الف�صل الثالث :التدين ب�صيغة امل�ؤنث
حممد الطوزي
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
مقدمــة
لي�س اختيار تخ�صي�ص ف�صل للتدين ب�صيغة امل�ؤنث ،جمرد ان�سياق وراء ت�أثري مو�ضة «درا�سات النوع االجتماعي» « ،» gender studiesبل هو نابع من الرغبة يف اختبار بع�ض النماذج النمطية، التي ي�صف �أك ُرثها رواج ًا املر�أ ًة على �أنها قليلة االلتزام مبمار�سة �شعائرها الدينية و�أقرب ما تكون �إىل ال�سحر وعبادة الأ�ضرحة منها �إىل االلتزامات ال�شرعية وتنجذب �إىل الهرطقات واجلانب العاطفي والالعقالين للدين .ومثل هذه املر�أة ،التي هي بالأحرى امر�أة حمافظة ،تعيد �إنتاج املوروث من دون �أن تناق�ش �أ�س�سه وترف�ض التجديد بهاج�س احلفاظ على ن�سق املعتقدات و�إعادة �إنتاجه بكيفية مطابقة للأ�صل. ي�سمح هذا االختيار كذلك ،مب�ساءلة تقليد را�سخ ل�سو�سيولوجيا دينية قامت ب�إعداد براديغم خا�ص لعالقة املر�أة بالدين (�أرجيل ،هالمي .)1975 ،وبالت�أكيد ف�إن الأبحاث امليدانية القليلة التي مت تخ�صي�صها لتدين الن�ساء ،اهتمت �إىل حد كبري بالن�ساء امللتزمات بالدين عرب التنظيمات الدينية الن�سوية (النغلوا� )1984 ،أو �إ�سالم الن�ساء ال�صوفيات� .إن املمار�سات الدينية (لدى الن�ساء) غالبا ما مت تناولها من خالل هوام�ش الديانات :املمار�سات ال�سحرية ،ال�شعوذة �أو عبادة الأولياء. وح�سب ما ورد يف تلك الأبحاث ،ف�إن التفاوتات بني الن�ساء والرجال يف هذا املجال قد ال تتعلق بنوع التدين املعلن عنه فقط �سواء �أكان م�ؤ�س�ساتيا �أو مل يكن كذلك .وهناك تف�سري يحيل على �سيطرة نزعة ذكورية يعززها تق�سيم الفعل الديني حيث يحتل الرجال اجلزء الأعلى من الهرم وتتوىل الن�ساء الأدوار الثانوية (برينو �إتيان .)1981 ،وقد اهتمت هذه الدرا�سات كذلك بكثافة املمار�سات الدينية؛ ففي �أغلب الدرا�سات الإح�صائية حول الدين ،يظهر تدين الن�ساء �أكرث قوة من تدين الرجال .و لأول مرة ،يبني حتليل الأدبيات املتعلقة بهذا املو�ضوع� ،أنه بالإمكان مالحظة التفاوت املذكور يف كافة م�ؤ�شرات التدين كيفما كانت ال�شروط ال�سو�سيو -اقت�صادية للذين �أدلوا بت�صريحاتهم يف هذا املو�ضوع ويف كل الفرتات (كام ّبي�ش.)1996 ، انطالقا من معطيات حول درا�سة القيم الأوروبية ل�سنة 1996التي �أُجنزت لأول مرة �سنة ،1981 تربز حتليالت بْ .بري�شون ( )1996تفاوتا وا�ضحا بني درجة تدين الن�ساء ودرجة تدين الرجال؛ 199
الإ�سالم يف احلياة اليومية
فهي ال تتغري ب�شكل ملمو�س ال ح�سب عقيدة الأ�شخا�ص (بروت�ستانت �أو كاثوليك) وال ح�سب التباين بني �شمال �أوروبا وجنوبها الذي ي�شمل يف جزء كبري منه االختالف الطائفي بني هذين الطرفني� .إن هذا التمايز بني �شمال �أوروبا وجنوبها ال ي�ؤثر مع ذلك يف الفرق بني اجلن�سني؛ فحتى ولو كانت الن�ساء الإ�سبانيات �أوفر عددا بكثري من الرنويجيات �أو ال�سويديات يف ح�ضور القدا�سات الدينية ،ف�إن العالقة بني الن�سبتني املئويتني للرجال والن�ساء املمار�سني لل�شعائر الدينية تظل متكافئة يف البلدان الثالثة .تكمن الفر�ضية املف�سرة لهذه الظاهرة التي حظيت بقبول عام من طرف علماء اجتماع الأديان ،يف ربط عالقة التفاوت بني درجة تدين الرجال ودرجة تدين الن�ساء ،بطرق التن�شئة االجتماعية .وهناك كتاب �آخرون ي�شككون يف وجاهة التف�سريات التي حتيل على و�ضع املر�أة و�إىل التعيني االجتماعي للأدوار ويقرتحون �إرجاع ربط املواقف الدينية للن�ساء بنوع من الطبع امل�شرتك؛ �إذ من �ش�أنهن املحافظة على املوقف الديني انطالقا من رهان با�سكايل يرتجم النفور من التعر�ض للخطر� .إن املوقف الالديني قد يكون بالن�سبة للن�ساء مغامرة عدمية الفائدة (ميلر وهوفمان .)1995 ،لقد بينت بع�ض الدرا�سات يف علوم الأديان �أن من �ش�أن الن�ساء االجنذاب �إىل الدين واخلوارق �أكرث مما هو عليه الأمر بالن�سبة للرجال (فران�سي�س .)1997 ،ومهما كانت امل�ؤ�شرات التي وقع عليها االختيار؛ الإميان باهلل ،املمار�سة الدينية ،ال�صالة ،ال�شعور الديني الداخلي ،الإميان باحلياة بعد املوت ،الإميان باخلوارق ،ف�إن الن�ساء يظهرن دائما تدينا �أكرب من الرجال بحيث يبلغ التفاوت املتو�سط حوايل . % 10 23
يف املغرب ،وبا�ستثناء املراجع املرتبطة مبا�شرة مب�س�ألة تدين الن�ساء خ�صو�صا املوا�ضيع التي تربط املر�أة باخلرافة وباملمار�سات ال�سحرية املتعلقة باخل�صوبة ،ف�إن املراجع بهذا اخل�صو�ص تكاد تكون منعدمة (ح .زيراري 1993 ،و)1999؛ فالأبحاث حول املمار�سات الدينية �إما �أن تهتم ببع�ض الفئات من ال�سكان كال�شباب والطلبة (�آدم ،1962 ،الطوزي ،1984 ،بورقية� ،)2000 ،أو ال ميكن مقارنتها ب�سبب اختالفها الن�سبي مع االختيارات املنهجية لهذا البحث (�إتيان ،الطوزي.)1981 ، - 23كتب كامبيت�ش ما يلي� « :إن ميل الن�ساء اىل �إبداء اهتمام �أكرب بالدين ال ميكن اختزاله يف تاريخ مت جتاوزه� .إنه ي�شكل بعدا للم�شهد الثقايف- االجتماعي املعا�صر كما تدل على ذلك معطيات البحث الأوروبي حول القيم؛ فهذه املعطيات تربز دائما تفاوتا بني الن�ساء والرجال كيفما كان البلد املعني ،وب�صفة خا�صة كيفما كان املوقف �أو ال�سلوك الذي مت �أخذه بعني االعتبار .وكونية هذه املالحظة ،التي يتبني �أنها م�ستقلة عن املوروث الديني (املذهبي) الذي ينخرط فيه كل بلد ،هي كونية تتجه نحو التبلور ...وبعر�ضه على اختبار املقارنة ،ف�إن هذا القانون ال زال م�ستمرا» مرجع �سابق� ،ص. .75
200
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
عالوة على قيا�س كثافة املمار�سات الدينية التي ينبغي �أن تف�ضي يف هذا العمل �إىل بناء م�ؤ�شر للكثافة و�إىل ت�صنيف علمي لأنواع املتدينني ،ف�إن هدفنا هو فح�ص بع�ض املالحظات الإمربيقية النوعية واملتعلقة بتطور التدين يف املغرب .وقد �أبرزنا بالفعل يف �أعمال �أخرى �أن املالحِ ظ احلذر للتغريات االجتماعية والثقافية التي حدثت يف املجتمع املغربي خالل اخلم�سني �سنة الأخرية ،ال بد و�أن يالحظ مقدمات بداية حتول جارية للعالقة مع الدين؛ ويتعلق الأمر باالنتقال �إىل الدنيوية الذي حتدث جاك بريك عن خطوطه العري�ضة (جاك بريك� ،1962 ،ص )69-71 .والذي �أخذه بعني االعتبار كل من حممد احلجوي واملختار ال�سو�سي بكيفية حد�سية بني احلربني العامليتني ومبا�شرة بعد اال�ستقالل .فقد دار ال�صراع الثنائي بني عقليتني؛ بني منطني يف التفكري ،بني نظامني للقيم �أحدهما ع�صري والآخر تقليدي ،ل�صالح النظام الثاين .وبالت�أكيد ف�إن هذا التطور ح�صل يف نف�س الوقت الذي تقوت فيه املقاومة �أكرث ف�أكرث على م�ستوى اخلطاب بوا�سطة الهوية و�إ�ضفاء القدا�سة على املوروث. ال تقت�ضي فر�ضية االنتقال �إىل الدنيوية ،تخلي�ص العامل من الأوهام وال اختفاء �أو �أفول الدين، و�إمنا تقت�ضي بالأحرى �إعادة انت�شاره يف �أماكن غري اعتيادية من املهم حتديد موقعها وحتليلها� .إنها ت�ستلزم فقط �إعادة ت�أويل الديني يف �إطار تراتبية جديدة للقيم والأولويات .واخلال�ص املحدد للأفق الذي يجب بلوغه وطرق حتقيقه هو ما ي�سم معايري تدين جديد معق َلن على نحو �أكرب. لقد حاولت م�سارات احلداثة الق�سرية التي ت�ستعمل �إطارا لالنتقال �إىل الدنيوية� ،أن تنهج طريقا للتغيريات القا�سية والعنيفة �أحيانا على �شاكلة اال�ستعمار والدولة املغربية التي جاءت من بعده، واعتمدت تارة �أخرى م�سل�سال لن�شر احلداثة باملوهبة ال�شعرية واملحاكاة بل وا�سرتاتيجية لال�ستمرار يف احلياة حملها فاعلون كانوا يعتقدون �أنهم يدافعون عن تقليد دائم .وقد �أبانت احلركة الوطنية �سلفا عن ازدواجية يف م�صطلحات لغتها من دون �أن تخدع مع ذلك عاملها بالكامل .وقد حمل الإ�سالم الوطني الذي ا�ستقى من القر�آن �أكرث مما ا�ستقى من املوروث ال�شفهي جيال جديدا �إىل ال�سلطة حافظ على خطاب خال من الأوهام واخلرافات مع االعتماد يف نف�س الوقت على قراءة عقالنية للدين .ومنذ ذلك احلني بد�أ االنتقال �إىل الدنيوية وظل التعاي�ش لفرتة معينة بني الأمة 201
الإ�سالم يف احلياة اليومية
والوطن ،ال�سلطان وامللك ،املواطن والرعية ،الطربو�ش والعمامة؛ يحيل على تالعب بالكلمات وبامل�شاهد �أكرث مما كان يحيل على اجلوهر .و�سيتوقف الدين الذي متت املطالبة به يف كل حني، عن �ضبط الزمان واحلياة حيث كان ملزما �ش�أنه يف ذلك �ش�أن رجال الدين ،بالتعاطي مع زمن جديد مهيمن؛ فهناك تدخل قوي لزمكان الدولة املحددة ترابيا يتم فيه ا�ستخدام الإ�سالم اليعقوبي امل�ؤطر بامل�صلحة العليا للدولة. �إن امل�سجد الذي كان يحتل و�سط املدينة يف املا�ضي ،مت حتويله �إىل �ضاحيتها لفائدة مقر العمالة �أو الثانوية �أو اجلامعة؛ فما بني دين الدولة وتدين امل�ؤمنني ،مل يعد ميلأ الف�ضاء الو�سيط �سوى علماء دين مرخ�ص لهم م�ؤطرين بقواعد حمددة �سلفا .كما �أن املبادرة الأهلية مل تعد فاعلة �إال يف الهوام�ش القروية .وقد يكون من غري املجدي القيام بجرد للممار�سات املرتبطة بالإ�سالم الأ�صيل والبدع التي متت حماربتها وحققت انت�صارا خالل خم�سني �سنة :انت�صار ال�شعر امل�صفف على «الكرن» (ر�أ�س حليق مع �إعفاء خ�صالت تكون عند ا�ستطالتها ما ي�شبه ذيل الفر�س) ،انت�صار جالبة تطوان على «احلايك» (ثوب �أبي�ض من القطن �أو من ال�صوف الناعم يلف ج�سد املر�أة)، والنعل على احلذاء والبال�ستيك على الدوم والق�صب؛ وانت�صار ال�سينما امل�صرية وارتياد املقاهي. �أدى تراجع بل اختفاء منط العي�ش الفالحي -ليف�سح املجال لأمناط جديدة من احلياة احل�ضرية ال�صناعية والدنيوية � -إىل قلب معنى الأ�شياء وم�صري الأ�شخا�ص ر�أ�سا على عقب من دون �أن تف�ضي مع ذلك �إىل عامل خال متاما من الأوهام واخلرافات. �إن لعبة التوليف بني الكلمات وبني ال�سلوكات التي جت�سد هذين النمطني من التنظيمات االجتماعية ،هي نف�سها لعبة الفاعلني يف مرحلة بناء امل�شروعية من �أجل الو�صول �إىل ال�سلطة. �إنها تف�سح املجال لإنتاج مكثف حلقول من الدالالت تقدَّم كحقول متجان�سة بل ومت�شابهة .وهي حالة اجلمع بني مفهومي املوروث والدين يف تعار�ض مع مفهومي احلداثة/العلمانية والدميقراطية. وتقدَّم الثقافة التقليدية كنظام من القيم واملعايري واملعتقدات �أكرث جتان�سا مما قد تكون عليه الثقافة املعا�صرة؛ حيث ميكن �أن تكون هذه الأخرية متميزة بالتنافر وبتعدد القيم واالختيارات الثقافية املقدَّمة للأفراد .وظهور هذه االزدواجية التي تق�صيها التاريخانية ،هو �أمر يف غاية ال�صعوبة؛ 202
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
فالعلوم االجتماعية ال تتوفر �سوى على عدد قليل من الأدوات لت�أويل عمليات اجلمع املفارقِة املتمثلة يف املطالبة باملوروث امل�أثور من خالل �سلوكات مبنية على نظام من القيم احلديثة �أو العك�س .والأمثلة بهذا اخل�صو�ص عديدة :و�ضع احلجاب من طرف �شابات �أطر متفردات، االنف�صال عن التكنولوجيات والقيم ...وحتيل �أمناط ت�أويل هذا الظهور الزدواجية مطمئِنة �إىل تف�سريات تتعلق بالرتميق بعدما كانت حتيل �إىل اال�ستيالب .ولل�شخ�ص ،ب�سبب ال�سياقات االجتماعية املختلفة التي يعمل فيها� ،إمكانية تبني قيم خمتلفة بل ومتعار�ضة .وهو �أمر يتناق�ض مع ر�ؤية جمتمع تقليدي يتم تقدميه بكثري من احلنني �إىل املا�ضي باعتبار �أنه يتوفر على معايري وقيم �أكرث متا�سكا ومناذج ال�سلوك البديلة فيه حمدودة والتعلق باملوروث �أمر يتم تثمينه عموما. وما يو�ضع يف الوقت الراهن مو�ضع �س�ؤال يف بع�ض الأحيان ،لي�س هو املوروث باعتباره كذلك و�إمنا هذا العن�صر �أو ذاك من عنا�صر املوروث .و يتم التقييم وفق معايري متنوعة؛ حيث يتم ا�ستبعاد بع�ض املوروثات لتبينُّ هرطقتها ورف�ض �أخرى با�سم العلم والتقدم .بيد �أن املوقف الأكرث تواترا يهدف �إىل توليف املوروث واحلداثة؛ وهو �أمر ي�صدق على عدة جماالت جد متنوعة مثل ال�سيا�سة والأعياد واللبا�س وفنون الطبخ واملعمار والأثاث ،الخ .وامل�شكل يطرح عندما يتم جتاوز امل�ستوى العام للمبد�إ من �أجل معاجلة ق�ضايا خا�صة .والبحث حول القيم الذي مت �إجنازه يف �إطار هذا العمل ي�ؤكد يف نف�س الوقت الت�أزم الذي تعاين منه العلوم االجتماعية فيما يخ�ص ت�أويل هذه التغريات املفارقة ،لكنه ي�ؤكد �أي�ضا الطابع العادي واملبتذل للمجتمع املغربي بالن�سبة لعمليات املقارنة مع جمتمعات �أخرى و�صلت فيها هذه ال�سريورات درجة جد متقدمة .وال�س�ؤال الذي نطرحه هو معرفة ما �إذا كانت م�ؤ�شرات االنتقال �إىل الدنيوية التي نعتقد �أنها جد متقدمة على م�ستوى املمار�سات ،متقاربة وما �إذا كانت مت ِّكن من �إثبات مثل هذا التطور مع �إبراز التفاوت القائم بني خطاب النُّخب حول املوروث و�سلوك الفاعلني. يف هذا العمل الذي يتمحور حول تدين الن�ساء ،يتعلق الأمر بدرا�سة خم�سة �أبعاد حتيل على ممار�سات دينية (ال�صالة ،ال�صوم) ،كما حتيل على معرفة اجلانب الديني وم�صادر املعلومات وعالقات بع�ض الآراء التي حتيل على ال�سيا�سة والأخالق واجلانب الديني وعالقات ال�سلوكات الدنيوية بالدين .وحتيل �أخريا على مكانة التدين التقليدي ال�شعبي يف املعي�ش الديني لأيامنا هذه. 203
الإ�سالم يف احلياة اليومية
بناء على عينة تتكون من � 1156شخ�صا ،متكننا من �إجراء مقابلة مع 609امر�أة .وتعترب ال�ساكنة الن�سائية التي �شملها البحث يف غالبيتها �شابة؛ حيث �إن عمر % 54من الن�ساء امل�ستجوبات �أقل من � 34سنة و� % 10أكرث من � 60سنة .كما �أن ن�سبة % 47,1مقيمات يف املدينة ،وتبلغ ن�سبة الأمية ،% 51,2بينما الفئة املهنية الأكرث �أهمية هي فئة الن�ساء ربات البيوت �إذ ميثلن % 46,1من ال�ساكنة الن�سائية التي �شملها البحث. ال�شكل 44
ال�شكل 45
204
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
ال�شكل 46
ال�شكل 47
1املمار�سات الدينية :االلتزام ال�رشعي وت�أثري العقلنةال�صـــــالة
تعد ق�ضية ممار�سة ال�صالة م�س�ألة �شائكة بل وملتب�سة؛ فمن بني كل املمار�سات الدينية ،تعترب ال�صالة �أكرث �أهمية .والنا�س ي�صرحون على الدوام ب�أن الإ�سالم يتمثل �أوال وقبل كل �شيء يف ال�صالة؛ ومن املقوالت ال�شائعة كذلك «حذاري ملن ال ي�صلون هم يف جهنم خالدون ولن تطالهم �شفاعة 205
الإ�سالم يف احلياة اليومية
النبي حممد»� .إن الثقافة ال�شعبية تلح كثريا على �أهمية �إقامة ال�صالة على الأقل على م�ستوى اخلطاب ،حيث نالحظ بالن�سبة لهذه املمار�سة بالذات تفاوتا �أكرب ما بني اخلطاب والواقع؛ على اعتبار �أن النا�س ال يتذمرون عندما يلتقي بع�ضهم بع�ضا وينزوي جزء منهم �إىل ركن لإقامة ال�صالة يف حني يوا�صل اجلزء الآخر تبادل �أطراف احلديث .ومن جهة �أخرى ،ف�إن رقابة اجلماعة يف �أ�صغر قرى الأطل�س الكبري �أكرب والذهاب �إىل امل�سجد هو التزام اجتماعي �أكرث مما هو ديني. وقد �أدخل احل�سن الثاين ال�صالة �إىل املدار�س ،و�أ�صبحت ال�صالة يف الثمانينات مطلبا من املطالب النقابية الأكرث ت�شددا حيث �أ�صروا على �ضرورة توفري �أماكن لل�صالة يف �أماكن العمل. �إن املواظبة على �إقامة ال�صالة حتد ي�صعب املحافظة عليه؛ حيث يحدث �أن ينقطع النا�س عن ال�صالة يف حلظة معينة من حياتهم ثم يعودون �إىل �إقامتها يف وقت الحق .وي�صدر اخلطاب ال�شعبي على هذه الفئة من الأ�شخا�ص الذين ي�صلون بكيفية متقطعة حكما قا�سيا ،حيث يقال�« :صلي واقطع ،من جهنم ما يطلع». ال تتوفر لدينا مرجعية متكننا من قيا�س تقدم �أو تراجع ممار�سة الن�ساء لل�صالة؛ فذكريات الطفولة تعيد �إلينا �سلوكا حمت�شما ال ي�صبح مرئيا وم�ؤكدا �إال مع التقدم يف ال�سن .واملعرفة بال�صالة مل تكن �أبدا �إلزامية ومل يتم تعميم مناذج التدين املثايل �إال بعد بث التلفزة ل�شريط رابعة العدوية امل�صري وهي امر�أة مثالية من حيث الورع والتقوى .والنموذج النمطي الأكرث ا�ستقرارا يف الأذهان ،يقدم لنا «امر�أة جاهلة ب�أمور الدين ،امر�أة بال عقل وال دين ت�ستمر يف الدفاع عن اخلطاب الذكوري ما دام دم احلي�ض والنفا�س يق�صيانها من دوائر الطهر» .هذه ال�صورة التي يرعاها الفقهاء الأكرث حمافظة هي �صورة بالكاد مت التلطيف منها بنوع من الفكر املتعاطف الذي ين�شد تعدد �سبل حتقيق التقوى املثالية؛ فاملثل ال�شعبي يقول « :ميمونة كتعرف ربي وربي كيعرف ميمونة» لإدراك هذه الفورة الروحية التي ال ت�ضيق على نف�سها بال�شكليات. حاولت بع�ض الكتابات بلورة فكرة «امر�أة املت�صوفة» يف مقابل «امر�أة الفقهاء» .فقد كتبت �أنرثوبولوجية مغربية ،كثرية الإحالة على ابن عربي ،ما يلي « :مل تعد املر�أة املثرية م�صدرا للفتنة ،وخالفا لبع�ض «الفقهاء» فهي لدى املت�صوفة مثاال يجب �أن يُحتدى يف الع�شق املتفاين 206
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
والباهر» (نعيمة ال�شيخاوي� ،1999 ،ص« .)33 .من كان ب�إمكانه غري رابعة العدوية ،تلك الكلمة الن�سائية ال�صوفية بامتياز� ،أن يدفع بذاتيته �إىل ما وراء حواجز ال�ضبط االجتماعي واالمتثال الأخالقي؛ ف «�أنا» قادر على التمرد ،ال على القيد (احليلة) لأنني عا�شق .ولي�س من املده�ش �أن تعتبرَ هذه املت�صوفة مبثابة املد�شنة لفل�سفة مذهب الع�شق الإلهي وهو مذهب ما فتئ يغتني بن�ساء مت�صوفات �أخريات و�سيعرف بهاءه الأق�صى مع ابن عربي ،منظر الن�سوية اخلالقة» (نعيمة ال�شيخاوي� ،1999 ،ص.)27 . �إذا كانت هناك خا�صية للممار�سات الن�سائية لل�صالة والتي ال ت�ستعيد النماذج النمطية املبنية على عدم املعرفة و�سرعة الت�صديق ،فهي بالذات الطابع اخل�صو�صي ل�صالة الن�ساء .وبالفعل ف�إن ال�صالة لدى املر�أة ا�ستدارت نحو الداخل؛ فالن�ساء ال ميار�سنها يف امل�ساجد لأن ولوجهن للم�ساجد ،ولو ب�أعداد �صغرية ( % 7,6من الن�ساء امل�صليات) يعود �إىل عهد قريب ويتم ر�صده ب�صفة خا�صة خالل �أم�سيات �شهر رم�ضان .ذلك �أن الإعفاء املخول للن�ساء يف املتخيل ال�شعبي الرتياد الأماكن العمومية مل يكن ي�شمل امل�ساجد؛ �إذ �إن احلمام وال�سوق من بعده كانا �إىل وقت قريب املكانني الوحيدين املرخ�صينْ اللذين ميكن للن�ساء ح�ضورهما خارج دائرة املحارم ،وكان ذلك باعثا لتحريك اال�ستيهامات و�إثارة املتخيل. ال تخ�ص�ص الهند�سة املعمارية للم�ساجد بال�ضرورة جناحا خا�صا للن�ساء ،وعندما يتم ذلك ف�إن الأمر يتعلق مب�صطبة تف�صلها عن �أعني الرجال بحاجز خ�شبي (مو�شارابي) وذات مدخل خا�ص. واملفارقة هي �أن امل�سجد الوحيد املختلط هو م�سجد مكة .فالقرب بني اجلن�سني م�سموح به، خ�صو�صا بعد �أن ي�صبح الزوج وزوجته ي�ؤديان منا�سك احلج معا. عموما ت�صرح الن�ساء ب�أنهن ي�صلني �أكرث من الرجال .وامل�شكلة التي يطرحها الت�صريح يف عالقة مع م�س�ألة حتيل على قاعدة اجتماعية هي نف�س امل�شكلة بالن�سبة لل�صوم .والأمر املهم هو مالحظة الفرق بني االلتزامني اللذين يقدمان معلومات عن تراتبيتهما .وتتمثل الو�سيلة الأخرى امل�ستخدمة يف قيا�س �شدة املمار�سة وحتديد معامل التمييز بني الأفراد يف مالحظة ممار�سات النوافل .ويتعلق الأمر بالتزامات اختيارية تقدم معلومات حول اختيار امل�ؤمن يف �سعيه �إىل الأداء الروحي الذي مييزه عن عموم امل�ؤمنني. 207
الإ�سالم يف احلياة اليومية
اجلدول :7 بكيفية منتظمة
بكيفية غير منتظمة 8% 8%
7,6% 16,3%
13,6% 15,7%
100% 100%
11,7%
14,6%
100%
3,9%
9,3%
النساء الرجال
70% 60%
المعدل
65,7%
8%
النساء ربات البيوت
79,4%
7,5%
في الماضي
المجموع
أبــــدا
ي�ستدعي هذا اجلدول مالحظتني :من جهة نالحظ تفاوتا ب 10نقط بني الرجال والن�ساء ؛ وهو ما مييل �إىل ت�أكيد التوافقية (الر�ضائية) �أو االمتثالية الن�سائية ،لكنه ال ميكن من ا�ستخال�ص نتائج حول �شدة الورع �أو التدين .ومن جهة �أخرى ميكن �أن نالحظ �أن ن�سبة الن�ساء الالئي ينقطعن عن ال�صالة �أقل من ن�سبة الرجال بعالقة واحد �إىل �إثنني .وهو ما يجعلنا نفرت�ض ب�أن التزامهن الديني يكاد يكون نهائيا وب�أن ال�صالة اندجمت لديهن يف �آليات احلياة اليومية :نوع من النظافة البدنية التي متدد االلتزامات الطبيعية للفرد .وب�إمكاننا �أن نفرت�ض �أن الن�ساء يتعر�ضن لعدد �أقل من �إكراهات اجلدول الزمني الذي يفر�ضه ال�شغل و�أنهن يتوفرن على مرونة �أكرب لتنظيم جدولهن الزمني. و�سنالحظ من جهة �أخرى �أن الن�ساء ربات البيوت الالئي ميثلن %24من العينة الإجمالية للبحث ي�سجلن 20نقطة �أكرث من الرجل و 15نقطة تقريبا �أكرث من املتو�سط .وهناك % 10مل ي�صلني �أبدا مقابل % 14من بني جمموع الن�ساء .ون�سبة % 3٫9من ه�ؤالء الن�ساء كن يواظنب على ال�صالة وانقطعن عن �أدائها مقابل متو�سط يبلغ .% 12
208
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
ال�شكل :48ممار�سات ال�صالة
النوافـــل
�إن �إ�صرار هذا البحث على تناول النوافل بالدرا�سة ،ي�سعى �إىل حتقيق هدفني : يتعلق الأمر مبحاولة �إدراج متايز يف املمار�سات الدينية .وميكن مثل هذا التمايز من قيا�س كثافة املمار�سة التي ت�سمح باال�ستدالل على البحث عن حتقيق �أداء ديني مميز مبا فيه الكفاية ي�ؤدي بال�شخ�ص املمار�س لل�شعائر الدينية �أن يعترب نف�سه يف مرتبة متنحه حق ال�صدارة على غريه من امل�ؤمنني .فهو �أمر مي ِّكن �إذن من بناء فئة من املمار�سني لواجباتهم الدينية (على درجة عالية من التقوى والورع ،وبارعون ح�سب تعبري ماك�س فيرب) ب�إ�ضافة �أبعاد �أخرى للتدين �أو للممار�سات االجتماعية التي تكت�سي طابعا دينيا �إىل حد كبري ،مثل عدم �سماع املو�سيقى ورف�ض القرو�ض بالربا وقراءة القر�آن بكيفية منتظمة ورف�ض االختالط. ويتعلق الأمر كذلك بالف�صل بني ما هو يف م�ستوى املمار�سة املفرو�ضة -املدرجة تبعا لذلك يف �سجل التزام امل�ؤمن وامل�شكلة للعهد الذي يقطعه على نف�سه لينتمي �إىل جمموعة امل�ؤمنني -وبني ما مت اختياره �صراحة ويعود �إىل االلتزام الديني.
209
الإ�سالم يف احلياة اليومية
وميكن �أن منيز يف جمموعة النوافل بني ال�صلوات تبعا مل�ستوى ال�صعوبة واملجهود املبذول على امل�ستوى البدين واالجتماعي :فهناك فئة �أوىل ت�شمل ال�صلوات القريبة من قهر اجل�سد �أو من التخلي عن �شهوات الدنيا الرفيعة خالل فرتة زمنية م�ضبوطة ميكن �أن ت�ستمر مدة �أ�سبوع �إىل �شهر ،بل ومدة �أربعني يوما « -االعتكاف» (االعتزال يف م�سجد �أو زاوية) � -أو تلك التي ت�ستلزم جمهودا بدنيا مكثفا ومتوا�صال « -املجاهدة» (�صالة مكثفة ومتوا�صلة) ،و «القيام» ال�صالة طوال الليل) .وحتيل هذه ال�صلوات و�صلوات ال�ضحى �إىل ثقافة قريبة من ال�صوفية. �أما الفئة الثانية من النوافل ،فتتكون من ممار�سات لتح�سني الواجبات اليومية املعتادة .ويتعلق الأمر بال�صلوات املنمطة واملعممة يف �إطار م�سار الورع املتو�سط .وت�ؤدي الن�ساء النوافل �إجماال بن�سبة تقل عما ي�ؤديه الرجال من �ساكنة ال ت�ؤدي النوافل عموما بكيفية مكثفة .وبالفعل ف�إن مغربيا من بني �أربعة مغاربة ي�ؤدي �صالة الفجر يف ميقاتها املحدد ،وتبلغ ن�سبة �أولئك الذين ي�ؤدونها من حني �إىل �آخر .% 40ومتثل الن�ساء الالئي ي�ؤدين �صالة الفجر ،% 21لكن ن�سبة اللواتي يرتدن امل�ساجد لل�صالة فيها يف تلك ال�ساعة ال تتجاوز .% 2 النوافل هي فئة من ال�صلوات التي ت�ضاف �إىل ال�صلوات الواجبة ،وهي الدوائر الثالث (الركعات) ال�شفع والوتر التي تختم �صلوات اليوم .وي�ضيف املت�شددون �إىل كل دورة واجبة نافلة (مفرد نوافل) يفرت�ض �أنها تي�سر قبول ال�صلوات الواجبة من لدن اهلل الذي تُ�صلى له .وكان والدي يقارن هذه النوافل ،لي�شرح يل مزيتها ،بالطوابع الربيدية وامل�صاريف ال�ضرورية لإر�سال رزمة �إىل ال�سماء. 24
لي�س لهذه ال�صلوات االختيارية نف�س الأهمية بالن�سبة للم�ؤمنني؛ ف�صلوات امل�ساء تُد َمج عمليا يف ال�صلوات اليومية ،حيث ي�صرح % 50ممن ي�ؤدون واجباتهم الدينية ب�أنهم ي�ؤدونها .ومتثل الن�ساء � ،% 43أي 13نقطة �أقل من الرجال .والأ�شكال الأخرى من النوافل التي تتطلب التزاما خا�صا من لدن املمار�س وت�ستلزم تفرغا ملمار�سة مكثفة ،متا َر�س �إجماال بن�سبة �ضعيفة .فممار�سة «القيام» -الذي م�أ�س�سه تقريبا �أتباع جمعية ال�شيخ يا�سني الإ�سالمية «العدل والإح�سان» كل خمي�س - 24هناك �صلوات �أخرى تعترب نوافل مثل �صالة حتية امل�سجد.
210
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
واملتمثل يف ال�سهر لل�صالة طوال ليلة كاملة -ال يواظب عليها �سوى % 4,3ممن �شملهم البحث. والتفاوتات بني الن�ساء والرجال بهذا ال�صدد تبقى غري ذات داللة .وميثل «االعتكاف» ممار�سة �أخرى �أكرث كثافة تتمثل يف االنعزال جماعة خالل ب�ضعة �أيام ،ومن الأف�ضل �أن يتم ذلك يف م�سجد �أو زاوية �أو يف مكان منزو بعيد عن النا�س .ويقوم بذلك بع�ض احلجاج مبكة �أو باملدينة ،خارج �شعائر احلج .وعمليا ،لي�ست هنالك ن�ساء �صرحن ب�أنهن مار�سن «االعتكاف». هناك جانب �آخر مييز ممار�سة الن�ساء لل�صالة ،ويتعلق الأمر بعدم ارتياد امل�سجد .ونحن ال نتوفر، كما �سبقت الإ�شارة �إىل ذلك �آنفا ،على معطيات مرجعية ملقارنة الو�ضعية احلالية بو�ضعيات �سابقة .والفرق يف �أيامنا هذه بني ممار�سات الإناث وممار�سات الذكور وا�ضح متاما ،لأن % 2من الن�ساء يرتدن امل�سجد بكيفية منتظمة يف حني تبلغ ن�سبة الرجال الذين يقومون بارتياد امل�ساجد % 16؛ و % 78من الن�ساء مل يرتدن امل�سجد �أبدا مقابل % 10بالكاد بالن�سبة للرجال .فامل�سجد هو بالتايل ف�ضاء عمومي ال تدخله الن�ساء عادة� .إن �شغف الن�ساء احل�ضريات يف �أيامنا هذه ،بارتياد بع�ض امل�ساجد التي يوجد بها خطباء مرموقون هو ظاهرة حديثة للغاية .وقد اعترب ا�ستدعاء امر�أة عند تد�شني م�سجد احل�سن الثاين لإن�شاد ق�صيدة �أمام امللك مبثابة ثورة يف عهده .ومنذ ذلك احلني تغ�ص امل�صطبة املخ�ص�صة للن�ساء ،املزينة باملو�شارابيا يف امل�ساجد التاريخية الكربى �أو عندما ال يتوفر ذلك ،الف�ضاء املال�صق للم�سجد الذي يخفيه عن �أعني املتطفلني �ستار م�شدود، بالأعداد الوفرية من الإناث .وخالل «ليلة القدر» ،التي �أ�صبح فيها خروج الأ�سرة وزيارة م�ساجد املدينة ممار�سة احتفالية وروحية ذات قيمة عالية ،مل تعد امل�ساجد قادرة على احتواء الأعداد الغفرية من الن�ساء؛ % 50من الن�ساء و % 83من الرجال يحيونها بانتظام ،و % 44من الن�ساء يرتدن امل�سجد لأداء �صالة الرتاويح طيلة �شهر رم�ضان ،يف حني تبلغ ن�سبة الرجال الذين يقومون بذلك .% 64 ميكن حتديد الورع «العادي» من خالل اختيار اللبا�س الذي يرتديه امل�صلي �أو و�ضع ج�سمه الذي يخرتقه على نطاق وا�سع النموذج امل�شرقي مبا يف ذلك املتدينات من الن�ساء؛ فواحدة من بني اثنتني من الن�ساء تعتقد �أن و�ضع اليدين فوق ال�صدر هو الو�ضع الأكرث مطابقة لل�سنة .يف حني مل 211
الإ�سالم يف احلياة اليومية
ي�ستقطب الو�ضع املحلي الذي ي�أتي يف قمة م�ؤ�شر مغربية الإ�سالم ،كما هو ال�ش�أن بالن�سبة للقراءات ال�سبع املحددة للكيفية املغربية لتالوة ال�سور� ،سوى % 10من الآراء املحبذة لذلك؛ �أي خم�س نقط �أقل مما هو عليه الأمر لدى الرجال .كما ميكن القيام بتعيني هذه احلدود بوا�سطة اختيار النمط اجلماعي �أو الفردي لل�صالة .ففي املحا�سبة امل�شددة التي يقوم بها امل�ؤمنون بخ�صو�ص عالقتهم مع اهلل ،يعتربون �أن �أجر �صالة اجلماعة يتجاوز بكثري ال�صالة التي ي�ؤديها ال�شخ�ص مبفرده ،مبا يف ذلك تلك التي ي�ؤديها يف بيته .والإ�سالميون يجعلون منها عالمة على االلتزام واالن�ضباط، بل وعلى �إم�ساك املرء بزمام �أمور البيت �أو املجموعة عندما يتعلق الأمر مبقر العمل .وتبلغ ن�سبة الن�ساء الالئي مل ي�ؤدين ال�صالة جماعة �أبدا يف بيوتهن ،% 73يف حني تبلغ % 62بالن�سبة للرجال يف نف�س الو�ضعية. ال�شكل 49
ال�شكل 50
212
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
ال�صيـــام
�إن �شهر رم�ضان الذي هو �شهر ال�صيام ،ميكن حتديده ب�صعوبة يف بعد من �أبعاد الظاهرة الدينية. ذلك �أن ال�صيام هو فعل اجتماعي �شامل ي�شكل منعطفا يف اجلدول الزمني لل�سنة؛ فال�صيام معياري �إىل درجة مل نتجر�أ معها على �إدراجه مبثابة �س�ؤال يتعني علينا طرحه .ويبدو لنا من قبيل املجازفة �أن ن�س�أل املغاربة عما �إذا كانوا ي�صومون �أم ال ما دام ال�صوم يعترب مبثابة ال�سمة الأ�سا�سية لإ�سالم الفرد .وقد بلغت ن�سبة امل�ستجوبني الذين يعتربون �أن ال�شخ�ص الذي ي�شاركهم نف�س الدين وال ي�صوم رم�ضان لي�س م�سلما % 59,9مقابل % 27ممن يعتقدون العك�س .ويعتقد 44,1%من الذين �شملهم البحث� ،أن عدم ال�صيام هو من �أ�سو�أ التجاوزات الدينية ويجب معاقبة الآثم �إىل �أن يعود �إىل جادة ال�صواب .وهكذا يجد موقف ال�سلطات العمومية املتمثل يف اعتبار �صيام رم�ضان مبثابة �أمر غري قابل للنقا�ش و�أكله عالنية مبثابة م�س بالنظام العام� ،صداه لدى غالبية من �شملهم البحث مبا يف ذلك ما وقع عليه اختيارنا ب�أال نطرح ال�س�ؤال مبا�شرة و�أن نكتفي بقيا�س �شدة ال�صوم الإ�ضايف تقربا من اهلل .لكن ال�ضغط الذي ميار�سه املجتمع وال�سلطة ال يف�سر هذا املوقف �إزاء ال�صيام �إال جزئيا .فعندما خ�ص�صت جملة «تيل كيل» �سنة 2006ملفا عن ازدواجية �سلوك امل�ؤمنني خالل �شهر رم�ضان وو�صفت مبهارة احلياة االزدواجية (الورع واملجون) التي يعي�شها املغربي املتو�سط، كان رد فعل جريدة «التوحيد» ،ل�سان حركة التوحيد والإ�صالح� ,سريعا وكان �أعنف من ردود الفعل التي مت اعتمادها بالن�سبة مللفات �أخرى مثل امللف املخ�ص�ص للحجاب. متت �إعادة ت�أويل الإمكانيات القانونية للإفطار يف رم�ضان �أثناء ال�سفر �أو املر�ض �أو املحي�ض لدى الن�ساء ،يف اجتاه الت�شدد والتزمت االنتقائي؛ بحيث يعتقد % 95ممن �شملهم البحث ،ن�ساء ورجاال على حد �سواء� ،أنه من املمكن �إفطار رم�ضان يف حالة املر�ض� .أما ال�سفر الذي مت تقدميه مع ذلك كعذر �شرعي للإفطار ،ف�إن ن�سبة % 23من الن�ساء و % 30من الرجال هي التي اعتربته رخ�صة ت�سمح لل�صائم بالإفطار .وال ي�شكل العط�ش وق�ساوة العمل وحت�ضري االمتحانات التي كان من �ش�أنها ،بناء على مبد�إ القيا�س الذي اعتمدته املالكية� ،أن متكن من ت�أجيل ال�صوم �أو ق�ضائه ،عذرا مقبوال بالن�سبة للغالبية ال�ساحقة من الن�ساء ومن الرجال على حد �سواء .والن�ساء دائما هن �أكرث ت�شددا من الرجال؛ �إذ يعترب �أزيد من % 98من الن�ساء �أن العمل ال�شاق ال يبيح الإفطار ،فما بالك بالعط�ش �أو التح�ضري لالمتحانات. 213
الإ�سالم يف احلياة اليومية
ت ُربز �أهمية �شهر رم�ضان عندما يتعلق الأمر بالقبول �أو الرف�ض للذنب الذي يرتكبه الآخر �سواء �أكان من ذوي القربى �أو جمرد مواطن عادي؛ �إذ يعتقد % 47من الن�ساء �أن ال�شخ�ص الذي يفطر �أثناء النهار يف رم�ضان ،يجب �أن يتوارى عن الأنظار ليتناول طعامه .ونحن هنا بعيدون كل البعد عن الرغبة يف الت�سرت احرتاما لل�صائمني ,فهذا الإجراء هو نبذ حقيقي للمعني بالأمر؛ فالن�ساء والرجال يعتربون مرتني �أكرث� ،أن الإفطار يف رم�ضان �أ�شد خطورة من عدم �أداء ال�صالة ،و% 40 من بينهم ي�صنفون ال�صيام يف املقام الأول ،يف حني �أن ن�سبة الذين ي�صنفون ال�صالة يف املقام الأول ال تتجاوز .% 19 ت�ؤول �صرامة الن�ساء �إىل �أبعد من الورع املتقوقع على ذاته؛ فهي تتجه نحو �إدانة الآخر .وبالفعل ف�إن % 64من الن�ساء ،مقابل % 54فقط من الرجال ،يعتربون �أن ال�شخ�ص الذي يفطر يف رم�ضان ال يعد م�سلما .وال يرى عك�س ذلك �سوى امر�أة من بني �أربع من الن�ساء ورجل واحد من بني ثالثة من الرجال .ويجب الوقوف عند تلوينات موقف الإق�صاء هذا عندما ن�ستح�ضر �إمكانية القمع االجتماعي؛ �إذ �أن % 40من الن�ساء يعتقدن بوجوب معاقبة الآثم �إىل �أن يعود �إىل جادة ال�صواب، ومع ذلك ف�إن نف�س الن�سبة املئوية من الن�ساء يعتقدن ب�أن ال�شخ�ص حر يف �أن يفعل ما ي�شاء. يتجلى التعلق اخلا�ص ب�صيام رم�ضان يف درجة ت�سامح ال�شخ�ص جتاه �أوالده؛ ف�إذا كان �أقل من % 1من الن�ساء ميكن �أن يوافقن على حت�ضري الطعام لأبنائهن املفطرين و % 11ال مانع لديهن من حت�ضري الأكل ب�أنف�سهن داخل املنزل خالل �شهر رم�ضان ،ف�إن % 70من بينهن يرف�ضن �أية فكرة للتواط�ؤ الإيجابي �أو ال�سلبي مع �أبنائهن .جند �صدى لهذه ال�صعوبة يف التعاطي مع حرية املعتقد خ�صو�صا عندما يتعلق الأمر ب�صيام رم�ضان يف نقا�شات �سجالية بني القراء داخل ال�صحافة احلاملة لإ�شكالية الف�صل بني املجالني العام واخلا�ص؛ ردا على قارئة �أجنبية كانت قد كتبت يف عدد �سابق (�أ�سبوعية «تيل كيل» ،عدد ،)243ب�أنها ال حتب رم�ضان ،كتب قارئ من املرجح �أنه يعرب عن ت�صور امل�سلم املعتدل ،ما يلي : «جوابا على بريد قارئة غري م�سلمة مل تذكر ا�سمها والتي �أكدت �أنها ال حتب الإ�سالم لعدة �أ�سباب («تيل كيل» ،عدد � ،)243أود �أن �أجيب �أوال بطرح �س�ؤال :هل ميكن التعميم باالعتماد 214
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
على حالة واحدة؟ �أكيد �أنه ال ميكننا ذلك .ومن هنا �أقول �أنه يجب على املرء يف روما �أن يعي�ش كما يعي�ش �أهلها .ما الذي تطلبه هذه ال�سيدة؟ هل يتوجب علينا �أن نتوقف عن ال�صوم �إر�ضاء لها؟ �إذا كانت ال حتب رم�ضان ،فتلك م�شكلة تتعلق بها .وما عليها �سوى �أن تقوم بربجمة عطلتها و�أن تغادر املغرب كلما حل �شهر رم�ضان! كما يفعل ذلك العديد من املغاربة الذين «ي�أكلون رم�ضان»� .أنا ل�ست عن�صريا ،و�إمنا �أدافع عن ثقافتي وهويتي وعن ديني .و�أذكركم �أننا نعي�ش يف دولة ي�ؤكد د�ستورها �أن دينها هو الإ�سالم مع �ضمان ممار�سة العبادات الأخرى! و�أنا �أود �أن �أعرف ما �إذا كانت هذه ال�سيدة ت�ؤدي �أجر خادمتها و�سائقها وحار�سها بكيفية م�ضبوطة .هل �صرحت بهم لل�صندوق الوطني لل�ضمان االجتماعي؟ لأين �أعرف الكثري من الأوروبيني الذين يع�شقون االقت�صاد امللتب�س! وللأ�سف ف�إن هذه ال�سيدة مل تر الأ�شياء احل�سنة .فهي تهمهم لأن �أطفالها مل يتمكنوا من احل�صول على قطعة من الق�شدة املثلجة!» («تيل كيل» ،عدد )245 �إن هذا الالت�سامح اخلا�ص ت�ؤكده املعطيات املرتبطة برم�ضان ،ف % 9من الن�ساء و % 15من الرجال يرون �أنه يجب �أن تظل املطاعم مفتوحة نهارا خالل �شهر رم�ضان .والأغلبية ال�ساحقة� ،أي % 84 من الن�ساء ترى �ضرورة �إغالق املطاعم بكافة �أ�صنافها .وعندما نذكر من �شملهم البحث بفر�ضية وجود �أجانب غري م�سلمني واحلاجة �إىل الإبقاء على املطاعم مفتوحة تكون الإجابات �أقل �إثارة لكنها تظل مرتفعة بالن�سبة لبلد يطمح �إىل ا�ستقبال 10ماليني �سائح ويكون مالذا للمتقاعدين الأوروبيني اجلدد الباحثني عن ال�شم�س؛ فامر�أة من بني اثنتني ترف�ض منح امتياز تناول الطعام يف �أماكن عمومية ،يف حني ال ي�شاركها نف�س الر�أي �سوى رجل واحد من بني ثالثة.
215
الإ�سالم يف احلياة اليومية
ال�شكل 51
معرفـة الدينـي
ي�سعى هذا البحث �إىل فح�ص الفر�ضية التالية :حتظى الن�ساء يف الف�ضاء العمومي للتعبري الديني، بقبول �ضعيف ن�سبيا ،فهن يرتدن امل�ساجد �أقل مما يفعله الرجال ،والأمية يف �صفوفهن �أعلى ن�سبيا مقارنة مع الرجال؛ ونتيجة لذلك ي�ستفدن ب�صعوبة �أكرب من املعلومات التي تروجها الكتب. ومن �ش�أن التن�شئة االجتماعية للن�ساء �أن تكون �أقل جناعة� ،إذ من املفرت�ض �أن يكن من حيث املبد�إ، �أقل فهما للق�ضايا الدينية و�أقل قدرة على �صياغة �آراء وا�ضحة حول ق�ضايا الر�أي املتعلقة ب�أن�شطة الف�ضاء اخلارجي خا�صة منها العالقات بني الدين وال�سيا�سة .املالحظة الأوىل التي متكن من تدقيق ما قلناه �سابقا على �سبيل االفرتا�ض ،هي �أن الن�ساء ال يعانني من نف�س العجز يف كل مكان؛ فهن ميثلن جزءا مهما من الفئة التي ال تتمكن من �صياغة �آراء حول كل �شيء ومتوقعهن انتقائي ويرتبط بعدة متغريات ،خ�صو�صا منها متغري �إمكانية �أو عدم �إمكانية ولوجهن �إىل الف�ضاء العمومي.
216
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
اجلدول :8م�صادر املعلومات الدينية
م�صدر املعلومات الرجال الن�ساء
الكتاب
الوالدان
التلفزة
املدر�سة
امل�سجد
الأتراب والأ�صدقاء
18,9%
% 6,8
29,4%
2,8%
39,8%
24,4%
12,0%
15,6%
39,2%
1,8%
11,2%
23,2%
ال�شكل :52مقارنة م�صادر املعلومات بني الرجال والن�ساء
الن�ســـاء :مع �أو �ضد االنتقال �إىل الدنيوية
ما هو ت�أثري املعتقدات والتعاليم الدينية على ال�سلوك الدنيوي واملمار�سات االقت�صادية يف احلياة اليومية؟ �إن اخلطاب الإيديولوجي للفقهاء الأكرث اعتداال يقدم الإ�سالم كدين ينظم يف الآن ذاته ممار�سة ال�شعائر وكذا العالقات التجارية (املعامالت) للم�ؤمنني .هذه الإ�شكالية -التي تخ�ص العالقة بني احلالل واحلرام وتدبري الإكراه الذي متثله املمنوعات ال�صريحة املتعلقة ببع�ض �أ�صناف املعامالت يف اقت�صاد خا�ضع للتعامل النقدي -متت مقاربتها يف هذا العمل انطالقا من جمموعة من الأ�سئلة حول القر�ض بفائدة وحول اللجوء �إىل البنك؛ فم�ستوى تعامل الن�ساء مع البنوك �أقل من تعامل الرجال معها ب 12نقطة؛ فعلى م�ستوى معدل ،% 13متثل الن�ساء % 8مقابل % 20 217
الإ�سالم يف احلياة اليومية
بالن�سبة للرجال؛ وتبلغ ن�سبة اللواتي يعتقدن �أن القر�ض بالفائدة حرام � ،% 48أي 6نقط �أقل من الرجال الذين ي�شاطرونهن نف�س الر�أي والذين ميثلون .% 52يف مقابل ذلك ،ف�إن % 39من الن�ساء ال يعرفن ما �إذا كان القر�ض بالفائدة حالال �أم حراما. كيف ميكن قراءة هذه النتيجة؟ ماذا تعني �إجابة «ال �أدرى»؟ هل يتعلق الأمر بجهل �أم تردد حول م�س�ألة مثرية للجدل؟ يف جميع الأحوال ،ف�إن �أغلبية النتائج متيل �إىل ت�أكيد مالحظتنا حول تفاوت العجز يف جمال املعرفة بني الرجال والن�ساء لكنها مت ِّكن من حتديد الفروق املت�ضمنة لها. تُظهر الن�ساء بع�ض ال�ضعف مقارنة مع الرجال حول املعرفة الدينية القريبة من الالهوت �أو من تاريخ الإ�سالم اللذين يتم تلقينهما يف املدر�سة ،وحول ق�ضايا الر�أي التي تُلزم امل�ستج َوبات باالمتناع عن الإجابة على اعتبار �أنهن ال ي�ستطعن اتخاذ موقف والتعبري عن وجهة نظر .ويف جمال املعرفة بالالهوت ال تعرف % 73من امل�ستجوبات �أي واحد من املذاهب الأربعة؛ فعدم املعرفة هذه جلية خا�صة لدى الن�ساء حيث تف�صلهن عن الرجال 25نقطة .ومن بني % 26الذين يقولون ب�أنهم يعرفون املذاهب الأربعة ،متكنت ن�سبة % 62من ذكرهم جميعا� ،أي % 16من جمموع امل�ستج َوبني والفرق بني الن�ساء والرجال يف هذا امل�ستوى هو فرق �ضئيل .ويالحظ نف�س العجز بخ�صو�ص املعارف التاريخية عن الأعمال البطولية امل�شكلة للمتخ َّيـل الإ�سالمي ،بل وحتى يالحظ �أن % 60من امل�ستجوبني الإ�سالموي ،ونق�صد بذلك الع�صر الذهبي لبداية الإ�سالم .كما َ ال يعرفون اخللفاء الأربعة؛ �إذ �أن امر�أة واحدة من بني �أربع ،مقابل رجل من بني اثنني ,ي�ؤكدان معرفتهما بهم. ويف جمال الآراء ،ال ي�ستطيع % 35من امل�ستجوبني اتخاذ موقف حا�سم بالن�سبة مل�سائل ب�سيطة ن�سبيا؛ والإجابة ب «ل�ست �أدرى» ال تعني موقفا بل هي عدم القدرة على الإجابة لعدم توفر املعلومات .ففي املتو�سط ،ال يعرف % 40من الن�ساء الذي يعادل �ضعف الرجال تقريبا ،ما �إذا كان يتوجب عليهن املوافقة على ما تقوم به احلركات اجلهادية �أم ال وما �إن كان الإ�سالم املغربي خمتلفا عن الإ�سالم ال�سعودي �أو الإيراين �أو اجلزائري �أو حتى عن الإ�سالم الذي ميار�سه املغاربة املقيمون يف �أوروبا. 218
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
ينقلب هذا العجز يف املعرفة �أو عدم القدرة على اتخاذ موقف ،لفائدة الن�ساء بخ�صو�ص الق�ضايا التي حتيل على معرفة مكت�سبة يف �إطار التن�شئة االجتماعية العائلية �أو يف �إطار املجموعات العمرية؛ �إذ تتمكن % 87من اتخاذ موقف حا�سم بخ�صو�ص م�س�ألة �إمامة ال�صالة من طرف امر�أة؛ حيث كانت ن�سبة % 84منهن �ضد مثل هذه املمار�سة؛ وهي ن�سبة مماثلة لن�سبة الرجال تقريبا .ول % 80 من الن�ساء ر�أي بخ�صو�ص اللبا�س الإ�سالمي الذكوري ،حيث تعتقد % 50منهن �أن الرجال لي�سوا ملزمني يف هذا املجال ،ول % 91منهن ر�أي حول اللبا�س امل�سموح به للن�ساء و % 63منهن تعتقدن ب�أنه �إلزامي ،وهي ن�سبة تقل بع�ض ال�شيء عن الرجال الذين يقا�سمنهن نف�س الر�أي يف حدود .% 69وفيما يخ�ص م�س�ألة احلجاب ،عربت كل الن�ساء امل�ستجوبات عن ر�أيهن ،حيث ترى % 84 �أنه من امل�ستحب ارتدا�ؤه و % 8عربن عن معار�ضتهن الرتدائه. يتمكن من تكوين عندما تكون الق�ضايا املتعلقة بالدين من النوع الذي يعنيهن مبا�شرة ،ف�إن الن�ساء َّ ر�أي دقيق يدل على معرفتهن مبقت�ضيات الفقه؛ ففيما يتعلق مب�س�ألتني خا�صتني للغاية تتعلقان مب�شكلتي منع و�إيقاف احلمل مل ن�سجل �أية حالة عدم �إجابة (ال �أعرف) .وقد تبني �أن % 89من الن�ساء ي�ؤيدن منع احلمل� ،أي ع�شرة نقط �أكرث من الرجال .من بني % 11من اللواتي يعار�ضن منع �أو �إيقاف احلمل ،تبنى % 71هذا الر�أي لأ�سباب دينية و % 25لأ�سباب �صحية .وت�صل ن�سبة الن�ساء اللواتي يعار�ضن منع احلمل لأ�سباب دينية مقارنة مع العينة العامة % 3فقط .وقد كانت النتائج معكو�سة متاما فيما يتعلق بالتوقيف الإرادي للحمل ،حيث �أن % 94من الن�ساء يعار�ضنه وهي ن�سبة تعادل ن�سبة الرجال تقريبا وتعار�ضه % 87من الن�ساء لأ�سباب دينية فقط يف حني ميزج % 7بني االعتبارات ال�صحية والدينية .ويبني التمايز بني املنع والتوقيف الإرادي للحمل �أن هناك جمهودا لت�أويل املح َّرم دينيا حيث ي�ضع هذا املوقف الن�ساء املغربيات يف �صف مواقف الهوتية م�شرتكة مع عدة �أديان ،مبا يف ذلك امل�سيحيني.
219
الإ�سالم يف احلياة اليومية
ال�شكل 53
الدين وال�سيا�سة
تكمن �إحدى �صعوبات العمل الكربى حول ما هو ديني يف املعنى الذي يعطيه من �شملهم البحث ملا هو �سيا�سي؛ فال�سيا�سة يتم ربطها ببع�ض امل�ؤ�س�سات واملمار�سات التي ال يُفرت�ض فيها �إ�شراك الأفراد .لقد �ساهمت �سنوات الر�صا�ص على نطاق وا�سع يف ربط ال�سيا�سة باملمار�سات املحفوفة باملخاطر �سيما و�أن ممار�سة ال�سيا�سة يف �سياق مغلق كانت تكمن يف اتخاذ موقف معار�ض� .إن امل�سل�سالت االنتخابية وال�سلوك غري املدين للمنتخبني خالل واليتهم ،قد �ساهم �أي�ضا يف تبخي�س ما هو �سيا�سي؛ حيث ينظر �إىل هذا الأخري باعتباره تعبريا عن االنتهازية .ولكل هذه الأ�سباب ف�إن الإعالن عن العقد ذي الداللة ال�سيا�سية -الذي يهتم باملدينة وبالظلم وبتوزيع املوارد -يتم ت�صريفه بوا�سطة و�سائل بعيدة عن تعبريه امل�ؤ�س�ساتي .وهكذا تنتقل ال�سيا�سة �إىل �أن�شطة املجتمع املدين من خالل املنظمات غري احلكومية �أو يف �إطار �أخالق دينية معلن عنها. ت�شرتك املجموعة الإ�سالمية بكاملها يف االعتقاد ب�أن الإ�سالم هو احلل؛ �أي �أنه مفتاح كافة امل�شاكل. ويجد هذا االعتقاد امتداده يف �إيديولوجية تقوم على الإميان امل�شرتك باملعجزة القر�آنية «�إعجاز القر�آن» وعلى الفكرة القائلة ب�أن الإ�سالم هو يف نف�س الوقت «دين ودنيا»« ،عقيدة ومعامالت». ومع ذلك ،ف�إن هذا الإطار املرجعي امل�ؤ َّكد على م�ستوى اخلطابة التعميمية وامل�ساوي للت�صريح بالعقيدة التي هي �إعالن عن االنتماء ،يتداعى عندما يتعر�ض ملحك و�ضعيات متكن من �إظهار التناق�ضات وجتاوز اجلنوح �إىل الإجماع. 220
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
عند حتليل الأجوبة اخلا�صة ب�س�ؤال « :هل الإ�سالم ميثل حال لكل �شيء؟» ،فوجئنا مبالحظة �أن % 27من امل�ستجوبني ال يعرفون �أي جواب يقدمون �أو �أنه ال ر�أي لهم ،بينما ال ميثل متو�سط الأ�شخا�ص الذين �أعلنوا بو�ضوح �أنهم �ضد هذا االقرتاح .% 5,8ومتثل الن�ساء �ضعف املجيبني املرتددين الذين مل يتمكنوا من احل�سم يف هذا ال�س�ؤال املعياري؛ فهن ي�شكلن ن�صف امل�ستجوبني الذين �أعلنوا بو�ضوح عدم اتفاقهم مع هذه املقولة .وهنا �أي�ضا ال ميكننا اال�ستقرار على املعنى الذي يجب منحه لهذا الو�ضع املرتدد ،فهل يتعلق الأمر باجلهل وعدم القدرة على اتخاذ موقف ب�شكل �صادق بالن�سبة ل�س�ؤال خطري؟ �أم �أنه يتعلق على العك�س من ذلك بر�أي حقيقي لأن املوقف الذي يتحمل �أقل قدر من املخاطرة بالن�سبة لهذا ال�س�ؤال كان يتمثل يف اتباع املجموعة والإعالن ب�أن الإ�سالم قادر على حل كل �شيء؟ وللذهاب �أبعد من ذلك ،وقع اختيارنا على خم�سة جماالت كربى التي من املحتمل �أنها من اخت�صا�ص الدين :الأول هو جمال املعامالت ،واختيار تعبري «املعامالت» هو بالأحرى اختيار معياري لأنه يحيل على قاعدة ويقرتح جوابا م�ؤيِّدا ولأنه يكاد يكون مرتبطا بالطبيعة العميقة للإ�سالم .ويف مقابل ذلك حتيل املجاالت الأربعة الأخرى �إىل �أن�شطة دنيوية :االقت�صاد والطب والتكنولوجيا وال�سيا�سة .وقد كانت النقط التي مت حتقيقها بهذا اخل�صو�ص مهمة للغاية حيث �أبان املجيبون عن �إجماع ل�صالح الدين كحل مبتو�سط بلغ % 90با�ستثناء ما يتعلق بالتكنولوجيا ؛ �إذ مل تبلغ ن�سبة الذين يرون �أن الإ�سالم يقدم حلوال للتكنولوجيا �سوى .% 77 ال�شكل :54دور الدين يف احلياة الدنيوية
221
الإ�سالم يف احلياة اليومية
ولتجاوز هذه الو�ضعية املعيارية التي يلتقي فيها احرتام الدين واحرتام �أدائه املتوقع� ،أولينا اهتمامنا لق�ضايا تتعلق بالر�أي التي و ترتكز حول ال�سيا�سة ،لكن ال ميكن �إدراكها �إال يف و�ضعيات ملمو�سة حتيل على جتربة عملية �أو على نية القيام مبثل تلك التجربة. وبدون التفاف ،يتم طرح �سبعة �أ�سئلة مبا�شرة ترتبط بعالقة ال�سيا�سة بالدين .وقبل الدخول يف التفا�صيل من �أجل مقاربة النتائج ،نطرح املالحظة التالية � :إن الن�ساء ب�صفة عامة مينحن مكانة �أكرب للدين يف احلياة اخل�صو�صية مقارنة مع الرجال ،ويعتقدن �أن على الدين �أن يلعب دورا �أكرب يف احلياة ال�سيا�سية. مع ذلك ،من املهم �إ�ضفاء طابع ن�سبي على هذه املالحظة بالت�أكيد على �أن �سلوك ال�سكان يف �أغلبيتهم بغ�ض النظر عن اجلن�سني ،هو حالة فكرية يف �سياق ال وجود فيه عمليا للخطاب العلماين� ،سياق حتافظ فيه الطبقة ال�سيا�سية ،ب�شيء من التعتيم ،على الدور الذي تنوي تخ�صي�صه للدين .وت�ؤكد هذه املالحظة الن�سبة املئوية املرتفعة للأ�شخا�ص الذين ال يتمكنون من اتخاذ موقف حا�سم بالن�سبة لق�ضايا الر�أي هذه (.)% 45 وبالفعل ،ف�إن اخلطاب املعياري يلتقي مع موقف الطبقة ال�سيا�سية حول م�س�ألة الف�صل بني الديني وال�سيا�سي .وهذا املوقف ملتب�س �أو يعلن بو�ضوح عن تف�ضيل �سمو الديني على ال�سيا�سي؛ فا�ستعمال ال�سلطة للدين ي�سمح باالعتقاد �أن من �ش�أن موقف �أقل ح�سما حول امل�س�ألة �أن يتيح للملك �ضمان الف�صل بني الدائرتني بفر�ض �سمو و�ضع �أمري امل�ؤمنني .هل يجب �أن يقوم الدين بتوجيه احلياة ال�شخ�صية فقط �أم �أن عليه توجيه احلياة ال�سيا�سية كذلك؟ حول هذا ال�س�ؤال ،انق�سم امل�ستجوبون؛ حيث يرى % 26منهم �أن الدين م�س�ألة �شخ�صية يف حني يرى � % 28,9أن على الدين �أن ينظم كذلك ما هو �سيا�سي .وال تتمكن امر�أة من بني اثنتني من التعبري عن وجهة نظر حمددة بخ�صو�ص هذه امل�س�ألة� ،أي مبعدل % 54من بني الن�ساء. امل�س�ألة الثانية التي كانت �أكرث و�ضوحا و�إثارة ،تطرح اخلطر املحتمل الذي قد ميثله تدخل الدين يف احلياة ال�سيا�سية؛ فقد بلغت ن�سبة الن�ساء اللواتي يعتقدن بوجود مثل هذا اخلطر % 18بينما بلغت 222
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
ن�سبة الرجال الذين ي�شاطرونهن نف�س الر�أي .% 31لكن يجب مقارنة هذه النتيجة التي ميكن �أن توحي ب�أن الن�ساء ال يعرفن ما �إذا كان الدين ميثل خطرا �أم ال ،مع الن�سبة املئوية للن�ساء الالئي يعلنن ب�أنهن ال يعرفن كيف يجنب عن هذا ال�س�ؤال� ،أي 59,3منهن ؛ فالأمر يف نظرنا يتعلق هنا، بانزعاج وا�ضطراب �أمام اختيار يبدو بديهيا؛ وهو �أمر مهم باعتبار �أن هذه النتيجة تطرح تذبذبا يف قناعات جد را�سخة. ميكن مقاربة العالقة بني الدين وال�سيا�سة يف منحى التمييز بني املجالني �أو الف�صل بينهما �أو يف منحى تراتبيتهما؛ ف�إذا كانت % 38من املجيبني يتفقون مع اقرتاح حماية الدين من تدخالت ال�سيا�سيني ،ف�إن العديد من الن�ساء يرغنب يف �أن يقوم الدين بتوجيه ما هو �سيا�سي بحيث ميثلن 13 نقطة �أعلى من الرجال .وبخ�صو�ص هذه امل�س�ألة ،يالحظ �أن ن�سبة املجيبني الذين ال يتمكنون من احل�سم �أو ال يعرفون ،هي الأقل ارتفاعا بالن�سبة للم�سائل التي تتعلق بهذه املجموعة من الأ�سئلة. عندما يتم تناول العالقات بني الدين وال�سيا�سة من وجهة نظر عملية ويتم جت�سيد البعدين من طرف الرجال ،ف�إن النتائج تكون خمتلفة؛ فن�سبة املجيبني الذين ال يتمكنون من اتخاذ موقف حمدد ،تظل بو�ضوح �أقل �أهمية� ،إذ ت�ستقر يف حوايل .% 3وعن ال�س�ؤال « :هل يجب على رجال ال�سيا�سة عدم التدخل يف الدين؟» ،يجيب العديد من الرجال والن�ساء بالإيجاب� ،أي حوايل % 51 من الرجال و % 30من الن�ساء .ويف نف�س الوقت تعلن امر�أة من بني اثنتني �أنها غري مبالية بالأمر. بالن�سبة ملعرفة ما �إذا كان على رجال الدين التدخل يف ال�سيا�سة �أم ال ،ف�إن الأجوبة يف هذه امل�س�ألة كانت �أقل ح�سما من تلك التي ر�أيناها فيما يتعلق بال�س�ؤال ال�سابق؛ �إذ يبدو �أن املجيبني ي�سريون باعتدال باجتاه رفعة و�سمو رجل الدين بحيث عرب واحد من بني �أربعة من الذين �شملهم البحث �صراحة على �أنه مع تدخل رجال الدين يف ال�سيا�سة .لكن الن�ساء الالئي �إما عربن �صراحة �أنهن مع ابتعاد رجال الدين ( )% 30عن ال�سيا�سة ،و�إما عن ال مباالة ( ،)% 45ميثلن جمموع % 75 ممن �شملهن البحث ( % 66بالن�سبة للرجال) .وعندما يتم طرح العالقة بني رجل الدين ورجل ال�سيا�سة يف عالقة مع �سياق حمدد ،بالإحالة على املحتوى ال�سيا�سي خلطبة اجلمعة مثال ،تكون الأجوبة �أكرث و�ضوحا .وللن�ساء �إجابات �أكرث ح�سما من الرجال ،حيث بلغت ن�سبة الن�ساء غري املتفقات مع خطب �سيا�سية % 36,7مقابل % 28,5من الرجال الذين ي�شاطروهن نف�س الر�أي. 223
الإ�سالم يف احلياة اليومية
ال�شكل :55
الديــن وال�سلـــوك
وحتى نتمكن بقدر الإمكان من قيا�س ما �أ�سميناه بالنزوع القوي نحو الدنيوية ،اخرتنا جمموعة من املتغريات .ونحن نقوم بذلك مع العلم �أن تعميق املمار�سة وعقلنتها يف اجتاه �أكرث �صرامة وطهرانية باللجوء �إىل املكتوب ،ال يتناق�ض مع تنزيلها يف �أمكنة و�أزمنة حمددة يف اليوم وال�شهر وال�سنة .ونعتقد �أن االرتفاع الن�سبي للم�ستوى الثقايف العام وتقلي�ص الفجوة بني الثقافة العاملة والثقافة ال�شعبية� ،ساعدا على بروز ثقافة و�سيطة دعمها انفتاح الطبقة املتو�سطة على م�صادر الإعالم اجلديدة والت�أثري الذي متار�سه التلفزة؛ فهناك ثقافة دينية منطية قيد التعميم ،يف حني هناك متايزات بني املجموعات فيما يتعلق بالتقوى تتم على هوام�ش الدين بالن�سبة للنوافل على وجه اخل�صو�ص .وتلعب مظاهر التدين ،من خالل املظهر البدين اخلا�ص بالرجال الذي يرمز له الدينار(طابع �أ�سود ينطبع يف جبهة امل�ؤمنني من فرط ال�سجود) ولبا�س احلجاب بالن�سبة للن�ساء، دور مميزات بدنية ت�شجع االن�ضمام �إىل جمموعات تربز من جديد يف بيئة تتميز بالت�سرت والكتمان. املر�أة واحلجاب
ت�شكل م�س�ألة احلجاب نقطة مهمة تر�سخ اخلوف لدى خمتلف مالحظي ال�ساحة الدينية الذين يواجهون ما ي�سمى اليوم بالإجماع باملد الإ�سالموي؛ فهي تعود كم�س�ألة متواترة يف خمتلف الأبحاث حول الدين كما �أنها م�س�ألة معقدة وح�سا�سة يف الوقت نف�سه؛ بالنظر للم�صطلح امل�ستعمل يف هذا الإطار .وبالفعل ف�إن احلجاب يحيل على فعل التحجب و�إىل الثوب امل�ستعمل من �أجل 224
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
التحجب .وقد ورد ذكر بع�ض الكلمات الدالة عليه يف �سور ال يرتدد املجادلون يف التلويح بها كدليل على الطابع الإلزامي الرتدائه .وي�ستدل على احلجاب بكلمات تنطوي على معاين خمتلفة ت�ستح�ضر الإثارة اجلن�سية وال�شبقية والتقوى على حد �سواء ،اللثام ،النقاب ،اخلمار .لنحاول �أن نعرف ما تدل عليه هذه امل�صطلحات يف التاريخ االجتماعي والأدبي العربي قبل الإدالء بر�أينا حول مكانتها. اخلمار مفرد ا ُخل ُمر ،هو م�صطلح ورد ذكره يف القر�آن «} {...ولي�ضربن بخمرهن على جيوبهن» ( ،24النور ،الآية ،)31ويدل كذلك على كل ما يلف الر�أ�س من �أي �شكل كان :طرحة �أو �شال �أوو�شاح مثال .واخلمار يف الغناء العربي قطعة من الثوب توحي بعالقة �شبقية ؛ يدل النقاب على ما تلب�سه املر�أة لإخفاء وجهها ؛ كان العرب ،قبل جميء الإ�سالم ،ي�ستعملون اللثام (غطاء للأنف) الذي كانت تلب�سه الن�ساء والرجال على حد �سواء يف ال�صحراء ؛ يدل احلجاب لغة على ما يحتجب به « :و�إذا �س�ألتموهن متاعا فا�س�ألوهن من وراء حجاب» }ال�سورة ،33الأحزاب ،الآية {53ويف قوله تعاىل « :واتخذت من دونهم حجابا» (ال�سورة ،19 مرمي ،الآية .)17 مل�شاريع املجتمعية وي�أتي تعقد م�س�ألة احلجاب كذلك من كونه �أ�صبح نقطة ارتكاز للتقاطب بني ا ِ املتناف�سة يف �أغلب البلدان الإ�سالمية �أو يف بلدان تعي�ش فيها جاليات �إ�سالمية ،وهي تقاطبات بني حداثيني وحمافظني ،بني �إ�سالميني وعلمانيني؛ ففي �سياق حتليل احلركات الدينية ،مت تناول احلجاب كم�ؤ�شر رئي�سي على �أ�سلمة زاحفة حيث �شكل على هذا النحو نقطة تركيز لل�صراع بني التقليد واحلداثة .وهكذا ،يتوجب علينا من دون �أن نناق�ش مدى م�شروعيته كم�ؤ�شر على الأ�سلمة �أو (على العك�س من ذلك) على التحرر من التقليد� ،أن ن�شري �إىل �أن العديد من املالحظني ال يرتددون يف التنديد بالتدفق املكثف للمحجبات يف الأحياء اجلامعية ويف الف�ضاء العام ،يف حني �أننا ال نتوفر �سوى على النزر الي�سري �أو ال نتوفر على الإطالق ،على م�ؤ�شرات �إح�صائية من �ش�أنها �أن 225
الإ�سالم يف احلياة اليومية
متكن من التحقق من هذا االنطباع .ويتقوى االبتذال ،الذي يجعل الأ�شكال التقليدية للحجاب مرئية ،باالنطباعات املتعلقة بت�سرب ظواهر يُغالىَ يف تقديرها؛ يف حني يدفعنا موقف �آخر �أكرث حذرا وتيقظا �إىل �إعادة النظر يف امل�س�ألة؛ فالرموز التي امتلكتها الن�ساء كم�ؤ�شرات على احلداثة مل تكن تق�صي احلجاب والفروق التي ت�شري �إىل تدرج يف املواقف ،هي عبارة �إما عن انتقال من الف�ضاء القروي �إىل ف�ضاء املدينة و�إما عن عالقة جديدة مع الف�ضاء العمومي ،هي فروق انتقلت من «احلايك» �أو «الإزار» وهو عبارة عن برن�س من قطعة واحدة �إىل اجلالبة -لبا�س للرجال �أخذته الن�ساء عنهم -مع نقاب و « ُق ّب» (غطاء للر�أ�س) ،ثم بدون «قب» وال نقاب و�إمنا مبنديل ال غري يغطي الر�أ�س ،معربة يف نف�س الوقت عن تطور ملو�ضات اللبا�س وتق�سيمات جديدة للعمل يف �إطار تعميم العالقات التجارية .وتتم ترجمة ذلك مبيالد �سوق للأك�س�سوارات الن�سائية وجمموعة من اخلدمات الأخرى مثل احلالقة (جتعيد ال�شعر ،املجفف الكهربائي ،الخ ).واملاكياج واخلدمات املتعلقة بالتجميل .ومثل هذا التطور ينبغي �أن يدفع بنا �إىل التحلي مبزيد من احلذر يف معاجلة احلجاب ك�أك�س�سوار مت �إدماجه يف جمموعة اللبا�س. لقد جاء تعميم اللبا�س الأوروبي باملغرب مت�أخرا وكان م�صحوبا بن�شر التعليم ،ولو �أنه على امل�ستوى الرمزي �آنذاك ،يعترب تقدمي حممد اخلام�س البنته حل�شد من النا�س بطنجة �سنة 1947 بتنورة مك�شوفة الوجه ،مبثابة فعل حترري ،ال ميت للإ�سالم ب�صلة و�إمنا بتقليد يرتبط بثقافة التعاون مع اال�ستعمار .وقد �ساند الوطنيون الذين ا�ستوحوا تعاليمهم من ال�سلفية ذلك الفعل يف �إبانه .ومت �أخذه كمرجع �سيتم التعبري عنه بكيفية �أكرث تدرجا و�أكرث حذرا يف املمار�سة ،مبا يف ذلك ما �سارت عليه الأمور يف بالط احل�سن الثاين. يجب �أن ن�سجل �أن احلجاب يحيل على عمليات ربط associationsمتناق�ضة ت�شو�ش على الدالالت ،بل وعلى املعامل لتعرب عن �أو�ضاع �إن مل نقل خطابات متناق�ضة .وال يرتبط تعدد الدالالت بطبيعة احلجاب املذكور فقط و�إمنا بلونه وكيفية ن�سجه حيث توجد هناك الع�شرات من الأ�شكال التي تغذي جداال حاميا حول ما هو وطني وما هو غري وطني؛ فالرموز بني «احلايك» الأبي�ض النظيف جلدتي وو�شاح والدتي احلريري املعطر ب�أريج «�شانيل »5و «الدرة» التي تكلم 226
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
عنها احل�سن الثاين و «خمار» املطرب ال�سوري �صباح فخرى و«الربقع» الأفغانية �أو «اجلالبية» امل�صرية ،هي رموز جد متغايرة .وتت�شو�ش املعامل �أكرث عندما ي�صبح احلجاب �أحد �أك�س�سوارات املو�ضة ويرتبط بلبا�س �آخر مثل اجلينز الال�صق .وتحُ دث عمليات الربط هذه تفاوتات ال ميلك املدافعون عن املر�أة الأكرث حتم�سا �سوى ف�ضحها والتنديد بها ،م�صدومني باالنحياز املخرب لتلك ال�سلوكات التي تُدرج تارة يف خانة املمار�سة العتيقة ل«كيد الن�سا» ،وتارة �أخرى يف خانة اال�ستالب. 25 ويعزز خطاب الإدانة هذا ب�شكل مفارق اخلطاب الذكوري عن ق�صور الن�ساء. وعالوة على ذلك ،ف�إن الربط بني احلجاب و�سلوكات و�أماكن �أخرى ،يخلق دالالت مفارقة يجب �أال يتم ت�أويلها فقط كتعبري عن توليف بني �سيطرة نظام �أخالقي والكيفيات العملية خلرقه، و�إمنا ينبغي ت�أويلها �أي�ضا كفر�صة يغتنمها الفاعلون تبعا لإكراهات ال�سياقات اخلا�صة؛ فقراءته كوحدة دالة تخ�ضع لعلم النحو يجب �أن نرجعه يف كل مرة �إىل ال�سياق ،لكن يجب �أن نرجعه �أي�ضا ،كما يذكر بذلك املدافعون عن قواعد النحو� ،إىل كفاءات الفاعلني �أنف�سهم و�إىل قدرتهم على اال�ستيالء عليه من �أجل حتريف معناه الأول و�إلبا�سه معنى جديدا .ولعل انت�شار احلجاب يف املجتمع يرتجم كذلك الثقل املتنامي لأخالقية عمومية وازنة متنح تطمينات مادية لرجال غري قادرين على مراقبة حرميهم ،وذلك عندما يتم ت�أويل احلجاب من وجهة نظر معيارية تعلي من �ش�أن �صيغة وحيدة تربط بني احلجاب واالمتثال لتعاليم الإ�سالم �أو للموروث املحلي .وقد يكون ارتداء احلجاب على هذا النحو مبثابة التقوى املعلن عنها �أو ر�سالة وا�ضحة عن التحلي بالأخالق. ومن امل�سلم به التذكري �أن احلجاب والو�شاح والزي الإ�سالمي ،ال يدلون على نف�س ال�شيء بالن�سبة للفاعلني بتعدد ممار�سته ومتلكه وتعدد طرق ارتدائه حتى و�إن كان يتم حتميله يف الذاكرة اجلماعية ب�أعباء داللة معيارية مل يكن يت�ضمنها املفهوم املرجع. « - 25نعم ،ارتداء احلجاب لي�س متما�سكا ،وال ي�ستجيب يف هذا املنحى ملعايري لبا�س �شرعي ،لكن لي�س هناك بال�ضرورة ما يدعو لالبتهاج بذلك� .إذ ما ع�سانا نرى يف حتريف املعنى الأ�صلي للحجاب عندما يكون ذا لون �أزرق فريوزي ،مثبت ب�شِ َّكة مذهَّبة فوق �سروال �آخر مو�ضة مثل �سروال اجلينز النازل؟ مبعنى عندما يتحول احلجاب �إىل �أحد �أك�س�سوارات املو�ضة! ماذا ميكن �أن نرى يف ذلك؟ �إن مل يكن جمرد تهافت مطلق ،لأن احلجاب ي�صبح هنا �أداة للإغراء؛ �أداة ا�سرتاتيجية للتعارف والتالقي .ب�أي تغري فجائي ي�أتي احلجاب ليمثل عك�س معناه الروحي� ،إن مل يكن ذلك نوعا من االنتهازية البذيئة كنمط لال�شتغال .باخت�صار ،ملاذا يُلب�س احلجاب مع �سروال جينز ال�صق؟ �أو مع �أحمر �شفاه؟ �أو مع حذاء بكعب عال يبلغ � 10سم؟ ملاذا يتم جت�سيد رمزين متناق�ضني ب�شكل مطلق ،املهذب املتوا�ضع واال�ستعرا�ضي امل َّربق حول الن�سائية؟ هنا �أي�ضا من املمكن �أال يتغري التقليد الأعمى لت�أثري املو�ضة! �إذ عالوة على �أن ذلك بد�أ يفعل الكثري من الأ�شياء التي ال تعيها الن�ساء ،ف�إن مو�ضة احلجاب هذه هي املو�ضة الأكرث ات�صافا بالال منطق ...والأكرث خطرا. �إن ابتذال احلجاب بخلطه بدالالت �أخرى متناق�ضة يفقده ب�شكل مبا�شر خ�صو�صيته الروحية للقبول والإقرار ب�صفة نهائية على التمييز بني اجلن�سني» يف Femmes du Marocبتاريخ 01/11/2006
227
الإ�سالم يف احلياة اليومية
يف هذا ال�صدد ،ميكننا التذكري بعدة مالحظات قريبة من احل�س العام : هناك تعدد يف طرق ارتداء احلجاب حيث يغطي ال�شعر �أو الوجه ،وميكن �أن يكون لون احلجاب �أ�سود �أو �أبي�ض ،لكن كذلك يكون زاهيا ومتناغما مع احلقيبة اليدوية ومع احلذاء ؛ تعدد الوظائف املرتبطة باحلجاب � :إذ ميكن �أن ي�ؤدي وظيفة �أحد �أك�س�سوارات اجلمال بنف�س القدر الذي يخفي مظاهر الب�ؤ�س بديال عن التكاليف املرتفعة لالعتناء باجل�سد و�شراء م�ستح�ضرات التجميل �أو م�ؤ�شرا على �أنوثة من بلغن �سن الي�أ�س �أو التنكر للإفالت من مراقبة الإخوة ومغادرة ف�ضاء الأ�سرة بدون �إثارة ت�سا�ؤالت �أو رمزا م�ؤكدا لالحرتا�س �أو رمز انتماء �إىل طائفة... تطور املرتابطات املتعلقة باحلجاب :على امل�ستوى الرمزي ،يرتبط احلجاب ب�سلوك �أو عدة �سلوكات �إ�ضافة �إىل ال�سلوك النمطي للفتاة �أو للمر�أة التقية (الع�صرية التي ت�ؤدي ال�شعائر) املمار�سة امللتزمة �أو الأنيقة امل�ؤدية لل�شعائر؛ فاحلجاب ي�شكل على حد �سواء م�شايعة �إيديولوجية و�أحد �أك�س�سوارات املو�ضة والإثارة كقناع �أو كزينة .وميكن �أن يرتبط على م�ستوى اللبا�س ب�سروال اجلينز �أو بالبذلة التقليدية لكن ميكن �أن يرتبط كذلك بالبذلة الع�صرية �أو باجلالبيب املجدَّدة والتي ت�ضفي عليه طابعا ع�صريا ،بل وباملعاطف الطويلة بالن�سبة للن�ساء املهاجرات. �إن م�س�ألة احلجاب التي هي مثار جدال ،مت �إدراجها يف هذا البحث �أخذا بعني االعتبار التعقيد الذي يحيط بها؛ فمن عينة تتكون من 609امر�أة مت ا�ستجوابهن % 39 ،يرتدين احلجاب .ويتعلق الأمر هنا بظاهرة تتم على نطاق وا�سع ،حتى و�إن كان من ال�صعب من خالل اال�ستمارة القيام بو�صف هذا اللبا�س الذي ترتديه املر�أة .ومع افرتا�ض �أننا كنا �أمام زي موحد يحيل على نف�س الداللة الرمزية ،فقد حاولنا معرفة اخل�صائ�ص الرئي�سية لهذه العينة من املحجبات .وعموما، ميكننا �أن ن�سجل ب�أن الن�ساء ربات البيوت ال يختلفن كثريا عن الن�ساء الالئي ي�شتغلن .وتظهر االختالفات عندما نحدد �صنف الن�شاط الذي تتم مزاولته .وهكذا ف�إن املوظفات ميلن �إىل احلجاب ( % 57من الفئة) �أكرث من م�ستخدمات القطاع اخلا�ص (.)% 33.8
228
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
متيل الن�ساء املتزوجات �إىل ارتداء احلجاب �أكرث من الن�ساء العازبات حيث ميثلن على التوايل " % 40و .% 33ومن بني الن�ساء الالئي ال ميار�سن �أي ن�شاط مهني % 39 ،يرتدين احلجاب مقابل % 61من الن�ساء اللواتي ال يرتدينه .ومتثل ن�سبة املدينيات الالئي يرتدين احلجاب % 44مقابل امر�أة واحدة قروية من بني ثالث .وتُعد الن�ساء الالئي يرتدينه من بني �ساكنات املدن الكربى واملدن املتو�سطة (� )% 44أكرث من الالئي يع�شن يف املدن ال�صغرية حيث ال ميثلن �سوى .% 23وي�ؤثر التعليم بالن�سبة للفئتني املتو�سطتني� ،أي الن�ساء الالئي وجلن املدر�سة االبتدائية (� )% 41أو الإعدادية و�إىل الثانوية ( .)% 44وتقل ن�سبة الن�ساء غري املتعلمات ،مثلهن مثل الن�ساء الالئي قمن بدرا�سات عليا ،اللواتي يرتدين احلجاب ،حيث ال ميثلن �سوى .% 34 بالن�سبة ملعيار الدخل ،هناك انت�شار قوي الرتداء احلجاب �ضمن الن�ساء اللواتي ينتمني �إىل الفئة ذات الدخل املتو�سط ،حيث متثل الن�ساء الالئي ال يتجاوز دخل �أ�سرهن 1000درهم يف ال�شهر % 21من الفئة؛ وتتجاوز ن�سبة الالئي يرتاوح دخل �أ�سرهن بني 3000و 6000درهم ب�ضعفني. من وجهة نظر معيار ال�سن ،يرتبط احلجاب والتدين بت�سارع وا�ضح لدى املتقدمات يف ال�سن، فذوات الأربعني ربيعا يف�ضلن �أكرث ارتداء احلجاب حيث ميثلن % 34من فئة �أقل من � 24سنة، و % 34من الن�ساء البالغات �أقل من � 34سنة ،و % 46ممن هن دون � 44سنة ،و % 41ممن هن دون � 59سنة ،و % 40ممن يفوق عمرهن � 60سنة. قد يكون ب�إمكاننا �أن ن�سجل كخال�صة �أن كافة املتغريات املكونة لفئة ن�ساء الطبقة الو�سطى احل�ضرية متقاربة .ومن �ش�أن املحجبة �أن تكون موظفة تعي�ش يف مدينة كبرية ،تبلغ من العمر � 45سنة، متزوجة وذات م�ستوى تعليمي متو�سط. وبغ�ض النظر عن اخل�صائ�ص ال�سو�سيولوجية لهذه املجموعة التي اختارت «ارتداء احلجاب» ،اهتم البحث بوجهة النظر التي بلورها امل�ستجوبون بالن�سبة مل�س�ألة احلجاب؛ وقد كان هدفنا هو معرفة كيف يتناول الر�أي العام هذه امل�س�ألة .عندما يُطرح ال�س�ؤال مبا�شرة حول املوقف من احلجاب، تبلغ ن�سبة املجيبني الذين يوافقون على ذلك .% 83,2وتبلغ ن�سبة الن�ساء الالئي يوافقن على ذلك 229
الإ�سالم يف احلياة اليومية
،% 84وهو ما ميثل فرقا �ضئيال بالن�سبة للمجموع .وميثل الأ�شخا�ص الذين ال يوافقون على ارتداء احلجاب �أقلية ال تتجاوز .% 8واحلجج املقدمة لتربير املوافقة على ارتداء احلجاب هي حجج دينية �أ�سا�سا (بالن�سبة ل % 78من املجيبني) ،يف حني مل تتمكن الأقلية التي ال توافق على ذلك ()% 8,3 من تقدمي حجج دينية ب�سبب �إغالق حقل ال�شرح الالهوتي ،باعتبار �أن الت�أويل حم�صور يف �إطار قراءة حمافظة. �إن التفاوت بني املوافقة بكيفية مكثفة على ارتداء احلجاب وكون عدد الن�ساء الالئي يرتدينه فعليا �أقل �أهمية ن�سبيا ،ي�أخذ بعني االعتبار الطبيعة املعيارية للحجاب كرداء مرجعي .وهذا ال مينع من وجود بع�ض هوام�ش مت ُلك و�إعادة ت�أويل القواعد تبعا لتنوع ال�سياقات حيث �أ�صبح ذلك ممكنا عرب االلتزام املبدئي باملعايري� .إن الن�ساء والرجال ال يجعلون من احلجاب �شرطا لالنتماء �إىل املجموعة (الأمة) الإ�سالمية ،ولو �أن ذلك يتم يف نطاق �أقل؛ فعن ال�س�ؤال « :هل ميكن اعتبار املر�أة التي ال ترتدي احلجاب مبثابة امر�أة م�سلمة؟» �أجاب % 75من الرجال و 76،5من الن�ساء بالإيجاب ( % 9,9يرون العك�س و % 14,5ال يعرفون). حتيل كيفيات ن�شر احلجاب على الثقل املهم للر�أي العام؛ ذلك �أن % 48,9من الن�ساء اللواتي �شملهن هذا البحث ي�صرحن ب�أن �أي �شخ�ص مل ي�ؤثر عليهن مبا�شرة يف ارتدائهن للحجاب. ويف هذه احلالة ميكن �أن نتحدث عن نزعة �أخالقية اجتماعية حتيل على ثقافة مغالية يف التقوى والتي تنت�شر عرب العديد من القنوات وتعزز نوعا من الأخالق ال�شعبوية التي يحافظ عليها جهاز اجتماعي جمهول الهوية لكنه حا�ضر من خالل ال�صحافة الوازنة �إىل حد كبري ومن خالل املدر�سة وو�سائل الإعالم .ويقرن هذا اجلهاز ما بني الأخالق املتزمتة واالجتاه املحافظ .ال ت�سمح حدود البحث عن طريق اال�ستمارة بالذهاب بعيدا يف التحليل ،لكنها متكن مع ذلك من ت�سجيل ال�ضعف يف �إحالة �صريحة �إىل مو ِّجهات التن�شئة االجتماعية الكال�سيكية ،مقارنة مع الأ�سرة التي متثل ،% 35,3وال ميثل اخلطباء بامل�ساجد �ش�أنهم يف ذلك �ش�أن مقدمي برامج الوعظ والإر�شاد بالتلفزة� ،سوى .% 3,8ومل يعد للأم وال للأب ت�أثري داخل الأ�سرة ( .)% 10,5وحا�صل الكالم 26
� - 26أحد الأمثلة الأكرث �أهمية هو مثال ظهور جنمات حمجبات يف �أفالم تلفزية (رم�ضان )2006؛ فبعد موجة املمثالت امل�صريات اللواتي انتقلن �إىل ارتداء احلجاب ،ر�أينا ظهور بطالت �أفالم تلفزية ممثِّـلة لهذه الأخالقية العمومية .فاملعاجلة الدرامية الفنية تع ِّري هذه ال�شخ�صيات من �أي طابع �إن�ساين طاهر ،ال تتمثل وظيفته الرئي�سية يف �إعطاء املثال ،و�إمنا يف �إ�شعار الن�ساء اللواتي ال يرتدين احلجاب بالذنب. وتبوئها مكانة ٍ �صنف مثايل ٍ
230
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
هو �أن الدعوة �إىل الدين من �أجل تعميم احلجاب تظل ن�سبيا متوا�ضعة ( % 31,7يف املتو�سط) وهي مهمة ت�سند للإناث (� )% 42,8أكرث مما ت�سند للذكور (.)% 25,6 ت�صدعات املوروث
تتموقع النقطة الأخرى للقطيعة بخ�صو�ص مو�ضوع احلجاب ،يف تدبري االختالط بني اجلن�سني. وهذه امل�س�ألة لي�ست �أقل تعقيدا من �سابقتها؛ فهي من جهة ت�ضع ،وجها لوجه معيارا اجتماعيا يعززه خطاب ديني حول ف�ضائل الف�صل بني الذكور والإناث وح�صر املر�أة يف �أدوار ال تعر�ضها لالختالط باجلن�س الآخر؛ ومن جهة �أخرى ،هناك حاجيات الن�شاط اليومي املعتمدة يف اختيارات املجتمع التي تنظم ولوج املر�أة �إىل الف�ضاء العام بوا�سطة العمل امل�أجور وممار�سة الن�شاط التجاري. يحيل هذا اخلطاب املعياري حول الف�صل بني اجلن�سني على التقاليد احل�ضرية التي نظمت هذا الف�صل من الناحية الطبوغرافية بالتقلي�ص من التكاليف .لكن احلاجة يف البادية �إىل يد عاملة ن�سوية �سمح يف وقت مبكر من �إبداع طرق عملية لت�أطري االختالط بني اجلن�سني وم�أ�س�سته .و�إىل عهد قريب ،كانت الف�ضاءات امل�ستثناة من االختالط يف الو�سط القروي هي ال�سوق وامل�سجد ،ومل مي�س التطور الذي هم املدن هذا الأخري بحيث ال يزال حمظورا على الن�ساء؛ ففي الو�سط املديني متت برجمة الف�صل يف الف�ضاء احل�ضري وكان ي�ستلزم معمارا ي�ستدير نحو الداخل ليحمي املر�أة من نظرات الغرباء .وقد كان تنقل الن�ساء يف الف�ضاء العام ا�ستثنائيا �أويف حالة تعذر ذلك ،يكون حمددا يف �إطار م�سارات معينة تقودهن �إىل احلمام �أو �إىل ال�سوق .وحاليا ،ف�إن الن�ساء يرتدن كافة الف�ضاءات مبا يف ذلك قاعات ال�شاي وقاعات الريا�ضة واحلمامات .وبقيت احلانات مع ذلك هي الأمكنة التي ي�صعب على املر�أة دخولها باعتبارها زبونة بدون �أن تفقد فيها �سمعتها ،واحلمامات مينع فيها االختالط .وا�ستمرارا ملا كان عليه الأمر �إبان احلماية بخ�صو�ص املدر�سة ،ف�إن الدولة املغربية منعت االختالط لفرتة زمنية معينة مكر�سة بذلك الف�صل بني مدار�س الفتيات ومدار�س الفتيان ومت ا�ستثناء اجلامعات يف هذا الإجراء .ويف �أيامنا هذه ،تكر�س مبد�أ االختالط داخل املدار�س 27
- 27ال ميكننا �سوى �أن ن�ستح�ضر هنا م�ؤ�س�سة �أمغار لعمت التي �أمكننا مالحظتها �سنة 1993لدى �آيت عبا�س بالأطل�س الكبري .ف�آيت عبا�س الذين ميار�سون الرق�ص املختلط واالختالط بني اجلن�سني يف حفالت الزفاف ي�ضعون بنية ُ�شرطة حملية يج�سدها �أمغار لعمت الذي يحدد قواعد ال�سلوك الالئق داخل املجموعة املختلطة .ومن يخرق تلك القواعد تُف َر�ض عليه غرامة �أو يُق�صى من املجموعة .واحلالة الق�صوى هي حالة الرق�صة املختلطة (�أحوا�ش) التي �صدمت «حداثتها» ،يف حينه ،املهدي بن بركة� ،أكرث الوطنيني احلداثيني حما�سا ،عندما كان منفيا يف �أغبالو نكردو�س.
231
الإ�سالم يف احلياة اليومية
حيث يفوق عدد املدار�س املختلطة يف اخلريطة املدر�سية عدد مثيالتها «ذات اجلن�س الواحد»؛ بل وحدث تعزيز االختالط بنوع من الإرادة ال�سيا�سية الذي واكب ذلك التحول بفتح كل املهن تقريبا �أمام الن�ساء� .إنها حالة ق�ضاء «ال�شرع» من خالل حماكم الأ�سرة التي �أ�صبح فيها عدد كبري من الن�ساء وحالة اجلي�ش وال�شرطة .ومنذ مدة فتح جمل�س العلماء �أي�ضا �أبوابه مل�شاركة الن�ساء مبا يف ذلك وظيفتي الوعظ والإر�شاد ،با�ستثناء بع�ض املهن املتعلقة بالعبادة (الإمام ،امل�ؤذن ،الخ.). �إىل عهد قريب ،كان املبد�أ يف حفالت الزواج واخلتان هو الف�صل بني الن�ساء والرجال وكان ذلك الف�صل يفر�ض �أجندات احتفالية متتد يومني على الأقل ،يوم للن�ساء ويوم للرجال .و�إذا حدث و�أن وجدوا جميعا يف الإطار العائلي ال�ضيق ،يتم احلفاظ على مبد�إ الف�صل على م�ستوى املكان وتقدمي الطعام .ولي�س ب�إمكاننا حتديد تواريخ التغريات التي حدثت ،لكن ميكن �أن نقول ب�أنها رافقت �إقامة احلفالت وتنظيمها من طرف حمرتفني يف املدن .فر�ض تدخل املتعهد� ،صاحب امل�شروع ب�صفته �شخ�صية مركزية يف تنظيم احلفالت� ،سيناريو منطي يف�صل اختيار كيفية التنظيم عن اختيار الهوية املعنوية �أو الروحية ملتعهدي احلفالت .ويجب �أال نهمل ،من جهة �أخرى، م�شاكل التكلفة التي تتدخل بقوة يف اختيار تنظيم احلفلة يف �أم�سية واحدة خمتلطة. 28
يبدو يف خال�صة الأمر� ،أن ولوج املر�أة �إىل ف�ضاءات االختالط ال يطرح م�شاكل خا�صة؛ فاملجتمع �أعاد تهيئة ف�ضاءات لالختالط �أ�صبحت �إلزامية بفعل منط احلياة املعا�صرة ،لكنه مل ي�ضطلع بذلك من خالل �إعادة ت�أويل العقيدة الدينية �أو الأخالقية؛ فاخلطاب الن�سائي ميثل �أقلية والطبقة ال�سيا�سية مل حتاول املجازفة بخ�صو�ص هذه امل�س�ألة .ولذلك يتم ا�ستعمال تعاي�ش القيم وال�سلوكات املتناق�ضة يف تدبري االزدواجية .على م�ستوى اخلطاب ،ف�إن هذا الربط املتناق�ض ،الذي ت�صفه بع�ض و�سائل الإعالم بالنفاق االجتماعي املع َّمم ،هو على العك�س من ذلك ربط مت تثمينه باعتباره متطلبا للو�ضع الإن�ساين اله�ش بطبيعته؛ فاملثل ال�شعبي يقول�« :شوية لربي و�شوية لقلبي» وحتى لو متت �إدانة نداء القلب الذي يخرق القاعدة ف�إنه موجود هناك لي�شهد باحلاجة �إىل اهلل. 29
30
-28خالل مدة طويلة ،كان التن�شيط يطرح م�شكال .وقد فر�ض التخلي عن املو�سيقيات التقليديات (العونيات) اللجوء �إىل �أجواق ع�صرية تتكون من عميان (جوق العميني). " -29مازالتدبريمرا�سيماجلنازةيقاوماحلركة،حيثيُحظرعلىالن�ساءالذهاب�إىلاملقربةيومالدفن.والي�أتيدورهن�إال يفاليومالثالثاملوايلللدفنالذيي�سمى ب «التفاريق».. « -30ني�شان» ،عدد �شهر رم�ضان «النفاق».
232
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
ونتيجة لذلك ،ت�ضاعفت مناطق التجريب االجتماعي وتدبري التناق�ضات بني املعيار املحدَّد �سلفا انطالقا من ت�أويل للدين توحي به الأخالق العامة ،واختيارات ال�سلوك الذي ت�ستلزمه املمار�سات اجلماعية .ذلك �أن نتائج البحث ت�ؤكد التفاوتات بني ال�ضوابط املعيارية واملمار�سة بل وتوحي بوجود معايري جديدة يف طور الت�شكل حتاول �إعادة ت�أهيل تلك ال�سلوكات املتناق�ضة ب�إعادة ت�أويلها� ،أو عندما ال يت�سنى ذلك ،ب�إن�شاء تراتبية جديدة لطرق خمالفتها .وقد ك�شف البحث كذلك ب�أن فعل ت�سمية ال�سلوك وت�أمله وو�صفه يرفع درجة التوتر مبرجعية حمددة �سلفا تفر�ضها ب�شكل متكرر �أماكن العر�ض الر�سمي مما ميكن �أن يف�ضي بنا يف غالب الأحيان �إىل ت�أويل مغلوط لهذا التوتر ب�إرجاعه �إىل �سلوك ف�صامي ،وهو �أمر يف نظرنا تع�سفي. 31
يف حفالت الزواج ْحت�ضر الن�ساء �أكرث من الرجال يف احلفالت املختلطة؛ حيث ت�صل ن�سبتهن �إىل % 70مقابل % 65من الرجال .وعندما ننتقل من الفعل الواقع �إىل و�صفه من طرف امل�ستجوبني ،ن�سجل تراجعا وا�ضحا بحيث ت�صل ن�سبة الن�ساء الالئي يوافقن على االختالط يف احلفالت بالكاد �إىل % 49,4( % 51,9من الرجال) .واالختيارات هي �أكرث ح�سما فيما يتعلق باملدر�سة حيث ت�صل ن�سبة املجيبني امل�ؤيدين لالختالط % 76مع امتياز طفيف للن�ساء (.)% 78 وت�ؤيد هذه املوافقة املكثفة �إىل حد ما اختيارات ال�سلطات العمومية كما ت�شهد على انتقائية االختيارات الدغمائية .هناك مالحظة �أخرى تربز عندما نطرح ال�س�ؤال بخ�صو�ص ال�شواطئ، حيث يُعا�ش االختالط الذي يُعايَن يف ال�شواطئ ك�إكراه �أو انزالق ال �أخالقي للمجتمع .فن�سبة املجيبني امل�ؤيدين لل�شواطئ املختلطة ال تتجاوز .% 29,8وخالفا للأجوبة التي تقدمها الن�ساء على الأ�سئلة الأخرى ،كانت �أجوبتهن �أكرث ترددا عندما يتعلق الأمر باالختالط يف ال�شواطئ ( % 26,3من الن�ساء توافقن على ذلك) .والإ�سالميون مل يخطئوا يف ذلك عندما �أعلنوا احلرب على ال�شواطئ املختلطة بفر�ضهم لكيفية خا�صة يف االرتياد النموذجي لل�شواطئ .وقد كان �شعارهم يف بداية الثمانينات هو وجوب فهم احلق يف العطلة ال�صيفية بدون تنازالت على امل�ستوى الأخالقي وم�ستوى الورع والتقوى؛ �إذ كانت املخيمات الإ�سالموية التي نظمتها جماعة «العدل والإح�سان» بكل من �سيدي بوالنعامي (جنوب الدار البي�ضاء) واملهدية (بالقرب من القنيطرة)، - 31قمنا �سنة 1984بهذا ال�صنف من القراءة .ونحن جمربون بعد مرور ع�شرين �سنة على مالحظة وجوب تلوين فهم هذه االزدواجية التي اعتربناها عن غري حق مبثابة باطولوجيا اجتماعية (�أنظر الطوزي� ،Champ politique et champ religieux ،ص.)243 .
233
الإ�سالم يف احلياة اليومية
تطمح �إىل �أن تكون �أماكن منوذجية تُعري العجز احلا�صل يف التجهيزات العمومية ،لكنها ت�شجع على وجه اخل�صو�ص منوذجا �آخر يف احلياة �أكرث اهتماما بطلب من الطبقات املتو�سطة التي كانت ترغب يف ق�ضاء عطلة مع الأ�سرة دون خوف على بناتها ون�سائها. ال�شكل 56
اجلدول :9ق�ضايا التغيــرات
قواعد الميراث غير عادلة
ضد الحجاب
مع وسائل ضد الصالة الصالة في وقتها منع الحمل بالطريق العام
الرجال
7,1%
%,5,9
79,5%
30,0%
29,4%
النساء
11,7%
%,8,5
89,3%
24,1%
17,7%
من �أجل الت�أكيد �أكرث على مفارقات جمتمع ي�ستع�صي على �أي تب�سيط مبالغ فيه ،ومن �أجل الذهاب ب�صفة خا�صة �إىل ما وراء مبد�إ للتما�سك مت بنا�ؤه بكيفية تع�سفية انطالقا من موقف 234
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
�آمر يخلق متييزا معياريا وا�ضحا بني احل�سنة وال�سيئة ،اهتم البحث بجوانب �أخرى من احلياة الدنيوية ي�صعب فيها التمييز كاملو�سيقى وال�سينما و�إحياء احلفالت الدينية والدنيوية. وقد تبني �أن % 17من امل�ستجوبني وامل�ستجوبات ال ي�ستمعون �إىل املو�سيقى �أبدا ،يف حني �أن % 33,6ي�ستمعون �إليها كثريا و % 49,4من حني �إىل �آخر .ويعترب � % 3أن املو�سيقى مبثابة �أمر حرام ومن ثم ف�إنهم ال ي�ستمعون �إليها �إطالقا� .أما باقي �أولئك الذين ال ي�ستمعون �إىل املو�سيقى� ،أي % 14من امل�ستجوبني ،ف�إنهم يقدمون حججا غري دينية (م�س�ألة ذوق و�إمكانيات)؛ فعندما ُ�سئلوا عن نوع املو�سيقى التي ي�ستمعون �إليها ،احتل «ال�شعبي» املرتبة الأوىل ( % 70من املعنيني) واملو�سيقى الروحية يف املرتبة الرابعة وراء املو�سيقى الغربية وال�شرقية و«ال�شعبي». 32
كانت النتائج بخ�صو�ص ال�سينما �أكرث �إثارة للده�شة % 28,5 :ي�شاهدون ال�سينما كثريا و�أقل من % 20ال ي�شاهدونها �أبدا .ويربر واحد يف املائة فقط من امل�ستجوبني ( % 6,7ممن ال ي�شاهدونها) عدم ا�ستهالك ال�سينما بكونها من احلرام .وت�شاهِ د الن�ساء الأفالم عموما �أكرث مما ي�شاهدها الرجال ،% 82,8 :يف حني ال ت�صل ن�سبة الرجال �سوى �إىل .% 76,9 وحتيل �أ�صناف الأفالم التي تتم م�شاهدتها �إىل فئات هي بالأحرى �أفالم ن�سائية من مثل الأفالم التلفزية امل�صرية واملك�سيكية ( % 72من الن�ساء و % 23من الرجال) ،والدينية ( 25,8من الن�ساء و % 16,9من الرجال). ال�شكل :57التفاوت بني الرجال والن�ساء بخ�صو�ص �أ�صناف الأفالم التي تتم م�شاهدتها
- 32ينتهي الباحث الذي يلتم�س �إيجاد معنى خطي ،با�سم هذا التما�سك الذي يفقده غيابُه توازَنه� ،إىل �إق�صاء جمعيات التقوى والقمار ،وجمعيات ال�سينما والقر�آن ،وجمعيات «�شيخات» �آ�سفي و�شيوخ القر�آن.
235
الإ�سالم يف احلياة اليومية
وفيما يتعلق بالأعياد ،فقد وقع اختيارنا على مقابلة ثالثة �أعياد رمزية لكونها متثل نقاط خالف مع الإ�سالمويني :ال�سنة امليالدية اجلديدة ،املرتبطة بعيد امليالد امل�سيحي وال�سنة الهجرية اجلديدة التي هي عيد �إ�سالمي بامتياز وال�سنة الفالحية التي يتم االحتفال بها يف العامل القروي .وهذه احلفالت ت�ستفيد من م�ستوى م�أ�س�سة ال مت�ساو يف غري �صالح ال�سنََة اجلديدة الفالحية (التقومي الفالحي) يف حني �أن العيد الأول والثاين يعتربان يومي عطلة مت تكري�سهما ب�صفة خا�صة من طرف ا�سرتاتيجيات الدعاية وعر�ض �سلع مالئمة مت تطويرها من قبل املتاجر الكربى. بالن�سبة لل�سنة امليالدية اجلديدة ،التي هي مو�ضع نقا�ش كبري حتى داخل الأحزاب الوطنية املحافظة مثل حزب اال�ستقالل بل وحتى التقدمية منها مثل االحتاد اال�شرتاكي للقوات ال�شعبية ،فيحتفل بها مغربي من بني خم�سة� ،أي % 19,6من امل�ستجوبني ( % 44ممن ال يحتفلون بها يتذرعون ب�أ�سباب دينية)؛ يف حني يحتفل % 45من املغاربة بال�سنة الهجرية اجلديدة و % 40بال�سنة الفالحية اجلديدة .ولي�ست كيفيات االحتفال واحدة بالن�سبة لكل هذه الأعياد .لكن يجب �أن ن�سجل �أن االحتفال بال�سنة امليالدية اجلديدة ،يعترب مبثابة بدعة يُالم عليها لأنها حتيل على رمزية معوملة : % 60تقريبا ممن �شملهم البحث والذين يحتفلون بها ي�شرتون كعكة ،و % 48منهم ينظمون لقاء عائليا 2,2 ,ي�صل بهم الأمر حتى �إىل تزيني �شجرة التنوب .وبالن�سبة لل�سنة الهجرية اجلديدة ،ف�إن طبق الدجاج هو الذي مييز هذه احلفلة لدى % 75من امل�ستجوبني.
236
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
اجلدول :10 الحفالت
الرجال
18,4
النساء
20,8
الكعكة التنوب اللقاء العائلي 59,7
السنة الميالدية ()f68,8 الجديدة 45,6 45,0 السنة الهجرية الجديدة )%20( 39,4 )%16,3( 41,7 السنة الفالحية ال �أعرف الجديدة ال �أعرف
2,2
38,9
20,7
الخروج
الوجبة االحتفال الديني
)5,4f(13,7
75%
4, 5
()25,2f
املر�أة :تلك ال�ساحرة !
عندما ن�ستعر�ض الأدب الذي يتناول تدين املر�أة يف املغرب العربي ،جند �أن العنا�صر املكونة له على نحو ما �سبق ذكره تقربها من اخلوارق بوا�سطة الإجناب والأمومة التي جتعلها على ات�صال بالطبيعة العميقة .وتقوم بع�ض الن�صو�ص بانزالق لتتحدث عن تدين خا�ص .ويتم الإ�شارة لرباديكم التدين ال�شعبي كتعبري عن هام�شية الن�ساء يف ت�شكيلة اجتماعية �أبوية تارة ،وكا�سرتاتيجية للمقاومة �أو لتدمري النظام القائم تارة �أخرى �أو تعبريا عن ح�سا�سية خا�صة جم ِّملة �شاعرية :نوع من الذاكرة اجلهنمية التي ال تدخر جهدا لتك�سري �صالبة مبد�أ التجريد للديانات ال�سماوية. «متتلك املر�أة املولودة يف املجموعة الإ�سالمية �أو التي تلتحق بها ،جمموعة القيم الإ�سالمية؛ لكن تنق�صها قراءة القر�آن وتف�سريه .وح�ضورها يف امل�سجد يف اجلزائر ،كما هو ال�ش�أن يف املغرب العربي ب�صفة عامة ،هو ح�ضور نادر �أو �أمر يخ�ص الن�ساء امل�سنات .والدين الذي ي�صلها هو دين �صوري يلقن لها بالتقليد يف �إطار احرتام القيم العائلية� .إن الأبوية جتعل املر�أة يف حاجة دائمة �إىل الو�صاية ،والإ�سالم الذي هو فكرة طاهرة ،يُه ِّم�شها لدن�س ج�سدها )...( .وميثل الت�ضرع �إىل 237
الإ�سالم يف احلياة اليومية
اهلل بجاه الأ�ضرحة وال�صلحاء ،بالن�سبة للمر�أة امل�سلمة يف منطق و�ضعها ،قبولها ب�أن تكون حتت حماية �أو�صياء �أخيار لي�سمع اهلل دعواتها .ويتم تعوي�ض هذه ال�سلبية التي تفرت�ضها املمار�سة بعدة ممار�سات �سرية� .إنها متثل غمو�ضا يف ذاكرتها ،ومن خالل العنا�صر التي حتركها تهتدي �إىل اهلل املوجود يف كل مكان والعامل بكل �شيء .فمع اجلن يف املكان؛ وبالرتاب والنار واملعدن واملاء تربط ال�صلة من جديد بجوهر الأ�شياء وبروح املادة( ».يامينة فكار .)1981 ،ي�ستعيد هذا املقطع املذكور �أعاله تلك املعرفة ال�سطحية املتعلقة بعامل �إ�سالم ن�سائي ي�سكنه اجلن والأ�ضرحة .وهو مقطع ال يت�صور ،ك�أغلبية الن�صو�ص التي �أمكننا االطالع عليها ،هذا التدين يف منظور دينامي بالت�سا�ؤل حول الت�أثريات املرتافقة للتمدر�س وللخطاب العقالين حول الدين الذي تنتجه املدر�سة يف �إطار متديد لل�سلفية الوطنية. 33
وخالفا للق�ضايا الأخرى حول تدين الن�ساء ،ف�إننا نتوفر على معطيات ميدانية قدمية �شيئا ما تتعلق بارتياد امل�ساجد والزوايا والأ�ضرحة وبا�ستعمال �أ�صناف العالج املتمحورة حول العرافة وال�سحر. فبني �سنتي 1978-1979قام برونو �إتيان ،الذي كان يف تلك احلقبة �أ�ستاذا بجامعة احل�سن الثاين (ب� .إتيان ،)1981 ،رفقة باحثني يف �سلك الدكتوراه من كلية احلقوق ،ببحث حول التدين بالدار البي�ضاء .وكان الأمر يتعلق بالأحرى ببحث كيفي كان يردد �صدى ج .ب� .شارين (ج .ب. �شارين )1977 ،الذي نُ�شر ثالث �سنوات قبل ذلك .ومن ال�صعب مقارنة البحث اجلاري ببحث 1979ما دامت الأهداف واملناهج خمتلفة. 34
- 33ي�شكل اجلن جزءا من املعتقدات املندرجة يف العقيدة ،مثل املالئكة والكتب املقد�سة وا َجلنة والبعث .وقد جعل منهم الأدب امل�ستلهم من الدين املوازي لالهوت عاملا م�شفرا ال يناق�ش امل�ؤمنون واقعه الذي ي�شتغل ك�إ�سقاط للعامل املادي .وت�صنَّف هذه الكائنات غري املرئية يف فئتني :الأخيار والأ�شرار .وي�صل الأمر بالنا�س يف الأو�ساط التقليدية �إىل االعتقاد ب�أن اجلن موجود يف كل مكان ،ال نراهم وهم قريبون منا ،يعي�شون بالأحرى ليال �أكرث مما يعي�شون نهارا ،وب�إمكانهم الظهور على �شكل �آدمي �أو حيواين ،وي�ستطيعون الزواج من بني الب�شر� ،أ�سر قلوبهم ،و �إنزال العقاب مبن يزعجهم �أو يجرحهم �أو ي�سيء �إليهم �أو ملجرد تطاوله على جماالت �أو �أماكن �إقامتهم� ،أي الأماكن التي يوجد بها املاء ،والأماكن العفنة واملعتمة والدموية كالبالوعات واملغارات وامل�سالخ ...وبع�ض اجلن م�سلمون ،وبع�ضهم الآخر م�سيحيون �أو يهود �أو وثنيون .وعاملهم معقد وخميف بالن�سبة للجاهل به، وكل ات�صال به ,خارج الطقو�س وبدون حماية ,خطري ،وميكن �أن يعر�ض من يقوم به للويالت وامل�صائب. « - 34قررنا �أن نحاول تعداد املمار�سة الدينية التقليدية الر�سمية التي تدخل فيها ال�صالة يف امل�ساجد .وقد الحظنا ب�سرعة �أن الرقم كان متدنيا ب�شكل مثري يف الأ�سبوع ،حتى ال نقول معادال لل�صفر يف بع�ض ال�ساعات .وعالوة على ذلك بدا لنا االرتياد العام للم�ساجد �أكرث انخفا�ضا ب�شكل ال يقارن بزيارة الأ�ضرحة ،لكن مع عك�س للأرقام .وعلى �سبيل املثال ف�إن حركة املرتادين ال تنقطع يف �أ�صغر �أ�ضرحة املدينة حيث مت ت�سجيل خم�سني زيارة للن�ساء كل �ساعة ل�سيدي مر�س ال�سلطان* (انطالقا من ع�شرين عملية ا�ستطالع يف الأ�سبوع) .وي�ؤم قبور الأ�ضرحة الكربى �آالف من الأ�شخا�ص كل نهاية �أ�سبوع .وقد قمنا بتعداد احل�ضور يف خمتلف ال�صلوات لكل م�ساجد الدار البي�ضاء تقريبا ...باملرور عليها عدة مرات؛ �أي حوايل 180 زيارة .ومل جند �سوى مرة واحدة م�سجدا مهما ممتلئا (باحلبو�س ،من �ألفني �إىل ثالثة �آالف �شخ�ص)؛ ويف مقابل ذلك ف�إن م�ساجد املعاريف ال�صغرية مل تكن مملوءة عن �آخرها يوم اجلمعة يف الواحدة بعد الزوال ،و�إمنا كان الر�صيف يغ�ص بالعديد من امل�ؤمنني الذين ي�ؤدون ال�صالة هناك .ويف
238
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
بيد �أن هذا العمل يقدم بع�ض امل�ؤ�شرات حتى و�إن كانت قراءة املالحظات يف بيئتها ميكن �أن تكون خمتلفة مع امل�سافة التاريخية .و�إذا كانت املالحظة امل�صاغة �سنة 1979بالن�سبة الرتياد امل�ساجد ما تزال �صحيحة ،فاالرتياد �ضعيف باال�ستناد �إىل عدد املمار�سني املحتملني لل�شعائر الدينية يف مدينة كربى مثل الدار البي�ضاء وبالن�سبة لزيارة الأ�ضرحة وا�ستعمال �أ�صناف العالج التقليدية، ف�إننا نرى �أن ت�أويل املالحظات ينبغي �أن يراعي الفروق املوجودة� .إذ من �ش�أن ما كان يبدو لنا يف تلك الفرتة مبثابة دينامية مده�شة للتدين ال�شعبي �أن يكون نتيجة نوع من ت�أثري الر�ؤية يرتجم التفاوت بني اخلطاب ال�سائد يف تلك الفرتة ،املتمحور حول تخلي�ص العامل من الأوهام و�أفول ما هو ديني ،وا�ستمرارية املمار�سات بل وديناميتها وفعاليتها يف بع�ض الأحيان .ويف هذا ال�سياق يجب و�ضع هذا التعليق القا�سي �إىل حد ما لربونو �إتيان ...« :الحظنا االنق�سام بني املمار�سات الدينية للرجال وللن�ساء؛ فالفاعلون هم دائما رجال ميكن و�ضعهم يف �أعلى خُ طاطة فيرب/بورديو (العلماء ،الفقهاء )...وهم �أي�ضا ن�ساء يتكاثر عددهن كلما اجتهنا نحو الأ�سفل� ...أنا �أنكر �إذن، ي�ؤكد برونو �إتيان ت�أكيدات �شارين (� ،Sociologie de l’Islamص ،165 ،163 .و« »)176لقد انت�صر الفكر ال�سلفي على الأقل يف ن�ضاله �ضد عبادة الأ�ضرحة واملمار�سات ال�سحرية ...فاالجتماعات يف البيت ترتاجع على مر الأجيال �أمام العودة �إىل االلتزامات ال�شرعية»« .لقد ح�ضرت �شخ�صيا يف العديد من االجتماعات بالبيت لكي �أقبل هذا الت�أكيد» (ب� .إتيان� ،1981 ،ص.)275 . ومبا �أننا غري مقتنعني بالأبحاث ال�سابقة التي تعلن �أفول التمظهرات الأكرث رمزية للتدين ال�شعبي، فقد خ�ص�صنا �سبعة �أ�سئلة للإ�سالم امل�سمى بال�شعبي ،وهي :اجلن ،عمل ال�سحر الذي يحول الرجل �إىل عنني «الثقاف» ،وعني احل�سد «الالمة» ،وال�سحر ،والعِ رافة وزيارة الأ�ضرحة .ون�سعى من خالل ذلك �إىل التخفيف من ت�أثري الر�أي القبلي ل�سو�سيولوجيا التحديث التي �سادت خالل ال�سبعينات والتي كانت تدين تلك املمار�سات بتجاهلها با�سم تخلي�ص العامل من الأوهام ،من دون �أن ن�سقط مع ذلك يف الإفراط العك�سي لتحديد مكانة تلك املعتقدات ب�شكل مفرط.
باقي الأوقات با�ستثناء اجلمعة م�ساء ،ال يكون هناك �أزيد من حوايل ع�شرة �أ�شخا�ص .ومل جند حال لتعداد ال�صلوات التي تقام يف البيوت بدقة»... (برونو �إتيان� ،Magie et thérapie à Casablanca ،ص)263 .
239
الإ�سالم يف احلياة اليومية
لقد كانت النتائج مثرية للده�شة ن�سبيا :بع�ض �أ�صناف العرافة ما زالت قائمة ،وبع�ضها الآخر �آيل �إىل الأفول .وهكذا ف�إن تقييم زيارة الأ�ضرحة والعرافة ترتجم نوعا من االرتياب يتناق�ض مع املالحظات ال�سابقة 57,5 :من املجيبني ال ي�ؤمنون بوجود العرافة ،والن�ساء �أكرث ت�شككا من الرجال بخ�صو�ص هذه امل�س�ألة� ،إذ ت�صل ن�سبة من يعتقدن بذلك .% 41,9وت�سجل م�س�ألة الأ�ضرحة ارتيابا �أكرث و�ضوحا % 64,1 :من الرجال �ضد زيارة الأ�ضرحة� ،أي 16نقطة �أكرث من الن�ساء. وقد مت ت�سجيل نتائج خمتلفة ب�شكل ملمو�س فيما يخ�ص امل�سائل املتعلقة بعني احل�سد وال�سحر و«الثقاف» وباجلن؛ فنحن �أمام معتقدات قائمة وموزعة بالت�ساوي بني اجلن�سني حيث ترتاوح ن�سبة من ي�ؤمنون بهذه املمار�سات بني % 70بالن�سبة ل «الثقاف» و % 90بالن�سبة للعني ال�شريرة. والفروق بني الرجال والن�ساء طفيفة ،ما بني نقطة وخم�س نقط لفائدة الن�ساء الالئي يتم�سكن بهذه املمار�سة على نحو �أقل بقليل من الرجال .وهو �أمر يتناق�ض مع افرتا�ضاتنا امل�سبقة. اجلدول :11املعتقدات ال�شعبية
عين الحسود
الجن
الثقاف
النساء
86,5%
72,9%
93,1%
الرجال
85,0%
68,2%
88,5%
83,9%
المتوسط
85,08%
70,7%
90,9%
85,9%
ال�شكل 58
240
السحر
العِرافة
األضرحة
87,7%
41,9%
40,1%
32,9%
24,1%
37,6%
32,5%
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
ال ميكن �أن تكون هذه املعطيات �إال م�ؤقتة باعتبار �أن اال�ستمارة ال ت�سمح بالذهاب �إىل عمق الأ�شياء للمجازفة بربط �أفول م�س�ألة الأ�ضرحة والعرافة بتقدم حمتمل للخطاب ال�سلفي كما الحظ ذلك من قبل ج .ب� .شارين يف نهاية ال�سبعينات؛ فتم�سك امل�ستجوبني باملعتقدات الأخرى مثل عني احل�سد وال�سحر و«الثقاف» ي�ضفي طابعا ن�سبيا على وجود عامل حا�سم وحيد .وهناك عن�صر �آخر يتدخل لإدراك التباين بني هذين ال�صنفني من املعتقدات اللذين يتم ربطهما عادة بتدين واهم .ومن املمكن تقدمي الأطروحة التالية :ي�شكل ال�سحر واجلن جزءا من جمموعة املعتقدات التقليدية التي ر�سخها اخلطاب الالهوتي ال�سائد ،مبا يف ذلك اخلطاب ال�سلفي. لكن هذه الأطروحة ال تف�سر بكيفية ُمر�ضية االنخراط يف فئتني من املعتقدات ال تتطابقان مع نف�س امل�ستوى من الأرتودوك�سية وهما « :الثقاف» وعني احل�سد من جهة وال�سحر واجلن من جهة �أخرى. يتيح البحث عن الدوافع التي ال تتعلق للأ�سف �سوى بالإميان بزيارة الأ�ضرحة ،تو�ضيحا �أف�ضل للمفارقات التي متت مالحظتها؛ فعن ال�س�ؤال « :ملاذا ال تزورون الأ�ضرحة؟» يقدم امل�ستجوبون �صنفني من الدوافع :تلك املرتبطة بر�ؤية خا�صة للدين وتلك التي حتيل �إىل روح اجتماعية م�شرتكة جديدة .ويربط % 37,2من امل�ستجوبني زيارة الأ�ضرحة باملح َّرم دينيا وهو ما يجعلنا نعتقد بت�أثري قوي للخطاب ال�سلفي الذي ندد مرارا وتكرارا بزيارة الأ�ضرحة مبا يف ذلك التنديد بوا�سطة املدر�سة .وقد حارب الوطنيون وحزب اال�ستقالل على وجه اخل�صو�ص ،تلك املمار�سات (الطوزي ،BESM، 1986خل�صا�صي .)1998 ،والن�ساء �أكرث ح�سا�سية لإقامة احلجة هذه ،حيث ميثلن ،% 42,2يف حني ال ميثل الرجال �سوى .% 33,0ويبقى �أن �أغلبية امل�ستجوبني يف�سرون االرتياب جتاه زيارة الأ�ضرحة باعتبارات بعيدة عن الدين .وبالفعل ف�إن ن�سبة % 55,6 منهم ي�ستعملون مفهومي ال�شعوذة والتخلف لإق�صاء الأ�ضرحة؛ وال�شعوذة �صفة منددة حتيل �إىل الغ�ش والالعقالنية يف حني �أن التخلف �شكل دنيوي للتنديد املوروث الذي يعترب مبثابة موروث مهجور.
241
الإ�سالم يف احلياة اليومية
اجلدول :12معرفة ما هو ديني
الرجال النساء
المذاهب األربعة 34,7% 18,7%
الخلفاء األربعة %,53,0 %,27,9
ال يعرف أية سورة 7,7% 13,9%
خال�صــة
ميكن القول كخال�صة ب�أن تدين املر�أة يتميز ببع�ض ال�سمات اخلا�صة ،لكنه يعرف حتوال مهما .وهذا التحول ذو طابع مت�شابه مع الت�شكالت اجلديدة للمجتمع ومع املفاو�ضات اجلارية حول العالقات بني اخل�صو�صي والعمومي وبني تق�سيم العمل وو�ضع املر�أة يف املجتمع .و�سنبقي على �أن املر�أة �أكرث ممار�سة لل�شعائر الدينية ،لكنها ت�صوم النوافل �أكرث مما ت�صلي النوافل؛ وب�أنها �أكرث حمافظة لكنها تقبل االختالط وب�أنها �أقل ح�ضورا يف الف�ضاء العمومي وتد ُّينها �أكرث فردانية من كونه تدينا ي�ساير املجموعة؛ فاملر�أة تك ِّون على نحو �أف�ضل التزامات احلياة الدنيوية (احلفل ،ال�سينما ،املو�سيقى) يف حني يقت�سم الرجل ،مثله يف ذلك مثل املر�أة ،نف�س االرتباط بعني احل�سد وباملمار�سات ال�سحرية. ن�سجل بكيفية �أكرث جالء� ،أن �شكل التقوى الن�سائية يتميز ببع�ض اخل�صو�صيات التي ت�سري يف منحى اخلال�صات التي قدمتها الدرا�سات حول الدين؛ فاملفاج�آت يف جزء كبري من البحث هي مفاج�آت نادرة ن�سبيا� ،إن مل يكن ذلك هو الت�أثري املهيكِ ـل للثقافة املغربية املحلية املتعلقة باحلدود التي يفر�ضها ولوج الن�ساء �إىل الف�ضاء العمومي ،حتى و�إن كانت تلك احلدود يف طور الت�آكل بفعل �ضغط التحوالت االقت�صادية ،خ�صو�صا منها ارتفاع ن�سبة ن�شاط الن�ساء واحلاجة التي ي�ست�شعرنها ملغادرة ف�ضاء البيت من �أجل العمل .ومن ثم ف�إن املر�أة ،هي �أكرث فردانية و�أكرث توجها نحو البيت فيما يتعلق بكيفيات �أداء ال�شعائر الدينية؛ فهي ترتاد امل�سجد �أقل مما يفعله الرجل ،لكن هذا االرتياد الذي كاد �أن يكون خارج الإمكان �إىل عهد قريب� ،أ�صبح يطرح يف نف�س الوقت م�شاكل للقيمني على تدبري امل�ساجد باعتبار �أنه بد�أ يت�ضح �أكرث ف�أكرث �أن الف�ضاء املخ�ص�ص للن�ساء ي�ضيق عن الطلب املتزايد.
242
التدين ب�صيغة امل�ؤنث
ومبا �أنه من غري املمكن التعبري عن احلاجة �إىل التمايز بوا�سطة الدين يف �إعالن عمومي عن التقوى بامل�سجد ف�إن املر�أة ت�ستدير نحو ممار�سات جتعلها تنخرط يف جتارب روحية فردية ،لكنها جتارب ميكن حتويلها بانتظام �إىل ر�أ�س مال رمزي يف النطاق الذي تكون فيه قادرة على �إحداث �سلوكات مميزة ميكن قراءتها من طرف املجموعة االجتماعية التي تنتمي �إليها .ويف هذا املنحى ميكن �أن نف�سر الأمر املتمثل يف �أن املر�أة عموما هي �أكرث مما َر�سة لل�شعائر الدينية بتعاطيها لل�صوم الإ�ضايف �أكرث من تعاطيها لل�صلوات النوافل. ي�ضاف �إىل ذلك �أن �صعوبة دخول الن�ساء �إىل الف�ضاء العمومي يلزمهن بالرتكيز على التلفزة لتلقي معلومات دينية ( �أكرث من الرجال) .وقد جاءت بع�ض النتائج �أكرث مما نتوقع بل جاءت متناق�ضة؛ فروح التقليد واملحافظة التي �أل�صقتها درا�سات �أنرثوبولوجية بالو�ضع الن�سائي ،امل�س�ؤولة عن �إعادة �إنتاج النظام واملحافظة على املوروث ت�أكدت يف بع�ض املجاالت ،لكن مت تكذيبها يف جماالت �أخرى .قدرة املر�أة على التجديد ،بل وعلى خرق ما هو �سائد هي �أكرث و�ضوحا يف بع�ض املجاالت التي تواكب حاجتها �إىل التحرر االقت�صادي ,وروح املحافظة لديها �أكرث ح�ضورا بالن�سبة لكافة املوا�ضيع التي تعر�ض للخطر النظا َم القائم ب�صفة عامة �أو ت�شكيلة ال�سلطة ،ب�صفة خا�صة ،حيث يتناف�س و�ضعا الأم واحلماة مع و�ضعي الزوجة �أو البنت .وال يبدو �أن االختالط يعر�ض النظام الأخالقي للخطر ،و�إن كنا نالحظ نوعا من التفاوت يف قبول ذلك تبعا للأماكن؛ فاملدر�سة التي هي مكان للرتقي االجتماعي واحلفالت اخل�صو�صية التي هي مكان ال�ستعرا�ض النجاح االجتماعي، ال تطرح م�شاكل والن�ساء متلن �إىل االختالط �أكرث من الرجال ،يف حني ن�سجل ،بالن�سبة لل�شواطئ التي تعر�ض للخطر �أج�سادا جمردة من حليتها ،ترددا �أكرب جتاه هذا االختالط .واملر�أة يف جمال املتع الدنيوية �أكرث نزوعا من الرجل �إىل التجديد مع وجود خطر اخلروج عن التقليد الديني. �إذ �أن الن�ساء ي�ستهلكن عموما �أفالما �أكرث من الرجال حيث ي�شاهدن �أفالما بكرثة �أو من حني لآخر ،يف حني �أن قلة من الرجال هم من يقومون بذلك .ويف مقابل ذلك ميكن القول �إجماال، بخ�صو�ص امل�سائل املتعلقة بالت�سامح� ،أنه يت�ضح �أن الن�ساء �أقل ت�ساحما من الرجال حيث ميثلن % 75ممن ال يت�صورون زواج قريب لهم من خطيبة يهودية مقابل % 67,5من الرجال .والن�ساء �أي�ضا �أكرث عددا يف عدم قبول فكرة تغيري م�سلم لدينه� ،إذ ت�صل ن�سبتهن �إىل % 72,9( % 77,5 بالن�سبة للرجال). 243