنيك‬ ‫بعض نبوءتي))‬ ‫نــص (صبايــا الــكاكاو) هــو تكملة ملانيفســتو‬ ‫الشاعر األفريقاني‪ .‬فقبل البداية يهدي بحر‬ ‫الديــن هــذا النــص) إلــى روح مملكــة صونغــاي‬ ‫وحضــارة ســنار ونهــر الســنغال والبحيــرات‬ ‫العظمــى‪ ،‬وإلــى األســمر يف كل شــيء)‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ويؤكــد قامــوس النــص ذلــك املعنــى‪ ،‬حيــث‬ ‫يتغنــى فيــه الشــاعر (مبالــي) و(البحيــرات)‬ ‫و(الــكاكاو) و(ســاحل األغنيــات) و(ســنغال‬ ‫ســنغور) و(غانــا) و(متبكتــو) و(كــوش) ليعلــن‬ ‫يف ختامــه انتمــاءه إلفريقيــا بأدغالهــا‬ ‫وســخونة طقســها‪:‬‬ ‫((كوعــل يقــرأ املســك يف عيــون‬ ‫الغــزال‬ ‫فافتحوا لي نوافذ اهلل أعلو‬ ‫طاملا الطقس ساخن‬ ‫يف األعالي))‬ ‫يف بقيــة الديــوان يتنقــل بنــا الشــاعر بــن‬ ‫نصوصــه (مخطوطــة)‪( ،‬معنــى التــراب)‪،‬‬ ‫(مــرمي)‪( ،‬الراحلــون)‪( ،‬هــش قلــب مئذنــة)‪،‬‬ ‫(جتاعيــد)‪( ،‬إلــى بابلــو نيــرودا)‪( ،‬للمســافات‬ ‫يف جنــاح الطيــور)‪( ،‬عــن جدنــا قصــب‬ ‫النايــات)‪( ،‬همــس أول)‪( ،‬للــذي لــم يخــن‬ ‫دم األغنيــات)‪( ،‬إطاللــة مبحوحــة)‪( ،‬مجــاز‬ ‫لــروح الهضــاب)‪ .‬وهــي نصــوص أمتنــى‬ ‫أن أعــود يف ســانحة أخــرى لقراءتهــا مــن‬ ‫جوانبهــا اخملتلفــة‪ .‬والديــوان مــع احتشــاده‬ ‫بالــرؤى الفكريــة والصــور اجلماليــة‪ ،‬يطــرح‬ ‫تســاؤالت عميقــة حــول (جتديــد األخيلــة)‬ ‫وكســر القوالــب املتكــررة‪ ،‬ويطــرح عمومــا‬ ‫ســؤال مقــدرة القصيــدة العربيــة العموديــة‬ ‫وقصيــدة التفعيلــة علــى التجــدد واالغتنــاء‬ ‫بــرؤى وصــور ومفاهيــم العصــر‪ ..‬وهــي مقــدرة‬ ‫نأمــل أن تتج ّلــى بصــورة أفضــل يف دواويــن‬ ‫بحــر الديــن القادمــة بــإذن اهلل‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫الشاعر‪ ،‬كل (آمال) املستقبل مبشيئة (صوت‬ ‫اهلل) الســابق لألناجيــل‪ ،‬يف إشــارة جليــة‬ ‫للمــوروث األفريقــي الســابق للمســيحية‪:‬‬ ‫((كن يا شهي التجلي‬ ‫مثل نيزكة‬ ‫شعت لتروي‬ ‫ّ‬ ‫متون الضوء‬ ‫عن زحل))‪.‬‬ ‫أمــا يف نــص (الربابــات العتيقــة)‬ ‫فيســترجع بحــر الديــن صــوت (الربابــة)‬ ‫الشــهيرة للــراوي األفريقــي و(احلكواتــي)‬ ‫العربــي ليتخــذ منهــا معبـ ًـرا للتواصــل بــن‬ ‫(املاضــي) و(احلاضــر)‪:‬‬ ‫((من عمق أدغال الغناء أتيت‬ ‫ليصب يف ليل العذوبة زيت‬ ‫عفـــرت صدري بالضباب ورمله‬ ‫ّ‬ ‫ولرهط أحفاد السنا غنيت))‪.‬‬ ‫أمــا يف نــص (حفــل أخيــر) فتطــل (رومــا)‬ ‫أو (صــورة اآلخــر) بقديســيها القدمــاء‬ ‫وصباياهــا الالئــي‪:‬‬ ‫أزهارا‬ ‫((سينبنت مبكة‬ ‫ً‬ ‫تتالقح يف رئة الكون ‪...‬‬ ‫احملموم‬ ‫ويف مدن الصلصال))‬ ‫ثم تنام عيون شقراوات روما ولكن‬ ‫((لتوقظ فينا‬ ‫حلن احلب الروماني املتعالي))‬ ‫جدي كافور اإلخشــيدي)‬ ‫ولعــل نــص (إلــى ّ‬ ‫أشــبه نصــوص الديــوان باملانيفســتو الــذي‬ ‫يعلــن فيــه الشــاعر بنوتــه ل ـ (أبــي املســك) بــكل‬ ‫دالالتــه اإلثنيــة والعرقيــة واالحتجاجيــة‪.‬‬ ‫يف هــذا ال ّنــص يتج ّلــى أثــر (نظــرة اآلخــر)‬ ‫كمح ـ ِّرك أساســي إلبــداع ال ّنــص ّ‬ ‫الشــعري‬ ‫لبحــر الديــن‪:‬‬ ‫((يا أبا املسك كم ولدت بقلبي‬ ‫وكم املسك يا حبيبي منا بي))‬ ‫كما يتجلى أثر (نظرة اآلخر) يف محاولة‬ ‫الشــاعر االنتصــار لكافــور اإلخشــيدي يف‬ ‫مواجهــة املتنبــئ‪:‬‬ ‫((منذ دهر وابن احلسني سجني‬ ‫خلف تاريخ مرهق األعصاب‬ ‫جديدا‬ ‫جرحا‬ ‫وأنا قد حملت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فألي اجلـراح أفتح بابي))‬

‫‪21‬‬


‫‪22‬‬

‫‪22‬‬

‫حوار‬

‫الشاعر والصحافي‬ ‫عبدالرزاق الربيعي‪:‬‬

‫اخترتُ العمل‬ ‫في الصحافة‬ ‫الثقافية؛ ّ‬ ‫ألظل‬ ‫على مقربة من‬ ‫بحر القصيدة‬ ‫وحرائقها‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬


‫حوار‬

‫‪23‬‬

‫والصحافي عبدالرزاق الربيعي لـنقش الثقافية»‪:‬‬ ‫الشاعر‬ ‫ِّ‬

‫الصحافة الثقافية؛ ّ‬ ‫ألظل على مقربة‬ ‫اخترتُ العمل في ِّ‬ ‫وحرائقها‬ ‫من بحر القصيدة‬ ‫ِ‬ ‫أن تجـد نفسـك فـي ملكـوت مبـدع متعدِّد اإلشـعاعات‬ ‫والمواهـب‪ ،‬واسـع اإلشـراقات والحضـور؛ فمعنـاه أنّـك‬ ‫أمـام العطـاء بحـدِّ ذاتـه‪ ،‬واإلعجـاز بشـحمه ولحمه‪..‬‬ ‫أن تحـاول اإلمسـاك بخيـط الصّحافـة والمسـرح‪،‬‬ ‫والقصيـدة والمقـال‪ ،‬وفضـاءات أدب الطفـل‪ ،‬ومعطيات‬ ‫ّ‬ ‫بـكل توهّـج أجنـاس األدب فـي‬ ‫النّـص الحديـث‬ ‫تشـكيلةٍ بانوراميـة مدهشـة‪ ،‬فمعنـى ذلـك أنـك‬ ‫سـتكون أمـام الكائن العطـري‪ ،‬والشـخصية الفوالذية‪،‬‬ ‫والقامـة السـامقة‪ ،‬نبـيّ الضـوء والحـرف والبسـمالت‪،‬‬ ‫الشّـاعر والصّحافـي والكاتب األديب العراقـي‪ /‬العربي‬ ‫عبدالـرزاق الرّبيعـي‪ ،‬أحـد النجـوم المتأللئـة في سـماء‬ ‫الوطـن العربـي‪.‬‬ ‫الربيعـي ‪ ..‬ربيـع الشّـعر والصّحافـة وملتقـى فصولهـا‬ ‫األربعـة‪ ،‬منـذ ثمانينيـات القـرن المنصـرم ومـا زال‬ ‫الرّبيعـي يثـري المكتبـة بعشـرات اإلصـدرات التـي‬ ‫توّزعـت ما بين دواوين شـعرية‪ ،‬ومسـرحيات‪ ،‬وكتابات‬ ‫سـردية ونقديـة وصحافيـة‪ ،‬إلى جانـب إدارته ألكثر من‬ ‫صحيفـة ومجلـة أثـرى بهـا المشـهد الثقافـي‪ ،‬وحفظت‬ ‫ُ‬ ‫الجبـال والسـهول وأصابـع الشـمس عن ظهر‬ ‫اسـمَه‬ ‫قلـب‪ ..‬تقـرأه صعـودًا «إلى صبر أيوب» فيلسـوف‬ ‫ّ‬ ‫بـكل رهبنـة‬ ‫النّـص‪ ،‬ومـارد الدهشـة‬ ‫القصيـدة‪ ،‬وتقـرأه صحفيـاً ّ‬ ‫بـكل مهنيـة‬ ‫وكفـاءة عاليـة المسـتوى‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫ه‪:‬‬ ‫حاور ُ‬ ‫أحمد النظامي‬


‫‪ 24‬حوار‬ ‫بجهـود ذاتيـة بحتـة‪ُ ،‬تـرى هـل أسـهمت مثـل‬ ‫هكـذا صحافـة يف احتضـان وتنميـة املواهـب‬ ‫الشـابة واألقلام الصاعـدة؟‬

‫كتبـت عنـه العديـد مـن الدراسـات لرمـوز‬ ‫الفكر واألدب يف الوطن العربي الكبير‪ ،‬وتناولت‬ ‫جتربتـه الثريـة أكثـر مـن ‪ 15‬رسـالة وأطروحـة‬ ‫الدراسـات العليـا (ماجسـتير‪ -‬دكتـوراه)‬ ‫لطلاب ّ‬ ‫وأخـرى‪.‬‬ ‫ومـا يـزال حتـى اللحظـة يواجهـك بابتسـامة‬ ‫دافئـة كقلـب السـماء‪ ،‬يغمـره التواضـع مـن رأسـه‬ ‫إلـى أخمـص قدميـه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫يف احلديـث معـه متعـة بطعـم الشـوكوالتة‬ ‫والغيـم‪ ،‬واملطـر‪ ،‬ال ّ‬ ‫متـل مـن طرحـه العميـق‬ ‫وتسلسـل أفـكاره السلسـبيل‪.‬‬ ‫يف مجلـة «نقـش الثقافيـة» كان لنـا شـرف‬ ‫احلديـث معـه حـول جتربتـه املشـرقة وتداعيـات‬ ‫الصحافة الثقافية‪ ،‬بكل شـغف‪.‬فكانت احلصيلة‬ ‫ِّ‬ ‫يف سـياق هـذه املـادة‪:‬‬

‫غالبـا مـا حتلّـق اجلهـود الذات ّيـة‪ ،‬بأجنحـة‬ ‫سـرعان مـا تتعـب‪ ،‬فغالبـا مـا تواجـه صعوبـات‬ ‫يف االسـتمرار‪ ،‬فتقـف عنـد نقطـة مع ّينـة‪،‬‬ ‫ّأمـا اجملّـلات الثقاف ّيـة التـي تواصـل الصـدور‪،‬‬ ‫ألداء رسـالتها الثقافيـة‪ ،‬فإ ّنهـا حتقّ ـق ذلـك‬ ‫كمجلـة (نـزوى)‪ ،‬و(العربـي)‪،‬‬ ‫مؤسسـاتي‪ّ ،‬‬ ‫بدعـم ّ‬ ‫و(األقلام) و(الشـارقة الثقافيـة)‪ ،‬و(الدوحـة)‪،‬‬ ‫و(القـوايف)‪ ،‬و(الرافـد)‪ ،‬و(املـورد)‪ ،‬و(التـراث‬ ‫الشـعبي)‪ ،‬و(الثقافـة األجنبيـة)‪ ،‬أمـا املواهـب‬ ‫الشـابة‪ ،‬فقـد كانـت لهـا ع ّـدة منابـر مـن بينهـا‬ ‫مجلـة (الطليعـة األدب ّيـة) التـي كانـت تصـدر يف‬ ‫الثمانينيـات ببغـداد‪ ،‬لك ّنهـا توقّ فـت‪ ،‬ولـم جتـد‬ ‫املواهـب الشـابة مـن يحتضنهـا‪.‬‬

‫كل هـذا العطـاء‪ ..‬بعـد ّ‬ ‫بعـد ّ‬ ‫كل هـذا البهاء‪..‬‬ ‫بعـد ّ‬ ‫متعـدد اإلشـعاعات ما بني‬ ‫كل هـذا التّ وهـج‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والصحافـة والكتابـة واملسـرح‪ ..‬كيـف‬ ‫الشـعر‬ ‫ّ‬ ‫يقـرأ عبدالـرزاق الربيعـي نفسـه؟‬

‫مقصـر ًا يف‬ ‫عندمـا أراجـع نفسـي أجدنـي‬ ‫ّ‬ ‫أشـياء كثيـرة‪ ،‬فلسـت راضيـا كلّ ال ّرضـى عـن‬ ‫نفسـي‪ ،‬ولـم أس ّـخر كلّ طاقتـي يف الكتابـة‪،‬‬ ‫فاحليـاة تفـرض علينـا الكثيـر مـن الواجبـات‬ ‫االجتماعيـة‪ ،‬والكتابـة الشـعرية رهبنـة يف‬ ‫محـراب الكلمـة‪ّ ،‬‬ ‫والشـاعر حينمـا يكتـب‪ ،‬يعتلـي‬ ‫مركبـا صعبـا‪ ،‬فاحلطيئـة يقـول‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫صعب وطيل سلّمه‬ ‫الشعر‬ ‫ٌ‬ ‫إذا ارتقى به الذي ال يعلمه‬ ‫زلّت به إلى احلضيض قدمه‬ ‫وكثيـرا مـا أر ّدد مـع نفسـي بيتـا للشـاعر‬ ‫الغنائـي ذيـاب كـزار هـو « أمشـي وأقـول وصلـت‬ ‫والكنطـرة بعيـده»‪ ،‬يظـلّ طريـق الوصـول‬ ‫مفتوحـا‪ ،‬وتظـلّ الكنطـرة بعيـدة‪ ،‬والرضـى غايـة‬ ‫ال تـدرك‪ ،‬حتّـى تدركنـا املنيـة‪.‬‬ ‫مـا بين عبدالـرزاق الربيعـي الشـاعر‪ ،‬وبين‬ ‫الربيعـي الصحـايف‪ّ ..‬أيهمـا األقرب إلى‬ ‫عبدالـرزاق ّ‬ ‫ملكـوت روحـك؟‬ ‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫تتع ّـدد اهتماماتـي‪ ،‬وتتجـاوز كتابـة املقـال‬ ‫الصحـايف‪ ،‬واحلـوارات‪ ،‬واالسـتطالعات‪ ،‬إلـى‬ ‫الكتابـة املسـرح ّية‪ ،‬والسـرد ّية‪ ،‬وأحيانـا النقـد‬ ‫القـدح املعلّـى‪ ،‬فهـو يتفـ ّرد‬ ‫األدبـي‪ ،‬لكـن للشـعر ِ‬ ‫عـن سـائر الفنـون كونـه فضـاء واسـعا‪ ،‬فهـو‬ ‫بالنسـبة لـي‪ ،‬مجـ ّرة شاسـعة تضـم حتـت عباءتها‬ ‫النجـوم‪ ،‬والكواكـب‪ ،‬واألغبـرة الكونيـة‪ ،‬والظلام‬ ‫املـر ّوع‪ ،‬واجملـاالت املغناطيسـية‪ ،‬والنيـازك‪،‬‬ ‫واألقمـار‪ ،‬وليـس هـذا مـن بـاب متجيـد الشـعر‪،‬‬ ‫بـل ألنّـه صديـق طفولـة‪ ،‬فالبدايـة كانـت مـع‬ ‫القصيـدة‪ ،‬وبقيـت العالقـة معهـا مسـتمرة‪ ،‬ولـم‬

‫تنقطـع يف يـوم مـن األيـام‪ ،‬ففـي سـاعات الضيـق‪،‬‬ ‫ميـد لـي الشـعر يـده لينقذنـي مـن التوهـان‬ ‫ّ‬ ‫يف ظلمـة العـدم‪ ،‬وحتـى عندمـا ا ّتخـذت مـن‬ ‫الصحافـة مهنـة‪ ،‬جعلـت عملـي يف الصحافـة‬ ‫الثقافيـة‪ ،‬ألظـل علـى مقربـة مـن بحر القصيدة‬ ‫وحرائقهـا‪.‬‬ ‫تقييمك لواقع ومسـتقبل الصحافـة الثقافية‬ ‫اليـوم ال سـيما يف ّ‬ ‫ظـل وسـائط اإلعلام اجلديـد‬ ‫والسوشـل ميديا؟‬

‫الصحافـة الثقافيـة اليـوم مـا تعانيـه‬ ‫تعانـي ّ‬ ‫حتدثـت عـن‬ ‫الصحافـة الورق ّيـة عمومـا‪ ،‬وقـد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قدمتهـا‬ ‫التحديـات التـي تواجههـا يف محاضـرة ّ‬ ‫ّ‬ ‫منصـة كليـة اآلداب الدوليـة باجلامعـة‬ ‫عبـر‬ ‫ّ‬ ‫املسـتنصرية‪ ،‬مؤخـرا‪ ،‬فالضائقـة االقتصاديـة‬ ‫التـي ميـ ّر بهـا عاملنـا اليـوم‪ ،‬ألقـت ظاللهـا علـى‬ ‫الصحافـة الثقافيـة إلـى جانـب تراجع األنشـطة‬ ‫الصحافـة الثقاف ّيـة تنتعـش‬ ‫األدب ّيـة‪ ،‬ألنّ‬ ‫ّ‬ ‫توقّ‬ ‫بانتعاشـها‪ ،‬وتتأثّـر بتراجعهـا‪ ،‬كذلـك أثّـر ـف‬ ‫الدعـم احلكومـي يف الكثيـر مـن مناطقنـا علـى‬ ‫الصحافـة الثقافيـة‪ ،‬وشـحوب املشـهد الثقـايف‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وتراجـع املبيعـات‪ ،‬التـي أ ّدت إلـى تعثّـر الصحـف‪،‬‬ ‫واجمللات الورقيـة‪ ،‬وتوقّ ـف بعضهـا عـن الصـدور‪،‬‬ ‫تأسسـت عـام ‪،١٩٥٣‬‬ ‫كمجلّـة (اآلداب) التـي ّ‬ ‫و(الناقـد)‪ ،‬و(دبـي الثقافيـة)‪ ،‬وسـواها مـن‬ ‫اجملّـلات التـي أثْـ َرت السـاحة الثقافيـة على مدى‬ ‫عقـود‪.‬‬ ‫رغـم ألسـنة احلـرب وتداعيـات الوجـع مـا‬ ‫الصحافـة الثقافيـة تطالعنـا بين احلين‬ ‫تـزال ِّ‬ ‫الصحف‬ ‫واآلخـر بجديـد ّ‬ ‫توهجهـا ومعظم هـذه ّ‬

‫يـرى الكثير‪ ،‬وأنـا منهم‪ّ ،‬أن الصحافة اإللكترونية‬ ‫حـد مـا؛‬ ‫جنحـت يف تهميـش الصحافـة الورقيـة إلـى ٍ‬ ‫لكنهـا رمبـا لـم تخلـق لنـا قارئـ ًا بحجـم ّأمـة «اقـرأ»‪،‬‬ ‫رأيـك يف هـذا السـياق؟!‬

‫لـم تنتعـش الصحافـة اإللكترونيـة إلّا‬ ‫بعـد انحسـار الصحافـة الورقيـة‪ ،‬وتراجـع‬ ‫أدوارهـا‪ ،‬وهـذا االنحسـار دفـع الكثيريـن للنشـر‬ ‫اإللكترونـي‪ ،‬وتبعـا لذلـك ظهـرت طبقـة مـن‬ ‫الكتّـاب ال يراعـون أبسـط مق ّومـات الكتابـة التـي‬ ‫ينشـرها أصحابهـا عبـر الصفحـات الشـخص ّية‬ ‫يف مواقـع التواصـل االجتماعـي‪ ،‬فكثـرت‬ ‫األخطـاء اللغويـة‪ ،‬واإلمالئ ّيـة‪.‬‬ ‫«صعـود ًا إلـى صبـر أيـوب» أحـد إصداراتـك‬ ‫الشـعرية التي صدرت مؤخـر ًا يف بيروت ‪2014‬م‪،‬‬ ‫والقـت صـدى جماهيريا عريضا‪ ..‬هـل بإمكانك‬ ‫تصحـب القـارئ يف إطاللـة خاطفـة يف فضـاءات‬ ‫هذا الديـوان؟!‬

‫ألي ديوان من دواويني‪،‬‬ ‫العنوان مفتاح مهم ّ‬ ‫وحني أمسك به‪ ،‬فإنّني أكون قد اجتزت املرحلة‬ ‫األصعـب يف كتابتـه‪ ،‬فهـو ميثّـل لـي اخلريطـة‬ ‫التـي أسـير علـى خطوطهـا‪ ،‬ومفتـاح هـذا‬ ‫الديـوان وجدتـه يف رحلـة قمـت بهـا لـ(صاللـة)‪،‬‬ ‫وحتديـدا عندمـا صعـدت أعلـى جبـل (إيتين)‬ ‫حيث ضريح النبي أ ّيوب عليه السالم يف موسم‬ ‫اخلريـف‪ ،‬وكان الوصـول إليـه صعبـا‪ ،‬والطريـق‬ ‫زلقـة‪ ،‬بفعـل سـقوط األمطـار‪ ،‬والضبـاب كثيفـا‪،‬‬ ‫لدرجـة أن السـيارة الفـور ويـل لـم تتمكّ ـن مـن‬ ‫الوصـول يف احملاولـة األولـى‪ ،‬ويف اليـوم التالـي‪،‬‬ ‫ك ّررنا التجربة‪ ،‬ورحلة الصعود الشـاقّ ة‪ ،‬فكان ال‬ ‫ب ّـد مـن االسـتعانة بــ(صبـر أ ّيـوب) لكـي أصـل إلـى‬ ‫الضريـح‪ ،‬وحلظـة الوصـول‪ ،‬اسـترجعت طريـق‬ ‫ّ‬ ‫احلياة الوعر الذي سـلكته‪ ،‬وانبثق اإلطار العام‬ ‫للديـوان الـذي د ّونـت بـه أوجـاع تلـك املرحلـة‬


‫حوار‬ ‫مـن حياتـي‪ ،‬ورمبـا هـذا اجلانـب المـس وجـدان‬ ‫الكثيريـن مـن ق ّرائـه‪.‬‬

‫مـن قـرأه ومـن أوائـل مـن دعمنـي يف هـذا اجملـال‬ ‫الشـاعر الكبيـر الراحـل عبدالـرزاق عبدالواحـد‪،‬‬ ‫لك ّننـي لـم أكـ ّرس الكثيـر مـن وقتـي لهـذا اجملـال‬ ‫كاف بـه‪ ،‬فلا جنـد مـن‬ ‫بسـبب عـدم وجـود اهتمـام ٍ‬ ‫يتبنـى مـا نكتـب طباعـة ونشـراً‪ ،‬فهـذا اجملـال‬ ‫يعانـي الكثيـر مـن اإلهمـال مـن قبـل املؤسسـات‪،‬‬ ‫وتأتـي املسـابقات لتحفّ ـز املشـتغلني بـه علـى‬ ‫املشـاركة‪ ،‬واملسـاهمة‪.‬‬

‫مـا شـاء اهلل عليـك وهـذا التوظيـف الواعـي‬ ‫ً‬ ‫معـادال‬ ‫الـذي جعـل مـن الصعـود إلـى الضريـح‬ ‫بنسـق فنـي مغايـر‪ ،‬طيب هـل أنت مع‬ ‫موضوعيـ ًا‬ ‫ٍ‬ ‫أن القصيدة احلديثة ال تسـ ِّلم نفسـها‬ ‫مـن يـرى‪ّ :‬‬ ‫للقـارئ منـذ الوهلـة األولـى؟‬

‫القصيـدة التـي تسـ ِّلم نفسـها للقـارئ‪،‬‬ ‫يضعهـا جانبـا عندمـا ينتهـي مـن قراءتها‪ ،‬بينما‬ ‫القصيـدة التـي جتعـل القـارئ يتأمـل معانيهـا‬ ‫وألفاظهـا‪ ،‬وتراكيبهـا‪ ،‬ويعقـد معهـا عالقـة‬ ‫حميمـة‪ ،‬تلـك هـي القصيـدة التـي تقـاوم الزمـن‪،‬‬ ‫الشـعر‪ ،‬واإلنسـان‪،‬‬ ‫وحتجـز لهـا مكانـا يف ذاكـرة ِ‬ ‫والشـعر»بيت الغمـوض وغيـاب اليقين» حسـب‬ ‫تعريـف بيلـي كولنـز‪.‬‬

‫كتبت عن شـاعر اليمن الكبيـر د‪ .‬عبدالعزيز‬ ‫فـإن لـك العديـد مـن املواقـف‬ ‫املقالـح‪ ،‬وبالشـك ّ‬ ‫حدثنـا؟‬ ‫معـه وتواضعـه وشـموخه‪ّ ،‬‬

‫مـا بين املسـرح ومـا بين النـص الشـعري‪ ،‬هـل‬ ‫ثمـة خيـوط مشـتركة‪ ،‬وكيـف تـوزع روحـك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫متيـز؟‬ ‫املبدعـة يف أجنـاس األدب العربـي‬ ‫بـكل ّ‬

‫توجد الكثير من املشتركات‪ ،‬فعناصر الدراما‬ ‫مـن منـ ّو‪ ،‬وبنـاء‪ ،‬وصـور‪ ،‬وحـوار‪ ،‬وشـخصيات‪،‬‬ ‫تدخـل يف تكويـن النّـص ّ‬ ‫الشـعري‪ ،‬ولـو عدنـا‬ ‫جلـذور تاريـخ املسـرح لرأينـا يف املسـرح اليونانـي‬ ‫أن املسـرح نشـأ يف أحضـان الشـعر‪ .‬ويف كتابتـي‬ ‫«أقسـم‬ ‫للشـعر واملسـرح فإ ّننـي ال أوزّع روحـي‪ ،‬وال ّ‬ ‫جسـمي يف جسـوم كثيـرة» بـل أمشـي يف طريقـي‬ ‫علـى سـاقني قوامهمـا الكلمـات‪.‬‬ ‫حظ َيـت‬ ‫الدراسـات النقديـة‪ِ ،‬‬ ‫علـى صعيـد ّ‬ ‫كتابـات عبدالـرزاق الربيعي يف مختلف األجناس‬ ‫واإليقاعـات بنصيـب األسـد من االهتمـام‪ ،‬إضافة‬ ‫إلـى رسـائل الدراسـات العليـا‪ ،‬ما هو شـعورك وأنت‬ ‫تنظـر إلـى عصارات روحـك حتظى بهـذه الرعاية‬ ‫واالحتضـان؟‬

‫‪25‬‬

‫ثمة‬ ‫هـذه املواقـف يف مسـيرتك الصحفيـة‪ ،‬وهل ّ‬ ‫منـاذج تقتدي بهـا يف تواضعك؟‬

‫لنحسـن الظـن‪ ،‬ونقـول‪ :‬إنّ ذلـك التمنّـع‬ ‫ّ‬ ‫الترفـع‪ ،‬والقبـول ليـس مـن بـاب‬ ‫ليـس مـن بـاب‬ ‫ربا لعدم تقدير املتمنّعني ألهمية‬ ‫التّواضع‪ ،‬بل ّ‬ ‫احلـوارات التـي تق ّـدم تفسـيرات‪ ،‬وتوضيحـات‬ ‫والدارسني حول مسار التّجربة‪ ،‬وقياس‬ ‫للنّقاد‪ّ ،‬‬ ‫درجـة الوعـي بالكتابـة‪ ،‬ومـدى مقـدرة ّ‬ ‫الشـاعر‬ ‫نصـه‪ ،‬وتوضيـح رؤاه‪ ،‬إلى جانب‬ ‫علـى ّ‬ ‫الدفـاع عـن ّ‬ ‫تعريـف القـ ّراء بالتجربـة‪ .‬ولكونـي عملـت يف‬ ‫الصحافة الثقافية‪ ،‬فإنّني أعرف تلك األهمية‪،‬‬ ‫وأقدرهـا‪ ،‬واخلدمـة مشـتركة‪ ،‬واملسـتفيد األكبـر‬ ‫ّ‬ ‫هو الشاعر‪ ،‬والكاتب‪ ،‬لذا أجتاوب مع املشتغلني‬ ‫بالصحافـة‪ ،‬رغـم أن ذلـك يسـتغرق وقتـا‪ ،‬وجهـدا‬ ‫فكريـا‪.‬‬ ‫معظـم اجلوائز التـي حصل عليهـا عبدالرزاق‬ ‫الربيعـي‪ ،‬أو لنقـل أبرزهـا هـي‪ :‬جائـزة «قصيـدة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الطفـل» عـام ‪1984‬م بغـداد‪ ،‬وجائـزة «بنـت‬ ‫الصيـاد» ملسـرح الطفـل ‪2019‬م‪ ،‬نلحـظ أنهـا يف‬ ‫حدثنـا عـن عطاءاتـك‬ ‫مجـال أدب الطفـل أيضـا‪ِّ ،‬‬ ‫يف هـذا اجلانـب‪ ،‬وما تقييمـك حلضور أدب الطفل‬ ‫يف الوقـت الراهـن؟‬

‫يصـدر أحدهـم ديـوان شـعر‪ ،‬إالّ‬ ‫مـا إن‬ ‫ِ‬ ‫وتأخـذه العـزّ ة باحلـرف‪ ،‬ذلـك هـو شـأن العديـد‬ ‫مـن املبدعين لدرجـة أنهـم يترفعـون عـن‬ ‫التجـاوب ملقابلـة صحفيـة‪ ،‬هـل واجهتـك بعـض‬

‫ـ أحببت الكتابة يف هذا اجملال منذ بداياتي‪،‬‬ ‫وكنـت‪ ،‬ومـا زلـت مسـتمتعا مبـا أكتـب‪ ،‬وكما يقول‬ ‫بورخـس‪(( :‬أكتـب بجديـة الطفـل الـذي يلهـو))‪،‬‬ ‫وربـا لهـذا وجـد مـا كتـب للطفـل صـدى لـدى‬ ‫ّ‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫عندمـا نكتـب فـإنّ أقصـى مـا نطمـح إليـه أن‬ ‫تصـل رسـائلنا اجلماليـة‪ ،‬والف ّنيـة‪ ،‬واملضامين‬ ‫بالدراسـة‬ ‫إلى أوسـع نطاق ممكن‪ ،‬وحني حتظى ّ‬ ‫والتحليـل‪ ،‬فهـذا دليـل علـى أنّ مـا كتبنـاه وجـد‬ ‫واخملتصين‪ ،‬فح ّللـوه‪،‬‬ ‫قبـوال‪ ،‬مـن الدارسين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وكتبـوا بـه أطاريـح‪ ،‬ودراسـات‪ ،‬وأ ّننـا وضعنـا‬ ‫السـليم‪ ،‬وحاليـا س ّـجل‬ ‫أقدامنـا علـى الطريـق ّ‬ ‫حوالـي خمسـة عشـر عنوانـا يف شـعري يف‬ ‫جامعـات عراقيـة‪ ،‬وعمانيـة‪ ،‬وإيرانيـة‪ ،‬لباحثين‪،‬‬ ‫وطلاب ماجسـتير ودكتـوراه‪ ،‬نوقـش بعضهـا‪،‬‬ ‫وسـتصدر يف كتـب‪ ،‬بحمـد اهلل‪.‬‬

‫ـ ـ عندمـا نذكـر اليمـن يقفـز اسـم الدكتـور‬ ‫عبدالعزبـز املقالـح‪ ،‬وعندمـا نذكـر املقالـح يقفـز‬ ‫توحـد (راهـب القصيـدة) وهـو‬ ‫اليمـن‪ ،‬لقـد ّ‬ ‫عنـوان كتـاب لـي صـدر عـن املقالـح يف املنامـة‬ ‫‪ ،٢٠١١‬باليمـن‪ ،‬أليـس هـو القائـل‪:‬‬ ‫يف لساني مين‬ ‫يف ضميري مين‬ ‫حتت جلدي تعيش اليمن‬ ‫خلف جفني تنام‬ ‫وتصحو اليمن‬ ‫حين أتذكّـر أ ّيـام إقامتـي بصنعـاء ‪-١٩٩٤‬‬ ‫‪ ،١٩٩٨‬يحضـر مجلـس املقالـح األدبـي املفتـوح‬ ‫الدراسـات والبحـوث‬ ‫الـذي كان يعقـده مبركـز ّ‬ ‫اليمنـي‪ ،‬ويتوسـطه‪ ،‬فيمـا يجلـس األسـتاذ‬ ‫خالـد الرويشـان علـى يسـاره‪ ،‬والشـاعر محمـد‬ ‫عبدالسلام منصـور علـى ميينـه‪ ،‬وكان مـن‬ ‫احلاضريـن الدائمين‪ :‬سـليمان العيسـى‪،‬‬ ‫وشـاكر خصبـاك‪ ،‬وعبـد علـي اجلسـماني‪،‬‬ ‫وإبراهيـم اجلـرادي رحمهـم اهلل‪ ،‬وحـامت الصكـر‪،‬‬ ‫وعبدالرضا علي‪ ،‬وسعيد الزبيدي‪ ،‬وعلي جعفر‬ ‫العلاق وفضـل خلـف جبـر‪ ،‬وعائد خصباك‪ ،‬أمد‬ ‫اهلل بأعمارهـم‪ ،‬ومـا أن يدخـل ضيـف مجلسـه‪،‬‬ ‫ينهـض مـن مكانـه‪ ،‬ويضـع يف يـده غصـن «قـات»‬ ‫يف الزيـارة األولـى جمللسـه‪ ،‬وكنـت بصحبـة‬ ‫صديقـي الشـاعر فضـل خلـف جبـر الـذي‬ ‫سـبقني إلـى صنعـاء‪ ،‬حين ق ّـدم لـي الغصـن‪،‬‬ ‫التفـت إلـى صديقـي فضـل‪ ،‬فأشـار بطـرف عينه‪:‬‬ ‫((خـذه))‪ ،‬فأخذتـه‪ ،‬ثـم سـألته هامسـا‪(( :‬مـاذا‬ ‫أفعـل بـه؟)) أجـاب‪(( :‬مثلمـا يفعـل املقالـح))‪،‬‬ ‫نظـرت إلـى سـيد اجمللـس املهيـب‪ ،‬رأيتـه يقتطـع‬ ‫الوريقـات الصغيـرة مـن الغصـن ويضعهـا براحـة‬ ‫يـده اليمنـي‪ ،‬ثـم يفركهـا بحنـو‪ ،‬ويدس واحدة يف‬ ‫فمـه‪ ،‬ويبقـى ميضـغ بهـا‪ ،‬فاملقالـح لـم يكـن يفعل‬ ‫ذلـك إال مـن بـاب اجملاملـة االجتماعيـة‪.‬‬ ‫كان لـه ثالثـة مكاتـب‪ ،‬عندمـا كان رئيسـا‬ ‫جلامعـة صنعـاء‪ ،‬األ ّول يف اجلامعـة اجلديـدة‪،‬‬ ‫والثانـي يف القدميـة‪ ،‬والثالـث يف مركـز‬ ‫الدراسـات اليمنيـة بشـارع بغـداد‪ ،‬وكان األخيـر‬


‫‪ 26‬حوار‬ ‫األ ّحـب إلـى نفسـه‪ ،‬لـذا يبـدأ يومـه بـه‪ ،‬ويختمـه‬ ‫بـه‪ ،‬ويقابـل بـه مـن يـو ّد لقـاءه‪ ،‬وحين يطلب منه‬ ‫أحـد موعـدا علـى الفـوز يقـول لـه‪ :‬مـ ّر بـي صبـاح‬ ‫غـد‪ ،‬وحين يسـأله‪ :‬أيـن أجـدك؟ يصمـت قليلا‪،‬‬ ‫ثـم يجيبـه‪ ،‬يف مكتبـي باملركـز‪ ،‬وكثيـرا ماكنـت‬ ‫جتمعـا لعـدد مـن الفقـراء ببـاب مكتبـه‪،‬‬ ‫أرى‬ ‫ّ‬ ‫فيخـرج إليهـم‪ ،‬ويحييهـم‪ ،‬ثـم يطلـب مـن مديـر‬ ‫مكتبـه توزيـع مـا رزق اهلل عليهـم‪ ،‬فيأخـذ كلّ‬ ‫واحـد نصيبـه ثـم ميضـي بحـال سـبيله‪ ،‬داعيـا‬ ‫بطـول العمـر للدكتـور‪ ،‬وكان ال يتـر ّدد بـر ّد طلـب‬ ‫أحـد أبـدا‪.‬‬ ‫ّأمـا تواضعـه‪ ،‬فلـم أ َر مثلـه شـبيها‪ ،‬سـأروي‬ ‫لكـم هـذه احلكايـة‪ ،‬كدليـل علـى حجـم تواضـع‬ ‫هـذا الكبيـر‪ ،‬كلّمنـي ذات يـوم‪ ،‬وبعـد تبـادل‬ ‫التحيـات والسـؤال عـن احلـال‪ ،‬واجلديـد‪ ،‬قـال‪:‬‬ ‫((بعثـت جمللـة نـزوى قصيـدة جديـدة))‪ ،‬قلت له‪:‬‬ ‫((حسـنا‪ ،‬سـأتاكد مـن وصولهـا))‪ ،‬قـال‪(( :‬لقـد‬ ‫وصـل النـص للمجلـة وجاءنـي إشـعار منهـا‬ ‫باسـتالمه))‪ ،‬قلـت لـه‪(( :‬إذن سـأتابع نشـرها))‪،‬‬ ‫فقـال‪(( :‬ليـس مـن أجـل هـذا اتصلت! بل ألطلب‬ ‫منـك مراجعـة النّـص‪ ،‬فـإذا لـم يعجبـك أسـحبه‬ ‫مـن اجمللـة))‪ ،‬قلـت لـه‪(( :‬مـا هـذا الـكالم دكتـور؟‬ ‫اسمك يكفي))‪ ،‬قال‪(( :‬شكرا لك‪ ،‬لكنّني صدقا‬ ‫غيـر متأ ِّكـد مـن مسـتواها الفنّـي‪ ،‬اقرأها‪ ،‬واحكم‬ ‫مبا شـئت))‪ ،‬قلت له‪(( :‬وهل أقوى على ذلك؟))‬ ‫ولكنه ش ّـدد على األمر‪ ،‬قلت له‪(( :‬سـأقرأ النّص‬ ‫ثم ذهبت إلى‬ ‫لالستمتاع به‪ ،‬ال أكثر))‪ ،‬وودعته‪ّ ،‬‬ ‫مكتب ال ّرحبي‪ ،‬باحثا عن مدخل مناسب ألنقل‬ ‫لـه طلـب املقالـح‪ ،‬فلـم أجـد‪ ،‬وإذا بـه يسـألني عـن‬ ‫املقالـح‪ ،‬فقلـت لـه‪(( :‬أمـس كلّمني وقبل أن أكمل‬ ‫قـال‪ :‬وصلتنـي منـه قصيـدة مدهشـة))‪ ،‬قلـت‬ ‫لـه‪(( :‬عجيـب‪ ،‬يبـدو أنّـه متـر ِّدد يف نشـرها))‪،‬‬ ‫ـص قرأتـه لـه يف‬ ‫قـال‪(( :‬ملـاذا؟ القصيـدة أجمـل ن ٍّ‬ ‫السـنوات األخيـرة!!!))‬ ‫القصة للرحبي!‪.‬‬ ‫ولم أكمل سرد‬ ‫ّ‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫تتحـول نظـرة الكاتـب مـن عبـق‬ ‫عندمـا‬ ‫َّ‬ ‫اإلبـداع إلـى شـهوة املـادة‪ ،‬تـراه لـو ُط ِلـب منـه‬ ‫الكتابـة يف مجلّـة مـا سـرعان مـا يبـادرك‪ :‬كـم‬ ‫تعطينـي مـن املسـتحقات؟ برأيـك ملـاذا انحرفـت‬ ‫نظـرة بعـض الكتّ ـاب واملبدعين هكـذا‪ ،‬وهـل‬ ‫التصرفـات أثنـاء إداراتـك‬ ‫واجهتـك مثـل هـذه‬ ‫ّ‬ ‫لصحفيـة ؟‬ ‫ا ّ‬

‫أي كاتـب حقيقـي ال يق ّـدر بثمـن‪ ،‬فهـو‬ ‫جهـد ّ‬ ‫يسـكب عصـارة روحـه علـى الـورق‪ ،‬وخبرتـه‪،‬‬ ‫وجتربتـه يف احليـاة‪ ،‬ول ّكـن حقوقـه يف امللك ّيـة‬ ‫الفكر ّيـة يف عاملنـا العربـي مهـدورة‪ ،‬ومسـلوبة‪،‬‬ ‫الصحفيـة التـي‬ ‫وكنـت دائمـا أطالـب اإلدارات ّ‬ ‫عملـت بهـا بتقديـر هـذا اجلهـد‪ ،‬لك ّـن ي ّـد معظـم‬ ‫املؤسسـات الصحف ّية الورق ّية قصيرة‪ ،‬وغالبا ما‬ ‫يضيـع جهـد الكاتـب‪.‬‬

‫املالحظـة إلـى تاريخهـا وهـو‪ ١٢/ ٢٦‬مـن عـام‪،١٩٩٥‬‬ ‫وبعـد نشـرها كتـب عنهـا الكثيـر‪ ،‬بحيـث خطـرت‬ ‫ببالـي فكـرة أن أجمـع ماكتـب عنهـا يف كتـاب‪.‬‬ ‫املرأة يف كتابات الشاعر عبد الرزاق الربيعي؟‬

‫تبقـى املـرأة مصـدر إلهـام ّ‬ ‫للشـعراء‪ ،‬والكتّـاب‪،‬‬ ‫والفنّانين‪ ،‬حتضرنـي مقولـة ألحـد ّ‬ ‫الشـعراء‬ ‫هي»لـوال املـرأة والبحـر لهلكنـا مـن اجلفـاف»‬ ‫فمـن الصعـب تخ ّيـل العالـم مـن دون املـرأة‪،‬‬ ‫فهـي أم احليـاة‪ ،‬ورمـز العطـاء‪ ،‬واجلمـال‪ ،‬ويقـول‬ ‫بودلير‪(( :‬إن امليل املبكّ ر إلى عالم املرأة‪ ،‬إلى هذا‬ ‫ّ‬ ‫املعطـر‪ ،‬يخلـق العبقريـات‬ ‫اجلهـاز ا ّملـواج البـ ّراق‬ ‫السـامية))‪ .‬وقـد احتلـت املـرأة مسـاحة واسـعة‬ ‫مـن كتاباتـي‪ ،‬ويكفـي أن ديوانـي‪( :‬قليلا مـن كثيـر‬ ‫عـزّة) كتبتـه يف رثـاء املرحومـة زوجتـي‪ ،‬ولي ديوان‬ ‫آخـر يف املـرأة هـو‪( :‬يف الثنـاء علـى ضحكتهـا‪-‬‬ ‫قصائـد ح ّـب)‪.‬‬ ‫أقرب مؤلفاتك إلى شغاف قلبك األخضر؟‬ ‫متاما؟‬ ‫قصيدة تشبهك ً‬

‫«أصابـع فاطمـة» التـي كتبتهـا يف صنعـاء‬ ‫يف األ ّيـام األخيـرة مـن عـام ‪ ،1995‬وأذكـر أ ّننـي‬ ‫أمضيـت يف كتابتهـا (‪ )12‬يومـا‪ ،‬وهـي مـن أطـول‬ ‫وتضمنـت إشـارات لوقائـع شـخصية‪،‬‬ ‫نصوصـي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والشـعر العربـي‬ ‫وإحـاالت للقـرآن الكـرمي‪،‬‬ ‫القـدمي‪ ،‬واملالحـم الرافدينيـة‪ ،‬واحلنين‪ ،‬وأوجاع‬ ‫الغربـة‪ ،‬وكنـت حديـث عهـد بهـا‪ ،‬وعندمـا انتهيت‬ ‫منهـا ألقيتهـا للمـ ّرة األولـى يف مجلـس املقالـح‪،‬‬ ‫فقوبلـت بعاصفـة مـن ال ّثنـاء‪ ،‬والتّصفيـق‪،‬‬ ‫وممـا أذكـر أنّ ّ‬ ‫الشـاعر الكبيـر ال ّراحـل سـليمان‬ ‫ّ‬ ‫العيسـى‪ ،‬بعـد أن صفّ ـق أخـرج قصاصـة مـن‬ ‫جيبـه وقلمـا‪ ،‬ود ّون شـيئا مـا‪ ،‬وحين الحـظ‬ ‫انشـغال احلضـور‪ ،‬بأم ٍـر عـارض‪ ،‬نهـض مـن‬ ‫ـدي تلـك القصاصـة‪ ،‬وعـاد‬ ‫ودس بين ي ّ‬ ‫مكانـه‪ّ ،‬‬ ‫إلـى مكانـه‪ ،‬فتحـت القصاصـة‪ ،‬وقـرأت الكلمـات‬ ‫التـي س ّـطرها الشـاعر الكبيـر‪ ،‬قرأتهـا‪ ،‬ثـم أشـرت‬ ‫إليه برأسي ناحيته باالمتنان‪ ،‬فبادلني اإلشارة‪،‬‬ ‫بانحنـاءة كبيـرة‪ ،‬سـألني الصكـر عـن املكتـوب يف‬ ‫القصاصـة‪ ،‬فأعطيتهـا لـه‪ ،‬وكان املكتـوب فيهـا‪:‬‬ ‫((احلبيب عبدالرزاق‬ ‫قصيدتـك اجلديـدة أحلـى وأمتـع مـا سـمعت‬ ‫لـك حتـى اآلن‬ ‫لي مالحظة صغيرة‪ ،‬هل تسمح؟‬ ‫ال تكثر املاء فوق النبيذ‬ ‫اللذيذ اللذيذ‬ ‫أنا تعلّمت هذا أخيرا‬ ‫عمك سليمان))‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يشير دفتري القدمي الذي عثرت فيه على تلك‬

‫لـكلّ كتـاب مسـاحة يف قلبـي‪ ،‬ولك ّـن املسـاحة‬ ‫األكبـر يحت ّلهـا الكتـاب اجلديـد‪ ،‬الـذي يف طـور‬ ‫ـدي كتـاب حتـت االشـتغال‪،‬‬ ‫الكتابـة‪ ،‬ودائمـا ل ّ‬ ‫وأحيانـ ًا أكثـر مـن كتـاب يف مجـاالت متع ّـددة؛‬ ‫فالكتـاب اجلديـد يحتـاج منّـي رعايـة أكبـر‪ ،‬حتّى‬ ‫يسـتغلظ ويسـتوي علـى عـوده‪ ،‬فـإذا منـا وظهـر‬ ‫وصـدر‪ ،‬وانتشـر‪ ،‬وأعجـب القـ ّراء والنقّ ـاد‪ ،‬أكـون‬ ‫قـد أ ّديـت واجبـي نحـوه‪ ،‬فأنصـرف عنـه‪ ،‬وأولـي‬ ‫كتابـا جديـدا الرعايـة التـي أمنحهـا لـكلّ جديد‪.‬‬ ‫نصيحتك لألقالم الصاعدة؟‬

‫وجههـا األملانـي «ريلكـه»‬ ‫النصيحـة التـي ّ‬ ‫للشـاعر الشـاب الـذي طلـب منـه نصيحـة يف‬ ‫الكتابـة‪ ،‬وجمعـت يف كتـاب حمـل عنـوان «رسـائل‬ ‫إلـى شـاعر شـاب» وأبرزهـا ((اطـرح علـى نفسـك‬ ‫هـذا السـؤال‪ :‬هـل سـتموت إذا مـا منعـوك مـن‬ ‫الكتابـة؟ هـل فعـل الكتابـة ضـروري لـك إلـى‬ ‫مثـل هـذا احل ّـد؟ هـل هـو مسـألة حيـاة أو مـوت؟‬ ‫إذا كان األمـر كذلـك فواصـل طريقـك وكـ ِّرس‬ ‫نفسـك لكتابـة الشـعر‪ ،‬وإ ّال فلا‪ ...‬فالكتابـة‬ ‫عمليـة حميميـة أو حتّـى شـبه مرضيـة وال يقـدر‬ ‫عليهـا إ ّال أولئـك املصابـون‪ ،‬اجملروحـون مـن‬ ‫الداخـل حتـى العظـم))‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كلمة أخيرة‪.‬‬

‫أكتفـي بالكلمـة التـي قالهـا «النـورس‪:‬‬ ‫جوناثان ليفنكسـتون» لـ»ريتشـارد باخ»‪(( :‬النورس‬ ‫احلقيقـي الـذي يحيـا بداخلنـا‪ ،‬اآلن اكتشـفت‬ ‫هدفـا آخـر للحيـاة‪ .‬أن نتعلّـم‪ ..‬أن نكتشـف‪ ..‬أن‬ ‫نحقّ ـق احلريـة‪ ..‬امنحونـي فرصـة واحدة ودعوني‬ ‫أطلعكـم علـى مـا اكتشـفت))‪.‬‬


‫استطالع‬

‫‪27‬‬

‫‪27‬‬

‫سينما العالم اإلسالمي تجد شاشتها الذهبية‬

‫استطالع‬ ‫أرشف أبو اليزيد‬

‫((جئتُ كـم مـن مصـر‪ ،‬بلاد األهرامـات الثالثـة‪ ،‬لنحتفـل اليـوم هنـا‪ ،‬فـي قلـب الهـرم الرابـع‪،‬‬ ‫بمهرجـان قـازان الدولـي لسـينما العالـم اإلسلامي‪ ،‬ولنحتفـي بملوك السـينما وملكاتها‪،‬‬ ‫وإذا كانـت األهـرام تـروي لنـا عـن التاريـخ‪ ،‬فـإن السـينما تحكـي لنـا عـن المسـتقبل‪ ،‬إننـا‬ ‫هنـا فـي سـابانتوي السـينما كمـا قـال نائـب رئيـس الجمهوريـة‪ ،‬حيـث حصاد الفـن‪ ،‬وميراث‬ ‫الثقافـة‪ ،‬ولـم الشـمل مـع عائلـة الفـن‪))..‬‬ ‫بهـذه الكلمـات بـدأت حديثـي إلـى الجمهـور‪ ،‬الـذي جاء ليشـهد حفل ختام الدورة السـابعة‬ ‫صعـدت إلـى المسـرح‬ ‫عشـر لمهرجـان قـازان الدولـي لسـينما العالـم اإلسلامي‪ ،‬حيـن‬ ‫ُ‬ ‫ألعلـن عـن اسـم الفائـز بجائـزة أفضـل فيلـم وثائقـي طويل‪ :‬بين الجزر السـبع (إنتاج روسـيا‪،‬‬ ‫تتارسـتان)‪ ،‬المخـرج الفنـان ألمـاز نورغالييـف‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬


‫‪ 28‬استطالع‬

‫كنـت انضممـت إلـى مهرجـان قـازان الدولـي‬ ‫لسـينما العالـم اإلسلامي عضـوا للجنـة‬ ‫التحكيـم – للمـرة األولـى – بعـد أن ُدعيـت‬ ‫إليـه يف دورات سـابقة‪ ،‬منـذ نشـأته قبـل ‪ 16‬سـنة‪،‬‬ ‫كضيـف شـرف‪.‬‬ ‫وقـد انطلقـت هـذه الـدورة مـن املهرجـان يف‬ ‫عاصمـة تتارسـتان‪ ،‬بدعـم مـن رئيـس جمهوريـة‬ ‫تتارسـتان رسـتم مينيخانـوف وبالشـراكة مـع‬ ‫مجموعـة الرؤيـة االسـتراتيجية «روسـيا ‪-‬‬ ‫العالـم اإلسلامي»‪ .‬واسـتمر منتـدى األفلام‬ ‫حتى ‪ 10‬سبتمبر وجمع‪ ،‬على الرغم من القيود‬ ‫الوبائيـة‪ ،‬جنـوم السـينما املعروفين للكثيريـن‪.‬‬ ‫سـار املمثلـون الـروس املشـهورون ألكسـندر‬ ‫نوسـيك وتاتيانـا أبراموفـا واملمثـل األذربيجانـي‬ ‫الشـهير فيـدادي جاسـانوف علـى السـجادة‬ ‫احلمراء للمهرجان‪ .‬ويف حفل اخلتام مت تكرمي‬ ‫الفنانة الروسية أولغا كابو واملمثل التركي علي‬ ‫بـوراك جيلان املعروفين للمشـاهدين بأدوارهمـا‬ ‫يف املسلسلات التلفزيونيـة ‪ Black Love‬و‬ ‫‪ Heartbeat‬و ‪.Resurrected Ertugrul‬‬ ‫االفتتاح‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫اسـتضافت قاعـة مدينـة قـازان حفـل افتتـاح‬ ‫املهرجـان‪ ،‬ولكـن اخلتـام عقـد حسـب تقاليـد‬ ‫املهرجان يف مجمع بيراميدا الثقايف والترفيهي‬ ‫مسـاء ‪ 10‬سـبتمبر‪ .‬وميثـل اجملمـع معماريـا‬ ‫هرمـا مسـتوحى مـن شـكل األهرامـات املصريـة‬ ‫وهـو سـر اإلشـارة ‪-‬يف كلمتـي‪ -‬للهـرم الرابـع‪.‬‬ ‫مثلمـا كانـت مفـردة (سـابانتوي) اسـتدعاء‬ ‫ألشـهر األعيـاد التتريـة؛ عيـد احلصـاد‪ ،‬الـذي‬ ‫تلتئـم فيـه العائلات مبسـقط رأسـها لالحتفـال‬ ‫بهـذا العيـد عبـر مسـابقات كثيـرة‪ ،‬أمـا األفلام‬ ‫فقـد عرضـت للجمهـور يف داري سـينما رودينـا‬ ‫وميـر ‪ -‬بينمـا توزعـت اللقـاءات االبداعيـة مـع‬ ‫مخرجـي االفلام وجنومهـا بين قاعتـي السـينما‬ ‫عقـب العـروض ويف قاعـة املؤمتـرات الصحفيـة‪.‬‬ ‫وسـجلت اللجنـة املنظمـة للمنتـدى هـذا‬ ‫العـام طلبـات ‪ 584‬فيلمـا مـن ‪ 45‬دولـة‪ .‬اختيـر‬ ‫منهـا يف برنامـج املسـابقة ‪ 50‬فيلمـ ًا‪ ،‬عشـرة لـكل‬

‫منهـا يف خمـس فئـات رئيسـية‪ :‬األفلام الروائيـة‬ ‫الطويلـة والقصيـرة‪ ،‬األفلام الوثائقيـة الطويلة‬ ‫والقصيـرة‪« ،‬املسـابقة الوطنيـة» (لألفلام مـن‬ ‫تتارسـتان)‪.‬‬ ‫أفالمـا مـن روسـيا وفرنسـا‬ ‫ضـم املهرجـان‬ ‫ً‬ ‫وإسـبانيا والصين وتركيـا وإيـران وبلجيـكا‬ ‫واليابـان والبوسـنة والهرسـك وباكسـتان‬ ‫وماليزيـا وتونـس وبلغاريـا وقطـر والكويـت‬ ‫وإسـتونيا وبنجالديـش واجلزائـر‪ .‬وكان هنـاك‬ ‫أيضـا أفلام مـن دول االحتـاد السـوفيتي‬ ‫ً‬ ‫السـابق‪ ،‬كازاخسـتان وأوزبكسـتان وأذربيجـان‬ ‫وقيرغيزسـتان وطاجيكسـتان‪ .‬كمـا أصبـح سـوق‬ ‫األفلام اإلقليمـي أحـد ابتـكارات منتـدى األفلام‬ ‫احلالـي‪ .‬وأقيـم يف ‪ 7‬سـبتمبر مـن السـاعة ‪10‬‬ ‫ـاء يف قاعـة حفلات �‪Ka‬‬ ‫ً‬ ‫صباح�ا حت�ى ‪ 6‬مس ً‬ ‫‪ .zGIK‬حيـث متـت دعـوة صانعـي األفلام‬ ‫واخملرجين وشـركات التوزيـع املسـتقلة املهتمين‬ ‫باألفلام اإلقليميـة حلضورهـا‪ .‬يعـد العـرض‬ ‫الدولـي ملشـاريع األفلام بـأن يكـون ً‬ ‫حدثـا مثي ًـرا‬ ‫لالهتمـام‪.‬‬ ‫حتدثـت «كتيبـة النسـاء» التـي تشـكلت مـن‬ ‫أيقونـات سـينمائية يف جلنـة االختيـار يف مؤمتـر‬ ‫صحفـي حـول معاييـر اختيـار األفلام ملهرجـان‬ ‫كازان السـينمائي‪ .‬وبحسـب رئيسـة اللجنـة‬ ‫الناقـدة السـينمائية غولنـارا أبيكيفـا مـن‬ ‫كازاخسـتان‪ ،‬فقـد وجـدت جميـع األفلام القيمـة‬ ‫مكانهـا يف برنامـج منتـدى األفلام‪.‬‬ ‫تقـول غولنـارا أبيكيفـا‪(( :‬مـاذا حـدث‬ ‫لألفلام التـي لـم تدخـل املنافسـة الرئيسـية؟‬ ‫دائمـا علـى املبدعين اإلجابـة علـى مثـل‬ ‫يصعـب ً‬ ‫هـذه األسـئلة‪ .‬مـن املسـتحيل إخبـار املؤلـف أن‬ ‫فيلمـه سـيء‪ .‬بشـكل عـام‪ ،‬أعتقـد أنـه ال توجـد‬ ‫أفلام سـيئة بصراحـة‪ .‬هنـاك فقـط أكثـر أو أقـل‬ ‫احترافيـة‪ ،‬أكثـر أو أقـل جتاريـة‪ .‬مـا أحبـه حقً ا يف‬ ‫برنامـج هـذا املهرجـان هـو أن كل شـيء يسـتحق‬ ‫مكانـه‪ .‬لقـد سـمحت لنـا مجموعـة كبيـرة مـن‬ ‫البرامـج غيـر التنافسـية بـإدراج الكثيـر مـن‬ ‫األفلام يف برنامـج املهرجـان))‪.‬‬


‫استطالع‬

‫كمـا اعترفـت غولنـارا أبيكيفـا أنهـا لـم تنـم‬ ‫عمل ًيـا طـوال شـهر مايـو ويونيـو‪ ،‬ألنهـا كانـت‬ ‫تشـاهد األفلام طـوال الوقـت‪ .‬علـى الرغـم‬ ‫مـن أنـه ال يـزال مـن املسـتحيل علـى شـخص‬ ‫واحـد مشـاهدة مثـل هـذا العـدد مـن األفلام‪:‬‬ ‫فيلمـا روائ ًيـا! لذلـك كان‬ ‫((كان هنـاك ‪168‬‬ ‫ً‬ ‫عل ّـي االعتمـاد علـى آراء وتوصيـات الزميلات‬ ‫مـن جلنـة االختيـار‪ .‬باملناسـبة‪ ،‬مت العمـل‬ ‫عبـر اإلنترنـت‪ ،‬ومت اتخـاذ قـرارات جماعيـة يف‬ ‫مؤمتـرات ‪ ،Zoom‬والتـي كانـت مصيريـة للعديـد‬ ‫مـن صانعـي األفلام))‪.‬‬ ‫وفقً �ا للفنان�ة نين�ا كوتش�يليافا�‪Nina Koche‬‬ ‫‪ ،lyaeva‬عضو جلنة االختيار واملؤرخة والناقدة‬ ‫الثقافيـة ومديـر املعهـد اجلديـد للدراسـات‬ ‫الثقافيـة والباحثـة يف معهـد جيراسـيموف‬ ‫‪ Gerasimov‬للتصويـر السـينمائي‪(( :‬ميكـن‬ ‫مقارنـة عـدد الطلبـات القادمـة إلـى مهرجـان‬ ‫قـازان الدولـي لسـينما العالـم اإلسلامي مبـا‬ ‫يشـبه تسـونامي‪ .‬هنـاك طلبـات فرديـة مـن‬ ‫مؤلفـي األفلام‪ .‬وبعـض األفلام كان يجـب أن‬

‫‪29‬‬

‫يتـم البحـث عنهـا يف أسـواق أفلام مختلفـة‬ ‫مـن قبـل منتقـي األفلام أنفسـهم‪ .‬علاوة علـى‬ ‫ذلـك‪ ،‬يتنافـس اخملرجـون املشـهورون حقـا‬ ‫مـع املبتدئين يف املسـابقة‪ ،‬اجلميـع علـى قـدم‬ ‫املسـاواة‪ ،‬يتـم اختيـار األفلام حصر ًيـا للجـودة‪،‬‬ ‫هـذا العـام))‪ .‬كمـا أكّـدت اجملموعـة اخملتـارة‪،‬‬ ‫لـم يكـن هنـاك نقـص‪ ،‬ونتيجـة لذلـك كان مـن‬ ‫الضـروري أخـذ أفلام شـبه احترافيـة‪.‬‬ ‫ال للمحتوى العسكري‬

‫مـن الناحيـة املفاهيميـة‪ ،‬قامـت الكتيبـة‬ ‫النسـوية هـذه املـرة بتغييـر نهـج تشـكيل جميـع‬ ‫البرامـج التنافسـية‪ .‬لذلـك‪ ،‬تقـرر أنـه يف كل فئـة‬ ‫مـن فئـات املسـابقة‪ ،‬يجـب أن يكـون هنـاك فيلـم‬ ‫ـاء علـى‬ ‫روسـي واحـد وفيلـم تتـاري واحـد‪ .‬بن ً‬ ‫اقتـراح كوتشـيليفا ‪ ،Kochelyaeva‬تقـرر هـذا‬ ‫العـام التخلـي عـن إدراج املوضوعـات احلربيـة‬ ‫والعسـكرية يف مسـابقة األفلام الوثائقيـة‪.‬‬ ‫وأوضحـت أنـه علـى الرغـم مـن حقيقة أن الصور‬ ‫املتعلقـة بالهولوكوسـت واألعمـال العسـكرية‬ ‫جتد اسـتجابة تقليدية يف قلوب اجلمهور‪ ،‬فقد‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬


‫‪ 30‬استطالع‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫ُبذلـت محاولـة هـذا العـام إلضفـاء أجـواء أكثـر‬ ‫إيجابيـة علـى املهرجـان‪:‬‬ ‫((العالـم احلديـث يتعـرض لضغـوط مـن‬ ‫الظـروف اخلارجيـة ‪ -‬الوضـع الوبائـي‪ ،‬احلـرب‬ ‫يف سـوريا‪ ،‬وغيـر ذلـك‪ ،‬لـذا قررنـا التركيـز‬ ‫علـى كيفيـة حتويـل النـاس للعالـم مـن خلال‬ ‫أنشـطتهم يف وقـت السـلم‪ .‬هـذه رسـالة مهمـة‬ ‫للغايـة ‪ -‬التراجـع واالبتعـاد عـن املوضوعـات‬ ‫العسـكرية‪ .‬لقـد قررنـا حتويـل تركيـز رؤيتنـا‬ ‫والدخـول يف بدايـة سـلمية وحتوليـة))‪.‬‬ ‫عضـوة أخـرى يف جلنـة االختيـار مـن أملانيـا‬ ‫هـي سـفيتالنا سلابكي‪ ،‬وهـي حاصلـة علـى‬ ‫دكتـوراه يف الفلسـفة وتاريـخ الفـن‪ ،‬وناقـدة‬ ‫سـينمائية‪ ،‬وكاتبـة مقـاالت حـول الثقافـة‬ ‫والسـينما يف آسـيا الوسـطى وتركيـا‪ ،‬وعضـوة‬ ‫جلـان التحكيـم وجلـان االختيـار خملتلـف‬ ‫املهرجانـات السـينمائية الدوليـة‪ ،‬كمـا أنهـا‬ ‫املدي�ر الع�ام لوكال�ة �‪Eurasia Global Con‬‬ ‫‪ ،necting‬وصفـت منتـدى األفلام يف قـازان بأنـه‬ ‫الوحيـد املهتـم بالسـينما اإلسلامية املتنوعـة‪،‬‬ ‫ممـا يعكـس جميـع جوانـب احلياة اإلسلامية يف‬ ‫ظـل جاذبيـة إنسـانية‪ .‬ورأت سـفيتالنا إمكانـات‬ ‫كبيـرة لتطويـر مهرجـان قـازان السـينمائي‪،‬‬ ‫والـذي ميكـن أن يحصـل يف غضـون ‪ 10‬سـنوات‬ ‫علـى أعلـى تأهيـل مـن اجملتمـع الدولـي غيـر‬ ‫املسـلم‪ .‬واخلالصة هي ما سـعى اخملتارون إليها‬ ‫للتعبيـر عـن الفكـرة الرئيسـية ملهرجـان قـازان‪:‬‬ ‫«مـن حـوار الثقافـات – إلـى ثقافـة احلـوار»‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫أفالم خارج المنافسة‬

‫برنامـج األفلام خـارج املنافسـة للنسـخة‬ ‫السـابعة عشـر مـن مهرجـان قـازان الدولـي‬ ‫لسـينما العالـم اإلسلامي لـن تقـدم الصـورة‬ ‫البوليوديـة التقليديـة‪ ،‬ولكـن سـتعرض أعمـال‬ ‫نخبـة مـن مؤلفـي أفلام اخملرجين املسـتقلني‪،‬‬ ‫مبـا يحتـوي علـى أفلام تعـرض خـارج املنافسـة‬ ‫تقليد ًيـا فضلا عـن فيلـم االفتتـاح الرئيسـي‪.‬‬ ‫يتضمـن برنامـج «التصويـر السـينمائي‬ ‫ّ‬ ‫جلنـوب آسـيا» أفضـل األمثلـة علـى ذلـك ملتابعـة‬ ‫مـا منـا سـينمائيا خلال السـنوات األخيـرة يف‬ ‫واليـات مختلفـة مـن الهنـد ونيبـال وسـريالنكا‪.‬‬ ‫ال تتوافـق هـذه األعمـال مـع شـرائع التصويـر‬ ‫السـينمائي الشـامل لبوليـوود‪ ،‬حيـث يأخـذ‬ ‫اخملرجـون املسـتقلون يف االعتبـار مبـادئ‬ ‫السـينما األوروبيـة احلديثـة‪ .‬هنـاك درامـا‬ ‫اجتماعيـة تعكـس املشـاكل امللحـة للمجتمـع‬ ‫الهنـدي احلديـث علـى الشاشـة‪ ،‬وباملقابـل ليـس‬ ‫هنـاك ميلودرامـا ملونـة مـع الرقـص أو العروض‬ ‫الغنائيـة‪.‬‬ ‫الفيلـم األول مـن البرنامـج هـو «‪Monkeys‬‬ ‫‪ »!away‬إخـراج براتـخ فاتـس ‪Pratekh Vats .‬‬ ‫يستنسـخ العنـوان األصلـي للفيلـم صوتًـا يق ِّلـد‬ ‫الصيـاح‪ ،‬يسـتخدم لتخويـف قـرود املـكاك يف‬ ‫كل مـكان‪ .‬الشـخصية الرئيسـية تعمـل كــفزاعة‬ ‫حيـة‪ ،‬وعليـه أن يطـرد القـرود التـي غمـرت‬ ‫احلـي احلكومـي بعاصمـة البلاد‪ .‬يف هـذا‬ ‫الفيلـم‪ ،‬يقتـرن الهجـاء احلـاد ضـد السـلطة مـع‬


‫استطالع‬

‫عامـا تومـض علـى الشاشـة‪ ،‬أصبحت‬ ‫غضـون ‪ً 30‬‬ ‫الروابـط األسـرية لألبطـال ضعيفـة‪ ،‬ومنزلهـم‬ ‫يقـع يف حالـة خـراب‪ .‬للوهلـة األولـى‪ ،‬يقـدم‬ ‫فيلـم «هـادئ» معلومـات قيمـة حـول التقـدم يف‬ ‫اجملتمـع الهنـدي‪ ،‬وحتـوالت القيـم العائليـة‬ ‫التقليد يـة‪.‬‬ ‫يع�رض الفيل�م النيبال�ي« «�‪Mother Khan‬‬ ‫‪ »doo‬اخراج زاندوب تسي رجن‪Dhondup Tser� .‬‬ ‫‪ ing‬ثقافـة األقليـة التبتيـة‪ .‬إنـه يحكـي عن املرأة‬ ‫التـي تضحـى بنفسـها وعلـى اسـتعداد لتحمـل‬ ‫أي مصاعـب جملـرد السـماح البنهـا باحلصـول‬ ‫علـى تعليـم الئـق‪ .‬لـم يكونـوا ممثلني محترفني‪،‬‬ ‫لكـن سـكان القـرى اجلبليـة امللونين شـاركوا يف‬ ‫الفيلـم‪.‬‬ ‫أبنـاء الشـمس «‪ »Children of the Sun‬هـي‬ ‫أول دراما أزياء يف السـينما الفنية يف سـريالنكا‬ ‫من إخراج براسانا فيتانغي‪ .‬تدور أحداث الفيلم‬

‫يف بدايـة القـرن التاسـع عشـر‪ ،‬يف السـنوات التـي‬ ‫سـبقت غزو املسـتعمرين البريطانيني للجزيرة‪.‬‬ ‫تتطـور حبكـة االضـاءة التاريخيـة الكبيـرة حـول‬ ‫القصـة الرومانسـية والطريقـة التـي يزيـل بهـا‬ ‫احلـب الصـادق التحيـز الطبقـي‪.‬‬ ‫يتضمـن برنامـج العـروض خـارج املسـابقة‬ ‫الرسـمية ملهرجـان قـازان الدولـي السـابع عشـر‬ ‫للفيلـم اإلسلامي ‪ :2021‬أفلام الفائزيـن يف‬ ‫ملتقـى األفلام األخيـر‪ ،‬وأفلام املهرجانـات‬ ‫الشـريكة‪ ،‬ومشـاركات منتـدى اإلسلام يف روسـيا‬ ‫والعالـم‪ ،‬باإلضافـة إلـى مجموعـة مـن برامـج‬ ‫السـينما فضلا عـن السـينما األفغانيـة يف‬ ‫تتار سـتان‪.‬‬ ‫وقـدم اإلصـدار النهائـي للبرنامـج خـارج‬ ‫املسـابقة ملهرجـان قـازان الدولـي السـابع عشـر‬ ‫لسـينما العالـم اإلسلامي حملـة عامـة موجـزة‬ ‫عـن البرامـج الفرعيـة‪ ،‬والتـي تضمنـت األفلام‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫االنعكاسات على عزلة اإلنسان يف مدينة كبيرة‬ ‫وصاخبـة‪.‬‬ ‫ويرتبـط عمـل درامـا «‪»Yevdu Market‬‬ ‫اخـراج براديـب كوربـاخ‪Pradeep Kurbakh .‬‬ ‫بنقطـة معينـة علـى اخلريطـة – أكبـر سـوق يف‬ ‫مدينـة شـيلوجن‪ ،‬عاصمـة ميغااليـا‪ .‬يتـم وضـع‬ ‫املمثلين يف خضـم الواقـع‪ :‬هنـاك فسيفسـاء‬ ‫مـن الوجـوه والشـخصيات والقـدر‪ .‬اخملـرج‬ ‫نفسـه مثـل عـدد أكبـر مـن الشـخصيات ينتمـون‬ ‫إلـى العـرق اخلاسـي الذيـن يعتـرف باملسـيحية‪.‬‬ ‫يعـرض الفيلـم سـينما غريبـة يف شـمال شـرق‬ ‫البلاد‪ ،‬بواليـات تقـع بالقـرب مـن التبـت وبورمـا‪.‬‬ ‫كمـا مت تصويـر فيلـم «‪ »Pebble‬اخـراج بـي‬ ‫اس فيناتـرادج ‪ PS Vinotradj‬يف املنطقـة‬ ‫القاحلـة مـن واليـة تاميـل نـادو جنـوب الهنـد‪.‬‬ ‫قصـة بسـيطة عـن سـفر األب واالبـن وشـخص‬ ‫بالـغ وطفـل‪ .‬يتحـ ّول إلـى قصـة متوتـرة تتقاتـل‬ ‫فيهـا شـخصيتان قويتـان‪ ،‬انعكاسـات علـى دور‬ ‫الرجـال يف البيئـة االجتماعيـة الهنديـة‪ .‬حصـل‬ ‫الفيلـم علـى إحـدى اجلوائـز الرئيسـية يف‬ ‫مهرجـان روتـردام األخيـر‪.‬‬ ‫قبـل عـدة سـنوات‪ ،‬فـاز اخملـرج ماجنيـش‬ ‫جوشـي مـن واليـة ماهاراشـترا بجائـزة عـن‬ ‫فيلمه «‪ »Turner Joshi‬يف قازان‪ .‬عمله اجلديد‬ ‫«‪ »The Wanderings of Ashes‬فيلـم كوميـدي‬ ‫للطريـق ذو طابـع اجتماعـي جـاد‪ .‬يوجـد يف‬ ‫وسـط احلبكـة أفـراد مـن «عائلـة منوذجيـة»‬ ‫لديهـم الكثيـر مـن األسـرار السـيئة‪ .‬انطلقـوا يف‬ ‫رحلـة لنثـر رمـاد البطريـرك الراحـل يف «ضيعـة‬ ‫األجـداد»‪.‬‬ ‫مت تصويـر فيلـم «ملكيـة العائلـة» (اخـراج‪:‬‬ ‫أشـال ميشـرا) يف واليـة بيهـار‪ .‬مـن الطابـع‬ ‫الفـردي‪ ،‬يتـم نقـل االهتمـام فيـه إلـى موقـع‬ ‫مهـم – املنـزل الريفـي لعائلـة غنيـة ولطيفـة‪ .‬يف‬

‫‪31‬‬


‫‪ 32‬استطالع‬

‫الفائـزة يف ‪ ،KIFMK-2020‬وأفلام شـركاء‬ ‫املهرجان‪ ،‬وأقسـام عن اإلسلام والشـؤون الدينية‪.‬‬ ‫والقيـم يف العالـم احلديـث‪ ،‬وكذلـك العـروض‬ ‫التقليديـة اخلاصـة‪.‬‬ ‫مدي�رة املهرج�ان ميليوش�ا آيتونوف�ا �‪Mily‬‬ ‫‪ ausha Aytuganova‬قالـت‪(( :‬مهمتنـا األكثـر‬ ‫أهميـة هـي إنشـاء كتالـوج لألفلام اإلقليميـة‪،‬‬ ‫مبسـاعدة كل سـينما ببرنامجهـا اخلـاص ميكـن‬ ‫أن تصـور أفالمـا لتوزيعهـا))‪.‬‬ ‫هـذه املـرة قـرر منظمـو منتـدى األفلام تزويـد‬ ‫املشـاهدين بخيارات واسـعة ملشـاهدة فيلم جيد‪.‬‬ ‫خاصـا‪:‬‬ ‫أيضـا مكانًـا‬ ‫حتتـل أفلام تتارسـتان ً‬ ‫ً‬ ‫حيـث مت تخصيـص مـا يصـل إلـى ‪ 4‬أقسـام‬ ‫مـن البرنامـج خـارج املسـابقة‪ ،‬مـن بينهـا أقسـام‬ ‫متامـا‪.‬‬ ‫سـنوية وجديـدة‬ ‫ً‬ ‫وحتكي دراما احلنني إلى املاضي من منغوليا‬ ‫«تذكرنـي» (مـن إخـراج جـان أوشـير إنيبيـش) قصة‬

‫نشـأ شـاب تزامـن مـع نقطـة حتـول يف التاريـخ‪:‬‬ ‫يف أوائـل التسـعينيات‪ ،‬كانـت البلاد تـودع إرث‬ ‫االشـتراكية‪ .‬حصـل الفيلـم علـى جائـزة «أفضـل‬ ‫سـيناريو فيلـم روائـي طويـل»‪.‬‬ ‫جنة المخرجين التتار!‬

‫اهتمامـا‬ ‫أيضـا‬ ‫يولـي منظمـو منتـدى األفلام ً‬ ‫ً‬ ‫كبي ًـرا للترويـج للمنتـج احمللـي‪ .‬يف الترشـيح‬ ‫اخلـاص الـذي سـبق ذكـره «املسـابقة الوطنيـة»‬ ‫(أفالم مخرجي ‪ /‬أفالم تتارستان عن تتارستان)‪،‬‬ ‫يتـم تقـدمي ‪ 10‬أفلام تتارسـتان‪ .‬باملناسـبة‪ ،‬جنـح‬ ‫رئيـس جلنـة التحكيـم مـن أذربيجـان‪ ،‬إلتشين‬ ‫موسـى أوغلـو‪ ،‬بالفعـل يف مشـاهدة أعمـال‬ ‫املتنافسين للفـوز يف «املسـابقة الوطنيـة» وكان‬ ‫معج ًبـا ج ًـدا بأحـد هـذه األعمـال‪ .‬ولم يكشـف عن‬ ‫أيهـا‪ ،‬لكنـه قـال إن هـذا الفيلـم أعطـاه معلومـات‬ ‫أكثـر عـن تتارسـتان والتتـار يف سـاعة ونصـف‬ ‫أكثـر مـن دورة دراسـية يف التاريـخ‪« :‬جميـع أفلام»‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫املسـابقة الوطنيـة ((توحدهـا الهويـة التتريـة‪،‬‬ ‫يتحدثـون فيهـا كثيـر ًا باللغـة التتريـة‪ .‬يعجبنـي‬ ‫ّ‬ ‫عندمـا يتحـدث النـاس باللغـة التـي غنـت لهـم‬ ‫أمهـم التهويـدات بهـا))‪.‬‬ ‫تضمـن البرنامـج التنافسـي ملهرجـان قـازان‬ ‫الدولـي لسـينما العالـم اإلسلامي ‪ 14‬فيلمـا‬ ‫خملرجـي تتارسـتان‪ .‬فيلـم إلـدار «ياجفـروف‬ ‫“‪Isanmesez‬؟ («هـل أنـت علـى قيـد احليـاة؟»)‬ ‫وهـو «فيلـم روائـي طويـل»‪ .‬كتـب السـيناريو‬ ‫لـه جنـل الكاتـب الشـعبي للجمهوريـة أيـاز‬ ‫جيليـازوف‪ ،‬الكاتـب املسـرحي منصـور‬ ‫جيليـازوف‪ ،‬فـاز الفيلـم بجائـزة رئيـس جمهورية‬ ‫تتارسـتان لإلنسـانية يف فـن السـينما‪.‬‬ ‫اشـتمل ترشـيح األفلام الروائيـة القصيـرة»‬ ‫علـى فيلـم “‪ ”Fighting Fish‬للمخـرج سـيرجي‬ ‫باتاييف‪ ،‬وهو من مواليد منطقة ألكسيفسكي يف‬ ‫جمهوريـة تتارسـتان‪ .‬وترشـيح «األفلام الوثائقيـة‬ ‫الطويلـة»‪ ،‬تنافـس عمـل أملـاز نورغالييـف “‪Zhide‬‬ ‫‪( ”Utrau Arasynda‬بين سـبع جـزر)‪ ،‬وقـد فـاز‬ ‫الفيلـم باجلائـزة وسـلمتها لـه كمـا أشـرت يف‬ ‫بدايـة مقالـي‪ .‬كمـا فـاز يف فئـة «األفلام الوثائقيـة‬ ‫القصيـرة»‪ ،‬فيلـم بعنـوان “‪«( ”Beryze‬وحيـد»)‬ ‫للمخـرج بـوالت مينكين‪ .‬يحكـي هـذا الفيلـم‬ ‫عامـا يف زنزانـة‬ ‫القصيـر عـن رجـل قضـى ‪ً 18‬‬ ‫انفراديـة‪ .‬وعـرض عـدد كبيـر مـن األفلام ملؤلفـي‬ ‫تتارسـتان يف األقسـام غير التنافسـية للمهرجان‪.‬‬ ‫وفقً �ا ل�رأي غولن�ار ا �‪Gulnara Abikee‬‬ ‫‪ ،va‬فـإن موضـوع اإلسلام يف السـينما العامليـة‪،‬‬ ‫لألسـف‪ ،‬هـو يف األسـاس طبيعـة صراع‪.‬عندمـا‬ ‫بدأت العمل يف مهرجان الفيلم هذا‪ ،‬كنت قلقة‬ ‫بشـأن كيفيـة عـرض موضـوع اإلسلام‪ .‬بالنسـبة‬ ‫لـي‪ ،‬كان فيلـم صـورة ((«العيـون الوديعـة” (‪Cool‬‬ ‫‪ )Eyes‬مفاجأة كبيرة ‪ -‬مثال رائع على الوجود‬ ‫اخلفـي لإلسلام يف السـينما لدينـا))‪ ،‬إنـه عمـل‬


‫استطالع‬ ‫محلي‪ ،‬وتنافسي يف الوقت نفسه‪.‬‬ ‫ويحكـي هـذا الفيلـم عـن إدوارد‪ ،‬وهـو كاتـب‬ ‫مسـلم ذكـي وناجـح‪ ،‬سـيؤلف كتا ًبـا عـن رجـل‬ ‫أعـزب ورجـل صاحـب عائلـة‪ .‬وإذا اسـتطاع أن‬ ‫يقـدم العزلـة كمجـرب لهـا فـإن احليـاة الزوجيـة‬ ‫بالنسـبة لـه تظـل غابـة كثيفـة الغمـوض حتـى‬ ‫يسـتعني بفريـد‪ ،‬وهـو رجـل متـزوج يتسـم‬ ‫باألخلاق الشرسـة وروح الدعابـة الفظـة‪.‬‬ ‫ويتسـاءل الفيلـم‪(( :‬هـل سيسـاعد التواصـل‬ ‫الوثيـق واالنعكاسـات الفلسـفية بين األضـداد‬ ‫علـى ظهـور الكتـاب؟))‪.‬‬ ‫أشـاد أعضـاء جلنـة االختيـار بأفلام تتارسـتان‬ ‫األخـرى ‪ -‬الفيلـم القصيـر (سـمكة محاربـة)‬ ‫“‪ ”Fighting Fish‬لسـيرجي باتاييـف‪ ،‬والفيلـم‬ ‫الوثائقـي «بين اجلـزر السـبع»‪ ،‬والـذي وصفتـه‬ ‫ضيفـة أملانيـا بأنـه «صـورة صادمـة» علـى اإلطالق‪.‬‬ ‫وفقً ـا لسـفيتالنا سلابكي‪ ،‬ميكـن ملواطنـي‬ ‫تتارستان أن يفخروا بالسينما الوطنية اخلاصة‬ ‫بهـم‪ ،‬وميكـن أن تصمـد جودتهـا بأمـان يف املنافسـة‬ ‫مـع األفلام الدوليـة‪.‬‬ ‫اجتاهـا آخـر ال‬ ‫وأسـمت غولنـارا أبيكيفـا‬ ‫ً‬ ‫ميكـن أن يرضـي اجلميـع‪ ،‬وهـذا موقـف متشـكك‬ ‫يف السـينما الوطنيـة‪ .‬علاوة علـى ذلـك‪ ،‬ميكـن‬ ‫مالحظـة ذلـك ليـس فقـط يف تتارسـتان‪ ،‬ولكـن‬ ‫أيضـا يف مناطـق أخـرى مـن روسـيا‪ ،‬وكذلـك‬ ‫ً‬ ‫يف كازاخسـتان ودول رابطـة الـدول املسـتقلة‬ ‫السـابقة‪:‬‬ ‫عمومـا أن السـينما الروسـية جيـدة‬ ‫(( ُيعتقـد‬ ‫ً‬ ‫بشـكل عـام‪ ،‬والسـينما األمريكيـة واألوروبيـة‬ ‫أفضـل‪ ،‬والسـينما احملليـة ليسـت جيـدة ج ًـدا‪.‬‬

‫تتمثـل املهمـة الرئيسـية لهـذه املهرجانـات يف‬ ‫تغييـر موقـف جمهورهـا مـن السـينما‪ .‬ويف هـذا‬ ‫الصـدد كان البرنامـج الوطنـي مفاجـأة بالنسـبة‬ ‫لـي))‪.‬‬ ‫وفقً ا لرئيس اللجنة‪ ،‬من خالل العمل املناسب‬ ‫ملنظمـي املهرجـان‪ ،‬ميكـن أن تكشـف السـينما‬ ‫احملليـة للعالـم‪ ،‬وميكـن لصانعـي األفلام احملليين‬ ‫الشـباب العثـور علـى أجنحـة وأدوات للمنافسـة‪.‬‬ ‫كان رئيـس جلنـة حتكيـم منتـدى األفلام‬ ‫السـابع عشـر‪ ،‬اخملـرج األذربيجانـي وكاتـب‬ ‫السـيناريو واملمثـل واملنتـج واملؤسـس املشـارك‬ ‫جلمعيـة تطويـر األفلام الوثائقيـة والبرامـج‬ ‫التأليفيـة ‪ Elchin Musaoglu‬إلشين موسـى‬ ‫أوغلـو قـد نـال شـهرة كبيـرة بفضـل أفالمـه‬ ‫«البـاب األربعين» التـي جـال مهرجانـات األفلام‬ ‫يف أمريـكا وأذربيجـان وأملانيـا واجلبـل األسـود‬ ‫وكازاخسـتان‪ ،‬و»النبـط» ‪ -‬مرشـح ملهرجـان‬ ‫البندقيـة السـينمائي وأوسـكار يف هـذه الفئـة‪،‬‬ ‫كأفضـل فيلـم أجنبـي‪.‬‬ ‫يف املؤمتـر الصحفـي االفتتاحـي‪ ،‬اعتـرف‬ ‫إلشين موسـى أوغلـو ‪ Elchin Musaoglu‬أنـه‬ ‫قبـل شـهر واحـد فقـط انتهـى مـن العمـل علـى‬ ‫فيلمـه الطويـل اجلديـد وجـاء إلـى قـازان «لتغيير‬ ‫الصـورة» ومشـاهدة فيلـم جيـد‪.‬‬ ‫وأضـاف‪« :‬أعتقـد أننـا عندما نشـاهد األفالم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫قليلا»‪ .‬ووفقً ـا لرئيـس‬ ‫نتغيـر‪ ،‬نصبـح مختلفين‬ ‫جلنـة التحكيـم‪ ،‬مـن املهـم بالنسـبة لـه أن يكـون‬ ‫ً‬ ‫صادقـا‪ ،‬وأن يحـدد احلقيقـة دون التعـدي علـى‬ ‫حقـوق املبدعين‪”.‬‬ ‫متثـل روسـيا يف جلنـة التحكيـم الناقـدة‬

‫‪33‬‬

‫السينمائية وكاتبة السيناريو واملديرة التنفيذية‬ ‫جملموعـة جـي إن ڤاليريـا بايكييفـا ‪Valeria‬‬ ‫‪ .Baykeeva‬تق ِّيـم األفلام مـن وجهـة نظرهـا‪:‬‬ ‫((لقد اعتدت على التقييم بطريقة بسيطة‪:‬‬ ‫إذا كان األمر يتعلق بالقلب‪ ،‬فأنا أؤيد ذلك‪ ،‬وإذا‬ ‫لم يحدث‪ ،‬فال أتفاعل معه))‪.‬‬ ‫كان اخملـرج السـوري املهنـد كلثـوم‪ ،‬املديـر‬ ‫الفنـي للمهرجـان الدولـي للسـينما املتوسـطية‪،‬‬ ‫قـد حضـر سـابقا إلـى منتـدى السـينما يف قـازان‬ ‫كمشـارك‪ .‬هـذه املـرة يقـوم بتقييـم املتسـابقني‬ ‫كعضـو يف جلنـة التحكيـم‪ .‬وأشـار إلـى األجـواء‬ ‫اخلاصـة يف مهرجـان قـازان السـينمائي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قائلا‪« :‬عندمـا‬ ‫اعتـرف الضيـف السـوري‬ ‫جنتمـع‪ ،‬نتعـرف علـى ثقافـات مختلفـة‪،‬‬ ‫أنـاس مختلفين‪ ،‬لغـات مختلفـة‪ ،‬لكننـا‬ ‫نتحـدث لغـة مشـتركة ‪ -‬لغـة السـينما‪ ،‬إنهـا‬ ‫ملهمـة للغايـة”‪.‬‬ ‫بالنسـبة لـي فقـد شـاركت سـابقا يف املهرجـان‬ ‫السـينمائي فقـط كممثـل للمجتمـع الكتابـي‪.‬‬ ‫لكـن ثقافـة التتـار ليسـت غريبـة علـي بالتأكيـد‬ ‫ فقـد ترجمـت ونشـرت عملين مـن أعمـال‬‫عبـد اهلل طوقـاي‪ ،‬وقلـت يف املؤمتـر الصحفـي‬ ‫االفتتاحي إن مهرجان قازان يشـبه االبن واألب‬ ‫بالنسـبة لـي‪ .‬لقـد تابعتـه مـن السـنة األولـى‬ ‫وشـاهدت كيف نشـأ وكيف كان يكبر‪ .‬وقلت إنني‬ ‫ـاء علـى جميـع مراحـل عمليـة‬ ‫سـأقيم األفلام بن ً‬ ‫اإلنتـاج ‪ -‬مـن السـيناريو وعمـل اخملـرج إلى عمل‬ ‫املمثلين وفريـق التصويـر‪.‬‬ ‫عمـل بعـض أعضـاء جلنـة حتكيـم مهرجـان‬ ‫قـازان السـينمائي عبـر اإلنترنـت‪ .‬ومـن بينهـم‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬


‫‪ 34‬استطالع‬

‫مدير مهرجان الدار البيضاء السـينمائي والناقد‬ ‫السـينمائي جيـروم عمـادي (املغـرب) ومديـر‬ ‫مهرجـان الفيلـم العربـي يف جوتنبـرج وعضـو‬ ‫جمعيـة الكتـاب السـويديني واخملـرج فجـر يعقـوب‬ ‫(السـويد) وآخريـن‪ .‬الفائـزون يف مهرجـان قـازان‬ ‫الدولـي السـابع عشـر للسـينما اإلسلامية ‪2021‬‬ ‫الجائزة الكبرى‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫فـاز الفيلـم الكازاخسـتاني ‪ 18‬كيلوهرتـز‬ ‫للمخـرج فرحـات شـاريبوف باجلائـزة الكبـرى‬ ‫ألفضـل فيلـم روائـي طويـل يف املهرجـان ويحكـي‬ ‫الفيلـم قصـة شـارع‪ ،‬مركـزا علـى حيـاة املراهقين‬ ‫يف أواخـر التسـعينيات‪ .‬الفيلـم املبنـي علـى كتاب‬ ‫مـن تأليـف زارا ياسـينامان‪ ،‬وقـد عـرض الفيلـم‬ ‫ألول مـرة يف فبرايـر ‪ 2021‬يف كازاخسـتان‪.‬‬ ‫ف ــاز فيل ــم ‪ Kilohertz 18‬باجلائ ــزة الكب ــرى‬ ‫ملهرج ــان وارس ــو الس ــينمائي الدول ــي الس ــادس‬ ‫والثالث ــن أل ّول م ــرة يف تاري ــخ الس ــينما‬ ‫أيض ــا‬ ‫الكازاخس ــتانية‪ .‬مت تقدي ــر الفيل ــم‬ ‫ً‬ ‫كأفض ــل فيل ــم يف مهرجان كوتبوس الس ــينمائي‬ ‫الثالث ــن يف أملاني ــا‪.‬‬ ‫يعم ــل ش ــاريبوف حال ًي ــا عل ــى فيلم ــه التالي‬ ‫‪ Hardcore‬ال ــذي طلب ــه مرك ــز الدول ــة لدع ــم‬ ‫األف ــام الوطني ــة‪ .‬يستكش ــف الفيل ــم إدم ــان‬ ‫اخمل ــدرات يف واق ــع الي ــوم‪.‬‬ ‫ذهبـت جائزتـا أفضـل مخـرج لفيلـم روائـي‬ ‫طويـل وأفضـل ممثـل إلـى الفيلـم‪ :‬حـارس األخ‬ ‫“‪( ”Brother’s Keeper‬تركيـا)‪ .‬يف الفيلـم الـذي‬ ‫أخرجه فريد كاراهان‪ ،‬تدور األحداث يف مدرسة‬ ‫داخليـة مغطـاة بالثلـوج علـى األطراف الشـرقية‬ ‫لتركيـا‪ ،‬لنتعـرف علـى قصـة صبـي يائـس مـن‬ ‫احلصـول علـى مسـاعدة لصديقـه املريـض‪،‬‬ ‫لكنـه يتعثـر يف كل منعطـف بسـبب التنمـر مـن‬

‫املعلمين واإلداريين الفاسـدين‪ .‬بينمـا يبنـي‬ ‫كاراهـان السـرد بطريقـة فعالـة بحـزم‪ ،‬ممـا‬ ‫يضمـن أن يـأس الطفـل املتزايـد يصـل ملشـاعر‬ ‫اجلمهـور‪ ،‬فـإن القـدرة علـى التنبـؤ بالسـيناريو‬ ‫والتصويـر النمطـي للبالغين يعـوق املشـاركة‬ ‫العاطفيـة‪ .‬يسـتحق “‪»Brother’s Keeper‬‬ ‫جائـزة البراعـة يف صناعـة األفلام وإيصـال‬ ‫الر سـالة‪.‬‬ ‫متثـل البـرودة املؤسسـية كل شـيء يف هـذه‬ ‫املدرسـة الكبيـرة الواقعـة داخـل جـزء مهمـل مـن‬ ‫البلاد‪ ،‬ويعمـل بهـا مدربـون قسـاة يستنسـخون‬ ‫دورة قدميـة مـن سـوء املعاملـة‪ُ .‬يسـمح‬ ‫باالسـتحمام مـرة واحـدة فقـط يف األسـبوع‪،‬‬ ‫باملـاء السـاخن (عندمـا يكـون هنـاك مـاء‬ ‫سـاخن) يريـح مـن املنـاخ البـارد وأنابيـب التدفئة‬ ‫املكسـورة‪ .‬ولكـن عندمـا يصبـح بعـض األوالد‬ ‫عنيفين‪ ،‬يعاقـب املشـرف حمـزة أصغرهـم البالـغ‬ ‫عامـا‪ ،‬بجعلـه يغتسـل باملـاء البـارد‬ ‫مـن العمـر ‪ً 11‬‬ ‫املتجمـد‪ .‬يف صبـاح اليـوم التالـي‪ ،‬يصـاب الطفل‬ ‫بنزلـة بـرد‪ ،‬ويحـاول صديقـه الكـردي يوسـف‪12 ،‬‬ ‫عامـا‪ ،‬أن يحضـره إلـى قسـم املمرضـات‪ ،‬وهـي‬ ‫ً‬ ‫غرفة معظمها خالية من دون أي مرافق طبية‪.‬‬ ‫ويرس ــم الفيل ــم ص ــورة رهيب ــة ع ــن حي ــاة‬ ‫العائ ــات الكردية الفقيرة التي ترس ــل أطفالها‬ ‫إل ــى امل ــدارس الداخلي ــة احلكومي ــة لتخفي ــف‬ ‫ع ــبء العناي ــة به ــم‪ ،‬معتقدي ــن أن التعلي ــم‬ ‫سيس ــاعدهم‪ .‬يوس ــف ال ميك ــن أن يحص ــل على‬ ‫احل ــب م ــن أي زاوية‪ ،‬خاصة بع ــد مكاملة مع أمه‬ ‫غاي ــة يف البرودة‪ ،‬والنتيجة هي أنه س ــوف يعتاد‬ ‫عل ــى من ــط املودة اخملتنقة هذا ويس ــقط بش ــكل‬ ‫س ــلبي يف دائ ــرة اإلس ــاءة مم ــن حول ــه‪.‬‬ ‫هنـاك غضـب بشـأن “‪”Brother’s Keeper‬‬ ‫يضيـف إلـى معرفـة أن املديـر نفسـه وكان غيـر‬

‫سـعيد باالنتقـال إلـى هـذه املدرسـة‪ .‬االنحـدار‬ ‫املثيـر للشـفقة الـذي يجبـر التالميـذ علـى‬ ‫معاناتـه‪ ،‬وغيـاب أي اهتمـام‪ ،‬والقسـوة التـي‬ ‫يلحقهـا كل فصـل بالفئـة التـي حتتـه‪ :‬هـذه هـي‬ ‫مـادة الذكريـات السـيئة‪ ،‬التـي يتـم نقلهـا إلـى‬ ‫الشاشـة الكبيـرة‪ .‬يقـوم السـيناريو بعمـل جيـد‬ ‫يقـود القصـة إلـى األمـام‪ ،‬حيـث ينتقـل يوسـف‬ ‫مـن شـخص بالـغ غيـر مفيـد إلـى آخـر‪.‬‬ ‫باقـي اجلوائـز تشـمل أفضـل سـيناريو‬ ‫لفيلـم روائـي طويـل‪ :‬سـامي (إيـران)‪ ،‬أفضـل‬ ‫ممثلـة لفيلـم روائـي طويـل‪ :‬اخلـوف (بلغاريـا)‪،‬‬ ‫أفضـل فيلـم روائـي قصيـر‪ :‬خيـاران (فرنسـا‪،‬‬ ‫إسـبانيا)‪ ،‬أفضـل فيلـم وثائقـي طويـل‪ :‬بين‬ ‫اجلـزر السـبع (روسـيا‪ ،‬تتارسـتان)‪ ،‬أفضـل فيلـم‬ ‫وثائقـي قصيـر‪ :‬باريسـاد (إيـران)‪ ،‬أفضـل فيلـم‬ ‫وطنـي‪ :‬وداعـة العيـون (روسـيا‪ ،‬تتارسـتان)‪،‬‬ ‫أفضـل فيلـم وثائقـي وطنـي‪ :‬كـن سـعيدا (روسـيا‬ ‫(تتارسـتان)‪ ،‬أفضـل فيلـم وطنـي قصيـر‪ :‬آيـرات‬ ‫يعنـي مذهـل (روسـيا‪ ،‬تتارسـتان)‪ ،‬أفضـل فيلـم‬ ‫وطنـي لألطفـال‪ :‬إلـى الغابـة مـن أجـل الدبـور‬ ‫(روسـيا‪ ،‬تتارسـتان)‪ ،‬جائـزة حلـوار الثقافـات يف‬ ‫العالـم اإلسلامي (روسـيا والعالـم اإلسلامي)‪،‬‬ ‫‪ 2000‬أغنيـة فريـدة (أوزبكسـتان)‪ ،‬جائـزة نقابـة‬ ‫السـينما ونقـاد السـينما لروسـيا هـي فيلـم األب‬ ‫عمـر (فرنسـا )‪ ،‬دبلـوم نقابـة نقـاد السـينما‬ ‫والسـينما يف روسـيا‪ :‬يوخـا (روسـيا‪ ،‬تتارسـتان)‪،‬‬ ‫جائـزة رئيـس جمهوريـة تتارسـتان لالنسـانية يف‬ ‫فن السـينما‪ :‬هل أنت حي؟ (روسـيا‪ ،‬تتارسـتان)‪،‬‬ ‫جائـزة عمـدة قـازان فيلـم (وحيـد)‪( /‬روسـيا‪،‬‬ ‫تتارسـتان)‪ ،‬إشـارة خاصـة مـن جلنـة التحكيـم‪:‬‬ ‫نـذل (أذربيجـان)‪ ،‬جائـزة اجلمهـور‪ :‬هـل أنـت‬ ‫حـي؟ (روسـيا‪ ،‬تتارسـتان)‪ ،‬جائـزة جلنـة حتكيـم‬ ‫الصحافـة‪ :‬اخلـوف (بلغاريـا)‪.‬‬


‫‪35‬‬

‫‪35‬‬

‫نافذة‬

‫كاتب وسط‬ ‫إن كان لزامـا علـى اإلنسـان أن يتفـادى الكتابـة وقـت حزنـه ّ‬ ‫الشـديد‬ ‫وفرحـه ّ‬ ‫الشـديد فمتـى يكتـب إذن؟!‬

‫صفاء الهمداين‬

‫ذلـك الـذي رأس مالـه وربحـه وخسـارته الكتابـة‪ ،‬كيـف لـه أن يصبـح‬ ‫تاجـرا غشـيما أعمـى البصـر والبصيـرة‪ .‬ذاك الـذي صـارت أناملـه‬ ‫قمـة شـعوره‬ ‫تتحـ ّرى جـودة نتاجـه الكتابـي مـن حـروف األبجديـة يف ّ‬ ‫ربـا‬ ‫اإلنسـاني املتق ِّلـب حتّـى يكتبـه اهلل مـن الصادقين احملسـنني‪ّ ،‬‬ ‫احلكمـاء كانـت وجهـة نظرهـم حين ذاك‪ ،‬أنّ مـن يكتـب وقـت حزنـه‬ ‫سـيبوح مبـا ال ُيبـاح شـعورا وقـوال‪ ،‬ويف حلظـة حـزن قـد ينفـي صالحيـة‬ ‫من وما حوله ويخسر ذاته واآلخرين‪ ،‬ومن يكتب حني الفرح قد يضع‬ ‫األمـور يف غيـر نصابهـا‪ ،‬ويرفـع أقوامـا وأشـياء ليسـت مبح ِّـل رفعـة إ ّال‬ ‫حين ذاك الوقـت مـن فرحـه‪ ،‬وحين تتالشـى فقاعـات الفـرح وينقلـب‬ ‫احلـال يصـاب بصدمـة نفسـية جتعـل منـه ذلـك الكاتـب احلزين مفطور‬ ‫القلـب‪ ،‬املقهـور‪ ،‬املغلـوب علـى أمـره‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫أ ّتفـق معهـم أولئـك احلكمـاء الذيـن صـاروا كذلـك بعـد حصيلـة‬ ‫ـزر مـع هواهـم‪ ،‬وصـارت ناصيـة اخلبـرة احلياتيـة والعالقـات‬ ‫م ٍّـد وج ٍ‬ ‫االجتماعيـة بأيديهـم‪ ،‬فمـا بين احلـزن والفـرح قـف أ ّيهـا الكاتـب‪ ،‬تر ّيـث‪،‬‬ ‫أصمـت‪ ،‬تفكَّ ـر‪ ،‬وإن لـزم األمـر ال تكتـب مطلقـا‪ ،‬ال بـأس بفتـرة نقاهـة‪،‬‬ ‫ال بـأس بـأن تط ِّلـق األبجديـة طالقـا مشـروطا‪ ،‬فـإن تصاحلـت مـع‬ ‫وزدت مـن رصيـد وعيـك القرائـي‬ ‫ذاتـك ِوب َّـت يف طريـق واضـح معلـوم‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫واملعلوماتـي‪ ،‬حينهـا ُعـد إلـى الكتابـة وبـكلّ قـ ّوة‪ ،‬ال جتعـل مـن نفسـك‬ ‫فريسـة احلـزن وال منضـا َد الفـرح‪ ،‬كـن وسـطا بين ذلـك حتّـى ال تربـك‬ ‫ـض ّ‬ ‫الطـرف عـن كتاباتـك‬ ‫القـارئ بكينونـة ذاتـك‪ ،‬حتـى ال جتعلـه يغ ّ‬ ‫مـن أ ّول سـطر‪ ،‬فمـن يكتـب بتناقـض شـديد مـن مـ ّرة إلـى أخـرى‪ ،‬يفقـد‬ ‫ثقـة القـارئ‪ ،‬يفقـد مسـاحة شاسـعة مـن القـ ّراء‪ ،‬فقـط ألنّـه أصبـح بين‬ ‫الفينـة واألخـرى نقيـض نفسـه‪ ،‬كـن أنـت بكامـل عفويتـك‪ ،‬لكـن ال تكـن‬ ‫دومـا كتابـا مفتوحـا‪ ،‬فاآلخـرون مهمـا بلغـت درجـة تعاطفهـم مـع نتـاج‬ ‫ميلّـون بعضهـم بعضـا حتّـى علـى‬ ‫ميلّـون‪ ،‬نعـم‪ ...‬البشـر َ‬ ‫الكاتـب‪ ،‬فإ ّنهـم َ‬ ‫مسـتوى األدب واألدبـاء‪ ،‬ثـق بذلـك‪ ،‬وكـن كاتبـا وسـطا‪.‬‬


‫‪36‬‬

‫‪36‬‬

‫فنون‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫إشكالية تحييد‬ ‫البطل المسرحي‬ ‫عند “فاروق‬ ‫عبدالقادر” بين‬ ‫الذاتية والفعل‬ ‫البطولي‬ ‫أسعد عرابي‪..‬‬ ‫ذاكرة غنية تتأمل‬ ‫المسموع والمبصور‬ ‫في المكان‬ ‫مسلسل تروتسكي‬ ‫والدراما التاريخية‬ ‫الفنانة السورية‬ ‫بادية حسن‪:‬‬

‫شموسة‪ ..‬أو شمس الموازيني‪..‬‬

‫الفن النظيف هو‬ ‫الذي يحترم ذائقة‬ ‫الجمهور ويالمس‬ ‫مشاعره وهمومه‪..‬‬


‫فنون‬

‫‪37‬‬

‫أسعد عرابي‪ ..‬ذاكرة غنية تتأمل المسموع‬ ‫والمبصور في المكان‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫ه‪:‬‬ ‫حاور ُ‬ ‫محمد العامري‬

‫ِّ‬ ‫والمفكـر أسـعد عرابـي‬ ‫ال يمكـن أن أفـي حـقّ المث ّقـف‬ ‫(‪ )1941‬فـي كتابـة مقالـة في مج ّلـة أو مطبوعة‪ ،‬فهو الذي‬ ‫اسـتحق كتابـا شـموليا عـن تشـعّبات روحـه المهجوسـة‬ ‫بتصانيـف جماليـة متوازيـة مـا بيـن مـا هـو نقـدي ومـا هـو‬ ‫موسـيقي وتصويـر‪ ،‬لكنّـي أحـاول أن أضـيء روحـا ّ‬ ‫وثابـة‬ ‫تتج ّلـى فـي انغماسـه فـي ِّ‬ ‫تجلياتـه الفلسـفية المبنيـة‬ ‫بالدّرجـة األولـى علـى السـؤال المعرفـي الحـرّ‪ ،‬سـؤال لـم‬ ‫يفـارق هـذا الفنـان الـذي انشـغل بالمـدن تحديـدا دمشـق‬ ‫التـي أخـذت من تجربتـه الكثيـر‪ :‬كتابة وتصويـرا‪ ،‬فقد حبّر‬ ‫تلـك المدينـة العريقـة بأضابيـر ظاللهـا وأبوابهـا وقططها‬ ‫وناسـها‪ ،‬فكانـت سـرديته البصريـة التـي أصبحـت وثيقـة‬ ‫بصريـة وجماليـة ال يمكـن تجاوزهـا‪ ،‬لمـا تمتلكـه مـن‬ ‫محمـوالت تاريخانيـة وجماليـة متنوِّعـة في ّ‬ ‫الظاهـر لكنّها‬ ‫تمتلـك مشـتركاتها التـي ينتمـي إليهـا عرابـي‪.‬‬


‫‪ 38‬فنون‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫مصـ ِّور علـى قـدر عميـق مـن سـبر الباطـن‬ ‫يف منظوماتـه اجلماليـة‪ ،‬وكذلـك اختبـار‬ ‫التّخفـي يف صـور ُ‬ ‫اجلمـل اللّونيـة وطبائـع‬ ‫سـياقاتها «السـمعبصرية”‪ ،‬فالتّصويـر لديـه‬ ‫محـاوالت دؤوبـة للوصـول إلـى مسـموع‬ ‫الصـورة باإلضافـة إلـى جتلّياتهـا العينيـة‬ ‫ّ‬ ‫امللموسـة‪ ،‬وهـي محـاوالت ذات بعـد فلسـفي‬ ‫يرتكـز علـى أدبيـات الصوفيـة البعيـدة‬ ‫والصافيـة‪.‬‬ ‫فنحـن نواجـه لغـة تصويريـة ذات طبقـات‬ ‫عديـدة تئـن حتـت جلـد لوحتـة احململـة‬ ‫مبعـارف عديـدة وثقافـات تنوعـت َم َسـاقيها‪،‬‬ ‫فـإذا أردنـا الوصـول إلـى ذروتهـا علينـا أن‬ ‫نح َّـك جلـد اللّوحـة وأدميهـا املتراكـم يف‬ ‫املنظـور واملهجـوس‪ ،‬تلـك معادلـة ال ميكـن أن‬ ‫تقص ّلهـا عـن جتربـة عرابـي‪ ،‬حيـث تتحـ ّرك‬ ‫دمشـق يف مسـامات أعمالهـا‪ ،‬بـل حمـل‬ ‫املدينـة يف حقيبتـه أينمـا حـلّ كجـزء مـن‬ ‫ذاكـرة تواجهـة تطريسـات وتشـ ّوهات ال بـد‬ ‫مـن مواجهتهـا باملناكفـة الذاكراتيـة التـي ال‬ ‫متـوت‪.‬‬ ‫لغتـه التعبيريـة عاليـة ليـد حـ ّرة‪ ،‬تعـرف‬ ‫متـى تهبـط علـى املسـاحة وتعفيهـا من غربة‬

‫اللّـون حيـث تبـدو تلـك التّعبيريـة مرفوعـة‬ ‫بتجريديـة مؤثـرة مـن حيـث املفارقـات‬ ‫اللّونيـة وجتاوراتهـا يف ْآن‪.‬‬ ‫متامـا كطبقـات األزمـان التـي نامـت يف‬ ‫الدمشـقية‪ ،‬إنّـه احلنين‬ ‫حيطـان البيوتـات ّ‬ ‫ّ‬ ‫الظلال يف أزقّ تهـا‬ ‫الغامـق وانكسـارات‬ ‫الدمشـقية‬ ‫املدينة‬ ‫زمن‬ ‫وإيقاعاتهـا اليوميـة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التـي يتراكـم فيهـا صـوت الباعـة واملشـاة‬ ‫اجلوالـة مـع حوائطهـا ا ّلتـي نبتـت علـى‬ ‫أدميهـا حكايـات عميقـة وذات تأثيـر بعيـد‬ ‫الدمشـقيني‪،‬‬ ‫لـم يـزل ينبـض يف ذاكـرة ّ‬ ‫شـبابيكها ومشـربياتها وخزفهـا والقشـاني‬ ‫الفريـدة‪ ،‬كلّ تلـك العناصـر هـي مؤونـة‬ ‫الذّ اكـرة البصريـة والثقافيـة ألسـعد عرابـي‪،‬‬ ‫املهجـوس بإيقاعـات األمكنـة وحت ّوالتهـا‬ ‫النّورانيـة‪ ،‬حيـث يظهـر املـكان أكبـر مـن‬ ‫النّـاس واحليوانـات األليفـة‪ ،‬وتأتـي تـارة‬ ‫لتن ِّبهنـا بخطـر الطيـور اجلارحـة مـن غربـان‬ ‫ورخ لتشـير إلـى أخطـار حت ِّـدق باملدينـة التـي‬ ‫آلـت إلـى خرائـب ينخرهـا السـكون مبفهومـه‬ ‫األصو لـي‪.‬‬ ‫فحين تتحقّ ـق السـكونية نـدرك متامـا‪،‬‬ ‫هجـرة امل َ ْسـكون مـن تلـك األمكنـة‪ ،‬فلـم‬

‫يهاجـر النّـاس وحدهـم بقـدر مـا هاجـرت‬ ‫أبوابهـا إلـى مـدن أخـرى‪ ،‬لتعيـش يف غربـة‬ ‫جديـدة متامـا كاملسـلّة املصريـة يف باريـس‬ ‫والتـي انتزحـت مـن أدمي صحرائهـا لتسـكن‬ ‫ثلـج باريـس‪ ،‬فاملوضوعـة االجتماعيـة‬ ‫والسياسـية هـي إحـدى املوضوعـات الرئيسـة‬ ‫يف أعمالـه دون التّخ ِّلـي عـن القيـم الواجبـة‬ ‫السـرديات الزمكانية‪،‬‬ ‫يف العمـل الفنّـي‪ ،‬تلـك ّ‬ ‫محـض ذاكـرة تلتحـم بين ّ‬ ‫الشـتات وحقيقـة‬ ‫الذّ اكـرة األولـى لتظهـر أكثـر قـ ّوة ووضوحـا‬ ‫كوجـاء دايفء لبـرودة االغتـراب‪ ،‬إلـى جانـب‬ ‫أ ّنهـا األعمـال التـي ِّ‬ ‫تؤشـر علـى اجلـرح‪ ،‬حيـث‬ ‫تظهـر الغوريلا كشـكل شـيطاني محمـوال‬ ‫بتأويلات عديـدة تنتظـم يف مؤشـرات‬ ‫اخلرائب والعبث واملوت واإلحتالالت املركَّ بة‬ ‫للمكان واإلنسـان معا‪ ،‬بل حالة من الكشـف‬ ‫عـن ديسـتوبيا تتجـذَّ ر يف ضميـر املدينة‪ ،‬فهو‬ ‫الـذي يعتبـر التّرحـال قـدر شـخصي يتم ّثلـه‬ ‫كلّ مهاجـر مـن هنـاك إلـى الالمـكان‪.‬‬ ‫لك ّننـا نرصـد تواجـد عنصـر الق ّـط كثيمـة‬ ‫رئيسـة يف مرحلـة مـن مراحـل أعمالـه التـي‬ ‫تتموضـع حـول املدينـة «دمشـق» حيـث عرفت‬ ‫القطـط منـذ أزمـان بعيـدة بصداقتهـا مـع‬


‫فنون‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫اإلنسـان‪ ،‬بـل تعتبـره جـزءا محوريـا يف سـياق أفـراد‬ ‫وربـا حظـوظ القطـط بكونهـا‬ ‫العائلـة الواحـدة‪ّ ،‬‬ ‫حارسـا للمؤونـة مـن عدوهـا «الفـأر»‪ ،‬فهـي واحـدة مـن‬ ‫أكثـر احليوانـات األليفـة شـهرة علـى املسـتوى ّ‬ ‫الشـعبي‬ ‫الدمشـقية هي من أوائل احلواضر‬ ‫واملديني‪ ،‬واحلواضر ّ‬ ‫مهمـة يف التّاريـخ العربـي‬ ‫التـي أسـهمت إسـهامات‬ ‫ّ‬ ‫واإلسلامي وكذلـك املثيولوجـي‪.‬‬ ‫فاملعانـاة التـي وقعـت علـى املدينـة وناسـها طالـت‬ ‫بخاصة‪ ،‬فكان‬ ‫كذلك احليوانات األليفة عامة والقطط‬ ‫ّ‬ ‫أهميـة اجلانـب‬ ‫االغتـراب مزدوجـا ومركَّ بـا‪ ،‬علـى اعتبـار ّ‬ ‫الذّ اكراتي للحيوان األليف وارتباطه العضوي يف البيت‬ ‫والدقيـق لـكلّ‬ ‫الصامـت ّ‬ ‫الـذي يعيـش فيـه‪ ،‬فهـو ال ّراصـد ّ‬ ‫مـكان يف املنـزل‪ ،‬بكونـه معفـى مـن الـكالم سـوى اجلانـب‬ ‫مرمـزة يف‬ ‫الصوتـي واإلشـاراتي عبـر لغـة‬ ‫ّ‬ ‫التّعبيـري ّ‬ ‫حـركات اجلسـد‪ ،‬فطالتـه املأسـاة الشـامية واالغترابيـة‬ ‫ّ‬ ‫الضائعـة يف ال ّزقـاق‬ ‫الشـمولية‪ .‬فظهـور القطـط‬ ‫ّ‬ ‫السـاكن»من‬ ‫ّ‬ ‫الدمشـقية دليـل غيـر مباشـر عـن انتفـاء ّ‬ ‫ّ‬ ‫السـكان» يف املـكان‪ ،‬حيـث عرفـت العائلات الشـامية‬ ‫ّ‬ ‫بصداقتهـا مـع القطـط وذلـك يعـود بصـورة غيـر مباشـرة‬ ‫املعمـد بالنـور والـذي يتحلّـق‬ ‫إلـى طبيعـة البيـت الشـامي ّ‬ ‫حـول صحـن البيـت بياسـمينه ونوافيـره املموسـقة التـي‬ ‫تفتتـح اليـوم الشـامي كلّ صبـاح‪ ،‬لك ّـن القطـط ال حتمـل‬ ‫جواز سـفر أو حقيبة‪ ،‬فظلّت ضائعة تشـتّم ما تبقى من‬ ‫رائحـة أصحابهـا‪ ،‬أو كحارسـة لتلـك الذّ كريـات العائليـة‪،‬‬ ‫فكانـت تعيـش علـى جسـد الرائحـة يف املـكان‪ ،‬فصـارت‬ ‫ال ّرائحـة هـي مؤونـة الذّ اكـرة لتـك احليوانات التي فقدت‬ ‫متسـد علـى ظهورهـا‪.‬‬ ‫األيـادي التـي كانـت ّ‬ ‫فأسـعد عرابـي النابـه يف تلـك االلتقاطـات ح ّبـر‬ ‫مجموعـة كبيـرة مـن أعمالـه يف موضوعـة املـكان كذاكـرة‬ ‫حيويـة جتمـع املتحـرك والثابـت فيـه‪ ،‬وصـوال إلـى‬ ‫العالقـة التالزميـة بين األليـف مـن احليوانـات وبين‬ ‫الدمشـقية‪ ،‬وتعتبـر تلـك األعمـال الذاكـرة‬ ‫العائلـة ّ‬ ‫البصريـة األهـم بعيـدا عـن ال ّتسـجيلية وا ّلتـي حتمـل‬ ‫يف ثناياهـا تاريخـا عميقـا قالـه عرابـي بلغـة التّصويـر‬ ‫املتحقِّ ـق بشـروطه اإلبداعيـة‪.‬‬ ‫ولـم يغفـل عرابـي فكـرة املسـموع اخلفـي يف التّصويـر‬ ‫كجـزء مه ّـم يف األمكنـة‪ ،‬حيـث يتحقّ ـق مـن طبائـع تلـك‬ ‫الصوتيـة داخل‬ ‫اإليقاعـات عبـر حركـة الكائـن ومشـفراته ّ‬ ‫العمـل الفنـي‪ ،‬حتّـى يف تصويـره ملرحلـة أ ّم كلثـوم لـم‬ ‫يغفـل ذلـك الكرسـي الفـارغ الـذي شـغله العـازف وامللحـن‬ ‫«محمـد القصبجـي صاحـب رائعـة رق احلبيـب» حيـث‬ ‫يتـرك الكرسـي بوجـوده وجـودا جديدا للقصبجي‪ ،‬وهذه‬ ‫باعتقـادي مقاربـة بين هجـرة اجلسـد مـن املـكان وبقـاء‬ ‫رائحـة اجلسـد وصوتـه رغـم ال ّرحيـل‪ ،‬وهـذا ينطبـق علـى‬ ‫طبيعـة مـا يطرحـه عرابـي يف العالقـة العضويـة بين‬ ‫«السـاكن واملسـكون”‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫‪ 40‬فنون‬

‫مسلسل تروتسكي والدراما التاريخية‬

‫مدي‬ ‫ح َّ‬ ‫رياض َ‬

‫تنتظـر العاصفـة مـن يُبشـر بهـا وحيـن ال تجـد صوتًـا تتحـوّل إلـى نسـيم عليـل‪ .‬ننتظر‬ ‫عاصفـة تقتلـع مـا نخشـاه غيـر مدركيـن أن أنفاسـنا العليلـة يمكنهـا أن تكـون عاصفـة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أحداثـا أو شـخصيات تاريخيـة إ ّال وعيـن لهـا‬ ‫ال تتنـاول الدرامـا التلفزيونيـة‪ ،‬أو السـينما‪،‬‬ ‫علـى الحاضـر واألخـرى علـى المسـتقبل‪ .‬ال يمكـن تغييـر الماضـي وال تشـويهه؛ فالوقائع‬ ‫المدوّنـة ال تخـدع مـن يريـد قراءتهـا‪ ،‬وهـي مصـدر مفتـوح دومًـا لمـن يريـد أن يفهـم‪،‬‬ ‫وبعضهـا مـن الوضـوح العصـي على التأويـل‪ .‬لكن قراءة الفـنّ للتاريخ محكومة بشـروط‬ ‫أن‬ ‫الفـنّ‪ ،‬وال يعنـي هـذا ضـرورة أو حتميـة مخالفـة الفـنّ للوقائـع التاريخيـة‪ ،‬بقـدر مـا ّ‬ ‫تقنيـات السّـرد الفنية‪/‬البصريـة قـد تضيـف أو تحذف‪ ،‬تقـدِّم أو تؤخِّـر‪ ،‬دون أن تغيِّر في‬ ‫جوهـر التاريـخ‪ .‬ويختلـف تقييمنـا للعمل الفنّي باختالف نوعه ونسـبة اقترابـه من التاريخ‪:‬‬ ‫هـل هـو درامـا وثائقيـة أم وثائقـي محض؟‬

‫ومبـا أنّ املسلسـل ال ّروسـي «تروتسـكي» ‪،2017‬‬ ‫من النّوع األ ّول فعلى املتلقّ ي أن يكون ذك ًيا وحذ ًرا‪،‬‬ ‫فمـا يـراه هـو تاريـخ محكـوم بشـروط فن ّية اسـتدعت‬ ‫اختـراع أو خلـق أحـداث وحـذف أو اختـزال أخـرى‪،‬‬ ‫والهـدف هـو تقـدمي رؤيـة نقديـة معاصـرة للتاريـخ‪،‬‬ ‫قد تكون الرأسمالية هي من يقف وراء هذه ال ّرؤية‪،‬‬ ‫مهمـة تخـدم احلاضـر‬ ‫لكنهـا ال تخلـو مـن فوائـد ّ‬ ‫واملسـتقبل وتنيـر طريـق الثـورة يف الوقـت الـذي‬ ‫حتـاول فيـه «تشـويهها»‪ ،‬مـن وجهـة نظر املعارض‪ ،‬أو‬ ‫«نقدهـا» مـن وجهـة نظـر الناظـر املوضوعـي باعتبار‬ ‫أن كلّ جتربـة يحـقّ لهـا أن ُين َْظـر لهـا بعين نقديـة‬ ‫فكيـف بتجربـة تاريخيـة مثـل االشـتراكية‪.‬‬ ‫أفكار المسلسل الرّئيسية‪:‬‬ ‫ينبنـي مسلسـل «تروتوسـكي» علـى ثلاث أفـكار‬ ‫رئيسـية‪:‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫الثـورة البلشـفية مؤامـرة صنعتهـا أملانيـا‬ ‫بتدخـل يهـودي‪ ،‬وقادتهـا انهمكـوا يف الصـراع‬ ‫ممـا انشـغلوا بتحقيـق مبـادئ‬ ‫علـى السـلطة أكثـر ّ‬ ‫الثـورة‪.‬‬ ‫ليـون تروتوسـكي وجـه آخـر لسـتالني‪ ،‬وكالهمـا‬ ‫مارسـا العنـف وآمنـا بـه وسـيلة وحيـدة للتّغييـر‪،‬‬ ‫واالثنـان مصابـان بجنـون العظمـة‪.‬‬ ‫تروتوسـكي هـو الصانـع احلقيقـي لثـورة‬ ‫أكتوبـر ‪ .1917‬وأن املبـادئ االشـتراكية‪ ،‬التـي تدعـو‬ ‫لإلخـاء واملسـاواة اإلنسـانية‪ ،‬فشـلت أمـام أول‬ ‫جتربـة عمليـة بين قادتهـا‪.‬‬ ‫الثورة ونظرية المؤامرة‪:‬‬

‫تسـتمد الفكـرة األولـى حضورهـا مـن جهـود‬ ‫أليكسـاندر بارفـوس (‪.)Alexander Parvus‬‬ ‫قصـة املسلسـل األسـباب االقتصاديـة التـي‬ ‫تُغفـل ّ‬

‫قـادت إلـى انـدالع الثّـورة‪ ،‬كارتفـاع معـدل البطالـة‬ ‫وغالء املعيشة والفقر‪ .‬وتُستدرك هذه السلبيات‪،‬‬ ‫يف احللقـات األخيـرة‪ ،‬يف مقولـة ألحـد أسـاتذة‬ ‫اجلامعـات املعتقلين مـن قبـل سـتالني‪ ،‬حين قـال‬ ‫تروتسـكي بـأن الثـورة كانـت ضروريـة للقضاء على‬ ‫احلثالـة‪ ،‬فيجيبـه أسـتاذ اجلامعـة قائـ ًلا‪« :‬كان‬ ‫هنـاك حثالـة‪ ،‬لكـن ثورتكـم ح ّولـت اجلميـع إلـى‬ ‫حثالـة‪”.‬‬ ‫صراع األنانية والمثالية‬

‫انهمـك القـادة الثلاث يف الصـراع علـى‬ ‫السـلطة إلـى درجـة التخلّـص مـن األبطـال‬ ‫احلقيقيين‪ .‬تسـتمد هـذه الفكـرة حضورهـا مـن‬

‫تخلّص تروتوسـكي من شـخصيتني‪ ،‬يف عام ‪،1918‬‬ ‫همـا‪ :‬نيقـوالي ماركين (‪،)Nikolay Markin‬‬ ‫وأليكس�ي ميخالوفيت�ش ستشاس�تني( (�‪Alek‬‬ ‫‪ ،)sey Mikhailovich Schastnyy‬األ ّول كان‬ ‫بلطج ًيـا‪ ،‬كمـا يصـ ِّوره املسلسـل‪ ،‬سـاعد تروتوسـكي‬ ‫يف أوقـات محنتـه وظـلّ يتعامـل معـه كإنسـان‬ ‫وصديـق‪ ،‬وكان ال يهابـه مثلمـا يفعـل احمليطـون‬ ‫بـه‪ ،‬وهـذا مـا دعـا تروتسـكي للتّخلـص منـه‪ ،‬بـأن‬ ‫سـلّمه رسـالة كان يعلـم أ ّنهـا سـتُ عترض وسـي ُلقى‬ ‫القبـض علـى ماركين وسـ ُيقتل‪.‬‬ ‫ّأمـا الثانـي فـكان قائـد أسـطول بحـر البلطيـق‬ ‫وكان مسـؤو ًلا عـن تنظيـم إخلاء األسـطول مـن‬ ‫هلسـنكي إلـى كرونشـتات يف مـارس وأبريـل ‪1918‬‬ ‫ومتكّ ـن فعـ ًلا مـن إنقـاذ ‪ 236‬سـفينة‪ ،‬مبـا يف ذلـك‬ ‫س ّـت سـفن حربيـة وخمـس طـرادات و ‪ 59‬مدمـرة‬ ‫و ‪ 12‬غ ّواصـة‪ .‬مـع ذلـك خدعـه تروتسـكي واعتقلـه‬ ‫يف ‪ 27‬مايـو بحجـة أن لـه «نشـاطات معاديـة‬ ‫للثـورة»‪ -‬وهـي التهمـة التـي ذهـب ضحيتهـا آالف‬ ‫األبريـاء‪ -‬ثـم ُأعـدم رم ًيـا بالرصـاص يف ‪ 22‬يوليـو‬ ‫‪.1918‬‬ ‫يف إبريـل ومايـو كان ستشاسـتني بطـل روسـيا‪،‬‬ ‫ويف يوليـو ُأعـدم بتهمـة اخليانـة! وقبـل وفاتـه‬ ‫بقليـل‪ ،‬قـال النّقيـب ستشاسـتني‪« :‬يعدمنـي‬ ‫تروتسـكي لسـببني‪ :‬ألنّـي أنق ُ‬ ‫ـذت األسـطول يف‬ ‫ظروف مسـتحيلة‪ .‬وألنّه كان خائف ًا من شـعبيتي‬ ‫بين البحـارة”‪.‬‬ ‫وقـف تروتسـكي خلـف إعـادة حكـم اإلعـدام إلى‬ ‫احلياة السياسـية يف روسـيا‪ ،‬ويف ضوء هذا القرار‬ ‫متّ التّخلّـص مـن العائلـة امللكيـة ومـن «ا ُملعاديـن‬ ‫وع ِّطل القانون والقضاء ُ‬ ‫وفرضت سـلطة‬ ‫للثورة»‪ُ ،‬‬ ‫اليـد احلديديـة‪ ،‬وهـي السياسـة نفسـها التـي سـار‬


‫فنون‬

‫‪41‬‬

‫عليهـا سـتالني فيمـا بعـد بذريعـة حمايـة الثـورة‬ ‫وذهـب ضحيتهـا تروتسـكي نفسـه‪.‬‬ ‫انقالب أم ثورة؟!‬

‫يصـور املسلسـل جهـود تروتوسـكي كقائـد‬ ‫للجيـش األحمـر‪ ،‬ويلمـح إلـى أن حنكتـه وجهـوده‬ ‫لهـا الفضـل األ ّول يف جنـاح الثـورة‪ .‬تروتسـكي هـو‬ ‫الضـوء األخضـر يف ‪ 25‬أكتوبـر ‪2017‬‬ ‫مـن أعطـى ّ‬ ‫لالسـتيالء علـى السـلطة‪ .‬وبعـد جناحـه انتقـده‬ ‫لينين قائـ ًلا بـأن مـا فعلـه انقلاب ال ثـورة‪.‬‬ ‫يف مسلسل آخر القياصرة ()‪The Last Czars‬‬ ‫‪ 20119‬وهـو عمـل ميـزج بين الدرامـا التاريخيـة‬‫واملقابلات الوثائقيـة ويعطـي األولويـة للتاريـخ‬ ‫علـى حسـاب الفـن‪ -‬نعـرف أنّ مـا حـدث يف ‪25‬‬ ‫وإنـا هـو انقلاب‪ ،‬وأنّ الثـورة‬ ‫أكتوبـر لـم يكـن ثـورة‪ّ ،‬‬ ‫الشـعبية احلقيقيـة حدثـت بشـكل عفـوي قبـل‬ ‫ذلـك بأشـهر‪ ،‬بخـروج مظاهـرات ملاليين اجلائعني‪.‬‬ ‫كان لينين وسـتالني وكلّ قيـادات احلـزب‬ ‫البلشـفي يف املنـايف‪ ،‬ويظهـر تروتسـكي وحـده وهـو‬ ‫يخطـط ويقـود اجلماهيـر‪ .‬كان مهيـأ ألنّ يكـون‬ ‫قائـد الثـورة لكنّـه تنـازل عـن دور ال ّرجـل األ ّول‬ ‫للينين‪ ،‬الـذي قـال لـه بـأنّ ّ‬ ‫الشـعب الروسـي لـن‬ ‫يقبـل بـأن يكـون قائـده يهود ًيـا‪ .‬أدرك تروتسـكي‬ ‫هـذه احلقيقـة فقبـل بتسـوية مـع لينين علـى أن‬ ‫يكون ال ّرجل الثاني‪ ،‬وسينافسه ستالني على هذا‬ ‫املوقـع وسـنعرف كيـف سـاعده احلـظ والتخطيـط‬ ‫ألن يصبـح الرجـل األول بعـد مـرض لينين‪.‬‬ ‫الجنس والثورة‬

‫الثورة والثوار‪:‬‬

‫ثمـة مشـهد يقـوم فيـه جنـود تروتسـكي بقتـل‬ ‫ّ‬ ‫مسـيحيني يف مقبـرة مـن أجـل احلصـول علـى‬ ‫خشـب شـواهد القبـور كوقـود للقطـار الـذي توقّ ـف‬ ‫ثمـة مبالغـة يف املشـهد لكنّـه‬ ‫بسـبب نفـاد الفحـم‪ّ .‬‬ ‫ُيظهـر اسـترخاص تروتسـكي حليـاة النـاس يف‬ ‫مقابـل هدفـه األكبـر أو األسـمى كمـا كان يعتقـد‪،‬‬ ‫ثـم إنّ املشـهد ُيظهـر أنّ الثّـورة لـم تكـن مـن أجـل‬ ‫النـاس‪ ،‬وإ ّال ملـا قتلهـم‪ ،‬ولكـن مـن أجـل اجملـد‬ ‫ّ‬ ‫الشـخصي‪ ،‬ولذا فاملشـهد ي ّتسـق مع الهدف العام‬ ‫للمسلسـل أو مـع حتليلـه لشـخصية تروتسـكي‪.‬‬ ‫الصـراع املبكـر بين‬ ‫وثمـة مشـهد ُيظهـر ّ‬ ‫ّ‬ ‫تروتسـكي ولينني وهما على سـطح بناية‪ .‬يوشـك‬ ‫لينين علـى دفـع تروتسـكي مـن أعلـى البنايـة وهـو‬ ‫يه ِّـدده لينصـاع لتوجيهاتـه‪ .‬يـر ّد تروتسـكي بقولـه‬ ‫إنَّ لينني سـيحتاجه ذات يوم ليعقد معه حتالفا‪،‬‬ ‫وهـذا مـا يتحقَّ ـق فعلا يف احللقـات التاليـة‪.‬‬ ‫األرجـح أنّ هـذه الواقعـة لـم حتـدث يف الواقـع‪،‬‬ ‫وأ ّنهـا مخت ّلقـة مـن منظـور الحق لتاريخ الرجلني‬ ‫وللعالقـة املتوتـرة بينهمـا‪ ،‬واملشـهد ال يهـدف إلـى‬ ‫املصداقيـة التاريخيـة بقـدر مـا يريـد اإلشـارة إلـى‬ ‫صراع وخالف فكري مبكَّ ر بني لينني وتروتسـكي‪.‬‬ ‫ويف احملصلة يظهر لينني وتروتسكي وستالني‬ ‫وهـم يبحثـون عـن مجـد شـخصي أكثـر ممـا‬ ‫ينشـدون حتقيـق أهـداف نبيلـة‪ .‬وظهـور القـادة‬ ‫الثلاث علـى هـذا النحـو يف املسلسـل ميكـن النظر‬

‫القاضي والج ّ‬ ‫الد والمدان‪:‬‬

‫السـرد علـى اسـترجاع تروتسـكي‬ ‫تقـوم تقنيـة ّ‬ ‫ملاضيـه مـن خلال اسـتجواب فرانـك أو رومـان لـه‬ ‫علـى نحـو يجعـل مـن هـذا األخيـر قاضيـا ومـن‬ ‫تروتسـكي مدافعـا عـن نفسـه‪ .‬يعجـب تروتسـكي‬ ‫بصراحـة فرانـك وانتقـاده لـه‪ ،‬وإعجابـه هـذا‬ ‫لـه عالقـة بشـخصية تروتسـكي التـي متيـل إلـى‬ ‫الصـدام واملواجهـة‪ ،‬ال مـن بـاب قبولـه للنقـد‪ .‬لك ّـن‬ ‫ّ‬ ‫تروتسـكي وهـو يدافـع عـن نفسـه يظهـر مبالمـح‬ ‫مما‬ ‫توحـي بعـدم إميانـه مبـا يقـول‪ ،‬فهـو يبـ ِّرر أكثـر ّ‬ ‫يفسـر‪ ،‬وهـو بذلـك يديـن نفسـه بنفسـه‪ ،‬إلـى أن‬ ‫يحكـم علـى نفسـه بالقتـل‪ ،‬يف آخـر مشـهد‪ ،‬مـن‬ ‫خلال اسـتفزازه لرومان‪/‬فرانـك كـي يقتلـه‪ ،‬وهـذا‬ ‫مخالـف ملـا حـدث يف الواقـع‪ ،‬فلـم يكـن تروتسـكي‬ ‫يعلـم مبصيـره علـى يـد الشـاب كمـا يصـ ِّور‬ ‫املسلسـل‪.‬‬ ‫لكـن هـذه اخلامتـة تناسـب الفكـرة التـي أراد‬ ‫املسلسل إيصالها‪ ،‬وهي أنّ هذا املسلسل محاكمة‬ ‫لتروتسـكي بالد ّرجـة األولـى‪ ،‬ومحاكمـة للينين‬ ‫وسـتالني وللثورة البلشـفية‪ ،‬وقد اختار تروتسـكي‬ ‫أن يذهـب إلـى مصيـره بنفسـه؛ ألنّـه قـد تعـب مـن‬ ‫االختبـاء‪ ،‬كمـا أنّ هـذه اخلامتـة سـتجعل منـه‬ ‫بطلا وسـ ُيدين مبوتـه خصمـه (سـتالني) الـذي‬ ‫ظـلّ يطـارده لسـنوات‪.‬‬ ‫‪Trotsky - 2017‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫يظهـر تروتسـكي بشـخصيتني متناقضتين‪:‬‬ ‫فهـو عنيـف وضعيـف ومتـردد يف الوقـت نفسـه‪.‬‬ ‫وتربـط قصـة املسلسـل بين اجلنـس والثـورة‪،‬‬ ‫ثمـة‬ ‫وتعتبـر الثـورة شـكل مـن أشـكال اجلنـس‪ّ .‬‬ ‫مشـاهد ربطـت بين ممارسـة تروتسـكي للجنـس‬ ‫وبين قيامـه بتفقّ ـد اجلبهـات‪ .‬ويف لقـاء‪ ،‬يبـدو‬ ‫متخيـلّا‪ ،‬يحضـر تروتسـكي محاضـرة لفرويـد‪.‬‬ ‫يقـول فرويـد يف احملاضـرة‪« :‬إن سـلوك اإلنسـان‬ ‫محكـوم مببدأيـن اثنين همـا اخلـوف واللّـذة‪.‬‬ ‫وهـذه املقولـة هـي التـي سـتؤ ِّثث شـخصية‬ ‫تروتسـكي الذي اسـتلهم عناصر ق ّوته من سـجاّنه‬ ‫مثلمـا أخـذ عنـه اسـمه (تروتسـكي)”‪.‬‬ ‫مـن املشـاهد التـي يأخذهـا املعارضـون علـى‬ ‫املسلسـل‪ :‬ظهور الرفيقتني الريسـا ريزنر وناتاليا‬ ‫سـيدوفا مبظهـر أرسـتقراطي مخالـف ملظهرهمـا‬ ‫يف الواقع التاريخي‪ .‬يبدو لي أن الطابع الدرامي‬ ‫فـرض علـى صنـاع املسلسـل ظهورهمـا بهـذه‬ ‫الصـورة؛ ففكـرة تقـدمي املـرأة يف صـورة مغريـة‬ ‫ومثيـرة لـم تكـن لتتحقّ ـق مـن خلال املطابقـة‬ ‫التاريخيـة بإظهـار الريسـا وهـي ترتـدي مالبـس‬ ‫اجلنـود وهـي يف القطـار مـع تروتسـكي‪ ،‬خصوصـا‬ ‫وأنّ املشهدين اللذين ظهرت فيهما مع تروتسكي‬ ‫كانـا يف سـياق اإلشـارة إلـى عالقتهمـا الغراميـة ال‬

‫يف سياق اإلشارة إلى نضالها الثوري‪.‬‬ ‫وظهـرت زوجـة تروتسـكي‪ ،‬أليكسـاندرا‬ ‫سوكولوفسـكايا‪ ،‬لفتـرة وجيـزة كفالحـة سـاذجة‬ ‫ولغـزا يتجـاوز الفهـم‪ ،‬فيمـا كانـت يف الواقـع‬ ‫التاريخـي زعيمـة يف احلـزب البلشـفي ومعارضـة‬ ‫عامـا‪ ،‬حتـى ّ‬ ‫مت نفيهـا وقتلها من‬ ‫يسـارية مل ّـدة أربعين ً‬ ‫وأرى‬ ‫‪.1938‬‬ ‫ـام‬ ‫ع‬ ‫يف‬ ‫ـتالينية‬ ‫قبـل البلطجيـة الس‬ ‫أنّ‬ ‫هـذا الظهـور الوجيـز محكـوم مب ّـدة املسلسـل فضـ ًلا‬ ‫القصـة هـي عـن تروتسـكي ال عـن زوجتـه‪.‬‬ ‫عـن أنّ‬ ‫ّ‬

‫إليه من زاوية نقدية رأسمالية تهدف إلى تشويه‬ ‫هـذه الشـخصيات‪ ،‬لكـي ال يكونـوا قـدوة لألجيـال‬ ‫اجلديـدة‪ .‬يف املقابـل ميكـن أن نـرى فيـه نقـدا مـن‬ ‫زاويـة حتطيـم األصنـام ومتجيـد الثـورة ال متجيد‬ ‫قادتهـا‪ .‬وأمـا ربـط الثـورة بنظريـة املؤامـرة فهـو‬ ‫ـأي ثـورة هـي‬ ‫يص ّـب يف األخيـر يف صالـح الثـورة؛ ف ّ‬ ‫اخلاصـة‪ ،‬وال ميكـن إيقـاف‬ ‫محصلـة لظروفهـا‬ ‫ّ‬ ‫عجلتهـا بنقـد مش َّـوه‪ .‬علـى العكـس‪ ،‬هـذا ال ّربـط‬ ‫يضـيء طريـق الثـورة و َيحـول دون تكـرار أخطائهـا‬ ‫يف املاضـي‪.‬‬


‫‪ 42‬فنون‬

‫شموسة‪ ..‬أو شمس الموازيني‪..‬‬ ‫شخصية مؤثرة لمعت‬ ‫في رمضان الماضي من‬ ‫خالل المسلسل السوري‬ ‫االجتماعي (على صفيح‬ ‫ساخن)‪ ،‬وقامت بتجسيد‬ ‫شخصيتها الفنانة السورية‬ ‫الكبيرة سمر سامي‪ ،‬ولم‬ ‫أشأ الحديث عنها وقتها إال‬ ‫كاف يسمح‬ ‫بعد مرور وقت ٍ ٍ‬ ‫برؤية العمل والشخصيات‬ ‫بوضوح بعيداً عن الزحام بعد‬ ‫الموسم الرمضاني‪ ،‬فلفتت‬ ‫األنظار كونها غير مألوفة‪،‬‬ ‫أو أصبحت غير مألوفة في‬ ‫زمننا تفاصيلها الكثيرة‬ ‫ومشاهدها القليلة عدداً‬ ‫وحواراً كانت سالحاً ذا حدين‪،‬‬ ‫(شموسة)‪ ،‬والتي‬ ‫ربحت فيه‬ ‫ّ‬ ‫تركت المشاهد في حالة من‬ ‫عدم االكتفاء بما رآه فحركت‬ ‫فضوله باحثاً عنها ومترقباً‬ ‫لظهورها طيلة عرض‬ ‫المسلسل‪ ،‬وشاعراً بغيابها‬ ‫حتى بعد انتهاء حكايتها‪،‬‬ ‫بشكل ال‬ ‫ألنها ممتلئة‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ومحملة‬ ‫يصدق بالتفاصيل‪،‬‬ ‫بالذكريات‪،‬‬ ‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫خالد جهاد‬

‫فتـرى تاريخهـا يف نظـرات عينيها الشـاردة‬ ‫وجـرح صوتهـا الغائـر وبـراءة ضحكتهـا‬ ‫اخلاصـة‪ ،‬والتـي تخبـأ طفل ًـة خلـف إطاللـة‬ ‫ـرأة أرسـتقراطية تنحـدر جذورهـا مـن أكبـر‬ ‫ام ٍ‬ ‫عائلات سـوريا وأعرقهـا‪ ،‬فظلّـت محتفظ ًـة‬ ‫بإرثهـا الوجدانـي حتـى رحيلهـا‪ ،‬معتنيـة‬ ‫بتفاصيلهـا التـي نقلتهـا معهـا إلـى غرفتهـا‬ ‫الصغيـرة‪ ،‬وتشـ ّبثت بهـا ألنهـا كلّ مـا متلـك‬ ‫ّ‬ ‫من املاضي الذي متنّت فيه أن تتز ّوج الرجل‬ ‫الـذي حت ّبـه قبـل أن يت ّـم اغتياله أمام عينيها‬ ‫قبـل يومين مـن زفافهمـا‪ ،‬لتقـوم بعدهـا‬ ‫بدفنـه يف حديقـة أسـرارها التـي أوصـت أن‬ ‫تدفـن فيهـا إلـى جـواره‪.‬‬ ‫جمـال هـذا الـدور يكمـن يف تفاصيلـه‬ ‫التـي ُنسـجت بـذكاءٍ وعنايـة‪ ،‬شـملت حتّـى‬ ‫مظهرهـا وغرفتهـا‪ ،‬فخلقـت سـ ِّيد ًة حقيقيـة‬ ‫مـن حل ٍـم ودم ال نشـك يف أنهـا كانـت متشـي‬ ‫يف الشـوارع وحتمـل هوي ًـة شـخصية ولهـا‬ ‫عنـوان ً‬ ‫فعلا‪ ،‬وقـد تع ّـددت اآلراء مـن النقـاد‬ ‫واجلمهـور اللذيـن أشـادا بدورهـا ورأوهـا‬ ‫سـيد ًة حاملـة مـن الزمـن الذهبـي وتختصـر‬ ‫قصتهـا وضـع الفسـاد الـذي التهـم حقـوق‬ ‫النـاس وصـادر حياتهـم وواقعهـم وأحالمهـم‬ ‫وربـا كان‬ ‫وحتـى ذكرياتهـم التـي تبقـت لهـم‪ّ ،‬‬ ‫متعمـد ًا أن يكـون حضورهـا مقتضبـ ًا وكأنـه‬ ‫ّ‬ ‫يريد أن يبني حالة ً من تكثيف الشعور جتاه‬

‫هـذه السـ ِّيدة املنسـية التـي قـد نراهـا حولنـا‬ ‫وال نلتفـت إليهـا‪ ،‬أل ّننـا نراهـا بأعيننـا وليس‬ ‫بقلوبنا‪ ،‬فال نشـعر بقيمتها إ ّال بعد رحيلها‬ ‫كأغلبيـة البشـر الذيـن ال يوقظهـم شـيء‬ ‫بقـدر الرحيـل‪ ،‬وبعـد أن يتحـ ّول أحبابهم إلى‬ ‫طي ٍـف بعيـد‪ ،‬وكأنّ غيـاب شـمس (شـمس) هـو‬ ‫ـاب حمل ٍيـط مـادي لـم يسـتوعب نقاءهـا‬ ‫عق ٌ‬ ‫و شـفافيتها‪..‬‬ ‫والتركيبة النفسية لـ (شمس) هي تركيبة‬ ‫خاصـة جـدا‪ ،‬وال أحت ّـدث عنهـا كامـرأة بـل‬ ‫ّ‬ ‫كحالـة إنسـانية رأيـت مـا مياثلهـا لـدى بعـض‬ ‫ال ّرجـال تأكيـدا علـى أنّ ّ‬ ‫الشـعور اإلنسـاني ال‬ ‫يتجـزّأ‪ ،‬فـكان املوضـوع أه ّـم وأعمق من مجرد‬ ‫شـخص ٍ يشـعر بالغربـة بعـد فقدانـه لعائلتـه‬ ‫وكل مـا ميلـك واضطـراره للتعايـش مع وضع‬ ‫وثقافة‬ ‫مـادي صعـب‪ ،‬وسـط صعوبـات احليـاة‬ ‫ٍ‬ ‫بعيـدة عنـه حتـى وإن لـم يكـن متعاليـ ًا علـى‬ ‫اآلخرين‪ ،‬فظالل املاضي لم تفارقها للحظة‬ ‫ودفعتهـا لتعيـش حال ًـة ش ً‬ ‫ـبيهة بالعزلـة التـي‬ ‫ـخص واحـد‬ ‫لـم يكـن يخترقهـا سـوى ش ٌ‬ ‫هـو (مسـعود) موظـف االسـتقبال والـذي‬ ‫احلجـار) الـذي ِّ‬ ‫يذكرهـا‬ ‫حـل محلّـه (هلال‬ ‫ّ‬ ‫بحبيبهـا الـذي عاشـت علـى ذكـراه‪ ،‬وأعـاد لهـا‬ ‫وجـوده يف حياتهـا بعضـ ًا مـن الفـرح النقـي‬ ‫الـذي افتقدتـه‪ ،‬فكانـت تريـد فقـط شـخص ًا‬ ‫تشـاركه فرحتهـا ألنهـا كانـت تخفـي أحزانهـا‬


‫فنون‬

‫عـن اآلخريـن خلـف ابتسـامتها املثقلـة‬ ‫بالعذابـات الشـخصية والقهـر‪ ،‬فلـم يكـن‬ ‫ِّ‬ ‫متنكـر ًة كـي‬ ‫هنـاك مـن يعـرف أنهـا تتسـ ّول‬ ‫ال تطلـب شـيئ ًا مـن أحـد بجـوار حديقتهـا‬ ‫املسـلوبة لتأنـس بقربهـا وقـرب حبيبهـا‬ ‫الذي يرقد فيها منذ سـنوات‪ ،‬فكانت تزوره‬ ‫وتتسول بكل أسف لتبقى على قيد احلياة‬ ‫فيمـا كل مـا حولهـا يوحـي باملـوت‪ ،‬وظلّـت‬ ‫الـ ّروح معلق ًـة بذكريـات ٍ وأشـجار وأماكـن‬ ‫تعينهـا علـى احتمـال الواقـع الـذي كانـت‬ ‫ـض ّ‬ ‫الطـرف عنـه لتسـتمر‬ ‫تعيـه لك ّنهـا تغ ّ‬ ‫مثـل الكثيـر مـن النّـاس‪ ،‬ولـم ترحـل إال بعد‬ ‫قرن‬ ‫خسـارتها السـترداد حديقتها بعد ربع ٍ‬ ‫من احملاوالت‪ ،‬فكان الوجع يغ ِّلف الكلمات‬ ‫الثلاث التـي أنهـت بهـا وجودهـا‪( ..‬اليـوم‪...‬‬ ‫الدعوة) لتظلّ هذه الكلمات عالقة‬ ‫خسرت ّ‬ ‫ً يف األذهـان‪ ،‬ويـرى اجلميـع مشـاهدها متـر‬ ‫سـريع ًا أمامـه جنبـ ًا إلـى جنـب لتُ كون صور ًة‬ ‫ـذب بـريءٍ طفولـي حتـى‬ ‫لكائ ٍـن رقي ٍـق ع ٍ‬

‫يف حلظـات غضبـه وحزنـه‪ ،‬يف طريقـة أملـه‬ ‫وصفـاء ضحكتـه‪ ،‬ال يضمـر الشـ ّر ألحـد‬ ‫ويتح ّـدث بعفوي ٍـة رغـم حـذره املشـروع‬ ‫ً‬ ‫خجلا‬ ‫بعيـد ًا عـن االدعـاء‪ ،‬فكانـت تبتسـم‬ ‫نابعـ ًا مـن صدقهـا وهـي حتكـي ذكرياتهـا‬ ‫حتب السياسـة‬ ‫لهلال لتخبـره أ ّنهـا لـم تكن ّ‬ ‫وال تفهمهـا برغـم أ ّنهـا كانـت موض ًـة رائج ًـة‬ ‫همهـا الوحيـد هـو‬ ‫يتبعهـا األغلبيـة‪ ،‬وكان ّ‬ ‫حبيبهـا الـذي كان يح ّـب سـوريا أكثـر منهـا‪،‬‬ ‫ولـم يكـن ذلـك يشـعرها بالغيـرة ألنّها كانت‬ ‫حت ّبهـا أيضـ ًا وتتمنّـى لهـا كلّ شـيء ٍ جميـل‪،‬‬ ‫مـع أن ح ّبـه لسـوريا كان مزعجـ ًا للجميـع‬ ‫فـأدى إلـى اغتيالـه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ـخصية لهـا منطقهـا يف احل ّـب‬ ‫شـمس ش‬ ‫والصداقة واحلياة وحتّى القهوة التي كانت‬ ‫ّ‬ ‫تشربها صباح كل يوم بجانب الفونوغراف‪،‬‬ ‫حتـب تسـخني فنجانهـا وإعـداده بالبن‬ ‫و ّ‬ ‫األسـمر (بـدون هيـل)‪ ،‬لتسـافر عبـر‬

‫‪43‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫موسـيقاه احلاملـة مـع ذكرياتهـا التـي تعيـش‬ ‫معهـا أكثـر مـن حاضرهـا‪ ،‬وتخفـي قـدر ًا‬ ‫كبيـر ًا مـن العاطفـة النبيلـة التـي تخـاف‬ ‫إظهارهـا يف زم ٍـن يحتفـي بالقـوة والبطـش‪،‬‬ ‫ويبتعـد تدريجيـ ًا وباسـتمرار عـن كلّ معن ًـى‬ ‫للصـدق واجلمـال‪ ،‬فيهتـم باملظهـر‬ ‫حقيقـي ّ‬ ‫ويتناسـى اجلوهـر‪.‬‬ ‫السـهل املمتنع الشـائكة‪ ،‬الصافية‬ ‫تركيبة ّ‬ ‫كانعـكاس الوجـوه علـى سـطح البحيـرة‪،‬‬ ‫واحلزينـة بشـكل ٍ شـاعري ّ‬ ‫كالشـموع الذائبـة‬ ‫والتـي نسـجت شـخصية (شـمس املوازينـي)‪،‬‬ ‫لـم تكـن رغـم مسـاحتها الصغيـرة لتظهـر‬ ‫بهـذا اجلمـال وال ّتفـ ّرد والعمـق والصـدق‬ ‫الـذي لـم يلمـس النـاس إال بتجسـيده مـن‬ ‫قبـل فنانـة حقيقيـة بحجـم سـمر سـامي‪،‬‬ ‫ـس عالـي ومرهـف وقـدرة‬ ‫بثقافـة واسـعة وح ّ‬ ‫علـى التقـاط مشـاعر اإلنسـان بـكل حاالتـه‬ ‫واختزالهـا بداخلهـا لتعـود باسـمه‪ ..‬اسـم‬ ‫ذلـك اإلنسـان‪ ،‬فلـو كان أداؤهـا عاديـ ًا أو‬ ‫منطي ًـا ألمكـن اسـتبدالها بغيرهـا‪ ،‬لكـن مـا‬ ‫تقدمـه محجـو ٌز باسـمها‪ ،‬بعيـد ًا عن األسـماء‬ ‫والصفـات واأللقـاب واجملاملات‪ ،‬وأصبحـت‬ ‫يف موقعهـا شـيئ ًا مسـتق ًال بذاتـه ال يحتـاج‬ ‫الصـادق واملوهـوب‬ ‫إلـى اطـراء أو تعريـف ألنّ ّ‬ ‫لكن االختالف هنا ينبع‬ ‫ال يحتاج إلى ذلك‪ّ ،‬‬ ‫ـس اجلميـع‬ ‫مي‬ ‫ـذي‬ ‫ل‬ ‫مـن البعـد اإلنسـاني ا‬ ‫ّ‬ ‫علـى اختالفاتهـم‪ ،‬ويحكـي عـن جان ٍـب منس ٍـي‬ ‫فيهـم يف شـخصية (شـمس املوازينـي) والـذي‬ ‫بح ّرفيـة ٍ وصـدق مـن قبـل‬ ‫مت جتسـيده ِ‬ ‫خاصـة جـد ًا اسـمها سـمر سـامي‪.‬‬ ‫مبدعـة‬ ‫ّ‬


‫‪ 44‬فنون‬

‫إشكالية تحييد البطل المسرحي‬ ‫عند "فاروق عبد القادر" بين الذاتية والفعل البطولي‬ ‫فـاروق عبـد القـادر (‪ )1938-2010‬أحـد أهـمّ ن ّقـاد المسـرح فـي مصـر‪ ،‬حيث‬ ‫كان لثقافتـه الوارفـة‪ ،‬والموسـوعية دورها الداعم في تقديم دراسـات‪ ،‬وتراجم‬ ‫نقديـة فـي المسـرح اعتمـد عليهـا ّ‬ ‫كل الباحثيـن فيمـا يناقشـونه مـن قضايـا‬ ‫ِّ‬ ‫ونسـلط الضّـوء هنـا علـى رؤيـة الناقـد "فـاروق عبـد القـادر" وتحليله‬ ‫نقديـة؛‬ ‫للخطـاب النقـدي المسـرحي حـول إشـكالية "البطـل فـي المسـرح المصـري"‪،‬‬ ‫ونعتمـد فـي تلك الرؤيـة على مصطلح "نقـد النقد" في محاولة إلعـادة القراءة‬ ‫النقديـة لمقـاالت "عبـد القـادر" النقديـة فـي المسـرح‪ ،‬وهـي محاولـة إليجـاد‬ ‫عالقـات نقديـة جديدة‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد جيب‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫يح ِّـدد "فـاروق عبـد القـادر" مالمـح البطـل‬ ‫يف رؤيتـه النّقديـة يف عـدد مـن القـراءات‬ ‫النقديـة لبعـض املشـاهدات املسـرحية‪ ،‬مـن‬ ‫خلال رؤيتـه التـي ُتعلـي مـن مالمـح وقسـمات‬ ‫"البطـل الثائـر" وإن كان هـذا ال ّتصـور يحمـل‬ ‫باألسـاس صفـات "البطـل التراجيـدي"‬ ‫املرتبـط بجملـة مـن الصراعـات التـي‬ ‫يخوضهـا مـن منطلـق الـذّ ات‪ ،‬والواقـع لذلـك‬ ‫يتَّصف "البطل" يف قراءة "فاروق عبد القادر"‬ ‫بالسـمات املطلقـة التـي ال يحكمهـا‬ ‫النّقديـة ِّ‬ ‫معياريـة نسـقية مح ّـددة داخـل البنيـة‬ ‫املسـرحية مـن حيـث التكويـن والوظيفـة‪.‬‬ ‫واحلقيقـة أنّ "فـاروق عبـد القـادر" لـم‬ ‫يربـط البطـل باملفهـوم "األرسـطي البحـت"‬ ‫بـل جعلـه أحـد أفعـال النّـص املسـرحي بحيـث‬ ‫يسـتنطق الواقـع بكامـل مـا فيـه مـن زيـف‬ ‫فيعيـد مـن خاللـه اختبـار األفـكار التاريخيـة‬ ‫قبـل أن يناقشـه يف النّـص الـذي يسـ ِّلط‬ ‫ّ‬ ‫"احللاج"‬ ‫عليـه آلـة ال ّتشـريح فشـخصية‬ ‫يف مسـرحية ّ‬ ‫الشـاعر "صلاح عبـد الصبـور"‬ ‫"مأساة احلالج" يرى بأنه ((شخصية حتفظ‬ ‫التاريـخ أخبارهـا‪ ،‬وأشـعارها‪ ،‬وهـذا سـؤال عـن‬ ‫الصـدق التاريخـي))( ) ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويـرى "فـاروق عبـد القـادر" أن ّالبطـل أداة‬

‫ّ‬ ‫"فاحللاج"‬ ‫إلبـراز صـور الواقـع بـكل ّتفاصيلـه‬ ‫يف مأسـاة "عبـد الصبـور" هـو ذلـك البطـل‬ ‫الـذى ُصلـب‪ ،‬واشـترك اجلميـع يف قتلـه لقـد‬ ‫ُقتـل ألنـه تـرك أث ًـرا‪ ،‬واألثـر هنـا هـو الكلمـة‪،‬‬ ‫والقيمـة والفكـرة‪ ،‬والـذي تخلّـى عنـه اجلميـع‬ ‫حتّـى أقـرب أصدقائـه "الشـبلي" فلـم تكـن‬ ‫ّ‬ ‫للحلاج هـذا البطـل‬ ‫الفطـرة االجتماعيـة‬ ‫السـيف‪ ،‬ويحـارب ويقاتـل‪ ،‬أو‬ ‫الـذى يحمـل ّ‬ ‫املتعصـب‪ ،‬وال ّراقـص علـى جثـث‬ ‫ذلـك الثائـر‬ ‫ِّ‬ ‫األحـداث‪ ،‬بـل هـو شـهيد الكلمـة الباحـث‬ ‫عـن اخللاص باملـوت‪ ،‬هـو ذلـك البطـل كمـا‬ ‫يـراه "فـاروق عبـد القـادر"‪ ،‬ويصفـه بأنّـه ((ال‬ ‫يسـتطيع أن ُيغمـض عينيـه عـن ّ‬ ‫الشـر الـذي‬ ‫ملأ الكـون فقـر الفقـراء‪ ،‬وجـوع اجلوعـى‬ ‫ـاء قـد‬ ‫املسـجونون املصفـودون‪ ،‬رجـاال ونس ً‬ ‫فقـدوا احلريـة))( )‬ ‫وعلـى مـا يبـدو أنّ "فـاروق عبـد القـادر"‬ ‫ُيزعجـه غيـاب احل ِّريـة التـي أ ّدى غيابهـا إلـى‬ ‫أن يح َّـط الفسـاد خطايـاه علـى ِّ‬ ‫كل ذ ّرة هـواء‬ ‫نظيفـة تخـرج مـن زفـرات األبطـال الذيـن‬ ‫ميوتـون باألفـكار‪ ،‬ويتمنّـون املـوت للخلاص‬ ‫ّ‬ ‫"فاحللاج" كأمنـوذج‬ ‫مـن هـذا العالـم املوبـوء‪،‬‬ ‫ال يقـف مبعـزل عمـا يع ّـج بـه العالـم مـن‬ ‫أحـداث بحيـث ك ّلفـه ضميـره أن يشـارك فيـه‬

‫بالـرأي والتّوجيـه‪ ،‬ويدلـو بدلـوه فيمـا يـراه‬ ‫أهـ ًلا للواليـة بين النـاس‪ ،‬وهـو ال يريـد أن‬ ‫ُيغلـق َعينيـه علـى مـا يف قلبـه‪ ،‬بـل يريـد أن‬ ‫ينـزل للنـاس ويقـول لهـم‪:‬‬ ‫احللاج‪ :‬اهلل فعـول يـا أبنـاء اهلل كونـوا‬ ‫مثلـه))( )‬ ‫فالبطـل كمـا ِّ‬ ‫يؤطـر لـه "فـاروق عبد القادر"‬ ‫ّ‬ ‫"احللاج" ي ِّقـرر حقيقـة مفادهـا‬ ‫يف محاكمـة‬ ‫مـا جـاء علـى لسـان ابـن سـريج‪:‬‬ ‫ابن سـريج‪ :‬أردمت أن تعطوه لهم مسـفوك‬ ‫الدم مسـفوك السـمعة‪ ،‬واالسـم( )‬ ‫ّ‬ ‫وإذا كان "الفعـل البطولـي" مـن القضايـا‬ ‫التـي تـؤ ِّرق "فـاروق عبـد القـادر" واملثقّ ـف‬ ‫والدافعيـة يف تأصيـل‬ ‫املعاصـر يف هـذا ال ّرصـد ّ‬ ‫بطولـة "احللاج" لبقـاء كلماتـه فقـط بينمـا‬ ‫ُقتـل الباحـث عـن احلكمـة‪ ،‬والفعـل فظـلّ‬ ‫ّ‬ ‫"احللاج" ر ًمـزا للبقـاء اللّفظـي ليت ّـم قتـل‬ ‫احل ِّريـة يف فعلهـا‪ ،‬ولفظهـا يف آن واحـد يف‬ ‫رؤيـة "فـاروق عبـد القـادر"‪ ،‬غيـر أن هـذه ال ّرؤيـة‬ ‫خاص ًـة يف‬ ‫لـم تف ّـك شـفرة النّـص يف عمومـه‬ ‫ّ‬ ‫الوقـت الـذي لـم يفصـل فيـه "صلاح عبـد‬ ‫الصبـور" بين "احللاج"‪ ،‬و"ذاتـه" فاحلقيقـة‬ ‫ّ‬ ‫"احللاج" هـو نفسـه "صلاح عبـد الصبـور"‪،‬‬ ‫أنّ‬


‫فنون‬

‫"البطـل" عنـد "ألفريـد فـرج" مـن منظـور‬ ‫"الرابـط التراثـي" فبـدأ يف رؤيتـه مـن أعلـى‬ ‫منطقـة يف احلـدث الدرامـي للمسـرحية يف‬ ‫جملتها الشـهيرة "أن يعود كليب ح ًيا" فحياة‬ ‫"الزيـر سـالم" م َّـرت مبرحلتين‪ ،‬األولـى‪ :‬التـي‬ ‫والسـكير‪ ،‬والتي‬ ‫ُعرف فيها مبشـاعر ِ‬ ‫العربيد‪ّ ،‬‬ ‫ـص القبيلـة‪،‬‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫ـا‬ ‫م‬ ‫يبتعـد فيهـا عـن كل‬ ‫ّ‬ ‫والثانيـة‪ :‬نقطـة التحـ ّول بعـد مقتـل أخيـه‬ ‫تتلخـص يف حالـة‬ ‫ُ"كليـب"‪ ،‬وأزمـة املسـرحية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والشـقيق الـذي‬ ‫التمـزّق بين ح ّـب الـزّوج‪،‬‬ ‫يطمـع يف احلكـم‪ ،‬واحملـاوالت ا ُملضنيـة يف‬ ‫إبعـاد "سـالم" شـقيق ُ"كليـب" ليخلـو العـرش‬ ‫لـ"هجـرس" ابـن شـقيقه الـذي لـم يولـد بعـد‪،‬‬ ‫وعلـى إثـر هـذه العالقـات املم ّزقـة تـدور رحـا‬ ‫عامـا‬ ‫احلـرب بين "تغلـب"‪ ،‬و"بكـر" ألربعين ً‬ ‫متّصلـة بينمـا البطـل التراجيـدي "سـالم"‬ ‫كمـا يقـول "فـاروق عبـد القـادر" ((رفـض كل ّ‬ ‫ُمصاحلـة وأراد أن يقـف يف وجـه القانـون‪ ،‬وهـو‬ ‫أنّ ال ّزمـن ال يرجـع للـوراء‪ ،‬وعـودة ُكليـب ح ًّيـا‬ ‫معجـزة تعنـي إلغـاء فعـل حـدث‪ ،‬ويف سـبيل‬ ‫هـذه املعجـزة ارتكـب سـالم كلّ ّ‬ ‫الشـرور‪ ،‬وقتـل‬ ‫األطفـال‪ ،‬ومـزّق روابـط القرابـة دون رحمـة‪،‬‬ ‫حتـول إلـى سـفاح ال يرضـى إ ّال اإلبـادة))( )‪.‬‬ ‫و ّ‬ ‫السـيرة ّ‬ ‫الشـعبية طرحـت صـورة‬ ‫ورغـم أنّ ّ‬ ‫البطـل "سـالم" بين حت ّولـه املتناقـض مـن‬ ‫النّقيـض إلـى النّقيـض‪ ،‬إ ّال أ ّننـا نختلـف‬ ‫مـع "فـاروق عبـد القـادر" الـذى وصـف هـذا‬

‫ال ّتحـ ّول علـى أنّـه صـراع مـع ال ّزمـن فلـم‬ ‫صراعـا مـع ال ّزمـن بـل هـو اشـتعال‬ ‫يكـن‬ ‫ً‬ ‫الصـراع مـع املـوروث مـن العـادات‪ ،‬والتقاليـد‬ ‫ّ‬ ‫أنهـا‬ ‫فاملعجـزة التـي يـرى "فـاروق عبـد القـادر" ّ‬ ‫لـم تتحقّ ـق (العدالـة املطلقـة)‪ ،‬والتـي دفـع‬ ‫"سـالم" البطـل حياتـه مـن أجلهـا حتقّ قـت يف‬ ‫جلـوس "ابـن ُكليـب" علـى عـرش أبيـه‪ ،‬ولكـن‬ ‫بعـد أن متّ اسـتدراجه مـن أجـل حتقيـق هـذه‬ ‫اللعبـة مـن قبـل "جليلـة" "زوجـة" ُ"كليـب"‬ ‫املقتـول فلـم يكـن مكسـ ًبا جزئ ًيـا كمـا ذهـب‬ ‫إليـه "فـاروق عبـد القـادر" بـل اخلسـارة كانـت‬ ‫فادحـة علـى جميـع األطـراف لعـدم توصلهـم‬ ‫إلـى سياسـة توافقيـة يحكـم اجلميـع مـن‬ ‫خاللهـا‪ ،‬ولكـن كيـف فسـر "فـاروق عبـد القادر"‬ ‫النـص يف ضـوء مـا تتركـه شـخصية "البطـل"‬ ‫مـن صراعهـا فشـخصية "هجـرس" كمـا يقـول‬ ‫"فـاروق عبـد القـادر"‪(( :‬تعنـى لـم الشـمل "أول‬ ‫مشـاهد املسـرحية‪ :‬يرتقـى هجـرس العـرش‬ ‫ليحقـق االئتلاف بين األخـوة املتحاربين‪،‬‬ ‫وليؤكـد فكـرة "املصاحلـة" ومـن خلـف ظهـره‬ ‫تلتقـي أيـدى إلكتـرا‪ ،‬وكليمننسـتر‪ ،‬أو جليلـة‪،‬‬ ‫وميامـة))( )‪.‬‬ ‫ويف تفسـير "فـاروق عبـد القـادر" ومـدى‬ ‫هـذا التعنـت مـن قبـل "الزيـر سـالم" بأنّـه كان‬ ‫األوفـق‪ ،‬وا ّ‬ ‫حلـل يكمـن يف أن هـذه التوافقيـة‬ ‫التـي يلتقـى فيهـا القبيلتين ليتقاسـما‬ ‫السـلطة فوضـع "ألفريـد فـرج" احلـل مبك ًـرا‪،‬‬ ‫وعـاد يحكـي أحـداث املسـرحية علـى طريقـة‬ ‫"االسـترجاع"‪ ، Flash back‬ورغـم أن "فـاروق‬ ‫عبـد القـادر" دخـل مباشـرة يف توصيـف‬ ‫الصـراع للزيـر "سـالم" باسـتدعاء "املونولـوج‬ ‫الطويـل" الـذي ُيسـقط بـه علـى املاضـي‪،‬‬ ‫صراعـا مـع الزمـن يف الوقـت‬ ‫والـذي يعتبـره‬ ‫ً‬ ‫الـذي يرمـي فيـه "ألفريـد فـرج" من اسـتلهامه‬ ‫للتـراث إلعمـال نظـرة كاشـفة وفاحصـة‬ ‫للتـراث فيقـول د‪ .‬أبـو احلسـن سلام أراد‬ ‫ألفـرد بالتـراث ((أن ُيحملـه منظـو ًرا مغاي ًـرا‪،‬‬ ‫ويضيـف بع ًـدا تفسـير ًيا للحادثـة التاريخيـة‬ ‫أو اللقطـة التراثيـة كشـفً ا عـن تناقضاتهـا من‬ ‫هنـا اختلفـت الفكـرة‪ ،‬وإيقاعهـا يف املسـرحية‬ ‫عنهـا يف السـيرة الشـعبية ا ُملسـتلهمة‪ ...‬فـإن‬ ‫فكـرة احلقيقـة تاهـت وسـط دروب فلسـفية‬ ‫أراد املؤلـف أن ُي ّحوطهـا بهـا))( )‪.‬‬ ‫وفيما يخص فكرة الزمن املرتبط بالصراع‪،‬‬ ‫ومـا يعتمـل نفـس "البطـل" فهـو اسـتدعاء‬ ‫داخـل صـدر العمـل فالكاتـب يحـاول أن ُيقّ ـرب‬ ‫فكـرة الزمـن باسـتخدامه للتـراث‪(( ،‬فالكاتـب‬ ‫حين ُيعـ ِّول علـى التـراث فإنـه يف احلقيقـة‬ ‫يعيـد صياغـة احلـدث إس ً‬ ‫ـقاطا علـى احلاضـر‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫لذلـك تقـول د‪ .‬نعيمـة مـراد عـن شـخصية‬ ‫"احللاج"‪(( :‬هـو مثقـف معاصر اتّخذ لنفسـه‬ ‫لتزمـا جتـاه قضايـا وطنـه‬ ‫موقفً ـا مح ّـدد ًا ُم ً‬ ‫املصيريـة التـي تت ّلخـص يف االسـتبعاد الـذي‬ ‫يفرضـه احلاكـم مـع ّ‬ ‫الشـعب ليحرمه احل ِّرية‪،‬‬ ‫والعـدل))( )‪.‬‬ ‫إذن يظـلّ "صلاح عبـد الصبـور" يف حيـرة‬ ‫مـن أمـره فـأي األشـياء يختـار هـل يختـار‬ ‫السـلطة؟ ويقتـل الفكـرة أم يرفـع صوتـه‬ ‫ّ‬ ‫فينـكل بـه؟ إ ّال أنّ "فـاروق عبـد القـادر" أخـذ‬ ‫ُ‬ ‫علـى عاتقـه يف تعميـم‪َ ،‬‬ ‫وت ّيـد بطـل "صلاح‬ ‫عبـد الصبـور"‪ ،‬واقتصـر ربطـه ال ّنقـدي علـى‬ ‫ثالثيـة االعتيـاد النّمطـي (الـذات– الواقـع–‬ ‫اجملتمـع)‪ ،‬وأثّـر ذلـك علـى احليـاة يف جوانبهـا‬ ‫والسياسـية واالجتماعيـة‪،‬‬ ‫االقتصاديـة‬ ‫ِّ‬ ‫ومبقارنـة رؤيـة "فـاروق عبـد القـادر" النّقديـة‬ ‫ملأسـاة "عبـد الصبـور" ورؤيتـه النّقديـة‬ ‫املتح ِّولـة لثنائيـة "النّـاس اللـي حتـت والنـاس‬ ‫اللـي فـوق" يف مسـرح "نعمـان عاشـور" والـذي‬ ‫الضـرورة الواقعيـة التـي تسـتهدف‬ ‫يـرى فيـه ّ‬ ‫أن يهبـط األعلـى (طبقـة عبـد املقتـدر باشـا‬ ‫وعائلتـه) للطبقـة األدنـى (الطبقة الوسـطى‪،‬‬ ‫سـكينة هـامن وأوالدهـا حسـن وجمـاالت) يف‬ ‫الوقـت الـذي لـم يقـم بتوجيـه تلـك النصيحـة‬ ‫لـ"صلاح عبـد الصبـور" يف أن ينـزل ملنزلـة‬ ‫السـلطة‬ ‫األفـكار والكلمـة‪ ،‬ويبتعـد عـن‬ ‫ّ‬ ‫ومغرياتهـا لذلـك جـاء البطـل يف مأسـاة‬ ‫احللاج ((بطًـلا تراجيد ًيـا باملعنـى الـذي‬ ‫فهمـه عـن أرسـطو‪ ،‬أي أنّـه بطـل لـه سـقطته‪،‬‬ ‫وسـقطته كانـت نتيجـة خطـأ لـم يرتكبـه‪،‬‬ ‫ولكنّـه يف تركيبتـه‪ ،‬وباعثـه هـو الغـرور‪ ،‬وعـدم‬ ‫التّوسـط))( )‬ ‫ويقـف "فـاروق عبـد القـادر" مـن إشـكالية‬ ‫البطـل يف "احللاج" موقفً ـا متوس ًـطا‪ ،‬وغيـر‬ ‫مبـرر يف الوقـت الـذي يحـاول فيـه " صلاح‬ ‫عبـد الصبـور" أن يدفـع حتميـة املصيـر‪،‬‬ ‫وإقبـال "احللاج" علـى خـوض الصـراع مـع‬ ‫السـلطة السياسـية ويكأنـه يقـدم نفسـه‬ ‫متامـا مالمـح البطـل‬ ‫قربانًـا‪ ،‬وهـذا يخالـف‬ ‫ً‬ ‫التراجيدي "فاحلالّج" بدأ رحلته رج ًلا صل ًبا‬ ‫متماسـكً ا‪ ،‬وانتهى ضح ّية فلم يكشـف "فاروق‬ ‫عبـد القـادر" عـن األسـباب التـي جعلـت "عبـد‬ ‫الصـراع‪ ،‬وتكثيفـه‬ ‫الصبـور" ُيخفِّ ـف جرعـة ِّ‬ ‫ّطهـر فقـد أضـاع "عبـد الصبـور"‬ ‫يف حالـة الت ُّ‬ ‫املأسـاة عندما قدم بطله التراجيدي ضح ّية‪،‬‬ ‫وأن وسـيلته يف القـرب مـن اهلل هـو دمـه فـكان‬ ‫لـه مـا أراده‪.‬‬ ‫بينمـا جـاءت رؤيـة "فـاروق عبـد القـادر"‬ ‫النّقديـة يف مسـرحية "الزيـر سـالم" لنمـوذج‬

‫‪45‬‬


‫‪ 46‬فنون‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫املعيـش بهـدف التأثيـر بـه علـى احلاضر نفسـه‪،‬‬ ‫واسـتئناف املسـتقبل إن احلادثـة التاريخيـة‬ ‫ا ُملسـتلهمة مـن التـراث ال ُتشـكل سـوى وسـيلة‬ ‫ُيشـار بهـا يف احلاضـر املعيـش))( )‪.‬‬ ‫وهـذا عكـس مـا ذهـب إليـه "فـاروق عبـد‬ ‫القـادر" الـذي اسـتبعد أن تكـون فكـرة الزمـن‬ ‫نابعـة مـن العمـل باإلضافـة إلـى نظرتـه‬ ‫للمتحقـق مـن موقـف البطـل متثيـ ًلا للعدالـة‬ ‫مـا أوقعـه كبطـل يف الفـخ الـذي اجنـرف فيـه‬ ‫"احللاج" يف أن يدفـع حياتـه ثمنًـا لفكـرة لـم‬ ‫تكتمـل ألنـه لـم ُي ّحـدد مصيـره أو اختياراتـه‬ ‫كمـا يفسـره "أبـو احلسـن سلام" كـرد فعـل‬ ‫يتحـ ّرى ((منظـور التأرخـة التـي هـي عصـب‬ ‫نظريـة التعريـف امللحمـي‪ -‬عنـد حتليـل بنيـة‬ ‫ويق ِّومهـا مـن‬ ‫النّـص الـذي يعـرض القضيـة‪ُ ،‬‬ ‫منظـور ُمعاصـر‪ ،‬وهـذا مـا يخـرج بـه ألفريـد‬ ‫فـرج مـن أسـئلته إذ يصـل إلـى حكـم بـأنّ‬ ‫منتقمـا ولـم يكـن بطـ ًلا فاالنتقـام‬ ‫سـالم كان‬ ‫ً‬ ‫الدمـوي ال ميكـن أن يكـون منـاط بطولـة‬ ‫ّ‬ ‫لبطـل االنتقـام نفسـه نـزوة نفـس خبيثـة وال‬ ‫حـق إال بالقصـاص العـدل))( )‪.‬‬ ‫"فهجـرس" ميثـل "العدالـة النسـبية" بين‬ ‫القبيلتين‪ ،‬رغـم عـدم إقـرار هـذا العـدل‪ ،‬وظـلّ‬ ‫العـدل هنـا بينهمـا فكـرة ال ُيكـن حتقيقهـا‬ ‫مـن خلال "الزيـر سـالم" الـذي يطالـب بـدم‬ ‫أخيه ُ"كليب"‪ ،‬وأن يغسـل حتت كرسـي العرش‬ ‫مبـاء رائـق‪ ،‬وإذا افترضنـا أن "سـالم" َقبـل‬ ‫ا ُملصاحلـة‪ ،‬و َقبـل أن ميـوت هـل كان سـيصبح‬ ‫بطـ ًلا يف نظـر "فـاروق عبـد القـادر"؟ بالطبـع‬ ‫ال! فيقول‪(( :‬ال يبدو منطق ًيا أن يقبل سـالم‬ ‫ا ُملصاحلة حلظة احتضاره وأن يرضى ببعض‬ ‫كثيرا‬ ‫العدالـة ثمنًـا للعدالـة‪ ...‬إنـه هنـا يبتعد ً‬ ‫عـن مفهـوم البطـل التراجيـدي‪ ...‬ويبـدو‬ ‫ـودا سـيئ احلـظ أيقـن يف حلظاتـه‬ ‫رجـ ًلا منك ً‬ ‫األخيـرة أن عنـاده يف طلـب ثـأر أخيـه كان‬ ‫طريقً ـا خاطئًـا كلفـه حياتـه))( )‪.‬‬ ‫ويقـرر "فـاروق عبـد القـادر" أن "الزيـر‬ ‫سـالم" لـم يـرض ببعـض العدالـة ثمنًـا‬ ‫معـا األول‪:‬‬ ‫للعدالـة فحمـل الوجهين ً‬ ‫طلـب العـدل املطلـق‪ ،‬والثانـي‪ :‬اسـتحالة‬ ‫حـدوث هـذا املعادلـة‪ ،‬وربطهمـا بوجـود بطـل‬ ‫تراجيـدي مـن عدمـه فأيهمـا يكـون "الزيـر‬ ‫سـالم" بطـ ًلا تراجيد ًيـا أم رجـ ًلا سـيئ احلـظ‬ ‫منكودا ويجيب د‪ .‬أبو احلسن سالم على هذا‬ ‫ً‬ ‫التسـاؤل فيقـول‪(( :‬البطولـة ليسـت للفـرد‬ ‫يف املسـرح امللحمـي وال تعتـرف الفلسـفة‬ ‫املاديـة اجلدليـة‪ ،‬والتاريخيـة التـي يهتـدي‬ ‫بهـا املسـرح امللحمـي ببطولـة فرديـة‪ ،‬ولكنهـا‬ ‫الصـراع‬ ‫معقـودة للوسـط االجتماعـي يف ظـلّ ّ‬

‫الطبقـي‪ ،‬وطبيعـة احلـراك املـادي املتفاعـل‪،‬‬ ‫وهذا ما حذا بألفريد فرج أن يصل إلى فكرة‬ ‫أن العـدل ال يتحقـق لفـرد (زي ًـرا) كان أو غيـر‬ ‫هجرسـا أم غيـر هجـرس))( )‪.‬‬ ‫(زيـر)‬ ‫ً‬ ‫ويعنـي هـذا أن الشـخصية املسـرحية يف‬ ‫"الزيـر سـالم" ُت ِّمـد "احلـدث الدرامـي" أمـا‬ ‫شـخصية "جسـاس" التـي وصفهـا "فـاروق‬ ‫عبـد القـادر" بأنهـا شـخصية موظفـة مثـل‬ ‫باقـي الشـخصيات تـؤدي لقطـات متفرقـة‬ ‫أشـبه مـا تكـون بلقطـات سـينمائية‪ ،‬وتركـزت‬ ‫إجادتهـا مـع باقـي الشـخصيات مـن خلال‬ ‫"املونولوجـات الطويلـة" ويف هـذا التصـور‬ ‫لـم ُيفسـر "فـاروق عبـد القـادر" األسـباب وراء‬ ‫اسـتخدام هـذه املونولوجـات يف الوقـت الـذي‬ ‫مهمـا فهـو‬ ‫يلعـب فيـه املونولـوج الطويـل دو ًرا ً‬ ‫((تكويـن كالمـي فـردي الـروح ُيلقـى أو يكتـب‪،‬‬ ‫وبهـذا فهـو ميثـل كالم ُمتحـدث واحـد‪ ،‬وقـد‬ ‫يشـير إلـى التجنيبة‪-‬احملادثـة الداخليـة‬ ‫الشـخصية درامـا ا ُملمثـل الواحد‪-‬املناجـاة‬ ‫الفرديـة))( )‪.‬‬ ‫ويف رؤيـة الباحـث أن تداخـل الصـراع يف‬ ‫نفـس البطـل بخطوطـه الدراميـة هـو السـبب‬ ‫وراء جلـوء "ألفريـد فـرج" "للمونولوجـات‬ ‫الطويلـة" علـى افتـراض أن مسـرحيته‬ ‫ملحميـة ((فامللحمـة بطبيعـة لونهـا محـاكاة‬ ‫عـن طريـق السـرد لتسـمح بعـرض حـوادث‬ ‫مختلفـة يف وقـت واحـد‪ ،‬وهـذا بـدوره يسـمح‬ ‫للملحمـة بطـول أكثـر مـن التراجيديـا))( )‪.‬‬ ‫إنّ البطـل عنـد "فـاروق عبـد القـادر" هـو‬ ‫البطـل التراجيـدي الثائـر الـذي ال يرضـى‬ ‫بنصـف حـلّ أو بنصـف حقيقـة فقـد يتحـ ّول‬ ‫"البطـل" إلـى فكـرة كاذبـة‪ ،‬كمـا حـدث يف‬

‫مسـرحية "الزوبعة" فيرى "فاروق عبد القادر"‬ ‫يف رؤيتـه النقديـة ملسـرحية "محمـود ديـاب"‬ ‫أنـه مبجـ ّرد انتشـار نبـأ خـروج "حسين أبـو‬ ‫شـامة" مـن السـجن بعـد أن أ ّدى ُم ّـدة العقوبـة‪،‬‬ ‫دب الرعـب يف قلـوب رجـال القريـة‬ ‫سـرعان مـا ّ‬ ‫الظالـم أهلهـا مـع سـماع هـذا اخلبـر‪ ،‬وخروجه‬ ‫يعنـى أنّـه عـاد لينتقـم مـن اجلميـع فلـم‬ ‫يسترسـل "ديـاب" يف احلديـث عـن "حسين أبـو‬ ‫شـامة"‪ ،‬ولكنّـه اكتفـى بظلال حضوره الوهمي‬ ‫ليكشـف عـن مـدى هشاشـة العالقـات داخـل‬ ‫القريـة‪ ،‬والفوضـى التـي حتملهـا فلـم تكـن‬ ‫فكـرة الرجـل العائـد لالنتقـام لـكل مـن نَكلـوا‬ ‫بـه‪ ،‬وظلمـوه سـوى لفضـح العالقـات الزائفـة‬ ‫يف القرية فيقول "فاروق عبد القادر"‪(( :‬لسنا‬ ‫يف حاجـة إلـى القـول بـأن حسين أبـو شـامة لـم‬ ‫يصـل أب ًـدا إلـى القريـة‪ ،‬فكيـف يصلهـا رجـل‬ ‫مـات يف السـجن قبـل سـنوات أربـع كمـا يقـول‬ ‫زميلـه))( )‪.‬‬ ‫وهـذا التّوصيـف غيـر مبـرر مـن منظـور‬ ‫الرؤيـة النقديـة عنـد "فـاروق عبـد القـادر"‬ ‫كونـه هـو ميثـل "احلـدث الدرامـي" فمظاهـر‬ ‫القبـح يف القريـة‪ ،‬واألشـخاص الذيـن‬ ‫ميثلـون األفـكار الزائفـة‪ ،‬والذيـن ميكـن‬ ‫أن نطلـق عليهـم "الهالفيـت" و"احلفـاة"‬ ‫وجـدوا يف القريـة ليعملـوا ك ُأجـراء‬ ‫الذيـن ُ‬ ‫لآلخريـن بغيـر أجـر وهـم ‪/‬احلـاج صاحـب‬ ‫األرض كبيـر القريـة (لـص‪ ،‬وكاذب) ‪/‬خليـل‬ ‫أبـو عمـر (قاتـل)‪ ،‬وحسين األعـرج (سـارق‬ ‫وكاذب) وأبـو سـليم (لـص وانتهـازي‪ ،‬ومذعـور)‬ ‫مجموعـة مـن العالقـات ا ُملتبادلـة التـي اكتفـى‬ ‫"فـاروق عبـد القـادر" بذكـر أسـمائها فقـط‬ ‫دون أن يكشـف عـن رموزهـا العميقـة فمـاذا‬ ‫تعنـى القريـة هنـا عنـد "ديـاب"؟ ففضـاء‬ ‫القريـة يرمـز للوطـن وبنـى "ديـاب" صراعـه‬ ‫يف "الزوبعـة" بين فـرد مظلـوم (أبـو شـامة)‬ ‫أضاعته شـهادة الزور‪ ،‬والبهتان والتي حملته‬ ‫إلـى أن يـزج بـه يف السـجن واغتصبـت أرضـه‪،‬‬ ‫وتشـرد أوالده‪ ،‬فتلـك النمـاذج املتصارعـة‬ ‫تعـد حص ًـرا جملمـوع ظالـم يحتـوي علـى كل‬ ‫النمـاذج اآلثمـة‪ ،‬والتـي يـأكل بعضهـا البعـض‬ ‫يف سـبيل املـال‪ ،‬والسـلطة‪ ،‬ولكـن كيـف مـارس‬ ‫البطـل دوره يف مسـرحية "محمـود ديـاب"؟‬ ‫إنّ شـخصية البطـل يراهـا الباحـث مرتكـزة‬ ‫حـول شـخصية "صالـح" وهـذا مـا نفـاه "فاروق‬ ‫عبـد القـادر"‪ ،‬فيعـرض لـه بـدوال تنظيريـة‬ ‫خارجيـة تبين مـدى تهلهـل تكوينـه البنائـي‬ ‫فيقـول‪(( :‬الشـخصية الرديئـة يف الزوبعـة هـي‬ ‫شـخصية صالـح‪ ...‬كان يف البدايـة س ً‬ ‫ـاخطا‪،‬‬ ‫وكادت جـذوة سـخطه تنطفـئ‪ ،‬وكاد يستسـلم‬


‫فنون‬

‫ألمنـاط املعتـاد واملتـوارث يف ُمسلسـلة‬ ‫الصعـود وتبريـرات الهبـوط يف "النـاس اللـي‬ ‫فـوق والنـاس اللـي حتـت" يف مسـرح "نعمـان‬ ‫عاشـور" كمحاولـة إلذكاء النفّ ـس الثـوري‬ ‫اجلديـد خاصـة‪ ،‬وأن تلـك الشـخصيات يف‬ ‫أدوراهـا املسـرحية بين القـدمي واجلديـد مـرت‬ ‫مبراحـل عديـدة مـن أشـكال الصـراع وصـو ًلا‬ ‫للحظـة التحـ ّول الـذي لـم يدعمـه "فـاروق‬ ‫عبـد القـادر" بفضـل علنـي يبتعـد عـن كل‬ ‫أشـكال املماطلـة التنظيريـة‪.‬‬ ‫الهوامش‪:‬‬

‫( ) عبد القادر‪ ،‬فاروق‪ ،‬حول الصدق التاريخي والصدق‬ ‫الفني يف مأساة احلالج‪ ،‬دار الثقافة اجلديدة ط‪ ،1‬الهيئة‬ ‫العامة لقصور الثقافة ص ‪23‬‬ ‫( ) عبد القادر‪ ،‬فاروق‪ ،‬حول الصدق التاريخي والصدق‬ ‫الفني يف مأساة احلالج‪ ،‬م س ص‪24‬‬ ‫( ) عبد القادر‪ ،‬فاروق‪ ،‬حول الصدق التاريخي والصدق‬ ‫الفني يف مأساة احلالج‪ ،‬م س ص ‪24‬‬ ‫( ) عبد القادر‪ ،‬فاروق‪ ،‬حول الصدق التاريخي والصدق‬ ‫الفني يف مأساة احلالج‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪107‬‬ ‫( ) محمـد‪ ،‬نعيمـة مـراد (‪ )2005‬املسـرح الشـعري عنـد‬ ‫صلاح عبـد الصبـور‪ ،‬الهيئـة املصريـة العامـة‬ ‫للكتاب‪ ،‬مكتبة األسرة ص‪206‬‬ ‫( ) محمـد‪ ،‬نعيمـة مـراد املسـرح الشـعري عنـد صلاح‬ ‫عبـد الصبـور‪ ،‬م س ص‪206‬‬ ‫( ) عبدالقـادر فـاروق‪ ،‬حـول الصـدق التاريخـي والصـدق‬

‫الفني يف مأساة احلالج ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪40‬‬ ‫( )عبـد القـادر‪ ،‬فـاروق‪ ،‬الزيـر سـالم مسـرحية صعبـة‪..‬‬ ‫ومخـرج ُمتواضـع‪ ،‬م س ص‪41‬‬ ‫( )سلام‪ ،‬أبـو احلسـن‪ )2016( ،‬املنطـق مـن نظريـة ال‬ ‫تطابـق النـص املسـرحي‪ ،‬جمعيـة الدرامـا اإللكترونيـة‬ ‫تاري�خ الدخ�و ل ‪ 12‬يونيـه �‪2020https://www.face‬‬ ‫‪/book.com/hwar.org/posts/1537646536252610‬‬ ‫( )سلام‪ ،‬أبـو احلسـن‪ )2016( ،‬املنطـق مـن نظريـة ال‬ ‫تطابـق النـص املسـرحي‪ ،‬جمعيـة الدرامـا اإللكترونيـة‬ ‫تاري�خ الدخ�و ل ‪ 12‬يونيـه �‪2020https://www.face‬‬ ‫‪/book.com/hwar.org/posts/1537646536252610‬‬ ‫( )سلام‪ ،‬أبـو احلسـن‪ )2016( ،‬املنطـق مـن نظريـة ال‬ ‫تطابـق النـص املسـرحي‪ ،‬جمعيـة الدرامـا اإللكترونيـة‬ ‫تاري�خ الدخ�و ل ‪12‬يونيـه �‪2020https://www.face‬‬ ‫‪/book.com/hwar.org/posts/1537646536252610‬‬ ‫( )عبد القادر‪ ،‬فاروق‪ ،‬الزير سالم مسرحية صعبة‪ ..‬ومخرج‬ ‫متواضع مساحة للضوء‪ ،‬مساحات للظالل ص‪42-43‬‬ ‫( )سلام‪ ،‬أبـو احلسـن‪ ،‬املنطـق مـن نظريـة ال تطابـق‬ ‫املسـرح‪ ،‬مرجـع سـابق‪.‬‬ ‫( )حمـادة‪ ،‬إبراهيـم‪ ،‬معجـم املصطلحـات الدراميـة‬ ‫واملسـرحية ص‪ 271‬رقـم ‪617‬‬ ‫( )حمـادة‪ ،‬إبراهيـم‪ ،‬معجـم املصطلحـات الدراميـة‬ ‫واملسـرحية ص‪ 265‬رقـم ‪600‬‬ ‫( )رشـدي‪ ،‬رشـاد ‪ 1992‬نظريـة الدرامـا مـن أرسـطو إلـى‬ ‫اآلن‪ ،‬مكتبـة االجنلـو املصريـة‪ ،‬ص‪59‬‬ ‫( )عبـد القـادر‪ ،‬فـاروق‪ ،‬الزوبعـة‪ ،‬مسـاحات للظـل‬ ‫مسـاحات للضـوء م س ص‪60‬‬ ‫( )عبـد القـادر‪ ،‬فـاروق‪ ،‬الزوبعـة‪ ،‬مسـاحة للظـل‪،‬‬ ‫ومسـاحات للظلال م س ص‪60‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫للدمـار الـذي ُتوجعـه بـه اجلماعـة حين‬ ‫تقـدم لـه صـورة زائفـة عـن نفسـه "األهطـل"‬ ‫دائمـا مـن مجتمـع الرجال‬ ‫أو األبلـه‪ ،‬واملنبـوذ ً‬ ‫القابـع ُمنزو ًيـا))( )‪.‬‬ ‫إذن "صالـح" بشـخصيته املهترئـة يعـد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فارقـا يحـرك‬ ‫حدثـا‬ ‫خاملا ينتظـر‬ ‫بطـ ًلا‬ ‫كـرات الثلـج مـن عمـق هـذا اجلبـل اجلليـدي‬ ‫اخلانـع لينصهـر أمـام كل هـذه األفـكار‬ ‫الزائفـة مـن الشـخوص االنتهازيـة فـكان‬ ‫تفجيـر خبـر عـودة "أبـو شـامة" احملـك الـذي‬ ‫حـرك صراعـه اخلامـل لالنفجـار ليمـارس‬ ‫صراعـه أمـام كل هـذا البنـاء الزائف‪ ،‬وتفسـخ‬ ‫تلـك العالقـات الفاسـدة‪ ،‬وال شـك أن "ديـاب"‬ ‫يصنـع بشـخصية "صالـح" كمعـادل رمـزي"‬ ‫حيـث ينتظـر نقلـة فارقـة للمسـتقبل الـذي‬ ‫يخلـو مـن الزيـف ليناقـش أفـكاره الثوريـة يف‬ ‫جنبـات النّـص ويؤكـد "محمـود ديـاب" ذلـك‬ ‫فيقـول ((كثيـرون مـن شـخوص مسـرحياتي‬ ‫لهـم أصـل يعيـش يف الواقـع الشـيخ‬ ‫يونـس‪ ،‬وابنتـه حليمـة وحسـن األعـرج يف‬ ‫جميعـا أشـخاص أعرفهـم‬ ‫"الزوبعة"‪...‬إنهـم‬ ‫ً‬ ‫والتقيـت بهـم‪ ،‬ولكنهـم يف واقعهـم قـد‬ ‫يقتربـون أو يبتعـدون عـن تصويـري لهـم‬ ‫يف املسـرحية وجميـع األشـخاص يف أي‬ ‫مسـرحية لـىس لهـم أصـل يف الواقـع‪ ،‬ولكـن‬ ‫العمـل الفنـي يهضمهـم‪ ،‬ويسـتخلص منهـم‬ ‫مـادة جديـد))( )‪.‬‬ ‫ورغـم أن العمـل املسـرحي يف "الزّوبعـة"‬ ‫يحمـل الكثيـر مـن املضامين الفكريـة إال أنّ‬ ‫"فـاروق عبـد القـادر" يختصـر تلـك املضامين‬ ‫يف جملة مطاطة ((إنها ليست حكاية "قرية"‬ ‫ظاملـة فقـط لكنهـا ميكـن أن تكـون حكايـة‬ ‫معـا)) أمـا‬ ‫النفـس البشـرية‪ ،‬واجملتمـع الكبيـر ً‬ ‫مـا يـدور داخـل هـذه النفـس‪ ،‬وهـذا اجملتمـع‬ ‫الكبيـر فلـم يقتـرب "فـاروق عبـد القـادر" مـن‬ ‫تعريتـه‪ ،‬وفضحـه‪ ،‬ولعلهـا "ثيمـا" واحـدة يف‬ ‫مقاالته النقدية يف قضاياه النقدية األخرى‬ ‫فالبطل "صالح" يف "الزوبعة" يتأجج صراعه‬ ‫منـذ عـودة "أبـو شـامة"‪ ،‬واسـترداد جـزء‬ ‫مـن أرضـه املنهوبـة َمثـل ذلـك بدايـة نشـوب‬ ‫الصـراع فلـم يسـ ِّلط "فـاروق عبـد القـادر"‬ ‫الضـوء علـى شـخصية "صالـح" رغـم أنه أسـند‬ ‫إليهـا املسـتقبل‪ ،‬وأنّ جناحهـا مرهـون بـأن‬ ‫يعمـل يف اجلماعـة التـي ترفضـه باملنطـق‪،‬‬ ‫وتقبلـه بفعـل القـوة واألكذوبـة‪ .‬وكـذا احلـال‬ ‫يف ابتعـاده عـن األسـرار النفسـية العميقـة‬ ‫الفجـة يف‬ ‫يف نفـس "الزيـر سـالم" يف رغبتـه‬ ‫ّ‬ ‫االنتقـام مـن اجلميـع أو حتـى إخفاقـه يف‬ ‫كسـر تلـك التراتبيـة النمطيـة التـي تخضـع‬

‫‪47‬‬


‫‪48‬‬ ‫‪48‬‬

‫حوار‬ ‫الفنانة السورية بادية حسن‪:‬‬

‫الفن النظيف هو الذي يحترم ذائقة الجمهور ويالمس‬ ‫مشاعره وهمومه‪..‬‬ ‫الغناء األصيل هو أصالة الكلمة وسحر اللحن ودفء الصوت‪...‬‬ ‫كيف إذا اجتمع ّ‬ ‫شخص واحد؟‬ ‫كل ذلك في‬ ‫ٍ‬ ‫ق ّلة من قام بتأليف وتلحين كلمات أغانيه بل وإنتاجها أيضاً‪.‬‬ ‫تحاورهـا فـي ّ‬ ‫الثقافـة تجدهـا م ّلمـة بتفاصيـل تدهشـك‪ ،‬كيف ال‬ ‫وقـد تربّـت فـي أسـرة عريقـة ومثقفـة ووالدهـا الشـاعر «جميل‬ ‫حسـن»‪ ،‬وهـي ابنـة الذقيـة العـرب حيـث ولـد صوتهـا الـذي‬ ‫أبـدع فـي الغنـاء ألصعب الشـعراء‪ ،‬كمحمـود درويـش وأدونيس‬ ‫وغيرهـم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وألنّهـا منحـدرة مـن عائلـة مث ّقفة‪ ،‬كان حـواري معهـا في منزل‬ ‫الشـاعر السـوري «نـزار قبانـي» الكائـن فـي دمشـق القديمـة‪،‬‬ ‫كيـف ال وهـي ابنـة الشـاعر‪.‬‬ ‫حاورها‪:‬‬

‫د‪ .‬أماين محمد نارص‬

‫يف هذا احلوار سنتطرق إلى انطالقة الفنانة‬ ‫بادية حسن ومسيرتها الغنائية الغنية‪..‬‬ ‫الطفـل يف عمـر سـبع سـنوات نـراه يلعـب مـع‬ ‫أقرانـه مـن العمـر ذاتـه أو أصغـر بقليـل أو أكبـر‬ ‫بقليـل‪ ،‬لكـن عوضـ ًا مـن أن جنـد الطفلـة باديـة‬ ‫بعمـر اخلمـس سـنوات تلعـب مـع صديقاتهـا‬ ‫األطفـال بحارتهـا جندها يف منزلها جالسـة على‬ ‫كرسـيها وتلحـن أغنيـة‪ ...‬مـا الـذي يدفـع طفلـة‬ ‫ً‬ ‫بـدال مـن أن يكون ّ‬ ‫جل‬ ‫بعمـر الـورد لغـزل األحلان‬ ‫تفكيرهـا اللعـب؟‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫أنـا فعلا كنـت طفلـة شـغوفة بال ّلعـب‪ ،‬وتعلّمت‬ ‫الد ّراجـة‬ ‫كلّ املهـارات منـذ‬ ‫الصغـر كركـوب ّ‬ ‫ّ‬ ‫والسـباحة وغيرهـا‪ ..‬ولكنّـي أيضـا كنـت كثيـرة‬ ‫ّ‬ ‫اجللـوس مـع نفسـي‪ ،‬أجلـس يف زاويـة مـن شـرفة‬ ‫بيتنـا وأدنـدن كلّ مـا أسـمعه مـن أحلـان وأتخ ّيـل‬ ‫نغمـات جديـدة وأحـاول نظـم كلمـات فقـد كان‬ ‫نص وكان‬ ‫رأسي مليئ ًا باألنغام‪ ،‬وفعال حلَّ نت أ ّول ٍّ‬ ‫عمـري ‪ ٧‬سـنوات‪.‬‬ ‫هـل تذكريـن القصيـدة التـي حلّ نْ ِتهـا يف هـذا‬ ‫العمـر؟‬

‫نعـم أذكرهـا كانـت مـن ديـوان اجملـد لألطفـال‬ ‫والزّيتـون للشـاعر عبدالوهـاب البياتـي ومطلعهـا‬

‫ـوع ِك يف القيـود‪ /‬ع ٍـار متزقـهُ‬ ‫يقـول‪((( :‬يافـا) يس ُ‬ ‫اخلناجـر عبـر صلبـان احلـدود‪ /‬وعلـى قبابـك‬ ‫غيمـة تبكـي‪ /‬وخفـاش يطيـر))‪.‬‬ ‫البيانـو‪ ،‬والغيتـار‪ ،‬واألكورديـون هـي اآلالت‬ ‫التـي كان يأتـي بهـا والـدك إلـى املنـزل‪ ،‬ووالـدك‬ ‫«جميل حسـن» شـاعر مخضرم وكان مدرسـ ًا للغة‬ ‫العربيـة‪ .‬حدثينـا عـن هـذا اجلـو الـذي تربت يف‬ ‫ه باديـة‪ ،‬املوسـيقى والشـعر‪.‬‬

‫أخـذت مـن والـدي الشـاعر والباحـث جميـل‬ ‫حسـن املَلكـة الشـعرية والفطـرة املوسـيقية‪،‬‬ ‫فباإلضافـة لكونـه شـاعرأ ومربيـ ًا‪ ،‬كان حريصـا‬ ‫علـى إدخـال اآلالت املوسـيقية إلـى بيتنـا ليتعلـم‬ ‫أوالده العـزف‪ ،‬وأنـا تربيـت يف كنفـه وقـد زرع يف‬ ‫نفسـي مخزونـ ًا موسـيقي ًا عظيمـ ًا‪ ،‬فقـد كان‬ ‫يسـتمع عبر جهاز البيك أب إلى روائع املوسـيقى‬ ‫كـ»بيتهوفـن» و»عبـد الوهـاب» و»السـنباطي»‬ ‫واألخويـن «رحبانـي»‪ .‬كلّ هـذا تراكـ َم وأصب َـح‬ ‫ـكلت منه أحلاني فيما بعد‪.‬‬ ‫مخرونا موسـيقيا ش ُ‬ ‫وأنـت تشـاركني باالحتفـاالت‬ ‫منـذ صغـرك‬ ‫ِ‬ ‫املدرسـية واألغانـي يف دروس املوسـيقى حيـث‬ ‫بـدأت ذلـك يف املرحلـة االبتدائيـة مبدرسـتك‬ ‫ِ‬ ‫«الكرمـل» يف «الالذقيـة»‪ ...،‬هـذه املوهبـة كيـف‬

‫اكتشـفتها باديـة؟‬

‫موهبتـي اكتُ ِشـفت يف س ّـن مبكـرة‪ ،‬يف البيـت‬ ‫ويف املدرسـة‪ ،‬فقـد درسـت يف مدرسـة لل ّراهبـات‬ ‫–الكرمـل‪ -‬وكانـوا قـد اكتشـفوا موهبتـي‪ ،‬لذلـك‬ ‫كانوا يضعوني على طاولة يف احتفاالت املدرسـة‬ ‫ليرانـي الطلاب‪ ،‬وكان عمـري ‪ ٥‬سـنوات‪ ،‬وأبـدأ‬ ‫االحتفـاالت بأغنيـة سـوريا ياحبيبتـي‪ ،‬ثـم أغنّـي‬ ‫ألسـمهان ولفيـروز فايـق يـا هـوى‪.‬‬ ‫مشـوار إثبـات ّ‬ ‫شـاق وطويـل‪ ،‬وبدايـات‬ ‫الـذات‬ ‫ّ‬ ‫حصلـت‬ ‫باديـة كانـت يف ‪ ،2010‬ومنـذ البدايـة‬ ‫ِ‬ ‫علـى جائـزة أفضـل ترنيمـة يف مهرجـان «قيثـارة‬ ‫الـروح»‪ ،‬كيـف اختصـرت باديـة ّ‬ ‫الصعوبـات‬ ‫كل ّ‬ ‫ّ‬ ‫متـر يف طريـق الفنـان؟‬ ‫التـي ّ‬

‫عمومـ ًا طريـق الف ّـن شـاقّ ‪ ،‬وعندمـا بـدأت أ ّول‬ ‫مشـاركة لـي‪ ،‬كانـت يف مهرجـان «قيثـارة الـروح»‬ ‫الـذي كان يقـام يف «دار األوبـرا» يف دمشـق‪،‬‬ ‫وكنـت قـد حصلـت علـى جائـزة أفضـل ترنيمـة‬ ‫وهـذا شـكّ ل لـي دافعـ ًا قويـ ًا لالسـتمرار وللدفـاع‬ ‫عـن شـغفي وحلمـي‪ .‬ثـم انطلقـت إلـى بيـروت‬ ‫والقاهـرة وغيرهـا مـن العواصـم التـي أضافـت‬ ‫إلـى مسـيرتي‪ ،‬حيـث غ ّنيـت علـى أه ّـم املسـارح‪،‬‬ ‫كـ»قصـر األونسـكو» يف بيـروت و»دار األوبـرا» يف‬ ‫مصـر و»دار األوبـرا» يف دمشـق و»مسـرح بابـل»‬


‫حوار‬

‫‪49‬‬

‫الف ّـن النّظيـف هـو الـذي يحتـرم ذائقـة‬ ‫ويقدم له فن ًّا يالمس مشاعره وهمومه‬ ‫اجلمهور‪ِّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ككلمـة وحلـن‪ ..‬ويكـون قريبـا منـه‪ّ .‬أمـا الـ ّرديء‬ ‫فليـس فنـ ًا‪ ،‬هـو عاصفـة تخريبيـة سـتنتهي مـع‬ ‫انتهـاء احلـروب‪ ،‬و ُيخ َلـق فـنٌ جديـد يع ّبـر عـن‬ ‫املرحلـة القادمـة‪.‬‬ ‫غنيـت للشـعراء «أدونيـس» و «محمـود‬ ‫ِ‬ ‫السـؤال الـذي‬ ‫وهبـي»‪،‬‬ ‫«زاهـي‬ ‫و‬ ‫درويـش»‬ ‫ّ‬ ‫أتسـاءله‪ :‬مـن أين اسـتمدت باديـة اجلـرأة لتغنّ ي‬ ‫يعـد مـن أقوى شـعراء عصـره «أدونيس»؟‬ ‫لشـاعر ّ‬

‫و»املركـز الثقـايف» يف أنطاكيـة و»مرسين» وغيرهـا‬ ‫املهمـة‪ .‬شـكّ لتني املسـارح واملـدن‬ ‫مـن املسـارح‬ ‫ّ‬ ‫وتع ّـدد الثقافـات‪ ،‬وأضافـت خملزونـي املوسـيقي‬ ‫زلت يف مشواري‬ ‫واإلبداعي واإلنساني أيضا‪ ،‬وما ُ‬ ‫مـع إثبـات الـذّ ات‪ ،‬ولـن أتوقّ ـف‪ ،‬فقـد أثب ُّـت ذاتـي‬ ‫قدمـت‪ ،‬أريـد املزيـد!‬ ‫ولكنّـي لـن أرضـى مبـا ّ‬

‫ـ أنا درسـت املقامات املوسـيقية واإليقاعات يف‬ ‫سـوريا وبيـروت والقاهـرة‪ ،‬ولكنّـي ُأحلـن بفطرتـي‬ ‫املوسـيقية فليـس بالضـرورة أن يكـون امللحـن‬ ‫دارسـا وأكبـر مثـال هـو العظيـم فيلمـون وهبـي‬ ‫الـذي لـم يكـن يقـرأ النّوتـة املوسـيقية ولكنّـه تـرك‬ ‫لنـا أجمـل ماغنّـت فيـروز‪.‬‬

‫مـن الهندسـة إلـى الّتلحين والغنـاء‪ ،‬وهـذه‬ ‫ميـزة نـادر ًا مـا جندهـا عنـد املطربين (أي أن‬ ‫يلحنـوا أغانيهـم)‪ ...‬أ‪ .‬مـا الـذي جعـل باديـة‬ ‫تـدرس الهندسـة ولديهـا شـغف املوسـيقى؟‬

‫يف األدب‪ ،‬يف الفـن‪ ،‬يف العلـم‪ ،‬يف الرياضـة‪...‬‬ ‫إلـخ‪ ،‬هنـاك املوهوبـون الذيـن غالبـ ًا مـا وجـدوا‬ ‫مـن يقـف إلـى جانبهـم ويدعمهـم يف ّ‬ ‫كل خطـوة‪،‬‬ ‫مـن الـذي وقـف إلـى جانـب باديـة ودعمهـا يف‬ ‫خطواتهـا حتّ ـى وصلـت إلـى مـا وصلـت إليـه؟‬

‫احلقيقـة أن الهندسـة هـي الطارئـة علـى‬ ‫حياتـي أل ّننـي ُولـدت مـع موهبتـي‪ ،‬واملوهبـة بـدأت‬ ‫جد مبكرة‪ ،‬ولكنّي‬ ‫علي وتشكَّ ل حلمي يف ّ‬ ‫سن ُّ‬ ‫ت ِّلح َّ‬ ‫درسـت الهندسـة بسـبب ُبعد املعهد عنّي فقد كنت‬ ‫أعيـش يف الالذقيـة واملعهـد املوسـيقي يف دمشـق‪.‬‬ ‫ولكنّـي عـدت لشـغفي‪ ،‬فاملوسـيقى هـي الغالبـة‬ ‫علـى شـخصيتي وهـي مسـاري الـذي أح ّـب‪.‬‬ ‫أغانيـك بهـذا‬ ‫اسـتطعت تلحين‬ ‫ب‪ .‬كيـف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلمـال دون دراسـة املوسـيقى؟‬

‫موهبتـي أكيـد هـي أهـم مـن وقـف بجانبـي‬ ‫وتشـجيع والـدي وإميانـه بـي‪ ،‬ولقيـت احتضانـ ًا‬ ‫وتكرمي ًـا مـن األوسـاط الثقافيـة يف كلّ العواصـم‬ ‫وأهمهـا بيـروت ث ّـم القاهـرة‪.‬‬ ‫التـي غ ّنيـت فيهـا‬ ‫ّ‬ ‫أملـك يف الفـن وللفـن العربـي تقولين‪:‬‬ ‫عـن‬ ‫ِ‬ ‫فـن‬ ‫((لـدي مشـروع غنائـي يهـدف إلـى تقـدمي ّ‬ ‫ّ‬ ‫نظيف‪ ،‬وموسـيقى حتترم أذنَ املستمع))‪ ،‬كفنانة‪،‬‬ ‫الفـن النظيـف وعكسـه؟‬ ‫متيـز باديـة بين‬ ‫ّ‬ ‫كيـف ِّ‬

‫نعـم غ ّنيـت ّ‬ ‫للشـاعر الكبيـر «محمـود درويـش»‬ ‫نصـا ل ـ «زاهـي وهبـي»‪ ،‬أمـا بالنسـبة‬ ‫وحلنـت ّ‬ ‫لـ»أدونيـس» فهـو الصعـب املمتنـع‪ ،‬ولكنّـي اختـرت‬ ‫مقطعـا مـن إحـدى قصائـده ‪-‬أ ّيهـا احل ّـب‪ -‬طبعـا‬ ‫بعـد موافقـة الشـاعر الكبيـر‪ ،‬وقـد حلّ نتـه علـى‬ ‫الطريقـة الصوفيـة‪ ،‬وكان هـذا جـزءا مـن مشـروع‬ ‫بينـي وبين مجلّـة دبـي الثقافيـة قبـل إقفالهـا‪.‬‬ ‫لـدي جـرأة دومـا أن ِّ‬ ‫ـص‪ ،‬إذا التقطـت‬ ‫أحلـن ّ‬ ‫أي ن ّ‬ ‫موسـيقاه الداخليـة‪.‬‬ ‫حتـدث عـن فنِّ ـك‬ ‫املوسـيقار «أمين خيـاط»‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫قائلا‪(( :‬يعجبنـي حماسـها ونشـاطها الفـردي‪،‬‬ ‫فهـي فنّ انـة مجتهـدة مثقّ فة وثقافتها املوسـيقية‬ ‫اجليـدة‪ ،‬ملتزمـة‪،‬‬ ‫غنيـة‪ ،‬وصوتهـا مـن األصـوات‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫مييزها‪ ،‬وعلى‬ ‫وتختـار الكلمـة النّ ظيفـة‪ ،‬وهذا مـا ِّ‬ ‫الرغـم مـن عـدم وجـود جهـة داعمـة لهـا‪ ،‬إالّ أنّهـا‬ ‫ّ‬ ‫تدعـم نفسـها بنفسـها))‪ ،‬برأيـك‪ ،‬ملـاذا ال توجـد‬ ‫وخاصـة‬ ‫جهـة داعمـة لألصـوات النّ قيـة يف بلدنـا‬ ‫ّ‬ ‫التـي بنَ ـت نفسـها بنفسـها؟‬

‫ألن املعاييـر اختلفـت عـن السـابق وحلـت‬ ‫محلهـا صناعـة الترنـد‪ ،‬واالسـتثمار يف السوشـال‬ ‫توجـه‬ ‫ميديـا بصـرف النظـر عـن احملتـوى‪ّ .‬‬ ‫الدعـم ّ‬ ‫إلـى الـذي يحقـق مشـاهدة أكثـر علـى يوتيـوب‪.‬‬ ‫التأليـف والتلحين والغنـاء ثلاث مواهـب‬ ‫جتيدهـا باديـة‪ ،‬مـن املسـئول عـن تغطيـة كافـة‬ ‫تكاليـف هـذه األغانـي؟‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫طبعـا أنـا مغنيـة أؤلّـف و ُأ ِّ‬ ‫حلن لنفسـي أحيان ًا‪،‬‬ ‫ـدي مجموعـة مـن أعمالـي مـن كتابتـي حلنـا‬ ‫ول ّ‬ ‫ونصـا‪ ،‬ولكـن تعاونـت أيضـا مـع ملحنين كبـار‬ ‫ّ‬ ‫كاملوسيقار «صفوان بهلوان» يف سوريا واملوسيقار‬ ‫املصـري «د‪.‬سـامي احلفنـاوي» يف القاهـره و «د‪.‬‬ ‫إيهـاب عبـد السلام» ويف لبنـان «ريـان الهبـر» ويف‬ ‫سـوريا «رعـد خلـف» وكلّـه ّإمـا متويـل ذاتـي يعنـي‬ ‫إنتـاج شـخصي‪ ،‬أو تعـاون مـع بعـض األصدقـاء‬ ‫أو اجلهـات األهليـة التـي آمنـت بـي ودعمتنـي‪.‬‬ ‫ولكنّـي حتّـى اليـوم لـدي صعوبـات إنتاجيـة كبيـرة‬ ‫ـدي الكثيـر مـن األعمـال‬ ‫كأغلـب الفنانين‪ ،‬ول ّ‬ ‫بانتظـار تسـجيلها وتصويرهـا‪ .‬يعنـي بانتظـار‬ ‫شـركة إنتـاج‪.‬‬


‫‪50‬‬

‫‪50‬‬

‫في نقد الشعر‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫الشعر‬ ‫والواقع‪..‬‬ ‫من يخذل‬ ‫اآلخر؟‬ ‫التقنيات‬ ‫السردية‬ ‫في النص‬ ‫الشعري‬ ‫الحديث‬ ‫الخطاب‬ ‫النقدي في‬ ‫كتاب الكامل‬ ‫في اللغة‬ ‫للمبرد‬ ‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫الصورة للفنانة التونسية‪:‬‬ ‫إيمان موسى‬


‫في نقد‬ ‫الشعر‬

‫‪51‬‬

‫الخطاب النقدي في كتاب الكامل في اللغة للمبرد‬

‫تأصيل وتحليل‪:‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬سعد التميمي‬

‫المبـرد أحـد أعلام النّ حـو العربـي‪ ،‬و كانـت لـه العديـد مـن اآلراء واالجتهادات‬ ‫عـد‬ ‫ّ‬ ‫ُي ّ‬ ‫تضمنهـا كتابـه المعـروف «المقتضب» فضلا عن كتابه‬ ‫والصرفيـة التـي‬ ‫النّ حويـة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن‬ ‫الموسـوعي «الكامـل فـي اللّ غـة واألدب»‪ ،‬والقـارئ لهـذا الكتـاب يالحـظ ّ‬ ‫والصرفية أو اللّ غويـة والبالغية من خالل‬ ‫يكتـف بعـرض اآلراء النّ حويـة‬ ‫ِ‬ ‫المبـرد لـم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تضمـن الكتـاب خطابـا نقديـا‬ ‫تحديـد مفاهيـم بعـض المصطلحـات والقواعـد‪ ،‬إذ‬ ‫ّ‬ ‫الرغـم‬ ‫تجلّ ـى فـي تحليـل‬ ‫المبـرد لبعـض النّ صـوص وتعليـل أسـرار جمالياتهـا‪ ،‬وعلـى ّ‬ ‫ّ‬ ‫إال أنّ ـه عـرض العديـد مـن المفاهيـم‬ ‫مـن أنّ ـه اشـتُ هر كأحـد أعلام النّ حـو واللّ غـة ّ‬ ‫النّ قديـة و البالغيـة‪ ،‬وقـد عكـس تحليلـه للنّ صـوص ذائقـة نقديـة ورؤيـة معرفيـة‬ ‫بأصـول الخطـاب النّ قـدي‪ ،‬وبشـكل كبيـر فـي كتـاب الكامـل الـذي يمتلـك مكانـة‬ ‫مرموقـة فـي التـراث العربـي لمـا يمتلكـه مـن قيمـة علميـة ورؤيـة جماليـة‪ ،‬إذ‬ ‫عـد موسـوعة أدبيـة شـاملة وضـع فيهـا المؤلِّ ـف اللغـة العربيـة بمـا تمتلكـه من‬ ‫ُي ّ‬ ‫سـمات جماليـة نصـب عينـه‪.‬‬

‫اإلبالغية والبالغية في كتاب الكامل ‪:‬‬

‫القضايا النقدية في كتاب الكامل‪:‬‬

‫‪ - 1‬الصراع بني القدمي واجلديد‪:‬‬

‫مـن القضايـا النقديـة التـي كان للمبـ ّرد‬ ‫جهـد واضـح فيهـا قضيـة الصـراع بين القـدمي‬ ‫واجلديـد‪ ،‬فلـم يناصـر املبـ ّرد القـدمي لقدمـه‪،‬‬ ‫وال احلديـث حلداثتـه‪ ،‬إذ كان يناصـر النّـص‬ ‫اجل ِّيـد مـن ّ‬ ‫الشـعر‪ ،‬ولـم يكـن هـذا الـرأي‬

‫فغي َر ُ‬ ‫نفس‬ ‫بحثكم نخي َل َة ٍ‬ ‫َت َب ّحثتُ ُم سخطي ّ‬ ‫ضميرها‬ ‫كان نُ صح ًا‬ ‫ُ‬ ‫ولن يلبث التخشني نفس ًا كرمية عريكتها أن‬ ‫يستمر مريرها‬ ‫ّ‬ ‫تكدر كان‬ ‫وما النّ فس إالّ نطفة بقرارة إذا لم ّ‬ ‫صفو ًا غديرها‬

‫معلّلا استحسـان هـذه األبيـات بوضـوح‬ ‫املعنـى وعذوبتـه وقـوة التركيـب ورصانتـه‪ ،‬ممـا‬ ‫جعـل املعنـى أكثـر تأثيـرا يف املتلقـي‪ ،‬ويعكـس‬ ‫هـذا التّعليـل ذائقـة ورؤيـة نقديتين‪ ،‬ولتأكيـد‬ ‫انتصـاره للنّـص اجل ّيـد ال عصـره يستحسـن‬ ‫أبياتـا أخـرى لشـاعر قـدمي (الفـرزدق) يقـول‬ ‫فيهـا‪:‬‬ ‫بني دارم إن يفن عمري فقد مضى حياتي‬ ‫ثناء مخلّد‬ ‫لكم منّ ي‬ ‫ٌ‬ ‫بدأمت فأحسنتم فأثنيت جاهد ًا وإن عدمت‬ ‫أثنيت‪ ،‬والعود أحمد‬

‫فهـذه األبيـات برأيـه جـاء حسـنها وجمالهـا‬ ‫مـن وضـوح املعنـى ومتاسـكه وقـوة التركيـب‬ ‫الصـراع‬ ‫ورصانتـه وبذلـك ي ّتضـح رأي املبـ ّرد يف ِّ‬ ‫بني القدمي واجلديد‪ ،‬الذي حتول فيما مبا بعد‬ ‫إلـى حركـة نقديـة قويـة‪ ،‬أثمـرت عـن جهـد كـبیر‬

‫حي أبوه‬ ‫وما مثله يف الناس إال مملكا أبو ّأمه ّ‬ ‫يقاربه‬

‫وقـد علّـل املبـ ّرد سـبب قبـح يف هـذا البيـت‬ ‫بضعـف التأليـف أي (ال ّنظـم) إذ لـم يضـع‬ ‫ّ‬ ‫الشـاعر الكلـم يف مواضعـه التـي يسـتقيم‬ ‫فيهـا املعنـى ويتضـح‪ ،‬فلا ينغلـق علـى السـامع‪،‬‬ ‫وقـد أصبـح هـذا البيـت مـن الشـواهد البالغيـة‬ ‫التـي يخـرج فيهـا الـكالم عـن دائـرة الفصاحـة‪،‬‬ ‫ويتعجـب املبـرد مـن قـول الفـرزدق لهـذا البيـت‬ ‫فيقـول‪(( :‬حتّـى كان هـذا الشـعر لـم يجتمـع يف‬ ‫صـدر رجـل واحـد)) ومـع قولـه‪:‬‬ ‫ود بكر بن وائل دوما كاد مني‬ ‫تصرم منّ ي ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتصرم‬ ‫ودهم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقد ميأل القطر االناء فيفعم قوارص تأتيني‬ ‫ويحتقرونها‬

‫وقوله‪:‬‬

‫ّ‬ ‫السواد كأنّه ليل يصبح‬ ‫والشيب ينهض يف ّ‬ ‫بجانبيه نهار‬

‫فهـذه االبيـات عنـد املبـرد أوضـح معـنی‬ ‫وأعـرب لفـظ وأقـرب مأخـذ ومـن هنـا نلمـس‬ ‫أنّ مقایـیس اجلـودة عنـد امل ّبـرد هـي الوضـوح‬ ‫ومطابقـة القواعـد والتأثيـر يف السـامع‬ ‫ويالحـظ أنّ هـذه املقاييـس تتطـ ّور وت ّتضـح‬ ‫بشكل كبير عند اجلرجاني من خالل نظريته‬ ‫املعروفـة بـ(ال ّنظـم) ‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫يضـع املبـرد يف كتابـه اإلبالغيـة والبالغيـة‬ ‫ركيزتين ينطلـق منهمـا‪ ،‬فهـو يف عرضـه‬ ‫املوضوعـات النحويـة والصرفيـة وشـرحه‬ ‫للمفـردات الغريبـة فضلا عـن التحقيـق يف‬ ‫الروايـات التـي يوردهـا وترجيـح األصـح منهـا‪،‬‬ ‫يحقـق الوظيفـة اإلبالغيـة خلطابـه يف هـذا‬ ‫الكتـاب‪ ،‬حتـى ينجـح يف التواصـل مـع املتلقـي‪.‬‬ ‫ومبـؤازرة هـذه الوظيفـة ِّ‬ ‫يوظـف البالغيـة يف‬ ‫قدمـه مـن‬ ‫شـرحه لبعـض النصـوص‪ ،‬ومـا ّ‬ ‫حتليلات نقديـة‪ ،‬والقـارئ للكتـاب يسـتنتج‬ ‫أنّ الـذي سـعى إليـه املبـرد لـم یـکن إبالغيـا‬ ‫وتعلیمیا فحسـب‪ ،‬بل بالغيا وجمالیا أيضا‬ ‫مـن خلال الوقـوف عنـد جماليـات التعبيـر يف‬ ‫معظـم ال ّنصـوص التـي يشـرحها‪ ،‬وهـذا مـا‬ ‫جعـل ابـن خلـدون يع ّـد الكامـل للمبـ ّرد والبيـان‬ ‫والتبيين للجاحـظ وأدب الكاتـب البـن قتيبـة‬ ‫واألمالـي ألبـي علـي القالـي أصـول العربيـة‪،‬‬ ‫ومـا سـوى هـذه األربعـة‪ ،‬فتابـع لهـا وفـروع منهـا‬ ‫ولعـلّ السـبب الـذي دفـع ابـن خلـدون للذهـاب‬ ‫لهـذا الـرأي املوسـوعية ّ‬ ‫والشـمول الـذي تتّصف‬ ‫بـه هـذه الكتـب ‪.‬‬

‫محـض صدفـة أو انطبـاع سـريع‪ ،‬بـل كان نابعـا‬ ‫خاصـة تنطلـق مـن‬ ‫مـن نظـرة عميقـة وفلسـفة ّ‬ ‫قـدرة النّـص الذّ اتيـة ويت ِّضـح هـذا الـرأي يف‬ ‫قولـه‪(( :‬ليـس لقـدم العهـد يفضـل القائـل وال‬ ‫حلدثـان عهـد يهتضـم املصيـب‪ ،‬ولكـن يعطـي‬ ‫كلّ مـا يسـتحق أال تـرى كيـف يفضـل قـول‬ ‫عمـارة بـن عقيـل علـى قـرب عهـده‪ ،‬وهـو مـن‬ ‫شـعراء العصـر العباسـي‪:‬‬

‫لآلمـدي يف كتابـه (املوازنـة) الـذي وازن فيـه بين‬ ‫القـدمي ممثلا بالبحتـري واجلديـد ممثلا بأبـي‬ ‫متـام‪ ،‬ولتأكيـد استحسـانه للنّـص دون صاحبـه‬ ‫فـإنّ املبـ ّرد يعيـب علـى الفـرزدق قولـه‪:‬‬


‫في نقد‬ ‫نوافذ‬ ‫‪ 52‬الشعر‬ ‫‪ - 2‬الشعر والتكلف‪:‬‬

‫وكان يـرى أنّ ال ّتشـبيه موجـود عنـد القدامـى‬ ‫واحملدثين ويستشـهد بقـول امـرئ القيـس‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫كأنّ قلـوب ّ‬ ‫الطيـر رطبـ ًا ويابسـ ًا لـدى وكرهـا‬ ‫العنّـاب واحلشـف البالـي‬ ‫إذ استحسـن يف البيـت تشـبيه شـيء يف‬ ‫حالين‪ ،‬وهـو (قلـوب الطيـر) يف حالين‪( .‬رطبـة)‬ ‫و(يابسـة) بشـيئني مختلفين همـا (العنـاب)‬ ‫و(احلشف البالي) إذ يؤكّد أنّ مثل هذا التشبيه‬ ‫يتطلّـب قـدرة عاليـة مـن ّ‬ ‫الشـاعر يتمكّ ـن مـن‬ ‫خاللهـا ال ّربـط بين أطـراف التشـبيه لتصبـح‬ ‫الصـورة مؤثـرة السـامع واستشـهد ببعـض أبيـات‬ ‫الشـعراء احملدثين للتأكيـد علـى عـدم مناصرتـه‬ ‫الشـاعر‪ ،‬بـل النّـص‪.‬‬

‫مـن املقاييـس األخـرى التـي يؤكدهـا املبـرد ‪،‬‬ ‫ابتعـاد ّ‬ ‫الشـعر عـن التكلّـف وسلامته مـن التز ّيد‬ ‫وبعـده عـن االسـتعانة‪ ،‬إذ تدخـل االسـتعانة يف‬ ‫ليصحـح بـه‬ ‫الـكالم مـا ال حاجـة باملسـتمع إليـه‬ ‫ِّ‬ ‫نظمـ ًا أو وزنـ ًا إن كان يف الشـعر أو ليتذكـر بـه مـا‬ ‫بعـده إن كان يف كالم منثـور‪ ،‬وهـو يف هـذا الطـرح‬ ‫يؤ ِّكـد أركان اإلبـداع الثالثـة املبـدع والنّـص‬ ‫ويتضـح ذلـك بصـورة غير مباشـرة من‬ ‫واملتلقّ ـي‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫األحـكام التـي يطلقهـا املبـ ِّرد علـى ال ّنصـوص‬ ‫بين احلين واآلخـر بعـد التّحليـل والوقوف عند‬ ‫جمالياتهـا وتعليـل ذلـك بشـكل موجـز ومـن‬ ‫وممـا يفضـل لتخ ّلصـه مـن التكلّـف‪،‬‬ ‫ذلـك قولـه ّ‬ ‫وسلامته مـن التز ّيـد‪ ،‬قـول أبـي حيـة النميـري‪:‬‬

‫السرقات الشعرية‪:‬‬‫‪ّ 5‬‬

‫رمتني وستر اهلل بيني وبينها عشية آرام‬ ‫الكناس رميم‬ ‫ولكن عهدي‬ ‫رب يوم لو رمتني رميتها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أال ّ‬ ‫بالنضال قدمي‬

‫فالشـاعر يقـول أ ّنهـا رمتـه بطرفهـا‪،‬‬ ‫وأصابتـه مبحاسـنها‪ ،‬ولـو كان شـاب ًا لرمـى كمـا‬ ‫رمـت‪ ،‬وفتن كمـا فتنـت‪ ،‬ولكـن قـد تطـاول عهـده‬ ‫بالشـباب‪ ،‬فهـذا كالم واضـح وفصيـح‪.‬‬ ‫‪ - 3‬اإليجاز واإلطناب‪:‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫ومـن اجلهـود األخـرى التـي ميكـن أن‬ ‫نلمـس فيهـا احلـس النقـدي حديثـه عـن‬ ‫اإليجـاز واالطنـاب ومـا نتكلـم بـه عـن اإلحالـة‬ ‫التـي يطلـق عليهـا كلمـة (اإلميـاء) عندمـا‬ ‫يختـار الشـاعر أسـلوب التلميـح ال التصريـح‬ ‫فيوصـف ذلـك باإليجـاز الـذي يضـم التأثيـر‬ ‫األقـوى يف املتلقّ ـي إذ يقـول‪(( ،‬إذ يـرى أنّ كالم‬ ‫العـرب يتـوزّع بين االختصـار املفهـم واإلطنـاب‬ ‫املفخـم‪ ،‬وقـد يغنـي اإلميـاء إلـى الشـيء عنـد‬ ‫ّ‬ ‫ذوي األلبـاب عـن كشـفه ليكـون حملـة دالـة‪،‬‬ ‫وقـد يضطـر الشـاعر املفلّـق واخلطيـب املصقـع‬ ‫والكاتـب البـلیغ‪ ،‬فيقـع يف كالمهـم املعنـى‬ ‫املسـتغلق واللفـظ املسـتكره فـإن انعطفـت عليه‬ ‫جنبـت الـكالم‪ ،‬غطتـا علـى عـواره وسـترتا مـن‬ ‫شـينه‪ ،‬فاحلسـن بـرأي املبـ ّرد يأتـي مـن وضـوح‬ ‫وصحتـه وش ّـدة التأثيـر‬ ‫الداللـة وقـ ّوة التركيـب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يف السـامع وجذبـه ويستشـهد علـى ذلـك‬ ‫بأبيـات لشـعراء يـرى فيهـا حسـنا ومـن ذلـك‬ ‫قـول احلطيئـة‪ّ:‬‬ ‫صنيعة إلى مالــــــه‬ ‫تأتــــــه يف‬ ‫إن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وذاك فنى ْ‬ ‫ال تأته بشفيع‬

‫وقول عنت ـ ــرة‪:‬‬

‫املغنم يخبرك من‬ ‫أغشى الوغى وأعف عند‬ ‫ِ‬ ‫شهد الوقيعة أنّني‬

‫وقول زهير بن أبي سلمى‪:‬‬

‫على مكثريهم ّ‬ ‫حق من يعتريهم وعند املقلّني‬ ‫السماحة والبذل‬ ‫ّ‬

‫ومـن القضايـا النقديـة التـي حـازت علـى‬ ‫السـرقات التـي ُتع ُّـد واحـدة مـن أه ّـم‬ ‫اهتمامـه ّ‬ ‫موضوعـات ال ّنقـد العربـي القـدمي‪ ،‬وقـد ع َّبـر‬ ‫عنهـا املبـ ّرد بلفـظ (األخـذ) وقـد أشـار إلـى‬ ‫بعـض منهـا‪ ،‬إذ يـورد أبياتـ ًا البـن أبـي عيينة من‬ ‫ّ‬ ‫الشـعراء املولديـن يقـول فيهـا‪:‬‬ ‫فعلـى الرغـم مـن أنّ أحكامه كانت مقتصرة‬ ‫علـى البيـت الواحـد أو البيتين وهـذا مـا كان‬ ‫سـائدا يف اخلطـاب النقـدي العربـي القـدمي‪،‬‬ ‫إ ّال أنّـه كاّن يح ِّـدد مالمـح اجلـودة واحلسـن‬ ‫املتمثلـة بأصالـة الفكـرة املطروحـة وسـرعة‬ ‫وصولهـا للسـامع وحتقيقهـا للهـدف‪ ،‬فضلا‬ ‫عـن صحـة التركيـب وحسـن سـبكه‪ ،‬وهـذا مـا‬ ‫يكشـف عـن قـدرة الشـاعر يف اختيـار األلفـاظ‬ ‫املناسـبة للمعانـي‪ ،‬إذ يـرى املبـ ّرد أن مـن ألفـاظ‬ ‫العـرب البينـة القريبـة املفهمـة احلسـنة‬ ‫الوصـف اجلميلـة الرصـف‪ ،‬ويقابـل الرصـف‬ ‫النظـم الـذي طرحـه اجلرجانـي فيمـا بعـد‬ ‫ويستشـهد املبـ ّرد علـى اإلميـاء بقـول الفـرزدق‪:‬‬ ‫ضربت عليك العنكبوت بنسجها وقضى‬ ‫عليك به الكتاب املنزل‬

‫ففـي الشـطر الثانـي مـن هـذا البيـت کمـا‬ ‫یصـ ِّرح امل ّبـرد إحالـة إلـى قولـه تعـالی‪َ (( :‬و ِإنَّ‬ ‫ـوت ۖ َلـ ْو َكانُـوا‬ ‫ـوت َل َب ْي ُـت ا ْل َعن َك ُب ِ‬ ‫أَ ْو َهـنَ ا ْل ُب ُي ِ‬ ‫َي ْع َل ُمـونَ )) وهـذه اإلحالـة تزيـد مـن قـ ّوة املعنـى‬ ‫وتضمن التأثير يف السامع من خالل جمالية‬ ‫الصـورة التـي تخلقهـا اإلحالـة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬اإلصابة يف التشبيه‪:‬‬

‫ويف البالغة التي كان النّقد يقوم عليها يفصل‬ ‫امل ّبـرد احلديـث عـن التشـبيه وأقسـامه ووظيفتـه‪،‬‬ ‫منطلقـا مـن قاعـدة وضـوح املعنـى التـي كانـت ركيـزة‬ ‫أساسـية يف خطابـه النقـدي‪ ،‬فتحـدث عـن التشـبيه‬ ‫البعيـد والقريـب والتشـبيه املطـرف واملصيـب وعلّـل‬ ‫وبين عيـوب أخـرى‬ ‫استحسـانه لبعـض التشـبيهات ّ‬

‫ما راح يـــــــوم على حـــي وال ابتـــكرا إال رأى‬ ‫عبــــرة فيــه إن اعــــتبــــــرا‬ ‫الدهر فانصرمت حتى‬ ‫وال أنت ســـاعة يف ّ‬ ‫تؤثــــر يف قوم لها أثرا‬ ‫إن اللــــيـــالــــــــي واأليــــــــام أنـــــفســـــــــها‬ ‫عن غير أنفسها لم تكتم اخليرا‬

‫ويـرى أنّ أبـا متـام قـد أخـذ املعنـى واختصـره‬ ‫ليبـدع فيـه فيقول‪:‬‬ ‫إن اللّيالي واأليام أنفسها عن العجائب ناصح‬ ‫ّ‬ ‫ال يشفق‬

‫فزاد أبو متام بقوله «ناصح ال يشـفق» على‬ ‫قـول ابـن أبـي عينـه شـيئا طريفـا‪ ،‬وهكـذا يفعـل‬ ‫احلـاذق بالـكالم فلـم يكت ِـف املب ّرد باإلشـارة إلى‬ ‫السـرقة‪ ،‬بـل وقـف عنـد إضافـة أبـي متـام علـى‬ ‫املعنـى السـابق‪.‬‬ ‫‪ - 6‬اللفظ واملعنى‪:‬‬

‫يف قضيـة ال ّلفـظ واملعنـى أشـار املبـ ّرد إلـى‬ ‫موقفـه ضمنـا مـن خلال استحسـانه لبعـض‬ ‫ّ‬ ‫فالشـعر‬ ‫األشـعار دون غيرهـا ولـم يفصـل بهـا‪،‬‬ ‫لصحـة معنـاه وجزالة لفظه‪،‬‬ ‫مستحسـن أحيانـا‬ ‫ّ‬ ‫وكثرة ورود معناه بني النّاس‪ ،‬أو لقرب مأخذه أو‬ ‫لسهولته وحسنه أو لغرابة معناه‪ ،‬وجودة لفظه‬ ‫أو لتخ ّلصـه مـن التّكلـف وسلامته مـن التز ّيـد‪،‬‬ ‫وممـا ينكـره املبـ ّرد الضـرورات اللفظيـة وااللتواء‬ ‫ّ‬ ‫يف املعانـي واسـتعمال الكلمـات الهجينـة‪ ،‬وهـذا‬ ‫مـا وجنـاه يف حتليالتـه النقديـة التـي يسـتند‬ ‫فيهـا إلـى الـذّ وق والتحليـل والتأويـل ومـا طرحه‬ ‫امل ّبـرد يعـد مـن أهـم القضايـا التـي عاجلتهـا‬ ‫نظريـة النقـد العربـي فيمـا بعـد‪.‬‬


‫في نقد‬ ‫الشعر‬

‫‪53‬‬

‫الشعر والواقع ‪..‬من يخذل اآلخر؟‬

‫د‪ .‬فارس البيل‬

‫كان الشـعر ديـوان العـرب‪ ،‬ومـا يـزال وإن انـزوى‪ ،‬لكنـه ّ‬ ‫يظل سـيد الفنـون ال ّلغوية التي‬ ‫ابتكرها اإلنسـان العربـي تحديدًا‪..‬‬ ‫منـذ أن صـدح العربـي بالشـعر؛ فإنمـا كان يُجري في لغته نوعـاً من المهـارة التّعبيرية‬ ‫والكثافـة‪ ،‬التـي تجعـل مـن الـكالم السـائل حكمـة أو موق ًفـا أو وص ًفـا سـاحراً‪ ،‬والـكالم‬ ‫الشـعري علـى هـذا النسـق التشـكيلي ل ّلغـة كان األنسـب للحفـظ والتـداول والتعبيـر‬ ‫الموجـز‪ ،‬حملتـه ال ّلغـة العربية بمخزونها ّ‬ ‫الثـري‪ ،‬وطاقتها ا ّلعبيرية الهائلة‪ ،‬التي تسـعف‬ ‫ّ‬ ‫كل ذي رغبـة وقـدرة في صـوغ كالم هو ككالم النّاس‪ ،‬لكنه مرصـوص وموزون وفعال‪،‬‬ ‫وبـدالالت دائمـة تصلـح ّ‬ ‫لـكل المواقـف واألزمنة وكذلـك األماكن‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫ولـك أن تتخ ّيـل لـو لـم ُيقـل ا ِّلشـعر؟ ويصـاغ‬ ‫على تلك ُّ‬ ‫الشكول‪ ،‬هل كان سيصلنا تاريخ العرب‬ ‫ووقائعهـم وأخبارهـم وقصصهـم وشـخوصهم؟‬ ‫سـيبدو األمـر أشـبه باحملـال‪ ،‬فالتدويـن ال ّنثـري‬ ‫لـم يكـن حاضـراً‪ ،‬وحتـى لـو حضـر‪ ،‬فلـم يكـن قـادر ًا‬ ‫علـى ال ّنقـل الكامـل‪ ،‬أضـف أنّـه سـيخضع للتّبديل‬ ‫وال ّتشـويه واالبتـكار واخللـط‪ ،‬لك ّـن ّ‬ ‫الشـعر بقالبـه‬ ‫احملفـوظ الـذي صنعـه صاحبـه‪ ،‬قـد ألـزم اآلذان‬ ‫بحفظـه ونقلـه كماهـو‪ّ ،‬‬ ‫فالشـعر أقـدر علـى حمايـة‬ ‫السـنني‪ّ ،‬ربا كما‬ ‫نفسـه‪ ،‬لذلك نتداوله من آالف ّ‬ ‫نطـق بـه لسـان قائلـه‪..‬‬ ‫وهكـذا خـاض ّ‬ ‫الشـعر يف أغـراض كثيـرة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّوجهـات‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫ـض‬ ‫ع‬ ‫بب‬ ‫ال‬ ‫ـو‬ ‫ه‬ ‫مأ‬ ‫وإن كان يف بدايتـه‬ ‫ّ‬ ‫لكنّـه انسـاب يف احليـاة كآلـة إعالميـة ج ّبـارة‪،‬‬ ‫د ّونـت ونقلـت وع ّبـرت عـن كلّ ال ُّـدول ّ‬ ‫والشـخوص‬ ‫واملراحـل‪ ،‬فلـو لـم يكـن ّ‬ ‫الشـعر ملـا كانـت احلضـارات‬ ‫ماثلـة أمامنـا بتجلّياتهـا التـي طالعناهـا‪.‬‬ ‫وظـلّ ّ‬ ‫متوائمـا مـع الواقـع‪ ،‬ميخـر‬ ‫الشـعر‬ ‫ً‬ ‫عبابـه‪ ،‬ويهيـم يف كلّ شـئونه‪ ،‬يزدهـر مـع كلّ‬ ‫تـداول واعتنـاء‪ ،‬ويخفـت إن لـم يجـد عنايـة بـه‬ ‫امتدت بفعل‬ ‫وبأصحابه‪ّ ،‬‬ ‫لكن اللّغة العربية حني ّ‬ ‫التّوسع احلضاري‪ ،‬كان ّ‬ ‫الشعر سفيرها ومندوبها‬ ‫السـامي‪ ،‬ط ّرزتـه فنـون ال ّلغـة التـي ُق ّعـدت وأخـذت‬ ‫ّ‬ ‫تتفسـح يف كلّ الزّوايا الكالمية والتّعبيرية‪ ،‬فكان‬ ‫ّ‬ ‫لنضـوج ال ّلغـة واسـتعماالتها قاعـدة أثيـرة ّ‬ ‫للشـعر‬ ‫وربـا كان ّ‬ ‫الشـعر أحـد‬ ‫ليبقـى سـ ّي َد احلديـث بهـا‪ّ ،‬‬ ‫قواعدهـا‪ ،‬وعلـى تشـكالته ولوازمـه اعتمـدت ال ّلغـة‬ ‫يف تك ّونهـا وهيئتهـا‪ ،‬وكمـا أنّ القـرآن الكـرمي أثـرى‬ ‫ال ّلغـة وحفظهـا‪ ،‬وزاد مـن انتشـارها وقدراتهـا؛ فـإنّ‬ ‫ّ‬ ‫الشـعر ظـلّ حارسـها اجلميـل‪ ،‬وصاحبهـا األنيـق‬ ‫الـذي يسـتقي منهـا‪ ،‬وتزهـر بـه‪.‬‬ ‫وعندمـا وجلـت ال ّلغـة يف عصورنـا التّاليـة‬ ‫ّرهـل‬ ‫تعرضـت لكثيـر مـن الت ّ‬ ‫واحلاضـرة‪ ،‬كانـت قـد َّ‬ ‫والتّخلّـي عـن نواصيهـا‪ ،‬وبفعـل كثير من الظروف‬ ‫احلضاريـة وتغ ّيـرات احليـاة‪ ،‬وطبائـع البشـر‬

‫وتطـ ّور حيواتهـم؛ التـي انتجـت لهجـات أدنـى‬ ‫مـن ال ّلغـة الفصحـى والفصيحـة؛ راح ّ‬ ‫الشـعر‬ ‫أيضـا‪ ،‬ويحـاول البقـاء والتّعبيـر برغـم‬ ‫يقـاوم ً‬ ‫ا ّتسـاع سـاحة التعبيـر الكالمـي املشـتقّ مـن ال ّلغـة‬ ‫األساس‪ ،‬فبقي ّ‬ ‫الشعر ال ّرسمي على عهده باللّغة‬ ‫واالمتيـاح مـن جذورهـا‪ ،‬لكنّـه تعـ ّرض للخـذالن‪،‬‬ ‫فقـد تغ ّيـرت احليـاة‪ ،‬وا ّتسـع الـكالم‪ ،‬حتّـى وصلنـا‬ ‫املتفجـر ب ِّ‬ ‫ـكل التِّغ ّيـرات احليات ّيـة‬ ‫إلـى عصرنـا‬ ‫ِّ‬ ‫والصناعـات واآللـة‪ ،‬فوجـد ّ‬ ‫الشـعر نفسـه‬ ‫وال ّـدول ّ‬ ‫الدفـاع عـن بقائـه وصورتـه‪ ،‬حتّـى‬ ‫يف‬ ‫مهمـة ّ‬ ‫ّ‬ ‫صـار ف ّـن النّخبـة‪ ،‬وتعبيـر املوهوبين وسـلواهم‪،‬‬ ‫وحديـث التّـرف ّ‬ ‫الشـعوري‪ ،‬فقـد زاحمتـه نواطـق‬ ‫كثيـرة‪ ،‬تغنـي عنـه‪ ،‬ليـس وحدهـا نواطـق اإلنسـان‬ ‫اخملتلفـة‪ ،‬لكـن نواطـق اآللـة‪ ،‬وأصبـح العالـم‬ ‫مفتوحـا‪ ،‬تتداخـل فيـه ال ّلغـات وتتالطـم كأ ّنهـا‬ ‫ً‬ ‫محيطـات واسـعة‪.‬‬ ‫وألنّ الفصحـى ن ُّح َيـت مـن مكانهـا املسـتعمل‬ ‫املتـداول‪ ،‬فقـد أراد ّ‬ ‫الشـعر أن يبقـى‪ ،‬لك ّـن اإلنسـان‬ ‫العصـري بطبعـه‪ ،‬صـار لـه ألـف شـغل وشـاغلة‪،‬‬ ‫وألـف تعبيـر ودالّـة‪ ،‬حتّـى وصلنـا إلى عصر ال ّرموز‬ ‫والصـورة ‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وكلهـا فنـون تعبيريـة‪ ،‬لك ّـن ّ‬ ‫الشـعر رغـم أنّ‬ ‫يتقصـد ذلـك‪ ،‬لكـن‬ ‫الواقـع خذلـه‪ ،‬ليـس ألنّـه‬ ‫ّ‬ ‫ألنّـه تغ ّيـر وانفجـر وتش ّـظى‪ ،‬وبقـي ّ‬ ‫الشـعر يحاول‪،‬‬ ‫رغـم أن ال ّلغـة لـم تعـد بكامـل اسـتعمالها تتبختـر‬ ‫يف يومياتنـا وتتباهـى‪ ،‬لذلـك حتـ ّول ّ‬ ‫الشـعر مـن‬ ‫السـلوى‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫السـيادة‪ ،‬إلـى زاويـة ّ‬ ‫منصـة ّ‬ ‫علـى أنّ ّ‬ ‫الشـعر خذلـه أبنـاؤه وعاشـقوه يف‬ ‫ممـا خـذل نفسـه‪ ،‬إنّ مـوارده األسـاس‬ ‫زمننـا أكثـر ّ‬ ‫غاضـت‪ ،‬ورافعاتـه تناهـت‪ ،‬فبقـي أثـر ًا خالـد ًا لكنّـه‬ ‫لـم يعـد يف صـدارة املتـداول‪ّ ،‬إنـا انتقـل إلـى زوايـا‬ ‫املتحـف العقلـي‪ ،‬يـزوره ّ‬ ‫الشـغوف واملهتـم‪ ،‬وال‬ ‫العامـة‪ّ ،‬ربـا بسـبب أنّ ال ّلغـة لـم تعـد‬ ‫يحفـل بـه‬ ‫ّ‬ ‫سـاحة ال ّلسـان العربـي بجمالياتهـا‪ّ ،‬إنـا صـارت‬ ‫وظيفـة تعبيـر‪ ،‬تسـتلهم مـا يجـب ال مـا يطـرب‪.‬‬

‫على أنّه بإمكان ّ‬ ‫الشعر أ ّال ُيهزم‪ ،‬فسيظلّ أثر ًا‬ ‫السـلطة الثّقافيـة العربيـة بإمكانهـا‬ ‫خالـداً‪ ،‬لك ّـن ّ‬ ‫أن تُبقـي ّ‬ ‫وبارعـا يف سـاحتها‪ ،‬لـو‬ ‫قادحـا‬ ‫ـعر‬ ‫الش‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اهتمـت بـه ك َمعلـم مه ّـم مـن معاملهـا ووجودهـا‬ ‫ّ‬ ‫احلضـاري بين األمم الكثيـرة‪.‬‬ ‫حلـق أ ّننـا ال نطلـب ُمعجـزً ا يف أن يعـود‬ ‫وا ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشـعر ملـا كان عليـه‪ ،‬متفـ ِّر ًدا يف التّعبيـر‪ ،‬لكـن‬ ‫ميكـن االعتنـاء بـه كمهـارة حضاريـة يف القـول‪ ،‬قل‬ ‫أن يحمـل معاملنـا سـواه‪.‬‬ ‫وعلـى ّ‬ ‫الشـعراء‪ ،‬أن يتم ّـددوا أكثـر وأن ينزاحـوا‬ ‫بشـكل كثيـف للتّعبيـر عـن ِّ‬ ‫كل مشـاهد احليـاة‬ ‫الصاخبـة‪ ،‬وذلـك ال يتأتّـى‬ ‫األثـرى يف هـذه احليـاة ّ‬ ‫باألمانـي‪ ،‬بـل بوجـود سـلطات سياسـية وثقافيـة‬ ‫ومجتمعيـة‪ ،‬تؤمـن بقيمـة ّ‬ ‫الشـعر‪ ،‬وتؤمـن بتأثيـره‬ ‫وال جتفـل عنـه‪.‬‬ ‫سـيبقى ّ‬ ‫الشـعر وإن زاحمتـه آالف التّعابيـر‪،‬‬ ‫مهمتـه عسـيرة‪ ،‬يقـوم بهـا ر ّواده ومتلقّ ـوه‬ ‫لكـن ّ‬ ‫ّ‬ ‫السـواء‪ ،‬إذ ال نريـده بالطبـع أن ُيفسـد علـى‬ ‫علـى ّ‬ ‫مناوئيـه‪ ،‬لكـن أن ينافـس بآثـار عظيمـة‪ ،‬وبتطـ ّور‬ ‫مال ئـم‪.‬‬ ‫ولقـد وجدنـا يف عصرنـا هـذا املـا ِّدي‪ ،‬مـن‬ ‫جعـل مـن الكلمـة ّ‬ ‫الشـعرية أثـر ًا خال ًـدا كمـا كان‪،‬‬ ‫صحيحـا أنّ ّ‬ ‫الشـعر مـات مبـوت أولئـك‬ ‫فليـس‬ ‫ً‬ ‫السـالفة‪ ،‬بـل وجدنـاه يتلأأل‬ ‫ـور‬ ‫ص‬ ‫الع‬ ‫ـن‬ ‫م‬ ‫ـذاذ‬ ‫األف‬ ‫ّ‬ ‫بفعـل شـعراء عـرب كبـار يف زمننـا‪ ،‬وإذن املسـألة‬ ‫مهـارة وجتديـد وصـدق فنّـي‪ ،‬وقـد يصنـع شـاعر‬ ‫بالـغ البراعـة مج ًـدا ّ‬ ‫للشـعر يف هـذا ال ّزمـن مثـل‬ ‫مـا صنعـه املتن ّبـي وغيـره‪ ،‬امله ّـم أن يكـون هنـاك‬ ‫اعتنـاء‪ ،‬ومصاحلـة مـع ال ّزمـن وتوظيـف ل ّلغـة مبـا‬ ‫ُيتـداول اليـوم‪ ،‬ومجـاالت ّ‬ ‫الشـعر يف هـذا ال ّزمـن‪،‬‬ ‫كمـا أرى‪ ،‬أخصـب مـن مجاالتـه يف عصـور مجـده‪،‬‬ ‫فهل يصعب احلصول على ذلك؟ أظنّه ميسـو ًرا ‪،‬‬ ‫واملوهوبـون يولـدون كلّ يـوم‪ ،‬امله ّـم أن يجمعـوا بين‬ ‫مـا ُأثـر ومـا ُيعـاش‪.‬‬


‫في نقد‬ ‫نوافذ‬ ‫‪ 54‬الشعر‬

‫التقنيات السردية في النص الشعري الحديث‬ ‫“الشاعر عبد اهلل راجع أنموذجاً”‬

‫د‪ .‬بلقيس أحمد الكبيس‬

‫أو ًال‪ :‬مقدمة‪:‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫السـرد نظامـ ًا كونيـ ًا يحكـم وجـود األشـياء‬ ‫يعـد ّ‬ ‫ِّ‬ ‫وينظـم العالقـات التـي تربـط بعضهـا ببعـض دون أن‬ ‫يقـف هـذا النظـام علـى أمنـوذج دون غيـره‪ .‬فالسـردية‬ ‫تتحكـم يف كل خطـاب مهمـا كان نوعـه‪ ،‬وال يقتصـر‬ ‫وجودهـا علـى األجنـاس األدبيـة فحسـب‪ ،‬بـل متتـد‬ ‫لتشـمل التاريـخ والسـينما وغيرهـا‪ ،‬كمـا أنهـا تخضـع‬ ‫يف كل جنـس أدبـي للتطـور والتغييـر‪ .‬ويكتسـب فـن‬ ‫السـرد يف مختلـف األجنـاس األدبيـة أهميـة خاصـة‪،‬‬ ‫حيـث فتحـت نظريـة السـرد آفاقـ ًا جديـدة مـن تقنيـات‬ ‫الكشـف عـن السـردية وأشـكالها ووظائفهـا ودالئلهـا(‬ ‫)‪ .‬وقـد رافـق السـرد القصيـدة منـذ القـدم‪ ،‬إذ تشـير‬ ‫شـعريات كل مـن "أفالطـون وأرسـطو" إلـى ((أن هـذه‬ ‫الصيغـة ليسـت وقفـ ًا علـى امللحمـي والقصصـي‪.‬‬ ‫فقـد ميـز "أفالطـون" بين السـرد واحلـوار‪ ،‬أو بين‬ ‫احلكـي القصصـي واحلكـي املسـرحي‪ ،‬حيـث يشـتمل‬ ‫األول علـى السـرد واحلـوار وميثلـه امللحمـة‪ ،‬بينمـا‬ ‫يشـتمل الثانـي علـى احلـوار الـذي متثلـه املسـرحية‬ ‫املأسـاوية والهزليـة))( )‪ .‬يف حين قسـم أرسـطو يف‬ ‫كتابـه (فـن الشـعر) األدب إلـى ثالثـة أقسـام‪ :‬األدب‬ ‫الغنائـي وامللحمـي والدرامـي‪ ،‬وع َّـد األناشـيد البطوليـة‬ ‫والهجائيـة جنـس سـردي( )‪.‬‬ ‫وقـد مـ ّرت القصيـدة العربيـة مبراحلهـا الثلاث‬ ‫(الكالسـيكية‪ ،‬والرومانسـية‪ ،‬والواقعيـة) وتع ّـد مدرسـة‬ ‫الشـعر احلديـث محطـة مهمـة يف تطـور القصيـدة‪،‬‬ ‫حيـث دخلـت القصيـدة طـور التجديـد واحلداثـة‪،‬‬ ‫وتداخلت مع أجناس أدبية أخرى كالقصة واألسطورة‬ ‫وامللحمـة واملسـرح والسـينما وغيرهـا‪.‬‬ ‫وفتحـت هـذه املرحلـة للشـعر آفاقـ ًا واسـعة‬ ‫وجديـدة نحـو التغييـر والتطـور يف الشـكل واملضمـون‪،‬‬ ‫وفتحـت اجملـال لتوظيـف تقنيـات سـردية اعتمـدت‬ ‫أمناط ًـا جتريبيـة شـكلية‪ ،‬وتعـددت أنـواع التجريـب‬ ‫فظهـر التجريـب علـى مسـتوى املوضـوع‪ ،‬والتجريـب‬ ‫علـى مسـتوى اسـتلهام التـراث‪ ،‬وصياغتـه يف شـكل‬ ‫فنـي جديـد‪ ،‬وكـذا التجريـب علـى مسـتوى السـرد‬ ‫لألوصاف واخلبرات احلياتية والشـخصية‪ ،‬واالهتمام‬ ‫بالتفاصيـل اليوميـة وحتويلهـا إلـى مواضيـع شـعرية‬ ‫جسـدت مواقـف احليـاة ومشـاهدها وممارسـتها‪.‬‬ ‫كمـا اسـهمت ثقافـة الشـاعر العربـي احلديـث وتعـدد‬

‫جتاربـه وانفتاحـه علـى جتـارب األدب اإلنسـاني‬ ‫يف حتررهوانطالقـه؛ ومنـه انفتحـت لغـة قصيدتـه‬ ‫احلديثـة فاسـتوعبت تقنيـات شـكلت ملمحـ ًا سـردي ًا يف‬ ‫النـص الشـعري‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬مفهوم السردية‪:‬‬ ‫يرجـع اشـتقاق مصطلـح السـردية إلـى الفعـل‬ ‫الثالثـي (سـرد) الـذي يعنـي التتابـع والتوالـي والنسـج‬ ‫وإجـادة السـياق‪ ،‬وقـد ورد تعريـف السـرد يف املعاجـم‬ ‫العربيـة مبعنـى ((تقدمـة الشـيء إلـى شـيء تأتـي بـه‬ ‫متسـق ًا بعضـه يف أثـر بعـض متتابعـ ًا))( )‪(( .‬وسـرد‬ ‫القـراءة واحلديـث يسـرده سـرداً‪ ،‬أي تابـع بعضـه‬ ‫بعضـا))( )‪ .‬والسـرد هـو ((جـودة سـياق احلديـث))( )‪.‬‬ ‫وسـرد احلديث ونحوه يسـرده سـرداً‪ ،‬إذا تابعه‪(( ،‬وفالن‬ ‫ويسـرده‪ ،‬إذا كان جيـد السـياق‬ ‫يسـرد احلديـث سـرد ًا َّ‬ ‫وسـرد القرآن تابع قراءته))( )‪(( .‬وسـرد الدرع إذا شـك‬ ‫طـريف كل حلقتين وسـمرهما‪ ،‬وجنـوم سـرد‪ ،‬متتابعـة‪،‬‬ ‫ـاش مسـرد يتابـع خطـاه يف مشـيه"( )‪".‬وفلان يسـرد‬ ‫وم ٍ‬ ‫ً‬ ‫احلديث سـردا إذا كان جيد السـياق له‪ ،‬وسـردت الصوم‬ ‫أي تابعته))( )‪ .‬وهو ((ضم الشيء بعضه إلى بعض))‬ ‫( )‪ .‬وتـدل لفظـة السـرد علـى التنظيـم فهـو النظـم‬ ‫واخلـرز املسـرود إذا نظـم‪ ،‬وكل شـيء وصلـت بعضـه‬ ‫ببعـض قـد سـردته سـرداً( )‪ .‬أمـا اصطالحـا فالسـرد هـو‬ ‫فعـل أو وصـف أو تصويـر أو تسلسـل ألحـداث ومشـاهد‬ ‫ووقائـع سـواء أكانـت حقيقـة أم خياليـة تتطلـب زمانـ ًا‬ ‫يحددهـا‪ ،‬ومكانـ ًا تـدور فيهـا‪ ،‬وشـخوص ًا تـؤدي أدوارهـا‬ ‫وتتفاعـل مـع أحداثهـا ينتـج عنـه نصـ ًا أدبيـ ًا سـواء‬ ‫أكان سـردي ًا (قصصيـ ًا وروائيـ ًا) أم شـعري ًا أم مسـرحي ًا‬ ‫أم فنيـ ًا( )‪ .‬وهـو النظـام الـذي تسـند منـه الفنـون‬ ‫األدبيـة( )‪(( .‬وشـكل لغـوي معبـر يقـوم بنقـل احلادثـة‬ ‫مـن صورتهـا الواقعيـة إلـى صـورة لغويـة))( )‪ .‬وعمليـة‬ ‫يقـوم بهـا الـراوي ينتـج عنهـا النـص الذي يشـتمل على‬ ‫اللفـظ أو امللفـوظ( )‪ .‬ومجمـوع التقنيـات واملهـارات‬ ‫اللغويـة التـي جتعـل مـن مجموعـة أحـداث منتظمـة‬ ‫داخـل نسـق روائـي محـدد‪ ،‬تـؤدي وظيفـة جماليـة( )‪.‬‬ ‫أمـا السـرد ّية فتعـد مصطلحـ ًا حديثـ ًا رافقـت النـص‬ ‫األدبـي وأصبحـت مكونـ ًا مـن مكوناتـه‪ ،‬وقـد شـملت‬ ‫السـردية النصـوص األدبيـة اخملتلفـة‪ ،‬وأصبحـت‬ ‫املبحـث النقـدي الـذي ُيعنـى مبظاهـر اخلطـاب‬ ‫السـردي‪ ،‬أسـلوب ًا وبن ًـاء وداللـة وعنايـة بأوجـه خطـاب‬

‫السـرد‪ .‬ولـم تقتصرالسـردية يف مجـال دراسـتها علـى‬ ‫نـوع واحـد مـن أنـواع األدب‪ ،‬بـل اتسـعت لتشـمل األدب‬ ‫بشـتى أنواعـه والفنـون بأنواعهـا واخلطابـات واألخبـار‬ ‫اليوميـة‪ .‬كمـا أنهـا رسـالة لغويـة ومنظومـة متكاملـة‬ ‫مـن العالقـات التـي تنظـم آليـة اشـتغال املكونـات‬ ‫والعناصـر السـردية‪ .‬تهـدف إلـى وضـع قواعـد شـاملة‬ ‫للتشـكالت الداخليـة للأدب بأجناسـه وأنواعـه‪ .‬وتضـع‬ ‫ضوابـط لدراسـة اخلطـاب السـردي‪ ،‬وتسـتخرج النظـم‬ ‫التـي حتكمهـا وتوجـه أبنيتهـا‪ ،‬وحتـدِّ د خصائصهـا‬ ‫وسـماتها‪ ،‬وهـي املبحـث النقـدي الـذي يعنـى مبظاهـر‬ ‫ً‬ ‫وداللة( )‪ .‬وقد اتخذت‬ ‫وبناء‬ ‫اخلطاب السردي أسلوب ًا ً‬ ‫ً‬ ‫السردية مفهوم ًا واسع ًا ومغايرا يتصل بعالقة السارد‬ ‫باملسـرود لـه وبالشـخصيات السـاردة لتكـف عـن كونهـا‬ ‫مجـرد مرسـلة متـارس فعاليتهـا خـارج اجملـال النصـي(‬ ‫)‪ .‬والسـردية طريقـة القـص التـي تعنـى بحكي األفعال‬ ‫ويقـوم عليـه األدب القصصـي بأنواعـه وتفرعاتـه( )‪.‬‬ ‫كمـا تُعنـى بتحليـل مكونـات احلكـي وآلياتـه‪ ،‬وتشـكل‬ ‫هـذه املدونـة خطابـ ًا يحمـل يف ثنايـاه وجهـات نظـر‬ ‫متعـددة تبعـ ًا لطبيعـة اخلطـاب وتوجهاتـه‪ ،‬وقد تأسـس‬ ‫اخلطـاب الشـعري وانتشـر بطرائـق شـفاهية أساسـها‬ ‫البنيـة احلكائيـة املتحولـة عنـد الـرواة‪ ،‬بعـد تناقلهـا‬ ‫بين النـاس أو تدوينهـا إلـى مدونـة سـردية قابلـة‬ ‫للتـدارس والقـراءة النقديـة‪ ،‬وتنطـوي يف الوقـت نفسـه‬ ‫علـى إمكانيـة لسـرد الـذات واآلخـر والوجـود مـن خلال‬ ‫النـص الشـعري( )‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬نبذة مختصرة عن عبد اهلل راجع‪/‬‬ ‫املغرب (‪ 28 – 1948‬يوليوز ‪) ()1990‬‬ ‫شاعر مغربي ولد يف مدينة (سال) وتويف يف مدينة‬ ‫( الـدار البيضـاء) عـاش يف عـدة مـدن باململكـة املغربيـة‪،‬‬


‫في نقد‬ ‫الشعر‬ ‫تلقـى تعليمـ ًا نظاميـ ًا يف املـدارس االبتدائيـة والثانويـة‬ ‫مبدينـة سلا‪ ،‬ثـم التحـق بكليـة اآلداب مبدينـة فـاس‪،‬‬ ‫وتخـرج فيهـا عـام (‪ ،)1972‬حصـل على دبلوم الدراسـات‬ ‫العليـا عـام (‪ ،)1984‬عمـل معلمـ ًا يف التعليـم الثانـوي‬ ‫مبدينـة ( الفقيـه بـن صالـح)‪ ،‬ثـم التحـق للعمـل‬ ‫بالتدريـس يف كليـة اآلداب بالـدار البيضـاء‪ ،‬كمـا عمـل‬ ‫يف هيئـة حتريـر مجلـة (الثقافـة اجلديـدة) شـارك يف‬ ‫إصـدار مجلـة (رصيـف) وكان عضـو ًا يف احتـاد كتـاب‬ ‫املغرب عام (‪ .(1976‬وعلى الرغم من قله نتاجه األدبي‬ ‫بسـبب املوت الذي قطفه باكراً‪ ،‬إال أن له مجموعة من‬ ‫الدواويـن الشـعرية زاخـرة بالسـردية يف أغلبهـا‪ .‬ويعـد‬ ‫(عبـد اهلل راجـع) مـن أهـم شـعراء السـبعينيات‪ ،‬لـه‬ ‫رؤى شـعرية ومواقـف جماليـة جتسـد قضايـا اإلنسـان‬ ‫وأحـداث يومياتـه ومجتمعـه وأحالمـه ومسـتقبله‪ ،‬كمـا‬ ‫اهتـم بالتجريـب يف بنيـة القصيـدة‪ ،‬والتحـ ّول مـن‬ ‫الشـكل العمـودي إلـى الشـكل التفعيلـي‪ ،‬ينتمـي شـعره‬ ‫موضوعيـ ًا إلـى كتابـة الـذات التـي جعلهـا منطلقـ ًا‬ ‫لرؤيـة شـعرية تكتشـف العالـم واملوجـودات‪ ،‬ومثـا ًال‬ ‫للتجريـب والقصيـدة البصريـة‪ ،‬علاوة علـى العمـق‬ ‫الفكـري والصـدق الوجدانـي والصـور واألبنيـة املركبـة‪،‬‬ ‫ولقـد اعتمـد السـرد الشـعري تقنيـة للكتابـة نصوصـه‪،‬‬ ‫التـي تتسـم بالطـول والتقسـيمات الفرعيـة والعناويـن‬ ‫اجلانبيـة‪ ،‬صـدر لـه دراسـة بعنـوان (القصيـدة املغربيـة‬ ‫املعاصـرة) علاوة علـى الدواويـن اآلتيـة( )‪:‬‬ ‫‪ −‬الهجـرة إلـى املـدن السـفلى‪ ،‬دار الكتـاب‪ ،‬الـدار‬ ‫البيضـاء‪.1976 ،‬‬ ‫سلاما وليشـربوا البحـار‪ ،‬منشـورات الثقافـة‬ ‫‪−‬‬ ‫ً‬ ‫اجلديـدة‪ ،‬احملمديـة‪.1982 ،‬‬ ‫‪ −‬أيـاد كانـت تسـرق القمـر‪ ،‬الـدار املغربيـة للنشـر‪،‬‬ ‫الـدار البيضـاء ‪.1988‬‬ ‫رابعاً‪ :‬التقنيات السردية يف قصائد الشاعر‬ ‫عبد اهلل راجع‪:‬‬

‫الدهشـة واحلـزن عيـون األطفـالْ ) وهنـا وصـف بليـغ‬ ‫ومؤثـر لعيـون األطفـال املمتلئـة باحلـزن والـرذاذ حزنـ ًا‬ ‫علـى سـبته‪ ،‬حيـث وظـف الشـاعر تقنيـة الوصـف عبـر‬ ‫املشـهد السـردي‪ ،‬وهذا يدل على أن السـرد ال يسـتطيع‬ ‫تأسـيس كيانـه بـدون الوصـف فهـو رفيـق ملازم لـه‪،‬‬ ‫والعالقـة بينهمـا ترتبـط بالوظائـف احلكائيـة التـي‬ ‫تنهـض بهـا املظاهـر الوصفيـة يف بنيـة النـص‪ ،‬ليعمـل‬ ‫الوصـف علـى التفسـير وإعطـاء الرمزيـة للمشـاهد‪،‬‬ ‫إضافـة إلـى تشـخيص األشـياء ومنحهـا صفـات‬ ‫األشـخاص نحـو قولـه‪( :‬جلبـال الريـف عيـونٌ ترصـد‪،‬‬ ‫ـرة الريـف) واالسـتعارة (غضـون البحـر) وتداخـل‬ ‫ذاك ِ‬ ‫العناصـر السـردية املـكان واحلـدث والشـخوص يف‬ ‫قولـه‪( :‬الريـف‪ ،‬البحـر املتوس ْـط‪ ،‬شواطئسـبت ْه‪،‬‬ ‫افتضـت‪ ،‬امتلأت‪ ،‬عيـون األطفـال) وهـذا‬ ‫تترصـد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫السـرد املتداخل بالوصف يقدم صور ًا داللية وجمالية‬ ‫وإبداعيـة للنـص الشـعري ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬تقنية احلوار‪:‬‬ ‫(حـو َر) إلـى‬ ‫يشـير التعريـف اللغـوي للجـذر َ‬ ‫دالالت عـدة‪ ،‬منهـا الرجـوع عـن الشـيء وإليـه‪ ،‬وهـي‬ ‫ٍ‬ ‫داللـة تقتـرب مـن داللـة لفظـة (حـوار) التـي تـدل‬ ‫علـى التحـادث والتجـاوب القولـي‪ ،‬فاحملـاورة اجملاوبـة‪،‬‬ ‫واسـتحاره أي اسـتنطقه‪ ،‬والتحـاور التجـاوب‪ ،‬تقـول‪:‬‬ ‫كلمتـهُ فمـا حـار إل َّـي جوابـ ًا‪ ،‬أي مـا رد جـواب( )‪.‬‬ ‫واحملـاورة حسـن احلـوار ومنهـا ك َّلمتُـه فمـا ر َّد علـى‬ ‫ـورة (أي كالم) وحاورتـه راجعتـه الـكالم‪ ،‬وهـو حسـن‬ ‫مح ٍ‬ ‫احلـوار( )‪ .‬واحلـوار اصطالح ًـا أن يتنـاول احلديـث‬ ‫طرفـان أو أكثـر عـن طريـق السـؤال واجلـواب‪ ،‬بشـرط‬ ‫وحـدة املوضـوع أو الهـدف‪ ،‬فيتبـادالن النقـاش حـول‬ ‫أمـر معين( )‪ .‬وهـو حقيقـة مجتمعيـة إنسـانية‪ ،‬فأينمـا‬ ‫وجـد اجملتمـع البشـري وجـد احلـوار‪ ،‬ألن اللغـة قاسـم‬ ‫مشـترك بني البشـر‪ ،‬من وظائفها التعبير عن حاجات‬ ‫اإلنسـان سـواء البسـيطة املتصلـة بحاجاتـه اإلنسـانية‪،‬‬ ‫أو حاجاتـه يف املسـتويات العليـا مـن النقـاش الفكـري‬ ‫والدينـي واالجتماعـي‪ .‬واحلوارحديـث يـدور بين‬ ‫اثنين علـى األقـل يفتـرض فيـه اإلبانـة عـن املواقـف‬ ‫والكشـف عـن خبايـا النفـس( )‪ .‬وهـو أداة لتقـدمي‬ ‫احلـدث ومتثيـل عالـم الصـراع‪ ،‬ورسـم معالـم‬ ‫الشـخصية‪ ،‬وينقسـم احلـوار إلـى‪( :‬الديالـوج) وهـو‬ ‫احلـوار اخلارجـي‪ ،‬و(املونولـوج) وهـو احلـوار الداخلـي‬ ‫وسـنقف هنـا عنـد احلـوار الداخلـي وقـد سـمي‬ ‫داخليـا؛ ألنـه يقـع داخـل املتكلـم‪ ،‬ويسـمى أيضـ ًا حـوار‬ ‫النفـس وذاتهـا( )‪ .‬ويعـد احلـوار الداخلـي واحـد ًا مـن‬ ‫تقنيـات القصيـدة احلديثـة التـي لعبـت دور ًا بـارز ًا يف‬ ‫حتقيـق هـذه الغايـة‪ ،‬فهـو مبثابـة قصيـدة تلقيهـا علـى‬ ‫أسـماعنا شـخصية أخـرى غيـر الكاتـب نفسـه‪ ،‬نتعـرف‬ ‫علـى صوتـه مـن خلال الشـخصية التـي تتوحـد مـع‬ ‫الكاتـب ويتوحـد معهـا‪ ،‬مجسـدةاملوقف الدرامـي‪.‬‬ ‫وتبـدو أهميـة (املنولـوج) مـن خلال قدرتـه الفائقـة‬ ‫علـى كشـف مالمـح الشـخصية ومشـاعرها الداخليـة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فضلا عـن اسـتخدامه يف تغييـر اإليقـاع وتصعيـد‬ ‫احلـدث الدرامـي( )‪ .‬كمـا يتيـح (املنولـوج) للشـاعر‬ ‫يف القصيـدة أن يعبـر عـن أفـكاره الداخليـة وعواطفـه‬ ‫بطريقة غير مباشـرة‪ ،‬تعتمد على التكثيف والتركيب‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫‪ - 1‬تقنية الوصف‪:‬‬ ‫الوصـف هـو إنشـاء يعطـي صـورة ذهنيـة عـن مشـهد‬ ‫أو شـخص أو إحسـاس أو زمـان أو مـكان للقـارئ أو‬ ‫املسـتمع‪ ،‬ويف العمـل األدبـي يخلـق الوصـف البيئـة‬ ‫التـي جتـري فيهـا أحـداث القـص( )‪ .‬كمـا أنّـه تقنيـة‬ ‫السـرد‪ ،‬وعنصـر مـن العناصـر األساسـية‬ ‫مـن تقنيـات ّ‬ ‫واملهمـة التـي يؤديهـا الـراوي داخـل النـص األدبـي( )‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫السـارد بتقـدمي مشـاهد‬ ‫ـوم‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ـف‬ ‫ص‬ ‫الو‬ ‫خلال‬ ‫فمـن‬ ‫ّ‬ ‫وصفيـة لألحـداث‪ ،‬والطبيعـة‪ ،‬واألماكـن‪ ،‬واألشـخاص‪.‬‬ ‫وتكمـن وظيفـة الوصـف يف اسـتحضار صفـات األشـياء‬ ‫واألماكـن‪ ،‬وخلـق رؤيـة جديـدة لهـا‪ ،‬وتصويرهـا‬ ‫تصويـر ًا داخليـ ًا أو خارجيـ ًا برؤيـة موضوعيـة أو ذاتيـة‬ ‫أوتأمليـة‪ ،‬وهـو مـن أهـم األسـاليب الفنيـة‪ ،‬التصويريـة‬ ‫والتعبيريـة التـي حفـل بهـا األدب يف مختلـف العصـور‬ ‫يف شـتى أشـكال القـول األدبـي()‪.‬‬ ‫ومـع وجـود احلداثـة وإزاحـة احلـدود الفاصلـة بين‬ ‫األجنـاس األدبيـة‪ ،‬واملـزج بين مـا هـو شـعري مبـا هـو‬ ‫نثـري والعكـس‪ ،‬تعمـق الوصـف أكثرفتـم انتـاج نصوص‬ ‫أدبيـة تتجـاوز فيهـا مسـتويات اخلطـاب‪ ،‬وتتفاعـل فيهـا‬

‫تقنيـات التعبيـر وأسـاليبه‪ ،‬فعندمـا تداخلـت الشـعرية‬ ‫بالسـردية والسـردية بالشـعرية‪ ،‬اعتمـد النـص علـى‬ ‫تقنيـات متعـددة يف مجـال الوصـف‪ ،‬منهـا تعريـف‬ ‫ً‬ ‫فضلا عـن تصويـر‬ ‫الشـخصيات‪ ،‬وتصويـر األماكـن‪،‬‬ ‫مـا حتدثـه األشـياء يف النفـس مـن تأثيـرات‪ ،‬ونظـر ًا‬ ‫لهـذا االنفتـاح اسـتجاب النقـد األدبـي احلديـث لهـذه‬ ‫التطـورات فاكتسـب السـرد دالالت أوسـع مـن القـص‬ ‫أو احلكي‪.‬وجنـد تقنيـة الوصـف ظاهـرة يف قصائـد‬ ‫الشـاعر (عبـد اهلل راجـع) وهنـا سـنقف مـع نـص مـن‬ ‫قصيـدة (مكاشـفات مـن دفتـر الغربـة) يقـول فيـه‬ ‫الشـاعر‪:‬‬ ‫عيـون ترصـد أمـواج البحر‬ ‫((جلبـال الريـف‬ ‫ٌ‬ ‫املتوسط‬ ‫ْ‬ ‫كيـف إذن حين ّ‬ ‫افتضـت سـفن الغـزو شـواطئ‬ ‫سبته‬ ‫ْ‬ ‫وامتلأت بـرذاذ الدهشـة واحلـزن عيـون‬ ‫األطفـالْ ))( )‬ ‫هنـا جنـد نصـ ًا شـعري ًا وكأنـه لوحـة سـردية أبـدع‬ ‫فيهـا الشـاعر مـن خلال تقنيـة الوصـف يف قولـه‪:‬‬ ‫(جلبـال الريـف عيـونٌ ترصـد أمـواج البحـر املتوس ْـط)‬ ‫حيـث شـبه جبـال الريـف بإنسـان ميتلـك عيـون تترصد‬ ‫أمـواج البحـر‪ ،‬وشـبه عيـون اجلبـال بالعسـس الذيـن‬ ‫يقومـون مبهمـة الترصـد واملراقبـة‪ ،‬فاسـتعار مـن‬ ‫العسـس مهنتهـم وألصقهـا بعيـون جبـال الريـف‪ ،‬كمـا‬ ‫أورد صـورة جماليـة أخـرى يف قولـه‪( :‬كيـف إذن حين‬ ‫افتضـت سـفن الغـزو شـواطئ سـبت ْه) فقـد شـبه سـبته‬ ‫ّ‬ ‫بعـذراء افتضتهـا سـفن الغـزو‪ ،‬وهـذا الوصـف يحمل يف‬ ‫طياته الكثير من الصور اجلمالية والداللية‪ .‬لينقلنا‬ ‫لوصـف مشـهد آخـر يتمثـل يف قولـه‪( :‬وامتلأت بـرذاذ‬

‫‪55‬‬


‫في نقد‬ ‫نوافذ‬ ‫‪ 56‬الشعر‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫واجملابهـة الصوتيـة مـع املتلقـي‪ ،‬كمـا يتيح للمتلقي أن‬ ‫يسـمع الصـوت اخلفـي الـذي يـدور يف أعمـاق الشـاعر‪،‬‬ ‫وهـذا نـوع مـن التجسـيد أو التجريـد؛ فكأننـا مـع‬ ‫ذات أخـرى غيـر ذات الشـاعر حتاورنـا مـن خلال هـذا‬ ‫الصـوت احلواري‪،‬وتلعـب اللغـة الشـعرية احلواريـة يف‬ ‫(املونولـوج) دور ًا يف نقـل القصيـدة مـن واقعه اخلطابي‬ ‫إلـى واقـع أكثـر موضوعيـة ودراميـة‪ ،‬يتوجه من الداخل‬ ‫إلـى اخلـارج ليكشـف عـن خلجـات النفـس‪ .‬فاحلـوار‬ ‫الداخلـي عبـارة عـن كالم غيـر منطـوق يكشـف عـن‬ ‫أفكار الشـخصية ومشـاعرها الداخلية وهو مناجاة يف‬ ‫شـكل اسـتفهام أو نـداء أو تعجـب‪ ،‬ويلجـأ الكاتـب إلـى‬ ‫هـذه الوسـيلة حين يكـون البيـان الداخلـي للشـخصية‬ ‫هـو جـل مـا يسـتهدفه مـن كشـف وجلاء يف ثنايا العمل‬ ‫األدبـي( )‪ .‬ويعـد احلـوار تقنيـة بـارزة يف كثيـر مـن‬ ‫قصائـد الشـعر احلديـث‪ ،‬كمـا أن املزاوجـة بين الغنائيـة‬ ‫والدرامية يف نسـق البناء الشـعري تعد حداثة شـعرية‬ ‫مزجـت بين الذاتـي واملوضوعـي‪ ،‬إذ يلجـأ الشـاعر إلـى‬ ‫احلـوار يف شـكل تداعيـات داخليـة تقسـم الـذات علـى‬ ‫نقيضين متحاوريـن( )‪.‬‬ ‫ويتجلـى احلـوار يف أغلـب قصائـد الشـاعر "عبـد‬ ‫اهلل راجـع" يف منـط سـردي تتنـاوب فيـه األصـوات‬ ‫احلواريـة الداخليـة واخلارجيـة فيمتـزج صوت الشـاعر‬ ‫بأصـوات الشـخوص األخـرى املشـاركة يف حـوار تتبـادل‬ ‫فيـه األدوار ويكـون صـوت الشـاعر هـو املنظـم لهـا‪ ،‬ومـن‬ ‫ديـوان "أيـاد كانـت تسـرق القمـر" سـنقف مـع مقطـع‬ ‫منقصيـدة "أعلن ُـت عليكـم هـذا احلـب" يقـول فيـه‬ ‫الشـاعر‪:‬‬ ‫شـئت وال تبتعـدي ان‬ ‫((قـال لهـا سـميني مـا‬ ‫ِ‬ ‫أس َـم ْيتُ ِك مـا شـئت‬ ‫ْ‬ ‫وكان الكورنيش على أهبة شمس تغرب‬ ‫والبحـر كبيـر يـا ِنينَ ـا ان كان الكأسـان القهوة‬ ‫والليمون‬ ‫ْ‬ ‫اجلنون‬ ‫والقلب يسافر من سرعة نبض‬ ‫ْ‬

‫كتفـي‬ ‫قالـت حتـى لـو زفونـي سـتظل علـى‬ ‫َّ‬ ‫العصفـور‬ ‫وما يفصلنا زمن أسرع يف خطواته))( )‬ ‫يتجلـى احلـوار فيمـا سـبق مـن خلال تداخـل‬ ‫األصـوات احلواريـة بين صـوت الشـاعر(هو) يف حـواره‬ ‫مـع ذات األنثى(هـي) عبـر فعـل القـول‪( :‬قـال لهـا‬ ‫ـئت وال تبتعـدي) فتـرد عليـه هـي‪( :‬قالـت‬ ‫سـميني مـا ش ِ‬ ‫حتـى لـو زفّ ونـي سـتظل علـى كتف ّ َـي العصفـور‪ ،‬ومـا‬ ‫يفصلنـا زمـن أسـرع يف خطواتـه) وهنـا يتداخـل صـوت‬ ‫(هـو) مـع صـوت (هـي) لسـرد أحـداث احلكايـة‪ ،‬وهـذه‬ ‫تعمـق‬ ‫التقنيـة تضفـي علـى املشـهد الشـعري سـردية ِّ‬ ‫املعنـى وتزيـده شـاعرية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تقنية املفارقة‪:‬‬ ‫اشـتقت املفارقـة لغ ًـة مـن الفعـل فـرق والفـرق‬ ‫تفريقـ ًا بين شـيئني فرقـ ًا حتـى يفترقـا ويتفرقـا‪،‬‬ ‫وتفـارق القـوم أي فـارق بعضهـم بعضـ ًا( )‪ .‬وفـرق‬ ‫الشـيء مفارقـة وفرقانـ ًا باينـه‪ ،‬ومفارقـة رأي مخالـف‬ ‫لـه( )‪ .‬وتع ّـد املفارقـة مـن املصطلحـات الشـائكة يف‬ ‫الدراسـات احلديثـة؛ نظـر ًا لتعـدد أنواعهـا وأشـكالها‬ ‫وصعوبـة اإلحاطـة بهـا‪ ،‬كمـا أنهـا وسـيلة مـن وسـائل‬ ‫التعبيـر يناقـض فيهـا املعنـى الكلمـات( )‪ .‬مبعنـى أن‬ ‫املفارقـة ف ّـن بالغـي يتالعـب باللغـة‪ ،‬فتـارة يكـون مدحـ ًا‬ ‫يف صيغـة ذم‪ ،‬وتـارة يكـون ذمـ ًا يف صيغـة مـدح‪ .‬وهـي‬ ‫انحـراف لغـوي يـؤدي بالبنيـة إلـى أن تكـون مراوغـة‬ ‫وغيـر مسـتقرة ومتعـددة الـدالالت‪ .‬وتعـد املفارقـة‬ ‫مـن أهـم خصائـص الشـعر العربـي احلديـث‪ ،‬وجوهـر ًا‬ ‫ً‬ ‫أصيلا يحـدد ماهيتـه‪ ،‬وحتقـق املفارقـة كينونتهـا عبـر‬ ‫ظواهـر شـعرية متعـددة كاحلضـور والغيـاب والتضـاد‬ ‫والترميـز والتجانـس والغمـوض واألسـطورة وغيرهـا‬ ‫مـن الظواهـر الشـعرية‪ ،‬كمـا تدفـع بالشـعر إلـى حتقيـق‬ ‫املغايـرة‪ ،‬فشـعرية املفارقـة تتشـكل مـن خلال كشـف‬ ‫قـدرة الشـاعرعن طاقـة تعبيـر شـعرية ثريـة تقـوم علـى‬ ‫التركيـز والدقـة واملفاجـأة( )‪ .‬وقـد وظـف الشـعراء‬

‫املفارقـة بوصفهـا تقنيـة مـن التقنيـات السـردية‪،‬‬ ‫ووسـيلة مهمـة مـن وسـائل تشـكيل الصـورة الشـعرية‪،‬‬ ‫فاملفارقـة ُتعـد ثـورة داخليـة بأسـلوب غيـر مباشـر‪ ،‬يظهر‬ ‫مـن خاللهـا الواقـع وتناقضاتـه بغرض تقوميه وتهذيبه‬ ‫وإصالحـه‪ ،‬وتوضيـح حـدة التناقـض والتنافـر يف الواقع‬ ‫الوجـودي الـذي نعيـش فيـه‪ ،‬ومـدى أثـر ذلـك التناقـض‬ ‫يف مسـتوى اللغـة الشـعرية التـي يع ّبـر الشـعراء مـن‬ ‫خاللهـا عـن مكامـن جتاربهـم الشـعرية املتناقضـة‪.‬‬ ‫والغـرض مـن املفارقـة هـو التعبيـر عـن لغـة العقـل‬ ‫والفطنـة‪ ،‬عالوةعلـى لغـة الـروح واخليال والشـعر‪ ،‬وتعد‬ ‫ً‬ ‫عملا فكريـ ًا وأثـر ًا شـعري ًا وعاطفيـ ًا خالقـ ًا‪.‬‬ ‫املفارقـة‬ ‫واملتتبـع للمفارقـة وأمناطهـا البالغيـة يف النصـوص‬ ‫الشـعرية‪ ،‬يجدهـا سلاح الشـعراء التـي حتقـق أعلـى‬ ‫درجـات التوتـر يف القصيـدة‪ ،‬فبهـا يبلـغ احلقيقـة‬ ‫ويصل إلى لذّ ة النص ودهشته‪ .‬فاحلقيقة التي يسعى‬ ‫الشـاعر إلـى كشـفها ال تأتـي إال عبـر أسـلوب املفارقـة‪.‬‬ ‫وقـد تكـون املفارقـة يف النـص الشـعري مفارقـة لفظيـة‬ ‫وهيمفارقـة واضحـة يكـون املعنـى الظاهـر والباطـن يف‬ ‫مواجهـة مباشـرة معـ ًا‪ ،‬وال تتسـم بالغمـوض اخلفـي‬ ‫كمـا تعتمـد علـى املتضـادات‪ ،‬واملفارقـة األخـرى هـي‬ ‫املفارقـة السـياقية التـي تعتمـد علـى رؤيـة الشـاعر‬ ‫وعلـى الغمـوض والعمـقً واحلـس اإلبداعـي والفلسـفة‬ ‫احلياتيـة واألدبيـة للشـاعر‪ ،‬ويتـم اكتشـاف املفارقـة‬ ‫السـياقية مـن خلال اسـتنباط التعـارض بين املعنـى‬ ‫اخلفـي والظاهـري والبحـث لـه عـن سـياق‪.‬‬ ‫ولتقنيـة املفارقـة يف نصـوص الشـاعر (عبـد اهلل‬ ‫راجـع) وقـع خـاص فمـن قصيـدة (تروبـادور) إحـدى‬ ‫قصائـد ديـوان (أي ٍـاد كانـت تسـرق القمـر) نقـف مـع‬ ‫مشـهد يقـول فيـه الشـاعر‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫األرض التـي حتبـو علـى كتفـي تترك‬ ‫((هـي‬ ‫القصيـدة‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫حلمها‬ ‫َ‬ ‫احملاصـر‬ ‫اجلسـد‬ ‫يف‬ ‫احللـم‬ ‫امتـداد‬ ‫وأنـا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫با لكتا بـه‬ ‫ال شيء ُينقذني من األرض التي متشي‬ ‫األرض التي تأتي‬ ‫سوى‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫مر سحابه‬ ‫وليس‬ ‫رحيل أحبابي سوى ِّ‬ ‫زهيرات اخلريف‪،‬‬ ‫أحبك يا‬ ‫وأنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ولكن‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫كيف أمشي‬ ‫جفنيك ٌّ‬ ‫ظل من كآبه؟))( )‬ ‫وعلى‬ ‫ِ‬ ‫نقـف هنـا مـع جتربـة شـعرية ذات دفـق شـعوري‬ ‫يسـتنطق الشـاعر ذاتـه عبـر ضميـر األنـا‪ ،‬ويكشـف عـن‬ ‫مكنوناتهـا‪ ،‬ويغـوص يف خلجاتهـا وتقلباتهـا‪ ،‬ليكشـف‬ ‫لنـا عـن مفارقـة يف نهايـة املقطـع توحـي بصراع احلياة‪،‬‬ ‫وهـذه املفارقـة حتتـوي علـى رؤيـة فنيـة حتمـل رسـالة‬ ‫الشـاعر وتنقلهـا إلـى عالـم التجربـة اإلنسـانية مـن‬ ‫خلال ثنائيـة الرؤيـة والتشـكيل‪.‬ففي املشـهد األول‬ ‫يسرد الشاعر صور ًا معبرةً‪ ،‬فيها الكثير من التفصيل‪،‬‬ ‫وهـو يصـف األرض التـي حتبـو علـى كتفهتتـرك يف‬ ‫ُ‬ ‫األرض التـي حتبـو‬ ‫القصيـدة حلمهـا بقولـه‪(( :‬هـي‬


‫في نقد‬ ‫الشعر‬

‫اجملد لسيدة تعرض يف الكورنيش مفاتنها‬ ‫ُ‬ ‫يسـيون" ا ُملنسّـلني بداخـل‬ ‫يل‬ ‫"الس‬ ‫ـال‬ ‫ف‬ ‫ألط‬ ‫ـد‬ ‫جمل‬ ‫وا‬ ‫ِّ ِ ْ ُ‬ ‫حافلـة اخلـط الثانـي‬ ‫اجملـد ْملَـن يحلـم بالطيـران إلـى رومـا أو باريـس‬ ‫ليغسـ َل صحنـا‬ ‫جملـد لـكل الشـعراء املثقوبين بهـذا الوطـن‬ ‫وا ُ‬ ‫العربـي))( )‪.‬‬ ‫يظهـر التكـرار جليـ ًا يف املقطـع السـابق مـن خلال‬ ‫سـرد الشـاعر لبعـض األفعـال واحلـروف نحـو‪( :‬أحتـاج‬ ‫عامين مـن الصمـت أللتقـط القافيـة األخـرى مـن‬ ‫إلـى ْ‬ ‫اسـكايف‪ ،‬أحتـاج إلـى شـفة أخـرى) وهنـا جنـد التكـرار‬ ‫يف الفعـل املضـارع (أحتـاج) وحـريف اجلـر (إلـى‪ ،‬مـن)‬ ‫إضافـة إلـى تكـرار االسـم (اجملـد) نحـو قولـه‪(( :‬اجمل ُـد‬ ‫يسـ ُيون" اجملـد ْملَـن‬ ‫لسـيدة‪ ،‬واجملـد ألطفـال ِ ّ‬ ‫"الس ِيل ْ‬ ‫يحلـم بالطيـران واجمل ُـد لـكل الشـعراء املثقوبين‬ ‫بهـذا الوطـن العربـي))‪ ،‬وهنـا جنـد التكـرار لـه قيمـة‬ ‫فنيـة وجماليـة يف متن النـص الشـعري الـذي تداخـل‬ ‫بالسـردية‪ ،‬فبـدا مفعمـ ًا باحليويـة‪ ،‬زاخـر ًا بالدالئـل‬ ‫املعنويـة واملكانيـة والزمانيـة واملوضوعيـة والـدالالت‬ ‫اإليحائيـة التـي رمـز لهـا الشـاعر عبـر تقنيـة التكـرار‪.‬‬ ‫ولعـل مـا مييـز نتـاج الشـاعر عبـد اهلل راجـع الشـعري‬ ‫ً‬ ‫تداخلا دالليـ ًا‬ ‫تداخـل اللغـة الشـعرية مـع السـردية‬ ‫وتركيبيـ ًا وإيقاعيـ ًا وصوتيـ ًا‪ ،‬وارتبـاط نتاجـه الشـعري‬ ‫بالواقـع وجتسـيد مشـكالت احليـاة اليوميـة‪ ،‬وجتـاوز‬ ‫ً‬ ‫فضلا عـن تداخـل اإليقـاع‬ ‫النمـط الشـعري التقليـدي‪،‬‬ ‫وتع ّـدد الصـور اجلماليـة‪.‬‬ ‫خامساً‪ :‬خاتمة‪:‬‬ ‫مـن خلال املقارنـة بين السـرد يف القصـة أو الروايـة‬ ‫وبين السـرد يف الشـعر العربـي احلديـث جنـد أن البعـد‬ ‫السردي يف الشعر بوصفه تقنية مساعدة أضافت إلى‬ ‫السـمات الشـعرية وأثرت النص الشـعري وألبسـته ثوب ًا‬ ‫جديـداً‪ ،‬فتم ّيـز مبشـروعه اخلـاص شـك ًال ومضمونـ ًا‪،‬‬ ‫وحملـت بنيتـه جملـة مـن الظواهـر واخلصائـص‬ ‫جعلتـه متفرداً‪.‬فعندمـا اقتـرض النـص الشـعري مـن‬ ‫طعمـت‬ ‫األمنـاط اخلطابيـة األخـرى بعـض سـماتها‪ّ ،‬‬ ‫بعـض التجـارب الشـعرية نظامهـا الشـعري ببنيـات‬

‫سـردية‪ ،‬محاولة توسـيع األفق الداللي للنص‪ ،‬وجتاوز‬ ‫اجلنـس األدبـي اخلالـص بقواعـده وآلياتـه وقوانينـه‪،‬‬ ‫ومنـه اقترضـت القصيـدة مـن التجربـة السـردية بعـض‬ ‫التقنيـات‪ ،‬ومـع ذلـك فقـد صانـت نظامهـا الشـعري‬ ‫ولـم تنسـلخ عـن أصالتهـا‪ ،‬فالسـرد مهمـا أقتـرب مـن‬ ‫ً‬ ‫عملا سـردي ًا‪ ،‬أي أن كال منهمـا‬ ‫فضـاء الشـعر يظـل‬ ‫يظـلّ منتسـب ًا إلـى جنسـه علـى الرغـم مـن اقترابـه‬ ‫السـرد يف‬ ‫مـن اجلنـس اآلخـر‪ ،‬حيـث يختلـف وجـود ّ‬ ‫الشّ ـعر عنـه يف الروايـة والقصـة القصيـرة وغيرهـا مـن‬ ‫األجنـاس األدبيـة‪ ،‬فالشـاعر عندمـا يقتـرض تقنيـات‬ ‫السـرد يف نصوصـه يظـلّ محافظـ ًا علـى ميزتهـا‬ ‫الشـعرية‪ ،‬وقـد أحدثـت التقنيـات السـردية تطـور ًا يف‬ ‫الرؤية اخلاصة للنتاج اإلبداعي والشـعري يف التعبير‬ ‫عـن أحـوال وتغيـرات الواقـع‪ ،‬فمكّ نـه مـن توظيـف‬ ‫تقنيـات جديـدة يف إطـار تداخـل األجنـاس األدبيـة‬ ‫داخـل منظومـة القصيـدة العربيـة احلديثـة‪ ،‬التـي‬ ‫متيـزت بسـمات تبعـث احليـاة يف لغـة النـص وحركتـه‬ ‫الدالليـة‪ ،‬ومنحتـه مالمـح جديـدة مـن خلال حضـور‬ ‫التقنيـات السـردية التـي عبـرت عـن تعـدد األصـوات‬ ‫داخـل النـص الشـعري‪ .‬وقـد عملـت التقنيـات السـردية‬ ‫يف النـص الشـعري علـى تع ّـدد الـ ّرؤى وتقـدمي صـورة‬ ‫معبـرة ومك ّثفـة عـن وقائـع احليـاة اليوميـة ومشـاهدها‬ ‫وصورهـا مـن جوانـب مختلفـة‪ ،‬والتعبيـر عـن قضايـا‬ ‫اإلنسـان اخملتلفـة‪ ،‬وتصويـر مآسـي الواقـع واألبعـاد‬ ‫اإلنسـانية‪ ،‬كمـا فتحـت أمـام القـارئ واملتلقـي أبوابـ ًا‬ ‫إبداعيـة حملـت يف طياتهـا الكثيـر مـن اإليحـاءات‬ ‫يف قـراءة الواقـع بأسـلوب أدبـي وإبداعـي‪ .‬وإثـراء‬ ‫محتـوى النـص الشـعري وعمـق معانيـه وتعـدد دالئلـه‪،‬‬ ‫واسـتيعاب أحاسـيس الشـاعر وانفعاالتـه وتفاعـل ذاتـه‬ ‫وجتاربـه مـع احمليـط اليومـي واالجتماعـي‪ ،‬عالوة على‬ ‫املعانـي اجلماليـة والقيـم اإلنسـانية واألبعـاد الدالليـة‬ ‫واملوضوعيةالتي شـدت انتباه املتلقي ملتابعة أحداثها‪.‬‬ ‫كمـا جنـد أن الشـاعر قـد وظـف تقنيـات السـرد املتمثلـة‬ ‫يف‪( :‬الوصـف‪ ،‬احلـوار‪ ،‬التكـرار‪ ،‬املفارقـة) بهـدف إثـراء‬ ‫بنيـة النـص الشـعرية لتكـون أكثـر اسـتيعاب ًا وتكثيفـ ًا‬ ‫للوقائـع واألحـداث‪ ،‬وأكثـر قـدرة علـى التعبيـر عـن‬ ‫األفـكار واملشـاعر‪ ،‬مـن خلال تصويـر مشـاهد احليـاة‪،‬‬ ‫ورصـد تفاصيلهـا بأسـلوب شـعري ميتـزج بالسـردية‬ ‫عمـل علـى شـد انتبـاه املتلقـي وجـذب اهتمامـه‪.‬‬ ‫سادساً‪ :‬قائمة املصادر واملراجع‪:‬‬ ‫‪ - 1‬املصادر‪:‬‬ ‫‪ o‬ابن دريد األزدي‪:‬‬ ‫ االشـتقاق‪ ،‬حت‪ ،‬عبد السلام هارون‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬‫‪1991‬م‪ ،‬ج ‪.1‬‬ ‫ اجلمهـرة يف علـم اللغـة‪ ،‬مجلـس دائـرة املعـارف‪ ،‬حيـدر آبـاد‪،‬‬‫ج‪ ،2‬ط‪1345 ،1‬هــ‪.‬‬ ‫ أبـو بكـر الـرازي‪ :‬مختـار الصحـاح‪ ،‬ضبطـه‪ ،‬مصطفـى ديـب‪،‬‬‫دار الهـدى‪ ،‬عين مليلـة‪ ،‬اجلزائـر‪ ،‬ط‪1990 ،4‬م‪.‬‬ ‫ ابـن منظـور‪ :‬لسـان العـرب‪ ،‬دار صـادر‪ ،‬ج‪ ،4‬بيـروت للطباعـة‬‫والنشـر‪1956 ،‬م ‪.‬‬ ‫ أبو القاسـم محمود بن عمرو الزمخشـري‪ :‬أسـاس البالغة‪،‬‬‫دار صادر‪ ،‬بيروت‪1965 ،‬م‪ ،‬مادة (س ر د)‪.‬‬ ‫ أحمـد عبـد الغفـور اجلواهـري‪ :‬الصحـاح يف اللغـة‪ ،‬ج‪ ،2‬ج‪،3‬‬‫دار العلم للماليني‪ ،‬ط ‪1990 ،4‬م‪ .‬‬ ‫ جبـور عبـد النـور‪ :‬املعجـم األدبـي‪ ،‬دار العلـم للماليين‪،‬‬‫بيـروت‪ ،‬ط‪1979 ،1‬م‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫ـدة حل َمهـا))‪ ،‬ويواصـل‬ ‫علـى كتفـي تتـرك يف القصي ِ‬ ‫الشـاعر سـرده ً‬ ‫قائلا‪(( :‬وأنـا امتـدا ُد احللـم يف اجلس ِـد‬ ‫صـر بالكتابـه)) وهنـا عبـارات سـردية تنقـل للقارئ‬ ‫احملا ِ‬ ‫مشـهد ًا تصويريـ ًا معبـراً‪ ،‬يتبعهبمشـهد تصويرييحمـل‬ ‫يف طياتـه مفارقـة بديعـة مـن خلال قولـه‪(( :‬ال شـيء‬ ‫األرض التـي‬ ‫ُينقدنـي مـن األرض التـي متشـي سـوى‬ ‫ِ‬ ‫تأتـي‪ ،‬وليـس رحي ُـل أحبابـي سـوى مـ ِّر سـحابه))‪ ،‬وهنـا‬ ‫يسـتحوذ السـرد علـى مسـار القصيـدة لينقـل األحـداث‬ ‫عبر مشـهد تصويري بصري‪ ،‬تتولد فيه املعاني بشـكل‬ ‫جـذاب وآسـر‪ ،‬ثـم ينتقـل الشـاعر إلـى مشـهد آخـر يقول‬ ‫ـرات اخلريـف‪ ،‬ولكن‪،‬كيـف‬ ‫فيـه‪(( :‬وأنـا أحب ِـك يـا زهي ِ‬ ‫أمشـي وعلـى جفني ِـك ظ ٌّـل مـن كآبـه))‪ ،‬ويختـم الشـاعر‬ ‫هـذا الصـورة املعبـرة مبفارقـة شـبه فيهـا جفـون زهيـرات‬ ‫اخلريـف بظـل الكآبـة‪ ،‬وهنـا مفارقـة بين حـب الشـاعر‬ ‫لزهيـرات اخلريـف وبين امتناعـه عن املشـي ألنّها تضع‬ ‫ً‬ ‫ظلا كئيبـ ًا علـى جفنيهـا‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تقنية التكرار‪:‬‬ ‫ُتع ُّـد تقنيـة التكـرار إحـدى التقنيـات السـردية يف‬ ‫النـص األدبـي عامـة والشـعري علـى وجـه اخلصـوص‪،‬‬ ‫ويعنـي التكـرار الكـ ّر‪ ،‬والرجـوع‪ ،‬واإلعـادة والعطـف‪.‬‬ ‫والتكـرار لغـة مصـدر كـ ّرر إذا ر ّدد وأعـاد فالكـ ّر هـو‬ ‫الرجـوع ويقـال كـ ّره وكـ ّر بنفسـه‪ ،‬والكـ ّر مصـدر كـ ّر عليـه‬ ‫يكـ ّر كـ ّر ًا وكـرور ًا وتكـرار ًا ويقـال كـ ّرر الشـيء تكريـر ًا‬ ‫وتكـرار ًا أعـاده مـرة بعـد أخـرى( )‪ .‬والتكـرار خاصيـة من‬ ‫اخلصائـص اللغويـة التـي تلازم األعمـال األدبية سـواء‬ ‫أكانـت أعمـا ًال روائيـة أم غيرهـا‪ ،‬وذلـك نتيجـة أسـباب‬ ‫عـدة منهـا‪ :‬أن اللغـة ال تسـعف الكاتـب بالسـعة‪ ،‬أو أنـه‬ ‫هو الذي ال يسعفها بالتمكن من كلّ معاجم ألفاظها‪،‬‬ ‫فيقـع التكـرار الـذي ال بـد منـه( )‪ .‬ويع ّـد التكرار مجا َال‬ ‫خصب ًا لتحقيق اإلدهاش الشعري‪ ،‬فإذا كان التكرار يف‬ ‫رؤيـة القدمـاء انحصـر يف تكـرار معنـوي وآخـر لفظـي‪،‬‬ ‫فيما تؤديه املفردة أو املعنى ا ُملك ََّرر يف البيت أو البيتني‪،‬‬ ‫إ َّال أنَّ الشـعراء احملدثين ينظـرون إليـه برؤيـة جديـدة‬ ‫تبتعـد يف كثيـر مـن األحيـان عـن اجلانـب العقلـي الذي‬ ‫اسـتند إليـه القدمـاء( )‪ .‬والتكـرار يف الشـعر يسـتطيع‬ ‫غن َـي املعنـى ويرفعـه إلـى مرتبـة األصالـة‪ ،‬والتغايـر‬ ‫أن ُي ِ‬ ‫وال ّتنـوع ذلـك إن اسـتطاع الشـاعر أن يسـيطر عليـه‬ ‫سـيطرة تامـة‪ ،‬وأه ّـم مـا يؤديـه هـذا ال ّتنـوع هـو إضـاءة‬ ‫املفـردات والعبـارات اجلديـدة داخـل املقطـع‪ ،‬وتسـليط‬ ‫االنتبـاه عليهـا ممـا يضفـي صبغـة جماليـة مسـتحبة‬ ‫يف القصيـدة علاوة علـى ذلـك مـا ُيحدثـه التغييـر‬ ‫مـن دهشـة شـعورية لـدى القـارئ ( )‪ .‬وظهـور التكـرار‬ ‫يف أسـاليب الشـعراء احملدثين واملعاصريـن جعـل‬ ‫بعـض النقـاد يؤكـدون علـى دوره يف النهـوض بالقيمـة‬ ‫اجلماليـة للعمـل اإلبداعـي‪ .‬وتتجلـى تقنيـة التكـرار‬ ‫يف نصـوص الشـاعر (عبـد اهلل راجـع) يف مقطـع مـن‬ ‫قصيـدة (أعلن ُـت عليكـم هـذا احلـب) مـن خلال قولـه‪:‬‬ ‫عامين مـن الصمـت أللتقـط القافيـة‬ ‫((أحتـاج إلـى ْ‬ ‫األخـرى من اسـكايف‬ ‫ً‬ ‫كعبي بدال من أن يرتقَ باملسمار حذائي‬ ‫أصلح ْ‬ ‫أحتـاج إلـى شـفة أخـرى ك ْـي أخبركـم عمـا يسـكن‬ ‫ردائـي‪:‬‬

‫‪57‬‬


‫في نقد‬ ‫نوافذ‬ ‫‪ 58‬الشعر‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫ الفراهيـدي‪ :‬العين‪ ،‬حت‪ ،‬عبـد احلميـد هنـداوي‪ ،‬م‪ ،3‬دار‬‫الكتـب العلميـة‪ ،‬بيـروت‪ ،‬ط‪1424 ،1‬ه‪2003 -‬م‪.‬‬ ‫ مجـد الديـن الفيـروز آبـادي‪ :‬القامـوس احمليـط‪ ،‬دار اجليـل‪،‬‬‫بيـروت‪ ،‬لبنـان‪ ،‬د ت‪ ،‬مـادة (س ر د)‪.‬‬ ‫ مجـدي وهبـة‪ ،‬وكامـل املهنـدس‪ :‬معجـم مصطلحـات األدب‬‫واللغـة‪ ،‬مكتبـة لبنـان‪ ،‬بيـروت‪ ،‬ط‪1984، ،2‬م‪.‬‬ ‫ املرتضـى الزبيـدي‪ :‬تـاج العـروس‪ ،‬حت‪ ،‬عبـد العليـم‬‫الطحـاوي‪ ،‬اجمللـس الوطنـي للثقافـة‪ ،‬الكويـت‪1968 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ - 2‬املراجع‪:‬‬ ‫– أرسـطو طاليـس‪ :‬فـن الشـعر‪ ،‬ترجمـة‪ ،‬شـكري عيـاد‪ ،‬دار‬ ‫الكتـاب العربـي للطباعـة والنشـر‪ ،‬القاهـرة ‪1967‬م‪.‬‬ ‫– أسـامة فرحـات‪ :‬املونولـوج بين الدرامـا والشـعر‪ ،‬الهيئـة‬ ‫املصريـة العامـة للكتـاب‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬ ‫– جمهوريـة أفالطـون‪ :‬ترجمـة ودراسـة‪ ،‬فـؤاد زكريـا‪ ،‬الهيئـة‬ ‫املصريـة العامـة للكتـاب‪ ،‬ط‪1974 ،1‬م‪.‬‬ ‫– حميـد حلميدانـي‪ :‬بنيـة النـص السـردي‪ ،‬املركـز الثقـايف‬ ‫العربـي‪ ،‬الـدار البيضـاء‪ ،‬ط‪2000 ،3‬م‪.‬‬ ‫– سـعيد شـوقي‪ :‬بنـاء املفارقـة يف املسـرحية الشـعرية‪ ،‬دار‬ ‫ايتـراك للطباعـة والنشـر‪ ،‬القاهـرة‪ ،‬ط‪2001 ،1‬م‬ ‫– سـمير مـرزوق وآخـرون‪ :‬مدخـل إلـى نظريـة القصـة‪ ،‬دار‬ ‫الشـؤون الثقافيـة‪ ،‬بغـداد‪ ،‬د ط‪1986 ،‬م‪.‬‬ ‫– سـيزا قاسـم‪ :‬بنـاء الروايـة (دراسـة مقارنـة لثالثيـة جنيـب‬ ‫محفـوظ)‪ ،‬الهيئـة املصريـة العامـة للكتـاب‪1984 ،‬م‪.‬‬ ‫– صبحـي عـودة‪ :‬غسـان كنفانـي جماليـات السـرد يف اخلطـاب‬ ‫الروائـي‪ ،‬دار مجـدالوي‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪2006 ،1‬م‪.‬‬ ‫– طـراد الكبيسـي‪ :‬املنـزالت (ج ـ ‪" )2‬منزلـة النـص"‪ ،‬دار‬ ‫الشـؤون الثقافيـة العلميـة‪ ،‬آفـاق عربيـة‪ ،‬بغـداد ‪1995‬م‪.‬‬ ‫– عبـاس اجلـراري‪ :‬تطـور الشـعر املغربـي احلديـث واملعاصـر‪،‬‬ ‫مطبعـة األمنيـة‪ ،‬الربـاط‪1997 ،‬م‪.‬‬ ‫– عبـد الرحمـن النحلاوي‪ :‬أصـول التربيـة اإلسلامية‬ ‫وأسـاليبها‪ ،‬دار الفكـر‪ ،‬دمشـق‪ ،‬ط‪1995 ،2‬م‪.‬‬ ‫– عبـد الرحيـم مراشـدة‪ :‬السـردية يف الشـعر العربـي‪ ،‬عـام‬ ‫الكتـب احلديـث‪ ،‬اربـد األردن‪ ،‬ط‪2012 ،1‬م‪.‬‬ ‫– عبـد القـادر فيـدوح‪ :‬شـعرية القـص‪ ،‬وهـران‪ ،‬ديـوان‬ ‫املطبوعـات اجلامعيـة‪1996 ،‬م‪.‬‬ ‫– عبـد اهلل إبراهيـم‪ :‬موسـوعة السـرد العربـي‪ ،‬املؤسسـة‬ ‫العربيـة للدراسـات والنشـر‪ ،‬بيـروت‪ ،‬ط‪2005 ،1‬م‪.‬‬ ‫– عبـد اهلل إبراهيـم‪ :‬املتخيـل السـردي (مقاربـات نقديـة)‪،‬‬ ‫املركـز الثقـايف العربـي‪ ،‬بيـروت‪ ،‬ط‪1990 ،1‬م‪.‬‬ ‫– عبـد اهلل راجـع‪ :‬األعمـال الشـعرية الكاملـة‪ ،‬منشـورات وزارة‬ ‫الثقافـة‪ ،‬الربـاط‪ ،‬اململكـة املغربيـة‪2012 ،‬م‪.‬‬ ‫– عبـد اهلل رضـوان‪ :‬البنـى السـردية‪ ،‬منشـورات رابطـة الكتـاب‬ ‫األردنيين‪ ،‬عمـان‪1990 ،‬م‪.‬‬ ‫– عبـد امللـك مرتـاض‪ :‬حتليـل اخلطـاب السـردي‪ ،‬م س‪،‬‬ ‫ص ‪.268‬‬ ‫– عثمـان بـدري‪ :‬وظيفـة اللغـة يف اخلطـاب الروائـي الواقعـي‬ ‫عنـد جنيـب محفـوظ‪ ،‬دراسـة تطبيقيـة‪ ،‬أطروحـة دكتـوراه‪،‬‬ ‫معهـد اللغـة العربيـة وآدابهـا‪ ،‬جامعـة اجلزائـر‪1996 ،‬م‪1997 -‬م‪.‬‬ ‫– عـز الديـن إسـماعيل‪ :‬األدب وفنونـه‪ ،‬دار الفكـر العربـي‪،‬‬ ‫بيـروت‪ ،‬ط‪1985 ،2‬م‪.‬‬ ‫– غالـي شـكري‪ :‬الروايـة العربيـة يف رحلـة العـذاب‪ ،‬دار الهنـا‬ ‫للطباعـة والنشـر‪ ،‬ط ‪1971 ،1‬م‪.‬‬ ‫– فهـد عاشـور‪ :‬التكـرار يف شـعر محمـود درويـش‪ ،‬املؤسسـة‬ ‫العربيـة للدراسـات‪ ،‬بيـروت‪ ،‬ط‪2004 ،1‬م‪.‬‬ ‫– محمـد الشـنطى‪ :‬خصوصيـة الرؤيـة والتشـكيل يف شـعر‬ ‫محمـود درويـش‪ ،‬مجلـة فصـول‪ ،‬م‪ ،7‬ع‪1986 ،2 1-‬م– ‪1987‬م ‪.‬‬ ‫– محمـد املاكـري‪ :‬مدخـل لتحليـل ظاهراتـي الشـكل‬ ‫واخلطـاب‪ ،‬املركـز الثقـايف العربـي‪ ،‬الـدار البيضـاء‪1991 ،‬م‪.‬‬ ‫– محمـد بنسـعيد‪ :‬قامـوس السـرديات املغربيـة‪ ،‬سلسـلة‬ ‫الثقافـة املفاهيميـة‪( ،‬د ط)‪( ،‬د ت)‪ ،‬ص ‪.41‬‬ ‫– محمـد صابـر‪ :‬العالمـة الشـعرية‪ ،‬قـراءات يف تقانـات‬ ‫القصيـدة اجلديـدة‪ ،‬عالـم الكتـب‪ ،‬إربـد‪ ،‬األردن‪2010 ،‬م‬ ‫– محمـد مفتـاح‪ :‬حتليـل اخلطـاب الشـعري‪ ،‬املركـز الثقـايف‬ ‫العربـي‪ ،‬الـدار البيضـاء‪ ،‬املغـرب ‪1985‬م‪.‬‬ ‫– مصطفـى صـادق الرافعـي‪ :‬تاريـخ آداب العـرب‪ ،‬دار الكتـاب‬ ‫العربـي‪ ،‬بيـروت‪ ،‬ج‪ ،2‬ط‪1974 ،2‬م‪.‬‬ ‫– مـي الوزانـي‪ :‬دليـل الكتـاب املغاربـة‪ ،‬منشـورات احتـاد كتـاب‬

‫املغرب‪ ،‬مطبعة املعارف اجلديدة‪ ،‬الرباط‪1993 ،‬م‪.‬‬ ‫– نـازك املالئكـة‪ :‬قضايـا الشـعر املعاصـر‪ ،‬دار العلـم للماليين‪،‬‬ ‫بيـروت‪ ،‬ط‪ ،5‬د ت‪.‬‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫()‪ -‬محمـد مفتـاح‪ :‬حتليـل اخلطـاب الشـعري‪ ،‬املركـز الثقـايف‬ ‫العربـي‪ ،‬الـدار البيضـاء‪ ،‬املغـرب ‪1985‬م‪ ،‬ص‪( 130‬بتصـرف)‪.‬‬ ‫() ‪ -‬جمهوريـة أفالطـون‪ :‬ترجمـة ودراسـة‪ ،‬فـؤاد زكريـا‪ ،‬الهيئـة‬ ‫املصريـة العامـة للكتـاب‪ ،‬ط‪1974 ،1‬م‪ ،‬ص‪( 143‬بتصـرف)‪.‬‬ ‫() ‪ -‬أرسـطو طاليـس‪ :‬فـن الشـعر‪ ،‬ترجمـة‪ ،‬شـكري عيـاد‪ ،‬دار‬ ‫الكتـاب العربـي للطباعـة والنشـر‪ ،‬القاهـرة ‪1967‬م‪ ،‬ص‪.38‬‬ ‫‪ )1‬ابـن منظـور‪ :‬لسـان العـرب‪ ،‬دار صـادر‪ ،‬ج‪ ،4‬بيـروت للطباعـة‬ ‫والنشـر‪1956 ،‬م‪ ،‬ص ‪.195‬‬ ‫‪ )2‬اخلليـل الفراهيـدي‪ :‬العين‪ ،‬حت‪ ،‬مهـدي اخملزومـي وإبراهيـم‬ ‫السـامرائي‪ ،‬دار احلريـة‪ ،‬بغـداد‪1984 ،‬م‪ ،‬مـادة (س رد)‪.‬‬ ‫‪ )3‬مرتضـى الزبيـدي‪ :‬تـاج العـروس‪ ،‬حت‪ ،‬عبـد العليـم الطحـاوي‪،‬‬ ‫اجمللـس الوطنـي للثقافـة‪ ،‬الكويـت‪1968 ،‬م‪ ،‬ص‪.187‬‬ ‫‪ )4‬أبـو القاسـم محمـود بـن عمـرو الزمخشـري‪ :‬أسـاس البالغـة‪،‬‬ ‫دار صـادر‪ ،‬بيـروت‪1965 ،‬م‪ ،‬مـادة (س ر د)‪.‬‬ ‫‪ )5‬أحمـد عبـد الغفـور اجلواهـري‪ :‬الصحـاح يف اللغـة‪ ،‬ج‪ ،2‬ج‪،3‬‬ ‫دار العلم للماليني‪ ،‬ط ‪1990 ،4‬م‪ ،‬ص ‪ .111‬‬ ‫‪ )6‬مجـد الديـن الفيـروز آبـادي‪ :‬القامـوس احمليـط‪ ،‬دار اجليـل‪،‬‬ ‫بيـروت‪ ،‬لبنـان‪ ،‬د ت‪ ،‬مـادة (س ر د)‬ ‫‪ )7‬مرتضـى الزبيـدي‪ :‬تـاج العـروس‪ ،‬حت‪ ،‬عبـد العليـم الطحـاوي‪،‬‬ ‫اجمللـس الوطنـي للثقافـة‪ ،‬الكويت‪1968 ،‬م‪ ،‬ص‪.187‬‬ ‫‪ )8‬ابن دريد األزدي‪:‬‬ ‫ االشـتقاق‪ ،‬حت‪ ،‬عبـد السلام هـارون‪ ،‬دار اجليـل‪ ،‬بيـروت‪ ،‬ط‪،1‬‬‫‪1991‬م‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.143‬‬ ‫ اجلمهـرة يف علـم اللغـة‪ ،‬مجلـس دائـرة املعـارف‪ ،‬حيـدر آباد‪ ،‬ج‪،2‬‬‫ط‪1345 ،1‬هـ‪ ،‬ص ‪.246‬‬ ‫‪ )9‬مصطفـى صـادق الرافعـي‪ :‬تاريـخ آداب العـرب‪ ،‬دار الكتـاب‬ ‫العربـي‪ ،‬بيـروت‪ ،‬ج‪ ،2‬ط‪1974 ،2‬م‪ ،‬ص‪.297‬‬ ‫‪ )10‬حميـد حلميدانـي‪ :‬بنيـة النـص السـردي‪ ،‬املركـز الثقـايف‬ ‫العربـي‪ ،‬الـدار البيضـاء‪ ،‬ط‪2000 ،3‬م‪ ،‬ص ‪.45‬‬ ‫‪ )1‬عـز الديـن إسـماعيل‪ :‬األدب وفنونـه‪ ،‬دار الفكـر العربـي‪،‬‬ ‫بيـروت‪ ،‬ط‪1985 ،2‬م‪ ،‬ص ‪.187‬‬ ‫‪ )2‬سـمير مـرزوق وآخـرون‪ :‬مدخـل إلـى نظريـة القصـة‪ ،‬دار‬ ‫الشـؤون الثقافيـة‪ ،‬بغـداد‪ ،‬د ط‪1986 ،‬م‪ ،‬ص ‪.40‬‬ ‫‪ )3‬محمـد بنسـعيد‪ :‬قامـوس السـرديات املغربيـة‪ ،‬سلسـلة‬ ‫الثقافـة املفاهيميـة‪( ،‬د ط)‪( ،‬د ت)‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪ )4‬عبد اهلل إبراهيم‪:‬‬ ‫– املتخيـل السـردي (مقاربـات نقديـة)‪ ،‬املركـز الثقـايف العربـي‪،‬‬ ‫بيـروت‪ ،‬ط‪1990 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.104‬‬ ‫– موسـوعة السـرد العربـي‪ ،‬املؤسسـة العربيـة للدراسـات والنشـر‪،‬‬ ‫بيـروت‪ ،‬ط‪2005 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫‪ )5‬عبـد القـادر فيـدوح‪ :‬شـعرية القـص‪ ،‬وهـران‪ ،‬ديـوان املطبوعات‬ ‫اجلامعية‪1996 ،‬م‪ ،‬ص ‪.41‬‬ ‫‪ )6‬عبـد اهلل رضـوان‪ :‬البنـى السـردية‪ ،‬منشـورات رابطـة الكتـاب‬ ‫األردنيين‪ ،‬عمـان‪1990 ،‬م‪ ،‬ص‪14.‬‬ ‫‪ )7‬عبـد الرحيـم مراشـدة‪ :‬السـردية يف الشـعر العربـي‪ ،‬عـام‬ ‫الكتـب احلديـث‪ ،‬اربـد األردن‪ ،‬ط‪2012 ،1‬م‪ ،‬ص‪(8‬بتصـرف)‪.‬‬ ‫) ينظر كل من‪:‬‬ ‫– محمـد املاكـري‪ :‬مدخـل لتحليـل ظاهراتـي الشـكل واخلطـاب‪،‬‬ ‫املركـز الثقـايف العربـي‪ ،‬الـدار البيضـاء‪1991 ،‬م‪.‬‬ ‫– مـي الوزانـي‪ :‬دليـل الكتـاب املغاربـة‪ ،‬منشـورات احتـاد كتـاب‬ ‫املغـرب‪ ،‬مطبعـة املعـارف اجلديـدة‪ ،‬الربـاط‪1993 ،‬م‪.‬‬ ‫– طـراد الكبيسـي‪ :‬املنـزالت (ج ـ ‪" )2‬منزلـة النـص"‪ ،‬دار الشـؤون‬ ‫الثقافيـة العلميـة‪ ،‬آفـاق عربيـة‪ ،‬بغـداد ‪1995‬م‪.‬‬ ‫– عبـاس اجلـراري‪ :‬تطـور الشـعر املغربـي احلديـث واملعاصـر‪،‬‬ ‫مطبعـة األمنيـة‪ ،‬الربـاط‪1997 ،‬م‪.‬‬ ‫)جمعـت تلـك الدواويـن يف مؤلـف موسـوم بــاألعمال الكاملـة‪،‬‬ ‫علاوة علـى دراسـة بعنوانالقصيـدة املغربيـة املعاصـرة بنية الشـهادة‬ ‫واالستشهاد يف جزأين‪ ،‬صدرت عام‪2013‬عن وزارة الثقافة املغربية‪.‬‬ ‫() ‪ -‬مجـدي وهبـة‪ ،‬وكامـل املهنـدس‪ :‬معجـم املصطلحـات‬ ‫العربيـة يف اللغـة واألدب‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.238‬‬ ‫()‪ -‬سـيزا قاسـم‪ :‬بنـاء الروايـة (دراسـة مقارنـة لثالثيـة جنيـب‬ ‫محفوظ)‪ ،‬الهيئة املصرية العامة للكتاب‪1984 ،‬م‪ ،‬ص ‪(81‬بتصرف)‪.‬‬ ‫()‪ -‬عثمـان بـدري‪ :‬وظيفـة اللغـة يف اخلطـاب الروائـي الواقعـي‬ ‫عنـد جنيـب محفـوظ‪ ،‬دراسـة تطبيقيـة‪ ،‬أطروحـة دكتـوراه‪ ،‬معهـد‬ ‫اللغـة العربيـة وآدابهـا‪ ،‬جامعـة اجلزائـر‪1996 ،‬م‪1997 -‬م‪ ،‬ص ‪92‬‬ ‫(بتصـرف)‪.‬‬ ‫()‪ -‬عبـد اهلل راجـع‪ :‬األعمـال الشـعرية الكاملـة‪ ،‬منشـورات وزارة‬ ‫الثقافـة‪ ،‬الربـاط‪ ،‬اململكـة املغربيـة‪2013 ،‬م‪ ،‬ص‪.72‬‬ ‫()‪ -‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬ج‪ ،5‬بيروت ‪1412‬هـ‪ ،‬ص ‪.297‬‬ ‫()‪ -‬الزمخشـري‪ :‬أسـاس البالغـة‪ ،‬حتقيـق‪ ،‬عبـد الرحيـم‬ ‫محمـود‪ ،‬دار املعرفـة‪ ،‬بيـروت‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.98‬‬ ‫()‪ -‬عبدالرحمـن النحلاوي‪ :‬أصـول التربيـة اإلسلامية‬ ‫وأسـاليبها‪،‬دار الفكـر‪ ،‬دمشـق‪ ،‬ط‪1995 ،2‬م‪ ،‬ص ‪.206‬‬ ‫()‪ -‬جبـور عبـد النـور‪ :‬املعجـم األدبـي‪ ،‬دار العلـم للماليين‪،‬‬ ‫بيـروت‪ ،‬ط‪1979 ،1‬م‪ ،‬ص‪.100‬‬ ‫()‪-‬صبحـي عودة‪:‬غسـان كنفانـي جماليـات السـرد يف اخلطـاب‬ ‫الروائـي‪ ،‬دار مجـدالوي‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪2006 ،1‬م‪ ،‬ص‪(176‬بتصـرف)‪.‬‬ ‫()‪ -‬أسـامة فرحـات‪ :‬املونولـوج بين الدرامـا والشـعر‪ ،‬الهيئـة‬ ‫املصريـة العامـة للكتـاب‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص‪(22‬بتصـرف)‪.‬‬ ‫()‪-‬غالـي شـكري‪ :‬الروايـة العربيـة يف رحلـة العـذاب‪ ،‬دار الهنـا‬ ‫للطباعـة والنشـر‪ ،‬ط ‪1971 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.47‬‬ ‫()‪ -‬محمـد الشـنطى‪ :‬خصوصيـة الرؤيـة والتشـكيل يف شـعر‬ ‫محمود درويش‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬م‪ ،7‬ع‪1986 ،2 1-‬م– ‪1987‬م ص‪.144‬‬ ‫()‪ -‬عبد اهلل راجع‪ :‬األعمال الشعرية الكاملة‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.239‬‬ ‫()‪-‬الفراهيـدي‪ :‬العين‪ ،‬حت‪ ،‬عبـد احلميـد هنـداوي‪ ،‬م‪ ،3‬دار‬ ‫الكتـب العلميـة‪ ،‬بيـروت‪ ،‬ط‪1424 ،1‬ه‪2003 -‬م‪ ،‬ص ‪.317‬‬ ‫()‪ -‬الـرازي‪ :‬مختـار الصحـاح‪ ،‬ضبطـه‪ ،‬مصطفـى ديـب‪ ،‬دار‬ ‫الهـدى‪ ،‬عين مليلـة‪ ،‬اجلزائـر‪ ،‬ط‪1990 ،4‬م‪ ،‬ص ‪.320‬‬ ‫()‪ -‬سـعيد شـوقي‪ :‬بنـاء املفارقـة يف املسـرحية الشـعرية‪ ،‬دار‬ ‫ايتـراك للطباعـة والنشـر‪ ،‬القاهـرة‪ ،‬ط‪2001 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.26‬‬ ‫()‪ -‬محمـد صابـر‪ :‬العالمـة الشـعرية‪ ،‬قـراءات يف تقانـات‬ ‫القصيـدة اجلديـدة‪ ،‬عالـم الكتـب‪ ،‬إربـد‪ ،‬األردن‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪.179‬‬ ‫()‪ -‬عبد اهلل راجع‪ :‬األعمال الكاملة‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.233‬‬ ‫()‪ -‬ابـن منظـور‪ :‬لسـان العـرب‪ ،‬دار صـادر‪ ،‬بيـروت‪ ،‬ط‪1997 ،1‬م‪،‬‬ ‫ج‪ ،5‬ص ‪.390‬‬ ‫()‪ -‬عبـد امللـك مرتـاض‪ :‬حتليـل اخلطـاب السـردي‪ ،‬م س‪،‬‬ ‫ص ‪.268‬‬ ‫()‪ -‬فهـد عاشـور‪ :‬التكـرار يف شـعر محمـود درويـش‪ ،‬املؤسسـة‬ ‫العربيـة للدراسـات‪ ،‬بيـروت‪ ،‬ط‪2004 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫()‪ -‬نـازك املالئكـة‪ :‬قضايـا الشـعر املعاصـر‪ ،‬دار العلـم للماليين‪،‬‬ ‫بيـروت‪ ،‬ط‪ ،5‬د ت‪ ،‬ص ‪.270‬‬ ‫()‪ -‬عبد اهلل راجع‪ :‬األعمال الشعرية الكاملة‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.238‬‬


‫‪59‬‬

‫‪59‬‬

‫نافذة‬

‫خيط األحالم‬ ‫منـذ صغـري ولـي عاملـي اخلـاص أعيشـه بـكلّ مـا فيـه مـن قصـص‬ ‫خياليـة بعيـدة عـن واقعـي يف اخمل ّيـم فأنـا دومـا بطلـة إلحـدى القصـص‬ ‫التـي أعيشـها بين احلـروف‪ ،‬شـكّ لت «مـدام بوفـاري» منحنـى عنيفـا يف‬ ‫حياتـي فاخليانـة ال تستسـيغها نفسـي األمـارة بالعشـق املبـاح‪ ،‬كنـت‬ ‫أبتعـد كثيـرا عـن فالنـة عندمـا يرتبـط اسـمها بأحـد‪.. ،‬يف بيتنـا رجـل‬ ‫روايـة أحببتهـا كثيـرا فالتضحيـة واملـوت واحل ّـب والوطـن والعائلـة‬ ‫خيـوط شـائكة جعلـت منّـي عالقـة بين احللـم واحلقيقـة‪ ،‬قصص كثيرة‬ ‫قرأتهـا حت ّولـت إلـى فيلـم سـينمائي أو مسلسـل‪ ،‬لكـن دومـا يبقـى للـورق‬ ‫رائحـة املاضـي اجلميـل‪ ،‬عبـق يأخذنـي إليهـم هنـاك حيـث كانـوا وكـم‬ ‫قصتـي األجمـل ألننـي مـا زلـت حاملـة‬ ‫متنيـت أن أكـون بينهـم ‪..،‬وتبقـى ّ‬ ‫بـكلّ مـا هـو جميـل رغمـا عـن أنـف اخلـذالن‪.‬‬ ‫اعتامد رسسك‬

‫مـا زلـت أحلـم بوطـن عربـي يجمعنـا دون جـواز سـفر أو هويـة ‪..‬مـا‬ ‫زلـت أحلـم بالعـودة إلـى طفولـة بعيـدة مضـت كومـض البـرق‪ ،‬خ ّلفـت‬ ‫وراءهـا أنثـى بقلـب طفلـة‪ ،‬ال تكبـر‪ ،‬تعانـي مـن جبـروت أخـرى تفوقهـا‬ ‫قـ ّوة وخبـرة أحلـم بحضـن أبـي رحمـة اهلل عليـه ورائحتـه الزكيـة‪ ،‬بقلـب‬ ‫واحلب‪،‬‬ ‫أمي الدافئ وحضنها الكبير‪ ،‬بإخوة كنّا نتقاسـم فراش األمان‬ ‫ّ‬ ‫اشـتقت لـي‪ ،‬نعـم لـي! لطفلـة تسـكننيي وغادرتنـي علـى عجـل‪ ،‬سـكنت‬ ‫أخـرى تشـبهني كثيـرا بفـارق عمـري يفـوق عـدد قلـوب العاشـقني!‬ ‫ـردد مـن عـدم حتقيقهـا‪،‬‬ ‫أواصـل أحالمـي الكثيـرة دون خـوف أو ت ُّ‬ ‫تخيلـت وجـه مولـودي‬ ‫السـحب بسلام‪ ،‬كـم ّ‬ ‫يكفينـي منهـا العيـش بين ّ‬ ‫األ ّول؟ ولـم أفلـح أبـدا يف اصطيـاد وجـه يشـبه وجههـا! وعندمـا رأيـت‬ ‫ابنتـي أل ّول مـ ّرة شـهقت وضحكـت وفرحـت‪ ،‬كانـت تشـبهني كثيـرا‪ ،‬ولـم‬ ‫يخطـر ببالـي أبـدا‪ ،‬ولـم أتخ ّيـل أ ّنهـا سـتكون قطعـة منّـي!‬ ‫أحالمـي ليسـت عابـرة‪ ،‬فأنـا أتقـن رسـمها بشـغف‪ ،‬أغمـض عينـي‬ ‫وأنيـر طريقـي بنـور به ّـي‪ ،‬برائحـة تسـكنني مـذ كنـت طفلـة‪ ،‬بكحـل أغرق‬ ‫عين َّـي ولسـعها لتصفـو‪ ،‬وتصبـح أكثـر جمـاال‪ ،‬كـم مـ ّرة فتحـت صنـدوق‬ ‫وعثـت فسـادا بفسـاتينها اجلميلـة؟ وكـم طقطقـت‬ ‫أمـي اخلشـبي ِ‬ ‫ّ‬ ‫بحذائهـا ذي النعـل احلديـدي ورفعـت رأسـي عاليـا كأميـرة‪ ،‬وهمسـت‬ ‫لنفسـي‪ :‬أنـت جميلـة!! ‪..‬‬ ‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫احللـم حيـاة نعـم حيـاة‪ ،‬أهـرب إليـه‪ ،‬فأصبـح أكثـر قـ ّوة ملواجهـة هـذا‬ ‫العالـم املز ّيـف اجملنـون‪ّ ،‬‬ ‫وأتوسـدها‪ ،‬فتـزداد‬ ‫مخدتـي‬ ‫أرش العطـر علـى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أحالمـي بهجـة وح ّبـا وحيـاة‪!!..‬‬


‫‪60‬‬

‫‪60‬‬

‫فكر‬

‫المقاومة‬ ‫الثقافية على‬ ‫الطريقة‬ ‫الهندية‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬


‫فكر‬

‫‪61‬‬

‫من األدب الهندي‪:‬‬ ‫المقاومة الثقافية على الطريقة الهندية‬ ‫((عندمـا سـمعهم «جوبلز»‪ ،‬العقـل المدبر للدعايـة النازية‪ ،‬وهم‬ ‫يتحدثون عـن الثقافة‪ ،‬أخرج مسدسـه))‬ ‫(كابرال‪.)1994 ،‬‬

‫أسيد الحوتري‬

‫الطريـق إلـى الغـزو املـادي (العسـكري)‪ .‬ولعـلّ‬ ‫أهـم مـا نتـج عـن الغـزو الثقـايف املعنـوي‬ ‫للمسـتعمر هـو إنـكار ((العمليـة التاريخيـة‬ ‫للشـعب املسـيطر عليه))(املرجـع نفسـه)‪،‬‬ ‫مبعنـى إنـكار ومحـو تاريـخ الشـعوب التـي متّ ـت‬ ‫السـيطرة عليهـا‪ ،‬ليعتمـد املسـتعمر تأريخـا‬

‫جديـدا يبـدأ مـن حلظـة وصولـه إلـى األرض‬ ‫التـي فـرض سـيطرته عليهـا‪ .‬إنّ عمليـة الغـزو‬ ‫الثقـايف املعنـوي هـي عمليـة مسـتمرة‪ ،‬مبجـرد‬ ‫أن تبـدأ فإ ّنهـا تسـتمر إلـى األبـد‪ .‬يف النّهايـة‪،‬‬ ‫وجـدت حـركات التّحريـر نفسـها أمـام هذيـن‬ ‫النوعين مـن الغـزو‪ :‬الغـزو املـادي الثقـايف‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫لقـد س ّـجل التّاريـخ أنّ االسـتعمار هـو عبـارة‬ ‫عمليـة ثقافيـة‪ ،‬وبالتالـي فـإنّ ((التّح ّرر الوطني‬ ‫هـو بالضـرورة فع ٌـل ثقايف))(كابـرال‪.)1994 ،‬‬ ‫أيضـا أن االسـتعمار يتألّـف‬ ‫ينقـل التاريـخ لنـا ً‬ ‫مـن قسـمني‪:‬‬ ‫(‪ )1‬الغـزو الثقـايف املـادي‪ :‬والـذي يت ّـم‬ ‫بواسـطة القـ ّوات العسـكرية التـي تتمثّـل‬ ‫مهمتهـا يف احتلال األرض وتأمين املؤسسـات‬ ‫اال سـتعمارية‪.‬‬ ‫(‪ )2‬الغـزو الثقـايف املعنـوي‪ :‬وهـو الغـزو‬ ‫األيديولوجـي الفكـري‪ .‬إنه خطاب اسـتعماري‬ ‫تشـكّ ُلهُ آراء وتصريحـات وفنـون جميلـة وأدب‪،‬‬ ‫وبحـوث «علميـة›› أو حتـى خياليـة‪ ،‬ودراسـات‬ ‫قامـت بهـا القـ ّوة االسـتعمارية حـول األمم‬ ‫ـيتم اسـتعمارها يف املسـتقبل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫(الدول) التي س ّ‬ ‫الهـدف مـن هـذا الغـزو الثقـايف املعنـوي هـو‬ ‫إقنـاع كلّ مـن املسـت ِ‬ ‫عمرة بـأنّ‬ ‫َعمر واألمم ا ُملس َـت َ‬ ‫ّ‬ ‫الشـعوب األوربيـة بيضـاء البشـرة هـي أعلـى‬ ‫مرتبـة مـن باقـي شـعوب العالـم‪ ،‬ويؤكـد هـذا‬ ‫اخلطـاب االسـتعماري علـى أنّ الـ ّر ّب قـد اختار‬ ‫املهمـة‬ ‫ال ّرجـل األبيـض ليحمـل علـى عاتقـه‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسـانية اجلليلـة والتـي تتمثّـل يف إخـراج‬ ‫شـعوب العالـم األدنـى مرتبـة‪ ،‬مـن ُظلمـات‬ ‫اجلهـل والتّخلّـف إلـى نّـور العلـم واحلضـارة‪.‬‬ ‫لقـد دعـم ال ّرجـل األبيـض عمليـة إقنـاع‬ ‫مهمتـه مبختلـف منتجاتـه‬ ‫العالـم بأهميـة‬ ‫ّ‬ ‫الثقافيـة املاديـة منهـا واملعنويـة‪ ،‬دعمهـا بأمـور‬ ‫مثـل‪ :‬التكنولوجيـا‪ ،‬وسـائل ال ّنقـل واال ّتصـال‪،‬‬ ‫والف ّـن‪ ،‬واألدب‪ ،‬ومـا إلـى ذلـك‪.‬‬ ‫وميهـد‬ ‫دائمـا‬ ‫إنّ الغـزو املعنـوي يسـبق‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬


‫‪62‬‬

‫فكر‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫(الغـزو العسـكري)‪ ،‬والغـزو املعنـوي الثقـايف‬ ‫(الغزو الفكري)‪ .‬لذلك قامت حركات التح ّرر‬ ‫الوطنـي يف جميـع أنحـاء العالـم بتجنيـد‬ ‫سياسـييها‪ ،‬ومقاتليهـا املسـلحني‪ ،‬ومقاتليهـا‬ ‫ـلميي «سـاتياغراهي» كمـا كان احلـال‬ ‫الس ّ‬ ‫يف الهنـد‪ ،‬قامـت هـذه احلـركات بتجنيـد كلّ‬ ‫هـؤالء ضـد الغـزو ال ّثقـايف املـادي‪ ،‬كمـا جنـدت‬ ‫أيضـا املثقفين واملفكريـن‪ ،‬الفنانين واألدبـاء‬ ‫ضـد الغـزو الثقـايف املعنـوي‪.‬‬ ‫يجـدر بنـا بدايـة تعريـف كلمـة «ثقافة» لكي‬ ‫نحصـل علـى فكـرة واضحـة عـن الـدور الـذي‬ ‫لعبتـه «الثقافـة» يف اسـتعمار الشـعوب ويف‬ ‫الّتحـ ّرر مـن هـذا االسـتعمار‪.‬‬ ‫الثقافـة هـي‪(( :‬نظـام املعتقـدات والقيـم‬ ‫والعـادات والسـلوكيات املشـتركة التـي‬ ‫يسـتخدمها أفـراد اجملتمـع للتّعامـل مـع‬ ‫عاملهم ومع بعضهم البعض‪ ،‬والتي تنتقل من‬ ‫جيـل إلـى جيـل مـن خلال التعلم))(جيانـغ‪،‬‬ ‫‪ .)2010‬وهكـذا‪ ،‬فـإنّ الثقافـة هـي أفـكار‪،‬‬ ‫ومشـاعر‪ ،‬وأفعـال مجموعـة مـن األشـخاص‪،‬‬ ‫وهـي تختلـف عـن أفـكار ومشـاعر وأفعـال‬ ‫مجموعـة أخـرى مـن األشـخاص‪ .‬الثقافـة هـي‬ ‫ثمـرة أفـكار‪ ،‬ومعتقـدات‪ ،‬بعـض األشـخاص‬ ‫عـن الكـون واإلنسـان واحليـاة‪ ،‬والتـي ينتـج‬ ‫عنهـا مشـاعرهم‪ ،‬ومشـاعرهم تخلـق بدورهـا‬ ‫أفعالهـم‪ ،‬وأفعالهـم تقودهـم إلـى مصيرهـم‪:‬‬ ‫السـعادة أو الشـقاء‪.‬‬ ‫يف هـذه املقـال‪ ،‬سـأقدم أمثلـة مفصلـة مـن‬ ‫روايتين هنديتين كتبتـا باللغـة اإلجنليزيـة‪،‬‬ ‫الروايـة األولـى هـي‪( :‬يف انتظـار املهامتـا)‬ ‫(‪ ،)Waiting for the Mahatma‬وهـي‬ ‫للكاتـب الهنـدي «راسـيبورام كريشناسـوامي‬ ‫نارايـان»‪ ،‬أمـا الروايـة الثانيـة فهـي «كانثابـورا‬ ‫‪ ،»Kanthapura‬وهـي للكاتـب الهنـدي «راجـا‬ ‫راؤو»‪ .‬سـنتعرف يف هـذا املقـال علـى الطـرق‬ ‫التـي هاجـم بهـا احملتـل البريطانـي الثقافـة‬ ‫الهنديـة لضمـان اسـتمراره‪ ،‬وكيـف دافعـت‬ ‫الثقافـة الهنديـة عـن نفسـها‪ ،‬وقاومـت الغـزو‬ ‫الثقـايف املعنـوي البريطانـي‪ .‬مـن أجـل حتقيق‬ ‫هـذا الهـدف‪ ،‬سـيتم إلقـاء الضـوء علـى أربـع‬ ‫ثقافـات رئيسـية كانـت موجـودة يف عهـد‬ ‫االسـتعمار البريطانـي‪ ،‬وعالقاتهـا مـع بعضهـا‬ ‫البعض؛ وهذه الثقافات هي‪:‬‬ ‫(‪ )1‬الثقافة البريطانية‪.‬‬ ‫(‪ )2‬الثقافـة الهنديـة اجلديـدة التـي تبنـت‬ ‫إصلاح الثقافـات الهنديـة ومقاومـة مشـروع‬ ‫املسـتعمر‪ .‬تشـمل هـذه الثقافـة اجلديـدة‬ ‫قسـمني رئيسـيني‪( :‬أ) ثقافـة غانـدي التـي‬ ‫تبنـت املقاومـة السـلم ّية‪ ،‬و(ب) ثقافـة املقاومـة‬ ‫املسّـلحة‪.‬‬

‫(‪ )3‬الثقافـة الهنديـة املتشـبعة بالثقافـة‬ ‫اال سـتعمارية‪.‬‬ ‫(‪ )4‬الثقافة الهندوسية‪ ،‬القدمية أو ثقافة‬ ‫«ما قبل االستعمار»‪.‬‬ ‫يف روايتـي «كانثابـورا» و»يف انتظـار‬ ‫املهامتـا»‪ ،‬قـام كلّ مـن «رجـا راؤو» و»نارايـان»‬ ‫بتقـدمي البريطانين احملتلين للهنـد كملاك‬ ‫للعـزب‪ .‬والعزبـة هـي مزرعـة فيهـا قصـر املالـك‬ ‫أو داره وبيـوت الفالحين الذيـن يزرعـون‬ ‫أرضـه‪ .‬يف روايـة «كانثابـورا» كان اسـم العزبـة‬ ‫«اسـكيفينجتون كـويف»‪ ،‬أمـا يف «يف انتظـار‬ ‫املهامتـا» كان اسـم العزبـة «ماثيسـون»‪.‬‬ ‫يعيـش البريطانـي احملتـل يف هـذه العـزب‬ ‫حيـاة فاخـرة بين موظفيـه‪ ،‬وخدمـه وحشـمه‪،‬‬ ‫وحراسـه‪ ،‬حيـاة منعزلـة متامـا عـن حيـاة‬ ‫الهنـود الذيـن يعانـون مـن البـؤس والفقـر‬ ‫واجلـوع واحلرمـان‪ .‬قـد تذكّـر هـذه الصـورة‬ ‫القـارئ ب ـ ((ممارسـة الفصـل العنصـري [التـي]‬ ‫تأخـذ شـكل االسـتغالل غيـر املق ّيـد للقـوى‬ ‫العاملة))(املرجـع نفسـه)‪ .‬وأقـرب مثـال لهـذا‬ ‫الفصـل العنصـري هـو مـا ميارسـه االحتلال‬ ‫الصهيونـي علـى الفلسـطينيني يف فلسـطني‬ ‫احملتلـة‪ ،‬وأفضـل رمـز لهـذا الفصـل هـو جـدار‬ ‫ً‬ ‫متفوقا‪،‬‬ ‫الفصل العنصري‪ ،‬رغم اعتبار نفسـه‬ ‫تؤكـد الروايتـان حقيقـة أنّ البريطانـي لم يكن‬ ‫إ ّال شـخصية ماديـة حتّـى ال ّنخـاع‪ ،‬شـخصية‬ ‫تسـتغل املـوارد الطبيعيـة والبشـرية الهنديـة‬ ‫دون رحمـة‪ .‬سأسـتعرض يف األسـطر التاليـة‬ ‫إلـى الكيفيـة التـي تعامـل بهـا البريطانيـون‬ ‫مـع الثقافـات الهنديـة املتنوعـة مـن أجـل‬ ‫إطالـة أمـد االسـتغالل االقتصـادي ونهـب‬ ‫ثـروات الهنـد‪.‬‬ ‫األمـة حت ّـدد‬ ‫أدرك البريطانيـون أنّ ثقافـة ّ‬

‫مصيرهـا‪ ،‬لذلـك شـنّوا حر ًبـا ال هـوادة فيهـا‬ ‫ـتعم َرة‪ ،‬واتّبعـوا يف تلـك‬ ‫علـى ثقافـة األمـة املس َ‬ ‫أهمهـا‪:‬‬ ‫ـتراتيجيات‪،‬‬ ‫احلـرب ع ّـدة اس‬ ‫ّ‬ ‫املستعمرة‪.‬‬ ‫األمة‬ ‫َ‬ ‫(‪ )1‬إنكار تاريخ وثقافة ّ‬ ‫(‪ )2‬ترسـيخ اجلوانـب السـلبية لثقافـة‬ ‫خاصـة تلـك التـي تسـاهم يف‬ ‫األمـة املس َ‬ ‫ّ‬ ‫ـتعمرة‪ّ ،‬‬ ‫تقسـيم األمـة‪.‬‬ ‫(‪ )3‬تقويـض اجلوانـب اإليجابيـة لثقافـة‬ ‫األمـة املسـتعمرة‪ ،‬أو علـى األقـل إضعافهـا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫األمـة‬ ‫(‪ )4‬فـرض الثقافـة الغربيـة علـى ّ‬ ‫الديـن وال ّلغـة واألدب‬ ‫ـتعمرة وخاصـة ّ‬ ‫املس َ‬ ‫واألزيـاء‪ .‬كلّ هـذه االسـتراتيجيات كان لهـا‬ ‫هـدف واحـد هـو الهيمنـة‪ :‬فـرض السـيطرة‬ ‫التامـة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وجـد املهنـدس «كرمشـاند غانـدي» الـذي‬ ‫كان الزعيـم البـارز حلركـة االسـتقالل‬ ‫الهنديـة نفسـه وجهـ ًا لوجـه مـع عقبـة رئيسـية‬ ‫واحـدة حالـت دون حتقيـق األمـة الهنديـة ل ـ‬ ‫«السـواراج» أو االسـتقالل‪ ،‬وهـذه العقبـة هـي‪:‬‬ ‫األمـة الهنديـة والـذي كان لـه ع ّـدة‬ ‫انقسـام ّ‬ ‫أ شـكال‪:‬‬ ‫(‪ )1‬تع ّـدد األديـان‪ :‬الهندوسـية ‪ ،‬اإلسلام ‪،‬‬ ‫السـيخية ‪ ،‬البوذيـة ‪ ،‬اليانيـة ‪ ،‬إلـخ‪.‬‬ ‫تعدد اللغات‪ 23 :‬لغة رسمية‪.‬‬ ‫(‪ّ )2‬‬ ‫(‪ )3‬تع ّـدد األعـراق‪ :‬التركي‪-‬اإليرانـي‪،‬‬ ‫الهنـدي‪-‬اآلري‪ ،‬العـرق الدارفيـدي‪ ،‬املنغولـي‪،‬‬ ‫الزجنـي‪ ،‬الـخ‪.‬‬ ‫مقسـم بسـبب نظـام‬ ‫(‪ )4‬مجتمـع هنـدي‬ ‫ّ‬ ‫الطبقـات‪.‬‬ ‫(‪ )5‬أسـرة هنديـة مقسـمة بسـبب النظـام‬ ‫األبـوي‪.‬‬ ‫(‪ )6‬التعـاون بين النخبـة الهنديـة واحلكـم‬ ‫البريطانـي الـذي قسـم الهنـود إلـى عملاء‬ ‫ووطنيين‪.‬‬ ‫(‪ )7‬اندمـاج الكثيـر مـن الهنـود يف ثقافـة‬ ‫املسـتعمر ممـا خلـق مجموعـة جديـدة مـن‬ ‫الهنـود وهـي «املقلّـدون»‪ ،‬الذيـن يتص ّرفـون‬ ‫كمـا يتصـرف الرجـل البريطانـي‪ .‬بالتأكيـد‪،‬‬ ‫قـام احملتـل البريطانـي بتعـزز ي جميـع نقـاط‬ ‫الفرقـة واخللاف املذكـورة أعلاه ملـا يف ذلـك‬ ‫مـن مصلحـة لـه ولسياسـته التـي اتبعهـا دائمـا‬ ‫والتـي هـي‪ :‬فـ ّرق تسـد‪ .‬سـنرى يف الصفحـات‬ ‫التاليـة كيـف سيشـكل غانـدي ثقافتـه الهندية‬ ‫اجلديـدة بطريقـة ميكـن مـن خاللهـا توحيـد‬ ‫الهنـود وحـلّ كل املشـكالت املذكـورة أعلاه‪.‬‬ ‫تقـدم الرويتنـان‪« :‬يف انتظـار املهامتـا»‬ ‫و»كانثابـورا» أمثلـة متن ِّوعـة للمقاومـة‬ ‫الثقافية املادية واملعنوية التي دارت يف الهند‪.‬‬


‫فكر‬

‫فيه))(املرجـع نفسـه)‪ .‬ولقـد ذكـر «راو» يف‬ ‫أيضـا أنّ احل ّـب كان أحـد‬ ‫روايتـه «كانثابـورا» ً‬ ‫مبـادئ غانـدي الرئيسـية‪(( ،‬أح ّـب اجلميـع‪...‬‬ ‫الهنـدوس‪ ،‬املسـلمني‪ ،‬املسـيحيني‪ ،‬املنبوذيين‪،‬‬ ‫فاجلميـع سواسـية أمـام الـ ّرب))(راو‪.)2015 ،‬‬ ‫أيضـا‪(( :‬ليـس هنـاك سـوى ح ّـب‬ ‫وقـال غانـدي ً‬ ‫واحـد يف احليـاة هـو ح ّـب اجلنـس البشـري))‬ ‫(املرجـع نفسـه)‪ .‬حتـى أن غانـدي دعـا الهنـود‬ ‫إلـى ح ّـب أعدائهـم‪ ،‬يجـب عليـك حتـى أن‬ ‫حتـب أعدائك))(املرجـع نفسـه)‪ .‬بالتأكيـد‬ ‫هـذا احل ّـب ال يعنـي قبـول اسـتعمار العـدو‪ ،‬بـل‬ ‫مسـاعدة العـدو علـى وقـف اعتدائـه‪ ،‬وظلمـه‬ ‫لآلخر يـن‪.‬‬ ‫احلب‪ ،‬بنى غاندي ثقافته الهندوسية‬ ‫بعد‬ ‫ّ‬ ‫اجلديـدة علـى ثلاث كلمـات ((ال َغزْ ل‪ ،‬املقاومة‬ ‫«أهمسـا» واحلقيقـة))(راو‪.)2015 ،‬‬ ‫السـلمية ِ‬ ‫وللحقيقـة معنـى وقيمـة وطنيـة‪ .‬يعتقـد‬ ‫جميـع الهنـود أنّ احلقيقـة هـي مبـدأ حيـوي‬ ‫يف دياناتهـم‪ ،‬لذلـك‪ ،‬تبنّـى غانـدي هـذا‬ ‫يوحـد‬ ‫العنصـر املشـترك الـذي ميكـن أن‬ ‫ِّ‬ ‫الهنـود‪ .‬تعنـي احلقيقـة‪ ،‬بشـكل عـام‪ ،‬قـول‬ ‫والصـدق‪ .‬ومـع ذلـك‪ ،‬شـملت احلقيقـة‬ ‫حلـق‬ ‫ا ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالنسـبة ل ـ «غانـدي» معنـى إضافيـا وهـو‬ ‫التّحدث ّ‬ ‫والشعور والتّصرف كهندي حقيقي‪،‬‬ ‫ال كشـخص يقلّـد اآلخريـن‪ .‬احلقيقـة كانـت‬ ‫ّ‬ ‫تتجشـم‬ ‫تعنـي أن تكـون علـى طبيعتـك وأن ال‬ ‫عنـاء تقليـد ومحـاكاة اآلخريـن‪ ،‬وخصوصـا‬ ‫البريطانيين‪.‬‬ ‫أيضـا الهنـود حـول قضيـة‬ ‫جمـع غانـدي ً‬ ‫وطنيـة وهـي االسـتقالل «سـواراج»‪ ،‬والتـي ال‬ ‫«أهمسـا»‪ .‬يف‬ ‫تتحقـق إال باملقاومـة السـلمية ِ‬

‫روايـة «يف انتظـار املهامتـا»‪ ،‬ينشـر «سـريرام»‬ ‫كلمـات غانـدي بين النـاس ويكتـب بعضهـا‬ ‫علـى جـدران بعـض القـرى‪« :‬اتركـوا الهنـد»‪،‬‬ ‫كمـا أعلنهـا غانـدي يف قـراره يف عـام ‪،1942‬‬ ‫((يجـب علـى بريطانيـا تـرك الهند))(نارايـان‪،‬‬ ‫«أهمسـا»‪،‬‬ ‫‪ .)2015‬اعتقـد غانـدي أنّ الالعنـف ِ‬ ‫أو املقاومـة السـلمية‪ ،‬ميكـن أن تضمـن هدفين‬ ‫حيويين وهمـا‪ :‬االسـتقالل‪ ،‬ووحـدة تـراب‬ ‫الهنـد وشـعبها‪.‬‬ ‫أمـا بالنسـبة للغَـ ْزل فهـو يرمـز إلـى‬ ‫ّ‬ ‫االسـتقالل االقتصـادي الوطنـي‪ ،‬ومقاطعـة‬ ‫منتجـات املسـتعمر‪ .‬أصـ ّر غانـدي علـى أنّ‬ ‫اخلاصـة‬ ‫كلّ هنـدي يجـب أن يصنـع مالبسـه‬ ‫ّ‬ ‫بنفسـه‪ ،‬أمـا الهنـدي احلقيقـي فيرتـدي‬ ‫«اخلـادي» وهـو قطعـة مـن القمـاش منسـوجة‬ ‫يدويـا مـن األليـاف الطبيعيـة‪ .‬قـد يرمـز‬ ‫أيضـا إلـى ((القـوى املنتجـة [التـي]‬ ‫الغَـزل ً‬ ‫الدافعـة احلقيقيـة والدائمـة‬ ‫ـوة‬ ‫هـي الق‬ ‫ّ‬ ‫للتاريـخ‪[...‬و] يحـدث ال ّتحـ ّرر الوطنـي عندمـا‬ ‫تكـون [هـذه] القـوى اإلنتاجيـة الوطنيـة‬ ‫متامـا)) (كابـرال‪ .)1994 ،‬كان احل ّـب‪،‬‬ ‫حـ ّرة‬ ‫ً‬ ‫واحلقيقـة‪ ،‬واملقاومـة السـلمية‪ ،‬والغـزْل هـي‬ ‫األسـس التـي قامـت عليهـا الثقافـة الهنديـة‬ ‫اجلديـدة‪ ،‬وكانـت أيضـا هـي الكلمـات اخلمـس‬ ‫التـي سـتوحد جميـع الهنـود‪ .‬أصبـح «مورثـي»‪،‬‬ ‫أيضـا رجلا مـن رجـال‬ ‫يف روايـة «كانثابـورا»‪ً ،‬‬ ‫«غانـدي»‪ ،‬وقـام بنشـر كلماتـه ((بين ماليين‬ ‫القرويين البسـطاء))(راو‪.)2015 ،‬‬ ‫حـارب احمل ّتـل البريطانـي ثقافـة غانـدي‬ ‫اجلديـدة بعـدة طـرق‪:‬‬ ‫(‪ )1‬متّ تقـدمي غانـدي علـى أنّـه مصلـح‬ ‫اجتماعـي وليـس سياس ًـيا‪(( ،‬تركـت صورتـه‬ ‫أي أذى بـل‬ ‫ميسـها ّ‬ ‫كمصلـح اجتماعـي دون أن ّ‬ ‫ضخمهـا)) (نارايـان‪.)2015 ،‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )2‬دفـع احملتـل البريطانـي املـال لرجـال‬ ‫الديـن الهندوسـيني للعمـل ض ّـد غانـدي‪ .‬يقـول‬ ‫ّ‬ ‫«راجنانـا» يف «كانثابـورا»‪(( :‬هـؤالء البراهمـة‬ ‫املدعومـون يأخـذون بتخويفونـا بطردهـم‬ ‫جيدا))‬ ‫الديني‪ ،‬مبجرد أن تدفع لهم احلكومة ً‬ ‫(راو‪.)2015 ،‬‬ ‫(‪ .)3‬تعـ ّرض أتبـاع غانـدي لالضطهـاد‪،‬‬ ‫والسـجن‪(( ،‬سـبعة عشـر‬ ‫وللضـرب‪ ،‬واالعتقـال ّ‬ ‫ً‬ ‫رجلا مـن كانثابـورا ‪ ...‬متّ حبسـهم خلـف‬ ‫القضبـان‪ .‬وقـام رجـال الشـرطة بلـوي أذرعهـم‬ ‫وضربهم‪...‬وبصقـوا يف أفواههـم)) (املرجـع‬ ‫نفسـه)‪.‬‬ ‫(‪ )4‬حتّى غاندي متّ وضعه خلف القضبان‪،‬‬ ‫((هـل سـيفرجون عـن مهامتـا مـن السـجن؟))‬ ‫(نارايـان‪.)2015 ،‬‬ ‫(‪ )5‬كمـا خـدع البريطانيـون غانـدي‪،‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫قامت هذه املقاومة على مستويني‪:‬‬ ‫(‪ )1‬إصلاح وحتسين الثقافـة (الثقافـات)‬ ‫الهنديـة القدميـة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬مقاومـة الثقافـة البريطانيـة مـن‬ ‫خلال‪( :‬أ) املقاومـة الثقافيـة املاديـة‪ :‬املظاهـرات‬ ‫واالجتماعـات‪،‬‬ ‫واملقاطعـات‪،‬‬ ‫واملسـيرات‬ ‫واالشـتباكات املسـلحة‪ ،‬إلـخ‪( .‬ب) املقاومـة‬ ‫الثقافيـة املعنويـة‪ :‬الفنـون اجلميلـة بـكل‬ ‫أشـكالها‪ ،‬واألدب‪ ،‬والبحوث والدراسـات اخملتصة‬ ‫يف املقاومـة‪.‬‬ ‫بـات «غانـدي» علـى يقين مـن كـون‬ ‫ـزءا ال يتجـزّأ مـن الثقافـة‬ ‫االسـتعمار ج ً‬ ‫الغربيـة‪ ،‬وأ ّكـدت املسـتعمرات الغربيـة حـول‬ ‫العالـم هـذا االعتقـاد‪ .‬لذلـك‪ ،‬أ ّكـد غانـدي‬ ‫الـذي ((كان لديـه فكـرة واضحـة عـن قيمـة‬ ‫الثقافـة يف إطـار عمـل النضال))(املرجـع‬ ‫نفسـه) أنـه يجـب ش ّـن حـرب ثقافيـة ضـد‬ ‫املسـتعمر مـن أجـل حتقيـق االسـتقالل‪ .‬لكـن‬ ‫السؤال الكبير كان‪ :‬أي ثقافة هندية ستتولى‬ ‫مهمـة املقاومـة؟ الثقافـة الهندوسـية؟ أو‬ ‫ّ‬ ‫املسـلمة؟ أو السـيخية؟ ولكونـه هندوس ًـيا‪،‬‬ ‫تبنّـى غانـدي الثقافـة الهندوسـية‪ ،‬ولكـن‬ ‫مـع وجـود نقـاط ضعـف خطيـرة يف الثّقافـة‬ ‫الهندوسـية‪ ،‬لـم تكـن هـذه الثقافـة مناسـبة‬ ‫ملواجهـة ثقافـة الرجـل األبيـض‪ .‬لذلـك قـ ّرر‬ ‫غانـدي إصلاح الثقافـة الهندوسـية مـن خلال‬ ‫احلفـاظ علـى جوانبهـا اإليجابيـة ومتكينهـا‪،‬‬ ‫ـيتم‬ ‫وتعديـل أو تغييـر جوانبهـا السـلبية‪ .‬س ّ‬ ‫تقـدمي هـذه الثقافـة الهندوسـية التـي متّ‬ ‫إصالحهـا علـى أ ّنهـا ثقافـة كلّ الهنـود دون‬ ‫اسـتثناء‪ ،‬ثقافـة فضفاضـة تناسـب جميـع‬ ‫الهنـود دون اسـتثناء‪ .‬لقـد كان هـدف غانـدي‬ ‫الرئيسـي تأسـيس ثقافـة هنديـة جديـدة‬ ‫شـاملة حتتضـن جميـع الهنـود مـن شـتّى‬ ‫األصـول واملنابـت‪ ،‬علـى العكـس مـن الثقافـة‬ ‫الهندوسـية القدميـة اإلقصائيـة املنغلقـة على‬ ‫ألي ثقافـة‬ ‫نفسـها‪ ،‬قـال غانـدي‪(( :‬ال ميكـن ِّ‬ ‫أن تعيـش إذا حاولـت أن تكـون إقصائيـة))‬ ‫(‪.)Brainyquote.com, 2015‬‬ ‫مهمتـه اإلصالحيـة الثقافيـة‬ ‫بـدأ غانـدي ّ‬ ‫بتأسـيس ديـن واحـد جلميـع الهنـود‪ ،‬وكان‬ ‫هـذا الديـن هـو احل ّـب‪ .‬يف روايـة «يف انتظـار‬ ‫يقدم غاندي «دينه اجلديد» للهنود‪،‬‬ ‫املهامتا»‪ِّ ،‬‬ ‫((غيـروا قلوبكـم قبـل أن تفكـروا يف مطالبـة‬ ‫البريطانيين باملغادرة))(نارايـان‪.)2015 ،‬‬ ‫((صفّ ـوا قلوبكـم وعقولكـم وتأ ّكـدوا مـن أن‬ ‫َ‬ ‫حلـب وحـده يسـكن هناك))(املرجـع نفسـه)‪.‬‬ ‫ا ّ‬ ‫حلـب سـيجعل كلّ الهنـود يقبلـون بعضهـم‬ ‫ا ّ‬ ‫البعـض رغـم كلّ اخلالفـات‪ ،‬واالختالفـات‬ ‫ومـرارات املاضـي‪(( ،‬تأكّـد مـن أنّ املاضـي قـد‬ ‫أي مـرارات [آالم] مترسـبة‬ ‫متّ تصفيتـه مـن ّ‬

‫‪63‬‬


‫‪64‬‬

‫فكر‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫و((سيسـمح لنفسـه بـأن ُيخـدع‪ ،‬ثـق بعـدوك‪...‬‬ ‫عمـا هـو عليـه))(راو‪.)2015 ،‬‬ ‫ثـق بـه وحولـه ّ‬ ‫علـى الرغـم مـن املقاومـة السـلمية‬ ‫«أَهيمسـا» التـي انتهجهـا غانـدي يف صراعـه‬ ‫مـع احملتـل البريطانـي‪ ،‬فقـد ظهـر «سـوبهاس‬ ‫شـاندرا بـوس» والـذي ((انتخـب مرتين (‪1938‬‬ ‫رئيسـا للمؤمتـر الوطنـي الهنـدي))‬ ‫و ‪)1939‬‬ ‫ً‬ ‫(مونتغمـري‪ ،)2017 ،‬وا ّتخـذ لنفسـه منهاجـا‬ ‫مخالفـا متامـا لنهـج غانـدي السـلمي‪ .‬لقـد‬ ‫أنشـأ شـاندرا بـوس اجليـش الوطنـي الهنـدي‬ ‫حملاربـة احمل ّتـل البريطانـي‪ ،‬أو كمـا ذكـر كابـرال‬ ‫حيـث قـال‪(( ،‬مـن أجـل مواجهـة العنـف‬ ‫االسـتعماري‪ ،‬يجـب علـى حركـة التحريـر‬ ‫تعبئـة النـاس وتنظيمهم‪...‬مـن أجـل اللجـوء‬ ‫إلـى العنـف لتحقيـق احلرية))(كابـرال‪،‬‬ ‫‪ .)1994‬نظ ًـرا ألنّ غانـدي رفـض بش ّـدة العنـف‪،‬‬ ‫السـلمية ألنّه اعتقد بأنّها‬ ‫فقد تبنّى املقاومة ِّ‬ ‫سـتؤ ّدي بالتّأكيـد إلـى االسـتقالل‪ ،‬كمـا أ ّنهـا‬ ‫ستمنع الهنود من إيذاء بعضهم البعض بعد‬ ‫الدولـة‬ ‫حتقيـق االسـتقالل‪ .‬قـال غانـدي‪(( :‬إنّ ّ‬ ‫التـي تقـوم ثقافتهـا علـى الالّعنـف سـتجد أنّـه‬ ‫مـن الضـروري أن يكـون لـكلّ منـزل أكبـر قـدر‬ ‫ممكـن مـن االكتفـاء الذاتـي))(‪azquotes.‬‬ ‫‪ .)com‬يف روايـة «يف انتظـار املهامتـا»‪،‬‬ ‫التقـى الشـخصية الرئيسـية يف الروايـة‬ ‫«سـريرام» ب ـ «جاغاديـش» والـذي تبنّـى فكـرة‬ ‫املقاومـة املسـلحة التـي قادهـا «بـوس»‪ .‬أخبـر‬ ‫«جاغاديـش» «سـريرام» أنّ ((البريطانيـون‬ ‫سـيغادرون الهنـد بسلام‪ ،‬إذا سـحقنا العمـود‬ ‫الفقـري إلدارتها))(نارايـان‪ .)2015 ،‬هاجـم‬ ‫سـريرام الكثيـر مـن احملاكـم‪ ،‬واملـدارس‪،‬‬ ‫ممـا‬ ‫السـكك احلديديـة ّ‬ ‫واملكاتـب‪ ،‬وطـرق ّ‬ ‫تسـ ّبب بضـرر كبيـر للهنـود أنفسـهم! حتّـى يف‬ ‫نهايـة روايـة «كانثابـورا»‪ ،‬ميكـن لنـا أن نالحـظ‬ ‫بسـهولة أنّ املقاومـة السـلمية قـد حت ّولـت إلـى‬ ‫مقاومـة مسـلحة‪ .‬قـال راشـي‪(( ،‬باسـم اآللهـة‪،‬‬ ‫سـأحرق هـذه القريـة))(راو‪ ،)2015 ،‬وبالفعـل‬ ‫لقـد متّ حـرق قريـة كانثابـورا‪ .‬كمـا أنّـه بسـبب‬ ‫املقاومـة املسّـلحة التـي تبناهـا عـدد من الهنود‬ ‫احترقـت الهنـد أيضـا يف يـوم اسـتقاللها! لقـد‬ ‫قتل اآلالف‪ ،‬واغتُ صبت آالف النساء‪ ،‬وحت ّولت‬ ‫آالف املنـازل إلـى رمـاد‪ ،‬وحت ّولـت الهنـد إلـى‬ ‫كيانين‪ :‬هندوسـتان‪ ،‬وباكسـتان‪ ،‬كمـا متّ‬ ‫اغتيـال «املهامتـا غانـدي» بال ّرصـاص! ال ش ّـك‬ ‫أنّ املقاومـة املسـلحة سـاهمت يف حتـرر الكثيـر‬ ‫مـن الشـعوب‪ ،‬ولكـن بعـد انسـحاب احملتـلّ ارت ّـد‬ ‫كثيـر مـن هـذه األسـلحة إلـى صـدور حامليهـا‬ ‫فقتلتهـم! لذلـك يجـب علـى حـركات ال ّتحـرر‬ ‫الوطنـي أخـذ ال ّـدروس والعبـر مـن املاضـي‪.‬‬ ‫بالطبـع‪ ،‬لـم يظهـر البريطانيـون أي نـوع‬ ‫مـن التسـامح مـع املقاومـة الهنديـة املسـلحة‪،‬‬

‫فتع ّرض املنتسـبون إليها للسـجن‪ ،‬والتعذيب‪،‬‬ ‫والقتـل‪ ،‬وهـذا مـا حـدث مـع سـريرام الـذي‬ ‫((كان محتجزً ا يف السـجن املركزي))(نارايان‪،‬‬ ‫‪.)2015‬‬ ‫توضـح لنـا روايـة «يف انتظـار املهامتـا»‪ ،‬أنّ‬ ‫والـد سـريرام كان جند ًيـا يف اإلمبراطوريـة‬ ‫البريطانيـة وتـويف يف العـراق أثنـاء خدمتـه‬ ‫لإلمبراطوريـة‪ .‬هـذا يـدل وبشـكل ال يـدع‬ ‫مجـاال للشـك علـى أنّ أسـرة سـريرام قـد‬ ‫تشـبعت وتشـ ّربت ثقافـة املسـتعمر حتـى آخـر‬ ‫قطـرة فيهـا! فهـا هـو والـد سـريرام يرتضـي أن‬ ‫يحمل السالح ليشارك عدوه يف تنفيذ أفكاره‬ ‫التوسـعية‪ .‬وكمـا رأينـا فـإن سـريرام كان مت ّيمـا‬ ‫بصورة المرأة بيضاء معلقة يف متجر «كاني»‪.‬‬ ‫لقـد َف َ ًتن خ ّـدا املـرأة املتـوردان كال ّزهـر سـريرام‬ ‫فحاول شراء هذه الصورة‪ ،‬لكن كاني‪ ،‬صاحب‬ ‫املتجـر‪ ،‬رفـض ذلـك العـرض جملـة وتفصيلا‪،‬‬ ‫ألنّـه علّـق هـذه الصـورة يف متجـره وهـو علـى‬ ‫يقني من أنّها سـتجلب له الرزق الوفير‪ ،‬وأنّها‬ ‫((سـتضاعف عملـه عشـرة أضعاف))(نارايـان‪،‬‬ ‫‪ .)2015‬صورة المرأة بيضاء تتح ّول عند هذه‬ ‫ممـا ال ش ّـك‬ ‫رب رزّاق! ّ‬ ‫الفئـة مـن الهنـود إلـى ّ‬ ‫فيـه أنّ هـذه الصـورة ترمـز إلـى سـيادة العـرق‬ ‫قصـة هـذه‬ ‫والثقافـة البريطانيين‪ .‬توضـح ّ‬ ‫الصـورة التأثيـر الكبيـر للثّقافـة البريطانيـة‬ ‫علـى سـريرام وكانـي خصوصـا وعلـى الفئـة‬ ‫التـي تشـ ّربت الثقافـة البريطانيـة مـن الهنـود‬ ‫عمومـا‪ .‬هـذه الصـورة تلقـي ضـوءا قويـا علـى‬ ‫قضيـة الهويـة‪ .‬قـدم الكاتـب الهنـدي «ناريـان»‬ ‫سـريرام ووالـده كشـخصني فاقديـن للهويـة‪.‬‬ ‫سـريرام العاشـق الولهان لصورة امرأة بيضاء‪،‬‬

‫ووالده اجملاهد والشهيد الذي قضى نحبه يف‬ ‫سـبيل الرجـل األبيـض! وهـذا يذكرنـا بالكاتـب‬ ‫«فرانـز فانـون» ومـا وضحـه عـن عقـدة الرجـل‬ ‫ـأي ثمن‬ ‫األسـود الـذي يريـد أن يصبـح أبيضـا ب ّ‬ ‫ـزءا مـن‬ ‫كان‪ .‬أراد سـريرام ووالـده أن يكونـا ج ً‬ ‫الثقافـة البريطانيـة ألنّـه ((بالنسـبة للرجـل‬ ‫[امللـون]‪ ،‬هنـاك مصيـر واحـد فقـط‪ .‬وهـو أن‬ ‫يصبـح أبيض البشـرة))(‪Brainyquote.com،‬‬ ‫أيضـا مالحظـة تأثيـر الثقافـة‬ ‫‪ .)2015‬ميكـن ً‬ ‫البريطانيـة يف روايـة كانثابـورا‪ ،‬حيـث اعتـادت‬ ‫(رامايـا) علـى التدخين‪ ،‬وارتـداء املالبـس مثـل‬ ‫اإلجنليـز متامـا‪ :‬البدلـة‪ ،‬واحلـذاء‪ ،‬والقبعـة؛‬ ‫أيضـا علـى ((ارتـداء‬ ‫كمـا اعتـاد «مورثـي»‬ ‫ً‬ ‫املالبـس األجنبيـة))(راو‪ )2015 ،‬والذهـاب إلـى‬ ‫اجلامعـات األجنبيـة وقـراءة الكتـب األجنبيـة‪.‬‬ ‫كان هـذا االندمـاج يف الثقافـة البريطانيـة‬ ‫ثمـرة احلـرب الثقافيـة املعنويـة التـي شـنّها‬ ‫السـكان األصليين‪.‬‬ ‫البريطانيـون ض ّـد ثقافـة ّ‬ ‫متامـا يف إقنـاع بعـض‬ ‫جنـح البريطانيـون‬ ‫ً‬ ‫الهنـود بـأنّ التاريـخ الهنـدي قبـل االسـتعمار‬ ‫لـم يكـن أكثـر مـن ((فوضـى‪ ،‬وفسـاد‪ ،‬وأنانيـة‪،‬‬ ‫فوضـى‪ ،‬وفسـاد‪ ،‬وأنانيـة‪ ،‬كمـا أقـول لكـم))‬ ‫(املرجـع نفسـه)‪.‬‬ ‫كانـت حركـة التحـ ّرر الهنديـة تـدرك‬ ‫خطـورة تشـ ّرب الهنـود للثقافـة البريطانيـة‪،‬‬ ‫لذلـك قامـت احلركـة مبحاربـة هـذا التشـ ّرب‬ ‫الثقـايف بوسـائل مختلفـة‪ .‬طلـب غانـدي‬ ‫السـعي وراء احلقيقـة لتجـاوز‬ ‫مـن الهنـود ّ‬ ‫وضحنـا سـابقا‬ ‫قضيـة التشـ ّرب الثقـايف‪ ،‬وكمـا ّ‬ ‫فاحلقيقـة كانـت بالنسـية لـ»غانـدي» أن يكـون‬ ‫الهنـدي علـى طبيعتـه بعيـدا عـن تقليـد‬ ‫ومحـاكاة أ ّيـا كان‪ .‬وعندمـا سـأل «مورثـي»‬ ‫«(غانـدي» عـن كيفيـة البحـث عـن احلقيقـة‪،‬‬ ‫ـس‬ ‫أوضـح غانـدي قائلا‪(( :‬أنـت ترتـدي مالب َ‬ ‫ً‬ ‫‪...‬ربـا تذهـب إلـى جامعـة أجنبيـة))‪.‬‬ ‫أجنبية ّ‬ ‫تأثَّ ـر مورثـي بهـذه الكلمـات القليلـة واملثيـرة‬ ‫ُّ‬ ‫تأثـرا كبيـرا‪ ،‬فقـد ((ألقـى مبالبسـه األجنبيـة‬ ‫وكتبـه األجنبيـة يف النار))(املرجـع نفسـه)‪.‬‬ ‫ويف روايـة «يف انتظـار املهامتـا»‪ ،‬طلـب غانـدي‬ ‫يتعهـ َد بارتـداء مالبـس‬ ‫مـن سـريرام ((أن‬ ‫ّ‬ ‫مـن صنـع يده))(نارايـان‪ .)2015 ،‬بينمـا كان‬ ‫سـريرام يرتـدي «اخلادي»[لباسـه الهنـدي‬ ‫الـذي مـن صنـع يديـه]‪ ،‬كـ ّوم مالبسـه الغربيـة‬ ‫يف منتصـف يف الشـارع‪ ،‬وص ّـب عليهـا نصـف‬ ‫زجاجـة مـن الكيروسين‪ ،‬وقذفهـا بعـود ثقـاب‬ ‫مشـتعل))(املرجع نفسـه)‪ .‬مـ ّرة أخـرى‪،‬‬ ‫احلقيقـة ليسـت فقـط قـول احلقيقـة‪ ،‬بـل‬ ‫هـي التّفكيـر‪ ،‬وال ّتحـدث‪ ،‬وال ّتصـرف كهنـدي‬ ‫حقيقـي‪ .‬احلقيقـة هـي ال ّتحـدث بال ّلغـات‬ ‫الهنديـة‪ :‬الهنديـة‪ ،‬والتاميليـة‪ ،‬واألرديـة‪،‬‬ ‫وغيرهـا‪ .‬احلقيقـة هـي أيضـا ارتـداء املالبـس‬


‫فكر‬

‫لبـاس الـ ّرب الضيـق‪ .‬أخي ًـرا‪ ،‬تأتـي طبقـة‬ ‫((‪ :Sudra‬الفالحـون والعمـال واخلـدام الذين‬ ‫ميثلـون أقـدام الـ ّرب‪ .‬ومـع ذلـك‪ ،‬تبقـى هنالـك‬ ‫فئـة مـن النّـاس وهـم املنبـوذون‪ ،‬وهـم خـارج‬ ‫النظـام الطبقـي الهندوسـي! إ ّنهـم منظفـو‬ ‫ّ‬ ‫الشـوارع‪ ،‬ومنظفـو املراحيـض‪ ،‬إ ّنهـم ال ميثلون‬ ‫أي جـزء مـن أجـزاء الـ ّرب! إ ّنهـم منفصلون عن‬ ‫الـ ّرب متامـا‪ .‬مـع ذلـك‪ ،‬فلقـد دعاهـم غانـدي‬ ‫أبنـاء الـ ّرب «الهاريجـان»‪ .‬ال ّنظـام الطبقـي‬ ‫متامـا‪ :‬ال يوجـد تنقـل بين‬ ‫الهنـدي مغلـق‬ ‫ً‬ ‫الطوائـف‪ ،‬علـى األقـل يف هـذه احليـاة‪ .‬هـذا‬ ‫النظـام الطبقـي لـه جوانـب سـلبية متعـددة‬ ‫منهـا‪:‬‬ ‫(‪ )1‬يؤ ّكد على غياب املساواة‪.‬‬ ‫الديـن‬ ‫(‪ )2‬يحافـظ علـى سـيادة رجـال ّ‬ ‫ا لبر هم ّيين ‪.‬‬ ‫(‪ )3‬العالقـة بين املنبوذيـن والطوائـف‬ ‫األخـرى عالقـة السـيد بالعبـد بـكل مـا حتملـه‬ ‫دمـر هـذا ال ّنظـام‬ ‫الكلمـة مـن معنـى! لقـد ّ‬ ‫ّ‬ ‫الطبقـي املنبوذيـن «الباريـا»‪ ،‬وج ّردهـم متـام‬ ‫مـن إنسـانيتهم‪ ،‬وخلـق بينهـم وبين الطوائـف‬ ‫األخـرى هـ ّوة ال ميكـن ردمهـا‪ .‬ال يسـتطيع‬ ‫املنبـوذون دخـول املعابـد‪ ،‬وال ميكنهـم الـزواج‬ ‫مـن الطوائـف األخـرى‪ ،‬وإذا ملسـهم أحـد مـا‪،‬‬ ‫فيت ّوجـب عليـه أن يغتسـل! حتّـى أنّ مورثـي‬ ‫بعدمـا زار أفـراد مـن هـذه الطائفـة ((اغتسـل‬ ‫ولبـس مالبسـه)) (راو‪ .)2015 ،‬باإلضافـة‬ ‫إلـى ذلـك‪ ،‬يعتبـر الهنـدوس أي شـخص غيـر‬ ‫هندوسـي منب ً‬ ‫يـس‪ ،‬إن متّ‬ ‫ـوذا يجـب أن ال ُ َ‬ ‫ملسـه وجـب االغتسـال إلزالـة النجاسـة! ((أال‬ ‫تعتبـر «الدارمـا ساسـترا» [النصـوص املقدسـة]‬

‫األجانـب منبوذيـن؟)) (املرجـع نفسـه)‪.‬‬ ‫لسـوء احلـظ‪(( ،‬أي شـخص ال ينتمـي إلـى‬ ‫الطبقـات األربعـة هـو منبـوذ وال يجـب ملسـه‪...‬‬ ‫مـن املفتـرض أن يكـون جميـع األجانـب وغيـر‬ ‫الهنـدوس منبوذيـن)) (دانيـال‪ .)2005 ،‬لفتـت‬ ‫هـذه العقيـدة الهندوسـية املك ّرسـة للفُ رقـة‬ ‫انتبـاه املسـتعمر البريطانـي‪ ،‬فاسـتخدمها‬ ‫لتوسـيع الفجـوة بين أبنـاء الشـعب الهنـدي‪.‬‬ ‫كمـا اعتـاد املسـتعمر البريطانـي علـى‬ ‫ال ّتبـ ّرع باألراضـي ودفـع أجـور لرجـال الديـن‬ ‫وخاصـة ملعلمـي الديـن الهنـدوس‬ ‫البرهميين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫«السـواميني»‪(( ،‬للقيـام بعملهـم القـذر))(راو‪،‬‬ ‫‪ ،)2015‬وهـذا الفعـل ِّ‬ ‫يذكرنـا مبصطلـح علمـاء‬ ‫السلاطني‪ ،‬فل ِّ‬ ‫ـكل سـلطان حتّـى ولـو كان‬ ‫محتلا علمـاؤه‪ .‬اعتـاد املسـتعمر البريطانـي‬ ‫أيضـا علـى أن يحكـم الهنـود مـن قبـل‬ ‫النخـب الهنديـة‪ ،‬وأن يقمـع النشـاط الثقـايف‬ ‫للطبقـات الدنيـا‪ ،‬وأن ((يعـزز وأن يحمـي‬ ‫املكانـة والتأثيـر الثقـايف للطبقـة احلاكمـة))‬ ‫(كابـرال‪ .)1994 ،‬يف روايـة «كانثابـورا» نالحـظ‬ ‫مـ ّرة أخـرى‪ ،‬وبشـكل واضـح الطريقـة التـي‬ ‫قـام فيهـا احملتـل البريطانـي بدعـم وتعزيـز‬ ‫اجلوانـب السـلبية للثقافـة الهنديـة القدميـة‪:‬‬ ‫((الطريقـة القدميـة للعـرق [الهندوسـي]))‬ ‫(راو‪ .)2015 ،‬يف ميـدان (غانـدي)‪ ،‬صعـد‬ ‫املنصـة‬ ‫أحـد معلمـي الديـن الهندوسـي إلـى‬ ‫ّ‬ ‫قائلا» ((إذا َت َر َكنـا ال ّرجـل األبيـض غ ًـدا‪...‬‬ ‫سـيحكمنا «الرافانـا» [امللـك الشـيطان] ذو‬ ‫العشـرة رؤوس)) (املرجـع نفسـه)‪ ،‬وأضـاف‬ ‫معلـم الديـن الهندوسـي «سـوامي» أنّـه‬ ‫قبـل قـدوم البريطانيين‪ ،‬كانـت ((الفوضـى‬ ‫والفسـاد واألنانية‪[...‬ثـم] جاء[البريطانيـون]‬ ‫حلمايتنا‪...‬وحلمايـة القانـون والنظـام‬ ‫الكونـي «دارمـا»)) (املرجـع نفسـه)‪ .‬يف روايـة‬ ‫«ممـر إلـى الهنـد» ‪،A Passage to India‬‬ ‫يخبرنـا الهندوسـي «جودبولـي» أنّ «كريشـنا»‬ ‫رفـض القـدوم إلـى الفتـاة العـذراء التـي كانـت‬ ‫تناديـه‪ ،‬لك ّـن معلـم الديـن الهندوسـي سـوامي‬ ‫احملتـرم يخبرنـا بـأنّ كريشـنا قـد لبـى نـداء‬ ‫الفتـاة‪ ،‬وجـاء بالفعـل مـن خلال البريطانيني‪،‬‬ ‫((أينمـا كان هنـاك جهـل وفسـاد‪ ،‬أتيـت‪،‬‬ ‫أل ّننـي‪ ،‬يقـول كريشـنا‪ ،‬أنـا املدافـع عـن دارمـا‬ ‫[القانـون والنظـام الكوني]))(املرجـع نفسـه)‪.‬‬ ‫جـاء البريطانيـون حلمايـة الدارمـا‪(( ،‬هـذا‬ ‫مـا قالتـه امللكـة «فيكتوريـا» العظيمـة ذلـك‬ ‫عندمـا وضعـت تـاج بالدنـا املقدسـة))(املرجع‬ ‫نفسـه)‪ .‬هـذا يعنـي أن البريطانـي احملتـل‬ ‫املتجسـد‪ ،‬لذلـك يجـب أن‬ ‫هـو الـ ّرب كريشـنا‬ ‫ِّ‬ ‫ُيع َبـد‪ ،‬وال عجـب ألنّ ((الهنـد حت ّـب اآللهـة))‬ ‫(فورسـتر‪ .)2005 ،‬يكشـف خطـاب الـ»سـوامي»‬ ‫أيضـا عـن العالقـة الوثيقـة بين الـ»سـوامي»‬ ‫ً‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫هنديـة‪ :‬اخلـادي أو اخلضـار ‪ ،‬الضوتـي‪ ،‬اجلبـة‪،‬‬ ‫السـاري‪ ،‬والصنـدل‪ .‬احلقيقـة هـي قـراءة‬ ‫الكتـب الهنديـة‪« :‬باجافـاد جيتـا»‪« ،‬تولسـي‬ ‫رامايـان»‪ ،‬وتلاوة «رام نـام»‪ .‬الهنـدي احلقيقـي‬ ‫ِّ‬ ‫يدخـن‪ ،‬وال يشـرب املسـكرات‪ .‬حقيقـة‬ ‫ال‬ ‫غانـدي كانـت دعـوة جلميـع الهنـود للتمسـك‬ ‫بثقافتهـم األصيلـة احملليـة وتـرك كلّ مـا لـه‬ ‫عالقـة بالثقافـة األجنبيـة‪.‬‬ ‫يف روايـة «يف انتظـار املهامتـا»‪ ،‬لـم يخاطـب‬ ‫غانـدي الهنـود باللغـة اإلجنليزيـة أل ّنهـا ((لغـة‬ ‫حكامنـا‪ .‬اللغـة التـي اسـتعبدتنا)) (املرجـع‬ ‫نفسه)‪ .‬كما وعد غاندي اجلماهير بأن ((يكون‬ ‫قـاد ًرا يف ا ّملـرة القادمـة علـى التحدث‪...‬بلغـة‬ ‫التاميل)) (املرجع نفسه)‪ .‬يف رواية «كانثابورا»‪،‬‬ ‫جنـد أنّ (راو) دعـا أيضـا إلـى التّمسـك بالثقافـة‬ ‫الهنديـة ورفـض ثقافـة املسـتعمر‪ ،‬كمـا يوضـح‬ ‫مورثـي حين قـال‪(( :‬كلّ شـيء أجنبـي يجعلنـا‬ ‫فقـراء ويلوثنـا))(راو‪.)2015 ،‬‬ ‫إنّ الثقافـة الهنديـة القدميـة التـي تظهـر‬ ‫عامـة‪،‬‬ ‫يف ال ّروايتين ليسـت ثقافـة هنديـة‬ ‫ّ‬ ‫خاصـة‪ ،‬لهـا الكثيـر‬ ‫بـل ثقافـة هندوسـية‬ ‫ّ‬ ‫مـن اجلوانـب اإليجابيـة التـي سـاهمت يف‬ ‫توحيـد الهنـود‪ ،‬مثـل‪ :‬األعيـاد‪ ،‬واالحتفـاالت‪،‬‬ ‫والطقـوس التـي جمعـت النـاس‪ ،‬وتنـاول‬ ‫الطعـام والشـراب واالحتفـال وممارسـة‬ ‫الطقـوس‪(( ،‬سـنقرأ (سـانكارا فيجيـا) كل‬ ‫ـاء يف كلّ يـوم‬ ‫يـوم‪ ،‬وسـيقدم شـخص مـا عش ً‬ ‫مـن أيـام الشـهر))(املرجع نفسـه)‪ ،‬باإلضافـة‬ ‫إلـى ذلـك فـإنّ ((احلقيقـة والالعنـف [اللـذان‬ ‫تبناهمـا غانـدي] قدميـان قـدم التلال))‬ ‫ممـا يعنـي‬ ‫(‪ّ ،)Brainyquote.com ، 2015‬‬ ‫أنّهمـا جـزء مـن الثقافـات الهنديـة القدميـة‪،‬‬ ‫وال سـيما الالعنـف أو السـلمية «أَ ِهمسـا»‬ ‫هامـا مـن مبـادئ اليانيـة‬ ‫التـي تعـد ((مبـد ًأ ً‬ ‫والهندوسـية والبوذيـة)) (ويكيبيديـا‪،)2017 ،‬‬ ‫وهكـذا‪ ،‬فـإنّ للثقافـات الهنديـة والهندوسـية‬ ‫القدميـة الكثيـر مـن اجلوانـب اإليجابيـة‪.‬‬ ‫مـع ذلـك‪ ،‬فلهـذه الثقافـات القدميـة بعـض‬ ‫املعتقـدات سـيئة السـمعة‪ ،‬والتـي كانـت غيـر‬ ‫مقبولـة أبـدا علـى املسـتويات األخالقيـة‬ ‫والسياسـية واالجتماعيـة مـن قبـل الغالبيـة‬ ‫العظمـى مـن النـاس يف جميـع أنحـاء العالـم‪.‬‬ ‫ومـن هـذه املعتقـدات السـلبية‪ :‬نظـام الطبقات‬ ‫الهندوسـي الـذي لعـب دو ًرا خطي ًـرا يف تقسـيم‬ ‫واألمـة الهندية‪.‬‬ ‫وتفريـق الطائفـة الهندوسـية‬ ‫ّ‬ ‫يبـدأ اجلـزء العلـوي مـن هـرم النظـام الطبقـي‬ ‫بالبرهميين‪ :‬الكهنـة والعلمـاء‪ ،‬وهـم ميثلـون‬ ‫ف ّـم الـ ّرب؛ ثـم تأتـي طبقـة ( (‪:Kshatryia‬‬ ‫احملاربـون وامللـوك يرمـزون إلـى أذرع الـ ّرب‪.‬‬ ‫يف الطبقـة الثالثـة تأتـي (‪ :)Vaishya‬ال ّتجـار‬ ‫واملهنيـون وملاك العقـارات الذيـن ميثلـون‬

‫‪65‬‬


‫‪66‬‬

‫فكر‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫واملسـتعمر البريطانـي‪(( ،‬عندمـا ماتـت [امللكـة‬ ‫فيكتوريا]‪...‬اسـأل أجـدادك عـن الكافـور الـذي‬ ‫مت حرقه‪...‬كـم عـدد نيـران القرابين التـي متّ‬ ‫إشـعالها ‪ ...‬كـم صوتًـا ارتفـع بالنشـيد إلـى‬ ‫السـماء))(راو‪ .)2015 ،‬يعتبـر معلـم الديـن‬ ‫الـ»سوامي» امللكة فيكتوريا أفضل من أي أمير‬ ‫هنـدي مسـلم حكـم الهنـد‪« ،‬ألـم حتمـي [امللكـة‬ ‫فيكتوريـا إمياننـا] أفضـل مـن أي أميـر مسـلم‬ ‫علـى اإلطلاق؟» (املرجـع نفسـه)‪ .‬باإلضافـة‬ ‫ـامحا مـع‬ ‫إلـى ذلـك‪ ،‬لـم ُيظهـر الـ»سـوامي» تس ً‬ ‫االختلاط الطبقـي‪(( ،‬مـا أخشـاه يف الغـد‬ ‫[هو]‪...‬فسـاد الطوائـف‪...‬ال تـدع مثـل هـذا‬ ‫االرتبـاك الطائفـي يغضـب سـادتنا))(املرجع‬ ‫نفسـه)‪ .‬واصـل سـوامي حديثـه وقبـل النهايـة‬ ‫صرخ أحدهم قائ ًال‪(( :‬لقد اسـتلم الـ»سـوامي»‬ ‫للتّو ألفا ومئتني فدانا زراعيا من احلكومة))‬ ‫(املرجـع نفسـه)‪ .‬اعتـرف الـ»سـوامي» بال ّرشـوة‬ ‫ووصفه�ا بأ ّنه�ا هدي�ة َم َل ِك ّي�ة( (�‪Rajadak‬‬ ‫‪ .)shina‬كمـا اعتـرف بـأنّ احلاكـم قـد‬ ‫املقدسـة‬ ‫اسـتقبله‪ ،‬وأوضـح أنّ ال ّنصـوص‬ ‫َّ‬ ‫«دارمـا ساسـترا»‪ ،‬تقـول إن امللـك هـو حامـي‬ ‫اإلميـان‪ ،‬وصـرخ‪(( :‬يعيـش اإلمبراطـور جـورج‬ ‫اخلامس!))(املرجـع نفسـه)‪ .‬أمـا يف روايـة «يف‬ ‫انتظـار املهامتـا»‪ ،‬فتمثّـل ج ّـدة سـريرام الثقافة‬ ‫الهنديـة القدميـة مثلمـا مثلهـا معلـم الديـن‬ ‫ال ـ «سـوامي»‪ .‬كانـت ج ّـدة سـريرام ((أرثوذكسـية‬ ‫لدرجـة أ ّنهـا لـم تـدع الز ّبـال [املنبـوذ] يقتـرب‬ ‫منهـا أكثـر عشـرة ياردات))(نارايـان‪.)2015 ،‬‬ ‫أيضـا معارضـة لـ»غانـدي»‬ ‫كانـت ج ّـدة سـريرام ً‬ ‫ألنّـه ((حـاول جلـب املنبوذيـن إلـى املعابـد‪،‬‬ ‫وأدخـل النّـاس يف اشـتباكات مـع الشـرطة))‬

‫(املرجع نفسه)‪.‬‬ ‫كان غانـدي مـدركً ا ألخطـار هـذه التقاليـد‬ ‫القدميـة وقـ ّرر وضـع ح ٍّـد لهـا‪ ،‬وإنشـاء ثقافـة‬ ‫هنديـة جديـدة ميكـن للهنـود مـن خاللهـا‬ ‫حتقيـق اسـتقاللهم واحلفـاظ علـى وحدتهـم‪،‬‬ ‫قـال مورثـي‪(( :‬يجـب أن تتذكّـروا‪ ،‬سـواء كانـا‬ ‫برهميين أو بائعـي أسـوار‪ ،‬منبوذيـن أو كهنـة‪،‬‬ ‫فكلنـا واحـد))(راو‪ .)2015 ،‬رفـض غانـدي‬ ‫((القواعـد االجتماعيـة والدينيـة واحملرمـات‬ ‫التـي متنـع تطـ ّور ال ّنضـال [السـلمي]))(كابرال‪،‬‬ ‫‪ .)1994‬كمـا أنّـه بلا ش ّـك رفـض احلصـول علـى‬ ‫أي امتيـازات مـن املسـتعمر‪ .‬يف روايـة كانثابـورا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تقـول «رجنانـا» ‪ Ranganna‬إنّ غانـدي ((تخلّـى‬ ‫عن األرض‪ّ ،‬‬ ‫والشهوة‪ ،‬والشرف‪ ،‬والراحة‪ ،‬وك ّرس‬ ‫حياتـه للبلـد))(راو‪ .) 2015،‬باإلضافـة إلـى‬ ‫ذلـك‪ ،‬ويف روايـة «يف انتظـار املهامتـا»‪ ،‬يرفـض‬ ‫غانـدي البقـاء يف منـزل الرئيـس‪ ،‬ويقـ ِّرر البقـاء‬ ‫يف كـوخ أحـد املنبوذيـن‪(( ،‬احتـلّ غانـدي ً‬ ‫كوخـا‬ ‫لـه مدخـل منخفض))(نارايـان‪ .)2015 ،‬رفـض‬ ‫غانـدي النظـام الطبقـي الـذي يقسـم الهنـود‪،‬‬ ‫حيـث قـال‪(( :‬ال توجـد طبقـة وال عشـيرة وال‬ ‫عائلـة‪ ،‬هـم [املنبـوذون] يصلّـون مثلنـا‪ ...‬قـد‬ ‫يتـزوج البرهمـي منبـوذا ومنبـوذ قـد يتـزوج‬ ‫َب ْر َهميا))(راو‪ّ ،) 2015 ،‬أما بالنسبة للمسلمني‪،‬‬ ‫فقـد نظـرت الثقافـة الهندوسـية القدميـة إلـى‬ ‫املسـلمني بـازدراء وحرمـت االختلاط بهـم‪.‬‬ ‫يف روايـة كانثابـورا‪ ،‬قالـت «بهتـاري»‪(( :‬اليـوم‬ ‫سـيكون منبـو ًذا‪ ،‬وغ ًـدا سـيكون مسـلما‪...‬‬ ‫يجـب أن نوقـف هذا))(املرجـع نفسـه)‪ ،‬ورغـم‬ ‫هـذا التمييـز‪ ،‬اعتقـد غانـدي أنّ الهندوسـية‬ ‫واإلسلام متوازيـان‪(( ،‬روحـي ك ّلهـا تثـور ض ّـد‬

‫فكـرة أنّ الهندوسـية واإلسلام ميثلان ثقافـات‬ ‫ومذاهـب معاديـة))(‪ .)azquotes.com‬يف روايـة‬ ‫كانثابـورا‪ ،‬يؤ ِّكـد راو أن ((«سـواراج» [االسـتقالل]‬ ‫لـه ثالثـة عيـون‪ :‬تزكيـة النفـس‪ ،‬الوحـدة بين‬ ‫الهنـدوس واملسـلمني‪ ،‬اخلادي[اللبـاس املصنـوع‬ ‫يدويـا]))(راو‪.)2015 ،‬‬ ‫الثقافـة الهنديـة القدميـة اضطهـدت‬ ‫وقمعـت النسـاء‪ .‬زواج األطفـال‪ ،‬املهـر الـذي‬ ‫يدفعـه أهـل العـروس‪ ،‬تطبيـق الـ»سـاتي» والذي‬ ‫هـو ((عـادة اجلنائزيـة هندوسـية تقضـي بـأن‬ ‫تضحـي األرملـة بنفسـها فترمـي نفسـها مـع‬ ‫جثة زوجها احملترقة أو تنتحر بطريقة أخرى‬ ‫بع�د وق�ت قصي�ر م�ن وف�اة زوجه�ا)()(�‪Wikipe‬‬ ‫‪ ،)dia.com ،2017‬أو ((أن حتلـق شـعرها‬ ‫وتعيش حياة منعزلة متاما))(بيريرا‪.)1992 ،‬‬ ‫يف كانثابـورا)‪ ،‬عندمـا توفيـت «سـافيثراما»‬ ‫زوجـة «بتّـاه»‪ ،‬جاءتـه عـروض للزواج‪ ،‬وكان أحد‬ ‫هـذه العـروض ابنـة «بورنايا» التي تبلغ ((اثني‬ ‫عامـا ونصـف‪[...‬وكان املهـر] ألـف روبيـة‬ ‫عشـر ً‬ ‫نق ًـدا‪ ،‬وخمسـة أفدنـة مـن األراضـي الرطبـة))‬ ‫(راو‪ .)2015 ،‬واملهر عند الهندوس يدفعه أهل‬ ‫العـروس إلـى العريـس‪ .‬كان بتّـاه أحـد األشـرار‬ ‫يف كانثابـورا‪ .‬بتّـاه راهـب هندوسـي اسـتغل‬ ‫الديـن لكسـب املـال وتعـاون مـع ال ـ سـوامي‬ ‫ضـد مورثـي الصالـح‪ .‬كمـا انتقـد بتّـاه األرملـة‬ ‫«راتنـا» أل ّنهـا تتجـ ّول يف الشـوارع مبفردهـا‪،‬‬ ‫وتصفِّ ـف ((شـعرها إلـى اليسـار مثـل محظيـة‬ ‫و[ترتـدي] أسـاورها وخـوامت أنفهـا وأقراطهـا))‬ ‫(املرجع نفسه)‪ .‬هذا وقد تز ّوجت راتنا عندما‬ ‫كانـت يف العاشـرة مـن عمرهـا‪ .‬حـارب غانـدي‬ ‫كل هـذه التقاليـد القدميـة الظاملـة‪ ،‬مـع ذلـك‬ ‫كان مؤمنـا بـأنّ املـرأة ((ملزمـة بواجبهـا يف‬ ‫خدمـة زوجهـا‪ ،‬وعائالتهـا‪ ،‬وبلدها))(بالـي‬ ‫أسسـت «رانغامـا»‬ ‫ماهابـال‪ .)2017 ،‬عندمـا َّ‬ ‫ونساء كانثابورا منظمة املتطوعني «سيفيس»‬ ‫ملقاومة االحتالل البريطاني‪ ،‬اشتكى رجالهم‬ ‫مـن أنّ زوجاتهـم ال يعتنين بهـم كمـا اعتـادوا‬ ‫مـن قبـل‪ ،‬فكـررت رانغامـا فكـرة غانـدي عـن دور‬ ‫املـرأة وقالـت‪(( :‬لـن ننسـى أطفالنـا وأزواجنـا))‬ ‫(راو ‪.)2015 ،‬‬ ‫أيضـا بنسـاء‬ ‫لقـد كان غانـدي ((محاطـا ً‬ ‫قويات‪ ،‬وفصيحات‪ ،‬وموهوبات))(بالي ماهابال‪،‬‬ ‫‪ ،)2017‬بلا شـك متثـل «بهاراتـي» واحـدة مـن‬ ‫هـؤالء النسـاء‪ ،‬وهـي فتـاة مخلصـة وقويـة اتبعت‬ ‫أيضـا معلمـة سـريرام‬ ‫أوامـر «املهامتـا» وكانـت ً‬ ‫الروحيـة! لقـد متكـن غانـدي مـن حتسين دور‬ ‫أيضـا‪ .‬أعـاد هـذا‬ ‫املـرأة يف منازلهـن ويف اجملتمـع ً‬ ‫التحسين توحيـد األسـرة واجملتمـع الهنـدي‪،‬‬ ‫وجعلهـم قادريـن علـى مقاومـة املسـتعمر‪.‬‬ ‫م ّرة أخرى‪ ،‬تتك ّون ثقافة املقاومة من جانب‬ ‫مـادي‪ :‬املظاهـرات‪ ،‬ال ّلقـاءات‪ ،‬املقاطعـات‪ ،‬إلـخ؛‬


‫فكر‬ ‫قائمة املراجع‬

‫اقتباسـات مـن األلـف إلـى اليـاء‪( .‬بـدون تاريـخ)‪.‬‬ ‫املهامتـا غانـدي اقتباسـات عـن الثقافـة‪[ .‬عبر اإلنترنت]‪،‬‬ ‫متوف�ر عل�ى ‪http://www.azquotes.com/au�[ :‬‬ ‫]‪thor/5308-Mahatma_Gandhi/tag/culture‬‬ ‫‪ [28‬مـارس ‪]2017‬‬ ‫بالـي ماهابـال ك‪ .)2009( .‬هـل كان املهامتـا غانـدي‬ ‫نسـو ًيا؟ عالـم واحـد جنـوب آسـيا‪[ .‬عبـر اإلنترنـت]‪ ،‬متـاح‬ ‫عل�ى ‪http://southasia.oneworld.net/people�[ :‬‬ ‫‪speak/was-mahatma-gandhi-a-feminist#.‬‬ ‫‪ WOpq1UV97IU] [3‬أبريـل ‪]2017‬‬ ‫‪ .)Brainyquote. (2017‬ونقلـت املهامتـا غانـدي‪.‬‬ ‫[عبـر اإلنترنـت]‪ ،‬متوفـر علـى‪:‬‬ ‫‪https://www.brainyquote.com/quotes/‬‬ ‫‪ quotes/m/mahatmagan165367.html.] [25‬آذار‬ ‫(مـارس) ‪2017‬‬ ‫‪ .)Brainyquote. (2017‬ونقلـت املهامتـا غانـدي‪.‬‬ ‫[عبـر اإلنترنـت]‪ ،‬متـاح علـى‪:‬‬ ‫‪https://www.brainyquote.com/quotes/‬‬ ‫‪ quotes/m/mahatmagan402081.html] 26‬مـارس‬ ‫‪]2017‬‬ ‫كابـرال‪ ،‬أ‪ .)1994( .‬التحريـر الوطنـي والثقافـة‪.‬‬ ‫يف‪ ، .Williams، P. and Chrisman L. ed :‬اخلطـاب‬ ‫االسـتعماري ونظريـة مـا بعـد االسـتعمار‪ .‬نيويـورك‪:‬‬ ‫روتليـدج ‪ ،‬ص ‪.58 ،64 ،63 ،62 ،56 ،53 ،55‬‬ ‫دانيـال‪ ،‬أ‪ .)2005( .‬غيـر الهنـدوس يف نظـام‬ ‫الطبقـات‪ .‬موقـع معلومـات ‪[ .Adaniel‬علـى اإلنترنـت]‬ ‫‪ ،‬متـاح يف‪:‬‬ ‫[‪http://adaniel.tripod.com/foreigners.htm‬‬ ‫‪ [25‬مـارس ‪2017‬‬ ‫فورسـتر‪ ،‬إي (‪ .)2005‬ممـر إلـى الهنـد‪ .‬لنـدن‪:‬‬ ‫مجموعـة بينجويـن ‪ ،‬ص‪.45 .‬‬ ‫مونتغمـري‪ ،‬أ‪ .)2017( .‬سـوبهاس شـاندرا بـوس‬ ‫ونضـال الهنـد مـن أجـل االسـتقالل‪ .‬معهـد املراجعـة‬ ‫التاريخيـة‪[ .‬عبـر اإلنترنـت] ‪ ،‬متـاح علـى‪http://[ :‬‬ ‫‪www.ihr.org/jhr/v14/v14_montgomery.‬‬ ‫‪ html] [01‬أبريـل ‪]2017‬‬ ‫نارايـان‪ ،‬ر‪ .)2015( .‬يف انتظـار املهامتـا‪ .‬تشـيناي‪:‬‬ ‫‪ ، Sudarsan Graphics Pvt Ltd‬الصفحـات ‪،102 ،32‬‬ ‫‪.1 ،210 ،52 ،62 ،31 ،17 ،27 ،99 ،67 ،7 ،189 ،168 ،5 ،41‬‬ ‫بيريـرا‪ ،‬س‪ .)1992( .‬نحـو حتريـر محـدود‪ :‬املـرأة‬ ‫يف فيلـم «‪ »Kanthapura‬لراجـا راو‪ .‬مراجعـة للأدب‬ ‫اإلجنليـزي الدولـي‪ 29[ .‬آذار ‪ /‬مـارس ‪.]2017‬‬ ‫راو‪ ،‬ر‪ .)2015( .‬كانثابـورا‪ .‬نيودلهـي‪ :‬مطبعـة جامعـة‬ ‫أكسفورد‪ ،‬الصفحات ‪،184 ،188 ،89 ،95 ،36 ،77 ،73 ،12‬‬ ‫‪،10 ،95 ،92 ،93 ،94 ،95 ،77 ،7 ،17 ،36 ،92 ،36 ،92 ،36‬‬ ‫‪.110 ،32 ،24‬‬ ‫تريفي�دي‪ ،‬هــ‪ .)2010( (.‬قوميـة غانـدي‪Kanthpu� :‬‬ ‫‪ra. In: Allen، R. and Trivedi، H. ed.، Literature‬‬ ‫‪in Context: Britain and India-Colonialism to‬‬ ‫‪ .Independence‬ميلتـون كينيـز‪ :‬اجلامعـة املفتوحـة ‪،‬‬ ‫ص‪.108 .‬‬ ‫ويكيبيديـا‪ .)2017( .‬البوذيـة واجلاينيـة‪[ .‬عبـر‬ ‫اإلنترنـت] ‪ ،‬متـاح علـى‪https://en.wikipedia.[ :‬‬ ‫‪ org/wiki/Buddhism_and_Jainism] [27‬آذار‬ ‫(مـارس) ‪2017‬‬ ‫ويكيبيديـا‪ .)2017( .‬سـاتي (ممارسـة)‪[ .‬عبـر‬ ‫اإلنترنـت] ‪ ،‬متـاح علـى‪https://en.wikipedia.org/[ :‬‬ ‫‪ wiki/Sati_(practice)] [27‬مـارس ‪]2017‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫واجلانـب املعنـوي‪ :‬الفنـون اجلميلـة واألدب‪.‬‬ ‫لقـد شـارك نارايـان وراو يف املقاومـة املعنويـة‬ ‫ككتّـاب تابعين للمدرسـة املـا بعـد كولونياليـة‪.‬‬ ‫كال الكاتبين اسـتخدما وسـائل املسـتعمر‬ ‫ملقامـة املسـتعمر ولـرد الصـاع بالصـاع‪ ،‬فلقـد‬ ‫اسـتخدم كال الكاتبين الروايـة‪ ،‬للـرد علـى‬ ‫ـاب مض ٍـاد‪ .‬كمـا‬ ‫الكتابـة بالكتابـة‪ ،‬وخلـق خط ٍ‬ ‫أدان محتـوى روايتيهمـا احلكـم البريطانـي‬ ‫وعمالئـه‪ ،‬واحتفيـا بالثقافـة الهنديـة وعـززا‬ ‫املقاومـة السـلمية‪ .‬ميكـن للقـارئ مالحظـة‬ ‫املقاومـة املعنويـة التـي خاضهـا الكاتبـان يف‬ ‫الروايتين عبـر النظـر يف أسـلوب الروايتين‪.‬‬ ‫قـال رجـا راو‪(( :‬ال ميكننـا أن نكتـب مثـل اللغـة‬ ‫اإلجنليزيـة‪ .‬ال ينبغـي لنـا))(راو‪ .)2015 ،‬مـن‬ ‫خلال أسـلوبه‪ ،‬حقّ ـق راو مـا يلـي‪:‬‬ ‫(‪ )1‬ابتكـر لغـة إجنليزيـة هنديـة مم ّيـزة‬ ‫ومل ّونـة‪ ،‬لغـة شـبيهة باإلجنليزيـة األمريكيـة‬ ‫أو اإلجنليزيـة األيرلنديـة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬غـرس راو اإليقـاع السـريع للحيـاة‬ ‫الهنديـة يف التعبيـرات اإلجنليزيـة باسـتخدام‬ ‫جمـل طويلـة مليئـة بحـرف العطـف (و)‪.‬‬ ‫(‪ )3‬كمـا اسـتولى علـى اللغـة االسـتعمارية‬ ‫وغـزا النّـص اإلجنليـزي باملفـردات والعناصـر‬ ‫الهنديـة (التعبيـرات واالصطالحـات واألمثال)‪،‬‬ ‫وكلّ ذلـك السـتعمار لغـة ال ّرجـل األبيـض‪.‬‬ ‫(‪ )4‬ق ّـدم راو الكثيـر مـن األوصـاف مـن أجل‬ ‫الوصـف‪ ،‬وال عالقـة لهـذا الوصـف بحبكـة‬ ‫ـاء بالثقافـة‬ ‫الروايـة‪ ،‬وكان هـذا الوصـف احتف ً‬ ‫الهنديـة مـن خلال تصويـر املهرجانـات‬ ‫والطقـوس الهنديـة‪.‬‬ ‫كثيرا على اجلغرافيا الهندية‪:‬‬ ‫(‪ )5‬ركز راو ً‬ ‫قريـة «كانثابـورا»‪ ،‬مقاطعـة «كارا»‪« ،‬غاتـس»‪،‬‬ ‫سـاحل «ماالبـار»‪« ،‬ماجنالـور»‪« ،‬بوتـور»‪ ،‬إلـخ‪،‬‬ ‫وكان كل هـذا إلظهـار أنّ ((األرض بتتكلـم‬ ‫هنـدي))‪ ،‬وإ ّنهـا ليسـت ملكيـة إجنليزيـة‪.‬‬ ‫(‪ُ )6‬طبعـت بعـض الطبعـات الالحقـة مـن‬ ‫الروايـة بـدون فصـول لتعكـس ((التدفـق غيـر‬ ‫املنقطـع للروايـة [الهنديـة] الشـفوية))(ألني‬ ‫وتريفيـدي‪ .)2010 ،‬روى كلّ مـن راو ونارايـان‬ ‫ـاص‪ ،‬وليـس مـن‬ ‫التاريـخ مـن منظورهمـا اخل ّ‬ ‫منظـور املسـتعمر الـذي تقـوم روايتـه علـى‬ ‫الباطـل‪ .‬كلتـا الروايتين حتتويـان علـى قـدر‬ ‫كبيـر مـن الفخـر القومـي‪ :‬القوميـة واألمـة‪.‬‬ ‫كان راو ونارايـان يفخـران بالثقافـة والهويـة‬ ‫الهنديـة وقدماهمـا كبديـل للثقافـة والهويـة‬ ‫اال سـتعمارية‪.‬‬ ‫مـع ِّ‬ ‫كل اجلهـود التـي بذلتهـا حركـة التحريـر‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫فادحـا واح ًـدا‬ ‫أ‬ ‫ـ‬ ‫ط‬ ‫خ‬ ‫ـت‬ ‫ب‬ ‫ارتك‬ ‫ـا‬ ‫ه‬ ‫أن‬ ‫ال‬ ‫إ‬ ‫الهنديـة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫متامـا يف كلتـا الروايتين‪ .‬ر ّوج راو‬ ‫وواضحـا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ونارايـان لكلمـات غانـدي)د حـول الوحـدة بين‬

‫الهنـدوس واملسـلمني‪ ،‬لكنهمـا لـم ميارسـا مـا‬ ‫بشرا به يف روايتيهما‪ .‬ميكن لقارئ الروايتني أن‬ ‫يالحـظ بسـهولة وجـود قوتين فقـط تسـيطران‬ ‫علـى أحـداث الروايتين‪ :‬واالحتلال البريطانـي‪،‬‬ ‫املقاومـة الهندوسـية‪ .‬لقـد أهمـل نارايـان ذكـر‬ ‫متامـا‪ ،‬بينمـا جعـل راو املسـلم‬ ‫املسـلمني الهنـود ً‬ ‫«بديع خان» شـخصية شـريرة رئيسـية يف روايته‪،‬‬ ‫أي شـخصية مسـلمة‬ ‫ولـم يق ِّـدم راو يف روايتـه ّ‬ ‫وطنيـة أو خ ِّيـرة! لذلـك‪ ،‬كان إنقسـام الهنـد بعـد‬ ‫االسـتقالل إلى الهند وباكسـتان نتيجة طبيعية‬ ‫متامـا ملثـل هـذا اخلطـأ الـذي ال ُيغتفـر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يف اخلتـام‪ ،‬االسـتعمار واملقاومـة كالهمـا‬ ‫ظاهرتـان ثقافيتـان‪ .‬لذلـك التقـت الثقافـة‬ ‫الهنديـة اجلديـدة مـع الثقافـة البريطانيـة يف‬ ‫ع ّـدة معـارك منهـا‪:‬‬ ‫(‪ )1‬بينمـا أنكـر االحتلال البريطاني تاريخ‬ ‫وثقافـة الهنـود‪ ،‬بنـى غانـدي ثقافتـه اجلديـدة‬ ‫علـى قيمتين رئيسـيتني‪ :‬احلقيقـة «سـاتي»‬ ‫والسـلمية «أهيمسـا» والتـي لهـا جـذور عميقـة‬ ‫يف التاريـخ الهنـدي‪.‬‬ ‫(‪ )2‬عـ ّزز البريطانيـون اجلوانـب السـلبية‬ ‫للثقافـة الهنديـة القدميـة‪ ،‬علـى سـبيل املثـال‬ ‫‪ ،‬تقويـة ال ّنظـام ّ‬ ‫الطبقـي مـن خلال دعـم‬ ‫البرهميين ومعلمـي الديـن الهنـدوس ماد ًيـا‬ ‫ومعنو ًيـا؛ فتبنّـى غانـدي احلـب‪ ،‬وجعلـه «دينـه‬ ‫اجلديـد»‪ ،‬ورفـض ال ّنظـام الطبقـي مـن أجـل‬ ‫توحيـد مـا حـاول البريطانيـون تقسـيمه‪.‬‬ ‫(‪ )3‬قـ ّوض البريطانيـون اجلوانـب‬ ‫اإليجابية للثقافة الهندية مثل قدرة الهندي‬ ‫علـى اإلنتـاج وصنـع مالبسـه بنفسـه وأقنـع‬ ‫الهنـدي بشـراء وارتـداء مالبـس بريطانيـة‬ ‫الصنع‪ .‬ويف مواجهة ذلك قام غاندي بتمكني‬ ‫اجلوانـب اإليجابيـة للثقافـة الهنديـة‪ ،‬فطلـب‬ ‫مـن الهنـود الغـزل وارتـداء املالبـس الهنديـة‬ ‫املصنوعـة يدو ًيـا‪.‬‬ ‫(‪ )4‬سعى البريطانيون إلى فرض ثقافتهم‬ ‫علـى الهنـود‪ ،‬ال سـيما الديـن واللغـة واألدب‬ ‫واألزيـاء‪ ،‬لكـن غانـدي مـن خلال احلقيقـة‬ ‫التـي نـادى بهـا دعـا إلـى التفكيـر‪ ،‬والشـعور‪،‬‬ ‫وال ّتصـرف كهنـدي حقيقـي‪ .‬كانت اسـتراتيجية‬ ‫الثقافـة البريطانيـة هـي‪ :‬فـ ِّرق ت َُسـد ‪ ،‬بينمـا‬ ‫كانـت اسـتراتيجية الثقافـة الهنديـة اجلديـدة‬ ‫هـي‪ :‬ت َو ّحـد‪ُ ،‬تقـاوم‪ ،‬تنتصـر‪ .‬أخي ًـرا‪ ،‬وبفضـل‬ ‫الثّقافـة الهنديـة اجلديـدة التـي أخرجهـا‬ ‫«املهامتـا غانـدي» إلـى النّـور‪ ،‬متكنـت ال ّربـة‬ ‫«كنتشـاما» مـن العـودة‪ ،‬كمـا تـروي األسـطورة‪،‬‬ ‫والقتـال مـ ّرة أخـرى‪ ،‬وكسـب احلـرب‪ ،‬والتّخلص‬ ‫مـن الشـيطان األحمـر الـذي ((جـاء ليطلـب‬ ‫الصغـار كطعـام‪ ،‬وشـاباتنا كزوجـات))(‬ ‫أبناءنـا ِّ‬ ‫راو‪.)2015 ،‬‬

‫‪67‬‬


‫‪68‬‬ ‫‪68‬‬

‫نافذة‬

‫والدة نور‬

‫دينا العزة‬

‫ربا محاولة غائرة لتمحق‬ ‫أحالم تلدغها بعض األطياف اجملذومة‪ّ ،‬‬ ‫وربا‬ ‫ربا تلك الثواني التي تأخذنا لعالم املاورائيات‪ّ ،‬‬ ‫مسـ ّرات الرؤى‪ّ ،‬‬ ‫أحاديـث ال ّنفـس أو العقـل الباطـن‪ ،‬ومـا يخـزن مـن حقائـق تسـاورنا يف‬ ‫متهد لك بصيرة‬ ‫الواقع على إجابات ألسـئلة تبقى غامضة كفيلة بأن ِّ‬ ‫مسـتقبلك‪ ،‬وتورثـك احلـذر أو يقظـة النّائـم رغـم سـباته‪ ،‬إ ّنهـا البصيـرة‬ ‫املنج ّيـة وجـزء مـن النبـ ّوة التـي كانـت ترافـق االنبيـاء و الصاحلين مـن‬ ‫عبـاد اهلل يف هـذا الكـون‪ ،‬عندمـا تأتيـك عالمـات مـا سـيكون يف حاضـرك‬ ‫خاصة يف‬ ‫أو يف مسـتقبلك القريب‪ ،‬أو ارتباط إجابة يف احللم مبسـألة ّ‬ ‫تخص ذلك ّ‬ ‫وربا حتذيرات من أمر ما‬ ‫احلياة التي‬ ‫الشـخص احلالم‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ليتوقـف ويعيـد حسـاباته يف ال ّتصـ ّرف‪ ،‬أو بشـرى بأمـر مـا يزيـد مـن فرح‬ ‫الرائـي ويجـد أنّ رؤيـاه تتحقّ ـق‪ ،‬عالـم ال جنيـد حتليلـه احلقيقي إ ّال أنّه‬ ‫ـص بهـا بعضـا مـن عبـاده‪ ،‬فيجـد البعـض أ ّنهـا‬ ‫يتّفّ ـق الكثيـر بـأنّ اهلل يخ ّ‬ ‫نعمة وكنز وعالمة مح ّبة من اهلل‪ ،‬فهل هناك س ّر لهم مع اهلل ليرزقهم‬ ‫هـذه الـرؤئ ‪!..‬؟‬ ‫ويف بعـض األحلام ُينصـح ال ّرائـي بـأن يخفـي رؤيـاه وال يتح ّـدث بهـا‬ ‫ـص رؤى األنبيـاء و محادثـة اهلل يف املنـام أو‬ ‫ألحـد‬ ‫ّ‬ ‫خاصـة إن كانـت تخ ّ‬ ‫رؤيـا احلـج و الطـواف ومـا ي ّتصـل بشـعائره أو رؤيـا سـيدنا محمـد عليـه‬ ‫أمهـات املؤمنين فهـي‬ ‫السلام وأصحابـه رضـوان اهلل عليهـم‪ ،‬ومثـل رؤيـا ّ‬ ‫رؤى فيهـا مـن اخليـر لصاحـب الرؤيـا‪ ،‬كمـا ُينصـح أيضـ ًا بعـدم احلديـث‬ ‫عـن األحلام التـي ننعتهـا بالكوابيـس‪ ،‬فيمـا حتمـل مـن أحـداث مخيفـة‬ ‫أو غيـر سـا ّرة كرؤيـة امل ِّيـت ً‬ ‫مثلا نـادى أحـد أهـل الدنيـا وأخـذه واألفضـل‬ ‫ـص علـى أحـد وأن يتفـل الرائـي عـن شـماله‬ ‫أن يكتـم هـذا احللـم وال ُيق ّ‬ ‫ثلاث مـرات‪ ،‬فاحللـم معلـق بقـدم طائـر مـا إن حك َـي حتـى وقـع‪ ،‬ففـي‬ ‫احلديـث الشـريف جـاء‪( :‬ال ّرؤيـا مـن اهلل‪ ،‬واحللـم مـن الشـيطان‪ ،‬فـإذا‬ ‫رأى أحدكـم شـيئ ًا يكرهـه؛ فلينفـث حين يسـتيقظ ثلاث مـرات ويتعـوذ‬ ‫رواية أخرى عند ابن‬ ‫من شـ ِّرها‪ ،‬فإنّها ال تض ّره)‪ ،‬متفق عليه‪ .‬وجا َء يف ٍ‬ ‫ماجـه‪( :‬وليتحـولْ عـن جنبـه الـذي كان عليـه)‪.‬‬ ‫وهنـاك نـوع مـن األحلام حديـث نفـس يصـف واقـع احلـال الـذي‬ ‫يخالـط احلديـث باألحـداث التـي يعيـش اإلنسـان ‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫فسـبحان مـن خلـق اإلنسـان وأنعـم عليـه مبـا لـم ينعمـه علـى سـائر‬ ‫اخمللوقـات و حبـاه بهـا ‪.‬‬


‫‪69‬‬

‫تراث‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫المصوراتي‬ ‫في التراث‬ ‫المصري‬

‫إحاالت‬ ‫ُ‬ ‫«الشريم»‬ ‫ِ‬ ‫في المحكية‬ ‫اليمنية‬

‫البارونة‬ ‫التي فضلت‬ ‫الفقر‬ ‫والتشرد‬ ‫مع كارل‬ ‫ماركس‬


‫‪ 70‬تراث‬

‫إحاالتُ َّ‬ ‫«الش ِر ْيم» في المحكية اليمنية‬ ‫سع ٌة داللي ٌة متجاوزة لحصاد الحقول‬ ‫د‪ .‬عبده منصور املحمودي‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫َّ‬ ‫(الش ِـر ْي)‪ ،‬يف احملكيـة‬ ‫يحم ُـل لف ُـظ‬ ‫َ‬ ‫أداة قطـع سـيقان‬ ‫ـى‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ة‬ ‫اليمنيـة‪ ،‬الداللـ‬ ‫ِ‬ ‫الـذرة وسـيقان القمـح‪ ،‬أو ح ّ‬ ‫ـش العشـب؛ فهـو‬ ‫«منج ُـل حص ِـد الـزرع»(‪ ،)1‬ولـهُ شـفرةٌ شـبه‬ ‫دائري ٍـة‪ ،‬ونص ٌـل معقـوف‪.‬‬ ‫ـدودة‬ ‫ـاحات مح ٍ‬ ‫يأتـي اجلمـع منـه ـ ـ يف مس ٍ‬ ‫مـن جغرافيـات التـداول ـ ـ علـى صيغـة‬ ‫(أَ ْش ُـر َمةْ)‪ُ ،‬‬ ‫أمـا صيغ ُـة جمعـه األكثـر‬ ‫و(ش ُـر ْم)‪ّ .‬‬ ‫((ش ْـر َوم‪،‬‬ ‫انتشـا ًرا يف جغرافيـة تداولـه‪ ،‬هـي‪ِ :‬‬ ‫كمـا هـي القاعـدة يف لهجاتنـا يف جمـع مـا‬ ‫كان علـى صيغـة ( َف ِع ْيـل) ـ ـ مـن األسـماء‬ ‫الصفـات ـ ـ علـى ِ(ف ْعـ َول)‪.)2()).‬‬ ‫وليـس‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫(الشـرمي)؛ يف‬ ‫وبهـذه البنيـة الصرفيـة‪ ،‬فـإنّ‬ ‫احملكيـة اليمنيـة (اس ٌـم)‪ ،‬وليـس (صف ًـة) كمـا‬ ‫هـي عليـه حالـه يف معجميتـه الفصحـى‪،‬‬ ‫والتـي يتموض ُـع فيهـا صف ًـة ثابت ًـة للمفعـول‬ ‫مـن (شـ َر َم‪ :‬مشـروم)؛ كـون ((شَ ـ َر َم الشـي َء‬ ‫شَ ْـر ًما‪ :‬شَ ـقَّ هُ مـن جانبـه‪ .‬يقـال‪ :‬شَ ـ َر َم أنفـه‪.‬‬ ‫ـيرا‪.‬‬ ‫وشَ ـ َر َم أذنـه‪ :‬قطـع مـن أعالهـا شـيئًا يس ً‬ ‫فهـو مشـروم‪ ،‬وشَ ِرمي‪(...‬شَ ِـر َم) ـ َ شَ ـ َر ًما‪:‬‬ ‫أشـ َر ُم‪ ،‬وهـي شَ ْـرماء‪( .‬ج) ُش ْـر ٌم‪.‬‬ ‫انشـقَّ ‪ .‬فهـو ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫(شَ َّـر َمهُ )‪ :‬شَ ـقَّ قَه‪( .‬انْشـ َر َم)‪ :‬انشـقَّ ‪( .‬تَش َّـر َم)‪:‬‬ ‫َشـر َم ْت نواحي‬ ‫ت َ​َشـقَّ قَ ‪ .‬يقال‪ :‬ت َ​َش َّـرم‬ ‫ُ‬ ‫اجللد‪ ،‬وت َ َّ‬ ‫(الش ْـر ُم)‪ُّ :‬‬ ‫الكتـاب‪َّ .‬‬ ‫كل شـقٍّ غيـر نافـذ يف جبـل‬ ‫أو حائـط‪ .‬ومـن البحـر‪ :‬خلي ٌـج منـه))(‪.)3‬‬ ‫لقـد جـاء لفـظ (الشـرمي) يف احملكيـة‬ ‫اليمنيـة‪ ،‬متس ًـما بثبوتيـة الداللـة‪ ،‬التـي‬ ‫ـردا‬ ‫متنحـه إياهـا جوهريتُ ـهُ االسـمية‪ ،‬متف ً‬ ‫السـمة الغائبة يف معجميته الفصحى‬ ‫بهذه ّ‬ ‫ً‬ ‫املكتفيـة بـه صفـة‪ .‬ومـع ذلـك‪ ،‬فـإن صلتـه‬ ‫بأصلـه الفصيـح غيـر منقطع ٍـة؛ فقـد‬ ‫ارتبـط بنـاؤه الداللـي واإلحالـي‪ ،‬مباهيتـه‬ ‫الفصحـى‪ ،‬ومركزيتهـا احمليلـة علـى وظيفتـه‬ ‫وقطعـا‪.‬‬ ‫العمليـة شـقً ا‬ ‫ً‬ ‫ا ّتخـذ لف ُـظ َّ‬ ‫(الشـرمي) يف احملكيـة اليمنية‬

‫ـ ــوعليه يف الذهنيـة االجتماعيـة والتّـداول‬ ‫ّ‬ ‫ـواء يف داللته‬ ‫الشـفاهي ـ ـ‬ ‫ً‬ ‫موضعا الئقً ا به‪ ،‬س ٌ‬ ‫علـى أداة احلصـد‪ ،‬أو يف ا ّتسـاع إحاالتـه‪ ،‬التـي‬ ‫مساحة معينة‬ ‫يأتي منها االصطالح به على‬ ‫ٍ‬ ‫مـن اجلغرافيـا اليمنيـة‪ ،‬فمثـ ًلا‪( ،‬شَ ِـر ْي)‪:‬‬ ‫(حجـر)‪ ،‬مـن مديريـة‬ ‫هـي إحـدى قـرى عزلـة‬ ‫ْ‬ ‫(حجـة)‪.‬‬ ‫ـة‬ ‫ظ‬ ‫حملاف‬ ‫(احملابشـة)‪ ،‬التّابعـة‬ ‫ّ‬ ‫اصطالحـا‬ ‫الداللـي ـ ـ‬ ‫ومث ُـل هـذا اال ّتسـاع ّ‬ ‫ً‬ ‫ـاحة جغرافية ـ ـ غي ُـر ُمفْ ـ َر ٍغ مـن‬ ‫علـى مس ٍ‬ ‫ـدة جملانس ٍـة معين ٍـة بين‬ ‫ـات مجس ٍ‬ ‫حيثي ٍ‬ ‫بعـض خصائـص املـكان وبين اإلحالـة عليـه‬ ‫ـقية الداللـة علـى‬ ‫ـميات منتظم ٍـة يف نس ِ‬ ‫مبس ٍ‬ ‫ّ‬ ‫والشـق‪.‬‬ ‫القطـع‬ ‫وبديهـي‪ ،‬أن جنـد محدودي ًـة يف هـذه‬ ‫النوعيـة مـن اإلحالـة االصطالحيـة يف ثـراء‬ ‫داللـة (الشـرمي)؛ فالبيئـة الدالليـة املناسـبة‬ ‫ملثـل هـذا الثـراء اإلحالـي هـي املأهولـة‬ ‫ـات التّخصيـب‪ ،‬ملعانيهـا وسـياقاتها‬ ‫مبمكن ِ‬ ‫املوقفيـة والقيميـة‪ ،‬بجوهريـة داللـة الشـرمي‬ ‫ّ‬ ‫(القطع‪/‬الشـق)‪ .‬وهـي املمكنـات التـي أفضـت‬ ‫إلـى ثـراء اإلحـاالت التـي ارتبطـت بلفـظ‬ ‫(الشـرمي) مـن احملكيـة اليمنيـة‪ ،‬فتمظهـرت‬ ‫ـدد مـن املقـوالت التـي‬ ‫سـعته الدالليـة يف ع ٍ‬ ‫ـياقات متنوعـة‪،‬‬ ‫ورد فيهـا‪ ،‬واملنتميـة إلـى س ٍ‬ ‫ـتندا علـى دائرتـه الدالليـة األولـى‪،‬‬ ‫مس ً‬ ‫بوصفـه أدا ًة مـن أدوات العمـل يف احلقـل‪،‬‬ ‫ومتناميـا يف فضاءاتهـا اإلحاليـة املتجـددة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫التـي جتـاوزت دائرتـه األولـى؛ لتسـتوعب‬ ‫ـدد مـن املضامين املتكاثفـة يف‬ ‫التعبيـر عـن ع ٍ‬ ‫سـياقاتها التداوليـة مـن املقـول الشـفاهي‪.‬‬ ‫حل ْق َّ‬ ‫«مال َن ْة ْ‬ ‫ْم»‪:‬‬ ‫ألشرِ ي ْ‬ ‫َ‬

‫هـذه املقول ُـة واحـدةٌ مـن مقـوالت التـداول‬ ‫الشـفاهي يف احملكيـة اليمنيـة‪ ،‬التـي‬ ‫متوضعـا‬ ‫يتموضـع فيهـا لفـظ (الشـرمي)‬ ‫ً‬ ‫ـاالت متعـددة‪ .‬وقـد جـاء تدوينهـا‬ ‫مكتنـزً ا إح ٍ‬

‫ـ ـ هنـا ـ ـ وفقً ـا للخصائـص اللغويـة التـي‬ ‫ـام التداوليـة الشـفاهية مـن‬ ‫يقـوم عليهـا نظ ُ‬ ‫احملكيـة اليمنيـة‪ُ .‬‬ ‫وأول مـا يلف ُـت االنتبـاه مـن‬ ‫تلـك اخلصائـص‪ ،‬خاصيـة التسـكني ألواخـر‬ ‫الكلمـات يف املقولـة‪( :‬التـاء املربوطـة) مـن‬ ‫«مال ْنـة»‪ ،‬و(القـاف) مـن «حلـق»‪ ،‬و(امليـم) مـن‬ ‫«الشـرمي»‪.‬‬ ‫ْ‪/...‬ملان‪)...‬‬ ‫يحمـل اللفـظ (مالنة‬ ‫ْ‬ ‫الداللـة علـى أن شـيئًا مـا‪ ،‬قـد امتلأ بـه‬ ‫املضـاف إلـى هـذا اللفـظ‪ ،‬الـذي يأتـي علـى‬ ‫(ملان)‪ ،‬والصـورة الثانية‪،‬‬ ‫صورتين‪ :‬األولـى‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫الصـورة‪ ،‬التـي تضمن ْتهـا املقول ُـة‬ ‫هـي هـذه ّ‬ ‫السـالفة (مالنْـةْ)‪ ،‬وهـي صـورةٌ متم ِّيـزة عـن‬ ‫ّ‬ ‫سـابقتها بزيـادة (تـاء مربوطـة) يف نهايتهـا‪،‬‬ ‫ويتضـح أن هويـة (التـاء) هنـا متع ِّلق ٌـة‬ ‫واطرادهـا يأتـي‬ ‫بتأني ِـث مـا التحقـت بـه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ـات‪،‬‬ ‫ي‬ ‫معط‬ ‫ذات‬ ‫ـياقات‬ ‫الصـورة يف س‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫علـى هـذه ّ‬ ‫ومذَكَّ ـرة‪ ،‬علـى ح ّـد سـواء‪.‬‬ ‫مؤنثـة ُ‬ ‫وتظه ُـر خاصي ٌـة صوتي ٌـة يف عمليـة النطـق‬ ‫بــ(التـاء املربوطـة) يف هـذه الكلمـة‪ ،‬هـي‬ ‫حفاظهـا علـى هويـة (التـاء) كتاب ًـة‬ ‫خاصي ُـة‬ ‫ِ‬ ‫وحضـو ًرا صوت ًيـا‪ ،‬حتّـى يف حـال الوقـف عليها‬ ‫بالسـكون‪ .‬فمعت ٌـاد مـع الكلمـات املنتهيـة‬ ‫ّ‬ ‫بـ(تـاء مربوطـة) ـ ـ يف حـال الوقـف عليهـا‬ ‫بالسـكون ـ ـ أن يضمحـل احلضـو ُر الصوتـي‬ ‫ّ‬ ‫ملاهيـة (التـاء)‪ ،‬اضمحلا ًلا يسـتبقي صوتيـ َة‬ ‫(الهاء) من ماهية (التاء)‪ .‬لكن يف حال هذه‬ ‫الكلمـة (مالنـةْ)‪ ،‬األمـر مختلف‪ ،‬فالسـكون ال‬ ‫يذيـب ص ْو ِت َيـ َة (التـاء)‪ ،‬وال يصـل بهـا إلـى‬ ‫وإنـا يسـتقر‬ ‫جتانـس مـع صوتيـة (الهـاء)‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫علـى ماهي ٍـة صوتي ٍـة مختص ٍـة بصـوت (التـاء‬ ‫املفتوحـة) الثابتـة‪ ،‬يف حاليهـا‪ُ :‬م َح َّر َك ًـة‪،‬‬ ‫و سـاكنة‪.‬‬ ‫ـ»حلْـق الشـرمي»‪ ،‬يف هـذه املقولـة‪،‬‬ ‫امل ُ‬ ‫ـراد ب َ‬ ‫هـو منتص ُـف املسـاحة التـي تنتظـم فيهـا‬


‫تراث‬ ‫امتلاء هـذه املسـاحة؛‬ ‫ِسنن شـفرته‪ ،‬ويأتـي‬ ‫ُ‬ ‫نتيج ًـة لكثـرة اسـتخدامه يف حصـاد الـزرع‬ ‫واحلشـائش‪ ،‬ولـم يعـد لهـذه املقولـة إال‬ ‫مس ٌ‬ ‫ـحة مـن اإلحالـة علـى مهادهـا الزراعـي؛‬ ‫فقـد انتقـل بهـا التـداول الشـفاهي‪ ،‬انتقـا ًلا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بإمكانات‬ ‫مأهولة‬ ‫اصطالحية‪،‬‬ ‫جملة‬ ‫ص َّي َرها‬ ‫ِ‬ ‫اإلحا ِلـة علـى كثي ٍـر مـن املواقـف‪ ،‬التـي ترتبـط‬ ‫معين‪ ،‬يف‬ ‫جوهريتُ هـا بتكـرار املمارسـة لس ٍ‬ ‫ـلوك ٍ‬ ‫ـخص مـا؛ حتـى ُع ّـد هـذا السـلوك مـن‬ ‫حي ِـاة ش ٍ‬ ‫امتلاء (حلـق‬ ‫ـون‬ ‫ك‬ ‫في‬ ‫ـيرته‪،‬‬ ‫س‬ ‫ـات‬ ‫أبـرز مكون‬ ‫ُ‬ ‫ـاء اصطالح ًيـا مسـتوع ًبا اإلحال َة‬ ‫الشـرمي) وع ً‬ ‫على تلك احلال من التكرار السلوكي املعتاد‪.‬‬ ‫ويغلـب علـى االسـتدعاء االصطالحـي‬ ‫لهذه املقولة يف التّداول ّ‬ ‫الشفاهي‪ ،‬توظيفُ ها‬ ‫يف اإلحالـة علـى ال ّتمـادي يف اسـتمراء‬ ‫ـلوكيات سـلبية‪ ،‬ال سـيما املتعلـق‬ ‫املمارسـة لس‬ ‫ٍ‬ ‫منهـا باملغامـرات الوجدانيـة والسـقوط‬ ‫الغريـزي‪ ،‬وينـدر أن ُتسـتدعى هـذه املقولـة؛‬ ‫السـتيعاب اإلحالـة علـى ممارس ٍـة متكـ ّر ٍرة‬ ‫ـات إيجابيـة‪.‬‬ ‫لس‬ ‫ـلوكيات وتصرف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫«اعْ َم ْل ِب َ‬ ‫ك مِ ي ْ‬ ‫شرِ ي َْم ْ‬ ‫س ِّن ْه»‪:‬‬ ‫َة ِ‬

‫يـرد (الشـرمي)‪ ،‬يف هـذه املقولـة الشـفاهية‬ ‫املكتنـزة بخاصيتهـا التداوليـة‪ ،‬مثـ ًلا عـاد ًة مـا‬ ‫((يقـال‪ :‬يف الـرد بالتحـدي علـى مـن يهـدد‪،‬‬ ‫ـرد بـه يقـول‪ :‬اجهـد جهـدك‪ .‬ولعـلّ‬ ‫كأنّ مـن ي ُّ‬ ‫ـخصا هـدد آخـر باالسـتيالء‬ ‫ش‬ ‫أصلـه أن‬ ‫ً‬ ‫علـى زرعـه وحصـده خللاف بينهمـا‪ ،‬فـرد‬ ‫ـال‪ .‬ثـم ُع ّمـم‬ ‫اآلخـر بامل َ َثـل متحد ًيـا وغيـر مب ٍ‬ ‫اسـتعماله يف كل تهديـد))‪.)4(.‬‬ ‫واحملوريـة يف الصياغـة البنائيـة لهـذا‬ ‫املثـل واضح ٌـة‪ ،‬فهـي ذروة ال ّتحـدي‪ ،‬إذ مت ّيـز‬ ‫ـوارد فيهـا بكثـرة سـننه‪ ،‬كثـر ًة‬ ‫(الشـرمي) ال ُ‬ ‫اسـتقامت بهـا ذروة ال ّتحـدي‪ ،‬فأضفـت علـى‬ ‫قائلهـا استشـعا َر ُه تفوقـهُ علـى الشـخص‬ ‫الـذي يه ِّـد ُده‪ ،‬تفوقـه عليـه يف مسـتوى الثقـة‬ ‫يف النفـس والقـدرة علـى حمايـة مـا يواجـه‬ ‫تهدي ًـدا باسـتالبه منـه‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫يم»‪:‬‬ ‫ي‬ ‫ي ُم َق َّل ْع‪ ،‬وْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫بالشرِ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫«ش ْ‬

‫ْم ا ْت َ‬ ‫َ‬ ‫َّم»‪:‬‬ ‫شر ْ‬ ‫«شرِ ي ْ‬

‫أدا ُة (الشـرمي)‪ ،‬ليسـت مـن أدوات العمـل‪،‬‬ ‫التـي حتتـاج إلـى شـحذ أسـنّتها أو شـفرة‬ ‫حين آلخـر‪ ،‬ك ّلمـا نالـت كثـر ُة‬ ‫ِّ‬ ‫حدهـا مـن ٍ‬ ‫العمـل بهـا مـن مسـتوى فاعليتهـا فيمـا‬ ‫يسـتعان بهـا عليـه مـن عم ٍـل زراعـي‪ ،‬كالفـأس‬ ‫فالدائـرة العملي ُـة لهـذه األداة‪ ،‬تغل ُـب‬ ‫مثـ ًلا؛ ّ‬ ‫ُ‬ ‫علـى مكوناتهـا خاصيـة التّداعـي مـع عمـل‬ ‫(الشـرمي) عليهـا‪ ،‬فلا يبـدأ (الشـرمي) يف‬ ‫فقـدان فاعليتـه العمليـة إال بعـد كثي ٍـر مـن‬ ‫العمـل‪ ،‬وحينمـا يصـل إلـى هـذه احلال‪ ،‬يكون‬ ‫قـد اقتـرب عمـره االفتراضـي مـن ال ّنفـاد‪،‬‬ ‫فيكـون حل ُ‬ ‫ـرمي) آخـر جدي ٍـد محلـه‬ ‫ـول (ش ٍ‬ ‫هـو اخليـار املعتـاد‪ .‬وهـو يف هـذه اخلاصيـة‬ ‫ّ‬ ‫(القطع‪/‬والشـق)‪ ،‬يف‬ ‫محتف ٌـظ مباهيتـه‬ ‫ـتدامة عملي ٍـة‪ ،‬تضفـي عليـه ثبوتًـا لهـذه‬ ‫اس‬ ‫ٍ‬ ‫املاهيـة‪ ،‬غيـر املسـتدعية شـحذً ا يف زمني ِـة‬ ‫فاعليتـه االفتراضيـة‪.‬‬ ‫ـدودة ـ ــوتعد يف حكـم‬ ‫ـاالت مح ٍ‬ ‫ويف ح ٍ‬ ‫ـيطة لهـذه‬ ‫النادر ـ ـ ُ ْ‬ ‫ـحذ بس ٍ‬ ‫تـرى عملي ُـة ش ٍ‬ ‫األداة (الشـرمي)‪ ،‬عـاد ًة مـا يكـون هـذا اإلجـراء‬ ‫قبـل اسـتخدامها؛ حلاج ٍـة تسـتدعيها‬ ‫ـتخدامها فيـه‪ ،‬وبهـذا‬ ‫نوعي ُـة العمـل املـراد اس‬ ‫ُ‬ ‫اإلجـراء تتفـ ّوق أداة (الشـرمي) عـن غيرهـا‬ ‫ِّ‬ ‫(الش ْـر َوم) التـي ال ُتشـحذُ أسـنتُ ها‪،‬‬ ‫مـن‬ ‫تف ّو ًقـا يف مسـتوى احل ّـدة يف شـفرتها بشـكل‬ ‫مييزهـا عـن املألـوف مـن جوهريتهـا العمليـة‬ ‫يف (القطع‪/‬الشـق)‪ .‬فيكون (الشـرمي) بذلك‬ ‫متقدمـا مـن الفاعليـة‬ ‫ـتوى‬ ‫قـد اكتسـب مس ً‬ ‫ً‬ ‫العمليـة‪ ،‬مضاف ًـة إلـى ثبوتي ِـة فاعليتـه‬ ‫قطعـا وشـقً ا‪.‬‬ ‫العملي ِـة‬ ‫ً‬ ‫وقـد انعكسـت محدودي ُـة هـذه احلـاالت‬ ‫التـي ُيشـحذ فيهـا (الشـرمي)‪ ،‬علـى نسـبية‬

‫حضورهـا القولـي يف التـداول الشـفاهي‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ـياق زراعـي‪« :‬هـذا شَ ِـر ْ ْ‬ ‫فنـاد ًرا مـا ُيقـال يف س ٍ‬ ‫ات َْش َّـر ْم»‪ ،‬حيـث جتسـدت فيـه حيويـة السـعة‬ ‫الدالليـة كخاصي ٍـة مطـردة يف السـلوك‬ ‫ـياقات احليـاة‬ ‫اللغـوي‪ ،‬فول َـج حضـو ُره س ِ‬ ‫اخملتلفـة‪ ،‬القريبـة والبعيـدة مـن سـياقات‬ ‫البيئـة الزراعيـة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫اإلحالة بهذه املقولة‪،‬‬ ‫ومن هذه السياقات‪،‬‬ ‫مبيزة‬ ‫على اإلنسـان الذي يتفوق على غيره‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ـود يف شـخصيته‪،‬‬ ‫مضاف ٍـة إلـى متي ٍـز معه ٍ‬ ‫ـارة‬ ‫كأن تكـون هـذه امليـزة اإلضافيـة صقـ ًلا مله ٍ‬ ‫م ِّي َـز ٍة لـه‪ ،‬وقليـ ًلا مـا يتجلّـى هـذا احلضـور‬ ‫ُ َ‬ ‫يف مق ٍـام إيجابـي ت ّتصـف بـه ّ‬ ‫الشـخصية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كالشـجاعة مثـ ًلا؛ فالسـلبية يف املقـام واملهـارة‬ ‫السـياق الـذي يغلـب عليـه حضـو ُر هـذه‬ ‫هـي ّ‬ ‫ـلّ‬ ‫السـياق هـو‬ ‫ـذا‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ـال‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ـح‬ ‫ض‬ ‫أو‬ ‫ع‬ ‫ول‬ ‫ـة‪.‬‬ ‫املقول‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫ـص‪ ،‬اسـتقامت لـه املمكنـات وتظافـرت‬ ‫ـال ِل ٍّ‬ ‫املتغيـرات‪ ،‬فنـال ثق ًـة متغاضي ًـة أو متغافل ًـة‬ ‫عـن لصوصيتـه‪ ،‬فتمـادى يف ممارسـته‬ ‫ـتمتعا‬ ‫جلوهريـة ذاتـه (اللصوصيـة) مس ً‬ ‫بهامـش التّغاضـي والتّغافـل‪ .‬فحينمـا‬ ‫ـومة‬ ‫يهيمـن التواطـؤ مـع ش‬ ‫ـخصية موس ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫بعـدم األمانـة‪ ،‬ويـوكَّ ُل إليهـا عمـل تقتضـي‬ ‫ً‬ ‫ـفافية‪ ،‬فإ ّنهـا سـتتمادى يف‬ ‫طبيعتُ ـهُ أمان ًـة وش‬ ‫اسـتغالل هـذا التواطـؤ يف ممارسـة سـلبيتها‪،‬‬ ‫ولـن جتـد الذهني ُـة االجتماعي ُـة للتعبيـر‬ ‫عـن هـذا الواقـع السـلبي سـوى هـذه املقولـة‪:‬‬ ‫مي ات َْش َّـر ْم»‪ ،‬وكـم يزخـر الواق ُـع اليمنـي‬ ‫«شَ ِـر ْ‬ ‫البائـس بهـذه النوعيـة البشـرية مـن ِّ‬ ‫(الش ْـر َوم‬ ‫َشـر مة)‪.‬‬ ‫ا ُملت َ ِّ‬ ‫«قرَ َح َّ‬ ‫َ‬ ‫الشرِ يْم»‪:‬‬

‫تأتـي هـذه املقولـة‪ ،‬يف التّـداول ّ‬ ‫الشـفاهي‪،‬‬ ‫ـال مباغت ٍـة مـن العمـل الزراعـي‪،‬‬ ‫دال ًلـة علـى ح ٍ‬ ‫فهـي تعنـي أن حديـد املنجـل قـد تعالـى صـوت‬ ‫حصدا لزرع احلقول‪ ،‬فيحيلون بهذه‬ ‫العمل به‬ ‫ً‬ ‫املقولـة علـى وجـوب احلصـاد؛ كـون (الشـرمي)‬ ‫قـد رن صوتـه‪ ،‬واألصـل يف هـذه املقولـة‪ ،‬هـو‬ ‫قيـام املـزارع باحلصـاد‪ ،‬فيتداعـى معـه اآلخـرون‬ ‫ويسارعون يف مجاراته‪ ،‬حتّى أنّك قد جتد من‬ ‫يحصـد زرعـه قبـل متـام إيناعـه‪ ،‬ولـن جتـد منـه‬ ‫إال قولـه‪َ « :‬قـ َر َح َّ‬ ‫الش ِـر ْي»‪ ،‬فيمـا لـو سـألته عـن‬ ‫السـبب(‪.)5‬‬ ‫ـود احلضـو ُر التداولـي لهـذه املقولـة‬ ‫يس ُ‬ ‫ٌ‬ ‫يف سـياقها الزراعـي‪ ،‬وقليـل مـا ي ّتسـع بهـا‬ ‫التّـداول ّ‬ ‫ـياقات اجتماعيـة‬ ‫الشـفاهي إلـى س ٍ‬ ‫ً‬ ‫أخـرى‪ ،‬حينمـا يكـون املوق ُـف مأهـولا بحيوي ٍـة‬ ‫ـقية مـن عم ٍـل أو‬ ‫متنامي ٍـة؛‬ ‫تداعيـا مـع نس ٍ‬ ‫ً‬ ‫ـلوك متجان ٍـس مـع مضمـون املقولـة‪.‬‬ ‫س ٍ‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫ـتدعاء هـذه املقولـة‪،‬‬ ‫غال ًبـا مـا يرتبـط اس‬ ‫ُ‬ ‫مبواقـف الكـذب املبالـغ فيـه‪ ،‬فيحكـي‬ ‫أحدهـم عـن آخـر اشـتهر بالكـذب وبشـطحات‬ ‫ُ‬ ‫ا ّدعاءاتـه‪ ،‬ويختـزل بهـذه املقولـة اإلحالـة‬ ‫علـى اسـتمراء املدعـي إغـراقَ مق ِـام الـكالم‬ ‫بادعاءاتـه وشـطحاته الناشـزة عـن واقعيـة‬ ‫شـخصيته‪ ،‬والبعيـدة عـن سـياق القـول‪ ،‬وعـن‬ ‫واقعيـة املسـتوى االجتماعـي الـذي يتموضـع‬ ‫فيـه مقـام الـكالم‪.‬‬ ‫وتقـوم املقول ُـة علـى توصي ٍـف دقي ٍـق للمـادة‬

‫الكالمية‪ ،‬التي هيمن بها الكاذب على املقام‪،‬‬ ‫فيصنفهـا التوصيـف التداولـي مـن خلال‬ ‫ٌ‬ ‫مجموعة‬ ‫هـذه املقولـة إلـى صنفين‪ :‬األول هو‬ ‫مـن األكاذيـب املتماديـة يف فضائهـا اخليالـي‪،‬‬ ‫املوغلـة يف تغافـل صاحبهـا عـن الواقـع‪،‬‬ ‫غيـر املباليـة بحقائقـه وال بال ّتصـادم معهـا‪.‬‬ ‫والصنـف الثانـي هـو األكاذيـب التـي حـاول‬ ‫ّ‬ ‫صاحبهـا الترشـيد مـن نزعتهـا التغافليـة‬ ‫املتماديـة يف االدعـاء؛ َع ُلّـه يظفـر بأدنـى‬ ‫ـتوى مـن التقـارب مـع الواقـع‪ ،‬وأدنـى‬ ‫مس ً‬ ‫ـتوى مـن النجـاح يف مواربـة حقائقـه‪،‬‬ ‫مس ً‬ ‫وقـد استأنسـت املقولـة بـ(الشـرمي) ليحيـل‬ ‫علـى هـذه احملاولـة‪ ،‬باعتبـاره أدا ًة للتشـذيب‪،‬‬ ‫تقطيع الشـيء وتشـذيبه؛ حتى‬ ‫ـتطاع بها‬ ‫مس ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ـورة مقبولـة‪ ،‬وهـو مـا تفتقـده‬ ‫يكـون يف ص ٍ‬ ‫صـورة تقـدمي الشـيء علـى حقيقتـه‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫‪ 72‬تراث‬ ‫«حامالت َّ‬ ‫الشريم»‪:‬‬

‫ـراء إحال ٌّـي علـى‬ ‫يف «حاملات الشـرمي»‪ ،‬ث ٌ‬ ‫ـرد‬ ‫ف‬ ‫مت‬ ‫ـي‪،‬‬ ‫ن‬ ‫اليم‬ ‫ـهدية واقعيـة يف الريـف‬ ‫ٌ‬ ‫مش ٍ‬ ‫فيهـا (الشـرمي) فـراد ًة حضوري ًـة‪ ،‬حينمـا‬ ‫تضفـي عليـه هـذه املشـهدية ِرقَّ ًـة ووداع ًـة‪،‬‬ ‫ُ َ‬ ‫تتِّمهـا نوع ُيـة اإلنسـان الـذي يحملـه يف‬ ‫يده‪ .‬فحينما تقع عيناك على هذه املشهدية‬ ‫التـي تؤثـث حيوي َتهـا احلركيـ َة صبايـا ونسـاء‬ ‫ٌ‬ ‫جميلات غاديـات حلـش احلشـائش مـن‬ ‫احلقـول‪ ،‬ال شـك أنّ الدهشـة سـوف تغمـرك‪،‬‬ ‫وأنّ اإلعجـاب سـيتدفق يف مشـاعرك‪ ،‬وأنّ‬ ‫ذاكرتـك ستسـعفك مبـا يسـتوعب التعبيـر‬ ‫عن هذه املشهدية وعن مشاعرك اإلعجابية‬ ‫بهـا‪ .‬ولـن جتـد أكثـر موا َءم ًـة لذلك من أغنية‬ ‫«حنين املفـارق»‪ ،‬التـي يتجانـس عنوانهـا مـع‬ ‫موضوعهـا (احلنين والغربـة)‪ .‬ولم َي ُحلْ هذا‬ ‫ـوان آخـر‪،‬‬ ‫التجانـس دون اشـتهار األغنيـة بعن ٍ‬ ‫هـو «يـا حاملات الشـرمي»‪ ،‬الـذي هيمن ْـت بـه‬ ‫املـرأة كأيقون ٍـة للمشـهدية احلركيـة يف هـذا‬ ‫ـات‬ ‫ـات تأويلي ٍـة حليثي ِ‬ ‫النـص املأهـول مبمكن ٍ‬ ‫إبداعـه؛ حيـث تختز ُلهـا إمكاني ُـة القـول إنـه‬ ‫ـاعر النـص راشـد‬ ‫غيـر مس ٍ‬ ‫ـتبعد أن يكـون ش ُ‬ ‫محمـد ثابـت‪ ،‬قـد عايـش مثـل هـذه املشـهدية‬ ‫ظـة واقع ٍيـة مـن حياتـه؛ فاسـتحوذت‬ ‫يف حل ٍ‬ ‫إبداعـا شـعر ًيا‪،‬‬ ‫علـى شـاعريته التـي انسـكبت‬ ‫ً‬ ‫ترقـرق بـه ص ُ‬ ‫ـوت الفنـان أيـوب طارش عبسـي‪،‬‬ ‫فـكان لهـذه األغنيـة حضورهـا البـارز يف‬ ‫ـيابية‬ ‫الذهنيـة الشـعبية واجملتمعيـة‪ ،‬وبانس ٍ‬ ‫ـاذة متغني ٍـة بأبياتهـا‪ ،‬التـي منهـا‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫أخ ٍ‬ ‫َ‬ ‫حامالت َّ‬ ‫ي‬ ‫«يا‬ ‫الش ِر ْ ْ‬ ‫َو َّ‬ ‫الطل َ‬ ‫ْ‬ ‫احلشائش‪.‬‬ ‫فوق‬ ‫ُم َع َّطرات الزِّ نان‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الزراكش‪.‬‬ ‫فوق الصدور‬ ‫الطيور‪،‬‬ ‫ي‬ ‫اس ِبقَ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫هيا ْ‬

‫ِو َغ ِّر ِد ْي ْن يف َ‬ ‫باش ْ‬ ‫ش»‪.‬‬ ‫الغ ِ‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫الصبـاح الباكـر ـ ـ هنـا ـ ـ هـو احملوري ُـة‬ ‫الزمني ُـة ملشـهدية النـص‪ ،‬محوري ٌـة زمني ٌـة‬ ‫أحالـت عليهـا احل ُ‬ ‫ـال التـي تضمنتهـا‬ ‫ـواء‬ ‫اجلملـة‪« :‬والطـل فـوق احلشـائش»؛ فاألج ُ‬ ‫املالئمـة لبقـاء ّ‬ ‫الطـل علـى احلشـائش هـي‬ ‫أجـواء الصبـاح الباكـر‪ .‬كمـا أحـال علـى هـذه‬ ‫ـش)‪ ،‬مفـرده َ‬ ‫(غ َبـش)‪،‬‬ ‫اش ْ‬ ‫الزمنيـة جم ُـع (ال َغ َب ِ‬ ‫والغبـش يف احملكيـة اليمنيـة‪(( :‬أ ّول ضيـاء‬ ‫الصبـح مختل ٌـط بآخـر ظلام الليل‪ ...‬ويقال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫وخرجت‬ ‫«غ ْب َش ْش الصبح»‪ ،‬أي‪ :‬ظهر أ ّول نوره‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مـن البيـت‪َ :‬غ َبـش أو غبشـة أو غباشـيش))‬ ‫(‪ .)6‬كمـا أحالـت علـى هـذه املركزيـة الزمنيـة‬ ‫صيغ ُـة األمـر ذات اجلوهري ِـة االلتماسـية‬

‫مـن «حاملات الشـرمي» أن يسـبقن الطيـور‪،‬‬ ‫ً‬ ‫التقاطـا ل َّلحظـات‬ ‫فالطيـور أسـبقُ الكائنـات‬ ‫ـاس من «حامالت‬ ‫الصباحيـة الباكـرة‪ .‬وااللتم ُ‬ ‫الشـرمي» أن يسـبقنَ الطيـو َر‪ ،‬متضم ٌـن إحال ًـة‬ ‫إضافيـة علـى الزمنيـة احملوريـة ملشـهدية‬ ‫ـراء‬ ‫ـص‪ ،‬ومتضم ٌـن ‪ -‬يف الوقـت ذاتـه ‪ -‬إث ً‬ ‫الن ّ‬ ‫ملعانـي الرقّ ِـة‪ ،‬حين يشـمل تفصيـ ًلا متعلقً ـا‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫محل‬ ‫فيحل‬ ‫مبحاكاتهن للطيور يف التغريد‪،‬‬ ‫تغريد (حامالت الشـرمي)‪،‬‬ ‫تغريـد العصافيـر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫املنسـوج مـن أغانيهـن الريفيـة الشـجية‪.‬‬ ‫ـص جلي ًـة يف إحاطتهـا‬ ‫وتبـدو إضـاء ُة الن ّ‬ ‫بالـز ّ​ّي الشـعبي للمـرأة اليمنيـة‪ ،‬والـذي‬ ‫ترتديـه «حاملات الشـرمي»‪ .‬فـ»الزِّنان» ((جمع‬ ‫ـوب‬ ‫َزنّـة وجتمـع علـى زَنين ً‬ ‫أيضـا‪ ،‬والزَّ نّـة ث ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أزرار‬ ‫ذات‬ ‫ـة‬ ‫ح‬ ‫فت‬ ‫ـه‬ ‫ليـس لـه سـاقان‪ ،‬ذو ُك ِّمين‪ ،‬ل‬ ‫ٍ‬ ‫عنـد الصـدر‪ ،‬طولـه يصـل إلـى قرب الكعبني))‬ ‫(‪ ،)7‬وال ّزنّـة ((ثـوب املــرأة ويطلـق أحيانًـا علـى‬ ‫ثـوب الرجـل واملـرأة))‪.‬‬ ‫ـوري‬ ‫ويف هـذه اإلضـاءة جتاٌنـس حض ٌّ‬ ‫لـ»الزراكـش» (جمـع زركشـة)‪ ،‬وهـي الزينـة‬ ‫التـي ُينقـش بهـا صـدر الفسـتان أو «الزنـة»‪.‬‬ ‫كمـا أن هـذه اإلضـاءة قـد وثّ ق ْـت سـياد ًة‬ ‫لـزي املـرأة اليمنيـة علـى هـذه احلـال يف‬ ‫تاريـخ األلبسـة النسـائية‪ ،‬وهـي سـيادةٌ بـدأ‬ ‫انحسـارها بتصاع ٍـد متن ٍـام يف تسـعينيات‬ ‫القـرن العشـرين الفائـت‪ ،‬حيـث كان الفاعـل‬ ‫يف هـذا االنحسـار هـو دخـول العبـاءة علـى‬ ‫األلبسـة النسـائية اليمنيـة‪ .‬وقـد كانـت‬ ‫ـاء‬ ‫املدينـة اليمنيـة أسـر َع مـن الريـف احتف ً‬ ‫بالـزي البديـل؛ فلـم تغطـي العبـاء ُة كثي ًـرا‬ ‫مـن املسـاحات اجلغرافيـة يف الريـف اليمنـي‬ ‫إال مـع إطاللـة األلفيـة الثالثـة‪ .‬وال تخوننـي‬ ‫الذاكـرة وهـي تسـتحضر البدايـات األولـى‬ ‫لوصـول العبـاءة إلـى أريافنـا؛ فحتّـى نهايـة‬ ‫العقـد األخيـر مـن القـرن العشـرين‪ ،‬لـم‬ ‫ُ‬ ‫«حاملات الشـرمي» يف املـزارع عـن هـذا‬ ‫تتخ َّـل‬ ‫الـزّي الشـعبي‪ ،‬ولـم تكـن العبـاءة السـوداء‬ ‫كـزي بديـل لـ»الزَّ نَّـة» يف الريـف اليمنـي‪،‬‬ ‫حتظى بالقبول‪ ،‬وكان هناك من ينظر إليها‬ ‫ـال‬ ‫كس ٍ‬ ‫ـلوك متصن ٍـع مبال ٍـغ يف احلشـمة‪ ،‬متع ٍ‬ ‫علـى املألـوف االجتماعـي‪ ،‬الـذي لـم يظهـر‬ ‫فيـه َن ْي ٌـل مـن مكانـة املـرأة وال مـن حشـمتها‪.‬‬ ‫إنَّ «حامالت الشـرمي» يف هذا النّص‪ ،‬نسـو ٌة‬ ‫ذوات خصوصي ٍـة أَ ْض َف ْتهـا عليهـن املقومـات‬ ‫اجلماليـة‪ ،‬التـي لـم يكـن (عطـر ال ِّز َنـان) إال‬ ‫ذرو ًة إحاليـة علـى زين ٍـة متكامل ِـة احلضـور‪ ،‬كما‬ ‫إحالية على األنوثة اخلصبة؛‬ ‫محورية‬ ‫كان ذا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فاملـرأة غيـر املهتمـة بالعطـر ق َّلمـا تتمظهـر‬ ‫عليهـا كينون ُـة األنوثـة ومقوماتهـا اجلماليـة‪.‬‬

‫ٌ‬ ‫تدفق‬ ‫متوضع «الزراكش» فوق الصدور‪،‬‬ ‫ويف‬ ‫ِ‬ ‫ـرع بأثيري ِـة الصـدر موطنًـا للنهـود‪،‬‬ ‫إحال ٌّـي مت ٌ‬ ‫أثيريـة تكثيفيـة خلاصيـة األنوثـة املتضمنـة‬ ‫ـتوى عال ًيـا مـن اخلصوبـة واحليويـة‪،‬‬ ‫مس ً‬ ‫ُ‬ ‫كمـا أن يف «الزراكـش» خاصيـة اللّمعـان‪ ،‬ومـا‬ ‫يتضمنـه مـن ماهي ٍـة الفت ٍـة لالنتبـاه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ـج ْت األنوث ُـة السـاحر ُة مشـهدية‬ ‫لقـد ن َ​َس َ‬ ‫ـرب مـن اجلميلات‪ ،‬اللواتـي‬ ‫النّـص‪ ،‬بس ٍ‬ ‫ووداعتهن‪ ،‬وأفرغنه‬ ‫رقتهن‬ ‫َمن َْحنَ (الشـرمي)‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والشـدة التـي تضفيهـا‬ ‫مـن معانـي القسـوة‬ ‫عليـه خش ُ‬ ‫ـونة الرجـال احلاصديـن بـه الـزرع؛‬ ‫فالغالـب أن يكـون الرجـال هـم حاصـدي‬ ‫الـزرع‪ ،‬وإن شـاركتهم املـرأة يف ذلـك‪ ،‬لكـن‬ ‫ـعة‬ ‫ـاحات شاس ٍ‬ ‫اكتسـاح شـجرة (القـات) ملس ٍ‬ ‫من األراضي اخلصبة‪ ،‬كان فاع ًلا يف انحسـار‬ ‫اخضـرار األرض بالـزرع‪ ،‬وإحلال شـجرة‬ ‫(القـات) محلـه‪ .‬أمـا (احلشـائش) فقـد‬ ‫تعايشـت مـع الشـجرة اجلديـدة‪ ،‬وصـار ح ّ‬ ‫ـش‬ ‫(احلشـائش) عمـ ًلا يـكاد أن يكـون مقصـو ًرا‬ ‫علـى املـرأة‪ ،‬وهـو مـا عـزّز مـن إضفـاء ال ّرقـة‬ ‫والوداعـة علـى (الشـرمي) يف هـذا النّـص‬ ‫الـذي متـازج فيه‪( :‬احلب‪/‬الطبيعة‪/‬احلقل)‪،‬‬ ‫امتزاجـا متحوصـ ًلا مـن مالزمـة (الشـرمي)‬ ‫ً‬ ‫حلامالتـه يف ميدانـه العملـي (احلشـائش)‪.‬‬ ‫وبذلك يتجلّى التّنوع اإلحالي لـ(الشرمي)‪،‬‬ ‫ً‬ ‫انطالقـا مـن مهـاده األ ّول؛ املزرعـة‪ ،‬وتع ّـد ًدا‬ ‫يف صياغـات املقـوالت التـي يتموضـع فيهـا‪،‬‬ ‫ـاعا يف إحاالتهـا‪ ،‬ثـم مـآ ًلا رقيقً ـا اختزل ْـت‬ ‫وا ّتس ً‬ ‫معانيـه «حاملات الشـرمي» مش ً‬ ‫ـهدية‪ ،‬وأغني ًـة‪.‬‬ ‫الهوامش‬

‫(‪ )1‬عبـاس علـي السوسـوة‪َ « ،‬قـد اليمنيـة‪ ،‬أبح ٌ‬ ‫ـاث‬ ‫يف األبنيـة والنحـو واالقتـراض املعجمـي»‪ ،‬مركـز عبـادي‬ ‫للدراسات والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬صنعاء‪1433 ،‬هـ ـ ‪2012‬م‪ ،‬ص‪.)30( :‬‬ ‫(‪ )2‬مطهـر علـي‪ 7‬اإلريانـي‪« ،‬املعجـم اليمنـي (أ)‬ ‫خاصـة مـن اللهجـات‬ ‫يف اللغـة والتـراث‪ ،‬حـول مفـردات‬ ‫ّ‬ ‫اليمنيـة»‪ ،‬دار الفكـر‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشـق‪1417 ،‬ه ـ ـ ‪1996‬م‪ ،‬ص‪:‬‬ ‫(‪.)487‬‬ ‫(‪ )3‬مجمـع ال ّلغـة العرب ّيـة‪« ،‬املعجـم الوسـيط»‪،‬‬ ‫مكتبة الشـروق الدولية‪ ،‬ط‪ ،4‬القاهرة‪1425 ،‬هـ ‪2004‬م‪.‬‬ ‫ص‪)..481،480( :‬‬ ‫(‪ )4‬مطهـر اإلريانـي‪« ،‬املعجـم اليمنـي»‪ ،‬املصـدر‬ ‫السـابق‪ ،‬ص‪.)487( :‬‬ ‫(‪ )5‬نفسه‪.‬‬ ‫(‪ )6‬نفسه‪ ،‬ص‪.)665( :‬‬ ‫(‪ )7‬عبـاس علـي السوسـوة‪« ،‬دراسـات يف احملكيـة‬ ‫اليمنية»‪ ،‬مركز عبادي للدراسات والنشر‪ ،‬ط‪ ،2‬صنعاء‪،‬‬ ‫‪1428‬ه ـ ــ‪2007‬م‪.‬‬ ‫(‪ )8‬د‪.‬محمـد ضيـف اهلل محمـد الشـماري‪« ،‬لهجـة‬ ‫ُخبان‪ ،‬دراسة لغوية»‪ ،‬إصدارات وزارة الثقافة والسياحة‪،‬‬ ‫ط‪ ،‬صنعـاء‪1425 ،‬ه ـ ـ ‪2004‬م‪ ،‬ص‪.)323( :‬‬


‫تراث‬

‫‪73‬‬

‫*اللوحة للفنان‪ /‬محسن أبو العزم‪.‬‬

‫المصوراتي في التراث المصري‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫د‪ .‬محمد أحمد إبراهيم‬

‫الولـع بتخليد الـذات واألحداث والذكريـات المرتبطة‬ ‫بهـا ظاهرة فطرية إنسـانية منذ القـدم‪ ،‬فقد تفنن‬ ‫القدمـاء المصريـون بالقيـام بذلـك علـى جـدران‬ ‫معابدهم برسـم صورهـم وحياتهم ومعاركهم‬ ‫الحربيـة وإنجازاتهـم رغبـة فـي تخليـد أنفسـهم‬ ‫ليراهـا مـن يأتـي بعدهـم‪ ،‬فقـد كان الرسـم هـو‬ ‫األسـاس األول الـذي تطـور بعـد ذلـك إلـى ظهـور‬ ‫الصـورة بمراحلهـا المختلفـة حتـى أطلـق علـى‬ ‫العصـر الـذي ظهـرت فيـه (عصـر الصـورة)‪.‬‬


‫‪ 74‬تراث‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫ويعـد اختـراع الكاميـرا ثـورة حقيقيـة يف‬ ‫طريقـة التوثيـق لـكل مجـاالت احليـاة (الصـورة‬ ‫ال تكـذب)‪ ،‬فقـد كانـت الصـورة أبلـغ مـن وصـف‬ ‫الواصفين واألكثـر إقناعـا إذا مـا مت اسـتخدامها‬ ‫بطريقـة صحيحـة دون إسـاءة أو حتويـر‪.‬‬ ‫يعـد العالـم اإلسلامي احلسـن بـن الهيثـم‬ ‫صاحـب اختـراع الكاميـرا البدائيـة عـن طريـق‬ ‫اكتشـافه النكسـار الضـوء علـى األسـطح‬ ‫وانعكاسـه‪ ،‬يف سـياق دراسـته علـم البصريـات‬ ‫يف اجلامـع األزهـر بالقاهـرة‪ ،‬ثـم ظهـر اختـراع‬ ‫الكاميـرا وخرجـت إلـى الوجـود عـن طريـق لويـس‬ ‫داجيـر‪ ،‬وهـو فنـان وكيميائـي فرنسـي األصـل‪ ،‬ولـد‬ ‫عـام ‪1787‬م يف مدينـة كورجـي املوجـودة شـمال‬ ‫فرنسـا‪ ،‬وكان لويـس رسـام ًا يف بدايـة حياتـه‪،‬‬ ‫وعنـد وصولـه عمـر الثالثين اختـرع طريقـة‬ ‫لعـرض اللوحـات الفنيـة مسـتخدم ًا أسـلوب ًا‬ ‫معينـ ًا يف اإلضـاءة‪ ،‬حيـث حـاول أن يجـد طريقـة‬ ‫لنقـل املناظـر الطبيعيـة بصـورة آليـة عـن طريـق‬ ‫الكاميـرا‪.‬‬ ‫وكان جسـم (الكاميـرا) هـو يف األسـاس‬ ‫الصنـدوق احملكـم للضـوء الـذي يسـمح بالتقـاط‬ ‫الضـوء علـى الفيلـم أو الـورق أو املستشـعر‬ ‫الرقمـي عـن طريـق ضـوء الشـمس‪ ،‬لذلـك عرفـت‬ ‫هـذه الطريقـة بالتصويـر الشمسـي‪.‬‬ ‫أمـا عـن أول صـورة التقطـت يف مصـر فترجـع‬ ‫إلـى عـام ‪ 1839‬بعـد أربعـة أشـهر مـن إيـداع داجيـر‬ ‫الختراعـه آلـة التصويـر األولـى وكانـت هـذه‬ ‫الصورة حملمد علي باشـا مؤسـس مصر احلديثة‬ ‫‪.‬‬ ‫انتشـرت آلة التصوير الشمسـي يف مصر وراج‬ ‫اسـتخدامها يف ظـل وجـود العديـد مـن األجانب‬ ‫( اليونانيين – اإليطاليين – النمسـاويني –‬ ‫الفرنسـيني – األرمـن) الذيـن كان لهـم السـبق يف‬ ‫مهنـة التصويـر الفوتوغـرايف‪ ،‬وكلمـة فوتوغرافيـا‬ ‫مكونـة مـن مقطعين‪ Graphy :‬وتعنـي الرسـم‪،‬‬ ‫و ‪ photo‬وتعنـي الضـوء (الرسـم بالضـوء)‪ ،‬ثـم‬ ‫بـدأ املصريـون يزاولـون مهنـة التصويـر عـن‬ ‫طريـق الكاميـرا اخلشـبية التـي كانـت (عبـارة عـن‬ ‫صنـدوق خشـبي مسـتطيل فيـه عدسـة وبداخلـه‬ ‫محلـول لتثبيـت الصـورة أوال‪ ،‬وثلاث قوائـم‬ ‫خشـبية يرتكـز عليهـا جسـم الكاميـرا)‪ ،‬وكانـت‬ ‫هـذه الكاميـرا تنتهـي بسـتارة سـوداء طويلـة‬ ‫يدخـل املصوراتـي رأسـه بهـا حتـى يشـاهد الكـدر‬ ‫املـراد تصويـره‪ ،‬ومينـع تسـلل الضـوء إلـى داخـل‬ ‫الفيلـم حتـى ال يتلـف‪ ،‬وبعـد أن ينتهـي مـن‬ ‫التقـاط الصـورة يخـرج كارت أبيـض ويضعـه يف‬ ‫درج بـه سـائل إلظهـار الصـورة‪ ،‬ثـم يضـع الـكارت‬

‫بعـد ذلـك يف (جـردل) بـه سـائل آخـر لتثبيـت‬ ‫الصـورة‪ ،‬وهـو مـا جعـل البعـض يطلـق علـي‬ ‫هـذه الطريقـة اسـم (التصويـر املائـي) أو صـورة‬ ‫امليـة‪ .‬كانـت أكثـر الصـور املصـورة بهـذه الطريقـة‬ ‫تسـتخدم يف األغـراض الرسـمية لتقدميهـا‬ ‫إلـى املصالـح واملؤسسـات احلكوميـة‪ ،‬لذلـك كان‬ ‫املصـور يحتفـظ أثنـاء التصويـر بـ (جاكت بدلة –‬ ‫جرافتـة – طربـوش – برنيطـة – مشـط للشـعر)‬ ‫هـذا بخلاف وجـود كرسـي يجلـس عليـه الزبـون‬ ‫وخلفـه سـتارة سـوداء كخلفيـة للصـور‪.‬‬ ‫مـن الطرائـف أن املصـور كان دائمـا مـا يعطـي‬ ‫أوامـره للزبـون أثنـاء التصويـر حتـى ال يضطـر‬ ‫إلـي إعـادة التصويـر مـرة أخـرى‪ ،‬فـكان يقـول‬ ‫للزبـون (مـا حتركـش دماغـك – اكتـم نفسـك ‪،‬‬ ‫بـص لـي هنـا – ابتسـامة خفيفـة)‪ ،‬ثـم يبـدأ بالعد‬ ‫مـن ‪ ،1-2-3‬وعنـد االطمئنـان مـن ثبـات الكـدر‬ ‫وصالحيـة منظـر الصـورة يبـدأ يف نـزع غطـاء‬ ‫العدسـة األماميـة للكاميـرا مـع ترديـد كلمـة‬ ‫خلاااص!!!‬ ‫كانـت براعـة املصـور ال تقـف عنـد حـد التقـاط‬ ‫الكـدر املميـز للصـورة فقـط‪ ،‬بـل يف عمـل بعـض‬ ‫الرتـوش النهائيـة لهـا‪ ،‬عـن طريـق اسـتخدام‬ ‫القلـم األحمـر أو الدبـوس أو املـوس علـي مسـودة‬ ‫الصورة(النيجاتيـف) إلزالـة بعـض الهـاالت أو‬ ‫البقـع مـن علـى الوجـه يف الصـورة‪ ،‬كمـا كان‬ ‫اختيـار وقـت التصويـر مـن سـاعات النهـار مهـم‪،‬‬ ‫وغالبـا مـا كان أفضـل وقـت للتصويـر الشمسـي‬ ‫بعد العصر عندما ال تكون الشمس فيه عمودية‪،‬‬ ‫كانـت كل الصـور يف ذلـك الوقـت باألبيـض‬ ‫واألسـود التـي تبـرز فيهـا براعـة املصـور لتمكنـه‬ ‫مـن تصويـر الظـل والضـوء‪ ،‬الـذي كان لـه أبعـاد‬ ‫فنيـة ال يشـعر بهـا إال املتـذوق للفـن‪ .‬ومـع تطـور‬ ‫مهنـة التصويـر الفوتوغـرايف عرفـت القاهـرة‬ ‫واإلسـكندرية وبورسـعيد والسـويس وجمصـة‪،‬‬ ‫عـدة أسـتوديوهات للتصويـر احتكرهـا األجانـب‬ ‫مـن جنسـيات عـدة‪ ،‬كان أشـهرهم األرمـن‪ ،‬مثـل‪:‬‬ ‫(ليكيجيـان – بابازيـان – أوزيـان – ارتينيـان‬ ‫– بيلا –أرمينـل أرزرونـي – زوال – ميالنـوس‪-‬‬ ‫ديليـكان‪ -‬أرمـان) وغيرهـم‪ ،‬وهـو مـا صعـب مجـال‬ ‫املنافسـة للمصـور املصـري املتجـول أو مصـور‬ ‫الشـارع وامليـدان الـذي لـم يتعـد ثمـن صورتـه عـن‬ ‫القـروش (‪ 5‬صـاغ)؛ لذلـك جلـأ البعـض منهـم‬ ‫إلـى اقتنـاء بعـض الكاميـرات احلديثـة (أوملبـس‪-‬‬ ‫ياشـكا – كانـون‪ -‬نيكـون )‪ ،‬للتصويـر يف الشـوارع‬ ‫واملياديـن‪ ،‬وكان املثلـث الذهبـي ملمارسـة عملهـم‬ ‫ميدان األوبرا وقصر النيل وشـارع سـليمان باشـا‪،‬‬ ‫إضافـة إلـى احلدائـق العامـة (اإلزبكيـة‪ -‬احلريـة‬ ‫– األورمـان – حديقـة احليـوان)‪ ،‬وعلـى الرغـم‬

‫مـن ظهـور الكاميـرا الفوريـة امللونـة (بلورويـد) إال‬ ‫تستهو املصريني للتصوير أو أقبل عليها‬ ‫أنها لم‬ ‫ِ‬ ‫مصـوري املياديـن والشـارع؛ ألنهـا ال تقـدم إبداعـا‬ ‫حقيقيـا يف التصويـر أكثـر مـن تقـدمي سـرعة يف‬ ‫ظهـور الصـورة فقـط‪.‬‬ ‫كانـت مهنـة املصوراتـي مـن املهـن املهمـة يف‬ ‫اجملتمع املصري‪ ،‬فقد حرصت األسر العريقة يف‬ ‫املـدن والريـف علـي التقـاط صـور لهـا وألفرادهـا‬ ‫بصفـة دوريـة لتوثيـق املناسـبات والذكريـات‪،‬‬ ‫فضلا عـن بعـض املـدارس والكليـات التـي كانـت‬ ‫حتـرص علـى توثيـق حفلات التخـرج ألبنائهـا‪،‬‬ ‫ومـن الطريـف أن شـخصية املصوراتـي خاصـة يف‬ ‫حفلات الـزواج كانـت تلـي يف األهميـة شـخصية‬ ‫املـأذون الـذي يعقـد القـران‪ ،‬باعتبـاره مسـجال –‬ ‫أيضـا‪ -‬ألهـم حلظـات السـعادة يف حيـاة العريـس‬ ‫والعروسـة‪ ،‬كذلـك كان ملصـور الشـاطئ أهميـة‬ ‫كبـري يف تخليـد رحلـة األسـر املصريـة لقضـاء‬ ‫الصيف علي الشواطئ (اإلسكندرية – بور سعيد‬ ‫– جمصـة – بلطيـم)‪ ،‬الـذي اضطـر إلـى تطويـر‬ ‫مهنتـه باسـتخدام بعـض التماثيـل البالسـتيكية‬ ‫علـي هيئـة أشـكال (الفيـل – الزرافـة – األسـد‬ ‫– النعامـة) جلـذب أكبـر عـدد مـن الزبائـن علـي‬ ‫الشـاطئ خصوصـا األطفـال‪ ،‬خاصـة بعـد ظهـور‬ ‫التصويـر باملوبيـل والصـور السـيلفي التـي ال‬ ‫تكلـف صاحبهـا شـيء‪ ،‬األمـر الـذي أثـر علـى رواج‬ ‫مهنـة املصوراتـي املتجـول واندثارهـا‪.‬‬ ‫وثقـت السـينما شـخصية املصوراتـي يف‬ ‫العديـد مـن األفلام بـدءا بالفنـان كمـال الشـناوي‬ ‫بكاميرتـه اخلشـبية يف فيلـم(األرض الطيبـة)‬ ‫مـرورا بالفنـان عبـد السلام النابلسـي يف فيلـم‬ ‫(يـوم مـن عمـري) صاحـب أشـهر تعليـق للصـور‬ ‫التـي كان يلتقطهـا (سـرياليزم – صـورة توتالـة)‬ ‫مـرورا وأخيـرا بالفنـان أحمـد زكـي يف فيلـم (‬ ‫أضحـك الصـورة تطلـع حلـوة) الـذي جسـد‬ ‫معانـاة املصـور املتجـول يف سـبيل كسـب لقمـة‬ ‫العيـش بشـرف‪ ،‬وال تـزال الصـورة حتتفـظ‬ ‫بأهميـة كبـرى يف الوجـدان املصـري‪ ،‬وحتتفـظ‬ ‫الكثيـر مـن األلبومـات الشـخصية والعائليـة‬ ‫بالكثيـر منهـا‪ ،‬فضلا عـن البراويـز املعلقـة علـي‬ ‫جـدران احلوائـط يف املنـازل‪ ،‬احملتفظـة بصـور‬ ‫األبنـاء واآلبـاء واألجـداد واألمهـات لتخليـد‬ ‫ذكراهـم‪ ،‬كمـا تـزال بعـض الصور حتتفظ بأسـماء‬ ‫مصوريهـا املوقعـة أسـفلها أو اسـم األسـتوديوهات‬ ‫التـي التقطـت بهـا الصـورة‪ ،‬فالصـورة هي التاريخ‬ ‫الـذي لـم يكتـب بحـروف القلـم ولكـن بعدسـات‬ ‫املصوريـن بـل هـي التاريـخ املرئـي عبـر العصـور‪،‬‬ ‫وشـاهدا محايـدا ألحـداث وذكريـات ال تنسـى !‬


‫تراث‬

‫‪75‬‬

‫البارونة التي فضلت الفقر والتشرد مع كارل ماركس‬

‫مصدق الحبيب*‬

‫*كاتب وفنان عراقي‬

‫منـذ الطفولـة‪ ،‬كانـت عائلتـا كارل ماركـس‬ ‫وجنـي وسـتفيلن تعرفـان بعضهما علـى الرغم‬ ‫مـن الفـارق الطبقـي الكبيـر بينهمـا‪ .‬جَنـي‬ ‫بنـت البـارون لـدفگ فـون وسـتفيلن مستشـار‬ ‫حكومـة منطقـة تريـر الـذي ينتمـي لطبقـة‬ ‫النبلاء‪ ،‬وكارل ماركـس الشـاب المنحـدر مـن‬ ‫عائلـة يهوديـة مـن الطبقـة الوسـطى والتـي‬ ‫كانـت قـد اعتنقـت المسـيحية آنـذاك‪ .‬كانـوا‬ ‫يلتقـون ويلعبـون معـا كأطفـال وصبيـان‪:‬‬ ‫كارل وشـقيقته صوفـي وجنـي وشـقيقها‬ ‫إدگار‪ .‬تسـارعت السـنون ودخـل األربعـة فـي‬ ‫مرحلـة الشـباب وظهـرت مفاتن جنـي وأناقتها‬

‫وكياسـتها واتزانهـا الـذي رفـع منزلتهـا‬ ‫وشـعبيتها في صالونات الطبقـة العليا ونوادي‬ ‫الموسـيقى والرقـص الكالسـيكي‪ ،‬وأدارت‬ ‫أحاديثها عن اسـتقالل المـرأة وضمان حقوقها‬ ‫رؤوس الرجـال والنسـاء علـى حد سـواء‪ .‬وبفترة‬ ‫قياسـية أصبحـت جنـي مثـار إعجـاب الشـباب‬ ‫الموسـرين فـي ذلـك الوسـط‪ ،‬لكنهـا كانـت‬ ‫تميـل إلـى كارل علـى الرغـم مـن حدسـها أنـه‬ ‫ليـس مـن السـهل أن تكـون من نصيبـه‪ ،‬فقد‬ ‫كان السـائد عنـد تلـك العوائـل تزويـج بناتهـا‬ ‫للضبـاط والدبلوماسـيين واألثريـاء الشـباب‬ ‫مـن الطبقـة االجتماعيـة نفسـها‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬


‫‪ 76‬تراث‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫ولـم يكـن باحلسـبان آنـذاك إمكانيـة زواج‬ ‫فتاة أرستقراطية من راديكالي متمرد ينحدر‬ ‫مـن أصـل يهـودي! وبسـبب هـذا العائـق الكبيـر‬ ‫وافقـت جنـي حين تقـدم لطلـب يدهـا ضابـط‬ ‫شـاب وسـيم‪ .‬بـدأت جنـي تلتقـي بخطيبهـا‬ ‫يف لقـاءات تخللتهـا نقاشـات عامـة مـن أجـل‬ ‫أن تتوثـق معرفتهـا بـه‪ .‬ويف لقـاء مـن هـذه‬ ‫اللقـاءات كان احلديـث عـن واجبـه العسـكري‬ ‫حيـث بـدأ يفخـر بالتزامـه احلـريف ويشـيد‬ ‫بطاعتـه العميـاء للواجبـات واألوامـر دون أي‬ ‫عواطـف واعتبـارات! وكان تبريـره هـو أن هدفه‬ ‫ً‬ ‫مخلصـا لواجبـه‬ ‫ضابطـا‬ ‫األول أن يصبـح‬ ‫ً‬ ‫الوطنـي ومتطلبـات مهنتـه‪ .‬وهنـا بادرتـه‬ ‫جنـي بسـؤال افتراضـي قائلـة‪ :‬مـاذا لـو تلقيـت‬ ‫أمـرا بإطلاق الرصـاص علـى املتظاهريـن يف‬ ‫مدينتـك وأنـت تعـرف أن بينهـم مـن أهالـي‬ ‫املدينـة الطيبين الذيـن يطالبـون بحقوقهـم؟‬ ‫فـكان جوابـه دون تـردد‪ :‬نعـم بالتأكيـد سـأفعل‬ ‫ذلـك؛ ألننـي ال أسـتطيع أن أعصـي األمـر‬ ‫العسـكري‪ .‬كان ذلـك احلديـث مبثابـة القشـة‬ ‫التـي قصمـت ظهـر البعيـر التـي قـررت جنـي‬ ‫مبوجبهـا أن تفسـخ خطوبتهـا معـه‪.‬‬ ‫حين عـاد كارل إلـى مدينتـه وأهلـه بعـد‬ ‫انتهـاء السـنة األولـى يف جامعـة بـون‪ ،‬واصـل‬ ‫اللقـاءات بجنـي التـي أخـذت تتعلـق بـه أكثـر‬ ‫فأكثـر‪ ،‬وصرحـت بذلـك ألخيهـا إدگار‬ ‫وصديقتهـا صـويف‪ ،‬أخـت كارل‪ .‬ومـن الطريف‬ ‫هنـا هـو أن لـدى عـودة ماركـس مـن بـون ذلـك‬ ‫الصيـف كان قـد أطـل علـى أصدقائـه بلحيـة‬

‫طويلة وشعر داكن كث‪ ،‬ومع سحنته السمراء‬ ‫قليلا بـدا شـكله مختلفـا عـن السـابق لكنـه‬ ‫كان محب ًبـا جلنـي فكانـت تسـميه «حبيبـي‬ ‫وحـش األحـراش»! ويف تلـك األيـام اتفقـا‬ ‫علـى خطبتهمـا غيـر الرسـمية التـي لـن‬ ‫تعرفهـا العائلتـان ماعـدا إدگار وصـويف‪.‬‬ ‫كان والـد جنـي معجبـا أميـا إعجـاب بـكارل‬ ‫الشـاب الذكـي املنفتـح والواعـي اجتماعيـا‬ ‫والنشـيط سياسـيا‪ ،‬فـكان يحـب أن يناقشـه‬ ‫يف أمـور عديـدة ويخـرج للمشـي معـه عبـر‬ ‫احلقـول ليواصلا طـرح مواضيـع سياسـية‬ ‫راهنـة وقضايـا فكريـة عديـدة كان كارل قـد‬ ‫ألـم بهـا مـن خلال قراءاتـه الفلسـفية املكثفـة‬ ‫وافتتانـه مبذهـب االشـتراكية ومفاهيـم‬ ‫احلريـة وحقـوق اإلنسـان‪ .‬كان أمـر تلـك‬ ‫املناقشـات وتبـادل األفـكار قـد اعتـرف ماركـس‬ ‫بفضلـه عليـه الحقـا‪ ،‬إذ إنـه ع ّـد والـد جنـي‬ ‫مبثابة معلمه األول الذي وجد نفسـه مدينا‬ ‫لثقافتـه ولطفـه وانفتاحـه‪ ،‬فـكان راغبـا أن‬ ‫يكتـب لـه اإلهـداء يف رسـالة الدكتـوراه‪.‬‬ ‫أمـا جنـي فكانـت مطمئنـة مـن جانـب‬ ‫موافقـة والدهـا الضمنيـة علـى خطوبتهـا‪،‬‬ ‫وواثقـة أيضـا مـن أن أمهـا لـن تـرد لهـا رغبـة‪،‬‬ ‫وهكـذا حتقـق لهـا مـا أرادت فأصبحـت‬ ‫اخلطبـة رسـمية‪ .‬وبرغـم ذلـك كانـت حتتـرس‬ ‫مـن أخيهـا األكبـر‪ ،‬فردنانـد‪ ،‬وهـو األخ غيـر‬ ‫الشـقيق مـن جانـب والدهـا فقـط وكان يعمل‬ ‫كموظـف كبيـر يف إدارة املدينـة الـذي أصبـح‬ ‫بعدئذ وزيرا للداخلية‪ .‬كان هذا األخ وبحكم‬

‫عالقاتـه احلكوميـة قـد علـم مـن مصـادر‬ ‫يف شـرطة وأمـن املدينـة بنشـاطات كارل‬ ‫السياسـية املناوئـة للحكومـة‪ ،‬إضافـة إلـى أنه‬ ‫لـم يكـن يحمـل أي مشـاعر ود أو تعاطـف مـع‬ ‫كارل‪ ،‬األمـر الـذي دفعـه أن يطلـب مـن والـده‬ ‫التدخـل وفسـخ خطبـة جنـي لعـدم مالئمـة‬ ‫كارل لهـا مبشـاكله ومسـتقبله احملفـوف‬ ‫باخملاطـر‪ ،‬لكـن األب رفـض هـذا الطلـب‪ ،‬كمـا‬ ‫وقفت أم جني بوجه فردناند أيضا فعاد إلى‬ ‫أدراجـه خائبـا‪.‬‬ ‫واصل كارل سنته اجلامعية الثانية منتقال‬ ‫إلـى جامعـة برلين وتواصلـت بينـه وبين جنـي‬ ‫رسـائل حـب كثيـرة مليئـة بالقبـل والزهـور‬ ‫واآلمـال الكبـار! كتـب لهـا مـرة يقـول‪:‬‬ ‫“ بكامل الصدق‪ ..‬سأكتبها املرة تلو األخرى‪،‬‬ ‫تلو األخرى! تلو األخرى‬ ‫لتبقى حية عبر القرون‬ ‫احلب هو جني‪ ،‬وجني هي احلب»‪.‬‬ ‫فكانـت جنـي متتلـئ بفيـض مـن السـعادة‬ ‫ويشـيع وجههـا بالنـور حين تقـرأ كلمـات‬ ‫كارل يف رسـائله الطافحـة بالشـوق واحلنين‪،‬‬ ‫فتكتـب هـي األخـرى لـه‪:‬‬ ‫“سـوف ال تصـدق يـا حبيـب الـروح‪ ،‬كـم‬ ‫مـن السـعادة متنحنـي رسـائلك‪ ،‬وكـم كانـت‬ ‫رسـالتك األخيـرة املترعـة باحلنـان مبعثـا‬ ‫لالطمئنـان والصفـاء والسلام”‪.‬‬ ‫لكـن مـدة البعـد واحلـب باملراسـلة ولوعـة‬ ‫االنتظـار طالـت أكثـر ممـا يجـب‪ ،‬خاصـة أن‬ ‫كارل لـم يكتـف بالتخـرج مـن اجلامعـة بـل‬ ‫واصـل دراسـته العليـا وانشـغل أكثـر بالبحـث‬ ‫والنشـاط السياسـي للحـد الـذي جعـل والـده‬ ‫يشـعر بغرابـة احلـال وحراجـة املوقـف‪ ،‬فبـدأ‬ ‫يكتـب البنـه كارل رسـائل عديـدة جلـذب‬ ‫انتباهـه إلـى هـذا الوضـع غيـر الطبيعـي‬ ‫ويهيـب بـه تقديـر املوقـف وحسـمه بأسـرع مـا‬ ‫ميكـن‪ ،‬فكتـب لـه متحدثـا عـن جنـي‪:‬‬ ‫“ هـا هـي تنكـر نفسـها‪ ،‬تضحـي مـن أجلـك‬ ‫تثمـن‪ ،‬فإيـاك إيـاك أن تنسـى ذلـك‬ ‫تضحيـة ال ّ‬ ‫يومـا أو تخذلهـا‪ .‬لـو كان مبقـدوري أنـا أن‬ ‫أعطـي هـذه اإلنسـانة النبيلـة أي شـيء يعـوض‬ ‫لهـا بعـدك وانتظـارك ملـا توانيـت‪ ،‬فليـس هنـاك‬ ‫شـيء أعـزه عليها‪.....‬أنـت تعـرف أن لعائلتهـا‬ ‫الكرمية احلق أن تروم وتتوقع ما هو أفضل ما‬ ‫ميكـن لهـا‪ ،‬ولـو أردت احلقيقـة فإنني ال أبيحك‬


‫تراث‬

‫مـا جلبـت مـن أهلهـا مـن مصوغـات وحاجـات‬ ‫ثمينـة ثـم جـاء الـدور لـكل مـا موجـود يف‬ ‫البيـت مـن أثـاث وحاجـات‪ .‬ويف يـوم مـن أيـام‬ ‫الفاقـة تلـك طرقـت البـاب صاحبـة الـدار‬ ‫لتطالـب بإيجـار ثالثـة أشـهر متراكمـة وكان‬ ‫معهـا ُمبلـّـغ الشـرطة ولـم يكـن جلنـي أي‬ ‫مـال تدفعـه فقالـت لهـم تفضلـوا وخـذوا مـا‬ ‫جتدونـه مناسـبا!! لكنهـم لـم يجـدوا شـيئا‬ ‫ذي قيمـة غيـر أسـ ّرة األطفـال وأغطيتهـم‪،‬‬ ‫فحملوهـا وكان بضمنهـا مهـد الطفـل‬ ‫الرضيـع‪.‬‬ ‫عندما أكمل كارل «رأس املال» ابتهجت جني‬ ‫فكتبت يف يومياتها‪:‬‬ ‫“ قليـل جـدا مـن الكتـب الفكريـة أجنـزت‬ ‫حتـت ظـروف قاهـرة وضغـط متواصـل‬ ‫ونكبـات متالحقـة لكـن هـذا هـو مـا أجنـزه‬ ‫كارل حتـت ظروفـه العصيبـة! فمـا عانـى يف‬ ‫إجنـازه يـوازي معانـاة أولئـك الذيـن كتب هذا‬ ‫اجمللـد مـن أجلهـم “‪.‬‬ ‫وحين مت نشـر وتوزيـع الكتـاب كانـت‬ ‫جنـي يف صحـة يرثـى لهـا‪ .‬ففـي عـام ‪1881‬‬ ‫وهـي علـى فـراش املـرض طلبـت مـن كارل‬ ‫أن يقـرأ لهـا أول مراجعـة للكتـاب ظهـرت‬ ‫باللغـة اإلنكليزيـة‪ .‬وبعـد ذلـك بيومين‪ ،‬يف ‪2‬‬ ‫ديسـمبر توفـت جنـي بعمـر ‪ 67‬عامـا‪.‬‬ ‫خالل مراسيم دفنها التي حضرها ماركس‬ ‫وابنتـاه اللتـان جنيتـا مـن النكبـات وقليـل مـن‬ ‫األصدقـاء‪ ،‬وقـف فريـدرك إنگلـز ليقـول‪:‬‬ ‫“ كانـت لهـذه املـرأة مسـاهمات بالغـة‬ ‫األهميـة واخلطـورة للحركـة الشـيوعية والثـورة‬ ‫الفكريـة‪ .‬متيـزت عزيزتنـا جنـي بذكائهـا احلـاد‬ ‫وحسـها السياسـي الثاقـب والتزامهـا وحماسـها‬ ‫وطاقتهـا التـي لـم تنضـب خلال أكثـر مـن‬ ‫أربعين عامـا‪ .‬انـه أمـر ال يظهـر يف التقارير ولن‬ ‫يعرفه إال من يعيشـه ويراه بأم عينه‪ .‬سـنفتقد‬ ‫تلـك الصراحـة واجلـرأة يف نصائحهـا‪ ،‬واإلقـدام‬ ‫بلا تفاخـر واحلكمـة بلا مهادنـة‪ .‬فـاذا كانـت‬ ‫هنـاك امـرأة تصنـع سـعادتها مـن خلال إسـعاد‬ ‫اآلخريـن‪ ،‬فهـي جنـي”‪.‬‬ ‫بعـد سـنتني مـن رحيلهـا توفـت ابنتهـا‬ ‫جنـي كارواليـن‪ ،‬وبعـد ذلـك بشـهر واحـد تـويف‬ ‫ماركـس يف ‪ 14‬مـارس عـام ‪ 1883‬ليختتـم‬ ‫رحلـة هـذه الزيجـة املباركـة القاسـية التـي‬ ‫أصبحـت مـن أشـهر زيجـات التاريـخ‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫سـرا إن قلـت إنّ أيـة عائلـة أخـرى غيـر عائلـة‬ ‫جنـي سـوف لـن تتـردد مـن أن ترفضـك وتفسـخ‬ ‫هـذه اخلطوبـة املعلقـة طويلا‪ ،‬ولرفض ُـت أنـا‬ ‫أيضـا هـذا احلـال مـن أجـل سـعادة هـذه البنـت‪-‬‬ ‫امللاك التـي أعزهـا كمـا لـو كانـت ابنتـي”‪.‬‬ ‫كما كتبت له أخته صويف‪:‬‬ ‫“ جنـي حتبـك حبـا جمـا‪ ،‬وهـي تأتـي إلينـا‬ ‫كل يـوم‪ ..‬كانـت معنـا يـوم امـس وهـي تقـرأ‬ ‫رسـائلك ودموعهـا تنهمـر علـى خديهـا‪ ،‬ممـا‬ ‫جعـل دموعـي تنهمـر معهـا أيضـا”‪.‬‬ ‫يف عـام ‪ 1842‬توفـى والـد جنـي قبـل أن‬ ‫يـرى زفـاف ابنتـه الـذي انتظرتـه طويلا‪.‬‬ ‫ويف السـنة التاليـة‪ ،‬عـام ‪ 1843‬وبعـد انتظـار‬ ‫دام سـبع سـنوات بعـد اخلطبـة الرسـمية مت‬ ‫أخيـرا زواج جنـي مـن كارل‪ .‬ولكـن لـم ميـض‬ ‫علـى الـزواج غيـر بضعـة أشـهر حتـى بـدأت‬ ‫رحلـة املطـاردة والتخفـي مـن البوليـس‬ ‫والنفـي والتشـرد عبـر أربعـة بلـدان‪ :‬أملانيـا‪،‬‬ ‫فرنسـا‪ ،‬بلجيـكا‪ ،‬وانكلتـرا‪ .‬رحلـة قاسـية‬ ‫سـتمتد إلـى نهايـة املطـاف‪ ،‬تعكـر صفوهـا‬ ‫الغربـة ويهددهـا اخلـوف‪ ،‬ويزيـد مرارتهـا‬ ‫العـوز والفاقـة واملـرض ومـوت األطفـال‪ .‬ومـع‬ ‫إدراك املسـتقبل اجملهـول‪ ،‬وحين حـان األوان‪،‬‬ ‫حزمـت جنـي حقائبهـا احململـة باملالبـس‬ ‫واحلاجـات الثمينـة مـن أمهـا وحـزم كارل‬ ‫حقيبـة كبيـرة احتـوت علـى أربعين كتابـا‬ ‫وبحثـا‪ .‬ولـم تتملمـل جنـي أو تشـتك قـط‬ ‫مـن فـرط انشـغاله الدائـم بالبحـث والنشـاط‬ ‫السياسـي‪ ،‬بـل كانـت مـؤازرة مخلصـة لـه‬ ‫والهتماماتـه! فضلا عـن أنهـا أصبحـت‬ ‫مناضلـة حقيقيـة طيلـة حياتهمـا يف املنـايف‬ ‫الثلاث حيـث وقفـت بعـزم وثبـات إلـى‬ ‫جانبـه وجانـب رفاقـه يف كل مـا واجهـوه مـن‬ ‫مصاعـب‪ .‬تقـول الكاتبـة ميـري گبريـل يف‬ ‫كتابها «احلب ورأس املال» الصادر عام ‪:2012‬‬ ‫“إن دور وموهبـة جنـي كانـا بالدرجـة‬ ‫األولـى مـن أجـل إضفـاء اإلنسـانية واآلدميـة‬ ‫علـى حيـاة زوج انكـب علـى الدراسـة والبحـث‬ ‫وانشـغل بالسياسـة طيلـة عمـره”‪ .‬ولكـن كان‬ ‫جلني دور عملي كبير يف خدمة حركة النضال‬ ‫الشـيوعية‪ ،‬وكان رمـز ذلـك أنهـا كتبـت بخـط‬ ‫يدهـا البيـان الشـيوعي الـذي حـرره ماركـس‬ ‫ونقحـه أنگلـز‪ .‬وكان عملهـا املتواصـل داخـل‬ ‫البيـت هـو إعـادة كتابـة (تبييـض) مسـودات‬ ‫ماركس من أجل إرسـالها للنشـر بخط يدها‬

‫األنيـق‪ .‬يضـاف إلـى ذلـك دورهـا األساسـي يف‬ ‫إدارة شؤون احلركة والثورة كجدولة وتنظيم‬ ‫االجتماعـات ورعايـة املبعديـن واملنفيين‬ ‫ومتابعـة شـؤون النشـر والتوزيـع‪ .‬ولـم يكـن‬ ‫ذلـك ممكنـا مـع إدارة شـؤون البيـت وسـبعة‬ ‫أطفـال لـوال مسـاعدة هلينـا دميـث التـي‬ ‫الزمتهـا ملـدة أربعين عامـا‪ .‬وهلينـا هـذه كانـت‬ ‫مبثابـة األخـت جلنـي‪ ،‬حيـث كانـت أم جنـي‬ ‫قـد تولـت رعايتهـا منـذ أن كانـت بعمـر ‪.11‬‬ ‫وألنهـا كانـت تقريبـا بعمـر جنـي آنـذاك فقـد‬ ‫نشـأتا كأختين علمـا أن هلينـا سـرعان مـا‬ ‫اتخـذت دورهـا الرسـمي كمسـاعدة ألم جنـي‬ ‫يف إدارة شؤون البيت حيث استمرت يف تأدية‬ ‫هـذا الـدور حلين تكليفهـا مـن قبـل أم جنـي‬ ‫مبصاحبـة ومسـاعدة جنـي يف رحلتهـا وإدارة‬ ‫شـؤون بيتهـا القـادم يف بروكسـل وكذلـك‬ ‫بيتهـا يف لنـدن بعدئـذ‪.‬‬ ‫بين ‪ 1844‬و ‪ 1857‬أجنبـت جنـي سـبعة‬ ‫أطفـال‪ ،‬خمـس بنـات وولديـن‪ .‬لـم يبـق منهـم‬ ‫ملـا بعـد وفـاة جنـي وكارل سـوى اثنين‪ .‬تـويف‬ ‫أحـد االبنين بعمـر سـنة واحـدة وتـويف الثانـي‬ ‫بعمـر ‪ 8‬سـنوات‪ .‬كمـا توفـت بنـت واحـدة بعمـر‬ ‫‪ 38‬بسـرطان املثانـة‪ ،‬أمـا البنتين األخريين‬ ‫فقـد أصبحتـا ناشـطتني سياسـيتني وتزوجتـا‬ ‫وسـاهمتا يف األدب والصحافـة والترجمـة‬ ‫لكـن حیاتهمـا انتهـت نهايـة مفجعـة‪ .‬واحـدة‬ ‫انتحـرت انتحـارا ثنائيـا مـع زوجهـا‪ ،‬والثانيـة‬ ‫انتحـرت نتيجـة خليانـة زوجهـا لهـا‪ ،‬وذلـك‬ ‫عنـد معرفتهـا انـه تـزوج بالسـر مـن ممثلـة‪ .‬كان‬ ‫ماركـس قـد أصـر علـى إعطـاء اسـم جنـي لـكل‬ ‫بناته اخلمس مع اختالف أسـمائهن الوسـطى‪.‬‬ ‫يف يومياتهـا كتبـت جنـي حـول وفـاة ابنهـا‬ ‫أدگار ذي الثمـان سـنوات عـام ‪:1853‬‬ ‫“كان ذلـك اليـوم األسـود أقسـى يـوم يف‬ ‫حياتـي‪ ،‬فقـد جتـاوز حزنـي كل األحـزان‬ ‫واملصائـب مجتمعـة‪ .‬إدگار بوجهـه الطافـح‬ ‫بنـور الشـمس‪ ،‬هـو حياتـي ووجـودي وفخـر‬ ‫والـده وأملـه الكبيـر”‪.‬‬ ‫بعـد هـذه احملـن أصيبـت جنـي األم‬ ‫باجلـدري وكان عليهـا أال تلتقـي باألطفـال‪.‬‬ ‫وسـمح لهـا أن تلتقـي‬ ‫وحين متاثلـت للشـفاء ُ‬ ‫بهـم‪ ،‬أصابهـم الرعـب ملـرأى وجههـا الـذي‬ ‫شـوهته بثـور اجلـدري‪ ،‬األمـر الـذي أثـار‬ ‫بكائهـم اجلماعـي‪ .‬عاشـت جنـي كل تلـك‬ ‫السـنني بفقـر وألـم وعـوز‪ .‬باعـت وارتهنـت كل‬

‫‪77‬‬


‫‪78‬‬

‫‪78‬‬

‫شخصيات‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫وجدي‬ ‫االهدل‪..‬‬ ‫كم‬ ‫يدا في‬ ‫ً‬ ‫أصابعه !‬ ‫على خليج‬ ‫الفيل‪..‬‬ ‫«نغني‪..‬‬ ‫ويصطادون‬ ‫السمك “‬ ‫كيف عدت‬ ‫طفلة في‬ ‫تونس؟‬


‫شخصيات‬

‫‪79‬‬

‫إلى عبد الهادي الخضر‪ ...‬وجابر علي أحمد‬

‫على خليج الفيل‪ّ ..‬‬ ‫«نغني‪ ..‬ويصطادون السمك “‬

‫عبد الرحمن الخرض‬

‫فـي كتابـه‪« :‬خيانـة الوصايا» عن روّاد الموسـيقى العظام‪ .‬يسـجل‬ ‫الروائـي الفرنسـي التشـيكي المولـد ميلان كونديـرا بأبجديـة‬ ‫النوتـة إحـدى النغمـات الموسـيقية التـي حضرتـه وهو يكتـب بحبر‬ ‫األبحديـة اللسـانية‪.‬‬ ‫اسـتوقفتني هـذه الملكـة التـي ال يتوفـر عليهـا غيـر الق ّلـة‪ .‬مـن‬ ‫يجمعون بين فنّ الكتابة األدبية‪ .‬والموسـيقية‪ :‬كتابة الموسـيقى‪،‬‬ ‫النوتـة‪ ،‬حيـن ضمّـن كونديـرا كتابـه المقـروء باللسـان جملـة‬ ‫موسـيقية مكتوبـة بخـط النوتـة لـن تقرأهـا إ ّ‬ ‫ال كمعزوفـة‪.‬‬ ‫فـي األصـل فميلان كونديـرا عـازف علـى آلـة اآلبـوا قبـل أن‬ ‫يكـون روائيـا‪ .‬وهـي آلـة مدهشـة‪ .‬كسـحابة ممطـرة فـي كرمهـا‬ ‫الفاحـش بالطبقـات والفتوحـات الموسـيقية‪ .‬وفـي تنائيهـا الـوارف‬ ‫بالمنعطفـات الوفيـرة الوثيـرة‪ .‬وفـي مسـاحاتها النغمية الشاسـعة‪.‬‬ ‫وهـي آلـة نفخيـة عـادة مـا يتـمّ العـزف عليهـا فـي موسـيقى الجـاز‬ ‫بوجـه خـاص‪.‬‬

‫حــن كنــت يف القاهــرة مــن شــهر‬ ‫نوفمبــر ‪2003‬م كانــت أولــى خطواتــي‬ ‫هناك نحو األوبرا ونحو مكتبة مدبولي‬ ‫واحلســن والســيدة زينــب‪ ،‬والنيــل دائمــا‪.‬‬ ‫وإلــى ذلــك بصمــة اخلديــوي التــي نقــل‬ ‫خاللهــا حملــات مــن باريــس اجلميلــة إلــى‬

‫اشــتريت مــن مكتبــة مدبولــي جملــة‬ ‫مــن الكتــب منهــا كتــاب خيانــة الوصايــا‬ ‫ورواي َتـ ْـي اخللــود واجلهــل مليــان كونديــرا‬ ‫وعشــيق الليــدي شــاترلي والعــذراء‬ ‫والغجــري للورانــس وكتــب أخــرى‪ .‬ومــرة‬ ‫أخرى تستوقفني كتابة املوسيقى‪ .‬تدوين‬ ‫النغمــة‪ .‬تأليــف الدرامــا املوســيقية‪.‬‬

‫عبدالهادي الخضر‬ ‫وســط القاهــرة يف ميــدان طلعــت حــرب‬ ‫ومياديــن وشــوارع مصــر القدميــة حيــث‬ ‫تســتهويني تلــك اجللســة األريحيــة يف‬ ‫املقهــى املصــري لشــرب كــوب مــن احللبــة‬ ‫بالطبخــة املصريــة األنيقــة أو كــوب مــن‬ ‫الشــاي املصــري «العــاري» وســط الزخــم‬

‫أن تدنــدن بنغمــة التقطتهــا فــورا‪،‬‬ ‫لتذهــب مــن بــن يديــك فــورا‪ ،‬وال‬ ‫تســتطيع اســترجاعها فــورا أو الحقــا‪.‬‬ ‫كمولــود ســاقط للتــو مــن رحــم أمــه لــم‬ ‫يكتمــل‪ .‬ولــن تســتطيع إكمالــه‪ .‬فلقــد‬ ‫ذهــب ولــم ولــن يعــود‪(( .‬اعتــاد الفنانــون‬ ‫احملليــون لدينــا يف اليمــن العــزف علــى‬ ‫اإليقــاع والدندنــة عليــه وليــس علــى‬ ‫التأليــف املوســيقي البنائــي الــذي لــن‬ ‫يكــون غيــر بالكتابــة‪ :‬النوتــة علــى ّ‬ ‫الشــكل‬ ‫الهارمونــي التأليفــي يف املوســيقى‬ ‫الكال ســيكية))‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫كنــت قــد قــرأت فقــرات مــن كتــاب‬ ‫كونديــرا «خيانــة الوصايــا» يف مجلــة‬ ‫«نــزوى» العمانيــة والتــي يــرأس حتريرهــا‬ ‫األســتاذ ســيف الرحبــي‪ .‬وهــي اجمللــة‬ ‫التــي أخذتنــي إليهــا بــكل جنــوح ملــا‬ ‫تتوفــر عليــه مــن كتابــات مترجمــة‬ ‫ألجمــل وأعظــم كتابــات القمــة العامليــة‬ ‫ّ‬ ‫والشــعر واملســرح واملوســيقى‬ ‫ـص‬ ‫يف القـ ّ‬ ‫والرســم والتصويــر والســينما إلــخ‪ .‬وهــي‬ ‫ّ‬ ‫فنــون أظـ ّـن كلّ ّ‬ ‫الظــن الواثــق بضــرورة‬ ‫التّثقــف منهــا وفيهــا كــي يتمكــن الكاتــب‬ ‫مــن تشــكيل مادتــه بألــوان طيــف اجلمال‬ ‫هــذا الــذي يتج ّلــي يف الفنــون واآلداب يف‬ ‫ـراب لــكل أديــان الفـ ّـن واألدب‪.‬‬ ‫محـ ٍ‬

‫الراقــي ملدينــة القاهــرة‪.‬‬


‫‪ 80‬شخصيات‬

‫الموسيقار جابر علي أحمد‬ ‫وحدهــا النوتــة – أبحديــة املوســيقى‬ ‫– مــن ســتحتفظ مبخلوقــك املوســيقي‪.‬‬ ‫ـتتمه خــال تلــك الوتيــرة التــي بــدأْتَ‬ ‫وسـ ّ‬ ‫بهــا أنــت أو هــي مــن بدأتــك علــى نهجهــا‪،‬‬ ‫لتصفــق خلجــات قلبــك أخيــرا حــن‬ ‫حتــوز مخلوقــك الكائــن املوســيقي حيــا‬ ‫بدمــه وشــحمه وحلمــه خــال الشــكل‬ ‫البنائــي ألبجديــة النوتــة‪.‬‬ ‫متنيــت دائمــا أن أمتكــن مــن القبــض‬ ‫علــى االرقــام املوســيقية املراوغــة كــي‬ ‫أبنــي منهــا حلنــا مــا‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫لســت موســيقيا باحلرفــة لكنــي‬ ‫ســأكتب شــيئا لــو أننــي حذقــت النوتــة‪،‬‬ ‫فالكتابــة هــي متعتــي التــي ال تضاهــى‪.‬‬ ‫وليســت الكتابــة باحلــرف األبجــدي‬ ‫وكفــى‪ .‬فالبــد مــن غــزو كتابــي باللــون‬ ‫وبالضــوء والنغمــة‪ .‬وعلــى جهــة اليقــن‬ ‫حــن تشــتغل علــى التأليــف وليــس علــى‬ ‫هــزّ ركبتــك فحســب‪ .‬ويف ال ّنفــس مــا‬ ‫يف ال ّنفــس مــن بحيــرة غيــر مكتشــفة‬ ‫للموســيقى‪(( .‬كنــت سأرســم «بورتريــه»‬ ‫الغضــة يف النــص الســردي‬ ‫للفتــاة‬ ‫ّ‬ ‫الــذي أســميته «احلــب يف سـ ّـم اخليــاط»‪.‬‬ ‫وســأعزف بخــط النوتــة «إيقــاع» صدرهــا‬ ‫الكاعــب وعلــى ذات صفحــة النــص‬ ‫الســردي‪ ،‬لكننــي ال أمتلــك مهــارات‬

‫كونديــرا املوســيقية‪ ،‬وال مطهــر نــزار‬ ‫أو الفتيــح أو عبــد اجلبــار نعمــان مــن‬ ‫ّ‬ ‫والظــل‬ ‫اللعــب علــى اللــون والضــوء‬ ‫كمــا هــي مــاد ًة يف الطبيعــة))‪ ،‬وإن كنــت‬ ‫سأشــتغل عليهــا بالكتابــة بطريقــة أو‬ ‫بأخــرى «هــل ســمعت القلــم يعــزف حينــا‪،‬‬ ‫وأنــت تكتــب؟»‪.‬‬ ‫يف مـ ّـرة مــا ســألت أســتاذ املوســيقى‬ ‫الرائــع جابــر علــي أحمــد‪ :‬هــل أســتطيع‬ ‫تعلــم النوتــة دون التحاقــي مبدرســة‬ ‫موســيقى؟ فــرد واثقــا بأنــه يســتطيع‬ ‫أن يعلّمنــي النّوتــة يف عالقــة بينــي‬ ‫وبينــه فحســب‪ .‬لكــن املعزوفــة التــي‬ ‫كنــا نتبادلهــا يومهــا ‪ -‬يف وادي القــور‬ ‫بــن الرنــف وشــفر مــن مدينــة عبــس‬ ‫حتــت ضــوء القمــر علــى خضــرة مــزارع‬ ‫الشــقيفية‪ ،‬أو علــى تلــة طــن خضــراء‬ ‫كنهـ ٍـد مــن نهــود حت ّلــق يف الفضــاء زمــن‬ ‫اخلضــرة يف تــال البتاريــة مــن عبــس‬ ‫حــن ك ّنــا نتحلــق علــى ت ّلــة مــن تاللهــا‬ ‫اخلضــراء ‪ -‬يف موســم مطــري خصيــب‬ ‫ كهــال فــوق قبــة احملــراب – والتــي‬‫عزفناهــا يف ذلــك احلديــث الراقــي عــن‬ ‫تلــك الوشــيجة بــن جيمــس بــراون‬ ‫األمريكــي األشــهر وفيصــل علــوي‬ ‫اليمنــي األشــهر‪ .‬وهــي املقارنــة التــي‬

‫اقترحتهــا واســتراح إليهــا األســتاذ‬ ‫جابــر‪ .‬هــذه املعزوفــة اإلنســانية النبيلــة‬ ‫الفاحتــة علــى اإلبــداع يف أفــكار ذلــك‬ ‫اجليــل وغيرهــا مــن املعزوفــات األليقــة‬ ‫التــي ك ّنــا نتداولهــا يف زمــن مفقــود‬ ‫مــن اليمــن إلــى اليــوم‪ ،‬لــم نتمكــن مــن‬ ‫تكرارهــا عقــب ويــات هــذا الوطــن‪ .‬حــن‬ ‫بقــي األســتاذ جابــر يف عــدن حتــى نشــوب‬ ‫احلــرب الكارثيــة عــام ‪ .1994‬فيمــا عــدت‬ ‫قبــل احلــرب بثالثــة أيــام إلــى احلديــدة‬ ‫فعبــس‪ .‬لنفتــرق مــن يومهــا‪ .‬ولتتعاقــب‬ ‫األحــداث غيــر املنضبطــة بتلــك‬ ‫الرخــوة التــي حتكــم‬ ‫العاطفــة ّ‬ ‫الســمجة ّ‬ ‫الشــعوب املتخ ِّلفــة وتقضــي علــى مجـ ّـرد‬ ‫مكســب بســيط يف املهــد‪ .‬ليعتــزل الفنــان‬ ‫الفـ ِـاره جابــر علــي أحمــد يف وضــح النهــار‬ ‫ســاطعا يف خيمته يف الثورة يف الســتني‪.‬‬ ‫وليختفــي إثرهــا وإلــى احلــد مــن اآلن‬ ‫يف مك ّنــه اجملهــول‪ .‬وليذهــب الشــاعر‬ ‫املثقّ ــف السياســي األســتاذ عبــد الهــادي‬ ‫إلــى اهلل الرحمــن‪.‬‬ ‫كنــا ثالثتنــا‪ :‬عبــد الهــادي اخلضــر‬ ‫وجابــر علــي أحمــد وأنــا مــن ذات ليلــة‬ ‫مقمــرة علــى ملســة القطــرات األخيــرة‬ ‫مــن خريــر املــوج يف خليــج الفيــل بســاحل‬ ‫جولــد مــور يف عــدن‪.‬‬ ‫قــال االســتاذ جابــر‪ :‬دعنــا نغنــي‬ ‫يــا عبــد الرحمــن تلــك األغنيــة التــي‬ ‫غنّيناهــا ذات يــوم معــا يف احلديــدة حــن‬ ‫عزفـ ُـت لــك وغني َتهــا أنــت‪ :‬عـ ِّـودت عينــي‬ ‫علــى رؤيــاك لكوكــب الشــرق‪.‬‬ ‫يــا ســام يــا أســتاذ جابــر‪ :‬وقلبــي‬ ‫سـلّم لــك أمــري ‪ ...‬أشــوف هنــا ْع َنـ َّـي‪ .‬يف‬ ‫نظرتــك لـ َّـي‪ .‬والقــى نعيــم قلبـ ْـي‪ .‬يــوم مــا‬ ‫التقيــك جنبـ ْـي‪.‬‬ ‫كان خريــر املــوج يف ســاحل خليــج‬ ‫الفيــل كأنفــاس العــذراء ليلــة عــرس‪.‬‬ ‫ومجموعــة مــن الصياديــن يســحبون‬ ‫شــبكتهم علــى الســاحل نحونــا‪ .‬كنــا‬ ‫نغنــي وكانــوا يشــتغلون‪ .‬ننظــر إليهــم‬ ‫ونغنــي‪ :‬ويســتمعون إلينــا ويجمعــون‬ ‫الســمك‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫كانــت الريــح رســل احلريــة إلينــا‪ .‬وكنــا‬ ‫ليلتهــا النــص الفريــد لقلــم احلريــة‪.‬‬


‫شخصيات‬

‫‪81‬‬

‫شهادتي عن وجدي األهدل‪:‬‬

‫تصدر في كتاب شهادات عن الروائي وجدي األهدل يعده عمران الحمادي‬

‫وجدي االهدل‪..‬‬ ‫كم يدًا في أصابعه !‬ ‫سامي الشاطبي*‬

‫*روايئ ميني‬ ‫(كــم يـدًا يف أصابعــك) عنــوان ملقــال لوجــدي‬ ‫األهــدل ارتأيــت وضعــه كعنــوان ملــاديت هــذه‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫رغـم مـرور ربـع قـرن مـن االرتبـاط‬ ‫بوجـدي األهـدل بصداقـة عميقة‪ ،‬إال‬ ‫أنـه مـازال حتـى هـذه اللحظـة يمثل‬ ‫بالنسـبة لي عالمة اسـتفهام كبيرة!‬ ‫أول مـا عرفـت وجـدي األهـدل كان‬ ‫قبـل العـام ‪1997‬م ‪ ..‬كان آنـذاك‬ ‫شـخصية مشـهورة ككاتب قصص‬ ‫سـاخر ولـه صـوالت وجـوالت فـي‬ ‫عوالـم السـرد والصحافـة‪..‬‬ ‫قرأت له قصة عن شـخص ينقسـم‬ ‫إلـى شـخصين‪ ،‬فكتبـت علـى ضـوء‬ ‫هـذه القراءة قصة بعنوان (سـباعية‬ ‫األنـا) عـن شـخص ينقسـم إلـى‬ ‫سـبعة أشـخاص وعرضتهـا عليـه‬ ‫لـم أكـن قـد بـدأت بنشـر قصصـي‬ ‫القصيـرة فـي الصحافة آنـذاك‪ ،‬ولم‬ ‫أتوقـع مبادرتـه الطيبـة بـأن أعـاد‬ ‫تصحيـح القصـة والدفـع بها للنشـر‪.‬‬ ‫ومنـذ ذلـك اليـوم صرنـا أكثـر مـن‬ ‫أصدقـاء‪ ،‬هـو أسـتاذي وأنـا تلميـذه‬ ‫هـو معلمي وأنـا طالبه‪..‬هو مديري‬ ‫وأنـا شـيخه!‬


‫‪ 82‬شخصيات‬ ‫زهرة العابر‪:‬‬ ‫وج ــدي األهدل الس ــاخر املتش ــكك الرافض‬ ‫للتبعي ــة والصنمي ــة ق ـ َّـرر يف منتص ــف الع ــام‬ ‫‪1997‬م أن يفع ــل فع ـ ًـا مغاي ــراً‪ ..‬كان س ــائرا يف‬ ‫يوم مش ــمس نحو مركز الدراس ــات الذي يديره‬ ‫الدكت ــور عب ــد العزي ــز املقال ــح به ــدف ع ــرض‬ ‫مس ــودته األخيرة جملموعته القصصية األولى‬ ‫واملعنون ــة ب ـ ـ (زه ــرة العاب ــر) عل ــى الدكت ــور لكي‬ ‫يتك ــرم بكتاب ــة مقدم ــة عنها كما يفع ــل مع كل‬ ‫الش ــباب م ــن الكتاب‪.‬‬ ‫وفج ــاء توق ــف يف منتص ــف الطري ــق‪،‬‬ ‫ورمب ــا تس ــاءل ملاذا ه ــذه التقليدي ــة املفرطة!‬ ‫كل م ــن يكت ــب كتا ًب ــا يتج ــه إل ــى الدكت ــور‬ ‫ليكت ــب مقدم ــة‪ ،‬س ــأجعل أصغ ــر كاتب قصة‬ ‫يكت ــب املقدم ــة‪ ،‬فب ــد ًلا م ــن اختي ــار ناق ــد‬ ‫او كات ــب كبي ــر ليكت ــب املقدم ــة أخت ــار كات ــب‬ ‫قص ــة مبتدئ وكان ه ــذا الكاتب أنا‪ .‬وبالفعل‬ ‫ص ــدرت بعده ــا مجموعت ــه القصصي ــة زهرة‬ ‫العاب ــر مبقدم ــة كتبه ــا مبت ــدئ!‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫عناوين حافلة بالمفارقة‪:‬‬ ‫مغايرا‬ ‫ميث ــل جيل وج ــدي األهدل جيـ ـ ًلا‬ ‫ً‬ ‫ـردا ألن ــه اجلي ــل ال ــذي اجت ــه إل ــى‬ ‫ومتف ـ ً‬ ‫العنوان ــات احلافل ــة باملفارق ــة‬ ‫وتفصيـ ـ ًلا لتل ــك النقط ــة س ــأورد م ــا‬ ‫ذك ــره الناق ــد إبراهي ــم أب ــو طال ــب‪ ،‬بع ــد أن‬ ‫ع ـ َّـدد محط ــات الرواي ــة اليمني ــة تط ــرق إل ــى‬ ‫التجدي ــد «وه ــي محط ــة التس ــعينيات وم ــا‬ ‫بعده ــا ‪ ..‬التجدي ــد ‪ -‬يف ه ــذه احملط ــة كان‬ ‫محس ــوب ًا ومح ــدود ًا يف بع ــض مح ــاوالت‬ ‫القاص ــن الش ــباب‪ ،‬ول ــم يتح ــول إل ــى ظاهرة‬ ‫غالب ــة – حت ــى نك ــون أكث ــر دق ــة يف ه ــذا‬ ‫التصني ــف‪ ،‬وذل ــك فيم ــا تب ــرزه بع ــض كتابات‬ ‫نبيل ــة الزبي ــر يف روايته ــا «إن ــه جس ــدي» (‪)12‬‬ ‫‪2000‬م‪ ،‬ووجـ ــدي األه ــدل يف «ق ــوارب جبلي ــة‬ ‫«(‪ ،)13‬و«الومض ــات األخي ــرة يف س ــبأ» (‪)14‬‬ ‫‪2002‬م‪ ،‬و«فيلس ــوف الكرنتين ــة»‪7 200‬م‪،‬‬ ‫و«ب ــاد ب ــا س ــماء» ‪2008،‬م‪ ،‬وهن ــد هيث ــم يف‬ ‫« مل ــوك لس ــماء األح ــام واألمان ــي «(‪)17‬‬ ‫و«ح ــرب اخلش ــب»(‪2003 )18‬م‪ ،‬وعب ــد الناصر‬ ‫مجل ــي يف «رج ــال الثل ــج» (‪2000 )19‬م‪،‬‬ ‫وس ــامي الش ــاطبي يف «كائن ــات خرب ــة» (‪،)20‬‬ ‫و«لألم ــل مواس ــم أخ ــرى» (‪2003 )21‬م‪،‬‬ ‫وكذل ــك أعم ــال أحم ــد زي ــن يف «تصحي ــح‬ ‫وض ــع»‪2004‬م‪ ،‬ونادي ــة الكوكبان ــي‪ ،‬يف «ح ـ ٌ ّـب‬ ‫لي ــس إال»‪ ،‬و«عقي ــات»‪ ،‬وبس ــام ش ــمس الدين‪،‬‬ ‫يف «الدائ ــرة املقدس ــة» و«هف ــوة»‪ ،‬وعلي املقري‪،‬‬ ‫يف «طع ــم أس ــود‪ ..‬رائح ــة س ــوداء»‪ ،‬و«اليهودي‬ ‫احلال ــي»‪ ،‬ومحمد الغرب ــي عمران يف «صحف‬

‫أحم ــر»‪ ،‬و«ظلم ــة يائي ــل»‪ ،‬وغيرها‪...‬وج ــاءت‬ ‫مح ــاوالت التجديد هذه على مس ــتوى اللغة‪،‬‬ ‫واالنش ــغاالت بالش ــكل واملضم ــون يف محاولة‬ ‫اخل ــروج ع ــن التراتبي ــة املوروث ــة»‬ ‫ميك ــن الق ــول بأن ــه وبن ــاء عل ــى م ــا س ــبق‬ ‫فإ َّنن ــي واأله ــدل مم ــن ج ــددوا يف الرواية مع‬ ‫إضاف ــة هام ــة تتمث ــل يف أن وج ــدي األه ــدل‬ ‫ه ــو رائ ــد التجدي ــد يف اليم ــن‪..‬‬ ‫نادي القصة‪:‬‬ ‫كان الش ــعر والش ــعراء يس ــيطرون عل ــى‬ ‫املؤسس ــات الثقافية يف اليمن واملتاح للقصة‬ ‫والس ــرد ال ش ــيء‪ ،‬وكان ميل ــد ن ــادي القص ــة‬ ‫‪..‬أعتق ــد بأن ــي املؤس ــس رق ــم ‪ 10‬بحس ــب‬ ‫بطاق ــة عضويتي‪ ،‬ونادي القصة لم يتأس ــس‬ ‫قب ــل ‪ 20‬عام ــا ب ــل ع ــام ‪1996‬م ‪..‬كان ــت ت ــدور‬

‫ح ــوارات ونقاش ــات يف ح ــرم جامع ــة صنع ــاء‬ ‫يقوده ــا وجدي األه ــدل والقاصة أروى عبده‬ ‫عثم ــان به ــدف تأس ــيس نادي يعنى بالس ــرد‪،‬‬ ‫انضمم ــت مطل ــع الع ــام ‪1997‬م إل ــى الزمالء‬ ‫وبدأ النادي يف السير بأولى خطواته‪ ..‬وضع‬ ‫األهدل ش ــعار الن ــادي (ال مقة) وكان ش ــعا ًرا‬ ‫غرائيب ــا يف تل ــك االي ــام رغ ــم م ــا يحمله من‬ ‫مضام ــن تاريخي ــة ‪..‬نض ــال وج ــدي األهدل‬ ‫انته ــى إل ــى وض ــع مدامي ــك قوي ــة وراس ــخة‬ ‫لن ــادي القص ــة يف اليمن ويف الع ــادة التاريخ‬ ‫يتجاه ــل ه ــذا اجلن ــدي اجملهول‪!..‬‬ ‫إنَّ ره ــان وج ــدي األه ــدل ب ــأن املؤسس ــات‬ ‫الت ــي تعن ــى بالس ــرد كن ــادي القص ــة ه ــي‬ ‫الت ــي س ــتدوم وتبق ــى وبالفعل ن ــادي القصة‬ ‫يف ظ ــل م ــوات احت ــاد االدب ــاء والكثي ــر م ــن‬


‫شخصيات‬

‫املؤسس ــات الثقافي ــة يعتب ــر االكث ــر نش ــاطا‬ ‫وعط ــاء وحض ــورا !‬ ‫بيان الجوع‪:‬‬ ‫اش ــتدت االوض ــاع املعيش ــية عل ــى األهدل‬ ‫وعزت مصطفى وعلوان اجليالني‪ ،‬تناقش ــوا‬ ‫م ــاذا يفعل ــون يف ظل إهمال املؤسس ــات لهم‪،‬‬ ‫وق ــرروا إص ــدار بي ــان يدي ــن م ــا وصل ــت إلي ــه‬ ‫أحواله ــم املعيش ــية‪ ،‬حترك ــت خط ــوة صوبهم‬ ‫أيضا‬ ‫ـزءا من البي ــان فأنا ً‬ ‫‪..‬وددت ل ــو كن ــت ج ـ ً‬ ‫الفاق ــة كان ــت تعص ــف بي ‪! ..‬‬ ‫اس ــتجاب أحم ــد جاب ــر عفي ــف صاح ــب‬ ‫مؤسس ــة العفي ــف الثقافية لبيانه ــم ووفر لهم‬

‫بعض ــا م ــن احلي ــاة الكرمي ــة ‪..‬حقيق ــة ندم ــت‬ ‫ح ــن اس ــتجاب عفي ــف ‪..‬ل ــو ضمم ــت اس ــمي‬ ‫لبيانه ــم لكنت ممن حظ ــي ببعضا من احلياة!‬ ‫مواجهات وجدي األهدل‪:‬‬ ‫بكثي ــر م ــن الصب ــر واألل ــم عل ــى قس ــوة‬ ‫احلي ــاة واج ــه وج ــدي األه ــدل صف ــا طويـ ـ ًلا‬ ‫م ــن البغ ــاة املتطرف ــن‪ ،‬لق ــد س ــوت قصص ــه‬ ‫فخاخ ــا كثي ــرة ل ــه يف حني كان م ــن املفترض‬ ‫ان يكون هو من يضع لها الفخاخ الس ــردية‪.‬‬ ‫ق ــال ل ــي أثن ــاء تع ِّرضه للمحاكمة وس ــعي‬ ‫أح ــد املتطرف ــن واملدع ــو ج ــاراهلل عم ــر‬ ‫قتل ــه بدع ــوى نش ــر م ــواد تتع ــارض والدي ــن‬

‫‪83‬‬

‫واجملتم ــع «ان احلي ــاة بح ــد ذاته ــا ورط ــة‪،‬‬ ‫ونح ــن عندم ــا نكت ــب ش ــيئ ًا ونقدم ــه للقراء‬ ‫نك ــون ق ــد تورطن ــا يف الكتاب ــة»‬ ‫تعرضت س ــردياته نتيجة حلملة إعالمية‬ ‫م ــن التي ــار املتط ــرف يف البل ــد ك» ق ــوارب‬ ‫جبلي ــة « للمص ــادرة ع ــام ‪ 2002‬وجرجر الى‬ ‫النياب ــة العام ــة للتحقي ــق معه‪..‬‬ ‫ف ــر إل ــى س ــوريا ورغ ــم ذل ــك اس ــتمرت‬ ‫محاكمت ــه غيابيـ ـ ًا ول ــم يقفل مل ــف القضية‬ ‫إال بتوس ــط الروائ ــي األملان ــي احلائ ــز عل ــى‬ ‫جائ ــزة نوب ــل غونت ــر غ ــراس ل ــدى رئي ــس‬ ‫اجلمهوري ــة األس ــبق عل ــي عب ــد اهلل صال ــح‪،‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬


‫‪ 84‬شخصيات‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫ال ــذي رفض تقلد وس ــام الوح ــدة اليمنية إال‬ ‫بع ــودة األهدل وإس ــقاط الدع ــوى القضائية‬ ‫املرفوع ــة ض ــده‪ ،‬وقد اس ــتجاب الرئيس وأمر‬ ‫بإغ ــاق مل ــف القضي ــة‬ ‫يف تل ــك امل ــدة العصيب ــة عل ــى األه ــدل‬ ‫ـدد آخ ــر م ــن الكت ــاب للمحاكم ــة‬ ‫تع ــرض ع ـ ٌ‬ ‫واملالحق ــة ولك ــن بدرج ــة أق ــل مم ــا تع ــرض‬ ‫ل ــه األه ــدل‪ ،‬وكن ــت م ــع بقي ــة الزم ــاء مم ــن‬ ‫وردت أس ــمائهم ضم ــن قوائ ــم املطلوب ــن‪ ،‬لم‬ ‫أس ــتوعب م ــا يجري من محاكمات انعكس ــت‬ ‫عل ــى الش ــارع ال ــذي تأه ــب لالعت ــداء إال‬ ‫ـجدا ي ــوم جمع ــة وس ــمعت‬ ‫ح ــن دخل ــت مس ـ ً‬ ‫اخلطي ــب وه ــو يلع ــن الكت ــاب خادش ــي حياء‬ ‫اجملتم ــع ويطال ــب بالتش ــديد يف محاكمتهم‬ ‫واعتقاله ــم اختت ــم خطبت ــه بذكر أس ــمائهم‬ ‫وإرفاق كل اس ــم بلعنة ‪ « ..‬وس ــامي الش ــاطبي‬ ‫ش ــطب اهلل وجه ــه‪»..‬‬ ‫أغ ــرب ما يف أم ــر هذه احملاكمات الش ــهيرة‬ ‫أن م ــن تناولها يف وس ــائل إع ــام اخلارج جعل‬ ‫م ــن عباس الديلمي ش ــاعر احلكومة واملؤمتر‬ ‫الش ــعبي ه ــو الضحي ــة واملالح ــق واملته ــم‬ ‫والش ــخوص احلقيق ــن ه ــم اجلالدي ــن‪..‬‬ ‫اغل ــق ن ــادي القص ــة إث ــر ه ــذه األح ــداث‬ ‫وال ــذي كان مق ــره يف دار الكت ــب ول ــم يق ــف‬ ‫عل ــى أرضي ــة صلب ــة إال ع ــام ‪2000‬م وب ــدور‬ ‫وجه ــد كبي ــر م ــن الروائ ــي الغرب ــي عم ــران‬ ‫ال ــذي كان أثناءه ــا عض ــوا يف البرمل ــان‪.‬‬ ‫مشاركات وسفريات‬ ‫ل ــي م ــع األه ــدل س ــفريات ع ــدة ومش ــاركات‬ ‫محلي ــة وخارجي ــة ولك ــن ال مج ــال للتط ــرق إليها‬

‫الصورة في بيت الثقافة ‪2000‬‬ ‫هن ــا‪ ،‬فيكف ــي ما ح ــدث أثناء رحلتن ــا يف اثيوبيا‪!..‬‬ ‫مجلة الثقافة‪:‬‬ ‫س ــبقني األه ــدل يف وظيف ــة وزارة الثقافة‬ ‫ـكرتيرا‬ ‫بس ــنوات‪ ،‬يف الع ــام ‪ 2014‬كن ــت س ـ‬ ‫ً‬ ‫لتحري ــر مجل ــة الثقاف ــة اليمني ــة الص ــادرة‬ ‫ع ــن الوزارة وكانت أهم مجلة ثقافية عمرها‬ ‫يتج ــاوز األربع ــن عام ــا‪ ،‬كان حينه ــا مدي ــر‬ ‫اجملل ــة الش ــاعر محم ــد اجل ــرادي وقررن ــا يف‬ ‫ي ــوم م ــن األي ــام ِفع ــل اآلت ــي كس ـ ًـرا للروت ــن‬ ‫وأيضا إعالنًا عن‬ ‫والرتاب ــة اإلدارية العقيم ــة ً‬ ‫كراهتن ــا ملف ــردة اخملل ــوع التي كانت منتش ــرة‬ ‫يف تل ــك االي ــام‪ ،‬وه ــي أن أج ــري انقالبا على‬ ‫مدي ــر التحري ــر ألصي ــر أن ــا مدي ــر التحري ــر‬ ‫وبعد س ــنة أجري انقال ًبا على نفس ــي بجذب‬ ‫وج ــدي األهدل من مؤسس ــة املس ــرح التابعة‬

‫لل ــوزارة وتعيين ــه مدي ــرا للتحري ــر‪.‬‬ ‫كل ذل ــك ليس ألجل ش ــيء إمنا ألجل تقدمي‬ ‫أنفس ــنا أثن ــاء التعري ــف‪ ،‬ه ــذا اجل ــرادي املدي ــر‬ ‫اخمللوع األس ــبق وهذا الش ــاطبي اخمللوع احلالي‬ ‫وه ــذا وج ــدي األهدل اخمللوع مس ــتقبال!‬ ‫ماذا يعني ان يتمس ــك الفرد بس ــلطة ولو‬ ‫ذهب ــت البالد إلى اجلحيم!‬ ‫ختاما‪:‬‬ ‫ً‬ ‫وجدي األهدل إنس ــان بكل ما تعنيه الكلمة‪،‬‬ ‫ـطرا من صفحات‪..‬‬ ‫وما ذكرته ليس إال أس ـ ً‬ ‫واخلالص ــة فإ َّنن ــي أعي ــد التذكي ــر بأن ــه‬ ‫ورغ ــم م ــرور رب ــع قرن م ــن االرتب ــاط بوجدي‬ ‫األه ــدل بصداق ــة عميق ــة‪ ،‬إال أن ــه م ــا زال‬ ‫حت ــى ه ــذه اللحظ ــة مي ِّث ــل بالنس ــبة ل ــي‬ ‫عالم ــة اس ــتفهام كبي ــرة!‬


‫شخصيات‬

‫‪85‬‬

‫كيف عدت طفلة‬ ‫في تونس؟‬ ‫ريم نجمي‪-‬املغرب‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫يف منتصـف التسـعينيات وقبـل انتشـار‬ ‫عشـرات الفضائيـات‪ ،‬كنـا نسـتقبل يف املغـرب‬ ‫عـددا محـدودا مـن القنـوات اخلارجيـة‪،‬‬ ‫أبرزهـا الفضائيـة املصريـة والتـي كانـت‬ ‫حتظـى بنسـبة مشـاهدة عاليـة يف العالـم‬ ‫العربي‪ .‬يف سـنوات طفولتي كانت الفضائية‬ ‫قناتي املفضلة‪ ،‬كبرت على برامجها‪ ،‬بل أكثر‬ ‫مـن ذلـك كنـت أدمنهـا إلـى درجـة أن والدتـي‬ ‫كانـت حتـدد لـي أوقـات مشـاهدتها ووصلـت‬ ‫يف مرحلـة متقدمـة إلـى أخـذ كابـل صحـن‬ ‫االستقبال يف حقيبتها عندما تخرج‪ ،‬بعد أن‬ ‫بـدأت تتضايـق مـن تزايـد سـاعات اسـتهالكي‬ ‫للمنتـوج اإلعالمـي والدرامـي املصـري‪ ،‬قائلـة‬ ‫إنـي «صـرت مهووسـة باملصريين»‪ .‬ورغـم ذلـك‬ ‫كانـت لـي قـدرات تقنيـة عاليـة‪ ،‬ال أعـرف كيف‬ ‫وصلـت إليهـا مبكـر الطفلـة‪ ،‬متكننـي مـن‬ ‫تشـغيل الفضائيـة املصريـة دون احلاجـة إلـى‬ ‫ذلـك الكابـل املنـزوع‪( .‬أمـي لـم تكـن تعـرف‬ ‫ذلـك وهـا هـي سـتعرف اليـوم)‪.‬‬ ‫كنـت أحـب األفلام واملسلسلات املصريـة‬ ‫وأحـب بشـكل خـاص البرامـج التـي تتنـاول‬ ‫تاريـخ السـينما والفـن أو البرامـج احلواريـة‬ ‫مـع الفنانين‪ .‬ومـن بينهـا برنامـج املسـابقات‬ ‫«أيـوه أل» القائـم علـى معرفـة شـخصية فنيـة‬ ‫ورسـم مالمحهـا مـن خلال اسـتقبال مكاملات‬ ‫املشـاهدين و»قولـوا لـه احلقيقـة» برنامـج‬ ‫حـواري مـع عـدد مـن الشـخصيات الفنيـة‬ ‫واألدبيـة والرياضيـة‪ ...‬كان البرنامجـان مـن‬ ‫تقـدمي وإعـداد األسـتاذ واإلعالمـي ياسـر‬ ‫جرانـة الـذي تشـرفت وسـعدت كثيـرا بلقائـه‬ ‫يف تونـس حيـث يشـغل منصـب مديـر اإلذاعـة‬ ‫يف احتـاد االذاعـات العربيـة‪ .‬عندمـا التقيتـه‬ ‫للمـرة األولـى يف مكتبـه يف اإلحتـاد شـعرت‬ ‫للوهلـة األولـى أنـي أعرفـه منـذ مـدة طويلـة‬ ‫لكـن لـم أتذكـر أيـن التقيتـه مـن قبـل‪ .‬ثـم‬ ‫حتـدث عـن حلقـة اسـتثنائية مـن برنامـج‬ ‫«أيـوه أل «عـن عبـد احلليـم حافـظ‪ ،‬حلقـة‬ ‫مازلـت أذكرهـا جيـدا ألن أول متصـل متكـن‬ ‫مـن معرفـة شـخصية احللقـة يف الدقائـق‬

‫األولـى للبرنامـج املباشـر القائـم أساسـا‬ ‫علـى مكاملـات املشـاهدين لرسـم الشـخصية‬ ‫ومعرفتهـا‪ ...‬كانـت بالنسـبة إل ّـي مفاجـأة‬ ‫سـعيدة أن ألتقـي بإعالمـي أحببتـه وأنـا‬ ‫صغيرة وكنت معجبة ببرامجه والغريب أني‬ ‫أحتفـظ يف ذاكرتـي بتفاصيـل احللقـات ومـا‬ ‫دار فيهـا رغـم مـرور حوالـي خمـس وعشـرين‬ ‫عامـا علـى بثهـا‪ .‬كنـت أنتظـر ذلـك البرنامـج‬ ‫بفـارغ الصبـر يف رمضـان وأفـرض مشـاهدته‬ ‫علـى األسـرة كلهـا هـو الـذي يصـادف بثـه‬ ‫موعـد اإلفطـار يف مدينـة الـدار البيضـاء‬ ‫وكنـت أحـب الفيلـم الوثائقـي القصيـر‬ ‫الـذي يـذاع يف آخـر احللقـة ملـا يقدمـه مـن‬ ‫معلومـات شـخصية ونـادرة عـن عـدد مـن‬ ‫الفنانين يف وقـت لـم تكـن فيـه االنترنـت‬ ‫منتشـرة بعـد‪ .‬حتدثـت مـع األسـتاذ ياسـر‬ ‫عـن تلـك الفتـرة الذهبيـة للفضائية املصرية‬ ‫واسـتعدت معـه الكثيـر مـن تفاصيـل مرحلـة‬ ‫إعالميـة مصريـة جميلـة ومشـرفة‪ ...‬أسـتاذ‬

‫ياسـر جرانـة انتقـل مـن العمـل كمذيـع إلـى‬ ‫احتـاد اإلذاعـات العربيـة‪ ،‬حيـث يشـرف‬ ‫مبهنيـة عاليـة علـى مديريـة اإلذاعـة‪ ،‬موظفـا‬ ‫خبراتـه كإعالمـي قديـر مـن خلال معرفتـه‬ ‫اإلعالميـة واملوسـيقية واللغويـة كذلـك‪،‬‬ ‫حتـى وهـو يتحـدث ويقـدم أعضـاء جلنـة‬ ‫التحكيـم بإسـهاب ال يحتـاج إلـى ورقـة أو‬ ‫مذكـرة‪ ،‬يقـوم بذلـك بعفويـة املذيـع املتمـرس‬ ‫وبصوتـه اإلذاعـي اجلميـل‪ ،‬هـو الـذي عمـل‬ ‫قبـل التلفزيـون يف إذاعـة الشـرق األوسـط‪.‬‬ ‫خلال أيـام عملنـا املشـترك يف تونـس لـم‬ ‫أتوقـف عـن النظـر إليـه بعينـي الطفلـة‬ ‫املعجبـة التـي كنتهـا‪ ،‬حتـى أنـي التقطـت‬ ‫معـه صـورا عديـدة متامـا كمـا يفعـل «الفانـز»‬ ‫مـع جنومهـم املفضلين وأسـأله كلمـا أتيحـت‬ ‫لـي الفرصـة عـن تفاصيـل احللقـات وعـن‬ ‫كواليسـها‪ ،‬ورافقنـي فـرح غريـب وأنـا أتأمـل‬ ‫كيـف ترتـب لنـا احليـاة مفاجـآت جميلـة مـع‬ ‫وجـه أحببنـاه يف املاضـي‪.‬‬


‫‪86‬‬

‫‪86‬‬

‫نقوش إبداعية‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫عزيزي ثيو‬ ‫جميلة أبو غليون‬

‫خمري‬ ‫صرير‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬

‫ادريس نور الدين‬

‫الدب‬

‫أسعد الهاليل‬

‫ال ُ‬ ‫تلمها‬

‫وفاء جعبور‬

‫استغماية‬

‫صفاء حميد‬

‫المرايا‬

‫‪Osama Tagessir‬‬

‫يفنيك‬ ‫كاد غناؤنا‬ ‫ِ‬

‫متوكل زروق‬

‫نخبك‬

‫جوان مير ‪:‬‬ ‫‪1936‬‬

‫حسني مقبل‬

‫من َل ْم َأح ُل ْم‬ ‫منذُ َز ٍ‬

‫أسيل فاخوري‬


‫نقوش‬ ‫ابداعية‬

‫‪87‬‬

‫عزيزي ثيو‬ ‫جميلة أبو غليون‬

‫(‪)1‬‬

‫(‪)2‬‬

‫لم أعد أستطيع الصمود‬

‫عزيزي ثيو ‪..‬‬

‫عزيزي ثيو ‪..‬‬

‫لن أستطيع منع الدمع المحتبس في‬

‫لم استطع فعل شيء إلطالة عمر‬

‫لعنة عباد الشمس ما زالت تالحقني‬

‫الجفون‬

‫السعادة‪..‬‬

‫ّ‬ ‫تجف فرحتي ك ّلما هربت نحو حقولك‬

‫ذبل األصفر وهو ينتظر دور!‬

‫ذبل الورد األصفر‬

‫زهور وأحزان‬

‫ذبل وهو يحلم بالربيع‬

‫غربت زهور عب ّاد ّ‬ ‫الشمس في‬

‫تنعق في أذني‬

‫الذاكرة‬ ‫أخاف أن يعبرها برد النسيان‬ ‫أخاف أن يسرق ضحكتها‬ ‫ابتسامتها‬ ‫عذوبتها‬ ‫لم أستطع منع ذبولها التدريجي‬ ‫الذي بدأ بجفاف أوراقها واحدة تلو‬ ‫األخرى ‪..‬‬

‫إنني ألعن األفكار التي تهرب في خياالتي‬ ‫تركض كالخيول‬ ‫ال تعرف وجهتها‬ ‫جميع األماكن مغلقة‬ ‫صخور وجبال‬ ‫تحيط بها‬ ‫تسمع صوت حوافرها وهي تضرب األرض‬

‫في بداية تشرين!‬ ‫حزين هو هذا الحلم المتأخّ ر‬ ‫عشرون عاما عن موعد إقالعه‬ ‫أخاف عليه التحطم‬ ‫أخاف عليه من الهبوط االضطراري‬ ‫أخاف أن يض ِّيع وجهته‬ ‫أقلع بعيدا عني !‬ ‫لم أعد أستطيع حراسته‬ ‫ألوح له من بعيد‬ ‫ِّ‬

‫كمواسم الهجرة‬

‫صوت لهاثها‬

‫هجرة الروح‬

‫ال تستطيع القفز من جمجمتي‬

‫صديق خلف صديق‬

‫تحاول الخروج من أناملي‬

‫يتسربون من الذاكرة‬

‫من كلماتي‬

‫كالغيوم الشاردة في عيني طفل‬

‫في خريف العالقات‬

‫تتقلص تغير شكلها وحجمها‬

‫يحاول أن يقبض عليها وهي تركض‬

‫لم تالحقني الليلة‬

‫تعوم في الحروف واأللوان‬

‫كالخراف في الحقول‬

‫أظنّها تعبت من الركض‬

‫ال تتوقف عن الركض‪،‬‬

‫ال أعلم ما تحمله لي األيام من مفاجآت‬

‫غفت على أطراف الحلم‬

‫عن اللهاث‬

‫لكنني أعلم‬

‫أغمضت جفونها واستسلمت‬

‫أواجه فيها بؤس الظروف‬

‫للرحيل‬

‫عزيزي ثيو ‪..‬‬

‫يا ثيو ‪..‬‬ ‫ّبأنني أخاف الفرح‬

‫ودعت غروب شمس النسيان‬ ‫ّ‬

‫أنا ال أستطيع جمع خراف الوقت التي تتناثر‬

‫أخاف الركض خلفه‬

‫لتبدأ أولى رحالتها مع الغياب‬

‫فوق الجبال‬

‫أخاف أن تنفجر بالونات الحظ ‪..‬‬

‫بعد كل هذا اإلشعاع الصارخ ‪..‬‬

‫وال أدرك كمية السحب العالقة في روحي‬

‫في وجهي ‪..‬‬

‫وأدعو اهلل أن يحفظه‬ ‫كل ما أستطعته‪ ،‬هو التحديق ببالونات‬ ‫الحظ وهي تعبرني‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬


‫‪88‬‬

‫نقوش‬ ‫ابداعية‬ ‫زمان‬ ‫منذ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫النحيل‬ ‫رير‬ ‫أحاول‬ ‫رسم ّ‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الليل‬ ‫غابة‬ ‫الذي يتس َّل ُل من ِ‬ ‫ِ‬

‫مالمح ُه‬ ‫بأن‬ ‫كان يقيني َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫منه إلى‬ ‫أقرب‬ ‫ِه َي‬ ‫للضوء ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الصوت‬ ‫ِ‬ ‫للضوء منكسرًا تار ًة‬ ‫أصغيت‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ثم منعكسًا تار ًة‬ ‫نافذًا ناعسًا وكسوالً‬ ‫الكواكب‬ ‫َت َت َّب ْع ُت َم ْس َرى‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫شعل‬ ‫المتطاير عن‬ ‫والشر ِر‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬

‫صريرٌ خمريٌّ‬ ‫إدريس نور الدين‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫الصوت‬ ‫ست في‬ ‫وتف َّر ُ‬ ‫ِ‬ ‫عاشقة‬ ‫منزلقًا عن أصابع‬ ‫ٍ‬ ‫األساطير‬ ‫بليالي‬ ‫ِ‬ ‫مادي‬ ‫مستغرقًا في ال َّر ِّ‬ ‫منعكسًا حالمًا وكسوالً‬ ‫ندي‬ ‫يتالحم‬ ‫كما‬ ‫ضوء ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫الضياء‬ ‫تمام‬ ‫وأبخرةٌ في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مالمح‬ ‫كنت أمام‬ ‫كذلك ُ‬ ‫َ‬ ‫تين‬ ‫ُ‬ ‫تمتح من ِض َّف ِ‬ ‫َ‬ ‫أحايين‬ ‫وخ ِّيل لي في‬ ‫َ‬ ‫الوميض‬ ‫نزع‬ ‫لو أنِّني‬ ‫ُ‬ ‫اسطعت َ‬ ‫ِ‬ ‫الدقيق الذي‬ ‫ِ‬ ‫وت!‬ ‫بالص‬ ‫وء‬ ‫الض‬ ‫ّ‬ ‫يجمعُ‬ ‫ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫مت ما ال يح ّلم‬ ‫ح ّل ُ‬ ‫كواكب‬ ‫قلت إذن ضالّتي في‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫هاربة‬ ‫ٍ‬ ‫ر ّبما‬ ‫وشردت بذهني طوي ًال‬ ‫ُ‬ ‫قصة‬ ‫وأقسمت أالّ أعود إلى‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫والصوت‬ ‫الضوء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثانيةً‬ ‫النحيل‬ ‫والصرير‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثالث‬ ‫وقد كان ذلك قبل ٍ‬ ‫وعشرين‬ ‫كنت أنا مولعًا وق َتها بالهيولي‬ ‫ُ‬ ‫زيتية لهياكل‬ ‫مالمح‬ ‫وخلع‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أسماء‬ ‫تناهت إلى‬ ‫ما خطرت مر ًة أو‬ ‫ْ‬ ‫ريشة‬ ‫ٍ‬ ‫وأنا في ال ّثماني وعشرين‬ ‫الرسم‬ ‫نثير نقاشًا عن‬ ‫بينا ُ‬ ‫ِ‬ ‫والشعر‬ ‫ِ‬ ‫لجنوني‬ ‫قال‬ ‫صديقي ما َش َّد ِني ُ‬ ‫َ‬

‫القديم‬ ‫ِ‬ ‫مرهقتين‬ ‫بعينين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫هياكل زيتيةً ذات أعمد ٍة‬ ‫رأيت‬ ‫ُ‬ ‫الكواكب‬ ‫شجي‬ ‫بكاء‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫القتام ِة‬ ‫شديد‬ ‫نخ ًال‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫بضة‬ ‫كانت قالل رمادية ذات أبخر ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫حمو ُر أرض ِّ‬ ‫الظبا‬ ‫ُ‬ ‫قلت‪ُّ :‬‬ ‫فراديس من ِف َّض ِة العبرات ِ؟!‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫وت‬ ‫الص‬ ‫ذلكم‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫وقد‬ ‫ُ ّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫يزايل صحوًا‬ ‫كحلم‬ ‫ًا‬ ‫د‬ ‫وئي‬ ‫غضًا‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫رطيبًا‬ ‫أسى‬ ‫بعينين لم تطفرا عن‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫هند‬ ‫تمنعوا‬ ‫قلت‪ :‬ال‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫النشيد‬ ‫تتابع هذا‬ ‫من أن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫السماوي‬ ‫َّ‬ ‫هند باكيةً‬ ‫ْ‬ ‫وانفجرت ُ‬ ‫“زينتي‪ .‬زينتي‪“ ..‬‬ ‫البنت زين َتها‬ ‫قلت‪ُ :‬ر ُّدوا إلى‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الفتاة‬ ‫نحيب‬ ‫وتعالى‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫قلت‬ ‫هند‪ُ ،‬‬ ‫اهدئي ُ‬ ‫وثبت عبر‬ ‫رأيت الكنيسةَ قد‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫الوقت‬ ‫هة‬ ‫ِ‬ ‫ُف َّو ِ‬ ‫منقوعةً‬ ‫الكواكب‬ ‫بحليب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قلت‪ :‬المق َّرةُ‬ ‫ُ‬ ‫درةٌ‬ ‫الفراديس؟!‬ ‫ْها‬ ‫ت‬ ‫طارد‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لتي‬ ‫ما ط َر َفت ُمقْ ِ‬ ‫العذوبة‬ ‫رهن هذي‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫وظللت أنا َ‬ ‫ُ‬ ‫ترفل في‬ ‫المق َّرة‬ ‫كانت‬ ‫ُ‬ ‫ظباء َ‬ ‫بسط‬ ‫ٍ‬ ‫ألن ِّ‬ ‫الظبا‪..‬‬ ‫حسدتني‬ ‫السماء َّ‬ ‫ُ‬ ‫قلت‪ :‬ق ِّري‬ ‫فإن الكنيسةَ‬ ‫جيد المق َّر ِة‬ ‫ُ‬ ‫بحدائق فضية ٍ‬ ‫أجراسها‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫المياه‬ ‫نعاس‬ ‫ربما نتأ ْت هكذا من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تغالب هذا‬ ‫وكان بمقدو ِرها أن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫المجن َّح‬ ‫الهديل َ‬ ‫ُ‬ ‫همسات‬ ‫أقراطها‬ ‫ٌ‬ ‫وأنت بأصدا ِئها‬ ‫ِ‬ ‫“نَمِ ِري‪ ...‬نَمِ ِري‪ ..‬نَمِ ِري”‪..‬‬ ‫حرائق من َب َر ٍد‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫ني‬ ‫تس َت ِح ُّم وتنْ زُ و ِب َع ْي ّ‬ ‫ْ‬ ‫طفوت‬ ‫ثم وئيدًا وئيدًا‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫صحن‬ ‫غدوت محاذاة‬ ‫بحيث‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬

‫الكنيسة‬ ‫ِ‬ ‫هند‬ ‫ما كان‬ ‫ِ‬ ‫أقساك يا ُ‬ ‫تلقيت ج َّر َاء هذا‬ ‫أي سرو ٍر‬ ‫ِ‬ ‫العويل‬ ‫ِ‬ ‫الذي ح ّز قلبي كثيرًا؟!‬ ‫بجيد المقَ َّر ِة‬ ‫ألنت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مهموسةً‬ ‫كنت من ِب َر ِك النو ِر‬ ‫ِ‬ ‫هديل َد ِمي‬ ‫شاخصةً في‬ ‫ِ‬ ‫وطفوت‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫سقف‬ ‫ة‬ ‫محاذا‬ ‫غدوت‬ ‫بحيث‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الكنيسة‬ ‫ِ‬ ‫الد ٌ‬ ‫قيق‬ ‫الوميض‬ ‫عند‬ ‫ِ ّ‬ ‫تبسمت‬ ‫ُ‬ ‫ال َش َّك أن المقَ َّرة ِظ ٌّل‬ ‫ٌ‬ ‫بوصلة‬ ‫و»ميم َك»‬ ‫ُ‬ ‫يه‬ ‫أس ِّم ِ‬ ‫يا جنُ و ِني الذي ال َ‬ ‫وارسم‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫رسمك‬ ‫لقداسة‬ ‫الرسم يا‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫منحت الحيا َة حيا ًة‬ ‫أنت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الرخصة‬ ‫بفضل أناملك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قلت له‪ِ :‬سلْ‬ ‫النهر َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍّ‬ ‫كظل لعينيك‬ ‫فسال‬ ‫أفعم َت ُه زرقةً‬ ‫فطمى زرقةً أبديه‬ ‫يالمس أهدابك‬ ‫حالمًا أن‬ ‫َ‬ ‫السندسية‬ ‫فمن أ ّيما وت ٍر أنت تعزفني‬ ‫فضاء رقيقا‬ ‫جاع ًال من بكائي‬ ‫ً‬ ‫ودنيا مثلجة تتنز ُّل‬ ‫وح تطفو‬ ‫وال ُّر ُ‬ ‫تراءى‬ ‫وتخبو‬ ‫الظالل‬ ‫كأجنحة الضوء بين‬ ‫ِ‬ ‫لسفينة ُر ْؤيا‬ ‫كعارضة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫قرية من ُق َ‬ ‫راك‬ ‫إلى‬ ‫خُ ذْ ِني‬ ‫ٍ‬ ‫ألتلو َن َ‬ ‫داك‬ ‫والفجر‬ ‫العشب‬ ‫مع‬ ‫ِ‬ ‫على َم ْس ِ‬ ‫ِ‬ ‫القطرات‬ ‫خُ ذ ِني لكي تكب َر‬ ‫ُ‬ ‫مجرات‬ ‫وتغدو‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أغانيك‬ ‫الرطيب‬ ‫الضياء‬ ‫حيث‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫تنام وتح ُل ُم‬ ‫حين ُ‬ ‫الحب أجنحةً يتس ّلى ِب َها‬ ‫مانح‬ ‫يا َ‬ ‫ّ‬


‫نقوش‬ ‫ابداعية‬

‫‪89‬‬

‫الدب‬ ‫قصة قصيرة‬

‫أسعد الهاليل‬

‫ذات قسوة عصفت ببغداد‬ ‫أتذكــر‪ ..‬أتذكــر‪ ..‬أتذكــر‪ ..‬وهــل لــي‬ ‫أن أنســى؟ مضــت عشــر ســنوات مــذ‬ ‫رفعـ ُـت قطع ـ َة احلجــر الثقيلــة وهويـ ُـت‬ ‫ـمت‬ ‫بهــا علــى رأســه‪ ..‬ال أدري ملــاذا ابتسـ ُ‬ ‫يومــذاك؟ هــل ألنــي أدركـ ُـت بأنــه لــن‬ ‫يضغــط علــى رســغي بقــوة وأنــا أنبــش‬ ‫جيـ َـب ســترته باحث ـ ًا عمــا يجعلنــي‬ ‫أمنــح رفاقــي ابتســامة عريضــة حــن‬ ‫أســتعرض الــدب‪ ..‬صرخـ ْـت أمــي‪:‬‬ ‫ـ اغلــق أذنيــك‪ ..‬وأكمــل تقطيــع‬ ‫ا لبصــل‬ ‫حاولـ ُـت أن أمتثــل‪ ..‬صدقونــي‪..‬‬ ‫حاولـ ُـت كثيــراً‪ ،‬لكــن صــوت الســيارة‬ ‫يقتــرب مــن مقلــب القمامــة اجملــاور‬ ‫إلــى مــا كنـ ُـت أســميه بيتنــا وصــرت‬ ‫أدرك اآلن بأنــه لــم يكــن ســوى زاويــة‬ ‫أكثــر قــذارة مــن مقلــب القمامــة‪..‬‬ ‫سـ َّـورتهُ أمــي بالعلــب والقطــع املعدنيــة‬ ‫ليغــدو ســقف ًا‪ ..‬صــوت الســيارة الــذي‬ ‫يــزداد اقترابـ ًا يعنــي‪ ....‬رمبــا ســأحصل‬ ‫اليــوم علــى الــدب‪....‬‬ ‫ـ ألــم تســمعني؟ ‪ ...‬أكمــل تقطيــع‬ ‫البصــل‪..‬‬

‫صرخت أمي‪..‬‬ ‫ـ البصل؟‬ ‫ارجتت صرخة يف داخلي‪..‬‬ ‫ـ أماه‪ ..‬الدب‪....‬‬ ‫لــم أســمع صرخــات أمــي‪ ..‬لــم أرد‬ ‫أن أســمع‪ ..‬كانــت البــاب هــي هــديف‬ ‫الوحيــد‪ ،‬صــوت الســيارة يبتعــد‪..‬‬ ‫ســيهجم عليــه رفاقــي‪ ...‬يجــب أن‬ ‫أخــرج‪ ..‬الــدب‪ ....‬ســيأخذونه‪..‬‬ ‫ـ أمــي‪ ..‬دعينــي أخــرج‪ ..‬أي بصــل؟‬ ‫‪ ...‬ســأعود وأقطــع لــك كل بصــل‬ ‫األرض لكــن دعينــي أخــرج اآلن‪..‬‬ ‫كانــت تقــف أمــام البــاب لتمنعنــي‬ ‫مــن املغــادرة‪ ،‬كنـ ُـت أرى الغضــب وهــو‬ ‫ينـ ّ‬ ‫ـط مــن عينيهــا‪ ،‬أوردة رقبتهــا التــي‬ ‫بــدت زرقــاء كاخلطــوط الباهتــة‬ ‫لعلبــة الســمن حيــث أضــع مخدتــي‬ ‫حــن النــوم‪ ..‬بيـ ٌـت مــن علــب الســمن‬ ‫وزيــوت الســيارات وحبــات الفاصوليــا‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬هــذا مــا كانــه بيتنــا قبــل‬ ‫عشــر ســنوات‪ ،‬لــم أكــن أدرك إننــي‬ ‫كنــت أســكن املأســاة‪ ..‬أفترشــها‪ ..‬أتدثــر‬ ‫بهــا‪ ..‬كنــت صبي ـ ًا ال يحلــم بأكثــر‬ ‫ممــا مينحــه جيــب جثــة موشــكة علــى‬ ‫التعفــن‪ ..‬نــاورت أمــي‪ ..‬صـ ُ‬ ‫ـرت أدرك‬ ‫اآلن أن الهــدف يبــرر الوســيلة حقــا‪..‬‬ ‫قالهــا واحــد ممــن منحونــي ورقــة‬ ‫ماليــة متواضعــة‪ ..‬كان ُي َحـ ّـد ُث صاحبــه‬ ‫لكنــي أتذكــر جيــد ًا أنــه نظــر إلـ ّـي بعمــق‬ ‫وهــو يــردد‪ ..‬الهــدف يبــرر الوســيلة‪..‬‬ ‫تذكــرت يومــذاك‪ ..‬فجلســت علــى‬

‫ـ الــدب لــي هــذه املــرة‪ ..‬لــن يحصلــوا‬ ‫عليــه‪..‬‬ ‫كان بعــض الصبيــة يركضــون‬ ‫كذلــك‪ ،‬لكــن كوخنــا هــو األقــرب‬ ‫فكنــت أول مــن وصــل إلــى الرجــل‬ ‫املكمــم‪ ،‬مكتــف اليديــن إلــى اخللــف‪،‬‬ ‫وقــد غمــر الــدم رأســه‪ ..‬رصاصــة يف‬ ‫الــرأس‪ ..‬فكــرت يومــذاك‪ ..‬دون أن‬ ‫أدرك مــا يعنيــه ذلــك‪ ..‬مــا كان يهمنــي‬ ‫هــو جيوبــه العديــدة‪ ،‬حيــث يلبــد‬ ‫الــدب‪ ،‬فتشــتها‪ ..‬جيبــا جيبــا‪ ..‬لــم‬ ‫أحصــل ســوى علــى ورقــة ماليــة مــن‬ ‫فئــة العشــرة آالف‪ ..‬والــدب؟ ‪ ...‬مــا‬ ‫كنــت أبحــث عنــه هــو املوبايــل‪ ..‬أود أن‬ ‫أمتلــك هاتفــا كالصبــي حمــزة الــذي‬ ‫حصــل علــى هاتــف (دب) صــار يصــور‬ ‫بــه جثــث القتلــى‪ ..‬حدثنــي يومــا عــن‬ ‫رجــل لــم ميــت بعــد رغــم أنــه تلقــى‬ ‫رصاصــة يف الــرأس‪ ،‬كان يصــوره وهــو‬ ‫يحــرك رأســه بتثاقــل‪ ..‬أعلــن اكتشــافه‬ ‫بــأن الرجــل مــا زال حيــا‪ ،‬فبــادر صبــي‬ ‫مياثلنــي يف العمــر إلــى رفــع قطعــة‬ ‫حجــر هشــم بهــا رأســه‪ ..‬صــو َر باملوبايــل‬ ‫الــدب مــا حــدث وعرضــه لــي‪ ..‬شــعرت‬ ‫بالتقــزز يومــذاك وأتذكــر أنــي لــم‬ ‫أتنــاول مرقــة الفاصوليــا رغــم أنــي‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫حاولــت ثانيــة أن أمتثــل‪ ،‬لكــن‬ ‫صــوت الســيارة اختفــى‪ ..‬لقــد أطفــأ‬ ‫ســائقها احملــرك‪ ،‬إننــي قــادر علــى‬ ‫تخيــل مــا ســيحدث‪ ،‬وأراهــن أنــه حــدث‬ ‫كمــا تخيلــت‪ُ ..‬فتــح صنــدوق الســيارة‪،‬‬ ‫أخــرج امللثمــون الرجــل املكمــم‪،‬‬ ‫أجلســوه أرضــا‪ ،‬أخرجــوا مسدســاتهم‪..‬‬ ‫أو لنقــل مسدســا واحــدا فهــو يكفــي‪..‬‬ ‫رصاصــة واحــدة قــادرة علــى تهشــيم‬ ‫رأس آدمــي‪ ..‬ســمعت صــوت انطــاق‬

‫الرصاصــة‪ ،‬لقــد تهشــم الــرأس إذن‪..‬‬ ‫قفــزت‪..‬‬

‫رصيــف ســاخن‪ ..‬كان مــا تذكرتــه ثقيــا‬ ‫جــدا‪ ..‬نـ ُ‬ ‫ص ّد َقــت بأنــي‬ ‫ـاورت أمــي التــي َ‬ ‫عــدت لتقطيــع البصــل فجلســت خلــف‬ ‫(الݘولــة) لتواصــل طبــخ غــداء ذلــك‬ ‫اليــوم‪ ..‬وجــدت املســافة بــن البصــل‬ ‫والبــاب متاحــة ألقــدام هاربــة فوليــت‬ ‫أدبــاري دون أن أغلــق بــاب مــا صــرت‬ ‫أدرك اآلن أنــه مجــرد كــوخ صفيحــي‪..‬‬ ‫ركضـ ُـت بأعتــى مــا أملــك مــن قــوة‪..‬‬


‫نقوش‬ ‫‪ 90‬ابداعية‬ ‫أحبهــا‪ ..‬كنــت أتخيــل حباتهــا نثــار‬ ‫جمجمــة الرجــل التــي هشــمتها قطعــة‬ ‫احلجــر الثقيلــة‪..‬‬ ‫ـ ُعـ ْـد إلــى البصــل أيهــا العــاق‪ ..‬عــد‬ ‫(ولــك‪ ..‬ابــن الكلــب‪ ..‬ويــن رايــح وشــراح‬ ‫تشــوف غيــر مصايــب هالوكــت األغبــر)‬ ‫لم أعد‪ ..‬وتالشت صرخات أمي بني‬ ‫أقدامــي الصغيــرة وهــي تســرع راكضــة‬ ‫لتســبق أقــدام الصبيــة‪ ،‬وضعــت الورقــة‬ ‫النقديــة يف جيــب دشداشــتي لكنهــا لــم‬ ‫تكــن مــا أبحــث عنــه‪ ..‬املوبايــل‪ ..‬الــدب‪..‬‬ ‫أريــد دب ـ ًا ك ــالذي صور(البــاوي) التــي‬ ‫التقطهــا حمــزة‪ ،‬جثــث‪ ،‬وقتلــى ثقبــت‬ ‫رؤوســهم بالدريــل‪ ..‬اقتلعــت عيــون‬ ‫بعضهــم‪ ..‬جثــث بــا رؤوس خيطــت‬ ‫بطونهــا وحــن فتــح الصبيــة اخليــوط‬ ‫رأوا يف داخلهــا رؤوســا‪ ..‬لــم أكــن أعــرف‬ ‫رأس مــن وجثــة مــن‪ ،‬ولــم يكــن يهمنــي‬ ‫ســوى نظــرات احلســد التــي لــم أكــن‬ ‫قــادرا علــى منعهــا وهــي تهجــم علــى‬ ‫صاحــب موبايــل الــدب الــذي صــور كل‬ ‫هــذه الصــور‪..‬‬ ‫وصــل رفاقــي فأدركــوا بأنــي بحثــت‬ ‫يف جميــع اجليــوب ولــو أحصــل علــى‬ ‫مــا يســتحق العنــاء‪ ..‬مجــرد ورقــة لــم‬ ‫أكــن أعلــم مــا تســاويه‪ ..‬لكنــي رأيــت‬ ‫فرحــا مشــوبا بالغضــب علــى وجــه‬ ‫أمــي وهــي تســتلم الورقــة مــن يــدي‪..‬‬ ‫كانــت تعــرف بأنــي حصلــت عليهــا مــن‬ ‫اجلثــة‪ ..‬وكان األمــر يرهــق أعصابهــا‬ ‫لكنهــا كانــت تريــد بشــدة هــذه الورقــة‬ ‫النقديــة‪ ..‬أدركــت ذلــك حــن رأيــت بعــد‬ ‫ســاعة كيســا مــن اخلضــروات‪ ،‬مــع كــرات‬ ‫الطماطــة احلمــراء وأصابــع اجلــزر‬ ‫واخليــار التــي لــم أتناولهــا منــذ دهــر‪..‬‬ ‫لقــد بادلــت أمــي ورقــة العشــرة آالف‬ ‫بالكثيــر ممــا أســال لعابــي تلــذذا‪..‬‬ ‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫مــرت أيــام‪ ..‬أشــهر‪ ..‬دون أن ترمــى‬ ‫جثــة أخــرى يف اجلــوار‪ ..‬حيــث اعتــادت‬ ‫الســيارات أن تفــرغ صناديقهــا ويطلــق‬ ‫ســائقوها رصاصــات تســتقر يف أدمغــة‬ ‫مــن نتســابق نحــن صبيــة خلــف الســدة‬ ‫إلفــراغ جيوبهــا ممــا حتملــه‪ ..‬لــم يبــارح‬ ‫املوبايــل الــدب مخيلتــي‪ ..‬أريــده‪ ..‬أريــد‬ ‫أن أصــور أمــي وهــي تطبــخ أو تعــود‬ ‫حاملة أكياس (املســواق)‪ ،‬أريد أن أصور‬

‫رفاقــي وهــم يعترفــون بأنــي األســرع يف‬ ‫اجلــري‪ ..‬األكثــر صالبــة يف مواجهــة‬ ‫اجلثــث امليتــة وشــبه امليتــة‪ ..‬متنيــت‪..‬‬ ‫متنيــت بشــدة أن أعثــر علــى رجــل لــم‬ ‫ميــت بعــد ألهشــم رأســه بقطعــة حجــر‪..‬‬ ‫وددت أن يصــوروا ذلــك‪ ..‬متنيــت مــن كل‬ ‫قلبــي‪ ..‬ســيهابونني‪ ..‬ورمبــا لــن يجــرؤوا‬ ‫علــى اســتالل موبايــل الــدب مــن اجلثــة‬ ‫قبــل أن أصــل إليهــا‪ ،‬رمبــا ســيدفع‬ ‫بهــم اخلــوف إلــى تســليمي الــدب‪ ..‬ال‬ ‫أدري ملــاذا تشــعرني فكــرة تصويــر جثــة‬ ‫باملتعــة‪ ..‬أعتــرف بأنــي أشــعر باخلــوف‬ ‫حــن أقتــرب منهــا‪ ،‬لكنــي أكاد أســمع‬ ‫الكلمــات اخملتنقــة بــن شــفاه رفاقــي‬ ‫وهــم ينظــرون بإعجــاب للفتــى الــذي‬ ‫يقتــرب مــن اجلثــة‪ ..‬يقلــب جيوبهــا‪..‬‬ ‫يرفــع ذراعهــا‪ ..‬يحــرك الوجــه الغــارق‬ ‫بالــدم‪ ..‬ورمبــا يغمــس إصبعــا بــدم‬ ‫القتيــل‪ ..‬ال لشــيء ســوى أن يــرى‬ ‫الصبيــة الفتــى وهــو يغــرق أصبعــه‬ ‫بالــدم‪..‬‬ ‫َكفّ ــوا عــن رمــي اجلثــث يف اجلــوار‪.‬‬ ‫صــرت أقضــي الكثيــر مــن الوقــت‬ ‫بتقطيــع البصــل والطماطــم واخليــار‪..‬‬ ‫ذات غــروب‪ ..‬أتذكــره جيــدا‪ ..‬كانــت‬ ‫املــرة األولــى التــي رفعــت فيهــا حجــرا‪..‬‬ ‫كنــت أجلــس علــى الســدة الفاصلــة بــن‬ ‫صفــوف املنــازل وأكــواخ الصفيــح خلفها‬ ‫وأنظــر إلــى الشــارع الــذي تخترقــه‬ ‫ســيارة مســرعة بــن احلــن واآلخــر‪ ..‬مــا‬ ‫الــذي دفــع الســيارة الصفــراء للتوقــف‪..‬‬ ‫مــا الــذي قالــه الرجــل حــن غــادر املقعــد‬ ‫األمامــي وهــو يترنــح‪ ،‬أتذكــر أنــه صــرخ‬ ‫بوجــه الســائق الــذي ابتعــد مســرعا‬ ‫تــارك ًا الرجــل وهــو يواصــل ترنحــه‪..‬‬ ‫أدركـ ُـت اآلن أنــه كان ثمــا‪ ..‬لــم أعــرف‬ ‫وقتــذاك ملــاذا ســقط علــى الرصيــف‬ ‫وفشــل يف النهــوض‪ ..‬استســلم للرقــاد‬ ‫علــى الرصيــف الرملــي البــارد‪ ..‬كنــت‬ ‫أنظــر‪ ..‬لــم يكــن هدفــا لنظراتــي لكنــه‬ ‫اســتعرض ثمالتــه بطريقــة أعــادت‬ ‫الــدب إلــى رأســي‪ ..‬ظننــت بأنــي‬ ‫ســأعثر عليــه يف أحــد جيوبــه‪ ،‬لــم يكــن‬ ‫ســينتبه لــي علــى أيــة حــال فقــد اختــار‬ ‫الرقــاد علــى رمــل الرصيــف الناعــم‪..‬‬ ‫انســلت أصابعــي إلــى جيوبــه مفتشــة‬

‫أول األمــر ثــم صــرت أدس كفــي كلهــا‬ ‫حــن أدركــت بــأن بحثــي يف جيوبــه لــن‬ ‫يوقظــه‪ ..‬حظيــت بورقــة ماليــة وصــورة‬ ‫لكنــه اســتيقظ وفاجأنــي بالقبــض‬ ‫علــي يــدي‪ ..‬كان ثمــا لكنــه لــم يكــن‬ ‫ضعيفــا‪ ..‬وثمــة جيــوب أخــرى لــم‬ ‫أفتشــها بعــد‪ ..‬حاولــت أن أفلــت يــدي‬ ‫دومنــا فائــدة‪ ..‬صــرخ بكلمــات مترنحــة‬ ‫لــم أفهمهــا ألنــي لــم أكــن قــادرا علــى‬ ‫اإلنصــات‪ ..‬فــكل مــا كنــت أريــده هــو‬ ‫إفــات يــدي مــن قبضتــه‪ ..‬آملنــي كثيــرا‪..‬‬ ‫شــعرت بالغضــب‪ ..‬حقــدت عليــه‪..‬‬ ‫متكنــت مــن إفــات يــدي لكنــي لــم‬ ‫أمتكــن مــن جتاهــل حقــدي وغضبــي‬ ‫الــذي دفعنــي مباشــرة نحــو قطعــة‬ ‫مــن الصخــر‪ ،‬رفعتهــا حتــى شــعرت‬ ‫بألــم أبطــي‪ ..‬ثــم هويــت بهــا علــى رأس‬ ‫الرجــل‪ ..‬صفنــت طويــا‪ ..‬شــعرت بــأن‬ ‫قطعــة احلجــر هــوت علــى رأســي ال‬ ‫رأســه‪ ،‬لكنــه غــارق يف بركــة الــدم بينمــا‬ ‫امتــدت يــداي رغــم ذهولــي إلــى جيوبــه‬ ‫باحثــة عــن الــدب‪ ..‬عثــرت فعــا علــى‬ ‫موبايــل لكنــه كان عاديــا بــا كاميــرا‪..‬‬ ‫لــم يبــارح الــدب مخيلتــي‪ ..‬وبعــد أن‬ ‫كفــوا عــن رمــي اجلثــث قــرب صفائحنــا‬ ‫التــي نســميها بيتــا‪ ،‬واصلــت البحث عن‬ ‫الــدب يف الشــوارع‪ ..‬اختفيــت أول األمــر‬ ‫خلــف قطــع الكونكريــت الضخمــة التــي‬ ‫جثمــت عليهــا‪ ..‬اقتربــت مــن الســاحات‪،‬‬ ‫كنــت خائفــا وأنــا أحمــل خرقــة أنظــف‬ ‫بهــا زجــاج الســيارات مقابــل أربــاع‬ ‫وأنصــاف الدنانيــر التــي كان الســائقون‬ ‫ينفحونهــا للمســتجدين الذيــن غــدوت‬ ‫أحدهــم دون أن أعلــم‪ ..‬كنــت أنتظــر أن‬ ‫أرى الــدب ألســرقه وأهــرب مســرعا‪..‬‬ ‫لكــن‪ ..‬ال يهــم‪ ..‬ســأعثر عليــه ذات‬ ‫يــوم‪ ..‬رمبــا لــدى ذلــك الســائق‪ ،‬أو لعلــه‬ ‫شــرطي املــرور‪ ،‬رمبــا لــدى تلــك املــرأة‬ ‫التــي تعبــر الشــارع مســرعة خشــية‬ ‫أن تفترســها عجلــة مســرعة ملســؤول‬ ‫حكومــي‪ ..‬ســأرى الــدب يف يــد أحدهــم‬ ‫أو احداهــن‪ ..‬لــم أكــن أفكــر بالطريقــة‬ ‫التــي ســأحصل بهــا عليــه‪ ،‬لــم يكــن‬ ‫يهمنــي إن كنــت سأهشــم الــرأس‬ ‫بصخــرة أم‪ ...........‬مــا كنــت أريــده‬ ‫فقــط‪ ..‬هــو الــدب‪.‬‬


‫نقوش‬ ‫ابداعية‬

‫‪91‬‬

‫ال ت ُلمها‬ ‫وفاء جعبور‬

‫ال‪ ،‬ال ت ُلمها‬ ‫التفاح‬ ‫موسم‬ ‫ت‬ ‫إن أح ّب ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫القصيدة‬ ‫أرض‬ ‫ِ‬ ‫في ِ‬ ‫فالتمس‬ ‫ْ‬ ‫لتراب ضحكتها اعتذا ًرا‬ ‫ِ‬ ‫وادن منها‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫قل لها‬ ‫وهم‬ ‫المواسم دونها‬ ‫إن‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫يخرج‬ ‫الشوق‬ ‫وإن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫من أصابعها‬ ‫ومنها‬ ‫ال ت ُلمها‬ ‫حين ت ُ‬ ‫الحلم خائفةً‬ ‫بالد‬ ‫ُقبل من ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫الليل‬ ‫فراغ‬ ‫تثرثر في‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫يتيم‬ ‫قمر‬ ‫ٍ‬ ‫عن ٍ‬ ‫يئن‬ ‫في وسادتها ّ‬ ‫ال ت ُلمها‬ ‫َ‬ ‫صدرك‬ ‫باب‬ ‫إن‬ ‫أزاحت غيمةً عن ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫الملح عن ش ّباكها‬ ‫ترد‬ ‫َ‬ ‫كي ّ‬

‫وامنحها األغاني‬ ‫ْ‬ ‫واشتبك بجمالها‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫للوجود‬ ‫حنينك‬ ‫واغرف‬ ‫ِ‬ ‫األكوان منها‬ ‫بضحكة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ت ُلمها‬ ‫شارعا‬ ‫ت‬ ‫إن أح ّب ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ت على ّ‬ ‫الطريق‬ ‫ظل‬ ‫وغفَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫فراشة في بالها‬ ‫لكي تم َّر‬ ‫ْ‬ ‫خيالك كام ً‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫فاحمل‬ ‫امتدادا‬ ‫وامنح شوارعها‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ع ّلها‬ ‫الكالم‬ ‫عنب‬ ‫تصحو على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫إليك‬ ‫وتغرف المعنى‬ ‫فكن جمي ً‬ ‫ال‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫مثل ضحكتها‬ ‫وغفوتها‬ ‫ولكن‬ ‫ْ‬ ‫ال تلمها!‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫كريما واحتضنها‬ ‫فكن‬ ‫ْ‬ ‫ً‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الورد‬ ‫سالل‬ ‫فاحمل‬ ‫ِ‬


‫نقوش‬ ‫‪ 92‬ابداعية‬

‫استغماية‬

‫صفاء حميد‬

‫ـاردة مــن ليالــي كانــون‬ ‫ولــدت يف ليلـ ٍـة بـ ٍ‬ ‫األول‪ ،‬كانــت العواصــف تــدور يف اجل ـ ِّو طيلــة‬ ‫النهــار‪َّ ،‬‬ ‫ـدوم شــيءٍ مــا‪.‬‬ ‫كأنــا تتن ّبــأ بقـ ِ‬ ‫ـيء هــو أن جئــت بعــد‬ ‫وأخيــر ًا كان هــذا الشـ ُ‬ ‫منتصــف الليــل بدقائــق هكــذا أخبرتنــي أمــي‪،‬‬ ‫كان جلــدي مز ّ َرق ـ ًا وأخــذت وقت ـ ًا أكثــر مــن‬ ‫الــازم ألصــرخ‪ ،‬لك ّنــي صرخــت قبــل أن تفقــد‬ ‫األمــل‪.‬‬ ‫اختــاروا لــي اســم ًا شــديد التــداول تسـ ّـمى‬ ‫بــه فتيــات القريـ ِـة يف ِّ‬ ‫كل فرصـ ٍـة متاحــة‪.‬‬ ‫كنــت طفلـ ًـة جميلــة وهــذا مــا ا ّتضــح بعــد‬ ‫أن هــدأ جســدي واختفــت الزرقــة منــه ليحـ َّـل‬ ‫ـاف ورائــق ويتضــح أن مالمحــي‬ ‫محلــه لــونٌ صـ ٍ‬ ‫أقــرب إلــى مالمــح جدتــي الكبــرى التــي وليــس‬ ‫مــن بــاب الصدفــة كانــت حتمــل اســم ًا كاســمي‬ ‫أيضـ ًا‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫أخبرتنــي أمــي ‪-‬يف واحــدة مــن املــرات التــي‬ ‫ضاقــت فيهــا الدنيــا عليهــا لدرجــة أن تفصــح‬ ‫عمــا يف قلبهــا‪ -‬أنهــا لــم تشــعر بالراحــة إال‬ ‫بعــد أن هــدأت زرقتــي واتضحــت مالمحــي‬ ‫ورأت أ ّننــي لســت مجــرد بنــت‪ ،‬بــل بنــت جميلــة‪،‬‬ ‫قالــت إن هــذا ســيمنحني امتيــاز ًا علــى األقــل‪،‬‬ ‫ربــا‬ ‫فاجلمــال ضـ ٌّ‬ ‫ـروري كالطعــام والشــراب ّ‬ ‫أهــم أحيان ـ ًا‪ ،‬أن تكــون جمي ـ ًا يعنــي أن تكــون‬ ‫مقبــو ًال ومرغوب ـ ًا دائم ـ ًا‪ ،‬أن تغفــر أخطــاؤك‬ ‫ـرص‬ ‫ومتســح ســقطاتك وحتصــل علــى فـ ٍ‬ ‫دائم ـ ًا‪ ،‬لــذا لــن تخــاف علـ َّـي بنفــس‬ ‫أفضــل ِ‬ ‫أعدتــه مســبق ًا‪ ،‬بــل‬ ‫القــدر الــذي كانــت قــد ّ‬ ‫ـدار أقـ َّـل قلي ـ ًا‪ ،‬فأنــا بنــت بامتيـ ٍـاز مــا‪.‬‬ ‫مبقـ ٍ‬ ‫كبـ ُ‬ ‫ـرت بســرعة دون أن أدرك حتــى مــا معنــى‬ ‫أن يكبــر اإلنســان ‪,‬كنــت ألعــب يف اخلــارج يف‬ ‫أحــد أيــام الربيــع لعبتنــا املعتــادة مــع أوالد‬ ‫اجليــران‪ ،‬غمــض أحدنــا عينيــه و يبــدأ بالعــد‬ ‫فيركــض البقيــة ليختبئــوا‪ ،‬وحــن ينتهــي‬ ‫األول مــن العــد يبــدأ بالبحــث عــن البقيــة‪،‬‬ ‫وقــد كانــت أكثــر األلعــاب املتعــارف عليهــا بــن‬ ‫أبنــاء جيلنــا والتــي ميكــن يف اجلمــع بــن‬ ‫الفتيــان و الفتيــات كمنطقــة محايــدة‪ ،‬كانــت‬

‫ـتغماية» اللعبــة الهدنــة التــي تكفــل أن‬ ‫«االسـ ّ‬ ‫يلعــب اجلميــع دون أن امتيــازات أو شــروط‪،‬‬ ‫ـري وال‬ ‫فهــي ليســت كــرة قــدم أو ســباق جـ ّْ‬ ‫«حجلــة» أو نــط حبــل و يف كل األحــوال ليســت‬ ‫«بيــت بيــوت»‪.‬‬ ‫إنها لعبة من يختبئ أحســن من اآلخرين‬ ‫يفــوز‪ ،‬ومــن يتــرك نفســه بــا دفاعــات وال‬ ‫حواجــز يخســر‪ ،‬لذلــك كانــت لعبــة مشــتركة‪.‬‬ ‫وبينمــا كنــت يف خضــم لعبــة «االســتغماية‬ ‫ـكان لالختبــاء‬ ‫« هــذه وقــد اختــرت أفضــل مـ ٍ‬ ‫قــد ميـ ُّـر يف خاطــر أحــد األطفــال بحيــث كنــت‬ ‫أوشــك علــى الفــوز ألنّ أحــد ًا لــم يكتشــف‬ ‫مكانــي بعــد‪ ،‬ســمعت صوت ـ ًا ينادينــي‪ ،‬صــوت‬ ‫أعرفــه بالتأكيــد فهــو الصــوت الوحيــد الــذي‬ ‫ينادينــي بهــذه احلـ ّـدة دائم ـ ًا‪.‬‬ ‫وكالم حــول تقـ ُّـدم‬ ‫وبعــد توبيـ ٍـخ طويــل‬ ‫ٍ‬ ‫العمــر واألدب واألخــاق واللعــب مــع البنــات‬ ‫للبنــات ومــع الصبيــان للصبيــان‪ ،‬وحــول‬ ‫اللعــب خــارج املنــزل‪ ،‬انتهــى األمــر بوالــدي‬ ‫ـرة ســألعب‬ ‫إلــى قــرار حاســم بــأنَّ هــذه آخــر مـ ٍ‬ ‫فيهــا مــع أوالد اجليــران لعبـ ًـة مشــتركة أل ّننــي‬ ‫أكبــر مــن أن أفعــل هــذا مجــدداً‪.‬‬ ‫كنــت يف العاشــرة مــن عمــري حينها‪،‬لك ِّنــي‬ ‫أدركـ ُـت بفطرتــي أنّ شــيئ ًا غريب ـ ًا يحصــل‬ ‫ك َّلمــا تق ـ ّ َدم بــي العمــر‪ ،‬شــيئ ًا يشــبه تقليــص‬ ‫الصالحيــات أو التقييــد‪ ،‬لــم أفهــم املسـ ّـمى‬ ‫وال الهــدف حينهــا‪ ،‬كل مــا فهمتــه أ ّننــي كنــت‬ ‫حزينـ ًـة جــد ًا يف اليــوم التالــي وأنــا أقــف يف‬ ‫شــباك غرفتــي أراقــب األطفــال يلعبــون‬ ‫«االســتغماية» يف اخلــارج‪.‬‬ ‫صــارت األلعــاب بالنســبة لــي مبعــث حــزن‪،‬‬ ‫لــم أكــن أعــرف متــى يأتــي اليــوم الــذي لــن‬ ‫يكــون مــن املمكــن لــي أن ألعــب «نــط احلبــل»‬ ‫أو «بيــت بيــوت» أو عــن طحــن احلجــارة املل ّونــة‬ ‫‪ ,‬وأل ّنــي لــم أكــن أفهــم الغــرض مــن منعــي‬ ‫مــن لعــب «االســتغماية» فقــد اختــرت بعدهــا‬ ‫أي شــيءٍ‬ ‫ـرة قصيــرة التوقــف عــن لعــب ِّ‬ ‫بفتـ ٍ‬ ‫آخــر‪.‬‬


‫نقوش‬ ‫ابداعية‬

‫‪93‬‬

‫المرايا‬ ‫‪Osama Tagessir‬‬

‫وح ُدنا يا صديقي‬ ‫لنا ما ُي ِّ‬ ‫رؤاي التي أرهقتني‬ ‫فبعض‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫رؤاك‬ ‫أحسبني‬ ‫نت‬ ‫وبعض‬ ‫ُ‬ ‫الكالم الذي كُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أول القائليه‬

‫شيء‬ ‫يبق‬ ‫لم َ‬ ‫ٌ‬ ‫الخداري‬ ‫فن‬ ‫طير ُ‬ ‫سوى ْ‬ ‫الد َ‬ ‫ُ‬ ‫أن ُيع ِّلمنا َّ‬

‫ُ‬ ‫أسأل نفسي ِمرا ًرا‬ ‫نت‬ ‫كُ ُ‬ ‫أسك ُب ِّ‬ ‫ُ‬ ‫أغنيةً‬ ‫يد‬ ‫بأي ٍ‬ ‫الشع َر ِ‬ ‫ِّ‬

‫كان‬ ‫فحتى‬ ‫الغراب الذي َ‬ ‫ُ‬ ‫عاد َ‬ ‫ذاك ُ‬ ‫راب‬ ‫الغ ْ‬ ‫ما َ‬

‫غيوم الخيال؟‬ ‫من‬ ‫ِ‬

‫معا يا صديقي‬ ‫كفرنا ً‬

‫ارتد في أذُ ني‬ ‫متى َّ‬ ‫ْ‬ ‫كان ُي ْد ِه ُ‬ ‫صداك‬ ‫شني فيه رجعُ‬ ‫َ‬

‫كأغنية في عيون‬ ‫المحبة تنمو‬ ‫بغير‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصغا ْر‬ ‫ِّ‬

‫َ‬ ‫وبين‬ ‫الضوء بيني‬ ‫سقط‬ ‫وكنت إذا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫المرايا‬

‫ص‬ ‫حين‬ ‫وبالموت‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫يجيء ك ِل ٍ‬ ‫ُ‬ ‫الظهر‬ ‫ليطعن في‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫موت‪ ،‬لم ُ‬ ‫َ‬ ‫الفرا ْر‬ ‫نك‬ ‫يا‬ ‫ُ‬ ‫أهل ِ‬

‫ص نشيدي‬ ‫ففي‬ ‫النيل لي ما ُ‬ ‫يخ ُّ‬ ‫ِ‬

‫يكون وال طعم فيه‬ ‫وبالشعر حين‬ ‫ُ‬

‫أراك!‬

‫ذاب‬ ‫في‬ ‫ُي ِّ‬ ‫َ‬ ‫خص ُب َّ‬ ‫الم ْ‬ ‫الحنين ُ‬ ‫يوما‬ ‫رح‬ ‫وإن ُج َ‬ ‫ُ‬ ‫القلب ً‬ ‫تكو َر نز ًفا بحجم بالدي‬ ‫َّ‬

‫روح‪،‬‬ ‫وال َ‬ ‫وأكثره مستعا ْر‬ ‫يأتي مسيخً ا‬ ‫ُ‬

‫ُ‬ ‫الهشاب‬ ‫فوق‬ ‫الصمغ‬ ‫تماما كما‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬

‫الضوء‬ ‫يجمعنا‬ ‫فما دام‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫في‬ ‫واحدةْ‬ ‫ٍ‬ ‫صورة ِ‬

‫بكيت‬ ‫وإما‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫معا يا صديقي‬ ‫بكينا ً‬

‫كر‬ ‫وما دام‬ ‫يجمعنا ِ‬ ‫ُ‬ ‫الف ُ‬ ‫في‬ ‫رؤية واحدةْ‬ ‫ٍ‬

‫ضم قلبي وقل َب َ‬ ‫ك‬ ‫َّ‬ ‫راب الذي َّ‬ ‫وإن التُّ َ‬ ‫كتاب‬ ‫أغلى‬ ‫ْ‬ ‫َّق‬ ‫كتاب تمز َ‬ ‫ٌ‬

‫ُ‬ ‫الحقيقة واحد ًة‬ ‫وما دام في ُمقلتينا‬ ‫والمنى واحدةْ‬ ‫ُ‬ ‫معا يا صديقي‬ ‫غن ً‬ ‫إذن فلنُ ِ‬ ‫لتبقى األغاني ألوالدنا خالدة‬

‫ب‬ ‫َ‬ ‫ب لي ُ‬ ‫تص ُّ‬ ‫فكنت ُ‬ ‫الح َّ‬ ‫العبار َة عطشى‬ ‫أم ُّد ِ‬ ‫َ‬ ‫حين ُ‬ ‫َ‬ ‫كداوود‬ ‫أراك‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فصل المقال‬ ‫أوتيت‬ ‫َ‬ ‫غن معًا‪:‬‬ ‫إذن فلنُ ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫حين نُد ُركُ ه‬ ‫نقصنا‬ ‫شرف‬ ‫(‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫اكتمال )‬ ‫ِّحاد رؤانا‬ ‫وات ُ‬ ‫هو ِّ‬ ‫عر ِظ ُّل الرؤى‬ ‫الش ُ‬ ‫الوجود‬ ‫في مرايا‬ ‫ْ‬ ‫الشعر صورتُنا‬ ‫هو‬ ‫ُ‬ ‫صفحة‬ ‫وانعكاس الدواخل في‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ضاق حتى تراءى‬ ‫القيود‬ ‫ليختال ُح ًّرا برغم‬ ‫ْ‬ ‫معا‪:‬‬ ‫غن ً‬ ‫إذن فلنُ ِ‬ ‫ال ُ‬ ‫تكنِّي‬ ‫غد‬ ‫حاضرنا في ٍ‬ ‫معا سوف نبقى مرايا ِل ِ‬ ‫ً‬ ‫لود‬ ‫صفحةً في كتاب ُ‬ ‫الخ ْ‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫فإن ُمصا َب َ‬ ‫صاب‬ ‫الم‬ ‫ك ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ذات ُ‬

‫كف َ‬ ‫أبصر َّ‬ ‫ك ممدود ًة‬ ‫زلت‬ ‫وال ُ‬ ‫ُ‬ ‫ممس ٌ‬ ‫كة بكؤوس السؤال!‬ ‫وهي‬ ‫ِ‬


‫نقوش‬ ‫‪ 94‬ابداعية‬

‫كاد غناؤنا‬ ‫يفنيكِ‬

‫ستمط ُر فوقنا‬ ‫ِ‬

‫س ُد رقةَ‬ ‫الكشف‬ ‫األرواح قبل‬ ‫ِ‬ ‫تم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬

‫رت التناني َر البعيد َة‬ ‫ُ‬ ‫فج ِ‬ ‫واألرض َّ‬

‫ك غاف ً‬ ‫يا طيني تركتُ َ‬ ‫ال‬

‫مائين‬ ‫وانصهرنا بين‬ ‫ِ‬ ‫افتعلنا ُح َّجةً‬ ‫للدفء‬ ‫ِ‬

‫وسموت ال أدري‬ ‫ُ‬ ‫ولكن َّ‬ ‫لذيذ‬ ‫لفني خد ٌر‬ ‫ْ‬

‫الماء مضطربًا‬ ‫كان‬ ‫ُ‬

‫تركض‬ ‫للقلب‬ ‫رأيت دماءنا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬

‫الش ُّ‬ ‫وكان َّ‬ ‫يكون‬ ‫ك أعلى ما‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫يل‬ ‫وكل غنائنا في ال َّل ِ‬ ‫ٌ‬ ‫معركة من النجوى‬ ‫كون‬ ‫الس‬ ‫وجهر ُس َّل من‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫غمد ُّ‬ ‫ِ‬ ‫الريح إن م َّرت‬ ‫خشيت‬ ‫شحذتُه حتى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سيجرحها‬ ‫فنيك في طربي‬ ‫وكاد _غناؤنا_ ُي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُحلقين‬ ‫وكدت ت‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫للنجم‬ ‫سكبت رحيقنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫النجم شهق َته‬ ‫فك‬ ‫ُ‬

‫متوكل زروق‬

‫الشيء الذي‬ ‫بصدري‬ ‫تركت‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كنا افتعلنا‬ ‫ُ‬ ‫الفلك من وعدي‬ ‫حين كان‬ ‫وظنك بي‬ ‫ِ‬ ‫الموج‬ ‫وج ُو ِدي َنا أمام‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الصلوات‬ ‫أسراب من‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫صبح غمدنا‬ ‫واألرض التي يومًا ستُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫لك تنظرنا‬ ‫الف ِ‬ ‫مرت ت َُح ْي َ‬ ‫ْ‬ ‫نقول‬ ‫وتسمعُ ما‬ ‫َّ‬ ‫لعل طريقنا‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫الوصل‬ ‫سراط‬ ‫م ّرت خفيفًا في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فالع َّ‬ ‫اق حين صعودهم‬ ‫ش ُ‬ ‫ُ‬ ‫لصال للنشوى‬ ‫الص‬ ‫ال يأخذون عباءة َّ‬ ‫ِ‬ ‫ص َع ُد ماؤهم‬ ‫س َي ْ‬ ‫ِّ‬ ‫بكف النو ِر‬ ‫اليشعرون سوى‬

‫كالندى َّ‬ ‫هشته َّ‬ ‫نسمة‬ ‫كفا‬ ‫ٍ‬ ‫يفتح في َّ‬ ‫الم طريقه‬ ‫كالنو ِر‬ ‫ُ‬ ‫الظ ِ‬ ‫هو ُّ‬ ‫علي‪،‬‬ ‫حط‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ورأت طي َر ال َّر ِ‬ ‫الطين منتظرًا‬ ‫كان‬ ‫ُ‬ ‫اليبس‬ ‫دنان‬ ‫ب على‬ ‫ُ‬ ‫وص َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كان مجردًا مني‬ ‫أحن ياربي إلى طيني‬ ‫وكنت ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫فتجرحني‬ ‫صفة‬ ‫وخفت تمسني‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الهول‪،‬‬ ‫فت‬ ‫وخ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ياطيني انتظرني‬ ‫أرجعُ حام ً‬ ‫ال ضعفي‬ ‫سوف ِ‬ ‫باإلياب‬ ‫ووعدًا‬ ‫ْ‬ ‫أمر‪ُّ ،‬‬ ‫خيامهم ب َر ٌد‬ ‫كل‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫وجوههم ِّ‬ ‫الليل‬ ‫فضية في‬ ‫وكل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تكية نُصبت على أسمائهم‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫وأنا أرى‪ ،‬ما كل هذا؟!‬ ‫أين أشيائي التي فوقي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كنت أخذته‬ ‫والرغيف األمس‬ ‫حصاني‬ ‫ُ‬ ‫الطريق‬ ‫زاد‬ ‫ِ‬ ‫المسكين‬ ‫فقيل لي ‪ :‬يا أيها‬ ‫ُ‬ ‫ال ت َ‬ ‫الروح‬ ‫بزاد‬ ‫ُمش‬ ‫ُ‬ ‫الطريق سوى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫عدم‬ ‫أقبلت من خلجاته‬ ‫والليل الذي‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الواصلين نجاتهم‬ ‫وليل‬ ‫َ‬ ‫الصباح‪.‬‬ ‫وصباحهم ليس‬ ‫ْ‬


‫نقوش‬ ‫ابداعية‬

‫‪95‬‬

‫نخبك‬ ‫حسني مقبل‬

‫ْ‬ ‫نخبك‪.‬‬ ‫األثناء‪:‬‬

‫«العالم هذا جميل لكنَّه ال يعني لك‬

‫لدين‪ ..‬أوالد الـ‪....‬‬ ‫أحسد أولئك المت ِّب‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫األثناء‬ ‫هذه‬ ‫ُ‬

‫شي ًئا»‪،‬‬

‫ْ‬ ‫القبيل‪..‬‬ ‫وشيء من هذا‬ ‫ٍ‬

‫ت في‬ ‫تصلح لحصد‬ ‫الكواكب التي َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫بزغ ْ‬

‫تأخذ الكرسي وتحطمه لتتطا َير أجزاؤه‬ ‫ُ‬

‫تسحب آخ َر سيجارة مهجورة من باكت‬ ‫ُ‬

‫َ‬ ‫ذقنك‬

‫ألف قطعة‬ ‫الى ِ‬

‫الحياة‬ ‫دحس‬ ‫كاد ينتهي تحت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫األصدقاء الذين ماتوا‬ ‫عدد‬ ‫وأنت تحصي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬

‫العالم بكل مكوناته‪..‬‬ ‫فتغضب على‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬

‫ُ‬ ‫واحد‪،‬‬ ‫بنفس‬ ‫وتشفطها‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬

‫الرصاص‪،‬‬ ‫رم ًيا بأي شيء غير‬ ‫ْ‬

‫اآلن فقط‬ ‫َ‬

‫زمن هذا الذي‬ ‫َّ‬ ‫ثم تعوي وأنت ال تدري ّ‬ ‫أي ٍ‬

‫الشخص رم ًيا‬ ‫المعقول أن يموت‬ ‫من غير‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬

‫ُ‬ ‫أن الرصاصةَ‬ ‫دائما ال تصيب إال‬ ‫ستدرك َّ‬ ‫ً‬

‫ُ‬ ‫تعيش فيه‪..‬‬

‫بالرصاص‪،‬‬ ‫ْ‬

‫الشخص الخطأ‪،‬‬ ‫َ‬

‫تقوم‬ ‫واجبات ينبغي أن‬ ‫أن عليك‬ ‫تتذكر َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫إصبع معدنية ال يتجاوز طولها‬

‫رؤوسهم‬ ‫صب في‬ ‫هناك من‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫يجب أن ُي ّ‬

‫الغد‬ ‫بها في‬ ‫ِ‬

‫رصيد كامل‬ ‫السنتمتر تقضي على‬ ‫ٍ‬

‫َّ‬ ‫الحية‬ ‫كل مخزون العالم من الذخائر‬ ‫ِ‬

‫تنام‪،‬‬ ‫وأن عليك أن‬ ‫َّ‬ ‫َ‬

‫ومخزون كبير يسكن‬ ‫جسدا آدم ًّيا؟‬ ‫ً‬

‫الحية‪،‬‬ ‫وغير‬ ‫ِ‬

‫َ‬ ‫القليل‬ ‫العالم ال يساوي‬ ‫فتدرك أن هذا‬ ‫َ‬

‫األثناء وأنت تحصد كمية‬ ‫في هذه‬ ‫ِ‬

‫تقدما في دماغك‬ ‫هذا القلق الذي يحرز‬ ‫ً‬

‫النوم‬ ‫من‬ ‫ِ‬

‫القلق‪..‬‬ ‫ْ‬

‫تشعر بدبيبه‪،‬‬

‫للسخط مرة أخرى‪،‬‬ ‫فتعود‬ ‫ِ‬

‫القلق ما‬ ‫تخ َّي ْل أن يكون لديك من‬ ‫ِ‬

‫يتنم ُل‬ ‫ورأسك‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬

‫ولجعل السخط ذا جدوى تتذكَّ ر كات ًبا‬ ‫ِ‬

‫توتر‪..‬‬ ‫حالة‬ ‫وكل أجزائك في‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬

‫صامتة‬ ‫بحروف‬ ‫كتاباته‬ ‫ينهي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬

‫سابق‬ ‫أي شيء يمكن أن يقال بدون‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬

‫الكيميائية‬ ‫أي شيء من هذه العناصر‬ ‫ِ‬ ‫أو ِّ‬

‫إنذا ٍر‬

‫الفلزية‪،‬‬ ‫ِ‬

‫تخ َّي ْل فقط‪،‬‬

‫الهراء‪،‬‬ ‫ستطلق‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫مجهودك‬ ‫فتحمد‬ ‫َ‬

‫ُ‬ ‫وستدرك مدى العمق الذي يعاني منه‬

‫َ‬ ‫يوما عنص ًرا كيميائ ًّيا‬ ‫لكونك لم‬ ‫ْ‬ ‫تصبح ً‬

‫الجرد تأتيك‬ ‫الحال من‬ ‫وأنت في هذه‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬

‫البعض‪،‬‬ ‫ُ‬

‫ْ‬ ‫اليوريك‬ ‫حمضا كـ‬ ‫أو كات ًبا عميقً ا أو‬ ‫ً‬

‫إلغراق هذا العالم‪،‬‬ ‫يكفي‬ ‫ِ‬ ‫وجعله يصرخُ‬ ‫ِ‬ ‫ويؤدي دو َر ّ‬ ‫كل الكائنات في هذا‬ ‫المجاورة‪..‬‬ ‫والكواكب‬ ‫الكوكب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫َ‬ ‫تقول لذاتك في هذه‬ ‫ال تستطيعُ أن‬

‫ٌ‬ ‫رسالة‪:‬‬

‫شيء‪..‬‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬ ‫إنَّهم ال يعانون من ّ‬


‫نقوش‬ ‫‪ 96‬ابداعية‬

‫ِّ‬ ‫اج ٍة‬ ‫الحافلة‬ ‫أنم في‬ ‫ِ‬ ‫لم ْ‬ ‫ْ‬ ‫بكل َف َج َ‬ ‫يقض ِم القَ لم َقلبي‬ ‫لم‬ ‫منذ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫زمن ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ولم أَ‬ ‫ْ‬ ‫عن ُ‬ ‫ص ِن‬ ‫ْ‬ ‫الغ ْ‬ ‫سقط ِ‬ ‫امرأةً ناضجةً‬ ‫معا‬ ‫تحتاج سوى‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫عقلي ِن ً‬ ‫ْ‬

‫ُ‬ ‫زَمن‬ ‫منذ ٍ‬ ‫َلمْ َأح ُلمْ‬

‫تستطيع العيش‬ ‫لكي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫تخلع جلدها الباكي‬ ‫أن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫تحتاج ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ليونة‬ ‫بكل‬ ‫أن تقف َز بين البالد‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫رحيق القادمي َنش‬ ‫وتمتص‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫عين الغائبين‬ ‫الملح في‬ ‫وترمي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬

‫أسيل فاخوري‬

‫زمن‬ ‫منذ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫لم ْ‬ ‫وجهك‬ ‫أمام‬ ‫أقف‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أن أقول‬ ‫أريد ْ‬ ‫فأقول ما ُ‬ ‫بدخان تعبي‬ ‫أ َّلا أحتمي‬ ‫ِ‬ ‫من الكالم‬ ‫لم أخرج من جيب األنوثة‬ ‫إلى الطفولة‬ ‫أتفتَّ ق‬ ‫المندس إلى‬ ‫بنهم‬ ‫األشياء‬ ‫أفترس‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫الحقيقة‬ ‫أو الكذب‬

‫زمن لم أنتصر‬ ‫منذ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫الدافئة َّ‬ ‫الطاحنة‬ ‫هذي الحروب َّ‬ ‫بعيد‬ ‫زمن‬ ‫منُ ذ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫انصياع‬ ‫أعربد بال‬ ‫كنت‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫أحب‬ ‫أحب وال‬ ‫أشهق على ما‬ ‫كنت‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫محفوفا بالرقص األحمر‬ ‫كنت رج ًلا‬ ‫ُ‬ ‫فوق عرايا األيام‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫رصاص‬ ‫أن تغتال‬ ‫وكنت امرأة ال‬ ‫ُ‬ ‫تعرف إ َّلا ْ‬ ‫َ‬ ‫الموت‬ ‫زمن‬ ‫منذ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫الدفة واسترحت‬ ‫ُ‬ ‫تركت َّ‬ ‫زمن‬ ‫ومنذ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫الدفة لكي أستريح‬ ‫لم تتركني ّ‬ ‫ْ‬ ‫حقي الشرعي‬ ‫لم أمارس‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أكتب نفوقي‬ ‫بأن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الواصل‬ ‫الخيط‬ ‫فوق‬ ‫الرسائل‬ ‫وأترك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وبين الليل‬ ‫بيني‬ ‫َ‬ ‫أدون تعبي‬ ‫منذ‬ ‫ُ‬ ‫زمن لم ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫فدونني هذا التعب‬ ‫َّ‬ ‫كمسودة أولى‪!..‬‬ ‫وأغلقني‬ ‫ٍ‬


‫‪97‬‬

‫بانوراما‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫فيلم وكتاب‪:‬‬ ‫جيرمينال‬ ‫إلميل زوال‬ ‫(‪)1902 - 1840‬‬ ‫مدينة عجلون‬ ‫األردنية‪:‬‬ ‫سحر‬ ‫الطبيعة‬ ‫وعبق‬ ‫األصالة‬


‫‪98‬‬

‫بانوراما‬ ‫فيلم وكتاب‬

‫جيرمينال إلميل زوال‬ ‫(‪)1902 - 1840‬‬

‫عـاش فـي بدايـة حياتـه فقيـرا فلـم يسـتطع إكمـال‬ ‫تعليمـه ثـم مـا لبـث أن أصبـح واحـدا مـن أهـم الك ّتـاب‬ ‫الفرنسـيين خلال النصف الثاني من القرن التاسـع عشـر‪.‬‬ ‫بـدأ حياتـه المهنيـة صحفيـا بسـيطا مغمـورا ثـم كتـب‬ ‫مقـاالت فـي النقد األدبـي وقصصا قصيرة ونشـر روايات‬ ‫فـي شـكل سلسـلة متصلـة منفصلـة تحمـل عنوانـا‬ ‫عامـا هـو «الروغـون مـاكار ‪ ”Les Rougon Macquart‬تتكـون‬ ‫مـن عشـرين روايـة أهمهـا جيرمينـال وكان ترتيبهـا ‪.13‬‬

‫ميسون أبو الحب‬

‫وجيرمينـال يف التقـومي اجلمهـوري هـو‬ ‫اسـم الشـهر السـابع ‪ -‬يبدأ يف ‪ 21‬أو ‪ 22‬آذار‪/‬‬ ‫مـارس وينتهـي يف ‪ 19‬أو ‪ 20‬نيسـان‪/‬أبريل ‪-‬‬ ‫أي أنه شـهر ازدهار الربيع‪ .‬وكانت فرنسـا قد‬ ‫بـدأت العمـل بالتقـومي اجلمهـوري مع الثورة‬ ‫الفرنسـية يف عـام ‪ 1793‬ثـم ألغـاه نابليـون‬ ‫بونابـرت يف عـام ‪.1805‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫صراع‬ ‫أثـارت روايـة جيرمينـال جـدال واسـعا عنـد‬ ‫نشـرها يف عـام ‪ 1885‬إذ شـهدت سـنوات تلـك‬ ‫الفترة اضطرابات اجتماعية واسـعة وتطورا‬ ‫كبيـرا يف الثـورة الصناعيـة وشـيوع اسـتغالل‬ ‫رأس املـال العمـال والصنـاع مقابـل أجـور‬ ‫زهيـدة ال تكفيهـم قـوت يومهـم‪.‬‬ ‫كان كارل ماركـس قـد نشـر كتابـه «رأس‬ ‫املـال» يف عـام ‪ 1867‬فيمـا وقعـت أحـداث‬ ‫كومونـة باريـس يف عـام ‪ 1871‬ثـم صـدرت‬ ‫قوانين لصالـح حريـة التجمـع والصحافـة‬ ‫يف عـام ‪ 1881‬وتشـكّ لت نقابـات وحـركات‬ ‫اشـتراكية تنـادي باملسـاواة وبوقـف اسـتغالل‬ ‫العمـال‪ .‬وشـهدت تلـك السـنوات أيضـا أزمـات‬ ‫اقتصاديـة حـادة مـع انتشـار البطالـة وهـو‬

‫مـا جعـل أصحـاب رؤوس األمـوال ميارسـون‬ ‫ضغوطـا أكبـر علـى العمـال‪ .‬وبالطبـع ال بـد‬ ‫أن يـؤدي كل هـذا إلـى نـوع مـن التملمـل يف‬ ‫شـكل إضرابـات أعلنهـا عمـال املناجـم يف‬ ‫سـبعينات القـرن التاسـع عشـر وثمانيناتـه‪.‬‬ ‫وقد شجعت هذه الظروف البائسة انتشار‬ ‫األفـكار االشـتراكية للوقـوف يف وجـه هيمنـة‬ ‫أصحـاب رؤوس األمـوال وهـو مـا تلقفـه زوال‬ ‫يف روايتـه جيرمينـال التـي حتولـت إلـى مـرآة‬ ‫عكسـت كل مـا شـهدته تلـك الفتـرة ويشـمل‬ ‫ذلـك تعـدد أشـكال االشـتراكية وتياراتهـا إذ‬ ‫رسـم زوال كلّ جوانـب هـذا الواقـع تقريبـا يف‬ ‫روايتـه عـن حيـاة عمـال املناجـم يف شـمال‬ ‫فرنسـا وعـن البـؤس الـذي يعيشـون فيـه وعـن‬ ‫محاوالتهـم التمـرد واالنتفـاض علـى ظـروف‬ ‫حيـاة وعمـل بائسـة وغيـر إنسـانية للغايـة‪.‬‬ ‫مناجم‬ ‫كانـت املناجـم قـد حت ّولـت قبـل نشـر هـذه‬ ‫الروايـة إلـى موضـوع أدبـي ولكـن زوال تناولـه‬ ‫مـن زاويـة أخـرى واقعيـة وتوثيقيـة وقصصية‬ ‫يف الوقـت نفسـه‪.‬‬

‫فمن أجل كتابة هذه الرواية راح زوال يعمق‬ ‫معارفـه بـكل مـا لـه عالقـة باملناجـم جغرافيـا‬ ‫وجيولوجيـا واجتماعيـا واقتصاديـا‪ ..‬إلـخ‪.‬‬ ‫بـل درس حتـى أنـواع األمـراض التـي تصيـب‬ ‫العمـاّل وكيـف يت ّـم اسـتغالل جيـاد داخـل‬ ‫مناجـم عميقـة حتـت األرض تبقـى فيهـا‬ ‫حتـى متـوت‪ .‬وعـادة مـا كانـت هـذه احليوانـات‬ ‫تصـاب بالعمـى بسـبب الظلام‪.‬‬ ‫ويف شـباط‪ /‬فبرايـر مـن عـام ‪ 1884‬قـرر‬ ‫‪ 12‬ألـف عامـل مناجـم اإلضـراب عـن العمـل‬ ‫يف أنـزان فسـارع زوال إلـى زيـارة املنطقـة حيـث‬ ‫هبـط داخـل املناجـم وزار مسـاكن العمـال‬ ‫واطلـع علـى تفاصيـل حياتهـم وتقاليدهـم‬ ‫وكتب مالحظات يف سجل أسماه «مالحظاتي‬ ‫عـن أنـزان» وكان يحـاول توخـي الدقـة يف كل‬ ‫شـيء‪.‬‬ ‫تـرك زوال وراءه ملفـا عـن جيرمينـال‬ ‫يتكـون مـن ‪ 962‬صفحـة تتضمـن مالحظـات‬ ‫ومعلومـات عـن املناجـم وعـن الشـخصيات‬ ‫التـي سيسـتخدمها مـع مالمحهـا واخالقهـا‬ ‫وتفاصيـل عالقاتهـا مـع الشـخصيات األخـرى‬ ‫علمـا أنـه ليـس هنـاك بطـل واحـد يف هـذه‬


‫بانوراما‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫الروايـة ألن البطولـة مشـتركة يف الواقـع وقـد نشـرها زوال يف شـكل‬ ‫حلقات يف الصحف قبل صدورها يف كتاب واحد يف آذار‪/‬مارس ‪.1885‬‬ ‫أراد زوال لهذه الرواية أن تكون رواية عن العمال وحياتهم وعن‬ ‫الصـراع االجتماعـي والطبقـي وعـن دور هـذه الفئـة يف اجملتمـع‬ ‫واالقتصـاد والسياسـة‪ .‬وقـد ركّـز فيهـا علـى العالقـة بين أصحـاب‬ ‫رؤوس األمـوال والعمـال ونحـن نعلـم أن زوال كان متعاطفـا مـع‬ ‫الطبقـة الكادحـة‪ ،‬ولكنـه لـم يكـن يؤمـن بثوراتهـم أو بلجوئهم إلى‬ ‫العنف‪.‬‬ ‫ُنشـرت جيرمينـال و ُترجمـت إلـى مئـات اللغـات و ُأنتـج عنهـا ‪5‬‬ ‫أفلام سـينمائية وعـدد مـن املسلسلات واألعمـال التلفزيونيـة‬ ‫ورمبـا كان أهـم فيلـم هـو الـذي ُأنتـج يف عـام ‪ 1993‬ويحمـل اسـم‬ ‫الروايـة نفسـه وهـو فيلـم ملحمـي مـن إخـراج كلـود بيـري وبطولـة‬ ‫جيـرار دوبارديـو وميو‪-‬ميـو ورونـو‪ .‬وكان يف ذلـك الوقـت أغلى فيلم‬ ‫تنتجـه فرنسـا علـى اإلطلاق‪.‬‬ ‫ويف عام ‪ ،1994‬حصل الفيلم على جائزة سيزار ألفضل تصوير‬ ‫وترشـح جلوائـز أخـرى منهـا أفضـل فيلـم‬ ‫وأفضـل تصميـم مالبـس‬ ‫ّ‬ ‫وأفضـل ممثلـة وأفضـل ممثـل ثانـوي وأفضـل ممثلـة ثانويـة وأفضل‬ ‫مخـرج وأفضـل نـص وأفضـل صـوت وأفضـل مونتـاج وأفضـل‬ ‫موسـيقى‪ .‬مت اختيـاره أيضـا كأفضـل فيلـم بلغـة أجنبيـة جلائـزة‬ ‫أوسـكار يف الـدورة ‪ ،66‬ولكـن هـذا الترشـيح واجـه رفضـا الحقـا‪.‬‬ ‫مـن األفلام األخـرى التـي اعتمـدت روايـة جيرمينـال فيلـم‬ ‫«اإلضـراب إنتـاج ‪ »1904‬و «يف أرض السـواد ‪ »1905 -‬و «جيرمينـال ‪-‬‬ ‫‪ »1913‬و «جيرمينـال ‪.”1963 -‬‬

‫‪99‬‬


‫‪100‬‬ ‫‪100‬‬

‫استطالع‬ ‫مدينة عجلون األردنية‪:‬‬

‫سحر الطبيعة وعبق األصالة‬

‫فاطمة الزغول‬

‫تصوير‪:‬‬

‫صدام فاضل‬

‫حبـا اهلل األردن موقعاً جغرافياً اسـتراتيجيًا جعـل‬ ‫ً‬ ‫موئلا للحضـارات التاريخية‪ ،‬وحلقة وصـل بينها‬ ‫منـه‬ ‫علـى مـدى العصـور التاريخيـة‪ ،‬كما سـاعدت طبيعة‬ ‫المتنوعـة ال ّتضاريـس‪ ،‬والغنيـة بالخصوبـة‬ ‫أرضـه‬ ‫ّ‬ ‫ووفـرة الينابيـع العذبـة قديماً‪ ،‬علـى تشـكيل‬ ‫الحضـارات اإلنسـانية وتعاقبهـا فـي شـتى بقاعـه‬ ‫الواقعـة فـي قلـب بلاد ّ‬ ‫الشـام والوطـن العربـي‪،‬‬ ‫فلا تـكاد تـزور بقعـة فـي أرض األردن العريـق‪ ،‬إال‬ ‫وتجـد معلماً حضارياً قديماً‪ ،‬أو آثـارًا دفينـة خ ّلفهـا‬ ‫سـاكنوها الذيـن سـادوا ثـم بـادوا‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬


‫استطالع ‪101‬‬ ‫ومـن املـدن العريقـة يف األردن مدينـة‬ ‫عجلـون أو جلعـاد قدميـ ًا كمـا كانـت ُتسـمى يف‬ ‫بالصالبة‬ ‫الزمن األموي‪ ،‬هذا االسم املرتبط ّ‬ ‫يجسـد طبيعتها اجلبلية‬ ‫واخلشـونة‪ ،‬والذي‬ ‫ِّ‬ ‫الصلبـة‪ ،‬تلـك املدينـة اجلبليـة التـي تع ّـد مـن‬ ‫ّ‬ ‫أكثـر مـدن األردن عراقـة وجمـا ًال وسـحر ًا‬ ‫خالب ًـا تستشـفه مـن روعـة ال ّتنـوع الطبيعـي‬ ‫املكسـوة بأشـجار السـنديان‪،‬‬ ‫فيهـا‪ ،‬فاجلبـال‬ ‫ّ‬ ‫والبلـوط‪ ،‬والصنوبـر الدائمـة اخلضـرة‪،‬‬ ‫ـري‪ ،‬متنحهـا نسـيم ًا‬ ‫تلت ّـف حولهـا بشـكل دائ ّ‬ ‫ً‬ ‫عليلا منعشـ ًا يحميهـا مـن وطـأة لهيـب‬ ‫الصيـف احلـارق يف املناطـق األخـرى‪ ،‬ويف‬ ‫ّ‬ ‫وسـط املدينـة تنتشـر األوديـة والينابيـع التـي‬ ‫حتيطهـا أشـجار التّين والزيتـون‪ ،‬وكـروم‬ ‫العنـب وال ّتفـاح واإلجـاص واخلـوخ التـي‬ ‫متتّـع الناظـر بجمـال ألوانهـا يف الصيـف‪،‬‬ ‫وط ِّيـب ثمارهـا متن ِّوعـة املـذاق‪.‬‬ ‫تعاقبـت احلضـارات علـى أرض عجلـون‪،‬‬ ‫ففـي كلّ بقعـة مـن أرضهـا جتـد مـا يـدلّ‬ ‫إمـا سـكنتها‬ ‫علـى حضـارة قدميـة سـالفة‪ّ ،‬‬ ‫أو مـ ّرت بهـا‪ ،‬كاحلضـارة البيزنطيـة‪،‬‬ ‫واحلضـارة الرومانيـة‪ ،‬واحلضـارة العربيـة‪،‬‬ ‫واحلضـارة التّركيـة‪ ،‬فهنـاك بقايـا معالـم‬ ‫اندثـرت‪ ،‬ومعالـم مـا زالـت موجـودة يرتادهـا‬ ‫الـ ّز ّوار مـن كافـة بقـاع األرض‪ ،‬كمنطقـة مـار‬ ‫إليـاس الشـهيرة بأديرتهـا وكنائسـها املز ّينـة‬ ‫بالفسيفسـاء‪ ،‬وهـي حجـارة مل ّونـة صغيـرة‬ ‫مصفوفـة بشـكل هندسـي جميـل‪ ،‬وهـذه‬ ‫املقدسـة عنـد املسـيحني‪،‬‬ ‫املعالـم مـن اآلثـار‬ ‫ّ‬ ‫باإلضافـة إلـى موقـع كنيسـة سـ ِّيدة اجلبـل‬ ‫يف عنجـرة‪ ،‬التـي ُأقيمـت علـى أنقـاض كنيسـة‬ ‫قدميـة مـن القـرن الرابـع امليلادي‪ ،‬وتع ّـد‬ ‫مـن الكنائـس اخلمـس املعتمـدة للحـج عنـد‬ ‫الفاتيـكان‪ ،‬التـي يح ّـج إليهـا كلّ عـام آالف‬

‫السـائحني مـن كافـة بلاد العالـم‪.‬‬ ‫أمـا عـن امل َ ْع َلـم احلضـاري الرئيسـي الـذي‬ ‫ّ‬ ‫تتم ّيز به عجلون‪ ،‬فهو تلك القلعة الشامخة‬ ‫قمة جبل عوف‪ ،‬وهي ما يلفت‬ ‫الرابضة على ّ‬ ‫الزائـر لعجلـون مـن كل املناطـق احمليطـة بهـا‬ ‫لش ّـدة ارتفاعهـا الـذي يبلـغ ‪١٥٤٣‬متـر عـن‬ ‫سـطح البحـر‪ ،‬وهـي قلعـة حصينـة مشـرفة‬ ‫علـى القـدس‪ ،‬وأراضـي ّ‬ ‫الشـام‪ ،‬يعـود تاريـخ‬ ‫بنائهـا إلـى عصـر األيوبيين‪ ،‬فقـد أمـر صلاح‬ ‫الديـن األيوبـي قائـده عـز الديـن أسـامة‬ ‫قمـة مـن جبـال عجلـون‪،‬‬ ‫ببنائهـا علـى أعلـى ّ‬ ‫لتكـون مشـرفة علـى احلصـون اإلسلامية‬ ‫احمليطـة بهـا‪ ،‬بعـد معرفتـه لطبيعـة املنطقـة‬ ‫التـي تشـكّ ل حلقـة وصـل بين بلاد الشـام‬ ‫وسـواحل البحـر األبيـض املتوسـط‪ ،‬وهنـاك‬

‫املسـجد الكبيـر يف وسـط املدينـة الـذي يعـود‬ ‫بنـاؤه إلـى األمويين‪.‬‬ ‫عمـل سـكان عجلـون قدميـ ًا بالزراعـة‬ ‫بالسـكان منـذ‬ ‫وال ّتجـارة‪ ،‬فهـي مدينـة مأهولـة ّ‬ ‫القـدم‪ ،‬ذكرهـا ابـن بطوطـة يف رحلتـه‪ ،‬فذكـر‬ ‫أ ّنهـا مدينـة حسـنة املبانـي‪ ،‬مليئـة‬ ‫باحلوانيـت‪ ،‬واجلنائـن‪ ،‬مـا ي ّـدل‬ ‫علـى ال ِّرفعـة واحلضـارة‪ ،‬كمـا ذكـر‬ ‫واديـ ًا عـذب امليـاه يشـقّ ها‪ ،‬مـا يـدلّ‬ ‫علـى كثـرة مياههـا العذبـة قدميـ ًا‪،‬‬ ‫فمدينـة عنجـرة مـن مدن عجلون‬ ‫اسـمها مركـب مـن عين جـرت‬ ‫لكثـرة مـا فيهـا مـن عيـون‬ ‫املـاء اجلاريـة والتـي ج ّـف‬ ‫معظمهـا مـع الزمـن‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬


‫‪ 102‬استطالع‬ ‫تتمتّـع عجلـون باعتـدال مناخهـا يف فصـل‬ ‫الصيـف‪ ،‬فهـي تشـكل مصيفـ ًا مهمـ ًا يف منطقـة‬ ‫بلاد الشـام كلهـا‪ ،‬وذلـك يعـود إلـى ارتفاعهـا عـن‬ ‫سـطح البحـر‪ ،‬وكثـرة غابـات األشـجار احلرجيـة‬ ‫فيهـا‪ ،‬كمـا يتميـز شـتاؤها بشـدة البـرودة‪،‬‬ ‫فالثلـوج تتسـاقط يف الشـتاء لتكسـو جبالهـا‬ ‫بالـرداء األبيـض البهيـج‪ ،‬وتكسـبها منظـر ًا‬ ‫بديع ًا يسـلب القلوب واألنظار بسـحره البديع‪.‬‬ ‫ُعـرف عـن أهـل عجلـون متسـكّ هم بالعـادات‬ ‫والتقاليـد األصيلـة‪ ،‬كمـا اشـتهروا بكـرم‬ ‫الضيافـة‪ ،‬وال ّنخـوة‪ ،‬وطيـب املعاملـة‪ ،‬كمـا بـرز‬ ‫ّ‬ ‫وممن‬ ‫فيها العديد من رجال العلم واملثقفني‪ّ ،‬‬ ‫خلّـد التاريـخ أسـماءهم‪ ،‬األمـام العجلونـي‪،‬‬ ‫وموسـى بـن ناصـر الباعونـي‪ ،‬وأحمـد بن ناصر‬ ‫الباعوني‪ ،‬وعائشة الباعونية‪ ،‬وغيرهم العديد‬ ‫ممـن اشـتهر ّوا بـاألدب‪ ،‬والشـعر‪ ،‬والفقـة‪.‬‬ ‫أمـا عـن التـراث‪ ،‬فاملـرأة كانـت تطـرز ثوبهـا‬ ‫باأللـوان الزاهيـة بنفسـها‪ ،‬و ُته ّـدب لزوجهـا‬ ‫ّ‬ ‫(الشـماغ)‪ ،‬وهـذه املالبـس مـا‬ ‫غطـاء الـ ّرأس‬ ‫السـكان يف مناطـق عجلـون‬ ‫ـن‬ ‫م‬ ‫زال العديـد‬ ‫ّ‬ ‫اخملتلفـة يرتدونهـا معتزيـن بتراثهـم األصيل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أمـا اجليـل اجلديـد مـن ّ‬ ‫والشـباب‪،‬‬ ‫الشـابات‬ ‫فيرتـدون مثـل هـذه املالبـس التراثيـة يف‬ ‫املناسـبات ال ّرسـمية فقـط للتّعبيـر عـن ح ّبهـم‬ ‫وانتمائهـم لتراثهـم األصيـل‪.‬‬ ‫تشـتهر عجلـون بإنتـاج ال ّزيـت والزّيتـون‬ ‫املم ّيـز الـذي يتمتّـع مبـذاق خـاص‪ ،‬فالزيـت‬ ‫العجلونـي لـه مم ّيزاتـه التـي جتعلـه مطلوبـ ًا‬ ‫يف األسـواق العامليـة بشـكل كبيـر‪ ،‬كمـا تشـتهر‬ ‫بكـروم العنـب مم ّيـز املـذاق‪ ،‬و ُتعـرف عجلـون‬ ‫بالصناعـات احملليـة املرتبطـة مبحاصيلهـا‬ ‫ّ‬ ‫الزراعيـة‪ ،‬كصناعـة الصابـون مـن ال ّزيـت‬ ‫العجلونـي‪ ،‬وصناعـة احللويـات والفواكـه‬

‫اجملفّ فـة مـن ثمـار العنـب والتين والـد ّراق‬ ‫واخلـوخ‪ ،‬وصناعـة اخلـلّ مـن ال ّتفـاح‪ ،‬ولكـن‬ ‫هـذه الصناعـات أغلبهـا يدويـة‪ ،‬فعجلـون‬ ‫تفتقـر إلـى املصانـع الكبيـرة التـي ميكنهـا‬ ‫أن تسـتغل إنتاجهـا السـنوي مـن املنتجـات‬ ‫الزراعيـة‪ ،‬فهـذه املدينـة اجلميلـة بطبيعتهـا‪،‬‬ ‫الغنيـة مبنتجاتهـا‪ ،‬حتتـاج إلـى املزيـد مـن‬ ‫العنايـة واالهتمـام‪ ،‬وتوجيـه األنظـار إلـى مـا‬ ‫فيهـا مـن خيـرات ومزايـا مهـدورة‪.‬‬ ‫تهت ّـم ال ّنسـاء العجلونيـات بإنتـاج املربيـات‬ ‫اللذيـذة مـن منتجـات الفواكـه الصيفيـة‪ ،‬كمـا‬ ‫تنتـج مخلّلات الزّيتـون الـذي يتم ّيـز بنكهتـه‬ ‫املم ّيـزة‪ ،‬وبقائـه صاحلـ ًا للأكل م ّـدة طويلـة‪،‬‬

‫وتشـتهر العجلونيـات بصناعـة اخلبـز يف‬ ‫األفـران ا ُمل ّعـدة يف حديقـة املنـزل‪ ،‬والتـي توقـد‬ ‫فيهـا النّـار مـن احلطـب‪ ،‬ما يعطي اخلبز مذاق ًا‬ ‫تقليديـ ًا شـهيا‪ ،‬ورائحـة جذابـة‪ّ ،‬أمـا األكالت‬ ‫العجلونيـة؛ فهـي ذات األكالت التـي تشـتهر بهـا‬ ‫بلاد الشـام وفلسـطني‪ ،‬كاجملـدرة‪ ،‬وورق العنـب‪،‬‬ ‫وامل ّسـخن‪ ،‬واملنسـف األردنـي‪ ...‬وغيرهـا‪.‬‬ ‫و ختامـ ًا دامـت عجلـون به ّيـة شـامخة‬ ‫ببهـاء وشـموخ قلعتهـا‪ ،‬ورجاالتهـا األوفيـاء‬ ‫األخـاذ الـذي يسـلب األنظـار‪،‬‬ ‫وبسـحرها‬ ‫ّ‬ ‫ودامـت غاباتهـا ووديانهـا مـزار ًا لـكلّ مـن‬ ‫ينشـد روعـة الطبيعـة‪ ،‬وسـحرها‪ ،‬وحفـظ اهلل‬ ‫األردن شـعب ًا وقيـادة‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬


‫‪103‬‬

‫إصدارات‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫مع الحياة‬ ‫نظرات في‬ ‫صفاتها‬ ‫وأسرارها‬ ‫شيخوخة‬ ‫الريح‬ ‫‪Imperial‬‬ ‫‪Geography‬‬ ‫إحتفال‬ ‫المرايا‬

‫معرض عمان الدولي للكتاب‬

‫تكريم أمل‬ ‫الرندي في‬ ‫ملتقى‬ ‫الشارقة‬ ‫الدولي‬ ‫للراوي‬


‫‪ 104‬إصدارات‬

‫صـدر عـن اآلن ناشـرون وموزعـون للباحـث‬ ‫والروائـي املهنـدس سـامر اجملالـي كتـاب «مـع‬ ‫احليـاة ‪-‬أسـرارها وصفاتهـا‪ ،»-‬كتـاب فلسـفي‬ ‫يتنـاول معنـى احليـاة مـن مناظيـر أربعـة‪:‬‬ ‫‪ - 1‬العلوم الفيزيائية‪/‬األحياء‬ ‫‪ - 2‬القرآن الكرمي‬ ‫‪ - 3‬الصوفية اإلسالمية‬ ‫‪ - 4‬الفلسفة الصة البحث‪.‬‬ ‫والكتـاب مـن فصـول سـتة‪ ،‬أولهـا تقـدمي‬ ‫الكتـاب ومعنـى احليـاة معجميـا وموسـوعيا‪،‬‬ ‫وأنهـا نقيـض املـوت أو نقيـض العـدم‪ ،‬ثـم بـدأ‬

‫باحليـاة يف العلـوم الفيزيائيـة مـن شـرودينجر‬ ‫وجتاربـه التـي أدخلتـه عالـم األحيـاء فخدمـه‬ ‫بكتا بـه‪:‬‬ ‫مـا احليـاة؟‪ ،‬كمـا حتـدث عـن روفييلـي‬ ‫ومفهومـه‪ ،‬وتطـرق إلـى مفهـوم الفوضـى‬ ‫والنظـام واإلنتروبيـا‪ ..‬ثـم أتـى إلـى مفهـوم‬ ‫احلياة يف القرآن الكرمي التي خلصها يف آيات‬ ‫فعـال»‪ ،‬وبعـد ذلـك انتقـل‬ ‫ثمـان‪ ،‬بعنـوان «د ّراك ّ‬ ‫إلـى املعنـى الصـويف للحيـاة عارضـا أفـكار‬ ‫عبدالكـرمي اجليلـي ومحـي الديـن بـن عربـي‪،‬‬ ‫بحيـث وصـل األول إلـى معنـى مفهـوم اإلنسـان‬ ‫الكامـل‪ ،‬والثانـي يـرى احليـاة يف احلقيقـة‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫صـدر عـن دار اآلن ناشـرون وموزعـون‪،‬‬ ‫للشـاعر اليمنـي املقيـم يف أملانيـا حسين مقبـل‬ ‫ديـوان «شـيخوخة الريـح»‪ ،‬وهـو الديـوان الثاني‬ ‫لـه بعـد «أصافـح ظلـي» ‪ ،2019‬وبـدا التطـور‬ ‫جليـا يف صفحـات هـذا الكتـاب املئـة واألربعين‬ ‫التـي ضمنتهـا واحـد وأربعـون قصيـدة‪ ،‬حيـث‬ ‫اسـتوعب اغترابـه الكونـي كاملا موزعـا علـى‬ ‫نصـوص الكتـاب‪.‬‬ ‫نقل الشاعر ملتلقيه حيثيات غربته واغترابه‬ ‫عبـر شـعرية النصـوص الصارخـة‪ ،‬واملتميـزة عـن‬ ‫غيرهـا مـن النصـوص‪ ،‬مشـاعر ولغـة متنوعـة‬ ‫الوتيرة‪ ،‬لكنها متتاز بوحدة موضوعية ومتاسك‬ ‫يف املعنـى مـن أول قصيـدة إلـى آخـر قصيـدة مـن‬ ‫«شـيخوخة الريـح”‪.‬‬

‫احملمديـة (الوجـود)‪ ،‬أمـا الفلسـفة فقـد بدأهـا‬ ‫بـآراء الفرنسـي هنـري برغسـون الـذي يـرى‬ ‫احلياة يف التطور‪ ،‬واعتبر احملرك األسـاس هو‬ ‫الشـعور‪ ،‬أي احلب‪ ،‬وأنها ليسـت غاية يف ذاتها‪،‬‬ ‫يف الوقـت الـذي يخالفـه مارتـن هايدجـر ويـرى‬ ‫كعالـم ظاهراتـي‪ ،‬أن األشـياء غايـة يف ذاتهـا‪،‬‬ ‫ركز على الغائية‪ ،‬ويف ختام الفصل حتدث عن‬ ‫الثورات امليكروبيولوجيا والفيروسـات وعن املا‬ ‫بعـد حداثويـة وعـن املـدارس الفكريـة املنبثقـة‬ ‫حديثـا‪ ،‬واحلديـث يطـول ويطـول ‪ ..‬والبـد مـن‬ ‫اختصـاره يف هـذا اخلبـر‪ ،‬أمـا ختـام الكتـاب‬ ‫فـكان «نقـاط علـى احلـروف» نتائـج وخالصـة‪.‬‬


‫إصدارات ‪105‬‬

‫صدر عن دار «الرواية العربية» ودار «اإلسراء»‬ ‫للنشر والتوزيع يف أيلول ‪ ٢٠٢١‬كتاب «جلغرافيا‬ ‫االسـتعمارية ‪ Imperial “Geography‬للباحـث‬ ‫أسـيد احلوتـري‪ ،‬باللغـة اإلجنليزيـة‪ ،‬وهـو‬ ‫مقارنـة أدبيـة ودراسـة نقديـة لروايتين تقـع يف‬ ‫مئـة صفحـة‪.‬‬ ‫دراسـة نقديـة ومقارنـة أدبيـة باللغـة‬ ‫اإلجنليزيـة بين روايتين‪ :‬األولـى (ممـر إلـى‬ ‫الهند) للكاتب اإلجنليزي (إدوارد فورستر)‪،‬‬

‫والثانيـة (الغريـب) للكاتـب الفرنسـي (ألبيـر‬ ‫كامـو)‪ ،‬تظهـر هـذه الدراسـة النقديـة تـورط‬ ‫الكاتبين‪ ،‬عـن قصـد أو عـن غيـر قصـد‪ ،‬يف‬

‫دعـم االسـتعمار والترويـج ملزاعمـه‪.‬‬ ‫أشـرف علـى هـذه الدراسـة‪ :‬د‪ .‬حتريـر حمـدي‬ ‫وأ‪ .‬د‪ .‬نضـال املوسـى‪.‬‬

‫نقش‪/‬خاص‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫قريبـا عـن مكتبـة خالـد بـن الوليـد للطباعـة والنشـر‬ ‫والتوزيـع بصنعـاء يصـدر الشـاعر اليمنـي الشـاب أحمـد‬ ‫النظامـي باكـورة إنتاجـه الشـعري والتـي حملـت عنـوان‬ ‫«احتفال املرايا»‪ ،‬يف مئة ‪ 100‬صفحة من القطع املتوسط‪.‬‬ ‫ديـوان تتـراوح قصائـده مـا بين العمـودي والتفعيلـة‪،‬‬ ‫يعكـس علـى صفحاتـه لـذة احلـرف ووجـع الكتابـة يف‬ ‫انعكاسـات االبتسـامة والدمعـة وهذيـان الـذات محتفيـ ًا‬ ‫باحلـب‪ ،‬والسلام‪ ،‬وثنائيـة األنـا واآلخـر‪.‬‬ ‫يحفـل الديـوان بلوحـة فنيـة للفنـان التشـكيلي الكبيـر‬ ‫ردفـان احملمـدي‪.‬‬


‫‪106‬‬ ‫‪106‬‬

‫متابعات‬

‫تكريم أمل الرندي في ملتقى الشارقة الدولي للراوي‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫ك ــرم د‪ .‬عب ــد العزي ــز املس ــلم‪ ،‬رئي ــس معه ــد‬ ‫الش ــارقة للت ــراث ورئي ــس اللجن ــة العلي ــا‬ ‫املنظم ــة مللتق ــى الش ــارقة الدول ــي لل ــراوي‪ ،‬يف‬ ‫دورت ــه ال ـ ـ ‪ ،21‬الكاتب ــة الكويتي ــة أم ــل الرن ــدي‬ ‫ملش ــاركتها يف فاعلي ــات امللتق ــى‪ ،‬رافقت ــه يف‬ ‫التك ــرمي األس ــتاذة عائش ــة الشامس ــي‪ ،‬مدي ــر‬ ‫مرك ــز التراث العربي واملنس ــق العام للملتقى‪.‬‬ ‫وق ــد قدم ــا للكاتب ــة الرن ــدي درعـ ـ ًا تكرميي ــة‬ ‫وش ــهادة تقدي ــر‪ ،‬يف احلفل اخلتام ــي للملتقى‬ ‫ال ــذي ش ــاركت في ــه ‪ 40‬دول ــة ُ‬ ‫وك ــرم ممثلوه ــا‬ ‫الذي ــن حمل ــوا إلى امللتق ــى ثقافته ــم وتراثهم‬ ‫وآراءه ــم ح ــول «قص ــص احلي ــوان» ال ــذي كان‬ ‫ش ــعار امللتق ــى‪ ،‬وكان ــت مش ــاركة الكاتب ــة حت ــت‬ ‫عن ــوان «جتلي ــات عال ــم احلي ــوان ب ــن الت ــراث‬ ‫واملعاص ــرة يف قص ــص األطف ــال عن ــد الك ّت ــاب‬ ‫الكويتي ــن»‪.‬‬ ‫اش ــارت الكاتب ــة الرن ــدي إلى حرصه ــا الدائم‬ ‫عل ــى االهتم ــام واالرتق ــاء بثقاف ــة الطف ــل‪،‬‬ ‫واملش ــاركة يف اللق ــاءات الثقافي ــة العربي ــة‬ ‫الت ــي تدع ــى إليه ــا‪ ،‬وق ــد ب ــدأت بحثه ــا بال ــكالم‬ ‫ع ــن عال ــم احلي ــوان يف الت ــراث األدب ــي العرب ــي‬ ‫والعامل ــي‪ ،‬وم ــا أخ ــذه الك ّت ــاب الع ــرب م ــن ترجمة‬ ‫اب ــن املقف ــع ل ـ ـ «كليل ــة ودمن ــة» وترجم ــات «أل ــف‬ ‫ليل ــة وليل ــة»‪ ،‬وم ــا س ــاهمت ب ــه م ــن توس ــيع‬ ‫اخلي ــاالت املعتم ــدة عل ــى التداخ ــل ب ــن ص ــوت‬ ‫احلي ــوان يف الس ــرد ورمزيت ــه وص ــوت اإلنس ــان‬ ‫اخملتب ــئ خلف القصص‪ .‬وتطرقت إلى اس ــتفادة‬ ‫الغ ــرب م ــن هذين الكتابني‪ ،‬واحت ــواء الكثير من‬ ‫أش ــعار الع ــرب‪ ،‬م ــن العصر اجلاهل ــي إلى العصر‬ ‫احلدي ــث‪ ،‬عل ــى أنس ــنة احليوان ــات ومديحه ــا‬ ‫ذمه ــا‪ ،‬وق ــد أعط ــت مث ـ ًـا مم ــا ورد يف أش ــعار‬ ‫أو ِّ‬ ‫عنت ــرة م ــن اهتمام وثناء وتعبي ــر عن عالقة هذا‬ ‫الش ــاعر اجلاهل ــي احلميم ــة بج ــواده‪.‬‬ ‫وجال ــت أم ــل الرن ــدي عل ــى تاري ــخ قص ــص‬ ‫احلي ــوان يف أدب الطف ــل العرب ــي والغرب ــي‪،‬‬ ‫متوقف ــة عن ــد ع ــدد م ــن ُر َّواده‪ ،‬قب ــل أن تنتق ــل‬ ‫إل ــى الوق ــوف أم ــام جت ــارب الك ّت ــاب الكويتي ــن‬ ‫يف التعام ــل م ــع احلي ــوان يف القص ــص الت ــي‬ ‫كتبوه ــا‪ ،‬وق ــد خاضت يف جت ــارب ٍّ‬ ‫كل من‪ :‬عالء‬ ‫اجلابر وثريا البقصمي وهدى الش ــوا ولطيفة‬ ‫بط ــي وحي ــاة الياق ــوت وهب ــة مندن ــي وفاطم ــة‬ ‫ش ــعبان‪ ،‬كم ــا حتدثت ع ــن جتربتها هي يف هذا‬ ‫اجمل ــال‪ .‬وناقش ــت الرن ــدي الك ّت ــاب الكويتي ــن‬ ‫ح ــول طبيع ــة احليوان ــات الت ــي اس ــتخدموها‪،‬‬

‫واله ــدف من اس ــتخدامها‪ ،‬إن جلهة اكتش ــافها‬ ‫م ــن قب ــل الطفل أو أنس ــنتها‪ ،‬وتس ــاءلت معهم‬ ‫أيهم ــا أكث ــر جاذبي ــة ل ــدى الطف ــل‪ ،‬بطول ــة‬ ‫القص ــة أم اإلنس ــان! وم ــا عالق ــة‬ ‫احلي ــوان يف‬ ‫ّ‬ ‫اس ــتخدام احلي ــوان بتوس ــيع خي ــال الطف ــل!‬

‫وخصوصي ــة الكتاب ــة عن احلي ــوان يف الكويت‪،‬‬ ‫وتفاوته ــا ب ــن الع ــام العرب ــي واإلنس ــاني‬ ‫واخل ــاص املتعل ــق مبنطق ــة م ــا‪ ،‬له ــا تراثه ــا‬ ‫وتاريخه ــا وعاداته ــا وتقاليدها وثقاف ــة أهلها‪،‬‬ ‫وتقص ــد الكوي ــت‪.‬‬


‫متابعات ‪107‬‬

‫معرض عمان الدولي للكتاب‬ ‫عامن‪-‬األردن‬

‫يف الفتـرة مـا بين الثالـث والعشـرين مـن أيلـول إلـى الثانـي مـن تشـرين‬ ‫األول‪ ،‬أقيم معرض عمان الدولي للكتاب‪ ،‬يف دورته العشـرون‪ ،‬يف معرض‬ ‫السـيارات الكائـن جنوبـي عمـان يف منطقـة مـرج احلمـام‪ ،‬بعـد انقطاع عام‬ ‫بسـبب اجلائحـة‪ ،‬وكان منظمـا مـن احتـاد الناشـرين األردنيين بالتعـاون‬ ‫مـع وزارة الثقافـة وأمانـة عمـان الكبـرى‪ ،‬وكان ذلـك يف إطـار االحتفـاالت‬ ‫مبناسـبة مئويـة الدولـة‪ ،‬التـي رصـد لهـا جنـاح خـاص بهـا‪ .‬كمـا أطلقـوا‬ ‫علـى هـذه الـدورة‪ ،‬اسـم دورة الشـاعر عـرار (وهبـي التـل)‪.‬‬ ‫حضـر املهرجـان ‪ 360‬دار نشـر موزعـة علـى عشـرين دولـة عربيـة‪ ،‬منهـا‬ ‫األردن‪ ،‬وفلسـطني‪ ،‬ولبنان‪ ،‬والعراق‪ ،‬وسـوريا والسـعودية‪ ،‬وقطر‪ ،‬والكويت‪،‬‬ ‫وعمـان‪ ،‬واملغـرب‪ ،‬وتونـس‪ ،‬ومصـر‪ ،‬والسـودان‪ ،‬وبريطانيـا‪،‬‬ ‫واإلمـارات‪ُ ،‬‬ ‫وتركيـا‪ ،‬وإيطاليـا‪ ،‬وأميـركا‪ ،‬وكنـدا‪ ،‬والهنـد‪ ،‬والصين‪.‬‬ ‫وقـد تخللـت املعـرض أمسـيات شـعرية سـاهم فيهـا كبـار الشـعراء‪،‬‬ ‫ونـدوات قيمـة‪ ،‬وحفلات توقيـع يف أجنحـة املعـرض اخلاصـة بـدور النشـر‪.‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬


‫‪108‬‬

‫والحمام‬ ‫الحمام‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬

‫سليم املسجد‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫عدت صبي ًا ‪ -‬يف كلّ صباح ‪ -‬أطير مع ا َ‬ ‫ماكدت أذكر عالم ا َ‬ ‫حلمام‪ ،‬حتى ُ‬ ‫حلمام املستوطن‬ ‫يف أرجـاء بيتنـا ال ّريفـي‪ ،‬وأق ِّـدم لـه ا َ‬ ‫حل َّـب واملـاء‪ ،‬وأحميـه مـن هجمـات الق ّـط األسـود بعينين‬ ‫حذرتني‪ ،‬لم تفلحا بشـيء أمام غريزته ّ‬ ‫الشرسـة يف اإلطاحة بفريسـته حني غفلة منّي‪.‬‬ ‫والحيلـة لـي ‪-‬بعـد ذلـك‪ -‬إ ّال جمـع بقايـا ال ّريـش املتناثـر يف مسـرح اجلرميـة ثـم مواراتـه‬ ‫ممـا دفـع ّأمـي إلـى تقـدمي‬ ‫يف التّـراب‪ ،‬ونشـيج حزنـي والبـكاء يترامـى إلـى أسـماع العائلـة‪ّ ،‬‬ ‫عـرض مبقـدار عشـرة ريـاالت ملـن يأتيهـا بـرأس ذلـك الق ّـط‪ ،‬أو ينفيـه مـن الوجـود‪.‬‬ ‫وأعتقـد أن هـذه املبـادرة املصحوبـة بحنـان األمومـة ويف وق ٍـت كان للريـال اليمنـي قيمـة‪،‬‬ ‫خد طفلها املدلّل‪.‬‬ ‫لـم تكـن مـن أجـل احلمـام‪ ،‬بـل حتّـى ال تـرى ّأمـي دمعـة واحـدة جتري على ّ‬ ‫ـوت خاويـة‪ ،‬إ ّال مـن حمامـة‬ ‫هـذا مـا اسـتوعبته بعـد فتـرة طويلـة مـن اسـتيقاظي علـى بي ٍ‬ ‫لقـت حتفهـا حتـت سـطوة ثعبـان هاجمهـا ً‬ ‫ليلا‪ ،‬وأجبـر البقيـة علـى ال ّرحيـل‪ ،‬ولكنّـه لـم ين ُـج‬ ‫بفضـل عصـا والـدي املباركـة‪.‬‬ ‫يخصنـي‪ ..‬كـم يحزننـي ذلـك املـوت وال ّرحيـل أيضـا‪ ،‬يف ظـلّ ظـروف لـم أسـتطيع أن‬ ‫وأل ٍمـر ّ‬ ‫أمنـح ذ ّرة سلام حلمام ٍـة واحـدة‪ ،‬يف حين أ ّنهـا لـم تسـتطع حمايـة نفسـها‪ ،‬حتّـى علـى حسـاب‬ ‫شـهرتها التّاريخيـة الواسـعة يف خدمـة البشـرية واألنبيـاء أيضـ ًا‪ ،‬أقصـد مـن سـنة اثنتين‬ ‫وأربعين قبـل امليلاد ملـا حاصـر «انطونيـوس» مدينـة مورنيـه فأرسـل رئيـس حكومتهـا إلـى‬ ‫إحـدى املـدن رسـالة منوطـة بخيـط يف عنـق حمامـة فأجابتـه برسـالة معلقـة برجلهـا‪ ،‬وحتّـى‬ ‫دورهـا األمنـي والدفاعـي والنّضالـي اإللهامـي يف حمايـة سـ ِّيد البشـرية محمـد بـن عبـداهلل‬ ‫«مسـبحة األمـان» املع ّلقـة علـى عنقهـا‪ ،‬وهنـا أنصحـك أ ّال‬ ‫يـوم الهجـرة‪ ،‬بصـرف النظـر عـن ْ‬ ‫جتهد نفسك بالبحث عن هذة املسبحة األسطورية يف قواميس اللّغة واملعاني‪ ،‬ألنّ أصلها‬ ‫جدتـي عندمـا سـألتها عـن سـ ّر ذلـك‬ ‫يف سـفر التّكويـن‪ ،‬ويف األسـطورة الـواردة علـى لسـان ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـزاء لهـا علـى اكتشـافها املـكان‬ ‫الطـوق اجلميـل‪ ،‬والـذي حصلـت عليـه احلمامـة بدعـاء نـوح ج ً‬ ‫التـي توقّ فـت فيـه سـفينته‪.‬‬ ‫السلام‬ ‫لـذا تبـارى الفنانـون يف تصويرهـا وعلـى فمهـا ورقـة زيتـون‪ ،‬كتعبي ٍـر عـن ّ‬ ‫واالسـتقرار يف األرض‪ ،‬كمـا ت َـر َّدد اسـمها ‪-‬وهديلهـا أيضـ ًا‪ -‬يف عالـم ّ‬ ‫الشـعر واألدب‪ ،‬وأصبـح‬ ‫«طـوق احلمامـة» مثـار العاشـقني والعارفين‪ ،‬واألدبـاء والنّقّ ـاد والفالسـفة وعلمـاء ال ّنفـس‬ ‫خاصـة بعـد أن ا ّتخـذه ابـن حـزم عنوانـ ًا ألعظـم كتـاب يف تاريـخ احل ّـب األندلسـي‪.‬‬ ‫والتّحليـل‪ّ ،‬‬ ‫احلمـام ‪-‬بكسـر احلـاء‬ ‫وألنّ طبيعـة ال ّنفـس البشـرية مجبولـة علـى ح ّـب احليـاة‪ ،‬وتكـره ِ‬ ‫والصمـود‪ ،‬جتـد القاطنين يف مرمـى‬ ‫والـذي نعنـي بـه قـدر املـوت‪ -‬مهمـا تظاهـرت باإلميـان ّ‬ ‫ً‬ ‫أي وط ٍـن آمـن‬ ‫يف‬ ‫ـاة‬ ‫ي‬ ‫احل‬ ‫ـن‬ ‫ع‬ ‫ـون‬ ‫ث‬ ‫وإنـا يبح‬ ‫احلـروب ومتنـاول املـوت غيـر مسـتق ِّرين‬ ‫أصلا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫كمـا ُيخ َّيـل لهـم‪ ،‬مـع جـواز مقارنتهـم يف هـذه احلالـة باحلمـام املهاجـر نحـو صوامـع وقبـاب‬ ‫املقدسـات‪ ،‬وال حتّـى حرمـة جوعـي الـذي قادنـي إلـى‬ ‫املسـاجد‪ ،‬يف ع ٍهـد ال يحتـرم حرمـة ّ‬ ‫«مطعـم احلمـراء» يف صنعـاء خلـف «طـاوة مطيـط»‪ -‬واملطيـط وجبـة شـعبية مينيـة‪ ،-‬غيـر‬ ‫أنّـي أرجـو بـأن ال تسـخر منّـي كمـا سـخر النّـادل عنـد طلبـي هـذا‪ ،‬وهـو يقـرأ عل ّـي قائمـة‬ ‫طويلـة ممتلئـة بأطعمـة ومأكـوالت ومشـروبات‪ ،‬لـم أتناولهـا مـن قبـل‪ ،‬ولـم أسـمع بهـا‪ ،‬وحتّـى‬ ‫لـم أفهـم منهـا غيـر وجبـة حمـام‪ ،‬ألخـرج مـن املطعـم كمـا دخلـت متامـا‪ ،‬بـل وأش ّـد جوعـ ًا‬ ‫وخوفـا‪ ،‬أذرع الرصيـف املمت ّـد يف احلمـم ‪-‬أقصـد يف الدخـان‪ ،-‬علّـي أجـد مطعـم احلمائم ‪-‬أو‬ ‫الكرائم‪ -‬للكادحني‪ ،‬أو حتّى حمامة تضع على رأسـي بيضتني وأيض ًا على رؤوس البسـطاء‬ ‫والفالحين مثلـي‪.‬‬ ‫بينمـا علـى ال ّرصيـف اآلخـر جمـوع هيسـتيرية تس ّـمرت أعينهـم علـى شاشـة أطلّـت منهـا‬ ‫ـرض متثيلـي لـم ينت ِـه بعـد‪.‬‬ ‫فاتـن حمامـة‪ ،‬أو حمامـة فاتنـة ‪ -‬وكالهمـا سـواء‪ -‬يف سـياق ع ٍ‬


‫‪109‬‬

‫العدد ‪ - 2‬سبتمبر أكتوبر ‪ 2021‬م‬

‫جاكسون‬ ‫بولوك‬ ‫‪1948‬‬ ‫(الرقم ‪) 5‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.