The Art Silk Road of Burj Al-Burollos

Page 1

‫استطـــالع‬

‫برج البُرُلُّس‬ ‫طريق الحرير التشكيلي‬ ‫بقلم‪ :‬أشرف أبواليزيد‬

‫مفردات األسماك واألطفال‪ ،‬احلياة والبهجة‪ ،‬تتحرك على‬ ‫جدارية برج البرلس للفنان عادل مصطفى‬

‫‪36‬‬

‫العدد ‪ - 686‬يناير ‪2016‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫قد يكون الرسم على الجدران هو الج ُّد األول للفنون جميعها‪ ،‬وقد ولد هذا‬ ‫الفن الباكر حين سجلت خربشات صيادي الفرائس سيرة القنص‪ ،‬وعندما‬ ‫رسم قاطنو البراري سيرة حياتهم حول النار‪ ،‬وكذلك حين صوروا أنفسهم‬ ‫برموز بصرية كاشفة ليومياتهم‪ ،‬إثر عودتهم إلى كهوفهم بعد رحلة‬ ‫النهار الدرامية‪ .‬لذلك تبدو عالقة اإلنسان بالجداريات حميمة‪ ،‬وهي العالقة‬ ‫ْ‬ ‫البكر‪ ،‬التي نمت مع نضج الحضارات ذاتها‪.‬‬ ‫المتجذرة منذ تلك الخطوط‬ ‫سيعرف المؤرخون‪ ،‬ون ُ َّ‬ ‫قاد الفن‪ ،‬والتشكيليون‪ ،‬الجدران بوصفها معارض‬ ‫أبدية‪ ،‬سواء كانت في قلب مغارات جبال الصين‪ ،‬يتقرب بها الرهبان إلى‬ ‫آلهتهم‪ ،‬أو على حوائط مقابر الفراعنة‪ ،‬يد ِّونون بها سير الراحلين تنتظرهم‬ ‫حين يُبعثون‪ ،‬أو فوق الشواهد المعمارية الكثيرة التي عرفتها حضارات‬ ‫القارات جميعها‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫خريطة من ‪ 3‬أقسام‪ ،‬األول حملافظة كفر الشيخ وموقعي مدينة برج البرلس وبحيرة البرلس على شاطئ البحر املتوسط‪،‬‬ ‫والثاني ملوقع احملافظة شمال مصر (على بعد ‪ 200‬كلم من القاهرة)‪ ،‬والثالث ملوقع مصر في إفريقيا‪.‬‬

‫وإذا كانت جتربة الرسم املعاصر على اجلدران‬ ‫لم تعد أس� � ��يرة للتاريخ‪ ،‬فق� � ��د عادت للظهور على‬ ‫أكث� � ��ر من نحو؛ حني رس� � ��م الفنان الش� � ��عبي آيات‬ ‫الترحيب اللوني بالعائدين من احلج إلى بيت الله‬ ‫على واجهات البيوت‪ ،‬وكما برع فنانو اجلرافيتي‪،‬‬ ‫املجهولون واملعروفون‪ ،‬في صبغ اجلدران باألفكار‬ ‫الثائرة‪ ،‬إال أننا هنا نتحدث عن وجه ثالث للرسم‬ ‫على اجل� � ��دران‪ ،‬ميثل رحلة فني� � ��ة بصرية جديدة‬ ‫على طريق احلرير التشكيلي‪.‬‬ ‫ستذ ِّكرنا هذه الرحلة اجلديدة بتجربة مماثلة‬ ‫قامت به� � ��ا مدينة أصيل� � ��ة املغربية على س� � ��احل‬ ‫احمليط األطلس� � ��ي عل� � ��ى مدى عق� � ��ود‪ ،‬حني كان‬ ‫يأتيها في كل موس� � ��م ثقافي س� � ��نوي فنانو العرب‬ ‫والعالم يضع� � ��ون بصماتهم على جدرانها البيض‪،‬‬ ‫لكن جتربة الفنان عبدالوهاب عبداحملس� � ��ن‪ ،‬في‬ ‫مدينة ب� � ��رج البرلس‪ ،‬احملاطة بالبحر املتوس� � ��ط‬ ‫وبحيرة البرلس‪ ،‬كانت أكثر صعوبة‪ ،‬ألنها تؤسس‬ ‫محاولة اس� � ��تثنائية في محي� � ��ط صعب‪ ،‬وفي زمن‬ ‫غزا فيه القب ُح احلياة والسلوك‪ ،‬لذا كانت النتيجة‬ ‫‪38‬‬

‫باهرة‪ ،‬ألنه استطاع في موسمني أن يكون «ملتقى‬ ‫البرلس للرسم على احلوائط واملراكب»‪ ...‬فعالية‬ ‫ثقافي� � ��ة تتواصل م� � ��ع محيطه� � ��ا املجتمعي وتعبر‬ ‫حدودها اجلغرافية‪ ،‬وتُعلي من قيمة الفن‪.‬‬ ‫أتابع مس� � ��يرة الفن� � ��ان املص� � ��ري عبدالوهاب‬ ‫عبداحملس� � ��ن منذ سنوات‪ ،‬معجباً بتلك اخلطوات‬ ‫الوثاب� � ��ة والرؤية العميقة التي ميزته منذ عش� � ��ق‬ ‫الفن ودرسه‪ ،‬إلى أن أصبح أستاذاً أكادميياً له في‬ ‫مصر وخارجها‪ ،‬فض ً‬ ‫ال ع� � ��ن دوره التنويري الذي‬ ‫ينبع من مواطنته الصاحلة‪ ،‬العاش� � ��قة لكل ما هو‬ ‫مصري‪ ،‬وترى ذلك جلياً في معارضه التش� � ��كيلية‬ ‫النوعي� � ��ة املرتبطة بتراب وطن� � ��ه‪ ،‬وفي مداخالته‬ ‫الواعي� � ��ة النقدية‪ ،‬وأخيراً في إنش� � ��اء «مؤسس� � ��ة‬ ‫الفنان عبدالوهاب عبداحملس� � ��ن للثقافة والفنون‬ ‫والتنمية»‪.‬‬ ‫تبدى حب الفنان لبحي� � ��رة البُ ُر ّلُس‪ ،‬التي تقع‬ ‫في محافظة كفر الش� � ��يخ‪ ،‬مس� � ��قط رأسه‪ ،‬شمال‬ ‫القاه� � ��رة‪ ،‬وجتلى هذا احلب ف� � ��ي املعارض التي‬ ‫تناولت س� � ��طح البحيرة الذي ال ميل من رس� � ��مه‪،‬‬ ‫العدد ‪ - 686‬يناير ‪2016‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫من دون تك� � ��رار‪ ،‬بل في فرادة تام� � ��ة‪ ،‬تعي أدوات‬ ‫الفنان‪ ،‬وت� � ��درك جتدد مياه البحي� � ��رة ووجوهها‪.‬‬ ‫لك� � ��ن البحيرة لم تعد مياهاً وحس� � ��ب‪ ،‬وال محيطاً‬ ‫جغرافياً فقط‪ ،‬بل أصبحت كرة أرضية‪ ،‬أو كوكباً‬ ‫يعيد عبداحملسن تعريفه لنا‪ ،‬بتفاصيل سطوحه‪،‬‬ ‫وس� � ��اكني أعماق� � ��ه‪ ،‬وناس� � ��ه‪ ،‬مفتون � � �اً بعنصري‬ ‫التكوي� � ��ن‪ ...‬املاء والتراب‪ ،‬يضيف إليهما نار الفن‬ ‫التي يوقدها بخامات شافة لكنها دالة‪ ،‬وساخنة‪،‬‬ ‫وحية مثل البشر الذين يعشقهم‪ .‬والبشر حاضرون‬ ‫في لوحاته‪ ،‬حتى إن غابوا جسدياً‪ ،‬يكفي أن تتمعن‬ ‫في األس� � ��ماك والطيور‪ ،‬لندرك أنها صور معادلة‬ ‫للحضور البش� � ��ري‪ .‬إن تلك الكائن� � ��ات لو غابت‪،‬‬ ‫فإن س� � ��طح امل� � ��اء يذكرنا مبداعباتن� � ��ا لوجه مياه‬ ‫النهر والبحر والترعة والبحيرة‪ ،‬فهذه املداعبات‬ ‫بالفقاقيع املتدفقة من الغيب والدوائر املتراقصة‬ ‫إلى ما ال نهاية‪ ،‬كلها تستحضر البشري الغائب‪.‬‬ ‫على س� � ��احل البحر املتوس� � ��ط‪ ،‬ف� � ��ي منطقة‬ ‫تبعد مائتي كيلومتر ش� � ��مالي القاهرة تقع بحيرة‬ ‫البرلس‪ .‬ومتثل هذه البحيرة مس� � ��احة حياة تتسع‬ ‫برج ال ُب ُر ُلّس طريق احلرير التشكيلي‬

‫بتفاصيلها للتأم� � ��ل واإلبداع‪ ،‬ألهله� � ��ا والقادمني‬ ‫إليه� � ��ا‪ .‬لك� � ��ن التجريف – مثله كأي فس� � ��اد يهدد‬ ‫التصحر‬ ‫الكائن� � ��ات والبش� � ��ر – يزحف بقبض� � ��ة‬ ‫ُّ‬ ‫عليه� � ��ا‪ ،‬مقلصاً من مس� � ��احتها يوماً بعد يوم‪ ،‬مما‬ ‫يضع مصيرها‪ ،‬ومصير بحي� � ��رات عربية أخرى‪،‬‬ ‫عل� � ��ى احملك‪ .‬وهنا يح� � ��اول الف� � ��ن املقاومة‪ ،‬وقد‬ ‫س� � ��اهم الفنان عبدالوهاب عبداحملس� � ��ن نفس� � ��ه‬ ‫في تقدمي ش� � ��هادات جرافيكية ومصورة للبحيرة؛‬ ‫املع� � ��ادل املوضوع� � ��ي للجمال واحلياة تس� � ��تصرخ‬ ‫املتلقي إلنقاذه� � ��ا‪ .‬كان يقف أمامها كصوفي تائه‬ ‫يبحث ع� � ��ن مركز كونه‪ ،‬وهو هن� � ��ا البحيرة‪ ،‬التي‬ ‫متثل متكأ الفنان لنقل إحساس� � ��ه باملاء ‪ /‬احلياة‪،‬‬ ‫وألعاب األش� � ��عة فوق وجهه‪ ،‬وحال� � ��ة اجلو املمثلة‬ ‫حلالته النفسية‪ ،‬باعتبار املاء مرآته املفصحة عن‬ ‫ذاته‪ ،‬والذي ينقلها عبر اإليقاعات الضوئية‪ .‬لذلك‬ ‫كانت البحيرة في قلب حدث ملتقى البرلس‪ ،‬وكان‬ ‫قدوم الفنانني والفنانات إلى شواطئها وكأنه وع ٌد‬ ‫لوثاق ال ينفصم مع احلفاظ عليها‪.‬‬ ‫جتاوز دور الفنان إط� � ��ار اللوحة إلى مجتمعه‪،‬‬ ‫‪39‬‬


‫كأن الطيور تنشر سالمها للمارين بالبيت واملقيمني فيه‪ ،‬بأجنحتها‬ ‫البيضاء‪ ،‬وبني سماء مجنّحة‪ ،‬وبحر من األسماك امللونة جلس هذا‬ ‫األب مع طفليه‪ ،‬جزءا من املشهد‪ ،‬بأفكار مشرعة كما النوافذ‬

‫‪40‬‬

‫العدد ‪ - 686‬يناير ‪2016‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫برج ال ُب ُر ُلّس طريق احلرير التشكيلي‬

‫‪41‬‬


‫الفنانة د‪ .‬عقيلة رياض تغازل مركبها بالريشة والروح مع ًا‬

‫لتتح� � ��ول البرلس في أولى فعاليات مؤسس� � ��ته إلى‬ ‫مرسم مفتوح بفضل ملتقى اجلداريات األول الذي‬ ‫أقيم ع� � ��ام ‪ 2014‬في مدينة برج البرلس وش� � ��ارك‬ ‫فيه خمس� � ��ة عشر فناناً وفنانة تش� � ��كيلية‪ ،‬واختير‬ ‫املوعد متزامن � � �اً مع العيد القوم� � ��ي حملافظة كفر‬ ‫الشيخ‪ ،‬وشارك الفنانون أطفال مدينة البرلس فى‬ ‫الورشات الفنية ملدة أس� � ��بوعني‪ ،‬ووفرت محافظة‬ ‫كفر الشيخ اإلمكانات املادية إلجناح امللتقى وتهيئة‬ ‫املناخ املناس� � ��ب لتفاعل أهال� � ��ي وأطفال املدينة مع‬ ‫الفنانني املش� � ��اركني من جنوم احلركة التش� � ��كيلية‬ ‫في مصر والعالم‪ .‬وهو يحتفل بختام ناجح للدورة‬ ‫الثاني� � ��ة‪ ،‬يبدأ الفن� � ��ان عبدالوهاب عبداحملس� � ��ن‬ ‫بالتفكير ف� � ��ي الدورة املقبل� � ��ة‪ ،‬وضيوفها من مدن‬ ‫البح� � ��ر املتوس� � ��ط‪ ،‬لبل� � ��دان لم تش� � ��ارك بعد‪ ،‬مثل‬ ‫اجلزائر وإيطاليا وقب� � ��رص‪ ،‬على أن تظل املراكب‬ ‫املوضوع الرئيس‪ ،‬ورمبا يفكر في مناذج أصغر من‬ ‫احلالية‪ ،‬تباع في نهاية امللتقى كهدايا تذكارية‪.‬‬

‫برج البرلس‪ ...‬جغرافيا صغيرة‪ ...‬تاريخ كبير‬

‫قبل أن تصبح مدينة‪ ،‬كانت برج البرلس قرية‬ ‫صغيرة‪ ،‬ذاع اس� � ��مها بعد معركة بحرية ش� � ��هدها‬ ‫‪42‬‬

‫ش� � ��اطئ‪ ‬بحيرة البرلس‪ ،‬صباح‪ 4 ‬نوفمبر‪،1956 ‬‬ ‫بدأت مبهاجمة بوارج تقودها البارجة الفرنس� � ��ية‬ ‫جان بارت؛ أول س� � ��فينة مزودة برادار في العالم‪،‬‬ ‫ومدمرة بريطاني� � ��ة مدعومة بالطائرات احلربية‪،‬‬ ‫الشواطئ املصرية‪ .‬قاد الضابط جالل الدسوقي‬ ‫املعرك� � ��ة من اجلانب املصري‪ ،‬واس� � ��تطاعت ثالثة‬ ‫زوارق طوربي� � ��د مصري� � ��ة إط� �ل��اق س� � ��تار دخان‬ ‫لتقترب بس� � ��رعة وبحركات مفاجئة من الوحدات‬ ‫املهاجم� � ��ة وأطلق� � ��ت قذائفها في اجت� � ��اه البوارج‬ ‫الفرنس� � ��ية والبريطانية املهاجمة‪ ،‬ورغم اشتراك‬ ‫الطائرات احلربية في مهاجمة ضد الزوارق‪ ،‬فإن‬ ‫معركة البرل� � ��س انتهت في دقائق و ُدمرت املدمرة‬ ‫البريطانية والبارجة الفرنس� � ��ية‪ ،‬ودافع املصريون‬ ‫من دون غطاء جوي حتى آخر طوربيد‪.‬‬ ‫وحني ق� � ��اد الضابط مختار اجلن� � ��دي زورقه‬ ‫األخير بعد استش� � ��هاد أغلب زمالئ� � ��ه‪ ،‬طلب من‬ ‫رفاقه القفز إلى البح� � ��ر ثم اخترق مدمرة أخرى‬ ‫بس� � ��رعة هائلة فأصيب� � ��ت إصابة بالغ� � ��ة‪ ،‬وحكى‬ ‫الناجون عن ملحمة كبيرة لقرية صغيرة‪ ،‬وسجلت‬ ‫البحرية املصرية انتصاراً مذه ً‬ ‫ال ضد األسطولني؛‬ ‫الفرنس� � ��ي والبريطاني‪ .‬وأصب� � ��ح ‪ 4‬نوفمبر عيداً‬ ‫العدد ‪ - 686‬يناير ‪2016‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫الشغف بالتفاصيل الدقيقة واأللوان الصريحة واحلس األنثوي لألسطورة الهندية عنوان العملني؛ اجلداري والفلوكة‬ ‫اللذين قدمتهما الفنانة الهندية بونام شاندريكا تياجي‬ ‫برج ال ُب ُر ُلّس طريق احلرير التشكيلي‬

‫‪43‬‬


‫جدارية الفنانة سالي الزيني ذات البعد احلركي املالئم لروح املكان بأشكالها املرسومة مائلة‬ ‫وغير املوازية خلطوط البيوت‪ ،‬وكأن بيتها امللون ميشي في حكاية خيالية ساحرة نقلت احلس‬ ‫األنثوي بالوشي الذي تبثه في لوحاتها‪ ،‬متعددة اخلامات‪ ،‬وهي التي ترسم بقلب الطفل‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫العدد ‪ - 686‬يناير ‪2016‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫برج ال ُب ُر ُلّس طريق احلرير التشكيلي‬

‫‪45‬‬


‫شارك فنانون من ‪ 8‬دول في امللتقى‪ ،‬من بينهم التشكيلي اإليراني ناصر بالجني (أعاله) والفنان السوداني معتز علمان‬ ‫(الصورة أدناه)‬

‫‪46‬‬

‫العدد ‪ - 686‬يناير ‪2016‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫شيخ احلاضرين الفنان جميل شفيق (مصر) الذي متاست طزاجة أعماله املستلهمة من األحياء الشعبية مع املكان‬ ‫الفطري‪ ،‬ولذلك امتدح كثيرا بكارة املكان‪.‬‬

‫سنوياً حملافظة كفر الشيخ‪.‬‬ ‫عائلة الفنان عبدالوهاب عبداحملس� � ��ن ليست‬ ‫بعيدة عن النضال‪ ،‬حي� � ��ث متر خالل أيام امللتقى‬ ‫الذي يقام في النصف األول من شهر أكتوبر سنوياً‬ ‫ذكرى استشهاد ش� � ��قيقه في حرب العبور يوم ‪21‬‬ ‫أكتوب� � ��ر ‪ .1973‬كان أخوه بني ‪ 3‬أش� � ��قاء يخوضون‬ ‫معركة الكرامة على اجلبهة‪ ،‬وعاد شقيقاه محمد‬ ‫ومحمود واستش� � ��هد عبدالسالم‪ ،‬من أجل األرض‬ ‫التي يعشقها الفنان‪ ،‬ومن أجل الوطن الذي يحلم‬ ‫به ليكون أفضل‪.‬‬ ‫في ال� � ��دورة األول� � ��ى للملتقى‪ ،‬ب� � ��دأ الفنانون‬ ‫والفنان� � ��ات باجلدران‪ ،‬لكنهم ه� � ��ذا العام أضافوا‬ ‫العمل على املركب الصغير (الفلوكة) إلى اجلدار‪،‬‬ ‫وال عج� � ��ب في ذلك في قري� � ��ة أغلبها من صيادي‬ ‫السمك‪ ،‬يسعون كل صباح على صهوات مراكبهم‬ ‫إلى خطب ود البح� � ��ر والبحيرة ليأخذوا نصيبهم‬ ‫من ال� � ��رزق‪ .‬وهكذا ب� �ي��ن فن� � ��ار البرلس‪ ،‬وطابية‬ ‫عرابي‪ ،‬وبعيداً عنهما‪ ،‬متتد رحلة الصيد‪ ،‬وحولها‬ ‫تنتشر صناعة مراكب الصيد‪ ،‬وتصديرها لعديد‬ ‫من الدول‪ ،‬ولعل ش� � ��هرة أهله� � ��ا باحتراف الصيد‬ ‫برج ال ُب ُر ُلّس طريق احلرير التشكيلي‬

‫جعلت عديداً من القرى الصغيرة أساس � � �اً للثروة‬ ‫الس� � ��مكية بها‪ ،‬مثل قرى البنائني‪ ،‬وسوق الثالثاء‪،‬‬ ‫والشوش والوهيبة‪ ،‬والشرفا‪.‬‬ ‫لم تبتهج اجلدران وحدها‪ ،‬ولم ترقص املراكب‬ ‫عل� � ��ى أنغام اللون فحس� � ��ب‪ ،‬بل عم ش� � ��عور الفرح‬ ‫وجوه اجلميع‪ ،‬وأصب� � ��ح للفنانني عائالت وأطفال‬ ‫يتابعون ريش� � ��اتهم وهي تعيد صياغة احلياة‪ ،‬يوماً‬ ‫بعد يوم‪ ،‬ولوناً بع� � ��د آخر‪ .‬وتنافس الصيادون في‬ ‫جذب الفنانني لواجهات بيوتهم للفوز بلوحة نادرة‬ ‫م� � ��ن الفنانني الذين تطوع� � ��وا لتغيير وجه املدينة‪،‬‬ ‫وب� � ��دا أن الطاقة اإليجابية بني الفنان واملتلقي قد‬ ‫بلغت أوجه� � ��ا‪ .‬جنحت التجربة ف� � ��ي إثارة الوعي‬ ‫اجلمالي‪ ،‬لتذوق الفن وعش� � ��قه‪ ،‬وكذلك الس� � ��عي‬ ‫إل� � ��ى بيئة نظيفة‪ ،‬وزاد دعم املؤسس� � ��ات للفعالية‪،‬‬ ‫وانضمت للمحافظة ومؤسسة الفنان عبدالوهاب‬ ‫عبداحملسن للثقافة والفنون والتنمية كل من وزارة‬ ‫الش� � ��باب وجامعة املستقبل‪ .‬وس� � ��جلت العدسات‬ ‫للفنانني والزائرين حلظات تنشر الفرح‪ ،‬والبهجة‪،‬‬ ‫بني الغ� � ��داء املش� � ��ترك‪ ،‬واجل� � ��دران املرس� � ��ومة‪،‬‬ ‫واملراكب امللونة‪ ،‬والوجوه الباس� � ��مة ألهل القرية‪،‬‬ ‫‪47‬‬


‫فلوكة الفنان الشاب إسالم عبادة التي أجنبت كائنا‬ ‫أسطوريا يقف حارسا لها! اللون األسود‪ ،‬جلسد‬ ‫الفلوكة وابنها‪ ،‬واللون الذهبي ألطرافها ورأسه‪ ،‬تقدم‬ ‫صياغة جديدة للربط بني اجلسدين‪ ،‬األول ـ وهو‬ ‫املركب ـ املتحرك فوق سطح املاء الوهمي‪ ،‬والثاني‪ ،‬وهو‬ ‫احليوان احلارس‪ ،‬الثابت على أرض راسخة‪.‬‬

‫الصور من ألبوم الفنانني املشاركني في امللتقى‪ ،‬من مصر‪ :‬عبدالوهاب عبد احملسن‪ ،‬إميان عزت‪ ،‬رامي شهاب‪ ،‬أميرة عبدالله‪ ،‬رمي‬ ‫حسن‪ ،‬أحمد عبدالكرمي‪ ،‬جالل جمعة‪ ،‬عالء عوض‪ ،‬محمد صبري‪ ،‬ياسني حراز‪ ،‬منى عليوة‪ ،‬يارا حامت‪ ،‬عادل مصطفى‪ ،‬محمد‬ ‫عبلة‪ ،‬إبراهيم غزالة‪ ،‬إسالم عبادة‪ ،‬سالي الزيني‪ ،‬جميل شفيق‪ ،‬أمين قدري‪ ،‬جيهان سليمان‪ ،‬كالي قاسم‪ ،‬أشرف مهدي‪ ،‬أحمد‬ ‫رجب صقر‪ ،‬عاطف أحمد‪ ،‬عمر الفيومي‪ ،‬حسن عبدالفتاح‪ ،‬عقيلة رياض‪ ،‬من تونس‪ :‬هيفاء تاكوتي‪ ،‬من األردن‪ :‬هيلدا حياري‪،‬‬ ‫من السودان معتز علمان‪ ،‬من الهند‪ :‬بونام شاندريكا تياجي‪ ،‬من إيران ناصر بالجي‪ ،‬من البرتغال‪ :‬باولينا إيفاريستو‪ ،‬ومن‬ ‫البحرين‪ :‬جعفر العريبي‪ ،‬وعدسات املبدعني جالل املسري‪ ،‬فاطمة الزهراء حسن وبثينة شعالن‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫العدد ‪ - 686‬يناير ‪2016‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫برج ال ُب ُر ُلّس طريق احلرير التشكيلي‬

‫‪49‬‬


‫األطفال قاسم مشترك في أعمال الفنانني والفنانات‪ ،‬سواء داخل اجلدارية أو الفلوكة أو في احلياة اليومية‪ ،‬خالل الرسم أو‬ ‫أثناء االستماع إلى احلكايات‪ ،‬وابتسامات بال حدود‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫العدد ‪ - 686‬يناير ‪2016‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫خاصة األطف� � ��ال‪ ...‬كل ذلك يؤك� � ��د جناح جتربة‬ ‫الفنان الذي عش� � ��ق أرضه وناس� � ��ه فرسم عاملهم‪،‬‬ ‫وها هو يس� � ��تدعي الفن كائناً حي � � �اً يعيش بينهم‪،‬‬ ‫ويسبح في بحيرتهم‪.‬‬ ‫أصبحت فكرة الرس� � ��م على اجلدران اختزاالً‬ ‫لتواص� � ��ل الفنان احلقيقي م� � ��ع مجتمعه‪ ،‬في زمن‬ ‫غلبت فيه وجهات النظر التي تقول إن التش� � ��كيلي‬ ‫يعي� � ��ش في برج عاجي‪ ،‬يبتع� � ��د بعمله عن املتلقي‪،‬‬ ‫فتحدث غربة الفنان عن املجتمع‪ ،‬وتنش� � ��أ قطيعة‬ ‫املجتم� � ��ع مع اجلمال‪ .‬وجنحت التجربة في فضاء‬ ‫محاط باجلمال الطبيعي بني البحر والبحيرة‪.‬‬

‫قوافل األجيال‬

‫من فضائل امللتقى الثاني‪ ،‬للرسم على احلوائط‬ ‫واملراكب ف� � ��ي البرلس ذلك اجلم� � ��ع الفذ بني كل‬ ‫أجيال الرس� � ��م‪ ،‬ولذلك كان ش� � ��يخ احلاضرين هو‬ ‫الفنان جميل شفيق (مصر) الذي متاست طزاجة‬ ‫أعماله املس� � ��تلهمة من األحياء الشعبية مع املكان‬ ‫الفطري‪ ،‬ولذلك امتدح كثي� � ��راً بكارة املكان الذي‬ ‫تع� � ��رف في خالل عام واحد عل� � ��ى أعمال فنانني‬ ‫وفنانات‪ .‬امللتقى أقيم برعاية د‪ .‬أس� � ��امة حمدي‪،‬‬ ‫محافظ كفر الش� � ��يخ‪ ،‬وش� � ��ارك فيه ‪ 35‬فناناً من‬ ‫مص� � ��ر‪ ،‬والهن� � ��د‪ ،‬وإي� � ��ران‪ ،‬والبحري� � ��ن‪ ،‬واألردن‪،‬‬ ‫وتونس‪ ،‬والس� � ��ودان‪ ،‬والبرتغال‪ ،‬وش� � ��ارك طالب‬ ‫وطالب� � ��ات كلي� � ��ات الفنون اجلميلة باإلس� � ��كندرية‬ ‫واملنص� � ��ورة والفنون التطبيقي� � ��ة بدمياط والتربية‬ ‫النوعية بكفر الش� � ��يخ في احلدث مع مجموعات‬ ‫م� � ��ن أطفال املدارس واألهالي‪ ،‬ومتثلت مش� � ��اركة‬ ‫وزارة الشباب مبشروع «مدن ملونة»‪ .‬وهكذا وجد‬ ‫جيل الكبار أنفس� � ��هم بني جي� � ��ل جديد قوامه ‪90‬‬ ‫شاباً وشابة يتعلمون درسهم األول في فنون الهواء‬ ‫الطلق‪ .‬وقد أهدت مؤسس� � ��ة الفنان عبدالوهاب‬ ‫عبداحملس� � ��ن للثقافة والفن� � ��ون والتنمية اجلهات‬ ‫املش� � ��اركة والفنانني دروعاً تذكاري� � ��ة متثل مركباً‬ ‫ذهبياً‪ ،‬يستعد لالنطالق‪.‬‬ ‫للعام الثاني ش� � ��ارك الفنان أحمد عبدالكرمي‬ ‫(مصر)‪ ،‬وهو الذي بدأت رحلته التش� � ��كيلية قبل‬ ‫أكثر من رب� � ��ع قرن‪ ،‬بتقدمي معماري� � ��ات وجدانية‬ ‫برج ال ُب ُر ُلّس طريق احلرير التشكيلي‬

‫‪51‬‬


‫جزء من جدارية ملعركة بحرية مستلهمة من عصر امللك‬ ‫رمسيس الثالث وحربه ضد بعض‪ ‬الشعوب الغازية القادمة‬ ‫عبر البحر املتوسط‪ ‬للفنان عالء عوض‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫العدد ‪ - 686‬يناير ‪2016‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫برج ال ُب ُر ُلّس طريق احلرير التشكيلي‬

‫‪53‬‬


‫امللتقى أقيم حتت رعاية د‪ .‬أسامة حمدي‪ ،‬محافظ كفر الشيخ‪ ،‬ونظمته مؤسسة الفنان عبدالوهاب عبداحملسن للثقافة‬ ‫والفنون والتنمية‪ ،‬بحضور أعالم التشكيليني في مصر ومن بينهم د‪ .‬أحمد عبدالكرمي‪.‬‬

‫أعاد بها اكتش� � ��اف إيقاع املعمار الصامت وحتري‬ ‫مجس� � ��ماته في مس� � ��ارات بصري� � ��ة تتداخل فيها‬ ‫األل� � ��وان وحتك� � ��ي داخل� � ��ه اخلط� � ��وط وترقص به‬ ‫اجلدران بش� � ��خبطات ورس� � ��وم والفت� � ��ات إعالن‬ ‫وهمس� � ��ات تدور حول األضرح� � ��ة وداخل أذهان‬ ‫الرجال والنس� � ��اء واألطفال‪ .‬ثم غاص في التاريخ‬ ‫قبل أن يخ� � ��رج لعناق نهر الني� � ��ل‪ ،‬فيكتب معاجم‬ ‫مفرداته التي تخصبها الفلس� � ��فات عن اخلصوبة‬ ‫واحلياة وحلظ� � ��ات امليالد وطرح احلكايات؛ وكان‬ ‫جريئاً في اس� � ��تخدام اخلامات‪ ،‬ومن يزر مرسمه‬ ‫في دهش� � ��ور يس� � ��تقبله حتت عنوان «ازرع قمحك‬ ‫ي�� ��ا مص�� ��ري» عمل ثالثي األبعاد ‪ 250‬س�� ��م‪ 360 /‬س� � ��م‬ ‫وقاعدة ‪ 150‬س� � ��م‪ ،‬منفذ بأع� � ��واد القمح املصري‬ ‫وتتوس� � ��طه لوحة زراعة القمح منذ عهد الفراعنة‬ ‫في إحدى مقابر العمال‪ ‬بقرية القرنة بالبر الغربي‬ ‫في األقص� � ��ر‪ ،‬متوخياً إيجاد عالقة بني احلضارة‬ ‫املصرية الفرعونية واحلياة املعاصرة‪ ،‬ولذلك فإن‬ ‫مركب� � ��ه كان يحمل بصمات األيقونات الش� � ��عبية‪،‬‬ ‫بلونها القمحي ‪ /‬الذهبي السرمدي‪.‬‬ ‫وإذا كن� � ��ا نوق� � ��ن ب� � ��أن امل َّثال محم� � ��ود مختار‬ ‫ه� � ��و حفيد بناة التماثيل العظم� � ��اء في احلضارة‬ ‫‪54‬‬

‫الفرعونية‪ ،‬فإن الفنان طارق الكومي (مصر) هو‬ ‫صاحب ذلك اإلرث‪ ،‬الذي يجدد فيه لتستمر رحلة‬ ‫النح� � ��ت املصري متألقة‪ .‬ح � � � َّول الكومي «فلوكته»‬ ‫إلى قطعة نحت عبقرية غنية ذات طبقات ثالثية‬ ‫األبعاد رمبا لتقص سيرة الفلوكة‪ ،‬ليس فقط مبن‬ ‫أخذوها حالياً إلى ع� � ��رض البحر وقلب البحيرة‪،‬‬ ‫ب� � ��ل حتولت إلى أث� � ��ر تاريخي قادم م� � ��ن أزمنة لم‬ ‫نعشها تعكس ه َّم الصيادين وتاريخ البرلس‪.‬‬ ‫من ب� �ي��ن األجيال اجلديدة ي� � ��رى الفنان عالء‬ ‫ع� � ��وض (مصر) أن امللتقى جتربة فريدة من نوعها‪،‬‬ ‫ألن فن الشارع (أو رسم اجلداريات) مبنزلة التعبير‬ ‫اإليجاب� � ��ي عن املجتم� � ��ع ويصل ويخاط� � ��ب املتلقي‬ ‫بجميع فئات� � ��ه وأعماره وثقافاته من دون وس� � ��يط‪،‬‬ ‫على عك� � ��س املعارض والقاع� � ��ات املغلقة‪ .‬هنا يبدأ‬ ‫الدور اإليجابي للتجربة‪ ،‬كما أن األعمال اجلدارية‬ ‫مبنزلة حلقة وصل بني الناس وتراثهم الثقافي‪ ،‬مبا‬ ‫يؤكد هويتهم‪ ،‬ويحيي ذاك� � ��رة التاريخ املمتد آلالف‬ ‫الس� � ��نني‪ ،‬وهو عمق ثقاف� � ��ي كان له عظيم األثر في‬ ‫بناء الشخصية الوطنية‪ .‬جدارية الفنان عالء عوض‬ ‫قدم� � ��ت معركة بحرية أخرى‪ ،‬مس� � ��تلهمة من عصر‬ ‫امللك رمس� � ��يس الثالث وحربه ضد بعض‪ ‬الشعوب‬ ‫العدد ‪ - 686‬يناير ‪2016‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫رحلة عكس النيل‪ ،‬الفلوكات تستعد لالنتقال من مينائها التشكيلي على طريق احلرير في برج البرلس إلى معرضها‬ ‫في القاهرة‪.‬‬

‫الغازي� � ��ة القادم� � ��ة عبر البحر املتوس� � ��ط وحتالفهم‬ ‫مع قبائل خ� � ��ارج احلدود الغربية لغزو مصر‪ ،‬وكأن‬ ‫التاريخ كان يعيد نفس� � ��ه في معركة ‪ ،1956‬ولم تكن‬ ‫اللوحة ع� � ��ودة إلى املاضي بقدر م� � ��ا كانت محاولة‬ ‫تشكيلية إلعادة قراءته واستلهامه وتدبره‪.‬‬ ‫الفنان� � ��ة س� � ��الي الزيني (مصر) غ� � ��رس عملها‬ ‫اجلداري البهجة‪ ،‬ونال حظاً كبيراً لدى املصورين‪،‬‬ ‫ولم تخ � � � ُل متابعات الصحف والدوريات من لوحتها‬ ‫الطفولي� � ��ة «ال� � ��روح» الصريحة األلوان الس� � ��احرة‬ ‫التكوين واملختزلة زخرفياً لكل عناصر البيئة‪ ،‬حتى‬ ‫أن الفنانة واألكادميية د‪ .‬أمل نصر أكدت ذلك البعد‬ ‫احلرك� � ��ي املالئم لروح املكان‪ ،‬حي� � ��ث جعلت الزيني‬ ‫من أشكالها املرسومة مائلة وغير موازية خلطوط‬ ‫البي� � ��وت‪ ،‬فكأن بيتها امللون ميش� � ��ي ببعده احلركي‪،‬‬ ‫في حكاية خيالية ساحرة‪ ،‬وكيف أنها نقلت احلس‬ ‫األنثوي بالوش� � ��ي الذي تبثه ف� � ��ي لوحاتها‪ ،‬متعددة‬ ‫اخلامات‪ ،‬وهي التي ترسم بقلب الطفل‪.‬‬

‫رحلة عكس النيل‬

‫إذا كان النيل يصب مياهه ش������ماالً في نهاية‬ ‫رحلته من املنابع‪ ،‬فإن «الفلوكات» س������ارت عكس‬ ‫برج ال ُب ُر ُلّس طريق احلرير التشكيلي‬

‫تياره‪ ،‬وانتقلت من فضاء برج البرلس إلى قاعة‬ ‫س������مارت آرت‪ .‬الع������رض القاه������ري أعدته دينا‬ ‫ش������عبان ولينا موافي بش������كل احترافي وكأنهما‬ ‫أعادتا بناء مدينة أتالنتس‪.‬‬ ‫فقد جاءت املراكب حاملة رائحة املاء‪ ،‬وعطر‬ ‫األنفاس التي سكبتها وهي تلونها‪ ،‬ومن حتت ضوء‬ ‫الشمس الذي غمرها خالل رحلة امليالد‪ ،‬لتعيش‬ ‫رحل������ة جديدة‪ ،‬بعطر زوار ج������دد‪ ،‬وحتت أضواء‬ ‫اصطناعي������ة‪ ،‬حتم������ل رائحة احلن���ي��ن‪ ،‬بذكريات‬ ‫الفنانني واجلمهور معاً‪ .‬كانت رحلة عكس النيل‪،‬‬ ‫ولكنها كانت أيضاً رحل������ة باجتاه القلب‪ .‬وهكذا‬ ‫وجدت الفلوكات مت������كأ لها في الطابق األرضي‬ ‫الفس������يح‪ ،‬في املعرض ذي الطوابق الثالثة‪ ،‬مبا‬ ‫يجعل������ه األضخم في مصر‪ .‬وبدا وكأن الفلوكات‬ ‫تتجاور وتتحاور‪ ،‬وفيها من يتكئ على اجلدران‪،‬‬ ‫وكأنها تلتقط ص������ورة «‪ »selfie‬مع������اً‪ ،‬ومنها من‬ ‫اتخذت بلونها مكاناً قصياً كأنها ال تريد أن تبوح‬ ‫بسرها لفلوكة أخرى‪ ،‬وبدا أن األلوان واألشكال‬ ‫والرموز واإلضافات التي وضعها بعض الفنانني‬ ‫فوق مراكبهم الصغيرة وحولها‪ ،‬تصنع موزاييك‬ ‫التجانس في كورال تش������كيلي كبير‪ ،‬وكأن طريق‬ ‫‪55‬‬


‫احلرير التشكيلي امتد إلى درب جديد يستقطب‬ ‫جمهوراً جديداً‪.‬‬ ‫ظننت أنن������ي أمام ع������رس للمراكب‪ ،‬خاصة‬ ‫ح���ي��ن واجهتني ع������روس الفنان������ة عقيلة رياض‬ ‫في مركبها ترت������دي ثوب الفرح‪ ،‬أو حني التقاني‬ ‫في مقدمة احملفل مرك������ب الفنان هيلدا حياري‬ ‫(األردن)‪ ،‬وكأنه «كوش������ة الفرح» حتمل كرسيني‬ ‫غطاهما قم������اش ثوب العرس الش������اف‪ .‬حتكي‬ ‫هيلدا عن تلك التجربة املميزة للحضور في برج‬ ‫البرلس ضمن عدد كبير من الفنانني والفنانات‬ ‫من جنسيات مختلفة‪:‬‬ ‫«املنطق� � ��ة س� � ��حرتنا وأث� � ��رت فين� � ��ا وجدانياً‬ ‫ببس� � ��اطتها ً‬ ‫أوﻻ‪ .‬كن� � ��ت أعتق� � ��د أن اله� � ��دف من‬ ‫املشروع هو اﻻختالط بس� � ��كان املنطقة ليتعلموا‬ ‫ويكتش� � ��فوا فنون � � �اً جديدة من ثقاف� � ��ات مختلفة‪،‬‬

‫لكنن� � ��ي وجدت أن� � ��ي تعلم� � ��ت منه� � ��م أكــــثر مما‬ ‫أعطيت‪ .‬كنت غاية في اإلره� � ��اق أحياناً خاصة‬ ‫كفنانة امرأة ترسم حائطاً كبيراً مبنطقة شعبية‬ ‫تفتقد اخلدمات‪ ،‬لكني لم أش� � ��عر بتعبي وأنا بني‬ ‫احلاجة رض� � ��ا واحلاجة عزي� � ��زة واحلاج محمد‬ ‫أطال الله أعمارهم‪ ...‬أحسس� � ��ت أن� � ��ي ابنتهم‪،‬‬ ‫وجزء من عائلتهم باحملبة والكرم‪ .‬وجدت نفسي‬ ‫منس� � ��جمة بكل حلظة ألع ِّبر ع� � ��ن محبـــتي لهم‪،‬‬ ‫باإلضـــــاف� � ��ة إلى انس� � ��جام مجموعتن� � ��ا كفنانني‬ ‫من إيران والس� � ��ودان واألردن والبحرين وتونس‬ ‫ومص� � ��ر وغيرها من البلدان املش� � ��اركة‪ .‬كنا حقاً‬ ‫عائلة واحدة يجمعن� � ��ا كل اﻻحترام‪ .‬هذه جتربة‬ ‫فريدة مبس� � ��يرتي الفنية وأس� � ��لوبي الذي أتبعه‪.‬‬ ‫ﻻ تهمن� � ��ي العواصم كثيراً وﻻ األبنية الش� � ��اهقة‬ ‫املغلق� � ��ة‪ ،‬إذ تعودت دائماً أن أبحث عن اإلنس� � ��ان‬

‫بني عروس البحر األسطورية‪ ،‬أقصى ميني اجلداريات‪ ،‬والسيدة الساعية للعمل واحلياة‪ ،‬عالم‬ ‫من الرسوم التي امتزجت مع احلياة اليومية‬

‫‪56‬‬

‫العدد ‪ - 685‬ديسمبر ‪2015‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫ووجدت� � ��ه في البرلس‪ ...‬هم أيض � � �اً تعلموا تق ّبل‬ ‫اآلخر مهما كان ش� � ��كله ولونه وأس� � ��لوب حياته‪،‬‬ ‫ومازالت بعض أسئلة األطفال تعيش في ذاكرتي‬ ‫وتعني ل� � ��ي الكثير‪ ،‬ومازلت عل� � ��ى تواصل معهم‪،‬‬ ‫مثلم� � ��ا أطلع الس� � ��كان على فن� � ��ون مختلفة عما‬ ‫يعرفون‪ ...‬لقد تبادلن� � ��ا األدوار باملعرفة واحلب‬ ‫والعطاء من الطرفني»‪.‬‬

‫ٌ‬ ‫أسماك ونساء وأساطير‬

‫لعل فضاء املكان كان له سحره اخلاص في‬ ‫اس������تلهام التشكيليني ملفرداته‪ ،‬على نحو متكرر‪،‬‬ ‫ولكن بش������كل غير متش������ابه أو متطابق‪ .‬ومثلما‬ ‫حضرت األسماك برشاقة متزنة وبذخ لوني في‬ ‫معظم األعمال‪ ،‬اجلداري������ة أو املركبية‪ ،‬ظهرت‬

‫برج ال ُب ُر ُلّس طريق احلرير التشكيلي‬

‫ٍّ‬ ‫وجتل ناشرات الفرح‪ ،‬وأحلت‬ ‫أيضاً النساء ببهاء‬ ‫األس������اطير بغموض وش������موخ‪ ،‬وكأنها حكايات‬ ‫النس������وة في األمس������يات‪ ،‬أو قصص الرجال في‬ ‫عرض البحر‪.‬‬ ‫م������ن ذلك الس������حر خرج������ت فلوك������ة الفنان‬ ‫املصري املخضرم س������مير فؤاد (‪ 72‬عاماً)‪ ،‬التي‬ ‫حتمل أربع نس������اء رس������مهن بأل������وان األكليريك‪،‬‬ ‫كشخصيات أسطورية‪ ،‬بينما ترقص في خلفية‬ ‫اللوحة األس������ماك طافي������ة على ق������اع الفلوكة‪،‬‬ ‫وكأنه يقدم نس������خة مصرية من أس������طورة بنات‬ ‫آخيلوس الالئ������ي ينادين بأصواتهن العذبة على‬ ‫البحارة‪ ،‬فتأتي سفنهم لتتحطم بسبب الشعاب‬ ‫املرجانية‪ ،‬والنس������خة هنا ع������ن «النداهة» التي‬ ‫تغري الصيادين أو فالح������ي نهر النيل بصوتها‬

‫‪57‬‬


‫‪58‬‬

‫العدد ‪ - 686‬يناير ‪2016‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫الفلوكات تقف للتصوير‪( ،‬من اليمني) أعمال‬ ‫عقيلة رياض‪ ،‬وعمر الفيومي‪ ،‬وجميل شفيق‬ ‫وجيهان سليمان‬

‫برج ال ُب ُر ُلّس طريق احلرير التشكيلي‬

‫‪59‬‬


‫‪60‬‬

‫العدد ‪ - 686‬يناير ‪2016‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫وكأن البحر انتقل مع الفلوكات‪ ،‬فجلس األطفال على شاطئه‬ ‫يعيدون رسم املراكب الصغيرة‪ ،‬ورائحة الصيد التشكيلي تفوح‬ ‫بني املراكب والشباك واملقاطف املصنوعة من اخلوص‬

‫برج ال ُب ُر ُلّس طريق احلرير التشكيلي‬

‫‪61‬‬


‫فنانات الهند والبرتغال ومصر أمام بحيرة البرلس‬

‫الفنانون إسالم عبادة ود‪ .‬محمد الشال ويارا حامت ومعتز علمان وعالء عوض خالل افتتاح معرض املراكب في آرت سمارت‬ ‫‪62‬‬

‫العدد ‪ - 686‬يناير ‪2016‬‬


‫الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية ‪2016‬‬

‫الفنان عبدالوهاب عبداحملسن يتحدث إلى األجيال اجلديدة التي شاركت احللم‪ ،‬باحلضور والرسم معاً‪.‬‬

‫فيتقدمون إلى ع������رض املياه‪ ،‬حتى يتمكن منهم‬ ‫الغرق‪ .‬إنه الس������حر األنث������وي العابر للحضارات‬ ‫والثقاف������ات واألس������اطير واملي������اه واجل������دران‬ ‫والفلوكات‪.‬‬ ‫آلهة اليونان امتزجت مبفردات مس������توحاة‬ ‫من الفنني اإلسالمي والقبطي في أعمال فنان‬ ‫متمرس آخ������ر هو عمر الفيوم������ي‪ ،‬الذي ُعرف‬ ‫بلوحاته املستلهمة من وجوه الفيوم اجلنائزية‪.‬‬ ‫ه������ذا التناس������خ‪ ،‬أو رمب������ا جتدر تس������ميته‬ ‫بالتناس������ل‪ ،‬تبدى بقوة في فلوكة الفنان الشاب‬ ‫إس���ل��ام عبادة (مص������ر)‪ ،‬الت������ي أجنب������ت كائناً‬ ‫أسطورياً يقف حارساً لها! اللون األسود جلسد‬ ‫الفلوكة وابنها‪ ،‬واللون الذهبي ألطرافها ورأسه‪،‬‬ ‫يقدم������ان صياغة جديدة للبط بني اجلس������دين‪،‬‬ ‫األول ه������و املرك������ب املتح������رك فوق س������طح املاء‬ ‫الوهمي‪ ،‬والثاني وهو احليوان احلارس‪ ،‬الثابت‬ ‫على أرض راس������خة‪ .‬ه������ذا احلوار ف������ي العمل‬ ‫الصامت هو س������ر ف������رادة هذا العم������ل الفني‪.‬‬ ‫برج ال ُب ُر ُلّس طريق احلرير التشكيلي‬

‫إضافات الفنانني للفلوكة حتدت نفسها‪ ،‬الفنان‬ ‫جالل جمعة (مصر)‪ ‬أضاف املعدن مشك ً‬ ‫ال منه‬ ‫أس������طورته اخلاصة‪ ،‬وأضاف������ت الفنانة باولينا‬ ‫إيفاريس������تو (البرتغال) قطع األحجار األسمنتية‬ ‫اجلاه������زة للبن������اء‪ ،‬بعد أن منحتها ل������ون البحر‪،‬‬ ‫وأضاف فنانون آخرون ش������باك الصيد والدالء‬ ‫اجللدية التي يحتفظ فيها الصــــيادون بالســمك‬ ‫طازجاً‪.‬‬ ‫في قلب «املتوس������ط» كان فنار برج البرلس‪،‬‬ ‫يضيء رحلة طريق احلرير التشكيلي‪ ،‬للقادمني‬ ‫والقادم������ات من الهند وإيران ش������رقاً إلى تونس‬ ‫والبرتغال غرباً‪ ،‬ومن األردن شماالً إلى السودان‬ ‫جنوب������اً‪ ،‬رحل������ة آمن بحارته������ا بقيم������ة ألوانهم‪،‬‬ ‫وتأثيره������ا الذي تخطى الباليت������ة‪ ،‬وجتاوز إطار‬ ‫اللوحة‪ ،‬ليغ������رس البهجة في قلوب البس������طاء‪،‬‬ ‫وليحرك الراكد في بحيرة التش������كيل‪ ،‬وليجدد‬ ‫العه������د مع الفن������ون الت������ي أحي������ت احلضارات‬ ‫وخلدتها >‬ ‫‪63‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.