Extrait de "L’ISLAM AU QUOTIDIEN" de Mohammed El Ayadi, Hassan Rachik, et Mohammed Tozy

Page 1

‫الف�صل الثالث ‪ :‬التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫حممد الطوزي‬



‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫مقدمــة‬

‫لي�س اختيار تخ�صي�ص ف�صل للتدين ب�صيغة امل�ؤنث‪ ،‬جمرد ان�سياق وراء ت�أثري مو�ضة «درا�سات‬ ‫النوع االجتماعي» « ‪ ،» gender studies‬بل هو نابع من الرغبة يف اختبار بع�ض النماذج النمطية‪،‬‬ ‫التي ي�صف �أك ُرثها رواج ًا املر�أ ًة على �أنها قليلة االلتزام مبمار�سة �شعائرها الدينية و�أقرب ما تكون‬ ‫�إىل ال�سحر وعبادة الأ�ضرحة منها �إىل االلتزامات ال�شرعية وتنجذب �إىل الهرطقات واجلانب‬ ‫العاطفي والالعقالين للدين‪ .‬ومثل هذه املر�أة‪ ،‬التي هي بالأحرى امر�أة حمافظة‪ ،‬تعيد �إنتاج‬ ‫املوروث من دون �أن تناق�ش �أ�س�سه وترف�ض التجديد بهاج�س احلفاظ على ن�سق املعتقدات و�إعادة‬ ‫�إنتاجه بكيفية مطابقة للأ�صل‪.‬‬ ‫ي�سمح هذا االختيار كذلك‪ ،‬مب�ساءلة تقليد را�سخ ل�سو�سيولوجيا دينية قامت ب�إعداد براديغم‬ ‫خا�ص لعالقة املر�أة بالدين (�أرجيل‪ ،‬هالمي‪ .)1975 ،‬وبالت�أكيد ف�إن الأبحاث امليدانية القليلة التي‬ ‫مت تخ�صي�صها لتدين الن�ساء‪ ،‬اهتمت �إىل حد كبري بالن�ساء امللتزمات بالدين عرب التنظيمات الدينية‬ ‫الن�سوية (النغلوا‪� )1984 ،‬أو �إ�سالم الن�ساء ال�صوفيات‪� .‬إن املمار�سات الدينية (لدى الن�ساء) غالبا‬ ‫ما مت تناولها من خالل هوام�ش الديانات ‪ :‬املمار�سات ال�سحرية‪ ،‬ال�شعوذة �أو عبادة الأولياء‪.‬‬ ‫وح�سب ما ورد يف تلك الأبحاث‪ ،‬ف�إن التفاوتات بني الن�ساء والرجال يف هذا املجال قد ال تتعلق‬ ‫بنوع التدين املعلن عنه فقط �سواء �أكان م�ؤ�س�ساتيا �أو مل يكن كذلك‪ .‬وهناك تف�سري يحيل على‬ ‫�سيطرة نزعة ذكورية يعززها تق�سيم الفعل الديني حيث يحتل الرجال اجلزء الأعلى من الهرم‬ ‫وتتوىل الن�ساء الأدوار الثانوية (برينو �إتيان‪ .)1981 ،‬وقد اهتمت هذه الدرا�سات كذلك بكثافة‬ ‫املمار�سات الدينية؛ ففي �أغلب الدرا�سات الإح�صائية حول الدين‪ ،‬يظهر تدين الن�ساء �أكرث قوة‬ ‫من تدين الرجال‪ .‬و لأول مرة‪ ،‬يبني حتليل الأدبيات املتعلقة بهذا املو�ضوع‪� ،‬أنه بالإمكان مالحظة‬ ‫التفاوت املذكور يف كافة م�ؤ�شرات التدين كيفما كانت ال�شروط ال�سو�سيو‪ -‬اقت�صادية للذين �أدلوا‬ ‫بت�صريحاتهم يف هذا املو�ضوع ويف كل الفرتات (كام ّبي�ش‪.)1996 ،‬‬ ‫انطالقا من معطيات حول درا�سة القيم الأوروبية ل�سنة ‪ 1996‬التي �أُجنزت لأول مرة �سنة ‪،1981‬‬ ‫تربز حتليالت ب‪ْ .‬بري�شون (‪ )1996‬تفاوتا وا�ضحا بني درجة تدين الن�ساء ودرجة تدين الرجال؛‬ ‫‪199‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫فهي ال تتغري ب�شكل ملمو�س ال ح�سب عقيدة الأ�شخا�ص (بروت�ستانت �أو كاثوليك) وال ح�سب‬ ‫التباين بني �شمال �أوروبا وجنوبها الذي ي�شمل يف جزء كبري منه االختالف الطائفي بني هذين‬ ‫الطرفني‪� .‬إن هذا التمايز بني �شمال �أوروبا وجنوبها ال ي�ؤثر مع ذلك يف الفرق بني اجلن�سني؛‬ ‫فحتى ولو كانت الن�ساء الإ�سبانيات �أوفر عددا بكثري من الرنويجيات �أو ال�سويديات يف ح�ضور‬ ‫القدا�سات الدينية‪ ،‬ف�إن العالقة بني الن�سبتني املئويتني للرجال والن�ساء املمار�سني لل�شعائر الدينية‬ ‫تظل متكافئة يف البلدان الثالثة‪ .‬تكمن الفر�ضية املف�سرة لهذه الظاهرة التي حظيت بقبول عام‬ ‫من طرف علماء اجتماع الأديان‪ ،‬يف ربط عالقة التفاوت بني درجة تدين الرجال ودرجة تدين‬ ‫الن�ساء‪ ،‬بطرق التن�شئة االجتماعية‪ .‬وهناك كتاب �آخرون ي�شككون يف وجاهة التف�سريات التي حتيل‬ ‫على و�ضع املر�أة و�إىل التعيني االجتماعي للأدوار ويقرتحون �إرجاع ربط املواقف الدينية للن�ساء‬ ‫بنوع من الطبع امل�شرتك؛ �إذ من �ش�أنهن املحافظة على املوقف الديني انطالقا من رهان با�سكايل‬ ‫يرتجم النفور من التعر�ض للخطر‪� .‬إن املوقف الالديني قد يكون بالن�سبة للن�ساء مغامرة عدمية‬ ‫الفائدة (ميلر وهوفمان‪ .)1995 ،‬لقد بينت بع�ض الدرا�سات يف علوم الأديان �أن من �ش�أن الن�ساء‬ ‫االجنذاب �إىل الدين واخلوارق �أكرث مما هو عليه الأمر بالن�سبة للرجال (فران�سي�س‪ .)1997 ،‬ومهما‬ ‫كانت امل�ؤ�شرات التي وقع عليها االختيار؛ الإميان باهلل‪ ،‬املمار�سة الدينية‪ ،‬ال�صالة‪ ،‬ال�شعور الديني‬ ‫الداخلي‪ ،‬الإميان باحلياة بعد املوت‪ ،‬الإميان باخلوارق‪ ،‬ف�إن الن�ساء يظهرن دائما تدينا �أكرب من‬ ‫الرجال بحيث يبلغ التفاوت املتو�سط حوايل ‪. % 10‬‬ ‫‪23‬‬

‫يف املغرب‪ ،‬وبا�ستثناء املراجع املرتبطة مبا�شرة مب�س�ألة تدين الن�ساء خ�صو�صا املوا�ضيع التي تربط‬ ‫املر�أة باخلرافة وباملمار�سات ال�سحرية املتعلقة باخل�صوبة‪ ،‬ف�إن املراجع بهذا اخل�صو�ص تكاد تكون‬ ‫منعدمة (ح‪ .‬زيراري‪ 1993 ،‬و‪)1999‬؛ فالأبحاث حول املمار�سات الدينية �إما �أن تهتم ببع�ض‬ ‫الفئات من ال�سكان كال�شباب والطلبة (�آدم‪ ،1962 ،‬الطوزي‪ ،1984 ،‬بورقية‪� ،)2000 ،‬أو ال ميكن‬ ‫مقارنتها ب�سبب اختالفها الن�سبي مع االختيارات املنهجية لهذا البحث (�إتيان‪ ،‬الطوزي‪.)1981 ،‬‬ ‫‪ - 23‬كتب كامبيت�ش ما يلي‪� « :‬إن ميل الن�ساء اىل �إبداء اهتمام �أكرب بالدين ال ميكن اختزاله يف تاريخ مت جتاوزه‪� .‬إنه ي�شكل بعدا للم�شهد الثقايف‪-‬‬ ‫االجتماعي املعا�صر كما تدل على ذلك معطيات البحث الأوروبي حول القيم؛ فهذه املعطيات تربز دائما تفاوتا بني الن�ساء والرجال كيفما كان البلد‬ ‫املعني‪ ،‬وب�صفة خا�صة كيفما كان املوقف �أو ال�سلوك الذي مت �أخذه بعني االعتبار‪ .‬وكونية هذه املالحظة‪ ،‬التي يتبني �أنها م�ستقلة عن املوروث الديني‬ ‫(املذهبي) الذي ينخرط فيه كل بلد‪ ،‬هي كونية تتجه نحو التبلور‪ ...‬وبعر�ضه على اختبار املقارنة‪ ،‬ف�إن هذا القانون ال زال م�ستمرا» مرجع �سابق‪� ،‬ص‪.‬‬ ‫‪.75‬‬

‫‪200‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫عالوة على قيا�س كثافة املمار�سات الدينية التي ينبغي �أن تف�ضي يف هذا العمل �إىل بناء م�ؤ�شر‬ ‫للكثافة و�إىل ت�صنيف علمي لأنواع املتدينني‪ ،‬ف�إن هدفنا هو فح�ص بع�ض املالحظات الإمربيقية‬ ‫النوعية واملتعلقة بتطور التدين يف املغرب‪ .‬وقد �أبرزنا بالفعل يف �أعمال �أخرى �أن املالحِ ظ احلذر‬ ‫للتغريات االجتماعية والثقافية التي حدثت يف املجتمع املغربي خالل اخلم�سني �سنة الأخرية‪ ،‬ال‬ ‫بد و�أن يالحظ مقدمات بداية حتول جارية للعالقة مع الدين؛ ويتعلق الأمر باالنتقال �إىل الدنيوية‬ ‫الذي حتدث جاك بريك عن خطوطه العري�ضة (جاك بريك‪� ،1962 ،‬ص‪ )69-71 .‬والذي �أخذه‬ ‫بعني االعتبار كل من حممد احلجوي واملختار ال�سو�سي بكيفية حد�سية بني احلربني العامليتني‬ ‫ومبا�شرة بعد اال�ستقالل‪ .‬فقد دار ال�صراع الثنائي بني عقليتني؛ بني منطني يف التفكري‪ ،‬بني نظامني‬ ‫للقيم �أحدهما ع�صري والآخر تقليدي‪ ،‬ل�صالح النظام الثاين‪ .‬وبالت�أكيد ف�إن هذا التطور ح�صل‬ ‫يف نف�س الوقت الذي تقوت فيه املقاومة �أكرث ف�أكرث على م�ستوى اخلطاب بوا�سطة الهوية و�إ�ضفاء‬ ‫القدا�سة على املوروث‪.‬‬ ‫ال تقت�ضي فر�ضية االنتقال �إىل الدنيوية‪ ،‬تخلي�ص العامل من الأوهام وال اختفاء �أو �أفول الدين‪،‬‬ ‫و�إمنا تقت�ضي بالأحرى �إعادة انت�شاره يف �أماكن غري اعتيادية من املهم حتديد موقعها وحتليلها‪� .‬إنها‬ ‫ت�ستلزم فقط �إعادة ت�أويل الديني يف �إطار تراتبية جديدة للقيم والأولويات‪ .‬واخلال�ص املحدد‬ ‫للأفق الذي يجب بلوغه وطرق حتقيقه هو ما ي�سم معايري تدين جديد معق َلن على نحو �أكرب‪.‬‬ ‫لقد حاولت م�سارات احلداثة الق�سرية التي ت�ستعمل �إطارا لالنتقال �إىل الدنيوية‪� ،‬أن تنهج طريقا‬ ‫للتغيريات القا�سية والعنيفة �أحيانا على �شاكلة اال�ستعمار والدولة املغربية التي جاءت من بعده‪،‬‬ ‫واعتمدت تارة �أخرى م�سل�سال لن�شر احلداثة باملوهبة ال�شعرية واملحاكاة بل وا�سرتاتيجية لال�ستمرار‬ ‫يف احلياة حملها فاعلون كانوا يعتقدون �أنهم يدافعون عن تقليد دائم‪ .‬وقد �أبانت احلركة الوطنية‬ ‫�سلفا عن ازدواجية يف م�صطلحات لغتها من دون �أن تخدع مع ذلك عاملها بالكامل‪ .‬وقد حمل‬ ‫الإ�سالم الوطني الذي ا�ستقى من القر�آن �أكرث مما ا�ستقى من املوروث ال�شفهي جيال جديدا �إىل‬ ‫ال�سلطة حافظ على خطاب خال من الأوهام واخلرافات مع االعتماد يف نف�س الوقت على قراءة‬ ‫عقالنية للدين‪ .‬ومنذ ذلك احلني بد�أ االنتقال �إىل الدنيوية وظل التعاي�ش لفرتة معينة بني الأمة‬ ‫‪201‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫والوطن‪ ،‬ال�سلطان وامللك‪ ،‬املواطن والرعية‪ ،‬الطربو�ش والعمامة؛ يحيل على تالعب بالكلمات‬ ‫وبامل�شاهد �أكرث مما كان يحيل على اجلوهر‪ .‬و�سيتوقف الدين الذي متت املطالبة به يف كل حني‪،‬‬ ‫عن �ضبط الزمان واحلياة حيث كان ملزما �ش�أنه يف ذلك �ش�أن رجال الدين‪ ،‬بالتعاطي مع زمن‬ ‫جديد مهيمن؛ فهناك تدخل قوي لزمكان الدولة املحددة ترابيا يتم فيه ا�ستخدام الإ�سالم اليعقوبي‬ ‫امل�ؤطر بامل�صلحة العليا للدولة‪.‬‬ ‫�إن امل�سجد الذي كان يحتل و�سط املدينة يف املا�ضي‪ ،‬مت حتويله �إىل �ضاحيتها لفائدة مقر العمالة‬ ‫�أو الثانوية �أو اجلامعة؛ فما بني دين الدولة وتدين امل�ؤمنني‪ ،‬مل يعد ميلأ الف�ضاء الو�سيط �سوى‬ ‫علماء دين مرخ�ص لهم م�ؤطرين بقواعد حمددة �سلفا‪ .‬كما �أن املبادرة الأهلية مل تعد فاعلة‬ ‫�إال يف الهوام�ش القروية‪ .‬وقد يكون من غري املجدي القيام بجرد للممار�سات املرتبطة بالإ�سالم‬ ‫الأ�صيل والبدع التي متت حماربتها وحققت انت�صارا خالل خم�سني �سنة ‪ :‬انت�صار ال�شعر امل�صفف‬ ‫على «الكرن» (ر�أ�س حليق مع �إعفاء خ�صالت تكون عند ا�ستطالتها ما ي�شبه ذيل الفر�س)‪ ،‬انت�صار‬ ‫جالبة تطوان على «احلايك» (ثوب �أبي�ض من القطن �أو من ال�صوف الناعم يلف ج�سد املر�أة)‪،‬‬ ‫والنعل على احلذاء والبال�ستيك على الدوم والق�صب؛ وانت�صار ال�سينما امل�صرية وارتياد املقاهي‪.‬‬ ‫�أدى تراجع بل اختفاء منط العي�ش الفالحي ‪ -‬ليف�سح املجال لأمناط جديدة من احلياة احل�ضرية‬ ‫ال�صناعية والدنيوية ‪� -‬إىل قلب معنى الأ�شياء وم�صري الأ�شخا�ص ر�أ�سا على عقب من دون �أن‬ ‫تف�ضي مع ذلك �إىل عامل خال متاما من الأوهام واخلرافات‪.‬‬ ‫�إن لعبة التوليف بني الكلمات وبني ال�سلوكات التي جت�سد هذين النمطني من التنظيمات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬هي نف�سها لعبة الفاعلني يف مرحلة بناء امل�شروعية من �أجل الو�صول �إىل ال�سلطة‪.‬‬ ‫�إنها تف�سح املجال لإنتاج مكثف حلقول من الدالالت تقدَّم كحقول متجان�سة بل ومت�شابهة‪ .‬وهي‬ ‫حالة اجلمع بني مفهومي املوروث والدين يف تعار�ض مع مفهومي احلداثة‪/‬العلمانية والدميقراطية‪.‬‬ ‫وتقدَّم الثقافة التقليدية كنظام من القيم واملعايري واملعتقدات �أكرث جتان�سا مما قد تكون عليه الثقافة‬ ‫املعا�صرة؛ حيث ميكن �أن تكون هذه الأخرية متميزة بالتنافر وبتعدد القيم واالختيارات الثقافية‬ ‫املقدَّمة للأفراد‪ .‬وظهور هذه االزدواجية التي تق�صيها التاريخانية‪ ،‬هو �أمر يف غاية ال�صعوبة؛‬ ‫‪202‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫فالعلوم االجتماعية ال تتوفر �سوى على عدد قليل من الأدوات لت�أويل عمليات اجلمع املفارقِة‬ ‫املتمثلة يف املطالبة باملوروث امل�أثور من خالل �سلوكات مبنية على نظام من القيم احلديثة �أو‬ ‫العك�س‪ .‬والأمثلة بهذا اخل�صو�ص عديدة ‪ :‬و�ضع احلجاب من طرف �شابات �أطر متفردات‪،‬‬ ‫االنف�صال عن التكنولوجيات والقيم‪ ...‬وحتيل �أمناط ت�أويل هذا الظهور الزدواجية مطمئِنة‬ ‫�إىل تف�سريات تتعلق بالرتميق بعدما كانت حتيل �إىل اال�ستيالب‪ .‬ولل�شخ�ص‪ ،‬ب�سبب ال�سياقات‬ ‫االجتماعية املختلفة التي يعمل فيها‪� ،‬إمكانية تبني قيم خمتلفة بل ومتعار�ضة‪ .‬وهو �أمر يتناق�ض‬ ‫مع ر�ؤية جمتمع تقليدي يتم تقدميه بكثري من احلنني �إىل املا�ضي باعتبار �أنه يتوفر على معايري‬ ‫وقيم �أكرث متا�سكا ومناذج ال�سلوك البديلة فيه حمدودة والتعلق باملوروث �أمر يتم تثمينه عموما‪.‬‬ ‫وما يو�ضع يف الوقت الراهن مو�ضع �س�ؤال يف بع�ض الأحيان‪ ،‬لي�س هو املوروث باعتباره كذلك‬ ‫و�إمنا هذا العن�صر �أو ذاك من عنا�صر املوروث‪ .‬و يتم التقييم وفق معايري متنوعة؛ حيث يتم‬ ‫ا�ستبعاد بع�ض املوروثات لتبينُّ هرطقتها ورف�ض �أخرى با�سم العلم والتقدم‪ .‬بيد �أن املوقف الأكرث‬ ‫تواترا يهدف �إىل توليف املوروث واحلداثة؛ وهو �أمر ي�صدق على عدة جماالت جد متنوعة‬ ‫مثل ال�سيا�سة والأعياد واللبا�س وفنون الطبخ واملعمار والأثاث‪ ،‬الخ‪ .‬وامل�شكل يطرح عندما يتم‬ ‫جتاوز امل�ستوى العام للمبد�إ من �أجل معاجلة ق�ضايا خا�صة‪ .‬والبحث حول القيم الذي مت �إجنازه‬ ‫يف �إطار هذا العمل ي�ؤكد يف نف�س الوقت الت�أزم الذي تعاين منه العلوم االجتماعية فيما يخ�ص‬ ‫ت�أويل هذه التغريات املفارقة‪ ،‬لكنه ي�ؤكد �أي�ضا الطابع العادي واملبتذل للمجتمع املغربي بالن�سبة‬ ‫لعمليات املقارنة مع جمتمعات �أخرى و�صلت فيها هذه ال�سريورات درجة جد متقدمة‪ .‬وال�س�ؤال‬ ‫الذي نطرحه هو معرفة ما �إذا كانت م�ؤ�شرات االنتقال �إىل الدنيوية التي نعتقد �أنها جد متقدمة‬ ‫على م�ستوى املمار�سات‪ ،‬متقاربة وما �إذا كانت مت ِّكن من �إثبات مثل هذا التطور مع �إبراز التفاوت‬ ‫القائم بني خطاب النُّخب حول املوروث و�سلوك الفاعلني‪.‬‬ ‫يف هذا العمل الذي يتمحور حول تدين الن�ساء‪ ،‬يتعلق الأمر بدرا�سة خم�سة �أبعاد حتيل على‬ ‫ممار�سات دينية (ال�صالة‪ ،‬ال�صوم)‪ ،‬كما حتيل على معرفة اجلانب الديني وم�صادر املعلومات‬ ‫وعالقات بع�ض الآراء التي حتيل على ال�سيا�سة والأخالق واجلانب الديني وعالقات ال�سلوكات‬ ‫الدنيوية بالدين‪ .‬وحتيل �أخريا على مكانة التدين التقليدي ال�شعبي يف املعي�ش الديني لأيامنا هذه‪.‬‬ ‫‪203‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫بناء على عينة تتكون من ‪� 1156‬شخ�صا‪ ،‬متكننا من �إجراء مقابلة مع ‪ 609‬امر�أة‪ .‬وتعترب ال�ساكنة‬ ‫الن�سائية التي �شملها البحث يف غالبيتها �شابة؛ حيث �إن عمر ‪ % 54‬من الن�ساء امل�ستجوبات �أقل‬ ‫من ‪� 34‬سنة و‪� % 10‬أكرث من ‪� 60‬سنة‪ .‬كما �أن ن�سبة ‪ % 47,1‬مقيمات يف املدينة‪ ،‬وتبلغ ن�سبة الأمية‬ ‫‪ ،% 51,2‬بينما الفئة املهنية الأكرث �أهمية هي فئة الن�ساء ربات البيوت �إذ ميثلن ‪ % 46,1‬من ال�ساكنة‬ ‫الن�سائية التي �شملها البحث‪.‬‬ ‫ال�شكل ‪44‬‬

‫ال�شكل ‪45‬‬

‫‪204‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫ال�شكل ‪46‬‬

‫ال�شكل ‪47‬‬

‫‪ 1‬املمار�سات الدينية‪ :‬االلتزام ال�رشعي وت�أثري العقلنة‬‫ال�صـــــالة‬

‫تعد ق�ضية ممار�سة ال�صالة م�س�ألة �شائكة بل وملتب�سة؛ فمن بني كل املمار�سات الدينية‪ ،‬تعترب ال�صالة‬ ‫�أكرث �أهمية‪ .‬والنا�س ي�صرحون على الدوام ب�أن الإ�سالم يتمثل �أوال وقبل كل �شيء يف ال�صالة؛‬ ‫ومن املقوالت ال�شائعة كذلك «حذاري ملن ال ي�صلون هم يف جهنم خالدون ولن تطالهم �شفاعة‬ ‫‪205‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫النبي حممد»‪� .‬إن الثقافة ال�شعبية تلح كثريا على �أهمية �إقامة ال�صالة على الأقل على م�ستوى‬ ‫اخلطاب‪ ،‬حيث نالحظ بالن�سبة لهذه املمار�سة بالذات تفاوتا �أكرب ما بني اخلطاب والواقع؛ على‬ ‫اعتبار �أن النا�س ال يتذمرون عندما يلتقي بع�ضهم بع�ضا وينزوي جزء منهم �إىل ركن لإقامة‬ ‫ال�صالة يف حني يوا�صل اجلزء الآخر تبادل �أطراف احلديث‪ .‬ومن جهة �أخرى‪ ،‬ف�إن رقابة اجلماعة‬ ‫يف �أ�صغر قرى الأطل�س الكبري �أكرب والذهاب �إىل امل�سجد هو التزام اجتماعي �أكرث مما هو ديني‪.‬‬ ‫وقد �أدخل احل�سن الثاين ال�صالة �إىل املدار�س‪ ،‬و�أ�صبحت ال�صالة يف الثمانينات مطلبا من املطالب‬ ‫النقابية الأكرث ت�شددا حيث �أ�صروا على �ضرورة توفري �أماكن لل�صالة يف �أماكن العمل‪.‬‬ ‫�إن املواظبة على �إقامة ال�صالة حتد ي�صعب املحافظة عليه؛ حيث يحدث �أن ينقطع النا�س عن‬ ‫ال�صالة يف حلظة معينة من حياتهم ثم يعودون �إىل �إقامتها يف وقت الحق‪ .‬وي�صدر اخلطاب ال�شعبي‬ ‫على هذه الفئة من الأ�شخا�ص الذين ي�صلون بكيفية متقطعة حكما قا�سيا‪ ،‬حيث يقال‪�« :‬صلي‬ ‫واقطع‪ ،‬من جهنم ما يطلع»‪.‬‬ ‫ال تتوفر لدينا مرجعية متكننا من قيا�س تقدم �أو تراجع ممار�سة الن�ساء لل�صالة؛ فذكريات الطفولة‬ ‫تعيد �إلينا �سلوكا حمت�شما ال ي�صبح مرئيا وم�ؤكدا �إال مع التقدم يف ال�سن‪ .‬واملعرفة بال�صالة مل تكن‬ ‫�أبدا �إلزامية ومل يتم تعميم مناذج التدين املثايل �إال بعد بث التلفزة ل�شريط رابعة العدوية امل�صري‬ ‫وهي امر�أة مثالية من حيث الورع والتقوى‪ .‬والنموذج النمطي الأكرث ا�ستقرارا يف الأذهان‪ ،‬يقدم‬ ‫لنا «امر�أة جاهلة ب�أمور الدين‪ ،‬امر�أة بال عقل وال دين ت�ستمر يف الدفاع عن اخلطاب الذكوري‬ ‫ما دام دم احلي�ض والنفا�س يق�صيانها من دوائر الطهر»‪ .‬هذه ال�صورة التي يرعاها الفقهاء الأكرث‬ ‫حمافظة هي �صورة بالكاد مت التلطيف منها بنوع من الفكر املتعاطف الذي ين�شد تعدد �سبل حتقيق‬ ‫التقوى املثالية؛ فاملثل ال�شعبي يقول ‪« :‬ميمونة كتعرف ربي وربي كيعرف ميمونة» لإدراك هذه‬ ‫الفورة الروحية التي ال ت�ضيق على نف�سها بال�شكليات‪.‬‬ ‫حاولت بع�ض الكتابات بلورة فكرة «امر�أة املت�صوفة» يف مقابل «امر�أة الفقهاء»‪ .‬فقد كتبت‬ ‫�أنرثوبولوجية مغربية‪ ،‬كثرية الإحالة على ابن عربي‪ ،‬ما يلي ‪« :‬مل تعد املر�أة املثرية م�صدرا‬ ‫للفتنة‪ ،‬وخالفا لبع�ض «الفقهاء» فهي لدى املت�صوفة مثاال يجب �أن يُحتدى يف الع�شق املتفاين‬ ‫‪206‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫والباهر» (نعيمة ال�شيخاوي‪� ،1999 ،‬ص‪« .)33 .‬من كان ب�إمكانه غري رابعة العدوية‪ ،‬تلك الكلمة‬ ‫الن�سائية ال�صوفية بامتياز‪� ،‬أن يدفع بذاتيته �إىل ما وراء حواجز ال�ضبط االجتماعي واالمتثال‬ ‫الأخالقي؛ ف «�أنا» قادر على التمرد‪ ،‬ال على القيد (احليلة) لأنني عا�شق‪ .‬ولي�س من املده�ش‬ ‫�أن تعتبرَ هذه املت�صوفة مبثابة املد�شنة لفل�سفة مذهب الع�شق الإلهي وهو مذهب ما فتئ يغتني‬ ‫بن�ساء مت�صوفات �أخريات و�سيعرف بهاءه الأق�صى مع ابن عربي‪ ،‬منظر الن�سوية اخلالقة»‬ ‫(نعيمة ال�شيخاوي‪� ،1999 ،‬ص‪.)27 .‬‬ ‫�إذا كانت هناك خا�صية للممار�سات الن�سائية لل�صالة والتي ال ت�ستعيد النماذج النمطية املبنية على‬ ‫عدم املعرفة و�سرعة الت�صديق‪ ،‬فهي بالذات الطابع اخل�صو�صي ل�صالة الن�ساء‪ .‬وبالفعل ف�إن ال�صالة‬ ‫لدى املر�أة ا�ستدارت نحو الداخل؛ فالن�ساء ال ميار�سنها يف امل�ساجد لأن ولوجهن للم�ساجد‪ ،‬ولو ب�أعداد‬ ‫�صغرية (‪ % 7,6‬من الن�ساء امل�صليات) يعود �إىل عهد قريب ويتم ر�صده ب�صفة خا�صة خالل �أم�سيات‬ ‫�شهر رم�ضان‪ .‬ذلك �أن الإعفاء املخول للن�ساء يف املتخيل ال�شعبي الرتياد الأماكن العمومية مل يكن‬ ‫ي�شمل امل�ساجد؛ �إذ �إن احلمام وال�سوق من بعده كانا �إىل وقت قريب املكانني الوحيدين املرخ�صينْ‬ ‫اللذين ميكن للن�ساء ح�ضورهما خارج دائرة املحارم‪ ،‬وكان ذلك باعثا لتحريك اال�ستيهامات‬ ‫و�إثارة املتخيل‪.‬‬ ‫ال تخ�ص�ص الهند�سة املعمارية للم�ساجد بال�ضرورة جناحا خا�صا للن�ساء‪ ،‬وعندما يتم ذلك ف�إن‬ ‫الأمر يتعلق مب�صطبة تف�صلها عن �أعني الرجال بحاجز خ�شبي (مو�شارابي) وذات مدخل خا�ص‪.‬‬ ‫واملفارقة هي �أن امل�سجد الوحيد املختلط هو م�سجد مكة‪ .‬فالقرب بني اجلن�سني م�سموح به‪،‬‬ ‫خ�صو�صا بعد �أن ي�صبح الزوج وزوجته ي�ؤديان منا�سك احلج معا‪.‬‬ ‫عموما ت�صرح الن�ساء ب�أنهن ي�صلني �أكرث من الرجال‪ .‬وامل�شكلة التي يطرحها الت�صريح يف عالقة‬ ‫مع م�س�ألة حتيل على قاعدة اجتماعية هي نف�س امل�شكلة بالن�سبة لل�صوم‪ .‬والأمر املهم هو مالحظة‬ ‫الفرق بني االلتزامني اللذين يقدمان معلومات عن تراتبيتهما‪ .‬وتتمثل الو�سيلة الأخرى امل�ستخدمة‬ ‫يف قيا�س �شدة املمار�سة وحتديد معامل التمييز بني الأفراد يف مالحظة ممار�سات النوافل‪ .‬ويتعلق‬ ‫الأمر بالتزامات اختيارية تقدم معلومات حول اختيار امل�ؤمن يف �سعيه �إىل الأداء الروحي الذي‬ ‫مييزه عن عموم امل�ؤمنني‪.‬‬ ‫‪207‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫اجلدول ‪:7‬‬ ‫بكيفية‬ ‫منتظمة‬

‫بكيفية‬ ‫غير‬ ‫منتظمة‬ ‫‪8%‬‬ ‫‪8%‬‬

‫‪7,6%‬‬ ‫‪16,3%‬‬

‫‪13,6%‬‬ ‫‪15,7%‬‬

‫‪100%‬‬ ‫‪100%‬‬

‫‪11,7%‬‬

‫‪14,6%‬‬

‫‪100%‬‬

‫‪3,9%‬‬

‫‪9,3%‬‬

‫النساء‬ ‫الرجال‬

‫‪70%‬‬ ‫‪60%‬‬

‫المعدل‬

‫‪65,7%‬‬

‫‪8%‬‬

‫النساء ربات البيوت‬

‫‪79,4%‬‬

‫‪7,5%‬‬

‫في‬ ‫الماضي‬

‫المجموع‬

‫أبــــدا‬

‫ي�ستدعي هذا اجلدول مالحظتني ‪ :‬من جهة نالحظ تفاوتا ب ‪ 10‬نقط بني الرجال والن�ساء ؛ وهو‬ ‫ما مييل �إىل ت�أكيد التوافقية (الر�ضائية) �أو االمتثالية الن�سائية‪ ،‬لكنه ال ميكن من ا�ستخال�ص نتائج‬ ‫حول �شدة الورع �أو التدين‪ .‬ومن جهة �أخرى ميكن �أن نالحظ �أن ن�سبة الن�ساء الالئي ينقطعن عن‬ ‫ال�صالة �أقل من ن�سبة الرجال بعالقة واحد �إىل �إثنني‪ .‬وهو ما يجعلنا نفرت�ض ب�أن التزامهن الديني‬ ‫يكاد يكون نهائيا وب�أن ال�صالة اندجمت لديهن يف �آليات احلياة اليومية ‪ :‬نوع من النظافة البدنية التي‬ ‫متدد االلتزامات الطبيعية للفرد‪ .‬وب�إمكاننا �أن نفرت�ض �أن الن�ساء يتعر�ضن لعدد �أقل من �إكراهات‬ ‫اجلدول الزمني الذي يفر�ضه ال�شغل و�أنهن يتوفرن على مرونة �أكرب لتنظيم جدولهن الزمني‪.‬‬ ‫و�سنالحظ من جهة �أخرى �أن الن�ساء ربات البيوت الالئي ميثلن ‪ %24‬من العينة الإجمالية للبحث‬ ‫ي�سجلن ‪ 20‬نقطة �أكرث من الرجل و‪ 15‬نقطة تقريبا �أكرث من املتو�سط‪ .‬وهناك ‪ % 10‬مل ي�صلني‬ ‫�أبدا مقابل ‪ % 14‬من بني جمموع الن�ساء‪ .‬ون�سبة ‪ % 3٫9‬من ه�ؤالء الن�ساء كن يواظنب على ال�صالة‬ ‫وانقطعن عن �أدائها مقابل متو�سط يبلغ ‪.% 12‬‬

‫‪208‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫ال�شكل ‪ :48‬ممار�سات ال�صالة‬

‫النوافـــل‬

‫�إن �إ�صرار هذا البحث على تناول النوافل بالدرا�سة‪ ،‬ي�سعى �إىل حتقيق هدفني ‪:‬‬ ‫يتعلق الأمر مبحاولة �إدراج متايز يف املمار�سات الدينية‪ .‬وميكن مثل هذا التمايز من قيا�س كثافة‬ ‫املمار�سة التي ت�سمح باال�ستدالل على البحث عن حتقيق �أداء ديني مميز مبا فيه الكفاية ي�ؤدي‬ ‫بال�شخ�ص املمار�س لل�شعائر الدينية �أن يعترب نف�سه يف مرتبة متنحه حق ال�صدارة على غريه من‬ ‫امل�ؤمنني‪ .‬فهو �أمر مي ِّكن �إذن من بناء فئة من املمار�سني لواجباتهم الدينية (على درجة عالية من‬ ‫التقوى والورع‪ ،‬وبارعون ح�سب تعبري ماك�س فيرب) ب�إ�ضافة �أبعاد �أخرى للتدين �أو للممار�سات‬ ‫االجتماعية التي تكت�سي طابعا دينيا �إىل حد كبري‪ ،‬مثل عدم �سماع املو�سيقى ورف�ض القرو�ض‬ ‫بالربا وقراءة القر�آن بكيفية منتظمة ورف�ض االختالط‪.‬‬ ‫ويتعلق الأمر كذلك بالف�صل بني ما هو يف م�ستوى املمار�سة املفرو�ضة ‪ -‬املدرجة تبعا لذلك يف‬ ‫�سجل التزام امل�ؤمن وامل�شكلة للعهد الذي يقطعه على نف�سه لينتمي �إىل جمموعة امل�ؤمنني ‪ -‬وبني‬ ‫ما مت اختياره �صراحة ويعود �إىل االلتزام الديني‪.‬‬

‫‪209‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫وميكن �أن منيز يف جمموعة النوافل بني ال�صلوات تبعا مل�ستوى ال�صعوبة واملجهود املبذول على‬ ‫امل�ستوى البدين واالجتماعي ‪ :‬فهناك فئة �أوىل ت�شمل ال�صلوات القريبة من قهر اجل�سد �أو من‬ ‫التخلي عن �شهوات الدنيا الرفيعة خالل فرتة زمنية م�ضبوطة ميكن �أن ت�ستمر مدة �أ�سبوع �إىل‬ ‫�شهر‪ ،‬بل ومدة �أربعني يوما ‪« -‬االعتكاف» (االعتزال يف م�سجد �أو زاوية) ‪� -‬أو تلك التي ت�ستلزم‬ ‫جمهودا بدنيا مكثفا ومتوا�صال ‪« -‬املجاهدة» (�صالة مكثفة ومتوا�صلة)‪ ،‬و «القيام» ال�صالة طوال‬ ‫الليل)‪ .‬وحتيل هذه ال�صلوات و�صلوات ال�ضحى �إىل ثقافة قريبة من ال�صوفية‪.‬‬ ‫�أما الفئة الثانية من النوافل‪ ،‬فتتكون من ممار�سات لتح�سني الواجبات اليومية املعتادة‪ .‬ويتعلق الأمر‬ ‫بال�صلوات املنمطة واملعممة يف �إطار م�سار الورع املتو�سط‪ .‬وت�ؤدي الن�ساء النوافل �إجماال بن�سبة‬ ‫تقل عما ي�ؤديه الرجال من �ساكنة ال ت�ؤدي النوافل عموما بكيفية مكثفة‪ .‬وبالفعل ف�إن مغربيا من‬ ‫بني �أربعة مغاربة ي�ؤدي �صالة الفجر يف ميقاتها املحدد ‪ ،‬وتبلغ ن�سبة �أولئك الذين ي�ؤدونها من حني‬ ‫�إىل �آخر ‪ .% 40‬ومتثل الن�ساء الالئي ي�ؤدين �صالة الفجر ‪ ،% 21‬لكن ن�سبة اللواتي يرتدن امل�ساجد‬ ‫لل�صالة فيها يف تلك ال�ساعة ال تتجاوز ‪.% 2‬‬ ‫النوافل هي فئة من ال�صلوات التي ت�ضاف �إىل ال�صلوات الواجبة‪ ،‬وهي الدوائر الثالث (الركعات)‬ ‫ال�شفع والوتر التي تختم �صلوات اليوم‪ .‬وي�ضيف املت�شددون �إىل كل دورة واجبة نافلة (مفرد‬ ‫نوافل) يفرت�ض �أنها تي�سر قبول ال�صلوات الواجبة من لدن اهلل الذي تُ�صلى له‪ .‬وكان والدي‬ ‫يقارن هذه النوافل‪ ،‬لي�شرح يل مزيتها‪ ،‬بالطوابع الربيدية وامل�صاريف ال�ضرورية لإر�سال رزمة‬ ‫�إىل ال�سماء‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫لي�س لهذه ال�صلوات االختيارية نف�س الأهمية بالن�سبة للم�ؤمنني؛ ف�صلوات امل�ساء تُد َمج عمليا‬ ‫يف ال�صلوات اليومية‪ ،‬حيث ي�صرح ‪ % 50‬ممن ي�ؤدون واجباتهم الدينية ب�أنهم ي�ؤدونها‪ .‬ومتثل‬ ‫الن�ساء ‪� ،% 43‬أي ‪ 13‬نقطة �أقل من الرجال‪ .‬والأ�شكال الأخرى من النوافل التي تتطلب التزاما‬ ‫خا�صا من لدن املمار�س وت�ستلزم تفرغا ملمار�سة مكثفة‪ ،‬متا َر�س �إجماال بن�سبة �ضعيفة‪ .‬فممار�سة‬ ‫«القيام» ‪ -‬الذي م�أ�س�سه تقريبا �أتباع جمعية ال�شيخ يا�سني الإ�سالمية «العدل والإح�سان» كل خمي�س‬ ‫‪ - 24‬هناك �صلوات �أخرى تعترب نوافل مثل �صالة حتية امل�سجد‪.‬‬

‫‪210‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫واملتمثل يف ال�سهر لل�صالة طوال ليلة كاملة ‪ -‬ال يواظب عليها �سوى ‪ % 4,3‬ممن �شملهم البحث‪.‬‬ ‫والتفاوتات بني الن�ساء والرجال بهذا ال�صدد تبقى غري ذات داللة‪ .‬وميثل «االعتكاف» ممار�سة‬ ‫�أخرى �أكرث كثافة تتمثل يف االنعزال جماعة خالل ب�ضعة �أيام‪ ،‬ومن الأف�ضل �أن يتم ذلك يف م�سجد‬ ‫�أو زاوية �أو يف مكان منزو بعيد عن النا�س‪ .‬ويقوم بذلك بع�ض احلجاج مبكة �أو باملدينة‪ ،‬خارج‬ ‫�شعائر احلج‪ .‬وعمليا‪ ،‬لي�ست هنالك ن�ساء �صرحن ب�أنهن مار�سن «االعتكاف»‪.‬‬ ‫هناك جانب �آخر مييز ممار�سة الن�ساء لل�صالة‪ ،‬ويتعلق الأمر بعدم ارتياد امل�سجد‪ .‬ونحن ال نتوفر‪،‬‬ ‫كما �سبقت الإ�شارة �إىل ذلك �آنفا‪ ،‬على معطيات مرجعية ملقارنة الو�ضعية احلالية بو�ضعيات‬ ‫�سابقة‪ .‬والفرق يف �أيامنا هذه بني ممار�سات الإناث وممار�سات الذكور وا�ضح متاما‪ ،‬لأن ‪ % 2‬من‬ ‫الن�ساء يرتدن امل�سجد بكيفية منتظمة يف حني تبلغ ن�سبة الرجال الذين يقومون بارتياد امل�ساجد‬ ‫‪% 16‬؛ و‪ % 78‬من الن�ساء مل يرتدن امل�سجد �أبدا مقابل ‪ % 10‬بالكاد بالن�سبة للرجال‪ .‬فامل�سجد هو‬ ‫بالتايل ف�ضاء عمومي ال تدخله الن�ساء عادة‪� .‬إن �شغف الن�ساء احل�ضريات يف �أيامنا هذه‪ ،‬بارتياد‬ ‫بع�ض امل�ساجد التي يوجد بها خطباء مرموقون هو ظاهرة حديثة للغاية‪ .‬وقد اعترب ا�ستدعاء‬ ‫امر�أة عند تد�شني م�سجد احل�سن الثاين لإن�شاد ق�صيدة �أمام امللك مبثابة ثورة يف عهده‪ .‬ومنذ‬ ‫ذلك احلني تغ�ص امل�صطبة املخ�ص�صة للن�ساء‪ ،‬املزينة باملو�شارابيا يف امل�ساجد التاريخية الكربى �أو‬ ‫عندما ال يتوفر ذلك‪ ،‬الف�ضاء املال�صق للم�سجد الذي يخفيه عن �أعني املتطفلني �ستار م�شدود‪،‬‬ ‫بالأعداد الوفرية من الإناث‪ .‬وخالل «ليلة القدر»‪ ،‬التي �أ�صبح فيها خروج الأ�سرة وزيارة‬ ‫م�ساجد املدينة ممار�سة احتفالية وروحية ذات قيمة عالية‪ ،‬مل تعد امل�ساجد قادرة على احتواء‬ ‫الأعداد الغفرية من الن�ساء؛ ‪ % 50‬من الن�ساء و‪ % 83‬من الرجال يحيونها بانتظام‪ ،‬و‪ % 44‬من‬ ‫الن�ساء يرتدن امل�سجد لأداء �صالة الرتاويح طيلة �شهر رم�ضان‪ ،‬يف حني تبلغ ن�سبة الرجال الذين‬ ‫يقومون بذلك ‪.% 64‬‬ ‫ميكن حتديد الورع «العادي» من خالل اختيار اللبا�س الذي يرتديه امل�صلي �أو و�ضع ج�سمه الذي‬ ‫يخرتقه على نطاق وا�سع النموذج امل�شرقي مبا يف ذلك املتدينات من الن�ساء؛ فواحدة من بني‬ ‫اثنتني من الن�ساء تعتقد �أن و�ضع اليدين فوق ال�صدر هو الو�ضع الأكرث مطابقة لل�سنة‪ .‬يف حني مل‬ ‫‪211‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫ي�ستقطب الو�ضع املحلي الذي ي�أتي يف قمة م�ؤ�شر مغربية الإ�سالم‪ ،‬كما هو ال�ش�أن بالن�سبة للقراءات‬ ‫ال�سبع املحددة للكيفية املغربية لتالوة ال�سور‪� ،‬سوى ‪ % 10‬من الآراء املحبذة لذلك؛ �أي خم�س نقط‬ ‫�أقل مما هو عليه الأمر لدى الرجال‪ .‬كما ميكن القيام بتعيني هذه احلدود بوا�سطة اختيار النمط‬ ‫اجلماعي �أو الفردي لل�صالة‪ .‬ففي املحا�سبة امل�شددة التي يقوم بها امل�ؤمنون بخ�صو�ص عالقتهم‬ ‫مع اهلل‪ ،‬يعتربون �أن �أجر �صالة اجلماعة يتجاوز بكثري ال�صالة التي ي�ؤديها ال�شخ�ص مبفرده‪ ،‬مبا‬ ‫يف ذلك تلك التي ي�ؤديها يف بيته‪ .‬والإ�سالميون يجعلون منها عالمة على االلتزام واالن�ضباط‪،‬‬ ‫بل وعلى �إم�ساك املرء بزمام �أمور البيت �أو املجموعة عندما يتعلق الأمر مبقر العمل‪ .‬وتبلغ ن�سبة‬ ‫الن�ساء الالئي مل ي�ؤدين ال�صالة جماعة �أبدا يف بيوتهن ‪ ،% 73‬يف حني تبلغ ‪ % 62‬بالن�سبة للرجال‬ ‫يف نف�س الو�ضعية‪.‬‬ ‫ال�شكل ‪49‬‬

‫ال�شكل ‪50‬‬

‫‪212‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫ال�صيـــام‬

‫�إن �شهر رم�ضان الذي هو �شهر ال�صيام‪ ،‬ميكن حتديده ب�صعوبة يف بعد من �أبعاد الظاهرة الدينية‪.‬‬ ‫ذلك �أن ال�صيام هو فعل اجتماعي �شامل ي�شكل منعطفا يف اجلدول الزمني لل�سنة؛ فال�صيام معياري‬ ‫�إىل درجة مل نتجر�أ معها على �إدراجه مبثابة �س�ؤال يتعني علينا طرحه‪ .‬ويبدو لنا من قبيل املجازفة‬ ‫�أن ن�س�أل املغاربة عما �إذا كانوا ي�صومون �أم ال ما دام ال�صوم يعترب مبثابة ال�سمة الأ�سا�سية لإ�سالم‬ ‫الفرد‪ .‬وقد بلغت ن�سبة امل�ستجوبني الذين يعتربون �أن ال�شخ�ص الذي ي�شاركهم نف�س الدين وال‬ ‫ي�صوم رم�ضان لي�س م�سلما ‪ % 59,9‬مقابل ‪ % 27‬ممن يعتقدون العك�س‪ .‬ويعتقد ‪ 44,1%‬من الذين‬ ‫�شملهم البحث‪� ،‬أن عدم ال�صيام هو من �أ�سو�أ التجاوزات الدينية ويجب معاقبة الآثم �إىل �أن يعود‬ ‫�إىل جادة ال�صواب‪ .‬وهكذا يجد موقف ال�سلطات العمومية املتمثل يف اعتبار �صيام رم�ضان مبثابة‬ ‫�أمر غري قابل للنقا�ش و�أكله عالنية مبثابة م�س بالنظام العام‪� ،‬صداه لدى غالبية من �شملهم البحث‬ ‫مبا يف ذلك ما وقع عليه اختيارنا ب�أال نطرح ال�س�ؤال مبا�شرة و�أن نكتفي بقيا�س �شدة ال�صوم الإ�ضايف‬ ‫تقربا من اهلل‪ .‬لكن ال�ضغط الذي ميار�سه املجتمع وال�سلطة ال يف�سر هذا املوقف �إزاء ال�صيام �إال‬ ‫جزئيا‪ .‬فعندما خ�ص�صت جملة «تيل كيل» �سنة ‪ 2006‬ملفا عن ازدواجية �سلوك امل�ؤمنني خالل‬ ‫�شهر رم�ضان وو�صفت مبهارة احلياة االزدواجية (الورع واملجون) التي يعي�شها املغربي املتو�سط‪،‬‬ ‫كان رد فعل جريدة «التوحيد»‪ ،‬ل�سان حركة التوحيد والإ�صالح‪� ,‬سريعا وكان �أعنف من ردود‬ ‫الفعل التي مت اعتمادها بالن�سبة مللفات �أخرى مثل امللف املخ�ص�ص للحجاب‪.‬‬ ‫متت �إعادة ت�أويل الإمكانيات القانونية للإفطار يف رم�ضان �أثناء ال�سفر �أو املر�ض �أو املحي�ض لدى‬ ‫الن�ساء‪ ،‬يف اجتاه الت�شدد والتزمت االنتقائي؛ بحيث يعتقد ‪ % 95‬ممن �شملهم البحث‪ ،‬ن�ساء ورجاال‬ ‫على حد �سواء‪� ،‬أنه من املمكن �إفطار رم�ضان يف حالة املر�ض‪� .‬أما ال�سفر الذي مت تقدميه مع ذلك‬ ‫كعذر �شرعي للإفطار‪ ،‬ف�إن ن�سبة ‪ % 23‬من الن�ساء و‪ % 30‬من الرجال هي التي اعتربته رخ�صة‬ ‫ت�سمح لل�صائم بالإفطار‪ .‬وال ي�شكل العط�ش وق�ساوة العمل وحت�ضري االمتحانات التي كان من‬ ‫�ش�أنها‪ ،‬بناء على مبد�إ القيا�س الذي اعتمدته املالكية‪� ،‬أن متكن من ت�أجيل ال�صوم �أو ق�ضائه‪ ،‬عذرا‬ ‫مقبوال بالن�سبة للغالبية ال�ساحقة من الن�ساء ومن الرجال على حد �سواء‪ .‬والن�ساء دائما هن �أكرث‬ ‫ت�شددا من الرجال؛ �إذ يعترب �أزيد من ‪ % 98‬من الن�ساء �أن العمل ال�شاق ال يبيح الإفطار‪ ،‬فما بالك‬ ‫بالعط�ش �أو التح�ضري لالمتحانات‪.‬‬ ‫‪213‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫ت ُربز �أهمية �شهر رم�ضان عندما يتعلق الأمر بالقبول �أو الرف�ض للذنب الذي يرتكبه الآخر �سواء‬ ‫�أكان من ذوي القربى �أو جمرد مواطن عادي؛ �إذ يعتقد ‪ % 47‬من الن�ساء �أن ال�شخ�ص الذي يفطر‬ ‫�أثناء النهار يف رم�ضان‪ ،‬يجب �أن يتوارى عن الأنظار ليتناول طعامه‪ .‬ونحن هنا بعيدون كل البعد‬ ‫عن الرغبة يف الت�سرت احرتاما لل�صائمني‪ ,‬فهذا الإجراء هو نبذ حقيقي للمعني بالأمر؛ فالن�ساء‬ ‫والرجال يعتربون مرتني �أكرث‪� ،‬أن الإفطار يف رم�ضان �أ�شد خطورة من عدم �أداء ال�صالة‪ ،‬و‪% 40‬‬ ‫من بينهم ي�صنفون ال�صيام يف املقام الأول‪ ،‬يف حني �أن ن�سبة الذين ي�صنفون ال�صالة يف املقام الأول‬ ‫ال تتجاوز ‪.% 19‬‬ ‫ت�ؤول �صرامة الن�ساء �إىل �أبعد من الورع املتقوقع على ذاته؛ فهي تتجه نحو �إدانة الآخر‪ .‬وبالفعل‬ ‫ف�إن ‪ % 64‬من الن�ساء‪ ،‬مقابل ‪ % 54‬فقط من الرجال‪ ،‬يعتربون �أن ال�شخ�ص الذي يفطر يف رم�ضان‬ ‫ال يعد م�سلما‪ .‬وال يرى عك�س ذلك �سوى امر�أة من بني �أربع من الن�ساء ورجل واحد من بني ثالثة‬ ‫من الرجال‪ .‬ويجب الوقوف عند تلوينات موقف الإق�صاء هذا عندما ن�ستح�ضر �إمكانية القمع‬ ‫االجتماعي؛ �إذ �أن ‪ % 40‬من الن�ساء يعتقدن بوجوب معاقبة الآثم �إىل �أن يعود �إىل جادة ال�صواب‪،‬‬ ‫ومع ذلك ف�إن نف�س الن�سبة املئوية من الن�ساء يعتقدن ب�أن ال�شخ�ص حر يف �أن يفعل ما ي�شاء‪.‬‬ ‫يتجلى التعلق اخلا�ص ب�صيام رم�ضان يف درجة ت�سامح ال�شخ�ص جتاه �أوالده؛ ف�إذا كان �أقل من‬ ‫‪ % 1‬من الن�ساء ميكن �أن يوافقن على حت�ضري الطعام لأبنائهن املفطرين و‪ % 11‬ال مانع لديهن من‬ ‫حت�ضري الأكل ب�أنف�سهن داخل املنزل خالل �شهر رم�ضان‪ ،‬ف�إن ‪ % 70‬من بينهن يرف�ضن �أية فكرة‬ ‫للتواط�ؤ الإيجابي �أو ال�سلبي مع �أبنائهن‪ .‬جند �صدى لهذه ال�صعوبة يف التعاطي مع حرية املعتقد‬ ‫خ�صو�صا عندما يتعلق الأمر ب�صيام رم�ضان يف نقا�شات �سجالية بني القراء داخل ال�صحافة احلاملة‬ ‫لإ�شكالية الف�صل بني املجالني العام واخلا�ص؛ ردا على قارئة �أجنبية كانت قد كتبت يف عدد �سابق‬ ‫(�أ�سبوعية «تيل كيل»‪ ،‬عدد ‪ ،)243‬ب�أنها ال حتب رم�ضان‪ ،‬كتب قارئ من املرجح �أنه يعرب عن‬ ‫ت�صور امل�سلم املعتدل‪ ،‬ما يلي ‪:‬‬ ‫«جوابا على بريد قارئة غري م�سلمة مل تذكر ا�سمها والتي �أكدت �أنها ال حتب الإ�سالم لعدة‬ ‫�أ�سباب («تيل كيل»‪ ،‬عدد ‪� ،)243‬أود �أن �أجيب �أوال بطرح �س�ؤال ‪ :‬هل ميكن التعميم باالعتماد‬ ‫‪214‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫على حالة واحدة؟ �أكيد �أنه ال ميكننا ذلك‪ .‬ومن هنا �أقول �أنه يجب على املرء يف روما �أن يعي�ش‬ ‫كما يعي�ش �أهلها‪ .‬ما الذي تطلبه هذه ال�سيدة؟ هل يتوجب علينا �أن نتوقف عن ال�صوم �إر�ضاء‬ ‫لها؟ �إذا كانت ال حتب رم�ضان‪ ،‬فتلك م�شكلة تتعلق بها‪ .‬وما عليها �سوى �أن تقوم بربجمة‬ ‫عطلتها و�أن تغادر املغرب كلما حل �شهر رم�ضان! كما يفعل ذلك العديد من املغاربة الذين‬ ‫«ي�أكلون رم�ضان»‪� .‬أنا ل�ست عن�صريا‪ ،‬و�إمنا �أدافع عن ثقافتي وهويتي وعن ديني‪ .‬و�أذكركم‬ ‫�أننا نعي�ش يف دولة ي�ؤكد د�ستورها �أن دينها هو الإ�سالم مع �ضمان ممار�سة العبادات الأخرى!‬ ‫و�أنا �أود �أن �أعرف ما �إذا كانت هذه ال�سيدة ت�ؤدي �أجر خادمتها و�سائقها وحار�سها بكيفية‬ ‫م�ضبوطة‪ .‬هل �صرحت بهم لل�صندوق الوطني لل�ضمان االجتماعي؟ لأين �أعرف الكثري‬ ‫من الأوروبيني الذين يع�شقون االقت�صاد امللتب�س! وللأ�سف ف�إن هذه ال�سيدة مل تر الأ�شياء‬ ‫احل�سنة‪ .‬فهي تهمهم لأن �أطفالها مل يتمكنوا من احل�صول على قطعة من الق�شدة املثلجة!»‬ ‫(«تيل كيل»‪ ،‬عدد ‪)245‬‬ ‫�إن هذا الالت�سامح اخلا�ص ت�ؤكده املعطيات املرتبطة برم�ضان‪ ،‬ف ‪ % 9‬من الن�ساء و‪ % 15‬من الرجال‬ ‫يرون �أنه يجب �أن تظل املطاعم مفتوحة نهارا خالل �شهر رم�ضان‪ .‬والأغلبية ال�ساحقة‪� ،‬أي ‪% 84‬‬ ‫من الن�ساء ترى �ضرورة �إغالق املطاعم بكافة �أ�صنافها‪ .‬وعندما نذكر من �شملهم البحث بفر�ضية‬ ‫وجود �أجانب غري م�سلمني واحلاجة �إىل الإبقاء على املطاعم مفتوحة تكون الإجابات �أقل �إثارة‬ ‫لكنها تظل مرتفعة بالن�سبة لبلد يطمح �إىل ا�ستقبال ‪ 10‬ماليني �سائح ويكون مالذا للمتقاعدين‬ ‫الأوروبيني اجلدد الباحثني عن ال�شم�س؛ فامر�أة من بني اثنتني ترف�ض منح امتياز تناول الطعام يف‬ ‫�أماكن عمومية‪ ،‬يف حني ال ي�شاركها نف�س الر�أي �سوى رجل واحد من بني ثالثة‪.‬‬

‫‪215‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫ال�شكل ‪51‬‬

‫معرفـة الدينـي‬

‫ي�سعى هذا البحث �إىل فح�ص الفر�ضية التالية ‪ :‬حتظى الن�ساء يف الف�ضاء العمومي للتعبري الديني‪،‬‬ ‫بقبول �ضعيف ن�سبيا‪ ،‬فهن يرتدن امل�ساجد �أقل مما يفعله الرجال‪ ،‬والأمية يف �صفوفهن �أعلى ن�سبيا‬ ‫مقارنة مع الرجال؛ ونتيجة لذلك ي�ستفدن ب�صعوبة �أكرب من املعلومات التي تروجها الكتب‪.‬‬ ‫ومن �ش�أن التن�شئة االجتماعية للن�ساء �أن تكون �أقل جناعة‪� ،‬إذ من املفرت�ض �أن يكن من حيث املبد�إ‪،‬‬ ‫�أقل فهما للق�ضايا الدينية و�أقل قدرة على �صياغة �آراء وا�ضحة حول ق�ضايا الر�أي املتعلقة ب�أن�شطة‬ ‫الف�ضاء اخلارجي خا�صة منها العالقات بني الدين وال�سيا�سة‪ .‬املالحظة الأوىل التي متكن من تدقيق‬ ‫ما قلناه �سابقا على �سبيل االفرتا�ض‪ ،‬هي �أن الن�ساء ال يعانني من نف�س العجز يف كل مكان؛ فهن‬ ‫ميثلن جزءا مهما من الفئة التي ال تتمكن من �صياغة �آراء حول كل �شيء ومتوقعهن انتقائي ويرتبط‬ ‫بعدة متغريات‪ ،‬خ�صو�صا منها متغري �إمكانية �أو عدم �إمكانية ولوجهن �إىل الف�ضاء العمومي‪.‬‬

‫‪216‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫اجلدول ‪ :8‬م�صادر املعلومات الدينية‬

‫م�صدر‬ ‫املعلومات‬ ‫الرجال‬ ‫الن�ساء‬

‫الكتاب‬

‫الوالدان‬

‫التلفزة‬

‫املدر�سة‬

‫امل�سجد‬

‫الأتراب‬ ‫والأ�صدقاء‬

‫‪18,9%‬‬

‫‪% 6,8‬‬

‫‪29,4%‬‬

‫‪2,8%‬‬

‫‪39,8%‬‬

‫‪24,4%‬‬

‫‪12,0%‬‬

‫‪15,6%‬‬

‫‪39,2%‬‬

‫‪1,8%‬‬

‫‪11,2%‬‬

‫‪23,2%‬‬

‫ال�شكل ‪ :52‬مقارنة م�صادر املعلومات بني الرجال والن�ساء‬

‫الن�ســـاء ‪ :‬مع �أو �ضد االنتقال �إىل الدنيوية‬

‫ما هو ت�أثري املعتقدات والتعاليم الدينية على ال�سلوك الدنيوي واملمار�سات االقت�صادية يف احلياة‬ ‫اليومية؟ �إن اخلطاب الإيديولوجي للفقهاء الأكرث اعتداال يقدم الإ�سالم كدين ينظم يف الآن ذاته‬ ‫ممار�سة ال�شعائر وكذا العالقات التجارية (املعامالت) للم�ؤمنني‪ .‬هذه الإ�شكالية ‪ -‬التي تخ�ص‬ ‫العالقة بني احلالل واحلرام وتدبري الإكراه الذي متثله املمنوعات ال�صريحة املتعلقة ببع�ض �أ�صناف‬ ‫املعامالت يف اقت�صاد خا�ضع للتعامل النقدي ‪ -‬متت مقاربتها يف هذا العمل انطالقا من جمموعة‬ ‫من الأ�سئلة حول القر�ض بفائدة وحول اللجوء �إىل البنك؛ فم�ستوى تعامل الن�ساء مع البنوك �أقل‬ ‫من تعامل الرجال معها ب ‪ 12‬نقطة؛ فعلى م�ستوى معدل ‪ ،% 13‬متثل الن�ساء ‪ % 8‬مقابل ‪% 20‬‬ ‫‪217‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫بالن�سبة للرجال؛ وتبلغ ن�سبة اللواتي يعتقدن �أن القر�ض بالفائدة حرام ‪� ،% 48‬أي ‪ 6‬نقط �أقل من‬ ‫الرجال الذين ي�شاطرونهن نف�س الر�أي والذين ميثلون ‪ .% 52‬يف مقابل ذلك‪ ،‬ف�إن ‪ % 39‬من الن�ساء‬ ‫ال يعرفن ما �إذا كان القر�ض بالفائدة حالال �أم حراما‪.‬‬ ‫كيف ميكن قراءة هذه النتيجة؟ ماذا تعني �إجابة «ال �أدرى»؟ هل يتعلق الأمر بجهل �أم تردد حول‬ ‫م�س�ألة مثرية للجدل؟ يف جميع الأحوال‪ ،‬ف�إن �أغلبية النتائج متيل �إىل ت�أكيد مالحظتنا حول تفاوت‬ ‫العجز يف جمال املعرفة بني الرجال والن�ساء لكنها مت ِّكن من حتديد الفروق املت�ضمنة لها‪.‬‬ ‫تُظهر الن�ساء بع�ض ال�ضعف مقارنة مع الرجال حول املعرفة الدينية القريبة من الالهوت �أو‬ ‫من تاريخ الإ�سالم اللذين يتم تلقينهما يف املدر�سة‪ ،‬وحول ق�ضايا الر�أي التي تُلزم امل�ستج َوبات‬ ‫باالمتناع عن الإجابة على اعتبار �أنهن ال ي�ستطعن اتخاذ موقف والتعبري عن وجهة نظر‪ .‬ويف‬ ‫جمال املعرفة بالالهوت ال تعرف ‪ % 73‬من امل�ستجوبات �أي واحد من املذاهب الأربعة؛ فعدم‬ ‫املعرفة هذه جلية خا�صة لدى الن�ساء حيث تف�صلهن عن الرجال ‪ 25‬نقطة‪ .‬ومن بني ‪ % 26‬الذين‬ ‫يقولون ب�أنهم يعرفون املذاهب الأربعة‪ ،‬متكنت ن�سبة ‪ % 62‬من ذكرهم جميعا‪� ،‬أي ‪ % 16‬من‬ ‫جمموع امل�ستج َوبني والفرق بني الن�ساء والرجال يف هذا امل�ستوى هو فرق �ضئيل‪ .‬ويالحظ نف�س‬ ‫العجز بخ�صو�ص املعارف التاريخية عن الأعمال البطولية امل�شكلة للمتخ َّيـل الإ�سالمي‪ ،‬بل وحتى‬ ‫يالحظ �أن ‪ % 60‬من امل�ستجوبني‬ ‫الإ�سالموي‪ ،‬ونق�صد بذلك الع�صر الذهبي لبداية الإ�سالم‪ .‬كما َ‬ ‫ال يعرفون اخللفاء الأربعة؛ �إذ �أن امر�أة واحدة من بني �أربع‪ ،‬مقابل رجل من بني اثنني‪ ,‬ي�ؤكدان‬ ‫معرفتهما بهم‪.‬‬ ‫ويف جمال الآراء‪ ،‬ال ي�ستطيع ‪ % 35‬من امل�ستجوبني اتخاذ موقف حا�سم بالن�سبة مل�سائل ب�سيطة‬ ‫ن�سبيا؛ والإجابة ب «ل�ست �أدرى» ال تعني موقفا بل هي عدم القدرة على الإجابة لعدم توفر‬ ‫املعلومات‪ .‬ففي املتو�سط‪ ،‬ال يعرف ‪ % 40‬من الن�ساء الذي يعادل �ضعف الرجال تقريبا‪ ،‬ما �إذا‬ ‫كان يتوجب عليهن املوافقة على ما تقوم به احلركات اجلهادية �أم ال وما �إن كان الإ�سالم املغربي‬ ‫خمتلفا عن الإ�سالم ال�سعودي �أو الإيراين �أو اجلزائري �أو حتى عن الإ�سالم الذي ميار�سه املغاربة‬ ‫املقيمون يف �أوروبا‪.‬‬ ‫‪218‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫ينقلب هذا العجز يف املعرفة �أو عدم القدرة على اتخاذ موقف‪ ،‬لفائدة الن�ساء بخ�صو�ص الق�ضايا‬ ‫التي حتيل على معرفة مكت�سبة يف �إطار التن�شئة االجتماعية العائلية �أو يف �إطار املجموعات العمرية؛‬ ‫�إذ تتمكن ‪ % 87‬من اتخاذ موقف حا�سم بخ�صو�ص م�س�ألة �إمامة ال�صالة من طرف امر�أة؛ حيث‬ ‫كانت ن�سبة ‪ % 84‬منهن �ضد مثل هذه املمار�سة؛ وهي ن�سبة مماثلة لن�سبة الرجال تقريبا‪ .‬ول ‪% 80‬‬ ‫من الن�ساء ر�أي بخ�صو�ص اللبا�س الإ�سالمي الذكوري‪ ،‬حيث تعتقد ‪ % 50‬منهن �أن الرجال لي�سوا‬ ‫ملزمني يف هذا املجال‪ ،‬ول ‪ % 91‬منهن ر�أي حول اللبا�س امل�سموح به للن�ساء و‪ % 63‬منهن تعتقدن‬ ‫ب�أنه �إلزامي‪ ،‬وهي ن�سبة تقل بع�ض ال�شيء عن الرجال الذين يقا�سمنهن نف�س الر�أي يف حدود‬ ‫‪ .% 69‬وفيما يخ�ص م�س�ألة احلجاب‪ ،‬عربت كل الن�ساء امل�ستجوبات عن ر�أيهن‪ ،‬حيث ترى ‪% 84‬‬ ‫�أنه من امل�ستحب ارتدا�ؤه و‪ % 8‬عربن عن معار�ضتهن الرتدائه‪.‬‬ ‫يتمكن من تكوين‬ ‫عندما تكون الق�ضايا املتعلقة بالدين من النوع الذي يعنيهن مبا�شرة‪ ،‬ف�إن الن�ساء َّ‬ ‫ر�أي دقيق يدل على معرفتهن مبقت�ضيات الفقه؛ ففيما يتعلق مب�س�ألتني خا�صتني للغاية تتعلقان‬ ‫مب�شكلتي منع و�إيقاف احلمل مل ن�سجل �أية حالة عدم �إجابة (ال �أعرف)‪ .‬وقد تبني �أن ‪ % 89‬من‬ ‫الن�ساء ي�ؤيدن منع احلمل‪� ،‬أي ع�شرة نقط �أكرث من الرجال‪ .‬من بني ‪ % 11‬من اللواتي يعار�ضن‬ ‫منع �أو �إيقاف احلمل‪ ،‬تبنى ‪ % 71‬هذا الر�أي لأ�سباب دينية و‪ % 25‬لأ�سباب �صحية‪ .‬وت�صل ن�سبة‬ ‫الن�ساء اللواتي يعار�ضن منع احلمل لأ�سباب دينية مقارنة مع العينة العامة ‪ % 3‬فقط‪ .‬وقد كانت‬ ‫النتائج معكو�سة متاما فيما يتعلق بالتوقيف الإرادي للحمل‪ ،‬حيث �أن ‪ % 94‬من الن�ساء يعار�ضنه‬ ‫وهي ن�سبة تعادل ن�سبة الرجال تقريبا وتعار�ضه ‪ % 87‬من الن�ساء لأ�سباب دينية فقط يف حني ميزج‬ ‫‪ % 7‬بني االعتبارات ال�صحية والدينية‪ .‬ويبني التمايز بني املنع والتوقيف الإرادي للحمل �أن هناك‬ ‫جمهودا لت�أويل املح َّرم دينيا حيث ي�ضع هذا املوقف الن�ساء املغربيات يف �صف مواقف الهوتية‬ ‫م�شرتكة مع عدة �أديان‪ ،‬مبا يف ذلك امل�سيحيني‪.‬‬

‫‪219‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫ال�شكل ‪53‬‬

‫الدين وال�سيا�سة‬

‫تكمن �إحدى �صعوبات العمل الكربى حول ما هو ديني يف املعنى الذي يعطيه من �شملهم البحث‬ ‫ملا هو �سيا�سي؛ فال�سيا�سة يتم ربطها ببع�ض امل�ؤ�س�سات واملمار�سات التي ال يُفرت�ض فيها �إ�شراك‬ ‫الأفراد‪ .‬لقد �ساهمت �سنوات الر�صا�ص على نطاق وا�سع يف ربط ال�سيا�سة باملمار�سات املحفوفة‬ ‫باملخاطر �سيما و�أن ممار�سة ال�سيا�سة يف �سياق مغلق كانت تكمن يف اتخاذ موقف معار�ض‪� .‬إن‬ ‫امل�سل�سالت االنتخابية وال�سلوك غري املدين للمنتخبني خالل واليتهم‪ ،‬قد �ساهم �أي�ضا يف تبخي�س‬ ‫ما هو �سيا�سي؛ حيث ينظر �إىل هذا الأخري باعتباره تعبريا عن االنتهازية‪ .‬ولكل هذه الأ�سباب‬ ‫ف�إن الإعالن عن العقد ذي الداللة ال�سيا�سية ‪ -‬الذي يهتم باملدينة وبالظلم وبتوزيع املوارد ‪ -‬يتم‬ ‫ت�صريفه بوا�سطة و�سائل بعيدة عن تعبريه امل�ؤ�س�ساتي‪ .‬وهكذا تنتقل ال�سيا�سة �إىل �أن�شطة املجتمع‬ ‫املدين من خالل املنظمات غري احلكومية �أو يف �إطار �أخالق دينية معلن عنها‪.‬‬ ‫ت�شرتك املجموعة الإ�سالمية بكاملها يف االعتقاد ب�أن الإ�سالم هو احلل؛ �أي �أنه مفتاح كافة امل�شاكل‪.‬‬ ‫ويجد هذا االعتقاد امتداده يف �إيديولوجية تقوم على الإميان امل�شرتك باملعجزة القر�آنية «�إعجاز‬ ‫القر�آن» وعلى الفكرة القائلة ب�أن الإ�سالم هو يف نف�س الوقت «دين ودنيا»‪« ،‬عقيدة ومعامالت»‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬ف�إن هذا الإطار املرجعي امل�ؤ َّكد على م�ستوى اخلطابة التعميمية وامل�ساوي للت�صريح‬ ‫بالعقيدة التي هي �إعالن عن االنتماء‪ ،‬يتداعى عندما يتعر�ض ملحك و�ضعيات متكن من �إظهار‬ ‫التناق�ضات وجتاوز اجلنوح �إىل الإجماع‪.‬‬ ‫‪220‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫عند حتليل الأجوبة اخلا�صة ب�س�ؤال ‪« :‬هل الإ�سالم ميثل حال لكل �شيء؟»‪ ،‬فوجئنا مبالحظة �أن‬ ‫‪ % 27‬من امل�ستجوبني ال يعرفون �أي جواب يقدمون �أو �أنه ال ر�أي لهم‪ ،‬بينما ال ميثل متو�سط‬ ‫الأ�شخا�ص الذين �أعلنوا بو�ضوح �أنهم �ضد هذا االقرتاح ‪ .% 5,8‬ومتثل الن�ساء �ضعف املجيبني‬ ‫املرتددين الذين مل يتمكنوا من احل�سم يف هذا ال�س�ؤال املعياري؛ فهن ي�شكلن ن�صف امل�ستجوبني‬ ‫الذين �أعلنوا بو�ضوح عدم اتفاقهم مع هذه املقولة‪ .‬وهنا �أي�ضا ال ميكننا اال�ستقرار على املعنى‬ ‫الذي يجب منحه لهذا الو�ضع املرتدد‪ ،‬فهل يتعلق الأمر باجلهل وعدم القدرة على اتخاذ موقف‬ ‫ب�شكل �صادق بالن�سبة ل�س�ؤال خطري؟ �أم �أنه يتعلق على العك�س من ذلك بر�أي حقيقي لأن املوقف‬ ‫الذي يتحمل �أقل قدر من املخاطرة بالن�سبة لهذا ال�س�ؤال كان يتمثل يف اتباع املجموعة والإعالن‬ ‫ب�أن الإ�سالم قادر على حل كل �شيء؟‬ ‫وللذهاب �أبعد من ذلك‪ ،‬وقع اختيارنا على خم�سة جماالت كربى التي من املحتمل �أنها من‬ ‫اخت�صا�ص الدين ‪ :‬الأول هو جمال املعامالت‪ ،‬واختيار تعبري «املعامالت» هو بالأحرى اختيار‬ ‫معياري لأنه يحيل على قاعدة ويقرتح جوابا م�ؤيِّدا ولأنه يكاد يكون مرتبطا بالطبيعة العميقة‬ ‫للإ�سالم‪ .‬ويف مقابل ذلك حتيل املجاالت الأربعة الأخرى �إىل �أن�شطة دنيوية ‪ :‬االقت�صاد والطب‬ ‫والتكنولوجيا وال�سيا�سة‪ .‬وقد كانت النقط التي مت حتقيقها بهذا اخل�صو�ص مهمة للغاية حيث �أبان‬ ‫املجيبون عن �إجماع ل�صالح الدين كحل مبتو�سط بلغ ‪ % 90‬با�ستثناء ما يتعلق بالتكنولوجيا ؛ �إذ‬ ‫مل تبلغ ن�سبة الذين يرون �أن الإ�سالم يقدم حلوال للتكنولوجيا �سوى ‪.% 77‬‬ ‫ال�شكل ‪ :54‬دور الدين يف احلياة الدنيوية‬

‫‪221‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫ولتجاوز هذه الو�ضعية املعيارية التي يلتقي فيها احرتام الدين واحرتام �أدائه املتوقع‪� ،‬أولينا اهتمامنا‬ ‫لق�ضايا تتعلق بالر�أي التي و ترتكز حول ال�سيا�سة‪ ،‬لكن ال ميكن �إدراكها �إال يف و�ضعيات ملمو�سة‬ ‫حتيل على جتربة عملية �أو على نية القيام مبثل تلك التجربة‪.‬‬ ‫وبدون التفاف‪ ،‬يتم طرح �سبعة �أ�سئلة مبا�شرة ترتبط بعالقة ال�سيا�سة بالدين‪ .‬وقبل الدخول يف‬ ‫التفا�صيل من �أجل مقاربة النتائج‪ ،‬نطرح املالحظة التالية ‪� :‬إن الن�ساء ب�صفة عامة مينحن مكانة �أكرب‬ ‫للدين يف احلياة اخل�صو�صية مقارنة مع الرجال‪ ،‬ويعتقدن �أن على الدين �أن يلعب دورا �أكرب يف‬ ‫احلياة ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫مع ذلك‪ ،‬من املهم �إ�ضفاء طابع ن�سبي على هذه املالحظة بالت�أكيد على �أن �سلوك ال�سكان يف‬ ‫�أغلبيتهم بغ�ض النظر عن اجلن�سني‪ ،‬هو حالة فكرية يف �سياق ال وجود فيه عمليا للخطاب‬ ‫العلماين‪� ،‬سياق حتافظ فيه الطبقة ال�سيا�سية‪ ،‬ب�شيء من التعتيم‪ ،‬على الدور الذي تنوي تخ�صي�صه‬ ‫للدين‪ .‬وت�ؤكد هذه املالحظة الن�سبة املئوية املرتفعة للأ�شخا�ص الذين ال يتمكنون من اتخاذ موقف‬ ‫حا�سم بالن�سبة لق�ضايا الر�أي هذه (‪.)% 45‬‬ ‫وبالفعل‪ ،‬ف�إن اخلطاب املعياري يلتقي مع موقف الطبقة ال�سيا�سية حول م�س�ألة الف�صل بني‬ ‫الديني وال�سيا�سي‪ .‬وهذا املوقف ملتب�س �أو يعلن بو�ضوح عن تف�ضيل �سمو الديني على‬ ‫ال�سيا�سي؛ فا�ستعمال ال�سلطة للدين ي�سمح باالعتقاد �أن من �ش�أن موقف �أقل ح�سما حول امل�س�ألة‬ ‫�أن يتيح للملك �ضمان الف�صل بني الدائرتني بفر�ض �سمو و�ضع �أمري امل�ؤمنني‪ .‬هل يجب �أن‬ ‫يقوم الدين بتوجيه احلياة ال�شخ�صية فقط �أم �أن عليه توجيه احلياة ال�سيا�سية كذلك؟ حول هذا‬ ‫ال�س�ؤال‪ ،‬انق�سم امل�ستجوبون؛ حيث يرى ‪ % 26‬منهم �أن الدين م�س�ألة �شخ�صية يف حني يرى‬ ‫‪� % 28,9‬أن على الدين �أن ينظم كذلك ما هو �سيا�سي‪ .‬وال تتمكن امر�أة من بني اثنتني من التعبري‬ ‫عن وجهة نظر حمددة بخ�صو�ص هذه امل�س�ألة‪� ،‬أي مبعدل ‪ % 54‬من بني الن�ساء‪.‬‬ ‫امل�س�ألة الثانية التي كانت �أكرث و�ضوحا و�إثارة‪ ،‬تطرح اخلطر املحتمل الذي قد ميثله تدخل الدين يف‬ ‫احلياة ال�سيا�سية؛ فقد بلغت ن�سبة الن�ساء اللواتي يعتقدن بوجود مثل هذا اخلطر ‪ % 18‬بينما بلغت‬ ‫‪222‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫ن�سبة الرجال الذين ي�شاطرونهن نف�س الر�أي ‪ .% 31‬لكن يجب مقارنة هذه النتيجة التي ميكن‬ ‫�أن توحي ب�أن الن�ساء ال يعرفن ما �إذا كان الدين ميثل خطرا �أم ال‪ ،‬مع الن�سبة املئوية للن�ساء الالئي‬ ‫يعلنن ب�أنهن ال يعرفن كيف يجنب عن هذا ال�س�ؤال‪� ،‬أي ‪ 59,3‬منهن ؛ فالأمر يف نظرنا يتعلق هنا‪،‬‬ ‫بانزعاج وا�ضطراب �أمام اختيار يبدو بديهيا؛ وهو �أمر مهم باعتبار �أن هذه النتيجة تطرح تذبذبا‬ ‫يف قناعات جد را�سخة‪.‬‬ ‫ميكن مقاربة العالقة بني الدين وال�سيا�سة يف منحى التمييز بني املجالني �أو الف�صل بينهما �أو يف‬ ‫منحى تراتبيتهما؛ ف�إذا كانت ‪ % 38‬من املجيبني يتفقون مع اقرتاح حماية الدين من تدخالت‬ ‫ال�سيا�سيني‪ ،‬ف�إن العديد من الن�ساء يرغنب يف �أن يقوم الدين بتوجيه ما هو �سيا�سي بحيث ميثلن ‪13‬‬ ‫نقطة �أعلى من الرجال‪ .‬وبخ�صو�ص هذه امل�س�ألة‪ ،‬يالحظ �أن ن�سبة املجيبني الذين ال يتمكنون من‬ ‫احل�سم �أو ال يعرفون‪ ،‬هي الأقل ارتفاعا بالن�سبة للم�سائل التي تتعلق بهذه املجموعة من الأ�سئلة‪.‬‬ ‫عندما يتم تناول العالقات بني الدين وال�سيا�سة من وجهة نظر عملية ويتم جت�سيد البعدين من‬ ‫طرف الرجال‪ ،‬ف�إن النتائج تكون خمتلفة؛ فن�سبة املجيبني الذين ال يتمكنون من اتخاذ موقف‬ ‫حمدد‪ ،‬تظل بو�ضوح �أقل �أهمية‪� ،‬إذ ت�ستقر يف حوايل ‪ .% 3‬وعن ال�س�ؤال ‪« :‬هل يجب على رجال‬ ‫ال�سيا�سة عدم التدخل يف الدين؟»‪ ،‬يجيب العديد من الرجال والن�ساء بالإيجاب‪� ،‬أي حوايل ‪% 51‬‬ ‫من الرجال و‪ % 30‬من الن�ساء‪ .‬ويف نف�س الوقت تعلن امر�أة من بني اثنتني �أنها غري مبالية بالأمر‪.‬‬ ‫بالن�سبة ملعرفة ما �إذا كان على رجال الدين التدخل يف ال�سيا�سة �أم ال‪ ،‬ف�إن الأجوبة يف هذه امل�س�ألة‬ ‫كانت �أقل ح�سما من تلك التي ر�أيناها فيما يتعلق بال�س�ؤال ال�سابق؛ �إذ يبدو �أن املجيبني ي�سريون‬ ‫باعتدال باجتاه رفعة و�سمو رجل الدين بحيث عرب واحد من بني �أربعة من الذين �شملهم البحث‬ ‫�صراحة على �أنه مع تدخل رجال الدين يف ال�سيا�سة‪ .‬لكن الن�ساء الالئي �إما عربن �صراحة �أنهن‬ ‫مع ابتعاد رجال الدين (‪ )% 30‬عن ال�سيا�سة‪ ،‬و�إما عن ال مباالة (‪ ،)% 45‬ميثلن جمموع ‪% 75‬‬ ‫ممن �شملهن البحث (‪ % 66‬بالن�سبة للرجال)‪ .‬وعندما يتم طرح العالقة بني رجل الدين ورجل‬ ‫ال�سيا�سة يف عالقة مع �سياق حمدد‪ ،‬بالإحالة على املحتوى ال�سيا�سي خلطبة اجلمعة مثال‪ ،‬تكون‬ ‫الأجوبة �أكرث و�ضوحا‪ .‬وللن�ساء �إجابات �أكرث ح�سما من الرجال‪ ،‬حيث بلغت ن�سبة الن�ساء غري‬ ‫املتفقات مع خطب �سيا�سية ‪ % 36,7‬مقابل ‪ % 28,5‬من الرجال الذين ي�شاطروهن نف�س الر�أي‪.‬‬ ‫‪223‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫ال�شكل ‪:55‬‬

‫الديــن وال�سلـــوك‬

‫وحتى نتمكن بقدر الإمكان من قيا�س ما �أ�سميناه بالنزوع القوي نحو الدنيوية‪ ،‬اخرتنا جمموعة‬ ‫من املتغريات‪ .‬ونحن نقوم بذلك مع العلم �أن تعميق املمار�سة وعقلنتها يف اجتاه �أكرث �صرامة‬ ‫وطهرانية باللجوء �إىل املكتوب‪ ،‬ال يتناق�ض مع تنزيلها يف �أمكنة و�أزمنة حمددة يف اليوم وال�شهر‬ ‫وال�سنة‪ .‬ونعتقد �أن االرتفاع الن�سبي للم�ستوى الثقايف العام وتقلي�ص الفجوة بني الثقافة العاملة‬ ‫والثقافة ال�شعبية‪� ،‬ساعدا على بروز ثقافة و�سيطة دعمها انفتاح الطبقة املتو�سطة على م�صادر‬ ‫الإعالم اجلديدة والت�أثري الذي متار�سه التلفزة؛ فهناك ثقافة دينية منطية قيد التعميم‪ ،‬يف حني هناك‬ ‫متايزات بني املجموعات فيما يتعلق بالتقوى تتم على هوام�ش الدين بالن�سبة للنوافل على وجه‬ ‫اخل�صو�ص‪ .‬وتلعب مظاهر التدين‪ ،‬من خالل املظهر البدين اخلا�ص بالرجال الذي يرمز له‬ ‫الدينار(طابع �أ�سود ينطبع يف جبهة امل�ؤمنني من فرط ال�سجود) ولبا�س احلجاب بالن�سبة للن�ساء‪،‬‬ ‫دور مميزات بدنية ت�شجع االن�ضمام �إىل جمموعات تربز من جديد يف بيئة تتميز بالت�سرت والكتمان‪.‬‬ ‫املر�أة واحلجاب‬

‫ت�شكل م�س�ألة احلجاب نقطة مهمة تر�سخ اخلوف لدى خمتلف مالحظي ال�ساحة الدينية الذين‬ ‫يواجهون ما ي�سمى اليوم بالإجماع باملد الإ�سالموي؛ فهي تعود كم�س�ألة متواترة يف خمتلف‬ ‫الأبحاث حول الدين كما �أنها م�س�ألة معقدة وح�سا�سة يف الوقت نف�سه؛ بالنظر للم�صطلح امل�ستعمل‬ ‫يف هذا الإطار‪ .‬وبالفعل ف�إن احلجاب يحيل على فعل التحجب و�إىل الثوب امل�ستعمل من �أجل‬ ‫‪224‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫التحجب‪ .‬وقد ورد ذكر بع�ض الكلمات الدالة عليه يف �سور ال يرتدد املجادلون يف التلويح بها‬ ‫كدليل على الطابع الإلزامي الرتدائه‪ .‬وي�ستدل على احلجاب بكلمات تنطوي على معاين خمتلفة‬ ‫ت�ستح�ضر الإثارة اجلن�سية وال�شبقية والتقوى على حد �سواء‪ ،‬اللثام‪ ،‬النقاب‪ ،‬اخلمار‪ .‬لنحاول �أن‬ ‫نعرف ما تدل عليه هذه امل�صطلحات يف التاريخ االجتماعي والأدبي العربي قبل الإدالء بر�أينا‬ ‫حول مكانتها‪.‬‬ ‫اخلمار مفرد ا ُخل ُمر‪ ،‬هو م�صطلح ورد ذكره يف القر�آن «}‪ {...‬ولي�ضربن بخمرهن على جيوبهن»‬ ‫(‪ ،24‬النور‪ ،‬الآية ‪ ،)31‬ويدل كذلك على كل ما يلف الر�أ�س من �أي �شكل كان ‪ :‬طرحة �أو �شال‬ ‫�أوو�شاح مثال‪ .‬واخلمار يف الغناء العربي قطعة من الثوب توحي بعالقة �شبقية ؛‬ ‫يدل النقاب على ما تلب�سه املر�أة لإخفاء وجهها ؛‬ ‫كان العرب‪ ،‬قبل جميء الإ�سالم‪ ،‬ي�ستعملون اللثام (غطاء للأنف) الذي كانت تلب�سه الن�ساء‬ ‫والرجال على حد �سواء يف ال�صحراء ؛‬ ‫يدل احلجاب لغة على ما يحتجب به ‪« :‬و�إذا �س�ألتموهن متاعا فا�س�ألوهن من وراء حجاب»‬ ‫}ال�سورة ‪ ،33‬الأحزاب‪ ،‬الآية ‪ {53‬ويف قوله تعاىل ‪« :‬واتخذت من دونهم حجابا» (ال�سورة ‪،19‬‬ ‫مرمي‪ ،‬الآية ‪.)17‬‬ ‫مل�شاريع املجتمعية‬ ‫وي�أتي تعقد م�س�ألة احلجاب كذلك من كونه �أ�صبح نقطة ارتكاز للتقاطب بني ا ِ‬ ‫املتناف�سة يف �أغلب البلدان الإ�سالمية �أو يف بلدان تعي�ش فيها جاليات �إ�سالمية‪ ،‬وهي تقاطبات‬ ‫بني حداثيني وحمافظني‪ ،‬بني �إ�سالميني وعلمانيني؛ ففي �سياق حتليل احلركات الدينية‪ ،‬مت تناول‬ ‫احلجاب كم�ؤ�شر رئي�سي على �أ�سلمة زاحفة حيث �شكل على هذا النحو نقطة تركيز لل�صراع بني‬ ‫التقليد واحلداثة‪ .‬وهكذا‪ ،‬يتوجب علينا من دون �أن نناق�ش مدى م�شروعيته كم�ؤ�شر على الأ�سلمة‬ ‫�أو (على العك�س من ذلك) على التحرر من التقليد‪� ،‬أن ن�شري �إىل �أن العديد من املالحظني ال‬ ‫يرتددون يف التنديد بالتدفق املكثف للمحجبات يف الأحياء اجلامعية ويف الف�ضاء العام‪ ،‬يف حني �أننا‬ ‫ال نتوفر �سوى على النزر الي�سري �أو ال نتوفر على الإطالق‪ ،‬على م�ؤ�شرات �إح�صائية من �ش�أنها �أن‬ ‫‪225‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫متكن من التحقق من هذا االنطباع‪ .‬ويتقوى االبتذال‪ ،‬الذي يجعل الأ�شكال التقليدية للحجاب‬ ‫مرئية‪ ،‬باالنطباعات املتعلقة بت�سرب ظواهر يُغالىَ يف تقديرها؛ يف حني يدفعنا موقف �آخر �أكرث‬ ‫حذرا وتيقظا �إىل �إعادة النظر يف امل�س�ألة؛ فالرموز التي امتلكتها الن�ساء كم�ؤ�شرات على احلداثة‬ ‫مل تكن تق�صي احلجاب والفروق التي ت�شري �إىل تدرج يف املواقف‪ ،‬هي عبارة �إما عن انتقال من‬ ‫الف�ضاء القروي �إىل ف�ضاء املدينة و�إما عن عالقة جديدة مع الف�ضاء العمومي‪ ،‬هي فروق انتقلت‬ ‫من «احلايك» �أو «الإزار» وهو عبارة عن برن�س من قطعة واحدة �إىل اجلالبة ‪ -‬لبا�س للرجال‬ ‫�أخذته الن�ساء عنهم ‪ -‬مع نقاب و « ُق ّب» (غطاء للر�أ�س)‪ ،‬ثم بدون «قب» وال نقاب و�إمنا مبنديل ال‬ ‫غري يغطي الر�أ�س‪ ،‬معربة يف نف�س الوقت عن تطور ملو�ضات اللبا�س وتق�سيمات جديدة للعمل يف‬ ‫�إطار تعميم العالقات التجارية‪ .‬وتتم ترجمة ذلك مبيالد �سوق للأك�س�سوارات الن�سائية وجمموعة‬ ‫من اخلدمات الأخرى مثل احلالقة (جتعيد ال�شعر‪ ،‬املجفف الكهربائي‪ ،‬الخ‪ ).‬واملاكياج واخلدمات‬ ‫املتعلقة بالتجميل‪ .‬ومثل هذا التطور ينبغي �أن يدفع بنا �إىل التحلي مبزيد من احلذر يف معاجلة‬ ‫احلجاب ك�أك�س�سوار مت �إدماجه يف جمموعة اللبا�س‪.‬‬ ‫لقد جاء تعميم اللبا�س الأوروبي باملغرب مت�أخرا وكان م�صحوبا بن�شر التعليم‪ ،‬ولو �أنه على‬ ‫امل�ستوى الرمزي �آنذاك‪ ،‬يعترب تقدمي حممد اخلام�س البنته حل�شد من النا�س بطنجة �سنة ‪1947‬‬ ‫بتنورة مك�شوفة الوجه‪ ،‬مبثابة فعل حترري‪ ،‬ال ميت للإ�سالم ب�صلة و�إمنا بتقليد يرتبط بثقافة التعاون‬ ‫مع اال�ستعمار‪ .‬وقد �ساند الوطنيون الذين ا�ستوحوا تعاليمهم من ال�سلفية ذلك الفعل يف �إبانه‪ .‬ومت‬ ‫�أخذه كمرجع �سيتم التعبري عنه بكيفية �أكرث تدرجا و�أكرث حذرا يف املمار�سة‪ ،‬مبا يف ذلك ما �سارت‬ ‫عليه الأمور يف بالط احل�سن الثاين‪.‬‬ ‫يجب �أن ن�سجل �أن احلجاب يحيل على عمليات ربط ‪ associations‬متناق�ضة ت�شو�ش على‬ ‫الدالالت‪ ،‬بل وعلى املعامل لتعرب عن �أو�ضاع �إن مل نقل خطابات متناق�ضة‪ .‬وال يرتبط تعدد‬ ‫الدالالت بطبيعة احلجاب املذكور فقط و�إمنا بلونه وكيفية ن�سجه حيث توجد هناك الع�شرات من‬ ‫الأ�شكال التي تغذي جداال حاميا حول ما هو وطني وما هو غري وطني؛ فالرموز بني «احلايك»‬ ‫الأبي�ض النظيف جلدتي وو�شاح والدتي احلريري املعطر ب�أريج «�شانيل ‪ »5‬و «الدرة» التي تكلم‬ ‫‪226‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫عنها احل�سن الثاين و «خمار» املطرب ال�سوري �صباح فخرى و«الربقع» الأفغانية �أو «اجلالبية»‬ ‫امل�صرية‪ ،‬هي رموز جد متغايرة‪ .‬وتت�شو�ش املعامل �أكرث عندما ي�صبح احلجاب �أحد �أك�س�سوارات‬ ‫املو�ضة ويرتبط بلبا�س �آخر مثل اجلينز الال�صق‪ .‬وتحُ دث عمليات الربط هذه تفاوتات ال ميلك‬ ‫املدافعون عن املر�أة الأكرث حتم�سا �سوى ف�ضحها والتنديد بها‪ ،‬م�صدومني باالنحياز املخرب لتلك‬ ‫ال�سلوكات التي تُدرج تارة يف خانة املمار�سة العتيقة ل«كيد الن�سا»‪ ،‬وتارة �أخرى يف خانة اال�ستالب‪.‬‬ ‫‪25‬‬ ‫ويعزز خطاب الإدانة هذا ب�شكل مفارق اخلطاب الذكوري عن ق�صور الن�ساء‪.‬‬ ‫وعالوة على ذلك‪ ،‬ف�إن الربط بني احلجاب و�سلوكات و�أماكن �أخرى‪ ،‬يخلق دالالت مفارقة‬ ‫يجب �أال يتم ت�أويلها فقط كتعبري عن توليف بني �سيطرة نظام �أخالقي والكيفيات العملية خلرقه‪،‬‬ ‫و�إمنا ينبغي ت�أويلها �أي�ضا كفر�صة يغتنمها الفاعلون تبعا لإكراهات ال�سياقات اخلا�صة؛ فقراءته‬ ‫كوحدة دالة تخ�ضع لعلم النحو يجب �أن نرجعه يف كل مرة �إىل ال�سياق‪ ،‬لكن يجب �أن نرجعه‬ ‫�أي�ضا‪ ،‬كما يذكر بذلك املدافعون عن قواعد النحو‪� ،‬إىل كفاءات الفاعلني �أنف�سهم و�إىل قدرتهم‬ ‫على اال�ستيالء عليه من �أجل حتريف معناه الأول و�إلبا�سه معنى جديدا‪ .‬ولعل انت�شار احلجاب‬ ‫يف املجتمع يرتجم كذلك الثقل املتنامي لأخالقية عمومية وازنة متنح تطمينات مادية لرجال غري‬ ‫قادرين على مراقبة حرميهم‪ ،‬وذلك عندما يتم ت�أويل احلجاب من وجهة نظر معيارية تعلي من‬ ‫�ش�أن �صيغة وحيدة تربط بني احلجاب واالمتثال لتعاليم الإ�سالم �أو للموروث املحلي‪ .‬وقد يكون‬ ‫ارتداء احلجاب على هذا النحو مبثابة التقوى املعلن عنها �أو ر�سالة وا�ضحة عن التحلي بالأخالق‪.‬‬ ‫ومن امل�سلم به التذكري �أن احلجاب والو�شاح والزي الإ�سالمي‪ ،‬ال يدلون على نف�س ال�شيء بالن�سبة‬ ‫للفاعلني بتعدد ممار�سته ومتلكه وتعدد طرق ارتدائه حتى و�إن كان يتم حتميله يف الذاكرة اجلماعية‬ ‫ب�أعباء داللة معيارية مل يكن يت�ضمنها املفهوم املرجع‪.‬‬ ‫‪« - 25‬نعم‪ ،‬ارتداء احلجاب لي�س متما�سكا‪ ،‬وال ي�ستجيب يف هذا املنحى ملعايري لبا�س �شرعي‪ ،‬لكن لي�س هناك بال�ضرورة ما يدعو لالبتهاج بذلك‪� .‬إذ‬ ‫ما ع�سانا نرى يف حتريف املعنى الأ�صلي للحجاب عندما يكون ذا لون �أزرق فريوزي‪ ،‬مثبت ب�شِ َّكة مذهَّبة فوق �سروال �آخر مو�ضة مثل �سروال اجلينز‬ ‫النازل؟ مبعنى عندما يتحول احلجاب �إىل �أحد �أك�س�سوارات املو�ضة! ماذا ميكن �أن نرى يف ذلك؟ �إن مل يكن جمرد تهافت مطلق‪ ،‬لأن احلجاب ي�صبح‬ ‫هنا �أداة للإغراء؛ �أداة ا�سرتاتيجية للتعارف والتالقي‪ .‬ب�أي تغري فجائي ي�أتي احلجاب ليمثل عك�س معناه الروحي‪� ،‬إن مل يكن ذلك نوعا من االنتهازية‬ ‫البذيئة كنمط لال�شتغال‪ .‬باخت�صار‪ ،‬ملاذا يُلب�س احلجاب مع �سروال جينز ال�صق؟ �أو مع �أحمر �شفاه؟ �أو مع حذاء بكعب عال يبلغ ‪� 10‬سم؟ ملاذا يتم‬ ‫جت�سيد رمزين متناق�ضني ب�شكل مطلق‪ ،‬املهذب املتوا�ضع واال�ستعرا�ضي امل َّربق حول الن�سائية؟ هنا �أي�ضا من املمكن �أال يتغري التقليد الأعمى لت�أثري املو�ضة!‬ ‫�إذ عالوة على �أن ذلك بد�أ يفعل الكثري من الأ�شياء التي ال تعيها الن�ساء‪ ،‬ف�إن مو�ضة احلجاب هذه هي املو�ضة الأكرث ات�صافا بالال منطق‪ ...‬والأكرث خطرا‪.‬‬ ‫�إن ابتذال احلجاب بخلطه بدالالت �أخرى متناق�ضة يفقده ب�شكل مبا�شر خ�صو�صيته الروحية للقبول والإقرار ب�صفة نهائية على التمييز بني اجلن�سني» يف‬ ‫‪ Femmes du Maroc‬بتاريخ ‪01/11/2006‬‬

‫‪227‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫يف هذا ال�صدد‪ ،‬ميكننا التذكري بعدة مالحظات قريبة من احل�س العام ‪:‬‬ ‫هناك تعدد يف طرق ارتداء احلجاب حيث يغطي ال�شعر �أو الوجه‪ ،‬وميكن �أن يكون لون احلجاب‬ ‫�أ�سود �أو �أبي�ض‪ ،‬لكن كذلك يكون زاهيا ومتناغما مع احلقيبة اليدوية ومع احلذاء ؛‬ ‫تعدد الوظائف املرتبطة باحلجاب ‪� :‬إذ ميكن �أن ي�ؤدي وظيفة �أحد �أك�س�سوارات اجلمال بنف�س القدر‬ ‫الذي يخفي مظاهر الب�ؤ�س بديال عن التكاليف املرتفعة لالعتناء باجل�سد و�شراء م�ستح�ضرات‬ ‫التجميل �أو م�ؤ�شرا على �أنوثة من بلغن �سن الي�أ�س �أو التنكر للإفالت من مراقبة الإخوة ومغادرة‬ ‫ف�ضاء الأ�سرة بدون �إثارة ت�سا�ؤالت �أو رمزا م�ؤكدا لالحرتا�س �أو رمز انتماء �إىل طائفة‪...‬‬ ‫تطور املرتابطات املتعلقة باحلجاب ‪ :‬على امل�ستوى الرمزي‪ ،‬يرتبط احلجاب ب�سلوك �أو عدة‬ ‫�سلوكات �إ�ضافة �إىل ال�سلوك النمطي للفتاة �أو للمر�أة التقية (الع�صرية التي ت�ؤدي ال�شعائر) املمار�سة‬ ‫امللتزمة �أو الأنيقة امل�ؤدية لل�شعائر؛ فاحلجاب ي�شكل على حد �سواء م�شايعة �إيديولوجية و�أحد‬ ‫�أك�س�سوارات املو�ضة والإثارة كقناع �أو كزينة‪ .‬وميكن �أن يرتبط على م�ستوى اللبا�س ب�سروال‬ ‫اجلينز �أو بالبذلة التقليدية لكن ميكن �أن يرتبط كذلك بالبذلة الع�صرية �أو باجلالبيب املجدَّدة والتي‬ ‫ت�ضفي عليه طابعا ع�صريا‪ ،‬بل وباملعاطف الطويلة بالن�سبة للن�ساء املهاجرات‪.‬‬ ‫�إن م�س�ألة احلجاب التي هي مثار جدال‪ ،‬مت �إدراجها يف هذا البحث �أخذا بعني االعتبار التعقيد‬ ‫الذي يحيط بها؛ فمن عينة تتكون من ‪ 609‬امر�أة مت ا�ستجوابهن‪ % 39 ،‬يرتدين احلجاب‪ .‬ويتعلق‬ ‫الأمر هنا بظاهرة تتم على نطاق وا�سع‪ ،‬حتى و�إن كان من ال�صعب من خالل اال�ستمارة القيام‬ ‫بو�صف هذا اللبا�س الذي ترتديه املر�أة‪ .‬ومع افرتا�ض �أننا كنا �أمام زي موحد يحيل على نف�س‬ ‫الداللة الرمزية‪ ،‬فقد حاولنا معرفة اخل�صائ�ص الرئي�سية لهذه العينة من املحجبات‪ .‬وعموما‪،‬‬ ‫ميكننا �أن ن�سجل ب�أن الن�ساء ربات البيوت ال يختلفن كثريا عن الن�ساء الالئي ي�شتغلن‪ .‬وتظهر‬ ‫االختالفات عندما نحدد �صنف الن�شاط الذي تتم مزاولته‪ .‬وهكذا ف�إن املوظفات ميلن �إىل احلجاب‬ ‫(‪ % 57‬من الفئة) �أكرث من م�ستخدمات القطاع اخلا�ص (‪.)% 33.8‬‬

‫‪228‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫متيل الن�ساء املتزوجات �إىل ارتداء احلجاب �أكرث من الن�ساء العازبات حيث ميثلن على التوايل‬ ‫"‪ % 40‬و‪ .% 33‬ومن بني الن�ساء الالئي ال ميار�سن �أي ن�شاط مهني‪ % 39 ،‬يرتدين احلجاب مقابل‬ ‫‪ % 61‬من الن�ساء اللواتي ال يرتدينه‪ .‬ومتثل ن�سبة املدينيات الالئي يرتدين احلجاب ‪ % 44‬مقابل‬ ‫امر�أة واحدة قروية من بني ثالث‪ .‬وتُعد الن�ساء الالئي يرتدينه من بني �ساكنات املدن الكربى‬ ‫واملدن املتو�سطة (‪� )% 44‬أكرث من الالئي يع�شن يف املدن ال�صغرية حيث ال ميثلن �سوى ‪ .% 23‬وي�ؤثر‬ ‫التعليم بالن�سبة للفئتني املتو�سطتني‪� ،‬أي الن�ساء الالئي وجلن املدر�سة االبتدائية (‪� )% 41‬أو الإعدادية‬ ‫و�إىل الثانوية (‪ .)% 44‬وتقل ن�سبة الن�ساء غري املتعلمات‪ ،‬مثلهن مثل الن�ساء الالئي قمن بدرا�سات‬ ‫عليا‪ ،‬اللواتي يرتدين احلجاب‪ ،‬حيث ال ميثلن �سوى ‪.% 34‬‬ ‫بالن�سبة ملعيار الدخل‪ ،‬هناك انت�شار قوي الرتداء احلجاب �ضمن الن�ساء اللواتي ينتمني �إىل الفئة‬ ‫ذات الدخل املتو�سط‪ ،‬حيث متثل الن�ساء الالئي ال يتجاوز دخل �أ�سرهن ‪ 1000‬درهم يف ال�شهر‬ ‫‪ % 21‬من الفئة؛ وتتجاوز ن�سبة الالئي يرتاوح دخل �أ�سرهن بني ‪ 3000‬و‪ 6000‬درهم ب�ضعفني‪.‬‬ ‫من وجهة نظر معيار ال�سن‪ ،‬يرتبط احلجاب والتدين بت�سارع وا�ضح لدى املتقدمات يف ال�سن‪،‬‬ ‫فذوات الأربعني ربيعا يف�ضلن �أكرث ارتداء احلجاب حيث ميثلن ‪ % 34‬من فئة �أقل من ‪� 24‬سنة‪،‬‬ ‫و‪ % 34‬من الن�ساء البالغات �أقل من ‪� 34‬سنة‪ ،‬و‪ % 46‬ممن هن دون ‪� 44‬سنة‪ ،‬و‪ % 41‬ممن هن دون‬ ‫‪� 59‬سنة‪ ،‬و‪ % 40‬ممن يفوق عمرهن ‪� 60‬سنة‪.‬‬ ‫قد يكون ب�إمكاننا �أن ن�سجل كخال�صة �أن كافة املتغريات املكونة لفئة ن�ساء الطبقة الو�سطى احل�ضرية‬ ‫متقاربة‪ .‬ومن �ش�أن املحجبة �أن تكون موظفة تعي�ش يف مدينة كبرية‪ ،‬تبلغ من العمر ‪� 45‬سنة‪،‬‬ ‫متزوجة وذات م�ستوى تعليمي متو�سط‪.‬‬ ‫وبغ�ض النظر عن اخل�صائ�ص ال�سو�سيولوجية لهذه املجموعة التي اختارت «ارتداء احلجاب»‪ ،‬اهتم‬ ‫البحث بوجهة النظر التي بلورها امل�ستجوبون بالن�سبة مل�س�ألة احلجاب؛ وقد كان هدفنا هو معرفة‬ ‫كيف يتناول الر�أي العام هذه امل�س�ألة‪ .‬عندما يُطرح ال�س�ؤال مبا�شرة حول املوقف من احلجاب‪،‬‬ ‫تبلغ ن�سبة املجيبني الذين يوافقون على ذلك ‪ .% 83,2‬وتبلغ ن�سبة الن�ساء الالئي يوافقن على ذلك‬ ‫‪229‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫‪ ،% 84‬وهو ما ميثل فرقا �ضئيال بالن�سبة للمجموع‪ .‬وميثل الأ�شخا�ص الذين ال يوافقون على ارتداء‬ ‫احلجاب �أقلية ال تتجاوز ‪ .% 8‬واحلجج املقدمة لتربير املوافقة على ارتداء احلجاب هي حجج دينية‬ ‫�أ�سا�سا (بالن�سبة ل ‪ % 78‬من املجيبني)‪ ،‬يف حني مل تتمكن الأقلية التي ال توافق على ذلك (‪)% 8,3‬‬ ‫من تقدمي حجج دينية ب�سبب �إغالق حقل ال�شرح الالهوتي‪ ،‬باعتبار �أن الت�أويل حم�صور يف �إطار‬ ‫قراءة حمافظة‪.‬‬ ‫�إن التفاوت بني املوافقة بكيفية مكثفة على ارتداء احلجاب وكون عدد الن�ساء الالئي يرتدينه فعليا‬ ‫�أقل �أهمية ن�سبيا‪ ،‬ي�أخذ بعني االعتبار الطبيعة املعيارية للحجاب كرداء مرجعي‪ .‬وهذا ال مينع من‬ ‫وجود بع�ض هوام�ش مت ُلك و�إعادة ت�أويل القواعد تبعا لتنوع ال�سياقات حيث �أ�صبح ذلك ممكنا‬ ‫عرب االلتزام املبدئي باملعايري‪� .‬إن الن�ساء والرجال ال يجعلون من احلجاب �شرطا لالنتماء �إىل‬ ‫املجموعة (الأمة) الإ�سالمية‪ ،‬ولو �أن ذلك يتم يف نطاق �أقل؛ فعن ال�س�ؤال ‪« :‬هل ميكن اعتبار املر�أة‬ ‫التي ال ترتدي احلجاب مبثابة امر�أة م�سلمة؟» �أجاب ‪ % 75‬من الرجال و ‪ 76،5‬من الن�ساء بالإيجاب‬ ‫(‪ % 9,9‬يرون العك�س و‪ % 14,5‬ال يعرفون)‪.‬‬ ‫حتيل كيفيات ن�شر احلجاب على الثقل املهم للر�أي العام؛ ذلك �أن ‪ % 48,9‬من الن�ساء اللواتي‬ ‫�شملهن هذا البحث ي�صرحن ب�أن �أي �شخ�ص مل ي�ؤثر عليهن مبا�شرة يف ارتدائهن للحجاب‪.‬‬ ‫ويف هذه احلالة ميكن �أن نتحدث عن نزعة �أخالقية اجتماعية حتيل على ثقافة مغالية يف التقوى‬ ‫والتي تنت�شر عرب العديد من القنوات وتعزز نوعا من الأخالق ال�شعبوية التي يحافظ عليها جهاز‬ ‫اجتماعي جمهول الهوية لكنه حا�ضر من خالل ال�صحافة الوازنة �إىل حد كبري ومن خالل‬ ‫املدر�سة وو�سائل الإعالم‪ .‬ويقرن هذا اجلهاز ما بني الأخالق املتزمتة واالجتاه املحافظ‪ .‬ال ت�سمح‬ ‫حدود البحث عن طريق اال�ستمارة بالذهاب بعيدا يف التحليل‪ ،‬لكنها متكن مع ذلك من ت�سجيل‬ ‫ال�ضعف يف �إحالة �صريحة �إىل مو ِّجهات التن�شئة االجتماعية الكال�سيكية‪ ،‬مقارنة مع الأ�سرة التي‬ ‫متثل ‪ ،% 35,3‬وال ميثل اخلطباء بامل�ساجد �ش�أنهم يف ذلك �ش�أن مقدمي برامج الوعظ والإر�شاد‬ ‫بالتلفزة‪� ،‬سوى ‪ .% 3,8‬ومل يعد للأم وال للأب ت�أثري داخل الأ�سرة (‪ .)% 10,5‬وحا�صل الكالم‬ ‫‪26‬‬

‫‪� - 26‬أحد الأمثلة الأكرث �أهمية هو مثال ظهور جنمات حمجبات يف �أفالم تلفزية (رم�ضان ‪)2006‬؛ فبعد موجة املمثالت امل�صريات اللواتي انتقلن �إىل‬ ‫ارتداء احلجاب‪ ،‬ر�أينا ظهور بطالت �أفالم تلفزية ممثِّـلة لهذه الأخالقية العمومية‪ .‬فاملعاجلة الدرامية الفنية تع ِّري هذه ال�شخ�صيات من �أي طابع �إن�ساين‬ ‫طاهر‪ ،‬ال تتمثل وظيفته الرئي�سية يف �إعطاء املثال‪ ،‬و�إمنا يف �إ�شعار الن�ساء اللواتي ال يرتدين احلجاب بالذنب‪.‬‬ ‫وتبوئها مكانة ٍ‬ ‫�صنف مثايل ٍ‬

‫‪230‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫هو �أن الدعوة �إىل الدين من �أجل تعميم احلجاب تظل ن�سبيا متوا�ضعة (‪ % 31,7‬يف املتو�سط) وهي‬ ‫مهمة ت�سند للإناث (‪� )% 42,8‬أكرث مما ت�سند للذكور (‪.)% 25,6‬‬ ‫ت�صدعات املوروث‬

‫تتموقع النقطة الأخرى للقطيعة بخ�صو�ص مو�ضوع احلجاب‪ ،‬يف تدبري االختالط بني اجلن�سني‪.‬‬ ‫وهذه امل�س�ألة لي�ست �أقل تعقيدا من �سابقتها؛ فهي من جهة ت�ضع‪ ،‬وجها لوجه معيارا اجتماعيا‬ ‫يعززه خطاب ديني حول ف�ضائل الف�صل بني الذكور والإناث وح�صر املر�أة يف �أدوار ال تعر�ضها‬ ‫لالختالط باجلن�س الآخر؛ ومن جهة �أخرى‪ ،‬هناك حاجيات الن�شاط اليومي املعتمدة يف اختيارات‬ ‫املجتمع التي تنظم ولوج املر�أة �إىل الف�ضاء العام بوا�سطة العمل امل�أجور وممار�سة الن�شاط التجاري‪.‬‬ ‫يحيل هذا اخلطاب املعياري حول الف�صل بني اجلن�سني على التقاليد احل�ضرية التي نظمت هذا‬ ‫الف�صل من الناحية الطبوغرافية بالتقلي�ص من التكاليف‪ .‬لكن احلاجة يف البادية �إىل يد عاملة‬ ‫ن�سوية �سمح يف وقت مبكر من �إبداع طرق عملية لت�أطري االختالط بني اجلن�سني وم�أ�س�سته ‪ .‬و�إىل‬ ‫عهد قريب‪ ،‬كانت الف�ضاءات امل�ستثناة من االختالط يف الو�سط القروي هي ال�سوق وامل�سجد‪ ،‬ومل‬ ‫مي�س التطور الذي هم املدن هذا الأخري بحيث ال يزال حمظورا على الن�ساء؛ ففي الو�سط املديني‬ ‫متت برجمة الف�صل يف الف�ضاء احل�ضري وكان ي�ستلزم معمارا ي�ستدير نحو الداخل ليحمي املر�أة‬ ‫من نظرات الغرباء‪ .‬وقد كان تنقل الن�ساء يف الف�ضاء العام ا�ستثنائيا �أويف حالة تعذر ذلك‪ ،‬يكون‬ ‫حمددا يف �إطار م�سارات معينة تقودهن �إىل احلمام �أو �إىل ال�سوق‪ .‬وحاليا‪ ،‬ف�إن الن�ساء يرتدن كافة‬ ‫الف�ضاءات مبا يف ذلك قاعات ال�شاي وقاعات الريا�ضة واحلمامات‪ .‬وبقيت احلانات مع ذلك هي‬ ‫الأمكنة التي ي�صعب على املر�أة دخولها باعتبارها زبونة بدون �أن تفقد فيها �سمعتها‪ ،‬واحلمامات‬ ‫مينع فيها االختالط‪ .‬وا�ستمرارا ملا كان عليه الأمر �إبان احلماية بخ�صو�ص املدر�سة‪ ،‬ف�إن الدولة‬ ‫املغربية منعت االختالط لفرتة زمنية معينة مكر�سة بذلك الف�صل بني مدار�س الفتيات ومدار�س‬ ‫الفتيان ومت ا�ستثناء اجلامعات يف هذا الإجراء‪ .‬ويف �أيامنا هذه‪ ،‬تكر�س مبد�أ االختالط داخل املدار�س‬ ‫‪27‬‬

‫‪ - 27‬ال ميكننا �سوى �أن ن�ستح�ضر هنا م�ؤ�س�سة �أمغار لعمت التي �أمكننا مالحظتها �سنة ‪ 1993‬لدى �آيت عبا�س بالأطل�س الكبري‪ .‬ف�آيت عبا�س الذين‬ ‫ميار�سون الرق�ص املختلط واالختالط بني اجلن�سني يف حفالت الزفاف ي�ضعون بنية ُ�شرطة حملية يج�سدها �أمغار لعمت الذي يحدد قواعد ال�سلوك الالئق‬ ‫داخل املجموعة املختلطة‪ .‬ومن يخرق تلك القواعد تُف َر�ض عليه غرامة �أو يُق�صى من املجموعة‪ .‬واحلالة الق�صوى هي حالة الرق�صة املختلطة (�أحوا�ش)‬ ‫التي �صدمت «حداثتها»‪ ،‬يف حينه‪ ،‬املهدي بن بركة‪� ،‬أكرث الوطنيني احلداثيني حما�سا‪ ،‬عندما كان منفيا يف �أغبالو نكردو�س‪.‬‬

‫‪231‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫حيث يفوق عدد املدار�س املختلطة يف اخلريطة املدر�سية عدد مثيالتها «ذات اجلن�س الواحد»؛ بل‬ ‫وحدث تعزيز االختالط بنوع من الإرادة ال�سيا�سية الذي واكب ذلك التحول بفتح كل املهن‬ ‫تقريبا �أمام الن�ساء‪� .‬إنها حالة ق�ضاء «ال�شرع» من خالل حماكم الأ�سرة التي �أ�صبح فيها عدد كبري‬ ‫من الن�ساء وحالة اجلي�ش وال�شرطة‪ .‬ومنذ مدة فتح جمل�س العلماء �أي�ضا �أبوابه مل�شاركة الن�ساء مبا‬ ‫يف ذلك وظيفتي الوعظ والإر�شاد‪ ،‬با�ستثناء بع�ض املهن املتعلقة بالعبادة (الإمام‪ ،‬امل�ؤذن‪ ،‬الخ‪.).‬‬ ‫�إىل عهد قريب‪ ،‬كان املبد�أ يف حفالت الزواج واخلتان هو الف�صل بني الن�ساء والرجال وكان ذلك‬ ‫الف�صل يفر�ض �أجندات احتفالية متتد يومني على الأقل‪ ،‬يوم للن�ساء ويوم للرجال‪ .‬و�إذا حدث‬ ‫و�أن وجدوا جميعا يف الإطار العائلي ال�ضيق‪ ،‬يتم احلفاظ على مبد�إ الف�صل على م�ستوى املكان‬ ‫وتقدمي الطعام‪ .‬ولي�س ب�إمكاننا حتديد تواريخ التغريات التي حدثت‪ ،‬لكن ميكن �أن نقول ب�أنها‬ ‫رافقت �إقامة احلفالت وتنظيمها من طرف حمرتفني يف املدن‪ .‬فر�ض تدخل املتعهد‪� ،‬صاحب‬ ‫امل�شروع ب�صفته �شخ�صية مركزية يف تنظيم احلفالت‪� ،‬سيناريو منطي يف�صل اختيار كيفية التنظيم‬ ‫عن اختيار الهوية املعنوية �أو الروحية ملتعهدي احلفالت‪ .‬ويجب �أال نهمل‪ ،‬من جهة �أخرى‪،‬‬ ‫م�شاكل التكلفة التي تتدخل بقوة يف اختيار تنظيم احلفلة يف �أم�سية واحدة خمتلطة‪.‬‬ ‫‪28‬‬

‫يبدو يف خال�صة الأمر‪� ،‬أن ولوج املر�أة �إىل ف�ضاءات االختالط ال يطرح م�شاكل خا�صة؛ فاملجتمع‬ ‫�أعاد تهيئة ف�ضاءات لالختالط �أ�صبحت �إلزامية بفعل منط احلياة املعا�صرة‪ ،‬لكنه مل ي�ضطلع بذلك‬ ‫من خالل �إعادة ت�أويل العقيدة الدينية �أو الأخالقية؛ فاخلطاب الن�سائي ميثل �أقلية والطبقة ال�سيا�سية‬ ‫مل حتاول املجازفة بخ�صو�ص هذه امل�س�ألة‪ .‬ولذلك يتم ا�ستعمال تعاي�ش القيم وال�سلوكات‬ ‫املتناق�ضة يف تدبري االزدواجية‪ .‬على م�ستوى اخلطاب‪ ،‬ف�إن هذا الربط املتناق�ض‪ ،‬الذي ت�صفه بع�ض‬ ‫و�سائل الإعالم بالنفاق االجتماعي املع َّمم‪ ،‬هو على العك�س من ذلك ربط مت تثمينه باعتباره‬ ‫متطلبا للو�ضع الإن�ساين اله�ش بطبيعته؛ فاملثل ال�شعبي يقول‪�« :‬شوية لربي و�شوية لقلبي» وحتى لو‬ ‫متت �إدانة نداء القلب الذي يخرق القاعدة ف�إنه موجود هناك لي�شهد باحلاجة �إىل اهلل‪.‬‬ ‫‪29‬‬

‫‪30‬‬

‫‪ -28‬خالل مدة طويلة‪ ،‬كان التن�شيط يطرح م�شكال‪ .‬وقد فر�ض التخلي عن املو�سيقيات التقليديات (العونيات) اللجوء �إىل �أجواق ع�صرية تتكون من‬ ‫عميان (جوق العميني)‪.‬‬ ‫"‪ -29‬مازالتدبريمرا�سيماجلنازةيقاوماحلركة‪،‬حيثيُحظرعلىالن�ساءالذهاب�إىلاملقربةيومالدفن‪.‬والي�أتيدورهن�إال يفاليومالثالثاملوايلللدفنالذيي�سمى‬ ‫ب «التفاريق»‪..‬‬ ‫‪« -30‬ني�شان»‪ ،‬عدد �شهر رم�ضان «النفاق»‪.‬‬

‫‪232‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫ونتيجة لذلك‪ ،‬ت�ضاعفت مناطق التجريب االجتماعي وتدبري التناق�ضات بني املعيار املحدَّد �سلفا‬ ‫انطالقا من ت�أويل للدين توحي به الأخالق العامة‪ ،‬واختيارات ال�سلوك الذي ت�ستلزمه املمار�سات‬ ‫اجلماعية‪ .‬ذلك �أن نتائج البحث ت�ؤكد التفاوتات بني ال�ضوابط املعيارية واملمار�سة بل وتوحي‬ ‫بوجود معايري جديدة يف طور الت�شكل حتاول �إعادة ت�أهيل تلك ال�سلوكات املتناق�ضة ب�إعادة‬ ‫ت�أويلها‪� ،‬أو عندما ال يت�سنى ذلك‪ ،‬ب�إن�شاء تراتبية جديدة لطرق خمالفتها‪ .‬وقد ك�شف البحث‬ ‫كذلك ب�أن فعل ت�سمية ال�سلوك وت�أمله وو�صفه يرفع درجة التوتر مبرجعية حمددة �سلفا تفر�ضها‬ ‫ب�شكل متكرر �أماكن العر�ض الر�سمي مما ميكن �أن يف�ضي بنا يف غالب الأحيان �إىل ت�أويل مغلوط‬ ‫لهذا التوتر ب�إرجاعه �إىل �سلوك ف�صامي‪ ،‬وهو �أمر يف نظرنا تع�سفي‪.‬‬ ‫‪31‬‬

‫يف حفالت الزواج ْحت�ضر الن�ساء �أكرث من الرجال يف احلفالت املختلطة؛ حيث ت�صل ن�سبتهن‬ ‫�إىل ‪ % 70‬مقابل ‪ % 65‬من الرجال‪ .‬وعندما ننتقل من الفعل الواقع �إىل و�صفه من طرف‬ ‫امل�ستجوبني‪ ،‬ن�سجل تراجعا وا�ضحا بحيث ت�صل ن�سبة الن�ساء الالئي يوافقن على االختالط يف‬ ‫احلفالت بالكاد �إىل ‪ % 49,4( % 51,9‬من الرجال)‪ .‬واالختيارات هي �أكرث ح�سما فيما يتعلق‬ ‫باملدر�سة حيث ت�صل ن�سبة املجيبني امل�ؤيدين لالختالط ‪ % 76‬مع امتياز طفيف للن�ساء (‪.)% 78‬‬ ‫وت�ؤيد هذه املوافقة املكثفة �إىل حد ما اختيارات ال�سلطات العمومية كما ت�شهد على انتقائية‬ ‫االختيارات الدغمائية‪ .‬هناك مالحظة �أخرى تربز عندما نطرح ال�س�ؤال بخ�صو�ص ال�شواطئ‪،‬‬ ‫حيث يُعا�ش االختالط الذي يُعايَن يف ال�شواطئ ك�إكراه �أو انزالق ال �أخالقي للمجتمع‪ .‬فن�سبة‬ ‫املجيبني امل�ؤيدين لل�شواطئ املختلطة ال تتجاوز ‪ .% 29,8‬وخالفا للأجوبة التي تقدمها الن�ساء‬ ‫على الأ�سئلة الأخرى‪ ،‬كانت �أجوبتهن �أكرث ترددا عندما يتعلق الأمر باالختالط يف ال�شواطئ‬ ‫(‪ % 26,3‬من الن�ساء توافقن على ذلك)‪ .‬والإ�سالميون مل يخطئوا يف ذلك عندما �أعلنوا احلرب‬ ‫على ال�شواطئ املختلطة بفر�ضهم لكيفية خا�صة يف االرتياد النموذجي لل�شواطئ‪ .‬وقد كان‬ ‫�شعارهم يف بداية الثمانينات هو وجوب فهم احلق يف العطلة ال�صيفية بدون تنازالت على امل�ستوى‬ ‫الأخالقي وم�ستوى الورع والتقوى؛ �إذ كانت املخيمات الإ�سالموية التي نظمتها جماعة «العدل‬ ‫والإح�سان» بكل من �سيدي بوالنعامي (جنوب الدار البي�ضاء) واملهدية (بالقرب من القنيطرة)‪،‬‬ ‫‪ - 31‬قمنا �سنة ‪ 1984‬بهذا ال�صنف من القراءة‪ .‬ونحن جمربون بعد مرور ع�شرين �سنة على مالحظة وجوب تلوين فهم هذه االزدواجية التي اعتربناها‬ ‫عن غري حق مبثابة باطولوجيا اجتماعية (�أنظر الطوزي‪� ،Champ politique et champ religieux ،‬ص‪.)243 .‬‬

‫‪233‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫تطمح �إىل �أن تكون �أماكن منوذجية تُعري العجز احلا�صل يف التجهيزات العمومية‪ ،‬لكنها ت�شجع‬ ‫على وجه اخل�صو�ص منوذجا �آخر يف احلياة �أكرث اهتماما بطلب من الطبقات املتو�سطة التي كانت‬ ‫ترغب يف ق�ضاء عطلة مع الأ�سرة دون خوف على بناتها ون�سائها‪.‬‬ ‫ال�شكل ‪56‬‬

‫اجلدول ‪ :9‬ق�ضايا التغيــرات‬

‫قواعد‬ ‫الميراث‬ ‫غير عادلة‬

‫ضد‬ ‫الحجاب‬

‫مع وسائل ضد الصالة الصالة في‬ ‫وقتها‬ ‫منع الحمل بالطريق‬ ‫العام‬

‫الرجال‬

‫‪7,1%‬‬

‫‪%,5,9‬‬

‫‪79,5%‬‬

‫‪30,0%‬‬

‫‪29,4%‬‬

‫النساء‬

‫‪11,7%‬‬

‫‪%,8,5‬‬

‫‪89,3%‬‬

‫‪24,1%‬‬

‫‪17,7%‬‬

‫من �أجل الت�أكيد �أكرث على مفارقات جمتمع ي�ستع�صي على �أي تب�سيط مبالغ فيه‪ ،‬ومن �أجل‬ ‫الذهاب ب�صفة خا�صة �إىل ما وراء مبد�إ للتما�سك مت بنا�ؤه بكيفية تع�سفية انطالقا من موقف‬ ‫‪234‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫�آمر يخلق متييزا معياريا وا�ضحا بني احل�سنة وال�سيئة ‪ ،‬اهتم البحث بجوانب �أخرى من‬ ‫احلياة الدنيوية ي�صعب فيها التمييز كاملو�سيقى وال�سينما و�إحياء احلفالت الدينية والدنيوية‪.‬‬ ‫وقد تبني �أن ‪ % 17‬من امل�ستجوبني وامل�ستجوبات ال ي�ستمعون �إىل املو�سيقى �أبدا‪ ،‬يف حني �أن‬ ‫‪ % 33,6‬ي�ستمعون �إليها كثريا و‪ % 49,4‬من حني �إىل �آخر‪ .‬ويعترب ‪� % 3‬أن املو�سيقى مبثابة‬ ‫�أمر حرام ومن ثم ف�إنهم ال ي�ستمعون �إليها �إطالقا‪� .‬أما باقي �أولئك الذين ال ي�ستمعون‬ ‫�إىل املو�سيقى‪� ،‬أي ‪ % 14‬من امل�ستجوبني‪ ،‬ف�إنهم يقدمون حججا غري دينية (م�س�ألة ذوق‬ ‫و�إمكانيات)؛ فعندما ُ�سئلوا عن نوع املو�سيقى التي ي�ستمعون �إليها‪ ،‬احتل «ال�شعبي» املرتبة الأوىل‬ ‫(‪ % 70‬من املعنيني) واملو�سيقى الروحية يف املرتبة الرابعة وراء املو�سيقى الغربية وال�شرقية‬ ‫و«ال�شعبي»‪.‬‬ ‫‪32‬‬

‫كانت النتائج بخ�صو�ص ال�سينما �أكرث �إثارة للده�شة ‪ % 28,5 :‬ي�شاهدون ال�سينما كثريا‬ ‫و�أقل من ‪ % 20‬ال ي�شاهدونها �أبدا‪ .‬ويربر واحد يف املائة فقط من امل�ستجوبني (‪ % 6,7‬ممن‬ ‫ال ي�شاهدونها) عدم ا�ستهالك ال�سينما بكونها من احلرام‪ .‬وت�شاهِ د الن�ساء الأفالم عموما‬ ‫�أكرث مما ي�شاهدها الرجال ‪ ،% 82,8 :‬يف حني ال ت�صل ن�سبة الرجال �سوى �إىل ‪.% 76,9‬‬ ‫وحتيل �أ�صناف الأفالم التي تتم م�شاهدتها �إىل فئات هي بالأحرى �أفالم ن�سائية من مثل‬ ‫الأفالم التلفزية امل�صرية واملك�سيكية (‪ % 72‬من الن�ساء و‪ % 23‬من الرجال)‪ ،‬والدينية‬ ‫(‪ 25,8‬من الن�ساء و‪ % 16,9‬من الرجال)‪.‬‬ ‫ال�شكل ‪ :57‬التفاوت بني الرجال والن�ساء بخ�صو�ص �أ�صناف الأفالم التي تتم م�شاهدتها‬

‫‪ - 32‬ينتهي الباحث الذي يلتم�س �إيجاد معنى خطي‪ ،‬با�سم هذا التما�سك الذي يفقده غيابُه توازَنه‪� ،‬إىل �إق�صاء جمعيات التقوى والقمار‪ ،‬وجمعيات‬ ‫ال�سينما والقر�آن‪ ،‬وجمعيات «�شيخات» �آ�سفي و�شيوخ القر�آن‪.‬‬

‫‪235‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫وفيما يتعلق بالأعياد‪ ،‬فقد وقع اختيارنا على مقابلة ثالثة �أعياد رمزية لكونها متثل نقاط خالف‬ ‫مع الإ�سالمويني ‪ :‬ال�سنة امليالدية اجلديدة‪ ،‬املرتبطة بعيد امليالد امل�سيحي وال�سنة الهجرية اجلديدة‬ ‫التي هي عيد �إ�سالمي بامتياز وال�سنة الفالحية التي يتم االحتفال بها يف العامل القروي‪ .‬وهذه‬ ‫احلفالت ت�ستفيد من م�ستوى م�أ�س�سة ال مت�ساو يف غري �صالح ال�سنَ​َة اجلديدة الفالحية (التقومي‬ ‫الفالحي) يف حني �أن العيد الأول والثاين يعتربان يومي عطلة مت تكري�سهما ب�صفة خا�صة من‬ ‫طرف ا�سرتاتيجيات الدعاية وعر�ض �سلع مالئمة مت تطويرها من قبل املتاجر الكربى‪.‬‬ ‫بالن�سبة لل�سنة امليالدية اجلديدة‪ ،‬التي هي مو�ضع نقا�ش كبري حتى داخل الأحزاب الوطنية املحافظة‬ ‫مثل حزب اال�ستقالل بل وحتى التقدمية منها مثل االحتاد اال�شرتاكي للقوات ال�شعبية‪ ،‬فيحتفل‬ ‫بها مغربي من بني خم�سة‪� ،‬أي ‪ % 19,6‬من امل�ستجوبني (‪ % 44‬ممن ال يحتفلون بها يتذرعون‬ ‫ب�أ�سباب دينية)؛ يف حني يحتفل ‪ % 45‬من املغاربة بال�سنة الهجرية اجلديدة و‪ % 40‬بال�سنة الفالحية‬ ‫اجلديدة‪ .‬ولي�ست كيفيات االحتفال واحدة بالن�سبة لكل هذه الأعياد‪ .‬لكن يجب �أن ن�سجل �أن‬ ‫االحتفال بال�سنة امليالدية اجلديدة‪ ،‬يعترب مبثابة بدعة يُالم عليها لأنها حتيل على رمزية معوملة ‪:‬‬ ‫‪ % 60‬تقريبا ممن �شملهم البحث والذين يحتفلون بها ي�شرتون كعكة‪ ،‬و‪ % 48‬منهم ينظمون لقاء‬ ‫عائليا‪ 2,2 ,‬ي�صل بهم الأمر حتى �إىل تزيني �شجرة التنوب‪ .‬وبالن�سبة لل�سنة الهجرية اجلديدة‪ ،‬ف�إن‬ ‫طبق الدجاج هو الذي مييز هذه احلفلة لدى ‪ % 75‬من امل�ستجوبني‪.‬‬

‫‪236‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫اجلدول ‪:10‬‬ ‫الحفالت‬

‫الرجال‬

‫‪18,4‬‬

‫النساء‬

‫‪20,8‬‬

‫الكعكة التنوب اللقاء‬ ‫العائلي‬ ‫‪59,7‬‬

‫السنة‬ ‫الميالدية‬ ‫(‪)f68,8‬‬ ‫الجديدة‬ ‫‪45,6‬‬ ‫‪45,0‬‬ ‫السنة‬ ‫الهجرية‬ ‫الجديدة‬ ‫‪)%20( 39,4 )%16,3( 41,7‬‬ ‫السنة‬ ‫الفالحية‬ ‫ال �أعرف‬ ‫الجديدة ال �أعرف‬

‫‪2,2‬‬

‫‪38,9‬‬

‫‪20,7‬‬

‫الخروج‬

‫الوجبة االحتفال‬ ‫الديني‬

‫‪)5,4f(13,7‬‬

‫‪75%‬‬

‫‪4, 5‬‬

‫(‪)25,2f‬‬

‫املر�أة ‪ :‬تلك ال�ساحرة !‬

‫عندما ن�ستعر�ض الأدب الذي يتناول تدين املر�أة يف املغرب العربي‪ ،‬جند �أن العنا�صر املكونة له على‬ ‫نحو ما �سبق ذكره تقربها من اخلوارق بوا�سطة الإجناب والأمومة التي جتعلها على ات�صال بالطبيعة‬ ‫العميقة‪ .‬وتقوم بع�ض الن�صو�ص بانزالق لتتحدث عن تدين خا�ص‪ .‬ويتم الإ�شارة لرباديكم‬ ‫التدين ال�شعبي كتعبري عن هام�شية الن�ساء يف ت�شكيلة اجتماعية �أبوية تارة‪ ،‬وكا�سرتاتيجية للمقاومة‬ ‫�أو لتدمري النظام القائم تارة �أخرى �أو تعبريا عن ح�سا�سية خا�صة جم ِّملة �شاعرية ‪ :‬نوع من الذاكرة‬ ‫اجلهنمية التي ال تدخر جهدا لتك�سري �صالبة مبد�أ التجريد للديانات ال�سماوية‪.‬‬ ‫«متتلك املر�أة املولودة يف املجموعة الإ�سالمية �أو التي تلتحق بها‪ ،‬جمموعة القيم الإ�سالمية؛‬ ‫لكن تنق�صها قراءة القر�آن وتف�سريه‪ .‬وح�ضورها يف امل�سجد يف اجلزائر‪ ،‬كما هو ال�ش�أن يف املغرب‬ ‫العربي ب�صفة عامة‪ ،‬هو ح�ضور نادر �أو �أمر يخ�ص الن�ساء امل�سنات‪ .‬والدين الذي ي�صلها هو دين‬ ‫�صوري يلقن لها بالتقليد يف �إطار احرتام القيم العائلية‪� .‬إن الأبوية جتعل املر�أة يف حاجة دائمة‬ ‫�إىل الو�صاية‪ ،‬والإ�سالم الذي هو فكرة طاهرة‪ ،‬يُه ِّم�شها لدن�س ج�سدها‪ )...( .‬وميثل الت�ضرع �إىل‬ ‫‪237‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫اهلل بجاه الأ�ضرحة وال�صلحاء‪ ،‬بالن�سبة للمر�أة امل�سلمة يف منطق و�ضعها‪ ،‬قبولها ب�أن تكون حتت‬ ‫حماية �أو�صياء �أخيار لي�سمع اهلل دعواتها‪ .‬ويتم تعوي�ض هذه ال�سلبية التي تفرت�ضها املمار�سة بعدة‬ ‫ممار�سات �سرية‪� .‬إنها متثل غمو�ضا يف ذاكرتها‪ ،‬ومن خالل العنا�صر التي حتركها تهتدي �إىل اهلل‬ ‫املوجود يف كل مكان والعامل بكل �شيء‪ .‬فمع اجلن يف املكان؛ وبالرتاب والنار واملعدن واملاء تربط‬ ‫ال�صلة من جديد بجوهر الأ�شياء وبروح املادة‪( ».‬يامينة فكار‪ .)1981 ،‬ي�ستعيد هذا املقطع املذكور‬ ‫�أعاله تلك املعرفة ال�سطحية املتعلقة بعامل �إ�سالم ن�سائي ي�سكنه اجلن والأ�ضرحة‪ .‬وهو مقطع ال‬ ‫يت�صور‪ ،‬ك�أغلبية الن�صو�ص التي �أمكننا االطالع عليها‪ ،‬هذا التدين يف منظور دينامي بالت�سا�ؤل‬ ‫حول الت�أثريات املرتافقة للتمدر�س وللخطاب العقالين حول الدين الذي تنتجه املدر�سة يف �إطار‬ ‫متديد لل�سلفية الوطنية‪.‬‬ ‫‪33‬‬

‫وخالفا للق�ضايا الأخرى حول تدين الن�ساء‪ ،‬ف�إننا نتوفر على معطيات ميدانية قدمية �شيئا ما تتعلق‬ ‫بارتياد امل�ساجد والزوايا والأ�ضرحة وبا�ستعمال �أ�صناف العالج املتمحورة حول العرافة وال�سحر‪.‬‬ ‫فبني �سنتي ‪ 1978-1979‬قام برونو �إتيان‪ ،‬الذي كان يف تلك احلقبة �أ�ستاذا بجامعة احل�سن الثاين‬ ‫(ب‪� .‬إتيان‪ ،)1981 ،‬رفقة باحثني يف �سلك الدكتوراه من كلية احلقوق‪ ،‬ببحث حول التدين بالدار‬ ‫البي�ضاء‪ .‬وكان الأمر يتعلق بالأحرى ببحث كيفي كان يردد �صدى ج‪ .‬ب‪� .‬شارين (ج‪ .‬ب‪.‬‬ ‫�شارين‪ )1977 ،‬الذي نُ�شر ثالث �سنوات قبل ذلك‪ .‬ومن ال�صعب مقارنة البحث اجلاري ببحث‬ ‫‪ 1979‬ما دامت الأهداف واملناهج خمتلفة‪.‬‬ ‫‪34‬‬

‫‪ - 33‬ي�شكل اجلن جزءا من املعتقدات املندرجة يف العقيدة‪ ،‬مثل املالئكة والكتب املقد�سة وا َجلنة والبعث‪ .‬وقد جعل منهم الأدب امل�ستلهم من الدين‬ ‫املوازي لالهوت عاملا م�شفرا ال يناق�ش امل�ؤمنون واقعه الذي ي�شتغل ك�إ�سقاط للعامل املادي‪ .‬وت�صنَّف هذه الكائنات غري املرئية يف فئتني ‪ :‬الأخيار‬ ‫والأ�شرار‪ .‬وي�صل الأمر بالنا�س يف الأو�ساط التقليدية �إىل االعتقاد ب�أن اجلن موجود يف كل مكان‪ ،‬ال نراهم وهم قريبون منا‪ ،‬يعي�شون بالأحرى ليال‬ ‫�أكرث مما يعي�شون نهارا‪ ،‬وب�إمكانهم الظهور على �شكل �آدمي �أو حيواين‪ ،‬وي�ستطيعون الزواج من بني الب�شر‪� ،‬أ�سر قلوبهم‪ ،‬و �إنزال العقاب مبن يزعجهم‬ ‫�أو يجرحهم �أو ي�سيء �إليهم �أو ملجرد تطاوله على جماالت �أو �أماكن �إقامتهم‪� ،‬أي الأماكن التي يوجد بها املاء‪ ،‬والأماكن العفنة واملعتمة والدموية‬ ‫كالبالوعات واملغارات وامل�سالخ‪ ...‬وبع�ض اجلن م�سلمون‪ ،‬وبع�ضهم الآخر م�سيحيون �أو يهود �أو وثنيون‪ .‬وعاملهم معقد وخميف بالن�سبة للجاهل به‪،‬‬ ‫وكل ات�صال به‪ ,‬خارج الطقو�س وبدون حماية‪ ,‬خطري‪ ،‬وميكن �أن يعر�ض من يقوم به للويالت وامل�صائب‪.‬‬ ‫‪« - 34‬قررنا �أن نحاول تعداد املمار�سة الدينية التقليدية الر�سمية التي تدخل فيها ال�صالة يف امل�ساجد‪ .‬وقد الحظنا ب�سرعة �أن الرقم كان متدنيا ب�شكل‬ ‫مثري يف الأ�سبوع‪ ،‬حتى ال نقول معادال لل�صفر يف بع�ض ال�ساعات‪ .‬وعالوة على ذلك بدا لنا االرتياد العام للم�ساجد �أكرث انخفا�ضا ب�شكل ال يقارن‬ ‫بزيارة الأ�ضرحة‪ ،‬لكن مع عك�س للأرقام‪ .‬وعلى �سبيل املثال ف�إن حركة املرتادين ال تنقطع يف �أ�صغر �أ�ضرحة املدينة حيث مت ت�سجيل خم�سني زيارة‬ ‫للن�ساء كل �ساعة ل�سيدي مر�س ال�سلطان* (انطالقا من ع�شرين عملية ا�ستطالع يف الأ�سبوع)‪ .‬وي�ؤم قبور الأ�ضرحة الكربى �آالف من الأ�شخا�ص‬ ‫كل نهاية �أ�سبوع‪ .‬وقد قمنا بتعداد احل�ضور يف خمتلف ال�صلوات لكل م�ساجد الدار البي�ضاء تقريبا‪ ...‬باملرور عليها عدة مرات؛ �أي حوايل ‪180‬‬ ‫زيارة‪ .‬ومل جند �سوى مرة واحدة م�سجدا مهما ممتلئا (باحلبو�س‪ ،‬من �ألفني �إىل ثالثة �آالف �شخ�ص)؛ ويف مقابل ذلك ف�إن م�ساجد املعاريف ال�صغرية‬ ‫مل تكن مملوءة عن �آخرها يوم اجلمعة يف الواحدة بعد الزوال‪ ،‬و�إمنا كان الر�صيف يغ�ص بالعديد من امل�ؤمنني الذين ي�ؤدون ال�صالة هناك‪ .‬ويف‬

‫‪238‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫بيد �أن هذا العمل يقدم بع�ض امل�ؤ�شرات حتى و�إن كانت قراءة املالحظات يف بيئتها ميكن �أن تكون‬ ‫خمتلفة مع امل�سافة التاريخية‪ .‬و�إذا كانت املالحظة امل�صاغة �سنة ‪ 1979‬بالن�سبة الرتياد امل�ساجد‬ ‫ما تزال �صحيحة‪ ،‬فاالرتياد �ضعيف باال�ستناد �إىل عدد املمار�سني املحتملني لل�شعائر الدينية يف‬ ‫مدينة كربى مثل الدار البي�ضاء وبالن�سبة لزيارة الأ�ضرحة وا�ستعمال �أ�صناف العالج التقليدية‪،‬‬ ‫ف�إننا نرى �أن ت�أويل املالحظات ينبغي �أن يراعي الفروق املوجودة‪� .‬إذ من �ش�أن ما كان يبدو لنا‬ ‫يف تلك الفرتة مبثابة دينامية مده�شة للتدين ال�شعبي �أن يكون نتيجة نوع من ت�أثري الر�ؤية يرتجم‬ ‫التفاوت بني اخلطاب ال�سائد يف تلك الفرتة‪ ،‬املتمحور حول تخلي�ص العامل من الأوهام و�أفول‬ ‫ما هو ديني‪ ،‬وا�ستمرارية املمار�سات بل وديناميتها وفعاليتها يف بع�ض الأحيان‪ .‬ويف هذا ال�سياق‬ ‫يجب و�ضع هذا التعليق القا�سي �إىل حد ما لربونو �إتيان‪ ...« :‬الحظنا االنق�سام بني املمار�سات‬ ‫الدينية للرجال وللن�ساء؛ فالفاعلون هم دائما رجال ميكن و�ضعهم يف �أعلى خُ طاطة فيرب‪/‬بورديو‬ ‫(العلماء‪ ،‬الفقهاء‪ )...‬وهم �أي�ضا ن�ساء يتكاثر عددهن كلما اجتهنا نحو الأ�سفل‪� ...‬أنا �أنكر �إذن‪،‬‬ ‫ي�ؤكد برونو �إتيان ت�أكيدات �شارين (‪� ،Sociologie de l’Islam‬ص‪ ،165 ،163 .‬و‪« »)176‬لقد انت�صر‬ ‫الفكر ال�سلفي على الأقل يف ن�ضاله �ضد عبادة الأ�ضرحة واملمار�سات ال�سحرية‪ ...‬فاالجتماعات‬ ‫يف البيت ترتاجع على مر الأجيال �أمام العودة �إىل االلتزامات ال�شرعية»‪« .‬لقد ح�ضرت �شخ�صيا يف‬ ‫العديد من االجتماعات بالبيت لكي �أقبل هذا الت�أكيد» (ب‪� .‬إتيان‪� ،1981 ،‬ص‪.)275 .‬‬ ‫ومبا �أننا غري مقتنعني بالأبحاث ال�سابقة التي تعلن �أفول التمظهرات الأكرث رمزية للتدين ال�شعبي‪،‬‬ ‫فقد خ�ص�صنا �سبعة �أ�سئلة للإ�سالم امل�سمى بال�شعبي‪ ،‬وهي ‪ :‬اجلن‪ ،‬عمل ال�سحر الذي يحول‬ ‫الرجل �إىل عنني «الثقاف»‪ ،‬وعني احل�سد «الالمة»‪ ،‬وال�سحر‪ ،‬والعِ رافة وزيارة الأ�ضرحة‪ .‬ون�سعى‬ ‫من خالل ذلك �إىل التخفيف من ت�أثري الر�أي القبلي ل�سو�سيولوجيا التحديث التي �سادت خالل‬ ‫ال�سبعينات والتي كانت تدين تلك املمار�سات بتجاهلها با�سم تخلي�ص العامل من الأوهام‪ ،‬من‬ ‫دون �أن ن�سقط مع ذلك يف الإفراط العك�سي لتحديد مكانة تلك املعتقدات ب�شكل مفرط‪.‬‬

‫باقي الأوقات با�ستثناء اجلمعة م�ساء‪ ،‬ال يكون هناك �أزيد من حوايل ع�شرة �أ�شخا�ص‪ .‬ومل جند حال لتعداد ال�صلوات التي تقام يف البيوت بدقة‪»...‬‬ ‫(برونو �إتيان‪� ،Magie et thérapie à Casablanca ،‬ص‪)263 .‬‬

‫‪239‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫لقد كانت النتائج مثرية للده�شة ن�سبيا ‪ :‬بع�ض �أ�صناف العرافة ما زالت قائمة‪ ،‬وبع�ضها الآخر‬ ‫�آيل �إىل الأفول‪ .‬وهكذا ف�إن تقييم زيارة الأ�ضرحة والعرافة ترتجم نوعا من االرتياب يتناق�ض‬ ‫مع املالحظات ال�سابقة ‪ 57,5 :‬من املجيبني ال ي�ؤمنون بوجود العرافة‪ ،‬والن�ساء �أكرث ت�شككا من‬ ‫الرجال بخ�صو�ص هذه امل�س�ألة‪� ،‬إذ ت�صل ن�سبة من يعتقدن بذلك ‪ .% 41,9‬وت�سجل م�س�ألة الأ�ضرحة‬ ‫ارتيابا �أكرث و�ضوحا ‪ % 64,1 :‬من الرجال �ضد زيارة الأ�ضرحة‪� ،‬أي ‪ 16‬نقطة �أكرث من الن�ساء‪.‬‬ ‫وقد مت ت�سجيل نتائج خمتلفة ب�شكل ملمو�س فيما يخ�ص امل�سائل املتعلقة بعني احل�سد وال�سحر‬ ‫و«الثقاف» وباجلن؛ فنحن �أمام معتقدات قائمة وموزعة بالت�ساوي بني اجلن�سني حيث ترتاوح‬ ‫ن�سبة من ي�ؤمنون بهذه املمار�سات بني ‪ % 70‬بالن�سبة ل «الثقاف» و‪ % 90‬بالن�سبة للعني ال�شريرة‪.‬‬ ‫والفروق بني الرجال والن�ساء طفيفة‪ ،‬ما بني نقطة وخم�س نقط لفائدة الن�ساء الالئي يتم�سكن بهذه‬ ‫املمار�سة على نحو �أقل بقليل من الرجال‪ .‬وهو �أمر يتناق�ض مع افرتا�ضاتنا امل�سبقة‪.‬‬ ‫اجلدول ‪ :11‬املعتقدات ال�شعبية‬

‫عين‬ ‫الحسود‬

‫الجن‬

‫الثقاف‬

‫النساء‬

‫‪86,5%‬‬

‫‪72,9%‬‬

‫‪93,1%‬‬

‫الرجال‬

‫‪85,0%‬‬

‫‪68,2%‬‬

‫‪88,5%‬‬

‫‪83,9%‬‬

‫المتوسط‬

‫‪85,08%‬‬

‫‪70,7%‬‬

‫‪90,9%‬‬

‫‪85,9%‬‬

‫ال�شكل ‪58‬‬

‫‪240‬‬

‫السحر‬

‫العِرافة‬

‫األضرحة‬

‫‪87,7%‬‬

‫‪41,9%‬‬

‫‪40,1%‬‬

‫‪32,9%‬‬

‫‪24,1%‬‬

‫‪37,6%‬‬

‫‪32,5%‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫ال ميكن �أن تكون هذه املعطيات �إال م�ؤقتة باعتبار �أن اال�ستمارة ال ت�سمح بالذهاب �إىل عمق‬ ‫الأ�شياء للمجازفة بربط �أفول م�س�ألة الأ�ضرحة والعرافة بتقدم حمتمل للخطاب ال�سلفي كما‬ ‫الحظ ذلك من قبل ج‪ .‬ب‪� .‬شارين يف نهاية ال�سبعينات؛ فتم�سك امل�ستجوبني باملعتقدات الأخرى‬ ‫مثل عني احل�سد وال�سحر و«الثقاف» ي�ضفي طابعا ن�سبيا على وجود عامل حا�سم وحيد‪ .‬وهناك‬ ‫عن�صر �آخر يتدخل لإدراك التباين بني هذين ال�صنفني من املعتقدات اللذين يتم ربطهما عادة‬ ‫بتدين واهم‪ .‬ومن املمكن تقدمي الأطروحة التالية ‪ :‬ي�شكل ال�سحر واجلن جزءا من جمموعة‬ ‫املعتقدات التقليدية التي ر�سخها اخلطاب الالهوتي ال�سائد‪ ،‬مبا يف ذلك اخلطاب ال�سلفي‪.‬‬ ‫لكن هذه الأطروحة ال تف�سر بكيفية ُمر�ضية االنخراط يف فئتني من املعتقدات ال تتطابقان مع‬ ‫نف�س امل�ستوى من الأرتودوك�سية وهما ‪« :‬الثقاف» وعني احل�سد من جهة وال�سحر واجلن من‬ ‫جهة �أخرى‪.‬‬ ‫يتيح البحث عن الدوافع التي ال تتعلق للأ�سف �سوى بالإميان بزيارة الأ�ضرحة‪ ،‬تو�ضيحا �أف�ضل‬ ‫للمفارقات التي متت مالحظتها؛ فعن ال�س�ؤال ‪« :‬ملاذا ال تزورون الأ�ضرحة؟» يقدم امل�ستجوبون‬ ‫�صنفني من الدوافع ‪ :‬تلك املرتبطة بر�ؤية خا�صة للدين وتلك التي حتيل �إىل روح اجتماعية‬ ‫م�شرتكة جديدة‪ .‬ويربط ‪ % 37,2‬من امل�ستجوبني زيارة الأ�ضرحة باملح َّرم دينيا وهو ما يجعلنا‬ ‫نعتقد بت�أثري قوي للخطاب ال�سلفي الذي ندد مرارا وتكرارا بزيارة الأ�ضرحة مبا يف ذلك‬ ‫التنديد بوا�سطة املدر�سة‪ .‬وقد حارب الوطنيون وحزب اال�ستقالل على وجه اخل�صو�ص‪ ،‬تلك‬ ‫املمار�سات (الطوزي ‪ ،BESM، 1986‬خل�صا�صي‪ .)1998 ،‬والن�ساء �أكرث ح�سا�سية لإقامة احلجة‬ ‫هذه‪ ،‬حيث ميثلن ‪ ،% 42,2‬يف حني ال ميثل الرجال �سوى ‪ .% 33,0‬ويبقى �أن �أغلبية امل�ستجوبني‬ ‫يف�سرون االرتياب جتاه زيارة الأ�ضرحة باعتبارات بعيدة عن الدين‪ .‬وبالفعل ف�إن ن�سبة ‪% 55,6‬‬ ‫منهم ي�ستعملون مفهومي ال�شعوذة والتخلف لإق�صاء الأ�ضرحة؛ وال�شعوذة �صفة منددة حتيل �إىل‬ ‫الغ�ش والالعقالنية يف حني �أن التخلف �شكل دنيوي للتنديد املوروث الذي يعترب مبثابة موروث‬ ‫مهجور‪.‬‬

‫‪241‬‬


‫الإ�سالم يف احلياة اليومية‬

‫اجلدول ‪ :12‬معرفة ما هو ديني‬

‫الرجال‬ ‫النساء‬

‫المذاهب األربعة‬ ‫‪34,7%‬‬ ‫‪18,7%‬‬

‫الخلفاء األربعة‬ ‫‪%,53,0‬‬ ‫‪%,27,9‬‬

‫ال يعرف أية سورة‬ ‫‪7,7%‬‬ ‫‪13,9%‬‬

‫خال�صــة‬

‫ميكن القول كخال�صة ب�أن تدين املر�أة يتميز ببع�ض ال�سمات اخلا�صة‪ ،‬لكنه يعرف حتوال مهما‪ .‬وهذا‬ ‫التحول ذو طابع مت�شابه مع الت�شكالت اجلديدة للمجتمع ومع املفاو�ضات اجلارية حول العالقات‬ ‫بني اخل�صو�صي والعمومي وبني تق�سيم العمل وو�ضع املر�أة يف املجتمع‪ .‬و�سنبقي على �أن املر�أة �أكرث‬ ‫ممار�سة لل�شعائر الدينية‪ ،‬لكنها ت�صوم النوافل �أكرث مما ت�صلي النوافل؛ وب�أنها �أكرث حمافظة لكنها‬ ‫تقبل االختالط وب�أنها �أقل ح�ضورا يف الف�ضاء العمومي وتد ُّينها �أكرث فردانية من كونه تدينا ي�ساير‬ ‫املجموعة؛ فاملر�أة تك ِّون على نحو �أف�ضل التزامات احلياة الدنيوية (احلفل‪ ،‬ال�سينما‪ ،‬املو�سيقى) يف‬ ‫حني يقت�سم الرجل‪ ،‬مثله يف ذلك مثل املر�أة‪ ،‬نف�س االرتباط بعني احل�سد وباملمار�سات ال�سحرية‪.‬‬ ‫ن�سجل بكيفية �أكرث جالء‪� ،‬أن �شكل التقوى الن�سائية يتميز ببع�ض اخل�صو�صيات التي ت�سري يف منحى‬ ‫اخلال�صات التي قدمتها الدرا�سات حول الدين؛ فاملفاج�آت يف جزء كبري من البحث هي مفاج�آت‬ ‫نادرة ن�سبيا‪� ،‬إن مل يكن ذلك هو الت�أثري املهيكِ ـل للثقافة املغربية املحلية املتعلقة باحلدود التي‬ ‫يفر�ضها ولوج الن�ساء �إىل الف�ضاء العمومي‪ ،‬حتى و�إن كانت تلك احلدود يف طور الت�آكل بفعل‬ ‫�ضغط التحوالت االقت�صادية‪ ،‬خ�صو�صا منها ارتفاع ن�سبة ن�شاط الن�ساء واحلاجة التي ي�ست�شعرنها‬ ‫ملغادرة ف�ضاء البيت من �أجل العمل‪ .‬ومن ثم ف�إن املر�أة‪ ،‬هي �أكرث فردانية و�أكرث توجها نحو البيت‬ ‫فيما يتعلق بكيفيات �أداء ال�شعائر الدينية؛ فهي ترتاد امل�سجد �أقل مما يفعله الرجل‪ ،‬لكن هذا االرتياد‬ ‫الذي كاد �أن يكون خارج الإمكان �إىل عهد قريب‪� ،‬أ�صبح يطرح يف نف�س الوقت م�شاكل للقيمني‬ ‫على تدبري امل�ساجد باعتبار �أنه بد�أ يت�ضح �أكرث ف�أكرث �أن الف�ضاء املخ�ص�ص للن�ساء ي�ضيق عن الطلب‬ ‫املتزايد‪.‬‬

‫‪242‬‬


‫التدين ب�صيغة امل�ؤنث‬

‫ومبا �أنه من غري املمكن التعبري عن احلاجة �إىل التمايز بوا�سطة الدين يف �إعالن عمومي عن‬ ‫التقوى بامل�سجد ف�إن املر�أة ت�ستدير نحو ممار�سات جتعلها تنخرط يف جتارب روحية فردية‪ ،‬لكنها‬ ‫جتارب ميكن حتويلها بانتظام �إىل ر�أ�س مال رمزي يف النطاق الذي تكون فيه قادرة على �إحداث‬ ‫�سلوكات مميزة ميكن قراءتها من طرف املجموعة االجتماعية التي تنتمي �إليها‪ .‬ويف هذا املنحى‬ ‫ميكن �أن نف�سر الأمر املتمثل يف �أن املر�أة عموما هي �أكرث مما َر�سة لل�شعائر الدينية بتعاطيها لل�صوم‬ ‫الإ�ضايف �أكرث من تعاطيها لل�صلوات النوافل‪.‬‬ ‫ي�ضاف �إىل ذلك �أن �صعوبة دخول الن�ساء �إىل الف�ضاء العمومي يلزمهن بالرتكيز على التلفزة لتلقي‬ ‫معلومات دينية ( �أكرث من الرجال)‪ .‬وقد جاءت بع�ض النتائج �أكرث مما نتوقع بل جاءت متناق�ضة؛‬ ‫فروح التقليد واملحافظة التي �أل�صقتها درا�سات �أنرثوبولوجية بالو�ضع الن�سائي‪ ،‬امل�س�ؤولة عن �إعادة‬ ‫�إنتاج النظام واملحافظة على املوروث ت�أكدت يف بع�ض املجاالت‪ ،‬لكن مت تكذيبها يف جماالت‬ ‫�أخرى‪ .‬قدرة املر�أة على التجديد‪ ،‬بل وعلى خرق ما هو �سائد هي �أكرث و�ضوحا يف بع�ض املجاالت‬ ‫التي تواكب حاجتها �إىل التحرر االقت�صادي‪ ,‬وروح املحافظة لديها �أكرث ح�ضورا بالن�سبة لكافة‬ ‫املوا�ضيع التي تعر�ض للخطر النظا َم القائم ب�صفة عامة �أو ت�شكيلة ال�سلطة‪ ،‬ب�صفة خا�صة‪ ،‬حيث‬ ‫يتناف�س و�ضعا الأم واحلماة مع و�ضعي الزوجة �أو البنت‪ .‬وال يبدو �أن االختالط يعر�ض النظام‬ ‫الأخالقي للخطر‪ ،‬و�إن كنا نالحظ نوعا من التفاوت يف قبول ذلك تبعا للأماكن؛ فاملدر�سة التي هي‬ ‫مكان للرتقي االجتماعي واحلفالت اخل�صو�صية التي هي مكان ال�ستعرا�ض النجاح االجتماعي‪،‬‬ ‫ال تطرح م�شاكل والن�ساء متلن �إىل االختالط �أكرث من الرجال‪ ،‬يف حني ن�سجل‪ ،‬بالن�سبة لل�شواطئ‬ ‫التي تعر�ض للخطر �أج�سادا جمردة من حليتها‪ ،‬ترددا �أكرب جتاه هذا االختالط‪ .‬واملر�أة يف جمال‬ ‫املتع الدنيوية �أكرث نزوعا من الرجل �إىل التجديد مع وجود خطر اخلروج عن التقليد الديني‪.‬‬ ‫�إذ �أن الن�ساء ي�ستهلكن عموما �أفالما �أكرث من الرجال حيث ي�شاهدن �أفالما بكرثة �أو من حني‬ ‫لآخر‪ ،‬يف حني �أن قلة من الرجال هم من يقومون بذلك‪ .‬ويف مقابل ذلك ميكن القول �إجماال‪،‬‬ ‫بخ�صو�ص امل�سائل املتعلقة بالت�سامح‪� ،‬أنه يت�ضح �أن الن�ساء �أقل ت�ساحما من الرجال حيث ميثلن‬ ‫‪ % 75‬ممن ال يت�صورون زواج قريب لهم من خطيبة يهودية مقابل ‪ % 67,5‬من الرجال‪ .‬والن�ساء‬ ‫�أي�ضا �أكرث عددا يف عدم قبول فكرة تغيري م�سلم لدينه‪� ،‬إذ ت�صل ن�سبتهن �إىل ‪% 72,9( % 77,5‬‬ ‫بالن�سبة للرجال)‪.‬‬ ‫‪243‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.