الحلم الروربي رمقابل الحلم الرمريكي بقلم :توني جت Judt Tony ترجمة :بثينة الناصري
)توني جدت ) (2010-1948مؤرخ وكاتب وأستاذ جامعة بريطاني شغل منصبي أستاذ التاريخ الوروبي بجامعة نيويورك ومدير مركز اريك ماريا ريمارك بنفس الجامعة .في عام 1996تم انتخابه زميلل للكاديمية المريكية للفنون والعلوم(.
1
تأمل )مججا (mugمملوءا بالقهوة امريكية .انها متوفرة في كل مكان .يمكن ان يصنعها أي كان .رخيصة واعادة ملئها بالمجان .ولنها بدون نكهة مميزة تقريبا فيمكن تخفيفها حسب الذوق .فما تفتقده بالجاذبية تعوضه بالحجم .من بين كل الوسائل التي ابتكرت ،هذه هي الكثر ديمقراطية لضخ الكافيين في عروق البشر. الن خذ قدحا من السبريسو اليطالية .تحتاج لصنعها الى آلة غالية الثمن ولمجال لتحديد السعر حسب الحجم فذلك يوحي باللمبالة بالمستهلك وجهل بالسوق .ان الحساس بالمتعة الجمالية للمشروب يتجاوز كثيرا تأثيرها الكيمياوي على الجسم. انها ليست مشروبا بل تحفة فنية . تنطبق هذه المقارنة على الختلفات بين امريكا واوربا :اختلفات تتأكد هذا اليوم بتكرار متصاعد وحاد على جانبي الطلنطي .فالنتقاد المتبادل شائع .فالمعلقون المريكيون يرون اوربا متصلبة ويفتقر العمال واصحاب العمل والقوانين فيها الى المرونة والقدرة على التكيف الموجودة لدى نظرائهم في امريكا . ان تكاليف دفعات الضمان ال جتماعي الوربي والخدمات العامة ليمكن احتمالها ، وسكان اوربا المتقدمون في السن مرفهون وغير منتجين .في دنيا العولمة يبدو )النموذج الجتماعي الوربي( سرابا مقضيا عليه .وهذه نتيجة توصل اليها المراقبون المريكيون )اللبراليون( الذين يختلفون عن النقاد المحافظين )والمحافظين الجدد( في انهم ليستمدون بهجة من النتقاد. وعلى اية حال وفي نظر اعداد متزايدة من الوربيين ،فإن امريكا هي التي في خطر وكذلك )طريقة الحياة المريكية ( التي ليمكن تحمل اعبائها .ان السعي المريكي للثروة والحجم والوفرة – حيث تعوض المادة عن السعادة – غير ممتع جماليا وكارثي بيئيا .فالقتصاد المريكي مبني على رمال )وبتعبير أدق :اموال الخرين ( وبالنسبة لكثير من المريكيين يتلشى المل بالوعد بمستقبل افضل . وتتسم الثقافة الجماهيرية في الوليات المتحدة بالسوقية والبرقشة ولهذا لعجب ان الكثير من المريكيين يتحولون الن الى الكنيسة للبحث عن السلوى. تشكل هذه المفاهيم الفجوة الطلنطية الحقيقية وتوحي بأن شيئا قد تغير .في العقود الخيرة بدا من المفترض – سواء برضا او ندم – ان اوربا وامريكا تتمحوران حول نموذج )غربي( منفرد ولدته الرأسمالية المتأخرة بقيادة الوليات المتحدة – كالعادة - وسوف يسحق منطق المعدلت والسوق والكفاءة والربح المتغيرات المحلية والتقاليد الثقافية المتوارثة .المركة )او العولمة وكل من التعبيرين مرادف للخر( شيء ل يمكن تفاديه والمل الفضل – و بالتأكيد الوحيد – للمنتجات والثقافات المحلية هو 2
النخراط في دوامة العولمة ثم يعاد تعليبها باعتبارها سلعا )عالمية( للستهلك العالمي .وهكذا فإن منتجا ايطاليا هو القهوة السبريسو – يمكن ان ترحل الى الوليات المتحدة وسوف تتحول من سلعةخاصة بذوق الصفوة الى سلعة شعبية ثم يعاد تعليبها وبيعها الى الوربيين بوساطة سلسلة متاجر امريكية. ولكن حدث خطأ ما في هذه القصة .فلم تصادف محلت ستاربكس مقاومة اجنبية غير متوقعة لصنف القهوة بدون كافايين بالقرفة وبالحليب منزوع الدسم )ماعدا في المملكة المتحدة( فقط ،وانما قاطع الوربيون المسيسون السلع المريكية . لقد اصبح من الجلي ان امريكا واوربا ليستا محطتين على خط النتاج التاريخي ، مما يمكن للوربيين ان يتوقعوا وراثة اومحاكاة التجربة المريكية بعد فترة مناسبة من الزمن .انهما كائنان مختلفان تماما وربما يتحركان في اتجاهين متضادين . بل ان هناك بعض الكجتاب – بضمنهم مؤلو كتابين تحت المراجعة -ممن يرون ان اوربا ليست هي الواقعة في فخ الماضي وانما الوليات المتحدة . ان غرائب الثقافة المريكية )كما تراها اوربا( معروفة :التدين الواضح ،الولع النتقائي ) ، (1شغفها بالمسدسات والعنف والسجون )لدى التحاد الوربي 87 سجين لكل 100ألف شخص ولدى امريكا ( 685وتأييدها لعقوبة العدام . وكما عبر عنه ت.ر .رايد في كتابه )الوليات الوربية المتحدة( " :نعم . المريكيون يضعون لفتات عملقة تقول – احب جارك – ولكنهم يقتلون ويغتصبون جيرانهم بمعدلت تصدم أي شعب اوربي( .ولكن غرائب القتصاد الوربي والنفقات الجتماعية هي التي تجذب انظارنا الن . يعمل المريكيون ساعات عمل اكثر بكثري من الوربيين :فطبقا لـ )منظمة التعاون القتصادي والتنمية ( OECDيعمل الموظف المريكي النمطي 877ر 1ساعة حسب احصاء عام 2000مقارنة بـ 562ر 1ساعة يعملها نظيره الفرنسي .ويعمل واحد من بين كل ثلثة امريكيين اكثر من 50ساعة اسبوعيا ويحصل المريكي على اجازات مدفوعة الجر اقل من الوربي ..ففي حين ان السويديين يحصلون على اكثر من 30يوما اجازة مدفوعة الجر في السنة ويحصل البريطانيون على متوسط 23يوما ولكن كل مايرجوه المريكي هو مابين 10-4ايام اعتمادا على مواقع عملهم .والبطالة في الوليات المتحدة اقل من دول اوربية كثيرة )ولكن طالما ان العاطل المريكي يفقد كل حقوقه في مزايا البطالة ويحذف من السجلت فإن مثل هذه الحصائيات غير دقيقة تماما( .ويبدو ان امريكا افضل في خلق الوظائف وهكذ فإن عدد البالغين المريكيين الذين يعملون هم اكثر من الوربيين كما انهم يعملون ساعات عمل اكثر ولكن ماذا يحصلون مقابل جهودهم ؟ 3
ليس الكثير ال اذا كانوا اغنياء .ان الوليات المتحدة افضل مكان للثراء .في عام 1980كان المدير التنفيذي العتيادي يحصل على 40ضعف مايحصل عليه العامل في النتاج .الن معدل الطبقة العليا من روءساء مجالس الدارات هو 475/1 ويمكن ان تكون هذه النسبة اكبر بكثير اذا اخذنا بعين العتبار رؤوس الموال الثابتة وليس الدخل فقط .وللمقارنة :النسبة في بريطانيا هي 24/1وفرنسا 15/1وفي السويد (2) 13/1وهذه القلية المتميزة تحصل على افضل علج طبي في العالم ولكن 45مليون امريكي ليملكون أي نوع من التأمين الصحي على اطلق )من بين دول العالم المتقدمة تنفرد الوليات المتحدة وجنوب افريقيا بعدم وجود تغطية طبية عامة( .وطبقا لمنظمة الصحة العالمية تتبوأ الوليات المتحدة المركز الول في النفقات الصحية لكل فرد والمركز 37في نوعية الخدمات الصحية. نتيجة لذلك يعيش المريكيون حياة اقصر من مواطني اوربا الغربية وموت اطفالهم بعد الولدة اكثر احتمال :ترتيب الوليات المتحدة السادس والعشرين بين الدول الصناعية في وفيات الطفال بمعدل ضعف الوفيات في السويد واعلى من سلوفينيا واعلى قليل من لتوانيا .هذا رغم ان الوليات المتحدة تصرف %15من الناتج المحلي المريكي الكلي على )العناية الصحية ( – يستزف معظمه النفقات الدارية للشبكات الخاصة التجارية( .بالمقارنة بذلك فإن السويد تكرس %8من دخلها القومي للصحة. وصورة التعليم لتختلف .فالوليات المتحدة تصرف اكثر على التعليم من شعوب اوربا الغربية ولديها حتى الن افضل جامعات البحوث في العالم ولكن الدراسات الخيرة تبين انه مقابل كل دولر تصرفه الوليات المتحدة على اتلعيم تحصل على اسوأ النتائج من أي دولة صناعية اخرى .والطفال المريكيون اقل اداء من نظرائهم الوربيين سواء في التعلم والعدد (3) . حسن جدا .هذا مايمكن ان تستنتجه :الوربيون افضل واعدل في توزيع المنافع الجتماعية وهذا ليس جديدا .ولكن ليمكن ان تكون هنالك منافع او خدمات بدو ن يروة وبالتأكيد فإن الشيء الوحيد الذي تحسنه الراسمالية المريكية والتي يحتاج الوربيون الميالون الى الدعة ان يقتبسوه هو التوليد الديناميكي للثروة ..ويبدو هذا واضحا في يومنا هذا . الوربيون يعملون اقل :ولكنهم يعملون بأقصى طاقاتهم .في 1970كان الدخل القومي لكل ساعة في التحاد الوربي %35اقل من الوليات المتحدة .اليوم الفجوة اقل من %7وتتقارب بسرعة .
4
فالنتاجية لكل ساعة عمل في ايطاليا والنمسا والدنمارك تماثل حاليا تلك التي في الوليات المتحدة ولكن ايرلندا وبلجيكا ولوكسمبروغ والمانيا وفرنسا يتفوقن على الوليات المتحدة في هذا القياس. ان تفوق امريكا في الجور والنتاجية – عطية الحجم والموقع والتاريخ – ) (4تبدو في تراجع مما يؤثر على الهيمنة المريكية على المشهد التجاري الدولي . فالقتصاد المريكي الحديث ليس فقط مرهونا للصيارفة الدوليين مع دين خارجي يصل الى 3ر 3ترليون ) %28الدخل القومي( بل ان القتصاد المريكي يصبح يوما بعد آخر ملكا للجانب .في عام 2000تجاوز الستثمار الوربي المباشر في الوليات المتحدة ،الستثمار المريكي في اوربا بما يقرب الخخمسين .من بين عشرات الشركات والمنتجات )المريكية ( المملوكة لوربيين :اخوان بروكس و DKNYوراندوم هاوس وسجائر كنت وصابون دوف وكرايسلر و Birds Eye وبنزويل ولوس انجيليس دودجرز. ويبدو ان الوربيين افضل من المريكيين في توليد العمال الصغيرة ومتوسطة الحجم .هناك شركات صغيرة في التحاد الوربي اكثر من الوليات المتحدة وهذه الشركات توفر وظائف ) %65من الوظائف الوربية في 2002كانت في الشركات الصغيرة والمتوسطة مقارنة بـ %46في الوليات المتحدة ( وهم يرعون موظفيهم بشكل افضل .ان ميثاق التحاد الوربي للحقوق الساسية ينص على ) حق اجازة المومة بعد الولدة او التبني( وكل دولة اوربية غربية توفر دعما ماديا خلل هذه الجازة .في السويد تحصل النساء على 64اسبوع اجازة وثلثي الجور .حتى البرتغال تضمن اجازة امومة لثلثة اشهر بكامل الجر .اما في الوليات المتحدة فإن الحكومة الفدرالية لتضمن شيئا .وكما قال فالجارد هوجلند وزير النرويج الديمقراطي المسيحي لشؤون الطفال والعائلة ":يحب المريكيون الحديث عن القيم العائلية ولكننا قررنا ان نتجاوز الحديث الى الفعل .اننا نستخدم عوائد ضرائبنا لندعم القيم العائلية ". ورغم التحسر على العاقة البيروقراطية والمالية للنتاج ،يبدو ان الوربيين يدبرون امورهم جيدا ) . (5ومن الطبيعي ان دولة الرفاهية ليست مجرد قيمة بحد ذاتها .في تعبير استاذ القتصاد في مدرسة لندن للقتصاد نيكولس بار ":انها وسيلة جيدة ضد عجز السوق (6) ".وهي اعاقة حكيمة للمخاطر الجتماعية والسياسية التي تسببها اللعدالة المفرطة .كان ونستون تشرتشل هو الذي اعلن في مارس ":1943ليس هناك استثمار افضل لي مجتمع من ضخ الحليب في اطفالنا". وبالنسبة لتباعه في امريكا المعاصرة كان هذا قول يفوح بالرفاهية .في امريكا اليوم تتركز %38من الثروة في ايدي اغنى %1وهم يعيدون توزيعها طبقا لولويات مصالحهم .في حين ان امريكي بالغ من كل خمسة يعيش في فقر مدقع – مقارنة 5
بواحد من كل 15في ايطاليا ) .(7ولم تعد المنافع تنهال مطلقا .وبالنسبة لكثير من الجانب ل تثير هذه الرؤية شهيتهم .ان )اسلوب الحياة المركيية ( يفقد بريقه . كنموذج اقتصادي ليس من الممكن تكرار الوليات المتحدة (8) .وكنموذج اجتماعي لم تعد الوليات المتحدة تملك مؤهلت منقذة .وهذا يستدعي الى الذهن انطباعات الشاعر اوليفر جولدزميث القاتمة حول عصر سابق من الجشع الخاص واللمبالة العامة : البلد في ترجد والكارثة القادمة فريسة . . حيث تتراكم الثروة ويتهالك النسان )(9 –2هذه هي القضية التي بنى عليها جيرمي رفكن و ت.ر .رايد كتابيهما .رفكن كان الكثر طموحا بين الثنين .وفي الواقع كان طموحا اكثر من اللزم :يزخر كتابه )الحلم الوربي( بالجهد لتلخيص كل شيء من تاريخ النيسة الى الفلسفة التنويرية الى نهاية توضح ان امريكا النفرادية هي التي وقعت في مصيدة الزمن وان اوربا المتعاونة هي التي تمثل المستقبل. وهو في الساس على صواب ولكن ينتقص من الكتاب :الملخصات التي لقيمة لها لـ ) خلق البرجوازية ( او )قيام دولة المة( والشرح الذي يقلل من المادية المريكية واليحاءات المختلطة لنظرية الفوضى )السلسلة العظيمة للوجود( هوبز ،ديكارت ، هيجل . ان كتاب )الحلم الوربي( ليس سيئا كما قال بعض النقاد وهو يحاول ان يقول شيئا مهما . يكتب رفكن عن امريكا المعاصرة : "بحماستنا الدينية التي ليس لدينا مانتشبث به غيرها اصبحنا شعبا مختارا مما جعل امريكا ارضا اكثر خطورة وقفارا( ولكن كان يمكن للكتاب ان يكون افضل بكثير لو ان رفكن تمسك بما يعرفه بدل من ان يحاول جهده ليقول شيئا )مهما( . اما ت.ر .رايد فهو صحفي وكتابه عن التفوق الوربي يغطي نفس منطقة ومجال رفكن ولكنه اكثر ايجازا وعمقا وامتاعا واقل خيلء .وله اسلوب موجز ومكثف في 6
الوصف :مثل البرياء المريكان :جاك ويليتش وجورج دبليو بوش )ومؤخرا بيل جيتس( واقعون بشرنقة عالم جديد شجاع من القوانين الوربية التي ليستطيعون ان يفهموها او يتجاهلوها .ورايد مثل رفكن يوضح بكفاءة السبب في ضرورة ان ينظر المريكان الى التحاد الوربي بقواه المنظمة وثروته ونموذجه المؤسساتي بجدية شديدة في العقود القادمة . ولكن رغم ان كتابي الرجلين يأتيان في الوقت المناسب فل يقول أي منهما شيئا جديدا تماما .ان ماذكراه من خصائص الوليات المتحدة معروف للوربيين .في عام 1956تفوه جيمي بورتر في مسرحية جون اوزبورن )انظر خلفك بغضب( بملحظة سوداوية ":من الهول العيش في العصر المريكي ( ,وقد تردد صدى هذه الكلمات بشكل او بآخر عبر العقود الى يومنا الحاضر .ولكن ليس معنى ان هناك شيئا ناقصا في الوليات المتحدة اليوم وشيئا جذابا في العقد الجتماعي الوربي ،هو رخصة لنا لرواية قصص خيالية . من يبحث في هذين الكتابين عن بحث في اصول التحاد الوربي سوف يتوه في دروبهما .فإن رايد ورفكن يتعثران بامتداح الباء المؤسسين لوربا لبعد نظرهم وحكمتهم في توجيه اوربا الى البزوغ الحالي .طبقا لرايد في )السنوات التي تلت اعلن شومان اجتاحت الحركة الوربية القارة مثل عاصفة ( كان مجتمع الفحم والفولذ الوربي )نجاحا اقتصاديا هادرا( ويذهب رفكن ابعد من ذلك :يكتب )اوربا مختبر تجريبي حر وعملق لعادة التكفير في الوضع البشري( )!(. ان هذه الراء عجيبة ) (10فالتحاد الوربي هو ماهو عليه :كائن غير مقصود – بشكل كبير -لعقود من المفاوضات بين السياسيين الوربيين الغربيين الساعين لتطوير وتنمية مصالحهم القومية والخاصة. هذا جزء من قضية التحاد الوربي :انه توافق على مستوى القارة خططت له مئات اللجان وفي الواقع هذا يجعل التحاد الوربي اكثر اهمية وأشد تأثيرا مما لو كان مجرد تجسيد لنموذج اليوتوبيا . وبنفس المنوال يبدو من السخف ان يكتب المرء كما فعل رفكن حول انغماس امريكا بالصناعات الهامشية مثل صناعة قطاعات الفطائر المنزلية ،كمثال على تواضع الموهبة المريكية ،دون اللتفات الى القذى في العين الوربية . هذا رجل لم ير وحشية مابعد الحرب في مدينة سارسيليه شمال باريس ،ولم يمت قليل في ميلتون كينيس ،رجل يتفادى الضواحي الخارجية في مدينة ميلنو المعاصرة .
7
كان رايد محقا في الصرار على ان اوربا لديها افضل الطرق واسرع القطارات وارخص اسعار طيران .و. .أجل .بالتأكيد ان التحاد الوربي كما وصفه رفكن ، اقرب الى )نبض التغيير الذي يحول العالم الى مجتمع عولمي( ولكنه ليس كامل بأية حال من الحوال. بالتأكيد تواجه اوربا مشاكل حقيقية ولكنها ليست تلك التي يرددها نقاد السوق الحرة المريكيين بشماتة قاتمة .ونعم تبدو المفوضية الوربية من نفسها مهرجا كبيرا بين حين وآخر باصرارها على تنظيم حجم الواقي الذكري واستدارة الخيار . لقد انهارت بشدة معاهدة الستقرار للجم المصاريف والدين القومي والتي تعتبر مفخرة التحاد الوربي رغم ان انهيارها لم يضر باليورو الذي صممت المعاهدة لحمياته ضررا بالغا . ودعم المعاش والمنافع الجتماعية الخرى سوف لن يجد تمويل كبيرا في العقود القادمة مالم يلد الوربيون اولدا اكثر ويرحبون بمهاجرين اكثر ويعملون عدة سنوات اخرى دون تقاعد وياخذون تعويضات بطالة اقل كرما .ويسهلون لصحاب العمل توظيف الشباب .ولكن هذه ليست عيوبا هيكلية عميقة في اسلوب الحياة الوربية .انها اختيارات سياسية صعبة ذات نتائج سياسية ليس فيها مايتضمن تفكيك دولة الرفاهية (11) . ولكن مشاكل اوربا الحقيقية تكمن في جانب آخر. في هولندة وفي باريس وانتويرب والمدن الخرى ينمو العداء وعدم الفهم بين السكان المحليين الصليين واقلية من المسلمين )مليون في هولندة ،اكثر من 5مليين في فرنسا ،ربما 13مليون في التحاد الوربي حتى الن( وقد انتقل هذا العداء من مجرد الكتابة على الجدران الى مناطق محظورة الى اسلحة الى اعتداءات واغتيالت . لقد بدأ التراك والمغاربة والتونسيون والجزائريون في التوافد على اوربا الغربية منذ ستينات القرن الماضي .اننا الن نرى بروز جيل ثالث :جزء كبير منه عاطل عن العمل وغاضب ويشعر بالغربة وعرضة بازدياد لتوجهات السلم الصولي(12) . على مدى اربعة قعود تقريبا اغمض السياسيون في اوربا الغربية عيونهم عن كل هذا :تأثير السكن المنعزل والمجتمعات المعزولة غير المندمجة وتصاعد تيار مرعب من الناخبين البيض الذين لديهم قناعة بأن المركب كامل العدد.
8
وقد تطلب المر جان ماري لوبان والسياسي الهولندي القتيل بيم فورتوين ورهط من الحزاب الديماجوجية -المعادية للمهاجرين -من النرويج ال ايطاليا من اجل ايقاظ الوربيين الى هذه الكارثة .ومما ينذر بالشؤم ان رد فعل كل شخص من توني بلير الى فاليري جيسكار ديستان هوالهتاف "كارثة" وطوي الجسر المتحرك . المشكلة الخرى التي تواجه اوربا والثنان بطبيعة الحال متصلن هو الضغط على حافاتها الخارجية .ان التحاد الوربي جذاب اكثر مما في مصلحته – بالمقارنة مع الوليات المتحدة المكروهة على نطاق واسع لما تفعله . ويحاول اللجئون والمهاجرون غير الشرعيين من نصف افريقيا بين حين واخر القيام بجهد يائس لعبور مضيق جبل طارق او النزول على سواحل الجزر اليطالية الجنوبية او الهبوط بسلمة ليتم اعادتهم مرة اخرى .وقد حاولت تركيا منذ 40عاما تقريبا النضمام الى النادي الوربي قبل ان يقبل طلبها )بتردد( الشهر الماضي. وتأمل اوكرانيا في مستقبل ديمقراطي مستقر داخل اوربا او علىالقل هناك امل في ان تكون هناك يوما ما .وهذا سوف يدعم موقف يوشنكو ومؤيديه في اعقاب فوزهم الخير. ونفس الشيء ينطبق على بقية دول يوغسلفيا السابقة .ولكن في حين ان بوركسل على وعي تام بأن أخطار اهمال افريقيا او ترك اوكرانيا او البوسنة تتلوى على ابوابها -اقل كثيرا من رمي 70مليون مسلم تركي في احضان السلم الصولي – فإن مايقلق قادة اوربا بشدة هو افتراض و)كلفة( توسيع التحاد الوربي الى حدود آسيا . هذه هي التحديات الحقيقية لوربا .قد يكون التحاد الوربي كما اوضح رايد ورفكن نموذجامشعا للتعاون الدولي والعدالة والنسجام ) (13ولكنه لن يكون سهل للتحاد الوربي ان يدمج اقلياته الثنية والدينية وتنظيم الهجرة او يقبل تركيا بشروط قابلة للتطبيق (14) . ومع ذلك اذا اساء التحاد الوربي ادارة الكارثة الدائمة على حدوده الشرقيةوالجنوبية ستقع اوربا بمشاكل كبيرة بالتأكيد. أن هذا هو سبب غضب الكثير من الوربيين وقادتهم من الرئيس جورج بوش وليس السبب هو العداء التقليدي لمريكا او حسد التسلح . بالنسبة لدارة بوش :السلم فكرة تجريدية وهي الهدف الفاعل السياسي لما يسميه المسؤولون في واشنطن )الحرب الكونيةعلى الرهاب( .بالنسبة للوليات المتحدة تعتبر الشرق الوسط ارضا نائية .مكان مناسب لتصدير المشاكل المريكية لتفادي 9
معالجتها على ارض الوطن .ولكن الشرق الوسط بانلسبة لوربا هو )الخارج القريب( اضافة الى انه الشريك التجاري الرئيسي .من طنجة الى تبريز اوربا محاطة بالشرق الوسط وعدد كبير ويتزايد من الوربيين قادمون من هذا الشرق الوسط .وعندما يتبدأ التحاد الوربي محادثات قبول تركيا سوف يتوقع ادخال التحاد الوربي في المقابل الى داخل الشرق الوسط. ان ستراتيجية امريكا للمواجهة الكونية مع السلم ليست خيار اوربا .انها كارثة . –3لن يعارض تيموثي جارتون آش على اكثر احتمال جل التحليل اعله . في كتابه الجديد الساحر يذهب ابعد من رفكن ورايد في بعض المجالت .بصفته مواطنا دوليا يقول ان الوليات المتحدة مقصرة بشكل فادح غير مسؤول .لقد قدم التحاد الوربي 5ر 36بليون دولر لمساعدات التنمية في عام . 2003وقد ساهمت الوليات المتحدة بما قيمته ثلث ذلك المبلغ فقط ومعظم تلك المساعدات الجنبية ذهبت اما الى اسرائيل او عادت بحبال متصلة بها الى امريكا %80 .تقريبا من كل )مساعدات التنمية المريكية ( تجبر المنتفعين على صرف الموال على استيراد البضائع والخدمات المريكية .في العراق وحده صرفت الوليات المتحدة ثمانية اضعاف المبلغ الذي قدمته للخرين .ان الوليات المتحدة هي ابخل كل الدول الغنية في .oecdفي حين ان الوربيين هم الكثر كرما . هناك المزيد .تضم الوليات المتحدة %5من سكان العالم ) ويتناقص ذلك باستمرار ( ولكنها مسؤولة عن %25من انتاج غاز ثاني اوكسيد الكاربون في حديقة العالم كل سنة . ففي كل عام يستوعب جو الكرة الرضية 20طن متري من ثاني اوكسيد الكربون لكل رجل وامرأة وطفل امريكي ولكن 9اطنان فقط لكل اوربي .وتزداد حصة امريكا باستمرار مع عرقلة ادارة بوش لي أي اجراء دولي لتقليل التلوث او الحماء الكوني. ان اسلحة الدمار الشامل الحقيقية في نظر جارتون آش هي الفقر العالمية والكارثة البيئية .ويسخر بازدراء من المثقفين المريكيين المعاصرين الذين يبسطون المور بفظاعة والذين يثرثرون بفصاحة عن المريخ وفينوس او صدام الحضارات .
10
ولكنه ليتسامح مع اللمبالة الراهنة للبيت البيض ":لقد قيل عن روما القديمة ان المبراطور نيرون كان يعزف والمدينة تحترق .في روما الجديدة الرئيس يعزف وكوكب الرض يحترق ". ومع كل هذا ل يعتبر كتاب )عالم حر( ادانة لمريكا .فتيموثي جارتون آش يعرف اوربا او بالحرى )الوربات( المتعددة . .الهندسة المتغيرة والمصالح والتحالفات التي تحد من قدرة التحاد الوربي على ان يجعل نفسه مؤثرا في السياسة العالمية . انه يشارك الظنون النجليزية الشائعة حول السيئات التي ترتكبها فرنسا ويوازن ملحظاته حول الوليات المتحدة مع اطلقات صائبة يستهدف بها الصندوق الزراعي المشترك ملحظا انه بينما في عام 2000تبرع التحاد الوربي بـ 8 مليون لكل رأس لفريقيا الصحراوية ،استطاع التحاد ان يحصل جانبا بشكل عوائد على 913دولر لكل بقرة في اوربا. ولكل ذلك فإن جارتون آش متفائل تماما في الوقاع فيما يخص اوربا والوليات المتحدة . ومما يثير الدهشة انه متفائل حتى ،كما يبدو لي ،بشيء من السخرية – حول مستقبل التحالف الوربي والدافع في جزء من هذا هو مايراه من ضرورة ملحة :يجب على الغرب ان يتوقف عن النزاع ويجد طريقة للعمل معا لخير الجميع لنه لم يتبق له سوى حوالي عشرين سنة قبل ان تصبح الصين )ثم الهند( قوة كبرى وسوف تختفي الختلفات الصغيرة النرجسية بين اوربا وامريكا ":في منظور تاريخي اطول قد تكون هذه فرصتنا الخيرة لوضع اجندة للسياسة ا لدولية ". وتلك الجندة في كتاب جارتون آش هو ازاحة الصراعات الراهنة جانبا و "اعادة خلق" غرب مابعد الحرب الباردة كنموذج وداعية للحرية :الحرية من الفاقة ومن الخوف ومن القهر البشري والبيئي ) .كان عنوان الفصل الخاص بالفقر العالمي والخطار البيئية موحيا " الجيوش الحمراء الجديدة"( ان الصدى الروزفلتي ليس مصادفة .كان في ذهن جارتون آش تحالف اطلنطي جديد وليس صدفة ان ونستون تشرتشل يحتل مركزا بارزا في مناقشاته اذ ان هذا الكتاب بريطاني قح .والختيار بين اوربا وامريكا مطروح من وجهة نظر ان البريطانيين يفهمون اكثر من أي شخص آخر )فقد عاشوا الوضاع لمدة 60عاما( فالمصالحة الطلنطية هي شيء لن يحققها سوى لندن القابعة بقلق على حافة اوربا ونصف عينها على واشنطن.
11
ولكن هل بريطانيا هي حقا )آلة تسجيل زلزل( او )ترمومتر( العلقات الوربية المريكية ؟ حقا ان المملكة المتحدة تتمكن اليوم من ان تكون جزءا من التحاد الوربي وفي نفس الوقت تقتبس تفاهة الثقافة التجارية المريكية ولكني اشك ان هذا ماكان في ذهن آش .بل انه يبدو وكأنه يرى دور لندن في تلطيف الضرر الذي يسببه النفراد المريكي من جهة والديغولية الوربية من جهة اخرى )نسخة شيراك للديغولية الوربية ل تقود الى شيء( .نموذجه هو )اطلنطية اوربية( دولية التوجه يجسدها توني بلير ":.لقد فهم توني بلير واحتضن هذه المصلحة والدور والفرصة القومية البريطانية افضل من أي من سابقيه". ومن الطبيعي ان جارتون آش ليملك ان ينكر ان بلير قد تملص حتى الن من مواجهة تحدي اقناع الشعب البريطاني الشكاك بالدستور الوربي .ول اعتقد انه يتبنى اية اوهام حول )العلقة الخاصة( ولكن مع ذلك يستمر في الصرار ان بريطانيا لعظمى لها دور حيوي تلعبه في سد الفجوة الطلنطية . ارى ان هذا زعم غريب .قد يكون توني بلير مناور سياسي مع نشاطات جانبية مربحة مع ادعاء اخلقيات مفصلة حسب المقاس ) (15ولكن مغامراته الدولية ابعدت بريطانيا عن كثير من اعضاء التحاد الوربي بدون ان يكون لها أي تأثير على واشنطن حيث تتحول زيارات رئيس الوزراء البريطاني الى تمرين في الفشل والذلل. نعم .في بعض المجالت اصبحت المملكة المتحدة اليوم شبيهة بامريكا :معدل الفقر في بريطانيا وفجوة الدخل بين الغنياء والفقراء تزداد باضطراد منذ سبعينات القرن الماضي واصبحت اقرب الى المعدلت المريكية منها الى أي دولة اوربية غربية . كما ان النتاجية حسب الساعة في بريطانيا اقل من معظم المعدلت الوربية الغربية .ولكن على اية حال كان من المفترض ان يقوم حزب العمال الجديد بالجمع بين افضل نموذج اجتماعي اوربي ونموذج المقاولت المريكي :ويعترف جارتون آش نفسه ان حزب العمال الجديد لم يتمكن من ان يحقق ذلك (16) . كتاب )العالم الحر( يقلل من شأن التحدي الذي يواجه البريطانيين – او الوربيين الخرين – وهو السعي الى جذب الوليات المتحدة الى أي مشروع دولي مشترك يتجاوز )الحرب الكونية على الرهاب( .وتيموثي جارتون آش على حق في اصراره ان امريكا اكبر من المحافظين الجدد والجهلة الجمهوريين وان هيمنتها الراهنة سوف تنتهي. ولكن كتابه يدور حول )هنا( و )الن( لذلك لنستطيع تجاهل حقيقة ان صانعي السياسة في واشنطن ليهمهم قراءة اعلن )الستقلل الداخلي( الذي يعلنه جارتون آش ،فآخر شيء يريدونه هو )مبادرة مشتركة ( ما في الشرق الوسط وليهمهم ابدا 12
)جيوشه الحمراء الجديدة( .اجل ،طبقا لمصالحها )لبد ان ترغب امريكا في ان تكون اوربا عامل التوازن لقوتها المتفوقة المنفردة ( هذه نصيحة جيدة ولكن ل احد في السلطة يستمع اليها .وتتكتل دبابات الفكر المحافظة في واشنطن ضد أي وجود دولي اوربي متحد ،وبتعبير ديفد فروم عضو معه انتربرايز المريكي وكاتب سابق لخطب بوش ":انها تثير اسئلة ستراتيجية مهمة )أي اننا لنحبها( " ).(17 وقد نقل عن وزيرة الخارجية المريكية الجديدة قولها عام ": 2003ان الوليات المتحدة تنوي ان :تسامح روسيا وتتجاهل المانيا وتعاقب فرنسا" وطبقا لتقرير حديث لمجلس الطلنطي فإن ادارة بوش تعتبر اوربا مدانا مطلق السراح )تحت المراقبة( حيث يعتمد موقعها المستقبلي مع واشنطن على تحسين سلوكها . (18) .ولول مرة منذ الحرب العالمية الثانية تظهر اصوات مؤثرة تقول ان اوربا موحدة ستكون خطرا على المصالح المركيية وان على الوليات المتحدة ان تعرقل ظهورها . فوق كل ذلك ،فإن القيم الوربية المريكية المشتركة التي يبني عليها تيموثي جارتون آش نقاشه قد لتكون بهذا التقارب كما يوحي في كتابه . ان الوليات المتحدة بتدينها الواسع ومكانة ا في الشؤون العامة وشكها بالمعارضة وخوفها من التأثير الجنبي وجهلها بالبلد البعيدة واعتمادها على القوة العسكرية عند التعامل مع تلك البلد ،قد تتماثل مع دول اخرى بهذه الصفات ولكن بالتأكيد ليس من بينها دول اوربية . عندما صدرت معاهدة حظر اللغام الرضية في المم المتحدة عام 1997بتصويت 142/0امتنعت الوليات المتحدة مع روسيا وحفنة دول اخرى .والوليات المتحدة هي احدى دولتين فقط )الخرى الصومال( التي لم توقع على معاهدة حقوق الطفال في . 1989كما ان معارضتنا للمعاهدة الدولية لحظر السلحة البيولوجية تشاركنا فيه الصين وروسيا والهند وباكستان وكوبا وايران . ان الغاء عقوبة العدام شرط لعضوية التحاد الوربي في حين ان الوليات المتحدة حاليا تعدم السجناء بمعدل ليضاهيها فيه ال الصين وايران والسعودية والكونغو . كما ان معارضة امريكا لنشاء محكمة جرائم الحرب الدولية لقيت تأييدا داخل المم المتحدة وخارجها من قبل ايران والعراق وباكستان واندونيسيا واسرائيل ومصر. اما العقيدة المريكية بشان )الحرب الوقائية( فإنها تجد صدى الن في روسيا باسم )مكافحة الثورة الوقائية ( ).(19 13
اما بالنسبة للمم المتحدة ذاتها ،جوهرة تاج المنظمات الدولية فقد انشئت بعد الحرب العالمية الثانية من قبل جيل اسبق من القادة المريكيين .وبينما اكتب هذا تجري حملة محمومة من واشنطن للطاحة بكوفي عنان السكرتير العام ومن اجل تكسيح المنظمة . اذن ،ماذا يمكن ان تفعل اوربا ؟ اول مقاومة اغراء اعتبار التوترات الحالية فضيلة . ان انكار وجود توتر مسألة عديمة الجدوى .في العهود الماضية كان دور )الخر( بالنسبة لوربا – وهو الجار القريب الذي به تقاس هويتهم المتفردة – كان دائما تحتله تركيا وروسيا .اليوم تحتله الوليات المتحدة ولكن مثل جارتون آش ،اعتقد انه من الخطأ اتباع نصيحة جركن هابرماس ومحاولة بناء اتحاد اوربي قائم باختلفات قيمة عابرة للطلنطي. بالتأكيد يحتاج الوربيون الى ايجاد قصد وتحديد دور مشترك ولكن هناك طرقا افضل لتحقيق ذلك .منها التصديق على دستورهم المقترح .ان هذه الوثيقة تثير عصاب وقلق واشنطن )ولندن( ولكنه في الواقع ممل وليعالج المشاكل .معظمه يتكون من وصفات عملية لجراءات اتخاذ القرار في هيئة من اكثر من 25دولة مستقلة ذات سيادة .ان الدستور يدعم ايضا دور المحاكم الوربية ويعزز مسألة اعتقال المجرمين عبر الحدود ) وهو هدف محمود لي شخص جاد في مسألة مكافحة الرهاب( .فيما عدا ذلك ليقدم الدستور سوى مادة وتطبيق لدعاء التحاد الوربي في )تنسيق سياسات العمالة والقتصاد في الدول العضاء( انها ليست وثيقة ملهمة كثيرا ،ورئيس كتابها فاليري جسكار ديستان ليس توماس جيفرسون ولكن الدستور مع ذلك سوف يكون من الناحية العملية نافعا الى حد كبير . فوق كل شيء ،سوف يساعد الدستور اوربا في استمرار دعم قوتها الدولية رغم العرقلة المريكية ) (20ومحاولت ادارة بوش تقريب او الضغط على بعض الدول العضاء بشكل انفرادي .فالتحاد الوربي هذا اليوم ليس مجرد نموذج لقيادة دول متحدة فيما بينها بدون عوائق تجاوز السيادة .لكن اوربا خبرت القرن العشرين – الغزو والحتلل والحرب الهلية والفوضى والمذابح والبادة والبربرية -الى درجة ل تضاهى في أي مكان آخرلهذا فان المخاطر التي تأتي بها حرب اختيار )العراق( او تجاهل المنظمات الدولية من اجل مبادرات فردية او العتماد الزائد على القوة العسكرية ،يفهمها الوربيون اكثر من غيرهم ": .يريد الوربيون ان يكونوا على يقين من انه لن تكون هناك مغامرات في المستقبل .لقد شبعوا من ذلك .(21) ". على عكس من ذلك فإن الوليات المتحدة لم تكن لها تجربة مباشرة بأسوأ احداث القرن العشرين – ولهذا فهي ل تملك – للسف – حصانة من دروسها .
14
ان الوطنية القتالية على الطراز المريكي كا يلحظ جارتون آش نادرة في اوربا المعاصرة .ان هذه الكراهية للنزعة القتالية يتجاوز الميل التقليدي للسلم .لم يعد الوربيون يفكرون حتى مجرد تفكير باسلوب عسكري فيما يخص علقات الدول ببعضها .وهذا يجعلهم – خلف مايظنه النقاد المريكيون – اكثر تأثيرا وليس اقل في معالجة الزمات الدولية .مازالت الوليات المتحدة ماهرة في فن صناعة الحروب .ولكن صناعة الحرب هو الستثناء في الشؤون الدولية المعاصرة .ان التحدي الحقيقي هو منع الحرب وصنع السلم والحفاظ عليه .وهذا فن تجيده اوربا وسوف تطوره باستمرار. تقدم دول التحاد الوربي اكبر حصة من جنود حفظ السلم والشرطة الدوليين . والوربيون لديهم قدرة عسكرية حقيقية رغم انها محدودة ويحتاجون الى توجيه المزيد من الرصدة للقوة الوربية العسكرية المزمع انشاؤها من 60الف جندي ، حتى تكون فاعلة .ان افضل القوات الوربية – مثل – الجيش البريطاني كان قد تدرب لمدة عقود طويلة للعمل مع السكان المدنيين في المناطق المحتلة والمحاربة . وهي خبرة يفتقر اليها الجيش المريكي بشكل مفزع .سيمر وقت طويل قبل ان يطور التحاد الوربي وينفذ سياسة خارجية مشتركة – رغم ان الدستور الجديد سوف يسهل ذلك على القل بتعيين وزير خارجية اوربي مفوض بالحديث نيابة عن التحا د بشكل عام .ولكن حين يتمكن التحاد اخيرا من الحديث ككتلة واحدة سوف يشكل قوة كبيرة . لن يكون السبب ان التحاد غني او كبير – رغم انه يملك كل الصفتين .الوليات المتحدة غنية وكبيرة .ويوما ما قد تكون الصين اغنى واكبر .ولكن اهمية اوربا تكمن في مسألة اضمحلل الحدود بين الدول والتي تتمحور حولها اوربا المعاصرة . ان )العولمة( ليست في الساس تخص التجارة والتصالت والحتكارات القتصادية اوحتى تكوين امبراطورية .لو كان المر كذلك فلن يكون هذا شيئا جديدا .فقد تم )عولمة( مجالت الحياة هذه منذ مائة سنة . (22) . ان العولمة هي اختفاء الحدود – الثقافية والقتصادية والطبيعية واللغوية وتحدي تنظيم عالمنا في غياب هذه الحدود .وبتعبير جان ماري جينو مدير المم المتحدة لعمليات حفظ السلم ":بعد فقدان الراحة التي توفرها الحدود الجغرافية يجب ان نعيد اكتشاف ما يوثق العروة بين البشر ويكجون مجتمعا (23) ". وقد بدأ الوربيون يفعلون ذلك بكثير من الدهشة انفسهم وبعض الرعب احيانا :خلق عروة بين الكائنات البشرية تتجاوز الحدود القديمة ومن اجل خلق مجتمع من هذه الشكال المؤسساتية الجديدة .وهم ل يحسنون فعل ذلك دائما ومازال هناك بعض الحنين في بعض القطاعات لتلك الحدود القديمة .ولكن شيء افضل من لشيء . واللشيء هو الذي سيبقى لنا اذا تركنا المعاهدات والتفاقات والوكالت الدولية 15
والقوانين والمؤسسات الهشة والتي انشأناها منذ 1945تضمر وتتعفن – او اسوأ ان نتعمد نحن اضعافها وتعفنها .ان الذي يحدث الن هو ان الوربيين يكسرون الحدود ويقيمون المجتمع الواحد افضل من غيرهم في حين ان الوليات المتحدة الواقعة مرة اخرى في كمين اسماه توكفيل ":المديح البدي الذاتي " ل تبذل أي جهد حتى من اجل المحاولة . *************
الهوامش : ) (1انتقدت بشدة شبكة التلفزيون المريكية مؤخرا لعرضها لمحة من جسد جانيت جاكسون مبررة ذلك بـ )قلة الذوق والدب( )كانت المغنية جاكسون قد اسقطت حمالة فستانها واظهرت احد ثدييها وهي على المسرح باعتباره سهوا غير مقصود – المترجمة ( :في حين ان العلنات التجارية عن البضائع التي تزيد فحولة الذكر تمر دون تعليق .يبدو ان ثدي النثى يمكن ان يخرب اخلق المة في حين ان اظهار قضيب الرجل يخدم القيم العائلية . ) (2انظر روبن بلكبرن )الصيرفة من الموت :او الستثمار في الحياة :تاريخ ومستقبل التقاعد( )فيرسو (2002ص 201جدول 2-3 ) (3برنامج تقييم الطالب الدولي لعام – 2003التقرير اصدره ) OECDفي . 6/12/2004انظر ايضا www.pisa .oecd.org ) (4انظر اندرو شارب ،جدول الملحق ) 2النتاج لكل منزل في دول oecdمقارنة بالوليات المتحدة لعام 2003مركز دراسة المعايير المعيشية )مراقبة النتخابات الدولية رقم 9خريف 2004في www.csis.ca/ipm/9/sharpe-tables.pdf : ) (5لحظ ايضا ان الرتفاع المتزايد لتكاليف التأمين الطبي الصحي في الوليات المتحدة يضع عبئا على الشركات المريكية يشابه عبء الضرائب الجتماعية على نظرائهم في التحاد الوربي – ولكن مع عدم توفير المنافع الجتماعية . ) (6كاترين بيناهولد )حب الراحة و اسباب اوربا( نيويورك تايمز 29/7/2004 ) (7بعد تعريف ال oecdلدخل العائلة ،اقل من %50من الدخل الشخصي للشعب. ) (8مثير للشهية ام ل ،ليمكن تكرار النموذج القتصادي المريكي في أي مكان آخر .ان المريكان هم المستهلكون رقم واحد في العالم ولكن العجز التجاري في الميزانية يصل الى مستويات غير مسبوقة .ان مايمنع الدولر من النهيار بشكل تام هم الجانب الراغبين في التمسك به :ان المريكان يصرفون الن نقود غيرهم على شراء بضائع غيرهم .لوكانت الوليات المتحدة اية دولة اخرى لكانت الن بين ايدي صندوق النقد الدولي الذي ليرحم . ) (9قصيدة )القرية المهجورة ( 1770 16
) (10كما يصف رايد ديفد بيكهام باعتباره )مايكل جوردان اوربا( فإن بكهام هو لعب كرة قدم بتسريحة درجة اولى وزوجة مشهورة .ولم يكن سوف يبزغ في ايام بيل وجوهان كرويف او فيرينك بوشكاش .ان هيمنته على صفحات المجلت الرياضية الوربية توضح قوة التسويق العابرة للحدود ولكن في هذا وفي غيره من المجالت يعتبر بيكهام نصبا كئيبا لروح هذا العصر :انه بتعبير كامو "prophete "vide pour temps mediocreوالتشبيه هنا ل يقصد به مايكل جوردان وانما دنيس رودمان . ) (11على أي حال ان عدم وجود دين لمريكا حاليا هو مثل رهن للمستقبل مثل التزامات اوربا لرفاهية المواطنين .والمريكيون الذين يؤشرون بأصابعهم على فجوة التقاعد الور بية يجب ان يتذكروا انه لو تركت يونايتد ايرلينز او جنرال موتور اواي شركة على وشك النحلل التزاماتها التقاعدية التي ليمكنها تمويلها فإن دافع الضرائب المريكي هو الذي سيتحمل العبء اخيرا . ) (12لقراءة تقرير اكثر عمقا وتفاؤل بخصوص فرنسا اقرأ كتاب هيرمان ليبوفيكس )اعادة المبارطورية الى الوطن :فرنسا في عصر العولمة ( نشر جامعة ديوك .2004 ) (13ربما ليس بالنسجام المطلوب ,فقد بدأ بعض قادة اوربا الغربية يتساءلون لماذا يجب عليهم القيام بنقل ميزانية كريمة الى العضاء الجدد مثل سلوفاكيا التي تستخدم تلك الموال لتخفيض ضرائبها الداخلية وهكذا تسرق الصناعات والعمل من زملئهم في اوربا الغربية الذين يقدمون بضائع اغلى . ) (14معضلة تركيا معقدة والليبراليون الوربيون حسنو النية قد يجدون انفسهم على جانبي المناقشة .لقراءة موجز معقول وحساس لمسالة وضع تركيا على بعد معين انظر مقابلة روبرت بادنتر وهو وزير عدل فرنسي سابق في لو فيجارو .13/12/2004 ) (15في مؤتمر حزب العمال الجديد الخير بدل من محاولة الدفاع عن اسباب الذهاب الى حرب العراق ابلغ بلير الحاضرين بانه "يؤمن بأنهم يجب ان يشاركوه ايمانه وفي أي الحوال انه )مثل مارتن لوثر ( " اقف هنا ول استطيع أي شيء اخر " )(16انه يشير الى نكتة معروفة ":كانت بريطانيا قد خوعدت ان الطريق الثالث لبلير سوف يأتي لها بالجامعات المريكية والسجون اللمانية – ولكن ماتحصل عليه بريطانيا الن هو السجون المريكية والجامعات اللمانية. ) (17مقالة فريدريك ستودمان )المحافظون المريكيون يلقون نظرة قلقة على معاهدة التحاد الوربي( التي نشرت في فاينانشال تايمز . 5/11/2004ويمكن العثور على نبرة القلق الجديدة في الكثير من وسائل العلم المريكية .انظر مثل مقالة جيفري سيمبالو )انقاذ الناتو من اوربا( في فورين افيرز عدد نوفمبر/ديسمبر .2004 ) (18انظر بومان كتر راشيش وباول ستيرن )واشنطن تريد اصلحا اقتصاديا في اوربا(الفاينانشال تايمز 22/11/2004 17
) (19المصطلح استخدمه مستشار الكرملين غليب بافلوفسكي لوصف ستراتيجية بوتين لمعالجة تحديات )الحتواء( على الحدود الروسية .اشكر ايفان كراستيف من جامعة اوربا الوسطى في بودابست لهذا الشارة في مقالته غير المنشورة )جاذبية اوربا الفتاكة(. ) (20تستمر الوليات المتحدة في عرقلة جهود اوربا للوصول الى تسوية نووية مع ايران .حتى في مثل هذا الملف الحيوي كانت واشنطن تهتم بمخاطر نجاح المبادرة الوربية اكثر من منافع تسوية اقليمية . ) (21الفونس فيربليتس )محافظ البنك الوطني في بلجيكا(. ) (22في هذا انظر الفقرات الفتتاحية في مقالة جون مينارد كينيس )النتائج القتصادية للسلم ( بنجوين 1995 ) (23جان ماري جينو )نهاية الدولة المة ( ترجمة فكتوريا اليوت )جامعة منيسوتا ( 1995صفحة 139 ***** نشرت في "وجهات نظر" في مارس 2005
18