Tehran, the Culture of Martyrs , the Civilization of Living People

Page 1

‫استطالع‬

‫طهـــران‬

‫ُ‬ ‫ثقافة الشهداء‪ ..‬أو حضارةُ األحياء؟‬

‫بقلم وعدسة‪ :‬أشرف أبواليزيد‬

‫‪3/30/16 11:39:54 AM‬‬

‫‪aug 36-55.indd 36‬‬


‫كنت أقلب البص ��ر بني معالم‬ ‫م ��ن ف ��وق قمة برج (مي�ل�اد) في العاصم ��ة اإليرانية طه ��ران‪ُ ،‬‬ ‫مترا‬ ‫املدين ��ة‪ .‬ال ش ��يء يكش ��ف لك عن اختالف من هذه املس ��افة الش ��اهقة التي تعل ��و ‪ً 185‬‬ ‫عن س ��طح األرض‪ ،‬ال تبدو لك أس ��رار‪ ،‬وال تبني لك خفايا‪ .‬تبدو املدينة ش ��بيهة بكل املدن‪،‬‬ ‫لها دروبها املش � َّ�جرة‪ ،‬ومعاملها اآلسرة‪ ،‬وجغرافيتها النافرة‪ ،‬يحدها جبل في األفق‪ ،‬ومتيزها‬ ‫هضاب في مدى البصر‪ ،‬وتضع عالماتها شواهق معمارية عمالقة تظهر نادرا‪ .‬بيوت واحدها‬ ‫مثل مكعب األسمنت‪ ،‬ومساحات خضراء مفردها مثل بساط الريح‪ .‬مبان بيضاء‪ ،‬ومساجد‬ ‫مزخرفة‪ .‬حتى أبناء وبنات البلد الذين صعدوا إلى السماء ملشاهدة حاضرتهم‪ ،‬كان ميكن‬ ‫أن ترى مثلهم بابتساماتهم في أي مكان‪ ،‬وزمان‪ ،‬وبينهم أجانب ـ مثلنا ـ يزورون تلك التحفة‬ ‫املعمارية العصرية األنيقة التي تسجل جدرانها رموز وعالمات احلضارة الفارسية‪.‬‬

‫‪3/30/16 11:39:55 AM‬‬

‫‪aug 36-55.indd 37‬‬


‫شباب وشابات إيران يزورون برج ميالد ملشاهدة عاصمة بالدهم‪ ،‬من أعلى التحفة املعمارية العصرية األنيقة التي تسجل‬ ‫جدرانها رموز وعالمات احلضارة الفارسية‬

‫قلت لنفس� � ��ي إن اختال ًف� � ��ا تبحث عنه‬ ‫ُ‬ ‫ل� � ��ن يكون في البرج‪ ،‬ولن يس� � ��كن قرب‬ ‫الس� � ��حاب‪ ،‬عليك أن تنزل إلى الشارع‪،‬‬ ‫أن تتج� � ��ول ب� �ي��ن العمائ� � ��ر والبس� � ��اتني‪ ،‬أن تتأمل‬ ‫الوج� � ��وه‪ ،‬ف� � ��ي اخلالء والزح� � ��ام‪ ،‬أن تق� � ��ارب بني‬ ‫اللي� � ��ل والنهار‪ ،‬أن تتعرف على ثقافة االستش� � ��هاد‬ ‫والش� � ��هداء‪ ،‬وتتأمل حضارة األحياء‪ ،‬أن تتنقل ما‬ ‫بني قصر الشاه‪ ،‬وبيت اإلمام‪ ،‬أن تستكني لدليلك‬ ‫وهو يقودك‪ ،‬أو تهرب منه حينا لترى ما يفاجئك‪،‬‬ ‫أن تس� � ��تمع بعينيك‪ ،‬وأن ترى بأذنيك‪ ،‬وأن تتذوق‬ ‫بطريق� � � ٍ�ة خاصة حتى وأنت تلتهم طعا ًما اش� � ��تهر‬ ‫في العالم كل� � ��ه‪ ،‬وقد دخلت مطاعم تكنى باس� � ��م‬ ‫(اإليران� � ��ي) م� � ��ن الكويت إلى كوري� � ��ا‪ ،‬إال أنه هنا‪،‬‬ ‫في بالده‪ ،‬الش� � ��ك‪ ،‬مختلف‪ .‬انزل من برجك لتقرأ‬ ‫االئتالف واالختالف؛ أهال بك في طهران‪.‬‬

‫صالة التشريفات‬

‫ضيف قادم كان مُيس� � � ُ‬ ‫ٍ‬ ‫�ك جواز سفره كأنه‬ ‫كل‬ ‫جزء منه‪ ،‬لكننا جمي ًعا حني رأينا ابتسامة مضيفينا‬ ‫الواس� � ��عة رضخنا وسلمنا الوثيقة األهم بيسر إلى‬ ‫موظفي اجل� � ��وازات‪ ،‬وانتظرنا كوفد رس� � ��مي في‬ ‫صالة التش� � ��ريفات لكبار ال� � ��زوار‪ .‬بقينا فترة تكاد‬

‫‪38‬‬

‫‪3/30/16 11:39:57 AM‬‬

‫متاث� � ��ل املدة التي قطعنا بها مس� � ��افة الس� � ��فر بني‬ ‫الكوي� � ��ت وطهران (‪  778‬كلم)‪ ،‬حت� � ��ى عادت إلينا‬ ‫وثائقنا مصحوبة ببطاقات تعريف‪ ،‬وهي البطاقات‬ ‫التي سنعيدها ألصحابها في نهاية الرحلة‪ ،‬حتمل‬ ‫صورن� � ��ا‪ ،‬واملدة الت� � ��ي قضيناه� � ��ا‪ ،‬وبياناتنا باللغة‬ ‫الفارس� � ��ية‪ ،‬لتضاف إلى وثائق في ٍ‬ ‫بلد يهتم كثيرا‬ ‫بالتدوين والتوثيق‪ ،‬س� � ��واء كان ذلك في عهد ساد‬ ‫وباد‪ ،‬أم في زمن قائم دائم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫�ذكارات أخ� � ��رى غير‬ ‫علين� � ��ا أن نبح� � ��ث عن ت� � �‬ ‫بطاقة الس� � ��ماح بالزيارة‪ ،‬تلك الت� � ��ي جمعنا مثلها‬ ‫ٍ‬ ‫زيارات كثيرة ملؤمترات دولية‪ ،‬لكنها هنا‪ ،‬كما‬ ‫ف� � ��ي‬ ‫قال ترجماننا حسني‪ ،‬عهدة عليه أن يتسلمها منا‪.‬‬ ‫أخبرنا ذلك في ساعة السفر‪ ،‬ومنا من كان دفسها‬ ‫في مخبأ‪ ،‬استعادها منه‪ ،‬لكن اجلميع التقط شي ًئا‬ ‫م� � ��ن طهران‪ ،‬ت� � ��ذكا ًرا ما‪ ،‬بني ص� � ��ورة وكتاب‪ ،‬من‬ ‫العسل إلى املكس� � ��رات‪ ،‬مما صنع من النسيج وما‬ ‫قد من املعدن واخلشب‪ ،‬وكثير من الذكريات‪.‬‬ ‫في املسافة بني املطار وقلب املدينة حيث يقع‬ ‫مقر اإلقامة ذو اخلمسة جنوم‪ ،‬كنت أتأمل أمرين‬ ‫أدهشاني كثي ًرا‪.‬‬ ‫األول أنن� � ��ي أنا املهتم بطري� � ��ق احلرير‪ ،‬الذي‬ ‫متثل طه� � ��ران إح� � ��دى محطاته‪ ،‬كن� � ��ت أعرف أن‬ ‫العدد ‪ - 657‬أغسطس ‪2013‬‬

‫‪aug 36-55.indd 38‬‬


‫طهران‪ ،‬مدينة عصرية الطرق يسكنها أكثر من ثمانية ماليني و‪ 400‬ألف نسمة‬

‫فـقــه عمـارة املساجــد‬

‫‪3/30/16 11:39:58 AM‬‬

‫‪39‬‬

‫‪aug 36-55.indd 39‬‬


‫هناك ‪ 2542‬ناشرا شاركوا في هذه الدورة من معرض طهران الدولي للكتاب وعرضوا نحو ‪ 210‬آالف عنوان كتاب في األقسام‬ ‫الداخلية و ‪ 200‬ألف عنوان كتاب في القسم الدولي مبشاركة ‪ 50‬ناشرا أجنبيا شاركوا في الدورة السادسة والعشرين من‬ ‫معرض طهران الدولي للكتاب من بينهم أعضاء في حركة عدم االنحياز التي تترأسها إيران حاليا‪ ،‬وتزامنا مع إقامة‬ ‫املعرض‪ ،‬كما أقيم ملتقى وزراء الثقافة للدول األسيوية في طهران‪ ،‬ليستقبل املعرض وزراء ثقافة الدول األسيوية‬

‫ثالثة وجوه نسائية من إيران ميثلن تيارا شابا لتجربة النشر والترجمة واإلبداع‪( :‬من اليمني إلى اليسار)‬ ‫املترجمة د‪ .‬نسرين شكيبي ممتاز‪ ،‬والشاعرة بونه ندائي‪ ،‬والناشرة أعظم كيان أفراز‬

‫‪40‬‬

‫‪3/30/16 11:39:59 AM‬‬

‫العدد ‪ - 657‬أغسطس ‪2013‬‬

‫‪aug 36-55.indd 40‬‬


‫للعمارة الفارس� � ��ية طاب ًعا رائعا‪ ،‬رأيته في شواهد‬ ‫مص� � ��ورة وثائقية كثي� � ��رة‪ ،‬غير أنني ل� � ��م أجده في‬ ‫الطري� � ��ق هنا في واجهات البي� � ��وت‪ ،‬التي بدت لي‬ ‫عادي� � ��ة‪ ،‬كأنه� � ��ا ترتدي معطفا ش� � ��حيح الزخرف‪.‬‬ ‫الشرفات نادرة‪ ،‬وليست النوافذ كما تخيلتها‪ ،‬فهي‬ ‫بسيطة في تصميمها‪ .‬سألت نفسي في دهشتها‪:‬‬ ‫وه� � ��ل كنت تتوق� � ��ع أن جتد قصو ًرا ف� � ��ي كل درب؟‬ ‫أم� � ��ا اللوح� � ��ات الضخمة التي رس� � ��مت باجلدران‬ ‫فهي لألئمة والش� � ��هداء‪ ،‬وكأنه� � ��م يذ ِّكرون اجلميع‬ ‫بأسمائهم ومقوالتهم التي تذيل صورهم املرسومة‬ ‫بتل� � ��ك اجلداري� � ��ات‪ ،‬وأغلبها مق� � ��والت تندد بعدو‬ ‫البالد األول‪.‬‬ ‫لكن األم� � ��ر الثانــــــي األكثر إدهاش� � ��ا هو أنني‬ ‫بحثت عن ابتسامات عـــــلى وجوه املــــــارة واملـــارات‬ ‫فلـــــم أجد! ال ش� � ��ك أن هذا صـــــباح وأن هذا وجه‬ ‫العم� � ��ل‪ ،‬صارم‪ ،‬جاد‪ ،‬بل يكاد يكون متجه ًما‪ .‬كانت‬ ‫احلافلة التي تقلـــــنا يتعــــدد وقوفها بعد أن وصلنا‬ ‫قل� � ��ب املدينة‪ ،‬فبدا الزحام مش� � ��ابها مل� � ��دن كثيرة‬ ‫السكان كالقاهرة‪ ،‬ولم ال‪ ،‬وسكان طهران أكثر من‬ ‫طهران‪ ..‬ثقافة الشهداء‪ ..‬أو حضارة األحياء؟‬

‫‪3/30/16 11:40:01 AM‬‬

‫‪41‬‬

‫‪aug 36-55.indd 41‬‬


‫اآلية القرآنية الكرمية (ن والقلم وما يسطرون) تستقبل زوار املكتبة الوطنية اإليرانية التي تضم آالف املراجع‬ ‫واملخطوطات النادرة حول إيران والعالم اإلسالمي باللغات الفارسية والعربية واإلجنليزية‪ ،‬مبا يجعلها خزانة دراسات‬ ‫غنية‪ ‬ونادرة وقبلة للباحثني‪ .‬وبها أيضا مذكرات‪ ‬الرحالة األجانب الذين جاءوا إلى إيران والعالم اإلسالمي يعود تاريخ‬ ‫بعضها إلى ‪ 400‬سنة مضت‬

‫ثمانية ماليني و‪ 400‬ألف نسمة‪.‬‬ ‫ملت نفسي‪ ،‬ألن التوجس وحده هو ما دفع عيني‬ ‫ُ‬ ‫للبحث عن نقائص‪ ،‬ال بد أن هناك ابتسامات قادمة‪،‬‬ ‫وال شك أن هناك شواهد معمارية باذخة آتية‪ ،‬وال‬ ‫ش� � ��ك أن بلد الفن على طريق احلرير ستعبر عن‬ ‫تأملت‬ ‫ومتنيت‪ ،‬حني‬ ‫أردت‬ ‫نفسها‪ ،‬وقد كان لي ما‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الفعالية التي كانت س� � ��ببا وراء دعوتي األولى إلى‬ ‫طهران؛ معرض طهران الدولي للكتاب‪.‬‬

‫طهران تقرأ وتكتب وتترجم‬ ‫مته� � ��د الطريق إل� � ��ى معرض طه� � ��ران الدولي‬ ‫للكت� � ��اب الفت� � ��ات عمالق� � ��ة في كل م� � ��كان‪ ،‬حتمل‬ ‫التصميم املوجز له والشعار املعبر عنه «الكتاب‪..‬‬ ‫ينبوع املعرف� � ��ة الفياض»‪ ،‬ويرش� � ��دك تواتر ظهور‬ ‫اإلش� � ��ارات والالفتات إلى أهمي� � ��ة الفعالية‪ ،‬وقوة‬ ‫تأثيره� � ��ا‪ ،‬ومدى احلراك ال� � ��ذي تفعله‪ ،‬وانخراط‬ ‫أكبر الرموز الدينية ف� � ��ي هيكلة احلدث‪ ،‬حتى أن‬ ‫أول األه� � ��داف إلقامة املعرض ه� � ��و «ترويج ثقافة‬

‫‪42‬‬

‫‪3/30/16 11:40:01 AM‬‬

‫قراءة الكتاب على أس� � ��اس إرشادات سماحة قائد‬ ‫الثورة اإلسالمية»‪.‬‬ ‫عن� � ��د البوابات بدا زحام كيوم احلش� � ��ر‪ .‬على‬ ‫البواب� � ��ات واجلداري� � ��ات لوحات مرس� � ��ومة كبيرة‬ ‫لشهداء وأئمة‪ .‬س� � ��تمر بجدارية للجندي املصري‬ ‫س� � ��ليمان خاطر على بوابة املعرض‪ ،‬مرة مبفرده‪،‬‬ ‫ومرة أخرى مع أقران له‪ .‬ال ش� � ��ك أن املاليني التي‬ ‫تؤم املعرض‪ ،‬ستس� � ��تدعي سيرة اجلندي الشهيد‪،‬‬ ‫وهو ما يتس� � ��ق مع ثقافة الش� � ��هداء التي ترسم كل‬ ‫درب تسلكه في طهران‪ ،‬خاصة وأن املعرض مقام‬ ‫على مالحق مصلى اإلمام اخلميني‪ ،‬الذي ال يزال‬ ‫طور اإلنشاء‪.‬‬ ‫إذا كانت األرقام تتحدث عن نفسها‪ ،‬فلنتركها‬ ‫توجز ذلك من معرض شارك فيه ناشرون في نحو‬ ‫‪ 80‬دول� � ��ة‪ ،‬بزيادة ‪ 15‬في املائ� � ��ة عن العام املاضي‬ ‫يتوزعون على قس� � ��مني؛ الفارسي الذي يضم أكثر‬ ‫من ‪ 2500‬ناشر إيراني على مساحة ‪ 80‬ألف متر‬ ‫مربع‪ ،‬والدولي للناش� � ��رين باللغ� � ��ات األجنبية على‬ ‫العدد ‪ - 657‬أغسطس ‪2013‬‬

‫‪aug 36-55.indd 42‬‬


‫قسم املخطوطات تأسس عام ‪ 1937‬ويحتوي على ‪ 3000‬مخطوطة خاصة مبكتبة العلوم السلطانية‪ ،‬وبعد قيام الثورة‬ ‫اإلسالمية‪ ‬أضيفت لهذه املجموعة محتويات املكتبة البهلوية كما مت دمج منظمة الوثائق الثقافية باملكتبة الوطنية‪ ،‬وبحسب‬ ‫آخر إحصاء مدون وصل عدد املخطوطات إلى ‪ 18000‬مخطوطة فضال عن جانب كبير من النسخ املصورة ملخطوطات نادرة‬ ‫موجودة في املكتبات األوربية ومكتبات إسطنبول‪ .‬الصورة ملثنوي موالنا جالل الدين الرومي في نسخة مذهبة‬

‫إحدى أوراق اإلجازة الصادرة عن الرقابة‬ ‫احلديدية للسافاك قبل سقوط الشاه‪،‬‬ ‫كانت داخل صفحات ألبوم وحتمل أختاما‬ ‫وتوقيعات‪ ،‬وإشارات مبنع تداولها‪ .‬أجد‬ ‫حتت عنوان (درباره رسالة آيت له خميني)‪،‬‬ ‫هناك إجازة من رقابة السافاك بإجازة نشر‬ ‫إحدى رسائل اإلمام اخلميني‪( :‬جتديد‬ ‫چاب رسالة رسالة آيت اله خميني ازنطراين‬ ‫سازمان بال مانع ميباشد لكن حسني‬ ‫مصدقي صالحيت چاب رسالة مزبور‬ ‫راندارد‪ .‬هـ رئيس سازمان اطالعات وامنيت‬ ‫كشور‪ .‬سپهبد نصيري)‪ .‬رسالة اإلمام‬ ‫املجازة رمبا تكون مع أخواتها إشارات زرعت‬ ‫شرارات الثورة اإلسالمية حني كان اجلميع‬ ‫يتداولونها‪ ،‬حتى بعد نفيه‪ .‬ورقة دقيقة‬ ‫احلجم‪ ،‬شديدة األهمية‪ ،‬كبيرة املعنى‪،‬‬ ‫وخطيرة الداللة‪.‬‬

‫‪43‬‬

‫‪3/30/16 11:40:02 AM‬‬

‫‪aug 36-55.indd 43‬‬


‫اللوحات الضخمة التي رسمت باجلدران فهي لألئمة والشهداء‪ ،‬وكأنهم يذكِّ رون اجلميع بأسمائهم ومقوالتهم التي تذيل‬ ‫صورهم املرسومة بتلك اجلداريات‪ ،‬وأغلبها مقوالت تندد بعدو البالد األول‬

‫مس� � ��احة ‪ 25‬ألف متر مربع‪ ،‬والزوار الذين يتراوح‬ ‫عددهم يوم ًّيا بني ‪ 500‬و‪ 600‬ألف زائر ال ميرون‬ ‫بني قاعات الكتب وحس� � ��ب‪ ،‬بل يختلفون إلى حيث‬ ‫تق� � ��ام ‪ 200‬فعالية ثقافية علمي� � ��ة وثقافية موازية‬ ‫للمع� � ��رض‪ .‬في صالة الناش� � ��رين العرب هناك ما‬ ‫يقرب م� � ��ن ‪ 1600‬ناش� � ��ر عرب� � ��ي (أو وكالء لهم)‬ ‫مبا ميث� � ��ل نحو ‪ 45‬في املائة من القس� � ��م الدولي‪.‬‬ ‫اس� � ��تمعنا إلى أكثر من مسئول عن إدارة املعرض‪،‬‬ ‫حول خالصات األرقام‪ ،‬وكي� � ��ف أن لوائح معرض‬ ‫طه� � ��ران الدولي للكتاب أع� � ��دت بعد االطالع على‬ ‫الش� � ��روط املعتم� � ��دة ف� � ��ي ‪ 45‬معرض � � �اً دوليا‪ ،‬مبا‬ ‫فيها معرض الكوي� � ��ت الدولي للكتاب‪ ،‬روعي فيها‬ ‫بالدرجة األلى رقابيا أال تخالف املطبوعات القيم‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وأال تثير الفتنة الطائفية أو النزاعات‬ ‫القومية‪ ،‬ومن الطبيع� � ��ي أن تكون هناك جتاوزات‬ ‫مع مش� � ��اركة ‪ 400‬ألف عنوان (جلنة الرقابة على‬ ‫محتوي� � ��ات الكت� � ��ب إحدى ‪ 12‬جلنة تش� � ��رف على‬ ‫املعرض)‪.‬‬ ‫هناك أيض� � ��ا إضافة‪ ،‬للمرة األولى هذا العام‪،‬‬

‫‪44‬‬

‫‪3/30/16 11:40:02 AM‬‬

‫تتمثل في قس� � ��م النش� � ��ر اإللكتروني‪ ،‬ومن مراقبة‬ ‫اجلمهور ف� � ��ي املرتني اللت� �ي��ن زرت بهما املعرض‪،‬‬ ‫صباحا ومساء‪ ،‬ميكن القول إن الشباب واألطفال‬ ‫ً‬ ‫(م� � ��ع أمهاتهم) هم األكثر زي� � ��ارة للمعرض‪ ،‬بني ما‬ ‫يزيد على خمس� � ��ة ماليني زائر طيلة أيام املعرض‬ ‫(‪ 11- 1‬مايو) حسبما يقول املنظمون‪.‬‬ ‫احتفلت‬ ‫لكن جتربتي اخلاصة في النشر التي‬ ‫ُ‬ ‫به� � ��ا في معرض طه� � ��ران الدولي للكتاب كش� � ��فت‬ ‫ل� � ��ي عن مالم� � ��ح وتفاصيل ق� � ��د ال تدركها األرقام‬ ‫الصماء‪.‬‬ ‫جمي������ل أن ترى دا ًرا واح������دة جتمع عناوينها‬ ‫الش������عرية بني أدونيس ومحم������ود درويش ونزار‬ ‫قباني وأشرف أبواليزيد ونوري اجلراح وجمال‬ ‫جمع������ة وبروين حبي������ب ومحمد عل������ي فرحات‬ ‫وأحم������د مطر‪ ،‬مثلم������ا تضم عناوينه������ا الروائية‬ ‫جنيب محف������وظ وعبد الرحم������ن منيف وأحالم‬ ‫مستغامني التي قدم لي مترجمها رضا عامري‪،‬‬ ‫عملها األش������هر ذاكرة اجلس������د‪ .‬ومن األس������ماء‬ ‫املهم������ة التي ترف������د الدار بترجماته������ا عن اللغة‬ ‫العدد ‪ - 657‬أغسطس ‪2013‬‬

‫‪aug 36-55.indd 44‬‬


‫عكس الوجوه املتجهمة صباح ًا تبتسم الروح واملالمح في أمسيات يعطرها الطرب‬

‫العربي������ة د‪.‬نس������رين ش������كيبي ممتاز األس������تاذة‬ ‫بجامعة الزهراء في طهران ويبدو أن (انتشارات‬ ‫أفراز) ال تهتم باألدب العربي وحده‪ ،‬فقد ضمت‬ ‫عناوينها مئات الترجمات عن أشهر لغات العالم‪،‬‬ ‫ومن بينها الكردية واألملانية واإلجنليزية‪ ،‬كأكثر‬ ‫اللغات نقال إلى الفارسية‪.‬‬ ‫متل� � ��ك الدار ناش� � ��رة دقيقة احلجم واس� � ��عة‬ ‫االبتس� � ��امة هي أعظم كيان أف� � ��راز‪ ،‬واألمر ليس‬ ‫مدهش� � ��ا النخراط سيدة في حقل النشر‪ ،‬فهناك‬ ‫قصة أخرى لزميلة نوعية كذلك هي الشاعرة بونه‬ ‫ندائي التي ترأس حترير مجلة ش� � ��وكران األدبية‪،‬‬ ‫وتتنوع إصدارات دارها (آمرود) بني األدب‪ ،‬وبني‬ ‫سلس� � ��لة تنقل األدب الكوري إلى الفارسية‪ ،‬وهو‬ ‫أم� � ��ر لم يبدأ بعد في اللغ� � ��ة العربية‪ ،‬وحان وقته‬ ‫دون شك‪.‬‬ ‫تذك� � ��رت أيضا ف� � ��ي الترجمة‪ ،‬جترب� � ��ة مجلة‬ ‫(ش� � ��يراز) التي تق� � ��دم األدب الفارس� � ��ي املعاصر‬ ‫باللغة العربية‪ ،‬وه� � ��ي التي انتقلت من حيز املجلة‬ ‫املطبوعة‪ ،‬لترافقها نس� � ��خة إلكترونية يقوم عليها‬ ‫طهران‪ ..‬ثقافة الشهداء‪ ..‬أو حضارة األحياء؟‬

‫‪3/30/16 11:40:03 AM‬‬

‫األدي� � ��ب الدكتور موس� � ��ى بيدج‪ ،‬وال� � ��ذي حكى لي‬ ‫جتربته ورفاقه م� � ��ن األدباء واملترجمني عنها حني‬ ‫اس� � ��تضافته (العربي) في أحد ملتقياتها السابقة‬ ‫الذي حمل عنوان (العرب يتجهون شرقا)‪ .‬متنيت‬ ‫أن تص� � ��در بالفارس� � ��ية مجلة تق� � ��دم أدبنا العربي‬ ‫املعاصر‪ ،‬ليطالعها هؤالء الشغوفون بالقراءة‪.‬‬ ‫امل� � ��رأة حاض� � ��رة بقوة‪ ،‬تق� � ��رأ وتكتب وتنش� � ��ر‬ ‫وتترج� � ��م‪ ،‬وتدرس أيض� � ��ا‪ .‬تأملت الزح� � ��ام الذي‬ ‫يضمه� � ��ا‪ ،‬والعناوين التي حتمله� � ��ا‪ ،‬وبعد املعرض‬ ‫رأيتها باحثة في املكتبة العامة‪.‬‬

‫أسرار املكتبة العامة‬ ‫أثبتت عمارة املكتبة العامة (كتابخانه عمومي‬ ‫باللغة الفارسية) البديعة والرصينة نظرتي للعمارة‬ ‫في طهران؛ ففي حني أن عمارة البيوت بس� � ��يطة‪،‬‬ ‫ستجد عمران املباني احلكومية والعالمات الدينية‬ ‫باذخا ومتميزا وذا حس فني راق‪.‬‬ ‫م� � ��ن بعيد‪ ،‬بدا اجلبل احملي� � ��ط بطهران وكأنه‬ ‫يح� � ��رس كنوز املكتب� � ��ة العامة التي س� � ��نطلع عليها‬

‫‪45‬‬

‫‪aug 36-55.indd 45‬‬


‫كثيرا من أرجاء طهران‪ ،‬رمزا للخصوبة والربيع‬ ‫البيض امللون العمالق‪ ،‬يزين ً‬

‫‪46‬‬

‫‪3/30/16 11:40:04 AM‬‬

‫العدد ‪ - 657‬أغسطس ‪2013‬‬

‫‪aug 36-55.indd 46‬‬


‫هذه السيدة حتمل زهرة اشترتها من أسواق البلدية في طهران‪ ،‬وهي أسواق تتوزع في أكثر من مكان قرب احلدائق الكثيرة‪،‬‬ ‫وتشجع البلدية سكان طهران على اقتناء الزهور والنباتات الطبيعية ببيعها بأثمان رمزية‪.‬‬

‫بش� � ��كل خاص‪ .‬س� � ��نمضي ف� � ��ي مم� � ��رات بأعمدة‬ ‫عمالقة‪ ،‬رءوسها تلتحم مع األسقف وتربط بينها‬ ‫أهلة مقوس� � ��ة‪ ،‬واألهم أنها تس� � ��تفيد بعمارتها من‬ ‫الضوء الطبيعي الذي يتسلل عبر األسقف (وكأن‬ ‫اإلضاءة املتسللة تستلهم عمارة املكيفات اإليرانية‬ ‫التقليدية التي يتدفق فيها الهواء عبر أبراج قصيرة‬ ‫إلى حوش البيوت)‪ ،‬قبل الدخول س� � ��نج ُد معرضا‬ ‫للمخطوطات مقام� � ��ا في بهو مفتوح متيزه اللوحة‬ ‫النحاس� � ��ية لآلية القرآنية الكرمية {ن َوا ْل َق َل ِم َو َما‬ ‫َي ْس � ُ�ط ُرونَ }‪ .‬في املع� � ��رض طرائف لكتب نادرة من‬ ‫مقتنيات املكتبة‪ ،‬سواء من ألف ليلة وليلة‪ ،‬أو أوائل‬ ‫املطبوع� � ��ات‪ ،‬أو الكتب الديني� � ��ة والعلمية ومناهج‬ ‫كتب األطفال‪ ،‬حتى املوسيقى‪.‬‬ ‫بعد أن نعبر املدخل س� � ��نجد نس� � ��خة نادرة من‬ ‫مصحف كبي� � ��ر احلجم بخط عثم� � ��ان طه للقرآن‬ ‫الك� � ��رمي‪ ،‬ومخطوطات مذهبة ملثنوي محمد جالل‬ ‫الدين البلخي‪ ،‬الذي يعرفه العالم كله باسم جالل‬ ‫الدين الرومي‪ ،‬وس� � ��نجد صور أمن� � ��اء املكتبة منذ‬ ‫تأسيس� � ��ها‪ ،‬وقاعات للقراءة والبح� � ��ث‪ .‬املميز في‬ ‫املشهد هو األناقة‪ ،‬واستخدام التقنيات احلديثة‪،‬‬ ‫وميكن أن يكون لدى الفتاة هاتفان وجهاز آي باد‪،‬‬ ‫كبير أو صغير‪ ،‬ستلمحه بجانبها وهي منهمكة في‬ ‫الق� � ��راءة والكتابة‪ ،‬لقد تأقل� � ��م اجليل اجلديد على‬ ‫طهران‪ ..‬ثقافة الشهداء‪ ..‬أو حضارة األحياء؟‬

‫‪3/30/16 11:40:04 AM‬‬

‫معطي� � ��ات التكنولوجيا‪ ،‬ومع إتاح� � ��ة اإلنترنت بدا‬ ‫اس� � ��تخدام هذه التقنيات ميس� � ��را‪ ،‬وإن كان عصيا‬ ‫علي خالل فترة اإلقامة الدخول على (فيسبوك)‪،‬‬ ‫في حني متكن آخرون‪ ،‬وهو ما يعني أن يد اإلنترنت‬ ‫أكثر مرونة من قبضة الرقابة عليها‪.‬‬ ‫الرقاب� � ��ة على احملتويات تؤم� � ��ن كل كتاب فال‬ ‫ميك� � ��ن س� � ��رقة وثيق� � ��ة أو إصدار‪ ،‬وذل� � ��ك حفاظا‬ ‫على نوادر التراث العلم� � ��ي واألدبي والفني داخل‬ ‫املكتبة‪.‬‬ ‫عل� � ��ى ذكر الرقابة س� � ��نتذكر الرقابة احلديدية‬ ‫للس� � ��افاك قبل سقوط الش� � ��اه‪ ،‬حني نرى مقتنيات‬ ‫من أوراق ذلك اجلهاز العتي� � ��د‪ ،‬وهي اآلن متاحة‪،‬‬ ‫عل� � ��ى ما أعتقد‪ ،‬للدراس� � ��ة‪ .‬أقلب في ألبوم داخل‬ ‫صفحات� � ��ه البالس� � ��تيكية أوراق� � ��ا حتم� � ��ل أختاما‬ ‫وتوقيع� � ��ات‪ ،‬وإش� � ��ارات مبنع تداوله� � ��ا‪ .‬أجد حتت‬ ‫عن� � ��وان (درباره رس� � ��الة آيت اله خمين� � ��ي)‪ ،‬هناك‬ ‫إجازة من رقابة السافاك بإجازة نشر إحدى رسائل‬ ‫اإلمام اخلميني‪( :‬جتديد چاب رس� � ��الة رسالة آيت‬ ‫اله خميني ازنطراين س� � ��ازمان بال مانع ميباش� � ��د‬ ‫لكن حسني مصدقي صالحيت چاب رسالة مزبور‬ ‫ران� � ��دارد‪ .‬هـ رئيس س� � ��ازمان اطالع� � ��ات وامنيت‬ ‫تأملت الورقة وأنا أمسك‬ ‫كشور‪ .‬سپهبد نصيري)‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫األلبوم‪ .‬كانت ال تزيد مس� � ��احتها على (‪ )A5‬ورمبا‬

‫‪47‬‬

‫‪aug 36-55.indd 47‬‬


‫تكون مع أخواتها إش� � ��ارات زرعت شرارات الثورة‬ ‫اإلس� �ل��امية عبر رس� � ��ائل اإلمام التي كان اجلميع‬ ‫يتداوله� � ��ا‪ ،‬حتى بع� � ��د نفيه‪ .‬ورق� � ��ة دقيقة احلجم‪،‬‬ ‫شديدة األهمية‪ ،‬كبيرة املعنى‪ ،‬وخطيرة الداللة‪.‬‬ ‫الكنوز احلقيقية لم تكن في الوثائق فحس� � ��ب‪،‬‬ ‫ب� � ��ل في كثي� � ��ر من ص� � ��ور العائلة الشاهنش� � ��اهية‪،‬‬ ‫وخرائ� � ��ط إيران على م� � ��دى العصور‪ ،‬ومجموعات‬ ‫من الصحف التي ت� � ��ؤرخ لقرن كامل‪ ،‬منها ما كان‬ ‫محفوظا ومفتوحا عند صفحات الصراع مع هتلر‬ ‫في أتون احلرب العاملية الثانية‪.‬‬

‫بني قصر الشاه‪ ،‬وبيت اإلمام‬ ‫إذا كنا ند ِّون املواقف واملخاطبات‪ ،‬ونش������غل‬ ‫الذهن باملقاربات واملقارنات‪ ،‬ونتقصى ما يجاهر‬ ‫به وما يُ َس ُّر‪ ،‬فإن املسافة البالغية بيـــــن القطبني‬ ‫أو النقـــــيضني ستعبر عن نفـــســــها عند الكتابة‬ ‫عن رحلتي قــــصر الشاه‪ ،‬وبيت اإلمام‪.‬‬ ‫بحجم ‪ 40 / 60‬سم‪ ،‬فردت خريطة ملجموعة‬ ‫قصور (س������عد آباد)‪ ،‬وهي ليس������ت قص������و ًرا إال‬ ‫باملجاز‪ ،‬ألنها مبان بسيطة العمارة‪ ،‬مثل فيالت‪،‬‬ ‫متسعة املساحة‪ ،‬من طابقني أو ثالثة‪ ،‬تضم ‪21‬‬ ‫متحفا‪ .‬بالفارسية س������تقرأ اسم (موزه) املكتوب‬ ‫مقابل كل اس������م لتلك املتاحف‪ ،‬وهو اشتقاق من‬ ‫مفردة ‪ Museum‬اإلجنليزية‪ .‬إذا زرتها كلها‬ ‫فعلي������ك أن تدفع رس������وما بقيم������ة ‪ 75‬ألف ريال‬ ‫(هنا‪ ،‬تكتب األس������عار بالريال‪ ،‬ويحاس������ب العام‬ ‫بالتوم������ان بحذف صفر من ميني األرقام‪ ،‬فيكون‬ ‫املقابل موازيا لس������تة دناني������ر كويتية)‪ ،‬وبني هذه‬ ‫املتاحف ثالثة مجانية أحدها لألكفَّاء‪ ،‬وعناوين‬ ‫القصور تش������ي لك مبحتواها‪ ،‬احلديقة‪ ،‬الفنون‬ ‫اجلميلة األس������لحة الشاهنش������اهية‪ ،‬الس������يارات‬ ‫امللكية‪ ،‬متحف اخلط في إيران املس������مى بعميد‬ ‫خطاطيه������م مير عم������اد‪ ،‬وهكذا‪ ،‬ول������و أن هناك‬ ‫وقت������ا وجهدا لزرناها كلها‪ ،‬خاصة أن بها متحفا‬ ‫لرسوم الفنان بهزاد‪.‬‬ ‫ش������رايني خض������راء هي املم������رات تربط بني‬ ‫املتاحف والقصور‪ ،‬بأش������جار ال شك أن بعضها‬ ‫زرع خصيصا لكي ينق������ل التنوع األخضر لذلك‬ ‫البساط األخضر الذي دخلنا إليه من جنوبه عند‬ ‫بوابة الزعفرانية‪ ،‬ول������م نتخط ثلثه األول‪ ،‬حتى‬

‫‪48‬‬

‫‪3/30/16 11:40:05 AM‬‬

‫العدد ‪ - 657‬أغسطس ‪2013‬‬

‫‪aug 36-55.indd 48‬‬


‫زفافان أسطوريان في صورتني‪ ،‬أحدهما للشاه محمد رضا بهلوي شابا في مصر عند عقد قرانه على األميرة فوزية‪ ،‬بحضور‬ ‫شقيقها امللك فاروق‪ ،‬والثاني لزوجته الثالثة واألخيرة اإلمبراطورة فرح ديبا‪ ،‬وقد ذهبت األبهة‪ ،‬فال جتد في قصر الشاه‬ ‫واإلمبراطورة إال متثاليهما وقد هبطا إلى أرض إحدى غرف القصر الذي حتول إلى متحف يؤمه سياح من أنحاء العالم‪.‬‬

‫فـقــه عمـارة املساجــد‬

‫‪3/30/16 11:40:06 AM‬‬

‫‪49‬‬

‫‪aug 36-55.indd 49‬‬


‫شباب إيرانيون يزورون مجموعة قصور (سعد آباد)‪ ،‬وهي ليست قصو ًرا إال باملجاز‪ ،‬ألنها مبان بسيطة العمارة‪ ،‬مثل فيالت‪،‬‬ ‫متسعة املساحة‪ ،‬من طابقني أو ثالثة‪ ،‬تضم ‪ 21‬متحفا‪ .‬بالفارسية ستقرأ اسم (موزه) املكتوب مقابل كل اسم لتلك املتاحف‪،‬‬ ‫وهو اشتقاق من مفردة ‪ Museum‬اإلجنليزية‪ .‬شرايني خضراء هي املمرات تربط بني املتاحف والقصور‪ ،‬بأشجار ال شك أن‬ ‫بعضها زرع خصيصا لكي ينقل تنوع ذلك البساط األخضر‪.‬‬

‫درنا لنخرج من حي������ث أتينا‪ ،‬وكأننا عبرنا حياة‬ ‫الش������اه وعائلته في غمضة عني‪ ،‬وطوينا صفحة‬ ‫قصوره مثلما طوى التاريخ صفحة حكمه‪ ،‬فنقل‬ ‫متثاله هو واإلمبراطورة ليس������تقرا على األرض‪،‬‬ ‫كم������ا حملت في إح������دى الغ������رف‪ .‬التقيت بدليل‬ ‫فارس������ي غير دليلنا حسني‪ ،‬كان يقود مجموعة‬ ‫من الس������ياح األملان‪ ،‬الذي������ن أعجبهم الفردوس‬ ‫األرض������ي‪ ،‬س������ألني عن بل������دي‪ ،‬فقل������ت مصر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ممتلكات كانت لنا‬ ‫�����ت‪« :‬ال تنس أنني أزور‬ ‫وأردف� ُ‬ ‫في يوم من األيام»! ضحك طويال وقال صدقت‪.‬‬ ‫كنت أشير إلى األميرة «فوزية» إحدى شقيقات‬ ‫فاروق ملك مصر التي أقيم حفل زواج أسطوري‬ ‫لها عند زواجها من ش������اه إيران الش������اب محمد‬ ‫رضا بهلوي‪ ،‬لكن امللكة نازلي األم‪ ،‬والدة فوزية‪،‬‬ ‫حني ذهبت لرؤية ابنتها وحفيدتها «ش������اهيناز»‬ ‫ذهلت م������ن تواض������ع القصر‪ ،‬وخطط������ت لتعود‬ ‫اإلمبراطورة فوزية معها إلى مصر بعد موافقة‬ ‫زوجه������ا من دون أن ي������دري أنها امل������رة األخيرة‬ ‫التي س������يراها فيها‪ ،‬ألن املل������ك كانت له خطط‬ ‫أخرى‪ ،‬فأجبرها على كتابة رس������الة إلى زوجها‬ ‫تطلب فيها الطالق ال������ذي حدث بالفعل وتزوج‬

‫‪50‬‬

‫‪3/30/16 11:40:06 AM‬‬

‫بعدها شاه إيران اإلمبراطورة ثريا إصفندياري‪،‬‬ ‫وانته������ت حياته مع اإلمبراطورة فرح ديبا‪ .‬مثلما‬ ‫انتهت العائلتان‪ ،‬عائلة فاروق في مصر‪ ،‬وعائلة‬ ‫الشاه في إيران‪.‬‬ ‫التواض������ع الذي رأته امللكة نازلي هو نفس������ه‬ ‫ما رآه أحد أعضاء الوفد وزير اإلعالم الس������ابق‬ ‫األستاذ محمد السنعوسي‪ ،‬الذي قال إن بيته في‬ ‫الكويت أكث������ر فخامة من هذا القصر املتواضع‪.‬‬ ‫كان م������ا مييز القصر رس������وم الش������اهنامة على‬ ‫اجلدران واألس������قف‪ ،‬بينما كان بطل الشاهنامة‬ ‫نفسه يحرس املكان بقوسه وسهمه‪.‬‬ ‫في طريقنا إلى بيت اإلمام‪ ،‬فإن ما كان دربنا‬ ‫األخضر الشاسع في الطريق إلى قصور الشاه‪،‬‬ ‫ق������د حتول إلى زق������اق ضيق تقوم عل������ى جوانبه‬ ‫ضوضاء لإلنش������اءات‪ ،‬وتخترق حيزه األسفلتي‬ ‫مس������ارب املياه‪ ،‬وكأن بساطة احلياة‪ ،‬وتواضعها‪،‬‬ ‫إن لم نقل ش������ظفها‪ ،‬س������يؤهلك إلى الدخول في‬ ‫عالم بيت اإلمام اخلميني‪.‬‬ ‫ف������ي ه������ذه الغرفة البس������يطة التي يس������تقر‬ ‫على أرضيتها إطار يحمل صورة جنله الش������هيد‬ ‫مصطفى‪ ،‬كان اإلمام يجلس مستقبال كبار قادة‬ ‫العدد ‪ - 657‬أغسطس ‪2013‬‬

‫‪aug 36-55.indd 50‬‬


‫طالبة في املكتبة العامة‬ ‫بحجابها العصري‬ ‫تتطلع إلى املستقبل‬

‫طهران‪ ..‬ثقافة الشهداء‪ ..‬أو حضارة األحياء؟‬

‫‪3/30/16 11:40:06 AM‬‬

‫‪51‬‬

‫‪aug 36-55.indd 51‬‬


‫زوار أملان يتحلقون حول الغرفة البسيطة حيث كان اإلمام اخلميني يجلس مستقبال كبار قادة العالم‪ ،‬في بيت استأجره‪،‬‬ ‫رافضا اإلقامة بقصر حكومي‪.‬‬

‫العالم‪ ،‬في البيت الذي استأجره‪ ،‬رافضا اإلقامة‬ ‫في قصر حكومي‪ .‬وغير بعيد‪ ،‬وفي احلس������ينية‬ ‫التي حتمل اس������م املنطقة (جم������ران) كان صوته‬ ‫يت������ردد حام���ل��ا العب������ارات التي تله������ب حماس‬ ‫محاربيه في املدن وعل������ى جبهات القتال‪ ،‬ولكن‬ ‫م������ا أضيف للمكان بعد رحيل اإلمام كان متحف‬ ‫«مرسم جمران» الذي يحكي بالصور حياة اإلمام‬ ‫اخلميني‪ ،‬منذ طفولته‪ ،‬ودراس������ته في مدينة قم‪،‬‬ ‫ومقاومة الشاه قبل خمسني عا ًما‪ ،‬وألبوم حياته‬ ‫املصورة بني العراق وتركيا وفرنس������ا قبل عودته‬ ‫هابطا من الطائرة‪ ،‬تشتعل املواكب في استقباله‬ ‫كما احتش������دت عند وفاته‪ ،‬وبني املشهدين يؤكد‬ ‫أح������د األدالء على أهمية صورة في األيام األولى‬ ‫للثورة حني جاء س���ل��اح الطيران بضباطه للقاء‬ ‫اإلمام‪ ،‬وهو ما أنكره حكم الش������اه‪ ،‬لكن س���ل��اح‬ ‫الصورة التي تس������ربت إلى العال������م كان يعني أن‬ ‫القوة باتت بيد الثورة‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫‪3/30/16 11:40:07 AM‬‬

‫مرة أخرى‪ ،‬سأتذكر تقارير جهاز أمن الشاه‬ ‫(الس������افاك) األمنية‪ ،‬التي رأينا قسما منها في‬ ‫املكتب������ة العامة‪ ،‬حني أملح ب���ي��ن مقتنيات متحف‬ ‫اإلمام املصور مكتبته ورسائله‪ ،‬ونظارته‪ ،‬وجواز‬ ‫س������فره‪ ،‬وتقريرا بخط اليد عن������ه‪ ،‬ومع زجاجة‬ ‫عطره دفت������ر بورق ض������ارب للصف������رة د َّون فيه‬ ‫اإلمام رس������ائله وأش������عاره‪ .‬ولن تفوت العني رؤية‬ ‫املستش������فى الذي بني بجوار املكان والذي طبب‬ ‫حكماؤه ش������يخوخة اإلمام حتى رحيله في س������ن‬ ‫السابعة والثمانني‪.‬‬

‫متحف الدفاع املقدس‬

‫إذا كان كل م� � ��ا رأيناه يدخل في إمتاع البصر‬ ‫بالتاري� � ��خ‪ ،‬ومتلي األحداث والس� � ��ير‪ ،‬فإن الزيارة‬ ‫الت� � ��ي ختمت رحلة طهران كان� � ��ت أكثر رهبة مما‬ ‫تخيلناها‪ .‬إنها رحلتنا إلى «حديقة متحف الدفاع‬ ‫املقدس وإش� � ��اعة ثقافة املقاومة»‪ .‬رغم أننا حللنا‬ ‫العدد ‪ - 657‬أغسطس ‪2013‬‬

‫‪aug 36-55.indd 52‬‬


‫غير بعيد‪ ،‬وقرب احلسينية التي حتمل اسم املنطقة (جمران) أضيف للمكان بعد رحيل اإلمام متحف (مرسم جمران) الذي‬ ‫عاما‪ ،‬وألبوم حياته‬ ‫يحكي بالصور حياة اإلمام اخلميني‪ ،‬منذ طفولته‪ ،‬ودراسته في مدينة قم‪ ،‬ومقاومة الشاه قبل خمسني ً‬ ‫املصورة في املنافي بني العراق وتركيا وفرنسا قبل عودته هابطا من الطائرة‪.‬‬

‫تأكيدا على أهمية الصورة في األيام األولى للثورة اإليرانية حني جاء سالح الطيران بضباطه للقاء اإلمام اخلميني‪ ،‬وهو‬ ‫ً‬ ‫ما أنكره حكم الشاه‪ ،‬لكن سالح الصورة التي تسربت إلى العالم كان يعني العكس‪.‬‬ ‫رسامو الظل‬

‫‪3/30/16 11:40:08 AM‬‬

‫‪53‬‬

‫‪aug 36-55.indd 53‬‬


‫املكان في يوم إجازة‪ ،‬فإننا رأينا إصرار املنظمني‬ ‫للزيارة على أن نشاهد محتواه‪.‬‬ ‫ف� � ��ي الس� � ��احة كان ميكننا أن ن� � ��رى «عينات»‬ ‫األسلحة اإليرانية‪ ،‬من الدبابة إلى الصـــــاروخ‪ ،‬من‬ ‫العربات املجــــنزرة إلى املدافع والطائــــرات‪ ،‬حـيث‬ ‫يعــــد املكــــان مزا ًرا وال تعدم أن جتد شيخا معمما‬ ‫يلتــــقط صورة لعائلتــــه في إهــــاب مدفع!‬ ‫بعد اتصاالت مكثفة‪ ،‬دخــلنا إلى مكان يعيد ‪-‬‬ ‫من دون مبالغة ‪ -‬حياة احلرب اإليرانية العراقية‬ ‫إلى احلياة‪ :‬كل معركة مس� � ��جلة‪ ،‬كل اسم شهـــــيد‬ ‫م� � ��دون‪ ،‬كل صورة مخزنة‪ ،‬كل فيلم توثيــقي متكن‬ ‫اس� � ��تعادته‪ ،‬كل ص� � ��وت بكى من األل� � ��م‪ ،‬أو صرخ‬

‫‪54‬‬

‫‪3/30/16 11:40:09 AM‬‬

‫م� � ��ن تفجي� � ��ر‪ ،‬أو بـــكى مــــن ف� � ��رح‪ ،‬هو حي داخل‬ ‫هذه القاعات التي امت� �ل��أت جدرانها بالتـــــقاومي‬ ‫والشاشات‪ .‬وأزيدكم من الشعر بيتا ‪ -‬كما تــــقول‬ ‫األمثال العربية ‪ -‬فإنني مش� � ��يت مع الزوار وسط‬ ‫مدينة مهدمة‪ ،‬أعيد بناء ديــــكوراتها تـــما ًما‪ ،‬يطن‬ ‫أزي� � ��ز الطائ� � ��رات فــــوق رءوس� � ��نا‪ ،‬وتهدر أصوات‬ ‫املدافع‪ ،‬ويص� � ��م األذان دوي االنفج� � ��ارات‪ ،‬مثلما‬ ‫مررنا ف� � ��ي خــــندقـــني‪ ،‬يقدمان منوذجـــــني؛ األول‬ ‫ت� � ��كاد تتجــــم� � ��د أعضـــــاؤك فيه‪ ،‬واآلخــر يش� � ��به‬ ‫«س� � ��اونا» من اجلحيم‪ ،‬ليق� � ��ول دليلن� � ��ا إن هـــــذه‬ ‫اخلن� � ��ادق كان يخـــتبئ بهــا اجلنـــود في الش � � �ـــتاء‬ ‫والصيف‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 657‬أغسطس ‪2013‬‬

‫‪aug 36-55.indd 54‬‬


‫في حديقة متحف «الدفاع املقدس وإشاعة ثقافة املقاومة»‪ ،‬عينات من األسلحة اإليرانية‪ ،‬من الدبابة إلى الصاروخ‪ ،‬ومن العربات‬ ‫املجنزرة إلى املدافع والطائرات‪ ،‬حيث يعد املكان مزا ًرا وال تعدم أن جتد شيخا معمما يلتقط صورة لعائلته في إهاب مدفع!‬

‫حني جسر ثقافة االستش� � ��هاد بلونه األبيض‪،‬‬ ‫تتدل� � ��ى من أس� � ��قفه مئات اآلالف من السالس� � ��ل‬ ‫التعريفي� � ��ة الت� � ��ي توضع في رق� � ��اب اجلنود‪ ،‬وهم‬ ‫هنا حتولوا إلى أس� � ��ماء‪ ،‬س� � ��تعلق لسماء املتحف‪،‬‬ ‫ومن ثم تعلق في خرائط البالد بطولها وعرضها‪،‬‬ ‫لنمر برصيف قطار تقف فيه النس� � ��وة منتظرات‬ ‫األبناء عائدين من احلرب‪ ،‬واألغاني احلماس� � ��ية‬ ‫تدك املكان‪.‬‬ ‫لن مير أحد من املكان إال وتسري فيه قشعريرة‬ ‫املوت‪ ،‬الذي يقدس هنا حتت شعار «إشاعة ثقافة‬ ‫املقاوم� � ��ة»‪ ،‬وإذا كنا ش� � ��هدنا كل أنواع األس� � ��لحة‬ ‫املس� � ��تخدمة‪ ،‬مبا فيها األلغام‪ ،‬فإن ما فاتنا‪ ،‬ألنه‬ ‫طهران‪ ..‬ثقافة الشهداء‪ ..‬أو حضارة األحياء؟‬

‫‪3/30/16 11:40:10 AM‬‬

‫ال يعمل إال مس� � ��اء‪ ،‬فهو عرض يقدم باملياه وضوء‬ ‫الليزر والتعلي� � ��ق احلي واملؤث� � ��رات الصوتية فوق‬ ‫بركة عمالقة من املياه تلخص سنوات احلرب‪.‬‬ ‫متني� � ��ت أن أصعد برج «مي� �ل��اد» مرة أخرى‪،‬‬ ‫ألرى املدينة من عل‪ ،‬لعل املشـــــهد البديـــع ينسيني‬ ‫احلرب وآالمه� � ��ا‪ .‬لكنني عرفت أنني لن أنس� � ��ى‪،‬‬ ‫فمن يخض جتربة فعليه أال ينس� � ��اها‪ ،‬ليتعلم منها‬ ‫ما يفيده‪ ،‬عظة وعبرة ملس� � ��تقبله‪ .‬هكذا متنيت أن‬ ‫تك� � ��ون ثقــافة الش� � ��هداء دربا يفض� � ��ي إلى ازدهار‬ ‫حض� � ��ارة األحياء‪ ،‬وإش� � ��اعة ثقافة الس� �ل��ام الذي‬ ‫يس� � ��عى العالم كل� � ��ه لها اآلن بدالً م� � ��ن قرع طبول‬ ‫احلرب‪ ..‬إلى اللقاء >‬

‫‪55‬‬

‫‪aug 36-55.indd 55‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.