Azhar

Page 1

‫معرض في كتاب‬

‫تاريخ وعمارة‬

‫الصحن الكبير املكشوف السماوي للجامع األزهر الشريف واحملاط بأروقة أربعة‬ ‫‪36‬‬

‫العدد ‪ - 679‬يونيو ‪2015‬‬


‫أشرف أبواليزيد‬ ‫للسفر الكبير ال��ذي يحمل اس��م «الجامع‬ ‫ف��ي تصديره‬ ‫ِّ‬ ‫األزه��ر الشريف»‪ ،‬كتب اإلم��ام األكبر أحمد الطيب شيخ‬ ‫األزه��ر‪« :‬لقد ُكتب الكثير عن األزهر الشريف‪ ،‬عن شيوخه‬ ‫وعلمائه‪ ،‬وع��ن زخرفته وب��ن��ائ��ه‪ ،‬وع��ن علومه ومناهجه‪،‬‬ ‫ومسؤولياته الوطنية والفكرية التي حمل أعباءها بكل‬ ‫ثقة بالنفس‪ ،‬وبثقة األمة فيه‪ .‬وقل مثل ذلك عن مكتباته‬ ‫وأروق���ت���ه‪ ،‬وش��ي��وخ��ه وط�ل�اب���ه‪ ،‬وم��ؤت��م��رات��ه ومؤسساته‪.‬‬ ‫وهذه الدراسة الشاملة عن األزه��ر الشريف‪ ،‬تأتي تعريف ًا‬ ‫متكام ً‬ ‫ال بهذا التاريخ العريق‪ ،‬الذي هو صفحات رائعة في‬ ‫التاريخ المصري العام‪ ،‬وثمرة للتعاون الوثيق بين مكتبة‬ ‫اإلسكندرية العريقة بدورها المعاصر المرموق عالم ّي ًا‪،‬‬ ‫وبين مشيخة األزه��ر‪ .‬وه��ذا التعاون ‪ -‬ال شك ‪ -‬سيكون‬ ‫له أثره اإليجابي على الحياة الفكرية والثقافية في مصر‬ ‫والعالم اإلسالمي»‪.‬‬

‫من تونس إلى بنزرت ‪ ...‬موزاييك قرطاج‬

‫‪37‬‬


‫يأتي هذا الكتاب املو ّث� � ��ق والدقيق باكورة إنتاج‬ ‫مرك� � ��ز دراس� � ��ات احلض� � ��ارة اإلس� �ل��امية والفكر‬ ‫اإلس� �ل��امي املعاصر ف� � ��ي مكتبة اإلس� � ��كندرية‪ ،‬وإذ‬ ‫يعرض لتاريخ ذلك الص� � ��رح‪ ،‬فإنه ميثل ‪ -‬كذلك ‪-‬‬ ‫معمقة لعمارته‪ ،‬كما يشير د‪.‬إسماعيل‬ ‫قراءة بصرية َّ‬ ‫سراج الدين في تقدميه‪:‬‬ ‫«مما ال ش� � ��ك في� � ��ه أن فن العم� � ��ارة من الفنون‬ ‫والعلوم الت� � ��ي برع املس� � ��لمون وتف ّنن� � ��وا فيها‪ .‬وقد‬ ‫جاء تقدمه� � ��م فيها اعتماداً على نبوغهم في العلوم‬ ‫الت� � ��ي ترتبط بفن العم� � ��ارة‪ ،‬وهي علوم الهندس� � ��ة‬ ‫وامليكانيكا والرياضة‪ ،‬باإلضافة إلى نظرة املس� � ��لم‬ ‫إلى مفه� � ��وم اجلمال‪ ،‬حيث يدعو اإلس� �ل��ام أتباعه‬ ‫إلى تأم� � ��ل جمال خلق الله‪ ،‬ه� � ��ذا فض ً‬ ‫ال عن دعوة‬ ‫الرس� � ��ول إلى ضرورة إتقان العمل وجتويده‪...‬‬ ‫ويع ّ ُد اجلامع األزهر الشريف مثاالً صادقاً على ما‬ ‫وصلت إليه العمارة اإلس� �ل��امية من تقدم وازدهار‪،‬‬ ‫وما مت ّيز به العاملون في عمارة املس� � ��اجد من تف ّرد‬ ‫وإبداع‪ ،‬حيث يزخ� � ��ر مبنى اجلامع األزهر بعناصر‬ ‫الثقافة اإلسالمية البديعة‪ ،‬ويتميز طرازه املعماري‬ ‫بهندس� � ��ته الرائع� � ��ة وبنائ� � ��ه املبدع‪ .‬وه� � ��و من أهم‬ ‫املساجد في مصر وأشهرها في العالم اإلسالمي‪،‬‬ ‫ويُعد ش� � ��اهداً على التطورات املعمارية في عصور‬ ‫الوالة والسالطني وامللوك والرؤساء»‪.‬‬

‫عمارة اجلامع في عصر الدولة الفاطمية‬ ‫ب� � ��دأ تأري� � ��خ ذلك الص� � ��رح حينما ق� � ��ام القائد‬

‫الفاطمي أبواحلس� � ��ن جوهر ب� � ��ن عبدالله الرومي‬ ‫الصقلي الكاتب بتش� � ��ييد اجلام� � ��ع األزهر‪ ،‬ليكون‬ ‫مس� � ��جداً جامعاً ملدينة القاه� � ��رة‪ ،‬التي وضع حجر‬ ‫األس� � ��اس لها لتكون عاصم� � ��ة للدولة الفاطمية في‬ ‫مصر (‪567-358‬هـ‪1711-969/‬م)‪ ،‬وشرع في بناء‬ ‫هذا اجلامع في يوم السبت لست بقني من جمادى‬ ‫األولى عام ‪359‬هـ ‪/‬أبريل ‪970‬م‪ ،‬وكمل بناؤه لتسع‬ ‫خلون من شهر رمضان عام إحدى وستني وثالثمائة‬ ‫(يولي� � ��و ‪972‬م)‪ ،‬أي إن اجلامع اس� � ��تغرق بناؤه مدة‬ ‫تبلغ حوالي سنتني وثالثة شهور‪.‬‬ ‫واختي� � ��ر للجام� � ��ع موقع في اجلنوب الش� � ��رقي‬ ‫م� � ��ن املدينة عل� � ��ى مقربة من القص� � ��ر الكبير الذي‬ ‫كان موجوداً‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ‪ ،‬حي� � ��ث الديلم وحي الترك في‬ ‫اجلنوب‪ .‬وقد س� � ��جل جوهر القائد هذا اإلنش� � ��اء‬ ‫بكتابة برقبة القبة التي كانت في الرواق األول على‬ ‫نصه‪:‬‬ ‫ميني احملراب واملنبر مبا ّ‬ ‫«مم� � ��ا أمر ببنائه عبدالل� � ��ه ووليه أبو متيم معد‬ ‫اإلم� � ��ام املعز لدين الله أمي� � ��ر املؤمنني صلوات الله‬ ‫عليه وعلى آبائ� � ��ه وأبنائه األكرمني‪ ،‬على يد جوهر‬ ‫الكات� � ��ب الصقلي‪ ،‬وذلك في عام س� � ��تني وثلثماية»‪،‬‬ ‫وقد اندثرت هذه الكتابة مع القبة اآلن‪.‬‬

‫اسم اجلامع األزهر‬

‫ل� � ��م يطلق على اجلامع األزهر مس� � ��مى األزهر‬ ‫في بداية إنشائه‪ ،‬وإمنا عرف بجامع القاهرة نسبة‬ ‫لعاصمة الفاطميني اجلديدة‪ ،‬وأما تسميته باجلامع‬

‫اجلامع األزهر الشريف‪ ،‬مجلدان‪ ،‬ناشره‪ :‬مركز دراسات‬ ‫احلضارة اإلسالمية مبكتبة اإلسكندرية‪ ،‬تصدير فضيلة‬ ‫اإلمام األكبر أحمد الطيب شيخ األزهر‪ ،‬تقدمي وإشراف‬ ‫إسماعيل سراج الدين‪ ،‬املشرف التنفيذي‪ :‬خالد عزب‪،‬‬ ‫اإلعداد محمد السيد حمدي وشيماء السايح‪ ،‬اخلطوط‬ ‫رعد احلسيني وطه عبد الناصر‪ ،‬التصوير الفوتوغرافي‪:‬‬ ‫محمد منير وحازم العشري وحسن ماضي‪ ،‬راجعه محمد‬ ‫كمال الدين إمام‪ ،‬وصممه وأخرجه هبة الله حجازي‬ ‫وجيهان أبو النجا‪ ،‬ودققه لغوي ًا عائشة احلداد‪ ،‬وراجع‬ ‫الببليوجرافيا نيفني نور الدين‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫العدد ‪ - 679‬يونيو ‪2015‬‬


‫معرض في كتاب‬

‫واجهة ومدخل املدرسة الطبيرسية‬ ‫تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف‬

‫‪39‬‬


‫سقف محراب القبلة في املدرسة اجلوهرية‪ ،‬يؤطره شريط من الزخارف النباتية‪ ،‬من عمارة اجلامع في عصر‬ ‫الدولة اململوكية اجلركسية‪ .‬وتقع هذه املدرسة في الطرف الشرقي من الظلة الشمالية الشرقية القدمية عند باب‬ ‫السر للجامع األزهر الشريف وأنشأها األمير جوهر القنقبائي خازندار األشرف برسباي‪ ،‬ودفن بها عندما توفي‬ ‫في ‪ 844‬هـ‪ 1441/‬م‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫العدد ‪ - 679‬يونيو ‪2015‬‬


‫معرض في كتاب‬ ‫األزه� � ��ر فقد حدثت في وقت متأخر‪ ،‬حيث أش� � ��ار‬ ‫إليه املؤرخون قريبو العهد ببناء القاهرة كاملسبحي‬ ‫وابن الطوي� � ��ر وابن املأمون باس� � ��م جامع القاهرة‪،‬‬ ‫وقلي ً‬ ‫ال ما أش� � ��اروا إليه باسم اجلامع األزهر‪ .‬ورمبا‬ ‫أطلق على جامع القاهرة اجلامع األزهر نسبة إلى‬ ‫الس� � ��يدة فاطمة الزهراء ابنة الرس� � ��ول وزوجة‬ ‫اإلم� � ��ام علي ب� � ��ن أبي طالب ك ّرم الل� � ��ه وجهه‪ ،‬وهي‬ ‫التي ينتسب إليها الفاطميون‪ ،‬وقيل إنه سمي كذلك‬ ‫تفاؤالً مبا س� � ��يكون له من الش� � ��أن واملكانة بازدهار‬ ‫العلوم فيه‪.‬‬ ‫حظي اجلامع األزهر الش� � ��ريف باهتمام األئمة‬ ‫الفاطميني‪ ،‬فقد اهتم به اإلمام العزيز بالله (‪-365‬‬ ‫‪386‬ه � � �ـ‪996-975/‬م) وقام بتجدي� � ��د بعض أجزاء‬ ‫الرواق اجلنوبي الشرقي (ظلة القبلة وزخرفتها) ‪،‬‬ ‫واهتم اإلمام احلاكم بأمر الله (‪411-386‬هـ‪-996/‬‬ ‫‪1021‬م) بعمارة اجلامع‪ ،‬فجدد مئذنته‪ ،‬ورفع سقفه‬ ‫ذراعاً عما كان‪ ،‬وبقي من أعماله باب خشبي ضخم‬ ‫محفوظ حالياً مبتحف الفن اإلس� �ل��امي بالقاهرة‪،‬‬ ‫ورتب له في عام ‪400‬هـ‪1009/‬م‪ ،‬مع بعض املنشآت‬ ‫الفاطمية األخرى أوقافاً ينفق من ريعها على إدارته‪،‬‬ ‫وشؤونه‪ ،‬فكانت أول وقفية رتبت للجامع األزهر‪.‬‬

‫تخطيط اجلامع الفاطمي‬

‫كان اجلامع الفاطمي الذي أنشأه القائد جوهر‬ ‫الصقلي يتكون من مس� � ��تطيل أبع� � ��اده ‪70x88‬م‪،2‬‬ ‫يتألف من صحن س� � ��ماوي مس� � ��تطيل الشكل يحف‬ ‫به ثالث ظالت من ثالث جهات فقط‪ .‬ونظراً لعدم‬ ‫تس� � ��اوي ع� � ��رض رواق احملراب مع ع� � ��رض املجاز‬ ‫الق� � ��اع‪ ،‬اضطر املعماري إل� � ��ى تضييقه عند التقائه‬ ‫في احملور بأعمدة إضافية إليجاد مربع يحمل قبة‬ ‫احملراب‪.‬‬ ‫وقد اس� � ��تعملت عقود من النوع املدبب في رفع‬ ‫س� � ��قف اجلام� � ��ع الفاطمي األول‪ ،‬وه� � ��ي على غرار‬ ‫العقود املس� � ��تخدمة ف� � ��ي اجلام� � ��ع الطولوني‪ ،‬وإن‬ ‫كان املدب� � ��ب يظهر فيها أكث� � ��ر مما يظهر في عقود‬ ‫اجلامع الطولوني‪ ،‬والعقود املدببة ترجع إلى أصول‬ ‫ساس� � ��انية حيث وجد أقدم أمثلتها في طاق كسرى‬ ‫بالعراق‪ ،‬الذي يعود إلى عصر امللك ش� � ��ابور األول‬ ‫(‪272-242‬م)‪ ،‬وأقدم أمثلتها في العمارة اإلسالمية‬ ‫تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف‬

‫وجد في واجهة املج� � ��از املطلة على صحن اجلامع‬ ‫األموي في دمشق عام ‪96‬هـ‪714/‬م‪.‬‬ ‫وقد ارتبطت تيجان األعمدة باجلامع بأسطورة‬ ‫مفادها أن باجلامع طلسماً‪ ،‬فال يسكنه عصفور وال‬ ‫يفرخ به‪ ،‬وكذلك سائر الطيور من احلمام واليمام‪،‬‬ ‫وهي صور طيور‪ ،‬كل صورة على تاج عمود‪.‬‬ ‫ويقول أوليا جلبي‪« :‬لذا ال جتد فيه أثراً للطيور‬ ‫كالعصف� � ��ور واخلطاف واحلمام واحل� � ��دأ‪ ،‬فهي ال‬ ‫تدخله وال تعشش فيه إنه لطلسم عظيم»‪.‬‬ ‫وت� � ��اج العمود ه� � ��و رأس العم� � ��ود‪ ،‬وهو اجلزء‬ ‫الزخرف� � ��ي العلوي الذي كان� � ��ت فائدته من الناحية‬ ‫اإلنش� � ��ائية كمخدة أو قاعدة لتلقي األحمال ونقلها‬ ‫إلى بدن العمود‪ .‬وقد أضيفت فوق تيجان األعمدة‬ ‫حدارات يعلوها طنفة وتدنوها قرمة‪ ،‬وهي مجموعة‬ ‫إنش� � ��ائية تعتبر ابتكاراً في العمارة اإلسالمية ببالد‬ ‫املغرب‪ ،‬ش� � ��وهدت من قبل في مس� � ��جدي القيروان‬ ‫والزيتونة‪ ،‬واس� � ��تخدمت للم� � ��رة األولى في اجلامع‬ ‫األزهر‪ ،‬وقد قصد بهذا االبتكار معاجلة قِ صر قامة‬ ‫األعمدة واختالف ارتفاعاتها‪ ،‬وإيجاد قواعد ثابتة‬ ‫على مس� � ��توى واحد ألط� � ��راف العقود‪ ،‬وقد صنعت‬ ‫احلدارات في اجلامع األزهر من احلجارة‪.‬‬ ‫ويالح� � ��ظ أن أط� � ��راف هذه العقود ل� � ��م ترتكز‬ ‫مباش� � ��رة على تيجان األعم� � ��دة‪ ،‬بل كانت ترتكز كل‬ ‫منه� � ��ا على حدارة تعلوها طنف� � ��ة وتدنوها قرمة أو‬ ‫طبلية‪ ،‬وقد اختفت ه� � ��ذه احلدارات حتت البياض‬ ‫اجلص� � ��ي الذي صاح� � ��ب جتديد املس� � ��جد‪ ،‬وتبقى‬ ‫البع� � ��ض منها في اجلزء الغربي من ظلة القبلة إلى‬ ‫مي� �ي��ن املتجه إلى احمل� � ��راب‪ .‬واحل� � ��دارة عبارة عن‬ ‫مكعب من البناء ارتفاعه نصف متر تقريباً‪ ،‬أي إن‬ ‫منبت العقد يرتفع عن أرضية املس� � ��جد مبا يقرب‬ ‫من أربعة أمتار‪ ،‬وتصل رؤوس� � ��ها إلى ما يزيد على‬ ‫ستة أمتار‪ ،‬ويبلغ ارتفاع احلائط فوق رؤوس العقود‬ ‫ثالثة أرباع املتر‪.‬‬

‫محاريب اجلامع املتعددة‬

‫من أس� � ��اليب بناء املس� � ��اجد اجلامعة احملاريب‬ ‫املتعددة ‪ ،‬وهو أس� � ��لوب وجد في ش� � ��مال إفريقيا‪،‬‬ ‫خاصة تلك احملاريب التي تطل على الصحن‪ ،‬حيث‬ ‫يقف عندها من يردد تكبيرات اإلمام حتى يسمعه‬ ‫‪41‬‬


‫ظل القبلة الفاطمية‬

‫‪42‬‬

‫العدد ‪ - 679‬يونيو ‪2015‬‬


‫استطالع‬

‫من تونس إلى بنزرت ‪ ...‬موزاييك قرطاج‬

‫‪43‬‬


‫صحن اجلامع األزهر الشريف عن ‪Prisse d,Avennes‬‬

‫املصل� � ��ون خ� � ��ارج ظلة القبل� � ��ة‪ ،‬وأقدم من� � ��اذج هذه‬ ‫احملاريب اخلشبية وجد في جامع عقبة بالقيروان‪،‬‬ ‫أما أق� � ��دم مثال معروف لتعدد احملاريب في حائط‬ ‫القبلة فوجد في مسجد دير سانت كاترين‪ ،‬إذ توجد‬ ‫ثالثة محاريب تعود إل� � ��ى عهد األمير أبي املنصور‬ ‫أنوشتكني منشئ اجلامع ما بني عامي ‪433-429‬هـ‬ ‫و‪1041-1037‬م من العصر الفاطمي‪.‬‬ ‫أما املنب� � ��ر املتحرك‪ ،‬فتأثي� � ��ر مغربي ظهر في‬ ‫جام� � ��ع الزيتون� � ��ة بتونس وجام� � ��ع صفاقس وجامع‬ ‫املنستير‪.‬‬

‫املنحوتات والزخارف‬

‫ظهر ف� � ��ي النحت الفاطمي التأثر باألس� � ��اليب‬ ‫الفارس� � ��ية‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن بع� � ��ض العناصر التي جلبها‬ ‫الفاطمي� � ��ون معهم من ش� � ��مال إفريقيا‪ ،‬كما متيزت‬ ‫الزخ� � ��ارف الفاطمية املنحوتة بدق� � ��ة احلفر وامليل‬ ‫‪44‬‬

‫نحو التماثل والتقابل وتطوير العناصر الهندس� � ��ية‬ ‫والنباتية واحليوانية‪.‬‬ ‫كم� � ��ا تأثرت الزخ� � ��ارف اجلصية ف� � ��ي اجلامع‬ ‫األزهر بزخارف جامع أحمد بن طولون في روحها‬ ‫وطريق� � ��ة حفرها‪ ،‬غير أن زخ� � ��ارف اجلامع األزهر‬ ‫تعتب� � ��ر أكثر تطوراً من زخ� � ��ارف اجلامع الطولوني‪،‬‬ ‫ففي اجلام� � ��ع الطولوني ال تس� � ��تطيع أن تف ِّرق في‬ ‫بعض األحي� � ��ان بني األرضية والعنص� � ��ر الزخرفي‬ ‫بعكس زخارف اجلامع األزه� � ��ر‪ ،‬كما متيز اجلامع‬ ‫األزهر بالثراء الزخرفي‪ ،‬فامتألت النوافذ والعقود‬ ‫بعكس اجلامع الطولون� � ��ي‪ ،‬حيث جند أن اجلدران‬ ‫احملصورة ب� �ي��ن النوافذ خالية من الزخارف إال من‬ ‫شريط ض ِّيق يدور حول فتحات النوافذ‪.‬‬ ‫وقد ظهرت بني زخارف اجلامع األزهر أشكال‬ ‫خاصة لشجرة الصنوبر تشبه إلى حد كبير مثيلتها‬ ‫في واجهة قصر املش� � ��تى وزخ� � ��ارف قبة الصخرة‪،‬‬ ‫العدد ‪ - 679‬يونيو ‪2015‬‬


‫معرض في كتاب‬

‫دخول الفرنسيني اجلامع األزهر الشريف خالل ثورة القاهرة األولى (عن ‪)Jean Tranié‬‬

‫تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف‬

‫‪45‬‬


‫اجلامع األزهر الشريف‬ ‫وجامع محمد بك أبو الدهب‬

‫‪46‬‬

‫العدد ‪ - 679‬يونيو ‪2015‬‬


‫معرض في كتاب‬ ‫واملس� � ��جد األقصى وزخارف منبر جامع القيروان‪،‬‬ ‫وق� � ��د متيزت جذوع تلك األش� � ��جار بأنها مك ّونة من‬ ‫عرقني مضفورين‪ ،‬م� � ��ا يؤكد وجود صلة بني بعض‬ ‫زخ� � ��ارف اجلامع األزهر وطرز الزخ� � ��ارف األموية‬ ‫الش� � ��امية‪ ،‬وظهرت بعض التأثيرات الساسانية بني‬ ‫الزخارف الفاطمية كاملراوح النخيلية أو األنثيمون‪،‬‬ ‫التي وجدت أمثلة لها في واجهة قصر املشتى‪ ،‬وفي‬ ‫بعض إط� � ��ارات جدران قبة الصخ� � ��رة‪ ،‬التي حتتل‬ ‫األركان اخلارجي� � ��ة لألكتاف الثماني للمثمن‪ ،‬وعلى‬ ‫منبر جامع عقبة في القيروان‪ ،‬وهي من التأثيرات‬ ‫الساس� � ��انية التي عاش� � ��ت في الفنون اإلس� �ل��امية‪،‬‬ ‫وس� � ��ادت في زخ� � ��ارف اجلامع األزه� � ��ر الفاطمية‪،‬‬ ‫وقد اس� � ��تخدمت املراوح النخيلية وأنصافها ضمن‬ ‫زخ� � ��ارف اجلام� � ��ع األزه� � ��ر‪ ،‬حيث جنده� � ��ا متأثرة‬ ‫مبثيالتها ف� � ��ي جامع أحمد بن طول� � ��ون وذلك في‬ ‫زخارف احملراب‪.‬‬

‫عصر الدولة اململوكية البحرية‬

‫قام امللك الظاه� � ��ر بيبرس البندقداري (‪-658‬‬ ‫‪676‬ه � � �ـ‪1277-1260/‬م) بإعادة صالة اجلمعة إلى‬ ‫اجلام� � ��ع األزهر ي� � ��وم اجلمعة ‪ 18‬م� � ��ن ربيع األول‬ ‫ع� � ��ام ‪665‬هـ‪17/‬ديس� � ��مبر ‪1267‬م بع� � ��د انقطاعها‬ ‫م� � ��دة تقارب مائة عام‪ ،‬وش� � ��مل اجلام� � ��ع برعايته‪،‬‬ ‫فقام بعم� � ��ل طاقية خش� � ��بية للمح� � ��راب الفاطمي‬ ‫القدمي‪ ،‬التزال موجودة ف� � ��ي اجلامع بعد إضافتها‬ ‫للمحراب الذي أقامته جلن� � ��ة حفظ اآلثار العربية‬ ‫عام ‪1352‬هـ‪1933/‬م‪ُّ ،‬‬ ‫والش َّرافات املسننة املنقوشة‬ ‫حول الصحن‪ ،‬ومنبر لم يتبق منه سوى لوحة تذكارية‬ ‫محفوظة ف� � ��ي متحف اجلزائر‪ ،‬وعه� � ��د بذلك إلى‬ ‫األمير عز الدين أيدمر احللي نائب السلطنة الذي‬ ‫عم� � ��ر الواهي من أركانه وجدران� � ��ه وب ّيضه وأصلح‬ ‫َّ‬ ‫سقوفه وبلّطه وفرشه وكس� � ��اه حتى عاد حرماً في‬ ‫وسط املدينة‪ ،‬واستجد به مقصورة حسنة‪.‬‬ ‫وعم� � ��ل األمير بيلب� � ��ك اخلازندار ف� � ��ي اجلامع‬ ‫مقصورة كبيرة رتَّب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة‬ ‫الفقه على مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬ومحدثاً يسمع‬ ‫احلديث النب� � ��وي والرقائق‪ ،‬ورتب باجلامع س� � ��بعة‬ ‫ق ّراء لقراءة القرآن ومدرساً‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كم� � ��ا نال اجلام� � ��ع األزهر اهتمام � � �ا كبيرا في‬ ‫تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف‬

‫‪47‬‬


‫قبة املدرسة اجلوهرية‬

‫عه� � ��د امللك الناص� � ��ر محمد بن ق� �ل��اوون في فترة‬ ‫حكم� � ��ه الثاني� � ��ة (‪708-698‬ه � � �ـ‪1309-1299/‬م)‪،‬‬ ‫على أثر زلزال ع� � ��ام ‪702‬هـ‪1301/‬م‪ ،‬وتولى عمارة‬ ‫اجلامع األمير سالر وقام بزخرفة كوشتي احملراب‬ ‫الفاطم� � ��ي القدمي‪ ،‬وش � � � ّيد في عه� � ��ده األمير عالء‬ ‫الدين طيبرس نقيب اجليوش‪ ،‬مدرس� � ��ة على ميني‬ ‫الداخل من بابي املزينني اآلن‪ ،‬عام ‪709‬هـ‪1309/‬م‪،‬‬ ‫وفي عام ‪725‬هـ‪1324/‬م‪ ،‬جدد القاضي جنم الدين‬ ‫‪48‬‬

‫محمد بن حسن األسعردي محتسب القاهرة عمارة‬ ‫اجلامع‪ ،‬وش َّيد األمير أقبغا عبدالواحد الذي ج ّدد‬ ‫عمائ� � ��ر الناصر محم� � ��د بن قالوون مدرس� � ��ة عام‬ ‫‪740‬هـ‪1339/‬م هي املدرسة األقبغاوية‪ ،‬وتقع اآلن‬ ‫على يس� � ��ار الداخل م� � ��ن بابي املزين� �ي��ن‪ ،‬مكان دار‬ ‫األمير عزالدين أيدمر احللي‪.‬‬ ‫وفي عهد امللك الناصر حس� � ��ن في فترة حكمه‬ ‫الثاني� � ��ة (‪762-755‬هـ‪1361-1354/‬م)‪ ،‬قام األمير‬ ‫العدد ‪ - 679‬يونيو ‪2015‬‬


‫معرض في كتاب‬ ‫املنبر املتحرك في اجلامع األزهر الشريف‬ ‫يأتي من التأثير املغاربي الذي ظهر في‬ ‫جوامع الزيتونة وصفاقس واملنستير‬ ‫(تونس) والصورة ملنبر جامع الكُ تبية‪.‬‬

‫عه� � ��د املنصور الج� �ي��ن (‪-967‬‬ ‫‪698‬ه � � �ـ‪1299-1296/‬م)‪ ،‬فرغ‬ ‫من عمارتها عام ‪709‬هـ‪309/‬م‪.‬‬ ‫وقد جددها األمير عبدالرحمن‬ ‫كتخدا ع� � ��ام ‪1167‬هـ‪1753/‬م‪،‬‬ ‫حيث جدد كامل بناء املدرس� � ��ة‬ ‫ولم يبق من عناصرها الرئيسة‬ ‫إال ش� � ��بابيكها النحاسية ودائرة‬ ‫من القاشاني تقع أعلى واجهتها‬ ‫وحائط احملراب‪ ،‬كما جددت مرة‬ ‫أخرى عام ‪1310‬ه � � �ـ‪1892/‬م‪،‬‬ ‫‪1315‬‬ ‫عام� � ��ي‬ ‫وف� � ��ي‬ ‫ ‪1316‬ه � � �ـ‪1898 -1897 /‬م‪،‬‬‫وف� � ��ي ع� � ��ام ‪1317‬ه � � �ـ‪1899/‬م‬ ‫طلب شيخ اجلامع األزهر عمل‬ ‫دواليب برواق الطيبرسية لزوم‬ ‫الكتبخان� � ��ة‪ ،‬كما مت عمل ترميم‬ ‫للقبة امللحقة في املدرسة‪ ،‬وفي‬ ‫عام ‪1326‬هـ‪1908/‬م‪ ،‬مت إصالح‬ ‫بعض اخللل في املدرسة‪ ،‬وفي‬ ‫ع� � ��ام ‪1358‬ه � � �ـ‪1939/‬م‪ ،‬مت‬ ‫إص� �ل��اح ُ‬ ‫الش � � � َّرافات احلجرية‬ ‫أعل� � ��ى الواجه� � ��ة‪ ،‬وف� � ��ي ع� � ��ام‬ ‫‪1403‬ه � � �ـ‪1982/‬م‪ ،‬مت ترمي� � ��م‬ ‫واجهة املدرسة‪.‬‬

‫نظارة األزهر‬

‫س� � ��عد الدين بش� � ��ير اجلمدار عام ‪761‬هـ‪1359/‬م‬ ‫بتجدي� � ��د عمارة اجلامع وإنش� � ��اء حانوت على باب‬ ‫اجلامع القبلي لتس� � ��بيل املياه‪ ،‬وعم� � ��ل فوقه مكتباً‬ ‫لتعليم أيتام املس� � ��لمني‪ ،‬ونتيجة لتلك األعمال‪ ،‬فقد‬ ‫ظل مؤذنو األزهر يدعون للس� � ��لطان حسن أكثر من‬ ‫مائة عام‪.‬‬

‫املدرسة الطيبرسية‬

‫من أعم� � ��ال األمير ع� �ل��اء الدي� � ��ن طيبرس بن‬ ‫عبدالله الوزيري اخلازن� � ��داري نقيب اجليوش في‬ ‫تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف‬

‫من املناص� � ��ب التي اختص‬ ‫بها األم� � ��راء واملماليك‪ ،‬وأحياناً‬ ‫احلجاب‪ ،‬ومن نظار األزهر من‬ ‫كان يتوالها حاجب‬ ‫ّ‬ ‫وصل لرتبة الس� � ��لطنة مثل الظاهر جقمق (‪-842‬‬ ‫‪857‬هـ‪1453-1438/‬م)‪.‬‬ ‫قب� � ��ل اس� � ��تحداث ه� � ��ذا املنص� � ��ب كان هن� � ��اك‬ ‫مشرف يتولى شؤون اجلامع وحتت يديه مجموعة‬ ‫م� � ��ن املوظف� �ي��ن‪ ،‬وكان األمي� � ��ر بهادر الطواش� � ��ي‪،‬‬ ‫ال� � ��ذي مت تعيينه في عهد الظاه� � ��ر برقوق (‪-784‬‬ ‫‪801‬هـ‪1399-1482/‬م)‪ ،‬من نُ َّظ� � ��ار اجلامع‪ ،‬وكان‬ ‫أول أعماله املرس� � ��وم الذي ص� � ��در لتنظيم املواريث‬ ‫في األزهر‪.‬‬ ‫‪49‬‬


‫ففي عام ‪784‬هـ‪1382/‬م‪ ،‬ولي األمير الطواشي‬ ‫املقدم على املماليك السلطانية نظر اجلامع األزهر‪،‬‬ ‫فأصدر مرس� � ��وماً من الظاهر برقوق‪ ،‬بأن من مات‬ ‫م� � ��ن مجاوري األزهر من غير وارث ش� � ��رعي وترك‬ ‫موج� � ��وداً كان من حق مجاوري اجلامع‪ ،‬ونقش ذلك‬ ‫نصه‪:‬‬ ‫على حجر عند الباب الشمالي الغربي‪ّ ،‬‬ ‫«بس� � ��م الل� � ��ه الرحم� � ��ن الرحي� � ��م‪ ،‬رس� � ��م األمر‬ ‫الشريف السلطاني امللكي الظاهر أبوسعيد برقوق‬ ‫عز نص� � ��ره أن يكون موج� � ��ود من يُتوف� � ��ى إلى الله‬ ‫تعال� � ��ى من الفقراء املجاوري� � ��ن وأرباب وظايفه ولم‬ ‫يكن له وارث ش� � ��رعي يكون لصال� � ��ح جامع األزهر‬ ‫مبقتضى العالمة الش� � ��ريفة بتاريخ‪ ،‬سابع من ربيع‬ ‫األول سنة اثنني وتسعني وسبعماية»‪ .‬وقد كتب هذا‬ ‫النقش بخط الثلث بني خطوط متوازية وبارزة بروز‬ ‫األحرف نفسها‪.‬‬ ‫وكان ناظ� � ��ر اجلام� � ��ع األزهر يتولى اإلش� � ��راف‬ ‫على نظافته‪ ،‬وفرش� � ��ه والعناية مبن فيه‪ ،‬وكان عادة‬ ‫ما تس� � ��ند نظارة اجلامع األزهر إل� � ��ى أحد األمراء‬ ‫املمالي� � ��ك‪ ،‬فقد تواله� � ��ا األمير س� � ��ودون في عهد‬ ‫املؤيد ش� � ��يخ (‪824-815‬ه � � �ـ‪1421-1412/‬م) عام‬ ‫‪818‬هـ‪1415/‬م‪ ،‬واألمير طراباي احلاجب في عهد‬ ‫املظفر أحمد (‪824‬هـ‪1421/‬م)‪.‬‬

‫مآذن اجلامع األزهر‬

‫نبدأ مبئذنة قايتباي‪ ،‬التي تتميز بجمال تكوينها‬ ‫وزخارفها وكتاباتها‪ ،‬ويتوصل إليها من خالل مدخل‬ ‫بالرواق الشمالي الغربي على ميني الداخل من باب‬ ‫قايتباي‪ ،‬ويؤدي هذا الباب إلى س� � ��لم حلزوني يدور‬ ‫حل عمود ضخم بش� � ��كل حلزوني يصل إلى س� � ��طح‬ ‫اجلامع ومنه إلى املئذنة‪ ،‬وتتكون من قاعدة وثالث‬ ‫دورات‪.‬‬ ‫أما مئذنة الغوري‪ ،‬فتقع إلى اليس� � ��ار من مئذنة‬ ‫قايتب� � ��اي‪ ،‬وقد أمر بإنش� � ��ائها الس� � ��لطان قانصوه‬ ‫الغوري عام ‪920‬هـ‪1514/‬م‪ ،‬وقد أشرف على بنائها‬ ‫األمير املجيبي أيدمر أمير أخور‪ ،‬حيث يوجد اسمه‬ ‫في ختام األشرطة الكتابية في اجلهة الشمالية بعد‬ ‫ذكر أس� � ��ماء وألقاب السلطان الغوري‪ ،‬وهي مئذنة‬ ‫فريدة بني مآذن مصر‪ ،‬حيث إن بدنها العلوي يتكون‬ ‫من ستة عش� � ��ر ضلعاً‪ ،‬بينما أضالع بقية املآذن ال‬ ‫‪50‬‬

‫تتجاوز الثمانية‪ ،‬كما أن هذه املئذنة برأس� �ي��ن‪ ،‬ولم‬ ‫يس� � ��بقها إلى ذلك س� � ��وى مئذنة مدرسة السلطان‬ ‫حسن‪ ،‬التي س� � ��قطت عام ‪762‬هـ‪1361/‬م‪ ،‬ومئذنة‬ ‫مدرس� � ��ة أبي النصر جانبالط‪ ،‬التي أنش� � ��أها جتاه‬ ‫باب النصر حوالي ع� � ��ام ‪905‬هـ‪1500/‬م‪ ,‬واندثرت‬ ‫اآلن‪ ،‬ومئذنتي األمير قانباي الس� � ��يفي أمير أخور‬ ‫بالرميل� � ��ة ع� � ��ام ‪908‬ه � � �ـ‪1502/‬م‪ ،‬وبالناصرية عام‬ ‫‪911‬هـ‪1505/‬م‪.‬‬

‫عصر الدولة العثمانية‬

‫يذكر ابن إياس في حوادث عام ‪923‬هـ‪1517/‬م‬ ‫أن السلطان سليم العثماني (‪926-918‬هـ‪-1512/‬‬ ‫‪1520‬م)‪ ,‬بعد أن مت ل� � ��ه دخول مصر دخل اجلامع‬ ‫األزهر‪ ،‬وحرص خالل األشهر الثمانية التي قضاها‬ ‫ف� � ��ي مصر عل� � ��ى أداء صالة اجلمعة ف� � ��ي اجلامع‪،‬‬ ‫وكانت آخر جمعة قضاها في اجلامع األزهر جمعة‬ ‫الس� � ��ابع عشر من شهر ش� � ��عبان عام ‪923‬هـ‪ 4/‬من‬ ‫سبتمبر عام ‪1517‬م‪.‬‬ ‫وقد عن� � ��ي والة مصر ف� � ��ي العص� � ��ر العثماني‬ ‫جدده‬ ‫باجلام� � ��ع األزه� � ��ر وجتدي� � ��د عمارته‪ ،‬فق� � ��د ّ‬ ‫عام ‪1004‬هـ‪1595/‬م الش� � ��ريف محمد باش� � ��ا في‬ ‫عهد الس� � ��لطان العثماني محم� � ��د الثالث (‪-1003‬‬ ‫‪1012‬هـ‪1603-1595/‬م)‪ ،‬وع ّمر به الوزير حس� � ��ن‬ ‫باشا رواق احلنفية وفرش أرضيته بالبالط في عام‬ ‫‪1014‬هـ‪1605/‬م‪ ،3‬وجدد األمير إسماعيل بك ابن‬ ‫األمير إيواظ القاس� � ��مي في عام ‪1136‬هـ‪1723/‬م‬ ‫سقف اجلامع‪.‬‬ ‫كم� � ��ا أمر الس� � ��لطان أحم� � ��د الثال� � ��ث (‪-1114‬‬ ‫‪1142‬هـ‪1730-1703/‬م) بصرف خمس� �ي��ن كيس � � �اً‬ ‫من مال اخلزانة في مصر لترميم اجلامع األزهر‪.‬‬ ‫وفي ع� � ��ام ‪1148‬هـ‪1725/‬م‪ ،‬بنى األمير عثمان‬ ‫كتخدا القزدوغلي زاوية يصلي فيها العميان سميت‬ ‫بزاوي� � ��ة العميان (هدمت في م� � ��ا بعد)‪ ،‬وكان يربط‬ ‫بينه� � ��ا وبني املدرس� � ��ة اجلوهرية مم� � ��ر من احلجر‬ ‫ميشى عليه‪ ،‬وكانت حتتوي على أربعة أعمدة وقبلة‬ ‫وميضأة ومراحيض‪ ،‬وفوقها ثالث غرف للعميان ال‬ ‫يسكنها غيرهم‪ ،‬وجدد رواق األتراك ورحبته ورواق‬ ‫السليمانية (األفغانيني) وزاد في رواق الشوام‪.‬‬ ‫كما يذكر الدمرداش� � ��ي أن إبراهيم جاويش أغا‬ ‫العدد ‪ - 679‬يونيو ‪2015‬‬


‫معرض في كتاب‬ ‫في والية أحمد باش� � ��ا (‪1163 - 1162‬هـ‪- 1748 /‬‬ ‫‪1749‬م) ش� � ��رع في عمارة اجلامع األزهر وتوسعته‪،‬‬ ‫«واش� � ��ترى أماكن في حوض السلطان وحوانيت‪...‬‬ ‫ومراده كان أن يدخلها في اجلامع األزهر ليوسعه‪،‬‬ ‫وينق� � ��ل الطريق قرب مطبخ األزهر‪ ،‬فحصل له أمر‬ ‫أبقاه على خيرات وصدقة جارية»‪.‬‬

‫ملسات شيخ البنائني‬

‫تعتبر أعمال عبدالرحمن كتخدا‪ ،‬شيخ البنائني‬ ‫ف� � ��ي العصر العثماني‪ ،‬من أه� � ��م األعمال املعمارية‬ ‫الت� � ��ي جرت في اجلامع األزه� � ��ر عبر تاريخه‪ ،‬فقد‬ ‫علّق اجلبرتي على هذه اإلنشاءات قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫«ولو لم يكن له من املآثر إال ما أنش� � ��أه باجلامع‬ ‫األزه� � ��ر من الزيادة والعمارة التي تقصر عنها همم‬ ‫امللوك لكفاه ذلك»‪ .‬وقد زاد عبدالرحمن كتخدا من‬ ‫مساحة اجلامع خاصة ناحية ظلة القبلة‪ ،‬وأضاف‬ ‫ثالثة أب� � ��واب أحدها يعرف باس� � ��م ب� � ��اب املزينني‬ ‫والثان� � ��ي يعرف بب� � ��اب الصعاي� � ��دة‪ ،‬والثالث يعرف‬ ‫بباب الشوربة جتاه الشارع اخلارج إلى باب الغريب‬ ‫(البرقية)‪ ،‬باإلضافة إلى قبة ضريحية دفن بها عام‬ ‫‪1190‬هـ‪1776 /‬م‪ ،‬وسبيل يقابل القبة الضريحية‪،‬‬ ‫وثالث مآذن ذات قمة مدببة (خربوش) على النمط‬ ‫العثمان� � ��ي‪ :‬واحدة عند باب الش� � ��وربة خلف حائط‬ ‫القبلة اجلديدة‪ ،‬والثانية عند القبة الضريحية على‬ ‫ميني الداخل من باب الصعايدة‪ ،‬والثالثة كانت عند‬ ‫ب� � ��اب املزينني أزيلت عند التوس� � ��عة‪ ،‬وبن� � ��اء الرواق‬ ‫العباسي بواسطة جلنة حفظ اآلثار العربية‪ ،‬كذلك‬ ‫قام بترميم املدرسة الطيبرسية وأصلح ما فيها من‬ ‫األعمدة الرخامية واحملراب‪.‬‬

‫كتب على تلك املزولة بخط الثلث األبيات اآلتية‪:‬‬ ‫م�����������������زول�����������������ة م������ت������ق������ن������ة‬ ‫ن�������ظ�������ي�������ره�������ا ال ي������وج������د‬ ‫راس����������م����������ه����������ا ح�����اس�����ب�����ه�����ا‬ ‫ه����������ذا ال���������وزي���������ر األم�����ج�����د‬ ‫ت��������اري��������خ��������ه��������ا أت�����ق�����ن�����ه�����ا‬ ‫ه�������������ذا ال�����������وزي�����������ر أح�����م�����د‬ ‫والسطر األخير يؤرخ للمزولة بحساب اجلمل‪،‬‬ ‫وقد نصب� � ��ت تلك املزولة على يس� � ��ار الداخل فوق‬

‫مزاول املواقيت‬

‫املزول� � ��ة م� � ��ن األدوات الفلكية التي تس� � ��تخدم‬ ‫لتحدي� � ��د مواقيت الصالة ع� � ��ن طريق تعيني الوقت‬ ‫أثناء النهار برصد ارتفاع الشمس في األفق‪.‬‬ ‫كان يوجد في اجلامع سبع مزاول‪ ،‬أربع منها في‬ ‫الصحن ملعرفة وقت الظهر على ميني باب املزينني‪،‬‬ ‫وثالث ملعرفة وقت العصر‪ ،‬وال يوجد اآلن من هذه‬ ‫املزاول إال مزولة واحدة عملها بنفسه الوزير أحمد‬ ‫باش� � ��ا كور والي مصر عام ‪1163‬ه � � �ـ ‪1749‬م‪ ،‬وقد‬ ‫تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف‬

‫قد ينسب العقد املدائني إلى مدائن كسرى‪ ،‬وهو عبارة عن‬ ‫عقد ثالثي الفصوص عادة ما يكون فصه األعلى معقودا‬ ‫بعقد مدبب‪ ،‬والصورة لنموذج من هذا العقد املدائني‬ ‫مبجموعة األشرف برسباي حيث تشغل قصبة اجلانبني‬ ‫أرجل مروحية ‪ ،‬وتوجد بقرافة صحراء املماليك (‪1341‬م)‪.‬‬ ‫‪51‬‬


‫احلياة داخل اجلامع األزهر الشريف‪( ،‬تصوير آيفان بيليبني)‬

‫بخط الثلث‪ ،‬مرسوم امللك الظاهر برقوق بشأن إرث مجاوري‬ ‫األزهر‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم‪ .‬رسم األمر الشريف‬ ‫السلطاني امللكي الظاهر أبو سعيد برقوق عز نصره أن يكون‬ ‫موجود من يتوفى إلى الله تعالى من الفقراء املجاورين‬ ‫وأرباب وظايفه ولم يكن له وارث شرعي يكون ملصالح جامع‬ ‫األزهر مبقتضى العالمة الشريفة بتاريخ سابع ربيع أول سنة‬ ‫اثنتني وتسعني وسبعماية‬ ‫‪52‬‬

‫رواق معم� � ��ر‪ ،‬ويبلغ طول تلك املزولة متراً وعرضها‬ ‫‪ 80‬س� � ��م‪ ،‬وتنحرف نحو اجلنوب الغربي عن طريق‬ ‫إضافة ج� � ��زء من معجون اجلبس واحلجر اجليري‬ ‫للكتب‪ ،‬كما أنها محاطة بسياج خشبي من أطرافها‪،‬‬ ‫يحفظها ويقطعها رأس� � ��ياً خط الزوال بأعاله ثقب‬ ‫املؤشر‪ ،‬وقس� � ��مت خطوط الساعات ملا قبل الزوال‬ ‫إلى س� � ��بع س� � ��اعات كتب بينها درجات الس� � ��اعات‬ ‫بأرقام بارزة عن سطح الساعة‪.‬‬ ‫ويذكر ربيع حامد خليفة نق ً‬ ‫ال عن اجلبرتي أن‬ ‫والي مصر أحمد باش� � ��ا كان م� � ��ن أرباب الفضائل‬ ‫وله رغبة في العل� � ��وم الرياضية‪ ،‬وأنه ملا وصل إلى‬ ‫مص� � ��ر اس� � ��تقر بالقلعة وقابله ص� � ��دور العلماء في‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬خاصة الش� � ��يخ حسن اجلبرتي‪ ،‬الذي‬ ‫كان على دراية بعلم احلس� � ��اب‪ ،‬وساعد الباشا في‬ ‫حل كثير من املسائل‪ ،‬وأنعم عليه الوالي بفروة من‬ ‫ملبوسه السمور ثم اشتغل برسم املزاول واملنحرفات‬ ‫حتى أتقنها‪ ،‬ورسم على اسمه منحرفات عدة‪ ،‬على‬ ‫العدد ‪ - 679‬يونيو ‪2015‬‬


‫معرض في كتاب‬ ‫ألواح كبيرة من الرخ� � ��ام صناعة وحفراً باألزاميل‪،‬‬ ‫ونصب واحدة من هذه املزاول باجلامع األزهر‪.‬‬

‫عمارة اجلامع في العصر احلديث‬

‫في احلادي والعشرين من أكتوبر عام ‪1213‬هـ‪/‬‬ ‫‪1798‬م‪ ،‬اندلعت ث� � ��ورة القاهرة األولى ضد قوات‬ ‫االحتالل الفرنس� � ��ي‪ ،‬وقد اس� � ��تطاع الثوار في هذا‬ ‫الي� � ��وم قت� � ��ل اجلنرال ديب� � ��وري‪ ،‬واتخ� � ��ذ الثوار من‬ ‫اجلام� � ��ع األزهر مقراً لهم‪ ،‬ما دف� � ��ع حاكم القاهرة‬ ‫اجلنرال بون الذي خلف ديبوري إلى ضرب املدينة‬ ‫من على تالل الدراسة‪ ،‬فأطلقت أولى القنابل على‬ ‫املدين� � ��ة وبالتحديد على اجلام� � ��ع األزهر ظهر يوم‬ ‫‪ 22‬أكتوب� � ��ر عام ‪1213‬ه � � �ـ‪1798 /‬م‪ ،‬فانفجرت في‬ ‫اجلامع‪ ،‬ثم انهالت القناب� � ��ل على اجلامع واملنطقة‬ ‫احمليطة به حتى كاد يتداعى‪ ،‬وتغلبت قوة النار على‬ ‫قوة الثوار‪ ،‬فاقتحم الفرنسيون اجلامع األزهر‪.‬‬ ‫يصف اجلبرتي تلك اللحظات قائ ً‬ ‫ال‪« :‬ثم دخلوا‬ ‫إلى اجلامع وهم راكبون اخليل وبينهم املشاة وتفرقوا‬ ‫بصحنه ومقصورته‪ ،‬وربطوا خيولهم بقبلته‪ ،‬وعاثوا‬ ‫باألروقة واحلارات‪ ،‬وكس� � ��روا القناديل والسهارات‪،‬‬ ‫وهشموا خزائن الطلبة واملجاورين والكتبة‪ ،‬ونهبوا‬ ‫ما وجدوه م� � ��ن املتاع واألواني والقص� � ��اع والودائع‬ ‫واملخب� � ��آت باخلزانات‪ ،‬ودش� � ��توا الكتب واملصاحف‬ ‫وعلى األرض طرحوها وبأرجلهم ونعالهم داسوها‪،‬‬ ‫وكس� � ��روا أوانيه وألقوها بصحن� � ��ه ونواحيه وكل ما‬ ‫صادفوه به عروه (لتفتيشه)»‪.‬‬ ‫وعندم� � ��ا انتص� � ��ر نابليون بوناب� � ��رت في حملته‬ ‫على الش� � ��ام واس� � ��تولى على مدين� � ��ة العريش وغزة‬ ‫وخان يونس‪ ،‬طلب الفرنس� � ��يون من الشيخ عبدالله‬ ‫الش� � ��رقاوي رف� � ��ع األعالم الفرنس� � ��ية عل� � ��ى مآذن‬ ‫األزهر‪ ،‬فت� � ��م رفع علم� �ي��ن‪ ،‬أحدهما عل� � ��ى مئذنة‬ ‫األشرف الغوري‪.‬‬

‫أول رسم لتخطيط اجلامع األزهر‬ ‫في ع� � ��ام ‪1236‬ه � � �ـ‪1820 /‬م‪ ،‬وضع باس� � ��كال‬ ‫كوس� � ��ت أول رس� � ��م لتخطيط اجلامع األزهر‪ ،‬حيث‬ ‫اس� � ��تطاع التحايل على ش� � ��يخ اجلامع وألقى نظرة‬ ‫عامة عليه من الداخل‪ ،‬ورس� � ��م بع� � ��ض التفاصيل‪،‬‬ ‫خاصة تفاصيل باب املزينني‪.‬‬ ‫تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف‬

‫وقد علَّق باس� � ��كال كوس� � ��ت على هذا الرس� � ��م‬ ‫قائ ً‬ ‫ال‪« :‬بإلقاء النظر على املس� � ��قط األفقي للجامع‬ ‫األزهر‪ ،‬نالحظ أنه يتكون من صحن كبير مكشوف‬ ‫سماوي‪ ،‬محاط بأروقة أربعة تشبه بذلك تخطيط‬ ‫جامع عمرو ب� � ��ن العاص‪ ،‬وهو تخطيط املس� � ��اجد‬ ‫األولى‪ ،‬وتتكون ظلة القبلة من تسعة صفوف موازية‬ ‫حلائط احملراب بينها مجاز ينتهي بقبة‪ ،‬ونرى مائتي‬ ‫مصباح معلقة لإلضاءة‪ ،‬وهذا الصرح الكبير يوجد‬ ‫فيه ‪ 380‬عموداً م� � ��ن الرخام بعضها من اجلرانيت‬ ‫له� � ��ا قواعد وتيجان رومانية‪ ،‬وقد أضيفت كما نرى‬ ‫بخطوط الرسم مدارس على اجلامع لتدريس علوم‬ ‫القرآن الكرمي ومصادره»‪.‬‬ ‫وف� � ��ي أواخ� � ��ر عهد محم� � ��د علي باش� � ��ا في عام‬ ‫‪1258‬هـ‪1842 /‬م‪ ،‬زارت مصر السيدة صوفيا لني بول‬ ‫أخت املستشرق إدوارد لني بول‪ ،‬وسجلت مشاهداتها‬ ‫في مصر‪ ،‬ومنها مش� � ��اهدتها اجلام� � ��ع األزهر الذي‬ ‫زارته‪ ،‬ودونت ما رأته قائلة‪« :‬تقع البوابة الرئيسة في‬ ‫وسط واجهة املسجد ‪ -‬وهي أقرب املداخل من شارع‬ ‫املدين� � ��ة الرئيس ‪ -‬داخل هذه البوابة مباش� � ��رة وعلى‬ ‫جانبيها يوجد مس� � ��جدان صغيران منر بينهما لنجد‬ ‫أنفسنا في الس� � ��احة الكبيرة لألزهر‪ ،‬وهي مرصوفة‬ ‫باألحج� � ��ار وحتيط بها أروقة ذات أعمدة‪ ،‬يقع الرواق‬ ‫الرئي� � ��س في مواجه� � ��ة املدخل‪ ،‬واألروق� � ��ة التي على‬ ‫اجلوانب الثالثة األخرى مقسمة إلى عدد من األروقة‬ ‫أو احلجرات‪ ،‬يسكن فيها عدد من الطلبة يؤمون هذه‬ ‫اجلامعة الشهيرة من أقصى البالد في إفريقيا وآسيا‬ ‫وأورب� � ��ا‪ ،‬وكذلك من أقاليم مص� � ��ر املختلفة‪ ،‬ومبا أن‬ ‫هؤالء األش� � ��خاص عادة في حالة من العوز واحلاجة‪،‬‬ ‫ف� � ��إن اجلامع يخصص م� � ��االً إلعالتهم‪ ،‬فيصرف لكل‬ ‫فرد كمية من اخلبز واحلس� � ��اء كل ظهر ومساء‪ ،‬كما‬ ‫يعول أيضاً كثي� � ��راً من الفقراء املكفوفني‪ .‬تأثرنا جداً‬ ‫لرؤية بعض هؤالء وقد أحنى الزمن ظهورهم يسيرون‬ ‫الهوين� � ��ى بني األعمدة‪ ،‬يعرف� � ��ون بالتعود كل منعطف‬ ‫وكل ممر ويبدون مثل مشايخ القبائل القدامى وسط‬ ‫اجلمع احلافل‪ ،‬وتُفصل األروقة عن الس� � ��احة وأيضاً‬ ‫عن بعضها بحواجز خش� � ��بية تقام بني األعمدة‪ ،‬وهي‬ ‫صغيرة جداً في اجلانب الذي به البوابة الرئيسة‪ ،‬إذ‬ ‫ال يوجد هناك س� � ��وى صف واح� � ��د من األعمدة‪ ،‬كما‬ ‫يوجد بعض منها في الطابق العلوي أيضاً‪ ،‬ويخصص‬ ‫‪53‬‬


‫‪54‬‬

‫مدخل األشرف قايتباي‬

‫العدد ‪ - 679‬يونيو ‪2015‬‬


‫معرض في كتاب‬ ‫كل رواق ألبناء بلد معني أو مقاطعة معينة في مصر‪،‬‬ ‫حيث إن الطلبة املصري� �ي��ن أكثر عدداً بطبيعة احلال‬ ‫من أبناء الدول األخرى»‪.‬وتستمر الزائرة في وصفها‪،‬‬ ‫قائلة‪« :‬جتولنا في هذه األروقة‪ ،‬وبعد أن مررنا بأبناء‬ ‫مقاطعات مصر املختلفة‪ ،‬وجدنا أنفسنا بني قوم من‬ ‫أهل مكة واملدينة‪ ،‬وبعدهم سوريون ثم بعد دقيقة كنا‬ ‫وس� � ��ط مسلمني من وس� � ��ط إفريقيا يليهم مغاربة من‬ ‫مواطني شمال إفريقيا في غرب مصر‪ ،‬ثم أتراك من‬ ‫أهل أوربا وآس� � ��يا‪ ،‬تركناهم لنقابل إيرانيني ومسلمني‬ ‫م� � ��ن الهند‪ ،‬خُ ِّيل لنا أننا كنا ننتقل بني البالد املختلفة‬ ‫ل� � ��كل منهم‪ ،‬ل� � ��م يعجبني في القاهرة أي ش� � ��يء أكثر‬ ‫من داخل األزه� � ��ر‪ ،‬وحينما أفكر ف� � ��ي كثرة احلوائل‬ ‫اجلس� � ��يمة التي تقابل الشخص املس� � ��يحي وبالذات‬ ‫السيدة املسيحية لدخول هذا املسجد الشهير‪ ،‬أشعر‬ ‫بالفخر ألنني متتعت مبيزة التجول املتمهل بني أروقته‬ ‫املديدة ومالحظة طلبته م� � ��ن مختلف األجناس وهم‬ ‫يتلقون الدرس على أيدي أساتذتهم»‪.‬‬

‫أروقة اجلامع األزهر‬

‫ال� � ��رواق هو املكان املخصص كمقر س� � ��كني للطلبة‪،‬‬ ‫وهو عبارة عن غرف متصلة بأسوار اجلامع األزهر على‬ ‫طول هذه األس� � ��وار‪ ،‬وكان الرواق يفرش مبا يلزم له من‬ ‫الفرش وتلحق به أماكن للغسل وأخرى للوضوء ومطابخ‬ ‫إلعداد الطع� � ��ام‪ ،‬وكانت تقام بال� � ��رواق األذكار ويحتدم‬ ‫اجل� � ��دل والنقاش‪ ،‬وكانت لكل طائفة جرايات ومرتبات‪،‬‬ ‫ولكل طائفة نقيب وش� � ��يخ يحكمهم ويدافع عنهم‪ ،‬وكان‬ ‫لكل طائفة أوقاف وعق� � ��ارات يصرف عليهم من ريعها‪،‬‬ ‫وكان أول م� � ��ن جعل رواقاً لطالب األزهر يس� � ��كنون فيه‬ ‫ه� � ��و اإلمام العزيز بالله الفاطمي‪ .‬أروقة اجلامع األزهر‬ ‫الش� � ��ريف واحد وعش� � ��رون روا ًقا حتمل هذه األسماء‪:‬‬ ‫الش� � ��رقاوية‪ ،‬الهنود‪ ،‬األكراد‪ ،‬اليمنية‪ ،‬األتراك‪ ،‬املغاربة‪،‬‬ ‫السليمانية‪ ،‬الشوام‪ ،‬أهل دارفور‪ ،‬احلرمني‪ ،‬أهل بلبيس‬ ‫والدلت� � ��ا‪ ،‬الش� � ��نوانية‪ ،‬الفيومية‪ ،‬البح� � ��اروة‪ ،‬الصعايدة‪،‬‬ ‫الدكارنة الغورية‪ ،‬اجلاوة‪ ،‬السنارية‪ ،‬اجلبرتية‪ ،‬احلنفية‪،‬‬ ‫وأخيرا رواق العباسي‪.‬‬

‫الصالة في اجلامع األزهر‬

‫وق� � ��د وثق الكتاب املرج� � ��ع‪ ،‬في جزأين (‪786‬‬ ‫صفحة) وصور احلياة في اجلامع األزهر‪ ،‬وأولى‬ ‫تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف‬

‫‪55‬‬


‫املدرسة الطبيرسية من الداخل‬ ‫‪56‬‬

‫العدد ‪ - 679‬يونيو ‪2015‬‬


‫استطالع‬

‫تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف‬

‫‪57‬‬


‫قام السلطان الظاهر بيبرس البندقداري (‪ 1260‬ـ ‪1277‬م)‪ ،‬عصر الدولة اململوكية البحرية‪ ،‬بإعادة صالة اجلمعة إلى األزهر الشريف‬ ‫في الثامن عشر من ربيع األول ‪ 665‬هجرية‪ ،‬املوافق للسابع عشر من ديسمبر ‪1267‬م‪ ،‬والرسم ملدخل قصر السلطان‪ ،‬من بيسيه دافني‪.‬‬ ‫‪58‬‬

‫العدد ‪ - 679‬يونيو ‪2015‬‬


‫معرض في كتاب‬ ‫هذه التوثيقات الصالة في اجلامع األزهر‪.‬‬ ‫كان األئمة الفاطمي� � ��ون حني يصلون بالناس‬ ‫في اجلامع األزهر الشريف تترجل العساكر كلها‬ ‫وتقف بالرحب� � ��ة التي أمام اجلام� � ��ع جتاه الباب‬ ‫البح� � ��ري (الباب الش� � ��مالي الغربي) حتى يدخل‬ ‫اإلمام إلى اجلامع‪.‬‬ ‫وق� � ��د كانت أول صالة يش� � ��هدها أحد األئمة‬ ‫الفاطميني باألزهر ص� �ل��اة عيد الفطر في غرة‬ ‫ش� � ��وال عام ‪362‬هـ‪972 /‬م‪ ،‬شهدها اإلمام املعز‬ ‫لدي� � ��ن الل� � ��ه الفاطمي بعد وصوله إل� � ��ى القاهرة‬ ‫بثالثة أسابيع‪.‬‬ ‫الرحالة الذي� � ��ن وثقوا هذه‬ ‫وم� � ��ن املؤرخ� �ي��ن‬ ‫َّ‬ ‫الصور أوليا جلبي بن درويش محمد ظلي (ينطق‬ ‫أوليا ش� � ��لبي)‪ ،‬الذي ولد في اس� � ��طنبول قبل أن‬ ‫يج� � ��ول أنحاء االمبراطورية العثمانية‪ ،‬وقد عاش‬ ‫م� � ��ن ‪ 1611‬أو ‪ 1616‬م‪ ،‬حت� � ��ى ‪ 1640‬م‪ .‬وص� � ��ف‬ ‫أولي� � ��ا جلبي الصالة في اجلام� � ��ع األزهر قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬ ‫لي� � ��س في مصر جامع له ما لألزهر من جماعة‪،‬‬ ‫فه� � ��و مزدحم بالن� � ��اس لي ً‬ ‫ال ونه� � ��اراً‪ ،‬ال جتد فيه‬ ‫موضعاً للسجدة‪.‬‬ ‫وم� � ��ن االحتف� � ��االت الت� � ��ي انتظم� � ��ت ف� � ��ي‬ ‫األزه� � ��ر االحتف� � ��ال باملول� � ��د النب� � ��وي في عصر‬ ‫الدول� � ��ة الفاطمية‪ ،‬حيث أصب� � ��ح املركز الرئيس‬ ‫لالحتفال‪.‬‬ ‫وتبدأ مراس� � ��م االحتفال في ي� � ��وم الثاني من‬ ‫ربي� � ��ع األول بركوب القاضي بع� � ��د العصر‪ ،‬ومعه‬ ‫الش� � ��هود‪ ،‬إل� � ��ى اجلام� � ��ع‪ ،‬ومعهم أرب� � ��اب تفرقة‬ ‫صواني احللوى التي أعدت بالقصر لتفرق على‬ ‫أرباب الرس� � ��وم‪ ،‬كقاضي القضاة وداعي الدعاة‬ ‫وقراء احلضرة واخلطباء وغيرهم‪ ،‬فيجلس� � ��ون‬ ‫ف� � ��ي اجلامع مقدار اخلتم� � ��ة الكرمية ثم يعودون‬ ‫في موكبهم إلى القصر‪ ،‬وينتظرون حتت املنظرة‬ ‫التي يجلس فيها اخلليفة‪ ،‬ثم تفتح إحدى طاقات‬ ‫املنظ� � ��رة ويب� � ��دو منها وجه اإلم� � ��ام الفاطمي‪ ،‬ثم‬ ‫يخرج واحد من األس� � ��تاذين احملنكني يده ويشير‬ ‫بكمه بأن اخلليفة يرد عليه السالم‪ ،‬ويقرأ القراء‬ ‫ويخط� � ��ب اخلطب� � ��اء بترتيب معلوم‪ ،‬ف� � ��إذا انتهى‬ ‫احلفل أخرج األستاذ يده مشيراً برد السالم كما‬ ‫تقدم‪ ،‬ثم تغلق الطاقتان وينصرف الناس‪.‬‬ ‫تاريخ وعمارة اجلامع األزهر الشريف‬

‫وفي ش� � ��هر رمضان املبارك نتذكر االحتفال‬ ‫بهذا الشهر الكرمي في اجلامع‪ ،‬حيث جرت عادة‬ ‫األئمة الفاطميني على اخلروج في مواكب كبيرة‬ ‫عل� � ��ى غرار موك� � ��ب العام وغرة رمض� � ��ان‪ ،‬وذلك‬ ‫لصالة ا ُ‬ ‫جلمع الثالث األخيرة من شهر رمضان‪.‬‬ ‫فبعد االحتفال بأول رمضان ال يخرج اإلمام‬ ‫للصالة في اجلمعة األولى‪ ،‬وكانوا يطلقون عليها‬ ‫جمعة الراحة‪ ،‬وفي اجلمعة الثانية يركب اإلمام‬ ‫إلى جامع احلاكم بأمر الله‪ ،‬وفي اجلمعة الرابعة‬ ‫يركب اإلمام إلى جامع عمرو بن العاص‪.‬‬ ‫أما اجلمعة الثالثة‪ ،‬فيركب اإلمام إلى اجلامع‬ ‫األزهر الش� � ��ريف‪ ،‬حيث يخرج اإلمام في موكب‬ ‫كبير مرتدياً مالب� � ��س بيضاء غير مذهبة توقيراً‬ ‫للصالة‪ ،‬وهي عبارة عن «بدلة موكبية من احلرير‬ ‫مكملة منديلها‪ ،‬وطيلسانها بياض»‪ ،‬وحول موكبه‬ ‫ق� � ��راء احلضرة يرتلون الق� � ��رآن الكرمي‪ ،‬واجلنود‬ ‫يحملون الرماح التي في نهاياتها أهلة من ذهب‪،‬‬ ‫ويحمل مقدمو الركاب عن ميني اخلليفة ويساره‬ ‫أكياس � � �اً حتوي أموال الصدقة الت� � ��ي توزع أثناء‬ ‫س� � ��ير املوكب‪ ،‬وقد زينت الطرق� � ��ات واحلوانيت‬ ‫باألعالم والزينات املختلفة احتفاالً مبرور اإلمام‬ ‫حت� � ��ى يصل املوكب إلى اجلام� � ��ع‪ ،‬الذي كان يعد‬ ‫في تلك املناس� � ��بة بالف� � ��رش النفيس‪ ،‬وتعلق على‬ ‫احملراب الستر احلريرية املكتوب عليها البسملة‬ ‫وفاحت� � ��ة الكتاب واآليات التي س� � ��يقرأها اإلمام‬ ‫أثناء إمامت� � ��ه للصالة‪ ،‬وقد عبق احملراب بروائح‬ ‫البخور الذكية‪.‬‬ ‫وبع� � ��د دخول اإلمام إلى اجلام� � ��ع يتوجه إلى‬ ‫املنبر وحوله األساتذة والوزير وراءه وفي حراسته‬ ‫األمراء من صبيان اخلاص وبأيديهم األس� � ��لحة‪،‬‬ ‫فإذا جلس على املنبر أش� � ��ار إلى الوزير بالصعود‬ ‫فيصعد ويقبل يديه ورجليه بحيث يراه الناس ثم‬ ‫تغلق عليه الستائر‪ ،‬وذلك ألن اإلمام يلقي اخلطبة‬ ‫من كتاب مسطور يخرج له من ديوان اإلنشاء‪ ،‬ثم‬ ‫جترى طقوس الصالة وفقاً لرسوم محددة‪ ،‬وبعد‬ ‫الصالة يجلس اإلمام لتوزيع الصدقات والهبات‬ ‫بهذه املناسبة‪ ،‬ثم يتحرك املوكب من اجلامع إلى‬ ‫القصر في كام� � ��ل هيئته بني صيحات اجلماهير‬ ‫ودقات الطبول وعزف األبواق >‬ ‫‪59‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.