Aqlam Arabeyya No. 53 March 2021

Page 1


‫أقالم حول المرأة‬ ‫من إصدارات منتدى ومجلة‬

‫‪2‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫في هذا العدد‪:‬‬ ‫مجلة ثقافية فنية فكرية أدبية‬

‫األم إكسير‬ ‫الحياة‬

‫‪4‬‬

‫مسر االرميمة‬

‫سمر الرميمة‬ ‫‪samarromima@gmail.com‬‬

‫مدير التحرير‪:‬‬

‫جهنم ورباط حذاء‬ ‫نجيب محفوظ‬

‫‪8‬‬

‫حممد حممد مستجاب‬

‫د‪ .‬مختار محرم‬ ‫‪mokh1977@gmail.com‬‬ ‫املحررون‪:‬‬

‫علــــــي النهــــــام‬ ‫منصــــر السالمـــــي‬ ‫عبداهلل محمـد الشميـري‬ ‫محمـــد اليوسفـــــي‬ ‫نـــــوار الشاطـــــــر‬ ‫رنـــــــا رضــــــــوان‬ ‫ياسيـــــن عرعــــــار‬ ‫محمــــد الجعمـــــي‬ ‫مقبولــة عبد الحليــم‬ ‫عبد اهلل األحمــــدي‬ ‫ميــــادة سليمـــــان‬ ‫صـــــــدام فاضـــــــــل‬ ‫حميــــــد رائـــــــــع‬ ‫املسئول الفني واإلخراج‪:‬‬

‫حسام الدين عبداهلل‬

‫نافذة على‬ ‫سقطرى‬

‫‪12‬‬

‫صالح بن طوعري‬

‫رمزية الطيور في‬ ‫الغناء السوداني‬ ‫آمنة محاد‬

‫‪16‬‬

‫الموسيقى في‬ ‫الطرقات‬ ‫فاروق فخري‬

‫‪18‬‬

‫مريد البرغوثي‬ ‫الشرفة التي رأيت‬ ‫منها رام اهلل‬ ‫زهري الطاهري‬

‫‪21‬‬

‫فؤاد متاش القالم‬ ‫عربية‪ :‬تصل الكلمة‬ ‫بصاحبها إلى حيث يريد‬ ‫لقـــاء‬

‫‪26‬‬

‫االسلوب في ديوان‬ ‫نحت في الدخان‬ ‫حممد الشرعيب‬

‫‪30‬‬

‫األديبة والشاعرة‬ ‫العربية بين التهميش‬ ‫والتهشيم‬ ‫استطالع‬

‫‪36‬‬

‫أشرف ابو اليزيد‬ ‫في بيت المتنبي‬ ‫أشرف ابو اليزيد‬

‫‪42‬‬

‫طاقة القلق الوجودي‬ ‫في قصيدة االقنعة‬ ‫د‪ .‬حممد بكر‬

‫‪46‬‬

‫هل كان المعري‬ ‫مؤمنا؟‬ ‫الباق‬ ‫ضياف َ ّ‬

‫‪50‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫األم‪ ..‬إكسير احلياة‬

‫سمـر الرميمــة‬ ‫تعتبر األم هي‬ ‫المؤسسة األولى‬ ‫لتنشئة األجيال تنشئة‬ ‫صحيحة على القيم‬ ‫الدينية والعادات‬ ‫المجتمعية السليمة‬ ‫ودورها عظيم جدا ‪..‬‬ ‫وهناك دالئل كثيرة‬ ‫تشير إلى أن التربية‬ ‫تكون باألسلوب‬ ‫الصحيح باتباع اللين‬ ‫والرقة وهاتان‬ ‫صفتان مالزمتان‬ ‫للمرأة‪ ،‬أوجدهما‬ ‫الله فيها إلى جانب‬ ‫العطف والرحمة‪..‬‬

‫‪4‬‬

‫‪ ،‬لذلك فاألم املربية وإن لم تكن على قدر من العلم ‪،‬فهي تجيد التربية بصفاتها الفطرية وأساليب‬ ‫اكتسبتها من والدتها وأسرتها عن طريق املالحظة والتعلم ‪،‬ودائما يقال البنت أم أبيها ملا تحمله من‬ ‫مشاعر الحب والعطف والحنان له ولكل أفراد أسرتها‪.‬‬ ‫وألن الحب هو إكسير الحياة وأسلوب من أساليب التربية‪ ،‬فإنه يعتبر سرا من أسرار األسر‬ ‫الناجحة‪ ،‬باإلضافة إلى رب أسرة تحمل املسؤولية كما يجب وقبل ذلك كان موفقا في اختيار‬ ‫الزوجة املربية التي تشكل نسيجا أسريا متناسقا بدون أمراض نفسية ‪،‬تؤثر على سالمة واتزان‬ ‫األسرة واملجتمع ‪.‬‬ ‫َ َ َّ ْ َ‬ ‫الجهد خير تكريم قال تعالى {ووصينا‬ ‫وملا في التربية من جهد ومشقة وأجر فقد كرم هللا هذا‬ ‫ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ ُ ُّ ُ َ ْ ً َ َ ٰ َ ْ َ َ ُ ُ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ َّ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫النسان ِبو ِالدي ِه حملته أمه وهنا على وه ٍن و ِفصاله ِفي عامي ِن أ ِن اشكر ِلي و ِلو ِالديك ِإلي ال ِصير }‬ ‫ِ‬ ‫(‪)14‬سورة لقمان ‪.‬‬ ‫وحين جاء رجل إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يسأله يا رسول هللا من أحق الناس بحسن‬ ‫صحابتي؟ قال (أمك ‪ ،‬قال ثم من؟ ‪ ،‬قال‪ :‬أمك ‪،‬قال ‪ :‬ثم من ؟ قال ‪ :‬أبوك)‪.‬‬ ‫إذن فاإلسالم لم يغفل قدر األم وال حقها بل جعل رضا هللا من رضاها ويالها من كرامة!‬ ‫وعالقة األم بالطفل عالقة تبادلية‪ ،‬فالطفل يجد من أمه االهتمام والحنان والعناية فقد «كشفت‬ ‫دراسة علمية أن األطفال الذين يحصلون على قدر كبير من الرعاية واالهتمام من جانب أمهاتهم‬ ‫في سنوات ما قبل الدراسة يشهدون معدالت نمو أعلى في أجزاء املخ املرتبطة بالتعلم والذاكرة‬ ‫والثبات االنفعالي مقارنة باألطفال الذين ال يحصلون على نفس القدر من االهتمام من أمهاتهم‪.‬‬ ‫وأظهرت الدراسة أن هناك مرحلة عمرية حساسة يستجيب فيها مخ الطفل لرعاية أمه‪ ،‬حسبما‬ ‫ذكرت جوان لوبي الباحثة في مجال علم نفس الطفولة في كلية طب جامعة واشنطن في مدينة‬ ‫سانت لويس األمريكية‪».‬‬ ‫و»فحص فريق البحث مجموعة من صور أشعة املخ ملجموعة من األطفال في مراحل عمرية‬ ‫مختلفة بداية من مرحلة ما قبل الدراسة حتى فترة املراهقة املبكرة‪ ،‬وتبين لهم زيادة كبيرة في‬ ‫حجم جزء من املخ يسمى «الحصين» عند األطفال الذين حصلوا على دعم ورعاية امهاتهم في‬ ‫السنوات التي تسبق دخولهم املدرسة‪».‬‬ ‫وباملقابل فالطفل يمنح األم وسام األمومة ويهديها السعادة في أبهى صورة بقوله ( ماما ) (أمي)‪،‬‬ ‫وفطريا كلما زاد عطاؤها زادت سعادتها ‪،‬تعطي دون ّ‬ ‫من‪ ،‬وتجتهد دون تذمر‪ ،‬فهي امللكة على عرش‬ ‫أسرتها واآلمر الناهي ‪،‬تخطط‪ ،‬تنظم ‪،‬تقرر وتنفذ والكل ألمرها طائع ‪..‬‬ ‫من جانب آخر ليست كل األمهات يتمتعن بنفس الظروف التي تتيح لهن أداء واجبهن على أكمل‬ ‫وجه ‪ ،‬ففي كثير من املجتمعات تتعرض األمهات لضغوط نفسية وعنف لفظي وربما يصل إلى‬ ‫بشكل عام ‪ ،‬ومشاكل اجتماعية وأسرية‬ ‫الجسدي ‪ ،‬ونقص في احتياجاتهن الخاصة أو املعيشية‬ ‫ٍ‬ ‫مختلفة قد تنتهي بالطالق الذي يذهب ضحيته األطفال الذين هم في أمس الحاجة لحنانها ورعايتها‬ ‫كحاجتها لهم ‪..‬‬ ‫لذلك فاملسؤولية ملقاة على عاتق الزوج واألسرة‪ ،‬واملجتمع واملؤسسات اإلعالمية والتوعوية‬ ‫املختلفة للتوعية بدور األم الهام في تنشئة األجيال ‪ ،‬والدعوة الفعلية لحمايتها وتلبية احتياجاتها‬ ‫التعليمية والنفسية واإلقتصادية‪ ،‬فوراء كل مجتمع عظيم امرأة مربية‪..‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫أبواب القصر‪..‬‬ ‫د‪ .‬رميان عاشور *‬

‫الباب الثالث‪ :‬باب التصديق‪..‬‬ ‫التلقـي‪ ،‬وقـد‬ ‫َّإن أكثـر مـا يمايـ ُز بيننـا أثنـاء‬ ‫ِّ‬ ‫السـلم التـي نقـف‬ ‫يصيرنـا متفاوتيـن فـي درجـة ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫عليهـا‪ ،‬هـو مقـدار التصديـق الـذي يتم َّلكنـا أثنـاء‬ ‫نتحـول إىل‬ ‫القـراءة وبراعتنـا التـي نتوسـ ُّلها فـي أن‬ ‫َّ‬ ‫وإيابا حتـى بلوغ‬ ‫ٍ‬ ‫ذهابـا ً‬ ‫طيـف يعبـر بحـور المعنـى ً‬ ‫شـواطىء نهايـات الرحلـة‪..‬‬ ‫تمـر‬ ‫حيـن نشـعر بأ َّننـا بتنـا ِخفا ًفـا كنسـمةٍ‬ ‫ُّ‬ ‫بصاحبهـا فتدغـدغ مشـاعره وتنقلـه إىل عوالـم‬ ‫متباينـة فـي أطيافهـا‪..‬‬ ‫َّإن بعـض أبـواب القصـر قـد يتشـارك المؤ ِّلـف‬ ‫والمتلقـي فـي امتالكهـا بالمقـدار الـذي يقـارب‬ ‫التطابـق ‪..‬‬ ‫ففـي الوقـت الـذي يبلـغ فيـه صاحـب الكتـاب‬ ‫الخفـة الالزمـة للتحليـق بمعنـاه‬ ‫أو‬ ‫النـص مبلـغ ّ‬ ‫ِّ‬ ‫كل‬ ‫فيـه‬ ‫يضـرب‬ ‫ـا‬ ‫تحليق‬ ‫والمقصـود‬ ‫المـراد‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫االتجاهات؛محـاول طـرق نوافـذ الكتابـة جميعهـا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وقـت يبلـغ فيـه المتلقـي المبلـغ‬ ‫الحقـا‬ ‫يأتـي‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫عينـه‪..‬‬ ‫وذلـك حيـن ُيبصـر إحـدى تلـك االتجاهـات التي‬ ‫تشـكلت فـي عقلـه صـور ًة‬ ‫ضربهـا المؤ ِّلـف وقـد‬ ‫َّ‬ ‫واضحـا‪ ،‬ويعـرف مفاتيحهـا‬ ‫إدراكا‬ ‫ذهنيـ ًة يدركهـا ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫عـدا‬ ‫عالمـه‬ ‫التـي تفتـح مغاليـق‬ ‫الخفـي والبعيـد ُب ً‬ ‫ِّ‬ ‫ال نلمسـه فـي حياتنـا اليوميـة أو بيـن دقائقنـا‬ ‫االعتياديـة‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫سـر ٌّي‬ ‫بـاب‬ ‫ينخلـق‬ ‫المعرفـي‬ ‫المجـال‬ ‫هـذا‬ ‫فـي‬ ‫ٌ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وخـاص‪..‬‬ ‫سـري بمعنـى أن ال أحـد يعلـم وجـوده أو يفقـه‬ ‫ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫والمسـتقبل فـي زمـن‬ ‫المرسـل‬ ‫شـكله سـوى‬ ‫ِ‬ ‫النـص المكتـوب‪..‬‬ ‫التقائهمـا علـى موائـد‬ ‫ِّ‬ ‫يتكـرر بيـن‬ ‫وخـاص بمعنـى أ َّنـه ال يمكـن أن‬ ‫ٌّ‬ ‫َّ‬ ‫ومتلـق آخـر‪..‬‬ ‫المؤ ِّلـف‬ ‫ٍ‬ ‫كاسـتحالة تكـرار حيواتنـا علـى الشـكل عينـه‬ ‫تغيـر الشـخصان اللـذان قـد يعيشـان ظر ًفـا‬ ‫إن مـا َّ‬ ‫الجغرافيـة‬ ‫يعيشـه شـخصان آخـران فـي البقعـة‬ ‫َّ‬ ‫نفسـها وفـي الزمـان نفسـه‪..‬‬

‫المتلقـي)‬ ‫َّإن مقـدار تلـك القدرة(أقصـد قـدرة‬ ‫ِّ‬ ‫النـص وتتغلغل‬ ‫ذرات تمتـزج مـع‬ ‫علـى‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫التحـول إىل َّ‬ ‫لنـص‬ ‫فيـه‪ ،‬هـو مـا ِّ‬ ‫يحـدد نسـبة تصديقنـا الراهـن ٍّ‬ ‫كتـاب مـا‪ ،‬وهـو بذاتـه مـا يجعـل ذلـك الحبـل‬ ‫مـا أو‬ ‫ٍ‬ ‫مشـدودا إىل درجـةٍ ال‬ ‫بيـن المرسـل والمتلقـي‬ ‫ً‬ ‫ينقطـع فيهـا بيـن الفينـة واألخـرى كمـا ال يرتخي‬ ‫بيـن الصفحـة ومـا تليهـا‪..‬‬ ‫ونكـون بذلـك قـد فتحنا بـاب القصـر التالي على‬ ‫ريـاح قـد تصفقـه فـي‬ ‫تهـب‬ ‫ٌ‬ ‫مصرعيـه دون أن َّ‬ ‫منتصـف الرحلـة‪..‬‬ ‫المعتمة‪..‬‬ ‫الشرفة األوىل ‪ :‬الدالالت ُ‬ ‫بابا؛ ذلك َّأن‬ ‫وقـد جـاء عنوان هذا ِّ‬ ‫النص شـرف ًة ال ً‬ ‫خطـر إذ مـا اقتربنـا منـه قـد يـودي‬ ‫مـكان‬ ‫الشـرفة‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫بحيـوات نصوصنـا ويجعلها تقفز مـن أعلى القصر‬ ‫اإليجابي‪..‬‬ ‫وتدفعنـا وإياها خـارج التفاعل القرائـي‬ ‫ِّ‬ ‫قابـض علـى‬ ‫غامـض‬ ‫شـعور‬ ‫لطالمـا ظ َّللنـي‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫بائنـا فـي اللحظـات‬ ‫ـر‬ ‫مفس‬ ‫أنفاسـي غيـر‬ ‫تفسـيرا ً‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫األوىل مـن مواجهـة بعـض النصـوص‪..‬‬ ‫اللغويـة‬ ‫َّإل أننـي حيـن أغـرق بيـن التراكيـب‬ ‫َّ‬ ‫ومفككـ ًة أجدنـي قـد وضعـت يـدي علـى‬ ‫مح ِّللـ ًة‬ ‫ِّ‬ ‫بعـض أسـباب تلـك المشـاعر التـي اعترتنـي‪..‬‬ ‫مـل كهـذه علـى سـبيل‬ ‫مليـا فـي ُج ٍ‬ ‫فلـو نظرنـا ًّ‬ ‫المثـال‪:‬‬ ‫المكان هنا غير منير‪..‬‬‫المشهد ذاك ال ألوان ساطعة منه‪..‬‬‫يضـج بالغِ نـى الهارب مـن أحضانه‬ ‫ذاك المقهـى‬‫ُّ‬ ‫الجـدد‬ ‫التجـار‬ ‫ضفـاف‬ ‫مـن‬ ‫األخـرى‬ ‫الضفـة‬ ‫إىل‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫تصميمـا يتـواءم ورح‬ ‫مقاهيهـم‬ ‫مـوا‬ ‫صم‬ ‫الذيـن‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫العصـر الحديـث‪..‬‬ ‫لنقلـب موازيـن‬ ‫متفحصـ ًة‬ ‫قليلا وقفـ ًة‬ ‫ُ‬ ‫سـنقف ً‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫قليلا ونعكـس اإلخبـار فيهـا‪..‬‬ ‫التراكيـب ً‬ ‫كان يمكننا ببساطة أن نكتب‪:‬‬ ‫المكان مظلم‪..‬‬‫المشهد ألوانه باهتة‪..‬‬‫قديمـا ليـس كمـا المقاهـي‬ ‫بـدا المقهـى مهتر ًئـا‬‫ً‬

‫الحديثـة‪..‬‬ ‫نصنـا‪ ،‬ثـم سـتنتقل‬ ‫السـواد‬ ‫إال َّأن َّ‬ ‫سـيخي ُم فـوق ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الشـعورية القاتمـة المظلمـة إىل‬ ‫العتمـة‬ ‫هـذه‬ ‫َّ‬ ‫متلقينـا أثنـاء مواجهتـه النـص‪..‬‬ ‫سـوداوية تدفعه‬ ‫األمـر الذي سـيجعله يحيـا حال ًة‬ ‫َّ‬ ‫بقوتهـا ك ِّلهـا نحـو نفض الكتـاب من يده‪ ،‬واإلسـراع‬ ‫يمكنـه مـن إعـادة التـوازن إىل‬ ‫إىل أول فضـا ٍء‬ ‫مشـرق ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫نفسه‪..‬‬ ‫عمـدا أو‬ ‫تورطنـا‬ ‫ً‬ ‫ومثـل ذلـك يحـدث ً‬ ‫أيضـا فـي ُّ‬ ‫بالتوسـل بضمائـر ملغومـة فـي غضـون‬ ‫دون قصـد‬ ‫ُّ‬ ‫خوضنـا فعـل الكتابـة‪..‬‬ ‫وجئـت بالنعت(ملغومـة) أل َّنهـا كمـا اللغـم‬ ‫ُ‬ ‫النـص‪..‬‬ ‫المحشـو فـي باطـن تربـة‬ ‫ِّ‬ ‫الكتابية لسببين‪:‬‬ ‫وك َّنا قد حشوناه في رحلتنا‬ ‫َّ‬ ‫َّإمـا ألننـا أهملنـا وقْ َـع هـذه الضمائـر علـى‬ ‫المتلقـي أثنـاء الكتابـة‪ ،‬وجـاء هـذا اإلهمـال لعـدم‬ ‫ِّ‬ ‫البشـرية‬ ‫بالنفـس‬ ‫أثـره‬ ‫فـي‬ ‫ـا‬ ‫عميق‬ ‫النظـر‬ ‫إمعاننـا‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫وانعكاسـاته عليهـا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫جانـب مـن جوانـب‬ ‫كشـف‬ ‫فـي‬ ‫تورطنـا‬ ‫ٍ‬ ‫أو أل َّننـا َّ‬ ‫شـخصياتنا دون أدنـى انتبـاه‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫يـؤذن هـذا الكشـف فـي أذهاننـا أن توقفـوا‬ ‫ولـم ِّ‬ ‫عـن فعـل ذلـك؛ فـإن هـذا الفعـل قـد يـودي‬ ‫أبـان‬ ‫نصنـا‬ ‫ِّ‬ ‫بالمتلقـي إىل النفـور‪َّ ،‬‬ ‫ثـم إقصـاء ِّ‬ ‫إقصـاء َ‬ ‫ً‬ ‫أبصر َنـا مـن‬ ‫كمـا‬ ‫عليـه‪،‬‬ ‫تعالينـا‬ ‫أو‬ ‫عنجهيتنـا‬ ‫عـن‬ ‫َ‬ ‫اللغـوي فـي منزلـةٍ تعتلـي المنزلـة‬ ‫خلال فعلنـا‬ ‫ِّ‬ ‫التـي يقطنهـا‪..‬‬ ‫المنفـرة حين يصل إىل‬ ‫حتمـا من األسـباب ِّ‬ ‫وهـذا ً‬ ‫شـعور مفـاده أننـا قـد وضعنـا أنفسـنا فـي‬ ‫المتلقـي‬ ‫ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫العلـو‬ ‫ذاك‬ ‫كان‬ ‫ـا‬ ‫أي‬ ‫وتفوقهـا‪..‬‬ ‫منزلتـه‬ ‫تعلـو‬ ‫منزلـةٍ‬ ‫ُّ‬ ‫ًّ‬ ‫التفـوق‪..‬‬ ‫أو‬ ‫ُّ‬ ‫وبذلك نكون قد دفعنا به إىل شـرفة من شـرفات‬ ‫يمثل القطب الثاني‬ ‫القصـر‪ ،‬وفقدنـا ِّ‬ ‫متلقينا الـذي ِّ‬ ‫الرئيس في دائـرة التفاعل القرائي‪..‬‬

‫يتبع‪..‬‬ ‫* كاتبة وناقدة أكادميية ‪ -‬فلسطني‬

‫‪5‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫سيمياء التوتر يف اخلطاب الشعري اجلاهلي‬ ‫(المعلقات أنموذجا)‬

‫( ‪)3‬‬

‫محمد عبد الراضي ناقد وباحث أكادميي مصري‬

‫الخصائـص التركيبيـة للعواطـف فـي الظواهـر المعنويـة فـي الوقفـات‬ ‫الطلليـة‪:‬‬ ‫العواطـف التـي سـيطرت علـى شـعراء المعلقـات فـي وقفاتهـم الطلليـة‬ ‫تتمثـل فـي عاطفـة الحـب والشـوق ‪ ،‬فالحب يجعل الشـاعر يشـتاق لرؤية‬ ‫محبوبتـه ‪ ،‬واسـتعادة الذكريـات الماضيـة ‪ ،‬فالشـوق إحسـاس ناتـج عـن‬ ‫الحـب ‪ ،‬ويعنـي “ نـزاع النفـس إىل الشـيء والشـوق حركـة الهـوى “( ) أو “‬ ‫هـو سـفر القلـب فـي طلـب محبوبـة ‪ ،‬وهناك من يقـول إن االشـتياق يزول‬ ‫عنـد لقـاء المحبـوب ‪ ،‬ومـن يقـول أنـه يزيـد باللقـاء ‪ ،‬إذ إن الحـب يقـوى‬ ‫بمشـاهدة جمـال المحبـوب أضعـاف مـا كان حـال غيبتـه “( )‬ ‫ويمكننا تمثيل العاطفة بالمعادلة اآلتية ‪:‬‬

‫_ شكل رقم (‪ )12‬معادلة العاطفة في الوقوف على األطالل _‬ ‫وبمحاولـة تحليـل تلـك المعادلـة نجـد أن عاطفـة الشـوق هـي العنصـر‬ ‫الفعـال فـي المدونـة العاطفيـة ‪ ،‬وبتحليـل عاطفة الشـوق نجد أن الشـاعر‬ ‫( شـعراء المعلقـات ) ويمكننـا أن نطلـق عليهـم (ذات ‪ ، )1‬فـي عالقـة‬ ‫انفصـال عـن محبوباتهـم (ذات ‪ )2‬اآلن ‪ ،‬ويدفعـه ذلـك الشـوق إىل محاولـة‬ ‫اللقـاء ( القيمـة المنشـودة ) ؛ وذلـك لكـي يحقـق التوازن العاطفـي والراحة‬ ‫النفسـية الناتجـة عـن تبـادل الحـب بيـن (ذات ‪ ،1‬ذات ‪ ، )2‬ويمكننا القول‬ ‫ناتـج عـن الفقـد والبعـد عـن شـخص لـه مكانة‬ ‫بـأن هـذا الشـوق‬ ‫إحسـاس ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مميـزة ‪ ،‬ويمكـن تمثيـل ذلـك بالمدونـة العاطفيـة اآلتيـة ‪:‬‬ ‫ظاهرة معنوية عاطفية‬ ‫الشوق‬ ‫الحالة (االنفصال )‬ ‫الفقد أو البعد عن شخص‬ ‫موضـوع القيمـة مـن نـوع‬ ‫له مكانة مميزة ‬ ‫( مرغـوب فيـه )‬ ‫وينتظـم الشـوق فـي المقدمـة الطلليـة حول حـدث محـزن ‪ ،‬وهو رحيل‬ ‫المحبوبـة عـن الشـاعر ‪ ،‬وهـذا البعـد يجعـل من الشـاعر ذات معذبـة ‪ ،‬كما‬ ‫صـورا سـلبية ‪ ،‬مثـل قـول امـرئ القيس (وإن شـفائي عبرة‬ ‫يجعلهـا ترسـم ً‬ ‫مهراقـة ) ‪ ( ،‬ففاضـت دمـوع العيـن مني صبابة ) ‪ ،‬وقـول طرفة بن العبد‬ ‫طـورا ويهتـدي ) ‪ ،‬وقـول زهيـر بـن أبـي سـلمى ( فلمـا‬ ‫( يجـور بهـا الملاح ً‬ ‫صباحـا أيهـا الربـع واسـلم ) ‪ ،‬وقـول لبيد‬ ‫عرفـت الـدار قلـت لربعهـا أال عـم‬ ‫ً‬ ‫بـن أبـي ربيعـة ( فوقفـت أسـألها ) و ( عريـت وكان بهـا الجميـع ) ‪ ،‬وكذلك‬ ‫عنتـرة بـن شـداد ( حييـت ممـن طلـل تقـادم عهـده ‪ ،‬أقـوى وأقفـر بعـد‬

‫‪6‬‬

‫أم الهيثـم) ‪ ،‬والحـارث بـن حلـزة ( ال أرى فيهـا مـن عهـدت فأبكـي ) ‪( ،‬‬ ‫وبعينيـك أوقـدت هنـد النـار ) ‪.‬‬ ‫ويالحـظ فـي هـذه المقدمـات الطلليـة انقسـاما فـي العاطفـة وتوتـر‬ ‫جليـا ‪ ،‬ويتجسـد ذلـك مـن خلال التراجـع المالحـظ بيـن القـوة والضعف‬ ‫‪ ،‬الضعـف يمثلـه البـكاء عنـد امـرئ القيـس والحارث بن حلـزة ‪ ،‬وعبر عن‬ ‫هـذا الضعـف بتوجيـه الحديـث إىل الطلـل وكأنهـا يسـمع النـداء ‪ ،‬وينتظـر‬ ‫منـه إجابـة ‪ ،‬مثـل زهيـر ولبيـد وكذلـك عنتـرة بـن شـداد ‪ ،‬أمـا طرفـة بن‬ ‫جـدا لم يظهـر إال من خلال مواسـاة أصحابه له‬ ‫العبـد فـإن ضعفـه قليـل ً‬ ‫( ال تهلـك أسـي تجلـد ) ‪.‬‬ ‫وبيـن هـذا الضعـف ونفيـه ‪ ،‬والذي تمثل هـذا النفي فـي الصبر والتجلد‬ ‫والتحمـل عنـد امـرئ القيـس وطرفـة بـن العبـد ‪ ،‬وبيـن إنـكار سـؤال‬ ‫األطلال والحديـث إليهـا مثـل لبيـد ‪ ،‬بـل ويصـل إىل إنـكار المحبوبـة ( بل‬ ‫مـا تذكـر نـوار ) ‪ ،‬أو ذكـر محبوبـة أخـرى مثـل الحـارث حيـن ذكـر هند أو‬ ‫امـرئ القيـس حيـن ذكـر محبوباتـه ‪ ،‬أو هـروب عـن طريـق الرحلة وذكر‬ ‫ظعـن المحبوبـة ‪ .‬وهـذا التقابـل بيـن حالـة الضعـف و حالـة القـوة ينتـج‬ ‫انقسـاما للـذات الشـاعرة إىل ذاتيـن ‪:‬‬ ‫عنهـا‬ ‫ً‬ ‫أ‌‪ -‬الذات الفردية ‪:‬‬ ‫وهـي تمثـل ذات اإلنسـان المحـب العاشـق ‪ ،‬الـذي يعيـش مـع األلـم‬ ‫والعـذاب ‪ ،‬ويحـاول أن يرتـاح من ألمه بالبـكاء ‪ ،‬وهو يتأثر بالهوى فيضعفه‬ ‫الشـوق والحنيـن فيتـأوه ويبكـي ‪ ،‬ويمثـل الجانـب الضعيـف في شـخصية‬ ‫الشـاعر ‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الذات االجتماعية ‪:‬‬ ‫وهـي تمثـل ذات الفـارس القـوي الـذي يتميـز بصفـات الشـدة والصبـر‬ ‫والتجلـد ‪ ،‬وهـي صفـات أسـبغها المجتمع الجاهلي على الرجـال ‪ ،‬فهو الذي‬ ‫يواجـه المخاطـر وال يضعفـه فـراق امـرأة ‪ ،‬ويحـاول كتـم حزنـه وبكائـه‬ ‫عـن اآلخريـن ‪.‬‬ ‫ولقـد وقعـت الـذات الشـاعرة فـي صـراع بيـن الـذات الفرديـة والـذات‬ ‫االجتماعيـة ‪ ،‬وحـدث فـي العاطفـة توتـر ملحـوظ مثلتـه ثنائيـة ( القـوة‬ ‫‪ /‬الضعـف )‪.‬‬ ‫وهـذه الوقفـات الطلليـة التـي تمتلـئ بالعواطـف اإلنسـانية مـن خلال‬ ‫أبياتهـا الظاهـرة ‪ ،‬ومسـتوى بنيتهـا العميقـة ‪ ،‬األمـر الـذي يجعلنـا نقـوم‬ ‫بإجـراء مقاربـة باطنيـة ( على مسـتوى البنية العميقـة ) من خالل بنية‬ ‫المعنـى‪ ،‬وهـذا المعنـى ال يتضـح عند كريماص إال من خلال تعارضه مع‬ ‫الضـد ( ) ‪ ،‬وهـذه هـي طبيعـة العربـي ومفتـاح شـخصيته التـي “ تسـمح‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫بتجـاور الشـيئين مـع تمايزهمـا “‪.‬‬ ‫وقـد قـام كريمـاص فـي مربعـه السـيميائي بإعـادة تحليـل األشـكال‬ ‫المعقدة للداللة أو المعاني إىل عناصر بسيطة ‪ ،‬وذلك على ثالثة عالقات‬ ‫هـي ‪ :‬التضـاد والتضميـن والتناقـض بين ثنائيتيـن متعارضتين ‪ ،‬وبذلك‬ ‫قـام كريمـاص بوضـع مربعـه السـيميائي الممثـل للثنائيـة المتعارضـة ‪،‬‬ ‫التـي يمثـل أحـد طرفيهـا مجـال داللـي إيجابـي واآلخـر سـلبي ‪.‬‬ ‫وإذا نظرنـا إىل المقدمـة الطلليـة نجدهـا تنقسـم أيضـا إىل مجاليـن‬ ‫داللييـن ‪ ،‬قائميـن علـى ثنائيـات متعارضـة كاآلتـي ‪:‬‬ ‫أ‌‪ -‬المجال الداللي األول اإليجابي ‪:‬‬ ‫أي أنـه يحتـوي علـى قيـم إيجابيـة تجمـع بيـن ( الحـب ‪ ،‬والذكـرى ‪،‬‬ ‫الزمـن الماضـي ) ‪.‬‬ ‫والتفـاؤل ‪...,‬‬ ‫ب_ المجال الداللي اآلخر السلبي ‪:‬‬ ‫وهـو الـذي يجمـع بيـن قيـم سـلبية تجمـع بيـن ( البـكاء ‪ ،‬والهجـر ‪،‬‬ ‫الزمـن الحالـي )‪.‬‬ ‫والصمـت ‪ ،‬والدمـار ‪ ،‬والفنـاء ‪ ،‬و الحـزن ‪....،‬‬ ‫وهـذان المجـاالن الدالليـان تحملهمـا األطلال في طياتها ‪ ،‬فالشـاعر يقارن‬ ‫بيـن الحـال اآلن وحـال األطلال فـي الماضـي ‪ ،‬فالماضـي يحمـل العالقـات‬ ‫االجتماعيـة ودفء العواطـف وعمـران الدار وذكريـات الحب ‪ ،‬فالماضي هنا‬ ‫يمثـل سـيمائية الغيـاب أو الفقـد ‪ ،‬فالماضـي دائمـا مضـيء ومشـرق ‪ ،‬حتـى‬ ‫حـل الظلام فـي الماضـي كانـت المحبوبـة تضيئ هـذا الظالم ‪:‬‬ ‫وإن ّ‬ ‫تضيء الظالم بالعشاء كأنها منارة ممسى راهب متبتل‬ ‫أمـا الحاضـر فإنـه يمثل المجال الداللي السـلبي ‪ ،‬فالديار عفت ‪ ،‬وانمحى‬ ‫رسـمها إال قليـل‪ ،‬والحبيبـة بعـدت ‪ ،‬حتى الصبـاح والنهار فـي الحاضر فهو‬ ‫مظلـم يشـبه الليل الطويـل الممتلئ بالهموم ‪:‬‬ ‫أال أيها الليل الطويل أال انجلي بصبح وما اإلصباح منك بأمثل‬ ‫ويمكـن تمثيـل هـذه الثنائيـة الكبـرى فـي األطلال بيـن الحاضـر‬ ‫والماضـي علـى المربـع السـيميائي كاآلتـي ‪:‬‬

‫ شكل رقم (‪)13‬مربع كريماص السيميائي لثنائية الحب والهجر _‬‫مـن المربـع السـيميائي السـابق نالحـظ عالقـة التضـاد القائمـة بيـن‬ ‫طرفـي الثنائيـة ( الحـب والهجـر ) ‪ ،‬كمـا تظهـر لنـا عالقـة التناقـض بيـن‬ ‫أيضا بين‬ ‫السـعادة والسـرور والحـزن والبـكاء مـن جهة ‪ ،‬وعالقـة التناقـض ً‬ ‫االتصـال (الماضـي ) واالنفصـال (الحاضـر ) من جهة أخـرى ‪ ،‬كما نالحظ‬

‫عالقـة التضميـن التـي تجمـع بيـن الحـب والالهجـر مـن الجهـة اليمنـى ‪،‬‬ ‫والتضميـن الـذي يجمـع بيـن الهجـر والالحـب مـن الجهة اليسـرى ‪.‬‬ ‫ومـن خلال المربـع السـيميائي للمعانـي والبنيـة العميقـة يمكننـا توزيـع‬ ‫المعنـى علـى مجاليـن داللييـن متعارضين همـا ( المجـال األول الماضي والحب‬ ‫والالهجـر والسـعادة والسـرور و االتصـال ) وهـو يمثـل الجانب الداللـي اإليجابي ‪.‬‬ ‫والمجـال الثانـي ( الحاضـر والهجـر و البـكاء واالنهيـار والبعـد واالنفصال‬ ‫و الالحـب ) ‪ ،‬وهـو يمثـل المجـال الداللي السـلبي ‪.‬‬ ‫ومـا حـزن الشـاعر وبـكاؤه علـى الطلـل إال بسـب الحـب ‪ ،‬الحـب لصاحبة‬ ‫الطلـل ‪ ،‬فالشـاعر ال يبكـي المنـزل فقـط ‪ ،‬إنما يبكي معـه الحبيب وهو ما‬ ‫عبـر عنـه امرئ القيـس بقوله ‪:‬‬ ‫قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل‬ ‫والحارث بن حلزة ‪:‬‬ ‫ال أرى من عهدت فيها فأبكى الـــ ـــــيوم دلها وما ُيحي ُر البكاء‬ ‫وهـذا الحـب “ يتولـد بين الحبيبين عن السـماع والنظـر ‪ ،‬ثم تقوى المودة‬ ‫عشـقا “ ‪ ،‬والشـاعر بين هذا‬ ‫لتصيـر محبـة ‪ ،‬ثـم تصبـح خلـة ‪ ،‬ثم هوى ‪ ،‬ثم ً‬ ‫الحـب والشـوق إىل الماضـي ‪ ،‬والحـزن واأللـم الـذي يشـعر بهمـا اآلن ‪ ،‬يحـاول‬ ‫الشـعراء الصبـر والتجلـد وتحمـل هجـر المحبوبـة ؛ ألنـه فـارس _ كشـعراء‬ ‫المعلقـات عامـة _ أو ملـك كامـرئ القيـس _ وعمومـا كرجـال فـي بيئـة‬ ‫تـرى مـن الضعـف ونقـص الرجولـة البكاء على فقـد المحبوبـة _ المرأة _‬ ‫لذلـك يحـاول أصدقـاؤه فـي الوقـوف تذكيـره بذلك وضـرورة الصبر‪:‬‬ ‫وقوفًا بها صحبي على مطيهم يقولون ال تهلك أسي و تجمل‬ ‫وطرفة‪ :‬وقوفًا بها صحبي على مطيهم يقولون ال تهلك أسي وتجلد‬ ‫أو يحـاول الشـاعر إيهـام نفسـه بعـدم جـدوى البـكاء والحـزن علـى الفراق‬ ‫‪ ،‬كمـا قـال امـرؤ القيس ‪:‬‬ ‫دارس من معول‬ ‫‪ ......................‬فهل عند رسم‬ ‫ٍ‬ ‫أو لبيد بن أبي ربيعة ‪:‬‬ ‫صما خوالد ما يبين كالمها‬ ‫فوقفت أسألها وكيف سؤالنا‬ ‫ً‬ ‫دلها وما يحير البكاء ( )‬ ‫‪.................‬‬ ‫ولكـن لـم يسـتطع كل شـعراء المعلقـات التحمـل والصبـر ‪ ،‬فنجد أمرأ‬ ‫تذكرهـا لدفـع آالم الحاضـر‬ ‫القيـس بعـد تتابـع ذكرياتـه الغراميـة ‪ ،‬التـي ّ‬ ‫لكنهـا زادت الحاضـر حزنـا علـى مـا فيـه فلا يتمالـك نفسـه ‪ ،‬فتنهمـر‬ ‫الدمـوع مـن عينيـه انهمـارا حتـى بلغـت أنهـا ب ّلـت محمـل السـيف مـن‬ ‫غزارتهـا ‪:‬‬ ‫بل دمعي محملي‬ ‫ففاضت دموع العين مني صبابة على النحر حتي ّ‬ ‫وكذلك الحارث بن حلزة ‪:‬‬ ‫ال أرى من عهدت فيها فأبكى اليــــ ـوم دلها وما يحير البكاء‬ ‫ويـرى الباحـث فـي هـذه المقدمـات الطلليـة توتـر عاطفـة الشـعراء‬ ‫ومـد ‪ ،‬مثلهمـا الشـعراء فـي بكائهـم ومحاولـة الصبـر‬ ‫شـد ٍّ‬ ‫ووقوعهـا بيـن ٍّ‬ ‫والتجلـد ‪ ،‬وهـو مـا عبـر عنـه الشـعراء مـن خلال الشـفرات الدالليـة‬ ‫المنتشـرة فـي المقدمـات الطلليـة ‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫جهنم ورباط حذاء نجيب محفوظ‬

‫محمد محمد مستجاب‬

‫عبــر‬ ‫كاتبــا ّ‬ ‫لــم يكــن نجيــب محفــوظ ً‬ ‫فــي كتابتــه عــن الجــزء الخفــي مــن تاريــخ‬ ‫الوطــن‪ ،‬ولــم يكــن سيناريســت نلهــث وراء‬ ‫أفالمــه علــى شاشــات الســينما أو التليفزيــون‪،‬‬ ‫مفكــرا ينظــر لتغيــرات األحــوال‬ ‫ولــم يكــن‬ ‫ً‬ ‫االجتماعيــة للشــعب المصــري‪ ،‬بــل هــو كل‬ ‫أساســيا‬ ‫جــزءا‬ ‫ذلــك‪ ،‬وأكثــر‪ .‬فقــط أصبــح‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأصيـ ًـا مــن الهيــكل العصبــي لهــذا الوطــن‬ ‫أيضــا‪.‬‬ ‫وشــعبه ومســتقبله ً‬ ‫لــذا أصبــت بالدهشــة مــن تلــك المــرأة فــى‬ ‫األتوبيــس وهــى تعلــق ســاخرة لحفيدهــا أو‬ ‫ابنهــا علــى التمثــال الــذي يقومــون بتنظيفــه‬ ‫فــى ميــدان ســيفنكس وتقــول‪« :‬وهــو ميــن‬ ‫اللــي بيحمــوه‪ -،‬تقصــد اســتحمام ‪ -‬فــي‬ ‫البــرد ده؟»‪ ،‬فلــم يكــن يــدل علــى وجههــا أو‬ ‫مالبســها أو نظارتهــا الطبيــة أنهــا جاهلــة‬ ‫ولــم يكــن يــدل علــى طريقــه كالمهــا أنهــا‬ ‫ليســت متعلمــة‪ ،‬لكــن الســؤال داهمنــي‬ ‫كمــا يداهــم قطيــع مــن األبقــار الوحشــية‬ ‫لغيطــان مــن حشــائش الســافانا بعــد شــهور‬ ‫مــن الجفــاف‪ ،‬كانــت تهــزأ بمــا يفعلــون وتهــزأ‬ ‫مــن شــخصية صاحــب التمثــال‪ ،‬وتســخر مــن‬ ‫تلــك الشــخصية التــى يهتمــون بتنظيــف‬ ‫صاحبهــا بطريقــة فجــة ووقحــة‪ ،‬المدهــش‬ ‫أن حفيدهــا أو ابنهــا والــذي كان فــى‬ ‫تقريبــا‬ ‫منتصــف العشــرينات قــال لهــا‪« :‬إنــه‬ ‫ً‬ ‫مخــرج مــن اللــي بيعملــوا أفــام أو تمثيليــات‬ ‫أو شــيء مــن هــذه األعمــال»‪ ،‬ليســتمر قطيــع‬ ‫األبقــار فــي الدهــس والتمزيــق والهــرس‬ ‫لــكل حقــول العلــم والثقافــة والتعليــم‪ ،‬فــا‬ ‫يصــح – رغــم جهلنــا – أن نتحــدث هكــذا‪،‬‬ ‫والغريــب أنــه لــم ينهــض أحــد مــن الــركاب‬

‫‪8‬‬

‫ويتحــدث أو يخبرهمــا بخطئهمــا وجهلهمــا‬ ‫مســتعدا‬ ‫وطريقــه حديثهمــا‪ ،‬ولــم أكــن‬ ‫ً‬ ‫للدخــول فــى هــذا النقــاش الســخيف‪ ،‬لكنــي‬ ‫لــم أســتطع أن أتمالــك نفســي‪ ،‬نهضــت‬ ‫بعــد أن حملــت ابنتــي الصغيــرة علــى‬ ‫ذراعــي واتجهــت للمــرأة وقلــت لهــا‪« :‬إن‬ ‫صاحــب التمثــال الــذي تهزئيــن منــه اســمه‬ ‫نجيــب محفــوظ‪ ،‬وهــو راقــد وســط عقلــك‬ ‫الفــارغ والتافــه ألكثــر مــن نصــف قــرن‪ ،‬وأن‬ ‫تكوينــك الجســماني هــذا شـ ّـكله قلــم نجيــب‬ ‫محفــوظ‪ ،‬وأنــه مــن المؤكــد قــد رســم علــى‬ ‫وجههــك ابتســامة أو جعــل عينيــك ذات‬ ‫يــوم تدمــع أو نفــض جســدك بقشــعريرة‬ ‫ألحــد أبطالــه»‪ ،‬لــم تفهــم المــرأة مــا أريــد‬ ‫قولــه‪ ،‬فعــدت لهــا وقــد اقتربــت منهــا بشــدة‪،‬‬ ‫وقلــت‪« :‬إن نجيــب محفــوظ هــذا ياســيدتي‬ ‫الكريمــة أحــد جنــود هــذا الوطــن الغالــي‪،‬‬ ‫وإنــه قــد انتصــر لنــا فــى حــرب أكتوبــر وقــاد‬ ‫ثــورة يوليــو وســحق الصليبيــن مــع صــاح‬ ‫الديــن»‪ ،‬ففرحــت المــرأة كمــا لــم تفــرح مــن‬ ‫قبــل‪ ،‬فــزدت لهــا وقلــت‪« :‬إنــه قــد شــارك فــى‬ ‫ثــورة ينايــر ومــن المؤكــد أنــه سيشــارك فــى‬ ‫ثــورات أخــرى للشــعب المصــري»‪ ،‬حينئــذ‬ ‫قالــت المــرأة‪« :‬علشــان كــده بشــوف صورتــه‬

‫فــى التليفزيــون»‪ ،‬قلــت لهــا‪« :‬إنــه أحــد‬ ‫شــهداء ثــورة الجهــل علــى عقلــك يــا ســيدتي‬ ‫العظيمــة»‪ ،‬واســتدرت وواجهــت حفيدهــا‪،‬‬ ‫وأخبرتــه بأنــه ســيدخل النــار‪ ،‬وأن أمثالــه‬ ‫يجــب أن يشــنقوا فــى ميــدان عــام مثــل‬ ‫الــذى يوضــع بــه تمثــال نجيــب محفــوظ‪،‬‬ ‫بعدهــا أمــرت ســائق األتوبيــس أن يتوقــف‪،‬‬ ‫كــي أخــرج مــن جهنــم‪ ،‬وقبــل أن أهبــط‬ ‫درجــات الســلم‪ ،‬رفعــت ابنتــي «يســر» يدهــا‬ ‫مل ّوحــة لتمثــال نجيــب محفــوظ وهــي تــردد‬ ‫اســمه بطريقتهــا‪ ،‬امتــدت يــد يســر وكفهــا‬ ‫لتصــل لوجــه نجيــب محفــوظ كــي تجفــف‬ ‫وجهــه الغــارق فــي الدمــوع‪ ،‬ثــم ربتــت علــى‬ ‫وقبلتــه بطريقتهــا وهــي تــردد اســمه‬ ‫كتفــه ّ‬ ‫مــرة أخــرى‪ ،‬ثــم قامــت بالهبــوط إىل قدمــه‬ ‫حيــث كان ربــاط حذائــه مفكــوك‪ ،‬فقامــت‬ ‫يســر بربطــه وهــي تقــول لــه‪« :‬بابــا علمني أن‬ ‫اللــي رباطــه بيتفــك بيقــع»‪ ،‬ابتســم نجيــب‬ ‫محفــوظ‪ ،‬وأطــل علــى المــرأة وحفيدهــا وبــدأ‬ ‫تــاركا العمــال الذيــن يقومــون‬ ‫فــى الســير‬ ‫ً‬ ‫بتنظيــف جســده مــن األتربــة‪ ،‬ســار إىل حيث‬ ‫لــم أره مــرة أخــرى بينمــا ظلــت يــد يســر‬ ‫أيضــا‪.‬‬ ‫ابنتــي تلــ ّوح لــه مودعــة وباكيــة ً‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫األدب التفاعلي ماهيته وأيقوناته‬ ‫مع تطور التكنولوجيا ا ُملتسارع ظهرت لدينا مفاهيم جديدة عن األدب‪ ،‬ويعود ذلك إلى‬ ‫مما دفع الباحث جميل‬ ‫تزاوج األدب معها وما نتج عنه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فتعددت املصطلحات واملفاهيم‪ّ ،‬‬ ‫فمن األدب الرقمي إلى األدب اإللكتروني‬ ‫حمداوي إلى تسميتها بفوضى املصطلحات‪ِ ،‬‬ ‫ترابط والنص ا ُملتفرع‪.‬‬ ‫والهاتفي‬ ‫الشبكي‬ ‫وأدب الصورة واألدب‬ ‫والتفاعلي والنص ا ُمل ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تعدد‬ ‫تعدد المفاهيم والمصطلحات بسبب ّ‬ ‫ويأتي ّ‬ ‫نتائج احتكاك األدب بالتكنولوجيا‪ ،‬وتذهب الباحثة‬ ‫زهور كرام إىل القول «لم يستقِ م بعد تعيين المصطلح‬ ‫الرقمي‪ ،‬ليس‬ ‫التخيلي في األدب‬ ‫يحدد النص‬ ‫الذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أيضا في التجربتين‬ ‫ولكن‬ ‫ة‪،‬‬ ‫العربي‬ ‫التجربة‬ ‫فقط في‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫واألوروبية‪ ،‬وهي مسألة ُمرتبطة بتحديد‬ ‫ة‬ ‫األمريكي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يصطدِ‬ ‫م بسؤال التعريف‬ ‫كل نوع أدبي جديد‪ ،‬والذي‬ ‫ّ‬ ‫االصطالحي»‪ .‬كما ّأن هذه اإلشكالية ليست في العالم‬ ‫ّ‬ ‫تعددت فيه‬ ‫العربي فحسب بل في العالم‬ ‫الغربي الّذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تم نقلها إىل‬ ‫يتم توحيدها‪ ،‬وحينما ّ‬ ‫المصطلحات ولم ّ‬ ‫فرديا تباينت‬ ‫العالم‬ ‫العربي ّ‬ ‫تمت ال ّترجمة‪ ،‬وكون العمل ً‬ ‫ّ‬ ‫ترجمة المصطلح الواحد إىل العديد من المصطلحات‬ ‫الغربي‪.‬‬ ‫عما هو موجود في العالم‬ ‫مما فاقم عددها ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يج ُد الباحث صعوبة في تبني المصطلح المناسب‬ ‫لذلك ِ‬ ‫بأن المصطلح األنسب هو‪( :‬األدب‬ ‫والدقيق‪ ،‬لكن قد نرى ّ‬ ‫أدبي جديد‪.‬‬ ‫جنس‬ ‫والدة‬ ‫التفاعلي) الّذي يمثل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التفاعلي؟‬ ‫فما هو إذن األدب‬ ‫ّ‬ ‫يرى الدكتور ُمشتاق عباس‪ ،‬وهو رائد القصيدة‬ ‫العربية‪ ،‬بأ ّنه «النص الّذي يستعين بال ّتقنيات‬ ‫التفاعلية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الّتي و ّفرتها تكنولوجيا المعلومات وبرمجيات الحاسب‬ ‫اإللكتروني لصياغة هيكليته الخارجية والداخلية‪،‬‬ ‫والذي ال يمكن عرضه إال من خالل الوسائط التفاعلية‬ ‫االلكترونية»‪.‬‬ ‫عرفه الدكتورة فاطمة البريكي «بأ ّنه األدب‬ ‫بينما ُت ّ‬ ‫يوظف ُمعطيات التكنولوجيا الحديثة في تقديم‬ ‫الّذي ِّ‬ ‫األدبية واإللكترونية‪ ،‬وال‬ ‫بين‬ ‫يجمع‬ ‫جديد‪،‬‬ ‫أدبي‬ ‫ّ‬ ‫جنس ّ‬ ‫اإللكتروني‪ ،‬وال‬ ‫الوسيط‬ ‫عبر‬ ‫إل‬ ‫تلقيه‬ ‫لم‬ ‫ى‬ ‫ت‬ ‫يتأ‬ ‫يمكن أن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫المتلقي مساحة‬ ‫عطي‬ ‫أ‬ ‫إذا‬ ‫إل‬ ‫ا‬ ‫تفاعلي‬ ‫األدب‬ ‫هذا‬ ‫يكون‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫األصلي للنص»‪.‬‬ ‫بدع‬ ‫الم‬ ‫مساحة‬ ‫عن‬ ‫تزيد‬ ‫أو‬ ‫عادل‪،‬‬ ‫ُت‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫وخصوصا نخبته من‬ ‫العربي‬ ‫العالم‬ ‫معرفة‬ ‫بشأن‬ ‫ا‬ ‫أم‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫قمت بعمل استطالع وسؤال ما يقرب‬ ‫المثقفين‪ ،‬فقد ُ‬ ‫من ‪ 111‬من األدباء والك ّتاب والشعراء عن معرفتهم‬ ‫باألدب التفاعلي فأجاب ‪ 83%‬بـ ال و‪ 17%‬بنعم‬ ‫يعرفوا األدب التفاعلي كانت‬ ‫وحين تم سؤال ‪ 17%‬أن ّ‬ ‫إجاباتهم بأنه المدونات األدبية‪ ،‬والمنشورات األدبية‬ ‫على وسائل التواصل االجتماعي‪ .‬وبالتالي فإن المعرفة‬ ‫باألدب التفاعلي في العالم العربي ال تزال ضئيلة بين‬ ‫النخب‪ّ ،‬أما العامة فأشد ضآلة وقد يعود ذلك إىل أمية‬ ‫الحاسوب المتفشية‪.‬‬ ‫ما هي عناصر األدب التفاعليّ‪/‬الرقميّ‪:‬‬ ‫الرقمي‪:‬‬ ‫‪ - 1‬المبدع‬ ‫ّ‬

‫لم يعد على المبدع الرقمي أن يتعلم أسلوب‬ ‫الكتابة بل أصبح يتوجب عليه أن يعبر تخصصه‬ ‫إىل تخصصات الحاسوب‪ ،‬فعليه أن يتقن استخدام‬ ‫الوسائط المتعددة في توظيفها في النص اإلبداعي‪،‬‬ ‫كما عليه االستعانة بخبراء الحاسوب‪ ،‬ويختلف المبدع‬ ‫الرقمي عن الورقي بأن الورقي هو المالك للنص‪ ،‬بينما‬ ‫الرقمي يعلم بأن النص ليس ملكه بل في متناول‬ ‫الجميع بعد نشره‪.‬‬ ‫الرقمي‪:‬‬ ‫‪ - 2‬النص‬ ‫ّ‬ ‫مفتوحا‪،‬‬ ‫ا‬ ‫نص‬ ‫كونه‬ ‫الورقي‬ ‫عن‬ ‫الرقمي‬ ‫النص‬ ‫يختلف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يحتمل عدة بدايات ونهايات وتأويالت‪ ،‬كما أ ّنه يعطي‬ ‫القارئ أهمية كبيرة بالشعور بأنه صاحب النص‬ ‫وبإمكانه الحذف والتعديل واإلضافة‪.‬‬ ‫الرقمي‪:‬‬ ‫‪ - 3‬المتلقي‬ ‫ّ‬ ‫مستهلكا‪ ،‬بينما يعتبر‬ ‫دائم ًا ما اعتبر المتلقي‪/‬القارئ‬ ‫ً‬ ‫األساسية‬ ‫منتجا‪ ،‬كما أ ّنه الركيزة‬ ‫في األدب التفاعلي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫لهذا األدب والمتفاعل والمشارك في النص‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الناقد الرقمي‪:‬‬ ‫أصبح على الناقد الرقمي عبور التخصص والمعرفة‬ ‫التامة بالتكنولوجيا والوسائط المتعددة ليتمكن من‬ ‫تفكيك العمل اإلبداعي الرقمي من جميع جوانبه‪.‬‬ ‫أجناس األدب التفاعليّ‪:‬‬ ‫القصيدة التفاعل ّية‪:‬‬ ‫إلكترونيا‪ ،‬وعلى الصور‬ ‫تطورة‬ ‫الم‬ ‫تعتمد على اآلليات ُ‬ ‫ً‬ ‫والموسيقى والوسائط المتعددة التي تعطي القصيدة‬ ‫مختلفا عن القصيدة التقليدية‪.‬‬ ‫طابعا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومما يميزها جماهيريتها وعالميتها وانفتاحها على‬ ‫ّ‬ ‫جميع الوسائط المتعددة‪ .‬ومن أشهر ر ّوادها الشاعر‬ ‫عباس وكانت أول قصيدة في عام ‪،2007‬‬ ‫مشتاق ّ‬ ‫ويوظفها‬ ‫بعنوان (تباريح رقمية لسيرة بعضها أزرق)‪ّ ،‬‬ ‫بالصور والصوت وخصائص أخرى‪ ،‬وستجد رابط‬ ‫القصيدة التفاعلية‪ ،‬فقط قم بالبحث في صندوق‬ ‫بحث (قوقل) باسم القصيدة‪.‬‬ ‫الرواية التفاعل ّية‪:‬‬ ‫نمط من الروايات يقوم فيها المؤلف بتوظيف‬ ‫الخصائص وتقوم بتقنية النص المتفرع‪ ،‬ويسمح‬ ‫صورا‬ ‫نصا‬ ‫سواء أكانت ً‬ ‫بالربط بين النصوص ً‬ ‫كتابيا‪ ،‬أم ً‬ ‫ً‬ ‫حية‪ ،‬باستخدام وصالت‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ثابت ًة أو متحركة‪ ،‬وأصوا ً ّ‬ ‫تكون باللون األزرق وتقود إىل الهوامش على المتن‪ .‬كما‬ ‫أنها تكسر النمط الخطي السائد مع الرواية التقليدية‪.‬‬ ‫ومن أشهر ر ّوادها في العالم العربي األديب محمد‬

‫فوزي الغويدي ‪ -‬اليمن‬

‫سناجلة ورواياته (شات) و(صقيع) و(ظالل الواحد)‬ ‫والتي ستجدها على الويب لتتفاعل معها‪.‬‬ ‫المسرحية التفاعل ّية‪:‬‬ ‫هي الّتي ال تعتمد على النص بل تعتمد على المسرح‬ ‫التقليدي الّذي اعتدنا عليه من‬ ‫الحي المخالف للمسرح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تحفيزي‬ ‫مسرح‬ ‫هو‬ ‫بل‬ ‫جامد‪،‬‬ ‫وجمهور‬ ‫خشبة مضاءة‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫يستطيع فيه الجمهور التفاعل المباشر ورؤية الممثلين‬ ‫بحرية‪ .‬ويختلف عن التقليدي بعدة أمور منها‬ ‫والتنقل‬ ‫ّ‬ ‫أنه ال يقدم في صاالت المسرح التقليدية بل إنه قد‬ ‫يكون على الباخرة أو في قصر أو مكان آخر‪ ،‬كما أنه‬ ‫يحق للجمهور التنقل من مكان إىل آخر ويكسر العالقة‬ ‫بين الممثل والمتفرج‪ ،‬كما أنه ال يحتاج إىل الوسيط‬ ‫اإللكتروني‪.‬‬ ‫أعمال‬ ‫أو‬ ‫ا‬ ‫نماذج‬ ‫تعرف‬ ‫هل‬ ‫االستطالع‪:‬‬ ‫سؤال‬ ‫وفي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫من األدب الرقمي‪/‬التفاعلي؟ النتيجة كالتالي‪ 89% :‬ال‪،‬‬ ‫و‪ 11%‬نعم‪ .‬وعند سؤال من أجابوا بنعم أن يذكر لنا‬ ‫النماذج كانت اإلجابات خاطئة‪ ،‬وهذا يع ّزز أن المعرفة‬ ‫جدا‪.‬‬ ‫بهذا األدب مازال ً‬ ‫قليل ً‬ ‫النظريّة النقديّة واألدب التفاعليّ‪:‬‬ ‫تطورا لنتيجة احتكاك األدب‬ ‫يعتبر األدب التفاعلي‬ ‫ً‬ ‫بالتكنولوجيا؛ ولذلك تنطبق عليه النظريات األدبية‬ ‫المتعددة‪ ،‬فهناك من يرى بأ ّنه يحمل‬ ‫والنقدية‬ ‫ّ‬ ‫النقدية من حيث دور المتلقي‬ ‫النظرية‬ ‫خصائص‬ ‫ّ‬ ‫النظرية‬ ‫ووظيفته‪ ،‬كما ّأن العديد من مقوالت ر ّواد‬ ‫ّ‬ ‫التفاعلي مثل (النص‬ ‫النقدية تنطبق على األدب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المفتوح‪ ،‬وتعدد التأويالت‪ ،‬وموت المؤلف‪ ،‬والالمركزية‪،‬‬ ‫ونظرية‬ ‫نظرية التلقي‬ ‫وتعدد األصوات)‪ ،‬كما أن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التناص تتسق معه‪ .‬إن تأثير التكنولوجيا على األدب‬ ‫مواربا على الحالة‬ ‫والسلبي يبقى‬ ‫اإليجابي‬ ‫بشقيه‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إليه‬ ‫تؤول‬ ‫قد‬ ‫وما‬ ‫ة‬ ‫اإلبداعي‬ ‫التجربة‬ ‫عمق‬ ‫في‬ ‫ة‬ ‫الجدلي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫في المستقبل‪.‬‬ ‫المصادر والمراجع‪:‬‬

‫• إياد والشمري‪ ،‬حافظ‪ ،‬محمد‪ ،‬األدب التفاعلي الرقمي الوالدة‬ ‫وتغير الوسيط‪ .‬غير معروف‪ :‬بدون دار نشر‪ ،‬ط‪.2011 ،1‬‬ ‫• البريكي‪ ،‬فاطمة‪ ،‬مدخل إىل األدب التفاعلي‪ .‬الدار البيضاء‪ :‬المركز‬ ‫الثقافي العربي‪ ،‬ط‪.2006 ،1‬‬ ‫• حمداوي‪ ،‬جميل‪ .‬األدب الرقمي بين النظرية والتطبيق‪ .‬بدون‪:‬‬ ‫بدون دار نشر‪ ،‬ط‪.2016 ،1‬‬ ‫• كرام‪ ،‬زهور‪ ،‬األدب الرقمي أسئلة ثقافية وتأمالت مفاهيمية‪.‬‬ ‫القاهرة‪ :‬رؤية للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.2009 ،1‬‬ ‫• نصر هللا‪ ،‬عايدة ويونس‪ ،‬إيمان‪ ،‬التفاعل الفني األدبي في الشعر‬ ‫الرقمي‪ .‬دار األركان لإلنتاج والنشر‪.2015 ،‬‬

‫‪9‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫نفحـات مـن الشعـر الشعبـي‬

‫‪27‬‬

‫في هذا العدد نحن أمام شاعر كبير‪ ،‬يمتاز شعره بغزارة المادة‬ ‫وبكثرة الموضوعات المطروقة في مختلف المناسبات والحاالت‬ ‫الذاتية واالجتماعية‪ ،‬وهو شاعر رقيق الحاشية حرص في جانب‬ ‫من أشعاره على مالمسة قلوب أهل العشق من خالل القصيدة‬ ‫الحمينية العامية والتي هي جوهر موضوعنا لهذا العدد ‪..‬‬ ‫وليد املصري ‪ -‬اليمن‬

‫الشاعر محمد أحمد منصور‬ ‫مواليـد ‪1930‬م فـي منطقة العنسـيين مديرية ذي‬‫السـفال محافظة إب‪.‬‬ ‫تلقـى العلـم فـي مدرسـة ذي السـفال‪ ‬علـى يـد‬‫األسـتاذ عبدالباقـي مقبـل‪..‬‬ ‫وقـرأ العربيـة علـى يـد والـده الشـاعر أحمـد منصـور‬ ‫نصر‪..‬‬ ‫تقلـد عـدة مناصـب سياسـية كمـا كان محافظـ ًا‬‫لمحافظـة البيضـاء‪ ،‬وعضـو ًا فـي مجلـس الشـعب‪ ،‬ثـم‬ ‫عضـو ًا فـي المجلـس االستشـاري وهـو مـن األعلام‬ ‫البارزيـن فـي المجتمـع اليمنـي‪.‬‬ ‫لـه ديـوان شـعر بعنـوان (االعمـال الكاملـة) قـدم لـه‬‫األسـتاذ الدكتـور حسـام الديـن الخطيـب‪.‬‬ ‫نماذج من قصائده‬ ‫ال نجم أول الصيف‬ ‫ال وسه ً‬ ‫أه ً‬ ‫يابدر في وسط السماء على الكيف‬ ‫علي كالسيف‬ ‫رنا بأجفانه ّ‬ ‫حتى شطر باللحظ قلبي أشطار‬ ‫ال بمن َح ّيا ومن تخَ ّطر‬ ‫أه ً‬ ‫يانجم أشرق في السماء وأسفر‬ ‫وعاد صدر الحب ما تزرر‬ ‫يا عطر في موسم ربيع األزهار‬ ‫ال بالغزال االحور‬ ‫ال وسه ً‬ ‫أه ً‬ ‫ياورد في عمر الزهور األصغر‬ ‫ياغصن من فوق الغصون أخضر‬ ‫ومن بحسنه في القلوب أمار‬ ‫وعندما سلم ُ‬ ‫لت مرحب‬ ‫وق ُ‬ ‫الي كوكب‬ ‫أهدت‬ ‫السماء‬ ‫خلت‬ ‫ّ‬ ‫والشمس تطفا في الخدود وتلهب‬ ‫ومن سما نحره قد أطلع أقمار‬ ‫وكم شدفني عندما تبسم‬ ‫والثغر للماس الصغير منجم‬ ‫مثل الهالل قد الح داخل اليم‬ ‫قسم اضواءه بموج األبحار‬ ‫حين ّ‬ ‫وحينما شاهد فؤادي التاع‬ ‫والدمع قد أروا التراب في القاع‬

‫‪10‬‬

‫وقال حبك قد ظهر وقد ذاع‬ ‫وما ألذ الحب لو بقى اسرار‬ ‫وشار إىل خده وقال لي الثم‬ ‫فذاب قلبي كالرحيق في الفم‬ ‫وكاد يجمد في عروقي الدم‬ ‫ياليت ال أوما ياليت ماشار‬ ‫مسكين انا ضيعت فيك عمري‬ ‫يابدر من فوق السحاب يسري‬ ‫نزحت عن قلبي شقيت صدري‬ ‫أين شا تسير قلبي وراك سيار‬ ‫شا اتخيلك لما الصباح يطلع‬ ‫حين كان قلبي في هواك ش ّرع‬ ‫وعاد خيط الحب ماتقطع‬ ‫وال سعا واشي والعذول جار‬ ‫وحينما شرفت إىل مكاني‬ ‫وكان حبك قد عقد لساني‬ ‫وانا أموت من جور ما أعاني‬ ‫ما غير دمعي في الخدود مدرار‬ ‫حاولت أن انساك في هجوعي‬ ‫لما سقيت األرض من دموعي‬ ‫لكن قلبي من لظا ولوعي‬ ‫واصل تنهاده من التذكار‬ ‫آه ياربة الحجاب‬ ‫آه ياربة الحجاب‬ ‫ماعلى الشمس من نقاب‬ ‫لوتغلفت بالسحاب‬ ‫ِ‬ ‫طرفك الكحيل‬ ‫لرنا‬ ‫ِ‬ ‫بك الكبير‬ ‫آه من ُح ِ‬ ‫كم أرى المبسم الصغير‬ ‫من ورا الملثم الحرير‬ ‫خط في األفق كاألصيل‬ ‫والشعو ُر الذي انسكب‬ ‫مثل أسالك من ذهب‬ ‫أو كأوتار للطرب‬ ‫يسكب اللحن والهديل‬

‫فاسمعي أنة الطريق‬ ‫من صدى خطوك األنيق‬ ‫ذكرت ُحبها العميق‬ ‫حين خطر قدك النحيل‬ ‫من يبلغ سالمي‬ ‫من يبلغ سالمي ويبعث بالخبر‬ ‫لألحباء في سفح صنعاء‬ ‫حيث ما الجو مشرق وعائم بالزهر‬ ‫والحسان كالظبا فيه ترعى‬ ‫ماسباني سوى أهيف على ثغره درر‬ ‫قد تكلل بأزهار نيسان‬ ‫إن يمر مثلما الغصن أو يطلع قمر‬ ‫فتنة هللا لألنس والجان‬ ‫قد نهبني فؤادي ولكن ما قدر‬ ‫انني أترك أحبه بالدي‬ ‫هم بفكري وقلبي وسمعي والبصر‬ ‫كيف أترك حبيب في فؤادي‬ ‫أو خطر سارت الناس من حوله زمر‬ ‫واعتلى الطير صادح وشادي‬ ‫وانا اسألك ياطير‬ ‫وانا أسألك ياطير في صوتك الحالي‬ ‫تبلغ المحبوب شوقي وأشجاني‬ ‫طلبت بالهاتف ما جابني إنسان‬ ‫حنين مترادف من قلبي الولهان‬ ‫وكلما دقيت يرد لي مشغول‬ ‫مسكين أنا أنجريت بحبه المجهول‬ ‫وحينما أتذكر جماله الفتان‬ ‫أكاد أنا أسكر من كسرة األجفان‬ ‫وعندنا تصدح بالبل األسحار‬ ‫اشاهده يسبح في موكب األقمار‬ ‫شاذوب أنا أنغام من وحي إلهامك‬ ‫واعيش باألحالم في ظل أيامك‬ ‫المصدر‪:‬‬ ‫موسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين‪،‬‬ ‫الطبعة الثانية ‪ ،٢٠٠٧‬الجزء ‪٦‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫التماهي يف القصة القصيرة جد ًا عند انتصار السري‬ ‫يعتبـر التماهـي (‪ )Identification‬مـن املفاهيـم السـيكولوجية‬ ‫السـائدة يف النقـد األدبـي احلديـث‪ ،‬فالكاتـب يتأثـر يف‬ ‫شـخصياته الروائيـة‪ ،‬أو القصصيـة‪ ،‬حـد االندمـاج والتقمـص‪،‬‬ ‫فيتكلـم بلسـان الشـخصية التـي تـدور حولهـا األحـداث‪،‬‬ ‫ويتجسـد فيهـا‪ ،‬وقـد يتماهـى مـع الظواهـر الطبيعيـة‪ ،‬أو‬ ‫األشـياء املاديـة املوجـودة يف املـكان‪ ،‬كمـا ميكـن التماهـي مـع‬ ‫احليوانـات أو النباتـات يف النـص األدبـي املؤلـف‪.‬‬ ‫فاطمة الزغول ‪ -‬ناقدة أردنية‬ ‫ويص ّور التماهي قوة الشعور لدى الكاتب تجاه‬ ‫الشخصية‪ ،‬أو الشيء الذي اندمج فيه‪ ،‬وهذه المشاعر‬ ‫كما وصفها‪( .‬سيجموند فرويد( لها جانبان‪ :‬جانب‬ ‫إيجابي‪ ،‬يتمثل في حب الشخصية‪ ،‬أو الشيء‬ ‫المتماهى فيه‪ ،‬وجانب سلبي يعبر عن كره ذلك‬ ‫الشيء أو تلك الشخصية حد العداء‪ ،‬ومحاولة التدمير‪.‬‬ ‫ومن األجناس األدبية الحديثة التي تشيع فيها‬ ‫ظاهرة التماهي‪ ،‬القصة القصيرة جداً‪ ،‬وهي جنس‬ ‫أدبي يمتاز بالتكثيف‪ ،‬واإلدهاش‪ ،‬والمفارقة‪،‬‬ ‫واإليحاءات الرمزية‪ ،‬وفعلية الجملة‪ ،‬والوحدة‬ ‫الموضوعية‪ ،‬ومن النماذج التي تجسد ظاهرة‬ ‫التماهي في القصة القصيرة جداً‪ ،‬هذا النص للقاصة‬ ‫اليمنية انتصار السري من مجموعتها (صالة في‬ ‫حضن الماء) ‪:‬‬ ‫تابوت‬ ‫في صالة المغادرة‪ ،‬جلست أرتقب تأشيرة سفري‬ ‫إىل خارج الوطن‪.‬‬ ‫صوت هرج وبكاء يكتسح المكان‪ ،‬بفضول استرقت‬ ‫النظر نحو وجه الجثة القادمة‬ ‫بجوف تابوت‪.‬‬ ‫تفرست مالمحها‬ ‫كانت جثتي‪...‬‬ ‫اختارت القاصة‪ ،‬عنوان ًا أحادي ًا اسمي ًا (تابوت)‪،‬‬ ‫والتابوت ما ُيحمل فيه الميت‪ ،‬ما يثير فضول‬ ‫المعبرعن‬ ‫المتلقي لمعرفة سبب اختيار هذا االسم‬ ‫ّ‬ ‫الحزن والرهبة‪ ،‬عنوان ًا لهذه القصة‪.‬‬ ‫تتألف هذه القصة القصيرة جد ًا من شخصية‬ ‫أحادية‪ ،‬تحدثت عنها القاصة بضمير المتكلم‪،‬‬ ‫تجلس في المطار تنتظر تأشيرة السفر‪ ،‬وهناك‬ ‫حدث يلفت هذه الشخصية‪ ،‬ذلك الهرج والصراخ‬ ‫الذي أثار فضولها‪ ،‬ودفعها إىل محاولة كشف الحدث‪،‬‬ ‫وفي حبكة األحداث وتأزمها‪ ،‬تكتشف القاصة وجود‬ ‫جثة قادمة في جوف تابوت‪ ،‬ثم تكون المفارقة‬ ‫والحدث المدهش عند امعان القاصة النظر في وجه‬ ‫الجثة لتكتشف أنها هي صاحبة الجثة‪.‬‬ ‫تماهت القاصة انتصار في هذه القصة القصيرة‬

‫جداً‪ ،‬في جثة قدمت إىل المطار في تابوت‪ ،‬لتعبر عن‬ ‫حالة االستياء والحزن الشديد الذي ينتاب الشخصية‬ ‫عند مغادرتها الوطن‪ ،‬فجسدت ظاهرة الخروج من‬ ‫الوطن‪ ،‬بظاهرة خروج الروح من الجسد‪ ،‬وقد اختارت‬ ‫التماهي بالجثة‪ ،‬للتعبير عن قوة عاطفتها تجاه‬ ‫الوطن‪ ،‬ورفضها الخروج منه‪ ،‬معتبرة ذلك خروج‬ ‫لروحها وتحولها إىل جثة على قيد الحياة‪.‬‬ ‫أبدعت القاصة في اختيار الكلمات الدالة عن‬ ‫المشهد‪ ،‬كاختيار كلمة(خارج الوطن)‪ ،‬فهي لم تذكر‬ ‫الجهة المتوجهة إليها‪ ،‬ألن ما يهمها هو عظمة الشعور‬ ‫بالخروج من الوطن‪ ،‬وقد استخدمت أفعاالً مضارعة‬ ‫مكثفا‪ ،‬مليئ ًا‬ ‫متتالية‪ ،‬ومتراكبة لتنقل لنا مشهد ًا‬ ‫ً‬ ‫باإليحاءات الرمزية‪ ،‬والغرابة واإلدهاش‪.‬‬ ‫ومن النصوص التي تماهت فيها انتصار السري‬ ‫مع شخصياتها في المجموعة ذاتها‪ ،‬هذه القصة‬ ‫القصيرة جداً‪:‬‬ ‫استراق‬ ‫لم أشعر بجلوسها بجواري‪ ،‬عيني تلتهم الكتاب‬ ‫بنهم‪ ،‬ربتت على كتفي قائلة‪:‬‬ ‫اعذريني فتاتي الستراقي وقراءتي معك في‬‫كتابك‪.‬‬ ‫رفعت نظري نحوها‪ ،‬كنت هي أنا أربت على كتف‬ ‫ابنتي المنهمكة في القراءة‪.‬‬ ‫يحمل هذا النص أيض ًا عنوان ًا أحادي ًا اسمياً‪،‬‬ ‫(استراق) من الفعل استرق بمعنى نظر خلسة‪،‬‬ ‫فالقاصة في هذا النص تماهت مع شخصية ابنتها‬ ‫التي تشبهها في شغف المطالعة والقراءة‪ ،‬فهي تصور‬ ‫فتاة منهمكة في القراءة‪ ،‬ووالدتها تربت على كتفها‬ ‫مسرورة بما تفعل‪ ،‬وفي نفس الوقت تشاركها استراق‬ ‫القراءة معها‪ ،‬وبأسلوب مدهش تكتشف القاصة أنها‬ ‫توحدت مع شخصية ابنتها لتصبح هي تلك الفتاة‬ ‫التي تقرأ بنهم‪.‬‬ ‫استطاعت القاصة في هذا المشهد البسيط‪ ،‬أن‬ ‫تعبر عن مشاعر السرور التي تنتاب األم عندما‬ ‫تشاركها ابنتها في صفة محببة كشغف المطالعة‪،‬‬ ‫فاختارت أفعاالً مضارعة تعبر عن حدث آني مباشر‪،‬‬

‫جسدته في هذا السرد المكثف المليء باإلدهاش‪،‬‬ ‫موظفة عناصر البالغة من مجاز وكناية وتشبيه‪،‬‬ ‫فالعين تلتهم الكتاب بنهم‪ ،‬وتسترق الكلمات‪ ،‬معبرة‬ ‫عن قوة العاطفة تجاه هذا المشهد‪.‬‬ ‫ومن النصوص المجسدة للتماهي عند انتصار‬ ‫السري هذه القصة القصيرة جد ًا ‪:‬‬ ‫ضوء القمر‬ ‫تحت ضوء القمر وبرفقة موباسان‪ ،‬هل كنت أنا‬ ‫هنرييت فتشت عنك تحت ضوء القمر!؟‬ ‫هيا‪ ..‬مد يدك‪ ،‬لنشعل شمعتنا الثانية‪ ،‬لنمارس‬ ‫هذياننا بقرب تلك البحيرة‪ ،‬لنعيد نسج رقصتنا األوىل‪..‬‬ ‫ها هي ذي عيوننا تسكرنا بشهد عناقها‪ ،‬ظل ضوء‬ ‫القمر يختلس نظرة غيرة نحونا‪ ،‬غافلناه‪ ،‬لنتماهى في‬ ‫عمت العتمة‬ ‫خطوط شعاعه‪ ،‬انطفأ قنديل غرفتي‪ّ ،‬‬ ‫جدرانها‪ ،‬سقطت قصة ضوء القمر من يدي‪...‬‬ ‫تحمل هذه القصة القصيرة جد ًا عنوانا مركب ًا‬ ‫(ضوء القمر)‪ ،‬وهو مقتبس من قصة (تحت ضوء‬ ‫القمر) للكاتب الفرنسي موباسان‪ ،‬استحضرتها‬ ‫القاصة لتتماهي مع شخصياتها‪ ،‬فهي تتخيل نفسها‬ ‫هنرييت تتجول في الحقول مع حبيبها تحت ضوء‬ ‫القمر‪ ،‬فينطفيء ضوء القنديل ويعم غرفتها الظالم‪،‬‬ ‫لتصحو من ذلك الحلم الجميل وتعود إىل ماهيتها‬ ‫بعد أن سقطت قصة تحت ضوء القمر من يدها‪.‬‬ ‫صورت القاصة انتصار من خالل تماهيها مع‬ ‫شخصيات قصة موباسان‪ ،‬شعورها بالحاجة إىل الحب‬ ‫والحرية والتمتع بالجمال‪ ،‬متأثرة بالقصة التي كانت‬ ‫تقرأها والتي تماهت مع شخصياتها في تمردهم‬ ‫على تعليمات القس الذي كان يكره المرأة‪ ،‬ويحتقر‬ ‫عالقات الحب‪ ،‬فعبرت عن جمال القصة بالتماهي‬ ‫مع شخصياتها المستمتعة بالجمال والرومانسية‬ ‫تحت ضوء القمر‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫نافذة على سقطرى‬ ‫وأنت تنزل من على سلم الطائرة‪ ،‬تهب ريح خفيفة‬ ‫ذات رطوبة متوسطة‪ ،‬حاملة إليك هواء أنقى!‬ ‫تستنشقه كسجين خرج لتوه من بوابة السجن‬ ‫الكبيرة‪ ،‬وتكرر هذا مرارا!‬ ‫صالح بن طوعري‬

‫تدلــف بعدهــا إىل صالــة الوصــول‪ ..‬تجتــاز‬ ‫وحقيبتــك جهــاز التفتيــش‪ ،‬وألن كل مــا لديــك‬ ‫هــي حقيبــة ظهــر فلــن تضطــر إىل االنتظــار فــي‬ ‫صالــة العفــش‪ .‬‬ ‫فجــأة‪ ،‬تتوقــف عــن المضــي قدمــا صــوب بوابــة‬ ‫الخــروج‪ ،‬تلتفــت‪...‬‬ ‫تبادلنــي اإلشــارة مبتســما؛ أهــرول نحــوك بعدمــا‬ ‫أشــرت لــك نادهــا بالســقطرية‪« :‬ويهــااا»‬ ‫أصافحــك وأنفــي تقبــل أنفــك‪ ،‬قائــا‪ :‬هــذا‬ ‫ســام ســوقطري!‬ ‫ثــم متمتمــا‪« :‬يــا حيــا بدجــدح‪ ،‬ليعاجــل ديــه‪،‬‬ ‫وتســتاهل ســلومة! «‬ ‫لكنــي ســرعان مــا أتــدارك هفوتــي هــذه‪ ،‬أمــام‬ ‫نظراتــك المحدقــة بشــده‪ ،‬مترجمــا‪« :‬يــا حيــا‬ ‫بمــن جانــا‪ ،‬أهــا وســهال فيــك والحمدللــه علــى‬ ‫ســامة الوصــول‪« .‬‬ ‫تحيينــي‪ ،‬وباســما تطلــب منــي تكــرار مــا‬ ‫تمتمــت بــه بالســقطرية‪.‬‬ ‫كان هــذا لقائــي األول بك‪ ،‬فكالنــا ال يعرف اآلخر‬ ‫إال عن طريق وسائل التواصل االجتماعي‪ .‬‬ ‫ننطلــق معــا بســيارتي‪ ...‬وبمــا أننــا مــا نــزال فــي‬ ‫منطقــة المطــار وتحديــدا فــي (مــوري)‪ ،‬نتوقــف‬ ‫عنــد محطــة البتــرول‪ ..‬‬ ‫أولئــك الخمســة الذيــن ترجلــوا قبــل لحظــات‬

‫ق‪.‬ق‪.‬ج‬

‫حمالــة‬

‫‪12‬‬

‫مــن ســيارتهم‪،‬‬ ‫هــم أصدقائــي‪ ،‬وهرعــوا للمصافحــة ترحيبــا‬ ‫بــك!‬ ‫تنكــس رأســك وتتمتــم ‪ « :‬آســف و هللا مــا كنــت‬ ‫أقصــد‪ ...‬ومســتعد أحكــم لهــم»‬ ‫آه‪ ،‬تبــا لشــرحي الغبــي هــذا! «ويهــا» انظــر إلــي‬ ‫أرجــوك‪ ،‬أنــا لــم أقصــد‪ ‬البتــة مــا قلتــه أنــت‬ ‫لحظــة شــروعك فــي عدهــم‪:‬‬ ‫“ األول‪/‬خترة‪-‬شــميز‪-‬فوطة‪ .‬الثانــي‪ /‬كوفيــة‬ ‫جرمة‪-‬برمــودا‪ .‬الثالــث‪ /‬شــال‪-‬ثوب‪ .‬الرابــع‪/‬‬‫شــميز‪ -‬معــوز‪ .‬الخامــس‪ /‬كجــول‪.‬‬ ‫وكيــف أعاتبــك علــى هــذا أساســا؟! فأنــت لــم‬ ‫تكــن بســاخر هنــا‪ ،‬وعلــى العكــس تمامــا‪ ،‬أشــرت‬ ‫بعفويــة إىل نقطــة مهمــة للغايــة!‬ ‫بــل أنــك ســألتني‪ « :‬كلهــم هــوال مــن ســوقطرى؟»‬ ‫ومــا إن أجبتــك بنعــم حتــى تمتمــت فاغــرا‬ ‫فاهــك ‪:‬‬ ‫“مــا شــاء هللا‪ ،‬أنتــم معكــم تنــوع حيــوي فــي كل‬ ‫شــيء!”‬ ‫الحمدللــه‪ ،‬هأنــا آخــذ نفســا عميقــا‪ ،‬إذ أنــك‬ ‫أخيــرا‪ -‬رفعــت رأســك‪ ،‬لتطل اإلبتســامة علــى‬‫محيــاك مجــددا‪.‬‬ ‫جميــل‪ ،‬جميــل! اآلن باســتطاعتي أن أشــرح لــك‬ ‫ماهيــة المســألة تمامــا‪ ،‬فانصــت إلــي جيــدا‪.‬‬

‫ منذ كنا صغارا‪ ،‬وهذه األمواج تتالطم‪.‬‬‫ نعم لهذا أتعجب!‬‫ لماذا؟‬‫ لم يمسنا ضر واحد من هيجانها!‬‫ صحيح‪ ،‬ولكن الريح‪..‬‬‫ لم تكن بتلك القسوة!‬‫صمتت قليال‪ ،‬ثم استأنفت‪:‬‬

‫حيــن أشــرت لــك بأنهــم أصدقائــي‪ ،‬أقصــد‬ ‫بذلــك أن نرحــل مــن هنــا‪ ،‬دون أن يالحظــوا ذلك‪.‬‬ ‫هــم اآلن يتشــاورون للقيــام بشــي مــا تجاهــك‬ ‫كضيــف! وال داعــي ألن تســألني « لمــاذا؟»‬ ‫هــا هــم يعــودون‪ ..‬آه‪ ،‬يبــدو لــي أن‪ ‬كالنــا لــن‬ ‫يتجــه شــماال‪ - ‬كمــا هــي العــادة‪ -‬صــوب العاصمــة‬ ‫حديبوة‪ .‬‬ ‫أرى القلق على وجهك!‬ ‫ال تقلــق‪ ،‬ســأقنعهم ولــو أن اإلفــات منهــم‬ ‫ســيكون نوعــا مــا صعبــا‪.‬‬ ‫ تبــا لكــم يــا أصدقائــي الخمســة! أنتــم‬‫مجا نيــن ؟ !‬ ‫كيــف تقــررون اللحظــة أخذنــا فــي رحلــة إىل‬ ‫«دكســم ؟! أال تــرون أن الرجــل مجهــد من الســفر؟!‪ ‬‬ ‫وفــي صــدد معركــة اإلقنــاع هــذه‪ ،‬أجــدك‬ ‫تهمــس فــي أذنــي‪ « :‬عيــب علينــا لمــا نــرد الدعــوة‬ ‫ونكســفهم هكــذا!»‬ ‫أخيــرا‪ ،‬وفــي الطريــق إىل دكســم ‪ ،‬تســألني هــذه‬ ‫المــرة عــن حــال ســوقطرى؟‬ ‫ـت أتأمل كل الســقطريين‬ ‫ـت‪ ..‬ومحدقــا‪ ،‬رحـ ُ‬ ‫ألتفـ ُ‬ ‫كثقــوب متناثــرة علــى تقاســيم وجهــك الحائر!‬ ‫ومجيبــا‪ ،‬أكتفــي باإلشــارة إىل مالمحــك المتعبــة‬ ‫مــن أثــر الســفر!‬

‫يتبع‪..‬‬

‫أخاف البشر!‬ ‫ ُ‬‫ أين هم؟‬‫ هنا تحت عشبنا األخضر‪ ،‬ولو أن صمته ودود‪،‬‬‫يشع من عينيه البراقتين‪ ،‬إال أنه في‬ ‫والجمال ُ‬ ‫األخير وجه المرأة‪.‬‬ ‫قهقهت الشجرة األخرى‪ ،‬ثم قالت‪:‬‬ ‫‪ -‬يا حمقاء‪ ،‬هذه وطننا!‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫شاعر من الموصل‬ ‫الحلقة ( ‪17‬‬

‫)‬

‫عرض‪:‬‬

‫ماجد حامد الحسيني _العراق‬

‫ذو النون الشهاب‬ ‫( ‪ 1921‬ـ ‪) 1990‬‬

‫ولد الشاعر الموصلي ذو النون يونس‬ ‫الشهاب الحاج حسين البدراني في‬ ‫وتلقى‬ ‫مدينته الموصل سنة ‪ّ ،1921‬‬ ‫تعليمه االبتدائي والثانوي في مدارس‬ ‫الموصل‪ ،‬ثم انتسب إىل جامعة القاهرة‬ ‫في مصر حيث نال شهادة الليسانس‬ ‫من كلية اآلداب ‪ -‬قسم اللغة العربية‬ ‫بتفوق‪ ،‬وقد كان شعلة من الذكاء‬ ‫والطموح ‪.‬‬ ‫مدرسا للمدرسة اإلعدادية‬ ‫عمل‬ ‫ً‬ ‫فأسس فيها أنشطة ونشاطات‬ ‫بالموصل ّ‬ ‫جديدا ‪.‬‬ ‫وعيا‬ ‫ً‬ ‫أدبية ب ّثت في طالبه ً‬ ‫عضوا بجماعة األمناء في مصر‬ ‫كان‬ ‫ً‬ ‫التي ّأسسها أمين الخولي‪ ،‬وحاول‬ ‫تأسيس فرع في الموصل فلم يو ّفق‬ ‫معجبا بأدب الدكتور طه‬ ‫‪ .‬كما كان‬ ‫ً‬ ‫حسين ‪.‬‬ ‫أصدر مجلة ( الجزيرة )‪ ،‬وهي مجلة‬ ‫نادي الجزيرة‪ ،‬وكانت رفيعة المستوى‬ ‫أعواما‪ ،‬ولكنه لم يتخ ّلف عن‬ ‫واستمرت‬ ‫ً‬ ‫ممارسة مهنة التعليم طوال حياته ‪.‬‬ ‫انضم إىل جماعة ( الندوة العمرية )‬ ‫التي ّأسسها الشاعر إبراهيم الواعظ‬ ‫( رئيس محاكم الموصل ) أواخر‬ ‫األربعينيات ‪.‬‬ ‫نشر أغلب قصائده في الصحف‬

‫والمجالت التالية ‪:‬‬ ‫ مجلة ( جوهر ) قصيدة يامي عام‬‫‪. 1945‬‬ ‫ جريدة ( الجزيرة ) الموصلية‬‫قصيدة اإلباء والوطنية عام ‪. 1948‬‬ ‫ جريدة ( الرائد ) الموصلية قصيدة‬‫موكب األحرار عام ‪. 1958‬‬

‫ جريــدة (الحدبــاء) الموصليــة‬‫قصيــدة اضمحــال عــام ‪2000‬‬ ‫(نظمــت عــام ‪.)1944‬‬ ‫له األعمال المسرحية التالية ‪:‬‬ ‫‪ )1‬مسرحية بين عهدين ( شعرية )‬ ‫وقد مثلت عام ‪. 1945‬‬ ‫‪ )2‬مسرحية فراق الحبيبين ( شعرية‬ ‫) وقد مثلت عام ‪. 1948‬‬ ‫‪ )3‬العمل والثورة ( أوبريت ) وقد مثلت‬ ‫عام ‪. 1960‬‬ ‫‪ )4‬أبو تمام في موكب الخلود ( شعرية‬ ‫) وقد مثلت عام ‪. 1970‬‬ ‫‪ )5‬اندحار اإلقطاع ( شعرية ) كتبت‬ ‫عام ‪. 1971‬‬ ‫ملحوظة ‪:‬‬ ‫زادني شر ًفا أن أكون أحد طالبه‬ ‫في الدراسة المتوسطة خالل األعوام‬ ‫( ‪1966‬ـ ‪ ،) 1967‬وقد كان له الفضل‬ ‫الكبير في توجيهي نحو األدب‪ ،‬وقد‬ ‫كنت مالزمه حتى وفاته‪ ،‬وفي بداية‬ ‫ُ‬ ‫سبعينات القرن الماضي كنا نجلس‬ ‫في مقهى صحارى في منطقة الدواسة‬ ‫وقد كتب قصيدة ( عذاب الشاعر ) على‬ ‫ودسها‬ ‫قصاصات أخذها صاحب المقهى ّ‬ ‫في يدي‪ ،‬وتعتبر اليوم من الوثائق‬ ‫المهمة في شعر ذو النون الشهاب ‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪13‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫محمد ابن حمير‪ ...‬شاعر الملك المنصور‬ ‫الحلقة الثالثة‬

‫غالب العاطفي ‪ -‬اليمن‬

‫_عمومـا _ واليمنـي‬ ‫فـي مسـيرة الشـعر الخالـدة‪ ،‬وعلـى امتـداد تاريخنـا العربـي‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫كثيـرة ال تـكاد ُتحصـى‪ ،‬أسـماء كان لهـا حظهـا مـن‬ ‫_خصوصـا _ ظهـرت أسـماء‬ ‫ً‬ ‫الشـهرة فـي حياتهـا ‪ ،‬ومـازال صداها يتردد حتـى يومنا هذا‪ ،‬بعض هذه األسـماء‬ ‫نالـت حقهـا عـن جـدارةٍ واسـتحقاق‪ ،‬والبعـض اآلخـر نال حقـه بمسـاعدة عوامل‬ ‫مختلفـة كالسياسـة والجغرافيـا والحـظ الحسـن _إن جـاز التعبيـر _ ‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫كثيـرة ً‬ ‫أقـل‬ ‫أيضـا‪ ،‬لـم تكـن‬ ‫نجـوم‬ ‫وعلـى الجانـب اآلخـر مـن المشـهد‪ ،‬سـطعت‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ألسـباب‬ ‫شـاعرية مـن غيرهـا‪ ،‬لكنها لم تنل حقها من الشـهرة‬ ‫أخفـت‬ ‫نبوغـا‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫عديـدةٍ مـن بينهـا السياسـة والجغرافيـا أيضـا ‪ ،‬فانطفـأ ضوؤهـا‪ ،‬وانمحـى أثرها ‪،‬‬ ‫وتالشـى ذكرهـا فـي عتمة النسـيان ‪..‬‬

‫“أقالم عربية” تفتح هذه النافذة الجديدة‪،‬‬ ‫لتضع بين يدي قارئها بعض هذه األسماء‬ ‫التي غابت ‪،‬أو تكاد تغيب‪ ،‬عن أذهان‬ ‫عموما‪ ،‬واليمني على وجه‬ ‫المثقف ‪،‬العربي‬ ‫ً‬ ‫الخصوص‪.‬‬

‫ميــن إمــا ُم‬ ‫إمــام‬ ‫َوإمــا ٌم‬ ‫ُــل ٍ‬ ‫لألكر َ‬ ‫لألكر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ميـن َومـا ك ُّ‬ ‫قَ‬ ‫ِ‬ ‫بق َوحيد ًا أو َتس َتوي األقَ دا ُم‬ ‫الس‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫مي‬ ‫ح‬ ‫بن‬ ‫َ‬ ‫إنَّما ِل ِ َ ٍ ُ َّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ون واإلسال ُم‬ ‫يا ( َأبا عبدِ هللا) َعزَّت ِب َك األ َّم ُة ُ‬ ‫والمسل ُِم َ‬ ‫حين َع ّز القيا ُم‬ ‫ُق َ‬ ‫الم ُ‬ ‫نصو ِر) ِبالشِّ ع ِر َ‬ ‫(المل ِ​ِك َ‬ ‫مت فرد ًا ِب َدولةِ َ‬ ‫يش ُلها ُم‬ ‫ولي َو ُه َو َج ٌ‬ ‫ِبق ٍ‬ ‫َواف َت ُه ُّز مِ ن ُ‬ ‫أعج ِز َ‬ ‫الج ِ‬ ‫يش ال َّر ُس ّ‬ ‫ٍ‬ ‫األصل لَوال الغَ ما ُم‬ ‫في‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫يل‬ ‫الس‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫فت‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ما‬ ‫َوالك‬ ‫أنا ل‬ ‫شَ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َّ ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الصمصا ُم‬ ‫ن ُ‬ ‫(عمرو) َوقَ د َعل َِم العال َُم أنّا ذو النُّو ِن َو َّ‬ ‫َحن َسيفا ٍ‬ ‫اآلداب واألَرحا ُم‬ ‫ع‬ ‫جم‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫إىل‬ ‫نا‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫نَ‬ ‫فيهِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ٍ َ َ‬ ‫نَ َس ٌ َ‬ ‫ُ‬

‫مقدمة ال بد منها‬

‫قبل أن نخوض في الحديث عن ابن حمير‬ ‫وشعره ‪ ،‬ربما يكون من المنطقي القول ‪ :‬إن‬ ‫ما ضاع من تراثنا _ الثقافي عموما والشعري‬ ‫على وجه الخصوص _ أكثر مما بقي‪ ،‬وما‬ ‫فيض‬ ‫غيض من‬ ‫هذا المتبقي بين أيدينا إال‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ،‬وقطر ٌة من بحر طمره النسيان‪ ،‬وجففته‬ ‫عوادي الزمان األرعن‪ .‬وأستشهد هنا بما ذكره‬ ‫«محمد بن علي األكوع» في مقدمة ديوان‬ ‫ابن حمير ‪ ،‬فهو يرى أن هذا االندثار المخيف‬ ‫لتراثنا الثقافي يرجع إىل « ندرته وتشتته في‬ ‫مكاتب الشرق والغرب من جهة ‪ ،‬وانطوائه على‬ ‫نفسه ‪ ،‬والبخل به من أهله ‪ ،‬وسطو اآلخرين‬ ‫عليه من جهة أخرى ‪ »...‬وال شك أن ظاهرة‬ ‫التغييب لتراثنا والسطو عليه عبر التاريخ هي‬ ‫ممنهج تقف السياسة وراءه‬ ‫عمل‬ ‫في الحقيقة ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وحديثا ‪.‬‬ ‫قديما‬ ‫ً‬ ‫كثيرا‬ ‫وقتا‬ ‫وال ُأخفيكم أنني استغرقت ً‬ ‫ً‬ ‫في البحث والتنقيب عن هذا الشاعر الذي‬ ‫سمعت به من قبل ‪ ،‬وأظن أن‬ ‫لم أكن قد‬ ‫ُ‬ ‫الكثيرين ممن سيقع بين أيديهم هذا المقال‬ ‫ال يعرفون شي ًئا عنه ‪ ،‬ولألمانة ‪ ،‬فقد كانت‬ ‫خاتمة هذا التعب _ الذي الزمني طيلة أيام‬ ‫البحث _ مثمر ًة كما ينبغي ‪ ،‬إذ أوصلتني‬

‫‪14‬‬

‫محمد ابن حمير‪ ...‬بطاقة تعريفية‬

‫بحر ملي ٍء بالجواه ِر ‪،‬‬ ‫إىل‬ ‫وعوالم مسكونةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫شاعر حقيقي‬ ‫أمام‬ ‫نفسي‬ ‫فوجدت‬ ‫بالدهشة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫قلت إنه واحد من فحول‬ ‫‪ ،‬لن أكون‬ ‫ً‬ ‫مبالغا إن ُ‬ ‫الشعراء الذين أنجبتهم اليمن ‪ ،‬ليس في‬ ‫القرن السابع الهجري وحسب ‪ ،‬وإنما في كل‬ ‫العصور ‪.‬وال أنسى في هذا السياق إن أستشهد‬ ‫بما قاله الشاعر ابن هتيمل عن شاعرنا ابن‬ ‫حمير ‪ ،‬إذ يقول عنه ‪:‬‬

‫َحارت في وصفِ هِ األَقال ُم‬ ‫ُجمِ َعت في ُ‬ ‫(م َح َّم ٍد) آل ُة الف ِ‬ ‫َضل ف َ‬ ‫الحسا ُم‬ ‫م‬ ‫سا‬ ‫الح‬ ‫م‬ ‫ار‬ ‫والص‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫الس‬ ‫يد‬ ‫والس‬ ‫واد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ ُ ُ ُ ُ‬ ‫الج ُ‬ ‫واد َ‬ ‫َ‬ ‫الج ُ َّ‬ ‫َّ ِّ‬ ‫ته ُع ُروقُ َّ‬ ‫األخوال واألَعما ُم‬ ‫ين‬ ‫مني َتراف َ​َد ُ‬ ‫ُ‬ ‫الذو َّي ِ‬ ‫َي ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ون واألَعال ُم‬ ‫العالم‬ ‫َه‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ِم‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫حاشيهِ‬ ‫ُ ِ ُ‬ ‫َعل َ​َم ُ ٌ‬ ‫ُ َ‬ ‫الس ُي ُ‬ ‫وف واألَقال ُم‬ ‫الس ِ‬ ‫والي َ‬ ‫راعةِ َتمضي َبي َديهِ ُّ‬ ‫راعِ ُف َّ‬ ‫يف َ‬

‫هو محمد بن حمير بن عمر الوصابي ‪ ،‬الملقب‬ ‫بـ«جمال الدين» ‪،‬كما كان ُيلقب بـ«شاعر الملك‬ ‫المنصور» ( مؤسس الدولة الرسولية‪ ،‬وأبو الملك‬ ‫المظفر الرسولي) وأما عن مولد شاعرنا ونشأته‬ ‫فيقول «محمد بن علي األكوع» _ محقق ديوان‬ ‫ابن حمير _ ما مضمونه باختصار « لم ُتشر‬ ‫المصادر التاريخية ال من قريب وال من بعيد إىل‬ ‫مولد شاعرنا «ابن حمير» بل ألغت ذلك كليا‪،‬‬ ‫فضل عن تحديده باليوم أو الشهر أو السنة «‬ ‫ً‬ ‫فضل عن تحديد مكان مولده ونشأته ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ومن خالل دراسة شعر ابن حمير ‪ ،‬يرى‬ ‫«األكوع» أن مولد شاعرنا كان في الربع الرابع‬ ‫من القرن السادس الهجري ‪ ،‬أي في أواخر‬ ‫الدولة األيوبية وبدايات الدولة الرسولية ‪،‬‬ ‫حيث عاصر الملك المنصور واتصل به ‪،‬‬ ‫وأصبح شاعره ‪ ،‬ولم يزاحمه في هذا المقام‬ ‫أحد من شعراء عصره ‪ ،‬كما شهد عنفوان دولة‬ ‫«الملك المظفر الرسولي» الذي توحدت في‬ ‫عهده أجزاء اليمن ‪ ،‬وازدهرت في عصره العلوم‬ ‫والفنون ‪ ،‬وأما وفاة ابن حمير فكانت بمدينة‬ ‫زبيد سنة ‪ 651‬للهجرة ‪..‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫شاعريته وأغراض شعره‬

‫تنوع شعر ابن حمير وتعددت أغراضه‬ ‫بين الغزل والمدح والرثاء والهجاء وغيرها من‬ ‫األغراض الشعرية المعروفة في ذلك العصر ‪،‬‬ ‫وبطبيعة الحال فقد الغزل والمدح هما الغالبين‬ ‫في شعره ‪ ،‬وفي هذا يقول «محمد بن علي‬ ‫األكوع» ‪« :‬إن شاعرية ابن حمير تكمن في‬ ‫غزله ونسيبه ‪ ،‬فهو غزل رقيق الحواشي ‪ ،‬ليس‬ ‫تصنع وال تعقيد ‪ ،‬وكأنما يغرف‬ ‫تكلف وال‬ ‫فيه ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫عين ثرة ومنجم غزير المعاني اآلخذة‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫متغيبا‬ ‫بمجامع القلوب ‪ »...‬وقد ظل شعره‬ ‫ً‬ ‫طويل ‪ ،‬إال أن ظهر في مطلع‬ ‫زمنا‬ ‫ً‬ ‫عن األعين ً‬ ‫ثمانينات القرن الماضي على يد محمد بن‬ ‫علي األكوع الذي حققه وقدم له وعلق عليه ‪.‬‬ ‫نماذج من شعره في مدح الرسوليين‬

‫ال تكاد تخلو مسيرة أي شاعر من المدح‬ ‫وإن برع في أغراض أخرى واش ُتهر بها ‪ ،‬بل‬ ‫إن بعض الشعراء اقتصر معظم شعرهم على‬ ‫أغراضا أخرى‬ ‫المدح وإن تضمنت قصائدهم‬ ‫ً‬ ‫غيره ‪ ،‬كالحكمة والوصف والغزل ‪ ،‬وقد اتصل‬ ‫شاعرنا _ كما قلنا في بداية الحديث _ بالملك‬ ‫المنصور الرسولي وابنه المظفر من بعده ‪،‬‬ ‫ومدحهما في كثير من شعره‪ ،‬وكما هو معروف‪،‬‬ ‫فإن الشاعر ال يمدح مباشرة‪ ،‬بل يتنقل بين‬ ‫األغراض كالغزل والشكوى والحكمة حتى يصل‬ ‫إىل مدح المقصود ‪ ،‬ومن أجمل ما قاله شاعرنا‬ ‫ابن حمير في مدح الملك المنصور الرسولي‬ ‫هذه القصيدة التي يقول في بعض أبياتها ‪:‬‬ ‫وهم‬ ‫ما لي وصحبةِ‬ ‫جيران الغضا ُ‬ ‫ِ‬ ‫إن صاحبوا نكثوا‪ ،‬أو عاهدوا غدروا‬ ‫ُ‬ ‫قمرا‬ ‫إني‬ ‫ألعشق في أخدارهم ً‬ ‫عشق القم ُر‬ ‫وال‬ ‫مالم َة في أن ُي َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫خمر‬ ‫نشوان ‪ ،‬ما ذاقَ‬ ‫غير ري َقتِهِ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫والسكَ ُر‬ ‫فيما‬ ‫النبت‬ ‫ر‬ ‫كَّ‬ ‫والس‬ ‫ذاقَ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫غلت بمشغولين عن ولهي‬ ‫ما لي ُش ُ‬ ‫سهرت ل ُن َّو ٍام ‪ ،‬وما سهروا‬ ‫ال بل‬ ‫ُ‬ ‫قو ٌم إذا هجروا قالوا جرى قد ٌر‬ ‫لوصلي ال يجري به قد ُر ؟‬ ‫فما‬ ‫َ‬ ‫الغي والخمسون تزجرني‬ ‫ال أبتغي َّ‬ ‫مزدج ُر‬ ‫الخمسين‬ ‫عن‬ ‫األربعين‬ ‫في‬ ‫َ‬ ‫الشيب عاذلتي‬ ‫ما أنكرت من حلول‬ ‫ِ‬ ‫عيب فيه حين ينفج ُر‬ ‫والفج ُر ال َ‬ ‫البياض الذي حول السوادِ لما‬ ‫لوال‬ ‫ُ‬ ‫تدعيج وال َحو ُر‬ ‫النواظر‬ ‫زان‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ليك) القف ِر ‪ ،‬أعسفُ ه‬ ‫وإنني (ل َُس ُ‬ ‫دجاه وهو معتكِ ُر‬ ‫عسفً ا ‪ ،‬وأسري‬ ‫ُ‬ ‫نقل من قع ِر البحو ِر إىل‬ ‫ُّ‬ ‫والد ُّر ُي ُ‬ ‫الدر ُر‬ ‫أعلى النحو ِر فيغلو عندها ُّ‬ ‫ألمضين المطايا وهي ضامر ٌة‬ ‫َّ‬ ‫السفا ِر على أكوارها ُض ُم ُر‬ ‫من ّ‬ ‫(الملك المنصو ِر) من مِ َدحي‬ ‫ُأهدي إىل‬ ‫ِ‬ ‫الع ِط ُر‬ ‫عطرا ُيقص ُر عنه‬ ‫المندل َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫الجمال وما‬ ‫هذا‬ ‫هللاُ أكب ُر ‪ ،‬ما‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫والخَ‬ ‫الجالل وماذا الخب ُر ب ُر‬ ‫هذا‬ ‫ُ‬ ‫شرف‬ ‫وكم‬ ‫مدح ومن ٍ‬ ‫ُ‬ ‫أعدد من ٍ‬ ‫شرح ليس ينحص ُر‬ ‫وشرح‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫حالك ٌ‬ ‫جذبت القوافي وهي غاضب ٌة‬ ‫إذا‬ ‫ُ‬ ‫تبتد ُر‬ ‫الك لهتني وهي َ‬ ‫إىل ُع َ‬ ‫ُ‬ ‫الرفاق إىل بطحا ِء مكتِهم‬ ‫حج‬ ‫َّ‬ ‫ومعت َم ُر‬ ‫حج‬ ‫َ‬ ‫وحول َ‬ ‫بابك لي ٌ‬ ‫البحر أو ملكً ا‬ ‫قد قيل ‪ :‬جاو ْر لِتغنى‬ ‫َ‬ ‫(ع َم ُر)‬ ‫أنت وأنت‬ ‫ُ‬ ‫فالبح ُر َ‬ ‫الملك يا ُ‬ ‫ويقول في قصيدة أخرى ‪:‬‬ ‫َّمان تَعتُّ بي‬ ‫ولقد‬ ‫ُ‬ ‫سئمت على الز ِ‬ ‫الهوان ثوائي‬ ‫أرض‬ ‫في‬ ‫ومللت‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫وأدرت طرفي في البالدِ فلم أجد‬ ‫ُ‬ ‫دعوت دعائي‬ ‫يجيب إذا‬ ‫أحدا‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫(بالجندِ ) الخصيبةِ بارقٌ‬ ‫ركب‬ ‫يا ُ‬ ‫َ‬ ‫صباح مسا ِء‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫سحائ‬ ‫تهمي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ميلوا إىل (المنصو ِر) ال تتحدثوا‬ ‫(برم ٍك) و(أبي عدي الطائي)‬ ‫عن َ‬ ‫َمرين ‪ ،‬هذا ثالثُ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ثالث الق‬ ‫ِ‬ ‫أعظم العظما ِء‬ ‫ين) هذا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫(الع َم َر ِ‬ ‫ُ‬ ‫عسجد‬ ‫وابل‬ ‫في‬ ‫ٍ‬ ‫سار َ‬ ‫حيث َ‬ ‫رأيت َ‬ ‫بحر دما ِء‬ ‫رأيت‬ ‫صال‬ ‫حيث‬ ‫في‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بسالب‬ ‫وليس‬ ‫هللا َملَّكَ ُه ‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أواله من نعما ِء‬ ‫منه الذي ُ‬ ‫ولعل الملك المنصور قد أجزل له العطاء ‪،‬‬ ‫جزاء هذا المدح الغزير ‪،‬‬ ‫وأغدق عليه بالهبات ‪َ ،‬‬ ‫والشعر الغزير الذي َخ َّصه به شاعرنا ‪ ،‬ونلمس‬ ‫هذا العطاء الجزيل في قول شاعرنا‪:‬‬ ‫مدائح مِ ن‬ ‫القمرين اسمع‬ ‫ثالث‬ ‫يا َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫للسح ِب‬ ‫شكر‬ ‫ك‬ ‫لم‬ ‫هد‬ ‫م‬ ‫لكِ‬ ‫ٍ‬ ‫الروض ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫اإلحسان فانسكبت‬ ‫ذهب‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫أعطيت ُه َ‬ ‫الذهب‬ ‫ذلك‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ذه‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫أشعا‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُعماك صاف َن ٌة‬ ‫وعنده‬ ‫الخيل من ن َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّجب‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫أبنائك‬ ‫ومن‬ ‫منك‬ ‫ر‬ ‫والب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫واحد وكفى‬ ‫بشعب‬ ‫كنت ُأسقى‬ ‫قد ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الرحمن في ِش َعبي‬ ‫واليوم قد كث َ​َّر‬ ‫ُ‬

‫لم ُي ِ‬ ‫درك (المتنبي) بعض منزلتي‬ ‫(حلب)‬ ‫حمدان) في‬ ‫جار (بني‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫إذ كان َ‬ ‫(ابن هان َئ) أيام (الرشيد) له‬ ‫وال ُ‬ ‫سبب‬ ‫لي من ن َ‬ ‫ُعماك من ِ‬ ‫مثل الذي َ‬ ‫حزت من ُر َت ٍب‬ ‫ماذا ُأ َع ِّد ُد مما‬ ‫َ‬ ‫الس ِر ِب‬ ‫قطر‬ ‫العارض َّ‬ ‫ِ‬ ‫ومن يعدد َ‬ ‫أردت الثريا من مطالعها‬ ‫ولو َ‬ ‫الشهب‬ ‫قلعتها وهي أ ُّم السبعةِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إلى أن نلتقي‬

‫والكثير من‬ ‫الكثير‬ ‫مازال في جعبة شاعرنا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫السحر والجمال ‪ ،‬وإلن المجال ال يتسع لإلحاطة‬ ‫بكل ما لدى ابن حمير من جواهر ‪ ،‬فإننا نكتفي‬ ‫بهذا القدر ‪ ،‬وسنحاول في المقال القادم تسليط‬ ‫الضوء على زوايا جديدة من شعره ‪ ،‬وإىل ذلك‬ ‫الحين أترككم مع هذه المقطوعة البديعة التي‬ ‫أرسلها شاعرنا إىل الملك المنصور ‪ ،‬يقول فيها ‪:‬‬ ‫(سعدى) في تنائيها‬ ‫علي‬ ‫تعتب ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫فاسمع شكيتها ‪ ،‬وانظر تجنيها‬ ‫عنك؟! لو قبلوا‬ ‫قالت ‪:‬‬ ‫رضيت ببعدي َ‬ ‫َ‬ ‫كنت أفديها‬ ‫مني‬ ‫الفداء بنفسي َ‬ ‫َ‬ ‫(يعقوب) إذ جاؤوا بنيهِ عِ شً ا‬ ‫يبك‬ ‫لم ِ‬ ‫ُ‬ ‫أخ ‪ ،‬كبكائي يوم فقديها‬ ‫بال ٍ‬ ‫بيني وما بين ُسعدى شاهدين على‬ ‫نعمان) وواديها‬ ‫كان ‪( :‬سرح ُة‬ ‫ما َ‬ ‫ٍ‬ ‫جميعا تحت ُظلَّتها‬ ‫أيام كنا‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫فاي من فيها‬ ‫أضم َ‬ ‫ُّ‬ ‫تلك وأمال َ‬ ‫وفوق وجنتها خدي ‪ ،‬ولبتها‬ ‫زندي ‪ ،‬وز ُّر قميصي في تراقيها‬ ‫تلك لي خب ٌر‬ ‫ثم افترقنا فما من َ‬ ‫أين حدا األنضاء حاديها ؟!‬ ‫يا ُسعد َ‬ ‫أقسم ‪ ،‬إني من تذ ُّك ِرها‬ ‫تاللهِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫علي صالتي ال أصليها‬ ‫تمضي َّ‬ ‫أسائل البرقَ عنها في ترقرقه‬ ‫ُ‬ ‫والسحب حيث غدت وطفً ا غواديها‬ ‫ُ‬ ‫الشرق عندي حاج ٌة ومعي‬ ‫يا رائح‬ ‫ِ‬ ‫رسال ٌة فعسى عني تؤديها‬ ‫(عمر) شوقي ‪ُ ،‬‬ ‫وق َّص له‬ ‫بلِّغ إىل‬ ‫ٍ‬ ‫ُك ُمن َه ٌّل مآقيها‬ ‫توقي وعين َ‬ ‫قمت أرسلها‬ ‫ما ه َّب ِت‬ ‫الريح إال ُ‬ ‫ُ‬ ‫(صنعاء) فحييها‬ ‫جئت‬ ‫ريح إن‬ ‫ِ‬ ‫يا ُ‬ ‫ً‬ ‫بقصر حل َُّه (عم ٌر)‬ ‫عبرت‬ ‫وإن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تعظيما وتنزيها‬ ‫األرض‬ ‫فقبلي‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫حل أو َملِكً ا‬ ‫وشاهدي ث ََّم َملكً ا َّ‬ ‫أدنى مواهبه الدنيا وما فيها‬

‫‪15‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫من بالد النيل‪...‬‬

‫رمزية الطيور في الغناء السوداني‬

‫آمنة حماد ‪ -‬السودان‬

‫الطيور تلك المخلوقات التي حباها اهلل جماال يدهش الرائي ويحار له اللب‬ ‫كانت منذ األزل محط إعجاب اإلنسان ودهشته بجدها ومثابرتها وبكورها‬ ‫وعصاميتها في طلب القوت دون اللجوء لمساعدة أو إعانة‪...‬إبتداءا من محاولة‬ ‫العالم األندلسي عباس بن فرناس تقليدها ليلقى حتفه في محاولته الشهيرة‬ ‫للتحليق‪..‬وليست إنتهاءا بتجارب األخوين رايت‪...‬فكانت هي ملهبة عقول العلماء‬ ‫حتى ألهمتهم صناعة الطائرات والمركبات التي تمخر عباب الفضاء بحثا عن‬ ‫خفايا ما وراء األفق‪.‬‬

‫الفنان مصطفى سيد أحمد‬ ‫وللطيـور رمزيتهـا وداللتهـا الخاصـة فـي الذاكـرة‬ ‫الغنائيـة السـودانية حيث تم إسـتخدامها بطريقة‬ ‫أغـان ال حصـر لهـا‪ ،،‬لدرجـة‬ ‫ملفتـة ومعبـرة فـي‬ ‫ٍ‬ ‫جعلـت الباحـث وحتـى المسـتمع العـادي يتسـاءل‪ ‬‬ ‫لمـاذا كل تلـك األسـراب المغـردة فـي دوح األغنيـة‬ ‫السـودانية؟؟!‬ ‫هـذا التسـاؤل سـيقودنا بعـد معرفـة البيئـة‬ ‫السـودانية الغنيـة بمواردهـا المائيـة والتـي تشـكل‬ ‫بغنـى وتنوع يشـده الناظر‬ ‫مهجـرا ومرتـادا للطيـور ً‬ ‫ويلهـم الشـاعر‪ ‬مباشـرة لللغـوص في أغـوار النفس‬ ‫السـودانية بذاتهـا ف(الـزول) وهـو ـــ الشـخص فـي‬ ‫عاميـة أهـل السـودان ـــ بطبيعتـه مـوادع ومسـالم‬ ‫بشـاهدة كل مـن يعرفـه عن قـرب‪ ...‬وسـليل بيئة‬ ‫قـل مـا تعـرف الجفـاء والخصومـات إليهـا سـبيال‪..‬‬ ‫يـكاد معظمـه يكـون بقلوب كحواصـل الطير نقية‬ ‫لذلـك ربمـا إختـار مـا هـو أقـرب لقلبـه!!!‬ ‫فالطيـور رغـم إشـتهارها بالهجـرة والترحـال إال‬ ‫أنهـا أشـد‪ ‬الكائنـات إلفـة!! فهـي التفـارق العـش‬ ‫الـذي إبتنتـه أليـة سـبب كان وهـذا مـا يفسـر‬ ‫حزنهـا‪ ‬أيمـا حـزن إذا وجـدت الريـاح قـد هدتـه‪...‬‬

‫‪16‬‬

‫الفنان جعفر السقيد‬

‫الفنان انور الجيالني‬

‫وقـد قالهـا قديما صفـي الديـن الحلي‪«:‬تحـن الكرام‬ ‫ألوطانهاحنيـن الطيـور ألوكارهـا» وهـذا مـا عنـاه‬ ‫شـاعر سـوداني معاتبـا حبيبـه الـذي فارقـه واصفـا‬ ‫لـه حالـه مـن بعـد البيـن‬ ‫خليتني ذي عصفور‪...‬هبت عليهو هبوب‬ ‫تركت له عشه‪ ...‬شمال شالت صغاره جنوب‬ ‫(أي أنـك تركتنـي بعـد الفـراق مثـل عصفـور‬ ‫هبـت علـى عشـه الريـاح فتركـت الصغـار بناحيـة‬ ‫بينمـا أخـذت العـش للناحيـة األخرى)فـي دليـل‬ ‫واضـح علـى التشـتت والضيـاع!‪.‬‬ ‫والناظـر للجـزء الـذي لـم تجهـز عليـه آلـه الزمـن‬ ‫مـن بقايـا الحضـارات القديمة من مسلات ونقوش‬ ‫وأوانـي وقطـع معدنيـة‪ ...‬يجدهـا ملآى بأشـكال‬ ‫شـتى مـن الطيـور حتى أنهـا‪ ‬لتزين معابـد القدماء‬ ‫وجدرانهـم فـي داللـة ضحـة إلرتباطهـا بحيـاة‬ ‫اإلنسـان بـكل نواحيهـا فهـي التـي يسـر ناظـره‬ ‫بهـا عنـد إتخازهـا للزينـة ويتقـوت منهـا عندمـا‬ ‫يصيدهـا ومنهـا ماهـو رمـز للعـزة والمنعـة التـي‬ ‫يتفاخـر الملـوك والسـادات بإقتناؤها(الصقـور)‪...‬‬ ‫بـل وصـل أمـر بعضهـم أن قدسـوها ومـا طـاؤوس‬

‫الفنان محمد وردي‬

‫طائفـة اليزيديـة الذهبي (طـاؤوس ملك ) إال داللة‬ ‫حيـة علـى ذلك‪...‬والننسـى لمـا لهدهـد سـليمان‬ ‫عليـه السلام مـن قدسـية فـي ديننـا الحنيـف‪...‬‬ ‫والشـاعر السـوداني منـذ القديـم‪ ‬تمنـى لـو‬ ‫يسـتطيع التحليـق كالطيور حتـى اليفصله فاصل‬ ‫عمـن يهـوى‪ ،،‬ولمـا أعجـزه قطـع المسـافات بينـه‬ ‫واألحبـة إتخـذ فـي بـادئ األمـر الطيـور رسلا بيـن‬ ‫يـدي أحبتـه تبلغهـم أشـواقه وهيامـة وتعـود إليـه‬ ‫بالمقابـل بالتحايـا لذلـك زخـر الغنـاء السـوداني‬ ‫بعـدد كبيـر جدا مـن األغنيات التـي توظف رمزية‬ ‫الطيـر علـى عـدة مناحي‪ ‬فتنوع دوره بين الرسـول‬ ‫إىل المحـب وهـو األكثـر شـهرة‪ ،،،‬كمـا كتـب الشـاعر‬ ‫السـوداني الدبلوماسـي و المناضـل (صلاح أحمـد‬ ‫إبراهيـم)‪ ‬إبـان غربتـه التـي تشـعبت بيـن غانـا‬ ‫و(فرنسـا) التـي توفـي بهـا‪ ،،‬قصيـدة أصبحـت مـن‬ ‫كالسـيكيات الغنـاء السـوداني الخالـدة بـأداء مميـز‬ ‫مـن الفنـان السـوداني الشـهير محمـد وردي يشـكو‬ ‫فيهـا الغربـة ويصـف حالـة الوحـدة ويحمـل الطيـر‬ ‫رسـالته للوطـن والحبيبـة قائلا‪:‬‬ ‫(غريب وحيد في غربته‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫الفنان علي ابراهيم اللحو‬

‫الشاعر اسحاق الحلنقي‬

‫واقف يردد من زمن‬ ‫بالله ياالطير المهاجر للوطن‬ ‫زمن الخريف‬ ‫تطير بسراع‪.......‬ما تضيع زمن‬ ‫أوعك تقيف‬ ‫وتواصل الليل بالصباح‬ ‫‪.‬تحت المطر‪...‬وسط الرياح‬ ‫وكان تعب منك جناح في السرعة زيد‬ ‫في بالدنا ترتاح‪....‬‬ ‫تلقى في ضل الدليب أريح سكن‬ ‫بالله يا طير‬ ‫قبل ما تشرب‬ ‫تمر على بيت صغير‬ ‫من بابه ومن شباكه‬ ‫يلمع الف نور‬ ‫وتلقى الحبيبة بتشتغل‬ ‫منديل حرير‬ ‫لحبيب بعيد‬ ‫تقيف لديها‬ ‫وتبوس إيديها‬ ‫وأنقل إليها وفاي ليها‬ ‫وحبي األكيد)‬ ‫فالشـاعر هنـا يحمـل الطيـر ربمـا فـوق طاقتـه‬ ‫السلام واألشـواق ويكلفه عناء العودة برد التحية‪...‬‬ ‫إختـار الشـاعر السـوداني للتعبيـر بكثـرة عـن‬ ‫البيـن والفراق وإرسـالة للمحبـوب وأحيانا مناجاته‬ ‫كبديـل للمحبـوب‬ ‫أو كمـا قـال الشـاعر السـوداني اليمانـي حسـين‬ ‫بازرعـة حيـن كان فـي السـعودية محملا الطيـور‬ ‫رسـائله للمحبـوب والوطـن‪ ‬السـودان عبـر البحـر‬ ‫األحمـر‪( ‬إذ تعـذر عليـه هـو قطعه) في نغم شـدى‬

‫الشاعر صالح احمد ابراهيم‬

‫بـه الفنـان السـوداني عثمـان حسـين إذ يقـول‬ ‫كل طائر مرتحل‪،،،‬عبر البحر قاصد األهل‬ ‫حملتو أشواقي الدفيقة‬ ‫ليـك يـا حبيبـي وللوطن‪،،،‬لترابـه وأشـجاره‬ ‫الوريقـة‬ ‫ثـم ذهـب بعضهـم لتجسـيد المحـب في شـخص‬ ‫الطيـر ومـن ثـم مخاطبتـه نيابـة عنـه كمـا هـو‬ ‫الحـال فـي رائعـة‬ ‫النـور الجيالنـي وكلمـات جمـال الشـاعر( أصلـو‬ ‫يالعصفـور دا حالـك مـن مـا سـويتلك جنـاح‬ ‫يعني كان صارحت مالك؟نحنا ما بينا الصراح‬ ‫كان ضميرنـا إرتـاح وحاتـك يبقـى لومنـا عليـك‬ ‫سـماح) حيـث يشـبه المحبـوب بعصفـور نبـت لـه‬ ‫الجنـاح بعـد الزغـب وطـار مجافيـا عشـته ويتمنـى‬ ‫لـو أن هـذا المحبـوب صارحـه بنيتـه الفـراق لـكان‬ ‫سـامحه بـدال مـن أن يلومـه‪.‬‬ ‫لـم تكـن القضايـا اإلنسـانية والسياسـية مـن‬ ‫نفـي وتهجيـر للمبدعيـن المعارضيـن للحكومـات‬ ‫بمنـأى مـن إسـتدعاء نمـوزج الطير كمثـال للحرية‬ ‫والحركة‪ ‬الالمحـدودة فيصـف الشـاعر (حافـظ‬ ‫عبـاس)‪ ‬حالـه بالنفـي والتهجير ويتمنـى أن يكون‬ ‫مـن الطيـور التـي ال تحدها خرائـط واليوقفها جواز‬ ‫سـفر وتأشـيرات دخـول فـي حريـة تنقلهـا بيـن‬ ‫البلدان‪،،‬فـي أغنيـة‪ ‬الفنـان مصطفـى سـيد أحمد‪:‬‬ ‫(وهللا نحنا مع الطيور المابتعرف ليها خرطة‬ ‫وال في إيدها جواز سفر‬ ‫نمشي في كل المدائن نبني عشنا في الغناوي‬ ‫ننثر األفراح درر)‪.‬‬ ‫وبينما يسـأل الشـاعر الطيور(القماري) وهو النوع‬ ‫األحـب واألكثـر ذكـرا لدى الشـعراء السـودانيين في‬ ‫أغنياتهم‪،،‬يسـألها أن تعلمـه ومـن يحـب المثابـرة‬ ‫والمحنـة (أبنـي عشـك ياقمـاري قشة‪..‬قشـة‪...‬‬ ‫علمينـا كيـف علـى الحـب دارنـا ينشـأ‪،،،‬رغم‬

‫العواصـف برضـو واقـف‪)...‬‬ ‫نجـد أن هنـاك مـن يحسـدها علـى راحـة البـال‬ ‫وخلـو الفؤاد حيث ال يعكـر صفوها كدر إحتياجات‬ ‫يوميـة أو سـكن وغيرهـا مـن نعـم‪ ‬الدنيـا الزائلـة‬ ‫كمـا قـال الشـاعر (حاتـم حسـن الدابي) فـي أغنية‬ ‫الفنـان جعفـر السـقيد‪: ‬‬ ‫مرتاح من هموم الدنيا ما ضاقت سهر عينيك‬ ‫يا طير حناني عليك‬ ‫صباحـات هللا ليـك بشوشـه بتقضيهـا فـوق‬ ‫جنحيـك‬ ‫تتحـدى الجبـال ووحوشـه عارفـه مـا بتطـول‬ ‫عا ليـك‬ ‫ال مال ال بيوت مفروشه نعم الزايلة ما بتغريك‬ ‫أمـا األغنيـة األشـهر والتـي يرددهـا جـل أبنـاء‬ ‫الشـعب السـوداني بطـرب وحـب كبيريـن‬ ‫فهي(الطيـر الخـداري) لشـاعرها إسـحاق الحلنقـي‬ ‫وقـد تغنـى بهـا علـي إبراهيـم اللحـو واصفـا نفسـه‬ ‫وقومـه بسلامة النيـة وطالبـا مـن الطيـر إيصـال‬ ‫ذلـك للمحبـوب زيـادة فـي‪ ‬ترغيبه‪،،،‬قائلا‪:‬‬ ‫قـول ليـه يـا الطيـر الخـداري قـول ليـه وحيـات‬ ‫حبنـا‬ ‫وين رسايلك يا حليال وين عيونك مننا‬ ‫نحنـا نـاس بنعيـش حياتنـا الغاليـة بالنيـة‬ ‫ا لسـليمة‬ ‫كل زول بالعنده راضي تشهد األيام عليمة‬ ‫إذن كثيـرة هـي الدالئـل إلسـتخدام الطيـور رمـزا‬ ‫وشـيوعها بغنائنـا السـوداني سـواء أكـون مـرد ذلـك‬ ‫لبيئـة تتنـوع مناخاتهـا وتكثر طيورهـا وحيواناتها‬ ‫وتتعـدد تبعـا لذلـك أو ربمـا للمحافظـة والتمسـك‬ ‫الـذي يشـكل سـمة بـارزة بالمجتمع الذي لم سـكن‬ ‫فيـه متاحـا حتى وقـت قريب رؤيـة الفتيات خارج‬ ‫نطـاق المناسـبات العائليـة والجلـوس معهـن‪ ...‬أو‬ ‫لعلـه لمـا للطيـر مـن خاصيـة كتمـان السـر وأبلاغ‬ ‫األمـر علـى أكمـل وجـه كهدهـد سـليمان عليـه‬ ‫السلام وكالحمـام الزاجـل الـذي يرسـله النـاس‬ ‫قديمـا قبـل إسـتحداث الهاتـف‪...‬‬ ‫الغريـب أن هنـاك طرفـة ترتبـط بالطيـور علـى‬ ‫مسـتةى السـودان وهـي أن الشـخص السـوداني إن‬ ‫قلـت لـه يـا طيـرة سـتقوم مـن حولـك القيامـة!!‬ ‫ألنهـا تعتبـر مـن أقـذع الشـتائم عندنـا إذ تعنـي‬ ‫الشـخص البليـد الفهـم والـذي اليحسـن شـيئا مـن‬ ‫األمـور فهـو مثـال للسـزاجة والحمـق‬ ‫جديـر بالذكـر أن المـرأة السـودانية يمكنها تقبل‬ ‫أن تمدحهـا بقولك (عصفورة) لكن ليسـت طيرة!‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫املوسيقى يف الطرقات‬ ‫ما أجملها من لحظات عندما نستمع إلى العازفين المتجولين في األزقة وطرقات‬ ‫المدينة وهم يرسلون تلك األنغام العذبة بأسلوب بسيط مستوحى من البيئة‬ ‫الشعبية المحيطة بهم حيث تشكل لهم مصدر اإللهام األول‪ ،‬فيصوغون أغانيهم‬ ‫ارتجا ًلا بكلمات بسيطة معبرة خالية من جزالة اللفظ والتكلف وبلغة عامية بحتة‪،‬‬ ‫يتنقلون من قرية إلى أخرى بغية البحث عن لقمة العيش وكسب بعض المال عن‬ ‫طريق إسعادهم للغير وإمتاعهم بما ح َبتهم الطبيعة من مواهب‪.‬‬ ‫فاروق فخري‬ ‫الموسيقى في الطرقات واألزقة‬ ‫األوروبية في القرن الثالث عشر‬

‫ظهـرت فـي القـرن الثالـث عشـر فـرق‬ ‫موسـيقية متجولـة عرفـت {باألدباتيـة}‬ ‫عندمـا لـم تكـن المسـارح تتيـح للمبدعيـن‬ ‫مـن الطبقـات الفقيـرة إبـراز مواهبهـم‬ ‫حكـرا علـى الطبقـة‬ ‫عليهـا ألنهـا كانـت‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫األرسـتقراطية آنـذاك‪ ،‬وكانـت تخضع ً‬ ‫لسـلطة الكنيسـة التـي كانـت تعتبـر هـؤالء‬ ‫أنجاسـا ألنهم ال ينتمون إىل أسـر‬ ‫المبدعيـن‬ ‫ً‬ ‫نبيلـة؛ لذلـك كان ال يحـق لهـم ممارسـة‬ ‫الموسـيقى إال فـي الطرقـات وأزقـة المـدن‪،‬‬ ‫ولـم تمنـع كل تلـك الضغوطـات أولئـك‬ ‫المبدعيـن مـن نشـر موسـيقاهم بيـن‬ ‫المـدن‪ ،‬بـل إنها أصبحت محبوبـة‪ ،‬وبالرغم‬ ‫مـن أنهـم يـزدرون الطبقـة الكادحـة آنـذاك‬ ‫إال أن أبنـاء المجتمـع األوربـي قـد قابلوا تلك‬ ‫الفرق باإلعجاب؛ ألنها تنشـر بينهم البهجة‬ ‫والسـرور‪ .‬كانـت تمتـاز تلـك الفـرق بقـدرة‬ ‫الفـرد علـى العـزف على ما ال يقل عن تسـع‬ ‫آالت موسـيقية وقـدرة علـى الرقـص وأداء‬ ‫ألعـاب ِ‬ ‫الخ ّفـة‪ ،‬وكل مـن أحـب االنضمـام إىل‬ ‫مثـل تلـك الفـرق يجـب أن تتوافـر فيـه كل‬ ‫تلـك المميـزات وإال قوبـل بالرفـض‪.‬‬ ‫الموسيقى في الطرقات واألزقة‬ ‫األوروبية في القرن التاسع عشر‬

‫أوروبـا فـي القـرن التاسـع عشـر ومـا طـرأ‬

‫‪18‬‬

‫عليهـا مـن أحـداث وصراعـات وتطـورات‬ ‫توازنـا فـي الحيـاة االجتماعيـة‬ ‫أحدثـت‬ ‫ً‬ ‫جعـل الـدول األوروبية تصب جـل اهتمامها‬ ‫جزءا‬ ‫بتلك األعمال الموسـيقية ألنها تشكل ً‬ ‫هامـا في التراث الشـعبي وتـم حفظها كإرث‬ ‫ً‬ ‫حضـاري هـام‪ .‬تذكـر الباحثـة البريطانيـة‬ ‫مـاري بوكـر (الموسـيقى فـي الجـزر‬ ‫البريطانيـة) ص‪{ 9‬أن الملـك إدوارد السـابع‬ ‫وأميـرا‬ ‫وليـا للعهـد عـام ‪1883‬م‬ ‫ً‬ ‫عندمـا كان ً‬ ‫لويلـز أمـر بتدريـس الموسـيقى الشـعبية‬ ‫البريطانيـة والمقارنـة بينهـا والموسـيقى‬ ‫األلمانيـة ومـن ضمـن الموسـيقى الشـعبية‬ ‫الموسـيقى التـي كانـت تعزف فـي الطرقات‬ ‫وتدوينهـا وحفظهـا}‪.‬‬ ‫أدركـت األمـم األوروبيـة أهميـة تلـك‬ ‫الموسـيقى وعملـوا على حفظهـا‪ ،‬وقد مثلت‬ ‫وحيـا لكبـار المؤلفيـن الموسـيقيين أمثـال‬ ‫ً‬ ‫مـوزارت وهايـدن‪.‬‬ ‫موسيقى الطرقات في الوطن العربي‬

‫مـا فتـئ هـذا الفـن يتالشـى أو باألصـح‬ ‫ينقـرض البتعـاد الهـواة عـن هـذا المسـار‬ ‫بسـبب تلـك الهـوة التـي احدثتهـا نظـرة‬ ‫المجتمـع تجـاه مـن يمارسـون تلـك‬ ‫المهنـة‪ ،‬حيـث يطلـق عليهـم البعـض‬ ‫لفـظ (المتسـولون)‪ ،‬ومـا زالـت تلـك النظـرة‬ ‫القاصـرة مالزمـة للسـواد األعظـم فـي‬ ‫المجتمـع العربـي‪ ،‬فقد كانـت تلك الفرق في‬

‫السـابق تجـوب أرجـاء المدن يحملـون آالتهم‬ ‫الموسـيقية لينشـروا السـعادة بيـن النـاس‪،‬‬ ‫لكـن لألسـف تلـك العقـول جعلت مـن صانع‬ ‫متسـول فـي أنظارهـا؛ وذلـك مـا‬ ‫السـعادة‬ ‫ً‬ ‫جعـل مـن يمـارس تلـك المهنـة يحيـد عـن‬ ‫طريـق اإلبـداع‪ ،‬أو أن يظـل يحلـم ويصـارع‬ ‫أحالمـه بغيـة الوصـول إىل الشـهرة والمسـرح‬ ‫والتلفـاز وغيرهـا مـن اتجاهـات يـرى أنـه‬ ‫نـال فيهـا احترامـه بيـن النـاس‪ ،‬ولكـن ربمـا‬ ‫ال تسـنح لـه الفرصـة للبـروز وإظهـار مواهبـه‬ ‫للمجتمـع فيدخـل فـي حالـة مـن اليـأس‬ ‫ويتـرك موهبتـه تذهـب فـي مهـب الريـح‪،‬‬ ‫مفتوحـا أمام‬ ‫بالرغـم أن هـذا المجـال مـا زال‬ ‫ً‬ ‫الهـواة فـي أوروبـا حيـث نـرى فـي شـوارع‬ ‫أوروبـا وسـاحاتها العبي بهلـوان والعبي خفة‬ ‫ورسـامين وبانتومايـم وموسـيقيين يجعلـون‬ ‫جمـال ال يوصـف‪ ،‬وفـي المملكـة‬ ‫للسـاحات‬ ‫ً‬ ‫المغربيـة تمتلـئ سـاحات مراكـش بتلـك‬ ‫المواهـب‪ ،‬وحسـب اعتقـادي أن المغـرب هي‬ ‫الدولـة العربيـة الوحيـدة التـي تهتـم بهـذا‬ ‫الجانـب الفنـي للحفـاظ علـى السـياحة‪.‬‬ ‫أهمية هذا المجال‬

‫وجمـال لتلـك الطرقـات‪،‬‬ ‫رونقـا‬ ‫يصنـع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومتنفسـا للمـارة‪ ،‬وفرصـة إلبـراز مواهـب‬ ‫ً‬ ‫المبدعيـن‪ ،‬ويمثـل مصـدر رزق لهم‪ ،‬ويمثل‬ ‫جماليـا لجلـب السـياح وإظهـار الفنون‬ ‫شـكل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وحيـا لـكل فنـان‪.‬‬ ‫الشـعبية‪ ،‬ويمثـل ً‬ ‫أيضـا ً‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫“ال تبكي يا ميري”‪..‬‬ ‫حكاية سيدة خطفت األنظار يف حفل “أم كلثوم”‬

‫رنا اجلميعي* ‪ -‬مصر‬

‫ً‬ ‫محبوبا‬ ‫يظل املحبوب‬ ‫حتى وإن رحل‪ ،‬حتى ولو‬ ‫ّ‬ ‫مر على رحيله سنوات‬ ‫حفلة أم كلثوم‬ ‫طوال‪ ،‬في‬ ‫ُ ّ‬ ‫الشهيرة التي تغني فيها‬ ‫«هو صحيح الهوى‬ ‫ّ‬ ‫غلب»‪ ،‬كانت تجلس‬ ‫سيدة ضمن ُ‬ ‫الجمهور‪،‬‬ ‫يظهر‬ ‫وعلى وجهها ُ‬ ‫التأثر الشديد‪ ،‬تغمض‬ ‫عيناها كما لو ُأنها تتخيل‬ ‫ّ‬ ‫حبيبها أمامها‪ ،‬تغني أم‬ ‫كلثوم ذلك املقطع «يا‬ ‫قلبي آه»‪ ،‬فيما تمسح‬ ‫السيدة وجهها باملنديل‬ ‫باملشاعر‬ ‫الذي ينتفض ّ‬ ‫واألحاسيس‪ ،‬ظلت تلك‬ ‫السيدة التي ظهرت في‬ ‫الدقيقة الـ‪ 33‬من الحفل‬ ‫أيقونة ضمن أشهر‬ ‫ُ‬ ‫املعجبين في تاريخ أم‬ ‫كلثوم مجهولة ً‬ ‫تماما‪،‬‬ ‫دون معرفة أي تفاصيل‬ ‫عن حياتها‪.‬‬

‫اعتادت ميري ميشيل على حضور حفالت أم‬ ‫كلثوم‪ ،‬في الخميس األول من كل شهر‪ ،‬لم يكن‬ ‫ُيعيقها أي شيء في سبيل ذلك‪ ،‬يقول تامر رؤوف‪،‬‬ ‫حفيدها الذي يعمل كممثل‪« ،‬كانت بتعتبر دي‬ ‫لحظات االستجمام الخاصة بيها»‪ ،‬حيث كانت ُتنهي‬ ‫عملها كمترجمة في إحدى شركات وسط البلد‪ ،‬ثم‬ ‫تعدو نحو منزلها الواقع في شارع قصر النيل‪ ،‬حيث‬ ‫تتأنق ُمرتدية أبهى الفساتين‪ ،‬وبعدها يصطحبها‬ ‫سويا حتى‬ ‫زوجها الطبيب شفيق السندي‪ّ ،‬‬ ‫يتمشيان ً‬ ‫كثيرا عن‬ ‫الوصول إىل دار سينما األوبرا‪ ،‬التي لم تبعد ً‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫وتستمتع بصوتها البديع‪ ،‬وقد قابلتها وجلست معها‪،‬‬ ‫منزلهما ً‬ ‫جاءت ميري برفقة عائلتها إىل مصر في فترة كما يقول تامر‪ ،‬فلم تكن تعتبرها ُمجرد مطربة‬ ‫أيضا‪ ،‬خاصة أن الست وميري‬ ‫تعرفت على فحسب‪ ،‬بل كصديقة ً‬ ‫الثالثينيات‪ ،‬قادمين من الشام‪ ،‬وقد ّ‬ ‫زوجها بعد ذلك في فترة األربعينيات‪ ،‬حينها جاءها كانا في سن قريب من بعضهما البعض‪.‬‬ ‫الهوى من غير مواعيد‪ ،‬وكان شفيق يكبر ميري وكما حاولت ميري أن تأمن غدر الزمن مرة أخرى‬ ‫ذكرها بأن‬ ‫عاما «هو كان شخص بسيط‪ ،‬وبيحترمها بعد وفاة زوجها‪ ،‬جاءتها فاجعة أخرى ُت ّ‬ ‫بإثنى عشر ً‬ ‫فيم ّني شفيق حياتها العهود ال ُتجدي «مع اللي مالوش أمان»‪ ،‬فبعد سنوات‬ ‫أوي‪ ،‬وطيب»‪ ،‬تزوجا االثنان؛ ُ‬ ‫إنشاء‬ ‫باألفراح‪ ،‬حيث بدآ في‬ ‫من فاجعة رحيل شفيق زوجها‪،‬‬ ‫أسرتهما الصغيرة‪ ،‬كان أولها االبن‬ ‫رحلت أم كلثوم نفسها‪ ،‬عام ‪،1975‬‬ ‫رؤوف المولود عام ‪ ،1947‬وخالل‬ ‫تتحمل ذلك القدر‬ ‫وكأن ميري لم‬ ‫ّ‬ ‫السنوات التالية أنجبت ميري ولد‬ ‫من الحزن‪ ،‬كما قالت أم كلثوم‬ ‫وفتاة‪.‬‬ ‫في أغنيتها «أهل الهوى وصفوا‬ ‫لي دواه\ لقيت دواه ز ّود في أساه»‪،‬‬ ‫وفيما كانت الحياة تسير في‬ ‫هكذا زاد أسى ميري هانم‪ ،‬التي‬ ‫هدوء «وكل مادا حالوتها تزيد»‪،‬‬ ‫لم تقدر على الصبر أكثر من ذلك‪،‬‬ ‫فميري كذلك لم تحسب إنه «في‬ ‫حيث خانها قلبها عصر يوم في‬ ‫يوم ح ياخدني بعيد»‪ ،‬فحي ًنا‬ ‫عام ‪.1979‬‬ ‫يذهب الزوجان بمفردهما حفلة‬ ‫ميري ميشيل‬ ‫أم كلثوم‪ ،‬وأحيا ًنا أخرى برفقة‬ ‫ففي ذلك اليوم انتظرها أبناؤها‬ ‫الصغار‪ ،‬فلم تحسب للزمن مواطن‬ ‫أمام سينما مترو‪ ،‬حيث اتفقوا على‬ ‫غدره‪ ،‬غير أنه وقع‪ ،‬ففي عام ‪1956‬‬ ‫مشاهدة فيلم «ال تبكي يا حبيب‬ ‫رحل شفيق في سن صغير‪ ،‬كانت‬ ‫سويا‪ ،‬غير أن ميري لم ِ‬ ‫تأت‪،‬‬ ‫العمر» ً‬ ‫حينها تبلغ ميري ثمانية وعشرين‬ ‫أحست بالتعب أثناء عملها‪،‬‬ ‫فقد ّ‬ ‫تحملة مسئولية تربية‬ ‫فأخذتها زميالتها ل ُتجري رسم‬ ‫عاما‪ُ ،‬م ّ‬ ‫ً‬ ‫يها‬ ‫ز‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ولم‬ ‫وحدها‪،‬‬ ‫أطفال‬ ‫ثالثة‬ ‫ّ‬ ‫سريعا دون‬ ‫أدركها‬ ‫الموت‬ ‫لكن‬ ‫قلب‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫سوى حضور حفالت أم كلثوم‪.‬‬ ‫تعب في عمر الواحدة وخمسين‪،‬‬ ‫لألحبة‬ ‫راحلة في هدوء ُمفجع‬ ‫هكذا عاشت ميري بين جنة‬ ‫ّ‬ ‫«وازاي يا ترى\ أهو ده اللي جرى»‪.‬‬ ‫وظل عزاؤها في حضور‬ ‫ونار‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫حفالت الست‪ ،‬تفرح بالقرب منها‪،‬‬ ‫* نقال عن موقع مصراوي‬ ‫تامر رؤوف‬

‫‪19‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫حسام العفوري الشاعر العصامي‬ ‫عبدالرحيم جداية ‪ -‬كاتب وناقد أردني‬ ‫ُـه!!‬ ‫بال ُبل ُبـلِنا ُب ّح ْ‬ ‫ـت َمعا ِزف ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫قيـد فـي فيـافينا‬ ‫ومرب ُع الفك ِر ٌ‬ ‫َ‬ ‫الوهم منتشي ًا‬ ‫بروج‬ ‫يا راقـد ًا في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آتيك لو تدري وآتينا‬ ‫الذبح‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ولو رأى‬ ‫الشوك من أدمى بشوكتِ هِ‬ ‫ُ‬ ‫دم َع َت ُه ورد ًا ونسرينا‬ ‫لصا َغ ْ‬ ‫يحاط بنا‬ ‫شوك‬ ‫وصار شوق ًا بال ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ونرجسي الهوى عشق ًا ُي ّ‬ ‫غشينا‬ ‫ُّ‬ ‫حسام العفوري ‪/‬ديوان مداد الروح‬ ‫العصامية ليست حكرا على أحد‪ ،‬هذا ما أردده دائما‬ ‫خالل مشواري الطويل في حقول الشعر والنقد واألدب‪،‬‬ ‫فالمجتمعات العربية عصامية بطبعها‪ ،‬وهنا أخص‬ ‫المجتمع األردني الذي قدم للعالم علماء اعتمدوا على‬ ‫ذاتهم‪ ،‬لتحقيق ما يعتبره اآلخرون مستحيال‪ ،‬وربما‬ ‫يكون الناقد المصري عباس محمود العقاد والروائي‬ ‫السوري حنا مينه نموذجا للعصامية‪ ،‬والعصامية‬ ‫العظيمة تجلت في الشاعر اليمني الكبير عبدهللا‬ ‫البردوني الذي دخل تاريخ الشعر من أوسع أبوابه‬ ‫حين قدم قصيدته الشهيرة في مهرجان الموصل في‬ ‫العراق عام (وحجز له مقعد ًا بين العصامين ‪971‪1)،‬‬ ‫العظام‪.‬‬ ‫ومن مالمح العصامي تحقيق ما ال يستطيع‬ ‫اآلخرون تحقيقه تحت نفس الظروف االقتصادية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬لكن عزيمته وتصميمه يدفعانه للعمل‬ ‫الجاد تحت ظروف قاسية‪ ،‬وال أنسى الموهبة الفذة‬ ‫الكامنة عند العصامي المبدع‪ ،‬حيث فشل كثير‬ ‫من المبدعين في المدرسة لكنهم حققوا إنجازات‬ ‫عظيمة‪.‬‬ ‫وفي هذه الدائرة برز الشاب الشاعر حسام عزمي‬ ‫العفوري حينها في صباه وشبابه يمارس الشعر‬ ‫ودراسة العروض‪ ،‬إضافة إىل كتابة المسرح‪ ،‬وممارسة‬ ‫النحت على الخشب والحجر الجيري دون أن يلتفت‬ ‫إليه أحد بسبب تحصيله المدرسي المتواضع‪ ،‬لكن‬ ‫الحلم بقي يراوده في تحقيق ذاته بإنضاج تجربته أو‬ ‫فلنقل تجاربه المتنوعة‪ ،‬وعندما أنهى الثانوية العامة‬ ‫عام (‪ ،)1984‬لم يؤهله معدله لدخول الجامعة؛ فدخل‬ ‫التجنيد اإلجباري (الخدمة العسكرية) في األردن لمدة‬ ‫عامين‪ ،‬اعتقد خاللها أن مشاريعه التعليمية واألدبية‬ ‫واإلبداعية قد انتهت مثل غيره من أبناء جيله‪.‬‬ ‫عمل في إحدى شركات البرمجيات الحاسوبية في‬ ‫عمان بعد أن أنهى دراسة الدبلوم في الحاسوب عام‪‪‬‬ ‫ّ‬ ‫وبعدها عمل في وظائف ومهن متعددة‪(1991)، ،‬‬ ‫حتى انتهى به المطاف إىل العمل في محل الحلويات‬

‫‪20‬‬

‫الذي يمتلكه والده‪ ،‬فحين تلتقي به تشاهد ابتسامة‬ ‫عريضة ترافقه‪ ،‬وقلب مليء بالحب والمودة والعطف‬ ‫ظن أن أحالمه التعليمية‬ ‫على اآلخرين‪ ،‬حتى ّ‬ ‫واإلبداعية قد تبخرت بعد الزواج واإلنجاب والعمل‬ ‫من أجل لقمة العيش‪.‬‬ ‫بقي اإلنسان يقظا في قلب حسام العفوري الذي‬ ‫يمتلك ذاكرة مكانية أقرب ما تكون لذاكرة الروائي‪،‬‬ ‫حيث يسرد تفاصيل المكان والزمان بدقة عالية؛‬ ‫فهو المتحدث اللبق الذي يجلب إليه األصدقاء‬ ‫بحالوة لسانه وصدقه في حبه لآلخرين؛ مما جعل‬ ‫محل الحلويات الذي يشترك بإدارته محجا لألطباء‬ ‫والمثقفين؛ فيلتقي عنده العديد من أدباء ومثقفي‬ ‫إربد منهم الدكتور فواز البشتاوي‪ ،‬وإمام مسجد‬ ‫إربد الكبير‪ ،‬حيث كنا األكثر لقاء به لكن الدكتور‬ ‫إبراهيم الكوفحي والدكتور عمر القيام وغيرهم من‬ ‫أساتذة اللغة العربية الذين يقرضون الشعر‪ ،‬فكانوا‬ ‫أكثر التصاقا به مما ساعده على التقاط أنفاسه كي‬ ‫ال يتبخر الحلم فدفعه األصدقاء عام (‪ )١٩٩٩‬لدراسة‬ ‫بكالوريوس اللغة العربية في جامعة إربد األهلية‬ ‫فكانت البسمة على شفتيه بين مصدق ومكذب‬ ‫حتى جاءه المربي الفاضل محمد أبو الحمص وسجله‬ ‫بالجامعة‪.‬‬ ‫فهل يبقى المارد سجين قمقمه‪ ،‬وهل ينتظر دابة‬ ‫األرض حتى تأكل موهبته‪ ،‬كما أكلت منسأة سليمان‬ ‫عليه السالم‪ ،‬وينتظر غبار العجز والكسل يغطي‬ ‫مصباح عالء الدين؛ ولكنه تدارك األمر‪ ،‬فعالج دابة‬ ‫األرض قبل أن تقضي عليه‪ ،‬ومسح على المصباح‬ ‫بكفه‪ ،‬فانتصر المارد حسام العفوري لينهي متطلبات‬ ‫البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في سبع سنوات‬ ‫بتقدير امتياز من (‪ )١٩٩٩‬إىل عام (‪ ،)2006‬حيث‬ ‫تخصص باللغويات العربية التطبيقية وتمحورت‬ ‫دراساته في الصوتيات والعروض‪ ،‬ليكون العمل‬ ‫الجامعي محطته األثيرة‪ ،‬حيث عمل في جامعة‬ ‫البلقاء التطبيقية أستاذا مساعدا‪ ،‬بعدها انتقل إىل‬ ‫جامعة الملك فيصل في السعودية ليواصل التدريس‬ ‫الجامعي إىل عام (‪ ،)2017‬والحصول على رتبة استاذ‬ ‫مشارك‪.‬‬ ‫كما عمل أستاذا غير متفرغ في الجامعة العربية‬ ‫المفتوحة وجامعة الزرقاء األهلية حتى عام (‪،)2020‬‬ ‫حيث وصل سن التقاعد وتفرغ في مكتبه ومكتبته‬ ‫العامرة بأمهات الكتب للبحث العلمي في الصوتيات‬ ‫والعروض‪ ،‬وكذلك الدراسات النقدية حول شعراء وأدباء‬ ‫أردنيين وعلى حسب تعبيره قال‪»:‬إن ما أكتبه عن‬ ‫شعراء األردن ما هو إال زكاة علمي» وقد اشتملت زكاة‬ ‫علمه على كتب أكاديمية للمبتدئين في اللغة العربية‬

‫إضافة إىل دراسات نقدية محكمة في الصوتيات؛ فكان‬ ‫التطبيق على القرآن الكريم‪ ،‬والشعر‪ ،‬ولم يتوقف‬ ‫عند تقاعده إىل هذا الحد؛ بل ألف كتابين كان الكتاب‬ ‫األول بعنوان منازل المعنى في تجربة نضال القاسم‬ ‫الشعرية‪ ،‬وأما الثاني؛ فكان بعنوان اإليقاع الحكائي‬ ‫في تجربة عبد الرحيم جداية الشعرية‪ ،‬ورغم أبحاثه‬ ‫ودراساته إال أنه ما زال مهتما بالشباب ورعايتهم‬ ‫وتعليمهم العروض وفن اإللقاء‪ ،‬ويعطي الدورات‬ ‫المجانية في المراكز األكاديمية والثقافية لإلعالميين‬ ‫والشعراء المتدربين‪ ،‬كما يعالج األطفال الذين يعانون‬ ‫صعوبات في النطق‪.‬‬ ‫• حقا إنه شاعر عصامي منذ ديوانه األول (مداد‬ ‫الروح) إىل ديوان الهايكو (الحياة ال تملك دقائقها)‪،‬‬ ‫حيث يقول‪:‬‬ ‫“هذه سبيلي‬ ‫الحياة ال تملك دقائقها‬ ‫لحظة انتظار»‬ ‫***‬ ‫“حرائق‬ ‫لها شهيق وزفير‬ ‫بكاء الرجال»‬ ‫ومسرحي عصامي منذ مسرحية (ثورة في بطن‬ ‫الحوت (‪ ))1985‬إىل مسرحية (فلستيا (‪ ،)2020‬حيث‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫المشهد الثامن عشر‪ ...‬مجلس الحكم في مدينة‬ ‫القدس‬ ‫عم البالد‪..‬‬ ‫“أحمد عبدهللا‪ :‬انظر إىل الخير الذي ّ‬ ‫وكيف قامت الدولة باستقدام العمالة األجنبية من كل‬ ‫العالم‪ ..‬العلمية منها والمهنية‪ ..‬للنهوض بالدولة بكل‬ ‫كل ذي حق حقه‪..‬‬ ‫جوانبها‪ ..‬وإعطاء ّ‬ ‫القائد شعيب صالح‪ :‬نعم يا سيدي‪ ..‬وكيف قامت‬ ‫الدولة بتوزيع الثروات واألموال بالقسط والعدل‪ ..‬على‬ ‫كل المواطنين دون استثناء‪ ..‬ومن كان في حكمهم‪..‬‬ ‫أحمد عبدهللا‪ :‬لذا أصدرت الدولة بطاقة نقد لكل‬ ‫مواطن متقاعد من ذكر وأنثى ألف دينار من الذهب‪..‬‬ ‫يستطيع أن يصرف منها ما يشاء‪..‬‬ ‫القائد شعيب صالح‪ :‬عدا عن الذي ال يملك مشروعه‬ ‫التجاري الخاص به‪ ..‬والبيت‪ ..‬واألثاث‪ ..‬والسيارة‪..‬‬ ‫وغيرها من متاع الدنيا ‪ ..‬له أن يشتريها من خزينة‬ ‫الدولة لمرة واحدة‪..‬‬ ‫أحمد عبدهللا‪ :‬الحمد لله‪ ..‬هذه نعمة ليس بعدها‬ ‫نعمة»‪..‬‬ ‫وهكذا نرى الدكتور حسام عزمي العفوري ذاك‬ ‫العصامي على مدار أربعين سنة خلت؛ بحبه وعمله‬ ‫وما يقدم إىل األجيال من زكاة علمه‪.‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫مريد البرغوثي‪..‬‬ ‫الشرفة التي رأيت منها رام اهلل‬ ‫زهير الطاهري‬ ‫“اسقني واشرب على أطالله”‬

‫إبراهيم ناجي‬

‫قيل ألعرابي ‪ :‬لماذا المراثي هي أجمل أشعاركم ؟‬ ‫فقال ‪ :‬ألننا نقولها وأكبادنا تحترق ‪ ،‬نحن بما نفقد‬ ‫ال بما نملك ‪ ،‬ال نعرف قدر األشياء حتى نفقدها وكأن‬ ‫الفقد فضيحتنا المدوية هو اللحظة التي نكتشف أننا‬ ‫كنا نملك هذه األشياء حقيقة وأنها كانت لنا وحدنا‬ ‫والم َّلك الحصريون آلخر النجوم‬ ‫‪ ،‬نحن سادة الفقد ُ‬ ‫التي اندثرت وهدافو ما بعد المباراة‪ ،‬لذلك استهل‬ ‫الشاعر العربي قصيدته بالطللي ‪ ،‬ومازلنا شعراء‬ ‫الوقوف على األطالل ‪ ،‬وأبطال ما بعد المباراة ولنا‬ ‫حصتنا من دخان القطارات الفائتة ‪ ،‬نصحو بعد‬ ‫كل حادثة كالمجاذيب ‪ ،‬مدركين أننا كنا أهل تلك‬ ‫الديار وأصدقاء الشهداء وعشاق العابرات ‪ ،‬غارقين‬ ‫في الرثائيات وفي الطللي من كل شيء ‪ ،‬وال ندون إال‬ ‫أشيائنا المفقودة وخسائرنا المتتالية ‪ ،‬‬ ‫“ال تسأليه كثير ًا عن خسائره”‬

‫زهير الطاهري‬

‫إن الخسارة فردية كانت أو جماعية ال تختلف وغير‬ ‫قابلة للقولبة والفهرسة وال تخضع للفيزياء ‪ ،‬فخسارة‬ ‫الطفل لتصفيق الوالدين كخسارة اإلنتخابات الرئاسية‬ ‫‪ ،‬وخسارة مراهق لحبيبته كخسارة بلد ‪ ،‬وخسارة أم‬ ‫فقدت ابنها كخسارة هيروشيما ‪ ،‬حينما أتذكر الخسائر‬ ‫هكذا أتذكرها دفعة واحدة وال أستطيع تجزئتها‪ ،‬إن‬ ‫كل واحدة تسلط الضوء على األخرى‪ ،‬وكأن الخسارة‬ ‫كائن حي يعيش معنا ويقتات على حساب سعادتنا‬ ‫وأشيائنا ‪ ،‬لقد خسرنا أول الحلم وآخر التجربة ‪ ،‬خسرنا‬ ‫أول لعبة شطرنج وآخر ضربة نرد‪ ، ‬خسرنا أول بيعة‬ ‫وآخر صندوق اقتراع ‪ ،‬خسرنا أول عاصمة وآخر قرية‬ ‫نائية ‪ ،‬وأول نقش وآخر مجلة ‪ ،‬وخسرنا أول سد وآخر‬ ‫علبة ماء ‪ ،‬وأول امرأة حاكمة وآخر ناشطة ‪ ،‬وخسرنا‬ ‫أول حبيبة وآخر كاذبة ‪ ،‬وها أنا اآلن أخسر أخر محاولة‬ ‫لعدم تذكر خسائري كم كنت أحاول الهروب من تذكر‬ ‫الخسائر ولكن نحن أساتذة الخسائر ومدمنو الذكريات‬ ‫‪ ،‬إننا نخسر كل يوم وكأننا ننظر بالمقلوب لكل شيء‬ ‫فنرى الهزيمة انتصارا والخسارة ربحا ‪ ،‬لم أعد أريد تذكر‬ ‫المزيد من الخسائر ولكنني أثق أنني سأخسر هذه‬ ‫اإلرادة وأتذكرها في موقف آخر بطريقة أو بأخرى ‪.‬‬ ‫دي‪.‬إن‪.‬إيه‬ ‫“بكى صاحبي لما رأى البحر دوننا”‬

‫امرؤ القيس‬

‫في يوم ما وقف البشري األول في األسطورة على‬ ‫أطالل جنته األوىل وحتى اليوم ونحن نتوارث كل ذاك‬ ‫الفقد ونمارس الوقوف الجماعي والفردي على األطالل‬ ‫كيوجا تأملية في استكناه خساراتنا‬ ‫كطقوس تعبدية‪ُ ،‬‬ ‫المستقبلية ‪ ،‬وما كل خسائرنا إال أصداء لتلك الخسارة‬ ‫الفادحة ‪ ،‬لذلك نجد أن المراثي هي أجمل األشعار‬ ‫ألننا نشعر أنها تعنينا واأللحان الحزينة تجد طريقها‬ ‫أفرادا أو جماعات مهما‬ ‫إىل أرواحنا ‪ ،‬ألننا بطبيعة الحال ً‬ ‫تظاهرنا بالسعادة فإن فينا من الحزن ما يكفي بسبب‬ ‫تلك الخسارة األوىل‪ ،‬فاخترعنا الناي والذي لم تكن‬ ‫صدفة امتزاجه بالتراث الصوفي المنغمس في الروح‬ ‫والواقف على حدود األلم الضارب في النفس البشرية‬ ‫‪ ،‬كمحاولة هروب جماعية من ذاكرتنا الجماعية‬ ‫المليئة بالخسارات ‪ ،‬فال يوجد بشري لم يحزن قط‬ ‫ولم يبك قط ‪ ،‬هكذا منذ وجد اإلنسان وجدت معه‬ ‫الدموع المالحة والصالحة للبكاء ووجدت معه البحار‬ ‫كبكائية عريضة على وجه الكوكب ‪.‬‬ ‫“ وقد تكون جنازة الشخص الغريب جنازتي “‬

‫محمود درويش‬

‫يظل الشاعر سيد الوقوف على األطالل ‪ ،‬وقف على‬ ‫أطالل حبيبته ‪ ،‬ووقف على أطالل أبيه وأصدقائه‬ ‫ووطنه ‪ ،‬ثم أخير ًا كان الفصل األكثر مرارة وقسوة‬ ‫وهو الوقوف على أطالله يشاهد روحه وهي تتحول إىل‬ ‫أطالل أمام عينيه ‪ ،‬ويقيم لها جنازتها الهادئة ويعد‬ ‫عزاءه األبدي ‪،‬‬ ‫إن للشعراء قدر يشاكسهم ويتحرش بهم أينما ذهبوا‬ ‫‪ ،‬على الشاعر أن‪ ‬يكون الجنازة والمشيعين في الوقت‬ ‫نفسه ‪ ،‬عليه أن يمشي ببطئ تحت تابوته الخفيف‬ ‫‪ ،‬إن قدر الشاعر هو الذهاب إىل أبعد من ظله وإال‬ ‫فسوف تتعارض األسطورة مع الواقع ‪ ،‬عليه أن يعيش‬ ‫الضجيج كله ثم يموت بهدوء كأوراق الخريف ‪.‬‬ ‫الجنَّازا‬ ‫بعض الجنائ ِز في الطريق إىل القبو ِر تُش ِّي ُع ُ‬ ‫زهير الطاهري‬

‫يحدث أن نقوم بتشييع أشخاص آخرين غرباء أو‬ ‫أقارب لنعود فال نجد أنفسنا ‪ ،‬أو على األقل نفقد شيئ ًا‬ ‫منا ‪ ،‬هناك من يفقد نفسه دفعة واحدة وهناك من‬ ‫يفقدها تدريجيا ‪ ،‬حتى يصل إىل نهاية الجسر وقد‬ ‫أصبح شبحا يتوارى في جسد بشري ‪ ،‬عندها يكون‬ ‫السقوط خفيفا كأي وردة ال تذكرها الرياح وال تشعر‬ ‫بها الحقول ‪.‬‬

‫مريد البرغوثي‬ ‫“كشرفة سقطت بكل زهورها “‬

‫مريد البرغوثي‬

‫حينما تسقط الشرفات عادة تمتلئ األرض‬ ‫بالزهور ويفوح العطر في األنحاء لتبقى شاهدة على‬ ‫هذا السقوط ‪ ،‬هكذا يسقط الشعراء خفافا مثقلين‬ ‫باألحالم والقصائد التي يفوح عطرها في كل مكان ‪،‬‬ ‫يسقط الشعراء لكن شواهدهم تبقى معلقة في السماء‬ ‫‪ ،‬يكتب الشاعر مرثيته قبل أن يموت بأي طريقة‬ ‫المهم أنه يكتبها ‪،‬‬ ‫ال أحد يستطيع ان يرثيه ال تتسع األبجدية فقد‬ ‫شطبوها بكل المراثي ‪ ،‬فهو الواقف على الطلل األزلي‬ ‫للعالم ‪ ،‬الشاهد الوحيد على تاريخ الفقد المؤلم ‪ ،‬وهو‬ ‫المنذور لكل خسارة ‪،‬‬ ‫ال يمكن أن يتحول إىل خسارة مهما كان ‪ ،‬ألنه يعيش‬ ‫خسارته الطويلة حتى يصل إىل نهايتها الهادئة واثقا‬ ‫بجنازته التي عاش تفاصيلها خطوة خطوة ‪،‬‬ ‫في هذه األيام سقطت أجمل شرفات العالم ‪ ،‬بعدما‬ ‫مألت الدنيا بمناظرها ‪ ،‬شرفة كانت تطل على كل‬ ‫مكان ‪ ،‬تطل على رام هللا كما تطل على القاهرة وعمان‬ ‫وبودابست والقدس ولندن ‪ ،‬تطل على البحر كما تطل‬ ‫على الجبل والغابة ‪ ،‬وتطل على السحاب من الطائرة‬ ‫كما تطل على البيت المجاور في القاهرة ‪ ،‬تطل على‬ ‫حقول الزيتون كما تطل على غرفة التوقيف ‪ ،‬كانت‬ ‫شاهدة على فصل طويل من تاريخنا القلق والمتخم‬ ‫بالفوضى والخسائر ‪ ،‬سقطت شرفتنا العالية بخفة‬ ‫الورد الذابل في الطريق ‪ ،‬وبعزة القالع على التالل ‪،‬‬ ‫بعدما ظلت تحرس هذا الطريق وتلقي على العابرين‬ ‫التحايا ‪ ،‬وبعدما امتألت بأخبار الهزائم والخسارات ‪،‬‬ ‫بعدما أدت دورها كامال ‪،‬‬ ‫سقطت أول شرفة رأيت من خاللها رام هللا وفلسطين‬ ‫كما يجب أن أراها وآخر شرفة شاهدت من خاللها‬ ‫العالم ‪ ،‬الشرفة التي تقول لك استيقظ كي تحلم ‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫‪‎‬قراءة نقدية يف رواية “عازف القنبوس” للروائية السعودية صباح فارسي‬

‫بوزيان موساوي‪ - .‬ناقد مغربي‬

‫‪ ‎1‬ـ وصف المتن‪:‬‬ ‫‪‎‬تضـم الروايـة ثمانيـة وعشـرين عنوانـا فرعيـا‬ ‫سـمته الكاتبـة “شـذرة” بـدل “بـاب” أو‬ ‫بتبويـب ّ‬ ‫“فصـل” أو “جـزء”‪ .‬و فـي كل شـذرة حكايـة‪ ،‬و‬ ‫فـي كل حكايـة عقـدة‪ ،‬و مجمـوع العقـد صنعـت‬ ‫الحبكـة الجوهريـة لقضايـا الروايـة‪ .‬و علـى رأس‬ ‫كل “شـذرة” قـول مأثـور كُ تِـب بيـن مزدوجتيـن‬ ‫ال نعـرف إن كان للكاتبـة نفسـها‪ ،‬أو مـن صميـم‬ ‫قراءاتهـا‪ .‬أقـوال علـى شـكل فقـرات قصيـرة‬ ‫قدم لألحـداث الموالية‬ ‫تسـبق عنـوان كل شـذرة ُت ِّ‬ ‫بأسـلوب فلسـفي تحليلـي تأملـي يكشـف عـن‬ ‫رؤى نسـقية عميقـة تخضـع لمنطقـي الوجـدان‬ ‫و العقـل و التجربـة معـا حـول مواضيـع مرتبطـة‬ ‫عضويـا باإلنسـان فـي عالقتـه بالطبيعـة و‬ ‫المجتمـع و المحيـط سـيكولوجيا‪ ،‬و اجتماعيـا‪ ،‬و‬ ‫أنتروبولوجيـا‪ ،‬و عقائديـا؛ إنسـان باعتبـاره كائنـا‬ ‫“إبيسـتيميا” موضـوع سـؤال فلسـفي كبيـر‪ .‬و‬ ‫سـنتعرض دون شـك لبعـض النمـاذج مـن هـذه‬ ‫الفقـرات فـي تضاعيـف هـذه القـراءة‪.‬‬ ‫‪ ‎2‬ـ حكاية‪:‬و مواقف‪.‬‬ ‫‪‎‬سـقف الحكايـة فـي حـد ذاتـه قـد ال يشـكل‬ ‫جديـدا فـي نظر القراء؛ قـراءة انطباعية أولية قد‬ ‫تحيلنـا علـى نمطيـة القصص الرومانسـية حيث‬ ‫الحـب أمـل و منتهـى‪ .‬و لعـل العنـوان الرئيـس‬ ‫للروايـة “عـازف القنبـوس” عتبـة آفـاق انتظارهـا‬ ‫يشـبه حكايـات العشـق عنـد “التروبـادور” الذيـن‬ ‫كانـوا يسـتعملون هـذه اآللـة الموسـيقية مـن بين‬ ‫أخـرى‪.‬‬ ‫‪‎‬يمكـن وضـع حكايـة هـذه الروايـة تحـت عنوان‬ ‫عريـض اسـمه “الفقـد”؛ نقـرأ فـي فقـرة تقـدم‬ ‫للشـذرة األوىل تحـت عنـوان‪“ :‬الحقيقـة األوحـد”‪:‬‬ ‫“لـم أكـن أعـرف أن الفقـد كنايـة عـن الجحيـم‪ ،‬و‬

‫‪22‬‬

‫أننـا سـنقذف في نيرانـه‪ ،‬و ال منـاص‪( ”.‬ص‪.)11.‬‬ ‫“صبـرة” البطلـة الرئيسـة للرواية تفقـد أمها و هي‬ ‫تنجـب أخاهـا و هـي ال تـزال طفلـة؛ نقـرأ‪“ :‬ففـي‬ ‫سـنواتها البكـر و هـي تحبـو فـي معـارج الحيـاة‬ ‫لتفهـم الطفولـة‪ ،‬انتـزع منها الحبل السـري للمرة‬ ‫الثانيـة‪ ،‬ففـي المـرة األوىل انتـزع الشـريان الـذي‬ ‫يصلهـا بجسـد أمهـا‪ ،‬أمـا هـذه المـرة فقـد ُق ِطـع‬ ‫االرتبـاط بنبـع الحنـان لتلهـث مـا بقـى لهـا مـن‬ ‫العمـر تبحـث عـن بئر تعتصـر منها وقـود الحياة‪،‬‬ ‫فهـل تجدهـا‪( ”.‬ص‪ .)17 .‬و تفقـد “صبـرة” أعـز‬ ‫مـا تملـك الطفلـة‪ :‬براءتهـا‪ ،‬و حريتهـا‪ ،‬و بكارتهـا‬ ‫و هـي بعـد لـم تبلـغ ‪ 14‬سـنة لمـا باعهـا أبوهـا‬ ‫تحـت اسـم يافطـة الـزواج تحـت إكـراه الفقـر‬ ‫ربـى الفتـاة علـى‬ ‫و اسـتبداد التقاليـد ؛ نقـرأ‪ُ “ :‬ت ّ‬ ‫االسـتعباد‪ ،‬و ُينشـئ الذكـر علـى امتهـان كرامـة‬ ‫المـرأة فـي قريـة الهجيـر و فـي بـؤر كثيـرة مـن‬ ‫العالـم‪ ،‬حيـث يتعملـق رجـال ممسـكين بتقاليـد‬ ‫ابتدعوهـا لحمايـة المـرأة مـن شـرورهم‪ ،‬هنـاك‬ ‫ترعرعـت صبـرة‪( ”.‬ص‪)46 .‬؛ و نقـرأ‪“ :‬هنـاك‬ ‫تجـار مهووسـون باقتنـاء نفائـس البشـر‪ ،‬فسـرقة‬ ‫سـنوات مـن عمـر الفتيـات الصغيـرات ليسـت إال‬ ‫إحـدى تلـك المتـع التـي يتمـرس عليهـا التجـار‬ ‫فـي كل األزمنـة مهمـا اختلفـت األمكنـة‪( ”.‬ص‪.‬‬

‫‪ .)57‬كذلـك كان قـدر “صبـرة” و هـي تتـزوج رجلا‬ ‫اسـمه “حـزم” كبير السـن‪ ،‬خبيث الخلـق و بخيل؛‬ ‫نقرأ‪“ :‬كان الزفاف أشـبه بمسـرحية كلها أكاذيب‪،‬‬ ‫مهرجـون‪ ،‬ممثلـون‪ ،‬مسـرحية لها نهايـة محتومة‬ ‫هـي مـوت البطلـة و هـي علـى قيـد الحيـاة‪”.‬‬ ‫(ص‪ 60 .‬ـ ‪ .)61‬فتعلـق الكاتبـة صبـاح فارسـي‬ ‫تقـول‪“ :‬أولئـك الذيـن يعاملـون البشـر كجـزء مـن‬ ‫ممتلكاتهـم يخلعون إنسـانيتهم‪ ،‬تعشـى أعينهم‪،‬‬ ‫تصـم آذانهـم‪ ،‬يلقنوننـا كيـف نكـره البشـر‪،‬‬ ‫يصبـون الرصـاص علـى مشـاعرنا‪ ،‬نجبـر علـى‬ ‫شـحذ مخالبنـا لِلـذود عـن حريتنـا‪ ،‬لنجعلهـم‬ ‫يسـمعون أصواتنـا رغمـا عـن أنف الصمـم‪( ”.‬ص‪.‬‬ ‫‪)72‬‬ ‫‪‎‬و تفقـد “صبـرة” أباهـا العجـوز بعدمـا فقـدت‬ ‫أمهـا‪ ،‬و أرغمـت زوجهـا علـى الطالق؛ نقـرأ‪“ :‬كانت‬ ‫تلـك الدمـوع آخـر مـا شـهدته صبـرة مـن والدهـا‬ ‫الـذي لـم يسـعفها الحظ أن تراه مـرة أخرى طيلة‬ ‫حياتهـا‪ ،‬فقـد انتزعـه المـوت بعـد عودتـه مـن‬ ‫رحلتـه تلـك” (ص‪)84 .‬؛ و عـن هـذا الفقـد علقت‬ ‫الكاتبـة صبـاح فارسـي تقـول‪“ :‬ثمة مفتـرق طرق‬ ‫ال نعـود مـن بعدهـا كمـا كنـا‪ ،‬تتبـدل أحالمنـا‪،‬‬ ‫نعبد مسـارات لنهبط على‬ ‫نتشـكك فـي ماضينـا‪ّ ،‬‬ ‫مدارجهـا‪ .‬ثمـة خسـارات ال نرتجـي بعدهـا سـوى‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫التنفـس و العـودة مـن الكابـوس‪ ،‬و لكننـا أبـدا ال‬ ‫نعـود !” (ص ‪.)84‬‬ ‫‪”‎‬حكايـة فقـد” هـذه الروايـة‪ ،‬لكـن أبعادهـا‬ ‫الفلسـفية تتجـاوز مجـرد مأسـاة امـرأة خذلهـا‬ ‫قدرها أو حظها في االنتماء الطبقي و االجتماعي‬ ‫كمـا أحبـط كل احالمهـا فـي الحـب‪ .‬يبـدو أن قدر‬ ‫“صبـرة” و مـن يشـبهها صنيـع جغرافيـة؛ أي مـن‬ ‫إملاءات مـكان و زمـن‪.‬‬ ‫‪ ‎3‬ـ الفضاء الروائي‪:‬‬ ‫‪‎‬قيـل كثيـرا أن بعـض األقـدار مرتبطـة بطبيعة‬ ‫المـكان الـذي نعيـش فيـه‪ .‬و قـد اختـارت الكاتبة‬ ‫صبـاح فارسـي تأثيـث فضـاء هـذه الروايـة‬ ‫بمكانيـن متباعديـن و متوازييـن (قريـة الهجيـر‬ ‫جنـوب الجزيـرة العربيـة‪ ،‬و مدينـة فالينسـيا فـي‬ ‫قلـب األندلس بإسـبانيا)‪ .‬مع همـزة وصل بينهما‬ ‫جسـر واحـد‪ :‬البحـر‪.‬‬ ‫‪‎‬ـ”الهجيـر” قريـة بطلـة الروايـة “صبـرة” تـكاد‬ ‫تنتمـي لزمـن “الجاهليـة األوىل”‪“ :‬الهجيـر قرية لها‬ ‫قلـب من ضفتيـن‪ ،‬ضفة تفتـح ذراعيها ليتنفس‬ ‫نسـيم البحـر‪ ،‬و ضفـة أخـرى تتكـوم علـى غابات‬ ‫السـدر و أشـجار السـرو و مجاهيـل تخفـي بينهـا‬ ‫بيـوت أهـل الهجيـر‪ ،‬و تحصـن قالعهـم (‪)...‬‬ ‫الـكل هنـا محـدودو الطمـوح‪ ،‬فارغـون مـن الغـد‪،‬‬ ‫حلمهـم حصيـرة مـن قـش و أن ال يجوعـوا‪”.‬‬ ‫(ص‪)5 .‬؛ “الهجيـر تنكـر الغربـاء‪ ،‬تخشـى بقاءهـم‬ ‫علـى تربتهـا‪ ،‬الغربـاء ال مـكان لهـم علـى أرضهـا‬ ‫(‪ )...‬وحـده المطـر يأتـي غريبـا و رحـل غريبـا‪،‬‬ ‫و ال يسـتقبله سـوى الفالحيـن هنـا‪ ،‬ال رقـص‬ ‫تحـت المطـر‪ ،‬ال مظلات يتشـارك فيهـا حبيبـان‬ ‫تحـت المطـر‪ ،‬هنـا المطر يمـر خائفا‪ ،‬سـريعا‪ ،‬و ال‬ ‫يخـدش أحـدا‪( ”.‬ص‪)7 .‬‬ ‫‪‎‬ـ “فالنسـيا” األندلسـية مدينـة البطـل “مـار”‬ ‫حبيـب “صبـرة” تعيـش إيقاعـات مناقضـة كليـا‬ ‫لقريـة “الهجيـر”؛ نقرأ‪”:‬تتعـاىل أصـوات الضجيـج‬ ‫المفعـم بالحيـاة فـي شـوارع مدينـة فالنسـيا‪،‬‬ ‫مدينـة االرتـواء‪ ،‬موسـيقى تصـدر مـن خريـر‬ ‫نوافيـر ال تهـدأ‪ ،‬مـن صهيـل الماريـن فـي األزقـة‪،‬‬ ‫مـن دقـات أحذية راقصـي الفالمينكو (‪ )...‬هناك‬ ‫كانـت األرض تفـوح برائحـة الحـب (‪ )...‬إنها أرض‬ ‫العشـق إسـبانيا‪( ”.‬ص‪)37 .‬‬ ‫‪‎‬ـ البحـر هـو همـزة وصـل بيـن قريـة “الهجيـر”‬ ‫و مدينـة “فالنسـيا”‪ .‬ف “للبحـر (نقـرأ) عشـاقه‬ ‫المجانيـن السـهارى علـى ضفافـه‪ ،‬يسـتعبدرذاذه‬

‫صباح فارسي‬ ‫قلوبهـم‪ ،‬يتسـامرون علـى ضفافـه‪ ،‬فيسـتغنون‬ ‫بـه عـن العالـم‪ ،‬و رغـم خناجـر البحـر الغـادرة‬ ‫و حصـده للأرواح إال أن عشـق البحـر فطـرة‬ ‫البحـارة‪( ”.‬ص‪...)51 .‬هـذا البحـر هـو الـذي أغـرق‬ ‫سـفينة أبحـرت مـن المتوسـط إىل البحـر األحمـر‬ ‫حتـى تخـوم جنـوب الجزيـرة العربيـة‪ .‬سـفينة‬ ‫كان عليهـا “مـار” العربـي‪ /‬األندلسـي الـذي نجـا‬ ‫بأعجوبـة مـن الغـرق ليلفظـه البحـر علـى شـط‬ ‫قريـة “الهجيـر” فتنقـذه “صبرة” فينجـو من موت‬ ‫محقـق‪ ...‬هـو البحـر الـذي قـال عنه “مـار” حبيب‬ ‫“صبـرة”‪“ :‬هـذا البحـر أحدثـه كل ليلـة عنـك‪،‬‬ ‫فبرغـم أنـه أهلـك أهلـي‪ ،‬إال أنـه أحضرنـي إليك‪،‬‬ ‫أحبـه ألجلـك و أحقـد عليـه ألجلهـم‪( ”.‬ص‪.‬‬ ‫‪ .)195‬و هـو ذاتـه البحـر الـذي فـرق الحبيبيـن‬ ‫“مـار” و “صبـرة” فـي الحكاية‪ /‬الروايـة؛ نقرأ‪“ :‬على‬ ‫سـطح السـفينة وقـف مـار ينتظـر تلويحـة وداع‪،‬‬ ‫كلمـة مارقـة ترجعـه لصدرهـا‪ ،‬وطنـه الثانـي‪،‬‬ ‫وقـف للمـرة الثانيـة علـى ظهـر السـفينة‪ ،‬فـي‬ ‫المـرة األوىل فقـد رفقـاءه‪ ،‬أمـا اليـوم فهـو يفقـد‬ ‫قلبـه‪ ،‬يتـرك علـى الهجيـر روحـه و يسـافر ألهلـه‬ ‫جسـدا فارغـا‪( ”.‬ص‪.)239 .‬‬ ‫‪‎‬لمـاذا رفضـت “صبـرة” السـفر مـع زوجهـا‪/‬‬ ‫حبيبهـا “مـار”؟‬ ‫‪ ‎4‬ـ الرواية‪ /‬الموقف‪:‬‬ ‫‪‎‬رغـم مـا كابدته “صبرة” فـي قرية “الهجير”‪ ،‬أبدا‬

‫مـا فكـرت فـي الهجـرة‪ ،‬فـي المنفـى االختيـاري‪،‬‬ ‫فـي الهـروب‪ .‬حتـى لمـا تطلقـت مـن زوجهـا األول‬ ‫و طردتهـا عمتهـا مـن بيـت أبيهـا‪ ،‬لـم تفكـر فـي‬ ‫الهجـرة‪ ...‬حتـى لمـا عشـقت “مـار” و قبلـت الـزواج‬ ‫بـه‪ ،‬لـم تقبـل بمرافقتـه إىل “فالنسـيا”‪ ...‬البحـر‬ ‫كان صلـة وصل بأندلـس‪ ،‬بفردوس مفقود جاءها‬ ‫علـى صـورة حبيب عشـقته حتى الجنـون‪ ...‬هل‬ ‫هـي مريضـة ب “المازوخيـة” حتـى أنهـا ال تؤمـن‬ ‫بالسـعادة‪ ،‬إذ قالـت‪“ :‬السـعادة ! هجينـة هـذه‬ ‫الكلمـة علـى مسـمعي‪ ،‬لـم أتصالـح معهـا قـط”‬ ‫(ص‪)239.‬؟ أم أنـه موقـف امـرأة تعـي مـا تفعـل؟‬ ‫‪‎‬قالـت “صبـرة” تبـرر قرارهـا بعـدم الرحيـل عـن‬ ‫قريتهـا “الهجيـر”‪“ :‬ال أسـتطيع‪ ،‬هـم أهلـي و إن‬ ‫بخلـوا علـي‪ ،‬أولئـك قومـي و إن لفظونـي‪ ،‬أنـا ابنة‬ ‫الهجيـر‪ ،‬و الهجيريـون ال حـظ لهـم مـن الحـب‪،‬‬ ‫تبقـى الهجيـر بعنفهـا الحنـون‪ ،‬بظلمها المسـتبد‪،‬‬ ‫تبقـى تـراب الوطـن الـذي لـو لطـم الخـد يسـعف‬ ‫نخيلـه الجـاف ألدرنـا لـه خدنـا اآلخـر و انتظرنـا‬ ‫بيـض تحنانـه علينـا‪ ،‬و لـو ضربنـا بأمواجـه‬ ‫بسـياط الفقـر و الجـوع و ُح ِرمنـا القـوت تحـت‬ ‫سـمائه يبقـى ترابـه عطـرا نمـرغ عليـه وجوهنـا‪،‬‬ ‫و حيـن تمطـر‪ ،‬و قليـل مطر الهجيـر و الهجيريون‬ ‫عطشـى و لكنهـم وقـت المطـر يظلـون يدعون أن‬ ‫يبقـوا تحـت سـمائه و يدفنـوا فـي ترابـه لتمتـزج‬ ‫عظامهـم بتربـة أجـداد األجـداد‪ ،‬هـو الوطـن‪”.‬‬ ‫(ص‪.)228 .‬‬ ‫‪‎‬هـو موقـف “صبـرة” التـي رفضـت زواج العبودية‬ ‫رغـم الفقـر المدقـع‪ ،‬هـددت أن تحـرق نفسـها إن‬ ‫لـم تنـل حريتهـا بالطلاق؛ هـو موقـف “صبـرة”‬ ‫التـي قررت أن تكسـر أنياب الجهـل بتعلم القراءة‬ ‫و الكتابـة؛ هـي “صبـرة” التـي تعلمـت الطـب‬ ‫التقليـدي لمعالجـة المرضـى؛ هـي “صبـرة” التـي‬ ‫رغـم احتقـار مجتمعهـا للمـرأة عامـة و للمـرأة‬ ‫المط ّلقـة خاصـة اسـتطاعت أن تكتـري بيتـا و‬ ‫ُ‬ ‫تعيـش فيـه بمفردهـا‪ ...‬هـي التـي رفضـت أن‬ ‫تبيـع جسـدها رغـم الفقـر المدقـع‪ ...‬هـي التـي‬ ‫قالـت لخطابهـا‪“ :‬ال” عشـقا للحريـة‪ ...‬و هـي التـي‬ ‫قبلـت ب “مـار” زوجـا لهـا رغـم رفـض أهلهـا و كل‬ ‫أهـل بلدتهـا‪ ..‬و هـي “صبـرة” أخيـرا التـي رفضـت‬ ‫الرحيـل إىل األندلـس (الفـردوس الحلـم) حتـى ال‬ ‫تهجـر وطنهـا‪.‬‬ ‫‪‎‬هـي تلكـم قرائـي األعـزاء كانـت مقاربتـي اليـوم‬ ‫لروايـة الكاتبـة و الروائيـة السـعودية المبدعـة‬ ‫صبـاح فارسـي‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫( جنى العمر )‪ ..‬ديوان شعر‬ ‫لشيخ الشعراء سعيد يعقوب‬

‫في‬ ‫رحاب‬ ‫األدب‬ ‫حممد ناصر اجلعمي‬ ‫‪ -‬اليمن‬

‫يعتبـر الشـاعر سـعيد يعقـوب مـن أبـرز‬ ‫التقليـدي‬ ‫الشـعراء المحافظيـن علـى النهـج‬ ‫ّ‬ ‫تميز عـن أقرانه‬ ‫للقصيـدة العربيـة‪ ،‬إال أ ّنـه ّ‬ ‫بهـذا العطـاء الوفيـر فهـذا الديوان‬ ‫هــو تتويــج لليوبيــل الفضــي للدواويــن‬ ‫الخمســة والعشــرين‬ ‫نحـن إذن فـي حضـرة يعقـوب الشـعر‬ ‫عصـر غـاب‬ ‫بقامتـه الشـعرية السـامقة فـي‬ ‫ٍ‬ ‫ـاد فيـه‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫فيـه‬ ‫فرسـان الشـعر والبيـان َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫مهرجانـات‬ ‫ـت ِبهـم‬ ‫األدعيـاء الذيـن ِاكْ َت ّظ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أصـدارات‬ ‫التكريـم وحفلات التوقيـع علـى‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫باهتـهٍ‬ ‫ودواويــن ( شــعرية) خاليــة مــن الــوزن‬ ‫ـات التكريـ ِـم ُقبح ـ ًا‬ ‫والقافيــة‬ ‫زادتهــا َم َنصـ ُ‬ ‫َ‬ ‫َو َق َت َامــ ًة َو َو ْح َشــ ًة‬ ‫فــي حيــن ظــل يعقــوب يدعــو للحفــاظ‬ ‫الشــعري األصيــل‪ ،‬فقــد‬ ‫علــى النهــج‬ ‫ّ‬ ‫تمســك بــأوزان القصيــدة العربيــة القديمــة‬ ‫ّ‬ ‫وأغراضهــا التــي ســار فيهــا علــى النهــج‬ ‫ومضمونــا‪ ،‬البــارودي وأميــر‬ ‫شــكل‬ ‫القديــم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الشــعراء أحمــد شــوقي‪ ،‬وحافــظ إبراهيــم ‪،‬‬ ‫ومطــران وغيرهــم‬ ‫عنـوان بديـع هـذا ‪،‬‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬ ‫“جنـى العمـر “ ّ‬ ‫الكلمات فـي محرابهِ‬ ‫قـف‬ ‫يالـه مـن حصادٍ َت ُ‬ ‫ُ‬ ‫عاجـز ًة عـن التعبيـ ِر يقول يعقـوب في لغة‬ ‫سـهلة جزلـة رقيقة ‪:‬‬ ‫رأيناه‬ ‫حبيب ما‬ ‫وكم لنا من‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬

‫‪24‬‬

‫في حضرة شيخ الشعراء الشاعر العربي الكبير سعيد يعقوب‬ ‫ُ‬ ‫الشعر األصيل المتدفق من مناهله العذبة التي‬ ‫عبق‬ ‫‪ ..‬يشدنا‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫صفوها غبا ُر هذا الزمن الرمادي الذي َّ‬ ‫َ‬ ‫الجمال‬ ‫فيه‬ ‫عز‬ ‫لم يكدر‬ ‫ِ‬ ‫واإلبداع األصيل ‪..‬‬

‫عرفناه‬ ‫صديق ما‬ ‫وكم لنا من‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫مبتعدا‬ ‫بت‬ ‫لله يا فيس كم ق َّر َ‬ ‫ً‬ ‫اصطفيناه‬ ‫وأبعدت َم ْن كنَّا‬ ‫عنَّا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫مستترا‬ ‫كشفت لنا ما كان‬ ‫وكم‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫جهلناه‬ ‫عنَّا وأظهرت ما كنَّا‬ ‫ُ‬ ‫هم‬ ‫وكم ط َو ْي َت األُ َل كنَّا نَ ِه ُ‬ ‫يم ِب ْ‬ ‫طويناه‬ ‫بعثت الَّذي كنَّا‬ ‫وكم‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫تنسـل بين‬ ‫يالهـذهِ الكلمـات العِ ـذاب كيـف‬ ‫ُ‬ ‫بـكل‬ ‫القلـب‬ ‫شـغاف‬ ‫الجوانـح لتسـكن فـي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشـع ِر مـا‬ ‫يعقـوب‬ ‫يـا‬ ‫درك‬ ‫للـه‬ ‫ـة‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫َ ِّ‬ ‫يسـر َو َ َ‬ ‫ٍ‬

‫كبيـر!!!‬ ‫شـاعر‬ ‫أجملـك مـن‬ ‫أفصحـك ومـا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الشع ِر َورقة معانيه‪..‬‬ ‫جمعت بين جزال َة ِّ‬ ‫كنا طوينا ُه “‬ ‫“ وكم‬ ‫بعثت الذي َّ‬ ‫َ‬ ‫لم يتلق شـاعر عربي من قصائد التكريم‬ ‫والثنـاء مـا تلقـاه يعقـوب مـن شـعراء كبـار‬ ‫فـي معظـم األقطـار العربيـة وهـذا اإلجماع‬ ‫كان لعالقـات يعقـوب الواسـعة والمتشـعبة‬ ‫بأعلام الشـعر فـي الوطـن العربـي ( ومـا‬ ‫كان هـذا لـوال أن يعقـوب المـس أوتـار قلـوب‬ ‫العـرب جميعـا حيـن تحـدث عـن بلدانهـم‬ ‫وأفراحهـم وأحزانهـم وأكـد علـى الوحـدة‬ ‫العربيـة التـي تجمعهـم) لنشـاطاته األدبية‬ ‫الواسـعة وفأحبـوه وأثنـوا عليـه بما هو أهله‬ ‫ومـن أمثلـة ذلـك مـا قاله البياسـي السـوري‪:‬‬ ‫وينادينـي باألميـر مليـك ‪..‬سـار مـن خلـف‬ ‫ركبـه األمـراء وكذلـك فعـل األسـتاذ الدكتـور‬ ‫الناقـد الكبيـر العراقـي عزمـي الصالحـي‬ ‫حيـن قـال عـن يعقـوب فـي حفـل تكريمـه‬ ‫فـي اتحـاد الكتـاب األردنييـن أقسـمت‬ ‫بالشـعر تغرينـي معانيـه ‪..‬ونعمـة السـحر‬ ‫تسـري فـي قوافيـه إن الـي نحتفـي والبشـر‬ ‫يغمرنـا ‪ ..‬بشـعره ونعنـي مـن أغانيـه ‪..‬‬ ‫لشـاعر تبهـر الفصحـى فصاحتـه‪ ..‬ومحـال‬ ‫الشـعر يزهـو إن شـدا فيـه ‪ ...‬وكذلـك فعـل‬ ‫كثيـر مـن الشـعراء مـن ُعمـان إىل المغـرب‬ ‫العربـي ولكـن تبقـى قصيـدة تكريمـه‬ ‫مـن وزيـر الثقافـة األردنـي األسـبق األسـتاذ‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫الدكتـور صلاح جـرار هـي درة الديـوان وقـد‬ ‫أنشـدها جـرار فـي مركـز إربـد الثقافـي‬ ‫واسـتهلها بقولـه ‪ :‬قـد خاننـي فيـك تعبيـر‬ ‫وأسـلوبي‪ ...‬ولـم أول علـى قصـد ومطلـوب‬ ‫‪..‬وقـد قصيدتـك عرفنـا وتكرمـة‪ ..‬وكيـف‬ ‫أنكـر إحسـان (ابـن يعقـوب )‪ ..‬وقـد كرمـه‬ ‫كبـار شـعراء األردن بقصائـد مـن عيـون‬ ‫الشـعر مـن أمثـال سـليمان المشـيني مديـر‬ ‫اإلذاعـة األردنيـة الـذي أنشـد الشـعر أمـام‬ ‫الملـك المؤسـس الشـاعر عبـد هللا األول ابـن‬ ‫الحسـين بـن علـي والشـاعر األردنـي الكبيـر‬ ‫محمـود عبـده فريحات وخالد فـوزي عبده‬ ‫وغيرهـم كثيـر ولكن تبقـى أجمل القصائد‬ ‫هـي قصائـد الشـاعر الكبيـر خالـد فـوزي‬ ‫عبـده الـذي قال فـي يعقوب أربعا وعشـرين‬ ‫قصيـدة أطلـق عليهـا يعقـوب فـي (جنـى‬ ‫العمـر ) الخالديـات وهـي مـن غـرر الشـعر‬ ‫وعيونـه معبـرا عـن إعجابه وحبـه ليعقوب‬ ‫قسـم الشـاعر ديوانـه قسـمين األول جعـل‬ ‫فيـه القصائـد التـي كـرم بهـا أصدقـاءه مـن‬ ‫الشـعراء أو مـن هـم فـي منزلتهـم مـن أهـل‬ ‫الفضـل والثانـي لمـن أكرمـوا بقصائدهـم‬ ‫يعقـوب وهـم شـعراء كبـار فـي بلدانهـم‬ ‫كتـب مقدمـة الديـوان األسـتاذ الدكتـور‬ ‫الشـاعر اليمنـي إبراهيـم طلحـة أسـتاذ‬ ‫اللسـانيات الحديثـة بجامعـة صنعـاء‬ ‫وضـع يعقـوب في بدايـة القسـم األول بيتا‬ ‫يختصـر مـا ورد فيه‬ ‫قال فيه‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ال وإنَّ ني‬ ‫وأعرف‬ ‫أقدار ال ِّر َج ِ‬ ‫َ‬ ‫ألعل َُم َم ْن أهدي إليه مديحي‬ ‫هنـا خالصـة الخالصـة رسـالة فـي غايـة‬ ‫موجهـة إىل القـارئ‬ ‫البالغـة والجمـال‬ ‫َّ‬ ‫الحصيـف وإىل األصدقـاء الممدوحيـن‬ ‫الذيـــن خصهـــم يعقـــوب بـــدرر الشـــعر‬ ‫الثمينـــة‬ ‫وبحسـب الدكتـور إبراهيـم طلحـة ‪»:‬‬ ‫إيصـال رسـالته‬ ‫تمك َـن يعقـوب مـن‬ ‫فقـد َّ‬ ‫ِ‬ ‫يشـف عـن‬ ‫كالميـة‪ ،‬فـي ٍ‬ ‫بأقـل كُ لفـةٍ‬ ‫بيـت ُّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬

‫سعيد يعقوب‬

‫شـعري‬ ‫مضمون‬ ‫أخالقـي رفيـع وعن‬ ‫منهـج‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫يسـتح ّق‪..‬‬ ‫حقيقـي قيـل فـي َم ْـن‬ ‫ٍّ‬ ‫بحـد ذاتـه يشـبه أن يكـون‬ ‫البيـت‬ ‫هـذا‬ ‫َّإن‬ ‫ِّ‬ ‫ولكـن المقـام اقتضـى‬ ‫قصيـد ًة كاملـة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫اإليجـاز‪ ،‬ومـا اإلعجـاز َّإل فـي اإليجـاز‪« .‬‬ ‫وقـد أشـار د‪ .‬إبراهيـم طلحـة إىل سـمات‬ ‫الشـعر عنـد يعقـوب فقـال‪:‬‬ ‫الفنية فهي‪:‬‬ ‫السمات ِّ‬ ‫ّ‬ ‫فأما ُّ‬ ‫أهم ِّ‬ ‫والتاريخ‪.‬‬ ‫‪1‬ـ استلهام ُّ‬ ‫التراث َّ‬ ‫الرمز واألسطورة‪.‬‬ ‫‪2‬ـ توظيف َّ‬ ‫‪3‬ـ تكثيف اللغة والمعنى‪.‬‬ ‫‪4‬ـ استدعاء األمثال الشعبية‪.‬‬ ‫‪5‬ـ استخدام تقنية التناص‪.‬‬ ‫‪6‬ـ تنويع البحور الشعرية‪.‬‬ ‫‪7‬ـ االهتمام بالصورة الفنية‪.‬‬ ‫المعنوية فهي‪:‬‬ ‫السمات‬ ‫وأما ُّ‬ ‫َّ‬ ‫أهم ِّ‬ ‫َّ‬ ‫القِ‬ ‫‪1‬ـ تعزيز َيم‪.‬‬ ‫‪2‬ـ الوفاء لألصدقاء‪.‬‬ ‫‪3‬ـ االنتماء إىل األوطان‪.‬‬ ‫‪4‬ـ االنحياز إىل اإلنسان‪.‬‬ ‫‪5‬ـ الدفاع عن المقدسات ورموز األمة‬

‫‪6‬ـ اإلشـــادة بالبطـــوالت والتضحيـــات‬ ‫والشـــهداء‬ ‫‪7‬ـ التمسك بالوحدة العربية‬ ‫ويسـتأنف د طلحـة فـي مقدمتـه قائلا‬ ‫«وال يفوتنـي أن ألفـت عنايتكـم إىل أ َّننـا‬ ‫وجهنـا بعـض ُطالبنـا فـي المسـاقات‬ ‫قـد َّ‬ ‫المختلفـة إىل دراسـة شـعر األسـتاذ الجليـل‬ ‫لعل‬ ‫والشـاعر العربـي الكبير سـعيد يعقوب‪َّ ،‬‬ ‫سـيتفوق علينا في دِ‬ ‫راسـات‬ ‫فـي طالبنا من‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫وبحـوث تتالفـى مـا قصرنـا نحـن فيـه لدى‬ ‫ٍ‬ ‫االحتفـاء بأسـاتذتنا‪.‬‬ ‫‪ ‘ ..‬وهنـا أنتهـى كالم الدكتـور طلحـة فـي‬ ‫تقديمـه لديـوان جنـى العمـر ‪ ،‬ولـم تنتـه‬ ‫رحلتنـا مـع جلال الشـعر ورقتـه وأناقتـه‬ ‫وصـدق معانيـه‬ ‫عبق‬ ‫ما زال في الشعر من أنسامهِ ٌ‬ ‫ـذوب مِ ْن‬ ‫عبـق‬ ‫تميـس ِبـهِ َ‬ ‫ُ‬ ‫وأي ٍ‬ ‫القوافِ ـي َو َت ُ‬ ‫سـحرهِ‬ ‫المسـير‬ ‫طـال ِب َها‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫القلـوب التـي َ‬ ‫تجـد‬ ‫دروب الحيـا ِة الموحشـة علهـا‬ ‫فـي‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ـهِ‬ ‫ِ‬ ‫فتبحـث فـي‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ظ‬ ‫ـت‬ ‫ِتس‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫انـ‬ ‫َم َك‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َّ ِ‬ ‫حدائق يعقوب وبساتينه الوارفة عن‬ ‫ِ‬ ‫ما يبد ُد مشـقة السـف ِر َووحشـته في ليالي‬ ‫العـرب المألى باألحزان ‪..‬‬ ‫ئـه ولـم نفصـح‬ ‫لقـد‬ ‫كنـا ُن ْخ ِب ُ‬ ‫نثـرت الـذي َّ‬ ‫َ‬ ‫عنـه فكنـت لسـان األمـة التي تطـاول عليها‬ ‫تداعـت عليهـا األمـم ‪..‬‬ ‫األقـزام َو‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫وطالما والحديث عن يعقوب ال ينتهي‬ ‫فكمـا وضـع يعقـوب فـي بدايـة القسـم‬ ‫األول بيتـا يختصـر مـا ورد فيـه‬ ‫فقـد وضـع أيضـا فـي بدايـة القسـم الثاني‬ ‫بيتـا يختصـر مـا ورد فيـه فقـال‪:‬‬ ‫أبصر بعض كنزي‬ ‫قارون‬ ‫ولو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الح َي ُاء‪..‬‬ ‫ألَ ْد َرك َُه مِ َن الفق ِر َ‬ ‫أترك التعليق لنقاد الشعر ومحبيه‬ ‫فتعالـوا أيهـا الظامئـون إىل هـذا الغديـر‬ ‫فقـد أشـتد بنـا الهجيـر وكمـا قـال جبـران ‪:‬‬ ‫علنـــا نـــروي بذيـــاك العصيـــر حرقـــة‬ ‫األشـــواق‪......‬‬

‫‪25‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫لقــــاء‬

‫فؤاد متاش ألقالم عربية‪:‬‬

‫تصل الكلمة بصاحبها إلى حيث يريد‪..‬‬ ‫تصل الكلمة بصاحبها إلى حيث يريد هو‪ ،‬وكلمة احلق‬ ‫ال تصل باإلنسان إال إلى اخلير مهما كانت العاقبة ‪.‬‬ ‫فؤاد متاش إنسان يعيش يف هذه األرض مخلوق من‬ ‫تراب هذا الوطن اجلميل ميتلئ قلبه بحب الناس وحب‬ ‫اخلير وحب اجلمال ‪.‬‬

‫أجرى اللقاء‪ :‬عبداملجيد الخضمي‬ ‫السيرة الذاتية‬ ‫ فؤاد محسون صالح متاش‪.‬‬‫ مواليد عام ‪ - ١٩٧٨‬الحيمة الخارجية ‪-‬‬‫محافظة صنعاء‪.‬‬ ‫ بك تربية لغة عربية ‪.‬‬‫ الصفة ‪ :‬شاعر أديب‪.‬‬‫ صدر له ديوان شعر بعنوان “ وردة‬‫وبندقية “ عام ‪.٢٠٠٩‬‬ ‫ُ‬ ‫ له مجموعة قصصية لم تطبع بعد‬‫َ ُ‬ ‫“ج ّرة قلم”‪.‬‬ ‫بعنوان‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ له ديوان شعري آخر لم يطبع بعد‪.‬‬‫ يكتب الشعر واملقالة واملسرحية‬‫والشعر الغنائي‪.‬‬ ‫البرامج التلفزيونية‬ ‫ أعد الكثير من‬‫ّ‬ ‫للعديد من القنوات وألف الكثير من‬ ‫املسرحيات واملسلسالت والكثير من‬ ‫األناشيد واألغاني والبرامج اإلذاعية‬ ‫والكثير من املقاالت للعديد من الصحف‬ ‫واملجالت‪.‬‬ ‫ أقام دورات تدريبية في النحو واإلمالء‬‫والشعر واألدب‪.‬‬ ‫ قام بالتحكيم في عدة مسابقات شعرية‬‫وفنية في صنعاء‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫مـا بيـن الشـعر وإعـداد البرامـج أيـن تجـد‬ ‫فـؤاد ؟!‬ ‫أجـد فـؤاد في الشـعر أجده في موسـيقى الشـعر‬ ‫وبحـوره وقوافيـه ‪ ..‬أنا أرى الحياة قصيدة ‪ ..‬أشـعر‬ ‫أن الكـون يتحـرك بـوزن وقافيـة ‪ ..‬كتبـت الكثيـر‬ ‫نجحت‬ ‫مـن البرامـج ومـا زلـت أكتبها وبفضـل هللا‬ ‫ُ‬ ‫فـي كتابـة البرامـج ولكني وأنا أكتبهـا ال أجد تلك‬ ‫المتعـة التـي أجدهـا وأنا أكتب الشـعر ‪.‬‬ ‫أيهمـا أوالً الشـاعر أم معـد البرامـج ؟! وكيـف‬ ‫ابتـدأت رحلتـك فـي كليهمـا ؟!‬ ‫الشـاعر سـبق‬ ‫الشـاعر أوالً ثـم ُمعـد البرامـج ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫عـد البرامـج بسـنوات كثيـرة ‪ ..‬عشـقت الشـعر‬ ‫ُم َّ‬ ‫لا وحفظـت الكثيـر مـن القصائـد التـي فـي‬ ‫طف ً‬ ‫المنهـج الدراسـي ومـن خـارج المنهـج الدراسـي‬ ‫وكنـت أجمـع أقرانـي مـن األطفـال ألقـرأ عليهـم‬ ‫القصائـد التـي حفظتهـا بحماسـة شـديدة وأذهب‬ ‫عال‬ ‫إىل البريـة وحيـد ًا ألقرأ هذه القصائـد‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت ٍ‬ ‫وأنـا أتخيـل أنـي أقرؤهـا أمـام جمهـور كبيـر‪.‬‬ ‫يوم‬ ‫وكتبـت القصيـدة األوىل فـي اإلعدادية فكان ُ‬ ‫يـوم والدتـي الثانيـة ‪ ..‬وأمـا البرامـج‬ ‫كتابتِهـا هـو َ‬ ‫فلـم أكتبهـا إال بعـد الجامعـة‪.‬‬ ‫وإن شـئتم أن تعرفـوا مـاذا يعنـي لـي الشـعر‬ ‫فاقـرؤوا هـذه األبيـات‪:‬‬ ‫وزن وقافي ٌة‬ ‫حياتُنا كلُّها ٌ‬

‫التعب‬ ‫فالشع ُر راحتُ نا في عال َِم‬ ‫ِ‬ ‫ولون الشع ِر في دمِ نا‬ ‫نأتي الحيا َة ُ‬ ‫كت َس ِب‬ ‫فننط ُق‬ ‫ِ‬ ‫غير ُم َ‬ ‫الشعر طبع ًا َ‬ ‫َ‬ ‫تحتاج مدرس ًة‬ ‫القلب هل‬ ‫وخفق ُة‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫وهل تُرى صعب ٌة إسبال ُة ال ُه ُد ِب ؟!‬ ‫الطفل ُيول َُد في كَفَّ يه مِ لعق ٌة‬ ‫ُ‬ ‫الذهب‬ ‫من القوافي التي أحلى من‬ ‫ِ‬ ‫حتى َر ِ‬ ‫بقافية‬ ‫واحلُنا تمشي‬ ‫ٍ‬ ‫األدب‬ ‫كأنما َمش ُيها ٌ‬ ‫نوع من ِ‬ ‫بشعر وهي سائر ٌة‬ ‫دوت‬ ‫إذا َح َ‬ ‫ٍ‬ ‫هوادجها من شدةِ‬ ‫الطرب‬ ‫ألقت‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫نزلت‬ ‫أنت؟! يا ُأسطور ًة ْ‬ ‫أنت؟! ما َ‬ ‫من َ‬ ‫من السما ِء لنا يا حرفَنا العربي ؟!‬ ‫بلغـة شـاعرية مـا الفـؤاد ؟! مـا العينيـن ؟!‬ ‫أيـن تكمن السـعادة ؟! من أيـن يأتي الهاجس؟‬ ‫وأحاسيسـه ‪ ..‬هـو هذا‬ ‫فكـر اإلنسـان‬ ‫ُ‬ ‫ الفـؤاد هـو ُ‬‫اإلنسـان الـذي نفـخ فيـه هللاُ من روحه ‪ ..‬هـو إرادة‬ ‫صـوت‬ ‫وآالمـه وطموحا ُتـه ‪ ..‬هـو‬ ‫ُ‬ ‫اإلنسـان وآمالُـه ُ‬ ‫الـروح وحرك ُتهـا وتفاعلُهـا مـع الحيـاة ‪.‬‬ ‫ العينـان همـا نافذتان للـروح ُتطل منهما الروح‬‫أحاسـيس اإلنسـان‬ ‫علـى الكـون ‪ ..‬فيهمـا ترتسـم‬ ‫ُ‬ ‫وشـره ‪ ..‬فيهمـا تتج ّلـى حقيقـ ُة‬ ‫وأفـكاره‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وخيـره ُّ‬


‫لقــــاء‬

‫ِ‬ ‫ظلمـت‬ ‫اإلنسـان مهمـا حـاول إخفاءهـا ‪ ..‬إذا ُأ‬ ‫فالكـون ك ُّلـه قـد ُأظلـم وإذا أضـاءت‬ ‫العينـان‬ ‫ُ‬ ‫فـكأن العينيـن همـا‬ ‫مضـيء‬ ‫ـه‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫فالكـون‬ ‫العينـان‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫الكـون ك ُّلـه ‪ ..‬العينـان همـا أجمـل مـا في اإلنسـان‬ ‫ُ‬ ‫سـر مـن أسـرا ِر ِ‬ ‫روحـه ‪.‬‬ ‫وأعمـق‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫كنـت راضيـ ًا‬ ‫فـإذا‬ ‫الرضـا‬ ‫فـي‬ ‫السـعادة‬ ‫تكمـن‬ ‫‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫عـن حياتِـك فأنـت سـعيد ‪ ..‬ال يوجـد فـي هـذه‬ ‫الحيـاة سـعاد ٌة خالصـة فلا بـد أن يشـوبها الكـدر‬ ‫ولكـن يوجـد فـي الحيـاة الرضـا وقليلـون هـم‬ ‫الذيـن يرضـون عـن حياتهـم ‪.‬‬ ‫عيـن للسـعادة يتفـق عليـه‬ ‫ال يوجـد تعريـف ُم ّ‬ ‫النـاس جميعـ ًا فالنـاس يختلفـون فـي تعريفهـم‬ ‫ُ‬ ‫للسـعادة ولكـن السـعادة باختصـار تكمـن فـي‬ ‫نفـس اإلنسـان ممتلئـ ًة بالحـب‬ ‫الحـب فـإذا كانـت ُ‬ ‫نفـس جميلـة والنفـس الجميلـة تكـون‬ ‫فهـي‬ ‫ٌ‬ ‫سـعيدة ‪.‬‬ ‫ يأتـي الهاجـس مـن تفاعـل الشـاعر مـع الحياة‬‫سـتدعى بـل هـو يأتـي مـن‬ ‫فهاجـس الشـعر ال ُي‬ ‫َ‬ ‫تلقـاء نفسـه فـي الوقـت المناسـب تمامـ ًا ‪.‬‬ ‫الشـاعر يعيـش مـع النـاس بنفسِ ـه الشـاعرية‬ ‫تسـجل كل‬ ‫وحواسـه‬ ‫فيتفاعـل مـع كل شـيء‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫شـيء حتـى تأتـي لحظـة يشـعر فيهـا الشـاعر أن‬ ‫موعـد والد ِة قصيـد ٍة قـد حـان وعندهـا يتحسـس‬ ‫َ‬ ‫الشـاعر قلمـه ليكتـب فـإذا حانـت لحظـة الكتابة‬ ‫فـإن الشـاعر يعتـزل العالـم كلـه اعتـزاالً روحيـ ًا‬ ‫فـكأن بينـه وبيـن العالم مـن حوله حجـاب حتى‬ ‫ّ‬ ‫ينتهـي مـن كتابـة القصيـدة ‪.‬‬ ‫فـؤاد الثائـر من أيـن تبتدئ صناعـة الثورة ؟‬ ‫ومـن هو برأيـك صانعها؟‬ ‫تبتـدئ صناعـة الثـورة مـن أعمـاق النفـس‬ ‫الجميلـة ‪ ..‬سـتقولون لـي ومـا عالقـة الجمـال‬ ‫بالثـورة؟‬ ‫وأقـول لكـم ّإن النفـس الجميلـة‬ ‫تحـب الخيـر وتكـره الشـر‬ ‫وألنهـا تحـب الخيـر فهـي‬ ‫تريـده أن يسـود فهـي تدافـع‬ ‫عنـه دائمـ ًا وتحـارب الشـر‬ ‫لكيلا يسـود ‪ ..‬النفـس الجميلـة‬ ‫شـر وال ُت ِطيقـه‬ ‫تكـره الظلـم ألنـه ٌّ‬ ‫ولهـذا فالنفـس الجميلـة تثـور علـى‬ ‫الشـر ثـور ًة عظيمة ‪ ..‬هـذه النفس تكون‬ ‫نسـيم ًا للخيـر وعاصفـ ًة علـى الشـر‪.‬‬

‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫يريــد هــو فــإن أراد بهــا الخيــر وصلــت بــه إىل الخير‬ ‫وإن أراد بهــا الشــر وصلــت بــه إىل الشــر ‪ ..‬الكلم ـ ُة‬ ‫وجههــا حيــث يشــاء ‪ ..‬وكلمــة‬ ‫طيــ ُة اإلنســان ُي ِّ‬ ‫َم ّ‬ ‫الحــق ال تصــل باإلنســان إال إىل الخيــر مهمــا كانــت‬ ‫العاقبــة ‪.‬‬ ‫الكلمـة تصنـع الحاضـر والمسـتقبل وهـي أقـوى‬ ‫كل إنسـان كلمته وال‬ ‫مـا يمتلكـه اإلنسـان فليختـر ُّ‬ ‫سـيما الشـاعر واألديب ‪.‬‬ ‫اإلنجـازات التـي يسـبقها اسـم فـؤاد متـاش هـي‬ ‫قدمتـه إىل الناس ‪ ..‬أمـا اإلنجازات‬ ‫كل عمـل خيـر ّ‬ ‫الفكريـة فأهمهـا تعليـم الطلاب اللغـة العربيـة‬ ‫مـدة خمسـة عشـر عامـ ًا ومشـاركتي فـي ثـورة‬ ‫فبرايـر وإصـدار ديوانـي الشـعري وكتابـة العديـد‬ ‫مـن المقـاالت والمسـرحيات والبحـوث العلميـة‬ ‫والبرامـج التلفزيونيـة واإلذاعيـة ‪.‬‬ ‫الجمـال حيـ ًة فـي النفـس فإنهـا‬ ‫قيـم‬ ‫ِ‬ ‫إذا كانـت ُ‬ ‫لـن تتحمـل الظلـم بـل سـتثور عليـه ثـورة عارمة‬ ‫إذ ًا فالثـورة تبتـدئ مـن أعمـاق النفـس الجميلـة‬ ‫‪ ..‬النـاس الطيبون يشـعرون بالظلـم وال يطيقونه‬ ‫ولكنهـم يريـدون قائـد ًا فكريـ ًا يهـدم حواجـز‬ ‫الخـوف في نفوسـهم ويدفعهم إىل األمـام ‪ ..‬الناس‬ ‫يعبـر عنهـم ‪ ..‬يحتاجـون إىل‬ ‫يحتاجـون إىل لسـان ّ‬ ‫صـوت ضمائرهـم وليـس هنـاك‬ ‫ضميـر يكـون‬ ‫َ‬ ‫أجـرأ وأصـدق مـن الشـاعر ليكـون هـو القائـد‬ ‫الفعلـي للثـورة ‪ ..‬أليـس قائـد الثـورة اليمنيـة‬ ‫األب‬ ‫الجمهوريـة شـاعر ًا ؟! اليـس‬ ‫ُّ‬ ‫الزبيـري هـو َ‬ ‫الروحـي لألحـرا ِر جميعـ ًا ؟! بشـعره صنـع ثـورة‬ ‫َّ‬ ‫بكثيـر من الطغاة؛‬ ‫قلمـه أقوى‬ ‫عظيمـة فقـد كان ُ‬ ‫ٍ‬ ‫يقـول ‪:‬‬ ‫بالقلم الج ّبا ِر مملك ًة‬ ‫ضت‬ ‫ق ّو ُ‬ ‫ِ‬ ‫نب‬ ‫كانت بأقطا ِبها مشدود َة َّ‬ ‫الط ِ‬ ‫فالشعراء خصوص ًا والمفكرون‬ ‫إذ ًا‬ ‫ُ‬ ‫عموم ًا هم ُص ّنا ُع الثورات على‬ ‫َم ِّر العصور ‪.‬‬ ‫الكلمة إىل أين تصل‬ ‫بصاحبها ؟ وما‬ ‫اإلنجازات التي يسبقها‬ ‫اسم فؤاد ؟‬ ‫تصــل الكلمــة‬ ‫بصاحبهــا إىل حيــث‬

‫فـؤاد متـاش اسـم يتلأأل فـي عالـم البرامـج‬ ‫والشـعر ولكـن مـا الصفـة أو الصفـات األخـرى‬ ‫التـي تراهـا فـي فـؤاد ولـم تصـل إىل الجمهـور‬ ‫بعـد ؟‬ ‫لـدي صفتـان أراهمـا فـي فـؤاد متاش ولـم تصال‬ ‫ّ‬ ‫إىل الجمهـور بعـد الصفـة األوىل أننـي فلاح ُقـروي‬ ‫بسـيط أحب أن أعيش ببسـاطة في هذه الحياة‪.‬‬ ‫وليس هذا تواضع ًا مني بل هي الحقيقة ‪.‬‬ ‫وهنـاك صفـة قـد تكـون ُمناقضـ ًة للصفـة األوىل‬ ‫‪ ،‬الصفـة الثانيـة أننـي رجـل سياسـي أدرك جيـد ًا‬ ‫الخبـث الـذي‬ ‫مـاذا تعنيـه السياسـة الحقـة ال هـذا ُ‬ ‫سـمونه سياسـة ‪ ..‬عندما أرى وطني يعيش هذه‬ ‫ُي ّ‬ ‫المآسـي أعاهـد نفسـي وأعاهـد وطنـي أال أتـرك‬ ‫السياسـة ألهـل الضمائـر الميتـة بـل سأسـعى أنـا‬ ‫ٍـص هـذا الوطـن الحبيـب‬ ‫والمخلصـون إىل أن ُنخل َ‬ ‫مـن مآسـيه وأن ننهـض بـه وأن نجعلـه يمنـ ًا‬ ‫سـعيد ًا كمـا كان ‪.‬‬ ‫لو طلبت منك أن تسـأل فؤاد سـؤاالً لم ُيسـأله‬ ‫مـن قبـل ؟! ما هو ؟! ومـا هي اإلجابة ؟!‬ ‫السـؤال الـذي لـم ُأسـأله مـن قبـل هـو هـذا ‪ :‬مـا‬ ‫هـي أمنيتـك فـي الوقـت الحاضـر ؟‬ ‫واإلجابة هي هذه ‪:‬‬ ‫أتمنـى أن أتمكـن مـن فتـح قنـاة تلفزيونيـة‬ ‫ديرهـا لصناعـة الوعـي العربـي مـن جديـد فلـن‬ ‫و ُأ َ‬ ‫نرتقـي إال بالفكـر وليـس هنـاك تأثيـر أسـرع‬ ‫وأعمـق مـن اإلعالم ‪ ..‬لو امتلكت قناة السـتطعت‬ ‫أن أصنـع ثـورة فكريـة بـإذن هللا ‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫جريس سماوي‪..‬‬ ‫بذاته‬ ‫الشاعر إذ يكتمل‬ ‫ِ‬ ‫جعفر العقيلي ‪ -‬كاتب وناشر أردني‬

‫يتوقع أن يكون مصيره‬ ‫هل كان جريس سماوي ّ‬ ‫شبيه ًا بمصائر أبطال قصيدته الملحمية التي‬ ‫وأن‬ ‫يتمها‪ّ ،‬‬ ‫بدأ كتابتها في أواخر عام ‪ 2017‬ولم ّ‬ ‫النجاة التي تم ّنتها الجمو ُع في مشهدٍ يحاكي‬ ‫«يوم الدينونة» سيتم ّناها هو أيض ًا بينما الجائحة‬ ‫بر‬ ‫تحاصره وتكسر مجاديفه كي ال يصل إىل ّ‬ ‫األمان؟‬ ‫كان جريس يتحدث عن مناخات تلك القصيدة‬ ‫في حوار مع «الرأي» (‪ 22‬نيسان ‪ )2020‬بشي ٍء من‬ ‫الزهو؛ زهو المستشرف والرائي‪« :‬لم أكن أتوقع أن‬ ‫بدأت كتابته في القصيدة‬ ‫شيئ ًا مشابه ًا لهذا الذي ُ‬ ‫قبل ما يزيد عن سنتين سيحدث في الواقع»‪.‬‬ ‫لكنه لم يعرف أنه سيكون في عداد الضحايا‪ ،‬وأن‬ ‫ثمن‬ ‫الجائحة ستخطفه منا هو اآلخر‪ ،‬كأنه يدفع َ‬ ‫تكبلنا بالقيود والعزل‬ ‫الحدس بها و َت ُّ‬ ‫صو ِرها قبل أن ّ‬ ‫االختياري واإلجباري وحظر التجول والتدابير‬ ‫المح ِبطة‪.‬‬ ‫وقبل أن يصبح نجم ًة في السماء‪ ،‬يوم ‪ 10‬آذار‬ ‫‪ ،2021‬كان جريس‪ ،‬الشاعر والمثقف‪ ،‬قد وضع‬ ‫لنفسه تقويم ًا خالل الجائحة «الغادرة» ال يحيد‬ ‫حماماً‪ ،‬ثم أشرب‬ ‫عنه‪« :‬أصحو في الصباح‪ ،‬آخذ ّ‬ ‫القهوة وأتابع الصحف‪ ..‬أجري بعض االتصاالت‬ ‫الهاتفية ثم أعود للقراءة‪ ...‬في الليل أمارس الكتابة‬ ‫وتحرير ما كنت كتبت سابقاً‪ ..‬أحيان ًا أستطلع‬ ‫بعض الشجرات والزهور والنباتات‪ .‬وأستمتع بهذا‬ ‫الهمس الخفيف من الطاقة اإليجابية الذي يخرج‬ ‫من هذه الكائنات الخضراء والورود»‪.‬‬ ‫فمن‬ ‫الحاكورة‪،‬‬ ‫وسادن‬ ‫حارس الورد‬ ‫ُ‬ ‫وها قد غاب ُ‬ ‫َ‬ ‫الحراثين»‪،‬‬ ‫يعتني باألرواح في غيابه؟ غاب ُ‬ ‫«ابن ّ‬ ‫الذي كثير ًا ما أصاخ السمع لخفق األجنحة وعزف‬ ‫الريح وخشخشة أوراق الشجر عند عتبة الدار؛‬ ‫هناك في «الفحيص»‪ ،‬حيث أقام الشاعر‪ ،‬وحيث‬ ‫مات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بالخسارات‬ ‫“أنا ال أباهي هنا‬ ‫منفتح كالمسا ِر على ردهةِ‬ ‫الفجيعةِ‬ ‫باب‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫لكن َ‬ ‫ِ‬ ‫الموت»‪.‬‬ ‫ليال‬ ‫هذا ما كتبه جريس في قصيدته «ثالث ٍ‬ ‫سوياً» التي احتفت بها «الرأي» (‪ 6‬تشرين األول‬ ‫ّ‬

‫‪28‬‬

‫‪ُ ،)2020‬مطلق ًا نداءه‪ ،‬وما كان في الحسبان أن ال‬ ‫يسمعه أحد‪:‬‬ ‫الموت‬ ‫ها‬ ‫أي‬ ‫إذن‬ ‫قليل‬ ‫ُ‬ ‫“تم ّهل ً ْ ّ‬ ‫يود ُع موتى قريبون موتى بعيدين في‬ ‫كيما ّ‬ ‫موتهم‬ ‫ْ‬ ‫يقيم الفرا ُغ احتفاالتِه‬ ‫وتم ّه ْل كذلك كيما ُ‬ ‫األرض‬ ‫باندثا ِر الحيا ِة على‬ ‫ِ‬ ‫بالخراب»‪.‬‬ ‫كيما يد ّثرها‬ ‫ِ‬ ‫وفي قصيدته األخيرة التي احتفت بها «الرأي»‬ ‫الشاعر الذي‬ ‫أيض ًا (‪ 23‬تشرين األول ‪ ،)2020‬أراد‬ ‫ُ‬ ‫يمثل برمزيته مدني َة العالم‪ ،‬قراءة سيرة الشرق‪،‬‬ ‫وعاتب‬ ‫ومعاينة تحوالت اإلنسان فيه ومكابداته‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ورحل في ذاته مف ّتش ًا عن‬ ‫المحب‬ ‫عتاب‬ ‫الوطن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫المسماة‬ ‫مالمحه البعيدة‪ .‬يقول في قصيدته‬ ‫ّ‬ ‫أنقب عن بالدي» التي م ّثلت إطاللته‬ ‫«أقتفي أثري ّ‬ ‫قرائه قبل تلويحة الوداع‪:‬‬ ‫األخيرة على ّ‬ ‫علي‪،‬‬ ‫عثرت‬ ‫“وأصيح هأنذا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫وجدت دمي‪ ،‬شبيهي في التراب‪ ،‬وجد ُتني‪..‬‬ ‫هأنذا‬ ‫ُ‬ ‫وجهان لي في دفت ِر التاريخ‬ ‫النقيض‬ ‫وجه‬ ‫كل وجهٍ منهما‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫لي في ّ‬ ‫والمض ّحي‬ ‫أنا‬ ‫الضحي ُة َ‬ ‫ّ‬ ‫والصالة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تأنيب الضمي ِر‪،‬‬ ‫السيف‪،‬‬ ‫نصل‬ ‫أنا التقى‪ ،‬العصيان‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫الدخان وظ ّله‪،‬‬ ‫أنا‬ ‫ُ‬ ‫والحروب‬ ‫للمذابح‬ ‫المؤرخ‬ ‫ف‬ ‫وص‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫كتب األباطرة القديمةِ ‪..‬‬ ‫بجملةٍ صفراء في ِ‬ ‫العتيق وأق ّل ُب الصفحات‬ ‫الورق‬ ‫َ‬ ‫أتبع َ‬ ‫ُ‬ ‫تخذلني اللغات»‪.‬‬ ‫صاحب «ز ّلة أخرى‬ ‫ولم يكن غريب ًا أن ينهي‬ ‫ُ‬ ‫للحكمة» قصيدته‪ /‬نفثته األخيرة بقوله‪:‬‬ ‫يدين عابد َتين منص َتتين للمعنى‬ ‫ُ‬ ‫“رفعت َ‬ ‫لنبض هللا في اإلنسان‬ ‫إذ ترفو يدا أمي مالمحي األثيرة‬ ‫قماش الثوب‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫أبدو باسم ًا مستبشر ًا عذبا‬ ‫ومكتم ًال بذاتي‬ ‫بيدي ما اجترح اإلله‬ ‫حاض ًنا‬ ‫َّ‬ ‫وغامر ًا روحي بإيقاع الحياة»‪.‬‬

‫روحه بإيقاع‬ ‫لقد اكتمل جريس إذن بذاته‪ ،‬وغمر َ‬ ‫كرس نفسه لها‪ ،‬واحتفى بها كما‬ ‫الحياة َّ‬ ‫حد أنه ّ‬ ‫صاف‪ ،‬ال غاية له سوى إعالء صوت‬ ‫لو أنه‬ ‫عاشق ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫الحب والقيم النبيلة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫في اتصالي األخير به قبل أيام على الفاجعة‪،‬‬ ‫«شدة وتزول»‪ .‬لكنها لم َت ُزل‪.‬‬ ‫قال بصوته المبحوح‪ّ :‬‬ ‫فكان الغياب‪ ،‬ويا لفداحته‪ .‬وكان أن نكث الوعد‪،‬‬ ‫دأبه دائماً‪ -‬لينشر باق ًة من‬ ‫إذ ر ّتب أوراقه –كما ُ‬ ‫قصائده تباع ًا في «الرأي»‪ ..‬ويا لكثرة المشاريع‬ ‫المؤجلة!‬ ‫في سيرة الشاعر الفارس‪ ،‬نقرأ أنه ُولد يوم‬ ‫درس المرحلة اإلعدادية‬ ‫‪ 22/12/1956‬في ّ‬ ‫عمان‪َ ،‬‬ ‫في «الفحيص»‪ ،‬وأنهى الثانوية في مدرسة صويلح‬ ‫الثانوية سنة ‪َ ،1976‬ود َرس فن االتصاالت اإلعالمي‬ ‫في الواليات المتحدة األميركية‪ ،‬ثم حصل على‬ ‫شهادة البكالوريوس في اللغة اإلنجليزية وآدابها‬ ‫من الجامعة األردنية سنة ‪.1988‬‬ ‫ومقدم ًا‬ ‫ا‬ ‫معد‬ ‫األردني‪،‬‬ ‫عمل في التلفزيون‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫لعدد من البرامج الثقافية على القناتين العربية‬ ‫واإلنجليزية (‪ ،)1992-1997‬ثم نائب ًا لمدير‬ ‫مهرجان جرش للثقافة والفنون (‪،)1997-2001‬‬ ‫ثم مدير ًا عام ًا للمهرجان (‪ .)2001-2006‬ثم ُع ّين‬ ‫أمين ًا عام ًا لوزارة الثقافة (‪ ،)2006-2011‬فوزير ًا‬ ‫وقدم برامج ثقافية في‬ ‫أعد ّ‬ ‫للثقافة (‪ .)2011‬كما ّ‬ ‫عدد من المحطات اإلذاعية والتلفزيونية‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫«ذاكرة نغم» و»نون النسوة»‪.‬‬ ‫نال الشاعر الراحل الجائز َة األوىل ألفضل قصيدة‬ ‫عربية عن االنتفاضة الفلسطينية من اللجنة‬ ‫الشعبية األردنية لدعم االنتفاضة سنة ‪1987‬‬ ‫(بالمشاركة مع حبيب الزيودي وعلي الف ّزاع)‪.‬‬ ‫وصدرت له مجموعة وحيدة بعنوان «ز ّلة أخرى‬ ‫للحكمة»‪ُ ،‬طبعت غير مرة‪.‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫قصة‬ ‫قصيرة‬ ‫لم يكن نور أكثر أولئك الشباب الذين كانوا‬ ‫يالحقونها وسامة‪ ،‬وال أوسعهم ثراء‪ ،‬إال أن حظها‬ ‫ولما‬ ‫العاثر دفعها إلهمالهم‬ ‫جميعا والتع ّلق به‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫دفعته دهشته لسؤالها عن السبب‪ ،‬تأملته بعين‬ ‫عاشقة للحظة‪ ،‬ثم أجابته بنبرة أشبعت غروره‪،‬‬ ‫قائلة‪ :‬كبرياؤك‪.‬‬ ‫مزه ًّوا‪ ،‬شعر باإلثارة‪ ،‬وفجأة اشتعلت‬ ‫تبسم ُ‬ ‫ّ‬ ‫في رأسه فكرة مناورتها‪ ،‬ما أدراه لعله نجح‬ ‫في استدراجها لمشاركته تجربة‪ ،‬كان يتلهف‬ ‫كمراهقعلى خوضها‪.‬‬ ‫تجربة واجهتها نعمة في البداية باستنكار‬ ‫شديد‪ ،‬وقابلت محاولته الثانية بتكشيرة غاضبة‪،‬‬ ‫وتحذيره من مغبة محاولته معها مرة أخرى‪،‬‬ ‫لكنها كانت قد استنفدت أثناء محاولته الثالثة كل‬ ‫ردود فعلها‪ ،‬واستكانت لعذب كلماته ووعده الزائف‬ ‫بالزواج منها‪ ،‬وفي المرة الرابعة أسلمت جسدها‬ ‫إليه مترددة كي يمارس عليه طقوس تجربة ما‬ ‫أن تبدد دخان نشوتها حتى أدرك مدى خطورة‬ ‫عاقبتها‪.‬‬ ‫ماض قريب‪ ،‬قبل أن يفض قبح العولمة‬ ‫حتى‬ ‫ٍ‬ ‫بكارة الصحراء كان للحب فيها قداسة‪ ،‬إذا ما تجرأ‬ ‫شخص عابث العبث بتلك القداسة‪ ،‬عليه أن‬ ‫رادعا‪ ،‬مثل ذلك الذي كان ينتظر‬ ‫عقابا ً‬ ‫ينتظر ً‬ ‫نور بعد أن نجح في إخضاع نعمة ألول تجاربه‬ ‫العبثية‪ ،‬واعتقد خطأ أنه سينجو منه بفراره‪.‬‬ ‫آسفا‬ ‫نادما على ما فعل بقدر ما كان ً‬ ‫لم يكن ً‬ ‫تصرف أبيه‪ ،‬األمر الذي أثار دهشتي‪ ،‬ودفع‬ ‫على ّ‬ ‫بي للتساؤل‪:‬‬ ‫ـ أال تعرف بأنك جنيت على نعمة وأوقعت‬ ‫أبيك في ورطة‪.‬‬ ‫ـ بالنسبة إىل نعمة لم أجن عليها كما تقول‪ ،‬إذ‬ ‫كان يمكنها أن ترفض‪ ،‬ولو فعلت لما حدث ما‬ ‫حدث‪ ،‬لكن ببساطة راق لها األمر‪ ،‬فجارتني فيه!‬ ‫ـ وبالنسبة إىل أبيك؟ !‬ ‫متهكما‬ ‫تساءلت‬ ‫ً‬ ‫فرد‪:‬‬

‫صورة عائلية‬ ‫عبداهلل السالمية ‪ -‬مصر‬

‫ـ كان يمكنني التراجع عن قراري بالمغادرة‬ ‫وتحمل مسئولية خطأي‬ ‫ّ‬ ‫يتعجل في إعالنه المشؤوم! ‪.‬‬ ‫لم‬ ‫لو‬ ‫كرجل‬ ‫ّ‬ ‫ـ أي إعالن؟‬ ‫وغاضبا‪:‬‬ ‫ا‬ ‫مستغرب‬ ‫أجاب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ـ لقد أعلن عن مكافأة لمن يضبطني ويعيدني‬ ‫إليه‪.‬‬ ‫الئما‪:‬‬ ‫ومضى ً‬ ‫ـ وليته عرض مكافأة سخية تليق بابن‬ ‫شيخ عشيرة مثلي‪ ،‬فلديه من المال ما يسمح‬ ‫بذلك‪،‬لكنه بدالً من أن يفعل ويحفظ لي وله‬ ‫تعمد اإلقالل من قيمتي‬ ‫مكانتنا وهيبتنا‪ّ ،‬‬ ‫مبلغا َمال ًِّيا ضئي ًال كمكافأة لمن يعيدني‬ ‫بعرضه ً‬ ‫معتقدا أن أية زيادة في عرضه ستدفع‬ ‫إليه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عائلة نعمة للظن بأن قلبه يدمي حز ًنا لغيابي‪،‬‬ ‫فيغنمون الفرصة للنيل منه‪ ،‬وأنه بإعالنه‬ ‫المشؤوم سيكسِ ر حدة غضبهم وعدائهم‪ ،‬وبالتالي‬ ‫خفض سقف مطالبهم أثناء جلسة القضاء العرفي‬ ‫التي سارعت أطراف محايدة باتخاذ التدابير‬ ‫تصرف أشعرني‬ ‫الالزمة لعقدها بين الطرفين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫باإلهانة وحط من شأني في القبيلة‪ ،‬فزادت‬ ‫قناعتي بضرورة مغادرتها ن َِهائ ًِّيا‪.‬‬ ‫منذ أن غادر نور ربوع القبيلة انقطعت إخباره‬ ‫لدرجة كانت كافية لدفع الجميع عدا أمه نحو‬ ‫االعتقاد في استحالة عودته‪ ،‬لذا ما أن وصل منه‬ ‫خطاب يطمئنهم فيه على أحواله حتى أطلقت‬ ‫زغرودة‪ ،‬اقتطعتها من قلبها‪ ،‬وأثارت بداخل أبيه‬ ‫مشاعر متناقضة‪ ،‬فهو لم‬ ‫ينس بعد فعلة ابنة المشينة التي هزت صورته‬ ‫كشيخ عشيرة‪.‬‬ ‫لكن ماذا عساه فاعل اآلن بطلب ابنه الغريب‪،‬‬ ‫استمرارا في‬ ‫هل يلبي له مطلبه‪ ،‬أم يرفضه‬ ‫ً‬ ‫عقابه؟ ‪.‬‬ ‫وألن وجه المرأة في عرف البادية عورة‪ ،‬وال‬ ‫يصح كشفه على رجل غريب مثل المص ّور‬ ‫صباحا من المدينة لكي‬ ‫غدا‬ ‫الذي سوف يجيء ً‬ ‫ً‬

‫يلتقط لهم صورة عائلية‪ ،‬تلبية لرغبة ابنه القابع‬ ‫في غربته‪ ،‬قضى الرجل ليلته يبحث عن حل‬ ‫مناسب لمشكلة ظهور وجه زوجته في الصورة!‬ ‫أضحى فريسة سهلة لنهش مخاوف دفعت به‬ ‫في بداية األمر للشك في نزاهة المص ّور‪ ،‬فمن‬ ‫يضمن له إذا ما وافق على ظهور وجه زوجته في‬ ‫الصورة مكشو ًفا‪ ،‬أال يعطى المص ّور لنفسه الحق‬ ‫في االحتفاظ بنسخة أخرى منها‪ ،‬يمارس في‬ ‫خلواته متعة الفرجة عليه‪ ،‬وربما دعا أصدقاءه‬ ‫لمشاركته تلك الوليمة! ‪.‬‬ ‫أ ّنبه ضميره‪ ،‬فربما أساء الظن بالمص ّور‪ ،‬هدأت‬ ‫هواجسه بعض الوقت ‪ ،‬لكنها ما لبثت أن عادت‬ ‫جدية رجال‬ ‫تعصف برأسه ثانية حول مدى‬ ‫ّ‬ ‫البريد في التعامل مع الخطاب الذي سيرسله‬ ‫البنه وبداخله صورتهم العائلية‪ ،‬فربما أهملوه‪،‬‬ ‫وربما لسوء حظه تعذر لسبب ما وصوله إىل ابنه‪،‬‬ ‫وتمعن في‬ ‫ووقع الخطاب في يد رجل غريب آخر‪ّ ،‬‬ ‫وجه زوجته!‬ ‫قبل مجيء المص ّور دعا أسرته إىل اجتماع‬ ‫عاجل لمناقشة تلك اإلشكالية التي أرقت منامه‪.‬‬ ‫وألنه هو فقط من له حق إصدار القرار سمح‬ ‫لزوجته كحل وسط في نهاية االجتماع أن تكشف‬ ‫من وجهها حتى أسفل أنفها! ‪.‬‬ ‫رهبة أم نور المفرطة من الكاميرا‪ ،‬وحرصها‬ ‫الزائد في الحفاظ على‬ ‫وضع طرحتها حسب الحدود المسموح بها‪ ،‬زادا‬ ‫من ارتباكها‪ ،‬لذا ما أن فاجأها المص ّور الواقف خلف‬ ‫طالبا منها الوقوف ثابتة حتى ارتجفت‬ ‫الكاميرا ً‬ ‫يدها‪ ،‬فانسابت الطرحة كاشفة عن كامل وجهها‪.‬‬ ‫في تلك اللحظة لمع ضوء الكاميرا‪ ،‬فظهرت‬ ‫في اللقطة بعين نصف مفتوحة‪ ،‬وشفتين‬ ‫مذمومتين‪ ،‬وبدت للناظر كما لو كانت تبعث إىل‬ ‫بقبلة‪.‬‬ ‫المص ّور ُ‬ ‫فعكر عليها صفو‬ ‫ُقبلة أثارت جنون زوجها ّ‬ ‫حياتها‪ ،‬ودفع بالمص ّور للتفكير في التخلي عن‬ ‫مهنته‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫من مظاهر األسلوب يف ديوان (نحت يف الدخان) لـلشاعر يحيى احلمادي‬ ‫(التغريبة اليمنية ‪ -‬أمنوذجا)‬

‫محمد الشرعبي‬

‫ال يشـك دارس للأدب اليمنـي الحديـث فـي مكانـة‬ ‫الشـاعر يحيـى الحمادي األدبية‪ ،‬فهـو يعد في طليعة‬ ‫شـعراء اليمـن ومبرزيهـا‪ ،‬فتجربتـه الشـعرية تخطـت‬ ‫مرحلـة المحـاكاة والتقليـد إلـى مرحلـة أخـرى تتسـم‬ ‫باإلبـداع والتجديـد فـي الشـكل والداللـة اللغويـة‬ ‫للصـوت والصـورة والمعجـم وتقنيـات التركيـب فـي‬ ‫أثنـاء بنائـه للجملـة والقصيـدة سـواء بسـواء‪ ،‬ممـا‬ ‫أكسـب القصيـدة الحماديـة خصائـص أسـلوبية آسـرة‬ ‫تـكاد تكـون حصريـة عليـه دون سـائر الشـعراء فـي‬ ‫عصـور الشـعر العربيـة وأمصارهـا‪.‬‬

‫ولعل القارئ الحصيف تستوقفه تلك الهندسة‬ ‫العجيبة في القصيدة الحمادية ليسأل نفسه عن‬ ‫البنى األسلوبية الماتعة التي تميزها عن غيرها‬ ‫وتثير فيه مكامن اإلبداع والدهشة‪.‬‬ ‫فماذا عن آليات شاعرنا البنائية؟‬ ‫وماهي وسائله في تحفيز المتلقي واستثارته؟‬ ‫وما مظاهر تلك السمات ومضانها في ديوانه‬ ‫(نحت في الدخان)‪.‬‬ ‫قبل مقاربة اإلجابات عن تلك األسئلة وغيرها‬ ‫أود في البداية أن أشير إىل بعض المفاهيم‬ ‫األسلوبية‪ ،‬والمنطلقات النقدية التي سأتناول‬ ‫بموجبها عينة من تلك النصوص المتناثرة بين‬ ‫دفتي الديوان‪.‬‬ ‫فهذه السطور كتبتها مندفعا إثر فراغي من‬ ‫قراءة ديوانه (نحت في الدخان) بعد أن تكرم‬ ‫الشاعر بإهدائي منه نسخة الكترونية‪ ،‬وال أدعي‬ ‫هنا بأني قد أزحت النقاب عن كل الخصائص‬ ‫الفنية واألسلوبية المكتنزة في تلك السيمفونية‪،‬‬ ‫فكل ما قمت به هو التطرق إىل تجليات الشكل‬ ‫وبعض المحفزات الصوتية فيها‪ ،‬واالكتفاء بها‬ ‫كعينة من ديوانه‪.‬‬ ‫فما قمت به يمكن عده محاولة جريئة من‬ ‫قارئ مندفع أحب الخوض في عراك الكلمات‬ ‫على أمل أن ال تخونه متطلبات العمل النقدي‬ ‫ومقتضياته‪ ،‬فالقصائد الغراء ال تميط لثامها لكل‬ ‫خاطب حاول استكشافها‪ ،‬وال تبرز جمالها لكل‬

‫‪30‬‬

‫متطفل طارئ لم يسبق له أن امتهن النقد‪ ،‬أو‬ ‫مارسه دراسة وتدريسا‪.‬‬ ‫أما بخصوص الفلسفة النقدية التي سأعتمدها‬ ‫في أثناء تحرشي بتلك القصيدة ومقاطعها‪،‬‬ ‫فستمثل نظرية التلقي نقطة االرتكاز التي‬ ‫سأنطلق منها إىل الشكل والمستوى الصوتي؛‬ ‫ألن النقد من وجهة نظري تلقي أوال وأخيرا‪،‬‬ ‫وال يستطيع أي ناقد – من وجهة نظري ‪ -‬أن‬ ‫يدعي علمية المناهج النقدية المختلفة‪ ،‬والزعم‬ ‫بإعطائها نتائج متطابقة عند استخدامها من‬ ‫ناقدين مختلفين‪ ،‬وهذا ال يعني بأني سأهمل‬ ‫المفاهيم األسلوبية المتداولة عند النقاد بقدر ما‬ ‫أود التحرر من القيود الشكلية التي ال اومن بها في‬ ‫قرارة نفسي المختلفة عن اآلخر‪ ،‬فكما أنه لكل‬ ‫شاعر أسلوبه فلكل ناقد أسلوبه أيضا‪.‬‬ ‫تصطدم األفكار ببعضها فتتشظى إىل مفاهيم‬ ‫متداخلة‪ ،‬وتتموج لتعطي أشكاال أخرى تتقاطع‬ ‫مع المألوف وتفترق‪ ،‬وتستمر والدة االفكار من‬ ‫أرحام أمهاتها إىل ما النهاية‪ ،‬فتلمع فكرة وتخفت‬ ‫أخرى‪ ،‬فيصبح الجديد قديما وما بعده جديدا‪،‬‬ ‫وما يلبث حتى يصبح قديما وهكذا دواليك‪ ،‬لكن‬ ‫تبقى محددات األسلوب ثابتة كونها محل إجماع‬ ‫عند الباحثين‪ ،‬فضال عن كونها نتيجة لمقدمة‬ ‫منطقية‪ ،‬وعملية رياضية تتوافق مع ميكانيكية‬ ‫العقل البشري؛ فاالختيار واالنزياح والتأليف‬ ‫واإلضافة جميعها محددات ثابتة لتمييز األسلوب‬

‫وال يمكن اخراج واحد منها على األقل إن لم‬ ‫يكن اإلضافة إليها؛ لذا سأعدها أهدافا مشروعة‪،‬‬ ‫وسأعمل على تتبعها بشكل غير منتظم‪ ،‬حسب‬ ‫ما تهوى النفس‪ ،‬ويسمح به الوقت‪ ،‬إال ما جاء اتفاقا‬ ‫من غير تكلف‪ ،‬وال إمعان نظر‪ ،‬وبذل جهد‪ ،‬فقد‬ ‫أسلفت أن هذه السطور لم تكن دراسة علمية‪ ،‬وال‬ ‫تخضع لشروط ومواصفات محددة‪ ،‬بقدر ما هي‬ ‫قراءة سريعة‪ ،‬تهدف إىل رصد االنطباعات التي‬ ‫نحتتها تلك القصائد على جدران القلب نحتا ال‬ ‫يشبه نحت الشاعر على الدخان‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬هندسة الشكل‪:‬‬ ‫تتقاطع القصيدة الحمادية شكال مع المألوف‬ ‫وتفترق عنه أحيانا أخرى‪ ،‬فهي تتجلى بأوجه‬ ‫مختلفة‪ ،‬يمثل الشكل العمودي بال شك أبرز‬ ‫تجلياتها‪ ،‬فضال عن قصيدة النثر والتفعيلة‪،‬‬ ‫وأخريات ال أعرف لها أسماء حاضرة في المصطلح‬ ‫النقدي‪ ،‬فهي تحرص على إحداث تناغم شكلي‬ ‫للقصيدة على مسافات متقاييسة تضفي على‬ ‫النص لمسات آسرة لعين القارئ‪ ،‬فهناك انتهاك‬ ‫ألشكال البحور الشعرية وتفعيالتها وحروف‬ ‫العربية وعالمات الترقيم وإظهارها بترتيب‬ ‫خاص‪ ،‬في أماكن خاصة‪ ،‬تكسبها داللة لغوية‪،‬‬ ‫وإيحاءات شعورية‪ ،‬تعمق األثر في نفس المتلقي‪،‬‬ ‫وتوغل في إمتاعه‪.‬‬ ‫ففي قصيدته التي صدر بها ديوانه بعنوان‬ ‫«التغريبة اليمنية» يتجلى إبداع الشكل‪ ،‬وسحر‬


‫فبراير ‪ 2021 -‬م‬

‫الهندسة البنائية للقصيدة‪ ،‬وأسلوب البناء‬ ‫الحمادي اآلسر‪.‬‬ ‫وولدت يوم ولدت مبتسما‪ ،‬وبي وجع وجوعُ‬ ‫وعلمت أو ُعلِّمت كيف يضيع من أثري‬ ‫الرجوع‬ ‫وورثت هذا الليل يرحل بي‪ ،‬وصبيته هجوع‬ ‫يل‬ ‫َال‪ ،‬ومن ُيقِ ُ‬ ‫أنا من ُيقِ ُّل‪ ،‬ومن ُيق َُّل‪ ،‬ومن ُيق ُ‬ ‫إلي‬ ‫وأنا المسافر في الظالم َّ‬ ‫أحمل موطني وأسير‪..‬‬ ‫ليس معي دليل‪،‬‬ ‫واألرض دائرة علي اآلن‬ ‫لي وطنان‬ ‫لي زمنان‬ ‫لي قلق‬ ‫ولي قلق بديل‪.‬‬ ‫أين الطريق إىل النهاية؟!‬ ‫أقتفي أثري‪..‬‬ ‫وأسقط‬ ‫ثم انهض‬ ‫ثم‬ ‫أ‬ ‫س‬ ‫ق‬ ‫ط‬ ‫ثم يتركني الخليل‪،‬‬ ‫سفر كعادته طويل‬ ‫أين النهاية يا طريق‪ ،‬الليل يوشك أن َي ِجن‬ ‫وأن ُي َج َّن‬ ‫وليس ينقصني التخبط‬ ‫ليس ينقصني العويل‬ ‫الليل مثل ذاهب آت‬ ‫وآت ذاهب‬ ‫يدري‬ ‫وال أدري لماذا ال أنام وال أقيل!‬ ‫يا ليل ثمة نجمة جنحت فغص بي الحنين‬ ‫يا ماء ثمة غيمة جرحت فأضماني اآلنين‬ ‫يا ريح ثمة نغمة كبحت فمولني الرنين‬ ‫سقطت يدي يا ريح ‪..‬‬ ‫أين أنا؟!‬ ‫أين أنا؟!‬ ‫وأصمت‪..‬‬ ‫وأعترك الجمر حول دخانه صخب‬ ‫وبي قلق ثقيل‬ ‫ويد تميل معي لترفع أختها‬ ‫وعلي تسقط من تميل‪،‬‬

‫والخوف منفتح‬ ‫يشير إىل الدروب‬ ‫إىل الغيوب‪..‬‬ ‫إىل األحبة في السماء‪..‬‬ ‫إىل السماء‪..‬‬ ‫وال يحيل‪،‬‬ ‫سفر كعادته طويل‬ ‫فهذه السمفونية المعنونة بـ « التغريبة اليمينة»‬ ‫تعكس بوضوح االنزياح الشكلي للقصيدة‬ ‫الحمادية‪ ،‬واالنتهاكات المستحدثة التي تعمدها‬ ‫الشاعر استجابة إلحساسه بالسفر الطويل‪ ،‬ذلك‬ ‫السفر الذي يخوضه اليمني وال يكاد يصل إىل‬ ‫مبتغاه‪ ،‬فهي تغريبة مستمرة لصيقة به من‬ ‫طفولته ال تكاد تفارقه أينما حل وارتحل‪ ،‬تغريبة‬ ‫ورثها اليمني عن أبائه وهو في طريقه ليورثها‬ ‫أبنائه‪ ،‬فهي قدر اليمني في نظر الشاعر وهو أحد‬ ‫أولئك المعنيين‪.‬‬ ‫وفي قوله‪:‬‬ ‫وأسقط‬ ‫ثم أنهض‬ ‫ثم‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ق‬ ‫ط‬

‫فتساقط الحروف وإبرازها على هذا النحو‬ ‫كمن يصبها صبا‪ ،‬تكشف هول السقوط وتبعثر‬ ‫الجسد المفكك من طول سفره‪ ،‬ووحشة تغريبته‬ ‫القديمة الحديثة‪.‬‬ ‫ومن المالحظ أيضا أن الشاعر يبتدئ قصيدته‬ ‫بشكل أفقي ثم يعدل عنه إىل الضد منه ثم‬ ‫يعود إليه مرة أخرى‪ ،‬ويستمر على المنوال نفسه‬ ‫إىل آخر القصيدة‪ ،‬حيث يتخذ الشكل مالمحا‬ ‫متسقة من البداية وحتى النهاية‪.‬‬ ‫فاإليقاع الشكلي لم يكن مهمال في بال الشاعر‬ ‫واهتماماته‪ ،‬فهو يعد أحد أسلحته في الهجوم على‬ ‫المتلقي‪ ،‬واالجهاز عليه بمختلف الوسائل المتاحة‪،‬‬ ‫والولوج إىل داخله من حواسه كلها ال يستثنى منها‬ ‫البصر أيضا‪ ،‬وبهذه الحيلة يسقط القارئ فريسة‬ ‫مضمونه‪ ،‬وصيدا سهال في يد الشاعر ليعيد‬ ‫تشكيله كما يشكل قصيدته بال رفق‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الصوت‪:‬‬ ‫يعد نظام األصوات من أهم عناصر البنية‬ ‫اللغوية في عمليات التواصل اليومية‪ ،‬وال شك‬ ‫أنه يزداد أهمية في ميادين اإلبداع االدبية‪ ،‬إذ‬ ‫أنه يعمل على إحداث الدهشة وإطراب السامع‬ ‫وجذبه إىل أعماق النص بقصد االستيالء على‬ ‫مشاعره‪ ،‬ومن ثم العمل على تحقيق األهداف‬ ‫المرجوة للشاعر وإبداعاته‪ ،‬لذا فإن دراسته تعد‬ ‫مدخال ضروريا للبحث عن الكنوز المتوارية خلف‬ ‫الشكل واستكشافها‪ ،‬والوقوف على خصائصها‬ ‫الفنية التي أكسبتها قوة الحضور في النصوص‬ ‫الشعرية المختلفة‪.‬‬ ‫لكن لماذا كان الحديث هنا عن الصوت ولم يكن‬ ‫عن اإليقاع؟‬ ‫هنا كان ال بد من اإلشارة إىل أن ذلك يرجع إىل‬ ‫مفهوم اإليقاع المتمثل بإحداث تناغم على‬ ‫مسافات متقاييسة‪ ،‬وهذا بدوره يفوت فرصة‬ ‫الوقوف على األصوات غير المنتظمة التي تسهم‬ ‫في رفد النصوص بعوامل القوة والتأثير أيضا‪،‬‬ ‫فالنص من الناحية الصوتية ال يكتسب جماله‬ ‫من اإليقاع وحسب‪ ،‬فهناك عوامل صوتية أخرى‬ ‫تشاركه صناعة ذلك الجمال وإبرازه‪ ،‬فهو في‬ ‫النصوص الشعرية يكاد يقتصر على انتظام‬ ‫الحركة والسكون المكونة للتفعيالت التي تتناوب‬ ‫لتكون ما يسمى بالبحر الشعري فضال عن تكرار‬ ‫أصوات بعينها في مواقع متوقعة كما هو الحال‬ ‫في القافية‪.‬‬ ‫فاإليقاع إذن يشترط االنتظام والتقييس‬ ‫كسمات تميزه عن غيره‪ ،‬وهذا بدوره ال يلبي‬

‫‪31‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫رغبة في النفس بعثتها عوامل كثيرة‪ ،‬أبرزها‬ ‫الذوق والجدوى فضال عن خصوصية األساليب‬ ‫النقدية التي تختلف باختالف زوايا النظر والحالة‬ ‫الشعورية التي تكتنف الناقد وغيرها من العوامل‬ ‫التي تعمق الخصوصية وتجليها‪.‬‬ ‫وهذا ال يعني بأني سأتجاوز اإليقاع الصوتي‬ ‫المتمثل بالوزن والقافية ‪ ،‬فهو بال شك يندرج في‬ ‫إطار الصوت‪ ،‬فكل إيقاع هنا يعد صوتا والضد غير‬ ‫صحيح‪.‬‬ ‫لكن ماذا عن تجليات الصوت في «التغريبة‬ ‫اليمنية»؟‬ ‫وما أبرز تلك المثيرات الصوتية؟‬ ‫وكيف أسهمت في عضد المعنى للوصول به إىل‬ ‫أعماق المتلقي والتأثير فيه؟‬ ‫نظم الشاعر تغريبته على مجزوء بحر الكامل‬ ‫المرفل‪ ،‬وهو أحد البحور الخليلية األكثر شيوعا‬ ‫بين الشعراء ال سيما القدامى منهم‪ ،‬يتميز بكثرة‬ ‫حركاته المتالحقة‪ ،‬التي تبلغ الثالثين حركة‬ ‫تقريبا في شكله التام‪ ،‬وهذه الخصوصية تجعله‬ ‫أكثر صالحية لألغراض الشعرية الجادة التي‬ ‫تتطلب نفسا طويال يصب فيه الشاعر آماله وآالمه‪.‬‬ ‫وولدت يوم ولدت مبتسما‪ ،‬وبي وجع وجو ُع‬ ‫وعلمت أو ُع ِّلمت كيف يضيع من أثري الرجوع‬ ‫وورثت هذا الليل يرحل بي‪ ،‬وصبيته هجوع‬ ‫يل‬ ‫ال‪ ،‬ومن ُيقِ ُ‬ ‫أنا من ُيقِ ُّل‪ ،‬ومن ُي َق ُّل‪ ،‬ومن ُي َق ُ‬ ‫فالحمادي في هذه القصيدة وفي كثير من‬ ‫قصائده يلجأ إىل تدوير األبيات الشعرية كاستجابة‬ ‫منه لنفسه العميق‪ ،‬وهو من حيث يدري وال يدري‬ ‫يكون قد أكسبها موسيقا تخلب األلباب‪ ،‬وتأسر‬ ‫القلوب‪.‬‬ ‫ويستمر في قصيدته‪:‬‬ ‫واألرض دائرة علي اآلن‬ ‫لي وطنان‬ ‫لي زمنان‬ ‫لي قلق‬ ‫ولي قلق بديل‪.‬‬ ‫فهو هنا لم يلتزم بعدد التفعيالت لبحر الكامل‬ ‫بشقيه المجزوء أو والتام‪ ،‬وإنما منح نفسه الحرية‬ ‫الكاملة في اختيار العدد مع المحافظة على‬ ‫مكونات التفعيلة وأسلوب التدوير الذي أكسب‬ ‫القصيدة صورا بديعة من صور التالحم الكلية‬ ‫بين وحداتها الصوتية‪ ،‬فضال عن إيصالنا إىل‬ ‫مرحلة اإلشباع الموسيقي نهاية كل مقطع‬ ‫بصورة تنمي عن إبداع حقيقي غير متكلف‪،‬‬ ‫ففي أثناء قراءتنا لجميع تلك المقاطع نشعر‬

‫‪32‬‬

‫بالذهاب مع الناص إىل آفاق بعيدة ثم تدور بنا‬ ‫األصوات وتدور ثم تدور هنا وهناك حتى تعود‬ ‫بنا إىل حيثما ابتدأنا متخذة شكال لولبيا يبعث‬ ‫في النفس الراحة‪ ،‬ويدفعها للتخلص من األدران‬ ‫العالقة بها من كر الليل والنهار‪.‬‬ ‫ففي الشعر تطهير للنفس مما يمسك بها من‬ ‫أمراض جراء ضغوط الحياة اليومية‪ ،‬فيحولها من‬ ‫جديد إىل نفس جديدة تنبض بالحيوية والنشاط‪،‬‬ ‫وهذا ما يتجلى بوضوح في سيمفونية «التغريبة‬ ‫اليمنية»‪.‬‬ ‫داللة االصوات‪:‬‬ ‫لن أتطرق هنا للقافية وأساليب التكرار والترجيع‬ ‫والتصدير والتصريع وما إىل ذلك مما ينتشر في‬ ‫الدراسات األسلوبية للنصوص الشعرية‪ ،‬فقد‬ ‫أسلفت أن وضحت أن ما أكتبه ال يتعدى مجرد‬ ‫انطباعات عابرة‪ ،‬فضال عن معرفة القراء لكثير‬ ‫مما يتداول في علم البديع من محسنات بديعية‪،‬‬ ‫فهي في الغالب واضحة على سطح البنيتين‬ ‫الثابتتين وال تحتاج إىل إعمال نظر وكد ذهن‪ ،‬أو‬ ‫يمكنك القول بأنها ال تكتسب أولوية في عقليتي‬ ‫النقدية على األقل على الرغم من أهميتها‪.‬‬ ‫سأحاول هنا ان أقسم األصوات إىل وحدات‬ ‫صوتية صغيرة ألقف على مواصفات كل صوت‬ ‫وصفاته‪ ،‬متسلحا بجهود علماء اللسانيات في‬ ‫مجال صفات الحروف العربية ومقارنتها بغيرها‬ ‫بنص خارجي قيل في مقام مختلف عن مقام‬ ‫التغريبة ألكتشف قدرات الشاعر العاطفية ومدى‬ ‫اختالطه في نصوصه وتماهيه معها‪.‬‬ ‫ففي قوله‪:‬‬ ‫يا ليل ثمة نجمة جنحت فغص بي الحنين‬ ‫يا ماء ثمة غيمة جرحت فأضماني اآلنين‬ ‫يا ريح ثمة نغمة كبحت فمولني الرنين‬ ‫في البداية أود أن أشير إىل وجود خالف بين‬ ‫العلماء حول داللة األصوات في المفردة والنص‪،‬‬ ‫وأذهب في قناعاتي الشخصية إىل وجود تلك‬ ‫العالقة في كثير من مفردات اللغة العربية‪،‬‬ ‫فاللسان العربي حاول كثيرا من حيث يدري وال‬ ‫يدري أن يمثل المعنى في األصوات المختلفة‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق عمدت إىل اقتطاف طاقة زهر‬ ‫من سيمفونية» التغريبة اليمنية» ألقوم بعملية‬ ‫إحصائية لكل أصواتها على أمل أن أحصر صفات‬ ‫كل حرف منها وتقييمه من حيث القوة والضعف؛‬ ‫ألرى ما إذا كان الشاعر متماهيا مع نصوصه كما‬ ‫أسلفت أم ال‪.‬‬ ‫فمن نتائج الفرز يتبين لنا أن المقطع يحتوي‬

‫على‪41‬حرفا ضعيفا‪ ،‬و‪30‬حرفا متوسطا‪ ،‬و‪11‬حرفا‬ ‫قويا‬ ‫ولو أعدنا النظر في هذه األرقام سيتبين لنا‬ ‫بوضوح وفرة األصوات الضعيفة في المقطع‬ ‫بشكل الفت‪ ،‬وهو ما يدل على انسجام الشاعر‬ ‫مع ما يكتبه‪ ،‬فهي عاطفة جياشة يتفاعل معها‪،‬‬ ‫فيحولها إىل نصوص مكتوبة تعكس فيها حالته‬ ‫الشعورية بكل تفاصيلها المختلفة‪.‬‬ ‫وال شك أن األجواء التي ينقلنا إليها هذا المقطع‬ ‫مفعمة بالحرقة والحزن واأللم والحنين واألنين‪،‬‬ ‫وهو ما يتناسب طرديا مع الحضور الطاغي‬ ‫للصفات الضعيفة‪ ،‬فلغة االرقام ال تحابي أحدا‪،‬‬ ‫فهنا تجل إبداع صوتي ساحر متناغم مع المعنى‬ ‫والحالة الشعورة للشاعر والمتلقي معا‪.‬‬ ‫لكن في المقابل ماذا لو كانت الصفات الضعيفة‬ ‫حاضرة بهذه القوة في الكالم العربي كله‪ ،‬ففي‬ ‫هذه الحالة ال معنى لهذا االستنتاج الذي لم يثبت‬ ‫جديدا‪.‬‬ ‫وللتأكد من صحة ما ذهبت إليه عمدت إىل‬ ‫تحليل مقطع مماثل من قصيدة عمرو بن معد‬ ‫يكرب الزبيدي‪ ،‬فهو اآلخر كتبها على البحر نفسه‬ ‫مع اختالف المقام أو قل الغرض الشعري‪.‬‬ ‫ليس الجمال بمئزر‬ ‫اعلم وإن رديت بردا‬ ‫إن الجمال معادن‬ ‫ومناقب اورثن مجدا‬ ‫أعددت للحدثان سا‬ ‫بغة وعداء علندى‬ ‫ففي هذا المقطع يتبين لنا بعد عملية‬ ‫اإلحصاء أن عدد الحروف القوية بلغت ‪20‬حرفا‪،‬‬ ‫بينما بلغت الضعيفة منها‪27‬حرفا‪ ،‬والمتوسطة‬ ‫‪25‬حرفا‪.‬‬ ‫فنتائج التحليل هنا تؤيد هي األخرى بقوة ما‬ ‫ذهبت إليه في أثناء تحليلي لمقطع الحمادي‬ ‫السابق ذكره‪.‬‬ ‫وال شك أن ديوانه المعنون بـ « نحت في‬ ‫الدخان» مليء بالمثيرات األسلوبية الصوتية منها‬ ‫والتركيبية والتصويرية ‪ ،‬وال أكذبكم حديثا إن‬ ‫قلت بأني بعد أن فرغت من قراءة ذلك الديوان‬ ‫عقدت النية على تقديم أسلوبه للقراء كامال‪،‬‬ ‫وكعادة اإلنسان يبدأ مندفعا ثم يتراخى قليال‬ ‫قليال كتراخيي من قراءته كامال إىل االكتفاء منه‬ ‫بقصيدة واحدة ومن ثم بمقطع واحد كتبت‬ ‫عنه قطرة من بحر كان يجب علي كتابته ‪،‬‬ ‫ولكنه جهد المقل في الظروف العصيبة‪.‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫لوحات للفنانة التشكيلية اليمنية‪/‬‬ ‫رحاب عبده الزبيري‬

‫ُن َواح‪ ‬‬ ‫حسني مقبل‬ ‫األحابيل ‪،‬‬ ‫هناك الكثير من‬ ‫ِ‬ ‫الفرائس في‬ ‫من‬ ‫وأنا ضمن َأ ْق َوام‬ ‫َ‬ ‫هذه الغابة الشاسعة ‪،‬‬ ‫المهرة‬ ‫الصيادين‬ ‫حولي الكثير من‬ ‫َ‬ ‫يحملون الكثير من ال ِرماح‪...‬‬ ‫تلقى جسدي الناحل هذا الكثير‬ ‫منها ‪ ،‬‬ ‫إيالما‪ ‬‬ ‫ولكن أشدها ً‬ ‫تلك التي رأيتها تثقب قلب وطني‪.‬‬ ‫الحزن‪ ‬‬ ‫ُ‬ ‫عائِد مجزي لهذا الشوق‪،‬‬ ‫الشوق‪ ‬‬ ‫ُمكافأة الليل السخي لنا‬ ‫لقاء منادمته السخيفة ‪ ،‬‬ ‫الليل مجموعة َج ْوقات‪ ‬‬ ‫ترقص على غُ َصصنا المتسلسلة‬ ‫الممتدة حتى نهاية األمل‪.‬‬ ‫على الرصيف إمرأة تتسول‬ ‫ولها ظل في كل زاوية من الشارع‪ ‬‬ ‫ظلها منتشر في كل شوارع المدينة‬ ‫‪.‬‬ ‫تعود إىل أطفالها‪ ‬غالب ًا بال شيء ‪...‬‬ ‫صغارها ه ِزيلون و َمن ُهوكون‪ ‬‬ ‫أجزاء من عظام ُطحنت قبل أن‬ ‫تقوى‪ ،‬‬ ‫صراخهم الهزيل‪ ‬‬ ‫هو كل ما تبقى منهم ‪ ...‬‬ ‫باق‪ ‬‬ ‫صراخهم ٍ‬ ‫ليرشد األم إىل أماكنهم ‪.‬‬ ‫الحرب‬ ‫تأكل كل شيء ينتمي بحياةٍ إىل تلك‬ ‫األرض ‪،‬‬

‫تقتات أمنية الحالمين ‪،‬‬ ‫الطرق المؤدية إىل‬ ‫تذبح اعناق ُ‬ ‫الضوء ‪،‬‬ ‫تلدغ أي يد‪ ‬‬ ‫يد تمتد محاولة وضع حد لها ‪،‬‬ ‫أي ٍ‬ ‫تبسط نفوذها على كل شيء األن‬ ‫وال شيء خارج سيطرتها ‪...‬‬ ‫الحرب‪ ‬‬ ‫ظاهرة ال شيء يفوقها بشاعة‪،‬‬ ‫لكنها أكثر بشاعة‪ ‬‬ ‫حين تجد عقول خاوية تسكنها‬ ‫هنا تنتقل من طورها كظاهرة‪ ‬‬ ‫إىل فكرة‪،‬‬ ‫( والفكرة ال تموت )‬ ‫تقول الشجرة لألرض ‪:‬‬ ‫ما طعم الدم ؟‬ ‫بقهر بالغ‪ ،‬‬ ‫ طأطأة رأسها ٍ‬‫ثم قالت‪ :‬‬ ‫لم يبق مني شيء‪ ‬‬ ‫هذه األرواح لي ‪،‬‬ ‫في‪ ،‬‬ ‫هي ثمرة الحياة َّ‬ ‫محصول الزمان في كبدي‪.‬‬ ‫ثروتي التي تُهدر بسخا ٍء لعين ‪...‬‬ ‫ينال مني الموت ويزهقني كل‬ ‫ثانية ‪،‬‬ ‫و مع كل قطرة دم تسقط على‬ ‫جسدي‬ ‫تتقلص المسافة بيني وبين الفناء ‪،‬‬ ‫الدم ال طعم له‪ ‬‬ ‫الدم ال طعم‪ ‬‬ ‫الدم ال‬ ‫الدم‬

‫‪33‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫هاملتون ‪Hamilton‬‬

‫ميسون أبو احلب‬ ‫أكادميية عراقية‬

‫يعتمد الفيلم على ما يعتبره كثيرون‬ ‫أفضل عمل مسرحي غنائي ُأنتج حتى‬ ‫اآلن ويحمل العنوان نفسه‪.‬‬ ‫ترشحت املسرحية األصلية لست عشرة‬ ‫جائزة توني وفازت بإحدى عشرة واحدة‬ ‫وهو رقم قياسي لم يسجل منذ تأسيس‬ ‫اجلائزة اخملصصة لألعمال املسرحية‬ ‫املميزة يف عام ‪.1947‬‬

‫حول توماس كايل ‪ Tomas Kail‬هذا العمل إىل فيلم تم تصويره على مدى ثالثة‬ ‫َّ‬ ‫أيام تقريبا في عام ‪ 2016‬خالل أداء حي للمثلين األصليين على المسرح باستخدام‬ ‫‪ 30‬كاميرا وضعت في أماكن عديدة لتلتقط اللقطات الضرورية‪ .‬وكان من المفترض‬ ‫أن يعرض في العام المقبل ولكن جائحة كورونا دفعت المعنيين إىل عرضه رقميا في‬ ‫حزيران‪/‬يونيو ‪.2020‬‬ ‫ُعرضت المسرحية ألول مرة في عام ‪ 2015‬في مسرح صغير في نيويورك ثم انتهت‬ ‫إىل مسرح برودواي بعد النجاح الذي حققته‪.‬‬ ‫يقف وراء هذا العمل الذي يعتبر البعض أنه تفوق على رائعة فكتور هوجو «البؤساء»‪،‬‬ ‫لين مانويل ميراندا ‪ Lin-Manuel Miranda‬الذي كتبه ووضع موسيقاه وأخرجه كما‬ ‫أدى دور الشخصية الرئيسية فيه أي الكسندر هاملتون‪.‬‬ ‫وهاملتون واحد من اآلباء المؤسسين للواليات المتحدة جاءها مهاجرا معدما ويتيما‬ ‫من الكاريبي ليصبح الذراع اليمنى ألول رئيس أميركي وهو جورج واشنطن وليكون‬ ‫أيضا أول وزير خزانة في تاريخ البالد وقد ترك وراءه نظاما ماليا واقتصاديا أثبت‬ ‫جدواه على مر العقود‪.‬‬ ‫قد تبدو القصة تاريخية وجافة ولكنها ليست كذلك‪ ،‬ليس بالطريقة التي ُعرضت‬ ‫بها بأداء الممثلين الفذ وبكلماتها وموسيقاها التي تجمع بين الهيب هوب ‪Hip Hop‬‬ ‫والريذم والبلوز ‪ R&B‬وموسيقى البوب ‪ Pop Music‬ثم موسيقى الجاز ‪.Jazz Music‬‬ ‫ويقول ميراندا إنه كان يمضي عطلة في مكسيكو في عام ‪ 2009‬عندما اطلع على‬ ‫سيرة حياة هاملتون من تأليف رون تشيرنو ‪ Ron Chernow‬فبدأت تتشكل في‬ ‫ذهنه كمسرحية غنائية‪ .‬ويقول أيضا إن نجاح العمل متأت من بساطة جميع عناصر‬ ‫كلمات وموسيقى وألحانا وأداءا وتوزيع أدوار ‪ ..‬ألخ‪.‬‬ ‫تكوينه‬ ‫ٍ‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬يقول ميراندا إنه احتاج عاما كامال لكتابة أول اغنية في هاملتون‪ ،‬ثم‬ ‫سنة أخرى لكتابة الثانية‪ .‬ثم بدأ يعمل على مشروعه بشكل متواصل اعتبارا من‬ ‫عام ‪ 2011‬ليعرضه ألول مرة في كانون الثاني‪/‬يناير ‪ 2015‬وكان طوال تلك الفترة‬ ‫يتشبع بكل ما له عالقة بهاملتون حيث قرأ الكثير عنه وزار المواقع التي تم تسجيل‬ ‫وجوده فيها والمناطق التي مر بها وعاش فيها‪.‬‬ ‫ملونون‬ ‫كان كل سياسيي ذلك الزمان (الواليات المتحدة استقلت عن بريطانيا في عام‬ ‫‪ )1776‬من الجنس األبيض بالطبع وكان أغلبهم يمتلكون أعدادا من العبيد ولكن‬ ‫ميراندا اختار ممثلين من مختلف األلوان واألصول وقال إن هؤالء هم من يمثلون البلد‬ ‫اليوم وهم من صنع تاريخها‪.‬‬ ‫مما ُيذكر عن هذه المسرحية أن نائب الرئيس األميركي المنتخب مايك بينس‬ ‫ذهب لمشاهدتها بعد فوز ترامب في انتخابات عام ‪ 2016‬فقوبل بصرخات استهجان‬ ‫بسبب موقف اإلدارة الجديدة من المهاجرين‪ .‬وقال بينس في وقتها إن األمر لم‬ ‫يزعجه واعتبره دليال على الحرية‪.‬‬ ‫ولكن الرئيس ترامب سرعان ما نشر على تويتر تغريدة عبر فيها عن امتعاضه‬ ‫الشديد من هذا الموقف وطالب باعتذار‪.‬‬ ‫نذكر أيضا أن أي مسرحية عرضت على برودواي لم تحقق أكثر من ‪ 3‬ماليين دوالر‬

‫‪34‬‬

‫كحد أقصى بعد ثمانية عروض في األسبوع ولكن هذه المسرحية حققت ‪ 3.3‬مليون‬ ‫دوالر في ‪.2016‬‬ ‫غير الكثير من التقاليد الراسخة وبدأ عصرا‬ ‫أخيرا‪ ،‬يعتبر البعض أن «هاملتون» ّ‬ ‫جديدا في مجال المسرح الغنائي وهو ما أثار استغراب كثيرين بضمنهم صاحب العمل‬ ‫نفسه لين ميراندا الذي قال إن الواقع الذي عاشه معه تجاوز أكثر أحالمه جموحا‪.‬‬ ‫ميراندا حصل على جائزة بوليتزر وعلى ثالث جوائز توني وثالث جوائز غرامي‬ ‫وعلى جائزة أيمي وأخرى من مركز كنيدي في عام ‪.2018‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫ُ ُ‬ ‫غصون ـ غصون المطر‬

‫روايـة‬

‫احللقـة (‪)6‬‬ ‫أ‪ .‬علـي األميـر *‬

‫حتى الموت‪ ,‬كان يبحث له عن مكان آمن‬ ‫لطيف‪ ،‬والسماء صافية‪ ,‬وليلة تألألت نجومها‪,‬‬ ‫الجو‬ ‫ً‬ ‫عشتنا‪ ,‬وأضعه إىل‬ ‫أمام‬ ‫من‬ ‫سريري‬ ‫أسحب‬ ‫بأن‬ ‫أغرتني‬ ‫ّ‬ ‫بعيدا في فنائنا الواسع‪ .‬وجد ُته يستمع‬ ‫جوار سرير مثنى‪ً ،‬‬ ‫حشره معه داخل‬ ‫وقد‬ ‫الراديو‪،‬‬ ‫من‬ ‫ألغنية عذبة تنساب‬ ‫َ‬ ‫همسا‪ « :‬هذي أم كلثوم»؟‬ ‫سألته‬ ‫أبي‪..‬‬ ‫اللحاف خو ًفا من‬ ‫ً‬ ‫فوضع سبابته على فمه‪ « :‬أشششش‪ ،‬ال يسمعك أبي»‪..‬‬ ‫وبدأت اسمع معه‪ « :‬بعد الود اللي‬ ‫استلقيت على سريري‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫رعيته لك‪ ..‬بعد الحب اللي وهبته لك»‪ ,‬أعجبتني األغنية‪,‬‬ ‫وأعجبتني أكثر وهي تقول‪ « :‬أنا ما نسيتش الحب وعهده‬ ‫وال أيامه وال لياليه»‪.‬‬ ‫ـ مثنى‪ ..‬أعجبتني أغنية الحب هذي‪.‬‬ ‫ـ « اسمها اسأل روحك ما اسمها الحب»‪.‬‬ ‫ـ « يعني كيف أسأل روحي»؟‬ ‫ـ « راشد‪ ..‬أسئلتك ما تنتهي‪ ،‬أشا أسمع أم كلثوم وبعدين‬ ‫اسألني»‪.‬‬ ‫وفور انتهاء األغنية‪ ,‬سأل ُته عن الخفاش الذي يدخل‬ ‫عشتنا كل يوم خميس مع غروب الشمس‪ ,‬والذي قالت‬ ‫لي أمي عندما هممت برجمه‪ ,‬إنه روح أحد إخوتي‬ ‫الميتين جاء يزورنا‪ ,‬ونهتني عن رجمه‪ ,‬ألنه يريد أن يرانا‬ ‫ّ‬ ‫حل الظالم سيغادرنا‪.‬‬ ‫جميعنا‪ ,‬وإذا ّ‬ ‫قائل‪ « :‬كلنا هنموت‪ ..‬أنا واثق أنهم اآلن‬ ‫أطرق مثنى ً‬ ‫مرتاحين عند ربهم أكثر منا‪ ..‬احنا بس اللي مكتوب‬ ‫ْ‬ ‫علينا الهم»‪.‬‬ ‫أدرت وجهي عنه‪ ,‬فرأيت قريتنا غارقة في الصمت‬ ‫أبدا بالخوف والتوجس؛ ليلها غابات من‬ ‫والبؤس‪ ،‬مسكونة ً‬ ‫األشباح والحرائق التي ال دخان لها‪ ،‬وفي النهار ُيخيل لي‬ ‫ّأن قيظها يوشك أن ين ّز حقدا‪ ..‬في الليالي الباردة‪ُ ،‬ن ْح َشر‬ ‫حيث يختلط الجحيم بالروائح المنبعثة‬ ‫داخل العشش‪ُ ،‬‬ ‫من أجسادنا بفعل الرطوبة الخانقة‪ ،‬وحتى يكون العذاب‬ ‫بد من ذلك الطنين التحذيري الذي‬ ‫مسموعا أيضا‪ ,‬ال ّ‬ ‫ً‬ ‫اعتدنا عند‬ ‫آذاننا‪..‬‬ ‫قرب‬ ‫إطالقه‬ ‫يصر البعوض على‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫غروب الشمس‪ ,‬على ُرؤية غيمة كثيفة من أسراب‬ ‫البعوض‪ ,‬تدور فوق مدخل العشة‪ ..‬تقول أمي‪ « :‬إذا أخذوا‬ ‫السمن‪,‬‬ ‫كومة من الليف الذي يشبه ّ‬ ‫الش َعر‪ ,‬وغمسوها في ّ‬ ‫أكبر‬ ‫بها‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫يع‬ ‫حتي‬ ‫هذه‪,‬‬ ‫البعوض‬ ‫ول ّوحوا بها وسط غيمة‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫عدد ممكن من البعوض‪ ,‬ثم مسحوا بها الطفل المولود‬ ‫محصنا ضد الناموس أو‬ ‫حديثا‪ ,‬فإنه ي َت َن ّم ْس‪ ,‬ويصبح‬ ‫ّ‬ ‫البعوض مدى الحياة‪ ,‬ووربما ضد اإلصابة بالورد « المالريا»‪.‬‬ ‫تتمنى أحيانا أن تجد من يخدعك بالحكايات‪ ,‬أن تجد‬ ‫يسيجك باألوهام حتى تعبرك اآلالم دون أن تحسها‪،‬‬ ‫من ّ‬ ‫خلقت بال إحساس أو شعور‪،‬‬ ‫قد‬ ‫كنت‬ ‫لو‬ ‫تمنيت‬ ‫بل ربما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تماما‪.‬‬ ‫كالحجر ً‬ ‫أيام عديدة‪ ,‬انقضت بعد تلك الليلة التي سمعت فيها‬ ‫ً‬ ‫الح ُجو»‪ ..‬عِ افت‬ ‫أغنية « اسأل روحك»‪ ,‬وأنا مريض داخل « ُ‬

‫كل شيء‪ ,‬حتى األناناس المعلّب‪ ،‬أغلى ما يمكن‬ ‫نفسي ّ‬ ‫كنت أكمل شريحة واحدة منه‪..‬‬ ‫بالكاد‬ ‫للمريض‪,‬‬ ‫تقديمه‬ ‫ُ‬ ‫واصفرت عيناي‪ ,‬وال أكاد أفيق من النوم‬ ‫بطني‪،‬‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫انتف َخ ْ‬ ‫ّ‬ ‫أفرق بين الحوادث التي تدور حول‬ ‫أعد‬ ‫لم‬ ‫إليه‪،‬‬ ‫أعود‬ ‫حتى‬ ‫ّ‬ ‫سريري‪ ,‬وتلك التي أشاهدها في النوم‪.‬‬ ‫الجن من‬ ‫كلما حان غروب الشمس‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يحين وقْ َت خروج ّ‬ ‫سمعت عنها في الحكايات تهرع‬ ‫كل الجن التي‬ ‫ُ‬ ‫مخابئها‪ّ ،‬‬ ‫نحوي‪ ..‬الناس ينشغلون مع غروب الشمس باستقبال‬ ‫الماشية العائدة من المرعى‪ ،‬وأنا أبقى وحيد ًا داخل الحجو‬ ‫علي في صورة ذئب‬ ‫أستقبل الجن‪ ..‬مرة أرى ج ّن ًّيا يهجم ّ‬ ‫شيخا عجو ًزا بلحية بيضاء‬ ‫مكشر عن أنيابه‪ ،‬ومرة أرى ً‬

‫طويلة‪ ،‬وعينين جاحظتين ال سواد فيهما‪ ،‬يتقدم نحوي‬ ‫وفي يده عصا تنتهي بأصبعين كبيرين‪ ,‬يضغط بهما‬ ‫ثم يشرع في تكسير‬ ‫على عنقي كي ال أتمكن من الصراخ‪ّ ،‬‬ ‫أضالعي‪.‬‬ ‫نادرا‪ ،‬جاءني ليلة بعد غروب‬ ‫إال‬ ‫أراه‬ ‫أكن‬ ‫لم‬ ‫الذي‬ ‫أبي‬ ‫ً‬ ‫فب َر َد ْت‬ ‫ا‬ ‫مهموم‬ ‫ا‬ ‫عابس‬ ‫بدا‬ ‫رأسي‪،‬‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫قريب‬ ‫وجلس‬ ‫الشمس‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً َ‬ ‫كم ْن‬ ‫أطرافي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫خطبا جل ًال يوشك ْأن يقع‪ ،‬رأي ُته َ‬ ‫وشعرت ّأن ً‬ ‫إشارات غامضة‬ ‫علي‪ ،‬كان يرسل‬ ‫لينقض‬ ‫واه‬ ‫تجمع‬ ‫ٍ‬ ‫قُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫يس ُ‬ ‫ّ‬ ‫ألشخاص لم أتمكن من رؤيتهم‪ ،‬يلتفت إليهم من وقت‬ ‫أذني طنين‬ ‫هامسا‬ ‫ٍ‬ ‫آلخر ً‬ ‫بعبارات مشفرة‪ ..‬بدأ يتعاىل في ّ‬ ‫أستطع رف َْع رأسي ألرى ْإن كان حسين ْام َصم‬ ‫لم‬ ‫متقطع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫موجودا أم ال‪ ،‬فهو الوحيد الذي يطرد الجن‪ ،‬ليس ألنه مؤ ّذن‬ ‫ً‬

‫المسجد‪ ,‬وإنما ألنه « سِ ْد َرة»؛ انتقلت الجن من جده الذي‬ ‫كان سدرة إىل أبيه‪ ،‬فأصبح أبوه سدرة‪ ,‬وبعد موت أبيه‬ ‫انتقلت إليه فصار هو السدرة‪ ,‬يتكلم مع الجن ويخرجها‬ ‫من المرضى‪.‬‬ ‫أحدق في وجه أبي بهلع بالغ‪ ,‬رأيته‬ ‫كنت‬ ‫عندما‬ ‫ّ‬ ‫يدي على صدري‪،‬‬ ‫وضم‬ ‫نهض‬ ‫وفجأة‬ ‫ي‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫بوجهه‬ ‫يشيح‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫واضعا يسراه على جبيني‪,‬‬ ‫بقوة‪،‬‬ ‫وثبتهما‬ ‫بيمينه‬ ‫أمسكهما‬ ‫ً‬ ‫بسيخ‬ ‫شعر ُت‬ ‫ٍ‬ ‫ثبت رأسي ثم قال‪ « :‬يا هللا بسرعة»‪ .‬وعندها ْ‬ ‫وشممت رائحة الشواء‪.‬‬ ‫ينغر ُز في هامتي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أقرب إىل الموت من تلك‬ ‫ا‬ ‫يوم‬ ‫أكن‬ ‫لم‬ ‫لكنني‬ ‫أمت‪،‬‬ ‫لم ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫عرفت أنهم قد كووني في هامتي فكُ ت َِب ْت‬ ‫ا‬ ‫الحق‬ ‫اللحظة‪..‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫لي الحياة‪.‬‬ ‫وصوت الراديو الذي‬ ‫أنا‬ ‫إال‬ ‫ناموا‬ ‫كلهم‬ ‫الليل‪..‬‬ ‫أطول‬ ‫ما‬ ‫ُ‬ ‫قادما من سرير أبي‪ ,‬سمعته يقول بصوت واضح‪:‬‬ ‫أسمعه‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫المنظمات الفدائية الفلسطينية‬ ‫محاوالت‬ ‫« ترمي‬ ‫ُ‬ ‫المتكررة إىل بسط سيطرتها على مفاصل الدولة األردنية‬ ‫بأسره خطف الفدائيين‬ ‫الحاضنة لهم‪ ،‬لقد شاهد العالم ْ‬ ‫الفلسطينيين للطائرات الثالث من فرانكفورت وزيورخ‬ ‫وأمستردام‪ ،‬والتوجه باثنتين منها إىل منطقة األزرق‬ ‫الصحراوية شمال شرق األردن‪ ،‬والثالثة إىل القاهرة‬ ‫وتفجيرها هناك‪ ،‬ثم خطف الرابعة‪ ،‬وأمام وسائل اإلعالم‬ ‫العالمية فجر الخاطفون الفلسطينيون هذه الطائرات‬ ‫جميعها‪ .‬وكان ذلك في الثاني عشر من سبتمبر لهذا العام‬ ‫‪1970‬م‪ ،‬بعد رفض مطالبهم من قبل األوروبيين»‪.‬‬ ‫األنيس لي‪ ,‬ووحدها أم كلثوم‬ ‫صوت الراديو هو وحده‬ ‫ُ‬ ‫تعبر بي ساعات الوحشة في‬ ‫التي‬ ‫وأغانيها الطويلة‪ ,‬هي‬ ‫ُ‬ ‫ليالي المرض الطويلة‪.‬‬ ‫كنت في أول الليل‬ ‫أغلق أبي الراديو مبكرا هذه الليلة ‪ُ ..‬‬ ‫سمعت فيه صوت امرأة تقول‪:‬‬ ‫مستأنسا بصوته‪ ,‬إىل أن‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫« توفي جمال عبد الناصر فجأ ًة بعد االنتهاء من مؤتمر‬ ‫القمة العربية المنعقد بالقاهرة‪ ,‬لبحث أحداث أيلول‬ ‫األسود بين الجيش األردني والفلسطينيين‪ ،‬وقد حدثت‬ ‫الوفاة بعد توديعه ألمير الكويت‪ ،‬في ‪ 28‬رجب ‪1390‬هـ‬ ‫ـ ‪ 28‬سبتمبر ‪1970‬م»‪ .‬لكن أبي لم يلبث أن أغلق الراديو‬ ‫على غير عادته ونام‪.‬‬ ‫رت جمال‬ ‫الناصر‪,‬‬ ‫عبد‬ ‫جمال‬ ‫اسم‬ ‫عندما سمعت‬ ‫تذكّ‬ ‫ُ‬ ‫المطبوعة صورته في الصحن المعلق هنا في بيتنا‪,‬‬ ‫العشة‪ ,‬صفان دائريان‬ ‫صحون كثيرة معلّقة فوق رؤوسنا في ّ‬ ‫عشتنا من الداخل‪ ,‬وعلى كل صحن‬ ‫تزين ّ‬ ‫من الصحون ّ‬ ‫السالل‪ ,‬الت ّنين‪,‬‬ ‫جمال‪,‬‬ ‫البدر‪,‬‬ ‫اإلمام‬ ‫فيصل‪,‬‬ ‫صورة؛ الملك‬ ‫ّ‬ ‫الب َراق‪ ..‬أغربها كانت صورة البراق؛ حصان أبيض بجناحي‬ ‫ُ‬ ‫طائر‪ ,‬ووجهه وجه فتاة جميلة‪ ,‬يشبه وجه غصون‪.‬‬

‫يتبع في االعداد القادمة‬

‫‪35‬‬

‫*شاعروناقد وروائي سعودي‬


‫استطالع‬

‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫األديبة والشاعرة العربية بين التهميش والتهشيم‬ ‫كل كتابــة هــي أنثــى ولــو كتبهــا رجــل! وكل ثقافــة ال يعتــد بهــا إذا لــم تتشــكل فــي‬ ‫رحــم امــرأة؛ لذلــك ســميت الــوردة وردة واللوحــة لوحــة والقصيــدة قصيــدة والروايــة روايــة‬ ‫والســمفونية ســمفونية‪ ،‬وفــي حيــن كان الرجــل يعلــن الحــرب كانــت المــرأة تعلــن الحــب‬ ‫وتصنــع القصائــد واألطفــال ‪.‬‬ ‫والكاتب الذي يقول لك إن كل مؤلفاته تعبق برائحة الذكورة هو كاتب لم يكتب شيئًا‪.‬‬ ‫هذا ما قاله الشاعر الكبير نزار قباني في وصف الكتابة‪.‬‬

‫إعداد وتقديم‪ :‬نـوار الشاطــر‬ ‫حاولـت المـرأة العربيـة الكاتبـة أن تثبـت‬ ‫حضورهـا فـي المجتمـع األدبـي العربـي‪ ،‬وتثبـت‬ ‫جدراتهـا كشـاعرة وأديبـة ال تقـل فـي إبداعهـا‬ ‫عـن الرجـل الشـاعر واألديـب‪ ،‬ولكـن بحكـم‬ ‫العقليـة الشـرقية التـي تمجـد الذكـورة فـي كل‬ ‫شـيء‪ ،‬وتضـع المـرأة تحـت جنـاح الرجـل‪ ،‬كانـت‬ ‫هـذه المحـاوالت بمثابـة جهـاد حقيقـي لألنثـى‪،‬‬ ‫وتطلبـت قـوة عزيمـة منهـا كـي ال تخضـع‬ ‫للتهميـش المتعمـد تـارة‪ ،‬وإلخمـاد صوتهـا بدعوة‬ ‫أنـه عـورة‪ ،‬وإقناعهـا بشـتى الوسـائل أنهـا سـتبقى‬ ‫لا لـه‪،‬‬ ‫فـي عبـاءة الرجـل الكاتـب بـل ظ ً‬ ‫حتـى أن بعـض الكاتبـات بـدأن كتاباتهن تحت‬ ‫أسـماء المسـتعارة خوفـ ًا من عدم تقبـل المجتمع‬ ‫لهـن ولنتاجهـن األدبي ومحاربة األسـرة لهن‪.‬‬ ‫وأذكـر الشـاعرة واألديبة نـازك المالئكة كمنوذج‬ ‫رائـع للمـرأة العربيـة الكاتبـة التـي كسـرت‬ ‫النمـط الكالسـيكي التقليـدي لمفهـوم الشـعر‪،‬‬ ‫ورسـمت أفقـ ًا جديـد ًا للشـعر العربـي‪ ،‬محطمـة‬ ‫بذلـك النظـام الذكـوري السـائد‪ ،‬سـواء عبـر شـكل‬ ‫القصيـدة الجديـد الـذي أبدعـت بـه‪ ،‬أو عبـر‬ ‫المواضيـع الحساسـة التـي تطرقـت إليهـا‪ ،‬والتـي‬ ‫تخـص المـرأة العربيـة كالقتـل بداعـي الشـرف‬ ‫وغيـره‪.‬‬ ‫وهنـاك أسـماء كثيـرة لعربيـات جاهـدن وأثبتن‬ ‫جدراتهـن فـي ميـدان األدب ومعتـرك الشـعر‪،‬‬ ‫كالشـاعرة السـودانية روضـة الحـاج «شـاعرة سـوق‬ ‫عـكاظ» لعـام ‪ 2012‬فـي السـعودية‪ ،‬حيـث كانـت‬ ‫أول شـاعرة عربيـة تنتـزع اللقـب مـن بيـن ‪35‬‬ ‫شـاعراً‪ ،‬وتعتلـي منصـة كانت حكر ًا علـى الرجال‪،‬‬ ‫وترتـدي عبـاءة الشـعر محققـة بذلـك انتصـار ًا‬ ‫كبيـر ًا للمـرأة الشـاعرة باعتبارهـا أول عربية تفوز‬ ‫بهـذا اللقـب‪.‬‬ ‫وللآن مـا تزال المـرأة العربية الكاتبـة تحاول أن‬

‫‪36‬‬

‫تتحـرر مـن قيـود الذكـورة فـي مجتمـع عربـي ال بنـاء علـى ذلـك ‪ ،‬أن تلـك _ الثقافـة الفحوليـة _‬ ‫يرحـم ‪ ..‬كل ذلـك يقودنـا لجملة تسـاؤالت تطرح كمضمـر نسـقي ‪ ،‬لـم تعـد بكليتها وإنمـا تراجعت‬ ‫نفسـها بقوة‪:‬‬ ‫قليلا وفـي مواضـع بعينهـا ؛ لسـبب موضوعـي‬ ‫لمـاذا الشـعراء أكثـر حضـور ًا مـن الشـاعرات هـو قـدرة المـرأة المبدعـة علـى إحـداث اختـراق‬ ‫فـي المشـهد الثقافـي العربـي؟‬ ‫فـي جـدار هـذه األنسـاق ‪ ،‬بكتابـة تميـز صوتهـا‬ ‫هـل يحتفـي المجتمـع واألسـرة باألدبيـة وخصوصيتهـا وحساسـيتها ‪ ،‬بعيـدا عـن نصـوص‬ ‫بنفـس احتفائـه باألديـب؟‬ ‫كتبتهـا المـرأة تحـت تأثيـر تجربـة معينـة‪.‬‬ ‫ماهـي رؤيتـك لتجربـة المـرأة الكاتبـة‬ ‫حتـى قيـل إنهـا تكتـب سـيرتها أو تحـاول كتابة‬ ‫و ا لشـا عر ة ؟‬ ‫حياتهـا ‪ ،‬البـأس عينـا أن نميـز فـي هـذا االبـداع‬ ‫وهـل أحدثـت أثـر ًا فـي الذاكـرة األدبيـة ماهـو جديـر بهـذه التجربـة واألدلـة علـى ذلـك‬ ‫و ا لشـعر ية ؟‬ ‫جهـود المـرأة الكاتبـة خلال عقـود طويلـة مـن‬ ‫وحـول هـذه التسـاؤالت اسـتضفنا نخبـة مـن أجـل إثبـات حضورهـا فـي المشـهد اإلبداعـي‬ ‫المختصيـن والمختصـات اسـتعرضنا معكـم والثقافـي‪.‬‬ ‫فـي العـدد الماضـي رأي المـرأة وفـي هـذا العـدد‬ ‫والبـد مـن القـول هنـا إن نسـبة هـذا الحضـور‬ ‫سـنعرض لكـم رأي الرجـل‪ ..‬شـاكرة للجميـع ليـس مطلقـة بـل تتبايـن ربمـا مـن جيـل آلخر ‪،‬‬ ‫مداخالتهـم القيمـة‪:‬‬ ‫ومـن مرحلـة ألخـرى ‪ ،‬واآلن أصبـح لهـا حضورهـا‬ ‫أرى أنه يجب القفز عن هذه المصطلحات المنافـس سـواء فـي حقـل الشـعر أو الروايـة فضال‬ ‫عـن األجنـاس اإلبداعيـة األخـرى‪.‬‬ ‫التي لها سياق مختلف ورؤية مختلفة‬ ‫والواقـع أننـا إذا أردنـا أن ننصـف ماتكتبتـه‬ ‫الناقد أحمد هالل ‪ -‬رئيس جمعية الدراسات المـرأة ‪ ،‬ألمكننـا القـول إن كثيـرات قـد تجـاوزن‬ ‫والبحوث والنقد في االتحاد العام للكتاب تلـك الثقافـة الفحوليـة أو الذكوريـة ‪ /‬األبويـة ‪،‬‬ ‫والصحفيين الفلسطيين ‪ /‬فرع سورية وفتحـن فـي أفـق الكتابـة مـا يمكنهـن مـن بـث‬ ‫الواقـع ربمـا تسـتبطن األسـئلة‬ ‫حساسـية جديـدة فـي عالـم متغير‬ ‫المثـارة‪ ،‬العـودة إىل الثقافة الفحولية‬ ‫سـريع ‪ ،‬ومنهن مـن كان أكثر إقناعا‬ ‫التـي التقبـل إبـداع المـرأة تحـت‬ ‫لمجتمعـن وأسـرهن بـأن مايكتبنـه‬ ‫مسـميات عـدة‪ ،‬منهـا كمـا قيـل فـي‬ ‫أصبـح مثـار اهتمـام النقـد والنقـاد‬ ‫مصـر علـى لسـان أحـد الكتـاب مـن‬ ‫‪ ،‬مـا خلا تجـارب انطـوت علـى‬ ‫أنهـا محـض كتابـة بنـات !‬ ‫ذاتهـا نتيجـة القسـر االجتماعـي ‪،‬‬ ‫الثقافـي‬ ‫ومـا تتواتـر فـي الخطـاب‬ ‫وغيـاب الحوافـز التـي تدفـع الكاتبة‬ ‫حـول الكتابـة النسـوية أو األنثويـة ‪،‬‬ ‫وبمنـاخ سـليم إىل أن تبـدع وتسـتمر‬ ‫أي بتمييـز جنـس الكاتبـة ‪ ،‬وسـوى‬ ‫بإبداعهـا‪.‬‬ ‫ذلـك مـن اصطالحـات ملتبسـة في‬ ‫وهـي مسـألة جدليـة بصـرف‬ ‫داللتهـا ومعانيهـا ‪ ،‬البـد مـن القـول‬ ‫النظـر عـن التجنيـس ‪ ،‬بحيـث أننا‬ ‫أحمد هالل‬


‫استطالع‬

‫اإلبـداع حتـى يسـتقيم النظـر والتفكيـر بحضـور‬ ‫الشـاعرة الحقيقيـة بالمعنى المعرفـي والحضاري‬ ‫والثقافـي‪.‬‬ ‫هـي قيـم التجاوز التـي تعزز طمـوح اإلبداع ذاته‬ ‫ألن يتجـاوز ذاتـه باسـتمرار ‪ ،‬بعيـدا عـن سـلطة‬ ‫التصنيفـات ‪ ،‬ومحـاوالت االنتقـاص من دور المرأة‬ ‫الكاتبـة باالختـزال أو التجاهـل ‪ ،‬تجربـة المـرأة‬ ‫الكاتبـة هـي فـي المحصلـة تجربـة مجتمـع أمـام‬ ‫اسـتحقاق ثقافتـه الملونـة وأسـئلة الحيـاة فـي‬ ‫التعبيـر عـن الـذات اإلنسـانية المبدعـة همومهـا‬ ‫أهدافهـا ‪ ،‬تطلعاتهـا‪.‬‬

‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫األديبـة سـيكون مرحـب بـه فـي مجتمـع النخبـة‬ ‫مـن األدبـاء والمثقفيـن والمهتميـن حيـث أن‬ ‫األدب العربـي ككل مـا يـزال متداوالً على مسـتوى‬ ‫النخبـة ولـم يصـل بعـد إىل كل النـاس؛ إال أن هـذا‬ ‫االحتفـاء مـن النخبـة غالبـ ًا مـا يكـون بنمـاذج‬ ‫محـدودة وكإسـقاط واجب ليس إال‪ ،‬نظـر ًا النعدام‬ ‫أو لنقـص الجهـد المؤسسـي وغيـاب المؤسسـات‬ ‫الثقافيـة بمعناهـا الكامـل‪ ،‬حيـث أن هنـاك‬ ‫الكثيـر مـن المبدعيـن الحقيقيين خـارج األضواء‬ ‫وبعيـدا عـن العدسـات‪ ،‬ناهيـك عـن المبدعـات‬ ‫واألديبـات‪.‬‬ ‫رؤيتـي لتجربـة المرأة الشـاعرة والكاتبـة وكوني‬ ‫مهتمـ ًا بهـذا المجـال فأنا أرى أن تجربـة المرأة في‬ ‫مجـال الكتابـة تطـورت خلال السـنوات األخيـرة‬ ‫وبشـكل الفت وغير مسـبوق‪ ،‬هناك تجارب رائدة‬ ‫علـى مسـتوى الوطـن العربـي جديـرة بالدراسـة‬ ‫والنقـد الحقيقييـن‪ ،‬حيـث يالحـظ مؤخـر ًا ومـع‬ ‫هـذا الزخـم اإلبداعـي للمـرأة وللمبدعيـن ككل‬ ‫انعـدام شـروط اإلبـداع الحقيقـي بسـبب غيـاب‬ ‫النقـد البنـاء‪ ،‬هنـاك تجارب مشـجعة فـي بداياتها‬ ‫ولكنهـا تنتهـي إىل مـا يمكـن أن نسـميه ُبعـد عـن‬ ‫األدب والمضمـون الحقيقـي لإلبـداع وهـذا بسـبب‬ ‫تغييـب أو غيـاب النقـد الحقيقـي حيـث أن‬ ‫المشـهد الثقافـي العربـي ككل يعانـي مـن غيـاب‬ ‫وبنـاء‬ ‫النقـد الـذي يفيـد المبـدع ويقـ ّوم تجربتـه‬ ‫ً‬ ‫عليـه يطـور إبداعـه وإنتاجاتـه التاليـة‪.‬‬ ‫ومـع كل ذلـك هنـاك أصـوات نسـائية شـعرية‬ ‫أحدثـت تحـوالً كبيـر ًا فـي النظـرة لمـا يسـمى‬ ‫بـاألدب النسـوي ـ مـع إعتراضـي علـى هـذه‬ ‫التسـمية ـ هنـاك تجـارب أحدثـت أثـر ًا كبيـر ًا فـي‬ ‫الذاكـرة الشـعرية واألدبيـة علـى امتـداد السـاحة‬ ‫العربيـة؛ فقـط نحـن بحاجـة إىل نقـد ودراسـة‬ ‫للتجـارب اإلبداعية بشـكل صحيـح وبصورة بناءة‬ ‫تعـود بالنفـع علـى المشـهد اإلبداعـي والثقافـي‬ ‫ككل بصـورة إنتاجـات أدبيـة أكثر جـودة وإبداعاً‪.‬‬

‫نقـف علـى نصـوص إنسـانية ‪ ،‬تحتـاج مقاربـات‬ ‫نقديـة واعيـة بعـد أن اسـتعاد النقـد موضوعيتـه‬ ‫إىل حـد مـا ‪ ،‬واليفوتنـي هنـا أن أقـول إن النقـد‬ ‫األبـوي حـاول التقليـل مـن زخـم إبـداع المـرأة‬ ‫بدعـاوى ملتبسـة هـي أنهـا تكتـب سـيرتها أو‬ ‫تحـاول كتابـة ماسـمعت بقالـب أدبـي ‪ ،‬أو أنهـا ال‬ ‫تمتلـك أدواتهـا ‪ ،‬فـي مقابـل امتلاك الرجـل‬ ‫‪ /‬الكاتـب ألدواتـه وهـي مبـررات تجزيئيـة ‪،‬‬ ‫مسـبوقة بتلـك الصـورة النمطيـة والسـلبية فـي‬ ‫آن معـا ‪ ،‬لدواعـي التعميـم وأطلاق حكـم القيمـة‬ ‫النهائـي ‪ ،‬فـي بتجـارب ليسـت ناضجـة‪.‬‬ ‫أو أنهـا فـي مرحلة التأسـيس وتراكـم الخبرات ‪،‬‬ ‫هناك ُبعد عن األدب والمضمون‬ ‫نعـم تغيـرت النظـرة إىل إبـداع المـرأة ولعلنـا نرى الحقيقي لإلبداع وهذا بسبب تغييب أو‬ ‫أن حفلات توقيـع الكتـب لكاتبـات جديـدات‬ ‫غياب النقد الحقيقي‬ ‫تحظـى اليـوم باهتمـام األسـرة‬ ‫الشاعر كهالن الشجاع ‪ /‬اليمن‬ ‫والمجتمـع الـذي يبـدي انفتاحـا‬ ‫حضـور الشـعراء بشـكل أكبـر‬ ‫أكثـر علـى الكتابـة النسـوي إن جـاز‬ ‫مـن الشـاعرات هـو انعـكاس‬ ‫التعبيـر ‪ ،‬فالتشـجيع هنـا هـو بمثابة‬ ‫لثقافـة المجتمـع العربي المتسـمة‬ ‫االعتـراف الضمنـي أو الصريـح بـأن‬ ‫بالذكوريـة فـي كل المجـاالت‬ ‫ماتنجـزه المـرأة الكاتبـة قـد وجـد‬ ‫وليـس فـي المجـال الشـعري فقـط‪،‬‬ ‫طريقه في المشـهد اإلبداعي بمعنى‬ ‫فلا غرابـة فـي ذلـك حيـث أن‬ ‫أنـه خلـق حوافـزه للقـراءة ‪ ،‬وليـس‬ ‫النظـرة الدونيـة للمـرأة وإلنتاجهـا‬ ‫األمـر هنـا بمعيار الجـرأة ‪ ،‬وعلو كعب‬ ‫سـواء فـي الشـعر أو فـي أي مجـال‬ ‫نصـوص بعينهـا ‪ ،‬بقـدر مانـرى األمر‬ ‫آخـر هـي السـائدة بصـور وأشـكال‬ ‫خلخلـة لمواضعـات مجتمعيـة قادرة‬ ‫كهالن الشجاع‬ ‫مختلفـة‪ ،‬وعلـى مسـتوى الحقـوق‬ ‫فـي الوعـي الجمعـي ‪ ،‬صـوت المـرأة‬ ‫االجتماعيـة والسياسـية ال تـزال‬ ‫اإلبداعـي يعنـي حساسـية مختلفـة‬ ‫‪ ،‬فـي الذاكـرة األدبيـة والشـعرية ارتباطـا بأجيـال المـرأة علـى الهامـش‪ ،‬فطبيعـي أن يطغى حضور‬ ‫مـن الكاتبـات العربيـات الالتـي صقلـن أدواتهـن ‪ ،‬الشـعراء علـى المشـهد ولكننا نأمـل أن يتغير ذلك‬ ‫وانفتحـن علـى أدبهـن بالمعنـى اإلنسـاني العابـر وأن يكـون معيـار الحضـور والصـدارة هـو اإلبـداع‬ ‫ألزمنتـه وأمكنتـه ‪ ،‬ومتعاليـات فكـر بطريركـي الحقيقـي للشـاعر أو الشـاعرة‪.‬‬ ‫قضيـة احتفـاء األسـرة والمجتمـع باألديبـة‬ ‫أبـوي ‪ ،‬إذ ال يمكـن القيـاس فـي هـذا السـياق علـى‬ ‫تجـارب دون تجـارب فلـكل تجربـة خصوصيتهـا تختلـف من أسـرة إىل أخرى ومـن مجتمع إىل آخر‬ ‫حسـب التفـاوت الثقافـي والخلفيـة الثقافيـة لهذه‬ ‫وأداءهـا اإلبداعـي ‪.‬‬ ‫ومازالـت المـرأة الكاتبـة تشـق طريقـا صعبـا ‪ ،‬األسـرة أو لهـذا المجتمـع‪ ،‬ولكـن فـي األغلب ظهور‬ ‫بسـبب جملـة مـن التحديـات الوجوديـة لتبـرز األديبـة فـي األسـرة عـادة مـا يكـون غيـر مرحـب‬ ‫مع تحرر المرأة من القولبة‪ ،‬وانطالقها من‬ ‫أسـماء وعالمـات ‪ ،‬عينهـا قـادرة علـى إحـداث بـه نظـر ًا لشـيوع نمـط الثقافـة الذكوريـة حتـى‬ ‫انسانيتها سنشهد حضورًا‬ ‫انقلاب فـي الصـورة السـائدة أو بقاياهـا فـي فـي أوسـاط النسـاء أنفسـهن‪ ،‬فـكل‬ ‫أكثر للشاعرات‬ ‫خلفيـات التفكيـر ومنظومتـه المجتمعيـة أي مـا يأتـي مـن المـرأة خـارج اإلطـار‬ ‫الناقد تحسين يقين ‪ /‬فلسطين‬ ‫السـجال فـي مصطلـح أدب نسـوي و أدب ذكـوري المرسـوم أو المحـدد لهـا مـن قبـل‬ ‫‪ ،‬وأرى أنـه يجـب القفـز عـن هـذه المصطلحـات هـذه الثقافـة فهـو بشـكل أو بآخـر‬ ‫يمكـن التفكيـر بهـذا التسـاؤل فـي‬ ‫التـي لهـا سـياق مختلـف ورؤيـة مختلفـة ‪ ،‬وأعتقد أمـر غيـر سـار‪ ،‬وإن حـدث هـذا‬ ‫سـياق تاريخـي عـام وتاريـخ للأدب؛‬ ‫أن طمـوح المـرأة الكاتبة اليوم مـن وعت التجربة االحتفـاء فغالبـ ًا مـا تكـون األديبـة‬ ‫بمعنـى أن السـؤال يقودنـا للمراحـل‬ ‫خاضعة لشـروط ومحددات الرقيب‬ ‫مـا قبـل مـا يسـمى باالنقلاب‬ ‫‪ ،‬وامتلكـت صوتهـا الخـاص النقـي‬ ‫بقيـم المغايـرة واالختلاف والحساسـية األسـري والمجتمعـي والـذي ال‬ ‫الذكـوري علـى المـرأة اإللهـة‬ ‫واالستشـراف ال يقـل أهميـة عـن طمـوح مجتمـع ينبغـي أن تخـرج عنه؛ أما بالنسـبة‬ ‫والحاكمـة‪ ،‬فـي بالد ما بيـن النهرين‬ ‫وبلاد الشـام‪ ،‬ومـا تلا ذلـك‪ ،‬حيـث‬ ‫بأسـره قيـم التغييـر والبنـاء واإلبـداع الـذي للمجتمـع فاألمر يكـون أفضل حاالً‬ ‫تحسني يقني‬ ‫يحتفـي بفـرادة الصـوت وحضوره المكمـل للوحة منـه فـي األسـرة باعتبـار أن ظهـور‬ ‫ظـل الرجـل الذكـر يسـتأثر ويحتكـر‬

‫‪37‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫استطالع‬

‫المهـم أن نركـز علـى الكتابـة فـي المسـتقبل وله‪.‬‬ ‫الشـاعرة كالكاتبـة كالفنانـة والمغنيـة والممثلـة‬ ‫والمخرجـة والرسـامة‪..‬كل مـن كانـت مبدعـة‬ ‫أحدثـت أثـرا‪ ،‬فـي القديـم والحديـث‪ ،‬ولكـن ليـس‬ ‫بمقـدار تأثيـر الشـعراء ألن لهـم الغلبـة‪ ،‬وأظـن أنه‬ ‫سـيكون لهـا أثـر أكثـر عمقـ ًا فـي تكويـن الذاكـرة‬ ‫مسـتقبال‬

‫حضـورا‬ ‫تقـل‬ ‫األديبـة فـي الوقـت الراهـن ال‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫تمكنـت المرأة‬ ‫وتأثيـرا فـي عالمنـا العربـي‪ ،‬حيث ّ‬ ‫ً‬ ‫حاليـا‬ ‫مـن ّ‬ ‫تخطـي الكثيـر مـن الصعـاب وتمتلـك ً‬ ‫جـرأة أكبـر مـن السـابق للنشـر والكتابـة ولهـا‬ ‫دور بـارز فـي الصحافـة المكتوبـة والمسـموعة‬ ‫والمرئيـة‪.‬‬ ‫قـد تحتـاج المـرأة لمزيـد مـن االسـتقالل المالـي‬ ‫لالنتقـال لمرحلـة متطـورة مـن نمـو الشـخصية‬ ‫للتمكـن مـن شـغل مناصـب حيويـة‪،‬‬ ‫األنثويـة‬ ‫ّ‬ ‫كتأسـيس ورئاسـة دور نشـر‪ ،‬حيـث تتـرأس نسـاء‬ ‫ويتحكمـن‬ ‫دور نشـر عمالقـة فـي أوروبـا‪ ،‬بـل‬ ‫ّ‬ ‫بالـذوق األدبـي العـام‪ ،‬ويؤسسـن لجوائـز تحمـل‬ ‫أسـماء نسـاء مبدعـات‪.‬‬ ‫االسـتقالل المالـي هـو القادر على تقديـم المزيد‬ ‫مـن الحريـة النطلاق المـرأة العربيـة فـي كا ّفـة‬ ‫سـلبيا علـى‬ ‫أثـرا‬ ‫المجـاالت‪ ،‬علـى أال يتـرك ذلـك ً‬ ‫ً‬ ‫اسـتقرار العائلـة والتناسـق والتفاهـم فـي الحيـاة‬ ‫الزوجيـة‪.‬‬ ‫أعتقـد ّأن دور المـرأة فـي العالـم العربـي آخـذ‬ ‫بالتطـ ّور وسـيترك أثـره الواضـح فـي المجتمـع‬ ‫والحيـاة الثقافيـة خلال العقـود المقبلـة‪ ،‬ولع ّلنـا‬ ‫نسـتفيد مـن تجـارب المجتمعـات األوروبيـة التـي‬ ‫مـرت هـي األخـرى في مراحـل انحطـاط وانغالق‬ ‫ّ‬ ‫لكنهـا‬ ‫مثيلـة لمـا عانـاه ويعانيـه العالـم العربـي‪ّ ،‬‬ ‫تحـررت مـن هـذه األغلال لتصنـع‬ ‫سـرعان مـا‬ ‫ّ‬ ‫المـرأة روائـع أدبيـة خالـدة ال تبـور عبـر الزمـن‪.‬‬

‫مزايـا الحكـم‪ ،‬ومـا يرتبط به مـن منظومة‪ ،‬ومنها‬ ‫األدب‪ ،‬وبشـكل خـاص الشـعر كفـن قديـم‪.‬‬ ‫وقـد اسـتمر ذلـك فـي مراحـل تكـون التجمعـات‬ ‫الحضاريـة العربيـة فـي الحواضـر الصغيـرة فـي‬ ‫جزيـرة العـرب‪ ،‬ثـم تعمـق أكثـر خلال الدولـة‬ ‫العربيـة‪ ،‬ومـا جـرى بعـد قـرون مـن تحكـم أقـوام‬ ‫آخريـن‪ ،‬إال أنهـم فـي المختصـر كانـوا ذكـورا‪ ،‬ثـم‬ ‫كان أن فهـم رجـال الحكـم وحولهـم رجـال الديـن‬ ‫االستقالل المالي هو القادر على تقديم‬ ‫للأدوار مـن منظـور ذكـوري بطريركـي‪ ،‬فتـم‬ ‫المزيد من الحرية النطالق المرأة العربية‬ ‫تعميـق تبعيـة المـرأة للرجـل‪.‬‬ ‫في كا ّفة المجاالت‬ ‫ورغـم أن ذلـك لـم يكن مطلقا ال قبـل قرون وال‬ ‫د‪ .‬خيري حمدان ‪ -‬كاتب ومترجم ‪ /‬فلسطين‬ ‫اآلن فقـد بـرزت أسـماء مهمـة‪ ،‬إال أن تلـك العومـل‬ ‫شـك ّأن المسـاحة االفتراضيـة‬ ‫ال ّ‬ ‫سـاعدت فـي حضور الشـاعر‪ .‬ترتبط‬ ‫الهائلـة التي و ّفرهـا اإلنترنت خالل‬ ‫بذلـك تفسـيرات وأحـوال اجتماعية‬ ‫العقـد األخيـر قـد أتاحـت الفرصـة‬ ‫مكـن بـه المجتمـع‬ ‫ونفسـية‪ ،‬بمـا ّ‬ ‫للتعبيـر عـن الـرأي ونشـر الكثيـر‬ ‫الشـاعر مـن تعلـم ومتابعـة وتفـرغ‪،‬‬ ‫مـن األنمـاط األدبيـة مـن كال‬ ‫بسـبب تنميـط دور المـرأة‪.‬‬ ‫الجنسـين فـي كا ّفـة أنحـاء العالـم‪،‬‬ ‫كمـا أن الخطابيـة الذكوريـة‬ ‫اسـتثناء‪.‬‬ ‫والـدول العربيـة ليسـت‬ ‫الصوتيـة المرتبطـة بالشـعر الغنائي‬ ‫ً‬ ‫نـدرك ّأن حضـور المـرأة العربيـة‬ ‫مـا زالـت لألسـف حاضـرة‪ ،‬والشـاعر‬ ‫فـي المجـال الثقافـي واإلبداعـي‬ ‫يتقـن العـزف علـى أوتـار المشـاعر‪.‬‬ ‫محـدودا للغايـة خلال القـرن‬ ‫كان‬ ‫لقـد أقبـل النـاس علـى الشـعر‬ ‫ً‬ ‫الماضـي ألسـباب مرتبطـة‬ ‫د‪ .‬خريي حمدان‬ ‫الوطنـي والقومي مع الثـورات‪ ،‬كذلك‬ ‫بالتقاليـد المحافظـة‪ ،‬وهـي جـزء ال‬ ‫أقبلـوا علـى الشـعر الغزلـي الذي ظل‬ ‫يتجـ ّزأ مـن السـلطة الذكوريـة التـي‬ ‫مـن نصيـب الرجـل أكثـر‪.‬‬ ‫يصعـب تجاوزهـا أو المخاطـرة بهدرهـا‪ ،‬وبـدت‬ ‫احتفاء المجتمع واألسرة باألدبية‬ ‫يعـود ألمـور مسـألة إيصـال صـوت الشـاعرة المـرأة فـي تلـك اآلونة تحـت وصية الرجـل‪ ،‬الذي‬ ‫المعاصرة أعطت المرأة الشاعرة دورها‬ ‫وكل مـا يجـود بـه بأمـر‬ ‫للمجتمـع‪ ،‬مـن خلال وسـائل اإلعلام والنشـر‪ ،‬يبـارك أو يرفـض قلمهـا ّ‬ ‫مديـر التحريـر والرقيـب في الوجود بعيدًا عن الموروث االجتماعي‬ ‫وتلـك يتحكـم بهـا الذكـور أيضـا‪ ،‬ولهـم وسـائل أو إشـارة منـه بصفتـه‬ ‫د‪ .‬ناظم حمد السويداوي‪ .‬ناقد وشاعر ‪ /‬العراق‬ ‫التحكـم‪ ،‬واالسـتغالل‪ ،‬لألسـف تحضـر أصـوات ومـا إىل ذلـك‪ .‬وهـذا ينسـحب كذلـك‬ ‫أقـل ابداعـا‪ ،‬وتغيـب أخـرى‪ ،‬فـإن تيسـر للشـاعرة علـى وضعيـة المـرأة عـل المسـتوى‬ ‫يبـدو لـي أن أول األسـباب التـي‬ ‫العالمـي‪ ،‬فالمعـروف ّأن األديبـة‬ ‫تحـول دون خصوبـة المـرأة فـي‬ ‫توصيـل شـعرها‪ ،‬فسـيحتفي المجتمـع بهـا‪.‬‬ ‫تجربـة الكتابـة النسـوية هـي تجربـة إنسـانية األميركيـة إميلـي أندرسـون قـد‬ ‫المشـهد الثقافـي هـو ذلـك الجـو‬ ‫لهـا خصوصيـة كـون الشـاعرة العربيـة حتـى عانـت األمريـن طـوال حياتهـا ولـم‬ ‫المحافـظ علـى قدسـيتها والتـي‬ ‫تتمكـن مـن إصـدار ديـوان نتيجـة‬ ‫حافظـت عليهـا المجتمعـات‬ ‫ّ‬ ‫وقـت قريـب تقولبـت فيمـا تـم هندسـته لهـا مـن‬ ‫أدوار وصـور‪ .‬لكـن مـع تحـرر المـرأة مـن القولبـة‪ ،‬للرعـب والسـلطة المطلقـة التـي‬ ‫الشـرقية تحديـدا ‪ ،‬بمعنـى أننـا‬ ‫المتحفـظ تجاههـا‬ ‫وانطالقهـا مـن إنسـانيتها أوال ال جنسـها فقـط‪ ،‬مارسـها والدهـا‬ ‫أعطينـا المـرأة هالـة مـن التصـور‬ ‫ّ‬ ‫حـد الهـوس‪ .‬كمـا عانـت الكثيـر من‬ ‫الدينـي الـذي يحـول دون تقدمهـا‬ ‫ّ‬ ‫ومـع تطـور الـذات بالتعلـم‪ ،‬سنشـهد حضـور أكثـر‬ ‫للشـاعرات‪ ،‬وأدعـي هنـا اليـوم‪ ،‬أننـي كناقـد أرى األديبـات الروسـيات واألوروبيـات‬ ‫علـى الرجـل فـي مجـال الشـعر‪،‬‬ ‫أن هنـاك أصـوات شـعرية للنسـاء أكثـر عمقـا مـن وأقدمـن علـى االنتحـار متأ ّثـرات‬ ‫وبقيـت فحولـة الشـعر هـي ذاتهـا‬ ‫د‪ .‬ناظم السويداوي‬ ‫بالكآبـة القاتلـة والقمـع والتنكيـل‬ ‫فحولـة الرجـل ‪ ،‬ولألسـف نـرى أن‬ ‫الشـعراء الذكـور‪.‬‬ ‫أظـن أن المـرأة قـادرة إن تيسـرت لهـا المسـاواة‪ ،‬مـن األزواج والمجتمـع‪.‬‬ ‫هـذا الـوأد المعنوي هو الذي يسـيطر‬ ‫لكـن علـى الرغـم مـن هـذه الصـورة القاتمـة علـى أغلـب عقـول المجتمعـات الشـرقية ‪ ،‬ومثـل‬ ‫فـي التعلم والتفرغ لإلبـداع‪ ،‬وهي تعرف طريقها‪.‬‬ ‫تمكنـت األديبـة العربيـة مـن إثبـات حضورهـا هـذا النسـق القيمـي هـو الـذي كشـف لنـا انسـاق‬ ‫ّ‬ ‫فـي تاريـخ الكتابـة هنـاك أصـوات نسـوية ال‬ ‫اتجاهـات‪ ،‬بمعنـى أن األمـر مـا زال فرديـا‪ ،‬كـون المائـز فـي عالـم األدب واألمثلـة كثيـرة كفـدوى مضمـرة ومخفيـة في مشـهدية الثقافـة األنثوية ‪.‬‬ ‫المجتمـع لـم يتطـور بمـا يكفـي‪ ،‬بـل وفـي أخـر طوقـان‪ ،‬مـي زيـادة‪ ،‬غـادة السـمان‪ ،‬لبنـى ياسـين‪،‬‬ ‫مـن المؤكـد أن خصوصيـة المـرأة جعـل منهـا‬ ‫‪ 4‬عقـود نحـى المجتمـع العربـي منحـى رجعيـا‪ ،‬رضوى عاشـور‪ ،‬سـهير القلماوي‪ ،‬سيلين أكسيلوس ملاذا آمنـا للرجـل ‪ ،‬األمـر الـذي دعـا النقـاد‬ ‫وغيرهـن كثيـر‪.‬‬ ‫والمثقفيـن ان يعطوهـا هالـة مـن االهتمـام ‪ ،‬ألنها‬ ‫وتنكـر لعصـر النهضـة العربية الحديثـة‪ .‬ربما من‬ ‫ّ‬

‫‪38‬‬


‫استطالع‬

‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫أعتقـد السـؤال األجـدر يطـرح نفسـه هنـا‪ ،‬األسـئلة المهمـة حـول المنتـج اإلبداعـي العربـي‬ ‫أثبتـت كينونتهـا فـي عالـم القصيـدة ‪ ،‬ولنـا فـي‬ ‫شـواعر وأديبـات مثلا بذلـك ‪ ،‬فسـعاد الصبـاح هـو كيـف لألديبـة أن تفـرض ذاتهـا اإلبداعيـة بوجـه عام‬ ‫وغـادة السـمان واحلام مسـتغانمي ‪ ،‬كلهـن قـد فـي السـاحة ‪ ،‬ضـد احتـكار األديـب للمشـهد؟! ‪،‬‬ ‫تبـدو لـي المسـألة هنـا أكثـر ارتباطـا بالوعـي‬ ‫صنعـن ألنفسـهن دورا لـم يكـن تقليديـا ‪ ،‬وبـات وللنظـرة الدنيويـة لألسـرة لمقـدورات المـرأة ؟! ‪ ،‬العربـي العـام فـي التفريـق بيـن المـرأة والرجـل‬ ‫االحتفـاء بهـن قد يتجـاوز فحولة الشـاعر وتصدره ألن الـدور األساسـي لألديبـة هـو أن‬ ‫مـن جهة الوظيفـة والقدرة والعادات‬ ‫للمشـهد الشـعري ‪ ،‬فمـن الطبيعـي جـدا أن يكـون تبـرز وجودهـا فـي جميـع المجـاالت‬ ‫والتقاليد وليسـت مـن جهة المقدرة‬ ‫االحتفـاء بمسـتوى التألـق بصـرف النظـر عـن الحياتيـة ‪ ،‬وأن تسـد الفـراغ ‪،‬‬ ‫الفنيـة والفكريـة‪ ،‬فالمـرأة قديمـا‬ ‫وتصحيـح هـذا الواقـع وفـرض‬ ‫تقدمـت فـي حضـارات مختلفـة‪،‬‬ ‫العـادات والتقاليـد التـي نتطـرق اليهـا دائمـا ‪.‬‬ ‫أعتقـد أن المعاصـرة قـد أعطت المرأة الشـاعرة كينونتهـا ضـد طابوهـات النظـرة‬ ‫وكانـت ملكـة‪ ،‬وكانـت مقدسـة‬ ‫دورهـا فـي الوجـود بعيـدا عـن مـزاج العالقـات المجتمعيـة المتخلفـة التقزيميـة‬ ‫احيانـا‪ ،‬وكانـت عارفـة وقديسـة‬ ‫فبـدأت تنافـس الرجـل ‪ ،‬مايخـول لهـا االحتفـاء بقيـاس‬ ‫وفيلسـوفة ورائية‪ ،‬لكـن الرجل منذ‬ ‫االجتماعيـة المتوارثـة‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫(الفحـل) الشـاعر‪ ،‬وكل هـذه المسـ ّلمات جعلـت اآلبـداع والموهبـة ‪ ،‬ضـد أي ارتبـاط‬ ‫أن تمكـن فـي العصـور األخيـرة بـدأ‬ ‫مـن النـص الشـعري األنثـوي يتأطـر برؤيـة متعلـق بالجنـس واللـون والديـن‬ ‫فـي تهميـش المـرأة‪ ،‬التـي قنعـت‬ ‫معرفيـة تتجـاوز سـمات األنوثـة اىل مرحلـة أيضـا ‪ ،‬ألن المجتمـع العربـي ذكوري‬ ‫كثيـرا أو قليلا بهـذا التهميـش‬ ‫همشـها النظـام االجتماعي بطبعـه ‪.‬‬ ‫وهـذا انعكـس بـدوره علـى الفنـون‬ ‫الكتابـة الجريئـة التي ّ‬ ‫السمطي‬ ‫عبداهلل‬ ‫مـا يجـب فهمـه هـو أن الكتابـة‬ ‫واآلداب‪ ،‬فالمـرأة مهمشـة دائمـا‬ ‫فـي سـنين خلـت‪ ،‬وهذا االختلاف فـي التوصيف‬ ‫هـو الـذي أبـاح للمـرأة األديبـة أن تنـال الفوقيـة الشـعرية ليسـت فقـط إبداعـا أدبيـا‬ ‫وليـس فـي الشـعر فقـط‪.‬‬ ‫التـي تبحـث عنهـا ‪ ،‬وبدأنا نقرأ عن شـواعر يبحن ‪ ،‬وإنمـا تعبيـر وجـودي عـن وجـود المـرأة نفسـها‬ ‫واقـع األمـر أن الشـعر كان ذكوريـا علـى األغلـب‬ ‫بجسـد مـا يقلـن بـكل حريـة ‪.‬‬ ‫فيـه ‪ ،‬وهـذا ما يدفـع الكاتبة إىل التميـز والتغيير ‪ ،‬وهـذا مـن طبيعـة الحيـاة العربيـة‪.‬‬ ‫وفي ذروة هذا الوعي اسـتطاعت المرأة الشـاعرة بـروح فنيـة وجماليـة وموضوعية ‪ ،‬عـن ما يتميز‬ ‫الرجـل هـو الملـك والفـارس والمحـارب واإلمـام‬ ‫أن توصـل صوتهـا األنثـوي مـن دون قيـود‪ ،‬وأن بـه الرجـل بـدوره ‪ ،‬ألن وجـود المـرأة الشـاعرة والعالـم والشـاعر‪ ،‬وعلـى الغانيـات جـر الذيـول‬ ‫ُتحـدث أثـرا إلعـادة هيمنـة الـذات األنثويـة فـي الكاتبـة ‪ ،‬أضـاف للأدب طعمـا أخـر ‪ ،‬ومـرآة وليـس البقـاء بالبيـت فقـط‪ .‬واسـتمرت هـذه‬ ‫القصيـدة بعـد أن كانـت حكـرا علـى الرجـل‪.‬‬ ‫جديـدة للحيـاة واألحاسـيس ‪ ،‬الحاملـة لتناغـم الذهنيـة حتـى العصر الحديث الـذي تحررت فيه‬ ‫ما يميز كتابة المرأة هو تعبير الصادق موسـيقي داخلـي ‪ ،‬مـا يجعل مـن إبداعاتها بعيدة المـرأة وبـدأت تدخـل المشـهد بالتدريـج‪ ،‬وهـي‬ ‫كل البعـد عـن التصنـع فـي الكتابـة ‪ ،‬بسـبب اليـوم أكثـر إبداعـا بـكل الفنـون‪.‬‬ ‫عن التجربة الوجودية‬ ‫التعبيـر الصـادق عـن التجربـة‬ ‫لكـن لـم تفلـح فـي جـذب االنتبـاه كثيـرا فـي‬ ‫اإلعالمي والناقد سفيان حكوم ‪/‬‬ ‫الوجوديـة ‪ ،‬التـي تعيشـها المـرأة مجـال األدب علـى الرغـم ممـا قامـت بـه ملـك‬ ‫المملكة المغربية‬ ‫الشـاعرة والكاتبـة ‪ ،‬فـي مراحـل حفنـي ناصـف ومي زيادة ونازك المالئكة وسـنية‬ ‫إىل‬ ‫فـي نظـري ‪ ،‬اإلشـكال ال يعـود‬ ‫الحـب والحنيـن والفـراغ ‪.‬‬ ‫صالح وخالدة سـعيد في النقد‪ ،‬وسـلمى الجيوسـي‬ ‫غياب الشـاعرات ‪ ،‬أو إىل جودة الشعر‬ ‫طبعـا أحدثـت انقالبـا ‪ ،‬ووجـودا‬ ‫شـعرا وترجمـة‪.‬‬ ‫‪ ،‬أو إىل التمييـز بيـن الشـعراء ذكـورا‬ ‫مجابهـا لوجـود الرجـل ‪ ،‬ووضعـت‬ ‫الشـعراء يتداولـون أنفسـهم بكثافـة فـي مجـال‬ ‫وإناثـا ‪ ،‬بـل إىل الظـروف القاسـية‬ ‫بصمـة قويـة وصلبـة فـي السـاحة ‪،‬‬ ‫بتميزهـا الفنـي والجمالي ومخيلتها الشـعر‪ ،‬ويذكـرون بعضهـم بعضـا فـي الحـوارات‬ ‫علـى المـرأة فـي مـا يخـص اإلبـداع‬ ‫الورافـة ‪ ،‬وجوانبهـا التصويريـة فـي النقديـة وهـذا ال يحـدث عند الشـاعرات‪ ،‬وال يذكر‬ ‫‪ ،‬وقـد مثـل ذلـك سـببا مباشـرا لهذه‬ ‫صياغـة انتاحاتهـا اآلبداعيـة ‪ ،‬شـاعر مـا أنـه تأثـر شـعريا بامرأة شـاعرة فهـذا هو‬ ‫الظاهـرة ‪ ،‬للظـروف االجتماعيـة‬ ‫مادفـع كيـان األدب العربـي ليوحـد العيـب كلـه‪.‬‬ ‫التـي تواجههـا الشـاعرات ‪ ،‬نتيجة ما‬ ‫سفيان حكوم‬ ‫الشـعراء يروجـون ألنفسـهم لهـذا هـم األكثـر‬ ‫تعانيـه المـرأة مـن حالـة االنفصـام‬ ‫الصـف ‪ ،‬ويجمـع اإلبـداع النسـائي‬ ‫والرجالـي ‪ ،‬فـي إطـار واحـد هـو إطار انتشـارا ونفـوذا‪ ،‬وعلـى الرغم مـن الكثافة الكبيرة‬ ‫السـائدة فـي المجتمـع العربـي ‪ ،‬قـد‬ ‫يصيبهـا باإلحبـاط والسـكتة اإلبداعيـة ‪ ،‬وهـذا اللغـة والهويـة ‪ ،‬ألن التصنيـف باطـل في حقيقته فـي الثالثيـن عامـا األخيـرة للحضـور النسـوي‬ ‫فـي حـد ذاتـه ليـس مبـررا ‪ ،‬لعـدم وجود شـاعرات ‪ ،‬فـاألدب هـو تعبير لفكر وقضيـة وطرح ‪ ،‬رغم أن الشـعري‪ ،‬إال أن احـدا ال يتحـرك لقـراءة هـذه‬ ‫بارعـات فـي السـاحة األدبيـة والثقافيـة ‪ ،‬رغـم حركـة المـرأة فـي األدب ‪ ،‬تقـاس فقـط باإلضافـة الظاهـرة بشـكل جـاد‪ ،‬وقـد قمـت بمتابعـة هـذا‬ ‫المشـهد مبكـرا وكتبـت دراسـات ومقـاالت كثيـرة‬ ‫وجـود فجـوة كبيـرة بين أعـداد األعمال الشـعرية والتأثيـر ‪ ،‬كمـا لـكل لـون أدبـي ‪.‬‬ ‫للرجـال والسـيدات ‪ ،‬فـي العالـم العربـي ‪ ،‬لكـن‬ ‫عـن الشـاعرات منهـا كتـاب‪ :‬انبثـاق القصيـدة‬ ‫الغالبية يرون أن كتابة المرأة خطر على‬ ‫يختلـف الكثيـر من النقـاد على مسـميات احتكار‬ ‫النسـوية‪ ،‬وكتـاب؛ حـواس األنوثـة وهـو مـن ثالثـة‬ ‫تراتبية المشهد العربي الذكوري‬ ‫الرجـال لذلـك العالـم‪ ،‬الـذي يتحكـم فيـه البعـد‬ ‫أجـزاء ويتنـاول بالقـراءة النقديـة أكثـر مـن ‪١٥٠‬‬ ‫مصر‬ ‫‪/‬‬ ‫السمطي‬ ‫هللا‬ ‫عبد‬ ‫والناقد‬ ‫الشاعر‬ ‫اإلبداعـي والموهبـة بصـورة أساسـية ‪ ،‬علمـا أن‬ ‫شـاعرة عربيـة وصـدر الجـزء االول منـه منـذ ‪٥‬‬ ‫هنـاك شـاعرات مضاهيـات للشـعراء الكبـار فـي‬ ‫القضيـة‬ ‫هـذه‬ ‫طـرح‬ ‫علـى‬ ‫أشـكرك‬ ‫البدايـة‬ ‫فـي‬ ‫سـنوات‬ ‫المشـهد الفكـري والثقافـي معـا ‪.‬‬ ‫من‬ ‫عددا‬ ‫الثقافي‬ ‫مشـهدنا‬ ‫في‬ ‫تبلـور‬ ‫التـي‬ ‫المهمـة‬ ‫وعلـى الرغـم مـن انبثـاق النسويةودراسـات‬

‫‪39‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫استطالع‬

‫إننا في حاجة اليوم إلى ما ّ‬ ‫يحفز خاليانا‬ ‫الجنـدر منـذ اواخـر ق ‪ ١٩‬مـع فرجينيـا وولـف‬ ‫الوراثية العربية التي بنيت على الكالم‬ ‫حتـى األمريكيـة إليـن شـوالتر‪ ،‬لكـن االهتمـام‬ ‫والحديث والخطاب والشعر‪.‬‬ ‫مايـزال قليلا بإبـداع المـرأة خاصـة مـن الوجهـة‬ ‫النقديـة‪.‬‬ ‫الشاعر واإلعالمي محمد بن جماعة ‪/‬تونس‬ ‫بالمـرأة‬ ‫كثيـرا‬ ‫يحتفـي‬ ‫المجتمـع‬ ‫أن‬ ‫أعتقـد‬ ‫وال‬ ‫ال يقبـل المالحـظ بالفرضيـة التـي تقـول إن‬ ‫المبدعـة علـى الرغـم مـن رسـائل التضامـن الشـعراء أكثـر حضـورا مـن الشـاعرات في المشـهد‬ ‫واالطمئنـان التـي يبديهـا البعـض‪ ،‬ألن الغالبيـة‬ ‫يوميـا‬ ‫التنافـس‬ ‫يشـتد ّ‬ ‫الثقافـي العربـي‪ ..‬حيـث ّ‬ ‫ّ‬ ‫يـرون أن كتابـة المـرأة خطـر علـى تراتبيـة بيـن الجنسـين فـي مجـاالت اإلبـداع المختلفـة‬ ‫المشـهد العربـي الذكـوري‪ ،‬كمـا أن هذه الرسـائل ال شـعرا‬ ‫تضـرب فـي العمـق وال ترسـخ لشـيء‪ .‬هـي رسـائل‬ ‫ونثرا وغيرهما من النتاج األدبي والفني‪.‬‬ ‫عاطفيـة انطباعيـة ال أكثـر‪ ،‬والدليـل أنـك لـو‬ ‫لكننـا يمكـن أن نقـول بأن المجال يسـع الجميع‬ ‫راجعـت إصـدارات النقـاد العربـي لـن تجـد فيهـا‬ ‫يتطور بشـكل سـريع ويسـتوعب الجميع‬ ‫في كون ّ‬ ‫كتبـا تعتنـي بالمرأة إال نادرا‪ ،‬حتى الدراسـات التي بشـكل أسـرع حيـث أصبحنـا نـرى الفضـاءات‬ ‫والعامـة والصالونـات والمقاهـي الثقافيـة‬ ‫تكتبهـا ناقـدات ال تتضمـن دراسـات كثيـرة عـن الخاصـة‬ ‫ّ‬ ‫المـرأة الشـاعرة‪ ،‬ربمـا الروائيـات هن مـن يحظين التـي تديرهـا فـي بعـض الـدول نسـاء مثقفـات‬ ‫بذلـك‪.‬‬ ‫ومبدعـات وروابـط اتحـادات نسـائية نشـيطة‬ ‫ال‬ ‫الكاتـب‬ ‫بهـا‬ ‫يحظـى‬ ‫الدائمـة‬ ‫الحفـاوة‬ ‫إن‬ ‫مـا فتئـت تسـتقبل جمهورهـا النوعـي ألماسـي‬ ‫فـي‬ ‫بـدا‬ ‫وإن‬ ‫حتـى‬ ‫الشـاعرة‪،‬‬ ‫ال‬ ‫والشـاعر‬ ‫الكاتبـة‬ ‫وأصبوحـات تؤثثهـا شـاعرات ‪ -‬كمـا الشـعراء ‪ -‬فـي‬ ‫الظاهـر أن هنـاك حفـاوة خاصـة فـي مواقـع حضـور مشـترك ومختلـط أو مسـتقل بشـكل‬ ‫التواصـل االجتماعـي فهـي حفـاوة‬ ‫مـادي ومباشـر فيكتشـف المتلقـي‬ ‫ّ‬ ‫مزيفـة ألنها وقتيـة‪ ،‬وال يتم تحويلها‬ ‫مسـرحة الشـعر باإللقـاء‬ ‫بشـكل عملـي لمقـاالت أو دراسـات‪.‬‬ ‫واإلنشاد ‪.‬‬ ‫فقـد‬ ‫وبالنسـبة لكتابـات المـرأة‬ ‫وإذا نظرنـا بتفصيـل آخـر نـرى‬ ‫حققـت سـطوعا وتوهجـا خاصـة‬ ‫أن هنـاك المطابـع التي لم تسـتغن‬ ‫فـي القصـة والروايـة‪ ،‬ونحـن ال‬ ‫علـى نشـر النصـوص والمجاميـع‬ ‫يمكـن أن نغفـل أسـماء مثـل غـادة‬ ‫والدواويـن لشـاعرات عديـدات ‪ -‬إىل‬ ‫السـمان‪ ،‬ولطيفـة الزيـات‪ ،‬وهـدى‬ ‫جانـب الشـعراء ‪ -‬وهـذا جـزء مـن‬ ‫بـركات‪ ،‬ونـوال السـعداوي‪ ،‬وأحلام‬ ‫الحضـور الورقـي‪.‬‬ ‫مسـتغانمي‪ ،‬وأيميلـي نصـرهللا‪،‬‬ ‫أمـا عـن الحضـور اآلخـر والـذي‬ ‫وأميمـة الخميـس وغيرهـن‬ ‫محمد بن جماعة‬ ‫أعتبـره أكثر انتشـارا ورواجا وتأثيرا‬ ‫كثيـرات‪ ،‬وفـي الشـعر هنـاك أسـماء‬ ‫هـو مـا وفرتـه التكنولوجيـات‬ ‫كثيـرة جـدا‪ ،‬وتحـارب متميـزة‬ ‫الحديثـة مـن محامـل للتواصـل االفتراضـي‬ ‫الشـعر‬ ‫فـي‬ ‫خاصـة فـي قصيـدة النثـر‪ ،‬بـل‬ ‫زيـادة علـى اسـتغالل الوسـائل السـمعية البصريـة‬ ‫العمـودي‪.‬‬ ‫الكالسـيكية‪ ..‬فقـد أصبحنـا نعيـش ونتعامـل‬ ‫هنـاك تجربـة عموديـة رائعـة لـدى شـاعرات كقـراء أو متابعيـن أو منتجيـن للثقافـة مـع عـدد‬ ‫مـن لبنـان‪ ،‬وهنـاك فـي قصيـدة النثـر فـي العراق ال يحصـى مـن الشـاعرات والشـعراء بـل ربمـا كان‬ ‫والخليـج وبلاد الشـام ومصـر والمغـرب العربـي عـدد الشـاعرات أكبـر‪ ..‬ويمكـن أن نقـرأ ونسـمع‬ ‫شـاعرات رائعـات جـدا‪ ،‬لكـن لألسـف لـم يعـد ونشـاهد ونشـارك العـروض الشـعرية باسـتعمال‬ ‫الزمـن يحفـز علـى نقـد الشـعر مـع انتشـار الرواية أدواتنـا الحديثـة والمحادثـة أقربها للجيـب ّجوالنا‬ ‫ومواقـع التواصـل‪.‬‬ ‫( الموبايـل )‪.‬‬ ‫فنـون‬ ‫فـي‬ ‫المتوهجـة‬ ‫تجربتهـا‬ ‫للمـرأة اليـوم‬ ‫إن حضـور الشـاعرات فـي المشـهد الثقافـي‬ ‫واإلعالميـة‬ ‫النقديـة‬ ‫الـرؤى‬ ‫لكـن‬ ‫الكتابـة‪،‬‬ ‫العربـي فـي تزايـد ملحـوظ رغـم مـا يشـهده‬ ‫والثقافيـة بوجـه عـام مازالـت آخذة فـي تجاهلها‪ ،‬مجتمعنـا مـن نقائـص عميقـة تهـم حياتنـا‬ ‫وهـو األمـر الـذي يحتـاج وقفـة ثقافيـة فعالـة وطـرق عيشـنا‪.‬‬ ‫لتقييـم هـذا المنجـز اإلبداعـي النسـوي وقراءتـه‬ ‫وإذا رأينـا الموضـوع مـن حيث احتفـاء المجتمع‬ ‫ومتابعتـه‪.‬‬ ‫واألسـرة باألديبـة قـد أرى األمـر مشـابها لألديـب‬

‫‪40‬‬

‫أيضـا‪ ..‬فمـدى إيجابيـة أو سـلبية التقبـل يشـمل‬ ‫تمامـا الشـاعرات أو الشـعراء‪.‬‬ ‫ّ فنحـن نـرى كثيـرات مـن الشـاعرات يلجـأن‬ ‫إىل الكتابـة بإمضـاء اسـم مسـتعار وكذلك يفعل‬ ‫تعصبـوا عـن‬ ‫قلـة مـن الشـعراء‪ ..‬إن بعـض مـن ّ‬ ‫جهـل لموروثنـا التراثـي أو الثقافـي سـاهموا فـي‬ ‫نبـذة وتطويـق صاحبـات األقلام فـي فتـرات‬ ‫تاريخيـة متعاقبـة فتسـبب هـذا فـي خلـل‬ ‫تعصبـا‬ ‫إبداعـي عـام قـد يولـد أقالمـا أكثـر ّ‬ ‫وتطرفـا عـوض أن يكـون كتابـة ناضجـة‬ ‫ّ‬ ‫وواعيـة تختـزل الجمـال والحـب واإلبـداع‪ ..‬هـذا‬ ‫الخلـل يعـود إىل عـدم فهم المقاييس اإلنسـانية‬ ‫المشـتركة والتـي منهـا‬ ‫الحرية‪..‬‬ ‫أساسها ّ‬ ‫إن الخـوض فـي موضـوع ال ينقصـه الجاذبيـة‬ ‫مـن حيـث ارتباطـه بشـكل طبيعي بالمـرأة فهي‬ ‫قطـب األقطـاب فـي حركـة اإلبـداع عمومـا وفـي‬ ‫نشـأة وتعميـر األرض بجمالهـا‪ ..‬فمـا بالـك إن‬ ‫تعمـدت‬ ‫كانـت فعـال شـاعرة‪ ..‬فـي هـذا السـياق ّ‬ ‫ليحـق‬ ‫عـدم ذكـر أسـماء الشـاعرات والشـعراء ّ‬ ‫لألحيـاء منهـن ومنهـم مشـروع التنافـس والبنـاء‬ ‫اإلبداعـي كمـا سـبقنهن أو سـبقوهم‪ ..‬لكـن مـن‬ ‫زاويـة اجتماعيـة أرى بأننـا فـي حاجـة اليـوم‬ ‫يحفـز خاليانـا الوراثيـة العربيـة التـي‬ ‫إىل مـا‬ ‫ّ‬ ‫بنيـت علـى الـكالم والحديـث والخطاب والشـعر‪..‬‬ ‫وينسـب أيضـا للمـرأة كثرة الـكالم‪ ..‬فقد تؤسـس‬ ‫اسـتعاراتهن وأدواتهـن الشـعرية مـن اسـتعارة‬ ‫واسـتعانة بالمسـرح والسـرد الشـعري فتوحـات‬ ‫قـد اليصـل إليهـا شـاعر‪ ..‬واالطلاع بدقـة علـى‬ ‫المدونة اليونانية ‪ /‬اإلغريق شـعرا ونثرا وفلسـفة‬ ‫جديـر بـأن يحقـق لهـن مكاسـب إبداعيـة ّجمـة‬ ‫كمـا حققـت وتحقـق لجميع الشـعراء السـابقين‪..‬‬ ‫دون أن نقع بشـكل أو بآخر في محاكمة الشـاعرة‬ ‫أو الشـاعر مـن خلال أقوالـه وتأويلهـا حسـب مـا‬ ‫نعتقـد ونهـوى‪ ..‬إننـا حفظنـا عديـد األسـماء‬ ‫ورددناهـا ورددنـا أشـعارهن وأشـعارهم وحملنـا‬ ‫فيضهـن وفيضهـم الشـعري إىل الحمـاس والهمـة‬ ‫للنجـاح فـي الحيـاة وفتـح آفـاق االنتصـارات فـي‬ ‫مجـاالت حياتيـة مختلفـة‪.‬‬ ‫إن الفصـل بيـن الشـاعرة والشـاعر فـي الجنـس‬ ‫األدبـي الينبـئ بحقيقـة عازلـة بـل أرى الشـاعرة‬ ‫لصيقـة الطرفيـن فـكل شـاعر أو كاتـب تسـكنه‬ ‫امـرأة والعكـس صحيـح هـذا لعمـري منطـق‬ ‫أنتصـر إليـه‪ ،‬فهـو الـذي يؤكـد نجـاح خصوبـة‬ ‫المعنـى وبالغتـه وروحه النابضـة داخل كل لفظ‬ ‫وجملـة مكتوبـة أو منطوقـة أو مرسـومة‪.‬‬


‫أقالم سمراء‬

‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫إشراف ‪ /‬حميد رائع‬

‫ة‬ ‫ش�اعر و ق�ص ي�د�‬

‫ذكرتك‬

‫الشاعر ( مصطفى وهبي التل )‬ ‫ولـد مصطفـى وهبـي التـل فـي مدينـة إربـد فـي ‪،1899/5/25‬‬ ‫وتلقـى تعليمـه االبتدائـي فيهـا‪ .‬سـافر إلـى دمشـق عـام ‪،1912‬‬ ‫وواصـل تعليمـه فـي مكتـب عنبـر (مدرسـة)‪ .‬وخلال دراسـته‬ ‫شـارك زملاءه في الحـركات التي كانـوا يقومون بها ضـد األتراك‪،‬‬ ‫فنفـي إثـر إحـدى هـذه الحـركات إلـى بيـروت‪ ،‬ولكنـه مـا لبـث أن‬ ‫عـاد إلـى دمشـق مـرة أخـرى‪.‬‬

‫في صيف عام ‪ 1916‬عاد مصطفى إىل إربد لقضاء العطلة‬ ‫الصيفية‪ ،‬وفي أثناء تلك الفترة نشبت بينه وبين والده‬ ‫خالفات حادة‪ ،‬ما جعل والده يحجم عن إعادته إىل مدرسة‬ ‫عنبر في دمشق‪ ،‬وأبقاه في إربد ليعمل في مدرسة خاصة‬ ‫كان قد افتتحها والده آنذاك وسماها «المدرسة الصالحية‬ ‫العثمانية»‪.‬‬ ‫بقي مصطفى في إربد‪ .‬وعمل في مدرسة والده مضطراً‪،‬‬ ‫واستمرت خالفاتهما واشتدت‪ ،‬فقرر أن يترك إربد‪ ،‬فغادرها‬ ‫في ‪ 20/6/1917‬بصحبة صديقه محمد صبحي أبو غنيمة‬ ‫قاصدين اسطنبول‪ ،‬ولكنهما لم يبلغاها‪ ،‬إذ استقر المقام‬ ‫بمصطفى في «عربكير» حيث كان عمه علي نيازي قائم‬ ‫مقام فيها‪.‬‬ ‫قضى مصطفى صيف عام ‪ 1919‬في إربد‪ ،‬واستطاع _‬ ‫بمساعدة بعض زمالئه ‪ -‬إقناع والده بضرورة إرجاعه إىل‬ ‫مدرسة عنبر بدمشق‪ .‬فسافر إليها في مطلع العام الدراسي‬ ‫‪ .1919-1920‬ولكن عودته صادفت قيام حركات طالبية‬ ‫شارك فيها‪ ،‬بل كان مع بعض أصدقائه على رأسها‪ ،‬ما‬ ‫جعل السلطات تقرر نفيه إىل حلب‪ ،‬وسمحت له بإكمال‬ ‫دراسته فيها‪ ،‬فسافر إليها في شباط ‪ .1920‬ومكث فيها‬

‫حتى الشهر السادس من عام ‪ .1920‬حين غادرها بعد أن‬ ‫حصل على الشهادة الثانوية من المدرسة السلطانية‪ .‬وفي‬ ‫أثناء دراسته تعلم اللغة – التركية ‪ ،‬كما عرف الفارسية‪ ،‬وفي‬ ‫أواخر العشرينات درس القانون معتمد ًا على نفسه‪ ،‬وتقدم‬ ‫للفحص الذي كانت تجريه وزارة العدلية آنذاك فاجتازه‪،‬‬ ‫وحصل على إجازة المحاماة في ‪ 3‬شباط ‪.1930‬‬ ‫عمل مصطفى في الفترة )‪( 22/4/1922-1931‬معلم ًا‬ ‫في مدرسة الكرك‪ ،‬وفي مناطق متفرقة من شرقي األردن‪،‬‬ ‫وحاكم ًا إداري ًا لثالث نواحي شرقي األردن‪ ،‬وهي وادي السير‪،‬‬ ‫والزرقاء‪ ،‬والشوبك‪.‬‬ ‫كان له صالت واسعة مع كثير من الشعراء المعاصرين‬ ‫له أمثال‪ :‬إبراهيم ناجي‪ ،‬أحمد الصافي النجفي‪ ،‬إبراهيم‬ ‫طوقان‪ ،‬عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)‪ ،‬الشيخ فؤاد‬ ‫الخطيب‪ ،‬كما كانت صلته وثيقة ببالط المغفور له الملك‬ ‫عبد هللا األول ابن الحسين‪ ،‬حيث كانت تجتمع نخبة من‬ ‫الشعراء واألدباء‪ ،‬وتدور بينهم مساجالت ومعارضات شعرية‪.‬‬ ‫في صباح يوم الثالثاء ‪ 24/5/1949‬توفي مصطفى في‬ ‫بعمان‪ ،‬ونقل جثمانه إىل إربد مسقط‬ ‫المستشفى الحكومي ّ‬ ‫رأسه‪ ،‬حيث دفن في تل إربد كما جاء في وصيته‪.‬‬

‫قصيدة (أيف كل يوم) ‪ ....‬مصطفى وهيب التل‬ ‫أفي كل يوم أنت مضنى مروع‬ ‫تشوقك أوطان وتصبيك أربع‬ ‫قضيت الصبا صب ًا وأنحيت نحوه‬ ‫شباب ًا تقضى وهو بالوجد مشبع‬ ‫تكاد إذا ريح الجنوب تنسمت‬ ‫حنين ًا إىل وادي األراكة تهرع‬ ‫تكاد حنينا أن تذوب إذا بدا‬ ‫لعينيك برق بالجزيرة يلمع‬ ‫فمنذ بها نيطت عليك تمائم‬ ‫وأنت بها من دون تربك مولع‬ ‫أتحسب كثبان المهامه يا فتى‬ ‫جنان ًا بها أيك السعادة مفرع‬ ‫فتشجيك ذكراها ويصبيك ذكرها‬ ‫وتشتاق سكناها إذا ضاق موسع‬ ‫فمتع بما أعطيته من تمدن‬ ‫جوانح جد ًا شاقهن التمتع‬ ‫وال تك جحاد ًا بنعمى حضارة‬ ‫على بعضها عين البداوة تدمع‬ ‫نزلت بواد غير ذي زرع ما جني‬ ‫خال القحط من إخصابه المتوقع‬

‫فدع عنك إغواء الصبابة وارعو‬ ‫فإنك في سهل من الوهم ترتع‬ ‫أقول لنفسي حين راح كالمها‬ ‫جزاف ًا بإقناع الذي ليس يقنع‬ ‫نعم جيدها عطل من الحلي والحلى‬ ‫ولكنه بالمكرمات مرصع‬ ‫وإن مغانيها وإن قل خصبها‬ ‫لمن كل مرعى قام بالغرب أمرع‬ ‫فيا حبذا بيت من الشعر مابه‬ ‫لعلج زنيم دأبه الغدر مطمع‬ ‫وال حبذا قصر مشاد بروضة‬ ‫على الرغم مني فيه للعلج مربع‬ ‫وآل بعرض القفر يخدع ظامئ ًا‬ ‫لغلتنا من نهر لندن أنقع‬ ‫وبوم يحيي الليل في حالك الدجى‬ ‫بنعق له جأش المصاليت يجزع‬ ‫أحب لسمعي من تغاريد آلة‬ ‫لغير بالدي يا أخا العرب تصنع‬ ‫وكل بالد يلفظ الضاد أهلها‬ ‫بالدي وإن كانت بمثلي تظلع‬

‫صـالح طـه – إرتريا‬ ‫الحب يا سلمى‬ ‫ذكرتك ال ذكرى سوى‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫الحب يا غايتي العظمى‬ ‫كان إال‬ ‫ّ‬ ‫وهل َ‬ ‫بداخلي األشواقُ شوك من الهوى‬ ‫الهما‬ ‫فإن ِ‬ ‫ْ‬ ‫أنزع ّ‬ ‫أكتم األشواقَ ال ِ‬ ‫أطول نخلة‬ ‫عيني‬ ‫عشت في‬ ‫لكم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫أعظمها فيها أرى رغبتي األسمى‬ ‫ّ‬ ‫بالحسن وامقا‬ ‫تجتاح‬ ‫بفاتنة‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الجبل الضخما‬ ‫ُصدعُ من فتْ ناتِها‬ ‫ت ّ‬ ‫َ‬ ‫أحن لعينيك األماني فيهما‬ ‫ّ‬ ‫له وت ٌر يظما‬ ‫وألحان ظمآن ُ‬ ‫الحسن عاشقُك الذي‬ ‫فقه‬ ‫تعل َّم َ‬ ‫ِ‬ ‫ده علما‬ ‫بين‬ ‫ٍ‬ ‫أطياف تز ّو ُ‬ ‫ثوى َ‬ ‫أعيدي أيا سلمى زمانًا نح ّب ُه‬ ‫ُ‬ ‫أعرف الوهما‬ ‫ألقاك ال‬ ‫وأيام إذ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فأنت رعاك هللا أبهى قصيدةٍ‬ ‫وحسنك أحلى من ( قفا نبك) أو أسمى‬ ‫ِ‬ ‫أبرع بوصفك عاشقًا‬ ‫فإن أنا لم ْ‬ ‫تما‬ ‫بدع‬ ‫ِ‬ ‫ذرت وإن ُأ ْ‬ ‫ُع ُ‬ ‫فمنك الذي ّ‬ ‫لوجهك يسعى النور يطل ُب ِك الضيا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكأس يسألك اللثما‬ ‫راح‬ ‫ُ‬ ‫لثغرك َ‬ ‫خذي هذه األشواق كوني رحيمة‬ ‫بعاشقك الظمآن ال تألفي الظلما‬ ‫ِ‬

‫‪41‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫يف بيت املتنبي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫مدينة حلب‪ ،‬لن‬ ‫تسكن‬ ‫حين‬ ‫َ‬ ‫يدهش َ‬ ‫ك أمران‪ ،‬في الناس‬ ‫حلبي‬ ‫والمكان‪ .‬ففي قلب كل‬ ‫ٍّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ركن للموسيقى‪،‬‬ ‫مغسول بالبهجةِ‬ ‫والطرب‪ ،‬وفي كل زاويةٍ من مدينتِه‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ممزوج بالتاريخ واألدب‪.‬‬ ‫حديث للحجر‪،‬‬ ‫وإذا كانت الموسيقى في الحي‬ ‫ُ‬ ‫تصدح بكل ما فيها من‬ ‫الحلبي‬ ‫شجن عاشق وحنين إلى األصالة‪،‬‬ ‫فإن المسافة في المدينة‬ ‫العريقة بين اإلنسان والمكان ال‬ ‫تكاد تبدو‪،‬‬ ‫يتبينها أحد‪ ،‬ألنها ال‬ ‫ُ‬ ‫حب زاد ُته‬ ‫بعد أن أ َّلف بينهما ُّ‬ ‫حلبي‬ ‫أشرف أبو اليزيد * السنون رصانة‪ ،‬فأصبح كل‬ ‫ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫يتحدث‪،‬‬ ‫سفي َر مدينتِه حين‬ ‫صحفي ورحال مصري‬ ‫وصو َتها حين يغني‪ ،‬وعقلها حين‬ ‫يفكر‪ ،‬وشاعرها حين يكتب‪.‬‬

‫كثيـرة هـي األماكـن فـي أجنـدة زائـر حلـب‪،‬‬ ‫ولـكل مـكان قصـة‪ ،‬لـه أن يختارهـا كبدايـة أو‬ ‫يرسـمها فـي النهايـة‪ .‬فـي حلب‪ ،‬وتحـت مظلة‬ ‫االنتـداب الفرنسـي‪ ،‬خلال العشـرينيات مـن‬ ‫القـرن الماضـي‪ ،‬بـدأ علمـاء فرنسـا عمليـات‬ ‫تنقيـب وتفتيـش فـي قلعـة حلـب‪ ،‬وأخـذ‬ ‫الجنـرال فيجـان ينقـل مـا كان يكتشـف مـن‬ ‫القلعـة إىل الشـاحنات العسـكرية‪ ،‬لتأخـذ‬ ‫المقتنيـات طريقهـا إىل فرنسـا‪.‬‬ ‫أثـارت سـرقة المحـراب الخشـبي والمكتبـة‬ ‫مـن مسـجد الخليـل ‪ -‬وهمـا يعـودان إىل العهـد‬ ‫الزنكـي فـي القـرن السـادس الهجـري ‪ -‬غيـرة‬ ‫بعـض أبنـاء المدينـة‪ ،‬فتنـادوا لتأسـيس‬ ‫جمعيـة تحت اسـم (جمعية أصدقـاء القلعة)‪،‬‬ ‫اجتمعـت فـي الثانـي مـن أغسـطس ‪1924‬‬ ‫(غـرة شـهر المحـرم ‪ 1343‬للهجـرة) لتكـون‬ ‫النـواة المؤسسـة‪ ،‬وضمـت ـ آنـذاك ـ الشـيخ‬ ‫كامـل الغـزي عضـو المجمـع العلمـي العربـي‪،‬‬ ‫واألب جبرائيـل ربـاط‪ ،‬والشـيخ محمـد راغـب‬ ‫الطبـاخ‪ ،‬والمهنـدس صبحـي مظلـوم‪ ،‬والشـيخ‬

‫‪42‬‬

‫تمثال المتنبي في سوريا‬

‫عبـد الوهـاب طلـس‪ ،‬واألب جرجـس منـش‪،‬‬ ‫ومفتش اآلثار الفرنسـي بلو دو روترو‪ ،‬والدكتور‬ ‫أسـعد الكواكبـي‪ .‬وقـد أثمـر جهـد الجمعيـة‪،‬‬ ‫والدعـم األهلـي الـذي تلقتـه‪ ،‬في صـدور القرار‬

‫الصديق بهِ ‪.‬‬ ‫مكان‬ ‫ٌ‬ ‫شر البالدِ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬

‫(المتنبي)‬

‫‪the most evil land ever is that where‬‬ ‫‪there is no friend to find‬‬ ‫)‪(Al-Mutanabbi‬‬

‫‪ 136‬لسنة ‪ 1926‬القاضي بإنشاء متحف حلب‪.‬‬ ‫قـال لـي الباحث محمد قجـة‪ ،‬رئيس (جمعية‬ ‫العاديـات بحلـب) ـ االسـم الـذي صـارت إليـه‬ ‫(جمعيـة أصدقـاء القلعـة)‪ ،‬وواحـد مـن أهـم‬ ‫الباحثيـن فـي تـراث المدينـة وحضارتهـا‪،‬‬ ‫ردا علـى سـؤال حـول نشـاط الجمعيـة‪ ،‬التـي‬ ‫ّ‬ ‫عاما على‬ ‫‪80‬‬ ‫بمـرور‬ ‫‪2006‬‬ ‫عـام‬ ‫فـي‬ ‫احتفلـت‬ ‫ً‬ ‫إنشـائها‪:‬‬ ‫«نحـن نسـتعد إلصـدار العـدد األول مـن‬ ‫مجلـة العاديـات الفصليـة‪ ،‬وال ننسـى أنهـا‬ ‫حفيـدة (مجلـة العاديـات السـورية) الشـهرية‬ ‫التـي صـدر عددهـا األول فـي مايـو سـنة ‪1931‬‬ ‫ميالديـة كأول مجلـة متخصصـة باآلثـار‬ ‫فـي الوطـن العربـي‪ ،‬وكان مديرهـا ورئيـس‬ ‫تحريرهـا الشـيخ كامـل الغـزي‪ ،‬ولـم توقفهـا إال‬ ‫ظـروف الحـرب العالميـة الثانيـة‪ .‬كمـا نصـدر‬ ‫منـذ ‪ 1975‬ميالديـة كتابـا سـنويا بالتعـاون‬ ‫مـع جامعـة حلـب باسـم (عاديـات حلـب)‪،‬‬ ‫وهـذا الجهـد التوثيقـي تؤمنه دراسـات وبحوث‬ ‫المختصيـن مـن أعضـاء الجمعيـة الذيـن بلـغ‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫حلب من أعلى قلعتها‬

‫وجمعيـة العاديـات مـن أوائـل المنظمـات‬ ‫األهليـة فـي الوطـن العربـي‪ ،‬وهـي نمـوذج‬ ‫للعمـل العـام الـذي ينهـض بـه المثقفـون‬ ‫لحمايـة التـراث بـكل أشـكاله المعماريـة‬ ‫والفكريـة والفنيـة؛ الماديـة وغيـر الماديـة‪.‬‬

‫عددهـم أكثـر مـن ‪ 2500‬عضـو‪ ،‬ولهـا فـروع‬ ‫فـي الالذقيـة‪ ،‬وجبلـة‪ ،‬وطرطـوس‪ ،‬وحمـص‪،‬‬ ‫وحمـاه‪ ،‬وسـلمية‪ ،‬ومصيـاف‪ ،‬وإدلـب‪ ،‬ودرعـا‪،‬‬ ‫والسـويداء‪ ،‬وديـر الـزور‪ ،‬والمياديـن‪ ،‬والحسـكة‪،‬‬ ‫كمـا نشـارك فـي عـدد مـن اللجـان مثـل لجنـة‬ ‫ترميـم الجامـع األمـوي الكبيـر بحلـب‪ ،‬ونبذل سـأل ُته‪ :‬لقد سمعت باكتشـافك لبيت الشاعر‬ ‫جهـودا للحفـاظ علـى المدينـة القديمـة»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أبـي الطيـب المتنبـي فـي حلـب‪ ،‬فكيـف كان‬

‫ذلـك؟ أجابنـي بتأمـل كأنـه يقلـب أسـفارا من‬ ‫ورق وحبـر وحـب‪:‬‬ ‫«كان السـؤال حـول إقامـة شـاعرنا فـي حلـب‬ ‫شـغلي الشـاغل وأنـا أقلـب الكتابـات التـي‬ ‫تناولـت سـيرته‪ ،‬فلـدي اليـوم كل مـا كُ تـب‬ ‫وكثيـرا ما تسـاءلت‬ ‫عنـه مـن شـروح ودراسـات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عـن مـكان إقامتـه فـي حلـب‪ ،‬وأسـرار حياتـه‬ ‫اليوميـة بالمدينـة‪ ،‬حتـى عثـرت علـى أول‬ ‫الخيـط فـي كتـاب (بغيـة الطلـب فـي تاريـخ‬ ‫حلـب)‪ ،‬البـن العديـم‪ ،‬الـذي خصـص دخـول‬ ‫المتنبـي إىل حلـب بالعـام ‪ 337‬للهجـرة‪ ،‬فـي‬ ‫المحلـة المعروفـة بـدار بنـي كسـرى‪ ،‬وكانـت‬ ‫داره مالصقـة لـدار ابـن العديم‪ ،‬وهـي ما كانت‬ ‫وقـت كتابـة هـذه السـيرة خانقـاه سـعد الدين‬ ‫كمشـتكين‪ .‬وكانـت هـذه األسـماء واألماكـن‬ ‫مفاتيحـي األوىل للوصـول لبـاب المتنبـي بعـد‬ ‫الوصـف الدقيـق للمـكان‪ ،‬وتحديـد موقـع دور‬ ‫آل العديـم وآل كسـرى وخانقـاه سـعد الديـن‪،‬‬ ‫وعثـوري علـى سـطور تفصيليـة فـي كتـاب‬ ‫سـبط بـن العجمـي الحلبـي المتوفـى فـي‬ ‫‪ 884‬للهجـرة فـي كتابـه (كنـوز الذهـب فـي‬ ‫تاريـخ حلـب)‪ ،‬تبيـن قـرب الـدار من المدرسـة‬ ‫الصالحيـة‪ ،‬ومـا يعـرف اليوم بمنطقة سـويقة‬ ‫علـي‪.‬‬ ‫البصـر صـورا للبيـت‪ ،‬ثـم انطلقنـا إليه‪،‬‬ ‫تابـع‬ ‫ُ‬ ‫وتوقعـت أن أجـد الفتـة تـدل عليـه‪ ،‬أو جـادة‬ ‫تحمـل اسـمه‪ ،‬أو لوحـة تذكرنـا بصورتـه‪،‬‬ ‫أو مكتبـة لديوانـه والدراسـات التـي تناولـت‬ ‫سـيرته وأدبـه‪ ،‬أو شـرائط سـمعية لقصائـده‪،‬‬ ‫أو جداريـة تزهـو بأبياتـه‪ ،‬وخاصـة تلـك التـي‬ ‫أنشـدها فـي حلـب وأميرهـا‪:‬‬ ‫الروض قلنا‬ ‫رحبت بنا‬ ‫كل َ​َّما‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫بيل‬ ‫قص ُدنا وأنت َّ‬ ‫حلب ْ‬ ‫ٌ‬ ‫الس ُ‬ ‫والمسمون باألمير كثي ٌر‬ ‫ُّ‬

‫(تمثال) شهداء الثورة السورية منذ الف عام‬

‫المأمول‬ ‫واألمير الذي بها‬ ‫ُ‬ ‫لكننـي لـم أجـد ذلـك كلـه‪ ،‬ولـم أسـتمع إىل‬ ‫الشـعر‪ ،‬وقوافيـه‪ ،‬بـل تناهـت للسـمع نهنهـات‬ ‫طفوليـة بائسـة‪ ،‬ووجـدت الفتـة (مركـز اللقـاء‬ ‫األسـري)‪ ،‬حيـث أصبـح المـكان ملتقـى لرؤيـة‬ ‫األطفـال الذيـن يعانـي والداهـم مشـكالت‬ ‫االنفصـال‪.‬‬

‫‪43‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫يطمئننـا األسـتاذ قجـة بـأن عـددا مـن‬ ‫المقترحـات تتـم اآلن دراسـتها مـع المعنيين‪،‬‬ ‫لجعـل المقـر متحفـا يحمـل اسـم المتنبـي‪،‬‬ ‫يحتفـي بالثقافـة الثريـة التـي يثيرهـا اسـم‬ ‫ذلـك الشـاعر الكبيـر‪.‬‬ ‫البيـت يقـع فـي حلـب القديمـة‪ ،‬التـي‬ ‫يسـكنها اليـوم أكثـر مـن مائـة وعشـرة آالف‬ ‫نسـمة (آنـذاك بلـغ عـدد سـكان حلـب‬ ‫مليونـي نسـمة)‪ ،‬وتتضافـر حاليـا أكثـر مـن‬ ‫جهـة لمواجهـة تدهـور البنيـة التحتيـة لهـا‪،‬‬ ‫وضمـن هـذه الجهـود‪ ،‬وباإلضافـة لمـا تبذلـه‬ ‫جمعيـة العاديـات‪ ،‬يتعـاون مجلـس مدينـة‬ ‫حلـب مـع الوكالـة األلمانيـة للتعـاون التقنـي‪،‬‬ ‫ضمـن مشـروع إحيـاء مدينـة حلـب القديمـة‪،‬‬ ‫الـذي زرتـه فـي مدرسـة الشـيباني العتيقـة‪.‬‬ ‫انتقـل المعـرض إىل قاعـات المدرسـة بعـد‬ ‫سـنوات مـن عرضـه فـي ألمانيـا‪ ،‬ويضـم‬ ‫خرائـط تطـور عمـران المدينـة القديمـة‪،‬‬ ‫ومجسـمات لمنشـآتها الدينيـة والسـكنية‬ ‫وصورا موثقة لتاريخها يعود‬ ‫وأسـواقها والقلعة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عامـا‪ ،‬ونموذجيـن للبيت‬ ‫بعـض منهـا إىل ‪ً 150‬‬ ‫الحلبـي‪ ،‬أحدهـا بالحجـم الطبيعـي‪ .‬ومـن‬

‫المثيـر أننـي عثـرت علـى تفصيلـة معماريـة‬ ‫حجريـة‪ ،‬للمجسـم الـذي اختارتـه جمعيـة‬ ‫شـعارا لها‪ ،‬ضمن مقتنيات المعرض‪.‬‬ ‫العاديات‬ ‫ً‬ ‫وقد وجد مشـروع إحياء مدينة حلب القديمة‬ ‫أن أحـد المسـببات الرئيسـية لتدهـور الحالـة‬ ‫اإلنشـائية للمبانـي التاريخيـة هـو تسـرب‬ ‫الميـاه مـن شـبكات البنيـة التحتيـة‪ ،‬وارتفـاع‬ ‫الميـاه بفعـل الخاصـة الشـعرية إىل مناسـيب‬ ‫كبيـرة فـي الجـدران‪ ،‬مما خلق آفـات مختلفة‬ ‫فـي الحجـارة‪ ،‬بغـض النظـر عـن المشـكالت‬ ‫الناجمـة عـن ظهـور نباتـات فـي البنيـة‬ ‫الحجريـة‪ ،‬وهـو مـا يحـاول المشـروع اليـوم‬ ‫عالجـه‪ .‬وإذا كان مـن ملمـح معمـاري يجمـع‬ ‫يوحد بين‬ ‫بيـن ماضي المدينـة وحاضرها‪ ،‬أو ِّ‬ ‫قديمهـا وحديثهـا‪ ،‬فليـس سـوى الحجـر‪ ،‬الذي‬ ‫ينهـض فـوق الطرقـات بيوتا ومنشـآت بديعة‪،‬‬ ‫يحـاول حديثهـا اسـتلهام الماضـي التليـد‪،‬‬ ‫ليـس فقـط فـي المسـاجد‪ ،‬ولكـن فـي البيـوت‬ ‫الخاصـة أيضـا‪ ،‬بقلـب األحيـاء الجديـدة‪.‬‬ ‫* [فصل من كتاب (أيام دمشقية)‬ ‫عمان‪ ،‬األردن]‬ ‫الصادر مؤخرا عن دار خطوط وظالل‪ّ ،‬‬

‫مــن أقــرب الــدروع التكريميــة إلــى قلبــي وذاكرتــي؛ الــدرع‬ ‫التذكاريــة لمدينــة حلــب عاصمــة للثقافــة اإلســامية‪،‬‬ ‫وأهداهــا لــي صديقــي األكــرم الباحــث والمــؤرخ والقــدوة‬ ‫األســتاذ محمــد قجــة‪ ،‬األميــن العــام لحلــب عاصمــة‬ ‫للثقافــة اإلســامية‪ ،‬ورئيــس جمعيــة العاديــات ورئيــس‬ ‫تحريــر دوريتهــا‪ ،‬وعضــو مجلــس األمنــاء فــي كل مــن‬ ‫مركــز المخطوطــات فــي مكتبــة اإلســكندرية‪ ،‬ومؤسســة‬ ‫القــدس الدوليــة‪ ،‬ومؤسســة العلــوم والتكنولوجيــا‬ ‫والحضــارة‪ .‬حيــن التقيــت صديقــي الدكتــور حســن‬ ‫محمــد قجــة فــي دبــي (‪ )2015‬تحدثنــا طويــا عــن الوالــد‬ ‫الكريــم‪ ،‬الــذي أصــر علــى البقــاء فــي مدينتــه األغلــى‬ ‫حلــب‪ ،‬ال يفارقهــا‪ ،‬وقــد أصبــح جــزءا مــن تاريخهــا‪ ،‬مثلمــا‬ ‫هــي قطعــة مــن قلبــه وفكــره ووجدانــه‪ .‬تحيــة تلميــذ‬ ‫لــه وتحيــة أســرية ألســرته العزيــزة‪ ،‬ودعــاء فــي اللقــاء‬ ‫بالشــهباء مجــددا‬

‫‪44‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫أمريكا‪ ..‬أو “متالزمة غيالن باريه”‬ ‫أمريـكا هـي بلـد األحلام الفائضـة‪ ،‬التـي تؤطـر رؤى الشـباب فـي مشـارق‬ ‫األرض ومغاربهـا‪ ،‬وهـي أرض الحريـة والجنـون والتميـز والوله‪ ،‬غيـر أن الذي‬ ‫ال يعرفـه الشـباب أن الحيـاة فيهـا قتـال يومـي مـع المسـؤوليات‪ ،‬وال‬ ‫يمكـن تحقيـق مكانة بسـيطة فـي مجتمع يعـج بالمواهـب إال من خالل‬ ‫العمـل غيـر المنقطـع‪.‬‬

‫سهيلة بورزق ‪ -‬واشنطن‬

‫ثم ماذا يمكن أن يحدث لو فصلت عن عملك ألي سبب‬ ‫من األسباب وضاعت بوصلتك في البحث عن وظيفة‬ ‫جديدة لتسديد إيجار البيت وفواتير الماء والكهرباء‬ ‫والتأمين الصحي والغذاء؟‬ ‫أفتح هذه النافذة وأنا أعرف تماما ردة فعل من يعيشون‬ ‫في عالم الخيال الواسع‪.‬‬ ‫قبل سنوات طويلة أصيب زوجي بمرض غريب‪ ،‬جعلني‬ ‫شخصيا‪ -‬أقف عاجزة عن فهم داللة هذه األزمة الصحية‬‫التي هاجمته بعد عودته من تغطية الحرب في أفغانستان‪،‬‬ ‫بصفته إعالمي مراسل متنقل بين دول العالم‪ ،‬كان يجد‬ ‫صعوبة في بلع األكل وشرب الماء فاعتقدت حينها أنها‬ ‫حالة التهاب اللوز ورغم ذهابنا إىل المستشفى أكثر من مرة‬ ‫إال أن األطباء أكدوا لنا أن الحالة ستستقر بعد االستمرار في‬ ‫تعاطي الدواء‪ ،‬لكن الذي حدث أن الحالة تطورت إىل األسوأ‪،‬‬ ‫وازدادت سوء واحتجت إىل نقله إىل المشفى للمرة الخامسة‬ ‫وهنا اختلف التشخيص‪ ،‬وتحول التهاب الحلق إىل حالة نادرة‬ ‫من توقف جميع األعضاء عن الحركة‪ ،‬وشخصت حالته‬ ‫على أنها «متالزمة غيالن باريه» وهي حالة اضطرابية نادرة‬ ‫تتلف فيها األعصاب الطرفية بواسطة الجهاز المناعي‪.‬‬ ‫كان زوجي حينها هو المعيل الوحيد ألسرتنا‪ ،‬إال أن مرحلة‬ ‫مرضه والتي استغرقت سنة عالجية كاملة جعلتنا نتعلم‬ ‫درسا قاسيا ونحن نحضن غربتنا وتجربتنا الصعبة‪.‬‬ ‫كنت بال وظيفة‪ ،‬حين قررت مؤسسة عمله تحويله على‬

‫التأمين ليدفع لنا ربع دخله الشهري وهنا تحولت حياتنا‬ ‫إىل كوابيس‪.‬‬ ‫مررت بكم من هذه المحطة ألشعل شمعة في عقول‬ ‫الشباب وأخبرهم أن المآسي التي نمر بها في بلداننا‬ ‫النامية‪ ،‬نمر بها أيضا في بلد الصناعة والهوليود والترف‬ ‫والحرية‪ ،‬ويحدث أن نجوع وال نجد معينا ويحدث أن‬ ‫يظلمنا القانون لجهلنا به ولسوء الظروف واألكثر من ذلك‬ ‫يحدث أن يصدمنا سلوك العنصرية المستمر‪ ،‬رغم تكذيبه‬ ‫من طرف العنصريين أنفسهم‪.‬‬ ‫أمريكا التي يتخيلها الكثير من الشباب مرتعا للتهور‬ ‫والحياة الرغيدة هي في الحقيقة دوامة غير منتهية من‬ ‫التضحيات‪ ،‬والقلق المزمن‪.‬‬ ‫احملوا أحالمكم الكبيرة على محمل الجد‪ ،‬فال شيء‬ ‫يقتلها مثل خذالننا لها وتركها وحيدة في شارع بارد‪.‬‬ ‫ال يمكن دخول أمريكا بقرار اعتباطي‪ ،‬ألن بلد الصناعة‬ ‫ال يملك تأمينا مجانيا لألغبياء وال يمكن وضع التجربة‬ ‫في إطارها الحقيقي ألن الحقيقة هي ما تصنعه صالبتك‬ ‫حين يسقطك المرض‪ ،‬أو تواجهك تهم الحياة‪.‬‬ ‫األكيد أن اإلصرار على تحقيق األحالم‪ ،‬هو ما يجعلنا‬ ‫ننجح في تقدير مصيرنا‪ ،‬لكن أيضا علينا االنتباه إىل داللة‬ ‫المفاجآت غير الصريحة‪ ،‬التي تأتي محملة بالمصائب‪.‬‬ ‫ال تدخلوا أمريكا وأنتم سكارى‪ ،‬فالحياة هنا أعقد مما‬ ‫تتصورون‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫طاقة القلق الوجودي يف قصيدة (األقنعة)‬ ‫للشاعر اإلماراتي محمد عبداهلل البريكي‬ ‫القصيد‬ ‫صار‬ ‫ُ‬ ‫لماذا إذا َ‬ ‫غبت َ‬ ‫كالزوبعه‬ ‫الحزن‬ ‫ببوابةِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫تخون‬ ‫وأنت رياحي التي ال‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫والفلك واألشرعةْ‬ ‫الموج‬ ‫فتى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الظالم‬ ‫وكانت شواطئُنا في‬ ‫ِ‬ ‫تلبس األقنعةْ‬ ‫لوجهتِ نا‬ ‫ُ‬ ‫والعابرون‬ ‫صبري‬ ‫وغنيت‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قصب‬ ‫الموج كانوا‬ ‫على ضفةِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫تسابيح ُهم تستعيذ كثير ًا‬ ‫ُ‬ ‫مهب‬ ‫الموت‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫والجوع والال ْ‬ ‫ِ‬ ‫الغريق‬ ‫وكانت نجو ُم الندا ِء‬ ‫ِ‬ ‫العتب‬ ‫سماء‬ ‫تضيء‬ ‫بشعري‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عد َك باب ًا قديم ًا‬ ‫صار ُبـ ُ‬ ‫لقد َ‬ ‫عاله الصد ْأ‬ ‫ال‬ ‫قف‬ ‫ك‬ ‫وصد‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫هزيل‪ ..‬فأضحى‬ ‫ومفتاح صوتي‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ضيـ ُع حاض ُر ُه المبتد ْأ‬ ‫يـ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫حزن‬ ‫وصدك‬ ‫وما بين صوتي‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫فأيـ ُهما في الجفا قد بد ْأ ؟‬ ‫ُّ‬ ‫الطريق‬ ‫ندل‬ ‫َ‬ ‫مصيبتُ نا ال ُّ‬ ‫والكبرياء‬ ‫‪..‬‬ ‫‪..‬والحزن‬ ‫‪..‬أنت‬ ‫أنا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ثم َة نه ٌر‬ ‫ومن خلفـِنا كان ّ‬ ‫ماء ؟‬ ‫لماذا ِ‬ ‫عطشنا وفي النهر ْ‬ ‫لقد ج َّر َح الظم ُأ األمنيات‬ ‫الرواء ؟‬ ‫إلي‬ ‫فكيف‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫يعود َّ‬ ‫ُ‬ ‫وكوخ اللقا ِء‬ ‫تغيب‬ ‫تغيب‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الريح والعاصفةْ‬ ‫تالع ُب ُه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يستغيث‬ ‫وبابي بعكازهِ‬ ‫بعينِ َك لكنها ناشفةْ‬ ‫الغياب‬ ‫ظنون‬ ‫فيك‬ ‫ُ‬ ‫فتسقط َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫وأصعد للدمعةِ الخائفةْ‬ ‫ُ‬

‫‪46‬‬

‫د‪ .‬محمد بكر‬ ‫البوجي ‪ -‬فلسطني‬

‫عنـوان النص وعتبتـه ‪ ،‬األقنعة ‪ ،‬و لم يقل القناع ربما ألمرين‬ ‫اثنيـن ‪ :‬األول أن هنـاك قصائـد عربيـة تحمـل اسـم القنـاع‬ ‫وحتـى ال تخلـط هـذه القصيدة بتلـك القصائـد العربية ‪ ،‬ثم‬ ‫األقنعـة هـي جمـع ومـن النـص نفهـم أن المقصـود مـن‬ ‫الشـخصيات هنـا هـي شـخصيات جمعيـة لمجتمـع كامل‬ ‫متكامـل لـه فـي الماضـي سـلوكيات وحضـارات بـدات بإثـر‬ ‫الحضـارة الغربيـة تندمـل وتتالشـى هـذا مما جعل الشـاعر‬ ‫يحمـل قلقـا ثقافيـا وقلقـا وجوديا لهـذا سـماها األقنعة ‪.‬‬

‫القصيدة هي رثاء للحياة السابقة برحيل األب‬ ‫و برحيل الجد ‪ ،‬اللذن يرمزان إىل ‪ ،‬الزمن السابق‬ ‫‪ ،‬ترمز إىل األجيال التي رحلت ورحلت معها تلك‬ ‫الحياة التي كانت فيها محبة ووئام وتصالح مع الذات‬ ‫وتصالح مع المجتمع وفيها جلسات هادئة مساء‪،‬‬ ‫وفيها عمل مشترك صباحا هذه الحياة بدت وكأنها‬ ‫اليوم تتالشى بفعل موجودات تكنولوجية أضعفتها‬ ‫‪ .‬تتأرجح حركة النص بين زمانين وبين مكانين‬ ‫وبين مجتمعين ‪ ،‬زمانين الزمن القديم والزمن الذي‬ ‫يعيشه الشاعر ‪ ،‬المكان ربما مكان البحر حيث كنا‬ ‫نعمل هناك سويا ومكان الصحراء الذي ابتلع كل‬ ‫شيء في نفسياتنا‪ ،‬أيضا النص مليء بالطاقة ومنبع‬ ‫الطاقة أنه يكاد يكون نصا مسرحيا دراميا في ال شعور‬ ‫الشاعر حيث يرغب في إنجاز نص مسرحي كبير‪،‬‬ ‫هذا مقطع من النص الذي يطمح الشاعر في إنجازه‬ ‫عن تقلبات الحياة وصراع الحياة وربما صراع الطبقات‬ ‫واألجيال في المجتمع العربي‪ ،‬الشاعر يمتلك أدوات‬ ‫الكتابة للمسرح الشعري فهو يمتلك لغة رائعة ‪،‬‬ ‫يمتلك «كميرا» تصويرية في ذهنه راقية ‪ ،‬يمتلك‬ ‫أدوات البداية والنهاية ‪ ،‬يمتلك كل مقومات كتابة فن‬ ‫المسرح الشعري‪ ،‬وأعتقد أنه يوما ما سيذهب في هذا‬ ‫االتجاه ويكتب مسرحا يخلد اسمه عبر التاريخ‪ ،‬من‬ ‫هنا جاءت الطاقة التي نستشعرها في كل مفرادت‬ ‫النص‪ ،‬توجد طاقة بمعنى أن اللغة التي يستخدمها‬ ‫الكاتب تحمل طاقات رهيبة في البداية ‪،‬يقول ‪:‬‬ ‫لماذا إذا غبت صار القصيد ‪.‬‬ ‫استفهام تقريري‪ ،‬الغياب هو غياب مجتمع يمثل‬ ‫طاقة اآلباء واألجداد ‪ ،‬سلوكيات مجتمع ‪ ،‬لكن تقمصه‬ ‫أو وضع األباء قناعا له لماذا ‪ ،‬يقول ‪:‬‬ ‫القصيد‬ ‫صار‬ ‫ُ‬ ‫لماذا إذا َ‬ ‫غبت َ‬ ‫كالزوبعه‬ ‫الحزن‬ ‫ببوابةِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬

‫الزوبعة هنا تعطينا طاقة حركة ذاتية يدور حولها‬ ‫الشاعر في كل األبيات‪ ،‬نحن ندور حول أنفسنا في‬ ‫طريقة لولبية هي مثل الزوبعة‪ ،‬وبالتالي نحن نعيش‬ ‫حالة من فقدان التوازن ‪ ،‬وربما بناء شكل مجتمع‬ ‫جديد ال عالقة له بالماضي ‪.‬‬ ‫وأنت رياحي اليت ال ختون‬ ‫األب أو المجتمع السابق ينمذج السلوكيات الحضارية‬ ‫السابقة ‪ ،‬تمنح الطاقة الكامنة في كلمة الرياح شعورا‬ ‫إيجابيا ‪ ،‬ألن الرياح جمع تفيد التغيير نحو األفضل‬ ‫كما وردت في القران الكريم ( الرياح ُبشرا ) األعراف‬ ‫‪ ، 57‬أما وروودها مفردة تعني طاقة سلبية (ريح‬ ‫صرصر عاتية ) آل عمران ‪ ، 117‬هنا والده وأجداده‬ ‫هم الرياح التي كانت تأتي بالخير ‪.‬‬ ‫فتى الموج والفلك واألشرعة‬ ‫كلمة «فتى» هنا تذكرنا بقصيدة الشاعر طرفة ابن‬ ‫العبد الذي هو ابن نفس المكان الجغرافي ‪ ،‬ابن البحر‬ ‫والبر معا ‪ ،‬الذي أفرز النص بقوله ‪:‬‬ ‫إذا القوم قالوا من فتى ِخلت أنني‬ ‫ُعنيت فلم أكسل ولم أتبلدِ‬ ‫إذن هنا أيضا فيها نوع من االعتزاز بالذات بأنني‬ ‫أنا الفتى الذي يمكن االرتكاز عليه في إظهار تجليات‬ ‫ذهبت مع السابق وسلوكيات بدات تعتري هذا‬ ‫المجتمع ‪ ،‬إذن نحن أمام قصيدة تمتلئ بالطاقة‬ ‫وخاصة أن النص يرتكز على أربعة أبيات فقط‬ ‫رئيسية البيت األول والثاني والبيتين األخيرين التي‬ ‫يقول فيهما ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫يستغيث‬ ‫وبابي بعكازهِ‬ ‫بعين َِك لكنها ناشفةْ‬ ‫الغياب‬ ‫ظنون‬ ‫فيك‬ ‫ُ‬ ‫فتسقط َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫وأصعد للدمعةِ الخائفةْ‬ ‫ُ‬ ‫وما بين هذه األبيات هو تحليل وتفصيل وشرح لها ‪.‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫إذن نحن أمام قصيدة تكاد تكون رثاء إما أن تكون‬ ‫لألباء واألجداد الذين هم سند الحياة وسند الريح‬ ‫الذي كان يسندني ويسند معي الفلك واألشرعة و‬ ‫الموج والمقصود بهم الزمن‪ ،‬أو هي العادات والتقاليد‬ ‫والسلوكيات الحضارية العربية األصيلة التي ذهبت‬ ‫مع وجود تقنيات حداثية ‪.‬‬ ‫نعود إىل القناع ‪ ،‬القناع في األدب العربي بدأ مع‬ ‫البياتي في بداية الستينيات من القرن العشرين‬ ‫وأيضا بعض القصائد واألبحاث التي كتبت ‪ ،‬لكن أريد‬ ‫أن أقول شيئا أن القناع موجود في األدب العربي منذ‬ ‫امرؤ القيس في العصر الجاهلي عندما تغزل غزال‬ ‫تلب َسه‬ ‫فاحشا وذكر أسماء فتيات ‪ ،‬أعتقد أن هذا قناع ً‬ ‫امرؤ القيس ليظهر أنه يمارس ويتغزل ويفعل كذا ‪،‬‬ ‫لكن في الواقع هي أسماء وهمية من اختراع الشاعر‬ ‫‪ ،‬القناع هنا‬ ‫وأنت رياحي ‪ ،‬وبابي‪،‬‬ ‫صار‬ ‫غبت‬ ‫لماذا إذا‬ ‫ُ‬ ‫القصيد‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إذن اتخذ من الباب قناعا له ألن الباب هو مفتاح‬ ‫الحركة وأيضا داللة االنغالق التي تساوقت مع حروف‬ ‫الروي ‪ ،‬أيضا يعني له ‪:‬‬ ‫وكانت نجوم النداء الغريق بشعري تضئ سماء‬ ‫العتب‬ ‫هو يعتب لهذا نقول أن هذه القصيدة هي رثاء‬ ‫لعادات وتقاليد سابقة ويعتب على المجتمع أنه ترك‬ ‫العروبة األصيلة في عاداتها وتقاليدها وبدأنا نعيش‬ ‫في مجتمع مختلف ‪ ،‬يقول ‪:‬‬ ‫والعابرون‬ ‫صبري‬ ‫ّيت‬ ‫وغن ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قصب‬ ‫كانوا‬ ‫الموج‬ ‫على‬ ‫ضفةِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫تستعيذ كثير ًا‬ ‫تسابيحهم‬ ‫ُ‬ ‫مهب‬ ‫والال‬ ‫والجوع‬ ‫الموت‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫بدأنا في جوع ثقافي‪ ،‬بدأنا في موت ثقافي وأشباه‬ ‫مجتمعات كأننا قصب والقصب له دالالت ‪ :‬أوال أنه‬ ‫ضعيف ممكن أن ينحني تحت هب الرياح ويسهل‬ ‫كسره‪ ،‬ثم أنه من الداخل فيه فراغ والفراغ هنا فراغ‬ ‫نفسي وفراغ ثقافي ‪ ،‬كثر الغرباء الناطقين بغير اللغة‬ ‫‪.‬‬ ‫كلمة العابرون تذكرنا برائعة الشاعر الفلسطيني‬ ‫محمود درويش ( عابرون في كالم عابر ) مع‬ ‫االختالف في السياق التي يقول فيها عن العابرين ‪:‬‬ ‫أيها المارون بين الكلمات العابرة‬ ‫كالغبار المر ‪ ..‬مروا أينما شئتم ولكن‬ ‫ال تمروا بيننا كالحشرات الطائرة‬ ‫فلنا في أرضنا ما نعمل‬ ‫ولنا الماضي هنا‬ ‫ولنا صوت الحياة األول‬ ‫ولنا الحاضر والحاضر والمستقبل‬ ‫طبعا درويش يقصد الصهاينة الذين طردوا شعبه‬ ‫من ديارهم ‪ ،‬بينما شاعرنا يقصد العمالة الغريبة‬ ‫التي وضعت المجتمع في مازق حضاري ووجودي‬ ‫‪ ،‬العابرون على ضفاف الموج هم األجانب الذين ال‬ ‫قلق عندهم ال على المجتمع وال على الوطن ‪ ،‬ثقافة‬

‫محمد البريكي‬ ‫مغايرة تماما وقلق ذاتي مختلف ولغات غريبة ‪ ،‬هؤالء‬ ‫هم سر نكبتنا وضياع ثرواتنا سواء في فلسطين‬ ‫المحتلة الغرباء القادمين من دول أوروبا أو الغرباء‬ ‫القادمين الستالب الثروة ‪.‬‬ ‫أريد ان اقول شيئا واحدا ‪ ،‬أن شاعرنا يمتلك أدوات‬ ‫شعرية رائعة جدا وراقية جدا وأنه مثقف يشعر بعبء‬ ‫المرحلة وثقلها ‪ ،‬لهذا جاءت بعض الصور الشعرية‬ ‫عنده ‪ ،‬ربما توارد خواطر مع شعراء سابقين ‪ ،‬مثال في‬ ‫قصيدة ‪ ،‬رثاء ‪ ،‬للشاعر العراقي ‪ ،‬السياب ‪ ،‬يقول فيها ‪:‬‬ ‫والداي ماتا في طريقهما للحسين‬ ‫ً‬ ‫هل يقصد السياب ذلك مباشرة إطالقا ال ‪ ،‬يقصد‬ ‫شيئا آخرا ربما فقده نبض المجتمع الذي كان يحياه‬ ‫‪ .‬أيضا شعراء آخرون ذكروا هذا النبض وتلك الطاقة‬ ‫المفقودة والمهدرة في مجتمع يؤلم الشعراء الذين هم‬ ‫أكثر إحساسا بقوة نبض المجتمع والمتغيرات التي‬ ‫تطرأ عليه سلبا ‪ ،‬لكن تبقى قصيدة الشاعر محمد‬ ‫عبد هللا البريكي ‪ ،‬جاءت في وقتها وفي مكانها الذي‬ ‫ينسجم مع هموم شاعر المكان نفسه ‪ ،‬طرفة بن العبد‬ ‫‪ ،‬هنا قصيدة لها سمة الضفاف الواسعة في التحليل‬ ‫والعمق ولهذا كان سر استخدام القناع ‪ ،‬ليوسع ضفاف‬ ‫القصيدة ويعمق دالالتها وهنا كانت روعة الصورة‬ ‫الشعرية المتالحقة في النص حيث قلنا أن النص هو‬ ‫نص درامي يصلح أن يكون جزءا من مسرحية كبيرة‬ ‫‪ ،‬كل ما فيها من صور متالحقة فيها حزن وفيها رثاء‬ ‫وفيها بكاء على مجتمع يصعب عليه‬ ‫مصيبتنا ال ندل الطريق أنا ‪ ..‬أنت ‪ ..‬والحزن‬ ‫والكبرياء‬ ‫بيت رائع فيه يجمع بين الحزن على مجتمع بدأ‬ ‫يفقد األصالة وسلوكيات وعالمات األلفة والمحبة التي‬ ‫ضاعت بسبب كثرة الغرباء عن اللغة ‪ ،‬لم يفصل‬ ‫بينهما ‪ ،‬أنا ‪ ..‬أنت بحرف العطف ‪ -‬و – الذي يعني‬

‫المغايرة ‪ ،‬إنما فصل أو قل ربط بينهما بواد فيه ماء‬ ‫‪ ،‬أي أنا هو أنت ‪ ،‬أنت هو أنا ال فرق في األصل بين‬ ‫مجتمعين ‪ ،‬لكنه استخدم واو العطف بين الحزن‬ ‫والكبرياء ‪ ،‬ألنهما طاقتان مغايرتان ‪ ،‬ومتضاربتان‬ ‫داخل أنا أنت ‪ ،‬داخل النفس الواحدة ‪ ،‬لذلك ظل‬ ‫متمسكا بهذا الكبرياء ‪:‬‬ ‫ومن خلفنا كان ثمة نهر لماذا عطشنا وفي النهر‬ ‫ماء‬ ‫صورة راقية في مجتمع صحراوي‪ ،‬طبعا النهر‬ ‫معروف أنه به ماء واذا جف النهر فهو يتحول إىل وادي‬ ‫جاف يمتلئ موسميا مع المطر هنا يقول ثمة نهر وفي‬ ‫النهر ماء والمقصود بالنهر هنا ليس المتعارف عليه‬ ‫ولكن هنا انزياح لغوي كما في معظم الصور الشعرية‬ ‫بل في كلها انزياح لغوي المقصود بها هنا المودة‬ ‫والمحبة والتآلف والسلوكيات العربية األصيلة‪،‬‬ ‫لقد جرح الظمأ األمنيات‬ ‫واء؟‬ ‫َ‬ ‫فكيف ُ‬ ‫الي ال ّر ْ‬ ‫يعود َّ‬ ‫األمنيات والجرح عميقا في مجتمعنا بأنه تناسى‬ ‫أو ترك أشياء وحافظ على شخصيته فكيف يعود‬ ‫إىل الرواء؟ ال بد أن يعود إىل نبع الرواء‪ ،‬هنا استفهام‬ ‫استنكاري ال بد أن يعود إىل الرواء أي أن يعود إىل‬ ‫العادات والتقاليد العربية األصيلة‬ ‫تغيب تغيب وكوخ اللقاء‬ ‫يكرر تغيب هنا تغيب تغيب الرواء وكوخ اللقاء‬ ‫تالعبه الريح والعاصفة الكوخ الذي كنا تجتمع به كل‬ ‫العائلة و األحباب واألصدقاء فارغ اآلن ليس فيه إال آثار‬ ‫الريح تالعبه والعواصف ترفعه وهذا رياح عاصفة‬ ‫الحضارة الغربية التي جاءت بالتكنولوجيا وجعلت‬ ‫كل إنسان ينزوي وال يختلط باآلخرين ‪ ،‬وأن تعدد‬ ‫حروف الروي هنا داللة االضطراب النفسي والقلق‬ ‫الذي يعتري الشاعر لحظة اإلبداع ‪ ،‬عندما يكون قلقا‬ ‫أكثر يستخدم التاء المربوطة المغلقة فهو يغلق على‬ ‫نفسه بسبب الزوبعة ‪ ،‬وحين يستخدم صوته الممزوج‬ ‫بالكبرياء يستخدم ألف المد ‪ ،‬ثم يقمع نفسه بالهمزة‬ ‫الساكنة ‪ ،‬ثم الباء الساكنة المغلقة ‪ ،‬هذا نتيجة الطاقة‬ ‫المترددة التي تسيطر على أعصابه ومناخه الثقافي‬ ‫العام ‪ ،‬لكن ليس هذا ما يريد فيغلق على نفسه أداة‬ ‫السكون ‪ ،‬إنه يرحب بالتغيير المنتج داخليا ‪ .‬نحن‬ ‫أمام شاعر كبير جدا شاعر يمتلك أدوات ومقدرة‬ ‫وعواطف شعرية راقية ‪ ،‬أتمنى لشاعرنا أن ينفذ ما‬ ‫يكمن في الشعوره من أنه سيكتب مسرحا شعريا‬ ‫جادا يشخص فيه بين حالتين ‪ ،‬بين مجتمعين ‪،‬‬ ‫سابق يمارس شخصيته وثقافته ومجتمع اختلطت‬ ‫عليه المسارب ‪ ،‬مسرحية يخلد اسمه عبر التاريخ‬ ‫شاعرنا الكبير محمد البريكي ألف تحية لكم من‬ ‫قلب فلسطين النابض بعروبته ‪.‬‬ ‫قصيدة تمثل القلق العربي الوجودي وما يعتري‬ ‫المجتمع العربي من انقسامات ال لزوم لها ‪،‬وال حاجة‬ ‫لنا بها ‪ ،‬ألنها بفعل خارجي غريب ‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫مسرحية «شارلوك هوملز يف حظيرة املعطي»‬ ‫عنوان الكتاب‪:‬‬ ‫شارلوك هولمز في حظيرة المعطي‪.‬‬ ‫المؤلف‪ :‬أمينة الخربوع ‪ ،‬عللي خديجة‪.‬‬ ‫المترجم‪ :‬عللي خديجة‪.‬‬ ‫سنة الطبع ‪2021‬م‪.‬‬ ‫دار النشر‪ :‬دار بسمة ‪ -‬المغرب‪.‬‬ ‫عدد الصفحات‪37 :‬ص‪.‬‬ ‫معلومات حول المؤلف‪:‬‬ ‫أمينـة الخربـوع‪ :‬كاتبـة وشـاعرة‪ ،‬وأسـتاذة لمـادة‬ ‫اللغـة العربيـة‪.‬‬ ‫معلومات عن المترجم‪:‬‬ ‫عللـي خديجـة‪ :‬كاتبـة ومترجمـة‪ .‬حاصلـة على‬ ‫شـهادة مـن جامعة شـانهاي الدولية للغات‪ .‬أسـتاذة‬ ‫اللغـة والثقافـة الصينية‪.‬‬ ‫ملخص المسرحية‪:‬‬ ‫تتحـدث مسـرحية «شـارلوك هولمز فـي حظيرة‬ ‫يحبـان حـس‬ ‫المعطـي» عـن زوجيـن مرحيـن ّ‬ ‫الدعابـة ومـا تـزال عالقة حبهما شـابة رغـم تقدم‬ ‫المتحـري‬ ‫تـؤدي الزوجـة «حليمـة» دور‬ ‫سـنهما‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫شـارلوك هولمـز مـن أجـل الكشـف عـن سـارق‬ ‫ويـؤدي زوجهـا «المعطـي» دور السـارق‪.‬‬ ‫البقـرة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تجمـع مشـاهد المسـرحية بيـن الجـد والهـزل‬ ‫محمـل بالـدالالت والمقاصـد والقيـم‬ ‫فـي قالـب‬ ‫ّ‬ ‫العالقيـة النبيلـة‪.‬‬ ‫قسم المؤلف المسرحية إىل خمسة مشاهد‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫المشـهد األول‪ :‬تـدور أحـداث هـذا المشـهد فـي‬ ‫منـزل المعطـي وزوجـه حليمـة حـول مالبسـات‬ ‫اختفـاء البقـرة الغامضـة‪.‬‬ ‫المشـهد الثانـي‪ :‬تجـري أحـداث هـذا المشـهد في‬ ‫متحرية‪،‬‬ ‫الحظيـرة‪ ،‬وفيـه نشـهد تح ّول حليمـة إىل‬ ‫ّ‬ ‫واتهامهـا لزوجهـا بسـرقة البقرة‪.‬‬ ‫المشـهد الثالـث‪ :‬تو ّلـي حليمـة البحـث فـي‬ ‫الحظيـرة عـن أد ّلـة تسـاعدها علـى‬ ‫العثـور علـى سـارق البقـرة وإصرارهـا‬ ‫علـى أن زوجهـا هـو السـارق‪ ،‬مبينـة‬ ‫دوافعـه المبيتـة لفعـل السـرقة‪.‬‬ ‫المشـهد الرابـع‪ :‬اسـتمرار حليمـة فـي‬ ‫محاصـرة المعطـي بمجموعـة مـن األدلـة‬ ‫لتؤكـد بأنـه الفاعـل‪ ،‬وهربـه منهـا‪.‬‬ ‫المشـهد الخامـس‪ :‬لحـاق حليمـة بالمعطـي‬ ‫وتهديدهـا لـه بالمسـدس‪ ،‬واسـتغالل المعطـي‬

‫‪48‬‬

‫للفرصة وانتشالـــــه للمسـدس مــــــن‬ ‫بيـن يـدي حليمــــة التـي انفجـرت‬ ‫ضاحكـة مـن جـراء إطلاق المعطـي‬ ‫لكـرات مائيـة مـن فوهـــــة المسـدس‬ ‫البالستيكي‪ ،‬واعترافــــه لها بحبـــــــه‬ ‫رغـم تقـدم سـنهما‪.‬‬ ‫توجهت مجلة «أقالم‬ ‫عن المسـرحية ّ‬ ‫عربيـة» للمؤلفـة والمترجمـة المغربية‬ ‫أ‪ .‬عللـي خديجـــــة باالستفســــــارات‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫هل لديكم إصدارات سابقة أستاذة خديجة؟‬ ‫ عنـدي مقـاالت عـدة وكتابـات أدبيـة‪ .‬هـذا أول‬‫إصـدار باللغـة الصينيـة‪ ،‬وأنـا اآلن بصـدد ترجمـة‬ ‫ديـوان شـعري إىل اللغـة اإلنجليزيـة‪.‬‬ ‫اهتمامك باللغات األخرى ما هي جذوره؟‬ ‫ِ‬ ‫التالقـح الثقافـي‪ .‬لكــــــن اللغــــــة الصينيــــــة‬

‫بالنسـبة لـي هـي األسـاس‪ ،‬والحضارة‬ ‫الصينيـة مـن أعـرق الحضـارات‪،‬‬ ‫وهناك قواسـم مشـتركة بين الثقافة‬ ‫الصينيـة والعربيـة‪ ،‬وكذلـك تشـابه‬ ‫بيـن الكونفوشيوسـية واإلسلام‪.‬‬ ‫اعتــاد القــارئ أن يقــوم األدبــاء‬ ‫المهتـــــمون باللغـــــــــات األخـــــرى‬ ‫بترجمــــــة أعمــــــال أدبيـــــة مــن‬ ‫لكنــك‬ ‫تلــك اللغــات إىل العربيــة‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫إصداراتــك‬ ‫بــدأت‬ ‫هنــا قمــت بالعكــس فقــد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المطبوعــة بمسرحيـــــة باللغــــــة الصينيــــــة‬ ‫ومــن ثــم تمــت ترجمتهــا للعربيــة‪ ..‬مــن أيــن‬ ‫جاءتــك هــذه الفكــرة الجديــدة؟‬ ‫ِ‬ ‫المغـزى هـو نشـر اللغـة الصينيـة فـي البلـدان‬ ‫العربيـة ونشـر اللغـة العربيـة فـي الصيـن قصـد‬ ‫تالقـح ثقافـي وانسـجام حضارتيـن مـن بيـن‬ ‫أهـم الحضـارات‪ّ .‬لقبـت فـي عـدة محافـل دوليـة‬ ‫بالسفيرة الثقافيــــة ألنني أدافــــــع عن اللغـــــة‬ ‫العربيـة وأحـاول نشرهـــــا‪.‬‬ ‫شخصيتا المسرحيـــــة عربيتـــــان لكـــــــن‬ ‫روحيهمـا صينيتـان‪ ..‬فالحـب بيـن المسـنين‬ ‫ربمـا نلحظـه أكثـر فـي دول شـرق آسـيا‬ ‫وباألخـص الصيـن واليابـان‪ ..‬هـل هنـاك‬ ‫مغـزى لهـذه االزدواجيـة؟‬ ‫نعـم‪ .‬الروح المرحة والفكاهـة والتعاون خصال‬ ‫تميـز األزواج الصينييـن‪ ،‬وهنـا حاولـت تجسـيد‬ ‫ّ‬ ‫هـذه الخصـال الصينيـة فـي شـخصيات عربية‪.‬‬ ‫يقـال فـي الصيـن إن الحيـاة الزوجيـة السـعيدة‬ ‫تبقـى حتـى آخـر العمر‪.‬‬ ‫لديـك مشـاريع أدبيـة بغيـر اللغـة‬ ‫وهـل‬ ‫ِ‬ ‫ا لصينيـة ؟‬ ‫عنـدي اهتمـام باللغـة اإلسـبانية وثقافـة‬ ‫الفالمينغو‪ .‬ألن إسـبانيا هي قبلة المغرب‪ ،‬وهذه‬ ‫اللغـة منتشـرة بشـمال المملكـة لعوامـل منهـا‬ ‫االسـتعمار الـذي كان فـي مـدن شـمال المغـرب‪،‬‬ ‫وكذلـك للموقـع الجيوسـتراتيحي‬ ‫للمغرب‪ ،‬وللمبـادالت التجارية‪....‬‬ ‫وأنـا بصـدد تأليـف كتـاب حول‬ ‫دور المهـارة الثقافيـة في تدريس‬ ‫اللغـة العربيـة لغيـر الناطقيـن بهـا‪،‬‬ ‫وكذلـك ترجمـة ديـوان شـعري مـن‬ ‫العربيـة إىل اإلنجليزيـة‪.‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫“أحمد الشحري”‬ ‫احلب َّ‬ ‫والضوء ‪..‬‬ ‫ـمــ ًا من‬ ‫ِّ‬ ‫عالـ َ‬ ‫َ‬ ‫خالد البراح‬ ‫الـقـلب‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ـبـ َر ْه ‪..‬‬ ‫ص‬ ‫ز‬ ‫نـاهـ‬ ‫الـقـلب‬ ‫َمـا في‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫تـض ُ‬ ‫ــرةْ ‪..‬‬ ‫اح بـ َهـا ِ‬ ‫عـ ُض ِ‬ ‫يـق َ‬ ‫الع ْـب َ‬ ‫الج َـر ِ‬ ‫َبـ ْ‬ ‫ومِ‬ ‫ــد ُولـــة ٌ‬ ‫الح‬ ‫ـن‬ ‫ِـــح َم ْج ُ‬ ‫ـنيــن َر َوائ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫جـ َـمـــ َّرةْ ‪..‬‬ ‫قصـــائ ٌ‬ ‫ومِ َ‬ ‫ـــاب َ‬ ‫ـن الغِ َيـ ِ‬ ‫ِــد ُم ْ‬ ‫هــا‬ ‫الليـ ِ‬ ‫ـهـ ُ‬ ‫قبـ َ‬ ‫ـل ُع ْ‬ ‫ـل ْ‬ ‫ـل ْ‬ ‫والنــا ُر ْ‬ ‫َّ‬ ‫مـ َـر َ‬ ‫تجـ َ‬ ‫ـزْ‬ ‫ــر ْه ‪..‬‬ ‫ـهـ‬ ‫عـ‬ ‫ــد‬ ‫ـشـ‬ ‫يحـ‬ ‫ن‬ ‫الحـ‬ ‫يـن‬ ‫ُ‬ ‫ـل ِح َ‬ ‫والليـ ُ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ُ ِ ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ــايــات‬ ‫النـ‬ ‫يـا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أخضـر َّ‬ ‫الغـ َـربـا ِء‬ ‫ُج ْـر ُح َ‬ ‫ـطــ ُة ُ‬ ‫ـك ِح ْنـ َ‬ ‫ْ‬ ‫ــر ْه ‪..‬‬ ‫ـش‬ ‫ـت‬ ‫واس‬ ‫ى‬ ‫ـغـ‬ ‫ط‬ ‫ـن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫طـ ٍ َ َ‬ ‫في َو َ‬ ‫غـي َـمــ ًة‬ ‫ـن َر ِح ِ‬ ‫ــل مِ ْ‬ ‫ـسـافــةِ ْ‬ ‫الم َ‬ ‫ـم َ‬ ‫تـنْ َـس ُّ‬ ‫ـخَ‬ ‫ةِ‬ ‫ــرةْ ‪..‬‬ ‫ـم‬ ‫ج‬ ‫القصيـد‬ ‫ـب‬ ‫ص‬ ‫في‬ ‫ـيـب‬ ‫َ‬ ‫وتـغِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ارس‬ ‫و‬ ‫نــ‬ ‫نشيـج‬ ‫ــاضـي‬ ‫الم‬ ‫ُــك‬ ‫ت‬ ‫ـا‬ ‫ـتـ َ َ‬ ‫َ َ ٍ‬ ‫يقْ َ‬ ‫ـــرةْ ‪..‬‬ ‫ــد‬ ‫ويجــوعُ‬ ‫غـ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ـمــ ُأ فِ ـكْ َ‬ ‫ْ‬ ‫وتـظـ َ‬ ‫فيــك َ‬ ‫ً‬ ‫ــب‬ ‫الح‬ ‫في‬ ‫ا‬ ‫قـ‬ ‫ر‬ ‫ـغـ‬ ‫ـت‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ ْ ِْ‬ ‫ِــح ‪،‬‬ ‫ال َّ‬ ‫فـض َ‬ ‫الجــ َوان ِ‬ ‫ْ‬ ‫ــر ْه ‪..‬‬ ‫خ‬ ‫نـ‬ ‫ر‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـ‬ ‫ـم‬ ‫ت‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ــ‬ ‫ـليـظ التَّ‬ ‫أ ْو غَ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ــه‬ ‫ـضـ‬ ‫ـب‬ ‫ــح‬ ‫ن‬ ‫ـ‬ ‫ـم‬ ‫ي‬ ‫ء‬ ‫و‬ ‫ــ‬ ‫كـالض‬ ‫ــرد ًا‬ ‫نَ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ ُ ْ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫وم َـم َ‬ ‫ـــرةْ ‪..‬‬ ‫شــ َو َش ِ‬ ‫ـكـ َ‬ ‫ــات ُ‬ ‫ضـــ ِر أ ِّو َل َس ْ‬ ‫الخـ ْ‬ ‫للـ َو ْ‬ ‫ال نـبـيـئــ َّيـ ًا‬ ‫ِظــ ً‬ ‫ُي َـسـامِ ُ‬ ‫ـيــن الــ ُي َـدامِ ـي‬ ‫الط‬ ‫ــك‬ ‫ــق ُحـزْ نُ َ ِّ َ‬ ‫فـي نَ ِ‬ ‫ــد َر ْه ‪..‬‬ ‫ـخـيـل َِك َص ْ‬ ‫ـــل‬ ‫الفـ‬ ‫ـات‬ ‫ـنـيـ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫وكَـ ُأغْ َ‬ ‫الحـنَّــاءِ‬ ‫ـيـ َبــــ َة ِ‬ ‫ـغـسـ ُ‬ ‫خـ ْ‬ ‫َي ْ‬ ‫ِــل َ‬ ‫ــر ْه ‪..‬‬ ‫ـهـ‬ ‫ط‬ ‫ـك‬ ‫ـفـيـض‬ ‫ـت‬ ‫يس‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ـهــ ٌ‬ ‫ْ َ‬ ‫َنـ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ـتـ َنـا إلــى‬ ‫لـ‬ ‫حـ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ــ‬ ‫ـع‬ ‫والش‬ ‫ـبــي‬ ‫ـاح‬ ‫يا َص‬ ‫ْ ُ ِ ْ َ ُ‬ ‫ـحـ َـر ْه ‪..‬‬ ‫سـ ُ‬ ‫ـال َّ‬ ‫َح ْيـ ُث َ‬ ‫الج َـم ُ‬ ‫ـبـ ُ‬ ‫ـط ِس ْ‬ ‫الط ْلـ ُـق َي ْ‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ـ‬ ‫النـ‬ ‫ـاءات‬ ‫ـمـ‬ ‫ـث‬ ‫ـي‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫انـتِ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّ َ ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ـنـجــ ِرد ًا‬ ‫م‬ ‫ـاريخ‬ ‫التـ‬ ‫ض‬ ‫ـهـ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يـنـ َ‬ ‫ـــر ْه ‪..‬‬ ‫ـب‬ ‫تـ‬ ‫ــر‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فـجـ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫مـــو َو ْر َد ٌة‬ ‫فـ ِ‬ ‫تـنـ ُ‬ ‫وعـلــى ُش ُ‬ ‫المــ ْو ِج ْ‬ ‫ــوف َ‬ ‫َ‬ ‫قُ‬ ‫وتـــو ِر َثـــــ ْو َرةْ ‪..‬‬ ‫شـ ِ‬ ‫ـعـ ٍ‬ ‫كـ ِّ‬ ‫ــة ُ‬ ‫فــي ُ‬ ‫ـاس َ‬ ‫ــل َ‬ ‫ـــك التــي‬ ‫الـهـــزَائ ِ‬ ‫آدمِ ـ َّيـتُ َ‬ ‫ِـــم َ‬ ‫ْ‬ ‫ـمـــى َ‬ ‫أس َ‬ ‫ــر ْه ‪..‬‬ ‫ـمـ‬ ‫سـ‬ ‫ـدس‬ ‫أقـ‬ ‫ـاب‬ ‫ـتـ‬ ‫أعـ‬ ‫لـى‬ ‫ع‬ ‫َفـت‬ ‫نــز‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ِ ْ ِ ُ ْ َ‬ ‫عـ ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫ــابث ‪،‬‬ ‫ـعـــ ُر عِ ْ‬ ‫الش ْ‬ ‫ـطـــ ٌر َ‬ ‫ٌ‬ ‫ـومــــ ٌة ‪،‬‬ ‫ـتـ‬ ‫ـحـ‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫ــ‬ ‫ــريــبـ‬ ‫تـغْ‬ ‫َ َ ْ ُ َ‬

‫ـعــاقِ ـــ ُر َجـــزْ َر ْه ‪..‬‬ ‫َم ٌّ‬ ‫ـــد ُي َ‬ ‫ِّ‬ ‫ـعـــ ُر هــــذا الــ ال‬ ‫إلــــه ل ِ‬ ‫ِـظـلِّــــهِ‬ ‫َ‬ ‫الـش ْ‬ ‫ـجـــ َّرة ْ ‪..‬‬ ‫ـس‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫ً‬ ‫ـــ‬ ‫يــقـ‬ ‫ر‬ ‫ــ‬ ‫غـ‬ ‫«‬ ‫ـاك‬ ‫أنـ‬ ‫إال « َ َ َ ِ َ ُ ْ َ‬ ‫الح ْـبـلـى تُـفـتِّ ُ‬ ‫أب‬ ‫ـك ُ‬ ‫ـاج َ‬ ‫ــش َع ْ‬ ‫ْأم َـش ُ‬ ‫ـن ٍ‬ ‫ـــة ُم ْ‬ ‫ـضــــ َّرةْ ‪..‬‬ ‫ـح ٍ‬ ‫ـخ َ‬ ‫ــن َب َّ‬ ‫ِـس َـمـا ِرهـِــا ‪َ ،‬ع ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُـك القصيـد ُة َشـاعِ ــر ًا‬ ‫ن‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ـ‬ ‫ُـس‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ء‬ ‫و‬ ‫ـ‬ ‫ض‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ــــر ْه ‪..‬‬ ‫ـن َتـ ْأ َت ِ‬ ‫ْــم يـنْ ـفُ ُ‬ ‫الحـل ِ‬ ‫ـآت ُ‬ ‫َع ْ‬ ‫ـض كـ ِْـب َ‬ ‫ً‬ ‫الحـقـيـقــةِ َحـافِ ـيــ ًا‬ ‫ـلـى‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫ـ‬ ‫ـم‬ ‫حـ ِّـد َ‬ ‫َ‬ ‫َظ َ‬ ‫َ‬ ‫ــــر ْه ‪..‬‬ ‫ــفـ‬ ‫الم‬ ‫اب‬ ‫ـــر‬ ‫الس‬ ‫أس‬ ‫ُــل‬ ‫ك‬ ‫ـئِ‬ ‫ـلــةِ‬ ‫مِ ْ‬ ‫ـن ِّ ْ‬ ‫َّ َ ِ ُ ْ َ‬ ‫يـاصــ ْوتـ ًا َيـ‬ ‫ومـا بـــهِ‬ ‫يـا َ‬ ‫جــيء َ‬ ‫أنـت َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ـفــــــ َّرةْ ‪..‬‬ ‫ـصـ‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫ـــ‬ ‫ـلـ‬ ‫بـ‬ ‫وقـ‬ ‫د‬ ‫اعُ‬ ‫إال الــــ َو َ‬ ‫ُ ْ َ ُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ـعـ َـد َك َد ْم َـعـــ ٌة‬ ‫وحــة ْ‬ ‫األس َـمــاء َب ْ‬ ‫َم ْـذ ُبـ َ‬ ‫ـــرةْ ‪..‬‬ ‫َع َـب ْ‬ ‫ــرت َرفيـفـ ًا ْ‬ ‫فـ َ‬ ‫قـب َ‬ ‫ـــل آخـــ ِر َز ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ات‬ ‫ن‬ ‫ــ‬ ‫ِـلـك‬ ‫ت‬ ‫ة‬ ‫ـيـــد‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫الـغِ‬ ‫ـــاء ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَ‬ ‫َ‬ ‫ـن َز ْه َـرةْ ‪..‬‬ ‫بيعـ َ‬ ‫ـك َز ْه َـر ًة َع ْ‬ ‫التي ْ‬ ‫قـ ْت َر َ‬ ‫اعـ َتـ َنـ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ـزْ‬ ‫فـ ُـه‬ ‫نـ‬ ‫غ‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ـر‬ ‫ي‬ ‫لـم‬ ‫ـس‬ ‫الم‬ ‫ق‬ ‫بـ‬ ‫ـافـةِ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ ِ َ َ‬ ‫شـ َ‬ ‫َ‬ ‫ِــك ِوز َْر ْه ‪..‬‬ ‫ـ‬ ‫ــاب‬ ‫ـي‬ ‫فــي‬ ‫ـــل‬ ‫ي‬ ‫غِ‬ ‫ـــوغِ‬ ‫َ‬ ‫إال لِـ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ـهـــول‬ ‫الم ْـج‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وض َـرا َو ُة َ‬ ‫ات ‪،‬‬ ‫ث‬ ‫ـ‬ ‫الـع‬ ‫ح‬ ‫قـادِ‬ ‫ــل‬ ‫َــر ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْلي ٌ‬ ‫ـأر ْه ‪..‬‬ ‫ـبـــا ِر ُح َثـ َ‬ ‫ِح ْ‬ ‫ـقـ ٌـد ال ُي َ‬ ‫ـــم َع َـبـثِ ـ َّيــ ٌة‬ ‫َنــ َزقُ الـ َّر‬ ‫حيــل َمـ َو ِ‬ ‫اس ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِــل َب ْ‬ ‫ــذ َرةْ ‪..‬‬ ‫ـ‬ ‫ـم‬ ‫تحـ‬ ‫ر‬ ‫ـ‬ ‫ـم‬ ‫الع‬ ‫ـى‬ ‫ص‬ ‫بـأقـ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ ِ ْ‬ ‫و َي ٌـد ْ‬ ‫ـأوى ُي َحــا ِو ُل غَ ـائِـبــ ًا‬ ‫َ‬ ‫وص َـد ًى بــال َم ً‬ ‫قَ ـفَّ‬ ‫ــر ْه ‪..‬‬ ‫إثـ‬ ‫ِــك‬ ‫ت‬ ‫ـا‬ ‫ـس‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ـ‬ ‫ـت‬ ‫ب‬ ‫ى‬ ‫ــد‬ ‫الم‬ ‫ــى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ ُّ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫فــاقُ‬ ‫ْـقـــ ًة‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ــ‬ ‫اص‬ ‫و‬ ‫تـ‬ ‫ومـا‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ــب‬ ‫تـعِ‬ ‫َ ِّ‬ ‫َ َ ْ ِ َ‬ ‫ـــرةْ ‪..‬‬ ‫ــت‬ ‫َـغْ‬ ‫ل‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ــا‬ ‫وم‬ ‫أنت‬ ‫ْـت‬ ‫الـعِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ور َحـل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ـتـ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬

‫تأمالت يف الكتابة‬ ‫بثينة الشيباني ‪ -‬اليمن‬ ‫إن الكتابة عبارة عن تجارب مختلفة ورد‬ ‫فعل لمواقف يكون فيها السبب هو العجز التام‬ ‫عن الرد المباشر‪ ،‬عجز الخائف والمحب‪ ،‬وال‬ ‫دائما وهو بخير‪ ،‬إنما يلجأ‬ ‫يعود المرء للكتابة ً‬ ‫إليها؛ ألنها متنفسه الوحيد؛ ألن في روحه صدع‬ ‫وآالم والكتابة وحدها ترمم ما انهار بداخله‪،‬‬ ‫هي وحدها التي تكون بمثابة الضمادات!‬ ‫يسميه البعض ف ًّنا أو تر ًفا‬ ‫هذا األدب الذي ّ‬ ‫إنما هو مخاض لآلالم المكبوتة والطمأنينة‬ ‫المنتزعة وسياج القلق الذي يحاصر المرء في‬ ‫ليله ونهاره‪ ،‬أو قل فجوة سوداء في الذاكرة‬ ‫يتسرب منها وإليها كل ما يؤلم الروح من‬ ‫الداخل؛ كأن تحصد الخيبات ممن لم تتوقع‬ ‫منهم ذلك‪ ،‬فغفلت للحظة عن حقيقة‬ ‫مفادها ّأن فرط الغباء والسذاجة أن تأمن‬ ‫األيام وتغيراتها وتقلبات الناس التي أسرع من‬ ‫تقلبات الطقس‪ ،‬أن تغفل عن كمية الحقد‬ ‫الموتور والشر المضمر‪ ،‬عن األوهام التي كنا‬ ‫لفترات طويلة نحسبها جذر الحقيقة وما كانت‬ ‫وحل للكذب والخداع‪..‬‬ ‫إال ً‬ ‫في الكتابة وحدها يواجه المرء مخاوفه‪،‬‬ ‫أحدا‪،‬‬ ‫يكتب عما يخشاه دون أن يخشى‬ ‫ً‬ ‫ويح ِرق‪ ،‬أن‬ ‫يستطيع وهو يكتب أن يحترق ُ‬ ‫يضيء وينطفئ في اللحظة ذاتها‪ ،‬يستطيع‬ ‫أن يدرك مدى ما يسعه جوفه من التراكمات‪،‬‬ ‫يكتب شعوره وما يتعذر عليه شرحه حين‬ ‫يتحدث ويتحدث دون جدوى‪ .‬تقوى شوكة‬ ‫المرء وهو يكتب؛ فيهاجم وتنشب له مخالب‬ ‫وأنياب ويضعف أحيا ًنا حتى يظن أن قلبه‬ ‫هشا مهتر ًئا‬ ‫بكل صالبته وقسوته قد استحال ًّ‬ ‫تعطبه كلمة وتصلح حاله أخرى‪..‬‬ ‫الكتابة هي عزاء الذين يشعرون بالوحدة وال‬ ‫يروقهم الضجيج‪ ،‬عالم له قداسته وطقوسه‬ ‫وحرمه‪ ،‬من خالله فقط يستطيع أحدنا أن‬ ‫يفرغ ما في جعبته من شعور سحيق؛ إنها‬ ‫زفرات المحزونين الذين ال يملكون من أمرهم‬ ‫سبيل إىل التخلص من هذه‬ ‫شي ًئا‪ ،‬وال يعرفون‬ ‫ً‬ ‫األثقال ّإلها‪..‬‬ ‫كانت وما زالت الكتابة ملجأي الوحيد فهي‬ ‫اختصار المسافات‪ ،‬وحضور أطياف الغائبين‪،‬‬ ‫هي التفاصيل المنسية التي نظنها غفت‬ ‫هبت‬ ‫تحت رماد األيام لكنها في لحظة عابرة ّ‬ ‫فأيقظت فينا ما طال اختباؤه‪ ،‬هي الذاكرة‬ ‫التي تصون األشياء كلها دون حدود أو سدود أو‬ ‫قيود‪ ..‬الكتابة يا سادة هي كل ذلك وأكثر!!‬

‫‪49‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫مؤمنا؟‬ ‫املعري‬ ‫ً‬ ‫هل كان ّ‬ ‫التخبط بني الشك واليقني هي أقسى املرارات‪ .‬وأبو‬ ‫مرارة‬ ‫ُّ‬ ‫جترع هذه املرارة بل املرارات إلى يوم مات‪.‬‬ ‫العالء املعري‬ ‫ّ‬ ‫وعبقريته جلبت له العداوات‬ ‫فاملعرفة لم متنحه إلّا الشقاء‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إماما له يف حياته ورفض‬ ‫العقل‬ ‫واالتهامات القاسية‪ .‬اتخذ‬ ‫ً‬ ‫كثيرا يف نزوعه العقلي والنظر إلى‬ ‫أن يؤمن مبا دونه‪ .‬غالى‬ ‫ً‬ ‫اجملرد‪ .‬فقد بصره وهو طفل على إثر‬ ‫األشياء بعني العقل‬ ‫ّ‬ ‫إصابته باجلدري‪ ،‬ثم مع مرور الزمن فقد والديه وكان يف‬ ‫أشد احلاجة إلى بقائهما معه وإلى جواره‪ .‬نظم الشعر يف سن‬ ‫ّ‬ ‫مبكرة وضارع فحول الشعراء‪ ،‬وكان ُم ِّ‬ ‫عبقريا ومن أفقه‬ ‫فكرا‬ ‫ً‬ ‫الناس باللغة وعلومها وأسرارها‪ .‬ينتسب إلى أسرة رفيعة‬ ‫مهتمة بالفقه واللغة والدين وبعضها يشتغل بالقضاء‪ ،‬ومنها‬ ‫طلبا للعلم‬ ‫تلقّ ى ثقافته األولى‪ .‬ثم تنقل إلى أكثر من مكان ً‬ ‫واالستنارة وكذلك تردد على املكتبات التي أمكنه الوصول‬ ‫إليها واستفاد منها حتى راح صيته يلمع ويكبر وينتشر بني‬ ‫يوما بعد يوم‪ .‬هو عبقري بالفعل ومن أعمق شعراء‬ ‫الناس ً‬ ‫العربية على طول الزمن‪..‬‬ ‫الب ّراق‬ ‫ضياف َ‬ ‫عمره كله ‪ ٨٦‬سنة‪ .‬أخذَ من كل الفلسفات ولكنه‬ ‫قاطع أكل اللحوم وما ينتجه‬ ‫لم يتمذهب‪ .‬نباتي‬ ‫َ‬ ‫الحيوان من حليب وبيض وغيرهما‪ .‬في النصف‬ ‫الثاني من حياته اعتزل الناس في بيته‪ ،‬تج ُّن ًبا‬ ‫لشرهم‪ ،‬وانغمس يمارس التأمل وكان يبكي في‬ ‫خلواته وبحرية‪ .‬وكان يصوم في رمضان أو متى‬ ‫تدي ًنا ولكن على سبيل قهر النفس‬ ‫يشاء‪ ،‬ليس ُّ‬ ‫الترقي الروحي‪ .‬سلك مثل الصوفية في‬ ‫وبهدف‬ ‫ّ‬ ‫الزهد ومقاطعة الدولة ورجال الدين واألغنياء‪.‬‬ ‫ضد سفك الدماء ًأيا كانت‪ ،‬وضد إيالم الحيوان‪.‬‬ ‫وهزم‬ ‫كل حياته‪ ،‬وأعرض عن الملذات‬ ‫بقي‬ ‫أعزب َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ضعيفا‬ ‫وعد نفسه‬ ‫ً‬ ‫إغراءات الدنيا‪ .‬أفرط في التواضع َّ‬ ‫عاج ًزا‪ .‬سوداوي المزاج شديد التشاؤم عزيز النفس‪.‬‬ ‫جميعا‪.‬‬ ‫تخلو حياته من االنحطاط بألوانه وأشكاله‬ ‫ً‬ ‫ويضعه طه حسين في قائمة اشتراكيي العصور‬ ‫القديمة‪ .‬وهو محق في ذلك‪« .‬هو اشتراكي لوال أنه‬ ‫صاحب قناعة وزهد واعتزال للناس وإعراض عن‬ ‫الحياة العاملة وما يكون فيها من جهاد‪ .‬هو اشتراكي‬ ‫ِ‬ ‫ولنقتص ْد مع ذلك في اللفظ‬ ‫الرأي‪ ،‬فلسفي السيرة‪،‬‬ ‫فهم من اشتراكية‬ ‫وفي الحكم ً‬ ‫أيضا‪ ،‬فال ينبغي أن ُي َ‬ ‫فهم من اشتراكية كارل ماركس‪،‬‬ ‫أبي العالء ما ُي َ‬ ‫وإنما ينبغي أن يفهم من اشتراكية أبي العالء‬

‫‪50‬‬

‫اشتراكية العصور القديمة‪ ،‬ومن اشتراكية الثائرين‬ ‫والساخطين‪ ،‬في القرن الثالث والرابع للهجرة بنوع‬ ‫خاص»‪.‬‬ ‫كان يقول آراءه بجرأة ال مثيل لها‪ .‬قارع بيئته‬ ‫وتعرض لعيوبها بالنقد‬ ‫المتخ ِّلفة‬ ‫االجتماعية ُ‬ ‫ّ‬ ‫الالذع‪ .‬هو شاعر ناقد بغير حواجز‪ ،‬ال يقف عند‬ ‫أشعل ثور ًة انقالبية شعرية‬ ‫الخطوط الحمراء‪.‬‬ ‫َ‬ ‫اخترق بها المس ّلمات وزعزع المعتقدات‬ ‫وأدبية‬ ‫َ‬ ‫سابحا بفكره إىل أعمق األعماق‪ .‬وال يخلو‬ ‫وذهب‬ ‫ً‬ ‫نتاج المعري من العناية الشديدة باللفظ‪ ،‬وبنفس‬ ‫أيضا من ألفاظ‬ ‫العناية كان يصوغ معناه‪ ،‬وال يخلو ً‬ ‫غريبة وتراكيب جديدة ومن غموض وتعقيد‬ ‫وتناقض عجيب‪ .‬والمثقف البسيط ذو المحصول‬ ‫اللغوي القليل سيجد صعوب ًة كبير ًة عندما يقرؤه‪.‬‬ ‫أعني لن يفهمه‪ .‬والمعري كان من كارهي التقليد‬ ‫والترهات‪ .‬ولذلك كان‬ ‫وتكرار المرويات واألخبار‬ ‫ّ‬ ‫جاريا على غير مثال سابق‪.‬‬ ‫إبداعه‬ ‫ً‬ ‫جديدا ً‬ ‫ال أستطيع القول بأنه كان يشعر بالنقص بسبب‬ ‫عاهته وضآلة جسمه وقصر قامته وتش ّوه وجهه‪.‬‬ ‫صدقهم‪ .‬ومن المعلوم أنه‬ ‫والقائلون بذلك ال ُأ ِّ‬ ‫طالته إهانات بالغة القساوة والمرارة‪ ،‬من صغار‬ ‫محسودا‬ ‫العقول والنفوس وقليلي األدب‪ .‬فقد كان‬ ‫ً‬

‫على نبوغه وارتفاع مكانته‪ ،‬وكما تتعرض الشجرة‬ ‫المثمرة للقذف بالحجارة كذلك القى شيخنا‬ ‫العظيم األذى والتحقير‪ .‬سأروي ثالثة حوادث‬ ‫مؤلمة (راجع كتاب «أبو العالء المعري الشاعر‬ ‫بغداد‪ ،‬دخل المعري مجلس‬ ‫الحكيم»)‪ :‬في‬ ‫َ‬ ‫فغضب ذلك‬ ‫‪،‬‬ ‫ل‬ ‫برج‬ ‫ر‬ ‫ث‬ ‫وتع‬ ‫المرتضى‬ ‫الشريف‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫صارخا‪َ :‬من هذا الكلب! واإلهانة الثانية‬ ‫الرجل‬ ‫ً‬ ‫وقعت له في ذاك المجلس نفسه؛ إذ جرى ذكر‬ ‫المتنبي والمرتضى يبغضه ومتعصب عليه فقلل‬ ‫من حجمه وعدد عيوبه‪ ،‬فرد عليه المعري (وكان‬ ‫المحدثين)‪:‬‬ ‫أشعر‬ ‫متعصبا للمتنبي ويعتبره‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫لو لم يكن للمتنبي إال قوله « ِ‬ ‫لك‪ ،‬يا منازل‪ ،‬في‬ ‫فضل‪ .‬فغضب المرتضى من‬ ‫القلوب منازل» لكفاه ً‬ ‫وبرر‬ ‫رجله!‬ ‫من‬ ‫فسحبوه‬ ‫المعري وأمر بخروجه‬ ‫ّ‬ ‫المرتضى قل َة أدبه لجلسائه بأن للمتنبي ما هو‬ ‫أجود من ذلك ولكن المعري أراد به هذا‪« :‬وإذا أتتك‬ ‫كامل»‪.‬‬ ‫ناقص‪ ،‬فهي الشهادة لي بأني‬ ‫مذمتي من‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وأما الثالثة فهي أن المعري أراد دخول مجلس‬ ‫ّ‬ ‫فسمح‬ ‫فاستأذن‪،‬‬ ‫عالم النحو أبي الحسن الربعي‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قائل‪ :‬ليدخل االسطبل (أي‬ ‫أبو الحسن بدخوله ً‬ ‫األعمى بلغة أهل الشام!)‪.‬‬ ‫يقول هادي العلوي في مدارته الصوفية (كتابه‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫جدا)‪ّ ،‬إن المعري كشف عن حقيقة مجهولة‪،‬‬ ‫الرائع ًّ‬ ‫وال يزال الجهل بها يوحد عامة المثقفين‪ ،‬وهي‬ ‫ّأن الدين ال عالقة له بالروح بل هو منحى ِحسي‬ ‫لذائذي تسلطي‪ .‬والروحانية‪ ،‬بتعبير العلوي‪ ،‬ليست‬ ‫سوى تجريد الديني ينغمس فيه الملحد أو الربوبي‬ ‫فيتعاىل على الصغائر ويرفع من شأن الروح على‬ ‫المف ِرطة‪ .‬وروحانية‬ ‫حساب النزعات الجسدية ُ‬ ‫المعري والمتصوفة ليست هي الدين‪.‬‬ ‫هو من الساخطين على كل شيء‪ ،‬ومن القائلين‬ ‫بقطع النسل‪ .‬عزوفه عن الزواج سببه القرف من‬ ‫الجنس وإحساسه الكامل بعبثية الحياة‪ .‬والفساد‬ ‫عنده يزداد بزيادة الناس‪ .‬نظرته إىل المرأة سلبية‬ ‫وقاسية‪ .‬ومع ذلك وقف معها موقفين نبيلين؛ ّأما‬ ‫رافضا‬ ‫األول فدعوته إىل االكتفاء بزوجة واحدة‪ً ،‬‬ ‫وأما الثاني فتشديده على عدم تزويج الفتاة‬ ‫ُّ‬ ‫التعدد‪ّ ،‬‬ ‫من الشايب‪ .‬والمعري يعتبر الطبيعة البشرية‬ ‫فاسدة من أصلها‪ ،‬وأعلن يأسه من عالجها‪ .‬والسعي‬ ‫إىل إصالحها هو العبث بعينه‪.‬‬ ‫الدين عنده هو ترك الشر والظلم ولذلك هاجم‬ ‫شرا‬ ‫الفروض الدينية الشكلية‪ .‬والمعري لم يصنع ًّ‬ ‫زاهدا‪ ،‬عطو ًفا نحو الحيوان‪،‬‬ ‫ظلما‪ ،‬وإنما كان ً‬ ‫وال ً‬ ‫ومتعا ِو ًنا مع المحتاجين بما يقدر عليه‪ ،‬برغم‬ ‫لتعرف كيف َنظر‬ ‫فقيرا‪ .‬خذ هذين المثالين‬ ‫َ‬ ‫كونه ً‬ ‫شاعرنا الحكيم إىل الدين‪:‬‬ ‫“ما الدين صوم يذوب الصائمون له‬ ‫وال صالة وال صوف على جسدِ‬ ‫رحا‬ ‫وإنما هو ترك الشر َّ‬ ‫مط ً‬ ‫غل من وحسدِ »‬ ‫ونفضك‬ ‫الصدر من ٍّ‬ ‫َ‬ ‫الش َّر َعنّي‬ ‫نسان ك ََّف َ‬ ‫اإل ُ‬ ‫“ ِإذا ِ‬ ‫الحياةِ ل َُه َو َرعيا‬ ‫ف َُسق ًيا في َ‬ ‫تاب موسى‬ ‫َو َيد ُر ُس ِإن َأ َ‬ ‫راد كِ َ‬ ‫الء َشعيا»‬ ‫َو ُيضمِ ُر ِإن َأ َح َّب َو َ‬ ‫ولكن المعري في الحقيقة ال يعترف باألنبياء‬ ‫وال بشرائعهم‪ .‬فالعالقة بين المخلوق والخالق ال‬ ‫تحتاج إىل وسيط‪.‬‬ ‫كقوله‪:‬‬ ‫مقال الرسل حقًا‬ ‫تحس ْب‬ ‫“وال َ‬ ‫َ‬ ‫سطروه‬ ‫زور ّ‬ ‫ْ‬ ‫ولكن ُ‬ ‫قول ٍ‬ ‫رغيد‬ ‫عيش‬ ‫وكان الناس في‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فكدروه!»‬ ‫بالمحال ّ‬ ‫فجاءوا ُ‬ ‫وقوله‪:‬‬ ‫إح ًنا‪،‬‬ ‫بيننا‬ ‫ألقت‬ ‫الشرائع‬ ‫“إن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫العداوات!»‬ ‫أفانين‬ ‫وأورثتنا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫وال تنصدم إذا وجدته ينتقد الخالق أو يطعن في‬ ‫حكمته‪:‬‬

‫تعم ًدا‬ ‫َ‬ ‫“أنهيت عن قتل النفوس ُّ‬ ‫ملكين؟‬ ‫ها‬ ‫لقبض‬ ‫أنت‬ ‫وبعثت‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫معادا ثان ًيا؟‬ ‫َ‬ ‫وزعمت أن لها ً‬ ‫الحالين؟»‬ ‫عن‬ ‫أغناها‬ ‫كان‬ ‫ما‬ ‫ِ‬ ‫واللزوميات تعج باألبيات العالئية المتمردة‪.‬‬ ‫كل‬ ‫ُع ِر َف بافتتانه الشديد بالعقل‪ ،‬وجعل فيه َّ‬ ‫عاليا‬ ‫ثقته‬ ‫ّ‬ ‫وتشبث به‪ ،‬وبأجنحة عقله الحر ح ّلق ً‬ ‫بعيدا حتى التعب‪ .‬وهو القائل في‬ ‫بعيدا‬ ‫وذهب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نبي» و»العقل‬ ‫إمام سوى‬ ‫ِ‬ ‫و»كل ٍ‬ ‫العقل» ُّ‬ ‫شعره «ال َ‬ ‫عقل ُّ‬ ‫خصمان»‪ .‬ويظن طه حسين‬ ‫الموت‬ ‫حتى‬ ‫والطبع‬ ‫ِ‬ ‫ّأن «العلة الحقيقية التي شقي بها أبو العالء خمسين‬ ‫عاما إنما هي الكبرياء‪ ،‬الكبرياء التي دفعته إىل‬ ‫ً‬ ‫محاولة ما ال يطيق‪ ،‬وإىل الطمع فيما ال مطمع فيه‪،‬‬ ‫وإىل الطموح إىل ما ال مطمح فيه‪ .‬أسرف أبو العالء‬ ‫في اإليمان بعقله‪ ،‬وأسرف في الثقة بهذا العقل‪،‬‬ ‫ورفض كل شيء سواه‪ .‬فالعقل مهما يكن جوهره‪،‬‬ ‫إنساني أي محدود‪ ،‬محدود‬ ‫ومهما تكن طبيعته‬ ‫ٌّ‬ ‫الطاقه محدود المعرفة كغيره من ملكات اإلنسان‪،‬‬ ‫سبيل إىل ما ال‬ ‫فالغريب أن ُي َّتخذ العقل المحدود‬ ‫ً‬ ‫حد له‪ ،‬وأن ُتتخذ هذه اآللة القاصرة المتواضعة‬ ‫َّ‬ ‫سبيل إىل بلوغ ما ال تستطيع بلوغه»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ونجيء إىل سؤالنا‪ :‬هل كان المعري مؤمنا؟‬ ‫يستخلص هادي العلوي من اللزوميات قرابة ألف‬ ‫بيت تعبر عن مذهبه الفلسفي وزندقته المنكرة‬ ‫للنبوات والناقدة لنظام الطبيعة والمجتمع‪ ،‬حسب‬ ‫قوله‪ ،‬ويفترض ّأن هذه الجملة من اللزوميات هي‬ ‫عبر األصدق عن آرائه‪ ،‬وما عداها كان «للمداراة»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الم ِّ‬ ‫شخصيا في مواجهة‬ ‫ا‬ ‫ضعف‬ ‫أظهر‬ ‫أنه‬ ‫عليه‬ ‫ويأخذ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وجها لوجه‪،‬‬ ‫ناقديه فكان يداريهم إذا تكلموا معه ً‬ ‫يقيده‬ ‫فلم‬ ‫فإذا انفرد بنفسه ساح فكره وسال‬ ‫ّ‬ ‫بأن‬ ‫اعتبار‪ .‬ويخلص العلوي إىل أنه يصعب القول ّ‬ ‫تعمقه في الفلسفة أظهر‬ ‫المعري كان مؤم ًنا ّ‬ ‫ألن ُّ‬ ‫والمعري‪،‬‬ ‫ته‪.‬‬ ‫والمنطقي‬ ‫الديني‬ ‫له بساطة الوعي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ماديا صر ًفا بل اختار‬ ‫يكن‬ ‫لم‬ ‫حسب العلوي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الروحانية الشرقية الالدينية العميقة‪ .‬وأنا أرى‬ ‫المعري ينتمي إىل التصوف الفلسفي‪.‬‬ ‫فروخ في كتابه «أبو العالء المعري الشاعر‬ ‫ّأما ُع َمر ّ‬ ‫زنديقا أم‬ ‫عما إذا كان المعري‬ ‫فيتساءل‬ ‫الحكيم»‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تقيا؟ ثم يقول «غلط الناس على المعري فظنوه‬ ‫ً‬ ‫تقيا»‪ .‬ونحن ال نشك‬ ‫ً‬ ‫زنديقا‪ .‬ولكن الواقع أنه كان ً‬ ‫في طهارته ونزاهته الحقيقية‪.‬‬ ‫ويبقى أبو العالء حالة استثنائية مثيرة للجدل‪،‬‬ ‫وجديرة بالبحث والدراسة العميقة واالقتداء‪.‬‬ ‫دائما في قفص االتهام‪ .‬وحتى ال نظلمه‬ ‫وسيبقى ً‬ ‫يوما‪ ،‬سأختم بقوله‪:‬‬ ‫ً‬ ‫“ال تظلموا الموتى وإن طال المدى‬ ‫إني أخاف عليكمو أن تلتقوا»‬

‫سكرات‬ ‫األمل‬

‫نرجس عمران‬ ‫‪ -‬سورية‬

‫حقيقة تنتابني سكرات األمل‬ ‫بين موت وأخر‬ ‫فأنهض كالنرجس الشتوي‬ ‫من بين ركام الثلج‬ ‫وأبعث ميالد جديدا‬ ‫على أجندة المقابر‬ ‫كحال قصيدة‬ ‫تنهض على لسان عاشق‬ ‫تستفيق مرتاحة‬ ‫وتتثاءب ترف الكلمات‬ ‫تتمطى على أريكة‬ ‫من دفء الشعور‬ ‫كيفما تقلبت ذات المطلع‬ ‫أو ذات القافية‬ ‫تحوطها شراشف‬ ‫من سعادة‬ ‫تنسل أبياتها‬ ‫بكل أريحية‬ ‫كرقصة نور ممشوق‬ ‫في مسرح ليل حالك‬ ‫على كل حطام الهم‬ ‫تتسامى‬ ‫وتعلو فوق صخور القنوط‬ ‫هذا هو بعث األحياء‬ ‫وهكذا تلفظ الوالدة‬ ‫في لحظة مقصوص‬ ‫الرغبة‬ ‫يتدخل أمل رشيق‬ ‫تداعب صورك بأصابع‬ ‫الذكرى‬ ‫مناطق الغيرة في‬ ‫روحي‬ ‫فأنهال ضحكا من ألمي‬ ‫والدمع يسرد‬ ‫فرحا مشلوال‬ ‫وجودك العابر هذا‬ ‫يحفزني على ارتداء‬ ‫الغيم ‪...‬‬ ‫وفعال أتبخر‬ ‫أتكاثف‬ ‫وأهطل مطرا من عيني‬

‫‪51‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫الو َ‬ ‫حش ُة ُ‬ ‫برى‬ ‫َ‬ ‫الك َ‬

‫ِع ْط ّر يف ُك ِّم‬ ‫املساء‬

‫خالد الشرايف ‪ -‬اليمن‬

‫خليل عباس ‪ -‬اجلزائر‬

‫َ َ َ َ َ َُ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫لجأ‬ ‫م�ضي اآلن‪ ..‬أين ست‬ ‫ين ت‬ ‫إلى أ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫طو َك ُتخطئُ‬ ‫األرض َخ َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ات‬ ‫وكل ِجه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ َ َّ َ َ ي َ ُّ َ‬ ‫السدى‬ ‫وكنت مع التطواف تأو لك‬ ‫َ ِ َ ِ َّ َ َ ُ َ َ ُ َ ْ َ ُ‬ ‫و ِمنك الصباحات الج ِديدة تبرأ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫سماء َر ٌ‬ ‫األ َ‬ ‫قم ُم َس َّي ٌر‬ ‫ِلن َك ِفي‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ُ َ َ‬ ‫وم نعش َك َه َّـيأوا‬ ‫ِ ِليل ِدك املزع ِ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َ َّ َ َ َ َّ‬ ‫اع ٍر‬ ‫ِلنك يا ابن الشر ِق َ أعدم ش ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ِبأعطا ِف ِه املعنى الش ِظ َّي ُيخ ِ ّب ُئ‬ ‫َ‬ ‫َ​َ‬ ‫م َن َ‬ ‫الك ّ‬ ‫وني ِم ْن ُس ُد ِم املدى‬ ‫الع َب ِث‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ ّ ُ َ َُ‬ ‫النهايات تبدأ‬ ‫تالشيت‪ِ ،‬من حيث ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫وفيد تأف ُل َس ِاد ًرا‬ ‫َو ِم ْن لعن ِة الك‬ ‫ِ‬ ‫َُ‬ ‫َ ًَ‬ ‫�شيء َن ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫بض َك ُمطفأ‬ ‫ض ِئيال ك َما الل ِ‬ ‫َ ً َ َ ُ َ ُ​ُ ُ َ ً‬ ‫مية‬ ‫ح ِثيثا ِإلى املجهول تعبرد‬ ‫ِ َ َ َ ُ َ ُ ُ َ ُ َ َ َُ‬ ‫ِبها العالم املوبوء يلهو ويهزأ‬ ‫ُم َب َرم َج ٌة ُك ُّل َ‬ ‫اله َزا ِئ ِم ُمذ َس َعت‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ُ ٌ َ َّ‬ ‫قس ِيم َح َّتى ت َج َّزأوا‬ ‫شعوب ِإلى الت ِ‬ ‫ً‬ ‫ُ َّ ُ‬ ‫َ َ َ ُ ُ‬ ‫الوحشة الك َبرى‪ ..‬تؤ ِثث َسكتة‬ ‫ِهي‬ ‫َت ُش ُّل َك َم َ‬ ‫الو ُجود َو ُتصدئُ‬ ‫نجات ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ُ َ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫رد ٍبة ِإلى‬ ‫وبيا حيرى مس‬ ‫ِلـيوت ِ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َ​َ َ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫املواعيد ترجأ‬ ‫اراتها كل‬ ‫ِ‬ ‫من ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِل َقاب َ‬ ‫اه ٍد‬ ‫يل ِإذ َيطغى‪ِ ..‬ل ِخ ِرش‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ َ ّ ُ َ َ ُ ّ َ َ َ َُ‬ ‫قرأ‬ ‫تع ِتق صوت الح ِب ِفيك وت‬ ‫َول ُلم َ‬ ‫تعب َين ُّ‬ ‫السمر َو ُ‬ ‫جه َك َم ِال ٌك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ُ ُ َ ُ َ َ َ َ ُ ُ َ َّ ُ‬ ‫دموعك بشرى واملجازموطأ‬

‫‪52‬‬

‫يف حبها ليلى‬

‫د‪ .‬ربيعة برباق ‪ -‬اجلزائر‬

‫منذ صدفة‬ ‫وأنا على حافة لياليه‬ ‫عمر‬ ‫بنصف ٍ‬ ‫بأمنية خرساء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كالشمس حين غادرفقدت ظلي‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وضوئي والسماء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫مكسور‬ ‫جناح ليلي‪.‬‬ ‫عطر‪.‬‬ ‫وليس َلي سوى بقايا ٍ‬ ‫ُ‬ ‫في ك َّم املساء‬ ‫كثوب أكويه بقبلة ثم أطويه‬ ‫ْ‬ ‫ثم أخلد إلى ُحلمي‬ ‫والرجاء‪.‬‬ ‫أناجيه‬ ‫أناجيه‪ ،‬وفي عزالحنين طيف‬ ‫من بريد من معاليه‬ ‫من جريد‬ ‫كتاب‬ ‫من حبرفي متن ٍ‬ ‫يقرأ العالم في وجهي معانيه‬ ‫يا صحوتي‬ ‫ياصحوتي بليل‪ ،‬إذ تحن الحروف‬ ‫للحن من أغانيه‬ ‫وتتوق الناي ٍ‬ ‫منذ صدفة‬ ‫وأنا على حافة لياليه‬ ‫أشوه وجه الغياب‬ ‫ٌ‬ ‫ليبقى في العمر�شيء من أمانيه‬ ‫ليبقى في العمر�شيء من أمانيه‬

‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫الغرام ُم َعل ُق‬ ‫روض‬ ‫القلب في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫والحرف في بحر َّ‬ ‫املحب ِة ي ـغـرق‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫فـي حـ ِّـبـهـا لـيلـى أهـي ُـم صبـابـة‬ ‫ُ ّ‬ ‫الجمال تـح ِـل ُـق‬ ‫روحـي على أف ِـق‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫غـ َّـر ُاء لـي َ‬ ‫ـس كـمـثـلـهـا بين الورى‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الكواكب تشرق‬ ‫شمس‬ ‫وجهها‬ ‫ِ‬ ‫ِمن ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ـحمرة في لـو ِنـهـا‬ ‫تزهـو الخدود ِب ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ ُ‬ ‫ـارة يـنـطِـق‬ ‫ورد يـكاد ِمـن الـنـض ِ‬ ‫َّ‬ ‫ـذب مُـقـبَّـ ُلـهـا َشـ ُ‬ ‫َع ـ ٌ‬ ‫ـذاه ُمـعـطـ ٌر‬ ‫ُ​ُ‬ ‫َّ‬ ‫ـحوان مـع الـتـب ُّـس ِـم يـبـرق‬ ‫كاألق ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫وال ُّ‬ ‫رة َ‬ ‫الحشا‬ ‫ـقد مـمشوق وضـامِـ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َّ ُ‬ ‫ـاف مِـسكـا تـعـب ُـق‬ ‫ريـانــة األعـط ِ‬ ‫ُ ُّ‬ ‫شاعري‬ ‫ـود َم‬ ‫تم�شي تـحـرك بـالـنه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫حرق‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ضلوع‬ ‫في‬ ‫ا‬ ‫جمر‬ ‫فتصير‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ـال الـف ُ‬ ‫ـعين تـغت ُ‬ ‫سحرهـا‬ ‫ـؤاد ِب‬ ‫وال‬ ‫ِ‬ ‫ـالل ُمـط َـلــقُ‬ ‫وك َّـأنـمـا قـتـلـي ح ـ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الن ُ‬ ‫فس جذلى في لِـقـاهـا تحت ِفي‬ ‫َّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ـزه ُـربـالصـبـاب ِـة تـورق‬ ‫وال ُّـروح ت ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ـام بين جـوا ِنحي‬ ‫ضاحك األنـغ‬ ‫تت‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫صابي َيـخـفِـ ُق‬ ‫والقلب يـطرب ِللت ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫أدمعي‬ ‫وأذوب شوقا في‬ ‫ِ‬ ‫البعاد ف ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫م ُ‬ ‫لء العيو ِن ً‬ ‫أ�سى وجـفني يـأرق‬ ‫ِ‬ ‫يبكي ال ُ‬ ‫ـيراع ُّ‬ ‫تحس ًرا عند ال َـجـفـا‬ ‫َ َُ‬ ‫ُ‬ ‫ـوافي تـشـرق‬ ‫وتكاد بال ِ‬ ‫ـحرف الـق ِ‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫أسطورة‬ ‫إياد شماسنة ‪ -‬فلسطني‬

‫ٔ‬ ‫فكري أن تصبحي اسطورة‬ ‫ْ‬ ‫تدخل القلب دخول الفاتحين‬ ‫َ‬ ‫العالم ال يعرف ٕٔاال‬ ‫َو َدعي‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ٔ انك العالم في ك ِل العيون‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫العقل قليال ‪ ،‬ا ُّي عقل‬ ‫ودعي‬ ‫َ ْ‬ ‫ٍ َ‬ ‫لعطرالياسمين!‬ ‫ٔ يصنع القيد‬ ‫ِ‬ ‫َّ ٌ ٔ‬ ‫نت‪ ،‬ولالحرار ٌ‬ ‫طبع‬ ‫حرة ا‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ َ‬ ‫الخالدين‬ ‫طبع‬ ‫ذهبي مثل ِ‬ ‫العطرتعالي نرتقي‬ ‫يا ابنة‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫الصاعدين‬ ‫كفراش الناربعزم‬ ‫ِ‬ ‫ٔ‬ ‫فانا اتقن عصيان سكوني‬ ‫الكاي ْ‬ ‫ملء عمري رغم كيد ٔ‬ ‫دين‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫وانا اهوى‬ ‫عالي‬ ‫اال‬ ‫في‬ ‫التمادي‬ ‫ّ ْ‬ ‫ٔ‬ ‫االحاجي والظنون‬ ‫حيث شالل‬ ‫ٌ‬ ‫حيث ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ودوار‬ ‫مجدلي‪،‬‬ ‫طهر‬ ‫ٌ‬ ‫وحريق في قلوب العاذلين‬ ‫وفق توقيت الشفاه‪/‬الخمرنعلو‬ ‫ٔ وفق فردوس املجازات نكون‬ ‫نجرح الصمت بافعى من جنو ٍن‬ ‫ْ‬ ‫على ُ‬ ‫بعدما َّ‬ ‫الدنيا الجنون»‬ ‫عز‬ ‫مثلما يرتعش الصوفي ندنو‬ ‫ْ‬ ‫من براري الجسد االفعى‪/‬الفتون‬ ‫لم تقولي بعد‪:‬يكفي ‪ -‬لم تقولي‬ ‫ْ‬ ‫اي �شيء غير ما تروي الفنون‬ ‫ُيكسرالضوء بقداس التجلي‬ ‫ْ‬ ‫ٔ حينما يفصح عن طين متين‬ ‫جسد ضاق باسرارالخزامى‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ووقارٍعبقري في املتون‬ ‫وقطيع من خرافات‪ ،‬وحمى‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫الناظرين‬ ‫تعتري كاهل قلب‬ ‫وبياض النرجس البكر‬ ‫ِ‬ ‫ٔ ْ‬ ‫غرام املومنين‬ ‫ثم‬ ‫دمي‬ ‫من‬ ‫و�شيء‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ثم نم�ضي في التمادي ثم ندنو ّ ٔ‬ ‫ْ‬ ‫علم اليقين‬ ‫الظن او ِ‬ ‫ٔمن ٍ‬ ‫طريق ِ‬ ‫وشاءت‬ ‫واذا عدنا فقد شينا‬ ‫ْ‬ ‫رغبة القلب بتطويع الحنين‬ ‫جربي ٔان تصبحي ما ٔ‬ ‫ّ‬ ‫ت يوما‬ ‫شي‬ ‫ٔ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫وانا منتظرما تصبحين‬

‫نفني عزيز ‪ -‬فلسطني‬

‫جلسة مع‬ ‫أبي الطيب املتنبي‬ ‫ُ ّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫أن يرى‬ ‫نكد الدنيا على الح ِر‬ ‫ومن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ْشدُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫مديرا له ما في إدارِت ِه ر‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫اإلدارة أن ُه‬ ‫بكر�س ّ ِي‬ ‫يظن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ْ‬ ‫خلق هللا‪ ،‬لكن ُه وغ ُد‬ ‫عال فوق ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫واإلثم ِع ّزة‬ ‫بالظلم‬ ‫وتأخذ ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يمور بها الح ُ‬ ‫نار ُ‬ ‫قلبه ٌ‬ ‫قد‬ ‫ِ‬ ‫وفي ِ‬ ‫ًَ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫وغلظة‬ ‫فينفث طيشا وانفعاال ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫سوس يلغو َويعت ُّد‬ ‫ويصبح كامل ْم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ويحس ُب أني ّ‬ ‫عل ِه‬ ‫ضرني سوء ِف ِ‬ ‫ُ‬ ‫الجهالة والع ُ‬ ‫ند‬ ‫فيم�ضي وتعميه‬ ‫ِ‬ ‫ًّ َ ً‬ ‫ُ​ُ َ‬ ‫وج ْه َرة‬ ‫املكر ِسرا‬ ‫ويطرق باب ِ‬ ‫َ‬ ‫وأغف ُل ً‬ ‫ُ‬ ‫طوعا َ‬ ‫ينقصني َر ُّد‬ ‫ليس‬ ‫َْ‬ ‫ّ‬ ‫فما أنا‬ ‫باملكسور ِجنحي وإنما‬ ‫ِ‬ ‫ص ُر ُ‬ ‫والدهر ُّ‬ ‫ُأ َق ّ‬ ‫ُ‬ ‫عنه َّ‬ ‫يستد‬ ‫الشر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫صدفة‬ ‫دارت الدنيا ُله ذات‬ ‫وإن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫األيام ال َّبد ترت ُّد‬ ‫فإن يد ِ‬ ‫َ َ‬ ‫أال َت َّب ٌ‬ ‫وقت َّ‬ ‫الجهل مطل ًبا‬ ‫صي َر‬ ‫ُ‬ ‫َّ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫العبد‬ ‫ستذئب‬ ‫فيه َي‬ ‫وتب أوان ِ‬ ‫َ‬ ‫وتبا ْ‬ ‫حجارت ُه َ‬ ‫ًّ‬ ‫وم ْن‬ ‫ملن ألقى‬ ‫ْ‬ ‫ثم َ‬ ‫املاء ر ً‬ ‫جسا َّ‬ ‫رأى َ‬ ‫الصي ُد‬ ‫طاب ُله‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ً‬ ‫لعيش ِه‬ ‫ومن ِ‬ ‫تخذ التصفيق كسبا ِ‬ ‫ُ‬ ‫كي َ‬ ‫ُي َه ّر ُج كاألطفال ْ‬ ‫الحشد‬ ‫يضح َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫اإلدارة واجمعوا‬ ‫بكر�سي‬ ‫فتيهوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فليس لكم َم ْجدُ‬ ‫م َن الربح ما شئتم‪ْ،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫غفوة حلم‬ ‫انتصار محرم ‪ -‬اليمن‬

‫لونت من حبرالدموع شواطئي‬ ‫ونزعت من وطن الحنين حنينا‬ ‫ألجمت أفواه اغترابي عنوة‬ ‫وغفوت أحلم باسما وحزينا‬ ‫وصحوت أهذي والغروب يجرني‬ ‫نحو الذبول بدمعه يرثينا‬ ‫وأنا وأيامي الكئيبة هاهنا‬ ‫جثث تناشد حلمها تأبينا‬ ‫ما بين موت للفؤاد ونبضة‬ ‫نم�ضي لعل غمامة تؤوينا‬ ‫هل لي بعمريستفيض حالوة‬ ‫ومدائن من حبها تروينا‬ ‫ومواطن للروح تأنس عيشها‬ ‫وسنابل اآلمال تزهرحينا‬ ‫إني على عهد املحبة ثابت‬ ‫وأصوغ من كذب الحياة يقينا‬ ‫وأتوق ياليل السهاد لراحة‬ ‫نامت على صدرالسنين سنينا‬

‫‪53‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫ق�طو ف� ع ب�ير��ة‬

‫إشراف ‪ /‬علي النهام‬

‫ّ‬ ‫يح إذا َغنّ ى‬ ‫الش ُ‬

‫ُ‬ ‫مطر‬ ‫رقصة ٍ‬ ‫صابرين احلسني ‪ -‬اليمن‬

‫‏أحمد آل ِ ّ‬ ‫مجثل ‪ -‬السعودية‬

‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫‏للشيح في‏بعض العطور‬ ‫غرام‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫النفوس َت ُ‬ ‫ُ‬ ‫نام‬ ‫‏وبحضنه تلك‬ ‫ّ‬ ‫كل حكاية ّ‬ ‫‏للشيح ُّ‬ ‫قروي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫أقوام‬ ‫حوضه‬ ‫في‬ ‫ترتو‬ ‫‏كم‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫‏ما ُّ‬ ‫قافية تقال بعطره‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اآلكام‬ ‫‏واملغرمون بفيضه‬ ‫ً‬ ‫‏يا ُ‬ ‫شيح دعني عند عطرك ُبرهة‬ ‫ُ‬ ‫األوهام‬ ‫تنته‬ ‫‏بين املفاتن ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫‏كنا إذا َ‬ ‫طو ِت الركاب حمولها‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫تلت ُه ُح ُ‬ ‫ذام‬ ‫‏قالت سالما ما‬ ‫ُّ‬ ‫‏املُ َ‬ ‫تلهفهم كما‬ ‫غرمون بكم‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫أنسام‬ ‫‏أن الغصون لبعضها‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫حامل ّ‬ ‫ُ‬ ‫هم ِه‬ ‫الرمضاء‬ ‫مس ُك‬ ‫‏كم ي ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ـب بهـا وض ُ‬ ‫‏ويـنال ُه له ٌ‬ ‫ـرام‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫يح مرة‬ ‫‏ألفيت روحي عند ِش‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ـني األحـ ُ‬ ‫أخذت َ‬ ‫ـالم‬ ‫‏لعبيره‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫سحابة‬ ‫‏وقصائدي تروى بعطر‬ ‫ٍ‬ ‫الر ّس ُ‬ ‫َ‏يحتار من الوانها ّ‬ ‫ام‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫شيدها‬ ‫‏نقشت من الفيروزبعض ًن ِ‬ ‫نقش األنغ ُ‬ ‫‏للغيد ُح ّبا ُت ُ‬ ‫ـام‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫‏ألف الهوى دربي فصرت بداره‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫سحابة َوي ُ‬ ‫‏فس َعت َّ‬ ‫مام‬ ‫إلي‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫كفيك قلبي َ‬ ‫وديعة‬ ‫‏ألقيت في‬ ‫‏وأخاف من تلك العيون ُي ُ‬ ‫ضام!‬

‫‪54‬‬

‫حب َك ٔوا ُ‬ ‫ٔا ُّ‬ ‫علم ٔان بين ّ‬ ‫املوج‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫كل ِ‬ ‫ٌ ٔ‬ ‫ٌ‬ ‫ٔ‬ ‫للشاطي وال‬ ‫موجة وحيدة تاتي‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫فتنكسر‬ ‫تجد َك‬ ‫ٌ ٓ‬ ‫ُّ‬ ‫ممكن االن‬ ‫�شيء‬ ‫كل ٍ‬ ‫ُ‬ ‫العالم‬ ‫شاكلة‬ ‫طمس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫املوت‬ ‫اقتحام‬ ‫ُ ِ‬ ‫التحليق‪.‬‬ ‫عن‬ ‫ابتسامتي‬ ‫وسقوط‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫وبين ّ‬ ‫كل‬ ‫يحبس ُه‬ ‫صمت‬ ‫اللغات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫تتعاظم حقيقة‬ ‫وجعي لكي ال‬ ‫الكالم‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الصمت اللحظة املستميتة في‬ ‫الشو ِق‬ ‫ُ‬ ‫رذاذ املكان نغسلهُ‬ ‫َ‬ ‫ليتجمع‬ ‫ِ‬ ‫بالفضاء فيتراءى لنا ٌ‬ ‫بوح‬ ‫ِ‬ ‫سحيق كنا قد ْ‬ ‫ٌ‬ ‫جناح‬ ‫على‬ ‫ناه‬ ‫كتب‬ ‫ِ‬ ‫(كيوبيد)‬ ‫َ ٓ‬ ‫ُ‬ ‫خرة‪.‬‬ ‫فيبارك صوتينا ساعة اال ِ‬ ‫ٔال َ‬ ‫جلك ٔا ُ‬ ‫السخرية‬ ‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫قاتل ٔ ِ‬ ‫ٔ ً‬ ‫ٔ‬ ‫ُٔ‬ ‫َ‬ ‫البكاء‬ ‫طفي‬ ‫والجلك ايضا ا‬ ‫بدمعي‪...‬‬ ‫املشكوك ِبه لن‬ ‫الليل‬ ‫ِ‬ ‫ٔفي هذا ِ‬ ‫ا َ‬ ‫بالتوقد‪..‬‬ ‫لخيبة‬ ‫سمح ابدا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫املعبد‬ ‫الليل‬ ‫طاغ رجع هذا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ضامرا‬ ‫هشيما‬ ‫بالرحيل يطلقني‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ٔ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ترصفني الزوايا اشكال مشوهة‬ ‫ٔ‬ ‫ٌ‬ ‫رخوة ُي ُ‬ ‫ُ‬ ‫غادرها‬ ‫هياكل‬ ‫كانني‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كرغوة حو َل‬ ‫تضمحل‬ ‫الزمان‪..‬‬ ‫ٍ‬

‫مطر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫رقصة ٍ‬ ‫ٔ‬ ‫يتا ُ‬ ‫ٌ‬ ‫عار‪...‬‬ ‫جج بصدري موج ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫العراة من يجيدون‬ ‫االتصال‬ ‫بالواقع وال يقبلون على‬ ‫ِ‬ ‫ٔ‬ ‫جسادهم ً‬ ‫الزيف‪.‬‬ ‫مزيدا من‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٔ‬ ‫فا ْ‬ ‫سمح لوجهينا التجو َل كبالو ٍن‬ ‫َ‬ ‫ُي ُ‬ ‫املسافة‬ ‫سد به غصة‬ ‫ِ‬ ‫ُ ٔ‬ ‫ُ‬ ‫زعمت انني خطوت بذاكرتي‬ ‫ُ ٔ َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫روية‬ ‫بدونك ‪-‬زعمت‬‫(نانو) ثانية‬ ‫ً‬ ‫لواقع!‬ ‫هروبا‬ ‫نافذة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫كنت ناصية‪ ،‬شاحنة‪ ،‬دراجة‬ ‫َ‬ ‫نظارات‬ ‫‪،‬الطفل الذي يحبو‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٔ‬ ‫َ‬ ‫جدي‪ِ ،‬سبحة امي‪ ..‬كنت‪...‬‬ ‫َ‬ ‫الواقع ‪.‬‬ ‫ومع ّ‬ ‫كل هذا الدخان الذي‬ ‫ِ‬ ‫استدعاه الفضو ُل ِ‪...‬لم يعدْ‬ ‫ُ‬ ‫ٔ‬ ‫املتطفلون يصابوا بالربو او‬ ‫الخجل‬ ‫ِٓ‬ ‫ن‬ ‫جرعات‬ ‫يتعاطو‬ ‫ن‬ ‫هم اال‬ ‫ِ‬ ‫ٔ‬ ‫املال‪.‬‬ ‫جاسوسية و‬ ‫رشوة على ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٔ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫الحب‬ ‫شخاص ٕان ُه‬ ‫يخدعنا اال‬ ‫لم‬ ‫َ‬ ‫الذي لبسها‬ ‫ال ٔا ُ‬ ‫ٌ‬ ‫طبيب‬ ‫كتب لتحبني‪ ...‬فقط‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫«الحبرجرعة مناسبة‬ ‫قال لي‪:‬‬ ‫النسيان»‪.‬‬ ‫ملصارعة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ق�طو ف� ع ب�ير��ة‬

‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫إشراف ‪ /‬علي النهام‬

‫َد ْو َز ُ‬ ‫نـة‬ ‫األلم‬ ‫ْ‬

‫شاهدة على ثالجة املعبد‬ ‫عمار عبداخلالق ‪ -‬العراق‬

‫‏ ناجي حرابة ‪ -‬السعودية‬

‫ُ‬ ‫نهرصوته‬ ‫‏قطرة ٍ‬ ‫لحن من ِ‬ ‫العذب‪..‬‬

‫َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫الن ُ‬ ‫شيد‬ ‫‏تبت َل في فتيلتها‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ضرم‬ ‫طرب‬ ‫‏ففاض من ٍ‬

‫َ‬ ‫‏شفتاك‬ ‫ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫الة‬ ‫‏عش‬ ‫ِ‬ ‫للحروف وللص ِ‬ ‫ْ‬ ‫وللنغم‬

‫ً‬ ‫ُ َّ‬ ‫بأضالع املول ِه‬ ‫‏رفقا َ ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إزميل‬ ‫فيه‬ ‫‏حين تغرز ِ‬ ‫املقام‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‏وحين يفري قلبه املوجوع‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أساك‬ ‫من َوت ٍر‬

‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الطيور‬ ‫لتنهمر‬ ‫‏فاصدح‬ ‫‏على القصيدة إذ ُّ‬ ‫تئن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫سواك يجيد دوزنة‬ ‫‏فمن‬ ‫ْ‬ ‫األلم‬ ‫ُ َّ‬ ‫الن ُّ‬ ‫دي‬ ‫‏يا ُّأيها الصوت‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‏أ ْ‬ ‫شاز‬ ‫الن‬ ‫مقاومة‬ ‫طل‬ ‫ِ‬ ‫‏بما ُت ّ‬ ‫فج ُرفي صحارى‬ ‫ّ‬ ‫مت‬ ‫الص ِ‬ ‫‏من لحن ّ‬ ‫الد َي ْم‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ‬ ‫اي من خشب َي ُ‬ ‫‏الن ُ‬ ‫بوح‬ ‫ٍ‬ ‫ْ َ ُ ْ َ ُّ‬ ‫‏وذي ل َهات َك إذ ترف‬ ‫ُ‬ ‫‏تبوح من لحم ْ‬ ‫ودم‬ ‫ٍ‬

‫ٌ‬ ‫اللحن‬ ‫‏أنا غارق في‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫‏حد ِأن ْابتعلت من اآللئ‬ ‫ُ ُّ‬ ‫البالبل في ُر ْ‬ ‫ُ‬ ‫ؤاك‬ ‫خبئ ُه‬ ‫‏ما ت ِ‬ ‫ُ‬ ‫الغريب‬ ‫‏وأنا‬ ‫َ‬ ‫سواحل ما‬ ‫‏ولي هناك على‬ ‫ِ‬ ‫َُْ ُ‬ ‫تدندن‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫األزهار‬ ‫‏موطن ضحكت به‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اآلراك‬ ‫وابتسم‬

‫ُ‬ ‫األلحان‬ ‫‏وسفينة‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‏حط ْت فوق‬ ‫صدرك ُّأيها‬ ‫ُ‬ ‫الج ُّ‬ ‫ودي‬ ‫َ ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‏فاحمل ُجرحنا َوترا‬ ‫مزامير‬ ‫‏كم في شفاهك من‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫السالم‬ ‫الخالئق‬ ‫ِ‬ ‫‏تناسل في ُ ِ‬ ‫‏وابتكرمن طهره َّ‬ ‫ْ‬ ‫الصافيْ‬ ‫البشائر‬ ‫قناديل‬ ‫‏ومن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َْ‬ ‫َمالكْ‬ ‫َ‬ ‫رة‬ ‫‏عبرحنج ٍ‬

‫وجه املسخ َ‬ ‫عاد ٕالى الحركة‬ ‫ٔ‬ ‫بطييا‬ ‫ُ‬ ‫يرتطم بعربة الفضاء الداخلي‬ ‫في ليلة سريعة الرقص‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫فجاة نسج كفن احالمه من‬ ‫ٔاحواض الجدران املتحللة ‪َّ ،‬‬ ‫ثم‬ ‫ٔ‬ ‫اكله ما تبقى‬ ‫ٔ‬ ‫من قناع « تبت يدا ابي لهب «‬ ‫كالخيول العربية تركض داخل‬ ‫ٔ‬ ‫شجرة ٔ‬ ‫العايلة االولى‪،‬‬ ‫ٓ‬ ‫سلكتها من قبل الة التصويرفي‬ ‫ٓ‬ ‫دورة تحميض الديدان االلية‬ ‫عدسات جسد القديس‬ ‫ُ‬ ‫تنتظرلعبة املياه الحافية‬ ‫ٔ‬ ‫تخبط من راسه مكعبات تجارية‬ ‫وطرية‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫يمسك اطراف قدميه لالعلى‬ ‫ٔ‬ ‫يسلخ اظافرالدمى السلكونية‬ ‫املستديرة‬ ‫ٔ‬ ‫ً‬ ‫يقود حصانا على اشعة‬ ‫الشمس‪.‬‬ ‫زنزانة سمينة للقتل تهاجم دواء‬ ‫ٔ‬ ‫الطايفية‪،‬‬ ‫يضع ٕاطارالسيارات كـمشنقة‬ ‫لالضراب العام‪،‬‬ ‫ٕ‬ ‫ً‬ ‫ويرفع صوت الثوارميكانيكيا‬ ‫َ‬ ‫حسب الرغبة الجنسية للقناة ‪.‬‬ ‫ٔانت ‪ٔ ،‬انت ‪ٔ ،‬انتما ‪ُ ،‬‬ ‫نحن‬ ‫ِ‬ ‫ٔ‬ ‫علبة االوعية اللمفاوية‬ ‫ٔ‬ ‫السوايل‬ ‫ملتحية بـ كميات‬

‫في مذبحة الصراط ‪،‬‬ ‫املستقيم جاموس داخل‬ ‫ٔ‬ ‫انسجة الجسم‬ ‫ٔ‬ ‫ضفيرة الدم االبيض هربت مع‬ ‫بوذا‬ ‫فخ من املسامير ‪..‬فوق الثرى‬ ‫ٔ‬ ‫يمال ٔانقاض ٔ‬ ‫املرييات بالطالسم‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫واالساطيرالقديمة على راس‬ ‫البراري‬ ‫ٌ‬ ‫ٔ‬ ‫ٌ‬ ‫جرس مجوف بخاليا نايمة‬ ‫ينتظر‬ ‫متى محاكمة السلم!‬ ‫ٔ‬ ‫اختبي بعمودها الفقري‬ ‫ُ ٔ‬ ‫مدبب الفم ‪ ،‬ينقرباالوردة‬ ‫ٔ‬ ‫ٔ‬ ‫بغاللة باطنة عند راس امليذنة‪،‬‬ ‫عام جديد ‪ ،‬عام االعتالل‬ ‫العقلي‬ ‫عام الثمارالساقطة في صحن‬ ‫الشعبة الخامسة‬ ‫ٔ‬ ‫عام ينقصه عتبة ذراع املسوول‬ ‫ً‬ ‫بممرضيق‬ ‫عام نام سهوا‬ ‫ٍ‬ ‫عام ٌ‬ ‫مزور باملاء والطين ‪..‬‬ ‫فانوس الكهنوت يغني‬ ‫بالقراصنة في الباب الضيق‬ ‫بمتاحف مطحونة من رفات‬ ‫الفاتيكان‬ ‫راع في جيب برلين‬ ‫كلكم‬ ‫وكلكم ٍ ٔ‬ ‫مسوولون‬ ‫عن عصير«بارانويا «‬

‫‪55‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫اشراف‪ /‬منصر السالمي‬

‫ُ‬ ‫غيمة ُح ٍّب عقيم‬ ‫مختارية بن غالم ‪ -‬اجلزائر‬

‫َ‬ ‫غيمة‬ ‫املاء لحظة‬ ‫بقرب ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كانا ِ‬ ‫ُ ُّ‬ ‫ّ‬ ‫يتوددان لكي تقلهما معا‬ ‫َ‬ ‫يتقاربان وال مسافة تنتهي‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫لهما فكيف تراه يبلغ من‬ ‫سعى؟‬ ‫ّ ُ ٌ‬ ‫مرا كأغنية‬ ‫َ‬ ‫تثاءب ُ‬ ‫نايهـا‬ ‫ُّ‬ ‫ُ ُ ُ ُ‬ ‫ريد تمنعا‬ ‫ويكاد ينشد للم ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫راهن‬ ‫هذي املسافات ارتجال م ِ‬ ‫ُ ّ ُ ُ‬ ‫امل َ‬ ‫حال‬ ‫من ذا يلقنه‬ ‫ليقنعا !؟‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫قاء‬ ‫مل الل ِ‬ ‫ِ‬ ‫صدئت على ج ِ‬ ‫ُ‬ ‫خطاهما‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫والش ُ‬ ‫ينتعل الحديث‬ ‫عر‬ ‫ُم َّ‬ ‫شبعا‬

‫أرضها‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫القصائد‬ ‫زهو‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫حين ت ُ‬ ‫بسط ُ‬ ‫أذرعا‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ ً‬ ‫صة‬ ‫تندى الحقيقة في يديها غ‬ ‫ّ ً‬ ‫َ‬ ‫ليصيرمعنى‬ ‫الحب لونا ُمت ِعبا‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫رقائق جن ِبها‬ ‫كفراشة أهدت‬ ‫ٍ‬ ‫للضوء‬ ‫ِ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫تحسب أن تنال ترفعا‬ ‫ُ‬ ‫املالذ ُم ّ‬ ‫خض ًبا‬ ‫للصوت‬ ‫ليعود‬ ‫ِ‬ ‫الخطيئة‬ ‫بدم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أذعن ُمسرعا‬ ‫حين‬ ‫ُّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫التصب ِرقربة‬ ‫فألن أوجاع‬ ‫ّ‬ ‫موجعا‬ ‫كان الترق ُب دون ِ‬ ‫�شيء ِ‬

‫وهنا!!‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ُّ‬ ‫قلب ُعرف ُه‬ ‫الرواة ُب ُ‬ ‫ُ‬ ‫يشفع في ُّ‬ ‫كاهما يعا ِتب كل ٍ‬ ‫هل كان‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ّ‬ ‫ليعود‬ ‫شفعا؟‬ ‫ليكون ِح ُبرالعاشق ِين م ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫مودعا‬ ‫أدراج‬ ‫الحروف ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُي َ‬ ‫الوقت ‪..‬يا بنة‬ ‫غريك يا بن‬ ‫ِ‬

‫‪56‬‬

‫ويستنبؤونك‬ ‫عيسى العزب ‪ -‬اليمن‬

‫ّ‬ ‫ويـسـتـنـبؤون ـ ـ ــك عــنـ ـ ـ ـ ـ ــي وحــال ـ ـ ـ ـ ـ َـي‬ ‫قـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ُهــدهـ ـ ـ ـ ـ ٌـد س ـبـئـ ـ ـ ـ ـ ٌـي ذب ـي ـ ـ ـ ـ ُـح‬ ‫ُ‬ ‫ـان ّ‬ ‫ودع ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــي وقـ ــالن ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫س ـلـيـمـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫ـس تــذبـحـنـ ـ ـ ـ ــي وت ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوحُ‬ ‫وب ـلـق ـ ـي ـ ـ ُ‬ ‫وكـ ـ ـ ـ ُـل الـسـكـاكي ـ ــن فـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـي ت ـح ـ ـ ـ ُـج‬ ‫وحــول ــي ت ـطـ ـ ـ ـ ــوف وال تـسـتـ ــري ـ ُـح‬ ‫ثــالثـ ـ ـ ــون عــام ـ ـ ـ ــا ُوك ـ ـ ـ ـ ّـلـي ج ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ـراح‬ ‫ِ‬ ‫وف ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ــل جـ ـ ـ ــرح جـريـ ـ ـ ــح ج ــروحُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ـزف دلـيـ ـ ـ ـ ـ ٌـل يـؤك ـ ـ ـ ـ ُـد‬ ‫وف ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ــل نـ ـ ٍ‬ ‫أن دم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ي ـم ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـي ف ـص ـي ـ ـ ـ ـ ــحُ‬ ‫ُ‬ ‫ثــالث ـ ــون عــام ـ ــا وسـب ـ ـ ـ ـ ٌـع عـج ـ ـ ــاف‬ ‫ُ‬ ‫ـام يـف ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـف ع ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـوح‬ ‫وم ـ ــازال ب ـ ــي ألـ ـ ـ‬ ‫ُ ً‬ ‫ومـازلت مـيتــا عـل ـ ـ ــى الـفل ــك أحـي ـ ـ ــا‬ ‫ُ‬ ‫ـان نـ ــوح ونـ ـ ُ‬ ‫ـوح‬ ‫وف ـ ــي الـفلـ ـ ــك طـوف ـ‬ ‫ٍ‬ ‫ثـالث ــونعـام ـ ــا مـض ـ ـ ـ ــت وحـيـات ـ ـ ـ ـ َـي‬ ‫ٌ ّ‬ ‫ـظـ ـ ـ ـ ــى وريـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـح ل ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـوح‬ ‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ت ـلـ‬ ‫وأن ـه ـ ـ ـ ــار وه ـ ـ ـ ِـم م ـ ـ ــن األمـنـي ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬ ‫ول ـي ـ ـ ـ ٌـل غــزيـ ـ ـ ـ ـ ٌـر وف ـج ـ ـ ـ ـ ٌـر شـحـيـ ـ ـ ــحُ‬ ‫ثـالث ــونعـامـ ـ ــامـضـ ــتوالـفض ـ ـ ـ ٌـاء‬ ‫مـضـي ـ ٌـق وضـيـق ــي فـضـ ٌـاء فـسي ـ ُـح‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وأمـن ــي وخـب ــزي حـدي ــث ضـعيـ ــف‬ ‫ٌ‬ ‫وخوفـ ــي وجوعـ ــي حديث صحي ـ ُـح‬ ‫ُ‬ ‫ث ـ ـ ـ ــالث مــالعـ ـ ـ ـ ـ ـ َـق دم ـ ـ ـ ـ ـ ٍـع م ـسـ ـ ـ ّـاء‬ ‫ومـلـعـق ـ ـ ـ ٌـة حـيـن يـأتـ ـ ـ ـ ــي الـصـبـ ـ ـ ُ‬ ‫ـوح‬ ‫فـيـا ّ‬ ‫رب إن كـ ـ ـ ــان عـيـش ــي ظـالم ــا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫فـهـ ــل ثـم ف ــي امل ـ ــوت نور يل ــوح ؟!‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫اشراف‪ /‬منصر السالمي‬

‫أمير العشق‬

‫لي بالد‬

‫حسام املقداد ـ سوريا‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أراجع فينا الوقت ‪،‬‬ ‫ُ ّ‬ ‫أسترجع الذكرى‬ ‫ُ‬ ‫كرهت الذي ألقى‪،‬‬ ‫فيا ّ‬ ‫حبذا األخرى‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫أخطأت ‪ ،‬أشقاني الغوى‬ ‫َهبي أنني‬ ‫َ َ ُ‬ ‫فيا شقوة املغرى‪،‬‬ ‫َ‬ ‫سعد ْ‬ ‫من أغرى‪...‬‬ ‫ويا‬ ‫ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫الحب آية عيشتي‬ ‫عليك تخذت‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫كسبت به الدنيا ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫وحيزت َلي األخرى‪...‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وصرت َ‬ ‫أمر ِه‬ ‫أمير‬ ‫ِ‬ ‫العشق‪ ،‬سلطان ِ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫عر‪،‬‬ ‫فجاءت حروف الش ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫تشتاقني َسك َرى‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫كفين ُج َّن ِلقاهما‬ ‫فعودي نعش ِ‬ ‫تثمل ُ‬ ‫إذا ُ‬ ‫اليمنى‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تدوخ بها ُ‬ ‫اليسرى‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بغربة‬ ‫بحق ِك عودي ‪ ،‬ال تشطي‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫اخاف بهذا الت ِيه ‪،‬‬ ‫غربتنا الكبرى‪..‬‬

‫وهم‬

‫زينة حمدي ــ تونس‬ ‫زندان التهامي ـ اليمن‬

‫لي ٌ‬ ‫بالد أكلت قلبي كما‬ ‫أكل الجائع كل األرغفة‬ ‫ذبحت حلمي و ما كان سوى‬

‫ً‬ ‫أن أراها بسمة فوق ِشفة‬

‫كم وكم أعطيتها من عدمي‬ ‫وهي ما كانت بيوم منصفة‬ ‫إن تمنيت لها عافية‬ ‫أمرضتني واستحالت مسعفة‬ ‫ورمتني نغمة من شجن‬ ‫تتلوى في جميع األرصفة‬ ‫تقطف العاشق إذ يصدقها‬ ‫وتنادي يا ترى من قطفه‪!!..‬‬ ‫في يديها مدية جائعة‬ ‫زادها من يطلبون املعرفة‬ ‫أنا فيها دمعة ضائعة‬ ‫وجناح يتمنى الرفرفة‬

‫مثل الوهم أنت‬ ‫َ‬ ‫تعبق حين تمزجني‬ ‫كقطعة أرض طاف بها الربيع‬ ‫تمددت بأريجها البحيرة‬ ‫تبتلع ظلي‬ ‫أيها الرمال الغافيه‬ ‫املتساقطه مع املوج‬ ‫حنيني بحر‬ ‫شوقي والدة‬ ‫أيها الحبيب‬ ‫لفني حول جسدك العاري‬ ‫وانتظرني كالحقيقه‬ ‫كل املساحات وهميه‬ ‫أصابعك هي منبع الذكرى‬ ‫دعها ترسمني‬ ‫تغرسني بأحالمي‬ ‫تصلي لقبالتك‬ ‫بشائرصيف تاه بوصلي‬

‫‪57‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫إشـراف‪/‬‬ ‫ميادة سليمان ‪ -‬سوريا‬

‫أنا واملارد‬

‫من الشعر التعليمي للناشئة‬

‫كايات ماما ميَّادة‬ ‫ِح ُ‬ ‫احلكا َي ُة الثالثة‬ ‫ِ‬

‫امل َ‬ ‫الو ِرد ُّي‬ ‫ِعط ُف َ‬ ‫ميادة مهنَّ ا سليمان ‪ -‬سورية‬ ‫َّ‬

‫أحمد مانع الركابي ‪ -‬العراق‬ ‫ُ‬ ‫أذهب دائما‬ ‫األفكار‬ ‫ملغارة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فوجدت عفريتا هنالك نائما‬ ‫ُ‬ ‫مصباح الحروف َ‬ ‫َ‬ ‫فالح لي‬ ‫ومسحت‬ ‫ِ‬ ‫أفق املعاني حائما‬ ‫كالغيم في‬ ‫ِ ُ ِ ً‬ ‫ّلب َ‬ ‫ْ‬ ‫أطلب ما تشاء ‪...‬ثالثة‬ ‫يك‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫إني ألبي ‪...‬لو طلبت مناجما‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وقلت أريـ ـ ُ‬ ‫ـده‬ ‫فطلبته كنزا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يزداد ‪...‬لو أنفقت ‪ ...‬يبقى ساملا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الحياة منازال‬ ‫أطلب في‬ ‫وكذاك‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الزمان مغ ـ ــانما‬ ‫فيها أريد مع‬ ‫ِ‬ ‫وكذاك مفتاحا ّ‬ ‫عظيمة‬ ‫لكل‬ ‫ٍ‬

‫الحياة مظاملا‬ ‫كي ال أرى عند‬ ‫ِ‬ ‫فأجابني متبسما ‪ :‬لم َ‬ ‫يبق لي‬ ‫ّ‬ ‫إل البيان ‪...‬فال تك ـ ـ ْـن متشائما‬ ‫ُ‬ ‫كنزواملعارف ُ‬ ‫فالعقل ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ماله‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وغناك يصبح حين تصبح عاملا‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫منازل‬ ‫الحياة‬ ‫ثم القناعة في‬ ‫ِ‬ ‫لوال الق ــناعة ما عرفنا حاتما‬ ‫ْ‬ ‫بسعادة‬ ‫لوال القناعة لم نكن َ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫يوما وما عرف الزمان مكارما‬ ‫ٌ‬ ‫مفتاح ّ‬ ‫ُ‬ ‫عظيمة‬ ‫لكل‬ ‫والصبر‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫فرج سيفتح دائ ـ ــما‬ ‫بابا‬ ‫إلى ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تلك الثالثة لو ملكت كنوزها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما عشت يوما في حياتك نادما‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثم اختفى عني فقلت محدثا‬ ‫للمقولة فاه ـ ــما‬ ‫نف�سي طويال‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ال َ‬ ‫الذات حيث كنوزها‬ ‫�شيء مثل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫هللا أودعـها ل ـ ـ ــدينا راحما‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫‪...‬وذاك أن حديثهُ‬ ‫َ‬ ‫أصاب‬ ‫فعال‬ ‫للجمال مواس ــما‬ ‫ألقى بقلبي‬ ‫ِ‬

‫‪58‬‬

‫ُ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ َ ُ ّ َ َ‬ ‫أعوام َت َت َّ‬ ‫جو ُل َم َ ُع أ ِّ َمها في‬ ‫ب ُّينما كانَت لرا ذ َات الث َماني ِة َ ٍِ َ َ َ َ‬ ‫ُّ َ ً‬ ‫ريب ِل ِشر ِاء ِحذ ٍاء ج ِد ٍيد لها‪ ،‬رأ ِت األ ُم لوحة‬ ‫السو ِق الق‬ ‫َّ ّ ُ َ‬ ‫َجم ْي َل ًة في َم َح ِ ّل أبي َعادل َج ُار ُ‬ ‫عج َب ْت‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫الط‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ِ َ ً َ ِ َ َ ٍَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫غم َ‬ ‫َّ‬ ‫شترها ُر َ‬ ‫إلحاح َّ‬ ‫الص َ‬ ‫َ‬ ‫غير ِة الرا‬ ‫ِ‬ ‫ِ َبها َ ًك ِ َث َيرا ُ‪َّ َ ،‬ل ِكنها لم ْت َ َ ُ َ ْ َ َ َّ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قا ِئلة‪:‬ليابني ِتي‪ِ ،‬إن اشتريتها لن أتمكن ِمن ِشر ِاء ِحذ ٍاء‬ ‫‪..‬ه َّيا بنا َنم�ضي َ‬ ‫َلك َ‬ ‫اآلن‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َع َادت األ ُّم َو َ‬ ‫ابنتها َ‬ ‫أنه َيا َجولة ُّ‬ ‫بعد أن َ‬ ‫السو ِق‪،‬قالت الرا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫اش َت َريت لي َذ َ‬ ‫آه َ َ َ َ َ َ ُّ‬ ‫اك‬ ‫نت‬ ‫قود‪ ،‬ك ِ‬ ‫ليت َ مع ِك امل ِزيد من الن ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ َ‬ ‫الورد َّي َ‬ ‫عطف َ‬ ‫الجم َ‬ ‫يل!‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ِمل َ َ َّ ُ‬ ‫األ ُّ‬ ‫‪:‬‬ ‫م‬ ‫فردت‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ ِ َ َ َ َ ْ ُ ّ ي ُّ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫اعديننا ِفي‬ ‫وف ِرٌ النقود‪ ،‬وتس ِ‬ ‫تعلمي ي َاص ِغ َيرِتي َ أن ت َ ِ‬ ‫َمصروف املنزل‪.‬فاأل َ‬ ‫عب ُاء ك ِث َيرة َعلى َو ِال ِدك‪.‬‬ ‫َ ْ َِ ِ ِ ْ َ ُ ّ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫قالت لرا‪ :‬نعم ياأ ِم َي‪ ،‬سأفعل ذلك‪..‬‬ ‫َ ُ ً‬ ‫َ ْ َ ُ َ ً‬ ‫ادة أ ْن ُتنهي ُد َ‬ ‫وكانت لرامعت‬ ‫روسها‪َ ،‬وتأخذ نقودا من‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ى‬ ‫ابنة الجير ِان قليال‪،‬‬ ‫والدها‪ ،‬تشتري الحلو ‪ ،‬ثم تلعب مع‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ َ​َ ً َ​َ َ َ ِ ً َ َ َ‬ ‫ل َت َ‬ ‫عود َب ْع َدها إلى املنز ِل متعبة‪ ،‬فتنام باكرا كي تست ِيقظ‬ ‫َِ َ ً‬ ‫نشيطة‪.‬‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫ََُ ّ ً َ‬ ‫بات ْت َل َات َ‬ ‫ض ُع ُّ َ‬ ‫ومؤ ِخرا‬ ‫الة ك َّل َي ٍوم‪ ،‬ولم‬ ‫ر‬ ‫الن َقود في َ الحص ِ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫السابق َو َقال ْ‬ ‫قيق ِتها ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫الص َ‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ثل‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫تعد تشت‬ ‫غرى‪:‬‬ ‫ْ َ ُ ِ َ َ ً َ ِ َّ ً َ ِ ً َ َ َّ ُ ْ ُ َّ‬ ‫وفر من‬ ‫لقد ر‬ ‫أيت ِمعط ُفا ورديا ج ِميال‪ ،‬وقررت أن أ ِ‬ ‫صروفي َو ُأ َ‬ ‫َ‬ ‫اع َد أ ِّمي ِفي ِشرا ِئ ِه‪.‬‬ ‫س‬ ‫َم‬ ‫َ ُ ْ َِ َ‬ ‫ياله من ِمعط ٍف ف ِاخر!‬ ‫األي ُام والرا َعلى ٍ َهذي َ‬ ‫َ​َ‬ ‫الت َّ‬ ‫الح ُ‬ ‫…‬ ‫ال‬ ‫تو ِ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ً َ َ​َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫استيقظت ِخلسة‪ ،‬أخذ ِت‬ ‫بيعي مشر ٍق‪،‬‬ ‫ُّوفي َ ي ٍوم َر ْ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫النقود‪َ ،‬و َمضت دون أن تش ِع َر أ َحدا بخروج َها‪.‬‬ ‫َ َ​َ ْ َ‬ ‫لهفة َإلى َبيت َجارهم َأبي ِ َعادل‪َ ِ ،‬رَّنت َ‬ ‫الج َرسَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وصلت ب ٍ‬ ‫َ ِ َ َ َّ ُ ُ َ َ ِ َ ِ ُ َ َ ٍ َ َآها َلك َّنها َك َانتْ‬ ‫َ‬ ‫ِبإلح ٍاح‪ َ ،‬فتح َالرجل الباب‪ ،‬فد ِهش ِحين ر ِ‬ ‫ْ‬ ‫فقالت له‪ُ:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َعلى عجلة من أمرها‪،‬‬ ‫َ َ ٍ ّ َ ُِ ّ َ َ ْ َ َ ْ ُ َ ّ َ َ‬ ‫َ​َ‬ ‫أين ِت ُلك اللوحة التي وعدتني أن تخ ِبئها لي كي أشت ِريها‬ ‫ً‬ ‫َه ِد َّية ِل ِّمي؟‬ ‫َ َ َّ َّ ُ ُ َ ُ‬ ‫جوز َر َ‬ ‫أس ُه‪ُ ،‬ث َّم َق َ‬ ‫ال‪:‬‬ ‫فحك الرجل الع‬ ‫َنعم َت َذ َّك ُ‬ ‫رت!‬ ‫َس َار َع في ُّ‬ ‫الدخول‪َ ،‬و َ َ‬ ‫َ‬ ‫‪،‬مسح‬ ‫انة في َم ِنزل ِه‬ ‫أخرج َها ِمن ِخز ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫وهو َي ِقو ُل‪َ :‬ه َاقدْ‬ ‫عنها‪َّ ،‬ثم َّلفها ب َورق مل َّون َجميل َ‬ ‫الغ َ‬ ‫بار َ‬ ‫ً ِ ُ َ ٍ ّ ُ ٍ َّ ُ ِ ٍ‬ ‫َأ َ‬ ‫صب َح ْت َجاهزة َّأي ُتها املف ِكرة الذ َّ‬ ‫كية!‬ ‫ُّ َ َ َ َ ْ ُ َ ُ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫وانص َرف ْت‬ ‫اع َد ِت ِه لها‬ ‫ناول ْت ُه الرا النقود‪ ،‬شكرته على مس‬ ‫ً‬ ‫َم ْسرو َرة‪.‬‬

‫َ َ َ​َ​َ​َ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫وال ُدها قط َب‬ ‫وص ِ‬ ‫لت َ امل ًِنزلَ‪ ،‬ط ُ َرق ِت الباب‪ ،‬ففتح لها ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫نت ياابنتي؟‬ ‫ح َ ِاجب ِيه قا ِئال‪ :‬أين ك ِ‬ ‫هي َت َبت ِس ُم ب ُسرور َوقالت‪ْ:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اله َّ َ‬ ‫ف َ‬ ‫أشارت إلى َ‬ ‫دي ِ َة ْو ُ َ ِ َ ِ‬ ‫ٍَ َ ْ ُ َ‬ ‫َّ ٌ ُ ّ ّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هدية ِل ِمَي‪ ،‬اتفقت مع الع ِم أبي ع ِادل أن يخ ِبئها ِلي‬ ‫إنها ِ‬ ‫جم َع َث َمنهاَ‬ ‫في َمنز ِله‪َ ،‬ح َّتى أ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َرَّب َت ُ‬ ‫األب على َر ِأسها ب َحنان‪َ ،‬وق َ‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬ ‫ٍ‬ ‫َ​َ‬ ‫َ َ ً‬ ‫َِ َ َ‬ ‫َّ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫دا َ‬ ‫أليس‬ ‫خبري أح‬ ‫َ َعل ِ‬ ‫يك َأل تغادري امل ِنزل دون أن ت ِ‬ ‫َ‬ ‫كذ ِلك َيالرا؟‬ ‫ً َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َف َّهز ْت َر َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫رعة‬ ‫أسها موا َ ِفقة ثم اعتذر َت‪ً َ ،‬ومضت ِبس ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ّ َ َ‬ ‫ض ْت َن َ‬ ‫حوها قا ِئلة‪:‬‬ ‫إلى غرف ِةَ أ ِمها‪َ ،‬رك َ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫أنت ِبخ ٍير ياأ ِمي‬ ‫عامُ و‬ ‫ك ُّل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫باللوح ِة التي كان ْت قد‬ ‫تفاجئة‬ ‫َ قبل ْتها أم َها َ ْوهي م ِ‬ ‫أ َ‬ ‫عج َبت َ َ‬ ‫ها‪ ،‬و َسألتها‪َ َّ َّ َ َ َ :‬‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِلم لم تشت ِر ا ِملعطف الو ِردي الذي أحبب ِت ِه؟‬ ‫َر َّد ْت الرا‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ​َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫رت ِشراء ِحذ ٍاء ِلي على أن تشتريها‬ ‫ِ َل َّن ِك آث‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ َ َ َّ ْ‬ ‫ً‬ ‫ضل ُت ِش َر َاء َها ل ِك َب َدال‬ ‫وأنا تعلمت ذ ُِلك ِمن ِك‪ ،‬وِلذلك ف‬ ‫من ش َراء َ‬ ‫�شيء أح ُّب ُه‪.‬‬ ‫ِ َ َ ِ َ ْ ِ ُ ُّ ٍ ِ َ َ َ َ‬ ‫فعانقتها أمها ِبحن ٍان‪ ،‬وقالت لها‪:‬‬ ‫ّ ّ‬ ‫نفكر ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫بأنف ِسنا َف َح ْسب‪َ ،‬يجبُ‬ ‫نت يابنتي‪َ ،‬علينا أل‬ ‫أحس ّ ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫رين ل ّن َ‬ ‫ذلك َ‬ ‫أن ُن َفك َر باآلخ َ‬ ‫من األخالق َ‬ ‫الحميد ِة‪َ ،‬و‬ ‫ِ‬ ‫ُ َ َ َِ َ ّ‬ ‫الل‪.‬‬ ‫كسبنا مرضاة‬ ‫ِ‬ ‫يُِ‬ ‫َ َ‬ ‫ائل ُة ب َفرح َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مي َع ًا بع ِيد األمّ‬ ‫واحت َفلوا َج ْ‬ ‫َّ‬ ‫ثم‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجت َمع ُِت ُالعَ ُ ِ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫والبهجة تغمر قلوبهم‪.‬‬


‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫إشـراف‪/‬‬ ‫ميادة سليمان ‪ -‬سوريا‬

‫ّ‬ ‫ان ّ‬ ‫كريات‬ ‫الذ‬ ‫ْ‬ ‫دك ُ‬ ‫حسان زموري ‪ -‬اجلزائر‬

‫ّ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫دك ُ‬ ‫دك ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ان ّ‬ ‫ان نظيف‬ ‫مسعود‪ ،‬وهو‬ ‫العم‬ ‫في حارِتنا يقع‬ ‫ِ‬ ‫ٌ َ‬ ‫حجم ِه‪.‬‬ ‫صغر ِ‬ ‫وجميل رغم ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وابل والد َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫مسعود في دكان بقال ِت ِه الت َ‬ ‫يبيع ُّ‬ ‫قيق‪،‬‬ ‫العم‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫باإلضافة إلى‬ ‫وأشياء أخرى كثيرة‬ ‫والسك َر وامللح‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫األشياء التي ُّ‬ ‫األنواع‪،‬‬ ‫كل‬ ‫يحبها األطفال‪ :‬حلوى من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌِ‬ ‫ّ‬ ‫شوكوالتة‪ ،‬قصصٌ‬ ‫ٌ‬ ‫واأللوان‪،‬‬ ‫األصناف‬ ‫كل‬ ‫من‬ ‫سكاكر‬ ‫ِ‬ ‫ٌ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ومجل ٌت ّ‬ ‫وبالونات جميلة‪.‬‬ ‫ملونة‬ ‫ُ َّ‬ ‫كبير ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ويلبس‬ ‫عر‪،‬‬ ‫أشيب الش‬ ‫الس ِ ّن‪،‬‬ ‫العم مسعود ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫نٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ات ألن َ‬ ‫بصره ضعيف‪ ،‬وهو طي ٌب وحنو جدا‪،‬‬ ‫نظار ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫األطفال كثيرا‪.‬‬ ‫ويحب‬ ‫ّ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ذات ّ‬ ‫عند ِه رطل سك ٍر‪ ،‬ول ـا‬ ‫مر ٍة ذهبت ألشتري من ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫بحساب الفك ِة‪،‬‬ ‫العودة إلى املنز ِل قمت‬ ‫طريق‬ ‫كنت في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫إليه‪،‬‬ ‫فوجدت أنه ز َادني خمسة‬ ‫دنانير‪ ،‬فعدت مسرعا ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫دنانير بعد ْ‬ ‫أن ّنب ُهت ُه إلى الخطأ‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫مسح‬ ‫أعدت له الخمسة‬ ‫ّ‬ ‫ثم َ‬ ‫بكل رق ٍة وحنان‪َّ ،‬‬ ‫على رأ�سي ّ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫جي ٌد في الحساب‪َ ،‬‬ ‫هللا َ‬ ‫بارك ُ‬ ‫ ال َّبد ّأن َك ّ‬‫فيك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫بيد ِه حفنة من الحلوى‪ ،‬وأعطاني ّإياها وهو‬ ‫ثم أمسك ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يبتسم‪ ،‬شعرت بالفرح ألنني قمت بالفعل ّ‬ ‫ُ‬ ‫الصواب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫في إحدى ّ‬ ‫ات‪ ،‬طلبت مني أمي أن أشتري بيضا‬ ‫املر ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫كيس‬ ‫العم مسعود هممت‬ ‫دقيق‪ ،‬وعند ِ‬ ‫وكيس ٍ‬ ‫بوضع ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الد َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫قيق فوق‬ ‫القما�شي‬ ‫الكيس‬ ‫داخل‬ ‫البيض‬ ‫علبة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫املزركش‪ ،‬ولكن َّ‬ ‫العم مسعود ّنبنهي قائال‪:‬‬ ‫ِ‬

‫ ال‪ ،‬يا ولدي‪ْ ،‬‬‫انتبه‪ّ .‬‬ ‫الد ُ‬ ‫قيق ُ‬ ‫البيض‬ ‫أثقل وزنا من‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫كيس البيض فوق كيس ّ‬ ‫وسيكسر ُه‪ْ .‬‬ ‫ضع َ‬ ‫ُ‬ ‫قيق‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ ُْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أخبرني ُّ‬ ‫فعلت كما َ‬ ‫العم مسعود‪ ،‬شكرته وعدت إلى‬ ‫املنز ِل‪.‬‬ ‫ذهب ُت ألشتر َ‬ ‫مر ٍة أخرى‪ْ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وفي ّ‬ ‫ي‬ ‫العم مسعود‬ ‫من‬ ‫ًِ‬ ‫ّ‬ ‫َ زيت‪ْ .‬‬ ‫ُ ّ‬ ‫رف‬ ‫على‬ ‫مصفوفة‬ ‫يت‬ ‫كانت‬ ‫قارورة ٍ‬ ‫قوارير الز ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫عال ال يطاله العم مسعود إل بعد أن يصعد على‬ ‫ٍ‬ ‫خشبي‪ .‬وبينما ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العم مسعود يحاو ُل الوصو َل إلى‬ ‫كر�سي‬ ‫ٍ‬ ‫َ ْ‬ ‫قارورة زيت‪َّ ٍ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫بيدي االثنتين‬ ‫فأمسك ُت ُه‬ ‫الكر�سي؛‬ ‫اهتز‬ ‫ِ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫العم مسعود‪ .‬نز َل ُّ‬ ‫يسقط ُّ‬ ‫العم مسعود من على‬ ‫حتى ال‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫يت مبتسما‪َ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫الكر�سي‪ ،‬سلمني قارورة الز ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌّ‬ ‫ شكرا يا ولدي‪َ ،‬‬‫لك عندي هدية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فك ْر ُت ّ‬ ‫أن َّ‬ ‫العم مسعود سيعطيني حلوى أو شوكوالتة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫َ َُ‬ ‫املنفوخة‬ ‫غير‬ ‫مليئة‬ ‫لكنه‬ ‫ِ‬ ‫علبة ٍ‬ ‫أدخل يده في ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بالبالونات ُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫وشكرته‪َ ،‬‬ ‫مسح ُّ‬ ‫العم‬ ‫فر ْح ُت كثيرا‬ ‫وأعطاني بعضا منها‪ِ ،‬‬ ‫مسعود على رأ�سي‪ ،‬وقال‪َ:‬‬ ‫ َ‬‫أنت ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫ولد ّ‬ ‫وتستحق هذا يا ولدي‪.‬‬ ‫طي ٌب‪،‬‬ ‫ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ّ‬ ‫يت ّ‬ ‫ألمي‪،‬‬ ‫بعد أن عدت إلى املنز ِل‪ ،‬وسلمت قارورة الز ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الشارع‪َّ ،‬‬ ‫البوالين بالونا بعد بالو ٍن‪،‬‬ ‫نفخت‬ ‫ثم‬ ‫خرجت إلى‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لدي مع ّ‬ ‫كريات َّ‬ ‫العم مسعود‪.‬‬ ‫وأنا أفك ُر كم من الذ ِ‬ ‫ٌ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أصفر‪ ،‬بالون‬ ‫أحمر‪ ،‬بالون‬ ‫أزرق‪ ،‬بالون‬ ‫بالو ٌن‬ ‫ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫أمسك َ‬ ‫قوس قزح بين َّ‬ ‫يدي!‬ ‫أخضر‪ ،‬يا لفرحتي! كأنني‬ ‫ٍ‬

‫تفاحة حديقتي‬

‫محمد الهادي بن عبداهلل‬ ‫‪ -‬تونس‬

‫تفاحـــة حمـــراء ** تفاحـــة صفـــراء‬ ‫أضعهـــا فـــي ســـلتي ** أجنيهـــا بآعتنـــاء‬ ‫قدمتهـــا لجدتـــي ** هديـــة فيحـــاء‬ ‫مـــا أجمـــل حديقتـــي** حديقتـــي الغنـــاء‬ ‫أشـــجارها كثيـــرة ** أشـــجارها معطـــاء‬ ‫محيطـــة بمنزلـــي ** كجنـــة خضـــراء‬

‫أمي‬ ‫إهزوجة لألطفال‬

‫فريزة سلمان ‪ -‬سورية‬ ‫ّ‬ ‫الحنية‬ ‫أمي يانبع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫وجها حلوا في عينية‬ ‫�شيء في الدنيا‬ ‫ياأبهج ٍ‬ ‫ّ‬ ‫يارفقة عمري اليومية‬ ‫اسم في ّ‬ ‫ٌ‬ ‫الفم حالوته‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫فتذوب نسائم عطرية‬ ‫ٌ‬ ‫وترفي قلبي يعزفني‬ ‫فأردده في ّ‬ ‫أغنية‬ ‫ً‬ ‫برد‬ ‫ياحضنا دافي في ٍ‬ ‫ّ‬ ‫أمسية‬ ‫وحكايات ٍفي‬ ‫عذب‬ ‫ماض ٍ‬ ‫ياذكرى من ٍ‬ ‫ّ‬ ‫جمع األحالم الوردية‬ ‫أمي لحنانك مشتاق ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫بركات منك وأدعية‬ ‫هللا برحمتك العظمى‬ ‫ّ‬ ‫هل لي من عندك أمنية‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫أن ترسل لي منها طيفا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫بخيوط فضية‬ ‫رسما‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فأكلمها وتكلمني‬ ‫ّ‬ ‫العيديه‬ ‫ياربي منك‬

‫‪59‬‬


‫أخبار‬

‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫صدر عن دار (عناوين) بالقاهرة‬

‫ٌ‬ ‫ديوان (ورد قارس) للشاعر‬ ‫اليمني عبدالعزيز الزراعي‬ ‫يقـع الديـوان فـي ‪ 140‬صفحـة‬ ‫ويتضمـن‬ ‫مـن القطـع المتوسـط‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫نصـا توزعـت بيـن الشـعر‬ ‫‪ً 41‬‬ ‫العمـودي وشـعر التفعيلـة‪ ،‬وبيـن‬ ‫النصـوص القصيـرة المكثفـة‬ ‫تشـكل‬ ‫والنصـوص الطويلـة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫امتدت‬ ‫مجتمعـة تجارب متنوعـة ّ‬ ‫مـن عـام ‪ 2012‬وحتـى ‪،2021‬‬ ‫ويربـط بينهـا خيـط شـفاف مـن‬ ‫الهـم والرؤيـا واألسـئلة والمحطات‪،‬‬ ‫وعلـى الصعيـد الشـخصي الغنائي‬ ‫والوطنـي واالجتماعـي‪ ،‬وحظيـت‬ ‫األنثـى بحضـور كبيـر فـي هـذا‬ ‫الديـوان‪ ،‬ونصـوص هـذا الديـوان‬ ‫لـم ُتنشـر فـي ديـوان مـن قبـل‪.‬‬ ‫عبدالعزيـز الزراعـي شـاعر وناقد أكاديمي وباحث دكتوراه في لسـانيات‬ ‫الخطـاب الشـعري بجامعـة عيـن شـمس‪ ،‬وهـو الشـاعر المتـ ّوج بلقـب‬ ‫برنامج الشـعر الفصيح الشـهير (أمير الشـعراء) في موسـمه الرابع ‪،2011‬‬ ‫سـابقا ديـوان (انشـطارات العقيـق اليمانـي)‪ ،‬وديـوان‬ ‫وقـد صـدر للزراعـي‬ ‫ً‬ ‫(يجـرح العابريـن)‪ ،‬ومجموعـة (مقدمـة الشـتعال الطين) الشـعرية والتي‬ ‫صـدرت ضمـن كتـاب مشـترك بعنـوان (سـماوات)‪ ،‬كمـا صـدر لـه كتـاب‬ ‫نقـدي بعنـوان (الزمـن فـي الصـورة الشـعرية ‪ -‬دراسـة لسـانية فـي شـعر‬ ‫البردونـي)‪ ،‬ولـه عـدد مـن األبحـاث المنشـورة‪ ،‬كمـا أن لديـه تحـت الطبـع‬ ‫ديـوان شـعري وكتـاب نقـدي‪.‬‬

‫إصدارات‬ ‫مؤخـرا ديوانـان شـعريان للشـاعر اليمنـي جبـر بعدانـي عـن دار‬ ‫صـدر‬ ‫ً‬ ‫تكويـن بالسـعودية‪ ،‬حمـل الديـوان األول اسـم (الحـاوي)‪ ،‬وقـد جـاء فـي ‪191‬‬ ‫وضـم ‪23‬‬ ‫صفحـة مـن القطـع المتوسـط‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫قصيـدة باإلضافـة إىل أبيـات المدخـل‪،‬‬ ‫ودارت موضوعـات هـذه القصائـد حـول‬ ‫الشـعر والفلسـفة والحـب والوطـن‪ُ ،‬نطالـع‬ ‫منهـا‪:‬‬ ‫ها قد وصلنا ؛ ٰ‬ ‫وهذي ق ّب ُة الحاوي‬ ‫النص والراوي‬ ‫فكُ ْن عميق ًا ْ‬ ‫بقدر ِّ‬ ‫هنا ستبص ُر ‪..‬؛ فاألفواه عاطل ٌة‬ ‫وقنديل الرؤى ذاوي‬ ‫عن الكالم‬ ‫ُ‬ ‫واألسماء مقفر ٌة‬ ‫ر‬ ‫الس‬ ‫فتدخل َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫بلقع خاوي !‬ ‫وما وراء األحاجي ٌ‬ ‫بينمـا حمل ديوان الشـاعر جبـر بعداني‬ ‫الثانـي اسـم (قيامتـان ونصـف)‪ ،‬وصـدر‬ ‫متضم ًنـا ‪ 23‬قصيـدة باإلضافـة إىل‬ ‫فـي ‪ 99‬صفحـة مـن القطـع المتوسـط‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أبيـات المدخل‪ ،‬وقـد دارت كل قصائد هذا‬ ‫الديـوان حـول الرثاء‪ ،‬وأغلبها فـي رثاء والده‬ ‫وممـاء جـاء فيهـا‪:‬‬ ‫رحمـه هللا‪ّ ،‬‬ ‫‏إثنين يا صاحبي‬ ‫‏ ُكنّا ٰ‬ ‫وهانذا‬ ‫أتيت وأمضي‬ ‫‏وحدي ُ‬ ‫‏من هنا وحدي‬ ‫يواسيك عند الصبح‬ ‫‏فمن‬ ‫َ‬ ‫كمد؟!‬ ‫‏من ٍ‬ ‫‏ومن يغطيك عند الليل من َب ْردِ ؟!‬ ‫أعبره‬ ‫سجى كيف‬ ‫الم ّ‬ ‫ُ‬ ‫يا للمجاز ُ‬ ‫حالم وردي ؟!‬ ‫بموت‬ ‫إىل البديع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬

‫ً‬ ‫حديثا عن مكتبة (د) بصنعاء‬ ‫صدر‬

‫(هكذا غنى طائر)‪ ..‬ديوان جديد للشاعرة‬ ‫أمة الكريم إسماعيل‬

‫‪60‬‬

‫متضم ًنا‬ ‫يقـع الديـوان فـي ‪ 66‬صفحـة مـن القطع المتوسـط‬ ‫ّ‬ ‫‪ 44‬قصيـدة غلـب عليهـا الشـكل العمـودي مـع وجـود بعـض‬ ‫قصائـد التفعيلـة‪ ،‬وقـد تن ّوعـت قصائـد الديـوان مـن حيـث‬ ‫مضمونهـا بيـن القصائـد الوطنيـة وتنـاول مختلـف األغـراض‬ ‫الشـعرية مـن المـدح والرثـاء والغـزل‪ ...‬الشـاعرة أمـة الكريـم‬ ‫نصـار مـن مواليـد محافظـة حجـة اليمنيـة‪ ،‬وقـد فـازت‬ ‫بجوائـز عديـدة أهمهـا جائـزة رئيـس الجمهوريـة ‪ -‬محافظـة‬

‫حجـة ‪2005‬م عـن مجموعتهـا الشـعرية (التغريبـة)‪ ،‬كمـا أنها‬ ‫شـاركت فـي عـدد مـن الدواويـن المشـتركة المطبوعـة منهـا‬ ‫ديـوان (أقلام حـول الوطن) وديوان (اللغـة األم)‪ ،‬وقد اختيرت‬ ‫الشـاعرة ضمـن موسـوعة (الشـعراء األلـف) الصـادرة عـن‬ ‫مجموعـة (النخبـة الثقافية) بالفيسـبوك ودار النخبة العربية‬ ‫للنشـر بمصـر‪ ،‬ولديهـا مشـاركة فـي (موسـوعة الشـعر النسـائي‬ ‫العربـي الفصيـح (‪ ))2020-1950‬الصـادرة مـن المغـرب‪.‬‬


‫أخبار‬

‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫ٌ ُ َّ ٌ‬ ‫(حروف مبـرأة ِمن غبار الكالم)‪...‬‬ ‫كتاب جديد لمختارات من أجمل قصائد الشاعر الكبير عبد العزيز المقالح‬ ‫صـدر عـن دار «العائدون للنشـر» كتـاب مختارات من‬ ‫قصائـد الشـاعر العربـي الكبيـر عبـد العزيـز المقالـح‬ ‫بــرأ ٌة مِ ـن غبـار الـكالم»‪ ،‬والـذي‬ ‫بعنـوان‬ ‫ٌ‬ ‫«حـروف ُم َّ‬ ‫احتـوى علـى ‪ 62‬قصيـدة تـم اختيارهـا مـن مجمـل‬ ‫االنتـاج الشـعري المنشـور للشـاعر‪.‬‬ ‫الكتـاب أعـده وقـدم لـه الشـاعر والروائـي همـدان‬ ‫دمـاج‪ ،‬الـذي أوضـح في مقدمة الكتـاب أن هذه الباقة‬ ‫ّ‬ ‫المختـارة تحتـوي علـى «ما ار َتأَينا أنـه أجمل قصائدِ ه‬ ‫وفنيا‬ ‫وأكثرهـا‬ ‫ً‬ ‫زمنيا ًّ‬ ‫شـيوعا‪ ،‬والتي راعينا فيهـا تن ّو ًعا ًّ‬ ‫وموضوعيـا‪ُ ،‬ي َم ّكـن القـار َئ مـن اإلبحـار فـي عالمـه‬ ‫ًّ‬ ‫تلمـس تن ّوعـات قصائـده المدهشـة‪،‬‬ ‫الشـعري‪ ،‬ومـن ّ‬ ‫التجديديـة في عالم‬ ‫واستكشـاف تضاريـس تجربتهـا‬ ‫ّ‬ ‫العربـي المعاصـر»‪.‬‬ ‫الشـعر‬ ‫ّ‬ ‫الممتـدة ل َِمـا‬ ‫ة‬ ‫ـعري‬ ‫الش‬ ‫المقالـح‬ ‫«تجربـة‬ ‫أن‬ ‫وأضـاف‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ُي َقـا ِرب السـ ّتة عقـود‪ ،‬ومـا َتخ َّللهـا مِ ـن تنـ ّوع وتجريـب‬ ‫واألوجـه‪ ،‬قـد اسـتطاعت أن‬ ‫علـى كافـة األصعـدة‬ ‫ُ‬ ‫كبيـرا مـن القـراء‪ ،‬وأن تالمـس‬ ‫عـددا‬ ‫تجـذب إليهـا ً‬ ‫ً‬ ‫ذوائقهـم الشـعرية علـى اختالفهـا»‪.‬‬ ‫دماج أنـه «تم ترتيبها‬ ‫وعـن القصائد المختارة يشـرح ّ‬ ‫الشـعرية‬ ‫بعضا من بواكير المقالح ّ‬ ‫زمنيـا‪ ،‬وفيها َسـنقرأ ً‬ ‫ًّ‬ ‫ِبسِ‬ ‫الكالسـيكية‪ ،‬ومواضيعِ هـا المشـحونة‬ ‫ـة‬ ‫الفني‬ ‫ِها‬ ‫ت‬ ‫ـما‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫حدي‪ ،‬واسـتلهامها للتراث‬ ‫مـرد‪ ،‬وال ّت ّ‬ ‫ـس ال ّث ِّ‬ ‫بالحِ ِّ‬ ‫ـوري‪ ،‬وال ّت ّ‬ ‫وفية وفلسـفتِه‬ ‫مرورا‬ ‫بروحانياته ّ‬ ‫اليمنـي والعربـي‪ً ،‬‬ ‫الص ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شـكلت عالمـ ًة فارقـ ًة فـي شـعره لفتـرة‬ ‫التأمليـة التـي ّ‬ ‫ّ‬ ‫مالمـح‬ ‫أيضـا‬ ‫مـن الزمـن‪ ،‬وهـي الفتـرة التـي شـهدت ً‬ ‫َ‬ ‫عرفـ ُه بـ»األ َ​َجـد»‪ ،‬ومزاوجتـه‬ ‫ال ّتجديـد ِّ‬ ‫الش ّ‬ ‫ـعري الـذي َّ‬ ‫األدبية المختلفة‪ ،‬إىل آخـر بكائياتِه في‬ ‫األجنـاس‬ ‫بيـن‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫الــمس َتعِ ر‪،‬‬ ‫الحرب‬ ‫زمـن‬ ‫ِ‬ ‫زمـن االنكسـار األخيـر؛ ِ‬ ‫والمـوت ُ‬ ‫هِ‬ ‫كهوفِ‬ ‫شـاهرا‬ ‫من‬ ‫عـاد‬ ‫الذي‬ ‫الرهيـب‬ ‫والماضـي القاسـي َّ‬ ‫ً‬ ‫الظلام فـي ُوجـو ِه الجميـع»‪ ،‬مضيفـ ًا أن «فـي كل‬ ‫َ‬ ‫سـيف ّ‬ ‫الرحلـة‬ ‫امتـداد‬ ‫وعلـى‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫جريبي‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫نعطفات‬ ‫الــم‬ ‫هـذه‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مزيجـا ُمتق ًنا من‬ ‫ّ‬ ‫ـعرية الباذخـة‪َّ ،‬‬ ‫شـعر المقالح ً‬ ‫ظل ُ‬ ‫الش ّ‬ ‫ظل‬ ‫وتوه ٍـج‬ ‫لغويـةٍ ُمبهـر ٍة ّ‬ ‫فكـري عميـق‪ ،‬كما َّ‬ ‫ٍّ‬ ‫شـفافيةٍ ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربـي بعذاباتِـه وآمالِـهِ وتط ُّلعاتِـهِ هـو َأصـل‬ ‫اإلنسـان‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ومحيطـات‬ ‫دوائـر بحـا ِر‬ ‫منهـا‬ ‫تتشـكل‬ ‫التـي‬ ‫النقطـة‬ ‫ُ‬ ‫ـعرية»‪.‬‬ ‫عوالِمِ ـهِ ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫دمـاج أن يكـون فـي هـذه المختـارات مـا‬ ‫ويأمـل ّ‬ ‫العربـي للولـوج إىل‬ ‫ئ‬ ‫ر‬ ‫القـا‬ ‫أمـام‬ ‫ا‬ ‫واسـع‬ ‫البـاب‬ ‫َ«يف َتـح‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الشـعري المدهـش‪ ،‬و َثـرا ِء تجربتِـهِ‬ ‫ِ‬ ‫عالـم المقالـح ّ‬ ‫ـكل‬ ‫ش‬ ‫عاتهـا‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ائـدة‬ ‫الر‬ ‫ومضمو ًنـا‪ ،‬فـي رحلـةٍ َعذبـةٍ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الخيـال والحمـاس والجمـال والحـزن واألمـل‬ ‫مـن َ‬ ‫اللا ُمتناهـي»‪.‬‬ ‫واإلبـداع‬ ‫العميـق َّ‬ ‫ِ‬

‫رواية للكاتب اليمني أحمد زين ضمن القائمة الطويلة‬ ‫للجائزة العالمية للرواية العربية‬ ‫وصلـت روايـة (فاكهـة للغربـان) للكاتـب اليمني أحمد‬ ‫زيـن إىل القائمـة الطويلـة للجائـزة العالميـة للروايـة‬ ‫كتابا‬ ‫مؤخـرا‬ ‫العربيـة‪ ،‬والتـي تم اإلعالن عنها‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫متضمنة ً‬ ‫عامـا‪.‬‬ ‫مـن ‪ 11‬بلـدا تتـراوح أعمارهـم بيـن ‪ 31‬و‪ً 75‬‬ ‫صـدرت فاكهـة للغربـان عـن منشـورات المتوسـط‪،‬‬ ‫وبحسـب النبـذة التعريفيـة عنهـا فـي الموقـع الرسـمي‬ ‫للجائـزة فـإن الروايـة «تسـرد مـن خلال مذكـرات نـورا‪،‬‬ ‫حيـوات شـخوص عديـدة تتقاطـع مـع حيـاة حبيبهـا‬ ‫لقبـا لـه‪،‬‬ ‫جيـاب‪ ،‬الـذي يتخـذ مـن اسـم القائـد الفيتنامـي ً‬ ‫ومـع هـذه المذكـرات يظهر صراع الرفاق على السـلطة في‬ ‫نظـام عدن االشـتراكي‪ ،‬في سـبعينيات وثمانينيات القرن‬ ‫الماضـي‪ ،‬حيـث يتغ ّلـب اإلرث القبلـي والعالقـات القرابيـة‬ ‫علـى شـعارات الرفاقيـة األمميـة المرفوعـة وقتهـا‪ ،‬وهـي‬ ‫الشـعارات التـي جذبت اليسـاريين العرب إىل هـذه المدينة‬ ‫اليمنيـة فكانـت المنفـى والحلـم المجهـض»‪.‬‬

‫كمـا نشـر موقـع الجائـزة بطاقـة تعريفيـة بالكاتـب‬ ‫أحمـد زيـن وهـو «روائـي وصحفـي يمنـي‪ ،‬مـن مواليـد‬ ‫الحديـدة‪ ،‬اليمـن‪ ،‬عـام ‪ .1966‬يقيـم فـي الريـاض‬ ‫ويعمـل فـي الصحافـة الثقافيـة‪ .‬صدرت لـه مجموعتان‬ ‫قصصيتـان وأربـع روايـات‪« :‬تصحيـح وضـع» (‪،)2004‬‬ ‫«قهـوة أميركيـة» (‪« ،)2007‬حـرب تحـت الجلـد»‬ ‫(‪ )2010‬و»سـتيمر بوينـت» (‪ُ .)2015‬أعيـد طباعـة‬ ‫اثنتيـن منهـا فـي سلسـلة اإلبـداع العربي التـي تصدرها‬ ‫الهيئـة المصريـة العامـة للكتـاب‪ُ .‬ترجمـت فصـول مـن‬ ‫رواياتـه وعـدد مـن قصصـه إىل اإلنجليزيـة والفرنسـية‬ ‫حضـورا آخـر لليمـن‬ ‫والروسـية»‪ ..‬هـذا وشـهدت الجائـزة‬ ‫ً‬ ‫بعـد ورود اسـم الكاتـب اليمنـي علـي المقـري ضمـن‬ ‫أعضـاء لجنـة تحكيـم الجائـزة لهـذا العـام‪ ،‬وقـد سـبق‬ ‫للمقـري الوصـول مرتيـن إىل القائمـة الطويلـة للجائـزة‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫أخبار‬

‫مارس ‪ 2021 -‬م‬

‫ّ‬ ‫مركز عدن للرصد والدراسات يكرم الفائزين في مشروع‬ ‫(األدب في خدمة السالم)‬ ‫محمد سلطان اليوسفي ـ أقالم عربية‬ ‫أقام مركز عدن للرصد والدراسات والتدريب‬ ‫صباح يوم الثالثاء ‪ 9‬مارس فعالية تكريمية لعدد‬ ‫من المبدعين والمبدعات الفائزين في المشروع‬ ‫األدبي (األدب في خدمة السالم)‪ ،‬والذي شمل‬ ‫مجال الشعر والقصة والمقال‪ ،‬ويأتي المشروع‬ ‫بتمويل من المؤسسة األلمانية للتعاون الدولي(‪-‬‬ ‫‪.)GIZ‬‬ ‫وفي فعالية التكريم التي حضرها عدد من‬ ‫الكتاب واإلعالميين والمهتمين بالشأن الثقافي‬ ‫ألقى األستاذ قاسم داود رئيس مركز عدن‬ ‫حيا في مستهلها جميع‬ ‫للرصد والدراسات كلمة ّ‬ ‫تحدث‬ ‫الحاضرين والمشاركين في المشروع‪ ،‬كما ّ‬ ‫مر بها مشروع (األدب في‬ ‫عن المراحل التي ّ‬ ‫مؤكدا على أن المشروع يأتي‬ ‫خدمة السالم)‪،‬‬ ‫ً‬ ‫انطالقا من استشعار دور وأهمية األدب في بناء‬ ‫ً‬ ‫السالم‪.‬‬ ‫قدم رئيس لجنة التحكيم في المشروع‬ ‫كما ّ‬ ‫الدكتور سالم عبدالرب السلفي رئيس قسم اللغة‬ ‫مفصلة عن سير‬ ‫العربية بجامعة عدن كلمة‬ ‫ّ‬ ‫برنامج (األدب في خدمة السالم)‪ ،‬استعرض فيها‬ ‫ابتداء من اجتماع‬ ‫مر بها المشروع‬ ‫المراحل التي ّ‬ ‫ً‬ ‫لجنة التحكيم ووضع شروط المسابقة لكل فئة‬ ‫(الشعر ـ القصة ـ المقال)‪ ،‬ووضع معايير تحكيم‬ ‫النصوص المتسابقة‪ ،‬وانتهاء بإعالن أسماء‬ ‫الفائزين‪،‬‬ ‫وتك ّونت لجنة التحكيم من كل‪:‬‬

‫د‪ .‬سالم عبد الرب السلفي‬ ‫د‪ .‬حفيظة صالح الشيخ‬ ‫د‪ .‬عبد الحكيم باقيس‬ ‫د‪ .‬علي عبده الزبير‬ ‫د‪ .‬صالح حسن الوجيه‬ ‫أ‪ .‬بدر فضل العرابي‬ ‫وفي الفعالية ألقى وكيل محافظة عدن األستاذ‬ ‫غسان الزامكي كلمة أكد فيها حرص الحكومة‬ ‫على تشجيع البرامج والمشاريع الثقافية الهادفة‬ ‫التي من شأنها أن تنعش المشهد الثقافي بمختلف‬ ‫مجاالته‪.‬‬ ‫واختتمت الفعالية بتكريم الفائزين في‬ ‫المشروع في مجال الشعر والقصة والمقال‪ ،‬وذلك‬ ‫على النحو التالي‪:‬‬ ‫الفائزين في فئة الشعر‪ ،‬وهم‪:‬‬ ‫الفائز بالمركز األول الشاعر يوسف صالح عن‬ ‫نصه “حصاد الحرب”‪ ،‬والحائز على المركز الثاني‬ ‫ّ‬

‫نصه “متى‬ ‫العمري عن ّ‬ ‫الشاعر سامي مصلح قائد َ‬ ‫توسع صدر األرض”‪ ،‬و الحائز على المركز الثالث‬ ‫ّ‬ ‫نصه “الموطن‬ ‫الشاعر محمد سلطان اليوسفي عن ّ‬ ‫المكلوم”‪.‬‬ ‫كل من‪:‬‬ ‫أما في فئة القصة فقد تم تكريم ٍّ‬ ‫نصه‬ ‫غسان خالد الحائز على المركز األول عن ّ‬ ‫القصصي “طفولة مبتورة”‪ ،‬والحائز على المركز‬ ‫نصها القصصي‬ ‫الثاني سمية أحمد بشهر عن ّ‬ ‫“على حافة الهاوية”‪ ،‬والحائز على المركز الثالث‬ ‫نصها القصصي «أنا للمقابر‬ ‫تسنيم حسن عن ّ‬ ‫أنتمي»‪.‬‬ ‫وفي فئة المقال تم تكريم الفائزين وهم‪:‬‬ ‫نصها «أبناء‬ ‫فاطمة زيد الفائز بالمركز األول عن ّ‬ ‫الحفا»‪ ،‬والفائز بالمركز الثاني خالد عبدالغني‬ ‫نصه «هناك امرأة ًإذا هناك سالم»‪،‬‬ ‫الصرمي عن ّ‬ ‫ّ‬ ‫والفائز بالمركز الثالث نجاة حسين الحامد عن‬ ‫نصها «سطر حرب ونقطة سالم»‪.‬‬ ‫ّ‬

‫شاعرة يمنية تفوز بجائزة «توليوال»‬ ‫في إيطاليا‬ ‫فـازت الشـاعرة اليمنيـة ميسـون اإلريانـي بجائـزة‬ ‫«توليـوال» اإليطاليـة السـنوية عـن ديوانهـا ِ‬ ‫(ح َيـل)‪،‬‬ ‫وذلـك فـي دورة الجائـزة الــ‪ 26‬للعـام ‪،2020/2021‬‬ ‫ضمـن مجموعـة مـن الشـعراء األجانـب بينهـم عدد‬ ‫مـن الشـعراء العـرب‪.‬‬ ‫وأضافـت «جائـزة توليـوال ريناتـو فيلبـي اإليطاليـة‬ ‫للشـعر العالمـي» فـي الـدورة الماضيـة الشـعر باللغـة‬ ‫العربيـة إىل فـروع مسـابقاتها (فـرع الشـعر غيـر‬ ‫اإليطالـي)‪.‬‬ ‫و ُتشـرف على هذه الجائزة رابطة توليوال الثقافية‪،‬‬

‫‪62‬‬

‫نظم بالتعاون مع مجلس الشـيوخ اإليطالي‪.‬‬ ‫و ُت ّ‬ ‫وتقـوم عمليـة التحكيـم علـى مرحلتيـن‪ :‬األوىل‬ ‫تقييـم النصـوص بلغتهـا األم ومقارنـة الترجمـة‬ ‫باألصـل‪ ،‬وفـي المرحلـة الثانيـة يتـم تقييـم‬ ‫النصـوص المتأهلـة بشـكل جماعـي الختيـار قائمة‬ ‫الفائزيـن النهائيـة‪.‬‬ ‫عـددا مـن‬ ‫اإلريانـي‬ ‫ميسـون‬ ‫للشـاعرة‬ ‫‏يذكـر أن‬ ‫ً‬ ‫“سـأثقب بالعاشـقين‬ ‫اإلصـدارات الشـعرية منهـا‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫و”م َـد ْد”‪.‬‬ ‫السـماء”‪َ ،‬‬ ‫المصدر‪« :‬آر تي» ‪« ،‬إرم» بتصرف‬



‫مارس ‪ 2021 -‬م‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.