معرض في كتاب
تاريخ وعمارة
الصحن الكبير املكشوف السماوي للجامع األزهر الشريف واحملاط بأروقة أربعة 36
العدد - 679يونيو 2015
أشرف أبواليزيد للسفر الكبير ال��ذي يحمل اس��م «الجامع ف��ي تصديره ِّ األزه��ر الشريف» ،كتب اإلم��ام األكبر أحمد الطيب شيخ األزه��ر« :لقد ُكتب الكثير عن األزهر الشريف ،عن شيوخه وعلمائه ،وع��ن زخرفته وب��ن��ائ��ه ،وع��ن علومه ومناهجه، ومسؤولياته الوطنية والفكرية التي حمل أعباءها بكل ثقة بالنفس ،وبثقة األمة فيه .وقل مثل ذلك عن مكتباته وأروق���ت���ه ،وش��ي��وخ��ه وط�ل�اب���ه ،وم��ؤت��م��رات��ه ومؤسساته. وهذه الدراسة الشاملة عن األزه��ر الشريف ،تأتي تعريف ًا متكام ً ال بهذا التاريخ العريق ،الذي هو صفحات رائعة في التاريخ المصري العام ،وثمرة للتعاون الوثيق بين مكتبة اإلسكندرية العريقة بدورها المعاصر المرموق عالم ّي ًا، وبين مشيخة األزه��ر .وه��ذا التعاون -ال شك -سيكون له أثره اإليجابي على الحياة الفكرية والثقافية في مصر والعالم اإلسالمي».
من تونس إلى بنزرت ...موزاييك قرطاج
37
يأتي هذا الكتاب املو ّث� � ��ق والدقيق باكورة إنتاج مرك� � ��ز دراس� � ��ات احلض� � ��ارة اإلس� �ل��امية والفكر اإلس� �ل��امي املعاصر ف� � ��ي مكتبة اإلس� � ��كندرية ،وإذ يعرض لتاريخ ذلك الص� � ��رح ،فإنه ميثل -كذلك - معمقة لعمارته ،كما يشير د.إسماعيل قراءة بصرية َّ سراج الدين في تقدميه: «مما ال ش� � ��ك في� � ��ه أن فن العم� � ��ارة من الفنون والعلوم الت� � ��ي برع املس� � ��لمون وتف ّنن� � ��وا فيها .وقد جاء تقدمه� � ��م فيها اعتماداً على نبوغهم في العلوم الت� � ��ي ترتبط بفن العم� � ��ارة ،وهي علوم الهندس� � ��ة وامليكانيكا والرياضة ،باإلضافة إلى نظرة املس� � ��لم إلى مفه� � ��وم اجلمال ،حيث يدعو اإلس� �ل��ام أتباعه إلى تأم� � ��ل جمال خلق الله ،ه� � ��ذا فض ً ال عن دعوة الرس� � ��ول إلى ضرورة إتقان العمل وجتويده... ويع ّ ُد اجلامع األزهر الشريف مثاالً صادقاً على ما وصلت إليه العمارة اإلس� �ل��امية من تقدم وازدهار، وما مت ّيز به العاملون في عمارة املس� � ��اجد من تف ّرد وإبداع ،حيث يزخ� � ��ر مبنى اجلامع األزهر بعناصر الثقافة اإلسالمية البديعة ،ويتميز طرازه املعماري بهندس� � ��ته الرائع� � ��ة وبنائ� � ��ه املبدع .وه� � ��و من أهم املساجد في مصر وأشهرها في العالم اإلسالمي، ويُعد ش� � ��اهداً على التطورات املعمارية في عصور الوالة والسالطني وامللوك والرؤساء».
عمارة اجلامع في عصر الدولة الفاطمية ب� � ��دأ تأري� � ��خ ذلك الص� � ��رح حينما ق� � ��ام القائد
الفاطمي أبواحلس� � ��ن جوهر ب� � ��ن عبدالله الرومي الصقلي الكاتب بتش� � ��ييد اجلام� � ��ع األزهر ،ليكون مس� � ��جداً جامعاً ملدينة القاه� � ��رة ،التي وضع حجر األس� � ��اس لها لتكون عاصم� � ��ة للدولة الفاطمية في مصر (567-358هـ1711-969/م) ،وشرع في بناء هذا اجلامع في يوم السبت لست بقني من جمادى األولى عام 359هـ /أبريل 970م ،وكمل بناؤه لتسع خلون من شهر رمضان عام إحدى وستني وثالثمائة (يولي� � ��و 972م) ،أي إن اجلامع اس� � ��تغرق بناؤه مدة تبلغ حوالي سنتني وثالثة شهور. واختي� � ��ر للجام� � ��ع موقع في اجلنوب الش� � ��رقي م� � ��ن املدينة عل� � ��ى مقربة من القص� � ��ر الكبير الذي كان موجوداً ٍ حينئذ ،حي� � ��ث الديلم وحي الترك في اجلنوب .وقد س� � ��جل جوهر القائد هذا اإلنش� � ��اء بكتابة برقبة القبة التي كانت في الرواق األول على نصه: ميني احملراب واملنبر مبا ّ «مم� � ��ا أمر ببنائه عبدالل� � ��ه ووليه أبو متيم معد اإلم� � ��ام املعز لدين الله أمي� � ��ر املؤمنني صلوات الله عليه وعلى آبائ� � ��ه وأبنائه األكرمني ،على يد جوهر الكات� � ��ب الصقلي ،وذلك في عام س� � ��تني وثلثماية»، وقد اندثرت هذه الكتابة مع القبة اآلن.
اسم اجلامع األزهر
ل� � ��م يطلق على اجلامع األزهر مس� � ��مى األزهر في بداية إنشائه ،وإمنا عرف بجامع القاهرة نسبة لعاصمة الفاطميني اجلديدة ،وأما تسميته باجلامع
اجلامع األزهر الشريف ،مجلدان ،ناشره :مركز دراسات احلضارة اإلسالمية مبكتبة اإلسكندرية ،تصدير فضيلة اإلمام األكبر أحمد الطيب شيخ األزهر ،تقدمي وإشراف إسماعيل سراج الدين ،املشرف التنفيذي :خالد عزب، اإلعداد محمد السيد حمدي وشيماء السايح ،اخلطوط رعد احلسيني وطه عبد الناصر ،التصوير الفوتوغرافي: محمد منير وحازم العشري وحسن ماضي ،راجعه محمد كمال الدين إمام ،وصممه وأخرجه هبة الله حجازي وجيهان أبو النجا ،ودققه لغوي ًا عائشة احلداد ،وراجع الببليوجرافيا نيفني نور الدين.
38
العدد - 679يونيو 2015
معرض في كتاب
واجهة ومدخل املدرسة الطبيرسية تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف
39
سقف محراب القبلة في املدرسة اجلوهرية ،يؤطره شريط من الزخارف النباتية ،من عمارة اجلامع في عصر الدولة اململوكية اجلركسية .وتقع هذه املدرسة في الطرف الشرقي من الظلة الشمالية الشرقية القدمية عند باب السر للجامع األزهر الشريف وأنشأها األمير جوهر القنقبائي خازندار األشرف برسباي ،ودفن بها عندما توفي في 844هـ 1441/م.
40
العدد - 679يونيو 2015
معرض في كتاب األزه� � ��ر فقد حدثت في وقت متأخر ،حيث أش� � ��ار إليه املؤرخون قريبو العهد ببناء القاهرة كاملسبحي وابن الطوي� � ��ر وابن املأمون باس� � ��م جامع القاهرة، وقلي ً ال ما أش� � ��اروا إليه باسم اجلامع األزهر .ورمبا أطلق على جامع القاهرة اجلامع األزهر نسبة إلى الس� � ��يدة فاطمة الزهراء ابنة الرس� � ��ول وزوجة اإلم� � ��ام علي ب� � ��ن أبي طالب ك ّرم الل� � ��ه وجهه ،وهي التي ينتسب إليها الفاطميون ،وقيل إنه سمي كذلك تفاؤالً مبا س� � ��يكون له من الش� � ��أن واملكانة بازدهار العلوم فيه. حظي اجلامع األزهر الش� � ��ريف باهتمام األئمة الفاطميني ،فقد اهتم به اإلمام العزيز بالله (-365 386ه � � �ـ996-975/م) وقام بتجدي� � ��د بعض أجزاء الرواق اجلنوبي الشرقي (ظلة القبلة وزخرفتها) ، واهتم اإلمام احلاكم بأمر الله (411-386هـ-996/ 1021م) بعمارة اجلامع ،فجدد مئذنته ،ورفع سقفه ذراعاً عما كان ،وبقي من أعماله باب خشبي ضخم محفوظ حالياً مبتحف الفن اإلس� �ل��امي بالقاهرة، ورتب له في عام 400هـ1009/م ،مع بعض املنشآت الفاطمية األخرى أوقافاً ينفق من ريعها على إدارته، وشؤونه ،فكانت أول وقفية رتبت للجامع األزهر.
تخطيط اجلامع الفاطمي
كان اجلامع الفاطمي الذي أنشأه القائد جوهر الصقلي يتكون من مس� � ��تطيل أبع� � ��اده 70x88م،2 يتألف من صحن س� � ��ماوي مس� � ��تطيل الشكل يحف به ثالث ظالت من ثالث جهات فقط .ونظراً لعدم تس� � ��اوي ع� � ��رض رواق احملراب مع ع� � ��رض املجاز الق� � ��اع ،اضطر املعماري إل� � ��ى تضييقه عند التقائه في احملور بأعمدة إضافية إليجاد مربع يحمل قبة احملراب. وقد اس� � ��تعملت عقود من النوع املدبب في رفع س� � ��قف اجلام� � ��ع الفاطمي األول ،وه� � ��ي على غرار العقود املس� � ��تخدمة ف� � ��ي اجلام� � ��ع الطولوني ،وإن كان املدب� � ��ب يظهر فيها أكث� � ��ر مما يظهر في عقود اجلامع الطولوني ،والعقود املدببة ترجع إلى أصول ساس� � ��انية حيث وجد أقدم أمثلتها في طاق كسرى بالعراق ،الذي يعود إلى عصر امللك ش� � ��ابور األول (272-242م) ،وأقدم أمثلتها في العمارة اإلسالمية تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف
وجد في واجهة املج� � ��از املطلة على صحن اجلامع األموي في دمشق عام 96هـ714/م. وقد ارتبطت تيجان األعمدة باجلامع بأسطورة مفادها أن باجلامع طلسماً ،فال يسكنه عصفور وال يفرخ به ،وكذلك سائر الطيور من احلمام واليمام، وهي صور طيور ،كل صورة على تاج عمود. ويقول أوليا جلبي« :لذا ال جتد فيه أثراً للطيور كالعصف� � ��ور واخلطاف واحلمام واحل� � ��دأ ،فهي ال تدخله وال تعشش فيه إنه لطلسم عظيم». وت� � ��اج العمود ه� � ��و رأس العم� � ��ود ،وهو اجلزء الزخرف� � ��ي العلوي الذي كان� � ��ت فائدته من الناحية اإلنش� � ��ائية كمخدة أو قاعدة لتلقي األحمال ونقلها إلى بدن العمود .وقد أضيفت فوق تيجان األعمدة حدارات يعلوها طنفة وتدنوها قرمة ،وهي مجموعة إنش� � ��ائية تعتبر ابتكاراً في العمارة اإلسالمية ببالد املغرب ،ش� � ��وهدت من قبل في مس� � ��جدي القيروان والزيتونة ،واس� � ��تخدمت للم� � ��رة األولى في اجلامع األزهر ،وقد قصد بهذا االبتكار معاجلة قِ صر قامة األعمدة واختالف ارتفاعاتها ،وإيجاد قواعد ثابتة على مس� � ��توى واحد ألط� � ��راف العقود ،وقد صنعت احلدارات في اجلامع األزهر من احلجارة. ويالح� � ��ظ أن أط� � ��راف هذه العقود ل� � ��م ترتكز مباش� � ��رة على تيجان األعم� � ��دة ،بل كانت ترتكز كل منه� � ��ا على حدارة تعلوها طنف� � ��ة وتدنوها قرمة أو طبلية ،وقد اختفت ه� � ��ذه احلدارات حتت البياض اجلص� � ��ي الذي صاح� � ��ب جتديد املس� � ��جد ،وتبقى البع� � ��ض منها في اجلزء الغربي من ظلة القبلة إلى مي� �ي��ن املتجه إلى احمل� � ��راب .واحل� � ��دارة عبارة عن مكعب من البناء ارتفاعه نصف متر تقريباً ،أي إن منبت العقد يرتفع عن أرضية املس� � ��جد مبا يقرب من أربعة أمتار ،وتصل رؤوس� � ��ها إلى ما يزيد على ستة أمتار ،ويبلغ ارتفاع احلائط فوق رؤوس العقود ثالثة أرباع املتر.
محاريب اجلامع املتعددة
من أس� � ��اليب بناء املس� � ��اجد اجلامعة احملاريب املتعددة ،وهو أس� � ��لوب وجد في ش� � ��مال إفريقيا، خاصة تلك احملاريب التي تطل على الصحن ،حيث يقف عندها من يردد تكبيرات اإلمام حتى يسمعه 41
ظل القبلة الفاطمية
42
العدد - 679يونيو 2015
استطالع
من تونس إلى بنزرت ...موزاييك قرطاج
43
صحن اجلامع األزهر الشريف عن Prisse d,Avennes
املصل� � ��ون خ� � ��ارج ظلة القبل� � ��ة ،وأقدم من� � ��اذج هذه احملاريب اخلشبية وجد في جامع عقبة بالقيروان، أما أق� � ��دم مثال معروف لتعدد احملاريب في حائط القبلة فوجد في مسجد دير سانت كاترين ،إذ توجد ثالثة محاريب تعود إل� � ��ى عهد األمير أبي املنصور أنوشتكني منشئ اجلامع ما بني عامي 433-429هـ و1041-1037م من العصر الفاطمي. أما املنب� � ��ر املتحرك ،فتأثي� � ��ر مغربي ظهر في جام� � ��ع الزيتون� � ��ة بتونس وجام� � ��ع صفاقس وجامع املنستير.
املنحوتات والزخارف
ظهر ف� � ��ي النحت الفاطمي التأثر باألس� � ��اليب الفارس� � ��ية ،فض ً ال عن بع� � ��ض العناصر التي جلبها الفاطمي� � ��ون معهم من ش� � ��مال إفريقيا ،كما متيزت الزخ� � ��ارف الفاطمية املنحوتة بدق� � ��ة احلفر وامليل 44
نحو التماثل والتقابل وتطوير العناصر الهندس� � ��ية والنباتية واحليوانية. كم� � ��ا تأثرت الزخ� � ��ارف اجلصية ف� � ��ي اجلامع األزهر بزخارف جامع أحمد بن طولون في روحها وطريق� � ��ة حفرها ،غير أن زخ� � ��ارف اجلامع األزهر تعتب� � ��ر أكثر تطوراً من زخ� � ��ارف اجلامع الطولوني، ففي اجلام� � ��ع الطولوني ال تس� � ��تطيع أن تف ِّرق في بعض األحي� � ��ان بني األرضية والعنص� � ��ر الزخرفي بعكس زخارف اجلامع األزه� � ��ر ،كما متيز اجلامع األزهر بالثراء الزخرفي ،فامتألت النوافذ والعقود بعكس اجلامع الطولون� � ��ي ،حيث جند أن اجلدران احملصورة ب� �ي��ن النوافذ خالية من الزخارف إال من شريط ض ِّيق يدور حول فتحات النوافذ. وقد ظهرت بني زخارف اجلامع األزهر أشكال خاصة لشجرة الصنوبر تشبه إلى حد كبير مثيلتها في واجهة قصر املش� � ��تى وزخ� � ��ارف قبة الصخرة، العدد - 679يونيو 2015
معرض في كتاب
دخول الفرنسيني اجلامع األزهر الشريف خالل ثورة القاهرة األولى (عن )Jean Tranié
تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف
45
اجلامع األزهر الشريف وجامع محمد بك أبو الدهب
46
العدد - 679يونيو 2015
معرض في كتاب واملس� � ��جد األقصى وزخارف منبر جامع القيروان، وق� � ��د متيزت جذوع تلك األش� � ��جار بأنها مك ّونة من عرقني مضفورين ،م� � ��ا يؤكد وجود صلة بني بعض زخ� � ��ارف اجلامع األزهر وطرز الزخ� � ��ارف األموية الش� � ��امية ،وظهرت بعض التأثيرات الساسانية بني الزخارف الفاطمية كاملراوح النخيلية أو األنثيمون، التي وجدت أمثلة لها في واجهة قصر املشتى ،وفي بعض إط� � ��ارات جدران قبة الصخ� � ��رة ،التي حتتل األركان اخلارجي� � ��ة لألكتاف الثماني للمثمن ،وعلى منبر جامع عقبة في القيروان ،وهي من التأثيرات الساس� � ��انية التي عاش� � ��ت في الفنون اإلس� �ل��امية، وس� � ��ادت في زخ� � ��ارف اجلامع األزه� � ��ر الفاطمية، وقد اس� � ��تخدمت املراوح النخيلية وأنصافها ضمن زخ� � ��ارف اجلام� � ��ع األزه� � ��ر ،حيث جنده� � ��ا متأثرة مبثيالتها ف� � ��ي جامع أحمد بن طول� � ��ون وذلك في زخارف احملراب.
عصر الدولة اململوكية البحرية
قام امللك الظاه� � ��ر بيبرس البندقداري (-658 676ه � � �ـ1277-1260/م) بإعادة صالة اجلمعة إلى اجلام� � ��ع األزهر ي� � ��وم اجلمعة 18م� � ��ن ربيع األول ع� � ��ام 665هـ17/ديس� � ��مبر 1267م بع� � ��د انقطاعها م� � ��دة تقارب مائة عام ،وش� � ��مل اجلام� � ��ع برعايته، فقام بعم� � ��ل طاقية خش� � ��بية للمح� � ��راب الفاطمي القدمي ،التزال موجودة ف� � ��ي اجلامع بعد إضافتها للمحراب الذي أقامته جلن� � ��ة حفظ اآلثار العربية عام 1352هـ1933/مُّ ، والش َّرافات املسننة املنقوشة حول الصحن ،ومنبر لم يتبق منه سوى لوحة تذكارية محفوظة ف� � ��ي متحف اجلزائر ،وعه� � ��د بذلك إلى األمير عز الدين أيدمر احللي نائب السلطنة الذي عم� � ��ر الواهي من أركانه وجدران� � ��ه وب ّيضه وأصلح َّ سقوفه وبلّطه وفرشه وكس� � ��اه حتى عاد حرماً في وسط املدينة ،واستجد به مقصورة حسنة. وعم� � ��ل األمير بيلب� � ��ك اخلازندار ف� � ��ي اجلامع مقصورة كبيرة رتَّب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة الفقه على مذهب اإلمام الشافعي ،ومحدثاً يسمع احلديث النب� � ��وي والرقائق ،ورتب باجلامع س� � ��بعة ق ّراء لقراءة القرآن ومدرساً. ً ً كم� � ��ا نال اجلام� � ��ع األزهر اهتمام � � �ا كبيرا في تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف
47
قبة املدرسة اجلوهرية
عه� � ��د امللك الناص� � ��ر محمد بن ق� �ل��اوون في فترة حكم� � ��ه الثاني� � ��ة (708-698ه � � �ـ1309-1299/م)، على أثر زلزال ع� � ��ام 702هـ1301/م ،وتولى عمارة اجلامع األمير سالر وقام بزخرفة كوشتي احملراب الفاطم� � ��ي القدمي ،وش � � � ّيد في عه� � ��ده األمير عالء الدين طيبرس نقيب اجليوش ،مدرس� � ��ة على ميني الداخل من بابي املزينني اآلن ،عام 709هـ1309/م، وفي عام 725هـ1324/م ،جدد القاضي جنم الدين 48
محمد بن حسن األسعردي محتسب القاهرة عمارة اجلامع ،وش َّيد األمير أقبغا عبدالواحد الذي ج ّدد عمائ� � ��ر الناصر محم� � ��د بن قالوون مدرس� � ��ة عام 740هـ1339/م هي املدرسة األقبغاوية ،وتقع اآلن على يس� � ��ار الداخل م� � ��ن بابي املزين� �ي��ن ،مكان دار األمير عزالدين أيدمر احللي. وفي عهد امللك الناصر حس� � ��ن في فترة حكمه الثاني� � ��ة (762-755هـ1361-1354/م) ،قام األمير العدد - 679يونيو 2015
معرض في كتاب املنبر املتحرك في اجلامع األزهر الشريف يأتي من التأثير املغاربي الذي ظهر في جوامع الزيتونة وصفاقس واملنستير (تونس) والصورة ملنبر جامع الكُ تبية.
عه� � ��د املنصور الج� �ي��ن (-967 698ه � � �ـ1299-1296/م) ،فرغ من عمارتها عام 709هـ309/م. وقد جددها األمير عبدالرحمن كتخدا ع� � ��ام 1167هـ1753/م، حيث جدد كامل بناء املدرس� � ��ة ولم يبق من عناصرها الرئيسة إال ش� � ��بابيكها النحاسية ودائرة من القاشاني تقع أعلى واجهتها وحائط احملراب ،كما جددت مرة أخرى عام 1310ه � � �ـ1892/م، 1315 عام� � ��ي وف� � ��ي 1316ه � � �ـ1898 -1897 /م،وف� � ��ي ع� � ��ام 1317ه � � �ـ1899/م طلب شيخ اجلامع األزهر عمل دواليب برواق الطيبرسية لزوم الكتبخان� � ��ة ،كما مت عمل ترميم للقبة امللحقة في املدرسة ،وفي عام 1326هـ1908/م ،مت إصالح بعض اخللل في املدرسة ،وفي ع� � ��ام 1358ه � � �ـ1939/م ،مت إص� �ل��اح ُ الش � � � َّرافات احلجرية أعل� � ��ى الواجه� � ��ة ،وف� � ��ي ع� � ��ام 1403ه � � �ـ1982/م ،مت ترمي� � ��م واجهة املدرسة.
نظارة األزهر
س� � ��عد الدين بش� � ��ير اجلمدار عام 761هـ1359/م بتجدي� � ��د عمارة اجلامع وإنش� � ��اء حانوت على باب اجلامع القبلي لتس� � ��بيل املياه ،وعم� � ��ل فوقه مكتباً لتعليم أيتام املس� � ��لمني ،ونتيجة لتلك األعمال ،فقد ظل مؤذنو األزهر يدعون للس� � ��لطان حسن أكثر من مائة عام.
املدرسة الطيبرسية
من أعم� � ��ال األمير ع� �ل��اء الدي� � ��ن طيبرس بن عبدالله الوزيري اخلازن� � ��داري نقيب اجليوش في تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف
من املناص� � ��ب التي اختص بها األم� � ��راء واملماليك ،وأحياناً احلجاب ،ومن نظار األزهر من كان يتوالها حاجب ّ وصل لرتبة الس� � ��لطنة مثل الظاهر جقمق (-842 857هـ1453-1438/م). قب� � ��ل اس� � ��تحداث ه� � ��ذا املنص� � ��ب كان هن� � ��اك مشرف يتولى شؤون اجلامع وحتت يديه مجموعة م� � ��ن املوظف� �ي��ن ،وكان األمي� � ��ر بهادر الطواش� � ��ي، ال� � ��ذي مت تعيينه في عهد الظاه� � ��ر برقوق (-784 801هـ1399-1482/م) ،من نُ َّظ� � ��ار اجلامع ،وكان أول أعماله املرس� � ��وم الذي ص� � ��در لتنظيم املواريث في األزهر. 49
ففي عام 784هـ1382/م ،ولي األمير الطواشي املقدم على املماليك السلطانية نظر اجلامع األزهر، فأصدر مرس� � ��وماً من الظاهر برقوق ،بأن من مات م� � ��ن مجاوري األزهر من غير وارث ش� � ��رعي وترك موج� � ��وداً كان من حق مجاوري اجلامع ،ونقش ذلك نصه: على حجر عند الباب الشمالي الغربيّ ، «بس� � ��م الل� � ��ه الرحم� � ��ن الرحي� � ��م ،رس� � ��م األمر الشريف السلطاني امللكي الظاهر أبوسعيد برقوق عز نص� � ��ره أن يكون موج� � ��ود من يُتوف� � ��ى إلى الله تعال� � ��ى من الفقراء املجاوري� � ��ن وأرباب وظايفه ولم يكن له وارث ش� � ��رعي يكون لصال� � ��ح جامع األزهر مبقتضى العالمة الش� � ��ريفة بتاريخ ،سابع من ربيع األول سنة اثنني وتسعني وسبعماية» .وقد كتب هذا النقش بخط الثلث بني خطوط متوازية وبارزة بروز األحرف نفسها. وكان ناظ� � ��ر اجلام� � ��ع األزهر يتولى اإلش� � ��راف على نظافته ،وفرش� � ��ه والعناية مبن فيه ،وكان عادة ما تس� � ��ند نظارة اجلامع األزهر إل� � ��ى أحد األمراء املمالي� � ��ك ،فقد تواله� � ��ا األمير س� � ��ودون في عهد املؤيد ش� � ��يخ (824-815ه � � �ـ1421-1412/م) عام 818هـ1415/م ،واألمير طراباي احلاجب في عهد املظفر أحمد (824هـ1421/م).
مآذن اجلامع األزهر
نبدأ مبئذنة قايتباي ،التي تتميز بجمال تكوينها وزخارفها وكتاباتها ،ويتوصل إليها من خالل مدخل بالرواق الشمالي الغربي على ميني الداخل من باب قايتباي ،ويؤدي هذا الباب إلى س� � ��لم حلزوني يدور حل عمود ضخم بش� � ��كل حلزوني يصل إلى س� � ��طح اجلامع ومنه إلى املئذنة ،وتتكون من قاعدة وثالث دورات. أما مئذنة الغوري ،فتقع إلى اليس� � ��ار من مئذنة قايتب� � ��اي ،وقد أمر بإنش� � ��ائها الس� � ��لطان قانصوه الغوري عام 920هـ1514/م ،وقد أشرف على بنائها األمير املجيبي أيدمر أمير أخور ،حيث يوجد اسمه في ختام األشرطة الكتابية في اجلهة الشمالية بعد ذكر أس� � ��ماء وألقاب السلطان الغوري ،وهي مئذنة فريدة بني مآذن مصر ،حيث إن بدنها العلوي يتكون من ستة عش� � ��ر ضلعاً ،بينما أضالع بقية املآذن ال 50
تتجاوز الثمانية ،كما أن هذه املئذنة برأس� �ي��ن ،ولم يس� � ��بقها إلى ذلك س� � ��وى مئذنة مدرسة السلطان حسن ،التي س� � ��قطت عام 762هـ1361/م ،ومئذنة مدرس� � ��ة أبي النصر جانبالط ،التي أنش� � ��أها جتاه باب النصر حوالي ع� � ��ام 905هـ1500/م ,واندثرت اآلن ،ومئذنتي األمير قانباي الس� � ��يفي أمير أخور بالرميل� � ��ة ع� � ��ام 908ه � � �ـ1502/م ،وبالناصرية عام 911هـ1505/م.
عصر الدولة العثمانية
يذكر ابن إياس في حوادث عام 923هـ1517/م أن السلطان سليم العثماني (926-918هـ-1512/ 1520م) ,بعد أن مت ل� � ��ه دخول مصر دخل اجلامع األزهر ،وحرص خالل األشهر الثمانية التي قضاها ف� � ��ي مصر عل� � ��ى أداء صالة اجلمعة ف� � ��ي اجلامع، وكانت آخر جمعة قضاها في اجلامع األزهر جمعة الس� � ��ابع عشر من شهر ش� � ��عبان عام 923هـ 4/من سبتمبر عام 1517م. وقد عن� � ��ي والة مصر ف� � ��ي العص� � ��ر العثماني جدده باجلام� � ��ع األزه� � ��ر وجتدي� � ��د عمارته ،فق� � ��د ّ عام 1004هـ1595/م الش� � ��ريف محمد باش� � ��ا في عهد الس� � ��لطان العثماني محم� � ��د الثالث (-1003 1012هـ1603-1595/م) ،وع ّمر به الوزير حس� � ��ن باشا رواق احلنفية وفرش أرضيته بالبالط في عام 1014هـ1605/م ،3وجدد األمير إسماعيل بك ابن األمير إيواظ القاس� � ��مي في عام 1136هـ1723/م سقف اجلامع. كم� � ��ا أمر الس� � ��لطان أحم� � ��د الثال� � ��ث (-1114 1142هـ1730-1703/م) بصرف خمس� �ي��ن كيس � � �اً من مال اخلزانة في مصر لترميم اجلامع األزهر. وفي ع� � ��ام 1148هـ1725/م ،بنى األمير عثمان كتخدا القزدوغلي زاوية يصلي فيها العميان سميت بزاوي� � ��ة العميان (هدمت في م� � ��ا بعد) ،وكان يربط بينه� � ��ا وبني املدرس� � ��ة اجلوهرية مم� � ��ر من احلجر ميشى عليه ،وكانت حتتوي على أربعة أعمدة وقبلة وميضأة ومراحيض ،وفوقها ثالث غرف للعميان ال يسكنها غيرهم ،وجدد رواق األتراك ورحبته ورواق السليمانية (األفغانيني) وزاد في رواق الشوام. كما يذكر الدمرداش� � ��ي أن إبراهيم جاويش أغا العدد - 679يونيو 2015
معرض في كتاب في والية أحمد باش� � ��ا (1163 - 1162هـ- 1748 / 1749م) ش� � ��رع في عمارة اجلامع األزهر وتوسعته، «واش� � ��ترى أماكن في حوض السلطان وحوانيت... ومراده كان أن يدخلها في اجلامع األزهر ليوسعه، وينق� � ��ل الطريق قرب مطبخ األزهر ،فحصل له أمر أبقاه على خيرات وصدقة جارية».
ملسات شيخ البنائني
تعتبر أعمال عبدالرحمن كتخدا ،شيخ البنائني ف� � ��ي العصر العثماني ،من أه� � ��م األعمال املعمارية الت� � ��ي جرت في اجلامع األزه� � ��ر عبر تاريخه ،فقد علّق اجلبرتي على هذه اإلنشاءات قائ ً ال: «ولو لم يكن له من املآثر إال ما أنش� � ��أه باجلامع األزه� � ��ر من الزيادة والعمارة التي تقصر عنها همم امللوك لكفاه ذلك» .وقد زاد عبدالرحمن كتخدا من مساحة اجلامع خاصة ناحية ظلة القبلة ،وأضاف ثالثة أب� � ��واب أحدها يعرف باس� � ��م ب� � ��اب املزينني والثان� � ��ي يعرف بب� � ��اب الصعاي� � ��دة ،والثالث يعرف بباب الشوربة جتاه الشارع اخلارج إلى باب الغريب (البرقية) ،باإلضافة إلى قبة ضريحية دفن بها عام 1190هـ1776 /م ،وسبيل يقابل القبة الضريحية، وثالث مآذن ذات قمة مدببة (خربوش) على النمط العثمان� � ��ي :واحدة عند باب الش� � ��وربة خلف حائط القبلة اجلديدة ،والثانية عند القبة الضريحية على ميني الداخل من باب الصعايدة ،والثالثة كانت عند ب� � ��اب املزينني أزيلت عند التوس� � ��عة ،وبن� � ��اء الرواق العباسي بواسطة جلنة حفظ اآلثار العربية ،كذلك قام بترميم املدرسة الطيبرسية وأصلح ما فيها من األعمدة الرخامية واحملراب.
كتب على تلك املزولة بخط الثلث األبيات اآلتية: م�����������������زول�����������������ة م������ت������ق������ن������ة ن�������ظ�������ي�������ره�������ا ال ي������وج������د راس����������م����������ه����������ا ح�����اس�����ب�����ه�����ا ه����������ذا ال���������وزي���������ر األم�����ج�����د ت��������اري��������خ��������ه��������ا أت�����ق�����ن�����ه�����ا ه�������������ذا ال�����������وزي�����������ر أح�����م�����د والسطر األخير يؤرخ للمزولة بحساب اجلمل، وقد نصب� � ��ت تلك املزولة على يس� � ��ار الداخل فوق
مزاول املواقيت
املزول� � ��ة م� � ��ن األدوات الفلكية التي تس� � ��تخدم لتحدي� � ��د مواقيت الصالة ع� � ��ن طريق تعيني الوقت أثناء النهار برصد ارتفاع الشمس في األفق. كان يوجد في اجلامع سبع مزاول ،أربع منها في الصحن ملعرفة وقت الظهر على ميني باب املزينني، وثالث ملعرفة وقت العصر ،وال يوجد اآلن من هذه املزاول إال مزولة واحدة عملها بنفسه الوزير أحمد باش� � ��ا كور والي مصر عام 1163ه � � �ـ 1749م ،وقد تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف
قد ينسب العقد املدائني إلى مدائن كسرى ،وهو عبارة عن عقد ثالثي الفصوص عادة ما يكون فصه األعلى معقودا بعقد مدبب ،والصورة لنموذج من هذا العقد املدائني مبجموعة األشرف برسباي حيث تشغل قصبة اجلانبني أرجل مروحية ،وتوجد بقرافة صحراء املماليك (1341م). 51
احلياة داخل اجلامع األزهر الشريف( ،تصوير آيفان بيليبني)
بخط الثلث ،مرسوم امللك الظاهر برقوق بشأن إرث مجاوري األزهر :بسم الله الرحمن الرحيم .رسم األمر الشريف السلطاني امللكي الظاهر أبو سعيد برقوق عز نصره أن يكون موجود من يتوفى إلى الله تعالى من الفقراء املجاورين وأرباب وظايفه ولم يكن له وارث شرعي يكون ملصالح جامع األزهر مبقتضى العالمة الشريفة بتاريخ سابع ربيع أول سنة اثنتني وتسعني وسبعماية 52
رواق معم� � ��ر ،ويبلغ طول تلك املزولة متراً وعرضها 80س� � ��م ،وتنحرف نحو اجلنوب الغربي عن طريق إضافة ج� � ��زء من معجون اجلبس واحلجر اجليري للكتب ،كما أنها محاطة بسياج خشبي من أطرافها، يحفظها ويقطعها رأس� � ��ياً خط الزوال بأعاله ثقب املؤشر ،وقس� � ��مت خطوط الساعات ملا قبل الزوال إلى س� � ��بع س� � ��اعات كتب بينها درجات الس� � ��اعات بأرقام بارزة عن سطح الساعة. ويذكر ربيع حامد خليفة نق ً ال عن اجلبرتي أن والي مصر أحمد باش� � ��ا كان م� � ��ن أرباب الفضائل وله رغبة في العل� � ��وم الرياضية ،وأنه ملا وصل إلى مص� � ��ر اس� � ��تقر بالقلعة وقابله ص� � ��دور العلماء في ذلك الوقت ،خاصة الش� � ��يخ حسن اجلبرتي ،الذي كان على دراية بعلم احلس� � ��اب ،وساعد الباشا في حل كثير من املسائل ،وأنعم عليه الوالي بفروة من ملبوسه السمور ثم اشتغل برسم املزاول واملنحرفات حتى أتقنها ،ورسم على اسمه منحرفات عدة ،على العدد - 679يونيو 2015
معرض في كتاب ألواح كبيرة من الرخ� � ��ام صناعة وحفراً باألزاميل، ونصب واحدة من هذه املزاول باجلامع األزهر.
عمارة اجلامع في العصر احلديث
في احلادي والعشرين من أكتوبر عام 1213هـ/ 1798م ،اندلعت ث� � ��ورة القاهرة األولى ضد قوات االحتالل الفرنس� � ��ي ،وقد اس� � ��تطاع الثوار في هذا الي� � ��وم قت� � ��ل اجلنرال ديب� � ��وري ،واتخ� � ��ذ الثوار من اجلام� � ��ع األزهر مقراً لهم ،ما دف� � ��ع حاكم القاهرة اجلنرال بون الذي خلف ديبوري إلى ضرب املدينة من على تالل الدراسة ،فأطلقت أولى القنابل على املدين� � ��ة وبالتحديد على اجلام� � ��ع األزهر ظهر يوم 22أكتوب� � ��ر عام 1213ه � � �ـ1798 /م ،فانفجرت في اجلامع ،ثم انهالت القناب� � ��ل على اجلامع واملنطقة احمليطة به حتى كاد يتداعى ،وتغلبت قوة النار على قوة الثوار ،فاقتحم الفرنسيون اجلامع األزهر. يصف اجلبرتي تلك اللحظات قائ ً ال« :ثم دخلوا إلى اجلامع وهم راكبون اخليل وبينهم املشاة وتفرقوا بصحنه ومقصورته ،وربطوا خيولهم بقبلته ،وعاثوا باألروقة واحلارات ،وكس� � ��روا القناديل والسهارات، وهشموا خزائن الطلبة واملجاورين والكتبة ،ونهبوا ما وجدوه م� � ��ن املتاع واألواني والقص� � ��اع والودائع واملخب� � ��آت باخلزانات ،ودش� � ��توا الكتب واملصاحف وعلى األرض طرحوها وبأرجلهم ونعالهم داسوها، وكس� � ��روا أوانيه وألقوها بصحن� � ��ه ونواحيه وكل ما صادفوه به عروه (لتفتيشه)». وعندم� � ��ا انتص� � ��ر نابليون بوناب� � ��رت في حملته على الش� � ��ام واس� � ��تولى على مدين� � ��ة العريش وغزة وخان يونس ،طلب الفرنس� � ��يون من الشيخ عبدالله الش� � ��رقاوي رف� � ��ع األعالم الفرنس� � ��ية عل� � ��ى مآذن األزهر ،فت� � ��م رفع علم� �ي��ن ،أحدهما عل� � ��ى مئذنة األشرف الغوري.
أول رسم لتخطيط اجلامع األزهر في ع� � ��ام 1236ه � � �ـ1820 /م ،وضع باس� � ��كال كوس� � ��ت أول رس� � ��م لتخطيط اجلامع األزهر ،حيث اس� � ��تطاع التحايل على ش� � ��يخ اجلامع وألقى نظرة عامة عليه من الداخل ،ورس� � ��م بع� � ��ض التفاصيل، خاصة تفاصيل باب املزينني. تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف
وقد علَّق باس� � ��كال كوس� � ��ت على هذا الرس� � ��م قائ ً ال« :بإلقاء النظر على املس� � ��قط األفقي للجامع األزهر ،نالحظ أنه يتكون من صحن كبير مكشوف سماوي ،محاط بأروقة أربعة تشبه بذلك تخطيط جامع عمرو ب� � ��ن العاص ،وهو تخطيط املس� � ��اجد األولى ،وتتكون ظلة القبلة من تسعة صفوف موازية حلائط احملراب بينها مجاز ينتهي بقبة ،ونرى مائتي مصباح معلقة لإلضاءة ،وهذا الصرح الكبير يوجد فيه 380عموداً م� � ��ن الرخام بعضها من اجلرانيت له� � ��ا قواعد وتيجان رومانية ،وقد أضيفت كما نرى بخطوط الرسم مدارس على اجلامع لتدريس علوم القرآن الكرمي ومصادره». وف� � ��ي أواخ� � ��ر عهد محم� � ��د علي باش� � ��ا في عام 1258هـ1842 /م ،زارت مصر السيدة صوفيا لني بول أخت املستشرق إدوارد لني بول ،وسجلت مشاهداتها في مصر ،ومنها مش� � ��اهدتها اجلام� � ��ع األزهر الذي زارته ،ودونت ما رأته قائلة« :تقع البوابة الرئيسة في وسط واجهة املسجد -وهي أقرب املداخل من شارع املدين� � ��ة الرئيس -داخل هذه البوابة مباش� � ��رة وعلى جانبيها يوجد مس� � ��جدان صغيران منر بينهما لنجد أنفسنا في الس� � ��احة الكبيرة لألزهر ،وهي مرصوفة باألحج� � ��ار وحتيط بها أروقة ذات أعمدة ،يقع الرواق الرئي� � ��س في مواجه� � ��ة املدخل ،واألروق� � ��ة التي على اجلوانب الثالثة األخرى مقسمة إلى عدد من األروقة أو احلجرات ،يسكن فيها عدد من الطلبة يؤمون هذه اجلامعة الشهيرة من أقصى البالد في إفريقيا وآسيا وأورب� � ��ا ،وكذلك من أقاليم مص� � ��ر املختلفة ،ومبا أن هؤالء األش� � ��خاص عادة في حالة من العوز واحلاجة، ف� � ��إن اجلامع يخصص م� � ��االً إلعالتهم ،فيصرف لكل فرد كمية من اخلبز واحلس� � ��اء كل ظهر ومساء ،كما يعول أيضاً كثي� � ��راً من الفقراء املكفوفني .تأثرنا جداً لرؤية بعض هؤالء وقد أحنى الزمن ظهورهم يسيرون الهوين� � ��ى بني األعمدة ،يعرف� � ��ون بالتعود كل منعطف وكل ممر ويبدون مثل مشايخ القبائل القدامى وسط اجلمع احلافل ،وتُفصل األروقة عن الس� � ��احة وأيضاً عن بعضها بحواجز خش� � ��بية تقام بني األعمدة ،وهي صغيرة جداً في اجلانب الذي به البوابة الرئيسة ،إذ ال يوجد هناك س� � ��وى صف واح� � ��د من األعمدة ،كما يوجد بعض منها في الطابق العلوي أيضاً ،ويخصص 53
54
مدخل األشرف قايتباي
العدد - 679يونيو 2015
معرض في كتاب كل رواق ألبناء بلد معني أو مقاطعة معينة في مصر، حيث إن الطلبة املصري� �ي��ن أكثر عدداً بطبيعة احلال من أبناء الدول األخرى».وتستمر الزائرة في وصفها، قائلة« :جتولنا في هذه األروقة ،وبعد أن مررنا بأبناء مقاطعات مصر املختلفة ،وجدنا أنفسنا بني قوم من أهل مكة واملدينة ،وبعدهم سوريون ثم بعد دقيقة كنا وس� � ��ط مسلمني من وس� � ��ط إفريقيا يليهم مغاربة من مواطني شمال إفريقيا في غرب مصر ،ثم أتراك من أهل أوربا وآس� � ��يا ،تركناهم لنقابل إيرانيني ومسلمني م� � ��ن الهند ،خُ ِّيل لنا أننا كنا ننتقل بني البالد املختلفة ل� � ��كل منهم ،ل� � ��م يعجبني في القاهرة أي ش� � ��يء أكثر من داخل األزه� � ��ر ،وحينما أفكر ف� � ��ي كثرة احلوائل اجلس� � ��يمة التي تقابل الشخص املس� � ��يحي وبالذات السيدة املسيحية لدخول هذا املسجد الشهير ،أشعر بالفخر ألنني متتعت مبيزة التجول املتمهل بني أروقته املديدة ومالحظة طلبته م� � ��ن مختلف األجناس وهم يتلقون الدرس على أيدي أساتذتهم».
أروقة اجلامع األزهر
ال� � ��رواق هو املكان املخصص كمقر س� � ��كني للطلبة، وهو عبارة عن غرف متصلة بأسوار اجلامع األزهر على طول هذه األس� � ��وار ،وكان الرواق يفرش مبا يلزم له من الفرش وتلحق به أماكن للغسل وأخرى للوضوء ومطابخ إلعداد الطع� � ��ام ،وكانت تقام بال� � ��رواق األذكار ويحتدم اجل� � ��دل والنقاش ،وكانت لكل طائفة جرايات ومرتبات، ولكل طائفة نقيب وش� � ��يخ يحكمهم ويدافع عنهم ،وكان لكل طائفة أوقاف وعق� � ��ارات يصرف عليهم من ريعها، وكان أول م� � ��ن جعل رواقاً لطالب األزهر يس� � ��كنون فيه ه� � ��و اإلمام العزيز بالله الفاطمي .أروقة اجلامع األزهر الش� � ��ريف واحد وعش� � ��رون روا ًقا حتمل هذه األسماء: الش� � ��رقاوية ،الهنود ،األكراد ،اليمنية ،األتراك ،املغاربة، السليمانية ،الشوام ،أهل دارفور ،احلرمني ،أهل بلبيس والدلت� � ��ا ،الش� � ��نوانية ،الفيومية ،البح� � ��اروة ،الصعايدة، الدكارنة الغورية ،اجلاوة ،السنارية ،اجلبرتية ،احلنفية، وأخيرا رواق العباسي.
الصالة في اجلامع األزهر
وق� � ��د وثق الكتاب املرج� � ��ع ،في جزأين (786 صفحة) وصور احلياة في اجلامع األزهر ،وأولى تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف
55
املدرسة الطبيرسية من الداخل 56
العدد - 679يونيو 2015
استطالع
تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف
57
قام السلطان الظاهر بيبرس البندقداري ( 1260ـ 1277م) ،عصر الدولة اململوكية البحرية ،بإعادة صالة اجلمعة إلى األزهر الشريف في الثامن عشر من ربيع األول 665هجرية ،املوافق للسابع عشر من ديسمبر 1267م ،والرسم ملدخل قصر السلطان ،من بيسيه دافني. 58
العدد - 679يونيو 2015
معرض في كتاب هذه التوثيقات الصالة في اجلامع األزهر. كان األئمة الفاطمي� � ��ون حني يصلون بالناس في اجلامع األزهر الشريف تترجل العساكر كلها وتقف بالرحب� � ��ة التي أمام اجلام� � ��ع جتاه الباب البح� � ��ري (الباب الش� � ��مالي الغربي) حتى يدخل اإلمام إلى اجلامع. وق� � ��د كانت أول صالة يش� � ��هدها أحد األئمة الفاطميني باألزهر ص� �ل��اة عيد الفطر في غرة ش� � ��وال عام 362هـ972 /م ،شهدها اإلمام املعز لدي� � ��ن الل� � ��ه الفاطمي بعد وصوله إل� � ��ى القاهرة بثالثة أسابيع. الرحالة الذي� � ��ن وثقوا هذه وم� � ��ن املؤرخ� �ي��ن َّ الصور أوليا جلبي بن درويش محمد ظلي (ينطق أوليا ش� � ��لبي) ،الذي ولد في اس� � ��طنبول قبل أن يج� � ��ول أنحاء االمبراطورية العثمانية ،وقد عاش م� � ��ن 1611أو 1616م ،حت� � ��ى 1640م .وص� � ��ف أولي� � ��ا جلبي الصالة في اجلام� � ��ع األزهر قائ ً ال: لي� � ��س في مصر جامع له ما لألزهر من جماعة، فه� � ��و مزدحم بالن� � ��اس لي ً ال ونه� � ��اراً ،ال جتد فيه موضعاً للسجدة. وم� � ��ن االحتف� � ��االت الت� � ��ي انتظم� � ��ت ف� � ��ي األزه� � ��ر االحتف� � ��ال باملول� � ��د النب� � ��وي في عصر الدول� � ��ة الفاطمية ،حيث أصب� � ��ح املركز الرئيس لالحتفال. وتبدأ مراس� � ��م االحتفال في ي� � ��وم الثاني من ربي� � ��ع األول بركوب القاضي بع� � ��د العصر ،ومعه الش� � ��هود ،إل� � ��ى اجلام� � ��ع ،ومعهم أرب� � ��اب تفرقة صواني احللوى التي أعدت بالقصر لتفرق على أرباب الرس� � ��وم ،كقاضي القضاة وداعي الدعاة وقراء احلضرة واخلطباء وغيرهم ،فيجلس� � ��ون ف� � ��ي اجلامع مقدار اخلتم� � ��ة الكرمية ثم يعودون في موكبهم إلى القصر ،وينتظرون حتت املنظرة التي يجلس فيها اخلليفة ،ثم تفتح إحدى طاقات املنظ� � ��رة ويب� � ��دو منها وجه اإلم� � ��ام الفاطمي ،ثم يخرج واحد من األس� � ��تاذين احملنكني يده ويشير بكمه بأن اخلليفة يرد عليه السالم ،ويقرأ القراء ويخط� � ��ب اخلطب� � ��اء بترتيب معلوم ،ف� � ��إذا انتهى احلفل أخرج األستاذ يده مشيراً برد السالم كما تقدم ،ثم تغلق الطاقتان وينصرف الناس. تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف
وفي ش� � ��هر رمضان املبارك نتذكر االحتفال بهذا الشهر الكرمي في اجلامع ،حيث جرت عادة األئمة الفاطميني على اخلروج في مواكب كبيرة عل� � ��ى غرار موك� � ��ب العام وغرة رمض� � ��ان ،وذلك لصالة ا ُ جلمع الثالث األخيرة من شهر رمضان. فبعد االحتفال بأول رمضان ال يخرج اإلمام للصالة في اجلمعة األولى ،وكانوا يطلقون عليها جمعة الراحة ،وفي اجلمعة الثانية يركب اإلمام إلى جامع احلاكم بأمر الله ،وفي اجلمعة الرابعة يركب اإلمام إلى جامع عمرو بن العاص. أما اجلمعة الثالثة ،فيركب اإلمام إلى اجلامع األزهر الش� � ��ريف ،حيث يخرج اإلمام في موكب كبير مرتدياً مالب� � ��س بيضاء غير مذهبة توقيراً للصالة ،وهي عبارة عن «بدلة موكبية من احلرير مكملة منديلها ،وطيلسانها بياض» ،وحول موكبه ق� � ��راء احلضرة يرتلون الق� � ��رآن الكرمي ،واجلنود يحملون الرماح التي في نهاياتها أهلة من ذهب، ويحمل مقدمو الركاب عن ميني اخلليفة ويساره أكياس � � �اً حتوي أموال الصدقة الت� � ��ي توزع أثناء س� � ��ير املوكب ،وقد زينت الطرق� � ��ات واحلوانيت باألعالم والزينات املختلفة احتفاالً مبرور اإلمام حت� � ��ى يصل املوكب إلى اجلام� � ��ع ،الذي كان يعد في تلك املناس� � ��بة بالف� � ��رش النفيس ،وتعلق على احملراب الستر احلريرية املكتوب عليها البسملة وفاحت� � ��ة الكتاب واآليات التي س� � ��يقرأها اإلمام أثناء إمامت� � ��ه للصالة ،وقد عبق احملراب بروائح البخور الذكية. وبع� � ��د دخول اإلمام إلى اجلام� � ��ع يتوجه إلى املنبر وحوله األساتذة والوزير وراءه وفي حراسته األمراء من صبيان اخلاص وبأيديهم األس� � ��لحة، فإذا جلس على املنبر أش� � ��ار إلى الوزير بالصعود فيصعد ويقبل يديه ورجليه بحيث يراه الناس ثم تغلق عليه الستائر ،وذلك ألن اإلمام يلقي اخلطبة من كتاب مسطور يخرج له من ديوان اإلنشاء ،ثم جترى طقوس الصالة وفقاً لرسوم محددة ،وبعد الصالة يجلس اإلمام لتوزيع الصدقات والهبات بهذه املناسبة ،ثم يتحرك املوكب من اجلامع إلى القصر في كام� � ��ل هيئته بني صيحات اجلماهير ودقات الطبول وعزف األبواق > 59